Professional Documents
Culture Documents
الصلاة معراج
الصلاة معراج
الصالة معراج
هكذا وصف النبى صلى هللا عليه وسلم روح العبادات ،ودعامة هذا الدين بقوله فى
األثر الشريف ( :الص22الة مع22راج ) ،أى :معراج العب2د إلى من2ازل الق2رب من حض2رة
الرب ،معراج األرواح إلى حضرة الفتاح 0
وكم22ا وص22فها بقول22ه ( :الص22الة مع22راج ) ،وص22فها ك22ذلك بقول22ه ص22لوات هللا
ص 2لة ) من حيث أنه2ا الرِّب2اط الوثي2ق والعُ2ر َوة الُ 2وثقى ال2تي
وسالمه عليه ( :الص22الة ِ
وص22لت العب22د بربِّه فى جامع22ة اإلعظ22ام واإلجالل هلل رب الع22المين ،على بِس22اط
القُرب ونجائب الحب0
كذلك وصفها صلى هللا عليه وسلم بقوله ( :الصالة نور ) ،فبها تنكش22ف مع22الم
الطريق إلى هللا عز وجل ،وتستبين الحقائق ،وتظهر بها غوامض اآلي22ات لألعين
جليَّات 0
( الصالة مناجاة ) ووصفها أيضا بأنها مناجاة فى قوله صلى هللا عليه وسلم
فهى ـ الصالة ـ معراج من معا رج القُرب ،ومنزلة من من22ازل الش22هود ،ومق22ام من
مقام2ات الّ 2زلفَى ،فيه2ا ي22دنو الح2بيب من الح22بيب ،ويواج22ه الن22ورُ الن2و َر ،ويت22ن َّزل
القريب للقريب ،وبها يحصل التحقيق ،ويدوم الحضور مع الحق ال ُمبين 0
ولقد شرَّف هللا تعالى هذه الفريض2ة أول م2ا افترض22ها ،من حيث الزم2ان والمك2ان:
ففى الزمان فُ ِرضت ليلة اإلسراء والمعراج ،وهى ليلة المشاهدات الجلية واألسرار
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 3
العلي2ة ،وفى المك2ان ك2ان تش2ريف هللا تع2الى له2ا من حيث افترض2ها س2بحانه على
ِعباده من فوق السبع الطباق 0
وإنما كانت الحكمة من اختيار الزمان والمكان الفتراض الصالة هكذا ،ألن
روح الص22الة اقتض22ت من المص22لى إذا ق22ام بين ي22دى ربِّه وق22ال :هللا أك22بر ـ وهى
تكبيرة اإلحرام ـ أن يُحرِّ م على نفسه كل م22ا ِسَ 2وى هللا ،فيف22نى عن زمان22ه ومكان22ه،
وهذا هو الشأن فى ليلة اإلسراء والمعراج حيث ال زمان وال مكان 0
يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه :
واألين لمــــــا أقـمـــــــرت ومحــــــا الشــــهـــود زماننا
فهى الليلة التي ينتفى فيها البيْن ،وتقع فيها العين على العين 0
ومن الغ22ريب أنن22ا إذا حقَّقن22ا فى خ22واتيم الص22الة وخ22واتيم س22ورة اإلس22راء،
لوجدنا أن كالهما واحد ،فالصالة تُختم بعد التسليم بتسبيح وتحميد وتكب22ير ودع22اء،
وهذا هو الشأن فى خواتيم سورة اإلسراءُ ،ختِمت كذلك بالتسبيح لقوله تعالى:
ويقولون سبحان ربِّنا إن كان وعد ربِّنا لمفعوال ،وبالدعاء لقوله تعالى :قل
أدعو هللا أو أدعو الرحمن أيًّا ما تدعو فله األسماء الحسنى ، وبالحمد لقوله تعالى
:وقل الحمد هلل الذى لم يكن له ولىٌّ من ال22ذل وب22التكبير لقول22ه تع22الى :وكبِّره
تكبيرا .
لذلك نرى أن هللا تع22الى ق22د جم22ع لن22ا فى الص22الة الت22ذكير بأس22مائه الكمالي22ة
العشرة ــ فحين يقوم المصلى بين يدى ربه قائال :هللا اكبر ،وهذا ت22ذكير ب22أول إس22م
من أسمائه الكمالية وه22و اس22م الجالل22ة األعظم ( هللا ) ،وباس22م (الكب2ير) وه22و من
أسمائه الكمالية .
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 4
ثم التذكير باسم ( األحد ) حيث يتوجه المص22لى إلى قبل22ة واح22دة ،هى بيت
هللا الحرام من حيث المبنى ،أما من حيث الحقيقة والمعنى ،فالقبلة هى الواحد األحد
جل جالله ،قال تعالى قل إن صالتى ونُسكى ومحياى ومماتى هلل رب العالمين ال
شريك له ويذلك ُأمرت وأنا أول المسلمين 0
كذلك تذكرنا الصالة باسم ( الصمد ) حيث يق22ف المص22لى بين ي22دى ربِّه ال طع22ام
وال شراب ،يصمد فى كل حوائجه هلل عز وجل 0
وفيها التذكير باسم ( القدوس ) ألن ال ُمصلِّى بتكبيرة اإلحرام فارق
األغيار ،وطهَّر قلبه من كل ما ِسوى الواحد القهار ،حتى صار القلب بيتا لت22نزالت
حضرة الرب 0
ك22ذلك فى الص22الة هج22رة من الخل22ق إلى الح22ق ،من الوج22ود الظ22اهر إلى
الباطن سبحانه ،وفى هذا تذكير باسم ( الباطن ) وهو من أسمائه الكمالية س22بحانه،
وعندما يقول ال ُمصلى فى ركوع22ه :س22بحان رب َِّى العظيم ،يك22ون ذل22ك ت22ذكيرا باس22م
(العظيم ) ،وعندما يقول فى سجوده :سبحان رب َِّى األعلى ،يكون ذلك تذكيرا باس22م
( العلى ) والصالة لها أول ولها آخر فأولها تكبير ،وآخرها تسليم ،وفى هذا ت22ذكير
باسم ( األول ) وباسم ( اآلخر ) 0
ومن هنا كانت الصالة جامعة شهودية لمعانى أسمائه الكمالية ،ف22إذا قُ ِ
ض2يَت
الصالة ،تحرَّكت لواعج الشوق فى قلب ال ُمصلى للصالة ،وإنما كان ُأنس المص22لى
بصالته لكمال ُأنسه باهلل تعالى ،وهى الصالة التى ق22ال فيه22ا الن22بى ص22لى هللا علي22ه
وسلمُ ( :ج ِعلت قُ َّرةُ عينى فى الصالة ) ،وق22ال تع22الى لنبيِّه ص22لى هللا علي22ه وس22لم:
فإذا فرغتَ فانصب أى :فانصب قائما هلل وباهلل ،وإلى ربِّك فارغب فعند ربِّه
ولدَى ربِّه تكون قُرَّة عينه صلى هللا عليه وسلم 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 5
كذلك المؤمن الصادق الذى يسير على قَدَم المصطفى صلى هللا عليه وسلم،
بحال محمدىٍّ ،يتمثل فيه بين عينيه ق22ول الن22بى ص22لى هللا
ٍ يتوجه إلى هللا فى صالته
عليه وسلم ( :اللهم أحيِنى مسكينا وأمتنى مسكينا واحش22رنى فى زم22رة المس22اكين)،
ففيها ينظر المصلى دواما إلى موض2ع س2جوده وه22و ال2تراب ،فال يغيب عن أص2له
ومنشئه نَفَسا وال طرفة ،وعندها يض22محل القلب أم22ام ه22ذا الجن22اب العلى المق22دس،
قال تعالى :فارجع البصر ك َّ ِرتيْن كرَّة فى البداية فيرى نفسه ال شىء ه22ل أتى
حين من ال َّ 2دهر لم يكن ش22يئا م22ذكورا ،وك 2رَّة فى النهاي22ة ف22يرى فى
على اإلنس22ان ٌ
نفسه جمال رب العالمين قد تجلَّى جليا فى عب ٍ 2د ص22اغه هللا على أحس22ن التق22ويم ،
وهنا يتحقق العبد بكمال عجزه أمام المنعم سبحانه ،المتفضل علي2ه بجالئ2ل النعم ،
فيلبس حُلَّة الذل واإلنكسار لقوله تعالى :ينقلب إليك البصر خاسًئا أى ذليال ،
وهو حسير أى عاجز عن شهود كماالت ربه فيه ،ألن العبد هو المظه22ر األعلى
من بين سائر الموجودات لقوله تعالى :فى أحس22ن تق22ويم ، أظه22ره ربُّه ليُظه22ر
فيه معانى جوده وكرمه وفضله وإنعامه وإحسانه ،وهذا هو الس22جود القل22بى ال22ذى
يسجد في22ه قلب العب22د س22جدة التعريف ،بع22د س22جدة الجس22م هلل رب الع22المين س22جدة
التكليف 0
وصاحب هذا القلب يراقب ربَّه فى صالته مراقبة التعظيم واإلجالل ،وفيه22ا
يصير القلب مستغرقا بمالحظة ذلك الجالل ،ومنكسرا تحت سلطان الهيبة اإللهي22ة،
فال يبقى فيه متسعا لاللتف22ات إلى الغ22ير ،ح22تى أن22ه لكم22ال اس22تغراقه ينس22ى طاعت22ه
وعمله ،فيطيع ربَّه وال يرى لنفسه طاعة 0
وهذه هى الصالة التى دعانا إليها الح2ق تب2ارك وتع2الى بقول2ه فيم2ا ورد عن الن2بى
صلى هللا عليه وس22لم فى الح22ديث القدس22ى عن رب الع22زة ( :أن العب22د إذا التفت فى
صالته قال هللا تعالى :يا عبدى أنا خير لك مما تلتفت إليه ) ،وهى التى من أجله22ا
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 6
حذرنا النبى صلى هللا عليه وسلم من اإللتفات فى الص2الة فق2ال ( :إي2اكم وااللتف2ات
فى الصالة فإنه هلكة ) ،ألن المصلى القائم بقلبه ،الراك22ع بقلب22ه ،الس22اجد بقلب22ه ،
ال ُمخبت بين ي2دى رب2ه ،عظُمت قى قلب2ه الص2الة لِ ِعظَم من واجه2ه فيه2ا ،فه2و بين
توجه ومواجهة ،تق ّرُبٌ وتقريب ،التوجه من العبد والمواجهة من الرب ،التق22رب
من العبد والتقريب من الرب 0
قال صلى هللا عليه وسلم ( :إذا قام العبد إلى الصالة رُفع الحجاب بينه وبين
ري22ه وواجهه بوجه22ه ،وق22امت المالئك22ة من لَّ ُدن منكب ْي22ه إلى اله22واء فيص22لون على
صالته ويؤمنون على دعائه ،ويُنثر ل22ه ال22بر من عن22ان الس22ماء إلى مف22رق رأس22ه،
ونادى منا ٍد :لو علِم المناجى من يناجى ما خرج من صالته ) 0
ومتى واجه الربُّ سبحانه عبدَه الفار إلى هللا باهلل ،فرار العائذ باهلل من كل ما سواه،
ال ُمقبل ب ُكلَّية قلبه عليه ،انبلج فى قلب المصلِّى أنوار ثالثة:
– 1نور ملكوتى يشهد به معانى اآليات المشرقة فى النفس والكائنات0
-2ونور ملكوت العزة الذى يشهد به معانى األسماء والصفات اإللهية0
-3ونور جبروتى يشهد به معانى واحدية األسماء والصفات 0
ومتى انبلجت هذه األنوار أشرق قلبُه بمعانى األسرار ،فكوشف بأسرار ثالثة:
سر العلم وهو ما كشف له عن المعلوم 0
وسر الحال وهو ما كشف له عن المراد 0
وسر الحقيقة وهو ما وقعت عليه اإلشارة 0
ق222ال تع222الى :اتق222وا هللا ويعلمكم هللا ،ومع222نى يعلمكم هللا :أى يعلمكم م222ا لم
تكونوا تعلمون ،وأرقى هذه العلوم هو أن يكشف لك الحق سبحانه عن جمال وجهه
من سر قوله تعالى :فأينما تُ َولُّوا فث َّم وجه هللا ، ولإلم22ام أب22و الع22زائم رض22ى هللا
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 7
عن22ه إش22ارة فى ه22ذا المع22نى فيق22ول فى مع22نى ويعلمكم هللا أى :ويعلمكم هللاُ هللاَ
حتى يصير عارفا باهلل 0
والعلم باهلل ال ينتهى ،إذ ما من كمال أفاضه هللا على عب22اده إال وعن22د هللا تع22الى
أكم22ل من22ه ،وه22و مع22نى قول22ه تع22الى لنبيِّه ص22لى هللا علي22ه وس22لم :وثياب22ك فطهِّر
والثياب حُلل ،ولرسول هللا صلى هللا عليه وسلم حُلل جمالية جاللية كمالية ال تنتهى
،بل وال حصر لها وال عد 0
ف22أول حُل22ةُ ،حلَّة اص22طفائه بالمحب22ة ،ألن22ه ح22بيب هللا ،ثم حل22ة اص22طفائه ب22العلم
وعلَّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل هللا عليك عظيم22ا ، ثم حل22ة اص22طفائه ب22ال ُخلُق
ق عظيم ، و ُحلَّة اص22طفائه بالعبودي22ة قُم
العظيم فى قوله تعالى :وأنك لعلى ُخلٍُ 2
الليل إال قليال فقام صلى هللا عليه وس22لم اللي2ل ح2تى ت22ورَّمت ق2دماه الش2ريفتان من
طول القيام ،وحينما سألته السيدة عائش22ة عن ذل22ك ق22ال له22ا ( :أفال ُأحب أن أك22ون
عبدا شكورا ) ،كذلك ج َّمله هللا تعالى بحُلَّة الدعوة إلى هللا عز وجل وداعيا إلى هللا
وسراجا ُمنيرا 0
بإذنه ِ
كل هذه حُلل كمالية ،والمعنى فى قوله تعالى :وثيابك فطهر أى :طهرها
من الكمال طلبا لألكمل ،فاألكمل من المحب ِة المحبوب جل جالله ،واألكمل من
العلم العليم سبحانه ،واألكمل من ال ُخلق العظيم من أفاضه عليه جل شأنه،
وهكذا ،إذ كل هذه ِظالل لحضرة الذات ،وعبد الذات ال مطلب له إال الذات
أبو العزائم رضى هللا عنه : يقول اإلمام
تشـهدن غيْبــــا مصـونا أ َّولــى أفردن بالقصد مـوالك العـلى
غيــبــُه قــد الح يُجــلَى لـلـولى فى المظاهرفاشهـدن آيا تُرى
واطــلب المعــلوم منه به أخـى ال تقف عند العلوم وســــرها
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 8
ِحجبـة العـُشاق عـن غـيب بهى ال تقف عنــد المحــبة إنهـــــا
إن ُمنحتَ العلم والكشف السنى واعبد المعروف جــل جالل22ه
حضـرة اإلطالق يدعوك الولى فِ َّر من كوْ ٍن وأزمــــا ٍ2ن إلـــى
وهذا سر قوله تع22الى :ففِ22رُّ وا إلى هللا ،فهى رائ22د الم22ؤمن وس22لوكه ،إذا
نظر إلى الكون قرأ قولَه تعالى :ففِرُّ وا إلى هللا ،وهنا يكون فراره من الكون إلى
كون ،وإذا نظر إلى النفس قرأ قولَه تعالى :ففِرُّ وا إلى هللا وهنا يكون فراره
ال ُم ِّ
من النفس إلى ُمنفِّســـها ،وإذا نظ2ر إلى الخل2ق ق2رأ قول2ه تع2الى :ففِ2رُّ وا إلى هللا
[ وهنا يكون فـــراره من الخلق إلى الحق ،وإذا نظر إلى العطية يقرأ ففِ22رُّ وا إلى
هللا أى من العطية إلى المعطى سبحانه ،وإذا نظر إلى العلم فقرأ قول22ه تع22الى :
ففِرُّ وا إلى هللا أى من العلم إلى العليم سبحانه ،وإذا نظر إلى الش22هود ق22رأ قول22ه
تعالى :ففِرُّ وا إلى هللا وهنا يكون فراره من الشهود إلى المشهود ،وإذا ع22اين
األسرار وكوشف بحقائق األنوار ق22رأ ففِ22رُّ وا إلى هللا فيك22ون ف22راره من معاين22ة
