You are on page 1of 42

‫الجمهوريـة الجزائريـة الديمقراطيـة الشعبيـة‬

‫وزارة العــدل‬

‫المديرية العامة إلدارة‬


‫السجون و إعادة اإلدماج‬
‫المدرسة الوطنية إلدارة السجون ملحقة المسيلة‬
‫مصلحة الدراساتـ‬

‫علم اإلجرام والعقاب‬


‫الباب األول ‪ :‬علم اإلجرام‬
‫مقدمــة عامة في علم اإلجرام ‪:‬‬
‫أوال ‪ -‬تعريف علم اإلجرام ‪:‬‬
‫لقد تعددت التعاريف لمدلول علم اإلجرام من قبل الباحثين في هذا العلم وهذا‬
‫راجع لحداثة نشأة هذا العلم من جهة حيث لم تبدأ حركة البحث فيه إال في نهاية القرن ‪ 18‬مع‬
‫<< لومبروزو >> ‪ ،‬حيث أنزل خطوات البحث> العلمي القائم على المالحظة والتجربة في‬
‫صياغة النظرية البيولوجية في عوامل تكوين الظاهرة اإلجرامية ‪.‬‬
‫إضافة إلى هذا يرجع كذلك تعدد التعاريف لهذا العلم بسبب تعدد الزوايا التي‬
‫ينظر منها في تسيير ظاهرة اإلجرام ‪ ،‬وما إذا كانت أسباب الجريمة تعود إلى العوامل‬
‫الداخلية أو الفردية البحتة ( عضوية أو نفسية ) وحدها ‪ ،‬أم كانت عوامل خارجية أي‬
‫إجتماعية محظة ( طبيعية أو إقتصادية أو سياسية أو ثقافية أو بيئية ) أم كانت تلك العوامل‬
‫خليطا من العوامل الفردية واإلجتماعية معا ‪.‬‬
‫ومن بين هاته التعاريف لعلم اإلجرام ‪ :‬علم الجريمة ‪ ،‬علم اإلنسان المجرم ‪.‬‬
‫أو أن العلم الذي يدرس الجريمة بإعتبارها ظاهرة في حياة الفرد وفي حياة الجماعة دراسة‬
‫علمية ‪ ،‬تستهدف وصفها وتحليلها وتقصي أسبابها [ د‪ /‬عوض محمد عوض ] ‪.‬‬
‫أو انه العلم الذي يبحث في الجريمة وعواملها التي تؤدي بإنسان معين إلى‬
‫إرتكابها ل[ دار المصفاوي ]‬

‫‪1‬‬
‫وعموما بأن علم الإجرام إذن هو العلم الذي يمكن على دراسة الظاهرة اإلجرامية‬
‫والتي ليست في حقيقتها سوى جريمة ومجرم وسبب دفع المجرم إلرتكابها أو هيأ لذلك ‪ ،‬إذا‬
‫فمن الضروري أن يتناول هذا العلم في مباحثه تحديد مفهوم الجريمة ‪ ،‬وتحديد مفهوم المجرم‬
‫وهذا حتى تنضبط الدراسة في هذا العلم على نحو يسهل معه الظاهرة اإلجرامية وبيان‬
‫أسبابها على مستوى الفرد ومستوى الجماعة أيضا على حد سواء ‪.‬‬
‫ثانيا – أهمية علم اإلجرام ‪:‬‬
‫لما كان موضوع علم اإلجرام يتلخص في تفسير السلوك اإلجرامي ومحاولة‬
‫معرفة العوامل الدافعة إليه ‪ ،‬فإن هذا يستوجب تحليل شخصية المجرم من ناحية ومعرفة‬
‫كافة الظروف اإلجتماعية والبينية المؤثرة على جوانب شخصيته المجرم من ناحية أخرى ‪،‬‬
‫وهنا تكمن أهمية علم اإلجرام في أن دراسة مختلف هذه العوامل والظروف ليس إال بهدف‬
‫مكافحة ظاهرة الجريمة ‪.‬‬
‫ولكنها مكافحة تختلف عن مكافحة المشرع لها ‪ ،‬فالمشرع يكافح الجريمة‬
‫بإعتبارها أشد األفعال المحظورة قانونا من حيث جسامتها وذلك عن طريق الجزاء> الجنائي‬
‫والذي غالبا يتمثل في العقوبة ‪.‬‬
‫لكن الباحث> في علم اإلجرام يكافح الجريمة بصورة اخرى ‪ ،‬حيث بناءا على‬
‫ضوء تنتهي إلى دراسات تفسير السلوك اإلجرامي ‪ ،‬قد يقترح صورا اخرى لمكافحة ظاهرة‬
‫الجريمة ‪ ،‬وهي صور تختلف بإختالف طوائف المجرمين وهذا بناءا على ما تكتشف عنه‬
‫دراسة ظروفهم اإلجتماعية ‪ ،‬وقد تتمثل هذه الصور في العقوبة أو العالج أو الوقاية ‪.‬‬
‫وهذا ما قد يؤدي بالباحث> في علم اإلجرام إلى أن يفيد المشرع في صياغته‬
‫للقاعدة الجنائية سواء فيما يتعلق ‪:‬‬
‫‪ -‬بشق السلوك وذلك من طريق تحديد العناصر واألركان المادية التي تعطي للجريمة وصفها‬
‫القانوني ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬بشق الجزاء> أي تحديد الجزاء> او التدبير الذي يجب توقيعه على الجاني ‪.‬‬
‫وعليه فإن أهمية علم اإلجرام ال تكمن إذا في ذاتها ‪ ،‬بل في صلة هذا العلم‬
‫بالقانون الجنائي في الحال وذلك بتوليه تحليل الجرائم ‪ ،‬التي يتوالها القانون الجنائي بيان‬
‫أركانها والعقوبات المقررة لها ‪ ،‬ال يوصفها فكرا قانونية مجردة ‪ ،‬بل بإعتبارها مظاهر‬
‫سولوك واقعية تخضع للبحث التجريبي التفسيري وذلك عن طريق نظريات معروفة في علم‬
‫اإلجرام ‪.‬‬
‫بل أن أهميته ال تقتصر على مجال القانون الجنائي الحالي ‪ ،‬بل أن أهمية علم اإلجرام تمتد‬
‫لتستشرف آفاقا> جديدة في مجال القانون الجنائي المستقبلي وذلك من خالل اثره على السياسية‬
‫الجنائية ‪.‬‬
‫ثالثا – عالقة علم اإلجرام بالعلوم األخرى ‪:‬‬
‫إنطالقا من تعريف علم اإلجرام فإنه يعد علما نظريا إجتماعيا مستقال ‪ ،‬لكن رغم‬
‫إستقالليته فهو ذو وصلة بالعلوم القانونية واإلجتماعية األخرى ‪ ،‬منها مايلي ‪:‬‬
‫‪ - / 1‬علم اإلجرام وقانون العقوبات ‪:‬‬
‫قانون العقوبات هو مجموعة القواعد التي تحدد لنا األفعال التي تعتبر جرائم‬
‫والعقوبات والتدابير اإلحترازية المقررة لها ‪ ،‬وإذا ما إعتبرنا قانون العقوبات علما فإنه يعد‬
‫علما قاعديا أي أنه يعالج الجريمة من خالل قاعدة وضعية عامة ومجردة ‪ ،‬فهو يتناول‬
‫الجريمة كفكرة قانونية ذات بناء نظري ‪ ،‬أي يقوم على أركان تحددها القاعدة القانونية‬
‫بصرف النظر عن خصائص السلوك اإلجرامي ذاته ودالاللته اإلجنماعية ‪ ،‬وعليه فموضوع‬
‫قانون العقوبات هو دراسة الجريمة والمجرم دراسة قانونية تحدد شروط المسؤولية والعقاب‬
‫إلختيار الجزاء المناسب من قبل القاضي> وفق مبدأ الشرعية طبقا لخطورة المجرم وبمسافة‬
‫الجريمة التي إرتكبها من كونها جناية أو جنحة أم مخالفة ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫أما علم اإلجرام فهو العلم الذي يقوم على وصف السلوك اإلجرامي ثم البحث عن‬
‫أسباب الجريمة سواء أكانت تلك األسباب كامنة في المجرم أم كانت خارجة عنه بحثا عن‬
‫كيفية مواجهة تلك الظاهرة إذا علم واقعي ‪.‬‬
‫إذا فكليهما يهتم في دراسته باإلجرام ‪ ،‬فقانون العقوبات يدرس اإلجرام باعتباره‬
‫كالقاعدة قانونية بينما يدرس علم اإلجرام الجرائم بإعتباره سلوكا إنسانيا ‪.‬‬
‫من هذه الفكرة ‪ ،‬فإن فكرة ومفهوم الجريمة والمجرم تتسع في علم اإلجرام عنه‬
‫في قانون العقوبات ‪ ،‬فمعظم مظاهر االنحراف يعالجها علم اإلجرام وإن كانت ال تشكل‬
‫جرائم بالمعنى القانوني الدقيق ‪ ،‬ويراد بالمجرم في علم اإلجرام كل من تنطوي شخصيته‬
‫على خطورة إجرامية تتذر بارتكابه جريمة مستقبال ‪ ،‬مما يجعل علم اإلجرام يستوجب عددا‬
‫من المجرمين الذين لم تصدر ضدهم إدانة جنائية بسبب انعدام مسؤولياتهم الجنائية مثال ذلك‬
‫المجرمين غير األسوياء كالمجانين وصغار السن من األحداث ‪.‬‬
‫وعلة اتساع فكرتي الجريمة والمجرم في علم اإلجرام عنها في قانون العقوبات ‪،‬‬
‫أن قانون العقوبات ‪ ،‬يتقيد في تحديده لهاتين الفكرتين بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فال‬
‫جريمة وال عقوبة إال بنص ‪ ،‬أما علم اإلجرام فال يتقيد بهذا المبدأ وإنما تدور دراساته حول‬
‫كافة مظاهر اإلجرام واالنحراف ‪.‬‬
‫لكن بالرغم من أوجه اإلختالف هاته فإن العالقة بينهما وثيقة إنطالقا من وحدة‬
‫الموضوع الذي ينصب عليه كل منهما وهو الجريمة ‪ ،‬مما يجعل التأثير والتأثر بينهما متبادل‬
‫من عدة أوجه منها ‪:‬‬
‫إن قانون العقوبات يشكل أداة مساعدة وتطور لعلم اإلجرام ‪ ،‬حيث يمده بتعريف‬
‫الجريمة بإعتبارها واقعة قانونية ‪ ،‬إضافة على كونها واقعة إجتماعية ‪ ،‬كما أن القاضي‬
‫الجنائي الذي يقضي على الجناة باإلدانة من شأنه أن يمد الباحث> في علم اإلجرام بالمحكوم‬

‫‪4‬‬
‫عليهم ( المجرمين ) الذين يشكلون المادة اإلنسانية التي تنص عليها مالحظات الباحثين ‪،‬‬
‫وكذلك األمر بالنسبة للجريمة فمعظم صور السلوك اإلجرامي التي تنص عليها دراسات علم‬
‫اإلجرام هي أفعال مجرمة إبتداءا في قانون العقوبات ‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن علم اإلجرام وبرغم حداثته فإن له تأثيره المستمر على‬
‫قانون العقوبات ‪ ،‬وذلك من خالل النتائج التي يتوصل إليها الباحثين في علم اإلجرام والتي‬
‫لها األثر الفعال على المشرع الجزائي في تعديل نصوص قانون العقوبات سواء باإللغاء أو‬
‫اإلضافة أو التسديد أو التخفيف ‪.‬‬
‫من ذلك إتجاه المشرع الجنائي في التوسع في تطبيق نظام التدابير اإلحترازية‬
‫والنص على عقوبات تراعي في توقيعها شخصية الجاني وظروفه الخاصة أكثر مما يراعي‬
‫فيها الفعل المرتكب ‪.‬‬
‫وكذا تجريم بعض األفعال لم يكن معاقبا عليها حماية للمجتمع من خطورتها التي‬
‫تنطوي عليها تلك األفعال ‪ ،‬وهذا بناءا على ما أشارت إليه دراسات في علم اإلجرام لهذه‬
‫األفعال كالتشرد والتسول ‪.‬‬
‫ومن أوجه هذا التأثر أيضا لقانون العقوبات بعلم اإلجرام التشريعات الخاصة باألحداث والتي‬
‫يغلب عليها طابع التقويم واإلصالح نتيجة لتقدير المشرع للعوامل التي تدفعهم إلى إرتكاب‬
‫الجرائم والتي من أهمها في نظر الباحثين في علم علم اإلجرام هو نقص الرعاية والتهذيب‬
‫الذي تلقاه الحدث ‪.‬‬
‫‪ -2‬علم اإلجرام وقانون اإلجراءات الجنائية ‪:‬‬
‫قانون اإلجراءات> الجنائية هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم طرق مالحقة‬
‫المتهم والتحقيق معه ومحامته وتحدد السلطات التي تقوم بتلك اإلجراءات> ضد وقوع الجريمة‬
‫حتى تنفيذ الجزاء> المنطوق به ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫إذن فهو قانون ذو صلة تبعية بقانون العقوبات هدفه وضع نصوص قانون‬
‫العقوبات موضع التطبيق ‪ ،‬لذا ال يتصور وجوده في غياب قواعد موضوعية تجرم األفعال‬
‫وتقرر الجزاء> عليها وهي قواعد قانون العقوبات ‪ ،‬ومن هذا يكتسب قانون اإلجراءات>‬
‫الجزائية صفته القاعدية ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من إختالف مجاله عن المجال الذي تدور فيه أبحاث علم اإلجرام إال‬
‫أن النتائج التي تشخص عنها الدراسات اإلجرامية كما تلقيه من ضوء على شخصية المجرم‬
‫وأسباب إجرامه وبالتالي على الوسيلة المناسبة لعدم عودته إلى الجريمة مرة اخرى من‬
‫شأنها ان تؤثر على المشرع اإلجرامي في إختياره لألساليب واإلجراءات> الالزمة لمحاكمة‬
‫المتهم وتنفيذ العقاب عليه ‪ ،‬وذلك مثال كإفراد محاكم خاصة لألحداث في بعض التشريعات‬
‫حتى يمكن أن يتوفر للمجرم الحدث القاضي الذي يمكن و يستطيع فهم شخصيته والوقوف‬
‫على أسباب إجرامه وطريقة معاملته ‪.‬‬
‫كما يظهر أثر علم اإلجرام على قانون اإلجراءات> الجنائية في فكرة األخذ بنظام‬
‫الفحص السابق على الحكم كإجراء من اإلجراءات> المحاكمة ‪ ،‬وذلك بان يقوم القاضي قبل‬
‫الحكم بالعقوبة بجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المتهم سواء منها ما تعلق بظروفه‬
‫اإلجتماعية أو بحالته النفسية أو بالبيئة التي نشأ فيها ‪ ،‬وذلك لمعرفة األسباب التي دفعته‬
‫للجريمة ومنه يتسنى للقاضي تحديد مدى الخطورة الكامنة في شخصه إلختيار العقوبة أو‬
‫التدبير المالئم لهذه الخطورة ‪ ،‬وذلك عن طريق اإلستعانة بأهل الخبرة من األطباء وعلماء‬
‫النفس ورجال اإلجتماع ( أنظر المادة ‪ 685‬إ ج ج ) وهذا إلقتراح أفضل التدابير التي يمكن‬
‫تطبيقها على الفاعل لإلنتقام منه ‪ ،‬وإنما إلصالحه وغعادة تكييفه مع المجتمع بما يتناسب مع‬
‫توازنه وخواص شخصيته ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫ويظهر هذا التأثير أيضا في فكرة قاضي تنفيذ العقوبة ‪ ،‬وهو قاضي متخصص‬
‫في مرحلة التنفيذ العقابي الالحقة لصدور الحكم باإلدانة ‪ ،‬يتولى متابعة تعديل الجزاء‬
‫المحكوم به بما يتوافق مع تطور شخصية المجرم أثناء تنفيذ العقوبة ‪ ،‬وهذه الفكرة هي نتاج‬
‫لدراسات علم اإلجرام التي تولى إهتمامها بالغا بمرحلة ما بعد الحكم ‪ ،‬وذلك ألن إصالح‬
‫الجاني وغعادة تأهيله يتوقف على مدى طريقة تنفيذ العقوبة وتحقيقها للهدف المرجوا منها ‪.‬‬
‫‪ -3‬علم اإلجرام وعلم العقاب ‪:‬‬
‫علم العقاب هو العلم الذي يتناول بالدراسة والبحث المبادئ واألساليب التي تكفل‬
‫مواجهة الظاهرة اإلجرامية سواء من حيث إختيار الجزاء المناسب أو من حيث إقتراح‬
‫أفضل الطرق لتنفيذهذا الجزاء ‪.‬‬
‫ويبدوا إختالف العلمين عن بعضهما ففي حين يدرس علم اإلجرام ظاهرة‬
‫الجريمة دراسة تفسيرية نسبية سواء في جانبها الفردي أم في جانبها اإلجتماعي بقصد‬
‫إكتشاف العوامل المؤدية لحدوثها ‪ ،‬أما علم العقاب فهو يتناول بالعالج ظاهرة الجريمة بعد‬
‫وقوعها للحيلولة دون عودة المجرم إلرتكابها مرة أخرى ‪.‬‬
‫لكن رغم هذا فالعالقة بينهما قائمة وهي نتيجة حتمية للصلة بين الجريمة والعقوبة‬
‫‪ ،‬حتى أنه إلى نهاية القرن ‪ 19‬كان يتجه العلماء> إلى الجمع والمزج بين العلمين ‪ ،‬إذ كان يعد‬
‫علم العقاب فرعا من فروع علم اإلجرام ‪ ،‬وهذا بناءا على أنه ال يمكن إعداد برنامج للوقاية‬
‫من الجريمة وعالجها دون التعرف العميق على صورها وخصائصها وأسبابها ‪.‬‬
‫غير أنه ومع التطور الذي وصلت إليه الدراسات العقابية في مجال مكافحة‬
‫الجريمة مع القرن العشرين فقد إستقل علم العقاب> عن علم اإلجرام ‪ ،‬فعلم اإلجرام يمكن على‬
‫تفسير الظاهرة اإلجرامية بينما يمكن علم العقاب> على كيفية مواجهتها ‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ولكن ليس معنى إستقالل علم العقاب> عن علم اإلجرام اإلنفصال التام والمطلق‬
‫بينهما ‪ ،‬فثمة عالقة متبادلة بينهما تتمثل في إستفادة علم العقاب من نتائج الدراسات وأبحاث‬
‫علم الغجرام المتعلقة بشخصية المجرم للوصول إلى األهداف القريبة والبعيدة للعقوبات‬
‫الجزائية ‪ ،‬ثم إختيار أنجع األساليب الكفيلة بتحقيق هذه األهداف ‪ ،‬وفي ذات الوقت فإن علم‬
‫اإلجرام يستعين بدراسات علم العقاب حول تأثير تنفيذ العقوبات الجزائية على تكوين‬
‫الشخصية اإلجرامية ‪.‬‬

