You are on page 1of 9

‫مقـدمــة‬

‫يعرف ببعض النماذج المعرفية المعاصرة التي أخذت على عاتقيا إعادة‬ ‫يحاول ىذا العمل أن ّ‬
‫النظر في طبيعة االستعارة ودورىا المعرفي‪ ،‬وبالتالي إعادة دراستيا ومقاربتيا في ضوء األفاار‬
‫الجديدة التي انبثقت مؤخ ار ضمن ما يسمى بالعلم المعرفي‪ ،‬والدائرة حول القضايا المتصلة‬
‫باالنشغال العام ليذا العلم‪ ،‬وباألخص البحث في ال ما يتصل باآلليات التي يعتمد علييا الذىن‬
‫البشري في سبيل ممارسة وظيفتو المعرفية‪ .‬ضمن ىذا اإلطار الواسع نظر إلى االستعارة‬
‫بوصفيا ظاىرة ذىنية تلعب دو ار مرازيا في المعرفة عند الاائن البشري‪ ،‬وأعيد ااتشافيا من‬
‫جديد لتشغل مجاال ىاما من مجاالت البحث بإيالئيا عناية خاصة ضمنيا‪ .‬فاان ىناك اىتمام‬
‫خاص بطبيعتيا في عالقتيا بالذىن والمعرفة البشريين‪ ،‬بشال عام‪ ،‬وفي عالقتيا باإلنتاجات‬
‫اللغوية بوصفيا تحققات تتمظير عنيا بطريقة ما‪.‬‬

‫وألن النظريات تبنى على أنقاض أخرى‪ ،‬فإن العمل يحاول أن يسلط الضوء على التأسيس‬
‫النظري ليذه األفاار المستجدة وتطبيقاتيا على دراسة االستعارة بوصفيا ظاىرة ذىنية يمان أن‬
‫تتمظير لغويا في خطابات متنوعة‪ .‬ىذا التمظير اللغوي يدفع البحث إلى التساؤل عن الايفية‬
‫التي تعاملت بيا النماذج المعرفية التي اخترنا عرضيا مع ىذا النمط من االستخدام اللغوي‪ ،‬ومع‬
‫تلك الخصوصية التي ما فتئت تعزى إلى اللغة المجازية التي يعثر علييا في الخطاب األدبي‬
‫بشال الفت‪ ،‬بوصفو خطابا ارتبط تقليديا بتلك الرؤية التي تراه خطابا متمي از عن غيره من‬
‫الخطابات‪ ،‬من سماتو األساسية امتالك الصور والمجازات واالنزياحات بشال واضح‪ ،‬مقارنة بما‬
‫يمان أن يعثر عليو في لغة خطابات أخرى غير أدبية‪.‬‬

‫وعليو‪ ،‬يبرز أحد أىداف البحث الرئيسية في تقصي المسار الذي سارت عليو بعض أىم‬
‫التنظيرات المعرفية في مقاربة مجازية لغة الخطاب األدبي ودراستيا بالترايز على االستعارة‬
‫بشال خاص‪ ،‬بسبب العناية الخاصة التي أولتيا ليا وانتقاليا بيا إلى ماانة أرفع لم تحظ بيا في‬
‫التنظيرات الاالسياية التي نظرت إلييا بوصفيا أداة لغوية تزيد في المعنى‪ ،‬وال تدخل في بنائو‬
‫إال من ىذا الجانب‪ ،‬فوظيفتيا ثانوية مقارنة بما ىو غير مجازي‪ ،‬في حين نظرت التنظيرات‬
‫المعرفية إلى االستعارة بوصفيا آلية مرازية من آليات التفاير البشري اال‪ ،‬وأوالت إلييا ميمة‬
‫رئيسية في بناء المعنى وفيمو وتأويلو بوصفو نشاطا ذىنيا بين المتخاطبين‪ .‬وعليو يماننا أن‬
‫نقترح ىدفا نيائيا ليذا العمل في سعيو إلى الخروج بنمذجة معرفية لمقاربة االستعارة اما تتجلى‬

