Professional Documents
Culture Documents
علم الإجرام والعقاب
علم الإجرام والعقاب
وزارة العــدل
1
وعموما بأن علم الإجرام إذن هو العلم الذي يمكن على دراسة الظاهرة اإلجرامية
والتي ليست في حقيقتها سوى جريمة ومجرم وسبب دفع المجرم إلرتكابها أو هيأ لذلك ،إذا
فمن الضروري أن يتناول هذا العلم في مباحثه تحديد مفهوم الجريمة ،وتحديد مفهوم المجرم
وهذا حتى تنضبط الدراسة في هذا العلم على نحو يسهل معه الظاهرة اإلجرامية وبيان
أسبابها على مستوى الفرد ومستوى الجماعة أيضا على حد سواء .
ثانيا – أهمية علم اإلجرام :
لما كان موضوع علم اإلجرام يتلخص في تفسير السلوك اإلجرامي ومحاولة
معرفة العوامل الدافعة إليه ،فإن هذا يستوجب تحليل شخصية المجرم من ناحية ومعرفة
كافة الظروف اإلجتماعية والبينية المؤثرة على جوانب شخصيته المجرم من ناحية أخرى ،
وهنا تكمن أهمية علم اإلجرام في أن دراسة مختلف هذه العوامل والظروف ليس إال بهدف
مكافحة ظاهرة الجريمة .
ولكنها مكافحة تختلف عن مكافحة المشرع لها ،فالمشرع يكافح الجريمة
بإعتبارها أشد األفعال المحظورة قانونا من حيث جسامتها وذلك عن طريق الجزاء> الجنائي
والذي غالبا يتمثل في العقوبة .
لكن الباحث> في علم اإلجرام يكافح الجريمة بصورة اخرى ،حيث بناءا على
ضوء تنتهي إلى دراسات تفسير السلوك اإلجرامي ،قد يقترح صورا اخرى لمكافحة ظاهرة
الجريمة ،وهي صور تختلف بإختالف طوائف المجرمين وهذا بناءا على ما تكتشف عنه
دراسة ظروفهم اإلجتماعية ،وقد تتمثل هذه الصور في العقوبة أو العالج أو الوقاية .
وهذا ما قد يؤدي بالباحث> في علم اإلجرام إلى أن يفيد المشرع في صياغته
للقاعدة الجنائية سواء فيما يتعلق :
-بشق السلوك وذلك من طريق تحديد العناصر واألركان المادية التي تعطي للجريمة وصفها
القانوني .
2
-بشق الجزاء> أي تحديد الجزاء> او التدبير الذي يجب توقيعه على الجاني .
وعليه فإن أهمية علم اإلجرام ال تكمن إذا في ذاتها ،بل في صلة هذا العلم
بالقانون الجنائي في الحال وذلك بتوليه تحليل الجرائم ،التي يتوالها القانون الجنائي بيان
أركانها والعقوبات المقررة لها ،ال يوصفها فكرا قانونية مجردة ،بل بإعتبارها مظاهر
سولوك واقعية تخضع للبحث التجريبي التفسيري وذلك عن طريق نظريات معروفة في علم
اإلجرام .
بل أن أهميته ال تقتصر على مجال القانون الجنائي الحالي ،بل أن أهمية علم اإلجرام تمتد
لتستشرف آفاقا> جديدة في مجال القانون الجنائي المستقبلي وذلك من خالل اثره على السياسية
الجنائية .
ثالثا – عالقة علم اإلجرام بالعلوم األخرى :
إنطالقا من تعريف علم اإلجرام فإنه يعد علما نظريا إجتماعيا مستقال ،لكن رغم
إستقالليته فهو ذو وصلة بالعلوم القانونية واإلجتماعية األخرى ،منها مايلي :
- / 1علم اإلجرام وقانون العقوبات :
قانون العقوبات هو مجموعة القواعد التي تحدد لنا األفعال التي تعتبر جرائم
والعقوبات والتدابير اإلحترازية المقررة لها ،وإذا ما إعتبرنا قانون العقوبات علما فإنه يعد
علما قاعديا أي أنه يعالج الجريمة من خالل قاعدة وضعية عامة ومجردة ،فهو يتناول
الجريمة كفكرة قانونية ذات بناء نظري ،أي يقوم على أركان تحددها القاعدة القانونية
بصرف النظر عن خصائص السلوك اإلجرامي ذاته ودالاللته اإلجنماعية ،وعليه فموضوع
قانون العقوبات هو دراسة الجريمة والمجرم دراسة قانونية تحدد شروط المسؤولية والعقاب
إلختيار الجزاء المناسب من قبل القاضي> وفق مبدأ الشرعية طبقا لخطورة المجرم وبمسافة
الجريمة التي إرتكبها من كونها جناية أو جنحة أم مخالفة .
3
أما علم اإلجرام فهو العلم الذي يقوم على وصف السلوك اإلجرامي ثم البحث عن
أسباب الجريمة سواء أكانت تلك األسباب كامنة في المجرم أم كانت خارجة عنه بحثا عن
كيفية مواجهة تلك الظاهرة إذا علم واقعي .
إذا فكليهما يهتم في دراسته باإلجرام ،فقانون العقوبات يدرس اإلجرام باعتباره
كالقاعدة قانونية بينما يدرس علم اإلجرام الجرائم بإعتباره سلوكا إنسانيا .
من هذه الفكرة ،فإن فكرة ومفهوم الجريمة والمجرم تتسع في علم اإلجرام عنه
في قانون العقوبات ،فمعظم مظاهر االنحراف يعالجها علم اإلجرام وإن كانت ال تشكل
جرائم بالمعنى القانوني الدقيق ،ويراد بالمجرم في علم اإلجرام كل من تنطوي شخصيته
على خطورة إجرامية تتذر بارتكابه جريمة مستقبال ،مما يجعل علم اإلجرام يستوجب عددا
من المجرمين الذين لم تصدر ضدهم إدانة جنائية بسبب انعدام مسؤولياتهم الجنائية مثال ذلك
المجرمين غير األسوياء كالمجانين وصغار السن من األحداث .
وعلة اتساع فكرتي الجريمة والمجرم في علم اإلجرام عنها في قانون العقوبات ،
أن قانون العقوبات ،يتقيد في تحديده لهاتين الفكرتين بمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات فال
جريمة وال عقوبة إال بنص ،أما علم اإلجرام فال يتقيد بهذا المبدأ وإنما تدور دراساته حول
كافة مظاهر اإلجرام واالنحراف .
لكن بالرغم من أوجه اإلختالف هاته فإن العالقة بينهما وثيقة إنطالقا من وحدة
الموضوع الذي ينصب عليه كل منهما وهو الجريمة ،مما يجعل التأثير والتأثر بينهما متبادل
من عدة أوجه منها :
إن قانون العقوبات يشكل أداة مساعدة وتطور لعلم اإلجرام ،حيث يمده بتعريف
الجريمة بإعتبارها واقعة قانونية ،إضافة على كونها واقعة إجتماعية ،كما أن القاضي
الجنائي الذي يقضي على الجناة باإلدانة من شأنه أن يمد الباحث> في علم اإلجرام بالمحكوم
4
عليهم ( المجرمين ) الذين يشكلون المادة اإلنسانية التي تنص عليها مالحظات الباحثين ،
وكذلك األمر بالنسبة للجريمة فمعظم صور السلوك اإلجرامي التي تنص عليها دراسات علم
اإلجرام هي أفعال مجرمة إبتداءا في قانون العقوبات .
ومن ناحية أخرى فإن علم اإلجرام وبرغم حداثته فإن له تأثيره المستمر على
قانون العقوبات ،وذلك من خالل النتائج التي يتوصل إليها الباحثين في علم اإلجرام والتي
لها األثر الفعال على المشرع الجزائي في تعديل نصوص قانون العقوبات سواء باإللغاء أو
اإلضافة أو التسديد أو التخفيف .
من ذلك إتجاه المشرع الجنائي في التوسع في تطبيق نظام التدابير اإلحترازية
والنص على عقوبات تراعي في توقيعها شخصية الجاني وظروفه الخاصة أكثر مما يراعي
فيها الفعل المرتكب .
وكذا تجريم بعض األفعال لم يكن معاقبا عليها حماية للمجتمع من خطورتها التي
تنطوي عليها تلك األفعال ،وهذا بناءا على ما أشارت إليه دراسات في علم اإلجرام لهذه
األفعال كالتشرد والتسول .
ومن أوجه هذا التأثر أيضا لقانون العقوبات بعلم اإلجرام التشريعات الخاصة باألحداث والتي
يغلب عليها طابع التقويم واإلصالح نتيجة لتقدير المشرع للعوامل التي تدفعهم إلى إرتكاب
الجرائم والتي من أهمها في نظر الباحثين في علم علم اإلجرام هو نقص الرعاية والتهذيب
الذي تلقاه الحدث .
-2علم اإلجرام وقانون اإلجراءات الجنائية :
قانون اإلجراءات> الجنائية هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم طرق مالحقة
المتهم والتحقيق معه ومحامته وتحدد السلطات التي تقوم بتلك اإلجراءات> ضد وقوع الجريمة
حتى تنفيذ الجزاء> المنطوق به .
5
إذن فهو قانون ذو صلة تبعية بقانون العقوبات هدفه وضع نصوص قانون
العقوبات موضع التطبيق ،لذا ال يتصور وجوده في غياب قواعد موضوعية تجرم األفعال
وتقرر الجزاء> عليها وهي قواعد قانون العقوبات ،ومن هذا يكتسب قانون اإلجراءات>
الجزائية صفته القاعدية .
وعلى الرغم من إختالف مجاله عن المجال الذي تدور فيه أبحاث علم اإلجرام إال
أن النتائج التي تشخص عنها الدراسات اإلجرامية كما تلقيه من ضوء على شخصية المجرم
وأسباب إجرامه وبالتالي على الوسيلة المناسبة لعدم عودته إلى الجريمة مرة اخرى من
شأنها ان تؤثر على المشرع اإلجرامي في إختياره لألساليب واإلجراءات> الالزمة لمحاكمة
المتهم وتنفيذ العقاب عليه ،وذلك مثال كإفراد محاكم خاصة لألحداث في بعض التشريعات
حتى يمكن أن يتوفر للمجرم الحدث القاضي الذي يمكن و يستطيع فهم شخصيته والوقوف
على أسباب إجرامه وطريقة معاملته .
كما يظهر أثر علم اإلجرام على قانون اإلجراءات> الجنائية في فكرة األخذ بنظام
الفحص السابق على الحكم كإجراء من اإلجراءات> المحاكمة ،وذلك بان يقوم القاضي قبل
الحكم بالعقوبة بجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن المتهم سواء منها ما تعلق بظروفه
اإلجتماعية أو بحالته النفسية أو بالبيئة التي نشأ فيها ،وذلك لمعرفة األسباب التي دفعته
للجريمة ومنه يتسنى للقاضي تحديد مدى الخطورة الكامنة في شخصه إلختيار العقوبة أو
التدبير المالئم لهذه الخطورة ،وذلك عن طريق اإلستعانة بأهل الخبرة من األطباء وعلماء
النفس ورجال اإلجتماع ( أنظر المادة 685إ ج ج ) وهذا إلقتراح أفضل التدابير التي يمكن
تطبيقها على الفاعل لإلنتقام منه ،وإنما إلصالحه وغعادة تكييفه مع المجتمع بما يتناسب مع
توازنه وخواص شخصيته .
6
ويظهر هذا التأثير أيضا في فكرة قاضي تنفيذ العقوبة ،وهو قاضي متخصص
في مرحلة التنفيذ العقابي الالحقة لصدور الحكم باإلدانة ،يتولى متابعة تعديل الجزاء
المحكوم به بما يتوافق مع تطور شخصية المجرم أثناء تنفيذ العقوبة ،وهذه الفكرة هي نتاج
لدراسات علم اإلجرام التي تولى إهتمامها بالغا بمرحلة ما بعد الحكم ،وذلك ألن إصالح
الجاني وغعادة تأهيله يتوقف على مدى طريقة تنفيذ العقوبة وتحقيقها للهدف المرجوا منها .