األسرار والحقائق يق22رأ قول22ه تع22الى :ففِ22رُّ وا إلى هللا أى إلى العين العلي22ة ال22تى
تنزهت وتعالت عن سائر األعيان 0
يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه:
هو السمع بل بصرى ُأعــدت إلى أصلى أفر إليـه بعد محـو مشاهدى
ُّ
والمصلى فى صالته بين طالب ومطلوب ،فطلبه هلل هو عين شكره هلل عز
وجل ،وطلب هللا له هو شكر هللا تعالى له ،قال صلى هللا عليه وسلم ( :من ع ِمل
بما علِم ) وهذا هو شكر العبد هلل ( ،علَّمه هللا ما لم يكن يعلم ) وهذا هو شكر هللا
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 9
للعبد فيكاشــفه بالمضنون المكنون الذى قال فيه صلى هللا عليه وسلم ( :إن من
العلم كهيئة المكنون ال يعلمه إال أهل المعرفة باهلل تعالى ) 0
والمصلى فى صالته بين تقرب من العبد للرب وتقرُّ ب من الرب للعبد ،قال
صلى هللا عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه عز وجل :من تقرَّب م2نى ِش2برا تق2رَّبت
ى هرولت إليه0
منه ذراعا ،ومن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا ،ومن مشى إل َّ
الودادي22ة ،حيث يتق22رب
فانظر رحمك هللا إلى مالطفاته اإلحسانية وتنزالته ِ
العبد بالقليل وهو المفتقر إلى هللا ،وهللا تعالى يتقرب إليه بالكثير وهو الغنى عن22ه ،
وفى هذا مشهد توحيدى يشهده أه2ل المعرف2ة وال2ذوق ،فهم فى ص2التهم ي2رون أن
الذى أمرهم بالصالة هو هللا ،وأن الذى أعانهم هو هللا ،وأن ال22ذى وفَّقهم ه22و هللا ،
وأن الذى شكر هو هللا 0
هو الذى أمرهم بالص22الة لقول22ه تع22الى :وأقيم22وا الص22الة ، وه22و ال22ذى
أعانهم لقوله تعالى :إياك نعبد وإياك نس2تعين أى نس22تعين ب2ك على دف22ع مكائ22د
2وى النفس ،وه22و ال22ذى وفَّق لقول22ه تع22الى على لس22ان الن22بى الص22الح
الشيطان وهَ 2
سيدنا ُشعيب عليه السالم :وما توفيقى إال باهلل ، وهو الذى شكر ألن22ه س22بحانه
بنفسه بصيغة ارتضاها لخلقه وأمرهم بها عند كل صالة فق22ال :الحم22د
حمد نف َسه ِ
هلل رب العالمين ، وهو الذى اجزل لك العطاء عليها فجازاك 0
فالصالة درجات ومراقى على قدر إقب22ال العب22د على هللا ،وقب22ول هللا تع22الى
له ،فالصالة عندالسالك مجاهدة فإذا جذبته جواذب العناية فساح فى مي22ادين قدس22ه
ص22ارت الص22الة عن22ده مش22اهدة ،ف2إذا إرتقى على مع22ارج القُ22رب من هللا فاني22ا عن
المجاهدة والمشاهدة صار مع المعبود جل جالله 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 10
يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ( :السالك يرى ال ِعبادة مجاهدة ،والواصل
يراه2ا مش2اهدة ،والمتم ِّكن نف2ذ من أس2وار القي2ود ورس2وم الح2دود ح2تى ص2ار م2ع
المعبود مع قيامه بأكمل العبادات ) 0
وناهي22ك عن عب22د ص22ار ب ُكلِّيَّتِ22ه م22ع هللا فى الص22الة ،واس22تغرق فى ش22هود
أوصافه الجمالية ،حتى أدخله الشهود فى ِح َمى المعب22ود ج22ل جالل22ه ،حيث حظ22ائر
نسه ،هؤالء هم الذين وص22فهم هللا بقول22ه :إال المص22لين ال22ذين همورياض ُأ ِ
قُد ِسه ِ
على صالتهم دائمون أى :ساكنون إلى هللا ،فقلوبهم دوم22ا م22ع هللا ،ال تتقلَّب إال
فى محابه ومراض22يه ، 2ومن أمعن النظ22ر فى قول22ه ص22لى هللا علي22ه وس22لم فى ش22أن
المص22لين ( :وال ي22زال فى ص22الة م22ا انتظ22ر الص22الة ) ،فاإلنتظ22ار ال يك22ون إال
للعاش22ق الوالِ22ه لحض22رة جنابِ22ه س22بحانه ،ال22ذى ذاق حالوة المعي22ة وم22ا فيه22ا من
المؤانسات الربانية والمواجهات اإللهية ،فاشتاق إلى المزيد الذى يجمعه هللا له فى
صالة الجسم والروح ،حيث يص22لى الجس22م بالخش22وع وتص22لى ال22روح بالش22هود ،
ول22ديها يوالي22ه ربُّه ب22دوام الص22الة علي22ه ،ق22ال تع22الى :ه22و ال22ذى يُص22لى عليكم
ومالئكتُه لِيُخرجكم من الظلمات إلى النور ، ويصلى هنا فى ه22ذه اآلي22ة الكريم22ة
جاءت بصيغة المض22ارع المش22ير إلى ال22دوام واالس22تمرار ،فه22و فى ص22الة دائم22ة
لدوام مواصلة هللاُ تعالى له بمزيد اإلنعام واإلكرام ،والحب والوالء ،ففى الح22ديث
ى بالنواف22ل ح2تى ُأحب2ه ف2إذا
القدسى عن هللا عز وجل ) :وال ي2زال العب2د يتق2رَّب إل َّ
كنت سمعه الذى يسمع به ،وبصره الذى يبصر به ،ويده التى يبطش به22ا ، أحببته ُ
ورجله ال22تى يمش22ى عليه22ا ،ولئن س22ألنى ُألجيبنَّه ،ولئن اس22تعاذنى ُألعيذن22ه (،
2ره والمعنى :أى صار عبداً ربانيًا سكن الح22ق فى قلب22ه َ ،
وس َ 2رى إلى س22م ِعه وبصِ 2
ورجلِه ،سرى نوره العلى من باطنه إلى ظاهره حتى صار العبد كله نورا ،
وي ِده ِ
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 11
وهو العبد الذى أقامه هللا تعالى شمسا وب2درا فى س22ماء الدالل22ة علي22ه ،إلي22ه يش22تاق
العالون ،وتحن لرؤيته المالئكة المقربون .
وفيهم يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه :
للسالكين بنورهم يُمحى الظالم آل العـــزائم أنجـم تُبدى الضيا
وبحفظهم لنبيِّهم بلغـوا المــرام خصُّ ــوا بحكـمة ربهـم وبحبــه
ُ
بالفضل والرضوان فى رشف المـدام آل العــزائم فى المعية ُج ِّملــوا
هؤالء ال يخطـــر على قـلــوبهم ُملك وال ملكــــوت ،ومع22نى قول22ه تع22الى:
يُخ22رجهم من الظلم22ات إلى الن22ور أى :ال يُبقى لهم ظلم22ة ذنب تحجبهم عن هللا ،
فه22و لهم غ22افر وغف22ار وغف22ور ،وه22و لهم ش22اكر وش22كور ،ق22ال ص22لى هللا علي22ه
وسلم ( :من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركع2تين لم يُح2دِّث نفس2ه فيهم2ا بش2ىء
من الدنيا خرج من ذنوبه كي2وم ولدت2ه أم2ه ) ،ومع2نى أحس2ن الوض22وء أى أحس2ن
طهارة الجوارح ِح ًّسا ومعنى ِ ،حسًا بالماء ،ومعنًى بالتوبة إلى هللا ،قال تعالى :
إن هللا يحب التوابين وهذه طهارة الباطن ،ويحب المتطه22رين 2وه22ذه طه22ارة
الظاهر ،فأحسن الوضوء أى أحسن طهارة الظاهر والباطن ،قال ص22لى هللا علي22ه
وسلم ( :أال ُأنبِّئكم بمخموم القلب ؟ ) قالوا :بلى يا رسول هللا ،ق22ال( :ص22احب القلب
النقى التقى الذى ال غل فيه وال حسد ) ،وهو القلب الس2ليم ال2ذى ي2أتى ص2احبه ربَّه
راضيا مرضيا ،ألنه َسلِم من اآلمال الوهمية والحظوظ الدنيه ،واألهواء النفس22انية،
ضهم يلعب22ون
فوصله هللا بالتحلى بعد التخلى ،قال تعالى :قل هللا ثم ذرهم فى خوْ ِ
0
والصالة الجامعة لهذه المعانى ،هى الصالة التى يواجه الرب سبحانه فيه22ا
عبدَه ،ومتى حص22لت المواجه22ة ص2حَّت المنازل22ة ،فيك22ون العب22د بين توج22ه إلى هللا
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 12
تعالى توجه22ا عن استحض22ار يعقب22ه حض22ور ،ثم مواجه22ة من هللا تع22الى ل22ه تتبعه22ا
مؤانسة ،وبالمؤانسة تكون المنازلة ،أى القرب من حضرة القريب سبحانه 0
ومن هنا كانت معارج القرب إلى هللا تعالى فى الصالة ،لقوله صلى هللا عليه وسلم:
( ال صالة لمن لم يق22را بفاتح22ة الكت22اب ) ،وفاتح22ة الكت22اب آياته22ا س22بع ،وس22ماوات
المعراج سبع ،وهو صلى هللا عليه وسلم فى معراجه سماء من بعد سماء يشير إلى
أنه بتجاوزه للسماء األولى إلى السماء الثانية يصير غيبا عنه22ا ،وبتج22اوزه للس22ماء
الثانية إلى السماء الثالث22ة يص22ير غيب22ا عنه22ا ،أى غيب22ا عن الس22ماء األولى والثاني22ة
وهكذا فى معراجه صار صلى هللا عليه وسلم غيبا عن العوالم والثالثة 000000
كلها ،ألنه تجاوز العوالم كلها ،ولم يبق سوى خلوت22ه ص22لى هللا علي22ه وس22لم ب22الحق
جل جالله التى يقول فيها اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه :
الدهـور
حــت ُّ
جــلوة باال ِّمحـا َم َ قــــد رأى فى خــلــــوة فــرديَّــــٍة
ستر الخلق ظهورا واألمــــــور2
َّ شمـس قـُـدسٍ ال غمــــــام وال هوا
أشــرقت للواحد الفرد الوقــــور2 حضــــــرة أحـدية فـى
فى التدلى فى يـقــين ال يمــــور غيبهــــــــا
ستر األسماء لدى الزلفى غـفور
َّ فى الدنـــــوِّ له التــدلى جـــــــاذب
عن ُأولى العزم الكرام وال سـفـور اهد فـيــها ومشــهو ٌد لهـــــا
شـــــــ ٌ
ِســر إســراه خفاءٌ عن عصــور حـين ( أو أدنى ) فـغــيب غـامض
جـاوز العرش مقـاما ال يمـــور واحــــــد فـــرد ألحـــــــد نزِّهــن
جــــاوز الملـكــوت قـــدرا راقيــا
هذا شميم من إسرائه صلوات هللا وسالمه عليه ،ينجلى حال الصفا ل22روح العاش22ق
المستهام ،والواجد المجذوب بجواذب العناية إلى هللا 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 13
وقد ب َّشرنا النبى صلى هللا عليه وسلم بما فى الصالة من معارج الق22رب إلى
هللا تعالى فقال ( :إذا ق22ال العب22د :الحم22د هلل رب الع22المين ،فُتحت ل22ه أب22واب الس22ماء
األولى بالعفو والرحمة الواسعة ،وإذا قال :الرحمن الرحيم ،فتحت له أبواب السماء
الثانية بالبركة والمغفرة ،وإذا قال :مالك يوم الدين ،فتحت له أب22واب الس22ماء الثالث22ة
بالعزة والرفعة ،فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين ،فتحت له أبواب السماء الرابع22ة
بالتوفيق والعص22مة ،وإذا ق2ال :اه2دنا الص22راط المس2تقيم ،فتحت ل2ه أب22واب الس2ماء
الخامسة بالخير والهداية ،فإذا ق22ال :ص22راط ال22ذين أنعمت عليهم ،فتحت ل22ه أب22واب
السماء السادسة بالفضل والكرامة ،وإذا قال :غير المغضوب عليهم وال الض22الين ،
فتحت له أبواب السماء السابعة بالثبات على اإلسالم والعصمة من كل دين س22واه ،
فإذا قال :آمين ،فتحت له أبواب العرش بقبول دعاء قائلها ) 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 14
إشارات العارفين في سورة الفاتحة
وللعارفين رضوان هللا عليهم إشارات فى فاتحة الكتاب ،ففى البس22ملة ن22رى
أن أحرفها تسعة عشر ،من قرأها أ َّمنه هللا من النار ،ألن زبانية جهنم تسعة عش22ر،
فجعل هللا كل حرف من أحرفها وقاية لقائلها من مالئكة الع22ذاب ال22ذين وص22فهم هللا
تعالى بقوله :عليها تسعة عشر 0
كذلك الحمد هلل ثمان أحرف بعدد أبواب الجنة الثمانية 0
والمعنى أن العبد إذا قال :بس2م هللا ال2رحمن ال2رحيم الحم2د هلل 0000أ َّمن2ه هللا من
الجنان 0
النار وفتح له أبواب ِ
هذا فى بداية الفاتحة ،أما فى خاتمتها فيقول22ون :آمين أربع22ة أح22رف ،
ألفه22ا مكت22وب على ركن الع22رش ،والميم على ركن الكرس22ى ،والي22اء على ركن
اللوح ،والنون على ركن القلم ،فإذا قالها العبد تح22رك الع22رش والكرس22ى والل22وح
والقلم يستغفرون هللا له ،فيقول هللا عز وجل :اشهدوا أنى قد غفرت له
وهذه المكاشفات إنما هى مكاشفات بعلوم عن ذوق ووجد ،والعلوم فوقه22ا أن22وار ،
واألنوار فوقها أس22رار ،وك22ل ذل22ك ليس بش22يء ي22ذكر إلى ج22انب أن22وار الكم22االت
الذاتية ،وغوامض مجلى الذات األحدية 0
فالصالة تبدأ بقولك فى تكب22يرة اإلح22رام :هللا اك22بر ،وهى عن22د أه22ل ال22ذوق
تعنى الحضور مع هللا ،وأن كل ما سواه جل جالله حرام على قلبك 0
وبعد الحضور تكون المؤانسة ،وخير ما يؤنس الحق سبحانه به أحباءه فى الص22الة
أسماءه الحسنى ،وهو ما آنسك به فى قوله سبحانه :بسم هللا ال22رحمن ال22رحيم فـ
( هللا ) اسم ج22امع لجماالت22ه وجالال ت22ه وكماالت22ه ،واس22م ( ال22رحمن ) يت22نزل في22ه
سبحانه بالجمال والجالل ،واسم ( الرحيم ) يتنزل فيه بالجمال الصرف0 2
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 15
وكم22ا يؤنس22ك س22بحانه فى ص22التك بأس22مائه ،فه22و يت22نزل إلي22ك بمالطفات22ه
اإلحس22انية ،ومؤانس22اته الودادي22ة ،فتق22ول :الحم22د هلل رب الع22المين ،فيؤنس22ك فى
صالتك بما يؤنس به أهل الجنة ،إذ الحمد هو آخر كالم أهل الجنة ،ق22ال تع22الى :
وآخر دعواهم أن الحمد هلل رب العالمين 0
كذلك من مؤانساته سبحانه لك فى الصالة قول22ه :ال22رحمن ال22رحيم ،ففى
اسم الرحمن األمن واألمان يوم الفزع األكبر ،قال تعالى :يوم نحشرالمتقين إلى
الرحمن وفدا فتغشاهم رحمة هللا تعالى ،ويظلهم بظلِّه يوم ال ظل إال ظله.
