You are on page 1of 8

‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬

‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬


‫تحليل نموذج مختار من الشعر اإلسالمي‪ :‬بردة كعب بن زهير في مدح‬
‫‪1‬‬
‫الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬واالعتذار إليه‪:‬‬
‫انطلق كعب وأخوه بُـ َجـي ٌْر يتبينان الدين الجديد‪ ،‬ولما اقتربا من المدينة‪،‬‬
‫فالقَ هذا الرج َل (يقصد الرسول ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬ ‫قال كعب لبجير‪ :‬اذهب ْ‬
‫) وانظر ما يقول‪ ،‬لكن بجيرا تأخر ولم يعد‪ ،‬ووصل كعبا أن أخاه قد أسلم‪،‬‬
‫فغضب لذلك غضبا شديدا‪ ،‬وبعث إليه بأبيات يلومه ويشتد في توبيخه‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫ــرا رسالــةً *** فو ْيحك فيما قُ ْلت و ْيحك ه ْل لكا‬ ‫أال بلغا عــنـي بُـجـ ْيـ ً‬
‫سا رويــةً *** فأ ْنهلك ا ْلمأ ْ ُمـــــونُ م ْنها وعلكا‬ ‫شر ْبت مع ا ْلمأ ْ ُمــون كأ ْ ً‬
‫سباب ا ْل ُهدى واتب ْعتـهُ *** على أي ش ْيء و ْيب غ ْيرك دلكا‬ ‫وخال ْفت أ ْ‬
‫على ُخلُــــق لم ت ُ ْلـــف أ ُ ًّما وال أبًا *** عليه ول ْم تُـــ ْدر ْك عليه أ ًخا لكا‬
‫ــرت لعًا لكا‬
‫ستُ بآسف *** وال قائــل إما عـث ْ‬ ‫فإ ْن أ ْنت ل ْم ت ْفع ْل فل ْ‬
‫يقصد بالمأمون هنا – النبي صلى هللا عليه وسلم – و"ويب" كلمة يراد بها‬
‫بجير إلى أخيه ردا على أبياته‪:‬‬ ‫ٌ‬ ‫الهالك‪ .‬ثم أرسل‬
‫م ْن ُم ْبل ٌغ ك ْعبًا فهـــــ ْل لك في التي *** تلُــــــو ُم عليها باطالً و ْهي أ ْحـــز ُم‬
‫سلـــــ ُم‬‫إلى هللا ال العُزى وال الالت وحده *** فتن ُجو إذا كان النجا ُء وت ْ‬
‫سل ُم‬ ‫لدى ي ْوم ال ي ْن ُجــو ول ْيس بـ ُم ْفلت *** من الناس إال طاه ُر الق ْلب ُم ْ‬
‫فدينُ ُزه ْيــــــــر و ْهو ال ش ْيء دينُهُ *** ودينُ أبي س ْلمى علي ُمـحـــــــــر ُم‬

‫قصيدة "بانت سعاد"‪:‬‬


‫وقف كعب بين يدي رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ممتدحا ومعتذرا‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫فجادت قريحته بأروع األبيات‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫س ْل َمى ْال ُمزَ ِني‪ ،‬من أهل نجد‪ ،‬وأحد فحول الشعراء المخضرمين‪ ،‬ينسب إلى ُمزَ ْينَةَ‪،‬‬
‫‪ - 1‬هو كعب بن زهير بن أبي ُ‬
‫إحدى القبائل المضرية‪ ،‬أمه كبشة بنت عمار بن عدي من غطفان‪ .‬ولد في الجاهلية ونشأ في غطفان قوم أمه‪،‬‬
‫شاعر الحكمة الكبير‪ ،‬نشأ في كنف أسرة يسري الشعر في عروقها فمكنه ذلك من أن يرث مجد أبيه‪ ،‬الذي تتلمذ‬
‫على يديه‪ ،‬وكان ينهاه عن قول الشعر خشية أن يأتي منه ال ال خير فيه‪ ،‬لكنه لم ينته‪ ،‬فامتحنه والده‪ ،‬فتأكد من‬
‫نبوغه ومقدرته‪ ،‬فسمح له باالنطالق فيه‪ ،‬فأصبح من المبرزين المقدمين‪( .‬توفي كعب نحو‪ ،644 /24‬وقيل‪:‬‬
‫‪26‬ه‪645/‬م‪ ،‬وقيل‪ .662 /42 :‬ينظر‪ :‬تاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان‪ ،162/1 :‬وتاريخ األدب العربي‬