‫‪-3-‬‬
‫في الخطاب األدبي من منظور مغاير تماما‪ ،‬ولتاون ىذه النمذجة مدخال لمقاربة معرفية‬
‫لالستعارة األدبية بشال خاص (واللغة المجازية من ورائيا)‪ ،‬واقتراحيا ابديل عن المقاربات‬
‫الاالسياية التي ما تزال مييمنة‪ ،‬برغم قصورىا المالحظ في اثير من األحيان عن اإلحاطة‬
‫بالتعقيدات المتّصلة بمقاربة اإلبداع االستعاري في األدب خاصة‪.‬‬

‫إن الترايز على اإلنتاجات اللغوية (اليومية واألدبية على السواء) جاء ىنا تحقيقا ألىم‬
‫ّ‬
‫األفاار التي تشترك فييا النماذج التي اخترنا عرضيا عبر فصول ىذا العمل‪ ،‬وىي اعتبار‬
‫وتجل الستعارات ذىنية مندرجة خلفيا بوصفيا إحدى اآلليات‬
‫ّ‬ ‫مجرد انعااس‬
‫التعابير االستعارية ّ‬
‫المرازية الشتغال الذىن وأدائو المعرفي عند الاائن البشري‪ .‬ىذه الفارة التي دافعت عنيا‬
‫التأسيسات النظرية المعرفية األولى حول االستعارة واعتبرتيا جوىرية جاءت اردة فعل ضد‬
‫الفارة القديمة الشائعة التي ما تزال سائرة إلى يومنا ىذا والقائلة بأن االستعارة ىي ظاىرة لغوية‬
‫في المقام األول وأداة تجميلية باألساس‪ ،‬ودورىا ثانوي في بناء المعنى وتأويلو‪ ،‬وينبغي النظر‬
‫إلييا ضمن ىذا المستوى بصفة أولية‪.‬‬

‫من بين النظريات المعرفية العديدة التي حاولت مقاربة االستعارة واقتراح نمذجة معرفية ليا‬
‫وقع اختيارنا على ثالث منيا بدت لنا متااملة بدل أن تاون نظريات متنافسة‪ ،‬ىذا التاامل‬
‫والتضافر ىو ما دفعنا إلى استبعاد نظريات أخرى منافسة من مجال الدراسة‪ ،‬برغم أىمية بعضيا‬
‫واشتراايا في المبادئ المعرفية العامة‪ ،‬درءا إلماانية فتح باب النقاش والمقارنة بين األطروحات‬
‫المتصادمة لال واحدة منيا ما سيفضي إلى تغيير وجية البحث نحو وجية أخرى ليس في ّنيتنا‬
‫أن ىدفنا الرئيسي من اختيار ىذا الموضوع ىو اقتراح نموذج ياون وافيا‬
‫الخوض فييا ىنا‪ ،‬ذلك ّ‬
‫واافيا ما أمان لمقاربة معرفية أاثر دقة إلبداعية االستعارة في الخطابات عموما والخطاب‬
‫األدبي بشال خاص‪.‬‬

‫يستمد وجوده من ىذه المصادر الثالث‪ ،‬أي ىذه النماذج‬


‫ّ‬ ‫ىذا النموذج الذي نسعى إلى بنائو‬
‫أن تعقيد االستعارة وابداعيا اما يتحقّق في الخطاب األدبي‬
‫المتااملة في نظرنا‪ ،‬فقد الحظنا ّ‬
‫متعددة بدل أن تاون نمذجة أحادية‬
‫يتطلّب تضافر أاثر من نموذج‪ ،‬أو لنقل ّإنو يتطلب نمذجة ّ‬
‫الجانب‪ .‬وىاذا وقع اختيارنا على النماذج المقترحة من بين نماذج معرفية أخرى على أساس‬
‫تاامليا وتضافرىا بدل تنافسيا وتصادميا الناتج عن اختالفيا في تفسير طبيعة االستعارة في‬
‫مستويييا التصوري واللغوي‪ ،‬وما يتعلق بإنتاجيا من ظروف محيطة‪ ،‬وتقديم البراىين والحجج‬