أما اسم الرحيم فهو االسم الذى يحييك هللا تعالى به فى الجنة بقوله س22بحانه :س22ال ٌم
قوْ الً من ربٍّ رحيم 0
ولذلك ق َّدم هللا تعالى ِذكر الرحمن الرحيم على قوله تعالى مال22ك ي22وم
الدين لينشر عليك رداء رحمته يوم الع22رض علي22ه ،ق22ال تع22الى :ي22ا عب22ادى ال
خوف عليكم اليوم وال أنتم تحزنون 0
ثم بعد ذلك ،األنس بالعبودية هلل رب العالمين فى قول22ه تع22الى ح22ال مناج22اة
العبد للرب :إي2اك نعب2د وإي2اك نس2تعين ، والعبودي2ة ِمنَ2ة إلهي2ة ونعم2ة رباني2ة ،
ذكرها هللا تعالى فى المقام األسنَى لحضرة نبيِّه ص22لى هللا علي22ه وس22لم ،فق22ال فى
مقام التشريف والتعظيم له صلى هللا عليه وس22لم ( :س22بحان ال22ذى أس22رى بعب22ده ) ،
فأوحى إلى عبده ما أوحى 0
وبالعبودية امت22دح هللا أنبي22اءه ،فق22ال تع22الى فى س22ليمان وفى أي22وب عليهم22ا
وعلى نبينا أفضل الصالة والسالم :نِعم العبد إنه أ َّواب 0
بع22د ذل22ك كش22ف هللا س22بحانه لن22ا الغط22اء عن أحباب22ه فى قول22ه ؛ إه22دنا الص22راط
المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ، فأنت حين تدعو هللا تعالى به22ذا ال22دعاء فى
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 16
صالتك ،فإن هللا تعالى كريم يفتح بواسع فضله وكرمه الباب لمن أحبه وارتضاه ،
ف22ترفع إلى معي22ة من أنعم هللا عليهم من النب22يين والص2دِّيقين والش22هداء والص22الحين
كذلك قولك فى حال ركوع22ك ( س22بحان رب َى العظيم ) ،وح22ال س22جودك ( س22بحان
ربى األعلى ) هذا تسبيح ،والتسبيح كذلك كالم أهل الجنة ،فإنهم يُلهَمون التس22بيح
َ
كما يلهمون النفس ( دعواهم فيها سبحانك اللهم 0 ) 000
كذلك من المؤانسات التى يشهدها أهل الذوق فى ص22التهم :قول22ك الحم22د
هلل رب الع22المين أى الحم22د هلل ال22ذى أق22امنى مق22ام الش22كر ل22ه ،والثن22اء علي22ه ،
والخوف منه ،والعبودية لذاته ،وفى قولك بعد الرفع من الركوع ( ربنا لك الحم22د)
أى :الحم22د هلل ال22ذى رفع22نى بع22د أن أق22امنى ل22ه فى رك22وعى عب22دا خض22ع وأن22اب
واستسلم هلل رب العالمين 0
أما فى السجود ،فإن2ه ت2ذكرة ل2ك بحيات2ك وأوطان2ك من البداي2ة إلى النهاي2ة،
وعندما تهوى س22اجدا م22رة ثاني22ة فه22و رم22ز لرجوع22ك إلى هللا تع22الى ب22الموت ،ثم
يعيدكم فيها ،فإذا رفعت من السجدة الثانية ،كان ذلك رم22ز للحي22اة الحش22رية ال22تى
2رجكم إخراج22ا ، فتأم22ل ق22ول هللا تع22الى فى ه22ذه اآلي22ة
يقول فيها سبحانه :ويُخِ 2
الكريمة وهللا أنبتكم من األرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويُخ22رجكم إخراج22ا ، ت22رى
أن هللا تعالى قد جمع لك معانيها فى السجدتين األولى والثانية 0
وبع22د ذل22ك ،وفى جلوس22ك للتش22هد حينما تق22ول ( :التحي22ات هلل الص22لوات
والطيبات ) ،تشهد مشاهد أهل التوحيد :أن الملك والثناء الحسن وصالح األعم22ال
كله هلل عز وجل ،وثمرة التوحيد المحب22ة حيث تق22ول ( :الس22الم علي22ك أيه22ا الن22بى
ورحمة هللا وبركاته ) ،فأنت تس22لم على الن22بى ص22لى هللا علي22ه وس22لم ،وه22و ي22رد
عليك السالم ( :السالم علينا وعلى عباد هللا الص22الحين ) ،والس22الم رم22ز الحب ،
قال صلى هللا عليه وسلم ( :ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ،وال تؤمنوا حتى تحابوا ،
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 17
ال أ ُدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم ) قالوا بلى يا رس22ول هللا ،ق22ال ( :افش22وا
َأَو َ
السالم بيتكم ) 0
وأنت متى سلَّمت على نبيِّه صلى هللا عليه وسلم ،سلَّم هللا عليك لقوله صلى
ى :من سلَّم عليك س2لَّمتُ علي22ه ،ومن ص22لى علي22ك
هللا عليه وسلم ( :أوحى هللا إل َّ
صلَّيتُ عليه ) ،فالسالم حب ،والحب معراج الشهود حيث تقول :أش22هد أالَّ إل22ه
إال هللا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله 0
والش22هود مع22راج الوص22ول حيث تق22ول :اللهم ص22لى على س22يدنا محم22د وعلى آل
سيدنا محم22د 0000000الخ ،ألن22ك حين تص22لى علي22ه يُص22لى هللا علي22ك ،وم22تى
وصلك فقد وصلت إلى رحابه سبحانه 0
فكان فى التشهد توحيد خالص ،وحب يرفعك إلى الش22هود ،وش22هود تص22ل
به على معارج الق2رب إلى حض2رة عالم الغي2وب ،فم2تى أحببت ش2هدت ،وم2تى
شهدت صلى عليك فأوصلك فوصلت 0
ومن هنا نستبين قول النبى صلى هللا عليه وسلم ( :الصالة عماد الدين ،من
وس 2رِّه
أقامها فقد أقام الدين ) ،فمتى أقام العبد الصالة أقام الدين ألنه22ا روح ال22دين ِ
ومدار العبادات كلها ،ومتى أقام ال22دين أقام22ه هللا ع22امال من عمال22ه ،وس22راجا فى
س22ماء الدالل22ة علي22ه ،ي22دعو إلى هللا تع22الى على بص22يرة ،بالح22ال قب22ل العم22ل ،
وبالعمل قبل المقال ،فيكون إلخوانه سفينة النجاة ومع22راج الق22رب ،ق22ال تع22الى :
هم درجات عند ربِّهم أى الدرجات التى يرقى عليها الخلق إلى الحق
ولما ك22انت الص22الة عم22اد ه22ذا ال22دين وروح22ه ،ن22رى أن هللا تع22الى س22ماها
باإليمان لقوله تعالى :وما كان هللا ليضيع إيمانكم إن هللا بالن22اس ل22رءوف رحيم،
ومعنى إيمانكم أى ص22التكم ،حيث ن22زلت ه22ذه اآلي22ة الكريم22ة عن22دما أم22ر هللا نبيَّه
بتحويل القِبلة من بيت المقدس إلى البيت الح22رام ،فتس22اءل الص22حابة عن ص22التهم
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 18
إلى بيت المقدس قبل ذلك ،فنزلت اآلية الكريمة الدالة على أن الصالة هن22ا بمع22نى
اإليمان 0
كذلك سماها هللا تعالى ( شريعة ) فى قوله سبحانه عن سيدنا ش2عيب وقوم2ه
قالوا يا شعيب أصالتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ،ومع22نى الص22الة هن22ا أى
شريعتك 0
وسماها النبى صلى هللا عليه وس22لم بالعهد ،حيث ق22ال ص22لوات هللا وس22المه
عليه( :العهد الذى بيننا وبينهم الصالة 0 )0000
فالص2الة هى :اإليم2ان والش2ريعة والعه2د ،وهى أول أوص2اف المؤم2نين ،
وهى آخ22ر أوص22افهم ،ق22ال تع22الى :ق22د أفلح المؤمن22ون 2ال22ذين هم فى ص22التهم
خاشعون فهى أول داللة على اإليمان الصادق الذى يشهد لصاحبه عند هللا بالفالح
،وهى كذلك آخر عالمات أهل اإليمان لقوله تع22الى :وال22ذين هم على ص22لواتهم
يحافظون أؤلئك هم الوارثون 2الذين يرثون الف22ردوس هم فيه22ا خال22دون ، ف22افتتح
هللا تع22الى أعم22الهم بالص22الة ،واختتمه22ا بالص22الة ،والختم ه22و جم22اع األعم22ال
والطاعات وكمالها وتمامها 0
وقد روى سيدنا عمر بن الخطاب رضى هللا عنه :أن النبى صلى هللا عليه
وسلم استقبل يوما القِبلة ،ورفع يديه فق22ال ( :هللا ِزدن22ا وال تنقص22نا ،وأكرمن 2ا وال
تهنا ،واعطنا وال تحرمنا ،وآثرنا وال تؤثر علينا ،وارض عنا يا هللا ) ،ثم ق22ال :
( لق22د ُأن22زلت عل َّ
ى عش22ر آي22ات ،من أق22امهن دخ22ل الجن22ة ) ،ثم ق22رأ :ق22د افلح
المؤمنون إلى عشر آيات 0
فَ 2ذَكر الص22الة فى أول عالم22ات أه22ل اإليم22ان ألن ك22ل م22ا بع22دها فى قول22ه
تع2الى :وال2ذين هم عن اللغ2و معرض2ون ،وال2ذين هم للزك2اة ف2اعلون ،وال2ذين هم
لفروجهم حافظون * إال على أزواجهم أو م2ا ملكت أيم2انهم ف2إنهم غ2ير مل22ومين *
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 19
فمن ابتغى وراء ذلك فأؤلئك هم العادون * والذين هم ألماناتهم وعهدهم راع22ون *
والذين على صلواتهم يحافظون إنما ذلك هو فرع من أصل شجرة اإليم22ان وه22و
الصالة التى جعلها النبى صلى هللا عليه وسلم عنوانا للتوحيد الخالص هلل عز وج22ل
حيث قال ( :ما افترض هللا على عباده بعد التوحيد أحب إليه من الص22الة ) ،وذل22ك
صلة ،ومتى صحت صلة العبد باهلل ،صلُحت سائر أعماله فى الدنيا ،
ألن الصالة ِ
وفاز بالنجاح والفالح فى أآلخرة ،قال صلى هللا عليه وسلم ( :أول ما يحاسب به
العبد يوم القيامة الصالة ،فإن صلُ َحت فقد افلح وأنجح ،وإن فسدت خاب وخسر ،
وإن كانت ناقصة قال هللا تعالى :أنظروا هل لعبدى من نواف22ل ،فيؤخ22ذ من نوافل22ه
فتكمل به فرائضه ،ثم تكون سائر أعماله على هذا ) 0
فالعبد حقا من أقام لنفسه من الصالة ميزانا فى الدنيا قبل اآلخرة ،فهى التى
تعرف بها مقامك عند هللا ،فإن العبد فيه22ا بين أم22رين :إم22ا أن يش22تغل ب22دنياه عن
الحضور بالقلب مع هللا فى صالته ،وعند ذلك تكون الصالة حجة علي22ه ،وإم22ا أن
يشتغل باهلل عن كل ما سواه ،وهذه صالة أهل الفوز والفالح 0
وقد بيَّن النبى صلى هللا عليه وسلم صالة ه22ذا وذاك فى قول22ه علي22ه الص22الة
والسالم ( :الموقن إذا قام فتوضأ تباعدت عنه الشياطين فى أقطار األراضين خوف22ا
منه ،فإذا قال :هللا اكبر ،اطلع الملك فى قلبه فإذا ليس فى قلبه أك22بر من هللا ،فيق22ول
له الملك :صدقت،هللا تعالى فى قلب22ك كم22ا تق22ول ،ثم يتشعش22ع من قلب22ه ن22ور يلح22ق
بملكوت العرش ،ويكتب له حشو ذلك النور حسنات ،وأما الغافل الجاهل ـ أعاذن22ا
هللا ـ إذا قام فتوضأ احتوشته الش22ياطين كم22ا يحت22وش ال22ذباب على نقط22ة العس22ل ،
فإذا قال :هللا اكبر 0اطلع المل22ك فى قلب22ه ،ف22إذا ك22ل ش22يء فى قلب22ه أك22بر من هللا ،
فيقول له المل22ك :ك22ذبت 0ليس هللا تع22الى فى قلب22ك كم22ا تق22ول ،ثم يث22ور من قلب22ه
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 20
دخ22ان يلح22ق بعن22ان الس22ماء ،ويلتقم الش22يطان قلب22ه ،فال ي22زال ينفخ في22ه ،وينفس
ويوسوس له ويزين له حتى يخرج من صالته وال يعقل ما كان فيه ) 0
وعن سيدنا عمر بن الخطاب رضى هللا عنه أن22ه ق22ال ( :إن الرج22ل ليش22يب
عارض22اه فى اإلس22الم وم22ا ك ُملت ل22ه ص22الة واح22دة ) قي22ل :كي22ف ذل22ك ي22ا أم22ير
المؤمنين ؟ قال :يتوضأ غافال ،ويصلى ساهيا 0
وقد روى :أن رجال قام يوما إلى الصالة فاشتغل بزين22ة ثياب22ه ،فلم يج22د
ما يكفر به عن ذنبه إال أن يتصدق بثيابه ،فلما دخل فى الثانية ،اشتغل بمالِ22ه ،فلم
يجد مل يكفر به عن ذنبه إال أن يتصدق بماله ،فلما دخل فى الثالثة ،اشتغل بجاهه
ومنص22به ،فلم22ا خ22رج اع22تزل منص22به ،فلم22ا دخ22ل فى الرابع22ة ،اش22تغل ب22الخلق
فاعتزل الخلق ،ثم دخل بعد ذلك فى الصالة فلم يشتغل بشىء ،فصحت صالته 0