‫الفصل األول ‪ :‬التحليل الوصفي لظاهرة الجريمة أو تفسير الظاهرة اإلجرامية ‪.‬‬
‫تمهيــــد ‪:‬‬
‫تعددت اإلتجاهات> والمذاهب في تحليلها للظاهرة اإلجرامية بغية إكتشاف عواملها‬
‫وتفسير سبب إقدام بعض األفراد دون اآلخرين على إرتكابها ‪ ،‬ويمكن جمع هذه اإلتجاهات‬
‫في إتجاهين رئيسيين نشأ منهما إتجاه ثالث ‪.‬‬
‫اإلتجاه األول ‪ :‬يتزعمه أنصار النظريات االنثروبولوجية التي ال تعترف بأي اهمية للبيئة‬
‫اإلجتماعية ‪ ،‬فعوامل اإلجرام تحصر في المجرم ذاته ‪ ،‬أي عوامل داخلية فيه ‪ ،‬وهذه‬
‫العوامل الداخلية إما خاصة بالتكوين العضوي للمجرم كمالحظة عامة ووظائف أعضائه‬
‫الداخلية ‪ ،‬أو خاصة بالتكوين النفسي كالمشاعر والذكاء ‪ ،‬أو خاصة بصفات الشخصية‬
‫كالجنس والسن والعنصر وهذا ما يعرف بالتحليل> النفسي للجريمة ‪.‬‬
‫اإلتجاه السكاني ‪ :‬يتزعمه أنصار النظريات البيئية التي تعطي اهمية فصلة للبيئة المحيطة‬
‫باإلنسان المجرم أي العوامل الخارجية عنه ‪ ،‬أي ان العوامل اإلجتماعية هي وحدها‬
‫المسؤولة عن ظاهرة الجريمة وليست العوامل الفردية ‪ ،‬سواء كانت هاته العوامل‬
‫إقتصادية ‪ ،‬أو ثقافية أو جغرافية ‪ . . . ،‬على إختالف فيما بين أصحاب هذا اإلتجاه في‬
‫تغليب كل‬
‫‪8‬‬
‫عامل بإعتباره العامل الرئيسي ‪ ،‬وهذا ما يعرف بالتحليل اإلجتماعي للجريمة ‪.‬‬
‫اإلتجاه الثالث ‪ :‬ظهر على أساس اإلتجاهين السابقين ‪ ،‬ويفسر السلوك اإلجرامي على أساس‬
‫لمجموعة متكاملة من العوامل سواء كانت عوامل داخلية خاصة بالتكوين‬ ‫حصيلة‬
‫العضوي أو النفسي للفرد أم عوامل خارجية متعلقة بالظروف الطبيعية أو اإلقتصادية أو‬
‫الثقافية أو غيرها ‪ ،‬وتسمى هذا المذهب بمدارس التحليل> التكاملي ‪.‬‬
‫والفارق بين النوعين يتمثل في أن التحليالت الثالثة األولى ( العضوية ‪ ،‬النفسية ‪،‬‬
‫اإلجتماعية ) ترد الجريمة إلى عامل بعينه ‪ ،‬بينما التحليل التكاملي يفسر الجريمة في ضوء‬
‫كافة هذه العوامل ‪.‬‬
‫المبحث األول ‪ :‬المذاهب البيولوجية والنفسية ‪.‬‬
‫وهي التي تعنى بالعوامل الفردية التي تدفع شخصا بذاته إلى إرتكاب جريمة‬
‫معينة ‪ ،‬وبحث العوامل الفردية يعد مجال أو نطاق علم اإلجرام من حيث األشخاص أي‬
‫دراسة أشخاص المجرمين انفسهم وهذا سواء كانوا مجرمين أسوياء كاملي األهلية أو‬
‫مجرمين غير أسوياء ‪ ،‬وذلك بدراسة العوامل الداخلية في المجرم سواء كانت عوامل‬
‫عضوية ‪ ،‬أي دراسة أشكال أعضائه الخارجية وافراد سير أجهزته الداخلية وإفرازات الغدد‬
‫لديه ‪ ،‬أو عوامل نفسية أي البحث في غرائز المجرم وميوله وعواطفه ومدى إنفعاالته‬
‫ودرجة ذكائه وغير ذلك ‪.‬‬
‫المطلب ‪ :1‬النظرية الفزيولوجية ‪.‬‬
‫جالدول )‬ ‫ـ‬ ‫سبيرزهايم‬ ‫ـ‬ ‫( جال‬
‫‪) Galdwell‬‬ ‫ـ‬ ‫‪Sperz heim‬‬ ‫( ‪ Gall‬ـ‬
‫في منتصف القرن الثامن عشر حاول هؤوالء األطباء الثالثة أن يثبتوا وجود‬
‫عالقة بين الشكل الخارجي> للجمجمة ‪ ،‬وبين سلوك اإلنسان على إعتبار أن الشكل الخارجي‬

‫‪9‬‬
‫للجمجمة يتطابق معه شكلها الداخلي الذي يحوي المخ والمخ بدوره يحتوي العقل الذي يتكون‬
‫من مجموعة من الغمكانيات والوظائف ‪.‬‬
‫وعليه لما كان المخ الذي يحتوي العقل محكوم بشكل الجمجمة الداخلي فإن هذه‬
‫اإلمكانيات والوظائف العقلية تتأثر بشكل الجمجمة الخارجي> ‪.‬‬
‫وفيما تعلق بإمكانيات العقل فقد كان الطبيب ( جال ) بانه يحتوي على ‪ 26‬إمكانية‬
‫‪ ،‬بينما ذهب زميله ( سبيرز هايم ) بأن اإلمكانيات يبلغ في العقل ‪ 35‬وظيفة وإمكانية ‪ ،‬غير‬
‫أنهم إتفقا أن إمكانيات العقل يمكن تقسيمها إلى ثالث مناطق في المخ كل منطقة منها تحري‬
‫جهازا معينا يشغل على طائفة من تلك اإلمكانيات ذات الوظائف المعينة في العقل وهذه‬
‫الطوائف هي ‪:‬‬
‫‪ -‬الملكات الذهنية ‪.‬‬ ‫‪ -‬المشاعر األخالقية‬ ‫‪ -‬الغرائز الدنيا‬
‫وذهب إلى أن المنطقة االولى في العقل والتي تتمركز بها طائفة الغرائز هي‬
‫المسؤولة عن الجرائم ‪ ،‬وبخاصة كل من غريزة الجنس ‪ ،‬غريزة النضال ‪ ،‬غريزة حب‬
‫التملك أو اإلقتناء ‪ ،‬غريزة الكتمان ‪.‬‬
‫ثم جاء الطبيب ( جالدون ) بعد ذلك بفكرة العالقة المتبادلة بين مناطق المخ إكماال‬
‫لهاته النظرية ‪ ،‬حيث إعتبر أن المشاعر االخالقية تراقب الغرائز الدنيا ‪ ،‬وأن ما يمتلك‬
‫اإلنسان من ملكات ذهنية إلى جانب ما يتمتع به من إرادة يمكنها أن تتحكم في الغرائز‬
‫والمشاعر معا وتوجيهها ‪.‬‬
‫ومؤدى ذلك أنه عندما تقرى لدى اإلنسان غريزة حب التملك دون أن تراقبها مشاعره‬
‫األخالقية أو تطوعها ملكاته الذهنية أو تتحكم فيها إرادته ‪ ،‬فالنتيجة المترتبة عن تضخم هاته‬
‫الغريزة في إرتكاب السرقة ‪ ،‬وهكذا فغن معظم الجرائم المرتكبة يمكن تفسيرها بنمو الغرائز‬
‫الدنيئة وعدم وعدم مراقبتها والتحكم فيها ‪ ،‬فغريزة النضال تؤدي إلى إرتكاب جريمة القتل‬
‫واإلعتداء على األشخاص والغريزة الجنسية تؤدي إلى إرتكاب جرائم اإلغتصاب وهتك‬
‫‪10‬‬
‫العرض وغيرها من الجرائم الجنسية ‪ ،‬وغريزة الكتمان تدفع إلى جرائم الغش والخيانة ‪،‬‬
‫وعلى العكس من ذلك إذا راتبت المشاعر تلك الغرائز وطوعتها وتحكمت فيها اإلرادة‬
‫والملكات الذهنية ‪ ،‬فال يمكن تصور وقوع الجريمة ‪ ،‬أي أنه إذا تغلبت المشاعر األخالقية‬
‫والملكات الذهنية على الغرائز الدنيئة حال ذلك بدون اإلجرام ‪.‬‬
‫نقد النظرية ‪ :‬واجهت هاته النظرية إنتقادا من قبل علماء اإلجرام ولم تلق قبوال عندهم وذلك‬
‫لألسباب التالية ‪:‬‬
‫*‪ -‬إن من اهم ما يترتب على هاته النظرية أن تصرفات المجرم بناءا عليها تصبح مفروضة‬
‫عليه ‪ ،‬مما يؤدي إلى القول بحتمية الجريمة وبالتالي عدم مساءلة المجرم عن سلوكه‬
‫اإلجرامي ‪ ،‬وهذا ما يتعارض مع الفكر السائد حاليا والقائم على مبدأ حرية اإلختيار على‬
‫إعتبار ان الغنسان هو سيد نفسه لذا يتحمل مسؤوليته عن جميع تصرفاته الغجرامية قانونا ‪.‬‬
‫*‪ -‬أن هذه النظرية بنيت وتأسست على إفتراض عجزت عن إثباته بطريقة علمية مقنعة فيما‬
‫تعلق بتقسيم اإلمكانيات والوظائف العقلية إلى طوائف تربطها عالقات متبادلة ‪ ،‬أي أن‬
‫أصحاب> هاته النظرية لم يقوموا بإلثبات ما إفترضوه على كونه صحيحا بأدلة علمية ثابتة‬
‫ومقنعة ‪.‬‬
‫المطلب ‪ : 2‬النظرية العضوية ــ نظرية لومبروزو ‪.‬‬
‫صاحب> هذه النظرية هو الطبيب اإليطالي شيرازي لومبروزو ( ‪ 1835‬ـ ‪) 1909‬‬
‫عمل بعد تخرجه من كلية الطب كطبيب في الجيش اإليطالي ثم عين أستاذا للطب الشرعي‬
‫والعقلي بجامعة ( بافيا ) بإيطاليا ‪ ،‬وقد أتاحت له وظائفه السابقة القيام بإجراء الفحوص‬
‫واألبحاث على المجرمين األحياء واألموات بهدف التوصل إلى نتائج تسمح بالتمييز بينهم‬
‫وبين األسوياء غير المجرمين ‪ ،‬وهذا من خالل فحص لعدد من الجنود األشرار والذين‬
‫وجدهم يتميزون بعدة مميزات جسدية لم تكن موجودة في الجنود االخيار منها الوشمات‬

