Professional Documents
Culture Documents
Syrian Crisis
Syrian Crisis
الجذور واآلفاق
دار الفارابي
الكتاب :األزمة السورية الجذور واآلفاق
حوار مع د .قدري جميل
حاوره :مهند دليقان
مراجعة وتحرير :حسين سويطي
الغالف :فوتوغراف وتصميم زينا جميل (صورة من دمشق القديمة)
اإلخراج والتحضير الطباعي :دار الطليعة الجديدة -دمشق
األزمة السورية
الجذور واآلفاق
حوار
هذا الكتاب
ال توجد حقيقة بسيطة؛ الحقيقة دائم ًا مركبة ،وبلوغها نضال شاق ومستمر.
لكنها الطريق الوحيدة لتغيير الواقع تغيير ًا جذري ًا ،ألنه «ينتصر في نهاية
المطاف ،من ينتصر معرفي ًا».
في هذا الكتاب ،لن يجد القارئ الصورة النمطية للنظام السوري ،وال
الصورة النمطية للمعارضة السورية ،وال أي ًا من الصور النمطية لالصطفافات
الدولية واإلقليمية .وبكلمة واحدة :لن يجد القارئ أي ًا من الحقائق البسيطة؛
ألنّ ال وجود لحقائقَ بسيطة.
يغطي الكتاب-الحوار أمد ًا زمني ًا يمتد عميق ًا في التاريخ السوري الحديث
متخذ ًا من العام 1958نقطة انطالقه ،ومركز ًا على الفترة من 2005وصو ًال إلى
يومنا الراهن ،ومنه نحو المستقبل .يمحص النظر في الماضي خدمة للحاضر
والمستقبل ،للبحث عن جذور المشكالت الكبرى التي تراكمت وصو ًال إلى
انفجار ،2011والتي ال يمكن لسورية المضي قدم ًا دون اقتالعها ،من الجذور...
وفي دراسة الكتاب للخصوصية السورية ،ماضي ًا وحاضر ًا واستشراف ًا
للمستقبل ،يبقى الربط معقود ًا بين تلك الخصوصية وبين تطورات العالم بأسره؛
بينها وبين تطورات الصراع الدولي والتوازنات الدولية ،خطوة بخطوة ،وعلى
الجملة أيض ًا :أي أنّ القرن العشرين بأسره ،في سورية وفي العالم أجمع ،يظهر
وفي خلفيته تكثيف لمجمل تطور الحركة الثورية العالمية ابتداء من الثورة
الفرنسية ،ومرور ًا بكومونة باريس وبالثورة البلشفية وبالحربين العالميتين
وباألشكال الجديدة للحرب المركبة ،وظهور حركة التحرر الوطني ،والتحوالت
من االستعمار القديم إلى الحديث وصو ًال إلى الشكل الجديد من االستعمار.
5
ال يخفي الحوار نهائي ًا استناد د .قدري جميل في كل قراءاته إلى األساس
الماركسي -اللينيني الصلب ،بل يعيد التأكيد عليه مرار ًا مؤكد ًا صحته وقدرته
الفائقة على التنبؤ العلمي .ولعل مالحق هذا الكتاب ،وبينها مقتطفات من تقارير
حزبية لحزب اإلرادة الشعبية يوم كان «اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين
السوريين»، ،ودراسات اقتصادية وسياسية للدكتور جميل نفسه ،تشكل دلي ًال
ملموس ًا ،بما حوته من نبوءات علمية باتت حقائق ،تشكل دلي ًال دامغ ًا على
صحة وقوة هذا األساس المعرفي.
تتداخل ضمن الحوار األسس الفلسفية مع األسس الفكرية واأليديولوجية
والسياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ،وبغير تداخل بهذه الدرجة
من التعقيد ،ال أمل في الوصول إلى شيء من الحقيقة؛ الحقيقة المركبة التي ال
مناص من الوقوف على منصتها لتحقيق التغيير الجذري الشامل المطلوب،
والذي يستنتج الكتاب أنه قد بدأ فع ًال ،وأنه عملية تاريخية حاملها المادي
هو الحركة الشعبية التي لم تتوقف وإنْ كان ذلك هو ظاهر األمور ،بل هي
مستمرة في سيرها المتعاظم اتساع ًا وعمق ًا وتنظيم ًا ونضج ًا ،في سورية وفي
العالم ،وصو ًال إلى صياغة جديدة لكليهما!
6
الفصل األول
الجذور
7
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ثورة-مؤامرة-أزمة؟؟
تحويل الوضع الثوري إلى ثورة .لكن ،إذا كان العامل الذاتي غير جاهز لتحويل
الوضع الثوري إلى ثورة ،فإنه في ظ ّل الهزة العميقة التي تطيح بكل البنى
السابقة فعلي ًا؛ بنى الدولة وبنى المجتمع السياسية ،تنشأ خطورة حالة فراغ
يمكن أن تؤدي إلى العودة إلى الوراء .لذلك ،فإنّ الوضع الثوري هو مخاطرة
مفروضة موضوعي ًا ،واألحزاب الجدية عليها أن تكون جاهزة لمالقاة الوضع
الثوري عندما يأتي ،ألنه إذا أتى ولم تكن مستعدة الستقباله ،فإن االتجاهات
العفوية للتطور ستتحكم به ،وهنا يصبح تحول الوضع الثوري إلى ثورة
مضادة رجعية معادِ ًال الحتمال تحوله إلى ثورة تقدمية بالمعنى االجتماعي
االقتصادي والسياسي.
ينتقدنا البعض ألننا نقول «أزمة» ...ما يهمني هو التشخيص العلمي
عال ،ومن حيث المظهر الصحيح .ال يمكن ألحد أن ينكر وجود نشاط سياسي ٍ
فإنّه كان مفاجئ ًا لكثيرين ،لكنّ الحقيقة أنه نتاج تراكم امتد عشرات السنين،
من كتم الحريات السياسية ومنعها من التطور ،لذلك خرجت األمور بالشكل
الذي رأيناه حيث النقيصة األساسية هي أن الحركة الشعبية ،قد انطلقت بهذا
الشكل العفوي لعدم وجود حركة سياسية تقود ،ذلك أن كل الحركات السياسية
التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية واالستقالل في سورية كانت قد عُ ّلبت
وجرى خصيها من قبل النظام السياسي الممتد منذ العام ،1958وليس ذلك
مستغرَب ًا فهذه سِمة من سمات تركيبة هذه المنظومة.
لهذا لم تكن هناك قيادة للحراك الشعبي ،وما ظهر هي قيادات عفوية
للموجة األولى السلمية االحتجاجية ،وهذه الموجة وقياداتها العفوية لم تكن
تريد رفعَ السالح ،أما كيف وصلت األمور الى المواجهة بالسالح وكيف دُفعت
لذلك ،فتلك قضية أخرى ...ما جرى فعلي ًا هو عملية تطويق للعناصر السلمية
من عدة قوى ،من الداخل ومن الخارج.
لماذا نقول «أزمة»؟ األزمة في الصين تكتب بهيروغليفين (رمزين) ،الرمز
األول يعني (كارثة) ،والرمز الثاني يعني (فرصة) ،أي أنّ األزمة هي كارثة من
جهة وهي فرصة من جهة ثانية ،وفي الوقت نفسه؛ في حال لم يتم حل األزمة
| ةمزأ-ةرماؤم-ةروث 10
األزمة السورية الجذور واآلفاق
نكون أمام الكارثة ،وفي حال حُ َّلت األزمة ذهبنا نحو فرصة جديدة ،لذلك ليس
معيب ًا الحديث عن أزمة ،وليس نقص ًا في الثورية ،بل هو فهم ثوري حقيقي
علمي للواقع الموجود.
المقصود من الحديث عن المؤامرة بالدرجة األولى ،هو التركيز على تدخل
العامل الخارجي بما جرى في البالد .طبع ًا ال يمكن إنكار وجود عامل خارجي،
لكن الشرط الضروري كي يكون هذا العامل الخارجي فعا ًال ومؤثر ًا هو وجود
الوضع الداخلي الجاهز الستقبال العامل الخارجي والتفاعل معه .فهل مرّت
لحظة في تاريخ سورية لم تتعرض خاللها للمؤامرات؟ منذ استقاللها لم تمر
مرحلة أو حقبة إال وكان هنالك ضغط خارجي عليها ،كان يتحول سياسي ًا
إلى أدوات للتآمر بمختلف األشكال (ضغط سياسي ،ضغط عسكري خارجي،
محاوالت انقالب في الداخل...الخ).
لذلك فإن المؤامرة مستمرة ،وليس هذا هو السؤال األساسي ،السؤال
األهم هو :لماذا كانت هذه المؤامرات تنجح أحيان ًا؟ ولماذا كانت تفشل أحيان ًا؟
ولماذا كانت تفشل جزئي ًا وتنجح جزئي ًا في أحيان ثالثة؟
السبب في ذلك داخلي ،وهو درجة استعداد المجتمع وقدرته على المقاومة،
وقدرته على سد الثغرات أمام المؤامرات الخارجية .والحديث عن مؤامرة فقط،
غرضه النفي النهائي للدور األساسي للعوامل الداخلية ،االقتصادية االجتماعية،
التي ش ّكلت األساس الضروري لألزمة .والعامل الخارجي هو عامل إضافي
شرط كافٍ للعامل الضروري الذي هو وليس شرط ًا ضروري ًا ،هو مكمِّ ٌل ،هو ٌ
الوضع الداخلي .لذلك فإنّ الحديث عن المؤامرة فقط هو محاولة لخلط األوراق
والخروج من هذه المعضلة دون تحمُّل أي مسؤولية وتحميل المسؤولية
لآلخرين.
حول الثورة
جرى الحديث عن موضوع الثورة اعتباطي ًا ،قياس ًا على ما جرى في
العالم العربي ،خاصة في تونس ومصر .لكن الحقيقة ،وإذا أردنا الحديث
ةمزأ-ةرماؤم-ةروث | 11
األزمة السورية الجذور واآلفاق
علمي ًا وماركسي ًا ،فالثورة تعني التغيير الجذري النوعي في الحياة االقتصادية
االجتماعية والسياسية ،وما رأيناه عملي ًا كان تحركات شعبية للتعبير عن
استياء عميق ،ولم تكن هناك برامج بالمعنى الواضح والعميق (برامج ثورية)...
الجماهير العفوية وحدها ال تضع البرامج ،هي تتحرك عفوي ًا ،مطلوب من
القوى السياسية أن تضع هذه البرامج وتقود على أساسها حركة الجماهير
العفوية.
المشكلة أنه في هذه اللحظة التاريخية ،كانت القوى الثورية التقدمية الجذرية،
في حالة ضعيفة ومُنهَكة بسبب أمراضها الذاتية من جهة ،ولكن باألساس
بسبب وضع الحريات السياسية المنخفض الذي منع تطورها بالشكل الكافي.
ونأخذ هنا بعين االعتبار ،أنه في النصف الثاني من القرن العشرين ،كانت كل
الحركة الجماهيرية والحركة الثورية في حالة تراجع ،لذلك عندما بدأت موجة
الحراك الشعبي في أوائل هذا القرن ،لم تكن الحركات السياسية التاريخية
التقدمية جاهزة الستقبالها ،وهذا أمر طبيعي .من هنا فإن الحديث عن ثورة
أمر ال يجوز قياسه فقط برفع السالح ،وإنما مقياس الثورة هو درج ُة جذرية
الشعارات واألهداف ،اقتصادي ًا واجتماعي ًا ،وهو ما لم نرَه أو نلمسه في كل
تتخط أكثر من إطار تغييراتٍ ما في البنية السياسية ،دون َّ الحاالت التي لم
الحديث الجدي عن البنى االقتصادية واالجتماعية .لذلك أستطيع القول ،إننا
شهدنا وضعاً ثورياً كانت له تعقيداته في مرحلته األولى ،ونعيش ونرى
مراحله ال ّالحقة ،الثورة الحقيقة هي أمامنا وليست وراءَنا.
| ةمزأ-ةرماؤم-ةروث 12
األزمة السورية الجذور واآلفاق
أن تعرف سبب ارتفاعها ،فإن خافض الحرارة يعمل ،ولكن مرة بعد مرة ،وفي
حال عدم معالجة السبب ،يصبح تخفيض الحرارة أصعب وتبعاته على الجسم
أعلى .وهكذا إلى أن يتطور المرض وال تبقى أعراضه مقتصرة على ارتفاع
الحرارة وظيفي ًا ،ويتحول من مظاهر وظيفية إلى مظاهر عضوية ،وقد يؤدي
في النهاية إلى موت المريض في حال االستمرار في عدم معالجة السبب
العميق .من هنا فالفلسفة جيدة وضرورية ،ألنها تدفع إلى سؤال ضروري
وهو (لماذا؟) ،وهذا التساؤل يجر تساؤالتٍ كثيرة وراءَه ،وهذا ليس مضرّ ًا
بالنسبة للتفكير الثوري العلمي...
أعتقد أن جي ًال لوحده ،أو حزب ًا لوحده ،أو شخص ًا لوحده ،ال يستطيع أن
يضع حد ًا في جوابه على السؤال «لماذا» ألن الجواب له عالقة بالمستوى
المعرفي الموجود في اللحظة التي نتكلم بها .لكن مَن قال إن المستوى
المعرفي يتوقف عند حد؟ فالجيل الالحق بعد عشرات السنين له الحق أن
يضيف األسباب الجديدة في فهم الظاهرة ،وهذا يفسر لنا لماذا هناك إلى اآلن
نقاش مستمر حول الثورة الفرنسية مث ًال .وهذا يفسر لماذا إلى اآلن ،ظاهرة
كظاهرة ستالين ما تزال محل نقاش مستمر ،وسيستمر برأيي مئة سنة أخرى،
لتعقيدها وعمقها وعدم إمكانية فهمها بقدرات الجيل الذي عايش الظاهرة ،أو ما
بعد الظاهرة مباشرة ،فهي تحتاج لمستوى معرفي أكبر حتى تستنفد الظاهرة
مهمتها التاريخية.
وعليه عندما نريد التكلم عن األسباب ،فإن الهدف هو المعالجة .وهنا تبرز
قضية خطيرة :الماركسية ،حسب ما يقول األوائل ،ليست علم ًا لتفسير الظواهر
فقط ،وإنما لتغييرها أيض ًا؛ هذا ما يقوله الماركسيون جميعهم ويتفقون عليه،
لكن الحياة تطرح سؤا ًال ،لماذا لم يكن التفسير كافي ًا في حاالت عديدة لتحقيق
التغيير؟ ولِمَ لم ينجح كثيرون في محاوالت التغيير بالرغم من أنهم فسروا؟
هناك حلقة مفقودة بين التفسير والتغيير ،ودعنا نسمها «ميكانيزم أو
آلية الحركة»؛ عنصر الربط واالنتقال من التفسير إلى التغيير .هنا ،تدخل على
الخط ،ظاهرة جديدة نسبي ًا في التاريخ البشري ،تلعب دور ًا أكبر في العمليات
| ًافَرَت تسيل ةلفسفلا 14
األزمة السورية الجذور واآلفاق
للتغيير .وهذا يحتوي على عدة تناقضات ال يمكن تعدادها بشكل مبسط،
كالوضع الدولي بانعكاساته وتناقضاته والوضع اإلقليمي والداخلي ووضع
الطبقات .كل هذا ،وغيره الكثير ،يجب أخذه بعين االعتبار إلحداث التغيير
المطلوب ضمن التوازنات الموجودة.
وبالنتيجة ،فإن كل تفسير ال يصل للتغيير ،يحتوي على مشكلة،
مشكلة نظرية ،أي في التفسير .والماركسية علم يتطور في كل لحظة،
مع تطور الحياة ،لذلك ينبغي دوماً رفع مستوى فهم الماركسية إلى
المستوى المطلوب الذي تفرضه الحياة و تعقيداتها الجديدة اآلنية...
«السوي» أو الكالسيكي
التطور «المُشوَّه» والتطور ّ
أذهانهم شكل الليبرالية الذي كان سائد ًا في أوروبا في القرن الثامن عشر على
أساس شعار «دَعه يعمل ،دَعه يمر» اقتصادي ًا ،وشعارات المساواة والحرية
واإلخاء سياسي ًا .صحيح أن الليبرالية السياسية في أوروبا أتت بالليبرالية
االقتصادية ،والثورات البرجوازية في أوروبا دعمها مجموع الناس في تلك
مشروع وموضوعي .كانت ٍ طموح
ٍ اللحظة ضد اإلقطاع ،وكانت تعبير ًا عن
حدود اإلقطاعيات مغلقة أمام البرجوازية الصاعدة ،وجاءت الثورة البرجوازية
وحطمت الحدود بين اإلقطاعيات ،وكوّنت سوق ًا واحدة مركزية ،وجعلت الناس ّ
«أحرار ًا وإخوة ومتساوين» بالمعنى الرأسمالي طبع ًا .البعض ما يزال يظن أن
الليبرالية االقتصادية تُنجب الليبرالية السياسية ،وينسون أن التاريخ ال يكرر
نفسه ،وفي حال كرر نفسه فإنه يفعل ذلك على شكل مهزلة .والعالم الثالث أثبت
أن مزيد ًا من الليبرالية االقتصادية أنتج مزيد ًا من القمع ومزيد ًا من تخفيض
مستوى الحريات السياسية .أي أن الليبرالية االقتصادية لم تحمل الليبرالية
السياسية ألي بلد من بلدان العالم الثالث .في أوروبا كانت ليبرالية سياسية
ثم اقتصادية ،فكيف يريد هؤالء المنظرون الذهاب من ليبرالية اقتصادية إلى
ليبرالية سياسية؟! ال أحد يعلم...
•ما تفسير ذلك ،ولماذا حدث؟
الليبرالية االقتصادية في بلدان العالم الثالث كانت تعبير ًا عن ضرورات
المركز الرأسمالي الذي تمر َكز فيه رأس المال المالي بشكل مك َّثف جد ًا ،وبات
محتاج ًا مرة أخرى لشعار «دعه يعمل دعه يمر» ،ولكن على المستوى الكوني
هذه المرة(...)2
إزالة العقبات أمامه تتطلب فلسفة جديدة ،اسمها الليبرالية االقتصادية،
لذلك كل ليبرالية اقتصادية هي مع حرية حركة الرساميل .يقولون حرية
السوق ،ولكن ما حصل فعلي ًا في العالم الثالث شيء آخر تمام ًا؛ منذ آدم سميث
وريكاردو وحتى اليوم ،السوق تعني يد ًا عاملة ورأس مال وبضائع .لنر
أوضاع المكونات الثالثة:
سلا« روطتلاو »هّوشُملا« روطتلا
َ يسالكلا وأ ي ّو
» | 18
األزمة السورية الجذور واآلفاق
رأس المال مطلوب له أن يدخل ويخرج دون حواجز ،ال قيود نهائي ًا.
البضائع مطلوب لها أن تتحرك باتجاه واحد من الشمال إلى الجنوب ،المقصود
طبع ًا حركة البضائع عالية التصنيع ،أو ذات القيمة المضافة العالية ،أما المواد
الخام والبضائع منخفضة التصنيع فمن الجنوب إلى الشمال .أما حركة اليد
العاملة من الجنوب إلى الشمال فهي ممنوعة ،وهذا المنع ،المترافق مع تفاوت
هائل ،فرق كمون هائل ،في توزيع الثروة بين الجنوب والشمال ،أنتج عملي ًا
نزوح ًا جماعي ًا خارج ًا عن القانون .لذلك فإن المش َّوه هو مش َّوه عن النموذج
الكالسيكي ،وليس من الممكن إال أن يكون كذلك؛ ألن الرأسمالية في العصر
الجديد رجعية على طول الخط ،وبكل المؤشرات؛ حتى أنها باتت عاجزة عن
تأمين أي نمو بسبب تمر ُكز الثروة العالي بأيدي قلة قليلة.
حققت الرأسمالية في بداياتها ،عندما كانت حالة صاعدة وتقدمية ،نمو ًا
اقتصادي ًا عالي ًا وازدهار ًا وتقدم ًا علمي ًا وثقافي ًا ،لكن منذ أواخر القرن التاسع
عشر وبدايات القرن العشرين ،انقلب المسار.
ما أريد قوله هو أن بلدان العالم الثالث بشكل عام لم تكن رأسمالية حتى
نهاية النصف األول من القرن العشرين ،بمعنى أن الرأسمالية كنمط اقتصادي
اجتماعي لم تكن مهيمنة في بلدان العالم الثالث .كانت هنالك بلدان لديها
هذا النمط إلى حد ما ،مثل مصر منذ زمن محمد علي ،التي كان فيها النمط
الرأسمالي متطور ًا ،ولكن لم يكن مهيمن ًا ...بكل األحوال فإنّ الحالة العامة لم
تكن كذلك .واألكيد في سورية ،أن النمط الرأسمالي في اإلنتاج ،وحتى آواخر
الستينيات ،كان يقدم أقل من نصف الناتج اإلجمالي ...ولم يكن ممكن ًا القول
إنّ الطابع الرأسمالي في اإلنتاج قد بات هو الغالب حتى النصف الثاني من
سبعينيات القرن العشرين ،قبل ذلك كانت العالقات ما قبل الرأسمالية هي
السائدة ،ولكن هذا ال يعني أن الرأسمالية لم تكن موجودة ،لكنها لم تكن سائدة
( .)3بالتالي فإن اإلنتاج في سورية ،كان (زراعي ًا – صناعي ًا) ،وتحول إلى
(صناعي – زراعي).
النمط المشوَّه الذي نتحدث عنه انتقل إلى كل البُنى ،في المجتمع أصبح
سلا« روطتلاو »هّوشُملا« روطتلا | 19
َ يسالكلا وأ ي ّو
»
األزمة السورية الجذور واآلفاق
واضح ًا في التناسب بين الريف والمدينة ،وفي عالقة زراعة -صناعة حدث
تشوّه ،قطاع مصرفي – قطاع إنتاجي حدث تشوّه ،استهالك -إنتاج حدث
تشوّه ،استهالك األغنياء -استهالك الفقراء حدث تشوّه أيض ًا ،لذلك حينما كنا
نقول كلمة تشوّه فالمقصود هو أن المنظومة كلها مشوَّهَة.
•حتى اآلن ،وضعتَ إطار ًا عامّاً يح ّفز التفكير باتجاه البحث العميق في
جذور األزمة السورية ،الداخلية والخارجية ،االقتصادية والسياسية
والثقافية ...إلخ .إذا دخلنا في سلسلة السبب والنتيجة فال يمكن تقريباً
الحديث عن «نقطة البداية» ،مع ذلك ما هي برأيك النقطة العلاّ م األساسية
التي يمكننا أن نبدأ منها بقراءة وتحليل األزمة السورية؟ ولماذا؟
إنها الوحدة السورية المصرية عام .1958ال يمكن الذهاب أبعد من ذلك
فقبل ذلك ببضع سنوات كان االستقالل ،والتطور منذ االستقالل حتى العام
1958لم يأخذ اتجاهات واضحة ،لكن المهم ضمن تلك المرحلة هو أن تجربة
ديمقراطية باكرة وفريدة من نوعها قد ظهرت ،ولو أنها ترسخت لكانت قد
غيرت وجه سورية .والذي جرى عام ،1958بغض النظر عن الشكل ،هو
تطبيق نظام الحزب الواحد ،والقضاء على التعددية الحزبية.
•وهو الذي ما يزال مستمر ًا حتى اآلن...
نعم ،وتحو َّل النظام السياسي إلى نظام يعتمد على األجهزة األمنية أكثر
مما يعتمد على الوسائل السياسية وعلى األحزاب في قيادة المجتمع .قد
ينزعج البعض من تحميلنا المسؤولية لمرحلة عبد الناصر ،لكن األمور تُقاس
بنتائجها ،فالنظام الذي بناه وثبّته عبد الناصر سرعان ما انهار في العام ،1970
ألن المنظومة لم تستطِع إعادة انتاج ارتباطها بالجماهير حينما زال الشخص،
بكل األحوال فإن المسألة بحاجة لدراسة منفصلة.
روسلا ةمزألا ةءارقل مالعلا ةطقنلا | 21
األزمة السورية الجذور واآلفاق
في سورية ،بُني على هذا األساس منذ العام 1958نظام سياسي جديد،
وهو بالجوهر ما يزال مستمر ًا منذ تلك اللحظة ،ولم يتغير .أو ًال :يعتمد على
الفرد القائد ،يعتمد على الحزب كأداة لتنفيذ إرادة القائد وليس العكس ،ويعتمد
على مستوى منخفض من الحريات السياسية.
هذا في الجوهر هو النظام السياسي ذاته الذي تَثبّت منذ 60سنة ،ويجب
البحث هنا عن جذور المشكلة.
ثانياً :يميزه نمط التطور االقتصادي الذي جرى؛ فسورية منذ جرت فيها
التأميمات األولى ،كانت تشكو ،ليس من فرط تطور الرأسمالية ،بل من ضعف
التطور الرأسمالي أي ضعف تمر ُكز رأس المال ،وقد أدت التأميمات عملي ًا إلى
هروب رأس المال ،وذلك ألن رأس المال جبان بطبيعته.
مشكلتنا في سورية أنه لم يكن هنالك فرط بتمر ُكز رأس المال؛ الشركة
الخماسية التي تم تأميمها ،كانت أكبر مركز رأسمالي ،كانت تقدر قيمتها بـ500
مليون ليرة سورية ،أي ما يعادل 150مليون دوالر في تلك األيام ،وهذا ليس
بالرقم الكبير حتى في تلك الفترة قياس ًا لمستوى تمر ُكز رأس المال بالمقارنة
مث ًال مع مصر نفسها التي كانت قد قطعت شوط ًا كبير ًا في هذا االتجاه في تلك
الفترة ،وأضحى فيها التأميم الذي جرى فيها بلحظة واحدة مع سورية ضرورة
موضوعية ،األمر الذي قطع تطور سورية الطبيعي بحجة تماثل األوضاع بين
دولتي الوحدة.
قطاع الدولة في سورية قبل الـعام 1958نشأ على أرضية تأميم الممتلكات
األجنبية ،ومن ثمّ تطور قطاع الدولة على أرضية تأميمات الوحدة وما بعد
الوحدة ،وتطور بعد ذلك على أساس التوسع الذاتي(((.
أي أن قطاع الدولة ،كملكية دولة ،من المفروض أن يعبّر بالجوهر عن
-1يظهر تقييم الشيوعيين السوريين للتأميمات األساسية في سورية بدء ًا من االستقالل وحتى
تأميمات الخمسينيات ومطالع الستينيات في مقال مهم لخالد بكداش تحت عنوان (سورية
على الطريق الجديدة) ...ضمن المالحق في هذا الكتاب يمكن الرجوع إلى مقتطفات من هذا
المقال.
| روسلا ةمزألا ةءارقل مالعلا ةطقنلا 22
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المجتمع ،وهذا أمر تحدده طبيعة الدولة نفسها ،لكن بكل بساطة يمكن لتغيير
طبيعة الدولة أن يؤدي إلى تغيير طبيعة التوزيع ،وبالتالي تغيير الطبيعة
االجتماعية لقطاع الدولة ،لكن المهم أن التأميم يبقى بالمعنى التاريخي العام
خطوة تقدمية الى األمام ...لكن إلى حين تطبيقه لم تكن الرأسمالية المحلية
قد استنفدت إمكانياتها في تحقيق التراكم ،ويمكن أن يكون هذا أحد األسباب
الخاصة في تشوّه التطور الذي جرى في سورية.
بمعنى أنه حين نتكلم عن الواقع ،فإن سورية في الـ 1958كانت متقدمة على
تركيا واليونان وماليزيا بحجم الناتج اإلجمالي لكن بما أن التطور السياسي
والتطور االقتصادي متالزمان ،وألن التطور السياسي منع اقتراب الجماهير
من المشاركة بالقرار ،بالتزامن مع وجود وتوسع قطاع دولة يُفترض أنه
يخدم الجماهير ويعبِّر عن مصلحتها ،أدى األمر عملي ًا إلى أن سورية بعد 60
سنة أصبحت وراء تركيا وماليزيا واليونان ،وبكثير ...نحتاج لـ 60سنة قادمة
لنستطيع اللحاق بماليزيا (على فرض أن ماليزيا توقفت عن التقدم بانتظارنا
وعلى فرض استمرارنا بوتائر نمو ما قبل األزمة).
هذه حسابات أولية قمت بها سابق ًا تشير إلى حجم التأخر الهائل الذي
أصاب تطورنا((( .أعتقد أن هذه هي المشكلة التي تراكمت في ما بعد ،بمعنى
أن الجذور األساسية للمشكلة ظهرت هنا :نمط التطور السياسي ،نمط التطور
االقتصادي-االجتماعي .وهذا ال يجب عزله عن المحيط الدولي والمحيط
اإلقليمي ،وتطور األوضاع الداخلية؛ حيث ينبغي معالجة كل واحدة منها على
حِدة ،ومن ثم نقوم بتركيب هذه العوامل مع بعضها البعض بعملية تصوير
طبقي محوري ،حتى نرى التداخالت التي حدثت بين كل هذه العوامل مجتمعة،
وأدت بنا إلى لحظة انفجار األزمة.
األزمة في نهاية المطاف هي تعبير عن تناقضات ،وال يوجد شيء في
« -1واقع النمو االقتصادي وتوزيع الدخل الوطني» ،دراسة اقتصادية منشورة في جمعية
العلوم االقتصادية السورية بتاريخ .2004/6/1وفي مالحق هذا الكتاب نعيد نشر مقتطفات
من هذه الدراسة.
روسلا ةمزألا ةءارقل مالعلا ةطقنلا | 23
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الحياة دون تناقضات ،لكن هناك تناقضات يمكننا التنبؤ بها باكر ًا وح ُّلها،
وهناك تناقضات ال أحد يراها أو أن أحد ًا ال يريد أن يراها ،فيتركها تتطور
لتنفجر في النهاية ،وتقوم بحل نفسها بنفسها.
بين القطبين الجديدين بعد الحرب العالمية الثانية ،انعكاس ال هو على النمط
األمريكي وال على النمط السوفييتي؛ خرجت محصلة الصراع بين القطبين
عالمي ًا بتركيبة محلية هجينة...
•وهذه التركيبة الهجينة تكتنز في داخلها احتماالت التطور في
االتجاهين على أساس التطور في الصراع بين القطبين
نعم ،إما يمين ًا وإما يسار ًا .لقد وسَّعت الحرب العالمية الثانية القطب
االشتراكي عالمي ًا ،الذي كان سدس البشرية ،ومن ثم أصبح سدسيها ،أي الثلث،
ولكنه لم يصل للنصف .من نتائج الحرب أيض ًا أنْ انهار نظام االستعمار القديم،
لكن نظام االستعمار الجديد (االقتصادي) ( ،)4لم ينشأ مباشرة ،ولم يكتمل
تكوينه حتى منتصف الستينيات من القرن العشرين .أي أن حالة فراغ وانعدام
وزن قد نشأت بين نهاية الحرب ومنتصف الستينيات ،هذه المرحلة بالذات هي
التي شهدت اندفاع حركة التحرر ،وعلى رأسها القوى األكثر تنظيم ًا؛ العسكر
الذين لعبوا دور ًا وطني ًا مهم ًا .عبد الناصر أمم قناة السويس ،العسكر في
الجزائر لعبوا دور ًا مهم ًا في محاربة االستعمار الفرنسي ،لعبوا دور ًا طليعي ًا
وقادوا حركة مهمة قدمت مليون ًا ونصف مليون شهيد ،فالذين قادوا فيما بعد
الجزائر كانوا العسكر الوطنيين...
أراضينبغي االنتباه أيض ًا إلى عامل إضافي عزّز دور العسكر؛ نحن لدينا ٍ
(((
محتلة ،فلسطين ثم الجوالن ،ودور العسكر أتى موضوعي ًا من هنا .كليمنصو
يقول عن الحرب إنها« :قضية جدية لدرجة ال يجوز تسليمها للعسكر وحدهم»،
فكيف بالسياسة ،إذا سُ ّلمت للعسكر؟! ستحدث الطامة الكبرى...
-1جورج بنجامين كليمنصو ( ،)1929-1841سياسي فرنسي شغل منصب رئيس وزراء فرنسا
لفترتين ،األولى ( )1909-1906والثانية (.)1920-1917
ركسع ةيلقعو ركسع | 27
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•بدأتم من قراءة طبيعة هذه األنظمة ،بأنها أنظمة عسكرية ،ومن ثم
فسّرتم لماذا هي عسكرية ،باعتبار أن العسكر هم القوة األكثر تنظيماً،
فإن تصدرهم كان انعكاساً لميزان القوى الدولي في حينه، وكذلك ّ
وبشكل خاص حالة الفراغ بين االستعمارين القديم والجديد .قبل
المضي أبعد من ذلك ،هل يمكننا أن نحدد بدقة أكبر السبب االقتصادي
الذي سمح بالقفز فوق سنوات التجربة الديمقراطية البكر لسنوات
( ،)1958-1954وكأن شيئاً لم يكن ،ولم تبقَ من حينه في البلد حتى
رائحة الديمقراطية؟
هي رأسمالية ضعيفة من حيث مستوى تطور القوى المنتجة ،بينما تقتضي
الضرورة تطور ًا سريع ًا للقوى المنتجة ،ألن المهمات المنتصبة نتيجة الحاجات
الضرورية التي يفرضها التطور السياسي ،تفرض تطور ًا اقتصادي ًا ٍ
بنمو معيّن.
لم يعد ممكن ًا للقطاع الخاص وحده أن يتصدى للمهمة ،فوجب تدخل قطاع
الدولة في هذا المجال.
من هنا كانت ضرورة تدخل الدولة الواسع ،ليس فقط في البنية التحتية،
وإنما في الكثير من قطاعات اإلنتاج التي ال تعتبر جزء ًا من البنية التحتية،
ألن القطاع الخاص كان معوَّق ًا بسبب تطوره التاريخي عن لعب دوره في هذا
المجال ،فجاء قطاع الدولة في ظل هذه األنظمة السياسية ولعب هذا الدور...
وهنا تبرز لدينا إشكالية إذا لم نستطع فهم التطور العالمي ،وقمنا بإسقاطه
على التطور اإلقليمي العام في العالم الثالث ،وفي منطقتنا خصوص ًا ،فلن
نستطيع فهم الكثير من األمور.
أعتقد أن الفترة ما بعد العام 1956شهدت تغيّرَ اتجاه محور التطور
العالمي؛ حدث انزياح ،الزخم الذي حدث في حركات التحرر الوطني بعد
الحرب العالمية الثانية ،وانهيار االستعمار القديم ،وعدم استكمال تكوّن نظام
االستعمار الجديد بالمعنى الذي نعرفه؛ التبادل الالمتكافئ بأشكاله الثالثة
المعروفة (نظام األسعار -القروض -التبعية التكنولوجية) -هذا النظام لم
َ
مستقطع يُستكمل حتى أواسط الستينيات -وخالل هذه الفترة مررنا بوقت
من الـ( .)1965-1945كان العالم بحالة انعدام وزن أو األصح حالة تعادل وزن
بين المعسكرين .في هذه اللحظة التاريخية ظهر رأي في أوائل الخمسينيات
يقول إن الحركة الثورية يجب أن تأخذ زمام المبادرة في حركة التحرر
الوطني ،وأن تتقدم لكي تحدث قطع «حبل السرة» بين العالم الثالث والمركز
الرأسمالي ،وأن تُخرجه من السوق الرأسمالية العالمية ،وأن تُدخله سياسي ًا
واقتصادي ًا في السوق االشتراكية العالمية الناشئة ،وذلك لحسم ميزان القوى
الدولي نهائي ًا ،فالسدس الذي أصبح ثلث ًا ،ينبغي أن يصبح ثلثين بامتداده نحو
العالم الثالث ،وبذلك سيُحسم ميزان القوى الدولي نهائي ًا لمصلحة االشتراكية.
في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي ،عام ،1956وتحت
رحتلا ةيار طوقسو -يملسلا شياعتلا -ديدجلا رامعتسالا | 31
األزمة السورية الجذور واآلفاق
معروف حتى اللحظة ويقدر بعشرات اآلالف .كل المراكز الكبرى التي كان من
الممكن أن تُحدِث تغير ًا في دور حركة التحرر العالمية ،كلها جرت فيها مجازر
موصوفة لفصائل طليعية كان من الممكن أن تلعب دور المحرك الثوري لحركة
التحرر على المستوى الكوني.
المكانان الوحيدان اللذان خرجا من نطاق هذا التراجع العالمي لحركات
التحرر هما كوبا وفيتنام .كوبا بسبب أن األمريكان لم ينتبهوا لها ،وأخطأوا
حساباتهم فيها ،وعندما انتبهوا لها كان قد فات األوان .وفيتنام وبلدان الهند
الصينية ...التي كانت قد حسمت سريع ًا ،وقبل اشتداد الصراع داخل الحزب
الشيوعي السوفييتي ،حسمت استمرارها في مجرى التطور االشتراكي بسبب
استمرار مقاومتها المسلحة ضد االستعمار الفرنسي ومن ثم األمريكي .وكان
من الممكن لهذا النموذج (نموذج الفيتنام والهند الصينية) أن يعمَّم على كافة
بلدان العالم الثالث(((.
من هنا يمكننا فهم ما الذي يعنيه ما حدث في إندونيسيا والعراق ،القتل
الوحشي الدموي الذي حدث كان يعني بالضبط أن نظام االستعمار الجديد قد
استكمل تكوينه ،وظهر بكامل حجمه بعد فترة انعدام الوزن المؤقتة.
وبعد الـعام 1965بدأت مرحلة الصراع بين االستعمار الجديد وبين منظومة
حركة التحرر واالقتصاد االشتراكي العالمي بشك ٍل جديد ،ولكن كنّا قد وصلنا
لمرحلة سبق فيها السيف الع َذل ...وتبخرت الفرصة التاريخية التي كانت
متوفرة بعد الحرب العالمية الثانية إلحداث اختراق جديد في ميزان القوى بعد
االختراق األول الذي حدث في العام 1917والثاني الذي حدث عام .1945كانت
هذه الفرصة التي تمت الدعوة إليها في بداية الخمسينيات حقيقية في حينه.
-1أحد أهم الدعاة لهذه الفكرة ،ليس سوى الثائر العالمي أرنستو تشي غيفارا ،وبالتحديد في
رسالته إلى «منظمة التضامن بين شعوب آسيا وإفريقيا وأمريكا الالتينية» ،والتي كتبها عام
1966قبل انطالقه في رحلته األخيرة باتجاه بوليفيا .عنون غيفارا رسالته بالشكل التالي:
«فلنخلق اثنين ،ثالثة ،العديد من أمثلة فيتنام ،ذلكم هو الشعار».
رحتلا ةيار طوقسو -يملسلا شياعتلا -ديدجلا رامعتسالا | 33
األزمة السورية الجذور واآلفاق
-1الخطاب كام ًال منشور في كتاب «الكلمة اآلن للرفيق ستالين» ،إصدارات دار الطليعة الجديدة،
دمشق .2011 ،وضمن مالحق هذا الكتاب ننشر مقتطف ًا من هذا الخطاب.
| رحتلا ةيار طوقسو -يملسلا شياعتلا -ديدجلا رامعتسالا 34
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ديكتاتوري ،أو أنها ديكتاتورية من نوع خاص وطني ،وهذا ال يخص سورية
فقط ،بل كل بلدان حركة التحرر.
والحزب الواحد ،وقمع الحريات السياسية وتقييدها ،له عالقة بعوامل
عديدة :طبيعة الجيش ،الحركة السياسية وعدم نضوجها ،وعدم قدرة القوى
الثورية أحيان ًا على لعب دورها الطليعي .ولو حدثت االنتخابات البرلمانية في
سورية عام ،1958كما كان مفترض ًا ،لوال الوحدة ،لكان برلمان 1954الذي ضم
نائب ًا شيوعي ًا واحد ًا هو خالد بكداش ،سيتحول في 1958إلى برلمان يضم
كتلة نيابية كاملة للحزب الشيوعي السوري .أنا ال أقول إنها كانت ستكون
كتلة ساحقة ،لكن كان هناك تطور بهذا االتجاه ،ووزن على األرض للحركة
الوطنية ،وكان المؤشر في هذا االتجاه هو انتصار القوى الوطنية على اإلخوان
المسلمين في االنتخابات الجزئية عام 1957التي انتصر فيها رياض المالكي
على مصطفى السباعي ...ولو استمر هذا الجو لكان انعكس في انتخابات 1958
على القوى الوطنية ككل ،وعلى وزن الشيوعيين أيض ًا .وهذا ما جعل بعض
القوى المشبوهة تعمل إليقاف التطور الطبيعي للحياة السياسية في البالد
بحجج مختلفة .ومن هنا ،فإنّ محاوالت االغتياالت واالنقالبات إلى جانب
التهديدات التركية التي حدثت في تلك الفترة لتوتير األوضاع ،كان الهدف منها
إيجاد المناخ إليقاف تطور الحركة السياسية في البالد .وأحسن وصفة كانت
هي أن الوحدة ضرورة ،وبولغ بها في تلك الفترة نتيجة األخطار التي كانت
تهدد مصر وسورية ،وكان الهدف لدى البعض تطبيق ًا مصطنع ًا ألشكال الحكم
الموجودة في مصر على سورية ،السياسية منها واالقتصادية.
في حال تطبيق شكل الحكم السياسي في مصر في الخمسينات من القرن
العشرين على سورية ،فهذا يعني قطع طريق التطور الديمقراطي الطبيعي
الجاري آنذاك .وفي حال تطبيق النموذج االقتصادي المصري ،ورغم أن
ضرورة التأميم على األقل كانت ناضجة فيه ،فهذا أيض ًا سيحدث عملية قطع
للتطور الطبيعي لتراكم رأس المال في سورية الذي كان في مراحله األولى ،بل
وإجهاضه .وفي حال اإلجهاض ،ال يأتي مكانه إال تدخل الدولة ،إذ كانت هناك
| ديدج ليجو ةديدجو ةّيليفطو ةيطارقوريب 36
األزمة السورية الجذور واآلفاق
مهمات منتصبة أمام المجتمع وتحتاج لحل ،وخاصة في مجال البنية التحتية
في بلد ما زال زراعي ًا -صناعي ًا ،وعالقات اإلنتاج الرأسمالية غير مهيمنة على
عالقات اإلنتاج .لذلك عندما أتت موجة تأميمات القطاع الخاص ،األولى في
الوحدة والثانية بعد الوحدة ،حدثت لدينا مشكلة .نحن نفهم التأميم بأنه نقل
للملكية من الخاص إلى المجتمع ،ولكن الذي قام بهذه العملية ،هو الدولة،
قامت بها كممثل للمجتمع ،لكن السؤال الجوهري هو إلى أي حدّ تُم ّثل هذه
الدولة المجتمع ،خاصة في ظل انعدام الحريات السياسية أو ضعفها الشديد،
إنْ وجدت؟!
بالتالي نحن عندما ننظر إلى العملية االقتصادية ،ال ننظر إليها كعملية
اقتصادية تكنيكية بحتة ،بل كعملية اقتصادية سياسية ،وللمجتمع دوره فيها.
وفي حال ُأبعد المجتمع عن مراقبة عملية اإلنتاج والتوزيع ،وإذا لم تتوسع
الحريات السياسية -كما ورد في مقالة الرفيق خالد بكداش -فيمكن أن تنشأ
برجوازية بيروقراطية ترث امتيازات البرجوازية ،أي الدخل والربح ،دون
أن ترث ملكيتها ،ألن الملكية القانونية هي ملكية دولة من حيث الشكل ،لكن
السؤال الجوهري (خاصة إن كانت الملكية «العامة» ملتبسة) يبقى :لمصلحة
من تعمل هذه الملكية؟
ورقة عباد الشمس التي توضح وتكشف اإلجابة عن هذا السؤال هي كيفية
توزيع الربح في القطاع المعني؛ في الحالة الملموسة السورية ،كان الربح يوزع
عبر أدوات وأقنية ما أنزل اهلل بها من سلطان ،ميزتها الفساد ،أي أنّ برجوازية
جديدة أبعَدت القديمة ولم ترث ملكيتها قانوني ًا ،لكنها ورثت امتيازاتها بشكل
مبالغ به؛ وهذه المبالغة منشؤها أنّ البرجوازية التقليدية تهمها إعادة إنتاج
ملكيتها ،وبالتالي فهي تخصص جزء ًا من األرباح لتخديم عملية تعويض
االهتالك وأيض ًا التوسيع .بالمقابل ،فإن البرجوازية البيروقراطية ،وبما أن
هذا المال ليس مُل َكها ،فما يهمها هو شفط أكبر كمٍّ ممكن دون أن تأخذ بعين
االعتبار ال تعويض االهتالك وال التوسع الالحق .وبما أن توسيع قاعدة اإلنتاج
ضرورة ال يمكن التغاضي عنها طوي ًال ،وعوض ًا عن أن يكون هذا التوسيع
ديدج ليجو ةديدجو ةّيليفطو ةيطارقوريب | 37
األزمة السورية الجذور واآلفاق
استناد ًا للتراكم الداخلي (الذي تشفط هذه البرجوازية الجديدة قسم ًا مهم ًا منه
دون أن تأخذ بعين االعتبار مصالح الناس عبر التوزيع واألجور والصناديق
االجتماعية) ،يصبح التوسيع مستند ًا إلى المساعدات واالستثمارات األجنبية،
وذلك لتعويض النقص الذي سببته هي نفسها (البرجوازية البيروقراطية)
في الداخل.
إحدى مميزات االقتصاد السوري في النصف الثاني من القرن العشرين،
هي تهالك الدولة على البحث عن مصادر خارجية لالستثمار .هذا االتجاه زادت
قوته في التسعينيات بالرغم من أن المصادر الداخلية موجودة ،والتعاون مع
المعسكر االشتراكي في السبعينيات والثمانينيات من القرن نفسه كان على
شكل استثمارات ،وقروض ساهمت في عملية التراكم.
بمعنًى آخر ،عندما انسحبت البرجوازية التقليدية من السوق على أرضية
بلد بنيته التحتية ضعيفة وصناعاته ضعيفة وحاجاته تزداد وهناك ما تجب
تلبيته منها ...أي كان يجب حل مشكلة البنية التحتية ومشكلة تطوير الصناعة،
وهذا األمر الذي هو ضرورة ،كل ذلك استدعى دخول الدولة...
•يتكلم الرفيق خالد بكداش عن هذه النقطة بالتحديد في مقالته ،قائ ًال إن
سلوك البرجوازية الوطنية في الفترة ( )1957 -1954كان أحد الدوافع
الموضوعية للتأميمات ،بغض النظر عن الموقف منها...
