Professional Documents
Culture Documents
نحو عقيدة صحيحة
نحو عقيدة صحيحة
املحية ()2
�سل�سلة �أ�سئلة الع�صر رَّ
نحو عقيدة �صحيحة
Copyright©2014 Dar al-Nile
Copyright©2014 Işık Yayınları
مجيع احلقوق حمفوظة ،ال جيوز إعادة إنتاج أي جزء من هذا الكتاب أو نقله بأي شكل أو بأية وسيلة ،سواء كانت إلكترونية أو
ميكانيكية ،مبا يف ذلك التصوير الفوتوغرايف أو التسجيل أو وسائل ختزين املعلومات وأنظمة االستعادة األخرى بدون إذن كتايب من الناشر.
رقم اإليداعISBN 978-975-315-659-2 :
رقم النشر
534
IŞIK YAYINLARI
تأليف:
ترجمة:
يق���ول علم���اء ال���كالم" :كل ما خطر ببالك فاهلل تعال���ى بخالف ذلك"؛
"كل ما خطر ببالك فهو وراء وراء وراء ذلك ،كيف
أما المتصوفة فيقولونّ :
والح ُجب تحيط بك كأنك في فانوس".
ُ
يق���ول دي���كارت" :اإلنس���ان مح���دود من جمي���ع جوانب���ه ،والمحدود
ال يس���تطيع التفكي���ر ف���ي المطلق" ،فوج���ود اهلل تعالى مطل���ق غير محدود،
ف�ل�ا يس���تطيع اإلنس���ان القاص���ر المحدود أن يحي���ط به ،ويحدثن���ا األديب
األلمان���ي "جوته" عن هذه الحقيقة فيقول" :يذكرونك بألف اس���م واس���م،
أيها الظاهر الباطن! ولو ذكرتك بآالف األس���ماء ال بألف اسم فحسب لما
ذكرتك حق ذكرك ،فأنت أعلى من أن َي ِصفك الواصفون".
يدرك ،فيس���تحيل على
يرى المفكرون أن اهلل موجود ولكن وجوده ال َ
األذهان أن تحيط به ،فالعين ال تستطيع رؤيته واألذن ال تستطيع سماعه،
فالزم ِغ َ
رز األنبياء في إيمانك به سبحانه.
كي���ف يمكنن���ا أن ن���درك اهلل تعالى وه���و خالق الوجود وأص���ل العلم،
فوجودن���ا ومض���ة من نور ُوجوده ،وعلمنا نفحة م���ن علمه اإللهي المحيط
ب���كل ش���يء؛ أج���ل ،هناك طري���ق لمعرفة اهلل تعال���ى وبلوغ مرتب���ة العرفان،
ح���دا ينته���ي إلي���ه ،ولك���ن ه���ذا الطري���ق مغاي���ر للطري���ق المعتاد
إال أن ل���ه ًّ
في معرفة األش���ياء ،فمن يحاول معرفة اهلل بسلوك طريق غير طريق معرفته
سبحانه ُهم البؤساء ممن لم يستطيعوا التغلب على غرور أنفسهم ،وجهلوا
"بحثت عن اهلل فلم
ُ معنى المشاهدة القلبية ،ولم يتذوقوها؛ فتراهم يقولون:
أجده" ،وهذا ضالل كبير وقول زائف باسم العلم والفلسفة.
وج���وب وجوده في اآلفاق
َ اهلل تعال���ى ه���و اإلله الذي ُيرينا وجوده بل
وي ِ
ش���عرنا بنفس���ه في أعماق وفي أنفس���نا أثن���اء معراج الروح والقلب إليهُ ،
قلوبن���ا وأرواحن���ا؛ وه���ذا الح���دس الوجداني هو أس���اس جمي���ع علومنا،
[يهلإلا تاذلا ةيهام] 11 --------------------------------------------------------------
وه���و أق���وى من جميع علومن���ا القاصرة ومن عقولن���ا وأفكارنا ،ومع هذا
فكثيرا ما نذهل عن وجودنا وعن هذا الحدس الوجداني ،فنضل ونشقى. ً
ّ
يذكرنا بهذا ،والقرآن يفعل ذلك بأبلغ بيان،
ألف لسان ولسان ّ الكون ُ
ُ
وكفى برسولنا مب ِّل ًغا لهذه الحقيقة العالية.
ْب َع ْب ِدي
َك ْن َو ِس َعنِي َ�قل ُ
�������مائِي َواَل أَ ْر ِضي؛ َول ِ
�������عنِي َس َ
"ما َو ِس َ
روي في األثرَ :
ال ُْم ْؤِم ِن"(((.
إنن���ا نح���اول معرف���ة اهلل تعال���ى باالنتقال من آث���اره إلى أس���مائه ،ومن
أس���مائه إل���ى صفاته ،ومن صفاته إلى تجليات ذات���ه؛ أي ننتقل من تجلياته
في آثاره إلى تجلياته في أس���مائه سائحين في الكون للوصول إلى تجلياته
ف���ي صفات���ه ،ونتح���ول م���ن الغي���ب إلى الش���هود؛ وكلم���ا ازدادت أش���واق
مش���اهداتنا تقلبنا في حاالت السكر والذهول والغياب عن الوعي ،فأحيا ًنا
ننبسط بأنسام الجمال والحنان ،وأحيا ًنا نرتجف خو ًفا ومهابة.
أج���ل ،اهلل تعال���ى معل���وم بأس���مائه ،وأس���ماؤه ت���دل على صفات���ه ،وله
مقدس���ة ال نع���رف كنهه���ا ،كم���ا ق���ال أب���و بك���ر الصدي���ق " :العجز
ذات َّ
ٌ
ع���ن درك اإلدراك إدراك" ،وه���و مع���روف ومعل���وم لك���ن ف���ي إط���ار
وأعظم دليل على اهلل" :س���بحانك ما
ِ مع���ر ٍف
ِّ أكبر
م���ا ُيع���زى إلى النب���ي ِ
حق معرفتك"(((.
عرفناك َّ
وبتعري���ف الق���رآن الكري���م ألفع���ال اهلل يتبي���ن أنه المعب���ود المطلق
الموص���وف بصفات الكمال ،وأ ّنه يمكن لقلوبن���ا أن ترتقي لمعرفته ،لنرى
كمال جماله .
إ ًذا نستطيع أن نجدد عهدنا ونقول:
"أيه���ا المعب���ود المطلق ،ال نس���تطيع معرفتك حق المعرف���ة ،إننا نعلم
أن���ك أقرب إلين���ا من حبل الوريد وندرك مدى عظمتك وقدرتك على طي
جميعا كطي الس���جل للكتب ،ونتلمس النظ���ام الرائع والتناغم
ً الس���موات
ّ
البديع الذي وضعته بين عين البعوضة والمجموعة الشمس���ية ،فذلك كله
طري���ق نوران���ي ألرواحنا ،لقد تعرفن���ا عليك بآثارك في مئ���ات اآلالف من
ٌ
ّ
وح ْدنا بتجلياتك ،وظفرنا بالطمأنينة".
خلقكَ ،فت ّ
واهلل أعلم بالصواب.
-2توحي���د الصف���ات :االعتقاد بأن القدرة كلها ق���درة اهلل ،والعلم كله
هو علم اهلل ،واإلرادة جميعها إرادة اهلل ،والقوى بمختلف أنواعها مصدرها
جل جالله.
قوة اهلل َّ
-3توحي���د ال���ذات :ليس هناك إال وجود واح���د ،وهو وجود اهلل ،وما
سواه مما نشاهد ليس سوى ظهور وتجليات منه على مختلف المراتب.
وكل ه���ذه المرات���ب قابلة للمناقش���ة حتى الف���روق الطفيفة بين كلمتي
"الظهور" و"التجلي" ،ولكن موضوعنا هنا توحيد الذات ،فس���نقتصر عليه.
وإذا م���ا انحص���ر ه���ذا المفه���وم في "ال���ذوق" و"الح���ال" فال مج���ال لنقده
أو االعتراض عليه.
واجب عقلاً ونقيضه
ٌ إن إس���ناد األش���ياء والحوادث إلى اهلل وأس���مائه
مح���ال كم���ا يعرفه أهله ،وهذا قريب من مفهوم التوحيد عند أصحاب هذه
المدرسة ،ووِ جهة نظر الصوفية مثله.
ويقسم اإلمام سعد الدين التفتازاني في كتابه "شرح المقاصد" القائلين
ّ
وأمر هؤالء لم يكن
بوحدة الوجود قسمين ،ويعد أحدهما من أهل السنةُ ،
محل نزاع قط كما ذكرنا.
���م القائلي���ن بوح���دة الوج���ود إل���ى زمرتي���ن :الصوفي���ة ِ
نع���م ،إن���ه َي ْقس ُ
والمتصوف���ة؛ ّأما الصوفي���ة فيعترفون بالكثرة في "الوجود" كما يعترفون بها
ف���ي "الموج���ود"((( ،لك���ن طال���ب الحقيقة عندم���ا يصل إلى اهلل يجد نفس���ه
مس���تغر ًقا ف���ي بحر المعرفة ،ويش���هد فناء ذاته أم���ام ذات اهلل ،وصفاته أمام
عد الس���الك
صف���ات اهلل ،ويتالش���ى ف���ي نظ���ره كل ما س���وى اهلل؛ وعندئذ َي ّ
يسميه الصوفية "الفناء في التوحيد"؛
وجوده ملتقى تجليات الحق ،وهذا ما ّ
((( إن "وحدة الوجود" ختتلف عن "وحدة املوجود" اصطالحًا؛ أي إهنما مصطلحان خمتلفان ،وكذلك احلال يف "الكثرة" ،ختتلف يف
معناها يف "الوجود" عن معناها يف "املوجود".
[دوجولا ةدحو] 17 -------------------------------------------------------------------
وكثيرا ما ينتج عن اختالط األحوال في هذه المرتبة كالم ُت َش���م منه رائحة
ً
"الحلول" و"االتحاد".
هذا التوحيد عند طائفة من الصوفية هو مقتضى مقام "الجمع" ،وهذه
مس���ألة عرف���ان ثم مس���ألة ذوق ،واعتراف اإلنس���ان في ه���ذا المقام بوجود
مخالف لمش���اهدته وإحساس���ه؛ فمن س��� ّلم بوجود
ٌ حقيق���ي لما س���وى اهلل
األش���ياء واألس���باب وهو في هذا الحال شعر أنه أشرك باهلل ،وبالعكس
رياء وادعاء باطل؛ ِ
الح���ال ٌ إن إن���كار األس���باب دون بلوغ هذا المقام وهذا
فم���ن ل���م يذق "الجم���ع" ُحرم م���ن المعرفة ،وم���ن لم يذق "الف���رق" ُحرم
ق���ر بالجمع في موضع���ه والفرق
م���ن أس���رار العبودي���ة ،أما الكامل فه���و ُي ّ
في موضعه.
وأم���ا الزم���رة الثاني���ة -وهم المتصوف���ة -فهم القائلون بوح���دة الوجود
مباش���رة ،فالوج���ود عنده���م واحد ،وهو وجوده س���بحانه ،أم���ا الكثرة التي
تشاهد في الكون فمحض خيال وسراب.
حال من األحوال وذوق من األذواق
إ ًذا وح���دة الوج���ود عند الصوفية ٌ
ومن نح���ا نحوهم
فنظري���ة وفكرة فلس���فية؛ َ
ّ الروحي���ة ،أم���ا عن���د المتصوفة
حماس���ا
ً عددا وال
أقل ً
م���ن المتكلمي���ن مث���ل جالل الدي���ن الدواني ليس���وا ّ
ف���ي دفاعه���م المس���تميت عنه���ا؛ أما علم���اء أهل الس���نة من عصر الس���لف
أن "حقائق األشياء ثابتة".
إلى يومنا هذا فهم متفقون على َّ
يذكر ش���يخ اإلس�ل�ام مصطفى صبري أفندي في كتاب���ه "موقف العقل
مرده���ا إلى القول
أن وح���دة الوجود ّ
والعل���م والعال���م م���ن رب العالمين" ّ
ب���أن وج���ود اهلل عي���ن ذاته ،لك���ن المتكلمين ي���رون أن صفة الوج���ود زائدة
عل���ى الذات كس���ائر الصفات ،وواج���ب الوجود وممك���ن الوجود في هذا
س���واء؛ ويرى اإلمام األش���عري أن الوجود عين الذات في واجب الوجود
] ------------------------------------------------------------- 18نحو عقيدة صحيحة[
ابتداء وإما
ً معل���ول له إما
ٌ واحدا والكلُّ
ً لم���ا كان منتهى سلس���لة الع ّل ّية
ووجوهه إلى غير
ُ بواس���طة فهو الذات الحقيقية ،والكلُّ ش���ؤو ُنه وحيثيا ُت���ه
ذات
ذوات متع���ددة بل ٌ
ٌ ذل���ك م���ن االعتب���ارات الالئقة ،فليس ف���ي الوجود
ُ َ ُ ذَّ اَ هَ َ اَّ َُ
صف���ات متكث���رة؛ ق���ال اهلل تعال���ى﴿ :ه��و اهلل الِي ل إِل إِل هو
ٌ واح���دة له���ا
ُ جْ َّ ُ ْ ُ َ َ رّ
ُ َ َّ اَ ُ ْ ُ ْ ُ ْ ُ َ ْ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ ُّ ُ
���ور ُة ال َْح ْش���رِ :
(س َ الملِك القدوس الس�َل�م المؤمِن المهي ِمن الع ِزيز البار المتك ِب﴾ ُ
.(((")23/59
ويذهب الشيخ محيي الدين بن عربي إلى أبعد من هذا وذاك ،فيقول:
موجودا
ً حقيقيا ،وال
ًّ موج���ودا
ً ه���ذا العالم المش���هود َمظهر وصورة ،وليس
دائما ،والعالم يتجدد باس���تمرار ،فالتجليات تتوالى،
ل���ه دوام؛ ف���اهلل يتجلى ً
والعالم يتردد بهذه التجليات بين العدم والوجود ،وإنما ال نرى أي انقطاع
في الوجود لسرعة التجليات وتتابعها.
ث���ري متأللئ،
ٍّ وبمث���ل هذا ق���ال موالنا جالل الدين الرومي بأس���لوب
يقول:
نحن؟ يا َمن أنت لنا روح الروح ،حتى يكون لنا
"وم���ن نكون ُ
وجود مع وجودك!
نح���ن ع���دم ،ووجودن���ا أن���ت ،ذلك أن���ك وجود مطل���ق ُيبدي
الفانيات الزائالت.
الع َلم ،يكون هجومها من الريح
س���ود لكن أسود َ
ٌ ونحن كلنا ُأ
لحظة بلحظة.
وهجومه���ا ظاه���ر ،لك���ن الرياح ليس���ت ظاهرة ،ف�ل�ا جعل اهلل
مفقودا ذلك الذي ليس بظاهر. ً
وإن رياحن���ا ووجودن���ا م���ن عطيت���ك ،ووجودن���ا بأجمع���ه من
إبداعك.
((( جالل الدين الدواني :رسالة الزوراء ،ص.4-2 .
] ------------------------------------------------------------- 20نحو عقيدة صحيحة[
ومن األحاديث:
الحديث القدسي:
َ ْ َ ََ َ ْ ُ ََ ْ َُْ َ َ َ َّ َ َّ َ ُ ُ َ َ ْ َ َ َّ
��م تعد يِن ،قال: ��ز َوج��ل يقول ي ْوم ال ِقيام��ةِ" :يا ابن آدم م ِرضت فل "إِن اهلل ع
ُلاَ ً َ َ َ َ ِّ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ
ني؟ ق��ال :أما علِمت أن عبدِي ف نا م ِرض ي��ا رب كيف أعودك وأنت رب العال ِم
ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َ َ َْ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َ ُ َ َ َ ْ َ
فل��م تعده ،أم��ا علِمت أنك لو عدته لوجدت يِن عِنده؛ يا ابن آدم اس��تطعمتك فلم
َ َ َ َ ِّ َ َ ْ َ ُ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ َ َّ ُ ُْ ْ
ني؟ ق��ال :أما علِمت أنه تط ِعم�ِن�يِ ،قال :ي��ا رب وكيف أط ِعمك وأن��ت رب العال ِم
ُلاَ ٌ َ َ ُ ْ ْ ُ َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ْ َْ ََ َ َْ
اس��تطعمك عبدِي ف ن فل ْم تط ِعم��ه ،أما علِمت أنك ل ْو أطعمت��ه ل َوجدت ذل ِك
َ َ َ ِّ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ ُّ َ ْ َ َ ْ َ ْ َُْ َ ََ َْ ْ
عِندِي؛ يا اب َن آدم استس��قيتك فل ْم تس�� ِق يِن ،قال :يا َرب كيف أس ِقيك َوأنت َرب
َ َ َّ َ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ َ َ ُلاَ ٌ َ َ َ ْ َْ َ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َْ
ني؟ قال :استس��قاك عبدِي ف ن فل ْم تس ِق ِه ،أما إِنك ل ْو سقيته َوجدت ذل ِك العال ِم
ْ
عِندِي"(((.
والحديث القدسي:
يَ َ
لش ٍء أ َح َّب إ ِ يََّ ال ْر ِبَ ،و َما َت َق َّر َب إ ِ يََّ
ل َع ْبدِي ب ْ آذ ْن ُت ُه ب حْ َ َ ًّ َ َ ْ َ َ ْ اَ َ
"م��ن عدى يِل و يِلا فقد
ِ ِ
َ ىَّ ُ َّ ُ َ َ َ ْ َ ْ ُ ُ ت َعلَ ْي ِهَ ،و َما يَ َز ُال َع ْبدِي َي َت َق َّر ُب إ ِ يََّ َّ ْ رَ َ ْ ُ
ل بِانلَّ َواف ِِل حت أحِبه ،فإِذا أحببته مِم��ا افتض
َ َ َ ُ َّ َ ْ ُ َ َ ْ َُ صهُ الِي ُي ْب رِ ُ ذَّ َْ َ
��م ُع ب ِهَ ،و َب رَ َ ذَّ ُْ ُ َ ْ َُ
ص ب ِ ِه ،ويده ال يِت يب ِطش بِها ،ورِجله ِ كنت سمعه الِي يس
ْ َ َ َ أَ ُ ْ َ َّ ُ َ ْ ْ َ َ َ أَ ُ َ َّ ُ َ َ َّ ْ ُ َ ْ َ َّ َ ْ
ال يِت يم يِش بِهاَ ،وإِن س��أل يِن لع ِطينهَ ،ول نِئ اس��تعاذ يِن لعِيذنه؛ َوما ت َرددت عن
َ ْ َُ ْ َ ْ َ َََ َ ْ َُ َ َ َ َ ُ ُْ ْ َ ْ َْ يَ ْ َ َ َ ُ ُ َ ُّ
اءته"(((. ش ٍء أنا فاعِله ت َرددِي عن نف ِس المؤم ِِن يكره الموت وأنا أكره مس
وقد أفاض كبار رجال التصوف في بحث هذه المسألة ،فال داعي -في
جواب س���ؤال -أن نس���تطرد في تاريخ وحدة الوجود ،وليس هذا موضع
بسط الكالم فيه ،فنكتفي بمثالين فقط:
َْ َ ْ َّ َ َ َ َ ُ َ ََْ َُُْ ُْ َ
اهلل قتله ْم َوم��ا َرميت إِذ فف���ي اآليتي���ن األوليي���ن ﴿فلم تقتلوهم َول ِ
ك��ن
َّ ذَّ َ ُ َ ُ َ َ َّ ُ َ ُ َ ��ت َولَك َّن ََ َْ َ
��ك إِن َما يبايِعون اهللَ﴾ الصواب اهلل َرم﴾﴿ ،إِن الِين يبايِعون ِ رمي
تفس���يرا
ً وتفس���يرها
ُ في تفس���ير مث���ل هذه اآلي���ات حم ُلها على المحكمات
تعارضا بين مدلول آيات الق���رآن الحكيم ،وهذا ما فعله
ً منطقي���ا ال ي���ورث
ًّ
المفسرون العظام حتى اليوم.
نعم ،تأويل اآليتين بوجه من مثل هذه الوجوه سائغ ،وال شيء فيهما
يش���ير إل���ى وحدة الوجود ،بل تش���يران إل���ى ثبوت حقيقة األش���ياء؛ ألنهما
تبينان أن المؤمن غير الكافر ،وأن هناك قاتلاً وآخر مقتولاً ،وأن هناك مع
بعضا ،وال ُتس���تنبط وحدة
وغائب���ا ،فهذا كله يغاير بعضه ً
ً مخاطب���ا
ً المتكل���م
للوجود من مثل هذه اآليات إال بتأويالت متكلفة.
َ ْ ْ
َ ُ ْ ْ َ يَ َْ
َ ْ ُ حَ
قطعا
أم���ا اآلي���ة األخيرة ﴿ونن أق��رب إِل ِه مِن حب ِل الو ِري ِد﴾ فيس���تحيل ً
أن ُتستنبط منها وحدة الوجود.
وأم���ا األحادي���ث الت���ي يس���تدلون به���ا فال تش���ير إل���ى وح���دة الوجود،
بل تنص على الكثرة في الوجود بشكل جلي.
[دوجولا ةدحو] 23 -------------------------------------------------------------------
ب���ل إن م���ا يقوله أه���ل اهلل يخالف مقص���د هؤالء ،فكالمهم يش���ير إلى
"االثنينية" ،وإن بدا أنه يؤيد وحدة الوجود:
حينا تصير جبل "قاف"
بحراً ،
وحينا تصير ً
ً شمسا
ً "حينا تكون
ً
وحينا تصير "العنقاء".
ً
وال أن���ت ه���ذا في حد ذاتك ،وال أن���ت ذاك ،يا من تعلو على
األوهام ،وتكثر على الكثير.
ِّ
والموحد ومن هو المش���بِه
ّ نقش���ا كثير الصور ،يكون
ومنك يا ً
حائر بينهما!"(((.
لم���اذا يعان���ون مث���ل ه���ذه المش���اق ف���ي التزكي���ة م���ن النقائ���ص وبلوغ
يدعون الوح���دة وينكرون حقيق���ة وجودهم ،وميزان
الكم���االت إذا كان���وا ّ
قطعا
ه���ذه الش���خصيات العظيمة في عبوديتها هلل تعالى فيه حساس���ية تنفي ً
نظرية وحدة الوجود الفلسفية:
إن مؤي���د ه���ذه النظري ِة الذي يعتقد بأنه مك َّلف بتكاليف ش���رعية يكون
ّ
مي���ز أولاً بي���ن المأمور واآلم���ر ،فدعوى وحدة الوج���ود مع االعتراف
ق���د ّ
((( موالنا جالل الدين الرومي :المثنوي[ ،ترجمة :إبراهيم الدسوقي شتا].30-29/2 ،
] ------------------------------------------------------------- 24نحو عقيدة صحيحة[
فأمث���ال ه���ؤالء ممن يوازنون بي���ن الدنيا والعقبى كما ج���اء في القرآن
الكري���م ال يمك���ن أن يعتقدوا بمثل ما يعتقده المتصوفة من وحدة الوجود،
والدليل على ذلك ما يأتي:
-3في القرآن الكريم آيات كثيرة تنص على أن كل ش���يء هالك إال
هو س���بحانه ،ثم تبش���ر بالعوالم الجديدة المع ِّق َبة لهذا الهالك؛ فالهالك فناء
عب���ث ال معنى له،
ٌ ش���يء موج���و ٍد ،وال���كالم عن هالك ما ل���م يوجد أصلاً
منزه عن العبث.
والقرآن َّ
أن كل شيء كبيره
وقرروا ّ
-4األنبياء والمرسلون كلهم ع َّلموا أممهم ّ
وخلق بع���د عدم ،وأن عالقته بمن أوج���ده عالقة مخلوق
���د ُ
وج َوصغي���ره ُأ ِ
يكذب األنبياء وما أوحي
بخالقه؛ فما يقوله المتصوفة حول وحدة الوجود ّ
إليهم ،وهذا افتراء قبيح وتجاوز شنيع على من هم أصدق الناس حدي ًثا.
- 8كلُّ م���ا ُأورد دلي�ًل�اً عل���ى وحدة الوج���ود ،يدل ف���ي الحقيقة على
الكثرة في الوجود.
] ------------------------------------------------------------- 26نحو عقيدة صحيحة[
وبع���د كل ما ذكرناه نق���ول :إن بين مفهوم وحدة الوجود عند الصوفية
والذي عند الفالس���فة فرو ًق���ا واضحة كثيرة ،فهي عند الفالس���فة (بانتئيزم)
أن اهلل والعالم ش���يء
تبدو في الظاهر ش���بيهة بما عند الصوفية ،لكنها ترى َّ
واحد ،وهذا يحتمل معنيين:
وتستلزم فكرة وحدة الوجود لدى الصوفية "وحد َة الشهود"؛ أما نظرية
اآلخرين فتستلزم "وحدة الموجود (.")Monism
إن ما عند األولين ذوق روحاني؛ وما عند اآلخرين نظرية ِصرفة.
ّ
ومس���لك األولي���ن قائ���م عل���ى التواض���ع وإن���كار الذات؛ أم���ا مذهب
علوا
"التش���به بواجب الوج���ود" تعالى اهلل ع���ن ذلك ًّ
ُّ اآلخري���ن فقائ���م على
كبيرا.
ً
واهلل أعلم بالصواب.
التنا�سخ ور�أي الإ�سالم به
�س�ؤال :ما معنى تناسخ األرواح؟ وما مو ِق ُ
ف اإلسالم منه؟
واصطالحا :انتقال األرواح من جسد
ً اجلواب :التناسخ لغ ًة من النسخ،
إلى آخر؛ ويطلق عليه الفرنس���يون "ميتامبس���يكوز" أي التقمص ،والقائلون
أش���به بقوالب لألرواح كأنها ثكنة عس���كرية ،تدخلها
ُ به يرون أن األجس���اد
عمرها ،فإذا ما تحللت األجس���اد انتقلت األرواح
األرواح وتعي���ش فيها و َت ُ
زمني مستمر. ٍ
تداول إلى أجساد أخرى ،وتظل كذلك في
ٍّ
وق���د نجد عقيدة التناس���خ لدى أكثر المجتمع���ات البدائية ،لكن تظهر
ش���تى وف ًقا لعقيدته���م وثقافتهم المحلية واخت�ل�اف بيئتهم؛ فثمة
ف���ي صور ّ
اخت�ل�اف ّبيِ���ن ف���ي مفه���وم التناس���خ بي���ن المصريي���ن القدم���اء والهندوس
جذريا لدى الفالس���فة اليونانيين في
ًّ المفتوني���ن بالخلود ،ول���ه معنى مغاير
عباراتهم الثرية المزخرفة.