‫س َّكري‪...8 :‬‬
‫للزيات‪ ،146 :‬وديوان الشاعر‪ ،25-13 :‬وشرح ديوانه لل ُّ‬
‫‪ - 2‬هذه رائعة الشاعر والصحابي (كعب بن زهير) في مدح رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ ،-‬فبعد أن طفق‬
‫كعب يجول في األرض يهجو المسلمين ويؤذيهم بشعره‪ ،‬ويشبب بنسائهم‪ ،‬وعلم الرسول الكريم ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ -‬بذلك أهدر دمه‪ ،‬فلم يبال كعب بذلك‪ ،‬ولم يقلع عن غيه‪ .‬ولما بلغه خبر مقتل المشركين وشعرائهم ‪-‬الذين‬
‫كانوا يتعرضون للمسلمين ويؤذونهم‪ -‬في حنين وثقيف‪ ،‬أدرك مدى خطورة الموقف‪ ،‬وقوة المسلمين وقائدهم‬
‫‪1‬‬
‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬
‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬
‫سعا ُد فق ْلبي الي ْوم متْبُـو ُل *** ُمتي ٌم إثْــــــــــــرها لم يُ ْفد م ْكبُــو ُل‬‫بانتْ ُ‬
‫ضيض الطرف م ْك ُحو ُل‬ ‫ُ‬ ‫سعا ُد غداة الب ْين إذ رحلـوا *** إال أغ ُّن غ‬ ‫وما ُ‬
‫طــو ُل‬ ‫شتكى قصـــــــ ٌر منها وال ُ‬ ‫ه ْيفا ُء ُمقبلةً ع ْجزا ُء ُم ْدبـــــــــرةً *** ال يُ ْ‬
‫كعادة الشعراء العرب استهل كعب قصيدته بمقدمة غزلية عفيفة‪ ،‬سمعها‬
‫رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وفي ذلك بيان جواز الشعر البعيد عن‬
‫المجون‪.‬‬
‫ويبتدأ كعب قصيدته بذكر المرأة‪ ،‬وما خلفه رحيلها عنه من ألم ولوعة‬
‫وشوق‪.‬‬
‫فما تـــــــ ُدو ُم على حال تكـــونُ بها *** كما تلونُ في أثْـــــوابها الغُــــــو ُل‬
‫ت ْجلُو عوارض ذي ظ ْلم إذا ابتسمتْ *** كأنهُ ُم ْنه ٌل بالـــــــــراح م ْعلُو ُل‬
‫كانتْ مواعي ُد ع ُْرقُـــــــوب لها مثالً *** وما مواعيـــــدُها إال األباطي ُل‬
‫تتمادى سعاد في هجرها وتنكرها له ‪ ،‬فكانت كعرقوب وهو رجل يضرب به‬
‫المثل في اإلخالف‬
‫بالوعود‪ .‬ويصل هذا المطلع إلى أربعة عشر بيتا إلى قوله ‪:‬‬
‫ق النجيباتُ ا ْلمراسي ُل‬ ‫سـعا ُد بأ ْرض ال يُبلغُها *** إال العتا ُ‬ ‫أمست ُ‬
‫وبعد هذا المطلَ ِع َينتقل الشاعر إلى وصف ناقته على عادة الشعراء القدامى؛ إذ‬
‫وطباعهن‪ ،‬ووصف‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وأجسامهن‬ ‫َّ‬
‫سيرهن‬ ‫لهم بالنوق شأن كبير في وصف‬
‫عليه أزكى الصالة والتسليم‪ ،‬فأظلمت الدنيا في وجهه‪ ،‬وعلم أنه مقتول ال محالة‪ ،‬وأثناء ذلك وصلته رسالة من‬
‫ع إليه‪ ،‬وإال فا ْن ُج بحياتك‬
‫أخيه بُ َجي ٍْر يخبره فيها أن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬ال يقتل من جاءه تائبا‪ ،‬فأ ْس ِر ْ‬
‫في األرض‪ .‬فرق قلب كعب‪ ،‬ووثق بعفو الصادق األمين‪ ،‬وقصد المدينة المنورة‪ ،‬ودخل إلى المسجد في صالة‬
‫الصبح‪ ،‬فتقدم إليه وقال‪ :‬يا رسول هللا‪ ،‬أنا رسول كعب بن زهير إليك‪ ،‬وإنه قد جاء تائبا معتذرا فهل أنت قابل‬
‫منه؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول هللا أنا كعب بن زهير‪ .‬وما أن سمع الحاضرون كعبا ينطق باسمه‪ ،‬حتى وثب‬