وسلوكها له عالقة بطبيعتها؛ إذ ال توجد برجوازية ضعيفة نسبي ًا في
العالم الثالث قادرة على المغامرة في التوظيف في البنية التحتية .بنية تحتية
أي كهرباء وطرقات وسدود ،أي استثمارات كبيرة وأرباحها بعيدة المدى،
والبرجوازية ال تتحمل ،والبلدان هذه كلها تشكو من ضعف في البنية التحتية.
هذه البرجوازية التقليدية كانت قد أوقفت سابق ًا التوظيفات الجديدة ،حتى
في المجال الوحيد الذي كانت توظيفاتها األعلى تذهب إليه ،أقصد الصناعات
التحويلية .ولم يكن ذلك خوف ًا مبني ًا على التأميمات األولى التي حدثت بعد
االستقالل ،بل لعدم االستقرار السياسي كعامل أول ،ولم تكن لديهم القدرة في
| ديدج ليجو ةديدجو ةّيليفطو ةيطارقوريب 38
األزمة السورية الجذور واآلفاق
البيروقراطية ألنها إذا ح ّلت محلها عليها أن تكون في جهاز الدولة وهذا يعني
تخلي البيروقراطية عن ريعها ،والبيروقراطية ال يمكن أن تحل محل الطفيلية
ألنها إذا ح ّلت محلها تكون قد خالفت القوانين وعملت في عمل خاص ،وهذا
يفضحها أمام الناس .لذلك كانت هناك مصالح مشتركة بينهما منذ البدء ،وكانت
عالقتهما هي عالقة وحدة وصراع أضداد؛ وحدة في نهب الدولة والمجتمع،
وصراع مستمر على تقاسم الحصة...
هذه هي المرحلة األولى في العالقة بينهما ،والتي ميزت تلك العالقة
في السبعينيات والثمانينيات .وتقول التقديرات إن نسبة %30من الناتج
المحلي اإلجمالي ،أي الدخل الوطني الحقيقي ،كانت تذهب إلى جيوب هاتين
البرجوازيتين؛ أي أنّ الدخل الوطني الذي كان يتوزع إلى %25أجور ،و%75
أرباح ،كان %30من هذه األرباح يذهب إلى البرجوازيتين ،وما تبقى من
األرباح كان للمالكين (دولة أو غير دولة) ،لذلك تحولت البرجوازيتان إلى
شريحة وطبقة مهيمنة ،ليس فقط في الجانب االقتصادي ،بل أيض ًا في الجانب
السياسي.
هذا في البدء ،وهذا يشبَّه في األدبيات االقتصادية بمرحلة التراكم األولي
لرأس المال عند الطبقات الناشئة؛ في هذه المرحلة بالذات سادت العالقات
الرأسمالية في االقتصاد السوري ،أي أصبحت هي التي تقدم الحصة األكبر
من الناتج الوطني ،نمط اإلنتاج الرأسمالي يقدم الحصة األكبر ،بينما قبل ذلك
البضاعي الصغير واإلقطاعي هو الذي كان يقدّم تلك الحصة.
بعد أن انتهى التراكم األولي ،وبما أن هذا المال «حرام» ،وبما أنه
عال لرأس المال ،وبما أنه أصبح هناك تنويع كبير في أصبح هناك تمركز ٍ
أنواع التوظيف ،بدأ رأس المال المتراكم بين أيدي البرجوازيتين الطفيلية
والبيروقراطية ،يتحول ليأخذ وظائف رأس المال المالي.
ويختلف رأس المال المالي عن رأس المال المعروف تاريخي ًا مع نشوء
رأس المال الصناعي والزراعي والتجاري ...يتميز رأس المال المالي بأنّ ال
تخصّص له؛ يعمل في أي قطاع كان ،ويقفز من مكان إلى آخر في بحث مستمر
ديدج ليجو ةديدجو ةّيليفطو ةيطارقوريب | 41
األزمة السورية الجذور واآلفاق
عن الربح األعلى .هذا ما فعله هؤالء ،أصبحوا يلعبون بأموالهم حيث يجدون
الربح األعلى ،وأصبحوا متحكمين بالسوق ،ويحققون ربح ًا أعلى ،وبشكل
اصطناعي أحيان ًا...
ترافق هذا التحول مع خروج الجيل األول من البرجوازية البيروقراطية من
الحياة ،وليس السياسية فقط وإنما من الحياة البيولوجية أيض ًا ،وهنا ظهرت
مشكلة الجيل الثاني الذي شاهدناه عملي ًا في التسعينيات وبعد األلفين.
هذا الجيل الثاني من البرجوازية -من تلك الشريحة من النهب البرجوازي
البيروقراطي -هذا الجيل الثاني ما مشكلته؟
مشكلته األولى أنه ليس مثل آبائه الذين عانوا في مراحل حياتهم األولى،
عانوا سياسي ًا واقتصادي ًا ،ولو أنهم اغتنوا في مراحل حياتهم األخيرة بشكل
غير مشروع .أي أن هذا الجيل الثاني ولد وبفمه ملعقة من ذهب ،ال يعلم ما
يعنيه النضال ضد االستعمار ،وال يعلم ما يعنيه النضال ضد االستغالل ،بل
على العكس من ذلك ،ربما كان يضحك على الجيل األول ويسخر منه ومما كان
يفعله ومن القيم التي كان يحملها ،بمقابل ارتباط قيمه هو (أي الجيل الثاني)
بالغرب ،وليس قيمه فقط ،بل وأحالمه وأهدافه ومجمل تصوراته عن الحياة
حلأيض ًا ...من هنا أتت ال َّلوْثة الليبرالية مع الجيل الثاني التي كانت في رأيهم ًاّ
لجميع المشاكل...
الجيل الثاني ،الذي ال تقاليد له ،ولديه تراكم رأس مال ال بأس به ،صادف
صعودُه تراجع ًا في النمو االقتصادي في البالد ،وأزمة عالمية رافقت انهيار
المنظومة االشتراكية ،وتغيّر ًا في منظومة العالقات ،وانخفاض ًا في الناتج
اإلجمالي ،وانخفاض ًا في الحصة التي يأتي منها الريع ،ليشتد بذلك الصراع
بين البرجوازية البيروقراطية والطفيلية ،الصراع ضمن الوحدة بطبيعة
الحال ...وعملي ًا فقد تحولت البرجوازية البيروقراطية وأصبحت رأس ٍ
مال
ماليّ ًا واستولت على أغلب مواقع البرجوازية الطفيلية .حاولت وحاول ممثلو
البرجوازية -الجديدة المهجَّنة بشكلها الجديد أن يفتحوا خطوط تعاون
ومشاركة وحوار ًا مع البرجوازية القديمة المؤمَّمَة ،لعلهم يستطيعون إيجاد
| ديدج ليجو ةديدجو ةّيليفطو ةيطارقوريب 42
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المشكلة أن الطبقة نفسها لم تعتمدهم((( ،وإن كان هناك قسم أو أفراد منها قد
فعلوا ،أي أنهم لم يصبحوا الممثل الجماعي للطبقة بكاملها.
•هل كان إعالن دمشق ،ومن ثم طريقة التعاطي األمني معه ،في المرحلة
التي أتى فيها ،تعبير ًا عن حسم الخِيار باتجاه االنتقام التاريخي؟
يمكن أن نتناول هذا اإلعالن ضمن نقاشنا بشكل أوسع الحق ًا ،ولكن اإلجابة
على سؤالك اآلن هي :ال ،لم يكن الخيار قد حُسم بعد؛ وكان اإلعالن أيض ًا في
إطار جسّ النبض لمحاولة معرفة كم وزن أوساط النظام القابلة بالذهاب
جانب منه كان محاولة تواصلنحو تسوية ،نحو مساومة تاريخية ،أي أنه في ٍ
لمعرفة اإلمكانيات.
-1لتفاصيل أكثر في هذا السياق ،انظر دراسة للمفكر والشيوعي السوري الراحل سمير عباس.
الدراسة بعنوان «دولة اإلخوان والمنطلقات النظرية والفكرية ...حول المشروع السياسي
لسورية المستقبل» ،منشورة كاملة في العدد 505من جريدة «قاسيون» ،ويعود تاريخ
إجراء هذه الدراسة للعام .2009
| ديدج ليجو ةديدجو ةّيليفطو ةيطارقوريب 44
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•المحيّر أنّه كانت هناك إشارات متضاربة من جهة النظام في تلك الفترة،
فمن جهة طريقة التعاطي مع إعالن دمشق ،ومن جهة ثانية المؤتمر
القطري العاشر لحزب البعث الذي وضع عملياً أحد أسس التحوّل
باتجاه الليبرالية...
لدى النظام مشكلة ،ويمكن أن يكون لدى البرجوازية السورية التقليدية
الليبرالية المبرر من وجهة نظر مصالحها أن تأخذ بعين االعتبار أن النظام
ببنيته التاريخية االجتماعية السياسية ،له قاعدة جماهيرية من طبيعةٍ معينة،
هذه القاعدة تحتاج حد ًا معيّن ًا من العدالة االجتماعية ،وحد ًا معيّن ًا من المكاسب،
وحد ًا معيّن ًا من دَور الدولة األبوي.
•يدور الحديث هنا عن برجوازية صغيرة ،فالحين بشكل أساسي
وموظفين صغار وإلخ ،هل هذه هي القاعدة الجماهيرية المقصودة؟
نعم ،هكذا تعودت هذه القاعدة الجماهيرية ،وكان النظام يكسب تأييدها
هكذا؛ عملي ًا هو يؤمّن لها جزء ًا مهم ًا من مصالحها ...لكن إذا لم يَعُد يجري
تأمين مصالح هذه القاعدة الجماهيرية ،ماذا يتبقى من النظام؟ كيف سيدافع
عن نفسه أمام الشرائح والطبقات األخرى؟ أين وزنه؟
طبيعة هذه األنظمة آتية من كونها تمثل طبقاتٍ وشرائح اجتماعية محددة
بالدرجة األولى ،لكن قاعدتها الجماهيرية غير ذلك؛ هي أوسع بكثير ...دأبت هذه
األنظمة على توزيع «هدايا كثيرة» على قاعدتها الجماهيرية ،معنوية ومادية،
لوحتلاو تاراشإلا سوقط | 45
األزمة السورية الجذور واآلفاق
خالل كل تاريخها .لكن منطق الليبرالية يقطع مع ذلك ،ويدفع نحو تمركز
الثروة في مكان معين قاطع ًا كل التطور السابق ،ومقاطع ًا منطق المكتسبات
التي تُعطى لشرائح للحفاظ عليها كقاعدة جماهيرية...
دخل النظام في مأزق؛ فإذا كان سوف يسير في الطريق الليبرالية ،فإنه
سوف يجري قطع ًا قاسي ًا مع قاعدته الجماهيرية ،وسيصبح عاري ًا أمام منافسيه،
يمش في طريق الليبرالية ،المطروح عاري ًا وضعيف ًا؛ يمكن أن يأكلوه .وإذا لم ِ
دولي ًا وإقليمي ًا ومن قوى محلية ،فهذا يعني عدم قبوله ضمن هذا النادي ،وذلك
في فترة لم يكن النظام يرى فيها خيارات أخرى؛ إذ كان المعسكر االشتراكي قد
انهار وسادت الفكرة الليبرالية ...حاول أن يتعكز ويجاري الوضع بأن يُحضر إلى
الحكومة أحد ًا يتكلم في الليبرالية ،بالتوازي مع محاولة النظام الحفاظ على قاعدته
الجماهيرية ،ولكن هذه اللعبة لم ت َُطل ،وال يمكنها أن تطول .وخطوة خطوة،
أخذ الموضوع عشر سنين ،جرى خاللها تخليص الجماهير أكثر المكتسبات
التي حافظت عليها قريبة من النظام ،وهذا يفسر لماذا جرت االنفجارات
الكبرى بعد 2011في الريف السوري وتحديد ًا في المناطق التي كانت
محسوبة على أنها بعثية؛ ألنه عملياً ،هذه المناطق كانت األكثر تضرر ًا من
«اإلصالحات» االقتصادية الليبرالية التي جرت ...والنظام بطبيعته التاريخية
كان يدعم الفالحين الصغار والمتوسطين ،ويدعم الزراعة بشكل عام.
لنأخذ مثا ًال واحد ًا« ،إنجازات» الليبرالية في موضوع سعر المحروقات
وارتفاع أسعارها ،ونتائج ذلك في ما يخص الزراعة ...أدى ذلك إلى تخفيض
دخل أهل الريف بمختلف شرائحهم ،الفقيرة والمتوسطة والعليا ،وأحدث حالة
انقطاع واستياء استمرت طوي ًال .أضيف إلى ذلك موضوع ثانٍ ،لم يكن يلعب
الدور نفسه ألنه كان يعوَّض بأشياء أخرى ،هو موضوع الفساد .أضف إلى
ذلك دور األجهزة األمنية الطاغي ،كل هذه العوامل :توتر اقتصادي اجتماعي
معيشي ،توتر سياسي أمني ،إضافة لمحفزات إعالمية وخارجية ،وضعف في
البنية األمنية واختراق كبير لها ،كما ظهر ،واختراقات في الداخل السوري
ليست بالقليلة كما تبين الحق ًا أيض ًا ...كل هذا ،صنع االنفجار.
| لوحتلاو تاراشإلا سوقط 46
األزمة السورية الجذور واآلفاق
وأعتقد أنّ هدف االنفجار ،كما تبين اآلن ،وكان واضحاً بالنسبة لنا
منذ البداية ،لم يكن إطالقاً نقل السلطة من مكان إلى آخر ،بل كان الهدف
هو استمرار االستنزاف إلضعاف الجميع ،وصو ًال بسورية ألحد الهدفين:
الحد األدنى إفقادها دورها الوظيفي بحيث ال تتمكن من استعادة وجودها
واستقرارها لعدة عقود الحقة ،وبالتالي لن تكون لديها اإلمكانية أو الوقت
إلحداث أي تأثير ضمن المنطقة ،وسيكون أقصى ما تسعى إليه هو تخفيف
تأثيرات المنطقة والعالم عليها ...هذا الحد األدنى ،أما األعلى فهو إزالتها
من الوجود الجغرافي السياسي.
لذلك ،فإنّ الهدف من التدخل الخارجي ،لم يكن نهائي ًا نُصرة ألحد على
أحد؛ ضحكوا على أحد وأرعبوا أحد ًا آخر ،وهدفهم لم يكن نصرة أحد بشكل
حقيقي وتسليمه السلطة أو دعمه في استالم السلطة .كان هدفهم وما يزال،
استمرار الصراع لتحمية جميع الفوالق المرتبطة بالصراعات الثانوية
الدينية والقومية والطائفية ،في سورية والمنطقة .وإذا بدأت هذه الفوالق
انفجارها في مكان ما فإنها تمتد لألماكن األخرى؛ ألن درجة حرارة
االنفجار إذا ارتفعت إلى عتبة الصهر فإنها ستذيب ال ُّلحمة الموجودة
بين الفوالق ،ويصبح التفتت هو المصير الوحيد .هذه العملية هي عملية
جيولوجية-سياسية أي جيوسياسية ،متتابعة متسلسلة ،إذا بدأت في مكان،
ستستمر وستصل لألماكن األخرى؛ وهذا يفسر مفهوم منطق «الفوضى
الخلاّ قة» التي كانوا يتكلمون عنها ويروجون لها ويسوقونها...
الحالة البونابارتية
تمام ًا الحالة في سورية ومصر والعراق؛ فحالة الخطر الخارجي مستمرة بسبب
العدوان اإلسرائيلي ودور «إسرائيل» التوسعي المستمر ،هذا العامل الموضوعي
سمح بتوفير الشرط األول ،فمن المعتاد أن توحِّد األخطار الخارجية الداخل.
العامل الثاني ،أي التوازن ،كان مح َّقق ًا أيض ًا؛ ففي سورية منذ الثلث الثالث من
القرن العشرين ،كانت الطبقتان األساسيتان ،أي الطبقة البرجوازية والطبقة
العاملة متوازنتين سياسي ًا ،خاصة عندما أصبح النمط الرأسمالي في اإلنتاج هو
المهيمن ،أي الذي يقدم الحصة األكبر من اإلنتاج السلعي في السوق ،وهاتان
الطبقتان كانتا متوازنتين بسبب طبيعة الحكم في لحظة معينة ،الذي م ّثل من
جهة مصالح ومكاسب الطبقة العاملة وحلفائها الى حد ما ،ولكنه أيض ًا أرضى
البرجوازية في مجاالت وهوامش عمل محددة ،وهذا ما أدى إلى التوازن.
نشأة هذا التوازن كانت عفوية في البداية ،لكن وعي النظام السياسي
لدوره في هذه العملية دفعه للعمل على إبقاء هذا التوازن قائم ًا بشكل مقصود،
وأصبح من المحرَّمات على أي من الطبقتين األساسيتين وممثليهما أن يُخِّل
بهذا التوازن ،ألن أي خلل في هذا التوازن يعني إلغاء دور جهاز الدولة
المرجح .وللحفاظ على هذا ،للعب هذا الدور ،ينبغي الحفاظ على التوازن ،وإذا
ما قام أحد ما بشكل عفوي أو غير عفوي بزيادة ثقل كفة أحد الطرفين ،فما
العمل بهذه الحالة؟ يتم إيقافه عند حده ،وهذا حدث في تاريخ سورية تجاه
هذا الطرف أو ذاك أكثر من مرة .وللحفاظ على وزن كل طرف ضمن حدود
معينة كان ال بد من تطوير دور األجهزة األمنية ،وﻷن هذا الدور مخالف
لقوانين تطور الدولة والمجتمع الطبيعية ،فكل طرف ينبغي أن يأخذ حجمه
المطلوب للحفاظ على الدور المرجح لجهاز الدولة ،وعندما تقوم بتقليص هذا
بشكل مصطنع وبأدوات مؤقتة وأمنية وآنية بالدرجة األولى ،سيتراكم الحجم ٍ
االحتقان هنا وهناك ،وتراكم هذا االحتقان كان يجري بالتزامن مع ازدياد
مستوى النقص في الحريات السياسية ،ألن التعبير الحر عن المصالح عبر
المواقف سيُنتج اختالالتٍ في التوازن بين الطرفين مما سيخفض الوزن
النوعي لدور جهاز الدولة ...كل هذا االحتقان انفجر في .2011
| ةيترابانوبلا ةلاحلا 50
األزمة السورية الجذور واآلفاق
لذلك كان يجب القيام بشيء ما قبل 10إلى 15سنة ،عبر توسيع حق
حرية التعبير للطرفين ،أو ما يسمى حق األنين على األقل! ألن هذا الحق
هو حق ضروري عند الدولة الذكية .األنين بالنسبة للدولة الذكية ،إشعارٌ
مبكرٌ بوجود مشكلة ينبغي محاولة ح ّلها ،لكن سياسة النعامة التي تغرس
رأسها بالرمال وتتظاهر بعدم وجود مشكلة ،كما جرى في سورية ،ال تُنتج
إال تضخم ًا في المشكلة تجعلها غير قابلة للحل باألساليب التقليدية ،ولذلك
تذهب نحو الحل بشكل آخر تمام ًا ،كما شهدنا في 2011؛ حينما تنزل الناس
إلى الشارع لحل هذه المهمة مما يضطر جهاز الدولة لقمعها للحفاظ على
امتيازاته السياسية والمادية.
إن أي جسم سياسي -اقتصادي ،أي دولة ،بحاجة دائم ًا إلى إصالحات،
مثل أي منزل ،تتعطل به يد الباب أو الصنبور أو المجاري… وتضطر بسبب
واقع الحياة للقيام دائم ًا بإصالحات جزئية ،ولكن لنفترض أنك لم تقم بهذه
اإلصالحات وتراكمت على مدى سنوات ،يتعطل الصرف الصحي ،تتعطل
الصنابير واألبواب وتتهتك األرضية وإلخ ،عندها ستضطر ،للحفاظ على
المنظومة ،أن تقوم بإصالح شامل ،بإعادة تأهيل ال غِنًى عنها لتصبح المنظومة
قابلة لالستخدام مجدد ًا .لكن إذا لم تقم بهذا اإلصالح الشامل ،ومرّ عقدان
وثالثة من الزمن ،ستكون مضطر ًا إلجراء تغييرات واسعة على هذا المنزل،
ومن الممكن التفكير بإعادة هندسته ،كأن تغيّر مداخل الخطوط الكهربائية
ومجاريها ،وكذلك الصرف الصحي ومياه الشرب وتوزيع الغرف وإلخ ،هذا
يدعى تغيير ًا .في منطق الحياة ،يقوم الذكي بالتغييرات الجزئية في وقتها،
الشخص ذو الذكاء المتوسط يقوم باإلصالح الشامل قبل أن تكون هناك
حاجة للتغييرات الجذرية الواسعة ،أما إذا لم تقم بهذا اإلصالح الشامل في
وقته ،وأصبح التغيير الشامل استحقاق ًا فإنك لن تستطيع الهروب منه؛ ﻷنّ
المنزل يصبح غيرَ قاب ٍل للسكن ،يحتاج لتغييرات ،لكن ال يمكن إعادة البيت إلى
هندسته القديمة ،يجب أن يتجدد ،وهذا ما يجد مدخ ًال له في ما يسمى في
الظرف الحالي بمصطلح اإلصالح الدستوري.
ةيترابانوبلا ةلاحلا | 51
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ما ظهر في 2011ال يتعدى كونَه رأس جبل الجليد الذي تمتد قاعدته
عميق ًا ،وعميق ًا جد ًا ،كما وضَّحنا في نقاشنا السابق .لذلك يمكن أن نرى إلى
أيِّ حدٍّ كانت اإلصالحات االقتصادية الليبرالية لغم ًا موقوت ًا لنسف االستقرار
الداخلي في سورية ،ومن هنا بالذات نرُد على مَن يقول إنّ ما جرى كان
مؤامرة .األساس الجيني لجبل الجليد الذي ظهرت قمته في ،2011يعود
إلى ،1958لكن شكله الواضح تماماً والمباشر كان في حدثين في 2005:
األول هو إصالحات ليبرالية فاضحة ،والثاني هو العالقات الواضحة مع
تركيا وقطر اللتين وعدتا باستثمارات هائلة إذا ما قمنا بتغييرات في
التشريعات والقوانين ،والتغيير في التشريعات والقوانين يعني تغيير
النظام السياسي ،الذي يضمن على أساس دستور 1972مكتسبات
اقتصادية واجتماعية مهمة للشعب.
•دعنا ننهي فكرة “بيضة القبّان” بالمعنى الدولي ،وسنعود لحديث أكثر
استفاضة عن المرحلة التركية -القطرية عشية االنفجار...
دور الضامن للتوازن بالمعنى الدولي ،أو «بيضة القبّان» الدولية ،ليس
دور النظام السوري فحسب ،بل هو الدور الذي لعبته جميع األنظمة في
العالم الثالث التي كانت تسمى أنظمة التحرر الوطني؛ فقد كانت نقط َة توازنٍ
بين الشرق والغرب ،أي بين النظام الرأسمالي العالمي واالشتراكية العالمية،
وكانت تعكس ميزان القوى الدولي الناشئ بعد الحرب العالمية الثانية (والذي
لعب المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي 1956دور ًا في تجميده
ومنعه من االستفادة من الزخم السابق) من جهة ،وتعكس من جهة أخرى
حالة عدم وجود منتص ٍر نهائي من أيٍّ من الطرفين؛ فاألمريكان لم يستطيعوا
تنصيب صنائعهم بشكل معلن ،بل جاؤوا بهم الحق ًا من الباب الخلفي ،مثال ذلك
مجيء السادات خلف ًا لعبد الناصر وإلخ .أيض ًا ،االتحاد السوفييتي لم يكن قادر ًا
على فرض حلفاء حقيقيين ،فحلفاؤه كانوا يسمون أنفسهم «عدم انحياز»!!
ماذا تعني هذه الكلمة؟ أي أنهم غير منحازين للغرب ،ولكن غير منحازين
لالتحاد السوفييتي أيضاً ،على الرغم من أن هذا الوضع كان يعد تقدم ًا عمّا
ةيترابانوبلا ةلاحلا | 53
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•لم ندخل حتى اآلن في مناقشة “رأس جبل الجليد” ،أي األحداث ابتدا ًء
من ،2011وال نزال نتلمس عمق قاعدته .وفي هذا السياق ،تبرز رؤيتكم
للحركة الشعبية في سورية ،ليس كجزء من حركة شعبية اجتاحت
منطقتنا فحسب ،بل كجزء من حركة شعبية عالمية ،وتقولون إن لهذه
الحركة قانونيتها ،وتصفون تلك القانونية بأنها شبيهة بـ”الدّالة الجيبية”؛
التي تتصاعد إلى قيمة عُظمى موجبة ثم تعود لتنخفض إلى قيمة
دنيا سالبة وهكذا ...وتستخدمون تعبير “الحركة الجيبية التاريخية
للجماهير” ،هل لكم أن توضحوا هذه الفكرة ،وما هي أهميتها؟
نعم ،أحد جوانب تفسير ما جرى في سورية هو «الحركة الجيبية» ،وأقول
أحد جوانب التفسير ألن الظاهرة معقدة ولها جوانب عديدة ،عالجنا بعضها
-1الدالة الجيبية ،أو ،Sine functionهي دالة رياضية تعبر عن العالقة بين الزاوية وبين نسبة
طول الضلع المقابل إلى الوتر في مثلث قائم توضع ضمنه هذه الزاوية .وإحدى ميزاتها أنه
دالة دورية ،تكرر القيم نفسها ضمن الفواصل نفسها ،وتمر عبر قيمة عظمى سالبة وأخرى
موجبة ضمن كل دور من أدوارها.
)sin (X
)(X
إلى اآلن ...وهذا الجانب (الدورية الجيبية) وجه آخر يعكس جزء ًا من الظاهرة،
وال يمكن رؤيتها كامل ًة دونه.
تحدثنا سابق ًا عن الوعي الثوري والحالة الثورية والشرط الثالث ،أي
النشاط السياسي العالي للجماهير .اليوم ،إذا كنا نريد أن ننطلق من المستوى
المعرفي العلمي ،ومن المنصة التي توصلت لها علوم االجتماع تحديد ًا ،أعتقد
أنه هناك قضية هامة جد ًا ال يجوز إسقاطها ،وهي قضية تم اكتشافها عبر
المالحظة ودراسة تجارب مئات السنين من حركة الجماهير ،وتقول إن هذه
عال تمتد وسطياً لخمسين سنة ،ثم مرحلة الحركة جيبية ،مرحلة نشاط ٍ
ركود وعدم فاعلية تمتد خمسين سنة أخرى ،وهكذا دواليك.
مثال عملي :إذا أخذنا نقطة انطالق وعلاّ م الثورة الفرنسية عام ،1789
الثورة الفرنسية بدأت بحركة عفوية ،تكونت القيادات السياسية الجديدة في
رحم الحركة العفوية الجماهيرية ،اآلن إذا سألنا أيّ ًا كان :مَن الذي قاد احتالل
الباستيل؟ سيكون الجواب »:ال أحد يعلم».
ال أحد يعلم ،ألنه ليست هناك قيادة ،الجماهير العفوية خرجت وعبّرت عن
غضبها وعن مطالبها ضد رمز االستبداد الذي هو الباستيل .هل كان هنالك أحدٌ
خطط وتآمر؟ القضية ليست هكذا ،بل أبسط بكثير ،لذلك إذا سألتَ اآلن ما ّ
كل الباحثين أن يذكروا اسمين ،أو اسم ًا واحد ًا من األسماء البارزة التي كانت
تقود احتالل الباستيل ولعبت دور ًا في التطور الالحق في الثورة الفرنسية،
لن تجد أحد ًا يجيبك عن هذا السؤال ،ألنه ال أحد يعلم ،ألنه لم يكن هناك أحد؛
األسماء المهمة التي نعرفها عن الثورة الفرنسية ،بيمينها ويسارها ،روبسبير،
ميرابو ،دانتون ،مارات ،كل هذه األسماء لم تظهر إال خالل تطور الحركة بعد
عامين أو ثالثة...
من رحم الحركة الجماهيرية العفوية ،انطلقت كرة الثلج وبدأت تتدحرج،
والثورة الفرنسية التي كانت شعاراتها السياسية «حرية مساواة إخاء»،
وتطبيقها على األرض «دَعه يعمل دَعه يمر» ،اجتاحت أوروبا؛ نابوليون
احتل أوروبا بعدها ،وهو ممثل الثورة الفرنسية بشكل أو بآخر ،ومشت معها
| ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا 56
األزمة السورية الجذور واآلفاق
جماهير أوروبا حتى أواخر النصف األول من القرن التاسع عشر ،وتوقفت
الحركة عملي ًا عام ...1848ومنذ ذلك التاريخ وإلى أواخر القرن ذاته ،كانت
الحركة الجماهرية ،والحركة السياسية تالي ًا ،في حالة سبات مؤقت...
•وكيف يختفي المدّ الجماهيري؟ أو بكالم آخر ما تفسير السُّبات الذي
يَدخله بعد النشاط العالي؟
يفسرعلماء االجتماع هذا األمر بأسباب متعددة ومتشابكة ،برأيي إن المسألة
ببساطة هي التالي :بنى الدولة جميعها ،والبنى التنظيمية السياسية للمجتمع،
على اختالف أشكالها وتنويعاتها ،هي في نهاية المطاف نتاج لضرورات سابقة،
ولديها مهام تاريخية محددة ،هذه المهام هي التي أعدت مسرح التاريخ لتقف
عليه هذه البنى وهذه القوى ،وليست البنى هي مَن أحضرت المهام؛ المهام
انتصبت كضرورة موضوعية ،ووجد في القوى السياسية والمجتمع مَن يعبر
عن هذه الضرورة ويسير بها إلى األمام وينفذها .لذلك ،فكلما نضجت ظروف
المهام التي تنتصب كضرورة الستمرار حياة المجتمع ،ما الذي يحصل؟
يحصل أمران :البنى القديمة ،إن كانت دولة أم مؤسسات أم أحزاب كأشكال
تنظيم للمجتمع ،هذه جميعها متوافقة مع الضرورات السابقة ،ولكن ليس مع
الضرورات الجديدة ،لذلك هذه البنى ال تستطيع تحمُّل الضرورات الجديدة
فتنهار وتتالشى ،لتأتي عوضاً عنها بُنًى جديدة للدولة وبُنًى جديدة
للتنظيم السياسي للمجتمع وهكذا دواليك...
قد يقال إن هذا يحصل أوتوماتيكي ًا ،لكن هذا يأخذ مرحلة تاريخية ...ألن
الجماهير ،ألن المجتمع ،يكتسب تجربته ومعرفته وخبرته خالل عملية التهديم
وعملية البناء ،هذه العملية أخذت في فرنسا وأوروبا خمسين سنة ،وبعد أن
انتهت ذهب صاحب الجاللة ،الشعب ،إلى النوم ،إلى الراحة ،ألنه لم تعد
هنالك مشاكل كبرى تضطره أن يبقى نشيطاً ...تعب ،وذهب إلى النوم.
وخالل نومه ،ماذا يحصل؟ تتجمع التناقضات عبر تراكم المشاكل الجديدة،
وبما أن الحياة تسير وال تتوقف ،تكبر هذه التناقضات وتبدأ البنى التي
صُنعت لتحقيق مهام سابقة بالدخول في مرحلة ال تتوافق فيها مع الضرورات
ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا | 57
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الجديدة .الموضوع هنا ليس موضوع وعي فقط ،أي أن أصحاب البنية القديمة
أو المستفيدين منها ،حتى وإن استوعبوا تهافت وتهالك بُناهم ،وحاولوا إجراء
تعديالت ال تمس الجوهر ،فإنهم لن ينجحوا في نهاية المطاف ،ألن المسألة
تتعلق بالبنية ،بالجوهر...
إذا تابعنا المثال التاريخي الذي طرحناه ،نرى ّأن حركة الجماهير
بقيت خاملة إلى ،1905حيث انتقل مركز الزلزال شرقاً نحو روسيا.
•وقد تنبأ أنجلز بذلك في آخر أيامه .لكنّ السؤال قبل ذلك :ضمن فترة
الخمول التي ذكرتها ،والتي امتدت على كامل النصف الثاني من القرن
التاسع عشر ،حصل أمرُ كبير في التاريخ الثوري ،ال يوحي بالنوم أبد ًا:
كومونة باريس وهذا يناقض ما تقول ،أليس كذلك؟...
ومَن قال إن فشل كومونة باريس ليس تأكيد ًا على حالة الخمول في
أوروبا؟! ألن الحركة النشيطة في باريس ،في طور الصعود ،في طور النشاط
السياسي العالي ،أنتجت الثورة الفرنسية التي اجتاحت أوروبا كلها ،لكن
نشاط باريس وقت الكومونة ،في طور الهبوط ،والنشاط السياسي المتدني
للجماهير ،أدى إلى تكالب أنظمة الحكم في أوروبا عليها وخنقها وإنهائها
بالحديد والنار وعبر مجازر فظيعة .رغم ذلك ،فالحالة المتقدمة في الوعي
التي كانت في باريس ،وتقدمها السياسي ،كانت نتيجة لطبيعة الصراع الطبقي
السابق الذي جرى فيها ،وأحدثت شيئ ًا جديد ًا ،هذا الجديد لم يكن له ظرفه
الذي يسمح له باالنتشار ،وتلك القوى لم تكن قد استنفدت طاقتها بعد ،لذا
تمكنت من خنق الكومونة .وكان ماركس قد توقع ذلك ،وسمى أبطال الكومونة
قبل أن يسقطوا بأنهم أولئك «الذين هبّوا القتحام السماء»؛ بمعنى أنهم
أبطال ،فرسان ،لكنهم طوباويون ،ومع ذلك أيّدهم ألن رأيه هو أن الكومونة
كتجربة قد دخلت في الوعي االجتماعي ،وسيتم االرتكاز إليها في المستقبل.
عاشت الكومونة 72يوم ًا ،ويروى أن لينين ،بعد 72يوماً من انتصار ثورة
أكتوبر ،رأوه سعيد ًا جد ًا في الكرملين لدرجة أنه كاد يرقص ،وعندما
رآه لوناتشارسكي (وزير الثقافة) سأله :ماذا هنالك ماذا حدث؟ قال له:
| ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا 58
األزمة السورية الجذور واآلفاق
«كسرنا الرقم القياسي لكومونة باريس ،قطعنا الـ 72يوماً» .وفي النهاية،
ثورة أكتوبر عاشت سبعين عام ًا ،وكسرت بجدارة الرقم القياسي لكومونة
باريس.
•إذن فلنتابع عرض المثال التاريخي ،وصلنا لثورة 1905في روسيا،
ثورة عمال بتروغراد...
بدأت الموجة الجديدة في العام ،1905بكل إرهاصاتها ،وصو ًال إلى ثورة
أكتوبر عام ،1917وانتشرت أيض ًا في أوروبا ،وفي آسيا ،وغرب ًا وشرق ًا،
واستمرت إلى أن حققت انتصار ًا كبير ًا على النازية وغيّرت ميزان القوى الدولي.
وأصبح سُدس العالم بعد 1917اشتراكي ًا ،وبعد 1945أصبح سدسا العالم أي ثلثه
اشتراكي ًا ...بعد ذلك توقف المد؛ بدأ ركود الحركة الجماهيرية ،وبرأيي فإنّ
هزائم عديدة في النصف الثاني من القرن العشرين ،لحركة التحرر ،وللحركة
الثورية ،وكذلك هزائم كثيرة وقاسية للشيوعيين ،ال يمكن تفسيرها بمعزل عن
أن «صاحب الجاللة قد تعب» ،وانتقل الى حالة الخمول التي هي تعبير عن
االنحسار الدوري لنشاط الجماهير السياسي العالي .ما أقوله هنا ليس بعيد ًا
عن «النظرية الجيبية»؛ فلينين تكلم بها واكتشفها وصاغها ،بشكل مبسط...
•وماذا تقول نظرية لينين الجيبية؟!
لينين تكلم عنها بقدر ضئيل ،واألهم أنه طبقها في الممارسة العملية :قبل
انطالق ثورة أكتوبر كان لديه رأي بأن المدد سوف يأتيها من أوروبا ،وسوف
تكون هي الحالة األولى للبروليتاريا المظفرة التي ستدعمها بروليتاريا
وأغرقت في الدماء ،والثورةأوروبا ...ما جرى أنّ الثورة األلمانية فشلت ُ
الهنغارية فشلت ُ
وأغرقت في الدماء ،وهنا فهم لينين أن طاقة الموجة الصاعدة
األولى قد ضعُفت ...والموجة هنا ليست ميكانيكية ،هي صعود ثم استقرار ثم
هبوط تدريجي ،ليست صعود ًا وهبوط ًا فقط ،وضمن الطور الصاعد الواحد
هنالك صعود وهبوط عدة مرات ،لكن الميل العام يبقى صعود ًا في طور
الصعود التاريخي ،وهبوط ًا في طور الهبوط التاريخي.
ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا | 59
األزمة السورية الجذور واآلفاق
لذا فهم لينين أن موجة المدّ األولى انتهت .وكيف فهم ذلك؟ من دراسته
العميقة لتاريخ الثورة الفرنسية ...المرحلة األولى من الثورة الفرنسية
قادها اليسار« ،اليعاقبة» ،وهم عملي ًا مَن قام بتصفية المَ َلكِيّة وقطعوا رأسي
الملك والملكة ،وتابعوا في قيادة الحركة لفترة قصيرة بعد ذلك بقوة عطالة
موجتهم الثورية ،وأدواتهم وأساليبهم ،حتى تعبت الناس .ثم أتى اليمينيون:
«الجيرونديون» ،الذين ليسوا مع السياسات اليسارية الجذرية ،التي اتخذت
وقتها ،نحو ثالث إلى أربع سنوات دون أن تعطي نتائج فعلية على األرض
بالنسبة لحياة الناس ،أتوا وارتكبوا مجازر بحق اليعاقبة .يقول المؤرخون
إن الجييرونديين ذبحوا من اليعاقبة أكثر مما ذبح اليعاقبة من المَلكيين بعشر
مرات ،لكن ال أحد يتكلم عن هذا ،ويجري التذكير فقط بما فعله اليعاقبة.
•كان ذلك في 1793
نعم ،لينين فهم أن هناك موجة سوف تنتهي ،كل موجة ثورية لها طاقة،
مثل المد والجَزْر ،لها طاقة وانتهت ،وسوف يحصل الجزر ،جَزْر ضروري
كي تأخذ طاقة جديدة ،وتمضي في مدٍّ جديد .لكن إذا عرفت كيف تدير
الحركة ،يصبح كل مدٍّ أبعد وأعلى من سابقه .رأى لينين نهاية الثورة األلمانية
والهنغارية ،ومشاكل بناء االشتراكية التي هي طريق غير مطروقة سابق ًا ،حيث
تتعقد األمور والوضع االقتصادي شديد الصعوبة ،عندها قال« :يجب أن نفعل
بأنفسنا ما فعله الجيرونديون» ( ،)self-Girondisationوبدأ حينها بـ
“سياسة النيب” (السياسة االقتصادية الجديدة).
بكالم آخر ،فإن لينين قد فهم أنه كما ّأن للثورة قوانينها ،فللثورة المضادة
قوانينها أيضاً ...وأحد أسباب الثورة المضادة هو حيادية وشلل الحركة
الجماهيرية ،ألن حزباً طليعياً بال جمهور ،سوف تنتهي طاقته بسرعة...
وفي ظل التوازن العالمي ،والدول والمال واالقتصاد ،تصبح واقف ًا بالعراء،
فماذا فعل؟ خفف الموجة ،موجة الجَزْر ،أدارها ،أي أن حزب الطبقة العاملة
أدار مرحلة التراجع ،عبر سياسة النيب بمعنى مشاريع رأسمالية متوسطة
وصغيرة ،وسمح باستثمارات أجنبية وأعطاها امتيازاتَ ،طوَّر عمل رأس المال
| ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا 60
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المتوسط والصغير ،ولكن ماذا فعل بالتوازي مع ذلك؟ منع كل أعضاء الحزب
من ممارسة هذا العمل .والبالشفة ،حتى قبل أن يستلموا السلطة ،كان أي عضو
قيادي في الحزب لديه دخل من ربح ما ،بغض النظر عن ما هو نوع هذا الربح،
ريع أو ربح صناعي ،يتخلى عنه للحزب ،ويأخذ من الحزب راتب متفرغ درجة
أولى ،هذه كانت أحد أشكال قوننة تمويل الحزب.
اكتشف لينين فكرة «الموجة الجيبية» هذه وصاغها وطبقها ،وضمن الموجة
الكبيرة توجد موجات أصغر ،هو رأى الموجة في عصره وقارنها بالثورة
الفرنسية ،فقال جاء وقت الجيرونديين (اليمين) في روسيا ،إما أن يذبحونا ،أو
نسبقهم ونفعل ما كانوا سوف يفعلونه بشكل مخفف ومتحكم به ،بحيث عندما
ينتهي طور الجزر المؤقت وتشتد الموجة من جديد نستكمل ما بدأناه ،وهذا
ما حصل عملي ًا .انتهى الجزر عام ،1929لماذا؟ ألن انفجار األزمة الرأسمالية
العالمية والركود العظيم ش ّل العدو ومنعه من التدخل في الجوانب االقتصادية
والسياسية والعسكرية لالتحاد السوفييتي ،وحينها بدأ االتحاد السوفييتي
بسياسة التعاونيات والتصنيع .في حينه ،قال ستالين جملته المشهورة «علينا
أن نقطع في عشر سنين ما قطعته أوروبا في مجال التراكم الصناعي
خالل مئة وخمسين سنة» ،وإذا لم نحقق هذا الشيء سوف نكون ضعفاء،
والضعيف سيتلقى الضربات من كل مكان ...وطبق ذلك في جميع المجاالت،
الصناعة والجيش واألسلحة وأجهزة األمن التي منذ ذلك الحين انتبهت لقضية
ضرورة اختراق كل األجهزة الغربية حيث لم يكن واضح ًا مع مَن مِن بينهم
ستكون الحرب األساسية ،ولكن كان واضح ًا أن الحرب قادمة ...لذلك عندما
بدأت الحرب كان االتحاد السوفييتي بموقع جيد جد ًا معلوماتي ًا تجاه األلمان
وتجاه الغرب ،وهم كانوا في موقع أخفض منه بكثير تجاه االتحاد السوفييتي،
مما سمح له بتسجيل نقاط هامة في العملية.
•إذن حتى اآلن تحدثنا عن صعودٍ استمر منذ الثورة الفرنسية وحتى 1848
تقريباً ،ثم تراج ٍع استمر إلى بدايات القرن العشرين ،وبعد ذلك كان صعودٌ
استمر حتى أواسط القرن العشرين ،وبعد ذلك التراجع من جديد...
ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا | 61
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إذا فكرنا جدي ًا في الوضع السوري ،كان هناك قحط في الحركة السياسية.
لم يستوعب أحد ما الذي يجري في حينه ،كل شخص يضع المسؤولية على
اآلخر ،والقوى السياسية كل واحدة منها تضع المسؤولية على األخرى،
وضمن القوة السياسية الواحدة كل جزء من القيادة أو كل فرد من القيادة
يضع المسؤولية على اآلخر.
المتراجعة بدأت مع المؤتمر العشرين للشيوعي
ِ •إذن ،الموجة األخيرة
السوفييتي!
إذا أردنا أن نمضي أكثر بتحليل نتائج المؤتمر العشرين وأسبابه ،فحتى
المؤتمر العشرون ذاته هو تعبير عن شكل معين من تراجع مؤقت للنشاط
النسبي العالي لحركة الجماهير التي شهدها القرن العشرون في نصفه األول،
ألنه وإلى اآلن ،وحسب ما تخبرنا التجربة ،كما أشرنا ،فإنّ حركة الجماهير
ال تستمر ألكثر من خمسين سنة ،يتوقف بعدها زخمها ...خمسون سنة من
النشاط ثم استراحة .وهذا ما حصل خالل السكون النسبي لحركة الجماهير
في النصف الثاني من القرن العشرين؛ تراكمت مشاكل هائلة ،وأصبح التغيير
الزم ًا وضروري ًا كما كان سابق ًا في المثالين اللذين تكلمنا عنهما ،أي تغيير بنى
الدولة وبنى الحركة السياسية ،وهذا الذي جعلنا نتكلم عن الفضاء السياسي
القديم والجديد ،ألن القديم هو ابن القديم ،والجديد سوف ينشأ مع الجديد.
هذا األمر قادنا لفهم مسألة أخرى ...عندما قلنا «هناك فضاء سياسي قديم
يموت وجديد سينشأ» ( ،)10فإنّ هذا الكالم لم يأتِ من فراغ ،بل من فه ٍم لحركة
التاريخ وتطور السياسة خالل ثالثمئة سنة ماضية .من هنا توقعنا باكر ًا عودة
النشاط الجماهيري :آن أوانه((( .وقلنا يجب أن نحضّر أنفسنا لنكون مع الناس
« -1الظروف الموضوعية عالمي ًا وإقليمي ًا وداخلي ًا تنضج أكثر فأكثر ،وخاصة بسبب عدوانية
اإلمبريالية األمريكية ،لعودة الجماهير إلى الشارع ،مما يتطلب تسريع خطواتنا بالعودة إلى
الجماهير» ،من التقرير المقدم لالجتماع الوطني الثاني لوحدة الشيوعيين السوريين الذي
انعقد في دمشق بتاريخ /25نيسان.2003/
ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا | 63
األزمة السورية الجذور واآلفاق
كي تقبَ َلنا ،ليس نحن مَن سوف يُنزلها للشارع ،بل هي التي سوف تُن ِزلنا إليه،
فالذي ما زال يفكر بعقلية الوصاية على الجماهير ،وبأنه هو مَن سوف يُنزلها
إلى الشارع ،وهو مَن يقودها إليه ،مخطئ جد ًا ...جوهر الموضوع كان وال
يزال وسيبقى كيفية تسليم السلطة ،للناس ،للشعب ،واألحزاب الطليعية تُسَهِّل
هذه العملية ،هي قابلة شرعية مُوَ ِّلدة لعملية تسليم السلطة للناس ،وليست
وصي ًا وال بدي ًال ،ألن أفضل أشكال تنظيم الحراك الجماهيري هي تلك األشكال
التنظيمية التي تبدعها الجماهير نفسها ،ويجب عدم سرقة وإجهاض حركة
التطور الجماهيري بحجة الطليعية .نحن ننصح ونُق ِنع لكن ال نحاول أن نلعب
دور البديل ،ألننا سوف نَضُر الحركة الجماهيرية والتطور العام ،ولن نسمح
للحركة السياسية بالتطور الطبيعي بهذا الشكل...
