You are on page 1of 183

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪1‬‬
‫‪2‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫نسخة إلكرتونية‬
‫‪.................................‬‬
‫للتواصل مع املؤلف‬
‫‪proftaha11@gmail.com‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬
‫‪3‬‬
‫‪4‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪5‬‬

‫‪E‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الحمد هلل الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا‪ ،‬ق ّي ًما‪،‬‬
‫قويما‪ ،‬وألسقامهم شفاء‬
‫ً‬ ‫نورا مبينًا‪ ،‬وللناس هدى‬
‫جعله اهلل تعالى للحياة ً‬
‫وذكرا خالدً ا إلى‬ ‫ً‬ ‫عظيما‪ ،‬وجعله تبيانًا لكل شيء‪ ،‬ورحمة وبشرى للمؤمنين‪،‬‬ ‫ً‬
‫يوم الدين‪ ،‬فهو‪« :‬ا ْل ِع ْص َم ُة ا ْل َواقِ َيةُ‪َ ،‬والنِّ ْع َم ُة ا ْل َباقِ َية‪َ ،‬وا ْل ُح َّج ُة ا ْل َبال ِ َغةُ‪َ ،‬والدَّ َل َل ُة‬
‫ور‪َ ،‬وا ْل َح َك ُم ا ْل َعدْ ُل ِعنْدَ مشتبهات األمور‪ ،‬وهو‬ ‫الصدُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدَّ ام َغةُ‪َ ،‬و ُه َو ش َفا ُء ُّ‬
‫ِ‬ ‫اج َل َي ْخ ُبو ِض َي ُ‬ ‫ِ‬
‫اب‬ ‫اؤ ُه‪َ ،‬وش َه ٌ‬ ‫باله ْزل‪ ،‬س َر ٌ‬ ‫الج ْزل‪ ،‬وال َف ْصل الذي ليس َ‬ ‫الكالم َ‬
‫ول‪َ ،‬و َظ َه َر ْت‬ ‫وثناؤه‪َ ،‬و َب ْح ٌر َل ُيدْ َر ُك َغ ْو ُر ُه‪َ ،‬ب َه َر ْت َب َل َغ ُت ُه ا ْل ُع ُق َ‬
‫ُ‬ ‫َل َي ْخ َمدُ ُ‬
‫نوره‬
‫يط بِ َو ْص ِف ِه‬ ‫ح ُ‬ ‫‪...‬ل يس َت ْق ِصي معانِيه َفهم ا ْل َخ ْل ِق‪ ،‬و َل ي ِ‬
‫َ ُ‬ ‫ََ َُ ْ ُ‬
‫ٍ‬
‫اح ُت ُه َع َلى ك ُِّل َم ُقول َ َ ْ‬ ‫َف َص َ‬
‫ف فِ ْك َر ُه‬‫ف ِه َّم َت ُه إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و َو َق َ‬ ‫الس ِعيدُ َم ْن َص َر َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َع َلى ْال ْط َلق ُذو ال ِّل َسان ال َّط ْل ِق‪َ ،‬ف َّ‬
‫اص َط َفا ُه لِلت َّْذكِ ِير بِ ِه َو َت َذك ُِّر ِه‪َ ،‬ف ُه َو‬ ‫و َع ْزمه َع َلي ِه‪ ،‬وا ْلمو َّف ُق من و َّف َقه ِ ِ‬
‫اهَّلل لتَدَ ُّب ِره‪َ ،‬و ْ‬
‫َ َُ ْ َ َُ َ ْ َ ُ ُ‬
‫اض‪َ ،‬و َي ْك َر ُع مِنْ ُه فِي ِح َي ٍ‬
‫اض» (‪.)1‬‬ ‫َي ْر َت ُع مِنْ ُه فِي ِر َي ٍ‬

‫وقد جعل اهلل تعالى ورثة كتابه هم األصفياء من عباده‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ﴾ [فاطر‪ ،]32 ،31 :‬وجعل حملته‬

‫(( ( الربهان يف علوم القرآن (‪.)4-2 /1‬‬


‫‪6‬‬

‫العلماء الراسخين من أوليائه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ‬

‫ﲉ ﲊ ﲋ ﴾ [العنكبوت‪ ،]49 :‬فما أقبلت على تع ّلمه وتد ّبره والعمل‬


‫به أمة إال ُهديت وسعدت‪ ،‬وما نسيتْه أمة وأعرضت عنه إال ِ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫شق َيت و ُع ِّذبت‪،‬‬ ‫َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ‬

‫ﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊﳋﳌﳍ﴾‬
‫�‬

‫[طه‪ ،]124 -123 :‬وال يصلح آخر هذه األمة إال بنور الوحي الذي صلح‬
‫به أولها‪ ،‬فال عجب أن يجعله أولو النهى من عباده رياض عقولهم‪ ،‬وعافية‬
‫أرواحهم‪ ،‬وبصيرة حياهتم‪.‬‬

‫وشرفه بنزول هذا الهدى على‬


‫والصالة والسالم على من اصطفاه ربه َّ‬
‫قلبه مصدّ ًقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱺ ﱻ‬

‫ﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆﲇ‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﴾ [البقرة‪ ،]97:‬وعلى آله الطاهرين‪ ،‬وصحبه‬


‫الصادقين‪ ،‬ومن سار على هديهم إلى يوم الدين‪.‬‬

‫كثير جدا‪ ،‬ومن تلك‬


‫فالكالم والتأليف يف علوم القرآن الكريم وتفسيره ٌ‬
‫المؤلفات التي اكتسبت أهمية خاصة‪ ،‬تلك التي جاءت تبحث يف مقاصده‬
‫التي تتع ّلق بالغايات العامة والكل ّيات الكربى من إنزاله‪ ،‬أو التي تبحث عن‬
‫ِ‬
‫الح َكم المقصودة من وراء تشريعاته التي أنزلها اهلل تعالى إلسعاد خلقه‪ ،‬فإذا‬
‫كان الظفر بغايات كالم البشر من أعلى المطالب لكل قارئ ومستمع‪ ،‬فكيف‬
‫‪7‬‬

‫بمن يظفر بغاية كالم خالق البشر الذي هو النعمة المسداة والرحمة المهداة؟!‬
‫فالبحث فيه من أشرف األعمال التي ُتبذل له الجهود والطاقات‪ ،‬و ُتفنى فيه‬
‫األعمار‪ ،‬يوصلك إلى خالصة مضمون الرسالة‪ ،‬وله أثر بعد ذلك يف مزيد فهم‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫للقرآن الكريم‪ ،‬واستنباط بعض معانيه‪ ،‬وكما له أثره عند تنزيل القرآن على‬
‫الواقع؛ من خالل التوازن بين فهم النصوص ومقاصدها‪.‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬أهمية املوضوع‪:‬‬

‫تظهر أهمية هذا الموضوع من جوانب كثيرة من أبرزها‪:‬‬

‫‪ -1‬حاجة كل مشتغل بالقرآن الكريم لإللمام بمقاصده‪ :‬فهو يهتم‬


‫بجانبين مهمين ال يستغني عنهما مشتغل بتدبر القرآن الكريم‪ ،‬يسعى لفهم‬
‫خالصة الهدى الذي ب ّثه اهلل تعالى يف كتابه‪ ،‬وهما‪:‬‬

‫األول‪ :‬إبراز غاياته الكل ّية‪ ،‬وموضوعاته األساسية التي تمثل مضمون‬
‫خطابه العام‪ ،‬وهذا ال يختلف يف وجوب تع ّلمه على كل مسلم؛ ألهنا تمثل‬
‫أساسيات يقوم عليه تد ّين الفرد وفهمه الكلي لدينه فيسير على بصيرة من أمره‪،‬‬
‫فليس يجب على الخلق جمي ًعا حفظ وفهم جميع القرآن الكريم‪ ،‬فهذا مما‬
‫يصعب عليهم؛ وإنما يجب عليهم من ذلك ما تقوم به أصول وأركان دينهم‬
‫التي يف مقدمتها مقاصده الكربى‪.‬‬
‫‪8‬‬

‫والثاين‪ :‬معرفة الغايات التي يرمي إليها الشارع من خالل خطابه‪ِ ،‬‬
‫والح َكم‬
‫واألسرار المكتنزة من وراء تشريعاته‪ ،‬ودورها يف حفظ حياة الفرد‪ ،‬وتحقيق‬
‫أمن المجتمعات‪ ،‬وبناء حضارة اإلنسان وفق عقيدة متوافقة مع الفطرة السليمة‪،‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ومنهج عادل رحم اهلل به اإلنسانية‪ ،‬وحفظ به نظام العالم من الخراب‪ ،‬فحمى‬
‫شمر‬
‫من خالله مصالحهم‪ ،‬ودفع عنهم السوء والفساد‪ ،‬وألهمية هذا الجانب ّ‬
‫يف استخراجها العلماء‪ ،‬وفاز باغتنامها طلبة العلم والمصلحين من الدعاة‬
‫وغيرهم من أبناء األمة‪ ،‬الذين يعملون لنهضة األمة وازدهارها من خالل جمع‬
‫الناس على الثوابت‪ ،‬والكل ّيات‪ ،‬واألصول الجامعة‪.‬‬

‫‪ -2‬تحقيق التدبر الذي أمرنا اهلل تعالى به‪ :‬فاهلل تعالى أمرنا بالتدبر؛‬
‫والنظر؛ والتفكر؛ والتعقل؛ والتف ّقه يف دالالت آياته‪ ،‬والسعي الستنباط حكمه‬
‫وأسراره‪ ،‬بما يوصل لعمق المعاين ومراميها البعيدة‪ ،‬ويحقق تالوته حق‬
‫التالوة‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ‬
‫ﱫﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﴾ [البقرة‪ ،]121 :‬قيل يف معناه‪« :‬هم الذين‬
‫تد ّبروه حق تد ّبره‪ ،‬وتفكروا يف معانيه وحقائقه وأسراره»(‪.)1‬‬

‫وقال محمد رشيد رضا ‪« :V‬أي‪ :‬يفهمون أسراره‪ ،‬ويفقهون حكمة‬


‫تشريعه‪ ،‬وفائدة ن َْوط التكليف به»(‪.)2‬‬

‫(( ( لباب التأويل يف معاين التنزيل (‪.)75 /1‬‬


‫((( تفسير القرآن الحكيم (المنار) (‪.)368 /1‬‬
‫‪9‬‬

‫أيضا‪« :‬فمن تاله حق تالوته‪ ،‬وتد ّبره‪ ،‬وجد كل علم وحكمة‪،‬‬


‫وقال ً‬
‫وبر وم ْك ُرمة‪ ،‬حاضرا يف نفسه‪ ،‬وكل جهل وشر كان ملتا ًثا به‪،‬‬
‫وخير وفضيلة‪ّ ،‬‬
‫أو عرضة له ّ‬
‫كأن بينه وبينه حاجزا كثيفا‪ ،‬أو أمدً ا بعيدً ا»(‪.)1‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫وقال ال ُقرطبي ‪« :V‬فالواجب على من ّ‬


‫خصه اهلل بحفظ كتابه‬
‫ويتفهم عجائبه‪ ،‬ويتب ّين غرائبه‪،‬‬
‫ّ‬ ‫حق تالوته‪ ،‬ويتد ّبر حقائق عبارته‪،‬‬
‫أن يتلوه ّ‬
‫قال اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ﴾‬
‫[ص‪.)2(»]29 :‬‬

‫ومما ال شك فيه أن العلماء ما تكلموا وأبرزوا هذه المقاصد إال بعد‬


‫عكوفهم على كتاب اهلل تعالى‪ ،‬وتدبرهم العميق آلياته وسوره‪ ،‬وجمعوا‬
‫بين النظرة الجزئية والشمولية وفق استقراء تام للوصول؛ حتى خلصوا لهذه‬
‫الكل ّيات الجامعة‪ ،‬والغايات الكربى التي حدَّ دوها‪.‬‬

‫فسر‬
‫الم ِّ‬
‫فسر من التفسير‪ :‬من أعظم أغراض ُ‬
‫الم ِّ‬
‫‪ -3‬تحقيق غرض ُ‬
‫الم ِّفسر بيان‬
‫الوصول للمقاصد وبياهنا للناس‪ ،‬قال ابن عاشور‪« :V‬غرض ُ‬
‫بأتم بيان يحتمله المعنى‬
‫ما يصل إليه أو ما يقصده من مراد اهلل تعالى يف كتابه‪ّ ،‬‬
‫يوضح المراد من مقاصد القرآن‪ ،‬أو ما يتوقف عليه‬
‫وال يأباه اللفظ؛ من كل ما ّ‬
‫فهمه أكمل فهم‪ ،‬أو يخدم المقصد تفصيال وتفريعا»(‪.)3‬‬

‫(( ( تفسير المنار (‪.)180 /12‬‬


‫(( ( الجامع ألحكام القرآن (‪.)2 /1‬‬
‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)41/1‬‬
‫‪10‬‬

‫‪ -4‬زيادة وعي األمة بكتابها المجيد‪ :‬من خالل تيسير فهمه إليهم‪،‬‬
‫ويعمق‬
‫ّ‬ ‫وتعميق نظرهم يف قضاياه العليا‪ ،‬ومقاصد تشريعه‪ ،‬بما يظهر عظمته‪،‬‬
‫إيماهنم وتع ُّلقهم به‪ ،‬ويزيد من مح َّبتهم وإقبالهم عليه‪ ،‬لتع ُّلم أحكامه وهداه‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪ -5‬دحض شبهات أعداء الملة‪ :‬الذين يريدون إظهار االختالف بين‬
‫معانيه وهداياته‪ ،‬فالمقاصد الكل ّية تنتهي وتجتمع إليها جميع معاين القرآن يف‬
‫نسق تام؛ فإن االنتصار للقرآن الكريم من أعظم األعمال الصالحة‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أسباب اختيار املوضوع‪:‬‬

‫‪1- 1‬وجود التباس وتخليط كبير يف تحرير مفهوم المقاصد‪ ،‬ومضموهنا‪،‬‬


‫والمتممة‪ ،‬والكل ّية والجزئية‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫والفرق بين المقاصد العامة والخاصة‪ ،‬واألصلية‬
‫والرئيسة والثانوية‪ ،‬والكربى والصغرى‪ ،‬والفرق بينها وبين مقاصد التشريع‬
‫وغيرها‪ ،‬وعدم وجود دراسة علمية تشفي الغليل مع كثرة ما وقفت عليه من‬
‫الملحة لمثل هذا البحث وغيره‪.‬‬
‫َّ‬ ‫بحوث ودراسات‪ ،‬يؤكد الحاجة‬

‫‪2- 2‬حاجة هذا العلم إلبراز فوائده التي تظهر أهميته ومنزلته‪ ،‬وتلفت‬
‫للعناية به تأصيال وتطبي ًقا‪ ،‬بحيث يتجاوز البحث فيه هذه المراحل األولية يف‬
‫التأصيل؛ لينتقل إلى آفاق دقيقة يف التطبيق تحتاج إليها المكتبة القرآنية‪.‬‬

‫‪3- 3‬حاجة األمة اليوم لفهم واستيعاب مقاصد القرآن الكريم الكربى‪،‬‬
‫عدوا مشرتكًا يريد‬
‫واالجتماع حولها أكثر من كل فرتة سابقة‪ ،‬وهم يواجهون ً‬
‫‪11‬‬

‫اقتالع اإلسالم من جذوره بشتى الوسائل والسبل‪ ،‬مما يتطلب إبراز هذه‬
‫األساسيات والكل َّيات‪ ،‬واالجتماع حولها‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪4- 4‬كثرة التشكيك يف التشريعات اإلسالمية من قبل أعداء الم ّلة‪ ،‬يتط ّلب‬
‫إبراز مقاصده الكل ّية‪ ،‬واالنطالق منها يف الحوار مع أهل األديان وغيرهم‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬ﭐﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ‬

‫ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ‬

‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ﴾ [آل عمران‪ ،]64 :‬مع إبراز ِح َكم ومقاصد‬


‫التشريع‪ ،‬وما فيها من معان وأسرار عظيمة ُتظهر ربانية هذا التشريع؛ الذي‬
‫تجاوز قدُ رات كل الخ ْلق يف الوصول إلى ما يح ّقق مصالحهم‪.‬‬

‫‪5- 5‬حاجة طالّب العلم للوقوف على هذا المسلك العلمي المهم يف‬
‫التفسير؛ من خالل هذه المحاوالت الجادة للوصول إلى مزيد من التبصرة من‬
‫أنوار هذا الكتاب الزاهية‪ ،‬حتى يستكملوا ما بناه علماؤهم‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬أهداف البحث‪:‬‬

‫‪1- 1‬تحرير مفهوم مقاصد القرآن الكربى اصطالحا‪ ،‬وبيان الفرق بينها وبين‬
‫مقاصد الشريعة‪ ،‬ومقاصد السور‪ ،‬والتفسير المقاصدي‪ ،‬والهدايات القرآنية‪.‬‬

‫‪2- 2‬إبراز أهمية علم مقاصد القرآن الكريم بما يظهر مكانته العلمية بين‬
‫الدراسات القرآنية‪ ،‬وفوائده المرتتبة عليه‪ ،‬وجعله يف الصدارة التي تليق به علم ًيا‪.‬‬
‫‪12‬‬

‫محررة‪.‬‬
‫‪3- 3‬تحديد أقسام مقاصد القرآن الكريم وأنواعها؛ بصورة دقيقة ّ‬

‫‪4- 4‬عمل استقراء تاريخي لجميع ما قاله العلماء عن مقاصد القرآن‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫هبدف توثيقها‪.‬‬

‫‪5- 5‬دراسة جميع ما ورد عن مقاصد القرآن وتحليله؛ للوصول إلى‬


‫نتائج محددة‪ ،‬تكون معالم هادية يف التأصيل لمقاصد القرآن الكريم العامة‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬الدراسات السابقة يف املوضوع‪:‬‬

‫هنالك كثير من البحوث والدراسات حول مقاصد القرآن وقف عليها‬


‫الباحث‪ ،‬وطالع الغالب منها مطالعة متأنية؛ لالستفادة منها من جهة‪ ،‬وإدراك‬
‫أوجه اختالفها واتفاقها من جهة ثانية‪ ،‬وتقويم محتواها من جهة ثالثة‪ ،‬وغالبها‬
‫على مستوى من الجدية والجودة؛ ألهنا كتبت من أساتذة لهم خربهتم وباعهم‬
‫أن من ي ّطلع عليها يدرك تما ًما أن الموضوع ما زال يحتاج إلى‬
‫وتجربتهم‪ ،‬إال ّ‬
‫ممن كتب يف هذا الموضوع‪،‬‬
‫قدْ ر من البحث والدراسة‪ ،‬كما أوصى بذلك كثير ّ‬
‫خاصة يف النقاط التي جعلتها هد ًفا لهذه الدراسة‪.‬‬

‫وقد تميزت هذه الدراسة بجمع خالصة ما كتب يف هذا الموضوع‪،‬‬


‫دون حشو وتطويل وتكرار‪ ،‬يف صفوة بيان ح ّبرته تحبيرا‪ ،‬واصطفيته اصطفاء‪،‬‬
‫وحررته تحريرا دقيقا على مكث؛ ليكون إضافة جديدة لطالّب هذا التخصص‬
‫ّ‬
‫األسنى‪ ،‬ويعينهم يف الوصول لمقصوده األسمى؛ يف اإللمام الدقيق بمباحث‬
‫‪13‬‬

‫هذه المادة المهمة‪ ،‬من خالل هذا الجهد الذي ال ندّ عي فيه ً‬
‫كمال‪ ،‬وإنما نسأل‬
‫اهلل توفي ًقا وعونًا وسدا ًدا‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫والدراسات السابقة التي وقفت عليها كثيرة‪ ،‬أكتفي هنا بذكر أكثرها‬
‫ارتبا ًطا وتع ّل ًقا ببحثنا‪ ،‬ولها قدْ ر كبير من الجدية والموضوعية‪ ،‬وقد جاءت‬
‫على النحو اآليت‪:‬‬

‫‪ -١‬المدخل إلى مقاصد القرآن‪ :‬للدكتور عبد الكريم حامدي‪،‬‬


‫(طبعة مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض)‪ ،‬وهو من الدراسات العلمية الق ِّيمة المتميزة‬
‫يف الموضوع‪ ،‬وقد احتوى على مباحث كثيرة ال تعلق لها ببحثنا هذا‪ ،‬مثل‬
‫ِ‬
‫والحكم ‪ ،‬واألدلة على ثبوت المقاصد‪ ،‬والحاجة إلى‬ ‫مبحث الخصائص‬
‫معرفة المقاصد يف الدعوة‪ ،‬والفتوى والفقه والتفسير‪ ،..‬والبحث مع قيمته‬
‫كثيرا يف تحديد المصطلح‪ ،‬ولم‬
‫العلمية ظهر فيه تأثر كاتبه برؤيته األصولية ً‬
‫يصل لنتيجة محددة يف تحديد مضمون وأنواع مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬الذي‬
‫هو هدف وموضوع دراستنا‪.‬‬

‫‪ -2‬مقاصد القرآن قراءة معرفية تقويمية‪ :‬للدكتور محمد المنتار‪،‬‬


‫(منشورة ضمن مؤتمر جهود األمة يف خدمة القرآن الكريم)‪ ،‬وقد جاء بحثه‬
‫يف ثمان وستين ورقة‪ ،‬وهي دراسة فيها جوانب كثيرة تم ّيزه؛ من أبرزها‪ :‬جديته‬
‫يف مناقشة ما ذكره من أقوال بعض العلماء يف المقاصد‪ ،‬وهي قد اتجهت نحو‬
‫المنحى التاريخي لهذا العلم من حيث النشأة والتطور‪ ،‬مع بيان خصائص‬
‫‪14‬‬

‫كل مرحلة؛ ولكن مما يالحظ عليها النقص الكبير يف التتبع التاريخي ألقوال‬
‫العلماء حيث اختصر على بعضها‪ ،‬وركّز على المعاصرين منهم‪ ،‬مما جعل‬
‫بعض ما ّقرره من نتائج ضعيفة ال يس َّلم له فيه‪ ،‬والملحوظة الثانية على دراسته‪،‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫اتجه يف مواضع كثيرة نحو مقاصد الشريعة أكثر من عنايته بمقاصد القرآن‪،‬‬
‫ولعل طبيعة تخصصه يف أصول الفقه‪ ،‬وكثرة كتاباته يف مقاصد الشريعة‪ ،‬أ ّثرت‬
‫وغلبت عليه‪.‬‬

‫‪ -3‬مقاصد القرآن الكريم ومحاوره عند المتقدمين والمتأخرين‪ :‬للدكتور‬


‫عيسى بوعكاز‪( ،‬كلية العلوم اإلسالمية ‪ -‬جامعة باتنة)‪ ،‬وهو بحث صغير‬
‫يقع يف ست وعشرين ورقة‪ ،‬يف مجلة اإلحياء‪( ،‬العدد‪ ،20:‬عام‪2017 :‬م)‪،‬‬
‫وقد خلط بين مقاصد القرآن والتشريع‪ ،‬وذكر من المتقدمين فقط الغزالي‪،‬‬
‫وال َب َغوي‪ ،‬وابن ُج َز ّي‪ ،‬ثم تحدّ ث عن المتأخرين‪ :‬محمد رشيد رضا‪ ،‬وعبد‬
‫العظيم الزرقاين‪ ،‬ومحمد الطاهر بن عاشور‪ ،‬ومحمد الغزالي‪ ،‬ثم الخاتمة‪،‬‬
‫فجاء بحثه غير معالج لعنوانه وأهدافه‪.‬‬

‫‪ -4‬مقاربات مقاصد القرآن‪ :‬دراسة تاريخية‪ :‬لعبد الرحمن حللي‪،‬‬


‫منشور يف مجلة البحوث والدراسات بالجامعة اإلسالمية العالمية بماليزيا‪،‬‬
‫يف عدد خاص بالمقاصد‪ ،‬المجلد العشرين‪( ،‬العدد‪ :‬التاسع والثالثون‪،‬‬
‫‪1438‬هـ ‪ 2016 -‬م)‪ ،‬وقد جاء البحث يف اثنتين وأربعين ورقة‪ ،‬وهي دراسة‬
‫جادة يف تتبع تاريخي للمقاصد عند المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬وركّز بصورة‬
‫‪15‬‬

‫كبيرة على المتأخرين‪ ،‬خال ًفا لدراستي التي تتبعت فيها أقوال المتقدمين بدقة‪،‬‬
‫مع تحليالت عميقة ألقوالهم‪ ،‬أنتجت عشر نتائج لم تسبق يف دراسة كاشفة‬
‫للمقاصد حسب علمي وتت ّبعي‪ ،‬وقد أوصى صاحب الدراسة بالحاجة القائمة‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫عن دراسة تأصيلية منضبطة الستكشاف مقاصد القرآن(‪.)1‬‬

‫‪ -5‬جهود العلماء يف استنباط مقاصد القرآن الكريم‪ :‬للدكتور مسعود‬


‫بودوخة‪( ،‬جامعة سطيف – الجزائر)‪ ،‬بحث علمي يف اثنتين وثالثين ورقة‪،‬‬
‫وهو من البحوث الق ّيمة‪ ،‬منشور ضمن مؤتمر جهود األمة يف خدمة القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬هدف الدراسة‪ :‬رصد جهود علماء األمة‪ ،‬واستنباط وتبيان مقاصد‬
‫القرآن‪ ،‬ومتابعة تطور البحث يف مقاصد القرآن‪ ،‬والباحث تتبع أقوال بعض‬
‫العلماء يف رصده مما جعل الدراسة قاصرة يف تحقيق هدفها‪ ،‬وركّز على‬
‫والسيوطي‪ ،‬واألَلوسي‪،‬‬
‫المعاصرين‪ ،‬ولم يذكر من المتقدمين سوى الرازي‪ُّ ،‬‬
‫وتوصل إلى تحديد مقاصد محددة ال يتفق معه فيها الباحث‪ ،‬فهو بنى نتائج‬
‫ّ‬
‫بحثه على استقراء ناقص‪ ،‬ولم يجمع جميع األقوال ثم يدرسها دراسة مقارنة؛‬
‫للوصول لنتائج محددة‪.‬‬

‫‪ -6‬مقاصد القرآن وصلتها بالتدبر‪ :‬بحث صغير من عشرين ورقة للشيخ‬


‫علي البشر الفكي التجاين‪ ،‬شارك به يف مؤتمر التدبر‪ ،‬يهدف الباحث من خالله‬
‫إلى بيان أوجه االرتباط الوثيق الذي يجمع بين تدبر القرآن الكريم‪ ،‬ومقاصد‬

‫(( ( انظر‪ :‬خاتمة بحثه (ص‪.)227 :‬‬


‫‪16‬‬

‫الكتاب العزيز من حيث المفهوم والوسائل والمنهج‪ ،‬وتوصل إلى أهمية ربط‬
‫التدبر بمقاصد القرآن الكريم‪ ،‬فالدراسة بعيدة عن موضوعنا وهدفنا‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪ -7‬خطاب التكليف من ضيق المقاصد الشرعية إلى سعة مقاصد القرآن‪:‬‬
‫للشيخ حسن قصاب‪ ،‬وهو بحث منشور يف مجلة الفكر اإلسالمي المعاصر يف‬
‫السنة الثالثة والعشرين‪( ،‬عام‪1438 :‬هـ‪ ،‬يف العدد‪ ،)89 :‬الذي خصص عن‬
‫مقاصد القرآن يف بناء الحضارة والعمران‪ ،‬والبحث ليس يف مفهوم المقاصد‬
‫أو ما هيته؛ وإنما هو يف بيان كيف ض ّيق الفقهاء من خالل ما وضعوه من مقاصد‬
‫الشريعة‪ ،‬وما وسعه اهلل تعالى من خالل مقاصد القرآن على المكلفين؛ من‬
‫خالل استثمار الظنية الغالبة يف خطاب التكليف‪ ،‬بدل التعرض لها بالرتجيح‬
‫والتغليب وغيرها من نتائج يف هذا الباب‪ ،‬فالدراسة بعيدة عن موضوعنا‬
‫وهدفنا‪.‬‬

‫‪ -8‬المقاصد القرآنية‪ :‬دراسة منهجية‪ :‬لألستاذ الدكتور محمد بن عبد‬


‫اهلل الربيعة‪ ،‬منشور يف مجلة معهد اإلمام الشاطبي للدراسات القرآنية‪( ،‬العدد‪:‬‬
‫‪ ،27‬جمادي اآلخر‪1440‬هـ)‪ ،‬وهي دراسة اعتنت ببيان أنواع المقاصد‬
‫فصلها الباحث يف أربعة أنواع‪( :‬مقاصد عامة‪ ،‬مقاصد السورة‪،‬‬
‫القرآنية التي ّ‬
‫مقاصد القصص‪ ،‬مقاصد اآليات)‪ ،‬ثم ب َّين طرق الكشف عن كل نوع‪ ،‬مع ذكر‬
‫أمثلة تطبيقية‪ ،‬وهي دراسة متميزة كان هدفها بناء منهج تعليمي‪ ،‬وهو خالف‬
‫ما نحن بصدده من حيث الهدف والموضوع‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫‪ -9‬أمهات مقاصد القرآن‪ :‬رسالة دكتوراه للباحث عز الدين بن سعد‬


‫الجزائري‪ ،‬وهو من أوسع الدراسات الحديثة ومن أميزها‪ ،‬والكالم عنها‬
‫يحتاج لدراسة خاصة‪ ،‬ولكن النتائج التي توصل إليها على أهنا هي مقاصد‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫القرآن ال يس ّلم له يف غالبها‪ ،‬حيث انتهى إلى تصنيف أمهات مقاصد القرآن يف‬
‫تسعة مقاصد‪ ،‬ر ّتبها حسب األهمية إلى المقصد األقصى (إخالص العبودية‬
‫هلل)‪ ،‬والمقاصد األساسية (العلم الحق‪ ،‬اإليمان الصحيح‪ ،‬العمل الصالح)‪،‬‬
‫والمقاصد الخادمة (الوازع‪ ،‬التذكير‪ ،‬الوعظ‪ ،‬الصرب‪ ،‬اإلحسان)(‪ ،)1‬كما أن‬
‫منهجنا يف تحرير المقاصد اختلف عما تبعه الباحث‪.‬‬

‫‪ -10‬مقاصد القرآن ومحتوياته وخصائص سوره وفوائدها‪ :‬لعبد‬


‫اهلل التليدي‪ ،‬وهو كتاب يقع يف أربعمائة وأرب ٍع وخمسين ورقة‪ ،‬تحدّ ث عن‬
‫مقاصد القرآن يف المقدمة بصورة مختصرة جدً ا‪ ،‬ثم تكلم عن كل سورة من‬
‫حيث مقصدها الذي قصد به محتواها‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬من أول القرآن حتى‬
‫سورة الناس‪ ،‬بصورة مختصرة عامة خلت من المنهجية البحثية‪ ،‬فهو مؤ َّلف‬
‫عام َّ‬
‫لعل كاتبه قصد به معلومات عامة لعامة الناس‪.‬‬

‫‪ -11‬االتجاه المقاصدي للقرآن الكريم‪ :‬لمحمد علي أسعد‪ ،‬منشور‬


‫يف مجلة إسالمية المعرفة‪( ،‬العدد‪ ،89 :‬سنة‪1438 :‬هـ)‪ ،‬وهدفه هو التأصيل‬
‫فسر فيه‪ ،‬فهو تحدّ ث‬
‫الم ِّ‬
‫لالتجاه المقاصدي يف التفسير ببيان ركائز وواجب ُ‬

‫(( ( انظر‪ :‬أمهات مقاصد القرآن (ص‪.)449 -447 :‬‬


‫‪18‬‬

‫عن مفهوم التفسير المقاصدي‪ ،‬وإثبات مشروعيته‪ ،‬وعالقته بأنواع التفسير‬


‫األخرى‪ ،‬وهو يبعد عن موضوع دراستنا‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪ -12‬التفسير المقاصدي تأصيل وتطبيق‪ :‬للدكتور مشرف بن أحمد بن‬
‫جمعان الزهراين‪ ،‬هدفه كشف العالقة بين التفسير والمقاصد‪ ،‬وهو يرى أنه ال‬
‫فرق بين مقاصد الشريعة ومقاصد القرآن‪ ،‬وهذا خالف ما ّقرره عامة علماء‬
‫التفسير‪ ،‬ولهذا جعل يف بحثه؛ االتجاه المقاصدي يف التفسير منحصرا عن‬
‫فسرين بمقاصد الشريعة‪.‬‬
‫الم ّ‬
‫مدى عناية ُ‬

‫‪ -13‬مقاصد القرآن يف فكر الن َّْو َرسي‪ :‬دراسة تحليلية‪ :‬لألستاذ الدكتور‬
‫زياد خليل الدغامين‪ ،‬تكونت الدراسة من مبحثين‪ ،‬تعرض فيهما آلراء العلماء‬
‫يف مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬وتحدّ ث عن مقاصد القرآن يف فكر الن َّْو َرسي بين‬
‫مقاصد القرآن الكل ّية‪ ،‬ومقاصد السور القرآنية‪ ،‬ومقاصد اآليات القرآنية‪ ،‬وهو‬
‫خالف ما نحن بصدده من حيث الهدف والموضوع‪.‬‬

‫‪ -14‬مقاصد القرآن عند الطاهر بن عاشور‪ :‬للدكتورة هيا ثامر مفتاح‪،‬‬


‫مجلة كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية‪( ،‬العدد‪ ،92 :‬عام‪1429 :‬هـ‪-‬‬
‫‪2011‬م‪ ،‬جامعة قطر)‪ ،‬تحدثت عن المقاصد الثمانية التي ذكرها ابن عاشور‬
‫يف مقدمة تفسيره‪ ،‬وهو خالف ما نحن بصدده من حيث الهدف والموضوع‪.‬‬

‫‪ -15‬مقاصد القرآن الكل ّية وأهميتها يف التفسير الموضوعي‪ :‬لألستاذ‬


‫محمد عبد السالم حسن الحضيري‪ ،‬بحث مقدّ م لمؤتمر التفسير الموضوعي‬
‫‪19‬‬

‫للقرآن‪( :‬واقع وآفاق)‪ ،‬جامعة الشارقة‪ ،‬كلية الشريعة والدراسة اإلسالمية‪،‬‬


‫(بتاريخ‪ 12-11 :‬جماد األولى ‪1431‬هـ‪ ،‬الموافق‪ 26 -25 :‬أبريل ‪2010‬م)‪،‬‬
‫والبحث هدفه بيان أهمية معرفة مقاصد القرآن يف اختيار وتوجيه البحث‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الموضوعي‪ ،‬فهو بعيد يف محتواه عن موضوع بحثنا وهدفه‪.‬‬

‫هذه أبرز الدراسات السابقة التي ا ّطلعت عليها بصورة دقيقة‪ ،‬وهنالك‬
‫بحوث ورسائل أخرى وقفت عليها لم أثبتها لبعدها عن موضوع بحثنا وهدفه‪،‬‬
‫مسمى بـ‪ :‬فتح البيان يف مقاصد‬
‫ّ‬ ‫وهنالك تفسير للشيخ صديق حسن خان‪،‬‬
‫القرآن‪ ،‬وليس له تع ّلق يف محتواه بموضوع المقاصد‪.‬‬

‫والهدف من هذا السرد الطويل من الدراسات السابقة حتى يعلم القارئ‬


‫خالصا‬ ‫أن هذا البحث خرج من بين ٍ‬
‫فرث ود ٍم‪ ،‬وأرجو اهلل تعالى أن يكون لبنًا‬
‫ً‬
‫للشاربين‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬حدود الدراسة‪:‬‬


‫ً‬
‫سوف تركز هذه الدراسة يف إبراز مقاصد القرآن الكربى‪ ،‬أو قل‪ :‬الكل ّية‬
‫أو العامة‪ ،‬ولن تتناول مقاصد السور واآليات إال عند بيان أنواع مقاصد القرآن‪،‬‬
‫حتى يخدم البحث هدفه وعنوانه بصورة مركزة‪ ،‬ولصعوبة معالجة كل جوانب‬
‫موضوع مقاصد القرآن يف بحث علمي واحد‪.‬‬
‫‪20‬‬

‫سادسا‪ :‬هيكل البحث‪:‬‬


‫ً‬
‫وقد جاء هذا البحث يف مقدمة‪ ،‬وثالثة مباحث‪ ،‬وخاتمة‪ ،‬على النحو اآليت‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ * المقدمة‪:‬‬

‫شملت‪ :‬أهمية الموضوع‪ ،‬وأسباب اختياره‪ ،‬وأهداف البحث‪،‬‬


‫والدراسات السابقة يف الموضوع‪ ،‬وحدود البحث‪ ،‬وخطة البحث‪ ،‬ومنهج‬
‫البحث‪.‬‬

‫* المبحث األول‪ :‬المقاصد الكبرى للقرآن‪ :‬تعريفها والفرق بينها وبين‬


‫المصطلحات المقاربة‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف المقاصد الكربى للقرآن الكريم‪.‬‬

‫المطلب الثاين‪ :‬الفرق بين مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬الفرق بين مقاصد القرآن الكربى والصغرى‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الفرق بين مقاصد القرآن والتفسير المقاصدي‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬الفرق بين مقاصد القرآن والهدايات القرآنية‪.‬‬

‫* المبحث الثاين‪ :‬مقاصد القرآن فوائدها وأقسامها وأنواعها‬

‫المطلب األول‪ :‬فوائد مقاصد القرآن الكريم‪.‬‬

‫المطلب الثاين‪ :‬أقسام مقاصد القرآن الكريم‪.‬‬


‫‪21‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أنواع مقاصد القرآن االجتهادية‪.‬‬

‫* المبحث الثالث‪ :‬دراسة تقويمية ألقوال العلماء عن مقاصد القرآن‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الكبرى‬

‫المطلب األول‪ :‬التتبع التاريخي ألقوال العلماء يف مقاصد القرآن‬


‫الكربى‪.‬‬

‫المطلب الثاين‪ :‬دراسة تحليلية ألقوال العلماء عن مقاصد القرآن‬


‫الكربى‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نظرة تأصيلية عن المقاصد الكربى للقرآن الكريم‪.‬‬

‫* الخاتمة‪.‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬منهج البحث وإجراءات الدراسة‪:‬‬

‫يقوم هذا البحث على المنهج االستقرائي بتتبع ما قاله العلماء عن‬
‫المقاصد الكربى يف كتب التفسير‪ ،‬والدراسات القرآنية‪ ،‬عرب مسيرة التفسير‬
‫الممتدة‪ ،‬ثم العمل على تحليلها للخروج بنتائج يف مفهوم المقاصد‬
‫وموضوعها‪ ،‬ثم التأصيل للقول الراجح بما يربهن عن صحة ما توصلنا إليه‪،‬‬
‫فقد جمعت فيه بين المنهج االستقرائي والتحليلي والتأصيلي لتحقيق أهداف‬
‫هذه الدراسة‪.‬‬
‫‪22‬‬

‫وقد أتبعت يف تقرير مقاصد القرآن الكربى إجراءات تفصيلية تلخصت‬


‫يف اآليت‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫األولى‪ :‬استقراء أدلة القرآن الكريم والنظر فيها مجتمعة‪ ،‬وهذا الطريق‬
‫هو الذي قرر العلماء من خالله أصول الشريعة‪« :‬الضروريات‪ ،‬والحاجيات‪،‬‬
‫والتحسينات»‪.‬‬

‫اب فِي ُث ُبوتِ َها َش ْر ًعا‬ ‫ث َل َي ْر َت ُ‬ ‫اعدَ ال َّث َل َ‬ ‫«إن َه ِذ ِه ا ْل َقو ِ‬


‫َ‬ ‫قال الشاطبي ‪َّ :V‬‬
‫ارعِ‪،‬‬ ‫لش ِ‬‫الش ْرعِ‪َ ،‬و َأ َّن ا ْعتِ َب َار َها َم ْق ُصو ٌد ل ِ َّ‬ ‫اد مِ ْن َأ ْه ِل َّ‬ ‫َأحدٌ مِمن ينْت َِمي إِ َلى ِالجتِه ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َّ ْ َ‬
‫الش ِري َع ِة‪َ ،‬والنَّ َظ ُر فِي َأ ِد َّلتِ َها ا ْل ُك ِّل َّي ِة َوا ْل ُج ْزئِ َّي ِة»(‪.)1‬‬
‫استِ ْق َرا ُء َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َدل ُيل َذل َك ْ‬

‫والثانية‪ :‬استقراء ما قاله علماء التفسير وعلوم القرآن‪ ،‬وسجلوه عن‬


‫مقاصد القرآن العامة والكربى‪ ،‬والنظر فيها مجتمعة وتحليل ذلك للخروج‬
‫بنتائج منه‪.‬‬

‫والثالثة‪ :‬وهو االستدالل ِّ‬


‫لكل أصل بأدلة وشواهد كثيرة من الكتاب‬
‫والسنة تقرر ما توصلنا إليه‪ ،‬وسلوك هذه المسالك الثالثة يف تحديد مقاصد‬
‫القرآن الكربى؛ هو واحدة مما تفردت به هذه الدراسة‪.‬‬

‫ويف ختام هذه المقدمة أسأل اهلل تعالى اإلخالص والتوفيق‪ ،‬وأقول َّ‬
‫بأن‬
‫هذا الموضوع من الموضوعات العلمية التي تحتاج أن تبحث بصورة دقيقة‬

‫(( ( الموافقات (‪.)81 /2‬‬


‫‪23‬‬

‫يف جوانب متعددة‪ ،‬ال يكفي بحثنا هذا يف استيعاهبا‪ ،‬وإين مهما بذلت يف هذا‬
‫قائما‪ ،‬والعوج ب ّينًا‪ ،‬وأبى اهلل‬
‫العمل من جهد وتحرير‪ ،‬يظل ملحظ النقص ً‬
‫بعضا‪،‬‬
‫يكمل بعضها ً‬
‫تعالى الكمال إال لكتابه‪ ،‬ولكن جهود العلماء الباحثين ّ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫وهو نوع من التعاون العظيم على الرب والتقوى‪ ،‬فهذا جهد عبد فقير يضعه بين‬
‫عقولكم الفذة ليكون لكم غنمه‪ ،‬ولكاتبه غرمه‪ ،‬فمن وجد فيه ً‬
‫خلل فليسدّ ده‪،‬‬
‫ومن استفاد منه فليدع لنا‪ ،‬وحسبي أين بذلت طاقة يف تحبيره‪ ،‬وقصدت رضى‬
‫ربي من خالل تحريره‪ ،‬وما توفيق إال باهلل عليه توكلت وإليه أنيب‪.‬‬

‫قال اإلمام الشاطبي‪َ « :V‬فح ٌّق َع َلى النَّاظِ ِر ا ْلمت ََأملِ‪ ،‬إِ َذا وجدَ فِ ِ‬
‫يه‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫َن ْق ًصا َأ ْن ُي ْك ِم َل‪َ ،‬و ْل ُي ْح ِس ِن ال َّظ َّن بِ َم ْن َحا َل َ‬
‫ب‬ ‫ف ال َّل َيال َي َو ْالَ َّيا َم‪َ ،‬و ْ‬
‫اس َت ْبدَ َل ال َّت َع َ‬
‫يم َة َد ْه ِر ِه؛‬ ‫ِ‬
‫ب َل ُه َيت َ‬‫يج َة ُعمره‪َ ،‬و َو َه َ‬
‫ِ ِ‬
‫الس َه َر بِا ْل َمنَا ِم؛ َحتَّى َأ ْهدَ ى إِ َل ْيه نَت َ‬
‫احة َو َّ‬
‫بِالر ِ‬
‫َّ َ‬
‫َف َقدْ َأ ْل َقى إِ َل ْي ِه َم َقالِيدَ َما َلدَ ْي ِه‪َ ،‬و َط َّو َق ُه َط ْو َق ْالَ َمان َِة ا َّلتِي فِي َيدَ ْي ِه‪َ ،‬و َخ َر َج َع ْن‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما وجب عليه»(‪.)1‬‬ ‫ُع ْهدَ ة ا ْل َب َيان ف َ‬

‫وقد ح َّبرت هذا البحث يف غرة شعبان من عام‪1441( :‬هـ) ببلد اهلل الحرام‬
‫مكة حفظها اهلل‪ ،‬وحفظ أهلها وديار المسلمين من كل سوء‪ ،‬ح َّبرته واألمة تمر‬
‫بظروف صعبة بعد أن ع ِّطلت الجمع والجمعات‪ ،‬والعمرة والطواف‪ ،‬وحبس‬
‫عم العالم وع َّطله‪ ،‬وش َّله‬
‫الناس يف البيوت بمكة وغيرها‪ ،‬بسبب البالء الذي َّ‬
‫سمي بـ «كورونا»‪ ،‬وقد أصاب‬
‫وجوا‪ ،‬وقد ّ‬
‫وبحرا ً‬
‫ً‬ ‫وأوقف حركة تواصله ًبرا‬

‫(( ( الموافقات (‪.)13 /1‬‬


‫‪24‬‬

‫الناس حزنًا طويال لذلك ‪-‬سائلين اهلل أن يكشف السوء ويصلح أمر البالد‬
‫والعباد‪ -‬ولكن المنح قد تأيت يف أثواب المحن‪ ،‬وكان واحدً ا من نعم اهلل تعالى‬
‫علي يف هذا الظرف الحرج إخراج هذا البحث‪ ،‬لما وجدته من خلوة‪ ،‬وصفاء‪،‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫َّ‬
‫ووفرة وقت‪ ..‬والحمد هلل على فضله وإحسانه‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫املبحث الأول‪:‬‬

‫املقا�صد الكربى للقر�آن‪ :‬تعريفها‬


‫والفرق بينها وبني امل�صطلحات املقاربة‬
‫‪26‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪27‬‬

‫املطلب األول‪:‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫مفهوم مقاصد القرآن‬

‫ضبط وتحرير المصطلحات بما يميزها عن غيرها من األمور المهمة‬


‫يف األبحاث العلمية‪ ،‬والذي يطالع ما كتب عن مقاصد القرآن الكريم؛ يجد‬
‫أن األوائل كعادهتم كتبوا عن المقاصد بفهم مشرتك دون تحرير للمصطلح‪،‬‬
‫ويجد أن المتأخرين حاولوا تحرير مصطلحه؛ فجاءت بعض كتابتهم فيها خلط‬
‫وتداخل كبير يف تحرير مصطلحه مع مقاصد الشريعة‪ ،‬واالتجاه المقاصدي يف‬
‫التفسير وغيرها‪ ،‬بما أحدث لبس علمي يف فهم موضوع المقاصد عند طالّب‬
‫العلم ً‬
‫فضل عن غيرهم‪ ،‬ومن هنا جعلت انطالقة هذا البحث األولى يف تحرير‬
‫مصطلح مقاصد القرآن‪ ،‬وبيان الفرق بينه وبين المصطلحات المقاربة له‪،‬‬
‫فإليك بيان ذلك بعون من اهلل وتوفيقه‪.‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬املقاصد يف اللغة‪:‬‬

‫األساس يف تحرير المصطلحات الشرعية االنطالق من مدلوالت‬


‫الكلمة يف اللغة‪ ،‬إليك بيان أصل كلمة (المقاصد) ومعانيها يف اللغة‪:‬‬

‫جمع َم ْق َص ٍد كم ْق َعد‪ ،‬وهي من الفعل َق َصدَ ‪ ،‬قال ابن فارس ‪:V‬‬


‫ُ‬
‫ٍ‬
‫شيء و َأ ِّمه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إتيان‬ ‫أصول ثالثة‪ُّ ،‬‬
‫يدل أحدها على‬ ‫ٌ‬ ‫«القاف والصاد والدال‬
‫‪28‬‬

‫وم ْق َصدً ا‪ ،‬ومن الباب‪:‬‬ ‫ٍ‬


‫اكتناز يف الشيء‪ ،‬فاألصل‪َ :‬ق َصدْ تُه َق ْصدً ا َ‬ ‫َ‬
‫واآلخر على‬
‫قيل ذلك ألنَّه لم ي ِ‬ ‫هم‪ ،‬إذا أصابه ف ُقتِل َمكانَه‪ ،‬وكأنّه َ‬
‫حد عنه»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫أ ْق َصدَ ه َّ‬
‫الس ُ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫وقد وردت لفظة َق َصد ومشتقاهتا يف لغة العرب بعدة معان تلخصت يف اآليت‪:‬‬

‫(أ) القصد‪ :‬االستقامة‬


‫يقصدُ َق ْصدً ا فهو قاصدٌ بمعنى مستقيم‪ ،‬وا ْقت ََصدَ فِي َأ ِ‬
‫مره‪:‬‬ ‫من قصدَ ِ‬
‫َ‬
‫استقا َم‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪﴿ :‬ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﴾ [النحل‪:‬‬
‫‪ ]9‬أي‪ :‬على اهلل تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والرباهين‬
‫وطريق‬
‫ٌ‬ ‫اص ٍد‪،‬‬
‫الواضحة‪ ﴿ ،‬ﱠ ﱡ ﴾ ومنها جائر أي‪ :‬ومنها طريق غير َق ِ‬
‫َق ِ‬
‫اصدٌ ‪ :‬سهل مستقيم(‪.)2‬‬

‫(ب) ال َق ْصد‪ :‬ال َعدْ ل‬

‫قال أبو ال َّل َّحام ال َّت ْغلِبِي ‪:V‬‬

‫ـــور و َي ْق ِصــد‬ ‫ِ‬


‫َقضـ َّيتَه‪َ ،‬أن َل َي ُج َ‬ ‫المأتِ ِّي‪َ ،‬ي ْو ًما إِذا َق َضى‬
‫الح َك ِم ْ‬
‫َع َلى َ‬

‫المأتِ ّي إليه‬
‫المر ِضي بِ ُح ْك ِمه ْ‬ ‫ْ َ ِ‬
‫قال ابن َب ِّري ‪« :V‬معناه على ال َحكم ْ ّ‬
‫ليح ُكم َأن ال يجور فِي ُح ْكمه بل َي ْق ِصدُ َأي‪َ :‬ي ْع ِد ُل»(‪.)3‬‬
‫ْ‬

‫(( ( معجم مقاييس اللغة (‪.)95/5‬‬


‫((( انظر‪ :‬المحكم والمحيط األعظم (‪ ،)185 /6‬ولسان العرب (‪.)353 /3‬‬
‫(( ( لسان العرب (‪.)353 /3‬‬
‫‪29‬‬

‫(ج) القصد‪ :‬التوسط وعدم اإلفراط يف الشيء‬

‫فال َق ْصد يف المعيشة‪ :‬أن ال يسرف وال يقرت‪ ،‬و َق َصد يف األمر‪ :‬لم يتجاوز‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫فيه الحد‪ ،‬ورضي بالتوسط‪ ،‬يف الحديث‪َ « :‬ع َلي ُكم َهدْ يا َق ِ‬
‫اصدً ا»(‪ )1‬أي‪ :‬طريقا‬ ‫ْ ْ ً‬
‫معتدال(‪.)2‬‬

‫(د) القصد‪ :‬األَ ُّم وإتيان َّ‬


‫الشيء‬

‫قصدْ ُته‪،‬‬
‫والتوجه والنهود والنهوض نحوه بالجسد أو الرأي‪َ : ،‬‬
‫ُّ‬ ‫واالعتزام‬
‫وقصدْ ُت َل ُه‪ ،‬وقصدْ ُت إِليه بِ َم ْعنًى‪ ،‬و َق َصدْ ُت َق ْصدَ ه‪ :‬ن ََح ْو ُت ن َْح َو ُه(‪ ،)3‬يقال‪:‬‬
‫ِ‬
‫َق َصدَ ه َي ْقصدُ ه َق ْصدً ا و َق َصدَ َل ُه و َأ ْق َصدَ ين إِليه األَ ُ‬
‫مر‪َ ،‬و ُه َو َق ْصدُ َك و َق ْصدَ َك َأي‪:‬‬
‫اس ًما َأكثر فِي ك ََلمِ ِه ْم(‪ ،)4‬كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﲢ ﲣ ﲤ‬ ‫ُت َ‬
‫جاهك‪َ ،‬وك َْو ُن ُه ْ‬
‫ﲥ﴾ [المائدة‪ ]2:‬أي‪ :‬قاصدين البيت الحرام‪.‬‬