-3علم اإلجرام وعلم العقاب :
علم العقاب هو العلم الذي يتناول بالدراسة والبحث المبادئ واألساليب التي تكفل
مواجهة الظاهرة اإلجرامية سواء من حيث إختيار الجزاء المناسب أو من حيث إقتراح
أفضل الطرق لتنفيذهذا الجزاء .
ويبدوا إختالف العلمين عن بعضهما ففي حين يدرس علم اإلجرام ظاهرة
الجريمة دراسة تفسيرية نسبية سواء في جانبها الفردي أم في جانبها اإلجتماعي بقصد
إكتشاف العوامل المؤدية لحدوثها ،أما علم العقاب فهو يتناول بالعالج ظاهرة الجريمة بعد
وقوعها للحيلولة دون عودة المجرم إلرتكابها مرة أخرى .
لكن رغم هذا فالعالقة بينهما قائمة وهي نتيجة حتمية للصلة بين الجريمة والعقوبة
،حتى أنه إلى نهاية القرن 19كان يتجه العلماء> إلى الجمع والمزج بين العلمين ،إذ كان يعد
علم العقاب فرعا من فروع علم اإلجرام ،وهذا بناءا على أنه ال يمكن إعداد برنامج للوقاية
من الجريمة وعالجها دون التعرف العميق على صورها وخصائصها وأسبابها .
غير أنه ومع التطور الذي وصلت إليه الدراسات العقابية في مجال مكافحة
الجريمة مع القرن العشرين فقد إستقل علم العقاب> عن علم اإلجرام ،فعلم اإلجرام يمكن على
تفسير الظاهرة اإلجرامية بينما يمكن علم العقاب> على كيفية مواجهتها .
7
ولكن ليس معنى إستقالل علم العقاب> عن علم اإلجرام اإلنفصال التام والمطلق
بينهما ،فثمة عالقة متبادلة بينهما تتمثل في إستفادة علم العقاب من نتائج الدراسات وأبحاث
علم الغجرام المتعلقة بشخصية المجرم للوصول إلى األهداف القريبة والبعيدة للعقوبات
الجزائية ،ثم إختيار أنجع األساليب الكفيلة بتحقيق هذه األهداف ،وفي ذات الوقت فإن علم
اإلجرام يستعين بدراسات علم العقاب حول تأثير تنفيذ العقوبات الجزائية على تكوين
الشخصية اإلجرامية .
الفصل األول :التحليل الوصفي لظاهرة الجريمة أو تفسير الظاهرة اإلجرامية .
تمهيــــد :
تعددت اإلتجاهات> والمذاهب في تحليلها للظاهرة اإلجرامية بغية إكتشاف عواملها
وتفسير سبب إقدام بعض األفراد دون اآلخرين على إرتكابها ،ويمكن جمع هذه اإلتجاهات
في إتجاهين رئيسيين نشأ منهما إتجاه ثالث .
اإلتجاه األول :يتزعمه أنصار النظريات االنثروبولوجية التي ال تعترف بأي اهمية للبيئة
اإلجتماعية ،فعوامل اإلجرام تحصر في المجرم ذاته ،أي عوامل داخلية فيه ،وهذه
العوامل الداخلية إما خاصة بالتكوين العضوي للمجرم كمالحظة عامة ووظائف أعضائه
الداخلية ،أو خاصة بالتكوين النفسي كالمشاعر والذكاء ،أو خاصة بصفات الشخصية
كالجنس والسن والعنصر وهذا ما يعرف بالتحليل> النفسي للجريمة .
اإلتجاه السكاني :يتزعمه أنصار النظريات البيئية التي تعطي اهمية فصلة للبيئة المحيطة
باإلنسان المجرم أي العوامل الخارجية عنه ،أي ان العوامل اإلجتماعية هي وحدها
المسؤولة عن ظاهرة الجريمة وليست العوامل الفردية ،سواء كانت هاته العوامل
إقتصادية ،أو ثقافية أو جغرافية . . . ،على إختالف فيما بين أصحاب هذا اإلتجاه في
تغليب كل
8
عامل بإعتباره العامل الرئيسي ،وهذا ما يعرف بالتحليل اإلجتماعي للجريمة .
اإلتجاه الثالث :ظهر على أساس اإلتجاهين السابقين ،ويفسر السلوك اإلجرامي على أساس
لمجموعة متكاملة من العوامل سواء كانت عوامل داخلية خاصة بالتكوين حصيلة
العضوي أو النفسي للفرد أم عوامل خارجية متعلقة بالظروف الطبيعية أو اإلقتصادية أو
الثقافية أو غيرها ،وتسمى هذا المذهب بمدارس التحليل> التكاملي .
والفارق بين النوعين يتمثل في أن التحليالت الثالثة األولى ( العضوية ،النفسية ،
اإلجتماعية ) ترد الجريمة إلى عامل بعينه ،بينما التحليل التكاملي يفسر الجريمة في ضوء
كافة هذه العوامل .
المبحث األول :المذاهب البيولوجية والنفسية .
وهي التي تعنى بالعوامل الفردية التي تدفع شخصا بذاته إلى إرتكاب جريمة
معينة ،وبحث العوامل الفردية يعد مجال أو نطاق علم اإلجرام من حيث األشخاص أي
دراسة أشخاص المجرمين انفسهم وهذا سواء كانوا مجرمين أسوياء كاملي األهلية أو
مجرمين غير أسوياء ،وذلك بدراسة العوامل الداخلية في المجرم سواء كانت عوامل
عضوية ،أي دراسة أشكال أعضائه الخارجية وافراد سير أجهزته الداخلية وإفرازات الغدد
لديه ،أو عوامل نفسية أي البحث في غرائز المجرم وميوله وعواطفه ومدى إنفعاالته
ودرجة ذكائه وغير ذلك .
المطلب :1النظرية الفزيولوجية .
جالدول ) ـ سبيرزهايم ـ ( جال
) Galdwell ـ Sperz heim ( Gallـ
في منتصف القرن الثامن عشر حاول هؤوالء األطباء الثالثة أن يثبتوا وجود
عالقة بين الشكل الخارجي> للجمجمة ،وبين سلوك اإلنسان على إعتبار أن الشكل الخارجي
9
للجمجمة يتطابق معه شكلها الداخلي الذي يحوي المخ والمخ بدوره يحتوي العقل الذي يتكون
من مجموعة من الغمكانيات والوظائف .
وعليه لما كان المخ الذي يحتوي العقل محكوم بشكل الجمجمة الداخلي فإن هذه
اإلمكانيات والوظائف العقلية تتأثر بشكل الجمجمة الخارجي> .
وفيما تعلق بإمكانيات العقل فقد كان الطبيب ( جال ) بانه يحتوي على 26إمكانية
،بينما ذهب زميله ( سبيرز هايم ) بأن اإلمكانيات يبلغ في العقل 35وظيفة وإمكانية ،غير
أنهم إتفقا أن إمكانيات العقل يمكن تقسيمها إلى ثالث مناطق في المخ كل منطقة منها تحري
جهازا معينا يشغل على طائفة من تلك اإلمكانيات ذات الوظائف المعينة في العقل وهذه
الطوائف هي :
-الملكات الذهنية . -المشاعر األخالقية -الغرائز الدنيا
وذهب إلى أن المنطقة االولى في العقل والتي تتمركز بها طائفة الغرائز هي
المسؤولة عن الجرائم ،وبخاصة كل من غريزة الجنس ،غريزة النضال ،غريزة حب
التملك أو اإلقتناء ،غريزة الكتمان .
ثم جاء الطبيب ( جالدون ) بعد ذلك بفكرة العالقة المتبادلة بين مناطق المخ إكماال
لهاته النظرية ،حيث إعتبر أن المشاعر االخالقية تراقب الغرائز الدنيا ،وأن ما يمتلك
اإلنسان من ملكات ذهنية إلى جانب ما يتمتع به من إرادة يمكنها أن تتحكم في الغرائز
والمشاعر معا وتوجيهها .
ومؤدى ذلك أنه عندما تقرى لدى اإلنسان غريزة حب التملك دون أن تراقبها مشاعره
األخالقية أو تطوعها ملكاته الذهنية أو تتحكم فيها إرادته ،فالنتيجة المترتبة عن تضخم هاته
الغريزة في إرتكاب السرقة ،وهكذا فغن معظم الجرائم المرتكبة يمكن تفسيرها بنمو الغرائز
الدنيئة وعدم وعدم مراقبتها والتحكم فيها ،فغريزة النضال تؤدي إلى إرتكاب جريمة القتل
واإلعتداء على األشخاص والغريزة الجنسية تؤدي إلى إرتكاب جرائم اإلغتصاب وهتك
10
العرض وغيرها من الجرائم الجنسية ،وغريزة الكتمان تدفع إلى جرائم الغش والخيانة ،
وعلى العكس من ذلك إذا راتبت المشاعر تلك الغرائز وطوعتها وتحكمت فيها اإلرادة
والملكات الذهنية ،فال يمكن تصور وقوع الجريمة ،أي أنه إذا تغلبت المشاعر األخالقية
والملكات الذهنية على الغرائز الدنيئة حال ذلك بدون اإلجرام .
نقد النظرية :واجهت هاته النظرية إنتقادا من قبل علماء اإلجرام ولم تلق قبوال عندهم وذلك
لألسباب التالية :
* -إن من اهم ما يترتب على هاته النظرية أن تصرفات المجرم بناءا عليها تصبح مفروضة
عليه ،مما يؤدي إلى القول بحتمية الجريمة وبالتالي عدم مساءلة المجرم عن سلوكه
اإلجرامي ،وهذا ما يتعارض مع الفكر السائد حاليا والقائم على مبدأ حرية اإلختيار على
إعتبار ان الغنسان هو سيد نفسه لذا يتحمل مسؤوليته عن جميع تصرفاته الغجرامية قانونا .
* -أن هذه النظرية بنيت وتأسست على إفتراض عجزت عن إثباته بطريقة علمية مقنعة فيما
تعلق بتقسيم اإلمكانيات والوظائف العقلية إلى طوائف تربطها عالقات متبادلة ،أي أن
أصحاب> هاته النظرية لم يقوموا بإلثبات ما إفترضوه على كونه صحيحا بأدلة علمية ثابتة
ومقنعة .
المطلب : 2النظرية العضوية ــ نظرية لومبروزو .
صاحب> هذه النظرية هو الطبيب اإليطالي شيرازي لومبروزو ( 1835ـ ) 1909
عمل بعد تخرجه من كلية الطب كطبيب في الجيش اإليطالي ثم عين أستاذا للطب الشرعي
والعقلي بجامعة ( بافيا ) بإيطاليا ،وقد أتاحت له وظائفه السابقة القيام بإجراء الفحوص
واألبحاث على المجرمين األحياء واألموات بهدف التوصل إلى نتائج تسمح بالتمييز بينهم
وبين األسوياء غير المجرمين ،وهذا من خالل فحص لعدد من الجنود األشرار والذين
وجدهم يتميزون بعدة مميزات جسدية لم تكن موجودة في الجنود االخيار منها الوشمات
11
والرسوم القبيحة التي كانوا يحدثونها على أجسادهم إضافة إلى ما إتضح له من خالل تشريح
جثث الكثير ن لمجرن من وجود عيوب في تكوينهم الجسماني وشذوذ في الجمجمة ،
وخصوصا من خالل حالة اللص الخطير المدعو( دفيليال ) الذي أكتشف بعد تشريحه لجثته
وجود تجويف غريب في مؤخرة جمجمته مثل الذي يوجد لدى الحيوانات> الدنيا كالقرود ،
وكذا حالة المجرم ( فيتيني ) الذي قتل عشرين إمراة بطريقة وحشية حيث الحظ ان لهذا
المجرم خصائص اإلنسان البدائي ومظاهر قسوة الحيوانات> المفترسة .
