You are on page 1of 46

‫وصلى هللا على سيدنا محمد وآله وسلم‬

‫الصالة معراج‬
‫هكذا وصف النبى صلى هللا عليه وسلم روح العبادات‪ ،‬ودعامة هذا الدين بقوله فى‬
‫األثر الشريف‪ ( :‬الص‪22‬الة مع‪22‬راج )‪ ،‬أى‪ :‬معراج العب‪2‬د إلى من‪2‬ازل الق‪2‬رب من حض‪2‬رة‬
‫الرب‪ ،‬معراج األرواح إلى حضرة الفتاح ‪0‬‬
‫وكم‪22‬ا وص‪22‬فها بقول‪22‬ه‪ ( :‬الص‪22‬الة مع‪22‬راج )‪ ،‬وص‪22‬فها ك‪22‬ذلك بقول‪22‬ه ص‪22‬لوات هللا‬
‫ص ‪2‬لة ) من حيث أنه‪2‬ا الرِّب‪2‬اط الوثي‪2‬ق والعُ‪2‬ر َوة ال‪ُ 2‬وثقى ال‪2‬تي‬
‫وسالمه عليه‪ ( :‬الص‪22‬الة ِ‬

‫وص‪22‬لت العب‪22‬د بربِّه فى جامع‪22‬ة اإلعظ‪22‬ام واإلجالل هلل رب الع‪22‬المين‪ ،‬على بِس‪22‬اط‬
‫القُرب ونجائب الحب‪0‬‬
‫كذلك وصفها صلى هللا عليه وسلم بقوله‪ ( :‬الصالة نور ) ‪ ،‬فبها تنكش‪22‬ف مع‪22‬الم‬
‫الطريق إلى هللا عز وجل ‪ ،‬وتستبين الحقائق ‪ ،‬وتظهر بها غوامض اآلي‪22‬ات لألعين‬
‫جليَّات ‪0‬‬
‫( الصالة مناجاة )‬ ‫ووصفها أيضا بأنها مناجاة فى قوله صلى هللا عليه وسلم‬
‫فهى ـ الصالة ـ معراج من معا رج القُرب‪ ،‬ومنزلة من من‪22‬ازل الش‪22‬هود‪ ،‬ومق‪22‬ام من‬
‫مقام‪2‬ات ال‪ّ 2‬زلفَى‪ ،‬فيه‪2‬ا ي‪22‬دنو الح‪2‬بيب من الح‪22‬بيب‪ ،‬ويواج‪22‬ه الن‪22‬ورُ الن‪2‬و َر‪ ،‬ويت‪22‬ن َّزل‬
‫القريب للقريب‪ ،‬وبها يحصل التحقيق‪ ،‬ويدوم الحضور مع الحق ال ُمبين ‪0‬‬
‫ولقد شرَّف هللا تعالى هذه الفريض‪2‬ة أول م‪2‬ا افترض‪22‬ها‪ ،‬من حيث الزم‪2‬ان والمك‪2‬ان‪:‬‬
‫ففى الزمان فُ ِرضت ليلة اإلسراء والمعراج‪ ،‬وهى ليلة المشاهدات الجلية واألسرار‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪3‬‬
‫العلي‪2‬ة‪ ،‬وفى المك‪2‬ان ك‪2‬ان تش‪2‬ريف هللا تع‪2‬الى له‪2‬ا من حيث افترض‪2‬ها س‪2‬بحانه على‬
‫ِعباده من فوق السبع الطباق ‪0‬‬
‫وإنما كانت الحكمة من اختيار الزمان والمكان الفتراض الصالة هكذا‪ ،‬ألن‬
‫روح الص‪22‬الة اقتض‪22‬ت من المص‪22‬لى إذا ق‪22‬ام بين ي‪22‬دى ربِّه وق‪22‬ال‪ :‬هللا أك‪22‬بر ـ وهى‬
‫تكبيرة اإلحرام ـ أن يُحرِّ م على نفسه كل م‪22‬ا ِس‪َ 2‬وى هللا‪ ،‬فيف‪22‬نى عن زمان‪22‬ه ومكان‪22‬ه‪،‬‬
‫وهذا هو الشأن فى ليلة اإلسراء والمعراج حيث ال زمان وال مكان ‪0‬‬
‫يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫واألين لمــــــا أقـمـــــــرت‬ ‫ومحــــــا الشــــهـــود زماننا‬

‫فهى الليلة التي ينتفى فيها البيْن‪ ،‬وتقع فيها العين على العين ‪0‬‬
‫ومن الغ‪22‬ريب أنن‪22‬ا إذا حقَّقن‪22‬ا فى خ‪22‬واتيم الص‪22‬الة وخ‪22‬واتيم س‪22‬ورة اإلس‪22‬راء‪،‬‬
‫لوجدنا أن كالهما واحد‪ ،‬فالصالة تُختم بعد التسليم بتسبيح وتحميد وتكب‪22‬ير ودع‪22‬اء‪،‬‬
‫وهذا هو الشأن فى خواتيم سورة اإلسراء‪ُ ،‬ختِمت كذلك بالتسبيح لقوله تعالى‪:‬‬
‫‪‬ويقولون سبحان ربِّنا إن كان وعد ربِّنا لمفعوال‪ ،‬وبالدعاء لقوله تعالى ‪  :‬قل‬
‫أدعو هللا أو أدعو الرحمن أيًّا ما تدعو فله األسماء الحسنى ‪ ، ‬وبالحمد لقوله تعالى‬
‫‪  :‬وقل الحمد هلل الذى لم يكن له ولىٌّ من ال‪22‬ذل ‪ ‬وب‪22‬التكبير لقول‪22‬ه تع‪22‬الى‪ :‬وكبِّره‬
‫تكبيرا ‪. ‬‬
‫لذلك نرى أن هللا تع‪22‬الى ق‪22‬د جم‪22‬ع لن‪22‬ا فى الص‪22‬الة الت‪22‬ذكير بأس‪22‬مائه الكمالي‪22‬ة‬
‫العشرة ــ فحين يقوم المصلى بين يدى ربه قائال‪ :‬هللا اكبر‪ ،‬وهذا ت‪22‬ذكير ب‪22‬أول إس‪22‬م‬
‫من أسمائه الكمالية وه‪22‬و اس‪22‬م الجالل‪22‬ة األعظم ( هللا )‪ ،‬وباس‪22‬م (الكب‪2‬ير) وه‪22‬و من‬
‫أسمائه الكمالية ‪.‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪4‬‬
‫ثم التذكير باسم ( األحد ) حيث يتوجه المص‪22‬لى إلى قبل‪22‬ة واح‪22‬دة‪ ،‬هى بيت‬
‫هللا الحرام من حيث المبنى‪ ،‬أما من حيث الحقيقة والمعنى‪ ،‬فالقبلة هى الواحد األحد‬
‫جل جالله‪ ،‬قال تعالى ‪ ‬قل إن صالتى ونُسكى ومحياى ومماتى هلل رب العالمين ال‬
‫شريك له ويذلك ُأمرت وأنا أول المسلمين ‪ 0‬‬
‫كذلك تذكرنا الصالة باسم ( الصمد ) حيث يق‪22‬ف المص‪22‬لى بين ي‪22‬دى ربِّه ال طع‪22‬ام‬
‫وال شراب‪ ،‬يصمد فى كل حوائجه هلل عز وجل ‪0‬‬
‫وفيها التذكير باسم ( القدوس ) ألن ال ُمصلِّى بتكبيرة اإلحرام فارق‬
‫األغيار‪ ،‬وطهَّر قلبه من كل ما ِسوى الواحد القهار‪ ،‬حتى صار القلب بيتا لت‪22‬نزالت‬
‫حضرة الرب ‪0‬‬
‫ك‪22‬ذلك فى الص‪22‬الة هج‪22‬رة من الخل‪22‬ق إلى الح‪22‬ق‪ ،‬من الوج‪22‬ود الظ‪22‬اهر إلى‬
‫الباطن سبحانه‪ ،‬وفى هذا تذكير باسم ( الباطن ) وهو من أسمائه الكمالية س‪22‬بحانه‪،‬‬
‫وعندما يقول ال ُمصلى فى ركوع‪22‬ه‪ :‬س‪22‬بحان رب َِّى العظيم‪ ،‬يك‪22‬ون ذل‪22‬ك ت‪22‬ذكيرا باس‪22‬م‬
‫(العظيم )‪ ،‬وعندما يقول فى سجوده‪ :‬سبحان رب َِّى األعلى‪ ،‬يكون ذلك تذكيرا باس‪22‬م‬
‫( العلى ) والصالة لها أول ولها آخر فأولها تكبير‪ ،‬وآخرها تسليم‪ ،‬وفى هذا ت‪22‬ذكير‬
‫باسم ( األول ) وباسم ( اآلخر ) ‪0‬‬
‫ومن هنا كانت الصالة جامعة شهودية لمعانى أسمائه الكمالية‪ ،‬ف‪22‬إذا قُ ِ‬
‫ض‪2‬يَت‬
‫الصالة‪ ،‬تحرَّكت لواعج الشوق فى قلب ال ُمصلى للصالة‪ ،‬وإنما كان ُأنس المص‪22‬لى‬
‫بصالته لكمال ُأنسه باهلل تعالى‪ ،‬وهى الصالة التى ق‪22‬ال فيه‪22‬ا الن‪22‬بى ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه‬
‫وسلم‪ُ ( :‬ج ِعلت قُ َّرةُ عينى فى الصالة )‪ ،‬وق‪22‬ال تع‪22‬الى لنبيِّه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪:‬‬
‫‪‬فإذا فرغتَ فانصب ‪ ‬أى‪ :‬فانصب قائما هلل وباهلل‪  ،‬وإلى ربِّك فارغب ‪ ‬فعند ربِّه‬
‫ولدَى ربِّه تكون قُرَّة عينه صلى هللا عليه وسلم ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪5‬‬
‫كذلك المؤمن الصادق الذى يسير على قَدَم المصطفى صلى هللا عليه وسلم‪،‬‬
‫بحال محمدىٍّ ‪ ،‬يتمثل فيه بين عينيه ق‪22‬ول الن‪22‬بى ص‪22‬لى هللا‬
‫ٍ‬ ‫يتوجه إلى هللا فى صالته‬
‫عليه وسلم‪ ( :‬اللهم أحيِنى مسكينا وأمتنى مسكينا واحش‪22‬رنى فى زم‪22‬رة المس‪22‬اكين)‪،‬‬
‫ففيها ينظر المصلى دواما إلى موض‪2‬ع س‪2‬جوده وه‪22‬و ال‪2‬تراب‪ ،‬فال يغيب عن أص‪2‬له‬
‫ومنشئه نَفَسا وال طرفة‪ ،‬وعندها يض‪22‬محل القلب أم‪22‬ام ه‪22‬ذا الجن‪22‬اب العلى المق‪22‬دس‪،‬‬
‫قال تعالى‪  :‬فارجع البصر ك َّ ِرتيْن ‪ ‬كرَّة فى البداية فيرى نفسه ال شىء ‪ ‬ه‪22‬ل أتى‬
‫حين من ال ‪َّ 2‬دهر لم يكن ش‪22‬يئا م‪22‬ذكورا‪ ،‬وك ‪2‬رَّة فى النهاي‪22‬ة ف‪22‬يرى فى‬
‫على اإلنس‪22‬ان ٌ‬
‫نفسه جمال رب العالمين قد تجلَّى جليا فى عب ‪ٍ 2‬د ص‪22‬اغه هللا على أحس‪22‬ن التق‪22‬ويم ‪،‬‬
‫وهنا يتحقق العبد بكمال عجزه أمام المنعم سبحانه ‪ ،‬المتفضل علي‪2‬ه بجالئ‪2‬ل النعم ‪،‬‬
‫فيلبس حُلَّة الذل واإلنكسار لقوله تعالى ‪  :‬ينقلب إليك البصر خاسًئا ‪ ‬أى ذليال ‪ ،‬‬
‫وهو حسير ‪ ‬أى عاجز عن شهود كماالت ربه فيه ‪ ،‬ألن العبد هو المظه‪22‬ر األعلى‬
‫من بين سائر الموجودات لقوله تعالى ‪  :‬فى أحس‪22‬ن تق‪22‬ويم ‪ ، ‬أظه‪22‬ره ربُّه ليُظه‪22‬ر‬
‫فيه معانى جوده وكرمه وفضله وإنعامه وإحسانه ‪ ،‬وهذا هو الس‪22‬جود القل‪22‬بى ال‪22‬ذى‬
‫يسجد في‪22‬ه قلب العب‪22‬د س‪22‬جدة التعريف ‪ ،‬بع‪22‬د س‪22‬جدة الجس‪22‬م هلل رب الع‪22‬المين س‪22‬جدة‬
‫التكليف ‪0‬‬
‫وصاحب هذا القلب يراقب ربَّه فى صالته مراقبة التعظيم واإلجالل‪ ،‬وفيه‪22‬ا‬
‫يصير القلب مستغرقا بمالحظة ذلك الجالل‪ ،‬ومنكسرا تحت سلطان الهيبة اإللهي‪22‬ة‪،‬‬
‫فال يبقى فيه متسعا لاللتف‪22‬ات إلى الغ‪22‬ير‪ ،‬ح‪22‬تى أن‪22‬ه لكم‪22‬ال اس‪22‬تغراقه ينس‪22‬ى طاعت‪22‬ه‬
‫وعمله‪ ،‬فيطيع ربَّه وال يرى لنفسه طاعة ‪0‬‬
‫وهذه هى الصالة التى دعانا إليها الح‪2‬ق تب‪2‬ارك وتع‪2‬الى بقول‪2‬ه فيم‪2‬ا ورد عن الن‪2‬بى‬
‫صلى هللا عليه وس‪22‬لم فى الح‪22‬ديث القدس‪22‬ى عن رب الع‪22‬زة‪ ( :‬أن العب‪22‬د إذا التفت فى‬
‫صالته قال هللا تعالى‪ :‬يا عبدى أنا خير لك مما تلتفت إليه ) ‪ ،‬وهى التى من أجله‪22‬ا‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪6‬‬
‫حذرنا النبى صلى هللا عليه وسلم من اإللتفات فى الص‪2‬الة فق‪2‬ال‪ ( :‬إي‪2‬اكم وااللتف‪2‬ات‬
‫فى الصالة فإنه هلكة ) ‪ ،‬ألن المصلى القائم بقلبه ‪ ،‬الراك‪22‬ع بقلب‪22‬ه ‪ ،‬الس‪22‬اجد بقلب‪22‬ه ‪،‬‬
‫ال ُمخبت بين ي‪2‬دى رب‪2‬ه ‪،‬عظُمت قى قلب‪2‬ه الص‪2‬الة لِ ِعظَم من واجه‪2‬ه فيه‪2‬ا ‪ ،‬فه‪2‬و بين‬
‫توجه ومواجهة ‪ ،‬تق ّرُبٌ وتقريب ‪ ،‬التوجه من العبد والمواجهة من الرب ‪ ،‬التق‪22‬رب‬
‫من العبد والتقريب من الرب ‪0‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬إذا قام العبد إلى الصالة رُفع الحجاب بينه وبين‬
‫ري‪22‬ه وواجهه بوجه‪22‬ه‪ ،‬وق‪22‬امت المالئك‪22‬ة من لَّ ُدن منكب ْي‪22‬ه إلى اله‪22‬واء فيص‪22‬لون على‬
‫صالته ويؤمنون على دعائه‪ ،‬ويُنثر ل‪22‬ه ال‪22‬بر من عن‪22‬ان الس‪22‬ماء إلى مف‪22‬رق رأس‪22‬ه‪،‬‬
‫ونادى منا ٍد‪ :‬لو علِم المناجى من يناجى ما خرج من صالته ) ‪0‬‬
‫ومتى واجه الربُّ سبحانه عبدَه الفار إلى هللا باهلل‪ ،‬فرار العائذ باهلل من كل ما سواه‪،‬‬