‫‪-4-‬‬
‫المفندة لوجية نظر الطرف اآلخر‪.‬‬
‫المثبتة لوجية النظر المقترحة و ّ‬

‫على ىذا األساس اخترنا أن نقترح نموذجا ياون مبنيا على النماذج النظرية التالية‪:‬‬

‫‪ -‬نظرية االستعارة التصورية‪ :‬لجورج الياوف‪ ،‬ومارك جونسون‪.‬‬


‫‪ -‬نظرية المزج (أو اإلدماج) التصوري‪ :‬لجيل فواونيي‪ ،‬ومارك تورنر‪.‬‬
‫‪ -‬النظرية السيميائية المعرفية‪ :‬لبير آج براندت‪ ،‬ولين براندت‪.‬‬

‫خصصنا أحدىما‬‫ضم ال فصل مبحثين ّ‬ ‫خصصنا لال نموذج فصال على حدة‪ّ ،‬‬ ‫وىاذا ّ‬
‫للخلفية النظرية لال نموذج‪ ،‬ومقترحاتو وأطروحاتو بخصوص مقاربة ظاىرة االستعارة عامة‪.‬‬
‫خصصنا المبحث الثاني لتطبيق النظرية على الخطابات األدبية بشال عام‪ ،‬فجاءت فصول‬‫و ّ‬
‫الدراسة ومباحثيا اما يلي‪:‬‬

‫الفصل األول‪ :‬نظرية االستعارة التصورية‪.‬‬


‫المبحث األول‪ :‬االستعارة التصورية‪ :‬استيالل وتحديدات‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬نظرية االستعارة التصورية والخطاب األدبي‪.‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬االستعارة والمزج التصوري‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬المزج التصوري‪ :‬تحديدات ومظاىر‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المزج التصوري وابداعية االستعارة في األدب‪.‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬االستعارة بين الداللة والتداول‪.‬‬
‫المبحث األول‪ :‬االستعارة والداللة المعرفية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬السيميائيات المعرفية وتداولية االستعارة‪.‬‬

‫ىذه الفصول والمباحث التي ارتأينا ترتيبيا وفق ىذه المنيجية الوصفية جاءت موافقة‬
‫لالعتبار الزمني للظيور المتالحق ليذه النظريات بين سنوات الثمانينيات (أو قبليا بقليل)‬
‫والتسعينيات من القرن العشرين وصوال إلى بدايات األلفية الجديدة‪ ،‬اما ّأنيا جاءت موافقة لسمة‬
‫التاامل التي الحظناىا في العالقة الرابطة بينيا‪ ،‬وىذا ما سنقف عليو حين نورد تصريحات‬
‫أصحابيا عن دوافع إعادة النظر في التنظيرات السابقة عنيا‪ ،‬وما اقترحتو من أطروحات‬
‫وافتراضات حول االستعارة وما يرتبط بيا من مسائل‪.‬‬