إضافة إلى حالة الجندي ( مسديا ) الذي لم يعرف عنه سوء الخلق ،حيث قام
فجاة بمطاردة ثمانية افراد من رؤوسائه وزمالئه في الجيش وبعد قتلهم سقط فاقدا الوعي
لمدة ساعات طويلة ،وحينما أستيقظ لم يتذكر شيئا عما إرتكبه ،فإلى جانب ما الحظه عليه
من صفات الحيوانات> المتوحشة والمفترسة أنه مصاب بحالة ( الصرع الوراثي ) الذي دفعته
إلى إرتكاب الجريمته ،مما جعله يتوصل إلى وجود حالته بين اإلجرام والصرع .
- /1تفسير السلوك اإلجرامي لدى لمبروزو :
تقوم نظرية لومبروزو على فكرة أن المجرم نمط أو نوع معين من البشر يتميز
بمالمح عضوية خاصة وسمات نفسية يركبها إلى صفات اإلنسان األول والمخلوقات البدائية
فمن الناحية العضوية :يتميز المجرم من منظور ( لومبروزو ) بعدم اإلنتظام في شكل
الجمجمة وضيق الجبهة وضخامة الفكين وبروز عظام الخد وشذوذ حجم األسنان وتركيبها .
وزيادة أو نقص في حجم األذن وفرطحة أو إعوجاج في االنف وكثرة و تنوع تجاعيد البشرة
وغزارة وجفاف الشعر ،وعيوب في التجويف الصدري وطول مفرط في الذراعين
واألرجل واألصابع ،أي ان المجرم في نظره وحش بدائي يحتفظ عن طريق الوراثة
بالصفات البيولوجية والخصائص الخلقية الخاصة بإنسان ما قبل التاريخ .
12
ومن الناحية النفسية :فإن من خالل ما الحظه عليهم من كثرة الوشمات على اجسامهم
فإنهم يتصفون بضعف الغحساس باأللم ،إلى جانب تميزهم بالفظاظة وغلظة القلب> وعلة أو
غنعدام الشعور األخالقي والشفقة ،ومن خالل كل هذا أصدر كتابه الشهير الذي سماه
"" اإلنسان المجرم "" سنة ، 1876والذي يرى فيه ان المجرم إنسان مطبوع على اإلجرام
وليس للبيئة التي يعيش فيها أي أثر في إجرامه فهو مجرم بالفطرة أو بالطبع أي بالميالد .
غير ان لومبروزو لم يتوقف عند هذا الحد في تفسير السلوك اإلجرامي من خالل
طبع المجرم الذي فطر عليه ،فإنه ونظرا لما تلقته نظريته من نقد ،وما إكتشفه من عالقة
بين التشنجات العصبية وبين اإلجرام ،من خالل حالة المجرم ( جسديا ) أعاد صياغة
نظريته مقسما المجرمين إلى طوائف هي :
-1المجرم المجنون :وهو من يرتكب الجريمة تحت تأثير المرض العقلي ويدخل ضمن
المجرم المصاب بالهستيريا والمدمن على الخمور والمخدرات .
-2المجرم الصرعي :وهو من يرتكب الجريمة بتاثير الصرع الذي ينتقل إليه بطريقة
الوراثة والذي يؤثر على عضالت الشخص وعلى اعصابه وحالته النفسية ،وقد تتطور
مضاعفات> الصرع فيتطور ويتحول إلى مرض عقلي ،فيتحول به المجرم الصرعي إلى
مجرم مجنون .
-3المجرم بالفطرة او الميالد :وهو من يتميز بصفات موروثة خاصة يرتدبها إلى عصر
اإلنسان البدائي وهذه الصفات منها ما هو عضوي أو خلقي ومنها ماهو خاص بالحواس
كالنظرة العابسة للمجرم القاتل> .
ويرى لومبروزو أن المجرم بالفطرة او الميالد من توافرت فيه خمسة أو اكثر من عالمات
اإلرتداء السابقة ذكرها .
13
-4المجرم بالصدفة :وهو المجرم الذي يرتكب الجريمة بسبب مؤثرات خارجية عارضة
متصلة بالظروف البيئية من شأنها أن تعزر فيه النزعة إلى إرتكاب الجريمة دون ان تكون
لديه أصال صفات> المجرم بالميالد ،ولكن يتميزون بضعف الوازع األخالقي ونقصهم قوة
مقاومة المؤثرات الخارجية ،يرتكبون الجريمة إن الحت لهم فرصة االفالت من العقاب> ،
كمرتكب الجرائم اإلقتصادية وجرائم الصحافة والذي يحمل السالح دون ترخيص .
-5المجرم المعتاد :وهو الشخص الذي يولد دون أن يحمل صفات المجرم بالطبع أو
بالفطرة وغنما يكتسب نتيجة للظروف المحيطة به ،نزعات إجرامية وميوال إلى الجريمة ،
فإجرامه إذا مكتسب وليس فطريا .
-6المجرم بالعاطفة :أو المجرم العاطفي ،وهو الذي يرجع سلوكه الغجرامي ال لتكوين
عضوي أو جنون او صرع وغنما ألسباب عاطفية خالصة ن وذلك لتمتع هؤالء األفراد
بحساسية بالغة ال يمكن مقاومتها وعاطفة جارفة تدفعهم أحيانا إلرتكاب الجريمة كالمساس
الزائد أو الغيرة المفرطة أو اإلستفزاز وبعدها يشعرون بتأنيب الضمير ،وهذا النوع غالبا
يرتكب جرائم اإلعتداء على األشخاص .
-/2تقسيم نظرية لومبروزو :
مما ال ينكر على ( لومبروزو ) فيما قام به من دراسات دوره في توجيه األنظار
إلى ضرورة دراسة الشخص المجرم والإهتمام بالتكوين العضوي له ،بالعبث عن الصلة بين
عوامل هذا التكوين وبين السلوك اإلجرامي ،مما وسع من موضوع البحث في الدراسات
اإلجرامية ليشمل المجرم إلى جانب الجريمة ،والذي أعتبره مسيرا ال مخيرا في سلوكه
اإلجرامي لذا فال يجب أن يسأل جنائيا بل يعتبر المجرم مريضا ال يستحق عقوبة وإنما
يستاهل تدبير امن وقائي أو عالجي أو التخلص منه إذا تعذر عالجه أو إصالحه .
إلى جانب هذا فقد واجهت نظرية لومبروزو إنتقادات كثيرة منها :
14
المبحث االول :العـــــوامل الداخليــــة لإلجـــــرام .
تمهيـــــــد :
العوامل الداخلية لإلجرام هي العوامل المتصلة بشخص المجرم ،أي تلك العوامل المتصلة
بتكوين البيولوجي والعقلي والنفسي ،أي كل ما يتصل بشخص المجرم ويؤثر بطريقة أو بأخرى في
إجرامه ،وهي عوامل عديدة ومتنوعة ،ذلك أن اإلنسان كائن معقد التركيب متعدد األجهزة ولكل
جهاز وظيفته التي يؤديها ،وهو يتأثر بغيره من األجهزة ويؤثر فيها ،ومجمل هذه العوامل هي
الوراثة ،النوع أو الجنس ،السن ،العنصر أو الساللة ،المرض وعامل السكر واإلدمان على
المخدرات .
المطلب األول :الوراثــــــــــة .
الوراثة هي إنتقال خصائص السلف بطريقة التناسل ،أي لحظة اإلخصاب ،أي لحظة نشأة
الجنين .
وقد دلت تجارب الحياة على إنتقال الطباع والصفات العضوية واألمراض من األصل إلى
الفرع بدرجات متفاوتة ،ويرجع علماء الوراثة هذا التشابه أو اإلختالف بين الفرع واألصل إلى أن
اإلنسان تتنازعه قوتان متعارضتان هما :قوى الوراثة وقوى التغيير أو التبديل .
فقوى الوراثة تتجه به إلى المشابهة مع االصل بحيث يكون إمتدادا أو تكرارا له بينما تجذبه قوى
التغيير إلى اإلبتعاد عن األصل وإنقطاع التشابه بينهما .
وقد إختلف العلماء حول دور الوراثة كمصدر للتكوين اإلجرامي بين من ينكر دورها في
نشأة الجريمة وبين من يحزوا لها الدور كله في نشأة الجريمة ،إلى أن إستقرت جماعة من العلماء
على أن الوراثة وإن كانت خفيفة واقعة ال مجال إلنكارها ،فإن أثرها ليس حتميا وإنما في قوة توجيه
فقط ،بمعنى أنه ال يقصد بالوراثة اإلجرامية أن إبن المجرم يتحتم أن يكون مجرما مهما صادف تربية
حسنة وبيئة طيبة لما للتربية والبيئة الحسنة من أثر في طبع النفس على حب الغير على نحو يحد من
ذلك الميل الموروث فيها إلى اإلجرام .
وعلى ذلك يكون المقصود بدور الوراثة هو وراثة اإلستعداد اإلجرامي أو الميل اإلجرامي ،
فإبن المجرم ال يتحتم أن يصبح مجرما وإن كان يعد أقرب من غيره عرضة للوقوع في مهاوي
15
1لجريمة والميل إلى الفعل ال يعني بالضرورة وقوع هذا الفعل .
ونخلص من هذا إلى انه إنطالقا من ان خصائص السلف تنتقل إلى الخلف عن طريق
المورثات أو الجينات التي تحملها نواة الخاليا اإلنسانية المسماة بالصبغيات أو الكروموزومات ،فإنه
ال يوجد ما يسمى بكروموزوم أو صبغي الجريمة الذي ينقل اإلستعداد اإلجرامي من األبوين إلى األبناء
،بناءا على ما ذهب إليه علماء الوراثة من ان الذي ينتقل بالوراثة ليس هي الخصائص ذاتها وإنما
إتجاهات أو إمكانيات يمكن أن تتحول إلى خصائص أو تظل ساكنة .
16
وبالرغم من إيجابية هاته الدراسة إال أنه يتحفظ عليها وما توصلت إليه من نتائج فيمايلي :
-أن أسلوب دراسة العائلة ال يسمح بفصل تأثير الوراثة عن تأثير الوسط الذي يعيش فيه أفراد
العائلة ،ومن ثم ال يسوغ نسبة إجرام أفراد عائلة كان أصلها مجرما وإلى ما ورثوه عن هذا األصل إذ
للبيئة دورها وأثرها في تكوين الشخصية اإلجرامية لألفراد .
-إن تأثير الوراثة يتضاءل كلما بعدت األجيال عن أصلها األول ،فإذا كان النصف بالنسبة األبناء
المباشرين فإن تأثير الوراثة يهبط إلى الربع بالنسبة لألحفاد وهكذا .
-وكذا يعاب على هاته الدراسة إقتصارها على الذكور البالغين وإغفالها حالة النساء والسلف األول
لألسرة محل الدراسة ،حيث ثبت أن جدة << جوناتان >> ألمه تطلقت إلرتكابها جريمة الزنا وقتل
خاله األكبر أخته الوحيدة ،فإذا صح أن اإلجرام أمر موروث فقد كان ينبغي أن يصبح (جوناتان) نفسه
وكثيرون من ذريته مجرمين .
-)2دراسة التوائم :
ويقوم هذا األسلوب على المقارنة بين توامين ناتجين من بويضة واحدة ويسميان
بالتوأمين المتحدين ،وبين توأمين ناتجين عن إتحاد بويضتين بحيوانيين مويين ويسميان بالتوأمين
األخوين .
وقد أجرى العالم األلماني << النج >> Langeسنة 1929دراسة على 30زوجا من
التوائم الذكور البالغين من بينهم 13زوجا من التوائم المتحدة و 17زوجا من التوائم األخوة ،وكانت
نتيجة هاته الدراسة ان تبين له أن %77من التوائم المتحدة لديها توافق على إرتكاب الجريمة ،بينما
ال تتجاوز نسبة %12عند التوائم االخوة.