‫ال ُمقبل ب ُكلَّية قلبه عليه‪ ،‬انبلج فى قلب المصلِّى أنوار ثالثة‪:‬‬
‫‪ – 1‬نور ملكوتى يشهد به معانى اآليات المشرقة فى النفس والكائنات‪0‬‬
‫‪ -2‬ونور ملكوت العزة الذى يشهد به معانى األسماء والصفات اإللهية‪0‬‬
‫‪ -3‬ونور جبروتى يشهد به معانى واحدية األسماء والصفات ‪0‬‬
‫ومتى انبلجت هذه األنوار أشرق قلبُه بمعانى األسرار‪ ،‬فكوشف بأسرار ثالثة‪:‬‬
‫‪ ‬سر العلم وهو ما كشف له عن المعلوم ‪0‬‬
‫‪ ‬وسر الحال وهو ما كشف له عن المراد ‪0‬‬
‫‪ ‬وسر الحقيقة وهو ما وقعت عليه اإلشارة ‪0‬‬
‫ق‪222‬ال تع‪222‬الى‪  :‬اتق‪222‬وا هللا ويعلمكم هللا‪ ،‬ومع‪222‬نى يعلمكم هللا ‪ :‬أى يعلمكم م‪222‬ا لم‬
‫تكونوا تعلمون ‪ ،‬وأرقى هذه العلوم هو أن يكشف لك الحق سبحانه عن جمال وجهه‬
‫من سر قوله تعالى ‪  :‬فأينما تُ َولُّوا فث َّم وجه هللا ‪ ، ‬ولإلم‪22‬ام أب‪22‬و الع‪22‬زائم رض‪22‬ى هللا‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪7‬‬
‫عن‪22‬ه إش‪22‬ارة فى ه‪22‬ذا المع‪22‬نى فيق‪22‬ول فى مع‪22‬نى ‪ ‬ويعلمكم هللا ‪ ‬أى ‪ :‬ويعلمكم هللاُ هللاَ‬
‫حتى يصير عارفا باهلل ‪0‬‬
‫والعلم باهلل ال ينتهى‪ ،‬إذ ما من كمال أفاضه هللا على عب‪22‬اده إال وعن‪22‬د هللا تع‪22‬الى‬
‫أكم‪22‬ل من‪22‬ه‪ ،‬وه‪22‬و مع‪22‬نى قول‪22‬ه تع‪22‬الى لنبيِّه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪ :‬وثياب‪22‬ك فطهِّر‪‬‬
‫والثياب حُلل ‪ ،‬ولرسول هللا صلى هللا عليه وسلم حُلل جمالية جاللية كمالية ال تنتهى‬
‫‪ ،‬بل وال حصر لها وال عد ‪0‬‬
‫ف‪22‬أول حُل‪22‬ة‪ُ ،‬حلَّة اص‪22‬طفائه بالمحب‪22‬ة‪ ،‬ألن‪22‬ه ح‪22‬بيب هللا‪ ،‬ثم حل‪22‬ة اص‪22‬طفائه ب‪22‬العلم‬
‫‪‬وعلَّمك ما لم تكن تعلم وكان فضل هللا عليك عظيم‪22‬ا ‪ ، ‬ثم حل‪22‬ة اص‪22‬طفائه ب‪22‬ال ُخلُق‬
‫ق عظيم ‪ ، ‬و ُحلَّة اص‪22‬طفائه بالعبودي‪22‬ة ‪‬قُم‬
‫العظيم فى قوله تعالى ‪  :‬وأنك لعلى ُخلُ‪ٍ 2‬‬
‫الليل إال قليال ‪ ‬فقام صلى هللا عليه وس‪22‬لم اللي‪2‬ل ح‪2‬تى ت‪22‬ورَّمت ق‪2‬دماه الش‪2‬ريفتان من‬
‫طول القيام ‪ ،‬وحينما سألته السيدة عائش‪22‬ة عن ذل‪22‬ك ق‪22‬ال له‪22‬ا ‪ ( :‬أفال ُأحب أن أك‪22‬ون‬
‫عبدا شكورا ) ‪ ،‬كذلك ج َّمله هللا تعالى بحُلَّة الدعوة إلى هللا عز وجل ‪‬وداعيا إلى هللا‬
‫وسراجا ُمنيرا ‪ 0‬‬
‫بإذنه ِ‬
‫كل هذه حُلل كمالية‪ ،‬والمعنى فى قوله تعالى‪  :‬وثيابك فطهر ‪ ‬أى‪ :‬طهرها‬
‫من الكمال طلبا لألكمل‪ ،‬فاألكمل من المحب ِة المحبوب جل جالله ‪ ،‬واألكمل من‬
‫العلم العليم سبحانه ‪ ،‬واألكمل من ال ُخلق العظيم من أفاضه عليه جل شأنه‪،‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬إذ كل هذه ِظالل لحضرة الذات ‪ ،‬وعبد الذات ال مطلب له إال الذات‬
‫أبو العزائم رضى هللا عنه ‪:‬‬ ‫يقول اإلمام‬
‫تشـهدن غيْبــــا مصـونا أ َّولــى‬ ‫أفردن بالقصد مـوالك العـلى‬
‫غيــبــُه قــد الح يُجــلَى لـلـولى‬ ‫فى المظاهرفاشهـدن آيا تُرى‬
‫واطــلب المعــلوم منه به أخـى‬ ‫ال تقف عند العلوم وســــرها‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪8‬‬
‫ِحجبـة العـُشاق عـن غـيب بهى‬ ‫ال تقف عنــد المحــبة إنهـــــا‬
‫إن ُمنحتَ العلم والكشف السنى‬ ‫واعبد المعروف جــل جالل‪22‬ه‬
‫حضـرة اإلطالق يدعوك الولى‬ ‫فِ َّر من كوْ ٍن وأزمــــا ٍ‪2‬ن إلـــى‬

‫وهذا سر قوله تع‪22‬الى‪  :‬ففِ‪22‬رُّ وا إلى هللا ‪ ،‬فهى رائ‪22‬د الم‪22‬ؤمن وس‪22‬لوكه‪ ،‬إذا‬
‫نظر إلى الكون قرأ قولَه تعالى‪  :‬ففِرُّ وا إلى هللا ‪ ،‬وهنا يكون فراره من الكون إلى‬
‫كون ‪ ،‬وإذا نظر إلى النفس قرأ قولَه تعالى ‪  :‬ففِرُّ وا إلى هللا ‪ ‬وهنا يكون فراره‬
‫ال ُم ِّ‬
‫من النفس إلى ُمنفِّســـها ‪ ،‬وإذا نظ‪2‬ر إلى الخل‪2‬ق ق‪2‬رأ قول‪2‬ه تع‪2‬الى ‪  :‬ففِ‪2‬رُّ وا إلى هللا‬
‫[ وهنا يكون فـــراره من الخلق إلى الحق ‪ ،‬وإذا نظر إلى العطية يقرأ ‪‬ففِ‪22‬رُّ وا إلى‬
‫هللا ‪ ‬أى من العطية إلى المعطى سبحانه ‪ ،‬وإذا نظر إلى العلم فقرأ قول‪22‬ه تع‪22‬الى ‪:‬‬
‫‪ ‬ففِرُّ وا إلى هللا ‪ ‬أى من العلم إلى العليم سبحانه ‪ ،‬وإذا نظر إلى الش‪22‬هود ق‪22‬رأ قول‪22‬ه‬
‫تعالى ‪  :‬ففِرُّ وا إلى هللا ‪ ‬وهنا يكون فراره من الشهود إلى المشهود ‪ ،‬وإذا ع‪22‬اين‬
‫األسرار وكوشف بحقائق األنوار ق‪22‬رأ ‪ ‬ففِ‪22‬رُّ وا إلى هللا ‪ ‬فيك‪22‬ون ف‪22‬راره من معاين‪22‬ة‬
‫األسرار والحقائق يق‪22‬رأ قول‪22‬ه تع‪22‬الى ‪  :‬ففِ‪22‬رُّ وا إلى هللا ‪ ‬أى إلى العين العلي‪22‬ة ال‪22‬تى‬
‫تنزهت وتعالت عن سائر األعيان ‪0‬‬
‫يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه‪:‬‬
‫هو السمع بل بصرى ُأعــدت إلى أصلى‬ ‫أفر إليـه بعد محـو مشاهدى‬
‫ُّ‬

‫والمصلى فى صالته بين طالب ومطلوب‪ ،‬فطلبه هلل هو عين شكره هلل عز‬
‫وجل‪ ،‬وطلب هللا له هو شكر هللا تعالى له ‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬من ع ِمل‬
‫بما علِم ) وهذا هو شكر العبد هلل ‪ ( ،‬علَّمه هللا ما لم يكن يعلم ) وهذا هو شكر هللا‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪9‬‬
‫للعبد فيكاشــفه بالمضنون المكنون الذى قال فيه صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬إن من‬
‫العلم كهيئة المكنون ال يعلمه إال أهل المعرفة باهلل تعالى ) ‪0‬‬
‫والمصلى فى صالته بين تقرب من العبد للرب وتقرُّ ب من الرب للعبد‪ ،‬قال‬
‫صلى هللا عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه عز وجل‪  :‬من تقرَّب م‪2‬نى ِش‪2‬برا تق‪2‬رَّبت‬
‫ى هرولت إليه‪0‬‬
‫منه ذراعا‪ ،‬ومن تقرب منى ذراعا تقربت منه باعا‪ ،‬ومن مشى إل َّ‬
‫الودادي‪22‬ة ‪ ،‬حيث يتق‪22‬رب‬
‫فانظر رحمك هللا إلى مالطفاته اإلحسانية وتنزالته ِ‬
‫العبد بالقليل وهو المفتقر إلى هللا ‪ ،‬وهللا تعالى يتقرب إليه بالكثير وهو الغنى عن‪22‬ه ‪،‬‬
‫وفى هذا مشهد توحيدى يشهده أه‪2‬ل المعرف‪2‬ة وال‪2‬ذوق ‪ ،‬فهم فى ص‪2‬التهم ي‪2‬رون أن‬
‫الذى أمرهم بالصالة هو هللا ‪ ،‬وأن الذى أعانهم هو هللا ‪ ،‬وأن ال‪22‬ذى وفَّقهم ه‪22‬و هللا ‪،‬‬
‫وأن الذى شكر هو هللا ‪0‬‬
‫هو الذى أمرهم بالص‪22‬الة لقول‪22‬ه تع‪22‬الى ‪  :‬وأقيم‪22‬وا الص‪22‬الة ‪ ، ‬وه‪22‬و ال‪22‬ذى‬
‫أعانهم لقوله تعالى ‪  :‬إياك نعبد وإياك نس‪2‬تعين ‪ ‬أى نس‪22‬تعين ب‪2‬ك على دف‪22‬ع مكائ‪22‬د‬
‫‪2‬وى النفس ‪ ،‬وه‪22‬و ال‪22‬ذى وفَّق لقول‪22‬ه تع‪22‬الى على لس‪22‬ان الن‪22‬بى الص‪22‬الح‬
‫الشيطان وه‪َ 2‬‬
‫سيدنا ُشعيب عليه السالم ‪  :‬وما توفيقى إال باهلل ‪ ، ‬وهو الذى شكر ألن‪22‬ه س‪22‬بحانه‬
‫بنفسه بصيغة ارتضاها لخلقه وأمرهم بها عند كل صالة فق‪22‬ال ‪  :‬الحم‪22‬د‬
‫حمد نف َسه ِ‬
‫هلل رب العالمين ‪ ، ‬وهو الذى اجزل لك العطاء عليها فجازاك ‪0‬‬
‫فالصالة درجات ومراقى على قدر إقب‪22‬ال العب‪22‬د على هللا‪ ،‬وقب‪22‬ول هللا تع‪22‬الى‬
‫له‪ ،‬فالصالة عندالسالك مجاهدة فإذا جذبته جواذب العناية فساح فى مي‪22‬ادين قدس‪22‬ه‬
‫ص‪22‬ارت الص‪22‬الة عن‪22‬ده مش‪22‬اهدة‪ ،‬ف‪2‬إذا إرتقى على مع‪22‬ارج القُ‪22‬رب من هللا فاني‪22‬ا عن‬
‫المجاهدة والمشاهدة صار مع المعبود جل جالله ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪10‬‬
‫يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه‪ ( :‬السالك يرى ال ِعبادة مجاهدة‪ ،‬والواصل‬
‫يراه‪2‬ا مش‪2‬اهدة‪ ،‬والمتم ِّكن نف‪2‬ذ من أس‪2‬وار القي‪2‬ود ورس‪2‬وم الح‪2‬دود ح‪2‬تى ص‪2‬ار م‪2‬ع‬
‫المعبود مع قيامه بأكمل العبادات ) ‪0‬‬
‫وناهي‪22‬ك عن عب‪22‬د ص‪22‬ار ب ُكلِّيَّتِ‪22‬ه م‪22‬ع هللا فى الص‪22‬الة‪ ،‬واس‪22‬تغرق فى ش‪22‬هود‬
‫أوصافه الجمالية‪ ،‬حتى أدخله الشهود فى ِح َمى المعب‪22‬ود ج‪22‬ل جالل‪22‬ه‪ ،‬حيث حظ‪22‬ائر‬
‫نسه‪ ،‬هؤالء هم الذين وص‪22‬فهم هللا بقول‪22‬ه ‪  :‬إال المص‪22‬لين ال‪22‬ذين هم‬‫ورياض ُأ ِ‬
‫قُد ِسه ِ‬
‫على صالتهم دائمون ‪ ‬أى ‪ :‬ساكنون إلى هللا ‪ ،‬فقلوبهم دوم‪22‬ا م‪22‬ع هللا ‪ ،‬ال تتقلَّب إال‬
‫فى محابه ومراض‪22‬يه‪ ، 2‬ومن أمعن النظ‪22‬ر فى قول‪22‬ه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم فى ش‪22‬أن‬
‫المص‪22‬لين ‪ ( :‬وال ي‪22‬زال فى ص‪22‬الة م‪22‬ا انتظ‪22‬ر الص‪22‬الة ) ‪ ،‬فاإلنتظ‪22‬ار ال يك‪22‬ون إال‬
‫للعاش‪22‬ق الوالِ‪22‬ه لحض‪22‬رة جنابِ‪22‬ه س‪22‬بحانه ‪ ،‬ال‪22‬ذى ذاق حالوة المعي‪22‬ة وم‪22‬ا فيه‪22‬ا من‬
‫المؤانسات الربانية والمواجهات اإللهية ‪ ،‬فاشتاق إلى المزيد الذى يجمعه هللا له فى‬
‫صالة الجسم والروح ‪ ،‬حيث يص‪22‬لى الجس‪22‬م بالخش‪22‬وع وتص‪22‬لى ال‪22‬روح بالش‪22‬هود ‪،‬‬
‫ول‪22‬ديها يوالي‪22‬ه ربُّه ب‪22‬دوام الص‪22‬الة علي‪22‬ه ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪  :‬ه‪22‬و ال‪22‬ذى يُص‪22‬لى عليكم‬
‫ومالئكتُه لِيُخرجكم من الظلمات إلى النور ‪ ، ‬ويصلى هنا فى ه‪22‬ذه اآلي‪22‬ة الكريم‪22‬ة‬
‫جاءت بصيغة المض‪22‬ارع المش‪22‬ير إلى ال‪22‬دوام واالس‪22‬تمرار ‪ ،‬فه‪22‬و فى ص‪22‬الة دائم‪22‬ة‬
