You are on page 1of 124

‫مجهورية مصر العربية‬

‫وزارة األوقاف‬

‫اآلداب العـامـة‬
‫تقديم ومشاركة‬
‫أ‪.‬د‪ /‬حممد خمتار مجعة‬
‫وزير األوقاف‬
‫ورئيس اجمللس األعلى للشئون اإلسالمية‬
‫عضو جممع البحوث اإلسالمية‬

‫‪3441‬هـ ‪2022 /‬م‬


2
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫اْل َسنَة َو َل َّ‬


‫الس ِّي َئة ا ْد َف ْع‬ ‫ﱡ َو َل َت ْس َت ِوي َْ‬
‫ك َو َب ْينَه‬ ‫بِا َّلتِي ِه َي َأ ْح َسن َفإِ َذا ا َّل ِذي َب ْينَ َ‬
‫َعـ َد َاوة ك ََأ َّنـه َو ِ يل َمحِيــم ﱠ‬
‫(سورة فصلت ‪)43 :‬‬

‫‪3‬‬
4
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫تقديــم‬
‫اْلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم عىل خاتم أنبيائه‬
‫ورسله سيدنا حممد بن عبد اهلل ‪ ،‬وعىل آله وصحبه ومن اتبع هداه‬
‫إىل يوم الدين‪.‬‬
‫وبعـد ‪:‬‬
‫فإن ديننا اْلنيف هو دين اجلامل والرقي والذوق السليم واْلس‬
‫اإلنساين املرهف‪ ،‬فكل ما يتسق مع اآلداب اإلنسانية العامة هو من‬
‫صميم الفطرة السليمة التي فطر اهلل الناس عليها ‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ك لِلدِّ ِ ِ ِ‬‫﴿ َف َأقِ ْم َو ْج َه َ‬
‫ين َحني ًفا ف ْط َر َت اهلل ا َّلتي َف َط َر الن َ‬
‫َّاس َع َل ْي َها﴾‪.‬‬
‫واألمم املتحرضة والدول الراقية هي التي جتعل من مراعاة‬
‫اآلداب العامة منهج حياة ‪ ،‬ول تعد هذه اآلداب من نافلة القول أو‬
‫عىل هامش أولوياهتا ‪ ،‬فاآلداب العامة ل تنفك عن منظومة القيم‬
‫واألخالق اإلنسانية الراقية ‪ ،‬والتحيل هبا دليل عىل حب اهلل (عز‬
‫وجل) للعبد‪ ،‬حيث يقول نبينا (صىل اهلل عليه وسلم)‪ " :‬إن َأ َح َّ‬
‫ب‬

‫‪5‬‬
‫ِعب ِ‬
‫اد اهلل إِ َىل اهلل َأ ْح َسنه ْم خل ًقا" ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ول شك أن اإلسالم قائم عىل كل ما ينمي الذوق ‪ ،‬ويرسخ‬
‫القيم اإلنسانية السوية ‪ ،‬ويسهم يف تكوين الرقي الشخيص‬
‫واملجتمعي ‪ ،‬وينرش القيم اْلضارية ‪ ،‬ويؤدي إىل تأصيلها وجتذيرها‬
‫يف نفوس الناس مجي ًعا ‪.‬‬
‫وقد حرص اإلسالم عىل تعليم أتباعه القيم الراقية ‪ ،‬وتنشئتهم‬
‫عليها منذ نعومة أظفارهم ‪ ،‬سواء فيام بينهم وبني أنفسهم أم فيام‬
‫بينهم وبني الناس ‪ ،‬فهذا نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) عندما رأى‬
‫هيذب ذوقه‬ ‫صب ًّيا تطيش يده يف وعاء الطعام ‪ ،‬ع ّلمه َو َو َّج َهه بام ِّ‬
‫وطبعه‪ ،‬فقال (صىل اهلل عليه وسلم) له‪َ " :‬يا غالم ‪َ ،‬س ِّم اهلل َت َع َاىل‪،‬‬
‫يك"‪ ،‬يستوي يف ذلك حال من أكل‬ ‫ك ‪ ،‬وك ْل ِِمَّا َيلِ َ‬
‫َوك ْل بيمين ِ َ‬
‫منفر ًدا ومن أكل مع غريه من الناس ‪.‬‬
‫ورغَّب الرشع الرشيف يف الت ِّ‬
‫َّحيل بحسن اخللق يف كل مناحي‬
‫اْلياة ‪ ،‬حتى صار حسن اخللق عالمة عىل خريية صاحبه وحسن‬
‫إن ِمن أح ِّبكم‬
‫إسالمه ‪ ،‬حيث يقول نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) ‪َّ " :‬‬
‫ِ‬
‫أحاسنَكم أخال ًقا"‪ ،‬ويقول‬ ‫ِ‬
‫القيامة‬ ‫جملسا يو َم‬ ‫إل وأقربِكم منِّي‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫‪6‬‬
‫املؤمن َليدْ ِرك بح ْس ِن خل ِقه درج َة‬
‫َ‬ ‫(صىل اهلل عليه وسلم) ‪ " :‬إن‬
‫الصائ ِم القائ ِم" ‪ ،‬وقال (صىل اهلل عليه وسلم) ‪ " :‬إنَّام بعثت ألمت ِّ َم‬
‫ِ‬
‫األخالق"‪.‬‬ ‫مكار َم‬
‫ونقدم يف هذا الكتاب نخبة من املباحث املهمة يف اآلداب العامة‬
‫أعدها جمموعة متميزة من شباب علامء األوقاف ‪ ،‬وقد شاركتهم‬
‫فيه ببحث هام عن األدب مع سيدنا رسول اهلل (صىل اهلل عليه‬
‫ً‬
‫سائال اهلل (عز وجل) أن يكرمنا مجي ًعا بحسن اخللق يف‬ ‫وسلم) ‪،‬‬
‫الدنيا‪ ،‬وأن جيعله ً‬
‫سبيال للقرب من حبيبنا وسيدنا رسول اهلل ( صىل‬
‫اهلل عليه وسلم) يوم القيامة ‪.‬‬
‫واهلل من وراء القصد وهو املوفق واملستعان ‪.‬‬

‫أ‪.‬د‪ /‬حممد خمتار مجعة‬


‫وزير األوقاف‬
‫رئيس اجمللس األعلى للشئون اإلسالمية‬
‫وعضو جممع البحوث اإلسالمية‬
‫باألزهر الشريف‬

‫‪7‬‬
‫(‪)‬‬
‫األدب مع اهلل تعاىل‬

‫األَ َدب يف لغة العرب له معان متعددة ‪ ،‬يقول ابن منظور‪:‬‬


‫حامد ‪ ،‬و َينْهاهم َع ِن‬ ‫"سمي األدب َأدبا ألَنه ي ْأدِب الناس إِ َىل املَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ًَ‬ ‫ِّ َ‬
‫للصنِيع يدْ َعى إِ َل ْي ِه‬ ‫ب الدُّ عاء ‪َ ،‬و ِمنْه قِ َ‬
‫يل َّ‬ ‫وأصل األَ ْد ِ‬
‫امل َقابِح ‪َ ،‬‬

‫وم ْأد َبة"‪ ،‬ومن معاين األدب ً‬


‫أيضـا ‪" :‬ال َّظــ ْرف‬ ‫الناس‪َ :‬مدْ عاة َ‬
‫وح ْسن التَّناو ِل"(‪.)1‬‬
‫فاألدب يتضمن اْلديث عن األخالق العملية‪ ،‬أي ِمارسة‬
‫السلوكيات املحمودة والبتعاد عن السلوكيات املذمومة‪ ،‬ومن‬
‫املعاين الصطالحية لألدب أنه‪":‬عبارة عن معرفة ما حيرتز به عن‬

‫مجيـع أنـواع اخلطأ"(‪ ،)2‬و"األدب ما هـو إل اخلصـال اْلميـدة"‪،‬‬


‫أو " اجتامع خصال اخلري ‪ ،‬فاألديب الذي اجتمع فيه خصال‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬حممد السيد نصار ‪ ،‬مدير عام اإلرشاد الديني ونرش الدعوة ‪.‬‬
‫(‪ )1‬لسان العرب‪. 07/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬كتاب التعريفات للجرجاين‪. 11/1 ،‬‬

‫‪8‬‬
‫ً‬
‫وفعال‪ ،‬أو هو األخذ‬ ‫اخلري"(‪ ،)1‬وقيل‪ :‬هو "استعامل ما حيمد ً‬
‫قول‬

‫بمكارم األخالق"(‪ ،)2‬فلزوم األدب من األمور العظيمة التي ندبت‬


‫إليها الرشيعة اإلسالمية‪ ،‬وحثت عىل فعلها والعناية هبا لتحسني‬
‫اخللق وهتذيبه ‪.‬‬
‫واألدب مع اهلل (عز وجل) أرفع مراتب األدب وأعالها‪،‬‬
‫وأجلها وأزكاها‪ ،‬فام تأدب متأدب بأحسن من أدبه مع ربه وخالقه‪،‬‬
‫وما أساء امرؤ األدب بأشنع من سوء أدبه مع ربه (عز وجل) ‪.‬‬
‫وقد تكلم أهل العلم واملعرفة يف حقيقته ‪ ،‬وعبارهتم يف األدب‬
‫يقصدون هبا انكسار العبد حتت اْلياء وذله حتت املهابة‪ ،‬فال ينطوي‬
‫مصف يف‬
‫ِّ‬ ‫يص عىل ذنب ‪ ،‬وهذا املعنى‬
‫قلبه عىل قبيح ‪ ،‬ول ُّ‬
‫كالمهم ‪ ،‬وقد تنوعت عباراهتم يف التعبري عنه ‪ ،‬قال ابن عطاء اهلل‬
‫السكندري‪ :‬األدب الوقوف مع املستحسنات‪ .‬فقيل له‪ :‬وما معناه؟‬

‫(‪ّ )1‬‬
‫كشاف املصطلحات للتهانوي‪ . 097/1 ،‬والرسالة القشريية‪ ،‬ص ‪. 155‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري‪. 313/1 ،‬‬

‫‪9‬‬
‫سا وعلنًا ‪ ،‬فإن كنت كذلك‬
‫فقال‪ :‬أن تعامله سبحانه باألدب ًّ‬
‫كنت أدي ًبا وإن كنت أعجم ًّيا‪ ،‬وقال حييى بن معاذ ‪" :‬من تأدب‬
‫بأدب اهلل صار من أهل حمبة اهلل"‪ ،‬وقيل‪" :‬إذا صحت املحبة‬
‫املحب مالزمة األدب"‪ ،‬وسئل اْلسن البصي عن‬‫تأكدت عىل ِ‬

‫أنفع األدب فقال ‪" :‬التفقه يف الدين والزهد يف الدنيا ‪ ،‬واملعرفة بام‬

‫هلل عليك"(‪. )1‬‬


‫وعىل هذا فاألدب مع اهلل من صفات املرسلني ‪ ،‬وسامت‬
‫املؤمنني ‪ ،‬فاملؤمن جيب عليه أن يلتزم األدب مع موله لينال رمحته‪،‬‬
‫ويفوز بجنته ‪ ،‬وحيقق السعادة يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬ذلك ألن اإلنسان‬
‫منذ خروجه من بطن أمه وهو يتنعم بنعم اهلل عليه ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫وها إِ َّن اهلل لَغَفور َر ِحيم﴾(‪ ،)2‬قال‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوإِ ْن تَعدُّ وا ن ْع َم َة اهلل َل ْحتص َ‬
‫اإلمام الزخمرشي يف تفسريه هلذه اآلية‪" :‬ل تضبطوا عددها ول‬

‫(‪ )1‬راجع أقواهلم يف ‪ :‬الرسالة القشريية ‪ ،‬ص ‪ ،175 ، 197 – 150‬واللمع‬


‫للرساج الطويس ‪ ،‬ص ‪. 195 – 191‬‬
‫(‪ )2‬النحل‪.15 :‬‬

‫‪11‬‬
‫تبلغه طاقتكم ً‬
‫فضال أن تطيقوا القيام بحقها من أداء الشكر ‪ ،‬وإنام‬
‫تنبيها عىل أن ما وراءها ل ينحص ول‬
‫أتبع ذلك ما عدَّ د من نعمه ً‬
‫يعدُّ ﴿إِ َّن اهلل َلغَفور َّر ِحيم﴾ يتجاوز عن تقصريكم يف أداء شكر‬
‫النعمة‪ ،‬ول يقطعها عنكم لتفريطكم"(‪ ،)1‬فالطريق إىل اهلل كله‬
‫آداب‪ ،‬فمن لزم األدب لزم التقوى‪ ،‬إذ هو منبثق منها وراجع إليها‪.‬‬
‫‪ -‬مناذج من أدب األنبياء مع اهلل تعاىل ‪:‬‬
‫‪ -‬منها‪ :‬عدم التفاهتم إىل يشء وهم بني يدي اهلل‪ ،‬ولقد جرت عادة‬
‫(‪)2‬‬
‫القوم الذين كتبوا يف األخالق والسلوك أن يذكروا يف هذا املقام‬
‫قول اهلل تعاىل عن نبيه حممد (صىل اهلل عليه وسلم)‪َ ﴿:‬ما زَا َغ ا ْل َب َص‬
‫َو َما َطغَى﴾(‪ ،)3‬وكأهنم نظروا إىل قول من قال من أهل التفسري‪ :‬إن‬
‫هذا وصف ألدبه (صىل اهلل عليه وسلم) يف ذلك املقام ‪ ،‬إذ مل يلتفت‬
‫جان ًبا ‪ ،‬ول جتاوز ما رآه ‪ ،‬وهذا كامل األدب ‪ ،‬واإلخالل به أن‬

‫(‪ )1‬الكشاف عن غوامض حقائق التنزيل للزخمرشي ‪ 177/ 2 ،‬بتصف ‪.‬‬


‫(‪ )2‬راجع‪ :‬الرسالة للقشريي ‪ ،‬ص ‪ ، 150‬مدارج السالكني لبن القيم ‪.179/2،‬‬
‫(‪ )4‬النجم ‪. 10 :‬‬

‫‪11‬‬
‫يلتفت الناظر عن يمينه وعن شامله ‪ ،‬أو يتطلع أمام املنظور؛‬
‫فاللتفات زيغ ‪ ،‬والتطلع إىل ما أمام املنظور طغيان وجماوزة (‪.)1‬‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬نسبتهم العلم إىل اهلل سبحانه وتعاىل‪ ،‬ومن ذلك أدب‬
‫سيدنا يوسف (عليه السالم) بر ِّده العلم الذي حيمله إىل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل حني َق َال‪﴿:‬لَ َي ْأتِيك َام َط َعام ت ْر َز َقانِ ِه إِلَّ َن َّب ْأتك َام بِت َْأ ِويلِ ِه َق ْب َل َأن‬
‫َي ْأتِيك َام َذلِك َام ِِمَّا َع َّل َمنِي َر ِِّّب ﴾(‪.)2‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬إسناد الكامل هلل تعاىل ‪ ،‬ورد النقص والعيب إىل أنفسهم‪،‬‬
‫فمن املواقف اجلليلة ‪ -‬التي يتجىل فيها اخللق اْلسن واألدب‬
‫الرفيع ‪ -‬موقف اخلرض (عليه السالم) مع اهلل تعاىل؛ حني أسند ما‬
‫كان من اخلري إىل اهلل (عز وجل)‪ ،‬فقال يف شأن الغالمني ‪َ ﴿ :‬ف َأ َرا َد‬
‫َُها﴾(‪ ،)3‬وما كان يف ظاهره‬ ‫ك َأ ْن َي ْبلغَا َأشدَّ َ‬
‫ُها َو َي ْستَخْ ِر َجا كَنز َ‬ ‫َر ُّب َ‬
‫النقص أو العيب أسنده إىل نفسه تأد ًبا مع ربه سبحانه وتعاىل‪،‬‬

‫(‪ )1‬مصباح التفاسري القرآنية اجلامع لتفسري ابن قيم اجلوزية ‪. 439/19 ،‬‬
‫(‪ )2‬يوسف ‪. 40 :‬‬
‫(‪ )4‬الكهف ‪. 52 :‬‬

‫‪12‬‬
‫دت َأ ْن َأ ِعي َب َها﴾(‪. )1‬‬
‫بقوله يف السفينة‪َ ﴿ :‬ف َأ َر ُّ‬
‫الرش عنه ‪ ،‬وقد رضب اخلليل‬ ‫‪ -‬ومنها‪ :‬نسبة اخلري إليه ونفي َّ ِّ‬
‫إبراهيم (عليه السالم) أروع األمثلة يف األدب الرفيع مع ربه ‪ ،‬حينام‬
‫حتدث عن نعم اهلل وآياته وقدرته فنسبها هلل سبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ا َّل ِذي‬
‫ين َوا َّل ِذي ه َو ي ْط ِعمنِي َو َي ْس ِق ِ‬
‫ني﴾(‪ ،)2‬فنسب عملية‬ ‫َخ َل َقنِي َفه َو َ ْهي ِد ِ‬
‫اخللق إىل اخلالق(‪ ،)3‬ثم جاء يف سياق حديثه ذكر املرض فنسبه‬
‫لنفسه حف ًظا لألدب مع اهلل فقال ‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َم ِر ْضت َفه َو َي ْش ِف ِ‬
‫ني﴾(‪،)4‬‬
‫وما حكى اهلل (عز وجل) عن سيدنا أيوب (عليه السالم) يف دعائه‪،‬‬
‫فتارة ينسب الرش إىل الشيطان‪ ،‬وتارة ل يذكر الفاعل ‪ ،‬وكل هذا‬
‫من باب األدب مع اهلل كام حكى اهلل عنه يف قوله ‪َ ﴿ :‬وا ْذك ْر َع ْبدَ نَا‬
‫الش ْي َطان بِن ْصب َو َع َذاب﴾(‪ ،)5‬وقوله‬ ‫وب إِ ْذ نَا َدى َر َّبه َأ ِّين َم َّسن ِ َي َّ‬
‫َأ ُّي َ‬

‫(‪ )1‬الكهف‪. 09 :‬‬


‫(‪ )2‬الشعراء‪. 09 - 05 :‬‬
‫(‪ )4‬الكامل واجلامل يف القرآن الكريم ‪ ،‬أ‪ .‬د‪/‬حممد خمتار مجعة ‪ ،‬ص ‪. 05‬‬
‫(‪ )3‬الشعراء‪. 57 :‬‬
‫(‪ )1‬سورة ص‪. 31 :‬‬

‫‪13‬‬
‫نت َأ ْر َحم‬
‫الرض َو َأ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أيضا عنـه ‪َ ﴿ :‬و َأ ُّي َ‬
‫وب إِ ْذ نَا َدى َر َّبه أ ِّين َم َّسن َي ُّ ُّ‬ ‫ً‬
‫امحِني﴾(‪.)1‬‬
‫الر ِ‬
‫َّ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬طاعة اهلل سبحانه وعدم التقديم بني يديه ‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫ول﴾(‪ ، )2‬وقال تعاىل ‪﴿ :‬ق ْل إِ َّن َص َال ِِت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َو َأطيعوا اهلل َو َأطيعوا َّ‬
‫الرس َ‬
‫ِ‬ ‫َونسكِي َو َ ْ‬
‫اي َو َِم َ ِاِت هلل َر ِّب ا ْل َعاملَ َ‬
‫ني﴾(‪ ،)3‬فاألدب مع اهلل سبحانه‬ ‫حم َي َ‬
‫وتعاىل يستلزم طاعته وعبادته ‪ ،‬وهي حق له سبحانه عىل عباده ‪،‬‬
‫ولكل عبادة وطاعة مجلة من اآلداب ‪ ،‬منها الظاهرة ‪ ،‬ومنها الباطنة‬
‫التي أطلق عليها أبو حامد الغزال يف كتابه "إحياء علوم الدين"‬
‫مصطلح "دقائق اآلداب"‪ ،‬ستجدها يف باب الصالة‪ ،‬وباب‬
‫الصيام‪ ،‬وباب الزكاة‪ ،‬وباب اْلج ‪...‬وهكذا ‪.‬‬
‫كام جاء النهي عن التقديم بني يدي اهلل تأد ًبا ‪ ،‬فقال تعاىل‪َ ﴿:‬يا َأ ُّ َهيا‬
‫ني َيدَ ِي اهلل َو َرسولِ ِه َواتَّقوا اهلل إِ َّن اهلل َس ِميع‬ ‫ِ‬
‫ا َّلذ َ‬
‫ين َآمنوا ل ت َقدِّ موا َب ْ َ‬

‫(‪ )1‬األنبياء‪. 54 :‬‬


‫(‪ )2‬النساء‪. 19 :‬‬
‫(‪ )4‬األنعام ‪. 112 :‬‬

‫‪14‬‬
‫َعلِيم﴾(‪ ،)1‬فهو أدب يمثل حدود إدراك العبد أمام ربه (جل‬
‫وعال)‪ ،‬فال يتقدم بني يديه بقول أو فعل‪ ،‬أو بأمر أو هني‪ ،‬ول‬
‫يعرتض عليه يف قضاء ول حكم ول ابتالء‪ .‬ويدخل يف عموم هذا‬
‫األدب الرشعي حديث معاذ بن جبل (ريض اهلل عنه) حيث قال له‬
‫ف‬ ‫النبي (صىل اهلل عليه وسلم) حني بعثه إىل اليمن‪َ " :‬ك ْي َ‬
‫َاب‬ ‫َاب اهلل‪َ ،‬ق َال‪َ " :‬فإِ ْن َمل ْ َيك ْن ِيف كِت ِ‬ ‫َت ْق ِِض؟"‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬أ ْق ِِض بِ َام ِيف كِت ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل؟"‪َ ،‬ق َال‪َ :‬فبِسنَّة َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم)‪َ ،‬ق َال‪َ " :‬فإِ ْن َمل ْ‬
‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)؟"‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أ ْجت َِهد‬ ‫يك ْن ِيف سن َِّة رس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫َر ْأيِي‪َ ،‬ق َال‪َ " :‬‬
‫ول اهلل"(‪.)2‬‬ ‫اْل ْمد هلل ا َّلذي َو َّف َق َرس َ َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬الرضا بقضاء اهلل وقدره ‪ ،‬فالرضا باب اهلل األعظم ‪ ،‬وجنة‬
‫الدنيا‪ ،‬ومسرتاح العارفني ‪ ،‬وحياة املحبني‪ ،‬ونعيم العابدين ‪ ،‬وقرة‬
‫اب ِم ْن م ِصي َبة إِ َّل بِإِ ْذ ِن اهلل َو َم ْن‬
‫عيون املشتاقني ‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿:‬ما َأ َص َ‬

‫(‪ )1‬اْلجرات‪. 1 :‬‬


‫ف َي ْق ِِض ‪ ،‬حديث‬ ‫(‪ )2‬سنن الرتمذي ‪ ،‬أبواب األحكام ‪ ،‬باب ما جاء ِيف ال َق ِ‬
‫ايض َك ْي َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫رقم ‪. 1420‬‬

‫‪15‬‬
‫اس ْب ِن َع ْب ِد‬
‫يشء َعلِيم﴾(‪ ،)1‬و َع ِن ا ْل َع َّب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي ْؤم ْن بِاهلل َ ْهيد َق ْل َبه َواهلل بِك ِّل َ ْ‬
‫ول اهللِ (صىل اهلل عليه وسلم) َيقول‪َ " :‬ذ َاق‬ ‫ب ‪َ ،‬أنَّه َس ِم َع َرس َ‬ ‫املْ َّطلِ ِ‬

‫اإل ْس َال ِم ِدينًا ‪َ ،‬وبِم َح َّمد‬ ‫يض بِاهللِ َر ًّبا ‪َ ،‬وبِ ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫اإل َيامن َم ْن َر َ‬
‫َط ْع َم ْ ِ ِ‬

‫َرس ً‬
‫ول"(‪.)2‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬شكر نعم اهلل تعاىل ‪ ،‬فنعم اهلل تعاىل عىل عباده كثرية ‪ ،‬قال‬

‫تعاىل‪َ " :‬و َما بِك ْم ِم ْن نِ ْع َمة َف ِم َن اهلل)(‪ ،)3‬وقال تعاىل‪َ ﴿:‬وآتَاك ْم ِم ْن‬

‫وها﴾(‪ ،)4‬و َق َال َرسول‬ ‫ت اهلل َل ْحتص َ‬ ‫ك ِّل َما َس َأ ْلتموه َوإِ ْن تَعدُّ وا ن ِ ْع َم َ‬
‫اهللِ (صىل اهلل عليه وسلم)‪َ ":‬ع َج ًبا ِألَ ْم ِر ا ْمل ْؤ ِم ِن ‪ ،‬إِ َّن َأ ْم َره ك َّله َخ ْري‪،‬‬
‫َ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َو َل ْي َس َذ َ ِ َ‬
‫ساء َشك ََر ‪َ ،‬فك َ‬
‫َان َخ ْ ًريا‬ ‫اك أل َحد إِ َّل ل ْلم ْؤم ِن ‪ ،‬إِ ْن أ َصا َبتْه َ َّ‬

‫(‪ )1‬التغابن‪.11 :‬‬

‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب اإليامن ‪َ ،‬باب ذاق طعم اإليامن من ريض باهلل ربا‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪. 43‬‬

‫(‪ )4‬النحل‪.14 :‬‬

‫(‪ )3‬إبراهيم‪.43 :‬‬

‫‪16‬‬
‫َ‬
‫َان َخ ْ ًريا َله"(‪ .)1‬فيجب عىل املؤمن‬
‫ب ‪َ ،‬فك َ‬ ‫َله ‪َ ،‬وإِ ْن أ َصا َبتْه َ َّ‬
‫رضاء َص َ َ‬
‫شكر اهلل عىل ما تفضل به من النعم العظيمة ‪ ،‬ويكون ذلك‬
‫باعرتاف القلب بالنعمة‪ ،‬والتحدث هبا‪ ،‬والثناء عىل املنعم ‪ ،‬قال‬

‫ث﴾(‪ ،)2‬وتسخري النعمة يف طاعة‬ ‫تعاىل‪َ ﴿ :‬و َأ َّما بِن ِ ْع َم ِة َر ِّب َ‬


‫ك َف َحدِّ ْ‬
‫املنعم سبحانه‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ا ْع َملوا َآل َداوو َد شك ًْرا َو َقلِيل ِم ْن‬

‫الشكور﴾(‪ ،)3‬فبالشكر يتحقق رضا اهلل عىل العبد ‪ ،‬قال‬ ‫ي َّ‬ ‫ِ ِ‬


‫ع َباد َ‬
‫تعاىل‪َ ﴿:‬وإِ ْن ت َْشكروا َي ْر َضه َلك ْم﴾(‪ ، )4‬وبه تتحقق الزيادة ‪ ،‬قال‬

‫تعاىل‪َ ﴿:‬وإِ ْذ ت ََأ َّذ َن َر ُّبك ْم َلئِ ْن َشك َْرت ْم َألَ ِزيدَ نَّك ْم﴾(‪ ،)5‬وبه يأمن املؤمن‬
‫من العذاب ‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ما َي ْف َعل اهلل بِ َع َذابِك ْم إِ ْن َشك َْرت ْم َو َآمنْت ْم‬

‫الر َقائِ ِق ‪َ ،‬باب املْ ْؤ ِمن َأ ْمره ك ُّله َخ ْري ‪ ،‬حديث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتَاب الز ُّْهد َو َّ‬
‫رقم ‪. 2999‬‬
‫(‪ )2‬الضحى ‪.0 :‬‬
‫(‪ )4‬سبأ ‪.14 :‬‬
‫(‪ )3‬الزمر‪.0 :‬‬
‫(‪ )1‬إبراهيم ‪. 0 :‬‬

‫‪17‬‬
‫َان اهلل َشاكِ ًرا َعلِ ًيام﴾(‪.)1‬‬
‫َوك َ‬
‫َح َي ِمن َن َظ ِر اهللِ تعاىل‬
‫ومن األدب مع اهلل تعاىل كذلك أن تَست ِ‬
‫ْ‬
‫والرأس ‪ ،‬وال َف ْرج ‪،‬‬
‫َ‬ ‫والبص ‪ ،‬وال َب ْط َن‬
‫َ‬ ‫الس ْم َع‬ ‫َ‬
‫فتحفظ َّ‬ ‫إليك ‪..‬‬
‫واجلوارح كلها ‪ .‬نسأل اهلل تعاىل أن يرزقنا حسن األدب معه ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬النساء‪.130 :‬‬

‫‪18‬‬
‫(‪)‬‬
‫األدب مع رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم)‬

‫لقد حتدث القرآن الكريم عن النبي (صىل اهلل عليه وسلم)‬


‫حدي ًثا كاش ًفا عن مكانته وأخالقه وعلو منزلته ‪ ،‬فهو نبي الرمحة‪،‬‬
‫َاك إِ َّل ر ِ ِ‬ ‫حيث يقول اْلق سبحانه‪َ ﴿ :‬و َما َأ ْر َس ْلن َ‬
‫ني﴾(‪،)1‬‬ ‫مح ًة ل ْل َعاملَ َ‬
‫َ َْ‬
‫ْت َف ًّظا غَلِ َ‬
‫يظ‬ ‫ْت َهل ْم َو َل ْو كن َ‬ ‫محة ِم َن اهلل لِن َ‬ ‫ويقول سبحانه‪َ ﴿:‬فبِ َام َر ْ َ‬
‫ك َفا ْعف َعنْه ْم َو ْاس َتغ ِْف ْر َهل ْم َو َش ِ‬
‫او ْره ْم ِيف‬ ‫ب َل ْن َف ُّضوا ِم ْن َح ْولِ َ‬
‫ا ْل َق ْل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْاألَ ْم ِر َفإِ َذا َعز َْم َ‬
‫ني﴾(‪ ،)2‬ويقول‬ ‫ت َفت ََوك َّْل َع َىل اهلل إِ َّن اهلل حي ُّ‬
‫ب ا ْملت ََوكِّل َ‬
‫اءك ْم َرسول ِم ْن َأنْف ِسك ْم َع ِزيز َع َل ْي ِه َما َعنِت ُّْم‬ ‫(عز وجل)‪َ ﴿ :‬ل َقدْ َج َ‬
‫ني َرءوف َر ِحيم﴾(‪.)3‬‬ ‫ِِ‬
‫َح ِريص َع َل ْيك ْم بِاملْ ْؤمن َ‬
‫وقد رشع اهلل (عز وجل) آدا ًبا مع سيدنا رسول اهلل (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم)‪ ،‬واجب عىل كل من تعامل معه يف حياته أو مع سنته‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث أ‪ .‬د‪/‬حممد خمتار مجعة ‪ ،‬وزير األوقاف ‪ ،‬مص‪.‬‬
‫)‪ )1‬األنبياء ‪. 170 :‬‬
‫)‪ (2‬آل عمران ‪.119 :‬‬
‫)‪ (4‬التوبة ‪. 125 :‬‬

‫‪19‬‬
‫بعد وفاته (صىل اهلل عليه وسلم) أن يتأدب هبا إىل قيام الساعة ‪،‬‬
‫ومن هذه اآلداب‪:‬‬
‫‪ -‬عدم ذكر اسمه (صىل اهلل عليه وسلم) جمر ًدا عام يليق به من‬
‫الوصف بالنبوة أو الرسالة أو الصالة والسالم عليه‪ ،‬سواء عند‬
‫ذكره (صىل اهلل عليه وسلم) أو عند سامع اسمه (عليه الصالة‬
‫والسالم) أو كتابة اسمه املبارك (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬بالغًا ما بلغ‬
‫عدد مرات الكتابة أو الذكر‪ ،‬فذلك من أخص عالمات حب سيدنا‬
‫رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬وهذا ما يعلمنا إياه القرآن‬
‫الكريم؛ حيث نادى رب العزة (سبحانه وتعاىل) سائر األنبياء‬
‫اجلنَّ َة﴾(‪َ ﴿ ،)1‬يا نوح ْاهبِ ْط‬
‫ك َْ‬ ‫بأسامئهم‪َ ﴿ :‬يا َآ َدم ْاسك ْن َأن َ‬
‫ْت َوز َْوج َ‬
‫ك﴾(‪﴿،)2‬يا إِبر ِ‬
‫اهيم َقدْ‬ ‫ك َو َع َىل أ َمم ِِم َّ ْن َم َع َ‬‫بِ َس َالم ِمنَّا َو َب َركَات َع َل ْي َ‬
‫َ َْ‬
‫ني﴾(‪َ ﴿ ، )3‬يا َداوود إِنَّا‬ ‫ِ ِ‬ ‫الرؤْ َيا إِنَّا ك ََذلِ َ‬
‫ك ن َْج ِزي املْ ْحسن َ‬ ‫ت ُّ‬ ‫َصدَّ ْق َ‬

‫)‪ (1‬البقرة‪ ، 41 :‬واألعراف‪. 19 :‬‬


‫)‪ (2‬هود ‪. 35 :‬‬
‫)‪ (4‬الصافات ‪.171 ، 173 :‬‬

‫‪21‬‬
‫اْلق﴾(‪َ ﴿ ،)1‬يا‬ ‫َّاس بِ َْ‬
‫ني الن ِ‬ ‫احكم َب ْ َ‬ ‫ض َف ْ‬ ‫َاك َخلِي َف ًة ِيف ْاألَ ْر ِ‬‫َج َع ْلن َ‬
‫ِ ِ‬
‫حي َيى خذ ا ْلكت َ‬ ‫َزك َِر َّيا إِنَّا ن َب ِّرش َك بِغ َالم ْاسمه َ ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫َاب‬ ‫حي َيى﴾ ‪َ ﴿ ،‬يا َ ْ‬
‫َّك بِا ْل َوادِ املْ َقدَّ ِ‬
‫س‬ ‫ك إِن َ‬‫اخ َل ْع َن ْع َل ْي َ‬
‫ك َف ْ‬ ‫وسى إِ ِّين َأنَا َر ُّب َ‬‫بِق َّوة﴾ ‪َ ﴿ ،‬يا م َ‬
‫(‪)3‬‬

‫ك َو َعىل‬ ‫يسى ا ْب َن َم ْر َي َم ا ْذك ْر نِ ْع َمتِي َع َل ْي َ‬ ‫ِ‬ ‫(‪)4‬‬


‫ط ًوى﴾ ‪َ ﴿ ،‬يا ع َ‬
‫ك﴾(‪ ،)5‬وعندما خاطب نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) خاطبه‬ ‫َوالِدَ تِ َ‬
‫خطا ًبا مقرونًا برشف الرسالة أو النبوة‪ ،‬أو صفة إكرام وتفضل‬
‫ك ِم ْن‬
‫الرسول َب ِّلغْ َما أن ِْز َل إِ َل ْي َ‬ ‫ومالطفة‪ ،‬فقال تعاىل‪َ ﴿:‬يا َأ ُّ َهيا َّ‬
‫رشا َون َِذ ًيرا﴾(‪،)7‬‬ ‫ِ‬ ‫ك﴾(‪َ ﴿ ،)6‬يا َأ ُّ َهيا ال َّنبِ ُّي إِنَّا َأ ْر َس ْل َن َ‬
‫اك َشاهدً ا َوم َب ِّ ً‬ ‫َر ِّب َ‬
‫رش َفه اْلق (سبحانه وتعاىل) بذكر اسمه يف القرآن الكريم‬
‫وعندما َّ‬