‫رجل من األنصار يريد قتله‪ ،‬فقال رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪(( :-‬دعه عنك‪ ،‬فإنه قد جاء تائبا نازعا عما‬
‫كان عليه))‪ .‬أسلم كعب‪ ،‬وفرح بالعفو الجميل من الرسول الكريم‪ ،‬وأنشد بين يديه قصيدة من أعظم ما ُمدح به‬
‫بشر‪ .‬ووهب له رسول هللا –صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بردته‪ ،‬فاشتراها منه معاوية بثالثين ألف درهم‪ ،‬وقال العتبي‪:‬‬
‫بعشرين ألف‪ .‬وتوارثها الخلفاء يلبسونها في الجمع واألعياد تبركا بها‪ .‬ولم يحظ شعر بما حظيت به قصيدة "بانت‬
‫سعاد"‪ ،‬حيث حظيت بفائق العناية‪ ،‬ووافر الرعاية شرحا ودراسة‪ ،‬وترجمت إلى عدة لغات‪ .‬وال عجب في ذلك؛‬
‫ف بسماع الرسول –صلى هللا عليه وسلم‪ -‬له‪ ،‬وألقي في مسجده وبحضرة أصحابه –‬ ‫فهي من الشعر الذي ش َُر َ‬
‫رضوان هللا عليهم‪ -‬وأحال عبدا من الخوف والغضب إلى الرحمة والعفو‪ ،‬وتلقاه أهل العلم بالقبول‪ ،‬على اختالف‬
‫الغزي (ت ‪534‬ه)‪( :‬ينظر حاشية على شرح (بانت سعاد)‬ ‫طبقاتهم واتجاهاتهم في التصنيف‪ .‬وهلل در أبي إسحاق ِ‬
‫البن هشام‪ ،‬للبغدادي‪:)18/1 :‬‬
‫سعا ُد) ذُنُـوب ك ْعــب *** وأعْلـــتْ ك ْعبــه في كُـــــــــل ناد‬
‫ُ‬ ‫محتْ (بانتْ ُ‬
‫ْ‬
‫وهي قصيدة المية تربو على ثمان وخمسين (‪ )58‬بيتا من بحر البسيط‪ .‬حفظتها مصادر األدب ما بين‬
‫زيادة ونقص وتبايُن في الرواية‪ .‬والقصيدة في تسع وخمسين بيتا في ديوان كعب‪ ،‬تحقيق علي فاعور‪ ،‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،‬الطبعة األولى‪1407 :‬ه‪1987 /‬م‪ ،‬ص‪ .60 :‬وانظر العمدة البن رشيق (‪،)24-22/1‬‬
‫والشعر والشعراء‪ 67 :‬وما بعدها‪ ،‬وطبقات الشعراء‪ ،32 :‬وجمهرة أشعار العرب للقرشي‪.48-47 :‬‬
‫‪2‬‬
‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬
‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬
‫غرضه وتحقيق‬ ‫ِ‬ ‫طعُها الناقة وصوال بذي الحا َجة إلى‬ ‫المفا ِوز والفلَوات التي تَق َ‬
‫الوصف على واحد وعشرينَ بيتا ِمنها قوله‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫شتمل هذا‬‫مراده‪ .‬ويَ ِ‬
‫ول ْن يُبلغها إال عُــذافـــــــــرةٌ *** فيها على األ ْيـن إ ْرقا ٌل وت ْبغيـــ ُل‬
‫كأن ما فات ع ْين ْيها وم ْذبـحها *** من خ ْطمها ومن الل ْحي ْين برطي ُل‬
‫وينتقل كعب بعد ذلك إلى وصف الناقة‪ ،‬وتلك ‪ -‬كما أشرنا ‪ -‬عادة عربية أصيلة‬
‫اتخذها الشعراء األقحاح كالفارس عنترة بن شداد‪ ،‬هذه الناقة اتخذت من‬
‫عذافرة أي صلبة عظيمة‪ ،‬تجوب الصحاري‬ ‫الصفات أجملها وأعظمها‪ ،‬فهي ُ‬
‫بكل قوة ونشاط‪ ،‬وال يثنيها عن ذلك أي حر أو شدة‪.‬‬
‫ـراب زهاليــــ ُل‬‫بان وأقــ ٌ‬ ‫يـ ْمشي القُرا ُد عل ْيها ثُم يـ ُ ْزلـقُهُ *** منها ل ٌ‬
‫يعني أن جلدها أملس لسمنه‪ ،‬فال تقف عليه الحشرات‪ ،‬وذلك تصوير غاية في‬
‫الدقة واإلبداع‪ .‬إلى قوله‪:‬‬