من هنا أعتقد أن مهمتنا الالحقة هي الحفاظ دائم ًا على قناة اتصال وانفصال
في آن واحد ،اتصال مستمر مع حركة الجماهير بحيث تغذيها وتغذيك ،ال أن
تندمج بها وتصبح جزء ًا منها ألنها بتركيبتها العفوية تستند إلى التجربة،
وبتركيبتك (كتنظيم) لستَ عفوي ًا ،مهمتك أن تدير العفوية ،ولكن ال أن تكون
وصي ًا عليها ،تعرف أين اتجاه سير العفوية وتوجهه بالشكل الذي يفيد ويسرّع
الحركة ...الذي حصل أنه في 2010انفجر مركز زلزال جديد في الشرق
األوسط ...انظر 1789باريس 1905 ،موسكو ،2010 ،مائة سنة تقريباً.
هنا يجب مالحظة أن هذه الظاهرة ليست سورية فقط وال عربية فقط،
عال ،مالمحه أصبحت واضحة في بل هي عالمية ،هي درجة نشاط سياسي ٍ
كل مكان :إذا ما قارنتَ بينَ تحت وفوق ،بين الشارع وبين الدول والحكومات،
سترى أنّ البنى السياسية التقليدية ،بيمينها ويسارها ،هي نتاج عصر سابق،
وستحل محلها بنى جديدة تنشأ وتكسح اليمين واليسارالتقليديَيْن القائمَين
حالي ًا ،لكن ق ّلما تشبه البنى السابقة؛ بنى ليست جديدة باألشخاص وال بالهيكل
فحسب ،بل وأهم من ذلك جديدة بالبرامج والشعارات واألفكار ،تعبير عن شيء
جديد يظهر اليوم.
منذ 2010وحتى اليوم ،هذه الفترة ليست بالطويلة ،نحن أمام بداية نهوض
| ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا 64
األزمة السورية الجذور واآلفاق
جماهيري عالمي كبير سوف يمحو كل البنى السابقة ،لذلك ال نتكلم عن سورية
فقط ،فهي بحكم الضرورة جزء من هذه العملية ...النهوض سيمحو كل البنى
السابقة ألجهزة الدول وكل بنى العالقات الدولية التي نعرفها ،وكل التوازنات
التي نعرفها ،وسوف يمحو أيض ًا كل أشكال التنظيم والبنى السياسية التي
نعرفها التي لها عالقة بالمجتمع ،وسوف ينجز األشكال الجديدة في تنظيم
الدول وتنظيم المجتمعات ،والمتالئمة مع المتطلبات الجديدة.
ليس من أحد لديه خريطة مسبقة للبنى الجديدة؛ الواقع هو الذي سوف
ينتجها .وبفهمنا للعملية واتجاهها العام ،نستطيع أن نسهّل مخارجها فقط،
ونلعب دور ًا فيها ،نكون في المقدمة وليس أكثر ،ألن مهمتنا أن نبقى في
األمام .والذي مهمته أن يبقى في األمام عليه أن يبقى ملتصق ًا بالجمهور ألنه
في َغ ْف َلةِ ٍ
عين إذا ظ َّل وحيد ًا في األمام ،وقرر الذين خلفه أن يذهبوا ليستريحوا،
بعد خمسين سنة ،سيصبح حاله كحال شارلي شابلن مع الراية الحمراء في
فيلم األزمنة الحديثة(((.
-1في فيلم األزمنة الحديثة ،Tempos modernos ،1936بعد خروج شارلي شابلن من
المشفى وفي فترة الكساد العظيم ،وبينما يحاول البحث عن عمل جديد وبدء حياة جديدة،
تسقط راية حمراء من شاحنة محملة باألخشاب فيلتقطها شارلي ويلوح بها ويركض
محاو ًال اللحاق بالشاحنة إلعادتها ،وفي هذه األثناء تتقدم مظاهرة وراء شارلي الذي يظهر
وكأنه قائد تلك المظاهرة والمتقدم عنها ،لتهاجم الشرطة بعد ذلك الجميع الذين يهربون بينما
تعتقل شارلي بتهمة قيادته للمظاهرة.
ريهامجلل ةيبيجلا ةكرحلا | 65
األزمة السورية الجذور واآلفاق
عن الفترة التي تم فيها تأميم قناة السويس .بعد ذلك جاءت الوحدة عام
1958وكبحت عملية التطور الطبيعي للحركة السياسية في سورية ،وهذا
شيء غير تقدمي .وتال ذلك قمع سياسي ألول مرة في التاريخ السوري
الحديث ،وبعدها جرت في المنطقة مجزرة ضد الشيوعيين العراقيين،
تشبه مجزرة إندونيسيا بحجمها وأهدافها ونتائجها.
أي أن ما حدث في المنطقة عملي ًا هو اختالط بين قوة عطالة المرحلة
السابقة التي انهارت فيها منظومة االستعمار القديم ،وبين تكوّن منظومة
االستعمار الجديد التي دخلت على خط األحداث .وكانت الحركة الجماهيرية
تلعب دور ًا كبير ًا في العالم بأسره ،وكانت بوادر سكونها وخمولها بدأت تظهر
أكثر فأكثر ،وظهر هذا في سورية :في الخمسينات جرى نهوض شعبي مهم
جد ًا أوقف العدوان التركي مث ًال ،وسورية هددت باستهداف أنابيب النفط
التي تمر من سورية في حال لم يتوقف العدوان الثالثي على مصر.
ويمكن التعبير عن ازدياد مؤشرات تراجع الحركة الجماهيرية ،عند وصول
حزب البعث إلى السلطة عام ،1963ومنعه األحزاب األخرى من العمل،
استمرار ًا لعقلية عبد الناصر في التعامل مع القوى السياسية آنذاك ،ولكن هذا
االستمرار ،هذه العملية ،جرت في لحظات خمول الشارع ،مما سمح بخنق
الحركة السياسية.
حرب 1967هي حرب دولة معتدية اسمها “إسرائيل” ودول أخرى ،وحتى
اآلن يقولون لنا إنها انتصرت ألنها مدعومة من المعسكر الغربي .هذا التفسير
ليس خاطئ ًا لكنه غير كافٍ؛ ألن المواجهة جرت بين نسختين بدرجتين
مختلفتين من تنظيم الدولة في حينه ،نسخة «إسرائيل» َّ
المنظمَة التي هي
نسخة طبق األصل عن المجتمعات المتقدمة الرأسمالية في أوروبا ،ونسخة
متخلفة من الدول الناشئة ودرجة تنظيمها المنخفضة .هذه المواجهة التي
عال واألخرى درجةترجمت بمواجهة منظومتين عسكريتين إحداهما تنظيمها ٍ
تنظيمها منخفضة ،أدت إلى ما أدت إليه .وال عالقة لذلك ال بعدد السكان وال
بأي شيء آخر .لكنّ مَن استطاع الدفاع عن سورية ضد العدوان التركي
| ةيروس يف »ةيبيجلا ةكرحلا« 68
األزمة السورية الجذور واآلفاق
في عام 1956ومَنَعَه ،هو قوة الناس ،األمر نفسه لم يتكرر في عام ،1967
ألن مستوى النشاط السياسي للناس كان قد انخفض كثير ًا ،ولم يكن كما كان
عليه قبل عشر سنوات.
بعد ذلك جاءت حرب 1973بنتائجها التي أعتقد أنها تعبير بشكل أو بآخر
عن هذه الظاهرة ،حركة الناس تتراجع ،وميزان القوى على المستوى الكوني
يتراجع عكس مصلحة قوى التقدم.
المأساة هي أن الجميع الذي كان يتراجع كان يظنُّ أنه صاعد ،بينما هو
يتراجع فعلياً ،وبهذه القناعات الخاطئة كانت القوى السياسية كمَن يمشي
على درج كهربائي بعكس االتجاه ،يظن أنه يتحرك ويتقدم؛ يزداد نبضه
وتتسارع دقات قلبه نتيجة جهده ،ولكن اتجاه الحركة آخر ،والمحصلة
إما صفر أو سالبة ،ما الذي يمكن فعله؟
•لو كنّا على وعي بهذه الحالة ،ل َفعَ ْلنا كما فعل لينين وخففنا الخسائر...
صحيح .في العام 1982حدث صدام مع اإلخوان المسلمين ،وهو صدام
بين تنظيمين عسكريين هما الجيش السوري وتنظيم اإلخوان ،وكان صاحب
الجاللة ،الشعب ،خارج العملية.
في العام 2011مَن كان يفهم هذه النظرية كان يجب أن يفهم أنه ال يمكن
اللجوء إلى العنف ،ألننا دخلنا في مرحلة تاريخية مطلوب فيها تغييرات جذرية
في بنية الحياة السياسية ،وهذه ح ّلها ليس السالح بل بالحوار ،وما فعله رفع
السالح هو أنه أخّر التقدم وسبّب خسائر كبيرة ،ونحن عملي ًا اليوم ،عوض ًا عن
البدء فور ًا وبسرعة بعملية التغيير المطلوبة والمستحقة التي يفرضها الواقع
الموضوعي والتاريخي ،سنحتاج للدخول إليها بالتوازي مع ترميم الجراح
وما تهدّم ،وإجراء المصالحات وتأمين الوحدة الوطنية ،حتى نسمح للمهمة
األساسية بالتقدم بسرعة أكبر.
التغييرات المستحقة ليست منطلقة من رغبات أو من مواقف أيديولوجية؛
هي ضرورات موضوعية .عندما ال تستطيع الدولة تحقيق نمو ،وال تستطيع
ةيروس يف »ةيبيجلا ةكرحلا« | 69
األزمة السورية الجذور واآلفاق
حل المشاكل المنتصبة أمام المجتمع ،فهذا يعني أن هذه الدولة أصبحت قاصر ًا،
وهذا ليس شخصنة ،بل له عالقة ببنية جهاز الدولة ،وبآلية عمله ،وآلية تفاعله
مع المجتمع ،وفي حال كان جهاز الدولة كبير ًا كما في سورية ،فإنّ فرطه ال
يفرط الدولة فقط بل والمجتمع ،لذلك نحن ليس لدينا حل إال الذهاب باتجاه
تغيّر عميق تدريجي لجهاز الدولة.
في العالم الثالث بعد الحرب العالمية الثانية ،نشأت منظومة جديدة من
الحكم ،مكررة بحذافيرها في أماكن مختلفة من بلدان العالم الثالث ،من حيث
مخططها العام على األقل :جهاز دولة قوي يتضخم ويضغط على المجتمع
بشكل مستمر مع ازدياد تضخمه ،وفوق جهاز الدولة توجد نخبة صغيرة أو
شخص واحد ،وهذا ما سماه البعض “استبداد ًا” ،والبعض اآلخر ديكتاتورية،
والبعض نقص ًا شديد ًا في الحريات السياسية...
في بدايات األمر ،وبعد االستقالل ،عندما كانت الدول ال تزال هَشّة وضعيفة
وحديثة النشأة ،كان من الممكن لهذا النموذج أن يعطي نتائج إيجابية ،وربما
عال للدولة دون عودة كان ضرورة في حاالت متعددة :مركزية شديدة ودور ٍ
إلى أحد .لكن عند لحظة معينة ،وعندما تعقدت الحياة االقتصادية واالجتماعية،
وازداد وتعمق تقسيم العمل وتوسعت السوق الداخلية ،وكانت الدولة ال تزال
تحتكر كل القرارات ،في كل الشؤون ،أدى ذلك عملي ًا إلى كبح التطور؛ ألنها منعت
المشاركة ،والمشاركة ضرورة موضوعية هنا ،فمع تعمق درجة تقسيم العمل
تجري زيادة لعدد المنتجين المنفصلين المتصلين؛ المنفصلين في عملية اإلنتاج
والمتصلين عبر السوق ،وهؤالء يشاركون موضوعي ًا ،هذه عملية تكنولوجية
واقتصادية وسياسية ،وعدم مشاركتهم يعني إجهاض العملية وإيقافها.
جهاز الدولة تعجبه صالحياته القديمة ،ويريد اإلبقاء عليها ،وبذلك منع
المجتمع من أخذ دوره ،والدولة حتى تتقدم في كل العالم كانت تحتاج لشخص
أو لمجموعة صغيرة ،وأنا أصوّر ذلك بأن هذه المجموعة كانت ممسكة بمحور
يمر بالدولة والمجتمع وممسكٌ بكل شيء ،ومن هنا كانت أهمية الفرد ألنه كان
قابض ًا على ذلك ك ِّله بيده ،وكما يحركها يتحرك المجتمع وتتحرك الدولة.
| ةيروس يف »ةيبيجلا ةكرحلا« 70
األزمة السورية الجذور واآلفاق
في العراق ،قام األمريكان بضرب رأس هذه التركيبة ما أدى الى فرط
الدولة والمجتمع .وما نريده نحن هو تغيير آمن للمجتمع وللدولة ،نحن
لسنا معجبين بطريقة أمريكا في التغيير ،نريد تبديل منظومة بمنظومة
أخرى ،رسمَتُنا هي وضع (مخ ِّفف صدمات) بين النخبة وجهاز الدولة ،وبين
جهاز الدولة والمجتمع ،إليجاد مسافات أمان؛ طالما أن الرسمة السابقة تقوم
على التصاق األجزاء الثالثة (النخبة وجهاز الدولة والمجتمع) فإنّ هزَّ أحد
عناصرها يمكن أن يولد شرخ ًا عميق ًا في كامل واقع الدولة ،و(مخفف الصدمات)
هذا هو باللغة العملية :الديمقراطية ،حتى يبقى الجميع فعا ًال ومتفاع ًال مع
بعضه ،ولكن مستق ًال عن بعضه أيض ًا .وإذا ألغينا الرسمة القديمة في ظل غياب
رسمة جديدة ،هذا يودي بنا إلى المجهول :وهذا ما نراه في ليبيا والعراق.
حين نقول إننا ال نريد التغيير بالقوة ،بل نريد التغيير الجذري الشامل،
فقصدنا هو الذهاب إلى الرسمة الثانية ،والرسمة الثانية تحدث عبر دستور
جديد يجري تطبيقه فع ًال ،وهذه مرحلة تاريخية تنقلنا لمنظومة جديدة.
معطى إرادوي ًا ،بل
في نهاية المطاف ،يجب أن نفهم أن الديمقراطية ليست ً
معطى موضوعي نقطة انطالقه هي كما يقول انجلس :درجة تطور القوى هي ً
المنتجة في المجتمع ،وهي ليست كالم ًا شكلي ًا فارغ ًا بل يجب أن تعبّر عن
درجة المشاركة ،ودرجة المشاركة تفرضها درجة تقسيم العمل ،وتقسيم العمل
يصيغ معه العالقات السياسية والبنى السياسية للعملية.
وهناك ميزة تخص الشيوعيين السوريين حدثت أيضاً في النصف
الثاني من القرن العشرين ،هي أن الحركة الشيوعية في سورية انقسمت
عدة انقسامات ،وهذا تعبير آخر عن التراجع ،وسبب التراجع هو ابتعاد الناس
ليس فقط عن الحركة الشيوعية ،بل عن كامل الحركة السياسية ،وعندما لم
يفهم الشيوعيون حينها أن أزماتهم سببها وضعٌ عامٌّ يمس الجميع اختلفوا فيما
كل جز ٍء من القيادة يحمِّل الجزء اآلخر مسؤولية التراجع ،مع أن الجميع بينهم؛ ّ
كان يشاهد التراجع ،لكنهم كانوا يعزونه ألسباب ذاتية وليست موضوعية
مرتبطة بتغيّر العالم وانفتاح األفق أمام أعداء الشعوب.
ةيروس يف »ةيبيجلا ةكرحلا« | 71
األزمة السورية الجذور واآلفاق
نحن اليوم في وضع آخر ،انفتح أمامنا أفق التغيير ،آخذين بعين االعتبار ما
جرى سابق ًا ،ألن حركة الناس ارتفع مستواها ،ودخلت على الخط قوى رجعية
خارجية غربية وعربية ،وهناك قوى من النظام ال عالقة لها وال مصلحة لها في
التغيير الحقيقي ،وحرفت الحركة الجماهيرية عن مسارها الصحيح ،والحركة
الجماهيرية في سورية في أشهرها األولى كانت كالطفل الصغير الذي
يحبو ويمشي خطواته األولى ،وإذا لم تمسك بيده فإنه يقع كثير ًا ويسبب
أضرار ًا لنفسه .الذي جرى أن أحد ًا لم يأخذ بيده ألن الحركة السياسية
كانت بعيدة وجهاز الدولة لم تعجبه كل القضية ألنه خاف على امتيازاته
وصالحياته .واستمرت العملية على هذا األساس ،واآلن مهمتنا إصالح هذا
التشوّه وإعادة األمور إلى نصابها ،وبدء عملية التغيير الحقيقي التي َآذن
استحقاقها منذ بداية الحركة.
(((
الهوية الوطنية والحرب المركبة
السورية الكبرى .الذين كانوا واعين ألهمية تكوين الهوية السورية ،رغم أنهم
كانوا من مناطق مختلفة ،إال أنهم كانوا شديدي الحرص على الراية السورية
الواحدة والجامعة ،وعلى تكوين وعي سوري عام ،ليس مناطقياً ،أو طائفياً.
هذا ما يجب أن نتذكره جيد ًا .ورغم ذلك فإنّ تكوّن الهوية الوطنية لم يكتمل
ألسباب عديدة ومعقدة.
بكل األحوال ،ال يعرف أحد بشكل دقيق ونهائي ما مصدر أو سبب دور
سورية وأثرها في المنطقة ،فكل األبحاث الجيو -سياسية ال تعطي جواب ًا
شافي ًا حول هذه النقطة ،وهو يعود إلى 200-100سنة بل وأكثر من ذلك.
أكثر التفسيرات انتشار ًا هي القائلة بأهمية الموقع الجغرافي -السياسي ،ولكن
ال أعتقد أنه تفسير كافٍ؛ ألنه ال يأخذ بعين االعتبار دور العوامل األخرى
المرتبطة بالبنية الفوقية :الثقافة والوعي ،والسياسة والمجتمع وباالقتصاد
كأساس للبنية التحتية ،وغيرها الكثير ،المبالغة في دور الجغرافية -السياسية
ليس دقيق ًا.
مهمة الباحثين الحق ًا فهم هذه المسألة ،فهم السر العميق للدور السوري،
وهي ليست غيبية ،بل مادية جد ًا ،لكننا لم نعمل كسوريين ما يكفي لفهم هذه
النقطة وتفسيرها .ونحن مقبلون خالل المرحلة القادمة ،على مرحلة استكمال
تكوين الهوية الوطنية ،وتثبيتها وتعميقها ،وسر التكوين األول سيساعد على
التكوين الالحق بسرعة.
•سنعود لفكرة الحرب المركبة ،ولكن لنتوقف قلي ًال عند «مراحل تكوّن
الهوية الوطنية السورية» ،خاصة أن ظروف األزمة أظهرت إلى السطح
مشكالت كبرى تثبت فعلياً أن تكوين هذه الهوية لم يكتمل بعد ،المثال
الفاقع لذلك هو بروز الخطاب الطائفي والمناطقي ،وإن لم يكن حال ًة
عام ًة ولكن ال يمكننا إنكار وجوده...
نعم ،هنالك ثالث مراحل أساسية ،حسب ما أعتقد ،في تكون الهوية الوطنية
السورية .المرحلة األولى تمتد من معركة ميسلون 24تموز عام 1920وحتى
| ةبكرملا برحلاو ةينطولا ةيوهلا 74
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إلغاء الدور الوظيفي لسورية ،أو إلغاؤها نهائياً .أي كان لديهم برنامج
حد أدنى وبرنامج حد أعلى .ولتحقيق ذلك تم تجريب كل الوسائل على مدى
نصف قرن ،من الداخل والخارج ،ولم يصلوا لنتيجة تُذكر .آخر تجربة مع حزب
اهلل في حرب تموز عام ،2006كانت خطيرة على «إسرائيل» بدالالتها العامة.
لذلك كان يجب االنتهاء من سورية كدور وظيفي على األقل.
وبما أن التجارب السابقة اشتغلت ك ّلها ،إما من الخارج بشكل منفصل ،وإما
من الداخل ،فقد عملوا هذه المرة على اعتماد ح ٍّل مركب ،أي محاولة متزامنة
من الخارج ومن الداخل ،وبمختلف الوسائل :سياسية وعسكرية ،واقتصادية،
وإعالمية ،ونفسية ...كل الوسائل الممكنة.
قلنا في حينه :السياسات االقتصادية الليبرالية تَرَفٌ ال تتحمله سورية.
السياسات الليبرالية بمنطقها الذي قصده صانعوها ،ليست أداة إلعادة توزيع
الثروة لصالح األغنياء ضد الفقراء فقط ،بقدر ما هي أداة تفتيت للمجتمعات،
بل أداة (تذرية) من كلمة ذرّة.
•هل تم استخدام هذه التعبيرات في افتتاحيات قاسيون في 2006؟
نعم ،استخدمنا :الليبرالية أداة تذرية ،أداة سياسية أكثر مما هي أداة
اقتصادية .تُ َقدّم على أنها أمر تقدمي ،واتجاه سائد ،ولكن الجوهر العميق لها،
هو التفتيت ،تفتيت المجتمع إلى أصغر َذرّة ممكنة ،تفتيته إلى مكونات ما قبل
الدولة ،تفتيت المكونات إلى العشيرة ،ومن ثم إلى العائلة ،وتفتيت العائلة إلى
الفرد ،وتحطيم الفرد نفسه وسحقه نفسي ًا بأكبر قدر ممكن ...أي «التذرير»
بالمعنى المطلق.
هذا ما يجري في أوروبا ،سيطرة قوى رأس المال المالي ،ال يمكن أن
تجري دون عملية تذرير ،ألن المجتمع غير المذرَّر يمكن أن يتوحد ،وتصبح
مكوناته فعالة في المواجهة ،لذلك التذرير بالنسبة لهم مهم جد ًا.
وأضيف هنا أنه يجري في الغرب بشكل مقصود ضرب موضوع العائلة،
فمث ًال مسألة زواج المثليين ،أليس ذلك ضرب ًا لمفهوم العائلة ،وتذرير ًا؟ قوننة
ةبكرملا برحلاو ةينطولا ةيوهلا | 77
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إعالن دمشق
•حتى اآلن تكلمنا عن األسباب والمقدمات ،وفعلياً وصلنا إلى تخوم األلفية
الثالثة ،ومطلع العقد األول من هذا القرن ...وهناك تحوالت سريعة
جرت خالل هذه الفترة ،إحدى المحطات السياسية هي ربيع دمشق
وإعالن دمشق الحقاً ...فعلياً أنتم لم تظهروا موقفاً معلناً فورياً من
إعالن دمشق ،وفي السلوك العملي لم تشاركوا بأي نشاط من نشاطات
إعالن دمشق ،وهذا موقف أيضاً وإن كان غير معلن .الظاهرة بحد ذاتها
– إعالن دمشق -وبغض النظر عن الموقف السياسي الراهن منها ،عن
ماذا كانت تعبّر في حينه؟ ولماذا تعاملتم معها بهذه الطريقة؟
أو ًال :الحديث يجري عن السنين الخمس األولى من األلفية الحالية...
نحن كحالة سياسية جديدة بدأنا في التكوّن عام ،2000والمالمح األولى
التنظيمية لحركتنا اتضحت في ،2002وبدأت تتطور الحركة حتى أخذت
شكلها شبه النهائي في ،2010لذلك فإن ما كان يهمّنا بالدرجة األولى في تلك
الفترة هو بناء نفسنا ،وعدم التورط في عالقات بوضع لم نكن نعرفه جيد ًا،
كقيادات جديدة عملي ًا ،يعني القيادة الحزبية والسياسية الحالية لم يكن فيها من
القيادات القديمة إال أفراد قليلون جد ًا يُعدّون على أصابع اليد الواحدة ،وهذا
عامل موضوعي؛ أي أن اهتماماتنا وانشغاالتنا كانت في مكان آخر ،ضمن إطار
الصراع الحزبي وتخفيف الخسائر وإيجاد شكل للخروج منه يسمح لنا بالتقدم
الالحق ،آخذين بعين االعتبار الواقع الموجود والمتكوّن.
في العمق الحقيقي ،إلبعادنا أو ابتعادنا ،عن الجسم التنظيمي السابق ،كانت
شمد نالعإ | 79
األزمة السورية الجذور واآلفاق
تكمن قناعتنا منذ سنوات عديدة ،منذ أوائل التسعينيات ،أن هذا الجسم -رغم
الشعارات الجميلة جد ًاَ -ف َقد دوره الوظيفي فعلي ًا ،نحن كان يهمنا استرجاع
الدور الوظيفي في الحركة الثورية في سورية ،الحركة الثورية اليسارية،
وكان هذا األمر يصطدم خالل المرحلة األولى ،في السنوات العشر األخيرة
من القرن العشرين ،بقوة أثقال رهيبة موجودة عند القيادات الحزبية ،بما
كان يمكن أن يحطم أي طموح وأي حلم بتحقيق آمالنا التي جئنا من أجلها إلى
الحركة ...ومع التجربة اقتنعنا أنه من الصعب التعايش مع هكذا تركيبة...
بكل األحوال ،لدينا عامالن يجب أخذهما بعين االعتبار عند الحديث عن
رؤيتنا إلعالن دمشق ،العامل األول :توضَّح لنا باكر ًا ،خاصة بعد أيلول ،2001
أن األفق الذي بدأ باالنغالق أمام الحركة الثورية العالمية منذ المؤتمر العشرين،
وباالنفتاح أوتوماتيكي ًا في 1956وبشكل مؤقت أمام العدو ،هذا األفق الثوري
قد عاد لالنفتاح مجدد ًا أمامنا ولالنغالق أمام أعدائنا .استنتجنا باكر ًا ،وكنا
نتوقع أن تأتي هذه اللحظة ،وهذا األمر مو ّثق((( ،استنتجنا باكر ًا أن 11
أيلول 2001هو مرحلة انعطاف هامة جد ًا تكرّس انفتاح األفق التاريخي
االستراتيجي أمام الحركة الثورية العالمية ،والذي بقي مغلقاً لخمسين
سنة متتالية ...مغلقاً مؤقتاً.
•هل صحيح أن طالبَك في معهد تخطيط الدولة قد سألوك بعد 11أيلول
إذا كان لديك علم مسبق بما سيجري؟
« -1إن األفق التاريخي قد بدأ باالنسداد أمام الرأسمالية العالمية ،وإذا كان هذا األفق مسدود ًا
بالمعنى التاريخي استراتيجي ًا ،إال أنه اآلن قد بدأ باالنسداد في األفق اآلني القريب المدى،
مما يعني أن توازن القوى الذي تكوّن خالل العقود الماضية لصالحها غير قادر على
االستمرار ،بل العكس هو الصحيح؛ فالخيار العسكري كخيار وحيد لحل المشاكل العالمية ،ما
عميق وأزمة مستعصية ال حل لها ،وهذا يعني أن األفق التاريخي هو إال دليل على إفالس ٍ
لحركتنا قد انفتح على المدى المنظور مما سيغير ميزان القوى بالتدريج لصالحها» ...من
تقرير اللجنة التحضيرية للمؤتمر االستثنائي للحزب الشيوعي السوري والذي قدمه د.
قدري جميل ،عقد المؤتمر في دمشق يوم /18كانون األول.2003/
| شمد نالعإ 80
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ال ليس هكذا ،هي حادثة طريفة؛ قبل 11أيلول بأيام وضمن محاضرة لي
في معهد تخطيط الدولة خصصتها للحديث عن األزمة الرأسمالية القادمة ،قلت
ما معناه أن األميركان سيلجؤون للحرب بأقرب وقت ممكن وسيقومون بأي
شيء يوفر لهم ذريعة إطالق تلك الحرب ،حتى لو كان ذلك الشيء ضدهم هم
بالذات ...وبعد ذلك جاء 11أيلول...
بالعودة للفكرة التي بدأتها ...انفتاح األفق ،واستنتاجاتنا حول النظرية
الجيبية للحركة الجماهيرية التي أتينا على ذكرها سابق ًا ،قادتنا إلى
االستنتاج أننا ذاهبون على المستوى العالمي إلى مرحلة جيبية جديدة
جذرية ،حركة جيبية جديدة ،وهذا يعني في ما يعنيه موت الفضاء السياسي
القديم :كتركيبة جهاز دولة وكتركيبة أحزاب ،وهذا يعني والدة فضاء جديد:
تركيبة دولة وتركيبة أحزاب ...هذا رأيناه فور ًا ،لذلك رأينا أن الحظ كان
لجانبنا عندما جرى إبعادنا تنظيمياً من جسم الحزب القديم ،ولم نكن
حزينين جد ًا على إبعادنا من جسم الحزب األم الذي تربينا فيه عملياً،
ألننا رأينا أن إبعادنا هذا سوف يعطينا هامش حركة ومرونة واسعين
للتأقلم مع األجواء الجديدة كي نستطيع القيام بدور فاعل ضمن الحركة
الجديدة وكي نستعيد الدور الوظيفي للحركة الثورية .هذان العامالن
كانا موضوعين في االعتبار بالنسبة لنا ،لذا كان اهتمامنا منصبّ ًا بالدرجة
األولى على التكوين المعرفي النظري الفكري ،وثاني ًا على التكوين الحزبي
والعملي ...كنّا في حالة حضانة ،حالة جنينية ،لم يكن يهمنا كثير ًا ،ولم نكن
نشغل بالنا بالذهاب نحو عالقات مع الخارج ،نحو بناء عالقات مع القوى
األخرى ،لكن كنّا نراقب باهتمام كل ما يجري ،ونضعه في الخلفية وندرسه
لنأخذه بعين االعتبار الحق ًا حين بناء العالقات.
لذا بما يخص إعالن دمشق ،من حيث اإلمكانية الذاتية نحن لم نكن
موجودين كجسم مستقل ومنجَز التكوين فعلياً ،وإذا كنا موجودين فلم
يكن انتشارنا ووجودنا كافياً .الوسيلة الوحيدة التي بقيت تتكلم باسمنا هي
«قاسيون» كمنبر لمنطقية دمشق في الفترة األولى ،ثم جرى اعتمادها بعد
شمد نالعإ | 81
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ذلك ناطقة باسم جميع الشيوعيين السوريين المبعَدين .مهمة الجريدة كانت
التجميع والتنظيم ،تنظيم ما تبقى وإعادة بناء الخط حتى نفتح أبوابنا للجديد.
هذا ال يعني أنه لم تكن تجري نقاشات داخلية حول إعالن دمشق ،كان
يثير ريبتنا وحذرنا أن القوى المشاركة في إعالن دمشق خليط عجيب وغريب
من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين ،وهذا أمر من حيث المنطق ال يستقيم
مع الواقع والضرورة ،وإذا حدث فهو مؤقت جد ًا ألنهما سينفصالن :منطق
مختلف ورؤية مختلفة وقيم مختلفة إلخ ...وصدَق توقعنا ،فمن هنا لم يكن
هنالك من ضرورة لالستعجال ،وأن نضع رأسنا بين هذه الرؤوس التي ال تعلم
هي أين تضع نفسها ،كان مطلوب ًا انتظار كيف ستتبلور هذه الحالة...
والحقيقة أن هذه الحالة خرج منها تياران في نهاية المطاف :التيار األول
هو تيار ثوري وواقعي أكثر ،وعالقتنا به جيدة ،ويضم قوى عديدة ،وتيار ثانٍ
هو الذي ذهب الحق ًا وأصبح في االئتالف والدوحة وإسطنبول الخ.
هذان التياران هما اللذان نشآ من هذه الحالة ،وهذا دليل أنها لم تكن حالة
متجانسة ،وكانت الظروف سوف تجبرها على إعادة الفرز واالصطفاف فيها،
لذا كان لدينا سؤال قائم هو لماذا االستعجال؟ نحن لم نكن جاهزين كتنظيم،
والحالة بذاتها (أي اإلعالن) ليست ناضجة ،فلننتظر ونرى ،لماذا نخطو خطوة
خاطئة سوف تؤثر على سلوكنا الالحق وعلى سرعتنا؟ فلننتظر ،ال يوجد
مانع .لذلك كان موقفنا االنتظار والتفحص والتريث في أخذ موقف من هذه
الحالة ،وتبين أنه معنا حق إلى حد كبير ألنه عملي ًا يوجد قوى أرادت من ربيع
دمشق الذي تزامن في المرحلة األولى ،بعد سنة أو سنتين منه مع اإلجراءات
الليبرالية المعادية لمصالح الناس ،وجزء من جماعة ربيع دمشق ،كان يرى
أن هذه اإلجراءات تفتح طريق الديمقراطية ،وكانوا يتكلمون بالفم المآلن أن
القطاع العام هو سبب القمع ،وأن الليبرالية تصنع ديمقراطية ،ونحن كنا نقول
لهم :يا إخوان ،الليبرالية السياسية في أوروبا جَ َلبت ليبرالية اقتصادية ،في
بالدنا أو ًال ال توجد ليبرالية سياسية ،وإذا كنتم تريدون أن تصنعوا ليبرالية
اقتصادية فسوف تأتي بمزيد من القمع السياسي ،كان يهزؤون من طرحنا،
| شمد نالعإ 82
األزمة السورية الجذور واآلفاق
وجاءت األحداث لتثبت ذلك عملي ًا ،وليس فقط في سورية ،بل في كل العالم
الثالث ،ومفهوم لماذا ،شرحنا سابق ًا هذا الموضوع.
من هنا أقول إنّ إعالن دمشق كان محكوماً مسبقاً بأن يتغير ،تتغير
القوى الموجودة فيه ،وعملياً لم يعد موجود ًا اآلن ،هو من الماضي .هنا
يهمني أن نالحظ ونتابع موقف مجموعتين أساسيتين في المعارضة والنظام من
إعالن دمشق .في المعارضة واضح أن هناك البعض ممن حاول أن يركب موجة
محاو ًال ضبط موجته السياسية عليها
مال إليها النظام ِالليبرالية االقتصادية التي َ
لعل الموجتين تتناغمان وتؤديان إلى التغييرات المطلوبة باتجاه اليمين الذي
يقضي على المكتسبات االقتصادية واالجتماعية الهامة التي حصلت في سورية
خالل الستينيات والسبعينات ،وال يجب التقليل من شأن هذا التيار ،هذا في
المعارضة .في النظام ،هناك البعض ،ونتيجة التراكم األولي من رؤوس األموال
المنهوبة كان يهمهم جد ًا أن يلتقوا مع الجانب اآلخر إلحداث قطيعة سريعة مع
التشريعات والبنى القانونية السابقة بما يسمح بتشغيل ما تراكم من رأس مال
أولي ،وأصبحت القوانين السابقة واألشكال السابقة والبنية السابقة معيقة ،كما
حدث تمام ًا في االتحاد السوفييتي :في االتحاد السوفييتي أصبحت القوانين التي
تعاقب على السرقة معيقة لتشغيل الرساميل المسروقة للصوص الكبار والمحفوظة
في الخفاء ،بالتالي فقد الحظ الجميع أن الذي قاد عملية انهيار االتحاد السوفييتي
هم قادة الصف األول في الحزب نفسه في المركز واألطراف وفي كل مكان.
•وأجروا تحوّلين ،اقتصادي هو البيروسترويكا ،وسياسي هو حزب
الشعب كله...
نعم ،ثم أنهوا الموضوع برمته .وفي سورية كان هناك قوى تريد استخدام
هذه المعارضة لتفكيك النظام بشكل سريع .لم يحصل هذا لسببين ،األول هو
دورنا وتحذيرنا من ذلك ،وقلنا إن بنية سورية ال تسمح ،سورية بلد مقاوم
ال يجب أن تمارس تَرَفَ وب ََطرَ الليبرالية االقتصادية ،على العكس يجب
عليها الحفاظ على المكاسب .وللحفاظ على المكاسب يجب توسيع الحريات
السياسية فعلياً للشعب واالنتهاء من مقولة الحزب القائد والواحد .هذا كان
شمد نالعإ | 83
األزمة السورية الجذور واآلفاق
رأينا منذ اللحظة األولى ،وكان يلقى تأييد ًا وتضامن ًا معلن ًا وغير معلن من قوى
داخل النظام .ولكن كانت هناك أيض ًا قوى داخل النظام تريد أن تستخدم إعالن
دمشق لتسريع تمرير إرادتها ،وعندما رأت مقاومة شديدة في النظام قالت عليّ
وعلى أعدائي ،ورّطت قوى المعارضة في التصعيد ضد النظام ،وعندما صعّدوا
إلى الحد األقصى ومسّوا شخصيات ال تُمَس عادة ضمن الهجوم السياسي،
اضطر مجموع النظام أن يأخذ موقف ًا قاسي ًا تجاه كل الظاهرة التي لو تطورت
بشكل طبيعي لكان من الممكن أن تفرز القوى الرجعية والسوداء عن التقدمية
منها وتسمح بفرز جديد هنا وهناك في الطرفين مما كان سيعطي مجا ًال للتقدم.
توجد بعض األسماء ضمن النظام عليها إشارة استفهام في الدور المشبوه
الذي لعبته في توريط جزء من المعارضة التي لم تكن لديها خبرة في شعارات
غير قادرة على تنفيذها ،وقامت هذه األسماء نفسها باالتكاء على هذه الشعارات
للتحريض على مَن ورطتهم ،وهو بالمناسبة ،أسلوب ال يزال مُتّبعاً مع
المعارضة اليوم من قبل بعض أجهزة النظام .يجب القول إن هذه األسماء
هي أول مَن ترك المركب عندما بدأت األحداث ،هؤالء أول من ترك عملي ًا،
وهذا يدفعك للقول إن القضية ليست بهذه البساطة ،ليست فقط سبب ًا ونتيجة
بشكل مبسط؛ يوجد هدف دفين كان عند البعض وليس الجميع ،البعض
القليل ،ينفذ خطوة بعد خطوة ،وأعتقد بالنسبة لهذه القوى الموجودة في
النظام فإن التكتيك الذي اتبعته مع قوى إعالن دمشق حقق هدفه بدفع النظام
إلى مزيد من الليبرالية من جهة وعدم االنفتاح السياسي من جهة أخرى،
ألن الظروف الموضوعية التي أخافتها كانت تسمح بالسير في اتجاه كبح
الليبيرالية االقتصادية واالنفتاح السياسي في آن واحد ،كان المهم بالنسبة لها
أ ّال يحصل أي انفتاح سياسي ،ألن الحفاظ على جوهر السياسات االقتصادية
االجتماعية القديمة ،التي لم تكن سلبية بالمطلق على األقل ،مع انفتاح سياسي
على الشارع ،كانت ستكون محصلته اختراق ًا كبير ًا لألمام وتجاوز ًا لألزمة ،لكن
العكس أي سياسات ليبرالية مع قمع فهذا يعني تراجع ًا محتم ًا ،وهذا ما جرى
فعلي ًا في الواقع العملي ،وهذه قراءتنا األولية في ذلك الحين لهذا الموضوع.
| شمد نالعإ 84
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•خالل الفترة األخيرة ،وطالما أننا نتكلم عن المقدمات القريبة للعام 2011
وخالل آخر ست سنوات قبل انفجار األزمة ،كان هناك تزامن بين ثالث
قضايا ،سياسات بالمعنى الداخلي ،جز ٌء منها مرتبط بقضية التعامل مع
إعالن دمشق ،والفتح باتجاه قطر وتركيا بالمعنى االقتصادي السياسي،
والسعي وراء األوروبيين بقضية الشراكة وغيرها ،ما الرابط بين هذه
القضايا جميعها ،وكيف ش ّك َلت سوي ًة مقدمات لالنفجار؟
في اجتماعات موسكو التي أسست عملي ًا إلطالق «منصة موسكو»
للمعارضة السورية ،في أحد هذه اللقاءات كان هناك طرفان ،معارضة متنوعة،
وممثل للحكومة .في حينها قال ممثل الحكومة إن المؤامرة بدأت في ،2011
وحين جاء دوري في الكالم قلتُ إن المؤامرة لم تبدأ في 2011بل بدأت
في 2005ألن الحكومة السورية في عام ،2005قامت بقضيتين تتحمل
مسؤوليتهما ،هما السياسات الليبرالية االقتصادية ،التي أفقرت قسماً مهماً
من المجتمع ،ومَن قام بهذا كان يريد أن يدير المجتمع بطريقة عسكرية،
وال يفهم العالقة الديالكتيكية المعقدة الموجودة بين الطبقات وتطورها،
هذا أو ًال .وثانياً :أثبت هذا الطرف أنه قارئ ضعيف جد ًا للتجربة اإلنسانية،
ألنّ ما حصل مجرَّب سابق ًا ومكتوب ومعروف ،ولو كانت هناك قيادات على
المستوى التاريخي في تلك اللحظة ألدركت ذلك.
القيادات التاريخية ليست سمة شخصية لهذا الفرد أو ذاك ،بل هي فهم
الضرورة الموضوعية ،ومن هنا تأتي الجرأة .الكل يعرف قادة تاريخيين
ىرخأ ةرم ةرماؤملا | 85
األزمة السورية الجذور واآلفاق
مثل لينين وستالين وماو ،شارل ديغول وجمال عبد الناصر وغيرهم .هؤالء
كانوا جريئين ،وكانوا يرون أبعد من بطانتهم ،ويتخذون الخطوة الضرورية
رغم مزاج بطانتهم ،ألنهم يعرفون مصلحة الحركة التي يقودونها بهذا االتجاه
حتى لو لم تفهم بطانتهم .ومن هنا تأتي صفة القائد التاريخي ألنه أحيان ًا يجب
أن يسير ضد التيار المحيط به ،ويأتي التاريخ ويمنحه البراءة ويعطيه كامل
المبرر لسلوكه ،وإال ما معنى قائد؟ مدير مدرسة فقط؟
القائد التاريخي يلتقط اللحظة التاريخية ،ويكون لديه ما يكفي من
الشجاعة السياسية ،وهنا الشجاعة الشخصية شرط ضروري لكنها ال
تكفي .القائد السياسي الذي يمتلك الشجاعة السياسية يرى أبعد من غيره،
ويقتحم .وهذا ما حدث مع لينين وستالين وديغول وعبد الناصر وغيرهم...
عندما قرر ديغول أن يستقيل ،لم تسمح له الجماهير بذلك ،وأجرى استفتا ًء
وغيّر ما يلزم تغييره رغم مقاومة بطانته ،ودفع ثمن ذلك ،ومَن أبعده عن
السلطة هم عملي ًا بطانته التي استجابت للضغط األمريكي ،وذلك ألنه اتخذ
موقف ًا من قضيتين هامتين؛ الموقف من الدوالر وعدم الموافقة على استخدامه
من قبل األمريكان خالف ًا التفاق بريتين وودز( .)11أما القضية الثانية فهي
سياسته الدفاعية المستقلة عن حلف األطلسي وإعالنه أن األسلحة الذرية
الفرنسية موجهة ضد كل عدو محتمل في الشرق أو في الغرب...
جمال عبد الناصر أيض ًا استقال ألن التركيبة في حينه لم تتوافق معه،
تراجع معاونوه عن العمل بشروطه بعد هزيمة ،1967وحينها نزلت الجماهير
إلى الشارع وأرجعته ،وفرض شروطه ،وبعض القادة الذين كانوا معه انتقموا
منه بعد وفاته ،انتقموا من مواقفه المتقدمة الطليعية .لذلك ،الجرأة التاريخية
ليست التكيّف مع األوضاع التي من الممكن أن تضر ،بل العمل بجرأة
لتغييرها .البعض يعمل مع السياسة بهذه الطريقة .السائد في العشر األول
من القرن الحادي والعشرين كان الليبرالية االقتصادية .في بلدنا ذهبوا إلى
الليبرالية عندما كانت اآلثار السلبية لمن سبقنا إليها تظهر ،وعندما بدأت
التحذيرات ضدها والتنبيه من خطورة السير في طريقها تأتي من كل مكان.
| ىرخأ ةرم ةرماؤملا 86
األزمة السورية الجذور واآلفاق
هناك مستوى َفهْم ومعرفة في نهاية المطاف يؤثر سلب ًا أو إيجاب ًا ،وال شك
هناك عمالء ،لكن هؤالء يستفيدون من األخطاء والثغرات .لذلك سورية كبلد
مقاومة غير مسموح لها بتَرَف الليبرالية التي هدفها عملياً إلغاء الدور
الوظيفي في نهاية المطاف لسورية ولدورها المقاوم ،هذا الدور هو الذي
يصنع القادة المقاومين ،وليس القادة هم مَن يصنعونه .كل القادة السوريين
لوال تكيّفهم ومسيرهم مع الخط العام الوطني ما كان بإمكانهم االستمرار ألكثر
بشخص ما ،فهو من
ٍ من 24ساعة ،وال أحد يظن أن الدور الوطني مرتبط
الممكن أن يلعب دور ًا في تقويته أو إضعافه ،وحشد الناس حوله فقط ،لكن هذا
الخط العام موضوعي ال عالقة له باإلرادات الذاتية لهذا القائد أو ذاك.
إذن هذه المشكلة األولى ،السياسات الليبرالية التي هي لوثة لدى بعض نخب
النظام ،وأخذت األمور وقت ًا حتى خ ّفت هذه اللوثة ،وهذه اللوثة حملت معها
قضيتين؛ االنبطاح أمام االقتراحات األوروبية ،حول الشراكة المتوسطية على
أساس أن أوروبا هي مصدر النور واإلشعاع التاريخي ،و %70من االستيراد
والتصدير السوري معها ،وهذه مشكلة ،وحجم أوروبا في اإلنتاج العالمي ال
يسمح بنسبة .%70المعقول أن يكون االستيراد والتصدير مع أوروبا على قدر
حجم اإلنتاج األوروبي من اإلنتاج العالمي ،وهو اليوم حوالي ،%25لكن هناك
الصين وروسيا وأمريكا ،وينبغي تنويع المصادر بشكل متناسب مع أوزان
وأحجام كل القوى بشكل ال نصبح معه رهين ًة ألحد .وللمعلومة ،عندما ُطرح خالل
األزمة السورية شعار «التوجه شرقاً» ،لم يستطع هذا الطرح أن يشق طريقه،
ألن الـ %70من التجارة الخارجية مرتبطة بوكالء استيراد وتصدير محليين،
ومرتبطة بخطوط استيراد وتصدير أوروبية ،وبموظفين في جهاز الدولة
مرتبطين بالوكالء .لذلك فإن أيّ خطوةٍ ستواجه ممانَعة هائلة ،لدرجة أنه حتى
نظام «األيزو» مرتبط بأوروبا ،والنظام المصرفي مرتبط بأوروبا ،لذلك عندما
فرضت األزمة التوجه شرق ًا سياسي ًا لم يتحقق ذلك نهائي ًا في المجال االقتصادي،
وجرت مقاومة التوجه شرق ًا ممن هم قائمون على السوق ومن موظفين في جهاز
الدولة مرتبطين بأوروبا منذ عشرات السنين ،منذ االستقالل ...أبّ ًا عن جد.
