You are on page 1of 24

23-1"‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة‬ )‫ء‬1026 ‫ديس ْمبِر‬

َ -‫(يوليو‬ ‫الديبل‬
"‫اإلمام عبد الحميد الفراهي وكتابه "جمهرة البالغة‬
IMAM ABD-UL-HAMID AL-FARAHI AND HIS BOOK
‘JAMHARAT-UL-BALAGHAH’

‫أورنك زيب األعظمي‬.‫د‬
‫ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻋﺒﺪﺍﻟﺤﻤﻴﺪ ﺍﻟﻔﺮﺍﻫﻲ ﻭﻛﺘﺎﺑﻪ ﺟﻤﻬﺮﺓ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ‬ :‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‬
ABSTRACT: ‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺪﻳﺒﻞ‬ :‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‬
‫ﺍﻭﺭﻧﻚ ﺯﻳﺐ‬
India produced several great scholars ،‫ﺍﻷﻋﻈﻤﻲ‬
of Arabic :‫ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‬
and Islamic ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ‬
studies e.i.
2‫ ﻉ‬,1‫ﻣﺞ‬Abul Fazl
Abu al-Ata al-Sindi, Masud al-Lahauri, Amir Khusau, :‫ﺍﻟﻌﺪﺩ‬/‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‬
Faizi, Abdu
Haq al-Dehlawi, Shah Waliullah al-Dehlawi, Abdul ‫ﻧﻌﻢ‬ :‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‬
Qadir al-Jaunpuri, Fazl-
2016
e-Haq al-Khairabadi, Mufti Sadruddin Azurdah, :‫ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‬
Ghulam ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ‬
Ali Azad al-
Bilgrami, Shah Qasim ‫ﻭﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ‬ ‫ﻣؤﺳﺴﺔ ﺑﻮﺍﺑﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ‬
al-Nanautawi and Maulana Mohd.:‫ﺍﻟﻨﺎﺷﺮ‬
Faruq
‫ﺩﻳﺴﻤﺒﺮ‬ :‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‬
Chirayyakoti. Among such great scholars was Imam Abd-ul-Hamid al-
1 - 23 :‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‬
Farahi who not only mastered over Arabic and Islamic Studies but also
938213 :MD ‫ﺭﻗﻢ‬
over English, Persian and Urdu languages.Imam Farahi wrote several
‫ﺑﺤﻮﺙ ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ‬ :‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‬
books such as ‘Mufradat-ul-Qur’an’, ‘Asalib-ul-Qur’an’, ‘al-Takmil fi Usul
IslamicInfo :‫ﻗﻮﺍﻋﺪ ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‬
al-Tawil’, ‘Nizam-ul-Qur’an’, ‘Hujaj-ul-Qur’an’, ‘al-Rai al-Sahih fi man
‫ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻠﻐﺔ‬،‫ ﺍﻟﻠﻐﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬،‫ ﺗﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ‬،‫ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ‬ :‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‬
‫ﺟﻤﻬﺮﺓ‬
huwa ‫ ﻛﺘﺎﺏ‬،‫ﻋﺒﺪﺍﻟﺤﻤﻴﺪ‬
al-Dhabih’ ، ‫ﺍﻟﻔﺮﺍﻫﻲ‬
and ‘Im’an ،‫ﺍﻟﻨﺤﺎﺓ‬al-Qur’an’.
fi Aqsam ،‫ ﺍﻟﻨﺤﻮ‬،‫ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬
Among these valuable
‫ ﻣﺴﺘﺨﻠﺼﺎﺕ‬،‫ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﺍﻟﻠﻐﻮﻳﺔ‬،‫ ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ‬،‫ﺍﻟﺒﻼﻏﺔ‬
works is ‘Jamhat-ul-Balaghah’. This book ‫ﺍﻟﺘﺮﺟﻤﺔ‬is ،‫ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ‬
one of his unprecedented
https://search.mandumah.com/Record/938213
works in :‫ﺭﺍﺑﻂ‬
the world. In this work he differed from those who examine the
literary beauty of the Qur’an through Greek principles. He examined the
Qur’anic literary beauty in the light the classical Arabic literature in which
the Qur’an was revealed. It is a unique work. The detailed study may be
seen in the coming pages.

.‫ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬.‫ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‬2018 ©


KEYWORDS: Qur’an Jamhat-ul-Balaghah, Arabic literature, Al-Farahi
.‫ ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬،‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻣﺘﺎﺣﺔ ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‬
‫ ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ‬،‫ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‬
.‫ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‬

‫ اهلند‬،‫ نيو دهلي‬،‫ اجلامعة امللية اإلسالمية‬،‫ قسم اللغة العربية وآداهبا‬،‫ أستاذ مساعد‬
1
23-1"‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة‬ )‫ء‬1026 ‫ديس ْمبِر‬
َ -‫(يوليو‬ ‫الديبل‬
"‫اإلمام عبد الحميد الفراهي وكتابه "جمهرة البالغة‬
IMAM ABD-UL-HAMID AL-FARAHI AND HIS BOOK
‘JAMHARAT-UL-BALAGHAH’

‫أورنك زيب األعظمي‬.‫د‬

ABSTRACT:
India produced several great scholars of Arabic and Islamic studies e.i.
Abu al-Ata al-Sindi, Masud al-Lahauri, Amir Khusau, Abul Fazl Faizi, Abdu
Haq al-Dehlawi, Shah Waliullah al-Dehlawi, Abdul Qadir al-Jaunpuri, Fazl-
e-Haq al-Khairabadi, Mufti Sadruddin Azurdah, Ghulam Ali Azad al-
Bilgrami, Shah Qasim al-Nanautawi and Maulana Mohd. Faruq
Chirayyakoti. Among such great scholars was Imam Abd-ul-Hamid al-
Farahi who not only mastered over Arabic and Islamic Studies but also
over English, Persian and Urdu languages.Imam Farahi wrote several
books such as ‘Mufradat-ul-Qur’an’, ‘Asalib-ul-Qur’an’, ‘al-Takmil fi Usul
al-Tawil’, ‘Nizam-ul-Qur’an’, ‘Hujaj-ul-Qur’an’, ‘al-Rai al-Sahih fi man
huwa al-Dhabih’ and ‘Im’an fi Aqsam al-Qur’an’. Among these valuable
works is ‘Jamhat-ul-Balaghah’. This book is one of his unprecedented
works in the world. In this work he differed from those who examine the
literary beauty of the Qur’an through Greek principles. He examined the
Qur’anic literary beauty in the light the classical Arabic literature in which
the Qur’an was revealed. It is a unique work. The detailed study may be
seen in the coming pages.

KEYWORDS: Qur’an Jamhat-ul-Balaghah, Arabic literature, Al-Farahi

‫ اهلند‬،‫ نيو دهلي‬،‫ اجلامعة امللية اإلسالمية‬،‫ قسم اللغة العربية وآداهبا‬،‫ أستاذ مساعد‬
1
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫الكلمات املفتاحية‪:‬القرآن ‪،‬مجهرة البالغة ‪،‬االدب العربی ‪،‬الفراهي‬

‫ملخص البحث‪:‬‬
‫لقد عين العلماء والباحثون بالبالغة العربية يف كل عصر من عصور التاريخ اإلسالمي فبدءًا بسيبويه‬
‫هائال من‬
‫عددا ً‬‫ومرورا بثعلب وابن املعتز وقدامة وأيب هالل وابن رشيق واجلرجاين جند ً‬ ‫وأيب عبيدة والفراء ً‬
‫عددا ال حيصى من الكتب والرسائل يف هذا‬ ‫علماء اإلسالم وأدبائه الذين كتبوا يف البالغة العربية وألّفوا ً‬
‫الفن فنقد الشعر والصناعتني والعمدة ودالئل اإلعجاز واملثل السائر ومفتا العلوم والتلخيص واإلياا‬
‫كتب مشهورة يف فن البالغة العربية‪ .‬ولقد بدؤوا ببالغة األلفاظ ونظم الكلمات واجلمل وركزوا على‬
‫األساليب وقسموها يف علم املعاين والبيان والبديع وحاولوا وضعها يف قوالب األسلوبية والفلسلفة‪ .‬وكل‬
‫هذه احملاوالت كانت خارج اهلند والسند‪.‬‬
‫ومل يتخلف وطننا اهلند يف هذا اجملال فربزت فيه حماوالت عديدة لفهم البالغة العربية مثل "حبر املعاين"‬
‫و"بدائع البيان" و"عني املعاين" و"فتح املعاين" و"شر ميزان البالغة"‪ ،‬وأما بالغة القرآن الكرمي فقد‬
‫حظيت بعنايتهم‪ ،‬فنجد من الكتب "إعزاز قرآن" و"وجوه إعجاز القرآن" و"مجهرة البالغة" و"البالغة‬
‫القرآنية" وهذه عالوة على الشرو واحلواشي والتلخيصات اليت ال ع ّد هلا وال حصر‪.‬‬
‫وكتاب "مجهرة البالغة" من مؤلفات اإلمام عبد احلميد الفراهي (ت ‪1332‬م) الذي انقطع إىل تدبر‬
‫القرآن وسرب غوره والتفكري يف معاين آياته ونظم سوره‪ .‬وحاول التجديد يف كل فن وتدوينه من جديد يف‬
‫ضوء القرآن الكرمي فألّف الكتب والرسائل يف التفسري واحلديث والفقه والنحو والفلسفة ومبادئ الدين‬
‫متالعا من العربية والفارسية‬
‫ً‬ ‫حىت جند يف مؤلفاته حماوالت املقارنة بني أديان العامل وذلك ألنه كان‬
‫وشاعرا فانطلق‬
‫ً‬ ‫واإلجنليزية والسريانية والسنسكريتية وغريها من شىت لغات العامل‪ .‬وكان باحثًا ومف ّكًرا‬
‫يكتب أكثر من سبعني رسالة يف آن واحد وترك إشارات وذكريات عنها إال أنه مل يوفّق إمتامها سوى‬
‫العدد القليل منها‪ ،‬وهي تفسري بعض سور القرآن وإمعان يف أقسام القرآن‪ ،‬والرأي الصحيح فيمن هو‬
‫الذبيح‪ ،‬وأسباق النحو وزمزمه دري وغريها من مؤلفاته ورسائله اليت سيطول بذكرها امللخص‪.‬‬
‫من خالل حماولته لتجديد الفنون وتطهري العلوم قام اإلمام الفراهي بتأليف رسالة صغرية للغاية باسم‬
‫"مجهرة البالغة" صدرت يف حياته وتوجد إحدى نسخها يف مكتبتنا املركزية ولكنه شعر فيما بعد بأهنا‬
‫حتتاج إىل إعادة النظر فيها وإضافة املواد األخرى إليها فبدأ بتأليفها من جديد ولكن عاجلته املنية قبل‬
‫أن يقوم بإمتامها‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫هذه الرسالة غري التامة صدرت بعد وفاته يف ‪1331‬ه من مطبعة "معارف" بأعظم كره (أوترابراديش)‬
‫يف ‪ 63‬صفحة‪ .‬تنقسم الرسالة إىل ثالثة أقسام؛ القسم العمومي‪ ،‬والقسم اخلصوصي‪ ،‬ومباحث متفرقة‪.‬‬
‫فالقسم العمومي يتناول معىن البالغة والنقد على النظريات املختلفة عنها جبانب اإلشارة إىل أصول‬
‫البالغة العامة‪ ،‬بينما القسم اخلصوصي يتحدث عن خمتلف األساليب البالغية مبا فيها داللة الوصل‬
‫والفصل واحلذف واملقابلة واالستثناء‪ ،‬ومن هنا ختلّص إىل بالغة القرآن اليت هي غاية هذه الرسالة‬
‫وسرها وكماهلا‬
‫وهدفها الرئيس‪ ،‬والقسم الثالث (مباحث متفرقة) ينطق عن اجلملة املعرتضة ورو البالغة ّ‬
‫وحماسن كالم العرب ومذهب العرب يف نقد الكالم وغريها من املباحث املهمة‪ .‬حاول اإلمام الفراهي‬
‫من خالل رسالته هذه أن يكشف القناع عن بالغة القرآن يف ضوء كالم العرب القح وكالم الرب تعاىل‬
‫حيوهلا إىل بالغة العجم اليت ال صلة هلا ببالغة العرب والسيما ببالغة القرآن الكرمي‪ .‬هذه‬ ‫ذاته‪ ،‬فلم ّ‬
‫حماولة بديعة وناجحة‪.‬‬
‫والبحث القادم‪ ،‬وهو تفصيل هذا املوجز‪ ،‬ينقسم يف مبحثني بعد املدخل أوهلما يق ّدم ترمجة موجزة‬
‫لإلمام الفراهي وثانيهما دراسة حتليلية لكتابه مجهرة البالغة‪ .‬فنبدأ بسم اهلل الرمحن الرحيم‪.‬‬