فنعم الرجل هذا 00لقد نظر إلى الدنيا ومتاعها فرآها قاطعة عن هللا ،فب22اع
دني22اه طمع22ا فى مرض22اة هللا ،إذ أن حبهم22ا مع22ا ال يس22تقيم ب22ه قلب العب22د ،ف2أخرج
المحبوب األدنى وسارع إلى العلى األعلى ،تاركا وراءه نفسه حتى ال يزاحم22ه فى
حبه هلل أحد غير هللا ،فالجاهل َمن األكوان مناه ويحسب أنه يعبد هللا ،أما الع22ارف
والواصل فيقول فيه اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ( :الواصل 2من ت َوحَّد
مطلوبه ورضى بما ق َّدره محبوبه ،والع22ارف من تحق22ق فن22اء م22ا ِس2وى األح22د ولم
يشغله مال وال ولد 0 )000
والعارف الواصل 2إذا قام بين يدى ربه مصليا ،فإن الكون من حول22ه يص22لى
بص22الته :فالنب22ات إذا وص22ل لإلنس22ان وتناول22ه بالطع22ام ص22لى ،والم22اء إذا وص22ل
لإلنسان وتناوله بالشراب صلى ،والش22مس إذا وص22لت لإلنس22ان بأش22عتها وأكس22بت
جس َمه بالحرارة والطاقة صلَّت ،وكذلك الهواء ال22ذى ت22تردد ب22ه األنف22اس ،ذل22ك ألن
اإلنسان سخَّر هللا له كل ما فى الوجود ،وهو ُمس َّخر هلل عز وجل ،فإذا قام هلل تع22الى
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 21
بالطاعة حق الطاعة حتى صار هلل تعالى واصال ،أوصل هللا به إليه كل م22ا حول22ه،
فهو معراج ومراقى تعرج عليه الكائنات هلل رب العالمين ،أما ه22و فقُرب22ه من هللا ال
ح2د ل22ه وال ع2د ح2تى بع22د الم2وت ،فه22و فى ال2دنيا تتح2رك جوارح22ه فى طاع2ة هللا
بالمجاهدة ،وبحركته22ا تتح22رك الحق22ائق الباطن22ة بالمش22اهدة ،ف22إذا س22كنت الج22وارح
بالموت ،فإن الحقائق الباطنة ال تموت فتظل على م22ا هى علي22ه من الش22هود ،وه22ذا
بخالف الغافل الجاهل الذى عاش ميتا بميتة الشيطان ،ومات على ما كان علي22ه فى
الدنيا ،قال تعالى :من كان فى ه2ذه أعمى فه2و فى اآلخ2رة أعمى وأضل س2بيآل،
وقال صلى هللا عليه وسلم ( :يموت المرء على ما عاش عليه ،ويُبعث المرء على
ما مات عليه ) 0
أما العارف باهلل فهو حى باهلل ميت عن دنياه ،قال صلى هللا عليه وسلم
ألنس بن مالك رضى هللا عنه ( :إذا صليْتَ فصلِّ صالة ُمَ 2ودِّع) أى م22ودع ِ
لنفس 2ه،
ُم َو ِّد ٌ
ع لعمره ،وسائر إلى مواله ،وه22و فى س22يره إلى م22واله يقط22ع عن22د ك22ل ص22الة
منزلة من منازل القُرب حتى صار عند هللا ،فق2رَّت عينُ22ه ب22ه ،ق2ال ص22لى هللا علي22ه
وسلم (:وج ُِعلَت قُ َّرةُ عينى فى الصالة ) 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 22
أركان قبول الصالة
والصالة كما أن لها أركان إلقامتها ال تصح إال بها :كحل22ول ال2وقت ،وس2تر
العورة واستقبال القبلة وطهارة البدن وطهارة الثياب ،كذلك لها أرك2ان لقبوله2ا فال
تُرفع إلى هللا تعالى إال بها ،وهى أربعة كما أوردها اإلمام أبو الع22زائم رض22ى هللا
عنه فى كتاب معارج المقرَّبين ،وهى :
األولى :إجالل المقام
وهو خشوع المصلى بين يدى ربه ،خش22وعا ينس22يه ك22ل ش22يء فال ي22درى ــ
الستحضاره عظمة العظيم ـــ من يص22لى عن يمين22ه وال من يص22لى عن ش22ماله ،إذ
الخشوع هو اضمحالل القلب بين يدى هذا الجناب المقدس 0
وحتى يكون العبد خاشعا بين يدى ربه فى صالته ،عليه أن يسأل نفس22ه عن
أمور ثالث2ة :لمن يص2لى ؟ ،والج2واب :هلل ،وبمن يص2لى ؟ والج2واب باهلل ،وكمن
يصلى؟ والجواب :كرسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،الذى قال فيما ورد عنه ص22لى
هللا عليه وسلم ( :صلوا كم22ا رأيتم22ونى ُأص22لى ) ،ثم يستحض22ر بع22د ذل22ك ،س22اعة
إقباله على هللا بالموت ،فيصلى صالة ُم22ودِّع ل22دنياه ُ ،مقب22ل على حض22رة م22واله ،
ومتى استحضر العبد ه22ذه المع22انى ،خش22ع قلبُ22ه وانكس22ر بين ي22دى ربِّه ،إنكس22ارا
يجمع ه َّمه كلَّه مع هللا 0
وهذا الخشوع ال يجعل للشيطان س2بيال علي22ه ،ف2إذا ع2رض ل22ه فى ص22الته،
أ َّمنَه هللا من كيده ،فس22مع ب2آذان قلب22ه قولَ22ه تع22الى :ف2أين ت22ذهبون إن ه22و إال ِذكٌ 2ر
ى ُمصلِّيًا باكيا ،
للعالمين وفى التوراة 2مكتوب يا بن آدم ال تعجز أن تقوم بين يد َّ
ُ
اقتربت من قلبك ،وبالغيب رأيتَ نورى0 فأنا هللا الذى
الثانية :إخالص النية
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 23
وهو أن ينعقد قلب المصلى على التوج22ه الص22ادق هلل ع22ز وج22ل ،توجه22ا ال
ينازعه فيه نازع من العقل أو النفس ،فمنازعة النف22وس بع ٌ 2د عن حض22رة الق22دوس،
ومنازعة العقول ُأفو ٌل لكوكب اإليمان ،ف22المؤمن الص22ادق ه22و ال22ذى يُقب22ل على هللا
ب ُكلِّية قلبِه ،إقباال يُنسيه كل ما ِسواه سبحانه 0
ولإلخالص نور فىقلب العبد ،يدفع به ه22واجس النفس ووس22اوس الش22يطان،
وعالم22ة اإلخالص فى الني22ة :أن يُقب22ل العب22د على ربِّه خائف22ا راجف22ا ،ق22ال تع22الى:
يدعون ربَّهم خوفا وطمعا 0
فإذا كان حال العبد ك22ذلك ،ص22ح إتباع22ه لرس22ول هللا ص22لى هللا علي22ه وس22لم
إتباعه قوال وعمال ،حيث اجتمع فى قلب22ه ص22لى هللا علي22ه وس22لم الخ22وف
ِ حاالً بعد
والرجاء ،فكان يُسمع لقلبه أزيز كأزيز المرجل من شدة الخوف والرهب22ة من هللا ،
وهو صلى هللا عليه وسلم فى ذات الوقت كان إذا حضرت الصالة يق22ول ( :أب22ردوا
بالصالة ) 0
وك22ان س22يدنا عل ِّى ك 2رَّم هللا وجه22ه إذا حض22رت الص22الة ،اص22ف َّر وجه22ه ،
وتغيَّر لونُه ويقول ( :ج2اءت الس2اعة ال2تى ُع ِرض2ت فيه2ا األمان2ة على الس2ماوات
واألرض والجبال فأبيْن أن يحملنها وحملها اإلنسان ) 0
وكان سيدنا أبو بكر الصدِّيق رضى هللا عنه ،يُشم لكب ِده فى ص22الته رائح22ة
كرائحة الكبد المشوية من شدة خوفه من هللا 0
الثالثة :يقين المقال
وهو أن يستيقن العبد فى صالته حقيقة ما يقول
فإذا قال :هللا أكبر ،لم يكن فى قلبه أكبر من هللا .
وإذا قال :الحمد هلل رب العالمين ، امتأل قلب22ه بالش22كر هلل ،ش22كر من عج22ز عن
القيام له بشكره سبحانه 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 24
وإذا قال :ال22رحمن ال22رحيم ،امتأل قلب22ه بالرحم22ة على س22ائر المخلوق22ات ،فك22ان
ظاهره الرحمة العامة لجميع الخالئق ،وباطنه تمنى نجاتهم من هول اآلخرة 0
وإذا قال :مالك يوم الدين ، استحضر وقوف22ه بين ي22دى هللا ع22ز وج22ل فى
ب سليم ،وهو الي22وم ال22ذى تنكش22ف
يوم ال ينفع فيه ما ٌل وال بنون إال من أتى هللا بقل ٍ
فيه السرائر ،ويُرفع الحجاب فيه عن الدقائق ،ق22ال تع22الى :ووج22دوا م22ا عمل22وا
حاضرا وال يظلم ربُّك أحدا ، وقال تعالى :يوم تبلى السرائر فماله من قوة وال
ناصر 0
وإذا قال :إياك نعبد وإياك نستعين ، استشعر عجزه عن القيام هلل تعالى
بالعبادة والطاعة حق الطاعة إال بمعونة من هللا ع22ز وج22ل ،فيتوج22ه إلى هللا متبتِّال
ضارعا بقوله :اه22دنا الص22راط المس22تقيم * ص22راط ال22ذين أنعمت عليهم * غ22ير
المغضوب عليهم * وال الضالين 0
وفى الحديث القدسى الذى يُرويه رسول هللا ص22لى هللا علي22ه وس22لم عن رب
العزة ) :أن العبد إذا قام إلى الصالة فقال :الحمــد هلل رب الع22المين ق22ال هللا ع22ز
وجل (:و ِعزتى وكــبريائى نعمتى لك ياعـــبدى فى الدنيا واآلخرة ) ،فإذا قال :
الرحمن الرحـــيم قال هللا عز وجل :رحمتى لك فى الدنيا واآلخرة ف22إذا ق22ال :
( مالك يوم الدين قال :فضلى لك فى الدنيا واآلخ22رة ، ف22إذا ق22ال :إي22اك نعب22د
وإياك نســتعين ، قال :نُصرتى لك فى الدنيـــــا واآلخرة ، فـإذا قال :غـير
المغضوب عليهم ، قــــال :شفاعتى لك فى الدنيا واآلخرة ، ف22إذا ق22ال :وال
الضالين آمين ، قال هللا عز وجل :وعزتى وجاللى وكبري22ائى وعظم22تى 0لق22د
ثب ُّ
َّت إس َمك فى ديوان السعداء ،ومحوته من ديوان األشقياء 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 25
فالصالة هنا ــ ألهل اليقين ـــ مناج2اة من العب2د لربِّه ،ومناج2اة من ال2رب
للعبد ،أنت تُصلى هلل وهللا تعالى يُصلى عليك ،قِبلةُ قلبِك الواحد الديان ،وأنت قِبلة
له سبحانه 0
يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه :
فإذا قال العب2د فى ركوع2ه :س2بحان ربى العظيم ،اس2تيقن بم2ا يق2ول ،فلم
يكن فى قلبه أعظم من هللا ،وإذا ق22ال :فى س22جوده :س22بحان ربى األعلى ،لم يكن
فى قلبه أعلى من هللا ،وهكذا بمتابع22ة االستحض22ار والحض22ور تُمحى األغي22ار من
قلبه ،وال يكون فيه إال الواحد القهار سبحانه 0
الرابعة :حضور القلب
وهو طمأنينة القلب فى الص22الة ،فيك22ون ظ22اهره الس22كينة والوق22ار ،وباطن22ه
كره هلل ،فإذا قام فى الصالة ببدنه ق22ام قلبُ22ه م22ع بدنِ22ه متمثال قيام22ه ي22وم
االطمئنان ب ِذ ِ
القيامة بين يديْ رب العالمين ،وإذا ركع جسمه ركع قلبه مع رك22وع جس22مه ،فشِ 2هد
نف َسه عبدا عابدا لرب قادر حكيم معبود ،وإذا س22جد س22جد قلبُ22ه م22ع س22جود جس22مه،
فشهد قُرب من هو أق22رب إلي22ه من حب22ل الوري22د ،وإذا جلس ُأنس بمع22انى الربوبي22ة
نفس2ه مض22طرا فق22يرا
والعبودية ،فش22هد ربَّه ُمنعم22ا وكريم22ا وقوي22ا عزي22زا ،وش22هد َ
وخاشعا ذليال ،وإذا سلَّم تذكر وداعه للدنيا ،ووداعه لألهل والمال والولد
ُ
وقفت قيل لحاتم األصم :كيف أنت يا حاتم إذا قمت إلى الصالة ؟ ،قال :إذا
ُ
رأيت ك22أن الكعب22ة أم22امى ،ومل22ك الم22وت من خلفى ، بين يدى ربى فى الص22الة ،
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 26
والجنة عن يميني والنار عن يسارى ،والصراط تحت قدمى 00000ف2إذا قُ ِ
ض2يَت
الصالة ال أدرى أقُبلت أم ُر َّدت ؟ 0
ولقد ر ُِوى أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صلى بالص22حابة يوم22ا ،فلم22ا
انفتل قال لهم :أتدرون ماذا قرأت ؟ فسكتوا ،فق22ال ُأبَى بن كعب رض22ى هللا عن22ه :
قرأت كذا وتركت آية كذا ،فال أدرى أرُفعت أم نُ ِسخت ،فق22ال ل22ه الن22بى ص22لى هللا
علي22ه وس22لم ( :أنت له22ا ي22ا أُبى ) ،ثم التفت إلى الص22حابة وق22ال ( :م22ا ب22ال ق22وم
يحضرون صالتهم ويتمون صفوفهم ،ونبيِّهم بين أيديهم وال يدرون م22ا يُتلى عليهم
من كتاب ربهم ،أال إن بنى إسرائيل فعلوا ذلك فأوحى هللا إلى ن22بيِّهم :تحض22رونى
بأبدانكم وتعطونى ألسنتكم وتغيبون عنى بقلوبكم باطال ما تذهبون ).
