You are on page 1of 2

‫رفع المغرب تحدي شعار الرقمنة منذ ‪ ،2013‬وحاول االنخراط في أوراش تهدف إلى حث المقاولة المغربية على االنغماس‬

‫في عالم الرقمنة‪ ،‬هذا العالم االفتراضي الجديد الذي دخل إلى عالمنا متسلال والمستأذنا‪ ،‬كما أنه فرض علينا قوانين وقواعد‬
‫جديدة من شأنها أن تحقق المبتغى منها إن تم احتضانها والتعامل معها بشكل إيجابي‪ ،‬أو أن تعمق أزمتنا إذا تم تجاهلها‬
‫والتعاطي معها على أنها أكسسوارات أو مسألة ثانوية‪.‬‬

‫يمثل قطاع المعلوميات‪ ،‬الذي يعتبر أحد ركائز الرقمنة‪ ،‬حوالي ‪ 7 %‬من الناتج الداخلي الخام العالمي‪ ،‬ويخلق حوالي ‪%60‬‬
‫من مناصب الشغل‪،‬كما أن معدل ‪ 1%‬من النمو للبيئة الرقمية القتصاد ما‪ ،‬من شأنه أن يساهم مابين ‪ %0.13‬إلى ‪ 0.26%‬من‬
‫الناتج الداخلي الخام لهذا االقتصاد‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن سوق المعامالت في مجال المعلوميات يبلغ تريليونات‬
‫الدوالرات‪ ،‬هذه األرقام توحي بأهمية قطاع الرقمنة بصفة عامة وبمجال المعلوميات على وجه الخصوص‪،‬هذا األخير الذي‬
‫أضحى في السنوات األخيرة من بين القطاعات الحيوية القادرة على خلق قيمة مضافة وثروة فلكية‪ ،‬وخير مثال على ذلك ‪،‬‬
‫فمعظم أثرياء العالم المصنفين في مجلة فوربس األمريكية ذات الصيح العالمي‪،‬قد حققوا ثرواتهم في مجال المعلوميات‬
‫والرقمنة‪.‬‬

‫في بلدنا‪ ،‬وخالل فترة الحجر الصحي نتيجة وباء كوفيد ‪،19‬أصبح الولوج إلى عالم الرقمنة مسألة حتمية وليست‬
‫اختيارية‪،‬وبدأت بعض العبارات تطفو على السطح كعبارة ‪ télé travail‬بالنسبة للموظفين أو التعليم عن بعد بالنسبة ألسرة‬
‫التعليم‪ ،‬فرضت علينا جاءحة كوفيد ‪ 19‬التعامل االضطراري مع مجال الرقمنة دون أن نكون مهيإين أو عن صبق إصرار‬
‫وترصد لها‪ ،‬الستخفافنا بها من جهة‪ ،‬والعتبارها مسألة ثانوية من جهة أخرى‪ ،‬كما أن سلوكنا وتعاملنا اعتاد ماهو‬
‫ملموس‪،‬فأصبحنا في انسجام وتناغم تام مع كل ما هو ورقي ومادي‪ ،‬وخلقنا منطقة ارتياح وهمية ‪ zone de confort‬أصبح‬
‫من العسير علينا االستغناء عنها أو التضحية بها في سبيل ماهو ال مادي والورقي‪ ،‬بالرغم من االمتيازات التي يزخر‬
‫بها‪،‬واإليجابيات التي يقدمها‪.‬‬