‫مدخل إىل املوضوع‪:‬‬


‫مما أجنبت حمافظة أعظم كره من الشخصيات ذات الشهرة الدولية يف خمتلف اجملاالت العلمية واألدبية‬
‫شخصية العالمة اإلمام عبد احلميد الفراهي (‪1331-1633‬م)‪ .‬كان اإلمام الفراهي شخصية ذات‬
‫ماهرا يف الكالم والفلسفة والتعليم إال أ ّن‬
‫متالعا يف العربية والفارسية واإلجنليزية وكان ً‬
‫ً‬ ‫أبعاد شىت فكان‬
‫جماله احلبيب كان هو القرآن وعلومه‪ .‬فقال فيه العالمة السيد سليمان الندوي‪:‬‬
‫"وبعدما ق اى وطره من طلب العلم‪ ،‬واستقى من حياضه‪ ،‬ورتع من رياضه انقطع إىل تدبر القرآن‬
‫مكب‬
‫ودرسه‪ ،‬والنظر فيه من كل جهة‪ ،‬ومجع علومه من كل مكان‪ ،‬فقاى فيه أكثر عمره‪ ،‬ومات وهو ّ‬
‫لف ما نشروه وملّ ما شتّتوه‪ ،‬وحتقيق ما مل حي ّققوه‪ .‬فكان لسانه ينبع‬
‫على أخذ ما فات من العلماء‪ ،‬و ّ‬
‫‪1‬‬
‫علما بالقرآن وصدره يتدفق حبثًا عن مشكالته وقلمه جيري كش ًفا عن معاالته"‪.‬‬‫ً‬
‫وفيما يلي موجز عن حياة هذه الشخصية القرآنية وأعماله اخلالدة‪ ،‬ودراسة حتليلية ألبرز مؤلفاته يف‬
‫النقد والبالغة أال وهو كتاب "مجهرة البالغة"‪.‬‬

‫املبحث األول‪ :‬موجز عن حياة وأعمال اإلمام عبد احلميد الفراهي‬


‫ولد اإلمام الفراهي يف ‪/16‬نوفمرب سنة ‪1633‬م بقرية "فريها" (أعظم كره‪ ،‬أوترابراديش)‪ ،‬وكان أبوه من‬
‫أشراف الديار ومثق ًفا بثقافة غربية ومالك مكتبة غنية كعادة أسالفه‪ .‬بدأ الفراهي دراسته بقراءة القرآن‬

‫‪3‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫الكرمي فحفظه عن ظهر القلب مث تلمذ ألمهر دياره يف الفارسية وشاعرها الشيخ حممد مهدي الشتاروي‬
‫وتعلّم عليه اللغة الفارسية كما تعلّمها على ابن خاله العالمة املؤرخ شبلي النعماين‪ .‬مث شرع يتعلّم اللغة‬
‫العربية وعلومها على ابن خاله املذكور وقد وفّق االستفادة من العالمة حممد فاروق الشرياكويت أستاذ‬
‫ماهرا يف الفارسية والعربية وشاعرمها وكانت له اليد الطوىل يف‬ ‫العالمة شبلي‪ .‬وكان العالمة الشرياكويت ً‬
‫علم الكالم‪ .‬وبعدما هنل من هذه املناهل ارحتل إىل لكناؤ حيث استفاض من عالمتها اجلليل عبد احلي‬
‫الفرنغي حملي يف جمال الفقه اإلسالمي‪ .‬ولقد أهنى تعليم العلوم العربية واإلسالمية على عالمة الشرق‬
‫فيض احلسن السهارنبوري الذي كان فاقد النظري يف التبحر يف األدب العريب وأنساب العرب‪ .‬كان‬
‫وماهرا يف علوم القرآن الكرمي‬‫ً‬ ‫كبريا‬
‫وناقدا ً‬
‫شاعرا للفارسية والعربية واألردوية ً‬‫ً‬ ‫العالمة السهارنبوري‬
‫واحلديث النبوي الشريف‪ .‬كتبه ومؤلفاته دليل ّبني على تبحره هذا‪ .‬أهنى اإلمام الفراهي هذه السلسلة‬
‫التعليمية يف ‪1663‬م‪.‬‬
‫أوال اللغة اإلجنليزية‬
‫وبعد الفراغ من نيل هذه العلوم والفنون رغب يف احلصول على العلوم اجلديدة فتعلّم ً‬
‫توجه حنو علي كره والتحق‬ ‫وبعدما شدا منها اجتاز اختبار الثانوية من كلية اهلل آباد‪ ،‬ويف عام ‪1631‬م ّ‬
‫بكليتها الشرقية يف البكالوريوس واجتازها يف ‪1631‬م فاستفاد من علمائها وباحثيها السيما الربوفيسور‬
‫أرنولد وحاول أن جيتاز ماجستري ولكنه مل يوفّق هلا وكذا حاول أن جيتاز اختبار القانون ولكنه مل يق ّدر‬
‫تعلمه الديين والعصري يف ‪1631‬م‪.‬‬‫له وهكذا انتهت سلسلة ّ‬
‫بدأ الفراهي يف ّكر ويكتب منذ إقامته بعلي كره فقام يف رحاهبا برتمجة كتابني إىل الفارسية متّ تقريرمها يف‬
‫املقررات الدراسية يف كلية علي كره وكذا كتب قصيدته العربية اليت هنّأ فيها أستاذه العالمة شبلي على‬ ‫ّ‬
‫يتفكر يف القرآن الكرمي كما يبدو من مقدمة كتابه اجلليل "تفسري‬ ‫تكرمه بشرف "مشس العلماء" وجعل ّ‬ ‫ّ‬
‫نظام القرآن وتأويل الفرقان بالفرقان"‪.‬‬
‫كمدرس للعربية يف ‪1631‬م‪.‬‬ ‫بدأ الفراهي حياته العملية من مدرسة اإلسالم بكراتشي حيث مت تعيينه ّ‬
‫مساعدا للعربية يف‬
‫ً‬ ‫تعني أستا ًذا‬
‫قاى هبا عشر سنوات معلّ ًما ومؤل ًفا مث رجع إىل علي كره حيث ّ‬
‫تعني أستاذًا للعربية يف كلية ميور التابعة جلامعة اهلل آباد يف ‪1316‬م‪.‬‬
‫‪1311‬م وقاى هبا سنة واحدة مث ّ‬
‫تعني كعميد دارها للعلوم وأقام هبا حىت ‪1313‬م فاستقال عنها‬ ‫ويف ‪1311‬م ارحتل إىل حيدراباد حيث ّ‬
‫اجعا إىل دياره خلدمة مدرسة اإلصال اليت ساعد يف تأسيسها ابن‬ ‫يف شهر أغسطس لنفس السنة ر ً‬
‫خاله العالمة شبلي النعماين ولقد دعاه لذلك العالمة النعماين ذاته‪ .‬ومنذ هذه الفرتة بقي خيدم تلك‬
‫املدرسة حىت وافاه األجل يف ‪ /11‬نوفمرب سنة ‪1331‬م‪ .‬فكتب العالمة السيد سليمان الندوي على‬
‫وفاته‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫"الصلوة على ترمجان القرآن نداء رفع للصالة على جنازة ابن تيمية من مصر والشام حىت جدران الصني‬
‫قبل اآلن بستة قرون ونصف قرن‪ ،‬ومن الواقع أن يعاد هذا النداء مرة ثانية وأن يبلغ‪ ،‬على األقل‪ ،‬مصر‬
‫والشام من بالد اهلند بأن تويف ابن تيمية هذا العصر يف ‪ 13‬مجادى الثاين ‪1313‬ه املوافق لـ‪11‬‬
‫نوفمرب ‪1331‬م وال نتوقع يف هذه األوضاع الراهنة أن يربز نظريه يف العامل اإلسالمي فقد كان العالمة‬
‫كآية ربانية لتبحره يف العلوم الشرقية والغربية وكان فاقد النظري يف التالع بالعربية ومثق ًفا لإلجنليزية‬
‫متثاال ناط ًقا للفال والكمال وحافظًا للفارسية ونابغة للعربية فلو كان شخصية‬ ‫وصورة حية للتقوى و ً‬
‫واحدة ولكنه قد مجع يف فرديته عاملا للحكمة‪ ،‬ودنيًا للمعرفة‪ ،‬وكونًا للعلم‪ ،‬فلو كان يف عزلة عن الناس‬
‫ً‬
‫جممعا ألحبر العلم والفال وكان مارب املثل يف غناه عن الناس مع ثروته العلمية‪ .‬كان‬ ‫إال أنه كان ً‬
‫وبارعا‬
‫وماهرا للعلوم الدينية‪ً ،‬‬‫وناقدا للعلوم العقلية‪ً ،‬‬
‫وذخرا للعلوم العربية‪ً ،‬‬
‫يدا يف اإلملام بالعلوم األدبية ً‬
‫فر ً‬
‫وبعيدا عن مد الناس ومعتك ًفا يف زاوية‬ ‫لعلوم القرآن‪ ،‬وفوق تلك أنه كان يف غىن عن متاع الدنيا ً‬
‫خلدمة العلم فكان وحده مل ًكا يف دنياه ذاته‪ .‬إنه أنفق ثالثني سنة كاملة يف التفكري على القرآن وسرب‬
‫بعيدا عن ضجيج العامل وغوغائه ‪ ----‬ولد فقاى عمره يف تدبر القرآن وماى لسبيله‪ ،‬ولكن‬ ‫غوره ً‬
‫‪2‬‬
‫األسف أن العامل مل يسعه تقدير أمهيته وفاله"‪.‬‬
‫ودون أكثر من سبعني كتابًا وجمموعة ومن أبرزها "تفسري نظام القرآن وتأويل الفرقان‬‫ألّف الفراهي ّ‬
‫بالفرقان" و"الرأي الصحيح يف من هو الذبيح" و"إمعان يف أقسام القرآن" و"أسباق النحو" و"مفردات‬
‫القرآن" و"التكميل يف أصول التأويل" و"يف ملكوت اهلل" و"أساليب القرآن" و"القائد إىل عيون العقائد"‬
‫ونود أن نقوم‬
‫و"ديوان محيد" و"زمزمه درى" و"ديوان فيض احلسن السهارنبوري" و"مجهرة البالغة"‪ّ .‬‬
‫بالدراسة التحليلية للكتاب األخري الذي طبع يف ‪1331‬ه من الدائرة احلميدية مبدرسة اإلصال بسراي‬
‫مري‪ ،‬أعظم كره والذي موضوعه بالغة العرب السيما بالغة القرآن الكرمي‪.‬‬