‫وقد رأينا أن نميّد لفصول البحث بمدخل عام ألجل التفصيل في منطلقات تلك األفاار‬

‫‪-5-‬‬
‫الجديدة والثورية حول ظاىرة االستعارة‪ ،‬وتحديد اإلطار العام والخاص النبثاقيا‪ ،‬فاان حديثنا عن‬
‫إطار عاما‪ ،‬وعن الداللة المعرفية واللسانيات المعرفية من ورائيا اإطارين‬
‫ا‬ ‫العلم المعرفي بوصفو‬
‫خاص ين‪ ،‬تطورت في رحابيما عدة نظريات معرفية قاربت االستعارة بشال مختلف تماما عن‬ ‫ّ‬
‫المقاربات الاالسياية‪ .‬حاولنا في ىذا المدخل تحديد مفيوم أو مصطلح "معرفة" ارتباطا بمشروع‬
‫عرجنا على التفصيل في ىذا العلم‬
‫متعدد التخصصات‪ .‬ثم ّ‬
‫ّ‬ ‫العلم المعرفي بوصفو مجاال بحثيا‬
‫المستجد‪ ،‬وايراد بعض التحديدات الخاصة بو وبالتخصصات العلمية التي ينطوي علييا‪ .‬واان‬
‫ترايزنا على الفرع المعرفي المتّصل أاثر بمبحث االستعارة‪ ،‬أي "اللسانيات المعرفية" واعتبرنا ما‬
‫سمي بالجيل الثاني منيا الذي برز في منتصف سبعينيات القرن الماضي‪ ،‬وازدىر في سنوات‬
‫الثمانينيات‪ ،‬قد ش ّال محضنا النبثاق األفاار الجديدة حول االستعارة‪ ،‬وبخاصة األفاار القائلة‬
‫بتصوريتيا‪ ،‬وبدور الجسد في المعرفة وفي تأسيس النسق التصوري للاائن البشري‪ ،‬ىذا النسق‬
‫الموجو للسلوك اللغوي وغير‬
‫ّ‬ ‫الذي اعتبر ذا طبيعة استعارية في جزء ابير منو‪ ،‬ولما اان ىو‬
‫اللغوي فإن الطبيعة االستعارية لو تنعاس بدورىا على ىذه السلواات البشرية بشال طبيعي‪.‬‬

‫إطار‬
‫ا‬ ‫وبخصوص المعنى اللغوي مثّلت الداللة المعرفية ضمن اإلطار اللساني المعرفي‬
‫مناسبا لمقاربة المعنى االستعاري (أو المجازي بصفة عامة)‪ ،‬فبعدما استبعدتو المقاربات اللسانية‬
‫الاالسياية عن الدراسة الداللية‪ ،‬باعتباره معنى ثانويا غير مباشر ينحصر دوره في المبالغة‬
‫والتزيين ال غير‪ ،‬وىو ااذب إذا ما قورن بالمعنى الحرفي الموضوعي‪ ،‬أعادتو الداللة المعرفية‬
‫إلى صميم دراسة المعنى‪ ،‬واعتبرت االستعارة إحدى الوسائل المعرفية المرازية التي ال يستغنى‬
‫عنيا لفيم العالم وفيم أنفسنا‪ ،‬واعطاء معنى لما يدور حولنا وداخلنا‪ ،‬بل إنيا تسيم في إبداع‬
‫معاني وحقائق جديدة بصفة طبيعية‪.‬‬

‫لقد اعتبرنا نظرية االستعارة التصورية التي تنسب إلى اللساني المعرفي جورج الياوف‬
‫(وآخرين) نظرية تأسيسية للتنظير المعرفي لالستعارة‪ ،‬نظ ار لبزوغيا المبار مع إصدار اتاب‬
‫"االستعارات التي نحيا بيا" لجورج الياوف ومارك جونسون (‪ ،)0891‬وىي من النظريات‬
‫ماملة ليا أو منافسة‪ ،‬والّيا تنيل من األفاار‬
‫المبارة التي استتبعتيا نظريات معرفية عديدة ّ‬
‫الجديدة حول االستعارة بوصفيا ظاىرة ذىنية قبل أن تاون ظاىرة لغوية‪.‬‬

‫وسوف نقف في الفصل األول المعنون ب"نظرية االستعارة التصورية" على أىم األفاار التي‬
‫اقترحيا منظروىا‪ ،‬وبخاصة ما أورده الياوف وجونسون في اتابيما التأسيسي المشار إليو‪ .‬وىو‬

‫‪-6-‬‬
‫نقدم قراءة عامة ألىم‬
‫الاتاب الذي حاولنا عرضو في حيز ىام من المبحث األول‪ ،‬وحاولنا أن ّ‬
‫أفااره ما دام يمثل عمال نواتيا ومصد ار رئيسيا للتنظير المعرفي لالستعارة‪ ،‬ومليما لباحثين‬
‫آخرين فيما تال من دراسات‪.‬‬