ورُب س22ائل يتس22اءل :كي22ف ك22ان س22هو رس22ول ص22لى هللا علي22ه وس22لم فى
صالته؟ وقد سُئل أحد العارفين باهلل مثل هذا فقال :
ُ
فقلت:سها ِسرُّ ه عن كل شيء فسها يا سائلى عن رسول هللا كيف سها
فكان سه ُوه صلى هللا علي2ه وس2لم فى هللا ،وليس س2ه ُوه عن هللا ،س2ه ُوه فى
هللا لما يراه فى صالته ويطالعه من المشاهدات العلية التى من أجلها ق22ال ( :جُعلت
قُرَّة عينى فى الصالة ) 0
،يقول اإلمام أبو العزائم وفى قوله تعالى :واذكر ربك إذا نسيت أى إذا نسيت سواه
رضى هللا عنه :
وهذا هو عبد هللا بن عامر من خاشعى المصلين ،قي22ل ل22ه يوم22ا :أال تح22دثك
نفسك فى الص22الة ؟ ق22ال :نعم ُ 00تح2دثُنى بوق22وفى بين ي22دى ربى ومنص22رفى إلى
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 27
ى
نفسك ب2أمر من أم2ور ال2دنيا ،فق2ال :لئن تختل2ف ف َّ
إحدى الدارين ،قيل :أال تحدثك ُ
ى من أن تحدثنى نفسى بشىء مما تقولون 0
أسَّنة الرماح أحب إل َّ
ِ
وكان إذا قام إلى الصالة قامت بناته يضربن بالدف ،وأخذ النساء فى بيت22ه يتح22دثن
فيما يتحدثن فيه وهو فى صالته ال يدرى وال يعقل ما هم فيه 0
هذا هو حالهم فى الصالة الذى تجملت به بواطنهم ،واس22تنارت ب22ه قل22وبهم،
فكان للصالة ثمرتها من معانى القرب من هللا ع22ز وج22ل ،ال22تى ق22ال هللا تع22الى فيها
لنبيه صلى هللا عليه وسلم فى أول سورة ُأنزلت عليه واسجد واقترب
وقد روى أنها لما نزلت خ َّر صلى هللا عليه وسلم هلل تعالى ساجدا ثم تال فى
سجوده هذا الدعاء ( :اللهم إنى أعوذ بمعافاتك من عقوبتك ،وبرضاك من سخطك،
وبك منك ،ال ُأحصى ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) 0
ولهذا الدعاء أسراره الخفية فى مشاهد التوحيد ،فه22و ص22لى هللا علي22ه وس22لم
يشهد فى أول منزل الوحى ،فى أول بعثته الشريفة صلى هللا علي22ه وس22لم ف22وق م22ا
يشهده األنبياء فى نهاية مقام22اتهم ،فق22د جم22ع فى ه22ذا ال22دعاء بين توحي22د األفع22ال:
فالمعافاة والعقوبة من هللا سبحانه ( أعوذ بمعافاتك من عقوبتك ) ،كذلك جم22ع في22ه
بين توحي22د الص22فات :فالرض22ا والس22خط من22ه س22بحانه فق22ال ( :وبرض22اك من
سخطك) ،وبين توحـــيد الـذات فى قوله ( :وبك من22ك ال أحص22ى ثن22اءا علي22ك ) ،
وفى قوله ( :ال ُأحصى ثناءا عليك ) شهود على نف ِسه بالعجز فى مقام العبودي22ة هلل
عز وجل ( ،أنت كما أث22نيتَ على ِ
نفس 2ك ) وفى ه22ذا كم22ال األدب م22ع هللا تع22الى ،
فسبحان من ال يعرف قدره إال هو 0
وفى قوله تع22الى :واس2جد واق22ترب فيه2ا لك22ل أه2ل مق22ام مش2اهدات فى
القُرب من هللا عز وجل كلٌّ حسب مقامه ،يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه:
-منهم من يشهد الجبروت األعلى فى سجوده وهم ال ُمقرَّبون من المحبوبين 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 28
-ومنهم من يش22هد ملك22وت الع22زة فيس22جد على ال22ثرى األس22فل عن22د وص22ف من
أوصاف القادر األجل وهم الخائفون من العابدين 0
-ومنهم من يس22وح بقلب22ه فى ملك22وت الس22ماوات واألرض فيش22هد طرائ22ف الفوائ22د
ويؤوب بغرائب الزوائد وهم الصادقون من الطالبين 0ق22ال تع22الى :هم درج22ات
عند هللا 0
وق22د ر ُِوى أنهم يُبعث22ون ي22وم القيام22ة على ق22در من22ازلهم فى الص22الة ،فت22أتى
ال ُزم22رة األولى ووج22وههم كأنه22ا الك22وكب ال ُّ 2درِّ ى ،فتق22ول لهم المالئك22ة :من أنتم ؟
فيقولون :نحن المصلين من أمة محمد صلى هللا عليه وس22لم ،فتق22ول المالئك22ة :وم22ا
كانت صالتكم ؟ فيقولون :كنا إذا سمعنا اآلذان قمنا إلى الطه22ارة ،فتق22ول المالئك22ة:
يحق لكم هذا 0
ثم ت22أتى الطبق22ة الثاني22ة وج22وههم كأنه22ا األقم22ار ،فتق22ول لهم المالئك22ة :أنتم
أحسن وجوها وأشد وض22اءة ،من أنتم ؟ ،فيقول22ون نحن المص22لين من أم22ة محم22د،
فيقولون :وما كانت صالتكم ؟ ،فيقولون :كنا نتوضأ للص22الة قب22ل دخ22ول وقته22ا ثم
تأتى الطبقة الثالثة وجوههم كأنها الشمس الضاحية ،فتقول لهم المالئكة :أنتم أحسن
وجوها وأعلى مقاما ،من أنتم ؟ ،فيقولون :نحن المصلين 2من أمة محم22د ،فيقول22ون
وما كانت صالتكم ،فيقول22ون :كن22ا نس22مع اآلذان فى المس22جد ،فتق22ول لهم المالئك22ة:
يحق لكم هذا 0
وهذا الحوار بين المالئكة والمصلين يحمل البشرى من المالئكة لهم بالثن22اء
عليهم في قوْ لهم :أنتم أحسن وجوها وأشد وضاءة ،وت22ارة فى ق22ولهم :أنتم أحس22ن
وجوها وأعلى مقاما ،كذلك فى هذا الحديث الشريف بيان لق2در الص2الة ومنزلته22ا
عند هللا ،فهى الميزان لكل طاعات العبد ،وهى معراج العبد إلى ال22درجات العلي22ة
والمقامات السنية 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 29
من أجل هذا اختارها هللا س22بحانه وتع22الى لتك22ون عب22ادة مالئكت22ه األطه22ار،
فمنهم الق22ائم فال يرك22ع إلى ي22وم القيام22ة ،ومنهم من ص22الته رك22وع فال يرف22ع من
ركوعه إلى ي2وم القيام2ة ،ومنهم من ص2الته س2جود فال يرف2ع من س2جوده إلى ي2وم
القيام22ة ،ومنهم من ص22الته قع22ود فال يق22وم من قع22وده إلى ي22وم القيام22ة ،ومنهم من
صالته التسبيح ،ومنهم من صالته التحميد ،ومنهم من صالته التكبير0
وقد روى أن النبى صلى هللا عليه وسلم لما كان فى ليلة اإلسراء والمعراج،
ورأى ما عليه المالئكة فى صالتهم من القيام والركوع والسجود والقعود والتس22بيح
والتحميد والتكبير هلل عز وجل ،تمنى أن يكون ذلك ألمته ،ف22أوحى هللا تع22الى إلي22ه:
(قد جمعت ذلك كله ألمتك ي22ا محم22د ) ،وعن22دها ق22ال الن22بى ص22لى هللا علي22ه وس22لم:
(جُعلت قُرَّة ُ عينى فى الصالة ) 0
فهناك تالقى بيننا وبين المالئكة فى الصالة من هذا الوجه ،ومن وج ٍ 2ه آخ22ر
نرى أن هللا تعالى جعل هيأتنا فى الصالة على هيئ22ة المالئك22ة ،فالص22الة إم22ا مث22نى
كص22الة الفج22ر ،أو ثالث كص22الة المغ22رب ،أو رب22اع كص22الة الظه22ر والعص22ر
والعشاء ،وهذه هيئة المالئكة التى قال هللا تعالى فيها :جاعل المالئكة رُسال ُأولى
أجنحة مثنى وثُالث ورُباع يزيد فى الخلق ما يشاء إن هللا على كل شىء قديرا0
وقال صلى هللا علي22ه وس22لم مش22يرا إلى الرابط22ة الروحي22ة بين المص22لى فى
ص22الته وبين الع22رش العظيم ،فيق22ولَّ ( :
إن م22ا ت22ذكرون هللا تع22الى ب22ه من التهلي22ل
ى النحل يتعاطفن حول الع22رش
والتسبيح والتحميد والتكبير والتقديس ،له دوىٌّ كدو ِّ
يذكرن باسم ص22احبهن ،أفال يحب أح22دكم أن يُ22ذكر باس22مه عن22د ربِّه ) ،بمع22نى :أن
التهليل هن22ا يق22ول مناجي22ا رب22ه :أن22ا تهلي22ل فالن ،والتس22بيح يق22ول أن22ا تس22بيح فالن،
والتحميد يقول أن2ا تحمي2د فالن ،وهك22ذا 00ف2إن ِذك2ر هللا تع2الى ه22و روح الص22الة
لقوله سبحانه :ولَ ِذكر هللا أكبر 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 30
كذلك لما اختار هللا الصالة لتكون عبادة المالئك22ة األطه22ار ،اختاره22ا ك22ذلك
ألهل معية نبيِّه صلى هللا عليه وسلم ،فقال تعالى ُمبيِّن22ا أوص22افهم :محم ٌ 2د رس22ول
هللا والذين معه أش َّداء على الكفار رُحماء بينهم تراهم ُر َّكعًا ُسجَّدا يبتغون فضال من
ورض2وانا س22يماهم فى وج22وههم من أث2ر الس22جود 0ب2ل إن هللا تع2الى يُب22اهى
هللا ِ
بص22التنا مالئكتَ22ه ،ففى الخ22بر أن المص22لى 2إذا ص22لى ركع22تين َع ِجب من22ه عش22رة
صفوف من المالئكة ،كل صف منهم عشرة آالف ،وباهى هللا تع22الى ب22ه مائ22ة أل22ف
ملك 0
والحكمة من ذلك ،أن العبد قد جمع فى صالته أرك22ان الص22الة األربع22ة من
قيام وركوع وسجود وقعود ،ثم جمع أركان الصالة الستة فى األقوال وهى :التكبير
والتالوة والحمد والثناء واالس22تغفار وال22دعاء والص22الة على الن22بى ص22لى هللا علي22ه
وسلم ،أما ال َملك فله ركن واحد ،من هنا تتعجب المالئك22ة له22ذا الفض22ل ال22ذى خص
هللا به أمة خير األنام سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم 0
كذلك فإن22ه من الج22دير بال22ذكر فى ه22ذا المق22ام ،أن المالئك22ة فى ص22التهم ال
يرتق22ون من مق22ام إلى مق22ام ،فك22لٌّ فى مقام22ه ق22ائم هلل على م22ا ه22و علي22ه من العب22ادة
والذكر والتسبيح ال يتجاوزه إلى المقام األعلى لقوله تع22الى :وم22ا ِمنَّا إال ل22ه مق22ام
معلوم أما المصلون الذين وصفهم هللا تعالى بقول22ه فى مق22ام الثن22اء والم22دح :ق22د
أفلح المؤمنون الذين هم فى صالتهم خاشعون ، هؤالء ال يقفون فى صالتهم عند
درجة من الدرجات ،أو مقام من المقامات ،بل إن الص2الة هى مع2راج قُ2ربهم من
ربِّهم ،قُربا يبلغون به الفردوس األعلى لقوله تع22الى :أولئ22ك هم الوارث22ون ال22ذين
يرثون الفردوس 2هم فيها خالدون ، وفى قوله :الوارث22ون إش22ارة إلى أن ه22ذه
المنزل22ة العلي22ة إنم22ا نالوه22ا بفض22ل هللا تع22الى ورحمت22ه ،ألن الم22يراث دائم22ا ي22أتى
بالفضل ،فإن هللا تعالى تفضل عليهم فأمرهم بالصالة ،ثم تفض22ل عليهم بقبوله22ا ،
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 31
ثم تفضل عليهم بالجزاء عليه22ا ،فهى من ب22دايتها إلى نهايته22ا فض22ل هللا ال22ذى ق22ال
فيه :ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم 0
وقد شهد هللا تعالى للمصلين بأنهم أهل الش2فاعة عن2د هللا ،ق2ال تع2الى :ال يملك2ون
الشفاعة إال من اتخذ عند الرحمن عهدا والعهد هنا هو الصالة.
