Professional Documents
Culture Documents
فضل العلم عموما وفضل العلم خصوصا وفضل فقه الشافعي بالأخص وأهم سلسلة
فضل العلم عموما وفضل العلم خصوصا وفضل فقه الشافعي بالأخص وأهم سلسلة
ً
❖ فضل العلم عموما
ً
❖ وفضل الفقه خصوصا
❖ وفضل فقه الشافيع باألخص
❖ وأهم سلسلة يف كتب املذهب الشافيع
من إلقاء:
حسن معلم داود حاج محمد
ً
عموما فضل العلم
( )1إن اهلل سبحانه وتعالى أخرب أنه خلق الخلق ليعلم العباد برهبم وصفاته ،وأن ذلك هو الغاية
المطلوبة من الخلق ،فقال تعالي{ :اهلل الذي خلق سبع سماوات ومن األرض مثلهن يتنزل األمر
بينهن لتعلموا أن اهلل على كل شيء قدير وأن اهلل قد أحاط بكل شيء علما}.
وأخربنا اهلل سبحانه أنه خلق الخلق لعبادته ،كما قال تعالى{ :وما خلقت الج َّن واْلنس إ ََّّل
ليعبدون} ،وَّل تمكن عبادة اهلل التي هي حقه على العباد كلهم إَّل بالعلم؛ فالعبادة جامعة لمحبة اهلل
وإيثار مرضاته ،ومستلزمة لمعرفته ومعرفة شرعه؛ ألنه أوجب على العباد أن تكون حركاهتم كلها
واقعة على وفق مرضاته ومحبته ،ولذلك أرسل رسله وأنزل كتبه وشرع شرائعه ،وهذا يدل على أن
العلم يفتقر إليه جمع الناس يف جميع األوقات ويف جميع الحاَّلت.
* * *
( )2إ ن حاجة العباد إلى العلم ضرورية فوق حاجة الجسم إلى الغذاء؛ قال اْلمام أحمد:
« الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب؛ ألن الطعام والشراب يحتاج إليه يف اليوم مرة
أو مرتين ،والعلم يحتاج إليه يف كل وقت».
وقال فتح بن سعيد الموصلي« :أليس المريض إذا منع الطعام والشراب والدواء يموت»؟
قالوا :بلى ،قال :فكذلك القلب إذا منع عنه العلم والحكمة ثالثة أيام يموت.
* * *
( )3إن العلم حياة ونور ،والجهل موت وظلمة ،قال تعالى{ :أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا
له نورا يمشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس بخارج منها} ،كان ميتا بالجهل فأحياه بالعلم،
وجعل له من اْليمان نورا يمشي به يف الناس.
مثال سببه كمال
والشر كله سببه عدم الحياة والنور ،والخير كله سببه النور والحياة ،فالحياء ا
حياة القلب ،وضده الوقاحة والفحش ،وسببه موت القلب وعدم نفرته من القبيح.
وقال تعالي{ :يا أيها الذين آمنوا اتقوا اهلل وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم
نورا تمشون به} .وقال اهلل تعالى{ :وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب
وَّل اْليمان ولكن جعلناه نورا هندي به من نشاء من عبادنا} ،فأخرب أنه روح تحصل به الحياة ،ونور
تحصل به اْلضاءة فيكشف عن حقائق األشياء ويبين مراتبها.
ولذلك جعل اهلل سبحانه أهل الجهل بمنزلة العميان الذين َّل يبصرون ،فقال تعالي{ :أفمن
يعلم أنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو األلباب} ،فما ث َّم إَّل عالم أو
2
أعمى ،وقد قال اهلل{ :ومن كان في هذه أعمى فهو في اْلخرة أعمى وأضل سب ايل}.
* * *
( )4إن اهلل سبحانه عدَّ د نعمه وم َّنته على أنبيائه ورسله وأوليائه وعباده ،بما آتاهم من العلم،
فقال تعالى{ :وأنزل اهلل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل اهلل عليك
عظيما}.
وقال يف يوسف{ :ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}.
وقال يف كليمه موسى{ :ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}.
وقال يف حق المسيح{ :وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة واْلنجيل}.
وقال يف حق داود{ :وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}.
