You are on page 1of 9

‫أول ليلة في القبر‬

‫د‪ .‬عائض القرني‬

‫‪ ‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬
‫‪$‬ات والنُّور ثُ َّم الَّ ِذين َك َف‪$$ $‬روا بِ‪$$ $‬ربِّ ِهم يع‪$ِ $ $‬دلُو َن) (الْحم‪ُ $ $‬د لِلَّ ِه فَ‪ِ $ $‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْح ْم‪ُ $ $‬د لِلَّ ِه الَّ ِذي َخلَ‪$َ $ $‬ق ال َّ‬
‫‪$‬اط ِر‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ َ ْ َْ‬ ‫‪$‬ل الظُّلُ َ‪$‬م ‪َ َ $‬‬ ‫ض َو َج َع‪َ $ $‬‬‫اَأْلر َ‬
‫س ‪َ $ $‬م َاوات َو ْ‬ ‫(ال َ‬
‫‪$‬ل َش‪ْ $‬ي ٍء‬‫‪$‬اع يَ ِزي‪ُ $‬د فِي الْ َخ ْل ِ‪$‬ق َما يَ َش‪$‬اءُ ِإ َّن اللَّهَ َعلَى ُك ِّ‬
‫الث َو ُربَ‪َ $‬‬‫َأجنِ َح‪$ٍ $‬ة َم ْثنَى َوثُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات واَأْلر ِ ِ‬
‫ض َجاع ِ‪$‬ل ال َْمالِئ َك‪$‬ة ُر ُس‪$‬الً ُأولي ْ‬ ‫س‪َ $‬م َاو َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ال َّ‬
‫قَ ِد ٌير) ‪.‬‬
‫أشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪.‬‬
‫وأشهد أن محمد عبده ورسوله ‪ ،‬بعثه ربه هاديا ومبشرا ونذيرا ‪ ،‬وداعيا إلى اهلل بأذنه وسراجا منيرا ‪.‬‬
‫بلغ الرسالة وادى األمانة ونصح األمة وجاهد في اهلل حتى أتاه اليقين ‪.‬‬
‫صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا ‪.‬‬

‫القبر أول ليلة باهلل قلي ما يكون‬ ‫فأرقت‪ $‬موضع مرقدي يوما ففارقني السكون‬

‫ليلتان اثنتان يجعلها كل مسلم في مخيلته ‪:‬‬


‫ليلة وهو في بيته مع أطفاله وأهله ‪.‬‬
‫منعما سعيد ‪ ،‬في عيش رغيد في صحة وعافية ‪ ،‬يضاحك أطفاله ويضاحكونه ‪.‬‬

‫والليلة التي تليها مباشرة ليلة أتاه الموت فوضع في القبر ‪ ،‬أي ليلتين ؟‬
‫ليلة ثانية وضع في القبر ألول مرة ‪ ،‬وذاك الشاعر العربي يقول ‪:‬‬
‫فارقت موضع مرقدي يوما ففارقني‪ $‬السكون ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫انتقلت من مكان إلى مكان ‪ ،‬وذهبت من موضع نومي في بيتي إلى بيت آخر فما أتاني النوم ‪.‬‬

‫فباهلل كيف تكون الليلة األولي في القبر ؟‬


‫يوم يوضع اإلنسان فريدا وحيدا مملقا إال من العمل ‪ ،‬ال زوج وال أطفال وال أنيس ‪:‬‬
‫ين) ‪.‬‬ ‫َأسرعُ ال َ ِ ِ‬ ‫(ثُ َّم ُردُّوا ِإلَى اللَّ ِه َم ْو ُ‬