‫(‪ )1‬ص ‪. 21 :‬‬


‫)‪ (2‬مريم ‪. 0 :‬‬
‫)‪ (4‬مريم ‪.12 :‬‬
‫)‪ (3‬طه ‪. 12 :‬‬
‫)‪ (1‬املائدة ‪.117 :‬‬
‫)‪ (1‬املائدة ‪. 10 :‬‬
‫)‪ )0‬األحزاب ‪. 31 :‬‬

‫‪21‬‬
‫حم َّمد َرسول اهلل‬
‫ذكره مقرونًا بعز الرسالة‪ ،‬فقال سبحانه وتعاىل‪َ ﴿ :‬‬
‫محاء َب ْينَه ْم﴾(‪. )1‬‬ ‫ين َم َعه َأ ِشدَّ اء َع َىل ا ْلك َّف ِ‬
‫ار ر َ َ‬
‫ِ‬
‫َوا َّلذ َ‬
‫‪ -‬ومن هذه اآلداب‪ :‬اإلكثار من الصالة والسالم عليه (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم) حيث يقول اْلق سبحانه وتعاىل ‪﴿ :‬إِ َّن اهلل َو َم َالئِ َكتَه‬
‫ين َآمنوا َص ُّلوا َع َل ْي ِه َو َس ِّلموا‬ ‫ِ‬
‫ون َع َىل النَّبِ ِّي َيا َأ ُّ َهيا ا َّلـذ َ‬
‫ي َصـ ُّل َ‬
‫ت َْسلِ ًيام﴾(‪.)2‬‬
‫يقول ابن كثري (رمحه اهلل)‪َ " :‬واملَْ ْقصود ِم ْن َه ِذ ِه ْاآل َي ِة ‪َ :‬أ َّن اهلل‬
‫أل ْاألَ ْع َىل‪ ،‬بِ َأنَّه ي ْثنِي‬ ‫س ْب َحانَه َأ ْخ َب ِع َبا َده بِمن ِْز َل ِة َع ْب ِد ِه َو َنبِي ِه ِعنْدَ ه ِيف املَْ َ ِ‬
‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ني‪َ ،‬و َأ َّن املَْ َالئِ َك َة ت َص ِّيل َع َل ْي ِه‪ ،‬ث َّم َأ َم َر َت َع َاىل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َع َل ْيه عنْدَ املَْ َالئكَة املْ َق َّربِ َ‬
‫َاء َع َل ْي ِه ِم ْن‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الص َالة َوالت َّْسلي ِم َع َل ْيه‪ ،‬ل َي ْجتَم َع ال َّثن َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأ ْه َل ا ْل َع َاملِ ُّ‬
‫الس ْف ِّيل بِ َّ‬
‫الس ْف ِ ِّيل َمجِي ًعا" (‪.)3‬‬ ‫ي َو ُّ‬
‫ِ‬
‫َأ ْه ِل ا ْل َعاملَ َ‬
‫ني ا ْلع ْل ِو ِّ‬
‫وقد أتى رجل إىل النبي (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فقال‪ :‬سمعت اهلل‬

‫)‪ (1‬الفتح ‪. 29 :‬‬


‫(‪ )2‬األحزاب ‪. 11 :‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري‪ ،‬األحزاب ‪.111/ 4‬‬

‫‪22‬‬
‫(عز وجل) يقول‪ " :‬إِ َّن اهلل َو َمالئِ َكتَه ي َص ُّل َ‬
‫ون َع َىل النَّبِ ِّي ‪"...‬‬
‫اللهم َص ِّل َع َىل َ‬
‫حم َّمد‬ ‫َّ‬ ‫اآلية‪ ،‬فكيف الصالة عليك؟ فقال‪ " :‬قل‪:‬‬
‫َّك َمحيد َجميد‪َ ،‬و َبارك َع َىل‬ ‫حم َّمد‪ ،‬ك ََام َص َّل َ‬ ‫َو َعىل ِ‬
‫يت َع َىل إ ْب َر َ‬
‫اهيم إن َ‬ ‫آل َ‬
‫‪.‬‬‫"(‪)1‬‬
‫إنك َمحِيد َ ِجميد‬ ‫كت َع َىل إ ْب َر َ‬
‫اهيم َ‬ ‫حممد‪ ،‬ك ََام َب َار َ‬ ‫حممد َو َعىل ِ‬
‫آل َ‬ ‫َ َّ‬
‫‪-‬وللصالة والسالم عىل سيدنا رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫فضائل عظيمة ِ‬
‫ومنَح جليلة‪ ،‬منها ‪َ :‬ن ْيل رمحة اهلل (عز وجل) وعميم‬
‫والسالم عىل نب ّينا (صىل اهلل عليه وسلم)‪ :‬فإذا‬ ‫ِ‬
‫الصالة َّ‬‫فضله بكثرة َّ‬
‫كانت الصالة من اهلل تعني الرمحة‪ ،‬فإنه (صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫عرشا‪ ،)2("..‬وقال‬ ‫ِ‬ ‫عيل واحد ًة َّ‬ ‫قال‪ ...":‬من َّ‬
‫صىل اهلل عليه َ‬ ‫صىل َّ‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب تفسري القرآن ‪ ،‬سورة األحزاب ‪ ،‬باب قوله‪{:‬إِ َّن اهلل‬
‫ين َآمنوا َص ُّلوا َع َل ْي ِه َو َس ِّلموا ت َْسلِ ًيام}‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫َو َم َالئِ َكتَه ي َص ُّل َ‬
‫ون َع َىل النَّبِ ِّي َيا َأ ُّ َهيا ا َّلذ َ‬
‫حديث رقم ‪. 3119‬‬
‫َادي‪،‬‬ ‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ‪،‬كتاب األذان‪ ،‬باب ما يقول إِ َذا س ِمع املْن ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حديث رقم ‪ .111‬وصحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصالة ‪،‬باب ْاست ْح َب ِ‬
‫اب ا ْل َق ْول م ْث َل‬
‫ـم ي َص ِّيل َع َىل النَّبِ ِّي (صىل اهلل عليه وسلم) ث َّم َي ْس َأل اهلل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق ْ ِ‬
‫ـول ا ْمل َؤ ِّذ ِن َمل ْن َسم َعـه ث َّ‬
‫َله ا ْل َو ِسي َل َة‪ ،‬حديث رقم ‪. 501‬‬

‫‪23‬‬
‫عيل مــر ًة‬ ‫عيل ‪ ،‬ومـن َّ‬
‫صـىل ّ‬ ‫أيضا ‪" :‬من ذكِ ْرت عنــده َف ْلي َص ّ‬
‫ــل َّ‬ ‫ً‬

‫َص ّىل اهلل عليه ً‬


‫عرشا" (‪.)1‬‬
‫ومنها ‪:‬استغفار املالئكة ‪ :‬حيث يقول (صىل اهلل عليه وسلم) ‪:‬‬
‫ت َع َل ْي ِه املَْ َالئِكَة َما َص َّىل َع َ َّيل‪،‬‬
‫" َما ِم ْن م ْسلِم ي َص ِّيل َع َ َّيل ‪ ،‬إِ َّل َص َّل ْ‬
‫ك َأ ْو لِيكْثِ ْر " (‪. )2‬‬ ‫َف ْلي ِق َّل ا ْل َع ْبد ِم ْن َذلِ َ‬
‫ومنها‪ :‬نيل شفاعته (صىل اهلل عليه وسلم) ‪ ،‬فعن عبد اهلل بن‬
‫عمرو بن العاص (ريض اهلل عنهام) أنه سمع النبي (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) يقول ‪" :‬إِ َذا َس ِم ْعت ْم املْ َؤ ِّذ َن َفقولوا ِم ْث َل َما َيقول ‪ ،‬ث َّم َص ُّلوا‬
‫ِ‬
‫َع َ َّيل‪َ ،‬فإِنَّه َم ْن َص َّىل َع َ َّيل َصال ًة َص َّىل اهلل َع َل ْيه ِ َهبا َع ْ ً‬
‫رشا ‪ ،‬ث َّم َسلوا اهلل‬
‫اجلن َِّة ل َتنْب ِغي إِل لِعبد ِمن ِعب ِ‬
‫اد اهلل ‪،‬‬ ‫ِل ا ْل َو ِسي َل َة‪َ ،‬فإِ َّهنَا َمن ِْز َلة ِيف َْ‬
‫َْ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ــأ َل ِل ا ْل َو ِســي َل َة َح َّل ْ‬
‫ــت‬ ‫ــن َس َ‬ ‫ــون َأنَا ه َ‬
‫ــو ‪َ ،‬ف َم ْ‬ ‫َو َأ ْرجو َأ ْن َأك َ‬

‫الص َالةِ َع َىل النَّبِ ِّي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫(‪ )1‬السنن الكبى للنسائي‪ ،‬كتَاب َع َم ِل ا ْل َي ْو ِم َوال َّل ْي َلة ‪َ ،‬ث َواب َّ‬
‫(ص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪ ،‬حديث رقم ‪. 9571‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(ص َّىل‬ ‫الص َالة َع َىل النَّبِ ِّي َ‬
‫السنَّة ف َيها ‪ ،‬باب َّ‬ ‫الص َالة َو ُّ‬ ‫(‪ )2‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتَاب إِ َق َامة َّ‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪ ،‬حديث رقم ‪. 917‬‬

‫‪24‬‬
‫الش َفا َعة"(‪ ،)1‬وقال (صىل اهلل عليه وسلم) ‪" :‬أوىل الن ِ‬
‫َّاس ِّب‬ ‫َلــه َّ‬
‫عيل صال ًة"(‪.)2‬‬ ‫ِ َ‬
‫يو َم القيامة أكثرهم َّ‬
‫ّ‬
‫وحط اخلطايا والسيئات‪ :‬يقول (صىل اهلل‬ ‫ومنها‪ :‬رفع الدرجات‬
‫عرش‬ ‫ِ‬ ‫عيل صال ًة واحد ًة َّ‬ ‫عليه وسلم) ‪" :‬من َّ‬
‫صىل اهلل عليه َ‬ ‫صىل َّ‬
‫صلوات ‪ ،‬وح َّطت عنه َعرش خطيئات ‪ ،‬ورفِ َعت َله عرش‬
‫ي َق َال ‪َ :‬أ ْص َب َح َرسول ا ِ‬
‫هلل‬ ‫ار ِّ‬ ‫ْاألَن َْص ِ‬ ‫درجات"(‪َ ،)3‬ع ْن َأ ِِّب َط ْل َح َة‬
‫س ي َرى ِيف َو ْج ِه ِه ا ْلبِ ْرش‪،‬‬
‫ب النَّ ْف ِ‬
‫َط ِّي َ‬ ‫( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َي ْو ًما‬
‫س‪ ،‬ي َرى ِيف َو ْج ِه َك‬ ‫ب ال َّن ْف ِ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬أ ْص َب ْح َ‬
‫ت ا ْل َي ْو َم َط ِّي َ‬ ‫َقالوا‪َ :‬يا َرس َ‬
‫َاين آت ِم ْن َر ِِّّب ( َع َّز َو َج َّل) َف َق َال‪َ :‬م ْن َص َّىل‬ ‫ا ْلبِ ْرش‪َ ،‬ق َال‪َ " :‬أ َج ْل‪َ ،‬أت ِ‬

‫رش‬‫حما َعنْه َع ْ َ‬
‫رش َح َسنَات‪َ ،‬و َ َ‬ ‫َب اهلل َله ِ َهبا َع ْ َ‬ ‫ك َص َال ًة َكت َ‬ ‫ك ِم ْن أ َّمتِ َ‬
‫َع َل ْي َ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪،‬كتاب الصالة‪َ ،‬باب ا ْل َق ْو ِل ِم ْث َل َق ْو ِل املْ َؤ ِّذ ِن َملِ ْن َس ِم َعه‪ ،‬ث َّم ي َص ِّيل‬
‫(ص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) ث َّم َي ْس َأل له ا ْل َو ِسي َل َة ‪ ،‬حديث رقم ‪. 453‬‬ ‫َع َىل النَّبِ ِّي َ‬
‫(‪ )2‬سنن الرتمذي‪َ ،‬أ ْب َواب ال ِوت ِْر‪ ،‬باب ما جاء يف فضل الصالة عىل النبي(صىل اهلل‬
‫عليه وسلم)‪ ،‬حديث رقم ‪353‬‬
‫ِ‬
‫(‪ )4‬السنن الكبى للنسائي ‪ ،‬كتاب السهو ‪َ ،‬باب ا ْل َف ْض ِل ِيف َّ‬
‫الص َالة َع َىل النَّبِ ِّي َ‬
‫(ص َّىل‬
‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪ ،‬حديث رقم ‪. 1290‬‬

‫‪25‬‬
‫رش َد َر َجات‪َ ،‬و َر َّد َع َل ْي ِه ِم ْث َل َها"(‪. )1‬‬
‫َس ِّيئَات‪َ ،‬و َر َف َع َله َع ْ َ‬
‫ومنها‪ :‬كفاية اهلموم ومغفرة الذنوب ‪ :‬فعن أِّب بن كعب (ريض‬
‫ك‪ ،‬فكم أج َعل‬ ‫رسول اهللِ‪ ،‬إِ َّين أكْثِر الصال َة عل ْي َ‬
‫َ‬ ‫اهلل عنه) أنه قال‪ :‬يا‬
‫الربع؟ قال‪" :‬ما‬
‫َ‬ ‫ْت"‪ ،‬قال‪ :‬قلت‬ ‫صالِت؟ فقال‪" :‬ما ِشئ َ‬ ‫ِ‬ ‫لك من‬‫َ‬
‫شئت‪،‬‬ ‫َ‬
‫النصف؟ قال‪" :‬ما َ‬ ‫لك"‪ ،‬قلت‪:‬‬ ‫ْت ‪ ،‬فإِ ْن َّ‬
‫زدت فهو خري َ‬ ‫شئ َ‬
‫ْت‪،‬‬ ‫ِ‬
‫فالثلثني؟ قال‪" :‬ما شئ َ‬ ‫لك"‪ ،‬قال‪ :‬ق ْلت‪:‬‬
‫زدت فهو خري َ‬‫فإِ ْن َّ‬
‫لك صالِت ك َّلها ؟ قـال‪":‬‬
‫لك"‪ ،‬قلت‪ :‬أجعل َ‬ ‫فإِ ْن َّ‬
‫زدت فهو خري َ‬
‫ك"(‪.)2‬‬
‫لك ذنب َ‬
‫ويغفر َ‬
‫ْ‬ ‫إ ًذا ت ْك َفى َّ‬
‫ُه َ‬
‫ك‬
‫‪ -‬ومن اآلداب التي جيب أن يتعامل هبا املرء مع رسول اهلل (صىل‬
‫اهلل عليه وسلم)‪ :‬توقري أمره (صىل اهلل عليه وسلم) وسنته‪ ،‬واملبادرة‬
‫إىل التزام هديه‪ ،‬وعدم التعامل معه (صىل اهلل عليه وسلم) كام‬
‫يتعامل بعضنا مع بعض؛ حيث يقول اْلق سبحانه‪َّ ﴿ :‬ل َ ْجت َعلوا‬

‫(‪ )1‬سنن الدارمي‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب فضل الصالة عىل النبي (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم)‪ ،‬حديث رقم ‪ ،2004‬ومسند أمحد ‪ ،202 / 21‬حديث رقم ‪. 11412‬‬
‫(‪ )2‬سنن الرتمذي‪ ،‬مجاع أبواب صفة القيامة والرقائق والورع‪ ،‬باب منه‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪. 2310‬‬

‫‪26‬‬
‫اء َب ْع ِضكم َب ْع ًضا﴾(‪ ،)1‬فقد أمجع علامء‬
‫ول بينَكم كَدع ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الرس َ ْ ْ‬‫اء َّ‬
‫د َع َ‬
‫األمة عىل حجية السنة النبوية‪ ،‬وأن طاعة الرسول (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) من طاعة اهلل (عز وجل)‪ ،‬حيث يقول اْلق سبحانه وتعاىل‪:‬‬
‫ول ْاألَ ْم ِر ِمنك ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنوا َأطيعوا اهلل َو َأطيعوا َّ‬
‫الرس َ‬
‫ول َوأ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َيا َأ ُّ َهيا ا َّلذ َ‬
‫ول إِن كنت ْم ت ْؤ ِمن َ‬
‫ون بِاهلل‬ ‫َفإِن َتنَا َز ْعتم ِيف َيشء َفر ُّدوه إِ َىل اهلل َوالرس ِ‬
‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ك َخ ْري َو َأ ْح َسن ت َْأ ِو ًيال﴾(‪ ،)2‬ويقول سبحانه‪:‬‬ ‫َوا ْل َي ْو ِم ْاآل ِخ ِر َذلِ َ‬
‫ِ‬
‫ون﴾(‪.)3‬‬ ‫ول َل َع َّلك ْم ت ْر َمح َ‬ ‫﴿و َأطيعوا اهلل َو َّ‬
‫الرس َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ـوا َفإِ َّن اهلل‬
‫ول َفإِن ت ََو َّل ْ‬ ‫ويقول سبحانه‪ ﴿ :‬ق ْل َأطيعوا اهلل َو َّ‬
‫الرس َ‬
‫﴿و َأطِيعوا اهلل َو َرسو َله َو َل‬ ‫(‪)4‬‬
‫ين﴾ ‪ ،‬ويقول سبحانه‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ب ا ْلكَاف ِر َ‬
‫ِ‬
‫َل حي ُّ‬
‫الصابِ ِر َ‬ ‫ب ِرحيك ْم َو ْ‬
‫اص ِبوا إِ َّن اهلل َم َع َّ‬ ‫َتنَازَعوا َف َت ْف َشلوا َوت َْذ َه َ‬
‫(‪)5‬‬
‫ين﴾‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اح َذروا َفإِن‬‫ول َو ْ‬‫الرس َ‬‫﴿و َأطيعوا اهلل َو َأطيعوا َّ‬ ‫ويقول سبحانه ‪َ :‬‬

‫(‪ )1‬النور ‪. 14 :‬‬


‫(‪ )2‬النساء‪. 19 :‬‬
‫(‪ )4‬آل عمران‪. 142 :‬‬
‫(‪ )3‬آل عمران‪. 42 :‬‬
‫(‪ )1‬األنفال‪. 31 :‬‬

‫‪27‬‬
‫ت ََو َّل ْيت ْم َفا ْع َلموا َأن ََّام َع َىل َرسولِنَا ا ْل َب َالغ املْبِني﴾(‪ ،)1‬ويقول سبحانه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول َفإِن ت ََو َّل ْوا َفإِن ََّام َع َل ْيه َما ِّ‬
‫مح َل‬ ‫﴿ق ْل َأطيعوا اهلل َو َأطيعوا َّ‬
‫الرس َ‬
‫مح ْلتم َوإِن تطِيعوه َهتتَدوا َوما َع َىل الرس ِ‬
‫ول إِ َّل ا ْل َب َالغ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َو َع َل ْيكم َّما ِّ ْ‬
‫املْبِني﴾(‪.)2‬‬
‫أيضا أل نتعامل مع سنته كام نتعامل مع كالم‬
‫وهو ما يقتِض ً‬
‫بعضنا البعض ‪ ،‬وهو ما أكد عليه كبار الفقهاء والعلامء ؛ حيث‬
‫كتاب‬
‫َ‬ ‫يقول اإلمام أبو حنيفة (رمحه اهلل)‪" :‬إذا قلت ً‬
‫قول خيالف‬

‫وخب الرسول (صىل اهلل عليه وسلم) فاتركوا قول" (‪.)3‬‬


‫َ‬ ‫اهلل تعاىل‪،‬‬
‫ويقول اإلمام مالك (رمحه اهلل)‪ " :‬ليس أحد بعد النبي (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم) إل ويؤخذ من قوله ويرتك إل النبي (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم)"(‪ ،)4‬ويقول ً‬
‫أيضا‪ ":‬إنام أنا برش أخطئ وأصيب ‪ ،‬فانظروا‬

‫(‪ )1‬املائدة‪.92 :‬‬


‫(‪ )2‬النور‪.13 :‬‬
‫(‪ )4‬إيقاظ ُهم أول األبصار للعالمة صالح بن حممد الف َّالين ‪ ،‬ص ‪. 94‬‬
‫(‪ )3‬املجموع للنووي‪. 101/1 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫يف رأيي فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ‪ ،‬وكل ما مل يوافق‬
‫الكتاب والسنة فاتركوه" (‪.)1‬‬
‫ويقول اإلمام الشافعي(رمحه اهلل)‪" :‬ما من أحد إل وتذهب‬
‫عليه سنة لرسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) وتعزب عنه ‪ ،‬فمهام‬
‫أصلت من أصل ‪ ،‬فيه عن رسول اهلل (صىل اهلل‬
‫قلت من قول أو ّ‬
‫عليه وسلم) خالف ما قلت ‪ ،‬فالقول ما قال رسول اهلل (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم) وهو قول"(‪ ،)2‬ويقول ً‬
‫أيضا ‪ " :‬إذا وجدتم يف كتاِّب‬
‫خالف سنة رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فقولوا بسنة رسول‬
‫اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬ودعوا ما قلت" (‪.)3‬‬
‫ويقول اإلمام أمحد بن حنبل (رمحه اهلل) ‪" :‬ل تق ّلدين ول تقلد‬
‫مالكًا‪ ،‬ول الشافعي‪ ،‬ول األوزاعي ‪ ،‬ول الثوري ‪ ،‬وخذ من حيث‬
‫أخذوا"(‪ ،)4‬فاإليامن به (صىل اهلل عليه وسلم) ل يكتمل إل بالنزول‬

‫(‪ )1‬ترتيب املدارك وتقريب املسالك للقايض عياض‪. 02/1 ،‬‬


‫)‪ (2‬إعالم املوقعني لبن قيم اجلوزية‪. 273/2 ،‬‬
‫)‪ )4‬املصدر السابق‪. 274/ 2 ،‬‬
‫)‪ )3‬املصدر السابق‪.149/ 2 ،‬‬

‫‪29‬‬
‫ك َل‬ ‫رىض وطيب نفس‪ ،‬فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬ف َال َو َر ِّب َ‬ ‫ً‬ ‫عىل حكمه عن‬
‫وك فِ َيام َش َج َر َب ْينَه ْم ث َّم َل َجيِدوا ِيف َأنْف ِس ِه ْم‬
‫حيكِّم َ‬
‫ون َحتَّى َ‬ ‫ي ْؤ ِمن َ‬
‫ت َوي َس ِّلموا ت َْسلِ ًيام ﴾(‪.)1‬‬‫َح َر ًجا ِِمَّا َق َض ْي َ‬
‫‪ -‬ومن هذه اآلداب‪ :‬التزام األدب والوقار يف مسجده (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم)‪ ،‬فال شك أن حرمة جوار رسول اهلل (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) بعد وفاته كحرمة جواره ح ًّيا‪ ،‬وقد هنى اهلل تعاىل عن رفع‬
‫ِ‬
‫ين َآ َمنوا َل ت َْر َفعوا‬ ‫الصوت عنده فقال سبحانه‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّ َهيا ا َّلذ َ‬
‫ت النَّبِ ِّي َو َل َ ْجت َهروا َله بِا ْل َق ْو ِل ك ََج ْه ِر َب ْع ِضك ْم‬
‫َأصواتَكم َفو َق صو ِ‬
‫ْ َ ْ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫لِ َب ْعض َأ ْن َ ْحت َب َط َأ ْع َاملك ْم َو َأنْت ْم َل ت َْشعر َ‬
‫ون‬
‫ين َيغ ُّض َ‬ ‫ون إِ َّن ا َّلذ َ‬
‫وهب ْم لِل َّت ْق َوى‬
‫ين ْامت ََح َن اهلل قل َ‬
‫ول اهلل أو َلئِ َ ِ‬
‫ك ا َّلذ َ‬ ‫َأ ْص َو َاهتم ِعنْدَ رس ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫َهل ْم َمغ ِْف َرة َو َأ ْجر َعظِيم﴾(‪ ،)2‬وقد سمع اإلمام مالك (رمحه اهلل)‬
‫رجال يرفع صوته يف مسجد رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫ِ‬
‫أقواما فقال‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّ َهيا ا َّلذ َ‬
‫ين‬ ‫ً‬ ‫فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬إن اهلل (عز وجل) قد ذم‬

‫(‪ )1‬النساء‪. 11 :‬‬


‫(‪ )2‬اْلجرات‪. 2،4 :‬‬

‫‪31‬‬
‫ت النَّبِ ِّي َو َل َ ْجت َهروا َله بِا ْل َق ْو ِل‬‫َآمنوا َل تَر َفعوا َأصواتَكم َفو َق صو ِ‬
‫ْ َ ْ ْ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ون﴾(‪،)1‬‬ ‫ك ََج ْه ِر َب ْع ِضك ْم لِ َب ْعض َأ ْن َ ْحت َب َط َأ ْع َاملك ْم َو َأنْت ْم َل ت َْشعر َ‬
‫ول اهلل‬ ‫ون َأ ْص َو َاهتم ِعنْدَ رس ِ‬ ‫ين َيغ ُّض َ‬ ‫ِ‬
‫أقواما فقال ‪ ﴿ :‬إِ َّن ا َّلذ َ‬ ‫وامتدح‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫وهب ْم لِلتَّ ْق َوى َهل ْم َمغ ِْف َرة َو َأ ْجر‬ ‫ِ‬ ‫أو َلئِ َ‬
‫ك ا َّلذ َ‬
‫ين ْامت ََح َن اهلل قل َ‬
‫َعظِيم﴾(‪ ،)2‬وإن حرمة رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) ميتًا‬
‫كحرمته ح ًّيا‪ ،‬فتأدب يف مسجد رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬اْلجرات‪. 2 :‬‬


‫(‪ )2‬اْلجرات ‪.4 :‬‬

‫‪31‬‬
‫(‪)‬‬
‫األدب مع الصحابة (رضوان اهلل عليهم)‬

‫يمثل عص النبي (صىل اهلل عليه وسلم) وأصحابه (رضوان اهلل‬


‫عصا فريدً ا من الناحية اإليامنية واألخالقية والسلوكية‪،‬‬
‫ً‬ ‫عليهم)‬
‫يتطلع إليه املسلمون فريون فيه عزة اإليامن وطهارة املبادئ والقيم‪،‬‬
‫ويتلمسون ِمن عاشوا فيه القدوة واألسوة‪ ،‬غري أن العهد كلام َبعدَ‬
‫بالناس عن هذا العص ضعفت ذاكرهتم‪ ،‬فنسوا ما ألصحاب النبي‬
‫(صىل اهلل عليه وسلم) عليهم من واجب التقدير واإلجالل؛ لذا‬
‫كان ِما جيدر بنا بني اْلني واآلخر أن نتحدث عن األدب معهم؛‬
‫لنذ ِّكر ناس ًيا ‪ ،‬وننبه ً‬
‫غافال‪.‬‬
‫‪-‬تعريف الصحاِّب‪:‬‬
‫الصحاِّب يف اللغة ‪ :‬من الفعل "ص ِ‬
‫ح ْبته َأ ْص َحبه ص ْح َب ًة ‪َ ..‬و ْاألَ ْصل‬ ‫َ‬
‫جمالَ َسة "(‪ ،)1‬ويف الصطالح‪:‬‬ ‫اإل ْط َال ِق ملَ ِ ْن َح َص َل َله رؤْ َية َو َ‬
‫ِيف َه َذا ْ ِ‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬أمحد عبد اهلادي عيل‪ ،‬مدير إدارة املراكز الثقافية‪.‬‬
‫(‪ )1‬املصباح املنري‪ :‬ألِّب العباس الفيومي (ت‪007‬هـ)‪. 444/1 ،‬‬

‫‪32‬‬
‫َّبي ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) م ْؤ ِمنًا بِ ِه ‪َ ،‬و َم َ‬
‫ات َع َىل‬ ‫ِ‬
‫" َم ْن َلق َي الن َّ‬
‫ِْ‬
‫اإل ْس َال ِم"(‪ ،)1‬وقد بلغ عدد الصحابة حني" قبض رسول اهلل (صىل‬
‫اهلل عليه وسلم) نحو مائة ألف وأربعة عرش أل ًفا من الصحابة الذين‬
‫رأوا رسول اهلل أو سمعوا منه"(‪( )2‬صىل اهلل عليه وسلم)‪.‬‬
‫والنصوص كثرية متواترة يف فضلهم وعلو مكانتهم ‪ ،‬وهي‬
‫"تقتِض طهارهتم والقطع عىل تعديلهم ونزاهتهـم؛ فال حيـتاج‬
‫أحد منهم ‪ -‬مع تعديل اهلل تعاىل هلم ‪ ،‬امل َّطلع عىل بواطنهم ‪ -‬إىل‬
‫تعديل أحد من اخللق له"(‪ . )3‬وأحاول يف هذه السطور بيان بعض‬
‫ما جيب علينا جتاه الصحابة من آداب ‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -‬معرفة فضلهم ومنزلتهم يف اإلسالم ‪ ،‬وقد جاءت بفضلهم‬
‫السابِق َ‬
‫ون‬ ‫اآليات واألحاديث الكثرية ‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪َ ﴿:‬و َّ‬

‫(‪ )1‬نخبة الفكر يف مصطلح أهل األثر (ضمن كتاب سبل السالم) ‪ ،‬لبن حجر‬
‫العسقالين (ت ‪512 :‬هـ)‪ ،‬ص ‪.247‬‬
‫(‪ )2‬رشح التبصة والتذكرة لزين الدين العراقي (ت ‪571‬هـ)‪ 141/2 ،‬بتصف ‪.‬‬
‫(‪ )4‬الكفاية يف علم الرواية للخطيب البغدادي (ت ‪314‬هـ)‪ ،‬ص ‪. 39‬‬

‫‪33‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ين َواألن َْص ِ‬ ‫ون ِم َن املْ َه ِ‬
‫يض‬‫ين ا َّت َبعوه ْم بِإِ ْح َسان َر َ‬ ‫ار َوا َّلذ َ‬ ‫اج ِر َ‬ ‫األول َ‬ ‫َّ‬
‫ِِ‬
‫ين‬
‫األهنَار َخالد َ‬ ‫اهلل َعنْه ْم َو َرضوا َعنْه َو َأ َعدَّ َهل ْم َجنَّات َ ْجت ِري َ ْحتت ََها ْ‬
‫ك ا ْل َف ْوز ا ْل َعظِيم﴾(‪ ،)1‬ويقول ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪:‬‬ ‫فِ َيها َأ َبدً ا َذلِ َ‬

‫اخت ََار ِين َو ْ‬


‫اخت ََار ِِّب َأ ْص َحا ًبا‪ ،)2("..‬ويف‬ ‫"إِ َّن اهلل َت َب َار َك َو َت َع َاىل ْ‬
‫اخت ََار ِل َأ ْص َحا ًبا ‪ ،)3("..‬فاهلل (عز وجل)‬ ‫اخت ََار ِين َو ْ‬
‫إن اهلل ْ‬ ‫لفظ‪َّ ":‬‬
‫املطلع عىل قلوب العباد هو من اختار للنبي (صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫أصحابه من بني الناس‪ ،‬فهم اصطفاء بارئ اخللق لسيد اخللق‪،‬‬
‫يقول عبد اهللِ بن مسعود‪" :‬إِ َّن اهللَ َنظَر ِيف قل ِ ِ ِ‬
‫ب‬‫وب ا ْلع َباد‪َ ،‬ف َو َجدَ َق ْل َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫َْ‬
‫اص َط َفاه لِنَ ْف ِس ِه‪،‬‬ ‫حممد (ص َّىل اهلل ع َلي ِه وس َّلم) َخري قل ِ ِ ِ‬
‫وب ا ْلع َباد‪َ ،‬ف ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫حم َّمد‪َ ،‬ف َو َجدَ‬
‫ب َ‬ ‫اد َب ْعدَ َق ْل ِ‬‫وب ا ْل ِعب ِ‬ ‫َفا ْب َت َع َثه بِ ِر َسا َلتِ ِه‪ ،‬ث َّم َن َظ َر ِيف قل ِ‬
‫َ‬
‫اد‪َ ،‬ف َج َع َله ْم وز ََر َاء َنبِ ِّي ِه‪. )4("..‬‬
‫وب ا ْل ِعب ِ‬ ‫ِ‬
‫وب َأ ْص َحابِه َخ ْ َري قل ِ َ‬ ‫قل َ‬

‫(‪ )1‬التوبة ‪.177:‬‬


‫(‪ )2‬املستدرك للحاكم ‪،‬كتاب معرفة الصحابة ‪ ،‬ذكر عويم بن ساعدة (ريض اهلل‬
‫عنه)‪ ،‬حديث رقم ‪.1111‬‬
‫(‪ )4‬املعجم الكبري للطباين‪ ،137/10 ،‬حديث رقم‪. 439 :‬‬
‫(‪ )3‬مسند أمحد‪ ، 53/ 1 ،‬حديث رقم ‪.4177‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬الرتيض عليهم عند ذكرهم‪ ،‬فيجب أن نتحدث عنهم بام‬
‫هم أهله من اإلجالل والتقدير ؛ فقد ترىض اهلل يف عليائه عنهم؛‬
‫الش َج َر ِة ﴾(‪،)1‬‬
‫ت َّ‬ ‫ني إِ ْذ ي َبايِعون َ‬
‫َك َ ْحت َ‬ ‫ِِ‬
‫يض اهلل َع ِن املْ ْؤمن َ‬
‫ِ‬
‫فقال‪َ ﴿ :‬ل َقدْ َر َ‬
‫ِ‬ ‫ين َواألن َْص ِ‬ ‫ون ِم َن املْ َه ِ‬
‫ار َوا َّلذ َ‬
‫ين‬ ‫اج ِر َ‬ ‫األول َ‬‫ون َّ‬ ‫السابِق َ‬
‫وقال‪َ ﴿ :‬و َّ‬
‫ِ‬
‫ا َّت َبعوه ْم بِإِ ْح َسان َر َ‬
‫يض اهلل َعنْه ْم َو َرضوا َعنْه﴾(‪ ،)2‬واتباعهم‬
‫بإحسان يعني أن نذكرهم بالدعاء ‪ ،‬وتعداد املحاسن (‪ ،)3‬وإذا ورد‬
‫ذكر ألحدهم أعقبناه بقولنا‪( :‬ريض اهلل عنه)(‪ ،)4‬ول نذكرهم‬
‫كآحاد الناس‪ ،‬وليكن لنا يف سيدنا عمر (ريض اهلل عنه) األسوة‬
‫اْلسنة ‪ ،‬فهو عىل عظيم قدره يذكر سيدنا أبا بكر وسيدنا بالل‬
‫(ريض اهلل عنهام) فيقول‪َ " :‬أبو َبكْر َس ِّيدنَا َو َأ ْعت ََق َس ِّيدَ نَا "(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬الفتح ‪.15 :‬‬