ىرخأ ةرم ةرماؤملا | 87
األزمة السورية الجذور واآلفاق
والسياسي كان قد بدأ منذ ذلك الحين ،واألنفاق السياسية التي أدت عملي ًا إلى
االنفجار ،تتمثل بإبعاد قسم مهم من الجماهير عن النظام ،والشراكة األوروبية
أيض ًا كانت تريد تنازالت مختلفة.
المهم أن األمور لم تمر بهذه البساطة في سورية ،لكن ثمنها كان غالي ًا ،ألن
ثمنها كان التخلي عن مكتسبات اجتماعية أثارت استياء الجماهير ،والقشة التي
قصمت ظهر البعير أن الحكومة في سورية كانت منذ الستينيات تدعم اإلنتاج
الزراعي بأشكال مختلفة :من المازوت والسماد والقروض والبذور ،وفي الفترة
األخيرة قبل االنفجار بدأ يتراجع دعم اإلنتاج الزراعي؛ الفالحون المتوسطون
والصغار ،والكبار أكثر؛ كانوا مستفيدين من نظام التسعير والقروض وشراء
الدولة لمنتجاتهم بأسعا ٍر محددة ،وكانت هذه العملية كلها مدعومة ،وفيما بعد
رُفِع جزئي ًا الدعم عن المازوت ،وأصبحت الزراعة خاسرة بالنسبة للمزا ِرع
والمنتج ،وأدى هذا على مدى سنتين أو ثالث سنوات متتالية إلى إنشاء
أرضية استياء هائلة من وضع جهاز الدولة المستكبر على الناس.
هذه العوامل ،الشراكة المتوسطية والعالقات مع تركيا وقطر ،والتي تسببت
بإغالق صناعات وورشات كبيرة ومتوسطة باآلالف؛ العالقة مع تركيا مث ًال،
وفتح الحدود لها دون ضرائب تقريب ًا ،أغلقت كل ورشات صناعة المفروشات
في ريف دمشق مقابل الموبيليا التركية التي سحبها بعض المتنفذين ،وهذه
الورشات التي كانت موجودة في منطقة «سقبا» وغيرها من مناطق الريف
الدمشقي ،كانت تشغّل آالف العائالت ،الذين ُأغلق طريق المستقبل أمامهم.
وقس على ذلك فيما يخص المسائل األخرى ...كل هذه العوامل أدت إلى ما
آلت إليه األمور ،وكنا قد حذرنا من هذا كله ،مرار ًا وتكرار ًا ،وقبل سنوات عديدة
من االنفجار...
91
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الحركة الشعبية
•نبدأ اآلن بالقراءة الملموسة لما جرى منذ العام ...2011دخلت الجماهير
في التجربة ...ما هي مميزات الحركة الشعبية في سورية ،وما هو
مفهومها العام ابتدا ًء من ،2011ولعلنا نبدأ بمقاربتها عبر رؤيتها ضمن
سياق ما يسمى “الربيع العربي” ثم ننتقل لنلقي نظرة أكثر قرباً...
نعم هذا مدخل جيد ،لكن حتى “الربيع العربي” يجب وضعه ضمن سياقه؛
الحركة الشعبية في سورية ،وفي جانب مهم منها ،هي جزء من المدّ الذي
جرى في المنطقة ويسميه البعض بـ”الربيع العربي” ،أنا ال أحب هذه التسمية
ألنها تسمية أطلقتها المراكز الغربية على غرار تسميات الثورات الملوّنة كجزء
من الجهد الهائل الذي بذلته لتحويل الحركة إلى ثورات ملونة فعلية ،أي إلى
ثورات مضادة.
بكل األحوال ،الحركة في سورية هي جزء من المدّ الذي وصل إلى منطقتنا
بعد انتقال مركز االنفجار العالمي إليها؛ االنفجار الذي كان في نسخته األولى
1789في باريس الثورة الفرنسية ،وبنسخته الثانية انزاح مركز الثقل ،ومركز
االنفجار نحو الشرق قلي ًال؛ إلى روسيا من خالل ثورتي 1905و ،1917واستمر
حتى االنتصار في الحرب الوطنية العظمى عام 1945مجتاح ًا أوروبا وآسيا
وإفريقيا .كانت الموجة األولى أوروبية ،لكن أوروبا كانت تُعتبر في حينه
العالم كله من وجهة نظر االنتشار الرأسمالي ،وكانت الموجة الثانية أوروبية
آسيوية شملت الصين ،وهي ليست بالشيء القليل ،وأجزا ًء من إفريقيا؛ بمعنى
أن الموجة الثانية امتدت على ثلث الكرة األرضية.
ةيبعشلا ةكرحلا | 93
األزمة السورية الجذور واآلفاق
أريد هنا أن ألفت النظر لمسألة؛ إذا كان مركز الثقل ينتقل نحو الشرق ،فمن
المهم اإلجابة عن السؤال :لماذا ينتقل؟ ال توجد دراسة أو إجابة شافية عن
هذا السؤال ،لكن المالحظة تسمح بالقول ،أو ًال :إن المناطق التي لم تشملها
االنفجارات السابقة ،ولم تنخرط في النشاط السياسي العالي السابق ،تدخل
ومع الوقت ،معترك الحياة السياسية النضالية العملية ،بمعنى أنّ الموجة
يتسع انتشارها ويزاد طول قطرها ِّ
باطراد ...وثاني ًا :إن المناطق التي تعرضت
لالنفجار السابق ،سرعان ما يصلها االنفجار الجديد ويؤثر عليها...
•أي ّأن نصف قطر دائرة االهتزاز -االنفجار يزداد مع ّاطراد انتشار
فإن انزياح مركزه يبقي مراكز االنفجار السابقةالرأسمالية عالمياً ،لذلك ّ
ضمن دائرته ،أليس كذلك؟
نعم ،لذلك إذا كان مركز الثقل اليوم ،مركز االنفجار ،هو في الشرق األوسط،
فهذا يجب أن ينبئنا بقضية ،أن المراكز السابقة جميعها ،داخلة حكماً في
إطار هذه الموجة ،عاج ًال أم آج ًال ...الجديد في هذه الموجة ،أنها ستستكمل
تغطية العالم كله ،مؤكدة أن الرأسمالية دخلت في حقبة خطيرة ومهمة،
ويمكن أن تكون أزمتها نهائية إذا توفر الظرف الذاتي...
•أي األحزاب الثورية...؟
ليس تمام ًا؛ الظرف الذاتي هو أو ًال وجود البديل ،رسمة البديل ،برنامج
البديل ،وثاني ًا درجة التفسخ واالنقسام عند الطرف الذي يعاني األزمة؛ هل
بقيت لديه احتياطات يستطيع بها الوقوف على قدميه مرة ثانية أم ال؟ في
األزمتين األولى والثانية في القرن العشرين ،أي بعد الحربين العالميتين األولى
والثانية ،تبين أن لديه احتياطات تسمح له أن يقف مرة أخرى على قدميه،
واآلن هل لديه احتياطات يقف بها على قدميه ،وهل المرض الذي يعانيه هو
فع ًال مرض االحتضار؟
هنا ال نبتعد عن لينين كثير ًا في قراءته لـ”اإلمبريالية أعلى مراحل
الرأسمالية”؛ عندما تكلم عن صفاتها التي ظهرت ،تكلم عن آخر مرحلة ،تكلم عن
| ةيبعشلا ةكرحلا 94
األزمة السورية الجذور واآلفاق
طفيليتها ،وتكلم عن احتضارها .ماذا يعني احتضارها؟ يعني أنها دخلت طور ًا
تاريخي ًا وقفت به قبالة الحائط ،والسؤال هو متى؟ هذا السؤال بقي يُطرح
لخمسين سنة ،البعض يعتقد أنه طالما األمر هكذا فغد ًا سوف يحصل ،كال هي
مرحلة تاريخية ،واآلن أعتقد عندنا كامل الحق أن نقول ذلك.
•إذن بالعودة للخصوصية السورية ،خصوصية الحركة الشعبية في
سورية ،كيف يمكننا توصيفها وتحديدها؟
إحدى خصائص تطور الوضع السوري ،التي ال تشترك فيها سورية مع
تونس ومصر على األقل ،هي تنوعها الثقافي الغني جد ًا ،وهو عامل قوة لها
منذ الثورة السورية الكبرى ،ويريد البعض تحويل هذا العنصر إلى عامل
ضعف وتفتيت وتقسيم.
هذه الظاهرة هي عامل قوة وعامل ضعف في آنٍ مع ًا؛ عامل قوة إذا استخدمت
بشكل صحيح ،وعامل ضعف إذا أسيء استخدامها .في لبنان ،الذي يقولون إنه
متنوع (بشكل هائل) يوجد 17دين ًا وطائفة ،وفي العراق 3مكونات أساسية،
لكن في سورية هنالك أكثر من 40مُ َكوِّن ًا؛ ومن هنا ،فإنّ خطورة عالية تكتنف
انفراد أي مكون من مكونات الدولة ما قبل الوطنية (قومي -ديني – طائفي-
عشائري) بسلطات عالية المستوى تجعله سهل االنفكاك عن المركز ،ألن ذلك
ال يلبث أن ينتقل لكل السلسلة فارط ًا عقدها .ومن هنا أيض ًا ،يتضح أن المسألة
ليست مسألة ديمقراطية وصالحيات على العموم ،بل هي مسألة ديمقراطية
وصالحيات للناس ،وأيض ًا هي كيفية الحفاظ على الدولة المركزية التي تختنق
األطراف دونها .لدينا مثال االتحاد السوفييتي :انهار االتحاد السوفييتي ،تحول
إلى جمهوريات مشتَّتة ،فلننظر إلى اإلحصائيات ،هل تحسّن الوضع االقتصادي؟
كل هذه الجمهوريات تراكضت في حينه نحو االنفصال ،وجرى الترويج أن
وضعها سيصبح أفضل ،والنتيجة أن وضع الكل باتَ أسوأ؛ ألن التركيبة الناتجة
عن وجود سوق واحدة وتقسيم عمل عميق جد ًا يجعل الكل متص ًال؛ أيُّ انفكاك
يخنق .في سورية تكوَّنت سوق واحدة ألن درجة تطور الرأسمالية منذ
السبعينيات حتى اليوم وصلت حد ًا ال بأس به ،وانفكاك أي منطقة من سورية
ةيبعشلا ةكرحلا | 95
األزمة السورية الجذور واآلفاق
اليوم ،شكلي ًا أو فعلي ًا ،عن المركز ،يعني اختناقها .وإذا انفكت أكثر من منطقة،
فهذا يعني اختناقها جميعها ،وما أدراك باحتمال االصطدامات التي ستحصل
نتيجة تقسيم الحدود والخالفات التي ستظهر حولها.
ما أقصد قوله هو أن الحركة الشعبية في سورية ،وفي كل تاريخها منذ
الخمسينيات ،وعلى أهميتها الكبرى ،إال أنها كانت لديها نقطة ضعف في التكوين،
هذا أو ًال .وثاني ًا :سورية حديثة التكوُّن؛ فقد كانت جزء ًا من امبراطورية كبيرة،
وبعد “سايكس -بيكو” أصبحت الدولة التي نعرفها ،إذا قارناها بمصر التي
عمرها 5000سنة...
•والعراق أيضاً قديم جد ًا كدولة...
نعم ،في حين أن سورية التي نعرفها عمرها 100سنة 100 ،سنة كانت
تتكون خاللها الهوية الوطنية ،ولم يج ِر استكمال تكوينها ،ألسباب وتعقيدات
كثيرة مررنا على جز ٍء منها.
وكي تكون الحركة الشعبية المنطلقة مجدد ًا في سورية ،على مستوى
الضرورات المطلوبة ،فإنها ينبغي أن ترث كل اإليجابي في التطور السياسي
السابق الذي بدأ في الخمسينيات وأن تضيف إليه ،لكن المشكلة هي أن هذا
التطور تم قطعه كما أسلفنا ،وهو بذاته لم يكن قد نضج بما يكفي ،وتبعت
ذلك فترة طويلة ساد فيها مستوى منخفض جد ًا من الحريات السياسية
والديمقراطية ،مما أعاق تراكم تجربة ونضج ووعي الحركة الشعبية ،وأعاقها
أيض ًا عن تكوين قواها القيادية؛ حتى األحزاب التي كانت تقود في الخمسينيات
أصبحت شكلية وغير فعالة ،وغير موجودة فعلي ًا الحق ًا ،وإنْ كانت موجودة،
فهي موجودة كأشكال وهياكل ،وليست موجودة كدور وظيفي.
إذا أردنا أن نلخص ،فإنّ للحركة الشعبية في سورية تقاليد كبيرة تستمد
قوتها من التاريخ ومن التنوع ،لكن هذا التنوع هو بذات الوقت نقطة ضعف
إذا ما استُغِ َّل من قبل الخصوم واألعداء ،حيث الدولة جديدة ،والتقاليد ما زالت
غير راسخة ،وفي ظِل انعدام الحريات السياسية كان تطور الحركة الشعبية
| ةيبعشلا ةكرحلا 96
األزمة السورية الجذور واآلفاق
بطيئ ًا ،كان التطور عاصف ًا في الخمسينيات ،وعانى من ركود شديد في النصف
الثاني من القرن العشرين .وهنا ال يمكن إال أن نتذكر أن هذا الحال المؤقت
للحركة الشعبية في سورية ليس حالها هي فقط ،بل هو حال كل الحركات
الشعبية في العالم والقوى السياسية المنبثقة عنها ،خالل مرحلة الركود
الذي ساد في النصف الثاني من القرن العشرين.
•الترجمة الملموسة للحركة الشعبية ،التي رأيناها في منطقتنا ،هي بشكل
أساسي المظاهرات ،هل يسمح ذلك باالستنتاج ّأن الشكل األساسي للحركة
الشعبية هو المظاهرات؟ هل توجد أشكال أخرى؟ وعلى العموم ما
األشكال الملموسة التي يذهب إليها ذهنكم حين تقولون حركة شعبية؟
عندما نستخدم تعبير “درجة نشاط الحركة الشعبية” ،فإننا نقصد استخدام
مرادف لما قصده لينين بالشرط الثالث للوضع الثوري أي إمكانية الثورة؛
وهو النشاط السياسي العالي للناس ،للجمهور ،للشارع ،هذا هو المقصود
بالحركة الشعبية.
•بغض النظر عن الشكل الملموس لهذا النشاط؟
نعم بغض النظر ،ألن النشاط السياسي العالي يمكنه أن يأخذ أشكا ًال
متنوعة شتى ،يمكن له أن يكون مباشر ًا أو غير مباشر ،في الشارع أو في
المعمل أو في النقابات أو في الصحافة واإلعالم ...إلخ ،بل وحتى يمكن له
أن يكون بين أربعة جدران! هل بقيت أسرة سورية واحدة لم يغدُ النقاش
السياسي جزء ًا من حياتها اليومية ؟ لم يكن األمر كذلك في فترات الركود.
الحركة الشعبية تعني درجة اهتمام الناس بحل مشكالتهم التي يعانون
منها ،ولكن ليس فقط ذلك ،بل تحديد ًا :النظر إليها بطريقة جديدة؛ البحث عن
أسبابها العميقة وعن حلولها الحقيقية ...هذا هو المقصود بالحركة الشعبية.
الشكل األكثر تقدماً ،هو إعالن الرفض والمطالبة بالحقوق بصوت
عال ،في الشارع ،ولكن حتى لو اجتمع ثالثة أشخاص في منزل ليتناقشوا في ٍ
ً ً
ما يجري سياسيا وما يجب أن يجري ،فهذا أيضا نشاط سياسي.
ةيبعشلا ةكرحلا | 97
األزمة السورية الجذور واآلفاق
التأني السالمة” ،وكان قسم من النظام يريد دماءً ،ألنه بهذه الطريقة يطبق
رسمة الـعام ،82وهذا القسم الذي يريد دما ًء ال يريد تغيير ًا ،والخليج والعربان
والغرب يريدون شيئ ًا آخر؛ يريدون إدامة اشتباك وفوضى خالقة بنهاية
المطاف ،لذلك كان الدعم العسكري للمعارضة المسلحة مقنّن ًا ،بحيث ال يسمح
بكسر الميزان الموجود ،ولكن يسمح بإدامة االشتباك؛ كرٌّ وفرٌّ ،لكن بحدودٍ
معيّنة وضمن خطوطٍ حمراء مرسومة مسبق ًا ،ألن المطلوب هو استمرار
الحريق ألطول مدة ممكنة ،وازدياد عدد الضحايا ألكبر عدد ممكن؛ ألنه إذا
ازداد عدد الضحايا تتحول ميزة سورية فيما يخص المكونات إلى نقمة،
وتصبح الفوالق والهوة بين المكونات التاريخية لما قبل الدولة الوطنية كبيرة
ال يمكن ردمها.
من هنا فإنّ أهمية كبرى تبقى معلقة على مَن يستطيع األخذ بيد الحركة
الشعبية ،وهذا ال يمكنه إال أن يكون عابر ًا للطوائف واألديان والقوميات،
وعدم تبلور هذا النوع من القوى بشكل كافٍ أدى إلى انزياح األمور إلى طريق
آخر .مع ذلك ،فإن المشروع التفتيتي لم ينتصر بشكله الكامل ،بسبب
توازن القوى الدولي الجديد وبسبب الدخول العسكري الروسي المباشر
في أيلول ...2015
السالح والتسلح
•قد يكون دخول التسلح على الحركة الشعبية بمثابة التشوّه األخطر
من ضمن التشوّهات التي أصابتها ،كيف جرى ذلك ،ولماذا؟ ومَن هو
المسؤول عنه؟
إذا كانت الحركة الشعبية بقسم هام منها قد خُطفت عبر التسلح ،فإن أحد
أسباب ذلك هو انخفاض مستوى الوعي السياسي ،ومحاكاة تجارب قديمة
جرت في بلدان قريبة مثل العراق وليبيا ،وفي ذهن الذي ذهب لحمل السالح
أنه بدعم خارجي سيصل إلى النتائج نفسها.
كان واضح ًا لنا منذ اللحظة األولى أن حمل السالح هو “مسبحة الشيطان”،
ولن يُنتج إال مزيد ًا من تعقيد األزمة وإطالتها ،وكنا نقول إنه لن يكون بمقدور
أحد أن ينتصر على أحد؛ ليس استخفاف ًا بأحد ،بل ألن الوضع الدولي تغيّر عما
سبق وانعكاساته اإلقليمية لن تسمح ألحد باالنتصار.
بالمناسبة ،أولئك الذين صاغوا وروجوا شعاري “الحسم” و”اإلسقاط”،
وخالف ًا لمَن ردّد وكرر هذين الشعارين مقتنع ًا ومصدق ًا ،يفهمون جيد ًا أن
الوضع الدولي وانعكاسه اإلقليمي وانعكاسه الالحق محلي ًا وداخلي ًا لن يسمح
بتحقيق أي من الشعارين...
وإذا كان الوضع الدولي غير مفهوم تمام ًا بالنسبة للبعض ،في بدايات
األزمة ،فقد بات ذلك واضح ًا بعد الفيتو الصيني – الروسي األول والثاني،
اللذين ثبّتا استنتاجنا أننا نعيش لحظة تغيير شامل للوضع الدولي ولميزان
القوى الدولي التي كانت قد بدأت ،وأنها ستؤدي إلى تغيير نمط العالقات
الدولية المعروف تاريخي ًا منذ خمسين سنة.
لستلاو حالسلا | 103
األزمة السورية الجذور واآلفاق
انتكاسة وتغير سلبي لتطور الحركة الشعبية ،ويقولون إنه كان هنالك
مشروع سياسي سلمي تغييري تمت سرقته عبر بالتسلح ،إلى أي حد
تتفقون مع هذا التوصيف؟
هذا الكالم غير دقيق ،لم يكن هناك مشروع؛ أو ًال :ألن الحركة عفوية وليس
لديها برنامجها السياسي.
•هناك قوى تقول إن لديها برامج...
حتى لو كان هنالك كالم مكتوب على الورق ،فهذه ليست برامج متوافقة مع
ضرورات اللحظة؛ البرامج هي توسيع الشعارات ،فالشعار شيء والبرنامج شيء
آخر .البرنامج كما أفهمه هو أن يكون لديك خريطة تفصيلية للتغييرات
المطلوب إجراؤها ،وأكثر ما ُقدِّم من قبل بعض القوى السياسية هو برامج
لها عالقة بالبنى السياسية فقط ،أما ما هي التغييرات االقتصادية االجتماعية،
وكيف ينعكس ذلك على سلطة الشعب وممارسة تلك السلطة؟ فال يوجد.
أما ثاني ًا ،فالبرامج عموم ًا ،والثورية خاصة ،ال يمكن وضعها (من فوق)،
من قبل بعض األذكياء والنوابغ؛ صناعة برنامج حقيقي قابل للتطبيق ال تتم
دون مشاركة كبيرة من الناس أصحاب الحركة العفوية ،أو الذين كان اسمهم
أصحاب الحركة العفوية ،والذين ينضجون بالنقاش والحوار الذي يجري
بينهم ،وبتفاعلهم مع تطور األحداث.
أحد التعبيرات عن عدم وجود البرامج ،هو أن الحديث عن أهمية البرنامج
االقتصادي-االجتماعي ،يواجَه في كثير من األحيان باالستهزاء! يقولون لك:
كيف تتكلمون بهذه القضايا الصغيرة؟ ومَن يقول ذلك ربما لم يسمع من قبل
أن السياسة ليست في نهاية المطاف سوى تعبير مكثف عن االقتصاد.
•وأنتم كحركة سياسية هل كان لديكم برنامج؟
نعم ،نحن وضعنا مشروع برنامجنا((( في السنوات األولى لألحداث،
-1تم إطالق مشروع برنامج حزب اإلرادة الشعبية للنقاش العام بتاريخ ،2013/8/31المشروع
كام ًال موجود ضمن مالحق هذا الكتاب.
| لستلاو حالسلا 106
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المخطط األولي لبرنامج َّ “مشروع برنامج حزب اإلرادة الشعبية” ،وهو
اإلصالحات الجذرية التي يجب أن تجري في البالد .نحن لدينا برنامج ،وبرأيي
فإن الذي سينتصر في األزمة ،ليس الذي لديه بنادق أكثر ،وال الذي لديه
أرض أكثر ،وال الذي لديه عدد ناس أكثر ،مَن سينتصر هو الذي لديه
برنامج لليوم األول بعد األزمة .ألن األزمة ستنتهي عاج ًال أم آج ًال ،وستأتي
لحظة الحقيقة :ماذا بعد ذلك؟ وإلى أين أنت ذاهب؟ وما هي مهامك؟
وماذا تقترح على الشعب السوري؟ وما هو النموذج للبنية القادمة التي
سيعيش ضمنها السوريون؟ هذا يجب أن يكون واضح ًا ،وبعد سنوات من
صراع طاحن ،يستحق السوريون أن يكون عندهم برنامج جدي يؤدي ليس
فقط إلى إزالة اآلثار السلبية ما بعد األزمة ،بل ويدفع لتقدم سورية ،قفزات إلى
األمام ،ويم ّكنها من استعادة موقعها الذي تستحقه تاريخي ًا.
هل تعلم أننا في الخمسينات كنا متقدمين على ماليزيا وتركيا واليونان(((،
بحجم الناتج المحلي اإلجمالي؟ التذكير بهذا المعطى ليس من باب “الغرور
السوري”؛ بل للقول إن هنالك إمكانيات كامنة لم تُستخدم حتى هذه اللحظة.
في لحظة تاريخية معينة ،حين لم تكن هنالك معيقات ،ظهرت هذه اإلمكانات،
وعندما أصبح هناك معيقات لظهورها اختفت؛ ما يعني أن ظهورها من جديد
ممكن؛ وعلينا إزالة المعيقات.
البلدان األخرى التي خطت خطوات كبيرة إلى األمام ليست أفضل منا،
وال نحن أفضل منها ،المهم هنا هو المسألة الجوهرية التي يتحدث عنها بعض
المنظرين :التناسب بين درجة ونوع الديمقراطية وبين درجة تطور
القوى المنتجة؛ والمعيار الحقيقي لنجاح الديمقراطية هو وجود نمو حقيقي؛
ألن المعادلة الحاكمة لهذا األمر ،وبكالم آخر القانون الموضوعي المحدد لهذه
-1سبقت اإلشارة في الفصل األول لمعطيات حجم الناتج وأرقام النمو المقارنة بين سورية
ومجموعة من الدول هي ماليزيا ،تركيا ،اليونان ،والموجودة ضمن دراسة أعدها د .قدري
جميل تحت عنوان «واقع النمو االقتصادي وتوزيع الدخل الوطني» ،وفي مالحق هذا
الكتاب ،نعيد نشر مقتطفات منها.
لستلاو حالسلا | 107
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المسألة ،بسيط في نهاية المطاف :تطور االقتصاد يعني تعميق تقسيم العمل،
وتقسيم العمل يعني توسع (اإلنتاج والتبادل والتوزيع) بين منتجين منفصلين
متصلين ،وهؤالء يحتاجون إلى أقنية لذلك االتصال في إطار انفصالهم اإلنتاجي
واتصالهم عبر السوق في مرحلة التبادل والتوزيع ...الديمقراطية تعبير عن
ذلك ،وإذا لم يكن مستوى تطور وتعقيد أقنية الديمقراطية بمستوى درجة
تطور القوى المنتجة أي درجة نمو وتنوع واتساع وسائل اإلنتاج وكذلك نمو
واستعداد قوى اإلنتاج البشرية تكنولوجي ًا وعلمي ًا ،فإن ذلك سيؤدي حكم ًا إلى
إعاقة التطور ،وحتى منعه في حال وجود اختالل كبير بين األقنية السياسية
ودرجة تقسيم العمل .وفي حال كان هنالك تناسب ،فهذا معناه أن التطور حتمي.
حتى في البلدان الغربية ،ذات الديمقراطيات المتطورة ،كما يقال ،ليس هنالك
تناسب حقيقي بين الجانبين (الديمقراطية ،ودرجة تطور القوى المنتجة)،
وما يسمح لهذه البلدان باالستمرار ،بل وبتحقيق النمو في فترات معينة ،هو
النهب الخارجي الذي تمارسه ،إضافة إلى النهب الداخلي المضبوط عادة ضمن
معايير ،وفي بعض األوقات يجري تقديم بعض فتات النهب الخارجي لجمهور
الداخل لتعويض جزء من عدم التالؤم بين درجة الديمقراطية وتطور القوى
المنتجة ،ويجري أيض ًا إشراك هذه الجماهير ،بشكل معين ،باإلدارة ،ولكن مع
حفاظ الطبقة-النخبة الحاكمة على المِقوَد بين يديها.
تحافظ على المقود بين يديها ،ولكن تسمح للجمهور أن يركب معها في
السيارة ...في بلداننا تمسك النخبة بمفتاح السيارة ومقودها ،والسيارة فارغة،
وممنوع ألحد أن يركب...
•ويطلقون بوق السيارة بشكل مستمر والسيارة واقفة في مكانها...
نعم ،والبنزين يجري صرفه على المكيف المشغل للتبريد صيف ًا وللتدفئة
شتاءً ...وبالتالي ليس هناك تقدم ،والناس جالسة في الخارج ،في البرد
القارص والحرارة المرتفعة الالهبة ...فأي حال تلك؟ هذا معناه أن درجة
تطور القوى المنتجة منخفضة ،وأن درجة الديمقراطية أقل انخفاض ًا حتى من
أن تعبر عن الدرجة المتدنية لتطور القوى المنتجة!
| لستلاو حالسلا 108
األزمة السورية الجذور واآلفاق
افتراضي ًا غير موجود فعلي ًا ،ويحرك الناس على هذا األساس .ومن الممكن أن
تكسب معاركَ دون أن تحرك جيوش ًا.
ما سميناه بـ»الحرب المركبة» ،تتم اليوم تسميته إما بالحرب متعددة
اإلحداثيات ،وإما ما فوق الحرب ،أو الحرب غير المتناظرة...إلخ.
•الحرب البيسكترونية؟
الحرب البيسكترونية هي جزء .نحن رأينا أن ما كان سيلجأ إليه األمريكيون
والصهاينة ضد سورية هو حرب مركبة .لذلك ،كان رأينا أن هذا سوف يحدث...
نحن لم نكن في ذلك الوقت ،في عام ،2006على ِّاطالع كامل على هذه الظاهرة
التي كانت قيد التكون ،حيث لم يكن قد أتى ذلك العصر المعلوماتي الذي نعيشه
اليوم ،لكن هذا ما جرى .لهذا قلنا إن سورية كبلد مواجهة ليس لديها ترف
التجريب في السياسات االقتصادية التي أكل عليها الدهر وشرب في أماكن
أخرى .وأن هذا الترف سوف يكلفنا غالي ًا ،وهذا ما جرى فعلي ًا.
أما بخصوص الحركة الشعبية وعالقتها بالحرب المركبة ،فقد تأثرت
بالجانب اإلعالمي النفسي بال شك .والذين قادوا العملية لديهم الخبرة الغربية
الكافية في هذه األمور.
•خبرة يوغوسالفيا وغيرها...
نعم ،جزئي ًا ،لكن الوضع تطور؛ ثمة أبحاث ودراسات كاملة عن كيفية إسقاط
أنظمة من خالل الحرب اإللكترونية المعلوماتية والحرب االفتراضية ،أي خلق
عالم افتراضي إلكتروني ًا وجلب الناس إليه .بدأوا في يوغوسالفيا ،ولكن في
الثورات الملوّنة في أوروبا الشرقية ومن ثم في فضاء االتحاد السوفييتي
أيض ًا ...تراكم هذا كله ،وباتت هناك منظومة كاملة في هذا االتجاه .ما أريد
قوله ،إن الحركة الشعبية هي قدر ال رادَّ له« ،آتية آتية» ،وسوف تولد .مراكز
األبحاث الغربية فهمت هذه الحقيقة باكر ًا ،وأرادت توجيه هذه الحركة الشعبية
والتحكم بها في اتجاهاتٍ طر ُقها مسدودة وال تؤذي في نهاية المطاف ،البنى
االقتصادية االجتماعية التابعة.
| ةيروسلا ةيصوصخلا يف ةبّكرملا برحلا 110
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•في مسألة حجم ونوع التغيير المطلوب ،هنالك مثال نشهد عليه ،ففي
النقاشات مع الهيئة العليا للمفاوضات سابقاً في جنيف ،تذكرون أننا
عندما كنّا نتحدث عن موضوع جسم الحكم االنتقالي ،قال أحدهم...
قال إننا ال نريد أن نغير شيئ ًا.
•نعم ،وإن النظام هكذا ممتاز ،لكننا نريد تغيير الشخصيات.
نعم ،كان يتحدث عن عدد محدود من الشخصيات العليا.
الفاشية الجديدة
الكتلة فيه تزيد عن 1000ترليون وفق أدنى التقديرات الحالية ،و ذلك في عام
2008إذ أصبحت هذه األرقام بعد ذلك غير معلنة من قبل االحتياطي الفيدرالي
األمريكي ،لذلك توجد كميات دوالرات في التداول أكثر من ألف تريليون دوالر
وهي أكثر من حاجة السوق العالمية لكنها تؤمِّن هيمنة الدوالر عبر طباعته بال
حدود و ال ضوابط و دون ربطه بأي مكافئ حقيقي...
إذا أردنا العودة بالزمن إلى الوراء قلي ًال لمزيد من الوضوح وتحديد ًا
إلى فترة ثالثينيات القرن الماضي ،سنرى أن اإلنجليز ساهموا بتأسيس
وتكوين حركة اإلخوان المسلمين كجزء من مركز مالي عالمي ،كجزء من
رأس المال المالي العالمي ،والتنظيم السياسي اإلخواني أحد ملحقات ذلك
المركز ،واإلخوان المسلمون شكلوا في ما بعد حاضنة للتنظيمات المتطرفة.
هذه التنظيمات أصبحت لديها مواردها من رأس المال المالي اإلجرامي
المشارك به عالمي ًا.
•ماذا عن األشكال األخرى للفاشية عدا قطع الرؤوس؟
في دول العالم الثالث ،النخب المالية التي تغذي الحروب ،والتي تقوم
بالقمع بمستوى إرهاب عالمي ،أليست فاشية؟ هي أيض ًا فاشية .لذلك الفاشية
اليوم ليس لها وجه واحد متمثل بمظاهر قطع الرؤوس وأكل القلوب ،الفاشية
لها شكل آخر هو أنظمة تُمسك بزمامها نخب تتمركز لديها رؤوس أموال هائلة،
هي في النهاية جز ٌء من رأس المال المالي العالمي ،وتقوم بسياسات قمعية،
خاص ًة في البلدان ذات األوضاع القلقة وغير المستقرة ،هذا النوع من األنظمة
ينطوي على العديد من صفات الفاشية ،وإن لم تكن منتمية إليها فع ًال ،بمعنى
أنها ال تملك صالتِ ربطٍ حقيقة وإمكانيات نفاذ إلى الكتل المالية الكبرى ،فهي
تنتم إليها.
من حيث الوظيفة تخدم الفاشية حتى إن لم ِ
•إذا كان ما وصفتموه هو وضع نخب الفاشية الجديدة ،فماذا عن
جماهيرها -وقودها ،كيف يمكننا تفسير التحوّل السريع لعدد غير
قليل من السوريين نحو تأييد هذه الفاشية أو االنخراط الفعلي ضمنها؟
| ةديدجلا ةيشافلا 114
األزمة السورية الجذور واآلفاق
هل يمكن تفسير ذلك فقط باالنحدار الهائل لمستوى المعيشة ،خاصة في
بعض المناطق حيث ّ
تقطعت سبل العيش بشكل نهائي تقريباً؟
منصة انطالق الظاهرة بالمعنى االقتصادي-االجتماعي ،كانت محضّرة
وجاهزة منذ ما قبل العام 2011؛ فما الذي يعنيه توزيع ثروة ينال فيه %75من
السوريين %25من الثروة المنتجة مجدد ًا ،ما الذي تعنيه نسبة فقر تجاوزت
الـ %44على أساس اإلحصاءات شبه الرسمية ،والواقع أقسى حتى من هذه
اإلحصاءات ...وبعد األزمة توقفت عملي ًا عجلة االقتصاد ،وأصبح %80من الناس
عاطلين عن العمل ،وبال مورد للعيش ،والمدخرات ،إن كانت موجودة أص ًال،
تبخرت خالل سنوات الليبرالية العجاف ...ضمن هذه المعطيات ،ما الذي يمكن
للناس فعله؟ أصبح الذهاب نحو السالح مصدر ًا للرزق ،بالذهاب إلى السالح
واالنتماء للتنظيمات المسلحة تكون قد اخترتَ ،إما أن تموت من الجوع ،أو
أن تموت بالرصاص؛ الموت بالجوع مؤكد ،لكن الموت بالرصاص احتمال.
ينبغي أيض ًا االنتباه إلى مسألة شديدة األهمية ضمن السياق نفسه؛
ظاهرة المهمشين .التهميش ظاهرة اقتصادية من حيث جذرها ،ولكن آثارها
االجتماعية والسياسية أبعد وأكبر بكثير .من هو المهمش؟ هو العاطل عن
العمل لفترة طويلة ،سواء كان ذلك عبر انعدام فرصة العمل ،أو عبر تنقله بين
البطالة والعمل ضمن أعمال غير مستقرة .النتيجة هي أنّ اإلنسان ضمن حياة
من هذا النمط ،غير مستقرة وغير آمنة ،يفقد ارتباطه ليس بجهاز الدولة فقط،
بل وبالمجتمع عموم ًا ،ألنه عاجز عن تأمين موقع ثابت ومفيد ضمن المجتمع،
أي ًا يكن هذا الموقع ،ومع الوقت يصبح هذا اإلنسان على هامش الحياة بالكامل،
وال تعود مفاهيم الوطن واالنتماء تعني له شيئ ًا ،ألنه يشعر بشكل مستمر
أنه غير مرئي ،وال معترف به ،والحياة تطحنه بشكل مستمر ،وال يستطيع
االعتراض أو الصراخ ألنّ األجهزة القمعية بالمرصاد...
في ألمانيا ،كان قسم كبير من القاعدة الجماهيرية للنازية هو من هذه الفئة
تحديد ًا ،فئة المهمشين ،واحتاجت المسألة بضع سنوات من التهميش بعد
الكساد العظيم ،1929حتى يصل هتلر إلى السلطة .هل تستطيع أن تجيبني
ةديدجلا ةيشافلا | 115
األزمة السورية الجذور واآلفاق
كم سنة مرت على بداية ظاهرة التهميش في سورية؟ وما هو حجمها وقت
انفجار األزمة؟ وكم أصبح حجمها اآلن؟
المؤكد أنّ سنوات الليبرالية بين 2010-2005قد فعلت فعلها اإلجرامي
بحق السوريين مراكمة أكوام ًا ضخمة من «الحطب» الذي تتحدث عنه.
•هل هذا هو السبب األساسي الوحيد ،أليست هناك أسباب فكرية
أيديولوجية؟ هناك من يتحدث عن الوهابية والحقد والتخلف والثأر
وما إلى ذلك...
نعم ،هذا الرأي موجود ،رغم ذلك أعتقد أن السبب األساسي هو الذي تكلمنا
عنه؛ السبب االقتصادي والبحث عن مورد للحياة وعن معنى لها؛ أقصد المهمشين
بشكل خاص .األسباب األخرى موجودة ،وال يمكن نفيها والتقليل من قيمتها ،وهي
تساهم في تفسير الظاهرة ،لكنها ثانوية؛ بمعنى أن الذهاب نحو االنخراط ضمن
مجموعات قتالية ذات شعارات (أيديولوجية ودينية معينة) ،لم يكن ،في بدايته
على األقل ،من وجهة نظر المنخرطين الجدد ،انخراط ًا على أساس أيديولوجي
أو فكري ،والذين انخرطوا ألسباب أيديولوجية ،هم قلة قليلة ،أما عند الجمهور
الواسع فالضرورة الحياتية هي الدافع ،وال أتحدث هنا عن الضرورة المعيشية
بالمعنى االقتصادي فقط ،ففي كثير من الحاالت كان انخراط الشاب ضمن جماعة
ما سيطرت على قريته أو منطقته ،شك ًال من أشكال الدفاع غير المباشَر عن نفسه
وعن عائلته من أذى تلك الجماعة ...بعد ذلك ،وألن اإلنسان ال يمكن له أن يقبل
القتال حتى الموت دون اقتناع بصوابية فكرة ما ،ربما يبدأ بالتأقلم مع األفكار
التي تطرحها هذه الجماعة أو تلك .وال شك أيض ًا أن العنف المضاد الذي مورس
من قِبَل بعض أجهزة الدولة ،وبشكل مقصود في حاالتٍ معينة ،وكان في مواضع
عديدة يتجاوز استهداف المسلحين إلى استهداف ومعاقبة حاضنتهم الجماهيرية،
قد و ّلد ردود فع ٍل ثأرية أعطت لدى هذه الحاضنة سم ًة أخالقية ما لتبرير حمل
السالح ،وسهلت بالتالي عملية انخراطٍ أوسع ضمن ظاهرة التسلح بصفةٍ عامة،
وكسرت حواجز طبيعية -نفسية لدى البعض أمام االنخراط في تنظيمات لها
الصفة اإلرهابية الواضحة ،وأدت بقلة منهم إلى االنخراط فع ًال...
| ةديدجلا ةيشافلا 116
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•قبل إنهاء الحديث عن التسلح ،أنتم أبناء الحركة الشيوعية ،تتكلمون عن
«العنف الثوري» ،وفي بعض وثائقكم أنتم ميالون لستالين ،رغم ذلك،
وحين أصبح العنف مسألة ملموسة كانت شعاراتكم وسلوككم ،سلوكاً
سلمياً وداعياً للسلمية ومضاد ًا للعنف ،أال يوجد تناقض هنا؟
ما المقصود بـ»العنف الثوري»؟ هل هو السالح؟ ثورة أكتوبر انتصرت
دون إطالق أيّ رصاصة؛ الفعل الثوري هو تغيير ،والتغيير له عالقة بميزان
القوى .استخدام السالح أو عدم استخدامه له عالقة بدرجة مقاومة الطرف
الذي يجري تغييره عاد ًة وهو الذي يلجأ إلى السالح ،وتاريخياً فإن الجماهير
التي تغيّر تضطر إلى استخدام السالح دفاعاً عن نفسها ،لذلك اتهام الحركات
الثورية أنها أم السالح هو كالم غير جدي .الحركات الثورية تلجأ للسالح
دفاع ًا عن النفس ،ألن الطبقات المخلوعة ال تقبل التخلي عن امتيازاتها بهذه
البساطة إال في حالة واحدة جرى الكالم عنها في النصف الثاني من القرن
العشرين ،حالة التغيّر الحاد في ميزان القوى حيث تصبح مقاومة التغيير
بال معنى ،وهذا جعل بعض األحزاب اليسارية في أوروبا الشرقية تتكلم عن
االنتقال السلمي لالشتراكية .أصبحت لديهم قاعدة خلفية وميزان قوى يكفي
للداخل ،ولم تعد هناك حاجة لسالح.
ما قاله لينين في هذه المسألة هو أن علينا أن نجهز أنفسنا في حال
استخدم األعداء السالح؛ ثورة أكتوبر جرت دون ضحايا ،القتلى ماتوا الحق ًا
بسبب الحرب األهلية نتيجة عدم موافقة القوى الحاكمة السابقة على التغير
الذي جرى ،ونتيجة تدخل خارجي من 14دولة أجنبية داعمة لقوى الثورة
المضادة .لذلك اتهام لينين أو ستالين أنهم يحبون السالح ،هو أيض ًا كالم ال
أساس له ...كيفية تحقيق التغيير النوعي تتحدد بطبيعة الظرف الملموس.
هذا الشق األول من السؤال ،الشق الثاني متعلق بالظرف السوري ،وقد قلت
إن الذين طالبوا برفع السالح ،عقلهم كان مأسور ًا بالتجارب التي جرت في ليبيا
والعراق؛ في رأيهم أن رفع السالح ،وسقوط الضحايا ،وبأعداد كبيرة ،سيستدعي
تدخ ًال خارجي ًا ينهي الموضوع ...وهذا ليس من الثورية وال الوطنية بشيء!..
ةديدجلا ةيشافلا | 117
األزمة السورية الجذور واآلفاق
كذلك ،فإن قسم ًا من النظام كان يهمه جد ًا رفع السالح من قبل جزء من
المعارضة ،ألن ال قِبَل له بمواجهة معارضة سلمية سياسية ومطالب محقة؛ رفع
السالح كان ضروري ًا بالنسبة للجزء الفاسد والرافض للتغيير ضمن النظام،
ألنّ القسم األكبر من النظام لن يقف معه طوي ًال في مواجهة حركة سلمية
احتجاجية محقة ،ولكن في حالة رفع السالح ،ودخول الشعارات الطائفية،
والشعارات غير الوطنية المطالِبة بالتدخل الخارجي ،ومِمَّن؟ من األعداء
التاريخيين للشعب السوري وعلى رأسهم الواليات المتحدة والناتو ،كل ذلك
سيوحد القاعدة الجماهيرية للنظام ،رغم أنها متضررة من سياسات هذا النظام
نفسه االقتصادية – االجتماعية ...ولذا ليس ناف ًال السؤال في بعض الحاالت،
لمصلحة مَن يعمل بعض المتشددين ضمن المعارضة...
وإلى جانب ذلك ،فإنّ مَن دفع نحو التسلح لم يكن الخارج وبعض النظام
فحسب ،بل وغباء ومحدودية وقصر نظر من طالب بهذا الموضوع من قادة
المعارضة ،ناهيك عن عمالة البعض...
طالما أن المعادلة صفرية على المستوى الدولي ،فعن أي سالح نتكلم،
إنه قبض للريح ،ووهم .وقد دفع التطور إلى طريق مسدود ،وخسارة وقت
وخسارة ناس ،خسرنا 8سنوات ،وخسرنا مئات اآلالف من الضحايا من
الطرفين ،وهؤالء أثمن ما كان يمكن أن نحافظ عليه من أجل المعارك الحقيقية
القادمة في سورية.
•من خالل الحديث السابق مررنا على فكرة فضاء سياسي قديم والتحوالت
فيه وفضاء سياسي جديد وعالقتهما بالحركة الشعبية ،لكن فعلياً الفترة
فإن التحوالت التي حصلت سريعة ما بين 2005إلى 2011وإلى اليومّ ،
وكبيرة لدرجة أن الكثير من الناس ال يدركون على وجه الدقة ما الذي
جرى ويجري ...إذا أردنا أن نرسم خريطة للقوى السياسية جميعها في
سورية ،وتحوالتها خالل هذه الفترة ،هل يمكننا ذلك؟
حتى ننجح في هذا الرسم يجب أن نرسم خريطة التوزع االجتماعي
والتغيرات العميقة التي جرت عليها؛ ألن هذا هو األساس ،فالقوى السياسية
هي نتيجة ،محصلة ،وليست السبب األساس.
لدينا المؤشرات التالية :مستوى الفقر عام 2010كان حوالي %40نسبة
فقر الحد األعلى (دوالران في اليوم) -وهو حد أعلى وضعته األمم المتحدة
قديم ًا -في عام 2005كانت النسبة %27وأصبحت %40عشية ،2010مستوى
البطالة العامة للسكان قارب الـ ،%20والعطالة من قوة العمل بتقديري قد
تجاوزت الـ ،%50انخفاض مريع في مستوى المعيشة نتيجة ازدياد الطابع
الريعي المالي المصرفي لالقتصاد السوري وانخفاض الطابع اإلنتاجي
الحقيقي ،القوة الشرائية لليرة السورية انخفضت ،جرى تضخم جدي مع
حفاظٍ على سعر صرف الليرة ،وانعكس التضخم على األسعار وعلى القوة
الشرائية ،هذه المؤشرات هي الجانب العام من المسألة...