‫ْحاسب َ‬ ‫ْح ْك ُم َو ُه َو ْ َ‬
‫ْح ِّق َأال لَهُ ال ُ‬
‫اله ُم ال َ‬
‫أول ليلة في القبر بكى منها العلماء ‪ ،‬وشكا منها الحكماء ‪ ،‬ورثا إليها الشعراء ‪ ،‬وصنفت فيها المنصفات ‪.‬‬
‫أول ليلة في القبر ‪.‬‬
‫أتي بأحد الصالحين وهو في سكرات الموت لدغته حية ‪.‬‬
‫‪ ‬وك‪$$ $‬ان في س‪$$ $‬فر ‪ ،‬نسي أن ي‪$$ $‬ودع أمه وأب‪$$ $‬اه وأطفاله وإخوانه ‪ ،‬فق‪$$ $‬ال قص‪$$ $‬يدة يلفظها مع أنفاسه هي أم الم‪$$ $‬راثي العربية في‬
‫الشعر العربي ‪ .‬يقول وهو يزحف إلى القبر ‪:‬‬
‫فلله دري يوم أترك طائعا‬
‫بني بأعلى الرقمتين وداريا‬
‫يقول ال تبعد وهم يدفنونني‬
‫وأين مكان البعد إال مكانيا‬
‫‪  ‬يقول ‪ :‬كيف أفارق أطفالى في لحظة ؟‬
‫‪  ‬لماذا ال أستأذن أبوي ؟‬
‫‪  ‬أهكذا تختلس الحياة ‪ ،‬أهكذا أذهب ؟‬
‫‪ ‬أهكذا أفقد كل ممتلكاتي ومقدراتي في لحظة ؟‬
‫‪ ‬ويقول عن نفسه ‪:‬‬
‫‪ ‬يقول لي أصحابي والذين يتولون دفني ‪ ،‬ال تبعد أي أبعدك اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬وأين مكان البعد إال هذا المكان ؟‬
‫‪ ‬وأين الوحشة إال هذا المنقلب ؟‬
‫‪ ‬وأين المكان المظلم إال هذا المكان ؟‬
‫‪ ‬فهل تصور متصور هذا ؟‬
‫ت َكاَّل ِإَّن َها َكلِ َمةٌ ُه‪$َ $‬و قَاِئلُ َها َو ِم ْن َو َراِئ ِه ْم َب‪$ْ $‬ر َز ٌ‬
‫خ‬ ‫يما َت َر ْك ُ‬ ‫ون لَعلى َأ ْعمل ِ ِ‬
‫صالحاً ف َ‬
‫َُ َ‬
‫ب ار ِجع ِ‬
‫ال َر ِّ ْ ُ‬
‫ت قَ َ‬
‫َأح َد ُه ُم ال َْم ْو ُ‬
‫اء َ‬‫(حتَّى ِإذَا َج َ‬ ‫َ‬
‫ِإلَى َي ْوِم ُي ْب َعثُو َن) ‪.‬‬
‫‪  ‬كال ‪ ،‬اآلن تراجع حساب ‪ ،‬اآلن تتوب ‪ ،‬اآلن تنتهي عن المعاصي ‪.‬‬
‫‪ ‬يا مدبرا عن المساجد ما عرفت الصالة ‪.‬‬
‫‪ ‬يا معرضا عن القرآن ‪ ،‬يا متهتكا في حدود اهلل ‪.‬‬
‫‪  ‬يا نشئا في معاصي اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬يا مقتحما ألسوار حرمها اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬اآلن تتوب ‪ ،‬أين أنت قبل ذلك ؟‬
‫‪ ‬أول ليلة في القبر ‪.‬‬
‫‪ ‬قال مؤرخو اإلسالم ‪:‬‬
‫‪ ‬مات الحسن ابن الحسين من أوالد على ابن ابي طالب رضي اهلل عنه وأرضاه ‪.‬‬
‫‪ ‬كان عنده زوجة وأطفال وكان في الشباب ‪.‬‬
‫‪ ‬والموت ال يستأذن شابا وال غنيا وال فقيرا وال أميرا وال ملكا وال وزيرا وال سلطان ‪.‬‬