وعن بن مسعود وسلمان رضى هللا عنهم22ا :الص22الة مكي22ال ،من وفَّى ُوفِ َى
له ،ومن طفَّف فقد علمتم ما ق22ال هللا تع22الى فى المطففين ،وفى الخ22بر :إذا ص22لى
العبد فى مأل فأحسن ،وأساء فى صالته فى الخالء ،فتلك إستهانه يستهين بها ربَّه
عز وجل ،وإذا أحسن العبد صالته فى العالنية وأحسنها فى السر ،قال هللا تع22الى
لمالئكته :هذا عبدى حقا 0
فالصالة هى مظه22ر العبودي22ة الحق2ة هلل ع2ز وج22ل ،ففى التكب2ير فن2اء عم22ا
سوى هللا ،وفى التوجه إقبال على هللا باليقين والصدق ،وإخالص النية هلل وإف22راده
وحده بالقصد دون سواه ،وفى القيام امتثال ألمر هللا تعالى ،وفى الركوع خضوع
واستسالم ،وفى السجود فناء يرفع العبد إلى مقام التقريب بعد التقرب هلل عز وجل
،وفى القع22ود اإلخب22ات ب22القلب والج22وارح هلل رب الع22المين وق22د أش22ار اإلم22ام أب22و
العزائم رضى هللا عنه إلى صورة العبد فى ص22الته ظ22اهرا ،فإنم22ا هى على هيئ22ة
العوالم المحيطة به فى كل عا ٍل ودان ،فالمص22لى فى ص22الته وه22و ق22ائم يك22ون فى
هيئة حملة العرش ،وفى ركوعه كهيئة الحيوان ،وفى سجوده كهيئة النبات ،وفى
قعوده كهيئة الجبال ،وفى سالمه على اليمين واليسار كهيئة الكواكب السيارة .
يقول اإلمام على كرم هللا وجهه :
وداؤك فـيـــك ومــــــا تـشــعـــــر دواؤك فـيــك ومـــــا تـبــصــــــر
وفـيك انطـــــــوى العــــالم األكبر رم صــــغير
وتحــســـــب أنك ُجــ ٌ
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 32
فاإلنسان الموقن كونٌ فى هذا الكون ،وعالَم جمع هللا في22ه ك22ل الع22والم ،ومن
هن22ا ك22ان اجتب22اء هللا ل22ه واص22طفاؤه من بين س22ائر الع22والم ،فه22و ال22ذى تُِّ 2وج بت22اج
الخالفة ،وهو الذى حمل األمانة ،وه22و ال22ذى علَّم22ه هللا األس22ماء كله22ا ،وه22و ال22ذى
أسجد هللا له مالئكته0
وفى هذا يقول اإلمام أبو العزائم رض22ى هللا عنه :أن س22جود المالئك22ة آلدم
عليه السالم لم يكن سجود عباده إذ العبادة هلل وحده ،وإنما ك2ان س2جود خدم2ة ،ف2إن
المصلين من المالئكة يُسمون عند هللا تعالى ُخ َّدام الرحمن ،وهم فى ه22ذا يفتخ22رون
على المرسلين من المالئكة ،فكان السجود هن2ا يش2ير إلى مع2نى التعظيم هلل تع2الى،
الذى خلق اإلنسان فى أحسن التقويم على غير مثال سبق ،فآدم عليه السالم بالنس22بة
للمالئكة بمثابة الكعبة والمحراب الذى يتوجه إليه العبد فى صالته ،فالمالئكة تشهد
جمال هللا تعالى فيه ،فهو سبحانه الذى خل22ق آدم وس َّ 2واه ونفخ في22ه من روح قدس22ه،
وأقامه بعد ذلك أستاذا على المالئكة لقوله تعالى :قلنا يا آدم أن22بئهم بأس22مائهم فلم22ا
أنبأهم باسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات واألرض وأعلم ما تب22دون
وما كنتم تكتمون 0
ولما كان اإلنسان األول قد نال هذه المكانة العلية بفضل هللا تعالى ورحمته،
فهو العبد الذى صاغه هللا تعالى بيديه ،اقتضت حكمة الحكيم سبحانه أن يكون العبد
موصوال بربه على الدوام ح22تى تتم ل22ه النعم22ة ،فاخت22ار الح22ق س22بحانه وتع22الى لن22ا
الصالة لتكون مظهر لعبودية العبد لربه ،قال صلى هللا علي22ه وس22لم( :إنم22ا الص22الة
تمس ُكن وتواضع وتضرع ُّ
وتأوه وتنادم وتضع يديك فتق22ول اللهم اللهم فمن لم يفع22ل
فهى ِخداج ) ومعنى خداج أى ناقصة غير كاملة 0
فالمصلى فى صالته يلبس حلة المسكنة ،فيكون مثله كمثل مسكين ذا متربة
التصق بكلِّه بالتراب ،فهو فى قيامه وركوعه وسجوده وقعوده بين ي22دى ربِّه كحب22ة
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 33
أنبتها هللا من األرض نباتا ،واإليمان فى قلبه حب22ة ،فحين تلتص22ق جبهت22ه ب22األرض
فكرا وشهودا بأصلها ومنشأها وهو التراب ،أنبتت وآتت ُأكلها ك َّل حي ٍن بإذن ربِّه2ا،
والحبة إذ لم تلتصق بالتراب تذروها الرياح ،وإذا التصقت و ُدفنت في22ه أنبتت وآتت
ثمارها ،وهكذا المؤمن ال يتجاوز رتبته ،فهو حاض2ر م2ع هللا بمعرفت22ه لنفس22ه ( من
عرف نفسه فقد عرف ربّه ) ،والصالة هى ال ُمذ ِّكر له بهذه المعانى ،ول22ذلك س َّ 2ماها
هللا تعالى ِذك22ر فى قول22ه تع22الى :ي22ا أيه22ا ال22ذين آمن22وا إذا ن22ودى للص22الة من ي22وم
الجمعة فاسعوا إلى ِذكر هللا أى إلى الصالة 0
فالص22الة روح العب22ادات ،وال22ذكر روح الص22الة ،والص22الة ن22ور وال22ذكر
نورها ،فكان الذكر بالنسبة لسائر العبادات هو روح الروح ونور الن22ور ،وفى ه22ذا
إشارة لقوله تعالى :ولَ ِذك ُر هللاِ أك22بر ،أى أن الص22الة ال22تى يك22ثر العب22د فيه22ا من
ذكر هللا أكبر من الصالة الخالية من الذكر0
كذلك ذِكر هللا تعالى للعبد فى صالته أكبرمن ذكر العب22د هلل ،ألن هللا تع22الى
إذا ذكر عب2ده ك2ان ذل2ك ال2ذكر ه2و ن2ور هللا الواص2ل لعب2ده ،ومحب2ة هللا الواص2لة
لعبده ،وجمال هللا الذى يُج ِّمل ب22ه عب22ده ،فيخ22رج المص22لى بع22د أدائ22ه للص22الة وق22د
اكتسى بحلة المحبوبية من هللا وهى حلة نورانية جمالية ،قال تعالى :سيماهم فى
وجوههم من أثر الس22جود ،وق22د خص الس22جود بال22ذكر من بين س22ائر األرك22ان فى
الصالة ،ألن السجود هو بساط القرب من حضرة الرب ،قال صلى هللا عليه وس22لم
( :أق22رب م22ا يك22ون العب22د من ربِّه فى الص22الة وه22و س22اجد ف22أكثروا من ال22دعاء)
والدعاء كما ورد عنه صلى هللا عليه وسلم ( :مخ العب22ادة ) أى ال ق22وام للعب22ادة إال
ب22ه ،ب22ل إن الص22الة لغ22ة بمع22نى ال22دعاء ،ق22ال تع22الى :تتج22افى جن22وبهم عن
المض22اجع ي22دعون ربَّهم خوف22ا وطمع22ا ، فقي22امهم هلل تع22الى فى ليلهم دع22اء وتبتُّل
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 34
وضراعة كما قال صلى هللا عليه وسلم فى وصف الص22الة ( :وتض22ع ي22ديك تق22ول
اللهم اللهم 0 )0000
ويبقى بع22د ال22دعاء إجاب22ة ال22دعاء من هللا ع22ز وج22ل ،وقب22ول الص22الة من22ه
سبحانه ،فمتى يُجاب الدعاء ؟ ومتى تُرفع الصالة إلى هللا عز وج22ل ؟ ،ك22ل ذل22ك ـ
الصالة والدعاء ـ ال يرفع وال تفتح له أبواب القب22ول من هللا ع22ز وج22ل إال بالص22الة
على النبى صلى هللا عليه وسلم ،وهذه هى الحكمة من أن الصالة ُختمت فى التشهد
األخير بالص22الة علي22ه ص22لى هللا علي22ه وس22لم ،ح22تى ترف22ع وتُع22رج إلى هللا بيض22اء
ُمسفرة تقول حفظك هللا كما حفظتنى ،ومن هنا قال سيدنا عمر بن الخط22اب رض22ى
هللا عن22ه :إن ال22دعاء والص22الةُ 2معلَّق بين الس22ماء واألرض ،فال يص22عد إلى هللا من22ه
شىء حتى يُصلى على النبى صلى هللا عليه وسلم 0
فالص22الة هى مالذ العب22د ال22تى يل22وذ فيه22ا بربِّه ،وهى مفت22اح الرحم22ة وب22اب
القرب إلى هللا عز وجل ،لذلك كان صلى هللا علي22ه وس22لم إذا حزب22ه أم22ر ف22زع إلى
الصالة ،ودعا إلى هللا تعالى بدعائه المأثور عنه صلى هللا عليه وسلم ( :ال إله إال
هللا الحليم العظيم ،ال إله إال هللا رب العرش الك22ريم ،ال إل22ه إال هللا رب الس22ماوات
ورب األرض رب العرش العظيم ) 0
ولما كان الدعاء مخ العبادة وقوام الصالة ،ه22ذا إذا تح22رك القلب اض2طرارا
وافتقارا قبل أن يتحرك به اللسان مقاال ،نرى أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد
سن لنا السنة الحسنة الدالة على كمال العبودية بين يدى هللا عز وجل فعند الرك22وع
نقول ـ تأسِّيا به صلى هللا عليه وسلم ـ وبعد التسبيح ثالث22ا ( :اللهم ل22ك ركعت ،ول22ك
خش22عت ،وب22ك آمنت ،ول22ك أس22لمت ،أنت ربى ،خش22ع س22معى وبص22رى ومخى
وعصبى وما استقلت به قدمى هلل رب العالمين ) 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 35
وعن22د الرف22ع من الرك22وع نق22ول ( :ربن22ا ل22ك الحم22د ملء الس22ماوات وملء
األرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شىء بعد ،أهل الثناء والمجد ،حق م22ا
قاله العبد وكلنا لك عبد ،اللهم ال مانع لما أعطيت وال معطى لما منعت ،وال ينف22ع
ذا الجد منك الجد ) 0
وعند الس22جود وبع22د التس22بيح ثالث22ا ( :اللهم ل22ك س22جدت ،وب22ك آمنت ،ول22ك
أسلمت ،سجد وجهى للذى خلقه وشق سمعه وبص22ره فتب22ارك هللا أحس22ن الخ22القين،
ى وأب22وء ل22ك
اللهم لك سجد سوادى وخيالى وآمن بك ف22ؤادى ،أب22وء ل22ك بنعمت22ك عل َّ
بذنبى وهذا ما جنيت على نفسى ،فاغفر لى فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت)0
وعن22د الرف22ع من الس22جود ( :اللهم اغف22ر لى وارزق22نى واه22دنى واج22برنى وع22افنى
واعف عنى ) 0
وقب22ل الس22الم على اليمين وعلى اليس22ار ( :اللهم اغف22ر لى خطيئ22تى وجهلى
وإسرافى فى أمرى وما أنت أعلم به منى ،اللهم اغفر لى ج22دى وه22زلى وخطيئ22تى
وعمدى وكل ذلك عندى ،اللهم اغفر لى ما ق22دمت وم22ا أخ22رت ،وم 2ا أس22ررت وما
أعــلنت ،أنت ال ُمق2دم وأنت الم2ؤخر ،الأل2ه إال أنت وأنت على ك2ل ش2ىء ق2دير ) ــ
ُ
ظلمت نفسى ظلما كبيرا وال يغفر ال22ذنوب إال أنت ف22اغفر لى مغف22رة من (اللهم إنى
عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم ) 0
كما سن لنا صلى هللا علي22ه وس22لم بع22د الص22الة :االس22تغفار ثالث22ا ،وال22دعاء،
حيث قال لسيدنا معاذ بن جبل رضى هللا عنه ( :إنى أحب22ك ،ف22إذا ص22لَّيت المكتوب22ة
فقل عقب كل صالة :اللهم إعنا على ذِكرك وشكرك وحُسن عبادتك ) 0
ولقد سُئل صلى هللا علي2ه وس2لم أى ال2دعاء أس2مع ؟ ،فق2ال ( :م2ا ك22ان بع2د
الفريضة) ،وسأله آخر :أى الدعاء أسمع ؟ فقال ( :ما كان فى جوف الليل الغابر)
وقال صلى هللا عليه وسلم ( :أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد )
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 36
كذلك بعد الفراغ من صالة الضحى سن لنا صلى هللا علي22ه وس22لم أن نق22ول:
(اللهم إن الضحاء ضحاؤك والبهاء بهاؤك والجم22ال جمال22ك والق22وة قوت22ك والق22درة
قُدرتك ،اللهم إن كان رزقنا فى السماء فأنزل2ه وإن ك22ان فى األرض فأخرج22ه ،وإن
كان بعيدا فقرِّ به ،وإن كان معسَّرا فيسِّره وإن كان محرم22ا فطه22ره ،بح22ق ض22حائك
وبهائ22ك وجمال22ك وقوت22ك وق22درنك ،آت22نى م22ا آتيت عب22ادك الص22الحين 00ي22ارب
العالمين) ثم تختم بالصالة عليه صلى هللا عليه وسلم 0
والدعاء المأثور عنه صلى هللا عليه وسلم كث22ير ،نس22أل هللا س22بحانه وتع22الى