‫((( أخرجه أحمد يف المسند برقم‪ ،)19786( :‬والبيهقي يف السنن الكربى برقم‪،)4742( :‬‬
‫وابن خزيمة يف صحيحه برقم‪ ،)1179( :‬والحاكم يف المستدرك برقم‪ ،)1176( :‬وقال‪:‬‬
‫صحيح اإلسناد ولم يخرجاه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه األلباين يف صحيح الجامع الصغير‬
‫(‪.)4084( )753/2‬‬
‫(( ( تاج العروس (‪ ،)36 /9‬ولسان العرب (‪.)353 /3‬‬
‫(( ( لسان العرب (‪.)353 /3‬‬
‫((( المصدر السابق (‪.)353 /3‬‬
‫‪30‬‬

‫الس ْهل القريب‬ ‫ِ‬


‫(هـ) القاصد‪ّ :‬‬
‫يب‪َ ،‬وفِي ال َّتن ِْزي ِل ا ْل َع ِز ِ‬
‫يز‪ ﴿ :‬ﱒ ﱓ ﱔ‬ ‫ِ‬
‫تقول‪َ :‬س َف ٌر قاصدٌ ‪َ :‬س ْه ٌل َق ِر ٌ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫«س َف ًرا‬
‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﴾ [التوبة‪ ،]42 :‬وقال ابن عرفة ‪َ :V‬‬
‫ِ‬ ‫َق ِ‬
‫شاق‪ ،‬ويقال‪ :‬بيننا وب ْين ا ْل َماء ليلة َقاصدَ ةٌ‪َ ،‬أي‪َ :‬ه ِّينَة َّ‬
‫الس ْير ال‬ ‫اصدً ا َأي‪ :‬غير ٍّ‬
‫َت َعب وال ُبطء»(‪.)1‬‬

‫(‪ )6‬ال َقصيد من ِّ‬


‫الش ْعر‪:‬‬

‫وسمي بذلك لكماله وصحة وزنه‪ ،‬قال ابن ِجنِّي‬


‫ّ‬ ‫تم شطر أبياته‪،‬‬
‫ما ّ‬
‫الشعر التا ّم َقصيدً ا؛‬ ‫‪« :V‬سمي َقصيدً ا ألنه َق َصد واعتمد‪ ،»..‬وقيل‪ّ :‬‬
‫سمي ِّ‬
‫ألن قائله جعله من باله ف َق َصد له َق ْصدً ا ولم يحتسه حسيا على ما خطر بباله‬
‫وجرى على لسانه‪ ،‬بل روى فيه خاطره واجتهد يف تجويده ولم يقتضبه‬
‫اقتضابا‪ ،‬فهو َف ِع ٌيل من ال َق ْصد وهو األَ ُّم(‪.)2‬‬

‫فالمقاصد يف اللغة‪ :‬يراد هبا أغراض الكالم ومراميه‪ ،‬وغاياته التي‬


‫يتوجه إليها‪ ،‬وهو‪« :‬ما ألجله وجود الشيء» (‪ ،)3‬وهي تعني‪« :‬المهمات‬

‫(( ( العين (‪ ،)377 /1‬وانظر‪ :‬المحكم والمحيط األعظم (‪ ،)490 /2‬ولسان العرب (‪/3‬‬
‫‪.)354 ،353‬‬
‫(( ( لسان العرب (‪.)354 /3‬‬
‫((( التعريفات (ص‪.)161 :‬‬
‫‪31‬‬

‫المقصودة»(‪ ،)1‬والتوجه نحو الشيء و َق ْصده و َأ ِّمه دون غيره‪ ،‬فهذه المعاين هي‬
‫التي ترتبط ببحثنا هذا بصورة كبيرة من التوجه نحو غايات الكالم وحكمه‪،‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫والمعنى الذي يؤ ّم إليه الكالم ويراد به(‪.)2‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬املقاصد يف االصطالح‪:‬‬

‫مصطلح المقاصد استعمله علماء التفسير والدراسات القرآنية‪ ،‬وعلماء‬


‫الفقه وأصوله‪ ،‬بصورة واضحة‪ ،‬فاستخدم عند التفسير مضا ًفا للقرآن الكريم‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ولكل منهما معنى مختلف عن اآلخر‬ ‫وعند علماء األصول مضا ًفا للشريعة‪،‬‬
‫من حيث الداللة االصطالحية‪ ،‬إليك بيان ذلك‪.‬‬

‫أ‪ -‬مفهوم مقاصد الشريعة‪:‬‬

‫اصطالحي محدّ ٌد عند المتقدمين الذين‬


‫ٌّ‬ ‫تعريف‬
‫ٌ‬ ‫لم يكن لمقاصد الشريعة‬
‫تكلموا عن مقاصد التشريع كالغزالي والشاطبي‪ ،‬وإنما حاول المتأخرون أن‬
‫يضعوا له تعري ًفا اصطالح ًيا‪ ،‬ويعترب الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ‪V‬‬
‫من أوائل من سعى لذلك‪ ،‬فقال‪« :‬مقاصد التشريع العامة هي‪ :‬المعاين ِ‬
‫والح َكم‬
‫تختص‬
‫ّ‬ ‫الملحوظة للشارع يف جميع أحوال التشريع أو معظمها‪ ،‬بحيث ال‬
‫مالحظتُها بالكون يف نوع خاص من أحكام الشريعة‪ ،‬فيدخل يف هذا أوصاف‬
‫الشريعة وغايتها العامة‪ ،‬والمعاين التي ال يخلو التشريع عن مالحظتها‪ ،‬ويدخل‬

‫(( ( تاج العروس من جواهر القاموس (‪.)66 /1‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬التعريفات (ص‪.)161 :‬‬
‫‪32‬‬

‫معان من ِ‬
‫الح َكم ليست ملحوظة يف سائر أنواع األحكام‪ ،‬ولكنها‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‬
‫يف هذا ً‬
‫ٍ‬
‫كثيرة منها»(‪.)1‬‬ ‫ملحوظة يف أنوا ٍع‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫وعرفها بعده الشيخ عالّل الفاسي ‪ V‬بتعريف مختصر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ّ‬
‫«المراد بمقاصد الشريعة‪ :‬الغاية منها‪ ،‬واألسرار التي وضعها الشارع عند كل‬
‫فعرفها بقوله‪« :‬الغايات‬
‫ُحكم من أحكامها» ‪ ،‬ثم جاء الشيخ أحمد الريسوين َّ‬
‫(‪)2‬‬

‫التي وضعت الشريعة ألجل تحقيقها لمصلحة العباد»(‪ ،)3‬ومن خالل استقراء‬
‫ما كتبه علماء الشريعة حول مصطلح المقاصد‪ ،‬نجده قد َّ‬
‫تلخص يف معنيين‬
‫جاءت على النحو اآليت‪:‬‬

‫األول‪ :‬غاية األحكام التشريعية‪ :‬قصدوا هبا الغايات المقصودة من‬


‫التشريع يف جميع أحوال أحكامه‪ ،‬أو معظمها‪ ،‬بما تحققه األوامر من مصالح‪،‬‬
‫وما تدفعه النواهي من مفاسد(‪ ،)4‬ويف هذا يقول العز ابن عبد السالم ‪:V‬‬
‫اب ا ْل َم َصالِحِ َو َأ ْس َبابِ َها‪َ ،‬و َّ‬
‫الز ْج ُر َع ْن‬ ‫آن ْالَ ْم ُر بِاكْتِ َس ِ‬
‫اص ِد ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫«ومع َظم م َق ِ‬
‫َ ُْ ُ َ‬
‫اس ِد و َأسبابِها»(‪ ،)5‬وقال يف نفس المعنى‪« :‬و َلو َت َتبعنَا م َق ِ‬ ‫اب ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬
‫اصدَ َما‬ ‫َ ْ َّ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫اكْت َس ِ َ‬
‫اهَّلل َأ َم َر بِ ُك ِّل َخ ْي ٍر َد َّق ُه َو َج َّل ُه‪َ ،‬و َز َج َر َع ْن ك ُِّل َش ٍّر‬ ‫َاب و ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السنَّة لع ْلمنَا َأ َّن َ‬
‫في ا ْلكت ِ َ ُّ‬

‫((( مقاصد الشريعة اإلسالمية (ص‪.)51 :‬‬


‫(( ( مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها (ص‪.)3 :‬‬
‫((( نظرية المقاصد عند الشاطبي (ص‪.)7 :‬‬
‫((( انظر‪ :‬قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪.)9 - 8 /1‬‬
‫((( المصدر السابق (‪.)8 /1‬‬
‫‪33‬‬

‫ب ا ْلمصالِحِ ودر ِء ا ْلم َف ِ‬


‫اس ِد‪َ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬
‫الش َّر ُي َع َّب ُر‬ ‫َ َْ َ‬ ‫َد َّق ُه َو َج َّل ُه‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل َخ ْي َر ُي َع َّب ُر بِه َع ْن َج ْل ِ َ َ‬
‫آن ل ِ ْل َح ِّث َع َلى‬ ‫اس ِد ودر ِء ا ْلمصالِحِ ‪ ،..‬و َأجمع آي ٍة فِي ا ْل ُقر ِ‬ ‫ب ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ‬ ‫َ َْ َ َ‬ ‫بِه َع ْن َج ْل ِ َ‬
‫اس ِد بِ َأ ْس ِر َها َق ْوله َت َعا َلى‪﴿ :‬ﱫ ﱬ ﱭ‬ ‫الزج ِر َعن ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َم َصالحِ ُك ِّل َها َو َّ ْ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ْ َ‬
‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷﱸ ﱹ‬

‫ﱺ ﱻ ﴾ [النحل‪.)1(»]90 :‬‬

‫وتنقسم عندهم المقاصد إلى قسمين‪:‬‬

‫المقاصد العامة‪ :‬وهي مراعاة يف كل أحكام الشريعة‪ ،‬أو الغالب األعم من‬
‫أحكامها‪ ،‬مثل حفظ الضروريات الخمس‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والنسل‪ ،‬والعقل‪،‬‬
‫والمال‪ ،‬ومثل التيسير ورفع الحرج وغيرها‪« ،‬فال تتوقف على جزء معين من‬
‫األوامر والنواهي‪ ،‬أو قضية اصطالحية بعينها‪ ،‬بل هي غايات تستكشف من‬
‫أغلب نصوص الشرع أو جملتها»(‪.)2‬‬

‫والمقاصد الخاصة‪ :‬وهي التي راعاها التشريع من خالل بعض تشريعاته‬


‫الخاصة‪ ،‬كمقصد الزكاة والصدقة‪ ،‬ومقاصد الحج‪ ،‬ومقاصد القصاص‬
‫وغيرها(‪ ،)3‬فمثال يقولون مقاصد القضاء أو حكمته‪ :‬قمع الظالم‪ ،‬ونصر‬

‫(( ( قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪.)190 /2‬‬


‫فسرين لألستاذ مصطفي محمد حديد (ص‪:‬‬
‫الم ّ‬
‫((( أعمال الفهم المقاصدي للقرآن الكريم عند ُ‬
‫‪ ،)138‬مجلة علوم الشريعة بالجامعة األسمرية اإلسالمية (العدد‪2015 - 1 :‬م)‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي (ص‪ ،)119 :‬واإلمام الشاطبي دراسة أصولية‬
‫فقهية (‪ ،)161 /1‬ومقاصد الشريعة (ص‪.)51 :‬‬
‫‪34‬‬

‫كبيرا يف تحديد مضمون‬


‫المظلوم‪ ،‬وقطع الخصومات‪ ،‬ونجد بين العلماء تباينًا ً‬
‫المقاصد العامة والخاصة؛ ولكن كل ما كان المقصد أعم يف كل أبواب‬
‫الشريعة كان هو األهم‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫والثاين‪ِ :‬‬
‫الحكَم واألسرار من وراء التشريع‪ :‬يقصد العلماء بذلك‬
‫ِ‬
‫والح َكم واألسرار التي راعاها الشارع عند كل ُحكم من أحكامه‪،‬‬ ‫المعاين‬
‫فحكمة األكل والشرب بقاء البدن‪ ،‬وحكمة النكاح حفظ النسل‪ ،‬وحكمة‬
‫القصاص حفظ األنفس وهكذا(‪.)1‬‬

‫فاهلل تعالى ما أمر بأمر إال وفيه مصلحة للعباد عاجلة أو آجلة‪ ،‬وما هنى‬
‫عن شيء إال وفيه مفسدة عاجلة أو آجلة‪ ،‬فإظهار هذه الجوانب مما يزيد يقين‬
‫«و َم ْن َت َت َّب َع‬
‫المؤمن نحو التشريع الرباين‪ ،‬يقول العز بن عبد السالم ‪َ :V‬‬
‫اس ِد‪َ ،‬ح َص َل َل ُه مِ ْن َم ْج ُمو ِع َذل ِ َك‬ ‫ب ا ْلمصالِحِ ودر ِء ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َق ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫الش ْر ِع في َج ْل ِ َ َ‬ ‫اصدَ َّ‬ ‫َ‬
‫إه َما ُل َها‪َ ،‬و َأ َّن َه ِذ ِه ا ْل َم ْف َسدَ َة َل‬
‫وز ْ‬‫ان بِ َأ َّن َه ِذ ِه ا ْل َم ْص َل َح َة َل َي ُج ُ‬
‫ا ْعتِ َقا ٌد َأ ْو ِع ْر َف ٌ‬
‫وز ُق ْر َبان َُها»(‪.)2‬‬
‫َي ُج ُ‬

‫وهذه ع ّبر عنها العلماء بألفاظ متنوعة منها‪« :‬غرض الشارع»‪ ،‬و«مقصود‬
‫«حكم التشريع»‪« ،‬علة التشريع»‪ ،‬و«أسرار التشريع»‪ ،‬و«الغاية‬ ‫الشارع»‪ِ ،‬‬

‫والمصلحة»‪ ،‬و«مراد الشارع»‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي (ص‪.)14 :‬‬


‫(( ( قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪.)189 /2‬‬
‫‪35‬‬

‫فمصطلح المقاصد عند علماء الشريعة إذا أطلق اتجه نحو‪ :‬الغايات‬
‫العامة والخاصة للتشريع‪ ،‬أو ِ‬
‫الحكم واألسرار من وراء التشريع‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ب‪ -‬مفهوم المقاصد الكبرى للقرآن الكريم‪:‬‬

‫قديما عند علماء التفسير‬


‫ً‬ ‫مفهوم مقاصد القرآن وإن كان إطالقه‬
‫والدراسات القرآنية‪ ،‬وتكلموا عن مضمونه؛ لكن لم يكن هنالك تعريف‬
‫محدد لهم‪ ،‬وهي العادة الم ّطردة يف نشأة العلوم‪ ،‬حيث تبدأ الفكرة عند‬
‫عالم‪ ،‬ثم تتطور‪ ،‬ثم تحرر فيما بعد يف جوانبها المتنوعة‪ ،‬وقد دار كالمهم عن‬
‫المقاصد حول الكل ّيات األساسية التي دار حولها القرآن‪ ،‬أو الغايات الكربى‬
‫المقصودة من وراء الخطاب القرآين‪ ،‬وقد جاءت بعض التعريفات المعاصرة‬
‫التي حاول من خاللها بعض العلماء وضع مصطلح لهذا العلم منهم‪ :‬الشيخ‬
‫فعرفه بقوله‪« :‬الغايات التي أنزل القرآن ألجلها‬
‫الدكتور عبد الكريم حامدي‪ّ ،‬‬
‫تحقيقا لمصالح العباد»(‪.)1‬‬

‫وعرفها كذلك الدكتور عز الدين بن سعيد كشنيط الجزائري بقوله‪:‬‬


‫ّ‬
‫«الغايات التي أنزل القرآن ألجل تحقيقها»(‪.)2‬‬

‫فالتعريفان نحيا نحو تعريف مقاصد الشريعة فيما يتعلق باألوامر‬


‫والنواهي؛ التي ترتبط مباشرة بمصالح العباد‪.‬‬

‫(( ( مقاصد القرآن من تشريع األحكام (ص‪.)29 :‬‬


‫((( أمهات مقاصد القرآن (ص‪.)68 :‬‬
‫‪36‬‬

‫وعرفها الشيخ مسعود بودوخة بقوله‪« :‬القضايا األساسية‪ ،‬والمحاور‬


‫ّ‬
‫الكربى التي دارت عليها ُسور القرآن الكريم وآياته؛ تعري ًفا برسالة اإلسالم‪،‬‬
‫وتحقي ًقا لمنهجه يف هداية البشر»(‪.)1‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫وهذا التعريف من وجهة نظر الباحث من أفضل التعريفات لمقاصد‬
‫القرآن الكربى يف بيان المفهوم العام‪ ،‬مع ما فيه من تكرار وتطويل وتح ّفظ‬
‫على اختيار بعض األلفاظ؛ ألن القضايا األساسية هي المحاور الكربى‪،‬‬
‫وكلمة قضايا ومحاور التعبير هبا ليس دقي ًقا‪ ،‬وكذلك قوله‪« :‬تعري ًفا برسالة‬
‫اإلسالم‪ ،‬وتحقي ًقا لمنهجه يف هداية البشر» مع ما فيها كذلك من تكرار‪ ،‬وزيادة‬
‫شرح وتفصيل يمكن االستغناء عنه‪ ،‬وهو تحديد قد تعرتيه اعرتاضات‪.‬‬

‫ويمكن تعريف مقاصد القرآن الكربى بـ‪( :‬الغايات الكل ّية التي عليها‬
‫مدار التنزيل)‪.‬‬

‫فقولنا‪( :‬الغايات) ألهنا قضايا عامة تنتهي إليها جميع موضوعات القرآن‬
‫ٍ‬
‫معان ومسائل جزئية‪ ،‬فالموضوعات قد‬ ‫تفرع عنهما من‬‫الرئيسة‪ ،‬وسوره وما ّ‬
‫تكون أساسية‪ ،‬لكنها ال تكون غائية‪ ،‬ومن هنا كان التعبير بالغايات أدق باعتبار‬
‫ما تنتهي إليها جميع الموضوعات‪.‬‬

‫((( (جهود العلماء يف استنباط مقاصد القرآن)‪ ،‬بحث مقدّ م للمؤتمر العالمي األول للباحثين‬
‫يف القرآن وعلومه؛ الذي كان بعنوان‪« :‬جهود األمة يف خدمة القرآن وعلومه»‪( ،‬فاس –‬
‫المغرب)‪( ،‬ص‪.)956 :‬‬
‫‪37‬‬

‫وقولنا‪( :‬الكل ّية) لنخرج الغايات الجزئية أو الخاصة التي تحدَّ ث عنها‬
‫العلماء عند مقاصد السور‪ ،‬أو بعض األحكام والموضوعات واآليات‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫وقولنا‪( :‬عليها مدار التنزيل) ألن جميع معاين آيات وموضوعات وسور‬
‫القرآن تدور حولها وترجع إليها‪ ،‬فهي كاألم بالنسبة لها‪.‬‬

‫ولم نق ِّيد ذلك بمصالح العباد؛ ألن كل ما يف الكتاب جاء ليحقق مصالح‬
‫العباد؛ فال داعي لهذا القيد والتخصيص‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫املطلب الثاني‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الفرق بني مقاصد القرآن‬
‫ومقاصد الشريعة‬

‫بعد أن عرفنا مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة‪ ،‬نب ِّين هنا الفرق بينهما‬
‫بصورة واضحة‪ ،‬والذي يظهر يف عدة نقاط من أهمها‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬من حيث العموم واخلصوص‪:‬‬

‫فإطالق مصطلح المقاصد عند علماء األصول والفقه له معنى خاص‬


‫به‪ ،‬فلفظ «الشريعة» يطلق يف القرآن واللغة ويراد به معنى عا ًما‪ ،‬وهو «ما شرعه‬
‫خاصا‬
‫اهلل تعالى لعباده من الدين‪ ،‬أو السنة‪ ،‬أو الب ِّينة»‪ ،‬وقد ُيطلق ويراد به معنى ً‬
‫وهو‪« :‬األمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬والحدود‪ ،‬والفرائض»‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ‬

‫ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ﴾ [الجاثية‪،]18 :‬‬
‫فهذا يف المعنى العام‪ ،‬ويف المعنى الخاص قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲊ ﲋ ﲌ‬

‫ﲍ ﲎ ﴾ [المائدة‪ ،]48 :‬قال الماوردي ‪« :V‬ويف المراد بالشريعة‬


‫أربعة أقاويل‪ :‬أحدها‪ :‬أهنا الدين‪ ،‬قاله ابن زيد؛ ألنه طريق للنجاة‪ ،‬الثاين‪ :‬أهنا‬
‫الفرائض والحدود واألمر والنهي‪ ،‬قاله قتادة ألهنا طريق إلى الدين‪ ،‬الثالث‪:‬‬
‫أهنا الب ّينة‪ ،‬قاله مقاتل‪ ،‬ألهنا طريق الحق‪ ،‬الرابع‪ :‬السنّة‪ ،‬حكاه الكلبي‪ ،‬ألنه‬
‫‪39‬‬

‫يست ّن بطريقة من قبله من األنبياء»(‪.)1‬‬

‫إال َّ‬
‫أن «الشريعة» يف مصطلح الفقهاء يراد هبا المعنى الخاص وهو‪:‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫«األحكام التكليفية العملية»(‪ ،)2‬ومن هنا صار الفرق بينهما من حيث عموم‬
‫مقاصد القرآن أنه يشمل مسائل العقيدة والشريعة‪ ،‬والمقاصد الكل ّية والجزئية‪،‬‬
‫بينما تنحصر مقاصد الشريعة يف مصطلح علماء األصول والفقه يف الجوانب‬
‫التشريعية العملية‪ ،‬فمقاصد الشريعة هي جزء من مقاصد القرآن يف كلياهتا‬
‫الثالثة التي تمثلها الضرور َّيات والحاج َّيات والتحسينات‪ ،‬قال الشاطبي‬
‫الش ِري َع ِة إِ َلى ُك ِّل َّياتِ َها ا ْل َم ْعن َِو َّي ِة‪َ ،‬و َجدْ ن َ‬
‫َاها َقدْ‬ ‫‪َ « :V‬فإِ َذا َن َظ ْرنَا إِ َلى ُر ُجو ِع َّ‬
‫آن َع َلى الكمال‪ ،‬وهي‪ :‬الضروريات‪ ،‬والحاجيات‪ ،‬والتحسينات‪،‬‬ ‫َت َض َّمن ََها ا ْل ُق ْر ُ‬
‫اح ٍد مِن َْها»(‪.)3‬‬‫وم َكم ُل ك ُِّل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ ِّ‬

‫ثان ًيا‪ :‬اختالف غرض املقاصد بني الفريقني‪:‬‬

‫فالعلماء الذين كتبوا يف مقاصد التشريع وعلى رأسهم اإلمام الشاطبي يف‬
‫كتابه‪« :‬الموافقات»‪ ،‬والعالمة الطاهر بن عاشور يف كتابه‪« :‬مقاصد الشريعة»‪،‬‬
‫حاولوا جمع ما تناثر من مسائل الفقه يف األحكام العملية وما يتعلق به يف‬
‫كل َّيات ومقاصد؛ تضمها وتجمع جزئياهتا أصول كل ّية للتفقه‪ ،‬قال ابن عاشور‬

‫((( النكت والعيون (‪.)264 /5‬‬


‫(( ( المقاصد العامة للشريعة اإلسالمية (ص‪.)20 :‬‬
‫(( ( الموافقات (‪.)182/4‬‬
‫‪40‬‬

‫قصدت منه إلى إمالء مباحث جليلة من‬


‫ُ‬ ‫‪ V‬عن غرض كتابه‪« :‬هذا كتاب‬
‫نرباسا‬
‫ً‬ ‫مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬والتمثيل لها‪ ،‬واالحتجاج إلثباهتا‪ ،‬لتكون‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫للمتف ِّقهين يف الدين‪ ،‬ومرج ًعا بينهم عند اختالف األنظار وتبدل األعصار‪،‬‬
‫وتوس ًل إلى إقالل االختالف بين فقهاء األمصار‪ ،‬و ُدربة ألتباعهم على‬
‫ُّ‬
‫اإلنصاف يف ترجيح بعض األقوال على بعض عند تطاير شرر الخالف»(‪.)1‬‬

‫قصدت يف هذا الكتاب خصوص البحث عن مقاصد‬


‫ُ‬ ‫وقال ‪« :V‬وإنّي‬
‫اإلسالم من التشريع يف قوانين المعامالت واآلداب‪ ،‬التي أرى أهنا الجديرة‬
‫تخص باسم الشريعة‪ ،‬والتي هي مظهر ما راعاه اإلسالم من تعاريف‬
‫َّ‬ ‫بأن‬
‫المصالح والمفاسد‪ ،‬وترجيحها‪ ،‬مما هو مظهر عظمة الشريعة اإلسالمية بين‬
‫بقية الشرائع والقوانين‪ ،‬والسياسات االجتماعية‪ ،‬لحفظ نظام العالم وإصالح‬
‫المجتمع»(‪ ،)2‬فقد كان غرضهم من الكتابة يف مقاصد الشريعة جمع ما تناثر‬
‫يف موضوعات الفقه يف كل ّيات جامعة ال يتجاوزون يف ذلك األحكام العملية‬
‫التكليفية‪ ،‬بخالف من يتحدثون عن مقاصد القرآن الكريم؛ فإهنم يتحدثون‬
‫عن مقاصد الدين والتشريع كله‪ ،‬وتوجهوا بكتابتهم نحو غاياته الكربى‪،‬‬
‫وموضوعاته األساسية(‪.)3‬‬

‫فغرض العلماء الذين كتبوا عن مقاصد القرآن الكريم؛ كان هو جمع ما‬

‫((( مقاصد الشريعة اإلسالمية (‪.)5 /3‬‬


‫((( المصدر السابق (‪.)28 /3‬‬
‫(( ( انظر‪ :‬أمهات المقاصد (ص‪.)79-77 :‬‬
‫‪41‬‬

‫ورد يف آيات القرآن وموضوعاته وسوره يف غايات كربى محددة‪ ،‬يجمع جميع‬
‫ٍ‬
‫معان متنوعة‪.‬‬ ‫ما جاء من‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ثال ًثا‪ :‬اختالف مفهوم التعبري بالغايات عند ٍّ‬


‫كل منهما‪:‬‬

‫نجد كليهما يف تعريف المقاصد قد ع َّبر عنها بالغايات؛ ولكن الذين‬


‫كتبوا عن مقاصد الشريعة جعلوا مفهوم الغايات عندهم يدور حول غايات‬
‫التشريع‪ ،‬والمعاين الملحوظة للشارع يف جميع أحوال التشريع أو معظمها‪ ،‬أو‬
‫ِ‬
‫الحكم والعلل التي قصدها الشارع يف كل ُحكم من األحكام‪ ،‬بينما الحديث‬
‫عن الغايات عند من كتبوا يف مقاصد القرآن؛ قصد به موضوعاته األساسية‬
‫وقضاياه الكربى التي جاء القرآن لتقريرها وبياهنا للناس‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬اختالف مصدر استخراج املقاصد‪:‬‬

‫الذين تكلموا عن مقاصد الشريعة جعلوا مصدرهم يف استخراجها‬


‫مجموع أدلة الوحي ‪-‬الكتاب والسنة‪ ،-‬بينما من تحدثوا عن مقاصد القرآن‬
‫جعلوا مصدرهم القرآن الكريم‪ ،‬ولعل عدم إدخال السنة عند علماء التفسير‬
‫ألنه ينظرون للقرآن نظرة كلية‪ ،‬وليست أحكام جزئية‪ ،‬والسنة عندهم يف‬
‫الجملة هي بيان للقرآن الكريم‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭐﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ﴾ [ النحل‪ ،]44:‬ومن هنا كانت مقاصد القرآن‬


‫هي مقاصد السنة‪.‬‬
‫‪42‬‬

‫خامسا‪ :‬اختالف األنواع والتقسيمات‪:‬‬


‫ً‬
‫فالحديث عن مقاصد القرآن دار حول مقاصد اآليات‪ ،‬ومقاصد السور‪،‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ومقاصد القرآن الكربى‪ ،‬وكيف يمكن الوصول إليها‪ ،‬والكشف عنها يف ضوء‬
‫نصوص الوحي‪ ،‬خالف الذين تكلموا عن مقاصد الشريعة‪ ،‬قد دار كالمهم يف‬
‫تقسيماهتا بين الضروريات والحاجيات والتحسينات‪ ،‬قال الشاطبي ‪:V‬‬
‫الش ِري َع ِة إِ َلى ُك ِّل َّياتِ َها ا ْل َم ْعن َِو َّي ِة َو َجدْ ن َ‬
‫َاها َقدْ َت َض َّمن ََها‬ ‫« َفإِ َذا َن َظ ْرنَا إِ َلى ُر ُجو ِع َّ‬
‫آن َع َلى الكمال‪ ،‬وهي الضروريات‪ ،‬والحاجيات والتحسينات‪َ ،‬و ُم َك ِّم ُل‬ ‫ا ْل ُق ْر ُ‬
‫اح ٍد مِن َْها»(‪.)1‬‬‫ك ُِّل و ِ‬
‫َ‬

‫(( ( الموافقات (‪.)182 /4‬‬


‫‪43‬‬

‫املطلب الثالث‪:‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الفرق بني مقاصد القرآن‬


‫الكربى والصغرى‬

‫عندما يطلق مصطلح مقاصد القرآن الكريم يراد به‪ :‬المقاصد الكربى‬
‫والصغرى‪ ،‬أو العامة والخاصة‪ ،‬أو الكل ّية والجزئية؛ وذلك ألن العلماء‬
‫قسموا مقاصد القرآن إلى مقاصد كربى‪ ،‬وهي التي سبق تعريفها‪ ،‬وإلى‬
‫َّ‬
‫مقاصد صغرى‪ ،‬أو خاصة‪ ،‬أو جزئية‪ ،‬وهي التي تتعلق باآليات والسور‪.‬‬

‫إليك أبرز الفروق بينهما يف النقاط اآلتية‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬من حيث العموم واخلصوص‪:‬‬

‫فمقاصد القرآن الكربى‪ ،‬عامة وشاملة ِّ‬


‫لكل ما جاء يف سور القرآن‬
‫الكريم وآياته‪ ،‬فجميع اآليات والسور تنتهي إليها‪ ،‬بينما مقصد اآليات والسور‬
‫هو غاية مضمون اآليات والسورة‪ ،‬والمعنى الجامع الذي تلتقي حوله جميع‬
‫آيات وموضوعات السورة‪ ،‬ومن هنا سميت األولى‪ :‬بمقاصد القرآن الكربى‬
‫أو العامة‪ ،‬والثانية‪ :‬بمقاصد القرآن الصغرى أو الخاصة‪.‬‬
‫‪44‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬من حيث أولويات املوضوعات‪:‬‬

‫فمقاصد القرآن الكربى لها أولوية عالية‪ ،‬وهي مرتئسة لسائر موضوعات‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫القرآن الكريم‪ ،‬بينما مقاصد اآليات والسور دوهنا يف األولويات‪ ،‬وقد احتوت‬
‫سورة الفاتحة على مقاصد القرآن الكربى فأخذت نفس األولوية‪ ،‬واحتوت‬
‫بعض السور على أهم مقصد من مقاصد القرآن كسوريت اإلخالص والكافرون‬
‫التي خلصتا يف التوحيد فأخذتا منزلة متقدمة بين السور بعد الفاتحة‪ ،‬ومن هنا‬
‫ً‬
‫مدخل لعدد كبير من العلماء للحديث عن‬ ‫كان الحديث عن مقصد هذه السور‬
‫مقاصد القرآن كما سيأيت تفصيل ذلك‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬من حيث اهتمام العلماء‪:‬‬

‫نجد الحديث عن مقاصد القرآن الكربى واالهتمام به يف كتب العلماء؛‬


‫أقدم وأكثر من الحديث عن مقاصد اآليات والسور‪ ،‬لما لها من أثر كبير يف‬
‫فهم جميع القرآن‪ ،‬وترتيب أولويات الخطاب الرباين‪ ،‬بينما الكالم عن مقاصد‬
‫اآليات والسور جاء بعده بفرتة متأخرة‪ ،‬واالهتمام به أقل‪ ،‬وما زال البحث فيه‬
‫يحتاج إلى مزيد تأصيل وتحرير يف مقاصد كثير من اآليات والموضوعات‪،‬‬
‫والقصص واألحكام والسور‪ ،‬خاصة السور الطوال‪.‬‬
‫‪45‬‬

‫راب ًعا‪ :‬اختالف طرق الوصول للمقاصد العامة واخلاصة‪:‬‬

‫فمقاصد القرآن الكربى يتطلب الوصول إليها استقراء جميع اآليات‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫والموضوعات والسور‪ ،‬بينما مقاصد السورة يتطلب الوصول إليها استقراء‬


‫آيات وموضوعات السورة‪ ،‬وقد يكون اسمها‪ ،‬أو افتتاحيتها وخاتمتها؛ ً‬
‫دال‬
‫على مقصدها‪.‬‬
‫‪46‬‬

‫املطلب الرابع‪:‬‬
‫الفرق بني مقاصد القرآن‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫والتفسري املقاصدي‬

‫التفسير المقاصدي هو نوع جديد يف الدراسات القرآنية لم يتفق‬


‫العلماء حول مصطلحه؛ ولكن مما ال يختلف حوله أنه نوع من اتجاهات‬
‫التفسير بالرأي مثل االتجاه اللغوي‪ ،‬والفقهي‪ ،‬والعلمي وغيره؛ ألنه ال يمكن‬
‫فهم المقصد دون االستنباط وإعمال العقل‪ ،‬ومن هنا فهو اتجاه وليس نو ًعا‬
‫فسر‬
‫الم ّ‬ ‫ً‬
‫مستقل يف التفسير‪ ،‬كالتفسير بالمأثور‪ ،‬والتفسير بالرأي‪ ،‬يعتني فيه ُ‬
‫بصورة كبيرة بإبراز مقاصد القرآن العامة والخاصة والجزئية‪ ،‬مع النظر يف‬
‫فسر للمقاصد يف‬ ‫ِ‬
‫الم ّ‬
‫مآالت األمور وحكم التشريع وأسراره‪ ،‬ومدى اعتبار ُ‬
‫الرتجيح واالختيار واالستنباط وغيرها يف تفسيره‪ ،‬وهل هو ينطلق من نظرة‬
‫مقاصدية شاملة‪ ،‬أم هي اجتهادات متفرقة يف تفسيره؟‬

‫يقول الدكتور مشرف أحمد جمعان الزهراين‪« :‬التفسير المقاصدي هو‪:‬‬


‫التفسير الذي يعتني بمقاصد الشريعة وكلياهتا يف القرآن الكريم‪ ،‬ويراعي علل‬
‫األحكام الشرعية المتعلقة هبا‪ ،‬مع سائر العلوم واألدوات الضرورية للتفسير»(‪.)1‬‬

‫(( ( التفسير المقاصدي تأصيل وتطبيق‪ ،‬مجلة الدراسة اإلسالمية بالرياض‪( ،‬المجلد‪/28 :‬‬
‫العدد‪1437 /1:‬هـ)‪.‬‬
‫‪47‬‬

‫وهذا التعريف ال يخلو من ملحظ؛ ألنه جعل االعتناء فقط بمقاصد‬


‫الشريعة وكلياهتا‪ ،‬بينما االتجاه المقاصدي يهتم بجوانب المقاصد مطل ًقا عند‬
‫علماء الدراسات القرآنية وعلماء الشريعة‪ ،‬ويصطحب ذلك يف فهم المعنى يف‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الرتجيح واالختيار واالستنباط وغيره‪.‬‬

‫وقيل يف تعريفه هو‪( :‬نوع من أنواع التفسير يهتم ببيان المقاصد التي‬
‫تضمنها القرآن‪ُ ،‬‬
‫وشرعت من أجلها أحكامه‪ ،‬ويكشف عن معاين األلفاظ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫التوسع يف دالالهتا‪ ،‬مراع ًيا يف ذلك قواعد التفسير بالمأثور‪ ،‬والسياق‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مع‬
‫والمناسبات)(‪.)1‬‬

‫وغيرها من تعريفات متنوعة‪ ،‬كلها تتفق على أنه تفسير يعتني بإبراز‬
‫مقاصد القرآن والشريعة بإبراز غايتهما‪ ،‬واالستفادة من ذلك يف إظهار محاسن‬
‫الشريعة‪.‬‬

‫ومن خالل االستقراء نجد أبرز الفروق بينه وبين مقاصد القرآن العامة‬
‫تتلخص يف اآليت‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬اختالف املوضوع‪:‬‬

‫فمضمون مقاصد القرآن يختلف عند العلماء عن مضمون التفسير‬


‫المقاصدي‪ ،‬حيث يشمل األول غايات القرآن وموضوعاته الكربى التي‬

‫(( ( التفسير المقاصدي للقرآن الكريم (ص ‪.)58-57‬‬


‫‪48‬‬

‫أساسا‪ ،‬بينما التفسير‬


‫ً‬ ‫دارت حولها اآليات والسور‪ ،‬وجاء القرآن لتحقيقها‬
‫المقاصدي يهتم بأغراض اآليات والموضوعات والسور‪ ،‬ووجوه الحكمة‪،‬‬
‫ٍ‬
‫معان وأسرار‪.‬‬ ‫وما وراء التشريع من‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ثان ًيا‪ :‬اختالف الغايات‪:‬‬

‫فالعلماء الذين يبحثون عن مقاصد القرآن والسور؛ يريدون بعد تحريرها‬


‫تفرق من جزئيات‬
‫أن تكون معالم حاكمة لفهم القرآن الكريم‪ ،‬وجامعة لما َّ‬
‫المعاين‪ ،‬وتنبني عليها ترجيحات واختيارات واستنباطات وغيرها‪ ،‬بينما غاية‬
‫وحكم‬‫التفسير المقاصدي إبراز مدى عناية المفسر بمقاصد القرآن‪ ،‬وغايات ِ‬
‫ُ ّ‬
‫التشريع وأسراره‪ ،‬بما يظهر قيمة التفسير وميزته العلمية يف هذا الجانب‪،‬‬
‫واالستفادة منه يف إظهار عظمة ومحاسن الشريعة‪ ،‬والرتغيب يف االستجابة هلل‬
‫والرسول بما يؤ ّثر يف الجانب اإلقناعي هبدى القرآن الكريم‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬اختالف طرق االستخراج‪:‬‬

‫فطرق الوصول لمقاصد القرآن والسور تختلف عن طرق الوصول‬


‫وفهما دقي ًقا لمعاين‬
‫ً‬ ‫لالتجاه المقاصدي يف التفسير‪ ،‬فاألول يتطلب استقرا ًء‬
‫اآليات والسور للوصول لغاياهتا الكربى‪ ،‬بينما الثاين يتطلب الوصول إليه‬
‫فسر يف إبراز مقاصد القرآن‪ ،‬وما وراء‬
‫الم ّ‬
‫استقرا ًء عا ًما للتفسير لمعرفة جهود ُ‬
‫معان ِ‬
‫وح ٍ‬
‫كم وأسرار‪ ،‬واالستفادة من ذلك يف فهم المعنى‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫األلفاظ من‬
‫‪49‬‬

‫لكل منهما‪:‬‬
‫راب ًعا‪ :‬البعد التارخيي ٍّ‬
‫فالحديث عن مقاصد القرآن قديم عند العلماء‪ ،‬وكالمهم فيه واضح من‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫حيث مفهومه‪ ،‬وتسلسل فكرته‪ ،‬بينما الكالم عن التفسير المقاصدي يصعب‬


‫متأخرا وبصورة واضحة خالل‬
‫ً‬ ‫إرجاعه لتاريخ محدد يف نشأته؛ ولكنه برز‬
‫المراغي‪ ،‬ومن‬
‫مدرسة‪ :‬محمد عبده‪ ،‬ومحمد رشيد رضا‪ ،‬وأحمد مصطفى َ‬
‫جاء بعدهم‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬اختالف أثرهما‪:‬‬


‫ً‬
‫فأثر معرفة مقاصد القرآن ممتد لكل آيات وسور وموضوعات القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬فهو مؤ ّثر يف كل االتجاه ُ‬
‫الهدائي للقرآن الكريم‪ ،‬بينما االتجاه‬
‫المفسرين بمدى‬
‫ّ‬ ‫فسر أو‬
‫الم ّ‬
‫المقاصدي ال يتعدى األثر والدراسة يف إبراز عناية ُ‬
‫خدمتهم لهذا االتجاه من اتجاهات التفسير‪ ،‬وكيفية توظيفهم له يف فهم القرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ومدى اإلفادة من ذلك‪.‬‬
‫‪50‬‬

‫املطلب اخلامس‪:‬‬
‫الفرق بني مقاصد القرآن‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫واهلدايات القرآنية‬

‫االهتمام بما يرشد إليه المعنى من فوائد وهدايات عملية؛ اتجاه له‬
‫ٍ‬
‫ومكثر فيه؛ ولكن برز يف الفرتة األخيرة‬ ‫المفسرين‪ ،‬بين ٍّ‬
‫مقل‬ ‫ّ‬ ‫حضوره عند‬
‫العناية به والتأكيد عليه من خالل «مدرسة المنار» التي كان يقودها الشيخ‬
‫محمد عبده‪ ،‬وتلميذه محمد رشيد رضا بصورة واضحة من خالل دعواهتما‬
‫اإلصالحية؛ ولكن ّ‬
‫ظل كالمهما من باب إبراز أهميته والتأكيد عليه دون‬
‫تأصيل واضح له‪ ،‬ثم قامت «جامعة أم القرى» ممثلة يف «كرسي الهدايات‬
‫القرآنية» بالتأصيل له(‪ ،)1‬ونشر األبحاث العلمية حوله‪ ،‬وعقدت له الملتقيات‬
‫والمؤتمرات العلمية المحلية والعالمية‪ ،‬وأنشأت موسوعة علمية عالمية له‪،‬‬
‫سمتها‪« :‬الموسوعة العالمية يف الهدايات القرآنية» من خالل ستين رسالة‬
‫دكتوراه‪ ،‬شارك يف إعدادها طالّب ومشرفون من أكثر من ثالثين جامعة من كل‬
‫أنحاء العالم‪ ،‬يف تجربة عالمية لم يسبق لها مثيل يف االجتهاد الجماعي العالمي‪،‬‬
‫وفق خطة ومنهجية موحدة يف البحث والكتابة‪ ،‬حرصوا من خاللها على جمع‬

‫((( انظر‪ :‬الهدايات القرآنية دراسة تأصيلية‪ ،‬لألستاذ الدكتور‪ :‬طه عابدين طه وآخرون‪ ،‬وغيرها‬
‫من إصدارات الكرسي المتنوعة يف خدمة هذا المجال‪.‬‬
‫‪51‬‬

‫ما تناثر من هدايات يف كتب السابقين ً‬


‫أول‪ ،‬ثم إفراغ الوسع يف استنباطات‬
‫حرروه من طرق العلماء‪ ،‬وما ق ّعدوه من أصول‬
‫هدايات جديدة وفق ما ّ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫وقواعد وضوابط‪ ،‬مع محاولة جادة لربط هدايات القرآن بالواقع بما يسهم‬
‫يف حل مشكالته‪ ،‬فجاء هذا المشروع بما يؤسس لهذا االتجاه بصورة كبيرة‬
‫تحول كثير من كتابات‬
‫يف مسيرة التفسير يف الفرتة القادمة بإذن اهلل‪ ،‬خاصة مع ّ‬
‫المختصين نحو اتجاه التدبر والعمل بالقرآن الكريم‪ ،‬والسعي الستحضار‬
‫هداياته يف ِّ‬
‫حل مشكالت الواقع المعاصر‪ ،‬ومن هنا كان من األهمية بمكان‬
‫التفريق بينه وبين االتجاه المقاصدي يف التفسير‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬المقاصد يبحث فيه عن الموضوعات األساسية والقضايا الكل ّية‬
‫والكربى التي تنتهي عندها معاين القرآن أو السورة‪ ،‬أو ما وراء المعاين من‬
‫عما تدل عليه اآلية من فوائد‬ ‫ِ‬
‫غايات وحكم وأسرار‪ ،‬والهدايات يبحث فيها َّ‬
‫من خالل ألفاظها وجملها وأوجه قراءاهتا‪ ،‬وأسلوهبا وما يتعلق هبا من قرائن‪،‬‬
‫أو من خالل مجموعة آيات يف معنى يضمها‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مقاصد القرآن يالحظ فيه التئام موضوعات القرآن أو السورة‬
‫كاملة حوله‪ ،‬والهدايات الجزئية هي أوزاع من المعاين المتفرقة يف أبواب شتى‬
‫من العلوم الشرعية‪ ،‬والهدايات الكل ّية يالحظ فيها التئام المعنى الذي يربط‬
‫بين أجزاء الموضوع فقط‪.‬‬
‫‪52‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬مقاصد القرآن يهتم فيها بالكل ّيات واألساسيات الجامعة للمعاين‪،‬‬
‫بينما الهدايات يهتم فيها بالجوانب التفصيلية العملية التطبيقية؛ ألن الهداية‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫هي داللة مرشدة لما يوصل لكل خير‪ ،‬ويمنع من كل شر‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬طرق الوصول لمقاصد القرآن الكريم طرق محددة يعتمد غال ًبا‬
‫فيها على استقراء آيات وسور القرآن بسورة كاملة‪ ،‬بينما الهدايات تقوم على‬
‫طرق كثيرة مختلفة تما ًما عن طرق الوصول للمقاصد‪ ،‬أوصلها بعض الباحثين‬
‫إلى سبع عشرة طريقة(‪.)1‬‬

‫خامسا‪ :‬البحث يف موضوع مقاصد القرآن أو السور محصور ومحدد‬


‫ً‬
‫جدً ا‪ ،‬بينما الهدايات تظل موضع نظر واستنباط العلماء مدى الدهر‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬طرق العلماء يف استخراج الهدايات القرآنية وصياغتها‪ ،‬لألستاذ الدكتور‪ :‬طه عابدين‬
‫طه‪ ،‬دراسة تأصيلية تطبيقية‪.‬‬
‫‪53‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫املبحث الثاين‪:‬‬
‫مقا�صد القر�آن‪:‬‬
‫فوائدها و�أق�سامها و�أنواعها‬
‫‪54‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪55‬‬

‫املطلب األول‪:‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫فوائد معرفة مقاصد القرآن‬

‫موضوع مقاصد القرآن الكربى ليس موضو ًعا ثانو ًيا يف الدراسات‬
‫القرآنية؛ بل هو موضوع له أهميته الخاصة‪ ،‬وقيمته العلمية العالية؛ وذلك لما‬
‫يرتتب على معرفته من فوائد كثيرة‪ ،‬إليك بعض هذه الفوائد‪:‬‬

‫تفرق َّ‬
‫وتوزع من معان وهدايات قرآنية يف‬ ‫أولً‪ :‬مجع خالصة ما َّ‬
‫كل ّيات جامعة‪:‬‬

‫فالمقاصد هي المعاين الجامعة لهدايات وموضوعات القرآن الكثيرة؛‬


‫التي بسطها العلماء يف كتب التفسير المتنوعة وغيرها عرب التاريخ‪ ،‬فرتبط بينها‪،‬‬
‫وتب ّين زبدهتا يف غايات جامعة‪ ،‬وبناء كلي تتكامل فيه جهود األجيال‪ ،‬فهي‬
‫تمثل خالصة البحث والنظر يف دالالت القرآن الكريم‪ ،‬وتجمع وتضع وترتب‬
‫بين يديك موضوعات القرآن األساسية‪ ،‬بصورة ال هتتدي إليها بغير هذا النوع‬
‫من الدراسة‪ ،‬فجمع فروع وجزئيات المسائل على أصولها وقواعدها الكل ّية‬
‫راسخا للدين‪ ،‬ويمنع من االضطراب واالنحراف‪ ،‬قال شيخ‬ ‫ً‬ ‫فهما‬
‫يورث ً‬
‫اإلسالم ابن تيمية ‪« :V‬ال بد أن يكون مع اإلنسان أصول كل ّية ُتر ّد إليها‬
‫الجزئيات؛ ليتكلم بعلم وعدل‪ ،‬ثم يعرف الجزئيات كيف وقعت‪ ،‬وإال فيبقى‬
‫‪56‬‬

‫يف كذب وجهل يف الجزئيات‪ ،‬وجهل مظلم يف الكل ّيات فيتو ّلد فساد عظيم»(‪،)1‬‬
‫وقال العالمة السعدي ‪« :V‬ومعلوم أن األصول والقواعد للعلوم‪ ،‬بمنزلة‬
‫األساس للبنيان‪ ،‬واألصول لألشجار‪ ،‬ال ثبات لها إال هبا‪ ،‬واألصول ُتبنى‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫عليها الفروع‪ ،‬والفروع تثبت وتتقوى باألصول‪ ،‬وبالقواعد واألصول يثبت‬
‫العلم ويقوى‪ ،‬وينمي نماء م ّطر ًدا‪ ،‬وهبا ُتعرف مآخذ األصول‪ ،‬وهبا يحصل‬
‫كثيرا»(‪.)2‬‬
‫الفرقان بين المسائل التي تشتبه ً‬

‫ثانيًا‪ :‬تيسري وتسهيل فهم القرآن للناس‪:‬‬

‫تيسير فهم اإلسالم للناس مقصد ينبغي أن تتضافر حوله الجهود‪،‬‬


‫وهو أصل راعاه القرآن يف سائر خطابه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ﴾ [ القمر‪ ،]17:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐﱋ ﱌ ﱍ‬

‫ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ﴾ [مريم‪ ،]97:‬وهو ما أكد عليه‬


‫النبي ‪ H‬من خالل سنته‪ ،‬فعن أنس بن مالك ‪ I‬عن النبي‬
‫«ي ِّس ُروا َو َل ُت َع ِّس ُروا َو َب ِّش ُروا َو َل ُتنَ ِّف ُروا»(‪ ،)3‬وهذا عام‬
‫‪ H‬قال‪َ :‬‬
‫يف جميع األمور‪ ،‬وأكد عليه يف التعليم بصورة خاصة وب ّين أنه ُبعث مع ّل ًما‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)230 /19‬‬


‫(( ( طريق الوصول (ص‪. )4 :‬‬
‫(ر َّب ُم َب َّل ٍغ‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه يف كتاب العلم‪ ،‬باب قول النبي ‪ُ :H‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫باب‬‫َأ ْو َعى م ْن َسامعٍ)‪ ،‬حديث رقم‪ ،)67( :‬ومسلم يف صحيحه يف كتاب الجهاد والسير‪ٌ ،‬‬
‫يف األمر بالتيسير وترك التنفير‪ ،‬حديث رقم‪.)4626( :‬‬
‫‪57‬‬

‫ميس ًرا فقال ‪« :H‬إِ َّن اهَّللَ َل ْم َي ْب َع ْثنِي ُم َعنِّتًا َوالَ ُم َت َعنِّتًا َو َلكِ ْن َب َع َثنِي‬
‫ّ‬
‫ُم َع ِّل ًما ُم َي ِّس ًرا»(‪ ،)1‬وقد كان هذا هو هدي النبي ‪ H‬العملي‪ ،‬كذلك يف‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ميسرة حتى يفهمه الجميع ويعمل به‪ ،‬وهذا هو‬