‫‪ ‬الموت يقصم الظهور ويخرج الناس الدور وينزلهم من القصور ويسكنهم القبور بال استئذان ‪.‬‬
‫‪ ‬الحسن ابن الحسين مات فجأة ‪ ،‬نقلوه إلى المقبرة ‪.‬‬
‫‪ ‬فوجدت عليه امرأته وحزنت حزنا ال يعلمه إال اهلل ‪.‬‬
‫‪ ‬أخذت أطفالها وضربت خيمة حول القبر ‪.‬‬
‫‪ ( ‬وهذا ليس من عمل اإلسالم ولوال أن مؤرخو اإلسالم ذكروه ما ذكرته ) ‪.‬‬
‫‪ ‬ضربت خيمة حول القبر وأقسمت باهلل لتبكيا هي وأطفالها على زوجها سنة كاملة ‪.‬‬
‫‪ ‬هلع عظيم وحزن بائس ‪.‬‬
‫‪  ‬وبقيت تبكي فلما وفت‪ $‬سنة أخذت إطناب الخيمة وحملتها وأخذت أطفالها في الليل ‪.‬‬
‫‪ ‬فسمعت هاتفا يقول لصاحبه في الليل ‪:‬‬
‫‪ ‬هل وجدوا ما فقدوا ؟ هل وجدوا ما فقدوا ؟‬
‫‪ ‬فرد عليه هاتف آخر قال ‪:‬‬
‫‪ ‬ال ‪ ،‬بل يئسوا فانقلبوا ‪.‬‬
‫‪ ‬ما وجدوا ما فقدوا ‪ ،‬ما وجدوا ضيعتهم ‪ ،‬وال وديعتهم ‪:‬‬
‫كنز بحالون عند اهلل نطلبه‬
‫خير الودائع من خير المؤدينا‬
‫‪ ‬قال ‪ :‬ال بل يئسوا فانقلبوا ‪.‬‬
‫‪ ‬ما كلمهم من القبر ‪ ،‬ما خرج إليهم ولو في ليلة واحدة ‪ ،‬ما قبل أطفاله ‪ ،‬ما رأى فتاته ‪ ،‬ال ‪.‬‬
‫‪ ‬ولذلك هذه أول ليلة ولكن لها ليالى أخرى إذا أحسن العمل ‪.‬‬
‫‪ ‬قل اهلل ‪ ،‬جل اهلل ‪:‬‬
‫ين) ‪.‬‬ ‫ان َألْح ْقنَا بِ ِهم ذُ ِّر َّيتهم وما َأل َْتنَاهم ِمن َعملِ ِهم ِمن َشي ٍء ُك ُّل‪ ‬ام ِرٍئ بِما َكس ِ‬
‫‪( ‬والَّ ِذين آمنُوا و َّاتبع ْت ُه ‪$‬م ذُ ِّر َّيُت ُهم بِِإ يم ٍ‬
‫ب َره ٌ‬
‫َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُْ ْ َ ْ ْ ْ‬ ‫ْ َُ ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ََ ْ‬
‫‪ ‬أتي أبو العتاهية يقول لسلطان من السالطين غرته قصوره ‪ ،‬وما تذكر أول ليلة ينزل فيها إلى القبر ‪.‬‬
‫‪ ‬ونحن نقول لكل عظيم ولكل متكبر ‪ ،‬متجبر أما تذكر أول ليلة ؟‬
‫‪ ‬هذا السلطان بنى قصورا في بغداد ‪ ،‬فدخل عليه الشاعر يهنئه بالقصور يقول له ‪:‬‬
‫‪ ‬عش ما بدأ لك سالما في ظل شاهقة القصور ‪.‬‬
‫‪ ‬عش ما بدا لك سالما عش ألف سنة ‪ ،‬عش مليون سنة سالما معافا‪ $‬مشافا ‪.‬‬
‫‪  ‬يجري عليك بما أردت مع الغدو مع البكور ‪.‬‬
‫‪  ‬ما تريد من طعام ‪ ،‬ما تريد من شراب هو عندك ‪ ،‬ولكن اسمع ماذا يقول ‪:‬‬