‫لدوام مواصلة هللاُ تعالى له بمزيد اإلنعام واإلكرام ‪ ،‬والحب والوالء ‪ ،‬ففى الح‪22‬ديث‬
‫ى بالنواف‪22‬ل ح‪2‬تى ُأحب‪2‬ه ف‪2‬إذا‬
‫القدسى عن هللا عز وجل ‪ ) :‬وال ي‪2‬زال العب‪2‬د يتق‪2‬رَّب إل َّ‬
‫كنت سمعه الذى يسمع به ‪ ،‬وبصره الذى يبصر به ‪ ،‬ويده التى يبطش به‪22‬ا ‪،‬‬ ‫أحببته ُ‬
‫ورجله ال‪22‬تى يمش‪22‬ى عليه‪22‬ا ‪ ،‬ولئن س‪22‬ألنى ُألجيبنَّه ‪ ،‬ولئن اس‪22‬تعاذنى ُألعيذن‪22‬ه (‪،‬‬
‫‪2‬ره‬ ‫والمعنى ‪ :‬أى صار عبداً ربانيًا سكن الح‪22‬ق فى قلب‪22‬ه ‪َ ،‬‬
‫وس ‪َ 2‬رى إلى س‪22‬م ِعه وبص‪ِ 2‬‬
‫ورجلِه ‪ ،‬سرى نوره العلى من باطنه إلى ظاهره حتى صار العبد كله نورا ‪،‬‬
‫وي ِده ِ‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪11‬‬
‫وهو العبد الذى أقامه هللا تعالى شمسا وب‪2‬درا فى س‪22‬ماء الدالل‪22‬ة علي‪22‬ه ‪ ،‬إلي‪22‬ه يش‪22‬تاق‬
‫العالون ‪ ،‬وتحن لرؤيته المالئكة المقربون ‪.‬‬
‫وفيهم يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫للسالكين بنورهم يُمحى الظالم‬ ‫آل العـــزائم أنجـم تُبدى الضيا‬
‫وبحفظهم لنبيِّهم بلغـوا المــرام‬ ‫خصُّ ــوا بحكـمة ربهـم وبحبــه‬
‫ُ‬
‫بالفضل والرضوان فى رشف المـدام‬ ‫آل العــزائم فى المعية ُج ِّملــوا‬

‫هؤالء ال يخطـــر على قـلــوبهم ُملك وال ملكــــوت‪ ،‬ومع‪22‬نى قول‪22‬ه تع‪22‬الى‪:‬‬
‫‪‬يُخ‪22‬رجهم من الظلم‪22‬ات إلى الن‪22‬ور ‪ ‬أى‪ :‬ال يُبقى لهم ظلم‪22‬ة ذنب تحجبهم عن هللا ‪،‬‬
‫فه‪22‬و لهم غ‪22‬افر وغف‪22‬ار وغف‪22‬ور ‪ ،‬وه‪22‬و لهم ش‪22‬اكر وش‪22‬كور ‪ ،‬ق‪22‬ال ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه‬
‫وسلم ‪ ( :‬من توضأ فأحسن الوضوء وصلى ركع‪2‬تين لم يُح‪2‬دِّث نفس‪2‬ه فيهم‪2‬ا بش‪2‬ىء‬
‫من الدنيا خرج من ذنوبه كي‪2‬وم ولدت‪2‬ه أم‪2‬ه ) ‪ ،‬ومع‪2‬نى أحس‪2‬ن الوض‪22‬وء أى أحس‪2‬ن‬
‫طهارة الجوارح ِح ًّسا ومعنى ‪ِ ،‬حسًا بالماء ‪ ،‬ومعنًى بالتوبة إلى هللا ‪ ،‬قال تعالى ‪ :‬‬
‫إن هللا يحب التوابين ‪ ‬وهذه طهارة الباطن ‪  ،‬ويحب المتطه‪22‬رين‪  2‬وه‪22‬ذه طه‪22‬ارة‬
‫الظاهر ‪ ،‬فأحسن الوضوء أى أحسن طهارة الظاهر والباطن ‪ ،‬قال ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه‬
‫وسلم ‪( :‬أال ُأنبِّئكم بمخموم القلب ؟ ) قالوا‪ :‬بلى يا رسول هللا‪ ،‬ق‪22‬ال‪( :‬ص‪22‬احب القلب‬
‫النقى التقى الذى ال غل فيه وال حسد )‪ ،‬وهو القلب الس‪2‬ليم ال‪2‬ذى ي‪2‬أتى ص‪2‬احبه ربَّه‬
‫راضيا مرضيا‪ ،‬ألنه َسلِم من اآلمال الوهمية والحظوظ الدنيه‪ ،‬واألهواء النفس‪22‬انية‪،‬‬
‫ضهم يلعب‪22‬ون ‪‬‬
‫فوصله هللا بالتحلى بعد التخلى‪ ،‬قال تعالى‪ :‬قل هللا ثم ذرهم فى خوْ ِ‬
‫‪0‬‬
‫والصالة الجامعة لهذه المعانى‪ ،‬هى الصالة التى يواجه الرب سبحانه فيه‪22‬ا‬
‫عبدَه‪ ،‬ومتى حص‪22‬لت المواجه‪22‬ة ص‪2‬حَّت المنازل‪22‬ة‪ ،‬فيك‪22‬ون العب‪22‬د بين توج‪22‬ه إلى هللا‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪12‬‬
‫تعالى توجه‪22‬ا عن استحض‪22‬ار يعقب‪22‬ه حض‪22‬ور‪ ،‬ثم مواجه‪22‬ة من هللا تع‪22‬الى ل‪22‬ه تتبعه‪22‬ا‬
‫مؤانسة‪ ،‬وبالمؤانسة تكون المنازلة‪ ،‬أى القرب من حضرة القريب سبحانه ‪0‬‬
‫ومن هنا كانت معارج القرب إلى هللا تعالى فى الصالة‪ ،‬لقوله صلى هللا عليه وسلم‪:‬‬
‫( ال صالة لمن لم يق‪22‬را بفاتح‪22‬ة الكت‪22‬اب )‪ ،‬وفاتح‪22‬ة الكت‪22‬اب آياته‪22‬ا س‪22‬بع‪ ،‬وس‪22‬ماوات‬
‫المعراج سبع‪ ،‬وهو صلى هللا عليه وسلم فى معراجه سماء من بعد سماء يشير إلى‬
‫أنه بتجاوزه للسماء األولى إلى السماء الثانية يصير غيبا عنه‪22‬ا‪ ،‬وبتج‪22‬اوزه للس‪22‬ماء‬
‫الثانية إلى السماء الثالث‪22‬ة يص‪22‬ير غيب‪22‬ا عنه‪22‬ا‪ ،‬أى غيب‪22‬ا عن الس‪22‬ماء األولى والثاني‪22‬ة‬
‫وهكذا فى معراجه صار صلى هللا عليه وسلم غيبا عن العوالم‬ ‫والثالثة ‪000000‬‬
‫كلها‪ ،‬ألنه تجاوز العوالم كلها‪ ،‬ولم يبق سوى خلوت‪22‬ه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم ب‪22‬الحق‬
‫جل جالله التى يقول فيها اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫الدهـور‬
‫حــت ُّ‬
‫جــلوة باال ِّمحـا َم َ‬ ‫قــــد رأى فى خــلــــوة فــرديَّــــٍة‬
‫ستر الخلق ظهورا واألمــــــور‪2‬‬
‫َّ‬ ‫شمـس قـُـدسٍ ال غمــــــام وال هوا‬
‫أشــرقت للواحد الفرد الوقــــور‪2‬‬ ‫حضــــــرة أحـدية فـى‬
‫فى التدلى فى يـقــين ال يمــــور‬ ‫غيبهــــــــا‬
‫ستر األسماء لدى الزلفى غـفور‬
‫َّ‬ ‫فى الدنـــــوِّ له التــدلى جـــــــاذب‬
‫عن ُأولى العزم الكرام وال سـفـور‬ ‫اهد فـيــها ومشــهو ٌد لهـــــا‬
‫شـــــــ ٌ‬
‫ِســر إســراه خفاءٌ عن عصــور‬ ‫حـين ( أو أدنى ) فـغــيب غـامض‬
‫جـاوز العرش مقـاما ال يمـــور‬ ‫واحــــــد فـــرد ألحـــــــد نزِّهــن‬
‫جــــاوز الملـكــوت قـــدرا راقيــا‬

‫هذا شميم من إسرائه صلوات هللا وسالمه عليه ‪ ،‬ينجلى حال الصفا ل‪22‬روح العاش‪22‬ق‬
‫المستهام‪ ،‬والواجد المجذوب بجواذب العناية إلى هللا ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪13‬‬
‫وقد ب َّشرنا النبى صلى هللا عليه وسلم بما فى الصالة من معارج الق‪22‬رب إلى‬
‫هللا تعالى فقال‪ ( :‬إذا ق‪22‬ال العب‪22‬د‪ :‬الحم‪22‬د هلل رب الع‪22‬المين‪ ،‬فُتحت ل‪22‬ه أب‪22‬واب الس‪22‬ماء‬
‫األولى بالعفو والرحمة الواسعة‪ ،‬وإذا قال‪ :‬الرحمن الرحيم‪ ،‬فتحت له أبواب السماء‬
‫الثانية بالبركة والمغفرة‪ ،‬وإذا قال‪ :‬مالك يوم الدين‪ ،‬فتحت له أب‪22‬واب الس‪22‬ماء الثالث‪22‬ة‬
‫بالعزة والرفعة‪ ،‬فإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين‪ ،‬فتحت له أبواب السماء الرابع‪22‬ة‬
‫بالتوفيق والعص‪22‬مة‪ ،‬وإذا ق‪2‬ال‪ :‬اه‪2‬دنا الص‪22‬راط المس‪2‬تقيم‪ ،‬فتحت ل‪2‬ه أب‪22‬واب الس‪2‬ماء‬
‫الخامسة بالخير والهداية‪ ،‬فإذا ق‪22‬ال‪ :‬ص‪22‬راط ال‪22‬ذين أنعمت عليهم‪ ،‬فتحت ل‪22‬ه أب‪22‬واب‬
‫السماء السادسة بالفضل والكرامة‪ ،‬وإذا قال‪ :‬غير المغضوب عليهم وال الض‪22‬الين ‪،‬‬
‫فتحت له أبواب السماء السابعة بالثبات على اإلسالم والعصمة من كل دين س‪22‬واه ‪،‬‬
‫فإذا قال ‪ :‬آمين ‪ ،‬فتحت له أبواب العرش بقبول دعاء قائلها ) ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪14‬‬
‫إشارات العارفين في سورة الفاتحة‬
‫وللعارفين رضوان هللا عليهم إشارات فى فاتحة الكتاب‪ ،‬ففى البس‪22‬ملة ن‪22‬رى‬
‫أن أحرفها تسعة عشر‪ ،‬من قرأها أ َّمنه هللا من النار‪ ،‬ألن زبانية جهنم تسعة عش‪22‬ر‪،‬‬
‫فجعل هللا كل حرف من أحرفها وقاية لقائلها من مالئكة الع‪22‬ذاب ال‪22‬ذين وص‪22‬فهم هللا‬
‫تعالى بقوله‪  :‬عليها تسعة عشر ‪ 0‬‬
‫كذلك الحمد هلل ثمان أحرف بعدد أبواب الجنة الثمانية ‪0‬‬
‫والمعنى أن العبد إذا قال ‪ :‬بس‪2‬م هللا ال‪2‬رحمن ال‪2‬رحيم الحم‪2‬د هلل ‪ 0000‬أ َّمن‪2‬ه هللا من‬
‫الجنان ‪0‬‬
‫النار وفتح له أبواب ِ‬
‫هذا فى بداية الفاتحة ‪ ،‬أما فى خاتمتها فيقول‪22‬ون ‪  :‬آمين ‪ ‬أربع‪22‬ة أح‪22‬رف ‪،‬‬
‫ألفه‪22‬ا مكت‪22‬وب على ركن الع‪22‬رش ‪ ،‬والميم على ركن الكرس‪22‬ى ‪ ،‬والي‪22‬اء على ركن‬
‫اللوح ‪ ،‬والنون على ركن القلم ‪ ،‬فإذا قالها العبد تح‪22‬رك الع‪22‬رش والكرس‪22‬ى والل‪22‬وح‬
‫والقلم يستغفرون هللا له ‪ ،‬فيقول هللا عز وجل ‪  :‬اشهدوا أنى قد غفرت له ‪‬‬
‫وهذه المكاشفات إنما هى مكاشفات بعلوم عن ذوق ووجد ‪ ،‬والعلوم فوقه‪22‬ا أن‪22‬وار ‪،‬‬
‫واألنوار فوقها أس‪22‬رار ‪ ،‬وك‪22‬ل ذل‪22‬ك ليس بش‪22‬يء ي‪22‬ذكر إلى ج‪22‬انب أن‪22‬وار الكم‪22‬االت‬
‫الذاتية ‪ ،‬وغوامض مجلى الذات األحدية ‪0‬‬
‫فالصالة تبدأ بقولك فى تكب‪22‬يرة اإلح‪22‬رام‪ :‬هللا اك‪22‬بر ‪ ،‬وهى عن‪22‬د أه‪22‬ل ال‪22‬ذوق‬
‫تعنى الحضور مع هللا ‪ ،‬وأن كل ما سواه جل جالله حرام على قلبك ‪0‬‬
‫وبعد الحضور تكون المؤانسة‪ ،‬وخير ما يؤنس الحق سبحانه به أحباءه فى الص‪22‬الة‬
‫أسماءه الحسنى‪ ،‬وهو ما آنسك به فى قوله سبحانه‪  :‬بسم هللا ال‪22‬رحمن ال‪22‬رحيم ‪ ‬فـ‬
‫( هللا ) اسم ج‪22‬امع لجماالت‪22‬ه وجالال ت‪22‬ه وكماالت‪22‬ه‪ ،‬واس‪22‬م ( ال‪22‬رحمن ) يت‪22‬نزل في‪22‬ه‬
‫سبحانه بالجمال والجالل ‪ ،‬واسم ( الرحيم ) يتنزل فيه بالجمال الصرف‪0 2‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪15‬‬
‫وكم‪22‬ا يؤنس‪22‬ك س‪22‬بحانه فى ص‪22‬التك بأس‪22‬مائه‪ ،‬فه‪22‬و يت‪22‬نزل إلي‪22‬ك بمالطفات‪22‬ه‬
‫اإلحس‪22‬انية ‪ ،‬ومؤانس‪22‬اته الودادي‪22‬ة ‪ ،‬فتق‪22‬ول ‪ :‬الحم‪22‬د هلل رب الع‪22‬المين ‪ ،‬فيؤنس‪22‬ك فى‬
‫صالتك بما يؤنس به أهل الجنة ‪ ،‬إذ الحمد هو آخر كالم أهل الجنة ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪:‬‬
‫‪ ‬وآخر دعواهم أن الحمد هلل رب العالمين ‪ 0‬‬
‫كذلك من مؤانساته سبحانه لك فى الصالة قول‪22‬ه ‪ :‬ال‪22‬رحمن ال‪22‬رحيم‪ ،‬ففى‬
‫اسم الرحمن األمن واألمان يوم الفزع األكبر ‪ ،‬قال تعالى ‪  :‬يوم نحشرالمتقين إلى‬
‫الرحمن وفدا ‪ ‬فتغشاهم رحمة هللا تعالى ‪ ،‬ويظلهم بظلِّه يوم ال ظل إال ظله‪.‬‬
‫أما اسم الرحيم فهو االسم الذى يحييك هللا تعالى به فى الجنة بقوله س‪22‬بحانه‪ :‬س‪22‬ال ٌم‬