‫عرض اإلسالم للناس بصورة ّ‬
‫الذي يساعد على نشر الحق والعمل به‪ ،‬وكثرة التفريعات‪ ،‬ومناقشة جزئيات‬
‫المسائل والتوسع فيها يف كتب التفسير‪ ،‬كانت على حساب خدمة الهدايات‬
‫والكل ّيات‪ ،‬ونتج عنها زهد لالستفادة منها حتى عند طلبة العلم فضال عن‬
‫غيرهم‪ ،‬واستنزفت طاقات وأوقات يف أمور ال تعود بفائدة تذكر‪ ،‬يف الوقت‬
‫الذي نجد أهل الباطل ييسرون علومهم للناس ويزينوهنا حتى تنتشر يف وسط‬
‫«إن من سوء حظ المسلمين ّ‬
‫أن‬ ‫أكرب قطاع من الناس‪ ،‬يقول محمد رشيد رضا‪ّ :‬‬
‫أكثر ما كتب يف التفسير يشغل قارئه عن هذه المقاصد العالية‪ ،‬والهداية السامية‪،‬‬
‫فمنها ما يشغله عن القرآن بمباحث اإلعراب‪ ،‬وقواعد النحو‪ ،‬ونكت المعاين‪،‬‬
‫ومصطلحات البيان‪ ،‬ومنها ما يصرفه عنه بجدل المتكلمين‪ ،‬وتخريجات‬
‫األصوليين‪ ،‬واستنباطات الفقهاء المقلدين‪ ،‬وتأويالت المتصوفين‪ ،‬وتعصب‬
‫الفرق والمذاهب بعضها على بعض‪ ،‬وبعضها يلفته عنه بكثرة الروايات‪ ،‬وما‬
‫مزجت به من خرافات اإلسرائيليات‪ ،‬وقد زاد الفخر الرازي صارفا آخر عن‬
‫القرآن؛ هو ما يورده يف تفسيره من العلوم الرياضية والطبيعية‪ ،‬وغيرها من‬
‫العلوم الحادثة يف الملة على ما كانت عليه يف عهده‪ ،‬كالهيئة الفلكية اليونانية‬

‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه يف كتاب الطالق‪ ،‬باب بيان ّ‬


‫أن تخيير امرأته ال يكون طالقا إال‬
‫بالنية‪ ،‬حديث رقم‪.)3763( :‬‬
‫‪58‬‬

‫وغيرها‪ ،‬وقلده بعض المعاصرين بإيراد مثل ذلك من علوم هذا العصر وفنونه‬
‫الكثيرة الواسعة‪ ،‬فهو يذكر فيما يسميه تفسير اآلية؛ فصوال طويلة بمناسبة كلمة‬
‫مفردة‪ ،‬كالسماء واألرض من علوم الفلك والنبات والحيوان‪ ،‬تصد قارئها عما‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫أنزل اهلل ألجله القرآن»(‪.)1‬‬

‫ونتيجة لما سبق ذكره نحن يف حاجة ماسة لمعرفة مقاصد القرآن الكربى‪،‬‬
‫وتيسير وتسهيل فهم القرآن للناس من خاللها حتى يسهل فهم أصول وقضايا‬
‫الدين الكربى‪ ،‬وموضوعاته األساسية التي ينتهي إليها الخطاب القرآين من‬
‫تصور أركانه وفرائضه‬
‫وحسن ّ‬
‫وراء موضوعاته‪ ،‬وينبني عليها فهم اإلسالم ُ‬
‫ميسرة‪ ،‬ويجعل كل متدبر لكالم اهلل تعالى يأيت إليه من بابه‬
‫وواجباته بصورة ّ‬
‫ومدخله؛ الذي ييسر عليه التوغل يف معانيه وهداياته بكل ُي ْسر‪.‬‬

‫كما أن إبراز المقاصد الكربى للمسلمين جمي ًعا‪ ،‬يسهم بصورة كبيرة‬
‫ً‬
‫وعمل؛ ألن الكل ّيات هي التي عليها‬ ‫يف ترسيخ اإلسالم يف العقول اعتقا ًدا‬
‫وحسن تصور بناء اإلسالم‪ ،‬وإليها ينتهي مقاصد‬
‫مدار الصالح واإلصالح‪ُ ،‬‬
‫الطالبين‪ ،‬والموضوعات التفصيلية والجزئية هي تابعة لها ومتفرعة عنها‪.‬‬

‫(( ( تفسير المنار (‪.)8 /1‬‬


‫‪59‬‬

‫منهج أقوم يف فهم اخلطاب القرآني‪:‬‬


‫ثالثًا‪ :‬اتباع ٍ‬
‫هنالك طرق ال يتحقق الفهم السليم للقرآن الكريم إال من خاللها‪ ،‬من‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ٍ‬
‫معان يف الجملة واآلية‪ ،‬وجمع‬ ‫ذلك‪ :‬البحث عن المعاين الجامعة لما تعدَّ د من‬
‫آياته نحو موضوعاهتا يف الموضع الواحد من السورة فيما يضمها ويناسق‬
‫بينها‪ ،‬ثم جمع الموضوعات المتنوعة يف السورة نحو غاية واحدة‪ ،‬ثم تجمع‬
‫موضوعاته وسوره يف مقاصد كبيرة تجتمع فيها جميع معاين القرآن الكريم‪،‬‬
‫فالقرآن وإن تنوع يف جمله وآياته وموضوعاته وسوره‪ ،‬فهو كالم واحد يجتمع‬
‫يف مقاصد محددة‪ ،‬ففهم القرآن بطريقة صحيحة يتطلب فهمه يف ضوء مقاصده‬
‫المتنوعة التي تلتقي يف النهاية عند مقاصده الكربى‪ ،‬قال اإلمام الشاطبي ‪:V‬‬
‫آخ ِر ِه‪،‬‬
‫ون َع َلى بال من المستمع والمتفهم االلتفات إِ َلى َأو ِل ا ْل َك َل ِم و ِ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬ ‫« َفا َّل ِذي َي ُك ُ‬
‫آخ ِر َها‪َ ،‬و َل فِي‬ ‫ون ِ‬ ‫ب ا ْل َق ِض َّي ِة َو َما ا ْقت ََضا ُه ا ْل َح ُال فِ َيها‪َ ،‬ل َينْ ُظ ُر فِي َأ َّول ِ َها ُد َ‬
‫بِ َح َس ِ‬
‫ض‬ ‫ون َأ َّول ِ َها‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل َق ِض َّي َة َوإِ ِن ْاشت ََم َل ْت َع َلى ُج َملٍ؛ َف َب ْع ُض َها ُم َت َع ِّل ٌق بِا ْل َب ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫آخ ِر َها ُد َ‬
‫اح ٍد‪َ ،‬ف َل م ِحيص ل ِ ْلم َت َفه ِم َعن رد ِ‬
‫آخ ِر ا ْل َك َل ِم‬ ‫َاز َل ٌة فِي َشي ٍء و ِ‬ ‫ِلَنَّها َق ِضي ٌة و ِ‬
‫احدَ ٌة ن ِ‬
‫ْ َ ِّ‬ ‫َ َ ُ ِّ‬ ‫ْ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬
‫ف‪،‬‬ ‫ار ِع فِي َفه ِم ا ْلم َك َّل ِ‬ ‫الش ِ‬ ‫اك َي ْح ُص ُل َم ْق ُصو ُد َّ‬‫آخ ِر ِه‪َ ،‬وإِ ْذ َذ َ‬ ‫َع َلى َأول ِ ِه‪ ،‬و َأول ِ ِه َع َلى ِ‬
‫ْ ُ‬ ‫َّ َ َّ‬
‫اد ِه‪َ ،‬ف َل َي ِص ُّح ِال ْقتِ َص ُار فِي النَّ َظ ِر‬ ‫َفإِ ْن َفر َق النَّ َظر فِي َأج َزائِ ِه؛ َف َل يتَوص ُل بِ ِه إِ َلى مر ِ‬
‫َُ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫اح ٍد‪َ ،‬و ُه َو النَّ َظ ُر فِي َف ْه ِم‬‫ض‪ ،‬إِ َّل فِي موطِ ٍن و ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ون َب ْع ٍ‬ ‫ض َأ ْج َز ِاء ا ْل َك َل ِم ُد َ‬ ‫َع َلى َب ْع ِ‬
‫ب م ْقص ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال َّظ ِ‬
‫اه ِر بِ َح َس ِ‬
‫ود ا ْل ُم َت َك ِّل ِم»(‪.)1‬‬ ‫ب ال ِّل َسان ا ْل َع َربِ ِّي َو َما َي ْقتَضيه‪َ ،‬ل بِ َح َس ِ َ ُ‬

‫(( ( الموافقات (‪.)149/1‬‬


‫‪60‬‬

‫رابعًا‪ :‬بناء َم َل َكة ّ‬


‫مهمة يف التدبر واالستنباط‪:‬‬

‫المشتغلون اليوم بالتفسير يحتاجون إلى بناء َملكات يف التدبر‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الم َلكات المهمة معرفة مقاصد القرآن‪ ،‬واالنتباه‬
‫واالستنباط‪ ،‬ومن تلك َ‬
‫لما وراء النص من مقاصد‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪« :V‬فمن تدبر‬
‫القرآن‪ ،‬وتدبر ما قبل اآلية وما بعدها‪ ،‬وعرف مقصود القرآن؛ تب ّين له المراد‪،‬‬
‫وعرف الهدي والرسالة‪ ،‬وعرف السداد من االنحراف واالعوجاج»(‪ ،)1‬وقال‬
‫اص ِد»(‪ ،)2‬وقال‬
‫ون لِم ِن ا ْل َت َف َت إِ َلى ا ْلم َق ِ‬
‫َ‬ ‫الشاطبي ‪َ « :V‬فالتَّدَ ُّب ُر إِن ََّما َي ُك ُ َ‬
‫محمد رشيد رضا‪« :‬وتدبر الكالم هو النظر والتفكر يف غاياته ومقاصده التي‬
‫يرمي إليها‪ ،‬وعاقبة العامل به والمخالف له»(‪.)3‬‬

‫واألمة يف حاجة كبيرة لعقول تجتهد يف فهم كتاب رهبا‪ ،‬وتستنبط من‬
‫هداياته ما يلبي حاجاهتم المتجددة‪ ،‬ويسهم يف حل مشكالهتم المتنوعة‪ ،‬حتى‬
‫يبقى خالدً ا متدف ًقا بعطائه الممتد يف تلبية حاجة البشرية‪ ،‬فرعاية ذلك يف بناء‬
‫علماء المستقبل من األهمية بمكان‪« ،‬حتى تكون طبقات علماء األمة صالحة‬
‫‪-‬يف كل زمان‪ -‬لفهم تشريع الشارع ومقصده من التشريع‪ ،‬فيكونوا قادرين‬
‫على استنباط األحكام التشريعية»(‪ )4‬وغيرها‪ ،‬ولهم القدرة على عطاء متجدد‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)296 /3‬‬


‫(( ( الموافقات (‪.)124/1‬‬
‫(( ( تفسير المنار (‪.)233 /5‬‬
‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)158 /3‬‬
‫‪61‬‬

‫ول َت ْفنَى‬ ‫«ل َي ْش َب ُع مِنْ ُه ا ْل ُع َل َما ُء‪َ ،‬‬ ‫ألمتهم من نور هذا الكتاب المبين‪ ،‬الذي َ‬
‫ت‬ ‫ف ِد َل َل ُته‪ُ ،‬ك َّلما ْازداد ِ‬ ‫َع َجائِ ُب ُه‪َ ،‬و َل ُت ْقلِ ُع َس َحائِ ُب ُه‪َ ،‬و َل َتنْ َق ِضي آ َيا ُت ُه‪َ ،‬و َل َت ْختَلِ ُ‬
‫ُ َ َ َ‬
‫يه َت َأ ُّم ًل َو َت ْفكِ ًيرا َزا َد َها ِهدَ ا َي ًة َو َت ْب ِص ًيرا‪َ ،‬و ُك َّل َما َب َج َس ْت َم ِعينُ ُه َف َّج َر َل َها‬
‫ا ْلبصائِر فِ ِ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫َ َ ُ‬
‫ور مِ ْن َأ ْد َوائِ َها‬ ‫الصدُ ِ‬ ‫ِ‬
‫اها‪َ ،‬وش َفا ُء ُّ‬ ‫ُور ا ْل َب َصائِ ِر مِ ْن َع َم َ‬ ‫َينَابِ َ ِ ِ ِ‬
‫يع ا ْلح ْك َمة َت ْفج ًيرا‪َ ،‬ف ُه َو ن ُ‬
‫ادي ْالَ ْر َواحِ‬ ‫وب‪ ،‬وح ِ‬ ‫وس‪َ ،‬و ِر َي ُ‬
‫اض ا ْل ُق ُل ِ َ َ‬ ‫وب‪َ ،‬و َل َّذ ُة النُّ ُف ِ‬ ‫َو َج َو َاها‪َ ،‬و َح َيا ُة ا ْل ُق ُل ِ‬
‫يه‪َ ،‬و َي َّطلِ ُع‬‫إِ َلى بِ َل ِد ْالَ ْفراحِ »(‪ ،)1‬وقال الزركشي ‪« :V‬وإِنَّما ي ْفهم بع َض معانِ ِ‬
‫ََ‬ ‫َ َ َ َ ُ َْ‬ ‫َ‬
‫يه‪َ ،‬م ْن َق ِو َي َن َظ ُر ُه‪َ ،‬وا َّت َس َع مجاله يف الفكر وتد َّبره‪ ،‬وامتدّ باعه‬ ‫َع َلى َأسر ِار ِه ومبانِ ِ‬
‫ْ َ َ ََ‬
‫ب»(‪.)2‬‬ ‫وو َّقت طباعه‪ ،‬وامتد يف فنون األدب‪ ،‬وأحتط بِ ُل َغ ِة ا ْل َع َر ِ‬

‫خامسا‪ :‬العصمة من االحنراف والضالل‪:‬‬


‫ً‬

‫معرفة مقاصد القرآن الكربى تمنع من االنحراف الفكري يف األمة الذي‬


‫ذاقت منه األمة الويالت يف تاريخها‪ ،‬خاصة ما يتعلق بجوانب الغلو والتطرف‪،‬‬
‫فما ضلت الخوارج والفرق المنحرفة إال يوم أن اتبعوا متشابه األدلة‪ ،‬ولم‬
‫يردوها إلى ُم ْح َكمات وكل ّيات الشريعة‪ ،‬قال الشاطبي ‪ V‬وهو يتحدث‬
‫الس َل ُم بِ َه ُؤ َل ِء‪َ ،‬و َذك ََر َل ُه ْم َع َل َم ًة‬ ‫ِ‬
‫عرف َع َل ْيه َّ‬
‫الص َل ُة َو َّ‬ ‫عن سبب ضاللهم‪َ « :‬ف َقدْ َّ‬
‫الش ِري َع ِة َأ ْم َر ْي ِن ُك ِّل َّي ْي ِن‪:‬‬
‫احبِ ِه ْم‪َ ،‬و َب َّي َن مِ ْن َم ْذ َهبِ ِه ْم فِي ُم َعانَدَ ِة َّ‬
‫فِي ص ِ‬
‫َ‬

‫(( ( مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (‪.)27 /1‬‬
‫(( ( الربهان يف علوم القرآن (‪.)6 /1‬‬
‫‪62‬‬

‫اص ِد ِه َو َم َعاقِ ِد ِه‪،‬‬ ‫آن َع َلى َغي ِر َتدَ ب ٍر و َل َن َظ ٍر فِي م َق ِ‬


‫َ‬ ‫ْ ُّ َ‬
‫اه ِر ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫َأحدُ ُهما‪ :‬ا ِّتباع َظو ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫الر ْأ ِي َوالنَّ َظ ِر ْالَ َّو ِل‪َ ،‬و ُه َو ا َّل ِذي َن َّب َه َع َل ْي ِه َق ْو ُل ُه فِي‬ ‫ِ ِ‬
‫َوا ْل َق ْط ُع بِا ْل ُح ْك ِم بِه بِ َباد ِئ َّ‬
‫الر ْأ َي َي ُصدُّ‬ ‫يجاو ُز َحن ِ‬ ‫ا ْلح ِد ِ‬
‫َاج َر ُه ْم»‪َ ،‬و َم ْع ُلو ٌم َأ َّن َه َذا َّ‬ ‫آن َل ُ‬ ‫رؤون ا ْل ُق ْر َ‬ ‫يث‪« :‬ي َق‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫يم‪َ ،‬ومِ ْن ُهنَا َذ َّم‬ ‫اط ا ْل ُم ْست َِق ِ‬
‫ض‪ ،‬وي َضاد ا ْلم ْشي َع َلى الصر ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫َ ُ ُّ َ َ‬
‫َع ِن ا ِّت َبا ِع ا ْل َح ِّق ا ْل َم ْح ِ‬
‫اه ِر ِّي‪َ ،‬و َق َال‪ :‬إِن ََّها بِدْ َع ٌة َظ َه َر ْت َب ْعدَ ا ْل ِما َئ َت ْي ِن‪َ ،‬أ َل‬‫اء ر ْأي داود ال َّظ ِ‬ ‫ِ‬
‫َب ْع ُض ا ْل ُع َل َم َ َ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪َ ،‬و َت َع َار َض ْت‬ ‫الس َو ُر َو ْال َي ُ‬‫َت َرى َأ َّن َم ْن َج َرى َع َلى ُم َج َّرد ال َّظاه ِر َتنَا َق َض ْت َع َل ْيه ُّ‬
‫ال ْط َل ِق َوا ْل ُع ُمو ِم‪...‬‬ ‫فِي َيدَ ْي ِه ْالَ ِد َّل ُة َع َلى ْ ِ‬

‫ان َع َلى ِضدِّ َما َد َّل ْت َع َل ْي ِه‬ ‫الس َل ِم و َتر ُك َأ ْه ِل ْالَو َث ِ‬


‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوال َّثاني‪َ :‬قت ُْل َأ ْه ِل ْ ْ‬
‫السنَّ َة إِن ََّما َجا َء ْت ل ِ ْل ُح ْك ِم بِ َأ َّن َأ ْه َل‬
‫آن َو ُّ‬ ‫الش ِري َع ِة َو َت ْف ِصي ُل َها‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل ُق ْر َ‬‫ُج ْم َل ُة َّ‬
‫ون‪َ ،‬ول ِ َت ْع ِص َم َه ُؤ َل ِء‬ ‫ان َهال ِ ُك َ‬
‫ون‪ ،‬و َأ َّن َأ ْه َل ْالَو َث ِ‬
‫ْ‬ ‫َاج َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ْس َل ِم في الدُّ ْن َيا َو ْالخ َرة ن ُ‬ ‫ِْ‬

‫الش ِري َع ِة ُم َؤ ِّد ًيا‬


‫َان النَّ َظ ُر فِي َّ‬
‫يه َما َوا ْل ُع ُمو ِم‪َ ،‬فإِ َذا ك َ‬ ‫ال ْط َل ِق فِ ِ‬‫َو ُت ِر َيق َدم َه ُؤ َل ِء َع َلى ْ ِ‬
‫َ‬
‫اع ِد َها‪َ ،‬و َصا ًّدا َع ْن َسبِيلِ َها‪،‬‬ ‫ادما ل ِ َقو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إِ َلى ُم َضا َّدة َه َذا ا ْل َق ْصد‪َ ،‬ص َار َصاح ُب ُه َه ً َ‬
‫ِ‬

‫اس‬ ‫ب َوا ْب ِن َع َّب ٍ‬ ‫يم َم َع َعلِي ْب ِن َأبِي َطال ِ ٍ‬ ‫َو َم ْن َت َأ َّم َل ك ََل َم ُه ْم فِي َم ْس َأ َل ِة الت َّْحكِ ِ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‪َ ،‬و َهدْ ُم ُه ْم‬ ‫وج ُه ْم َع ِن ا ْل َق ْصد‪َ ،‬وعُدُ و ُل ُه ْم َع ِن َّ‬
‫الص َو ِ‬ ‫َوفي َغ ْي ِر َها‪َ ،‬ظ َه َر َل ُه ُخ ُر ُ‬
‫ان وجه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫ل ْل َق َواعد‪َ ،‬وك ََذل َك ُمنَا َظ َر ُت ُه ْم ُع َم َر ْب َن َع ْبد ا ْل َع ِز ِيز‪َ ،‬و َأ ْش َبا ُه َذل َك‪َ ،‬ف َه َذ َ ْ َ‬
‫الش ِريع ِة ا ْل ُك ِّلي ِة ا ِّتبا ًعا ل ِ ْلمت ََشابِه ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ات»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫ُذك َرا في ا ْل َحديث م ْن ُم َخا َل َفت ِه ْم ل َق َواعد َّ َ‬

‫(( ( الموافقات (‪.)261/1‬‬


‫‪63‬‬

‫سادسًا‪ :‬بناء خارطة أولويات واضحة يف العلم والعمل‪:‬‬

‫تع ّلم وتعليم الدين من خالل االهتمام بالكل ّيات التي اهتم هبا القرآن‪،‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫وبنى عليها تفريعات مسائله وعلومه‪ ،‬يبني خارطة أولويات مهمة للفرد‬
‫والجماعة؛ ألنه من خالل دراسة المقاصد تظهر أولويات األمور‪ ،‬وحجم‬
‫وقدْ ر كل موضوع بما ُيمكن من االبتداء باألهم‪ ،‬وعدم إضاعة الوقت يف‬
‫الفرعيات والجزئيات التي غال ًبا ما تكون على حساب الكل ّيات واألصول‪،‬‬
‫فمثال قضية إفراد اهلل تعالى بالعبادة‪ ،‬ومحاربة الشرك وبيان عواقبه‪ ،‬قضية أنزل‬
‫من أجلها كتبه‪ ،‬وأرسل رسله‪ ،‬وقام عليها سوق الجنة والنار‪ ،‬وم ّيز اهلل تعالى‬
‫هبا بين أهل السعادة والشقاء‪ ،‬فالمقاصد تربز لك أهميتها ووجوب العناية هبا‪،‬‬
‫والعمل على تحقيقها‪ ،‬وقد رأينا من ضاعت عنهم األولويات كيف تخبطوا يف‬
‫مسيرهتم التعبدية واإلصالحية‪ ،‬ومن هذا الباب كان رد شيخ اإلسالم ‪V‬‬

‫ف‬ ‫على الرافضة يف جعل اإلمامة من أصول الدين فقال‪َ « :‬ف ِم َن ا ْل َم ْع ُلو ِم َأ َّن َأ ْش َر َ‬
‫َاب‬ ‫ون ِذك ُْر َها فِي كِت ِ‬ ‫ين َينْ َب ِغي َأ ْن َي ُك َ‬
‫ب فِي الدِّ ِ‬ ‫َم َسائِ ِل ا ْل ُم ْسلِ ِمي َن‪َ ،‬و َأ َه َّم ا ْل ُم َطال ِ ِ‬
‫آن َم ْم ُلو ٌء‬‫ان َغ ْي ِر َها‪َ ،‬وا ْل ُق ْر ُ‬ ‫ول َلها َأو َلى مِن بي ِ‬
‫ْ ََ‬ ‫الر ُس ِ َ ْ‬ ‫ان َّ‬ ‫اهَّللِ َأ ْع َظ َم مِ ْن َغ ْي ِر َها‪َ ،‬و َب َي ُ‬
‫يد اهَّللِ‪َ ،‬و ِذك ِْر َأ ْس َمائِ ِه َو ِص َفاتِ ِه‪َ ،‬وآ َياتِ ِه‪َ ،‬و َم َلئِ َكتِ ِه‪َ ،‬و ُك ُتبِ ِه‪َ ،‬و ُر ُسلِ ِه‪،‬‬ ‫بِ ِذك ِْر َتو ِح ِ‬
‫ْ‬
‫خ َل ِ‬
‫ض بِ ِ‬ ‫ود‪َ ،‬وا ْل َف َرائِ ِ‬ ‫ص‪ ،‬و ْالَم ِر‪ ،‬والنَّه ِي‪ ،‬وا ْلحدُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫َ ُ‬ ‫َوا ْل َي ْو ِم ْالخ ِر‪َ ،‬وا ْل َق َص ِ َ ْ َ ْ‬
‫آن مم ُلوء بِ َغي ِر ْالَ َهم ْالَ ْشر ِ‬ ‫ال َما َم ِة‪َ ،‬ف َك ْي َ‬
‫ِْ‬
‫ف»(‪.)1‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ون ا ْل ُق ْر ُ َ ْ ً ْ‬
‫ف َي ُك ُ‬

‫((( منهاج السنة النبوية (‪.)98 /1‬‬


‫‪64‬‬

‫سابعًا‪ :‬إضافة ُب ْعد تدبري ّ‬


‫مهم له أثره يف الفهم‪:‬‬

‫ملحة إلى العناية بال ُبعد‬


‫ّ‬ ‫المكتبة القرآنية اليوم واألمة يف حاجة‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫فسر بين داللة النص ومقاصده‪ ،‬ويلتفت إلى‬
‫الم ّ‬
‫المقاصدي‪ ،‬الذي يجمع فيه ُ‬
‫وحكم‪ ،‬فيعمل على «التوفيق بين خاصيتي األخذ‬‫ما وراء التشريع من أسرار ِ‬

‫بظاهر النص‪ ،‬وااللتفات إلى روحه ومدلوله على وجه ال ّ‬


‫يخل فيه المعنى‬
‫بالنص‪ ،‬وال العكس‪ ،‬لتجري الشريعة على نظام واحد ال اختالف فيه‪ ،‬تأكيدً ا‬
‫لخصائص صالحية الشريعة ودوامها‪ ،‬وواقعيتها ومرونتها‪ ،‬وقدرهتا على‬
‫التحقق والتفاعل مع مختلف البيئات والظروف واألطوار وال تناقض»(‪ ،)1‬قال‬
‫ابن عاشور ‪ V‬يف معنى قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱫ ﱬ ﱭﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﴾ [النساء‪« :]82 :‬فمعنى ﴿ ﱬ‬

‫ﱭ ﴾ يتأملون داللته‪ ،‬وذلك يحتمل معنيين‪ :‬أحدهما‪ :‬أن يتأملوا داللة‬


‫تفاصيل آياته على مقاصده التي أرشد إليها المسلمين‪ ،‬أي‪ :‬تدبر تفاصيله؛‬
‫وثانيهما‪ :‬أن يتأملوا داللة جملة القرآن ببالغته على أنه من عند اهلل‪ ،‬وأن الذي‬
‫جاء به صادق‪ ،‬وسياق هذه اآليات يرجح حمل التدبر هنا على المعنى األول‪،‬‬
‫أي لو تأملوا وتدبروا هدي القرآن لحصل لهم خير عظيم‪ ،‬ولما بقوا على فتنتهم‬
‫التي هي سبب إضمارهم الكفر مع إظهارهم اإلسالم‪ ،‬وكال المعنيين صالح‬
‫بحالهم‪ ،‬إال أن المعنى األول أشد ارتباطا بما ُحكي عنهم من أحوالهم»(‪.)2‬‬

‫((( االجتهاد المقاصدي ضوابطه ومجاالته (ص‪.)39 :‬‬


‫(( ( التنوير والتحرير (‪.)72 /11‬‬
‫‪65‬‬

‫فسر يف استنباط بعض األحكام‪،‬‬


‫الم ّ‬
‫فهو له ُبعده التدبري الكبير على ُ‬
‫وترجيح بعضها‪ ،‬وتوجيه بعضها‪ ،‬انظر مثال ذلك يف الجمع بين النص ومقاصده‬
‫عند ابن عاشور يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ‬
‫�‬

‫ﱦﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﴾ [النساء‪ ،]28 :‬فيقول‪« :‬وأما الضرب‬


‫فهو خطير وتحديده عسير‪ ،‬ولكنه أذن فيه يف حالة ظهور الفساد؛ ألن المرأة‬
‫اعتدّ ت حينئذ‪ ،‬ولكن يجب تعيين حد يف ذلك‪ ،‬يب ّين يف الفقه؛ ألنه لو أطلق‬
‫لألزواج أن يتو ّلوه‪ ،‬وهم حينئذ يشفون غضبهم‪ ،‬لكان ذلك مظنة تجاوز الحد‪،‬‬
‫إذ َّ‬
‫قل من يعاقب على قدر الذنب‪ ،‬على ّ‬
‫أن أصل قواعد الشريعة ال تسمح‬
‫بأن يقضي أحد لنفسه لوال الضرورة‪ ،‬بيد أن الجمهور ق َّيدوا ذلك بالسالمة‬
‫وإضرارا‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫ً‬ ‫من اإلضرار‪ ،‬وبصدوره ممن ال يعدّ الضرب بينهم إهانة‬
‫يجوز لوالة األمور إذا علموا أن األزواج ال يحسنون وضع العقوبات الشرعية‬
‫مواضعها‪ ،‬وال الوقوف عند حدودها أن يضربوا على أيديهم استعمال هذه‬
‫العقوبة‪ ،‬ويعلنوا لهم أن من ضرب امرأته عوقب‪ ،‬كيال يتفاقم أمر اإلضرار بين‬
‫األزواج‪ ،‬ال سيما عند ضعف الوازع»(‪.)1‬‬

‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)44 /5‬‬


‫‪66‬‬

‫ثامنًا‪ :‬تضييق دائرة االختالف يف التفسري‪:‬‬

‫هنالك اختالفات كثيرة يف كتب التفسير بسبب النظرة الجزئية يف داللة‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫معاين األلفاظ‪ ،‬وتراكيب الجمل يف سياقها الموضعي مع إهمال النظرة الكل ّية‬
‫لمقاصد القرآن أو السورة أو اآليات‪ ،‬فالعناية بالمقاصد والكل ّيات العامة‪،‬‬
‫للمفسر يف وسط تلك االختالفات‪ ،‬وهو يختار ويرجح ويجمع‬
‫ّ‬ ‫وجعلها هادية‬
‫ويحلل ويستنبط من األدلة؛ لها فوائدها يف تضييق دائرة االختالف‪ ،‬من خالل‬
‫الجمع بين داللة األلفاظ والجمل‪ ،‬ومقاصد القرآن العامة والخاصة‪ ،‬وحال‬
‫المخا َطبين هبا عند نزوله‪ ،‬وحال الفئة المستهدَ فة اليوم ليصل من ورائها إلى‬
‫مضامين كل ّية تضيق دوائر االختالف بين أبناء األمة الواحدة‪ ،‬ألن الغرض‬
‫الحقيقي من التفسير؛ تحقيق مقصد نزول القرآن من الهداية والشفاء والرحمة‬
‫للناس‪.‬‬

‫مثال ذلك نجد خالفا طويال بين العلماء يف المراد بالطائفة من قوله‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﴾ [النور‪ ،]2 :‬فبعد أن يذكر اإلمام‬
‫يرجح وفق الفهم المقاصدي فيقول‪« :‬واألولى أن‬
‫الجصاص األقوال نجده ّ‬
‫ّ‬
‫تكون الطائفة جماعة يستفيض الخرب هبا‪ ،‬ويشيع فيرتد على الناس عن مثله؛‬
‫ألن الحدود موضوعة للزجر والردع‪ ،‬وباهلل التوفيق»(‪.)1‬‬

‫(( ( أحكام القرآن (‪.)106 /5‬‬


‫‪67‬‬

‫تاس ًعا‪ :‬تكوين العلماء الر ّبانيني‪:‬‬

‫العلماء الربانيون هم الذين يعلمون الكتاب ويع ّلمونه من أجل إفادة‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الناس وإصالح حالهم هبديه‪ ،‬وهم من يهتمون بقضاياه األساسية الكل ّية‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫الجامع إلى العلم‬


‫ُ‬ ‫ﱺ﴾ [آل عمران‪ ،]79 :‬قال ابن جرير ‪« :V‬الر ّباين‬
‫والفقه‪ ،‬والبصر بالسياسة والتدبير‪ ،‬والقيام بأمور الرعية‪ ،‬وما يصلحهم يف‬
‫ُدنياهم ودينهم»(‪ ،)1‬فالعقل األقدر على إنزال الهدى القرآين عرب تاريخ األمة‬
‫وباستقراء تاريخ علمائها‪ ،‬هو العقل المقاصدي الذي يتجه باألدلة نحو‬
‫غاياهتا‪ ،‬ويستصحب ِ‬
‫الحكم التشريعية يف جعل الشريعة مؤهلة «ألداء دور‬
‫االستخالف والتعمير واستشراف المستقبل‪ ،‬وتحقيق مقصد خلود الشريعة‪،‬‬
‫وصالحها وامتدادها الزماين والمكاين‪ ،‬عرب اجتهاد تطبيقي مواكب لحركة‬
‫الحياة‪ ،‬ال يرى شريعة اهلل إال شريعة عدل ومصلحة ورحمة»(‪.)2‬‬

‫والمح َكمات هو شأن الراسخين من أهل العلم‪،‬‬ ‫فاالهتمام بالكل ّيات ُ‬


‫«والغرض مِ َن‬
‫ُ‬ ‫العز بن عبد السالم ‪:V‬‬ ‫ألنه يحقق غرض التفسير‪ ،‬قال ّ‬
‫ِ‬
‫الدينية»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬
‫لألمور‬ ‫ِ‬
‫المفيد‬ ‫ِ‬
‫القرآن‬ ‫ِ‬
‫مقاصد‬ ‫الوقوف على‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫التفسير‬

‫(( ( جامع البيان (‪.)544 /6‬‬


‫((( مقاصد القرآن نظرة تقويمية (ص‪.)2074 :‬‬
‫(( ( نبذ من مقاصد الكتاب العزيز (ص‪.)16 :‬‬
‫‪68‬‬

‫ملحة يف واقع األمة تتعّلق بصراع‬


‫عاش ًرا‪ :‬معاجلة مشكلة ّ‬
‫الفروع والظن ّيات‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫نحن اليوم يف زمن كثرت فيه تفريعات وتشعبات العلوم حتى ضاعت‬
‫األساسيات والكل ّيات عند كثير من الناس‪ ،‬وأصبحت معارك الفروع هي‬
‫التي تطغى على األصول‪ ،‬كما أن ضعف الهمم وانصراف الناس عن العلم‬
‫الجاد‪ ،‬وانشغالهم بثقافة الوسائط االجتماعية التي زادت ثقافتهم تفر ًقا‬
‫تفرق من مواد‬
‫يحتاج إلى إعادة وعي األمة بأساسياهتا حتى يفقهوا وفقها ما َّ‬
‫علمية‪ ،‬وينطلقون منها إلى فهم أعمق لما جاء يف بقية اآليات والسور‪ ،‬ويتم‬
‫وفق هذا الوعي المقاصدي مراجعة مناهجنا التعليمية‪ ،‬ووعينا الفكري‪،‬‬
‫وخطابنا الدعوي واإلعالمي عليها‪ ،‬بما يسهم يف معالجة مشكالت الواقع‬
‫من خالل إدراجها ضمن تلك المقاصد الكل ّية‪ ،‬وفق ما يعرف باالستصالح‬
‫المرسل أو االستحسان‪ ،‬وقد ع ّبر عن هذا بتعبيرات كثيرة منها‪ :‬القياس ال ُكلي‪،‬‬
‫والمصلحي‪ ،‬والواسع‪ ،‬وقياس المصالح المرسلة‪ ،‬والمقاصد العالية‪ ،‬وقد‬
‫جاء عن ابن عاشور فصل بعنوان‪« :‬أحكام الشريعة قابلة للقياس عليها‪ ،‬باعتبار‬
‫العلل والمقاصد القريبة والعالية»(‪.)1‬‬

‫(( ( مقاصد الشريعة اإلسالمية (‪ ،)272 /2‬وينظر‪ :‬االجتهاد المقاصدي ضوابطه ومجاالته‬
‫(ص‪.)35 :‬‬
‫‪69‬‬

‫احلادي عشر‪ :‬بناء معيار علمي كاشف عن قيمة التفاسري‪:‬‬

‫دراسة قيمة التفاسير تحتاج إلى وضع معايير واضحة‪ ،‬يحكم من خاللها‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫على انضباطها المنهجي وقيمتها العلمية‪ ،‬فمن تلك المعايير المهمة النظر يف‬
‫مهتما بإبراز‬
‫ً‬ ‫فسر أثناء تفسيره‬
‫الم ّ‬
‫فسر بال ُبعد المقاصدي‪ ،‬فإذا كان ُ‬
‫الم ّ‬
‫عناية ُ‬
‫مقاصد القرآن‪ ،‬وجعل معانيه متفقة مع مقاصده العامة والخاصة َّ‬
‫دل ذلك على‬
‫للمفسر‪ ،‬يضبط‬
‫ّ‬ ‫الموجه‬
‫ِّ‬ ‫منزلته ومكانته؛ ألن المقاصد ينبغي أن تكون الم ْعلم‬
‫من خاللها معاين األقوال‪ ،‬والرتجيحات واالختيارات بين األقوال‪ ،‬ودقائق‬
‫االستنباطات وغيرها‪ ،‬ألن األمور بمقاصدها واللفظ إنما يراد للمعنى‪ ،‬فكم‬
‫ً‬
‫أقوال موفقة مسددة يف التفسير‪.‬‬ ‫رأينا عند العلماء الذين راعوا هذا الجانب‬

‫فسرين للقرآن ثالث‪ :‬إما االقتصار‬


‫الم ّ‬
‫قال ابن عاشور ‪« :V‬فطرائق ُ‬
‫على الظاهر من المعنى األصلي للرتكيب مع بيانه وإيضاحه وهذا هو األصل‪،‬‬
‫ٍ‬
‫معان من وراء الظاهر تقتضيها داللة اللفظ أو المقام‪ ،‬وال يجافيها‬ ‫وإما استنباط‬
‫االستعمال وال مقصد القرآن‪ ،‬وتلك هي مستتبعات الرتاكيب‪ ..‬وإما أن يجلب‬
‫ويبسطها لمناسبة بينها وبين المعنى‪ ،‬أو ألن زيادة فهم المعنى متوقفة‬
‫المسائل ّ‬
‫عليها‪ ،‬أو للتوفيق بين المعنى القرآين وبين بعض العلوم؛ مما له تعلق بمقصد‬
‫من مقاصد التشريع لزيادة تنبيه إليه‪ ،‬أو لرد مطاعن من يزعم أنه ينافيه‪ ،‬ال على‬
‫أهنا مما هو مراد اهلل من تلك اآلية بل لقصد التوسع»(‪.)1‬‬

‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)42 /1‬‬


‫‪70‬‬

‫املطلب الثاني‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫أقسام مقاصد القرآن الكريم‬

‫من األمور التي ال ينبغي أن يختلف فيها أن لنزول القرآن مقاصد وغايات‬
‫«إن َأئِ َّم َة ا ْل ِف ْق ِه ُم ْج ِم َع ٌة َع َلى‬
‫وحكم‪ ،‬وهذا موضع إجماع‪ ،‬قال اآلمدي ‪َّ :V‬‬ ‫ِ‬

‫وأن المقاصد يف الجملة‬ ‫ود»(‪ّ ،)1‬‬ ‫َأ َّن َأح َكام اهَّللِ َتعا َلى َل َت ْخ ُلو َعن ِح ْكم ٍة وم ْقص ٍ‬
‫َ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫تنقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫نص اهلل تعالى عليها يف كتابه ال يختلف حولها‪ ،‬تحدَّ ث اهلل‬


‫مقاصد نصية‪َّ :‬‬
‫تعالى عنها من خالل ما وصف به كتابه‪ ،‬ال تنفك عنها جميع اآليات والسور‪،‬‬
‫بل ترتبط هبا بصورة مباشرة‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬كل آية وسورة نزلت لتحقيق الهداية؛‬
‫التي هي مقصد أساسي لنزول القرآن‪.‬‬

‫ومقاصد اجتهادية‪ :‬ال تتعلق بالجانب الوصفي وإنما تتعلق بالجانب‬


‫الموضوعي‪ ،‬استخرجها العلماء عن طريق االجتهاد‪ ،‬منها مقاصد كربى‬
‫تتعلق بجميع القرآن‪ ،‬ومنها مقاصد صغرى تتعلق ببعض اآليات والسور‪،‬‬
‫وبعضها موضع اتفاق‪ ،‬وبعضها يكثر حولها االختالف من المقاصد العامة‬
‫والخاصة‪ ،‬وقد يزاد االختالف يف تحديد مقاصد بعض السور؛ ألن اإلحاطة‬

‫(( ( اإلحكام يف أصول األحكام (‪.)286/3‬‬


‫‪71‬‬

‫بكل مقاصد السور والموضوعات واآليات‪ ،‬مما تعجز عنه فهوم الخ ْلق من‬
‫بعد نبيها ‪ H‬مهما عال شأهنم يف علوم القرآن؛ ولكن العلماء ظ ّلوا‬
‫يفعلون من ذلك ما يف وسعهم من تدبر القرآن‪ ،‬ومحاولة استخراجها والتدليل‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫عليها‪ ،‬إليك الحديث يف بيان هذه األقسام بتفصيل‪.‬‬

‫القسم األول‪ :‬املقاصد النصية‪:‬‬

‫نص اهلل تعالى عليها يف كتابه بصورة واضحة‪،‬‬


‫هنالك مقاصد عامة َّ‬
‫وجعلها وص ًفا لكتابه ال ينبغي االختالف حولها‪ ،‬أو غياهبا يف عقول المؤمنين‪،‬‬
‫نورا‬
‫نورا وهدى وشفاء ورحمة‪ً ،‬‬
‫من ذلك أن اهلل تعالى أنزل كتابه ليكون ً‬
‫يف ظلمات الكفر والشرك واإللحاد والنفاق‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﱒﱓ ﱔ‬

‫ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱞ ﱟ ﱠ ﱡ‬
‫�‬

‫ﱢ﴾ [إبراهيم‪.]1 :‬‬

‫قال الرازي ‪« :V‬يدل على أن المقصود من إنزال الكتاب إرشاد الخلق‬


‫كلهم إلى الدين والتقوى‪ ،‬ومنعهم عن الكفر والمعصية»(‪ ،)1‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲢ‬

‫ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬

‫ﲳ ﴾ [الحديد‪ ،]9 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ﴾ [األعراف‪،]157 :‬‬
‫�‬

‫(( ( مفاتيح الغيب(‪.)115 /19‬‬


‫‪72‬‬

‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸﲹ ﲺ ﲻ ﲼ ﲽ﴾‬


‫[التغابن‪.]8 :‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫وأنزله كذلك ليكون هدى للناس‪ ،‬يهتدون به يف ظلمات الكفر‬
‫والضالل‪ ،‬ويهتدون به إلى ما يصلحهم وينفعهم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ‬

‫ﱸﱹﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁ‬

‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﴾ [المائدة‪ ،]16-15 :‬وقال‬


‫تعالى‪﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ‬

‫ﲒ﴾ [البقرة‪ ،]185 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ﴾ [األعراف‪ ،]52 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱭ‬

‫ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ﴾ [الزمر‪،]23 :‬‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭐﲭ ﲮ ﲯ ﲰﲱ ﲲ ﲳ ﲴﲵ ﲶ ﲷ ﲸ‬

‫ﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇ‬

‫ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ﴾ [طه‪.]124 ،123 :‬‬

‫قال السعدي ‪ّ :V‬‬


‫«فإن من اتبعه‪ ،‬اتبع ما أمر به‪ ،‬واجتنب ما هنى عنه‪،‬‬
‫فإنه ال يضل يف الدنيا وال يف اآلخرة‪ ،‬وال يشقى فيهما؛ بل قد هدي إلى صراط‬
‫مستقيم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وله السعادة واألمن يف اآلخرة»(‪.)1‬‬

‫(( ( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (‪.)149 /5‬‬


‫‪73‬‬

‫وقد جاء يف صحيح مسلم عن النبي ‪« :H‬كِتَاب اهللِ فِ ِ‬


‫يه ا ْل ُهدَ ى‬ ‫ُ‬
‫است َْم َس َك بِ ِه‪َ ،‬و َأ َخ َذ بِ ِه‪ ،‬ك َ‬
‫َان َع َلى ا ْل ُهدَ ى‪َ ،‬و َم ْن َأ ْخ َط َأ ُه َض َّل»(‪.)1‬‬ ‫ُّور‪َ ،‬م ِن ْ‬
‫َوالن ُ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫كما أنزله ليكون شفاء لما يف القلوب واألرواح من عللها الظاهرة‬


‫والباطنة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﱺﱻﱼﱽﱾﱿﲀﲁﲂﲃﲄﲅﲆ‬

‫ﲇ ﲈ ﲉ﴾ [يونس‪ ،]58 ،57 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ‬

‫ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ﴾ [اإلسراء‪.]82 :‬‬

‫قال ابن الق ِّيم ‪ّ :V‬‬


‫«إن جماع أمراض القلب هي أمراض الشبهات‬
‫والشهوات‪ ،‬والقرآن شفاء للنوعين‪ ،‬ففيه من البينات والرباهين القطعية ما يب ّين‬
‫المفسدة للعلم والتصور واإلدراك‪،‬‬ ‫الحق من الباطل‪ ،‬فتزول أمراض ُ‬
‫الشبه ُ‬
‫بحيث يرى األشياء على ما هي عليه‪ ..‬فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء ُ‬
‫الشبه‬
‫والشكوك‪ ،‬ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه‪ ..‬أما شفاؤه لمرض‬
‫الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالرتغيب والرتهيب‪،‬‬
‫والتزهيد يف الدنيا‪ ،‬والرتغيب يف اآلخرة‪ ،‬واألمثال والقصص التي فيها أنواع‬
‫العرب واالستبصار‪ ،‬فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك فيما ينفعه يف معاشه‬
‫ومعاده‪ ،‬ويرغب عما يضره‪ ،‬فيصير القلب محبا للرشد‪ ،‬مبغضا للغي»(‪.)2‬‬

‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب من فضائل علي بن أبي طالب ‪،I‬‬
‫حديث رقم‪.)36( :‬‬
‫((( إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (‪.)44 /1‬‬
‫‪74‬‬

‫وأنزله ليكون آية كربى على صدق الرسالة‪ ،‬وحجة قائمة على الخلق‪،‬‬
‫قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲱ ﲲ ﲳ ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ﲽﲾﲿﳀﳁﳂﳃﳄﳅﳆﳇﳈﳉﳊ‬

‫ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐﳑ ﳒ ﳓ﴾ [البقرة‪،23 :‬‬
‫‪ ،]24‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ‬

‫ﲐ ﲑ ﲒ﴾ [البقرة‪.]185 :‬‬

‫قال الزرقاين ‪ V‬عن مقاصد القرآن الكريم‪« :‬يف إنزال كتابه العزيز ثالثة‬
‫مقاصد رئيسة‪ :‬أن يكون هداية للثقلين‪ ،‬وأن يقوم آية لتأييد النبي ‪،H‬‬
‫وأن يتعبد اهلل خلقه بتالوة هذا الطراز األعلى من كالمه المقدّ س»(‪.)1‬‬

‫نص اهلل تعالى عليها يف كتابه‪ ،‬ولم يختلف‬


‫فهذه المقاصد وغيرها َّ‬
‫العلماء حولها‪ ،‬وهي جزء من خصائص القرآن وصفاته تك َّلم عنها العلماء‬
‫كثيرا‪ ،‬وأكَّدوا عليها أثناء تفسيرهم لتلك اآليات وغيرها‪ ،‬وهي ال تتعلق‬
‫ً‬
‫بتقسيم معين لقضايا وموضوعات القرآن؛ وألهنا مقاصد ال يختلف حولها‬
‫يف عمومها اكتفيت فقط باإلشارة إليها‪ ،‬وليست هي المقصودة بالدراسة عند‬
‫العلماء عندما يتكلمون عن مقاصد القرآن يف الدراسات المعاصرة‪.‬‬

‫((( مناهل العرفان يف علوم القرآن (‪.)124 /2‬‬


‫‪75‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬املقاصد االجتهادية‪:‬‬

‫هذه المقاصد لم ينص عليها بصورة واضحة؛ وإنما استخرجها العلماء‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫باالستقراء‪ ،‬وتوصلوا إليها من خالل نتائج مطالعات واسعة‪ ،‬وتد ُّبرات عميقة يف‬
‫محتوى اآليات والسورة‪ ،‬وموضوعات وقضايا القرآن الكريم‪ ،‬وهي مختلف يف‬
‫مراتبها ومستوياهتا بين الظهور والخفاء‪ ،‬منها ما جعل توافر األدلة عليها موضع‬
‫اتفاق بين العلماء‪ ،‬كقضية تحقيق التوحيد‪ ،‬واإليمان بالبعث‪ ،‬واتباع القرآن‬
‫ً‬
‫موصل إلى اهلل تعالى ورضوانه‪ ،‬ومنها ما يكتنفها الغموض ويشوهبا‬ ‫والسنة طري ًقا‬
‫النزاع‪ ،‬كمقاصد بعض السور والموضوعات‪ ،‬فهي مثل‪ :‬مقاصد التشريع التي‬
‫هي متنوعة من حيث الظهور‪ ،‬بين ما هو قطعي وهو ما تواردت حولها األدلة‪،‬‬
‫وبين ما هو ظني وهي التي تقع دون مرتبة القطع واليقين‪ ،‬كما هي متباينة من‬
‫حيث الحاجة إليها بين المقاصد الضرورية‪ :‬وهي التي البد منها يف قيام مصالح‬
‫الدارين‪ ،‬وهي الكل َّيات الخمس‪ :‬حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال‪،‬‬
‫والمقاصد الحاجية‪ :‬وهي التي يحتاج إليها للتوسعة ورفع الضيق والحرج‬
‫والمشقة‪ ،‬والمقاصد التحسينية‪ :‬وهي التي تليق بمحاسن العادات‪ ،‬ومكارم‬
‫األخالق‪ ،‬والتي ال يؤدي تركها غالبا إلى الضيق والمشقة‪ ،‬كما هي متنوعة‬
‫باعتبار تعلقها بعموم األمة وخصوص بعض أفرادها‪ ،‬فالمقاصد العامة يالحظ‬
‫فيها جميع أو أغلب أبواب الشريعة ومجاالهتا‪ ،‬فيدخل يف هذا أوصاف الشريعة‬
‫وغاياهتا الكربى‪ ،‬وبين المقاصد الجزئية التي يالحظ فيها علل األحكام ِ‬
‫وحكمها‬
‫وأسرارها‪ ،‬وهي مع تنوعها ليست بمرتبة واحدة من األهمية(‪.)1‬‬

‫(( ( انظر‪ :‬أمهات المقاصد (ص‪ ،)86 :‬واالجتهاد المقاصدي ضوابطه ومجاالته (ص‪.)36 :‬‬
‫‪76‬‬

‫املطلب الثالث‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫أنواع مقاصد القرآن االجتهادية‬

‫إذا أطلقت مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬ولم تحدد بوصف خاص‪ ،‬يقصد هبا‬
‫عند العلماء واحد من هذه األنواع الثالثة‪:‬‬

‫النوع األول‪ :‬مقاصد اآليات‪.‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬مقاصد السور‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬مقاصد القرآن الكربى‪.‬‬

‫إليك الحديث عن كل نوع باختصار بما يوضح مفهومه‪ ،‬وبعض أمثلته‬


‫التطبيقية‪.‬‬

‫النوع األول‪ :‬مقاصد اآليات‪:‬‬

‫مقاصد اآليات هي نوع من أنواع المقاصد القرآنية‪ ،‬والكالم فيها قديم‬


‫ومستقر عند العلماء‪ ،‬ليس فيها خالف يذكر يف أصلها‪ ،‬وإنما يقع الخالف‬
‫يف تحديد محتواها‪ ،‬وهم يقصدون هبا من خالل تعبيراهتم؛ المعاين الجامعة‬
‫دائما‬
‫والحكمة الملحوظة من وراء الخطاب القرآين يف اآلية أو اآليات‪ ،‬وهم ً‬
‫‪77‬‬

‫يرجعون يف معرفة مقصود اآلية إلى سياقها‪ ،‬وأسباب نزولها‪ ،‬وما ذكر فيها من‬
‫تعليالت ِ‬
‫وحكم‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫آن َو َتدَ َّب َر َما َق ْب َل ْال َي ِة‬


‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪َ « :V‬ف َم ْن َتدَ َّب َر ا ْل ُق ْر َ‬
‫الر َسا َلةَ‪،‬‬ ‫ف م ْقصود ا ْل ُقر ِ‬
‫ف ا ْل ُهدَ ى َو ِّ‬ ‫آن‪َ :‬ت َب َّي َن َل ُه ا ْل ُم َرا ُد َو َع َر َ‬ ‫َو َما َب ْعدَ َها َو َع َر َ َ ُ َ ْ‬
‫اف َو ِال ْع ِو َجاجِ ‪َ .‬و َأ َّما َت ْف ِس ُير ُه بِ ُم َج َّر ِد َما َي ْحت َِم ُل ُه‬ ‫ْحر ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫السدَ ا َد م ْن الن َ‬
‫ف َّ‬‫َو َع َر َ‬
‫ط مِ ْن الغالطين؛ َل ِس َّي َما‬
‫ال َّل ْف ُظ ا ْلمجرد َعن سائِ ِر ما يبين معنَاه َفه َذا من َْش ُأ ا ْل َغ َل ِ‬
‫َ ُ َ ِّ ُ َ ْ ُ َ َ‬ ‫ُ َ َّ ُ ْ َ‬
‫ت ال ُّل َغ ِو َّي ِة»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫الحتِم َال ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كَث ٌير م َّم ْن َي َت َك َّل ُم فيه بِ ْ َ‬