‫فإذا النفوس تغرغرت بزفير حشرجة الصدور‬
‫فهناك تعلم موقنا ما كنت إال في غرور‬
‫‪ ‬فبكى السلطان حتى أغمي عليه ‪ :‬فهناك تعلم موقنا ما كنت إال في غرور ‪.‬‬
‫‪ ‬أول ليلة في القبر ‪.‬‬
‫‪   ‬وأنا أطالب نفسي وإياكم آيا معاشر المسلمين أن نهيئ لنا نورا في القبور أول ليلة ‪.‬‬
‫‪   ‬وواهلل ال ينور لنا القبر إال العمل الصالح بعد اإليمان ‪.‬‬
‫‪   ‬لنقدم لنا ما يؤنسنا في القبر يوم ننقطع عن األهل ‪ ،‬والمال ‪ ،‬الولد واألصحاب ‪.‬‬
‫‪   ‬خرج عليه الصالة والسالم إلى تبوك ‪:‬‬
‫‪   ‬وفي ليلة من الليالي نام هو والصحابة ‪ ،‬وكانوا في غزوة في سبيل اهلل ‪.‬‬
‫‪   ‬قال ابن مسعود رضي اهلل عنه وأرضاه ‪:‬‬
‫‪   ‬قمت آخر الليل فنظ‪$$‬رت إلى ف‪$$‬راش الرس‪$$‬ول ص‪$$‬لى اهلل عليه وس‪$$‬لم فلم أج‪$$‬ده في فراشه ‪ .‬فوض‪$$‬عت كفي على فراشه ف‪$$‬إذا‬
‫هو بارد ‪.‬‬
‫‪  ‬وذهبت إلى فراش أبي بكر فلم أجده على فراشه ‪.‬‬
‫‪  ‬فالتفت إلى فراش عمر فما وجدته ‪.‬‬
‫‪  ‬قال ‪ :‬وإذا بنور في أخر المخيم وفي طرف المعسكر ‪ ،‬فذهبت إلى ذلك النور ونظرت ‪.‬‬
‫‪  ‬فإذا قبر محفور ‪ ،‬والرسول عليه الصالة والسالم قد نزل في القبر ‪.‬‬
‫‪  ‬وإذا جنازة معروضة‪ ، $‬وإذا ميت قد سجي في األكفان ‪.‬‬
‫‪  ‬وابو بكر وعمر حول الجنازة‪ ،‬والرسول صلي اهلل عليه وسلم يقول ألبي بكر وعمر (( دليا لي صاحبكما))‪.‬‬
‫‪  ‬فلما أن ‪$$‬زاله ‪ ،‬نزله ص ‪$$‬لي اهلل عليه وس ‪$$‬لم في الق ‪$$‬بر‪ ،‬ثم دمعت عين ‪$$‬اه عليه الص ‪$$‬الة والس ‪$$‬الم ثم التفت إلى القبلة ورفع يديه‬
‫وقال‪:‬‬
‫(( اللهم إني امسيت عنه راض فأرض عنه))‪ (( ،‬اللهم إني أمسيت عنه راض فأرض عنه))‪.‬‬
‫‪      ‬قال‪ :‬قلت من هذا؟‬
‫‪      ‬قالوا ‪ :‬هذا أخوك عبد اهلل ذو البجادين مات في أول الليل‪.‬‬
‫‪    ‬قال ابن مسعود‪ :‬فوددت واهلل أني أنا الميت ‪ (( :‬اللهم إني أمسيت عنه راض فأرض عنه))‪.‬‬
‫‪     ‬وإذا رضي اهلل عن العبد أسعده‪.‬‬
‫‪     ‬وإنما هي مسألة لمن نسي اهلل وأوامر اهلل وانتهك حدود اهلل‪.‬‬
‫‪     ‬نقول له‪ :‬هل تذكرت يا أخي أول ليلة في القبر؟‬
‫‪    ‬ك‪$$‬ان عمر بن عبد العزيز أم‪$$‬يراً من أم‪$$‬راء الدولة األموي‪$$‬ة‪ ،‬يغ‪$$‬ير الث‪$$‬وب من حرير في الي‪$$‬وم أك‪$$‬ثر من م‪$$‬رة‪ ،‬ال‪$$‬ذهب والفضة‬