كثيرا في عصرنا الذي كثرت فيه التجارب الميتافيزيقية
واشتهر التناسخ ً
االهتمام
ُ وعظم
عقائديا أساسه انتقال األرواحُ ،
ًّ مذهبا
ً المتنوعة ،وغدا اليوم
رد فعل للفش���ل ال���ذي منيت به المادة
به���ذه النوعية من المس���ائل ،وغدت َّ
ال سيما في المحافل االجتماعية الراقية ،حتى إ ّنه ما اجتمع نفر في مكان
حديث عن تأثير م���ا وراء الطبيعة ف���ي الطبيعة وقوانينها،
ٌ م���ا إال دار بينه���م
وظهورِ األرواح وتنبيهِ ها وتنويرها أو إغوائها وتضليلها.
وأري���د أن أنتق���ل إل���ى موض���وع الس���ؤال مع إش���ارة إلى منش���أ ظاهرة
التناسخ؛ إذ ال يتسع الجواب للتفصيل في تاريخ التناسخ أو في حوادث
ما وراء الطبيعة وما وراء علم النفس في أيامنا.
] ------------------------------------------------------------- 30نحو عقيدة صحيحة[
ه���ل تأث���رت هذه العقيدة بمفهوم الروح الكلي���ة ،وما عالقتها بالحلول
واالتحاد؟ من الصعوبة بمكان أن ننكر أن هاتين النظريتين المنحرفتين هما
منش��� ُأ التناس���خ ،وذكر "تايلور ( ")Taylorأن لمفهوم التناسخ عالق ًة وطيدة
ببق���اء ال���روح الذاتي ،وحاولوا قرو ًنا طويل ًة تفس���ير ش���به األبن���اء واألحفاد
باألجداد بمسألة التناسخ؛ ونحن نفسره اليوم بقانون الوراثة.
جذري���ا؛ وأت���ى كلٌّ بأدل���ة على دع���واه ،فمثلاً ذك���ر الكابالي���ون ما جاء
ًّ له���ا
رخاما،
ً في التوراة من أن بطلة األس���اطير اليونانية "نيوبي ( ")Niobeغدت
وزوجة لوط تمثالاً من غبار؛ والذين جاؤوا من بعدهم ذكروا مسخ
طائفة من اليهود قردة ،وأخرى خنازير؛ وبلغ األمر بأناس أن أح ّلوا الروح
سر االنسياق الفطري لدى الحيوان والنظام والتناغم
في كل ش���يء فقالواّ :
لدى النبات هو انتقال أرواح الناس إليهما.
روي ٍة في حق اإلنس���ان
والق���ول بمث���ل ه���ذا الحكم الص���ادر عن غي���ر ّ
فقلي���ل
ٌ ال يمك���ن إال بتكل���ف ،دع عن���ك تعميم���ه عل���ى النب���ات والجم���اد،
من التفكير يرشدك إلى أنه مستحيل.
���د ٌر يصرفها،
وال ج���رم أن الجم���ادات والنباتات له���ا برنامج معين و َق َ
تح ّلها فهو أمر
أما إس���ناد ما فيها من نظام وميزان إلى أرواح ذات تجارب ُ
باعث على السخرية ،وال أصل له مطل ًقا ،والحق أن للنبات والشجر حياة ٌ
مهيأ ًة للرقي ومرشحةإنسانية تد َّنت أو ّ
ّ روحا
نباتية خاصة ،لكنها ليست ألبتة ً
لتبل���غ مس���توى اإلنس���ان؛ ورغ���م ه���ذا القدر م���ن األبح���اث واالختبارات
لم تقف البش���ري ُة على رس���الة من أي نبات تثبت وجود روح إنسانية خبيرة
تدي���ره ،وال عل���ى أي ذك���رى للحياة النباتية والحيواني���ة في أي روح تعيش
انتقال
ُ مرحل���ة اإلنس���انية -بزعمهم ،-و ِمن أكبر أد ّلته���م على عقيدتهم هذه
المعلومات والذكريات القديمة؛ بيد أننا لم نسمع حتى اآلن سوى هذيان
بضعة مجانين أو جملة من األخبار المثيرة.
رخام���ا ،و"والهة" زوجة لوط
ً وم���ا ورد ف���ي التوراة عن مس���خ "نيوبي"
دليل فيه على التناس���خ ألبتة ،هب أنا س��� ّلمنا بهذا رغم
تمثال غبار ال َ َ
أن الروح لما ُقبضت اصطلى الجس���د بلفح النار ،فغدا لكن معن���اه َّ
م���ا فيه ّ
حل ب���ه ،أو أ ّنه قد تص َّلب مثل الجمادات
غب���ارا بمقتض���ى نوع البالء الذي َّ
ً
الح َمم البركانية.
ُ تحت
] ------------------------------------------------------------- 32نحو عقيدة صحيحة[
نع���م ،أن���واع األحافير التي عثر عليها ف���ي أنحاء العالم كا ّفة ال ُت َع ّد وال
حص���ى؛ فمثلاً َجعل���ت حمم بركان فيزوف مدين َة بومب���اي اإليطالية كومة
ُت َ
ركام ،ث���م كش���فت الحفريات التي أجريت هن���اك بعد عصور عن مجموعة
كبيرة من التماثيل الرخامية أمثال "نيوبي" ،وعندما ننقب في ركام األنقاض
الي���وم نس���توحي منها العبرة ،ون���درك أن حياة ملؤها الخ���زي والعار كانت
وراء طغيان الناس ،ونرى آثار غضب اهلل عليهم.
األخير
َ ع���د الم���اد َة التجل���ي
وم���ن أخ���ذ به���ذا المفه���وم م���ن الهن���ود َي ّ
َ
الموت
َ وخس���ة؛ ويعتب���ر
ّ ش���را
وحل���ول ال���روح ف���ي الجس���د ًّ
َ لـ"براهم���ان"،
ترفع���ا عن النقائص البش���رية ،ووس���يل ًة لبل���وغ الحقيقة والرق���ي إلى الوجد ً
األهمية عندهم بعنوان "فيدانتا"،
ّ واالستغراق؛ وللهندوسية نصوص عظيمة
تصور أن الروح األعظم "أتمان" واإلله "براهمان" شيء واحد ،وأن الروح
تنتق���ل م���ن قال���ب إل���ى آخر ،ول���ن تنجو من األس���ى واألل���م إال إن عادت
إل���ى أصلها؛ وإنما تبل���غ الروح مرادها -وهو المعرفة المقدس���ة -بالتطهر
م���ن األناني���ة ومفاس���دها والج���ري نح���و المعب���ود المطل���ق جري���ان النه���ر
عمت الس���كينة والس���كون مثلما يحصل
إل���ى البح���ر؛ فإذا تحق���ق الوصال َّ
نوعا من الفناء واالنطفاء والخمول،
في "نيرفانا" البوذية ،إال أن في البوذية ً
فعالة إيجابية.
مقابل ما في البراهمانية من روح َّ
دس "الكاباليون" هذه
ث���م اعتن���ق بعض اليهود عقيدة التناس���خ ،ولم���ا ّ
نفث غال ُة الش���يعة تلك العقيدة
العقيدة في أديرةٍ منها حصن اإلس���كندرية َ
أن الحلول واالتحاد
وإن بقدر ضئي���ل؛ ومما يلفت النظ���ر ّ
بي���ن المس���لمين ْ
قاس���م مش���ترك بين األمم القديم���ة والحديثة المعتقدة في التناس���خ؛ وهذا
خطأ عام وقعت فيه أقوام سلكت هذا الطريق المنحرف فذهبت المذهب
[ مالسإلا يأرو خسانتلا] 35 --------------------------------------------------------
ثال ًثا :لو ُقضي بأن تنتقل األرواح بين األجس���اد ِمن هذا إلى ذاك ومنه
َ
لترتب على ذلك نس���بة العبثَّ المطلقة، بالس���عادة فرد كل إل���ى آخر لينعم
-حاشا هلل -إلى وعد اهلل ووعيده ،بالثواب للصالحين وبالعقاب للظالمين،
وهذا باطل ومحال في حق الذات اإللهية...
] ------------------------------------------------------------- 36نحو عقيدة صحيحة[
م���ن األرواح وإدخاله���ا ف���ي األجس���اد وإخراجه���ا منه���ا فإنه إس���ناد العجز
كل شيء قدير ،فعقيدة التناسخ باطلة عقلاً ...
إلى من هو على ّ
ضروريا وجود أمارات لدى بضعة ماليين من بين بضعة
ًّ ثامن���ا :ألي���س
ً
مليارات نسمة يعيشون على وجه األرض على األقل لتبرهن على التجارب
الحياتية التي خاضتها أجس���اد انتقلت منها األرواح؟ فإن لم توجد أمارات
مرارا ثقاف ًة عامة
ذهاب الروح ومجيئها إلى الدني���ا ً
ُ ِّ
يش���ك َل أقل من أن ف�ل�ا َّ
متراكمة لدى بعض الناس؟ ولو حدث هذا ولو بنسبة 1000/1من سكان
واحدا أو أكثر أينما ذهبنا ،لكن أين هم؟!
ً العالمَ ،ل َل ِقينا منهم
أطفال ذوو
ٌ تاسعا :وكان ال بد أن يظهر في مختلف شرائح المجتمع
ً
مكتس���بات قديم���ة ورثوها م���ن أرواح قديمة انتقلت إليه���م؛ هل ألحد إلى
هذا اليوم أن يذكر واقعة واحدة ثابتة في هذا األمر؟ فإن ش���وهدت أحوال
س���ماويا
ًّ مددا
خارق���ة م���ن بعض الدهاة والملهمين فال يعدو هذا أن يكون ً
أو ق���وة حافظ���ة لألمور م���ن نبي ٍه ِ
فطن ،وليس هذا من المكتس���بات الناجمة
عن تناسخ األرواح في شيء؛ وال دليل حتى اليوم على وقوع حادثة تثبت
مثيرا أو اثنين تناقلته
خبرا ً
جس���دا يعيش بروح ش���خص آخر ،اللهم إال ً
ً أن
بعض الصحف ومثله هذيان بعض المجانين...
عاش���را :ل���م تظهر أي���ة أمارة حت���ى اليوم تثب���ت وجود طبائع إنس���انية
ً
في كائنات حية أخرى؛ ولو سلمنا بوجود روح تحمل خصائص اكتسبتها
بد أن يكون
خس ُة حياتها فال ّ
من أجساد دخلتها من قبل ،فإنها مهما بلغت ّ
له���ا انفعاالت تكاد تتجاوز حدود طبيعتها؛ ورغم تقدم الدراس���ات النباتية
إال أننا لم نجد في النباتات أية أمارة على التناسخ...
وقص���ارى الق���ول أن منش���أ عقي���دة التناس���خ انح���راف عقائ���دي لدى
األم���م الس���ابقة ،وأما اإلنس���ان اليوم فال أصل للتناس���خ عن���ده إال في مكر
] ------------------------------------------------------------- 38نحو عقيدة صحيحة[
أنوه بداية إلى أن األنظمة كلها عاجزة أن تبلغ ما بلغته عالمية اإلسالم؛
فهن���اك أنظم���ة اآلن تتخلله���ا آالف العيوب واألعطاب يس���تحيي اإلنس���ان
ومؤسس���ه
ّ مرارا
نظام���ا ،ب���ل منها ما خضع للتعدي���ل والتنقيح ً
يس���ميها ً
ّ أن
ما زال على قيد الحياة ،فمثلاً نظام ماركس االقتصادي رغم ما أجراه عليه
"أنجل���س" من تعديل وتنقيح فإنه���ا تعديالت خضعت هي األخرى أحيا ًنا
جديدا.
ً للتعديل والتنقيح ،و ُألبست في ّ
كل مرة زِ ًّيا
ثانيا :يا ترى كم نس���بة من يعيش في تلك المناطق إلى س���كان العالم
ً
ٍ
أحوال خاصة عارضة؟ أجل ،كم ميا للنقد من أج���ل
دينا عا َل ًّ
نع���رض ً
حت���ى ّ
نس���بة من يعيش في بالد الظلمة والجليد إلى عدد اإلنس���انية؟ ربما ال يصل
إلى 1.000.000/1؛ فإغفال البشرية قاطبة في أنحاء الكرة األرضية كلها،
ومثارا للش���بهات
ً مناطا لألحكام الش���رعية
واتخ���اذ حال���ة بضعة أش���خاص ً
أمر يخلو ِمن اإلخالص والعلم.
والظنون ٌ
ثال ًث���ا :ي���ا ترى هل هناك مس���لمون يعيش���ون في القطبين حتى تش���غلنا
يوما مس���ألة صالتهم ونس���أل عن كيفيتها؛ فلو حدث ِ
أن استوطن مسلمون ً
معنى
ف���ي القطبين ،وس���أل س���ائل عن العب���ادات والش���عائر صار للس���ؤال ً
ومغ���زى ،وإال فمث���ل ه���ذه األس���ئلة محاول���ة إلثارة الش���به والش���كوك في
ً
حتى يش���رع اللس���ان
قل���وب األبرياء ،وما إن يجري الحديث مع الماديين َّ
أن القلب ال يستهوي ذلك ،فمعذرة!
رغم َّ
في جدالهم َ
ولنع���رض باختص���ار لم���ا جاء به اإلس�ل�ام ف���ي هذه المس���ألة :ال ريب
أن اإلس�ل�ام ال���ذي ل���م ي���دع ش���اردة وال واردة إال أحصاها ل���م يغفل هذه
َّ
المسألة ،وأماط اللثام عنها منذ بداية عصر النبوة في معرض حادثة تتصل
بهذا األمر؛ روى مس���لم في صحيحه وأحمد بن حنبل في مس���نده أن النبي
َّ ُ َ ٌ َ َّ ً َينْ َ َّ ْ َ ْ َ َ َ َ َ ً اَ َ
اق ،فعاث ي ِمينا َوعث ارج خلة ب الش��أ ِم وال ِعر ِ ذك���ر الدجال وقال" :إِنه خ ِ
َ ُُْ َ َ َ اً َ
ال: هلل َو َما َل ْب ُث ُه ِف���ي الأْ َ ْر ِ
ض؟ َق َ ���ول ا ِ
ِش��مال ،ي��ا عِباد اهللِ فاثبت��وا" ُق ْل َناَ :يا َر ُس َ
َ َ َّ ُ َ َّ َ َُ َ َ ً َ ٌ َ َ َ َ ٌ َ َ ْ َ ٌ َ ُ َُ َ
"أ ْربعون ي ْوما ،ي ْوم كس��ن ٍة َوي ْوم كش��ه ٍر َوي ْوم كجمع ٍة َوس��ائ ُِر أيامِ�� ِه كأيامِك ْم"
هلل َف َذ ِل َك ا ْل َي ْو ُم ا َّل ِذي َك َس َ���ن ٍةَ ،أ َت ْك ِف َينا ِفي ِه َص�َل�اَ ُة َي ْو ٍم؟ َق َ
ال: ���ول ا ِ
ُق ْل َن���اَ :ي���ا َر ُس َ
هَ َ ْ اَ ْ
"ل ،اق ُد ُروا لُ قد َرهُ"( .((1نستنتج من ذلك أن األشهر واألسابيع التي كلها ليل
أو نهار تقسم إلى أيام من أربع وعشرين ساعة ،وتقدر العبادة فيها بقدرها.
( ((1صحيح مسلم ،الفتن110 ،؛ المسند ألحمد بن حنبل.173/29 ،
[يبطقلا يف ةالصلا] 41 --------------------------------------------------------------
ولم���ا جاء الفقهاء بينوا هذه المس���ألة في باب مواقيت الصالة ،فغدت
معلوم���ة للجمي���ع بم���ا ال يدع مج���الاً ألي لب���س فيها؛ وس���نتتطرق إلى ما
يخص موضوعنا من باب المواقيت: ّ
إن
فإن ُعدم الوقت فال صالة ،فمثلاً ْ
األوقات هي أس���باب للصلواتْ ،
عدمنا وقت صالة العشاء في مكان ما لم تجب ،وهذا يسري في المناطق
الي���وم فيها ِمن ٍ
وقت من أوقات الصلوات؛ أما حينما يس���تغرق ُ الت���ي يخلو
كبيرا من السنة كما في حديث الدجال فعلينا أن نقسم
جزءا ً
الليل أو النهار ً
هذا اليوم الطويل أو تلك الليلة الطويلة بقدر أيامنا وليالينا المعتادة ،ونقدر
أوقات العبادة فيها بقدرها ونؤدي صالتنا ،أي نستخدم توقيت أقرب مكان
للمنطق���ة ،ونقس���م الليل والنهار إلى أجزاء معلوم���ة ،ونؤدي عبادات الليل
نهارا كما نحدد بش���كل طبيعي
فيما نعتبره ليلاً وعبادات النهار فيما نعتبره ً
فط���ري أوقا ًتا معينة للطعام والش���راب والنوم .أجل ،فكما نخضع لقوانين
ش���هورا،
ً الفطرة في المناطق التي ال تش���رق عليها الش���مس أو تغرب عنها
فعلينا كذلك أن نحافظ هكذا على أداء عباداتنا من صالة وصيام بما يناغم
الحياة التي نعيشها.
قطعا كما لم يغفل سائر المسائل،
إ ًذا لم يغفل اإلس�ل�ام هذه المس���ألة ً
فأوج���ب الع���ودة لتوقيت أقرب مكان للقطبين تتبي���ن فيه أوقات الصلوات
الخمس.
أخي���را أق���ول :وإن كانت األوقات من أس���باب وج���وب الصالة إال أن
ً
السبب الحقيقي للصالة هو أمر اهلل؛ فاألحوط في األماكن التي ينعدم فيها
قضاء هذه الصالة في وقت آخر.
ُ وقت صالة
واهلل أعلم بالصواب.
زواج �أبناء �آدم عليه ال�سالم
ح�ل�ال ألوالد آدم زواج األخ بأخت���ه وقد كان ���رم ِ
اً ُ �س���ؤال :ل���م ُح ِّ
وحواء ؟
بعض البؤر تثير مثل هذه األسئلة
اجلواب :نشاهد اليوم -مع األسفَ -
و ُت ِش���يعها بين الش���باب بش���كل منظم؛ وهؤالء يتعذر تصديق دعوى حسن
النية لديهم؛ وش���يء من النظر يكش���ف ما يس���تهدفونه بإثارة هذه األس���ئلة؛
أهم أهدافهم بل ربما أولها إيهام التناقض في مبادئ الدين.
فلعل من ّ
وف���ي خباي���ا ه���ذه األس���ئلة دعاي���ات وش���عارات هدامة لبع���ض أنظمة
مادة ،الدين أفيون الشعوب،
النفاق ،منها مثلاً -حاشا هلل" :-ال إله والحياة ّ
تابوه���ات وأدوات اس���تغالل بي���د اإلمبريالي���ة؛ حدود
ٌ الديني���ة
ّ المقدس���ات
الحالل والحرام بين أفراد العائلة نقيض ما أثبتته الحقائق العالمية ...إلخ".
ولما انكشف المستور وراء هذه الدعايات والشعارات الخبيثة برزت جملة
م���ن القضاي���ا المفزعة ،منها " :لقد وصل الدي���ن إلى يومنا هذا وهو يحمل
تناقض���ات كثي���رة ،وها هو اليوم يفقد مرجعيت���ه بعد انتصار العقل والمنطق
عليه؛ فال يترددن أحد في فعل ما يهوى ويشتهي ولو أن ينكح محارمه".
تلك هي الخطط ِ
القذرة واألهداف الخبيثة الخفية في خبايا أسئلة تبدو
للسذج من وراء ستار الوضعية والعقالنية!
ّ وتضليل
ٍ بريئة ،ويا له من ِخ ٍ
داع
ِ
ومقاصده أجل ،هناك في المجتمع من يستهدف تقويض أركان الدين
ف���ي حف���ظ الدي���ن والنس���ل ،فيثي���ر أس���ئلة كه���ذه؛ ونظ���رة فاحص���ة لتربتها
الت���ي نبت���ت فيه���ا تبين أنها من جن���س فكرهم المع���وج؛ والقاعدة أن الحق
] ------------------------------------------------------------- 44نحو عقيدة صحيحة[
ثم النس���خ داللة عل���ى وجوب رعاية المصال���ح ،أي إن األحكام قد تتغير
بتغير األزمان واألوضاع.
-5هذه المعاملة التي ُأبيحت مؤقتة تتميز بحال مخاطبيها ،إذ إن عائلة
آدم ليست كغيرها ألبتةِ ،ل َم ال وأنوار الوحي اإللهي لم تنقطع عنها،
دائما. ِ
فظل ضميرها يق ًظا ً
وال���دي ه���ذه العائلة يتمي���زان بطراوة ونضارة اإلنس���ان األول على
َ إن
وج���ه األرض ،وكان قلبهم���ا ِ
وجلاً على ال���دوام لعلمهما أن الزلة الصغيرة ُ
منكسرا لخروجهما من الجنة بسبب
ً هما قلب
ُ وكان ا، شديد
ً قد يكون عقابها
بيت يحظ���ى بأبوين مثل هذي���ن يالزمه الورع
الزل���ة الت���ي وقع���ت منهماٌ ...
والحيطة حتى في األمور المباحة ،وفي مثل هذه العائلة يعيش المرشحون
لل���زواج دون أن ينظ���ر بعضهم إلى بع���ض نظر ًة خبيثة ،ب���ل ينتظرون األمر
بال���زواج انتظ���ار الصائ���م للفط���ر؛ فق���د كان الوح���ي ينزل على ه���ذا البيت
زيغ في القلوب ،فلو زالت الحدود كلها كالصاعقة لتقويم ما قد يقع ِمن ٍ
يتعداها.
ضميره أن َّ
ُ يتعدى أسوار ِح ًمى يأبى
فال أحد ّ
أم���ا البي���وت اليوم فال أثر فيها لش���يء من هذه المعان���ي ،أي يتعذر أن
تظ���ن بها الوقوف عن���د هذه الحدود ،أو رعاية هذه األمور ،ويحتمل وقوع
ما ال يليق في األعمار الصغيرة؛ وهذا ما يجلب العار ألفراد األسرة طول
العمر؛ ويختل أمن هذه البيوت وتفقد الطمأنينة حتى إنها َلتس���تحيل ُس���كًّ ا
وجحورا للثعابين.
ً للعقارب
بيت���ا فيه من يميل بش���هوة
وه���ل يمك���ن أن ُي َظ ّل���ل األم���ن واالطمئن���ان ً
كل امرئ بمن
بيتا كهذا يغدو حلبة س���باق ليفوز ّ
إن ًإل���ى إحدى محارم���ه؟ َّ
يشتهي ،بل إنه ليسابق أش ّق َاءه في ذلك! وربما بلغ األمر أن ُتر َتكب جرائم
كما وقع البني آدم ثم فوضى واضطراب مستمر.
] ------------------------------------------------------------- 46نحو عقيدة صحيحة[
ب���ل مئ���ات اآلالف من العوالم ،ولكنه لم يفع���ل ألن حكمته قضت بذلك؛
ثم إنه تعالى ال ش���يء يدعوه ليخلق حس���ب موازينن���ا القاصرة المحدودة،
ب���ل إنن���ا م���ا اس���تطعنا أن ندرك مي���زان الحس���ن والقبح في الك���ون إال بعد
نفسر األشياء والحوادث
إمراره من منش���ور أوامره ونواهيه؛ وال يمكننا أن ّ
صحيحا إال بعد اتخاذ أوامره ونواهيه ميزا ًنا ،ولن نصيب فيما نضع
ً تفسيرا
ً
نعد كل أمر من أوامره قانو ًنا.
من مبادئ إال بعد أن ّ
أن
أيقنا َّ
اإلنس���انيةَّ ،
َّ للس�ل�ال ِة
ولما جعل اهلل تعالى آدم وحواء أصلاً ُّ
ه���ذا هو األحس���ن واألحك���م ،وكلُّ ما بين بني آدم م���ن أواصر يرتبط بهذا
األصل.
وإذا ذهبن���ا مذه���ب علم���اء الكالم فلن���ا أن نقول :كما يس���مع اهلل قول
يعبرون عن مراميهم بألس���نة ش���تى ولهجات متعددة؛ كذلك
الناس ،الذين ّ
ويعرفهم
ّ ويبين لهم الحقائق
ُي ِنزل عليهم أوامره بألس���نة ولهجات متباين���ةّ ،
بماهية اإلنسان والكون ،ويأخذ عليهم العهد والميثاق بما يدخل من القول
والبي���ان ف���ي جملة "ال���كالم اللفظي"؛ وهلل كالم آخر س���وى ذلك ،وهو
مظه���را وتج ّل ًيا آخر لكالمه النفس���ي ،يب���دأ بما ُيلهم���ه اهلل للحيوانات
ً يع���د
ّ
وينتهي بخطابه للمالئكة.
ودائ���رة متع َّلق���ات ه���ذا النوع من الكالم واس���عة ،مبدؤها م���ا ِيرد على
سماع
ُ قلوب البشر من إلهامات ،ومنتهاها عالم المالئكة؛ وال يمكن لدائر ٍة
تبيان أو رسال ٍة تتعلق بدائرة أخرى؛ فكل دائرة تختلف
كالم أو ٍ
ٍ أي
وإدراكُ ِّ
في ماهية "االستقبال واإلرسال" عن غيرها.
إن اهلل يأخ���ذ ف���ي عالم الذر وفي بطون األمه���ات وفي مرحلة الطفولة
ميثاق���ه عل���ى ال���ذرات والجزيئ���ات والخالي���ا ،لكن���ا ال نق���در أن نتبين هذا
واضحا بطاقاتنا المحدودة ألبتة ،ال سيما إن كان هذا الميثاق بين اهلل وبين
ً
روح اإلنسان أو الوجدان الذي هو آلية في الروح.
إن روح اإلنس���ان كائ���ن مس���تقل ،ووضوح هذه المس���ألة مم���ا ال مراء
لم النف���س الغيبي ( )Parapsychologyال���ذي يحيط بفروعه ِ
في���ه الي���وم ،فع ُ
���ت أنظار الن���اس إل���ى ال���روح بموجوديتها
المتنوع���ة دني���ا العل���م ك َّله���ا ل َف َ
وأمانيه���ا وآمالها ،فما من محف���ل علمي أو كواليس
ّ ووظائفه���ا وأحالمه���ا
كنا قد بحثنا مس���ألة الروح
فكري���ة إال وه���ذه المس���ألة مثار حديثه���م ،ولما ّ
في موضع آخر مستقلاًّ ،فسنعرض اآلن لما يتعلق بموضوعنا:
مادي
ّ وإن مسألة كهذه في وزنها تحظى باهتمام كبير حتى في مجتمع ّ
اعت ِرف بأن
مغزى عمي���ق ،فمعناه أن���ه ُ
أم���ر ذو ً
كاالتح���اد الس���وفيتي ،وهذا ٌ
ويحفظ في ش���رائط
س���جل هذا الكالم ُ
وسي َّخاصة في الكالم؛ ُ
لل���روح لغ ًة ّ
خطاب خاص ولغة
ٍ غير التي نعرفها ،فإذا ما آن األوان ظهر ذلك بأسلوب
خاصة به ،وتجلى بتداعيات خاصة به.