‫فاآلية أح ّيانًا تنص على المقصود من وراء التشريع ومآالته‪ ،‬كما يف‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ﴾ [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]179‬فب ّينت ما يرتتب على ذلك من حفظ األنفس وصيانة الدماء‪ ،‬وتارة‬
‫تنص على العلة والسبب والغاية‪ ،‬وهذا كثير جدً ا‪.‬‬

‫«وا ْل ُق ْرآن َوسنة َر ُسول اهلل مملوآن من َت ْعلِيل‬


‫قال ابن الق ِّيم ‪َ :V‬‬
‫ْالَ ْح َكام بالحكم والمصالح‪ ،‬وتعليل ا ْلخلق هبما‪ ،‬والتنبيه على ُو ُجوه الحكم‬
‫َان َه َذا فِي‬
‫جلها شرع تِ ْل َك اإلحكام‪ ،‬وألجلها خلق تِ ْل َك ْالَ ْع َيان‪َ ،‬و َلو ك َ‬ ‫ِ‬
‫ا َّلتي ألَ َ‬
‫وضع َأو مِا َئ َت ْي ِن لسقناها؛ َولكنه ِيزيد على ألف‬ ‫ا ْل ُقرآن والسنة فِي نَحو مائَة م ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ّ‬
‫ِ‬
‫تارة يذكر ا ْل َم ْف ُعول‬
‫يحة‪َ ،‬و َ‬ ‫َموضع بطرق متنوعة َفت ََارة يذكر َلم ال َّت ْعلِيل َّ‬
‫الص ِر َ‬
‫يحة فِي ال َّت ْعلِيل‪،‬‬
‫الص ِر َ‬
‫تارة يذكر من أجل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ألَجله ا َّلذي ُه َو ا ْل َم ْق ُصود بِا ْلف ْعلِ‪َ ،‬و َ‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)94 /15‬‬


‫‪78‬‬

‫تارة يذكر َأ َداة َل َع َّل المتضمنة‬ ‫تارة يذكر ا ْل َفاء َو َأن‪َ ،‬و َ‬
‫تارة يذكر َأ َداة كي‪َ ،‬و َ‬ ‫َو َ‬
‫ِ‬
‫الر َجاء ا ْل ُم َضاف إِ َلى ا ْل َم ْخ ُلوق‪َ ،‬و َ‬
‫تارة ُينَبه على‬ ‫لل َّت ْعليل ا ْل ُم َج َّر َدة َعن معنى َّ‬
‫تارة يذكر ْالَ ْو َصاف المشتقة ا ْل ُمنَاس َبة لتِ ْلك ْالَ ْح َكام‬ ‫الس َبب يذكر ُه َص ِر ً‬
‫يحا‪َ ،‬و َ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫َّ‬
‫تارة ُينكر على من زعم َأنه‬ ‫ِ‬
‫ثم يرتبها َع َل ْي َها َت ْرتيب المسببات على َأس َباهبَا‪َ ،‬و َ‬ ‫َّ‬
‫خلق خلقه َوشرع دينه َع َبثا وسدى‪.)1(»..‬‬

‫األمثلة التطبيقية‪:‬‬

‫كالم العلماء عن مقاصد اآليات كثيرة ومتنوعة من ذلك‪:‬‬

‫المثال األول‪ :‬عند ابن جرير الطربي ‪ V‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﲑ‬

‫ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ‬

‫ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ ﲣ ﲤﲥ ﲦ ﲧ‬

‫ﲨ ﴾[ التوبة‪ ،]60:‬قال‪« :‬والصواب من القول يف ذلك عندي‪ :‬أن اهلل‬


‫جعل الصدقة يف معنيين أحدهما‪ :‬سدُّ َخ َّلة المسلمين‪ ،‬واآلخر‪ :‬معونة اإلسالم‬
‫وتقويته‪ ،‬فما كان يف معونة اإلسالم وتقوية أسبابه‪ ،‬فإنه ُيعطاه الغني والفقير‪،‬‬
‫ألنه ال يعطاه من يعطاه بالحاجة منه إليه‪ ،‬وإنما يعطاه معون ًة للدين وذلك كما‬
‫فقيرا‪،‬‬
‫يعطى الذي ُيعطاه بالجهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬فإنه يعطى ذلك غن ًّيا كان أو ً‬
‫للغزو ال لسدّ خلته‪ ،‬وكذلك المؤ ّلفة قلوهبم‪ ،‬يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء‪،‬‬
‫وطلب تقويته وتأييده‪ ،‬وقد أعطى النبي‬
‫َ‬ ‫استصالحا بإعطائهموه أمر اإلسالم‬
‫ً‬

‫((( مفتاح دار السعادة ومنشور والية العلم واإلرادة (‪.)22 /2‬‬
‫‪79‬‬

‫‪ H‬من أعطى من المؤ ّلفة قلوهبم‪ ،‬بعد أن فتح اهلل عليه الفتوح‪ ،‬وفشا‬
‫لمحتج بأن يقول‪« :‬ال يتألف اليوم على اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫وعز أهله‪ ،‬فال حجة‬
‫اإلسالم ّ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫أحد‪ ،‬المتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم»‪ ،‬وقد أعطى النبي ‪H‬‬

‫من أعطى منهم يف الحال التي وصفت»(‪.)1‬‬

‫المثال الثاين‪ :‬عند الثعلبي ‪ V‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ‬

‫ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﴾[ األعراف‪،]17:‬‬
‫قال‪« :‬مقصد اآلية أن إبليس َأ ْخ َب َر عن نفسه أنه يأيت إِ ْضالَ َل بني آدم من ك ُِّل‬
‫اظ تقتضي ِ‬
‫اإل َحا َط َة هبم»(‪.)2‬‬ ‫جهة‪ ،‬فعرب عن ذلك َبأ ْل َف ٍ‬

‫المثال الثالث‪ :‬عند ابن عطية ‪ V‬قال يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭐﳍ ﳎ‬

‫ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ﴾ [اإلسراء‪:]17 :‬‬
‫«إن مقصد اآلية يف هذا الموضع اإلعالم بعادة اهلل مع األمم يف الدنيا‪ ،‬وهبذا‬
‫يقرب الوعيد من كفار مكة‪ ،‬ويؤيد هذا ما يجيء بعد من وصفه ما يكون عند‬
‫إرادته إهالك قرية‪ ،‬ومن إعالمه بكثرة ما أهلك من القرون»(‪ ،)3‬وقال يف قوله‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬

‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠﲡ ﲢ‬

‫ﲣ ﲤ ﲥ ﴾ [الفرقان‪« :]29- 27 :‬مقصد اآلية تعظيم يوم القيامة‬

‫(( ( جامع البيان (‪.)316 /14‬‬


‫(( ( الجواهر الحسان يف تفسير القرآن (‪.)13 /3‬‬
‫(( ( المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز (‪.)444 /3‬‬
‫‪80‬‬

‫وذكر هوله‪ ،‬بأنه يوم تندم فيه ال َظ َلمة‪ ،‬وتتمنى أن لو لم تطع يف دنياها خالهنا‬
‫الذين أمروهم بالظلم»(‪.)1‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫المثال الرابع‪ :‬عند ابن ُج َزي ‪ V‬يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﴾ [يس‪ ،]71 :‬قال‪« :‬مقصد اآلية‬


‫تعديد النِّعم وإقامة الحجة»(‪.)2‬‬

‫المثال الخامس‪ :‬عند السمين الحلبي ‪ V‬يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱯ ﱰ‬

‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ‬

‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲈ ﲉ ﲊ ﲋ‬

‫ﲌ ﲍ ﲎ﴾ [آل عمران‪ ،]13 :‬قال‪« :‬مقصو َد اآلية ومسا َقها‬


‫عددهم‪،‬‬‫قلة ِ‬
‫لعباده المؤمنين مع ِ‬ ‫ِ‬ ‫وتأييد ِه بالنصر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الباهرة‪،‬‬ ‫الدالل ُة على ُقدْ َر ِة اهلل‬
‫النصر ك َّله من عند‬ ‫وتحزهبم‪ ،‬ل ُي ْع َل َم َّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫كثرة ِ‬
‫عددهم‬ ‫ِ‬ ‫وخذالن الكافرين مع‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫اهلل‪ ،‬وليس سببه كثر َتكم وق َّل َة عدوكم‪ ،‬بل سببه ما فع َله تبارك وتعالى من ِ‬
‫إلقاء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫قلوب أعدائِكم»(‪.)3‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرعب يف‬

‫وغيرها من آيات كثيرة تكلم العلماء عن مقصدها‪ ،‬ومما ال شك فيه‬


‫أن لكل آية يف القرآن مقصدً ا تنحو نحوه‪ ،‬علِ َمه من علِ َمه وجهله من جهله‪،‬‬

‫((( المحرر الوجيز (‪.)208 /4‬‬


‫(( ( التسهيل لعلوم التنزيل (‪.)186 /2‬‬
‫((( الدر المصون يف علوم الكتاب المكنون (‪.)52 /3‬‬
‫‪81‬‬

‫اظ َل ْم ُت ْق َصدْ ل ِ َذ َواتِ َها‪،‬‬ ‫«الَ ْل َف ُ‬


‫للمفسر‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪ْ :V‬‬ ‫ّ‬ ‫والعناية به مهمة‬
‫وإِنَّما ِهي َأ ِد َّل ٌة يستَدَ ُّل بِها َع َلى مر ِ‬
‫اد ا ْل ُم َت َك ِّل ِم‪َ ،‬فإِ َذا َظ َه َر ُم َرا ُد ُه َو َو َض َح بِ َأ ِّي َط ِر ٍيق‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫ُْ‬ ‫َ َ َ‬
‫يما َء ٍة َأ ْو َد َل َل ٍة َع ْقلِ َّي ٍة‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫َان بِإِ َش َارة‪َ ،‬أ ْو كتَا َبة‪َ ،‬أ ْو بِإِ َ‬
‫َان َع َم ٌل بِ ُم ْقت ََضا ُه‪َ ،‬س َوا ٌء ك َ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ك َ‬
‫خ ُّل بِ َها»(‪.)1‬‬ ‫َق ِرين ٍَة حالِي ٍة‪َ ،‬أو َعاد ٍة َله م َّط ِرد ٍة َل ي ِ‬
‫َ َّ ْ َ ُ ُ َ ُ‬

‫النوع الثاني‪ :‬مقاصد السور‪:‬‬

‫مقاصد السورة يقصد هبا العلماء المعنى الجامع آلياهتا وموضوعاهتا‪،‬‬


‫أو الغايات التي ترمي إليها آيات السورة وموضوعاهتا‪ ،‬وهذه قديمة مستقرة يف‬
‫متأخرا‪ ،‬وممن كتب فيه بسورة‬
‫ً‬ ‫كتابات العلماء‪ ،‬وإن كان إفراده بالتأليف جاء‬
‫واضحة الفيروز آبادي ‪( V‬ت‪817 :‬هـ) يف كتابه‪« :‬بصائر ذوي التمييز‬
‫يف لطائف الكتاب العزيز»‪ ،‬حيث خصص ِّ‬
‫لكل سورة بصيرة إجمالية مب ّينة‬
‫تلخيصا لمقصودها‪.‬‬
‫ً‬ ‫لمحتواها‪ ،‬وجعل بداية البصيرة‬

‫ثم جاء العالمة برهان الدين البِقاعي ‪( V‬ت‪885 :‬هـ) فألف كتابه‪:‬‬
‫فأصل لهذا العلم وب َّين أهميته‪،‬‬
‫«مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور»‪َّ ،‬‬
‫وأن كل سورة لها مقصد يدور عليها أولها وآخرها‪ ،‬وب ّين طرق الوصول إليه‪،‬‬
‫وتحدّ ث عن مقصود كل سورة منه‪ ،‬واجتهد يف الربهنة عليه يف كتابه‪« :‬نظم‬
‫الدرر يف تناسب اآليات والسور»‪.‬‬

‫(( ( إعالم الموقعين عن رب العالمين (‪.)167 /1‬‬


‫‪82‬‬

‫وقد تنوعت عبارات العلماء يف أهميته قال البِقاعي ‪« :V‬إن من‬


‫عرف المراد من اسم السور عرف مقصودها‪ ،‬ومن حقق المقصود منها عرف‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫تناسب آيها‪ ،‬وقصصها‪ ،‬وجميع أجزائها»(‪ ،)1‬وقال‪« :‬وعلى قدر المقصود من‬
‫كل سورة تكون عظمتها‪ ،‬ويعرف ذلك مما ورد يف فضائلها‪ ،‬ويؤخذ من ذلك‬
‫أسماؤها‪ ،‬ويدل على فضلها كثرهتا‪ ،‬فال سورة يف القرآن أعظم من الفاتحة؛‬
‫ألنه ال مقصود أعظم من مقصودها»(‪.)2‬‬

‫وأكد الفراهي ‪ V‬على أهميته يف فهم محتوى السورة فقال ‪:V‬‬


‫ورة ُه َو إقليدٌ (‪ )3‬لم ْع ِر َفة نظامها‪ ..‬ولكنه أصعب‬ ‫«ا ْع َلم َأن ت ْعيين َع ُمود ُّ‬
‫الس َ‬
‫يحتَاج إِ َلى شدَّ ة الت ََّأ ُّمل والتمحيص‪ ،‬وترداد النّظر فِي م َطالب‬
‫المعارف‪َ ،‬و ْ‬
‫الص ْبح‪ ،‬فتضيء‬ ‫ورة المتماثلة والمتجاورة‪َ ،‬حتَّى يلوح العمود كفلق ُّ‬ ‫الس َ‬
‫ُّ‬
‫ورة ك ُّلها‪ ،‬ويتبين نظا ُمها‪َ ،‬و َت ْأ ُخذ كل آ َية‬ ‫ِ‬
‫محلها َ‬
‫الخاص‪َ ،‬وي َت َع َّين من‬ ‫َ‬ ‫بِه ُّ‬
‫الس َ‬
‫التأويالت المحتملة أرجحها»(‪.)4‬‬

‫وقال الشيخ محمد عبد العظيم دراز ‪« :V‬إنك لتقرأ السورة الطويلة‬
‫حشوا‪ ،‬وأوزا ًعا من‬
‫ً‬ ‫المنجمة يحسبها الجاهل أضغا ًثا من المعاين حشيت‬

‫((( مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور (‪.)149 /1‬‬


‫((( المصدر السابق (‪.)210 /1‬‬
‫(( ( واحدة مقاليد‪ ،‬ويف التنزيل‪ :‬ﭽﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭼ [الشورى‪ ، ]42 :‬فقيل‪:‬‬
‫السدي‪ .‬ينظر‪ :‬تاج العروس (‪.)66/9‬‬
‫مفاتيح‪ ،‬على قول مجاهد‪ ،‬وقيل‪ :‬خزائن‪ ،‬على قول ُّ‬
‫(( ( دالئل النظام (‪.)77 /1‬‬
‫‪83‬‬

‫عفوا؛ فإذا هي ‪-‬لو ُتدبرت‪ُ -‬بنية متماسكة قد بنيت من المقاصد‬


‫المباين جمعت ً‬
‫الكل ّية على أسس وأصول‪ ،‬وأقيم على كل أصل منها شعب وفصول‪ ،‬وامتد‬
‫من كل شعبة منها فروع تقصر أو تطول؛ فال تزال تنتقل بين أجزائها كما تنتقل‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫بين حجرات وأفنية يف بنيان واحد‪ ،‬قد وضع رسمه مرة واحدة‪ ،‬ال تحس بشيء‬
‫من تناكر األوضاع يف التقسيم والتنسيق‪ ،‬وال بشيء من االنفصال يف الخروج‬
‫من طريق إلى طريق‪ ،‬بل ترى بين األجناس المختلفة تمام األلفة‪ ،‬كما ترى بين‬
‫آحاد الجنس الواحد هناية التضا ِّم وااللتحاق‪ ،‬كل ذلك بغير تكلفة وال استعانة‬
‫بأمر من خارج المعاين أنفسها‪ ،‬وإنما هو ُحسن السياقة ولطف التمهيد يف مطلع‬
‫متصل‪ ،‬والمختلف مؤتل ًفا»(‪.)1‬‬
‫ً‬ ‫كل غرض‪ ،‬ومقطعه‪ ،‬وأثنائه‪ ،‬يريك المنفصل‬

‫األمثلة التطبيقية‪:‬‬

‫المثال األول‪ :‬قال الرازي ‪ V‬وهو يتحدث عن فضائل سورة‬


‫اإلخالص‪« :‬اشتهر يف األحاديث أن قراءة هذه السورة تعدل قراءة ثلث القرآن‪،‬‬
‫ولعل الغرض منه أن المقصود األشرف من جميع الشرائع والعبادات‪ ،‬معرفة‬
‫ذات اهلل‪ ،‬ومعرفة صفاته‪ ،‬ومعرفة أفعاله‪ ،‬وهذه السورة مشتملة على معرفة‬
‫الذات‪ ،‬فكانت هذه السورة معادلة لثلث القرآن‪.‬‬

‫وأما سورة‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ﴾ فهي معادلة لربع القرآن؛ ألن‬


‫المقصود من القرآن‪ :‬إما الفعل وإما الرتك‪ ،‬وكل واحد منهما فهو إما يف‬

‫((( النبأ العظيم (ص‪.)188 :‬‬


‫‪84‬‬

‫أفعال القلوب‪ ،‬وإما يف أفعال الجوارح‪ ،‬فاألقسام أربعة‪ ،‬وسورة‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ‬

‫ﱃ﴾ لبيان ما ينبغي تركه من أفعال القلوب‪ ،‬فكانت يف الحقيقة‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫مشتملة على ربع القرآن‪.‬‬

‫ومن هذا السبب اشرتكت السورتان أعني‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ﴾‪،‬‬


‫و﴿ ﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ يف بعض األسامي فهما «المقشقشتان» و«المربئتان»‪،‬‬
‫من حيث إن كل واحدة منهما تفيد براءة القلب عما سوى اهلل تعالى‪ ،‬إال أن‬
‫﴿ﱁ ﱂ ﱃ﴾ يفيد بلفظها الرباءة عما سوى اهلل ومالزمة االشتغال‬
‫باهلل‪ ،‬و﴿ ﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ يفيد بلفظها االشتغال باهلل ومالزمة اإلعراض عن‬
‫غير اهلل‪ ،‬أو من حيث إن ﴿ ﱁ ﱂ ﱃ﴾ تفيد براءة القلب عن سائر‬
‫المعبودين سوى اهلل‪ ،‬و﴿ ﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ تفيد براءة المعبود عن كل ما ال‬
‫يليق به»(‪.)1‬‬

‫المثال الثاين‪ :‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ V‬عن سورة الكافرون‪:‬‬
‫«معلوم أن المقصود منها أن تكون براءة من كل شرك اعتقادي وعملي»(‪،)2‬‬
‫وقال ابن الق ِّيم ‪« :V‬إن مقصود السورة براءته من دينهم ومعبودهم‪ ،‬هذا‬
‫مكمال‬
‫هو لبها ومغزاها‪ ،‬وجاء ذكر براءهتم من دينه ومعبوده بالقصد الثاين‪ّ ،‬‬
‫لرباءته ومحققا لها»(‪.)3‬‬

‫(( ( مفاتيح الغيب (‪.)358 /32‬‬


‫(( ( مجموع الفتاوى (التفسير) (‪.)470 /4‬‬
‫(( ( بدائع الفوائد (‪.)147 /1‬‬
‫‪85‬‬

‫المثال الثالث‪ :‬قال أبو ح ّيان ‪ V‬وهو يتحدث عن مقصد سورة يس‪:‬‬
‫« ولما كان يف سورة يس المقصد إظهار اآليات العظيمة الدالة على البعث‪ ،‬جاء‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الرتكيب باللفظ العام وهو قوله‪ ﴿ :‬ﭐﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ‬

‫ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ﴾ [يس‪ ،]33 :‬وبعده‪ ﴿ :‬ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ‬

‫ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ﴾ [يس‪ ﴿ ،]37 :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬

‫ﱈ﴾ [يس‪.)1(»]41 :‬‬

‫المثال الرابع‪ :‬قال الزركشي ‪ V‬وهو يتحدث عن سورة الرحمن‪:‬‬


‫«سورة الرحمن المقصود منها علو قدرة اهلل وعلمه وشأنه‪ ،‬وكونه مسئوال ولم‬
‫يقصد أفراد السائلين»(‪.)2‬‬

‫المثال الخامس‪ :‬قال ابن عاشور ‪« :V‬إهنا تشتمل محتوياهتا على‬


‫أنواع مقاصد القرآن‪ ،‬وهي ثالثة أنواع‪ :‬الثناء على اهلل ثناء جامعا لوصفه‬
‫بجميع المحامد‪ ،‬وتنزيهه عن جميع النقائص‪ ،‬وإلثبات تفرده باإللهية‪،‬‬
‫وإثبات البعث والجزاء‪ ،‬وذلك من قوله‪﴿ :‬ﱆ ﱇ﴾ إلى قوله‪﴿ :‬ﱎ‬

‫ﱏ ﱐ﴾‪ ،‬واألوامر والنواهي من قوله‪﴿ :‬ﱒ ﱓ﴾‪ ،‬والوعد والوعيد‬


‫من قوله‪﴿ :‬ﱛ ﱜ﴾ إلى آخرها‪ ،‬فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كله‪،‬‬
‫وغيرها تكمالت لها»(‪.)3‬‬

‫(( ( البحر المحيط يف التفسير (‪.)78 /5‬‬


‫(( ( الربهان يف علوم القرآن (‪.)74 /4‬‬
‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)133/1‬‬
‫‪86‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬المقاصد الكبرى للقرآن‬

‫هذا النوع األخير هو الذي يتحدث عنه العلماء عند ما يتكلمون عن‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬وهو ما قصدنا خدمته هنا من خالل هذا البحث‪ ،‬وقد‬
‫سبق الكالم عن مفهومه‪ ،‬وأهميته‪ ،‬وسوف يأيت الكالم عن بيان المراد به بجمع‬
‫أقوال العلماء‪ ،‬ثم دراستها دراسة تحليلية للوصول لنتائج محددة‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫املبحث الثالث‪:‬‬
‫درا�سة تقوميية لأقوال العلماء‬
‫عن مقا�صد القر�آن الكربى‬
‫‪88‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪89‬‬

‫املطلب األول‪:‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫تتبع تارخيي ألقوال العلماء‬


‫يف مقاصد القرآن الكربى‬

‫كثير من علوم القرآن الكريم نشأت فكرهتا بصورة مبسطة صغيرة‪ ،‬ثم‬
‫ً‬
‫متكامل‪ ،‬كعلم المناسبات‪ ،‬وإعجاز‬ ‫علما‬
‫تنامت عرب التاريخ حتى صارت ً‬
‫القرآن‪ ،‬واالنتصار للقرآن وغيرها‪ ،‬وهذا أمر طبعي يف نشأة العلوم وتطورها‪،‬‬
‫ودائما تبدأ دراسة العلوم وتطورها من خالل معرفة أو بذر فكرته‪ ،‬ثم أول من‬
‫ً‬
‫أفردها بالكتابة‪ ،‬ثم ما تلتها من كتابات وما سجلته تلك الكتابات من إضافات‬
‫معرفية على مسيرة العلم عرب التاريخ‪.‬‬

‫وموضوع مقاصد القرآن الكريم من الموضوعات التي ما زال يكتنفها‬


‫الغموض يف بيان ماهيته‪ ،‬حيث تشعبت اآلراء يف تحديد مفرداته‪ ،‬فحتى نصل‬
‫إلى تحرير دقيق وعميق‪ ،‬جعلت هذا المطلب يف التتبع التاريخي عن نشأة‬
‫مصطلح المقاصد وتطوره ودالالته عند علماء الدراسات القرآنية‪ ،‬والمهتمين‬
‫بمقاصد القرآن؛ ألن أي بناء معاصر يف فهم القرآن الكريم؛ ينبغي أن ينطلق‬
‫من استيعاب ما ذكره علماء الفن عرب التاريخ يف المسألة‪ ،‬ثم تأيت الدراسات‬
‫ً‬
‫تأصيل لفكرته‪ ،‬واستكماال‬ ‫الحديثة لتكمل مسيرة البناء العلمي للموضوع‪،‬‬
‫لنواقصه‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫إليك بيان من تكلموا عن المقاصد العامة بصورة واضحة متسلسلة‪ ،‬ثم‬


‫يأيت بعد ذلك تحليل هذه األقوال‪ ،‬والمقارنة بينها‪ ،‬ودراستها؛ لتحرير ماهيتها‬
‫يف المطلب الذي يليه‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫(‪)1‬‬
‫أول‪ :‬شيخ اإلسالم القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن ُس َريج البغدادي‬
‫ً‬
‫(ت‪ 306:‬هـ)‪ :‬يعترب هو من أوائل من ذكر أقسام موضوعات القرآن األساسية‬
‫التي ع ّبر عنها فيما بعد بالمقاصد‪ :‬فقد أورد البيهقي يف «األسماء والصفات»‬
‫قال‪َ « :‬أ ْخبرنَا َأبو َعب ِد اهَّللِ ا ْلحافِ ُظ ‪َ ،‬ق َال‪ :‬س ِمع ُت َأبا ا ْلول ِ ِ‬
‫يد ا ْل َف ِقي َه‪َ ،‬ي ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬س َأ ْل ُت‬ ‫َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ُ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأ َبا ا ْل َع َّب ِ‬
‫اس ْب َن ُس َر ْيجٍ ُق ْل ُت‪َ :‬ما َم ْعنَى َق ْول َر ُسول اهَّلل ‪ُ « :H‬ق ْل ُه َو ُ‬
‫اهَّلل‬
‫آن ُأن ِْز َل َأ ْث َل ًثا‪ُ :‬ث ُل ٌث مِن َْها َأ ْح َكا ٌم‪َ ،‬و ُث ُل ٌث‬ ‫َأحدٌ َتع ِد ُل ُث ُل َث ا ْل ُقر ِ‬
‫آن؟ َق َال‪« :‬إِ َّن ا ْل ُق ْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪َ ،‬و َقدْ ُجم َع في ُق ْل ُه َو ُ‬
‫اهَّلل‬ ‫الص َف ُ‬ ‫من َْها َوعْدٌ َو َوعيدٌ ‪َ ،‬و ُث ُل ٌث من َْها ْالَ ْس َما ُء َو ِّ‬
‫ِ‬
‫ات» (‪.)2‬‬ ‫َأ َحدٌ ‪َ ،‬أ َحدُ ْالَ ْث َلث َو ُه َو ْالَ ْس َما ُء َو ِّ‬
‫الص َف ُ‬

‫((( هو‪ :‬أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج‪ ،‬الفقيه الشافعي؛ قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي‪:‬‬
‫(كان من عظماء الشافعيين‪ ،‬وأئمة المسلمين‪ ،‬وكان يقال له‪ :‬الباز األشهب‪ ،‬ولي القضاء‬
‫بشيراز‪ ،‬وكان يفضل على جميع أصحاب اإلمام الشافعي‪ ،‬حتى على المزين‪ ،‬وإن فهرست‬
‫كتبه كانت تشتمل على أربعمائة مصنف‪ ،‬وكان يعترب مجدد اإلسالم يف عصره)‪ .‬انظر‪:‬‬
‫وفيات األعيان (‪ ،)66 /1‬وسير أعالم النبالء (‪ ،)123 /11‬وطبقات الشافعية الكربى‬
‫للسبكي (‪.)21 /3‬‬
‫((( األسماء والصفات (‪ ،)110/1‬وانظر‪ :‬مجموع الفتاوى (‪ ،)130/17‬ومحاسن التأويل‬
‫(‪.)571 /9‬‬
‫‪91‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬محمد بن جرير الطبري (ت‪ 310 :‬هـ)‪ :‬يعترب الطربي ‪ V‬من‬
‫المفسرين الذين يعدون يف ذكر مقاصد القرآن الكلية باعتبار موضوعاته‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أوائل‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫حيث ذكر عنه الزركشي يف «الربهان» (‪ )1‬قوله‪« :‬قال محمد بن جرير الطربي‪:‬‬
‫ِ‬
‫ثالثة أشيا َء‪ :‬التوحيد‪ ،‬واألخبار‪ ،‬والدِّ يانات(‪ ،)3‬ولهذا قال‬ ‫يشتمل(‪َ )2‬ع َلى‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫تشمل‬ ‫‪﴿« :H‬ﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ تعدل ثلث القرآن»‪ ،‬وهذه السور ُة‬
‫التوحيدَ ُك َّله»(‪.)4‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬اإلمام الغزالي (ت‪ 505 :‬هـ)‪ :‬يعترب هو أول من تكلم عن مقاصد‬
‫القرآن بصورة واضحة‪ ،‬حيث خصص له الفصل الثاين من كتابه‪« :‬جواهر‬
‫القرآن»‪ ،‬وعنون له بـ «حصر مقاصده ونفائسه»‪ ،‬ثم قال‪ِ :‬‬
‫«س ُّر القرآن‪ ،‬و ُل َبا ُبه‬
‫ِ‬
‫اآلخرة‬ ‫رب‬
‫الج َّبار األعلى‪ِّ ،‬‬
‫دعو ُة العباد إلى َ‬
‫األصفى‪ ،‬ومقصدُ ُه األقصى‪َ ،‬‬
‫السفلى‪ ،‬وما بينهما وما تحت‬
‫واألرضين ُ‬
‫َ‬ ‫واألولى‪ ،‬خالق السماوات ال ُع َلى‪،‬‬
‫ال َّث َرى‪ ،‬فلذلك انحصرت ُس َو ُر القرآن وآيا ُته يف ستة أنواع‪:‬‬

‫الم ِه ِّمة‪.‬‬
‫‪ -‬ثالثة منها‪ :‬هي السوابق واألصول ُ‬

‫ٍ‬
‫مكان لم‬ ‫قاصرا‪ ،‬فلعله ذكره يف‬ ‫((( ولم أقف على قول الطربي ‪ /‬يف تفسيره‪ ،‬وقد يكون بحثي‬
‫ً‬
‫أتنبه له‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫(( ( أي‪ :‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫((( يقصد بذلك الشرائع أو األحكام‪.‬‬
‫((( الربهان يف علوم القرآن (‪ ،)18/1‬ونسبه كذلك إليه السيوطي يف «اإلتقان»‪ ،‬انظر‪ :‬اإلتقان يف‬
‫علوم القرآن (‪.)37 /4‬‬
‫‪92‬‬

‫المتِ َّمة‪.‬‬ ‫ِ‬


‫المغن َية ُ‬
‫الروادف والتوابع ُ‬
‫‪ -‬وثالثة‪ :‬هي َّ‬

‫الم ِه َّمة فهي‪:‬‬


‫أما الثالثة ُ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪ )١‬تعريف المدعو إليه‪.‬‬

‫‪ )٢‬وتعريف الصراط المستقيم الذي تجب مالزمته يف السلوك إليه‪.‬‬

‫‪ )٣‬وتعريف الحال عند الوصول إليه‪.‬‬

‫المتِ َّمة‪:‬‬ ‫ِ‬


‫الم ْغن َية ُ‬
‫وأما الثالثة ُ‬
‫فأحدها‪ :‬تعريف أحوال المجيبين للدعوة ولطائف صنع اهلل فيهم؛ ِ‬
‫وس ُّر ُه‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتعريف أحوال النَّاكبين والنَّاكلين عن اإلجابة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والرتغيب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التشويق‬
‫ُ‬ ‫ومقصو ُده‬
‫وس ُّر ُه ومقصوده االعتبار والرتهيب‪.‬‬‫وكيفي ُة قم ِع اهلل لهم وتنكيلِ ِه لهم؛ ِ‬

‫ف فضائحهم وجهلهم‬ ‫وثانيها‪ :‬حكاية أحوال الجاحدين‪ ،‬وك َْش ُ‬


‫فضاح‬ ‫وسره ومقصوده يف جنب الباطل ِ‬
‫اإل‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫حاجة على الحق‪ُّ ،‬‬
‫والم َّ‬
‫بالمجادلة ُ‬
‫اإليضاح وال َّت ْث ُ‬
‫بيت والتَّقهير‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وال َّتنْفير‪ ،‬ويف َجنب الحق‬

‫وثالثها‪ :‬تعريف عمارة منازل الطريق‪ ،‬وكيفية أخذ الزاد واألُهبة‬


‫واالستعداد‪ ،‬فهذه ستة أقسام»(‪ ،)1‬ثم تكلم يف الفصل الثالث يف شرحها فقال‪:‬‬
‫«الفصل الثالث‪ :‬يف شرح مقاصد القرآن‪ ،‬القسم األول‪ :‬يف تعريف المدعو‬

‫((( جواهر القرآن (ص‪.)24 - 23 :‬‬


‫‪93‬‬

‫إليه‪ ،‬وهو شرح معرفة اهلل تعالى‪ ،‬وذلك هو الكربيت األحمر‪ ،‬وتشتمل هذه‬
‫المعرفة على‪:‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪ )١‬معرفة ذات الحق تبارك وتعالى‪.‬‬

‫‪ )٢‬ومعرفة الصفات‪.‬‬

‫‪ )٣‬ومعرفة األفعال‪.‬‬

‫وهذه الثالثة‪ :‬هي الياقوت األحمر‪.)1(»..‬‬

‫أن سورة اإلخالص َت ْع ِد ُل ُث ُل َث القرآن قط ًعا‪،‬‬


‫وقال يف موضع آخر‪« :‬فاعلم َّ‬
‫مهمات القرآن‪ ،‬إ ْذ هي‪ :‬معرفة اهلل‬
‫وارجع إلى األقسام الثالثة التي ذكرناها يف َّ‬
‫تعالى‪ ،‬ومعرف ُة اآلخرة‪ ،‬ومعرف ُة الصراط المستقيم‪ ،‬فهذه المعارف الثالثة هي‬
‫المهمة والباقي توابع؛ وسورة اإلخالص تشتمل على واحد من الثالث‪ ،‬وهو‬
‫ار ٍك يف الجنس والنَّوع‪ ،‬وهو المرا ُد بِنَفي‬
‫وتقديس ُه عن ُم َش ِ‬
‫ُ‬ ‫معرفة اهلل وتوحيدُ ه‬
‫شعر بأنه الصمدُ الذي ال م ِ‬
‫قصدَ يف‬ ‫األصل والفرع وال ُك ْفؤ‪ ،‬ووص ُفه بالصمد ي ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ َ ُ َّ َ ُ‬
‫المستَقيم‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫الوجود للحوائجِ سواه‪ ،‬نعم ليس فيها‬ ‫ِ‬
‫والصراط ُ‬‫ِّ‬ ‫اآلخرة‬ ‫حديث‬
‫ات القرآن معرف ُة اهلل تعالى‪ ،‬ومعرف ُة اآلخرة‪ ،‬ومعرف ُة‬ ‫أصول مهم ِ‬
‫َ‬ ‫وقد ذكرنا أن‬
‫َّ‬
‫ِ‬
‫األصول من القرآن كما‬ ‫الصراط المستقيم‪ ،‬فلذلك َت ِ‬
‫عد ُل ُث ُل َث القرآن‪ ،‬أي ُثلث‬
‫«الح ُّج َع َر َفة» أي‪ :‬هو األصل والباقي توابع»(‪.)2‬‬
‫قال ‪َ :H‬‬

‫((( جواهر القرآن (ص‪.)25 :‬‬


‫((( المصدر السابق (ص‪.)78 :‬‬
‫‪94‬‬

‫راب ًعا‪ :‬اإلمام محمود بن حمزة الكِ ْرماين (ت‪ 505 :‬هـ)‪ :‬وهو يعترب من‬
‫المتقدمين الذين ذكروا مقاصد القرآن دون أن ينص عليه بالمقاصد حيث‬
‫قال‪« :‬إن القرآن كله يشتمل على ثالثة أشياء‪ ،‬األول‪ :‬توحيد اهلل وذكر صفاته‪،‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫والثاين‪ :‬تكاليف الشرع من األمر والنهي‪ ،‬والثالث‪ :‬قصص األنبياء والمواعظ‪،‬‬
‫وسورة اإلخالص مشتملة على ذكر التوحيد بطريق اإلجمال‪ ،‬ولذلك من‬
‫قرأها أعطي من األجر ما لو قرأ ثلث القرآن‪ ،‬ومن قرأها ثالث مرات فإنما قرأ‬
‫القرآن كله»(‪.)1‬‬

‫خامسا‪ :‬اإلمام ال َبغَوي (ت‪510:‬هـ)‪ :‬يعترب هو أول من تحدث عن‬ ‫ً‬


‫اهَّلل َج َّل ِذك ُْر ُه‬
‫شروط تحصيل مقاصد القرآن يف مقدمة تفسيره‪ ،‬فقال‪َ « :‬فإِ َّن َ‬
‫ين ا ْل َح ِّق َر ْح َم ًة ل ِ ْل َعا َل ِمي َن‪َ ،‬و َب ِش ًيرا ل ِ ْل ُم ْؤمِنِي َن‪َ ،‬ون َِذ ًيرا‬
‫َأ ْر َس َل َر ُسو َل ُه بِا ْل ُهدَ ى َو ِد ِ‬
‫الر َسا َل ِة‪َ ،‬و َأ َت َّم بِ ِه َم َك ِ‬
‫ار َم‬ ‫ان ِّ‬‫ان النُّ ُب َّو ِة‪َ ،‬و َخت ََم بِ ِه ِد َيو َ‬
‫ل ِ ْل ُم َخال ِ ِفي َن‪َ ،‬أك َْم َل بِ ِه ُبنْ َي َ‬
‫الض َل َل ِة‪،‬‬
‫ُورا َهدَ ى بِ ِه مِ َن َّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ْالَ ْخ َلق‪َ ،‬و َم َحاس َن ْالَ ْف َعال‪َ ،‬و َأن َْز َل َع َل ْيه بِ َف ْضله ن ً‬
‫ِ‬

‫َو َأ ْن َق َذ بِ ِه مِ َن ا ْل َج َها َل ِة‪َ ،‬و َح َك َم بِا ْل َف َلحِ ل ِ َم ْن َتبِ َع ُه‪َ ،‬وبِا ْل َخ َس َار ِة ل ِ َم ْن أعرض عنه‬
‫ور ٍة مِ ْن مِ ْثلِ ِه فِي‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫بعد ما َسم َع ُه‪َ ،‬أ ْع َج َز ا ْل َخلي َق َة َع ْن ُم َع َار َضته‪َ ،‬و َع ِن ْال ْت َيان بِ ُس َ‬
‫ِ‬

‫از ِه تِ َل َو َت ُه‪َ ،‬و َي َّس َر َع َلى ْالَ ْل ُس ِن قِ َرا َء َت ُه‪َ ،‬أ َم َر‬
‫ُم َقا َب َلتِ ِه‪َ ،‬و َس َّه َل َع َلى ا ْل َخ ْل ِق َم َع إِ ْع َج ِ‬
‫ال ا ْلم ِ‬ ‫ص َع ْن َأ ْح َو ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اضي َن‬ ‫َ‬ ‫فيه َو َز َج َر‪َ ،‬و َب َّش َر َو َأن َْذ َر‪َ ،‬و َذك ََر ا ْل َم َواع َظ ل ُيت ََذك ََّر‪َ ،‬و َق َّ‬
‫يد ل ِ ُي َت َف َّك َر‪َ ،‬و َل‬
‫ات التَّو ِح ِ‬
‫ْ‬
‫يه ْالَم َث َال لِيتَدَ بر‪ ،‬ود َّل َع َلى آي ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َّ َ َ َ‬ ‫ْ‬
‫لِيع َتبر‪ ،‬و َضرب فِ ِ‬
‫ُ ْ ََ َ َ َ‬

‫((( غرائب التفسير وعجائب التأويل (‪.)1407 /2‬‬


‫‪95‬‬

‫اب ن ُُزول ِ ِه‬


‫يه إِ َّل بِ ِد َرا َي ِة َت ْف ِس ِير ِه َو َأ ْع َلمِ ِه‪َ ،‬و َم ْع ِر َف ِة َأ ْس َب ِ‬
‫اص ِد فِ ِ‬
‫ول لِه ِذ ِه ا ْلم َق ِ‬
‫َ‬ ‫ُح ُص َ َ‬
‫اص ِه َو َعا ِّم ِه»(‪.)1‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫َو َأ ْح َكامه‪َ ،‬وا ْل ُو ُقوف َع َلى نَاسخه َو َمن ُْسوخه‪َ ،‬و َخ ِّ‬
‫ِِ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫فال َب َغوي جعل من مقاصد القرآن‪ :‬التوحيد‪ ،‬واألحكام‪ ،‬والمواعظ‪ ،‬بما‬


‫فيه من زجر وإنذار‪ ،‬وقصص عن أحوال الماضين‪.‬‬

‫الماز َِر ُّ‬


‫ي (‪( )2‬ت‪ 536 :‬هـ)‪:‬‬ ‫سادسا‪ :‬اإلمام المازري أبو عبد اهلل محمد َ‬
‫ً‬ ‫ ‬
‫قسم موضوعات القرآن على ثالثة أقسام فقال‪« :‬القرآن على ثالثة أنحاء‪:‬‬
‫فقد ّ‬
‫قصص‪ ،‬وأحكام‪ ،‬وصفات‪ ،‬فلتمحضها للصفات – أي‪ :‬سورة اإلخالص ‪-‬‬
‫كانت جزءا من الثالثة»(‪.)3‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬اإلمام ابن العربي المالكي (ت‪ 543 :‬هـ)‪ :‬وتحدَّ ث عن مقاصد‬
‫وإنما ع َّبر عنها بعلومه األساسية التي‬
‫القرآن؛ ولكن ليس بمسمى المقاصد‪َّ ،‬‬
‫ترجع إليها جميع موضوعات القرآن‪ ،‬حيث قال يف كتابه «قانون التأويل»‪« :‬إن‬
‫علومه على ثالثة أقسام‪ :‬توحيد‪ ،‬وتذكير‪ ،‬وأحكام»(‪.)4‬‬

‫(( ( معالم التنزيل (‪.)33 /1‬‬


‫الم َاز ِر ُّي المالكي المحدّ ث؛ أحد األعالم‬ ‫((( هو‪ :‬أبو عبد اهلل محمد بن علي بن محمد التميمي َ‬
‫«الم ْعلِم بِ َف َوائِ ِد َش ْرحِ ُم ْسلِم»‪،‬‬
‫المشار إليهم يف حفظ الحديث والكالم عليه‪ ،‬مصنف كتاب‪ُ :‬‬
‫ول فِي األُ ُصول»‪ ،‬وله تواليف يف األدب‪ ،‬وكان فاضال‬ ‫يضاح الم ْح ُص ِ‬
‫َ‬ ‫ومصنف كتاب‪« :‬إِ َ‬
‫متقنا‪ .‬انظر‪ :‬وفيات األعيان (‪ ،)285 /4‬وسير أعالم النبالء (‪.)482 /14‬‬
‫(( ( القواعد واإلشارات يف أصول القراءات (ص‪.)23 :‬‬
‫((( قانون التأويل (ص‪.)541 :‬‬
‫‪96‬‬

‫ثامنًا‪ :‬اإلمام الرازي (ت‪ 606 :‬هـ)‪ :‬تكلم عن مقاصد القرآن الكريم يف‬
‫سبب تسمية الفاتحة بأم القرآن‪« :‬والسبب فيه وجوه‪ ،‬األول‪ :‬أن أ ّم الشيء أصله‪،‬‬
‫والمقصود من كل القرآن تقرير أمور أربعة‪ :‬اإللهيات‪ ،‬والمعاد‪ ،‬والنبوات‪،‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫فلما كان المقصد األعظم من القرآن هذه‬
‫وإثبات القضاء والقدر هلل تعالى‪َّ ..‬‬
‫المطالب األربعة‪ ،‬وكانت هذه السورة مشتملة عليها ل ّقبت‪ :‬بأم القرآن»(‪ ،)1‬ثم‬
‫شرحها وجمعها يف ثالثة أصول فقال‪« :‬إن العلوم البشرية‪ :‬إما علم ذات اهلل‬
‫وصفاته وأفعاله‪ ،‬وهو علم األصول‪ ،‬وإما علم أحكام اهلل تعالى وتكاليفه‪ ،‬وهو‬
‫علم الفروع‪ ،‬وإما علم تصفية الباطن وظهور األنوار الروحانية والمكاشفات‬
‫اإللهية‪ ،‬والمقصود من القرآن بيان هذه األنواع الثالثة‪ ،‬وهذه السورة الكريمة‬
‫مشتملة على تقرير هذه المطالب الثالثة على أكمل الوجوه»(‪.)2‬‬

‫وأكد عليها يف مقدمة سورة األنعام فقال‪« :‬اعلم أنه تعالى جعل مدار‬
‫هذا الكتاب الشريف على تقرير التوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬والمعاد‪ ،‬وإثبات القضاء‬
‫والقدر‪ ،‬وأنه تعالى بالغ يف تقرير هذه األصول»(‪ ،)3‬ويف مقدمة تفسير سورة‬
‫وسماها‪ :‬بالمقصد األقصى‪ ،‬فقال‪« :‬اعلم أنَّا قد ذكرنا أن المقصد‬
‫َّ‬ ‫الصافات‪،‬‬
‫األقصى من هذا الكتاب الكريم إثبات األصول األربعة وهي‪ :‬اإللهيات‪،‬‬

‫(( ( مفاتيح الغيب (‪.)156 /1‬‬


‫((( المصدر السابق (‪.)157 /1‬‬
‫((( المصدر السابق (‪.)162 /13‬‬
‫‪97‬‬

‫والمعاد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬وإثبات القضاء والقدر»(‪ ،)1‬ويف مقدمة سورة اإلخالص ع َّبر‬
‫عنها بالمقصود األشرف‪ ،‬وحصرها يف ثالثة مقاصد فقال‪َّ :‬‬
‫«إن المقصود من‬
‫كل القرآن تقرير التوحيد والنبوة والمعاد‪ ،‬وأما القصص فالمراد من ذكرها ما‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫يجري مجرى ضرب األمثال يف تقرير هذه األصول»(‪ ،)2‬فهو ذكر أربعة؛ لكن‬
‫الظاهر أنه استقر على ثالثة يف آخر تفسيره‪.‬‬

‫تاس ًعا‪ :‬الع ّز بن عبد السالم (ت‪ 660:‬هـ)‪ :‬هو من أوائل من تحدَّ ثوا عن‬
‫اص ِد‬
‫مقاصد القرآن ولكن بمفهوم علماء الشريعة‪ ،‬حيث قال‪« :‬ومع َظم م َق ِ‬
‫َ ُْ ُ َ‬
‫اس ِد‬
‫اب ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب ا ْل َم َصالِحِ َو َأ ْس َبابِ َها‪َ ،‬و َّ‬
‫الز ْج ُر َع ْن اكْت َس ِ َ‬ ‫آن ْالَ ْم ُر بِاكْتِ َس ِ‬
‫ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫السن َِّة‪َ ،‬ول ِ ِع ْل ِمنَا َأ َّن‬ ‫َاب َو ُّ‬ ‫اصدَ َما فِي ا ْلكِت ِ‬ ‫و َأسبابِها»(‪ ،)3‬وقال‪« :‬و َلو َت َتبعنَا م َق ِ‬
‫ْ َّ ْ َ‬ ‫َ ْ َ َ‬
‫اهَّلل َأ َم َر بِ ُك ِّل َخ ْي ٍر َد َّق ُه َو َج َّل ُه‪َ ،‬و َز َج َر َع ْن ك ُِّل َش ٍّر َد َّق ُه َو َج َّل ُه‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل َخ ْي َر ُي َع َّب ُر بِ ِه‬
‫َ‬
‫اس ِد َو َد ْر ِء‬ ‫ب ا ْلم َف ِ‬ ‫ِ‬
‫الش َّر ُي َع َّب ُر بِه َع ْن َج ْل ِ َ‬ ‫اس ِد‪َ ،‬و َّ‬ ‫ب ا ْلمصالِحِ ودر ِء ا ْلم َف ِ‬
‫َ َْ َ‬ ‫َع ْن َج ْل ِ َ َ‬
‫ا ْل َم َصالِحِ »(‪.)4‬‬

‫عاشرا‪ :‬اإلمام البيضاوي (ت‪ 685 :‬هـ)‪ :‬حصر مقاصده يف ثالثة مقاصد‪،‬‬
‫ً‬
‫فقال‪« :‬فإن مقاصده محصورة يف بيان العقائد واألحكام والقصص»(‪.)5‬‬

‫(( ( مفاتيح الغيب (‪.)321 /26‬‬


‫((( المصدر السابق (‪.)30 /28‬‬
‫(( ( قواعد األحكام يف مصالح األنام (‪.)8 /1‬‬
‫((( المصدر السابق (‪.)189 /2‬‬
‫(( ( أنوار التنزيل (‪.)549 /5‬‬
‫‪98‬‬

‫الحادي عشر‪ :‬أبو البركات الن ََّسفي (ت‪ 710 :‬هـ)‪ :‬تحدّ ث عن مقاصد‬
‫القرآن وهو يتحدّ ث عن سورة اإلخالص فقال‪« :‬يف الحديث «من قرأ سورة‬
‫اإلخالص فقد قرأ ثلث القرآن»؛ ألن القرآن يشتمل على توحيد اهلل وذكر‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫صفاته‪ ،‬وعلى األوامر والنواهي‪ ،‬وعلى القصص والمواعظ‪ ،‬وهذه السورة قد‬
‫تجردت للتوحيد والصفات‪ ،‬فقد تضمنت ثلث القرآن»(‪.)1‬‬

‫الثاين عشر‪ :‬شيخ اإلسالم ابن تيمية (ت‪ 728 :‬هـ)‪ :‬نجده تحدّ ث عن‬
‫مقاصد القرآن يف تفسير سورة اإلخالص وأهنا تعدل ثلث القرآن‪ ،‬وع ّبر عنها‬
‫آن َث َل َث ُة َأن َْواعٍ‪َ :‬ت ْو ِحيدٌ ‪،‬‬
‫وه َأ َّن معانِي ا ْل ُقر ِ‬
‫ََ َ ْ‬
‫«إن َأحسن ا ْلوج ِ‬
‫بمعاين القرآن فقال‪ُ ُ َ َ ْ َّ :‬‬
‫الر ْح َم ِن فِ َيها الت َّْو ِحيدُ َو ْحدَ ُه َو َذل ِ َك ِلَ َّن‬ ‫ِ‬
‫ور ُة ص َف ُة َّ‬
‫ِ ِ‬
‫ص‪َ ،‬و َأ ْح َكا ٌم‪َ ،‬و َهذه ُّ‬
‫الس َ‬ ‫َو َق َص ٌ‬
‫إخ َبار‪َ ،‬و ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال ْخ َب ُار إ َّما َخ َب ٌر َع ْن‬ ‫آن ك ََل ُم اهَّلل‪َ ،‬وا ْل َك َل ُم ن َْو َعان‪ :‬إ َّما إن َْشا ٌء َوإِ َّما ْ ٌ‬
‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫َالَ ْم ِر َوالن َّْه ِي‪َ ،‬وا ْل َخ َب ُر‬
‫الن َْشا ُء ُه َو ْالَ ْح َكا ُم ك ْ‬ ‫وق‪َ ،‬ف ْ ِ‬ ‫ا ْل َخال ِ ِق‪َ ،‬وإِما َخ َبر َع ْن ا ْلم ْخ ُل ِ‬
‫َ‬ ‫َّ ٌ‬
‫ص‪َ ،‬وا ْل َخ َب ُر َع ْن ا ْل َخال ِ ِق ُه َو ِذك ُْر َأ ْس َمائِ ِه َو ِص َفاتِ ِه‪َ ،‬و َل ْي َس‬ ‫َع ْن ا ْلم ْخ ُل ِ‬
‫وق ُه َو ا ْل َق َص ُ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ور ٌة ِه َي َو ْص ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ورةَ»(‪.)2‬‬ ‫الر ْح َم ِن َم ْح ًضا َّإل َهذه ُّ‬
‫الس َ‬ ‫ف َّ‬ ‫في ا ْل ُق ْرآن ُس َ‬