‫عنده‪.‬‬
‫‪    ‬الخدم القصور‪ ،‬المطاعم المشارب كل ما اشتهي وكل ما طلب وكل ما تمني‪.‬‬
‫‪   ‬ولما تولى الخالفة‪ ،‬ملك األمة اإلسالمية انسلخ من ذلك كله لنه تذكر أول ليلة في القبر‪.‬‬
‫‪  ‬وقف على المنبر يوم الجمعة فبكي وقد بايعته األمة‪.‬‬
‫‪  ‬وحوله األمراء والوزراء والشعراء والعلماء وقواد الجيش ‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫‪  ‬خذوا بيعتكم‪.‬‬
‫‪  ‬قالوا‪ :‬ما نريد إال أنت‪.‬‬
‫‪  ‬فتوالها فما كر عليه أسبوع أو أقل إال وقد هزل‪ ،‬وضعف وتغير لونه ما عنده إال ثوب واحد‪.‬‬
‫‪  ‬قالوا لزوجته‪ :‬ما لعمر تغير؟‬
‫‪  ‬قالت‪ :‬واهلل ما ينام الليل‪ ،‬واهلل إنه يأوي غلي فراشه فيتقلب كأنه ينام على الجمر ويقول ‪:‬‬
‫‪ ‬آه توليت أمر أمة محمد‪ ،‬يسألني يوم القيامة الفقير والمسكين والطفل واألرملة‪.‬‬
‫‪ ‬يقول له أحد العلماء يا أمير المؤمنين‪:‬‬
‫‪ ‬رأيناك قبل أن تتولى الملك وأنت في مكة في نعمة وفي صحة وفي عافية ‪،‬فما لك تغيرت؟‬
‫‪  ‬فبكي رضي اهلل عنه حتى كادت أضالعه تختلف ‪ ،‬ثم قال للعالم وهو ابن زياد‪:‬‬
‫‪ ‬كيف بك يا ابن زياد لو رأيتني في القبر بعد ثالثة أيام‪.‬‬
‫‪ ‬يوم أجرد عن الثياب ‪ ،‬وأوسد التراب‪ ،‬وأفارق األحباب‪ ،‬وأترك الصحاب‪              .‬‬
‫‪ ‬كيف لو رأيتني بعد ثالث ‪ ،‬واهلل لرأيت منظرا يسوءك ؟‍‍‬
‫‪ ‬فنسأل اهلل حسن العمل ‪.‬‬
‫‪        ‬واهلل ‪ ،‬واهلل لو عاش الفتي في عمره ‪. . . .‬‬
‫أسمع ‪.‬‬
‫واهلل لو عاش الفتى في عمره‬
‫ألفا من األعوام مالك أمره‬
‫متنعما فيها بكل لذي ــذة‬
‫متلذذا فيها بسكنا قصره‬
‫ال يعتريه الهم طول حياته‬
‫كال وال ترد الهموم بصدره‬
‫ما كان ذلك كله في أن يفي‬
‫فيها بأول ليلة في قبره‬
‫‪  ‬واهلل لو عاش ألف سنة ‪ ،‬وما طرقه هم وال غم وال حزن ‪.‬‬
‫‪  ‬واهلل ال يفي بأول ليلة في القبر ‪.‬‬
‫‪  ‬وواهلل لننزلنها جميعا ‪ ،‬أول ليلة ‪.‬‬
‫‪  ‬فيا عباد اهلل ‪ ،‬أسال اهلل لي ولكم الثبات ‪ ،‬ماذا أعددنا لضيافة تلك الليلة ؟‬
‫‪   ‬يقول رسولنا صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫‪ (   ‬القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من النار )‬