‫‪11‬‬
‫والرسوم القبيحة التي كانوا يحدثونها على أجسادهم إضافة إلى ما إتضح له من خالل تشريح‬
‫جثث الكثير ن لمجرن من وجود عيوب في تكوينهم الجسماني وشذوذ في الجمجمة ‪،‬‬
‫وخصوصا من خالل حالة اللص الخطير المدعو( دفيليال ) الذي أكتشف بعد تشريحه لجثته‬
‫وجود تجويف غريب في مؤخرة جمجمته مثل الذي يوجد لدى الحيوانات> الدنيا كالقرود ‪،‬‬
‫وكذا حالة المجرم ( فيتيني ) الذي قتل عشرين إمراة بطريقة وحشية حيث الحظ ان لهذا‬
‫المجرم خصائص اإلنسان البدائي ومظاهر قسوة الحيوانات> المفترسة ‪.‬‬
‫إضافة إلى حالة الجندي ( مسديا ) الذي لم يعرف عنه سوء الخلق ‪ ،‬حيث قام‬
‫فجاة بمطاردة ثمانية افراد من رؤوسائه وزمالئه في الجيش وبعد قتلهم سقط فاقدا الوعي‬
‫لمدة ساعات طويلة ‪ ،‬وحينما أستيقظ لم يتذكر شيئا عما إرتكبه ‪ ،‬فإلى جانب ما الحظه عليه‬
‫من صفات الحيوانات> المتوحشة والمفترسة أنه مصاب بحالة ( الصرع الوراثي ) الذي دفعته‬
‫إلى إرتكاب الجريمته ‪ ،‬مما جعله يتوصل إلى وجود حالته بين اإلجرام والصرع ‪.‬‬
‫‪ - /1‬تفسير السلوك اإلجرامي لدى لمبروزو ‪:‬‬
‫تقوم نظرية لومبروزو على فكرة أن المجرم نمط أو نوع معين من البشر يتميز‬
‫بمالمح عضوية خاصة وسمات نفسية يركبها إلى صفات اإلنسان األول والمخلوقات البدائية‬
‫فمن الناحية العضوية ‪ :‬يتميز المجرم من منظور ( لومبروزو ) بعدم اإلنتظام في شكل‬
‫الجمجمة وضيق الجبهة وضخامة الفكين وبروز عظام الخد وشذوذ حجم األسنان وتركيبها ‪.‬‬
‫وزيادة أو نقص في حجم األذن وفرطحة أو إعوجاج في االنف وكثرة و تنوع تجاعيد البشرة‬
‫وغزارة وجفاف الشعر ‪ ،‬وعيوب في التجويف الصدري وطول مفرط في الذراعين‬
‫واألرجل واألصابع ‪ ،‬أي ان المجرم في نظره وحش بدائي يحتفظ عن طريق الوراثة‬
‫بالصفات البيولوجية والخصائص الخلقية الخاصة بإنسان ما قبل التاريخ ‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫ومن الناحية النفسية ‪ :‬فإن من خالل ما الحظه عليهم من كثرة الوشمات على اجسامهم‬
‫فإنهم يتصفون بضعف الغحساس باأللم ‪ ،‬إلى جانب تميزهم بالفظاظة وغلظة القلب> وعلة أو‬
‫غنعدام الشعور األخالقي والشفقة ‪ ،‬ومن خالل كل هذا أصدر كتابه الشهير الذي سماه‬
‫"" اإلنسان المجرم "" سنة ‪ ، 1876‬والذي يرى فيه ان المجرم إنسان مطبوع على اإلجرام‬
‫وليس للبيئة التي يعيش فيها أي أثر في إجرامه فهو مجرم بالفطرة أو بالطبع أي بالميالد ‪.‬‬
‫غير ان لومبروزو لم يتوقف عند هذا الحد في تفسير السلوك اإلجرامي من خالل‬
‫طبع المجرم الذي فطر عليه ‪ ،‬فإنه ونظرا لما تلقته نظريته من نقد ‪ ،‬وما إكتشفه من عالقة‬
‫بين التشنجات العصبية وبين اإلجرام ‪ ،‬من خالل حالة المجرم ( جسديا ) أعاد صياغة‬
‫نظريته مقسما المجرمين إلى طوائف هي ‪:‬‬
‫‪ -1‬المجرم المجنون ‪ :‬وهو من يرتكب الجريمة تحت تأثير المرض العقلي ويدخل ضمن‬
‫المجرم المصاب بالهستيريا والمدمن على الخمور والمخدرات ‪.‬‬
‫‪ -2‬المجرم الصرعي ‪ :‬وهو من يرتكب الجريمة بتاثير الصرع الذي ينتقل إليه بطريقة‬
‫الوراثة والذي يؤثر على عضالت الشخص وعلى اعصابه وحالته النفسية ‪ ،‬وقد تتطور‬
‫مضاعفات> الصرع فيتطور ويتحول إلى مرض عقلي ‪ ،‬فيتحول به المجرم الصرعي إلى‬
‫مجرم مجنون ‪.‬‬
‫‪ -3‬المجرم بالفطرة او الميالد ‪ :‬وهو من يتميز بصفات موروثة خاصة يرتدبها إلى عصر‬
‫اإلنسان البدائي وهذه الصفات منها ما هو عضوي أو خلقي ومنها ماهو خاص بالحواس‬
‫كالنظرة العابسة للمجرم القاتل> ‪.‬‬
‫ويرى لومبروزو أن المجرم بالفطرة او الميالد من توافرت فيه خمسة أو اكثر من عالمات‬
‫اإلرتداء السابقة ذكرها ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ -4‬المجرم بالصدفة ‪ :‬وهو المجرم الذي يرتكب الجريمة بسبب مؤثرات خارجية عارضة‬
‫متصلة بالظروف البيئية من شأنها أن تعزر فيه النزعة إلى إرتكاب الجريمة دون ان تكون‬
‫لديه أصال صفات> المجرم بالميالد ‪ ،‬ولكن يتميزون بضعف الوازع األخالقي ونقصهم قوة‬
‫مقاومة المؤثرات الخارجية ‪ ،‬يرتكبون الجريمة إن الحت لهم فرصة االفالت من العقاب> ‪،‬‬
‫كمرتكب الجرائم اإلقتصادية وجرائم الصحافة والذي يحمل السالح دون ترخيص ‪.‬‬
‫‪ -5‬المجرم المعتاد ‪ :‬وهو الشخص الذي يولد دون أن يحمل صفات المجرم بالطبع أو‬
‫بالفطرة وغنما يكتسب نتيجة للظروف المحيطة به ‪ ،‬نزعات إجرامية وميوال إلى الجريمة ‪،‬‬
‫فإجرامه إذا مكتسب وليس فطريا ‪.‬‬
‫‪ -6‬المجرم بالعاطفة ‪ :‬أو المجرم العاطفي ‪ ،‬وهو الذي يرجع سلوكه الغجرامي ال لتكوين‬
‫عضوي أو جنون او صرع وغنما ألسباب عاطفية خالصة ن وذلك لتمتع هؤالء األفراد‬
‫بحساسية بالغة ال يمكن مقاومتها وعاطفة جارفة تدفعهم أحيانا إلرتكاب الجريمة كالمساس‬
‫الزائد أو الغيرة المفرطة أو اإلستفزاز وبعدها يشعرون بتأنيب الضمير ‪ ،‬وهذا النوع غالبا‬
‫يرتكب جرائم اإلعتداء على األشخاص ‪.‬‬
‫‪ -/2‬تقسيم نظرية لومبروزو ‪:‬‬
‫مما ال ينكر على ( لومبروزو ) فيما قام به من دراسات دوره في توجيه األنظار‬
‫إلى ضرورة دراسة الشخص المجرم والإهتمام بالتكوين العضوي له ‪ ،‬بالعبث عن الصلة بين‬
‫عوامل هذا التكوين وبين السلوك اإلجرامي ‪ ،‬مما وسع من موضوع البحث في الدراسات‬
‫اإلجرامية ليشمل المجرم إلى جانب الجريمة ‪ ،‬والذي أعتبره مسيرا ال مخيرا في سلوكه‬
‫اإلجرامي لذا فال يجب أن يسأل جنائيا بل يعتبر المجرم مريضا ال يستحق عقوبة وإنما‬
‫يستاهل تدبير امن وقائي أو عالجي أو التخلص منه إذا تعذر عالجه أو إصالحه ‪.‬‬
‫إلى جانب هذا فقد واجهت نظرية لومبروزو إنتقادات كثيرة منها ‪:‬‬
‫‪14‬‬
‫المبحث االول ‪ :‬العـــــوامل الداخليــــة لإلجـــــرام ‪.‬‬
‫تمهيـــــــد ‪:‬‬
‫العوامل الداخلية لإلجرام هي العوامل المتصلة بشخص المجرم ‪ ،‬أي تلك العوامل المتصلة‬
‫بتكوين البيولوجي والعقلي والنفسي ‪ ،‬أي كل ما يتصل بشخص المجرم ويؤثر بطريقة أو بأخرى في‬
‫إجرامه ‪ ،‬وهي عوامل عديدة ومتنوعة ‪ ،‬ذلك أن اإلنسان كائن معقد التركيب متعدد األجهزة ولكل‬
‫جهاز وظيفته التي يؤديها ‪ ،‬وهو يتأثر بغيره من األجهزة ويؤثر فيها ‪ ،‬ومجمل هذه العوامل هي‬
‫الوراثة ‪ ،‬النوع أو الجنس ‪ ،‬السن ‪ ،‬العنصر أو الساللة ‪ ،‬المرض وعامل السكر واإلدمان على‬
‫المخدرات ‪.‬‬
‫المطلب األول ‪ :‬الوراثــــــــــة ‪.‬‬
‫الوراثة هي إنتقال خصائص السلف بطريقة التناسل ‪ ،‬أي لحظة اإلخصاب ‪ ،‬أي لحظة نشأة‬
‫الجنين ‪.‬‬
‫وقد دلت تجارب الحياة على إنتقال الطباع والصفات العضوية واألمراض من األصل إلى‬
‫الفرع بدرجات متفاوتة ‪ ،‬ويرجع علماء الوراثة هذا التشابه أو اإلختالف بين الفرع واألصل إلى أن‬
‫اإلنسان تتنازعه قوتان متعارضتان هما ‪ :‬قوى الوراثة وقوى التغيير أو التبديل ‪.‬‬
‫فقوى الوراثة تتجه به إلى المشابهة مع االصل بحيث يكون إمتدادا أو تكرارا له بينما تجذبه قوى‬
‫التغيير إلى اإلبتعاد عن األصل وإنقطاع التشابه بينهما ‪.‬‬
‫وقد إختلف العلماء حول دور الوراثة كمصدر للتكوين اإلجرامي بين من ينكر دورها في‬
‫نشأة الجريمة وبين من يحزوا لها الدور كله في نشأة الجريمة ‪ ،‬إلى أن إستقرت جماعة من العلماء‬
‫على أن الوراثة وإن كانت خفيفة واقعة ال مجال إلنكارها ‪ ،‬فإن أثرها ليس حتميا وإنما في قوة توجيه‬
‫فقط ‪ ،‬بمعنى أنه ال يقصد بالوراثة اإلجرامية أن إبن المجرم يتحتم أن يكون مجرما مهما صادف تربية‬
‫حسنة وبيئة طيبة لما للتربية والبيئة الحسنة من أثر في طبع النفس على حب الغير على نحو يحد من‬
‫ذلك الميل الموروث فيها إلى اإلجرام ‪.‬‬
‫وعلى ذلك يكون المقصود بدور الوراثة هو وراثة اإلستعداد اإلجرامي أو الميل اإلجرامي ‪،‬‬
‫فإبن المجرم ال يتحتم أن يصبح مجرما وإن كان يعد أقرب من غيره عرضة للوقوع في مهاوي‬

‫‪15‬‬
‫‪1‬لجريمة والميل إلى الفعل ال يعني بالضرورة وقوع هذا الفعل ‪.‬‬
‫ونخلص من هذا إلى انه إنطالقا من ان خصائص السلف تنتقل إلى الخلف عن طريق‬
‫المورثات أو الجينات التي تحملها نواة الخاليا اإلنسانية المسماة بالصبغيات أو الكروموزومات ‪ ،‬فإنه‬
‫ال يوجد ما يسمى بكروموزوم أو صبغي الجريمة الذي ينقل اإلستعداد اإلجرامي من األبوين إلى األبناء‬
‫‪ ،‬بناءا على ما ذهب إليه علماء الوراثة من ان الذي ينتقل بالوراثة ليس هي الخصائص ذاتها وإنما‬
‫إتجاهات أو إمكانيات يمكن أن تتحول إلى خصائص أو تظل ساكنة ‪.‬‬

‫أساليب بحث دور الوراثة في علم اإلجرام ‪:‬‬


‫قدم العلماء القائلين بدور الوراثة في إكتساب الفرد ميال إلى الجريمة عدة أساليب تثبت أدلة‬
‫دور الوراثة في نشأة الجريمة منها ‪:‬‬
‫‪ -)1‬دراسة تاريخ األسرة ( شجرة العائلة ) ‪:‬‬
‫أي نخص شجرة عائلة المجرم ومقارنتها بأشجار العائالت التي ينتمي إليها أي مجرم ‪،‬‬
‫ومن أشهر األبحاث والدراسات التي أجريت في هذا الصدد ما قام به العالم << دوجال >> والمتعلقة‬
‫بأسرة عائلة << جوك ‪ >> Jukes‬وهو إمريكي الجنسية ولد سنة ‪ 1820‬وكان مجرما خطيرا مدمنا‬
‫على المسكرات وزوجته لصة ومقارنتها بعائلة رجل الدين << جوناتان >> ذو السمعة الطيبة ‪.‬‬
‫فبدراسة شجرة عائلة (جوك) في نهاية القرن ‪ 19‬وبداية القرن ‪ 20‬قدمت هاته العائلة‬
‫للمجتمع األمريكي على مدار سبعة اجيال ‪ 202‬من محترفي الدعارة و ‪ 142‬متشرد و ‪ 77‬مجرما‬
‫إرتكبوا جرائم متباينة وعددا من المصابين بأمراض عقلية وبلهاء ومتسولين ‪ ،‬وهذا من أصل ‪809‬‬
‫فردا هم أسالف عائلة جوك ‪ ،‬بما يقارب نسبة اإلجرام في هذه العائلة ‪. %12‬‬
‫بعكس أسرة جوناتان التي لم يوجد فيها مجرما واحدا بل كان منها كثيرا من رؤوساء الواليات المتحدة‬
‫اإلمريكية وحكام الواليات وقضاة وكتاب مشاهير وأساتذة جامعات ووعاظ ‪.‬‬
‫فمن هذه المقارنة بين األسرتين إستدل الباحثون على اهمية دور الوراثة في اإلجرام ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وبالرغم من إيجابية هاته الدراسة إال أنه يتحفظ عليها وما توصلت إليه من نتائج فيمايلي ‪:‬‬
‫‪ -‬أن أسلوب دراسة العائلة ال يسمح بفصل تأثير الوراثة عن تأثير الوسط الذي يعيش فيه أفراد‬
‫العائلة ‪ ،‬ومن ثم ال يسوغ نسبة إجرام أفراد عائلة كان أصلها مجرما وإلى ما ورثوه عن هذا األصل إذ‬
‫للبيئة دورها وأثرها في تكوين الشخصية اإلجرامية لألفراد ‪.‬‬
‫‪ -‬إن تأثير الوراثة يتضاءل كلما بعدت األجيال عن أصلها األول ‪،‬فإذا كان النصف بالنسبة األبناء‬
‫المباشرين فإن تأثير الوراثة يهبط إلى الربع بالنسبة لألحفاد وهكذا ‪.‬‬
‫‪ -‬وكذا يعاب على هاته الدراسة إقتصارها على الذكور البالغين وإغفالها حالة النساء والسلف األول‬
‫لألسرة محل الدراسة ‪ ،‬حيث ثبت أن جدة << جوناتان >> ألمه تطلقت إلرتكابها جريمة الزنا وقتل‬
‫خاله األكبر أخته الوحيدة ‪ ،‬فإذا صح أن اإلجرام أمر موروث فقد كان ينبغي أن يصبح (جوناتان) نفسه‬
‫وكثيرون من ذريته مجرمين ‪.‬‬
‫‪ -)2‬دراسة التوائم ‪:‬‬
‫ويقوم هذا األسلوب على المقارنة بين توامين ناتجين من بويضة واحدة ويسميان‬
‫بالتوأمين المتحدين ‪ ،‬وبين توأمين ناتجين عن إتحاد بويضتين بحيوانيين مويين ويسميان بالتوأمين‬
‫األخوين ‪.‬‬
‫وقد أجرى العالم األلماني << النج ‪ >> Lange‬سنة ‪ 1929‬دراسة على ‪ 30‬زوجا من‬
‫التوائم الذكور البالغين من بينهم ‪ 13‬زوجا من التوائم المتحدة و‪ 17‬زوجا من التوائم األخوة ‪ ،‬وكانت‬
‫نتيجة هاته الدراسة ان تبين له أن ‪ %77‬من التوائم المتحدة لديها توافق على إرتكاب الجريمة ‪ ،‬بينما‬
‫ال تتجاوز نسبة ‪ %12‬عند التوائم االخوة‪.‬‬
‫مما يعني أن اإلستعداد الغجرامي لدى التوائم المتحدة يكون متساويا وبالتالي يكون إقبالهم على‬
‫الجريمة متساويا وهذا لتماثل الخصائص الوراثية فيما بينها ‪ ،‬بينما عند التوائم األخوة فإختالف‬
‫الخصائص بين التوائم أدى إلى تفاوت في اإلستعداد الموروث لدى كل منهم ومن ثم إلى إختالف كل‬
‫منهم من اإلجرام ‪ ،‬وقد ادى هذا إلى القول بأن للوراثة دورا حاسما في الدفع إلى الجريمة بدليل توافق‬
‫أغلب التوائم المتماثلة في سلوكهم اإلجرامي وعدم توافق التوائم االخوة في المسلك الغجرامي إال في‬
‫حاالت قليلة ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫وبالرغم مما توصلت إليه طريقة دراسة التوائم في إثبات دور الوراثة الكامل في الجريمة‬
‫فإنها لم تسلم من النقد إذ أخذ عليها ‪:‬‬
‫*‪ -‬ضآلة عدد التوائم الذين أجريت عليهم الدراسة ‪.‬‬
‫*‪ -‬أن تقسيم التوائم إلى متحدة واخوة أي متماثلة وغير متماثلة تقسيم مشكوك فيه وهذا‬
‫لصعوبة تحديد ما إذا كانت التوائم ناتجة عن بويضة واحدة أو أكثر من بويضة ومن ثم فمن المحتمل‬
‫وقوع الباحث بالخطأ والخلط بينهم مما يترتب عليه الخلط في النتائج المتوصل إليها ‪.‬‬
‫*‪ -‬ال يمكن التسليم بإختالف درجة التوافق في اإلجرام بين التوائم المتحدة والتوائم االخوة‬
‫كدليل على وراثية اإلجرام ‪ ،‬ألن التماثل بين التوائم المتحدة في اإلجرام قد يرجع إلى الخبرة أي إلى‬
‫التجارب التي م ّر بها وكذا إلى البيئة اإلجتماعية وغيرها ‪. . .‬‬