‫قوْ الً من ربٍّ رحيم ‪ 0‬‬
‫ولذلك ق َّدم هللا تعالى ِذكر ‪ ‬الرحمن الرحيم ‪ ‬على قوله تعالى ‪ ‬مال‪22‬ك ي‪22‬وم‬
‫الدين‪ ‬لينشر عليك رداء رحمته يوم الع‪22‬رض علي‪22‬ه ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪  :‬ي‪22‬ا عب‪22‬ادى ال‬
‫خوف عليكم اليوم وال أنتم تحزنون ‪ 0‬‬
‫ثم بعد ذلك ‪ ،‬األنس بالعبودية هلل رب العالمين فى قول‪22‬ه تع‪22‬الى ح‪22‬ال مناج‪22‬اة‬
‫العبد للرب‪ :‬إي‪2‬اك نعب‪2‬د وإي‪2‬اك نس‪2‬تعين ‪ ، ‬والعبودي‪2‬ة ِمنَ‪2‬ة إلهي‪2‬ة ونعم‪2‬ة رباني‪2‬ة ‪،‬‬
‫ذكرها هللا تعالى فى المقام األسنَى لحضرة نبيِّه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم ‪ ،‬فق‪22‬ال فى‬
‫مقام التشريف والتعظيم له صلى هللا عليه وس‪22‬لم ‪( :‬س‪22‬بحان ال‪22‬ذى أس‪22‬رى بعب‪22‬ده ) ‪،‬‬
‫‪‬فأوحى إلى عبده ما أوحى ‪ 0‬‬
‫وبالعبودية امت‪22‬دح هللا أنبي‪22‬اءه‪ ،‬فق‪22‬ال تع‪22‬الى فى س‪22‬ليمان وفى أي‪22‬وب عليهم‪22‬ا‬
‫وعلى نبينا أفضل الصالة والسالم‪  :‬نِعم العبد إنه أ َّواب ‪0‬‬
‫بع‪22‬د ذل‪22‬ك كش‪22‬ف هللا س‪22‬بحانه لن‪22‬ا الغط‪22‬اء عن أحباب‪22‬ه فى قول‪22‬ه ؛ ‪ ‬إه‪22‬دنا الص‪22‬راط‬
‫المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ‪ ، ‬فأنت حين تدعو هللا تعالى به‪22‬ذا ال‪22‬دعاء فى‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪16‬‬
‫صالتك ‪ ،‬فإن هللا تعالى كريم يفتح بواسع فضله وكرمه الباب لمن أحبه وارتضاه ‪،‬‬
‫ف‪22‬ترفع إلى معي‪22‬ة من أنعم هللا عليهم من النب‪22‬يين والص‪2‬دِّيقين والش‪22‬هداء والص‪22‬الحين‬
‫كذلك قولك فى حال ركوع‪22‬ك ( س‪22‬بحان رب َى العظيم ) ‪ ،‬وح‪22‬ال س‪22‬جودك ( س‪22‬بحان‬
‫ربى األعلى ) هذا تسبيح ‪ ،‬والتسبيح كذلك كالم أهل الجنة ‪ ،‬فإنهم يُلهَمون التس‪22‬بيح‬
‫َ‬
‫كما يلهمون النفس ( دعواهم فيها سبحانك اللهم ‪0 ) 000‬‬
‫كذلك من المؤانسات التى يشهدها أهل الذوق فى ص‪22‬التهم ‪ :‬قول‪22‬ك ‪ ‬الحم‪22‬د‬
‫هلل رب الع‪22‬المين ‪ ‬أى الحم‪22‬د هلل ال‪22‬ذى أق‪22‬امنى مق‪22‬ام الش‪22‬كر ل‪22‬ه ‪ ،‬والثن‪22‬اء علي‪22‬ه ‪،‬‬
‫والخوف منه‪ ،‬والعبودية لذاته ‪ ،‬وفى قولك بعد الرفع من الركوع ( ربنا لك الحم‪22‬د)‬
‫أى ‪ :‬الحم‪22‬د هلل ال‪22‬ذى رفع‪22‬نى بع‪22‬د أن أق‪22‬امنى ل‪22‬ه فى رك‪22‬وعى عب‪22‬دا خض‪22‬ع وأن‪22‬اب‬
‫واستسلم هلل رب العالمين ‪0‬‬
‫أما فى السجود‪ ،‬فإن‪2‬ه ت‪2‬ذكرة ل‪2‬ك بحيات‪2‬ك وأوطان‪2‬ك من البداي‪2‬ة إلى النهاي‪2‬ة‪،‬‬
‫وعندما تهوى س‪22‬اجدا م‪22‬رة ثاني‪22‬ة فه‪22‬و رم‪22‬ز لرجوع‪22‬ك إلى هللا تع‪22‬الى ب‪22‬الموت‪ ،‬ثم‬
‫يعيدكم فيها‪ ،‬فإذا رفعت من السجدة الثانية ‪ ،‬كان ذلك رم‪22‬ز للحي‪22‬اة الحش‪22‬رية ال‪22‬تى‬
‫‪2‬رجكم إخراج‪22‬ا ‪ ، ‬فتأم‪22‬ل ق‪22‬ول هللا تع‪22‬الى فى ه‪22‬ذه اآلي‪22‬ة‬
‫يقول فيها سبحانه ‪  :‬ويُخ‪ِ 2‬‬
‫الكريمة ‪ ‬وهللا أنبتكم من األرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويُخ‪22‬رجكم إخراج‪22‬ا ‪ ، ‬ت‪22‬رى‬
‫أن هللا تعالى قد جمع لك معانيها فى السجدتين األولى والثانية ‪0‬‬
‫وبع‪22‬د ذل‪22‬ك‪ ،‬وفى جلوس‪22‬ك للتش‪22‬هد حينما تق‪22‬ول‪ ( :‬التحي‪22‬ات هلل الص‪22‬لوات‬
‫والطيبات ) ‪ ،‬تشهد مشاهد أهل التوحيد ‪ :‬أن الملك والثناء الحسن وصالح األعم‪22‬ال‬
‫كله هلل عز وجل ‪ ،‬وثمرة التوحيد المحب‪22‬ة حيث تق‪22‬ول ‪ ( :‬الس‪22‬الم علي‪22‬ك أيه‪22‬ا الن‪22‬بى‬
‫ورحمة هللا وبركاته ) ‪ ،‬فأنت تس‪22‬لم على الن‪22‬بى ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم ‪ ،‬وه‪22‬و ي‪22‬رد‬
‫عليك السالم ‪ ( :‬السالم علينا وعلى عباد هللا الص‪22‬الحين ) ‪ ،‬والس‪22‬الم رم‪22‬ز الحب ‪،‬‬
‫قال صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬ال تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ‪ ،‬وال تؤمنوا حتى تحابوا ‪،‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪17‬‬
‫ال أ ُدلكم على عمل إذا عملتموه تحاببتم ) قالوا بلى يا رس‪22‬ول هللا ‪ ،‬ق‪22‬ال ‪ ( :‬افش‪22‬وا‬
‫َأَو َ‬
‫السالم بيتكم ) ‪0‬‬
‫وأنت متى سلَّمت على نبيِّه صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬سلَّم هللا عليك لقوله صلى‬
‫ى ‪ :‬من سلَّم عليك س‪2‬لَّمتُ علي‪22‬ه ‪ ،‬ومن ص‪22‬لى علي‪22‬ك‬
‫هللا عليه وسلم ‪ ( :‬أوحى هللا إل َّ‬
‫صلَّيتُ عليه ) ‪ ،‬فالسالم حب ‪ ،‬والحب معراج الشهود حيث تقول ‪ :‬أش‪22‬هد أالَّ إل‪22‬ه‬
‫إال هللا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪0‬‬
‫والش‪22‬هود مع‪22‬راج الوص‪22‬ول حيث تق‪22‬ول ‪ :‬اللهم ص‪22‬لى على س‪22‬يدنا محم‪22‬د وعلى آل‬
‫سيدنا محم‪22‬د ‪ 0000000‬الخ ‪ ،‬ألن‪22‬ك حين تص‪22‬لى علي‪22‬ه يُص‪22‬لى هللا علي‪22‬ك ‪ ،‬وم‪22‬تى‬
‫وصلك فقد وصلت إلى رحابه سبحانه ‪0‬‬
‫فكان فى التشهد توحيد خالص ‪ ،‬وحب يرفعك إلى الش‪22‬هود ‪ ،‬وش‪22‬هود تص‪22‬ل‬
‫به على معارج الق‪2‬رب إلى حض‪2‬رة عالم الغي‪2‬وب ‪ ،‬فم‪2‬تى أحببت ش‪2‬هدت ‪ ،‬وم‪2‬تى‬
‫شهدت صلى عليك فأوصلك فوصلت ‪0‬‬
‫ومن هنا نستبين قول النبى صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬الصالة عماد الدين ‪ ،‬من‬
‫وس ‪2‬رِّه‬
‫أقامها فقد أقام الدين ) ‪ ،‬فمتى أقام العبد الصالة أقام الدين ألنه‪22‬ا روح ال‪22‬دين ِ‬
‫ومدار العبادات كلها ‪ ،‬ومتى أقام ال‪22‬دين أقام‪22‬ه هللا ع‪22‬امال من عمال‪22‬ه ‪ ،‬وس‪22‬راجا فى‬
‫س‪22‬ماء الدالل‪22‬ة علي‪22‬ه ‪ ،‬ي‪22‬دعو إلى هللا تع‪22‬الى على بص‪22‬يرة ‪ ،‬بالح‪22‬ال قب‪22‬ل العم‪22‬ل ‪،‬‬
‫وبالعمل قبل المقال ‪ ،‬فيكون إلخوانه سفينة النجاة ومع‪22‬راج الق‪22‬رب ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪:‬‬
‫‪‬هم درجات عند ربِّهم ‪ ‬أى الدرجات التى يرقى عليها الخلق إلى الحق‬
‫ولما ك‪22‬انت الص‪22‬الة عم‪22‬اد ه‪22‬ذا ال‪22‬دين وروح‪22‬ه‪ ،‬ن‪22‬رى أن هللا تع‪22‬الى س‪22‬ماها‬
‫باإليمان لقوله تعالى‪  :‬وما كان هللا ليضيع إيمانكم إن هللا بالن‪22‬اس ل‪22‬رءوف رحيم‪،‬‬
‫ومعنى إيمانكم أى ص‪22‬التكم ‪ ،‬حيث ن‪22‬زلت ه‪22‬ذه اآلي‪22‬ة الكريم‪22‬ة عن‪22‬دما أم‪22‬ر هللا نبيَّه‬
‫بتحويل القِبلة من بيت المقدس إلى البيت الح‪22‬رام ‪ ،‬فتس‪22‬اءل الص‪22‬حابة عن ص‪22‬التهم‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪18‬‬
‫إلى بيت المقدس قبل ذلك ‪ ،‬فنزلت اآلية الكريمة الدالة على أن الصالة هن‪22‬ا بمع‪22‬نى‬
‫اإليمان ‪0‬‬
‫كذلك سماها هللا تعالى ( شريعة ) فى قوله سبحانه عن سيدنا ش‪2‬عيب وقوم‪2‬ه‬
‫‪‬قالوا يا شعيب أصالتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا ‪ ،‬ومع‪22‬نى الص‪22‬الة هن‪22‬ا أى‬
‫شريعتك ‪0‬‬
‫وسماها النبى صلى هللا عليه وس‪22‬لم بالعهد‪ ،‬حيث ق‪22‬ال ص‪22‬لوات هللا وس‪22‬المه‬
‫عليه‪( :‬العهد الذى بيننا وبينهم الصالة ‪0 )0000‬‬
‫فالص‪2‬الة هى‪ :‬اإليم‪2‬ان والش‪2‬ريعة والعه‪2‬د ‪ ،‬وهى أول أوص‪2‬اف المؤم‪2‬نين ‪،‬‬
‫وهى آخ‪22‬ر أوص‪22‬افهم ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪ :‬ق‪22‬د أفلح المؤمن‪22‬ون‪ 2‬ال‪22‬ذين هم فى ص‪22‬التهم‬
‫خاشعون‪ ‬فهى أول داللة على اإليمان الصادق الذى يشهد لصاحبه عند هللا بالفالح‬
‫‪ ،‬وهى كذلك آخر عالمات أهل اإليمان لقوله تع‪22‬الى ‪  :‬وال‪22‬ذين هم على ص‪22‬لواتهم‬
‫يحافظون أؤلئك هم الوارثون‪ 2‬الذين يرثون الف‪22‬ردوس هم فيه‪22‬ا خال‪22‬دون ‪ ، ‬ف‪22‬افتتح‬
‫هللا تع‪22‬الى أعم‪22‬الهم بالص‪22‬الة ‪ ،‬واختتمه‪22‬ا بالص‪22‬الة ‪ ،‬والختم ه‪22‬و جم‪22‬اع األعم‪22‬ال‬
‫والطاعات وكمالها وتمامها ‪0‬‬
‫وقد روى سيدنا عمر بن الخطاب رضى هللا عنه ‪ :‬أن النبى صلى هللا عليه‬
‫وسلم استقبل يوما القِبلة ‪ ،‬ورفع يديه فق‪22‬ال ‪ ( :‬هللا ِزدن‪22‬ا وال تنقص‪22‬نا ‪ ،‬وأكرمن ‪2‬ا وال‬
‫تهنا ‪ ،‬واعطنا وال تحرمنا ‪ ،‬وآثرنا وال تؤثر علينا ‪ ،‬وارض عنا يا هللا ) ‪ ،‬ثم ق‪22‬ال ‪:‬‬
‫( لق‪22‬د ُأن‪22‬زلت عل َّ‬
‫ى عش‪22‬ر آي‪22‬ات ‪ ،‬من أق‪22‬امهن دخ‪22‬ل الجن‪22‬ة )‪ ،‬ثم ق‪22‬رأ ‪  :‬ق‪22‬د افلح‬
‫المؤمنون ‪ ‬إلى عشر آيات ‪0‬‬
‫ف‪َ 2‬ذَكر الص‪22‬الة فى أول عالم‪22‬ات أه‪22‬ل اإليم‪22‬ان ألن ك‪22‬ل م‪22‬ا بع‪22‬دها فى قول‪22‬ه‬
‫تع‪2‬الى‪ :‬وال‪2‬ذين هم عن اللغ‪2‬و معرض‪2‬ون‪ ،‬وال‪2‬ذين هم للزك‪2‬اة ف‪2‬اعلون‪ ،‬وال‪2‬ذين هم‬
‫لفروجهم حافظون * إال على أزواجهم أو م‪2‬ا ملكت أيم‪2‬انهم ف‪2‬إنهم غ‪2‬ير مل‪22‬ومين *‬
‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪19‬‬
‫فمن ابتغى وراء ذلك فأؤلئك هم العادون * والذين هم ألماناتهم وعهدهم راع‪22‬ون *‬
‫والذين على صلواتهم يحافظون ‪ ‬إنما ذلك هو فرع من أصل شجرة اإليم‪22‬ان وه‪22‬و‬
‫الصالة التى جعلها النبى صلى هللا عليه وسلم عنوانا للتوحيد الخالص هلل عز وج‪22‬ل‬
‫حيث قال ‪ ( :‬ما افترض هللا على عباده بعد التوحيد أحب إليه من الص‪22‬الة )‪ ،‬وذل‪22‬ك‬