مما يعني أن اإلستعداد الغجرامي لدى التوائم المتحدة يكون متساويا وبالتالي يكون إقبالهم على
الجريمة متساويا وهذا لتماثل الخصائص الوراثية فيما بينها ،بينما عند التوائم األخوة فإختالف
الخصائص بين التوائم أدى إلى تفاوت في اإلستعداد الموروث لدى كل منهم ومن ثم إلى إختالف كل
منهم من اإلجرام ،وقد ادى هذا إلى القول بأن للوراثة دورا حاسما في الدفع إلى الجريمة بدليل توافق
أغلب التوائم المتماثلة في سلوكهم اإلجرامي وعدم توافق التوائم االخوة في المسلك الغجرامي إال في
حاالت قليلة .
17
وبالرغم مما توصلت إليه طريقة دراسة التوائم في إثبات دور الوراثة الكامل في الجريمة
فإنها لم تسلم من النقد إذ أخذ عليها :
* -ضآلة عدد التوائم الذين أجريت عليهم الدراسة .
* -أن تقسيم التوائم إلى متحدة واخوة أي متماثلة وغير متماثلة تقسيم مشكوك فيه وهذا
لصعوبة تحديد ما إذا كانت التوائم ناتجة عن بويضة واحدة أو أكثر من بويضة ومن ثم فمن المحتمل
وقوع الباحث بالخطأ والخلط بينهم مما يترتب عليه الخلط في النتائج المتوصل إليها .
* -ال يمكن التسليم بإختالف درجة التوافق في اإلجرام بين التوائم المتحدة والتوائم االخوة
كدليل على وراثية اإلجرام ،ألن التماثل بين التوائم المتحدة في اإلجرام قد يرجع إلى الخبرة أي إلى
التجارب التي م ّر بها وكذا إلى البيئة اإلجتماعية وغيرها . . .
وخالصة القول أن دور الوراثة ال يمكن إنكاره ولكنها ال تعد عامال حتميا في إفضاءه إلى اإلجرام ،بل
الوراثة عامل من بين العوامل المقررة لإلجرام
فإن أدت إلى اإلجرام فإن تأثيرها ال يكون منفردا بمعزل عن بقية العوامل ،أي أن اإلستعداد اإلجرامي
فسينتقل بالوراثة من األصول إلى الفروع ولمنه ال ينتج لدى الفروع ما احدثه لدى االصول من الدفع
إلى السلوك اإلجرامي لتخلف الظروف التي تفاعلت معه لدى االصول بالنسبة للفروع .
المطلب الثاني :النوع أو الجنس .
يقصد بذلك تحديد دور اإلختالف بين الجنسين أي بين الرجل والمراة على إجرام كل منهما
سواء من حيث الكم أو الكيف .
-من حيث الكم :حيث أشارت إحصائيات أغلب الدول ان نسبة إجرام المراة أقل بكثير من إجرام
الرجل حيث أشارت إحصائيات في سنة 1970وما بعدها أن إجرام النساء بلغ في فرنسا %11وفي
مصر %04وبلجيكا %3وفي تونس والجزائر %0,1وفي أمريكا بلغت نسبة من يقبض عليهن من
النساء %10ومن صدر منهن أحكام باإلدانة ، %5ولكن رغم ثبوت هذه الحقيقة العلمية إال أن
الباحثين قد حاول التشكيك فيها حيث أن ما تظهره اإلحصائيات من نقص ظاهري في كم إجرام المراة
18
عن الرجل ال ينبغي اإلعتماد عليه لتقرير زيادة معدل إجرام الرجل على معدل إجرام المرأة وذلك
لسببين :
-1إن كثيرا من جرائم المرأة يرتكب في الخفاء وال تثبته اإلحصاءات مما يعني ان الرقم األسود في
إجرامها يزيد عنه بالنسبة للرجل .
-2إن هذه اإلحصاءات والدراسة ال تأخذ في حسبانها حاالت إجرام الرجل الذي تكون المرأة هي
الباعث الدافع إليه دون أن تتوافر في حقها إحدى وسائل اإلشتراك المجرمة قانونا ،كإرتكاب
الجريمة إلرضائها أوإستحالتها كالسرقة لتقديم هدية لها .
حيث تشير بعض الدراسات اإلحصائية إلى أن المرأة تعتبر سببا في %40من الجرائم الخلقية
،وفي %20من جرائم القتل ،وفي %10من جرائم السرقة ،فلو أضيفت هذه الجرائم إلى
النسب السابقة لما ترتكبه المرأة من جرائم إلرتفع معدل إجرامها ،لكن رغم هذه اإلنتقادات فقد
ثبت دوما وجود إختالف كبير جدا بين معدل إجرام النساء ومعدل إجرام الرجال ،ولكن معدل
اإلختالف غير ثابت حيث يتفاوت إرتفاعا وإنخفاضا تبعا إلعتبارات عدة ،فإعتبار السن عند
المرأة ،والمراة الريفية والمدنية ،وفي فترات الحروب فقد يرتفع معدل إجرام النساء بحسب
هاته اإلعتبارات ويقل .
-من حيث النوع والكيف :حيث أشارت اإلحصاءات على أن هناك جرائم ال تقع إال من النساء أو
نسبتها أكبر من نسبة الرجال ،فمثال تتفوق المرأة على الرجل في جرائم اإلجهاض وقتل األوالد
والقتل بالسم .
بينما يتفوق عليها الرجل في جرائم العنف والسرقات باإلكراه وجميع الجرائم التي تتطلب قوة
جسمانية وعضلية .
تفسير إختالف إجرام المرأة عن إجرام الرجل :
يرجع إختالف إجرام المرأة عن إجرام الرجل كما وكيفا إلى تفسيرات توجز فيمايلي :
-إختالف التكوين العضوي والنفسي للمرأة عن الرجل حيث أنها أقل قوة بدنية عن الرجل حيث
تنعكس هذه الخاصية على السلوك اإلجرامي لكل منهما فإجرام الرجل له طابع إيجابي أما إجرام
المراة فذو طابع سلبي ،لذا يقل نصيب المرأة في جرائم العنف والعرض ويزيد في جرائم شهادة الزور
وإخفاء األشياء المسروقة .
19
ومن الناحية النفسية فالمرأة معرضة لتغيرات عضوية تؤثر على حالتها النفسية من شأنه
أن يؤدي بها إلى الجريمة كإضطرابات فترات الحيض والحمل والرضاعة إلى حد يصيبها بالتوتر
النفسي لدرجة أن إحصاء أجري في بريطانيا ثبت منه أن %40من جرائم النساء ترتكبها وهن في
فترات الحيض .
-إختالف الدور اإلجتماعي للمرأة عن الرجل ،حيث يفسر بعض العلماء إنخفاض مستوى اإلجرام
لدى المرأة يرجع إلى ضآلة الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع ،حيث أن المراة تتمتع غالبا بحماية
إجتماعية ال يحظى بمثلها الرجل ،حيث أنه بحكم مسؤوليته عن حمايتها ومسؤوليته عنها يتطلب منه
الخروج إلى العمل واإلحتكاك باآلخرين والمنافسة والصراع من أجل العيش ومن شأن هذا اإلحتكاك
تهيئة فرص إرتكاب الجرائم بعكس المرأة فبموجب مسؤوليتها في الجانب األسري في تربية األطفال
واإلهتمام بشؤون المنزل فهي أكثر بعدا من الرجل عن الصراع .
ونخلص مما تقدم إلى حقيقة أن النساء أقل إجراما من الرجل ،وأن إجرامها محصور فيما ال تحتاج
فيه إلى قوة عضلية كبيرة ومرد هذا ضعفها البدني والنفسي الذي تكون عليه المراة وإلى ضآلة
دورها في المجتمع .
المطلب الثالث :الســــــن .
ويقصد به ذلك التغيير الذي يطرأ على شخصية اإلنسان كلما تقدم به السن ،ومن المسلّم
به أن اإلجرام يرتبط كما ونوعا بسن اإلنسان ،فاإلنسان في كل مرحلة من مراحل تطور حياته يتأثر
بالتغيرات التي تطرأ على تكوينه البدني والنفسي ،وتؤكد هذه الحقيقة اإلحصائيات الجنائية التي
تصنف الجرائم تبعا لسن الجاني ،حيث تظهر إختالف نسبة اإلجرام تبعا لتغير مراحل العمل التي يمر
بها اإلنسان .
ويقسم العلماء عمر اإلنسان إلى أربعة مراحل تتميز كل مرحلة بمميزات معينة من شأنها أن تؤثر في
إجرام أفراد كل طائفة سواء من حيث حجم اإلجرام أو نوعه .
20
-/1مرحلة الطفولة :
وتمتد مرحلة الطفولة لتشمل الفترة من الميالد إلى ما قبل البلوغ ،وهي من أهم مراحل
تكوين الشخصية اإلنسانية وتحديد إتجاهاتها المستقبلية ،وتتميز هذه المرحلة برغبة الشخص في
المغامرة بدافع نمو تكوين البدني وشعوره بوجود طاقة لديه تجعله متمردا في تصرفاته وتدفعه إلى
اإللتجاء إلى العنف أحيانا .
ومن الوجهة اإلجرامية تعد مرحلة الطفولة أقل فترات عمر اإلنسان من حيث عدد الجرائم
التي ترتكب فيها من خالل ما تؤكده اإلحصائيات ،ويرجع هذا إلى طبيعة التكوين البيولجي للطفل من
ناحية ،وبضيق نطاق عالقاته اإلجتماعية من ناحية أخرى ،كما أن اغلب القوانين ال يقرر أي
مسؤولية عما يرتكبه إال في حدود جد ضيقة .
-/2مرحلة المراهقة أو الحداثة :
وتشمل الفترة من عمر اإلنسان الواقعة بين سن 12و ، 18وتنتاب الحدث في هذه
المرحلة تغييرات فسيولوجية ونفسية ،حيث يتعرض الحدث لتغييرات داخلية تزيد على إثرها قوته
البدنية زيادة ملموسة ،حيث يزيد نشاط الغدد في إفرازاتها خصوصا الغدة الدرقية التي تؤثر في رغبة
اإلنسان في اإلعتداء وتنشط الغريزة الجنسية لدى الحدث في صورة حادة ،كما يتعرض الحدث في
هذه المرحلة إلى تغييرات وظروف خارجية إذ ينطلق خارج نطاق اسرته ويبدأ في التمرد على القيود
التي تحد من حريته وتنشأ لديه الرغبة في التعبير عن شخصيته .
إضافة إلى هذا يتميز الحدث في هذه الفترة بنمو في ملكة التخيل وحب المغامرة وتغلب
العاطفة على العقل وضعف في المقدرة على كبح جماح النفس ومقاومة المؤثرات الخارجية .
ولهذه الخصائص تؤثر الظروف الخارجية على الحدث تأثيرا كبيرا حيث توجه تفكيره وتحكم
تصرفاته ،ألن شخصيته لم تكتمل نضوجا وإستقرارا مما يجعله سريع اإلستجابة والتأثر بالعوامل
الخارجية بشكل بالغ قد يكون منهارا إلى حد يدفعه إلى اإلجرام .
وقد أثبتت اإلحصاءات الجنائية أن نسبة إجرام األحداث في إزدياد مضطرب ،تزداد مع تقدم سن
الحدث لذا تعتني القوانين عناية خاصة بمعاملة األحداث وضرورة العمل على عالج أسبابه حتى ال
ينجذب الحدث إلى عالم اإلجرام إنجذابا ال رجعة فيه .
21
أما نوع الجرائم في هذه الفترة من العمر فإنه يتميز بطغيان طوائف معينة من الجرائم حيث تتوزع
جرائم األحداث على طوائف ثالث :
-/1جرائم اإلعتداء على األموال وخاصة السرقات البسيطة ويفسر هذا برغبة الحدث في الظهور
وإشباع نزعات ورغبات ال تشبع إال بحصوله على اإلمكانات المادية السيما إن كان فقيرا ورفقته
أغنياء .