ب مطمئن م22وقن باإلجاب22ة من22ه س22بحانه ،كم22ا
حُسن اإلقبال عليه بحال صادق ،وبقل ٍ
نسأله جميل القبول منه الذى يبلِغنا حبه ورضاه ،كما ورد عن النبى صلى هللا علي22ه
2يى ك22ريم ،يس22تحى من عب22ده إذا رف22ع يدي22ه إلي22ه أن
وسلم حين يق22ول ( :إن ربَكم حِ 2
يردهما صفرا ،فادعو هللا وأنتم موقنون باإلجابة ،وإعلموا أن هللا تعالى ال يستجيب
دعاء من قلبٍ غافل ) 0
ب خ22الص ،ه22و
فالحضور م22ع هللا فى ص22التك ودعائ22ك بتوج22ه ص22ادق وقل ٍ
الباب الذى من2ه يك2ون ال2دخول على هللا ،والمع2راج ال2ذى تن2ال ب2ه المن2ازل العلي2ة
والدرجات السنيَة ،قال تعالى :ولكلٍّ درجات مما عملوا ،وقال س22بحانه :ال22ذين
يُقيمون الصالة ومم22ا رزقن22اهم يُنفق22ون ُأولئك هم المؤمن22ون حق22ا لهم درج22ات عن22د
ربهم ومغفرة ورزق كريم 0
والمؤمن كلما ازداد هلل قربا كلما ازداد من هللا حب22ا ،وم22تى أحب22ه هللا رفع22ه
وقرَّبه وأشهده وأدخلَ22ه ِحص22نه الحص22ين فى دائ22رة يثبِّت هللا ال22ذين آمن22وا ب22القول
الثابت فى الحياة الدنيا واآلخرة 0
والتث22بيت ه22و من22ازل أه22ل التمكين ،ال22ذين ال تلتفت قل22وبُهم عن هللا لفت22ة واح22دة ،إذ
اإللتفات عندهم حجاب والحجاب نار أشد على قلوبهم من نار اآلخرة 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 37
يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه :من التفت لفتة الفتتن 0
ويقول رضى هللا عنه:
من فوق نار الغضا سيْرى لمنــان فى لفتتى ِحجبتى والحَجـــب لـظى
فأهل المعرفة طهُ2رت قل2وبُهم ب2اليقين الح2ق ح2تى ص2ارت ودائ2ع م2دد هللا,
وخ22زائن أس22راره ،إلي22ه يرجع22ون ،وب22ه يهيم22ون ،وعلي22ه يتوكل22ون ،وإلى غ22يره ال
يلتفت22ون ،هم أه22ل مق22ام ق22ل هللا ثم ذرهم فى خوض22هم يلعب22ون ،هم أه22ل المق22ام
ال ُع َمرى الذى قال فيه الن22بى ص2لى هللا علي2ه وس2لم ( :م2ا س2لك عم2ر ف ًّج2ا إال س2لك
الشيطان ف ًّجا غير الذى سلكه عمر) ،يِئس الشيطان أن يُعبد فى أرضهم ،ألنهم على
ق22دم الص22دق فى إقب22الهم على ربِّهم ،فى حص22ون أمن22ه ال22تى ق22ال تع22الى فيه22ا :إن
عبادى ليس لك عليهم سلطان ،وم22ا ن22ال ه22ؤالء مق22ام العبودي22ة الخالص22ة هلل ع22ز
وجل إال بدوام إقبالهم عليه بالصالة والدعاء ،قال تعالى :وإذا سألك عبادى ع22نى
فإنى قريب ُأجيب دعوة الداع إذا دع22ان ،فم22ا بال22ك بمن حال22ه االض22طرار دوام22ا
وأبدا إلى هللا ،يقوم حيث أقامه هللا فى محاب22ه ومراض22يه ،ويس2ارع فيم22ا ر َّغب2ه في22ه
ربُّه ،إن سأله أعطاه ،وإن دع22اه لبَّاه ،وإن أقس22م علي22ه أب 2رَّه ،ثم ك22انت الص22الة هى
الرائد لهم فى كل أعمالهم وأحوالهم ،ألنه22ا العه22د ال22ذى أخ22ذه علي22ه ربُّهم ،وب22ايعوا
عليه نبيِّهم صلى هللا عليه وسلم ،التكب22ير عن22دهم فن22اء عن األغي22ار وتنزي22ه للواح22د
القهار ،والسجود س22جود عن النفس والطاع22ات ب22ال ُم َوفِّق له22ا س22بحانه ،وفيهم يق22ول
اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه :
وأشــهـد بالـتــنزيـــه إذ أنا راكــع ُأحــ ِّرم فى التـكــبير مشـهـد غـيره
وأسـجد ُأخرى عن فنائى تواضــع وأســجـد عن نفـسى وفعلى فانيـــا
بســـبع صفاتٍ أثبتتها الشــــــرائع ألن سـجـــود العـبــد مــثل طوافه
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 38
يشير بذلك إلى قول22ه ص22لى هللا علي22ه وس22لمُ ( :أم22رت أن أس22جد على س22بعة
أعظم) أى الجبهة واليدين والركبتين والقدمين ،كذلك الطواف ح22ول ال22بيت الح22رام
سبعة أش2واط ،فالس2جود والط2واف هن2ا يش2ير إلى الص2فات الس2بع ال2تى ج َّمل2ك هللا
تعالى بها وهى ( :السمع والبصر 2والقدرة واإلرادة والحياة والعلم والكالم ) 0حتى
يكون طوافك هلل تعالى ذك2را ،وس2جودك ل2ه س2بحانه ِذك2را ،ومن ع2رف نفس2ه فق2د
عرف ربَّه 0
ضىء النبى صلى هللا عليه وس22لم فق22ال ل22ه الن22بى
وقد ر ُِوى أن رجال كان يو ِّ
صلى هللا عليه وسلم ( :سل ما شئت ؟ ) ،فقال الرجل :سألتك مرافقتك فى الجن22ة ي22ا
رسول هللا ،فقال له صلى هللا عليه وسلم ( :أعنى على نفسك بكثرة السجود ) 0
وجاء الج22واب من الن22بى ص22لى هللا علي22ه وس22لم هك22ذا ،ألن فى الس22جود كم22ا أش22ار
اإلمام أبو العزائم رضى هللا عن22ه :فن22اء عن النفس ب22ه ين22ال العب22د مق22ام الق22رب من
حضرة الرب 0
كذلك جاء الجواب ( أع22نى على نفس22ك بك22ثرة الس22جود ) ألن الرج22ل يس22أل
النبى صلى هللا عليه وسلم مرافقته فى الجن22ة أى معيَّت22ه ،وأه22ل المعي22ة وص22فهم هللا
تعالى بقوله ( :تراهم ُر َّكعا ُسجَّدا ) ،فمن أراد أن يكون منهم فليتجمل بأوصافهم
والسائل هذا حينما قال له النبى صلى هللا عليه وس2لم ( :س2ل م2ا ش2ئت ) ،لم
َّ
يتمن الرجل من الدنيا متاعا وال ماال أو جاها ،ولكنه فطن إلى العطية الكبرى ال22تى
ال نفاد لها ،فقال ( سألتك مرافقتك فى الجن22ة ) ،وه22و س22ؤال ال يك22ون إال من محب
صادق ،وعاش ٍّ
ق فانى بحبه فى رسول هللا صلى هللا علي22ه وس22لم ،فه22و يتم22نى أن ال
يفارق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،بل يك22ون مع22ه فى الجن22ة كم22ا ه22و مع22ه فى
ال2دنيا ،ومن هن2ا نأخ2ذ إش2ارة إلى أن الحب هلل ورس2وله ص2لى هللا علي2ه وس2لم ه2و
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 39
مفتاح العبادة ،والعبادة هى مصداق الحب ،ق22ال تع22الى :ق22ل إن كنتم تحب22ون هللا
فاتبعونى يحببكم هللا ويغفر لكم ذنوبكم وهللا غفور رحيم 0
ولما كان اإلقبال على هللا تعالى بحا ٍل صادق هو عن22وان الحب الخ22الص ل22ه
سبحانه ،نرى أنه لحبه لنا ك22ذلك وع22دنا فى ه22ذه اآلي22ة الكريم 2ة ب22المغفرة فى قول22ه
تعالى :يغفر لكم ذنوبكم ،ثم يبين لنا بع22د ذل22ك أن المغف22رة والرحم22ة هى ص22فته
سبحانه فيقول :وهللا غفور رحيم 0
ك22ذلك فإن22ه س22بحانه يتب22ادل معن22ا الحب ،فت22ارة أنت محب وه22و المحب22وب،
وتارة هو المحب وأنت المحبوب ،ففى قوله تعالى :تحب22ون هللا المحب ه22و أنت
والمحبوب هو هللا ،وفى قوله سبحانه :يحببكم هللا المحب هو هللا والمحبوب ه22و
أنت 0
ومن هنا فتح هللا باب الدخول عليه فى الصالة بم22ا يحب22ه س22بحانه ،أال وه22و
طه22ارة الظ22اهر والب22اطن ،فق22ال :إن هللا يحب الت22وابين ،والتوب22ة هى طه22ارة
الباطن( ،ويحب المتطه2رين ) وه2ذه طه22ارة الظ22اهر ،ق2ال ص22لى هللا علي2ه وس22لم:
(مفتاح الصالة الطه22ور ) ،ف22دعانا لل22دخول على حض22رته س22بحانه فى الص22الة من
باب الطهر ،والطهر عنوان الحب فقال :يا أيها ال22ذين آمن22وا إذا قمتم إلى الص22الة
فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المراف22ق وامس22حوا برؤوس22كم وأرجلكم إلى الكع22بين
0000 0
وفى الحديث القدسى الذى يرويه النبى صلى هللا عليه وسلم عن رب العزة:
( من أحدث ولم يتوضأ فقد جفانى ،ومن أحدث وتوضأ وصلى ودع22انى ولم ُأجب22ه
فقد جفوته وحاشا أن أكون ربا جافيا ) 0
كذلك ف2إن تك2رار الص2الة إش2ارة إلى محب2ة هللا تع2الى ل2ك ،ألن2ك وأنت فى
الصالة فى ضيافة الحق ،وفى رحابه وبين يديه سبحانه ،وهو لحب22ه ل22ك ال ي22دعوك
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 40
فى اليوم مرة واحدة ،بل يكرر لك الدعوة ليال ونهارا ،فى الفجر والظهر والعص22ر
والمغرب والعشاء ،والمؤذن يؤذن عند كل ص22الة :حى على الص22الة 00حى على
الفالح 00فلوال أنه سبحانه أحبك لَما دعاك لحضرته ،ولَما قرَّبك من جنابه ،وإنم22ا
ص2رتَ عن22ده حاض22را ،فرفع22ك إلى أحبك فدعاك فلبَّيْتَ بدخولك فى الص22الة ح22تى ِ
حظائر قدسه ،وناهيك عمن هو مع هللا حيث ال زمان وال مكان ،كي22ف يك22ون ُأنس22ه
بربِّهَّ ،
ولذته بمناجاته ،وق22د انكش22ف ل22ه من النعيم الش22هودى فى ص22الته م22ا التبين22ه
العبارة ،وال تومى إليه اإلشارة 0
وإلى هذه المعانى يشير اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه يقول:
ـــــــراد لِذى الجـــالل
إلى أنى الم ُ وتكــــــرار الصــالة يشير رمــزا
يواجــهنى بنــــــــور مــتاللــــــى2 أرى غـــيبا مصــــونا فى صالتى
كـــأنى قد أرى بــــــــرًّا ووالــــى فــأخفى من صـــالتى فى صالتى
لذلك حينما دعاك لحضرته ،أراد سبحانه أن يكون حض22ورك مع22ه بالكلي22ة،
فإنك تقول فى ص22التك عن22د ق22راءة الفاتح22ة :إي22اك نعب22د وإي22اك نس22تعين تقوله22ا
بصيغة الجمع ،فال تقول إياك أعبد وال تقول إياك أستعين مع أنك واحد ،والس22ر فى
ذلك أن اإلنسان جامع لحقائق كثيرة وليس حقيقة واحدة ،فهو ج22امع للجس22م والعق22ل
والقلب والروح والسر ونفخة القدس ،وهللا تعالى يحب لعبده أن يكون حاض22را معه
بكلِّه ،فحضوره بالجسم فى الصالة يقتضى الخض22وع ،والحض22ور بالعق22ل يقتض22ى
التدبر والتفكر والتأمل فيما يق22رأ فى ص22الته ،وحض22وره ب22القلب يقتض22ى الخش22وع
والرجاء فى رحمته والخوف من البعد والحجاب عن حضرته ،وحض22وره ب22الروح
يقتض22ى الس22ياحة فى مع22انى أس22مائه وص22فاته ،والحض22ور بالس22ر يقتض22ى تلقى
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 41
األسرار بعد انكشاف المعانى لل22روح ،والحض22ور بنفخ22ة الق22دس يقتض22ى مواجه22ة
أنوار الوجه العلى فى نور مجلى الذات األقدس 0
وه2ذه الص2الة هى ص2الة ُك َّمل الرج2ال لمن اكتم2ل حض2وره م2ع هللا بكل2ه،
يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه:
بعنديِّة اإلطالق فى روْ ضة اُألنس ُأصلى صالة الجسم والروح حاضرا
وروحى تصلى بالشهود بال لبــس فجســـــمى يصلى بالخشوع لربه
ُ
تشبهت بالمخـتار بالجســم والنفس ى يصلى فى الصـــــــالة ألننى
عل َّ
هللا حبا لفضلــــــــه
رسول ِ
َ ُ
أطعت
فأشرف بى ربى على حضرة القدس
وأشرق فى قلبى ضيـاء من الشـمس وأشــــــــهدنى ملكوتَه وجمــــــالَه
ويقول رضى هللا عنه:
وجمعهمــــا صــــــالةٌ للرجـــــال صـــالة الروح فوق صالة جسمى
بغيب عـبودتى فى صــــفو حـالى لـجــسمى فى الصـــــالة يقين حق
بحــــــق يقين حـــــب المتعــــــال وُأنس الــروح يُجـــلى فى صالتى
يصلى الجســــــم فى نيل الســؤال تصـــلى الروح فى فصْلى عيانـــا