‫(‪ )2‬التوبة‪.177 :‬‬
‫(‪ )4‬راجع‪ :‬الوسيط يف تفسري القرآن املجيد‪. 121/ 4 ،‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬التقريب والتيسري ملحيي الدين النووي (ت ‪101‬هـ)‪ ،‬ص ‪. 15‬‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬باب مناقب بالل بن رباح ‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪.4133‬‬

‫‪35‬‬
‫‪ -‬ومن اآلداب يف التعامل مع الصحابة كذلك‪ :‬القتداء هبم‪،‬‬
‫فالصحابة هم من رباهم النبي (صىل اهلل عليه وسلم) عىل عينه‪،‬‬
‫وكان الوحي يتنزل عليه‪ ،‬وهو بني أظهرهم ‪ ،‬يؤدهبم ويطهرهم؛‬
‫فينبغي عىل املسلم أن يتخذهم قدوة ‪ ،‬فقد ذكر اهلل تعاىل يف كتابه أن‬
‫ِ‬
‫﴿وا َّلذ َ‬
‫ين‬ ‫من اتبع هداهم حاز رضوانه وأورثه جنانه ‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫يض اهلل َعنْه ْم َو َرضوا َعنْه﴾(‪ ،)1‬ويقول سيدنا‬ ‫ا َّت َبعوه ْم بِإِ ْح َسان َر َ‬
‫اب رس ِ‬ ‫ابن مسعود‪" :‬من ك َ ِ‬
‫ول اهلل‬ ‫َان منْك ْم مت ََأ ِّس ًيا َف ْل َيت ََأ َّس بِ َأ ْص َح ِ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ َ ْ‬
‫( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)؛ َفإِ َّهن ْم كَانوا َأ َب َّر َه ِذ ِه ْاأل َّم ِة قلو ًبا‪ ،‬وأعمقها‬
‫اخت ََارهم‬‫علمـا‪ ،‬وأقلها تكل ًفا ‪ ،‬وأقومها هد ًيا ‪ ،‬وأحسنها َح ًال ‪ْ ،‬‬ ‫ً‬
‫اهلل لِص ْح َب ِة َنبِ ِّي ِه ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َوإِ َق َام ِة ِدين ِ ِه ‪َ ،‬فا ْع ِرفوا َهل ْم‬
‫ار ِه ْم‪َ ،‬فإِ َّهن ْم كَانوا َع َىل ْاهلدَ ى ا ْمل ْست َِقي ِم"(‪.)2‬‬ ‫َف ْض َله ْم‪َ ،‬وا َّتبِعوه ْم ِيف آ َث ِ‬

‫‪ -‬ومنها ‪ :‬العلم بأن اختالفهم يف الجتهاد يف الرأي سعة يف الترشيع‬

‫(‪ )1‬التوبة‪.177 :‬‬


‫(‪ )2‬جامع بيان العلم وفضله لبن عبد الب ‪ ،‬باب ما يكره فيه املناظرة واجلدال‬
‫واملراء‪ ، 190/ 2 ،‬حديث رقم ‪. 921‬‬

‫‪36‬‬
‫ورمحة‪ ،‬فاختالف الناس يف منازعهم فطرة أرادها اهلل هلم ؛ ليثروا‬
‫اْلياة بأفكارهم ‪ ،‬وقد أقر الرسول (صىل اهلل عليه وسلم) هذا‬
‫التنوع يف أصحابه ‪ ،‬فحني اختلف أبو بكر وعمر (رضوان اهلل‬
‫عليهام) يف املوقف من أسى بدر ‪ ،‬فرأى الفاروق قتلهم ؛ ليعلم اهلل‬
‫من قلوهبم أهنا خلت من الولء إل له ولدينه ‪ ،‬ورأى الصديق قبول‬
‫الفدية منهم ‪ ،‬يستعان هبا عليهم ‪ ،‬ولعل اهلل أن يفتح قلوهبم‬
‫ك َيا‬‫لإلسالم ‪ ،‬فقال رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪ .." :‬إِ َّن َم َث َل َ‬
‫الس َالم)‪َ ،‬ق َال‪﴿ :‬ف َم ْن َتبِ َعنِي َفإِنَّه ِمنِّي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫يم ( َع َل ْيه َّ‬
‫ِ‬
‫َأ َبا َبكْر ك ََم َث ِل إِ ْب َراه َ‬
‫ِ‬ ‫َّك غَفور َر ِحيم﴾(‪َ ،)1‬و َم َث َل َ‬ ‫َو َم ْن َع َص ِاين َفإِن َ‬
‫يسى‬ ‫ك َيا َأ َبا َبكْر ك ََمثَ ِل ع َ‬
‫ْت ا ْل َع ِزيز‬ ‫َّك َأن َ‬‫َق َال‪﴿ :‬إِ ْن ت َع ِّذ ْهب ْم َفإِ َّهن ْم ِع َباد َك ‪َ ،‬وإِ ْن َتغ ِْف ْر َهل ْم َفإِن َ‬
‫اْلكِيم﴾(‪َ ،)2‬وإِ َّن َم َث َل َ‬
‫ك َيا ع َمر ك ََم َث ِل نوح َق َال‪َ ﴿ :‬ر ِّب َل ت ََذ ْر َع َىل‬ ‫َْ‬

‫ين َد َّي ًارا﴾(‪َ ،)3‬وإِ َّن ِم ْث َل َ‬


‫ك َيا ع َمر ك ََم َث ِل م َ‬
‫وسى‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ْاألَر ِ ِ‬
‫ض م َن ا ْلكَاف ِر َ‬ ‫ْ‬

‫(‪ )1‬إبراهيم ‪.41 :‬‬


‫(‪ )2‬املائدة ‪.115 :‬‬
‫(‪ )4‬نوح ‪.21 :‬‬

‫‪37‬‬
‫وهبِ ْم َفال ي ْؤ ِمنوا َحتَّى‬ ‫َق َال‪﴿ :‬ربنَا ا ْط ِمس ع َىل َأمو ِ‬
‫اهل ْم َو ْاشد ْد َع َىل قل ِ‬ ‫ْ َ َْ‬ ‫َ َّ‬
‫(ص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬
‫يم﴾ ‪ ،‬فأبان الرسول َ‬
‫(‪)2(.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َي َروا ا ْل َع َذ َ‬
‫اب األل َ‬
‫أن الختالف يف املنازع قديم‪ ،‬وأن الختالف ل ينايف أن يكون كال‬
‫املختلفني عىل صالح وتقوى‪.‬‬
‫إن "اختالفهم – الصحابة – (ريض اهلل عنهم) إنام نشأ عن‬

‫اجتهاد ‪ ،‬وهلم حمامل ولذلك كان اختـالفهم رمحــة"(‪ ، )3‬يقول‬


‫ف َأ ْص َح ِ‬ ‫اختِ َال ِ‬‫رس ِين بِ ْ‬ ‫ِ‬
‫حم َّمد ( َص َّىل اهلل‬‫اب َ‬ ‫ع َمر ْبن َع ْبد ا ْل َع ِز ِيز‪َ " :‬ما َي ُّ‬
‫محر النَّ َع ِم ؛ َألَنَّا إِ ْن َأ َخ ْذنَا بِ َق ْو ِل َهؤ َل ِء َأ َص ْبنَا ‪َ ،‬وإِ ْن‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيه َو َس َّل َم) ْ‬
‫َأ َخ ْذنَا بِ َق ْو ِل َهؤ َل ِء َأ َص ْبنَا"(‪. )4‬‬

‫(‪ )1‬يونس ‪.55 :‬‬


‫(‪ )2‬السنن الكبى للبيهقي ‪ ،‬كتاب قسم الفيء ‪ ،‬باب ما جاء يف مفاداة الرجال‬
‫منهم باملال ‪ ،‬حديث رقم ‪.12124‬‬
‫(‪ )4‬التيسري برشح اجلامع الصغري لزين الدين املناوي (ت ‪1741‬هـ)‪. 35/2 ،‬‬
‫(‪ )3‬الفقيه واملتفقه للخطيب البغدادي (أبو بكر أمحد بن عيل بن ثابت ت‪:‬‬
‫‪314‬هـ)‪. 110/ 2 ،‬‬

‫‪38‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬محل أفعاهلم عىل أحسن وجوهها ‪ ،‬فالصحابة قد قدموا يف‬
‫سبيل هذا الدين أغىل ما يمتلكون ‪ ،‬فال يقبل ً‬
‫عقال أن يتعمدوا‬
‫اخلطأ ل َع َرض من الدنيا قليل‪ ،‬وجيب علينا أن نحمل أفعاهلم عىل‬
‫أحسن حماملها املمكنة‪ ،‬وأن نعلم أنه اجتهد يطلب الصواب‪ ،‬ولنا‬
‫فيام فعله رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) األسوة اْلسنة‪ ،‬فحني‬
‫كتب سيدنا حاطب بن أِّب بلتعة (ريض اهلل عنه) إىل أهل مكة‬
‫خيبهم بمسري الرسول إليهم يف فتح مكة ‪ ،‬وكان (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) قد تكتم األمر جتن ًبا إلراقة الدماء‪ ،‬وكان سيدنا حاطب‬
‫(ريض اهلل عنه) يريد أن تكون له يد عند أهل مكة؛ لئال ينالوا أهله‬
‫بأذى‪ ،‬فلام أ ْعلِ َم (صىل اهلل عليه وسلم) باألمر رد الرسالة قبل‬
‫وصوهلا إىل أهل مكة‪ ،‬وأشار عليه سيدنا عمر(ريض اهلل عنه) بأن‬
‫يقتل حاط ًبا؛ لظنه أنه قد نافق‪ ،‬فأبان الرسول (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) أن النفاق ل جيد طريقه إىل أهل بدر‪ ،‬فقال‪ ":‬إِنَّه َقدْ َش ِهدَ‬
‫ون َقـ ِد ا َّط َل َع َع َىل َأ ْهـ ِل َبـدْ ر َف َقـ َال‬ ‫َبدْ ًرا ‪َ ،‬و َما يدْ ِر َ‬
‫يك َل َع َّل اهلل َأ ْن َيك َ‬

‫‪39‬‬
‫ا ْع َملوا َما ِشئْت ْم َف َقدْ َغ َف ْرت لَك ْم"(‪.)1‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬حبهم واْلذر من تنقيصهم أو سبهم‪ ،‬فقد أبان النبي‬
‫(صىل اهلل عليه وسلم) أن من أحبهم فقد أح َّبه ‪ ،‬ومن أبغضهم فقد‬
‫َّخذوه ْم غ ََر ًضا َب ْع ِدي‪،‬‬
‫أبغضه‪ ،‬ف َق َال‪" :‬اهلل اهلل ِيف َأصح ِاِّب ‪َ ،‬ل َتت ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫َف َم ْن َأ َح َّبه ْم َفبِح ِّبي َأ َح َّبه ْم‪َ ،‬و َم ْن َأ ْبغ ََضه ْم َفبِبغ ِِْض َأ ْبغ ََضه ْم‪َ ،‬و َم ْن‬
‫ول ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) ‪َ ":‬ل تَس ُّبوا‬‫آ َذاه ْم َف َقدْ آ َذ ِاين‪ ،)2("..‬وي َق َ‬
‫َأ ْص َح ِاِّب َف َل ْو َأ َّن َأ َحدَ ك ْم َأ ْن َف َق ِم ْث َل أحد َذ َه ًبا َما َب َلغَ مدَّ َأ َح ِد ِه ْم َو َل‬
‫ن َِصي َفه"(‪ ،)3‬أي أن أحـدنا لو أنفق مثل جبل أحـد ذهبـًا ما بـلغ‬
‫ثوابه ثـواب نـفقة أحدهم مدًّ ا ول نصف مدّ (‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري ‪ ،‬باب اجلاسوس ‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪ ، 2531‬وصحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الفضائل ‪ ،‬باب من فضائل أهل بدر‬
‫(ريض اهلل عنهم) وقصة حاطب بن أِّب بلتعة ‪ ،‬حديث رقم ‪. 2393‬‬
‫سب أصحاب النبي ‪ ،‬حديث رقم‬ ‫(‪ )2‬سنن الرتمذي ‪ ،‬أبواب املناقب ‪ ،‬باب فيمن َّ‬
‫‪. 4512‬‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬باب قول النبي (صىل‬
‫متخذا خليال )‪ ،‬حديث رقم ‪ ، 4307‬وصحيح‬ ‫ً‬ ‫اهلل عليه وسلم) ‪ " :‬لو كنت‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب فضائل الصحابة ‪ ،‬باب حتريم سب الصحابة ‪. 2131 ،‬‬
‫(‪ )3‬راجع‪ :‬رشح النووي لصحيح مسلم ‪.93 ،94/11 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫( ‪)‬‬
‫آداب معاملة الوالدين‬
‫لقد استوعبت رشيعة اإلسالم كل مناحي اْلياة وشئوهنا‪ ،‬فلم‬
‫رشا إل وحذرت منه‪ ،‬فدعت‬
‫ت إليه‪ ،‬ومل تَدَ ْع ً‬
‫خريا إل و َد َع ْ‬
‫َتدَ ْع ً‬
‫إىل مكارم األخالق‪ ،‬وحماسن اآلداب التي تنظم حياة الناس‪ ،‬والتي‬
‫لو التزموا هبا لعاشوا حياة طيبة كريمة‪ ،‬وسعدوا يف دنياهم‬
‫ِ‬
‫وأخراهم‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َأ َّل ِو ْاس َت َقاموا َع َىل ال َّط ِري َقة َألَ ْس َق ْينَاه ْم َم ً‬
‫اء‬
‫َغدَ ًقا﴾(‪ ،)1‬ومن هذه اآلداب التي حثت عليها ورغبت فيها‪ :‬آداب‬
‫إكراما هلام ‪ ،‬واعرتا ًفا بجميلهام ‪،‬‬
‫ً‬ ‫التعامل مع الوالدين ‪ ،‬وذلك‬
‫فالوالدان ُها سبب و ِ‬
‫جود األبناء يف هذه الدنيا بعد مشيئة اهلل تعاىل‪،‬‬
‫ِ‬
‫الب‬ ‫ويكفي بيا ًنا لع َظم حق الوالدين ‪ ،‬أن اهلل تعاىل َ‬
‫قر َن حقهام يف ّ‬
‫قه يف العبادة والتوحيد ‪ ،‬فقال سبحانه وتعاىل‪:‬‬ ‫واإلحسان بح ِ‬
‫َ‬
‫ك َأ َّل َت ْعبدوا إِ َّل إِ َّياه َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسانًا﴾(‪ ،)2‬وقال (عز‬
‫﴿و َق ََض َر ُّب َ‬
‫َ‬

‫الكامر ‪ ،‬مدير عام الفتوى وبحوث الدعوة ‪.‬‬


‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪ /‬عمرو حممد َّ‬
‫(‪ )1‬اجلن‪. 11 :‬‬
‫(‪ )2‬اإلساء‪. 24 :‬‬

‫‪41‬‬
‫رشكوا بِ ِه َش ْيئًا َوبِا ْل َوالِدَ ْي ِن إِ ْح َسانًا﴾(‪،)1‬‬
‫﴿وا ْعبدوا اهلل َو َل ت ْ ِ‬
‫وجل)‪َ :‬‬
‫‪﴿:‬أ ِن‬
‫كام قرن شكره تعاىل بشكر الوالدين ‪ ،‬فقال سبحانه وتعاىل َ‬

‫ك إِ َ َّل املَْ ِصري﴾(‪ ،)2‬وشكر الوالدين يكون بأداء‬


‫ْاشك ْر ِل َولِ َوالِدَ ْي َ‬
‫حقوقهام التي أوجبها اهلل تعاىل وحث عليها رسوله (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم)‪.‬‬
‫فاألم ت ْر ِضع ولدها حولني كاملني أو تكاد ‪ ،‬وتسهر ليلها عند‬
‫خصها اهلل تعاىل بالذكر يف‬
‫رأس ولدها إن مرض أو نزل به أمل ؛ لذا ّ‬
‫‪﴿:‬مح َلتْه أ ُّمه‬
‫ََ‬ ‫وصيته باإلحسان إىل الوالدين ‪ ،‬فقال (عز وجل)‬
‫ون َش ْه ًرا﴾(‪ ،)3‬وقال‬ ‫محله َوفِ َصاله َث َالث َ‬ ‫ك ْر ًها َو َو َض َعتْه ك ْر ًها َو َ ْ‬
‫ني﴾(‪.)4‬‬ ‫﴿مح َلتْه أ ُّمه َو ْهنًا َع َىل َو ْهن َوفِ َصاله ِيف َع َام ْ ِ‬
‫سبحانه وتعاىل‪َ َ :‬‬
‫الب والصلة‬
‫وقد قدمها النبي (صىل اهلل عليه وسلم) عىل األب يف ّ‬

‫(‪ )1‬النساء‪. 41 :‬‬


‫(‪ )2‬لقامن‪.13 :‬‬
‫(‪ )4‬األحقاف‪. 11 :‬‬
‫(‪ )3‬لقامن‪. 13 :‬‬

‫‪42‬‬
‫واإلحسان؛ لعظم حقها‪ ،‬فقد اختصت األم بثالثة أمور‪ :‬اْلمل‪،‬‬
‫والوضع‪ ،‬والرضاع‪ ،‬فأكد عىل حقها قبل حق األب ثالث مرات‪،‬‬
‫فعن أِّب هريرة (ريض اهلل عنه) قال‪ :‬جاء رجل إىل رسول اهلل (صىل‬
‫أحق النّاس بح ْس ِن صحابتي؟ قال‪:‬‬
‫اهلل عليه وسلم) فقال‪َ :‬م ْن ّ‬
‫ثم‬
‫ثم من؟ قال‪ّ " :‬‬
‫ثم ّأمك"‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫ثم من؟ قال‪ّ " :‬‬
‫" ّأمك" قال‪ّ :‬‬
‫ثم أبوك"(‪ ،)1‬ثم جاءت الوصية‬
‫ثم من؟ قال ‪ّ " :‬‬
‫ّأمك"‪ ،‬قال‪ّ :‬‬
‫بحسن صحبة األب الذي يعمل ليل هنار يف كد وتعب من أجل أن‬
‫يوفر ألسته ما حيتاجونه ويطلبونه من املطعم واملرشاب وامللبس‬
‫واملسكن ‪.‬‬
‫فمهام قدّ م األبناء من بر لوالدهيم فلن يوفوُهـا حقهمـا ؛‬
‫وبر األبناء إنمـا هو مكافـأة ‪ ،‬وليس‬
‫ألهنمـا من بدأ باإلحسان ‪ُّ ،‬‬
‫الواصل كاملكافئ ‪ ،‬فعن أِّب هريرة (ريض اهلل عنه) قـال ‪ :‬قـال‬

‫س بِح ْس ِن‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه ‪ ،‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب األدب ‪َ ،‬باب َم ْن َأ َح ُّق النَّا ِ‬

‫اب ‪،‬‬ ‫الص َل ِة َو ْاآل َد ِ‬


‫ب َو ِّ‬ ‫الص ْح َبة ‪ ،‬حديث رقم ‪ ،1901‬وصحيح مسلم ‪ ،‬كتاب ا ْل ِ ِّ‬
‫ِ‬
‫ُّ‬
‫َباب بِ ِّر ا ْل َوالِدَ ْي ِن َو َأ َّهن َام َأ َح ُّق بِ ِه ‪ ،‬حديث رقم ‪.2135‬‬

‫‪43‬‬
‫جيزي َولد َوالِدً ا إل أن جيدَ ه‬ ‫رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪":‬ل َ ْ‬
‫ِملو ًكا فيشرت َيه فيعتِقه"(‪ ،)1‬وقد َأتَى رجل إىل سيدنا ع َم َر بن‬
‫ني ‪ ،‬إِ َّن ِل أ ًّما َب َلغ ََها ِم َن‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اب (ريض اهلل عنه)‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َأم َري ا ْمل ْؤمن َ‬
‫اخل َّط ِ‬
‫َْ‬
‫اج ًة إِ َّل َو َظ ْه ِري َمطِ َّية َهلا‪َ ،‬ف َه ْل َأ َّد ْيت َح َّق َها؟‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ا ْلك َ ِب َأ َّهنَا َل َت ْقِض َح َ‬
‫اء َك‪َ ،‬و َأن َ‬ ‫ك بِ َ ِ‬ ‫َت ت َْصنَع َذلِ َ‬ ‫َق َال‪َ ":‬ل ؛ ِألَ َّهنَا كَان ْ‬
‫ْت‬ ‫ك َوه َي َتت ََمنَّى َب َق َ‬
‫ْت َتت ََمنَّى فِ َرا َق َها"(‪.)2‬‬ ‫ت َْصنَع َذلِ َ‬
‫ك ِ َهبا َو َأن َ‬
‫‪ -‬من أجل ذلك رشع اإلسالم لب الوالدين آدا ًبا يتأدب هبام الولد‬
‫يف تعامله معهام‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬وجوب طاعتهام يف املعروف ‪ ،‬مع الب هبام ‪ ،‬واإلحسان إليهام‪،‬‬
‫وكامل توقريُها ‪ ،‬مع العرتاف الدائم بفضلهم ومكانتهم ‪،‬‬
‫الذل ِم َن‬
‫َاح ِّ‬ ‫والتواضع هلم ‪ ،‬قال تعاىل ‪﴿ :‬و ْ ِ‬
‫اخف ْض هل َام َجن َ‬ ‫َ‬
‫مح ِة﴾(‪ ،)3‬وأن يأخذوا بمشورهتم ‪ ،‬فهم أهل التجربة يف اْلياة‬
‫الر ْ َ‬
‫َّ‬

‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب العتق‪َ ،‬باب َف ْض ِل ِعت ِْق ا ْل َوالِ ِد‪ ،‬حديث رقم ‪.1117‬‬
‫(‪ )2‬اجلامع يف اْلديث ألِّب حممد ابن وهب املصي (املتوىف‪190 :‬هـ) باب األسامء‪،‬‬
‫حديث رقم ‪. 97‬‬
‫الرج ِل َيغْزو َو َله َأ َب َو ِ‬
‫ان‪ ،‬حديث رقم ‪2052‬‬ ‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب اجلهاد‪َ ،‬باب َّ‬
‫‪44‬‬
‫والصدق يف النصيحة‪ ،‬وُها أحق الناس بعطفك ورفقك ورمحتك‬
‫وتواضعك ومعروفك‪ ،‬ف َع ْن َع ْب ِد اهلل ْب ِن َع ْمرو (ريض اهلل عنهام)‬
‫ول‬ ‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َف َق َال‪َ :‬يا َرس َ‬ ‫َق َال‪َ :‬أتَى َرجل َرس َ‬
‫ك ‪َ ،‬أ ْبت َِغي َو ْج َه اهلل َوالدَّ َار ْاآل ِخ َر َة‪،‬‬‫اجل َها َد َم َع َ‬ ‫اهلل‪ ،‬إِ ِّين ِجئْت أ ِريد ِْ‬
‫ان ‪َ ،‬ق َال‪َ ":‬فار ِجع إِ َلي ِهام ‪َ ،‬ف َأ ْض ِ‬ ‫ي َل َي ْبكِيَ ِ‬ ‫ِ‬
‫حكْه َام‬ ‫ْ ْ ْ َ‬ ‫َو َل َقدْ َأ َت ْيت َوإِ َّن َوالدَ َّ‬
‫ك ََام َأ ْب َك ْيتَه َام"(‪.)1‬‬
‫يتقرب هبا العبد إىل ربه‪،‬‬
‫إن بر الوالدين من أفضل األعامل التي ّ‬
‫وقدَّ مه (صىل اهلل عليه وسلم) عىل اجلهاد يف سبيل اهلل حال كونه‬
‫فرض كفاية‪ ،‬فأوقف اجلهاد عىل إذن الوالدين‪ ،‬فعن عبد اهلل بن‬
‫ول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه‬ ‫مسعود (ريض اهلل عنه) قال‪َ :‬س َأ ْلت َرس َ‬
‫الص َالة َع َىل َو ْقتِ َها"‬ ‫ب إِ َىل اهللِ؟ َق َال‪َّ " :‬‬ ‫ي ْاألَ ْع َام ِل َأ َح ُّ‬ ‫َو َس َّل َم)‪َ :‬أ ُّ‬
‫ِ‬
‫ي؟ َق َال ‪" :‬ث َّم‬ ‫ي؟ َق َال ‪" :‬ث َّم بِ ُّر ا ْل َوالدَ ْي ِن" ق ْلت‪ :‬ث َّم َأ ي‬ ‫ق ْلت‪ :‬ث َّم َأ ي‬
‫يل اهللِ"‪َ ،‬قـ َال ‪َ :‬حدَّ َثنِي ِهبِ َّن َو َل ِو ْاس َت َز ْدته َلزَا َد ِين"(‪.)2‬‬ ‫اجل َهاد ِيف َسبِ ِ‬ ‫ِْ‬

‫وأبواه كارهان ‪ ،‬حديث‬


‫(‪ )1‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كتاب اجلهاد ‪ ،‬باب يف الرجل يغزو َ‬
‫رقم ‪. 2125‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب األدب ‪َ ،‬باب َقـ ْو ِل اهلل َت َعـ َاىل‪َ {:‬و َو َّص ْينَا=‬

‫‪45‬‬
‫كذلك من الب عدم السفر إل بإذهنام ‪ ،‬فعن َع ْبد اهلل ْبن َع ْمرو‬
‫اء َرجل إِ َىل النَّبِ ِّي ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬
‫يض اهلل َعنْه َام) قال‪َ :‬ج َ‬
‫ِ‬
‫( َر َ‬
‫اك؟"‪َ ،‬ق َال ‪َ :‬ن َع ْم ‪َ ،‬ق َال‪:‬‬ ‫اد ‪َ ،‬ف َق َال‪َ ":‬أ َح يي َوالِدَ َ‬
‫اجله ِ‬
‫است َْأ َذنَه ِيف ِ َ‬‫َف ْ‬
‫يهام َفج ِ‬ ‫ِ‬
‫اهدْ "(‪ ،)1‬وعدَّ ابن عباس (ريض اهلل عنهام) بر الوالدة‬ ‫" َفف ِ َ َ‬
‫من أهم أسباب قبول التوبة ومغفرة الذنوب ‪ ،‬فعنه (ريض اهلل‬
‫ت َأ ْن َتنْكِ َحنِي‪،‬‬ ‫عنهام)‪َ ،‬أنَّه َأتَاه َرجل َف َق َال‪ :‬إِ ِّين َخ َط ْبت ْام َر َأةً‪َ ،‬ف َأ َب ْ‬
‫ت َأ ْن َتنْكِ َحه ‪َ ،‬ف ِغ ْرت َع َل ْي َها َف َق َت ْلت َها ‪َ ،‬ف َه ْل ِل‬ ‫َريي ‪َ ،‬ف َأ َح َّب ْ‬
‫َو َخ َط َب َها غ ْ ِ‬

‫ب إِ َىل اهلل ( َعزَّ‬


‫ك َح َّية؟" َق َال‪َ :‬ل ‪َ ،‬ق َال‪ ":‬ت ْ‬ ‫ِم ْن ت َْو َبة؟ َق َال‪ ":‬أ ُّم َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ت"‪َ .‬ف َذ َه ْبت َف َسأ ْلت ا ْب َن َع َّباس‪ :‬مل َ‬ ‫َو َج َّل)‪َ ،‬و َت َق َّر ْب إِ َل ْي ِه َما ْاس َتطَ ْع َ‬
‫َس َأ ْلتَه َع ْن َح َياةِ أ ِّم ِه؟ َف َق َال‪ ":‬إِ ِّين َل َأ ْع َلم َع َم ًال َأ ْق َر َب إِ َىل اهلل ( َع َّز‬

‫ان بِ َوالِدَ ْي ِه ح ْسنًا}العنكبوت‪ ،5 :‬حديث رقم ‪ ،1907‬وصحيح مسلم‪،‬‬ ‫=ا ِ‬


‫إلن َْس َ‬
‫اإل َيام ِن بِاهللِ َت َع َاىل َأ ْف َض َل ْاألَ ْع َام ِل‪ ،‬حديث رقم ‪.51‬‬
‫ان ك َْو ِن ْ ِ‬
‫اإليام َن‪َ ،‬باب َب َي ِ‬ ‫ِ‬
‫كتَاب ْ ِ َ‬
‫اجل َه ِ‬
‫اد بِإِ ْذ ِن األَ َب َو ْي ِن‪،‬‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري‪َ ،‬باب ِ‬

‫حديث رقم ‪ ،4773‬وصحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الب والصلة واآلداب ‪َ ،‬باب بِ ِّر‬
‫ا ْل َوالِدَ ْي ِن َو َأ َّهن َام َأ َح ُّق بِ ِه ‪ ،‬حديث رقم ‪. 2139‬‬

‫‪46‬‬
‫َو َج َّل) ِم ْن بِ ِّر ا ْل َوالِدَ ِة"(‪ْ ،)1‬‬
‫فإن كان طلب الوالدين يف معصية اهلل‪،‬‬
‫أو ِما ل طاقة لألبناء به ‪ ،‬فال طاعة ملخلوق يف معصية اخلالق ‪ ،‬ول‬
‫نفسا إل وسعها ‪ ،‬لكن ينبغي أن ي َر ّد ذلك برفق ولني‬
‫يكلف اهلل ً‬
‫﴿وإِ ْن‬‫وح ْسن اعتذار ‪ ،‬ويف ذلك يقول ربنا سبحانه وتعاىل ‪َ :‬‬
‫ك بِ ِه ِع ْلم َف َال تطِعهام وص ِ‬
‫اح ْبه َام‬ ‫اك َع َىل َأ ْن ت ْ ِ‬
‫رش َك ِِّب َما َل ْي َس َل َ‬ ‫اهدَ َ‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫َج َ‬
‫ِيف الدُّ ْن َيا َم ْعرو ًفا﴾(‪.)2‬‬
‫الكب‪،‬‬
‫‪ -‬كذلك من األدب مع الوالد ْين‪ :‬كامل رعايتهام عند َ‬
‫والوهن‪ ،‬فيحتاج‬
‫َ‬ ‫اهلرم‬
‫فأشدّ فرتة يف حياهتام تلك التي يعرتهيم فيها َ‬
‫خص اهلل تعاىل هذه املرحلة بالذكر عند‬
‫عندها اآلباء إىل األبناء‪ ،‬لذا ّ‬
‫ك َأ َّل‬‫﴿و َق ََض َر ُّب َ‬
‫حديثه عن اإلحسان للوالدين‪ ،‬فقال سبحانه‪َ :‬‬
‫ُها َأ ْو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ب َأ َحد َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َت ْعبدوا إ َّل إ َّياه َوبا ْل َوالدَ ْي ِن إ ْح َسانًا إ َّما َي ْبلغ ََّن عنْدَ َك ا ْلك َ َ‬
‫اخ ِف ْض‬ ‫ُها َوق ْل َهل َام َق ْو ًل ك َِر ًيام * َو ْ‬ ‫ُها َف َال تَق ْل َهل َام أف َو َل َتن َْه ْر َ‬
‫ِ‬
‫ك َال َ‬

‫(‪ )1‬األدب املفرد للبخاري‪َ ،‬باب بِ ِّر ْاأل ِّم‪ ،‬حديث رقم ‪. 3‬‬
‫(‪ )2‬لقامن‪. 11 :‬‬

‫‪47‬‬
‫محه َام ك ََام َر َّب َي ِاين َص ِغ ًريا﴾(‪،)1‬‬ ‫الذ ِّل ِمن الر ِ‬
‫محة َوق ْل َر ِّب ْار َ ْ‬
‫َ َّ ْ َ‬ ‫َهل َام َجن َ‬
‫َاح ُّ‬
‫ب أحدُها‪ ،‬وُها يف كنفك وكفالتِك‪ ،‬فيجب‬ ‫ِ‬
‫أي إذا بلغ الوالدان الك َ َ‬
‫تتضج ْر‪ ،‬وقل هلام قول لينًا‬
‫ّ‬ ‫ْ‬
‫تتأفف ول‬ ‫حتنو عليهام‪ ،‬فال‬
‫عليك أن َ‬
‫ً‬
‫مجيال مهذ ًبا ‪ ،‬مع التواضع وخفض اجلناح‪ ،‬فاإلحسان للوالدين‬
‫األجر والثواب ‪ ،‬وويل ملن ض ّيعها بالعقوق وترك‬
‫فرصة ملضاعفة ْ‬
‫الب‪ ،‬ف َع ْن َأ ِِّب ه َر ْي َر َة (ريض اهلل عنه) َق َال‪َ :‬ق َال َرسول اهللِ ( َص َّىل اهلل‬
‫يل‪َ :‬م ْن َيا‬ ‫َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ " :‬ر ِغ َم َأنْفه‪ ،‬ث َّم َر ِغ َم َأنْفه‪ ،‬ث َّم َر ِغ َم َأنْفه" قِ َ‬
‫ُها َأ ْو كِ َل ْي ِه َام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ول اهللِ؟ َق َال‪َ " :‬م ْن َأ ْد َر َك َوالدَ ْيه عنْدَ ا ْلك َ ِب‪َ ،‬أ َحدَ َ‬ ‫َرس َ‬
‫ث َّم َمل ْ َيدْ خ ِل َْ‬
‫اجلنَّ َة"(‪.)2‬‬
‫‪-‬كذلك من األدب مع الوالدين‪ :‬اإلنفاق عليهام باملعروف إن‬
‫حاجاهتم من مأكل ومرشب وملبس‬ ‫ِ‬ ‫كانا فقراء حمتاجني ‪ ،‬فتسدّ‬
‫ت‪َ :‬ق َال َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه‬
‫ومسكن ودواء‪ ،‬ف َع ْن َعائِ َش َة‪َ ،‬قا َل ْ‬

