You are on page 1of 5

‫أريد تفسريا لآلية‪ :‬ما ال عني رأت وال أذن مسعت‪ .

‬و قرأت أن سيدنا حممدا‬


‫صلى اهلل عليه و سلم رأى اجلنة يف ليلة اإلسراء و املعراج أفيدوين جزاكم اهلل‬
‫خريا‪.‬‬

‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه‪ ،‬أما بعد‪:‬‬

‫فإن النص املذكور ليس بآية من القرآن الكرمي‪ ،‬ولكنه جزء من حديث قدسي‬
‫رواه‪ ‬البخاري ومسلم‪ ‬ولفظه‪ :‬عن‪ ‬أيب هريرة‪ ‬رضي اهلل عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‪ :-‬قال اهلل تعاىل‪ :‬أعددت لعبادي الصاحلني ما ال‬
‫عني رأت وال أذن مسعت وال خط ر على قلب بش ر‪ .‬ويف بعض روايات ه‪ :‬وال‬
‫يعلمه ملك مقرب وال نيب مرسل‪.‬‬

‫واحلديث جاء لبيان ما أعد اهلل تعاىل لعباده املؤمنني من النعيم املقيم األبدي‬
‫يف دار كرامت ه‪ ،‬وأن ه مل ت ر عني ق ط مثل ه‪ ،‬ومل تس مع أذن بوص فه‪ ،‬ومل خيط ر‬
‫على القلب تصوره‪ ،‬وأنه ال يعلم عظمته إال اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ويفس ر ذل ك ق ول‪ ‬أيب هري رة‪ ‬يف بعض روايات ه‪ :‬واق رؤوا إن ش ئتم‪ :‬فال تعلم‬
‫نفس ما أخفي هلم من قرة أعني جزاء مبا كانوا يعملون‪.‬‬
‫ِ‬
‫قال احلافظ يف الفتح‪َ  :‬ز َاد ابْن َم ْس عُود يِف َح ِديثه‪َ :‬واَل َي ْعلَمهُ َملَك ُمق َّ‬
‫َرب َواَل‬
‫َأخَرجَهُ اِبْن َأيِب حَامِت ‪ ...‬ووق ع يف ح ديث آخ ر أن س بب ه ذا‬ ‫نَيِب ّ ُم ْر َس ل‪ْ .‬‬
‫احلديث أن موس ى علي ه الس الم س أل رب ه من أعظم أه ل اجلن ة منزل ة فق ال‪:‬‬
‫غرس ت ك رامتهم بي دي وختمت عليه ا فال عني رأت وال أذن مسعت وال‬
‫خط ر على قلب بش ر‪ ...‬ومص داق ذل ك يف كت اب اهلل‪ :‬فال تعلم نفس م ا‬
‫أخفى هلم من قرة أعني‪..‬‬

‫قَال‪ ‬اخْلَطَّايِب ُّ‪َ  :‬كَأنَّهُ َي ُق ول‪َ :‬د ْع مَا ُأطْلِ ْعتُ ْم َعلَْي ِه فَِإنَّهُ َس ْهل يِف َجْنب مَا اُُّد ِخ َر‬
‫َ‬
‫هَلُ ْم‪.‬‬

‫وق ال‪ ‬املن اوي‪ ‬يف فيض القدير‪ :‬واستش كل ب أن جربي ل رآها‪- ‬اجلن ة‪ -‬يف عدة‬


‫أخبار‪ ،‬وأجيب بأنه تعاىل خلق ذلك فيها بعد رؤيتها‪ ،‬أو بأن املراد عني البشر‬
‫وآذاهنم‪ ،‬وبأن ذلك يتجدد هلم يف اجلنة كل وقت‪ ..‬وقيل‪ :‬املراد هنا التجليات‬
‫اإلهلية اليت يتفضل هبا احلق يف اآلخرة على خواصه‪.‬‬