ولقد أدرك سيدنا عمر رض22ى هللا عن22ه بفراس22ته وس22ر فطرت22ه ،م22ا للص22الة
والخشوع فيها من آثارها البعيدة فى سائر الطاعات ،فك22ان إذا أراد أن يخت22ار أح22دا
لقيادة الجيش ،نظرفى صفوف المصلين 2فمن يراه أشد خش22وعا فى ص22الته اخت22اره
وأ َّم َره على الجيش ،ولما أراد أن يختار أحدا من صحابته رضوان هللا عليهم لقي22ادة
ى الس22اعدين،
المعركة فى نهاوند عند غزو الروم ،نظر إلى شاب طويل القام22ة ق22و ِّ
ويقف فى صالته خاشعا بين يدى هللا عز وجل ،فلما فرغ الشاب من صالتِه قال له
سيدنا عمر :لقد ر َّشحتك ألمر عظيم ،فقال الشاب :إن كان لجمع الص22دقات فأنـا
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 42
ال أصلح لهذا ،وإن كان للجهاد واالستشهاد فى سبيل هللا فأنا أص22لح له22ذا ( ،وك22ان
هذا الشاب هو :النعمان بن مق22رن رض22ى هللا عن22ه ) ق22ال ل22ه س22يدنا عم22ر :ب22ل ه22و
الجهاد واالستشهاد فى سبيل هللا ،وأ َّمره على الجيش ،فلما ت22أهبوا للق22اء الع22دو فى
نهاوند ،قام س22يدنا النعم22ان رض22ى هللا عن22ه وص22لى ،ثم دع22ا وأم22ر من حول22ه من
المس22لمين أن يُؤ ِّمن22وا على دعائ22ه ،وك22ان دع22اؤه :اللهم ارزق النعم22ان ش22هادة فى
سبيلك 0واستجاب هللا له ،وانتصر جيش المسلمين بعد أن أصابت النعمان رضى
هللا عنه سهام العدو ،فالتفت حولَه فإذا بالصحابى الجليل معقل بن يسار رض22ى هللا
عنه ،فسأله النعمان :هل انتصر جيش المسلمين ،فقال :نعم ،ق22ال ل22ه :اكتب إلى
أم22ير المؤم22نين ِّ
فبش2ره واخ22بره أن النعم22ان رزق22ه هللا ش22هادةً فى س22بيله ،ثم شِ 2هق
رضى هللا عنه شهقةً ففاضت روحه 0
هذا مثل حى ألثر الصالة فى طاعة من الطاعات وهى الجهاد ،وما ذلك إال
ألنها كما أنبأ النبى صلى هللا عليه وسلم ( :الصالة عماد ال22دين من أقامه22ا فق22د أق22ام
والص2لة بين العب22د وربِّه ،وم22تى
ِّ الدين) ،والسر فى ذلك :أن الصالة ثُمثل الرب22اط
صلُحت الرابطة بين العبد والرب سبحانه ،صلُح سائر عمل العبد ،ألن ربَّه ال22ذى
يقف خاشعا بين يديه فى ص22الته ق22د ص22ار نُ ْ
ص2ب عيني22ه فى ك22ل ش22ىء ،إن أم22ره
مضى حيث أمره هللا ،وإن نهاه وقف عند حدود هللا سبحانه ،ال يغفل عنه إن غفل
الغافلون ،قال صلى هللا عليه وسلم ( :اإلحسان أن تعبد هللا كأن22ك ت22راه ف22إن لم تكن
تراه فإن2ه ي2راك ) ،فاإلحس2ان مراقب2ة العب2د لربِّه مراقب2ةً عن حض2ور يش2هد فيه2ا
عظمة العظيم سبحانه ،فينكسر قلبُ22ه إجالالً ل22ه ج22ل ش22أنه ،فال ي22رى العب22د أما َم22ه
وخلفَه ،وعن يمينه وعن ِشماله ومن فوقه إال هللا 0
وقد كشف هللا سبحانه لنا عن معانى مراقبته فى كتابه العزيز فق22ال :وه22و
معكم أينما كنتم وقال :وهللا من ورائهم ُمحيط وقال :وهو القاهر فوق عباده
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 43
،فهو معك ووراؤك وفوقك ،وهو الظاهر فى كل شىء ،الم22نزه فى ك22ل ش22ىء ،
قال تعالى :فأينما تُ َولُّوا فَثم وجه هللا .
يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه :
َمــــرا ٍء لمحبوبى يُمثِّله صـــــوْ بى إلـى َمن فِــرارى والوجـود بأسره
ففى قول2ه تع22الى :فف2روا إلى هللا ) أى أن الف2رار هن22ا ب2ه وإلي22ه ،والمع22نى
فف22روا إلى هللا فيم22ا يحب22ه لكم ويرض22اه ،فف22روا إلى هللا فى أه22ل هللا ممن أمرن22ا
بصُحبتٍهم ومالزمتهم فى قوله تعالى :اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين 0
وال فرار للعبد إلى هللا إال إذا فر من نفسه وهواه فصار ع22دما بين ي22دى هللا
عز وجل ،أى صار بال نفس ،ورجع إلى طوره األول هل أتى على اإلنسان ٌ
حين
من الدهر لم يكن شيئا مذكورا حتى صار ذليال فى مواجه22ة العزي22ز ،ض22عيفا فى
مواجهة الق22وى ،حق22يرا فى مواجه22ة العظيم ،فق22يرا فى مواجه22ة الغ22نى ،وه22ذه هى
الحُل22ة ال22تى يحب هللا تع22الى أن ي22راك به22ا وهى حُل22ة العبودي22ة وال22ذل واالنكس22ار
واالفتقار ،ومتى كنتَ كذلك ،أقب22ل علي22ك فمح22ق من قلبِ22ك األغي22ار ،وس22ترك بحُل22ة
العزيز الغفار ،وأدناك فأشهدك ،وبمواجهت22ه س22بحانه ج َّمل22ك ،فكنت هلل وح2ده ،ومن
كان هلل كان هللا له ،وصار عنده من ضنائنه ،فال يعلم سره من أحد إال هللا الذى يعلم
السر وأخفى 0
وقد علَّمنا النبى صلى هللا عليه وسلم فى صالة الحاجة ،دعاءه المأثور عن22ه
ص2لى هللا علي2ه وس2لم ح2ال س2جوده س2جدة واح2دة بع22د التس2ليم من ركع22تى ص22الة
الحاجة ،فيقول صلوات هللا وسالمه عليه وهو ساجد بين يدى ربِّه سبحانه( :سبحان
الذى لبس العز وقال به ،سبحان الذى تعطَّف بالمجد وتكرَّم ب22ه ،س22بحان الـــــــذى
ال ينبغى التس22بيح إلا ل22ه ،س22بحان ذى الع22ز والك22رم ،س22بحان ذى المن والفض22ل،
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 44
سبحان ذى الطَّوْ ل ،اللهم إنى أسألك بمعاقد الع22ز من عرش22ك ،ومنتهى الرحم22ة من
كتاب22ك ،وباس22مك األعظم وج22دِّك األعلى ،وبكلمات22ك التام22ات العام22ات ال22تى ال
يج22اوزهن ب22رٌّ وال ف22اجر أن تص22لى على محم22د وعلى آل محم22د ـ ثم تس22أل هللا
حاجتك) 0
وفى هذه الكلمات النورانية ،نراه صلى هللا علي22ه وس22لم يق2دِّم ذك22ره هلل قب22ل
سؤاله ،فيكثر من التسبيح له سبحانه تسبيحا جامعا لمعانى الثن2اء علي22ه ،والتوحي22د
والتعظيم والتمجيد لذاته سبحانه ،والتوجه إليه عز وجل بمحاسن أسمائه وص22فاته،
وفى هذا إرشاد من خير البرية صلى هللا عليه وسلم ألمته حتى يكون الق22ائم الق22انت
بين يدى ربه ،داعيا حاضرا ومستحضرا لعظمة وجالل من يدعوه سبحانه 0
وتارة نراه صلى هللا عليه وسلم يطرق باب الدعاء من ب22اب المعرف22ة للنفس
وم222ا فيه222ا من ض222عف واض222طرار 2فيق222ول ( :اللهم إنى ض222عيف فقِّ 222ونى وإنى
فقيرفأغننى ،وإنى ذليل فأعزنى بعزتك يا أرحم الراحمين ) 0
فمن واج222ه هللا ب ُذلِّه وافتق222اره فُتحت ل222ه أب222واب الرحم222ة ،فش222هد تنزالت222ه
الرحمانية وإحسانه الودادى ،فهو الجابر لمن انكسر قلبًه لجنابه ،ال ُمعز لمن ت22ذلَّل
على أعتابه ،اللطيف الذى يت22دارك بلطف22ه من ذاب خش22ية من عظمت22ه وكبريائ22ه ،
وهو الكافى لمن تسربل بحُلة العبودية كل م22ا أه َّمه ،وه22و الق22ريب أق22رب إلين22ا من
أنفسنا ،وهو الغنى وكل ما سواه مفتقر إليه ،وه22و الش22كور ال22ذى يتفض22ل بالعط22اء
ويشكر عليه لعلمه سبحانه بعجزنا عن القيام له بشكره 0
ومن هنا يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ( :المعرفة أول فريضة وال
عمل قبلها )0
والمراد بالمعرفة :معرفة العبد لنفسه ُذال وانكسار ،ثم اإلقبال على هللا فانيا
عن نفسه وعن األغيار ،ولديها يُرفع عمله إلى العزيز الغفار 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 45
ففى الحديث القدسى الذى يرويه النبى صلى هللا عليه وسلم عن رب العزة:
(ليس كل مصلٍّ أتقبل صالته ،إنما أتقبل ص22الة من تواض22ع به22ا لعظم22تى ،وخش22ع
قلبُه لجاللى ،وكف شهواته عن محارمى ،وقطع ليله ونهاره فى ذكرى ،ولم يتك22بر
ى أن أجع22ل الجهال22ة ل22ه على خلقى ،ورحم الض22عيف 2وواس22ى الفق22ير من أجلى ،عل َّ
حلما ،والظلمة له نورا ،يدعونى فُألبِّيه ،ويسألنى فُأعطيه ،ويُقسِم عل َّ
ى فأبرَّه ،أكل22ؤه
بقوتى وُأباهى به مالئكتى ،لو قٌُسِّم ن22وره على أه22ل األرض ل َو ِس2عهم جميع22ا ،مثل22ه
كمثل الفردوس ال يتسنى ثمرها ولم يتغير حالها ) 0
هذا هو عطاء هللا س22بحانه لمن ج22اوز نفس22ه فن22ال ٌأنس22ه ،لمن قط22ع مراح22ل
دنى أو هوى عم ِّى ،وال يكون ذلك إال بالتس22ليم
السير بتوبة ال رجعة بعدها إلى حظ ِّ
الذى ال منازعة فيه ،والعمل الذى ال تهاون معه ،حتى تصير عامال من عم22ال هللا،
ولديها تسعد بحبك هلل ومحبة هللا لك ،ومن كان هذا حاله مع ربِّه فال تعلم نفسٌ م22ا
ٌأخف َى لهم من قٌ َّر ِة أعيٌن جزا ًءا بما كانوا يعملون 0
ولذلك ك22ان ِح 2رص الص22حابة رض22وان هللا عليهم على ش22هود الجماع22ة فى
ى أن الرج22ل منهم ك22ان إذا فاتت22ه
الصالة ،حرص من علِم للص22الة ق22درها ،فق22د رُو َ
تكبيرة اإلحرام خلف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ع ٌّزوه يوما ،ومن فاتته ركعة
عزوه أسبوعا ،ومن فاتته صالة عزوه شهرا 0
وروى أن رجال كان ال يُعلم أحد أبعد من المسجد من داره ،وم22ع ذل22ك ك22ان
ال تفوته صالة خلف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ،فقيل ل22ه :ل22و اتخ22ذت لنفس22ك
حمارا لتركبه فى الظلماء والرمضاء ،فقال الرجل :ما ُأحب أن يكون مس22جدى إلى
جنب المسجد ،إنى أحب أن يُكتب لى ممشاى إلى المسجد ورجوعى إذا رجعت إلى
أهلى ،فقال له النبى صلى هللا عليه وسلم ( :قد جمع هللا لك ذلك كله ) 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 46
هكذا يعلمنا النبى صلى هللا علي22ه وس22لم كي22ف يك22ون ال22دخول على هللا فى الص22الة،
وفض22ل ش22هودها فى الجماع22ات ،ف22إن من افتق22ر إلى هللا أقب22ل هللا علي22ه ،ومن ق22ام
بالواجب فاز بالمطالب 0
وعلى هذه المائدة الربانية القرآنية المحمدية ،ك22ان الرج22ال أألعالم من أم22ة
خير األنام صلى هللا عليه وسلم ،وال22ذين ال تخل2و األرض منهم فى ك22ل زم22ان ،فهم
مصابيح هذه األمة وسُرجُها الو َّ
ضاءة ،ونورها السارى من قبس السراج األزه22ر ـ
والن22ور األتم األعظم س22يدنا محم22د ص22لى هللا علي22ه وس22لم ،فه22و ش22مس هللا ال22تى ال
تغيب ،وشعاعها الهادى بالنور واألسرار والعلم والبيان والحكمة وفصل الخط22اب،
أنوارها من سبقت لهم الحسنى من هللا تراهم ُر َّكعا ً ُس 2جَّداً يبتغ22ون فض22ال من
َ شام
هللا ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود * ذلك مثلهم فى الت22وراة 2ومثلهم
كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على س22وقٍه يُعجب ال22زرَّاع
ٍ فى اإلنجيل
لِيغي22ظ بهم الكف22ار وع22د هللا ال22ذين آمن22وا وعمل22وا الص22الحات منهم مغف22رةً وأج22را
عظيما 0
وصلى هللا على ِسرِّك السارى فى هياكل الموجودات ،ورسولك المؤيد منك
باآليات
سيدنا محمد صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم 0
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 47
الراجى عفو ربه
عبد السالم على شتا
ا ل ص ال ة م ع ر ا ج 48