وُلاق"] 53 ----------------------------------------------------------------------
[" َىلَب ا َ
ولو أن العقول برئت من أحكامها الراسبة َلسمع اإلنسان وجدا َنه يقول
للميث���اق األول "بل���ى" .نع���م ،إن المقصد الرئيس من البح���ث والتفكر في
اآلفاق واألنفس هو :إنقاذ الذهن من هواجسه ،وتحرير الفكر ،واالجتهاد
ف���ي ق���راءة كتاب���ات الوجدان الدقيقة بعدس���ة الفك���ر الحر؛ نع���م فهناك من
عودوا أنفسهم على النظر في أعماق القلب بهذا الشكل ،وليس ثمة كتاب
ّ
يمكنهم أن ُي ْل ُفوا فيه ما اكتس���بوه بمش���اهداتهم القلبية ولطائفهم المعنوية،
بل إن إش���ارات الكتب اإللهية وإيماءاتها ال تنكش���ف بألوانها الخاصة إال
بهذه العدس���ة؛ أما من عجزوا عن أن يروا هذا األفق أو أن يجتازوا حدود
نفوسهم فال قبل لهم بفهم أي شيء منها ألبتة.
] ------------------------------------------------------------- 54نحو عقيدة صحيحة[
الريبية والحسبانية.
ّ -1الشبهة اإلرادية ،وأطلق عليها القدماء
القس���م الثاني من الشبهة ُق ِتل بح ًثا ،وأرى أن إزالتها ممكنة ،أما األول
فمرض وجنون وانحراف في طبع اإلنس���ان؛ يقول "س���بينوزا" لمثل هؤالء
الريبيي���ن" :واجب الريبي الحقيقي ه���و الصمت والعزلة"؛ فيا ليتهم أنصتوا
لهذه النصيحة ،ليقتصر أذاهم على أنفسهم وال يؤذوا اآلخرين.
البشر
ِ وربما صار الخداع من مقتضى حياة
حق َيسري
جميعا ّ
ً ومن يدري فلعله
ألم بمشاعري ٍ
وال علم لي بزيف ّ
معدوما بال ِذ ْك ِر
ً موجودا والموجود
ً ليتني أرى المعدوم
ضير
علي في ذاك من ِ الشبهة ُجرمي ،وما
ّ
الغابر
ِ من يدري فلعل التراب أصلنا في
مضطرما كالجمر
ً وإذا به يغدو حم ًأ
األمر
ِ فأي صدفة غادر ٍة قامت بهذا
جرما بهذا القدر
وأنى لخالق أن يرتكب ً
ِّ
بالمدمر" فالخالق بالمحيي المميت ُيعرف ال
(((1
ي���ا َلـ" ِفك���رت" المس���كين! لو ع���رف أن كفره م���ع ما فيه م���ن التطرف
ل���م يبلغ مبلغ الريبيين اليوم فلربما أحزنه ذلك وأغضبه! .ورغم هذا كأنه
الريبيِين اليوم ،وعاش في أبدانهم بأفكاره
ّ أجساد
َ وحل
َّ "تناس���خ"،
ُ وقع له
المتشائمة المتطايرة المرتابة!
وباعث
ٌ س���لوك؛ فانحراف اإلنس���ان في قناعاته وتصوراته وسلوكياته كارث ٌة
على الفشل.
-3ال ب���د م���ن تهيئ���ة المج���ال للقاء ه���ؤالء المرتابين باس���تمرار بأهل
المعرفة ممن اس���تنارت عقولهم وأفكارهم ويتمتعون بحياة قلبية وروحية،
ليستفيدوا من أحاديثهم المنعشة.
من تاريخنا ،وشعروا بروحه القوية من خالل ما ذكرناه آن ًفا أنهم استبرؤوا
من األفكار الملوثة التي كانت تجثم على أرواحهم ،وبدأت قلوبهم تتجدد
وتنتعش.
مرضا ،وأصبح لديها قابلي ٌة لالنتش���ار ،فال بد
-6وإذا غ���دت الش���بهة ً
من عزل هذا المريض وعرضه على الطبيب ،للحيلولة دون انتشار هذيانه
داخل المجتمع.
�آجال من ميوتون يف كارثة واحدة
معا؟
كونية واحدة ً
آجال من يموتون في كارثة َّ
ُ �س�ؤالَ :أ َت ْأ ِتي
اجلواب :األجل :الوقت الذي كتب اهلل في األزل انتهاء الحياة ومسيرتها
في���ه وف ًق���ا لظروف كل مخلوق وأحوا ِله ،فما من مخلوق في هذه الدنيا إال
وقد ُك ِتب أجله ويوم منيته من قبل أن ُيو َلد.
وما من موجو ٍد يظهر إلى الوجود إنس���ا ًنا كان أم حيوا ًنا أم نبا ًتا أم غير
تصرفه وتهيمن عليه ،ثم يختفي هذا الموجود من مس���رح ٍ
ذل���ك إال بق���درة ّ
الوج���ود ويترك���ه لم���ن بع���ده إذا ما َّأدى رس���الته في عرض صف���ات خالقه
وإشهارها للداللة عليه.
أي ش���ي ٍء
ووجود ِّ
ُ والحي���اة والموت في الدنيا ابتالء وعرض وظهور؛
دليل جلي وترجمان فصيح على وجود خالقٍ ال تدركه أن كان َع َد ًم���ا ٌ
بع���د ْ
ّ
أن ذلك
���ن على ّ
أيضا ّبي ٌ
دليل ً
وفن���اء ذلك الش���يء بانقض���اء أجله ٌ
ُ األبص���ار؛
الخالق األزلي ٍ
باق ال يفنى.
دليل على وجود َمن أوجدنا ،كما
أن كنا َع َد ًما ٌ
أجل ،إننا بوجودنا بعد ْ
بصير عليم،
ٍ وحواسنا وعلمنا َلدليل على وجو ِد سميع
ّ أننا بسمعنا وبصرنا
واحدا تلو
ً والخلق كلهم يأتي
ُ باق ال يموت وال يفنى،وعندما نموت على ٍ
َ ََ َْ َ ذَّ
واحدا تلو آخر وال يعود َمن رح���ل .وهو ﴿الِي خلق الم ْوت ً آخ���ر ويرح���ل
َ َ حْ َ َ َ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُّ ُ ْ َ ْ َ ُ َ
والياة يِلبلوكم أيكم أحس��ن عمل﴾ (س���ورة الْم ْل ِك .)2/67 :وما ينبغي لإلنسان
َُ ُ ُ
والتهيؤ
ُّ فقه معنى الوج���ود ،والفوز في االمتحان في الدنيا،
يهت���م به هو ُ
ّ أن
للرحيل.
آجال من يموتون في كارثة
ُ السؤال "أتأتي
َ وبعد هذا المدخل فلنتناول
معا؟"
كونية واحدة ً
َّ
ومال���ك الملك بيده
ُ ولم ال
جميعا مرة واح���دةَ ،
ً أج���ل ،تأت���ي آجاله���م
الذرات إلى المجرات
كل شيء من ّ
وخلق ّ
َ مقاليد كل شيء؟ فهو كما أنشأ
كل ش���يء في لمح البصر ،وال يحول بل يس���تحيل ف���ي طرف���ة عين ،يميت ّ
واختالف صفا ِتها وكيفيا ِتها.
ُ اختالف مكان هذه األشيا ِء
ُ أن يحول دون هذا
وال ش���يء ألبت��� َة يش���به إرادة المهيم���ن العزيز الجب���ار المطلقة وإحاطة
تقرب معناهما وكأنها مرآة عاكسة فما
قدرته بكل ش���يء ،أما األش���ياء التي ِّ
[ةدحاو ةثراك يف نوتومي نم لاجآ] 65 ------------------------------------------------
أي ارتباط بينهما ،وأن سرعة هذه الموجات تساوي سرعة الضوء؛ ف ُأطلق
اسم "هرتز" على هذه الموجات ،وهذا أصل اكتشاف المذياع والالسلكي
والهاتف الذي بأيدينا.
كثيرا من المجالت
علما بأن ً
غير مش���هود يقابل عالمنا المش���هود هذا؟ هذا ً
العلمية َنشرت وتنشر اآلن مقاالت كثيرة حول العودة إلى "األثير".
وجوده حتى اآلن بالمش���اهدة أو بالتجربة،
ُ إ ًذا رغم أن األثير لم ُي َثبت
لكن من الخطأ االس���تعجال بنفي وج���وده؛ ألننا ال نملك معلومات قاطعة
على النفي.
وإن كانت الدراسات الحديثة في الفيزياء ترمز إلى وجود األثير لكننا
على قناعة بأن مثل هذا النزاع سيظل سنين إلى أن ُيتفق على المصطلحات
الفنية.
َ حَ ْ َ ُ َ َ اَ َ
أذكرك���م بق���ول الصادق المص���دوق " :كن يِف عم��ا ٍء ما تته وأخي���را ّ
َ ً
َ
الم��اءِ"( ،((1ولندع الفيزيائيين ليدلوا فيه
لَىَ ُ َ َ َ َ اء َو َما َف ْو َق ُه َه َو ٌ
اءَ ،وخلق ع ْرش��ه ع َه َو ٌ
ُ
بدلوهم في المستقبل.
أرس���ل اهلل تعالى األنبي���اء إلى أنحاء األرض كا ّفة ف���ي مختلف العهود
واألزمان؛ فدعوى أن األنبياء ظهروا في شبه الجزيرة العربية فقط تدحضها
يقينا عدد األنبياء في ش���به الجزيرة
نصوص القرآن الكريم؛ نعم ،ال نعرف ً
العربية وال في أي قطر آخر؛ وس���واء أكان عدد األنبياء 124أل ًفا أم 224
أل ًف���ا فال نعرف س���وى ،28فضلاً عن أن ثالثة منه���م ال ندري أكانوا أنبياء
أم ال.
نبيا فقط
ذكر ًّ 28
أج���ل ،فغاي���ة ما يمكننا القول هو :إن الق���رآن الكريم َ
ع���رف أين ظهروا؛ فمثلاً
نبينا محمد ،وغالبهم لم ُي َ
من���ذ آدم حت���ى ّ
يق���ال :قب���ر آدم ف���ي مدينة "ج���دة" ،ولكن ما مدى صحة ه���ذا القول؟
بأمنا حواء في ج���دة لم تبلغ درجة الصحة؛
فالرواي���ات ع���ن لقاء آدم ّ
فال نعرف أين بدأ آدم حياته وب ّلغ رسالته.
ق���د نع���رف أكثر ع���ن س���يدنا إبراهي���م ؛ إذ ج���اب باب���ل وما حول
لوطا ب ّلغ رس���الته بين
أن النبي ً
األناضول ثم ذهب إلى الش���أم؛ ونظن ّ
ش���ع ًيبا ُ ب ِعث في
الميت" ،وأن َ
ع���اد وثم���ود حول بحي���رة لوط "البح���ر ّ
"مد َين" وموس���ى في مصر ،ويحيى وزكريا في منطقة
مدينة ْ
المتوس���ط ،ث���م األناضول على احتمال؛ فآثار عيس���ى
ّ البح���ر األبيض
جميعا ليس���ت بروايات
ً وأم���ه مري���م في " َأ َفس" تش���ير إلى هذا؛ ولكنها
قطعية الثبوت.
وال نع���رف ش���يئا ع���ن األمكن���ة الت���ي نش���أ فيه���ا األنبي���اء ع���دا الثمانية
والعشرين ،فال معلومات ُيو َثق بها في هذا ،ال سيما أن آثار تلك الشرائع
القطع
ُ ومحي���ت معها آثار النبوة ،فمن العس���ير -والحال كذلك-
اندث���رت ُ
نبيا قد أرسل أو لم يرسل.
بأن ًّ
ّ
[ايبنألا ددع] 77 ---------------------------------------------------------------------
فناقض ْت
َ إذا تناولن���ا النصرانية مث�ًل�اً نرى أنها انحرفت بم���رور الزمن،
مفهومه���ا األول؛ إذ ُأهمل���ت عقيدة التوحيد وح ّلت محلها عقيد ُة "األقانيم
فحرفوا
فمني���ت النصراني���ة بأكب���ر خيانة على ي���د بعض أتباعه���اّ ،
الثالث���ة"؛ ُ
س���ماويا،
ًّ الكتاب
ُ الكت���اب ال���ذي جاء به المس���يح م���ن عند اهلل ،وكان
مصدرا للتثلي���ث ،فمنهم من ادعى
ً ���ريا ،وج���اء بالتوحيد فا ُّتخذ
بش ًّ فأصبح َ
جزء من حقيقة
وأن َّأمه الصديقة مريم ٌ
أن المسيح هو ابن اهلل -حاشا هللَّ -
وحل
ّ تجس���د اهلل
وض���ل آخ���رون أفظع أن���واع الضالل بقولهمّ :
ّ األلوهي���ة؛
في األجسام.
وعن الس���نن الربانية؛ فمن عبادة للبقر وإحراق النفس إلى صيام يصل س���تة
دينا.
أشهر مع االنزواء في المغارات؛ فال يمكننا قبولهما بوصفهما ً
حق ،ث���م أصابهما ما أصاب
منب���ع ّ
ٍ ولك���ن ربم���ا انبعثا في الس���ابق من
بش���ريا
ًّ نظاما
فصارا ً
َ األدي���ان األخرى المحرفة من تحريف وتبديل وتغيير،
َّ
بصبغة دينية.
لحل
ل���و ل���م يحافظ المس���لمون على مناب���ع دينهم بكل دق���ة واهتمام َّ
حل بغيره؛ وال نس���تطيع أن ننف���ي وجود محاوالت
بالدي���ن اإلس�ل�امي ما ّ
م���ن ه���ذا القبيل في الماض���ي والحاضر ،فهناك مس���لمون غافل���ون وهناك
ذوو أغ���راض يحاول���ون القي���ام بالش���يء نفس���ه بتأويالت مصطنع���ة؛ فمثلاً
من المس���لمين من يعتقد أنه يطبق اإلس�ل�ام كما يجب رغم معاقرته الخمر
واس���تمرائه الزن���ا ،فه���ذا مثال على اله���دم الفعلي للدي���ن ،وقس على ذلك
السرقة والقمار والربا.
هدىإل���ي بأمور فيها ً "تت���راءى لعيني أش���ياء -قد تكون خيالاً -توحي
ّ
علمت بأنني مك ّلف بهداية اإلنس���انية وتعريفها باهلل"؛
ُ للناس ،ومنذ صباي
نبيا للمجتمع األوروبي األقرب إلى الفكر
عده ًّ
حق ألمكن ُّ
أن كالمه ّ
فل���و ّ
[ايبنألا ددع] 79 ---------------------------------------------------------------------
ف���ي قبيل���ة "الماو م���او" مث�ًل�اً نقرأ أنه���م يؤمنون بإله يس���مونه
"موجاي���ى" ويصفون���ه بأن���ه واحد أحد ل���م يلد ولم يول���د وليس له
كف���و وال ش���بيه ...وأنه ال يرى وال يعرف إال من آث���اره وأفعاله...
وه���اب رحيم يش���في المريض وينج���د المأزوم وأن���ه خال���ق رازق ّ
وينزل المطر ويس���مع الدعاء ويصفونه ب���أن البرق خنجره والرعد
وقع خطاه.
ألي���س ه���ذا "موجايى" هو إلهنا بعين���ه ...ومن أين جاءهم هذا
العلم إال أن يكون في تاريخهم رس���ول ومبلغ جاء به ...ثم تقادم
عليه العهد كالمعتاد فدخلت الخرافات والشعوذات فشوهت هذا
النقاء الديني.
وف���ي قبيل���ة "نيام ني���ام" نقرأ أنه���م يؤمنون بإله واحد يس���مونه
"مبول���ي" ويقول���ون أن كل ش���يء في الغابة يتحرك ب���إرادة "مبولي"
وأنه يس���لط الصواعق على األش���رار من البش���ر ...ويكافئ األخيار
بالرزق والبركة واألمان.
وف���ي قبيل���ة "الش���يلوك" يؤمن���ون بإل���ه واحد يس���مونه "جوك"
ويصفون���ه بأنه خفي وظاهر ..وأنه في الس���ماء وفي كل مكان وأنه
خالق كل شيء.
وف���ي قبيلة "الدنكا" يؤمنون بإله واحد يس���مونه "نياالك" وهي
كلمة ترجمتها الحرفية ...الذي في السماء ...أو األعلى.
م���اذا نس���مي ه���ذه العقائ���د إال أنه���ا اإلس�ل�ام ،وم���اذا تك���ون
إال رس���االت كان له���ا ف���ي تاريخ ه���ؤالء األقوام رس���ل ،إن الدين
لواحد"(.((1
فل���و ل���م يأتهم نبي يبلغه���م هذه العقائد الس���تحال عليهم أن يعرفوها
ّ
بأنفس���هم؛ فاألنبي���اء هم من قاموا بالتبليغ والنش���ر لهذه العقي���دة المتوارثة
بينهم حتى عصرنا هذا.
( ((1مصطفى محمود ،حوار مع صديقي الملحد ،ص.17-16 .
[ايبنألا ددع] 81 ---------------------------------------------------------------------
وتحوي���ل الم���رأة إل���ى رجل ،أي صنع امرأة مس���ترجلة ل���م يعد يقابل
اليوم إال بالس���خرية أو باالمتعاض أحيا ًنا ،ولما أخرجوا المرأة عن أنوثتها
وجعلوه���ا مس���ترجلة ،وأخ���ذت تبحث عن مجاالت أخ���رى تعبر فيها عن
جو العائلة،
���ر َم األبناء َّ
وح ِ ش���خصيتها ،فق���دت العائلة تناغمها وطمأنينتهاُ ،
فوضع���وا ف���ي المحاض���ن ودور الرعاي���ة ،واآلب���اء واألمهات ف���ي جو آخر
ُ
يلهثون وراء متعهم.
للم���رأة حاالت ال توجد عند الرجل ،فلو كانت نبية لعجزت مثلاً عن
أداء واجب النبوة وعن الصوم والصالة واإلمامة نحو عشرة أيام في الشهر
فاس كذل���ك ،وفي فترة الحمل يغدو أداء وظائف النبوة ِ
أي���ام الحيض ،وال ّن ُ
أصعب؛ فيس���تحيل عندئذ أن تحارب وتضع الخطط العس���كرية واإلدارية
وف���ي حضنه���ا أو بطنه���ا طف���ل ،والنبي يج���ب أن يكون ف���ي الصف األول
في المعارك.
ه���ذه األم���ور يس���تحيل معها ظه���ور نبية من النس���اء؛ أج���ل ،فكل هذه
األم���ور مع الموانع الجس���دية والوظيفية لدى الم���رأة تجعلها قاصرة عن
أداء وظيفة النبوة؛ وأشار سيد السادات إلى هذا األمر ،فوصفهن بأنهن
َ ُ َْ
َ َ
ِين"(.((1
"ناق ِصات عق ٍل ود ٍ
أج���ل ،فالم���رأة مع���ذورة نح���و نص���ف ش���هر ،وعندم���ا تل���د ال تصلي
وال تصوم وتترك عبادات أخرى يحرم عليها أداؤها في تلك الفترة ،ناهيك
بالطبع عن القيام بوظائف النبوة.
والنبي ُيقتدى به ومرشد كامل ُيسترشد به وإمام وقائد ،وأما األحكام
هن مص���در التبليغ واإلرش���اد
الت���ي تتعل���ق بأمور النس���اء فنس���اء األنبي���اء ّ
والتعليم فيها.
جدا ،فيمكن
وإليكم مثالاً على هذا ليتيسر فهمه :اإلنسان كائن مكرم ًّ
أن يرتق���ي إل���ى مرتب���ة المالئكة إن اس���تغل المقومات الت���ي ُوهبت له ،فلو
وصيام
ٍ قمة في الش���فقة والمواظبة على أداء العبادات من صالة أن إنس���ا ًنا ّ
ّ
وح���ج ،ول���ه عالق���ة طيب���ة بالناس ،فج���اء يوم ُهتك في���ه عرض هذا
ٍّ وزكاة
فتجشم جهازه
ّ اإلنس���ان الكامل وانتهكت كرامته وأوذيت مشاعره و ُأهين،
أعباء كالجبال الرواس���ي ،حتى ضاق صدره في فترة
ً يوما بعد يوم
العصبي ً
عنى بالرفق أو العفو أو التسامح ،فتطايرت منه
فورا ،ثم ما عاد ُي َ
ما فانفجر ً
وغضبا كأنه شرر تطيره
ً حقدا
شهب الحقد والكره ،فلن ترى منه وقتئذ إال ً
شيئا.
نار جهنم ،ولن تجدي معه النصيحة ً
[رفكلا ىلع ناطيشلا رارصإ] 85 -------------------------------------------------------
وكل فرد رأى وعاش أمثال هذه الحاالت في حياته؛ وهكذا الشيطان،
فه���و كائ���ن تضطرم نيران الحقد والكره والغيظ بين جوانبه ولدى عش���يرته
ه���م ل���ه ط���ول حيات���ه إال التفكير في الش���ر،
وس�ل�الته ف���ي كل حي���ن؛ ف�ل�ا ّ
ول���ن يفك���ر وه���و في ه���ذا الضيق والتوتر الس���لبي إال في الكي���د لبني آدم،
ول���ن يجد فرص���ة للتفكير في الخي���ر ألبتة ،ألن جوانبه تفيض بالش���ر؛ فهو
يفعل هذا وإن كان يعرف اهلل من ناحية ما ،كما أن المؤمن الغاضب ينسى
اللي���ن والوداع���ة أثناء غضبه م���ع أنه يؤمن باهلل؛ وهكذا الش���يطان ال يتذكر
اهلل بل يكفر به رغم أنه يعرفه؛ ألن بين جوانبه ما يحول بينه وبين ذلك.
وهناك كثير من الناس وقعوا فريسة مثل هذه األشياء الخبيثة كما وقع
الشيطان فريسة لمثل هذا الدور الفاسد؛ سقطوا فريسة لمثل هذه المشاعر
واأله���واء الخبيث���ة ،فعب���دوا أصن���ام النف���س واألنانية ،وال يمك���ن أن يقال:
أح���دا معص���وم من هذا األمر؛ فضماننا الوحي���د نحن المؤمنين هو ثقتنا
ً إن
ّ
باهلل وحسن ظننا به؛ هو حسبنا ونعم الوكيل.
شيئا من الطرق الشيطانية.
اللهم إنا نعوذ بك أن نسلك ً
دابة الأر�ض
و"دابة األرض" التي
ّ �س�ؤال :هل هناك عالقة بين "اإليدز (")AIDS
تعد من عالمات يوم القيامة؟
ّ
ألن مضمو َنه مسألة يومية مستحدثة،
اجلواب :ما زال هذا السؤال ُي ْط َرح ّ
وتقديرا لرغبة السائل سأحاول
ً وفي كل مرة أحاول أن أذكر بعض األمور،
عرض الموضوع مر ًة أخرى:
يدب ويمش���ي على األرض؛ وق���د ُذ ِك َر لفظ
حي ّ معن���ى "داب���ة" :كائ���ن
ّ
"دابة" و"دابة األرض" في الكتاب والسنة ،فمثلاً :لما ذكر اهلل الكائنات
هَّ ُ َ َ َ لَُّ
وتدب على األرض ق���الَ ﴿ :والل خلق ك ّ المختلفة التي تمش���ي وتزح���ف
َ ْ ُ ْ ينَْ ْ لَىَ ْ َ ْ َ ْ ُ ْ ْ لَىَ َ ْ َ َ ُْْ َ ْ َْ َ َّ
داب�� ٍة مِن ما ٍء ف ِمنهم من يم يِش ع بطنِ ِه َومِنهم من يم يِش ع ِرجل ِ َومِنه ْم من
ش ٍء َقد ٌ
ك يَ ْ لَىَ َ ْ َ خَ ْ ُ ُ ُ َ َ َ ُ َّ َ لَىَ لُ ّ َْ
ور ُة ال ُّنورِ )45/24 :؛ (س
ُ َ ﴾ ِير يم يِش ع أرب ٍع يلق اهلل ما يشاء إِن اهلل ع ِ
عام في الكائنات ك ِّلها
الحكم ّ
ُ أي م���ا ُذك���ر هو ما تعرفونه حتى اآلن ،وهذا
قديما واألفيال
أكبرها ،من الديناصورات إل���ى الماموث ً
أصغره���ا إلى ِ
ِ م���ن
ش���تى ال تعلمونها
أن���واع َّ
ٍ ووحي���د الق���رن حدي ًث���ا؛ وهناك أش���ياء أخرى من
ش���تى
كائنات ّ
ٌ ولعل منها اإليدز ،بل قد ُتخلق
ّ س���تخ َلق الح ًقا إن ش���اء اهلل،
ُ
كائنات حي ًة بل ِمن ٍ
نوع آخر. ٍ متنوعة حسب الجو والمناخ ،وربما ال تكون
اَّ لَىَ َ َ ْ َ َّ
الدوابَ ﴿ :وما مِن داب ٍة يِف األ ْر ِض إِل ع ِّ ذكر رزق عند ِوجاء في القرآن َ
ُ َ ْ ُ َ َ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ َّ َ َ ُ ْ َ ْ َ َ َ لُ ٌّ
ور ُة ُهو ٍد،)6/11 :(س َ ني﴾ ُ اب مبِ ٍاهللِ َِرزقها ويعلم مس��تقرها ومس��تودعها ك يِف ك ِت ٍ
َ ْ ُ َّ ُ ُ ْ َ َّ اَ حَ ْ ُ
��ل ر ْز َق َها ُ
اهلل يَ ْر ُز ُق َه��ا َوإيَّاك ْم َوه َو الس��ميع العل ُ َ ّ ْ
ِيم﴾ ِ ِ ِ ﴿ َوكأي ِ��ن مِ��ن داب ٍة ل ت ِم
دواب كثيرة َض ِم���ن ُّ
رب العزة رِ ْز َقها ّ ب���وت)60/29 :؛ أي هن���اك
ِ الع ْنكَ
���ور ُة َ
(س َ ُ
المقيت.