‫صلة ‪ ،‬ومتى صحت صلة العبد باهلل ‪ ،‬صلُحت سائر أعماله فى الدنيا ‪،‬‬
‫ألن الصالة ِ‬
‫وفاز بالنجاح والفالح فى أآلخرة ‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬أول ما يحاسب به‬
‫العبد يوم القيامة الصالة ‪ ،‬فإن صلُ َحت فقد افلح وأنجح ‪ ،‬وإن فسدت خاب وخسر ‪،‬‬
‫وإن كانت ناقصة قال هللا تعالى ‪ :‬أنظروا هل لعبدى من نواف‪22‬ل ‪ ،‬فيؤخ‪22‬ذ من نوافل‪22‬ه‬
‫فتكمل به فرائضه ‪ ،‬ثم تكون سائر أعماله على هذا ) ‪0‬‬
‫فالعبد حقا من أقام لنفسه من الصالة ميزانا فى الدنيا قبل اآلخرة ‪ ،‬فهى التى‬
‫تعرف بها مقامك عند هللا ‪ ،‬فإن العبد فيه‪22‬ا بين أم‪22‬رين ‪ :‬إم‪22‬ا أن يش‪22‬تغل ب‪22‬دنياه عن‬
‫الحضور بالقلب مع هللا فى صالته ‪ ،‬وعند ذلك تكون الصالة حجة علي‪22‬ه ‪ ،‬وإم‪22‬ا أن‬
‫يشتغل باهلل عن كل ما سواه ‪ ،‬وهذه صالة أهل الفوز والفالح ‪0‬‬
‫وقد بيَّن النبى صلى هللا عليه وسلم صالة ه‪22‬ذا وذاك فى قول‪22‬ه علي‪22‬ه الص‪22‬الة‬
‫والسالم‪ ( :‬الموقن إذا قام فتوضأ تباعدت عنه الشياطين فى أقطار األراضين خوف‪22‬ا‬
‫منه‪ ،‬فإذا قال‪ :‬هللا اكبر‪ ،‬اطلع الملك فى قلبه فإذا ليس فى قلبه أك‪22‬بر من هللا‪ ،‬فيق‪22‬ول‬
‫له الملك‪ :‬صدقت‪،‬هللا تعالى فى قلب‪22‬ك كم‪22‬ا تق‪22‬ول ‪ ،‬ثم يتشعش‪22‬ع من قلب‪22‬ه ن‪22‬ور يلح‪22‬ق‬
‫بملكوت العرش ‪ ،‬ويكتب له حشو ذلك النور حسنات ‪ ،‬وأما الغافل الجاهل ـ أعاذن‪22‬ا‬
‫هللا ـ إذا قام فتوضأ احتوشته الش‪22‬ياطين كم‪22‬ا يحت‪22‬وش ال‪22‬ذباب على نقط‪22‬ة العس‪22‬ل ‪،‬‬
‫فإذا قال ‪ :‬هللا اكبر ‪0‬اطلع المل‪22‬ك فى قلب‪22‬ه ‪ ،‬ف‪22‬إذا ك‪22‬ل ش‪22‬يء فى قلب‪22‬ه أك‪22‬بر من هللا ‪،‬‬
‫فيقول له المل‪22‬ك ‪ :‬ك‪22‬ذبت ‪ 0‬ليس هللا تع‪22‬الى فى قلب‪22‬ك كم‪22‬ا تق‪22‬ول ‪ ،‬ثم يث‪22‬ور من قلب‪22‬ه‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪20‬‬
‫دخ‪22‬ان يلح‪22‬ق بعن‪22‬ان الس‪22‬ماء ‪ ،‬ويلتقم الش‪22‬يطان قلب‪22‬ه ‪ ،‬فال ي‪22‬زال ينفخ في‪22‬ه ‪ ،‬وينفس‬
‫ويوسوس له ويزين له حتى يخرج من صالته وال يعقل ما كان فيه ) ‪0‬‬
‫وعن سيدنا عمر بن الخطاب رضى هللا عنه أن‪22‬ه ق‪22‬ال‪ ( :‬إن الرج‪22‬ل ليش‪22‬يب‬
‫عارض‪22‬اه فى اإلس‪22‬الم وم‪22‬ا ك ُملت ل‪22‬ه ص‪22‬الة واح‪22‬دة ) قي‪22‬ل ‪ :‬كي‪22‬ف ذل‪22‬ك ي‪22‬ا أم‪22‬ير‬
‫المؤمنين ؟ قال‪ :‬يتوضأ غافال‪ ،‬ويصلى ساهيا ‪0‬‬
‫وقد روى ‪ :‬أن رجال قام يوما إلى الصالة فاشتغل بزين‪22‬ة ثياب‪22‬ه ‪ ،‬فلم يج‪22‬د‬
‫ما يكفر به عن ذنبه إال أن يتصدق بثيابه ‪ ،‬فلما دخل فى الثانية ‪ ،‬اشتغل بمالِ‪22‬ه ‪ ،‬فلم‬
‫يجد مل يكفر به عن ذنبه إال أن يتصدق بماله ‪ ،‬فلما دخل فى الثالثة ‪ ،‬اشتغل بجاهه‬
‫ومنص‪22‬به ‪ ،‬فلم‪22‬ا خ‪22‬رج اع‪22‬تزل منص‪22‬به ‪ ،‬فلم‪22‬ا دخ‪22‬ل فى الرابع‪22‬ة ‪ ،‬اش‪22‬تغل ب‪22‬الخلق‬
‫فاعتزل الخلق ‪ ،‬ثم دخل بعد ذلك فى الصالة فلم يشتغل بشىء ‪ ،‬فصحت صالته ‪0‬‬
‫فنعم الرجل هذا ‪ 00‬لقد نظر إلى الدنيا ومتاعها فرآها قاطعة عن هللا ‪ ،‬فب‪22‬اع‬
‫دني‪22‬اه طمع‪22‬ا فى مرض‪22‬اة هللا ‪ ،‬إذ أن حبهم‪22‬ا مع‪22‬ا ال يس‪22‬تقيم ب‪22‬ه قلب العب‪22‬د ‪ ،‬ف‪2‬أخرج‬
‫المحبوب األدنى وسارع إلى العلى األعلى ‪ ،‬تاركا وراءه نفسه حتى ال يزاحم‪22‬ه فى‬
‫حبه هلل أحد غير هللا ‪ ،‬فالجاهل َمن األكوان مناه ويحسب أنه يعبد هللا ‪ ،‬أما الع‪22‬ارف‬
‫والواصل فيقول فيه اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ‪ ( :‬الواصل‪ 2‬من ت َوحَّد‬
‫مطلوبه ورضى بما ق َّدره محبوبه ‪ ،‬والع‪22‬ارف من تحق‪22‬ق فن‪22‬اء م‪22‬ا ِس‪2‬وى األح‪22‬د ولم‬
‫يشغله مال وال ولد ‪0 )000‬‬
‫والعارف الواصل‪ 2‬إذا قام بين يدى ربه مصليا‪ ،‬فإن الكون من حول‪22‬ه يص‪22‬لى‬
‫بص‪22‬الته‪ :‬فالنب‪22‬ات إذا وص‪22‬ل لإلنس‪22‬ان وتناول‪22‬ه بالطع‪22‬ام ص‪22‬لى‪ ،‬والم‪22‬اء إذا وص‪22‬ل‬
‫لإلنسان وتناوله بالشراب صلى‪ ،‬والش‪22‬مس إذا وص‪22‬لت لإلنس‪22‬ان بأش‪22‬عتها وأكس‪22‬بت‬
‫جس َمه بالحرارة والطاقة صلَّت‪ ،‬وكذلك الهواء ال‪22‬ذى ت‪22‬تردد ب‪22‬ه األنف‪22‬اس‪ ،‬ذل‪22‬ك ألن‬
‫اإلنسان سخَّر هللا له كل ما فى الوجود‪ ،‬وهو ُمس َّخر هلل عز وجل‪ ،‬فإذا قام هلل تع‪22‬الى‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪21‬‬
‫بالطاعة حق الطاعة حتى صار هلل تعالى واصال‪ ،‬أوصل هللا به إليه كل م‪22‬ا حول‪22‬ه‪،‬‬
‫فهو معراج ومراقى تعرج عليه الكائنات هلل رب العالمين‪ ،‬أما ه‪22‬و فقُرب‪22‬ه من هللا ال‬
‫ح‪2‬د ل‪22‬ه وال ع‪2‬د ح‪2‬تى بع‪22‬د الم‪2‬وت‪ ،‬فه‪22‬و فى ال‪2‬دنيا تتح‪2‬رك جوارح‪22‬ه فى طاع‪2‬ة هللا‬
‫بالمجاهدة‪ ،‬وبحركته‪22‬ا تتح‪22‬رك الحق‪22‬ائق الباطن‪22‬ة بالمش‪22‬اهدة‪ ،‬ف‪22‬إذا س‪22‬كنت الج‪22‬وارح‬
‫بالموت‪ ،‬فإن الحقائق الباطنة ال تموت فتظل على م‪22‬ا هى علي‪22‬ه من الش‪22‬هود‪ ،‬وه‪22‬ذا‬
‫بخالف الغافل الجاهل الذى عاش ميتا بميتة الشيطان‪ ،‬ومات على ما كان علي‪22‬ه فى‬
‫الدنيا‪ ،‬قال تعالى‪  :‬من كان فى ه‪2‬ذه أعمى فه‪2‬و فى اآلخ‪2‬رة أعمى وأضل س‪2‬بيآل‪،‬‬
‫وقال صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬يموت المرء على ما عاش عليه ‪ ،‬ويُبعث المرء على‬
‫ما مات عليه ) ‪0‬‬
‫أما العارف باهلل فهو حى باهلل ميت عن دنياه‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم‬
‫ألنس بن مالك رضى هللا عنه‪ ( :‬إذا صليْتَ فصلِّ صالة ُم‪َ 2‬ودِّع) أى م‪22‬ودع ِ‬
‫لنفس ‪2‬ه‪،‬‬
‫ُم َو ِّد ٌ‬
‫ع لعمره‪ ،‬وسائر إلى مواله‪ ،‬وه‪22‬و فى س‪22‬يره إلى م‪22‬واله يقط‪22‬ع عن‪22‬د ك‪22‬ل ص‪22‬الة‬
‫منزلة من منازل القُرب حتى صار عند هللا‪ ،‬فق‪2‬رَّت عينُ‪22‬ه ب‪22‬ه‪ ،‬ق‪2‬ال ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه‬
‫وسلم‪ (:‬وج ُِعلَت قُ َّرةُ عينى فى الصالة ) ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪22‬‬
‫أركان قبول الصالة‬
‫والصالة كما أن لها أركان إلقامتها ال تصح إال بها‪ :‬كحل‪22‬ول ال‪2‬وقت‪ ،‬وس‪2‬تر‬
‫العورة واستقبال القبلة وطهارة البدن وطهارة الثياب ‪ ،‬كذلك لها أرك‪2‬ان لقبوله‪2‬ا فال‬
‫تُرفع إلى هللا تعالى إال بها ‪ ،‬وهى أربعة كما أوردها اإلمام أبو الع‪22‬زائم رض‪22‬ى هللا‬
‫عنه فى كتاب معارج المقرَّبين ‪ ،‬وهى ‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إجالل المقام‬
‫وهو خشوع المصلى بين يدى ربه‪ ،‬خش‪22‬وعا ينس‪22‬يه ك‪22‬ل ش‪22‬يء فال ي‪22‬درى ــ‬
‫الستحضاره عظمة العظيم ـــ من يص‪22‬لى عن يمين‪22‬ه وال من يص‪22‬لى عن ش‪22‬ماله‪ ،‬إذ‬
‫الخشوع هو اضمحالل القلب بين يدى هذا الجناب المقدس ‪0‬‬
‫وحتى يكون العبد خاشعا بين يدى ربه فى صالته‪ ،‬عليه أن يسأل نفس‪22‬ه عن‬
‫أمور ثالث‪2‬ة ‪ :‬لمن يص‪2‬لى ؟ ‪ ،‬والج‪2‬واب‪ :‬هلل‪ ،‬وبمن يص‪2‬لى ؟ والج‪2‬واب باهلل‪ ،‬وكمن‬
‫يصلى؟ والجواب‪ :‬كرسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬الذى قال فيما ورد عنه ص‪22‬لى‬
‫هللا عليه وسلم‪ ( :‬صلوا كم‪22‬ا رأيتم‪22‬ونى ُأص‪22‬لى ) ‪ ،‬ثم يستحض‪22‬ر بع‪22‬د ذل‪22‬ك ‪ ،‬س‪22‬اعة‬
‫إقباله على هللا بالموت ‪ ،‬فيصلى صالة ُم‪22‬ودِّع ل‪22‬دنياه ‪ُ ،‬مقب‪22‬ل على حض‪22‬رة م‪22‬واله ‪،‬‬
‫ومتى استحضر العبد ه‪22‬ذه المع‪22‬انى ‪ ،‬خش‪22‬ع قلبُ‪22‬ه وانكس‪22‬ر بين ي‪22‬دى ربِّه ‪ ،‬إنكس‪22‬ارا‬
‫يجمع ه َّمه كلَّه مع هللا ‪0‬‬
‫وهذا الخشوع ال يجعل للشيطان س‪2‬بيال علي‪22‬ه‪ ،‬ف‪2‬إذا ع‪2‬رض ل‪22‬ه فى ص‪22‬الته‪،‬‬
‫أ َّمنَه هللا من كيده‪ ،‬فس‪22‬مع ب‪2‬آذان قلب‪22‬ه قولَ‪22‬ه تع‪22‬الى‪  :‬ف‪2‬أين ت‪22‬ذهبون إن ه‪22‬و إال ِذك‪ٌ 2‬ر‬
‫ى ُمصلِّيًا باكيا ‪،‬‬
‫للعالمين ‪ ‬وفى التوراة‪ 2‬مكتوب ‪ ‬يا بن آدم ال تعجز أن تقوم بين يد َّ‬
‫ُ‬
‫اقتربت من قلبك ‪ ،‬وبالغيب رأيتَ نورى‪0‬‬ ‫فأنا هللا الذى‬
‫الثانية‪ :‬إخالص النية‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪23‬‬
‫وهو أن ينعقد قلب المصلى على التوج‪22‬ه الص‪22‬ادق هلل ع‪22‬ز وج‪22‬ل‪ ،‬توجه‪22‬ا ال‬
‫ينازعه فيه نازع من العقل أو النفس‪ ،‬فمنازعة النف‪22‬وس بع ‪ٌ 2‬د عن حض‪22‬رة الق‪22‬دوس‪،‬‬
‫ومنازعة العقول ُأفو ٌل لكوكب اإليمان‪ ،‬ف‪22‬المؤمن الص‪22‬ادق ه‪22‬و ال‪22‬ذى يُقب‪22‬ل على هللا‬
‫ب ُكلِّية قلبِه‪ ،‬إقباال يُنسيه كل ما ِسواه سبحانه ‪0‬‬
‫ولإلخالص نور فىقلب العبد‪ ،‬يدفع به ه‪22‬واجس النفس ووس‪22‬اوس الش‪22‬يطان‪،‬‬
‫وعالم‪22‬ة اإلخالص فى الني‪22‬ة‪ :‬أن يُقب‪22‬ل العب‪22‬د على ربِّه خائف‪22‬ا راجف‪22‬ا‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى‪:‬‬
‫‪‬يدعون ربَّهم خوفا وطمعا ‪ 0‬‬
‫فإذا كان حال العبد ك‪22‬ذلك ‪ ،‬ص‪22‬ح إتباع‪22‬ه لرس‪22‬ول هللا ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‬
‫إتباعه قوال وعمال ‪ ،‬حيث اجتمع فى قلب‪22‬ه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم الخ‪22‬وف‬
‫ِ‬ ‫حاالً بعد‬
‫والرجاء ‪ ،‬فكان يُسمع لقلبه أزيز كأزيز المرجل من شدة الخوف والرهب‪22‬ة من هللا ‪،‬‬