‫وقد أدرج شيخ اإلسالم الوعد والوعيد يف القصص حيث ارتضى قول‬
‫اإلمام أبي العباس ابن ُس َريج يف أن سورة اإلخالص تعدل ثلث القرآن فقال‪:‬‬
‫يد ا ْل ُق َر ِش ِّي َأ َّن ُه‬
‫اس اب ِن سريجٍ َفعن َأبِي ا ْلول ِ ِ‬
‫َ‬ ‫ول َع ْن ْ ِ‬
‫ال َما ِم َأبِي ا ْل َع َّب ِ ْ ُ َ ْ َ ْ‬ ‫اب ا ْل َمنْ ُق ُ‬
‫«ا ْل َج َو ُ‬
‫اس ْب َن ُس َر ْيجٍ َع ْن َم ْعنَى َق ْو ِل النَّبِ ِّي ‪﴿« : H‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾‬ ‫َس َأ َل َأ َبا ا ْل َع َّب ِ‬

‫(( ( مدارك التنزيل وحقائق التأويل (‪.)696 /3‬‬


‫((( مجموع الفتاوى (‪.)134 /17‬‬
‫‪99‬‬

‫آن َع َلى َث َل َث ِة َأ ْق َسا ٍم‪ُ :‬ث ُل ٌث مِن َْها‬ ‫َتع ِد ُل ُث ُل َث ا ْل ُقر ِ‬


‫آن»‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬م ْعنَا ُه ُأن ِْز َل ا ْل ُق ْر ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات»(‪.)1‬‬ ‫الص َف ُ‬ ‫ْالَ ْح َكا ُم‪َ ،‬و ُث ُل ٌث من َْها َوعْدٌ َو َوعيدٌ ‪َ ،‬و ُث ُل ٌث من َْها ْالَ ْس َما ُء َو ِّ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الثالث عاشر‪ :‬اإلمام ابن ُجزَي الغرناطي (ت‪741:‬هـ)‪ :‬جعل يف‬


‫مقدمة تفسيره الباب الثالث‪ :‬يف المعاين والعلوم التي تضمنها القرآن‪ ،‬جمع‬
‫فيه الحديث بين مقاصد القرآن وموضوعات القرآن‪ ،‬فقال ‪« :V‬فاعلم‬
‫ّ‬
‫أن المقصود بالقرآن دعوة الخلق إلى عبادة اهلل وإلى الدخول يف دينه‪ ،‬ثم‬
‫ّ‬
‫إن هذا المقصد يقتضي أمرين ال بد منهما‪ ،‬وإليهما ترجع معاين القرآن كله‪،‬‬
‫أحدهما‪ :‬بيان العبادة التي دعي الخلق إليها‪ ،‬واألخرى‪ :‬ذكر بواعث تبعثهم‬
‫على الدخول فيها وتر ّددهم إليها‪ ،‬فأما العبادة فتنقسم إلى نوعين‪ :‬وهما‬
‫أصول العقائد وأحكام األعمال‪ ،‬وأما البواعث عليها فأمران‪ :‬وهما الرتغيب‬
‫والرتهيب‪ ،‬وأما على التفصيل فاعلم ّ‬
‫أن معاين القرآن سبعة هي‪ :‬علم الربوبية‪،‬‬
‫والنبوة‪ ،‬والمعاد‪ ،‬واألحكام‪ ،‬والوعد‪ ،‬والوعيد‪ ،‬والقصص»(‪ ،)2‬وقال يف سورة‬
‫اإلخالص‪« :‬أن علوم القرآن ثالثة‪ :‬توحيد‪ ،‬وأحكام‪ ،‬وقصص‪ ،‬وقد اشتملت‬
‫هذه السورة على التوحيد‪ ،‬فهي ثلث القرآن هبذا االعتبار»(‪.)3‬‬

‫قسم القرآن على‬


‫الرابع عشر‪ :‬قال عالء الدين الخازن (ت‪ 741 :‬هـ)‪ّ :‬‬
‫ثالثة أقسام فقال‪« :‬إن القرآن على ثالثة أنحاء قصص‪ ،‬وأحكام وصفات اهلل‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)103 /17‬‬


‫(( ( التسهيل لعلوم التنزيل (‪.)14 /1‬‬
‫((( المصدر السابق (‪.)523 /2‬‬
‫‪100‬‬

‫تعالى‪ ،‬و ﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ متضمنة للصفات‪ ،‬فهي ثلث القرآن‪ ،‬وجزء من‬


‫ثالثة أجزاء»(‪.)1‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الخامس عشر‪ :‬شرف الدين ال ِّطيبي (ت‪ 743 :‬هـ)‪ :‬قال ‪« :V‬جاء يف‬
‫الحديث أهنا تعدل ثلث القرآن؛ ألن مقاصد القرآن محصور ٌة يف بيان العقائد‪،‬‬
‫واألحكام‪ ،‬والقصص‪ ،‬و َمن عَدَ َلها بك ّله اعترب المقصود بالذات من ذلك»(‪.)2‬‬

‫السادس عشر‪ :‬أبو ح ّيان األندلسي (ت‪ 745 :‬هـ)‪ :‬قال‪« :V‬مدار‬
‫القرآن على تقرير المسائل األربع‪ :‬التوحيد‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والمعاد‪ ،‬والنبوة»(‪.)3‬‬

‫السابع عشر‪ :‬اإلمام ابن الق ِّيم (ت‪ 751 :‬هـ)‪ :‬وهو يتحدث عن سورة‬
‫الفاتحة‪ ،‬قال‪« :‬اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات المطالب العالية‬
‫أتم اشتمال‪ ،‬وتضمنتها أكمل تضمن‪ ،‬فاشتملت على التعريف بالمعبود تبارك‬
‫وتعالى بثالثة أسماء‪ ،‬مرجع األسماء الحسنى والصفات العليا إليها ومدارها‬
‫عليها‪ ،‬وهي‪ :‬اهلل والرب الرحمن‪ ..‬وتضمنت إثبات المعاد‪ ،‬وجزاء العباد‬
‫بأعمالهم حسنها وس ّيئها‪ ،..‬وتضمنت إثبات النبوات»(‪.)4‬‬

‫الثامن عشر‪ :‬الحافظ ابن كثير (ت‪ 774 :‬هـ)‪ :‬نجده يتحدث عن مقاصد‬
‫ول اهَّللِ‬
‫«إن َر ُس َ‬
‫القرآن ويسميها‪ :‬بالمقاصد العظيمة للقرآن الكريم‪ ،‬فيقول‪َّ :‬‬

‫(( ( لباب التأويل يف معاين التنزيل (‪.)496 /4‬‬


‫(( ( فتوح الغيب يف الكشف عن قناع الريب (حاشية الطيبي على الكشاف) (‪.)640 /16‬‬
‫(( ( البحر المحيط يف التفسير (‪.)64 /5‬‬
‫((( مدارج السالكين (‪.)7 /1‬‬
‫‪101‬‬

‫والف ْطر‪َ ،‬وك َ‬ ‫ت السا َعةُ‪ ،‬فِي ْالَ ْضحى ِ‬ ‫اف‪ ،‬وا ْقتَرب ِ‬ ‫َان ي ْقر ُأ بِ َق ٍ‬
‫َان‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ ََ‬ ‫‪H‬ك َ َ َ‬
‫ار‪ِ ،‬ل ْشتِمال ِ ِهما َع َلى ِذك ِْر ا ْلو ْع ِد وا ْلو ِع ِ‬
‫يد َو َبدْ ِء ا ْل َخ ْل ِق‬ ‫َي ْق َر ُأ بِ ِه َما فِي ا ْل َم َحافِ ِل ا ْلكِ َب ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫يم ِة»(‪.)1‬‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َوإِ َعا َدته‪َ ،‬والت َّْوحيد َوإِ ْث َبات النُّ ُب َّوات‪َ ،‬و َغ ْي ِر َذل َك م َن ا ْل َم َقاصد ا ْل َعظ َ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫التاسع عشر‪ :‬ابن عادل الحنبلي (ت‪ 775 :‬هـ)‪ :‬نجده ّقرر يف قوله‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ‬
‫�‬

‫ﱩ ﱪﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ﴾ [األعراف‪:‬‬
‫أن مدار القرآن على َت ْق ِرير هذه‬ ‫‪ ]53‬أن مقاصد القرآن أربعة‪ ،‬فقال‪« :‬تقدّ م َّ‬
‫والقدر»(‪ ،)2‬ثم ّقرر‬ ‫المسائل األربع وهي‪ :‬الت ِ‬
‫َّوحيدُ ‪ ،‬والنبوةُ‪ ،‬والمعا ُد‪ ،‬والقضا ُء‬
‫ُ‬
‫يف آخر تفسيره أن أصول القرآن تنحصر يف ثالثة مقاصد‪ :‬التوحيد‪ ،‬والنبوات‪،‬‬
‫والبعث‪ ،‬فقال يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬

‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ﴾ [األحقاف‪:‬‬
‫‪« :]33‬اعلم أنه تعالى قرر من أول سورة إلى ههنا أمر التوحيد والنبوة‪ ،‬ثم ذكر‬
‫ههنا تقرير القادر‪ ،‬من تأمل يف ذلك علم أن المقصود من القرآن كله تقرير هذه‬
‫األصول الثالثة‪ ،‬واعلم أن المقصود من هذه اآلية الداللة على كونه تعالى‬
‫قادرا على البعث‪ ،‬ألنه تعالى أقام الدليل على خلق السموات واألرض‪،‬‬
‫ً‬
‫وخلقهما أعظم من إعادة هذا ّ‬
‫الشخص ح ًّيا بعد أن كان م ِّيتًا‪ ،‬والقادر على‬

‫((( تفسير القرآن العظيم (‪.)470 /7‬‬


‫(( ( اللباب يف علوم الكتاب (‪.)140 /9‬‬
‫‪102‬‬

‫نرجح َّ‬
‫أن‬ ‫قادرا على ما دونه»(‪َّ ،)1‬‬
‫ولعل هذا يجعلنا ِّ‬ ‫األكمل ال بدّ وأن يكون ً‬
‫مقاصد القرآن عنده ثالثة‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫العشرون‪ :‬اإلمام الشاطبي (ت‪ 790 :‬هـ)‪ :‬له تميزه يف تناول موضوع‬
‫مقاصد القرآن‪ ،‬فجاء كالمه يف ثالث نقاط‪:‬‬

‫األولى‪ :‬عن أهمية المقاصد يف التدبر‪ :‬فقال يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﲀ ﲁ‬

‫ون ل ِ َم ِن ا ْل َت َف َت إِ َلى‬
‫ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ﴾ [محمد‪َ « :]24:‬فالتَّدَ ُّب ُر إِن ََّما َي ُك ُ‬
‫آن؛ َف َل ْم َي ْح ُص ْل مِن ُْه ْم‬
‫اص ِد ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫اهر فِي َأنَّهم َأ ْعر ُضوا َعن م َق ِ‬
‫ْ َ‬ ‫ُ ْ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْل َم َقاصد‪َ ،‬و َذل َك َظ ٌ‬
‫َتدَ ُّب ٌر»(‪.)2‬‬

‫والثانية‪ :‬تفرد بالحديث عن مقاصد القرآن المكي‪ :‬ذكر يف مقدّ مة سورة‬


‫المؤمنون مب ّينًا أن القرآن المكي اشتمل على كليات القرآن التي لم يدخلها‬
‫وفرع تشريعاته على تلك‬ ‫ومقر ًرا لها‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫مفص ًل‬
‫نسخ‪ ،‬وأن القرآن المدين جاء ّ‬
‫أول‪ ،‬وهي التي ن ََز َل‬ ‫اعدَ ا ْل ُك ِّل َّي َة هي الموضوعة ً‬ ‫الكليات‪ ،‬فقال‪« :‬ا ْع َلم َأ َّن ا ْل َقو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫آن َع َلى النَّبِ ِّي ‪ H‬بِ َم َّكةَ‪ُ ،‬ث َّم َتبِ َع َها َأ ْش َيا ُء بِا ْل َم ِدين َِة‪ ،‬ك َُم َل ْت بِ َها‬ ‫بِ َها ا ْل ُق ْر ُ‬
‫ان بِاهَّللِ َو َر ُسول ِ ِه َوا ْل َي ْو ِم‬
‫يم َ‬ ‫ِ‬ ‫اعدُ ا َّلتِي ُو ِض َع َأ ْص ُل َها بِ َم َّكةَ‪َ ،‬وك َ‬
‫َان َأ َّو ُل َها ْال َ‬
‫تِ ْل َك ا ْل َقو ِ‬
‫َ‬
‫ال َو َغ ْي ِر َذل ِ َك‪..‬‬ ‫اق ا ْلم ِ‬
‫َ‬
‫َالص َل ِة‪َ ،‬وإِ ْن َف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْال ِخ ِر‪ُ ،‬ثم َتبِ َع ُه ما ُه َو مِ َن ْالُ ُص ِ‬
‫ول ا ْل َعا َّمة؛ ك َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ول ا ْل ُك ِّل َّي ُة كَان َْت فِي‬
‫ات بِ َم َّك َة َقلِي َلةً‪َ ،‬و ْالُ ُص ُ‬ ‫َت ا ْل ُج ْزئِ َّي ُ‬
‫ات ا ْل َم ْش ُرو َع ُ‬ ‫وإِنَّما كَان ِ‬
‫َ َ‬

‫(( ( اللباب يف علوم الكتاب (‪.)418 /17‬‬


‫(( ( الموافقات (‪.)336 /3‬‬
‫‪103‬‬

‫ول اهَّللِ ‪ H‬إِ َلى ا ْل َم ِدين َِة‪،‬‬ ‫الن ُُّز ِ‬


‫ول َوالت َّْش ِري ِع َأ ْك َث ُر‪ُ ،‬ث َّم َل َّما َخ َر َج َر ُس ُ‬
‫ال ْس َل ِم؛ ك َُم َل ْت ُهنَال ِ َك ْالُ ُص ُ‬
‫ول ا ْل ُك ِّل َّي ُة َع َلى َتدْ ِريجٍ ؛ كَإِ ْص َلحِ‬ ‫َوا َّتس َع ْت ُخ َّط ُة ْ ِ‬
‫َ‬
‫ود ا َّلتِي َت ْح َف ُظ‬
‫يد ا ْلحدُ ِ‬
‫ات‪ ،‬و َتح ِد ِ‬ ‫يم ا ْلمسكِر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َذات ا ْل َب ْي ِن‪َ ،‬وا ْل َو َفاء بِا ْل ُع ُقود‪َ ،‬و َت ْح ِر ِ ُ ْ َ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫وري َة وما ي َكم ُلها ويحسنُها‪ ،‬ور ْف ِع ا ْلحرجِ بِالت ْ ِ ِ‬
‫ص‪،‬‬ ‫الر َخ ِ‬ ‫َّخفي َفات َو ُّ‬ ‫ََ‬ ‫الض ُر ِ َّ َ َ ُ ِّ َ َ ُ َ ِّ َ َ َ‬ ‫ور َّ‬‫ْالُ ُم َ‬
‫ول ا ْل ُك ِّل َّي ِة»(‪.)1‬‬ ‫َو َما َأ ْش َب َه َذل ِ َك‪َ ،‬وإِن ََّما َذل ِ َك ُك ُّل ُه َت ْك ِم ٌيل ل ِ ْ ُ‬
‫ل ُص ِ‬

‫وقال عن مقاصد القرآن المكي‪َ « :‬غالِب ا ْلم ِّكي َأ َّنه م َقرر ل ِ َث َل َث ِة مع ٍ‬


‫ان‪،‬‬ ‫ََ‬ ‫ُ َ ِّ ُ ُ ِّ ٌ‬
‫احدٌ ‪َ ،‬و ُه َو الدُّ َعا ُء إِ َلى ِع َبا َد ِة اهَّللِ َت َعا َلى‪:‬‬
‫َأص ُلها معنًى و ِ‬
‫ْ َ َْ َ‬

‫اح ِد ا ْل َح ِّق‪َ ،‬غ ْي َر َأ َّن ُه يأيت على وجوه؛ كنفي‬ ‫َأحدُ َها‪َ :‬ت ْق ِرير ا ْلوحدَ انِي ِة ل ِ َّل ِه ا ْلو ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ْ َّ‬ ‫َ‬
‫يك بِإِ ْط َل ٍق‪َ ،‬أ ْو َن ْفيِ ِه بِ َق ْي ِد َما ا َّد َعا ُه ا ْل ُك َّف ُار فِي َو َقائِ َع ُم ْختَلِ َف ٍة‪ ،‬مِ ْن ك َْونِ ِه ُم َق َّر ًبا‬‫الش ِر ِ‬
‫َّ‬
‫إِ َلى اهَّللِ ُز ْل َفى‪َ ،‬أو كَونِ ِه و َلدً ا َأو َغير َذل ِ َك مِن َأنْوا ِع الدَّ َعاوى ا ْل َف ِ‬
‫اسدَ ِة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َْ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫ول اهَّللِ إِ َلي ِهم ج ِميعا‪ ،‬ص ِ‬
‫اد ٌق‬ ‫َوال َّثانِية‪َ :‬ت ْق ِر ُير النُّ ُب َّو ِة لِلنَّبِي ُم َح َّم ٍد‪َ ،‬و َأ َّن ُه َر ُس ُ‬
‫ْ ْ َ ً َ‬ ‫ِّ‬
‫ول‬‫يما َجا َء بِ ِه مِ ْن ِعن ِْد اهَّللِ؛ إِ َّل َأ َّن ُه َو ِار ٌد َع َلى ُو ُجوه َأ ْي ًضا؛ كَإِ ْث َبات ك َْونه َر ُس ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ف َ‬
‫ُون‪َ ،‬أ ْو ُي َع ِّل ُم ُه َب َش ٌر‪،‬‬ ‫َاذب‪َ ،‬أو س ِ‬
‫اح ٌر‪َ ،‬أ ْو َم ْجن ٌ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َح ًّقا‪َ ،‬و َن ْف ِي َما ا َّد َع ْو ُه َع َل ْيه م ْن َأ َّن ُه ك ٌ ْ َ‬
‫َأو ما َأ ْشبه َذل ِ َك مِن ُك ْف ِر ِهم و ِعن ِ‬
‫َاد ِه ْم‪.‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ََ‬

‫يه بِ ْالَ ِد َّل ِة‬


‫ث والدَّ ِار ْال ِخر ِة و َأ َّنه ح ٌّق َل ريب فِ ِ‬
‫َْ َ‬ ‫َ َ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ات َأ ْم ِر ا ْل َب ْع َ‬ ‫َوال َّثال ِ ُث‪ :‬إِ ْث َب ُ‬
‫الر ُّد َع َلى َم ْن َأ ْن َك َر َذل ِ َك بِ ُك ِّل َو ْج ٍه ُي ْمكِ ُن ا ْل َكافِ ُر إِ ْن َك َار ُه بِ ِه؛ َف َر َّد بِ ُك ِّل‬ ‫ِ ِ‬
‫ا ْل َواض َحة‪َ ،‬و َّ‬
‫َو ْج ٍه ُي ْل ِز ُم ا ْل ُح َّجةَ‪َ ،‬و ُي َب ِّك ُت ا ْل َخ ْص َم‪َ ،‬و ُي َو ِّض ُح ْالَ ْم َر‪َ .‬ف َه ِذ ِه ا ْل َم َعانِي ال َّث َل َث ُة ِه َي‬

‫(( ( الموافقات (‪.)209 /4‬‬


‫‪104‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ا َّلتي ْاشت ََم َل َع َل ْي َها ا ْل ُمن ََّز ُل م َن ا ْل ُق ْرآن بِ َم َّك َة في َعا َّمة ْالَ ْم ِر‪َ ،‬و َما َظ َه َر بِ َباد ِئ َّ‬
‫الر ْأ ِي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اج ٌع إِ َل ْي َها فِي م ْح ُص ِ‬ ‫وج ُه َعن َْها؛ َفر ِ‬
‫يب‪،‬‬‫يب َوالت َّْره ُ‬ ‫ول ْالَ ْم ِر‪َ ،‬و َي ْت َب ُع َذل َك الت َّْرغ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُخ ُر ُ‬
‫ف َي ْو ِم ا ْل ِق َيا َم ِة َو َأ ْش َبا ُه َذل ِ َك»(‪.)1‬‬ ‫ص‪َ ،‬و ِذك ُْر ا ْل َجن َِّة َوالن ِ‬
‫َّار َو َو ْص ُ‬ ‫َو ْالَ ْم َث ُال َوا ْل َق َص ُ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫محتو مِ َن‬
‫ٍ‬ ‫والثالثة‪ :‬تحدّ ث عن مقاصد القرآن يف الجملة‪ :‬فقال‪« :‬إ َّن ُه‬
‫ا ْل ُع ُلو ِم َع َلى َث َل َث ِة َأ ْجن ٍ‬
‫َاس ِه َي ا ْل َم ْق ُصو ُد ْالَ َّو ُل‪:‬‬
‫ِ ِ‬
‫َأ َحدُ َها‪َ :‬م ْع ِر َف ُة ا ْل ُمت ََو َّجه إِ َل ْيه‪َ ،‬و ُه َو ُ‬
‫اهَّلل ا ْل َم ْع ُبو ُد ُس ْب َحا َن ُه‪.‬‬

‫َوال َّثانِي‪َ :‬م ْع ِر َف ُة َك ْي ِف َّي ِة الت ََّو ُّج ِه إِ َل ْي ِه‪.‬‬

‫اهَّلل بِ ِه َو َي ْر ُج َو ُه‪.‬‬
‫اف َ‬ ‫آل ا ْل َع ْب ِد ل ِ َي َخ َ‬
‫َوال َّثال ِ ُث‪ :‬م ْع ِر َف ُة م ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫اح ٍد ُه َو ا ْل َم ْق ُصو ُد‪َ ،‬ع َّب َر‬ ‫ْس و ِ‬ ‫ِ‬


‫َاس ال َّث َل َث ُة َداخ َل ٌة َت ْح َت ِجن ٍ َ‬ ‫َو َهذه ْالَ ْجن ُ‬
‫ِ ِ‬
‫[الذ ِاري ِ‬ ‫َعنْ ُه َق ْو ُل ُه َت َعا َلى‪ ﴿ :‬ﭐ‬
‫ات‪ ]56 :‬؛‬ ‫ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﴾ َّ َ‬
‫ود؛ إِ ِذ‬ ‫َفا ْل ِعباد ُة ِهي ا ْلم ْط ُلوب ْالَو ُل‪َ ،‬غير َأ َّنه َل يمكِن إِ َّل بِمع ِر َف ِة ا ْلمعب ِ‬
‫َ ُْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُْ ُ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫‪-‬ومِ ْن ُج ْم َل ِة‬ ‫ف َ‬ ‫ول َل َيت ََو َّج ُه إِ َل ْي ِه َو َل ُي ْق َصدُ بِ ِع َبا َد ٍة َو َل بِ َغ ْي ِر َها‪َ ،‬فإِ َذا ُع ِر َ‬‫ا ْل َم ْج ُه ُ‬
‫ب؛ إِ َّل َأ َّن ُه‬ ‫ِ‬ ‫وناه و َطال ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ا ْلمع ِر َف ِة بِ ِه َأ َّنه آمِر ٍ‬
‫ب ل ْلع َباد بِق َيام ِه ْم بِ َح ِّقه‪َ -‬ت َو َّج َه ال َّط َل ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ ٌ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫َل َيت ََأ َّتى ُد َ‬
‫وس‬ ‫ون معرفة كيفية التعبد؛ فجيء بالجنس الثاين‪َ ،‬و َل َّما كَانَت النُّ ُف ُ‬
‫ال َعائِدً ا َع َلى ا ْل َعامِلِي َن‪،‬‬ ‫َان م ُآل ْالَ ْعم ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ب النَّتَائجِ َوا ْل َم َآلت‪َ ،‬وك َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َش ْأن َها َط َل ُ‬
‫الن َْذ ُار فِي‬
‫َان مِن ُْهم مِ ْن َطا َع ٍة َأ ْو م ْع ِص َي ٍة‪َ ،‬وان َْجر م َع َذل ِ َك ال َّت ْب ِشير َو ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب َما ك َ‬ ‫بِ َح َس ِ‬

‫(( ( الموافقات (‪.)270 - 269 /4‬‬


‫‪105‬‬

‫ف‪َ ،‬و َأ َّن الدُّ ْن َيا َل ْي َس ْت بِدَ ِار إِ َقا َم ٍة‪،‬‬


‫ث مو ِّضحا لِه َذا ال َّطر ِ‬
‫َ‬ ‫ْس ال َّثال ُ َ ً َ‬
‫جن ِ ِ ِ‬ ‫ِذك ِْر َها َأ َتى بِا ْل ِ‬
‫ال َقا َم ُة فِي الدَّ ِار ْال ِخ َر ِة‪.‬‬
‫َوإِنَّما ْ ِ‬
‫َ‬
‫ال‪َ ،‬و َي َت َع َّل ُق بِالنَّ َظ ِر فِي‬ ‫ات والص َف ِ‬
‫ات َو ْالَ ْف َع ِ‬ ‫َف ْالَو ُل‪ :‬يدْ ُخ ُل َتح َته ِع ْلم َّ ِ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫الذ َ ِّ‬ ‫ْ ُ ُ‬ ‫َّ َ‬


‫ود وا ْل ِعب ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َأ ْو فِي ْالَ ْف َع ِ‬‫الص َف ِ‬
‫اد‪،‬‬ ‫ال النَّ َظ ُر في النُّ ُب َّوات؛ لَن ََّها ا ْل َو َسائ ُط َب ْي َن ا ْل َم ْع ُب َ َ‬ ‫ِّ‬
‫اه ِ‬‫َان َأو َعملِيا‪ ،‬وي َت َكم ُل بِ َت ْق ِر ِير ا ْلبر ِ‬ ‫وفِي ك ُِّل َأص ٍل َثب َت لِلدِّ ِ ِ ِ‬
‫ين‪،‬‬ ‫ََ‬ ‫ين ع ْلم ًّيا ك َ ْ َ ًّ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اج ِة ل ِ َم ْن َجا َد َل َخ ْص ًما مِ َن ا ْل ُم ْبطِلِي َن‪.‬‬
‫َوا ْل ُم َح َّ‬
‫ات وا ْلعاد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‬ ‫َوال َّثاني‪َ :‬ي ْشتَم ُل َع َلى ال َّت ْع ِريف بِ َأن َْوا ِع ال َّت َع ُّبدَ ات م َن ا ْلع َبا َد َ َ َ‬
‫اع ُف ُر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وض‬ ‫َوا ْل ُم َعا َم َلت‪َ ،‬و َما َي ْت َب ُع ك َُّل َواحد من َْها م َن ا ْل ُم َك ِّم َلت‪َ ،‬وه َي َأن َْو ُ‬
‫يم ْن َي ُقو ُم بِ ِه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلك َفا َيات‪َ ،‬و َجام ُع َها ْالَ ْم ُر بِا ْل َم ْع ُروف َوالن َّْه ُي َع ِن ا ْل ُمنْ َك ِر َوالنَّ َظ ُر ف َ‬
‫ت و ما ي ل ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫يه‪َ ،‬و َي ْو ِم‬ ‫َوال َّثال ُث‪َ :‬يدْ ُخ ُل في ض ْمنه النَّ َظ ُر في َث َل َثة َم َواط َن‪ :‬ا ْل َم ْو َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫يه‪َ ،‬وم َكم ُل َه َذا ا ْل ِ‬ ‫يه‪ ،‬وا ْلمن ِْز ِل ا َّل ِذي يست َِقر فِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يب‬ ‫ْس الت َّْرغ ُ‬ ‫جن ِ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ ْ ُّ‬ ‫ا ْلق َيا َمة َو َما َي ْح ِو َ َ‬
‫َّاجي َن َوا ْل َهالِكِي َن َو َأ ْح َوال ِ ِه ْم‪َ ،‬و َما أداهم إليه‬ ‫ال ْخ َبار َع ِن الن ِ‬
‫ُ‬
‫يب‪َ ،‬ومِنْ ُه ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالت َّْره ُ‬
‫حاصل أعمالهم»(‪. )1‬‬

‫الحادي والعشرون‪ :‬بدر الز َّْركَشي (ت‪ 794 :‬هـ)‪ :‬تحدّ ث عن مقاصد‬
‫يف َش َرائِ ِع‬
‫يم ا ْل َح َل ِل َوا ْل َح َرا ِم‪َ ،‬و َت ْع ِر ُ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرآن فقال‪« :‬ا ْل َق ْصدَ م ْن إِن َْزال ا ْل ُق ْرآن َت ْعل ُ‬
‫اح ِة‪َ ،‬وإِن ََّما َجا َء ْت‬
‫يم ُط ُر ِق ا ْل َف َص َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال ِ‬
‫يمان‪َ ،‬و َل ْم ُي ْق َصدْ منْ ُه َت ْعل ُ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ْال ْس َل ِم َو َق َواعد ْ َ‬
‫ون م ْع ِ‬ ‫ِ‬
‫ج َزةً»(‪.)2‬‬ ‫ل َت ُك َ ُ‬

‫(( ( الموافقات (‪.)204 /4‬‬


‫(( ( الربهان يف علوم القرآن (‪.)312 /1‬‬
‫‪106‬‬

‫آن َث َل َث ُة َأ ْق َسا ٍم‪َ :‬ت ْو ِحيدٌ ‪َ ،‬و َت ْذكِ ٌير‪َ ،‬و َأ ْح َكا ٌم‪،‬‬ ‫وقال‪« :‬و ُأم ُع ُلو ِم ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُّ‬
‫ات‪َ ،‬و َم ْع ِر َف ُة ا ْل َخال ِ ِق بِ َأ ْس َمائِ ِه َو ِص َفاتِ ِه‬ ‫يه مع ِر َف ُة ا ْلم ْخ ُلو َق ِ‬
‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َفالت َّْوحيدُ َتدْ ُخ ُل ف َ ْ‬
‫اه ِر‬‫و َأ ْفعال ِ ِه‪ ،‬والت َّْذكِير ومِنْه‪ :‬ا ْلوعْدُ وا ْلو ِعيدُ ‪ ،‬وا ْلجنَّ ُة والنَّار‪ ،‬و َتص ِفي ُة ال َّظ ِ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫َ َ َ ُ َ ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫يف ُك ُّل َها‪َ ،‬و َت ْبيِي ُن ا ْل َمنَافِ ِع َوا ْل َم َض ِّار‪َ ،‬و ْالَ ْم ُر‬
‫َوا ْل َباطِ ِن‪َ ،‬و ْالَ ْح َكا ُم َومِن َْها‪ :‬ال َّت َكال ِ ُ‬
‫َوالن َّْه ُي َوالنَّدْ ُب»(‪.)1‬‬

‫الثاين والعشرون‪ :‬نظام الدين النيسابوري (ت‪ 850 :‬هـ)‪ :‬نجده يتحدث‬
‫ويقرر نفس ما قاله الرازي ‪ V‬يف تفسيره‪ ،‬فقال‪« :‬إنه‬
‫عن مقاصد القرآن ّ‬
‫سبحانه جعل مدار هذا الكتاب الكريم على تقرير التوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬والمعاد‪،‬‬
‫وإثبات القضاء والقدَ ر»(‪.)2‬‬

‫الثالث والعشرون‪ :‬الشيخ برهان الدين البِقاعي (ت‪ 885 :‬هـ)‪ّ :‬‬
‫يقرر‬
‫مقاصد القرآن فقال ‪« :V‬ولما ب ّين التوحيد والنبوة والقضاء والقدر‪ ،‬أتبعه‬
‫المعاد لتكمل المطالب األربعة التي هي أمهات مطالب القرآن»(‪.)3‬‬

‫وقال‪« :‬مدار القرآن على تقرير األصول األربع‪ :‬التوحيد‪ ،‬والنبوة‪،‬‬


‫والمعاد‪ ،‬والعلم»(‪.)4‬‬

‫(( ( الربهان يف علوم القرآن (‪.)17 /1‬‬


‫(( ( غرائب القرآن ورغائب الفرقان (‪.)176 /3‬‬
‫(( ( نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور (‪.)165 /3‬‬
‫((( المصدر السابق (‪.)413 /7‬‬
‫‪107‬‬

‫الرابع والعشرون‪ :‬الكوراين (ت‪ 893 :‬هـ)‪ :‬قال ‪« :V‬مقاصد القرآن‬


‫ثالثة‪ :‬عقائد‪ ،‬وأحكام‪ ،‬وقصص»(‪.)1‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫السيوطي (ت‪ 911 :‬هـ)‪ :‬تحدّ ث‬


‫الخامس والعشرون‪ :‬جالل الدين ُّ‬
‫عن مقاصد القرآن من خالل كالمه عن فضل سورة الفاتحة فقال ‪:V‬‬
‫«افتتح سبحانه كتابه هبذه السورة؛ ألهنا جمعت مقاصد القرآن؛ ولذلك كان‬
‫من أسمائها‪ :‬أم القرآن‪ ،‬وأم الكتاب‪ ،‬واألساس‪ ،‬فصارت كالعنوان وبراعة‬
‫االستهالل‪ ..‬وبيان اشتمالها على علوم القرآن‪ّ ،‬قرره الزمخشري باشتمالها‬
‫على الثناء على اهلل بما هو أهله‪ ،‬وعلى التعبد‪ ،‬واألمر والنهي‪ ،‬وعلى الوعد‬
‫والوعيد‪ ،‬وآيات القرآن ال تخلو عن هذه األمور»(‪.)2‬‬

‫آن َو َقا َم ْت بِ َها ْالَ ْد َي ُ‬


‫ان َأ ْر َب َعةٌ‪:‬‬ ‫احت ََوى َع َل ْي َها ا ْل ُق ْر ُ‬ ‫ِ‬
‫وقال ‪« :V‬ا ْل ُع ُلو َم ا َّلتي ْ‬
‫ِ ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ار ُة بـ ﴿ ﱆ ﱇ ﭐﱈ‬ ‫ع ْل ُم ْالُ ُصول َو َمدَ ُار ُه َع َلى َم ْع ِر َفة اهلل َوص َفاته َوإِ َل ْيه ْال َش َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ار ُة بـ ﴿ ﱜ ﱝ‬ ‫ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ﴾‪َ ،‬و َم ْع ِر َف ُة النُّ ُب َّوات َوإِ َل ْيه ْال َش َ‬
‫ال َشار ُة بـ ﴿ﭐﱎ ﱏ ﱐ﴾‪ ،‬و ِع ْلم ا ْل ِعباد ِ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ات‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫ﱞ ﴾‪َ ،‬و َم ْع ِر َف ُة ا ْل َم َعاد َوإِ َل ْيه ْ َ‬
‫س َع َلى‬ ‫ال َش َار ُة بـ ﴿ﱒ ﱓ﴾‪ ،‬وعلم السلوك وهو عمل النَّ ْف ِ‬ ‫َوإِ َل ْي ِه ْ ِ‬

‫((( غاية األماين يف تفسير الكالم الرباين‪ :‬من أول سورة النجم إلى آخر سورة الناس‪ ،‬دراسة‬
‫وتحقيق‪ :‬محمد مصطفي كوكصو‪ ،‬رسالة دكتوراه‪( ،‬تركيا‪ :‬جامعة صاقريا‪ ،‬كلية العلوم‬
‫االجتماعية‪2007 ،‬م)‪( ،‬ص‪.)459 :‬‬
‫(( ( أسرار ترتيب القرآن (ص‪.)49 :‬‬
‫‪108‬‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اب َّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫الش ْرع َّية َوالنْق َياد ل َر ِّب ا ْل َب ِر َّية َوإِ َل ْيه ْال َش َ‬
‫ار ُة بـ ﴿ ﱔ ﱕ‬ ‫ْال َد ِ‬
‫ص َو ُه َو ِال ِّط َل ُع َع َلى َأ ْخ َب ِ‬
‫ار‬ ‫ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾‪ِ ،‬ع ْل ُم ا ْل َق َص ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫السال َفة َوا ْل ُق ُرون ا ْل َماض َية؛ ل َي ْع َل َم ا ْل ُم َّطلِ ُع َع َلى َذل َك َس َعا َد َة َم ْن َأ َط َ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫اع‬ ‫ْالُ َم ِم َّ‬
‫ار ُة بِ َق ْول ِ ِه‪﴿ :‬ﭐﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬ ‫ِ ِ‬
‫او َة َم ْن َع َصا ُه‪َ ،‬وإِ َل ْيه ْال َش َ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬و َش َق َ‬
‫َ‬
‫اص ِد‬
‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ﴾‪َ ،‬فنَبه فِي ا ْل َفاتِح ِة َع َلى ج ِمي ِع م َق ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫آن‪َ ،‬و َه َذا ُه َو ا ْل َغا َي ُة فِي َب َرا َع ِة ِال ْستِ ْه َل ِل»(‪ ،)1‬وهو يقصد بالعلوم‪ :‬المقاصد‬
‫ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫العامة للقرآن‪.‬‬

‫السادس والعشرون‪ :‬الشيخ ولي اهلل الدَّ هلوي (ت‪ 1176 :‬هـ)‪ :‬ذكر‬
‫خمسة علوم أساسية يشتمل عليها القرآن‪ ،‬وهو يقصد هبا المقاصد العامة‬
‫للقرآن‪ ،‬فقال‪« :‬ليعلم أن المعاين التي يشتمل عليها القرآن ال تخرج عن خمسة‬
‫علوم‪:‬‬

‫‪ )١‬علم األحكام‪ :‬كالواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام‪،‬‬


‫سواء كانت من قسم العبادات أو المعامالت‪ ،‬أو االجتماع أو السياسة المدنية‪،‬‬
‫ويرجع تفصيل هذا العلم وشرحه إلى الفقيه‪.‬‬

‫‪ )٢‬علم الجدل‪ :‬وهي المحاجة مع الفرق األربع الباطلة‪ ،‬اليهود‬


‫والنصارى والمشركين والمنافقين‪ ،‬ويرجع يف شرح هذا العلم وتعريفه إلى‬
‫المتكلم‪.‬‬

‫((( اإلتقان يف علوم القرآن (‪.)364/3‬‬


‫‪109‬‬

‫‪ )٣‬علم التذكير بآالء اهلل‪ :‬كبيان خلق السموات واألرض‪ ،‬وإلهام العباد‬
‫ما يحتاجون إليه‪ ،‬وبيان الصفات اإللهية‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪ )٤‬علم التذكير بأيام اهلل‪ :‬وهو بيان تلك الوقائع والحوادث التي أحدثها‬
‫اهلل ‪-‬تعالى‪ -‬إنعا ًما على المطيعين ونكاال للمجرمين‪ :‬كقصص األنبياء ‪-‬عليهم‬
‫الصلوات التسليمات‪ -‬ومواقف شعوهبم وأقوامهم معهم‪.‬‬

‫‪ )٥‬علم التذكير بالموت وما بعد الموت‪ :‬كالحشر والنشر والحساب‬


‫والميزان والجنة والنار‪ ،‬ويرجع تفصيل هذه العلوم وبياهنا؛ وذكر األحاديث‬
‫واآلثار المتعلقة هبا إلى الواعظ والمذكِّر»(‪.)1‬‬

‫السابع والعشرون‪ :‬العالمة األَلوسي (ت‪ 1270 :‬هـ)‪ :‬نجده ‪ V‬يعدد‬


‫مقاصد القرآن فيقول‪« :‬إن مقاصد القرآن العظيم ال تنحصر يف األمر والنهي‬
‫المذكورين؛ بل هو مشتمل على مقاصد أخرى كأحوال المبدأ والمعاد‪ ،‬ومن‬
‫هنا قيل لعل األقرب أن يقال‪ :‬أن مقاصد القرآن‪ :‬التوحيد‪ ،‬واألحكام الشرعية‪،‬‬
‫وأحوال المعاد»(‪.)2‬‬

‫وقال ‪ V‬عن سورة العصر‪« :‬وهذه السورة تشتمل على سدس من‬
‫مقاصد القرآن فإهنا على ما ذكره الغزالي ستة مقاصد‪ ،‬ثالثة مهمة وهي‪ :‬تعريف‬
‫المدعو إليه‪ ،‬وتعريف الصراط المستقيم‪ ،‬وتعريف الحال عند الرجوع إليه‬

‫((( الفوز الكبير يف أصول التفسير (ص‪.)29 :‬‬


‫(( ( روح المعاين (‪.)250 /30‬‬
‫‪110‬‬

‫متمة وهي‪ :‬تعريف أحوال المطيعين‪ ،‬وحكاية أقوال الجاحدين‪،‬‬


‫‪ ،D‬وثالثة ّ‬
‫وتعريف منازل الطريق؛ وأحدها‪ :‬معرفة اآلخرة المشار إليه بتعريف الحال‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫عند الرجوع إليه تعالى المشتمل عليه السورة‪ ،‬والتعبير على هذا المعنى بألف‬
‫آية أفخم وأجل من التعبير بالسدس انتهى‪ ،‬واألمر وال ّله تعالى أعلم وراء ذلك‬
‫ومناسبتها لما قبلها ظاهرة»(‪.)1‬‬

‫الثامن والعشرون‪ :‬األستاذ محمد رشيد رضا (ت‪ 1354 :‬هـ)‪ :‬نجد‬
‫الحركة اإلصالحية التي قادها محمد عبده‪ ،‬وتلميذه محمد رشيد رضا‪ ،‬اهتمت‬
‫بصورة كبيرة بموضوع المقاصد‪ ،‬وشنَّت هجو ًما على التفاسير التي ال تخدم‬
‫بيان المقاصد التي من أجلها أنزل القرآن‪ ،‬فيقول‪َّ :‬‬
‫«أن أكثر ما روي يف التفسير‬
‫المأثور أو كثيره؛ حجاب على القرآن‪ ،‬وشاغل لتاليه عن مقاصده العالية‬
‫المنورة للعقول‪ ،‬فالمفضلون للتفسير المأثور لهم شاغل‬
‫ّ‬ ‫المزكية لألنفس‪،‬‬
‫عن مقاصد القرآن بكثرة الروايات‪ ،‬التي ال قيمة لها سندا وال موضوعا»(‪،)2‬‬
‫ثم يذكر مقاصد عامة متأثرا فيها بنظرته اإلصالحية االجتماعية‪ ،‬معنونًا لذلك‬
‫بقوله‪« :‬مقاصد القرآن يف ترقية نوع اإلنسان وما فيه من التكرار»‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫«إن مقاصد القرآن من إصالح أفراد البشر وجماعاهتم وأقوامهم‪ ،‬وإدخالهم‬
‫أخوهتم اإلنسانية ووحدهتم‪ ،‬وترقية عقولهم وتزكية‬
‫يف طور الرشد‪ ،‬وتحقيق َّ‬
‫أنفسهم‪ ،‬منها ما يكفي بيانه لهم يف الكتاب مرة أو مرتين أو مرارا قليلة‪ ،‬ومنها‬

‫(( ( روح المعاين (‪.)451 /15‬‬


‫(( ( تفسير المنار (‪.)10 /1‬‬
‫‪111‬‬

‫ما ال تحصل الغاية إال بتكرار كثير؛ ألجل أن يجتث من أعماق األنفس كل‬
‫ما كان فيها من آثار الوراثة‪ ،‬والتقاليد والعادات القبيحة الضارة‪ ،‬ويغرس يف‬
‫مكاهنا أضدادها‪ ،‬ويتعاهد هذا الغرس بما ينميه حتى يؤيت أكله ويينع ثمره‪،‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ومنها ما يجب أن يبدأ هبا كاملة‪ ،‬ومنها ما ال يمكن كماله إال بالتدريج‪ ،‬ومنها‬
‫ما ال يمكن وجوده إال يف المستقبل‪ ،‬فيوضع له بعض القواعد العامة‪ ،‬ومنها ما‬
‫يكفي فيه الفحوى والكناية»(‪.)1‬‬

‫وفصل يف كل نوع منها‪ ،‬وهي تتلخص يف اآليت‪:‬‬


‫ثم ذكر أصول مقاصد القرآن‪ّ ،‬‬

‫«النوع األول من مقاصده‪ :‬اإلصالح الديني ألركان الدين الثالثة‪،‬‬


‫َّ‬
‫ولخصها يف‪ :‬اإليمان باهلل‪ ،‬وعقيدة البعث والجزاء‪ ،‬والعمل الصالح(‪.)2‬‬

‫المقصد الثاين من مقاصد القرآن‪ :‬بيان ما جهل البشر من أمر النبوة‬


‫والرسالة ووظائف الرسل‪.‬‬

‫المقصد الثالث من مقاصد القرآن‪ :‬بيان أن اإلسالم دين الفطرة السليمة‪،‬‬


‫والعقل والفكر‪ ،‬والعلم والحكمة‪ ،‬والربهان والحجة‪ ،‬والضمير والوجدان‪،‬‬
‫والحرية واالستقالل‪.‬‬

‫المقصد الرابع من مقاصد القرآن‪ :‬اإلصالح االجتماعي اإلنساين‬


‫والسياسي الذي يتحقق بالوحدات الثمان‪( :‬وحدة األمة ‪ -‬وحدة الجنس‬

‫(( ( تفسير المنار (‪.)170 /11‬‬


‫(( ( وقال عنها‪« :‬وهي األركان األساسية التي بعث اهلل هبا الرسل‪ ،‬وع ّلق سعادة البشر عليها»‪.‬‬
‫‪112‬‬

‫البشري ‪ -‬وحدة الدين ‪ -‬وحدة التشريع بالمساواة يف العدل ‪ -‬وحدة األخوة‬


‫الروحية والمساواة يف التعبد ‪ -‬وحدة الجنسية السياسية الدولية ‪ -‬وحدة‬
‫القضاء ‪ -‬وحدة اللغة)‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫المقصد الخامس من مقاصد القرآن‪ :‬تقرير مزايا اإلسالم العامة يف‬
‫التكاليف الشخصية من العبادات والمحظورات‪.‬‬

‫المقصد السادس من مقاصد القرآن‪ :‬بيان حكم اإلسالم السياسي‬


‫الدولي (نوعه – وأساسه ‪ -‬وأصوله العامة)‪.‬‬

‫المقصد السابع من فقه القرآن‪ :‬اإلرشاد إلى اإلصالح المالي‪.‬‬

‫المقصد الثامن من فقه القرآن‪ :‬إصالح نظام الحرب ودفع مفاسدها‪،‬‬


‫وقصرها على ما فيه الخير للبشر‪.‬‬

‫المقصد التاسع من فقه القرآن‪ :‬إعطاء النساء جميع الحقوق اإلنسانية‬


‫والدينية والمدنية‪.‬‬

‫المقصد العاشر من فقه القرآن‪ :‬تحرير الرقبة»(‪.)1‬‬

‫فصل يف هذه المقاصد وأطال فيها يف كتابه‪« :‬المنار»؛ ولكن يبدو‬


‫وقد َّ‬
‫متأثرا بمنهج أستاذه محمد‬
‫مما أورده رشيد رضا عن «مقاصد القرآن» أنه كان ً‬
‫عبده يف ال ُبعد االجتماعي‪ ،‬والعناية بالقضايا الحضارية‪ ،‬والسنن االجتماعية‬

‫(( ( تفسير المنار (‪.)236 - 171 /11‬‬


‫‪113‬‬

‫والتاريخية‪ ،‬وحاول أن يجعلها من صلب مقاصد القرآن‪ ،‬وأضاف إليها أبعا ًدا‬
‫ملحة يف عصره‪ ،‬حتى بدت مقاصد القرآن أقرب إلى‬
‫سياسية وفقهية كانت ّ‬
‫عما إذا كان‬
‫مقاصد اإلسالم ومقاصد الشريعة العامة‪ ،‬مما يسمح بالتساؤل َّ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫قائما على استقراء وحصر‪ ،‬أم فقط على مجرد جمع لما‬
‫ذكره لهذه المقاصد ً‬
‫يتصل بتصوره عن اإلصالح اإلسالمي‪ ،‬وقد أخذ عليه عدم تمييزه بين مقاصد‬
‫القرآن ومقاصد الشريعة‪ ،‬وبعض ما أورده أقرب إلى مزايا اإلسالم وخصائص‬
‫الشريعة‪ ،‬وذكره مقاصد فرعية ثانوية‪ ،‬تنطوي ضمن مقاصد أعم بحيث يمكن‬
‫اختصارها(‪.)1‬‬

‫المراغي (ت‪ 1371 :‬هـ)‪:‬‬


‫التاسع والعشرون‪ :‬األستاذ أحمد مصطفى َ‬
‫نجده يتحدث ‪ V‬عن سبب تسمية الفاتحة‪« :‬بأم الكتاب‪ ،‬أم القرآن»‪،‬‬
‫فقال‪« :‬الشتمالها على مقاصد القرآن من الثناء على اهلل‪ ،‬والتعبد بأمره وهنيه‪،‬‬
‫وبيان وعده ووعيده»(‪.)2‬‬

‫الثالثون‪ :‬سعيد الن َّْو َرسي (ت‪ 1379 :‬هـ )‪ :‬ذكر أربعة مقاصد فقال‪:‬‬
‫َّ‬
‫«إن المقاصد األساسية من القرآن وعناصره األصلية أربعة‪ :‬التوحيد‪ ،‬والنبوة‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬جهود العلماء يف استنباط مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬للدكتور مسعود بودوخة‪ ،‬بحث‬
‫مشارك يف أعمال (المؤتمر العلمي األول للباحثين يف القرآن الكريم‪ :‬جهود األمة يف خدمة‬
‫القرآن الكريم وعلومه)‪ ،‬تنظيم مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء بالتعاون‬
‫مع مراكز أخرى‪( ،‬فاس ‪ 16 -‬أبريل ‪ 2011‬م)‪.‬‬
‫(( ( تفسير المراغي (‪.)23 /1‬‬
‫‪114‬‬

‫والحشر‪ ،‬والعدالة»(‪.)1‬‬

‫ويرى أن هذه المقاصد األربعة يف عامة سوره فيقول‪« :‬فكما ترتاءى هذه‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ٍ‬
‫سورة سورة‪ ،‬بل قد ُي ْل َمح‬ ‫المقاصد األربعة يف القرآن كله‪ ،‬كذلك قد تتجلى يف‬
‫جزء فجزء كالمرآة‬ ‫كلمة كلمة؛ ألن كل ٍ‬
‫ٍ‬ ‫هبا يف كال ٍم كالم‪ ،‬بل قد ُي ْر َمز إليها يف‬
‫ٍ‬
‫فجزء متسلسال»(‪.)2‬‬ ‫أن الكل يرتاءى يف ٍ‬
‫جزء‬ ‫لك ٍل فك ٍل متصاعدً ا‪ ،‬كما ّ‬

‫الحادي والثالثون‪ :‬محمود َش ْلتوت (ت‪ 1383 :‬هـ ‪ 1963 -‬م)‪ :‬قال‬
‫‪« :V‬إن مقاصد القرآن تدور حول نواح ثالث‪ :‬ناحية العقيدة‪ ،‬وناحية‬
‫األخالق‪ ،‬وناحية األحكام»(‪.)3‬‬

‫الثاين والثالثون‪ :‬الشيخ عبد القادر ُمالّ حويش آل غازي (ت‪ 1978 :‬م)‪:‬‬
‫قال ‪ V‬وهو يتحدث عن مقاصده‪« :‬اعلم ّ‬
‫أن مقاصد القرآن ثالثة‪ ،‬األول‪:‬‬
‫ما يتعلق باإليمان بال ّله ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬وهو مباحث علم‬
‫الكالم وأصول الدين‪.‬‬

‫والم َلكات يف الحث على مكارم‬


‫َ‬ ‫الثاين‪ :‬ما يتعلق بأفعال القلوب‬
‫األخالق‪ ،‬وهو مباحث علم اآلداب واإلحسان‪.‬‬

‫((( إشارات اإلعجاز (ص‪.)23 :‬‬


‫(( ( المصدر السابق (ص‪.)24 :‬‬
‫((( إلى القرآن الكريم (ص‪.)5 :‬‬
‫‪115‬‬

‫الثالث‪ :‬ما يتعلق بأفعال الجوارح يف األوامر والنواهي‪ ،‬وهو مباحث‬


‫علم الفقه والمعامالت‪ ،‬إ ًذا يعلن هذا القرآن العظيم أنه إنما أنزل إلصالح‬
‫المنزل عليه بقوله ّ‬
‫جل قوله‪ ﴿ :‬ﱰ ﱱ‬ ‫مصرحا على لسان‬ ‫البشر‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ﱲﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻ‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ﴾ [األعراف‪ ]157 :‬يف سورة‬