في الخاص ،فإنّ الضربة األولى جاءت نتيجة لما سمي اإلصالحات
ألا لالخو ةيشع ةيسايسلا ىوقلا تالوحت | 119
األزمة السورية الجذور واآلفاق
شعبية ،بينما الجيل الثاني الذي يصح فيه القول إنه وُلد وفي فمه ملعق ٌة من
ذهب ،فقد كان أكثر جاهزية لإلصابة بال َّلوثة الليبرالية ،وظنوا أنهم يستطيعون
أن يغيّروا ما جاء به الجيل األول دون أن يؤدي ذلك إلى إحداث هزة في
النظام؛ عملوا على إجراءات اقتصادية ال تتفق مع هوية النظام السياسية .ومَن
دفعهم لهذه اإلجراءات هو االتحاد األوروبي والخليج ،بحجة مساعدات يمكن
أن تأتيهم.
هنا ال بد من اإلشارة إلى مشكلة مهمة في عقلية إدارة االقتصاد السوري،
هذه العقلية تاريخي ًا ،وأقصد منذ عدة عقود ،ضعيفة تجاه التمويل الخارجي
وتحابيه ،ألنها ال تحب البحث عن مصادر تمويل داخلي ،وأحد أسباب هذه
المحاباة هو أن حركة الرساميل دخو ًال وخروج ًا تسبب اإلدمان على الفساد؛
أي الربح السهل والريعي والذي ال عالقة له باإلنتاج الحقيقي ،أما أن تجد
تموي ًال داخلي ًا من عرق الجبين ،فهذا أمر صعب ،صعب ألنه يحتاج عم ًال ،يحتاج
للجماهير ،وليس فيه ِنسَب السرقة التي يؤمنها التمويل الخارجي .إذن ،ال
يمكن تفسير سيطرة ال َّلوثة الليبرالية بعام ٍل واحد ،بل بعدة عوامل متداخلة:
قابلية الجيل الثاني من البرجوازية البيروقراطية والذي تحوّل فعلي ًا إلى رأس
مال مالي ،وكذلك عقلية إدارة االقتصاد وخاصة لجهة تأمين الموارد ،إضافة إلى ٍ
الجو الدولي العام المتولد بعد انهيار االتحاد السوفييتي حيث توهم البعض أنّ
الليبرالية هي فع ًال نهاية التاريخ وال يوجد طريق آخر غيرها...
هذا كله لم يغير موقفنا؛ فنحن منذ اللحظة األولى كان موقفنا واضح ًا من
هذه ال ّلوثة ،وقد تمّ التعبير مرار ًا عن أن الهدف األساسي من “اإلصالحات”
الليبرالية ،ليس تحقيق الغنى أو الرفاه ،ولو ليس للمجتمع كله بطبيعة
الحال ،وال حتى لفئاتٍ قليلةٍ منه؛ هذا هدف ثانوي ،الهدف األساسي هو
“تذرير المجتمع” إلى أصغر وحداته ،وتقسيمه في كل مكان ،ليس في سورية
فحسب ،بل وفي كل المنطقة .واليوم إذا كنا نرى خطر تقسيم سورية ،ولو
كان قد تراجع ،فالسبب العميق لذلك وأحد جذوره ،هو اإلصالحات الليبرالية
االقتصادية.
ألا لالخو ةيشع ةيسايسلا ىوقلا تالوحت | 121
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إذا بدأنا بالنظام ،فبرأيي أن حزب البعث كانت لديه فرصة جيدة ضمن
المرحلة الجديدة بحيث يتكيّف مع الواقع ،ألنه حزب قديم موجود في كل
مكان ،وكان ممكن ًا له أن يعيد بناء نفسه آخذ ًا بعين االعتبار ضرورات اللحظة
ومتطلباتها؛ أي أن يعيد النظر ببرنامجه ،ويضع برنامج ًا حقيقي ًا متطابق ًا مع
ضرورات اللحظة القادمة.
•ليس في برنامجه فقط ،بل وفي بنيته وتركيبته وطبيعة عالقته بجهاز
الدولة...
نعم ،يعيد النظر في بنيته وتركيبته ويفصل نهائي ًا بينه وبين جهاز الدولة،
يستقل عنه .ما جرى عملي ًا ،هو أن هذا الحزب أصبح مع الوقت ،ومن حيث
يدري أو ال يدري ،مُدار ًا من قبل جهاز الدولة الذي يُفترض أن يقوم هو بمهمة
قيادته .ألن الفقرة الثامنة في الدستور القديم تقول :حزب البعث هو الحزب
القائد في الدولة والمجتمع .ولكن فعلياً الدولة تقود جهاز الحزب ،وهذه
العملية حدثت نفسها في االتحاد السوفييتي ،فالخطأ بدأ منذ المؤتمر
العشرين ،وجرى دمج الجهاز الحزبي والحكومي ،لم تعد هنالك حدود
فاصلة بينهما ،رغم وجود حائط كبير بينهما من قبل .وهذا ما أدى إلى
أن امتيازات الدولة بدأت بالذهاب إلى الجهاز الحزبي ،والجهاز الحزبي أصبح
جزء ًا من جهاز الدولة ،وبالتالي جهاز الدولة كان يحتاج لمراقبة ،ولكنه قتل
الرقيب ،قتله بهذه الطريقة ،بمعنى أنه جعله موظف ًا لديه .والحزب الذي يجب
أن يكون ممث ًال للشعب من أجل أن يراقب الدولة ،أصبح ضمن جهاز الدولة ،ولم
تعد للشعب أدوات تساعده على مراقبة جهاز الدولة ،وهذا ما أدى إلى فلتان
جهاز الدولة مُطلِق ًا أذرعه يمين ًا وشما ًال وفي كل مكان بحث ًا عن االستفادة من
االمتيازات والمكاسب والفساد...
•وكأنك تقول إن السطة ،أي سلطة كانت ،هي بطبيعتها الجوهرية قابلة
للفساد؟
طبع ًا ،فالسلطة باعتبارها أداة لتوزيع الثروة هي دافعٌ للفساد ،وذلك إنْ
| ألا لالخو ةيشع ةيسايسلا ىوقلا تالوحت 124
األزمة السورية الجذور واآلفاق
لم يكن هنالك عص ًا توجهها ،والمقصود هنا الرقابة الشعبية الحقيقية .فدائم ًا
هناك ميل لدى السلطة ألخذ امتيازات غير مشروعة من كل شيء ،وبغياب
الرقابة الشعبية فإنّ هذه الحصة تكبر وتكبر ،بحيث تأكل كل ما هو موجود
إنْ استطاعت.
•قد يتفق الكثيرون مع التوصيف الذي تقدمونه حول فضاء سياسي
قديم (في النظام وفي المعارضة) انقطعت عالقته مع جماهيره وقاعدته،
ولكن أمام القول إن هذا الفضاء ميتٌ سريرياً وينبغي دفنه وإفساح
المجال لوالدة الجديد ،ال يمكننا إنكار ّأن الفضاء القديم ال يزال موجود ًا،
بل وما زالت لديه قوته وقدرته النسبية على التحكم؛ يظهر ذلك على
األقل في إسهامه بتعطيل السير نحو الخروج من األزمة ...من أين تأتي
قوته وقدرته تلك؟ وبصفة أوسع ما هي مكوّنات قوة هذه القوى ،سواء
في النظام أو في المعارضة؟
لدينا هنا حالتان :بالنسبة للمعارضة ،فإن قوتها الخارجية وحتى المسلحة،
هي قوة قادمة من امتداداتها الدولية والدعم الدولي السياسي واإلعالمي
والمادي والعسكري؛ بمعنى أنه في ظل ظروف األزمة السورية التاريخية ،في
ظل 2011وما بعدها ،وارتفاع نسب الفقر والبطالة والتهميش بشكل كارثي،
أصبحت هناك أرضية للتوسع .خذ حالة افتراضية لقوة ما تنشط في إحدى
المناطق الحدودية معتمدة على مساعدات خارجية واقطع عنها المساعدات ،ما
الذي سيحصل؟
•ستتبخر ،وتبخرت ألن ذلك قد جرى فع ًال في حاالت ملموسة خالل
السنة الماضية
نعم ،وهذا يعني أن هذه القوى ليست قوى سياسية حقيقية .فمَن هي القوة
السياسية الحقيقية؟ هي تلك التي ال تتبخر عندما ال تملك المال ،بل تزداد قوة.
الحالة الثانية هي القوى السياسية الموالية التي يديرها جهاز الدولة
وليس حزب البعث؛ حزب البعث يُدار من قبل جهاز الدولة أيض ًا ،أخذوا قرار ًا
ألا لالخو ةيشع ةيسايسلا ىوقلا تالوحت | 125
األزمة السورية الجذور واآلفاق
القوى السياسية في سورية كانت حقيقية عندما كانت هنالك درجة نشاط
عال في الخمسينيات ،شيئ ًا فشيئ ًا هبط هذا النشاط مع الهبوط العام سياسي ٍ
وجرى دفنه...
اليوم مع الصعود الجاري في العالم ،مع الموجة الجديدة ،تعلو درجة
النشاط السياسي وال بد من أنها ستو ِّلد حركة سياسية ،وبين مكونات هذه
الحركة ما سيكون جديد ًا بالكامل ،ومنها ما سيكون قديم ًا استطاع التكيّف مع
الجديد ،والقديم الذي ال يتكيّف سيموت نهائي ًا.
يمكننا مشاهدة شيء مشابه لذلك في أوروبا ،في فرنسا وإيطاليا وألمانيا،
في كل أوروبا ،العملية جارية ،وحتى في أمريكا ،فانتصار ترامب هو تعبير
عن أزمة في الفضاء السياسي القديم الذي استمر مئات السنين.
•بمعنى أنه جاء من خارج المؤسسة الحاكمة...
نعم .حتى ولو كان من الممكن أن يكون مدفوع ًا من جزء من المؤسسة
الحاكمة حتى يتفادى األزمة.
•تقولون ّإن استمرار نشاط الجماهير العالي سياسياً هو شرط والدة
الفضاء السياسي الجديد ...إلى متى سيستمر هذا النشاط؟
التاريخ يقول لنا إن هذه العملية تأخذ خمسين سنة وسطي ًا ،لذلك فإن مَن
يعتقد أن نشاط السوريين السياسي قد انتهى بانتهاء المنحى العسكري لألزمة
مخطئ جد ًا؛ ألن انتهاء المنحى العسكري هو اإلشارة أن وقت الجد قد حان:
ٌ
بعد أن ينتفي نهائي ًا ،مع كل الخسائر التي حدثت ،احتمال األعمال العسكرية
في األزمة السورية ،ويبدأ الذهاب نحو أعمال سياسية بحتة ،أؤكد أن درجة
النشاط السياسي العالي للجماهير ستعبر عن نفسها؛ ستظهر وستنعكس ببنًى
سياسية جديدة ،وهذه البنى ستجري غربلتها مع الوقت ،وهذه تجربة ستمر
بها الناس في نهاية المطاف.
لذلك علينا التعامل مع ما يجري على أنه بعيد المدى ،والذي يريد أن يعيش
ألا لالخو ةيشع ةيسايسلا ىوقلا تالوحت | 127
األزمة السورية الجذور واآلفاق
سياسي ًا عليه فهم هذه الحقيقة ،وإلاّ فإن موجة تطور العمل السياسي ستكون
قوية جد ًا ،والذي لم يتمكن من فهمها فإن هذه الموجة لن تغرقه فحسب ،بل
سترميه إلى الشاطئ خارج التيار كلي ًا.
•مقوالتكم حول الفضاء السياسي القديم والجديد ،وعودة الجماهير إلى
الشارع ،والثنائيات الوهمية ،تعود إلى 2005وما قبلها ...كيف رأيتم
ترجمة ذلك خالل ثماني سنوات ابتدا ًء من 2011؛ وبتحديد أكبر كيف
انعكس ذلك على تطور المعارضة والمواالة خالل هذه السنوات؟
ال شك أنه يوجد في المعارضة وفي المواالة قوى واقعية وشريفة وواعية.
في بداية األزمة ،وحتى مراحل متطورة منها ،لم يكن صوتها هو األعلى ،لكنها
كانت موجودة؛ كان الصوت األعلى للمتشددين من الطرفين .وأحد أسس
تشدد هؤالء ،كما قلنا ،أن هنالك نماذج تضغط عليهم التباعها ،بالتوازي مع
ضغط خارجي...
•وبالتوازي مع مستوى معرفي منخفض...
نعم ،ومستوى معرفي منخفض ،ودولة تعمل على نموذج سابق ،تعتقد أنه
في «كل مرة ستسلم الجرّة» ويمكن أن يسلم وينجح .لم يفهم جهاز الدولة أن
هنالك عام ًال جديد ًا مهم ًا جد ًا هو مستوى النشاط السياسي العالي الذي يؤمِّن
خزان ًا دائم ًا للعمل العسكري إذا بدأ...
في الثمانينيات ،لم يكن هنالك خزان اجتماعي؛ كانت معركة بين قوتين
عسكريتين األولى اسمها الجيش العربي السوري ،والثانية اسمها تنظيم
اإلخوان المسلمين ،وبهذا المعنى فهي معركة محسومة النتائج.
اعتقد جهاز الدولة أنه باستخدام الجيش يستطيع أن يحافظ على الرسمة
السابقة نفسها التي جرت في الثمانينيات .وقد نسي أن هناك حركة شعبية قد
بدأت تنشط ،وأن هناك شعور ًا باستياء كبير ،وأن هناك بطالة وفقر ًا ،واألزمة
ذاتها لها شروطها وتعقيداتها ،وبالتالي يوجد خزان.
| ألا لالخو ةيشع ةيسايسلا ىوقلا تالوحت 128
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•من الشعارات التي رفعتموها منذ نهاية السنة األولى لألزمة :شعار
«حكومة الوحدة الوطنية» ،ما المفهوم العام لحكومة الوحدة الوطنية
من وجهة نظركم ،وشروطها؟
في المؤتمر الثاني للجبهة الشعبية للتغيير والتحرير أواخر ،2011تبلورت
الفكرة ،لكن قبل ذلك كانت الفكرة موجودة وجنينية ،وجرى الكالم بها وعنها
مع أوساط عديدة داخل النظام وخارجه ،لكن التفاعل معها كان ضعيف ًا.
في الحالة العامة ،في األزمات الوطنية الكبرى ،عندما يكون من ال ّالزم إنقاذ
البلد ،تتالقى المعارضة واألكثرية مؤقت ًا لحل األزمة وإنقاذ البلد .ومن األمثلة
على ذلك؛ بعد الحرب العالمية الثانية في فرنسا ،تجربة ديغول .كانت حكومة
وحدة وطنية شاركت فيها قوى اليمين واليسار .ودول أوروبا الشرقية بعد
الحرب ،حكومات وحدة شعبية وحكومات جامعة .وفي سورية والعراق أيض ًا،
الجبهات التي حدثت مع البعث وبالرغم من أن دور البعث كان مهيمن ًا ،لكنها نوع
من تحالف جبهوي انعكس في الحكومة ،ولكن كان تمثيل الحلفاء رمزي ًا جد ًا.
إذن في حاالت الخطر ،من الممكن أن تتشكل حكومات كهذه ،وال يوجد
ما هو أكثر خطر ًا مما حدث في سورية منذ عام .2011ومن هنا كان لدينا
هاجس بجمع الطرفين في مكان واحد اسمه الحكومة ،واقترحنا ذلك ولكن لم
يجد اقتراحنا طريقه للتحقق.
بعد ذلك كان موقف قسم من المعارضة متشدد ًا ،وكان الغرب قد عبّأ في
رأسها أن النظام سيسقط ،وكانوا يحذرونهم من الحديث معه ،أو التفاهم معه
ةينطولا ةدحولا ةموكح | 131
األزمة السورية الجذور واآلفاق
لحل األزمة .عملي ًا في نهاية المطاف كنا آخر األمر الوحيدين في المعارضة
الذين يتكلمون بحكومة وحدة وطنية.
وافقنا حينما عرض علينا النظام الدخول إلى الحكومة((( ،وسميناها حكومة
«وحدة وطنية مصغرة» ،وكان هدفنا إقناع باقي فصائل المعارضة أن هذه التجربة
من الممكن أن تنجح ،وإقناع الموالة أن هناك معارضة من الممكن الحديث معها،
والوصول إلى توافقات .وهدفنا الثالث عملي ًا هو خوض التجربة والتعرف على
آلية عمل جهاز الدولة الذي نطالب بتغييره جذري ًا وديمقراطي ًا وسلمي ًا.
ما حدث بعد ذلك أنه جرى ضدنا هجوم كبير من المعارضة ،وحتى من
المقربين لنا ،وهذا لم يُخِ ْفنا ،وبقي الهجوم حتى خرجنا من الحكومة ،واستمر
بعد ذلك بوتائرَ أقل أحيان ًا وأشد أحيان ًا أخرى .وفي النظام حدث فرز ،هناك مَن
أراد التفاهم معنا ،وهناك مَن لم يُ ِرد نهائي ًا ،وهذا طبيعي إذا أخذنا بعين االعتبار
اصطفاف القوى داخل النظام بالمعنى االقتصادي االجتماعي والسياسي.
استفدنا بشكل كبير من دخول التجربة.
•كيف استفدتم..؟
على األقل فهمنا النظام بشكل أكبر؛ فإحدى أهم الفوائد التي جنينها من
دخول الحكومة ،هي تحديد خريطة الفساد .أنا اقتصادي وأعرف الفساد
ومستواه ،ولكن حقيق ًة ،لم أكن أعلم التفاصيل التي شاهدتها بعد دخولي.
أنا اليوم أعلم خريطة الفساد في سورية بتفاصيلها المختلفة ،وأعرف كيفية
تفكيكه ،ومن أين يجب أن يحصل هذا التفكيك .الفساد في سورية هو منظومة
فظيعة ومتطورة وذكية ومتشعبة.
-1تولى د .قدري جميل منصب نائب رئيس الوزراء للشؤون االقتصادية ،ووزير التجارة
الداخلية وحماية المستهلك ،في الفترة من 22حزيران 2012إلى 29تشرين األول ،2013
وفي 29تشرين األول صدر مرسوم بإقالته من المنصب بحجة «التغيب عن مقر عمله دون
إذن مسبق ،وعدم متابعته لواجباته المكلف بها كنائب اقتصادي في ظل الظروف التي تعاني
منها البالد ،إضافة إلى قيامه بنشاطات ولقاءات خارج الوطن دون التنسيق مع الحكومة
وتجاوزه العمل المؤسساتي والهيكلية العامة للدولة».
| ةينطولا ةدحولا ةموكح 132
األزمة السورية الجذور واآلفاق
لكن المشكلة في أن هذا الكالم بقي كالم ًا فقط ،ألنه في ظل الكالم عن الحوار كان
هناك عدم قبول بجنيف ،1وفي جنيف 2حدث استعصاء بوضع مسألتي مكافحة
اإلرهاب والتغيير على التسلسل ،وهذا ما أعاق العملية .لذلك فإن النقطة األولى،
أننا انتزعنا عملي ًا اعتراف ًا (كتابي ًا وشفهي ًا) من النظام بضرورة الحل السياسي،
وهذا لم يكن أمر ًا سه ًال .وقد لمستُ ذلك أثناء نقاشنا في مجلس الشعب ،فعندما
جاء دوري في الكالم في إحدى المرات ،كان هناك من امتعض من كالمي قائ ًال:
«تريد أن تحاور مسلحين» ،فقلت له إن الحوار يحدث بين خصوم ،وليس بين
متصالحين ،وبعد ذلك ببضعة أسابيع قال وزير اإلعالم المرحوم عمران الزعبي
في مجلس الشعب نفسه ،إننا سنتحاور مع الجميع ،ومع المسلحين...
•وماذا عن الجانب االقتصادي للبرنامج الحكومي؟
كان من المستحيل أن يتقدم ،بسبب تعقيدات األزمة ،والوضع األمني
العسكري وتقطع الطرقات وازدياد الكلف ،والعقوبات االقتصادية وتأثيرها،
وكذلك محاباة الحكومة لقيادة المصرف المركزي حول طريقة عمله في قضية
الليرة السورية والدوالر ،ومحاباتها للفاسدين الكبار .تصادمنا على كل هذه
الجبهات واقترحنا حلو ًال ،لكن في النهاية لم يحدث شيء ،بل وجرت محاولة
تحميلنا المسؤولية عن ارتفاع األسعار رغم أننا صوتنا ضد كل قرارات رفع
األسعار أثناء وجودنا في الحكومة...
في النهاية ،نحن كنّا صادقين في نيتنا بإقامة حكومة وحدة وطنية ،لكن
األمور أخذت منحًى آخر ،فأرادوا التخلص من وجودنا ،وجرى تحميلنا
مسؤولية سياساتهم كي يتخلصوا من إرادتنا في الحل السياسي ،وهذا هو
جوهر األمر.
•طرحتم في فترة الحكومة أن االقتصاد ينبغي أن يكون اقتصاد حرب
بميزات محددة ...ما جرى عملياً هو أن األمور ذهبت باتجاه مختلف
كلياً ،في أي نموذج اقتصادي يمكن تصنيف السلوك العام للحكومات
السورية خالل األزمة؟
ةينطولا ةدحولا ةموكح | 135
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المفاوضات...
•كانت دعوتكم في البدايات باتجاه الحوار ،بعد ذلك انتقلتم إلى مرحلة
جديدة أصبح الكالم فيها ،عندكم وعند اآلخرين ،هو عن المفاوضات -
تحديد ًا بعد بيان جنيف -فما طبيعة هذه النقلة ،وما العالقة /الفرق بين
المفاوضات والحوار؟
الحوار داخلي ودون وجود أطراف خارجية ،وتدويل األزمة السورية
أفقدنا هذه اإلمكانية...
لو تلقف النظام والمعارضة الفرصة التي عبّرت عن نفسها ألول مرة في
تموز 2011في اللقاء التشاوري في صحارى ،الذي كان يتيم ًا فعلي ًا ،كان يمكن
لنا أن نقول إن الحوار السوري-السوري قد انطلق ،ويمكنه أن يعطي نتائجه،
لكن عدم االلتزام بنتائج اللقاء التشاوري ،أبعدَ هذه الفرصة ،وتعقدت األزمة
السورية وجرى االنتقال إلى تدويلها شيئ ًا فشيئ ًا ،ما جعل الحوار جزء ًا من
المفاوضات؛ إذ باتت هنالك أطراف خارجية على أساس جنيف 1وعلى أساس
2254لها عالقة بالموضوع ،كرعاة على األقل ،لذلك نحن حينما قلنا “حوار”
كنا نقصد عدم التدويل ،ولكن التدويل أصبح معطى واقعياً موضوعياً
خالفاً لرغباتنا ،وال يمكن تجاهله؛ لذلك “مفاوضات”.
بكل األحوال ليس هذا الجوهر ،في النهاية قمة القرارات الدولية هو ...2254
هناك كثيرون ال يعجبهم ذلك ،لكن جوهره هو الحوار السوري -السوري
كطريق وحيد للشعب السوري لكي يقرر مصيره في كل المجاالت.
•وليس تسويات لها طابع المحاصصة؟
تاضوافملا | 139
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ال ،ليس تسويات ،ال إقليمية وال دولية .االتفاق السوري-السوري ال بد أن
يأخذ بعين االعتبار المناخ اإلقليمي والدولي ،لكن يجب على السوريين أنفسهم
أن يتفقوا ،ال أن يفرض طرف من السوريين رأيه على كل السوريين؛ وال أن
يفرض طرف ما خارجي نفسه ورأيه على السوريين ...توا ُفق السوريين هو
الضمانة للوحدة الوطنية.
ويجب أن يتم الوصول إلى الحلول التي تضمن لهم العيش واالستقرار
وعدم إعادة إنتاج األزمة ،وتلك الحلول مبنية بالضرورة على التوافق بين
الجميع ،وهذا صعب ،وممكن أن يكون الوصول إليه أطول ،لكنه أضمن .الحلول
المفروضة من طرف على طرف تكرس في ذهن البعض انتصارَ أحد وهزيمة
أحد ،وهذا ال يكرس الوحدة الوطنية ،وإنما يخلق الظروف واألرضية لالنتقام
والنفجار الحق...
طريقة حل األزمة في الثمانينات لعبت دور ًا ما في االنفجار الذي جرى
في 2011؛ ألن حجم المظالم والمطالب التي نتجت عن النظام األمني الناتج عن
أحداث الثمانينات ،أرخى بظ ِّله وثقله على كاهل الكثير من السوريين ،واعتبروا
أنفسهم متضررين مما جرى ،وهذا لعب دور ًا كبير ًا في األحداث الالحقة.
•إذن بهذا المعنى ،ما هي وظيفة المفاوضات؟ إذا كانت وظيفة الحوار
في حينه هي منع التدويل وحل المسألة ،المفاوضات التي لم يعد فيها
عامل سوري فقط بل عامل إقليمي ودولي أيضاً؟
الهدف عملياً هو استعادة السيادة السورية ،أي إلغاء التدويل ،عبر
الوصول إلى اتفاق بالمفاوضات.
•لكن هل للدول المتدخلة مصلحة بألاّ يكون لها تأثير في سورية؟ ألن
العودة عن التدويل تعني العودة عن التأثير...
التأثير شيء ،وانتهاك السيادة شيء آخر؛ التأثير يحدث للحفاظ على
عالقات متبادلة بمستويات معينة ،التأثير يكون له شكل اقتصادي وسياسي،
هذا يضمن اتفاقات تأخذ بعين االعتبار مصالح الجميع ،أما انتهاك السيادة
| تاضوافملا 140
األزمة السورية الجذور واآلفاق
فيعني أن ال وجود لدولة يتفاوضون معها ،لكن عند وجود دولة تمثل الشعب
على أساس دستور معاصر ديمقراطي تعددي ،عندها يمكن إيجاد موازين
للمصالح مع دول الجوار ومع دول العالم التي لها عالقة باألزمة والتي ال
عالقة لها باألزمة.
التأثير المتبادل في عالم اليوم أمر ال يمكن إنكاره وال الهروب منه ،لكن
إلغاء التدويل ال يعني إلغاء التأثير المتبادل بين الدول والمصالح المتبادلة ،وإنما
إيجاد تلك الرسمة والمعادلة والميزان الذي يسمح للدولة بالحفاظ على سيادتها
مع االنفتاح على الدول األخرى على أساس المبادئ والقوانين الدولية.
•يعني شيء يشبه الحديث الصيني عن ( »win-win Relationيعني
العالقة الرابحة لكل األطراف.
طبع ًا ،لذلك هنا أريد أن أوضح ،أنّ جوهر القرار 2254هو برأيي عقدٌ بين
طرفين :داخل وخارج ،الخارج يتوقف عن التدخل ،والداخل يتعهد بإجراء
عملية تغيير ديمقراطي خاصة به ،هذا العقد هل هو مناسب لنا؟ ال أعتقد أنه
مضر بنا ،لكن يجب ضمان عدم تدخل الخارج بالعمليات الالحقة سواء بشكل
مباشر أو غير مباشر ،ال بالسالح وال بغير السالح.
•كيف يمكن للخارج أن يتدخل الحقاً؟
هنالك طرق عديدة ،لكن أخطر محاوالت التدخل اللاّ حقة بالشؤون السورية
سوف تكون على محورين يجب االنتباه لهما :األول هو موضوع إعادة
اإلعمار ،وشكل تلك العملية سيفرض الشروط التي تملي في النهاية النموذج
االقتصادي الذي يريده مَن يقدم التمويل ،وبالتالي سيحدد النموذج السياسي
القادم في نهاية المطاف.
الثاني هو إيجاد شكل من التنظيم السياسي للمجتمع يسمح بالتمويل
الخارجي ويقويه ،هذا التمويل الخارجي الذي يتم أحيان ًا تحت اسم المجتمع
المدني يجب منعه ،وهو اختراق للمجتمعات للتحكم بالرأي العام والتمثيل
السياسي.
تاضوافملا | 141
األزمة السورية الجذور واآلفاق
البداية بتشكيل اللجنة ،واالتفاق على طريقة العمل والتصويت واآلليات ،ثم
تغيير أو تعديل الدستور ،ثم الذهاب إلى الجوهر ،وتنتهي العملية.
ما هو 2254؟ دستور ،وانتخابات .السؤال هو :بين انتهاء الدستور
واالنتخابات ،هنالك مرحلة ،يجري فيها تغيير قوانين ،تجهيز البنية لالنتخابات،
النيابية والرئاسية ،مَن سيدير هذه العملية؟ إذا كان قد جرى توافق على
دستور وجرى االستفتاء عليه...
•وفقاً للقرار ،2254جسم الحكم االنتقالي...
حسن ًا ،هذا ما تحدثنا عنه منذ قليل ،يمكن القول إننا بعد أن نصل إلى اتفاقنا
على دستور ،والشعب سيصوت عليه ،وعندها على ماذا سنختلف؟ فلنشكل
تلك الحكومة التي تنقل هذا الدستور من الورق إلى التطبيق .حيث لم يعد هناك
ما نختلف عليه.
عندما يصبح الدستور فعا ًال ،ويعيد توزيع الصالحيات ،ويحدد رؤيته
لالنتخابات وشكلها ،وينتج شكل الرؤية للمركزية والالمركزية في البالد .وهذا
بعد أن يتم التصويت عليه ،أال ينبغي تنفيذه؟ مَن سينفذه؟ البنية السابقة ال
تصلح .وهو ما يعني أنك تحتاج لبنية انتقالية للوصول إلى االنتخابات ،وهذا
منطق األمور.
•إذن أنتم فع ًال مع مرحلة انتقالية؟
نعم ،مع مرحلة انتقالية بالمعنى الواسع للكلمة أي انتقال من دستور إلى
دستور وانتقال من منظومة سياسية قديمة إلى منظومة سياسية جديدة،
دون شروط مسبقة ،مرحلة انتقالية تشارك فيها المواالة والمعارضة على
قدم المساواة ،ألن سورية القادمة يجب أن يشارك فيها الجميع ،حيث حجم
الخسائر واألعباء ال يبقي أية إمكانية لدى طرف واحد دون اآلخر للقيام بهذه
المهمة ،فاألنقاض كثيرة ،وتحتاج إلى مَن يزيلها.
•نتحدث عن انتقال ،جوهر هذا االنتقال ،إلى أين؟
| تاضوافملا 144
األزمة السورية الجذور واآلفاق
جوهر االنتقال يقرره الدستور .لدينا رأينا ،ولكن هذه المسألة سيقررها
الدستور.
•وما هو رأيكم؟
رأينا أنه يجب أن يحدث تغيير حقيقي للدستور ،والبنية السياسية؛ تغيير
حقيقي يسمح بنقل السلطة للشعب بكل ما للكلمة من معنى ،ويعطي الضمانات
لهذه العملية ،ألن نقل السلطة إلى الشعب ،ليس بالكالم ،وليس بمجلس الشعب
وحده ،بل على كل مستويات التمثيل الشعبي ،هو فقط ما يعطي الضمانة
إلعادة توزيع الثروة بشكل عادل ،ولضرب الفساد وإجباره على التراجع
وصو ًال إلى اجتثاثه جذري ًا .بالنهاية هناك قضيتان تحتاجان إلى حل في كل
التاريخ ،موضوع الثروة ،وموضوع السلطة .الثروة لمَن ،والسلطة بيد
مَن...
السلطة نريدها أن تكون ،ال لفظي ًا ،وال افتراضي ًا ،وال بشكل مجرد ،بيد
الشعب .لدينا اقتراحاتنا الملموسة حول شكل نقل السلطة إلى الشعب في كل
مكان ،سنطرحها في الوقت المناسب ،في المناطق الصغيرة ،واألوسع ،وعلى
مستوى المركز .وهذا إذا ما أنجزناه ،سنسعى بالدستور ألن يكون فيه ما
يضمن أعلى نمو وأعمق عدالة اجتماعية .مع سلطة شعبية حقيقية تؤمن هذه
العملية ،أعتقد أننا نكون قد غيرنا النموذج السابق بكامله .هذا جوهر الجوهر
في عملية التغيير الوطني الديمقراطي.
تاضوافملا | 145
الفصل الثالث
اآلفاق
147
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•“سينتصرُ في نهاية األزمة مَن يملكُ برنامج اليوم األول بعدها” ،سمعنا
هذه العبارة منكم في عدة مناسبات .ماذا تقصدون بها؟ خاصة ّأن أيَّ
“انتصار” بعد الكوراث التي عاشها السوريون ،ومن وجهة نظر
ٍ كالم عن
ٍ
الكثيرين هو أمر غير أخالقي...
الكالم هنا هو عن انتصار برنامج ،وليس عن انتصار أحد على أحد؛
ومشكلة الـ”أحد” والـ”أحد” اآلخر ،أن ليس لدى ٍأي منهما برنامج لليوم األول
بعد األزمة ،ولو كانت لديهما برامج لما حصل هذا الصراع بهذا الشكل الذي
أخذ مدًى طوي ًال ودامي ًا...
نحن من األساس منطلقون من مقولةٍ في رؤيتنا السياسية مفادها أنه في
ظروف سورية الملموسة ،فإنّ ثنائية “معارضة – نظام” هي إلى حد كبير
غير دقيقة ،ومن الممكن القول إنها وهمية؛ إذ كيف يتم التفريق تقليدياً بين
معارضة ونظام؟ أليس باختالف البرامج؟
دعنا نذهب إلى العمق ،إذا حككتَ جلد النظام قلي ًال ستجد فيه كثيرين ممن
يحبون األمريكان والغرب ،وهم مَن عرقل التوجه نحو الشرق ،ألن قلوبهم
تميل نحو الغرب؛ و %70من عالقات االستيراد والتصدير السورية تاريخي ًا
هي تحديد ًا مع أوروبا ،وبالتالي توجد كتلة نوعية ال بأس بها في السوق وفي
جهاز الدولة ،غربية الهوى ،وهؤالء موجودون في النظام الذي يقول رسمي ًا
بالتوجه شرق ًا ،ويطرح شعارات معادية إلسرائيل وللغرب عموم ًا .بكالم آخر:
ضمن صفوف النظام توجد قوى يمكن توصيفها بالالوطنية ،موقفها واضح،
زألا دعب لوألا مويلا جمانرب | 149
األزمة السورية الجذور واآلفاق
وضمن هذا النظام نفسه توجد قوى تهمها كثير ًا المكتسبات االقتصادية
االجتماعية التي تحققت في عهد هذا النظام منذ السبعينيات وما بعد وهي
وطنية بال شك .وتوجد قوى اجتاحتها الموجة الليبرالية ،ال ّلوْثة الليبرالية،
في العقد األول من هذا القرن ،وذهبت في خضم هذه الموجة وحطمت الكثير
من المكتسبات التي تحققت سابق ًا ،وال يهمها نهائي ًا أي مكتسبات اقتصادية
واجتماعية للناس ،وظنها أنها إذ تقبض على رقبة جهاز الدولة فإنها تستطيع
أن تسيّر األمور :هذه غلطتها الكبرى.
وإذا نظرتَ إلى المعارضة ،تجد ضمنها عمالء صريحين للغرب ،بالمعنى
المباشر ،وحتى للكيان الصهيوني كما تبيّن في بعض الحاالت ،وفي الوقت
ذاته يوجد أناس وطنيون ال يقبلون نهائي ًا أي إهانة للكرامة الوطنية السورية.
يمكن أن يكون النوع األول هو األكثر ظهور ًا على السطح بحكم الترويج
اإلعالمي والسياسي له وبحكم عمليات النفخ والتضخيم المصطنعة ،لكن هذا ال
يعني أن النوع الثاني األصلي غير موجود أو أنه غير ذي وزن.
في المعارضة يمكنك أن تجد تيار ًا ليبرالي ًا قوي ًا يتفق مع ذاك التيار الليبرالي
الموجود في النظام ،وتجد تيار ًا اجتماعي ًا تهمه مصالح الناس ويفكر بها ،ال
أريد أن أقول إنه متبلور ولديه برنامجه ،لكنه موجود...
ماذا يعني هذا كله؟ أين المعارضة وأين النظام وأين خطوط الفصل الحقيقية
بينهما؟ ما هي الحدود بينهما ،أين هي؟ لذلك إذا كنا نريد أن نتخذ معيار ًا الخط
فخط الفصل بين المعارضة والنظام االقتصادي االجتماعي والسياسي العامّ ،
بشكليهما اللذين عرفناهما خالل األزمة هو خط متعرج جد ًا ،يدخل من هنا
ويخرج من مكان آخر ،وليس خط ًا مستقيم ًا ،وبالتالي كان رأينا أن هكذا
معارضة وهكذا نظام ،وضمن موازين قوى دولية ،فإنّ أي ًا منهما لن يتقدم
حتى النهاية ،ألن أيّ طرف سيتقدم فإن الطرف اآلخر سوف يعيقه .كانت
هناك فرصة واحدة أن تضع األطراف السورية جميع ًا هدف ًا لها التوافق وأن
تقرر بحكمة االستفادة من التوازن الدولي وتذهب إلى ح ٍّل ،تتنازل للشعب
السوري ،تتنازل عن المواقف المسبقة وتتنازل عن عنادها وعدم مرونتها
| زألا دعب لوألا مويلا جمانرب 150
األزمة السورية الجذور واآلفاق
التي ظهرت في المراحل األولى من األزمة السورية ،حينها كان ممكن ًا
أن نذهب إلى حل .لكن بعد كل الذي حصل ال يمكن أليٍّ من هذين الطرفين
أن يقول إنه انتصر .لكن ماذا عن البرامج؟ أين أصبحت؟ هل اختفت؟
هل تبخرت؟ هل دفنت؟ هي موجودة ولو بشكلها الجنيني هنا أو هناك،
لذلك أنا أقول إن الذي دُفن في األزمة السورية وتم االنتصار عليه فعلي ًا هو
الفضاء السياسي القديم ،الذي دُفن في سورية وتم القضاء عليه هو طريقة حكم
المجتمع عبر أجهزة الدولة بالدرجة األولى وبعيد ًا عن المجتمع وعبر مستوًى
منخفض من الحريات السياسية .الذي ُقضِي عليه ومن الممكن دفنه نهائي ًا هو
شكل توزيع الثروة المبني على الريع ،أي على الفساد الكبير الواسع ،والذي
يلعب دور ًا هائ ًال بإعادة توزيع الدخل لصالح األغنياء تارك ًا شعار “دَع األغنياء
يغتنون فهم قاطرة النمو” شغا ًال علنا أو سر ًا ،الذي تم االنتصار عليه في هذه
األزمة أن كرامة المواطن ليست آخر شيء يجب أن تفكر الدولة فيه ،كرامة
المواطن يجب أن تكون جزء ًا من كرامة الوطن وهما مرتبطتان ببعضهما
البعض ،وكرامة المواطن ليست فقط لقم ًة وخبز ًا ،كرامة المواطن لقمة وخبز
وبيت وسقف وحريات ،حريته في الرأي ،حريته في أن يقول رأيه ضمن
اإلطار الذي سمح به الدستور والقانون ،هذا الذي انتصر في هذه األزمة ،هذا
ك ُّله الذي انتصر يجب أن يُتَرجَم عبر برامج سياسية اقتصادية اجتماعية ،وهذا
هو الذي سينتصر ،ومَن يحمل هذه البرامج هو المنتصر.
واضح منذ اآلن ،حتى لو لم يكن موجود ًا هذا الحامل ،فإنّ الشعب السوري
سيخلقه ،ألن البرنامج موجود موضوعي ًا ،إذا وجد هذا الحامل فهو منتصر
بشكل مؤكد ،من هذه الزاوية أقول إن األزمة لن تنتهي بانتصار أحدٍ على
خط ًا سينتصر على خط ،الخط العقالني المستند للمصلحة أحدْ ،لكن هناك ّ
الوطنية ،لمصلحة الناس ،انتصر على الخطين المتشددين اللذين كان حجر
الزاوية في سلوكهما هو الحسم أو اإلسقاط ،هذا الذي انتصر في األزمة.
كي ال نعقد األمور ،أقول التالي :منذ بدء التاريخ حتى اليوم ،فإن الصراع
في المجتمعات الطبقية ،يعني التي فيها أغنياء وفقراء ،فيها محرومون وفيها
زألا دعب لوألا مويلا جمانرب | 151
األزمة السورية الجذور واآلفاق
نُخب فوق الريح ،الصراع فيها يتم على أمرين فقط في الجوهر ،في الجذر،
توزيع الثروة والسلطة التي تدافع عن هذا التوزيع ،ال توجد سلطة حيادية
في مسألة توزيع الثروة ،السُلطة عبر القوانين والمحاكم والجيش والشرطة
واألمن (تعيد توزيع الثروة لمصلحة أحد على حساب أحد) ،وإن كانت موزعة،
يعاد توزيعها ،السلطة تحمي عادة إعادة التوزيع.
توجد لدينا في بلداننا ،في العالم العربي وفي العالم الثالث ،تشابهات بدور
الدولة؛ إذ ال يلعب جهاز الدولة في هذه البلدان دور موظف عند الذي يملك ،كما
هو الحال في دول المركز ،بل أصبح جهاز الدولة لدينا هو مَن يملك إلى حد
كبير وهو مَن يحكم ،أصبح يلعب الوظيفتين في آن واحد! في الحالة التقليدية
الكالسيكية الذي يملك يعيّن الموظف الذي يحكم ،ولدينا الموظف الذي يحكم
وبسبب الحجم الهائل لما سرقه ،أصبح يملك ويحكم...
•يملك ويحكم ،وبالتالي فهو ملك بالمعنى التقليدي التاريخي...
نعم ،لذلك هذا هو جوهر الموضوع في النهاية .ولكن لنسأل أنفسنا أال
يستحق الشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات على مر تاريخه ،أن
يكافأ بتوزيع عادل للثروة؟ قدر اإلمكان ،ليس هذا التوزيع الجائر الوحشي
الفظيع اللاّ أخالقي ،أال يستحق الشعب السوري الذي له دور تاريخي هام جد ًا
في العصور القديمة والحديثة أن يتمتع بقراره ،ويكون قراره حقيقي ًا وليس
شكلي ًا ،والسلطة الموجودة تاريخي ًا ال تمثل الشعب بقدر ما تتظاهر أنها تمثله،
وحينما يحكم الشعب فع ًال ،فهو يك ّلف موظفين بإدارة شؤون البالد ،بمعنى
تصبح الدولة تخدم الشعب ،وليس الشعب هو الذي يخدم الدولة .الفكرة
الرائجة والتي رَوّج لها جزء هام من جهاز الدولة ومن النظام أن الجميع يجب
أن يخدم الدولة ،مَن قال إن الجميع يجب أن يخدم الدولة؟ مَن هي الدولة؟
الدولة في نهاية المطاف موظف معيّن من الشعب ويأخذ راتبه من الشعب،
ظل الدولة هي التي تخدم الشعب وليس الشعب مَن يخدم الدولة .اآلن في ّ
وبوعي مستواه متخلفٌ نسبي ًا وغير كافٍ ،يجري االلتفافٍ قلة تنظيم الشعب
على الناس بالقول لمن يعارض منهم “أنت ضد الدولة”؛ الدولة تُفهم عند
| زألا دعب لوألا مويلا جمانرب 152
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الناس البسطاء كجهاز قمع وفقط ،ولكن حتى رواتب هذا الجهاز يأخذها في
نهاية المطاف من الناس الذين يقمعهم .لكن األصل هو َّأن مَن يدفع الراتب هو
صاحب العمل ،الناس تدفع رواتب جهاز الدولة ،ولذا فإن جهاز الدولة ينبغي
أن يكون موظف ًا عند الناس وبالتالي يحاسَب من قبلها...
• الفرق الهائل بين الكالم الذي تقولونه وبين الواقع المعاش ،يترك لدى
السامع شعور ًا أن ما تقولونه هو يوتوبيا ،أو خيال رومانسي...
نعم ،أنا مقتنع بكالم تشي غيفارا“ ،إذا أردنا أن نكون واقعيين علبنا أن
نطلب المستحيل” ،هذا أو ًال .ثاني ًا ،على مر التاريخ ،كل األفكار التي انتصرت،
كانت يوتوبيا في ظهورها األول ،وكانت رومانسية ،ولم يكن هناك مَن يصدق
أنها ستُطبق لكنها ُطبقت ،أخذت وقتها ،لكنها ُطبقت .وأنا أعتقد أننا أخذنا وقت ًا
كافي ًا حتى نطبق هذه الفكرة :ال يوجد دستور من دساتير العالم ودساتير
سورية ،إال ويقول إن السلطة من الشعب وبالشعب ومن أجل الشعب...
فسّر لي هذا القول ،ماذا يعني؟ كيف تكون السلطة من الشعب وبه وألجله في
ظروف برلمان ال يمثل حتى نفسه؟ في ظروف تبيّن فيها أن أقنية االتصال
والتواصل بين المجتمع والسلطة “مغلقة” ،وأحد أهم أسباب ذلك أن هذا
البرلمان ليس معين ًا من الشعب ،بل من أحد آخر :عيّنه جهاز الدولة ،والمفترض
أن البرلمان ممثل للشعب ومهمته أن يراقب جهاز الدولة ،والواقع أن جهاز
الدولة يعيّن البرلمان ...ويراقبه...
•كي يراقبَ الشعب...؟
ليس ليراقب الشعب ،بل لكي يُسكته ،لكي يتظاهر أن هناك مَن يراقب جهاز
الدولة ،وعضو مجلس الشعب الذي يعرف أن مَن أحضره للبرلمان هو جهاز
الدولة ،يكون ممتن ًّا له ،ويريد أن يقدم له الخدمات ،ولذلك يسير على الس ّكة
كما يطلبون .قليلة هي الحوادث والحاالت التي رأينا فيها أعضاء مجلس
عشلا لجأو بعشلابو بعشلا نِم ةطلسلا | 155
ل
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الشعب مستقلين فع ًال ،وإذا تبيّن أن لدى أيٍّ منهم هامش انتقادات قوية
وجدية ،فغالباً ما يكون ذلك مدروساً أيضاً ،وبالقطارة...