‫في مجال المقاولة‪ ،‬أتى المرسوم التشريعي رقم ‪, 2-12-349‬الصادر بتاريخ ‪ 20‬مارس ‪ 2013‬والمنظم أساسا للصفقات‬
‫العمومية‪ ،‬أتى مدججا بترسانة من القوانين التي أطرت مسألة الرقمنة في هذا المجال‪ ،‬فالمواد من ‪ 147‬إلى ‪ 151‬من الفقرة ‪7‬‬
‫من القانون السالف الذكر وضحت بشكل معمق ومفصل‪ ،‬المسطرة القانونية التي تؤطر مسألة الرقمنة بالنسبة للصفقات‬
‫المبرمة مع المؤسسات العمومية‪ ،‬كما أن الوزارة المختصة‪،‬في خطوة جد إيجابية‪ ،‬قامت بإنشاء البوابة اإللكترونية للصفقات‬
‫العمومية ‪،‬وأصبحت المؤسسات العمومية‪،‬طبقا لمقتضيات الفقرة ‪ 2‬من المادة ‪ 20‬من المرسوم أعاله‪ ،‬أصبحت ملزمة‬
‫باإلعالن عن الصفقات العمومية في هذه البوابة اإللكترونية‪.‬‬

‫بعيدا‪ l‬عن الترسانة القانونية‪ ،‬ومن الشق العملي‪ ،‬يبقى مستوى الرقمنة جد هزيل على أرض الواقع‪ ،‬بالرغم من الجهود التي‬
‫بذلتها الدولة في هذا المجال‪ ،‬وهذا راجع باألساس إلى الفجوة الحاصلة بين مستوى المؤسسة العمومية من جهة‪ ،‬ومستوى‬
‫المقاولة المغربية من جهة أخرى‪ ،‬هذه األخيرة أضحت كذاك الشخص الذي حصل على سيارة آخر صيحة‪ ،‬دون أن يتوفر‬
‫على رخصة القيادة‪ ،‬فمجال الرقمنة يتطلب درايتا‪ ،‬وعيا وثقافتا ‪ ،‬فإذا كانت المؤسسة العمومية قطعت أشواطا إيجابية في‬
‫مجال الرقمنة‪ ،‬فإن المقاولة المغربية مازالت متأخرة وتفضل العمل بطرق كالسيكية‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن مسألة الرقمنة تبقى‬
‫اختيارية وغير إجبارية بقوة المرسوم التشريعي‪.‬‬

‫إن نجاح الرقمنة في مجال الصفقات العمومية رهين بانخراط كال الطرفين في هذه المسألة (المؤسسة العمومية والمقاولة‬
‫المغربية) فكالهما يكمل اآلخر‪ ،‬وكالهما يساهم في خلق االستثمار في بلدنا‪ ،‬كما أن تعثر أحدهما أو نجاحهه سينعكس على‬
‫المنظومة بأكملها‪ ،‬وعلى القيمة المضافة للصفقات العمومية في الناتج الداخلي الخام الوطني والتي تبلغ نسبة ‪ %15‬تقريبا‪.‬‬

‫بعيدا‪ l‬عن الصفقات العمومية‪ ،‬قامت وكالة التنمية‪ l‬الرقمية ‪ Agence de Développement Digital‬بإنشاء منصتين‬
‫إلكترونيتين‪ ” l،‬مكتب الظبط الرقمي ” و”الملف الرقمي ” يهدفان إلى رقمنة سلوك ومعامالت المؤسسات العمومية في‬
‫معامالتها الداخلية‪ ،‬أو في تعاملها مع شركائها الخارجيين‪ ،‬وهذه خطوة إيجابية يمكن أن تساهم في المضي قدما في مجال‬
‫الرقمنة‪ ،‬شريطة انخراط كل األطراف المعنيين في هذا الورش‪ ،‬حيث أنه ال يكفي أن نتوفر على الوسائل واألدوات‪ ،‬بل‬
‫المطلوب هو تغيير العقليات والثقافات‪ ،‬والقطع تدريجيا مع كل ما هو ورقي ومادي‪ ،‬وهذه ليست بالمسألة الهينة‪ ،‬وإنما هو‬
‫عمل جبار يتطلب في البداية مرحلة هجينة ‪ hybride‬نشتغل فيها بكلتا الطريقتين‪ ،‬قبل أن ننغمس كليا في عالم الرقمنة‪،‬‬
‫خاصة إذا علمنا أنه من شب على شيء شاب عليه وأن تغيير السلوك يتطلب وقتا وجهدا‪.‬‬