وكذلك ذ َّكر عباده المؤمنين هبذه النعمة ،وأمرهم بشكرها ،فقال تعالى{ :كما أرسلنا فيكم
رسوَّل منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون.
فاذكروين أذكركم واشكروا لي وَّل تكفرون} .وقال تعالى{ :لقد من اهلل على المؤمنين إذ بعث فيهم
رسوَّل من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي
ضالل مبين} .فامت َّن عليهم سبحانه بأن ع َّلمهم بعد الجهل.
السمع
ويقول اهلل تعالى{ :واهلل أخرجكم من بطون أ َّمهاتكم َّل تعلمون شي ائا وجعل لكم َّ
واألبصار واألفئدة لع َّلكم تشكرون}.
وأول سورة أنزلها اهلل يف كتابه امت َّن فيها على اْلنسان بأنه ع َّلمه ما لم يعلم ،وافتتحها باألمر
بالقراءة الناشئة عن العلم ،وذلك يدل على شرف التعليم والعلم ،فقال تعالى{ :اقرأ باسم ربك الذي
خلق .خلق اْلنسان من علق .اقرأ وربك األكرم .الذي علم بالقلم .علم اْلنسان ما لم يعلم}.
* * *
( )5إن اْلنسان إنما يتميز على غيره من الحيوانات بفضيلة العلم والبيان ،وإَّل فغيره من
عمرا ،فإذا عدم العلم أكال منه ،وأقوى ا
بطشا ،وأكثر جما اعا وأوَّل ادا ،وأطول ا الدواب والسباع أكثر ا
بقي معه القدر المشرتك بينه وبين سائر الدواب ،وهي الحيوانية المحضة ،فال يبقى فيه فضل عليهم،
بل قد يكون شرا منهم ،كما قال تعالى{ :أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إَّل كاألنعام
سبيال منهم.
أضل ابل هم أضل سبيال} ،فلم يقتصر سبحانه على تشبيه الجهال باألنعام ،حتى جعلهم َّ
وقال تعالى يف هذا الصنف من الناس{ :إن شر الدواب عند اهلل الصم البكم الذين َّل يعقلون}
فأخرب أن الجهال شر المخلوقات على اختالف أصنافها من الحمير والسباع والكالب والحشرات
3
وسائر الدواب.
وليس على دين الرسل أضر من الجهال ،بل هم أعداؤهم على الحقيقة ،وقد قال تعالى لنبيه:
{فال تكونن من الجاهلين} ،وقال كليمه موسى{ :أعوذ باهلل أن أكون من الجاهلين} ،وقال ألول
رسله نوح{ :إين أعظك أن تكون من الجاهلين} .فهذه حال الجاهلين عند اهلل.
خيرا يفقهه يف الدين» ،وهذا يدل على أن من لم يفقهه يف دينه لم
وقال النبي ﷺ« :من يرد اهلل به ا
خيرا.
يرد به ا
* * *
4
الشافع باألخص وفقه ،ا ً
خصوص فضل الفقه
ي
لما كان القيام بأحكام الشرع َّل يمكن إَّل بمعرفة الحالل والحرام ،كان علم الفقه من أهم علوم
الديانات ،وصار اَّلشتغال به متنو اعا إلى فروض األعيان والكفايات.
ٍ
مكلف كيفية أداء ما هو مأمور به من العبادات ،كعلم الطهارة ففرض العين منه :أن يتعلم كل
والصالة والصوم ،وعلم الزكاة والحج إن كان له مال ،فيعرف واجباهتا ومستحباهتا ومبطالهتا .أما
المعامالت المالية واألسرية فيجب على الشخص معرفة أحكام ما هو متلبس به ،ويحرم اْلقدام
على عقد البيع والنكاح ونحوهما إَّل بعد معرفة شروط صحته.
ويجب على الشخص معرفة ما يحل وما يحرم من المأكول والمشروب والملبوس ونحوها
مما َّل غنى له عنه يف حياته ،وكذلك أحكام عشرة النساء إن كان له زوجة ،ويجب على اْلباء
واألمهات تعليم أوَّلدهم الصغار ما سيتعين عليهم بعد البلوغ.