‫(‪ )1‬اإلساء‪. 23 ،24 :‬‬


‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‪َ ،‬باب َرغ َم َأنْف َم ْن َأ ْد َر َك َأ َب َو ْيه َأ ْو‬ ‫ِ‬
‫الص َلة َو ْاآل َد ِ‬ ‫(‪ )2‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب ا ْل ِ ِّ‬
‫ب َو ِّ‬
‫اجلنَّ َة‪ ،‬حديث رقم ‪. 2111‬‬ ‫ُها ِعنْدَ ا ْلكِ َ ِب‪َ ،‬ف َل ْم َيدْ خ ِل َْ‬
‫َأ َحدَ َ‬
‫‪48‬‬
‫ب َما َأ َك ْلت ْم ِم ْن ك َْسبِك ْم ‪َ ،‬وإِ َّن َأ ْو َل َدك ْم ِم ْن‬ ‫َو َس َّل َم)‪" :‬إِ َّن َأ ْط َي َ‬
‫ك َْسبِك ْم"(‪ ،)1‬وعن َع ْمرو ْبن ش َع ْيب ‪َ ،‬ع ْن َأبِ ِيه ‪َ ،‬ع ْن َجدِّ ِه ‪َ ،‬ق َال ‪:‬‬
‫ول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬إِ َّن َأ ِِّب ي ِريد َأ ْن‬ ‫اِّب َرس َ‬ ‫َ َ‬
‫أتَى أ ْع َر ِ ي‬
‫ب َما َأ َك ْلت ْم ِم ْن‬ ‫ْت ومال َ ِ ِ ِ‬
‫ك ل َوالد َك‪ ،‬إِ َّن َأ ْط َي َ‬ ‫ال؟ َق َال‪َ " :‬أن َ َ َ‬ ‫َاح َم ِ‬ ‫جيت َ‬
‫َْ‬
‫ك َْسبِك ْم‪َ ،‬وإِ َّن َأ ْم َو َال َأ ْو َل ِدك ْم ِم ْن ك َْسبِك ْم‪َ ،‬فكلوه َهنِيئًا"(‪.)2‬‬
‫فب الوالدين مستمر‬
‫‪ -‬ومن األدب مع الوالدين ّبرُها بعد ِماهتام‪ّ :‬‬
‫وبر بعد َرحيلهام ‪ ،‬ف َع ْن َأ ِِّب أ َس ْيد‬ ‫حتى بعد املوت‪ ،‬فلهام حقوق ّ‬
‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َق َال‪:‬‬ ‫ب رس ِ‬ ‫ِ‬
‫(ريض اهلل عنه)‪َ ،‬صاح ِ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اءه َرجل‬ ‫َب ْين ََام َأنَا َجالس عنْدَ َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم) إِ ْذ َج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم َن ْاألَن َْص ِ‬
‫يشء‬ ‫ي َ ْ‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬ه ْل َبق َي َع َ َّيل م ْن بِ ِّر َأ َب َو َّ‬ ‫ار‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬يا َرس َ‬
‫الص َالة َع َل ْي ِه َام‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُها بِه؟ َق َال‪َ " :‬ن َع ْم خ َصال َأ ْر َب َعة ‪َّ :‬‬ ‫َب ْعدَ َم ْوهتِ َام َأ َب ُّر َ‬
‫الر ِح ِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُها‪َ ،‬وإِك َْرام َصديق ِه َام ‪َ ،‬وص َلة َّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َوال ْست ْغ َفار َهل َام‪َ ،‬وإِ ْن َفاذ َع ْهد َ‬

‫ال َو َل ِد ِه ‪ ،‬حديث رقم‬


‫ات ‪َ ،‬باب ما لِلرج ِل ِم ْن م ِ‬
‫َ‬ ‫َ َّ‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كِتَاب التِّجار ِ‬
‫َ َ‬
‫‪. 2297‬‬
‫(‪ )2‬مسند أمحد ‪ ،211/11‬حديث رقم ‪. 1105‬‬

‫‪49‬‬
‫ِ‬ ‫ك إِ َّل ِمن قِبلِ ِهام‪َ ،‬فهو ا َّل ِذي ب ِقي ع َلي َ ِ‬
‫ا َّلتِي َل َر ِح َم َل َ‬
‫ك م ْن بِ ِّر َ‬
‫ُها َب ْعدَ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ِ‬
‫َم ْوهتِ َام" ‪ ،‬فتلك فرصة ثانية ملن ّ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫قص يف ّبر والديه يف حياهتام‪ ،‬أو‬
‫صغريا عند وفاهتام فلم حيظ برشف برُها أن يستدرك ما فاته‬
‫ً‬ ‫كان‬
‫الب هبذه األمور األربعة ‪ ،‬ومن بر الوالدين بعد وفاهتام‪ :‬الدعاء‬
‫من ّ‬
‫هلام‪ ،‬فدعاء األبناء الصاْلني للوالدين يعد من عمل الوالد الذي ل‬
‫يستمر أجره وثوابه للوالدين بعد رحيلهام‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ينقطع أجره بوفاته ؛ بل‬
‫فعن أِّب هريرة (ريض اهلل عنه) أن رسول (صىل اهلل عليه وسلم)‪،‬‬
‫اإلن َْسان ا ْن َق َط َع َعنْه َع َمله إِ َّل ِم ْن َث َال َثة‪ :‬إِ َّل ِم ْن‬
‫ات ْ ِ‬
‫قال‪" :‬إ َذا َم َ‬
‫ار َية ‪َ ،‬أ ْو ِع ْلم ينْ َت َفع بِ ِه ‪َ ،‬أ ْو َولَد َصالِح َيدْ عو َله"(‪ ،)2‬وعدّ‬
‫َصدَ َقة َج ِ‬

‫النبي (صىل اهلل عليه وسلم) دعاء الولد من عمل الوالد ؛ ألن الولد‬
‫من سعي أبيه ‪.‬‬
‫وبالدعاء للوالدين ْترفع درجتهام يف اجلنة‪ ،‬فعن أِّب هريرة (ريض‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد ‪ ، 310/ 21‬حديث رقم ‪. 11719‬‬


‫اب َب ْعدَ َو َفاتِ ِه‪،‬‬
‫ان ِم َن ال َّث َو ِ‬ ‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الوصية ‪ ،‬باب َما َي ْل َحق ْ ِ‬
‫اإلن َْس َ‬
‫حديث رقم ‪. 1114‬‬

‫‪51‬‬
‫اهلل عنه) قال‪ :‬قال رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪":‬إِ َّن اهلل ( َع َّز‬
‫اجلن َِّة ‪َ ،‬ف َيقول‪َ :‬يا َر ِّب ‪َ ،‬أنَّى‬
‫الصالِحِ ِيف َْ‬ ‫ِ ِ‬
‫َو َج َّل) َل َ ْري َفع الدَّ َر َج َة ل ْل َع ْبد َّ‬
‫ك"(‪.)1‬‬‫ار َولَ ِد َك َل َ‬
‫استِ ْغ َف ِ‬
‫ِل َهذه؟ َف َيقول‪ :‬بِ ْ‬
‫ِِ‬

‫وأهل و ِّد ُِها‪ :‬ففي‬


‫ِ‬ ‫ومن ّبر الوالدين بعد وفاهتام‪ :‬صلة أقارهبام‬
‫صلة رمحهمـا وأهل و ّد الوالدين من األحباب واألصدقـاء ّبر‬
‫بالوالدين بعد موهتام ‪ ،‬فعن عبد اهلل بن دينار ‪ ،‬عن عبد اهلل بن عمر‬
‫فسلم‬ ‫(ريض اهلل عنهام) ‪ ،‬أن رجال من األعراب ِ‬
‫لق َيه بطريق مكة ‪،‬‬
‫َ‬
‫كانت عىل‬
‫ْ‬ ‫عليه عبد اهلل ‪ ،‬ومحله عىل محار كان يركبه ‪ ،‬وأعطاه ِعاممة‬
‫أصلحك اهلل ‪ ،‬إهنم األعراب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫رأسه ‪ ،‬فقال ابن دينار ‪ :‬فقلنا له ‪:‬‬ ‫ِ‬

‫إن أ َبا هذا كان و ّدا لِع َم َر ِ‬


‫بن‬ ‫وإهنم َي ْر َض ْو َن بال َيسري ‪ ،‬فقال عبد اهلل ‪ّ :‬‬
‫اخلطاب ‪ ،‬وإين سمعت رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) يقول‪:‬‬
‫الرجل َأ ْه َل و ِّد َأبِ ِيه"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫الب َأ ْن َيص َل َّ‬ ‫ِ َ‬
‫"إ َّن أ َب َّر ِ ِّ‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد‪ ،411/11 ،‬رقم ‪.17117‬‬


‫الوالِ ِد ‪،‬‬
‫يق َ‬‫اء ِيف إِك َْرا ِم َص ِد ِ‬
‫(‪ )2‬سنن الرتمذي ‪ ،‬أبواب الب والصلة ‪َ ،‬باب َما َج َ‬
‫حديث رقم ‪. 1974‬‬

‫‪51‬‬
‫عهد ُِها وقضاء‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬ومن األدب مع الوالدين بعد وفاهتام‪ :‬إنفاذ‬
‫َد ْينِهام؛ فمن مات والِداه وتركا د ْينا عليهام‪ ،‬أو وصية من بعدُها‪،‬‬
‫وجب عىل األبناء أن َيقضوا عنهام الدّ ْين‪ ،‬وأن يؤ ّدوا وصيتهام‪ ،‬ف َع ْن‬
‫َع ْب ِد اهلل ْب ِن ب َر ْيدَ ةَ‪َ ،‬ع ْن َأبِ ِيه َق َال‪ :‬كنْت َجالِ ًسا ِعنْدَ ال َّنبِ ِّي ( َص َّىل اهللَّ‬
‫ول اهلل‪ ،‬إِ َّهنَا (أمي) كَا َن‬ ‫َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) إِ ْذ َأ َتتْه ْام َر َأة‪َ ،‬ف َقا َل ْ‬
‫ت‪َ :‬يا َرس َ‬
‫ت‪َ :‬يا‬ ‫ع َليها صوم َشهر‪َ ،‬أ َف َأصوم عنْها؟ َق َال‪" :‬ص ِ‬
‫ومي َعن َْها"‪َ ،‬قا َل ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َ ْ‬
‫ول اهلل‪ ،‬إِ َّهنَا َمل ْ َحت َّج َق ُّط‪َ ،‬أ َف َأح ُّج َعن َْها؟ َق َال‪َ " :‬ن َع ْم‪ ،‬ح ِّجي‬
‫َرس َ‬

‫َعن َْها"(‪. )1‬‬


‫أيضا‪ :‬قضاء ما عليهام من نذر؛‬
‫ومن ّبر الوالدين بعد وفاهتام ً‬
‫فمن مات من الوالدين وعليه نذر طاعة معينة‪ ،‬كالصوم أو اْلج أو‬
‫الصدقة أو غري ذلك من الطاعات ‪ ،‬ومل يتمكن من الوفاء بنذره قبل‬
‫نذره إن كان يف استطاعتهم‪،‬‬ ‫موته‪ ،‬فمن ّبر أبنائه به أن َيقضوا عنه َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يض اهلل‬
‫أن َس ْعدَ ْب َن ع َبا َد َة ( َر َ‬ ‫ف َع ِن ا ْب ِن َع َّباس ( َر َ‬
‫يض اهلل َعنْه َام)‪َّ :‬‬

‫اء الصيا ِم ع ِن املَْي ِ‬


‫ت‪ ،‬حديث رقم‬ ‫(‪ )1‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب َق َض ِ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ َ َ‬ ‫َ‬
‫‪. 1139‬‬

‫‪52‬‬
‫قال ‪ :‬إِ َّن أ ِّمي‬
‫هلل (صىل اهلل عليه وسلم) ‪َ ،‬ف َ‬ ‫ول ا ِ‬‫َعنْه) ْاس َت ْفتَى َرس َ‬

‫اقض ِه َعن َْها"(‪.)1‬‬


‫قال ‪ِ " :‬‬
‫َت َو َع َل ْي َها ن َْذر ‪َ ،‬ف َ‬
‫َمات ْ‬

‫اء ًة َأ ْن َيت ََصدَّ قوا‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري‪ ،‬كِتَاب الوصايا‪ ،‬باب ما يستَح ِ‬
‫ب َمل ْن تو ِّ َيف ف َج َ‬‫َ َ َ َ َ ْ َ ُّ‬
‫ور ع ِن املَي ِ‬ ‫ِ‬
‫ت ‪ ،‬حديث رقم ‪. 2011‬‬ ‫َعنْه‪َ ،‬و َق َضاء النُّذ ِ َ ِّ‬
‫‪53‬‬
‫(‪)‬‬
‫آداب الطعام والشراب‬

‫عظيام من‬
‫ً‬ ‫لقد ترك لنا النبي (صىل اهلل عليه وسلم) مريا ًثا نبو ًّيا‬
‫اآلداب الرشيفة عند تناولنا الطعام والرشاب عىل الرغم من‬
‫اختالف أعامرنا وتنوع بيئاتنا ‪ ،‬ولعل من أُهها أن يتحرى كل منا‬
‫الكسب اْلالل‪ ،‬فيطيب طعامه ورشابه ِما أحله اهلل له بعيدً ا عن‬
‫ِ‬
‫الكسب اْلرام‪ ،‬امتثال ألمر اهلل (تعاىل) ‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّ َهيا ا َّلذ َ‬
‫ين َآمنوا كلوا‬
‫حالل ‪ ،‬ول يطعم أولده‬ ‫ً‬ ‫ِمن َطيب ِ‬
‫ات َما َر َز ْقنَاك ْم﴾(‪ ،)1‬فال يأكل إل‬ ‫ْ ِّ َ‬
‫إل طي ًبا ‪ ،‬بل عىل املسلم أن ينأى بنفسه عن مواضع الشبهات ‪.‬‬
‫وهذه اآلداب التي سنّها نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) للطعام يف‬
‫جمملها حتافظ عىل صحتنا فتعد من باب الوقاية ‪ ،‬وتعيننا عىل أداء‬
‫مهمتنا يف اْلياة ‪ِ ،‬ما يد ّل عىل عظمة هذا الدّ ين وشموليتـه جلميع‬
‫جوانب اْلياة ‪.‬‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬أرشف فهمي موسى ‪ ،‬مدير عام التدريب ‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة ‪.102 :‬‬

‫‪54‬‬
‫فمن هذه اآلداب ‪ :‬غسل اليدين قبل األكل حفا ًظا عىل صحة‬
‫اإلنسان من التلوث ؛ فإن مل نغسل أيدينا كنا عرضة لنتقال‬
‫األمراض واألوبئة ‪ ،‬فعن أم املؤمنني السيدة عائشة (ريض اهلل‬
‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) ك َ‬
‫َان إِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َينَا َم‬ ‫عنها)‪َ ":‬أ َّن َرس َ‬
‫لص َالةِ ‪َ ،‬وإِ َذا َأ َرا َد َأ ْن َي ْأك َل‪َ ،‬أ ْو‬ ‫ِ‬
‫وءه ل َّ‬ ‫َوه َو جنب ‪َ ،‬يت ََو َّضأ وض َ‬
‫رش َب"(‪ ،)1‬ويقول نبينا (صىل اهلل عليه‬ ‫رش َب‪َ ،‬غ َس َل َيدَ ه‪ ،‬ث َّم َأك ََل َو َ ِ‬
‫َي ْ َ‬
‫وسلم) ‪َ " :‬ب َركَة الطعا ِم الوضوء َقب َله ‪ ،‬والوضـوء َبعـدَ ه"(‪،)2‬‬
‫واملقصود هنـا بالوضـوء هـو املعنى اللغوي ‪ ،‬ويعني غسل اليدين‪،‬‬
‫فيستحب غسل اليدين قبل الطعام وبعده ‪ ،‬حتى وإن كان املرء عىل‬
‫وضوء ‪.‬‬
‫– ومنها‪ :‬البسملة أو التسمية‪ :‬وهي سنة متبعة يف أول الطعام تربط‬
‫املسلم باملنعم سبحانه وتعاىل فيذكره بالنعم وبأن هذا الرزق من اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬وكل يشء يبدأ بالبسملة حتصل له من البكة واخلري ما شاء‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد ‪ ، 491/34‬حديث رقم ‪.21454‬‬


‫(‪ )2‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كتاب األطعمة ‪ ،‬باب غسل اليد عند الطعام ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪. 4011‬‬

‫‪55‬‬
‫اهلل له ‪ ،‬وأي عمل ل يبدأ بذكر اهلل (عز وجل) َت ِقل بركته ‪ ،‬يقول‬
‫ِ‬
‫ان َي ْستَح ُّل ال َّط َعا َم إِ َذا َمل ْ‬ ‫نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) ‪" :‬إِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬
‫ي ْذكَر ْاسم اهلل َع َل ْي ِه"(‪ ،)1‬و َق َال َرسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫ك ‪َ ،‬وك ْل ِِمَّا‬ ‫معلام الغالم الصغري‪َ " :‬يا غ َالم َس ِّم اهلل ‪َ ،‬وك ْل بِ َي ِمين ِ َ‬
‫ً‬
‫َيلِ َ‬
‫يك"(‪ ،)2‬ومن نيس التسمية أول األكل جاز له التسمية أثناء‬
‫أن رسول اهلل (صىل‬ ‫األكل ‪ ،‬فعن السيدة عائشة (ريض اهلل عنها) َّ‬
‫ِ‬
‫َيس‬ ‫اهلل عليه وسلم) قال‪" :‬إذا أكل أحدكم فليذك ِر َ‬
‫اسم اهلل ‪ ،‬فإن ن َ‬
‫أن يذكر اسم اهلل يف أولِه فليق ْل‪ :‬باسم اهلل أو َله ِ‬
‫وآخ َره"(‪.)3‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬الدعاء قبل الطعام ‪ ،‬فمن هدي نبينا (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) قبل تناول الطعام أن ندعو ألنفسنا ببكة الطعام ‪ ،‬فعن ابن‬
‫َع َّباس (ريض اهلل عنهام) َأ َّن نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) َق َال‪َ ":‬م ْن‬
‫ار ْك َلنَا فِ ِيه ‪َ ،‬و َأ ْط ِع ْمنَا َخ ْ ًريا ِمنْه‪،‬‬
‫اللهم َب ِ‬
‫َّ‬ ‫َأ ْط َع َمه اهلل َط َع ًاما َف ْل َيق ْل‪:‬‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد‪ ،253/45 ،‬حديث رقم ‪.24239‬‬


‫(‪ )2‬سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب األطعمة ‪َ ،‬باب ْاألَك ِْل‪ ،‬بِا ْل َي ِم ِ‬
‫ني ‪ ،‬حديث رقم ‪.4210‬‬
‫(‪ )4‬سنن أِّب داود‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب التسمية عىل الطعام ‪ ،‬حديث رقم ‪.4010‬‬

‫‪56‬‬
‫ار ْك َلنَا فِيـ ِه َو ِز ْد َنـا ِمنْـه ‪َ ،‬فإِنَّه‬
‫َو َم ْن َس َقـاه اهلل َل َبنًـا َف ْل َيـق ْل‪ :‬اللهـ َّم َب ِ‬

‫َري ال َّل َب ِن"(‪.)1‬‬ ‫الرش ِ‬


‫اب غ ْ َ‬ ‫جي ِزئ َمك َ‬
‫َان الطَّ َعا ِم َو َّ َ‬ ‫َليـْ َس َ ْ‬
‫يشء ْ‬
‫ومنها‪ :‬ا ْألَكْل بِاليد اليمنى ‪ ،‬فكان من هدي نبينا (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) التيامن يف كل أموره ‪ ،‬فعن أم املؤمنني عائشة (ريض اهلل‬
‫عنها) أهنا قالت ‪َ " :‬كان النَّبي (صىل اهلل عليه وسلم) ي ْعجبه ال َّت َيمن‬

‫يف َت َنعله و َت َرجله وطهوره ويف َشأنه كله" ‪ ،‬وقد ع ّلمه و ّ‬


‫(‪)2‬‬
‫وص به‬
‫نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) فقال‪َ ":‬يا غ َالم ‪َ :‬س ِّم اهلل َوك ْل بِ َي ِمينِك‪،‬‬
‫ِ‬
‫بشامله ما‬ ‫َوك ُّل ِِمَّا َيلِيك"(‪ ،)3‬وهنى (صىل اهلل عليه وسلم) أن يأكل‬
‫مل ْ يكن له عذر ‪ ،‬ف َع ْن ا ْب ِن ع َم َر (ريض اهلل عنهام) َأ َّن النَّبِ َّي (صىل اهلل‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عليه وسلم) َقال‪َ ":‬ل َيأك َل َّن أ َحد منْك ْم بِش َامله ‪َ ،‬و َل َي ْ َ‬
‫رش َب َّن ِ َهبا ‪،‬‬
‫رشب ِ َهبا"(‪َ ،)4‬فإِ ْن ك َ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫الش ْي َط َ ْ‬
‫َفإِ َّن َّ‬
‫عذر َي ْمنَعه‬ ‫َان له ْ‬ ‫ان َيأكل بِش َامله‪َ ،‬و َي ْ َ‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد‪ ،349/4 ،‬حديث رقم ‪.1905‬‬


‫(‪ )2‬مسند أمحد‪ ،103/31،‬حديث رقم ‪. 23120‬‬
‫ني ‪ ،‬حديث رقم ‪.4210‬‬ ‫ِ‬
‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب األطعمة ‪َ ،‬باب ْاألَك ِْل بِا ْل َيم ِ‬
‫اب و َأحك ِ‬
‫َام ِه َام‪،‬‬ ‫رش َب ِة ‪َ ،‬باب آ َد ِ‬‫(‪ )3‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب ْاألَ ْ ِ‬
‫الرش ِ َ ْ‬
‫اب ال َّط َعا ِم َو َّ َ‬
‫حديث رقم ‪.2727‬‬

‫‪57‬‬
‫اليمني فال حرج من استعامل اليد اليرسى‬ ‫من األَكل أو الرشب بِ ِ‬

‫ين ِم ْن َح َرج"(‪.)1‬‬
‫عمال بقوله تعاىل ‪َ " :‬و َما َج َع َل َع َل ْيك ْم ِيف الدِّ ِ‬
‫ً‬
‫ومنها‪ :‬حسن مضغ الطعام واألكل ِما ييل اآلكل ‪ ،‬فمن هديه‬
‫يأكل اإلنسان ِما َيلِ ِيه ِيف ال َّط َعا ِم مبارشة ‪،‬‬
‫(صىل اهلل عليه وسلم) َأ ْن َ‬
‫فاألكل من موضع اآلخرين سوء أدب ‪ ،‬ملا ورد عن عمر بن أِّب‬
‫غالما يف حجر رسول اهلل (صىل‬
‫سلمة (ريض اهلل عنهام) قال‪ :‬كنت ً‬
‫اهلل عليه وسلم) وكانت يدي تطيش يف الصحفة‪ ،‬فقال ل رسول‬
‫اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪َ ":‬يا غ َالم‪َ :‬س ِّم اهلل ‪َ ،‬وك ْل بِ َي ِمينِك َوك ُّل‬
‫ِِمَّا َيلِيك"(‪ ،)2‬وقد ثبتت علم ًّيا فوائد مضغ الطعام ‪ ،‬فهو يسهل‬
‫عملية البلع واهلضم ‪ ،‬كذلك الوقاية من أمراض املعدة والقولون ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن اآلداب كذلك‪ :‬عدم األكل متكئًا ‪ :‬فعن ِ‬
‫عبد اهلل ِ‬
‫بن عمرو‬
‫(ريض اهلل عنهام)‪ ،‬قال ‪" :‬ما رئِ َي َرسول اهلل ( َّ‬
‫صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫يأكل متكِ ًئا َق ُّط"(‪ ،)3‬وعن وهب بن عبد اهلل (ريض اهلل عنه) عن‬

‫(‪ )1‬اْلج ‪.05 :‬‬


‫(‪ )2‬سبق خترجيه يف الصفحة السابقة ‪.‬‬
‫(‪ )4‬سنن أِّب داود‪ ،‬كتاب األطعمة‪ ،‬باب األكل متك ًئا‪ ،‬حديث رقم ‪.4007‬‬

‫‪58‬‬
‫رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) قـال ‪" :‬ل آكل متَّكئـا"(‪،)1‬‬
‫وذلك ملـا فيه من الضـرر الصحي ‪ ،‬وقـد يورث يف نفس اإلنسان‬
‫الكب والتعال ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬عدم ذم األكل أو تقبيحه‪ :‬فلم يذم (صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫طعاما قط؛ بل يسأل عن الطعام الذي ل يعرفه ‪ ،‬فقد كان رسول‬
‫ً‬
‫طعاما حتى يسمى له فيعرف ما‬
‫ً‬ ‫اهلل(صىل اهلل عليه وسلم) ل يأكل‬
‫هو ‪ ،‬ومن ذلك حديث الضب الذي مل يأكله رسول اهلل (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم)‪ ،‬أما ما يفعله البعض من عيب الطعام وذمه فليس من‬
‫هدي نبينا (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فعن أِّب هريرة (ريض اهلل عنه)‬
‫اب َط َع ًاما‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪َ " :‬ما َر َأ ْيت َرس َ‬
‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم) َع َ‬
‫َت"(‪.)2‬‬ ‫َان إِ َذا ْاشت ََهاه َأ َك َله ‪َ ،‬وإِ َذا َمل ْ َي ْشت َِه ِه َسك َ‬
‫َق ُّط‪ ،‬ك َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬عدم العجلة يف مد األيدي إىل الطعام ‪ ،‬فعن حذيفة (ريض‬
‫رضنَا َم َع النَّبِ ِّي ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬
‫اهلل عنه) قال‪ ":‬كنَّـا إِ َذا َح َ ْ‬

‫(‪ )1‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كتاب األطعمة ‪ ،‬باب األكل متك ًئا ‪ ،‬حديث رقم ‪.4019‬‬
‫(‪ )2‬مسند أمحد ‪ ،214/11‬حديث رقم ‪. 9170‬‬

‫‪59‬‬
‫َط َعـ ًاما َلـ ْم ن ََض ْع َأ ْي ِد َينَا َحتَّى َي ْبـدَ َأ َرسول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬
‫َف َي َض َع َيدَ ه"(‪ ،)1‬ويقول الشاعر‪:‬‬
‫وإِ ْن مدَّ ْت األَي ِدي إِىل الـز ِ‬
‫َّاد َمل ْ أك ْن‬ ‫ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫بأَ ْع َجلِ ِه ْم إِذ َأ ْج َشع ال َقو ِم َأ ْع َجل‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬العتدال يف كمية الطعام والرشاب وعدم اإلساف فيه‪،‬‬
‫فاألكل الكثري يؤدي إىل التخمة والبطنة ‪ ،‬ويسبب املرض‪ ،‬ويورث‬
‫الكسل والنوم ‪ ،‬وهو شـر عىل اإلنسان ‪ ،‬لقوله (صىل اهلل عليه‬
‫رشا ِم ْن َب ْطن‪ ،‬بِ َح ْس ِ‬
‫ب ا ْب ِن آ َد َم َأك ََالت‬ ‫اء َ ًّ‬
‫وسلم)‪" :‬ما م َ َ ِ‬
‫أل آ َدم يي ِو َع ً‬ ‫َ َ‬
‫رشابِ ِه َوثلث‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫حما َل َة َفثلث ل َط َعامه َوثلث ل َ َ‬ ‫َان ل َ َ‬‫ي ِق ْم َن ص ْل َبه‪َ ،‬فإِ ْن ك َ‬
‫لِنَ َف ِسه"(‪.)3‬‬

‫اب و َأحك ِ‬
‫َام ِه َام ‪،‬‬ ‫رش َب ِة ‪َ ،‬باب آ َد ِ‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب ْاألَ ْ ِ‬
‫الرش ِ َ ْ‬
‫اب ال َّط َعا ِم َو َّ َ‬
‫حديث رقم ‪. 2710 :‬‬
‫(‪ )2‬سكب األدب عىل لمية العرب لسليامن بك بن عبد اهلل بك الشاوي‪ ،‬ص‪:‬‬
‫‪.143‬‬
‫اد ِيف ْاألَك ِْل ‪َ ،‬وك ََر َاه ِة ِّ‬
‫الش َب ِع ‪،‬‬ ‫(‪ )4‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب األطعمة ‪ ،‬باب ِال ْقتِص ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حديث رقم ‪.4439 :‬‬

‫‪61‬‬
‫‪ -‬ومن اآلداب كذلك عدم األكل والرشب يف آنية الذهب‬
‫والفضة؛ لنهيه (صىل اهلل عليه وسلم) الصيح عن ذلك ‪ ،‬فعن‬
‫حذيفة (ريض اهلل عنه) قال‪ :‬سمعت النبي (صىل اهلل عليه وسلم )‬
‫ب َو َل ِيف ا ْل ِف َّض ِة ‪َ ،‬و َل َت ْل َبسوا َْ‬
‫اْل ِر َير‬ ‫َرشبوا ِيف آنِ َي ِة َّ‬
‫الذ َه ِ‬ ‫يقول‪َ ":‬ل ت ْ َ‬
‫اج ‪َ ،‬فإِ َّهنَا َهل ْم ِيف الدُّ ْن َيا َو َلك ْم ِيف ْاآل ِخ َر ِة "(‪ ،)1‬وملا فيه من‬ ‫َو َل الدِّ ي َب َ‬
‫التبذير واملخيلة والكب ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬عدم النفخ يف الطعام اْلار‪ ،‬وترك التنفس يف اإلناء ‪:‬‬
‫فعن ابن عباس (ريض اهلل عنهام) أن النبي (صىل اهلل عليه وسلم)‬
‫"هنى أن يتنَ َّف َس يف اإلناء أو ين َف َخ فيه"(‪. )2‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬عدم الرشب من ِّيف السقاء مبارشة ؛ بل يصب يف إناء ثم‬
‫يشـرب ‪ ،‬فربام يكـون املاء غري صالح للرشب ‪ ،‬أو آوت إىل القربة‬
‫‪ -‬أو ما يشبهها من أواين مجع املاء‪ -‬هامة من هوام األرض فتؤذي‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد‪ ،451/45 ،‬حديث رقم ‪.24413‬‬


‫(‪ )2‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كتاب األرشبة ‪ ،‬باب يف النفخ يف الرشاب والتنفس فيه ‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪.4025‬‬

‫‪61‬‬
‫من يرشب من فم القربة مبارشة ‪ ،‬فعن أِّب هريرة (ريض اهلل عنه)‬
‫ب ِم ْن َف ِم‬
‫الرش ِ‬ ‫ِ‬
‫قال‪َ " :‬هنَى َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم) َع ِن ُّ ْ‬
‫القرب ِة َأ ِو الس َق ِ‬
‫اء"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫ِّ‬ ‫َْ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬غسل اليدين والفم بعد تناول الطعام‪ ،‬فبقاياه يف اليدين‬
‫جوا لتكاثر اجلراثيم ‪ ،‬وتتحول إىل خطر يداهم‬
‫والفم قد تشكل ًّ‬
‫سالمة اجلسم ‪ ،‬فالغسل حيافظ عىل صحة اإلنسان ويقيه من‬
‫مر يف أول‬
‫األمراض‪ ،‬وهذا من هديه (صىل اهلل عليه وسلم) كام َّ‬
‫رش َب‬ ‫آداب األكل ‪ ،‬وعن ابن عباس (ريض اهلل عنهام) قــال ‪ِ َ " :‬‬
‫َرسول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َل َبنًا ث َّم َد َعا بِ َمـاء َفت ََم ْض َم َضه ‪ ،‬ث َّم‬
‫َقــ َال ‪" :‬إِ َّن َله َد َس ًام"(‪.)2‬‬

‫ب ِمن َف ِم الس َق ِ‬
‫اء ‪ ،‬حديث رقــم‬ ‫ِّ‬ ‫الرش ِ ْ‬
‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب األرشبة ‪َ ،‬باب ُّ ْ‬
‫‪.1120‬‬
‫(‪ )2‬شعب اإليامن للبيهقي‪ ،‬التاسع والثالثون (املطاعم واملشارب وما جيب التورع‬
‫عنه منها)‪ ،‬الفصل الرابع‪ :‬يف آداب األكل والرشب وغسل اليد قبل الطعام‬
‫وبعده ‪ ،‬حديث رقم ‪.1340‬‬

‫‪62‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬الدعاء بعد الفراغ من الطعام والرشاب ‪ ،‬فقد كان نبينا‬
‫محدً ا‬ ‫(صىل اهلل عليه وسلم) إ َذا فرغ من طعامه َقال‪َْ " :‬‬
‫اْل ْمد هلل َ ْ‬
‫َري َمك ِْفي َول م َو َّدع َول م ْس َت ْغنًى َعنْه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫كَث ًريا َط ِّي ًبا م َب َاركًا فيه غ ْ َ‬
‫َر َّبنَا"(‪ ،)1‬وعن أنس بن مالك (ريض اهلل عنه) أن النبي (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم) قال‪" :‬إِ َّن اهللَ ( َع َّز َو َج َّل) َل َ ْري َىض َع ِن ا ْل َعبْ ِد َأ ْن َي ْأك َل‬
‫َ َ‬
‫الرش َب َة َف َي ْح َمدَ ه َع َل ْي َها"(‪.)2‬‬ ‫ْاأل ْك َل َة أ ْو َي ْ َ‬
‫رش َب َّ ْ‬
‫‪ -‬ومن اآلداب كذلك‪ :‬تغـطية أواين الطـعام والرشاب ؛ ْلاميتها‬
‫من الذباب والغبار ‪ ،‬ومن اجلراثيم ‪ ،‬وقد كان هذا من هديه (صىل‬
‫اهلل عليه وسلم) حيث قال فيام رواه سيدنا جابر بن عبد اهلل (ريض‬
‫ِ‬
‫اب ‪،‬‬ ‫اء ‪َ ،‬و َأغْلقوا ا ْل َب َ‬ ‫َاء ‪َ ،‬و َأ ْوكوا ِّ‬
‫الس َق َ‬ ‫اهلل عنهام) ‪َ " :‬غ ُّطوا ْ ِ‬
‫اإلن َ‬
‫اء ‪َ ،‬و َل َي ْفتَح َبا ًبا ‪َ ،‬و َل‬ ‫ِ‬ ‫اج ‪َ ،‬فإِ َّن َّ‬ ‫َ ِ‬
‫ان َل َحي ُّل س َق ً‬
‫الشيْ َط َ‬ ‫َوأ ْطفئوا ِّ َ‬
‫الرس َ‬

‫(‪ )1‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كتاب األطعمة ‪ ،‬باب ما يقول الرجل إذا َط ِع َم ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪.4539‬‬
‫(‪ )2‬شعب اإليامن للبيهقي ‪ ،‬التاسع والثالثون (املطاعم واملشارب وما جيب التورع‬
‫عنه منها)‪ ،‬فصل يف ما يقول إذا فرغ من الطعام ‪ ،‬حديث رقم ‪.1131‬‬

‫‪63‬‬
‫َاء ‪َ ،‬فإِ ْن َمل ْ َجيِدْ َأ َحدك ْم إِ َّل َأ ْن َي ْعر َض َع َىل إِنَائِ ِه عو ًدا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫َيكْشف إِن ً‬
‫رضم ع َىل َأه ِل ا ْلبي ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َو َي ْذك َر ْاس َم اهللِ ‪َ ،‬ف ْل َي ْف َع ْل ‪َ ،‬فإِ َّن ا ْلف َو ْيس َق َة ت ْ ِ َ‬
‫َب ْيتَه ْم"(‪.)1‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫َاء الس َق ِ‬
‫َاء وإِيك ِ‬
‫رشب ِة ‪ ،‬باب ْاألَم ِر بِ َتغْطِي ِة ْ ِ ِ‬
‫اء ‪،‬‬ ‫ِّ‬ ‫اإلن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب ْاألَ ْ ِ َ َ‬
‫اب ‪َ ،‬و ِذك ِْر ْاس ِم اهللِ َع َل ْي َها ‪ ،‬حديث رقم ‪.2721‬‬
‫َوإِغْ َال ِق ْاألَ ْب َو ِ‬