‫األعراف اآلتية‪ ،‬وعليه فإنه جامع لكل خير مانع لكل شر»(‪.)1‬‬

‫الثالث والثالثون‪ :‬الطاهر بن عاشور (ت‪1393 :‬هـ)‪ :‬فقد ذكر مقاصده‬


‫فقال‪« :‬المقصد األعلى منه صالح األحوال الفردية‪ ،‬والجماعية‪ ،‬والعمرانية‪،‬‬
‫فالصالح الفردي يعتمد هتذيب النفس وتزكيتها‪ ،‬ورأس األمر فيه صالح‬
‫االعتقاد ألن االعتقاد مصدر اآلداب والتفكير‪ ،‬ثم صالح السريرة الخاصة‪،‬‬
‫وهي العبادات الظاهرة كالصالة‪ ،‬والباطنة كالتخلق برتك الحسد والحقد‬
‫والكِ ْبر‪.‬‬

‫وأما الصالح الجماعي فيحصل أوال من الصالح الفردي إذ األفراد‬


‫أجزاء المجتمع‪ ،‬وال يصلح الكل إال بصالح أجزائه‪ ،‬ومن شيء زائد على‬
‫ذلك وهو ضبط تصرف الناس بعضهم مع بعض؛ على وجه يعصمهم من‬
‫مزاحمة الشهوات‪ ،‬ومواثبة القوى النفسانية‪ ،‬وهذا هو علم المعامالت‪ ،‬ويع ّبر‬
‫عنه عند الحكماء بالسياسة المدنية‪.‬‬

‫(( ( بيان المعاين (‪.)22 /1‬‬


‫‪116‬‬

‫وأما الصالح العمراين فهو أوسع من ذلك؛ إ ًذا هو حفظ نظام العالم‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وضبط تصرف الجماعات واألقاليم بعضهم مع بعض على وجه‬
‫يحفظ مصالح الجميع‪ ،‬ورعي المصالح الكل ّية اإلسالمية‪ ،‬وحفظ المصلحة‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الجامعة عند معارضة المصلحة القاصرة لها‪ ،‬ويسمى هذا بعلم العمران‪،‬‬
‫وعلم االجتماع»(‪.)1‬‬

‫ثم ذكر ثمانية مقاصد‪ ،‬فقال‪« :‬أليس قد وجب على اآلخذ يف هذا الفن‬
‫أن يعلم المقاصد األصلية التي جاء القرآن لتبياهنا؛ فلنلم هبا اآلن بحسب‬
‫ما بلغ إليه استقراؤنا‪ ،‬وهي ثمانية أمور‪ ،‬األول‪ :‬إصالح االعتقاد وتعليم‬
‫العقيدة الصحيحة‪ ،‬وهذا أعظم سبب إلصالح الخ ْلق‪ ،‬ألنه يزيل عن النفس‬
‫ويطهر القلب من األوهام الناشئة عن‬
‫ّ‬ ‫عادة اإلذعان لغير ما قام عليه الدليل‪،‬‬
‫اإلشراك والدهرية وما بينهما‪..‬‬

‫الثاين‪ :‬هتذيب األخالق‪..‬‬

‫الثالث‪ :‬التشريع وهو األحكام خاصة وعامة‪..‬‬

‫الرابع‪ :‬سياسة األمة وهو باب عظيم يف القرآن‪ ،‬القصد منه صالح األمة‬
‫وحفظ نظامها ‪..‬‬

‫الخامس‪ :‬القصص وأخبار األمم السالفة للتأسي بصالح أحوالهم‪..‬‬


‫وللتحذير من مساوئهم‪..‬‬

‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)38 /1‬‬


‫‪117‬‬

‫السادس‪ :‬التعليم بما يناسب حالة عصر المخا َطبين‪ ،‬وما يؤهلهم إلى‬
‫تلقي الشريعة ونشرها‪ ،‬وذلك علم الشرائع‪ ،‬وعلم األخبار‪..‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫السابع‪ :‬المواعظ واإلنذار والتحذير والتبشير‪ ،‬وهذا يجمع جميع آيات‬


‫الوعد والوعيد‪ ،‬وكذلك المحاجة والمجادلة للمعاندين‪ ،‬وهذا باب الرتغيب‬
‫والرتهيب‪.‬‬

‫الثامن‪ :‬اإلعجاز بالقرآن ليكون آية دالة على صدق الرسول؛ إذ التصديق‬
‫يتوقف على داللة المعجزة بعد التحدي‪ ..‬هذا ما بلغ إليه استقرائي‪ ،‬وللغزالي‬
‫بعض من ذلك»(‪.)1‬‬
‫يف «إحياء علوم الدين» ٌ‬

‫ثم نجده قد َّ‬


‫لخص مقاصده يف ثالثة مقاصد يف تفسيره لسورة الفاتحة‪،‬‬
‫فقال‪« :‬أهنا تشتمل محتوياهتا على أنواع مقاصد القرآن وهي ثالثة أنواع‪ :‬الثناء‬
‫على اهلل ثنا ًء جام ًعا لوصفه بجميع المحامد وتنزيهه عن جميع النقائص‪،‬‬
‫وإلثبات تفرده باإللهية‪ ،‬وإثبات البعث والجزاء‪ ،‬وذلك من قوله‪ ﴿ :‬ﱆ ﱇ‬

‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ﴾‪ ،‬واألوامر والنواهي‬


‫من قوله‪ ﴿ :‬ﱒ ﱓ ﴾‪ ،‬والوعد والوعيد من قوله‪﴿ :‬ﭐﱛ ﱜ ﱝ‬

‫ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ﴾‪ ،‬فهذه هي أنواع مقاصد القرآن‬


‫وغيرها تكمالت لها؛ ألن القصد من القرآن إبالغ مقاصده األصلية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كله‪،‬‬
‫وهي صالح الدارين‪ ،‬وذلك يحصل باألوامر والنواهي‪ ،‬ولما توقفت األوامر‬

‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)42 - 39 /1‬‬


‫‪118‬‬

‫والنواهي على معرفة اآلمر وأنه اهلل الواجب وجوده خالق الخلق‪ ،‬لزم تحقيق‬
‫معنى الصفات‪ ،‬ولما توقف تمام االمتثال على الرجاء يف الثواب والخوف من‬
‫العقاب‪ ،‬لزم تحقق الوعد والوعيد‪ ،‬والفاتحة مشتملة على هذه األنواع فإن‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫قوله‪ ﴿ :‬ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﴾‬
‫حمد وثناء‪ ،‬وقوله‪ ﴿ :‬ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ‬

‫ﱙ ﴾ من نوع األوامر والنواهي‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬ﭐﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ‬

‫ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ﴾ من نوع الوعد والوعيد‪ ،‬مع أن ذكر‬


‫المغضوب عليهم والضالين يشير أيضا إلى نوع قصص القرآن‪ ،‬وقد يؤيد هذا‬
‫الوجه بما ورد يف الصحيح يف ﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ [اإلخالص‪ ]1 :‬أهنا تعدل‬
‫ثلث القرآن؛ ألن ألفاظها كلها ثناء على اهلل تعالى»(‪.)1‬‬

‫الرابع والثالثون‪ :‬وهبة الز َُّحيلي (ت‪ 1436 :‬هـ)‪ :‬وقال ‪« :V‬أن‬
‫مدار القرآن الكريم على إثبات أصول الدين وهي‪ :‬التوحيد‪ ،‬والنبوة‪ ،‬والبعث‬
‫(المعاد)‪ ،‬والقضاء والقدَ ر»(‪.)2‬‬

‫وقد اخرتت هؤالء األعالم لسبقهم‪ ،‬ولباعهم الطويل يف التفسير‪،‬‬


‫وجهود بعضهم البارز يف مجال المقاصد‪ ،‬فإن طول الممارسة تورث عم ًقا‬
‫يف الفهم ال يتوفر لغيرهم‪ ،‬وتركت ما كتبه بعض المعاصرين من مقاصد مثل‪:‬‬
‫الشيخ محمد الغزالي‪ ،‬والشيخ الدكتور يوسف القرضاوي‪ ،‬والشيخ الدكتور‬

‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)133 /1‬‬


‫(( ( التفسير المنير (‪.)67 /8‬‬
‫‪119‬‬

‫طه جابر العلواين وغيرهم؛ ألن األواخر غالبهم بنى كالمه على من سبقه‪،‬‬
‫وكذلك من خالل استقراء أقوال المعاصرين‪ ،‬لم أجدهم استندوا على قواعد‬
‫بحثية واضحة‪ ،‬تقبل التقويم والمراجعة فيما ذكروه من نتائج تتميز عن العلماء‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫السابقين‪.‬‬
‫‪120‬‬

‫املطلب الثاني‪:‬‬
‫دراسة حتليلية ألقوال العلماء‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫عن مقاصد القرآن الكربى‬

‫اجلدول البياني ألقوال العلماء يف مقاصد القرآن‬

‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬


‫اإلمام‬ ‫م‬
‫الرابع‬ ‫الثالث‬ ‫الثاين‬ ‫األول‬

‫الوعد‬ ‫األحكام‬ ‫األسماء‬ ‫ابن ُس َريج‬ ‫‪1‬‬


‫والوعيد‬ ‫والصفات‬ ‫البغدادي‬

‫األخبار‬ ‫األحكام‬ ‫التوحيد‬ ‫ابن َجرير‬ ‫‪2‬‬

‫معرفة‬ ‫الصراط‬ ‫معرفة اهلل‬ ‫الغزالي‬ ‫‪3‬‬


‫اآلخرة‬ ‫المستقيم‬ ‫تعالى‬

‫قصص‬ ‫األوامر‬ ‫توحيد اهلل‬ ‫الكِ ْرماين‬ ‫‪4‬‬


‫األنبياء‬ ‫والنواهي‬
‫والمواعظ‬

‫القصص‬ ‫األحكام‬ ‫الصفات‬ ‫الم َاز ِري‬


‫َ‬ ‫‪5‬‬

‫تذكير‬ ‫أحكام‬ ‫توحيد‬ ‫ابن العربي‬ ‫‪6‬‬


‫‪121‬‬

‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬


‫اإلمام‬ ‫م‬
‫الرابع‬ ‫الثالث‬ ‫الثاين‬ ‫األول‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫المعاد‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‪+‬‬ ‫الرازي‬ ‫‪7‬‬


‫اإللهيات‬

‫القصص‬ ‫األحكام‬ ‫العقائد‬ ‫البيضاوي‬ ‫‪8‬‬

‫قصص‬ ‫األوامر‬ ‫توحيد اهلل‬ ‫الن ََّسفي‬ ‫‪9‬‬


‫األنبياء‬ ‫والنواهي‬
‫والمواعظ‬

‫قصص ‪+‬‬ ‫أحكام‬ ‫توحيد‬ ‫ابن تيمية‬ ‫‪10‬‬


‫وعد ووعيد‬

‫القصص‬ ‫األحكام‬ ‫توحيد‬ ‫ابن ُج َزي‬ ‫‪11‬‬

‫القصص‬ ‫األحكام‬ ‫األسماء‬ ‫الخازن‬ ‫‪12‬‬


‫والصفات‬

‫القصص‬ ‫األحكام‬ ‫العقائد‬ ‫ال ِّطيبي‬ ‫‪13‬‬

‫القدَ ر‬ ‫المعاد‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‬ ‫أبو ح ّيان‬ ‫‪14‬‬

‫المعاد‬ ‫النبوة‬ ‫التعريف‬ ‫ابن الق ِّيم‬ ‫‪15‬‬


‫والجزاء‬ ‫بالمعبود‬
‫على‬
‫األعمال‬
‫‪122‬‬

‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬


‫اإلمام‬ ‫م‬
‫الرابع‬ ‫الثالث‬ ‫الثاين‬ ‫األول‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الوعد‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‬ ‫ابن كثير‬ ‫‪16‬‬
‫والوعيد‬

‫المعاد‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‬ ‫ابن عادل‬ ‫‪17‬‬


‫الحلبي‬

‫البعث‬ ‫النبوة‬ ‫تقرير‬ ‫الشاطبي‬ ‫‪18‬‬


‫والجزاء‬ ‫الوحدانية‬

‫تذكير‬ ‫األحكام‬ ‫توحيد‬ ‫الز ْركَشي‬


‫َّ‬ ‫‪19‬‬

‫القضاء‬ ‫المعاد‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‬ ‫النيسابوري‬ ‫‪20‬‬


‫والقدر‬

‫القضاء‬ ‫المعاد‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‬ ‫البِقاعي‬ ‫‪21‬‬


‫والقدر‬

‫القصص‬ ‫األحكام‬ ‫العقائد‬ ‫الكوراين‬ ‫‪22‬‬

‫القصص‬ ‫المعاد‬ ‫العبادات‬ ‫معرفة اهلل‬ ‫السيوطي‬


‫ُّ‬ ‫‪23‬‬
‫والسلوك‬ ‫وصفاته‬

‫علم الجدل‬ ‫علم التذكير‬ ‫األحكام‬ ‫التذكير بآالء‬ ‫الدَّ هلوي‬ ‫‪24‬‬
‫بالموت وما‬ ‫اهلل‬
‫( ذكر خمسة‬
‫بعد الموت ‪+‬‬
‫مقاصد)‬ ‫علم التذكير‬
‫بأيام اهلل‬
‫‪123‬‬

‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬ ‫المقصد‬


‫اإلمام‬ ‫م‬
‫الرابع‬ ‫الثالث‬ ‫الثاين‬ ‫األول‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫أحوال‬ ‫األحكام‬ ‫التوحيد‬ ‫األَلوسي‬ ‫‪25‬‬


‫المعاد‬

‫عقيدة البعث (ذكر عشر‬ ‫العمل‬ ‫محمد رشيد اإليمان باهلل‬ ‫‪26‬‬
‫مقاصد)‬ ‫والجزاء‬ ‫الصالح‬ ‫رضا‬

‫وعده‬ ‫التعبد بأمره‬ ‫الثناء على‬ ‫المراغي‬


‫َ‬ ‫‪27‬‬
‫ووعيده‬ ‫وهنيه‬ ‫اهلل‬

‫العدالة‬ ‫الحشر‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‬ ‫الن َّْو َرسي‬ ‫‪28‬‬

‫األخالق‬ ‫األحكام‬ ‫العقيدة‬ ‫محمود‬ ‫‪29‬‬


‫َش ْلتوت‬

‫أفعال‬ ‫األوامر‬ ‫ُمالّ حويش اإليمان بال ّله‬ ‫‪30‬‬


‫القلوب‬ ‫والنواهي‬
‫والم َلكات‬
‫َ‬
‫الوعد‬ ‫األوامر‬ ‫الثناء على‬ ‫ابن عاشور‬ ‫‪31‬‬
‫والوعيد‬ ‫والنواهي‬ ‫اهلل‬

‫القضاء‬ ‫المعاد‬ ‫النبوة‬ ‫التوحيد‬ ‫الز َحيلي‬


‫ُّ‬ ‫‪32‬‬
‫والقدر‬
‫‪124‬‬

‫من خالل نظرة تحليلية دقيقة لما سبق ذكره من أقوال العلماء حول‬
‫مضمون مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬نصل إلى النتائج اآلتية‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫أول‪ :‬اتفاق العلماء على وجود مقاصد للقرآن الكريم‪:‬‬
‫ً‬

‫العلماء لم يختلفوا يف وجود مقاصد كربى للقرآن الكريم دارت حولها‬


‫اآليات والموضوعات والسور‪ ،‬وهي جامعة لما تناثر من هدايات وأحكام‬
‫الكتاب العزيز يف جمله وآياته وسوره‪ ،‬بل انعقد اإلجماع كما سبق يف كالم‬
‫اآلمدي على ذلك حيث لم ينقل ما يخالف هذا؛ وألن القول بعدم المقصد‬
‫والحكمة ينايف ما وصف به كتابه من الحكمة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﲎ ﲏ ﲐ‬

‫ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ﴾ [آل عمران‪ ،]58 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐﱁﱂ ﱃ‬

‫ﱄ ﱅ ﱆ﴾ [يونس‪ ،]1 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ‬

‫ﱅ ﱆ﴾ [لقمان‪ ،]2 ،1 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﱜﱝ ﱞﱟ﴾‬


‫[يس‪ ،]2 ،1 :‬فهو الذكر الحكيم الذي ال تزيغ به األهواء‪ ،‬وال تتشعب معه‬
‫اآلراء‪ ،‬قال الزمخشري ‪ِّ « :V‬‬
‫والذكر الحكيم القرآن‪ ،‬وصف بصفة من هو‬
‫سببه‪ ،‬أو كأنه ينطق بالحكمة لكثرة ِحكمه»(‪.)1‬‬

‫منزله اهلل ّ‬
‫جل وعال العليم العزيز الحكيم‪ ،‬ولذا ربط‬ ‫كما هو عيب ينزه عنه ّ‬
‫اهلل تعالى بين نزول كتابه‪ ،‬ووصفه ّ‬
‫جل وعال بالعزيز الحكيم يف أربعة مواضع‬
‫يف كتابه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ﴾ [الزمر‪،]1 :‬‬

‫((( الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (‪.)367 /1‬‬


‫‪125‬‬

‫وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ‬

‫ﱎ ﴾ [الشورى‪ ،]3-1 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ﱈ﴾ [الجاثية‪ ،]2 ،1 :‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬

‫ﲈ﴾ [األحقاف‪.]2 ،1 :‬‬

‫ثان ًيا‪ِ :‬قدم الحديث عن مقاصد القرآن الكريم‪:‬‬

‫الحديث عن مقاصد القرآن ليس من الموضوعات الحديثة يف الدراسات‬


‫القرآنية كما يظن البعض‪ ،‬وسجل بعض الباحثين ذلك يف بحوثهم؛ بل هو‬
‫سابق لكثير من العلوم‪ ،‬ويعترب اإلمام الغزالي من خالل كتابه‪« :‬جواهر القرآن‬
‫الكريم»‪ ،‬هو أول من تكلم عن مقاصد القرآن بصورة واضحة‪ ،‬وب َّين الغايات‬
‫الكربى التي دار حولها القرآن الكريم مع أنه مسبوق بالفكرة؛ ثم توالت‬
‫كتابات العلماء بعده ولم تنقطع حتى يومنا هذا؛ لكنها لم تجد من الخدمة‬
‫العلمية ما وجدته مقاصد الشريعة عند اإلمام الشاطبي ‪ ،V‬ومن بعده‬
‫من العلماء؛ ولكن يف العصر الحديث ظهرت العناية بموضوع المقاصد يف‬
‫كثير من البحوث والدراسات التي أفردته بالتأليف‪ ،‬وتنوعت يف طرق تناول‬
‫موضوعه ومعالجته؛ ٌّ‬
‫وكل حاول أن يستفيد مما شاده األقدمون‪ ،‬ولعل بعض‬
‫المؤتمرات الذي عقدت لهذا الشأن أسهمت بصورة كبيرة يف إلقاء الضوء‬
‫على الموضوع‪.‬‬
‫‪126‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬قلة عدد المقاصد العامة التي تحدّ ث عنها العلماء‪:‬‬

‫لقد تباينت أقوال العلماء يف تحديد عدد مقاصد القرآن‪ ،‬ويف ترتيبها‪،‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫وقد جاءت أقوالهم على النحو اآليت‪:‬‬

‫القول األول‪ :‬إنها ثالثة مقاصد‬

‫وهذا هو قول جمهور العلماء منهم‪ :‬ابن ُس َريج‪ ،‬وابن َجرير‪ ،‬والغزالي‪،‬‬
‫والمازري‪ ،‬وابن العربي‪ ،‬والبيضاوي‪ ،‬والرازي‪ ،‬والن ََّسفي‪ ،‬وشيخ‬ ‫َ‬ ‫والكِ ْرماين‪،‬‬
‫ِ‬
‫والخازن‪ ،‬وال ِّطيبي‪ ،‬وابن‬ ‫اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وتلميذه ابن الق ِّيم ‪ ،‬وابن ُج َزي‪،‬‬
‫والز ْركَشي‪ ،‬والكوراين‪ ،‬واألَلوسي‪،‬‬
‫كثير‪ ،‬وابن عادل الحنبلي‪ ،‬والشاطبي‪َّ ،‬‬
‫المراغي‪ ،‬والن َّْو َرسي‪ ،‬ومحمود َش ْلتوت‪ ،‬والشيخ عبد القادر‬
‫وأحمد مصطفى َ‬
‫ُمالّ حويش‪ ،‬وابن عاشور‪.‬‬

‫فهم خمس وعشرون من اثنين وثالثين ممكن تكلموا عن عدد المقاصد‬


‫رجحه عدد من العلماء‪ ،‬قال األَلوسي ‪« :V‬لعل‬
‫بصورة واضحة‪ ،‬وقد ّ‬
‫األقرب أن يقال‪ :‬إن مقاصد القرآن‪ :‬التوحيد‪ ،‬واألحكام الشرعية‪ ،‬وأحوال‬
‫رجحه شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬وغيرهما‪.‬‬
‫المعاد‪ ،)1(»..‬وكذلك ّ‬
‫القول الثاين‪ :‬إنها أربعة مقاصد‬

‫وهو قول‪ :‬أبي ح ّيان األندلسي‪ ،‬والنيسابوري‪ ،‬والبِقاعي‪ُّ ،‬‬


‫والسيوطي‪،‬‬
‫والز َحيلي‪.‬‬
‫والن َّْو َرسي‪ُّ ،‬‬

‫(( ( روح المعاين (‪.)250 /30‬‬


‫‪127‬‬

‫القول الثالث‪ :‬إنها خمسة مقاصد وما فوق‬

‫نجد ولي اهلل الدَّ هلوي فقط هو الذي ذكر خمسة مقاصد‪ ،‬وابن عاشور‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫مع أنه ذكر يف مقدمة كتابه ثمانية مقاصد؛ لكن رجع واختصرها على ثالثة‬
‫مقاصد يف تفسيره لسورة الفاتحة‪ ،‬فقال‪« :‬إهنا تشتمل محتوياهتا على أنواع‬
‫مقاصد القرآن وهي ثالثة أنواع‪.)1(»..‬‬

‫فقط نجد محمد رشيد رضا هو الذي تحدَّ ث عن عشرة مقاصد لم‬
‫يرتضها العلماء؛ بل ب َّينوا تأثره بفكره اإلصالحي‪ ،‬ومحاولة حمل مقاصد‬
‫القرآن عليها‪ ،‬وهي يف غالبها قضايا فرعية راجعة ألصول كل ّية‪ ،‬وكل ما ذكره‬
‫بعد النوع األول من مقاصد اإلصالح الديني ألركان الدين الثالثة لخصها يف‪:‬‬
‫اإليمان باهلل‪ ،‬وعقيدة البعث والجزاء‪ ،‬والعمل الصالح‪.‬‬

‫ومن هنا نخلص أن مقاصد القرآن الكربى التي قصدها العلماء محددة‬
‫جدً ا‪ ،‬وأي تفريعات لموضوعات تابعة للقضايا الكربى ليست من هنج العلماء‬
‫يف تحرير مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬والذي أشار لتقسيم المقاصد إلى أساسية‬
‫وثانوية‪ ،‬أو ما سماه‪« :‬مقاصد مهمة» وأخرى «متممة» هو اإلمام الغزالي‪،‬‬
‫وتع ّقبه شيخ اإلسالم ابن تيمية يف ذلك مع أنه جعل المقاصد العامة مقاصد‬
‫مستقلة يصعب جعلها تابعة لغيرها‪.‬‬

‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)133 /1‬‬


‫‪128‬‬

‫راب ًعا‪ :‬تنوع مسمى المقاصد عند العلماء‪:‬‬

‫مصطلح مقاصد القرآن تباينت فيه تعبيرات العلماء‪ ،‬فع َّبروا عنه بألفاظ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫مختلفة جاءت على النحو اآليت‪:‬‬

‫(أ) مقاصد القرآن‪:‬‬

‫وهذا هو الذي ع َّبر به الجمهور منهم‪ :‬الغزالي‪ ،‬وال َب َغوي‪ ،‬والبيضاوي‪،‬‬


‫والسيوطي‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والخازن‪ ،‬والشاطبي‪ ،‬والكوراين‪ُّ ،‬‬ ‫والعز بن عبد السالم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والرازي‪،‬‬
‫واألَلوسي‪ ،‬ومحمد رشيد رضا‪َ ،‬‬
‫والمراغي‪ ،‬ومحمود َش ْلتوت‪ ،‬وعبد القادر‬
‫ُمالّ حويش‪ ،‬وابن عاشور‪ ،‬ومنهم من أضاف لكلمة مقاصد القرآن كلمة‪:‬‬
‫«العظيمة»‪ ،‬فع ّبر عنها‪« :‬بمقاصد القرآن العظيمة» كما عند ابن كثير‪ ،‬ومنهم‬
‫المراغي‪،‬‬
‫من ع َّبر عنها‪« :‬بالمقاصد األساسية للقرآن» كما عند مصطفى َ‬
‫والن َّْو َرسي‪ ،‬وأطلقه عدد من العلماء يف تفاسيرهم وكتبهم‪ ،‬مثل القاسمي‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ V‬يف «محاسن التأويل» (‪ ،)1‬وابن باديس ‪ V‬يف «مجالس التذكير»‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫(ب) علوم القرآن األساسية‪:‬‬

‫كما عند ابن العربي‪ ،‬والدَّ هلوي‪ ،‬أو بـ «علوم القرآن» فقط كما عند ابن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫«س ِّم َي ْت بِ َذل َك لت ََض ُّمن َها َجم َ‬
‫يع ُع ُلو ِم‬ ‫ُج َزي‪ ،‬وال ُقرطبي‪ ،‬حيث قال عن الفاتحة‪ُ :‬‬

‫((( انظر‪ :‬محاسن التأويل (‪ )40 /1‬وغيرها‪.‬‬


‫((( انظر‪ :‬مجالس التفسير من كالم الحكيم الخبير (ص‪.)283 :‬‬
‫‪129‬‬

‫اف ك ََمال ِ ِه َو َج َلل ِ ِه‪،‬‬ ‫َاء َع َلى اهَّللِ َع َّز وج َّل بِ َأوص ِ‬ ‫آن‪ ،‬و َذل ِ َك َأنَّها َت ْشت َِم ُل َع َلى ال َّثن ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫اف بِا ْل َع ْج ِز َع ِن ا ْل ِق َيا ِم بِ َش ْي ٍء‬‫ص فِيها‪ ،‬و ِال ْعتِر ِ‬ ‫ات َو ْ ِ‬‫و َع َلى ْالَم ِر بِا ْل ِعباد ِ‬
‫َ‬ ‫ال ْخ َل ِ َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اط ا ْل ُم ْست َِق ِ‬ ‫ال إِ َلي ِه فِي ا ْل ِهدَ اي ِة إِ َلى الصر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يم‪،‬‬ ‫من َْها إِ َّل بِإِ َعانَته َت َعا َلى‪َ ،‬و َع َلى ال ْبت َه ِ ْ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ِّ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َوكِ َفا َي ِة َأ ْح َو ِ‬
‫ن»(‪ ،)1‬ونجد الثعالبي ‪V‬‬ ‫ال النَّاكثي َن‪َ ،‬و َع َلى َب َيانه َعاق َب َة ا ْل َجاحدي َ‬
‫وهو ينقل عن ابن العربي مقاصد القرآن يع ّبر عنها كذلك بـ «علوم القرآن» فقال‪:‬‬
‫رآن ثالث ُة أ ْق َسا ٍم‪َ :‬ت ْو ِحيدٌ ‪ ،‬و َت ْذكِ ٌير‪،‬‬
‫أن علوم ال ُق ِ‬
‫َ‬ ‫«قال اب ُن العربي يف رحلته‪ :‬اعلم َّ‬
‫ِّ‬
‫مشتمل ع َلى الو ْعد والو ِعيد‪ِ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫التذكير هو معظم ال ُقرآن‪ ،‬فإنه‬ ‫و َأ ْح َكا ٌم‪ ،‬وع ْلم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ون عنها‪ ،‬وذلك‬ ‫ب وما يرتبط هبا‪ ،‬ويدْ عو إليها وي ُك ُ‬ ‫والخ ْوف والرجاء‪ ،‬وال ُق َر ِ‬ ‫َ‬
‫الز ْركَشي وقد سبق كالمه(‪.)3‬‬ ‫معنًى َتت َِّس ُع أبوابه‪ ،‬وتمتدُّ أطنابه»(‪ ،)2‬ومنهم َّ‬

‫(ج) مدار القرآن‪:‬‬

‫والمقصد األقصى‪ ،‬والمقصود األشرف كما عند الرازي‪ ،‬والنيسابوري‪،‬‬


‫وأبو ح ّيان األندلسي‪ ،‬والبِقاعي‪ُّ ،‬‬
‫والز َحيلي‪.‬‬

‫(د) أصول القرآن‪:‬‬

‫كما عند ابن عادل الحنبلي‪ ،‬وابن عاشور‪ ،‬حيث قال‪« :‬وهذه السورة‬
‫تنزل منها منزل ديباجة الخطبة أو الكتاب‪ ،‬مع ما‬
‫وضعت يف أول السور ألهنا ّ‬

‫(( ( الجامع ألحكام القرآن (‪.)112 /1‬‬


‫(( ( الجواهر الحسان يف تفسير القرآن (‪.)300 /2‬‬
‫(( ( انظر (ص‪.)١٠٦ :‬‬
‫‪130‬‬

‫تضمنته من أصول مقاصد القرآن»(‪.)1‬‬

‫مهمات القرآن‪:‬‬
‫(هـ) ّ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫كما عند الغزالي‪.‬‬

‫(و) معاين القرآن‪ ،‬وأقسام القرآن‪:‬‬

‫كما عند شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬والشاطِبي‪.‬‬

‫(ز) ّأمهات المطالب العالية‪:‬‬

‫كما عند ابن الق ِّيم‪ ،‬و«أ ّمهات مطالب القرآن» كما عند البِقاعي‪.‬‬

‫ومما يالحظ أن أوفر هذه المصطلحات وأكثرها استخدا ًما وشيوعا عند‬
‫العلماء‪ ،‬مصطلح مقاصد القرآن‪ ،‬وهو أوضحها من حيث الداللة من مدار‬
‫ً‬
‫استقالل من حيث المصطلح‪ ،‬فلم يستخدم‬ ‫القرآن‪ ،‬وأصول القرآن‪ ،‬وأكثرها‬
‫إال يف مصطلح مقاصد الشريعة الذي ب َّينا سابقا الفرق بينه وبين مقاصد القرآن‪،‬‬
‫خال ًفا لمصطلح علوم القرآن‪ ،‬الذي صار َع َل ًما للعلوم الخادمة للقرآن‪،‬‬
‫ومطالب القرآن التي تمثل جزئية من موضوعاته‪ ،‬وأقسام القرآن الذي يشمل‬
‫أقسام القرآن من حيث اإلحكام والتشابه‪ ،‬أو أقسام القرآن السبعة وهي‪:‬‬
‫«األمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬والتبشير‪ ،‬واإلنذار‪ ،‬وضرب األمثال‪ ،‬وتعريف النعم‪ ،‬وأنباء‬

‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)135 /1‬‬


‫‪131‬‬

‫قرون ماضية»(‪ )1‬وغيرها(‪.)2‬‬

‫كما أن وصف هذه المقاصد بـ «المقاصد الكربى للقرآن» وصف دقيق‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫َّ‬
‫أدق من كلمة‪« :‬األساسية» و«العظيمة» وغيرها‪ ،‬فكل بقية المقاصد بالنسبة إليه‬
‫مقاصد دنيا‪ ،‬أو خاصة‪ ،‬ومن العلماء من سماها بـ «أ ّمهات مقاصد القرآن» وهو‬
‫كذلك إطالق دقيق؛ ألن األ ّمهات تعني‪ :‬أصل الشيء ومرجعه‪ ،‬قال ابن جرير‬
‫«وإِن ََّما قِ َيل َل َها ل ِ َك ْونِ َها ك ََذل ِ َك ُأ ُّم‬‫الطربي ‪ V‬يف تسمية الفاتحة بأم القرآن‪َ :‬‬
‫ب ك َُّل َجامِ ٍع َأ ْم ًرا َأ ْو ُم َقدَّ ًما ِلَ ْم ٍر‪ ،‬إِ َذا كَان َْت َل ُه َت َوابِ ُع َت ْت َب ُع ُه‪،‬‬
‫آن لِت َْس ِم َي ِة ا ْل َع َر ِ‬
‫ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫س‪َ ،‬و ُت َس ِّمي ل ِ َوا َء‬ ‫الر ْأ ِ‬ ‫ُهو َلها إِمام جامِع ُأما‪ِ ِ ِ ِ َ ،‬‬
‫ف ل ْلج ْلدَ ة ا َّلتي َت ْج َم ُع الدِّ َما َغ ُأ َّم َّ‬ ‫َ َ َ ٌ َ ٌ ًّ‬
‫ش ُأ ًّما‪َ ..‬و َقدْ قِ َيل‪ :‬إِ َّن َم َّك َة ُس ِّم َي ْت‬ ‫ون َت ْحت ََها ل ِ ْل َج ْي ِ‬
‫ش َو َرا َيت َُه ُم ا َّلتِي َي ْجت َِم ُع َ‬ ‫ا ْل َج ْي ِ‬
‫يع َها‪َ ،‬و َج ْم ِع َها َما ِس َو َاها‪َ ،‬وقِ َيل‪ :‬إِن ََّما ُس ِّم َي ْت بِ َذل ِ َك‬ ‫ُأم ا ْل ُقرى؛ ل ِ َت َقدُّ مِها َأمام ج ِم ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َّ َ‬
‫يع َها ُأ ًّما»(‪.)3‬‬‫ِلَ َّن ْالَر َض د ِحي ْت مِنْها‪َ ،‬فصار ْت لِج ِم ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ْ‬

‫خامسا‪ :‬اختالف العلماء يف طريقة تحديد مقاصد القرآن‪:‬‬


‫ً‬
‫نجد من خالل قراءة ما كُتب عن مقاصد القرآن لم يسلك العلماء فيه‬
‫مسل ًكا واحدً ا‪ ،‬فمنهم من كان طريقه إلى ذلك استقراء معنى اآليات والسور‬
‫كما فعل الغزالي‪ ،‬ومنهم من كان منطلقه لذلك معاين بعض السور كالفاتحة‬

‫((( فتح القدير (‪.)170 /3‬‬


‫(( ( انظر‪ :‬جهود العلماء يف استنباط مقاصد القرآن‪ ،‬للدكتور مسعود بودوخة (ص‪ ،)958 :‬له‬
‫تعليق يف هذه النقطة استفاد منه الباحث‪.‬‬
‫(( ( جامع البيان (‪.)105 /1‬‬
‫‪132‬‬

‫واإلخالص والكافرون‪ ،‬كما فعل الكِ ْرماين‪ ،‬والرازي‪ ،‬والن ََّسفي‪ ،‬وابن تيمية‪،‬‬
‫وابن الق ِّيم وغيرهم‪ ،‬وهؤالء نظروا لمقاصد القرآن من خالل النظر لمقاصد‬
‫توصل لذلك من خالل المصاحبة والمعايشة الكبيرة للقرآن‬
‫السورة‪ ،‬ومنهم من ّ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الكريم‪ ،‬ومنهم من بنى قوله على قول من سبقه‪ ،‬ومنهم من يظهر ّ‬
‫أن منطلقه‬
‫غالب عند المعاصرين‪ ،‬ومما ال شك‬
‫ٌ‬ ‫كان الواقع بتحدياته التي يعايشها‪ ،‬وهذا‬
‫فيه أن أقوى طريق لتقرير مقاصد القرآن هو االستقراء الشامل آليات القرآن‬
‫وسوره وآياته‪ ،‬ثم التدليل بعد ذلك على نتائج االستقراء‪ ،‬وهنالك مسلك آخر‬
‫سلكناه يف هذا البحث‪ ،‬وهو استقراء جميع ما ذكر من مقاصد‪ ،‬وإخضاعها‬
‫للس ْبر والتقسيم والتحليل؛ للوصول لنتائج فيها قدْ ر كبير من االتفاق‪.‬‬
‫َّ‬

‫سادسا‪ :‬تباين طريقة العلماء يف الكتابة عن مقاصد القرآن العامة‪:‬‬


‫ً‬
‫عامة من تك َّلم يف مقاصد القرآن ربط ذلك بسور معينة جاءت فيها أحاديث‬
‫متنوعة عن فضلها‪ ،‬كالفاتحة التي هي أم القرآن‪ ،‬وأم الكتاب‪ ،‬وأعظم سورة‬
‫منه‪ ،‬واإلخالص التي تعدل ثلث القرآن‪ ،‬والكافرون التي تعدل ربع القرآن‪ ،‬كما‬
‫فعل‪ :‬ابن ُس َريج‪ ،‬والغزالي‪ ،‬والكِ ْرماين‪ ،‬والرازي‪ ،‬وال ُقرطبي‪ ،‬والن ََّسفي‪ ،‬وابن‬
‫والسيوطي‪ ،‬واألَلوسي‪،‬‬ ‫تيمية‪ ،‬وابن ُج َزي‪ ،‬وال ِّطيبي‪ ،‬وابن الق ِّيم‪ ،‬وابن كثير‪ُّ ،‬‬
‫والمراغي وغيرهم؛ ومنهم من تحدَّ ث عنها يف مقدمة تفسيره‪ ،‬ويف داخله عند‬
‫َ‬
‫فضائل بعض السور كابن ُج َزي‪ ،‬ومحمد رشيد رضا‪ ،‬وابن عاشور‪.‬‬
‫‪133‬‬

‫ساب ًعا‪ :‬االتفاق بين العلماء يف مفهوم مقاصد القرآن‪:‬‬

‫يحرر‬
‫نجد من خالل االستقراء والتتبع أن مصطلح المقاصد مع أنه لم ّ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫بصورة واضحة عند العلماء؛ لكن كان هنالك شبه اتفاق يف مفهومه؛ الذي‬
‫دار بينهم جميعا حول الغايات الكربى‪ ،‬والموضوعات األساسية‪ ،‬والقضايا‬
‫الكل ّية التي دار حولها القرآن‪ ،‬وتنتهي إليها جميع المعاين والموضوعات‬
‫األخرى‪ ،‬فليس هنالك اختالف يف المفهوم والتطبيق‪.‬‬

‫ثامنًا‪ :‬ضعف تحرير مقاصد القرآن الكريم عند العلماء‪:‬‬

‫نجد مع اتفاق العلماء يف مفهوم المقاصد‪ ،‬وذكر عدد كبير منهم‬


‫لهذه المقاصد؛ لكننا نجد أهنا لم تأخذ حظها الوايف من التحرير عند علماء‬
‫الدراسات القرآنية‪ ،‬ولم تقصد وتفرد بالتأليف إال يف أوقات متأخرة؛ وإنما‬
‫جاء ذكرها يف الغالب من خالل التفاسير‪ ،‬وبعض الدراسات القرآنية القليلة‪،‬‬
‫فلم نقف على كتاب مستقل عن مقاصد القرآن عند المتقدمين‪ ،‬فقط الغزالي‬
‫فصل ً‬
‫كامل يف كتابه‪« :‬جواهر القرآن»‪.‬‬ ‫‪ V‬قد خصص له ً‬

‫كما أن طريقة العلماء يف إثبات المقاصد يف الغالب كان هو االستقراء العام‪،‬‬


‫مع ضعف يف التدليل‪ ،‬ويعترب الشيخ برهان الدين البِقاعي أول من أفرد الحديث‬
‫حول مقاصد السور‪ ،‬ولكنه لم يتحدث بصورة واضحة حول مقاصد القرآن‬
‫الكربى‪َّ ،‬‬
‫وأن الكالم عن مقاصد اآليات يعترب أقدم من الحديث عن مقاصد‬
‫القرآن‪ ،‬والتوصل إليه أسهل لمن يتدبر اآليات يف سياقها الذي وردت فيه‪.‬‬
‫‪134‬‬

‫تاس ًعا‪ :‬فهم المقاصد االجتهادية يتع ّلق بفهم المقاصد النص َّية‪:‬‬

‫الوصول لنتائج دقيقة يف محاولة تحديد المقاصد االجتهادية للقرآن‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫البد أن ينطلق فيها الباحث من المقاصد التي نص عليها الوحي بصورة‬
‫واضحة‪ ،‬واتفق العلماء على َّ‬
‫أن القرآن الكريم أنزل من أجلها‪ ،‬وهي الهداية‬
‫التي هبا تتحقق سعادة الدنيا واآلخرة؛ ألن «هذا الوصف من شأنه أن يضبط‬
‫نصا أنزل من أجل غاية كل َّية محددة‪ ،‬فتُفهم‬
‫منهجية التعامل مع القرآن؛ بوصفه ً‬
‫موضوعاته يف ضوئها‪ ،‬ولضبط هذا المقصد الك ِّلي أثره يف التأويل‪ ،‬وفهم‬
‫كثير من القضايا المشكلة التي كانت مثار جدل يف التفسير‪ ،‬فمعرفة مقصد‬
‫المخاطِب تؤ ّثر يف فهم نص الخطاب‪ ،‬كما ُتم ّكن من فهم أسلوبه يف سياق‬
‫تنزله»(‪. )1‬‬
‫ّ‬

‫عاشرا‪ :‬توافق ما ذكره العلماء عن مقاصد القرآن يف الغالب‪:‬‬


‫ً‬
‫من خالل التتبع واالستقراء نجد أن غالب ما ذكره العلماء حول مقاصد‬
‫القرآن الكربى مقبول متفق عليه‪ ،‬اختلفت عباراهتم يف التعبير عنه‪ ،‬منهم من‬
‫كانت عبارته ُم ْحكمة جامعة‪ ،‬ومنهم من عنون للمقصد بأبرز ما فيه‪ ،‬والذي‬
‫يختلف حوله مما ذكروه قليل‪ ،‬ومن أوجه هذه المقاصد ما ذكره اإلمام‬
‫الغزالي‪ ،‬وهي تدل على فهم دقيق واستقراء تام لمعاين القرآن الكريم‪ ،‬حيث‬

‫((( مقاصد القرآن دراسة تاريخية‪ ،‬لعبد اهلل حللي‪( ،‬ص‪ ،)229 :‬مجلة التجديد‪ :‬بحوث‬
‫ودراسات‪ ،‬الجامعة اإلسالمية العالمية بماليزيا‪( ،‬المجلد‪ ،20 :‬العدد‪1438 ،39 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪135‬‬

‫قسم هذه المقاصد إلى ثالثة‪( :‬تعريف المدعو إليه‪ ،‬وهو توحيده‪ ،‬وتعريف‬
‫ّ‬
‫الصراط المستقيم الذي تجب مالزمته يف السلوك إليه‪ ،‬وهو التشريع‪ ،‬وتعريف‬
‫الحال عند الوصول إليه‪ ،‬وهي العواقب)‪ ،‬فهذه األمور الثالثة اتفق عليها عامة‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫العلماء‪ ،‬وع ّبروا عنها بألفاظ متنوعة ترجع لمعاين متوافقة‪ ،‬يظهر هذا التقارب‬
‫يف المبحث القادم‪.‬‬
‫‪136‬‬

‫املطلب الثالث‪:‬‬
‫نظرة تأصيلية عن املقاصد‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الكربى للقرآن الكريم‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬ضوابط القول يف املقاصد‪ ،‬وعددها‪ ،‬واالسم املناسب هلا‪:‬‬

‫(أ) ضوابط القول يف المقاصد‪:‬‬

‫من خالل ما سبق من دراسة وتحليل‪ ،‬يالحظ الباحث أن مقاصد القرآن‬


‫الكربى البد فيها من مراعاة ثالثة ضوابط‪ ،‬تتلخص يف اآليت‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن تكون ظاهرة واضحة وقد تضافرت األدلة الكثيرة عليها‬
‫يف القرآن الكريم‪ ،‬فمادام اهلل تعالى وصف كتابه بأنه مبين كما قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭐﲒﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﴾[ يوسف‪ ،]1:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱁ ﱂ‬

‫ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﴾[ الشعراء‪ ،]1،2:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱰ ﱱ ﱲ‬

‫ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﴾ [ الزخرف‪،]3-1 :‬‬
‫فالبد أن تكون مقاصده الكربى ب ّينة‪ ،‬معقولة‪ ،‬معلومة‪ ،‬بخالف مقاصد اآليات‬
‫والسور فهي تحتاج إلى نوع استنباط‪.‬‬

‫والثاين‪ :‬اتفاق العلماء عليها بعبارات متقاربة‪ ،‬بخالف ما سواها؛ فال‬


‫أعلم أن هنالك أحد من العلماء يخالف يف وجود مقاصد كربى للقرآن الكريم‪.‬‬
‫‪137‬‬

‫والثالث‪ :‬أن جميع موضوعات القرآن تلتقي حولها وترجع إليها‪.‬‬

‫(ب) عدد المقاصد‪:‬‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ومن خالل االستقراء والتتبع يرى الباحث أن مقاصد القرآن الكربى‪،‬‬


‫وقضاياه األساسية‪ ،‬تتلخص يف ثالثة مقاصد؛ وذلك لآليت‪:‬‬

‫أول‪ :‬ألنه هو قول جمهور العلماء كما سبق بيان ذلك يف المبحث‬
‫ً‬
‫السابق‪ ،‬واألقوال األخرى غير متفق عليها‪ ،‬وهي ال تخلو من تعقبات واضحة‬
‫سوف نب ِّينها‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬هو القول الذي يتفق مع ما جاء عن النبي ‪ H‬يف تقسيم‬
‫القرآن إلى ثالثة أقسام‪ ،‬وهي لمن يتدبرها يجد أهنا غايات؛ ال يختلف بأن‬
‫معاين جميع اآليات والسور تنتهي إليها‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪:V‬‬
‫ِ‬
‫ب َفإِ َّن النَّبِ َّي ‪َ H‬أ ْخ َب َر بِ َأ َّن َ‬
‫اهَّلل َج َّز َأ‬ ‫اب بِ َل َر ْي ٍ‬ ‫« َذل َك ا ْل َق ْو َل ُه َو َّ‬
‫الص َو ُ‬
‫آن‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫آن َث َل َث َة َأج َز ٍاء‪َ ،‬فجع َل ﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ ج ْزءا مِن َأج َز ِاء ا ْل ُقر ِ‬ ‫ا ْل ُق ْر َ‬
‫ْ‬ ‫ُ ً ْ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ول‪َ ،‬و َث َل َث ُة ُف ُروعٍ‪.‬‬ ‫آن َث َل َث ُة َأ ْج َز ٍاء َل ْي َس ُه َو ِس َّتةٌ‪َ :‬ث َل َث ُة ُأ ُص ٍ‬
‫ي ْقت َِضي َأ َّن مجموع ا ْل ُقر ِ‬
‫َ ْ ُ َ ْ‬ ‫َ‬

‫آن‪َ ،‬ل ْم َي ُق ْل‪ُ :‬ث ُل َث‬ ‫وك ََذل ِ َك َأ ْخبر َأ َّن ﴿ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ﴾ َتع ِد ُل ُث ُل َث ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن ُك ُّل ُه َث َل َث َة‬
‫ون ا ْل ُق ْر ُ‬ ‫ب َأ ْن َي ُك َ‬ ‫ا ْل ُم ِه ِّم منْ ُه‪َ ،‬و َل ُث ُل َث َأ ْك َث ِره‪َ ،‬و َل ُأ ُصو َل ُه‪َ ،‬ف َو َج َ‬
‫ِ‬ ‫ٍِ‬ ‫ٍ‬
‫ور ُة‬‫الس َ‬ ‫َأ ْصنَاف‪َ ،‬و َع َلى َما َذك ََر ُه َأ ُبو َحامد ُه َو س َّتةٌ‪َ :‬ث َل َث ٌة ُم ِه َّمةٌ‪َ ،‬و َث َل َث ٌة َت َوابِ ُع‪َ ،‬و ُّ‬
‫يث‪ ،‬و َأي ًضا َفإِ َّن َت ْق ِسيم ا ْل ُقر ِ‬ ‫ف ا ْلح ِد ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آن إ َلى‬ ‫َ ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َأ َحدُ ال َّث َل َثة ا ْل ُم ِه َّمة‪َ ،‬و َه َذا خ َل ُ َ‬
‫إخ َب ٌار‪َ ،‬وإِ َّما إن َْشا ٌء‪،‬‬ ‫يم بِالدَّ لِيلِ‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن ك ََل ٌم‪َ ،‬وا ْل َك َل ُم إ َّما‪ْ :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َث َل َثة َأ ْق َسا ٍم َت ْقس ُ‬
‫‪138‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫َو ْال ْخ َب ُار إ َّما‪َ :‬ع ْن ا ْل َخال ِق‪َ ،‬وإِ َّما َع ْن ا ْل َم ْخ ُلوق‪َ ،‬ف َه َذا َت ْقس ٌ‬
‫يم َب ِّي ٌن»(‪.)1‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬هذا القول يتفق على ما احتوت عليه أعظم اآليات التي َّ‬
‫بشر النبي‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫خاصا‪ ،‬كما جاء عن ا ْب ِن‬ ‫ً‬ ‫‪ H‬بنزولها عليه‪ ،‬وب ّين أهنما يمثالن نورا‬
‫اعدٌ ِعنْدَ النَّبِ ِّي ‪َ H‬س ِم َع‬ ‫اس ‪َ L‬ق َال‪« :‬بينَما ِجب ِر ُيل ‪َ S‬ق ِ‬
‫َْ َ ْ‬ ‫َع َّب ٍ‬
‫يضا مِن َفوقِ ِه َفر َفع ر ْأسه‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ه َذا باب مِن السم ِ‬
‫اء ُفتِ َح ا ْل َي ْو َم َل ْم ُي ْفت َْح َق ُّط‬ ‫ن َِق ً‬
‫َ َ ٌ َ َّ َ‬ ‫ْ ْ َ َ َ َ ُ‬
‫ض َل ْم َين ِْز ْل َق ُّط إِ َّ‬
‫ال‬ ‫ال ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬فن ََز َل مِنْ ُه َم َل ٌك‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ه َذا َم َل ٌك ن ََز َل إِ َلى األَ ْر ِ‬
‫إِ َّ‬
‫ُور ْي ِن ُأوتِيت َُه َما َل ْم ُي ْؤ َت ُه َما َنبِي َق ْب َل َك‪َ :‬فاتِ َح ُة ا ْلكِت ِ‬
‫َاب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫ا ْل َي ْو َم‪َ ،‬ف َس َّل َم‪َ ،‬و َق َال‪َ :‬أ ْب ِش ْر بِ‬
‫ٌّ‬
‫ال ُأ ْعطِي َت ُه»(‪.)2‬‬ ‫ف مِن ُْه َما إِ َّ‬ ‫و َخواتِيم سور ِة ا ْلب َقر ِة‪َ ،‬لن َت ْقر َأ بِحر ٍ‬
‫ْ َ َْ‬ ‫َ َ ُ ُ َ َ َ‬

‫فاشتمال الفاتحة على مقاصد القرآن يكاد يكون موضع إجماع عند‬
‫العلماء‪ ،‬وخواتيم سورة البقرة مشتملة على هذه المقاصد الثالثة‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ‬

‫ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲜ ﲝ ﲞ ﲟﲠ ﲡ ﲢ‬

‫ﲣ ﲤ ﴾ [البقرة‪.]285 :‬‬

‫فقوله‪ ﴿ :‬ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎﲏ ﲐ ﲑ ﲒ‬

‫ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛ﴾ يف بيان المقصد‬
‫األول‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬ﭐ ﲝ ﲞ ﲟ ﴾ يف بيان المقصد الثاين المتمثل يف‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)12 /17‬‬


‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه‪ ،‬كتاب صالة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب فضل الفاتحة وخواتيم‬
‫سورة البقرة‪ ،‬حديث رقم‪.)806( :‬‬
‫‪139‬‬