ليس هذا ما يريده الشعب ،هذا ما يريده جهاز الدولة .ورغم أن سلطة
الشعب منصوص عليها في الدستور ،ويمكن أليٍّ كان من جهاز الدولة أن يعيد
تذكيرك بذلك إن حاولت المحاججة ،وهي طبع ًا موجودة في الدستور ،ولكن
السؤال هو لماذا لم تُطبَّق ،ولو لمرة واحدة؟ ألنه ال يوجد ضمانات في الدستور،
وال في القوانين ،لتطبيق هذا الكالم .الكالم موجود ،لكن آلياته ليست واضحة في
الدستور نفسه ،وإذا كانت آلياته واضحة ،فما هي الضمانات إذا ُطبق أو لم يطبّق؟
• تتكلمون عن جانب هو الضمانات القانونية للقوانين ،يعني أننا ما نزال
نتكلم عن حبر على ورق...
ال ،أتكلم عن ضمانات سياسية ...حتى نفهم هذه المسألة ،يجب أن نقوم
بمقارنة أوسع قلي ًال :ملخص التجربة السورية يقول لنا ينبغي إعادة النظر
بكيفية تمثيل الشعب على مختلف المستويات؛ فشكل التمثيل عبر مجلس
الشعب أصبح خاطئ ًا بالتطبيق بأكمله ،وحتى إذا افترضنا صحته في التطبيق،
فهل هو كافٍ لحسم المشكلة وحلها ،أي للوصول إلى سلطة الشعب من
الشعب وبه وألجله؟ برأيي ال ،نحن نريد شيئ ًا أوسع وأهم ،ويجب أن ينعكس
في الدستور الجديد حتى يضمن التطور الالحق ،لماذا هذا الكالم؟ ...في نهاية
المطاف ،الديمقراطية ومستوى الحريات السياسية ،لها شروط موضوعية ،هي
ليست اختراع ًا أيديولوجي ًا وال رومانسي ًا ،هي تعبير عن شروط موضوعية
موجودة خارج إرادتنا ،ومطلوب أن نكتشفها .الشرط األول هو درجة تطور
القوى المنتجة وتقسيم العمل ،وما يفرضه ذلك من تشابك بين أجزاء المجتمع
المنفصلة المتصلة في السوق.
•ك َّلما كان تقسيم العمل أعلى فإنّه يتطلب درجة ديمقراطية أعلى للحفاظ
على سير العملية اإلنتاجية...
نعم ،درجة الديمقراطية يحددها هذا العامل األول .الشرط الثاني هو درجة
عشلا لجأو بعشلابو بعشلا نِم ةطلسلا
ل | 156
األزمة السورية الجذور واآلفاق
نضج وتطور وتنظيم جهاز الدولة وعالقته الحيوية الفعالة مع المجتمع ،أي
تأثير المجتمع على جهاز الدولة ،وتنفيذ جهاز الدولة لرغبة وتوصيات المجتمع
وإرادته؛ جهاز الدولة ليس مُنزَ ًال من السماء ،بل خرج من األرض ولديه
مهمة ،وهو موظف مدفوع األجر في النهاية ،المجتمع عبر قواه السياسية
وأشكاله التمثيلية يريد أن يعبر عن مصلحة ورغبة ،يعطي تفويض ًا لجهاز الدولة
وعلى جهاز الدولة االلتزام .جهاز الدولة ينبغي أن يعمل في القضايا التفصيلية
وفي القضايا العامة ،لكن ليس جهاز الدولة مَن يحدد االتجاه العام للحركة
والعمل ،الشعب عبر أجهزته التمثيلية الدنيا والعليا ،هو مَن يقرر ذلك االتجاه.
سورية اليوم ،ليست سورية السبعينيات ،عندما وُضع الدستور القديم؛
اليوم توسعت القاعدة اإلنتاجية ،الناس المشا ِركة في هذه العملية كثيرة جد ًا،
وإدماج الناس في القرارات السياسية واالقتصادية ضروري جد ًا لنجاح العملية
اإلنتاجية التي يتوقف على نجاحها مجمل التطور (أو التراجع) الالحق.
إذن الشرط الثاني الموضوعي ،درجة تطور وتنظيم جهاز الدولة ،وشكل
عالقته مع المجتمع .ففي حال كانت درجة تنظيم جهاز الدولة منخفضة ،يظهر
جناح في جهاز الدولة يسمى عادة “األمن” ،يستولي فعلي ًا على كل سلطات
جهاز الدولة في إدارة المجتمع بسبب الفراغ الحاصل ،ويعطي سلطات شكلية
لألجهزة التمثيلية ،ويذهب حتى إلى تعيينها إلى حد كبير .منذ فترة الثمانينيات
والتسعينيات ،بات دور األجهزة األمنية أهم من دور األحزاب السياسية ،هذا
سببه األول أن الفضاء السياسي القديم كان يتراجع ،أصبح هناك فراغ ،والسلطة
تريد أن تحافظ على وزنها وتواجدها ،وعليه فإنّ األجهزة األمنية عبأت الفراغ
وأخذت عملي ًا صالحيات ودور األحزاب في االتصال مع المجتمع .الفرق أنّ
األحزاب جزء من بنية المجتمع ،وأجهزة األمن جزء من بنية جهاز الدولة ،وهذا
الفرق في طريقة العمل ،بين هذه وتلك ،أوصلنا للنتائج التي رأيناها.
وبالتالي ،فإن درجة التنظيم المنخفضة لجهاز الدولة أدّت إلى ارتفاع وزن
األجهزة األمنية ،وهذه إحدى المشكالت التي يجب التخلص منها إذا كنا نريد
السير إلى األمام مع إعادة تعريف األجهزة األمنية ووظيفتها...
عشلا لجأو بعشلابو بعشلا نِم ةطلسلا | 157
ل
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•إذا كانت المرحلة التي تتكلمون عنها (التفكير شيء والقول شيء والعمل
شيء ثالث) قد انتهت ،ورغم الوجود المستفز للنفاق الذي تتكلمون عنه
كانت هذه الصيغة تتكرر :السلطة للشعب ومن الشعب وألجل الشعب.
على األقل هذه الصيغة ستكون موجودة بشكل أو بآخر في الدستور
السوري القادم ،فما هي األشكال الملموسة الجديدة المطلوبة لضمان
تنفيذها؟
المشكلة أن مركز السلطة الشكلية للشعب ،كان موجود ًا في البنى التمثيلية
السابقة في األعلى ،أي في مجلس الشعب ،اليوم يجب تخفيضه نحو القاعدة
المجتمعية قدر اإلمكان ،وهذا يحتاج دراسة ،وال يجوز أن يكون اعتباطي ًا.
االنطالق هنا من فكرة رياضية-فيزيائية اسمها «مركز ثقل الهرم» ومركز
الهرم لم يكن في رأسه في أي لحظة ،لكن مركز الهرم له عالقة باتساع قاعدته.
والسؤال اليوم في سورية ،أين يقع مركز ثقل الهرم؟ أعتقد أنه انزاح لألسفل
بالتأكيد ،لكن أين بالضبط؟ هذا قد يظهر من خالل التجريب فقط...
ويجب االنتباه لألمور التالية في التمثيل الشعبي:
أن ننتهي من شكل البرلمان الحالي ،المأساوي ،الذي عاش خمسين عام ًا
أو أكثر على قانون فرنسي قديم في شكل التمثيل (يعتبر المحافظة دائرة).
الفرنسيون غيروا قانونهم عدة مرات منذ ذلك الحين وذهبوا إلى النسبية
وعادوا للدائرة الفردية ،ونحن ما زلنا نراوح في مكاننا .أعتقد أن سبب ذلك
هو أن جهاز الدولة لديه مشكلة في اإلبداع ،وهو غير قادر على تغيير هذا
المخطط الموضوع سابق ًا ،وفي حال غيّره يمكن أن يخطئ ويفقد السيطرة
على العملية االنتخابية .بالمقابل فهو يعرف كيفية ضبط المخطط الحالي بشكل
هائل ،لذلك يفضله كثير ًا ،على الرغم من أنه يحمل أخطاء كثيرة ،وهذا عملي ًا
مخطط خمسينيات القرن الماضي ،واآلن هو ال يعمل إال من الناحية الشكلية،
وأحداث 2011أثبتت أن الخط منقطع بين الشعب ومجلسه ،وبين الشعب
والدولة.
عشلا لجأو بعشلابو بعشلا نِم ةطلسلا
ل | 160
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إعالن ،هذا ما جعل النار تحت الرماد دائم ًا ،وهذا أيض ًا نحتاج لتغييره .في
الوقت نفسه ،ال يمكن القفز فوق الواقع ،ومن هنا نحن نقترح مجلس ًا آخر،
«مجلس شورى» أو «مجلس شيوخ» يُبنى على أساس تمثيل المناطق.
في سورية ،يوجد خارج تقسيم المدن الكبرى 63 ،منطقة في التقسيم
اإلداري ،وإذا أخذنا المدن وتقسيماتها اإلدارية خالل االنتخابات المحلية،
فدمشق خمس مناطق مث ًال ،وحلب أيض ًا ،نصل لمئة منطقة تقريب ًا على
نطاق البالد .إذا استطعنا أن نصل في كل منطقة إلى مجلس شعب مصغر،
له صالحيات عليا في الرقابة على األجهزة التنفيذية ،وله صالحيات في
أن يدعو الوزير أو المحافظ إلقالة مدير الكهرباء أو المياه ...إلخ ضمن
المنطقة .وهذا المجلس المصغر الموجود في المنطقة ،له حصة في مجلس
الشيوخ بنسبة وتناسُب على المستوى السوري بعد االتفاق على عدد
عادة ما يكون نصف عدد أعضاء مجلس أعضاء مجلس الشيوخ الذي ً
الشعب .وبهذا ،نضمن تمثيل كل مكوّنات الشعب السوري .ويجب أن توضح
في الدستور صالحيات مجلس الشورى خاصة في الرقابة على اإلدارات
المحلية وعلى الصالحيات في المناطق.
•ما هي آلية انتخاب مجالس الشعب المصغرة في المناطق؟
مباشرة ،بالتصويت على أساس نسبي ،وهذا يضمن تمثيل الجميع ،وليس
بالضرورة أن يكون حزبي ًا ،من الممكن أن يكون قوائم ،القائمة من الممكن أن
تضم شخصيات أو قوى ،وللناس الحق والحرية في اختيار ما يريدون.
وبعد أن يتم االنتخاب على مستوى المنطقة ،ينتخب ممثلو المنطقة
ممثليهم على مستوى المحافظة ،وممثليهم في مجلس الشورى ،ومجلس
الشورى ينسق ويراقب مع مجلس الشعب .مجلس الشعب هو األداة السياسية
األساسية لمراقبة الحكومة .ومجلس الشورى من الممكن أن يراقب قانونية
القرارات التي يصدرها مجلس الشعب ويضع عليها مالحظات ،وهذه القضية
يُتفق عليها في الدستور.
عشلا لجأو بعشلابو بعشلا نِم ةطلسلا
ل | 162
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•ما الفرق بين ذلك وبين القائم حالياً مِمّا يسمى مجالس إدارة محلية؟
الفارق هو في الصالحيات الحقيقية .حتى اآلن اإلدارة المحلية تعمل تحت
قيادة أجهزة الدولة ،علينا أن نقلبها ،أن نجعل أجهزة الدولة في المناطق تعمل
لدى مجالس الشعب المصغرة.
•أحد العيوب في الديمقراطية مهما كانت درجتها متطورة ،أن الناس
عندما تنتخب وتوصل أشخاصاً في لحظة االنتخاب كممثلين عنها،
وربما يكونون كذلك فع ًال ،إلاّ أنه من الممكن أيضاً أن يصبحوا غير
ذلك مع الوقت؛ أي أنهم ربما يفسدون أثناء الدورة االنتخابية المحددة
بأربع سنوات؟ ما الحل لذلك؟
سؤال محق ،علينا أن نجد الطريقة المالئمة ،وأن ندخل للدستور مبدأ
استدعاء ممثلي الشعب من قِبَل الشعب والناخبين ،وإمكانية إلغاء تفويضهم
بأي لحظة ،ال يجوز أن يكون هناك عضو دائم وأبدي.
وأيض ًا أعضاء مجلس الشعب ،تجري عملية سحب العضوية من أيّ ٍ
عضو
يخرج عن برنامج وسلوك قائمته ،وتجري عملية إدخال للعنصر الذي يليه
وفق تسلسل أصوات القائمة نفسها.
وفي مجالس الشعب المصغرة ،تكون األعداد نسبي ًا قليلة ،يجب أن نجد
طريقة بأنه مث ًال لو وجد عدد ما من الناخبين ودعوا إلى إعادة انتخاب أو
سحب الثقة من المجلس كله أو من جزء منه -وقد يكون ذلك عبر عريضة
مث ًال -فهذا يذهب إلى أشكاله التنفيذية .الحلول دوم ًا متوفرة في حال توفرت
اإلرادة .سلطة الشعب يجب أال تكون باتجاه واحد ،بل باتجاهين ،الشعب
يرسل الممثل عنه والشعب يطلبه وينحّيه في حال لزم األمر.
العدو الصهيوني مباشرة .أصبح في حينه الحكام العرب في مأزق وبوضع ال
يستطيعون فيه عدم تقديم دعم بالمال على األقل لهذه الدول التي واجهت .ومَن
كان يفعل عكس ذلك كان يهدد كرسي حكمه عملي ًا باالهتزاز .لكن هذا جانب
فقط من المسألة ،الجانب الثاني هو أن تدفق الثروات بهذا الشكل سيؤثر على
البنية االقتصادية واالجتماعية ويضع أساس ًا مكين ًا للفساد .في سورية كان
المعروف والمعترف عليه هو أن (كومسيون) المشاريع هو ،%5وبعد حرب
الـ 1973والخطة الخمسية الرابعة أصبح ،%30وأحد المؤشرات على ذلك هو أن
األمم المتحدة عندما كانت تقوم بحساب قيمة المشاريع مادي ًا في سورية ،كانت
تحذف من القيمة المالية المعلنة ،%30أي أن %30كانت ال تتحول إلى شيء
مادي على األرض ،كانت تذهب ريع ًا عبر الفساد .وربما مَن كان يفعل هذا كان
يريد أن يضع األساس لإلفساد ،وبعدها كل المشاريع التي حصلت في سورية،
صحيح أنها رفعت مستوى تطور القوى المنتجة ،لكنها لم تكن ضمن منظومة
واحدة متكاملة ،بل زادت التشوّه البنيوي في االقتصاد السوري.
المصدر الثاني كان المساعدات الخارجية المرتبطة بالوضع الجيوسياسي
السوري ،التي كانت ،وخصوص ًا في الجانب العسكري ،تأتي بقروض طويلة
المدى ،وهذه أيض ًا كانت تساهم في التراكم ،وفي النهاية عندما تفكك االتحاد
السوفييتي ترك في ذمتنا 12مليار دوالر وجرت مصالحة عليها وأصبحت 3
مليار دوالر ،وحسب المعلومات المتوفرة قبل األزمة تم تسديد مليار دوالر
منها فقط.
التعاون مع المعسكر االشتراكي كان أحد مصادر التراكم المهمة ،وبالتالي
لم تكن هنالك حاجة للقروض بالمعنى الذي تورطت به الكثير من بلدان العالم
الثالث ،لكن هذا النموذج محدود النمو وغير قادر على تأمين بنية عادلة بين
الطبقات االجتماعية ،وذلك رغم أن الدولة “حِمائية” و”أبوية” ولعبت دور ًا
في تأمين مكتسبات اجتماعية محددة ،لكن هذه المكتسبات ،وخاصة في مسألة
“الدعم” ،كانت تعويض ًا عن غياب القدرة على تأمين أجور مطابقة لضرورات
الواقع ،وغير مطابقة لحاجات إعادة إنتاج قوة العمل .هذه المسألة كان يمكن
| يدقلا يداصتقالا جذومنلا 168
األزمة السورية الجذور واآلفاق
تفهمها لو استمرت لفترة مؤقتة ،لكن أن تتحول هذه العملية لدعم الناس
أصحاب األجر عيني ًا على مدى طويل ،لخمسين سنة مث ًال ،مما أدى إلى أن
عملية الدعم تحولت إلى باب كبير من أبواب الفساد واإلفساد .األفضل أن
تحصل الناس على أجور حقيقية تعبّر عن الحاجة الفعلية إلعادة إنتاج قوة
العمل على أساس حد أدنى ومتوسط معروف ومدروس ومتحرك حسب
حركة األسعار...
في بالدنا ،طريقة حساب النمو في الدخل الوطني خاطئة من األساس ،ألن
تعريف الدخل الوطني المعتمد في المكتب المركزي لإلحصاء خاطئ ،ويحتوي
حساب ًا مكرر ًا .الدخل الوطني هو القيمة المنتجة مجدد ًا في فروع اإلنتاج
المادي ،بينما في التعريف المعتمد من جهاز الدولة ،يضاف على األول كل ربح
من أي فرع ،حتى لو كان مشتق ًا من الفروع األولى المادية ،وبالتالي الحساب
في الطريقة الثانية يحوي حساب ًا مكرر ًا ومضخم ًا ،وهذا يؤدي إلى تعقيدات في
حساب الربح واألجر وإعادة التوزيع ،وكل أرقام النمو في التاريخ السوري
هي موضوع تساؤل علمي ًا وعملي ًا ،ويجب إعادة النظر بذلك ألنه على أساس
الحسابات الحقيقية توضع األهداف الحقيقية.
خالل الخطة الخمسية العاشرة مث ًال ،قالوا لنا خالل إحدى السنوات أن النمو
بلغ %6وفي مفردات ذلك ترى %30قطاع مالي ،وقطاع زراعي %14-وقطاع
صناعي ...%6+أي أن قطاعات اإلنتاج المادي هبطت وتراجعت ،والمحصلة
العامة بالحساب الورقي هذا هي ،6+وهذا الموضوع جرت معالجته في أبحاث
سابقة ولن أقف عنده اآلن(((...
النموذج السابق-الحالي ،يطبق عملي ًا من الستينيات ،ويتطلب هذا النموذج
-1يمكن العودة لدراستين للدكتور قدري جميل ،األولى بعنوان «الدروس المستخلصة
من الخطة الخمسية العاشرة» ،والثانية بعنوان «واقع النمو االقتصادي وتوزيع الدخل
الوطني» ،وكال الدراستان منشورتان إلى جانب دراسات عديدة أخرى ضمن كتاب «قضايا
اقتصادية» الصادر عن دار الطليعة الجديدة دمشق .2016 ،كما أنّ جزء ًا من الدراسة الثانية
منشور ضمن مالحق هذا الكتاب.
يدقلا يداصتقالا جذومنلا | 169
األزمة السورية الجذور واآلفاق
النموذج الجديد
عميق ًة علمي ًة للمزايا المطلقة في سورية ،تأخذ بعين االعتبار الظروف الطبيعية
والمهارات الموجودة في كل مكان ،وبعد ذلك تدرس السلسلة التكنولوجية لها
بشكل أن يتم احتكارها سوري ًا على المستوى الدولي ،وفرض أسعار احتكارية؛
الغرب يستورد بشكل ظالم ومجحف كل البضائع التي تحوي مزايا مطلقة
وبالمجان عملي ًا.
أمثلة على المزايا المطلقة السورية((( :غنم العواس ،الوردة الشامية،
النباتات الطبية الموجودة بكثرة .الوردة الشامية مث ًال ،عوض ًا عن أن تذهب
إلى هولندا أو أوروبا كما هي كوردة ،تذهب على شكل مستخلصات ،وهذه
تستخدم في معامل العطورات.
غنم العواس نادر جد ًا في المنطقة ومطلوب في بلدان كثيرة ،وعملي ًا
يجري تهريب قسم كبير منه ،ووفق ًا للدراسات فإنّ مردود التوظيف في هذه
المجال هو 3000بالمئة إذا بقيت السلسلة اإلنتاجية محلية دون تصديره أو
تهريبه حيّ ًا...
النباتات الطبية مث ًال ،مردودها %12300إذا تم إنتاجها بشكل منظم زراعي ًا
وتم تصنيعها محلي ًا بالكامل ...وقِس على ذلك .وهذه المزايا بمجموعها ،ليست
أق َّل أهمية من النفط والغاز والقطن والقمح في المردودية ،ألن مردودية المزايا
النسبية تخضع للتنافس العالمي ،في حين أن المزايا المطلقة هي احتكار سوري...
إضافة إلى ذلك ،فإنّ تفعيل المشاريع الخاصة الصغيرة والمتوسطة عبر
المزايا المطلقة ،يمكن أن يشغل أعداد ًا هائلة من اليد العاملة ،وأن يحرك قوى
المجتمع ...وهذا يحتاج مهارات ،والدولة يمكن أن تصنع الفكرة وتروجها
وتؤمن القروض لمن يريد العمل فيها ،وأن تشاركه في التسويق.
•هل يتطلب التركيز على المزايا المطلقة ،تهميش المزايا النسبية؟
لم أقل إنه يجب نسف أو تهميش المزايا النسبية ،بل يجب تحريك مركز
-1نسب المردود المشار إليها هنا ،مأخوذة من دراسات أجريت في معهد تخطيط التنمية
االقتصادية -االجتماعية في سورية.
| ديدجلا جذومنلا 172
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الثقل باتجاه المزايا المطلقة ،وهذا ال يعني إلغاء المزايا النسبية ،ولكن يعني
أن المزايا النسبية لن تكون مركز ثقل العملية اإلنتاجية ،ولن تكون بالتالي
المساهم األكبر في الناتج المحلي اإلجمالي والدخل الوطني وتأمين نسبة عاليةٍ
للنمو؛ يعني أن حصة النمو األساسية ال يجب أن تكون من المزايا النسبية؛
كانت الحصة األكبر للنفط .المطلوب هو أن تبقى حصص المزايا النسبية ضمن
إجمالي الناتج ،بأحجامها السابقة ،بل وينبغي زيادتها حيث يمكن ،ولكن ينبغي
أن ينخفض وزنها النوعي كنسبة مئوية من الناتج ،لمصلحة المزايا المطلقة.
•إذن مزايا مطلقة ،يجري استثمارها ضمن مشاريع صغيرة ومتوسطة
عديدة ومنتشرة على مساحة البالد ،وبتشجيع ومساعدة من الدولة،
وتشغل عدد ًا كبير ًا من اليد العاملة ...هذا الطرح معاكس تماماً لشعار
“دَع األغنياء يغتنون فهم قاطرة النمو” ،أليس كذلك؟
نعم ،إنه ينسفها في الواقع العملي ...االفتراض القائل إنّ ازدياد غنى األغنياء
هو قاطرة النمو ،يقوم على الفكرة-االفتراض التالي :حين نفتح الباب لألغنياء
أن يزدادوا غنىً عبر استثمار أموالهم في مشاريع كبيرة ومتنوعة ،فإنهم
سيُقبلون على تلك المشاريع ،وسيشغِّلون اليد العاملة ،وهذا سيعزز بدوره
اإلنتاج واالستهالك ،وبالتالي فإنّه سيشغّل الدورة االقتصادية ويحقق النمو.
لكن ما هي حقيقة وواقع هذه الفكرة في التطبيق؟
وظفوا أموالهم في المشاريع غير اإلنتاجية، الحقيقة هي أنّ األغنياء َّ
المشاريع ذات الربح العالي والسريع( ،وعلى العموم ،ال يمكن لعاقل أن يتوقع
وظفوا في فروع اإلنتاج الثانوي-الخدمي منهم غير ذلك) .وبشكل أساسي َّ
والمالي :استيراد وتصدير وترانزيت ،وبنوك واتصاالت...وإلخ ،إلى جانب
الفروع االستخراجية ،حيث أتيح لهم ذلك .وبكلمة :فإنهم اتجهوا بشكل أساسي
نحو الفروع المست ِندة إلى المزايا النسبية أو إلى الفروع غير اإلنتاجية...
الفروع التي تم االستثمار فيها من جانب المستثمرين األغنياء ،تمتاز على
العموم بالصفات التالية :تشغِّل يد ًا عاملة بالحد األدنى ،تسهم بإجمالي الناتج
ديدجلا جذومنلا | 173
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ٌ
انتقال جا ٍر على قدم وساق بكل في سورية مَن سنحدث هذا االنتقال ،لكنه
األحوال ،وعلينا االستفادة منه والتكيّف السريع معه بما يخدم مصالحنا ...اآلن
هناك ظرف مالئم ،هو أن كل نمط العالقات الدولية في الوضع الحالي يتغيّر
وقطار الشرق السريع قد انطلق...
•وهل ستحدث فيه جريمة؟
سيحاولون ارتكاب جرائم عديدة ،لكن ال أعتقد أنهم سينجحون؛ الجريمة
متعلقة بقدرة سائقي القطار وركابه على تفادي األخطاء التي ارتُكِبَت سابق ًا ،يجب
أن يُبْقوا أعينهم مفتوحة حتى ال تُرتَ َكب أي جريمة أو جُنحة أو مخالفة .لذلك فإنّ
الموقع الجديد في تقسيم العمل هو بحدّ ذاته ضرورة ،لكن لن يمر دون مقاومة
الشرائح االجتماعية المتضررة من هذه العملية ،آخذين بعين االعتبار ما ُقلتُه سابق ًا
إن الحجم األكبر من المبادالت السورية مع الخارج كان مع الغرب ،وبالتالي هناك
شريحة محددة من المجتمع “كومبرادور” وجهاز الدولة ومستفيدون ووسطاء
في هذه العملية ،كلهم سيحاولون إعاقة االنتقال ،وهذا سيكون شك ًال من أشكال
الصراع االجتماعي القادم ،لكن لكي يسري هذا األمر مطلوب ديموقراطية واسعة
لكي يتمكن الناس من الدفاع عن حقوقهم ومصالحهم ،ألن هذا النموذج لن يدافع
عن مصالح النخبة ،سيعبر عن مصالح األكثرية واألكثرية يجب أن تكون قادرة
على التعبير عن رأيها والدفاع عنه ،ويجب أن تكون صفوفها منظمة حتى إذا
أرادت التعبير عن رأيها كانت قادرة على الضغط باتجاه تحقيق رأيها.
من هنا أقول إن البنية السياسية الجديدة ،يجب أن تعبّر عن الرؤية
االقتصادية الجديدة ،وبالتالي لدينا تأثير متبادل بين هذين الجانبين ،ال
يمكن فصلهما عن بعضهما البعض .وأضيف لذلك ،مَن ال يريد تغيّر النموذج
االقتصادي سيسعى لمنع تغيير البنية السياسية أو إلى إجراء تغييرات شكلية-
تجميلية فيها ،ومن يريد تغيير النموذج االقتصادي نحو نموذج عادل ضد
الفساد مع التوجه شرق ًا ومع تغيير إعادة توازن العالقات التجارية االقتصادية
الدولية لسورية ،فهو مضطرٌ لبنية سياسية جديدة تكون مؤهلة للدفاع عن هذا
التحول التاريخي الكبير في البنية االقتصادية السورية...
| ديدجلا جذومنلا 176
األزمة السورية الجذور واآلفاق
•في سياق الحديث عن النموذج الجديد ،تبقى مهمة إعادة اإلعمار هي
المهمة رقم واحد بالنسبة لالقتصاد السوري ،ولكن قبل الدخول في
تفاصيلها وكيفية ربطها مع النموذج الجديد ،لنتحدث بداي ًة عن المفهوم
العام لعملية إعادة اإلعمار ،ألن ما يجري الترويج له حتى اآلن هو
أن إعادة اإلعمار تعني بشكل أساسي إعادة اإلعمار السكني ،وربما
ترميم البنية التحتية ،وال شيء أبعد من ذلك ...ما هو المفهوم الواسع
لعملية إعادة اإلعمار ،وهل هي بالفعل فرصة لكي نبتكر نموذجاً سياسياً
واقتصادياً جديد ًا؟
ما جرى في سورية ليس فقط كارثة إنسانية بل هو فع ًال أيض ًا كارثة
من الناحية االقتصادية؛ فقد دُمّر قسم كبير من البنية التحتية ،ليس فقط
بشكل حادّ جد ًا :انخفض الناتج المحلي
مساكن ،بل كل البنية االقتصادية تأثرت ٍ
اإلجمالي بشكل مريع ،تضخّمت الليرة السورية عشرة أضعاف ،انخفضت
األجور ،انخفض مستوى المعيشة ،انتشر الفقر أكثر ،أصبح %80من السوريين
قريبين من حد الجوع ،والـ %40الذين كانوا في بداية األزمة تحت خط الفقر
حل ،والاألعلى أصبحوا اآلن على حد الجوع .لذلك لدينا إشكال كبير يحتاج ًاّ
أعتقد أنه يمكن تنفيذ عملية إعادة اإلعمار دون رؤية لكامل البناء القادم،
كيف سيكون؟ من هنا أعتقد أن الصراع بين النموذج القديم والنموذج الجديد
سيأخذ مداه عاج ًال أم آج ًال ،ويُفضّل أن يتم ذلك ويُحسم عاج ًال.
•ألن واحدة من ساحات ذلك الصراع المباشرة هي إعادة اإلعمار...
يدجلا جذومنلاو رامعإلا ةداعإ | 177
األزمة السورية الجذور واآلفاق
نعم .ومِن هنا أقول إنه ال يوجد نموذج إعادة إعمار واحد؛ هنالك منطق
إلعادة اإلعمار .وهذا المنطق إما أن يخدّم نموذج ًا قديم ًا أو يخدّم نموذج ًا
جديد ًا.
•لنفترض بداي ًة ّأن المنطق الذي سيتحكم بإعادة اإلعمار هو منطق
النموذج القديم ،في تلك الحالة ،ما هي إعادة اإلعمار التي سنراها على
أرض الواقع؟
سيحاولون الحصول على أموال ،ال أدري من أين ،ليس معروف ًا ،ويشغ ّلونها.
سورية تحتاج إلى نصف تريليون دوالر حتى تعود إلى المستوى الذي
كانت عليه في .2011نحن نتحدث عن الخسائر المادية المباشرة ،لم نتكلم
عن الخسائر النفسية واالجتماعية والسياسية التي جرت .المطلوب 500مليار
دوالر تقريبا يجب توظيفها ،مَن سيعطينا هذا المبلغ؟ األوروبيون يتشدّقون
كثير ًا بربط موقفهم من إعادة اإلعمار بمواقفهم السياسية .سؤالي هو كم
يستطيع هؤالء أن يضعوا من األموال في عملية إعادة اإلعمار حتى يتشدقوا؟
يعيش األوروبيون اليوم في دوامة األزمة كما هو األمر مع األميركيين؛
لن يستطيعوا وضع وال أي مبلغ جدّي في عملية إعادة اإلعمار ،وإذا وضعوا
مبالغ ما ،فستكون مشروطة بتشغيل شركاتهم المأزومة أساس ًا .بتصوري لن َ
يستطيعوا وضع مبلغ أكبر من 30 – 20مليار دوالر...
•فقط؟
أجل.
•مثل هذا المبلغ دُفِع على شكل مساعدات خالل األزمة...
لن يستطيعوا دفع أكثر من ذلك .وضعهم مأزوم جد ًا ،من أين لهم أن يأتوا
بالمال؟
أعتقد أن األوروبيين يفكرون بشي ٍء آخر؛ يفكرون بمحاولة ربط
االستثمارات العربية-الخليجية التي ستأتي لسورية ،بشركاتهم .هم يضغطون
| يدجلا جذومنلاو رامعإلا ةداعإ 178
األزمة السورية الجذور واآلفاق
لحل سياسي معين جوهره :الموافقة على أن تؤدي هذه االستثمارات إلى حل
سياسي يروق لهم ويحافظ على مصالحهم ،ولكن له شرط آخر أيض ًا ،أن تعمل
الشركات الغربية بحج ٍم معيّن في تعهدات المشاريع المزمع إقامتها...
•وبشروط معينة ونسبة عمالة معينة ...إلخ
نعم وبالنموذج القديم.
والذي سيذهب الجزء األكبر منه فساد ًا...
وبالتالي ،حينما تسألهم من أين موارد إعادة اإلعمار ،تشعر أن في فمهم
ماء ،ال يستطيعون اإلجابة بصراحة عن هذا الموضوع.
•هناك مَن ال يزال يتكلم بقروض من البنك الدولي.
لم يعد ذلك وارد ًا في الظروف الحالية ،ألن هذا يعني رهن سورية لخمسين
أو مئة سنة قادمة .أعتقد أنه يجب البحث عن مخارجَ أخرى .أعتقد أن هناك
بند ًا يجب أن نعمل عليه ،هو التعويضات التي يجب أن تحصل عليها سورية من
الدول التي ساهمت في تخريبها ،وهذه التعويضات يجب أن تُحسب ،تقديري
األولي أن حجمها هو 200مليار دوالر على األقل...
•وهل سيدفعون؟
إن لم يدفعوا ،فنحن يجب أن تتوفر لدينا خريطة استثمارية ضاغطة عليهم
عال جد ًا ،ونضع قائمة سوداء مبنية على المزايا المطلقة التي تعود بمردودٍ ٍ
لمَن لم يدفع .بمعنى أننا سنؤثر على تطوره الالحق؛ أي نضع نظام ًا خاص ًا
بنا للعقوبات .نربط ذلك مع خريطة استثمارية تعطي أرباح ًا مجزية لمن يفي
بالتزاماته تجاه سورية ،ومَن ال يفي فهناك قائمة سوداء ،بمعنى أنه لن يدخل إلى
المشاريع االستثمارية حسب خريطتنا االستثمارية ،والتي ستقدم مردود ًا عالي ًا
للتوظيف ،مردود ًا لن يحلم فيه في أيّ بنك وفي أي مكان في الدنيا .هذا أو ًال.
ثانياً :توجد لدينا الدول الصديقة؛ بعضها لديه إمكانيات مالية كبيرة
كالصين ،وبعضها يملك إمكانيات اقتصادية فنيّة عالية كروسيا ،وبعضها لديه
يدجلا جذومنلاو رامعإلا ةداعإ | 179
األزمة السورية الجذور واآلفاق
قليل من إمكانيات مالية وقليل من إمكانيات اقتصادية وفنية مثل الهند وجنوب
أفريقيا .وتوجد دول صديقة كثيرة وقريبة ممكن أن تساهم في هذا الموضوع.
ومن هنا أقول ،وحتى ال يتم ابتزازنا من جانب أيٍّ كان في عملية إعادة
اإلعمار ،يجب أن يُنشأ صندوق سيادي سوري إلعادة اإلعمار ،توضع
فيه كل التعويضات وكل المعونات ،ويتم تحريكه بقرار سيادي سوري،
ضمن أولوياتٍ متفق عليها وطنياً وعلى أساس مصلحة الشعب ومصلحة
االقتصاد السوري.
موضوعي ًا لدينا ثالثة موارد إلعادة اإلعمار :التعويضات – التعامل الدولي
مع األصدقاء الذين نبحث عن شروط مجزية لهم إذا تعاونوا معنا – خريطتنا
االستثمارية الموجودة بين يدينا ،والتي هي أداة ضغط وعقوبات على
اآلخرين ممن لم ينفذ التزاماته .أعتقد أنه بعد انتهاء األزمة ،يجب أن نضع
ورقة وقلم ونسجل مطالبنا بالتعويضات من كل طرف .وبقدر ما يلبي كل
طرف هذه التعويضات بقدر ما نتعامل معه بشكل متوازن .هذه رؤيتنا لعملية
إعادة اإلعمار ضمن مفهوم االستثمار بالمزايا المطلقة؛ الذي سيدفع في إعادة
اإلعمار لن يدفع فقط ،بل سيشارك في وضع نموذج لسورية القادمة.
•هنالك عدة تجارب في إعادة اإلعمار ،المشترك بينها ،وبغض النظر
عن المورد الخارجي سواء كان قروضاً أو معونات أو أياً يكن ،فهو
يأتي بشكل سيولة مالية ،واحتماالت الفساد فيه أعلى ،حتى إن افترضنا
وجود صندوق سيادي وطني فيه ،لكن سورية لن تنقلب خالل يوم
وليلة من دولة يأكل فيها الفساد %30من الناتج السنوي أو أكثر ،لدولة
خالية من الفساد.
بدراسة تجارب إعادة اإلعمار تاريخي ًا نجد أن االتحاد السوفييتي قد قام
بإعادة إعمار كان المتوقع لها فترة 15سنة ،لكنها انتهت خالل خمس سنوات.
وقد اقتُرح عليه أن يأخذ تعويضات مالية إ ّال أنّه رفض ،وأصرّ على تعويضات
عينية؛ بواخر وسيارات وباصات ومعامل نَ َق َلها كما هي .واستخدم قوة
عمل األسرى األلمان الذين كانوا بأعداد كبيرة ،ساهموا بإعادة بناء االتحاد
| يدجلا جذومنلاو رامعإلا ةداعإ 180
األزمة السورية الجذور واآلفاق
السوفييتي ،ك ّفروا عن ذنوبهم ،وبالتالي فالتجربة التاريخية تقول إنْ كان الحكم
من أجل الشعب فع ًال يمكن لعملية إعادة اإلعمار أن تتم بشكل جيد وسلس
وقصير زمني ًا ،ويمكن أ ّال تكون كل التعويضات حَتم ًا مالي ًة ،يمكن أن يكون قسم
منها عيني ًا ،وهذا األمر تتم دراسته مع كل طرفٍ على حدة في حينه...
•هل يتعلق ذلك بجانب التعويضات فقط ،أم بالمعونات أيضاً؟
كال ،أتكلم هنا عن التعويضات .نريد التعويضات بسرعة ولسنا مصرّين
كثير ًا على أن تكون مالية ،ممكن أن تكون عينية .بمعنى طائرات ،بواخر،
معامل ،تقدر قيمتها المالية ضمن التعويضات وتُستخدم .هذا أسرع ،فهو عملية
نقل للتكنولوجيا من مكان إلى آخر .باعتقادي هذا أفضل شكل من أشكال
التعويض .أو ًال :نتائجه سريعة ،ثاني ًا :يشغّل اليد العاملة بسرعة ،ثالث ًا :يغلق
المجال أمام الفساد.
تجربة العراق مع الكويت ،العراق ما زال حتى اآلن يدفع تعويضات مالية.
وبالتالي إن طالبنا بتعويضات مالية ودفعوا ،فكيف سيتم تقسيطها؟ كيف
ستنتهي؟ المسألة ستحتاج وقت ًا طوي ًال ،وهنا أقول إننا نريد دمج الشكلين
المادي والمالي حسب الحاجة .ويجب االبتعاد قدر اإلمكان بعيد ًا عن الصناديق
الدولية ،البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.
•ضمن إعادة اإلعمار يوجد مورد ال أعرف إن كان بإمكاننا اعتباره مورد ًا
رابعاً ،وهو الخبرات السورية الموجودة خارج سورية؛ فالجزء األكبر
اليوم من الخبرات السورية هو خارج سورية ...هل هناك إمكانية لعودة
هؤالء؟
برأيي هؤالء هم أهم رأس مال ،والدليل على ذلك تسهيل هجرة الخبرات
من الجنوب إلى الشمال .وإذا استطعنا خلق المناخ االجتماعي السياسي-
االقتصادي المناسب إلعادة جز ٍء من هذه الكفاءات إلى وطننا ،فسيكون ذلك
انتصار ًا كبير ًا ال يقل أهمية عن كل التوظيفات المالية التي يمكن الحصول
عليها؛ ألن هؤالء عملي ًا هم المنتجون األساسيون للقيمة المضافة .وهؤالء
يدجلا جذومنلاو رامعإلا ةداعإ | 181
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الطاقة والسكن
ببيع وشراء هذه المساكن التي أسعارها ليست أسعار سوق ،والتي يجب أن
وأرض مجانية ،وإن جرى بيعها
ٍ قروض تسهيلية جدية
ٍ تجري على أساس
يجب أن يُدفع فرق يعدل سعر المنشأة بحيث يصبح سعرها قريب ًا من سعر
السوق.
•ولكن يُسمح بتوريثها...
مسموح التوريث لكن مَن يريد البيع فيجب بيعها بالحساب على مستوى
السوق ويتم دفع الفرق.
•هذا يعني عملياً أن تكون الدولة هي المتعهد الكبير للبناء بعيد ًا عن
السمسرة...
أرض بسعر صفر ،وقرض ًا طوي َل المدى نعم ،فطا َلما أنها أعطت امتيازات ٍ
سهل التسديد بقد ِر جز ٍء من المعاش الشهري الحقيقي للمواطن .فكيف سنسمحَ
ببيعه؟
•حتى ال يصبح موضع تجارة
إذا كان ال بد من بيعه ،فيجب على الجهات المعنية أن تقرر ما هو سعره في
حال البيع .وكيف سيدفع الفرق ،وكيف نضعف هذه العملية (عملية السمسرة).
التوريث ممكن ،لكن هناك قضية أخرى يمكن العمل عليها :إذا أصبح لدينا
تجمعات كبيرة وبمناطق مختلفة ،والناس ستحصل على حصص هنا وهناك،
يكون أقصى ما يمكن السماح به هو التبادل بين شقق سكنية متساوية المساحة.
أعتقد أننا بحاجة لمئات اآلالف من الشقق السكنية سنوي ًا ،والقطاع الخاص
غير قادر على تلبية طلب بهذا الحجم ،وإذا لبّاها فستكون األسعار غير مالئمة،
وهذه أزمة حقيقية .على الدولة أن تدخل بعقل إبداعي وطريقة جديدة ضمن
منطق النموذج الجديد .سعر األرض يجب أن يُص ّفر.
الفساد
•كل هذا الكالم جيد ،وبالمعنى العلمي يبدو مقنعاً وقاب ًال للتطبيق ،هناك
إمكانات هائلة في سورية بالمعنى البشري والنظري ،لكن هناك الشبح
الدائم الموجود في سورية منذ عقود ،والذي يأكل كل شيء؛ الفساد...
النموذج الذي نقترحه ،ال يتّبع أساليب إدارية في محاربة الفساد فقط ،مع
أنه يجب اتّباعها ،أساليب إدارية قضائية وقانونية ...لكن األساليب اإلدارية،
ورغم ضرورتها ،لكنها تبقى مكمِّلة وليست األساليب األساسية...
النموذج الجديد الذي نقترحه يعتمد على اإلنتاج الحقيقي ،وهو بالتالي
يضرب أحد أهم موارد الفساد؛ أيّ الريع ،االستيراد والتصدير مث ًال .هذا أو ًال،
وثاني ًا فإن العمل على ديموقراطية واسعة ومستوى حريات سياسية عالية
عبر إعادة النظر بشكل التمثيل الشعبي ،يضرب المرتَ َكز الثاني للفساد ،وهو
العتمة أو الظالم الذي يعمل فيه؛ الفساد يغلق النوافذ ،يسدل الستائر ويبقي
على الغرفة شهور ًا وسنين ،تخرج منها رائحة العفن وينمو الفساد كالعفن
في هذه الظروف ...ما الذي علينا فعله؟ أن نرفع الستائر ،نفتح النوافذ وندع
أشعة الشمس تدخل ،ونقوم بتنظيف المنزل ونحافظ على صيانةٍ مستمرةٍ له
وبالتالي إذا وُجد الفساد عندها تكون حاالت فردية ،بينما الفساد اليوم هو
منظومة موجودة في جهاز الدولة وفي المجتمع ،وبالتالي كل مشروعنا لرؤية
سورية المستقبلية مبني على أساس ضرب شروط وجود الفساد السياسية
واالقتصادية ،أما الجانب اإلداري فيأتي آخر ًا ،فهو مكمّل وليس أساسي ًا.
قل لي كم فاسد ًا اليوم تمت معاقبته طوال الفترة الماضية قضائياً؟
داسفلا | 185
األزمة السورية الجذور واآلفاق
هنالك أحيان ًا عقوبات إدارية يجري تطبيقها على البعض ،ولكن ليس قضائي ًا...
قضائي ًا يعني أن نسأل أين األموال المنهوبة ،ونعمل على استردادها؟ مَن الذي
استُ ِردَت منه أمواله ،المليارات التي قام بسرقتها؟
هذا أيض ًا موضوعٌ يجب أن نعمل عليه في المستقبل ،استرداد األموال
المنهوبة ،وهذا ممكنٌ وضروري ويجب العمل عليه ،وهذه إحدى نقاط
برنامجنا في الفترة القادمة ،ويمكن لألموال المُسْتَرَدَّة أن تشكل مورد ًا إضافي ًا
إلعادة اإلعمار.
| داسفلا 186
األزمة السورية الجذور واآلفاق
األتراك) ويجب إيجاد األشكال الملموسة لوحدة نضال هذه الشعوب عبر دولها
الحالية من أجل تعزيز تقاربها السياسي واالقتصادي ،هذه الدول تاريخي ًا كانت
فضا ًء واحد ًا سياسي ًا واقتصادي ًا ،وهي مؤهَّلة أن تستعيد فضاءَها االقتصادي
بسرعة ،ويلزم لذلك خطوات ملموسة .دول االتحاد األوروبي بتركيبتها أعقد
بكثير من دول هذه المنطقة ،وليس لديها هذا التاريخ المشترك لدول هذه
المنطقة ،وال التكوين النفسي المشترك ،وال األرضية الثقافية الواحدة ،وال
هي إقليم اقتصادي واحد مثلما هي شعوب المنطقة التي تقطن هذا اإلقليم من
قزوين إلى المتوسط .وكل الظروف الموضوعية متوفرة لكي تستطيع سورية
أن تلعب دور ًا رائد ًا في إعادة تجميع هذا الشرق لمواجهة اإلمبريالية الغربية
والصهيونية اللتان تسيران اليوم باتجاه انحدار متسارع .وتأمينُ تقارب
شعوب الشرق ووحدتها سيسرِّع هذا االنحدار والتراجع الغربي اإلمبريالي
المهيمِن على مقدّرات العالم ،وسيسمح لهذه الشعوب أكثرَ فأكثر أن ت َِجد ميزاتٍ
متبادلة بين بعضها البعض لتسريع تطورها ،وحين ذاك سنلعب دور ًا هام ًا
ليس في تاريخ المنطقة فقط ،وإنما في التاريخ العالمي أيض ًا...
مالحظات:
يكون رئيسي ًا كما يمكن للتناقض الثانوي أن يكون رئيسي ًا ...وظيفة األحزاب
الثورية هي دفع التناقض األساسي إلى طاولة الحل التاريخي ،أي دفعه
الحتالل موقع التناقض الرئيسي ،وتنحية التناقضات الثانوية جانب ًا ،وعلى
العكس من ذلك تعمل القوى الرجعية التي تسعى جهدها إلدامة الظاهرة القائمة
(الرأسمالية ضمن مثالنا) عبر دفع التناقضات الثانوية الحتالل موقع التناقض
الرئيسي.