وهذا القسم هو المراد من قول النبي ﷺ« :طلب العلم فريضة على كل مسلم».
َّ
ومحل الفتوى والقضاء ،ويخرج وفرض الكفاية منه :أن يتعلم الشخص ما يبلغ به رتبة اَّلجتهاد
به من عداد المقلدين ،وإذا قام بذلك من كل ناحية عدد تقع هبم الكفاية سقط فرضه عن الباقين ،فإذا
قعد الكل عن تحصيله عصوا جمي اعا؛ ألن فيه تعطيل أحكام الشرع مما َّل بدَّ للناس منه يف إقامة
دينهم ،قال اهلل تعالى{ :وما كان المؤمنون لينفروا كا َّف اة فلوَّل نفر من كل فرق ٍة منهم طائفة ليتف َّقهوا
في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لع َّلهم يحذرون} ،والبلد الخالي عن المفتي تحرم اْلقامة
فيه إَّل إن أمكن الذهاب إلى ٍ
مفت يف مكان قريب منه ،أو التواصل معه باألجهزة الحديثة.
* * *
ولما كان علم الفقه هبذه المنزلة العالية ،بادر إلى اَّلهتمام به األئمة الفضالء ،وسارع إلى
التأليف فيه كبار العلماءَّ ،لفتقار جميع الناس إليه يف جميع الحاَّلت ،فصنفوا الكتب المبسوطات
والمختصرات ،وأودعوا فيها من األحكام والقواعد واألدلة وغيرها من النفائس الجليالت ،ما هو
معلوم مشهور عند أهل العنايات.
ولكل واحد من أئمة السلف سعي كامل يف إحياء الدين وإبقاء العلم على الخلف ،ولإلمام
خصوصا مزايا على غيره -1 :يف أصول الفقه واَّلستنباط -2 ،ويف جمع القوة يف الحديث
ا الشافعي
والقياس -3 ،مع أخذه باَّلحتياط يف العبادات وغيرها من األحكام -4 ،مع نصوص خاصة يستدل
به على فضل اْلمام الشافعي ،منها:
5
ثبت عن رسول اهلل ﷺ أنه قال« :تع َّلموا من قريش وَّل تعلموها ،وقدموا ا
قريشا وَّل تؤخروها؛
فإن للقرشي قوة الرجلين من غير قريش».
واستدل كثير من العلماء هبذا الحديث على تقديم اْلمام الشافعي على غيره ،وقد شرح ذلك
اْلمام البيهقي وغيره.
وقال النبي ﷺ« :األئمة من قريش» .ونقل البيهقي يف مناقب الشافعي عن أبي نعيم الفقيه أن
الشافعي يدخل يف هذا الحديث؛ ألن اسم اْلمامة يقع على من ولي الخالفة ،وعلى من يؤتم به يف
الدين والعلم.
وقال النبي ﷺ« :الناس تبع لقريش يف الخير والشر» .قال أبو الفتوح الطائي« :والمراد بـالخير:
الدين؛ فإنه أصل كل خير ،وبالشر :الكفر؛ فإنه أساس كل شر».
لما» ،دعا هبا ثالث وقال رسول اهلل ﷺ« :اللهم اهد ا
قريشا؛ فإن عالمها يمأل طباق األرض ع ا
مرات .وأسانيد هذا الحديث قوية بمجموعها كما قال الحافظ البيهقي والحافظ ابن حجر.
قال اْلمام أحمد بن حنبل« :إذا سئلت عن مسألة َّل أعرف فيها خرباا ،قلت فيها بقول الشافعي؛
علما».
ألنه إمام عالم من قريش .وروي عن النبي ﷺ أنه قال« :عالم قريش يمأل األرض ا
وقال اْلمام أبو نعيم عبد الملك بن محمد الفقيه اْلسرتاباذي (ت « :)322هذه صفة َّل نعلمها
قد أحاطت إَّل بالشافعي؛ إذ كان كل واحد من قريش من علماء الصحابة والتابعين ومن بعدهم،
وإن كان علمه قد ظهر وانتشر ،فإنه لم يبلغ مبل اغا يقع تأويل هذه الرواية عليه؛ إذ كان لكل واحد
ٍ
ومفت ومصنف منهم نتف وقطع من العلم ومسيئالت ،وليس يف كل بلد من بالد المسلمين مدرس
قرشي إَّل على مذهبه ،فعلم أنه يعنيه َّل غيره ،وهو الذي شرح األصول ٍّ يصنف على مذهب
والفروع ،وازدادت على مر األيام حسناا وبياناا».