‫‪64‬‬
‫(‪)‬‬
‫آداب اللباس والزينة‬
‫ظاهرا وباطنًا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ِما ل شك فيه أن اإلسالم دين التجمل والتزين‬
‫وقد وضع آدا ًبا عامة للباس والزينة ينبغي أن يمتثل هلا املسلم‪ ،‬ومل‬
‫يفرض قال ًبا جامدً ا لنوع معني من الثياب‪ ،‬سواء للرجال والنساء‪،‬‬
‫بل رشع ما تتحقق به الغاية من التسرت والزينة واجلامل دون كب أو‬
‫إساف أو خميلة أو تشبه بغري جنس لبسه أ ًّيا كان مسامه‪.‬‬
‫اْلر والبد ‪ ،‬يقال‪َ :‬لبِ َس‬
‫وال ّلباس هو‪ :‬ما يسرت البدن ويدفع ّ‬
‫ك ثو َبك‪َ .‬و َث ْوب َلبِيس‬‫وأ ْل َب َسه إِياه ‪ ،‬و َأ ْل َبس َع َل ْي َ‬
‫ال َّث ْو َب َي ْل َبسه ل ْبس ًا َ‬
‫الثوب‬
‫َ‬ ‫إِذا كَث َر ل ْبسه ‪ ،‬وقيل‪ :‬ال ُّل ْبس بالضم مصدر قولك َلبِ ْست‬
‫َأ ْل َبسه‪ ،‬والزّوج والزّوجة كل منهام لباس لآلخر ‪ ،‬ويف التّنزيل‬
‫العزيز‪﴿ :‬ه َّن لِ َباس َّلك ْم َو َأنت ْم لِ َباس َّهل َّن﴾(‪ ،)1‬ولباس ّ‬
‫كل يشء‬
‫الصالح (‪.)2‬‬
‫غشاؤه‪ ،‬ولباس التّقوى اإليامن واْلياء والعمل ّ‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬رمضان عفيفي بحريي ‪ ،‬مدير عام املراكز الثقافية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬البقرة‪. 150 :‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب‪ ، 272/1 ،‬املعجم الوسيط‪. 132/2 ،‬‬

‫‪65‬‬
‫جزءا من جسده‪،‬‬
‫ً‬ ‫فال ّلباس اسم ملا يل َبسه اإلنسان أي يسرت به‬
‫فالقميص لباس ‪ ،‬واإلزار لباس ‪ ،‬والعاممة لباس ‪ ،‬ويقال‪ :‬لبس‬
‫التّاج ولبس اخلاتم(‪ ،)1‬والزينة ‪ :‬هي كل ما يتز ّين به ‪ ،‬ويوم الزّينة‬
‫يوم العيد ‪ ،‬والزّين ضد ّ‬
‫الشني ‪ ،‬ول خيرج املعنى الصطالحي عن‬
‫اللغوي ‪ ،‬والزّينة أعم من ال ّلباس(‪. )2‬‬
‫ّ‬ ‫املعنى‬

‫‪ -‬عناية اإلسالم باللبـاس والزينـة‪:‬‬


‫لقد جاء اإلسـالم بتكـريم اإلنسـان ‪ ،‬واحـرتام آدم ّيـته ‪ ،‬فقال‬
‫﴿ولَ َقدْ ك ََّر ْمنَا َبنِي آ َد َم﴾(‪ ،)3‬فأنعم عليه بنعمه ا ّلتي ل تعدّ ول‬
‫تعاىل‪َ :‬‬
‫حتىص‪ ،‬ومن مجلتها ال ّلباس ؛ ليسرت اإلنسان به عورته ‪ ،‬ويتز ّين‬
‫متفش ًيا قبل اإلسالم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫بدل من قبح العري ا ّلذي كان‬ ‫ويتجمل ً‬ ‫ّ‬
‫وحفا ًظا إلنسان ّيته ‪ ،‬يقول اهلل تعاىل ِمتنًّا عىل خلقه مجي ًعا ‪َ ﴿ :‬يا َبنِي‬
‫يشا َولِ َباس ال َّت ْق َوى‬
‫اسا ي َو ِاري َس ْوآتِك ْم َو ِر ً‬ ‫ِ‬
‫آ َد َم َقدْ َأ ْن َز ْلنَا َع َل ْيك ْم ل َب ً‬

‫(‪ )1‬التحرير والتنوير للطاهر ابن عاشور‪. 03/5 ،‬‬


‫(‪ )2‬املعجم الوسيط‪ ، 511/1 ،‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪.194/40 ،‬‬
‫(‪ )4‬اإلساء ‪. 07 :‬‬

‫‪66‬‬
‫ك ِمن آي ِ‬
‫ات اهلل َل َع َّله ْم َي َّذكَّر َ‬ ‫ِ‬ ‫َذلِ َ‬
‫ون﴾(‪ ،)1‬يقول الطاهر ابن‬ ‫ك َخ ْري َذل َ ْ َ‬
‫أن ال ّلباس من أصل الفطرة اإلنسان ّية‪،‬‬
‫عاشور ‪ :‬هذا تنبيه إىل ّ‬
‫اإلسالم ‪ ،‬وكونه ﴿يواري سوآتكم﴾ صفة‬ ‫والفطرة ّأول أصول ْ‬
‫َمدح ال ّلباس أي من شأنه ذلك ‪ ،‬وإن كان كثري من ال ّلباس ليس‬
‫والريش لباس الزّينة‬
‫ملواراة السوآت مثل العاممة والبد والقباء ‪ّ ،‬‬
‫الزائد عىل ما يسرت العورة ‪ ،‬وهو مستعار من ريش ال ّطري ألنّه زينته‪،‬‬
‫ولباسا‬
‫ً‬ ‫ويقال للباس الزّينة ِرياش ‪ ،‬واملعنى ينالكم ً‬
‫لباسا يسرتكم‬
‫تتز ّينون به (‪. )2‬‬
‫ويذكرنا اهلل تعاىل بأن اللباس كام يكون للزينة ولسرت العورة ‪،‬‬
‫يكون كذلك للوقاية ِما يضـر ‪ ،‬يقول اهلل تعاىل ‪َ ﴿ :‬واهلل َج َع َل َلك ْم ِِمَّا‬
‫يل ت َِقيكم‬ ‫سا ب ِ َ‬ ‫خَ َل َق ظِ َال ًل َو َج َع َل َلك ْم ِم َن ِْ ِ َ‬
‫اجل َبال أ ْكنَانًا َو َج َع َل َلك ْم َ َ‬
‫يل ت َِقيك ْم َب ْأ َسك ْم ك ََذلِ َك يتِ ُّم ن ِ ْع َمتَه َع َل ْيك ْم َل َع َّلك ْم‬
‫سا ب ِ َ‬ ‫َْ‬
‫اْلـ َّر َو َ َ‬
‫ون﴾(‪.)3‬‬ ‫ت ْسلِم َ‬

‫(‪ )1‬األعراف‪. 21 :‬‬


‫(‪ )2‬التحرير والتنوير‪. 01/5 ،‬‬
‫(‪ )4‬النحل‪. 51 :‬‬

‫‪67‬‬
‫وقـد أمـر اهلل تعاىل بالتزين خاصة يف مواضع اجتمـاع الناس‬
‫كاملساجد ‪ ،‬فقال تعاىل ‪َ ﴿ :‬يا َبنِي آ َد َم خذوا ِزينَتَك ْم ِعندَ ك ِّل َم ْس ِ‬
‫جد‬
‫رسفوا إِنَّه َل حيِب املْ ِ ِ‬ ‫ارشبوا َو َل ت ْ ِ‬
‫ني﴾(‪ ،)1‬فالتجمل‬ ‫رسف َ‬ ‫ُّ ْ‬ ‫َوكلوا َو ْ َ‬
‫والتزين فوق سرت العورة أمر مرغوب فيه ‪ ،‬فعليكم يا بني آدم أن‬
‫تتجملوا بام يسرت عورتكم ‪ ،‬وأن تتحلوا بلباس زينتكم كلام صليتم‬
‫أو طفتم ‪ ،‬وقد كان السلف الصالح يقفون بني يدي اهلل يف عبادهتم‬
‫وهم يف أكمل زينة ‪ ،‬فهذا اإلمام اْلسن بن عيل (ريض اهلل عنهام)‬
‫كان إذا قام إىل الصالة لبس أحسن ثيابه ؛ فقيل له ‪ :‬يا ابن بنت‬
‫إن اهلل مجيل حيب اجلامل ‪،‬‬ ‫رسول اهلل ‪ ،‬مل تلبس أمجل ثيابك؟ فقال ‪َّ :‬‬
‫فأنا أجتمل لرِّب؛ ألنه هـو القائـل‪ ﴿ :‬خذو ْا ِزي َنتَك ْم ِعندَ ك ِّل‬
‫جد﴾(‪ ،)2‬وعن جابر (ريض اهلل عنه) قـال ‪ :‬أتانا رسول اهلل‬ ‫َم ْس ِ‬
‫(صىل اهلل عليه وسلم) فـرأى ً‬
‫رجال شع ًثـا قد تفرق شعره ؛ فقـال‪:‬‬
‫شعره ؟!"‪ ،‬ورأى ً‬ ‫ِ‬
‫رجال آخر وعليه‬ ‫"أما وجـدَ هذا ما ي َس ِّكـن به َ‬

‫(‪ )1‬األعراف‪. 41 :‬‬


‫(‪ )2‬التفسري الوسيط للدكتور سيد طنطاوي‪. 213/1 ،‬‬

‫‪68‬‬
‫اء َيغ ِْسل بِ ِه َث ْو َبه ؟!" (‪.)1‬‬
‫َان َه َذا َجيِد َم ً‬
‫ثياب وسخة ‪ ،‬فقال‪َ ":‬أ َما ك َ‬
‫ومن آداب اللباس والزينة‪:‬‬
‫غريه ‪ ،‬إنام‬ ‫تكب ول استعالء عىل ِ‬ ‫‪ -‬أن يكون لبسه من غري َب َطر ول ُّ‬
‫يض اهلل َعنْه) َع ِن النَّبِ ِّي‬ ‫ِ‬
‫هو العتدال والتوسط ‪ ،‬ف َع ْن ا ْب ِن َم ْسعود ( َر َ‬
‫َان ِيف َق ْلبِ ِه ِم ْث َقال‬ ‫(صىل اهلل عليه وسلم) َق َال‪" :‬ل َيدْ خل َ‬
‫اجلنَّ َة َم ْن ك َ‬
‫ِ‬ ‫َذ َّرة ِم ْن كِ ْب"‪ ،‬قال َرجل‪َّ :‬‬
‫ون َث ْوبه َح َس ًنا‬ ‫أن َيك َ‬‫ب ْ‬ ‫الرج َل حي ُّ‬ ‫إن َّ‬
‫اجل َام َل ‪ ،‬الكِ ْب َب َطر َ‬
‫اْل ِّق‬ ‫ب َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َن ْعله َح َسنَ ًة‪ ،‬قال‪َّ " :‬‬
‫إن اهللَ َمجيل حي ُّ‬
‫شكرا هلل عىل نعمه ‪ ،‬وأن يظهر‬
‫ً‬ ‫َوغ َْمط الن ِ‬
‫َّاس"(‪ ،)2‬بل يكون لبسه‬
‫هلل‬
‫إن ا َ‬
‫ذلك عىل هيئته وملبسه ؛ لقوله (صىل اهلل عليه وسلم) ‪َّ " :‬‬
‫حيب أن يرى أ َثر نِعمتِه عىل ع ِ‬
‫بده"(‪.)3‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫فخري األمور أوسطها ‪ ،‬فشأن املسلم يف اللباس والزينة املباحة هو‬

‫(‪ )1‬سنن أِّب داود ‪،‬كتاب اللباس ‪ ،‬باب يف غسل الثوب ويف اخللقان ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪. 3712‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب اإليامن ‪ ،‬باب حتريم الكب وبيانه ‪ ،‬حديث رقم ‪. 91‬‬
‫(‪ )4‬سنن الرتمذي‪ ،‬أبواب األدب عن رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬باب ‪:‬‬
‫عبده ‪ ،‬حديث رقم ‪. 2519‬‬ ‫إن اهللَ حيب أن يرى أ َثر نعمتِه عىل ِ‬
‫َّ‬
‫ُّ‬

‫‪69‬‬
‫التوسط بال إساف ول تقتري ؛ فاهلل تعاىل يقول يف صفات عباد‬
‫ك‬‫ني َذلِ َ‬
‫َان َب ْ َ‬ ‫ين إِ َذا َأن َفقوا َمل ْ ي ْ ِ‬
‫رسفوا َو َمل ْ َي ْقرتوا َوك َ‬ ‫ِ‬
‫﴿وا َّلذ َ‬
‫الرمحن‪َ :‬‬

‫َق َو ًاما﴾ ‪ ،‬وقال رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪" :‬كلوا َو ْ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ارشبوا‬
‫ساف َأ ْو َ ِخمي َلة"(‪ ،)2‬فالتحيل‬ ‫وتَصدَّ قوا وا ْلبسوا ما َمل َ ِ‬
‫خيال ْطه إِ ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫ياب هو سنة رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فعن‬ ‫بالتواض ِع يف ال ِّث ِ‬
‫سول اهلل (صىل اهلل‬ ‫أِّب أمام َة (ريض اهلل عنه) قال ‪ :‬ذكَر أصحاب ر ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫يوما ِعندَ ه الدُّ نيا ‪ ،‬فقال رسول اهلل (صىل اهلل عليه‬ ‫عليه وسلم) ً‬
‫إن‬ ‫ِ‬
‫اإليامن ‪َّ ،‬‬ ‫إن ال َبذاذ َة ِمن‬
‫عون ‪َّ ،‬‬
‫عون ‪ ،‬أل ت َْس َم َ‬
‫وسلم) ‪ " :‬أل ت َْس َم َ‬
‫الرت ُّف ِه ‪ ،‬كام أكد‬
‫ال َبذاذ َة ِمن اإليامن" (‪ ،)3‬واملراد هبا ترك املبالغة يف َّ‬
‫النبي (صىل اهلل عليه وسلم) عىل التجمل والعتناء باهليئة عند‬
‫ادمون َعلـى‬‫لقـاء الناس والجتمـاع هبـم ‪ ،‬يف قـولـه ‪ " :‬إ َّنكـم َقـ ِ‬

‫باسكم َحتى َتكونوا‬ ‫ِ‬ ‫إخوانِكم فأصلِحوا ِرحا َلكم ‪ ،‬و ِ‬


‫أصلحوا ل َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬الفرقان‪. 10 :‬‬


‫(‪ )2‬مسند أمحد ‪ ، 293/ 11‬حديث رقم ‪. 1191‬‬
‫الرتجل‪ ،‬حديث رقم ‪. 3111‬‬
‫ُّ‬ ‫(‪ )4‬سنن أِّب داود‪ ،‬أول كتاب‬

‫‪71‬‬
‫َّفح َش"(‪،)1‬‬ ‫حيب الف َ‬
‫حش ول الت ُّ‬ ‫فإن اهللَ ل ُّ‬ ‫كأ َّنكم َشامة يف النَّ ِ‬
‫اس ‪َّ ،‬‬
‫وجتملوا حتى‬
‫ّ‬ ‫فعندما تدخلون عىل أحد من سفر ونحوه فتزينوا‬
‫يعرفكم الناس بذلك كأنكم شامة يف الناس‪.‬‬
‫ساترا لعورة الرجل واملرأة‪ ،‬وعورة‬
‫‪ -‬ومنها ‪ ،‬أن يكون الثوب ً‬
‫الرجل من الرسة إىل الركبة‪ ،‬وعورة املرأة جسدها كله ما عدا الوجه‬
‫فضفاضا واس ًعا لقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬يا َأ ُّ َهيا ال َّنبِ ُّي ق ْل‬ ‫ً‬ ‫والكفني‪ ،‬وأن يكون‬
‫ك‬ ‫ني َع َل ْي ِه َّن ِم ْن َج َالبِيبِ ِه َّن َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫ني يدْ ن َ‬
‫ك وبنَاتِ َ ِ ِ ِ ِ‬
‫ك َون َساء املْ ْؤمن َ‬ ‫اج َ َ َ‬ ‫ِألَز َْو ِ‬

‫ورا َر ِح ًيام﴾(‪ ،)2‬وقوله‬ ‫َان اهلل غَف ً‬ ‫َأ ْدنَى َأ ْن ي ْع َر ْف َن َف َال ي ْؤ َذ ْي َن َوك َ‬
‫(‪.)3‬‬
‫ين ِزينَتَه َّن إِ َّل َما َظ َه َر ِم َنها﴾‬ ‫ِ‬
‫﴿و َل يبْد َ‬
‫سبحانه ‪َ :‬‬
‫ّ‬
‫يشف عن العورة ‪ ،‬فعن‬ ‫‪ -‬ومنها‪َّ :‬أل يكون الثوب رقي ًقا ش َّفا ًفا‬
‫أم املؤمنـني عائشة (ريض اهلل عنها)‪ ،‬أن أسامء بنت أِّب بكر (ريض‬

‫(‪ )1‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كتاب اللباس ‪ ،‬باب ما جاء يف إسبال اإلزار ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪.3759‬‬
‫(‪ )2‬األحزاب‪. 19 :‬‬
‫(‪ )4‬النور‪. 41 :‬‬

‫‪71‬‬
‫اهلل عنها) دخلت عىل رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) وعليها‬
‫ثياب رقاق ‪ ،‬فأعرض عنها رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪،‬‬
‫بلغت املَ َ‬
‫حيض مل َيصل ْح أن يرى منها‬ ‫ِ‬ ‫إن املَرأ َة إذا‬‫وقال‪" :‬يا أسامء َّ‬
‫وجه ِه َو َك َّف ِيه" (‪.)1‬‬
‫وأشار إىل ِ‬ ‫َ‬ ‫ّإل هذا َو َهذا‪،‬‬
‫حمر ًما كاْلرير أو الثوب املنسوج‬ ‫كذلك َّأل يكون الثوب ّ‬
‫أن‬
‫للذكور ‪ ،‬فعن أِّب موسى (ريض اهلل عنه) ّ‬ ‫والفضة ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بالذهب‬
‫اْل ِرير‬ ‫رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) قال‪" :‬أ ِح َّل َّ‬
‫الذ َهب َو َْ‬

‫ور َها "(‪ ،)2‬ففي هذا اْلديث دليل‬ ‫َاث ِم ْن أ َّمتِي‪َ ،‬وح ِّر َم َع َىل ذك ِ‬
‫إلن ِ‬ ‫لِ ْ ِ‬
‫الذهب ‪ ،‬وكذلك اْلرير للنّساء بسائر وجوه‬ ‫عىل جواز استعامل ّ‬
‫الستعامل(‪. )3‬‬
‫‪ -‬وينبغي َّأل يكون ثوب شهرة أو اختيال‪ :‬لقوله (صىل اهلل‬
‫عليه وسلم) ‪َ " :‬م ْن َلبِ َس َث ْو َب ش ْه َرة َأ ْل َب َسه اهلل َي ْو َم ا ْل ِق َي َامـ ِة َثـ ْو َب‬

‫(‪ )1‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كتاب اللباس ‪ ،‬باب فيام تبدي املرأة من زينتها ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪. 3173‬‬
‫(‪ )2‬سنن النسائي ‪ ،‬كتاب الزينة ‪ ،‬حتريم الذهب عىل الرجال ‪ ،‬حديث رقم ‪.1135‬‬
‫(‪ )4‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪.191/40 ،141/1 ،‬‬

‫‪72‬‬
‫َم َذ َّلة"(‪ ،)1‬واملقصود أن ل يلبس الشخص ثو ًبا غري معهود يشتهر‬
‫به بني الناس ملخالفة لونه أو شكله ملا تعارف عليه جمتمعه‪ ،‬فريفع‬
‫الناس إليه أبصارهم‪ ،‬فيكون سب ًبا للمباهاة والفتخار عليهم‪،‬‬
‫ِ‬
‫خمتَال‬ ‫ب ك َّل ْ‬ ‫وهذا أمر ل حيبه اهلل ورسوله‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن اهلل َل حي ُّ‬
‫َفخور﴾(‪ ،)2‬وقــال ‪َ " :‬م ْن َجـ َّر َث ْو َبه خ َي َال َء َمل ْ َينْظ ْر اهلل إِ َل ْي ِه َي ْو َم‬
‫ا ْل ِق َي َام ِة" (‪.)3‬‬
‫‪ -‬ومن آداب اللباس كذلك‪َّ :‬أل يكون يف ثياب املرأة تشبه‬
‫بالرجل ‪ ،‬ول يف ثياب الرجل تشبه باملرأة ‪ ،‬فعن ابن عباس (ريض‬
‫ني ِم ْن‬‫ِ‬
‫اهلل عنهام) قال ‪َ " :‬ل َع َن النَّبِ ُّي (صىل اهلل عليه وسلم) ا ْملخَ نَّث َ‬
‫ت ِمن النِّس ِ‬ ‫ال واملْ َرتج َال ِ‬
‫اء" ‪ ،‬ويف رواية ‪َ " :‬ل َع َن َرسول اهلل‬ ‫ْ َ‬ ‫الر َج ِ َ َ ِّ‬
‫ِّ‬

‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب اللباس ‪ ،‬من لبس شهرة من الثياب ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪.4171‬‬
‫(‪ )2‬لقامن‪. 15 :‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب فضائل أصحاب النبي (صىل اهلل عليه وسلم) ‪،‬‬
‫حديث رقم ‪. 4111‬‬

‫‪73‬‬
‫اء واملْت ََشبه ِ‬
‫ِ‬ ‫ني ِم ْن الر َج ِ‬
‫ات‬ ‫ِّ َ‬ ‫ال بِالن َِّس َ‬ ‫ِّ‬ ‫(صىل اهلل عليه وسلم) املْت ََش ِّب ِه َ‬
‫جال"(‪ ،)1‬ولعل اْلكمة من التحريم ؛ أن املتشبه‬ ‫ِمن النِّس ِ‬
‫اء بِالر ِ‬
‫ِّ‬ ‫ْ َ‬
‫واملتشبهة كل منهام خيرج نفسه عن الفطرة والطبيعة التي خلقه اهلل‬
‫تعاىل عليها إىل ما تشبه به ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب اللباس ‪ ،‬باب (املتشبهون بالنساء واملتشبهات‬


‫بالرجال) ‪ ،‬حديث رقم ‪.1551‬‬

‫‪74‬‬
‫(‪)‬‬
‫آداب النــوم‬
‫نائام تعادل نحو ثلث حياته‬
‫يقِض اإلنسان مدة طويلة من عمره ً‬
‫تقري ًبا ‪ ،‬وذلك راحة لبدنه بعد عناء العمل والسعي من أجل‬
‫حتصيل أمور املعاش واملعاد‪ ،‬فيتقوى بالنوم ملثلها من السعي‪ ،‬قال‬
‫تعاىل‪َ ﴿:‬و َج َع ْلنَا ن َْو َمك ْم س َباتًا﴾(‪ ،)1‬فاهتم اإلسالم بتلك املدة‬
‫الطويلة من عمر اإلنسان فوضع هلا من اآلداب الرفيعة التي جتعلها‬
‫أوقات راحة وطاعة هلل (عز وجل)‪ ،‬فإذا استطاع اإلنسان أن يكون‬
‫يف نومه ويقظته مقتد ًيا هبدي الرسول (صىل اهلل عليه وسلم) يف‬
‫أقواله وأفعاله فليفعل‪ ،‬والنوم آية من آيات اهلل (عز وجل) املعجزة‪،‬‬
‫ار َوا ْبتِغَاؤك ْم ِم ْن َف ْضلِ ِه‬
‫قال تعاىل‪َ ﴿:‬و ِم ْن آ َياتِ ِه َمنَامك ْم بِال َّل ْي ِل َوالن ََّه ِ‬

‫ون﴾(‪ ،)2‬وقال تعاىل ‪﴿ :‬اهلل َيت ََو َّىف‬ ‫ك َآل َيات لِ َق ْوم َي ْس َمع َ‬ ‫إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫ت ِيف َمن َِام َها َفي ْم ِسك ا َّلتِي َق ََض َع َل ْي َها‬ ‫ني َم ْو ِ َهتا َوا َّلتِي َمل ْ متَ ْ‬ ‫ِ‬
‫ْاألَنْف َس ح َ‬

‫الكمـار‪ -‬مدير عام الفتوى وبحوث الدعوة ‪.‬‬


‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬عمرو حممد ّ‬
‫(‪ )1‬النبأ ‪. 9 :‬‬
‫(‪ )2‬الـروم ‪. 24 :‬‬

‫‪75‬‬
‫ك َآل َيات لِ َق ْوم‬ ‫املَْ ْو َت َوي ْر ِسل ْاأل ْخ َرى إِ َىل َأ َجل م َس ًّمى إِ َّن ِيف َذلِ َ‬
‫ون﴾(‪ ،)1‬فاهلل َيت ََو َّىف ْاألَنْف َس بقبضها عند انتهاء آجاهلا‪َ ،‬وا َّلتِي‬ ‫َي َت َفكَّر َ‬
‫نامها أي التي مل حيرض أجلها يتوفاها يف منامها‪َ ،‬في ْم ِسك‬ ‫ت ِيف م ِ‬
‫َمل ْ متَ ْ َ‬
‫ا َّلتِي َقَض َع َل ْي َها ا َْمل ْو َت ول يردها إىل البدن الذي خرجت منه‪،‬‬
‫ك املذكور من‬ ‫َوي ْر ِسل ْاأل ْخرى أي النائمة إىل وقت موهتا‪ .‬إِ َّن ِيف ذلِ َ‬
‫التويف واإلمساك واإلرسال َآليات عىل كامل قدرة اهلل وحكمته(‪.)2‬‬
‫وقد وضع اإلسالم للنوم آدا ًبا يستحب للمسلم أن يأِت هبا‪،‬‬
‫منها ‪:‬‬
‫مبكرا‬
‫مبكرا ملا فيه من صحة البدن‪ ،‬والقدرة عىل الستيقاظ ً‬
‫‪ -‬النوم ً‬
‫بجد ونشاط‪ ،‬فيبدأ يومه بصالة الفجر يف وقتها ‪ ،‬ثم ينتظم يف عمله‬
‫أو دراسته جلدً ا نشي ًطا ‪ ،‬فاهلل تعاىل جعل النوم للسكن والنهار‬
‫للحركة ‪ ،‬فمن ابتغى خالف األصل – إل لرضورة ‪ -‬فقد خالف‬
‫ِ‬
‫الفطرة‪ ،‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬و َج َع ْلنَا ن َْو َمك ْم س َباتًا * َو َج َع ْلنَا ال َّل ْي َل ل َب ً‬
‫اسا *‬

‫(‪ )1‬الزمر ‪. 32 :‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري ‪ 91/ 0‬بتصف ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫اشا﴾(‪ ،)1‬ومن هديه (صىل اهلل عليه وسلم) أنه ‪:‬‬ ‫َو َج َع ْلنَا الن ََّه َار َم َع ً‬
‫اْل ِد َ‬
‫يث َب ْعدَ َها"(‪ ،)2‬أما من كان له‬ ‫َان يكْره النَّوم َقب َل ا ْل ِع َش ِ‬
‫اء َو َْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫"ك َ َ َ‬
‫حاجة من عمل أو سفر أو خالف ذلك فله أن يسهر بقدر ما ينجز‬
‫فيه ما أراده من خري ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬إغالق األبواب وتغْطية أواين ال ّطعام ّ‬
‫والرشاب ‪ ،‬ويلحق‬
‫رضرا إذا ترك ‪ ،‬ف َع ْن‬
‫ً‬ ‫به إغالق منافذ الغاز وغري ذلك ِما قد يسبب‬
‫َجابِ ِر بن عبد اهلل (ريض اهلل عنهام)‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ق َال َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يح بِال َّل ْي ِل إِ َذا َر َقدْ ت ْم‪َ ،‬و َغ ِّلقوا األَ ْب َو َ‬
‫اب‪،‬‬ ‫َع َل ْيه َو َس َّل َم)‪َ ":‬أ ْطفئوا املَ َصابِ َ‬
‫اب َو َل ْو بِعود َي ْعرضه"(‪،)3‬‬ ‫الرش َ‬‫خـروا ال َّط َعا َم َو َّ َ‬ ‫َو َأ ْوكوا األَ ْس ِق َي َة ‪َ ،‬و َ ِّ‬
‫َاء ‪َ ،‬و َأ ْوكوا ِّ‬
‫الس َق َ‬
‫اء ‪،‬‬ ‫اإلن َ‬‫صىل اهلل عليه وس ّلم) ‪َ " :‬غ ُّطوا ْ ِ‬ ‫وقال ( ّ‬

‫(‪ )1‬النبأ ‪.11 -9 :‬‬


‫الع َش ِ‬
‫اء ‪،‬‬ ‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب مواقيت الصالة ‪ ،‬باب ما يكْره ِمن النَّو ِم َقب َل ِ‬
‫َ َ َ َ ْ ْ‬
‫حديث رقم ‪.115 :‬‬
‫(‪ )4‬صحيح البخاري ‪ ،‬كِتَاب ِال ْستِئ َْذ ِ‬
‫ان ‪َ ،‬باب إِ ْغال َِق األَ ْب َو ِ‬
‫اب بِال َّل ْي ِل ‪ ،‬حديث‬
‫رقـم ‪. 1291‬‬

‫‪77‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ‬
‫اء ‪َ ،‬و َل‬
‫ان َل َحي ُّل س َق ً‬ ‫اب ‪َ ،‬فإِ َّن َّ‬
‫الش ْي َط َ‬ ‫اج ‪َ ،‬و َأغْلقوا ا ْل َب َ‬ ‫َوأ ْطفئوا ِّ َ‬
‫الرس َ‬
‫اء ‪َ ،‬فإِ ْن َمل ْ َجيِـدْ َأ َحدكـ ْم ‪ ،‬إِ َّل َأ ْن َي ْعـر َض‬ ‫ِ‬
‫َي ْفتَح َبا ًبا ‪َ ،‬و َل َيكْشف إِ َنـ ً‬
‫رضم‬‫َع َىل إِ َنـائِ ِه عو ًدا ‪َ ،‬و َي ْذك َر ْاس َم اهلل ‪َ ،‬ف ْليَ ْف َع ْل‪َ ،‬فإِ َّن ا ْلف َو ْي ِس َق َة ت ْ ِ‬
‫ع َىل َأه ِل ا ْلبي ِ‬
‫ت َب ْيتَه ْم"(‪.)1‬‬ ‫َ ْ َْ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬تنظيف الفراش قبل النوم ‪ ،‬يقول نبينا (صىل اهلل عليه‬
‫اخ َل ِة‬
‫اش ِه ‪َ ،‬ف ْلينْف ْض فِر َاشه بِدَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وسلم)‪":‬إِ َذا َأوى َأحدكم إِ َىل فِر ِ‬
‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫ك َر ِّب َو َض ْعت‬ ‫اس ِم َ‬ ‫ِ‬ ‫إِز ِ ِ‬
‫َاره‪َ ،‬فإِنَّه ل َيدْ ِرى َما َخ َل َفه َع َل ْيه ‪ ،‬ث َّم َيقول‪ :‬بِ ْ‬
‫مح َها ‪َ ،‬وإِ ْن َأ ْر َس ْلت ََها‬ ‫ِ‬ ‫ك َأ ْر َفعه ‪ ،‬إِ ْن َأ ْم َسك َ‬
‫َجنْبِى‪َ ،‬وبِ َ‬
‫ْت َن ْفيس َف ْار َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني"(‪ ،)2‬ويشمل ذلك مطلق‬ ‫اح َف ْظ َها بِ َام َ ْحت َفظ بِه ع َبا َد َك َّ‬
‫الصاْل َ‬ ‫َف ْ‬
‫تنظيف مكان النوم ‪ ،‬فيمكن لإلنسان أن يفعل ذلك بأي وسيلة أو‬
‫آلة عصية حتقق املقصد وتفي بالغرض من منفضة أو مكنسة‬
‫ونحوُها ‪ ،‬فالعبة ليست بإمساك طرف الثوب ‪ ،‬وإنام بام يتحقق به‬

‫َاء ‪ ،‬حديث رقم ‪. 4317‬‬ ‫اإلن ِ‬


‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب األرشبة ‪َ ،‬باب َخت ِْم ِري ْ ِ‬
‫الق َر َاء ِة ِعنْدَ املَنَا ِم ‪ ،‬حديث‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب الدعوات ‪ ،‬باب ال َّتعو ِذ و ِ‬
‫َ ُّ َ‬ ‫َ‬
‫رقم ‪. 1427‬‬

‫‪78‬‬
‫لو ِه ِما يمكن أن يسبب األذى لإلنسان‪.‬‬
‫نظافة املكان والتأكد من خ ِّ‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬أن ينام سليم الصدر والقلب للناس أمجعني ‪ ،‬فال حيمل‬
‫فيه حقدً ا أو ًّ‬
‫غال أو حسدً ا عىل أحد ‪ ،‬فاإلنسان يف حاجة ملحة إىل‬
‫أن يطهر قلبه من مثل هذه األمراض التي ترض به يف دينه ودنياه ‪،‬‬
‫فرق بني املسلمني وتباعد بينهم ‪ ،‬واهلل تعاىل يعظم أجور‬
‫وت ِّ‬
‫أصحاب الصدر السليم ويرفع درجاهتم ‪ ،‬فسالمة الصدور صفة‬
‫ور ِه ْم ِم ْن ِغل‬
‫أهل اجلنة ‪ ،‬قال سبحانه وتعاىل ‪َ ﴿ :‬و َن َز ْعنَا َما ِيف صد ِ‬
‫ِ‬
‫إِ ْخ َوانًا َع َىل سر م َت َقابِل َ‬
‫ني ﴾(‪. )1‬‬
‫و َع ِن َأنَس ْبن مالِك (ريض اهلل عنه) َق َال ‪ :‬كنَّا جلوسا م َع رس ِ‬
‫ول‬ ‫ً َ َ‬ ‫َ‬
‫اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َف َق َال ‪َ " :‬ي ْطلع َع َل ْيكم ْاآل َن َرجل ِم ْن‬
‫ار ‪َ ،‬تنْطِف ِْْل َيته ِم ْن وضوئِ ِه ‪،‬‬
‫اجلن َِّة " َف َط َل َع َرجل ِم َن ْاألَن َْص ِ‬ ‫َأ ْه ِل َْ‬
‫الش َام ِل (ثالثة أيام متتالية)‪َ ،‬ف َل َّام َقا َم النَّبِ ُّي‬‫َقدْ َت َع َّل َق َن ْع َل ْي ِه ِيف َي ِد ِه ِّ‬
‫( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َتبِ َعه َع ْبد اهللِ ْبن َع ْم ِرو ْبن ا ْل َع ِ‬
‫اص َف َق َال ‪ :‬إِ ِّين‬
‫ت َأ ْن ت ْؤ ِو َينِي‬
‫َل َح ْيت َأ ِِّب َف َأ ْق َس ْمت َأ ْن َل َأ ْدخ َل َع َل ْي ِه َث َال ًثا‪َ ،‬فإِ ْن َر َأ ْي َ‬