‫‪   ‬ك‪$$‬ان عثم‪$$‬ان بن عف‪$$‬ان الخليفة رضي اهلل عنه إذا ش‪$$‬يع جن‪$$‬ازة بكى ح‪$$‬تى يغمى عليه فيحملونه إلى بيته كالجن‪$$‬ازة إلى بيته ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬ما لك ؟ قال‪ :‬سمعت الرسول صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫( القبر أول منازل اآلخرة فإذا نجا العبد فيه أفلح وسعد ‪ ،‬وإذا خسر والعياذ باهلل خسر آخرته كلها ) ‪.‬‬
‫والقبر روضة من رياض الجنان‬
‫أو حفرة من حفر النيران‬
‫إن يكون خيرا فالذي من بعده‬
‫أفضل عند ربنا لعبده‬
‫وإن يكن شرا فما بعد أشد‬
‫ويل لعبد عن سبيل اهلل صد‬

‫أتيت القبور فناديتها ‪ .. ..‬أين المعظم والمحتقر ؟‬


‫أتيت القبور ‪ .‬قبور الرؤساء والمرؤوسين ‪.‬‬
‫قبور الملوك والمملوكين ‪.‬‬
‫قبور األغنياء والفقراء فناديتها أين المعظم والمحتقر ؟‬
‫تفانوا جميعا فما مخبر‬
‫‪                ‬وما ماتوا جميعا ومات الخبر‬
‫فياسائلي عن أناس مضوا‬
‫‪              ‬أما لك في ما مضى معتبر‬
‫تروح وتغدو بنات الثرى‬
‫‪               ‬فتمحو محاسن تلك الصور‬
‫‪        ‬أرأيت قبرا ميزا عن قبور ؟‬
‫‪   ‬أأنزل الملك في قبر من ذهب أو فضة‪ $‬؟‬
‫‪   ‬وواهلل لقد ترك ملكه وقصوره وجيشه وكل ما يملك ‪ ،‬ولبس قطهة من القماش كما نلبس وأنزل التراب ‪.‬‬
‫ولدتك أمك باكيا مستصرخا‬
‫‪                     ‬والناس حولك يضحكون سرورا‬
‫فاعمى لنفسك أن تكون إذا بكوا‬
‫‪                    ‬في يوم موتك ضاحكا مسرورا‬

‫‪        ‬لكن كثيرا من الناس علموا بالقبر ‪ ،‬وأول ليلة فأحسنوا العمل ‪ ،‬لذلك متهيئون دائما ‪.‬‬
‫‪        ‬يريدون اهلل والدار اآلخرة ‪ ،‬ثبتهم اهلل في اليل والنهار ‪.‬‬
‫‪       ‬يترقبون الموت كل طرفة عين ‪.‬‬
‫‪        ‬خرج رجل من الصالحين وشيخ من المشايخ أعرفه من مدينة الرياض ‪.‬‬
‫‪        ‬خرج بزوجته وكانت صائمة ولية من أولياء اهلل ‪ .‬خرج يريد العمرة ‪،‬‬
‫والغريب في تلك السفرة أنها ودعت أطفالها ‪ ،‬وكتبت وصيتها ‪ ،‬وقبلت أطفالها وهي تبكي ‪ .‬كأنها ألقي في خل‪$$‬دها‬
‫أنها سوف تموت ‪.‬‬
‫ين) ‪.‬‬‫َأسرعُ ال َ ِ ِ‬ ‫‪ (        ‬ثُ َّم ُردُّوا ِإلَى اللَّ ِه َم ْو ُ‬
‫ْحاسب َ‬ ‫ْح ْك ُم َو ُه َو ْ َ‬
‫ْح ِّق َأال لَهُ ال ُ‬
‫اله ُم ال َ‬