(((2دعه يعمل دعه يمر على المستوى الكوني:
كان الشعار االقتصادي األساسي الذي ثبتته الثورة الفرنسية هو «دعه
يعمل دعه يمر» والمقصود هو البضائع ،وباإلطار الواسع المقصود هو حرية
السوق ،أي حرية انتقال الرساميل والبضائع وقوة العمل .في تلك الحقبة
من التاريخ حيث كان النظام اإلقطاعي هو المسيطر ،كانت حدود اإلقطاعات
بمثابة حدود بين دول؛ فهي تأسر حركة البضائع ،ولما كان التطور في اإلنتاج
البضاعي وفي تقسيم العمل تطور ًا مطرد ًا ال يقف عند حدود ،فإنّ حدود
اإلقطاعات سرعان ما باتت عائق ًا أمام انتشاره األفقي وأمام تصريفه لبضائعه
وتالي ًا أمام تحقيق إعادة اإلنتاج الموسع ،ولذا فقد كانت الثورة الفرنسية إيذان ًا
بكسر حدود اإلقطاعات واالنتقال نحو «الحدود الوطنية» أي حدود الدولة
بشكلها الحديث.
إنّ السبب األساسي الذي دفع الرأسمالية في مراحلها األولى إلى «توسيع
الحدود» لم ينته بعد توسيعها؛ فعجلة اإلنتاج الساعية نحو تحقيق الربح األعلى
استمرت في دورانها ،واستمرت أزمات فيض اإلنتاج بالظهور على السطح
بشكل دوري ،وكان ال بد لها من توسع مستمر للخروج من أزماتها ،فانطلقت
نحو االستعمار بشكله القديم ،ثم بشكله الحديث بعد الحرب العالمية الثانية،
وبات شعار رأس المال «دعه يعمل دعه يمر» متجاوز ًا للحدود الوطنية باتجاه
العالم بأسره ،ومن هنا بات الشعار عالمي ًا ،وظهرت التنظيرات المناسبة لذلك
ابتداء من نهاية الستينيات ثم السبعينات وخاصة (النيوليبرالية) ،و(الحكومة
العالمية).
| اظحالم 190
األزمة السورية الجذور واآلفاق
جهة ،وإلى فهم قانونية الحركة الجيبية للجماهير؛ فبعد انكفاء استمر ألكثر من
نصف قرن ،ونتيجة لتراكم المشكالت التاريخية غير المحلولة ،بدأت الجماهير
بالعودة إلى الشارع متجاوزة الحركة السياسية التقليدية (الفضاء السياسي
القديم) بأكملها ،ومعلنة موتها ووجوب دفنها .هذه الحركة الشعبية نفسها ،هي
من ستسمح بوالدة فضاء سياسي جديد يعبر عنها بشكل حقيقي ،ويتضمن
هذا الفضاء قوى من الفضاء القديم قادرة على التكيف مع الجديد وقوىً جديدة
بالكامل لم يكن لها سابق عهد بالعمل السياسي.
((1(1بريتين وودز
اتفاقية بريتين وودز (تموز ،)1944هي إحدى نتائج الحرب العالمية الثانية
التي خرجت منها الواليات المتحدة بوصفها أكبر المنتصرين (إذا أغفلنا الجانب
السياسي ،وركزنا على الجانب االقتصادي ،فيمكننا القول إن الواليات المتحدة
كانت المنتصر األكبر في العالم الرأسمالي) ،قد أرست الدوالر كمعادل عام على
المستوى الدولي إلى جانب الذهب ،ولكنها لم تعفه من تغطية نفسه ذهب ًا.
كشف التاريخ ،وكان ديغول بين السبّاقين في إعالن هذا االكتشاف
(وتَحمّل تبعات ذلك اإلعالن) ،أنّ الواليات المتحدة قد شغّلت ماكينات طباعتها
منذ لحظة بريتين وودز دون توقف ،وبغض النظر عن المعيار الذهبي .وقد
استمرت بهذه العملية ،وبتسارع مطرد ،حتى بعد إلغائها بريتين وودز ( 15آب
،)1971مغطية الدوالر بالقوة العسكرية والسياسية.
إنّ هذا الوضع التاريخي الخاص للدوالر كنقد ،هو وضع غير مسبوق؛
فالدوالر لم يعد (مقياس ًا للقيم ،ووسيلة للتداول واالكتناز والدفع ،ونقد ًا
عالمي ًا) فقط ،كحال أي عملة أخرى ،ولكنّه غدا بضاعة من نوع خاص؛ بضاعة
تلعب دور النقد ،دور المعادل العام ،بشكل قسري ،وهي ال تتصف بمواصفات
المعادل العام؛ فهي بضاعة احتكارية ينتجها طرف واحد ويطلبها ويحتاجها
الجميع ،وفوق ذلك فإنّ محتكرها ينتجها دون تكلفة تقريب ًا ،ويبيعها بقيمتها
االسمية ،وبمعدل ربح يصل إلى 250ألف ،%وذلك وفق ًا لتقدير مراكز أبحاث
اظحالم | 195
األزمة السورية الجذور واآلفاق
متعددة لتكلفة طباعة ورقة المائة دوالر بحوالي 4سنت .وحتى إذا استندنا
إلى التكلفة التي يزعمها البنك الفيدرالي األميركي ،أي 12.4سنت ،فإنّ معدل
هذا الربح يبقى أعلى من 70ألف...%
انظرhtm.12771_https://www.federalreserve.gov/faqs/currency :
( (1(1حرب الجيل الرابع :Fourth-generation warfare
بدأ استخدام هذا المصطلح في الواليات المتحدة األمريكية عام 1989
للتعبير عن نوع جديد من الحروب مختلف كلي ًا عن الحروب التقليدية ،وهو
بأبسط تعبيراته شكل الحرب الذي يقوم ال بين دولتين ،بل بين دولة من جهة
ومجموعات غير مركزية وغير هرمية وغير متموضعة بشكل جغرافي محدد ،من
جهة أخرى .المثال األبرز لهذه الحالة هو «التنظيمات اإلرهابية» .لكن خطورة
هذا النوع من الحروب ،وتبريره كحروب موجهة ضد «اإلرهاب» ،يظهر في
اآلليات والعناصر التي تحول «البعبع اإلرهابي» إلى مسوغ الستخدامها...
العناصر والصفات األساسية لحروب الجيل الرابع وفق ًا للمراجع األمريكية هي:
(حروب معقدة وطويلة األمد ،االستهداف المباشر لثقافة العدو ،أعمال اإلبادة
الجماعية تجاه السكان ،دعاية حربية نفسية عالية المستوى والتعقيد وتستخدم
كل الوسائل المتاحة بما في ذلك اإلنترنت واإلعالم وغيرها ،استخدام كل أنواع
الضغط الممكنة :السياسية واالقتصادية واالجتماعية والعسكرية...إلخ).
يمكن في هذا اإلطار العودة لمقال “The Changing Face of War:
”Into the Fourth Generationالمنشور عام 1989في مجلة Marine
Corps Gazette
تطور هذا المفهوم الحق ًا ،وتشابك مع تعريفات مختلفة لألنواع الجديدة
من الحروب ،مثل الحرب الالمتماثلة ،والحرب السيبرانية ،الحرب المركبة،
وغيرها .المشتركات األهم بين مختلف هذه األنواع أنّ األساسي فيها هو
«الحروب البينية على أسس “ثقافية” أي دينية وعرقية وطائفية وعشائرية
وإلخ ،بالتوازي مع تدخل غربي عسكري واقتصادي وثقافي ونفسي...وإلخ».
| اظحالم 196
األزمة السورية الجذور واآلفاق
((1(1الثنائيات الوهمية
«لقد أدركنا باكر ًا أن أحد األدوات الرئيسية في السيطرة األمريكية هو
التحكم بالوعي االجتماعي ،وكان من أبرز الوسائل في ذلك هو تصنيع وإطالق
الثنائيات الوهمية إلحداث االستقطابات لصالحها على أساس تلك الثنائيات
والتي أبرزها «أنظمة ـ معارضة»« ،سنة ـ شيعة»« ،ليبرالية ـ قطاع عام فاسد»،
«أكراد ـ عرب»« ،فرس ـ عرب» . . . .إلخ وكان الهدف من خلق هذه الثنائيات
التضليلية والتي لها أساس ما في الواقع ،إبعاد الشعوب عن فهم الصراع الحقيقي
والتناقضات األساسية في الواقع الموضوعي مثل« :إمبريالية ـ شعوب»« ،عمل
ـ رأسمال»« ،ظالم ـ مظلوم» ،أي تحويل الوعي االجتماعي وحرفه باتجاه
التناقضات الثانوية و أحيان ًا الوهمية ،الشيء الذي يسمح بنشوء وعي مزيف
لدى الجماهير وغير مطابق للواقع ،وعند ذلك تسهل السيطرة اإلمبريالية بأقل
كلفة مادية وبأخفض الخسائر البشرية» ...من التقرير المقدم لالجتماع الوطني
السادس للجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين ،والذي عرضه د .قدري
جميل بتاريخ /11آب2006 /
( (1(1ال ورقة تيلرسون أو :Tillerson's non-paper
هي ورقة توافقت عليها مجموعة الدول «متشابهة التفكير حول سورية» ،أو
ما سمي في حينه ،like-minded groupوتحول الحق ًا إلى تسمية المجموعة
المصغرة والتي تضم ك ًال من (الواليات المتحدة ،المملكة المتحدة ،فرنسا،
السعودية ،واألردن) .جرى تقديم هذه الورقة عبر وزير الخارجية األمريكي
ريكس تيلرسون للمبعوث الدولي السابق لسورية ستافان دي مستورا في
الشهر األول من عام 2018خالل اجتماعات فيينا (جنيف )9-وقبل أيام قليلة
من مؤتمر الحوار الوطني في سوتشي ،وتضمنت الورقة غير الرسمية تصور
هذه الدول لكيفية حل األزمة والذي كشف عن محاولة تدخل فظة في شؤون
داخلية سورية في مصادرة مسبقة إلرادة السوريين عبر تحديد شكل الدولة
وشكل النظام السياسي اللذين «ينبغي» أن يكونا لسورية بعد األزمة .وكان
اظحالم | 197
األزمة السورية الجذور واآلفاق
واضح ًا في تلك الفترة أنّ إنشاء المجموعة المصغرة والالورقة التي تقدمت
بها ،وتلتها ورقة أخرى في عهد بومبيو ،كانت كلها تهدف للعمل ضد ثالثي
أستانا ،وضد سوتشي في حينه.
| اظحالم 198
المالحق
199
األزمة السورية الجذور واآلفاق
(((
مقتطفات من تقرير االجتماع الوطني السادس
لالستهداف بسبب األزمة التي يعاني منها المخطط األمريكي ـ الصهيوني .وكنا
أول من أشار إلى أن المواجهة الكبرى ستمتد من إيران إلى لبنان ولن تستثني
أحد ًا ،ومن واجب الشيوعيين وجميع الوطنيين المقتنعين والملتزمين بخيار
المقاومة الشاملة أن يكونوا على أهبة االستعداد لمواجهة استحقاقات المرحلة
المقبلة بكل تفاصيلها.
الوضع الدولي
.1لم يؤد انهيار االتحاد السوفييتي ومنظومة البلدان االشتراكية إلى
خروج اإلمبريالية بشكل عام واإلمبريالية األمريكية بوجه خاص من
أزمتها العامة ،بل تبين أنه بعد 15سنة على ذلك االنهيار ازدادت أزمتها
العامة البنيوية الشاملة التي ال حل لها في الداخل ـ حسب منظريها
الجدد ـ إال باللجوء إلى الخيار العسكري في جهات األرض األربع.
.2إذا كانت اإلمبريالية األمريكية محكومة بالحرب بسبب أزمتها االقتصادية
المستعصية والمالية المتفاقمة وبسبب التناقضات االجتماعية الداخلية
العميقة ،فإنها أيض ًا محكومة بتوسيع رقعة الحرب وخصوص ًا عند عجزها
عن تثمير االنتصار العسكري إلى انتصار سياسي ـ اقتصادي ،أي أنها
ستلجأ ،أم ًال بالخروج من المأزق ،إلى محاولة إشعال نيران الحرب
األهلية من جهة وإلى نقل نيران الحرب إلى المناطق المجاورة من جهة
أخرى ،إن استطاعت إلى ذلك سبيال.
.3تسعى اإلمبريالية األمريكية وعن طريق القوة العسكرية ،إلى وضع اليد
مباشرة على نفط المنطقة كام ًال كسبيل للخروج من أزمتها واالنهيار
المحتمل ،وسد الطريق على منافسيها العالميين مع كل ما يرافق ذلك من
مغامرة أو مقامرة ،ألن الحرب وتوسيعها ال يقدمان الضمانات المطلقة
للوصول إلى النتائج المرجوة ،خصوص ًا مع ميل الشعوب المتزايد إلى
المقاومة يوم ًا بعد آخر ،إال أن كل المعطيات تشير بأن اإلدارة األمريكية
الحالية تسير نحو الصدام ومحاولة السيطرة على المنطقة خاصة أن
| داسلا ينطولا عامتجالا ريرقت نم تافطتقم 202
األزمة السورية الجذور واآلفاق
أو ًال ـ إن المؤشرات السالفة الذكر تدلل على أنه ال مناص من تغيير جذري
قادم في ميزان القوى بعد أن تكونت عناصر هذا التغيير على المستوى الدولي
العام.
ثاني ًا :وهذا يقودنا إلى االستنتاج األهم وهو أننا أمام بداية مشهد انهيار
متدرج للنظام اإلمبريالي العالمي الذي تمثل اإلمبريالية األمريكية طليعته دون
أن يستطيع أحد تقدير اآلجال الزمنية لهذا االنهيار ،ولكن لنقل أن هزيمة
عسكرية واحدة جدية لإلمبريالية األمريكية تكفي لبروز كل مؤشرات االنهيار
المتوقع ...وهنا ال يغير من هذه الفرضية وجود التفوق التكنولوجي لإلمبريالية
وحلفائها وما يمكن أن يسببه ذلك من خسائر بشرية ولكن اإلرادة السياسية
وإدامة االشتباك مع العدو كفيالن بإلحاق الهزيمة بالمشروع اإلمبراطوري
األمريكي.
أيها الرفاق:
كان األصعب في عملية التحليل هذه هو فهم ( )...منطقتنا المغلفة في غالب
األحيان بااللتباس والتشويش والتضليل المقصود ،لذلك اعتمدنا على األسس
التالية في التحليل والتركيب:
أ .رأينا في المنطقة الممتدة من بحر قزوين حتى المتوسط ساحة واحدة:
أي ساحة عمليات واحدة لإلمبريالية األمريكية والصهيونية ،وتجردنا
من الحدود السياسية والجغرافية التي هي أص ًال حدود سايكس ـ بيكو
وكل ما أفرزته نتائج الحرب العالمية األولى.
ب .كان الهدف األكبر وال يزال للمخططات والعمليات األمريكية في المنطقة
التي تحدثنا عنها هو النفط تحديد ًا ،وبالتالي االستيالء المباشر على
كل نفط المنطقة سواء بطريقة االستعمار القديم لحل األزمة األمريكية
بسعر يقارب الصفر مما يخفض تكاليف اإلنتاج ،أو بطريقة االستعمار
الجديد عبر رفع سعر البرميل إلى أقصى مدى ممكن لخنق منافسيهم
اقتصادي ًا وعسكري ًا.
داسلا ينطولا عامتجالا ريرقت نم تافطتقم | 205
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ج .من الضروري التوقف عند اإلعالن األمريكي عن سقف اآلجال الزمنية
المطلوب لتحقيق مشروع الشرق األوسط الكبير والذي حدد بعام
2010ألنه بعد ذلك الحين يصبح تطور منافسي الواليات المتحدة
اقتصادي ًا وعسكري ًا خارج السيطرة وال رجعة فيه (أوروبا والصين).
د .كان واضح ًا أن الواليات المتحدة ترغب بالتفرد المطلق على الساحة
الدولية بحيث تصبح الالعب األساسي في المنطقة دون غيرها من
القوى الخارجية اإلمبريالية بما فيها إسرائيل ،وكانت تصر على ذلك
للحصول على الحصة العظمى من المغانم ،ومن جهة ثانية حتى يتسنى
لها اعتماد حلول مركبة عسكرية ـ سياسية إزاء دول المنطقة وتفتيت
بنيتها الجغرافية والديمغرافية دون إشراك إسرائيل الصهيونية ألنه في
ذلك يجعل الحلول عسكرية فقط ،ومن هنا كان اإلصرار األمريكي على
عدم إشراك إسرائيل في حروبها المباشرة منذ عام ،1991حتى آن أوان
هذا الدور بعد تعثر المشروع األمريكي في العراق ولبنان.
كما استفادت اإلمبريالية األمريكية من خالل دورها المختلف بالشكل
وليس بالجوهر عن االستعمارين الفرنسي واإلنكليزي في المنطقة ،من
ماكينة إعالمها الهائل بالتستر على أهدافها الحقيقية في المنطقة عبر
شعارات الديمقراطية ،ومحاربة اإلرهاب ،وحقوق األقليات ،وتمكين
المرأة ،وحقوق اإلنسان ،والحداثة ،إلى آخر ما هنالك من مصطلحات
شكلت قنابل دخانية إلخفاء أهدافها الحقيقية والتي تأتي على رأسها
السيطرة والهيمنة على المنطقة كمفتاح رئيسي وأساسي لتحقيق
المشروع اإلمبراطوري األمريكي.
هـ .لقد أدركنا باكر ًا أن أحد األدوات الرئيسية في السيطرة األمريكية
هو التحكم بالوعي االجتماعي ،وكان من أبرز الوسائل في ذلك هو
تصنيع وإطالق الثنائيات الوهمية إلحداث االستقطابات لصالحها على
أساس تلك الثنائيات والتي أبرزها «أنظمة ـ معارضة»« ،سنة ـ شيعة»،
«ليبرالية ـ قطاع عام فاسد»« ،أكراد ـ عرب»« ،فرس ـ عرب». . . .
| داسلا ينطولا عامتجالا ريرقت نم تافطتقم 206
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إلخ وكان الهدف من خلق هذه الثنائيات التضليلية والتي لها أساس
ما في الواقع ،إبعاد الشعوب عن فهم الصراع الحقيقي والتناقضات
األساسية في الواقع الموضوعي مثل« :إمبريالية ـ شعوب»« ،عمل ـ
رأسمال»« ،ظالم ـ مظلوم» ،أي تحويل الوعي االجتماعي وحرفه باتجاه
التناقضات الثانوية و أحيان ًا الوهمية ،الشيء الذي يسمح بنشوء وعي
مزيف لدى الجماهير وغير مطابق للواقع ،وعند ذلك تسهل السيطرة
اإلمبريالية بأقل كلفة مادية وبأخفض الخسائر البشرية.
نتيجة لكل ما سبق توصلنا إلى استنتاجات ملموسة حول الوضع الدولي
واإلقليمي ووضعنا المهام المحتملة والمختلفة على أساس ذلك.
التوقعات
1ـ لقد توقعنا منذ اليوم األول لهذه الحرب العدوانية أنها ستكون طويلة
ومتدرجة من حيث تصعيد استخدام الوسائل العسكرية ،ومتدحرجة جغرافي ًا،
وأنها ستكون معركة فاصلة ،وعندما توقعناها حرب ًا طويلة كنا ندرك أنها
ليست معركة ضد األنظمة التي تفتقد لإلرادة السياسية للمواجهة مثل تلك
اإلرادة والتنظيم التي عبرت عنهما المقاومة اللبنانية وقيادتها المجربة.
2ـ هناك رغبة عند األمريكيين لنقل المعركة إلى سورية وحصارها أسوة
بلبنان ،بل يمكن اعتبار حصار لبنان هو بداية لحصار سورية ،لكن هذه
النية األمريكية اإلسرائيلية تصطدم بجملة من المعوقات التالية:
أ ـ المقاومة البطولية في لبنان وصمود الجماهير هناك كحاضنة رغم
كل الخسائر التي لحقت بالبنية التحتية للبالد.
| داسلا ينطولا عامتجالا ريرقت نم تافطتقم 210
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الوضع الداخلي
لم يتغير تقويمنا للوضع الداخلي عما كنا قد أكدناه في االجتماع الوطني
الخامس بأن استكمال الهيمنة األمريكية على المنطقة البد له من (إخضاع)
سورية والهيمنة على مقدراتها ألنها منطقة حساسة وال يمكن السيطرة على
المنطقة أو إنجاح مخطط الشرق األوسط الكبير دون استهدافها الستكمال
عملية تفتيت وإعادة تركيب المنطقة .ذلك المخطط الذي بدأ بالعراق ،ويفعل
اليوم ما يفعله على أرض لبنان الشقيق ،ال يمكن أن يستثني بلدنا .ومن هنا كنا
نقول للذين تخالجهم األوهام حول النوايا األمريكية أو إمكانية المساومة معها:
إن بلدنا أمام عدوان داهم في زمن يتناقص ،والبد من التحضير للمواجهة
المرتقبة ،والتي تأخر التحضير لها ألسباب تحدثنا عنها سابق ًا وطوي ًال في كل
ما نشر من وثائقنا.
وعلى هذا األساس وضع تيار وحدة الشيوعيين السوريين لنفسه المعايير
داسلا ينطولا عامتجالا ريرقت نم تافطتقم | 211
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الضرورية التخاذ الموقف الصحيح إزاء القضايا التي تواجه المجتمع والبالد
عبر الربط الجدلي بين المهام الوطنية واالجتماعية ـ االقتصادية والديمقراطية،
أي أننا التزمنا بجملة من الثوابت أهمها:
.1لم ولن نتزحزح قيد أنملة عن خطنا العام في عدائنا لإلمبريالية األمريكية
وحليفتها إسرائيل الصهيونية ،وأكدنا على أهمية تجميع القوى الوطنية
مهما كان انتماؤها األيديولوجي ،تأسيس ًا لخيار المقاومة الشعبية
الشاملة.
.2أكدنا وما نزال أن لإلمبريالية األمريكية امتداداتها الداخلية المتمثلة
بقوى الفساد الكبرى التي تمثل بوابات العبور للعدو الخارجي ،وقلنا
إن هذا الخطر تعبر عنه سياسي ًا قوى الليبرالية الجديدة ،وهي موجودة
داخل جهاز الدولة وخارجه.
.3إن سير األحداث ما بين اجتماعنا الوطني الخامس وصو ًال إلى
اجتماعنا هذا ،وما تكشف من فرز في الفضاء السياسي داخل سورية
وفي المنطقة ،يزيدنا قناعة بأن ثنائية المعارضة والنظام هي ثنائية
وهمية .فما جرى ويجري في العراق وفلسطين ولبنان وما نواجهه من
تهديدات لبلدنا سورية ومن انجرار بعض القوى التي يفترض أن تكون
وطنية معادية لإلمبريالية األمريكية إلى مستنقع السكوت و التغاضي،
بل تبرير االحتالل األمريكي أو الغمز من قناة المقاومة الوطنية اللبنانية،
يجعلنا نستنتج أن تفكيك الثنائيات الوهمية باكر ًا وتحطيمها في الوعي
السياسي واالجتماعي هو ضرورة وطنية قصوى كي يأخذ النضال
الالحق مجراه الصحيح غير المشوه ،مما يسمح بوضع األمور في
نصابها ويسهل الفرز على أساس وطني واجتماعي في المجتمع وبين
القوى السياسية ،ويفتح الطريق أمامنا كشيوعيين الستعادة دورنا
الوظيفي ،ويمنع الخصوم من وضعنا في الزاوية الحرجة.
.4لقد ساهمت هذه الرؤية بدفع وثيقة «المهام السياسية الملحة» التي
أقرها االجتماع الوطني الخامس إلى واجهة األحداث ،وجعلها بهذا القدر
| داسلا ينطولا عامتجالا ريرقت نم تافطتقم 212
األزمة السورية الجذور واآلفاق
أو ذاك المعيار الذي يجري على أساسه االصطفاف من جديد بين القوى
السياسية واالجتماعية ،ألن ما طرحته تلك الوثيقة يعكس متطلبات
الواقع وبدأ يشق طريقه إلى الحياة االجتماعية والسياسية في البالد.
.5أكدنا على ضرورة صياغة دور جديد للدولة بدل الدور الوصائي القديم
الذي أفرزته البرجوازية البيروقراطية والبرجوازية الطفيلية ،وكذلك
بعيد ًا عن الدور المزيف الجديد الذي يطرحه بعض أطراف الثنائية
الوهمية استناد ًا للمنطق الليبرالي الجديد الداعي لتحويل دور الدولة
إلى مجرد شرطي سير ينظم حركة الرساميل وشكل النهب الجديد،
وقلنا إن الدور الجديد للدولة يجب أن يحقق معدالت نمو عالية وعدالة
اجتماعية وديمقراطية واسعة ،وهي مهمات مرتبط بعضها ببعض،
ونقطة االنطالق لتحقيقها هي كسر آليات النهب واجتثاث جذوره ،وهذا
يتطلب إصالح ًا وطني ًا شام ًال ،سياسي ًا واقتصادي ًا واجتماعي ًا وإداري ًا.
انطالق ًا من الثوابت التي ذكرناها آنف ًا ،تقتضي منا األمانة تجاه شعبنا
ورفاقنا الذين انتخبوكم لهذا االجتماع أن نسمي األشياء بمسمياتها حول
الوضع االقتصادي ـ االجتماعي والسياسي في البالد ،ليس فقط على صعيد
التشخيص ،بل باقتراح الحلول المسؤولة والنضال لترجمتها على أرض الواقع
انطالق ًا من دورنا الوطني ،وخصوص ًا في هذه الظروف الحرجة.
الذي حاول وسيحاول أعداء الخارج استخدام التوترات الموجودة فيه ضد
مصلحة البالد ووحدتها الوطنية.
إن بقاء األوضاع على حالها يثبت استمرارية مفاعيل الثنائية الوهمية
(معارضة ـ نظام) والتي أكدت األحداث خطورة استمرارها ،فهاه ي بعض
القوى التي كانت محسوبة على النظام تعلن انتقالها إلى صفوف المعارضة
الخارجية ،ليس فقط مكاني ًا وإنما برنامجي ًا .إن تحقيق الملف الديمقراطي على
األرض هو ضرورة وطنية ،وإذا كان بعض الخارج يطالب به ،فإنه يطالب
بشكل ومضمون مختلفين لما يسميه (ديمقراطية) هدفها فع ًال تفكيك قوى
المجتمع ،في حين أن الديمقراطية الحقيقية هي مطلب وطني داخلي ضروري
يحصن المجتمع ويحميه من األخطار الخارجية والفساد الداخلي بالوقت ذاته،
ومن هنا نؤكد أن تحقيق وتنفيذ المطالب الديمقراطية المعروفة ال يتم بانتظار
التقادير ،وليست هبة من أحد أو تنازل من طرف ما ،بل هي ثمرة لتناسب
ميزان القوى على األرض ،ونتيجة لتوازنات اجتماعية جديدة تكون محصلتها
تحقيق هذا البرنامج .وبقدر ما نختلف مع أصحاب الذرائع القائلة :إن الوطن
في خطر فال يجوز اآلن رفع مطالب ديمقراطية ،نختلف بالقدر نفسه مع بعض
القوى السياسية الوطنية التي ترى نفسها عاجزة عن تحقيق مطالبها ،فتنكص
باتجاه الروح االنتظارية المستندة على اعتماد عنصر الزمن وقلة الحيلة.
إن المدخل الحقيقي لإلصالحات الديمقراطية المنشودة هو زيادة دور
وفعل الجماهير الشعبية في الحياة السياسية والعملية االقتصادية واالجتماعية
داخل البالد.
(((
سورية على الطريق الجديدة
«من السابق ألوانه اليوم التكلم عن هزيمة الرجعية في بالدنا هزيمة نهائية؛
فسورية هي البلد العربي الذي يتميز بأن كل نضال فيه سلمي أو غير سلمي
ال بد أن يبلغ مداه بعد أن تنضج عناصره بصبر خالل عملية كاملة تذهب عمق ًا
واتساع ًا»
«لقد أصبح للتأميم في سورية تاريخ طويل ،فكما أن سورية كانت أول
بلد عربي انتزع استقالله السياسي وأجلى الجيوش الفرنسية واالنجليزية
عن ترابه فهي كذلك أول بلد عربي اعمل سيف التأميم في رقاب المؤسسات
التي كان يسيطر عليها الرأسمال االحتكاري األجنبي .فبعد جالء الجيوش
المستعمرين أخذ التأميم يتناول المؤسسات األجنبية تدريجي ًا ولم ينتهِ عام
1957حتى انتقلت إلى ملكية الدولة جميع المرافق االقتصادية التي كانت
سيطرة الرأسمال األجنبي كشركات صنع التبغ وسكك الحديد وإنتاج الكهرباء
وبنك االصدار إلخ ...وفيما بعد أممت جميع البنوك األجنبية ثم تبعتها البنوك
الوطنية وشركات التأمين ولم يبق اليوم للرأسمال األجنبي أية مواقع هامة في
-1نشرت مجلة «قضايا السلم واالشتراكية» في عددها الثالث الصادر في شهر آذار 1965
مقا ًال للرفيق خالد بكداش بعنوان «سورية على الطريق الجديدة» ،وهنا نضع مقتطفات من
هذا المقال المهم الذي حمل نبوءات عديدة حول اتجاهات التطور الالحق في سورية بعد
التأميمات التي حصلت خالل عامي 65-64وما سبقها من تأميمات ،ويبرز بشكل خاص
تنبؤه بنشوء البرجوازية البيروقراطية إلى جانب استنتاجات عديدة شكلت سبق ًا معرفي ًا
مهم ًا في حينه ،ووثيقة تاريخية يجدر بكل مهتم في فهم الشأن السوري وتطوراته ،بما فيها
الحالية ،الرجوع إليها.
ةديدجلا قيرطلا ىلع ةيروس | 217
األزمة السورية الجذور واآلفاق
سورية سوى تلك األقسام المارة على أرضها من األنابيب التي تنقل النفط من
العراق والعربية السعودية إلى البحر األبيض المتوسط .غير أن ذلك ال يعني
طبع ًا أن النضال ضد االستعمار قد زال من جدول األعمال»
«لقد تم تأميم الرأسمال األجنبي بقيادة البرجوازية الوطنية السورية
وكان انعكاس ًا إلرادة الشعب في استكمال تحرره الوطني والتخلص من تحكم
الرساميل األجنبية في اقتصاد البلد .وكان التأميم في الوقت نفسه انعكاس ًا
لسعي البرجوازية إلى اتمام سيطرتها على اإلنتاج الوطني وعلى السوق
الداخلية واالنفراد باستثمار خيرات البالد مباشرة أو عن طريق الدولة .ولكن
ال مناص من القول بأن البرجوازية السورية اقدمت على التأميم الرأسمال
األجنبي بقلب منقبض وتحت ضغط الرأي العام وبعدما فعلت كل ما في وسعها
لتجريد تدابير التأميم من كل ما يمكن أن تشتم منه رائحة التهجم على الملكية
الرأسمالية المقدسة».
«في أعوام 1957-1954عارض ممثلو البرجوازية في البرلمان كل
االقتراحات الرامية إلى مصادرة الرأسمال األجنبي بدون تعويض ( )...غير أن
ممثلي البورجوازية السورية أصروا على دفع تعويض ألصحاب المؤسسات
األجنبية المؤممة .أي أن البورجوازية السورية كانت تخشى أن يندار التأميم
يوم ًا ضدها ذاتها وهو ما حدث فع ًال فيما بعد».
«ال بد من اإلشارة إلى أن مسلك البورجوازية نفسه لعب دور ًا هام ًا في وضع
مسألة تأميم الرأسمال الوطني الكبير على بساط البحث كمهمة ضرورية ملحة
ليس إلنقاذ الشعب من االستثمار والنهب فحسب بل كذلك للدفاع عن مصلحة
تطور البالد االقتصادي ولصونها من تغلغل االستعمار الحديث وبالتالي لصون
وتوطيد االستقالل السياسي نفسه ولكن ذلك ال يعني أن البورجوازية الوطنية
في سورية انتقلت بشكل نهائي إلى جانب االستعمار الحديث.
فالتناقضات بين البورجوازية الوطنية السورية واالمبريالية هي تناقضات
موضوعية وقد تتفاقم حدة هذه التناقضات أو تتناقص حسب الظروف
الداخلية والخارجية غير أنها تبقى موجودة على كل حال.
| ةديدجلا قيرطلا ىلع ةيروس 218
األزمة السورية الجذور واآلفاق
مؤممة ،ال يمكن أن يقال عنها أنها تبني اشتراكية وأن تطورها أصبح ذا
طابع اشتراكي أو حتى أنها سائرة في طريق تطور الرأسمالي يؤدي إلى
االشتراكية».
«كذلك هي الحال فيما يتعلق بالحصول على االستقالل االقتصادي ،فإن
تجربة سورية والبلدان المتحررة حديث ًا من االستعمار قد برهنت أن ليس من
الممكن تحقيق االستقالل االقتصادي عن طريق التطور الرأسمالي».
«المهمة األولى التي يجب أن تحلها التحوالت االقتصادية واالجتماعية
هي بناء اقتصاد وطني مستقل وذلك يتطلب أو ًال :حماية البالد من تغلغل
الرأسمال االحتكاري األجنبي سواء بشكل توظيفات مباشرة أو بأشكال أخرى
مستوردة (مث ًال :إقامة ما يسمى بالمشاريع “المختلطة” المؤلفة من رأسمال
مشترك أجنبي ووطني ،لصناعة تركيب السيارات أو البرادات أو أجهزة
التلفزيون ..إلخ) ،ثاني ًا :تحرير البالد من لعنة التقسيم الرأسمالي العالمي للعمل
الذي تبقى في ظله الدول المتحررة مورد ًا للمواد الخام أو تقتصر على إنتاج
نوع أو نوعين من المنتجات الزراعية ،ثالث ًا :تحرير االقتصاد الوطني من
التبادل غير المتعادل مع البلدان الرأسمالية المتطورة».
«من المفهوم أن كل ذلك ال يمكن تحقيقه بمجرد التأميم أو بمجرد إقامة
قطاع الدولة الذي ال يؤدي بنفسه وبصورة عفوية إلى توطيد االستقالل
االقتصادي وال يزيل تمام ًا خطر تغلغل االستعمار الجديد .فاذ ذلك يتوقف
بشكل حاسم على طبيعة السلطة السياسية التي تلعب دور ًا أساسي ًا في تحديد
االتجاه الذي سيسير فيه التطوير االقتصادي في البالد».
«إن االستعمار الجديد واقعي جد ًا ،ولديه قدرة كبرى على التكيف ،فهو في
البداية يحاول دعم نظام الرأسمالي ،فيحارب التأميم ،ويحارب قطاع الدولة،
(القطاع العالم) .ولكن عندما بفشل في ذلك ويجد نفسه أمام األمر الواقع يلج ًا
حينئذٍ إلى المناورة الستغالل الوضع الجديد للتغلغل في البالد عن أي طريق
كان بما في ذلك طريق قطاع الدولة نفسه إذا تيسر له ذلك».
«إن إزاحة البورجوازية الكبرى عن الحكم وضرب مواقعها االقتصادية
ةديدجلا قيرطلا ىلع ةيروس | 221
األزمة السورية الجذور واآلفاق
من ذلك ،المساعدة على إكمال الهدف االستراتيجي عبر ضرب حزب اهلل أو ًال،
ثم سورية ثاني ًا وفور ًا لو تحقق الهدف األول ،ومن ثم االنتهاء بإيران.
إن إدخال اآللة العسكرية الصهيونية ،المبعدة منذ عام 1991عن تنفيذ
األهداف االستراتيجية ،والتي كان يُكتفى بأدائها لدورها الوظيفي المباشر،
إدخالها إلى المعمعة الكبرى هو تعديل هام ،كان يخاطر بإسقاط سالح التفتيت
المستخدم أمريكي ًا ،الطائفي الشكل :سني ـ شيعي ،رغم ذلك نفذت إسرائيل
المهمة ،ولكنها فاجأت الجميع بفشلها المدوي!!
ومع إصرار اإلمبريالية األمريكية على هدفها االستراتيجي ،فهي تجري
اليوم وبسرعة ،تعدي ًال ثاني ًا على تكتيكها ،بإدخالها أنظمة ما سمي «المعتدلين
العرب» على خط التحالف السياسي ـ العسكري األمريكي ـ الصهيوني لضرب
قوى الممانعة والمقاومة في المنطقة ،من غزة إلى لبنان ،مرور ًا بسورية،
وصو ًال إلى إيران ،وهذه هي بالذات مهمة اجتماع أنابولس الذي يهدف إلى
األمور التالية:
•إنهاء القضية الفلسطينية ،عبر إغالق ملفها ،وليس حله.
•هذا األمر سيفك إحراج المعتدلين العرب عندما سيتطلب األمر قريب ًا
إعالن التحالف السياسي ـ العسكري المشؤوم ـ الثالثي.
•هذا التحالف بشكله المخطط ،يهدف إلى توسيع الفالق السني ـ الشيعي
وإضرام نار العداء طائفي ًا في كل المنطقة ،من قزوين حتى المتوسط.
•إحدى النقاط التي يجب التوقف عندها في الوضعين العالمي واإلقليمي
هما الدوران الروسي والتركي.
فيما يخص الدور الروسي يجب القول إن االمبريالية العالمية بشقيها
األوروبي واألمريكي ،ال تريد روسيا من حيث الهدف البعيد ال رأسمالية ،وال
اشتراكية ،إنها تريد إلغاء روسيا من الخارطة الجغرافية -السياسية ،بسبب
كونها قوة قارية كبرى ،تتمتع بـ %40من ثروات العالم الباطنية ،والتي تعادل
لوحدها ضعفي ما تملكه أوروبا والواليات المتحدة والصين واليابان مجتمعين،
ليحتسملا بلطن نأ انيلع ...نييعقاو نوكن يكل | 227
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إلى جانب أنها موضوعي ًا قادرة ،إذا ما توفر الظرف السياسي المناسب ،على
إعادة التحول إلى قوة عظمى ،فهي مث ًال تملك %25من علماء العالم ،إضافة
لكونها المكافئ الذري الوحيد للواليات المتحدة األمريكية ،وهي تسيطر حتى
هذه اللحظة على %60من الفضاء الكوني.
لقد جرت تغييرات ملحوظة على الوضع الروسي خالل الفترة الفاصلة بين
جلستينا ،ويمكن مالحظة بعضها ،مث ًال :عام 2007هو العام األول بعد انهيار
االتحاد السوفييتي الذي جرى فيه زيادة سكانية بعد كل الحقبة السابقة التي
كان يجري فيها تناقص سنوي للسكان بمعدل 1.5مليون .ونعتقد أن هذا
المؤشر له دالالته السياسية واالجتماعية التي يجب التفكير فيها والتوقف
عندها ،كما أن روسيا خالل الفترة نفسها ،سددت ديونها المتراكمة منذ ما
بعد فترة االنهيار من حيث المبدأ ،وتكون لديها احتياطي ذهبي وعملة صعبة
يقارب نصف تريليون دوالر ،وهو في ازدياد سريع شهري ًا ،وبدأت الشركات
الروسية التابعة للدولة ،بالدرجة األولى ،بشراء شركات أوروبية هامة في
مجال الصناعة والنقل ،وهي تستعد اليوم ،وقبل نهاية العام الحالي ،إلطالق
نظام G.P.Sالعالمي (نظام تحديد المواقع جغرافي ًا) وبشكل مجاني ،هذا األمر
الذي كان يعتبر حكر ًا على الواليات المتحدة فقط ،والذي كانت وما تزال
تستغله جيد ًا للتحكم العسكري والسياسي واالقتصادي على المستوى الكوني،
وبغض النظر عن تعقيدات الوضع الداخلي الروسي ،يمكننا القول إن الخيار
الوحيد لبقاء روسيا كدولة هو االشتراكية ،فقط ال غير ،ويالحظ خالل الفترة
نفسها تمسك الدولة الروسية بشبكة السكك الحديدية والغاز والكهرباء ،وعدم
السماح بخصخصتها ،باإلضافة إلى تراجع الخصخصة في قطاعات استراتيجية
مثل اإلعالم والنفط ،وإمساك الدولة من جديد بتالبيبها ،مما وجّه ضربة قوية
لألوليغارشيا المالية الصهيونية التي كانت تتحكم بكل شيء حتى وقت قريب،
وإلقاء القبض على بعض رموزها أو هربهم إلى الخارج.
إن كل هذه المؤشرات كانت محصلتها تصاعد الموقف الروسي المتباين
أكثر فأكثر بالتدريج ،مع السياسة األمريكية في العديد من القضايا العالمية ابتدا ًء
| ليحتسملا بلطن نأ انيلع ...نييعقاو نوكن يكل 228
األزمة السورية الجذور واآلفاق
من «كوسوفو» إلى «الدرع الصاروخي» ومعاهدة نشر األسلحة التقليدية ،إلى
الموقف من إيران وملفها النووي ،وصو ًال إلى الوضع في المنطقة.
إن الوضع الروسي يتطور وتحت تأثير عاملين:
األول :هو الضغط الجيوستراتيجي على حدودها الغربية والجنوبية الذي
كما يالحظ ،كلما ازداد ،ازدادت حدة لهجة المواقف الروسية ،أما العامل الثاني
فهو الوضع االقتصادي ـ االجتماعي ،الذي كان على شفا االنهيار والتشظي،
وبدأ باالستعادة التدريجية البطيئة لشيء من عافيته ،على حساب أسعار
النفط ،ومواقع األوليغارشيا اليهودية الصهيونية ،ولكن هنا ال يجوز توقع
تغيير سريع ودراماتيكي في السياسة الروسية في ظل البيئة السياسية القائمة،
وإنما األمر سيأخذ وقته وسيتسارع بقدر اقتراب األخطار من حدود روسيا
التي تؤثر على وحدتها وسياستها ،إن إسهابنا النسبي في الحديث عن الوضع
الروسي يكمن سببه في أن هذا العامل ،مع المتغيرات الالحقة فيما لو استمرت،
يمكن أن يكون عام ًال هام ًا في تطور الوضع الدولي ،وبالتالي سيكون مؤثر ًا
على نتائج الصراع في منطقتنا.
أما فيما يخص تركيا ،فيجب القول إن الدور التركي رغم التحسن النسبي
في العالقات مع سورية ،ال يزال مريب ًا ،فالمؤسسة العسكرية التركية هي ،هي
لم تتغير ،كونها جزء ًا من حلف األطلسي ،ومصادر تسليحها وتدريبها أمريكية،
ويساورنا شك شديد أن تصبح تركيا الضلع الرابع لمثلث االعتدال في المنطقة
(مصر ـ األردن ـ السعودية) ،كما أن هناك إشارات جدية حول دورها اإلقليمي
المفترض ،وخاصة تجاه إيران ،وفي ملف القضية الكردية التي أصبحت إحدى
أكثر القضايا حساسية في المنطقة ،والتي تريد االمبريالية األمريكية استخدامها
كورقة لتعميق االنقسامات في المنطقة.
كنا وما نزال نرى ،حسب وثائقنا ،أن الترياق الشافي من أالعيب االمبريالية
األمريكية باتجاه تفتيت المنطقة هو تآخي وتحالف وتضامن جميع شعوب
الشرق العظيم ،حيث يراد أن تستخدم بعضها ضد بعض ،مستفيدة من
الجرائم التاريخية التي سببها اتفاق سايكس بيكو ،بحق كل شعوب المنطقة،
ليحتسملا بلطن نأ انيلع ...نييعقاو نوكن يكل | 229
األزمة السورية الجذور واآلفاق
نشيط ،منتق ًال بالتالي إلى الهجوم في نهاية المطاف ،ومعركة رفع الدعم األخيرة،
التي لم تكن األولى في هذا المجال ،هي مثال حي على ذلك ،فالقوى التي تريد
اقتصاد ًا ليبرالي ًا ،تتحجج بأموال الدعم لرفعه ،على أساس أن لديها مشكلة في
موارد الخزينة ،والحقيقة هي غير ذلك كما تعرفون والهدف هو استفزاز استياء
شعبي ،استكما ًال للضغط الخارجي .وقد وُضعت الرتوش األخيرة على مشروع
رفع الدعم األخير ،وكان من المقرر تنفيذه في ،2007/9/1ولكن الحملة العاصفة
التي قمنا بها ،إضافة إلى بيان الشخصيات الوطنية ،والموقف الداعم للنقابات
واتحاد الفالحين خلق ميزان قوى جديد ،كما أثبتت األحداث ،وتمكنت القوى
الشريفة من إيقاف هذه «الغارة» وإفشالها ،وهذا األمر له دالالت اقتصادية
واجتماعية وسياسية عميقة مازالت بحاجة إلى دراسة ،فنحن في نهاية المطاف
جزء بسيط من تلك القوى التي منعت رفع الدعم ،ولكنه تبين أنه ليس قليل
الفعالية ،وتبين هنا أيض ًا بالتدريب العملي صحة مقولة :وهمية ثنائية المعارضة
والنظام ،فجزء هام من بعض القوى التي تدعي المعارضة ،إذا لم تؤيد رفع
الدعم ،فقد تملكها صمت القبور حينما اشتدت هذه الحملة ،كما تبين أن جزء ًا هام ًا
من جهاز الدولة لعب دور ًا أساسي ًا في تحضير رفع الدعم من جهة ،وفي منعه
من جهة أخرى .إن هذه التجربة تثبت أن هناك إمكانيات كبيرة في المجتمع
وبنية الدولة قادرة على إيقاف المد الليبرالي ،الممثل الداخلي والشرعي الوحيد
لالمبريالية العالمية وإسرائيل الصهيونية ومخططاتها.
إن االمبريالية األمريكية مستمرة باستخدام الحلول المركبة ضد سورية
األمر الذي تكلمنا عنه باكر ًا ،ويتناوب مركز الثقل بين السياسي والعسكري
في هذه الحلول في كل مرحلة ،ولكن هذا ال يعني أن مركز ثقل ما ،ال يمكن
استبداله بمركز ثقل آخر ،ضمن الحل المركب ،بليلة واحدة ،مما يضطرنا أن
نكون دائم ًا مستعدين دائم ًا وعلى أهبة التهيؤ بشكل دائم لمواجهة أي وضع
جديد ،ومع األسف الشديد ،تخلق هذه الحالة لدى بعض القوى الوطنية حالة
من االسترخاء ،وخاصة عندما يبتعد الخطر العسكري معتقدين أنه و ّلى إلى
غير رجعة.
| ليحتسملا بلطن نأ انيلع ...نييعقاو نوكن يكل 232
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إن درجة استعداد المجتمع ،والقوى السياسية الوطنية حتى هذه اللحظة
لم ترتق إلى مستوى المخاطر المحتملة األكيدة ،ومازالت رؤيتنا السابقة
صالحة حتى هذه اللحظة حول مفردات وتفاصيل تعبئة قوى المجتمع ،والتي
ترتكز على ضرورة إصالح اقتصادي يضرب مراكز الفساد الكبرى ،ويؤمن
الموارد الضرورية للدولة كي تقوم بدورها االجتماعي المطلوب دائم ًا.