‫وهو صلى هللا عليه وسلم فى ذات الوقت كان إذا حضرت الصالة يق‪22‬ول ‪( :‬أب‪22‬ردوا‬
‫بالصالة ) ‪0‬‬
‫وك‪22‬ان س‪22‬يدنا عل ِّى ك ‪2‬رَّم هللا وجه‪22‬ه إذا حض‪22‬رت الص‪22‬الة ‪ ،‬اص‪22‬ف َّر وجه‪22‬ه ‪،‬‬
‫وتغيَّر لونُه ويقول ‪ ( :‬ج‪2‬اءت الس‪2‬اعة ال‪2‬تى ُع ِرض‪2‬ت فيه‪2‬ا األمان‪2‬ة على الس‪2‬ماوات‬
‫واألرض والجبال فأبيْن أن يحملنها وحملها اإلنسان ) ‪0‬‬
‫وكان سيدنا أبو بكر الصدِّيق رضى هللا عنه ‪ ،‬يُشم لكب ِده فى ص‪22‬الته رائح‪22‬ة‬
‫كرائحة الكبد المشوية من شدة خوفه من هللا ‪0‬‬
‫الثالثة‪ :‬يقين المقال‬
‫وهو أن يستيقن العبد فى صالته حقيقة ما يقول‬
‫فإذا قال ‪ :‬هللا أكبر ‪ ،‬لم يكن فى قلبه أكبر من هللا ‪.‬‬
‫وإذا قال ‪  :‬الحمد هلل رب العالمين‪ ، ‬امتأل قلب‪22‬ه بالش‪22‬كر هلل ‪ ،‬ش‪22‬كر من عج‪22‬ز عن‬
‫القيام له بشكره سبحانه ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪24‬‬
‫وإذا قال‪ :‬ال‪22‬رحمن ال‪22‬رحيم‪ ،‬امتأل قلب‪22‬ه بالرحم‪22‬ة على س‪22‬ائر المخلوق‪22‬ات ‪ ،‬فك‪22‬ان‬
‫ظاهره الرحمة العامة لجميع الخالئق ‪ ،‬وباطنه تمنى نجاتهم من هول اآلخرة ‪0‬‬
‫وإذا قال ‪ :‬مالك يوم الدين‪ ، ‬استحضر وقوف‪22‬ه بين ي‪22‬دى هللا ع‪22‬ز وج‪22‬ل فى‬
‫ب سليم ‪ ،‬وهو الي‪22‬وم ال‪22‬ذى تنكش‪22‬ف‬
‫يوم ال ينفع فيه ما ٌل وال بنون إال من أتى هللا بقل ٍ‬
‫فيه السرائر ‪ ،‬ويُرفع الحجاب فيه عن الدقائق ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪  :‬ووج‪22‬دوا م‪22‬ا عمل‪22‬وا‬
‫حاضرا وال يظلم ربُّك أحدا ‪ ، ‬وقال تعالى ‪  :‬يوم تبلى السرائر فماله من قوة وال‬
‫ناصر ‪0‬‬
‫وإذا قال ‪  :‬إياك نعبد وإياك نستعين ‪ ، ‬استشعر عجزه عن القيام هلل تعالى‬
‫بالعبادة والطاعة حق الطاعة إال بمعونة من هللا ع‪22‬ز وج‪22‬ل ‪ ،‬فيتوج‪22‬ه إلى هللا متبتِّال‬
‫ضارعا بقوله ‪  :‬اه‪22‬دنا الص‪22‬راط المس‪22‬تقيم * ص‪22‬راط ال‪22‬ذين أنعمت عليهم * غ‪22‬ير‬
‫المغضوب عليهم * وال الضالين ‪ 0‬‬
‫وفى الحديث القدسى الذى يُرويه رسول هللا ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم عن رب‬
‫العزة‪ ) :‬أن العبد إذا قام إلى الصالة فقال‪  :‬الحمــد هلل رب الع‪22‬المين‪ ‬ق‪22‬ال هللا ع‪22‬ز‬
‫وجل‪ (:‬و ِعزتى وكــبريائى نعمتى لك ياعـــبدى فى الدنيا واآلخرة ) ‪ ،‬فإذا قال ‪ :‬‬
‫الرحمن الرحـــيم ‪ ‬قال هللا عز وجل ‪ :‬رحمتى لك فى الدنيا واآلخرة ف‪22‬إذا ق‪22‬ال ‪:‬‬
‫( مالك يوم الدين ‪ ‬قال ‪ :‬فضلى لك فى الدنيا واآلخ‪22‬رة ‪ ، ‬ف‪22‬إذا ق‪22‬ال‪ :‬إي‪22‬اك نعب‪22‬د‬
‫وإياك نســتعين ‪ ، ‬قال ‪  :‬نُصرتى لك فى الدنيـــــا واآلخرة ‪ ، ‬فـإذا قال ‪ :‬غـير‬
‫المغضوب عليهم ‪ ، ‬قــــال ‪  :‬شفاعتى لك فى الدنيا واآلخرة ‪ ، ‬ف‪22‬إذا ق‪22‬ال‪  :‬وال‬
‫الضالين آمين‪ ، ‬قال هللا عز وجل ‪ :‬وعزتى وجاللى وكبري‪22‬ائى وعظم‪22‬تى ‪ 0‬لق‪22‬د‬
‫ثب ُّ‬
‫َّت إس َمك فى ديوان السعداء ‪ ،‬ومحوته من ديوان األشقياء ‪ 0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪25‬‬
‫فالصالة هنا ــ ألهل اليقين ـــ مناج‪2‬اة من العب‪2‬د لربِّه ‪ ،‬ومناج‪2‬اة من ال‪2‬رب‬
‫للعبد ‪ ،‬أنت تُصلى هلل وهللا تعالى يُصلى عليك ‪ ،‬قِبلةُ قلبِك الواحد الديان ‪ ،‬وأنت قِبلة‬
‫له سبحانه ‪0‬‬
‫يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ‪:‬‬

‫وجــــه موْ لَى مُنزه عن الجهـات‬ ‫قـِبــلة العـــــارفين حال الصــــالة‬


‫بحنـــــــا ٍن عليــهـموا للنــــــجاة‬ ‫وهمُــــــوا قـبــلـةٌ لـــه إذ يُصــلـى‬

‫فإذا قال العب‪2‬د فى ركوع‪2‬ه ‪ :‬س‪2‬بحان ربى العظيم ‪ ،‬اس‪2‬تيقن بم‪2‬ا يق‪2‬ول ‪ ،‬فلم‬
‫يكن فى قلبه أعظم من هللا ‪ ،‬وإذا ق‪22‬ال ‪ :‬فى س‪22‬جوده ‪ :‬س‪22‬بحان ربى األعلى ‪ ،‬لم يكن‬
‫فى قلبه أعلى من هللا ‪ ،‬وهكذا بمتابع‪22‬ة االستحض‪22‬ار والحض‪22‬ور تُمحى األغي‪22‬ار من‬
‫قلبه ‪ ،‬وال يكون فيه إال الواحد القهار سبحانه ‪0‬‬
‫الرابعة‪ :‬حضور القلب‬
‫وهو طمأنينة القلب فى الص‪22‬الة‪ ،‬فيك‪22‬ون ظ‪22‬اهره الس‪22‬كينة والوق‪22‬ار‪ ،‬وباطن‪22‬ه‬
‫كره هلل‪ ،‬فإذا قام فى الصالة ببدنه ق‪22‬ام قلبُ‪22‬ه م‪22‬ع بدنِ‪22‬ه متمثال قيام‪22‬ه ي‪22‬وم‬
‫االطمئنان ب ِذ ِ‬
‫القيامة بين يديْ رب العالمين‪ ،‬وإذا ركع جسمه ركع قلبه مع رك‪22‬وع جس‪22‬مه‪ ،‬فش‪ِ 2‬هد‬
‫نف َسه عبدا عابدا لرب قادر حكيم معبود‪ ،‬وإذا س‪22‬جد س‪22‬جد قلبُ‪22‬ه م‪22‬ع س‪22‬جود جس‪22‬مه‪،‬‬
‫فشهد قُرب من هو أق‪22‬رب إلي‪22‬ه من حب‪22‬ل الوري‪22‬د‪ ،‬وإذا جلس ُأنس بمع‪22‬انى الربوبي‪22‬ة‬
‫نفس‪2‬ه مض‪22‬طرا فق‪22‬يرا‬
‫والعبودية‪ ،‬فش‪22‬هد ربَّه ُمنعم‪22‬ا وكريم‪22‬ا وقوي‪22‬ا عزي‪22‬زا‪ ،‬وش‪22‬هد َ‬
‫وخاشعا ذليال‪ ،‬وإذا سلَّم تذكر وداعه للدنيا‪ ،‬ووداعه لألهل والمال والولد‬
‫ُ‬
‫وقفت‬ ‫قيل لحاتم األصم ‪ :‬كيف أنت يا حاتم إذا قمت إلى الصالة ؟ ‪ ،‬قال‪ :‬إذا‬
‫ُ‬
‫رأيت ك‪22‬أن الكعب‪22‬ة أم‪22‬امى ‪ ،‬ومل‪22‬ك الم‪22‬وت من خلفى ‪،‬‬ ‫بين يدى ربى فى الص‪22‬الة ‪،‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪26‬‬
‫والجنة عن يميني والنار عن يسارى ‪ ،‬والصراط تحت قدمى ‪ 00000‬ف‪2‬إذا قُ ِ‬
‫ض‪2‬يَت‬
‫الصالة ال أدرى أقُبلت أم ُر َّدت ؟ ‪0‬‬
‫ولقد ر ُِوى أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم صلى بالص‪22‬حابة يوم‪22‬ا ‪ ،‬فلم‪22‬ا‬
‫انفتل قال لهم ‪ :‬أتدرون ماذا قرأت ؟ فسكتوا ‪ ،‬فق‪22‬ال ُأبَى بن كعب رض‪22‬ى هللا عن‪22‬ه ‪:‬‬
‫قرأت كذا وتركت آية كذا ‪ ،‬فال أدرى أرُفعت أم نُ ِسخت ‪ ،‬فق‪22‬ال ل‪22‬ه الن‪22‬بى ص‪22‬لى هللا‬
‫علي‪22‬ه وس‪22‬لم ‪ ( :‬أنت له‪22‬ا ي‪22‬ا أُبى ) ‪ ،‬ثم التفت إلى الص‪22‬حابة وق‪22‬ال ‪ ( :‬م‪22‬ا ب‪22‬ال ق‪22‬وم‬
‫يحضرون صالتهم ويتمون صفوفهم ‪ ،‬ونبيِّهم بين أيديهم وال يدرون م‪22‬ا يُتلى عليهم‬
‫من كتاب ربهم ‪ ،‬أال إن بنى إسرائيل فعلوا ذلك فأوحى هللا إلى ن‪22‬بيِّهم ‪ :‬تحض‪22‬رونى‬
‫بأبدانكم وتعطونى ألسنتكم وتغيبون عنى بقلوبكم باطال ما تذهبون )‪.‬‬
‫ورُب س‪22‬ائل يتس‪22‬اءل‪ :‬كي‪22‬ف ك‪22‬ان س‪22‬هو رس‪22‬ول ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم فى‬
‫صالته؟ وقد سُئل أحد العارفين باهلل مثل هذا فقال ‪:‬‬
‫ُ‬
‫فقلت‪:‬سها ِسرُّ ه عن كل شيء فسها‬ ‫يا سائلى عن رسول هللا كيف سها‬
‫فكان سه ُوه صلى هللا علي‪2‬ه وس‪2‬لم فى هللا ‪ ،‬وليس س‪2‬ه ُوه عن هللا ‪ ،‬س‪2‬ه ُوه فى‬
‫هللا لما يراه فى صالته ويطالعه من المشاهدات العلية التى من أجلها ق‪22‬ال ‪( :‬جُعلت‬
‫قُرَّة عينى فى الصالة ) ‪0‬‬
‫‪ ،‬يقول اإلمام أبو العزائم‬ ‫وفى قوله تعالى ‪  :‬واذكر ربك إذا نسيت ‪ ‬أى إذا نسيت سواه‬
‫رضى هللا عنه ‪:‬‬

‫ب فى الـــذكر ‪ :‬يــــــا هللا‬


‫قـــل بقل ٍ‬ ‫سواه‬
‫واذكـــــــــرنه إذا نســــــيت ِ‬

‫وهذا هو عبد هللا بن عامر من خاشعى المصلين‪ ،‬قي‪22‬ل ل‪22‬ه يوم‪22‬ا‪ :‬أال تح‪22‬دثك‬
‫نفسك فى الص‪22‬الة ؟ ق‪22‬ال‪ :‬نعم ‪ُ 00‬تح‪2‬دثُنى بوق‪22‬وفى بين ي‪22‬دى ربى ومنص‪22‬رفى إلى‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪27‬‬
‫ى‬
‫نفسك ب‪2‬أمر من أم‪2‬ور ال‪2‬دنيا‪ ،‬فق‪2‬ال‪ :‬لئن تختل‪2‬ف ف َّ‬
‫إحدى الدارين‪ ،‬قيل‪ :‬أال تحدثك ُ‬
‫ى من أن تحدثنى نفسى بشىء مما تقولون ‪0‬‬
‫أسَّنة الرماح أحب إل َّ‬
‫ِ‬
‫وكان إذا قام إلى الصالة قامت بناته يضربن بالدف ‪ ،‬وأخذ النساء فى بيت‪22‬ه يتح‪22‬دثن‬
‫فيما يتحدثن فيه وهو فى صالته ال يدرى وال يعقل ما هم فيه ‪0‬‬
‫هذا هو حالهم فى الصالة الذى تجملت به بواطنهم‪ ،‬واس‪22‬تنارت ب‪22‬ه قل‪22‬وبهم‪،‬‬
‫فكان للصالة ثمرتها من معانى القرب من هللا ع‪22‬ز وج‪22‬ل‪ ،‬ال‪22‬تى ق‪22‬ال هللا تع‪22‬الى فيها‬
‫لنبيه صلى هللا عليه وسلم فى أول سورة ُأنزلت عليه ‪ ‬واسجد واقترب ‪‬‬
‫وقد روى أنها لما نزلت خ َّر صلى هللا عليه وسلم هلل تعالى ساجدا ثم تال فى‬
‫سجوده هذا الدعاء‪ ( :‬اللهم إنى أعوذ بمعافاتك من عقوبتك‪ ،‬وبرضاك من سخطك‪،‬‬
‫وبك منك‪ ،‬ال ُأحصى ثناءا عليك أنت كما أثنيت على نفسك ) ‪0‬‬
‫ولهذا الدعاء أسراره الخفية فى مشاهد التوحيد‪ ،‬فه‪22‬و ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‬
‫يشهد فى أول منزل الوحى ‪ ،‬فى أول بعثته الشريفة صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم ف‪22‬وق م‪22‬ا‬
‫يشهده األنبياء فى نهاية مقام‪22‬اتهم ‪ ،‬فق‪22‬د جم‪22‬ع فى ه‪22‬ذا ال‪22‬دعاء بين توحي‪22‬د األفع‪22‬ال‪:‬‬
‫فالمعافاة والعقوبة من هللا سبحانه ( أعوذ بمعافاتك من عقوبتك ) ‪ ،‬كذلك جم‪22‬ع في‪22‬ه‬
‫بين توحي‪22‬د الص‪22‬فات ‪ :‬فالرض‪22‬ا والس‪22‬خط من‪22‬ه س‪22‬بحانه فق‪22‬ال ‪( :‬وبرض‪22‬اك من‬
‫سخطك) ‪ ،‬وبين توحـــيد الـذات فى قوله ‪ ( :‬وبك من‪22‬ك ال أحص‪22‬ى ثن‪22‬اءا علي‪22‬ك ) ‪،‬‬
‫وفى قوله ‪ ( :‬ال ُأحصى ثناءا عليك ) شهود على نف ِسه بالعجز فى مقام العبودي‪22‬ة هلل‬
‫عز وجل ‪ ( ،‬أنت كما أث‪22‬نيتَ على ِ‬