‫‪        ‬ذهب واعتمر بزوجته وهو وإياها في بيت أسس على التقوى ‪ ،‬إيمان وقرآن وذكر وقيام وصيام وعبادة ‪ .‬ال يعرفون‬
‫الغيبة وال الفاحشة وال المعاصي ‪.‬‬
‫‪        ‬عاد معها‪ $‬فلما كان في الطريق إلى الرياض ‪ ،‬أتى األجل المحتوم إلى زوجته ‪.‬‬
‫َّاس ال َي ْعلَ ُمو َن) ‪.‬‬ ‫ف اللَّهُ و ْع َدهُ ول ِ‬
‫َك َّن َأ ْك َث َر الن ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫(و ْع َد اللَّ ِه ال يُ ْخلِ ُ‬
‫‪َ        ‬‬
‫الد ْنيَا َو ُه ْم َع ِن اآْل ِخ َر ِة ُه ْم غَافِلُو َن) ‪.‬‬ ‫ْحيَ ِاة ُّ‬ ‫ِ ِ‬
‫(ي ْعلَ ُمو َن ظَاهراً م َن ال َ‬ ‫‪َ        ‬‬
‫‪        ‬ذهب إطار السيارة فانقلبت ووقعت المرأة على رأسها ‪ ،‬لكنها إن شاء اهلل شهيدة ‪.‬‬
‫ص ‪ْ $ $‬د ِق الَّ ِذي َ‪$‬ك ‪$$‬انُوا‬
‫ْجن َِّة َو ْع‪َ $ $‬د ال ِّ‬ ‫ص ‪َ $ $‬ح ِ‬
‫اب ال َ‬
‫ِ‬
‫‪$‬او ُز َع ْن َس ‪$ $‬يَِّئاتِ ِه ْم في َأ ْ‬
‫ج‪َ $‬‬‫َأح َس ‪َ $ $‬ن َما َع ِملُ‪$$ $‬وا َو َنتَ َ‪$‬‬
‫ين َنَت َقبَّ ُل َع ْن ُه ْم ْ‬
‫‪ُ(        ‬أولَِئ َ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬
‫وع ُدو َن)‪.‬‬
‫يُ َ‬
‫‪       ‬خرج وزوجها من الباب اآلخر ‪ ،‬ووقف‪ $‬عليها وهي في سكرات الموت تقول ‪:‬‬
‫‪        ‬ال إله إال اهلل محمد رسول اهلل ‪ ،‬اهلل ‪ ،‬اهلل ‪ ،‬اهلل ‪.‬‬
‫‪        ‬وتقول لزوجها ‪ :‬عفي اهلل عنك ‪ ،‬اللقاء في الجنة ‪ ،‬بلغ أهلي السالم ‪.‬‬
‫‪$‬اه ْم ِم ْن َعملِ ِه ْم ِم ْن َش ‪$‬ي ٍء ُك‪ٍ ُّ $‬ئ ِ‬
‫ْح ْقنَا بِ ِه ْم ذُ ِّر َّيَت ُه ْم َو َما َأل َْتنَ ‪ُ $‬‬ ‫‪(        ‬والَّ ِذين آمنُ ‪$$‬وا و َّاتبع ْت ُه ‪$‬م ذُ ِّر َّيُت ُهم بِِإ ٍ‬
‫‪$‬ل ْام‪ِ $‬ر ب َما َك َس ‪َ $‬‬
‫ب‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫يم‪$$‬ان َأل َ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ َ َ ََ ْ‬
‫ين) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َره ٌ‬
‫‪        ‬أسأل اهلل أن يجمع تلك األسرة في الجنة ‪ ،‬وأن يجمعنا وأحبابنا وأقاربنا في الجنة ‪.‬‬
‫بنتم وبنا فما ابتلت جوانحنا‬
‫شوقا إليكم وال جفت مآقينا‬
‫تكاد حين تناجكم ضمائرنا‬
‫يقضي علينا األسى لوال تاسينا‬
‫إن كنا عز في الدنيا اللقاء ففي‬
‫مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا‬