‫بعد ىذه النظرة العامة حول أفاار الاتاب‪ ،‬خاصة تلك المتصلة بطبيعة النسق التصوري‬
‫البشري وىيمنة االستعارة على جانب ابير منو‪ ،‬حاولنا تحديد المصطلحات األساسية المرتبطة‬
‫بنظرية االستعارة التصورية‪ ،‬وتحديدا مفيوم االستعارة التصورية نفسيا‪ ،‬والبراىين التي اعتمدىا‬
‫أصحاب النظرية على وجودىا‪ ،‬من خالل تحقّقيا في اللغة وفي السلوك البشري غير اللغوي‪.‬‬
‫لنعرج بعد ذلك على المفاىيم الجديدة التي برزت مع التطويرات التي لحقت بيذه النظرية‪ ،‬والتي‬
‫ّ‬
‫أسيمت اليا في تدعيم أطروحاتيا بطريقة نسقية ومنسجمة‪.‬‬

‫اعتبرنا المبحث األول المعنون ب"نظرية االستعارة التصورية‪ :‬استيالل وتحديدات" اتوطئة لما‬
‫يليو من مبحث تطبيقي خصصناه للايفية التي قاربت بيا نظرية االستعارة التصورية االستعارة‬
‫في األدب‪ ،‬وبعد عرض مقترحات جورج الياوف ومارك تورنر حول االستعارة الشعرية بشال‬
‫وجيت لمقاربتيما‪ ،‬والنقائص التي لوحظت علييا‪ ،‬وبخاصة ما‬ ‫خاص‪ ،‬أوردنا االنتقادات التي ّ‬
‫ارتبط باالستعارة الجديدة المبدعة‪ ،‬التي لم يوليا نموذج الياوف واآلخرون العناية الخاصة بيا‪،‬‬
‫أن ما تم اقتراحو لم يان اافيا أو مقنعا أمام تعقيد االستعارات المبدعة‪ ،‬وىي التي تعد إحدى‬
‫أو ّ‬
‫المظاىر الجلية في األدب عموما وفي الشعر بشال خاص‪.‬‬

‫ىذا الوضع اان دافعا لنا القتراح نموذج معرفي آخر بدا لنا أاثر مالءمة وفعالية في مقاربة‬
‫سماه فواونيي وتورنر (شريك الياوف السابق)‬
‫اإلبداع البشري في عمومو‪ ،‬وىو النموذج الذي ّ‬
‫ب"نظرية المزج التصوري"‪ ،‬التي قامت على األسس نفسيا التي قامت علييا نظرية االستعارة‬
‫لانيا‬
‫التصورية‪ ،‬في اعتبار االستعارة ظاىرة ذىنية‪ ،‬تقوم على إسقاطات وترابطات ذىنية‪ّ ،‬‬
‫وتجسد ىذه الترابطات‪ ،‬فبينما يرّاز النموذج‬
‫ّ‬ ‫تختلف عنيا في طريقة تمثيليا الشتغال ىذه اآللية‬
‫المترسخة فيو‪ ،‬وجدنا‬
‫ّ‬ ‫األول على الطابع الثابت للنسق التصوري وعلى الترابطات عبر المجاالت‬
‫نموذج فواونيي وتورنر منشغال بالسمة الدينامية ليذا النسق بالترايز على ما يسمى بالفضاءات‬
‫الذىنية المبنية آنيا وما يحصل بينيا من امتزاجات آنية وفورية‪ ،‬ما جعلو يولي عناية أولية‬
‫للمعاني الجديدة المستحدثة‪ ،‬أي تلك المنتجة اإبداعات آنية أثناء التخاطب‪ .‬وعلى العموم توجد‬
‫يتفرد‬
‫ثمة اختالفات أساسية عديدة ىي التي منحت تمي از ليذا النموذج المغاير‪ ،‬وجعلتو ّ‬