‫نفس ‪2‬ك ) وفى ه‪22‬ذا كم‪22‬ال األدب م‪22‬ع هللا تع‪22‬الى ‪،‬‬
‫فسبحان من ال يعرف قدره إال هو ‪0‬‬
‫وفى قوله تع‪22‬الى ‪  :‬واس‪2‬جد واق‪22‬ترب ‪ ‬فيه‪2‬ا لك‪22‬ل أه‪2‬ل مق‪22‬ام مش‪2‬اهدات فى‬
‫القُرب من هللا عز وجل كلٌّ حسب مقامه ‪ ،‬يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه‪:‬‬
‫‪ -‬منهم من يشهد الجبروت األعلى فى سجوده وهم ال ُمقرَّبون من المحبوبين ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪28‬‬
‫‪ -‬ومنهم من يش‪22‬هد ملك‪22‬وت الع‪22‬زة فيس‪22‬جد على ال‪22‬ثرى األس‪22‬فل عن‪22‬د وص‪22‬ف من‬
‫أوصاف القادر األجل وهم الخائفون من العابدين ‪0‬‬
‫‪ -‬ومنهم من يس‪22‬وح بقلب‪22‬ه فى ملك‪22‬وت الس‪22‬ماوات واألرض فيش‪22‬هد طرائ‪22‬ف الفوائ‪22‬د‬
‫ويؤوب بغرائب الزوائد وهم الصادقون من الطالبين ‪ 0‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪  :‬هم درج‪22‬ات‬
‫عند هللا ‪ 0‬‬
‫وق‪22‬د ر ُِوى أنهم يُبعث‪22‬ون ي‪22‬وم القيام‪22‬ة على ق‪22‬در من‪22‬ازلهم فى الص‪22‬الة‪ ،‬فت‪22‬أتى‬
‫ال ُزم‪22‬رة األولى ووج‪22‬وههم كأنه‪22‬ا الك‪22‬وكب ال ‪ُّ 2‬درِّ ى‪ ،‬فتق‪22‬ول لهم المالئك‪22‬ة‪ :‬من أنتم ؟‬
‫فيقولون‪ :‬نحن المصلين من أمة محمد صلى هللا عليه وس‪22‬لم‪ ،‬فتق‪22‬ول المالئك‪22‬ة‪ :‬وم‪22‬ا‬
‫كانت صالتكم ؟ فيقولون‪ :‬كنا إذا سمعنا اآلذان قمنا إلى الطه‪22‬ارة‪ ،‬فتق‪22‬ول المالئك‪22‬ة‪:‬‬
‫يحق لكم هذا ‪0‬‬
‫ثم ت‪22‬أتى الطبق‪22‬ة الثاني‪22‬ة وج‪22‬وههم كأنه‪22‬ا األقم‪22‬ار‪ ،‬فتق‪22‬ول لهم المالئك‪22‬ة‪ :‬أنتم‬
‫أحسن وجوها وأشد وض‪22‬اءة‪ ،‬من أنتم ؟ ‪ ،‬فيقول‪22‬ون نحن المص‪22‬لين من أم‪22‬ة محم‪22‬د‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬وما كانت صالتكم ؟ ‪ ،‬فيقولون‪ :‬كنا نتوضأ للص‪22‬الة قب‪22‬ل دخ‪22‬ول وقته‪22‬ا ثم‬
‫تأتى الطبقة الثالثة وجوههم كأنها الشمس الضاحية‪ ،‬فتقول لهم المالئكة‪ :‬أنتم أحسن‬
‫وجوها وأعلى مقاما‪ ،‬من أنتم ؟ ‪ ،‬فيقولون‪ :‬نحن المصلين‪ 2‬من أمة محم‪22‬د‪ ،‬فيقول‪22‬ون‬
‫وما كانت صالتكم‪ ،‬فيقول‪22‬ون‪ :‬كن‪22‬ا نس‪22‬مع اآلذان فى المس‪22‬جد‪ ،‬فتق‪22‬ول لهم المالئك‪22‬ة‪:‬‬
‫يحق لكم هذا ‪0‬‬
‫وهذا الحوار بين المالئكة والمصلين يحمل البشرى من المالئكة لهم بالثن‪22‬اء‬
‫عليهم في قوْ لهم ‪ :‬أنتم أحسن وجوها وأشد وضاءة ‪ ،‬وت‪22‬ارة فى ق‪22‬ولهم ‪ :‬أنتم أحس‪22‬ن‬
‫وجوها وأعلى مقاما ‪ ،‬كذلك فى هذا الحديث الشريف بيان لق‪2‬در الص‪2‬الة ومنزلته‪22‬ا‬
‫عند هللا ‪ ،‬فهى الميزان لكل طاعات العبد ‪ ،‬وهى معراج العبد إلى ال‪22‬درجات العلي‪22‬ة‬
‫والمقامات السنية ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪29‬‬
‫من أجل هذا اختارها هللا س‪22‬بحانه وتع‪22‬الى لتك‪22‬ون عب‪22‬ادة مالئكت‪22‬ه األطه‪22‬ار‪،‬‬
‫فمنهم الق‪22‬ائم فال يرك‪22‬ع إلى ي‪22‬وم القيام‪22‬ة‪ ،‬ومنهم من ص‪22‬الته رك‪22‬وع فال يرف‪22‬ع من‬
‫ركوعه إلى ي‪2‬وم القيام‪2‬ة‪ ،‬ومنهم من ص‪2‬الته س‪2‬جود فال يرف‪2‬ع من س‪2‬جوده إلى ي‪2‬وم‬
‫القيام‪22‬ة‪ ،‬ومنهم من ص‪22‬الته قع‪22‬ود فال يق‪22‬وم من قع‪22‬وده إلى ي‪22‬وم القيام‪22‬ة‪ ،‬ومنهم من‬
‫صالته التسبيح‪ ،‬ومنهم من صالته التحميد‪ ،‬ومنهم من صالته التكبير‪0‬‬
‫وقد روى أن النبى صلى هللا عليه وسلم لما كان فى ليلة اإلسراء والمعراج‪،‬‬
‫ورأى ما عليه المالئكة فى صالتهم من القيام والركوع والسجود والقعود والتس‪22‬بيح‬
‫والتحميد والتكبير هلل عز وجل‪ ،‬تمنى أن يكون ذلك ألمته‪ ،‬ف‪22‬أوحى هللا تع‪22‬الى إلي‪22‬ه‪:‬‬
‫(قد جمعت ذلك كله ألمتك ي‪22‬ا محم‪22‬د )‪ ،‬وعن‪22‬دها ق‪22‬ال الن‪22‬بى ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪:‬‬
‫(جُعلت قُرَّة ُ عينى فى الصالة ) ‪0‬‬
‫فهناك تالقى بيننا وبين المالئكة فى الصالة من هذا الوجه‪ ،‬ومن وج ‪ٍ 2‬ه آخ‪22‬ر‬
‫نرى أن هللا تعالى جعل هيأتنا فى الصالة على هيئ‪22‬ة المالئك‪22‬ة‪ ،‬فالص‪22‬الة إم‪22‬ا مث‪22‬نى‬
‫كص‪22‬الة الفج‪22‬ر‪ ،‬أو ثالث كص‪22‬الة المغ‪22‬رب‪ ،‬أو رب‪22‬اع كص‪22‬الة الظه‪22‬ر والعص‪22‬ر‬
‫والعشاء‪ ،‬وهذه هيئة المالئكة التى قال هللا تعالى فيها‪  :‬جاعل المالئكة رُسال ُأولى‬
‫أجنحة مثنى وثُالث ورُباع يزيد فى الخلق ما يشاء إن هللا على كل شىء قديرا‪0‬‬
‫وقال صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم مش‪22‬يرا إلى الرابط‪22‬ة الروحي‪22‬ة بين المص‪22‬لى فى‬
‫ص‪22‬الته وبين الع‪22‬رش العظيم‪ ،‬فيق‪22‬ول‪َّ ( :‬‬
‫إن م‪22‬ا ت‪22‬ذكرون هللا تع‪22‬الى ب‪22‬ه من التهلي‪22‬ل‬
‫ى النحل يتعاطفن حول الع‪22‬رش‬
‫والتسبيح والتحميد والتكبير والتقديس‪ ،‬له دوىٌّ كدو ِّ‬
‫يذكرن باسم ص‪22‬احبهن‪ ،‬أفال يحب أح‪22‬دكم أن يُ‪22‬ذكر باس‪22‬مه عن‪22‬د ربِّه )‪ ،‬بمع‪22‬نى‪ :‬أن‬
‫التهليل هن‪22‬ا يق‪22‬ول مناجي‪22‬ا رب‪22‬ه‪ :‬أن‪22‬ا تهلي‪22‬ل فالن‪ ،‬والتس‪22‬بيح يق‪22‬ول أن‪22‬ا تس‪22‬بيح فالن‪،‬‬
‫والتحميد يقول أن‪2‬ا تحمي‪2‬د فالن‪ ،‬وهك‪22‬ذا ‪ 00‬ف‪2‬إن ِذك‪2‬ر هللا تع‪2‬الى ه‪22‬و روح الص‪22‬الة‬
‫لقوله سبحانه‪  :‬ولَ ِذكر هللا أكبر ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪30‬‬
‫كذلك لما اختار هللا الصالة لتكون عبادة المالئك‪22‬ة األطه‪22‬ار‪ ،‬اختاره‪22‬ا ك‪22‬ذلك‬
‫ألهل معية نبيِّه صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقال تعالى ُمبيِّن‪22‬ا أوص‪22‬افهم‪  :‬محم ‪ٌ 2‬د رس‪22‬ول‬
‫هللا والذين معه أش َّداء على الكفار رُحماء بينهم تراهم ُر َّكعًا ُسجَّدا يبتغون فضال من‬
‫ورض‪2‬وانا س‪22‬يماهم فى وج‪22‬وههم من أث‪2‬ر الس‪22‬جود ‪  0‬ب‪2‬ل إن هللا تع‪2‬الى يُب‪22‬اهى‬
‫هللا ِ‬
‫بص‪22‬التنا مالئكتَ‪22‬ه‪ ،‬ففى الخ‪22‬بر أن المص‪22‬لى‪ 2‬إذا ص‪22‬لى ركع‪22‬تين َع ِجب من‪22‬ه عش‪22‬رة‬
‫صفوف من المالئكة‪ ،‬كل صف منهم عشرة آالف‪ ،‬وباهى هللا تع‪22‬الى ب‪22‬ه مائ‪22‬ة أل‪22‬ف‬
‫ملك ‪0‬‬
‫والحكمة من ذلك‪ ،‬أن العبد قد جمع فى صالته أرك‪22‬ان الص‪22‬الة األربع‪22‬ة من‬
‫قيام وركوع وسجود وقعود‪ ،‬ثم جمع أركان الصالة الستة فى األقوال وهى‪ :‬التكبير‬
‫والتالوة والحمد والثناء واالس‪22‬تغفار وال‪22‬دعاء والص‪22‬الة على الن‪22‬بى ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه‬
‫وسلم‪ ،‬أما ال َملك فله ركن واحد‪ ،‬من هنا تتعجب المالئك‪22‬ة له‪22‬ذا الفض‪22‬ل ال‪22‬ذى خص‬
‫هللا به أمة خير األنام سيدنا محمد صلى هللا عليه وسلم ‪0‬‬
‫كذلك فإن‪22‬ه من الج‪22‬دير بال‪22‬ذكر فى ه‪22‬ذا المق‪22‬ام‪ ،‬أن المالئك‪22‬ة فى ص‪22‬التهم ال‬
‫يرتق‪22‬ون من مق‪22‬ام إلى مق‪22‬ام‪ ،‬فك‪22‬لٌّ فى مقام‪22‬ه ق‪22‬ائم هلل على م‪22‬ا ه‪22‬و علي‪22‬ه من العب‪22‬ادة‬
‫والذكر والتسبيح ال يتجاوزه إلى المقام األعلى لقوله تع‪22‬الى‪  :‬وم‪22‬ا ِمنَّا إال ل‪22‬ه مق‪22‬ام‬
‫معلوم ‪ ‬أما المصلون الذين وصفهم هللا تعالى بقول‪22‬ه فى مق‪22‬ام الثن‪22‬اء والم‪22‬دح‪  :‬ق‪22‬د‬
‫أفلح المؤمنون الذين هم فى صالتهم خاشعون ‪ ، ‬هؤالء ال يقفون فى صالتهم عند‬
‫درجة من الدرجات ‪ ،‬أو مقام من المقامات ‪ ،‬بل إن الص‪2‬الة هى مع‪2‬راج قُ‪2‬ربهم من‬
‫ربِّهم ‪ ،‬قُربا يبلغون به الفردوس األعلى لقوله تع‪22‬الى‪  :‬أولئ‪22‬ك هم الوارث‪22‬ون ال‪22‬ذين‬
‫يرثون الفردوس‪ 2‬هم فيها خالدون ‪ ، ‬وفى قوله ‪  :‬الوارث‪22‬ون ‪ ‬إش‪22‬ارة إلى أن ه‪22‬ذه‬
‫المنزل‪22‬ة العلي‪22‬ة إنم‪22‬ا نالوه‪22‬ا بفض‪22‬ل هللا تع‪22‬الى ورحمت‪22‬ه ‪ ،‬ألن الم‪22‬يراث دائم‪22‬ا ي‪22‬أتى‬
‫بالفضل ‪ ،‬فإن هللا تعالى تفضل عليهم فأمرهم بالصالة ‪ ،‬ثم تفض‪22‬ل عليهم بقبوله‪22‬ا ‪،‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪31‬‬
‫ثم تفضل عليهم بالجزاء عليه‪22‬ا ‪ ،‬فهى من ب‪22‬دايتها إلى نهايته‪22‬ا فض‪22‬ل هللا ال‪22‬ذى ق‪22‬ال‬
‫فيه‪  :‬ذلك فضل هللا يؤتيه من يشاء وهللا ذو الفضل العظيم ‪ 0‬‬
‫وقد شهد هللا تعالى للمصلين بأنهم أهل الش‪2‬فاعة عن‪2‬د هللا‪ ،‬ق‪2‬ال تع‪2‬الى‪  :‬ال يملك‪2‬ون‬
‫الشفاعة إال من اتخذ عند الرحمن عهدا ‪ ‬والعهد هنا هو الصالة‪.‬‬
‫وعن بن مسعود وسلمان رضى هللا عنهم‪22‬ا ‪:‬الص‪22‬الة مكي‪22‬ال ‪ ،‬من وفَّى ُوفِ َى‬
‫له ‪ ،‬ومن طفَّف فقد علمتم ما ق‪22‬ال هللا تع‪22‬الى فى المطففين ‪ ،‬وفى الخ‪22‬بر ‪ :‬إذا ص‪22‬لى‬
‫العبد فى مأل فأحسن ‪ ،‬وأساء فى صالته فى الخالء ‪ ،‬فتلك إستهانه يستهين بها ربَّه‬
‫عز وجل ‪ ،‬وإذا أحسن العبد صالته فى العالنية وأحسنها فى السر ‪ ،‬قال هللا تع‪22‬الى‬
‫لمالئكته ‪ :‬هذا عبدى حقا ‪0‬‬
‫فالصالة هى مظه‪22‬ر العبودي‪22‬ة الحق‪2‬ة هلل ع‪2‬ز وج‪22‬ل ‪ ،‬ففى التكب‪2‬ير فن‪2‬اء عم‪22‬ا‬
‫سوى هللا ‪ ،‬وفى التوجه إقبال على هللا باليقين والصدق ‪ ،‬وإخالص النية هلل وإف‪22‬راده‬
‫وحده بالقصد دون سواه ‪ ،‬وفى القيام امتثال ألمر هللا تعالى ‪ ،‬وفى الركوع خضوع‬
‫واستسالم ‪ ،‬وفى السجود فناء يرفع العبد إلى مقام التقريب بعد التقرب هلل عز وجل‬