‫(‪ )1‬اْلجر‪. 30 :‬‬

‫‪79‬‬
‫ث‪،‬‬ ‫ال ال َّث َال َ‬ ‫ك ال َّل َي ِ‬ ‫ات َم َعه تِ ْل َ‬ ‫ت؟ َق َال‪َ :‬ن َع ْم‪ .‬ف َب َ‬ ‫ِض َف َع ْل َ‬ ‫ِ‬
‫ك َحتَّى متَ ْ َ‬ ‫إِ َل ْي َ‬
‫اش ِه‬ ‫َف َلم يره يقوم ِمن ال َّلي ِل َشيئًا‪ ،‬غَري َأنَّه إِ َذا َتعار و َت َق َّلب ع َىل فِر ِ‬
‫َ َ َ‬ ‫َ َّ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ََ َ‬
‫وم لِ َص َال ِة ا ْل َف ْج ِر‪َ ،‬ق َال َع ْبد اهللِ‪:‬‬ ‫َب ‪َ ،‬حتَّى َيق َ‬ ‫َذك ََر اهللَ ( َع َّز َو َج َّل) َوك َّ َ‬
‫ت ال َّث َالث َل َيال َوكِدْ ت َأ ْن‬ ‫غَري َأين َمل َأسمعه يقول إِ َّل خَ ريا‪َ ،‬ف َلام م َض ِ‬
‫ْ ً َّ َ‬ ‫ْ َ ِّ ْ ْ َ ْ َ‬
‫ني َأ ِِّب غ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َضب َو َل‬ ‫َأ ْحق َر َع َم َله‪ ،‬ق ْلت‪َ :‬يا َع ْبدَ اهللِ إِ ِّين َمل ْ َيك ْن َب ْيني َو َب ْ َ‬
‫ول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َيقول‬ ‫َه ْجر َث َّم‪َ ،‬و َلكِ ْن َس ِم ْعت َرس َ‬
‫ت‬ ‫اجلن َِّة" َف َط َل ْع َ‬ ‫ث ِم َرار‪َ " :‬ي ْطلع َع َل ْيكم ْاآل َن َرجل ِم ْن َأ ْه ِل َْ‬ ‫ك َث َال َ‬ ‫َل َ‬
‫ي بِ ِه‪َ ،‬ف َل ْم َأ َر َك َت ْع َمل كَثِ َري‬ ‫ِ‬
‫ك‪َ ،‬ف َأ ْقتَد َ‬ ‫ْت‪َ ،‬ف َأ َر ْدت َأ ْن َِأنْظ َر َما َع َمل َ‬ ‫َأن َ‬
‫ك َما َق َال ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ ،‬ف َق َال‪َ :‬ما ه َو‬ ‫َع َمل‪َ ،‬ف َام ا َّل ِذي َب َلغَ بِ َ‬
‫ت‪،‬‬ ‫ت‪َ .‬ق َال ‪َ :‬ف َل َّام َو َّل ْيت َد َع ِاين ‪َ ،‬ف َق َال ‪َ :‬ما ه َو إِ َّل َما َر َأ ْي َ‬ ‫إِ َّل َما َر َأ ْي َ‬
‫ني ِغ ًّشا ‪َ ،‬و َل َأ ْحسد َأ َحدً ا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َري َأ ِّين َل َأ ِجد ِيف َن ْفيس ِألَ َحد م َن املْ ْسلم َ‬ ‫غَْ‬
‫ك ‪َ ،‬و ِه َي‬ ‫َع َىل َخ ْري َأ ْع َطاه اهلل إِ َّياه‪َ .‬ف َق َال َع ْبد اهللِ َه ِذ ِه ا َّلتِي َب َلغ ْ‬
‫َت بِ َ‬
‫ا َّلتِي َل نطِيق"(‪.)1‬‬
‫‪ -‬ومنهـا‪ :‬أن يضع يـده اليمنى حتت خده األيمن ‪ ،‬ويقـرأ املعوذتني‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد ‪ ،123/27‬حديث رقم ‪. 12190‬‬

‫‪81‬‬
‫وخواتيم سورة البقرة ‪ ،‬أو ما تيرس من القرآن والذكر‪ ،‬فعن السيدة‬
‫َعائِ َش َة (ريض اهلل عنها)‪َ ":‬أ َّن النَّبِ َّي (صىل اهلل عليه وسلم) ك َ‬
‫َان إِ َذا‬
‫يهام‪َ ،‬ف َق َر َأ فِ ِ‬
‫يه َام‪:‬‬ ‫مج َع َك َّف ْي ِه ‪ ،‬ث َّم َن َف َ ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫َأ َوى إِ َىل ف َراشه ك َّل َل ْي َلة ؛ َ َ‬
‫ثف َ‬
‫﴿ق ْل ه َو اهلل َأ َحد﴾‪ ،‬و﴿ق ْل َأعوذ بِ َر ِّب ا ْل َف َل ِق﴾‪ ،‬و﴿ق ْل َأعوذ بِ َر ِّب‬
‫اع ِم ْن َج َس ِد ِه ‪َ ،‬ي ْبدَ أ ِهبِ َام َع َىل َر ْأ ِس ِه‬
‫ثم َي ْم َسح ِهبِ َام َما ْاس َت َط َ‬ ‫َّاس﴾‪َّ ،‬‬ ‫الن ِ‬

‫َث َم َّرات"(‪ ،)1‬وعن‬ ‫ك َثال َ‬ ‫َو َو ْج ِه ِه َو َما َأ ْق َب َل ِم ْن َج َس ِد ِه ‪َ ،‬ي ْف َعل َذلِ َ‬


‫ي (ريض اهلل عنه) قال ‪َ :‬ق َال النَّبِ ُّي (صىل اهلل‬ ‫أِّب َم ْسعود ْاألَن َْص ِ‬
‫ار ِّ‬
‫ور ِة ا ْل َب َقـ َر ِة َم ْن َقـ َر َأ ِهبِ َمـا ِيف َل ْي َلة‬ ‫عليه وسلم)‪ْ ":‬اآليت ِ ِ ِ‬
‫َان م ْن آخـ ِر س َ‬ ‫َ‬
‫َك َفتَاه"(‪.)2‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬التكبري والتسبيح والتحميد عند النوم ‪ ،‬فقد أمر النبي‬
‫(صىل اهلل عليه وسلم) ِّ‬
‫بالذكر عند النوم ‪ ،‬وعلمنا أنه يزيد يف قوة‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب فضائل القرآن ‪ ،‬باب َف ْض ِل املعو َذ ِ‬


‫ات ‪ ،‬حديث رقم‬ ‫َ ِّ‬ ‫َ‬
‫‪. 1110‬‬
‫ورة‬ ‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب فضائل القرآن ‪َ ،‬باب َم ْن َمل ْ َي َر َب ْأ ًسا َأ ْن َيق َ‬
‫ول‪ :‬س َ‬
‫ال َب َق َر ِة ‪ ،‬حديث رقم ‪. 1737‬‬

‫‪81‬‬
‫َت َما َت ْل َقى‬ ‫البدن‪ ،‬فعن السيدة َفاطِ َم َة (ريض اهلل عنها)‪ ،‬أهنا ْاش َتك ْ‬
‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬ ‫الر َحى ِِمَّا َت ْط َحن‪َ ،‬ف َب َلغ ََها َأ َّن َرس َ‬ ‫م َن َّ‬
‫ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أ ِ َِت بِ َس ْبي‪َ ،‬ف َأ َتتْه ت َْس َأله َخاد ًما‪َ ،‬ف َل ْم ت َواف ْقه‪َ ،‬ف َذك ََر ْت ل َعائ َش َة‪َ ،‬ف َج َ‬
‫اء‬
‫ك َعائِ َشة (ريض اهلل عنها)‬ ‫النَّبِ ُّي ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ ،‬ف َذك ََر ْت َذلِ َ‬
‫اج َعنَا‪َ ،‬ف َذ َهبْنَا لِنَقو َم ‪َ ،‬ف َق َال ‪َ " :‬ع َىل‬ ‫َله ‪َ ،‬ف َأتَانَا ‪َ ،‬و َقدْ َد َخ ْلنَا َم َض ِ‬

‫َمكَانِك َام"‪َ ،‬حتَّى َو َجدْ ت َب ْر َد َقدَ َم ْي ِه َع َىل َصدْ ِري ‪َ ،‬ف َق َال ‪َ " :‬ألَ‬
‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َبا اهلل‬ ‫أد ُّلكـ َام َع َىل َخ ْري ِمَّا َسأ ْلت َامه ‪ ،‬إ َذا أ َخـ ْذمتَا َم َضاج َعكـ َام َفك ِّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ‪َ ،‬فإِ َّن‬ ‫ال ًثا َو َثالَث َ‬
‫ني ‪َ ،‬و َس ِّب َحا َث َ‬
‫ال ًثا َو َثالَث َ‬
‫امحدَ ا َث َ‬
‫ني ‪َ ،‬و ْ َ‬‫َأ ْر َب ًعـا َو َثالَث َ‬
‫ك َخ ْري َلك َام ِِمَّا َس َأ ْلت َامه"(‪ ،)1‬وعن حـ َذ ْي َف َة بن اليامن (ريض اهلل‬ ‫َذلِ َ‬
‫َان النَّبِ ُّي ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) إِ َذا َأ َخ َذ َم ْض َج َعه‬
‫عنهام)‪ ،‬قال‪ ":‬ك َ‬
‫ك َأموت‬ ‫اس ِم َ‬
‫اللهم بِ ْ‬
‫ت َخدِّ ه ‪ ،‬ث َّم َيقول ‪َّ " :‬‬
‫ِ‬ ‫ِم َن ال َّل ْي ِل‪َ ،‬و َض َع َيدَ ه َ ْحت َ‬
‫اْل ْمد هلل ا َّل ِذي َأ ْح َيانَا َب ْعـدَ َما َأ َما َتنَـا‬
‫َو َأ ْح َيا"‪َ ،‬وإِ َذا ْاس َت ْي َق َظ َق َال ‪َ " :‬‬

‫يل َع َىل َأ َّن اخلم َس لِن ََوائِ ِ‬


‫ب‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب فرض اخلمس ‪َ ،‬باب الدَّ لِ ِ‬
‫رس ِ‬
‫ول اهلل ‪ ،‬حديث رقم ‪. 4114‬‬ ‫َ‬

‫‪82‬‬
‫َوإِ َل ْيـــ ِه النُّشـــور"(‪.)1‬‬
‫– ومنها‪ :‬النوم يف مكان آمن‪ ،‬وأن يبدأ نومه عيل اجلانب األيمن فهو‬
‫األفضل ‪ ،‬ف َي ْحرم النوم يف مكان غري آمن ‪ ،‬كسطح بيت غري م َأ َّمن‪،‬‬
‫فربام تقلب يف نومه فسقط ‪ ،‬أو استيقظ من نومه فقام قبل أن تكتمل‬
‫اسـتفاقته فسـقط من ذلك السطح ‪ ،‬يقول َرسـول اهلل (صىل اهلل‬
‫ات َع َىل َظ ْه ِر َب ْيت لَ ْي َس َله ِح َجار ‪َ ،‬ف َقدْ َب ِرئ ْ‬
‫َت‬ ‫عليه وسلم) ‪َ ":‬م ْن َب َ‬
‫ِمنْه ِّ‬
‫الذ َّمة" (‪.)2‬‬
‫ومن السنن أن يبدأ نومه عىل الشق األيمن ‪ ،‬وله أن يغري هيئة‬
‫نومه ‪ -‬بعد أن يذهب ويغط فيه‪ -‬عىل اجلانب األيرس أو عىل الظهر‬
‫حسب ما تيرس‪ ،‬لكن يكْره أن يبدأ بالنوم عىل اجلانب األيرس أو عىل‬
‫البطن إل لرضورة من مرض أو غريه ‪ ،‬فعن أِّب ه َر َير َة (ريض اهلل‬

‫اخلدِّ األَ ْي َم ِن‪،‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب الدعوات ‪َ ،‬باب َو ْض ِع ال َي ِد الي ْمنَى َحت َ‬
‫ْت َ‬

‫حديث رقم ‪. 1413‬‬


‫(‪ )2‬سنن أِّب داود ‪ ،‬كِتَاب ْاألَ َد ِ‬
‫ب ‪ ،‬باب يف النوم عىل َسطح ِ‬
‫غري حم ََّجر ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪. 1731‬‬

‫‪83‬‬
‫عنه) َق َال‪َ :‬ر َأى َرسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) َرج ًال م ْض َط ِ‬
‫ج ًعا‬

‫َع َىل َب ْطن ِ ِه ‪َ ،‬ف َق َال‪ ":‬إِ َّن َه ِذ ِه َض ْج َعة َل حيِبُّ َها اهلل" (‪ ،)1‬وعن أِّب ذر‬
‫(ريض اهلل عنه) َق َال ‪َ :‬م َّر ِ َِّب النَّبِ ُّي (صىل اهلل عليه وسلم) َو َأنَا‬
‫جع َع َىل َب ْطنِي ‪َ ،‬ف َرك ََضنِي بِ ِر ْجلِ ِه ‪َ ،‬و َق َال ‪َ ":‬يا جنَ ْي ِدب! إِن ََّام‬ ‫م ْض َط ِ‬

‫َّار" (‪. )2‬‬‫َه ِذ ِه ِض ْج َعة َأ ْه ِل الن ِ‬

‫‪-‬ومنها‪ :‬أنه إذا استيقظ يف الليل من نومه أو َت َع َّار من فراشه فليذكر‬


‫اهلل (عز وجل)‪ ،‬فعن عبادة بن الصامت (ريض اهلل عنه) عن النبي‬
‫(صىل اهلل عليه وسلم ) قال ‪َ " :‬م ْن َت َع َّار ِم َن ال َّل ْي ِل َف َق َال‪ :‬ل إ َله َّإل‬
‫يشء َق ِدير‪،‬‬‫اْل ْمد َوه َو َع َىل ك ِّل َ ْ‬ ‫ك َله‪َ ،‬له امل ْلك َو َله َ‬ ‫اهلل َو ْحدَ ه ل َ ِ‬
‫رش ْي َ‬
‫ول َول ق َّو َة َّإل بِاهلل ‪ ،‬ث َّم‬ ‫ان اهلل ‪َ ،‬واهلل َأك َْب ‪َ ،‬ول َح َ‬ ‫َ‬
‫اْل ْمد هللِ ‪َ ،‬وس ْب َح َ‬
‫ت‬‫إن ت ََو َّض َأ َو َص َّىل قبِ َلـ ْ‬
‫يب َله ‪َ ،‬ف ْ‬
‫ج َ‬‫اللهم اغ ِْفـ ْر ِل ‪َ ،‬أ ْو َد َعا ْاست ِ‬
‫َّ‬ ‫َق َال‪:‬‬

‫اه َي ِة ِال ْضطِ َجا ِع َع َىل ال َب ْط ِن‪،‬‬


‫(‪ )1‬سنن الرتمذي ‪ ،‬أبواب األدب ‪ ،‬باب ما جاء ِيف كَر ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫حديث رقم ‪.2051‬‬
‫(‪ )2‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب األدب ‪َ ،‬باب الن َّْه ِي َع ِن ِال ْضطِ َجا ِع َع َىل ا ْل َو ْج ِه ‪،‬‬
‫حديث رقم ‪. 4023‬‬

‫‪84‬‬
‫َصــالتـــه)(‪.)1‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬أن يذكر اهلل (عز وجل) حني يسـتيقظ من نومه باألذكـار‬
‫املأثـورة أو بشـيء من القرآن ‪ ،‬فيصبح نشي ًطا طيب النفس هادئ‬
‫(ص َّىل اهلل َع َل ْي ِه‬
‫ول اهلل َ‬ ‫يض اهلل َعنْه) َأ َّن َرس َ‬ ‫البال ‪ ،‬فعن َأ ِِّب هرير َة ِ‬
‫(ر َ‬ ‫ََْ َ‬
‫س َأ َح ِدك ْم إِ َذا ه َو نَا َم‬
‫الشيْ َطان َع َىل َقافِ َي ِة َر ْأ ِ‬
‫َو َس َّل َم) َق َال ‪َ " :‬ي ْع ِقد َّ‬
‫ك َل ْيل َط ِويل َف ْارقدْ ‪َ ،‬فإِ ْن‬ ‫رضب ك َّل ع ْقدَ ة ‪َ :‬ع َل ْي َ‬ ‫ث ع َقد ‪َ ،‬ي ْ ِ‬ ‫َث َال َ‬
‫ت ع ْقدَ ة ‪َ ،‬فإِ ْن‬‫ت ع ْقدَ ة ‪َ ،‬فإِ ْن ت ََو َّض َأ ان َْح َّل ْ‬ ‫ْاس َت ْي َق َظ َف َذك ََر اهلل ان َْح َّل ْ‬
‫ِ‬
‫س ‪َ ،‬وإِ َّل َأ ْص َب َح‬ ‫ت ع ْقدَ ة ‪َ ،‬ف َأ ْصبَ َح نَشي ًطا َط ِّي َ‬
‫ب النَّ ْف ِ‬ ‫َص َّىل ان َْح َّل ْ‬
‫َخبِ َ‬
‫يث النَّ ْف ِ‬
‫س ك َْس َال َن"(‪.)2‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب التهجد ‪َ ،‬باب َف ْض ِل َم ْن َت َع َّار ِم َن ال َّل ْي ِل َف َص َّىل ‪،‬‬
‫حديث رقم ‪. 1113‬‬
‫الر ْأ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب التهجد ‪َ ،‬باب َع ْق ِد َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬
‫س إِ َذا َمل ْ‬ ‫ان َع َىل َقاف َية َّ‬
‫ي َص ِّل بِال َّل ْي ِل ‪ ،‬حديث رقم ‪. 1113‬‬

‫‪85‬‬
‫(‪)‬‬
‫آداب الســفر‬

‫السفر هو مفارقة مكان إىل مكان آخر ليدرك اإلنسان مطلو ًبا‬
‫سفرا ؛ من اإلسفار وهو اخلروج‬
‫دنيو ًّيا أو أخرو ًّيا ‪ ،‬وسمى السفر ً‬
‫سفرا؛‬
‫والظهور ‪ ،‬فيقال‪ :‬أسفر الصبح إذا ظهر وبان ‪ ،‬وقيل‪ :‬سمى ً‬
‫ألنه يسفر عن أخالق الرجال ‪ ،‬فيوضح أحواهلم ‪ ،‬مأخوذ من‬
‫قوهلم س َفر ِ‬
‫ت املرأة عن وجهها إذا كشفته وأظهرته ‪ ،‬فكم من‬ ‫َ َ‬
‫إنسان ل تعرفه ول تعرف سريته إل إذا سافرت معه ‪ ،‬وعندئذ‬
‫تعرف أخالقه وسريته ‪" ،‬وكان سيدنا عمر (ريض اهلل عنه) إذا‬
‫ز َّكى رجل ً‬
‫رجال عنده قال له ‪ :‬هل سافرت معه؟ هل عاملته؟ إن‬
‫قال‪ :‬نعم ‪َ ،‬قبِ َل ذلك ‪ ،‬وإن قال‪ :‬ل ‪ ،‬قال له ‪ :‬ل علم لك به"(‪،)1‬‬
‫وللسفر آداب ‪ ،‬منها ‪:‬‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬عمرو حممد مصطفى ‪ ،‬مدير عام البعثات والوافدين باملجلس‬
‫األعىل للشئون اإلسالمية ‪.‬‬
‫(‪ )1‬انظر‪ :‬الزاهر يف معاين كلامت الناس ملحمد بن القاسم ‪ ،‬أبو بكر األنباري ‪،‬‬
‫‪ ،230/2‬ولسان العرب ‪. 407/3 ،‬‬

‫‪86‬‬
‫‪ -‬إخالص النية هلل تبارك وتعاىل‪ :‬فالنية الصاْلة سبب لنيل رضا‬
‫اهلل تبارك وتعاىل‪ ،‬وسبب للتوفيق‪ ،‬وحتقيق األهداف‪ ،‬فاملسلم جيعل‬
‫من سفره قربة هلل تعاىل باستحضار النية الصاْلة ‪ ،‬قال (صىل اهلل‬
‫ات ‪َ ،‬وإِن ََّام لِك ِّل ْام ِرئ َما ن ََوى"(‪،)1‬‬ ‫عليه وسلم)‪":‬إِنَّام ْاألَعامل بِالنِّي ِ‬
‫َّ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬
‫خيرج ‪َ -‬ي ْعنِي ِم ْن‬ ‫ارج َ ْ‬ ‫ويقول (صىل اهلل عليه وسلم) ‪َ " :‬ما ِم ْن َخ ِ‬

‫َان‪َ :‬را َية بِ َي ِد َم َلك‪َ ،‬و َرا َية بِ َي ِد َش ْي َطان‪َ ،‬فإِ ْن َخ َر َج‬ ‫َب ْيتِ ِه ‪ -‬إِ َّل بِ َبابِ ِه َرا َيت ِ‬
‫ت راي ِة املَْ َل ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ك‬ ‫ب اهلل ( َع َّز َو َج َّل)‪ ،‬ا َّت َب َعه املَْ َلك بِ َرا َيته‪َ ،‬ف َل ْم َيز َْل َ ْحت َ َ َ‬ ‫َملا حي ُّ‬
‫الش ْي َطان بِ َرا َيتِ ِه‪،‬‬
‫خط اهلل‪ ،‬ا َّت َب َعه َّ‬ ‫حتَّى ير ِجع إِ َىل بيتِ ِه‪ ،‬وإِ ْن َخرج ملَ ِا يس ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َْ َ َْ َ‬
‫ان‪َ ،‬حتَّى َي ْر ِج َع إِ َىل َب ْيتِ ِه"(‪. )2‬‬ ‫ت َرا َي ِة َّ‬
‫الش ْي َط ِ‬ ‫َف َل ْم َيز َْل َ ْحت َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬قضاء الديون ألصحاهبا ‪ ،‬ورد األمانات ألهلها ‪ :‬فاملسلم‬
‫الذي عزم عىل السفر ينبغي أن يؤدي ما عليه من ديون ‪ ،‬فإن مل يقدر‬
‫فليستأذن املدين يف اخلروج والسفر ‪ ،‬فإن أذن له خرج ‪ ،‬وإل قعد ‪،‬‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬باب بدء الوحي ‪ ،‬كيف كان بدء الوحي ‪ ،‬حديث رقم ‪.1‬‬
‫(‪ )2‬مسند أمحد ‪ ،211/5‬حديث رقم ‪ ، 5291‬واملعجم األوسط للطباين ‪،99/1‬‬
‫حديث رقم ‪. 3051‬‬

‫‪87‬‬
‫َات إِ َىل َأ ْهلِ َها﴾(‪ ،)1‬وكان‬
‫قال تعاىل‪ ﴿:‬إِ َّن اهلل ي ْأمركم َأ ْن ت َؤدوا ْاألَمان ِ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫هذا من هدي النبي (صىل اهلل عليه وسلم)‪ ،‬فعندما هاجر إىل املدينة‬
‫عيل بن أِّب طالب (ريض اهلل عنه) يف مكة لريد األمانات‬
‫املنورة ترك ّ‬
‫إىل أهلها‪ ،‬واْلكمة من ذلك واضحة وهي حفظ اْلقوق ‪ ،‬وعدم‬
‫جحودها ‪ ،‬فإذا ما قَض املسافر ما عليه من ديون ‪ ،‬أو استأذن‬
‫صاحبه‪ ،‬ومات من يومه مات نق ًّيا غري متحمل ألثقال العباد ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬اختيار رفيق السفر‪ :‬وذلك أن السائر يف فالة وحده ‪،‬‬
‫والبائت يف بيت وحده إذا كان ذا قلب خميف وفكر رديء مل يؤمن‬
‫أن يكون ذلك سب ًبا لفساد عقله ‪َ ،‬ف َع ِن ا ْب ِن ع َم َر ‪َ ،‬ع ِن ال َّنبِ ِّي (صىل‬
‫الو ْحدَ ِة َما َأ ْع َلم ‪َ ،‬ما‬
‫اهلل عليه وسلم)‪َ ،‬ق َال ‪َ " :‬ل ْو َي ْع َلم النَّاس َما ِيف َ‬
‫الراكِب‬ ‫ِ‬
‫َس َار َراكب بِ َليْل َو ْحدَ ه" و َق َال (صىل اهلل عليه وسلم)‪َّ ":‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ال َثة َركْب"(‪ ،)3‬لذا ينبغي أن‬


‫َان َوال َّث َ‬ ‫الراكِ َب ِ‬
‫ان َش ْي َطان ِ‬ ‫َش ْي َطان َو َّ‬

‫(‪ )1‬النساء‪. 15 :‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬باب السري وحده‪ ،‬حديث ‪.2995‬‬
‫(‪ )4‬سنن أِّب داود ‪،‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب يف الرجل يسافر وحده‪ ،‬حديث ‪= ،2179‬‬

‫‪88‬‬
‫يصاحب املسافر األخيار ‪ ،‬وخيتار يف سفره األطهار؛ فإذا نيس اخلري‬
‫ذكَّروه ‪ ،‬وإن تذكّر شاركوه ‪ ،‬قال (صىل اهلل عليه وسلم)‪":‬املَْ ْرء‬
‫خيالِل"(‪ ،)1‬وصدق القائل‪:‬‬ ‫ين َخلِيلِ ِه‪َ ،‬ف ْل َينْظ ْر َأ َحدك ْم َم ْن َ‬
‫َع َىل ِد ِ‬
‫َسأل َو َسل َعن َقرين ِ ِه ‪َ ...‬فكـ ُّل َقـرين بِاملقـ َار ِن َيقـتَدي‬ ‫رء ل ت َ‬ ‫ع ِن املَ ِ‬
‫َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬إعداد الزاد والنفقة التي توصله ‪ :‬فينبغي للمسافر التأهب‬
‫لسفره بحمل الزاد والنفقة ونحوها‪ ،‬وهو ل يمنع التوكل‪ ،‬فالتوكل‬
‫حمله القلب ‪ ،‬والعمل باألسباب حمله األعضاء واجلوارح ‪ ،‬ف َع ِن ا ْب ِن‬
‫ون َولَ‬ ‫َان َأ ْهل ال َي َم ِن َحي ُّج َ‬
‫يض اهلل َعنْه َام) َق َال ‪ " :‬ك َ‬ ‫ِ‬
‫َع َّباس ( َر َ‬
‫ِ‬
‫َّاس‪،‬‬ ‫ون ‪َ ،‬فإِ َذا َقدموا َم َّك َة َس َألوا الن َ‬
‫ون‪ :‬ن َْحن املت ََوكِّل َ‬
‫ون‪َ ،‬و َيقول َ‬
‫َي َتز ََّود َ‬

‫= قال اخلطاِّب‪ ":‬معناه ‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن التفرد والذهاب وحده يف األرض من‬
‫فعل الشيطان‪ ،‬أو هو يشء حيمله عليه الشيطان‪ ،‬ويدعوه إليه فقيل عىل هذا‪ :‬إن‬
‫فاعله شيطان‪ ،‬ويقال‪ :‬إن اسم الشيطان مشتق من ُّ‬
‫الشطون‪ ،‬وهو البعد يف‬
‫األرض وحده مضاهئ ًا للشيطان يف فعله‪ ،‬وشبه اسمه‪ ،‬وكذلك الثنان ليس‬
‫معهام ثالث‪ ،‬فإذا صاروا ثالثة فهم ركب‪ ،‬أي‪ :‬مجاعة وصحب"‪ ،‬معامل السنن‬
‫للخطاِّب‪. 217/ 2 ،‬‬
‫(‪ )1‬سنن أِّب داود‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب من يؤمر أن جيالس‪ ،‬حديث رقم ‪. 3544‬‬

‫‪89‬‬
‫َف َأ ْنز ََل اهلل َتع َاىل‪﴿:‬و َتزَودوا َفإِ َّن َخري الز ِ‬
‫َّاد ال َّت ْق َوى﴾(‪َ "،)2( .)1‬و َتز ََّودوا‬ ‫َْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫" أي من الطعام ما تكفون به وجوهكم عن النَّاس وطلبهم‪ ،‬وخري‬
‫الزاد التقوى‪ ،‬فال يدع اإلنسان شي ًئا حيتمل أن ينفعه يف األمر الذي‬
‫هو مقبل عليه إل فعله ‪ ،‬ول يدع أم ًرا يمكن أن يرضه إل تركه‬
‫واحرتز منه ‪ ،‬فالتوكل إنام يكون مع األخذ باألسباب ‪ ،‬وترك‬
‫األسباب بدعوى التوكل ل يكون إل عن جهـل بالشـرع أو فساد‬
‫يف العقل‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬الدعاء عند السفر وعند العودة منه ‪ ،‬ففي اْلديث أن‬
‫ار ًجا إِ َىل‬ ‫ري ِه َخ ِ‬
‫َان إِ َذا ْاست ََوى َع َىل َب ِع ِ‬ ‫النبي ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) ك َ‬
‫ان ا َّل ِذي َسخَّ َر َلنَا َه َذا‪َ ،‬و َما كنَّا لَه‬ ‫َب َث َال ًثا‪ ،‬ث َّم َق َال‪" :‬س ْب َح َ‬ ‫َس َفر‪ ،‬ك َّ َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫ك يف َس َفرنَا َه َذا ا ْل ِ َّ‬
‫اللهم إِنَّا ن َْس َأل َ ِ‬
‫َّ‬ ‫ون‪،‬‬‫ني‪َ ،‬وإِنَّا إِ َىل َر ِّبنَا ملَنْ َقلِب َ‬ ‫ِ‬
‫م ْق ِرن َ‬
‫اللهم َه ِّو ْن َع َل ْينَا َس َف َرنَا َه َذا‪َ ،‬وا ْط ِو‬
‫َّ‬ ‫َوال َّت ْق َوى‪َ ،‬و ِم َن ا ْل َع َم ِل َما ت َْر َىض‪،‬‬

‫(‪ )1‬البقرة ‪.190 :‬‬


‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب اْلج ‪َ ،‬باب َق ْو ِل اهلل َت َع َاىل ‪َ { :‬و َتز ََّودوا َفإِ َّن َخ ْ َري الزَّ ِاد‬
‫ال َّت ْق َوى}‪ ،‬حديث رقم ‪. 1124‬‬

‫‪91‬‬
‫اللهم‬
‫َّ‬ ‫اخللِي َفة ِيف ْاألَ ْه ِل‪،‬‬ ‫الصاحب ِيف َّ‬
‫الس َف ِر‪َ ،‬و َْ‬ ‫ِ‬
‫ْت َّ‬ ‫اللهم َأن َ‬
‫َّ‬ ‫َعنَّا ب ْعدَ ه‪،‬‬
‫ب ِيف املَْ ِ‬ ‫اء الس َف ِر‪ ،‬وكَآب ِة املَْنْ َظ ِر‪ ،‬وس ِ‬ ‫ك ِمن وع َث ِ‬
‫ال‬ ‫وء املْنْ َق َل ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َّ‬ ‫إِ ِّين َأعوذ بِ َ ْ َ ْ‬
‫ون َعابِد َ‬
‫ون‬ ‫ون تَائِب َ‬ ‫اهل َّن َوزَا َد فِي ِه َّن‪" :‬آيِب َ‬ ‫َو ْاألَ ْه ِل"‪َ ،‬وإِ َذا َر َج َع َق َ‬

‫لِ َر ِّبنَا َح ِامد َ‬


‫ون"(‪. )1‬‬
‫‪ -‬ومن آداب السفر كذلك حسن التعامل مع وسيلة السفر‪ :‬فمن‬
‫تكريم اهلل (عز وجل) لبني اإلنسان أن خلق أشياء ملنافعه وراحته‪،‬‬
‫رأفة ورمحة منه سبحانه وتعاىل ‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬و َل َقدْ ك ََّر ْمنَا َبنِي آ َد َم‬
‫ات َو َف َّض ْلنَاه ْم َع َىل‬‫ومح ْلنَاهم ِيف ا ْلب وا ْلبح ِر ور َز ْقنَاهم ِمن ال َّطيب ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ِّ َ َ ْ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ََ‬
‫كَثِري ِِم َّ ْن َخ َل ْقنَا َت ْف ِض ًيال﴾(‪ ،)2‬فينبغي عىل اإلنسان أن حيسن‬
‫استخدام هذه النعم ‪ ،‬وهو من باب شكر املنعم ‪ ،‬ومن باب‬
‫اإلحسان الذي كتبه اهلل عىل كل يشء ‪ ،‬فاملسلم حيسن إىل سائر‬
‫الكائنات بمقتَض إيامنه ‪ ،‬فقد روي َأ َّن َرس َ‬
‫ول اهللِ (صىل اهلل عليه‬

‫اْل ِّج َو َغ ْ ِري ِه‪،‬‬


‫ب إِ َىل َس َف ِر َْ‬ ‫ِ‬
‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب اْلج ‪َ ،‬باب َما َيقول إِ َذا َرك َ‬
‫حديث رقم‪. 1432‬‬
‫(‪ )2‬اإلساء‪. 07:‬‬

‫‪91‬‬
‫وسلم) َم َّر بِ َب ِعري َقدْ َِْل َق َظ ْهره بِ َب ْطن ِ ِه ‪َ ،‬ف َق َال (صىل اهلل عليه وسلم)‪:‬‬
‫"اتَّقوا اهلل ِيف ه ِذ ِه ا ْلبهائِ ِم املْعجم ِة ‪ ،‬اركَبوها ص َِ‬
‫اْل ًة ‪َ ،‬وكل َ‬
‫وها‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬
‫اْل ًة"(‪ ،)1‬ووسائل املواصالت اْلديثة تأخذ نفس اْلكم السابق‬ ‫ص َِ‬
‫َ‬
‫من اإلحسان هبا واملحافظة عليها؛ بل أشد ألن منفعتها عامة ل‬
‫شخصا بعينه ‪ ،‬فاملحافظة عليها وصيانتها دليل قوي عىل‬
‫ً‬ ‫ختص‬
‫اإلجيابية وصدق اإليامن ‪ ،‬وعمق الرابطة بني اإلنسان وجمتمعه ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬مراعاة مشاعر الضعفاء وأصحاب األعذار‪ :‬وقد اعتنى‬
‫ديننا اْلنيف هبذه القضية منذ بزوغ فجره‪ ،‬فآوى الضعفاء وخفف‬
‫عنهم ‪ ،‬حتى يف العبادة ‪ ،‬فأمر بتخفيف الصالة رمحة هبم وبأمثاهلم‪،‬‬
‫وعدم املزامحة يف مناسك اْلج وغري ذلك ‪ ،‬رف ًعا للحرج عنهم‪،‬‬
‫فقال تعاىل‪َ ":‬ل ْي َس َع َىل ْاألَ ْع َمى َح َرج َو َل َع َىل ْاألَ ْع َرجِ َح َرج َو َل‬
‫يض َح َرج"(‪ ،)2‬وقال (صىل اهلل عليه وسلم) ‪" :‬إِ َذا َص َّىل‬
‫َع َىل املَْ ِر ِ‬