‫املبحث الثاين‪ :‬دراسة حتليلية لكتاب "مجهرة البالغة"‬


‫أوال‪ :‬السبب يف تأليف هذا الكتاب‪:‬‬
‫ً‬
‫أراد اإلمام الفراهي بتأليف هذا الكتاب الكشف عن بالغة الوحي الرباين السيما القرآن الكرمي كما‬
‫يقول يف خطبته هلذا الكتاب‪:‬‬
‫"فوجب علينا أن نعرف أسرار البيان وفاائله كما وجب علينا أن نعرف إعجاز القرآن ودالئله‬
‫‪3‬‬
‫لنستكمل من فطرتنا عنصرها ونستسقي من عيون الوحي كوثرها"‪.‬‬
‫ويقول يف مكان آخر من كتابه‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫"اعلم أن البيان كالظل واألثر للنطق الذي هو مقوم لإلنسان كما أن النطق ظل من الوحي األعلى‬
‫وكلمة اهلل العليا فالبحث عن أوليات علم البيان جيلبنا إىل احلكمة اإلهلية ولكنا اآلن يف اجلدول فال‬
‫نغوص يف البحر غري أن ال ننساه ونعلم أن إليه منتهاه وهل املصري لشيء إال اهلل وق ّدمنا هذه الكلمات‬
‫ليتبني لك الفرق بني تعاطينا العلوم السيما هذا العلم وبني تعرض األمم األخر له فإهنم نظروا إليه من‬
‫ّ‬
‫‪4‬‬
‫نظر دين دنياوي فغالتهم غوائلها وأبعدهم عن احلق"‪.‬‬
‫وهذا من ميزة الفراهي أنه يشري يف خطبة كل كتاب له إىل ما هو اهلدف يف تأليفه‪ .‬ولقد تناولنا‬
‫‪5‬‬
‫بالبحث خطبه العربية يف مقالة منشورة يف جملة "ترمجان دار العلوم جديد"‪.‬‬
‫وإنه بىن هذا الفن على كالم العرب األقحا الذين كانوا فرسان الكالم وكانوا أعرف ببالغة كالمهم من‬
‫مشريا إىل هذا اجلانب‪:‬‬
‫غريهم فيقول ً‬
‫"كما أن علماء اإلسالم أقبلوا على هذا الفن ألجل الكشف عن إعجاز القرآن فلو أهنم استقصوا كالم‬
‫العرب واقتفوا آثار احملاسن فيه وقيّدوها باحلدود ونظموها يف ترتيب حىت يصري هلم ميزان وحمك ملعرفة‬
‫حماسن الكالم مث نظروا يف براعة القرآن ونظمه املعجز لكانوا أقرب إىل معرفته ولكنهم مل يأخذوا من‬
‫العرب وال من كالمهم فإهنم أثرت فيهم علوم العجم كما خالطتهم سجاياهم إال األولني كاجلاحظ فإنه‬
‫ال يبعد عن سنن العرب كبعد صاحب دالئل اإلعجاز ومل يبعد إال لقلة ممارسته بكالم العرب اخلالص‬
‫‪6‬‬
‫تيسر له ذلك عرف منزلتهم يف هذه الصناعة واعرتف بفالهم على املولدين"‪.‬‬ ‫فلو ّ‬
‫ويقول يف موضع آخر من كتابه‪:‬‬
‫انتباها ملواضع‬
‫متييزا بني حماسن الكالم ومساويه و ً‬ ‫"فاعلم أنه ليس أن العرب أعطوا البالغة ومل يعطوا ً‬
‫اجلودة والرداءة فيه فإهنم كانوا يباهون برباعة الكالم وحي ّكمون بينهم من كان أبصرهم بنقده‪ .‬واألخبار‬
‫يف ذلك كثرية حىت بلغ أمر البالغة فيهم منزلة نظام املعاشرة‪ .‬فكان خطيبهم يأخذ بزمام القوم فيقودهم‬
‫إىل حيث شاء ويقوم شاعرهم فريفع قومه من األرض إىل السماء فأجدر بقوم هذا شأهنم أن جيري‬
‫ذوقهم يف هذه الصناعة على سنة وأصول معلومة وإال كيف يقاي فيهم حكمهم أم كيف يذعن‬
‫حلكمه أرباب العقل فيهم وإن رأيت يف كتب األدب نقدهم وبياهنم وجوه املزية لكالم على كالم‬
‫صدق هذه الدعوى وذكرنا نب ًذا منه يف باب اختيار اللفظ‪ .‬مث علمت أن سبيلهم يف نقد‬‫علمت باليقني َ‬
‫الكالم مل يكن كسبيل صاحب أسرار البالغة وهو القدوة للذين جاءوا من بعده فاتبعوا خطواته فكان‬
‫خريا‬
‫مهدها املبعدون لكان ً‬ ‫سدا بينهم وبني العرب فلو التزموا كالم العرب ومل يلتفتوا إىل أصول ّ‬
‫سبيله ً‬
‫‪7‬‬
‫هلم وكانوا أقرب إىل معرفة إعجاز القرآن من طريق الذوق وإن مل يكونوا من طريق الصناعة"‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬

‫وثانيًا‪ :‬رأي العلماء والباحثني عن هذا الكتاب‪:‬‬


‫ولو أن الكتب كثرت وتع ّددت يف هذا املوضوع إال أن هذا الكتاب فريد من نوعه فقد أشاد الكتاب‬
‫والعلماء والباحثون هبذا الكتاب ومن بينهم عدد ملموس من العلماء العرب كما رطبت ألسنة العلماء‬
‫اهلنود بذكره وننقل فيما يلي طرفًا من آرائهم‪:‬‬
‫ب عن بالغة‬ ‫ِ‬
‫جيدا ما ُكت َ‬
‫العالمة شبلي النعماين‪ ---" :‬هذه هي مباحث الكتاب والكاتب يعرف ً‬
‫القرآن ولكنه يظن أن كلها غري تامة يف املوضوع‪ .‬وما قام به القدامى من ترتيب فن البالغة ناقص‬
‫أصوال عديدة مل يكن هبا عهد‬
‫كذلك‪ ،‬ولذا فقد اعتىن الكاتب هبذا الفن ورتّبه يف نطاق واسع ووضع ً‬
‫‪8‬‬
‫مستقال مسّاه "مجهرة البالغة"‪.‬‬
‫ً‬ ‫لفن البالغة وهكذا فألّف كتابًا‬
‫‪ .1‬الشيخ أمني أحسن اإلصالحي‪ ---" :‬قام األستاذ الفراهي بتأليف كتاب جديد يف فن البالغة‬
‫مستوى صادقًا‬
‫فغري ترتيب هذا الفن وجاء بالعديد من األصول اجلديدة اليت ميكن أن تثبت ً‬
‫ّ‬
‫‪9‬‬
‫لتقدير بالغة القرآن"‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫ويقول يف موضع آخر‪" :‬مجهرة البالغة كتاب فاقد النظري للفراهي يف فن بالغة القرآن"‪.‬‬
‫إيل مهمة تدريس القرآن الكرمي يف دار العلوم بندوة العلماء‬
‫‪ .2‬العالمة أبو احلسن الندوي‪" :‬ملا فرض ّ‬
‫قرأت مؤلفات الشيخ عبد احلميد الفراهي بإمعان وجدية وجهد بالغ واستفدت منها قدر‬
‫إيل الدعوة من قبل جامعة دمشق يف ‪1313‬م محلت معي كتب الشيخ‬ ‫ت ّ‬ ‫املستطاع‪ ،‬وملا ُو ِّج َه ْ‬
‫كثريا كطالب األدب العريب وتارخيه‪ ،‬وكباحث‬ ‫الفراهي السيما "مجهرة البالغة" الذي تأثرت به ً‬
‫‪11‬‬
‫هلما ومف ّكر فيهما"‪.‬‬
‫ويقول يف مكان من خطابه هذا‪" :‬من أعماله اجلليلة "مجهرة البالغة" لو قام أحد بتحقيقه‬
‫تفرد الشيخ الفراهي يف هذا اجملال فلقد قام الشيخ بإعداده‬
‫وتقدميه بأسلوب علمي جديد لثبت ّ‬
‫‪12‬‬
‫لذوقه السليم لألدب العريب والقرآن الكرمي"‪.‬‬
‫‪ .3‬الدكتور شرف الدين اإلصالحي‪" :‬لو أمتّ العالمة الفراهي هذا الكتاب على املستوى الذي بدأ به‬
‫قائال‪" :‬إن‬
‫لكان كتابه هذا من كتب العامل العظيمة لسبب أفكاره ونظرياته البديعة"‪ .‬ويستطرد ً‬
‫‪13‬‬
‫هذا الكتاب حيتوي على جمموعة كبرية للمسائل الدقيقة والنكت اللطيفة"‪.‬‬
‫عديدا من‬
‫‪ .4‬الربوفيسور حممد راشد الندوي‪" :‬كان العالمة الفراهي و ًلعا كل ًفا بالقرآن الكرمي‪ ،‬ألّف ً‬
‫الرسائل يف علوم القرآن يامنها إعجاز القرآن احلكيم‪ .‬كتابه "مجهرة البالغة" مثال رائع جلهده يف‬