‫االستقامة على أمره وهنيه‪ ،‬وقوله‪ ﴿ :‬ﭐﲡ ﲢ ﲣ ﲤ﴾ يف بيان‬


‫المقصد الثالث المتمثل يف اإليمان بالمصير إليه‪ ،‬ويف معرفة عاقبة طاعته‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ومعصيته‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬هذا القول تكثر األدلة والرباهين عليه بكل سهولة‪ ،‬وبتدبر بسيط‬
‫تجد أن جميع معاين القرآن الكريم ومقاصده الخاصة تنتهي إليه‪ ،‬فهي أصول‬
‫ثالثة بارزت وتضافرت عليها مئات األدلة يف الكتاب والسنة‪ ،‬قال شيخ اإلسالم‬
‫اد ِه فِي َت ْع ِر ِيف ِه ْم َما‬
‫ابن تيمية‪َ « :‬فإِ َّن اهَّلل سبحا َنه جع َل الرس َل وسائِ َط بينَه وبين ِعب ِ‬
‫َْ ُ َ َْ َ َ‬ ‫َ ُ ْ َ ُ َ َ ُّ ُ َ َ‬
‫اد ِه ْم‪َ ،‬و ُب ِع ُثوا َج ِمي ًعا‬
‫اش ِهم ومع ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َينْ َف ُع ُه ْم َو َما َي ُض ُّر ُه ْم‪َ ،‬و َت ْكم ُيل َما ُي ْصلِ ُح ُه ْم في َم َع ْ َ َ َ‬
‫ول إ َل ْي ِه‪.‬‬
‫ان َحال ِ ِهم َب ْعدَ ا ْل ُو ُص ِ‬
‫وص ِل إ َلي ِه‪ ،‬وبي ِ‬ ‫بِالدَّ ْعو ِة إ َلى اهَّللِ‪ ،‬و َتع ِر ِ‬
‫يف ال َّط ِر ِيق ا ْلم ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬

‫يد‪َ ،‬وا ْل َقدَ ِر‪َ ،‬و ِذك ِْر َأ َّيا ِم‬


‫ات‪ ،‬والتَّو ِح ِ‬
‫َ ْ‬
‫ات الص َف ِ‬
‫ْالَ ْص ُل ْالَ َّو ُل‪َ :‬يت ََض َّم ُن إ ْث َب َ ِّ‬
‫اد ِه‪َ ،‬و ْالَ ْم َث ُال ا َّلتِي‬ ‫اهَّللِ فِي َأولِيائِ ِه و َأعْدَ ائِ ِه‪ ،‬و ِهي ا ْل َقصص ا َّلتِي َقصها َع َلى ِعب ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫َض َر َب َها َل ُه ْم‪.‬‬

‫اح ِة‪،‬‬ ‫الشرائِعِ‪َ ،‬و ْالَم ِر َوالن َّْه ِي َو ْ ِ‬


‫ال َب َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ْالَ ْص ُل ال َّثاني‪َ :‬يت ََض َّم ُن َت ْفص َيل َّ َ‬
‫اهَّلل َو َما َي ْك َر ُه ُه‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو َب َيان َما ُيح ُّب ُه ُ‬

‫اب‬‫َّار‪َ ،‬وال َّث َو ِ‬‫ان بِا ْل َي ْو ِم ْال ِخ ِر‪َ ،‬وا ْل َجن َِّة َوالن ِ‬
‫يم َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َو ْالَ ْص ُل ال َّثال ُث‪َ :‬يت ََض َّم ُن ْال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َوا ْل ِع َق ِ‬
‫اب‪َ ،‬و َع َلى َهذه ْالُ ُصول ال َّث َل َثة َمدَ ُار ا ْل َخ ْل ِق‪َ ،‬و ْالَ ْم ُر َو َّ‬
‫الس َعا َد ُة َوا ْل َف َل ُح‬
‫الر ُسلِ؛ َفإِ َّن ا ْل َع ْق َل َل َي ْهت َِدي‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َم ْو ُقو َف ٌة َع َل ْي َها‪َ ،‬و َل َسبِ َيل إ َلى َم ْع ِر َفت َها َّإل م ْن ج َهة ُّ‬
‫ور ِة إ َل ْي َها مِ ْن‬ ‫َان َقدْ ُيدْ ِر ُك َو ْج َه َّ‬
‫الض ُر َ‬ ‫اصيلِ َها َو َم ْع ِر َف ِة َح َقائِ ِق َها‪َ ،‬وإِ ْن ك َ‬
‫إ َلى َت َف ِ‬
‫‪140‬‬

‫ب َو َم ْن ُيدَ ِ‬ ‫يض ا َّل ِذي يدْ ِر ُك وجه ا ْلح ِ‬ ‫َح ْي ُث ا ْل ُج ْم َلةُ‪ ،‬كَا ْل َم ِر ِ‬
‫اويه‪،‬‬ ‫اجة إ َلى ال ِّط ِّ‬
‫َ ْ َ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ض َو َتن ِْزي ِل الدَّ َو ِاء َع َل ْي ِه»(‪.)1‬‬ ‫و َل يهت َِدي إ َلى َت َف ِ‬
‫اصي ِل ا ْل َم َر ِ‬ ‫َ َْ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫خامسا‪ :‬هذا القول هو الذي ذهب إليه جمهور علماء اإلسالم‪ ،‬كما‬
‫ً‬
‫وضحنا ذلك من خالل السرد التاريخي الطويل‪ ،‬قال السعدي ‪ V‬وهو‬
‫يتحدث عن كل ّياته يف الجملة‪« :‬ومن كل ّيات القرآن‪ ،‬أنه يدعو إلى توحيد اهلل‬
‫ومعرفته‪ ،‬بذكر أسماء اهلل‪ ،‬وأوصافه‪ ،‬وأفعاله الدالة على تفرده بالوحدانية‪،‬‬
‫وأوصاف الكمال‪ ،‬وإلى أنه الحق‪ ،‬وعبادته هي الحق‪ ،‬وأن ما يدعون من دونه‬
‫هو الباطل‪ ،‬ويب ّين نقص كل ما ُعبد من دون اهلل من جميع الوجوه‪.‬‬

‫ويدعو إلى صحة ما جاء به الرسول محمد ‪ H‬وصدقه‪ ،‬ببيان‬


‫وحسن أحكامه‪ ،‬ويب ّين ما كان عليه‬
‫إحكامه‪ ،‬وتمامه‪ ،‬وصدق إخباراته كلها‪ُ ،‬‬
‫الرسول ‪ ،H‬من الكمال البشري الذي ال يلحقه فيه أحد من األولين‬
‫واآلخرين‪ ،‬ويتحداهم بأن يأتوا بمثل ما جاء به إن كانوا صادقين‪..‬‬

‫ويقرر اهلل المعاد بذكر كمال قدرته‪ ،‬وخلقه للسموات واألرض‪ ،‬اللتين‬
‫هما أكرب من خ ْلق الناس‪ ،‬وبأن الذي بدأ الخ ْلق قادر على إعادته من باب‬
‫أولى‪ ،‬وبأن الذي أحيا األرض بعد موهتا قادر على إحياء الموتى‪ ،‬ويذكر أيضا‬
‫الم ُثالت التي شاهدها الناس يف الدنيا‪ ،‬وأهنا نموذج من‬
‫أيامه يف األمم‪ ،‬ووقوع َ‬
‫جزاء اآلخرة»(‪.)2‬‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)96 - 95 /19‬‬


‫(( ( تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان (ص‪.)941 :‬‬
‫‪141‬‬

‫(ج) مسمى المقاصد‪:‬‬

‫ومن خالل االستقراء والتتبع إلطالقات العلماء لمسمى هذا العلم‪،‬‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫نجد بينهما تباين كبير‪ ،‬من أبرز تلك المسميات التي وردت‪« :‬أقسام القرآن»‪،‬‬
‫«علوم القرآن األساسية»‪« ،‬مدار القرآن»‪« ،‬المقصد األقصى»‪« ،‬أمهات المطالب‬
‫العالية»‪« ،‬المقاصد العظيمة للقرآن»‪« ،‬كل ّيات القرآن»‪« ،‬أصول القرآن»‪،‬‬
‫«المقاصد األساسية للقرآن»‪ ،‬و«مقاصد القرآن»‪ ،‬و«مقاصد القرآن العامة»‬
‫وغيرها‪ ،‬فالباحث وقف طويال بين ثالثة مسميات لبحثه‪« :‬مقاصد القرآن الكريم»‪،‬‬
‫وتركه ألنه يشمل جميع أنواع المقاصد‪ ،‬أو أمهات مقاصد القرآن الكريم‪ ،‬مع أن‬
‫األم منشأ الشيء وأصله‪ ،‬وتركه ألنه ال يشير بصورة واضحة لألنواع األخرى‪،‬‬
‫أو المقاصد الكربى للقرآن‪ ،‬واستقر على هذا المسمى األخير‪ ،‬ألن الكربى تن ّبه‬
‫على أن هنالك مقاصد صغرى‪ ،‬وهي التي تتعلق باآليات والسور‪ ،‬وهو وصف‬
‫يشير ألهميتها ومكانتها‪ ،‬وهي األنسب من اإلطالقات األخرى ‪ :‬كالعليا‪،‬‬
‫والعامة‪ ،‬والعظيمة‪ ،‬واألصلية‪ ،‬والكل ّية‪ ،‬وغيرها التي استخدمها بعض العلماء‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬خالصة القول عن مقاصد القرآن الكربى‪:‬‬

‫إليك الحديث عن المقاصد الثالثة للقرآن الكريم؛ التي يرى الباحث من‬
‫خالل هذه الدراسة والتتبع الدقيق والطويل؛ لكل ما ذكر عن مقاصد القرآن‬
‫حرره‬
‫بمسمياته المتنوعة‪ ،‬أهنا تمثل مقاصد القرآن الكربى بالمصطلح الذي ّ‬
‫يف البحث‪.‬‬
‫‪142‬‬

‫المقصد األول‪ :‬تحقيق توحيده ّ‬


‫جل وعال‬

‫ّ‬
‫‪-‬جل وعال يف‬ ‫يكون ذلك من خالل معرفة اهلل تعالى المعبود الحق‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫أسمائه وصفاته وأفعاله‪ ،-‬وإفراده بالعبودية‪ ،‬وعدم اإلشراك به‪ ،‬ومما يدل‬
‫على صحة هذا المقصد أمور منها‪:‬‬

‫أول‪ :‬هذا المقصد تنتهي عنده كل جوانب االعتقاد الصحيح‪:‬‬


‫ً‬

‫فهو يشمل أنواع التوحيد الثالثة‪ :‬توحيد الربوبية‪ ،‬واأللوهية‪ ،‬واألسماء‬


‫والصفات‪ ،‬وهو يشمل اإليمان بالقضاء والقدَ ر الذي هو من لوازم التوحيد‪،‬‬
‫فال داعي لجعله مقصدً ا راب ًعا كما فعل بعض العلماء‪ :‬كأبي ح ّيان األندلسي‪،‬‬
‫والنيسابوري‪ ،‬والبِقاعي‪ُّ ،‬‬
‫والز َحيلي‪ ،‬والرازي‪ ،‬جعلوه مقصدً ا يف مقدمة‬
‫تفسيرهم‪ ،‬ثم استقر على المقاصد الثالثة التي توصلنا إليها من خالل الدراسة‪،‬‬
‫ومثله فعل ابن عادل الحنبلي‪ ،‬وهو يشمل اإليمان بالمالئكة والكتب والرسل؛‬
‫ألن إرسال الرسل‪ ،‬ونزول الكتب كان من أجل تحقيق توحيده ّ‬
‫جل وعال؛‬
‫وال سبيل لتحقيق ذلك بدونه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬

‫ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ‬

‫ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﴾‬
‫[ النحل‪ ،]36:‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﭐﲄﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍ‬

‫ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ﴾ [ هود‪ ،]2 ،1:‬قال ابن رجب‬


‫الكتب لدُ عائِه الخلق إلى‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وأنزل‬ ‫الر َس َل‪،‬‬
‫أرسل ُّ‬ ‫‪َّ :V‬‬
‫«إن اهلل ‪ E‬إنَّما َ‬
‫‪143‬‬

‫مقصود‬ ‫ِ‬ ‫وتوحيده‪ ،‬وعبادتِه و َمحبتِه وال ُق ِ‬


‫ِ‬ ‫َمعرفتِه‬
‫رب من ُه واإلنابة إليه؛ هذا هو ُ‬
‫الت‬
‫كم ٌ‬
‫ورا َء ذلك فإنَّها ُم ّ‬ ‫طب رحاها الذي تدور عليه‪ ،‬وما َ‬ ‫الرسالة ول ُّبها و ُق ُ‬ ‫ِّ‬
‫واإلتيان ِبه ً‬
‫عمل‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أحد م ْف ِتق ٌر إلى معرفة ذلك ِع ْل ًما‪،‬‬
‫فكل ٍ‬‫ولواحق؛ ُّ‬
‫ٌ‬ ‫مات‬
‫تم ٌ‬ ‫و ُم ّ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫المقصدين»(‪.)1‬‬ ‫فالح وال نجا َة بدون هذين‬ ‫ِ‬


‫َ‬ ‫فال َس َعاد َة لل َعبد وال َ‬

‫ثان ًيا‪ :‬اتفاق جميع العلماء على هذا المقصد‪:‬‬

‫هذا المقصد لم يخالف فيه أحد من العلماء؛ ولكن اختلفت تعبيراهتم‬


‫عنه‪ ،‬فعامة العلماء نصوا عليه بالتوحيد منهم‪ :‬ابن ُس َريج البغدادي‪ ،‬وابن جرير‪،‬‬
‫والكِ ْرماين‪ ،‬وال َب َغوي‪ ،‬وابن العربي المالكي‪ ،‬والرازي‪ ،‬والن ََّسفي‪ ،‬وابن تيمية‪،‬‬
‫وابن ُج َزي الغرناطي‪ ،‬وأبو ح ّيان‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬وابن عادل الحنبلي‪ ،‬والشاطبي‪،‬‬
‫والزركشي‪ ،‬والنيسابوري‪ ،‬والبِقاعي‪ ،‬واألَلوسي‪ ،‬ومحمد رشيد رضا‪ ،‬والن َّْو َرسي‪،‬‬
‫والز َحيلي‪ ،‬كما هو موضح يف الجدول أعاله‪.‬‬
‫وعبد القادر ُمالّ حويش‪ُّ ،‬‬

‫ونص عليه البعض اآلخر من العلماء بتعبيرات متنوعة‪ :‬فاإلمام الغزالي‬


‫نص عليه بتعريف‪( :‬المدعو إليه)‪ ،‬والبيضاوي ع َّبر عنه بـ (مقصد العقائد)‪،‬‬
‫ومعه الكوراين‪ ،‬والرازي نص عليه مرة بـ (التوحيد)‪ ،‬ومرة أخرى بـ (اإللهيات)‪،‬‬
‫والسيوطي بـ (معرفة‬
‫والطيبي بـ (العقائد)‪ ،‬وابن الق ِّيم بـ (التعريف بالمعبود)‪ُّ ،‬‬
‫والمراغي بـ (الثناء على اهلل)‪،‬‬
‫اهلل وصفاته)‪ ،‬والدَّ هلوي بـ (التذكير بآالء اهلل)‪َ ،‬‬
‫وهو قول ابن عاشور‪ ،‬وع َّبر عنه مرة أخرى بـ (إصالح االعتقاد)‪.‬‬

‫((( تفسير الفاتحة (ص‪.)19 :‬‬


‫‪144‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬كثرة األدلة التي تنص عليه يف القرآن الكريم‪:‬‬

‫ً‬
‫مجال للشك‬ ‫فقد جاءت أدلة كثيرة قاطعة يف القرآن والسنة تبين بما ال يدع‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫فيه‪ ،‬أن هذا هو المقصد الذي من أجله خلق اهلل تعالى الخ ْلق كما قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ﴾ [الذاريات‪ ،]56 :‬وهو الذي دعا إليه‬
‫جميع رسله‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﴾ [ األنبياء‪ ،]25:‬وهو الذي نادى إليه جميع خلقه‪ ،‬قال‬


‫تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﴾‬
‫[ البقرة‪ ،]21:‬وهو األصل الذي كل من فقده هبط عمله‪ ،‬وكان يف اآلخرة من‬
‫الخاسرين قال تعالى مخاط ًبا رسوله ‪﴿ :H‬ﭐ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ‬

‫ﲤﲥﲦ ﲧﲨﲩﲪﲫﲬﲭﲮ‬

‫ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﲳ ﴾ [ الزمر‪ ،]66 ،65:‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱴ ﱵ‬

‫ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ‬
‫ﲇ ﲈ﴾ [النساء‪ ،]116 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ‬

‫ﱱ ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﴾[ التوبة‪.]72:‬‬

‫«و َأ ْش َهدُ َأ ْن َل إِ َل َه إِ َّل ُ‬


‫اهَّلل‬ ‫قال ابن الق ِّيم ‪ V‬يف عظمة هذا المقصد‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات‪َ ،‬و ُخلِ َق ْت لَ ْجلِ َها َجم ُ‬
‫يع‬ ‫الس َم َاو ُ‬ ‫ِ‬
‫يك َل ُه‪ ،‬كَل َم ٌة َقا َم ْت بِ َها ْالَ ْر ُض َو َّ‬ ‫َو ْحدَ ُه َل َش ِر َ‬
‫اهَّلل َت َعا َلى ُر ُس َل ُه‪َ ،‬و َأن َْز َل ُك ُت َب ُه‪َ ،‬و َش َر َع َش َرائِ َع ُه‪َ ،‬و ِلَ ْجلِ َها‬ ‫ِ‬
‫ا ْل َم ْخ ُلو َقات‪َ ،‬وبِ َها َأ ْر َس َل ُ‬
‫وق ا ْلجن َِّة والن َِّار‪ ،‬وبِها ا ْن َقسم ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫نُص َبت ا ْل َم َو ِازي ُن‪َ ،‬و ُوض َعت الدَّ َو ِاوي ُن‪َ ،‬و َقا َم ُس ُ َ َ‬
‫ا ْل َخلِي َق ُة إِ َلى ا ْل ُم ْؤمِنِي َن َوا ْل ُك َّف ِار َو ْالَ ْب َر ِار َوا ْل ُف َّج ِار‪َ ،‬ف ِه َي َمن َْش ُأ ا ْل َخ ْل ِق َو ْالَ ْم ِر‬
‫‪145‬‬

‫اب‪َ ،‬و ِه َي ا ْل َح ُّق ا َّل ِذي ُخلِ َق ْت َل ُه ا ْل َخلِي َقةُ‪َ ،‬و َعن َْها َو َع ْن ُح ُقوقِ َها‬ ‫اب َوا ْل ِع َق ِ‬ ‫َوال َّث َو ِ‬
‫ت ا ْل ِق ْب َلةُ‪َ ،‬و َع َل ْي َها‬
‫الس َؤ ُال وا ْل ِحساب‪ ،‬و َع َليها ي َقع ال َّثواب وا ْل ِع َقاب‪ ،‬و َع َليها ن ُِصب ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ َْ‬ ‫َ َ ُ َ َْ َ ُ َ ُ َ‬ ‫ُّ‬
‫اد‪ ،‬و ِهي ح ُّق اهَّللِ َع َلى ج ِمي ِع ا ْل ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫وف ا ْل ِج َه َ َ َ‬ ‫ت ا ْل ِم َّلةُ‪َ ،‬و ِلَ ْجلِ َها ُج ِّر َد ْت ُس ُي ُ‬ ‫ُأسس ِ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫اد‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬


‫ون‪َ ،‬ف َل‬ ‫ون َو ْال ِخ ُر َ‬ ‫الس َل ِم‪َ ،‬و َعن َْها ُي ْس َأ ُل ْالَ َّو ُل َ‬ ‫َاح َد ِار َّ‬
‫ِ‬
‫ال ْس َل ِم‪َ ،‬وم ْفت ُ‬ ‫َف ِهي كَلِم ُة ْ ِ‬
‫َ َ‬
‫ون؟ َو َما َذا‬ ‫ول َقدَ َما ا ْل َع ْب ِد َب ْي َن َيدَ ِي اهَّللِ َحتَّى ُي ْس َأ َل َع ْن َم ْس َأ َل َت ْي ِن‪َ :‬ما َذا ُكنْت ُْم َت ْع ُبدُ َ‬
‫َت ُز ُ‬
‫اهَّلل» َم ْع ِر َف ًة َوإِ ْق َر ًارا َو َع َم ًل‪،‬‬
‫«ل إِ َل َه إِ َّل ُ‬ ‫اب ْالُو َلى بِت َْح ِق ِيق َ‬ ‫َأ َج ْبت ُُم ا ْل ُم ْر َسلِي َن؟ َف َج َو ُ‬
‫ول اهَّللِ» َم ْع ِر َف ًة َوإِ ْق َر ًارا‪َ ،‬وان ِْق َيا ًدا َو َطا َعةً»(‪.)1‬‬
‫اب ال َّثانِ َي ِة بِت َْح ِق ِيق « َأ َّن ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫َو َج َو ُ‬

‫راب ًعا‪ :‬اتفاق العلماء على أنه المقصد األول من مقاصد القرآن‪:‬‬

‫نصوا على‬
‫فالعلماء لم يتفقوا فقط على أنه مقصد من مقاصد القرآن؛ بل َّ‬
‫أنَّه هو المقصد األسنى واألسمى من نزول القرآن وجميع األديان‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﱢﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ‬

‫ﱲ ﱳ ﱴﱵ ﱶ ﱷ ﴾ [المؤمنون‪ ،]32 ،31 :‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‬


‫«وا ْل ِع َبا َد ُة َوال َّطا َع ُة َو ِال ْستِ َقا َم ُة‬
‫‪ V‬وهو يتحدث عن مقاصد الشرع الكل ّية‪َ :‬‬
‫اء‪ ،‬م ْقصود َها و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫اط ا ْل ُم ْست َِق ِ‬‫و ُل ُزوم الصر ِ‬
‫احدٌ َو َل َها‬ ‫يم َون َْح ُو َذل َك م ْن ْالَ ْس َم َ ُ ُ َ‬ ‫َ ُ ِّ َ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬وال َّثانِي‪َ :‬أ ْن ُي ْع َبدَ بِ َما َأ َم َر َو َش َر َع‪َ ،‬ل بِ َغ ْي ِر‬ ‫ِ‬
‫َأ ْص َلن‪َ ،‬أ َحدُ ُه َما‪َ :‬أ َل ُي ْع َبدَ َّإل ُ‬
‫َذل ِ َك مِ ْن ا ْلبِدَ عِ»(‪.)2‬‬

‫((( زاد المعاد يف هدي خير العباد (‪.)36 /1‬‬


‫(( ( الفتاوى الكربى (‪.)172 /5‬‬
‫‪146‬‬

‫كل سورة وآية يف القرآن دالة عليه‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬إِ َّن‬ ‫بل ب َّينوا أن َّ‬
‫اع َي ٌة إِ َل ْي ِه‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل ُق ْر َ‬
‫آن‪ :‬إِ َّما‬ ‫اهدَ ٌة بِ ِه‪ ،‬د ِ‬
‫َ‬
‫يد‪َ ،‬ش ِ‬ ‫آن َف ِهي مت ََضمنَ ٌة لِلتَّو ِح ِ‬
‫ْ‬ ‫َ ُ ِّ‬
‫ك َُّل آي ٍة فِي ا ْل ُقر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫َخ َب ٌر َع ِن اهَّللِ‪َ ،‬و َأ ْس َمائِ ِه َو ِص َفاتِ ِه َو َأ ْف َعال ِ ِه‪َ ،‬ف ُه َو الت َّْو ِحيدُ ا ْل ِع ْل ِم ُّي ا ْل َخ َب ِر ُّي‪َ ،‬وإِ َّما‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫يك َل ُه‪َ ،‬و َخ ْل ُع ك ُِّل َما ُي ْع َبدُ مِ ْن ُدونِ ِه‪َ ،‬ف ُه َو الت َّْو ِحيدُ‬ ‫َد ْع َو ٌة إِ َلى ِع َبا َدتِ ِه َو ْحدَ ُه َل َش ِر َ‬
‫وق‬ ‫اد ُّي ال َّط َلبِي‪َ ،‬وإِ َّما َأ ْم ٌر َون َْهي‪َ ،‬وإِ ْل َزا ٌم بِ َطا َعتِ ِه فِي ن َْهيِ ِه َو َأ ْم ِر ِه‪َ ،‬ف ِهي ُح ُق ُ‬ ‫الر ِ‬
‫ْ َ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُّ‬
‫يد ِه َو َطا َعتِ ِه‪َ ،‬و َما َف َع َل‬ ‫يد وم َكم َل ُته‪ ،‬وإِما َخبر َعن كَرام ِة اهَّللِ ِلَ ْه ِل َتو ِح ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫الت َّْوح َ ُ ِّ ُ َ َّ َ ٌ ْ َ َ‬
‫يد ِه‪َ ،‬وإِ َّما َخ َب ٌر َع ْن‬ ‫بِ ِهم فِي الدُّ ْنيا‪ ،‬وما ي ْك ِرمهم بِ ِه فِي ْال ِخر ِة‪َ ،‬فهو ج َزاء َتو ِح ِ‬
‫َُ َ ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ُ ُُ ْ‬ ‫ْ‬
‫ح ُّل بِ ِه ْم فِي ا ْل ُع ْق َبى مِ َن‬ ‫ال‪ ،‬وما ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْرك‪َ ،‬و َما َف َع َل بِ ِه ْم في الدُّ ْن َيا م َن النَّ َك ِ َ َ َ‬
‫َأ ْه ِل ِّ ِ‬
‫اب‪َ ،‬فهو َخبر َعمن َخرج َعن ح ْك ِم التَّو ِح ِ‬
‫يد»(‪.)1‬‬ ‫ْ‬ ‫ا ْل َع َذ ِ ُ َ َ ٌ َّ ْ َ َ ْ ُ‬

‫خامسا‪ :‬التوحيد أساس اإلصالح‪:‬‬


‫ً‬

‫أن إصالح وصالح الخ ْلق ال يكون‬


‫ومما يدل على أولوية هذا المقصد َّ‬
‫إال به‪ ،‬فكل دعوة لإلصالح ال تنطلق منه وترجع إليه؛ فهي لم تقم بنياهنا‬
‫على أساس متين‪ ،‬كيف ال والتوحيد هو أعظم معروف‪ ،‬وأول واجب يقام‬
‫يف األرض‪ ،‬كما أن اإلشراك باهلل أعظم منكر‪ ،‬وأول منكر‪ ،‬يجب محاربته يف‬
‫األرض‪ ،‬قال ابن العربي‪« :‬التوحيد هو أول واجب على المكلف ال النظر‪ ،‬وال‬
‫القصد إلى النظر‪ ،‬وال الشك‪ ،‬كما هي أقوال أرباب الكالم‪ ..‬فهو أول واجب‪،‬‬
‫وآخر واجب‪ ،‬وأول ما يدخل به اإلسالم‪ ،‬وآخر ما يخرج به عن الدنيا»(‪.)2‬‬

‫(( ( مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (‪.)418 - 417 /3‬‬
‫((( قانون التأويل (ص‪.)378 :‬‬
‫‪147‬‬

‫ب َع َلى ا ْل ُم َك َّل ِفي َن َأ ْن َي ْع َل ُموا َأ َّن ُه َل إِ َل َه إِ َّل‬ ‫وقال ابن كثير ‪َ « :V‬أ َّو ُل َو ِ‬
‫اج ٍ‬
‫يك َل ُه»(‪ ،)1‬وقال ابن الق ِّيم ‪َ « :V‬فالت َّْو ِحيدُ ‪َ :‬أ َّو ُل َما َيدْ ُخ ُل‬ ‫اهَّلل‪َ ،‬و ْحدَ ُه َل َش ِر َ‬
‫ُ‬
‫آخ ُر َما َي ْخ ُر ُج بِ ِه مِ َن الدُّ ْن َيا‪ ،‬ك ََما َق َال النَّبِ ُّي ‪َ « :H‬م ْن‬ ‫الس َل ِم‪ ،‬و ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫بِه في ْ ْ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫َ‬
‫ب‪،‬‬ ‫اج ٍ‬ ‫آخر َو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اج ٍ‬ ‫آخر ك ََلمِ ِه‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهَّلل؛ َد َخ َل ا ْل َجنَّةَ»‪َ ،‬ف ُه َو َأ َّو ُل َو ِ‬‫ك َ ِ‬
‫ب‪َ ،‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫َان ُ‬
‫آخ ُر ُه»(‪ ،)2‬فصالح العبادات واألخالق والمعامالت‬ ‫َفالتَّو ِحيدُ ‪َ :‬أو ُل ْالَم ِر و ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫مرهون بصالح المعتقد‪ ،‬بل صالح األرض كلها قائم على تحقيق التوحيد‪،‬‬
‫قال ابن عاشور ‪ V‬عن أهميته‪« :‬وهذا أعظم سبب إلصالح الخلق؛ ألنه‬
‫ويطهر القلب من‬
‫ّ‬ ‫يزيل عن النفس عادة اإلذعان لغير ما قام عليه الدليل‪،‬‬
‫األوهام الناشئة عن اإلشراك والدهرية وما بينهما»(‪.)3‬‬

‫المقصد الثاين‪ :‬معرفة الصراط المستقيم الموصل لعبوديته‪:‬‬


‫ِ‬
‫الموصل إليه‪ ،‬وهو الصراط‬ ‫من عرف اهلل تعالى فالبد أن يعرف الطريق‬
‫المستقيم الذي أمرنا اهلل تعالى بسؤاله ليهدينا إليه‪ ،‬يف أكثر دعاء يردده المسلم‬
‫يف جميع صلواته يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱗ ﱘ ﱙ ﴾[ الناتحة‪،]6:‬‬
‫المعوجة‪ ،‬قال‬
‫ّ‬ ‫وهو الذي أمر اهلل تعالى بالتمسك به دون سواه من السبل‬
‫تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ‬

‫ﱶﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﴾ [ األنعام‪ ،]153:‬وهو السبيل‬

‫((( تفسير القرآن العظيم (‪.)277 /5‬‬


‫((( مدارج السالكين (‪.)412 /3‬‬
‫(( ( التحرير والتنوير (‪.)42 - 39 /1‬‬
‫‪148‬‬

‫ِ‬
‫الموصل إلى النجاة والفوز والرضا بعد تحقيق المقصد األول‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ‬

‫ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﴾ [ فصلت‪ ،]30:‬فالنجاة يف‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫الدنيا واآلخرة بتجريد الوحدانية هلل تعالى‪ ،‬وهذا هو المقصد األول للقرآن‬
‫الكريم‪ ،‬ويف تجريد االتباع هلل والرسول‪ ،‬وهذا هو المقصد الثاين الذي يقوم‬
‫عليه بناء اإلسالم؛ ألن الضالل ينحصر يف كل ّياته نوعين‪ :‬ضالل يف المعبود‬
‫فيعبد غيره‪ ،‬وضالل يف العبادة فيعبد اهلل بغير ما شرع‪ ،‬وقد جاءت سورة‬
‫الكافرون لتجريدهما هلل تعالى‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ‬

‫ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﴾‪ ،‬هذه اآليات يف تجريد‬


‫األصل األول‪ ،‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ‬

‫ﱚ ﴾ ‪ ،‬وهذه يف تجريد األصل الثاين‪.‬‬

‫قال ابن كثير ‪َ « :V‬أ ْي‪َ :‬و َل َأ ْع ُبدُ ِع َبا َد َت ُك ْم‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ل َأ ْس ُل ُك َها َو َل‬
‫ح ُّب ُه َو َي ْر َضا ُه؛ َول ِ َه َذا َق َال‪﴿ :‬ﭐ ﱖ‬ ‫َأ ْقت َِدي بِها‪ ،‬وإِنَّما َأ ْعبدُ اهَّلل َع َلى ا ْلوج ِه ا َّل ِذي ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ ُ َ‬
‫ون بِ َأ َوامِ َر اهَّللِ َو َش ْر ِع ِه فِي ِع َبا َدتِ ِه‪َ ،‬ب ْل َق ِد‬‫ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﴾‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬ل َت ْقتَدُ َ‬
‫ن تِ ْل َقاء َأ ْن ُف ِس ُك ْم‪ ،‬ك ََما َق َال‪﴿ :‬ﭐ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫اخت ََر ْعت ُْم َش ْي ًئا م ْ‬
‫ﳃﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﴾ [الن َّْج ِم‪َ ،]23 :‬ف َت َب َّر َأ مِن ُْه ْم فِي َج ِمي ِع َما ُه ْم‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ول َو َأ ْت َبا ُع ُه‬ ‫فيه‪َ ،‬فإِ َّن ا ْل َعابِدَ َل ُبدَّ َل ُه م ْن َم ْع ُبود َي ْع ُبدُ ُه‪ ،‬وعبادة ْس ُل ُك َها إِ َل ْيه‪َ ،‬ف َّ‬
‫الر ُس ُ‬
‫َان كَلِم ُة ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫اهَّلل ُم َح َّمدٌ َر ُس ُ‬‫«ل إِ َل َه إِ َّل ُ‬ ‫ال ْس َل ِم َ‬ ‫اهَّلل بِ َما َش َر َع ُه؛ َول َه َذا ك َ َ‬ ‫ون َ‬ ‫َي ْع ُبدُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ‪،H‬‬ ‫اهَّلل‪َ ،‬و َل َط ِر َيق إِ َل ْيه إِ َّل بِ َما َجا َء بِه َّ‬
‫الر ُس ُ‬ ‫اهَّلل» َأ ْي‪َ :‬ل َم ْع ُبو َد إِ َّل ُ‬
‫‪149‬‬

‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َوا ْل ُم ْش ِرك َ‬


‫الر ُس ُ‬
‫ول‬ ‫ون َغ ْي َر اهَّلل ع َبا َد ًة َل ْم َي ْأ َذ ْن بِ َها ُ‬
‫اهَّلل؛ َول َه َذا َق َال َل ُه ُم َّ‬ ‫ُون َي ْع ُبدُ َ‬
‫‪﴿ :H‬ﭐ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ﴾»(‪ ،)1‬ومما يدل على صحة هذا‬
‫المقصد‪ ،‬وأنه يمثل المقصد الثاين من مقاصد القرآن الكربى أمور منها‪:‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫تضمن بيان شعائر اإلسالم‪:‬‬


‫أول‪ّ :‬‬
‫ً‬

‫هذا األصل يشمل جميع شرائع الدين من عبادات على رأسها الصالة‪،‬‬
‫والزكاة‪ ،‬والصوم‪ ،‬والحج وغيرها‪ ،‬ومعامالت من نكاح‪ ،‬وطالق‪ ،‬وبيوع‪،‬‬
‫وأوامر‪ ،‬ونواهي‪ ،‬وأخالق وغيرها؛ فذلك كله هو الصراط المستقيم‪ ،‬قال ابن‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ُمت ََض ِّم ٌن َم ْع ِر َف َة ا ْل َح ِّق‪َ ،‬وإِي َث َار ُه‪َ ،‬و َت ْقد َ‬
‫يم ُه‬ ‫اط ا ْل ُم ْستَق َ‬
‫الص َر َ‬ ‫«إن ِّ‬ ‫الق ِّيم ‪َّ :V‬‬
‫الم َك ِ‬ ‫َع َلى َغ ْي ِر ِه‪َ ،‬وم َح َّب َت ُه َو ِالن ِْق َيا َد َل ُه‪َ ،‬والدَّ ْع َو َة إِ َل ْي ِه‪َ ،‬و ِج َها َد َأعْدَ ائِ ِه بِ َحس ِ ِ‬
‫ان‪،‬‬ ‫ب ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ول اهَّللِ ‪َ H‬و َأ ْص َحا ُب ُه‪َ ،‬و َما َجا َء بِ ِه ِع ْل ًما‬ ‫َان َع َل ْي ِه َر ُس ُ‬
‫َوا ْل َح ُّق‪ُ :‬ه َو َما ك َ‬
‫يد ِه‪َ ،‬و َأ ْم ِر ِه َون َْهيِ ِه‪،‬‬
‫ات الرب سبحا َنه‪ ،‬و َأسمائِ ِه و َتو ِح ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َّ ِّ ُ ْ َ ُ َ ْ َ‬
‫اب ِص َف ِ‬ ‫َو َع َم ًل فِي َب ِ‬
‫السائِ ِري َن إِ َلى اهَّللِ َت َعا َلى‪،‬‬‫َاز ُل َّ‬ ‫ان‪ ،‬ا َّلتِي ِهي َمن ِ‬
‫َ‬
‫اليم ِ‬
‫َ‬
‫يد ِه‪َ ،‬وفِي َح َقائِ ِق ْ ِ‬ ‫وو ْع ِد ِه وو ِع ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ال و َأو َض ِ‬ ‫ول اهَّللِ ‪ ،H‬د َ ِ‬ ‫َوك ُُّل َذل ِ َك مس َّلم إِ َلى رس ِ‬
‫اع ِه ْم‬ ‫الر َج ِ َ ْ‬ ‫ون َآراء ِّ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ ٌ‬
‫ال َأ ْو َم َقا ٍم َخ َر َج‬ ‫اصطِ َل َحاتِ ِهم‪َ ،‬ف ُك ُّل ِع ْل ٍم َأ ْو َعم ٍل َأ ْو َح ِقي َق ٍة‪َ ،‬أ ْو َح ٍ‬ ‫اره ْم َو ْ‬
‫و َأ ْف َك ِ ِ‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ب ا ْل َم ِدين َِة‪،‬‬
‫ون مِ ْن َض ْر ِ‬
‫الس َّك ُة ا ْل ُم َح َّم ِد َّيةُ‪ ،‬بِ َح ْي ُث َي ُك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫م ْن م ْش َكاة ُن ُب َّوته‪َ ،‬و َع َل ْيه ِّ‬
‫يم‪ ،‬وما َلم ي ُكن ك ََذل ِ َك َفهو مِن ِصر ِ‬
‫اط َأ ْه ِل ا ْل َغ َض ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬ ‫َُ ْ َ‬ ‫الص َراط ا ْل ُم ْستَق ِ َ َ ْ َ ْ‬ ‫َف ُه َو م َن ِّ‬
‫ول ‪H‬‬ ‫ث‪َ :‬ط ِر ِيق الرس ِ‬ ‫الض َل ِل‪َ ،‬فما َثم ُخروج َعن َه ِذ ِه ال ُّطر ِق ال َّث َل ِ‬ ‫َو َّ‬
‫َّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ َّ ُ ٌ ْ‬

‫((( تفسير القرآن العظيم (‪.)479 /8‬‬


‫‪150‬‬

‫ف ا ْل َح َّق َو َعانَدَ ُه‪َ ،‬و َط ِر ِيق‬‫ب‪َ ،‬و ِه َي َط ِر ُيق َم ْن َع َر َ‬ ‫َو َما َجا َء بِ ِه‪َ ،‬و َط ِر ِيق َأ ْه ِل ا ْل َغ َض ِ‬
‫َأ ْه ِل َّ ِ ِ‬
‫الض َلل َوه َي َط ِر ُيق َم ْن َأ َض َّل ُه ُ‬
‫اهَّلل َعنْ ُه»(‪.)1‬‬

‫ات مِ َن‬ ‫يف بِ َأنْوا ِع ال َّتعبدَ ِ‬ ‫وقال الشاطبي ‪« :V‬ي ْشت َِم ُل َع َلى ال َّتع ِر ِ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫َ ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫اح ٍد مِنْها مِن ا ْلم َكم َل ِ‬ ‫ت‪ ،‬وما ي ْتبع ك َُّل و ِ‬ ‫ات وا ْلمعام َل ِ‬ ‫ات وا ْلعاد ِ‬ ‫ا ْل ِعباد ِ‬
‫َ َ ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َُ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ات‪ ،‬وجامِعها ْالَمر بِا ْلمعر ِ‬
‫وف َوالن َّْه ُي َع ِن ا ْل ُمنْ َك ِر‪،‬‬ ‫وض ا ْلكِ َفاي ِ‬ ‫اع ُف ُر ِ‬ ‫ِ‬
‫ُْ َ ُْ‬ ‫َ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َوه َي َأن َْو ُ‬
‫يم ْن َي ُقو ُم بِ ِه»(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َوالنَّ َظ ُر ف َ‬
‫ثان ًيا‪ :‬هو األصل الثاين الذي يقوم عليه الدين‪:‬‬

‫الدين يقوم على أصلين‪ ،‬األول‪ :‬يف تجريد الوحدانية‪ ،‬والثاين‪ :‬يف تجريد‬
‫االتباع لما أنزل اهلل تعالى من كتاب وسنة‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱑ ﱒ ﱓ‬
‫ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﴾ [األعراف‪،]3 :‬‬
‫والذي أنزله اهلل تعالى هو الكتاب والسنة‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﭐﳂ ﳃ ﳄ‬
‫ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ‬
‫ﳑ﴾ [النساء‪ ،]11 :‬وبذلك يكون استقامة عند العبد مصدري التلقي‬
‫لطريق عبوديته وحياته‪ ،‬فيدور مع توجيههما له حيث دارا‪ ،‬قال شيخ اإلسالم‬
‫ِ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬و َل َن ْع ُبدَ ُه َّإل بِ َما‬ ‫«و ِج َم ُ‬
‫اع الدِّ ِ‬
‫ين َأ ْص َلن‪َ :‬أ َّل َن ْع ُبدَ َّإل َ‬ ‫ابن تيمية ‪َ :V‬‬
‫َش َر َع‪َ ،‬ل َن ْع ُبدُ ُه بِا ْلبِدَ ِع ك ََما َق َال َت َعا َلى‪﴿ :‬ﭐﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ‬
‫ﳜ ﳝﳞ ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ ﴾‬

‫((( مدارج السالكين (‪.)81 /1‬‬


‫(( ( الموافقات (‪.)204 /4‬‬
‫‪151‬‬

‫اهَّلل‪َ ،‬و َش َها َد ِة َأ َّن‬ ‫ِ‬


‫الش َها َد َت ْي ِن‪َ :‬ش َها َدة َأ ْن َل إ َل َه َّإل ُ‬ ‫[الكهف‪َ ،]110 :‬و َذل ِ َك َت ْح ِق ُيق َّ‬
‫ول اهَّللِ‪َ ،‬ف ِفي ْالُو َلى‪َ :‬أ ْن َل َن ْع ُبدَ َّإل إ َّيا ُه‪َ ،‬وفِي ال َّثانِ َي ِة‪َ :‬أ َّن ُم َح َّمدً ا ُه َو‬ ‫ُم َح َّمدً ا َر ُس ُ‬
‫ِ‬
‫يع َأ ْم َر ُه‪َ ،‬و َقدْ َب َّي َن َلنَا َما َن ْع ُبدُ َ‬
‫اهَّلل‬ ‫َر ُسو ُل ُه ا ْل ُم َب ِّل ُغ َعنْه‪َ ،‬ف َع َل ْينَا َأ ْن ن َُصدِّ َق َخ َب َر ُه‪َ ،‬ونُط َ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ات ْالُ ُم ِ‬‫بِ ِه‪ ،‬ونَهانَا َعن محدَ َث ِ‬


‫اف‬ ‫َخ َ‬ ‫ون َأ َّل ن َ‬‫ور َ‬ ‫ور َو َأ ْخ َب َر َأن ََّها َض َل َلةٌ‪ ..‬ك ََما َأنَّا َم ْأ ُم ُ‬ ‫ْ ُ ْ‬ ‫َ َ‬
‫ب َّإل إ َلى اهَّللِ‪َ ،‬و َل ن َْست َِعي َن َّإل بِ َاهَّللِ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اهَّلل‪َ ،‬و َل َنت ََوك ََّل َّإل َع َلى اهَّلل‪َ ،‬و َل ن َْر َغ َ‬ ‫َّإل َ‬
‫ول‪َ ،‬ونُطِي َع ُه‬ ‫الر ُس َ‬‫ون َأ ْن َن َّتبِ َع َّ‬
‫ور َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ون ع َبا َد ُتنَا َّإل ل َّله‪َ ،‬ف َك َذل َك ن َْح ُن َم ْأ ُم ُ‬
‫و َأ َّل َت ُك َ ِ‬
‫َ‬
‫َو َنت ََأ َّسى بِ ِه‪َ ،‬فا ْل َح َل ُل َما َح َّل َل ُه‪َ ،‬وا ْل َح َرا ُم َما َح َّر َم ُه‪َ ،‬والدِّ ي ُن َما َش َر َع ُه»(‪.)1‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬اتفاق العلماء عليه‪:‬‬

‫هذا المقصد اتفق عليه جميع العلماء الذين تكلموا عن مقاصد القرآن‬
‫الكربى؛ ولكنهم ع ّبروا عنه بتعبيرات متنوعة من ذلك‪:‬‬

‫منهم من ع َّبر عنها بالصراط المستقيم‪ ،‬قال الغزالي ‪« :V‬الصراط‬


‫المستقيم الذي تجب مالزمته يف السلوك إليه»(‪ ،)2‬وهو تعبير له منطلقاته‬
‫القرآنية‪ ،‬وهو شامل لجميع جوانب التشريع‪.‬‬

‫ومنهم من ع ّبر عنها باألحكام‪ ،‬واألوامر والنواهي‪ ،‬والعبادات والسلوك‪،‬‬


‫وهم‪ :‬ابن العربي‪ ،‬والبيضاوي‪ ،‬وابن تيمية يف أحد أقواله‪ ،‬وابن ُج َزي‪ ،‬وال ِّطيبي‪،‬‬
‫والسيوطي‪ ،‬وولي اهلل‬
‫الز ْركَشي‪ ،‬والكوراين‪ُّ ،‬‬
‫وابن عادل الحنبلي‪ ،‬وبدر الدين َّ‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)234 /10‬‬


‫((( جواهر القرآن (ص‪.)٢٣ :‬‬
‫‪152‬‬

‫الدَّ هلوي‪ ،‬واألَلوسي‪َ ،‬‬


‫والمراغي‪ ،‬ومحمود َش ْلتوت‪ ،‬والشيخ عبد القادر ُمالّ‬
‫حويش‪ ،‬وابن عاشور‪ ،‬وهم يقصدون بذلك معنى واحدً ا وهو‪( :‬ما يتعلق‬
‫بأفعال الجوارح يف األوامر والنواهي‪ ،‬وهو مباحث علم الفقه والمعامالت)‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ومنهم من ع ّبر عنه بالنبوة‪ ،‬وقد ع ّبر عنها بذلك‪ :‬الرازي‪ ،‬وأبو ح ّيان‪،‬‬
‫وابن الق ِّيم‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬والشاطبي‪ ،‬والنيسابوري‪ ،‬والبِقاعي‪ ،‬وسعيد الن َّْو َرسي‪،‬‬
‫الز َحيلي‪ ،‬وهم يقصدون بذلك‪( :‬شريعة اإلسالم التي بعث هبا محمد‬
‫ووهبة ُّ‬
‫‪.)H‬‬

‫وع ّبر محمد رشيد رضا بالعمل الصالح‪ ،‬ولعله يقصد به (ما كان مواف ًقا‬
‫للكتاب والسنة) كما يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﳟ ﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ‬

‫ﳦ ﳧ ﳨ ﳩ ﳪ ﳫ﴾ [الكهف‪ ،]110 :‬ثم ذكر مقاصد أخرى‬


‫نجدها بعد التدقيق‪ ،‬إما هي مندرجة تحت هذا األصل‪ ،‬أو وسيلة إليه‪ ،‬مثال‬
‫ذلك‪« :‬المقصد الرابع من مقاصد القرآن‪ :‬اإلصالح االجتماعي اإلنساين‬
‫والسياسي‪ ..‬والمقصد السادس من مقاصد القرآن‪ :‬بيان حكم اإلسالم‬
‫السياسي الدولي‪ ..‬والمقصد السابع من فقه القرآن‪ :‬اإلرشاد إلى اإلصالح‬
‫المالي‪ ،‬والمقصد الثامن من فقه القرآن‪ :‬إصالح نظام الحرب ودفع مفاسدها‪،‬‬
‫وقصرها على ما فيه الخير للبشر‪ ،‬والمقصد التاسع من فقه القرآن‪ :‬إعطاء‬
‫النساء جميع الحقوق اإلنسانية والدينية والمدنية‪ ،‬والمقصد العاشر من فقه‬
‫‪153‬‬

‫ً‬
‫مستقل؛ بل هي‬ ‫القرآن‪ :‬تحرير الرقبة»(‪ ،)1‬فهذه ال يمكن أن تكون مقصدً ا‬
‫مندرجة ضمن مقصد التشريع‪ ،‬وتفصيل يف بعض أحكام الكتاب والسنة‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫راب ًعا‪ :‬كثرة األدلة التي تنص عليه يف القرآن الكريم‪:‬‬

‫ً‬
‫مجال‬ ‫فقد جاءت أدلة كثيرة قاطعة يف القرآن والسنة تب ّين بما ال يدع‬
‫للشك فيه‪ ،‬أن هذا هو المقصد الثاين من مقاصد القرآن الكربى‪ ،‬وأنه ليس‬
‫لحسن عبوديته غيره‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ‬
‫هنالك طريق يوصل ُ‬
‫ﲳﲴﲵﲶﲷﲸﲹﲺﲻﲼﲽﲾﲿ‬

‫ﳀ ﳁ ﳂ ﳃ ﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﴾ [النساء‪:‬‬
‫‪ ،]175 ،174‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ‬

‫ﱳﱴﱵﱶﱷﱸﱹﱺﱻﱼﱽ‬

‫ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ﴾‬
‫�‬

‫[المائدة‪ ،]16 ،15 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱤ ﱥ ﱦ‬

‫ﱧ ﱨ ﱩ ﴾ [األنعام‪.]126 :‬‬

‫وهو ما دعا إليه األنبياء‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ‬

‫ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ﴾ [المؤمنون‪،]74 ،73 :‬‬


‫وقال تعالى مخاط ًبا رسوله ‪ ﴿ :H‬ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆﱇ‬

‫ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗﱘ‬

‫(( ( تفسير المنار (‪.)236 - 171 /11‬‬


‫‪154‬‬

‫ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ﴾ [الشورى‪ ،]42 :‬وهو الذي يؤمن ويدعو له‬


‫العلماء‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲ ﴾ [سبأ‪ ،]6 :‬وغيرها من أدلة‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬شمول مسمى الصراط المستقيم لكل ما قاله العلماء‪:‬‬


‫ً‬

‫فالعلماء ع ّبروا عن هذا المقصد بتعبيرات متنوعة كم سبق بيان ذلك‪ ،‬من‬
‫مسمى األوامر والنواهي‪ ،‬أو األحكام‪ ،‬أو النبوة وغيرها‪ ،‬فكلها يف النهاية تلتقي‬
‫يف معنى الصراط المستقيم الذي يهدى إليه القرآن‪ ،‬وأمرنا باتباعه‪ ،‬وال يحيد‬
‫عنه إال منحرف عن الهدى‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪ V‬يف تنوع عبارات العلماء يف‬
‫التعبير عن معنى الصراط المستقيم‪ ،‬وأنه متضمن لكل ما ذكر‪« :‬فإن الناس‬
‫قد تنوعت عباراهتم فيه وترجمتهم عنه‪ ،‬بحسب صفاته ومتعلقاته‪ ،‬وحقيقته‬
‫شيء واحد‪ ،‬وهو طريق اهلل الذي نصه لعباده على ألسن رسله‪ ،‬وجعله ِ‬
‫موصال‬
‫لعباده إليه‪ ،‬وال طريق لهم إليه سواه؛ بل الطرق كلها مسدودة إال هذا‪ ،‬وهو‬
‫إفراده بالعبودية‪ ،‬وإفراد رسوله بالطاعة‪ ،‬فال يشرك به أحدا يف عبوديته‪ ،‬وال‬
‫ويجرد متابعة الرسول‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫فيجرد التوحيد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يشرك برسوله أحدا يف طاعته‪،‬‬
‫معنى قول بعض العارفين‪« :‬إن السعادة والفالح كله مجموع يف شيئين‪ :‬صدق‬
‫محبته‪ ،‬وحسن معاملته»‪ ،‬وهذا كله مضمون شهادة‪ :‬أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأن‬
‫فسر به الصراط فهو داخل يف هذين األصلين‪،‬‬
‫محمدا رسول اهلل‪ ،‬فأي شيء ّ‬
‫ونكتة ذلك وعقده؛ أن تحبه بقلبك كله‪ ،‬وترضيه بجهدك كله‪ ،‬فال يكون يف‬
‫قلبك موضع إال معمور بحبه‪ ،‬وال تكون لك إرادة إال متعلقة بمرضاته‪ ،‬األول‪:‬‬
‫‪155‬‬