-/2جرائم اإلعتداء البدني :وهي تشكل نسبة كبيرة من جرائم االحداث ال سيما جرائم الجرح
والضرب ويفسر هذا بعوامل النمو البدني للطفل في هذه المرحلة ،إذ يشعر بطاقة بدنية كبيرة تنمو
لديه وتدفعه إلى النفور من القيود على حريته وتصرفاته والثورة على ما يقف أمامه في تحقيق
رغباته السلوكية ،مما يخلق فيه نوع من التشاجر والضرب ويظهر هذا جليا مع إخوته في المنزل
العائلي ثم رفاق اللعب والمدرسة إعتدادا بقوته وتأكيدا لشخصيته .
-/3جرائم اإلعتداء على العرض :وتحتل مكانا هاما في إجرام األحداث ،ويفسر ذلك بتأثير النمو
الغريزي لدى المراهق الذي يحدث مفاجأة فيثير فضول الحدث إلى إكتشاف ما حدث من تغيير فيرتكب
بعض األفعال الواضحة مع زمالئه ،وحين يكتمل النضج الغريزي عنده وتتخذ طريقها الطبيعي ،قد
ينزلق إلى بعض جرائم اإلعتداء على العرض والتي تكون محدودة مع بداية فترة المراهقة ثم تزيد في
نهايتها وبداية مرحلة النضج إذا لم تشبع بما يتفق مع الطرق الشرعية والقانونية .
23
المطلب الرابع :الساللة أو العنصر .
أوال -مفهوم الساللة :
الساللة نوع من الوراثة التي تميز جماعة من الناس عن غيرها الجماعات ،ويقصد بها
إنتقال مجموعة من الخصائص والصفات داخل مجموعة عرقية من األفراد ،فهي إذن وراثة جماعية
أو عامة تحدد خصائص يتفقد فيها جمع من األفراد ،تميز الجماعة كلها عن غيرها من الجماعـات ،
فإن كانت الوراثة إذا مع إكتساب فرد لخصائص آبائه ،فالساللة هي إكتساب هذا الفرد لخصائص
الجماعة العرقية التي ينتمي إليها ،قد تكون خصائص خارجية أو عضوية أو نفسية ،ويطلق على
الساللة أحيانا العنصر أو االصل العرقي .
وهذا وليس المقصود بالساللة الخصائص التي تميز شعبا بأكمله أي دولة عن دولة ،بل قد يكون في
الشعب الواحد سالالت أو أجناس متعددة ،لكل منها خصائصه المتميزة .
وال تقتصر هذه الخصائص والصفات على الخصائص العضوية فقط ( لون الجلد ،الشعر ،مالمح
الوجه ) بل تشمل أيضا السمات النفسية وبعض الطبائع المزاحية وأشكال السلوك ،هذا وللبيئة
الطبيعية تأثيرها الواضح في هذا المجال سواء في ذلك الظروف المناخية وكذا الظروف اإلجتماعية
كالمعتقدات والتقاليد وطبيعة النشاط اإلقتصادي .
ثانيا -أثر الساللة على ظاهرة اإلجرام :
حاول العديد من الباحثين والعلماء بحث الصلة بين حركة اإلجرام في شقها الكمي والكيفي
وبين األنتماء إلى ساللة معينة أو عنصر عرقي معين .
-/1حيث ذهب بعض العلماء إلى القول بأن اإلجرام يتأثر كما ونوعا بعنصر الساللة أو الجنس
حيث عدوا الساللة عامال من عوامل اإلجرام ،فمثال في الواليات المتحدة األمريكية يؤكد بعض
الباحثين أن السود أكثر إجراما من البيض ،وأنهم بحكم فطرتهم أكثر ميال إلى الجريمة من البيض ،
وفي فرنسا أفادت دراسة أن الجرائم التي يرتكبها األفارقة الشماليون تزيد عن إجرام باقي الطوائف
اإلجتماعية األخرى .
ولتأكيد هذا الرأي قام الباحثون بدراسات إحصائية وإنتهجوا فيها طريقتين متوازيين
بغرض إثبات دور الساللة كعامل من عوامل اإلجرام هما المقارنة بين إجرام السالالت في دول مختلفة
من ناحية ،والمقارنة بين إجرام السالالت داخل الدولة الواحدة من ناحية أخرى .
24
أ) -المقارنة بين إجرام السالالت في دول مختلفة :
حيث أجرى العالم << هوتون >> دراسة على عينة شملت 5000مجرم أجنبي المولد
وإنتهى إلى أن الذين ينتمون إلى حوض البحر األبيض المتوسط يتميزون بإرتفاع نسبة جرائم العنف
ضد األشخاص كالقتل واإلغتصاب ،بينما تنخفض بينهم جرائم التزوير ،وعلى العكس من ذلك فإن
اإلسكندنافيون يقومون كثيرا على إرتكاب جرائم الغش والتزوير وتقل بينهم العنف كالقتل والسرقة
بإستعمال السالح .
وفي دراسة قام بها الباحث الفنلندي << قريكوا>> لبحث جرائم العنف في أوروبا وصلتها
بعامل الساللة ،توصل إلى أن جرائم القتل أشد كثافة في الجنوب والشرق ( 04حاالت قتل لكل 100
ألف ساكن ) بينما تقل هذه الكثافة بشكل ملحوظ في الشمال ( حالة قتل واحدة لكل 100ألف ساكن ) .
غير أن البعض من الباحثين قلل من قيمة ومصداقية هذه النتائج بإعتبار أن إختالف معدل
الجرائم قد مرجعه إختالف التشريعات الجنائية أو إلى تفاوت فاعلية أجهزة العدالة من منطقة إلى
أخرى ،كما قد يكون مرده الظروف الطبيعية واإلقتصادية واإلجتماعية اللصيقة بكل شعب من
الشعوب.
ب) -المقارنة بين إجرام السالالت داخل الدولة الواحدة :
حيث أجريت عدة دراسات في هذا الشأن لمعرفة مدى إرتباط اإلجرام داخل المجتمع
بالسالالت المتنوعة الموجودة فيه ،حيث خلصت بعض هذه الدراسات في الواليات المتحدة األمريكية
إلى إختالف إجرام السالالت داخل المجتمع األمريكي ،كما وكيفا ،حيث يرتفع كم اإلجرام بالنظر إلى
المقبوض عليهم بالنسبة للزنوج والهنود والصينيين ثالث مرات عن معدل المقبوض عليهم بالنسبة
للبيض .
ومن حيث نوعية اإلجرام فقد دلت الدراسات على أن االمريكيين الزنوج يتميزون باإلقدام
على إرتكاب جرائم اإلعتداء على األشخاص والسطو المسلح واإلغتصاب ،بينما تكثر عند الهنود
جرائم السرقة والنصب والتزوير والقذف والسب ...
وفي فرنسا تثير الدراسات التي أجريت على إجرام مجموعات من األفراد النازحين من
شمال إفريقيا أن هؤالء يرتكبون غالبا جرائم القتل والجرح العمد وحيازة األسلحة والدعارة ومقاومة
رجال السلطة العامة بالعنف .
25
كما تسلم هاته الدراسات والنتائج من النقد أيضا ،حيث قد تكون لهاته الزيادة تفسيرات
أخرى غير الساللة ،كتحيز سلطات الدولة ضد الزنوج بما فيها جهاز العدالة كالميل إلى تشديد العقوبة
عليهم ونفاذها إذا كان المتهم زنجيا وإلى تخفيفها واإلستفادة من نظام وقف التنفيذ في حالة إذا كان
أبيضا .
-/ 2الرأي المنكر إلعتبار الساللة عامال من عوامل اإلجرام :
حيث يسود في الوقت الحالي اإلعتقاد بإنعدام الصلة بين الساللة أو العنصر العرقي وبين
ظاهرة اإلجرام حيث ال يمكن القطع بكون مجموعة عرقية معينة تتميز بنزوع إلى إرتكاب الجريمة
أكثر من غيرها ويبرر أصحاب هذا الرأي رأيهم بمايلي :
إن اإلحصاءات بمفردها ال تكفي إلعطاء صورة واقعية عن حقيقة ظاهرة اإلجرام وهذا
يرجع لعيوب أسلوب اإلحصاء في حد ذاته ،وكذا عالقة بعض الجماعات العرقية بجهاز العدالة
وباألخص برجال الشرطة مما يجعل هناك نوع من الحساسية والتوتر واإلنطباعات المسبقة بما
يجعلهم أكثر تعرضا للمالحقات البوليسية واكثر تعرضا للقبض عليهم وإدانتهم .
أنه ينبغي البحث في تفسير نزوع إحدى الجماعات العرقية لإلجرام في مجمل الظروف
اإلجتماعية واإلقتصادية وعوامل التكوين العضوي والنفسي اللصيقة بهذه الساللة أو تلك .
فقد يكون إلجرام هذه الطائفة العرقية صلة بضعف مستواهم اإلقتصادي وتعقد ظروفهم اإلجتماعية
وكذا تعرضهم للتفرقة العنصرية مما يولد لديهم شعورا عنيفا بالسخط والحقد يعبرون عنه بطريق
الجريمة فيما بينهم ،وكذا إلى عدم تكييفهم اإلجتماعي مع البيئة الجديدة التي إنتقلوا إليها ،فربما زاد
إجرام البيض لووضعوا في نفس الظروف التي يعيش في ظلها السود .
أنه اآلن من المتعذر تحديد الساللة أو العنصر العرقي الذي ينتمي إليه الفرد في ظل إختالط
األجناس والتزاوج فيما بينهم بما يطرح فكرة وحدة األصل اإلنساني ،ويصبح اإلختالف بعد ذلك راجع
إلى إختالف الظروف اإلجتماعية واإلقتصادية والسياسية وعوامل التكوين العضوي والنفسي لألفراد .
26
المطلب الخامس :المــــرض .
حيث قام علماء اإلجرام بدراسات وأبحاث عديدة لكشف حقيقة الصلة بين المرض
والجريمة ،خلصوا منها إلى وجود صلة وثيقة بين المرض وبين اإلقدام على الجريمة ،وهذا لما
للمرض من تأثير على نفسية المريض ،مما يجعله أكثر حساسية وإنفعاال ويحول دون تحقيق الكثير
من مطالب الحياة ،بما يجعل المرض أحد العوامل غير المباشرة لسلوك فريق اإلجرام ،وهذه
األمراض قد تكون بدنية وقد تكون عقلية أو نفسية .
-/1المرض البدني :الذي يصيب أحد أعضاء الجسم أو أحد أجهزته بالخلل وهي كثيرة ومتنوعة ،
وليس جميعها لها صلة بظاهرة اإلجرام أو أن تأثيرها على الشخصية والسلوك اإلجرامي تأثير واحد ،
كمرض السل والزهري اللذان يؤثران على الحالة النفسية ويصاب صاحبه باإلضطراب العصبي ،مما
يجعل تكييف المريض مع المجتمع أمرا صعبا خشية العدوى ،وكذا إصابات الرأس وإلتهابات األغشية
المخية ،بما يضعف السيطرة على الغرائز ال سيما الجنسية والميل إلى العنف وعدم إحترام اآلخرين ،
وكذا إضطراب الغدد بما يؤثر على أجهزة الجسم عن طريق الهرمونات التي يفرزها هذا اإلضطراب
في اإلفرازات يظهر أثره على بعض أجهزة الجسم وعلى شخصية اإلنسان وسلوكه ،بما قد يدفعه إلى
إرتكاب بعض الجرائم .
-/2المرض العقلي :حيث أفادت دراسات في مصحات عقلية أن %20من نزالئها سبق إدانتهم
في بعض الجرائم .