‫(ص َّىل اهلل َع َل ْي ِه‬ ‫(‪ )1‬صحيح ابن خزيمة ‪ ،‬كتاب املناسك ‪َ ،‬باب الدَّ لِ ِ‬
‫يل َع َىل َأ َّن النَّبِ َّي َ‬
‫ص َع َىل َط َل ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫َو َس َّل َم) إِن ََّام َأ َب َ‬
‫اجة ‪،‬‬ ‫ب َح َ‬ ‫اب املَْ ْركو َبة ‪َ ،‬وأ ْن َل ت ْق َ َ‬ ‫اح َْ‬
‫اْل ْم َل َع َىل الدَّ َو ِّ‬
‫(عزَّ َو َج َّل) ي َراقِبه ‪ ،‬حديث رقم ‪. 2131‬‬ ‫إِذ اهلل َ‬
‫ِ‬
‫(‪ )2‬ذكرت يف موضعني‪ :‬األول ( النور‪ ،)11 :‬والثاين ( الفتح‪. )10 :‬‬

‫‪92‬‬
‫يم َوال َكبِ َري‪،‬‬ ‫يف و ِ‬ ‫ف ‪َ ،‬فإِ َّن ِمنْهم َّ ِ‬ ‫َأ َحدك ْم لِلن ِ‬
‫َّاس َف ْليخَ ِّف ْ‬
‫الضع َ َ َّ‬
‫السق َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫َوإِ َذا َص َّىل َأ َحدك ْم لنَ ْفسه َف ْلي َط ِّو ْل َما َش َ‬
‫اء" (‪.)1‬‬
‫لذا وجب معاملة أصحاب األعذار معاملة طيبة ل سيام يف‬
‫السفر‪ ،‬فإنه مظنة املشقة ‪ ،‬ويكون ذلك عن حب وإخاء حتى يظل‬
‫متآزرا متامس ًكا كالبنيان املرصوص ويأخذ القوي بيد‬
‫ً‬ ‫املجتمع‬
‫الضعيف‪ ،‬فإعانة الضعفاء يف اْلل والرتحال صدقة ‪ ،‬قال (صىل اهلل‬
‫ان املْسـت َِغ ِ‬ ‫عليه وسلم)‪َ .." :‬وت َْسـ َعى بِ ِشدَّ ِة َسا َق ْي َ‬
‫يث‪،‬‬ ‫الله َف ِ ْ‬ ‫ك إِ َىل ْ‬
‫الصدَ َق ِة‬
‫اب َّ‬ ‫ك ِم ْن َأ ْب َو ِ‬
‫يف ‪ ،‬ك ُّل َذلِ َ‬ ‫الض ِع ِ‬ ‫ك َم َع َّ‬ ‫َوت َْر َفع بِ ِشدَّ ِة ِذ َرا َع ْي َ‬
‫ْك َع َىل َن ْف ِس َ‬
‫ك‪.)2("..‬‬ ‫ِمن َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬مراعاة آداب الذوق العام ‪ :‬وذلك كرتك البصق ورمي‬
‫الفضالت يف غري موضعها املخصص له ‪ ،‬وغري ذلك من األمور‬

‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب األذان ‪ ،‬باب إذا صىل لنفسه فليطول ما‬
‫شاء ‪ ،‬حديث رقم ‪ ، 074‬وصحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الصالة ‪ ،‬باب أمر األئمة‬
‫بتخفيف الصالة ‪ ،‬حديث رقم ‪. 310‬‬
‫(‪ )2‬مسند أمحد ‪ ،115/ 1‬حديث رقم ‪. 21122‬‬

‫‪93‬‬
‫املؤذية لآلخرين ‪ ،‬فإسالمنا هو دين الذوق العال الرفيع ‪ ،‬ومكارم‬
‫األخالق ‪ ،‬واملسلم نافع لنفسه وغريه يف حـله وترحاله ‪ ،‬قال (صىل‬
‫ِ‬
‫رض َر َولَ َ‬
‫رض َار "(‪.)1‬‬ ‫اهلل عليه وسلم) ‪" :‬لَ َ َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬استعامل ال ُّر َخص يف السفر‪ :‬ملـَّا كان السفر من أسباب‬
‫رخص اهلل‬
‫التخفيف بنفسه ـ أي سواء كان فيه مشقة أم مل تكن ـ َّ‬
‫سبحانه وتعاىل كرامة منه للمسافر بأن يأِت بعض الفرائض عىل‬
‫وجه فيه يرس وسهولة ؛ فأجاز له القص واجلمع يف الصالة ‪ ،‬وأباح‬
‫رس َو َل‬ ‫الفطر يف رمضان ملن أراد ‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬ي ِريد اهلل بِك ْم ا ْلي ْ َ‬
‫ين ِم ْن‬‫رس﴾(‪ ،)2‬وقال ‪َ ﴿ :‬و َما َج َع َل َع َل ْيك ْم ِيف الدِّ ِ‬
‫ي ِريد بِك ْم ا ْلع ْ َ‬
‫َح َرج﴾ ‪ ،‬والقاعدة ‪" :‬املشقة جتلب التيسري"‪َ ،‬ق َال الن ََّو ِو ُّ‬
‫(‪)3‬‬
‫ي‪:‬‬
‫َور َخصه (السفر) َث َامنِ َية ِمن َْها‪َ :‬ما َ ْ‬
‫خيت َُّص بِال َّط ِو ِ‬
‫يل َق ْط ًعا َوه َو ا ْل َق ْص‬
‫خيت َُّص بِ ِه َق ْط ًعا‪،‬‬
‫َوا ْل ِف ْطر َواملَْ ْسح َأ ْك َث َر ِم ْن َي ْوم َو َل ْي َلة ‪َ ،‬و ِمن َْها ‪َ :‬ما َل َ ْ‬

‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب األحكام ‪ ،‬باب من بنى يف حقه ما يرض بجاره ‪.2437‬‬
‫(‪ )2‬البقرة ‪.151 :‬‬
‫(‪ )4‬األشباه والنظائر للسيوطي ‪ ،‬ص‪. 00 :‬‬

‫‪94‬‬
‫اجلم َع ِة َو َأكْل املَْ ْيت َِة ‪َ ،‬و ِمن َْها ‪َ :‬ما فِ ِيه ِخ َالف ‪َ ،‬و ْاألَ َص ُّح‬
‫َوه َو ت َْرك ْ‬
‫اجل ْمع ‪َ ،‬و ِمن َْها‪َ :‬ما فِ ِيه ِخ َالف ‪َ ،‬و ْاألَ َص ُّح َعدَ م‬ ‫اختِ َصاصه بِ ِه َوه َو َْ‬ ‫ْ‬
‫اص ِه بِ ِه‪َ ،‬وه َو ال َّتنَ ُّفل َع َىل الدَّ ا َّب ِة َوإِ ْس َقاط ا ْل َف ْر ِ‬
‫ض بِال َّت َي ُّم ِم(‪.)1‬‬ ‫اختِص ِ‬
‫ْ َ‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬التصال عىل أهله ليخبهم بقدومه وأل يطرقهم فجأة‪،‬‬
‫وذلك امتثالً لقوله (صىل اهلل عليه وسلم) فيام رواه جابر بن عبد‬
‫اهلل (ريض اهلل عنهام)‪ ،‬حيث قال ‪ :‬كنا مع رسول اهلل (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) يف غزاة ‪ ،‬فلام قدمنا املدينة ذهبنا لندخل ‪ ،‬فقال ‪َ " :‬أ ْم ِهلوا‬
‫لش ِع َثة ‪ ،‬وتَست ِ‬
‫اء ـ ك َْي متَ ْت َِش َط ا َّ‬ ‫حتَّى َندْ خ َل َلي ًال ـ َأ ِ‬
‫َحدَّ‬ ‫َ ْ‬ ‫ي ع َش ً‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫املْ ِغي َبة"(‪ ،)2‬فتستعد الزوجة واألهل واألولد لستقبال الغائب بام‬
‫يليق ‪ ،‬ول جيد املسافر شيئًا يكرهه ‪ ،‬وهذا توجيه نبوي رشيف حتى‬
‫تدوم املحبة واملودة بني الزوجني ‪.‬‬
‫* * *‬

‫(‪ )1‬اْلج ‪. 05 :‬‬


‫(‪ )2‬متفق عليه‪ :‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب النكاح ‪ ،‬باب طلب الولد ‪ ،‬حديث رقم‬
‫‪ ، 1231‬وصحيح مسلم ‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري ‪ ،‬باب كراهة الطروق وهو‬
‫الدخول ليال ملن ورد من سفر ‪ ،‬حديث رقم ‪. 011‬‬

‫‪95‬‬
‫(‪)‬‬
‫آداب الطريق وحقوقه‬

‫الطريق ملك للناس مجي ًعا ‪ ،‬ويشرتك يف حق النتفاع به اجلميع‪،‬‬


‫ومن ثم فال جيوز ألحد أن خيص نفسه بنفع يكون سببًا يف رضر‬
‫ت (ريض اهلل عنه) َأ َّن َرس َ‬
‫ول اهلل‬ ‫اآلخرين ‪ ،‬فعن عباد َة ب ِن الص ِام ِ‬
‫َّ‬ ‫َ ْ َ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫رض َار" (‪. )1‬‬‫رض َر َو َل َ‬
‫( َص َّىل اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم)‪َ " ،‬ق ََض أ ْن َل َ َ‬
‫واملراد بآداب الطريق‪ :‬األمور التي جيب مراعاهتا عىل كل من‬
‫َض‬ ‫جالسا‪ ،‬كغ ّ‬ ‫ً‬ ‫يسلك طري ًقا‪ ،‬ماش ًيا كان أم راك ًبا‪ ،‬واق ًفا كان أم‬
‫المِ‪ ،‬واألَمر بِاملَْعر ِ‬
‫وف‪َ ،‬والن َّْهي َع ِن‬ ‫ْ‬ ‫الس َ َ ْ‬ ‫َف األَ َذى‪َ ،‬و َر ّد َّ‬ ‫ا ْل َب َ ِ‬
‫ص‪َ ،‬وك ّ‬
‫املْنْك َِر‪ ،‬وإماطة األذى عن الطريق‪ ،‬وهداية َّ‬
‫الض ِّال‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫اآلداب التي بينتها سنة النبي (صىل اهلل عليه وسلم) ‪.‬‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬نوح عبد اْلليم العيسوي ‪ -‬رئيس اإلدارة املركزية لشئون‬
‫مكتب الوزير ‪.‬‬
‫(‪ )1‬سنن ابن ماجه ‪ ،‬كتاب األحكام ‪ ،‬باب من بنى يف حقه ما يرض بجاره ‪ ،‬حديث‬
‫رقم ‪. 2437‬‬

‫‪96‬‬
‫ِ‬ ‫واألصل يف ذلك ما ورد يف حديث َأ ِِّب َس ِعيد ْ‬
‫يض اهلل‬ ‫اخلدْ ِر ِّ‬
‫ي ( َر َ‬
‫وس َع َىل‬‫اجلل َ‬ ‫َعنْه) َع ِن النَّبِ ِّي (صىل اهلل عليه وسلم) َق َال‪" :‬إِ َّياك ْم َو ْ‬

‫جمالِسنَا َنت ََحدَّ ث فِ َيها ‪َ ،‬ق َال‪:‬‬


‫ات"‪َ ،‬ف َقالوا‪َ :‬ما َلنَا بدي ‪ ،‬إِن ََّام ِه َي َ َ‬‫ال ُّطر َق ِ‬

‫" َفإِ َذا َأ َب ْيت ْم إِلَّ املَْ َجالِ َس َف َأ ْعطوا ال َّط ِر َيق َح َّق َها"‪َ ،‬قالوا‪َ :‬و َما َح ُّق‬
‫ال ِم ‪َ ،‬و َأ ْمر‬ ‫ص‪َ ،‬و َكفُّ األَ َذى ‪َ ،‬و َر ُّد َّ‬
‫الس َ‬ ‫َض ا ْلبَ َ ِ‬ ‫ال َّط ِر ِ‬
‫يق؟ َق َال‪ ":‬غ ُّ‬
‫بِاملَْعر ِ‬
‫وف َو َهن ْي َع ِن املْ ْنك َِر"(‪.)1‬‬ ‫ْ‬
‫فقد ذكر النبي (صىل اهلل عليه وسلم) يف هذا اْلديث مجلة من‬
‫مر به ‪،‬‬ ‫َّ‬
‫يتحىل هبا من جلس يف الطريق أو َّ‬ ‫اآلداب التي ينبغي أن‬
‫والتي منها‪:‬‬
‫عاما يف الرجـال والنساء عىل‬ ‫‪ّ -‬‬
‫غض البصــر‪ :‬وقد جاء األمر به ًّ‬
‫السواء‪ ،‬فكام جيـب عىل املسلم أن يغض بصه ‪ ،‬جيب عىل املسلمة‬
‫أيضا إذا خرجت من بيتها أن تغض بصها ‪ ،‬وذلك خلطر النظر من‬
‫ً‬

‫س فِ َيها‪،‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب املظامل والغصب ‪َ ،‬باب َأ ْفن ِ َي ِة الدُّ ِ‬
‫ور َواجللو ِ‬
‫س ع َىل الصعدَ ِ‬
‫ات ‪ ،‬حديث رقم ‪. 2311‬‬ ‫ُّ‬ ‫َواجللو ِ َ‬

‫‪97‬‬
‫يض‬ ‫كال الطرفني لآلخر ‪ ،‬ويؤكد هذا ما جاء يف حديث ح َذي َف َة ِ‬
‫(ر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫(ص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َق َال ‪" :‬النَّ ْظ َرة َس ْهم‬
‫ول اهلل َ‬ ‫اهلل َعنْه) أن َرس َ‬
‫ِمن ِسها ِم إِبلِيس مسمومة‪َ ،‬فمن تَركَها ِمن َخو ِ‬
‫ف اهلل َأ َثا َبه اهلل ( َعزَّ‬ ‫َ ْ َ َ ْ ْ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫َو َج َّل) إِ َيامنًا َجيِد َح َال َوتَه ِيف َق ْلبِ ِه"(‪.)1‬‬
‫واملراد بغض البص‪ :‬خفض البص عن كل ما ي ْكره النَّظر إليه‪،‬‬
‫حتى يسلم املرء من التعرض للفتنة أ ًّيا كانت ‪ ،‬ومل يغفل اإلسالم ما‬
‫قد يقع من الناس بدون قصد منهم‪ ،‬حيث راعى يف اإلنسان اخلطأ‬
‫غري املقصود؛ لذا أمر من نظر إىل امرأة أجنبية أن يصف بصه عنها‬
‫ول يتامدى ‪ ،‬ف َع ْن َج ِر ِير ْب ِن َع ْب ِد اهلل (ريض اهلل عنه) َق َال‪َ " :‬س َأ ْلت‬
‫اء ِة َف َأ َم َر ِين َأ ْن‬
‫ول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم) َع ْن َن َظ ِر ا ْلف َج َ‬‫َرس َ‬
‫ف َب َ ِ‬
‫ص ِي"(‪ ،)2‬وعىل ذلك فلو غض اإلنسان بصه لطمأنت‬ ‫َأ ْ ِ‬
‫ْص َ‬
‫نفسه ‪ ،‬وهدأ قلبه ‪ ،‬وسكن فؤاده ‪.‬‬

‫(‪ )1‬املستدرك عىل الصحيحني للحاكم ‪ ،‬كتاب الرقاق ‪ ،‬حديث رقم ‪. 0501‬‬

‫اء ِة ‪ ،‬حديث رقم ‪.2119‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب األدب ‪ ،‬باب َن َظ ِر ا ْلف َج َ‬

‫‪98‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬كف األذى عن الطريق ‪ ،‬وهو أدب من اآلداب التي َّ‬
‫حث‬
‫وبني فضلها وأجرها ‪ ،‬وجعلها من شعب اإليامن‪،‬‬ ‫عليها اإلسالم ‪َّ ،‬‬
‫اإل َيامن بِ ْضع َو َس ْبع َ‬
‫ون ‪-‬‬ ‫َق َال َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َليْ ِه َو َس َّل َم) ‪ِ ْ " :‬‬

‫ُّون – ش ْع َب ًة ‪َ ،‬ف َأ ْف َضل َها َق ْول ‪َ :‬ل إِ َل َه إِ َّل اهلل ‪َ ،‬و َأ ْدن َ‬
‫َاها‬ ‫َأ ْو بِ ْضع َو ِست َ‬
‫اْل َياء ش ْع َبة ِم َن ْ ِ‬
‫اإل َيام ِن"(‪ ،)1‬فقد َّبني‬ ‫إِ َما َطة ْاألَ َذى َع ِن ال َّط ِر ِ‬
‫يق‪َ ،‬و َْ‬

‫اْلديث أن إماطة األذى عن الطريق من اإليامن ‪ ،‬واملراد باألذى‪:‬‬


‫كل ما يؤذي من حجر‪ ،‬أو شوك‪ ،‬أو قاممة‪ ،‬أو ح َفر مؤذية وقد‬
‫تكون مهلكة إذا وقع فيها من ل يبصها ‪ ،‬أو غري ذلك‪.‬‬
‫واملراد بكف األذى عن الطريق‪ :‬إزالته وإبعاده عن طريق‬
‫الناس‪ ،‬وعدم التعرض هلم بأي لون من ألوان العتداء والرضر؛‬
‫ألن ذلك إفساد يف األرض ‪ ،‬واهلل تعاىل يقول ‪َ ﴿ :‬ولَ ت ْف ِسدوا ِيف‬

‫(ص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬ ‫ِ‬ ‫األَ ْر ِ‬


‫ض َب ْعدَ إِ ْصالح َها﴾ ‪ ،‬وقد ح َّثنَا النبي َ‬
‫(‪)2‬‬

‫اإل َيام ِن ‪ ،‬حديث رقم ‪. 41‬‬


‫ب ِْ‬‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب اإليامن ‪َ ،‬باب ش َع ِ‬

‫(‪ )2‬األعراف‪. 11 :‬‬

‫‪99‬‬
‫ريق ‪ ،‬ف َع ْن ال َّنبِ ِّي ( َصىل اهلل َعليه‬ ‫كف األذى وإزالتِ ِه َع ِن ال َّط ِ‬ ‫عىل ِّ‬ ‫َ‬
‫وسلم) َق َال‪َ :‬ب ْين ََام َرجل َي ْم ِِش ِيف ال َّط ِريق إِ ْذ َو َجدَ غ ْص َن َش ْوك‬ ‫َ‬
‫َف َأ َّخ َره َف َشك ََر اهلل َله َف َغ َف َر َله"(‪ ،)1‬وقال ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ ":‬ل َقدْ‬
‫اجلن َِّة ‪ِ ،‬يف َش َج َرة َق َط َع َها ِم ْن َظ ْه ِر ال َّط ِر ِ‬
‫يق‪،‬‬ ‫َر َأ ْيت َرج ًال َي َت َق َّلب ِيف َْ‬

‫َّاس"(‪ ،)2‬فهذه األحاديث وغريها تؤكد فضل إزالة‬ ‫كَان ْ ِ‬


‫َت ت ْؤذي الن َ‬
‫األذى عن طريق الناس ملا فيه من إدخال التيسري عليهم يف معاشهم‬
‫وعباداهتم ‪ ،‬كام تؤكد بمفهموها حرمة إيذاء الناس يف طرقهم ‪،‬‬
‫وهو ما جاء ْصاحة يف حديث ح َذ ْي َف َة ْب ِن َأ ِسيد َأ َّن النَّبِ َّي ( َص َّىل اهلل‬
‫ت َع َل ْي ِه‬
‫ني ِيف طرقِ ِهـ ْم َو َج َب ْ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َع َل ْيه َو َس َّل َم) َقـ َال ‪َ " :‬م ْن آ َذى املْ ْسلم َ‬
‫َل ْعنَته ْم"(‪.)3‬‬

‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) ‪ ،‬باب‬


‫الص َل ِة َع ْن رس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫(‪ )1‬سنن الرتمذي‪ ،‬أ ْب َواب ِ ِّ‬
‫الب َو ِّ‬
‫ما جاء يف إماطة األذى عن الطريق ‪ ،‬حديث رقم ‪. 1915‬‬
‫(‪ )2‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب الب والصلة واآلداب ‪ ،‬باب النهي عن اإلشارة بالسالح‬
‫إىل مسلم ‪ ،‬حديث رقم ‪. 1913‬‬
‫(‪ )4‬املعجم الكبري للطباين‪ ،109/4 ،‬حديث رقم ‪. 4717‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ -‬ومن حقـوق الطـريق كذلك ‪ :‬ر ُّد السـالم ‪ ،‬وهو يغرس املحبـة‬
‫ويزرع األلفة فيام بني الناس ‪ ،‬وينال به اإلنسان رضا اهلل تعاىل‬
‫وغفرانه ‪ ،‬ف َع ْن َأ ِِّب ه َر ْي َر َة (ريض اهلل عنه) َق َال‪َ :‬ق َال َرسول اهلل ( َص َّىل‬
‫اجل َّن َة َحتَّى ت ْؤ ِمنوا‪َ ،‬و َل ت ْؤ ِمـنوا َحتَّى‬
‫ون َْ‬ ‫اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ " :‬ل تَدْ خل َ‬
‫يشء إِ َذا َف َع ْلتموه َ َحتا َب ْبت ْم؟ َأ ْفشوا َّ‬
‫الس َال َم‬ ‫َ َ‬
‫َ َحتا ُّبوا‪ ،‬أ َو َل أد ُّلـك ْم َع َىل َ ْ‬
‫َب ْينَك ْم"(‪.)1‬‬
‫ومن أدب السالم ‪ :‬أن يسلم الصغري عىل الكبري‪ ،‬واملايش عىل‬
‫القاعد‪ ،‬والراكب عىل املايش‪ ،‬والقليل عىل الكثري ‪ ،‬ف َع ْن َأ ِِّب ه َر ْي َر َة‬
‫(ريض اهلل عنه) َق َال ‪َ :‬ق َال َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪:‬‬
‫اع ِد ‪َ ،‬وال َقلِيل َع َىل‬ ‫ري ‪ ،‬واملَار ع َىل ال َق ِ‬ ‫ِ‬
‫الصغري َع َىل ال َكبِ ِ َ ُّ َ‬
‫"ي َس ِّلم َّ‬
‫الكَثِ ِ‬
‫ري"(‪. )2‬‬

‫اجلنَّ َة إ ِ َّل املْ ْؤ ِمن َ‬


‫ون ‪،‬‬ ‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب اإليامن ‪َ ،‬باب َب َي ِ‬
‫ان َأنَّه َل َيدْ خل َْ‬
‫حديث رقم ‪. 13‬‬
‫يل َع َىل الكَثِ ِ‬
‫ري ‪ ،‬حديث‬ ‫ان ‪َ ،‬باب ت َْسلِي ِم ال َقلِ ِ‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كِتَاب ِال ْستِئ َْذ ِ‬

‫رقم ‪. 1243‬‬

‫‪111‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪ ،‬فهو ِما ف ِّض َل ْ‬
‫ت به أمة‬
‫النبي (صىل اهلل عليه وسلم) عىل سائر األمم ‪ ،‬حيث قال سبحانه‬
‫ون بِاملَْعر ِ‬ ‫ت لِلن ِ‬
‫وف َو َتن َْه ْو َن‬ ‫َّاس ت َْأمر َ ْ‬ ‫وتعاىل‪﴿ :‬كنت ْم َخ ْ َري أ َّمة أ ْخ ِر َج ْ‬
‫ون بِاهلل﴾(‪ ،)1‬واملعروف ‪ :‬اسم جامع لكل ما عرف‬ ‫َع ِن املْنك َِر َوت ْؤ ِمن َ‬
‫من طاعة اهلل ‪ ،‬والتقرب إليه ‪ ،‬واإلحسان إىل الناس‪ ،‬وفعل كل ما‬
‫ندب إليه الرشع من امل َح َّسنات ‪ ،‬وترك كل ما هنى عنه امل َق َّبحات ‪،‬‬
‫واملنكر‪ :‬ضد املعروف ‪ ،‬فهو كل ما قبحه الرشع وحرمه وكرهه ‪.‬‬
‫واألمر باملعروف والنهي عن املنكر هو حصن األمة من الوقوع‬
‫يف املهلكات ‪ ،‬ف َع ْن ح َذ ْي َف َة ْب ِن ال َي َام ِن (ريض اهلل عنهام) َع ِن النَّبِ ِّي‬
‫وف‬ ‫(ص َّىل اهلل ع َلي ِه وس َّلم) َق َال‪" :‬وا َّل ِذي َن ْف ِيس بِي ِد ِه َلت َْأمر َّن بِاملَعر ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫ث َع َل ْيك ْم ِع َقا ًبا ِمنْه ث َّم‬ ‫و َل َتنْهو َّن ع ِن املنْك َِر َأو َلي ِ‬
‫وشك ََّن اهلل َأ ْن َي ْب َع َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫تَدْ عونَه َف َال ي ْست ََجاب َلك ْم"(‪ ،)2‬وحكمه ‪ :‬فرض كفاية ‪ ،‬إذا قام به‬

‫(‪ )1‬آل عمران ‪. 117 :‬‬


‫(‪ )2‬سنن الرتمذي ‪ ،‬أبواب الفتن ‪ ،‬باب ما جاء ِيف األَم ِر بِاملَعر ِ‬
‫وف َوالن َّْه ِي َع ِن‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬
‫املنْك َِر‪ ،‬حديث رقم ‪. 2119‬‬

‫‪112‬‬
‫بعض الناس سقط اْلـرج عن الباقني ‪ ،‬وإذا تـركه اجلميع أثـم كل‬
‫من متكن منه وتركه بال عذر‪.‬‬
‫وقد جاءت أحاديث النبي (صىل اهلل عليه وسلم) يف تأكيد األمر‬
‫ار ِق ْب ِن‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر مقيدة بالستطاعة ‪ ،‬ف َع ْن َط ِ‬

‫الص َال ِة َم ْر َوان‪َ .‬ف َقا َم‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِشهاب َق َال‪َ :‬أول من بدَ َأ بِ ْ ِ‬
‫اخل ْط َبة َي ْو َم ا ْلعيد َق ْب َل َّ‬ ‫َّ َ ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‪،‬‬ ‫اخل ْط َب ِة ‪َ ،‬ف َق َال ‪َ :‬قدْ ت ِر َك َما هنَالِ َ‬ ‫ِ‬
‫إِ َل ْيه َرجل ‪َ ،‬ف َق َال‪َّ :‬‬
‫الص َالة َقبْ َل ْ‬
‫ول اهللِ ( َص َّىل‬ ‫َف َق َال َأبو َس ِعيد ‪َ :‬أ َّما َه َذا َف َقدْ َق ََض َما َع َل ْي ِه َس ِم ْعت َرس َ‬
‫ِِ‬ ‫َ ِ‬ ‫ِ‬
‫َريه بِ َيده ‪َ ،‬فإِ ْن َمل ْ‬
‫اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم) َيقول‪َ " :‬م ْن َرأى منْك ْم م ْنك ًَرا َف ْليغ ِّ ْ‬
‫اإل َيامن"(‪،)1‬‬ ‫ك َأ ْض َعف ْ ِ‬ ‫َي ْستَطِ ْع َفبِلِ َسانِ ِه ‪َ ،‬فإِ ْن َمل ْ َي ْستَطِ ْع َفبِ َق ْلبِ ِه‪َ ،‬و َذلِ َ‬
‫لول األمر ‪ ،‬والتّغيري بال ّلسان ملن كان له علم وحلم ‪،‬‬ ‫والتّغيري باليد ّ‬
‫فمن عجز عن ذلك فلينصف وليدع ال ّطريق ‪ ،‬وذلك أضعف‬
‫اإليمــان ‪.‬‬

‫ان ك َْو ِن الن َّْه ِي َع ِن املْنْك َِر ِم َن ْ ِ‬


‫اإل َيام ِن ‪َ ،‬و َأ َّن‬ ‫(‪ )1‬صحيح مسلم ‪ ،‬كتاب اإليامن ‪َ ،‬باب َب َي ِ‬
‫اج َب ِ‬
‫وف َوالن َّْه َي َع ِن املْنْك َِر َو ِ‬ ‫اإليام َن ي ِزيد وينْقص ‪ ،‬و َأ َّن ْاألَمر بِاملَْعر ِ‬
‫ان ‪ ،‬حديث‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫ِْ َ َ‬
‫رقم ‪. 39‬‬

‫‪113‬‬
‫ومن يأمـر باملعروف وينهى عن املنكر ل بد أن تتوافـر فيـه عدة‬
‫أمور ‪ ،‬منها ‪ :‬أن يكون عامل ًـا بالِشء الذي يأمر به ‪ ،‬وينهى عنه ‪،‬‬
‫وأن يتحىل باْللم ؛ حتى ل يثور ويغضب فيفسد أكثر ِما يصلح ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن آداب الطريق كذلك ‪ :‬هداية السائل وإرشاد ابن السبيل ‪،‬‬
‫فهو من حقوق الطريق وآدابه ‪ ،‬وقد َّ‬
‫حث اإلسالم عىل هذا األدب‬
‫ملا فيه من اخلري ‪ ،‬وجعل ذلك من الصدقات ‪ِ ،‬ما يدل عىل فضله ‪،‬‬
‫ك‬ ‫ك ِيف َو ْج ِه َأ ِخ َ‬
‫يك َل َ‬ ‫يقول نبينا (صىل اهلل عليه وسلم) ‪َ " :‬تبَ ُّسم َ‬
‫ك َع ِن املنْك َِر َصدَ َقة ‪َ ،‬وإِ ْر َشاد َك‬ ‫صدَ َقة ‪ ،‬و َأمر َك بِاملَعر ِ‬
‫وف َو َهنْي َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫الض َال ِل َل َ‬
‫ك َصدَ َقة‪. )1("..‬‬ ‫ض َّ‬‫الرج َل ِيف َأ ْر ِ‬
‫َّ‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬إعانة املظلوم عىل من ظلمه بالقول أو الفعل حيث‬
‫حث عليه اإلسالم ‪ ،‬يقول نبينا (صىل‬ ‫أمكن ‪ ،‬فنصـرة املظلـوم ِما َّ‬
‫ِ‬
‫وما " َف َقـ َال‬ ‫اك َظاملـًا َأ ْو َم ْظلـ ً‬ ‫اهلل عليه وسلم) ‪ " :‬انْصـ ْر َأ َخ َ‬
‫ت إِ َذا ك َ‬
‫َان‬ ‫وما ؛ َأ َف َر َأ ْي َ‬ ‫ول اهلل ‪َ ،‬أنْصـره إِ َذا ك َ‬
‫َان َم ْظل ً‬ ‫َرجـل ‪َ :‬يا َرس َ‬

‫(‪ )1‬سنن الرتمذي ‪ ،‬أبواب الب والصلة ‪ ،‬باب ما جاء ِيف صنَائِ ِع املَعر ِ‬
‫وف ‪ ،‬حديث‬ ‫ْ‬ ‫َ َ َ َ َ‬
‫رقم ‪. 1911‬‬

‫‪114‬‬
‫ف َأنْصــره ؟! َقـ َال ‪ْ َ " :‬حتجـزه َأ ْو متَ ْـنَـعــه ِم ْن ال ُّظـ ْلـ ِم‬ ‫َظامل ِـًـا َك ْي َ‬
‫ك ن َْصـره" (‪. )1‬‬ ‫َفـإِ َّن َذلِ َ‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬إعانة الضعيف يف محله عىل دابته ‪ ،‬أو رفع متاعه عليها‪،‬‬
‫وما يقـوم مقامـها يف هذه األيام من إعانة كبار السن يف ركوب‬
‫وسائل املوصالت ‪ ،‬أو مساعدة الناس يف رفع أغراضهم عىل‬
‫السيارات ونحوها ‪ ،‬حيث يقول النبي (صىل اهلل عليه وسلم) ‪:‬‬
‫حي ِامله‬ ‫ِِ‬
‫الرج َل ِيف َدا َّبته ‪َ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫"ك ُّل س َال َمى َع َل ْيه َصدَ َقة ك َّل َي ْوم ‪ ،‬يعني َّ‬
‫َع َل ْي َها ‪َ ،‬أ ْو َي ْر َفع َع َليْ َها َمتَا َعه َصدَ َقة ‪َ ،‬وا ْلكَلِ َمة ال َّط ِّي َبة َوك ُّل َخ ْط َوة‬
‫الص َال ِة َصدَ َقة ‪َ ،‬و َد ُّل ال َّط ِر ِ‬
‫يق َصدَ َقة"(‪.)2‬‬ ‫ِ‬
‫َي ْمش َيها إِ َىل َّ‬
‫‪ -‬ومن أهم وآكـد آداب الطـريق يف هذه األزمان ‪ :‬اللتـزام التـام‬

‫(‪ )1‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب املظامل والغصب ‪ ،‬باب َأ ِعن َأ َخ َ ِ‬


‫اك َظاملًا َأ ْو َم ْظل ً‬
‫وما‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫حديث رقم ‪. 2333‬‬

‫احبِ ِه ِيف‬
‫(‪ )2‬صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري‪ ،‬باب َف ْض ِل من مح َل متَاع ص ِ‬
‫َ ْ ََ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫الس َف ِر‪ ،‬حديث رقم ‪. 2591‬‬
‫َّ‬

‫‪115‬‬
‫بأنظمة املرور وقواعد السري املتعارف عليها يف الدولة ‪ ،‬وهو مطلب‬

‫رشعي حيث عليه ديننا اْلنيف ؛ ألن الغاية منه املحافظة عىل أرواح‬

‫الناس وِمتلكاهتم ‪ ،‬وحتقيق األمن والسالمة للناس أمجعني ‪ ،‬فإُهال‬

‫قواعد املرور وآداب السري يؤدي يف كثري من األحيان إىل الوقوع يف‬

‫اهلاوية بقتل النفس املعصومة ‪ ،‬وهذا من كبائر الذنوب ‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫ون ال َّن ْف َس التِي َح َّر َم‬


‫آخ َر َولَ َي ْقتل َ‬ ‫هلل إِ ًَهلا َ‬ ‫ين لَ َيدْ ع َ‬
‫ون َم َع ا ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ َوالذ َ‬
‫ف َله‬ ‫ون َو َم ْن َي ْف َع ْل َذلِ َ‬
‫ك َي ْل َق َأ َث ًاما * ي َضا َع ْ‬ ‫اهلل إِ َّل بِ َْ‬
‫اْل ِّق َولَ َيزْن َ‬
‫ا ْلع َذاب يوم ا ْل ِقيام ِة و َ ْ ِ ِ‬
‫خيلدْ فيه م َهانًا * إِلَّ َم ْن ت َ‬
‫َاب﴾(‪ ،)1‬وقال تعاىل‪:‬‬ ‫ََْ َ َ َ‬ ‫َ‬