‫‪7‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫هذا الفن‪ .‬ولقد مارس العالمة الفراهي كالم العرب اجلاهلي كما أمعن النظر فيما ألّف من كتب‬
‫متاما بفصاحة القرآن وبالغته لتالعه من اللغة‬
‫النقد والبالغة حىت عصره‪ .‬كان العالمة يشعر ً‬
‫‪14‬‬
‫جيدا كالم العرب اجلاهلي والقرآن الكرمي ومؤلفات علماء النقد والبالغة"‪.‬‬
‫العربية‪ ،‬ولقد درس ً‬
‫قائال‪" :‬ما ذكره العالمة من أصول النقد والبالغة يف كتابه املوجز هذا هي عصارة نظرياته‬
‫ومياي ً‬
‫األدبية والنقدية‪ ،‬أسلوبه موجز للغاية بل لو كان هناك كلمة أخرى ملا هو أوجز من اإلجياز للتعبري‬
‫عن إجياز كتاباته الستخدمناها فرمبا يكتفي العالمة باإلشارة إىل قاية مهمة للغاية واحلال أهنا‬
‫‪15‬‬
‫عقال كمثله"‪.‬‬
‫ظن حني تأليف كتبه أن قارئها أح ّد ً‬
‫تقتاي التوضيح‪ .‬لعله ّ‬
‫ويقول كذلك‪" :‬ويف رأيي املتواضع أن هذا الكتاب فريد من نوعه يف املوضوع باللغة العربية وهو‬
‫‪16‬‬
‫ليس مفخرة للعالمة الفراهي فحسب بل لعلماء شبه القارة أمجعني"‪.‬‬
‫‪ .5‬الدكتور أمحد مطلوب بعد دراسة هذا الكتاب يف أكثر من عشرين صفحة‪" :‬هذه جولة يف كتاب‬
‫فريد من نوعه ألّفه مسلم يف الشرق اإلسالمي‪ ،‬ومل يصل إىل البالد العربية ليكون صورة من صور‬
‫‪17‬‬
‫الدرس البالغي يف القرن العشرين للميالد"‪.‬‬
‫افدا‬
‫‪ .6‬الدكتور صاحل سعيد الزهراين يف مقالته الطويلة عن هذا الكتاب‪" :‬كتاب مجهرة البالغة ميثّل ر ً‬
‫من روافد التفكري البالغي احلديث"‪ .‬ويقول يف هناية دراسته هلذا الكتاب‪" :‬كتاب مجهرة البالغة‬
‫ميثل إضافة نوعية للتفكري البالغي يف العصر احلديث لكونه رؤية خاصة للبالغة العربية يف اإلبداع‬
‫وسياسة القول‪ ،‬وقراءة واعية ألصول البالغة العربية كما جتلّت يف البيان املعجز وكالم سيد اخللق‬
‫إبداعا‬
‫صلوات اهلل وسالمه عليه‪ ،‬وأدب العرب اخللّص‪ ،‬ورؤية ناقدة لتحوالت البالغة العربية ً‬
‫وسياسة للنص عقب مثاقفتها مع الفلسفة اليونانية‪ ،‬وخباصة فلسفة أرسطو‪ ،‬اليت كان هلا أكرب‬
‫‪18‬‬
‫األثر يف رؤي البالغيني والشعراء اجملددين يف العصر العباسي"‪.‬‬
‫‪ .1‬الدكتور أمجل أيوب اإلصالحي‪" :‬مجهرة البالغة الذي نقض فيه األساس الذي يقوم عليه فن‬
‫البالغة عند أرساطاليس‪ ،‬وهو نظرية احملاكاة‪ ،‬ويرى الفراهي أن فن البالغة العربية تأثر هبذه‬
‫النظرية فجار عن قصد السبيل‪ ،‬وانتقد يف ذلك اإلمام عبد القاهر اجلرجاين مع اعرتافه جباللته‪،‬‬
‫‪13‬‬
‫ودعا إىل تأسيس فن البالغة على أسس منبثقة من القرآن الكرمي وكالم العرب األقحا "‪.‬‬

‫يتم؟‬
‫وثالثًا‪ :‬هل متّ الكتاب أم مل ّ‬

‫‪8‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫كل من يلقي نظرة خاطفة على هذا الكتاب يعرف بأول وهلة أن هذا الكتاب غري تام وأن الفراهي مل‬
‫يوفّق إمتامه فيكثر فيه "بياض يف األصل" فقرة كتبها من قام جبمع وتدوين مؤلفات الفراهي وهذه تعين‬
‫يدل على شيء‬ ‫أن الفراهي ترك هذا املكان فار ًغا ليمأله يف املستقبل ولكنه مل يوفّق مأله‪ .‬وهذا كما ّ‬
‫يدل على أن الفراهي ليس كمثل الكتّاب اآلخرين الذين يدرسون بعض الكتب فيشرعون يف‬ ‫فكذلك ّ‬
‫تأليف كتاب ما وينهون تأليفه يف مدة قليلة أو طويلة‪ ،‬إمنا يف ّكر الفراهي يف املوضوع فيدرس الكتب فيه‬
‫كما يستفيد من املصادر واملراجع وال يكتب شيئًا إال بعد دراسة طويلة وإمعان النظر فلقد ذكر يل‬
‫أستاذي الشيخ جنم الدين اإلصالحي الذي كان تلمي ًذا من تالمذة الفراهي وكان يالزمه ليل هنار أن‬
‫الفراهي مل يكن يكتب شيئًا يف النهار بل كان يدرس ويدرس وكان يستيقظ يف السحر فيغسل مث يصلّي‬
‫الفجر مث يقوم بكتابة شيء ما عن املوضوع وكان يكتب على أوراق فيجمعها يف صندوق له موضوع يف‬
‫حجرته وعندما وجد يف موضوع حتر ًيرا ظنه كافيًا ملوضوع فقام جبمعه وتأليفه يف صورة كتاب‪.‬‬
‫ومثله حدث مع هذا الكتاب فقد شرع الفراهي يف تأليف هذا الكتاب يف ‪1311‬م وأرسل بعض ما‬
‫كتب إىل أخيه العالمة شبلي النعماين وواصل كتابته حىت مخس عشرة سنة ومل يكمل فتويف يف‬
‫‪1331‬م‪.‬‬
‫ابعا‪ :‬طريقة تأليف الكتاب‪ :‬هذا الكتاب املشتمل على ‪ 66‬صفحة ليس مما أهناه الفراهي وأمتّه‪ ،‬إمنا‬‫ور ً‬
‫بدأ بتأليفه حني إقامته مبدرسة العلوم بكراتشي (باكستان) وكتب بعض املباحث اليت رأى البعض منها‬
‫أخوه العالمة شبلي النعماين فأشاد به يف جملته "الندوة"‪ ،‬ومن عادة الفراهي أنه كان يدرس فيدرس ليل‬
‫جديدا فكل ما كتبه مما جاء به من‬ ‫هنار ومل يكن يكتب إال يف وقت السحر وكان يكتب إذا وجد شيئًا ً‬
‫متاما فكان الفراهي كاتبًا مف ّكًرا‪ .‬وجند أمثلة تفكريه املتواصل يف كتابه هذا فقد كتب‬
‫عنده وهو جديد ً‬
‫من قام جبمعه "بياض يف األصل" حيث ترك الفراهي ومل يكتب فيه شيئًا ليكتبه يف املستقبل‪ .‬وعلى كل‬
‫حال فما جنده بني أيدينا نستخلص منه عادة الفراهي حني التأليف والسيما تأليف هذا الكتاب‪.‬‬
‫حيب اإلسهاب والتفصيل فما جنده يف رسالته‬
‫يفال اإلجياز يف حديثه وال ّ‬
‫فالشيء األول أن الفراهي ّ‬
‫الوجيزة للغاية ميكن لنا أن ننشره يف جملدات كبار فلقد قمت بتحقيق إحدى رسائله "أساليب القرآن"‬
‫يف ثالثة جملدات ضخام بينما هذه الرسالة ال يتجاوز رقم صفحاهتا سبعني صفحة‪ .‬ومن هنا ميكن لكم‬
‫تقدير مدى حبّه لإلجياز‪ .‬وكذا جنده يف هذا الكتاب فلقد اعتربه كاتب ترمجته املسهبة يف ‪ 611‬صفحة‬
‫دررا منثورة‪ 21.‬والواقع كذلك فهي مثل درر منثورة تطلب منا أن نقوم بنظمها يف سلك مجيل‪ ،‬األمر‬
‫ً‬

‫‪9‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫الذي عجزت عنه األمة ولو بعد مئة سنة مات على تأليفها‪ .‬يشري الشيخ أبو احلسن الندوي إىل صفة‬
‫الفراهي هذه ولو بطريقة سلبية‪:‬‬
‫إجيازا على عادة كثري من احملققني واملتقدمني‬
‫"جند يف كتابات العالمة عبد احلميد الفراهي ً‬
‫‪21‬‬
‫واجملتهدين مما جيعل حتقيق أعماله صعبًا على اآلخرين"‪.‬‬
‫ويقول الربوفيسور حممد راشد الندوي‪:‬‬
‫"‪ ---‬أسلوبه موجز للغاية بل لو كان هناك كلمة أخرى ملا هو أوجز من اإلجياز للتعبري عن إجياز‬
‫كتاباته الستخدمناها فرمبا يكتفي العالمة باإلشارة إىل قاية مهمة للغاية واحلال أهنا تقتاي التوضيح‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫عقال كمثله"‪.‬‬
‫ظن حني تأليف كتبه أن قارئها أح ّد ً‬‫لعله ّ‬
‫والفراهي يع ّد اإلجياز من مميزات تأليفه فهو يقول يف موضع من هذا الكتاب اجلليل‪:‬‬
‫"وفيما قلنا ليس إال إشارة إىل مجلة األمر فأما طرقهم إىل تصوير املعاين اخلاصة فال أدري كيف أكشف‬
‫فصمم إىل األمثلة اآلتية تأملك وأملم هبا‬
‫عنها دون أن نورد نبذة من األمثلة من غري إطالة الكالم فيها‪ّ .‬‬
‫أحب اإلسهاب وحنن حنسن الظن بعقلك فإن هذا حديث‬ ‫يتبني لك‪ ،‬فإين ال ّ‬‫بل خيّم عليها حىت ّ‬
‫ويصور لك ما‬
‫يبني لك ما نريد ّ‬ ‫تصوير الشيء ذو أفانني ال نستطيع استقصاءها فليكفنا منه قدر صاحل ّ‬
‫‪23‬‬
‫أشرنا إليه"‪.‬‬
‫كثريا ما يستدل بكالم‬
‫ولو أنه يوجز الكالم عن املوضوع إال أنه ال يغفل عن قدر الدالئل واألمثلة فهو ً‬
‫يعاده بآيات القرآن الكرمي وآيات الصحف القدمية السيما التوراة وشيء قليل للغاية‬ ‫العرب القدمي كما ّ‬
‫باحلديث النبوي وكالم غري العرب واالستدالالن األخريان جاء كتعايد لكالم اهلل تعاىل‪ .‬ونورد لكم‬
‫تدعم ما قلنا آن ًفا فيقول الفراهي يف مطابقة الكالم باملعىن‪:‬‬
‫بعض األمثلة اليت ّ‬
‫"ليكن التعبري مطاب ًقا باملعىن لينًا وخشونة وحالوة ومرارة حسبما أردت من املد والذم كما قال حامت‬
‫الطائي‪:‬‬
‫فامجح اخليل مثل مجح الكعاب‬ ‫فإذاما مررت يف مسبطر‬
‫ومنه ما قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫وشحم كه ّداب الدمقس املفتّل‬
‫أو كما قال‪:‬‬