‫وخالصة القول أن دور الوراثة ال يمكن إنكاره ولكنها ال تعد عامال حتميا في إفضاءه إلى اإلجرام ‪ ،‬بل‬
‫الوراثة عامل من بين العوامل المقررة لإلجرام‬
‫فإن أدت إلى اإلجرام فإن تأثيرها ال يكون منفردا بمعزل عن بقية العوامل ‪ ،‬أي أن اإلستعداد اإلجرامي‬
‫فسينتقل بالوراثة من األصول إلى الفروع ولمنه ال ينتج لدى الفروع ما احدثه لدى االصول من الدفع‬
‫إلى السلوك اإلجرامي لتخلف الظروف التي تفاعلت معه لدى االصول بالنسبة للفروع ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬النوع أو الجنس ‪.‬‬
‫يقصد بذلك تحديد دور اإلختالف بين الجنسين أي بين الرجل والمراة على إجرام كل منهما‬
‫سواء من حيث الكم أو الكيف ‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث الكم ‪ :‬حيث أشارت إحصائيات أغلب الدول ان نسبة إجرام المراة أقل بكثير من إجرام‬
‫الرجل حيث أشارت إحصائيات في سنة ‪ 1970‬وما بعدها أن إجرام النساء بلغ في فرنسا ‪ %11‬وفي‬
‫مصر ‪ %04‬وبلجيكا ‪ %3‬وفي تونس والجزائر ‪ %0,1‬وفي أمريكا بلغت نسبة من يقبض عليهن من‬
‫النساء ‪ %10‬ومن صدر منهن أحكام باإلدانة ‪ ، %5‬ولكن رغم ثبوت هذه الحقيقة العلمية إال أن‬
‫الباحثين قد حاول التشكيك فيها حيث أن ما تظهره اإلحصائيات من نقص ظاهري في كم إجرام المراة‬

‫‪18‬‬
‫عن الرجل ال ينبغي اإلعتماد عليه لتقرير زيادة معدل إجرام الرجل على معدل إجرام المرأة وذلك‬
‫لسببين ‪:‬‬
‫‪ -1‬إن كثيرا من جرائم المرأة يرتكب في الخفاء وال تثبته اإلحصاءات مما يعني ان الرقم األسود في‬
‫إجرامها يزيد عنه بالنسبة للرجل ‪.‬‬
‫‪ -2‬إن هذه اإلحصاءات والدراسة ال تأخذ في حسبانها حاالت إجرام الرجل الذي تكون المرأة هي‬
‫الباعث الدافع إليه دون أن تتوافر في حقها إحدى وسائل اإلشتراك المجرمة قانونا ‪ ،‬كإرتكاب‬
‫الجريمة إلرضائها أوإستحالتها كالسرقة لتقديم هدية لها ‪.‬‬
‫حيث تشير بعض الدراسات اإلحصائية إلى أن المرأة تعتبر سببا في ‪ %40‬من الجرائم الخلقية‬
‫‪ ،‬وفي ‪ %20‬من جرائم القتل ‪ ،‬وفي ‪ %10‬من جرائم السرقة ‪ ،‬فلو أضيفت هذه الجرائم إلى‬
‫النسب السابقة لما ترتكبه المرأة من جرائم إلرتفع معدل إجرامها ‪ ،‬لكن رغم هذه اإلنتقادات فقد‬
‫ثبت دوما وجود إختالف كبير جدا بين معدل إجرام النساء ومعدل إجرام الرجال ‪ ،‬ولكن معدل‬
‫اإلختالف غير ثابت حيث يتفاوت إرتفاعا وإنخفاضا تبعا إلعتبارات عدة ‪ ،‬فإعتبار السن عند‬
‫المرأة ‪ ،‬والمراة الريفية والمدنية ‪ ،‬وفي فترات الحروب فقد يرتفع معدل إجرام النساء بحسب‬
‫هاته اإلعتبارات ويقل ‪.‬‬
‫‪ -‬من حيث النوع والكيف ‪ :‬حيث أشارت اإلحصاءات على أن هناك جرائم ال تقع إال من النساء أو‬
‫نسبتها أكبر من نسبة الرجال ‪ ،‬فمثال تتفوق المرأة على الرجل في جرائم اإلجهاض وقتل األوالد‬
‫والقتل بالسم ‪.‬‬
‫بينما يتفوق عليها الرجل في جرائم العنف والسرقات باإلكراه وجميع الجرائم التي تتطلب قوة‬
‫جسمانية وعضلية ‪.‬‬
‫تفسير إختالف إجرام المرأة عن إجرام الرجل ‪:‬‬
‫يرجع إختالف إجرام المرأة عن إجرام الرجل كما وكيفا إلى تفسيرات توجز فيمايلي ‪:‬‬
‫‪ -‬إختالف التكوين العضوي والنفسي للمرأة عن الرجل حيث أنها أقل قوة بدنية عن الرجل حيث‬
‫تنعكس هذه الخاصية على السلوك اإلجرامي لكل منهما فإجرام الرجل له طابع إيجابي أما إجرام‬
‫المراة فذو طابع سلبي ‪ ،‬لذا يقل نصيب المرأة في جرائم العنف والعرض ويزيد في جرائم شهادة الزور‬
‫وإخفاء األشياء المسروقة ‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫ومن الناحية النفسية فالمرأة معرضة لتغيرات عضوية تؤثر على حالتها النفسية من شأنه‬
‫أن يؤدي بها إلى الجريمة كإضطرابات فترات الحيض والحمل والرضاعة إلى حد يصيبها بالتوتر‬
‫النفسي لدرجة أن إحصاء أجري في بريطانيا ثبت منه أن ‪ %40‬من جرائم النساء ترتكبها وهن في‬
‫فترات الحيض ‪.‬‬
‫‪ -‬إختالف الدور اإلجتماعي للمرأة عن الرجل ‪ ،‬حيث يفسر بعض العلماء إنخفاض مستوى اإلجرام‬
‫لدى المرأة يرجع إلى ضآلة الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع ‪ ،‬حيث أن المراة تتمتع غالبا بحماية‬
‫إجتماعية ال يحظى بمثلها الرجل ‪ ،‬حيث أنه بحكم مسؤوليته عن حمايتها ومسؤوليته عنها يتطلب منه‬
‫الخروج إلى العمل واإلحتكاك باآلخرين والمنافسة والصراع من أجل العيش ومن شأن هذا اإلحتكاك‬
‫تهيئة فرص إرتكاب الجرائم بعكس المرأة فبموجب مسؤوليتها في الجانب األسري في تربية األطفال‬
‫واإلهتمام بشؤون المنزل فهي أكثر بعدا من الرجل عن الصراع ‪.‬‬

‫ونخلص مما تقدم إلى حقيقة أن النساء أقل إجراما من الرجل ‪ ،‬وأن إجرامها محصور فيما ال تحتاج‬
‫فيه إلى قوة عضلية كبيرة ومرد هذا ضعفها البدني والنفسي الذي تكون عليه المراة وإلى ضآلة‬
‫دورها في المجتمع ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬الســــــن ‪.‬‬
‫ويقصد به ذلك التغيير الذي يطرأ على شخصية اإلنسان كلما تقدم به السن ‪ ،‬ومن المسلّم‬
‫به أن اإلجرام يرتبط كما ونوعا بسن اإلنسان ‪ ،‬فاإلنسان في كل مرحلة من مراحل تطور حياته يتأثر‬
‫بالتغيرات التي تطرأ على تكوينه البدني والنفسي ‪ ،‬وتؤكد هذه الحقيقة اإلحصائيات الجنائية التي‬
‫تصنف الجرائم تبعا لسن الجاني ‪ ،‬حيث تظهر إختالف نسبة اإلجرام تبعا لتغير مراحل العمل التي يمر‬
‫بها اإلنسان ‪.‬‬
‫ويقسم العلماء عمر اإلنسان إلى أربعة مراحل تتميز كل مرحلة بمميزات معينة من شأنها أن تؤثر في‬
‫إجرام أفراد كل طائفة سواء من حيث حجم اإلجرام أو نوعه ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ -/1‬مرحلة الطفولة ‪:‬‬
‫وتمتد مرحلة الطفولة لتشمل الفترة من الميالد إلى ما قبل البلوغ ‪ ،‬وهي من أهم مراحل‬
‫تكوين الشخصية اإلنسانية وتحديد إتجاهاتها المستقبلية ‪ ،‬وتتميز هذه المرحلة برغبة الشخص في‬
‫المغامرة بدافع نمو تكوين البدني وشعوره بوجود طاقة لديه تجعله متمردا في تصرفاته وتدفعه إلى‬
‫اإللتجاء إلى العنف أحيانا ‪.‬‬
‫ومن الوجهة اإلجرامية تعد مرحلة الطفولة أقل فترات عمر اإلنسان من حيث عدد الجرائم‬
‫التي ترتكب فيها من خالل ما تؤكده اإلحصائيات ‪ ،‬ويرجع هذا إلى طبيعة التكوين البيولجي للطفل من‬
‫ناحية ‪ ،‬وبضيق نطاق عالقاته اإلجتماعية من ناحية أخرى ‪ ،‬كما أن اغلب القوانين ال يقرر أي‬
‫مسؤولية عما يرتكبه إال في حدود جد ضيقة ‪.‬‬
‫‪ -/2‬مرحلة المراهقة أو الحداثة ‪:‬‬
‫وتشمل الفترة من عمر اإلنسان الواقعة بين سن ‪ 12‬و‪ ، 18‬وتنتاب الحدث في هذه‬
‫المرحلة تغييرات فسيولوجية ونفسية ‪ ،‬حيث يتعرض الحدث لتغييرات داخلية تزيد على إثرها قوته‬
‫البدنية زيادة ملموسة ‪ ،‬حيث يزيد نشاط الغدد في إفرازاتها خصوصا الغدة الدرقية التي تؤثر في رغبة‬
‫اإلنسان في اإلعتداء وتنشط الغريزة الجنسية لدى الحدث في صورة حادة ‪ ،‬كما يتعرض الحدث في‬
‫هذه المرحلة إلى تغييرات وظروف خارجية إذ ينطلق خارج نطاق اسرته ويبدأ في التمرد على القيود‬
‫التي تحد من حريته وتنشأ لديه الرغبة في التعبير عن شخصيته ‪.‬‬
‫إضافة إلى هذا يتميز الحدث في هذه الفترة بنمو في ملكة التخيل وحب المغامرة وتغلب‬
‫العاطفة على العقل وضعف في المقدرة على كبح جماح النفس ومقاومة المؤثرات الخارجية ‪.‬‬
‫ولهذه الخصائص تؤثر الظروف الخارجية على الحدث تأثيرا كبيرا حيث توجه تفكيره وتحكم‬
‫تصرفاته ‪ ،‬ألن شخصيته لم تكتمل نضوجا وإستقرارا مما يجعله سريع اإلستجابة والتأثر بالعوامل‬
‫الخارجية بشكل بالغ قد يكون منهارا إلى حد يدفعه إلى اإلجرام ‪.‬‬
‫وقد أثبتت اإلحصاءات الجنائية أن نسبة إجرام األحداث في إزدياد مضطرب ‪ ،‬تزداد مع تقدم سن‬
‫الحدث لذا تعتني القوانين عناية خاصة بمعاملة األحداث وضرورة العمل على عالج أسبابه حتى ال‬
‫ينجذب الحدث إلى عالم اإلجرام إنجذابا ال رجعة فيه ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫أما نوع الجرائم في هذه الفترة من العمر فإنه يتميز بطغيان طوائف معينة من الجرائم حيث تتوزع‬
‫جرائم األحداث على طوائف ثالث ‪:‬‬
‫‪ -/1‬جرائم اإلعتداء على األموال وخاصة السرقات البسيطة ويفسر هذا برغبة الحدث في الظهور‬
‫وإشباع نزعات ورغبات ال تشبع إال بحصوله على اإلمكانات المادية السيما إن كان فقيرا ورفقته‬
‫أغنياء ‪.‬‬
‫‪ -/2‬جرائم اإلعتداء البدني ‪ :‬وهي تشكل نسبة كبيرة من جرائم االحداث ال سيما جرائم الجرح‬
‫والضرب ويفسر هذا بعوامل النمو البدني للطفل في هذه المرحلة ‪ ،‬إذ يشعر بطاقة بدنية كبيرة تنمو‬
‫لديه وتدفعه إلى النفور من القيود على حريته وتصرفاته والثورة على ما يقف أمامه في تحقيق‬
‫رغباته السلوكية ‪ ،‬مما يخلق فيه نوع من التشاجر والضرب ويظهر هذا جليا مع إخوته في المنزل‬
‫العائلي ثم رفاق اللعب والمدرسة إعتدادا بقوته وتأكيدا لشخصيته ‪.‬‬
‫‪ -/3‬جرائم اإلعتداء على العرض ‪ :‬وتحتل مكانا هاما في إجرام األحداث ‪ ،‬ويفسر ذلك بتأثير النمو‬
‫الغريزي لدى المراهق الذي يحدث مفاجأة فيثير فضول الحدث إلى إكتشاف ما حدث من تغيير فيرتكب‬
‫بعض األفعال الواضحة مع زمالئه ‪ ،‬وحين يكتمل النضج الغريزي عنده وتتخذ طريقها الطبيعي ‪ ،‬قد‬
‫ينزلق إلى بعض جرائم اإلعتداء على العرض والتي تكون محدودة مع بداية فترة المراهقة ثم تزيد في‬
‫نهايتها وبداية مرحلة النضج إذا لم تشبع بما يتفق مع الطرق الشرعية والقانونية ‪.‬‬