وخالصة القول أنه إذا كانت طبيعة العالقة بين المرض العقلي والجريمة فإنه مما ال شك فيه أن
المرض العقلي يؤثر على سلوك األفراد تأثيرا كبيرا أثناء المرض ،ومرد ذلك أن المرض العقلي يؤثر
في جانب اإلدراك والتفكير لدى المصاب به ،كما يؤثر في الجانب اإلرادي للشخصية ،هذا التأثير قد
يجعل المريض أكثر إستعدادا إلرتكاب األفعال اإلجرامية ،وهذا سواء كان مرض عقلي أو ما يعرف
بالجنون عاما أي مطبقا يتميز صاحبه بقلة اإلنتباه وإختالل الذاكرة ،مما يدفعه إلى الجريمة دون
مراعاة الغير ،وقد يكون جنونه دوريا أو متقطعا على صورة نوبات دورية فجائية ،قد يرتكب خاللها
الجريمة دون أن يدرك رد فعلها أو نتائجها القانونية .
27
-/3المرض العصبي :ويراد به نوع الخلل الذي يصيب الجهاز العصبي فيؤدي إلى إنحراف نشاطه
عن النحو الطبيعي ،وهي أمراض متعددة منها الهستيريا وهي إختالل يصيب الجهاز العصبي ينشأ
عنه إضطراب في عواطف المريض ورغباته وضعف في سيطرة إرادته على ما يصدر عنه من أفعال
وتصرفات وهو مرض منتشر بكثرة في وسط النساء ،قد يكون سببا إلرتكاب الكثير من جرائم القتل
العاطفية وسرقة المعروضات وجرائم البالغ الكاذب ،وكذا مرض الصرع الذي يفقد خالله المريض
وعيه ويتعرض لدوافع ال قدرة له على مقاومتها .
-/4المرض النفسي :ويقصد باألمراض النفسية أو الشذوذ النفسي ،الخلل الذي يصيب القوى
النفسية كالغرائز والعواطف ،يؤدي إلى إنحراف نشاطها إلى نحو غير طبيعي وبالتالي إرتكاب بعض
الجرائم ،كالحالة السيكوباتية أو المرض السيكوباتي والذي يتميز بخصائص منها .
-عجزه في التحكم في غرائزه :حيث يندفع بكل قوة إلى إشباعها إذا شعر بالحاجة إلشباعها .
-تميزه بسلوك إجتماعي منحرف :حيث غالبا ما يرتكب أعماال عدائية للمجتمع كالكذب
والغش وخلف الوعد وال يعبأ بالمسؤولية .
-فشله في التجاوب الوظيفي :حيث تتميز أفعاله بالخطأ دون أن يتعلم من أخطائه شيئا مما
يجعل وقوعه في الجريمة متكررا .
ومن صور السيكوبانية ،السيكوباتية الجنسية والتي تعني خلال في الغريزة الجنسية يؤدي إلنحراف
نشاطها الطبيعي ،لذا يتصف المصاب بهذا المرض بالشذوذ الجنسي ويرتكب جرائم العرض والجرائم
المتحلة باآلداب دون أن يبالي بالتعارض بين إشباع غريزته على النحو الذي يريد وبين القيم واآلداب
والتقاليد .
وكخالصة فإنه وإن كان للمرض أثر على إنتاج السلوك اإلجرامي فإنه ليس بشكل عام ومتالزم ،حيث
أنه وغن ثبت أن بعض من إرتكبوا جرائم كانوا يعانون بالفعل من خلل عقلي أو من إضطراب نفسي
فإن تعميم القول بعالقة هذا الخلل أو ذاك اإلضطراب بظاهرة اإلجرام هو تأكيد ال يخلوا من مخاطرة ،
مما يجب عدم حمله مجمل الحقيقة العلمية الكابتة .
28
المطلب السادس :اإلدمان على السكر وعلى المخدرات .
لتفشي ظاهرة اإلدمان على الكحوليات والمخدرات داللة حضارية وإجتماعية وإقتصادية ،
فمن حيث داللتها الحضارية فاإلدمان يعكس صورة العصر المتقلب الذي طغت فيه النزعة المادية على
القيم الروحية ،حيث أضحت المخدرات والكحوليات وسيلة الفرار المؤقت من الواقع المعاش جراء
ضعف القيم الروحية وطغيان المادة التي خلقت اإلنسان الضعيف اإلرادة الشديد القلق الكثير التوتر .
ومن حيث داللتها اإلجتماعية فاإلدمان عليها مقدمة للبطالة والتشرد وإهمال الفرد
لمسؤولياته وواجباته العائلية .
أما الداللة اإلقتصادية فمتعددة الجوانب حيث صارت هاته الظاهرة أحد أشكال النشاط
اإلقتصادي الدولي ،حيث بلغت في إحصائية حجم تجارة المخدرات العالمية بنحو 300مليون دوالر
سنويا أي ما يعادل %9من حجم التجارة العالمية ،إضافة إلى هذا تعد هاته الظاهرة أحد عوامل الفقد
اإلقتصادي سواء فيما تعلق بفقد إنتاج طائفة المدخنين أنفسهم ومصاريف عالجهم . . .إلخ .
-1الصلة المباشرة بين إدمان المخدرات والكحوليات وظاهرة اإلجرام :
مما يتفق عليه الباحثون على ان المواد المخدرة كالكوكايين والمورفين والحشيش تسبب
إضطرابات نفسية وعضوية للفرد المدمن ،وبالتالي يمكن أن تؤدي بصاحبها إلى إرتكاب أفعال
إجرامية من طبيعة عرضية ،لما يتمتع به المدمن عليها ومتعاطيها بالضعف وباإلصابة بالخلل ويرتفع
ميلهم إلى تعاطيها بكميات كبيرة ،بما يدفعهم إلى ضمان وتوفير إحتياجاتهم اليومية بكافة السبل ،
كإرتكاب جرائم السرقة لدى الرجال أو اإلقدام على السرقة أو البغاء لدى النساء المدمنات .
وبهذا تبدوا الصلة المباشرة بين إدمان المخدرات واإلجرام وذلك من خالل زيادة عدد
الجرائم بسب عملية تعاطي المخدرات في حد ذاتها واإلتجار فيها .
كما ان الثابت ان الخمر أيضا تؤثر تأثيرا عميقا على شخصية متناولها خالل فترة سكره
حيث من شأنها أن تؤدي إلى إنحراف الوعي وإختالل التمييز الذي يؤدي بصاحبها إلى توهمه أسبا
باإلرتكاب الجريمة غير واقعية وال حقيقة ،إلى جانب أن السكر له األثر الواضح على اإلرادة حيث
تضعف أمام دوافع الجريمة ،وتتسم كذلك باإلندفاع واإلهتياج فتحمل السكران إلى إرتكاب جرائم ليس
لها ما يبررها في الدوافع .
29
كما أن للسكر صلة مباشرة بإرتكاب أنواع معينة من الجرائم .
-كالقتل والجرح العمد :يرى البعض أن مابين %50و %75منها مرده عامل السكر .
-الجرائم الجنسية :من % 40إلى %45بسبب السكر .
-جرائم القتل واإلصابة الناشئة عن حوادث الطرق فردوا مرجع %45إلى %50منها
إلى عامل السكر .
- 2الصلة غير المباشرة بين إدمان المخدرات والكحوليات وظاهرة اإلجرام :
-من الناحية اإلقتصادية :جراء اإلدمان فإن المدمن ينفق معظم دخله على الخمر والمخدرات
مما يؤثر على نفقاته ومطالب أسرته ،مما قد يجره إلى اإلنزالق في مهاوي الجريمة لتحقيق
ما ينفقه على إحتياجاته .
كما أن المدمن غالبا ما يتعرض لفقد عمله مما يعرضه للبطالة التي توقعه في مشاكل
إقتصادية كثيرة له وألسرته ،إضافة إلى أن ظاهرة اإلدمان تمثل مشكلة على مستوى الدخل القومي
بفقدان الدولة والمجتمع جزءا من القوة البشرية المنتجة في المجتمع ،إضافة إلى ما تتحمله الدولة
من نفقات لعالج المدمنين ولمحاولة مساعدتهم على اإلقالع عنها عن طريق المصحات المعدة لذلك .
-من الناحية اإلجتماعية :لإلدمان غالبا وباألخص حينما يصل إلى مرحلة متقدمة عواقب
وخيمة على قدرة المدمن على الوفاء بإلتزاماته العائلية ،بل قد يجر أفراد عائلته إلى اإلدمان ويهيء
لهم أسباب اإلنحراف .
-من ناحية تأثير اإلدمان على الخلف :حيث غالبا ما يرث أبناء المدمن الميل إلى تعاطي
الخمر والمخدر مما يخضعهم إلى العوامل المؤدية للجريمة ذاتها ،إضافة إلى أنه قد يجيء أبناء
المدمن مصابين بخلل عقلي أو ضعف بدني ،لما لعامل اإلدمان من آثار سلبية على الجانب العضوي
للمدن .
31
تفسير صلة المناخ بالجريمة :
بعد هذه النتائج أهتم الباحثون بمحاولة تفسير زيادة جرائم العنف في فصل الصيف وإرتفاع
جرائم األموال في فصل الشتاء ،فظهرت تفسيرات كثيرات ،يمكن ردها إلى ثالث نظريات رئيسية هي
نظرية التفسير الطبيعي ،ونظرية التفسير اإلجتماعي ونظرية التفسير الوظيفي ـ النفسي .
أ) -نظرية التفسير الطبيعي :فعلى حسب هاته النظرية فإن إرتفاع نسبة جرائم اإلعتداء على
األشخاص والعرض في فصل الصيف يرجع لتأثير إرتفاع درجة الحرارة على جسم اإلنسان ،حيث أن
من شأن الحرارة الشديدة أن تزيد من حيوية أجهزة اإلنسان وأن تنشط قواه الجنسية وتؤثر في حدة
فراجه مما يدفع الشخص إلى إرتكاب هذه النوعية من الجرائم .
أما إرتفاع نسبة جرائم االموال وال سيما السرقة في فصل الشتاء فمرده طول ساعات الليل
أي إمتداد فترة الظالم لفترة أطول مما يشجع على إرتكاب جرائم السرقة .
ب) -نظرية التفسير اإلجتماعي :وال تربط هاته النظرية بين الجريمة والمناخ في ذاته ،وإنما
تربط الجريمة بالنتائج واآلثار اإلجتماعية واإلقتصادية التي تنتج عن ظاهرة المناخ ،حيث مثال في
فصل الصيف إرتفاع نسبة جرائم العنف يرجع لكثرة إتصال األفراد بعضهم ببعض وخروجهم إلى
االماكن المفتوحة بما يهيء فرص النزاع واإلحتكاك جراء تضارب الرغبات والمصالح .
أما فيما يتعلق بإزدياد جرائم األموال في فصل الشتاء فمبعثه بحسب هاته النظرية إزدياد
إحتياجات اإلنسان في هذا الفصل من االكل والملبس والتدفئة فيظطر إلى إشباعها عن طريق السرقة
مثال كما يرتبط فصل الشتاء احيانا ببطالة موسمية قد تحمل الفرد الذي فقد عمله إلى البحث عن مورد
مالي من خالل إرتكاب جرائم األموال .
ج) -نظرية التفسير الوظيفي ـ النفسي :وقد تصدىأصحاب هاته النظرية بالخصوص إلى
تفسير إنتشار جرائم الى آداب كاإلغتصاب وهتك العرض في فصل الربيع حيث أن من الثابت أن تأثير
الغريزة الجنسية يزداد ويشتد لدى الفرد في شهور معينة ،تتوافق مع فصل الربيع ويظل هذا التأثير
في إزدياد طوال فصل الربيع ثم يأخذ في اإلنخفاض التدرجي بحلول فصل الصيف .
32
ونخلص مما تقدم أن صلة المناخ بظاهرة اإلجرام صلة واضحة لكن ال تعني أنها صلة
سببية مباشرة في كل األحوال ،بل أنها في الغالب األعم من الحاالت صلة غير مباشرة ،مما يدعوا
إلى تقسير تكاملي للصلة بين الظروف المناخية الجوية واإلجرام من خالل الجمع بين النظريات
التفسيرية الثاللث .