‫‪10‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫كمشي العذارى يف املالء امله ّدب‬
‫وهذا اختيار املناسب يكون من عدة جهات‪ :‬من الصوت‪ ،‬من الذم‪ ،‬من التشبيه‪ .‬أما من التشبيه‬
‫فقد علمت‪ .‬أما من الصوت فكما قال لبيد‪:‬‬
‫جن البدى رواسيا أقدامها‬ ‫غلب تشذر بالذحول كأهنم‬
‫املراد من البيت الصدر يف أمر الصوت والعجز يف أمر التشبيه‪ .‬فاجتمعت خشونة املعىن والصوت‬
‫قوما راعى مطابقة الصوت باملعىن كما أرى العرب‬
‫والتشبيه ويف القرآن (كشجرة خبيثة اجتثت) ومل أر ً‬
‫‪24‬‬
‫فإهنم براء من التكلف مولعون بالصدق متجنبون من السفاسف"‪.‬‬
‫ويكتب يف ذكر تصوير الشيء بالتشبيه واالستعارة والتمثيل واجملاز ويستدل بأكثر من أربعني بيتًا فيقول‬
‫بعد نقل أبيات نصيب التالية‪:‬‬
‫بليلى العامرية أو يرا‬ ‫كأن القلب ليلة قيل يغدى‬
‫جتاذبه وقد علق اجلنا‬ ‫عزها شرك فباتت‬
‫قطاة ّ‬
‫فعشهما تصفقه الريا‬ ‫هلا فرخان قد تركا بوكر‬
‫وقد أودى به القدر املتا‬ ‫نصا‬
‫إذا مسعا هبوب الريح ّ‬
‫وال يف الصبح كان هلا برا‬ ‫ترجي‬
‫فال يف الليل نالت ما ّ‬
‫املصورات احملض وبني التشبيهات لرتى املناسبة بينهما وقرب أمرمها‪ .‬وبعد ذلك من‬ ‫"وقرنت بني ّ‬
‫التشبيهات ما ال يرى كالتشبيه بادئ بدء ولكنه ليس إال التشبيه وإذ التفنن يذهب باملالل فينبغي أن‬
‫احدا‪ .‬فمنه قول املهلهل يرثي أخاه‪:‬‬
‫تعلم أحناء التصوير فيه لكيال تذهب مذهبًا و ً‬
‫الليل النهار‬
‫إىل أن خيلع َ‬ ‫ولست خبالع درعي وسيفي‬
‫فشبّه الليل باللباس على النهار وشبّه الدرع بالليل وشبّه لزوم السال جبسمه بلزوم الليل بالنهار وشبّه‬
‫مر‬
‫جسمه بالنهار لبياضه‪ .‬واألسلوب ليس باسلوب التشبيه الظاهر بل هو مما مسّوه اجملاز ومن ذلك ما ّ‬
‫من قول عبيد بن األبرص‪:‬‬
‫ميرع منه البلد املاحل‬ ‫القائل القول الذي مثله‬
‫‪25‬‬
‫استدالال"‪.‬‬
‫ً‬ ‫تشبيها و‬
‫فشبّه القول بالغيث بركة بطريق الكناية وهذا تشبيه عام يف التوراة وجاء يف القرآن ً‬
‫‪11‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫ويقول يف مبحث املقابلة‪:‬‬
‫يتبني الاد بالاد ويزداد حسنًا ويذهب باملالل‪ .‬أما‬
‫قبوال مث ّ‬
‫"الشيء يذكر مقابلة فالطبع أقرب له ً‬
‫األول فهو أمر طبعي لإلنسان حىت أن بعض العلماء زعم أن يف األول كل لفظ كان للادين وأما‬
‫حسن األشياء واستبانة حماسنها من التقابل فكان مصور اخللق تعاىل شأنه أظهر احملاسن هبا فأخرج‬
‫األزهار احلمر والصفر والبيض من بني أوراق خار وأبرز النجوم البيااء من صفحة سوداء والقمر‬
‫الفاي يف الصحن الزبرجدي‪ .‬فهكذا األمر يف الكالم وتصاويره وال خيلو منه لسان فأما العرب فكما‬
‫قال املهلهل‪:‬‬
‫كمتًا أنابيبها زرقًا عواليها‬ ‫يزهزهون من اخلطي مدجمة‬
‫وما أحسن ما قال قيس بن عاصم املنقري يف مد قومه‪:‬‬
‫وهم حلسن جوارهم فطن‬ ‫ال يفطنون لعيب جارهم‬
‫وهذا كما قال حامت‪:‬‬
‫يف إال تلك من شيمة العبد‬
‫وما ّ‬ ‫وإين لعبد الايف ما دام ثاويًا‬
‫وأحسن املقابلة دريد بن الصمة‪:‬‬
‫ويفىن قبل زاد القوم زادي‬ ‫ويبقى بعد حلم القوم حلمي‬
‫وليبني ح ّدمها‪.‬‬
‫وحسن هذه املقابالت يف مجع احلسنتني مث يف وصفهما باملقابلة ليزداد وضوءمها ّ‬
‫فجمع اإلغماض والفطانة‪ ،‬والتواضع واألنفة‪ ،‬والعقل والسخاء وقال معد بن علقمة‪:‬‬
‫ونشتم باألفعال ال بالتكلم‬ ‫وجتهل أيدينا وحيلم رأينا‬
‫شرا‪:‬‬
‫وقال تأبط ً‬
‫وندي الكفني شهم مدل‬ ‫يابس اجلنبني من غري بؤس‬
‫قال النيب صلّى اهلل عليه وسلّم يف مد األنصار "يقلّون عند الطمع ويكثرون عند الفزع"‬
‫ويامحل قول أوس بن حجر يف جنب هذا السهل املمتنع حيث قال‪:‬‬
‫وىل ويرضيك مقبال‬
‫يذمك إن ّ‬
‫ّ‬ ‫وليس أخوك الدائم العهد بالذي‬