‫إن مسألة الرقمنة أصبحت أكثر من أي وقت مضى مسألة ضرورية في إدارتنا‪ ،‬وإذا قمنا بجرد بسيط لمختلف نقاطها‬
‫اإليجابية‪ ،‬يمكن أن نجد على سبيل المثال‪:‬‬

‫‪ -1‬التقليص من الميزانية المخصصة للورق‪ ،‬إذ أن المغرب يستهلك مامجموعه ‪ 650 000‬طن من الورق سنويا‪ ،‬وإذا علمنا‬
‫أن اإلدارات والمؤسسات العمومية تستحوذ على حصة األسد في هذه الرقم‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن الولوج إلى عالم الرقمنة من‬
‫شأنه أن يساهم في تخفيض هذه الميزانية بشكل كبير‪ ،‬ويمكننا من توجيها إلىاستثمارات أخرى‪.‬‬

‫‪ -2‬الرفع من مردوديات المؤسسات واإلدارات المغربية‪ ،‬حيث أن االشتغال بوسائل الرقمنة يتطلب مجهودا ووقتا أقل‪،‬‬
‫وتكون النتيجة أفضل‪.‬‬

‫‪ -3‬توسيع دائرة المنافسة في الصفقات العمومية‪ ،‬إذ أن البوابة اإللكترونية من شأنها أن تعطي الفرصة للعديد من المقاوالت‬
‫للمشاركة في طلبات العروض دونما الحاجة إلى التنقل إلى عين المكان‪ ،‬مما يرفع من حظوظ الحصول على الخدمة بثمن‬
‫أقل‪ ،‬وهذا يتالءم مع المبدأ األساسي للصفقات العمومية‪ ،‬والمتمثل أساسا في ترشيد النفقات‪ ،‬ومع الفصل ‪ 157‬من دستور‬
‫‪ 2011‬الذي ينص على ضرورة التقيد بقواعد الحكامة الجيدة بالنسبة للمقاوالت العمومية‪.‬‬

‫‪ -4‬تمكين المواطن من االستفادة من خدمات اإلدارة والمرافق العمومية بشكل سلس‪ ،‬غير مكلف‪ ،‬ويراعي معايير الجودة‬
‫والشفافية المنصوص عليها في الفصل ‪ 154‬من دستور المملكة‪.‬‬

‫‪ -5‬التقليص من آثار البصمة البيئية‪ ،‬إذ أن المغرب بحاجة إلى الحد من انبعاثات ثنائي أوكسيد الكربون خاصة‪ ،‬إذا علمنا أن‬
‫بلدنا ينتج‪ l‬سنويا مايناهز ‪ 100‬مليون طن من غاز ‪ ،CO2‬مما يتناقض مع شعار التنمية المستدامة الذي رفعناه‪ ،‬ومع‬
‫االستثمارات الضخمة في مجال الطاقات المتجددة‪ ،‬ومع احتضاننا لمؤتمر المناخ ‪.COP22‬‬

‫كخالصة‪ ،‬نستنتج أن إنجاح مشروع الرقمنة في بلدنا‪ ،‬مسؤولية تقع على عاتقنا جميعا‪ ،‬من مسؤولين‪ ،‬موظفين ومواطنين‪،‬‬
‫وأن الظرفية الحساسة التي تمر بها بالدنا نتيجة وباء كوفيد ‪ ،19‬تستلزم منا أكثر من أي وقت مضى التقيد بأخالق المواطنة‪،‬‬
‫واستغالل كل الطرق والوسائل التي من شأنها أن تحقق قفزة نوعية القتصادنا‪ ،‬وتدفع بعجلته إلى األمام‪ ،‬وهذه مهمتنا جميعا‪.‬‬

‫رياض برايدة‬

‫مهندس دولة في اللوجستيك‬

‫باحث في الشأن االقتصادي والسياسي‬

You might also like