‫‪ -)3‬مرحلة النضج ‪:‬‬


‫وتمتد هذه المرحلة فترة طويلة من عمر اإلنسان إذ من سنة ‪ 18‬إلى سن ‪ ، 50‬وهذه الفترة‬
‫من اخطر مراحل عمر اإلنسان من وجهة نظر علم اإلجرام ‪ ،‬فخاللها يتأثر الفرد بتغيرات عضوية‬
‫ونفسية وبظروف بيئية مختلفة ‪ ،‬ويقسم علماء اإلجرام هاته الفترة لطولها إلى فترتين ‪:‬‬
‫أ)‪ -‬فترة النضوج المبكر ‪ :‬وهي الفترة ما بين ‪ 18‬و‪ 25‬سنة وتعرض أخطر فترات العمر وأشدها‬
‫خصوبة في مجال اإلجرام ‪ ،‬حيث تبلغ الجرائم أعلى نسبها في هذه الفترة كجرائم السرقة ‪ ،‬واإلعتداء‬
‫على العرض ‪ ،‬واإلعتداء على الحياة وسالمة الجسم ‪ ،‬وجرائم اإلجهاض وقتل األطفال حديثي الوالدة‬
‫والجرائم غير العمدية كالقتل الخطأ واإلصابة الخطأ ‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫ب)‪ -‬فترة النضوج الحقيقة ‪ :‬وتمتد هذه الفترة من سن ‪ 25‬إلى سن ‪ 50‬وفي هذه الفترة تبدأ حياة‬
‫الفرد في اإلستقرار بداية من الزواج وإقامة أسرة ‪ ،‬ويبدوا هذا واضحا من خالل سلوكه حيث يغلب‬
‫عليه التعقل وتخف فيها حدة اإلجرام ويشعر فيها الفرد بالمسؤولية ‪.‬‬
‫وفي هذه الفترة تغلب فيها جرائم السرقة ‪ ،‬خيانة االمانة والنصب ‪ ،‬حيث يدخل الفرد في‬
‫معامالنت مع اآلخرين وتزداد مطالب حياته وقد تعجز موارده ومصادره الخاصة عن الوفاء بها ‪،‬‬
‫فيدفع إلى سلوك الجريمة ‪ ،‬حيث قد يلجأ إلى الرشوة واإلعتداء على المال العام ‪.‬‬
‫كما قد تكثر في آخر هاته المرحلة جرائم اإلعتداء على الشرف واإلعتبار كالقذف والسب‬
‫ألن األفراد في مثل هذه السن ال يلجأون إلى إستعمال القوة البدنية لتسوية منازعاتهم ‪.‬‬
‫‪ -)4‬مرحلة الشيخوخة ‪:‬‬
‫وتبدأ هذه المرحلة بعد سنة ‪ 50‬وتمتد إلى نهاية العمر ‪ ،‬وتتميز هذه الفترة بتغيرات بدنية‬
‫ونفسية يسببها ضعف القوى البدنية ‪ ،‬وإصابة الجسم باالمراض وهدوء الغريزة الجنسية وحدوث‬
‫تطورات نفسية تتمثل في هدوء العواطف والالمباالة بأحداث الحياة وضبط اإلنفعاالت ‪ ،‬إضافة تغيرات‬
‫بيئية وإجتماعية كقلة النشاط المهني وبداية اإلنعزال عن المجتمع والعيش على الماضي وذكريات‬
‫مشوار حياته الطويل ‪ ،‬فيقل في هذه الفترة كم اإلجرام إلى حد كبير خصوصا بعد سن ‪ 60‬سنة‬
‫وباألخص الجرائم المتطلبة قوة بدنية أو ذكاء عقلي ‪ ،‬فيما قد توجد فيهم جرائم النصب وخيانة‬
‫األمانة ‪ ،‬وكذا جرائم العرض والتي تكون غالبا في صورة أفعال مخلة بالحياء وتفسر بإنحراف إتجاه‬
‫الغريزة الجنسية وليس باإلفراط في الرغبة الجنسية ‪.‬‬
‫ومما تقدم نخلص إلى وجود عالقة بين السن وظاهرة اإلجرام ‪ ،‬يؤكدها بالواقع من خالل‬
‫اإلحصاءات التي تثبت عالقة السن والظاهرة اإلجرامية كما ونوعا‪.‬‬
‫ويرجع هذا إلى عوامل داخلية وعوامل خارجية تمارس تأثيرها مجتمعة على الفرد‬
‫ويختلف تأثيرها حسب إختالف المرحلة من العمر التي يمر بها اإلنسان ‪ ،‬حيث لكل مرحلة إجرام يعتمد‬
‫على القوة أو يتفق مع الضعف ‪ ،‬وفي كل مرحلة من العمر تختلف إستجابة الشخص لهذه الظروف‬
‫ويتحدد على ضوء ذلك سلوكه ومستقبل حياته ‪ ،‬ومن ثم القدر الذي يساهم به في إجرام المجتمع ككل‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬الساللة أو العنصر ‪.‬‬
‫أوال‪ -‬مفهوم الساللة ‪:‬‬
‫الساللة نوع من الوراثة التي تميز جماعة من الناس عن غيرها الجماعات ‪ ،‬ويقصد بها‬
‫إنتقال مجموعة من الخصائص والصفات داخل مجموعة عرقية من األفراد ‪ ،‬فهي إذن وراثة جماعية‬
‫أو عامة تحدد خصائص يتفقد فيها جمع من األفراد ‪ ،‬تميز الجماعة كلها عن غيرها من الجماعـات ‪،‬‬
‫فإن كانت الوراثة إذا مع إكتساب فرد لخصائص آبائه ‪ ،‬فالساللة هي إكتساب هذا الفرد لخصائص‬
‫الجماعة العرقية التي ينتمي إليها ‪ ،‬قد تكون خصائص خارجية أو عضوية أو نفسية ‪ ،‬ويطلق على‬
‫الساللة أحيانا العنصر أو االصل العرقي ‪.‬‬
‫وهذا وليس المقصود بالساللة الخصائص التي تميز شعبا بأكمله أي دولة عن دولة ‪ ،‬بل قد يكون في‬
‫الشعب الواحد سالالت أو أجناس متعددة ‪ ،‬لكل منها خصائصه المتميزة ‪.‬‬
‫وال تقتصر هذه الخصائص والصفات على الخصائص العضوية فقط ( لون الجلد ‪ ،‬الشعر ‪ ،‬مالمح‬
‫الوجه ) بل تشمل أيضا السمات النفسية وبعض الطبائع المزاحية وأشكال السلوك ‪ ،‬هذا وللبيئة‬
‫الطبيعية تأثيرها الواضح في هذا المجال سواء في ذلك الظروف المناخية وكذا الظروف اإلجتماعية‬
‫كالمعتقدات والتقاليد وطبيعة النشاط اإلقتصادي ‪.‬‬
‫ثانيا‪ -‬أثر الساللة على ظاهرة اإلجرام ‪:‬‬
‫حاول العديد من الباحثين والعلماء بحث الصلة بين حركة اإلجرام في شقها الكمي والكيفي‬
‫وبين األنتماء إلى ساللة معينة أو عنصر عرقي معين ‪.‬‬
‫‪ -/1‬حيث ذهب بعض العلماء إلى القول بأن اإلجرام يتأثر كما ونوعا بعنصر الساللة أو الجنس‬
‫حيث عدوا الساللة عامال من عوامل اإلجرام ‪ ،‬فمثال في الواليات المتحدة األمريكية يؤكد بعض‬
‫الباحثين أن السود أكثر إجراما من البيض ‪ ،‬وأنهم بحكم فطرتهم أكثر ميال إلى الجريمة من البيض ‪،‬‬
‫وفي فرنسا أفادت دراسة أن الجرائم التي يرتكبها األفارقة الشماليون تزيد عن إجرام باقي الطوائف‬
‫اإلجتماعية األخرى ‪.‬‬
‫ولتأكيد هذا الرأي قام الباحثون بدراسات إحصائية وإنتهجوا فيها طريقتين متوازيين‬
‫بغرض إثبات دور الساللة كعامل من عوامل اإلجرام هما المقارنة بين إجرام السالالت في دول مختلفة‬
‫من ناحية ‪ ،‬والمقارنة بين إجرام السالالت داخل الدولة الواحدة من ناحية أخرى ‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫أ)‪ -‬المقارنة بين إجرام السالالت في دول مختلفة ‪:‬‬
‫حيث أجرى العالم << هوتون >> دراسة على عينة شملت ‪ 5000‬مجرم أجنبي المولد‬
‫وإنتهى إلى أن الذين ينتمون إلى حوض البحر األبيض المتوسط يتميزون بإرتفاع نسبة جرائم العنف‬
‫ضد األشخاص كالقتل واإلغتصاب ‪ ،‬بينما تنخفض بينهم جرائم التزوير ‪ ،‬وعلى العكس من ذلك فإن‬
‫اإلسكندنافيون يقومون كثيرا على إرتكاب جرائم الغش والتزوير وتقل بينهم العنف كالقتل والسرقة‬
‫بإستعمال السالح ‪.‬‬
‫وفي دراسة قام بها الباحث الفنلندي << قريكوا>> لبحث جرائم العنف في أوروبا وصلتها‬
‫بعامل الساللة ‪ ،‬توصل إلى أن جرائم القتل أشد كثافة في الجنوب والشرق ( ‪ 04‬حاالت قتل لكل ‪100‬‬
‫ألف ساكن ) بينما تقل هذه الكثافة بشكل ملحوظ في الشمال ( حالة قتل واحدة لكل ‪ 100‬ألف ساكن ) ‪.‬‬
‫غير أن البعض من الباحثين قلل من قيمة ومصداقية هذه النتائج بإعتبار أن إختالف معدل‬
‫الجرائم قد مرجعه إختالف التشريعات الجنائية أو إلى تفاوت فاعلية أجهزة العدالة من منطقة إلى‬
‫أخرى ‪ ،‬كما قد يكون مرده الظروف الطبيعية واإلقتصادية واإلجتماعية اللصيقة بكل شعب من‬
‫الشعوب‪.‬‬
‫ب)‪ -‬المقارنة بين إجرام السالالت داخل الدولة الواحدة ‪:‬‬
‫حيث أجريت عدة دراسات في هذا الشأن لمعرفة مدى إرتباط اإلجرام داخل المجتمع‬
‫بالسالالت المتنوعة الموجودة فيه ‪ ،‬حيث خلصت بعض هذه الدراسات في الواليات المتحدة األمريكية‬
‫إلى إختالف إجرام السالالت داخل المجتمع األمريكي ‪ ،‬كما وكيفا ‪ ،‬حيث يرتفع كم اإلجرام بالنظر إلى‬
‫المقبوض عليهم بالنسبة للزنوج والهنود والصينيين ثالث مرات عن معدل المقبوض عليهم بالنسبة‬
‫للبيض ‪.‬‬
‫ومن حيث نوعية اإلجرام فقد دلت الدراسات على أن االمريكيين الزنوج يتميزون باإلقدام‬
‫على إرتكاب جرائم اإلعتداء على األشخاص والسطو المسلح واإلغتصاب ‪ ،‬بينما تكثر عند الهنود‬
‫جرائم السرقة والنصب والتزوير والقذف والسب ‪...‬‬
‫وفي فرنسا تثير الدراسات التي أجريت على إجرام مجموعات من األفراد النازحين من‬
‫شمال إفريقيا أن هؤالء يرتكبون غالبا جرائم القتل والجرح العمد وحيازة األسلحة والدعارة ومقاومة‬
‫رجال السلطة العامة بالعنف ‪.‬‬
‫‪25‬‬
‫كما تسلم هاته الدراسات والنتائج من النقد أيضا ‪ ،‬حيث قد تكون لهاته الزيادة تفسيرات‬
‫أخرى غير الساللة ‪ ،‬كتحيز سلطات الدولة ضد الزنوج بما فيها جهاز العدالة كالميل إلى تشديد العقوبة‬
‫عليهم ونفاذها إذا كان المتهم زنجيا وإلى تخفيفها واإلستفادة من نظام وقف التنفيذ في حالة إذا كان‬
‫أبيضا ‪.‬‬
‫‪ -/ 2‬الرأي المنكر إلعتبار الساللة عامال من عوامل اإلجرام ‪:‬‬
‫حيث يسود في الوقت الحالي اإلعتقاد بإنعدام الصلة بين الساللة أو العنصر العرقي وبين‬
‫ظاهرة اإلجرام حيث ال يمكن القطع بكون مجموعة عرقية معينة تتميز بنزوع إلى إرتكاب الجريمة‬
‫أكثر من غيرها ويبرر أصحاب هذا الرأي رأيهم بمايلي ‪:‬‬
‫إن اإلحصاءات بمفردها ال تكفي إلعطاء صورة واقعية عن حقيقة ظاهرة اإلجرام وهذا‬
‫يرجع لعيوب أسلوب اإلحصاء في حد ذاته ‪ ،‬وكذا عالقة بعض الجماعات العرقية بجهاز العدالة‬
‫وباألخص برجال الشرطة مما يجعل هناك نوع من الحساسية والتوتر واإلنطباعات المسبقة بما‬
‫يجعلهم أكثر تعرضا للمالحقات البوليسية واكثر تعرضا للقبض عليهم وإدانتهم ‪.‬‬
‫أنه ينبغي البحث في تفسير نزوع إحدى الجماعات العرقية لإلجرام في مجمل الظروف‬
‫اإلجتماعية واإلقتصادية وعوامل التكوين العضوي والنفسي اللصيقة بهذه الساللة أو تلك ‪.‬‬
‫فقد يكون إلجرام هذه الطائفة العرقية صلة بضعف مستواهم اإلقتصادي وتعقد ظروفهم اإلجتماعية‬
‫وكذا تعرضهم للتفرقة العنصرية مما يولد لديهم شعورا عنيفا بالسخط والحقد يعبرون عنه بطريق‬
‫الجريمة فيما بينهم ‪ ،‬وكذا إلى عدم تكييفهم اإلجتماعي مع البيئة الجديدة التي إنتقلوا إليها ‪ ،‬فربما زاد‬
‫إجرام البيض لووضعوا في نفس الظروف التي يعيش في ظلها السود ‪.‬‬
‫أنه اآلن من المتعذر تحديد الساللة أو العنصر العرقي الذي ينتمي إليه الفرد في ظل إختالط‬
‫األجناس والتزاوج فيما بينهم بما يطرح فكرة وحدة األصل اإلنساني ‪ ،‬ويصبح اإلختالف بعد ذلك راجع‬
‫إلى إختالف الظروف اإلجتماعية واإلقتصادية والسياسية وعوامل التكوين العضوي والنفسي لألفراد ‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫المطلب الخامس ‪ :‬المــــرض ‪.‬‬
‫حيث قام علماء اإلجرام بدراسات وأبحاث عديدة لكشف حقيقة الصلة بين المرض‬
‫والجريمة ‪ ،‬خلصوا منها إلى وجود صلة وثيقة بين المرض وبين اإلقدام على الجريمة ‪ ،‬وهذا لما‬
‫للمرض من تأثير على نفسية المريض ‪ ،‬مما يجعله أكثر حساسية وإنفعاال ويحول دون تحقيق الكثير‬
‫من مطالب الحياة ‪ ،‬بما يجعل المرض أحد العوامل غير المباشرة لسلوك فريق اإلجرام ‪ ،‬وهذه‬
‫األمراض قد تكون بدنية وقد تكون عقلية أو نفسية ‪.‬‬
‫‪ -/1‬المرض البدني ‪ :‬الذي يصيب أحد أعضاء الجسم أو أحد أجهزته بالخلل وهي كثيرة ومتنوعة ‪،‬‬
‫وليس جميعها لها صلة بظاهرة اإلجرام أو أن تأثيرها على الشخصية والسلوك اإلجرامي تأثير واحد ‪،‬‬
‫كمرض السل والزهري اللذان يؤثران على الحالة النفسية ويصاب صاحبه باإلضطراب العصبي ‪ ،‬مما‬
‫يجعل تكييف المريض مع المجتمع أمرا صعبا خشية العدوى ‪ ،‬وكذا إصابات الرأس وإلتهابات األغشية‬
‫المخية ‪ ،‬بما يضعف السيطرة على الغرائز ال سيما الجنسية والميل إلى العنف وعدم إحترام اآلخرين ‪،‬‬
‫وكذا إضطراب الغدد بما يؤثر على أجهزة الجسم عن طريق الهرمونات التي يفرزها هذا اإلضطراب‬
‫في اإلفرازات يظهر أثره على بعض أجهزة الجسم وعلى شخصية اإلنسان وسلوكه ‪ ،‬بما قد يدفعه إلى‬
‫إرتكاب بعض الجرائم ‪.‬‬
‫‪ -/2‬المرض العقلي ‪ :‬حيث أفادت دراسات في مصحات عقلية أن ‪ %20‬من نزالئها سبق إدانتهم‬
‫في بعض الجرائم ‪.‬‬
‫وخالصة القول أنه إذا كانت طبيعة العالقة بين المرض العقلي والجريمة فإنه مما ال شك فيه أن‬
‫المرض العقلي يؤثر على سلوك األفراد تأثيرا كبيرا أثناء المرض ‪ ،‬ومرد ذلك أن المرض العقلي يؤثر‬
‫في جانب اإلدراك والتفكير لدى المصاب به ‪ ،‬كما يؤثر في الجانب اإلرادي للشخصية ‪ ،‬هذا التأثير قد‬
‫يجعل المريض أكثر إستعدادا إلرتكاب األفعال اإلجرامية ‪ ،‬وهذا سواء كان مرض عقلي أو ما يعرف‬
‫بالجنون عاما أي مطبقا يتميز صاحبه بقلة اإلنتباه وإختالل الذاكرة ‪ ،‬مما يدفعه إلى الجريمة دون‬
‫مراعاة الغير ‪ ،‬وقد يكون جنونه دوريا أو متقطعا على صورة نوبات دورية فجائية ‪ ،‬قد يرتكب خاللها‬
‫الجريمة دون أن يدرك رد فعلها أو نتائجها القانونية ‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫‪ -/3‬المرض العصبي ‪ :‬ويراد به نوع الخلل الذي يصيب الجهاز العصبي فيؤدي إلى إنحراف نشاطه‬
‫عن النحو الطبيعي ‪ ،‬وهي أمراض متعددة منها الهستيريا وهي إختالل يصيب الجهاز العصبي ينشأ‬
‫عنه إضطراب في عواطف المريض ورغباته وضعف في سيطرة إرادته على ما يصدر عنه من أفعال‬
‫وتصرفات وهو مرض منتشر بكثرة في وسط النساء ‪ ،‬قد يكون سببا إلرتكاب الكثير من جرائم القتل‬
‫العاطفية وسرقة المعروضات وجرائم البالغ الكاذب ‪ ،‬وكذا مرض الصرع الذي يفقد خالله المريض‬
‫وعيه ويتعرض لدوافع ال قدرة له على مقاومتها ‪.‬‬
‫‪ -/4‬المرض النفسي ‪ :‬ويقصد باألمراض النفسية أو الشذوذ النفسي ‪ ،‬الخلل الذي يصيب القوى‬
‫النفسية كالغرائز والعواطف ‪ ،‬يؤدي إلى إنحراف نشاطها إلى نحو غير طبيعي وبالتالي إرتكاب بعض‬
‫الجرائم ‪ ،‬كالحالة السيكوباتية أو المرض السيكوباتي والذي يتميز بخصائص منها ‪.‬‬
‫‪ -‬عجزه في التحكم في غرائزه ‪ :‬حيث يندفع بكل قوة إلى إشباعها إذا شعر بالحاجة إلشباعها ‪.‬‬
‫‪ -‬تميزه بسلوك إجتماعي منحرف ‪ :‬حيث غالبا ما يرتكب أعماال عدائية للمجتمع كالكذب‬
‫والغش وخلف الوعد وال يعبأ بالمسؤولية ‪.‬‬
‫‪ -‬فشله في التجاوب الوظيفي ‪ :‬حيث تتميز أفعاله بالخطأ دون أن يتعلم من أخطائه شيئا مما‬
‫يجعل وقوعه في الجريمة متكررا ‪.‬‬
‫ومن صور السيكوبانية ‪ ،‬السيكوباتية الجنسية والتي تعني خلال في الغريزة الجنسية يؤدي إلنحراف‬
‫نشاطها الطبيعي ‪ ،‬لذا يتصف المصاب بهذا المرض بالشذوذ الجنسي ويرتكب جرائم العرض والجرائم‬
‫المتحلة باآلداب دون أن يبالي بالتعارض بين إشباع غريزته على النحو الذي يريد وبين القيم واآلداب‬
‫والتقاليد ‪.‬‬