‫‪12‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫وصاحبك األدىن إذ األمر أعاال‬ ‫ولكنه النائي إذا كنت آمنًا‬
‫والبالغة القصوى اليت حيسر دوهنا الوصف ويايق العقل عن إحاطتها يف قوله تعاىل (ترى إذ‬
‫فزعوا (أرادوا الفرار) فال فوت (أي مل ميكنهم أن يفلتوا) وأخذوا من مكان قريب وقالوا آمنّا به‬
‫أوال فزعوا فأرادوا‬
‫صورت بني يديه مجاعة ً‬
‫أىن هلم التناوش من مكان بعيد) فمن فهم معىن اآليتني ّ‬ ‫وّ‬
‫الفرار فلم ميكنهم اإلفالت بل أخذوا على مكاهنم فلما يئسوا قالوا آمنّا والت حني اإلميان فإن‬
‫وقت اإلميان كان بالغيب يف حياهتم األوىل وقد فاهتم اآلن وبعد عنهم مكانًا فيم ّدون إليه أيديهم‬
‫‪26‬‬
‫كاملتناوش ملا بعد عنه فأىن له ذاك"‪.‬‬
‫ومن خالل حديثه عن موضوع ما‪ ،‬ينتقد الكتّاب والباحثني الذين جيد رأيهم خاطئًا أو غري‬
‫صحيح فانتقد أرسطو وجان مل واجلرجاين وأبا جعفر قدامة واألصمعي والباقالين واحلريري‬
‫والزخمشري والرازي وغريهم من العلماء وأصحاب الفن‪.‬‬
‫صحيحا وصائبًا فبجانب‬
‫ً‬ ‫وليس هذا فحسب بل ميد من الكتّاب والباحثني من جيد رأيهم‬
‫اإلطراء للجاحظ فقد أشار إىل ما أصاب فيه أرسطو واجلرجاين وغريمها ممن قام بتوجيه النقد‬
‫فنفرد له مبحثًا إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫إليهم‪ .‬وأما مدحه للعرب ً‬
‫ومن ميزة هذا الكتاب أن الفراهي‪ ،‬خالل حديثه عن أصول البالغة‪ ،‬يذكر لنا نكتًا بالغية‬
‫خيرجها من القرآن والشعر وهكذا فهو يعلّمنا كيف نقوم بالكشف عن بالغة نص أو بيت أو‬
‫مجلة من الكالم فيستخرج النكت من بعض آيات سورة هود حني البحث عن الفصل والوصل‬
‫باخليال‪:‬‬
‫"‪ ---‬يف سورة هود يف ذكر جدال قوم عاد ببنيه هود (إين توّكلت على اهلل ريب وربكم‪ ،‬ما من دابة إال‬
‫هو آخذ بناصيتها‪ ،‬إن ريب على صراط مستقيم) فهذه ثالث كلمات جئن بعد إعالن اليأس واحلرب‬
‫من هود فقوله "إين توكلت على اهلل ريب وربكم" ينطوي على أين ال أبايل مبكائدهم فإن اهلل الذي هو‬
‫ريب وربكم موالئي فإذا توكلت عليه فما خويف من أحد‪ ،‬فاتصال اجلزء األول بالثاين ظاهر‪ .‬مث قوله "ما‬
‫من دابة إال هو آخذ بناصيتها" مع اتصاله باألول ينطوي على أنه ما من دابة إال سبيلها إىل اهلل تعاىل‬
‫فرتجعون إليه وعلى أنه من يعاجزه قاسى جذبات العنف واهلون ومن سلك إىل ربه هان عليه السلوك‬
‫ويسر له السبيل‪ .‬فقرب إىل اجلزء الثالث ألن من بيده نواصي العباد قائم على الصراط املستقيم فمن‬ ‫ّ‬
‫جماال‬
‫سهال وفاز فظهر أن اجلملة الوسطى ذات جهتني والفصل يعطي اخليال ً‬ ‫أخذ هذا الصراط وجده ً‬
‫‪27‬‬
‫للتأمل يف أطراف القول وتوسيعه حىت يبصر جبهيت الربط"‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫ويكشف الغطاء عن بالغة بيت عريب ٍ‬
‫تال حني الكالم عن انتهاز الفرصة‪:‬‬
‫يتبعن كل سفيه الرأي مغيار‬ ‫إن احلمول اليت راحت مهجرة‬
‫مل تكن له حاجة بادية إىل أن يزيد على املغيار كلمة سفيه الرأي وإين أتعجب من النابغة هذه‬
‫الكلمة الواحدة مثلما أتعجب منه إيراد هذا حديث املغيار فإين رأيت الشعراء هلجوا بذكر البأس‬
‫واملنعة دون معشوقهم أو عداوة احلماة وحنقهم ولكن النابغة ترك تلك األمور املبتذلة وأخذ ما هو‬
‫مالك األمر مث زاد عليه سفاهة الرأي لتأكيد سوء الظن مث مل يقل إن ذا رحم هلا مغيار وسفيه‬
‫الرأي فتظن أن ذلك أمر واقع من االتفاق بل جعل هذا املغيار أمري الرفقة فوصفه بسفاهة الرأي‬
‫جمازا ملا هو ال يرضى من غريته وشدة الغرية يفصح عن احلسن فالبيت حقيقة يف شكاية‬ ‫ليس إال ً‬
‫احلرس وكناية عن احلسن‪ .‬وكانت العرب منتبهني هلذا اإلدراج فلهجت به فصحاءهم وطربت له‬
‫أذهاهنم وكان النابغة هذا أسبقهم يف هذه الصنعة حىت أنك ترى من ق ّدمه على سائر الشعراء‬
‫‪28‬‬
‫ق ّدمه بأبيات ليس يف أكثرها إال تلك الصنعة"‪.‬‬
‫ودل"‪.‬‬
‫قل ّ‬‫نسميه "ما ّ‬
‫مفيدا لدارسي البالغة بأسلوب ّ‬
‫سفرا ً‬
‫فكأن كتابه هذا يثبت ً‬
‫يدا من‬
‫وخامسا‪ :‬حمتويات الكتاب‪ :‬هذا الكتاب الذي أثىن عليه العلماء والباحثون واعتربوه فر ً‬
‫ً‬
‫يسمى بالقسم العمومي والقسم‬ ‫نوعه يف املوضوع ينقسم يف خطبة وثالثة أقسام فالقسم األول ّ‬
‫يسمى "مباحث متفرقة"‪.‬‬‫الثاين يعنون بالقسم اخلصوصي وأما القسم الثالث األخري فهو ّ‬
‫ففي اخلطبة أشار إىل اهلدف وراء تأليف هذا الكتاب ويتلوه القسم األول العمومي فلو أن هذا‬
‫القسم عمومي إال أنه حيتوي على مباحث هامة عن هذا الفن ففي البداية ذكر ما هو البيان‬
‫دل على بالغة الوحي وكيف كانت حالة‬ ‫وكيف يهدي هذا البيان إىل اهلل جل جالله ومن مث ّ‬
‫األمم السابقة بالنسبة هلذا الفن ومل مل يهتدوا إىل سواء السبيل يف هذا الشأن مث ذكر صعوبة معرفة‬
‫حماسن الكالم وأشار إىل خمتلف اجلوانب واجلهات حلسن شيء مث أشار إىل بالغة العجم وكيف‬
‫هي أضلّت العلماء والباحثني يف معرفة بالغة القرآن وما هي الطريقة اليت هتدينا إىل معرفته‬
‫الصحيحة‪ ،‬أال وهو معرفة حماسن كالم العرب ألن لكل لغة خصائص وميزات كما للغة العربية‪.‬‬
‫وبعد ذلك ذكر حظوة العرب بالقوة لفهم الكالم ولتمييز اجليد من اخلبيث وهكذا ذكر كيف‬
‫كانوا مييزون الكالم وما هي األصول اليت وضعوها أو اختاروها ومن مث انتقد نظرية أرسطو‬
‫ودحض أن الكالم نوع من احملاكاة وأثبت أنه مفطور على النطق والبيان وما نراه من‬ ‫للبالغة ّ‬
‫احملاكاة إمنا هي حماولة منه لإلعراب عما يف ضمريه‪ .‬ومبا أن النطق والبيان من مواهب اهلل فكذلك‬
‫‪14‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫أن الوحي قمة عليا للبيان وذلك ظاهر من قول اهلل تعاىل "الرمحن علّم القرآن خلق اإلنسان علّمه‬
‫يقويه وكلما صدقت‬
‫البيان"‪ 23.‬وبعد ذلك حت ّدث عن الشعر وأثبت أنه نوع من البيان‪ ،‬والتصوير ّ‬
‫الصورة ارتفع الكالم فالعرب اعتربوا الكالم الصادق حسنًا كما ع ّدوا الكاذب منه غري حسن فقد‬
‫قال العرب‪:‬‬
‫بيت يقال إذا أنشدته صدقا‬ ‫وإن أحسن بيت أنت قائله‬
‫فالكذب‪ ،‬لديهم‪ ،‬عيب يف الكالم‪.‬‬
‫تأثريا من‬
‫وبني الفرق بينهما كما ذكر أن اخلطبة أقوى ً‬ ‫عرف الشعر واخلطبة ّ‬ ‫بعد هذه املباحث ّ‬
‫تأثرا‪ ،‬ومن خالل هذا احلديث ذكر الفرق بني الشعر والنثر‬ ‫الشعر إال أن األول أسرعهما ً‬
‫وميزاهتما‪ .‬مث ذكر طريق البالغة فذكر فيها مطابقة الكالم باألصل ومطابقة الكالم بالذي يف‬
‫مؤثرا حسب حال املستمع مث ذكر‬ ‫خيال املتكلم وبكونه واضح الداللة وصائب اإلشارة وبكونه ً‬
‫طرق التوضيح من جهة استعمال األلفاظ‪ ،‬ومن جهة الصوت‪ ،‬ومن جهة اختيار املعاين‪ ،‬وبعد‬
‫فصال يف تصوير الشيء بالتشبيه واالستعارة والتمثيل واجملاز كما أشار إىل داللة التشبيه‬
‫ذلك عقد ً‬
‫واملذاهب الباطلة يف التشبيه‪.‬‬
‫أصوال عامة للبالغة فذكر عشرة أصول مبا فيها االعتدال ومطابقة الكالم باملعىن‬
‫وبعد ذلك ّبني ً‬
‫وسذاجة الكالم والرتتيب واملقابلة ومتييز املعاين وفرق درجاهتا وتنقيح األلفاظ واإلجياز وادخار‬
‫األلفاظ واألساليب ومنبع الكالم‪ .‬وينتهي على هذا‪ ،‬القسم العمومي‪.‬‬
‫والقسم الثاين هو القسم اخلصوصي فقد تناول فيه داللة الوصل والفصل والوصل والفصل باخليال‬
‫وحظ السامع وداللة احلذف وحسن الرتتيب واملقابلة واالستثناء وانتهاز الفرصة يف كالم العرب‬
‫والقرآن واجملاز والكناية والتشبيه وداللة اجملاز يف األزمنة ولسان الغيب واإلشارة والكناية والتعريض‬
‫وهذه كلها بأسلوب جديد وجاء يف غاون هذه املباحث بأشياء مل تكتب من قبل مثل حظ‬
‫السامع‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث وهو يشتمل على مباحث متفرقة حيث ذكر صرف الكالم عن سنته واجلملة‬
‫املعرتضة ووجوه اخلفاء يف التمييز بني حسن الكالم وقبيحه ورو البالغة وسرها وكمال البالغة‬
‫واإلعجاز ومناط حماسن الكالم وأخالق العرب مبا فيها قوى العرب العقلية والكالمية وارجتاهلم‬
‫وصوت اخلطيب ومذهب العرب يف نقد الكالم والفواصل والقوايف‪ .‬ولقد جاء يف هذه املباحث‬

‫‪15‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫فمثال حديثه عن اجلملة املعرتضة وكالمه عن‬
‫بأشياء مفيدة للغاية وأبدع يف مناقشة املوضوع ً‬
‫أخالق العرب ودفاعه عن سجيتهم لالرجتال مباحث قيّمة بديعة‪.‬‬
‫وسادسا‪ :‬أمور مل يسبق إليها‪ :‬ولقد كتب الفراهي من خالل مباحث هذا الكتاب ما ال يوجد‬‫ً‬
‫ونود أن نشري إىل البعض منها على سبيل‬
‫لدى اآلخرين من البالغيني والنحويني وهي بديعة نادرة ّ‬
‫املثال ال احلصر فإن هذه املقالة الوجيزة ال تتحملها‪.‬‬
‫تقسيم البالغة‪ :‬أول ما جنده من روائع الفراهي بالنسبة للبالغة هو تقسيمها إىل قسم عمومي‬
‫وخصوصي فهذه قسمة جديدة مل يسبقه فيها أحد من املتقدمني فيقول الدكتور أمحد مطلوب يف‬
‫مقالته عن هذا الكتاب‪:‬‬
‫"تقسيم مباحث البالغة إىل قسمني‪ :‬القسم العمومي والقسم اخلصوصي‪ ،‬وهو تقسيم جديد مل‬
‫‪30‬‬
‫تألفه البالغة العربية يف تارخيها الطويل"‪.‬‬
‫‪ .1‬ربط البالغة بالنقد‪ :‬والشيء اجلديد الثاين الذي نشهده لدى اإلمام الفراهي بالنسبة لفن البالغة‬
‫‪31‬‬
‫هو ربطه إياها بالنقد مما مل يقم به املتقدمون‪.‬‬

‫‪ .2‬وضو النزعة األدبية يف العرض والتحليل‪ :‬والشيء اجلديد الثالث الذي نراه لدى اإلمام‬
‫الفراهي ولو جند حملة عنه لدى غريه من املتقدمني هو أنه ال يربط البالغة بالسياسة أو الفلسفة أو‬
‫‪32‬‬
‫بشيء آخر بل يربطها باألدب وينظر إليها هبذا املنظار‪.‬‬

‫‪ .3‬التمييز بني بالغة العرب والعجم‪ :‬والشيء املهم بالنسبة للبالغة لدى اإلمام الفراهي أنه ال‬
‫يرضى أن ننظر يف بالغة العرب يف ضوء أصول وضعها العجم فإن للعجم ميزات كما للعرب‬
‫ولغتهم وأدهبم فينبغي لنا أن نبنيها على أساس األدب العريب والسيما األدب اجلاهلي ال على‬
‫‪33‬‬
‫األدب اليوناين أو الفارسي‪ .‬وهذا أقرب إىل فهم بالغة العرب وروعتهم‪.‬‬
‫نقد نظرية احملاكاة‪ :‬ولقد انتقد الفراهي بشدة ما أدىل به أرسطو من أن اإلنسان ٍ‬
‫حماك من‬
‫فطرته فهو يتعلم من حوله عن طريق احملاكاة‪ .‬ومن هنا تطرق إىل أن الكالم اجليد ما كان كاذبًا‬
‫ال صادقًا فقال‪:‬‬
‫"‪ ---‬فلو قال‪ :‬إن الشعر بل كل كالم ونغم جنسه األعلى تصوير لكان أقرب‪ ،‬إذ ليس بني‬
‫احملاكاة والتصوير إال فرق يسري‪ ،‬ولكنه أبعده عن الصواب خطؤه يف غاية الشعر ومادته ومبدئه‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫وكان مث ار خطئه كالم قومه واستعماهلم إياه‪ .‬ولو حبث عن أمر الشعر على طريق الفلسفة‪ ،‬ونظر‬
‫‪34‬‬
‫فيه على احلكماء األقدمني مل خيف عليه الصواب بعد االقرتاب ومل يلتبس عليه غاية الشعر"‪.‬‬
‫وقد أثبت أن اإلنسان ناطق من فطرته ال ٍ‬
‫حماك فقال‪" :‬اإلنسان يف فطريته ناطق" وقال‪" :‬إن‬
‫‪35‬‬
‫املقوم له ال احملاكاة كما زعم أرسطو"‪.‬‬
‫النطق هو الفصل ّ‬
‫وكذا أثبت الفراهي يف ضوء كالم العرب أن الشعر حسنه احتواؤه على الصدق ال على الكذب‪.‬‬
‫وهذا حبث طويل فنكتفي هبذا القدر من اإلشارة‪.‬‬