‫‪-7-‬‬
‫بأفضليات في تحليل االستعارة في األدب وغير األدب بشال أاثر دقة‪.‬‬

‫تميز النموذج المزجي إال أنو بدا لنا اشأن النموذج األول ميمال‬
‫ورغم ىذه األفضليات التي ّ‬
‫ميم من جوانب إنتاج االستعارة وفيميا وتأويليا‪ ،‬يتعلّق األمر بالجانب التداولي والظروف‬
‫لجانب ّ‬
‫ىم فواونيي وتورنر انحصر في إثبات اآلليات‬
‫المحيطة بالمتخاطبين وانتاجيم للخطاب‪ .‬ذلك أن ّ‬
‫التصورية المسؤولة عن اإلبداع عند البشر‪ ،‬أو الطريقة التي يفارون ويبدعون بيا أفاارىم‪،‬‬
‫بمعنى ترايزىما على المستوى الذىني التصوري الداخلي اشأن النموذج األول‪ ،‬في مقابل إىمال‬
‫خصيصة التجلّي اللغوي ليذه اآلليات المعرفية الماتشفة ومنيا اآللية االستعارية‪ ،‬وما يؤثر في‬
‫ّ‬
‫طبيعة ىذا التجلي من ظروف وسياقات محيطة‪.‬‬

‫حتّم علينا ىذا الوضع أيضا البحث عن نموذج ثالث ييتم بتداولية االستعارة‪ ،‬أو بدراسة‬
‫المعنى االستعاري في سياقو التواصلي األرحب‪ ،‬بأخذ الظروف المحيطة بإنتاجو وتأويلو بعين‬
‫االعتبار‪ .‬وتوجو تفايرنا إلى االعتماد على الداللة المعرفية التي وجدناىا تتبنى أطروحة المعنى‬
‫بأىمية السياقات المختلفة في‬
‫ّ‬ ‫الموسوعي‪ ،‬وأن ليس ثمة تمييز صارم بين الداللة والتداول‪ ،‬وقوليا‬
‫تحديد وتعيين المعنى الذي تستحثّو التعابير اللغوية في ذىن السامع والمتالم‪ ،‬سواء تلفظ بيا‬
‫قدمتو الداللة المعرفية ارتبط أاثر‬
‫أن ما ّ‬
‫بطريقة مجازية أو بطريقة حرفية‪ .‬غير ّأننا الحظنا ّ‬
‫بداللة الجمل والتعابير والبرىنة على أطروحاتيا في اإلطار الداللي المحض دون عناية واضحة‬
‫نعزز ىذا الطرح بأطروحات‬‫بدور السياق والظروف المحيطة بإنتاجيا وتأويليا‪ ،‬لذلك اقترحنا أن ّ‬
‫فرع معرفي متأخر في الظيور ييتم بالجانب التداولي أاثر‪ ،‬فاانت "السيميائيات المعرفية"‬
‫بوصفيا فرعا معرفيا مالئما لذلك‪ .‬وىو النموذج الذي ارتبط بالباحثين السيميائيين بير آج‬
‫براندت‪ ،‬ولين براندت‪ ،‬اللذين اقترحاه انموذج للتحليل يقوم على نقد النموذجين السابقين أي‬
‫نظرية االستعارة التصورية ونظرية المزج التصوري‪ ،‬ومقترحا تعديالت ىامة أدخليا الباحثان على‬
‫نموذج فواونيي وتورنر بشال خاص‪ ،‬فخرجا بنموذج خاص بيما‪ ،‬من أىم سماتو الترايز على‬
‫المقام التواصلي للمتخاطبين والسياقات االجتماعية والثقافية أين تبرز التعابير االستعارية‪،‬‬
‫وتحليل المعنى المتداول والمبلّغ في عالقتو بيم جميعا‪ .‬وسوف نقف في المبحث الثاني من‬
‫قدمو النموذج السيميائي المعرفي بما اقترحو صاحباه من‬
‫جدية الطرح الذي ّ‬
‫الفصل الثالث على ّ‬
‫طريقة تبدو أاثر فعالية في تحليل االستعارة في الخطاب اليومي‪ ،‬وفي الخطاب األدبي على‬
‫تبنيو من أجل‬
‫السواء‪ ،‬وىو ما يمان اعتباره مقارنة بالطرحين السابقين‪ ،‬من أفضل ما يمان ّ‬
‫مقاربة أمثل لالستعارة مقارنة بالمقاربات المعرفية السابقة‪ .‬ذلك أنو استفاد من نقائصيا وزاد‬