المربِي ُ
ّ ورِ ْز َقكم وتك َّفل به ،فهو وحده
] ------------------------------------------------------------- 88نحو عقيدة صحيحة[
وعب���ارة "داب���ة األرض" يذكرها القرآن الكريم ف���ي موضع واحد عند
َ َ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ ْ َ ْ َ َ َ َّ ُ ْ لَىَ َ
ذكر موت نبي اهلل س���ليمان ﴿ :فلما قضينا علي ِه الموت ما دلهم ع م ْوت ِ ِه
جْ ُّ َ ْ َ ْ اَ ُ َ ْ َ ُ َ ْ َ ْ اَّ َ َّ ُ َ ْ َ ْ ُ ُ ْ َ َ َ ُ َ َ َّ َ َّ َ َ َّ َ
��و كنوا يعلمون الغي َب الن أن ل
ِ تِ ن إِل داب��ة األر ِض تأكل مِنس��أته فلما خر تبي
ُْ َْ َ َ بَ ُ
ور ُة َس َب ٍأ.)14/34 : ني﴾ ُ
(س َ اب الم ِه ِ
ما لِثوا يِف العذ ِ
فذكرت في س���ورة النم���ل ،يق���ول ربنا :
مح���ل البح���ث ُ
ّ أم���ا الداب���ة
َ اَ ُ َ َ َ َ َ ْ َ ْ ُ َ َ ْ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ ْ َ َّ ً َ َ ْ ُ َ ّ ُ ُ َ َّ
ِ��ن األر ِض تكلِمه ْم أن انلَّاس كنوا
﴿وإِذا وق��ع الق��ول علي ِهم أخرجنا لهم دابة م
َ َ اَ ُ ُ َ
���ل)82/27 :؛ والمعنىُ :رفع���ت األقالم وج َّفت الن ْم ِ
���ور ُة َّ
(س َ بِآيات ِن��ا ل يوق ِن��ون﴾ ُ
الصح���ف ،وقمت���م بوظيفة العرض (عرض أس���ماء اهلل الحس���نى بوجودكم
م���راد اهلل من افتتاح
ُ عل���ى األرض) ،وأنه���ى معرض األرض وظيفته؛ وكان
عدد العارفين
قل ُهذا المعرض معرفته والتعرف عليه والتعريف به ،فإذا ما ّ
بالمحو
ِ يوم حكم اهلل على الناس
يوما بعد ٍ
واط���رد ذلك ً
ب���اهلل والمؤمنين به ّ
تم،
بأن حك���م اهلل المذكور قد ّ
داب ًة م���ن األرض تكلمهم ّوالفن���اء؛ فأخ���رج ّ
خاص بها ،تعلن
ٍّ ٍ
صوت دابة تتكلم بلس���ان حالها أو مقالها أو بمكبر
وهي ّ
وقل
فصاع���دا ،أي ارتف���ع اإليمان ّ
ً أن الن���اس ل���ن يؤمن���وا بربهم م���ن اآلن
َّ
في الناس َمن يؤمن ،فوقع لإليمان جفوة وضعف وانحسر.
وتل���ت هذه اآلي���ة آيات تتحدث عن يوم القيامة ،وهذا يوحي بأن هذه
العالمة من العالمات الكبرى للساعة.
ِ
اآليات ِ
عالمات الس���اعة العش���ر( ،((1ولع َّله���ا من األرض ِم ْ
���ن ِ داب���ة
إن َّ
ّ
اإليمان سيرتفع
َ أن
وس���ياق اآلية يقتضي َّ
ُ األخيرة التي تظهر قبيل الس���اعة؛
ويجف وينفد كل ما هو من اإلس�ل�ام،
ُّ من األرض وينحس���ر َم ُّد ُه وحركته،
يقينا ٍ
بعدئذ ً ول���ن يخلف المؤمنين مؤمن���ون آخرون ،ولن يزداد المؤمن���ون
تتق���د ُم الفلس���فة والعل���وم الطبيعي���ة ،وتح���رز التقني���ة
َّ ف���ي إيمانه���م؛ فربم���ا
( ((1صحيح مسلم ،الفتن.40 ،
[رألا ةباد] 89 ---------------------------------------------------------------------
عالوة على أنه ليس لي وال ألحد أن ينتقد مثل هذه المحاوالت التي
هدفها التوفيق والتأليف بين القرآن والسنة وبين العلوم الطبيعية إذا ما قام
وأما إن كان هدف هذه المحاوالت
بها أصحابها لنفض الغبار عن عقولنا؛ ّ
( ((1انظر :سنن الترمذي ،تفسير القرآن27 ،؛ مسند أبي داود الطيالسي.395/2 ،
] ------------------------------------------------------------- 90نحو عقيدة صحيحة[
غيرَ ذلك كحمل حقيقة القرآن والس���نة على نظريات العلوم الطبيعية مثلاً ،
هش���ة أضعف م���ن أن َت ْح ِمل ه���ذه الحقائق الس���امية؛
فنق���ول :إنه���ا هزيل���ة َّ
ظن غالب؟ إذ كيف َن ِث ُق بهذه األدلة وهي في حالتها هذه ال قطع فيها وال ّ
تفن���د ه���ذه اآلراء وتبطلها؛
ته���ب عاصف���ة علمية أخ���رى ّ
ّ فم���ن يضم���ن أال
وبناء
ُ ث���م أليس تأصيل آيات القرآن وأحادي���ث النبي بأمورٍ واهية كهذه
تصديقنا بالقرآن والس���نة على العلوم الطبيعية ،أليس هذا من س���وء األدب
مع حقائق َن َذ ْرنا أنفسنا للدفاع عنها؟!
أم���ا اإلي���دز ودابة األرض فالمس���ألة كما تعلمون إح���دى القبائح ا ّلتي
أن من الباطل تصوير الباطل ،ال سيما
أط ّلت برأسها في هذا العصر؛ وأرى ّ
مس���ألة مخزية مخجلة مثل اإليدز ،وس���أحاول اآلن ش���رح الموضوع على
نحو ال يلوث العقول الصافية:
ٍ
يصح القول
ّ دابة األرض ،فلن
صح أن اإليدز فرد من أفراد جنس ّ
لو ّ
دابة األرض؛ ألن تأويل اآلية به ال غي���ر يبطل حقيقتها إذا
ب���أن اإلي���دز ه���و ّ
تفشى حتى اليوم ثم اندثر
مدمر ّ
ما تبين فساد هذا التأويل ،فكم من مرض ّ
َ اَّ َ ْ َ هَُ ً
اء إل أن َزل لُ ِشف ً هَّ َ
َ َ َْ َ
اء"(.((2 واضمحل ،قال رسول اهلل " :ما أنزل الل د ِ
َ لُ ِّ َ
وفي رواية" :ل ِك دا ٍء د َو ٌاء"
(.((2
َ َ َ ْ َ َّ هَّ َ َ َّ َ َ َّ َ ْ َ َ ْ َ ً اَّ َ َ
ض َع هَلُ َد َو ً
اء، وفي حديث آخر" :تداووا ،فإِن الل عز وجل لم يضع داء إِل و
ََْ َ رْ َ َ
ي دا ٍء َواح ٍِد :اله َر ُم"(((2؛ وفي رواية" :إال الس��ام"( ((2يعني الموت ،فال ريب غ
كل امرئ سيش���يخ ويفنى ،وال دواء للهرم والموت ،وكلُّ دا ٍء س���واهما
أن ّ
له دواء.
( ((2صحيح البخاري ،الطب.1 ،
( ((2صحيح مسلم ،السالم.69 ،
( ((2سنن أبي داوود ،الطب1 ،؛ سنن الترمذي ،الطب.2 ،
( ((2السنن الكبرى للنسائي.82/7 ،
[رألا ةباد] 91 ---------------------------------------------------------------------
لك
فظيع���ا يجثم عل���ى صدور العب���ادَ ،
ً كابوس���ا
ً قديم���ا كان الطاع���ون
ً
أن تتخي���ل كي���ف قض���ى هذا الم���رض دفعة واح���دة على نحو ثالثي���ن أل ًفا
ْ
"ع َمواس" ،م���ا أفظعها من حادث���ة! وال ُيصاب به���ذه النوعية
ف���ي طاع���ون َ
م���ن األم���راض في عصرنا س���وى دول ُمنيت باإلهمال؛ فل���و ُأ ّولت اآليات
بأن دابة
واألحادي���ث قبل أن ُيرفع الطاعون كما يؤولون اليوم لكان القول ّ
ومرعبا.
ً جدا
منتشرا ًّ
ً أحق وأجدر؛ ألنه كان
األرض هي جرثومة الطاعون ّ
وهكذا الس���رطان ما أكثر من أصيبوا به اآلن ،يقول أهل االختصاص:
زمن
ال يمكن اكتشاف الخاليا السرطانية التي تظهر على إنسان ما إال بعد ٍ
خطرا ال ُيقاوم؛ وتش���ير اإلحصائيات العالمية
ً طويل تغدو فيه تلك الخاليا
حدا يثير الذعر في القلوب؛ لكن يتعذر
أن نسب َة السرطان بلغت ًّ
اليوم إلى ّ
دواء ،لكنهم يحاول���ون ،وكلنا أمل
حت���ى اآلن أن يق���ال إنه���م اكتش���فوا ل���ه ً
أن يعث���روا ل���ه عل���ى دوا ٍء بفضل اهلل وعنايته؛ فلو أمك���ن تأويل ّ
دابة األرض
] ------------------------------------------------------------- 92نحو عقيدة صحيحة[
علم ال خطأ فيه ،عملاً بمبدأ "كل شيء فيه تدريجيا للوصول إلى ٍ ًّ األخطاء
أيضا خاضعة للنقد كبقية المناهج الفكرية شيء من الخطأ"؛ وهذه الفكرة ً
ٍ
زلزال َح ّل بس���لطان األخ���رى ،لكنه���ا مهمة من وج ٍه م���ا ،إذ إنها تعبير عن
المذاهب الوضعية والعقلية.
إ ًذا لم���ا كان ه���ذا القدر من الش���ك والريبة قد دخ���ل العلوم التجريبية
صح ُتها وقوتها اآلن فمن الجناية على النصوص الشرعية تأويلها
ظن ّ
التي ُي ّ
ونقويها؛ وقد نعزز داللتها ّندعي أننا ّ قوة في حين ّ
وزن لها وال َّ
بنظريات ال َ
أجلَ ،ما َأ ْك َث َر
كتب ال ثمر َة ُتر َت َجى منه���ا؛ ْ
عالج���ت هذه المس���أل َة في أيامنا ٌ
ْ
قريبا س���تأتي أجيال تقرأ هذه الكتب، يس���ير ،لكن ً
ٍ ما ُك ِت َب عن هذا في ٍ
زمن
فتس���خر منها وتنس���ب ذلك إلى عجزنا عن استيعاب هذه المسائل؛ ّأما َمن
أوجها عدة للمسألة
ً شتى ويذكر
يبحث القضايا بمنظور أوسع واحتماالت ّ
نقية
غضة عذبة صافية ّ متجددة مبتكرة وس���تبقى ّ ّ الواحدة ،فس���تغدو أبحاثه
الم ِئي���ن؛ أجل ،بين أيدينا آثار قديمة ُكتبت
مهما طالت الس���نون ولو بلغت ِ
على هذا المنوال ال تزال غضة طرية.
المدعى
َ وم���ن الخطأ االعتراف بصحة ما نس���ميه أدلة أولاً ث���م ترتيب
والنتيجة عليه ،والحال أنه يمكن بلوغ النتيجة بالتدلي من أعلى إلى أسفل،
فنقول مثلاً :اهلل موجود ،وهذه األدلة ش���اهدة على وجوده؛ ورسول اهلل
صغار
ُ أيضا
خاتم النبيين ،وتلك األدلة تشهد بذلك ،ويشهد بتلك الحقائق ً
النم���ل والكائن���ات المجهرية التي ال ُترى بالعي���ن ...وهذه النظرة غير تلك
التي تبدأ بأدلة واهية ضعيفة لالستدالل على وجود َمن له مقاليد السموات
واألرض.
ل���و قال إخواننا الذين يتناولون هذه المس���ألة بني���ة خالصة ،ربما يكون
ف���ردا م���ن أف���راد جنس داب���ة األرض ،فعل���ى الرأس والعي���ن ما دام
اإلي���دز ً
مقصدهم ونيتهم كذلك إن شاء اهلل.
فردا
ويبيد ً
أج���ل ،ربما يكون اإليدز بل والس���رطان الذي م���ا زال ُيفني ُ
دابة األرض ،ويؤدي وظيفة من وظائفها؛ إال أن هذا ال يعد
من أفراد جنس ّ
دابة األرض؛ ألن خروج دابة األرض
كل منهما ّ
كافيا ألن نطلق على ّ
سببا ً
ً
أمارة على نقص إيمان الناس؛ وربما يكون س���بب خروجها س���وء توظيف
أمر
الن���اس للتقني���ات والعلوم الحديثة؛ فداب���ة األرض بمعناها الخاص بها ٌ
خ���ارق للع���ادة ،تختلف عن أي ش���يء حت���ى عن أفراد جنس���ها ،ولها حالة
وخروجها داللة على نهاية رس���الة
ُ خاص���ة به���ا ،ويتعذر إدراكها لغرابته���ا،
ّ
القيم اإلسالمية على وجه األرض.
َّ
اس���تنادا إلى حديث شريف أخرجه اإلمام مسلم" :إِن ً كيف وإننا نقول
َ ُ َ ُ ْ ُ ُ ُ ْ ُ
َّ َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ
َ َ َ َ أْ َ ْ َ َ َ ُ َ
اربهاَ ،وإِن أم يِت سيبلغ ملكها ما ز ِو َيِ غ م و ا ه ق ��ار
ِ ش م اهلل زوى يِل الرض ،فرأيت
َْ
وستكن
ّ سيدوي في أنحاء العالم كا ّفة، ّ إن صوت اإلسالم يِل مِنها"( ،((2أي ّ
ل���ه الضمائ���ر كل توقي���ر وتبجي���ل؛ فلو خرج���ت داب���ة األرض اآلن لكانت
ضرب���ة قوي���ة ُتطي���ح بآمالنا؛ ألن داب���ة األرض إذا خرجت قال���ت :ال إيمان
وال تصدي���ق بع���د ه���ذا؛ ويل���ي ذل���ك س���قوط وتخل���ف؛ وإنن���ا عل���ى يقين
( ((2صحيح مسلم ،الفتن.19 ،
[رألا ةباد] 95 ---------------------------------------------------------------------
نتيج���ة مج���ازر س���ترتكب يموت فيه���ا الماليي���ن ...كل هذا قد يمث���ل داب َة
أولاً ثم األجساد.
األرض التي هي اللسان المبين عن موت األرواح ّ
وأرى أن ه���ذه النظ���رة إلى المس���ألة من ش���أنها أن تحف���ظ هيبة القرآن
وقد َرهما ،وتحافظ على أبعادهما اإللهية.
والسنة ْ
وبع���د ،فأقول بكل صدق إن هؤالء اإلخوة المخلصين الذين تحدثت
ش���روطا كثيرة
ً عنه���م آن ًف���ا ول���م أو ّفهم حقه���م يخطئون في مس���ألة تتطلب
ش���رط واحد منها فحس���ب؛ فاإلخالص ش���يء ،وتوقير الكتاب
ٌ اإلخالص
ُ
والسنة والوالء لجوهرهما شيء آخر.
"�أَ َل ْ�س ُت ِب َر ِ ّب ُك ْم"
ّ ُ ُ ََ ْ
��ت ب ِ َرب ِك ْم ﴾ وعلى�س�ؤال :هل من دليل عقلي على س���ؤال ﴿ ألس
َ ىَ
جواب ﴿ بل ﴾؟
وقال المد ّققون منهم" :يؤخذ هذا العهد عند نفخ الروح في اإلنسان"،
ويستدلون على رأيهم هذا ببعض األحاديث الشريفة.
] ------------------------------------------------------------- 98نحو عقيدة صحيحة[
ف���ي وجداننا ،أي نس���تطيع أن نش���عر ب���ه بوجداننا وباإلله���ام الذي انعكس
على وجداننا.
كنت مرة أشرح هذا الموضوع فقال أحدهم" :لم أسمع ذلك القول"
س���معت فهذه مش���كلتك ،ولكني
َ س���معته ،فإن لم تكن قد
ُ فقلت" :لكنني
سمعت هذا الصوت
ُ سمعت لقلت:
َ ئلت كيف
سمعته" ،فلو ُس ُ
ُ متيقن أنني
ٌ
عندما شعرت برغبتي في الخلود ،مع أنني محدود فانٍ.
ومقيد بقيود؛
َّ أجل ،ال أستطيع إدراك اهلل تعالى ألنني مخلوق محدود
إذ كيف يستطيع المقيد أن يدرك المطلق؟ فأنا أعلم أنني سمعته وشعرت
به عندما وجدت في نفسي مثل هذه الرغبة في الالمحدود وعشق الخلود؛
فترض أن يقضي
فمخل���وق ضعي���ف مثلي في مثل ه���ذا العالم المح���دود ُي َ
حيات���ه المحدودة ثم يموت ،وتكون آماله وأفكاره محدودة بحدود عمره،
لكنن���ي وجدتن���ي أفكر في الخلود وتثور عندي الرغبة في األبدية ،وأتلهف
للجنة ولرؤية جمال اهلل ،فملك الدنيا كلها ال ُيش���بع رغباتي ،فهذه الحال
ّ
سمعته".
ُ تجعلني أقول "لقد
-أي���ا كانت ماهيته -يهفو بوحداته وأبعاده لربه س���بحانه،
إن الوج���دان ًّ
ويترنم به على الدوام ،وهو ال يكذب؛ ولن يرتاح ويبلغ السعادة والطمأنينة
ْ َ اَ
إال عندما يحظى بما يرغب ويطلب ،وأشار القرآن الكريم﴿ :أل بِذِك ِر اهللِ
ُْ ُ ُ َْ َ
تطم�ِئ�نِ ُّ القل��وب﴾ (س���ور ُة الر ْع ِ
الرباني���ة "القلب" لن
ّ اللطيفة أن إلى )28/13 : ���د
َّ َ ُ
يطمئن إال عندما يبلغ الوجدان الطمأنينة.
أم���ر آخ���ر :بعض الفالس���فة أمثال "برجس���ون" هج���روا األدل���ة النقلية
والعقلي���ة برمته���ا وقال���وا" :الدلي���ل عل���ى وج���ود اهلل تعالى ه���و الوجدان"؛
ووصل األمر بالفيلس���وف األلماني "كانط" أن يقول" :لكي ُأدرك ا َ
هلل تعالى
إدراكا يلي���ق بجالل���ه وعظمته؛ وأعرض���ت عن معارفي كله���ا" ،وعلى هذا
ً
"] 101 ------------------------------------------------------------------ ["
ْمُكِّبَرِب ُتْسَلَأ
الدرب س���ار "برجسون" بـ"الحدس" ،فـ"الوجدان" عنده هو الدليل الوحيد،
فالوج���دان يتأل���م عن���د إن���كار اهلل وجحوده ،ويس���عد ويطمئ���ن باإليمان به
سبحانه.
وعندما ُيصغي اإلنس���ان إلى وجدانه ويغوص في أعماقه يرى ويحس
هناك بوجود رغبة ش���ديدة في اإليمان بمعبود أزلي أبدي ،فهذا هو الدليل
َ
على قولهم ﴿بل﴾ التي عبروا عنها بكيف مجهول في استجابتهم للخطاب
ُ ّ ُ ََ ْ
��ت ب ِ َرب ِك ْم﴾ .ومن يرهف س���معه للص���وت اآلتي من أعماقاإللهي ﴿ألس
روحه فسيسمع هذا الصوت؛ َّأما إن بحث عن هذا الصوت في عقله وفي
كل ف���رد ومكنون فيه،
جس���ده س���قط في التناقض؛ فه���و موجود في ضمير ِّ
وال تتم البرهنة عليه إال في ميدانه وفي ساحته ،وقد رأى األنبياء واألولياء
واألصفياء هذا وأدركوه بكل جالء وصفاء وبينوه وأبانوا عنه.
طبعا إال إثبات المحسات كإثبات وجود
ّأما عقلاً فال يس���تطيع العقل ً
الدلب ،فاالستدالل بالعقل هنا غير وارد ،ولكن
شجرة الصنوبر أو شجرة ُّ
أحس وس���مع ذلك الصوت
َّ م���ن أصغ���ى إلى وجدانه ،واس���تبطن داخل���ه،
وأدركه وشعر به.
منج ًما
نزول القر�آن َّ
منج ًم���ا في ثالث
�س���ؤال :م���ا الحكم���ة من ن���زول الق���رآن الكريم َّ
وعشرين سنة؟
اجل��واب :ل���و لم ينزل الق���رآن الكريم في ثالث وعش���رين س���نة ،ونزل
جمل ًة واحدة في وقت واحد لقالواِ :لم نزل القرآن جملة واحدة ولم ينزل
منج ًما؟
َّ
تعبدي���ة ينبغي التس���ليم بها وتوقي���ر اهلل فيها،
ّ هذه المس���ائل وأش���باهها
وإال تكاثرت األسئلة في كل شأن :لماذا صالة الظهر أربع ركعات؟ ولماذا
كان���ت صالة الجمعة في يوم الجمعة؟ ولماذا كانت الزكاة %2.5وليس���ت
%3؟ وغيره���ا م���ن األس���ئلة الت���ي ال تنتهي؛ ل���ذا ينبغي لن���ا أن نعلم أن كل
هذه األمور من أس���رار العبودية .نعم ،للصالة ِح َكم بال ش���ك ،فللفرد كثير
من المنافع والمصالح بوقوفه خمس مرات في اليوم بين يدي مواله ،
ّأما عدد الركعات فتوقيفية ش���رعها اهلل تعالى بنفس���ه ،فلو قيل لنا" :عليكم
تح���ددوا هيئتها،
ّ ت���ؤدوا ه���ذه العب���ادة خمس مرات ف���ي اليوم ،ولكم أن
أن ّ
فاألم���ر إليك���م" َلبح ْثن���ا في عدد الركع���ات ،لكن ربما يكون الش���كل الذي
جاريا وفق ظروف حياتنا وأعمالنا اليومية؛ فتقدير الوحي شيء،
ً خططنا له
ّ
ش���يء آخر؛ فالوحي يرعى معنويات اإلنسان َو َل ُد ّن َيته ،وعلى
ٌ وتقدير العقل
ذلك ينسج ِ
الح َكم.
منجما في ثالث وعش���رين س���نة ِحكم كثيرة،
ً ولن���زول الق���رآن الكريم
فالعه���د ال���ذي ن���زل في���ه الق���رآن ه���و ذلك العه���د ال���ذي اقترب فيه البش���ر
ورحمته
ُ م���ن الكم���ال؛ لذا ُبعث فيهم أكم���ل األنبياء ،محلُّ نظ���ر اهلل تعالى
] ------------------------------------------------------------- 104نحو عقيدة صحيحة[
ابتلي بالتدخين وش���رب وإليك���م مث���الاً م���ن واقع حياتن���ا ،بعض م���ن
ُ َ
قطعت رأسه
َ الخمر أو التسكع في الشوارع أو الجلوس على المقاهي ،لو
ألص���ر على ذلك
ّ ذهب���ت إلى المقهى فس���تهلك يا أخي"
َ قل���ت ل���ه" :لو
َ أو
كثي���را من األعذار ،ولو حدث أن مكث في البيت ولم يذهب إلى
ً واختل���ق
يوم ما النزوى في ركن من البيت وظل يتأفف ويتبرم ،وما إن
المقهى في ٍ
تتاح له الفرصة حتى يسارع إلى المقهى؛ ألن طرز حياته الذي طالما اعتاد
هيِنة ال داعي لها.
علما أ ّنها عادة ّ
عليه قد تغيرً ،
للتغيرات الواقعة في التفصيالت َوف ًقا لظروف الس���نوات التالية ،وفي هذا
ضم���ان لديموم���ة م���ا نقوم به من أعم���ال مع مراعاة تق ّل���ب الزمان وطبيعة
ٌ
األش���ياء ،هك���ذا كان المس���لمون ف���ي عص���ر الس���عادة ينمون نمو الش���جرة
تدريجيا ،ويتطورون بصورة فطرية؛
ًّ المستجدات
ّ الباس���قة ،ويتناغمون مع
يوما بعد يوم ،وتكش���فت
نس���هم ب���ه ً ُ
دخ���ول الناس في اإلس�ل�ام وأ ُ
ُ فتزاي���د
تدريجيا
ًّ تربى ه���ؤالء المس���لمون
للمس���لمين أفكار ومش���اعر جدي���دة ،ثم ّ
أفرادا اجتماعيين ،جرت
ً على األوامر اإلس�ل�امية حتى غدوا بمرور الزمن
ِّ
متدرج��� ًة ،متعاقب��� ًة ف���ي انس���جام وتناغ���م ،وتتابعت هذه كل ه���ذه األم���ور
الصفح���ات بعضه���ا إثر بعض ،فغ���دت مرآة تج ّلت فيه���ا خصائص حقيقة
اإلسالم الخالدة.
إذ إن التحليق 20ألف قدم دفعة واحدة ُيو ِدي بحياة اإلنسان ،وهكذا
اختل فيه مفهوم الحياة واألس���رة
ّ فلو نزل القرآن الكريم فجأة في مجتمع
والف���رد ،ث���م قال له���م في حينه" :إليكم التش���ريع فطبق���وه ،وهاكم األوامر
] ------------------------------------------------------------- 108نحو عقيدة صحيحة[
يظه���ر م���ن معظ���م مؤلف���ات محي���ي الدين ب���ن عرب���ي ومنها الش���جرة
النعمانية أ ّنه عرف بعض الحقائق كش ًفا ،وأخبر بغيبيات ألهمه اهلل بها ،فهو
م���ن أهل الكرامات ،وقطب أحد المش���ارب؛ له تأوي�ل�ات ظاهرية وباطنية
كثي���رة ،انكش���فت ل���ه بفضل اهلل أم���ور من الماض���ي والمس���تقبل كأنها
صفحات كتاب بين يديه.
أمر واضح
وذكره للحوادث المستقبلية كقوله :سيقع كذا بتاريخ كذاٌ ،
بإلهام
ٍ كثي���ر من أولياء اهلل ذكروا أش���ياء كه���ذه
ٌ عن���ده ومختل���ف ع���ن غيره؛
وفضل من اهلل ،لكنهم لم يبلغوا مبلغه في الوضوح والتصريح.