نعتقد أن الوضع االقتصادي واالجتماعي ،ونتيجة لسياسات الفريق
االقتصادي سيعاني من مشاكل واختناقات كبيرة في المستقبل القريب ،وقد
بدأت تظهر مالمحها جدي ًا ،وخاصة من خالل موجات ارتفاعات األسعار
المستمرة ،ونقول المستمرة ،ألنها ظاهرة جديدة ،فسابق ًا كانت متقطعة ،وهذا
مؤشر خطير ،على مدى تدهور الوضع االقتصادي.
في السنوات السابقة ،كان لموضوع النمو وأهميته دور كبير في النقاشات
الدائرة في األوساط السياسية واالقتصادية ،وهناك إجماع اليوم على ضرورته
بالنسبة لمستقبل البالد والمجتمع ،وأحد أهم مؤشرات أهمية هذا الموضوع،
أن الفريق االقتصادي قام مؤخر ًا بالتالعب بأرقام النمو الحقيقية ،كي يؤكد
مصداقيته ،من أجل استمراريته ولكن الوضع اليوم ،تجاوز موضوع النمو
ليصل إلى النقاش ،بل الصراع الشديد حول موارد هذا النمو ،وكيفية انعكاسه
على مصالح الناس ،ونعتقد أن المرحلة المقبلة ،ستشهد احتدام الصراع بهذا
االتجاه ،و كانت معركة منع رفع الدعم ،إحدى المعالم الهامة لهذه العملية،
ونعتقد جازمين أن الحياة ستثبت عاج ًال أم آج ًال ،وهذا األمر سيكون مرتبط ًا
بعملنا ونضالنا أي مقدار التعجيل أو التأجيل ،إن موارد النمو الوحيدة الممكنة
والمتوفرة حقيقة ،هي موارد النهب والفساد ،التي يصبح االستيالء عليها
ضرورة للنمو الالحق ،أي بكالم آخر ،تصبح إعادة توزيع الدخل ،عبر ضرب
النهب والفساد ،شرط ًا للنمو ،لذلك عندما نتحدث عن النمو ،فإننا ال نتحدث عن
قضية مجردة ،بل نتحدث عن قضية كبرى لها عالقة بمستقبل البالد وطبيعة
تطورها ،وهكذا يصبح أمامنا ثنائية حقيقية ،وهي النمو وإعادة توزيع الدخل
وجهان لعملة واحدة.
ليحتسملا بلطن نأ انيلع ...نييعقاو نوكن يكل | 233
األزمة السورية الجذور واآلفاق
وأخير ًا نقول :إنه رغم أن هذا الفريق االقتصادي ،قد طال عمره أكثر من
الالزم ،في ظل المعركة الوطنية الكبرى المحتدمة ،إال أن األكيد أنه قد استنفد
سقفه التاريخي ،ولم يعد قاب ًال للحياة ،فهو قد أتى إلى سدة القرار االقتصادي
في ظل استشراء األوهام حول إمكانية الشراكة األوروبية في إنقاذنا من
األخطبوط األمريكي ،األمر الذي حذرنا منه منذ البداية ،واليوم عندما تبين
الخيط األبيض من الخيط األسود وتوضح أن االمبريالية األوروبية هي مجرد
ذيل لهذا األخطبوط ،يأتمر بأمره ويقبل قدميه ،تبين مدى مجانية وعبثية
وخطر التنازالت االقتصادية التي جرت داخلي ًا بحجة الشراكة األوروبية التي
كانت منذ ذلك الحين بالنسبة لرأس الفريق االقتصادي ،القاطرة التي ستجر
سورية إلى اقتصاد السوق ،أي أن االستقواء بالخارج الذي تكلمنا عنه مؤخر ًا،
ليس جديد ًا ،بل هو قديم ،وكان يغلف نفسه بشعارات وطنية ،أما اليوم ،فقد
انكشف الستر ،وخاصة في التصريحات األخيرة التي ُأدلي بها من لندن ،والتي
عالجناها بافتتاحية قاسيون في العدد ./332/
إن المعركة في البالد مازالت مفتوحة حول اتجاهات التطور االقتصادي
االجتماعي الالحق ،لكن ميزان القوى اليوم هو أفضل بكثير من السابق ،مما
يسمح لنا بالتفاؤل الموضوعي ،بإنزال الهزيمة بالمشروع الليبرالي االقتصادي
الداخلي ،وواضح لنا أن المسار الوطني العام في المعركة مرتبط بالمسار
االقتصادي ـ االجتماعي ،فأي تقدم أو تراجع على أحدهما ،يؤثر على اآلخر
بالمقدار نفسه ،وتبقى الضمانة بالنسبة لنا هي القدرة على تعبئة الجماهير
باالتجاه المطلوب ،أي تأمين المتطلبات الديمقراطية للمعركة على كل الصعد.
إن هذه المهام الكبرى تتطلب تنظيم ًا لينيني ًا واسع المعرفة ،إبداعي الحلول،
عال من المهارة في التعامل مع مختلف شرائح المجتمع وخاصة على قدر ٍ
جماهير الكادحين بعمالهم وفالحيهم الفقراء ،من هنا ننتقل إلى مهامنا وخطتنا...
(((
بالغ 25شباط
عقد مجلس اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين اجتماع ًا استثنائي ًا
في دمشق بتاريخ 2011/2/25ناقش فيه آخر المستجدات واألحداث السياسية
والثورية المتسارعة في المنطقة ،بعد إنجاز الفصل األول من ثورتي تونس
ومصر واستمرار عودة الجماهير إلى الشارع في كل من ليبيا واليمن والبحرين
والعراق والجزائر واألردن.
كما ناقش االجتماع بروح المسؤولية العالية برنامج تعزيز الوحدة الوطنية
(سياسي ًا واقتصادي ًا واجتماعي ًا وديمقراطي ًا) في سورية من وجهة نظر اللجنة
الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين على ضوء كل ما يجري في المنطقة،
وخصوص ًا في ظل ازدياد عدوانية االمبريالية األمريكية وحليفتها «إسرائيل
الصهيونية» ضد الشعوب وقوى المقاومة في منطقتنا ،والسيما ضد بلدنا سورية.
أكد مجلس اللجنة الوطنية ما جاء في الموضوعات البرنامجية التي أقرها
االجتماع التاسع لوحدة الشيوعيين السوريين أن األزمة الرأسمالية االقتصادية
العالمية هي أزمة شاملة وعميقة وليست عابرة ومؤقتة ،وتثبت انسداد األفق
التاريخي أمام الرأسمالية كنظام ،وبالمقابل انفتاح األفق أمام قوى العملية
الثورية في العالم .وبعد الذي حدث في تونس ومصر ،وما يجري في العديد
من البلدان العربية ،لم تعد قضية عودة الجماهير للشارع محل نقاش ،كذلك
-1بدأت شرارة األحداث في سورية بالظهور في أواسط آذار .2011قبل ذلك بحوالي العشرين
يوم ًا ،أصدرت اللجنة الوطنية لوحدة الشيوعيين السوريين (حزب اإلرادة الشعبية الحق ًا) ،بالغ ًا
وزعته في كل المحافظات السورية وعلى الصفحة األولى لجريدتها «قاسيون» ،وشكل تحذير ًا
واضح ًا يتضمن خطة إسعافية لتالفي انفجار األمور بالشكل الذي انفجرت وذهبت صوبه...
غالبلب غالب | 235
األزمة السورية الجذور واآلفاق
اقتصادياً واجتماعياً:
إن انسحاب الدولة التدريجي من دورها االقتصادي االجتماعي ،وتمركز
الثروة بأيدي قلة قليلة من طواغيت المال وتوسع الفقر ،ورفع األسعار وازدياد
معدالت البطالة ،وتدنّي معدالت النمو وغياب العدالة االجتماعية وضعف
االستثمار الحقيقي ،كل ذلك يفضي إلى ما ال تُحمد عقباه.
ولمواجهة ذلك البد من:
1ـ القطع الكامل مع السياسات االقتصادية الليبرالية ،وترحيل رموزها
المتمثلة بالدرجة األولى بالفريق االقتصادي ،ومحاسبتهم على مخالفة
الدستور .ألن استمرار تلك السياسات سيكون كارثي ًا على االقتصاد
الوطني والمجتمع السوري ،خصوص ًا أن عمليات الخصخصة بدأت
تقترب من المرافق السيادية (الكهرباء والمرافئ والمطارات وغيرها)،
وهذا يتناقض مع الدستور والسيما المادة 14منه .كما أن تلك
السياسيات أدت إلى تدمير الزراعة والصناعة مع ًا واإلجهاز بشكل
متعمّد على القطاع العام.
2ـ صياغة نموذج اقتصادي جديد قادر على تحقيق أعلى نمو ممكن
| غالبلب غالب 236
األزمة السورية الجذور واآلفاق
3ـ إعادة النظر بقانون الصحافة واإلعالم والمطبوعات بما يفعل دور
اإلعالم كسلطة رابعة في الرقابة وكشف مواقع الفساد ،وتعميق الثقافة
الوطنية في البالد.
4ـ حصر استخدام حالة الطوارئ واألحكام العرفية في حاالت ثالث:
الحرب والكوارث الطبيعية ،وضد قوى النهب والفساد.
إن كل ما سبق ال يمكن تحقيقه دون مستوى أعلى من الحريات السياسية،
يستفيد منه أصحاب المصلحة الحقيقيون في االنعطاف الوطني ـ االجتماعي
المطلوب على األصعدة كافة.
(((
واقع النمو االقتصادي وتوزيع الدخل الوطني
وما دمنا في مجال االفتراضات ،فإن رفع معدل النمو السوري إلى %10
سنوي ًا سيسمح باللحاق بماليزيا بعد ثالثة عشر عام ًا ،وباليونان بعد 24عام ًا.
وإذا كنا أكثر طموح ًا وافترضنا أننا سنسير على أساس وتائر النمو القصوى
التي عرفها التاريخ االقتصادي ،مث ًال :في االتحاد السوفييتي في الثالثينات ،أو
في الصين اليوم والتي وصلت إلى %15سنوي ًا ،فإننا سنلحق بماليزيا في عام
( ،)2010أما اليونان ففي عام (.)2018
هذا من حيث وسطي دخل الفرد .أما إذا أخذنا الدخل الوطني بإجماله
كوحدة قياس ،فإن مضاعفته مرة واحدة ستتطلب ( )38عام ًا ،ومرتين
ستتطلب ( )56عام ًا ،على أساس نسبة النمو حوالي %2حسب أرقام األمم
المتحدة.
وإذا استندنا إلى معدالت النمو الموجودة في المجموعة اإلحصائية
السورية ،أي ،%4.2فإن مضاعفة الدخل الوطني ستتطلب ( )18عام ًا ،ومضاعفته
مرتين ستتطلب ( )29عام ًا.
وما دمنا في العالم االفتراضي فال بأس من افتراض نمونا بـ %15سنوي ًا
من اآلن فصاعد ًا ،مما سيسمح بمضاعفة الدخل الوطني مرة واحدة بعد ()6
سنوات ومرتين بعد ( )9سنوات.
أمام هذه األرقام يصبح من الضروري التفكير الجدي ببحث موضوع
معدالت النمو والتي ال تُبحث حتى اآلن ،إن كان على المستوى األكاديمي أو
على المستوى العلمي بشكل جدي ،ومن نافل القول التأكيد أنها هي بالذات
التي ستقرر مصير بلدنا ومستقبله خالل العقود القادمة.
وأمام هذا الواقع القاسي ال يبقى إال حالن نظري ًا لزيادة حصة الفرد جدي ًا من
الدخل الوطني ،والتي تتطلب على األرجح مضاعفتها مرتين خالل فترة زمنية
قصيرة لكي تتالءم مع الحدود الدنيا الضرورية للحد األدنى لمستوى المعيشة:
الحل األول :إذا أصرينا على إبقاء معدالت النمو الحالية القائمة فإن مضاعفة
حصة الفرد مرتين خالل العقد القادم ستتطلب ليس تخفيض النمو السكاني،
وإنما اختصار عدد سكان سورية إلى الثلث .وليس هنالك ضمانة أكيدة في
نطولا لخدلا عيزوتو يداصتقالا ومنلا عقاو | 243
األزمة السورية الجذور واآلفاق
هذه الحالة للوصول إلى الهدف المنشود لصعوبة معرفة تأثير انخفاض عدد
السكان على النمو االقتصادي نفسه في الظروف الحالية.
الحل الثاني :أما إذا أردنا الحديث جدي ًا ،فأمامنا حل وحيد وهو رفع وتائر
النمو إلى %15سنوي ًا .فهل هذا ممكن؟! إن هذا ليس ممكن ًا فقط ،بل أصبح أمر ًا
ضروري ًا ال مجال للهروب منه .فقضية النمو االقتصادي أصبحت قضية تمس
األمن الوطني بمعناه العام السياسي واالجتماعي واالقتصادي .فمن أين يمكن
تأمين الموارد الضرورية لذلك النمو الذي يتطلب تعبئة كل الموارد.
٭ هل القروض والديون حل مقبول؟ طبع ًا ال ،وتجربة بلدان كثيرة في
أمريكا الالتينية وآسيا تنهانا عن ذلك ،ناهيك أن سورية قد تجنبت
حتى اآلن الوقوع في فخ الديون الذي نصب لبدان عديدة من قبل
المؤسسات المالية الدولية مما أدى إلى أزمات شديدة عصفت
باقتصادياتها وبمستوى معيشة شعوبها.
٭ هل االنتظار الالحق الستثمارت خارجية حل مقبول؟ لقد طال االنتظار
ولم تأت ،ومشكوك بقدومها الحق ًا ،وبناء اآلمال عليها قبض للريح كما
تبين تجربتنا الخاصة ،وقدومها له شروطه التي ال يمكن توفيرها في
ظل الظروف السياسية في المنطقة.
٭ هل االستثمار الداخلي هو الحل؟ نعم إنه الحل الوحيد الممكن الذي
لن يتم إال بحال إيقاف النهب البرجوازي الطفيلي والبرجوازي
البيروقراطي الذي يقتطع أجزاء هامة من الدخل الوطني وال تقل عن
%20منه ،ويمنعها من التوظيف في مجال االستثمار وكذلك االستهالك
العام والخاص.
ألن الطبقة المالكة والحاكمة فيها تعي تمام ًا أن انخفاض مستوى األجور عن
حد معين سيؤدي إلى اإلضرار بكل التطور االقتصادي من خالل تخفيضه
للقدرة الشرائية التي ستؤثر سلب ًا على الطلب ،مما لن يسمح لعجلة اإلنتاج
باالستمرار .حتى أن الدور الوظيفي لمؤشرات األسعار هو امتالك ذلك
الباروميتر الذي يحمي من الوصول إلى منطقة الخطر في قدرة الطلب العام
على تنشيط اإلنتاج ،الذي تكمن مصلحة المالك في الحفاظ على استمراريته.
إن كتلة األجور في سورية قد وصلت بعد الزيادات األخيرة إلى حوالي
( )170مليار ليرة سورية ،في الدولة وقطاعاتها المختلفة ،وإذا أضفنا إليهم
العاملين في القطاع الخاص فإنها تصل إلى ( )250مليار ليرة سورية من أصل
( )950مليار ،وهي مجموع الدخل الوطني.
وغني عن الذكر أن هذا التناسب يؤثر سلب ًا على االستهالك العام وعلى
التراكم .وإذا أضفنا إلى ذلك:
عائدية رأس المال:
التي ال تصل إلى أكثر من %20من مجمل االقتصاد الوطني ،يتضح حجم
المشكلة من جهة ،واالحتياطات الهائلة الممكنة لحلها من جهة أخرى .وهذا
االحتياطات هي منطقي ًا وبالتدرج حسب األهمية التالية:
٭ رفع معدالت التراكم.
٭ تغيير العالقة جذري ًا بين األجور واألرباح.
٭ رفع عائدية رأس المال.
إن النموذج االقتصادي القائم حالي ًا لم ولن يسمح بتعبئة اإلمكانيات
والموارد المذكورة أعاله من أجل تحقيق النمو االقتصادي المطلوب .لماذا؟
إن نسبة النمو غير المؤسسة بشكل جدي ،والتي تعد العمود الفقري ألي
برنامج اقتصادي ،يمكن أن تنسف كل البرنامج إذا لم تبرر علمي ًا ،وإذا لم
تؤمن لها الموارد الضرورية .وفي كل األحوال فإن إعالن الرقم وااللتزام به
خطوة هامة لتقييم أداء االقتصاد الوطني الحق ًا ،ولمحاسبة المسؤولين عنه.
أي أن هذه النسبة ،رغم االعتراضات التي يمكن أن تثار عليها ،يجب أن يصبح
تحقيقها أو عدم تحقيقها مؤشر ًا أساسي ًا لتقييم أي أداء اقتصادي بعد اإلعالن
عن االلتزام بهذا الرقم.
استناد ًا إلى كل ذلك يمكن اقتراح نموذج اقتصادي جديد يؤمن النسب
العليا الضرورية من النمو ،وهذا النموذج يتطلب تأمين المتطلبات التالية:
•الوصول بالتراكم إلى %40من الدخل الوطني.
•تغيير العالقة بين األجور واألرباح كي تصبح %40أجور و %60أرباح.
•إن تأمين الشرطين األوليين سيسمح برفع إنتاجية العمل ،مما
سيوصلنا في ظروف بالدنا التي تتوفر فيها قدرات بشرية هائلة،
وثروات باطنية كبيرة إلى عائدية عالية للرأسمال الموظف يمكن
تقديرها حسب الحسابات األولية بما يصل إلى .%50
كيف سيترجم ذلك على أرض الواقع؟ ..تبقى المسألة األساسية واإلشكالية
الكبرى هي إيقاف النزيف الكبير الذي يسببه النهب الكبير لالقتصاد الوطني،
والذي يقدر بـ %20من الدخل الوطني بالحد األدنى ،وحتى %40بحده األعلى.
•ففي ظل النموذج القائم %25أجور %75 ،أرباح.
•وفي ظل %15تراكم %85 ،.استهالك.
تتكون العالقة بين هذين النموذجين من المعطيات على الشكل التالي:
تسترجع الدولة من أصحاب األجور عبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة
والرسوم ،أي خالل عملية إعادة التوزيع للدخل الوطني %40من دخولهم
التي تبلغ حجم %10من الدخل الوطني ،وهي من حيث االستخدام تذهب
إلى التراكم .مما يعني أن أصحاب األرباح يساهمون في التراكم فعلي ًا بـ %5
نطولا لخدلا عيزوتو يداصتقالا ومنلا عقاو | 251
األزمة السورية الجذور واآلفاق
لكي يبلغ مجموعه %15من الدخل الوطني .وهذه النسبة ( )0.7من مجموع
األرباح.
وبالتالي يستهلك أصحاب األجور استهالك ًا نهائي ًا فعلي ًا %60من أجورهم.
بينما يستهلك أصحاب األرباح استهالك ًا نهائي ًا %93من أرباحهم ،وبما أن قدرة
السوق المحلية بالنسبة لالستهالك الفعلي عبر هذه الشريحة محدودة ،فمن
المفهوم أن يذهب حوالي %30من الـ %70المخصصة الستهالكهم إلى التراكم،
ولكن في الخارج كي تتراكم هذه الثروات ودائع ًا في المصارف األجنبية تقدرها
أكثر المصادر تفاؤ ًال بـ ( )100مليار دوالر ،بينما ال يبلغ مجموع الدخل الوطني
السنوي اليوم أكثر من ( )20مليار دوالر.
إن كسر هذه الحلقة أصبح ضرورة وطنية بالنسبة لتطور مجمل االقتصاد
الوطني.
إن إيقاف النزيف عبر تحويل هذا الفاقد إلى أجور وتراكم سيسمح بتغيير
المعادلة نهائي ًا وصو ًال إلى %40أجور و %40تراكم ،وغير ذلك فإن المستقبل
ال يعد بالخير للبالد والعباد.
أخير ًا ،حتى اليوم كان يمكن الحديث عن «نمو بال تنمية» في بلدان العالم
الثالث ،وهو ما جرى فع ًال في كثير من األحيان ،فذلك النمو االقتصادي الذي
ال ينعكس إيجابي ًا على مصالح غالبية الناس في المجتمع ال يمكن أن يتحول
إلى تنمية ،والسبب في ذلك طبع ًا هو اختالل عملية التوزيع وتمركز الثروة
المستمر في أيدي قلة قليلة .وكان النمو في هذه الحالة شرط ًا ضروري ًا للتنمية
حتى ولو لم تتحقق.
ولكن هل يمكن القول بذلك اليوم؟ األرجح ال يمكن .لماذا؟
•إذا كان مؤشر النمو هو مؤشر كمي ،فالتنمية هي مؤشر نوعي.
•وإذا كان مؤشر النمو هو مؤشر بسيط ،فالتنمية هي مؤشر مركب.
•وإذا كان مؤشر النمو هو مؤشر اقتصادي بحت ،فالتنمية هي مؤشر
اقتصادي ـ اجتماعي ـ سياسي.
| نطولا لخدلا عيزوتو يداصتقالا ومنلا عقاو 252
األزمة السورية الجذور واآلفاق
مشروع برنامج حزب اإلرادة الشعبية الذي أقر مجلس الحزب إطالقه
للنقاش العام في اجتماعه المنعقد بتاريخ 2013/8/31والذي سيقدم للمؤتمر
الحادي عشر الدوري للحزب إلقراره بعد إدخال التعديالت التي يقرها المؤتمر
عليه...
المقدمة
يمثل حزب اإلرادة الشعبية في رؤيته وبرنامجه مصلحة الطبقة العاملة
وسائر الكادحين السوريين ،ويناضل من أجل اعترافهم به كممثل لمصالحهم،
ويرى في ذلك االعتراف مدخله األساسي لتحقيق دوره الوظيفي في بناء
االشتراكية في القرن الحادي والعشرين.
يعتمد حزب اإلرادة الشعبية الماركسية -اللينينية مرجعيته الفكرية ،والتي
يعمل على تطبيقها بشكل خ ّالق من خالل التجربة والعمل بين الجماهير ،ومن
خالل المراجعة الدائمة لحدود الثابت والمتغير فيها بعيد ًا عن أمراض العدمية
والنصوصية.
وهو يعتبر نفسه وريث ًا لقيم وتراث كل من حركة التحرر الوطني والحركة
الشيوعية والثورية في سورية وفي العالم خالل القرن العشرين واستمرار ًا
لها...
وحزب اإلرادة الشعبية هو تتويج واستكمال لعمل اللجنة الوطنية لوحدة
الشيوعيين السوريين التي انطلقت في بدايات هذا القرن مستندة إلى قناعة
يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم | 255
األزمة السورية الجذور واآلفاق
علمية بأسباب هزائم النصف الثاني من القرن العشرين التي لم تكن إال انسداد
أفق تاريخي مؤقت في وجه الحركة الثورية العالمية وانفتاح أفق مؤقت
ألعدائها ...ومستندة إلى يقين علمي بأن األزمة الرأسمالية العظمى التي تنبأت
بها منذ أيامها األولى ستغلق األفق التاريخي نهائي ًا أمام الرأسمالية العالمية،
وبالمقابل فإنها ستفتح األفق التاريخي واسع ًا أمام الحركة الثورية.
إنّ عمل حزب اإلرادة الشعبية انطالق ًا من هذه القناعة العلمية العميقة،
يعني بالضبط العمل بعقلية االنتصار في عصر االنتصارات ،انتصارات قطب
الشعوب ضد النظام الرأسمالي العالمي ..االنتصارات التي بدأت وأجملها هي
تلك التي لم تأت بعد..
الرؤية
ينتصر في نهاية المطاف من ينتصر معرفي ًا ،ولذلك فقد كان لزام ًا على حزب
اإلرادة الشعبية أن يعيد قراءة الحركة الثورية خالل القرن العشرين في ضوء
النظرية الماركسية -اللينينية وفي ضوء المعطيات التاريخية ،لتكوين رؤيته
الخاصة حول سير الصراع ومآالته الالحقة ...رؤية مهمتها أن تكون صلة
الوصل بين النظرية العامة وبين الواقع الملموس:
-مرت الحركة الثورية العالمية بطور تقدم شغل النصف األول من القرن
العشرين ،تاله طور تراجع عام خالل النصف الثاني منه .وأدى هذا التراجع
الذي بلغ ذروة انحداره في عام 1991بانهيار االتحاد السوفياتي إلى انغالق
األفق التاريخي مؤقت ًا أمام الحركة الثورية وانفتاحه مؤقت ًا أيض ًا أمام قوى
اإلمبريالية العالمية خالل النصف الثاني من القرن العشرين...
-ولكن النظام الرأسمالي العالمي المنتج بطبيعته ألزمات جديدة أكبر
وأعمق من التي سبقتها دائم ًا ،سرعان ما أوقعها والبشرية معها منذ مطالع
األلفية الثالثة في أزمة عظمى هي األزمة النهائية للنظام الرأسمالي العالمي
الذي استنفد توسعه األفقي وبدأ بالتوسع العمودي على حساب استمرار
النوع البشري ...أزمة سدّت األفق التاريخي نهائي ًا أمام الرأسمالية وفتحته
| يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم 256
األزمة السورية الجذور واآلفاق
بالمقابل أمام قوى العملية الثورية واضعة الحضارة البشرية أمام مفترق طرق،
فإما اشتراكية جديدة تستند إلى إيجابيات التجربة التي سبقتها وتتجاوز
أخطاءها وذلك في حال توافر العامل الذاتي لدى البشرية أي القوى الثورية
المنظمة والواعية ،وفي حال عدم توفرها بالشكل الكافي فسيكون الطريق
مفتوح ًا أمام همجية بدأت تفعل فعلها في مساحات واسعة من العالم وفي
منطقتنا خصوص ًا...
-وفي بيت الرأسمالية الداخلي ،عمقت األزمة الرأسمالية العظمى االنقسام
ضمن المعسكر الرأسمالي نفسه بين المركز اإلمبريالي األمريكي -األوروبي
من جهة ،والقوى الرأسمالية الصاعدة «البريكس» من جهة أخرى ،وصو ًال إلى
توازن دولي جديد انتهت فيه أحادية القطبية األمريكية ،دون أن يعني ذلك
أن االستقطاب الجديد سيكون شبيه ًا بذاك الذي ساد خالل مرحلة الحرب
الباردة ،ولكنه استقطاب ثنائي مؤقت لن يطول العهد به حتى ينزاح باتجاه
الثنائية الحقيقية على المستوى العالمي بين قطب الشعوب من جهة والنظام
الرأسمالي ككل من جهة أخرى ،ذلك أن شعوب دول «البريكس» (مثا ًال) وفي
إطار نضالها الوطني للدفاع عن وحدة أراضيها ومصالحها الوطنية في وجه
اإلمبريالية المحكومة بتوسيع رقعة الحرب واالستغالل ،إنما تندار بالتدريج
ضد الرأسمالية نفسها كنظام اقتصادي -اجتماعي ،األمر الذي ينسجم مع
مصلحة شعوب العالم الثالث التي يندمج نضالها الوطني ضد الغرب اإلمبريالي
وضد الصهيونية أكثر فأكثر مع نضالها االقتصادي -االجتماعي ،ويدفع هذا
االنسجام العميق في المصالح إلى تبلور قطب الشعوب في وجه القطب
الرأسمالي ،وذلك بغض النظر عن اللبوسات السياسية والدولية المختلفة التي
ستكون شك ًال لهذه الثنائية الحقيقية ،ثنائية (شعوب -رأسمالية)..
-كما أن األزمة الرأسمالية العظمى دفعت بدول المركز اإلمبريالي إلى مزيد
من العدوانية ،فقد أصبح هذا المركز محكوم ًا بالحرب وبتوسيع رقعتها بشكل
مضطرد وصو ًال إلى إشعال مساحات واسعة من العالم وبشكل خاص منطقة
(قوس التوتر) بجملة من الحروب البينية الداخلية المستندة إلى االنقسامات
يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم | 257
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الثانوية الطائفية والعرقية والقومية ..إلخ ،بعد أن أصبح دخول هذا المركز في
الحروب العسكرية المباشرة أصعب فأصعب مع تعمق أزمته.
-كما أن األزمة دفعت المركز اإلمبريالي بالتوازي مع ذلك ،وفي العقد
األول من القرن الحادي والعشرين خاص ًة ،إلى تسريع إدخال حصان طروادة-
الليبرالية المتوحشة إلى دول األطراف «العالم الثالث» لين ّفس أزمته عبرها،
حل مركب جزؤه الداخلي هو الليبرالية التي تدمر وتفسد مستند ًا في ذلك إلى ّ
الجزء المدني من جهاز الدولة وترفع درجات التوتر االجتماعي ،واستكماله
الخارجي هو العدوان العسكري بدرجاته المختلفة والذي يسعى إلى تحطيم
الجزء العسكري من جهاز الدولة..
-ولتفعيل النموذج الليبرالي اقتصادي ًا في دول األطراف ،وهو نموذج
تابع وغير منتج بالضرورة .كان ال بد من قطيعة نهائية مع أية حريات سياسية
أو ليبرالية سياسية من ذلك النوع الذي رافق النموذج الليبرالي التقليدي
قبل مائتي عام ..بل كان من الضروري ،على العكس من ذلك ،تعميق سيادة
الديكتاتوريات العسكرية القمعية القادرة على فرض توزيع ثروة جائر وقاتل
على شعوب تلك الدول.
-وفي منطقتنا ،منطقة الشرق العظيم الممتدة من قزوين إلى المتوسط،
كان ضروري ًا أيض ًا إيجاد عباءة أيديولوجية جديدة للديكتاتورية العسكرية
بعد أن بليت العباءات القديمة القومية و«التقدمية» ،فكان اإلسالم السياسي
«المعتدل» -اإلخوان نموذج ًا -المتالزم والمولد للطائفية السياسية كأداة
إلدامة االشتباك وإضعاف القوى وتفتيتها.
-ويتقدم اإلسالم السياسي «المعتدل» هذا بالتالزم مع أداة االقتحام
الخاصة به ،أي اإلسالم السياسي «المتطرف» -القاعدة نموذج ًا -حيث تبين
الوقائع أن وظيفة «المتطرف» هي فقط تمهيد الطريق للـ«معتدل» واالثنان في
المحصلة وجهان لعملة واحدة.
-وضمن لوحة قوى اإلسالم السياسي –المختلفة كلي ًا عن التيار الديني
الشعبي الذي سيأتي ذكره الحق ًا -يظهر بشكل خاص تنظيم اإلخوان
| يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم 258
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المسلمين العالمي بوصفه فاشي ًة جديدة صنعها وعززها رأس المال المالي
العالمي ،ودفعها إلى الواجهة بشكل أكبر خالل السنوات األخيرة ألداء المهمة
نفسها التي حاولت لعبها نازية القرن العشرين..
-يؤدي تفاقم األزمة الرأسمالية في المركز واشتقاقاتها الليبرالية في
األطراف إلى قفزة نوعية في حالة عدم الرضا االجتماعي التي تقاس عملي ًا
كمحصلة لثالث إحداثيات هي االنعكاسات االجتماعية لموقف السلطة الحاكمة
(الوطني ،واالقتصادي-االجتماعي ،والديمقراطي).
-ويشهد التاريخ الحديث على أن الحراك الشعبي يرتبط بحالة الرضا أو
عدمه سالفة الذكر ،ويمر ضمن نوبات متعاقبة من الحركة والسكون .فحين
تصل حالة عدم الرضا االجتماعي إلى مستويات محددة ،تدخل الجماهير حالة
حركة فاعلة ونشيطة تستمر عقود ًا إلى أن تحقق التغييرات الالزمة الستعادة
حالة الرضا ،ومن ثم تدخل في نوبة سكون تمتد هي األخرى عقود ًا ينهيها
تجدد عدم الرضا بدرجات عالية.
-فإذا كان تاريخ القرن العشرين قد شهد في نصفه األول نشاط ًا سياسي ًا
شعبي ًا فاع ًال ونشيط ًا وواسع ًا كان من نتيجته تثبيت االتحاد السوفييتي
ومنظومة الدول االشتراكية ونموذج دول الرفاه أو دولة الرعاية االجتماعية
األوروبية وإنجاز الشوط األول من مهام حركة التحرر الوطني في بلدان
العالم الثالث ،فإن النصف الثاني الذي سكن فيه الحراك الشعبي والذي شهد
في نهاياته سقوط كل هذه اإلنجازات تقريب ًا ،مهّد األرضية نحو النوبة الجديدة
الصاعدة من الحراك الجماهيري الواسع المستفيد من خبرة االنتصارات
والهزائم السابقة ،األمر الذي يعني أن الحراك الجماهيري العالمي الذي انطلق
مع بدايات القرن الحالي وازداد تركيز ًا وضخام ًة في بداية العقد الثاني منه ،لن
يكون حراك ًا مؤقت ًا أو عابر ًا ،لكنه سيستمر لعقود أخرى وسيتصاعد تنظيمه
بشكل مضطرد حتى يصل إلى أهدافه ،وحينها فقط يستعيد سكونه.
-ويعني هذا األمر أيض ًا أن على األحزاب الثورية الحقيقية التي تناضل
لتوجيه الحركة الشعبية في االتجاهات األكثر عمق ًا وجذري ًة ،أن تنطلق في
يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم | 259
األزمة السورية الجذور واآلفاق
نضالها من أعلى منصة معرفية وصلت إليها تجربة الدور السابق من الحركة
الشعبية والثورية العالمية ،أي من تلك المنصة التي وقف عليها الثوريون مع
نهاية الحرب العالمية الثانية..
-كما يفتح الحراك الشعبي الباب واسع ًا أمام إعادة االعتبار لفكرة
الوحدة العربية باعتبارها وحد ًة لمصالح الشعوب العربية في وجه اإلمبريالية
والصهيونية العالمية عموم ًا ،وفي وجه الكيان الصهيوني خصوص ًا .ويطور
هذه الفكرة نحو اتحاد شعوب الشرق العظيم الممتد من قزوين إلى المتوسط
باعتبار سقوط هذه المنطقة وتفتيتها هو الطريقة الوحيدة ليس لنجاة أمريكا
من أزمتها فقط وإنما الستمرار النظام الرأسمالي العالمي بأكمله.
-من جهة أخرى ،فإن عودة الجماهير إلى ساحة الفعل السياسي وإن
كانت هذه العودة متدرج ًة ومتصاعدة في تنظيمها ،إال أنها وبمجرد بدايتها
فإنها ستعني إعالن موت الفضاء السياسي القديم المتشكل في خمسينيات
وأربعينيات القرن الماضي ،وستعني بداية والدة الفضاء السياسي الجديد
الذي سيتكون فعلي ًا في رحم عملية التغيير الثوري ،والذي سيضم الجديد إلى
جانب من يستطيع التكيف من القديم.
-وحين ينخرط الناس في تشكيل الفضاء السياسي الجديد ،فإن الواجهات
األيديولوجية لن تشكل عائق ًا لحركتهم ،ألن الصراع انطالق ًا من تلك الواجهات
ينتمي لمرحلة تجاوزتها الحياة .وسيكون العامل الحاسم في استقطاب
الناس ،وفي تحالفاتهم المختلفة ،وورقة عباد الشمس الكاشفة بالنسبة لهم،
هي البرامج السياسية للقوى المختلفة بإحداثيات تلك البرامج االقتصادية-
االجتماعية والوطنية والديمقراطية ،فالناس لن تستقطب -إال مؤقت ًا -وفق
شعارات تلك القوى وعناوينها األيديولوجية ،وستميز بتجربتها بين يسار
فعلي ويسار اسمي ،وبين يمين فعلي ويمين اسمي ،وفق ًا للثالثية (الوطنية،
االقتصادية -االجتماعية ،الديمقراطية) ذاتها..
-رد ًا على ذلك ،عملت وستعمل قوى الثورة المضادة -التي تنتمي
بطبيعتها إلى الفضاء السياسي القديم -على حماية نفسها من الفيضان
| يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم 260
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الدولة المتضخم كضرورة ال غنى عنها للحفاظ على الدولة نفسها ،ولتحقيق
التغييرات الجذرية والمهمات التاريخية والثورية المطلوبة.
-ولمنع حدوث ذلك ،يسعى العدو اإلمبريالي وإعالمه إلى استغالل
التصورات المبسطة والسطحية عن العملية الثورية العائدة إلى نهايات القرن
التاسع عشر وبدايات القرن العشرين والقائمة على كسر مقاومة جهاز الدولة-
الصغير نسبي ًا في حينه – من خارجه ،والتي كان لها مبررها التاريخي رغم أن
حقيقة األمر لم تكن كذلك تمام ًا وإن كانت قريبة منه ..فيحاول العدو تكريس
هذا التصور لكي يدفع الحراك الشعبي نحو تدمير الدولة في سياق محاولة هذا
األخير كسر مقاومة جهاز الدولة والسيطرة عليه من خارجه..
-وتبرز الجيوش كأهم وأقوى مركب من مركبات جهاز الدولة المتضخم،
ولذا فإن استهدافها ومحاولة شق صفوفها وإضعافها واستنزافها المستمر من
خالل خلق عداء وهمي بينها وبين الحراكات الشعبية يتحول هدف ًا وخطة عمل
أساسية للعدو اإلمبريالي..
-كما يحاول هذا العدو بالتعاون مع الطبقات الرجعية الفاسدة المرتبطة به
عضوي ًا ،استخدام كافة أدوات وألعاب الثورات الملونة إلى جانب القمع والعنف
وعلى رأسها الحرب البسيكوترونية التي تعمل على تكريس الثنائيات الوهمية،
وعلى تصوير أصدقاء الشعب الحقيقيين على أنهم أعداؤه في محاولة إلبعاد
مطرقة الشعب عن سندان أعدائه الحقيقيين..
-إن عملية الفرز الحقيقي بين المستغ ّلينَ والمستغلين في كل من المجتمع
وجهاز الدولة والقوى السياسية المختلفة ،هي ضرورة موضوعية يكمّلها العامل
الذاتي المتمثل بتقديم القوى الثورية برامجها السياسية المتكاملة (الوطنية
واالقتصادية-االجتماعية والديمقراطية) ونضالها الملموس من أجلها لتجميع
جماهير المضطهدين حولها ،وذلك لتسريع الفرز وتقليل تكاليفه وأخذه نحو
نهاياته المنطقية.
-وعملية الفرز هذه ،هي الطريق الوحيد إلنجاز االستحقاقات التاريخية
المطلوبة والمتمثلة بالثورة الوطنية الديمقراطية المعاصرة في دول األطراف،
| يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم 262
األزمة السورية الجذور واآلفاق
المرحلة ومهامنا
• إن الترابط العميق إلى حد االندماج بين القضايا الثالث( :الوطنية،
واالقتصادية -االجتماعية ،والديمقراطية) ،هو المدخل العلمي الوحيد لتفسير
الواقع السوري تفسير ًا صحيح ًا يسمح بتغييره..
• فال يمكن بناء موقف وطني مقاوم في ظل اقتصاد ينحاز لرؤوس
األموال على حساب الشعب الذي يشكل جسد المقاومة وروحها .كما ال يمكن
بناؤه في ظل ديمقراطية شكلية تراعي مصالح الفاسدين الكبار وتقمع كل من
يعلو صوته عليهم.
• وبالمثل فإن اقتصاد ًا منحاز ًا للشعب ،يتالزم بالضرورة مع موقف
وطني معادٍ للغرب االستعماري الذي ال يسمح ضمن أي درجة من العالقة معه
باقتصادات قوية ومستقلة .واقتصادٌ قويٌ ومنحاز للشعب يحتاج إلى رقابة
شعبية عالية على جهاز الدولة تضمنها حريات سياسية شعبية واسعة.
• وبالمثل أيض ًا ،فإن الحريات السياسية تفقد أية قيمة لها حين يكون البلد
تابع ًا بموقفه السياسي أو االقتصادي ،بل يغدو قمعها ضرورة لتثبيت التبعية.
سياسي صادق
ٍ برنامج
ٍ • وعلى أساس هذا الترابط العميق ،فإن تقديم
يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم | 263
األزمة السورية الجذور واآلفاق
ومتكامل بين يدي الشعب السوري ،ال يمر دون إيضاح هذه القوة السياسية
أو تلك موقفها من القضايا الثالث دون أي شكل من أشكال المواربة..
• ويحمل الموقف المتكامل أهمية إضافية في عصر الثورة الوطنية
الديمقراطية المعاصرة باعتبارها المهمة الواجب تحقيقها في بلدان العالم الثالث
وفي بلدنا سورية ،باعتبارها ثورة تندمج فيها المهام السياسية الديمقراطية
الوطنية العامة ،مع المهام االقتصادية -االجتماعية اندماج ًا عميق ًا..
السيادية كالمرافئ وتأميم شركات النفط ،لتشكل مداخيلها داعم ًا أساسي ًا في
عملية إعادة اإلعمار واالستثمار الالحق..
• ربط األجور باألسعار باعتماد سلة استهالك حقيقية تجري مراقبتها
دوري ال يزيد دوره عن ثالثة أشهر ،بحيث وتعديل األجور على أساسها بشكل ٍ
يبدأ سلم األجور عند الحد األدنى لمستوى المعيشة الذي يحدده سعر سلة
االستهالك.
وعن تحقيق مستوى عائدية %33كحد أدنى فيتم ذلك من خالل:
• تصنيع المواد الخام إلى الحد األقصى الممكن ،ومنع تصديرها بشكلها
الخام نهائي ًا.
• مشاريع عمالقة تتولى تمويلها وإدارتها الدولة.
• تفعيل الميزات المطلقة في االقتصاد السوري ،وتركيز البحث العلمي عن
ميزات مطلقة جديدة لما لها من ريعية عالية جد ًا.
• بؤر تحفيز للنمو االقتصادي في البادية السورية.
• تنظيم مجمعات زراعية -صناعية في كل مناطق البالد بحيث تتشابك
مدخالتها ومخرجاتها.
• دعم القطاع الزراعي من حيث القروض والتسهيالت في مجال الوقود
واألسمدة والمبيدات والبذار ووسائل اإلنتاج.
• تحسين شروط استثمار الفرات ودجلة عبر الضغط السياسي ،وتفعيل
معالجة مياه الصرف الصحي عبر عدد كبير من المعالجات الصغيرة ،وتعميم
سياسات ري متطورة مدعومة من الدولة ،وصو ًال إلى تحقيق األمن المائي.
• استناد ًا لذلك كله ،وضع خريطة استثمارية وتقديم التسهيالت للقطاع
الخاص المنتج حصر ًا للمشاركة فيها.
إن نموذج ًا اقتصادي ًا عميق ًا في عدالته وعالي ًا في نموه سيسمح بحل كل
المهمات االجتماعية المتفاقمة في البالد:
• نحو تأمين التعليم بكل مراحله لكل أفراد المجتمع بشكل مجاني
يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم | 267
األزمة السورية الجذور واآلفاق
الحزب
• حزب اإلرادة الشعبية يسعى إلى التحول إلى الطليعة الواعية المنظمة
للطبقة العاملة وسائر الكادحين بسواعدهم وأدمغتهم في سورية.
• وهو كحزب يعمل على لعب دوره الوظيفي ـ التاريخي ،هذا الدور الذي
يعني تأكيد قدرته على التحكم الواعي بالعمليات االقتصادية ـ االجتماعية
الجارية في البالد وتوجيهها لمصلحة تلبية مصالح الجماهير الشعبية.
| يبعشلا ةدارإلا بزح جمانرب عورشم 270
األزمة السورية الجذور واآلفاق
إن حزب اإلرادة الشعبية سيستند إلى كل اإلرث النضالي في تاريخ الشعب
السوري مطور ًا إياه للوصول إلى حزب مبدئي ومرن قوي وذكي محافظ على
المبادئ وقادر على إبداع الحلول.
هذا الكتاب5................................................................................
الفصل األول :الجذور 7.........................................................................
ثورة-مؤامرة-أزمة؟؟9..............................................................
الفلسفة ليست تَرَف ًا 13....................................................................
التطور «المُشوَّه» والتطور «السّوي» أو الكالسيكي17....................
النقطة العالم لقراءة األزمة السورية! 21..........................................
عسكر وعقلية عسكر25..................................................................
كيف اختفت ديمقراطية ()1958-1954؟ 29.....................................
االستعمار الجديد -التعايش السلمي -وسقوط راية التحرر31........
بيروقراطية وطفيليّة وجديدة وجيل جديد! 35.................................
طقوس اإلشارات والتحوالت 45....................................................
الحالة البونابارتية49.....................................................................
الحركة الجيبية للجماهير 55...........................................................
«الحركة الجيبية» في سورية 67.....................................................
الهوية الوطنية والحرب المركبة73.................................................
إعالن دمشق 79............................................................................
المؤامرة مرة أخرى!85.................................................................
273
الفصل الثاني :االنفجار91......................................................................
الحركة الشعبية93........................................................................
السالح والتسلح 103.......................................................................
الحرب المر ّكبة في الخصوصية السورية 109.....................................
الفاشية الجديدة 113........................................................................
تحوالت القوى السياسية عشية وخالل األزمة119.............................
حكومة الوحدة الوطنية131.............................................................
المفاوضات139............................................................................ ...
الفصل الثالث :اآلفاق147........................................................................
برنامج اليوم األول بعد األزمة149....................................................
السلطة مِن الشعب وبالشعب وألجل الشعب!155................................
النموذج االقتصادي القديم165.........................................................
النموذج الجديد171.........................................................................
إعادة اإلعمار والنموذج الجديد 177..................................................
الطاقة والسكن183..........................................................................
الفساد185......................................................................................
دور سورية ال ّالحق187...................................................................
مالحظات189................................................................................:
المالحق199............................................................................................
مقتطفات من تقرير االجتماع الوطني السادس201............................
سورية على الطريق الجديدة217......................................................
ال أحد غيركم يستطيع رفعها!223.....................................................
274
لكي نكون واقعيين ...علينا أن نطلب المستحيل!225...........................
بالغ 25شباط 235.........................................................................
واقع النمو االقتصادي وتوزيع الدخل الوطني241.............................
مشروع برنامج حزب اإلرادة الشعبية 255........................................
275