‫‪-8-‬‬
‫وعدل‪ ،‬وىو فوق ذلك عبارة عن مشروع معرفي قد ياون بحاجة إلى تدعيم إضافي ألجل‬
‫علييا ّ‬
‫تفعيلو في التطبيق بشال أفضل‪.‬‬

‫ىذه باختصار المحطات الرئيسية التي سنقف عندىا على مدار صفحات ىذا العمل الذي‬
‫اقتصر فيو جيدنا بشال أساسي على التعريف باألفاار الجديدة المتصلة بدراسة االستعارة من‬
‫منظور معرفي من خالل النماذج الثالثة المقترحة‪ ،‬ومحاولة التوليف فيما بينيا ألجل الخروج‬
‫بنموذج أاثر دقة لمقاربة اإلبداع اللغوي االستعاري‪ .‬واان اعتمادنا الالي في الوقوف على ىذه‬
‫األفاار المستجدة على المراجع األصلية ألصحابيا‪ ،‬وقد واجيتنا في سبيل ذلك صعوبة الوصول‬
‫إلى المطبوع منيا لعدم توفرىا في الماتبات‪ ،‬ولوال ما عثرنا عليو من اتب ومقاالت الاترونية‬
‫المحدد على األقل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫معروضة للتحميل على شباة االنترنت‪ ،‬الستحال إنجاز ىذا العمل في وقتو‬
‫بسبب اونيا مراجع أساسية ال غنى عنيا‪.‬‬

‫أن أغلبيا مؤلف باللغة األصلية‬ ‫وما زاد من عبء التعامل مع ىذه المراجع األساسية ّ‬
‫ألصحابيا (اللغة االنجليزية تحديدا)‪ ،‬ما مثّل لنا عبئا إضافيا في نقل محتواىا إلى اللغة العربية‪،‬‬
‫ويبقى اتاب الياوف وجونسون "االستعارات التي نحيا بيا"‪ ،‬وغيره قليل‪ ،‬االستثناء الوحيد في‬
‫اعتقادنا‪ ،‬الذي حظي بترجمة إلى اللغة العربية‪ ،‬ما يعني عدم وجود اىتمام جدي بيذا النوع من‬
‫الدراسات المعرفية –رغم أىميتيا‪ -‬في منطقتنا العربية‪.‬‬

‫المؤسسة‪ ،‬ناىيك‬
‫ّ‬ ‫لقد اضطررنا أمام ىذا النقص في التعريف بمثل ىذه الدراسات المعرفية‬
‫عن ترجمتيا‪ ،‬أن اعتمدنا على جيدنا الخاص في اختيار المقابالت العربية المالئمة لاثير من‬
‫المصطلحات المرتبطة بمجال البحث‪ ،‬بعد استنفاذ البحث فيما تمت ترجمتو إلى اللغة العربية‬
‫وانا‬
‫من اتب ومنشورات قليلة جدا‪ .‬وعلى العموم فقد انا حذرين في التعامل مع المصطلحات ّ‬
‫نراعي دائما اختيار المقابل الشائع‪ ،‬عوض اقتراح مقابالت مستجدة غير متداولة من شأنيا أن‬
‫تعقّد المفيوم أو المصطلح أاثر (مثل اختيارنا "معرفة" بدل "عرفنة" اما اقترحيا بعض‬
‫جمة في ترجمة اثير من المصطلحات التي وجدناىا‬
‫الباحثين)‪ .‬ورغم ذلك فقد جابيتنا صعوبات ّ‬
‫ترد للمرة األولى وبخاصة في األعمال المعرفية المتأخرة‪ ،‬فلم يان من سبيل إال االعتماد على‬
‫معناىا الحرفي أو ما ياون قريبا منو‪ ،‬بمراعاة السياق المعرفي العام الواردة فيو‪ .‬لذلك فإن ما‬
‫اقترحناه من مقابالت لبعض المصطلحات يبقى مجرد اجتياد شخصي ال مناص منو‪.‬‬