وقد ُتكشف بعض الحقائق لبصيرة الولي فيراها من بعيد -وهذا ممكن
اليوم كما وقع باألمس -إال أن الولي ربما ال يس���تطيع أن ِّ
يحدد المس���افة
أو يثبت الحقيقة كما هي؛ وأحيا ًنا يرى حادثة في صورة رمز ،وال يستطيع
[ةينامعنلا ةرجشلاو يبرع نب نيدلا ييحم] 111 ------------------------------------------
أن يقف على تأويلهاُ ،في َؤ ّولها من عند نفسه ،ظا ًّنا أن تأويله مصيب ،لكن
الحقيق���ة الغيبية ليس���ت كذلك .وهذا كال���رؤى التي يراها اإلنس���ان ،فمثلاً
ذهبا وفضة ،فتظ���ن أن الحق جل جالله س���يفيض عليك
ت���رى ف���ي منامك ً
معنويا وس���تحظى بش���يء ما ،بيد
ًّ ماديا أو
باإلحس���ان الجزيل ،أو س���تنتفع ًّ
فس���ران بتعاظم ق���وى النفس األمارة وغلبة
أن الذه���ب والفضة في الرؤيا ُي َّ
أهوائها؛ وإذا رأيت في المنام جبرائيل يدخل من نافذة بيتك فس���تظن
قريب���ا؛ فقد دخل الروح األمين بيتك،
إلهيا س���ينزله اهلل على بيتك ً
فيض���ا ًّ
أن ً
فس���ر في عالم
بي���د أن معن���ى هذه الحقيق���ة المرمز إليها بمثل هذه الواقعة ُت َّ
شخصا من هذا البيت ذا روح سامية سيلحق بالرفيق األعلى.
ً المثال بأن
فسيظن
ّ وإذا رأى اإلنسان في منامه أنه لقي إنسا ًنا في صورة مستقبحة،
يؤول بأن ذلك اإلنسان
ذنبا أو سيرتكب ،بيد أن هذا َّ أن ذلك ألنه ارتكب ً
سينتفع منه بشيء؛ وقد جرت مثل هذه الواقعة للسيدة زبيدة زوجة هارون
الرش���يد رحمهم���ا اهلل ،رأت في منامها ما ي���رى الرجل في منامه ،وأن ذلك
جميعا ،فخافت وارتعدت ،وما كان أحرص منها
ً كان بينها وبين أهل بغداد
خيرا ينتفع منه الناس
على عفتها وش���رفها ،فس���ألت ،فقيل لها :س���تفعلين ً
جميعا؛ فنالت الس���يدة زبيدة بعدئذ ش���رف س���قاية حجاج بي���ت اهلل الحرام
ً
سببا في ذلك.
أي كانت ً
وهك���ذا الولي إن لم يدرك المعان���ي الحقيقية لرموز الحقائق في عالم
المث���ال فلربم���ا يخطئ ف���ي تأويل بعضها ،وال اخت�ل�اف حينئذ بين الحقيقة
والمعان���ي الت���ي يذكره���ا الول���ي من حيث الن���واة والبذرة ،إنم���ا االختالف
ف���ي اإلجم���ال والتفصي���ل ،وفي اخت�ل�اف لغة الرم���وز عن لغتن���ا؛ واألنبياء
وخ���واص ورثته���م ه���م وحده���م م���ن تيس���ر له���م إزال���ة ه���ذا االخت�ل�اف
ّ
وتبلي���غ الرس���الة للناس بوجه صحيح؛ فاألنبي���اء معصومون عن أن َيض ّلوا
] ------------------------------------------------------------- 112نحو عقيدة صحيحة[
قطبه؛ فمثلاً
ول���م ينف���رد محيي الدين بن عربي بهذا المج���ال وإن كان َ
أخبر "مش���تاق دده البتليسي" عن نقل العاصمة من إسطنبول إلى أنقرة قبل
وقوعه بنحو مائة سنة ،وكتبت الجرائد عن ذلك الح ًقا.
ومع هذا ،فالحقائق التي اطلع عليها هؤالء العظماء ليست من األمور
كل ش���يء ،ومن ذلك تغيير
الت���ي ال تتغي���ر وال تتبدل ،فاهلل قادر على تغيير ّ
ما ش���اهده ه���ؤالء العظماء وس���معوه وعلموه ،ف���اهلل تعالى فع���ال لما يريد
َ ْ لَُّ َ ُ
ور ُة الر ْح َم ِن.)29/55 :
ُ َ َّ
(س يتصرف في كل شيء كما يشاء ﴿ك ي ْومٍ ه َو يِف شأ ٍن﴾
فه���و س���بحانه يغي���ر كل ش���يء نش���هده ،ول���ه أن يغير في "ل���وح المحو
واإلثب���ات" م���ا ال نش���هده وال نطل���ع عليه من الح���وادث بأبع���اد غير التي
ُ ُّ ْ َ ْ
ُ َ ُ َ َُ ُْ ََ
ُ َ ُ َْ
الر ْع ِد،)39/13 : اب﴾ (سورة
ُ َ ُ َّ عهدناها﴿ ،يمحوا اهلل ما يشاء ويثبِت وعِنده أم الكِت ِ
والقدر عنوان من عناوين علمه اإللهي،
َ أما ّأم الكتاب فهي علمه سبحانه،
حق بقدر اطالعه على هذا ،وأما ما ُأخبر
وم���ا ذك���ره محيي الدين بن عربي ٌّ
عنه مما ال يوافق الواقع فإما أنه لم يعلم تأويله الصحيح ،وإما أ ّنه لم ِ
يحن
وإما أننا لم ُندرِ ك كنه ما أراد.
وقت هذه الحقيقة بعدّ ،
ُ
واهلل أعلم بالصواب.
حكمة ال�صالة على النبي �صلى ال َّله عليه و�سلم
�س�ؤال :إذا كانت رحمات اهلل تعالى تتنزل على رسوله في واقع
األمر ،فما الحكمة من صالتنا ؟
اجلواب :الرس���ول األكرم نوا ٌة ألصول الخير واليمن والبركات ،هو
جميعا ،هو الهادي إلى الطريق القويم ،هو المرش���د إلى ً أس���وة حس���نة لنا
سن أعدل الطرق الصراط المستقيم ...مرشد ال َي ِض ّل وال ُي ِض ّل ،هو الذي ّ
وأقومها.
أخرج اهلل به الناس من الظلمات إلى النور ،فسار بهم في هذا الطريق
كل َمن سار في هذا الطريق ،ومقتضى
المنير ،فهو حقيق بأن ينال مثل أجر ّ
ََ َ
رْ َّ لَىَ
َّ َّ
ي كفا ِعلِ ِه"( ((2أن ُيكتب له في س���جله
القاع���دة الت���ي تقول" :إِن ادلال ع اخل ِ
من األجر مثل أجور من تبعه من أمته .
صاحب المقام المحمود
ِ ولن ُيطوى هذا السجل بوفاة الرسول األكرم
حصى من الحس���نات والصالحات،
،بل س���يحرر فيه على الدوام ما ال ُي َ
طوائف أكبر
َ جل مقامه اتسعت حدود شفاعته -بمشيئة اهلل -لتشمل
وكلما ّ
من أمته .
بد من تناول هذه المسألة من زاويتين اثنتين:
ومن هنا فإ َّنه ال ّ
نجدد عهدنا وميثاقنا معه
األولى :إننا بصلواتنا على الرسول األكرم ّ
ونزدلف إليه عسى أن نكون من أمته؛ أي إننا نقول له مستشفعين" :لقد
تذكرناك وذكرناك ،ودعونا اهلل وتوسلنا إليه أن يرفع لك ذكرك" ،وصلواتنا
ّ
( ((2سنن الترمذيِ ،
العلم14 ،؛ المسند ألحمد بن حنبل.132/38 ،
] ------------------------------------------------------------- 116نحو عقيدة صحيحة[
بنية رفع مقام صاحب المقام المحمود تتسع بها دائرة شفاعته؛ فيحظى
أناس أكثر بهذه الشفاعة.
ٌ
الثانية :ودعاء الشخص للنبي برفع القدر والمقام إن هو إال وسيلة
ّ
لدخول ذلك الش���خص في ِحماه ورعايته ،فتتس���ع بذلك دائرة الشفاعة
أش���د حاج ًة منه للصالة والسالم
ّ في حق هذا الش���خص ،ومن ثم فنحن
وإعالن
ٌ منا بوج���وده وعظمت���هعلي���ه ،وعندم���ا نلج���أ إلي���ه ف���ذاك إق���رار ّ
رج���ل ج ّلت دولته في
ٍ ع���ن َصغارنا وأننا لس���نا بش���يء أص�ًل�اً ،فمثلنا كمثل
مس���تجد ًيا العون ،ونحن كذلك نلوذ به ونلتجئ إليهِ عينيه ،فالتجأ إليها
ٍ
وخوف وعجز
ٍ بالص�ل�اة عليه؛ فكأنن���ا بهذا نعرض حاجتنا وحالنا ف���ي فقر
ووجل من يوم عظيم شديد ،عسى أن نكون من الناجين.
ٍ
اللهم اجعلنا ممن يحظى بشفاعة صاحب الشفاعة العظمى .
لُ ِّ َ ٍّ َ ْ ٌ
ب دع َوة بها هذا الحديث" :ل ِك ن يِ وأزف لكم في هذا المقام بشارة جاء
ّ
َ َْ َ َّ ُ ً َ ْ َ اَ َ َ ْ ُ َ َ َ َ ْ ُ َ ْ َ َ َ َ
َ (((2
قد دع بِها فاست ِجيب ،فجعلت دعو يِت شفاعة أِلم يِت يوم ال ِقيامةِ" .
أجل ،فما أفدح قصور هذه النظرة العوراء! فاإلنس���ان والكون زاخران
بآالف األدلة على وجود اهلل تعالى وإثبات هذه الحقيقة.
استوقفني هذا التعبير؛ إ ًذا لم ُتخ َلق حواء من آدم ،بل من ماهية آدم،
ووزنهغير ماهيته ،فاإلنسان مثلاً طوله كذا َ
جدا؛ فش���خص آدم ُ وهذا دقيق ًّ
وفكرا ودرج َة صل ٍة باهلل
ً وباطنا
ً وظاهرا
ً ك���ذا ومالمح���ه كذا ،ثم إن له ماهية
عدا؛ فإذا تناولنا اإلنس���ان من زاوي���ة ذاته ،فينبغي تناوله من الوجه
قرب���ا أو ُب ً
ً
الثان���ي أي الماهي���ة ،ف���األول هيكل ليس إال؛ فذات اإلنس���ان ونفس���ه بهذا
المعنى ش���يء ،وجس���ده ش���يء آخر ،والقرآن عند موضوع خلق حواء قال
َْ
"نفس" آدم ال من آدم.
إنها خلقت ﴿مِنها﴾ أي من ْ
والحدي���ث ال���وارد في هذا خبر آحاد ،فلزم بيان���ه باآليات ،وهذا أصل
مه���م م���ن أص���ول تفس���ير اآلي���ات واألحاديث؛ فاآلي���ة م���ن كالم اهلل ،فهي
رد الحدي���ث إلى اآلية لتبيين إبهامه ،ومن المهم مالحظة
متوات���رة ،فوجب ّ
السياق والسباق في الحديث ،فيجب مالحظة هذا األمر.
ورسي :المثنوي العربي النوري ،ص( 170 .ذيل القطرة).
( ((2بديع الزمان سعيد ال ُّن ْ
[السلا هيلع مدآ علِض نم ءاوح انِّمأ ُقلخ] 121 -----------------------------------------
َّ َ َّ َ َ َ ُ َ ْ ْ َ ِّ َ ْ َ ُ
فالرس���ول يقول" :اس��ت ْوصوا بِالنس��اءِ ،فإِن الم ْرأة خلِقت مِن ِضل ٍعَ ،وإِن
ِّ َ َ ْ لاَ ُ َ ْ َ َ ْ َ ُ ُ ُ َ رَ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ ْ َ َأ ْع َ
��و َج يَ ْ
ستهَ ،وإِن ت َركته ل ْم ي َزل أع َوج، ش ٍء يِف الضلعِ أع ه ،فإِن ذهبت ت ِقيمه ك
ِّ َ َ ْ َ
فاست ْو ُصوا بِالنساءِ"(.((3
فسبب ورود هذا الحديث أو مناطه تربية النساء وسياسة البيت؛ أجل،
تغافلت
َ الش���رخ ،وإن
ف���إن تعجل���ت واس���تعجلت في إصالح الم���رأة وقع ّ
بقيت على ما هي عليه .يش���ير الرس���ول وهو يشرح هذا الموضوع
عنها ْ
إل���ى أم���ر مه���م ،وهو أن الم���رأة أكثر قابلي���ة لالعوجاج من الرج���ل ،وأكثر
أن حواء
رقة وقابلية لالنكس���ار ،فليس المقصد األصلي للحديث الشريف ّ
بقي���ت عوجاء،
ْ ُخلق���ت م���ن ضل���ع آدم ،ب���ل أن المرأة إن ُترك���ت كما هي
وإن حاولت تقويمها بسرعة انكسرت.
َ ُ َ ْ
وللبيان بهذا األس���لوب أس���رار ،فالرسـول يقول" :خلِقت م ِْن ِضل ٍع"،
ْ
ِ��ن" لغ���ة قد تأت���ي للتبعيض ،وقد تأت���ي للبيان؛ وقد أجمل الرس���ول
و"م
في حديثه فالمعاني كلها محتملة.
َْ َ ْ ُ
ومث���ل ه���ذا كثير ف���ي الحديث الش���ريف ،مثلاً يقول " :لي��س مِنك ْم
َ ُ ُ َ َّّ َ اَّ َ ْ لّ َ ْ َ َ
دل الحدي���ث أن لكل ��د إِل َوق��د ُو ِك بِ�� ِه ق ِرينه مِ��ن الش��ياطِني"(((3؛ َّ
مِ��ن أح ٍ
ُ ّ
أيض���ا ،ففي حديث آخ���ر" :ال تصلوا يف مبارك إنس���ان ش���يطا ًنا ،وللحيوانات ً
اإلب��ل ،فإنه��ا من الش��ياطني"(((3؛ أي كأنها فضلة من ش���يطان ،أو قل :بعض
الحيوانات تتصرف أحيا ًنا تصرفات الشياطين؛ إذن يجلب الحديث انتباهنا
إلى التصرف الشيطاني ،فعندما نرى قاسي القلب بليد المشاعر نقول عنه:
"كأن���ه خل���ق من حجر" ،وال ش���ك أننا ال نعني أنه خل���ق من حجر ،بل هو
( ((3صحيح البخاري ،األنبياء1 ،؛ صحيح مسلم ،الرضاع.60 ،
( ((3المسند ألحمد بن حنبل.166/4 ،
( ((3سنن أبي داود ،الصالة.25 ،
] ------------------------------------------------------------- 122نحو عقيدة صحيحة[
مج���از عن قس���وة قلبه وتبلد ش���عوره وفقره العاطف���ي ،وعندما نقول "فالن
ويجرهم إلى طريق الفساد.
ّ شيطان" فالمراد أنه يضلل الناس ويغويهم
ومعن���ى الحديث في ض���وء معنى اآلية التي تلوناها :المرأة ُخلقت من
ضلع آدم ،أي المرأة جزء من الرجل ،أي من جنسه ،أي من خواصه
الوراثية نفس���ها ،لو لم يكونا من جنس واحد َلما أمكن أن يتناس�ل�ا ،فتمام
َ
ً َ ً اً َ َ َُْ َ َّ َ
ور ُة ال ِّن َسا ِء)1/4 :؛ أي لو كانا جنسين اآلية﴿ :وبث مِنهما رِجال كثِريا ون ِساء﴾ ُ
(س َ
مختلفين لما حدث بينهما تناسل ،فوجب أن يكونا من جنس واحد.
أم���ر آخ���ر :جاء ف���ي فصل "التكوين" ف���ي التوراة( ((3صراح��� ًة أن حواء
خلق���ت من جنب آدم ،وال محل لالس���تغراب م���ن أخذ جزء من آدم
-وه���و بي���ن الطين والماء -لتخل���ق منه ّأمنا حواء ،فالخل���ق األول معجزة،
وآدم وحواء أثر من آثار هذه المعجزة.
وال يمك���ن للعل���م أن يدل���ي بدل���وه هن���ا في ش���أن الخل���ق األول ،فهو
وأبكم وأعم���ى؛ فالخلق األول معجزة فنس���لم بكل م���ا قاله اهلل
هن���ا أص���م ْ
تس���ليما أعمى ،بل نستش���عر في كل شيء من الذرة
ً تعالى ،وال نس���لم بهذا
المحيط بكل ش���يء وقدر َته القاهرة وإراد َته النافذ َة
َ إلى الكون كله ِع ْل َم اهلل
من نوافذ العلوم والفنون فنس ّلم به بعقولنا وقلوبنا.
الس���بع من مش���كاة اللد ّنية ،وتكش���ف عن حقائق س���بع .وهذا األمر يمثله
َ
اإلنس���ان تمثيلاً كاملاً في الصالة ،فيس���جد على سبعة أعضاء ،أما النبي
فه���و مظه���ر للفاتحة الت���ي ُفصلت آياتها ف���ي القرآن الكري���م بأكمله ،وهذا
فس���مي النبي " أحمد" ،وأمته
يعني أن الفاتحة ُفصلت بالنبي األكرم ؛ ُ
"الحمادين" ،ولواؤه الذي سيجتمع الناس يوم القيامة تحته ليستظلوا بظله
ّ
"لواء الحمد".
أج���ل ،أله���م اهلل تعالى النبي وع ّلمه األس���ماء تفصيلاً ،فما أس���عده
وأسعدنا!
أيضا علم وفن ،وال يتأتى إدراك حقيقته وكماله إال باالعتماد
والطب ً
على اس���م اهلل "الش���افي" ،وبمش���اهدة تجليات رحمته في صيدليته العظيمة
على سطح األرض ،وبمعرفة أن الشافي الحقيقي هو اهلل .
لَعو"] 129 ---------------------------------------------------------
ألا َمَدآ مَّ َ
َ [هَّلُك َءاَمْس
َ
وهكذا س���ائر العلوم والفنونُ ،يعرف مداها بقدر إسنادها إلى اسم من
األس���ماء النورانية هلل تعالى ،وباألحرى استش���عار استنادها إلى أسماء اهلل؛
وإال فال يصل اإلنسان في ظلمات النظريات والفرضيات إال إلى األوهام.
واهلل أعلم بالصواب.
اخل�ضر عليه ال�سالم
�س�ؤال :هل يمكن لقاء الخضر ؟
ق���در س���بره للقضاي���ا الفكرية
اجل��واب :تتعم���ق مع���ارف اإلنس���ان على ْ
تأمله وتبحره
ومصادرها ،ويرقى في معارج عالم القلب والروح على قدر ّ
فيما يتعلق بهما ،ويبلغ من أعماق المعرفة ما يبلغ على َق ْدر ُخ ْبره بالقضايا
لمركب ب ِْك ٍر ومع���ارف جديدة؛ وفوق هذا ك ِّله،
َّ كل يوم
العلمي���ة واكتش���افه ّ
فمن ال يشغله إال رضا اهلل تبارك وتعالى يزداد عمق صلته باهلل تعالى.
وم���ن و ّث���ق ُع���رى صلت���ه ب���اهلل خل���ص إل���ى نتائ���ج تف���وق كل
م���ا يمك���ن أن يبلغه غيره بالطرق األخ���رى؛ فقد يجود علي���ه العليم الخبير
بفتح علمي من لدنه بقليل من الجهد وش���يء من العلم ُيك َّلل ،فيكتش���ف
ٍ
ما يتعذر عليه اكتش���افه وإن قضى س���نين في العمل والبحث ،وتكفيه قراءة
عل���وم الظاهر
ِ كت���اب أو مق���ال م���رة واح���دة لي���درك آالف المعاني؛ ومدى
يحدده مدى س���عي المرء فيها ،وهو عينه المدى الذي يش���غله ِمن قلبه
إ َّنما ِّ
معارف م���ن علوم الباطن
َ المرء
َ وعقل���ه؛ لك���ن توثي���ق العالقة باهلل ُي ِ
كس���ب
ونتائج من علوم الظاهر؛ أجل ،بينما األول مشغول بعلوم الظاهر فحسب
يمكنه من إدراك الظاهر.
شأوا ّ
عبر حدود عالم الباطن وبلغ ً
اآلخر قد َ
نجد َ
بحث شيء إال بمقاييس ومعايير
وفي عصرنا سادت المادة ،فما عاد ُي َ
أكثرنا م���ن الروحانيات وحيل بينن���ا وبين القيم
اس���توحش ُ
مادي���ة ،ومن ثم َ
َّ
المعنوية؛ بل أتى انسحاقنا تحت المادة على الروحانيات فجع َل َها َأ َث ًرا بعد
ِعين؛ نسأله سبحانه ونبتهل إليه أن يجعلنا من أرباب القلوب.
] ------------------------------------------------------------- 132نحو عقيدة صحيحة[
فم���ن وث���ق ُع���رى صلته ب���اهلل قد ُيطلع���ه اهلل على الغي���ب ،فيجتمع
بالجن والروحانيين ،ويرى الخضر ،بل
ِّ ويتصل
ُ الكرام ،
ِ بالمالئكة
يرقى إلى "مقام الخضر"(.((3
كل ه���ذا ممك���ن لم���ن و َّث���ق صلت���ه ب���اهلل ،وتجرد ع���ن الصورة
أج���لّ ،
والشكل ،واستغل عتاده الروحي كله للوصول إلى اهلل.
وقد أخبرنا األصفياء ذوو األرواح الزاكية أنهم اجتمعوا بالخضر
والروحانيين ،وهؤالء يخشون اهلل حق الخشية وترتعش
ّ وبالمالئكة الكرام
موهوما
ً أم���را
قلوبه���م من خش���يتهم لربهم وتقواهم ،فيس���تحيل أن يذكروا ً
يقينا.
نصدقهم ً
ال أصل له؛ إن قولهم حق بال ريب ،ونحن ّ
وق���ال أه���ل الكش���ف والش���هود :الخضر ح���ي؛ ورغ���م أن بعض
ّ
العلماء األجالء -مثل اإلمام البخاري -يقولون بوفاته إال أن معظم األئمة
والفقه���اء ي���رون أنه حي ،إ ًذا يمكن أن يراه بع���ض الناس حقيقة ويجتمعوا
عبر عنه بـ"مقام الخضر"،
مقاما ُي ّ
(" ((3مقام الخضر "على حد قول األستاذ بديع الزمان" :إن في مقامات الوالية ً
فالولي الذي يبلغ هذا المقام يجالس الخضر ويتلقى عنه الدرس ،ولكن ُيظن أحيا ًنا خط ًأ أن صاحب هذا المقام
ورسي :المكتوبات ،المكتوب األول ،الطبقة الثانية من طبقات الحياة ،ص)5 .
هو الخضر بعينه"( .بديع الزمان سعيد ال ُّن ْ
[السلا هيلع رضخلا] 133 --------------------------------------------------------------
ب���ه أو بظ ّل���ه؛ وإنم���ا يجتمع بالخض���ر من بلغ مق���ام الخضر ،وماتت
نفسه ،وغ َلب هواه ،مثال ذلك ما ُذ ِكر في مناقب "يونس َأ ْم َره" أنه كان يأتي
وق" بحطب مستقيم فحسب ،فلما قيل له" :لم تتخير "ط ْاب ُط ْ
إلى بيت شيخه َ
دائما ،أما في الغابة حطب معوج؟" ،قال" :بيت طابطوق الحطب المستقيم ً
حطبا".
ً ال يدخله إال المستقيم ولو كان
وذات مرة اختبره طابطوق (وقد وقع هذا لغيره مثل إبراهيم بن أدهم
البلخ���ي ،وموالن���ا جالل الدي���ن الرومي ،والش���مس التبري���زي) :قدم أحد
تالميذه ذات يوم من عين يس���تقي منها الماء ،فلما مر بيونس نخس رجليه
داب���ة فأدماه؛ فلم ينبس يونس ببنت
وورك���ه بحدي���دة في دلوه وكأنه ينخس ّ
ش���فة ،فلما بلغ المنزل قال" :هذا أمر تركناه في قريتنا" ،أي أعرضت منذ
أن خرجت من قريتي عن التفكير في نفسي والضجر من إيذاء الناس لي،
فلما رجع التلميذ قال له الشيخ :ماذا قال؟
فقال الش���يخ :ما زالت نفس���ه تش���غله ،لم ينضج بعد ،فليجاهدها أكثر
وأكثر.
عمن آذاه
يك���ف ك َّفه ّ
ُّ هك���ذا فليكن المرش���د والداعية في هذا العصر،
حفيظته ،فال يستاء
َ شيء
ٌ ولسا َنه عمن شتمه ،وعلى طالب القرآن أن ال ُيثير
وال يمتعض ،وإال فليس من طالب القرآن ،فإن شئت أن تجتمع بالخضر
َ فت َخ َّل عن نفسك أولاً .
للنقش���بندية أربعة أس���س يعب���رون عنها هكذا :إن الطريقة النقش���بندية
قائمة على ترك أربعة أشياء:
ترك الدنيا ،وترك اآلخرة ،وترك النفس ،ثم ترك الترك.
فوج���ب ف���ي هذا الزمان ت���ركُ كل رغبة ولو كان���ت االجتماع بالخضر
.
زواج الأقارب
�س�ؤال :ما قولكم في دعوى لحاق الضرر من زواج األقارب؟
اجلواب :أول :األمراض المتوقعة من زواج األقارب هي:
وراثيا ،وأكثر
ًّ األمراض الوراثية؛ وهي أمراض تنتقل من جيل إلى آخر
فغالبا م���ا يتوارثون عن الجد
ً م���ا تظه���ر لدى أبن���اء أزواج بينهم قرابة قريبة؛
وراثيا؛ وتنتقل الصفات الوراثية من
ًّ مرضا
المشترك أكثر من "جين" يحمل ً
م���ادة تس���مى " "DNAتتجمع في وحدات تحم���ل معلومات منظمة لتطور
الكائن الحي اسمها "الجينات".
وراثيا ُيتوقع
ًّ مرضا
زواج من يحمالن ً
ِ فالذي على األطباء إ ًذا هو منع
بمغربية كالحذر
ّ ظه���وره في الطف���ل ،فالحيطة والحذر ف���ي زواج مش���رقي
ّ
ف���ي اثنين من قبيلة أو عش���يرة واحدة ،فقد ُيصابان بالمرض نفس���ه ُفيمنيان
منع زواج غير المحرم نكاحهم بالنتيجة الس���يئة نفس���ها؛ فمن اإلفراط إ ًذا ُ
أم���را ما فإن تط���ور العلم
مفترضا ً
ً م���ن األق���ارب مطل ًق���ا ،وم���ن قال بذل���ك
ظنه.