‫وكخالصة فإنه وإن كان للمرض أثر على إنتاج السلوك اإلجرامي فإنه ليس بشكل عام ومتالزم ‪ ،‬حيث‬
‫أنه وغن ثبت أن بعض من إرتكبوا جرائم كانوا يعانون بالفعل من خلل عقلي أو من إضطراب نفسي‬
‫فإن تعميم القول بعالقة هذا الخلل أو ذاك اإلضطراب بظاهرة اإلجرام هو تأكيد ال يخلوا من مخاطرة ‪،‬‬
‫مما يجب عدم حمله مجمل الحقيقة العلمية الكابتة ‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫المطلب السادس ‪ :‬اإلدمان على السكر وعلى المخدرات ‪.‬‬
‫لتفشي ظاهرة اإلدمان على الكحوليات والمخدرات داللة حضارية وإجتماعية وإقتصادية ‪،‬‬
‫فمن حيث داللتها الحضارية فاإلدمان يعكس صورة العصر المتقلب الذي طغت فيه النزعة المادية على‬
‫القيم الروحية ‪ ،‬حيث أضحت المخدرات والكحوليات وسيلة الفرار المؤقت من الواقع المعاش جراء‬
‫ضعف القيم الروحية وطغيان المادة التي خلقت اإلنسان الضعيف اإلرادة الشديد القلق الكثير التوتر ‪.‬‬
‫ومن حيث داللتها اإلجتماعية فاإلدمان عليها مقدمة للبطالة والتشرد وإهمال الفرد‬
‫لمسؤولياته وواجباته العائلية ‪.‬‬
‫أما الداللة اإلقتصادية فمتعددة الجوانب حيث صارت هاته الظاهرة أحد أشكال النشاط‬
‫اإلقتصادي الدولي ‪ ،‬حيث بلغت في إحصائية حجم تجارة المخدرات العالمية بنحو ‪ 300‬مليون دوالر‬
‫سنويا أي ما يعادل ‪ %9‬من حجم التجارة العالمية ‪ ،‬إضافة إلى هذا تعد هاته الظاهرة أحد عوامل الفقد‬
‫اإلقتصادي سواء فيما تعلق بفقد إنتاج طائفة المدخنين أنفسهم ومصاريف عالجهم ‪ . . .‬إلخ ‪.‬‬
‫‪ -1‬الصلة المباشرة بين إدمان المخدرات والكحوليات وظاهرة اإلجرام ‪:‬‬
‫مما يتفق عليه الباحثون على ان المواد المخدرة كالكوكايين والمورفين والحشيش تسبب‬
‫إضطرابات نفسية وعضوية للفرد المدمن ‪ ،‬وبالتالي يمكن أن تؤدي بصاحبها إلى إرتكاب أفعال‬
‫إجرامية من طبيعة عرضية ‪ ،‬لما يتمتع به المدمن عليها ومتعاطيها بالضعف وباإلصابة بالخلل ويرتفع‬
‫ميلهم إلى تعاطيها بكميات كبيرة ‪ ،‬بما يدفعهم إلى ضمان وتوفير إحتياجاتهم اليومية بكافة السبل ‪،‬‬
‫كإرتكاب جرائم السرقة لدى الرجال أو اإلقدام على السرقة أو البغاء لدى النساء المدمنات ‪.‬‬
‫وبهذا تبدوا الصلة المباشرة بين إدمان المخدرات واإلجرام وذلك من خالل زيادة عدد‬
‫الجرائم بسب عملية تعاطي المخدرات في حد ذاتها واإلتجار فيها ‪.‬‬
‫كما ان الثابت ان الخمر أيضا تؤثر تأثيرا عميقا على شخصية متناولها خالل فترة سكره‬
‫حيث من شأنها أن تؤدي إلى إنحراف الوعي وإختالل التمييز الذي يؤدي بصاحبها إلى توهمه أسبا‬
‫باإلرتكاب الجريمة غير واقعية وال حقيقة ‪ ،‬إلى جانب أن السكر له األثر الواضح على اإلرادة حيث‬
‫تضعف أمام دوافع الجريمة ‪ ،‬وتتسم كذلك باإلندفاع واإلهتياج فتحمل السكران إلى إرتكاب جرائم ليس‬
‫لها ما يبررها في الدوافع ‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫كما أن للسكر صلة مباشرة بإرتكاب أنواع معينة من الجرائم ‪.‬‬
‫‪ -‬كالقتل والجرح العمد ‪ :‬يرى البعض أن مابين ‪ %50‬و ‪ %75‬منها مرده عامل السكر ‪.‬‬
‫‪ -‬الجرائم الجنسية ‪ :‬من ‪ % 40‬إلى ‪ %45‬بسبب السكر ‪.‬‬
‫‪ -‬جرائم القتل واإلصابة الناشئة عن حوادث الطرق فردوا مرجع ‪ %45‬إلى ‪ %50‬منها‬
‫إلى عامل السكر ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الصلة غير المباشرة بين إدمان المخدرات والكحوليات وظاهرة اإلجرام ‪:‬‬
‫‪ -‬من الناحية اإلقتصادية ‪ :‬جراء اإلدمان فإن المدمن ينفق معظم دخله على الخمر والمخدرات‬
‫مما يؤثر على نفقاته ومطالب أسرته ‪ ،‬مما قد يجره إلى اإلنزالق في مهاوي الجريمة لتحقيق‬
‫ما ينفقه على إحتياجاته ‪.‬‬
‫كما أن المدمن غالبا ما يتعرض لفقد عمله مما يعرضه للبطالة التي توقعه في مشاكل‬
‫إقتصادية كثيرة له وألسرته ‪ ،‬إضافة إلى أن ظاهرة اإلدمان تمثل مشكلة على مستوى الدخل القومي‬
‫بفقدان الدولة والمجتمع جزءا من القوة البشرية المنتجة في المجتمع ‪ ،‬إضافة إلى ما تتحمله الدولة‬
‫من نفقات لعالج المدمنين ولمحاولة مساعدتهم على اإلقالع عنها عن طريق المصحات المعدة لذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬من الناحية اإلجتماعية ‪ :‬لإلدمان غالبا وباألخص حينما يصل إلى مرحلة متقدمة عواقب‬
‫وخيمة على قدرة المدمن على الوفاء بإلتزاماته العائلية ‪ ،‬بل قد يجر أفراد عائلته إلى اإلدمان ويهيء‬
‫لهم أسباب اإلنحراف ‪.‬‬
‫‪ -‬من ناحية تأثير اإلدمان على الخلف ‪ :‬حيث غالبا ما يرث أبناء المدمن الميل إلى تعاطي‬
‫الخمر والمخدر مما يخضعهم إلى العوامل المؤدية للجريمة ذاتها ‪ ،‬إضافة إلى أنه قد يجيء أبناء‬
‫المدمن مصابين بخلل عقلي أو ضعف بدني ‪ ،‬لما لعامل اإلدمان من آثار سلبية على الجانب العضوي‬
‫للمدن ‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬العوامل الخارجية لإلجرام ‪.‬‬