‫ق عن تـــــــــــراقيها رعابي ُل‬ ‫ت ْفري اللبان بكفيها وم ْدرعها *** ُمشق ٌ‬
‫ثم يمهد الشاعر للغرض الرئيس؛ وهو َمدح رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫حق رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قبل‬ ‫اقترفه في ِ‬
‫ذره عما َ‬ ‫ع ِ‬‫فيأ ُخذ في إبداء ُ‬
‫مهد لهذا العذر بأربعة أبيات هي قوله‪:‬‬ ‫أن يَد ُخل في اإلسالم‪ ،‬ويُ ِ‬
‫سلمى لمقتـــــو ُل‬ ‫تسعى الوشاةُ بـج ْنبيها وق ْولُـهـــ ُم *** إنك يا بن أبي ُ‬
‫وقال ك ُّل خليــل كنتُ آملُـــــه *** ال ألفينك إني عنك مشغــــو ُل‬
‫فقلتُ ‪ :‬خلُّوا سبيلي ال أبا ل ُكــ ُم *** فك ُّل ما قدر الرحمنُ مفعــــــو ُل‬
‫ُك ُّل ا ْبن أ ُ ْنثى وإ ْن طالتْ سالمتُهُ *** ي ْوما ً على آلة حــ ْدباء مـ ْح ُمـو ُل‬
‫بعد ذلك ينتقل إلى موضوع القصيدة الرئيس‪ ،‬فيعرب عن اعتذاره‪ ،‬موجها‬
‫الخطاب إلى رسول ال ُهدى ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بقوله‪:‬‬
‫سول هللا مأ ْ ُمــو ُل‬ ‫سـول هللا أ ْوعــــدني *** وا ْلع ْف ُو ع ْند ر ُ‬‫أ ُ ْنبئْـتُ أن ر ُ‬
‫ظ وت ْفصيــ ُل‬ ‫م ْه ًال هداك الذي أ ْعطاك نافلة ا ْلـ *** قُ ْرآن فيها مواعيـــ ٌ‬
‫ما أروعها من كلمات تقطر حكمة وبالغة‪ ،‬تأمل قول كعب بحقيقة اإلنسان في‬
‫هذه الدنيا الفانية‪ ،‬والتي تنتهي بكفن ونعش يحمل فيه على األكتاف ليشيع إلى‬
‫لحده‪ .‬وبأسلوب غاية في األدب والرقة‪ ،‬يعتذر إلى خير الخلق‪ ،‬وسيد العرب‬
‫والعجم‪ ،‬طالبا عفوه‪ ،‬آمال في منه وحلمه‪ ،‬فهو صاحب الرسالة الهادية‪،‬‬
‫والقرآن المنزل الشافي للصدور‪ .‬وقيل إن كعبا لما قال‪َ :‬وال َعفُ ُو ِعندَ َرسو ِل َ ِ‬
‫َللا‬
‫َمأمولُ‪ ،‬قال النبي الكريم ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪" :-‬العفو عند هللا مأمول"‪.‬‬
‫لقد أقــو ُم مقاما ً لـ ْو يـقُـــــــــو ُم بـه *** أرى وأسم ُع ما لو يسمــــــ ُع الفيـــ ُل‬
‫‪3‬‬
‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬
‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬
‫لظل يُـــ ْرعــ ُد إال أ ْن يكــــــون لـهُ *** من الرسول ‪ -‬بإذن َللا – تنويـــــ ُل‬
‫سبُــــــو ٌر ومســـــؤو ُل‬ ‫ب عنــــدي إذ أُكـلـ ُمــهُ *** وقيل‪ :‬إنك م ْ‬ ‫لذاك أ ْهي ُ‬
‫سد م ْخد ُرهُ *** بب ْطــن عـثــــر‪ ،‬غـيــ ٌل ُدونهُ غـيــ ُل‬ ‫من ض ْيغم من ضراء األ ُ ْ‬
‫في وصف بليغ يصور كعب شدة خوفه من وعيد رسول هللا ‪ -‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم ‪ ،-‬وبأن الفيل لعظمة جثته يرتعد من هيبة وعظمة النبي الكريم‪ ،‬لكن نفسه‬
‫ارتاحت وسكنت لما وضع يده بأطيب وأشرف يد‪ ،‬فنال عفو سيد الخلق‪.‬‬
‫سيوف َللا مسلو ُل‬ ‫ــور يُستـضا ُء به *** ُمهن ٌد من ُ‬ ‫إن الرسول لنــ ٌ‬
‫سلموا ُزولـوا‬ ‫عصْبة من قُريش قال قائلُ ُه ْم *** ببطن مكة لما أ ْ‬ ‫في ُ‬
‫ُف *** عند اللـقاء وال مي ٌل معازيـ ُل‬ ‫كاس وال ُكش ٌ‬ ‫زالوا فما زال أ ْن ٌ‬