سيخالف َّ
ُ
أيض���ا من تناول المس���ألة على
والمؤس���ف أن م���ن العلم���اء المتدينين ً
ع���ن ألبتة بمناط الحك���م الطبي ،فقال:
ضيون ،ولم ُي َ
الفر ّ
عج���ل كما يفع���ل َ
"ح ّرم القرآن الكريم زواج األقارب مطل ًقا" ،فناقض القرآن الكريم ،قال اهلل
َ
َ َ َ َ ْ َْ َ ُ ُ َ ُ َ َ ُّ َ َّ َّ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ لاَّ
وره َّن َوما ملكت ب إِن��ا أحللنا لك أز َواجك ال يِت آتيت أج تعال���ى﴿ :يا أيها انل ُّ
يِ
َ َ َََ َ َّ َ َ َ َ َ ّ َ َََ َ َََ ْ َ َ ُ َ َّ َ َ َ ُ َ
ات
��ات خال ِك وبن ِ ات عمات ِك وبن ِ ات ع ِمك وبن ِ ي ِمين��ك مِما أفاء اهلل علي��ك وبن ِ
ْ َ َ َ َّ َْ َ َ ْ َ َ َ َ َ ْ َ َ ً ُ ْ َ ً ْ َ َ َ ْ َ َ َ َّ
ْ َ اَ َ لاَّ
ب أن ب إِن أراد انل ُّ ِلن ّ ل ا ه س ف ن ت ب هو ن ِ إ ة ِن
م ؤ م ة أر ام و ك ع م ن ر اج ه تيِ خالت ِك ال
يِ يِ ِ
ني َق ْد َعل ِْم َنا َما َف َر ْض َنا َعلَ ْيه ْم ف َأ ْز َواجهمْك م ِْن ُدون ال ْ ُم ْؤمن َ َْ َْ َ َ َ َ ً َ َ
ِِ ِ يِ ِِ ِ يستنكِحها خال ِصة ل
َ َ َ َ َ ْ َ ْ َ ُ ُ ْ َ ْلاَ َ ُ َ َ َ ْ َ َ َ ٌ َ اَ َ ُ َ ُ ً َ ً
وم��ا ملكت أيمانهم ل ِكي يكون عليك حرج وكن اهلل غفورا رحِيما﴾ (س���ورة
َُ ُ
اب.)50/33 : ا َ
أل ْح َز ِ
[راقألا جاوز] 137 -------------------------------------------------------------------
ما حجة من ينكر وجود الجن ،ولماذا ُينكر وال يستسيغ؟ فهل يا ُترى
كل موجود ُي َرى فاعترضوا ألنهم ال يرون الجن فحسب؟
جميعا من أصغر
ً ال���روح قان���ون كتلك القوانين التي نس���لم بوجوده���ا
العوال���م إل���ى أكبرها ،لك���ن تمتاز الروح بالش���عور؛ دع عن���ك هذا ،فبعض
للمنبِهات ٍّ
ورد ّ العلماء لما اطلعوا على ما في النبات والشجر من استجاب ٍة
شعورا. أن لها عليها ،و ِإ ْل ٍ
ف للبيئة َّاد َعوا ّ
ً
وأري���د أن أق���دم لكم خالص��� َة ٍ
مقال في هذا نش���رته إحدى المجلاَّ ت،
يقول الكاتب:
أيضا ،فال
ش���عور ً
ٌ "قناعت���ي أن النبات���ات كالقمح والش���عير لها
يمك���ن أن يص���در عنه���ا ما يص���در من حركات وهي ب�ل�ا عقل وال
يش���ق األرض وكأنه
ّ إدراك وال ش���عور؛ فالقمح مثلاً -وهو برعم-
يتأمل ما حوله ،فإن كانت األجواء معتدلة والرطوبة كافية والشمس ّ
( ((3بديع الزمان سعيد ال ُّنورسي :الكلمات ،الكلمة التاسعة والعشرون ،المقصد الثاني ،ص.597 .
] ------------------------------------------------------------- 142نحو عقيدة صحيحة[
والجن والمالئكة
ّ أن المخلوقات ذات الش���عور هي اإلن���س
ونالح���ظ ّ
حواسها بالتوجيه اإللهي؛ وإن اهلل تعالى هو
ّ فقطّ ،أما الحيوانات فتس���وقها
من وراء ما يصدر عنها من حركات شعورية.
إن اهلل تبارك وتعالى هو َمن يس���وق كل ش���يء إلى قدر معلوم،
أجلّ ،
أيض���ا وضعها اهلل ال س���بيل
ويوجه���ه وجه���ة خاص���ة ،ولكن هن���اك قوانين ً
إل���ى إنكاره���ا ،قواني���ن مثيرة ومؤثرة حتى إن من يتحسس���ها ع���ن ُب ْعد يكاد
الجن وهم ي���رون ما يجري
ِّ وجود
َ أن���اس
ٌ ش���عورا ،إ ًذا كي���ف ينكر
ً يس���ميها
ّ
حولهم ،حتى يكاد اإلنس���ان يس���مي من ينكرون الجن مجانين؛ فثمة آالف
يدل على
أتم الش���به في سريانه ،وهذا ّ
الجن ّ
ّ كل منها قانون يش���به
القوانينّ ،
يقرون بوجود الجن كما ِ
أن وج���ود الج���ن ممكن عقلاً ال ريب فيه؛ فل َم ال ّ
[جلاب لاصتالا] 143 ------------------------------------------------------------------
الجن
ّ أن
والحق ّ
ّ والجسيمات،
الجن بالفوتونات ُ
ّ يعرف بعض الناسقد ِّ
أجسام لطيفة ُخلقت من مارج من نار ال من فوتونات أو جسيمات ،مكلفة
كاإلنسان ،فال موجب للقول بعدمها ،ودعوى العدم مكابرة وخالف المنطق.
أن الق���ول الفص���ل في هذه المس���ألة للقرآن الكري���م ،ال تكاد
والح���ق ّ
ّ
اآلي���ات تذك���ر خل���ق اإلنس���ان إال وتتبع���ه بذك���ر خل���ق الجن ،ق���ال تعالى:
ْ َ جْ َ َّ َ َ ْ َ ْ مَ َ َ ْ ُ َََ ْ َ َْ َ َْ َ ْ َ ْ َ
ال��ان خلقناهُ مِن ون و
ال مِن ح ٍإ مس��ن ٍ اإلنس��ان مِ��ن صلص ٍ ﴿ولق��د خلقنا ِ
َ َ َ ْ َ َ ْ َ َْ َّ ُ َُْ ْ َ
الاإلنس��ان مِن صلص ٍ الح ْجر )27-26/15 :و﴿خلق ِ وم﴾ (س���ور ُة ِ
ُ َ ��م ِ ار الس
قبل مِن ن ِ
ْ َ َ َ َ َ جْ َ َّ ْ َ اَ ْ َ َّ
الر ْح َم ِن ،)15-14/55 :فالجنَّ
���ور ُة
َ (س
ُ ﴾ ار
ٍ ن ِنم جٍ ار
ِ م ِنم ان ال ق لخ و ار
ِ خ كلف
نارا
���رر ،ليس���ت ً
الش َخلقوا من نار هي عنصر من عناصر المادة يتطاير منها َّ
محرقة وال هي بدخان أس���ود؛ وهذا ه���و ما ذكره القرآن الكريم عن ماهية
الج���ن .أم���ا م���ن لقي الجن م���ن األنبي���اء والصحابة الكرام وأهل الكش���ف
الجن .أجل ،رأوهم
ّ والتحقي���ق فالغال���ب أنهم رأوا الصور التي يتمثل به���ا
بالصور التي يتمثلون بها وتحدثوا إليهم وكانوا على اتصال بهم.
مركب من اجتماع جسم لطيف وروح ذي شعور،
عد ما َّ
للجن ُب ٌ
ّ أجل،
ناجم
ٌ أن اخت�ل�اف التمثالت
لخواص أبعادهم ،وال ننس���ى ّ
ّ تبع���ا
فيتمثل���ون ً
عن اختالف استعداد المرايا.
الجن أجس���ام لطيفة مخلوقة م���ن مارج من نار أي من عالم
َّ ورغ���م أن
صنفوا
المادة ،فلم ُي َّ
ّ المادة إال أنهم مثلنا ذوو ش���عور وأرواح تس���يطر على
في الجمادات والكائنات األخرى ألنهم ذوو شعور وإدراك ،فهم مك َّلفون
مثلنا باإليمان باهلل والعبادات دون أدنى فرق.
] ------------------------------------------------------------- 144نحو عقيدة صحيحة[
وهذا يفس���ر ِلم كانت رؤية س���يدنا عمر بن الخطاب للجن مختلفة
ِ
وسيدنا أبي ذر ،فمثلاً :رأى سيدنا ابن مسعود عن ِ
سيدنا أبي هريرة
ظل ،ورآهم سيدنا عمر على صورة
الجن عند رسول اهلل في صورة ّ
َّ
إنسان ضعيف نحيف ،ورآهم أبو ذر على صورة أخرى ...وهذا يبرهن
شتى.
الجن يتمثلون في أشكال وصور ّ
ّ أن
أخ لنا عمل في مؤسس���ة خيرية أنه كان يش���اهد أحيا ًنا في المبنى
وذكر ٌ
���راكا لبع���ض األش���ياء ومح���اوالت لفتح الب���اب عنوة،
ال���ذي يقي���م في���ه َح ً
أقمت في هذا المكان بضع س���اعات ،فشاهدت
ُ وجوال ًنا هنا وهناك؛ وقد
حوادث كثيرة.
ور ِسي:
فشرعت في القراءة من "رسائل النور" لبديع الزمان سعيد ال ُّن ْ
] ------------------------------------------------------------- 146نحو عقيدة صحيحة[
"كذل���ك صيدلي���ة الك���رة األرضية ،فيه���ا أكثر م���ن أربعمائ���ة ألف نوع
م���ن األحي���اء من نب���ات وحي���وان ،وكلٌّ منه���ا ف���ي الحقيقة بمنزل���ة قارورة
مس���تحضرات كيميائية دقيقة ،و ِق ّنين���ة مخاليط حيوية عجيبة؛ هذه الصيدلية
وتعرف
ّ صيدليها الحكيم ذي الجالل،
ّ الكبرى تكش���ف حتى للعميان ع���ن
قياس���ا
وعظمتها بخالقها الكريم س���بحانه ،وذلك ً
ُ وانتظامها
ُ درج��� ُة كماله���ا
على صيدلية السوق المذكورة ،ووف ًقا لما تقرؤون في قوانين علم الطب".
فعارضني ولم يدعني أسأل عن شيء ،وقال:
-كال ،كال.
وضع���ت ي���دي عل���ى الفنج���ان وأن���ا أقرأ دع���اء م���ن األدعي���ة المأثورة
ع���ن النب���ي ،فإذا به يتحرك بس���رعة فائقة حتى إنني لم أس���تطع التحكم
في أصبعي ،ثم سقط الفنجان ،وكتب بسرعة :دعك من هذا الهراء!
الـجن،
ّ أرواح خبيثة بال أجس���اد في عالـم
ٍ قطعيا وجود
ًّ كذلك ثبو ًتا
أجس���ادا مادية ألصبـحت كأولئك البشر األشرار،
ً فلو أنها ُألبس���ت
وهكذا ش���ياطين اإلنس ممن هـم على صورة بش���ر لو خرجوا عن
الـجن"(.((3
ّ أجسادهـم ألصبـحوا أبالسة
فلو الحظنا ما هنا لوجدنا أن أقوال شياطين اإلنس والجن وعباراتهم
ِ
وقول واحدة ،الحظوا الشبه الجلي بين قول الجني "دعك من هذا الهراء!"
ّ ّ
بعض الناس.
والراج���ح في الواقع
ُ يحض���رون األرواح،
يدع���ي يع���ض الن���اس أنهم ّ
يحض���ر ه���و الج���ن ،فيصب���ح م���ن يق���وم به���ذا أضحوك���ة للجن أن ال���ذي ُ
وأظ���ن أن هذا األمر لو ُب ِح َث بعم���قٍ و ُن ِظر فيه بعناية أكثر فقد
ّ والش���ياطين،
تظه���ر نتائ���ج مفيدة؛ ّأما ما يفعله هؤالء اآلن ف�ل�ا يعدو أن يكون أضحوكة
وتخليطا.
ً
( ((3بديع الزمان سعيد ال ُّنورسي :اللمعات ،اللمعة الثالثة عشرة ،اإلشارة العاشرة ،ص.113 .
هالك الأمم جماعات
بعض األقوام جماع ًة مث���ل قوم لوط وقوم
قديم���ا ُ
�س���ؤال :هلكت ً
األمم
ُ نوح ،بسبب ما ارتكبوه من ذنوب معينة ،فلم ال تهلك اليوم
جماعات رغم ما ُيرتكب فيها من كل أنواع الذنوب؟
اجل��واب :إن س���نة اهلل ج���رت بتعذيب���ه العص���ا َة والطغ���ا َة ف���ي الدنيا
والح���ق أن نوعية
ُّ مقد ٌر من ع���ذاب اآلخرة.
لتأديبه���م ع�ل�اوة عل���ى ما ه���و َّ
ــ"س���دوم" و"عامورا" عند بحيرة لوط،
عقاب قوم لوط مرعبة وفيها عبرةَ ،ف َ
ُأرس���ل إليهما س���يدنا ل���وط ،ثم أخذتهم الصيح���ة ،فهلكوا في صبيحة
وفص���ل القرآن الكريم خب���ر قوم لوط وخبائثهم وس���وء
أح���د األي���امّ ،
عاقبتهم ،وكذا خبر قوم نوح ،فقد أرس���ل عليهم الطوفان؛ إذ أمطرت
وتفج���رت األرض عيو ًنا ،فغمرت المي���اه جميع األرض ،وهلك
ّ الس���ماء،
فنج ْت بفضل اهلل
العص���اة م���ا عدا ثلة قليل���ة ركبت مع نوح الس���فينةَ ،
شخصا؛ توالد وتكاثر منهم
ً ومن ِته؛ وفي روايات ضعيفة أنهم نحو 70-60 َّ
ولندع علم���اء اآلثار يبحثون في األم���ارات :كيف وأين
البش���ر م���ن جديد؛ َ
وقعت هذه الحادثة؟ ولنبحث نحن األمر في هذه األمة المباركة:
أجل ،أمة الرس���ول الكريم ( أعني أمة الدعوة بمن فيهم المس���لمون
خصوصا أن بعض بلدان العالم
ً كثيرا من الذنوب،
وغيرهم) ترتكب اليوم ً
بل���غ فيها الفس���ق والفج���ور ما لم يبلغه قوم س���يدنا لوط أو س���يدنا صالح
أو سيدنا هود .
] ------------------------------------------------------------- 150نحو عقيدة صحيحة[
وم���ا يميزنا ه���و أننا من أمة محمد ،وه���ذه الخصوصية غدت لهذه
األمة كمانعة الصواعق؛ وقد يكون من المناسب أن نشير هنا إلى آية قرآنية
وبشرى نبوية أيدتا هذه الخصوصية:
ُ َ ّ َ ُ ْ ََْ َ
ت فِيه ْم َو َما اَك َن ُ َ اَ َ
اهلل ِ يق���ول اهلل تبارك وتعالىَ ﴿ :وم��ا كن اهلل ل يِع ِذبهم وأن
َُ َُّْ َ ُْ َْ َْ ُ َ
ال.)33/8 : ور ُة ا َ
أل ْن َف ِ مع ِذبهم وهم يستغ ِفرون﴾ ُ
(س َ
وننوه هنا بمنزلة الرسول األكرم التي ال تدانيها منزلة؛ فهذا المسيح
ْ ُ َ ّ ْ ُ َ َّ ُ َ ُ َ
وضل ِمن قومه﴿ :إِن تع ِذبه ْم فإِنه ْم عِبادك ّ يناجي ربه في أمر من طغى
يز حْ َ
الك ُ ت الْ َعز َُ ْ َ ْ ْ َ ُ ْ َ َّ َ َ ْ َ
ور ُة ال َْما ِئ َد ِة.)118/5 :(س
ُ َ ﴾ ِيم ِ وإِن تغ ِفر لهم فإِنك أن
َ َ اَ َ ُ َ ّ َ ُ َ ْ َ
اهلل يِ ُلع ِذبه ْم َوأنت أم���ا نبين���ا فيقول القرآن عنه وعن أمته﴿ :وم��ا كن َّ
ْ َ َ اَ َ ُ ُ َ ّ َ ُ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ْ ُ َ
أي ألمة ���ال)33/8 :؛ ْ ���ور ُة ا َ
أل ْن َف ِ (س َ ِيه��م وم��ا كن اهلل مع ِذبهم وهم يس��تغ ِفرون﴾ ُ ف ِ
محم���د حجاب���ان مهم���ان أو مانع���ان للصواعق؛ فالع���ذاب ال يعدوهما،
تأثيره أمامهما:
والبالء ينعدم ُ
الحس���ية أو المعنوية ،أدام
ّ أولهما :وجود النبي في أمته بش���خصيته
اهلل علينا هذه النعمة إلى يوم القيامة.
كثيرا أن
النبي دع���ا ربه ً أما بش���ارة رس���ول اهلل فف���ي الصحاح أن
َّ
وأهم ما دعا به كان في حجة ال���وداع في عرفة والمزدلفة،
ُّ ال ُيهل���ك أمت���ه،
ففي هذين المكانين المباركين دعا اهلل بما ُن ِفث في روعه ،حتى إنه توسل
اس���تجيب له أم ال ،اهلل
إل���ى رب���ه وتضرع أن يتجاوز عن حقوق العباد ،هل ُ
شيئا في هذه المسألة.
أعلم ،وال أملك أن أقول ً
[عامج ممألا كاله] 151 ------------------------------------------------------------
أج���ل ،لطالم���ا كان النبي يدعو رب���ه أن ال يهلك أمته ،ويروي ذلك
َ ً ْ َ َ ْي�نْ َ ُ ْ َ َ ْ ُ يِّ َلاَ ً َ َ ْ َ
للصحاب���ة الكرام قائلاً " :س��ألت َرب ث ثا ،فأعط يِان اثنت� ِ َول ْم يع ِط يِن َواحِدة:
َ َ تْ ُ َ ْ اَ ُ َ ِّ َ َ َ ْ َ َ ُ ٍ ََْ ُ ََ ْ َ َ َ تْ ُ َ ْ اَ َ ْ ُ َ ُ َّ
وع فيهلِكوا فأعط يِانَ ،وسألُه أن ل يسلط علي ِه ْم سألُه أن ل يقتل أم يِت بِسن ِة ج
َ َ تْ ُ َ ْ اَ جَ َ َ َ ْ َ ُ َ ْ َ ُ َ َ َ ََ ْ َ ُ ًّ ْ َ رْ
يه ِْم فأع َط يِانَ ،وسألُه أن ل يْعل بأسه ْم بينه ْم ف َمنع يِن"(.((3 عدوا مِن غ ِ
رهن بإرادة أمته؛
ألن ح ّلها ٌ
أجل ،لم ُيس���تجب له في هذه المسألةّ ،
الجرائ���م واآلثام نزلت به���ا الكوارث
َ نع���م ،ك ّلم���ا ارتكب���ت األمم األخرى
والس���ماويةّ ،أما هذه األمة فكلما كان منها ذلك جعل اهلل بأس���هم
ّ األرضية
بينهم ،وتمزقت وحدتهم وكلمتهم ،وأكلتهم النزاعات؛ فدعا النبي ربه
أن يرفع هذا عن أمته ،فلم ُيستجب له لحكمة يعلمها هو سبحانه.
وإليك���م هذه المس���ألة في ضوء ما تش���ير إليه اآلي���ة الكريمة ،وما ذكره
أهل الكشف والتحقيق:
بس���يطا
ً هكذا يكمن مثل هذا الفكر اإللحادي تحت س���ؤال كهذا يبدو
جميعا من نسل آدم وحواء ،ولسنا
ً للوهلة األولى؛ أجل ،نقول :الناس
ويقينا.
ً نحن من يقول هذا ،بل إن اهلل هو من يقوله ؛ فنحن نؤمن به ح ًّقا
ض ما في
دح َ ٍ
بنظريات كثي���رة ْ يح���اول العلم���اء الماديون منذ س���نوات
فصلنا ف���ي موضعه( -((3بأن
الق���رآن الكريم ع���ن الخلق ،لكننا رأين���ا -كما ّ
علميا أن ما ذك���ره القرآن
ًّ المك���ررة تهافت���ت ِت ً
باعا ،وثب���ت ّ ه���ذه النظري���ات
ه���و الصحي���ح ،ولن ندخل في ه���ذا الموضوع اآلن ،ب���ل ُنحيل من يرغب
ف���ي ذل���ك إلى ما قلناه بالتفصيل في هذا الصدد ،ونكتفي بأن نقول :الناس
( ((3لما رأى األستاذ فتح اهلل كولن الحاجة ماسة للوقوف على ماهية "نظرية التطور" ألقى فضيلته محاضرة تدور
موضحا أنها تستند على أسس عفنة واهية كما أنها مليئة بالمغالطات ،ثم صيغت هذه المحاضرة
ً حول هذه النظرية
على شكل كتاب ُترجم فيما بعد إلى بعض اللغات ومنها اللغة العربية ونشرته مؤسسة دار النيل باسم "حقيقة الخلق
ونظرية التطور".
] ------------------------------------------------------------- 154نحو عقيدة صحيحة[
ق���د ي���رى بعضه���م أننا نح���اول حش���د أدلة أكث���ر مما ينبغ���ي لدحض
ج���دا ،لكننا مع���ذورون في هذا؛
ه���ذه النظري���ة المبني���ة على أس���س واهية ًّ
يس���وغ قيامنا لحش���د األدلة
ّ فللفك���ر اإللح���ادي الخبيث الكامن فيها خطر
بل يضطرنا إليه.
شاهد أن نظرية التطور ُولدت جثة هامدة ،لم تسر فيها الحياة قط،
والم َ
ُ
لس���هام المئات بل اآلالف من العلماء المؤمنين حتى
ِ وتعرضت حتى اآلن
وحكم عليها باإلعدام مئات المرات؛ فتفنيدنا لها س���ببه
أثخن���ت بالجراحُ ،
محاولة بعض أهل الضاللة إحياءها وخداع بعض الشباب بها.
وتاري���خ اإلنس���انية أقدم مما ُيتص���ور ،فمنذ مدة ُنش���رت مقاالت حول
العثور على هيكل عظمي إلنسان عاش قبل 270مليون سنة ،أما عمر أقدم
هيكل عظمي للقرد تم العثور عليه حتى اآلن فيرجع إلى 120مليون سنة،
[كيرمأ ةراق ىلإ ناسنإلا لاقتنا] 155 ----------------------------------------------------
ويشير العلماء بهذه األرقام إلى أن نشأة الوجود وتاريخ الخليقة أقدم
مما كان ُيتصور ساب ًقا.
وال يج���وز الحك���م على عه���ود تاريخية أقدم من العه���ود التي عرفها
علم���اء التاري���خ ،فعل���ى األق���ل يدخ���ل م���ا ذكرناه ف���ي دائ���رة االحتماالت
التي يجب إجراء التقييم على ضوئها ،فأصحاب النظرية المعارضة لنظريتنا
عتد به عندهم لنقض نظريتنا.
ال دليل ُي ّ
عندم���ا التق���ى أهالي "مايا" بالفرنس���يين قالوا لهم :ف���ي تاريخنا القديم
قديما َبب ّر بل���د آخ���ر ،وأن طوفا ًنا أتى
المكت���وب أن أرضن���ا كان���ت متصل���ة ً
على ذلك البلد فأغرقه في البحر؛ وبقينا في األعالي.
وف���ي تاريخ الهند إش���ارة مماثلة له���ذا ،فهم يذكرون ح���دوث طوفان
كبير انفصل إثره البر المجاور لهم ،وفصل بينهما المحيط؛ فقد تكون قارة
أستراليا هي ذاك البر؛ فرحيل اإلنسان إلى قارة أمريكا أو أستراليا لم يكن
يدعون.
عسيرا أو مستحيلاً كما ّ
ً
ب���ر األرض كم���ا ه���و موج���ود اآلن،
وأخي���را ل���و فرضن���ا أ ّن���ا اعتمدن���ا ّ
ً
كثيرا
عس���يرا ،فمضيق "بيرنغ (ً ")Bering
ً فالوصول إلى تلك القارات ليس
م���ا تتجمد مياهه ،فيمكن العبور من روس���يا إلى أمريكا ،وهذه المس���افات
الرحالة المس���لمين
يمك���ن قطعها حتى بالس���فن البدائي���ة ،ونحن نعرف أن ّ
اس���تطاعوا الوصول إلى أمريكا قبل كريستوف كولومبوس ،أي قبل وجود
] ------------------------------------------------------------- 156نحو عقيدة صحيحة[
المش���ار إليه بكاف الخطاب "منك" وس���يدنا نوح وس���يدنا إبراهيم وس���يدنا
موسى وسيدنا عيسى .
لقب "أولو العزم"؛ فرسول اهلل رغم ما لقي من أذى المشركين وعنتهم
لم ينبس فمه الش���ريف ببنت ش���فة توحي بالش���كوى أو السخط من ال َق َدر؛
انتصر يوم بدر ،وتحمل عبء ما حدث يوم ُأ ُحد كأنه احتمل جبل ُأ ُحد،
َ ثم
راجع���ا من أحد لم تب���در منه أي كلمة توح���ي بتوبيخ الصحابة
ً ولم���ا قف���ل
الذين تسببوا في الهزيمة لقصورهم عن استيعاب الدقة في امتثال األوامر؛
وأهمه في قلبه
ّ وك���م أحزن���ه فقده لعمه حمزة يومئ���ذ ،لكنه كتم ما آلمه
أيضا.
في هذا الموضع ً
حريصا أش���د الحرص على
ً هم س���وى هداي���ة الن���اس ،كان
لي���س ل���ه ّ
َ َ َ َّ َ
ذلك حتى كاد ُيهلك نفس���ه ،فذكره القرآن الكريم بقوله سبحانه﴿ :فلعلك
َ َ ً ع آثَاره ِْم إ ْن ل َ ْم يُ ْؤم ُِنوا ب َه َذا حْ َ
َ ٌ َ ْ َ َ لَىَ
ِيث أسفا﴾ (سورة الْكَ ْه ِف،)6/18 : الد ِ ِ ِ ِ باخِع نفس��ك
كونُوا ُم ْؤمن َ َ ُ اَّ َ ََ َ َ ٌ َْ َ َ َّ
الش َع َرا ِء ،)3/26 :ففي
ور ُة ُّ(س
ُ َ ﴾ ني ِ ِ ي ل أ ك وبقوله﴿ :لعلك باخِع نفس
ه���ذه الصورة البيانية إش���ارة إل���ى مدى حرص النبي عل���ى هداية الناس
كافة.