‫الفصل والوصل باخليال‪ :‬ولقد قرأنا ً‬


‫كثريا عن الفصل والفصل يف كتب البالغة ولكننا مل جند‬
‫ربطه باخليال وذلك بكلمات اإلمام الفراهي‪:‬‬
‫جسرا بني معنيني فإن وصلتها مل يكن للخيال أخفيت من اخليال وجعلت‬ ‫"الفصل جيعل اخليال ً‬
‫اتصاال ذهبت بلينة اجلزء الثاين فلم يكن وصله بالثالث إال أن يكون خبط مستقيم مع‬
‫بني اجلزئني ً‬
‫األولني ومثال الوشا يبني لك هذا األمر كما أظهر األمر األول فإن شئت أن ال يكون فصل‬
‫أمورا األمر األول لبيان اتصال اجلزئني واألمر الثاين لبيان اتصال‬
‫زدت بني كل فصل أمرين بل رمبا ً‬
‫الثالث ومجلة القول أن الكالم إذا مل يكن على خط مستقيم ال بد له من واصالت والفصل رمبا‬
‫‪36‬‬
‫هو أحسن الواصالت"‪.‬‬

‫ظ السامع‪ :‬هذا ً‬
‫أياا مبحث جديد يف فن البالغة وذلك كما يقول الفراهي‪:‬‬ ‫حّ‬
‫ومقودا فإذا‬
‫ً‬ ‫قائدا‬
‫معا ً‬ ‫"اعلم أن الكالم تنازع احلديث وإن سكت السامع ويـَُرى منصتًا فإهنما جيريان ً‬
‫تبني لك‬‫ضائعا كأنه مل يتكلم فإذا علمت ذلك ّ‬ ‫وقف السامع واملتكلم جار على رسله ذهب كالمه ً‬
‫شدة احلاجة إ ىل رعاية جانب السامع وهديت إىل حكمة أساليب مل تكن للكالم لوال هذا األصل‬
‫الراسخ واآلن نذكر منها عيوهنا‪ .‬فمنها االستفهام لينبه السامع ومنها السكوت ليسرتيح ومنها بعض‬
‫متكلما يف نفسه فيعمل عقله ومنها منبهات الرغبة والنفرة ومنها االلتفات لينبه‬
‫ً‬ ‫احلذف ليصري السامع‬
‫حمسوسا فينتبه من رقدته ومنها تبدل احلركات وااللتفات‬
‫ً‬ ‫أحس من جديد ومنها التمثيل ليشاهد‬
‫مبا ّ‬
‫‪37‬‬
‫ومهيجات الاحك واحلزن فهذه األمور مع فوائدها األخر أسباب النتباه السامع ‪."---‬‬

‫انتهاز الفرصة‪ :‬وكذا انتهاز الفرصة وهو شيء غري اجلملة املعرتضة فيقول الفراهي‪:‬‬

‫‪17‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫مايعا ولو أتقن كل اإلتقان وهذا باب‬
‫وموقعا إن فاته ذهب ً‬ ‫حمال ً‬ ‫"اعلم أن للفظ‪ ،‬مثل سائر التدابري‪ً ،‬‬
‫وسيع ولكين ههنا أريد موقع اللفظ يف الكالم فإنك جتد بني أجزاء حديث جار ألقي كالم بل لفظة ال‬
‫يسمونه مجلة معرتضة ولكنك ستعلم أنه رمبا ال يزيد‬
‫يكاد يلقيه كل متكلم‪ .‬وهذا اجلزء املدرج هو الذي ّ‬
‫هبني فإن هلا مواقع خفية ال يفطن هلا إال الذكي املتوقد‬
‫على كلمة واحدة‪ .‬فشأن هذه املعرتضة ليس ّ‬
‫يتبني ما قلت‬
‫فمىت ما وجد هلا فرصة انتهز هلا حىت أنه إن فاتته الفرصة مث تذ ّكرها ندم على فواهتا ولكي ّ‬
‫لك أورد ههنا أمثلة‪ .‬قال نابغة بين ذبيان‪:‬‬
‫سقيًا ورعيًا لذاك العاتب الزاري‬ ‫نعما على اهلجران عاتبة‬
‫نبّئت ً‬
‫ومر يف الكالم يصفها أو يشكيها مل يرتفع من الدرجة الوسطى مث أضاف كلمة‬ ‫فلو ترك املصراع الثاين ّ‬
‫الرازي فأ ّكد هبا املقابلة بني الدعاء والعتاب فهي مثال ملا قلت لك إن املعرتضة رمبا تكون كلمة واحدة‬
‫ثاال آخر من كالمه‪:‬‬ ‫وخذ م ً‬
‫يتبعن كل سفيه الرأي مغيار‬ ‫إن احلمول اليت راحت مهجرة‬
‫مل تكن له حاجة بادية إىل أن يزيد على املغيار كلمة سفيه الرأي وإين أتعجب من النابغة هذه الكلمة‬
‫الواحدة مثلما أتعجب منه إيراد هذا حديث املغيار فإين رأيت الشعراء هلجوا بذكر البأس واملنعة دون‬
‫معشوقهم أو عداوة احلماة وحنقهم ولكن النابغة ترك تلك األمور املبتذلة وأخذ ما هو مالك األمر مث‬
‫زاد عليه سفاهة الرأي لتأكيد سوء الظن مث مل يقل إن ذا رحم هلا مغيار وسفيه الرأي فتظن أن ذلك أمر‬
‫جمازا ملا هو ال يرضى‬
‫واقع من االتفاق بل جعل هذا املغيار أمري الرفقة فوصفه بسفاهة الرأي ليس إال ً‬
‫من غريته وشدة الغرية يفصح عن احلسن فالبيت حقيقة يف شكاية احلرس وكناية عن احلسن‪ .‬وكانت‬
‫العرب منتبهني هلذا اإلدراج فلهجت به فصحاءهم وطربت له أذهاهنم وكان النابغة هذا أسبقهم يف هذه‬
‫‪38‬‬
‫الصنعة حىت أنك ترى من ق ّدمه على سائر الشعراء ق ّدمه بأبيات ليس يف أكثرها إال تلك الصنعة"‪.‬‬
‫العلو‪ ،‬وجعله العروض والنغمة والرقص يف سلك‬ ‫وكذا تفريقه بني الشعر واخلطابة من حيث اهليجان و ّ‬
‫واحد‪ ،‬ولسان الغيب وقاية االرجتال واالعتزاز بالعرب ألهنم أزكى األمم واالهتمام باللغة العربية ذات‬
‫اخلصائص اليت متيزها عن اللغات األخرى‪ ،‬والتمسك ببالغة العرب والعزوف عن بالغة العجم‪ ،‬والعناية‬
‫باألسلوب العريب البليغ أشياء ال نراها لدى اآلخرين‪.‬‬
‫فمثال قاية اجلملة املعرتضة فقد جاء الفراهي‬
‫وليس هذا فقط بل إنه يأيت باجلديد يف كل حبث يتناوله ً‬
‫باجلديد فقال‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫"اجلملة ال بد من وضعها يف حملها الذي توضع فيه لوجوه خاصة فال بد من قطع الكالم ولكن هذا‬
‫القطع ال بد أن يكون غري مذهل عن جمرى الكالم ولذلك يلتمس أحيانًا ما يرجع إىل اجملرى إما بتكرار‬
‫كلمة أو إعراب حسب إعراب ما قطع عنده الكالم‪ .‬أما الوجوه اخلاصة لالعرتاض ففرصة الكالم املفيد‬
‫‪39‬‬
‫ليكون أوقع عند القربة منه ودفع دخل ال بد من دفعه"‪.‬‬

‫وسابعا‪ :‬الفراهي ميد العرب وقواهم وسجاياهم‪ :‬ولقد وجدنا الفراهي ميد العرب ً‬
‫كثريا يف‬ ‫ً‬
‫معظم مؤلفاته السيما هذا الكتاب الوجيز فيقول وهو يشري إىل براعتهم وحذاقتهم يف تسمية الشيء‪:‬‬
‫ونوجهك إىل امسيهما (الشاعر واخلطيب) عند العرب فإهنم أحذق األمم يف التسمية فنعما فعلوا‬ ‫"‪ّ ---‬‬
‫شاعرا واخلطيب خطيبًا‪ .‬فإن الشاعر يشعر بأمر فيهتاج للقول فيقول كما أن‬ ‫حني مسّوا الشاعر ً‬
‫الاحك والبكاء والتثاؤب والسرقة والعطسة أفعال غالبة على النفس فكذلك الشعر وليس هيجانه‬
‫إحساسا نفسانيًا) فكما أن اجلسم من جهة إحساس قاهر‬ ‫ً‬ ‫شعورا (أي‬
‫للقول إال ألنه أكثر الناس ً‬
‫جسماين يصدر عنه التثاؤب والعطسة فكذلك النفس تشعر بباعث ما من السرور واحلزن والرضى‬
‫مثال بأكثر من سائر‬
‫شعورا أنه حيزن ً‬
‫والسخط والعجب واليأس وأمثاهلا فينطق‪ .‬وليس املراد بأكثر الناس ً‬
‫الناس بل إن شعوره يعمل فيه فينبه متخيله ونطقه وغناءه فتيقظ فيه هذه القوى وأما غريه فشعوره جامد‬
‫خامد فكأن الشاعر نبات حي إذا سقيت أصله ذهب املاء يف كل عرق منه فاهتز فكذلك الشاعر‬
‫يدب اإلحساس يف مجيع مشاعره فيفيض منه الكالم كما قال عبد اهلل ابن عمرو بن عثمان حني قيل‬
‫له كيف تقول الش عر مع النسك والفقه فقال "إن الصدور ال ميلك أن ينفث" وقيل لصحار العبدي ما‬
‫هذا الكالم الذي يظهر منك قال "شيء جتيش به صدورنا فنقذفه على ألسنتنا" فأما اخلطيب فليس هو‬
‫شعورا من الشاعر ولكنه فارق الشاعر يف أنه غالب على شعوره فليس حاله كاملصدور واملتثاوب‬ ‫بأقل ً‬
‫فهمه التأثري يف غريه كما أن الشاعر ال هم له إال‬
‫املقهور ولكنه قاهر على نفسه ومنغمس يف املخاطبني ّ‬
‫االنقياد لقوى تعمل فيه‪ .‬فاخلطيب ال يفارق الشاعر يف اهليجان وال قلة الشعور ولكنه بزيادة صفة عالية‬
‫استحق هذا االسم فالشاعر ملتفت إىل املاضي واخلطيب ينظر إىل املستقبل‪ .‬فاخلطيب أرفع منزلة‬
‫أرق فطرة ولذلك من نظر‬ ‫طبعا و ّ‬
‫أغن ً‬
‫نفسا كما أن الشاعر ّ‬ ‫عقال وأش ّد قوة وأذكى ً‬
‫لغرضه األعلى وأقوى ً‬
‫يف كالم اخلطيب وهيجان قلبه ومل يؤمن بعلو غرضه وطهارة نفسه وصحة رأيه مل يفرقه من الشاعر بل‬
‫لتصويره البعيد املنتظر الذي ال يراه غريه يظنه جمنونًا‪ .‬ولذلك ترى العرب وصفوا اخلطبة باحلكمة والبيان‬
‫‪40‬‬
‫والفصل كما أهنم وصفوا الشعر بالسحر"‪.‬‬
‫ويشري إىل طول باعهم يف اختيار اخلاص يف حمل العام املبهم فيقول‪:‬‬