المطلب الثاني :العوامل الحضرية .
حيث عني علماء اإلجرام بدراسة ظاهرة اإلجرام في المدينة ومقارنتها باإلجرام في القرية
وهذا منذ زمن طويل ،يرجع إلى القرن ، 19حيث أثبتت الدراسات واإلحصاءات إلى إرتفاع نسبة
الجرائم في المدن عنها في األرياف والقرى ،قد تصل إلى نسبة الضعف ،وفي المدن الكبرى عنه في
المدن الصغرى وهذا كما ونوعا .
وترجع األسباب المفسرة لظاهرة إرتفاع نسبة الجريمة في المدن عن القرى واألرياف إلى
جملة منها :
* -تعدد مشاكل كل الحياة في المدينة جراء الكثرة السكانية التي ينتج عنها زيادة الحاجات
والرغبات المؤدية إلى تعارض مصالح األفراد فيما بينهما عند إشباعها لهاته الرغبات .
* -ضعف الروابط اإلجتماعية والتفكك اإلجتماعي واألسري في مجتمع المدينة عنه في مجتمع
الريف والقرية .
* -كثرة أسباب اإلنحراف في المدن كأماكن اللهو والتسلية وكثرة المنحرفين خلقيا وتبويا في
مجتمع المدينة عكس حياة الريف الذي يتميز بنوع من التماسك األسري وسهولة الحياة
وقلة عدد السكان .
* -طبيعة الحياة في القرية وتقاليد المجتمع الريفي حيث أن الطبيعة السهلة للحياة في الريف
والتقاليد الطبيعية للمجتمع القروي تقلل نسبة اإلجرام فيه .
غير انه مما يالحظ أن التحوالت الكبيرة التي مست الحياة الريفية بكافة جوانبها وإنتقال ثقافة المدينة
إلى القرية بسبب تأثير وسائل اإلعالم المسموعة والمرئية وزوال الحواجز القديمة بين المدينة
والقرية في أغلب الدول مما نتج عنه تقارب في ظروف الحياة ،كل هذا كان له تأثير على التوزيع
التقليدي لنوعيات الجرائم بين الريف والحضر ،بحيث لم يعد ممكنا الكالم في الوقت الحاضر عن
33
ائم ريفية بحتة أو عن جرائم تخص المدينة دون الريف حيث لم تعد جريمة السرقة مثال قاصرة في
الريف على سرقة المحصوالت الزراعية والمواشي بل إمتدت إلى عامة األموال الموجودة فيه .
المطلب الثالث :العوامل اإلجتماعية .
وتتضمن العوامل اإلجتماعية الوسط اإلجتماعي المحيط بالفرد منذ ميالده وحتى لحظة
إرتكاب الجريمة كالبيئة األسرية والمدرسة ومجتمع العمل واألصدقاء .
-/1مجتمع المدرسة :حيث يعد أول مجتمع أجنبي يخرج إليه الطفل بعد الفترة التي قضاها مع
أسرته ،وهي تعد بيئة عرضية للطفل تنتهي بإنتهاء سنوات الدراسة وإما بالفشل حيث يتعداها
إلى بيئة أخرى عرضية في مجتمع التدريب المهني .
واألصل في مجتمع المدرسة أنه ال يعد في حد ذاته من عوامل اإلجرام بل على العكس يؤدي وظيفة
تعليمية وتربوية وتطبيقية إلى جانب دور مجتمع األسرة .
غير أن غياب الدور الطبيعي للمدرسة يمكن أن يكون من عوامل اإلنحراف للصغير
بإجرامه ،كما أن للفشل في الدراسة آثاره الخطيرة على نفسية الطفل وسلوكه مما يعني عدم تكيفه
مع مجتمع المدرسة ،مما يدفعه إلى محاولة الهروب منه بما يعني قضاؤه للوقت الواجب أن يقضى
داخل المدرسة وخارجها في الشوارع مع مجموعة أصدقاء السوء ،فيكتسب منها عوامل اإلنحراف
واإلجرام ،هذا وإذا إقترن الفشل الدراسي بإخفاق الطفل في تعلم حرفة معينة ،بما يعني إنعدام
الموارد حالية لديه وإصابته باليأس واإلحباط والتمرد على النظام اإلجتماعي ،لذا يتعود منذ البداية
على الحياة على هامش قواعد الضبط اإلجتماعي ،كما يحاول التملص من األنماط المعتادة للسلوك
السوي .
وحتى في مجتمع التدريب المهني الذي قد يدخله الحدث بعد فشله الدراسي والذي يختلف
عن مجتمع األسرة والمدرسة ،من حيث غياب الدور التهذيبي التربوي في هذه المرحلة ،إذ قد ينجر
إلى عالم اإلجرام كجرائم السرقة من مكان التدريب أو من الزمالء جراء عدم كفاية منحة التدريب ،
كما قد ينجر إلى التدخين تحت عوامل التقليد مما قد يهوي به إلى تعاطي المواد المخدرة .
-/2مجتمع العمل :يرتبط مجتمع العمل بمجال اإلجرام من ناحيتين ،من ناحية أثره على حجم
اإلجرام ،ومن ناحية صلته بنوع اإلجرام .
34
أ) -تأثير العمل على اإلجرام :
للعمل أثر كبير في حياة اإلنسان إذ به يشبع أغلب رغباته األساسية بإعتباره مصدر
الدخل ،كما يحدد المركز اإلقتصادي للشخص وبالتالي وجود العمل المالئم يحمي الفرد من التأثير
اإلجرامي الناشئ عن عوامل كثيرة مثل الفقر والبطالة والمسكن غير الالئق ،والتي تزول بوجود
عمل مالئم ،كما أن غيابه يؤثر سلبا على عملية التاهيل اإلجتماعي للمحكوم عليه بعقوبة سالبة
للحرية ،إذ يعد غياب العمل أحد أهم األسباب الرئيسية التي تدفع إلى طريقة اإلجرام .
غير أن العمل قد يدفع إلى بعض صور السلوك اإلجرامي جراء اإلتصال الدائم بزمالء
المهنة على إختالف إتجاهاتهم وما يثير هذا من مشاكل ،بين العامل ورب العمل التي قد تنجر إلى
اإلعتداء ،وكذا عالقته بجمهور المتعاملين بحكم وظيفته قد تكون سببا في وقوع بعض الجرائم
كجرائم الرشوة وتزوير المستندات مثال .
ب) -الصلة بين العمل ونوع اإلجرام :
إلى جانب أثر العمل على كم اإلجرام فقد تكون بيئة العمل سببا في توجه الفرد إلى نماذج
معينة من الجرائم ،إذ قد تؤثر على نفسية الفرد بما يؤثر في تكوين شخصيته اإلجرامية .
إذ أن الموظف العام الذي يمارس إختصاصات معينة قد يغريه ذلك بإساءة إستغالل وظيفته
في تحقيق الكسب غير المشروع كالرشوة واإلختالس كالقائم على شؤون مالية أو ممتلكات الدولة أو
األفراد ،أو قد يسيء الصيدلي إستعمال خبرته التقنية في تسهيل تعاطي المواد المنحدرة ،أو إقدام
الطبيب على إرتكاب جرائم اإلجهاض أو هتك أعراض المرضى ،وكذا العمال داخل المصنع إذ قد تتأثر
نفسيتهم ببيئة المصنع بشكل قد يساعد في تكوين شخصيتهم اإلجرامية ،بل وحتى في وسط رجال
األعمال ،حيث المراد الكسب وسهولة الحياة بما يؤثر على نوع إجرامهم كجرائم التهرب الضريبي
وأغلب صور اإلجرام اإلقتصادي والمالي .
غير أنه ومع هذا فإن الصلة بين المهنة ونوع اإلجرام ليست صلة مباشرة إذ ليست المهنة
في ذاتها هي التي تدفع الشخص إلى نوع معين من الجرائم وإنما هناك عوامل تدفع صاحب المهنة إلى
اإلنحراف ،ويكون ذلك بمثابة تعبير عن جوانب خلل في شخصية صاحب المهنة وإنما المهنة كذلك
العقبات التي تعترض إرتكاب الجريمة ،وبهذا يمكن تفسير ميل صاحب المهنة إلى نوع اإلجرام الذي
تتيحه مهنته أو تسهل له اإلقدام عليه .
35
-/3مجتمع األصدقاء :وهو البيئة المختارة للشخص إلى حد كبير خصوصا بالنسبة للشخص
البالغ ،إذ يلجأ عادة إلى أصدقاء يتفقون معه في الميول واإلتجاهات ،ويتوقف تأثير األصدقاء في
شخصية الفرد على نوع هؤالء األصدقاء وميولهم ،فمنهم الجليس الصالح ومنهم الجليس السوء ،
فيمكن ان يكون لجماعة األصدقاء دورا تهذيبيا على الفرد إذ كانت جماعة تحزم القانون وتلتزم بأنماط
السلوك اإلجتماعي ،كما يمكن أن تكون عامال سيئا يساعد على اإلنحراف واإلجرام إذا كانت جماعة
تحبذ التمرد والثورة على أنماط السلوك اإلجتماعي وقواعد اإلنضباط وإحترام القانون .
غير أن تأثير الجماعة على سلوك الفرد قد ال يكون منفردا إذ قد تتضافر معه عوامل أخرى
كسوء معاملة األسرة أو فقرها أو تقتيرها بحرمانه من الضروريات ،كما للفشل الدراسي دوره في
إنضباط الحدث إلى عصبة األصدقاء التي غالبا تكون في مثل ظروفه إذ تقربهم من اإلجرام ،مما يجعل
للعناية بأوقات الفراغ لدى الشباب في ممارسة انشطة ثقافية أو رياضية أو تنمية قدراتهم الذهنية بما
يعمل على تعودهم على الحياة الجماعية المشتركة بما تفرضه من اإللتزام بقواعد السلوك اإلجتماعي
وإحترام القانون ،يجعل لكل هذا اهمية كبرى في رقابتهم وحمايتهم من اإلنحراف إلى اإلجرام .
-/4مجتمع السجن :يعتبر مجتمع السجن بيئة عرضية خاصة ،الهدف منها إصالح المحكوم
عليه وتأهيله للحياة اإلجتماعية بما يحول دون عودته إلى اإلجرام مرة ثانية وهذا إذا نجحت المعاملة
العقابية أثناء فترة سلب الحرية .
غير أن السجن قد يكون عامال في تكوين وتطوير الشخصية اإلجرامية للمحكوم عليه ،كما
ذهب إليه بعض الباحثين كمشكلة العقوبات السالبة للحرية قصيرة المدة إذ ال تؤدي إلى وظيفة العقوبة
السالبة للحرية في تهذيب سلوك المجرم بما يجعلها عامال من عوامل العود إلى الجريمة ،في حين
رفض بعض الباحثين هذه الفكرة إذ ليس من المعقول التنازل عن العقوبة السالبة الحرية عموما
قصيرة أو طويلة بحجة أنها من عوامل زيادة نسبة العود إلى الجريمة .
غير أنه ومهما إختلف في أثر العقوبة السالبة للحرية في العود إلى الجريمة فإنه ال ينبغي
التوقف عن العقوبة السالبة للحرية في ذاتها للقول بأنها من عوامل اإلجرام إذ البد من التركيز على
أسلوب تنفيذ هذه العقوبة إذ أن المعاملة العقابية أثناء فترة سلب الحرية هي التي تحدد في الغالب
إتجاه المحكوم عليه بعد اإلفراج عنه إذ قد يترتب على تلك المعاملة إنتزاع عوامل اإلجرام تماما
36
وبالتالي يكون السجن عامال لمكافحة اإلجرام غير ان فشل المعاملة العقابية المتبعة قد يكون بالفعل
سببا في زيادة عوامل اإلنحراف في شخصية المحكوم عليه ،وكذا يختلف حسب تطور الدول وعنايتها
بالسجون .