‫بقصد بالعوامل الخارجية لإلجرام مجموعة الظروف الخارجة عن شخصية اإلنسان التي‬
‫تحيط به وتؤثر في تحديد معالم شخصيته وفي توجيه سلوكه ‪ ،‬ويطلق على هذه العوامل إصطالح‬
‫العوامل البيئية وهي عوامل عديدة ومتنوعة ‪،‬ألن بيئة الشخص تختلف عناصرها بإختالف األفراد ‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫وللعوامل البيئية اهمية في تفسير ظاهرة اإلجرام ‪ ،‬إذ قد ال تكفي العوامل الداخلية وحدها في خلق‬
‫السلوك اإلجرامي ‪ ،‬إذ قد تتوافر العوامل الداخلية لدى عدد من االشخاص ومع ذلك ال يقدمون جميعا‬
‫على الجريمة ‪ ،‬إذ قد ينزلق بعضهم فقط إلى الجريمة ‪ ،‬وال يمكن تفسير ذلك إلى بالرجوع إلى البيئة‬
‫التي يحيا فيها هذه المجموعة للوصول إلى الدوافع التي أدت بهم إلى إرتكاب السلوك اإلجرامي ‪ ،‬ومن‬
‫هذه العوامل ‪:‬‬
‫المطلب االول ‪ :‬العوامل الطبيعية ‪.‬‬
‫وتشمل مختلف الظواهر الجغرافية التي تسود منطقة معينة مثل درجة الحرارة والمناخ‬
‫وطبيعة األرض وتعاقب الفصول واإلنتاج الزراعي ‪ ،‬وهذا لما لها من تأثير مباشر على النفس‬
‫واالعصاب وبالتالي على السلوك اإلنساني عموما وعلى السلوك اإلجرامي خصوصا كما أن للموقع‬
‫الجغرافي وطبيعة األرض تأثيرا على السلوك اإلنساني كذلك واإلجرامي خصوصا بطريق غير مباشر‬
‫كما لهما من أثر على الكثافة السكانية ودرجة الثراء لألفراد ‪.‬‬
‫‪ -/1‬صلة المناخ بظاهرة اإلجرام ‪ :‬العوامل المناخية متعددة واهمها درجة الحرارة في الجو وهي‬
‫تختلف بإختالف االماكن والمواقع الجغرافية من حيث اإلرتفاع واإلنخفاض ومن حيث قربها أو بعدها‬
‫عن خط اإلستواء أو من البحار والمحيطات ‪. . . .‬‬
‫ويعتبر المناخ بتداعياته المختلفة من أهم العوامل المؤثرة في فرد اإلجرام في المجتمع ‪،‬‬
‫حيث يذهب الكثيرون إلى ان ثمة تناسبا طرديا بين إرتفاع درجة الحرارة وإرتفاع نسبة اإلجرام ‪ ،‬حيث‬
‫دلت معظم اإلحصاءات على ان جرائم العنف يغلب وقوعها في منطقة الجنوب حيث المناخ الحار بينما‬
‫تكثر جرائم االموال في مناطق الشمال حيث يسود المناخ البارد ‪.‬‬
‫وقد أكد هذا العالم << جيري >> فيما سماه بقانون الحرارة في ظاهرة اإلجرام من إرتباط‬
‫اإلجرام بظاهرة المناخ في داخل الدولة الواحدة نتيجة تعاقب الفصول حيث تزداد جرائم اإلعتداء على‬
‫األشخاص في فصل الصيف بينما ترتفع جرائم اإلعتداء على األموال في شهور الشتاء بينما ترتفع‬
‫نسبة الجرائم الجنسية في فصل الربيع ‪ ،‬وهذا من خالل إحصاءات مختلفة أجريت في دول مختلفة من‬
‫العالم كالواليات المتحدة وفرنسا وإيطاليا ‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫تفسير صلة المناخ بالجريمة ‪:‬‬
‫بعد هذه النتائج أهتم الباحثون بمحاولة تفسير زيادة جرائم العنف في فصل الصيف وإرتفاع‬
‫جرائم األموال في فصل الشتاء ‪ ،‬فظهرت تفسيرات كثيرات ‪ ،‬يمكن ردها إلى ثالث نظريات رئيسية هي‬
‫نظرية التفسير الطبيعي ‪ ،‬ونظرية التفسير اإلجتماعي ونظرية التفسير الوظيفي ـ النفسي ‪.‬‬
‫أ)‪ -‬نظرية التفسير الطبيعي ‪ :‬فعلى حسب هاته النظرية فإن إرتفاع نسبة جرائم اإلعتداء على‬
‫األشخاص والعرض في فصل الصيف يرجع لتأثير إرتفاع درجة الحرارة على جسم اإلنسان ‪ ،‬حيث أن‬
‫من شأن الحرارة الشديدة أن تزيد من حيوية أجهزة اإلنسان وأن تنشط قواه الجنسية وتؤثر في حدة‬
‫فراجه مما يدفع الشخص إلى إرتكاب هذه النوعية من الجرائم ‪.‬‬
‫أما إرتفاع نسبة جرائم االموال وال سيما السرقة في فصل الشتاء فمرده طول ساعات الليل‬
‫أي إمتداد فترة الظالم لفترة أطول مما يشجع على إرتكاب جرائم السرقة ‪.‬‬
‫ب)‪ -‬نظرية التفسير اإلجتماعي ‪ :‬وال تربط هاته النظرية بين الجريمة والمناخ في ذاته ‪ ،‬وإنما‬
‫تربط الجريمة بالنتائج واآلثار اإلجتماعية واإلقتصادية التي تنتج عن ظاهرة المناخ ‪ ،‬حيث مثال في‬
‫فصل الصيف إرتفاع نسبة جرائم العنف يرجع لكثرة إتصال األفراد بعضهم ببعض وخروجهم إلى‬
‫االماكن المفتوحة بما يهيء فرص النزاع واإلحتكاك جراء تضارب الرغبات والمصالح ‪.‬‬
‫أما فيما يتعلق بإزدياد جرائم األموال في فصل الشتاء فمبعثه بحسب هاته النظرية إزدياد‬
‫إحتياجات اإلنسان في هذا الفصل من االكل والملبس والتدفئة فيظطر إلى إشباعها عن طريق السرقة‬
‫مثال كما يرتبط فصل الشتاء احيانا ببطالة موسمية قد تحمل الفرد الذي فقد عمله إلى البحث عن مورد‬
‫مالي من خالل إرتكاب جرائم األموال ‪.‬‬
‫ج)‪ -‬نظرية التفسير الوظيفي ـ النفسي ‪ :‬وقد تصدىأصحاب هاته النظرية بالخصوص إلى‬
‫تفسير إنتشار جرائم الى آداب كاإلغتصاب وهتك العرض في فصل الربيع حيث أن من الثابت أن تأثير‬
‫الغريزة الجنسية يزداد ويشتد لدى الفرد في شهور معينة ‪ ،‬تتوافق مع فصل الربيع ويظل هذا التأثير‬
‫في إزدياد طوال فصل الربيع ثم يأخذ في اإلنخفاض التدرجي بحلول فصل الصيف ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ونخلص مما تقدم أن صلة المناخ بظاهرة اإلجرام صلة واضحة لكن ال تعني أنها صلة‬
‫سببية مباشرة في كل األحوال ‪ ،‬بل أنها في الغالب األعم من الحاالت صلة غير مباشرة ‪ ،‬مما يدعوا‬
‫إلى تقسير تكاملي للصلة بين الظروف المناخية الجوية واإلجرام من خالل الجمع بين النظريات‬
‫التفسيرية الثاللث ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬العوامل الحضرية ‪.‬‬
‫حيث عني علماء اإلجرام بدراسة ظاهرة اإلجرام في المدينة ومقارنتها باإلجرام في القرية‬
‫وهذا منذ زمن طويل ‪ ،‬يرجع إلى القرن ‪ ، 19‬حيث أثبتت الدراسات واإلحصاءات إلى إرتفاع نسبة‬
‫الجرائم في المدن عنها في األرياف والقرى ‪ ،‬قد تصل إلى نسبة الضعف ‪ ،‬وفي المدن الكبرى عنه في‬
‫المدن الصغرى وهذا كما ونوعا ‪.‬‬
‫وترجع األسباب المفسرة لظاهرة إرتفاع نسبة الجريمة في المدن عن القرى واألرياف إلى‬
‫جملة منها ‪:‬‬
‫*‪ -‬تعدد مشاكل كل الحياة في المدينة جراء الكثرة السكانية التي ينتج عنها زيادة الحاجات‬
‫والرغبات المؤدية إلى تعارض مصالح األفراد فيما بينهما عند إشباعها لهاته الرغبات ‪.‬‬
‫*‪ -‬ضعف الروابط اإلجتماعية والتفكك اإلجتماعي واألسري في مجتمع المدينة عنه في مجتمع‬
‫الريف والقرية ‪.‬‬
‫*‪ -‬كثرة أسباب اإلنحراف في المدن كأماكن اللهو والتسلية وكثرة المنحرفين خلقيا وتبويا في‬
‫مجتمع المدينة عكس حياة الريف الذي يتميز بنوع من التماسك األسري وسهولة الحياة‬
‫وقلة عدد السكان ‪.‬‬
‫*‪ -‬طبيعة الحياة في القرية وتقاليد المجتمع الريفي حيث أن الطبيعة السهلة للحياة في الريف‬
‫والتقاليد الطبيعية للمجتمع القروي تقلل نسبة اإلجرام فيه ‪.‬‬
‫غير انه مما يالحظ أن التحوالت الكبيرة التي مست الحياة الريفية بكافة جوانبها وإنتقال ثقافة المدينة‬
‫إلى القرية بسبب تأثير وسائل اإلعالم المسموعة والمرئية وزوال الحواجز القديمة بين المدينة‬
‫والقرية في أغلب الدول مما نتج عنه تقارب في ظروف الحياة ‪ ،‬كل هذا كان له تأثير على التوزيع‬
‫التقليدي لنوعيات الجرائم بين الريف والحضر ‪ ،‬بحيث لم يعد ممكنا الكالم في الوقت الحاضر عن‬

‫‪33‬‬
‫ائم ريفية بحتة أو عن جرائم تخص المدينة دون الريف حيث لم تعد جريمة السرقة مثال قاصرة في‬
‫الريف على سرقة المحصوالت الزراعية والمواشي بل إمتدت إلى عامة األموال الموجودة فيه ‪.‬‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬العوامل اإلجتماعية ‪.‬‬
‫وتتضمن العوامل اإلجتماعية الوسط اإلجتماعي المحيط بالفرد منذ ميالده وحتى لحظة‬
‫إرتكاب الجريمة كالبيئة األسرية والمدرسة ومجتمع العمل واألصدقاء ‪.‬‬
‫‪ -/1‬مجتمع المدرسة ‪ :‬حيث يعد أول مجتمع أجنبي يخرج إليه الطفل بعد الفترة التي قضاها مع‬
‫أسرته ‪ ،‬وهي تعد بيئة عرضية للطفل تنتهي بإنتهاء سنوات الدراسة وإما بالفشل حيث يتعداها‬
‫إلى بيئة أخرى عرضية في مجتمع التدريب المهني ‪.‬‬
‫واألصل في مجتمع المدرسة أنه ال يعد في حد ذاته من عوامل اإلجرام بل على العكس يؤدي وظيفة‬
‫تعليمية وتربوية وتطبيقية إلى جانب دور مجتمع األسرة ‪.‬‬
‫غير أن غياب الدور الطبيعي للمدرسة يمكن أن يكون من عوامل اإلنحراف للصغير‬
‫بإجرامه ‪ ،‬كما أن للفشل في الدراسة آثاره الخطيرة على نفسية الطفل وسلوكه مما يعني عدم تكيفه‬
‫مع مجتمع المدرسة ‪ ،‬مما يدفعه إلى محاولة الهروب منه بما يعني قضاؤه للوقت الواجب أن يقضى‬
‫داخل المدرسة وخارجها في الشوارع مع مجموعة أصدقاء السوء ‪ ،‬فيكتسب منها عوامل اإلنحراف‬
‫واإلجرام ‪ ،‬هذا وإذا إقترن الفشل الدراسي بإخفاق الطفل في تعلم حرفة معينة ‪ ،‬بما يعني إنعدام‬
‫الموارد حالية لديه وإصابته باليأس واإلحباط والتمرد على النظام اإلجتماعي ‪ ،‬لذا يتعود منذ البداية‬
‫على الحياة على هامش قواعد الضبط اإلجتماعي ‪ ،‬كما يحاول التملص من األنماط المعتادة للسلوك‬
‫السوي ‪.‬‬
‫وحتى في مجتمع التدريب المهني الذي قد يدخله الحدث بعد فشله الدراسي والذي يختلف‬
‫عن مجتمع األسرة والمدرسة ‪ ،‬من حيث غياب الدور التهذيبي التربوي في هذه المرحلة ‪ ،‬إذ قد ينجر‬
‫إلى عالم اإلجرام كجرائم السرقة من مكان التدريب أو من الزمالء جراء عدم كفاية منحة التدريب ‪،‬‬
‫كما قد ينجر إلى التدخين تحت عوامل التقليد مما قد يهوي به إلى تعاطي المواد المخدرة ‪.‬‬
‫‪ -/2‬مجتمع العمل ‪ :‬يرتبط مجتمع العمل بمجال اإلجرام من ناحيتين ‪ ،‬من ناحية أثره على حجم‬
‫اإلجرام ‪ ،‬ومن ناحية صلته بنوع اإلجرام ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫أ)‪ -‬تأثير العمل على اإلجرام ‪:‬‬
‫للعمل أثر كبير في حياة اإلنسان إذ به يشبع أغلب رغباته األساسية بإعتباره مصدر‬
‫الدخل ‪ ،‬كما يحدد المركز اإلقتصادي للشخص وبالتالي وجود العمل المالئم يحمي الفرد من التأثير‬
‫اإلجرامي الناشئ عن عوامل كثيرة مثل الفقر والبطالة والمسكن غير الالئق ‪ ،‬والتي تزول بوجود‬
‫عمل مالئم ‪ ،‬كما أن غيابه يؤثر سلبا على عملية التاهيل اإلجتماعي للمحكوم عليه بعقوبة سالبة‬
‫للحرية ‪ ،‬إذ يعد غياب العمل أحد أهم األسباب الرئيسية التي تدفع إلى طريقة اإلجرام ‪.‬‬
‫غير أن العمل قد يدفع إلى بعض صور السلوك اإلجرامي جراء اإلتصال الدائم بزمالء‬
‫المهنة على إختالف إتجاهاتهم وما يثير هذا من مشاكل ‪ ،‬بين العامل ورب العمل التي قد تنجر إلى‬
‫اإلعتداء ‪ ،‬وكذا عالقته بجمهور المتعاملين بحكم وظيفته قد تكون سببا في وقوع بعض الجرائم‬
‫كجرائم الرشوة وتزوير المستندات مثال ‪.‬‬
‫ب)‪ -‬الصلة بين العمل ونوع اإلجرام ‪:‬‬
‫إلى جانب أثر العمل على كم اإلجرام فقد تكون بيئة العمل سببا في توجه الفرد إلى نماذج‬
‫معينة من الجرائم ‪ ،‬إذ قد تؤثر على نفسية الفرد بما يؤثر في تكوين شخصيته اإلجرامية ‪.‬‬
‫إذ أن الموظف العام الذي يمارس إختصاصات معينة قد يغريه ذلك بإساءة إستغالل وظيفته‬
‫في تحقيق الكسب غير المشروع كالرشوة واإلختالس كالقائم على شؤون مالية أو ممتلكات الدولة أو‬
‫األفراد ‪ ،‬أو قد يسيء الصيدلي إستعمال خبرته التقنية في تسهيل تعاطي المواد المنحدرة ‪ ،‬أو إقدام‬
‫الطبيب على إرتكاب جرائم اإلجهاض أو هتك أعراض المرضى ‪ ،‬وكذا العمال داخل المصنع إذ قد تتأثر‬
‫نفسيتهم ببيئة المصنع بشكل قد يساعد في تكوين شخصيتهم اإلجرامية ‪ ،‬بل وحتى في وسط رجال‬
‫األعمال ‪ ،‬حيث المراد الكسب وسهولة الحياة بما يؤثر على نوع إجرامهم كجرائم التهرب الضريبي‬
‫وأغلب صور اإلجرام اإلقتصادي والمالي ‪.‬‬
‫غير أنه ومع هذا فإن الصلة بين المهنة ونوع اإلجرام ليست صلة مباشرة إذ ليست المهنة‬
‫في ذاتها هي التي تدفع الشخص إلى نوع معين من الجرائم وإنما هناك عوامل تدفع صاحب المهنة إلى‬
‫اإلنحراف ‪ ،‬ويكون ذلك بمثابة تعبير عن جوانب خلل في شخصية صاحب المهنة وإنما المهنة كذلك‬
‫العقبات التي تعترض إرتكاب الجريمة ‪ ،‬وبهذا يمكن تفسير ميل صاحب المهنة إلى نوع اإلجرام الذي‬
‫تتيحه مهنته أو تسهل له اإلقدام عليه ‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫‪ -/3‬مجتمع األصدقاء ‪ :‬وهو البيئة المختارة للشخص إلى حد كبير خصوصا بالنسبة للشخص‬
‫البالغ ‪ ،‬إذ يلجأ عادة إلى أصدقاء يتفقون معه في الميول واإلتجاهات ‪ ،‬ويتوقف تأثير األصدقاء في‬
‫شخصية الفرد على نوع هؤالء األصدقاء وميولهم ‪ ،‬فمنهم الجليس الصالح ومنهم الجليس السوء ‪،‬‬
‫فيمكن ان يكون لجماعة األصدقاء دورا تهذيبيا على الفرد إذ كانت جماعة تحزم القانون وتلتزم بأنماط‬
‫السلوك اإلجتماعي ‪ ،‬كما يمكن أن تكون عامال سيئا يساعد على اإلنحراف واإلجرام إذا كانت جماعة‬
‫تحبذ التمرد والثورة على أنماط السلوك اإلجتماعي وقواعد اإلنضباط وإحترام القانون ‪.‬‬
‫غير أن تأثير الجماعة على سلوك الفرد قد ال يكون منفردا إذ قد تتضافر معه عوامل أخرى‬
‫كسوء معاملة األسرة أو فقرها أو تقتيرها بحرمانه من الضروريات ‪ ،‬كما للفشل الدراسي دوره في‬
‫إنضباط الحدث إلى عصبة األصدقاء التي غالبا تكون في مثل ظروفه إذ تقربهم من اإلجرام ‪ ،‬مما يجعل‬
‫للعناية بأوقات الفراغ لدى الشباب في ممارسة انشطة ثقافية أو رياضية أو تنمية قدراتهم الذهنية بما‬
‫يعمل على تعودهم على الحياة الجماعية المشتركة بما تفرضه من اإللتزام بقواعد السلوك اإلجتماعي‬
‫وإحترام القانون ‪ ،‬يجعل لكل هذا اهمية كبرى في رقابتهم وحمايتهم من اإلنحراف إلى اإلجرام ‪.‬‬
‫‪ -/4‬مجتمع السجن ‪ :‬يعتبر مجتمع السجن بيئة عرضية خاصة ‪ ،‬الهدف منها إصالح المحكوم‬
‫عليه وتأهيله للحياة اإلجتماعية بما يحول دون عودته إلى اإلجرام مرة ثانية وهذا إذا نجحت المعاملة‬
‫العقابية أثناء فترة سلب الحرية ‪.‬‬
‫غير أن السجن قد يكون عامال في تكوين وتطوير الشخصية اإلجرامية للمحكوم عليه ‪ ،‬كما‬
‫ذهب إليه بعض الباحثين كمشكلة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة إذ ال تؤدي إلى وظيفة العقوبة‬
‫السالبة للحرية في تهذيب سلوك المجرم بما يجعلها عامال من عوامل العود إلى الجريمة ‪ ،‬في حين‬
‫رفض بعض الباحثين هذه الفكرة إذ ليس من المعقول التنازل عن العقوبة السالبة الحرية عموما‬
‫قصيرة أو طويلة بحجة أنها من عوامل زيادة نسبة العود إلى الجريمة ‪.‬‬
‫غير أنه ومهما إختلف في أثر العقوبة السالبة للحرية في العود إلى الجريمة فإنه ال ينبغي‬
‫التوقف عن العقوبة السالبة للحرية في ذاتها للقول بأنها من عوامل اإلجرام إذ البد من التركيز على‬
‫أسلوب تنفيذ هذه العقوبة إذ أن المعاملة العقابية أثناء فترة سلب الحرية هي التي تحدد في الغالب‬
‫إتجاه المحكوم عليه بعد اإلفراج عنه إذ قد يترتب على تلك المعاملة إنتزاع عوامل اإلجرام تماما‬

