‫كشفت الدراس ة المنهجي ة لعلم النفس الجم اعي للطالب عن إمكان ات الحكوم ة غ ير المرئي ة للمجتم ع من‬

‫خالل التالعب بالدوافع التي تحرك اإلنسان في المجموعة‪ .‬أثبت تروتر ولوبون ‪ ،‬اللذان تناوال الموضوع‬
‫بطريقة علمية ‪ ،‬وغراهام واالس ووالتر ليبمان وآخ رون ممن واص لوا البحث عن عق ل المجموع ة ‪ ،‬أن‬
‫المجموعة لها خصائص عقلية متميزة عن تلك الخاص ة ب الفرد ‪ ،‬وتحفزه ا ال دوافع‪ .‬والعواط ف ال تي ال‬
‫يمكن تفسيرها على أساس ما نعرفه عن علم النفس الفردي‪ .‬لذلك نشأ السؤال بشكل طبيعي‪ :‬إذا فهمنا آلية‬
‫ودواف ع عق ل المجموع ة ‪ ،‬أليس من الممكن التحكم في الجم اهير وتنظيمه ا وف ًق ا إلرادتن ا دون علمهم‬
‫بذلك؟)ص ‪) propaganda.47‬‬

‫لقد أثبتت الممارسة الدعائية الحديثة أن ذلك ممكن ‪ ،‬على األقل حتى نقط ة معين ة وض من ح دود معين ة‪.‬‬
‫علم النفس الجماعي بعيد كل البعد عن كونه علمًا دقي ًقا ‪ ،‬ولم يتم الكشف عن أس رار ال دافع البش ري ب أي‬
‫حال من األحوال‪ .‬لكن النظرية والتطبيق على األقل قد اجتمعا مع النجاح الكافي للس ماح لن ا بمعرف ة أن ه‬
‫في حاالت معينة يمكننا إحداث بعض التغيير في الرأي الع ام بدرج ة معقول ة من الدق ة من خالل تش غيل‬
‫آلية معينة ‪ ،‬تمامًا كما يمكن للسائق تنظيم سرعة سيارته‪ .‬السيارة عن طريق التالعب بتدفق البنزين‪.‬‬

‫إن الدعاية ليست علمًا بالمعنى المخبري ‪ ،‬لكنها لم تعد تمامًا شأ ًنا تجريبيًا كان عليه قبل ظه ور دراس ة‬
‫علم النفس الجماعي‪ .‬أصبح اآلن علميًا بمعنى أنه يسعى إلى تأسيس عملياته على معرف ة مح ددة مس تمدة‬
‫من المالحظة المباشرة لعقل المجموعة ‪ ،‬وعلى تطبيق المبادئ التي ثبت أنها متسقة وثابتة نسبيًا‬

‫يدرس الداعي الحديث بشكل منهجي وموضوعي المادة التي يعمل بها بروح المختبر‪ .‬إذا كان األمر قي د‬
‫البحث عبارة عن حملة مبيعات على مستوى الدولة ‪ ،‬فإن ه ي درس المج ال عن طري ق خدم ة القط ع ‪ ،‬أو‬
‫فيلق من الكش افة ‪ ،‬أو عن طري ق الدراس ة الشخص ية في مك ان حاس م يح دده ‪ ،‬على س بيل المث ال ‪ ،‬أي‬
‫ميزات المنتج تفقد جاذبيتها العامة ‪ ،‬وفي أي اتجاه جديد ينحرف الذوق العام‪ .‬لن يتوانى عن التحقيق إلى‬
‫أي مدى تكون للزوجة الكلمة الفصل في اختيار سيارة زوجها ‪ ،‬أو بدالته وقمصانه‪page48.‬‬

‫الدعاي ة ‪ ،‬مث ل االقتص اد وعلم االجتم اع ‪ ،‬ال يمكن أب ًدا أن تك ون عل ًم ا دقي ًق ا ألن موض وعها ‪ ،‬مث ل‬
‫موضوعهم ‪ ،‬يتعامل مع البشر‪49.‬‬

‫إذا كان بإمكانك التأثير على القادة ‪ ،‬إما بتع اونهم ال واعي أو بدون ه ‪ ،‬فإن ك ت ؤثر تلقائ ًي ا على المجموع ة‬
‫التي يسيطرون عليها‪ .‬لكن الرجال ال يحتاجون إلى أن يجتمعوا معً ا في اجتماع ع ام أو في أعم ال ش غب‬
‫في الشوارع ‪ ،‬لكي يخض عوا لت أثيرات علم النفس الجم اعي‪ .‬ألن الرج ل بطبيعت ه اجتم اعي يش عر بأن ه‬
‫وحيدا في غرفته والستائر مسدودة‪ .‬يحتفظ عقله باألنماط التي طبعت‬ ‫ً‬ ‫عضو في قطيع ‪ ،‬حتى عندما يكون‬
‫عليها تأثيرات المجموعة‪.‬‬

‫رجل يجلس في مكتبه ليقرر األسهم التي يجب شراؤها‪ .‬إنه يتخيل ‪ ،‬بال شك ‪ ،‬أنه يخطط لمشترياته وف ًق ا‬
‫لتقديره الخاص‪ .‬في الواقع ‪ ،‬فإن حكمه هو مزيج من االنطباعات التي طبعها في ذهنه م ؤثرات خارجي ة‬
‫تتحكم دون وعي في فكره‪ .‬يشتري سكة حديدية معينة ألنها ك انت في العن اوين الرئيس ية ب األمس ‪ ،‬ومن‬
‫ثم فهي التي تأتي بشكل بارز في ذهنه ؛ ألنه يتذكر بسرور عشا ًء ً‬
‫جيدا في أحد قطاراته ا الس ريعة ؛ ألن‬
‫لديها سياسة عمل ليبرالية ‪ ،‬وسمعة الصدق ؛ ألنه قيل له أن جي بي مورجان تمتلك بعض أسهمها‪.‬‬
‫خلص تروتر ولوبون إلى أن عق ل المجموع ة ال يفك ر ب المعنى ال دقيق للكلم ة‪ .‬ب دالً من األفك ار ‪ ،‬ل ديها‬
‫دوافع وعادات وعواطف‪ .‬في اتخاذ قراره ‪ ،‬يكون الدافع األول عاد ًة هو اتباع مثال القائد الموثوق به‪.‬‬
‫ه ذا ه و أح د مب ادئ علم النفس الجم اعي األك ثر رس ً‬
‫وخا‪ .‬إن ه يعم ل على ترس يخ المكان ة الص اعدة أو‬
‫المتناقصة لمنتجع صيفي ‪ ،‬في التسبب في تهافت على أح د البن وك ‪ ،‬أو ال ذعر في البورص ة ‪ ،‬أو إنش اء‬
‫أفضل بائع ‪ ،‬أو نجاح في شباك التذاكر‪.‬‬