وكخالصة ليس السجن وحده هو الذي يمكن أن يكون عامال من عوامل اإلجرام فاإلجراءات السابقة
للسجن وتنفيذ العقوبة يمكن ان تكون لها تأثير بالغ على سلوكه في المستقبل ،فحتى في حالة تبرت
براءته فإجراءات القبض واإلستيقاف والحبس اإلحتياطي مرورا بالتحقيق والمحاكمة من شأنها أن
تؤثر إيجابا أو سلبا على شخصية المتهم إذا ماتمت بطريقة سليمة أو أسيء إستخدام هذه اإلجراءات ،
إذ من شأنها أن تخلق نزعة إجرامية لم تكن موجودة من قبل أو تقوي من عوامل اإلنحراف في
شخصية المتهم وتدفعه إلى جريمة لم يكن من المحتمل أن يقدم عليها لو لم يتعرض لتلك اإلجراءات .
ومن هذا تتضح خطورة اإلجراءات الجنائية من حيث أثرها على نفسية وشخصية المتهم
أثنائها ،إذ من الممكن أن تكون عامال من عوامل اإلصالح والتهذيب كما يمكن أن تتحول على خالف
مراد المشرع منها إلى عامل من عوامل اإلجرام .
المطلب الرابع :العوامل اإلقتصادية .
يتجه أغلب الباحثين في علم اإلجرام إلى جعل العوامل اإلقتصادية من بين أهم العوامل
التي قد تدفع إلى إرتكاب الجريمة ،غير أنها ال تنفرد بذلك ،إذ ال يمكن تفسير الظاهرة اإلجرامية من
خاللها فقط دون بقية العوامل األخرى التي تتضافر فيما بينها إلنتاج السلوك اإلجرامي .
هذا وال يقتصر دور العوامل اإلجرامية في نطاق جرائم األموال فحسب ،وإنما تكمن أيضا
خلف جرائم كثيرة مثل جرائم اإلعتداء على األشخاص وعلى االعراض والجرائم اإلقتصادية والجرائم
المضرة بالمصلحة العمومية .
فصحيح أن الفقر والحاجة قد يدفع إلى كثير من جرائم األموال ،غير أنه ليست كل جرائم اإلعتداء
على األموال جرائم حاجة ،فهناك طائفة من هذه الجرائم تفسرها رغبة األفراد في تحقيق مزيد من
الرخاء والثراء المادي والرفاهية وليس الحاجة والفقر ،حيث لوحظ خالل الحرب العالمية األولى
إرتفاع نسبة اإلجرام في ألمانيا بعد أن ألتحق الكثير من الشباب بالمصانع الحربية التي كانت تمنح
أجورا عالية وكذا جرائم العرض فالعجز اإلقتصادي والمادي لألفراد قد يضطرهم إلى العيش في
37
مساكن واحدة مستاجرة ،مما يؤدي إلى فرص اإلختالط بين أفراد المسكن الواحد الذي يفض إلى هذا
النوع من الجرائم األخالقية ،إضافة إلى أن الفقر قد يلجأ بالنساء إلى المتاجرة باعراضهن لتحقيق
عائدات مالية لتلبية إحتياجاتهن ،وأيضا الجرائم اإلقتصادية والمالية أي الجرائم الواقعة ضد السياسة
اإلقتصادية العامة للدولة كالتهرب الضريبي مثال وغيرها قد تدفع إليها قسوة األعباء الضريبية
المفروضة على األفراد ،وبهذا تبدوا الصلة الواضحة بين المال وبين الجريمة عموما .
-تقسيم العوامل اإلقتصادية :
يقسم علماء اإلجرام العوامل اإلقتصادية إلى عوامل إقتصادية ذات طابع تؤثر في المجتمع
ككل وعوامل ذات طابع خاص يتأثر بها كل فرد على حدى .
-/1العوامل اإلقتصادية العامة :
ويقصد بها العوامل التي يتأثر بها المجتمع بأسره ،وعموما يمكن السؤال :أن نسبة اإلجرام تتأثر
بعاملين هامين هما :
أ) -التحوالت اإلقتصادية :ويقصد بها ما يطرأ على التنظيم اإلقتصادي للمجتمع من تطور وتغير ،
وقد عرفت المجتمعات البشرية على مدى التاريخ صورا عديدة لهذا التحول اإلقتصادي كإنتقال
المجتمع من النظام اإلقطاعي إلى النظام الرأسمالي ،والتحول الذي طال بعض المجتمعات من النظام
الرأسمالي إلى النظام اإلشتراكي أو النظام الرأسمالي التدخلي ،وتحول مجتمعات كثيرة من نظام
اإلقتصاد الزراعي إلى نظام اإلقتصاد الصناعي جراء الثورة الصناعية التي عرفتها أوروبا في القرن
التاسع عشر ،وتطور صور التبادل التجاري وبروز المشروعات التجارية الكبرى ،وتعقد أساليب
إدراتها ،سواء على المستوى الداخلي للدول أو على المستوى الدولي ،وقد أدت هذه التحوالت إلى
زيادة ملحوظة في نوعيات معينة من الجرائم كإختالس أموال هاته المشروعات واإلستيالء عليها
للحساب الخاص وكثرة جرائم التزوير في المقررات جراء تعقد المعامالت وتشعبها .
وكذا زيادة جرائم النصب على شركات التامين التي تلجأ إليها الشركات التجارية ،وكذا جرائم الغش
التجاري في المنتجات وجرائم الشيك ،إضافة إلى المنافسة غير المشروعة بوجه عام جراء حدة
المنافسة التجارية كجرائم النصب على المستهلك والدعاية الكاذبة ،إضافة إلى التهرب الجبائي
38
وعموما فإن هذه التحوالت اإلقتصادية كانت سببا في إرتفاع بعض الجرائم وسببا في تجريم أفعال
تمس بالنظام اإلقتصادي للدولة لم تكن مجرمة من قبل .
ب) -التقلبات اإلقتصادية :ويقصد بها تلك التغيرات الجزئية التي تطرأ على بعض الظواهر
اإلقتصادية في المجتمع وتتميز هذه التقلبات بسرعتها وعدم إستقرارها ،ومن أهم هذه التقلبات :
* -تقلبات األسعار :أي ما يطرأ على أسعار السلع والخدمات من إرتفاع أو إنخفاض وباألخص
على السلع والمواد الرئيسية كبعض المواد الغذائية والخدمات الجوهرية كالخدمات الطبية وتوفير
األدوية .
ويختلف أثر تقلبات األسعار في الظاهرة اإلجرامية بحسب ما إذا إرتفعت أو إنخفضت .
ففي حالة اإلرتفاع لألسعار يتعرض المجتمع بأسره ألزمة في إشباع حاجياتهم بطريق غير
مشروع مما يولد لديهم قلقا وتوترا نفسيا ويلتمسون سبيل الجريمة بمختلف صورها مما يؤدي إلى
إرتفاع نسبة اإلجرام في معظم الجرائم إرتفاعا ملحوظا .
وفي حالة إنخفاض األسعار يتمكن األفراد من إشباع حاجياتهم بالطرق المشروعة مما
يجعلهم يشعرون بإستقرار نفسي يبعدهم عن القلق والتوتر النفسي مما ينعكس على قلة اإلجرام إذ
يلجؤون في ظل هذا إلى حل مشاكلهم بالطرق السلمية والقانونية .
* -تقلبات الدخول :وهو ما يطرأ على الدخل الفردي من تغيرات سواء بالزيادة أو اإلنخفاض .
ففي حال إنخفاضه فالعالقة ثابتة بين إنخفاض الدخل وجرائم األموال ،إذ يوجد تناسب
عكسي بين الظاهرتين ،فإنخفاض الدخل يترتب عليه زيادة في جرائم المال ال سيما السرقة ،كما
يسبب هذا اإلنخفاض من ضائقة في إشباع الحاجات الضرورية ،مما يدفع الفرد إلى سلوك طريق غير
مشروع لتعويض هذا اإلنخفاض كجرائم السرقة والنصب وإصدار الشيك دون رصيد والرشوة
والعدوان على المال العام وغيرها .
غير أن التأثير اإلجرامي إلنخفاض الدخل يتوقف مداه على قدر الضمانات اإلجتماعية التي يكفلها
المجتمع ألفراده لحمايتهم من المخاطر اإلقتصادية اللصيقة بهذا اإلنخفاض ،فبقدر ما تزيد هذه
الضمانات يقل التأثير اإلجرامي إلنخفاض الدخل والعكس صحيح .
39
-/2العوامل اإلقتصادية الخاصة :
ويقصد بها تلك الظروف التي تحيط بكل فرد على حدة ،أو ما يطلق عليها البيئة اإلقتصادية
الخاصة ،أي ما يطرأ على الفرد من إضطراب إقتصادي يكون له أثره في ميله إلى اإلجرام ومن أهم
العوامل اإلقتصادية الخاصة ،الفقر والبطالة .
أوال -الفقـــــــر:
إختلف الباحثون حول تحديد المراد بالفقر ،وذلك كونه فكرة نسبية تختلف بإختالف
األشخاص وبإختالف الزمان والمكان ،غير أنه يمكن عموما تعريف الفقر وفق المفهوم الموضوعي
بأنه عجز موارد الفرد عن إستباع الحد األدنى من الحاجات الضرورية التي تحفظ له كرامة اإلنسان ،
مع هذا يبقى كذلك تعريفا نسبيا ألن الحد األدنى من الحاجات الضرورية كذلك ليس واحدا في كل
األزمان واألمكنة .
ويعد الفقر من بين العوامل المؤثرة في الظاهرة اإلجرامية ولكن ال يعد السبب الوحيد للجريمة ،وقد
عبر عن هذا العالم األمريكي << تافت >> Taftبقوله << :إذا كان أغلب المجرمين معوزين فإن
أغلب المعوزين ليسوا مجرمين >> .
فالصلة بين الفقر وبين الجرائم صلة قائمة وأهمها جرائم اإلعتداء على األموال ال سيما السرقة التي
يلجا إليها بعض األفراد لسد حاجاتهم وحاجات أفراد األسرة ،وكذا جرائم الرشوة والعدوان على المال
العام ،كما للفقر كذلك صلة بجرائم اإلعتداء على األشخاص جراء حالة اليأس الذي تنتابه بسبب حالة
الضيق المعيشي على نفسيته ،كما قد يؤثر الفقر على إرتكاب جرائم العرض إذ قد يدفع الزوجة إلى
اإلنحراف بصوره المتنوعة لسد حاجاتها وحاجات أوالدها ،كما له تأثير على األوالد إذ قد يحرمهم من
فرص التعليم والتهذيب مما يجعلهم يندمجون في أحضان رفقاء السوء وتتلقنهم العصابات اإلجرامية .
ثانيا :البطالــــــة :
ويقصد بها توقف اإلنسان عن العمل سواء ذلك نتيجة مرض بدني أو عقلي أو نفسي أو
جراء التقلبات اإلقتصادية التي ينتج عنها أحيانا تسريح بعض العمال من وظائفهم .
وقد أثبتت إحصاءات في بعض الدول في سنوات معينة أثبتت ان إرتفاع معدل البطالة
بنسبة %1أدى إلى إرتفاع ملحوظ في معدالت اإلنتحار وزيادة حاالت اإلصابة باألمراض العقلية
وإرتفاع نسبة المسجونين وكذا زيادة جرائم القتل .
40
فالبطالة تعد من األسباب الدافعة إلى جرائم العنف واإلعتداء على األموال وتعاطي المخدرات ولها
عالقة غير مباشرة بالجرائم األخالقية كالدعارة ،وهذا على شاكلة ما ذكرناه في عالقة الفقر بالجريمة
،إذ البطالة قد تورث الفقر الذي يدفع إلى جملة من الجرائم المتنوعة جراء فقد الفرد مورد رزقه
ومصدر دخله .
إضافة إلى ما يتركه الفراغ جراء البطالة من آثار نفسية على الفرد إذ يجعله سهل اإلثارة سريع
اإلندفاع إلى الجريمة .
41