أحق هبذه الصفة من الشافعي؛ فهو
وقال البيهقي يف معرفة السنن« :فال نعلم أحدا ا من قريش َّ
الذي صنَّف من جملة قريش يف األصول والفروع ،ودونت كتبه وحفظت أقاويله ،وظهر أمره وانتشر
ذكره ،حتى انتفع بعلمه راغبون ،وأفتى بمذهبه عالمون ،وحكم بحكمه حاكمون ،وقام بنصرة قوله
ناصرون ،حين وجدوه فيما قال مصي ابا ،وبكتاب اهلل متمس اكا ،ولنبيه ﷺ متب اعا ،وبآثار أصحابه
علما ،ويزداد على ممر
مقتد ايا ،وبما دلوه عليه من المعاين مهتد ايا ،فهو الذي مأل األرض من قريش ا
األيام تب اعا» ثم أفاض يف ذلك.
* * *
6
الشافع
ي أهم سلسلة يف كتب المذهب
كتب اْلمام الشافعي كت ابا كثيرة يف أبواب الفقه وأصوله جاوزت المئة ،وجمع أكثرها يف الكتاب
العظيم المسمى بـ«األم» وبـ«المبسوط» ،واختصر تالميذه مضمون كتبه يف مصنَّفات من أبدع
المدونات الفقهية ،أشهرها وأنفعها وأحسنها «مختصر المزين» اْلمام أبي إبراهيم إسماعيل المزين،
َّ
وهو الذي انتشر عنه المذهب ،وعني به األئمة ،ودار عليه الدرس واْلفتاء.
ومن أعظم شروحه كتاب «نهاية المطلب يف دراية المذهب» ،المعروف بالمذهب الكبير ،الذي
رسخ فيه قواعد المذهب.
صنفه إمام الحرمين الجويني ،و َّ
سماه «البسيط» ،أتى فيه برتتيب
ثم جاء اْلمام أبو حامد الغزالي ،فاختصر النهاية يف كتاب َّ
فصل ترتيب أرباع الفقه.
محكم بديع لم يسبق إليه ،وهو أول من َّ
ثم اختصر «البسيط» يف «الوسيط» ،وهو من أعظم كتب المذهب ،ودار عليه التدريس بره اة من
الزمن .ثم اختصر «الوسيط» يف «الوجيز» ،وهو مختصر جليل ،وقد شرحه اْلمام أبو القاسم الرافعي
شرحا مبسو اطا.
مختصرا ،ثم ا
ا شرحا
ا
المحرر» ،ثم جاء اْلمام أبو زكريا النووي،
َّ ثم إن الرافعي اختصر من الوجيز وغيره كتابه «
سماه «المنهاج» ،وهو عمدة المذهب ،ثم أتى شيخ اْلسالم زكريا
«المحرر» يف كتاب َّ
َّ فاختصر
سماه «منهج الطالب» ،ثم شرح مختصره
األنصاري ،فاختصر «المنهاج» مضموناا وعنواناا يف كتاب َّ
سماه «فتح الوهاب بشرح منهج الطالب» ،وهو من أحسن ما صنف يف الفقه ،ثم كتبت
بكتاب َّ
الحواشي على شرح المنهج ،ومن أهمها حاشية البجيرمي.
هذه السلسلة أهم سلسلة يف أنساب كتب المذهب الشافعي.
وكتاب «مجمل الفقه» راجع إلى المنهج وشرحه وحاشيته ،وَّل يخرج عنها يف الغالب.
وكتاب «لمعة الفقه» مختصر من «مجمل الفقه».
فقد عرفت هبذا سلسلة النسب الرابطة بين «لمعة الفقه» و«مختصر المزين».
واهلل الموفق للعلم والعمل.
وصلى اهلل سلم وبارك على سيدنا محمد المصطفى ،وعلى آله وأصحابه ومن ألثرهم اقتفى.
* * *
7