‫‪19‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫تصويرا من لفظ رجل‪.‬‬
‫ً‬ ‫مثال لفظ زيد أش ّد‬
‫"‪ ---‬مث مع هذه الثالث اختيار اخلاص يف حمل العام املبهم ً‬
‫باعا فإن هلم ألفاظًا خاصة حتت كل جنس عام أكثر من سائر اللغات‪.‬‬ ‫وهذه الوسيلة فيها العرب أطول ً‬
‫مشخصا بني يديك من غري ضم صفة ويف ذلك هلم طرق كثرية‪ .‬األول وجود‬ ‫ً‬ ‫فيصورون الشيء وميثلونه‬
‫ّ‬
‫األمساء الدالة على أنواع جنس واحد‪ .‬والثاين وجود األفعال مثل ذلك كما ترى يف كسر حطم فتق فلق‬
‫وهلذين األمرين حنولك إىل كتب هذا الفن‪ .‬والثالث من جهة االشتقاق للداللة على التأنيث والتثنية‬
‫كسر وقتل قتّل وحطم حطّم ومثل سقط وتساقط وعال وتعاىل ومثل‬ ‫ومجع القلة وعلى الشدة مثل كسر و ّ‬
‫كسب واكتسب وجهد واجتهد ومثل خشن واخشوشن وحدب واحدودب ومثل بعث وبعثر وعلى‬
‫هيئة الشدة يف األمساء مثل خام وعفرناه وكذلك هيآت الشدة يف الصفة واملصدر مثل فاعل وفعال‬
‫وخالفة وخليفي وللداللة على هيأة االشرتاك مث فرق املتعدي من الالزم يف االشرتاك مثل شتم وشامت‬
‫وتشامت ومع ذلك جعل األفعال من األمساء مثل تأبط ومحلق ومن اجلملة مثل بلل وحوقل وجعل اجملهول‬
‫من املعروف من غري زيادة‪ .‬ومن جهة االشتقاق للداللة على حالة مع الفعل من التطلب له كاستعان‬
‫‪41‬‬
‫تسرت مث التعدي يف مثل متارض"‪.‬‬
‫واستفهم أو التكلف فيه مثل ّ‬
‫مستدال باألبيات ومنها بيت لبيد التايل‪:‬‬
‫ً‬ ‫وميدحهم يف مطابقة الصوت باملعىن‬
‫جن البدى رواسيا أقدامها‬ ‫غلب تش ّذر بالذحول كأهنم‬
‫فيقول‪:‬‬
‫"املراد من البيت الصدر يف أمر الصوت والعجز يف أمر التشبيه فاجتمعت خشونة املعىن والصوت‬
‫قوما راعى مطابقة الصوت باملعىن كما أرى العرب‬
‫والتشبيه ويف القرآن (كشجرة خبيثة اجتثت) ومل أر ً‬
‫‪42‬‬
‫فإهنم براء من التكلف مولعون بالصدق متجنبون من السفاسف"‪.‬‬
‫ويشري إىل قاية اإلجياز وعادة العرب فيها‪:‬‬
‫قليال خيرب عن كثري مل يذكر فإن التخييل‬
‫"مث أهم األمور يف تأدية املعاين أن تصطفي من أحوال الشيء ً‬
‫صورت‬
‫يكون مجلة كما أن إحساس األشياء يكون بنظرة ووهلة فإن طال الكالم خالف سنة الطبع وإن ّ‬
‫شيئًا بتفاصيلها كان ذلك من التاريخ واألخبار ويبعد عن البالغة اليت للكالم احملرك فإن ذكرت بعض‬
‫األحوال الذي أغىن غناء الكل فقد أبلغت ضمريك وإن تركت هذا البعض وجئت بكل تفصيل فذلك‬
‫العي‪ .‬وهذا القليل الكثري ضالة البلغاء حيومون حوهلا وال جيدوهنا فإذا هي وجدت قال كلهم هي‬
‫هو ّ‬
‫هي ‪ .‬هذه اليت كنت أبغي وكانت هي جتول يف قليب وكنت أملسها وال أجد‪ .‬فأعجبوا هبا ال لبعدها بل‬

‫‪20‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫لشدة قرهبا فما كان منها أقرب كان أحسن‪ .‬وهذه نقطة االفرتاق بني العرب والعجم وبني رؤساء الكالم‬
‫يف الغرب واملشرق كهومروس وشاكسفري وفردوسي وعامتهم الذين طلبوا كل نادرة بعيدة من القافية‬
‫والتشبيه والبديع‪ .‬فكان تعجبهم لتصنع املتكلم ال حلسن الكالم فاجتمع هلم من حماسن الكالم أمساء‬
‫مسّوها وفازت العرب منها بشيء واحد ال اسم له عند العجم وهو الصدق والتأثري وإن هذا هلو الذي‬
‫‪43‬‬
‫يبلغ القلب"‪.‬‬

‫خامتة البحث‪:‬‬
‫ومتالعا من‬
‫ً‬ ‫كبريا للقرآن وعلومه‬
‫بدا من هذا احلديث املوجز أن اإلمام عبد احلميد الفراهي كان عاملًا ً‬
‫اللغات العديدة ومنها العربية‪ .‬إنه ألّف كتبًا ورسائال عديدة مت البعض منها بينما الكثري منها مل تتم‪،‬‬
‫وكل هذه الرسائل مليئة بالقاايا الدقيقة من علمية وأدبية وفنية‪ ،‬إهنا تزخر باألفكار البديعة والنكت‬
‫اللطيفة واملعارف النادرة‪ .‬وكل كتاب بدأ بتأليفه أو أمتّ تأليفه بديع من نوعه‪ ،‬فريد من جنسه‪ .‬وأما كتابه‬
‫أياا فاقد النظري يف ترتيبه وحمتوياته‪ ،‬ويف تناوله‬
‫الوجيز "مجهرة البالغة" الذي مل يوفّق إمتامه فهو ً‬
‫قبل‪ .‬وعلى‬
‫أصوال جديدة مل يألفها البالغة العربية من ُ‬
‫للمباحث والقاايا البالغية‪ .‬إن الفراهي ق ّدم فيه ً‬
‫هذا فصدق البالغي الشهري الدكتور أمحد مطلوب حيث قال‪" :‬إنه كتاب فريد من نوعه‪ ،‬ألّفه مسلم يف‬
‫الشرق اإلسالمي‪ ،‬ومل يصل إىل البالد العربية ليكون صورة من صور الدرس البالغي يف القرن العشرين‬
‫‪44‬‬
‫للميالد"‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬
‫املراجع واحلواشي‬

‫‪ 1‬املعلم عبد احلميد الفراهي‪ ،‬الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح‪ ،‬الدائرة احلميدية‪ ،‬سرائ مري‪ ،‬أعظم كره‪ ،‬اهلند‪1331 ،‬م‪،‬‬
‫ص‪1‬‬
‫‪ 2‬العالمة سيد سليمان الندوي‪ ،‬ياد رفتگاں‪ ،‬دار املصنفني‪ ،‬أعظم كره‪ ،‬اهلند‪1333 ،‬م‪ ،‬ص ‪121-121‬‬
‫‪ 3‬املعلم عبد احلميد الفراهي‪ ،‬مجهرة البالغة‪ ،‬الدائرة احلميدية‪ ،‬سراي مري‪ ،‬أعظم كره‪1331 ،‬ه‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫‪ 1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫‪ 1‬جملة "ترمجان دار العلوم جديد" الشهرية‪11-13/2/11 ،‬‬
‫‪ 3‬املعلم عبد احلميد الفراهي‪ ،‬مجهرة البالغة‪ ،‬ص ‪3‬‬
‫‪ 1‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫‪ 6‬جملة "الندوة" الشهرية‪ ،‬شهر ديسمرب ‪1311‬م‪ ،‬ص ‪1‬‬
‫‪ 3‬جملة "اإلصال " الشهرية‪ ،‬شهر أكتوبر ‪1331‬م‪ ،‬ص ‪316-311‬‬
‫‪ 11‬املصدر نفسه‪ ،‬شهر أبريل ‪1336‬م‪ ،‬ص ‪133‬‬
‫‪ 11‬الربوفيسور عبيد اهلل الفراهي (مجع وتدوين)‪ ،‬عالمه محيد الدين فراهي‪ -‬حيات وأفكار‪ ،‬منظمة طالب مدرسة‬
‫اإلصال األقدمني‪ ،‬سرائ مري‪ ،‬أعظم كره‪1332 ،‬م‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 12‬املصدر نفسه‪26 ،‬‬
‫‪ 13‬الدكتور شرف الدين اإلصالحي‪ ،‬ذكر فراهي‪ ،‬الدائرة احلميدية‪ ،‬مدرسة اإلصال ‪ ،‬سراي مري‪ ،‬أعظم كره‪2111 ،‬م‪،‬‬
‫ص ‪111‬‬
‫‪ 11‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪136‬‬
‫‪ 11‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪112‬‬
‫‪ 13‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪113‬‬
‫‪ 11‬مقالة الدكتور أمحد مطلوب‪ ،‬مجهرة البالغة‪www.ust.edu ،‬‬
‫‪ 16‬مقالة الزهراين‪ ،‬سياسة البالغة عند عبد احلميد الفراهي‪aruc.org ،‬‬
‫‪ 13‬املعلم عبد احلميد الفراهي‪ ،‬مفردات القرآن (حتقيق‪ :‬الدكتور حممد أمجل أيوب اإلصالحي)‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪،‬‬
‫بريوت‪2112 ،‬م‪ ،‬ص ‪23‬‬
‫‪ 21‬الدكتور شرف الدين اإلصالحي‪ ،‬ذكر فراهي‪ ،‬ص ‪111‬‬
‫‪ 21‬عالمة محيد الدين فراهي‪ ،‬حيات وأفكار‪ ،‬ص ‪26‬‬
‫‪ 22‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪112‬‬
‫‪ 23‬املعلم عبد احلميد الفراهي‪ ،‬مجهرة البالغة‪ ،‬ص ‪31‬‬
‫‪ 21‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ 21‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪11-11‬‬

‫‪22‬‬
‫اإلمام عبد احلميد الفراهي وكتابه "مجهرة البالغة"‪23-1‬‬ ‫ديس ْمبِر ‪1026‬ء)‬
‫(يوليو‪َ -‬‬ ‫الديبل‬

‫‪ 23‬املصدر نفسه‪11-13 ،‬‬


‫‪ 21‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪31‬‬
‫‪ 26‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪12‬‬
‫‪ 23‬سورة الرمحن‪1-1 :‬‬
‫‪ 31‬مجهرة البالغة للدكتور أمحد مطلوب‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 31‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 32‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 33‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪21‬‬
‫‪ 31‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪1-1‬‬
‫‪ 31‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪6‬‬
‫‪ 33‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪33‬‬
‫‪ 31‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪36-31‬‬
‫‪ 36‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪12-11‬‬
‫‪ 33‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ 11‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪11-11‬‬
‫‪ 11‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪21-21‬‬
‫‪ 12‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪13‬‬
‫‪ 13‬املصدر نفسه‪ ،‬ص ‪11‬‬
‫‪ 11‬مجهرة البالغة للدكتور أمحد مطلوب‪ ،‬ص ‪21‬‬

‫‪23‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like