‫وق ال‪ ‬القرطيب‪ ‬يف التفس ري‪  :‬قلت‪ :‬وه ذه الكرام ة إمنا هي ألعلى أه ل اجلن ة‬


‫منزالً؛ كما جاء مبيَّن اً يف صحيح مسلم عن املغرية بن ُش عبة يرفعه إىل رسول‬
‫رب‬
‫اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال‪ :‬سأل موسى ‪-‬عليه السالم‪ -‬ربّه فقال‪ :‬يا ِّ‬
‫ما أدىن أهل اجلنة منزلةً قال‪ :‬هو رجل يأيت بعدما يدخل أهل اجلنة اجلنة فيقال‬
‫رب كيف وقد نزل الناس منازهلم وأخذوا َأ َخ َذاهتم‬ ‫أي ّ‬
‫له ادخل اجلنة فيقول ْ‬
‫رضيت‬
‫ُ‬ ‫مثل ُم ْل ك َملِ ك من ملوك الدنيا فيقول‬
‫فيقال له أترضى أن يكون لك ُ‬
‫رب فيق ول ل ك ذل ك ومثل ه ومثل ه مع ه ومثل ه ومثل ه ومثل ه ومثل ه فق ال يف‬ ‫ِّ‬
‫ب‪ ،‬فيقال هذا لك وعشرة أمثاله ولك ما اشتهت نفسك‬ ‫اخلامسة رضيت َر ّ‬
‫ب فأعالهم منزل ةً قال أولئك الذين‬ ‫ب‪ ،‬قال َر ِّ‬ ‫رضيت َر ّ‬
‫ُ‬ ‫ول ّذت عينك فيقول‬
‫تمت عليها فلم تر عني ومل تسمع أذن ومل‬ ‫وخ ُ‬ ‫ت كرامتهم بيدي َ‬ ‫أردت َغَر ْس ُ‬
‫ُ‬
‫ومص داقُه من كتاب اهلل قوله تعاىل ‪ { :‬فَالَ َت ْعلَ ُم‬ ‫خَي ْطر على قلب بشر‪ .‬قال‪ْ :‬‬
‫ُأخ ِف َي هَلُم ِّمن ُقَّر ِة َْأعنُي ٍ َجَزآءً مِب َا َكانُواْ َي ْع َملُو َن }‪.‬‬
‫س َّمآ ْ‬
‫َن ْف ٌ‬
‫وق ال‪ ‬ابن عاش ور‪ ‬يف التحري ر والتن وير‪ :‬ف إن م دركات العق ول منتهي ة إىل م ا‬
‫تدرك ه األبص ار من املرئي ات من اجلم ال والزين ة‪ ،‬وم ا تدرك ه األمساع من‬
‫حماس ن األق وال وحمام دها وحماس ن النغم ات‪ ،‬وإىل م ا تبل غ إلي ه املتخيالت من‬
‫هيئ ات ِّ‬
‫يركبه ا اخلي ال من جمم وع م ا يعه ده من املرئي ات واملس ُموعات مث ل‬
‫األهنار من عس ل أو مخر أو لنب‪ ،‬ومث ل القص ور والقب اب من اللؤل ؤ ‪ ،‬ومث ل‬
‫األشجار من زبرجد ‪ ،‬واألزهار من ياقوت ‪ ،‬وتراب من مسك وعنرب ‪ ،‬فكل‬
‫ذلك قليل يف جانب ما أع ّد هلم يف اجلنة من هذه املوصوفات وال تبلغه صفات‬
‫الواص فني ألن منتهى الصفة حمصور فيما تنتهي إلي ه دالالت اللغات مما خيطر‬
‫على قل وب البش ر‪ ،‬فل ذلك ق ال الن يب ص لى اهلل علي ه وس لم « وال خط ر على‬
‫قلب بشر » وهذا كقوهلم يف تعظيم شيء ‪ :‬هذا ال يعلمه إال اهلل‪.‬‬