‫َان بِك ْم َر ِح ًيام﴾(‪.)2‬‬


‫﴿ َولَ َت ْقتلوا َأنْف َسك ْم إِ َّن اهللَ ك َ‬

‫وختاما نؤكد أن اللتزام بنظام السري وقواعده يعدُّ من طاعة ول‬


‫األمر التي أمرنا اهلل تعاىل هبا ‪ ،‬فقد أمر سبحانه بطاعته وطاعة‬

‫(‪ )1‬الفرقان ‪. 07 -15 :‬‬


‫(‪ )2‬النساء ‪. 29 :‬‬

‫‪116‬‬
‫رسوله (صىل اهلل عليه وسلم) ‪ ،‬ثم طاعة أول األمر ‪ ،‬فقال سبحانه‪:‬‬
‫أول األَ ْم ِر‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنوا َأطيعوا اهللَ َو َأطيعوا َّ‬
‫الرس َ‬
‫ول َو ِ‬ ‫﴿يا َأ ُّ َهيا الذ َ‬
‫ِمنْك ْم﴾ (‪. )1‬‬
‫* * *‬

‫(‪ )1‬النساء ‪. 19 :‬‬

‫‪117‬‬
‫(‪)‬‬
‫آداب طالب العلم‬
‫أهل العل ِم هم خالصة الوجود ‪ ،‬وهم َأ َمنَة اهللِ عىل‬ ‫ل شك أن َ‬
‫والض ِ‬
‫الل ‪ ،‬فام‬ ‫األم َة من ال َّز ْي ِغ َّ‬
‫خلقه ‪ ،‬وهم الذين حيفظ اهلل هبم هذه َّ‬
‫من خري يف هذا الوجود إل وأصله ومنبته من العلم ‪ ،‬وما من رش يف‬
‫هذا الوجود إل وأصله ومنبته من اجلهل ‪ ،‬ويكفينا هذا الكالم‬
‫عيل (ريض اهلل عنه) (‪:)1‬‬ ‫الرائع عىل لسان اإلمام ّ‬
‫ما ال َفخْ ر إِلَّ ألَه ِل ِ‬
‫الع ْل ِم ‪ ،‬إِ َّهنم َع َىل اهلدَ ى ملن ْاست َْهـدَ ى َّ‬
‫أدلء‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫واجل ِ‬
‫اهلون ألَ ْه ِل الع ْل ِم َأ ْعـدَ اء‬ ‫َ‬ ‫َو َقدْ ر كل امرئ َما ك َ‬
‫َان حيسنـه‬
‫ففز بعـلم تعـش ح ًيا به أبـدً ا فالناس موتى وأهل العلم أحياء‬
‫العاملِ واألستاذِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وقيمة‬ ‫ومن هنا فال بد من الرتسيخ ملفهو ِم‬
‫والشيخِ ‪ ،‬وأنه يعد بمثابة مؤسسة اجتامعية تربوية توعوية تعليمية؛‬
‫حيث يقوم بتنشئة األجيال يف مراحل التعليم املختلفة إىل مرحلة‬
‫النضج العقيل‪ ،‬من حيث غرس ِ‬
‫الق َي ِم واألخالق واآلداب التي‬

‫(‪ )‬أعد هذا املبحث د‪/‬أسامة فخري اجلندي ‪ ،‬مدير عام املساجد ‪.‬‬
‫(‪ )1‬حسن التنبه ملا ورد يف التشبه لنجم الدين الغزي (ت ‪1711‬هـ)‪.197/ 4 ،‬‬

‫‪118‬‬
‫ينبغي أن تتوافر يف الدارسني ‪ ،‬ونرش النور واملعرفة بينهم‪ ،‬كام أنه‬
‫يقوم عىل تقديم اْلقائق واملعارف الصحيحة البعيدة عن األخطاء‬
‫واألكاذيب ؛ ليتحقق من خالله تربية مستقيمة وعقول قويمة‬
‫ِ‬
‫واألستاذ سواعدَ حقيقية لبناء‬ ‫ألجيال املستقبل‪ ،‬فيكونون هبذا ِ‬
‫العاملِ‬
‫جمتمعاهتم وأوطاهنم ‪.‬‬
‫فمن خالل املعلمني تتشكل عقلية النشء ويتكون لدهيم الوعي‬
‫واإلدراك والفهم ‪ ،‬وفق ما ينرشونه من عادات وتقاليد وقِ َيم وآداب‬
‫ومعارف وثقافة يف شتى العلوم والفنون‪ ،‬فهم األصل األصيل يف‬
‫البناء الفكري لألجيال ‪ ،‬وكذلك يف البناء والتقدم لألمة يف شتى‬
‫املجالت (اقتصاد ًّيا– وتربو ًّيا – واجتامع ًّيا – وعلم ًّيا ‪ ...‬وهكذا) ‪،‬‬
‫ومن هنا فال بد من قيم وآداب يسلكها الدارس واملتلقي واملتعلم‬
‫يف رحاب مع ِّل ِم ِيه وأساتِ َذتِه ‪ ،‬ومن مجلة هذه اآلداب ‪:‬‬
‫ِ‬
‫التناول‬ ‫‪ -‬توقري العلم وأهله واستحضار َاهل ْي َب ِة والحرتام بح ْس ِن‬
‫ً‬
‫وفعال ‪ ،‬فقد كان السادة العلامء األعالم‬ ‫حي َمد ً‬
‫قول‬ ‫واستعمـال ما ْ‬
‫الطالب بأن يتعلموا األدب قبل العلم ‪ ،‬فال ينفع مجع‬
‫َ‬ ‫يوجهون‬
‫ّ‬

‫‪119‬‬
‫العلوم واملعارف بغري أدب ‪ ،‬وقد جاء عن عمر (ريض اهلل عنه)‬

‫قوله ‪" :‬ت ََأ َّدبوا ‪ ،‬ث َّم َت َع َّلموا" ‪ ،‬وقال ابن املبارك ‪َ " :‬ل َينْبل َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫الرجل‬
‫أيضا‪" :‬ن َْحن َإىل‬ ‫بِن َْوع ِم ْن ا ْل ِع ْل ِم َما َمل ْ ي َز ِّي ْن َع َم َله بِ ْاألَ َد ِ‬
‫ب ‪ ،)2( :‬وقال ً‬
‫ب َأ ْح َوج ِمنَّا َإىل كَثِري ِم ْن ا ْل ِع ْل ِم(‪ ،)3‬و َق َال َب ْعضهم(‪:)4‬‬ ‫َقلِيل ِم ْن ْاألَ َد ِ‬
‫َب ِة ْاألَ َدب‬ ‫ِ‬
‫اث يف َم َهل َولَ ْي َس َينْ َفع عنْدَ ا ْلك ْ َ‬
‫َقدْ َينْ َفع ْاألَ َدب ْاألَ ْحدَ َ ِ‬
‫ني إِ َذا َق َّومـْتَه َْ‬ ‫ِ‬ ‫ون إِ َذا َق َّو ْم َتـ َها ا ْعتَدَ َل ْ‬
‫إِ َّن ا ْلغصـ َ‬
‫اخل َشـب‬ ‫ت َو َل ْن َيلـ َ‬
‫ِ‬
‫تربية‬ ‫فينبغي إذن العتناء هبذا اجلانب أشدَّ العناية ‪ ،‬فنقوم عىل‬
‫األبناء باألدب قبل تربيتهم باملعرفة ؛ إلخراج جيل ِ‬
‫يعرف قيمة‬
‫العلم والعلامء قبل أن يعرف املعرفة ‪.‬‬
‫كل‬‫فبالتوقري والحرتام ينتفع املتع ِّلم بمع ِّل ِمه ‪ ،‬ويرتسخ يف ذهنه ُّ‬
‫ما ينهله منه ‪ ،‬فعن عباد َة بن الص ِام ِ‬
‫ت (ريض اهلل عنه) َأ َّن َرس َ‬
‫ول اهللِ‬ ‫َّ‬ ‫َ ْ َ َ ْ‬

‫(‪ )1‬غذاء األلباب يف رشح منظومة اآلداب لشمس الدين ‪ ،‬أبو العون حممد بن أمحد‬
‫ابن سامل السفاريني اْلنبيل ( املتوىف ‪1155 :‬هـ )‪.1/1 ،‬‬
‫(‪ )2‬اآلداب الرشعية لبن مفلح‪. 112/4 ،‬‬
‫(‪ )4‬املصدر السابق‪. 112/4 ،‬‬
‫(‪ )3‬املصدر السابق‪. 112/4 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم) َق َال ‪َ " :‬ل ْي َس ِم ْن أ َّمتِي َم ْن َمل ْ جيِ َّل َكبِ َرينَا ‪،‬‬
‫ف لِ َعاملِنَا"(‪ ،)1‬أي حقه ‪ ،‬ويقول طاوس بن‬ ‫َو َي ْر َح ْم َص ِغ َرينَا ‪َ ،‬و َي ْع ِر ْ‬
‫السن َِّة َأ ْن ي َو َّق َر َأ ْر َب َعة ‪ :‬ا ْل َع ِامل ‪َ ،‬وذو‬ ‫ِ‬
‫كيسان (رمحه اهلل تعاىل) ‪":‬م َن ُّ‬
‫الس ْل َطان ‪َ ،‬وا ْل َوالِد"(‪.)2‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الش ْي َبة ‪َ ،‬و ُّ‬
‫ولننظر إىل هذه الرتمجات التطبيقية هلذا األدب ‪ -‬الحرتام‬
‫والتوقري‪ -‬بني طلبة العلم ومع ِّل ِميهم ‪ ،‬فانظر إىل أدب سيدنا موسى‬
‫جم وتوقري ملعلمه سيدنا اخلرض (عليه‬
‫(عليه السالم) من تواضع ّ‬
‫ك َع َىل َأ ْن ت َع ِّل َم ِن‬
‫وسى َه ْل َأ َّتبِع َ‬ ‫السالم) يف قوله تعاىل ‪َ ﴿ :‬ق َال َله م َ‬
‫الشافعي (رمحه‬ ‫ّ‬ ‫الربِيع متأ ِّد ًبا مع مع ِّل ِمه‬ ‫(‪)3‬‬
‫ِِمَّا ع ِّل ْم َ‬
‫ت ر ْشدً ا ﴾ ‪َ ،‬و َق َال َّ‬
‫اهلل) ‪":‬واهلل ما اج َرت ْأت َأ ْن َأ ْرشب املَْاء و َّ ِ ِ‬
‫الشافع ُّي َينْظر َ َّ‬
‫إل َه ْي َب ًة‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ْ َ‬
‫له"(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد ‪ ،311/ 40 ،‬حديث رقم ‪. 22011‬‬


‫(‪ )2‬شعب اإليامن للبيهقي ‪ ،‬اخلامس واخلمسون من شعب اإليامن ‪ ،‬بر الوالدين‪،‬‬
‫حديث رقم ‪. 0179‬‬
‫(‪ )4‬الكهف ‪. 07 : 11‬‬
‫(‪ )3‬اآلداب الرشعية لبن مفلح ‪. 221/1 ،‬‬

‫‪111‬‬
‫أيضا ‪ :‬أن يتغاىض طالب العلم عن عيوب مع ِّل ِمه‬
‫ومن الحرتام ً‬
‫ِ‬
‫ونواقصه ‪ ،‬فهذا أحد طالب العلم كان إذا ذهب إىل شيخه تصدَّ ق‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب م َع ِّلمي َعنِّي َو َل ت ْذه ْ‬
‫ب َب َر َك َة‬ ‫رت َع ْي َ‬
‫اللهم ْاس ْ‬
‫بِشء ‪ ،‬وقال‪َّ " :‬‬
‫ِع ْل ِم ِه ِمنِّي"(‪. )1‬‬
‫فاملع ِّلم بمثابة الوالد الذي يقدّ م فنونَه ومعار َفه وجتار َبه وخباتِه‬
‫وخالص َة فكره إىل أبنائه (تالميذه) ‪ ،‬فكام أن هناك أد ًبا مع الوالد ل‬
‫أيضا من هذا األدب مع املع ِّلم ‪ ،‬ومن هنا َن َظم بعض‬
‫بد منه ‪ ،‬فال بد ً‬
‫الفضالء (‪:)2‬‬
‫ف‬‫ادنَا هـم سـبـب َألَ ْن ج ِع ْلنَا عـرائِـ َض ال ّتـَ َلـ ِ‬ ‫آباء َأجسـ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ ْ َ‬
‫اك َأبو الروحِ َل َأبو النُّطَ ِ‬ ‫َان َخ ْ َري َأب َذ َ‬
‫ف‬ ‫ُّ‬ ‫َم ْن َع َّل َم الن َ‬
‫َّاس ك َ‬
‫لة التي َختْرج عن نِ ِ‬
‫طاق‬ ‫حمه باألسئِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومن الحرتام مع املع ِّل ِم أل ي ْف َ‬

‫(‪ )1‬خمتص اإلفادات يف ر ْبع العبادات واآلداب ملحمد بن بدر الدين بن بلبان‬
‫الدمشقي اْلنبيل (ت ‪1754‬هـ)‪ ،‬ص‪. 447‬‬
‫(‪ )2‬األخالق الزكية يف آداب الطالب املرضية ألمحد بن يوسف بن حممد األهدل‪،‬‬
‫ص ‪. 112‬‬

‫‪112‬‬
‫ما يقوم بمدارستِه‪ ،‬فتكون أسئلته حمصور ًة فقط يف الفن أو ِ‬
‫الع ْل ِم‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫يفه َمه عىل مع ِّل ِمه ‪ ،‬ول ي َشتِّت َف ْه َم املع ِّلم أو ذهنَه‬
‫الذي يريد أن َ‬
‫لة ال َبعيدة ‪.‬‬‫األسئلة املفرت َضة أو األسئِ ِ‬
‫ِ‬ ‫بمجموعة من‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫تجرأ عليهم برفع‬ ‫فال بد من مراعاة حقوق املع ِّلمني ‪ ،‬وأل ي ّ‬
‫الصوت يف وجوههم ‪ ،‬أو تناوهلم بالقبيح من القول أو الفعل أو‬ ‫ِ‬

‫اإلشارات أو اإلحياءات البعيدة عن معنى األدب ‪ ،‬أو إيذائهم‬


‫بكلامت وعبارات ل تصح ‪ ،‬وكذلك اْلذر من القدح فيهم ‪ ،‬فهذا‬
‫كله ليس من األدب مع أهل العلم ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن آداب طالب العلم كذلك‪ :‬الصب وعدم الضجر وعدم‬
‫ِ‬
‫لالبتكار واإلبدا ِع‬ ‫الرئيس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫السبيل‬ ‫العجلة ‪ ،‬فإذا كان العلم هو‬
‫والخرتا ِع ‪ ،‬وطري ًقا للتقدم والنمو يف شتى املجالت اْلياتية ‪ ،‬فال‬
‫يصب يف َط َلبِه ل ِ‬ ‫ِ‬
‫لعلم ‪ ،‬وأل َي ْض َج َر من‬ ‫طالب العل ِم أن ِ َ‬ ‫بد إذن عىل‬
‫اصل‬‫والتحصيل ‪ ،‬فيو ِ‬
‫ِ‬ ‫مع ِّل ِمه ‪ ،‬وأل َي ْستَ ْع ِ‬
‫ج َل َم َعه سع َة الفه ِم‬
‫َ‬
‫ب بح ْس ِن َف ْه ِم واستيعاب ‪ ،‬وعد ِم يأس وصب ‪ ،‬وإن كان يف‬
‫ال َّط َل َ‬
‫ذلك مشقة ‪ ،‬كام أنه جيب عليه أل ي َقف عندَ حـد من تل ّقي العلــوم‬

‫‪113‬‬
‫التزود ؛ وهلذا يقول الشاعر(‪:)1‬‬ ‫واملعارف مهام أم َكنَه ّ‬
‫ب َأ ْن َي ْض َجـ َرا‬ ‫ب َولَ ت َْض َج َر َّن ِم ْن َم ْط َلب َفآ َفــة ال َّطالِ ِ‬ ‫ا ْطل ْ‬
‫الص َّام ِء َقدْ َأ َّثـ َرا‬ ‫ِ‬
‫الصخْ َرة َّ‬ ‫ِيف َّ‬ ‫اْل ْبـ َل بِ َت ْكـــ َر ِار ِه‬
‫َأ َّمـا َتـ َرى َْ‬
‫‪ -‬ثم إنه بال شك أن َت َل ّقي العلوم مع الصب َ‬
‫واجل َلد واملحاولة‬
‫هن ‪ ،‬فالعلم إذن إنّام‬ ‫أثبت يف ِ‬
‫الذ ِ‬ ‫يف الفهم والستيعاب ‪ ،‬يكون َ‬
‫أس‪ ،‬وحماولة الفهم من‬ ‫ِ‬
‫والطمأنينة و َعدَ ِم ال َي ِ‬ ‫يؤخذ بالصب َ‬
‫واجل َلد‬
‫املع ِّلم قدر املستطاع ؛ حتى يصل املتع ِّلم إىل حدِّ اإلتقان ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها‪ :‬السعي يف طلب العلم ولو بالرحلة إىل اآلفاق وبذل اجلهد‬
‫س ْب ِن‬‫‪ -‬إن تطلب األمر‪ -‬ملجالسة العلامء والتحمل عنهم‪ ،‬ف َع ْن َق ْي ِ‬
‫اء ‪َ ،‬وه َو بِ ِد َم ْش َق‬ ‫كَثِري‪َ ،‬ق َال‪َ ":‬ق ِدم رجل ِمن املَ ِدين َِة ع َىل َأ ِِّب الدَّ رد ِ‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬
‫َّك حتَدِّ ثه َع ْن‬ ‫ك َيا َأ ِخي؟ َف َق َال ‪َ :‬ح ِديث َب َلغَنِي َأن َ‬ ‫َف َق َال‪َ :‬ما َأ ْقدَ َم َ‬
‫ول اهلل (ص َّىل اهلل ع َلي ِه وس َّلم)‪َ ،‬ق َال‪َ :‬أما ِجئ َ ِ‬ ‫رس ِ‬
‫اجة؟ َق َال‪َ :‬ل‪،‬‬ ‫ْت َْل َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب َه َذا‬ ‫ت لِتِ َج َارة ؟ َق َال‪َ :‬ل‪َ ،‬ق َال‪َ :‬ما ِجئْت إِ َّل ِيف َط َل ِ‬ ‫َق َال‪َ :‬أ َما َق ِد ْم َ‬

‫(‪ )1‬تفسري حدائق الروح والرحيان يف رواِّب علوم القرآن‪ ،‬ملحمد األمني بن عبد اهلل‬
‫األرمي العلوي اهلرري الشافعي‪.330 / 9 ،‬‬

‫‪114‬‬
‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬ ‫يث؟ َق َال‪َ :‬فإِ ِّين َس ِم ْعت َرس َ‬ ‫اْل ِد ِ‬‫َ‬
‫ك اهلل بِ ِه َط ِري ًقا إِ َىل‬ ‫ك َط ِري ًقا َيبْت َِغي فِ ِيه ِع ْل ًام َس َل َ‬ ‫َيقول‪َ " :‬م ْن َس َل َ‬
‫ِ‬ ‫اجلن َِّة‪ ،‬وإِ َّن املَ َالئِ َك َة َلت ََضع َأجنِحتَها ِر َضاء لِ َطالِ ِ ِ‬
‫ب الع ْلمِ‪َ ،‬وإِ َّن ال َعامل َ‬ ‫ً‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ َ‬
‫اْليتَان ِيف املَ ِ‬ ‫ض حتَّى ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫الس َم َوات َو َم ْن ِيف األَ ْر ِ َ‬ ‫َل َي ْس َتغْفر َله َم ْن ِيف َّ‬
‫ب‪ ،‬إِ َّن‬‫َو َف ْضل ال َع ِاملِ َع َىل ال َعابِ ِد‪َ ،‬ك َف ْض ِل ال َق َم ِر َع َىل َسائِ ِر الك ََواكِ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُها إِن ََّام َو َّرثوا‬ ‫الع َل َام َء َو َر َثة األَ ْنبِ َياء‪ ،‬إِ َّن األَ ْنبِ َي َ‬
‫اء َمل ْ ي َو ِّرثوا دين ًَارا َو َل د ْر َ ً‬
‫الع ْل َم‪َ ،‬ف َم ْن َأ َخ َذ بِ ِه َأ َخ َذ بِ َحظ َوافِر"(‪. )1‬‬
‫ِ‬

‫‪ -‬ومن مجلة اآلداب التي ل بد منها يف طلب العلم‪" :‬التواضع"‪،‬‬


‫وهي سمة بارزة لستمرار تلقي العلوم وحمبة أهل العلم ‪،‬‬
‫فاملتواضع يف طريق العلم ل حيتقر النصيحة ‪ ،‬ول يستعيل عىل‬
‫التقويم ‪ ،‬ول يرفض التوجيه ‪ ،‬وقد ن َّبه رسول اهلل (صىل اهلل عليه‬
‫وسلم) عىل ذلك ‪ ،‬ودعا إليه حني قال‪َ " :‬ت َع َّلموا ا ْل ِع ْل َم ‪َ ،‬و َت َع َّلموا‬
‫ون ِمنْه"(‪ ،)2‬وعن‬ ‫اضعــوا ملَ ِ ْن َت ْع َّلم َ‬
‫السكِينَ َة ‪َ ،‬وا ْل َو َقـ َار ‪َ ،‬وت ََو َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ل ْلع ْل ِم َّ‬

‫الع َبا َد ِة ‪ ،‬حديث‬


‫الف ْق ِه ع َىل ِ‬
‫َ‬
‫(‪ )1‬سنن الرتمذي ‪ ،‬أبواب العلم ‪ ،‬باب ما جاء ِيف َف ْض ِل ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫رقم ‪. 2152‬‬
‫(‪ )2‬املعجم األوسط للطباين‪ ،277/ 1 ،‬حديث رقم ‪. 1153‬‬

‫‪115‬‬
‫ب ا ْل ِع ْل ِم ‪ ،‬إِ َّن‬ ‫ِ‬
‫عيل بن أِّب طالب (ريض اهلل عنه) قال‪َ " :‬يا َطالـ َ‬
‫ا ْل ِع ْل َم ذو َف َضائِ َل كَثِ َرية ‪َ :‬ف َر ْأسه الت ََّواضع ‪.)1( "....‬‬
‫تبني له جهله‬
‫علام ؛ كلام ّ‬
‫وِما ل شك فيه أنه كلام ازداد اإلنسان ً‬
‫وبناء‬
‫ً‬ ‫العلم بحر واسع عميق ؛‬ ‫َ‬ ‫تبني له أن‬
‫بام مل يكن يعلم ‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫بعلم ِه وحتصيلِ ِه مهام‬
‫ِ‬
‫طالب العل ِم ل ُّ‬
‫يغرت‬ ‫َ‬ ‫عىل هذه القاعدة ‪ ،‬فإن‬
‫طلب‬ ‫ِ‬ ‫أن ِع ْل َمه َقلِ ْيل ‪ ،‬فإنّه يسعى يف‬
‫عر طالب العلم ّ‬‫َب َلــغَ ‪ ،‬وك ّلام َش َ‬
‫ِ‬
‫طلب‬ ‫دائام بحاجة إىل‬
‫اإلنسان ً‬
‫َ‬ ‫العل ِم وحتصيلِه ‪ ،‬ومعنى هذا أن‬
‫(صىل اهلل عليه وس ّلم) يدعو ر َّبه‬ ‫العل ِم واملزيد منه ؛ وهلذا كان نب ُّينا ّ‬

‫﴿وق ْل َر ِّب ِز ْد ِين ِع ْل ًام﴾(‪.)2‬‬


‫كام أمره فيقول‪َ :‬‬
‫وهذا سيدنا ابن عباس (ريض اهلل عنهام) كان يف طلبه العلم‬
‫ِ‬
‫الشديد يف وقت‬ ‫أمام ِ‬
‫باب صاحب العلم يف اليوم‬ ‫ربام جلس َ‬
‫الباب ‪،‬‬‫َ‬ ‫الرتاب ‪ ،‬فام كان يطرق عليه‬ ‫َ‬ ‫الريح‬ ‫الظهرية ‪ ،‬تثري عليه ِّ‬
‫يقول ا ْبن َع َّباس‪ " :‬ملَـَّا قبِ َض َرسول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬

‫(‪ )1‬األخالق الزكية يف آداب الطالب املرضية ‪ ،‬ص ‪. 29‬‬


‫(‪ )2‬طه‪. 113 :‬‬

‫‪116‬‬
‫ول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه‬
‫اب رس ِ‬ ‫ِ‬
‫ق ْلت ل َرجل‪َ :‬هل َّم َف ْلنَ َت َع َّل َم م ْن َأ ْص َح ِ َ‬
‫ِ‬

‫ابن َع َّباس‪،‬‬ ‫ك َيا َ‬ ‫َو َس َّل َم) ن َْس َأهل ْم؛ َفإِ َّهن ْم كَثِري ‪َ ،‬ف َق َال‪ :‬ا ْل َع َجب َواهلل َل َ‬
‫اب‬ ‫َّاس َم ْن ت ََرى ِم ْن َأ ْص َح ِ‬ ‫ك‪َ ،‬و ِيف الن ِ‬ ‫ون إِ َل ْي َ‬
‫حيتَاج َ‬ ‫َّاس َ ْ‬ ‫َأت ََرى الن َ‬
‫ك َو َأ ْق َب ْلت َع َىل‬ ‫رتكْت َذلِ َ‬ ‫ِ‬
‫َرسول اهلل ( َص َّىل اهلل َع َل ْيه َو َس َّل َم)؟ َف َ َ‬
‫ِ‬

‫ول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ ،‬فإِ ْن كنْت‬ ‫اب رس ِ‬ ‫ِ‬
‫املَْ ْس َأ َلة َو َت َت ُّب ِع َأ ْص َح ِ َ‬
‫ول اهلل ( َص َّىل اهلل‬ ‫يث ي ْبلغنِي َأنَّه س ِم َعه ِم ْن رس ِ‬ ‫َآل ِِت الرج َل ِيف َْ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫اْلد َ‬ ‫َّ‬
‫اب َد ِار ِه ت َْس ِفي‬ ‫َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ ،‬ف َأ ِجده َقائِ ًال ‪َ ،‬ف َأت ََو َّسد ِر َدائِي َع َىل َب ِ‬
‫ابن َع ِّم‬‫خير َج إِ َ َّل ‪َ ،‬فإِ َذا َر ِآين َق َال‪َ :‬يا َ‬ ‫الر َياح َع َىل َو ْج ِهي ‪َ ،‬حتَّى َ ْ‬ ‫ِّ‬
‫هلل‬
‫ول ا ِ‬ ‫َّك حتَدِّ ثه َع ْن رس ِ‬
‫َ‬ ‫ك؟ ق ْلت‪َ :‬ح ِديث َب َلغَنِي َأن َ‬ ‫ول اهللِ َما َل َ‬ ‫رس ِ‬
‫َ‬
‫ْك ‪َ ،‬ف َيقول‪َ :‬ه َّال‬ ‫( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‪َ ،‬ف َأ ْح َب ْبت َأ ْن َأ ْس َم َعه ِمن َ‬
‫ك‬ ‫َان َذلِ َ‬
‫ك ‪َ ،‬وك َ‬ ‫ك ‪َ ،‬ف َأقول‪َ :‬أنَا كنْت َأ َح َّق َأ ْن آتِ َي َ‬ ‫ت إِ َ َّل َفآتِ َي َ‬ ‫َأ ْر َس ْل َ‬
‫ول اهللِ ( َص َّىل اهلل َع َل ْي ِه َو َس َّل َم)‬ ‫ب َأ ْص َحاب رس ِ‬
‫َ‬ ‫الرجل َي َر ِاين َقدْ َذ َه َ‬ ‫َّ‬
‫ْت َأ َح َّق ِمنِّي"(‪.)1‬‬ ‫ْت كن َ‬ ‫َاج النَّاس إِ َ َّل َفيَقول‪َ :‬أن َ‬ ‫احت َ‬
‫ِ‬
‫َو َقد ْ‬
‫ومن باب التواضع مع املعلمني‪ :‬أل خياطب املتع ِّلـم مع ِّل َمـه بتـاء‬

‫(‪ )1‬املعجم الكبري للطباين‪ ، 233/ 17 ،‬حديث رقم ‪. 17192‬‬

‫‪117‬‬
‫املخاطب ‪ ،‬بل زياد ًة يف اإلكرام والر ْفع ِة له ‪ ،‬أن خياطبه ِ‬
‫بصي ِغ اجلمع‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ َ‬
‫فيقول له ً‬
‫مثال ‪ :‬ما رأيكم؟‪ ،‬قلتم ‪ ،‬ذكرتم رمحكم اهلل‪ ،‬وكذلك عند‬
‫ذكره يف غيابه أن يقدِّ َم بني ذكر اسمه ما يشعر بتعظيمه والتواضع له‬
‫كأن يقول ‪ :‬قال شيخنا ‪ ،‬أستاذنا ‪ ،‬مع ِّلمنا ‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬
‫‪ -‬ومنها ‪ :‬الرجوع إىل العلامء يف زمن الفتن والنوازل ‪ ،‬وهذا أدب‬
‫خاصة يف زمن الفتن والنوازل ‪ ،‬فإن اهلل (عز‬ ‫ّ‬ ‫عزيز ‪ ،‬ل بد منه‬
‫ف َأ َذاعوا بِ ِه‬
‫اخلو ِ‬
‫اءه ْم َأ ْمر ِّم َن األَ ْم ِن َأ ِو َ ْ‬ ‫وجل) يقول ‪َ ﴿ :‬وإِ َذا َج َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َل ْو ر ُّدوه إِ َىل الرس ِ‬
‫ول َوإِ َىل أ ْو ِل األَ ْم ِر منْه ْم َل َعل َمه ا َّلذ َ‬
‫ين َي ْستَنبِطونَه‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ِمنْه ْم﴾(‪ ،)1‬فالعلم ليس بكثرة اْلفظ أو اجلمع ‪ ،‬وإنام العلم بالفقه‬
‫والفهم ‪.‬‬
‫ويف هذا دليل رصني لقاعدة من ّ‬
‫أجل قواعد األدب يف طلب‬
‫طلب‬
‫العلم ‪ ،‬فإذا كان هناك بحث يف أمر من األمور ‪ ،‬فينبغي أن ي َ‬
‫ِ‬
‫صاحب الرؤية اجلامعة ‪ ،‬وليس‬ ‫طلب من‬
‫فهم ذلك من أهله ‪ ،‬وأن ي َ‬
‫الرؤية القاصـرة أو املذهبية ؛ ذلك ألن َ‬
‫أهل العلـم املتخصصني هم‬

‫(‪ )1‬النساء ‪. 54 :‬‬

‫‪118‬‬
‫األقرب إىل الصواب ‪ ،‬وإىل السالمة من اخلطأ ‪.‬‬
‫والناظر املد ِّقق سيجد أن املع ِّل َم هو من يقوم بالتعبئة الفكرية‬
‫ِ‬
‫البناء الفكري لألمة‪ ،‬من حيث‬ ‫ِ‬
‫بمعاجلة‬ ‫والثقافية ‪ ،‬وهو من يقوم‬
‫حماْصة الفكر املنغلق أو املتشدد ‪ ،‬وحتصني األجيال من الفكر‬
‫املتطرف أو املنحرف ‪ ،‬وحفظ العقول من الشبهات والقلوب من‬
‫الشهوات ‪ ،‬وبيان الفهم األصيل والرئيس لغايات العلوم واملعارف‬
‫مع مراعاة فقه النوازل‪.‬‬
‫كل ما يقف فيه من مسائل وقضايا‬ ‫ومن ثم فعىل املتع ِّل ِم أن ير َّد َّ‬
‫نفسه أمام‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ومعارف إىل املع ِّلم الناصحِ‬
‫األمني الفقيه ‪ ،‬وإل سيجد َ‬
‫األمر لغري أهله أو ملَ ِ ْن يو ّظف‬
‫َ‬ ‫حالة من الفوىض الفكرية إذا أعطى‬
‫معلوماتِه ومعار َفه َ ِهلوى أو انتامء أو طائفة ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪119‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬ ‫م‬
‫‪1‬‬ ‫* تقديــم ‪.‬‬
‫أ‪.‬د‪/‬حممد خمتار مجعة مبوك ‪ ،‬وزير األوقاف‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪ .1‬األدب مع اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫د‪/‬حممد السيد نصار ‪ ،‬مدير عام اإلرشاد ونشـر‬
‫الدعوة‪.‬‬
‫‪19‬‬ ‫‪ .2‬األدب مع رسول اهلل (صىل اهلل عليه وسلم)‪.‬‬
‫أ‪.‬د‪/‬حممد خمتار مجعة مبوك ‪ ،‬وزير األوقاف‪.‬‬
‫‪42‬‬ ‫‪ .4‬األدب مع الصحابة (رضوان اهلل عليهم) ‪.‬‬
‫د‪/‬أمحد عبـد اهلـادي عـيل ‪ ،‬مـدير إدارة املراكـز‬
‫الثقافية ‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫‪ .3‬آداب معاملة الوالدين ‪.‬‬
‫د‪/‬عمــرو حممــد الكـ َّـامر ‪ ،‬مــدير عــام الفتــوى‬
‫وبحوث الدعوة ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬ ‫م‬
‫‪13‬‬ ‫‪ .1‬آداب الطعام والرشاب ‪.‬‬
‫د‪/‬أرشف فهمي موسى ‪ ،‬مدير عام التدريب ‪.‬‬
‫‪11‬‬ ‫‪ .1‬آداب اللباس والزينة ‪.‬‬
‫د‪/‬رمضان عفيفي بحـريي ‪ ،‬مـدير عـام املراكـز‬
‫الثقافية ‪.‬‬
‫‪01‬‬ ‫‪ .0‬آداب النوم ‪.‬‬
‫د‪/‬عمــرو حممــد الكـ ّـامر ‪ ،‬مــدير عــام الفتــوى‬
‫وبحوث الدعوة ‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫‪ .5‬آداب السفر ‪.‬‬
‫د‪/‬عمرو حممد مصـطفى ‪ ،‬مـدير عـام البعثـات‬
‫والوافدين باملجلس األعىل للشئون اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪91‬‬ ‫‪ .9‬آداب الطريق وحقوقه ‪.‬‬
‫د‪/‬نوح عبـد اْللـيم العيسـوي ‪ ،‬رئـيس اإلدارة‬
‫املركزية لشئون مكتب الوزير بالديوان العام ‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬ ‫م‬
‫‪175‬‬ ‫‪ .17‬آداب طالب العلم ‪.‬‬
‫د‪ /‬أسامة فخري اجلندي ‪ ،‬مدير عام املساجد ‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫* فهرس املوضوعات ‪.‬‬

‫*‬ ‫*‬ ‫*‬

‫‪122‬‬
123
124

You might also like