‫ت‪ ،‬فهو ‪ -‬بحق ‪ -‬أجمل‬ ‫وأي نور يضيء بعد نور النبي الهادي‪ ،‬أَع ِ‬
‫ْظ ْم ِب ِه ِم ْن بَ ْي ٍ‬
‫بيت في قصيدة كعب‪.‬‬
‫داود في اله ْيجا سرابيـ ُل‬ ‫س ُهــــ ُم *** من نسج ُ‬ ‫ش ُّم العـــرانين أبطا ٌل لبــــــو ُ‬
‫ُ‬
‫ق القفعاء م ْجــــــــدو ُل‬ ‫ق *** كأنها حلـ ُ‬ ‫بيض سواب ُغ قد شُكت لها حلــــــ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ب إذا عرد الســـ ُو ُد التنابي ُل‬ ‫الز ْهر يعص ُم ُهم *** ض ْر ٌ‬ ‫يمشون مشي الجمال ُّ‬
‫مدح كعب المهاجرين بأحسن األوصاف وقيم النبل واألخالق‪ ،‬فهم الذين‬
‫هاجروا بدينهم وتحملوا ما تحملوا من مشقة وعناء‪ ،‬وهم األقوياء الشجعان‬
‫ذوي األصول الكريمة‪ ،‬والهيبة المنيعة‪ ،‬استحقوا شرف رفقة رسول هللا ‪-‬‬
‫صلى هللا عليه وسلم ‪ .-‬وقيل‪ :‬إن رسول هللا ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬قال له‪" :‬أال‬
‫ذكرت األنصار بخير؟ فإن األنصار لذلك أهل‪ .‬فخصص لهم كعب بعد ذلك‬
‫قصيدة يمدحهم فيها حيث يقول‪:‬‬
‫من سرهُ كر ُم الـحياة فال يــــزل *** في مقنب من صالحي األنصار‬
‫ـف من األمــــــطار‬ ‫ـــة أحال ُم ُهـــــم *** وأ ُكفُّهم خل ٌ‬ ‫تزنُ الجبال رزان ً‬
‫ذرع *** كصواقـل الـه ْنـــدي غير قصار‬ ‫الـ ُمكرهين الس ْمــــهــري بأ ُ‬
‫والناظــرين بأ ْعيُن ُمـ ْحمـــــــرة *** كالج ْمـر غيــــــر كـليلة اإلبصار‬
‫فلما فرغ كعب من إنشاد قصيدته‪ ،‬خلع النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بردته‬
‫الشريفة وأهداها لكعب‪ ،‬وهذا تكريم ما بعده تكريم‪ ،‬وهدية ليست ككل الهدايا‪،‬‬
‫ولهذا أطلق على هذه القصيدة اسم البردة‪.‬‬
‫ويتجلى اإلبداع في وحدات القصيدة لفظا لفظا‪ ،‬وتركيبا تركيبا‪ ،‬فلم‬
‫غرب‪ ،‬ولم َيتكلَّف‪ ،‬وإنما جاءت القصيدة نظما ُمتنا ِسقا‪ ،‬ك ُّل لفظة تليق بالمعنى‬ ‫يُ ِ‬

‫‪4‬‬
‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬
‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬
‫حمله البيت‪ ،‬وتُجسِده الصورة‪ .‬وال تخلو القصيدة من الجزالة التي‬ ‫الذي َي ِ‬
‫اشتهرت بها القصيدة العربية القديمة‪.‬‬
‫ومما يد ُّل على إبداع الشاعر كعب بن زهير في هذه الالمية الرائعة أن‬
‫شهرة والذيوع مبلغا كبيرا‪ ،‬وأصبحت نموذجا يُحتذى في‬ ‫القصيدة بلغَت من ال ُّ‬
‫المدح‪ ،‬وتوالها بالشرح والتحليل كثير من األدباء‪.‬‬
‫وآية اإلبداع واإلجادة في قصيدة كعب بن زهير‪ :‬حملها لمالمح جديدة لم‬
‫يكن الشعراء‬
‫َيمدحون بمثلها في الجاهلية؛ كحديثه ‪ -‬رضي هللا عنه ‪ -‬عن القرآن الكريم‪،‬‬
‫وعن هداية النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬للناس وتأييده ِمن ربه‪ .‬كما ضمنها ذلك‬
‫فوض األمور كلها إلى هللا وحده‪ ،‬وهذا محض‬ ‫المعنى اإلسالمي الرائع؛ حيث َّ‬
‫اإليمان بالدِين الجديد الذي آ َمن به‪ ،‬ويَتجلى هذا‬
‫المعنى في قوله‪:‬‬