‫ول و تأم ل العق ل فيم ا ج اء يف وص ف اجلن ة ونعيمه ا‪ ..‬حلار يف ذل ك وملا‬


‫استطاع تصوره‪ ،‬فما بالك مبا مل يذكر مما ادخره اهلل تعاىل لعباده الصاحلني‪،‬‬
‫وق د ق ال‪ ‬ابن عب اس‪ ‬رض ي اهلل عنهم ا‪ :‬ليس يف اجلن ة ش يء مما يف ال دنيا إال‬
‫األمساء‪ .‬رواه‪ ‬البيهقي‪ ‬وصححه‪ ‬األلباين‪.‬‬

‫وعلى كل حال فال يشكل عليك رؤية نبينا ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬للجنة‬
‫الثابتة؛ ألهنا ال‪ ‬يلزم منها اطالعه ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬على كل ما فيها‪،‬‬
‫أو ما ادخر اهلل تعاىل لعباده الصاحلني من النعيم املقيم األبدي املتجدد‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬

‫عن أيب هري رة ‪ -‬رض ي اهلل عن ه ‪ -‬أن رس ول اهلل ‪ -‬ص لى اهلل علي ه وس لم ‪-‬‬
‫قال‪(( :‬قال اهلل‪ :‬أعددت لعبادي الصاحلني م ا ال عني رأت‪ ،‬وال أذن مسعت‪،‬‬
‫وال خطر على قلب بشر))؛ رواه البخاري‪.‬‬
‫ﺃﻋﺪﺩﺕ‪ :‬هيأت لعبادي ﺍﻟﺼﺎﺤﻟﻦﻴ شيًئا ﻢﻟ تَر ﺍﻟﻌﻴﻮﻥ ﻣﺜﻠﻪ‪ ،‬وال ﻤﺳﻌﺖ اآلﺫﺍﻥ‬
‫ﺑﻪ‪ ،‬وال ﺧﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺃﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻟﺒﺸﺮ‪.‬‬
‫وال ﺷﻚ ﺃﻥ ﻧﻌﻴﻢ ﺍﺠﻟﻨﺔ ﻭﺤﺗﻔﻬﺎ ﺷﻲﺀ ال ﻤﻳﻜﻦ ﻟﻺ‌ﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺼﻔﻪ؛ ألﻧﻪ ﺑﺎﻕ ال‬
‫ﻳﻠﺤﻘﻪ ﺍﻟﺘﻐﻴﺮﻴ ﻭﺍالﺤﻧﻼﻝ‪ ،‬وال ﺍﻟﻌﻄﺐ ﻭﺍالﺿﻤﺤﻼﻝ‪ ،‬ﺨﺑﻼﻑ ﻣﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ‬
‫ﻭﻧﻌﻴﻤﻬﺎ‪ ،‬ﻓﺈﻬﻧﺎ ﺳﺮﻳﻌﺔ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ‪ ،‬ﻗﻠﻴﻞ ﺍالﻧﺘﻔﺎﻉ ﻬﺑﺎ‪.‬‬