وذاك سيدنا نوح ،ما ركب معه في السفينة إال حفنة من الناس بعد
ردحا طويلاً من الزمن ،بل لم يس���تطع أن يصحب
مكاب���دة ومعاناة دامت ً
ولده معه ،وما أش���ده من مش���هد وأصعبه على أب يحمل روح نبي! يتعذر
بل يستحيل أن نفهم هذا الشعور.
أطل
مبكرا ،ولو ّ
ً والمس���يح ُ ح ِكم عليه بالموت وهو في سن ُي ّ
عد
لتنقض عليه وتمزق���ه ،لكنه مع ذلك
ّ برأس���ه لرأى س���يو ًفا مس���لولة تأهبت
صمد وثبت ،ولم يتزعزع ولو لحظة.
بس���ر قوله
ِّ أج���ل ،إن ه���ؤالء مخت���ارون مصطف���ون من بي���ن من حظوا
َ ْ َ لاَ َ ُ ُ اً
ًل� َوم َِن انلَّ َ هَّ َ ْ َ
���ور ُة ال َْح ِّج)75/22 :؛
ُ َ (س ﴾ اس
ِ تعالى﴿ :الل يصط يِف مِن الم ئ ِك ِة رس�
( ((3صحيح البخاري ،الطب17 ،؛ صحيح مسلم ،اإليمان( 374 ،واللفظ لمسلم).
] ------------------------------------------------------------- 162نحو عقيدة صحيحة[
فه���م ِق ْش���طة اللبن في قدح الوج���ود الذي يغلي برحمة اهلل ،وبهذا الش���كل
التوكل
ُ تجل���ت فيهم قدرة اهلل وإرادته؛ وم���ن أوصافهم التي ال تنفك عنهم
العمي���ق والع���زم ال���ذي ال يع���رف اللين والس���آمة؛ ل���ذا أطلق عليه���م "أولو
خاص ،كل حس���ب درجت���ه ومرتبته ،إال أن
ّ عزم
الع���زم" ،ولكل نبي وولي ٌ
هذه السمة بلغت أوجها لدى هؤالء.
وق َدم العامل
�أهل الت�صوف ِ
�س�ؤال :يقولون :حذا الصوفي ُة حذو الفالس���فة الماديين في مس���ألة
ِق َدم العالم ،فكيف يجتمع ما قالوه والعقيدة اإلسالمية؟
جميعا
ً اجلواب :الصوفية ليس���وا قائلين بقدم العالم ،ونس���ب ُة ه���ذا إليهم
ش���ط
خط���أ بح���ت .أج���ل ،فيه���م من ق���ال بـ"وحدة الوج���ود" ،بل منهم من ّ
ف���ي فرضي���ات "وحدة الموجود" ،لكن هذا ال يعني أنهم قالوا بقدم العالم،
وإن ب���دا أنه���م يقولون بهذا في الظاه���ر إال أن الواقع خالف ذلك ،بل إنه
ليؤكد أنهم لم يقولوا بذلك.
أن
أجل ،لنا أن نقول :ليس في الكتاب والس���نة وآثار الس���لف ما يدل ّ
خص س���يدنا أب���ا بكر بعلم خف���ي ال يعلمه غيره.
س���يدنا رس���ول اهلل ّ
وأفض���ل ما يمكن قول���ه في هذا الموضوع :إن أبا بكر تحت وصاية من
هو رس���ول رب العالمين والمرش���د األكبر للناس أجمعين محمد ،بهذا
نتجنب التكلف ويكون قولنا أصدق وأخلص.
لرس���و ِلنا األك���رم وظائ���ف كثيرة منه���ا إعداد بيئة ُتقام فيها الش���عائر
ومعنوي���ة تجعلهم
ّ بح ّري���ة وطمأنين���ة ،وتزويد المس���لمين بمقوم���ات مادية
ُ
حكام���ا ف���ي األرض ال محكومي���ن؛ وهذا يقتضي أن تس���ري الحياة القلبية
ً
الدي���ن ف���ي حياته م���ن فرائضه
َ والروحي���ة ف���ي كل ش���يء ،فأق���ام النب���ي
ّ
عما يحبه اهلل ءكل شي ٍِّ في يبحث
ُ وكان إلى آدابه ،ودعا الناس إلى إقامته،
ّ
ويرض���اه ،وكان يواظ���ب في حياته على أدعي ٍة وأذكارٍ كثيرة ربما ال نقرأ
َ ْ َ ُ اَ رَ َ اَ هَ َ اَّ
شيك جميعا نقرأ؛ ومنها مثلاً "ل إِل إِل اهلل وحده ل ِ ً س���وى ُعش���رها ،وليتنا
َ
ش ٍء قد ٌيَ ِّ لُ
��و ع ك ْ لَىَ هَ ُ هَ ُ ْ ُ ْ ُ َ هَ ُ حْ َ ْ ُ
��دَ ،و ُه َ
ِير"؛ مائة مرة ف���ي كل غدا ٍة(((4؛
ّ ل ،ل المل��ك ول الم
فيض ما قام به .إن الوالية والصوفية الحقيقية
غيض من ِ
ٌ أي ما نقوم به
عنا
س���د ّ
بما كان النبي يقوم به ،واهلل نس���أل أن َي ّ
بإخالص َ
ٍ القيام
ُ طري ُقها
حق القيام
مس���د ما أنيط بنا ،فإننا حتى وإن قمنا بوظيفة العبودية ّ
ّ ما فعلناه
ربنا وفضل رسولنا .
لما و ّفينا شكر نعمة ّ
( ((4صحيح البخاري ،الجهاد.171 ،
( ((4صحيح البخاري ،بدء الخلق11 ،؛ صحيح مسلم ،الذكر.28 ،
[ملاعلا مَدِقو فوصتلا لهأ] 165 --------------------------------------------------------
ول اللهَّ ِ ِ إ َذا َذ َه َبان َر ُس ُالَ :ك َ روى الطُّ َف ْي ُل ْب ُن ُأ َب ِّي ْب ِن َك ْع ٍب َع ْن َأبِي ِه َق َ
َّ َ ُ َ َ هَّ ُ ْ َ
��روا الل ،اذك ُروا الل؛ ج َ هَّ اذ ُك ُ َ َ ُّ َ َّ ُ ْ
جفةِ ا الر ت ِ ��اء ���ال" :يا أيها انلاس ام َف َق َ ���ل َق َ
ُث ُل َث���ا ال َّل ْي ِ
ُ
َ َ َْ َْ َ ُ َ َ َْ َُ ََْ ُ َ
���ال ُأ َب ٌّي) ُق ْل ُتَ :يا
��اء الموت بِما فِي ِه"؛ ( َق َ ��اء الم ْوت بِما فِي ِه ،ج الرادِفة ،جتتبعه��ا َّ
َ رس َ للهَّ
ال" :ما الصال َة َع َل ْي َكَ ،ف َك ْم َأ ْج َع ُل َل َك ِم ْن َصال ِتي؟ َف َق َ ���ول ا ِ ِإ ِّني ُأ ْك ِث ُر َّ َ ُ
َ ْ َ َ ْ ْ َ َ ُ َ َ رْ ٌ ََ ْ َ
ف؟ ص ِ
الن
ُْ ُ ّ ْ َ : ت لق "؛ ك ل ي خ و ه ف ت د ز
ِ ِن إف ، ت ئشِ ا "م : ال ق ؟ ع
ُّ ُ َ َ َب الر : ت ل
ُْ ُ ق ، " ت ��ئ ِش
ْ َ ْ َ َ َ َ
ْ ْ َ ُ َ َ رْ ٌ َ َ ْ َ َ
ال" :ما ِش��ئت ،فإِن ي لك"؛ ُق ْل ُتَ :فال ُّث ُل َث ْي ِن؟ َق َ ال" :ما ِش��ئت ،فإِن زِدت فهو خ َق َ
ً ُ ْ ىَ َ َّ َ َ ْ َ َ ُ َ َ رْ ٌ َ
���ال" :إِذا تكف همك ���تَ :أ ْج َع ُل َل َك َصال ِتي ُك َّل َها؟ َق َ زِدت فه��و خي لك"؛ ُق ْل ُ
َ َُْ
َ ُْ َ َ
ك"(.((4 َويغف ُر لك ذنب
اس���تطعت.
َ وج���واب رس���ول اهلل معن���اه :با ِلغ في أداء العبادات ما
أجل ،علينا أن نأخذ من الدين قدر ما نستطيع حمله ،فالدين يسر ،أي إن
أحد إال غ َل َبه
الدين ٌ
َ ش���اد
التش���ريع يس���ير ال يعجز أحد عن القيام به ،ولن ُي ّ
أي عجز عن أن يقوم به.
وليس معنى هذا أن للمك ّلف أن يدع الفرائض ،بل إنه لو ترك الس���نن
المؤك���دة َل ُعو ِت���ب؛ ول���ه أن يزيد م���ن النوافل م���ا يس���تطيع ،وإن عزم على
"السر
ّ والقرب منه ،وهذا هو
ِ معارج محبة اهلل
ُ االستمرار فيها ُفتحت له
المحمدي" الذي ينجم عنه كش���ف القلوب؛ ومن يس���لك هذا الطريق يكن
ومؤهلاً للوالية.
َّ حقيقيا،
ًّ وصوفيا
ًّ وتقيا ح ًّقا،
مؤمنا ح ًّقاًّ ،
ً -إن شاء اهلل-
اإلمام أبو حنيفة ،واإلمام الشافعي ،واإلمام أحمد بن حنبل ،وعمر بن عبد
العزي���ز؛ كان هؤالء األفاضل ِّ
مجددين في س���احات ش���تى ،فإنهم لما رأوا
جفاف المشاعر بل موتها لدى الناس اجتهدوا ليجدوا حلاًّ لهذا ،فأنشؤوا
ودعوا الن���اس إلى هذه
الم���دارس والمجال���س للعودة بالناس إلى الس���نةَ ،
يربون كل فرد حس���ب مس���تواه وإدراكه واس���تيعابه،
المؤسس���ات ،وأخذوا ّ
زيغا؛ فما
عوجا وال ً
فكان���وا بحق رج���الاً مخلصين متفانين ،ال ترى فيه���م ً
لبثت كلماتهم أن فعلت فعلها في الناس ،حتى إن قناديل المس���اجد لتكاد
أرض���ا إال غدت
طرب���ا لحديثه���م؛ وبلغ���وا من القوة أنه���م ما ح ّلوا ً
ترق���ص ً
الزهاد إبراهيم بن أدهم ،والفضيلكأنها س���احة مغناطيس���ية ...و ِمن هؤالء ّ
بن عياض ،والجنيد البغدادي ،وب ِْش���ر الحاف���ي ،وأحمد بن حنبل ...تح ّلق
الن���اس حول هؤالء الرجال األقوي���اء ،فأخذوا عنهم األوراد واألذكار التي
واظب عليها سيدنا رسول اهلل .
ِّ
التضاد بينهما. كل هذا
رغم ِّ
واحدا َ
ً ِ
االثنان عد
ولست أدري كيف ُي ُّ
ُ
ومن النقاد من يقولُ :د ّس���ت في مؤلفات موالنا جالل الدين الرومي
كثيرا من األف���كار الحلولية
أف���كار بع���ض الحلوليي���ن الغربيين ،ويزع���م أن ً
أعداء اإلس�ل�ام في هذه
ُ دس���ها
التي يقال إنها خاصة بـ"أفضل الكاش���ي" قد َّ
المؤلفات لتشويه روح اإلسالم.
ليس لنا أن نجزم بأن المؤلفات المنسوبة لموالنا جالل الدين الرومي
وما فيها له ؛ فقد اكتشف حتى اليوم أن بعضها منحولة عليه.
منها كتاب "فيه ما فيه" يعزوه بعضهم ألفضل الكاشي ،وهذا الرجل من
أنصار األفالطونية المحدثة ،فكر طوال حياته كلها في إحياء األفالطونية،
أيضا؛
حروفي ً
ٌّ بل يمكن القول بأنه اتخذ من هذه الفكرة هد ًفا لحياته ،وهو
اعتنق مذهب فضل اهلل الحروفي الذي يرى أن الحروف ذرات الكائنات.
���دس أكاذيب
غريبا أن ُت ّ
لق���د ك���ذب أن���اس على رس���ول اهلل ،فليس ً
وافتراءات في أقوال هؤالء العظام.
وكثير من أئمة الحديث كاإلمام البخاري كانوا يعرفون هذا القول أهو
من كالم س���يدنا رس���ول اهلل أم ال؛ فجهابذة نقد المتن كانوا يقفون على
األق���وال التي ينقحونه���ا ليروا هل تفوح منها رائحة النبوة أم ال ،وهكذا تم
نقد األحاديث وتمييزها ،لكن هذا بعيد المنال في كالم الصوفية.
زد عل���ى ما س���بق أن محيي الدين بن عربي يق���ول" :حرام على غيرنا
قراءة كتبنا".
التو�سل
شرعا؟
�س�ؤال :ما حقيقة التوسل؟ وما المشروع منه والمحظور ً
شيئا وسيلة أو واسطة للوصول
شخصا أو ً
ً اجلواب :التوسل لغة أن تتخذ
إلى الهدف المطلوب ،كاس���تخدام السلم للوصول إلى السطح ،واستقالل
وس���ائط متنوعة للوصول إلى مكان ما ،فالتوس���ل هو اتخاذ هذه الوس���ائل
والوسائط لتحقيق غايتنا؛ والمقصود به هنا التوسل المعنوي.
قديما وحدي ًثا التوسل باألنبياء واألولياء
ومن المس���ائل المختلف فيها ً
والعلم���اء عل���ى اختالف مراتبهم وبعباد اهلل الصالحين؛ ثم جاءت مدرس���ة
التوسل
ُّ أبعادا جديدة؛ ويرى بعضهم إدراج
ً ابن تيمية فأعطت لهذا الجدل
في مسألة الشفاعة ،فيتناولهما في باب واحد.
وم���ن التوس���ل ما هو محظور وما هو مش���روع ،فلنش���رع ببي���ان أولهما
ثم نتبعه باآلخر:
ال واس���طة في اإلس�ل�ام بين العبد وربه؛ فللعبد أن يتوجه إلى ربه متى
ما شاء وحيثما شاء ،وأن يناجيه بلسان العبودية بال واسطة.
قل���ت "متى ما ش���اء" ألن التق���رب بالنوافل ال يتقيد بوق���ت؛ فللعبد أن
يناج���ي ربه ويدع���وه بالعبادات التي هي أروع أش���كال الدع���اء والمناجاة،
فيقف بين يديه متى ش���اء ،أما أوقات الكراهة فليس���ت من موضوعنا ،فإنما
نتحدث هنا عن العبودية مطل ًقا.
] ------------------------------------------------------------- 172نحو عقيدة صحيحة[
ُ َ ْ َ أْ َ ْ ُ َ ْ ً
وقلت "حيثما شاء" ألن رسول اهلل يقول" :ج ِعلت يِل الرض مس ِ
جدا
َو َط ُه ً
ورا"(.((4
مقاما قال عنه النبي
فش���يئا ،فيبلغ ً
ً ش���يئا
وبالنوافل يتقرب العبد من ربه ً
َ يَ ْ َ َ َّ يََّ َّ ْ رَ َ ْ ُ َ َ ْ َ َ َ َ َّ َ يََّ َ ْ
تضت علي ِهَ ،وما ل عبدِي بِش ٍء أحب إِل مِما اف " :إن اهلل ق��ال" :وما تقرب إ ِ
ذَّ ُ َ َ َ ُ
َْ َ ُ ْ َُُْ ْ ُ َ ْ َ ُ َّ ُ َ ىَّ
ل بِانلَّ َواف ِِل حت أحِبه ،فإِذا أحببته كنت س��معه الِي يسمع يَ َز ُال َع ْبدِي َي َت َق َّر ُب إ ِ يََّ
ْ َ ََ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ َ َّ َ ْ ُ َ صهُ ذَّالِي ُي ْب رِ ُ ب ِه َ ،و َب رَ َ
ص ب ِ ِه َ ،ويدهُ ال يِت يب ِطش بِهاَ ،و ِرجله ال يِت يم يِش بِهاَ ،وإِن سأل يِن ِ
أَ ُ ْ َ َّ ُ َ َ ْ ْ َ َ َ أَ ُ
َ َّ ُ (((4
لع ِطينه ،ول نِئ استعاذ يِن لعِيذنه" .
إ ًذا يمكن إقامة مثل هذه الصلة بين العبد وربه ،ف ِل َم الواسطة؟ فاهلل
َ َ ََ َ َ
تعال���ى أقرب إلى عبده م���ن حبل الوريد ،يقول تعالىَ ﴿:وإِذا س��ألك عِبادِي
َ َ َّ ُ يْ ْ ُ َ يّ َ يّ َ ٌ ُ ُ َ ْ َ َ َّ ِ َ َ اَ َ ْ َ ْ َ ُ
جيبوا يِل َولُؤمِنوا يِب لعله ْم
جيب دعوة ادلاع إِذا دع ِن فليس��ت ِ
ع ِن ف��إ ِ ِن ق ِريب أ ِ
َْ ُ ُ َ
���ور ُة َالب َق َر ِة ،)186/2 :إن اهلل تعالى واحد في ذاته وصفاته وأفعاله
(س َ يرش��دون﴾ ُ
أحدا في عبوديته.
وربوبيته ،فعلى العبد أن ال يشرك معه ً
ألي���س هذا هو ما نكرره في قراءتنا لس���ورة الفاتح���ة في صلواتنا ك ِّلها:
ْ ْ َ
الص َاط ال ُمستق َ
ني اهدِنا رِّ َْ َ ُ َ َ
اك نس��تع ُ َْ َ
َ َّ َُْ َّ
يم﴾ (سور ُة ال َفا ِت َح ِة)6-5/1 :؛ ِ ِ ﴿إِياك نعبد وإِي
أال يفيد هذا أننا نتوجه إلى ربنا تبارك وتعالى بال واس���طة وال وس���يلة بيننا
وبينه؟
وفي سورة "الكافرون" حقائق تبين أن عبودية العبد لربه تتحقق مباشرة
بال واسطة ،وأنها مرتبة في التوحيد.
اَ َ َ َ َ ْ َ ْ َ
ويبين النبي في دعائه حقيقة التوحيد بقوله" :امهلل ل مان ِع ل ِما أعطيت،
َ اَ ُ ْ َ َ َ َ ْ َ َ اَ َ َّ َ َ َ ْ َ َ اَ َ ْ َ ُ َ جْ َ ِّ ْ َ جْ َ ُّ
الد"(.((4 ول مع ِطي ل ِما منعت ،ول راد ل ِما قضيت ،ول ينفع ذا الد مِنك
( ((4صحيح البخاري ،التيمم1 ،؛ صحيح مسلم ،المساجد.3 ،
( ((4صحيح البخاري ،الرقاق.38 ،
"و اَل َر َّاد ِل َما َق َض ْي َت" فإنها وردت في
( ((4صحيح البخاري ،األذان155 ،؛ صحيح مسلم ،المساجد( 137 ،إال َ
المعجم الكبير للطبراني 133/22؛ وشعب اإليمان للبيهقي .)49/7
[لسوتلا] 173 -------------------------------------------------------------------------
ال: ف َر ُس ِ
ول اهلل َ ي ْو ًماَ ،ف َق َ الُ :ك ْن ُت َخ ْل َ
عن ابن عباس َق َ
هَّ َ جَ ْ جُ َ َ هَّ َ حَ ْ َ ْ َ ْ َ ْ َ َ ُ لاَ ُ يِّ ُ َ ِّ ُ َ لَ َ
تدهُ تَاهك، ات :احف ِظ الل يفظ��ك ،احف ِظ الل ِ "ي��ا غ م إِن أعلمك كِم ٍ
ْ َ َ َّ ُ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ َ ْ َ َ ْ َ هَّ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ ْ هَّ
إِذا س��ألت فاس��أ ِل اللَ ،وإِذا استعنت فاس��ت ِعن بِاللَِ ،واعل ْم أن األمة ل ِو اجتمعت
لَىَ َ ْ َ ْ َ ُ َ يَ ْ َ ْ َ ْ َ ُ َ اَّ يَ ْ َ ْ َ َ َ ُ هَّ ُ َ َ َ ْ ْ َ َ ُ لَىَ َ ْ
ش ٍء قد كتبه الل لكَ ،ولو اجتمعوا ع أن ع أن ينفع��وك بِش ٍء لم ينفعوك إِل ب ِ
َ ْلاَ ُ َ َ َّ ْ َ رُ ُّ َ َش�يَ ْ َ ْ َ رُ ُّ َ اَّ يَ ْ َ ْ َ َ َ ُ هَّ ُ َ َ ْ َ ُ َ
ت األق م وجفت ٍء لم يضوك إِل بِش ٍء قد كتبه الل علي��ك ،رف ِع ِ يضوك بِ�
ُّ ُ
الص ُحف"(.((4
دل���ت ه���ذه اآليات واألحاديث وأمثالها أن العبد عندما يرفع يديه إلى
معنوي
ّ ض ٍّ
لشد تعر َ
َّ
الس���ماء بالدعاء ليس بحاجة إلى وس���اطة أحد ،فإذا ما
كفاحا ،وليبوح بين
ً في هذا السبيل فقد وا َت ْته الفرص ُة ليغترف من رحمة اهلل
ربِه برغباته ويطلب منه حاجاته ،ويجدد صلته به في إطار العالقة بين يدي ّ
العابد والمعبود؛ وبهذا المعنى ال مجال للوسيلة والتوسل.
هذا وما ذكرناه هو الوجه الظاهر من الحقيقة ،لكن لها وجه باطن يأبى
ويصمون
ّ بع���ض الن���اس أن يعترفوا به ،يستمس���كون بما ذكرناه حت���ى هنا،
آذانهم عما سيأتي.
أسألكم باهلل :هل هناك َمن ينكر أن النبي واسطة ،وهو من عرج إلى
رب أمتي أمتي؟!
السموات العلى يوم اإلسراء والمعراج وعاد وهو يقول :يا ِّ
َ َ َ َْ َ
نكر وس���اطة نبي عظيم وصفه الق���رآن الكريم بقولهَ ﴿ :وما أ ْرس��لناك ه���ل ُت َ
َ َ اَّ َ مْ َ ً َ
ْ
أيضا ،إذ
���ور ُة ا َأل ْنب َِي���ا ِء ،)107/21 :وهو رحم���ة للكافرين ً
(س َ إِل رح��ة ل ِلعال ِمني﴾ ُ
فنجاهم من العذاب النفسي
حول كفرهم المطلق القطعي إلى شك وريبةّ ،
ّ
في الدنيا ،ذلك العذاب الذي ينشأ عن االعتقاد بالفناء المطلق والعدم بعد
أمرا محتملاً .
الموت ،فصاروا يرون البعث بعد الموت ً
فلو لم ُيع ِّل ْم َنا َ
دين َنا فممن كنا سنتعلمه؟ لقد تعلمنا منه مكارم األخالق،
فه���و م���ن أزال الرين عن عين اإلنس���انية ،وه���و من ب ّلغنا اآلف���اق النورانية؛
َّ
وق���د أحس الصحابة رضوان اهلل عليهم بهذا الش���عور ف���ي أعماق قلوبهم،
مباركا ووسيلة للنجاة،
ً خاص به
ّ فقالواَ " :ا ْل ِم َّن ُة هلل َو ِل َر ُسو ِل ِه" فرأوا كل شيء
تس���اقط من رأس���ه أو لحيته كأنها نزلت من الجنة، فكل ش���عرة مباركة َّ
بألي���ن القم���اش و ُتحفظ ف���ي زجاجة بأع���ز مكان ف���ي بيوتهم؛ وكل
ل���ف َ
ُفت ّ
قطرة من َوضوئه تس���اقط من أعضائه يتدافعون عليها وال يفرطون بها،
ثم يمس���حون به���ا وجوههم وعيونه���م ،كأنهم يعتق���دون أن النار لن تمس
مسه ذلك الماء المبارك؛ هذه عقيدتهم ولم يكن الرسول يمنعهم
عضوا َّ
ً
���ركا كما ُيقال ،لمنعهم من فعل ذلك، ِ
عن ذلك؛ فلو كان فعلهم هذا ش ً
فهو إنما جاء ليمحو ِّ
الشرك عن ظهر البسيطة.
( ((5مصنف ابن أبي شيبة356/6 ،؛ البيهقي :دالئل النبوة.47/7 ،
( ((5سنن ابن ماجه ،إقامة الصلوات.189 ،
ال�شفاعة
مدى؟
�س�ؤال :هل الشفاعة حق؟ ومن له أن َيشفع؟ وإلى أي ً
اجل��واب :أجل ،الش���فاعة ح���ق ،أثبتتها اآلي���ات واألحاديث س���نتناولها
في موضعها؛ سنتناول أولاً الشق الثاني من السؤال :من له أن َيشفع وإلى
جوابا عن السؤال األول كذلك.
ً مدى؟ اإلجابة هنا تعد
أي ً
الش���فاعة لألنبياء واألولياء والش���هداء ،كل حس���ب مقام���ه الذي أقامه
اهلل تعالى فيه ،وأعالها لرس���ول اهلل صاحب الفطنة العظمى ،فقد كانت
لكل نبي دعوة مس���تجابة أي ش���فاعة شفع بها في الدنيا ،أما رسول اهلل
فادخرها لآلخرة ،فهو في اآلخرة صاحب الش���فاعة العظمى؛ إذ س���تجتمع
ّ
"الحمادون" تحت "لواء الحمد" ،فيشفع صاحب "المقام المحمود"،
ّ أمته
وينال كل فرد من هذه األمة المحمدية ما يستحقه منها ،فينجو ويفوز.
يدعون
عاطفيا فيفرطون ،وقد ّ
ًّ وهذا مس��� َّلم به؛ فالش���فعاء قد يتصرفون
ألنفسهم رحمة تفوق رحمة اهلل ،وهذا ينافي األدب الواجب مع اهلل تعالى؛
] ------------------------------------------------------------- 178نحو عقيدة صحيحة[
الحلاّ ج" يشرح هذا الحديث أخذته الجذبة فخرج عندما كان "منصور َ
مخاطبا س���يد الس���ادات " :يا س���لطان األنبياء،
ً ع���ن طوره وقال ما معناه
جميعا؟ فلو أنك
ً ل���م وضع���ت هذه القيود ،لماذا لم تطلب الش���فاعة للناس
ولف
دعوت ربك بذلك الس���تجاب لك"؛ فتمثل له حينئذ رس���ول اهلل ّ ،
( ((5سنن أبي داود ،السنة20 ،؛ سنن الترمذي ،صفة القيامة.11 ،
[ةعافشلا] 179 -------------------------------------------------------------------------
عمامت���ه عل���ى عن���ق الحالج ،وقال ل���ه" :ك ِّفر عن ذنبك بحياتك ،أتحس���ب
أنن���ي قل���ت هذا الكالم من تلقاء نفس���ي؟"؛ فكان الحالج يبتس���م حتى عند
مقتله وبتر أطرافه كما تبتر أطراف الشجرة؛ فهو يعلم أن هذا الحكم صدر
في المأل األعلى ،فال مناص من التسليم والرضا.