‫فقُ ْلتُ ‪ :‬خلُّـــوا طريقي ال أبا ل ُك ُم *** ف ُك ُّل ما قدر الر ْحمنُ م ْفعُـو ُل‬
‫معان إسالميةٌ أبدعها كعب لـ َمن جاء بعده كقوله‪( :‬إن‬ ‫ٍ‬ ‫ويَتْبَ ُع ذلك المعنى‬
‫الرسول لنُور يُستضاء به)‪ .‬وكقوله‪:‬‬
‫ظ وتفصي ُل‬ ‫مهالً هداك الذي أعطاك نافلة الــ *** قرآن فيها مواعيـ ٌ‬
‫نهجه‪ ،‬وفي ذلك خدمة ُكبرى‬ ‫وبهذا فتَح كعب الباب لـ َمن جاء بعده ل َيسير على ِ‬
‫لإلسالم‪.‬‬
‫وتعد هذه القصيدة كنزا من الدرر النفيسة‪ ،‬فنحن أمام شاعر بدوي جاهلي‬
‫أبا عن جد‪ ،‬فُطم على الشعر كأبيه (زهير)‪ ،‬فإذا نظرنا إلى مقدمة القصيدة‪ ،‬فقد‬
‫التزم كعب بعادة الجاهليين في الوقوف على الديار وذكر المحبوبة‪ ،‬وكذلك‬
‫وصف الناقة ليصل إلى غرض القصيدة األساس؛ ففي المشهد األول يصف‬
‫سعاد غداة الرحيل بنغمة شجية وصورة شفافة على ما فيها من مادية جاهلية‬
‫واستطراد تشبيهي‪ ،‬فشبه سعاد بقوله‪:‬‬
‫ضيض الطرف م ْك ُحو ُل‬ ‫ُ‬ ‫سعا ُد غداة الب ْين إذ رحلـوا *** إال أغ ُّن غ‬ ‫وما ُ‬
‫فعجز البيت من باب التشبيه التخييلي‪ ،‬الذي ال يطرك بشيء من الحواس‬
‫الخمس الظاهرة‪،‬‬
‫ج في أصْل ا ْلجحيم (‪ )64‬ط ْلعُها‬ ‫كالذي وقع في قوله تعالى‪{ :‬إنها شجرةٌ ت ْخ ُر ُ‬
‫‪1‬‬

‫كأنهُ ُر ُء ُ‬
‫وس‬

‫‪ - 1‬سورة الصافات‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬
‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬
‫الشياطين (‪ .})65‬فتشبيه طلع شجرة الزقوم برؤوس الشياطين أمر غير معتاد‬
‫للعيان‪ .‬فالعرب تزعم أن الغول تتحول من شأن إلى شأن (بصورة إنسان أو‬
‫حيوان)‪ ،‬واألظهر أن العرب تسمي كل داهية غوال على التهويل والتعظيم؛‬
‫فالمشبه تلون سعاد في حال القرب والبعد‪ ،‬والمشبه به تلون الغول‪ ،‬ووجه‬
‫الشبه سرعة التلون وكثرة التنقل‪ ،‬والمشبه حسي من وجه‪ ،‬وعقلي من وجه‬
‫آخر‪ .‬وغرض هذا التشبيه راجع إلى المشبه‪ ،‬لبيان حاله‪ ،‬على سبيل التشبيه‬
‫المفرد‪ ،‬وهو كثير في القصيدة‪ .‬ثم يصل إلى غرض القصيدة؛ فيشبه رسول هللا‬
‫‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬بالسيف الحاد‪ ،‬واألسد المهاب‪ ،‬على سبيل التشبيه البليغ‪:‬‬
‫سيوف َللا مسلـو ُل‬ ‫نور يُستــضا ُء به *** ُمهن ٌد من ُ‬
‫إن الرسول ل ٌ‬
‫بر ُز مالمح اإلبداع في توفيق الشاعر إلى أسمى ما يُحبُّ أن‬ ‫في هذا البيت تَ ُ‬
‫يُمدح به النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪ -‬وهو النور الفائض على العالمين‪ ،‬أي‬
‫كسيف قاطع في دفع الباطل ودمغه‪ ،‬وفي االقتداء به‪ ،‬لما جاء بالنور المبين‬
‫والمعجزات الظاهرة‪ ،‬ودعا الناس إليه أتوا مهتدين بنوره‬
‫الساطع‪ ،‬ومؤتمين بضيائه الالمع‪.‬‬
‫وشبه نفسه كفيل عظيم ارتعد من هيبة الرسول الكريم ‪-‬صلى هللا عليه‬
‫وسلم‪ ،-‬فقال‪:‬‬
‫لقد أقو ُم مقاما ً لو يقـــــو ُم به *** أرى وأسم ُع ما لو يسم ُع الفيــــ ُل‬
‫ــــرع ُد إال أن يكون لهُ *** من الرسول ‪ -‬بإذن َللا ‪ -‬تنوي ُل‬ ‫لظل يُ ْ‬