‫الفوائد‪:‬‬
‫‪ -1‬ﺑﻴﺎﻥ ﻛﻤﺎﻝ ﻧﻌﻴﻢ ﺍﺠﻟﻨﺔ‪ ،‬ﻭﺃﻥ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﺠﻳﺪﻭﻥ ﻣﻦ ﺍﻤﻟﺴﺮﺍﺕ ﺍﺨﻟﺎﻟﻴﺔ ﻣﻦ ﺃﻱ‬
‫ﻛﺪﺭ‪.‬‬
‫‪ -2‬أﻥ ﺍﺠﻟﻨﺔ ﻓﻮﻕ ﺍﻟﻮﺻﻒ‪.‬‬
‫‪ -3‬فيه ﺩﻟﻴﻞ ﻤﻟﺬﻫﺐ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺴﻨﺔ ﺃﻥ ﺍﺠﻟﻨﺔ ﺨﻣﻠﻮﻗﺔ اآلﻥ‪.‬‬
‫ني‪[ ﴾ ‬آل عم ران‪:‬‬ ‫ُأع د ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّت ل ْل ُمتَّق َ‬
‫أيضا ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻰﻟ‪ْ  ﴿ :‬‬ ‫ﻭﻤﻣﺎ ﻳﺪﻝ على ذلك ً‬
‫‪]133‬؛ ﺃﻱ‪ :‬هيئت‪.‬‬
‫‪ -4‬أﻥ ﻣﻦ ﺃﻋﻈﻢ ﻧﻌﻢ ﺃﻫﻞ ﺍﺠﻟﻨﺔ ﺭﺅﻳﺔ ﺍﻪﻠﻟ ﺗﻌﺎﻰﻟ؛ ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ‪ -‬ص لى اهلل علي ه‬
‫وسلم ‪((:-‬ﻓﻤﺎ أعطوا شيًئا ﺃﺣﺐ ﺇﻟﻴﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﺇﻰﻟ ﻭﺟﻬﻪ ﺍﻟﻜﺮﻢﻳ))‪.‬‬
‫س‪[ ﴾ ‬الس جدة‪ ،]17 :‬ﻗﺎﻝ ﺍﺑﻦ ﻛﺜﺮﻴ‪" :‬ﺃﻱ‬ ‫‪ -5‬ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻰﻟ‪ ﴿ :‬فَاَل َت ْعلَ ُم َن ْف ٌ‬
‫ﻓﻼ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﺣﺪ ﻋﻈﻤﺔ ﻣﺎ ﺃﺧﻔﻰ ﺍﻪﻠﻟ ﻬﻟﻢ ﻲﻓ ﺍﺠﻟﻨﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﺍﻤﻟﻘﻴﻢ ﻭﺍﻟﻠﺬﺍﺕ ﺍﻟﻲﺘ‬
‫ﻢﻟ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻰ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﺃﺣﺪ‪ ،‬ﻤﻟﺎ ﺃﺧﻔﻮﺍ ﺃﻋﻤﺎﻬﻟﻢ‪ ،‬ﻛﺬﻟﻚ ﺃﺧﻔﻰ ﺍﻪﻠﻟ ﻬﻟﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ‬
‫ج زاءً وفاقً ا‪ ،‬ﻓﺈﻥ ﺍﺠﻟﺰﺍﺀ ﻣﻦ ﺟﻨﺲ ﺍﻟﻌﻤﻞ))‪ ،‬ﻗﺎﻝ ﺍﺤﻟﺴﻦ ﺍﻟﺒﺼﺮﻱ‪" :‬ﺃﺧﻔﻰ ﻗﻮﻡ‬
‫ﺃﻋﻤﺎﻬﻟﻢ‪ ،‬ﻓﺄﺧﻔﻰ ﺍﻪﻠﻟ ﻬﻟﻢ ﻣﺎ ﻢﻟ َتر ﻋﻦﻴ‪ ،‬ﻭﻢﻟ ﺨﻳﻄﺮ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺐ ﺑﺸﺮ"‪.‬‬
‫ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﻗﻮﻟﻪ ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :-‬ﻣﻦ ﻳﺪﺧﻞ ﺍﺠﻟﻨﺔ ﻳﻨﻌﻢ ال يبأس‪،‬‬
‫وال ﺗﺒﻠﻰ ﺛﻴﺎﺑﻪ‪ ،‬وال ﻳﻔﻰﻨ ﺷﺒﺎﺑﻪ))؛ ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ‪.‬‬
‫ﻭﻗﺎﻝ ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪(( :-‬ﺇﻥ ﻟﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﺼﺤﻮﺍ ﻓﻼ ﺗﺴﺄﻣﻮﺍ‪ ،‬ﻭﺤﺗﻴﻮﺍ ﻓﻼ‬
‫متوتوا))؛‪ ‬ﺭﻭﺍﻩ ﻣﺴﻠﻢ‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

You might also like