‫‪        ‬ع‪$$‬اد الرجل إلى الري‪$$‬اض ودفن زوجته ‪ ،‬دخل بيته وح‪$$‬ده بال زوجة ‪ ،‬دخل بيته واس‪$$‬تقبله األطف‪$$‬ال ‪ ،‬لكن حي‪$$‬اة س‪$$‬هلة‬
‫وبسيطة ‪ ،‬ولكن الموقف المرعب أن واحدة من الطفالت بنت ‪ ،‬قامت تقول أين أمي ؟‬
‫‪        ‬قال ‪ :‬سوف تأتي ‪.‬‬
‫‪        ‬قالت ‪ :‬ال واهلل ال بد أن أرى أمي ‪.‬‬
‫‪        ‬وانهار الرجل ‪.‬‬
‫‪        ‬ونقول لتلك الطفلة سوف ترينها بأذن اهلل في جنة عرضها السماوات واألرض ‪.‬‬
‫‪        ‬يعمل لها العاملون ‪،‬ليست كدنيانا الحقيرة والسخيفة التي يعمل لها الذين ال يريدون اهلل والدار اآلخرة ‪ .‬‬
‫ين) ‪.‬‬ ‫َّت لِل ِ‬ ‫ات واَأْلر ِ‬ ‫(و َسا ِرعُوا ِإلَى َمغْ ِف َر ٍة ِم ْن َربِّ ُك ْم َو َجن ٍَّة َع ْر ُ‬
‫ْمتَّق َ‬
‫ض ُأعد ْ ُ‬
‫الس َم َاو ُ َ ْ ُ‬
‫ض َها َّ‬ ‫‪َ        ‬‬
‫فاعمل لدار غدا رضوان خازنها‬
‫الجار أحمد والرحمن بانيها‬
‫قصورها ذهب والمسك طينتها‬
‫والزعفران حشيش نابت فيها‬
‫‪        ‬يا إخوتي في اهلل ‪:‬‬
‫يا شيخا كبيرا احدودب ظهره ودنى أجله ‪ ،‬هل أعدت ألول ليلة ؟‬
‫‪        ‬يا شابا مصطلحا متنعما غره الشباب والمال والفراغ هل أعدت ألول ليلة ؟‬
‫‪       ‬إنها أول الليالى ‪:‬‬
‫‪       ‬وإنها إما أول ليلة من ليالى الجنة ‪.‬‬
‫‪       ‬أو أول ليلة من ليالى النار ‪.‬‬
‫‪       ‬عباد اهلل ‪:‬‬
‫‪       ‬صلوا وسلموا على من أمركم اهلل بالصالة والسالم عليه ‪.‬‬
‫‪       ‬وصلوا على أصحابه ‪ ،‬وترضوا على أحبابه ‪.‬‬
‫‪      ‬أسأل اهلل أن يصلح والة األمر ‪ ،‬وأن يهديهم سواء السبيل ‪.‬‬
‫‪     ‬أسأل اهلل أن يصلح شباب اإلسالم ‪ ،‬وأن يخرجهم من الظلمات إلى النور ‪ ،‬وأن يكفر عنهم سيئاتهم ‪.‬‬
‫‪     ‬وأن يهيئهم بعمل صالحا ألول ليلة من ليالى القبر ‪.‬‬
‫‪     ‬أسأل أن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت ‪.‬‬
‫‪     ‬وال يظلم أبصارنا وبصائرنا ‪.‬‬
‫‪     ‬وال يجعلنا قوما انحرفوا عن منهج اهلل واشتروا معاص اهلل ‪ ،‬وغفلوا عن آيات اهلل ‪ ،‬فعموا ‪ ،‬وصموا ‪ ،‬وابتعدوا ‪.‬‬
‫‪    ‬سبحانك ربك رب العزة عما يصفون ‪ ،‬وسالم على المرسلين ‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين ‪ .‬‬

You might also like