أج���ل ،ل���و أن الرس���ول - كما قال الحالج -ش���فع عن���د ربه للناس
أجمعي���ن فلربم���ا يس���تجيب ل���ه رب���ه؛ لكن الرس���ول كل���ه أدب مع ربه،
أبدا.
فال يقول إال ما يقوله ربه وال يتعدى حدوده ً
ومن موازين الش���فاعة التي وضعها الحق تعالى أن يكون المش���فوع له
ََ ََْ ُُ َ َ َ ُ
مس���تح ًّقا لهذه الشفاعة ،وإلى هذا تشير اآلية الكريمة﴿ :فما تنفعه ْم شفاعة
َ َّ
حدودا وليس���ت
ً ���ور ُة ال ُْم َّد ِثّرِ )48/74 :؛ فبهذا نعلم أن للش���فاعة
(س َ الش��اف ِ ِعني﴾ ُ
جميع���ا ،وال قط���ع بقب���ول الش���فاعة؛ فاألس���اس هنا هي المش���يئة
ً للن���اس
اإللهية القائمة في كل ش���أن وأمر ،فالكافر يخرجه كفره عن دائرة الش���فاعة
م���ن البداية؛ فال يس���تطيع أحد أن يش���فع ل���ه ،وال تقبل منه هذه الش���فاعة
إن قام بها.
َ ذَّ َ َ ُ ُ َ
ِين يقولون ويعلمنا القرآن دعاء فيه وجوب التمس���ك بعلو الهمة ﴿وال
ْ َ ْ َ َ َ ُ ّ َّ َ ُ َّ َ َ ْ ينُ َ ْ َ ْ َ ْ ُ َّ َ َ ً َ َّ َ َ ْ لنَ َ
���ور ُة
ُ َ (س ﴾ ا ام جنا وذ ِريات ِن��ا قرة أع ٍ واجعلن��ا ل ِلمت ِقني إِم
ربن��ا هب ا مِ��ن أزوا ِ
أزواجا وذرية صالحة تق���ر بها أعيننا،
ً ���ان)74/25 :؛ أي ه���ب لن���ا يا ربن���ا
ال ُفر َق ِ
ْ
وأوالدا
ً يش���دون من أزرنا ويش���وقوننا في س���يرنا إليك،
ّ هب لنا رفقاء حياة
وذري���ة تكون أعمالهم ودعواتهم الصالحة وس���يلة النهم���ار رحمتك علينا
بع���د وفاتن���ا ،وال تقط���ع بنا يا ربنا عن���د مرتبة المتقين ،ب���ل ب ّل ْغنا مرتبة إمام
من علينا بخدمة اإلس�ل�ام في وقت يوضع فيه نير الخدمة
المتقين؛ اللهم ّ
وخزيا عند اآلخرين ،وشرفنا اللهم بإمامة المتقين.
ً عارا
عن الدين ،و ُتعد ً
] ------------------------------------------------------------- 180نحو عقيدة صحيحة[
مث���ل ه���ذا الفهم يعبر عن الهمة العالي���ة ،ويرجو صاحبه أن يكون أهلاً
للش���فاعة بحدودها الس���ابقة ،ولو لم يش���أ اهلل تعالى أن يعطينا ما نسأله لما
أعطان���ا أولاً صالحية الس���ؤال؛ فم���ا دام قد أعطانا ه���ذه الصالحية وع ّلمنا
كيف نطلب وكيف نسأل فسيعطينا ما نسأل ،نرجو هذا وننتظره من رحمته
جيدا؛ أجل ،فاالكتفاء بطلب ركن في الجنة
الواسعة؛ فعلينا فهم هذا األمر ً
دلي���ل عل���ى ضعف الهم���ة ،فاهلل يوجهن���ا لتكون همتن���ا عالي���ة ،فنطلب منه
إماما للمتقين ليكرمنا بالشفاعة لهم.
أن يجعلنا ً
ُ ْ ىَ ُ ٌ
مش���هدا من مش���اهد اآلخرة فقال" :يدع نوح ً حكى لنا رس���ول اهلل
َ ُ ُ َ َ ُ َ َّ َ َْ ُ َ َ
ُُ ُ َ ُ ْ ىَ َ َ ُ َ ُ َ ْ َ َّ ْ َ َ َ ُ ُ َ َ
فيقال :ه��ل بلغت؟ فيقول :نع ْم ،في��دع ق ْومه ،فيقال :ه��ل بلغك ْم؟ فيقولون:
َ َ َ َ ْ َ َ َ ُ َ ُ َ ْ ُ ُ ُ َ َ َ ُ ُ حُ َ َّ ٌ ُ َّ ُ ُ َ َ َ ََ َ ْ َ
ِيرَ ،وما أتانا مِن أح ٍد ،فيقال :من شهودك؟ فيقول ممد َوأمته" ،قال: ٍ ما أتانا مِن نذ
َ َ َ َ َ ْ َ ُ ُ َّ ً ُ ْ َ ْ َ ُ َ َ َّ َ َّ َ ُ ْ ىَ
���و ُل اهللَ ﴿ :وكذل ِك جعلناك ْم أمة ق َ ك
َ ون أن ُه ق ْد بَل َغ"َ ،ف َذ ِ
ل د ��هش ت م ك ِ ب ت "فيؤ
َ ُ
ْ لَىَ ُ
ً َ ُ ْ ْ َ َ َ ُ َ َّ ُ ُ َ
��ه َد َ ُ َ ً
الب َق َر ِة:
ور ُة َ(س َاس ويكون الرسول عليكم ش ِهيدا﴾ ُ اء ع انلَّ ِ َوسطا تِلَكونوا ش
.((5(")143/2
َ َ ََُ ُ َ ْ َ َّ ُ َ ْ َ َّ ُ ََُ ُ َ َ ُْ ُ
��م أنه ْم قد بلغوا؟" ق��ال :فيقولون: "وما عِلمك ْم ب ِ ِه وف���ي رواية " :فيق��ال:
ْ ُ ْ َ َ ُ َ ُ َ َ َ ُ َ ْ َّ َ َ ُ َّ َ ْ َ ْ ُ َّ َ َ ْ رَ َ َ َ َ َ َ ُ لنُ َ
بنا أنهم قد بلغوا فصدقناه" ،قال :فيقال" :صدقتم"(.((5 كتاب أخ َ
"جاءنا رسو ا ب ِ ِ ٍ
أج���ل ،فالش���فاعة ح���ق وحقيقة؛ وسيش���فع العظماء في الح���دود التي
وضعها اهلل تعالى؛ فإن قلنا الشهادة نوع من الشفاعة ،فأمة محمد بأجمعها
ستش َفع بهذا المعنى.
أما من ينكر الش���فاعة فقد خس���ر الدنيا واآلخرة ،فاهلل تعالى س���يعامل
عبيده بحسب معرفتهم ِّ
وظنهم به سبحانه.
أن وال���دي الرس���ول آمن���ا ب���ه ،فنعما بالنج���اة والمغفرة .نع���م ،فقد ورد
َّ ���ول ا ِ
ار" ،فلما قفى هللَ ،أ ْي َن َأبِي؟ َق َ
ال :يِ"ف انل ِ الَ :يا َر ُس َسَ :أ َّن َر ُجلاً َق َ
َع ْن َأ َن ٍ
َّ َ
َ َ َ َ َّ
ار"(((5؛ لكن هذا قبل إحياء اهلل تعالى والديه دع���اه ،فق���ال" :إِن أ يِب وأباك يِف انل ِ
وإيمانهما له .
في درس ومس���امرة مع الش���باب كان أحد إخواننا يشرح حقائق الدين
العلوية ،وما لبث الحديث أن انتقل إلى الحوادث واألخبار اليومية ،فتناول
ِ
والخطط الجهنمية والمظالم التي يقترفونها
ِ ما يحدث في العالم الش���يوعي
الت���ي يري���دون تطبيقها في المس���تقبل ،فأخذت الحماس���ة مأخذها من أحد
الش���باب فجع���ل يق���ول" :يجب قت���ل كل الش���يوعيين وتمزيقهم ْإر ًب���ا ْإر ًبا"،
وس���رعان ما أجابه ش���اب آخر كان في ركن من الغرفة يستمع إليهم بشوق
ووج���د عميق ،ويتنس���م عبير هذا الجو المبارك أول م���رة في حياته ،قال له
بنفس الحماس والوجد" :يا صديقي! أي قتل وذبح هذا الذي تتكلم عنه؟
أيضا ضحية بائس���ة ألنني
لذهبت أنا ً
ُ قمت باألمس بتنفيذ ما تقوله اآلن
فلو َ
واح���دا منهم ،وها أنت ترى أنني اليوم من ه���ذه المجموعة المباركة
ً كن���ت
قطعت مسافة كما بين السماء واألرض ،وأقسم
ُ فبين األمس واليوم
الطاهرةْ ،
أن ممن تطلقون عليهم اسم العدو والجبهة المعارضة آال ًفا مثلي ينتظرون
الخ�ل�اص ،فه���ؤالء ال ينتظرون منكم الصفعات ب���ل الرحمات ،فلو مددتم
أيديكم إليهم ألصبحوا مثلكم؛ فما هو واجب الوقت :القتل أم اإلحياء؟"؛
فأ ّثرت هذه الكلمات الصادقة المخلصة فيهم حتى أجهشوا بالبكاء.
[ةرتفلا لهأ] 185 ----------------------------------------------------------------------
ويس���تنبط
وأصل األعراف ما بين هذا المكان وذاك من منزل أو س���ورُ ،
ٍ
ألحد بها. علم
من آيات األعراف أنها تقع بين الجنة والنار ،أما ماهيتها فال َ
من هم أصحاب األعراف؟ في المسألة أقوال؛ ولم نعثر على نقل فيها
سوى ما ورد في القرآن الكريم فاقتصر األمر على العقل.
وكأ َّن���ه يتغي���ر ،وإذا بأصح���اب األع���راف ين���ادون أصح���اب الجن���ة قائلين:
اَ َ ْ ُ حَ ُ َ
ْ َْ ْ َ ْ َ َْ ُ
َ َ ٌ جْ َّ َ اَ ُْ ُ ُ
اف.)49/7 :
أل ْعر ِ
(س َ َ
ور ُة ا َ ﴿ادخلوا النة ل خوف عليكم ول أنتم تزنون﴾ ُ
ََ َ َ ْ َ ُ
اب انلَّ
ار
ِ أما المش���هد الثالث فهو كما ذكر القرآن الكريم﴿ :ونادى أصح ّ
َ ْ َ َ جْ َ َّ َ ْ َ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َّ َ َ َ ُ ُ ُ َ ُ َّ َ َ َّ َ ُ َ
أصحاب الن ِة أن أفِيضوا علينا مِن الماءِ أو مِما رزقكم اهلل قالوا إِن اهلل حرمهما
َ لَىَ ْ اَ
اف.)50/7 :أل ْعر ِ
(س َ َ
ور ُة ا َ ع الكف ِِرين﴾ ُ
واهلل تعال���ى يعل���م حقيق���ة كل ش���يء وماهيت���ه ،ف�ل�ا أحد يعل���م حقيقة
األعراف وأصحابها إال هو سبحانه.
تربية جهنم
�س�ؤال :هل لجهنم دور في إصالح وتهذيب أهلها؟
جازى فيها المرء عل���ى األعمال الطالحة،
اجل��واب :جهنم دار ج���زاء؛ ُي َ
فينال جزاءه على ما اقترف من ذنوب وآثام في الدنيا.
فم���ن الناس َم���ن ينقضي أمرهم في القبر ،فمثلاً يقول بعض الس���لف
لم���ن رآه ف���ي المنامُ :ع ّذبنا س���تة أش���هر وانقضى األمر .ف���إن صدقت تلك
الرؤى فالمقصود حساب المقربين.
( ((5صحيح البخاري ،التوحيد19 ،؛ سنن الترمذي ،البر( 61 ،واللفظ للترمذي).
] ------------------------------------------------------------- 192نحو عقيدة صحيحة[
الرقاق.51 ،
( ((6صحيح البخاريِّ ،
"ال �إكراه يف الدين"
ْ اَ
ين﴾ ُ(س َور ُة َالب َق َر ِة)256/2 :؟ �س�ؤال :ما معنى هذه اآلية ﴿ل إِك َر َاه يِف ا ّ ِ
دل ِ
ي���ردان اإلكراه؛ فاإلك���راه يناقض روح
اجل��واب :جوهر الدي���ن وروحه ّ
أس���اس تق���وم علي���ه معامالت���ه؛
ٌ الدي���ن ،واإلرادة واالختي���ار ف���ي اإلس�ل�ام
فع���ل جرى باإلك���راه س���واء كان ذلك
ٍ ف�ل�ا اعتب���ار أو قب���ول ألي عم���ل أو
َّ َ
ف���ي العقائ���د أم العب���ادات أم المعام�ل�ات؛ فمثل ه���ذا يخالف قاع���دة "إِنما
أْ َ ْ َ ُ ِّ َّ
ات"( ((6ويناقض مقتضاها. العمال با ِنلي ِ
أيضا إكراه
يج���وز ً
ّ يجوز اإلس�ل�ام اإلك���راه في معامالت���ه ،ال
وكم���ا ال ّ
اآلخري���ن عل���ى الدخول في اإلس�ل�ام؛ فلكل فرد مطل���ق الحرية ،فالذميون
مثلاً إذا دفعوا الجزية والخراج ضمن لهم اإلس�ل�ام س�ل�امة حياتهم؛ فأفق
الحد.
ّ ورحب إلى هذا
ٌ واسع
ٌ المسامحة في اإلسالم
بع���ض اآليات
ِ حكم
ُ ولتقوي���م ه���ذه المس���ألة ِم ْن منظ���ور آخر نق���ول:
مقص���ور عل���ى مراحل معين���ة ،وقد تأتي هذه المراحل بي���ن عهود النهوض
ٌ
مقصورا
ً والكم���ال وبين عهود االنحط���اط والتخلف ،ولكن يبق���ى الحكم
َ ُ ْ َ َ ُّ َ ْ اَ
عل���ى تلك المرحل���ة؛ مثال ذلك س���ورة "الكافرون"﴿ :قل يا ايه��ا الكف ُِرون
اَ َ َ اَ ٌ َ َ َ ْ ُ اَ َ ْ ُ اَ ُ َ َ َ ْ ُ ُ اَ َ ْ ُ ُ َ َ ْ ُ ُ َ
ل أعب��د م��ا تعبدون َ ول انت ْم عبِدون ما أعبد َ ول أنا عبِد ما عبدت ْم
َ ُ ْ ُ ُ ْ َ َ َ اَ َ ْ ُ ْ اَ ُ َ َ َ ْ ُ ُ
ِين﴾ فحكم هذه اآليات ول أنت��م عبِدون ما أعبد لكم دِينكم و يِل د ِ
مقصور على مرحلة وفترة معينة.
ونظ���ر ُة ه���ؤالء إلى العلم بش���عبه وفروع���ه كلها واحد ٌة ،ه���ذا ما عليه
الماديين نقدوا
ّ ثمة كثيرون حتى من العلماء
العال���م اليوم؛ ورغم كل هذا َّ
عضوا ،فلم َيس���لم منها ش���يء؛
ً عضوا
ً نظري���ة داروي���ن وفندوها وطعنوها
أوروبا وأمريكاّ ،أما في روس���يا فما يزال
ّ علنا ف���ي
جليا ً
وه���ذا األم���ر نراه ًّ
ٍ
بصمت وخفاء. يجري
أما في تركيا فما يرفع لواء هذه النظرية ويسعى لخدمة هذا الفكر سوى
نفر من هيئة التدريس بالجامعة وفئة من المعلمين؛ ِّ
يقدمون هذه النظرية في
الغضة.
مادة "علم األحياء" وكأنها هي الحقيقة عينها ،فيفسدون العقول َّ
تناولتها
ُ علميا مفصلاً ،فقد
ًّ ولن أعمد هنا إلى تحليل المس���ألة تحليلاً
عقائديا،
ًّ بالتفصي���ل في إح���دى المحاضرات( ،((6ثم تناولها بع���ض اإلخوة
وتبل���ورت جهودهم في كتب ومجلدات مفيدة ،فأحيل إليها لالس���تفصال،
ألقتصر على جواب السؤال.
تبعا لهذه الش���روط؛ مثال ذلك أن الحصان قبل ماليين الس���نين كان
تتحقق ً
صغيرا له خمس���ة أظافر في ال َقدم ،فلما أتت عليه هذه الس���نون كبر
ً حيوا ًنا
ٍ
واحد. بظفر
ٍ وبقي
قب���ل بضع س���نوات أعلن أح���د أنص���ار الداروينية الحديث���ة للعالم أنه
وقدم هذه الجمجمة
اكتش���ف جمجمة فيها صفات بش���رية وأخرى قرديةَّ ،
دلي�ًل�اً عل���ى تط���ور القرد إلى إنس���ان ،وما ط���ال األمر حتى ُكش���ف القناع،
أن الفك األس���فل ُر ّكب من جمجمة قرد وجمجمة إنس���ان حقيقي، وتبين ّ
أي ُر ِّكبت جمجمة واحدة من جمجمتين ،ثم وضعت هذه الجمجمة ً
أمدا
معلوما في الحمض لتوهم أنها جمجمة قديمة ،ثم ُزرعت أسنان إنسان في ً
وب ِردت ،ثم ُق ِّدمت هذه الجمجمة دليلاً على وجود الحلقة الفك األس���فل ُ
[نيوراد ةيرظن] 201 --------------------------------------------------------------------
الوس���طى بين القرد واإلنس���ان ،وكادت عملية التزوير هذه تخدع األوساط
العلمية(((6؛ ولكن بعض العلماء تنبهوا لها واكتشفوا زيفها وكذبها ،ونشروا
ذلك في الصحف والمجالت ،وبحثت الصحف الموضوع ،ونش���رت فيه
مقاالت كثيرة.
نس���ل األحياء
َ التغيرات
ُ أم���ا نظرية الطفرة اإلحيائية فتقضي بأن تعتري
إن تعرضت األحياء لطفرات إحيائية ،وهذه التغيرات أس���اس ظهور أنواع
األحياء كلها.
كائن متميز ُكتب لنس���له االس���تمرار إلى يوم القيامة ،فكيف يتيس���ر
إ ًذا وهو ٌ
ظه���ور كائ���ن مثله من خ�ل�ال الطفرات اإلحيائية وال يتيس���ر ه���ذا لما دونه
م���ن المخلوق���ات؟ ووق���وع ه���ذا األم���ر ليس له بره���ان حقيق���ي ،فهو ليس
مستحيلاً عقلاً فحسب بل يستحيل تخيله.
ورغم هذا ك ّله نرى الماديين يناصرون النظرية التطورية مناصرة عمياء
ألن التطور أحد القواعد
أبدا وإن تناقضت مع العل���مّ ،
وال يتخ َّل���ون عنه���ا ً
وركن من أركانها ،وألن ماركس وإنجلز
ٌ وسندها
ُ الرئيسة للمادية التاريخية
َت َّبنيا هذه النظرية.
المادية،
ّ يرى هؤالء أن حل أي قضية أو تفسيرها ال يكون إال بالنظرة
وي َأبون أن يقولوا" :لم نس���تطع تفس���ير هذه المس���ألة ،إ ًذا فال بد من وجود
َ
التنصل من
ّ ق���وة معنوي���ة" ،وإنم���ا يبذلون من الجه���ود ما يبذلون من أج���ل
كثيرا عن
اعت���راف كه���ذا ،وه���ذه الجه���ود والمحاوالت اليائس���ة أبعدته���م ً
العق���ل والمنطق واالعتدال في الس���لوك والبحث ،ب���ل أرغمتهم على كثير
م���ن التزوير والخ���داع وأالعيب المنطق التي ال تليق بالعامي فكيف برجل
ّ
وجوههم خجلاً .
ُ حم ُّر
العلم؛ وهذا ما جعلهم في كل مرة َت َ
[نيوراد ةيرظن] 203 --------------------------------------------------------------------
ِ
الس ِج ْستاني
أبو داود ،سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو األزدي ّ
(ت275 :ه���ـ)؛ س���نن أب���ي داود؛ تحقي���ق :محمد محي���ي الدين عب���د الحميد؛ المكتب���ة العصرية،
صيدا-بيروت؛ .4-1
أحمد بن حنبل ،أحمد بن حنبل أبو عبداهلل الشيباني؛ مسند اإلمام أحمد بن حنبل؛ مؤسسة
الرس���الة ،الطبع���ة األول���ى1421 ،ه���ـ 2001 -م؛ [المحق���ق :ش���عيب األرنؤوط -عادل مرش���د،
وآخرون].45-1 ،
البخ���اري ،محمد بن إس���ماعيل أبو عبداهلل البخ���اري الجعفي (ت256 :هـ870/م)؛ الجامع
الصحيح؛ تحقيق :محمد زهير بن ناصر الناصر؛ دار طوق النجاة ،9-1 ،الطبعة األولى1422 ،ه.
____ ،ش���عب اإليم���ان؛ تحقي���ق :عبد العلي عب���د الحميد حامد؛ مكتبة الرش���د ،الرياض،
،14-1الطبعة األولى 1423 ،هـ2003/م.
] ------------------------------------------------------------- 206نحو عقيدة صحيحة[
جيمس هنري برس���تد " ،"James Henry Breastedتاريخ مصر من أقدم العصور إلى الفتح
الفارسي [ترجمة كتاب "]"A history of Egypt, from the earliest times to the Persian conquest؛
ترجمة :د .حسن كمال؛ مكتبة مدبولي ،القاهرة1416 ،ه1996/م.
الدوان���ي ،أب���و عب���د اهلل ج�ل�ال الدين محمد بن أس���عد ب���ن محم���د (ت908 :ه1502/مـ)؛
الزوراء؛ مخطوط (كتبت سنة 1309ه)؛ مكتبة جامعة ملك سعود ،رقم.3453 :
الواق���دي ،محم���د بن عمر بن واقد الس���همي األس���لمي بالوالء ،المدني ،أب���و عبد اهلل (ت:
207هـ)؛ فتوح الشام؛ دار الكتب العلمية ،2-1 ،الطبعة األولى1417 ،ه1997/م.
الحاك���م ،أب���و عبد اهلل الحاكم محمد بن عب���د اهلل بن محمد بن حمدويه بن ُنعيم بن الحكم
الضبي الطهماني النيس���ابوري (ت405 :هـ)؛ المس���تدرك على الصحيحين؛ تحقيق :مصطفى عبد
القادر عطا؛ دار الكتب العلمية ،بيروت ،4-1 ،الطبعة األولى1411 ،هـ1990/م.
الطبراني ،سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي ،أبو القاسم (ت360 :هـ)؛
المعج���م الكبي���ر؛ تحقي���ق :حمدي بن عبد المجيد الس���لفي؛ مكتب���ة ابن تيمي���ة ،القاهرة،25-1 ،
الطبعة األولى1415 ،هـ1994/م.
الطيالس���ي ،أبو داود س���ليمان بن داود بن الجارود الطيالس���ي البصري (ت204 :هـ)؛ مسند
أبي داود الطيالس���ي؛ تحقيق :الدكتور محمد بن عبد المحس���ن التركي؛ دار هجر ،مصر،4-1 ،
الطبعة األولى1419 ،هـ1999/م.
مس���لم ،مسلم بن الحجاج أبو الحس���ن القشيري النيسابوري (ت261 :هـ)؛ صحيح مسلم؛
تحقيق :محمد فؤاد عبد الباقي؛ دار إحياء التراث العربي ،بيروت.5-1 ،
مصطفى محمود( ،ت2009 :م)؛ حوار مع صديقي الملحد؛ دار المعارف1986 ،م.
موالن���ا ج�ل�ال الدين الرومي ،محم���د بن محمد بن حس���ين (ت672 :ه1273/مـ)؛ مثنوي؛
ترجمة :إبراهيم الدسوقي شتا؛ 1416 ،4-1ه1996/م.
النس���ائي ،أب���و عب���د الرحمن أحمد بن ش���عيب بن علي الخراس���اني (ت303 :هـ)؛ الس���نن
الكبرى؛ تحقيق :حس���ن عبد المنعم ش���لبي؛ مؤسس���ة الرس���الة ،بيروت ،10-1 ،الطبعة األولى،
1421هـ2001/م.
[رداصم] 207 --------------------------------------------------------------------------
الس���خاوي ،ش���مس الدي���ن أب���و الخير محمد ب���ن عبد الرحم���ن بن محمد الس���خاوي (ت:
902هـ)؛ المقاصد الحس���نة في بيان كثير من األحاديث المش���تهرة على األلس���نة؛ تحقيق :محمد
عثمان الخشت؛ دار الكتاب العربي ،بيروت ،الطبعة األولى1405 ،ه1985/م.
ورسي ،بديع الزمان (ت1960 :م)؛ من كليات رسائل النور :الكلمات؛ دار النيل
سعيد ال ُّن ْ
للطباعة والنشر ،إسطنبول ،الطبعة الثانية1432 ،ه2011/م.
____ ،من كليات رس���ائل النور :اللمعات؛ دار النيل للطباعة والنش���ر ،إس���طنبول ،الطبعة
الثانية1432 ،ه2011/م.
____ ،م���ن كلي���ات رس���ائل الن���ور :المثن���وي العربي الن���وري؛ دار النيل للطباعة والنش���ر،
إسطنبول ،الطبعة الثانية1432 ،ه2011/م.
الس���هيلي ،أبو القاس���م عبد الرحمن بن عبد اهلل بن أحمد (ت581 :هـ)؛ الروض األنف في
ش���رح الس���يرة النبوية البن هش���ام؛ تحقيق :عمر عبد السالم الس�ل�امي؛ دار إحياء التراث العربي،
بيروت ،7-1 ،الطبعة األولى1421 ،هـ2000/م.
العجلوني ،إس���ماعيل بن محمد بن عبد الهادي الجراحي العجلوني الدمش���قي ،أبو الفداء
(ت1162 :هـ)؛ كشف الخفاء ومزيل اإللباس؛ المكتبة القدسي1351 ،2-1 ،هـ.
الترم���ذي ،محم���د بن عيس���ى أبو عيس���ى الترمذي الس���لمي (ت279 :هـ)؛ س���نن الترمذي؛
تحقيق :أحمد محمد شاكر؛ دار إحياء التراث العربي ،بيروت.5-1 ،