‫ومن أمثلة التشبيه التمثيلي‪ ،‬الذي ينتزع فيه وجه الشبه من متعدد‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫تجلو عوارض ذي ظ ْلم إذا ا ْبتسمتْ *** كأنهُ ُم ْنه ٌل بالــراح معلو ُل‬
‫تشبيه يحتمل معاني كثيرة تنم عن سعة فكر الشاعر وقوة شاعريته؛ فشبه‬
‫بالمنهل في البياض‪،‬‬
‫وبالمعلول في الحمرة‪ ،‬إذ بياض ثغرها يضرب إلى الحمرة؛ وهذا تشبيه طرفاه‬
‫حسيان‪ ،‬والمشبه واحد‪ ،‬والمشبه به متعدد‪ ،‬والغرض من التشبيه راجع إلى‬
‫المشبه؛ إما لبيان حاله‪ ،‬وإما الستطرافه‪ ،‬على سبيل قوله ‪ -‬تعالى ‪{ 1:-‬مثلُ ُه ْم‬
‫ارا فلما أضاءتْ ما ح ْولهُ ذهب َللاُ بنُوره ْم وترك ُه ْم في‬ ‫ست ْوقد ن ً‬
‫كمثل الذي ا ْ‬
‫ظلُمات ال يُ ْبص ُرون (‪})17‬‬‫ُ‬
‫وقد أجاد كعب في وصف حال "سعاد" بطريق التشبيه المقلوب‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫كانت مواعي ُد ع ُْرقُـوب لها مثالً *** وما مواعيـدُها إال األباطيــ ُل‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬
‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬
‫ضرب كعب األمثال في قصيدته في ذكره لعرقوب‪ ،‬وهو رجل يضرب به‬
‫المثل في إخالف‬
‫الوعد‪ .‬وشطر البيت من باب التشبيه المقلوب؛ بقصد المبالغة في جعل الفرع‬
‫{ذلك بأن ُه ْم قالُوا‬ ‫أصال واألصل فرعا‪ ،‬على طريقة ما جاء في قوله ‪-‬تعالى‪َٰ 1:-‬‬
‫إنما ا ْلب ْي ُع مثْ ُل الربا ۗ وأحل َللاُ ا ْلب ْيع وحرم الربا ۚ فمن جاءهُ م ْوعظةٌ من ربه‬
‫اب النار ۖ ُه ْم فيها‬ ‫ولئك أصْح ُ‬ ‫فانتهى فلهُ ما سلف وأ ْم ُرهُ إلى َللا ۖ وم ْن عاد فأ ُ َٰ‬
‫َٰ‬
‫خالدُون (‪ .})275‬وغرض التشبيه في بيت الشاعر راجع إلى المشبه به؛ وهو‬
‫إيهام أنه أتَ ُّم من المشبه في وجه الشبه‪ ،‬الذي هو تحقيق الخلف من سعاد أكثر‬
‫من مرة‪.‬‬
‫وفي هذه الرائعة يتجلى اإلبداع في وحدات كل بيت يَحمل صورة‬
‫شعرية‪.‬‬
‫ومن أرفع الصفات والخالل أن يُثني على النبي ‪-‬صلى هللا عليه وسلم‪-‬‬
‫بالشجاعة والعفو عند المقدرة‪:‬‬
‫سـول هللا مأ ْ ُمـو ُل‬‫سـول هللا أ ْوعدني *** وا ْلع ْف ُو ع ْند ر ُ‬ ‫أ ُ ْنبئْتُ أن ر ُ‬
‫كما برع في وصف المهاجرين بامتداد القامة‪ ،‬وعظم الخلق‪ ،‬وبياض البشرة‪،‬‬
‫والرفق في المشي‪،‬‬
‫وذلك دليل الوقار‪:‬‬
‫سو ُد التنابي ُل‬ ‫ب إذا عرد ال ُّ‬ ‫الز ْهر ي ْعص ُم ُه ْم *** ض ْر ٌ‬
‫يمشون مشي الجمال ُ‬
‫كذلك يصفهم بالصبر والشدة في الحروب‪ ،‬وقلة اكتراثهم بأعدائهم‪ ،‬فهم إذا‬
‫غلبوا ال يجزعون‪.‬‬ ‫غَلبوا ال يفرحون‪ ،‬وإذا ُ‬
‫ال يفرحـون إذا نالت رما ُح ُهـ ُم *** قوما ً وليسوا مـجازيعا ً إذا نيـلُـوا‬
‫وتكثر بالقصيدة أنواع االستعارات‪ ،‬منها التصريحية في مثل قوله‪:‬‬
‫ت ْجلُو عوارض ذي ظ ْلم إذا ا ْبتسمتْ *** كأنهُ ُم ْنه ٌل بالــراح م ْعلُــــو ُل‬
‫يريد بقوله (معلول) الخمر المخلوط بها؛ إذ هو شبيه بالمسقي خمرا‪.‬‬
‫ومن أمثلة االستعارة المكنية قوله‪:‬‬
‫من ماء م ْحنيـــة *** صاف بأبطح أضحى و ْهو مشمو ُل‬ ‫شُجتْ بذي شبم ْ‬