‫إضافة إلى صعوبة ترجمة المصطلحات واجيتنا أيضا صعوبة ترجمة النصوص األدبية‬

‫‪-9-‬‬
‫وخاصة النصوص الشعرية منيا‪ ،‬وانا نضطر في اثير من األحيان حينما اانت تعوزنا ترجمات‬
‫أن األمثلة‬
‫منشورة إلى االاتفاء بترجمتيا دون مراعاة لوزن أو قافية أو موسيقى‪ ،‬على اعتبار ّ‬
‫ولاننا انا‬
‫توضحو بالوزن أو القافية‪ّ ،‬‬
‫مجرد شواىد توضيحية ال عالقة لما ّ‬‫الشعرية الواردة اانت ّ‬
‫وفنيا بقدر المستطاع‪.‬‬
‫نراعي اختيار األلفاظ والعبارات التي نرى أنيا األنسب جماليا ّ‬

‫وفي الختام‪ ،‬ختمنا ما تم عرضو في فصول العمل بما أماننا التوصل إليو من نتائج عامة‬
‫تيم مجال البحث‪ ،‬واليدف األساسي الذي سعينا إليو من وراء تجشم عناء إنجازه‪.‬‬
‫ّ‬

‫صص المات لشار ال من أسيم في إتمام ىذا العمل الذي‬ ‫ال يفوتني في األخير أن أخ ّ‬
‫بدأناه باقتراح من األستاذ بوجمعة شتوان بقسم اللغة العربية وآدابيا بجامعة تيزي وزو‪ ،‬الذي‬
‫تفضلو بقبول اإلشراف عليو‪ ،‬وعلى المبادرة بالنصح والتوجيو والمتابعة المستمرة‪ .‬اما‬
‫أشاره على ّ‬
‫ال يفوتني أن أوجو شاري الخالص إلى ال من أسيم في إرشادي ومساعدتي ولو بالالمة‬
‫أخص بالذار األستاذ شمس الدين شرقي الذي اان لو فضل مساعدتي في التعرف‬ ‫الطيبة‪ .‬و ّ‬
‫ّ‬
‫على خفايا الوصول إلى المعلومات والمواقع االلاترونية من خالل شباة المعلومات العالمية‬
‫(االنترنت) التي اان ليا دور بارز في اختصار الاثير من الوقت والجيد‪ ،‬وفي ىذا دعوة إلى‬
‫التقيد طبعا بأبجديات البحث العلمي المتعارف‬
‫ضرورة االستفادة من ىذه الوسيلة ما أمان‪ ،‬مع ّ‬
‫ليقوم‬
‫ليصحح خطأ أو ّ‬
‫ّ‬ ‫علييا‪ .‬اما أوجو خالص شاري إلى ال من خطّ على ىذه األوراق بقلمو‬
‫ممن يفضلني علما ودرجات‪ ،‬وفوق ال‬
‫اعوجاجا‪ ،‬وام أخاليا اثيرة‪ ،‬والى ال معقّب أو منتقد ّ‬
‫ذي علم عليم‪ .‬والحمد هلل آخرا‪.‬‬

‫الباحث‪ /‬جامعة تيزي وزو‪ :‬نوفمبر ‪3122‬‬

‫‪- 10 -‬‬

You might also like