‫‪36‬‬
‫وبالتالي يكون السجن عامال لمكافحة اإلجرام غير ان فشل المعاملة العقابية المتبعة قد يكون بالفعل‬
‫سببا في زيادة عوامل اإلنحراف في شخصية المحكوم عليه ‪ ،‬وكذا يختلف حسب تطور الدول وعنايتها‬
‫بالسجون ‪.‬‬
‫وكخالصة ليس السجن وحده هو الذي يمكن أن يكون عامال من عوامل اإلجرام فاإلجراءات السابقة‬
‫للسجن وتنفيذ العقوبة يمكن ان تكون لها تأثير بالغ على سلوكه في المستقبل ‪ ،‬فحتى في حالة تبرت‬
‫براءته فإجراءات القبض واإلستيقاف والحبس اإلحتياطي مرورا بالتحقيق والمحاكمة من شأنها أن‬
‫تؤثر إيجابا أو سلبا على شخصية المتهم إذا ماتمت بطريقة سليمة أو أسيء إستخدام هذه اإلجراءات ‪،‬‬
‫إذ من شأنها أن تخلق نزعة إجرامية لم تكن موجودة من قبل أو تقوي من عوامل اإلنحراف في‬
‫شخصية المتهم وتدفعه إلى جريمة لم يكن من المحتمل أن يقدم عليها لو لم يتعرض لتلك اإلجراءات ‪.‬‬
‫ومن هذا تتضح خطورة اإلجراءات الجنائية من حيث أثرها على نفسية وشخصية المتهم‬
‫أثنائها ‪ ،‬إذ من الممكن أن تكون عامال من عوامل اإلصالح والتهذيب كما يمكن أن تتحول على خالف‬
‫مراد المشرع منها إلى عامل من عوامل اإلجرام ‪.‬‬
‫المطلب الرابع ‪ :‬العوامل اإلقتصادية ‪.‬‬
‫يتجه أغلب الباحثين في علم اإلجرام إلى جعل العوامل اإلقتصادية من بين أهم العوامل‬
‫التي قد تدفع إلى إرتكاب الجريمة ‪ ،‬غير أنها ال تنفرد بذلك ‪ ،‬إذ ال يمكن تفسير الظاهرة اإلجرامية من‬
‫خاللها فقط دون بقية العوامل األخرى التي تتضافر فيما بينها إلنتاج السلوك اإلجرامي ‪.‬‬
‫هذا وال يقتصر دور العوامل اإلجرامية في نطاق جرائم األموال فحسب ‪ ،‬وإنما تكمن أيضا‬
‫خلف جرائم كثيرة مثل جرائم اإلعتداء على األشخاص وعلى االعراض والجرائم اإلقتصادية والجرائم‬
‫المضرة بالمصلحة العمومية ‪.‬‬
‫فصحيح أن الفقر والحاجة قد يدفع إلى كثير من جرائم األموال ‪ ،‬غير أنه ليست كل جرائم اإلعتداء‬
‫على األموال جرائم حاجة ‪ ،‬فهناك طائفة من هذه الجرائم تفسرها رغبة األفراد في تحقيق مزيد من‬
‫الرخاء والثراء المادي والرفاهية وليس الحاجة والفقر ‪ ،‬حيث لوحظ خالل الحرب العالمية األولى‬
‫إرتفاع نسبة اإلجرام في ألمانيا بعد أن ألتحق الكثير من الشباب بالمصانع الحربية التي كانت تمنح‬
‫أجورا عالية وكذا جرائم العرض فالعجز اإلقتصادي والمادي لألفراد قد يضطرهم إلى العيش في‬

‫‪37‬‬
‫مساكن واحدة مستاجرة ‪ ،‬مما يؤدي إلى فرص اإلختالط بين أفراد المسكن الواحد الذي يفض إلى هذا‬
‫النوع من الجرائم األخالقية ‪ ،‬إضافة إلى أن الفقر قد يلجأ بالنساء إلى المتاجرة باعراضهن لتحقيق‬
‫عائدات مالية لتلبية إحتياجاتهن ‪ ،‬وأيضا الجرائم اإلقتصادية والمالية أي الجرائم الواقعة ضد السياسة‬
‫اإلقتصادية العامة للدولة كالتهرب الضريبي مثال وغيرها قد تدفع إليها قسوة األعباء الضريبية‬
‫المفروضة على األفراد ‪ ،‬وبهذا تبدوا الصلة الواضحة بين المال وبين الجريمة عموما ‪.‬‬
‫‪ -‬تقسيم العوامل اإلقتصادية ‪:‬‬
‫يقسم علماء اإلجرام العوامل اإلقتصادية إلى عوامل إقتصادية ذات طابع تؤثر في المجتمع‬
‫ككل وعوامل ذات طابع خاص يتأثر بها كل فرد على حدى ‪.‬‬
‫‪ -/1‬العوامل اإلقتصادية العامة ‪:‬‬
‫ويقصد بها العوامل التي يتأثر بها المجتمع بأسره ‪ ،‬وعموما يمكن السؤال ‪ :‬أن نسبة اإلجرام تتأثر‬
‫بعاملين هامين هما ‪:‬‬
‫أ)‪ -‬التحوالت اإلقتصادية ‪ :‬ويقصد بها ما يطرأ على التنظيم اإلقتصادي للمجتمع من تطور وتغير ‪،‬‬
‫وقد عرفت المجتمعات البشرية على مدى التاريخ صورا عديدة لهذا التحول اإلقتصادي كإنتقال‬
‫المجتمع من النظام اإلقطاعي إلى النظام الرأسمالي ‪ ،‬والتحول الذي طال بعض المجتمعات من النظام‬
‫الرأسمالي إلى النظام اإلشتراكي أو النظام الرأسمالي التدخلي ‪ ،‬وتحول مجتمعات كثيرة من نظام‬
‫اإلقتصاد الزراعي إلى نظام اإلقتصاد الصناعي جراء الثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا في القرن‬
‫التاسع عشر ‪ ،‬وتطور صور التبادل التجاري وبروز المشروعات التجارية الكبرى ‪ ،‬وتعقد أساليب‬
‫إدراتها ‪ ،‬سواء على المستوى الداخلي للدول أو على المستوى الدولي ‪ ،‬وقد أدت هذه التحوالت إلى‬
‫زيادة ملحوظة في نوعيات معينة من الجرائم كإختالس أموال هاته المشروعات واإلستيالء عليها‬
‫للحساب الخاص وكثرة جرائم التزوير في المقررات جراء تعقد المعامالت وتشعبها ‪.‬‬
‫وكذا زيادة جرائم النصب على شركات التامين التي تلجأ إليها الشركات التجارية ‪ ،‬وكذا جرائم الغش‬
‫التجاري في المنتجات وجرائم الشيك ‪ ،‬إضافة إلى المنافسة غير المشروعة بوجه عام جراء حدة‬
‫المنافسة التجارية كجرائم النصب على المستهلك والدعاية الكاذبة ‪ ،‬إضافة إلى التهرب الجبائي‬

‫‪38‬‬
‫وعموما فإن هذه التحوالت اإلقتصادية كانت سببا في إرتفاع بعض الجرائم وسببا في تجريم أفعال‬
‫تمس بالنظام اإلقتصادي للدولة لم تكن مجرمة من قبل ‪.‬‬
‫ب)‪ -‬التقلبات اإلقتصادية ‪ :‬ويقصد بها تلك التغيرات الجزئية التي تطرأ على بعض الظواهر‬
‫اإلقتصادية في المجتمع وتتميز هذه التقلبات بسرعتها وعدم إستقرارها ‪ ،‬ومن أهم هذه التقلبات ‪:‬‬
‫*‪ -‬تقلبات األسعار ‪ :‬أي ما يطرأ على أسعار السلع والخدمات من إرتفاع أو إنخفاض وباألخص‬
‫على السلع والمواد الرئيسية كبعض المواد الغذائية والخدمات الجوهرية كالخدمات الطبية وتوفير‬
‫األدوية ‪.‬‬
‫ويختلف أثر تقلبات األسعار في الظاهرة اإلجرامية بحسب ما إذا إرتفعت أو إنخفضت ‪.‬‬
‫ففي حالة اإلرتفاع لألسعار يتعرض المجتمع بأسره ألزمة في إشباع حاجياتهم بطريق غير‬
‫مشروع مما يولد لديهم قلقا وتوترا نفسيا ويلتمسون سبيل الجريمة بمختلف صورها مما يؤدي إلى‬
‫إرتفاع نسبة اإلجرام في معظم الجرائم إرتفاعا ملحوظا ‪.‬‬
‫وفي حالة إنخفاض األسعار يتمكن األفراد من إشباع حاجياتهم بالطرق المشروعة مما‬
‫يجعلهم يشعرون بإستقرار نفسي يبعدهم عن القلق والتوتر النفسي مما ينعكس على قلة اإلجرام إذ‬
‫يلجؤون في ظل هذا إلى حل مشاكلهم بالطرق السلمية والقانونية ‪.‬‬
‫*‪ -‬تقلبات الدخول ‪ :‬وهو ما يطرأ على الدخل الفردي من تغيرات سواء بالزيادة أو اإلنخفاض ‪.‬‬
‫ففي حال إنخفاضه فالعالقة ثابتة بين إنخفاض الدخل وجرائم األموال ‪ ،‬إذ يوجد تناسب‬
‫عكسي بين الظاهرتين ‪ ،‬فإنخفاض الدخل يترتب عليه زيادة في جرائم المال ال سيما السرقة ‪ ،‬كما‬
‫يسبب هذا اإلنخفاض من ضائقة في إشباع الحاجات الضرورية ‪ ،‬مما يدفع الفرد إلى سلوك طريق غير‬
‫مشروع لتعويض هذا اإلنخفاض كجرائم السرقة والنصب وإصدار الشيك دون رصيد والرشوة‬
‫والعدوان على المال العام وغيرها ‪.‬‬
‫غير أن التأثير اإلجرامي إلنخفاض الدخل يتوقف مداه على قدر الضمانات اإلجتماعية التي يكفلها‬
‫المجتمع ألفراده لحمايتهم من المخاطر اإلقتصادية اللصيقة بهذا اإلنخفاض ‪ ،‬فبقدر ما تزيد هذه‬
‫الضمانات يقل التأثير اإلجرامي إلنخفاض الدخل والعكس صحيح ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ -/2‬العوامل اإلقتصادية الخاصة ‪:‬‬
‫ويقصد بها تلك الظروف التي تحيط بكل فرد على حدة ‪ ،‬أو ما يطلق عليها البيئة اإلقتصادية‬
‫الخاصة ‪ ،‬أي ما يطرأ على الفرد من إضطراب إقتصادي يكون له أثره في ميله إلى اإلجرام ومن أهم‬
‫العوامل اإلقتصادية الخاصة ‪ ،‬الفقر والبطالة ‪.‬‬
‫أوال‪ -‬الفقـــــــر‪:‬‬
‫إختلف الباحثون حول تحديد المراد بالفقر ‪ ،‬وذلك كونه فكرة نسبية تختلف بإختالف‬
‫األشخاص وبإختالف الزمان والمكان ‪ ،‬غير أنه يمكن عموما تعريف الفقر وفق المفهوم الموضوعي‬
‫بأنه عجز موارد الفرد عن إستباع الحد األدنى من الحاجات الضرورية التي تحفظ له كرامة اإلنسان ‪،‬‬
‫مع هذا يبقى كذلك تعريفا نسبيا ألن الحد األدنى من الحاجات الضرورية كذلك ليس واحدا في كل‬
‫األزمان واألمكنة ‪.‬‬
‫ويعد الفقر من بين العوامل المؤثرة في الظاهرة اإلجرامية ولكن ال يعد السبب الوحيد للجريمة ‪ ،‬وقد‬
‫عبر عن هذا العالم األمريكي << تافت ‪ >> Taft‬بقوله ‪ << :‬إذا كان أغلب المجرمين معوزين فإن‬
‫أغلب المعوزين ليسوا مجرمين >> ‪.‬‬
‫فالصلة بين الفقر وبين الجرائم صلة قائمة وأهمها جرائم اإلعتداء على األموال ال سيما السرقة التي‬
‫يلجا إليها بعض األفراد لسد حاجاتهم وحاجات أفراد األسرة ‪ ،‬وكذا جرائم الرشوة والعدوان على المال‬
‫العام ‪ ،‬كما للفقر كذلك صلة بجرائم اإلعتداء على األشخاص جراء حالة اليأس الذي تنتابه بسبب حالة‬
‫الضيق المعيشي على نفسيته‪ ،‬كما قد يؤثر الفقر على إرتكاب جرائم العرض إذ قد يدفع الزوجة إلى‬
‫اإلنحراف بصوره المتنوعة لسد حاجاتها وحاجات أوالدها ‪ ،‬كما له تأثير على األوالد إذ قد يحرمهم من‬
‫فرص التعليم والتهذيب مما يجعلهم يندمجون في أحضان رفقاء السوء وتتلقنهم العصابات اإلجرامية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬البطالــــــة ‪:‬‬
‫ويقصد بها توقف اإلنسان عن العمل سواء ذلك نتيجة مرض بدني أو عقلي أو نفسي أو‬
‫جراء التقلبات اإلقتصادية التي ينتج عنها أحيانا تسريح بعض العمال من وظائفهم ‪.‬‬
‫وقد أثبتت إحصاءات في بعض الدول في سنوات معينة أثبتت ان إرتفاع معدل البطالة‬
‫بنسبة ‪ %1‬أدى إلى إرتفاع ملحوظ في معدالت اإلنتحار وزيادة حاالت اإلصابة باألمراض العقلية‬
‫وإرتفاع نسبة المسجونين وكذا زيادة جرائم القتل ‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫فالبطالة تعد من األسباب الدافعة إلى جرائم العنف واإلعتداء على األموال وتعاطي المخدرات ولها‬
‫عالقة غير مباشرة بالجرائم األخالقية كالدعارة ‪ ،‬وهذا على شاكلة ما ذكرناه في عالقة الفقر بالجريمة‬
‫‪ ،‬إذ البطالة قد تورث الفقر الذي يدفع إلى جملة من الجرائم المتنوعة جراء فقد الفرد مورد رزقه‬
‫ومصدر دخله ‪.‬‬
‫إضافة إلى ما يتركه الفراغ جراء البطالة من آثار نفسية على الفرد إذ يجعله سهل اإلثارة سريع‬
‫اإلندفاع إلى الجريمة ‪.‬‬

‫‪41‬‬

You might also like