‫أي خلطت بماء بارد‪ ،‬والعوارض ليست مما يمزج بشيء‪ ،‬لكنها تشبه الماء في‬
‫الصفاء‪ ،‬والماء مما يمزج‪ ،‬فادعى أنها ماء على طريق االستعارة المكنية‪،‬‬
‫لحذف المشبه به‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة البقرة‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫تحليل قصيدة‬ ‫األدب اإلسالمي بين النشأة والتأصيل‬
‫"بانت سعاد" لكعب بن زهير‬
‫أما اإليقاع الخارجي فقد اختار الشاعر بحر البسيط‪ ،1‬كشكل إيقاعي‬
‫استطاع احتواء‬
‫التجربة الشعرية ذات المعاني المختلفة‪ ،‬فباعتباره بحرا طويال‪ ،‬أتاح للشاعر‬
‫إمكانية إيجابية إليصال معاني معينة‪ ،‬ومنحه نفسا تركيبيا ودالليا لكي يشحن‬
‫تفاعيله بتجربة شعرية وشعورية معقدة‪ ،‬تتوزعها أغراض مختلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الغزل‪ ،‬والمدح‪ ،‬واالعتذار‪ ...‬واختار الروي (الالم)‪ ،‬وهو صوت أسناني‬
‫مجهور متوسط‪ ،‬يناسب يدل على طلب الرحمة‪ ،‬ويناسب نفسية الشاعر‪،‬‬
‫والقافية مطلقة (مضمومة) تفسح المجال إلشباع الصوت‪ ،‬مما يتماشى مع‬
‫األمل الكبير لدى كعب‪ .‬وحروف المد الصامتة قبلها التي تخرج من جوف‬
‫الصدر وتنتهي إلى هواء الفم‪ ،‬لتنقل ما يعالجه الشاعر من خوف ورهبة‪،‬‬
‫ممتزجين ببعد أمل في العفو والصفح‪.‬‬
‫هذا فضال عن اإليقاع الداخلي المتمثل في التكرار بأنواعه‪ :‬الحرفي‬
‫والكلمي‪ ،‬والجناس‪...‬‬
‫ومهما اجتهدنا في تحليل وشرح قصيدة "بانت سعاد" فلن نوفيها حقها‪،‬‬
‫وقد خصت أعظم خلق هللا سيدنا محمد عليه الصالة والسالم‪ ،‬قصيدة لخص‬
‫فيها كعب بن زهير ببراعة منقطعة النظير‪ ،‬وأسلوب بياني بالغ في التقدير ‪-‬‬
‫لخص ‪ -‬قصة قدومه لطلب عفو سيد الخلق حتى تم له ذلك‪ ،‬فانتهت هذه القصة‬
‫بتشريف عظيم فخلع عليه بردته الشريفة‪ ،‬فكانت قصيدة البردة بانت سعاد‪:‬‬
‫أعظم قصيدة في مدح خير خلق هللا‪ ،‬وعنوانا بارزا في ديوان الشعر العربي‬
‫العريق‪.‬‬

‫ط‪ :‬سمي بسيطا النبساط أسبابه؛ أي تواليها في مستهل تفعيالته السباعية‪ ،‬وقيل النبساط الحركات في‬ ‫‪ - 1‬البسي ُ‬
‫عروضه وضربه في حالة قبضهما؛ إذ تتوالى فيهما ثالث حركات‪ .‬ويحتل البسيط المرتبة الثانية بعد الطويل‪،‬‬
‫يرتكز بناؤه على تفعيلتي‪ُ ( :‬م ْستَ ْف ِعلُ ْن) و(فَا ِعلُ ْن)‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بحر ثُنائ ُّ‬
‫ي التفعيل ِة‪،‬‬ ‫ويشاركه في هذه المرتبة الكامل‪ .‬وهو ٌ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ووزنه‪ُ ( :‬م ْستَ ْف ِعلُ ْن فَا ِعلُ ْن ُم ْستَ ْف ِعلُ ْن فَا ِعلُ ْن *** ُم ْستَف ِعلن فا ِعلن ُم ْستَف ِعلن فا ِعلن)‪ .‬ومفتاح البسيط‪( :‬إِن البَسِيط لدَ ْي ِه‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ط األ َ َم ُل *** ُم ْستَ ْف ِعلُ ْن فَا ِعلُ ْن ُم ْستَ ْف ِعلُ ْن فَ ِعلُ)‪ .‬ويجوز استعماله تاما ومجزوءا‪.‬‬
‫س ُ‬
‫يُ ْب َ‬
‫‪8‬‬

You might also like