‫يحصل بالتحقيق بشهادة أن ال إله إال اهلل‪ ،‬والثاين‪ :‬يحصل بالتحقيق بشهادة أن‬
‫محمدا رسول اهلل‪ ،‬وهذا هو الهادي ودين الحق‪ ،‬وهو معرفة الحق والعمل له‪،‬‬
‫وهو معرفة ما بعث اهلل به رسله والقيام به‪ ،‬فقل ما شئت من العبارات التي هذا‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫أحسنها وقطب رحاها»(‪.)1‬‬

‫ولكل ما سبق جعلنا المقصد الثاين من مقاصد القرآن الكربى يف بيان‬


‫ِ‬
‫الموصل إليه؛ الذي نحن ندع اهلل تعالى يف كل صالة أن يب ّينه‬ ‫الصراط المستقيم‬
‫لنا‪ ،‬ويوفقنا للعمل به‪ ،‬والثبات عليه‪ ،‬وعدم االنحراف عنه‪ ،‬وقد حاول العلماء‬
‫أن يفصلوا عنه مقاصد أخرى‪ ،‬مثل مقصد‪( :‬إصالح العمران‪ ،‬والمرأة‪ ،‬وأمور‬
‫الحرب والقتال وغيرها)‪ ،‬فهي مقاصد خاصة يف جوانب تشريعية معينة ال‬
‫يمكن أن تكون مقصدً ا كل ًيا‪.‬‬

‫ومن عصاه يف الدارين‪:‬‬


‫المقصد الثالث‪ :‬معرفة عاقبة َمن عبده َ‬

‫النفوس العاملة تتطلع دائما للنتائج والمآالت لما وراء عملها‪ ،‬ويتمثل‬
‫ذلك يف الثواب والجزاء على األعمال الحسنة والسيئة يف الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫ً‬
‫طويل واس ًعا فيما يتعلق بمآالت األعمال‪ ،‬ترغي ًبا‬ ‫وقد تحدّ ث القرآن حدي ًثا‬
‫وتذكيرا وموعظةً‪ ،‬شملت جوانب متعددة‪ ،‬تدور يف ثالثة محاور‪:‬‬
‫ً‬ ‫وترهي ًبا‪،‬‬

‫المحور األول‪ :‬اإليمان باليوم اآلخر‪ :‬وهو يشمل ما يتعلق بذلك من‬
‫فتنة القرب‪ ،‬وما فيه من سؤال ونعيم وعذاب أليم‪ ،‬والساعة وعالمتها وأهوالها‪،‬‬

‫(( ( بدائع الفوائد (‪.)59 /3‬‬


‫‪156‬‬

‫ودنو‬
‫ّ‬ ‫وكيفية البعث والحشر‪ ،‬وما فيه من طول الوقوف‪ ،‬ونصب الصراط‪،‬‬
‫والعرق‪ ،‬ووضع الموازين‪ ،‬وتطاير الكتب باليمين أو الشمال‪،‬‬ ‫َ‬ ‫الشمس‪،‬‬
‫وتفرده بالحكم‪ ،‬وسرعة ودقة حسابه للخ ْلق‪ ،‬والجنة وما فيها من نعيم عظيم‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫مقيم وسرور وحبور للمتقين‪ ،‬والنار وصفاهتا وهولها وما فيها من جحيم‬
‫للمجرمين المكذبين‪ ،‬وما جاء من تفاصيل ذلك‪.‬‬

‫المحور الثاين‪ :‬بيان حقيقة الدنيا‪ :‬وما جاء يف القرآن من التزهيد فيها‪،‬‬
‫والتحذير من خطورة الركون إليها‪ ،‬ونسيان اآلخرة‪ ،‬وأهنا ليست دار قرار‪.‬‬

‫فهذا ما جعل عد ًدا من العلماء يع ّبرون عن هذا المقصد بمعرفة اآلخرة‪،‬‬


‫والمعاد‪ ،‬والحشر‪ ،‬والجزاء على األعمال‪ ،‬والتذكير بالموت وما بعد الموت‪،‬‬
‫منهم‪ :‬الغزالي‪ ،‬والرازي‪ ،‬وأبو ح ّيان‪ ،‬وابن الق ِّيم‪ ،‬وابن عادل الحنبلي‪،‬‬
‫والسيوطي‪ ،‬والدَّ هلوي‪ ،‬واألَلوسي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫والشاطبي‪ ،‬والنيسابوري‪ ،‬والبِقاعي‪،‬‬
‫والز َحيلي‪.‬‬
‫ومحمد رشيد رضا‪ ،‬والن َّْو َرسي‪ُّ ،‬‬

‫المحور الثالث‪ :‬عواقب الطاعة والمعصية يف الدنيا‪ :‬وهذا تحدّ ث عنه‬


‫القرآن طويال‪ ،‬ويف كثير من السور من خالل قصص القرون األولى‪ ،‬مع‬
‫بيان ما تحقق للمؤمنين من نصر وحسن عاقبة وتمكين‪ ،‬وما َّ‬
‫حل من عقاب‬
‫وهالك ودمار للكافرين‪ ،‬نجد ذلك ممتدً ا يف غالب سور القرآن‪ ،‬من خالل‬
‫ما قصه عن أخبار القرون األولى‪ ،‬كقصة نوح ‪ S‬مع قومه‪ ،‬وإبراهيم‬
‫ولوط ‪ R‬مع قومهما‪ ،‬وقصة قوم هود وصالح وشعيب ‪Q‬‬
‫‪157‬‬

‫مع أقوامهم‪ ،‬وموسى وهارون ‪ R‬مع فرعون ومأله‪ ،‬ويدخل يف هذا‬


‫ما فيها من الرتغيب والرتهيب‪ ،‬واإلنذار والتبشير‪ ،‬والوعد والوعيد‪ ،‬مع ما‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫تضمنه من مواعظ بليغة‪ ،‬وتذكير‪ ،‬وقد سمى بعض العلماء هذه األمور بـ‪:‬‬
‫ّ‬
‫(ال َقصص)‪ ،‬وهم يريدون هذا الجانب‪ ،‬منهم‪ :‬البيضاوي‪ ،‬وابن تيمية‪ ،‬وابن‬
‫والسيوطي‪ ،‬وبعضهم أشار إلى ما جاء يف هذه‬
‫ُج َزي‪ ،‬والطيبي‪ ،‬والكوراين‪ُّ ،‬‬
‫ال َقصص بسورة خاصة من تذكرة‪ ،‬ووعد ووعيد‪ ،‬منهم‪ :‬ابن العربي‪ ،‬وابن‬
‫والمراغي‪ ،‬وابن عاشور‪.‬‬
‫تيمية‪ ،‬وابن كثير والزركشي‪َ ،‬‬

‫وقد جمع هذه المحاور الثالثة اإلمام الشاطبي ‪ V‬يف شرحه لهذا‬
‫ت وما يلِ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫يه‪َ ،‬و َي ْو ِم‬ ‫المقصد فقال‪َ « :‬يدْ ُخ ُل في ض ْمنه النَّ َظ ُر في َث َل َثة َم َواط َن‪ :‬ا ْل َم ْو َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫يه‪َ ،‬وم َكم ُل َه َذا ا ْل ِ‬‫يه‪ ،‬وا ْلمن ِْز ِل ا َّل ِذي يست َِقر فِ ِ‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يب‬ ‫ْس الت َّْرغ ُ‬ ‫جن ِ‬ ‫ُ ِّ‬ ‫َ ْ ُّ‬ ‫ا ْلق َيا َمة َو َما َي ْح ِو َ َ‬
‫َّاجي َن َوا ْل َهالِكِي َن َو َأ ْح َوال ِ ِه ْم‪َ ،‬و َما أداهم إليه‬
‫ال ْخ َبار َع ِن الن ِ‬
‫ُ‬
‫يب‪َ ،‬ومِنْ ُه ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫َوالت َّْره ُ‬
‫حاصل أعمالهم»(‪. )1‬‬

‫وهذا المقصد له أهمية عالية؛ ألن اليقين بالثواب والعقاب المرتتب‬


‫على األعمال‪ ،‬هو أعظم دافع للعمل الطيب‪ ،‬وأعظم زاجر عن العمل السيء‪.‬‬

‫وقد تم اختيار هذا المقصد والعنونة له هبذا العنوان‪ ،‬لعدة أسباب منها‪:‬‬

‫أول‪ :‬اتفاق جميع العلماء على هذا المقصد‪:‬‬


‫ً‬

‫مما يدل على أن هذا المقصد أحد مقاصد القرآن الكربى الذي اتفق‬

‫(( ( الموافقات (‪.)204 /4‬‬


‫‪158‬‬

‫جميع العلماء عليه؛ ولكنهم ع ّبروا عنه بتعبيرات متنوعة‪ ،‬فمنهم من ع ّبر‬
‫بأعظم ما يكون فيه من العقاب والثواب‪ ،‬وهو يوم المعاد‪ ،‬ومنهم من ع ّبر عنه‬
‫بجزء المعنى‪ ،‬كمن ع ّبر بالوعد والوعيد‪ ،‬أو التذكير‪ ،‬أو القصص؛ ولكن يف‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫النهاية ينتهي الكالم كله عند تتبع تفاصيل كالمهم‪ ،‬كما قال الغزالي ‪:V‬‬
‫«يف تعريف أحوال المجيبين للدعوة‪ ،‬ولطائف صنع اهلل فيهم؛ ِ‬
‫وس ُّر ُه ومقصو ُده‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وتعريف أحوال النَّاكبين والنَّاكلين عن اإلجابة وكيفي ُة‬
‫ُ‬ ‫والرتغيب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التشويق‬
‫ُ‬
‫وس ُّر ُه ومقصوده االعتبار والرتهيب‪.)1(»..‬‬‫قم ِع اهلل لهم وتنكيلِ ِه لهم؛ ِ‬

‫ثان ًيا‪ :‬يمثل أحد المحاور الثالثة األساسية ألم القرآن‪:‬‬

‫نصت سورة الفاتحة على أمهات مقاصد القرآن الثالثة التي تحدّ ث‬
‫فقد ّ‬
‫فسرين عن مقاصد القرآن‪ ،‬وقد جاء ذلك يف قوله تعالى‪:‬‬
‫الم ّ‬
‫من خاللها عامة ُ‬
‫﴿ ﱎ ﱏ ﱐ﴾‪ ،‬وهذه يف اإليمان يف اآلخرة‪ ،‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﱛ‬

‫ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ﴾‪ ،‬وهذا يف عاقبة من‬


‫أطاعه ومن عصاه يف الدارين‪ ،‬فمن عرف الحق وعمل به صار من المنعم عليه‪،‬‬
‫ومن عرفه وحاد عنه صار من المغضوب عليه‪ ،‬ومن عبد اهلل تعالى بغير صراطه‬
‫المستقيم صار من الضا ّلين‪ ،‬وكل من تك َّلم عنهم القرآن ال يخرجون عن هذه‬
‫القسمة‪ ،‬قال ابن الق ِّيم ‪« :V‬انقسم الناس بحسب معرفة الحق والعمل به‬ ‫ِ‬

‫إلى هذه األقسام الثالثة‪ :‬ألن العبد إما أن يكون عالما بالحق أو جاهال به‪،‬‬

‫((( جواهر القرآن (ص‪.)25 :‬‬


‫‪159‬‬

‫والعالم بالحق إما أن يكون عامال بموجبه أو مخالفا له‪ ،‬فهذه أقسام المكلفين‬
‫المن َعم عليه‪ ،‬وهو الذي‬
‫ال يخرجون عنها ألبتة‪ ،‬فالعالم بالحق العامل به هو ُ‬
‫المفلح قد أفلح من زكّاها‪،‬‬
‫زكّى نفسه بالعلم النافع والعمل الصالح‪ ،‬وهو ُ‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫ّ‬
‫الضال‪،‬‬ ‫والعالم به المت ّبع هواه‪ ،‬هو المغضوب عليه‪ ،‬والجاهل بالحق‪ ،‬هو‬
‫ّ‬
‫والضال مغضوب عليه لضالله عن‬ ‫والمغضوب عليه ضال عن هداية العمل‪،‬‬
‫فكل منهما ٌّ‬
‫ضال مغضوب عليه؛ ولكن تارك العمل‬ ‫العلم الموجب للعمل‪ٌّ ،‬‬
‫وأحق به»(‪.)1‬‬
‫ّ‬ ‫بالحق بعد معرفته به أولى بوصف الغضب‪،‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬عظم أثره يف التزكية واإلصالح‪:‬‬

‫القرآن الكريم تحدّ ث كثيرا عن هذا األصل فخصص له بعض السور‪،‬‬


‫وأكد عليه يف عشرات اآليات‪ ،‬وربطه كثيرا باإليمان باهلل الذي هو األصل‬
‫األول‪ ،‬أو بما يتعلق باألحكام من أمر وهني‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱨ ﱩ‬

‫ﱪ ﱫ ﱬﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻ‬

‫ﱼ ﱽﱾ ﴾[ البقرة‪ ،]228:‬وقال تعالى‪ ﴿ :‬ﭐ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ‬

‫ﱹ ﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬

‫ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﴾‬
‫[ البقرة‪ ،]232:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐﳄ ﳅ ﳆ ﳇ ﳈ ﳉ ﳊ ﳋ‬

‫ﳌ ﳍﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ ﳜﳝ‬

‫((( مدارج السالكين (‪.)11 /1‬‬


‫‪160‬‬

‫ﳞ ﳟ ﳠ ﳡ﴾[ النساء‪ ،]59:‬وقال تعالى‪﴿ :‬ﭐ ﱹ ﱺ ﱻ‬


‫�‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃﲄ ﲅ ﲆ ﲇ‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫ﲈﲉﲊﲋ ﲌﲍﲎﲏﲐﲑﲒﲓ ﲔ‬

‫ﲕ ﲖ ﴾ [التوبة‪ ]44،45:‬وغيرها من أدلة كثيرة‪ ،‬وذلك لما على‬


‫اإليمان بعاقبة األعمال يف الدارين خاصة يف اليوم اآلخر من أعظم األسباب‬
‫يف إصالح األنفس وتزكيتها‪ ،‬وتوجهها نحو السلوك المستقيم‪ ،‬والقيام‬
‫بما أوجب اهلل تعالى عليه‪ ،‬واالنتهاء عما هناه عنه‪ ،‬فهو أعظم مح ّفز للعمل‬
‫الصالح‪ ،‬وأعظم زاجر عن العمل السيء‪ ،‬لما يرتتب على ذلك من الخوف‬
‫الذي يؤدي إلى االنكفاف عن معصيته‪ ،‬والرجاء وهو الذي يدفع العبد وييسر‬
‫مستقيما على هدى ربه‪ ،‬مبعدً ا لهوى نفسه‪ ،‬ساع ًيا‬
‫ً‬ ‫عليه طاعته ربه‪ ،‬ويجعله‬
‫لنيل مرضات ربه‪ ،‬متهيئا للقائه بقلب سليم‪ ،‬وعمل صالح قويم‪ ،‬فال يركن‬
‫للدنيا‪ ،‬وال يؤثر شيئا على الفوز باآلخرة‪« ،‬وهبذا عرفنا الحكمة من كون اهلل‬
‫عز ّ‬
‫وجل يقرن اإليمان باليوم اآلخر يف كثير من اآليات؛ باإليمان باهلل دون بقية‬ ‫ّ‬
‫األركان التي يؤمن هبا؛ وذلك ألن اإليمان باليوم اآلخر يستلزم العمل لذلك‬
‫اليوم؛ وهو القيام بطاعة اهلل ورسوله»(‪.)1‬‬

‫ومن تأ ّمل قدْ ر هذا الموضوع يف القرآن يجده يم ّثل ثلثه تقري ًبا‪ ،‬فصار‬
‫القرآن ثلثه يف االعتقاد‪ ،‬وثلثه يف التشريع‪ ،‬وثلثه يف عاقبة من عبده ومن عصاه يف‬

‫(( ( تفسير العثيمين‪ :‬الفاتحة والبقرة (‪.)441 /2‬‬


‫‪161‬‬

‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وال تخرج آية واحدة من هذه المقاصد الكل ّية التي هي أمهات‬
‫مقاصد القرآن‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫توصلنا إليه من تحديد لمقاصد القرآن الكربى‪ ،‬هو ما ّقرره‬


‫فهذا الذي َّ‬
‫جمهور العلماء‪ ،‬وتسنده األدلة والرباهين‪ ،‬وما ذكر من مقاصد غيرها‪ ،‬هي‬
‫قليلة‪ ،‬وهي ال تخلو من واحد من اثنين عند النظر والتدقيق فيها‪:‬‬

‫األول‪ :‬مقاصد متفرعة عن واحد من هذه المقاصد األساسية التي سبق‬


‫والرق وغيرها‪.‬‬
‫ومتممة لها‪ ،‬كمقصد العمران‪ ،‬والمرأة‪ّ ،‬‬
‫ذكرها‪ّ ،‬‬

‫والثاين‪ :‬ما ال يمكن جعلها مقاصد؛ وإنما هي ترجع إلى أسلوب‬


‫الخطاب القرآين‪ ،‬مثل‪ :‬ال َقصص‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والرتغيب والرتهيب‪ ،‬واإلعجاز‪،‬‬
‫وسياسة األمة‪.‬‬
‫‪162‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪163‬‬

‫‪E‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫يف ختام هذا البحث أحمد اهلل تعالى ً‬


‫أول على توفيقه وإعانتي على‬
‫إكماله‪ ،‬وأسأله تعالى التوفيق فيما توصلت إليه من نتائج؛ بذلت يف تحريرها‬
‫وشكرا له على نعمه‪.‬‬
‫ً‬ ‫غاية وسعي‪ ،‬قرب ًة لربي‪ ،‬وسع ًيا جا ًدا يف خدمة كتابه‪،‬‬

‫وقد تلخصت أبرز النتائج والتوصيات يف اآليت‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬أبرز النتائج‪:‬‬

‫‪ 1.1‬مقاصد القرآن الكربى من األمور المهمة لكل مشتغل بالقرآن‬


‫تعليما وتطبي ًقا‪ ،‬وهي تسهم يف زيادة وعي األمة بكتاهبا العزيز‪،‬‬
‫ً‬ ‫تدبرا أو‬
‫الكريم ً‬
‫ويدفع به صائل أعداء الدين‪.‬‬

‫‪ 2.2‬هنالك ِشبه اتفاق عند جميع العلماء على مفهوم مقاصد القرآن؛‬
‫الذي تلخص حول الغايات الكربى‪ ،‬والموضوعات األساسية‪ ،‬والقضايا الكل ّية‬
‫التي دار حولها القرآن‪ ،‬وتنتهي إليها جميع المعاين والموضوعات األخرى‪.‬‬

‫عرف الباحث مقاصد القرآن الكربى بـ‪( :‬الغايات العليا التي عليها‬
‫‪َّ 3.3‬‬
‫مدار القرآن الكريم)‪.‬‬
‫‪164‬‬

‫‪4.4‬أبرز الفروق بين مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة‪ ،‬أن مقاصد‬


‫القرآن عامة‪ ،‬ومقاصد الشريعة خاصة‪ ،‬ولكل واحد منهما غرضه‪ ،‬ومنزعه‪،‬‬
‫وتقسيماته‪ ،‬وأنواعه المختلفة‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪5.5‬الفرق بين مقاصد القرآن الكربى والدنيا‪ ،‬والعامة والخاصة‪ ،‬يكمن‬
‫فيما بينهما من عموم وخصوص‪ ،‬واختالف غايتهما‪ ،‬ودرجة أولوياهتما‪،‬‬
‫وطرق استخراجهما‪ ،‬وأثرهما‪.‬‬

‫‪6.6‬الفرق بين مقاصد القرآن والتفسير المقاصدي‪ ،‬يربز يف اختالف‬


‫موضوعهما‪ ،‬وغايتهما‪ ،‬ومنزعهما‪ ،‬وبعدهما التاريخي‪ ،‬وثمارهما‪.‬‬

‫وتوزع‬
‫تفرق ّ‬
‫‪7.7‬مقاصد القرآن لها فوائد عديدة منها‪ :‬جمع خالصة ما ّ‬
‫من معاين القرآن‪ ،‬واتباع منهج أقوم يف فهم خطاب القرآن‪ ،‬وبناء َم َلكة مهمة يف‬
‫التدبر واالستنباط‪ ،‬وتيسير وتسهيل فهم القرآن للناس‪ ،‬وبناء خارطة أولويات‬
‫واضحة‪ ،‬وإضافة ُبعد تدبري مهم‪ ،‬وتضييق دائرة االختالف يف التفسير‪،‬‬
‫وغيرها من فوائد‪.‬‬

‫‪8.8‬الحديث عن مقاصد القرآن قديم يف الدراسات القرآنية‪ ،‬ويعترب‬


‫اإلمام الغزالي أول من تك َّلم عنه بصورة واضحة من خالل كتابه «جواهر‬
‫القرآن الكريم»‪ ،‬ثم توالت الكتابات فيها ولم تنقطع حتى يومنا هذا بل زاد‬
‫االهتمام هبا‪ ،‬وما زال البحث يحتاج لمزيد تحرير لها‪.‬‬
‫‪165‬‬

‫‪ 9.9‬العلماء تباينت أقوالهم يف تحديد عدد مقاصد القرآن‪ ،‬فالجمهور‬


‫على أهنا ثالثة‪ ،‬وقليل من قال‪ :‬أربعة‪ ،‬وأقل منهم من زاد على ذلك‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪1010‬إطالقات العلماء لمقاصد القرآن جاءت متنوعة‪ ،‬فالجمهور أطلقوا‬


‫عليها‪« :‬مقاصد القرآن»‪ ،‬ومنهم من أطلق عليها‪« :‬علوم القرآن األساسية أو‬
‫علوم القرآن»‪ ،‬ومنهم من أطلق عليها‪« :‬مدار القرآن»‪ ،‬ومنهم من أطلق عليها‪:‬‬
‫«أصول القرآن»‪ ،‬ومنهم من أطلق عليها‪« :‬معاين القرآن»‪ ،‬و«أقسام القرآن»‪،‬‬
‫ومنهم من أطلق عليها‪« :‬أمهات المطالب العالية»‪ ،‬و«أمهات مطالب القرآن»‪،‬‬
‫«مهمات القرآن»‪ ،‬ومن خالل البحث والدراسة وجدنا إطالق‪« :‬مقاصد‬
‫ّ‬ ‫و‬
‫القرآن» على مسمى هذا العلم‪ ،‬هو أوضحها من حيث الداللة من غيرها‪.‬‬

‫‪1111‬عامة من تكلم يف مقاصد القرآن الكربى‪ ،‬ربط ذلك بسور مع ّينة‬


‫جاءت فيها أحاديث متنوعة عن فضلها‪ ،‬كالفاتحة‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬والكافرون‪.‬‬

‫‪1212‬ما ذكره العلماء عن مقاصد القرآن الكربى غالبه مقبول متفق عليه‪،‬‬
‫واختلفت عباراهتم يف التعبير عنها‪ ،‬والذي يختلف حوله مما ذكروه قليل‪.‬‬

‫توصل إليها الباحث ثالثة؛ تلخصت يف‪:‬‬


‫‪1313‬مقاصد القرآن الكربى التي َّ‬

‫الحق ّ‬
‫جل جالله‪.‬‬ ‫‪ -‬معرفة المعبود ّ‬
‫ِ‬
‫الموصل إلى عبوديته‪.‬‬ ‫‪ -‬معرفة الصراط المستقيم‬
‫‪ -‬معرفة عاقبة من عبده ومن عصاه يف الدارين‪.‬‬
‫‪166‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أبرز التوصيات‪:‬‬

‫من خالل إجراء هذه الدراسة يوصي الباحث بما يأيت‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪ )١‬تدريس المقاصد الكربى ضمن مدخل دراسة التفسير‪.‬‬

‫‪ )٢‬إجراء بحوث تحليلية تأصيلية يف أنواع المقاصد األخرى‪.‬‬

‫فسرين‪ ،‬والوقوف على أثره‬


‫الم ّ‬
‫‪ )٣‬االهتمام بال ُبعد المقاصدي عند ُ‬
‫التفسيري‪.‬‬

‫‪ )٤‬جعل مادة المقاصد ضمن مقررات الدراسات العليا لطالب‬


‫التخصص‪.‬‬
‫‪167‬‬

‫فهرس املراجع واملصادر‬


‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫السيوطي‪،‬‬
‫‪1 .1‬اإلتقان يف علوم القرآن‪ ،‬جالل الدين عبد الرحمن بن أبي بكر ُّ‬
‫تحقيق مركز البحوث والدراسات بمكتبة نزار مصطفى الباز‪ ،‬ط‪ :‬مكتبة‬
‫نزار مصطفى الباز‪ ،‬مكة المكرمة‪ ،‬ط‪1417 /1 :‬هـ ‪1996 -‬م‪.‬‬

‫ ‪ 2 .‬االجتهاد المقاصدي‪ :‬حجيته ضوابطه مجاالته‪ ،‬نور الدين بن مختار‬


‫الخادمي‪ ،‬ط‪ :‬رئاسة المحاكم الشرعية والشؤون الدينية يف دولة قطر‪ ،‬ط‪:‬‬
‫‪1419 /1‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬

‫ ‪ 3 .‬أحكام القرآن‪ ،‬أحمد بن علي أبو بكر الرازي الجصاص الحنفي‪ ،‬ت‪:‬‬
‫عبد السالم محمد علي شاهين‪.‬‬

‫ ‪ 4 .‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬علي بن محمد اآلمدي أبو الحسن‪ ،‬ت‪ :‬د‪.‬‬
‫سيد الجميلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1404 /1 :‬هـ‪.‬‬

‫السيوطي أبو‬
‫ ‪ 5 .‬أسرار ترتيب القرآن‪ ،‬عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد ُّ‬
‫الفضل‪ ،‬ت‪ :‬عبد القادر أحمد عطا‪ ،‬الناشر‪ :‬دار االعتصام‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫ ‪ 6 .‬إشارات اإلعجاز يف مظان اإليجاز‪ ،‬بديع الزمان سعيد الن َّْو َرسي‪ ،‬ت‪:‬‬
‫إحسان قاسم الصالحي‪.‬‬
‫‪168‬‬

‫ ‪ 7 .‬األشباه والنظائر يف قواعد الفقه‪ ،‬سراج الدين أبو حفص عمر بن علي‬
‫األنصاري المعروف بابن المل ّقن‪ ،‬تحقيق ودراسة‪ :‬مصطفى محمود‬
‫األزهري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار ابن الق ِّيم للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار ابن عفان‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1431 /1 :‬هـ ‪2010 -‬م‪.‬‬

‫ ‪ 8 .‬إعالم الموقعين عن رب العالمين‪ ،‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو‬


‫عبد اهلل المعروف بابن ق ّيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار الجيل‪ ،‬بيروت‪1973 ،‬م‪.‬‬

‫المفسرين‪ ،‬أ‪.‬د مصطفي‬


‫ّ‬ ‫ ‪ 9 .‬أعمال الفهم المقاصدي للقرآن الكريم عند‬
‫محمد حديد‪ ،‬مجلة علوم الشريعة‪ ،‬بالجامعة األسمرية اإلسالمية‪،‬‬
‫العدد‪2015 - 1 :‬م‪.‬‬

‫‪1010‬إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان‪ ،‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو‬
‫عبد اهلل المعروف بابن ق ّيم الجوزية ‪ ،‬تحقيق‪ :‬خالد عبد اللطيف ط‪ :‬دار‬
‫الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1425 /1‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬

‫‪1111‬إلى القرآن الكريم‪ ،‬محمود شلتوت‪ ،‬ط‪ :‬دار الشروق ‪ -‬القاهرة‪ ،‬ط‪/1‬‬
‫‪1983‬م ‪1404 -‬هـ‪.‬‬

‫‪1212‬أمهات مقاصد القرآن طرق معرفتها ومقاصدها‪ ،‬د‪ .‬عز الدين بن‬
‫سعيد كشنيط الجزائري‪ ،‬إشراف‪ :‬د‪ .‬عبد الستار حامد الدباغ‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫عمان‪ ،‬ط‪2012 /1‬م‪.‬‬
‫مجدالوي للنشر والتوزيع‪ّ ،‬‬
‫‪169‬‬

‫‪1313‬أنوار التنزيل وأسرار التأويل‪ ،‬المعروف بتفسير البيضاوي‪ ،‬عبد اهلل بن عمر‬
‫بن محمد الشيرازي البيضاوي‪ ،‬ط‪ :‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2001 /1‬م‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪1414‬البحر المحيط يف التفسير‪ ،‬محمد بن يوسف أبو ح ّيان األندلسي‪ ،‬طبعة‬


‫جديدة بعناية زهير جعيد‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫‪1515‬بدائع الفوائد‪ ،‬محمد بن أبي بكر أيوب الزرعي أبو عبد اهلل المعروف‬
‫ابن ق ِّيم الجوزية‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة نزار مصطفى الباز ‪ -‬مكة المكرمة‪،‬‬
‫ط‪1416 /1‬هـ – ‪1996‬م‪.‬‬

‫‪1616‬الربهان يف علوم القرآن‪ ،‬محمد بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫محمد أبي الفضل إبراهيم‪ ،‬ط‪ :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1391 /‬م‪.‬‬

‫‪1717‬بيان المعاين‪ :‬مرتب حسب ترتيب النزول‪ ،‬عبد القادر بن ّ‬


‫مل حويش‬
‫السيد محمود آل غازي العاين‪ ،‬الناشر‪ :‬مطبعة الرتقي – دمشق‪ ،‬ط‪/1‬‬
‫‪1382‬هـ ‪1965 -‬م‪.‬‬

‫الرزاق‬
‫محمد بن عبد ّ‬
‫ّ‬ ‫محمد بن‬
‫ّ‬ ‫‪1818‬تاج العروس من جواهر القاموس‪،‬‬
‫الحسيني‪ ،‬أبو الفيض‪ ،‬المل ّقب بمرتضى َّ‬
‫الزبيدي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الرتزي‪،‬‬
‫وحجازي‪ ،‬والطحاوي‪ ،‬والعزباوي‪ ،‬ط‪ :‬مطبعة حكومة الكويت‪ ،‬عام‪:‬‬
‫‪1395‬هـ‪.‬‬

‫‪1919‬تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد‬


‫«التحرير والتنوير»‪ ،‬اإلمام محمد بن الطاهر ابن عاشور‪ ،‬ط‪ :‬دار سحنون‪،‬‬
‫تونس‪.‬‬
‫‪170‬‬

‫‪2020‬التسهيل لعلوم التنزيل‪ ،‬محمد بن أحمد بن محمد الغرناطي الكلبي‪،‬‬


‫ط‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪1403 /4 :‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪2121‬التعريفات‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن علي الحسيني الجرجاين‪،‬‬
‫وضع حواشيه وفهارسه‪ :‬محمد باسل أ ّلود‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪2003 /2:‬م‪.‬‬
‫‪2222‬تفسير الفاتحة‪ ،‬الحافظ أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد بن رجب‬
‫الحنبلي‪ ،‬ت‪ :‬سامي بن محمد بن جاد اهلل‪ ،‬ط‪ :‬دار المحدث‪ ،‬ط‪/1‬‬
‫‪1427‬هـ ‪2006 -‬م‪.‬‬
‫‪2323‬تفسير القرآن الحكيم‪ ،‬المشهور بتفسير المنار‪ ،‬محمد رشيد رضا‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الطبعة‪1426 ،2:‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪2424‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي‬
‫البصري ثم الدمشقي‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪2525‬تفسير المراغي‪ ،‬أحمد بن مصطفى المراغي‪ ،‬الناشر‪ :‬شركة مكتبة‬
‫ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأوالده بمصر‪ ،‬ط‪ 1365 /1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1946‬م‪.‬‬

‫‪2626‬التفسير المقاصدي‪ :‬تأصيل وتطبيق‪ ،‬د‪ .‬مشرف أحمد جمعان الزهراين‪،‬‬


‫مجلة الدراسة اإلسالمية الرياض‪ ،‬المجلد‪ ،28 :‬العدد‪1437 ،1:‬هـ‪.‬‬

‫‪2727‬التفسير المنير يف العقيدة والشريعة والمنهج‪ ،‬د‪ .‬وهبة بن مصطفى‬


‫الز َحيلي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة‪ 1418 ،2:‬هـ‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪171‬‬

‫‪2828‬تيسير الكريم الرحمن يف تفسير كالم المنان‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر‬


‫ابن سعدي‪ ،‬المحقق‪ :‬عبد الرحمن بن معال اللويحق‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬ط‪1421 /1 :‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪2929‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد‬


‫الطربي‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪3030‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬محمد بن أحمد األنصاري ال ُقرطبي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫محمد إبراهيم الخناوي ومحمود حامد عثمان‪ ،‬ط‪ :‬دار الحديث‪،‬‬
‫القاهرة‪1423 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬

‫‪3131‬جهود األمة يف خدمة القرآن الكريم وعلومه‪ ،‬تنظيم مركز الدراسات‬


‫القرآنية ‪ -‬الرابطة المحمدية للعلماء بالتعاون مع مراكز أخرى‪ ،‬بمدينة‬
‫فاس‪ -‬المغرب‪ ،‬المنعقد بتاريخ‪ 12-10 :‬جمادى األولى ‪1432‬هـ‪،‬‬
‫الموافق‪ 16 -14 :‬أبريل ‪ 2011‬م‪.‬‬

‫‪3232‬جهود العلماء يف استنباط مقاصد القرآن‪ ،‬د‪ .‬مسعود بودوخة‪ ،‬بحث‬


‫منشور ضمن بحوث المؤتمر العالمي األول للباحثين يف القرآن وعلومه‬
‫يف موضوع جهود األمة يف خدمة القرآن وعلومه‪ ،‬المنعقد يف مدينة فاس‬
‫بالمغرب‪ ،‬بتاريخ‪ 12-10 :‬جمادى األولى ‪1432‬هـ‪ ،‬الموافق‪-14 :‬‬
‫‪ 16‬أبريل ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪3333‬الجواهر الحسان يف تفسير القرآن‪ ،‬أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن‬
‫مخلوف الثعالبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ محمد علي معوض‪ ،‬والشيخ عادل‬
‫‪172‬‬

‫أحمد عبد الموجود‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪/1 :‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪3434‬جواهر القرآن‪ ،‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الدكتور‬
‫الشيخ محمد رشيد رضا القباين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء العلوم‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪ 1406 /2‬هـ ‪ 1986 -‬م‪.‬‬

‫‪3535‬الدر المصون يف علوم الكتاب المكنون‪ ،‬أبو العباس شهاب الدين أحمد‬
‫بن يوسف بن عبد الدائم‪ ،‬المعروف بالسمين الحلبي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أحمد‬
‫محمد الخراط‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪.‬‬

‫‪3636‬دالئل النظام‪ ،‬عبد الحميد الفراهي‪ ،‬ط‪ :‬الدار الحميدية‪ ،‬الهند‪.‬‬

‫‪3737‬روح المعاين يف تفسير القرآن العظيم والسبع المثاين‪ ،‬أبو الفضل شهاب‬
‫الدين السيد محمود األَلوسي‪ ،‬ضبطه وصححه‪ :‬علي عبد الباري عط َّية‪،‬‬
‫ط‪ :‬المكتبة العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1422 /1 :‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫‪3838‬زاد المعاد يف هدي خير العباد‪ ،‬محمد بن أبي بكر أيوب بن سعد شمس‬
‫الدين المعروف بابن ق ِّيم الجوزية‪ ،‬الناشر‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫مكتبة المنار اإلسالمية‪ ،‬الكويت‪ ،‬ط‪1415 /27 :‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬

‫‪3939‬صحيح مسلم‪ ،‬مسلم بن الحجاج القشيري‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد‬


‫الباقي ط‪ :‬رئاسة إدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪،‬‬
‫الرياض‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪173‬‬

‫‪4040‬طرق العلماء يف استخراج الهدايات القرآنية وصياغتها‪ ،‬أ‪.‬د طه عابدين‬


‫طه‪ ،‬دراسة تأصيلية تطبيقية‪ ،‬طبعة‪ :‬مكتبة المتنبي‪ ،‬الدمام‪ ،‬ط‪/1 :‬‬
‫‪1441‬هـ‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪4141‬غاية األماين يف تفسير الكالم الرباين (من أول سورة النجم إلى آخر سورة‬
‫الناس)‪ ،‬دراسة وتحقيق‪ :‬محمد مصطفي كوكصو (رسالة دكتوراه)‪،‬‬
‫برتكيا‪ ،‬جامعة صاقريا كلية العلوم االجتماعية‪2007 ،‬م‪.‬‬

‫‪4242‬غرائب التفسير وعجائب التأويل‪ ،‬محمود بن حمزة بن نصر أبو القاسم‬


‫برهان الدين الكِ ْرماين‪ ،‬ويعرف بتاج القراء‪ ،‬دار النشر‪ :‬دار القبلة للثقافة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬جدة‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن – بيروت‪.‬‬

‫‪4343‬غرائب القرآن ورغائب الفرقان‪ ،‬نظام الدين الحسن بن محمد بن حسين‬


‫القمي النيسابوري‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ زكريا عميرات‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 1416 /1 :‬هـ‪.‬‬

‫فني الرواية والدراية من علم التفسير‪ ،‬محمد‬


‫‪4444‬فتح القدير الجامع بين ّ‬
‫بن علي بن محمد الشوكاين‪ ،‬تحقيق‪ :‬د‪ .‬عبد الرحمن عميرة‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫الوفاء‪ ،‬المنصورة‪ ،‬ط‪1418 /2 :‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬

‫الريب (حاشية الطيبي على الكشاف)‪،‬‬


‫‪4545‬فتوح الغيب يف الكشف عن قناع َّ‬
‫شرف الدين الحسين بن عبد اهلل الطيبي‪ ،‬الناشر‪ :‬جائزة دبي الدولية‬
‫للقرآن الكريم‪ ،‬ط‪1434 /1 :‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬
‫‪174‬‬

‫‪4646‬الفوز الكبير يف أصول التفسير‪ ،‬اإلمام أحمد بن عبد الرحيم المعروف‬


‫عربه من الفارسية‪ :‬سلمان الحسيني الندوي‪ ،‬الناشر‪:‬‬
‫بولي اهلل الدَّ هلوي‪ّ ،‬‬
‫دار الصحوة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1407 /2 :‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪4747‬قانون التأويل‪ ،‬القاضي محمد بن عبد اهلل أبو بكر بن العربي المالكي‪،‬‬
‫السليماين‪ ،‬الناشر‪ :‬دار القبلة للثقافة اإلسالم َّية‪،‬‬
‫محمد ّ‬
‫دراسة وتحقيق‪ّ :‬‬
‫جدة‪ ،‬مؤسسة علوم القرآن‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1406 /1 :‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬

‫‪4848‬قواعد األحكام يف مصالح األنام‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد‬
‫السالم بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي‪ ،‬الملقب بسلطان‬
‫العلماء‪ ،‬راجعه وع ّلق عليه‪ :‬طه عبد الرؤوف سعد‪ ،‬الناشر‪ :‬مكتبة الكل ّيات‬
‫األزهرية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬طبعة‪ :‬جديدة مضبوطة منقحة‪1414 ،‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬

‫‪4949‬كتاب العين‪ ،‬أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم‬


‫الفراهيدي البصري‪ ،‬ت‪ :‬د‪ .‬مهدي المخزومي و د‪ .‬إبراهيم السامرائي‪،‬‬
‫الناشر‪ :‬دار ومكتبة الهالل‪.‬‬

‫‪5050‬لباب التأويل يف معاين التنزيل‪ ،‬عالء الدين علي بن محمد بن إبراهيم‬


‫البغدادي‪ ،‬الشهير بالخازن‪ ،‬ط‪ :‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1399 /1 :‬هـ‪.‬‬

‫‪5151‬اللباب يف علوم الكتاب‪ ،‬أبو حفص سراج الدين عمر بن علي بن عادل‬
‫الحنبلي‪ ،‬تحقيق‪ :‬الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ علي محمد‬
‫معوض‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت – لبنان‪ ،‬ط‪1419 /1 :‬هـ‬
‫‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪175‬‬

‫‪5252‬لسان العرب‪ ،‬محمد بن مكرم بن منظور األفريقي المصري‪ ،‬ط‪ ،1 :‬دار‬


‫صادر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪5353‬مجالس التذكير من كالم الحكيم الخبير «تفسير ابن باديس»‪ ،‬عبد‬


‫الحميد محمد ابن باديس الصنهاجي‪ ،‬ت‪ :‬أحمد شمس الدين‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬ط‪1416 /1‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬

‫‪5454‬مقاصد القرآن‪ :‬دراسة تاريخية‪ ،‬عبد اهلل حللي‪ ،‬مجلة التجديد‪ :‬بحوث‬
‫ودراسات‪ ،‬الجامعة اإلسالمية العالمية بماليزيا‪ ،‬المجلد‪ ،)20( :‬العدد‪:‬‬
‫(‪1438 ،)39‬هـ‪.‬‬

‫‪5555‬مجموع فتاوى شيخ اإلسالم أحمد بن تيم ّية ألحمد بن عبد الحليم بن‬
‫عبد السالم ابن تيم ّية‪ ،‬جمع وترتيب‪ :‬عبد الرحمن بن محمد بن قاسم‪،‬‬
‫ط‪ :‬مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف‪ ،‬المدينة المنورة‪،‬‬
‫ط‪1416 /‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬

‫‪5656‬محاسن التأويل‪ ،‬محمد جمال الدين القاسمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد فؤاد‬


‫عبد الباقي‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة التاريخ العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1415 /1 :‬هـ ‪-‬‬
‫‪1994‬م‪.‬‬

‫‪5757‬المحرر الوجيز يف تفسير الكتاب العزيز‪ ،‬أبو محمد عبد الحق بن غالب‬
‫بن عطية األندلسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السالم عبد الشايف محمد‪ ،‬ط‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1413 /1 :‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪176‬‬

‫‪5858‬المحكم والمحيط األعظم‪ ،‬أبو الحسن علي بن إسماعيل بن سيده‬


‫المرسي‪ ،‬ت‪ :‬عبد الحميد هنداوي‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكتب العلمية –‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪ 1421 /‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪5959‬مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬محمد بن أبي بكر‬
‫أيوب الزرعي أبو عبد اهلل المعروف بابن ق ّيم الجوزية‪ ،‬تحقيق‪ :‬محمد‬
‫حامد الفقي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1393 /2 :‬هـ ‪1973 -‬م‪.‬‬

‫‪6060‬مدارك التنزيل وحقائق التأويل‪ ،‬أبو الربكات عبد اهلل بن أحمد بن محمود‬
‫وخرج أحاديثه‪ :‬يوسف علي بديوي‪ ،‬راجعه‬
‫حافظ الدين الن ََّسفي‪ ،‬حققه ّ‬
‫وقدّ م له‪ :‬محيي الدين ديب مستو‪ ،‬الناشر‪ :‬دار الكلم الطيب‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫ط‪1419 /1:‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬

‫‪6161‬مصاعد النظر لإلشراف على مقاصد السور‪ ،‬إبراهيم بن عمر بن حسن‬


‫الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي‪ ،‬تحقيق‪ :‬عبد السميع محمد حسنين‪،‬‬
‫ط‪ :‬مكتبة المعارف‪ ،‬الرياض‪1408 ،‬هـ‪.‬‬

‫‪6262‬معالم التنزيل‪ ،‬أبو محمد الحسين بن مسعود ال َب َغوي‪ ،‬حققه ّ‬


‫وخرج‬
‫أحاديثه‪ :‬محمد عبد اهلل نمر‪ ،‬ود‪ .‬عثمان جمعة‪ ،‬وسليمان مسلم‪ ،‬ط‪:‬‬
‫دار طيبة‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1423 /1:‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬

‫‪6363‬معجم مقاييس اللغة‪ ،‬أحمد بن فارس بن زكريا‪ ،‬تحقيق وضبط‪ :‬عبد‬


‫السالم محمد هارون‪ ،‬ط‪ :‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1411 /1:‬هـ ‪-‬‬
‫‪1991‬م‪.‬‬
‫‪177‬‬

‫‪6464‬مفاتيح الغيب «التفسير الكبير»‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن عمر بن الحسن بن‬
‫الحسين التيمي الرازي الشافعي‪ ،‬الملقب بفخر الدين الرازي‪ ،‬خطيب‬
‫الري ‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1421 :1‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪6565‬مفاتيح الغيب «التفسير الكبير»‪ ،‬أبو عبد اهلل محمد بن عمر بن الحسن بن‬
‫الحسين التيمي الرازي الشافعي‪ ،‬الملقب بفخر الدين الرازي‪ ،‬خطيب‬
‫الري‪ ،‬الناشر‪ :‬دار إحياء الرتاث العربي – بيروت‪ ،‬ط‪1420 /3 :‬هـ‪.‬‬

‫‪6666‬مفتاح دار السعادة ومنشور والية أهل العلم واإلرادة‪ ،‬محمد بن أبي‬
‫بكر بن أيوب الزرعي المعروف بابن ق ّيم الجوزية‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن حزم‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1424 /1‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬

‫‪6767‬مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها‪ ،‬عالّل الفاسي‪ ،‬تحقيق‪ :‬إسماعيل‬


‫حسني‪ ،‬ط‪ :‬دار السالم‪ ،‬ط‪2013 /2‬م‪.‬‬

‫‪6868‬مقاصد الشريعة اإلسالمية‪ ،‬محمد الطاهر بن محمد بن محمد الطاهر بن‬


‫عاشور التونسي‪ ،‬ت‪ :‬محمد الحبيب ابن الخوجة‪ ،‬ط‪ :‬وزارة األوقاف‬
‫والشؤون اإلسالمية‪ ،‬قطر‪1425 ،‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬

‫ ‪ 69.‬المقاصد العامة للشريعة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬يوسف حامد العالم‪ ،‬ط‪ :‬الدار‬
‫العالمية للكتاب اإلسالمي‪ -‬الرياض‪ ،‬ط‪1994 /1‬م‪.‬‬

‫‪7070‬مقاصد القرآن من تشريع األحكام‪ ،‬د‪ .‬عبد الكريم حامدي‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن‬
‫حزم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪1429 /1‬هـ‪2008-‬م‪.‬‬
‫‪178‬‬

‫‪7171‬مقاصد القرآن نظرة تقويمية‪ ،‬محمد المنتار‪ ،‬بحث منشور ضمن بحوث‬
‫المؤتمر العالمي األول للباحثين يف القرآن وعلومه يف موضوع جهود‬
‫األمة يف خدمة القرآن وعلومه‪ ،‬المنعقد يف مدينة فاس بالمغرب‪ ،‬بتاريخ‪:‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪ 12-10‬جمادى األولى ‪1432‬هـ ‪ ،‬الموافق‪ 16 -14 :‬أبريل ‪2011‬م‪.‬‬

‫‪7272‬المقاصد عند اإلمام الشاطبي دراسة أصولية فقهية‪ ،‬محمود عبد الهادي‬
‫فاعور‪ ،‬ط‪ :‬بسيوين للطباعة‪ ،‬صيدا‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1427 /1‬هـ – ‪2006‬م‪.‬‬

‫خرج آياته‬
‫‪7373‬مناهل العرفان يف علوم القرآن‪ ،‬محمد عبد العظيم الزرقاين‪ّ ،‬‬
‫وأحاديثه ووضع حواشيه‪ :‬أحمد شمس الدين‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1409 /1‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫‪7474‬منهاج السنة النبوية يف نقض كالم الشيعة والقدرية‪ ،‬أحمد بن عبد الحليم‬
‫بن تيمية الحراين أبو العباس‪ ،‬تحقق‪ :‬د‪ .‬محمد رشاد سالم‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة‬
‫قرطبة‪ ،‬ط‪1406 /1‬هـ‪.‬‬

‫‪7575‬الموافقات‪ ،‬إبراهيم بن موسى بن محمد ا َّللخمي الشاطبي‪ ،‬دراسة‬


‫وتحقيق‪ :‬أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان‪ ،‬ط‪ :‬دار ابن عفان‪،‬‬
‫ط‪1417 /1‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬

‫‪7676‬موسوعة القواعد الفقهية‪ ،‬محمد صدقي بن أحمد بن محمد آل بورنو‬


‫أبو الحارث الغزي‪ ،‬ط‪ :‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ط‪1424 /1‬هـ‬
‫‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪179‬‬

‫وخرج أحاديثه عبد الحميد‬


‫‪7777‬النبأ العظيم‪ ،‬د‪ .‬محمد عبد اهلل دراز‪ ،‬اعتنى به ّ‬
‫الدخاخني‪ ،‬ط‪ :‬دار طيبة للنشر والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪1417 /1‬هـ ‪-‬‬
‫‪1997‬م‪.‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫‪7878‬نبذ من مقاصد الكتاب العزيز‪ ،‬أبو محمد عز الدين عبد العزيز بن عبد‬
‫الشوا‪ ،‬ط‪:‬‬
‫السالم بن أبي القاسم السلمي‪ ،‬تحقيق‪ :‬أيمن عبد الرزاق ّ‬
‫مطبعة الشام‪ ،‬سورية‪ ،‬ط‪1416 /1‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬

‫‪7979‬نظرية المقاصد عند اإلمام الشاطبي‪ ،‬للشيخ أحمد الريسوين‪ ،‬ط‪ :‬الدار‬
‫العالمية للكتاب اإلسالمي‪ ،‬ط‪ 1412 /2‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫‪8080‬نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور‪ ،‬برهان الدين البِقاعي‪ ،‬تحقيق‪:‬‬


‫عبد الرزاق غالب المهدي‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪/1‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬

‫‪8181‬النكت والعيون «تفسير الماوردي»‪ ،‬أبو الحسن علي بن محمد بن‬


‫حبيب الماوردي‪ ،‬راجعه وعلق عليه‪ :‬السيد بن عبد المقصود بن عبد‬
‫الرحيم‪ ،‬ط‪ :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1412 /1:‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫‪8282‬الهدايات القرآنية دراسة تأصيلية‪ ،‬أ‪.‬د طه عابدين طه وآخرون‪ ،‬طبعة‬


‫مكتبة المتنبي‪ ،‬الدمام‪ ،‬السعودية‪ ،‬ط‪1438 /1‬هـ ‪2017 -‬م‪.‬‬
‫‪180‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫‪181‬‬

‫فهرس املوضوعات‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬

‫مقدمة ‪٥....................................................................‬‬

‫املبحث األول‪ :‬املقاصد الكربى للقرآن تعريفها والفرق بينها وبني‬


‫املصطلحات املقاربة ‪25...................................................‬‬

‫المطلب األول‪ :‬مفهوم مقاصد القرآن‪27. ..................................‬‬

‫المطلب الثاين‪ :‬الفرق بين مقاصد القرآن ومقاصد الشريعة ‪38. .............‬‬

‫المطلب الثالث‪:‬الفرق بين مقاصد القرآن الكربى والصغرى ‪43. ...........‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬الفرق بين مقاصد القرآن والتفسير المقاصدي ‪46. .........‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬الفرق بين مقاصد القرآن والهدايات القرآنية ‪50. ........‬‬

‫املبحث الثاني‪ :‬مقاصد القرآن فوائدها وأقسامها وأنواعها ‪53. ...........‬‬

‫المطلب األول‪ :‬فوائد معرفة مقاصد القرآن ‪55. ............................‬‬

‫المطلب الثاين‪ :‬أقسام مقاصد القرآن الكريم‪70. ............................‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أنواع مقاصد القرآن االجتهادية ‪76. .......................‬‬


‫‪182‬‬

‫املبحث الثالث‪ :‬دراسة تقوميية ألقوال العلماء عن مقاصد القرآن الكربى ‪87. ..‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تتبع تاريخي ألقوال العلماء يف مقاصد القرآن الكربى‪89........‬‬

‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬


‫المطلب الثاين‪ :‬دراسة تحليلية ألقوال العلماء عن مقاصد القرآن الكربى ‪120......‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬نظرة تأصيلية عن المقاصد الكربى للقرآن الكريم ‪136.........‬‬

‫فهرس المراجع والمصادر‪167.............................................‬‬

‫فهرس الموضوعات‪181...................................................‬‬
‫املقاصد الكربى للقرآن الكريم‬
‫‪183‬‬

You might also like