‫‪ ،‬وفى القع‪22‬ود اإلخب‪22‬ات ب‪22‬القلب والج‪22‬وارح هلل رب الع‪22‬المين وق‪22‬د أش‪22‬ار اإلم‪22‬ام أب‪22‬و‬
‫العزائم رضى هللا عنه إلى صورة العبد فى ص‪22‬الته ظ‪22‬اهرا ‪ ،‬فإنم‪22‬ا هى على هيئ‪22‬ة‬
‫العوالم المحيطة به فى كل عا ٍل ودان ‪ ،‬فالمص‪22‬لى فى ص‪22‬الته وه‪22‬و ق‪22‬ائم يك‪22‬ون فى‬
‫هيئة حملة العرش ‪ ،‬وفى ركوعه كهيئة الحيوان ‪ ،‬وفى سجوده كهيئة النبات ‪ ،‬وفى‬
‫قعوده كهيئة الجبال ‪ ،‬وفى سالمه على اليمين واليسار كهيئة الكواكب السيارة ‪.‬‬
‫يقول اإلمام على كرم هللا وجهه ‪:‬‬
‫وداؤك فـيـــك ومــــــا تـشــعـــــر‬ ‫دواؤك فـيــك ومـــــا تـبــصــــــر‬
‫وفـيك انطـــــــوى العــــالم األكبر‬ ‫رم صــــغير‬
‫وتحــســـــب أنك ُجــ ٌ‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪32‬‬
‫فاإلنسان الموقن كونٌ فى هذا الكون‪ ،‬وعالَم جمع هللا في‪22‬ه ك‪22‬ل الع‪22‬والم‪ ،‬ومن‬
‫هن‪22‬ا ك‪22‬ان اجتب‪22‬اء هللا ل‪22‬ه واص‪22‬طفاؤه من بين س‪22‬ائر الع‪22‬والم‪ ،‬فه‪22‬و ال‪22‬ذى تُ‪ِّ 2‬وج بت‪22‬اج‬
‫الخالفة‪ ،‬وهو الذى حمل األمانة‪ ،‬وه‪22‬و ال‪22‬ذى علَّم‪22‬ه هللا األس‪22‬ماء كله‪22‬ا‪ ،‬وه‪22‬و ال‪22‬ذى‬
‫أسجد هللا له مالئكته‪0‬‬
‫وفى هذا يقول اإلمام أبو العزائم رض‪22‬ى هللا عنه‪ :‬أن س‪22‬جود المالئك‪22‬ة آلدم‬
‫عليه السالم لم يكن سجود عباده إذ العبادة هلل وحده‪ ،‬وإنما ك‪2‬ان س‪2‬جود خدم‪2‬ة‪ ،‬ف‪2‬إن‬
‫المصلين من المالئكة يُسمون عند هللا تعالى ُخ َّدام الرحمن‪ ،‬وهم فى ه‪22‬ذا يفتخ‪22‬رون‬
‫على المرسلين من المالئكة‪ ،‬فكان السجود هن‪2‬ا يش‪2‬ير إلى مع‪2‬نى التعظيم هلل تع‪2‬الى‪،‬‬
‫الذى خلق اإلنسان فى أحسن التقويم على غير مثال سبق‪ ،‬فآدم عليه السالم بالنس‪22‬بة‬
‫للمالئكة بمثابة الكعبة والمحراب الذى يتوجه إليه العبد فى صالته‪ ،‬فالمالئكة تشهد‬
‫جمال هللا تعالى فيه‪ ،‬فهو سبحانه الذى خل‪22‬ق آدم وس ‪َّ 2‬واه ونفخ في‪22‬ه من روح قدس‪22‬ه‪،‬‬
‫وأقامه بعد ذلك أستاذا على المالئكة لقوله تعالى‪  :‬قلنا يا آدم أن‪22‬بئهم بأس‪22‬مائهم فلم‪22‬ا‬
‫أنبأهم باسمائهم قال ألم أقل لكم إنى أعلم غيب السماوات واألرض وأعلم ما تب‪22‬دون‬
‫وما كنتم تكتمون ‪0‬‬
‫ولما كان اإلنسان األول قد نال هذه المكانة العلية بفضل هللا تعالى ورحمته‪،‬‬
‫فهو العبد الذى صاغه هللا تعالى بيديه‪ ،‬اقتضت حكمة الحكيم سبحانه أن يكون العبد‬
‫موصوال بربه على الدوام ح‪22‬تى تتم ل‪22‬ه النعم‪22‬ة‪ ،‬فاخت‪22‬ار الح‪22‬ق س‪22‬بحانه وتع‪22‬الى لن‪22‬ا‬
‫الصالة لتكون مظهر لعبودية العبد لربه‪ ،‬قال صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪( :‬إنم‪22‬ا الص‪22‬الة‬
‫تمس ُكن وتواضع وتضرع ُّ‬
‫وتأوه وتنادم وتضع يديك فتق‪22‬ول اللهم اللهم فمن لم يفع‪22‬ل‬
‫فهى ِخداج ) ومعنى خداج أى ناقصة غير كاملة ‪0‬‬
‫فالمصلى فى صالته يلبس حلة المسكنة‪ ،‬فيكون مثله كمثل مسكين ذا متربة‬
‫التصق بكلِّه بالتراب‪ ،‬فهو فى قيامه وركوعه وسجوده وقعوده بين ي‪22‬دى ربِّه كحب‪22‬ة‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪33‬‬
‫أنبتها هللا من األرض نباتا‪ ،‬واإليمان فى قلبه حب‪22‬ة‪ ،‬فحين تلتص‪22‬ق جبهت‪22‬ه ب‪22‬األرض‬
‫فكرا وشهودا بأصلها ومنشأها وهو التراب‪ ،‬أنبتت وآتت ُأكلها ك َّل حي ٍن بإذن ربِّه‪2‬ا‪،‬‬
‫والحبة إذ لم تلتصق بالتراب تذروها الرياح‪ ،‬وإذا التصقت و ُدفنت في‪22‬ه أنبتت وآتت‬
‫ثمارها‪ ،‬وهكذا المؤمن ال يتجاوز رتبته‪ ،‬فهو حاض‪2‬ر م‪2‬ع هللا بمعرفت‪22‬ه لنفس‪22‬ه ( من‬
‫عرف نفسه فقد عرف ربّه )‪ ،‬والصالة هى ال ُمذ ِّكر له بهذه المعانى‪ ،‬ول‪22‬ذلك س ‪َّ 2‬ماها‬
‫هللا تعالى ِذك‪22‬ر فى قول‪22‬ه تع‪22‬الى‪  :‬ي‪22‬ا أيه‪22‬ا ال‪22‬ذين آمن‪22‬وا إذا ن‪22‬ودى للص‪22‬الة من ي‪22‬وم‬
‫الجمعة فاسعوا إلى ِذكر هللا ‪ ‬أى إلى الصالة ‪0‬‬
‫فالص‪22‬الة روح العب‪22‬ادات‪ ،‬وال‪22‬ذكر روح الص‪22‬الة‪ ،‬والص‪22‬الة ن‪22‬ور وال‪22‬ذكر‬
‫نورها‪ ،‬فكان الذكر بالنسبة لسائر العبادات هو روح الروح ونور الن‪22‬ور‪ ،‬وفى ه‪22‬ذا‬
‫إشارة لقوله تعالى‪  :‬ولَ ِذك ُر هللاِ أك‪22‬بر ‪ ،‬أى أن الص‪22‬الة ال‪22‬تى يك‪22‬ثر العب‪22‬د فيه‪22‬ا من‬
‫ذكر هللا أكبر من الصالة الخالية من الذكر‪0‬‬
‫كذلك ذِكر هللا تعالى للعبد فى صالته أكبرمن ذكر العب‪22‬د هلل‪ ،‬ألن هللا تع‪22‬الى‬
‫إذا ذكر عب‪2‬ده ك‪2‬ان ذل‪2‬ك ال‪2‬ذكر ه‪2‬و ن‪2‬ور هللا الواص‪2‬ل لعب‪2‬ده ‪ ،‬ومحب‪2‬ة هللا الواص‪2‬لة‬
‫لعبده ‪ ،‬وجمال هللا الذى يُج ِّمل ب‪22‬ه عب‪22‬ده‪ ،‬فيخ‪22‬رج المص‪22‬لى بع‪22‬د أدائ‪22‬ه للص‪22‬الة وق‪22‬د‬
‫اكتسى بحلة المحبوبية من هللا وهى حلة نورانية جمالية ‪ ،‬قال تعالى ‪  :‬سيماهم فى‬
‫وجوههم من أثر الس‪22‬جود‪ ،‬وق‪22‬د خص الس‪22‬جود بال‪22‬ذكر من بين س‪22‬ائر األرك‪22‬ان فى‬
‫الصالة ‪،‬ألن السجود هو بساط القرب من حضرة الرب ‪ ،‬قال صلى هللا عليه وس‪22‬لم‬
‫‪ ( :‬أق‪22‬رب م‪22‬ا يك‪22‬ون العب‪22‬د من ربِّه فى الص‪22‬الة وه‪22‬و س‪22‬اجد ف‪22‬أكثروا من ال‪22‬دعاء)‬
‫والدعاء كما ورد عنه صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬مخ العب‪22‬ادة ) أى ال ق‪22‬وام للعب‪22‬ادة إال‬
‫ب‪22‬ه ‪ ،‬ب‪22‬ل إن الص‪22‬الة لغ‪22‬ة بمع‪22‬نى ال‪22‬دعاء ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪  :‬تتج‪22‬افى جن‪22‬وبهم عن‬
‫المض‪22‬اجع ي‪22‬دعون ربَّهم خوف‪22‬ا وطمع‪22‬ا ‪ ، ‬فقي‪22‬امهم هلل تع‪22‬الى فى ليلهم دع‪22‬اء وتبتُّل‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪34‬‬
‫وضراعة كما قال صلى هللا عليه وسلم فى وصف الص‪22‬الة ‪ ( :‬وتض‪22‬ع ي‪22‬ديك تق‪22‬ول‬
‫اللهم اللهم ‪0 )0000‬‬
‫ويبقى بع‪22‬د ال‪22‬دعاء إجاب‪22‬ة ال‪22‬دعاء من هللا ع‪22‬ز وج‪22‬ل‪ ،‬وقب‪22‬ول الص‪22‬الة من‪22‬ه‬
‫سبحانه‪ ،‬فمتى يُجاب الدعاء ؟ ومتى تُرفع الصالة إلى هللا عز وج‪22‬ل ؟ ‪ ،‬ك‪22‬ل ذل‪22‬ك ـ‬
‫الصالة والدعاء ـ ال يرفع وال تفتح له أبواب القب‪22‬ول من هللا ع‪22‬ز وج‪22‬ل إال بالص‪22‬الة‬
‫على النبى صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وهذه هى الحكمة من أن الصالة ُختمت فى التشهد‬
‫األخير بالص‪22‬الة علي‪22‬ه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪ ،‬ح‪22‬تى ترف‪22‬ع وتُع‪22‬رج إلى هللا بيض‪22‬اء‬
‫ُمسفرة تقول حفظك هللا كما حفظتنى‪ ،‬ومن هنا قال سيدنا عمر بن الخط‪22‬اب رض‪22‬ى‬
‫هللا عن‪22‬ه‪ :‬إن ال‪22‬دعاء والص‪22‬الة‪ُ 2‬معلَّق بين الس‪22‬ماء واألرض‪ ،‬فال يص‪22‬عد إلى هللا من‪22‬ه‬
‫شىء حتى يُصلى على النبى صلى هللا عليه وسلم ‪0‬‬
‫فالص‪22‬الة هى مالذ العب‪22‬د ال‪22‬تى يل‪22‬وذ فيه‪22‬ا بربِّه‪ ،‬وهى مفت‪22‬اح الرحم‪22‬ة وب‪22‬اب‬
‫القرب إلى هللا عز وجل ‪ ،‬لذلك كان صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم إذا حزب‪22‬ه أم‪22‬ر ف‪22‬زع إلى‬
‫الصالة ‪ ،‬ودعا إلى هللا تعالى بدعائه المأثور عنه صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬ال إله إال‬
‫هللا الحليم العظيم ‪ ،‬ال إله إال هللا رب العرش الك‪22‬ريم ‪ ،‬ال إل‪22‬ه إال هللا رب الس‪22‬ماوات‬
‫ورب األرض رب العرش العظيم ) ‪0‬‬
‫ولما كان الدعاء مخ العبادة وقوام الصالة‪ ،‬ه‪22‬ذا إذا تح‪22‬رك القلب اض‪2‬طرارا‬
‫وافتقارا قبل أن يتحرك به اللسان مقاال‪ ،‬نرى أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قد‬
‫سن لنا السنة الحسنة الدالة على كمال العبودية بين يدى هللا عز وجل فعند الرك‪22‬وع‬
‫نقول ـ تأسِّيا به صلى هللا عليه وسلم ـ وبعد التسبيح ثالث‪22‬ا‪ ( :‬اللهم ل‪22‬ك ركعت‪ ،‬ول‪22‬ك‬
‫خش‪22‬عت‪ ،‬وب‪22‬ك آمنت ‪ ،‬ول‪22‬ك أس‪22‬لمت ‪ ،‬أنت ربى ‪ ،‬خش‪22‬ع س‪22‬معى وبص‪22‬رى ومخى‬
‫وعصبى وما استقلت به قدمى هلل رب العالمين ) ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪35‬‬
‫وعن‪22‬د الرف‪22‬ع من الرك‪22‬وع نق‪22‬ول ‪ ( :‬ربن‪22‬ا ل‪22‬ك الحم‪22‬د ملء الس‪22‬ماوات وملء‬
‫األرض وملء ما بينهما وملء ما شئت من شىء بعد ‪ ،‬أهل الثناء والمجد ‪ ،‬حق م‪22‬ا‬
‫قاله العبد وكلنا لك عبد ‪ ،‬اللهم ال مانع لما أعطيت وال معطى لما منعت ‪ ،‬وال ينف‪22‬ع‬
‫ذا الجد منك الجد ) ‪0‬‬
‫وعند الس‪22‬جود وبع‪22‬د التس‪22‬بيح ثالث‪22‬ا‪ ( :‬اللهم ل‪22‬ك س‪22‬جدت‪ ،‬وب‪22‬ك آمنت‪ ،‬ول‪22‬ك‬
‫أسلمت‪ ،‬سجد وجهى للذى خلقه وشق سمعه وبص‪22‬ره فتب‪22‬ارك هللا أحس‪22‬ن الخ‪22‬القين‪،‬‬
‫ى وأب‪22‬وء ل‪22‬ك‬
‫اللهم لك سجد سوادى وخيالى وآمن بك ف‪22‬ؤادى‪ ،‬أب‪22‬وء ل‪22‬ك بنعمت‪22‬ك عل َّ‬
‫بذنبى وهذا ما جنيت على نفسى ‪ ،‬فاغفر لى فإنه ال يغفر الذنوب إال أنت)‪0‬‬
‫وعن‪22‬د الرف‪22‬ع من الس‪22‬جود‪ ( :‬اللهم اغف‪22‬ر لى وارزق‪22‬نى واه‪22‬دنى واج‪22‬برنى وع‪22‬افنى‬
‫واعف عنى ) ‪0‬‬
‫وقب‪22‬ل الس‪22‬الم على اليمين وعلى اليس‪22‬ار‪ ( :‬اللهم اغف‪22‬ر لى خطيئ‪22‬تى وجهلى‬
‫وإسرافى فى أمرى وما أنت أعلم به منى‪ ،‬اللهم اغفر لى ج‪22‬دى وه‪22‬زلى وخطيئ‪22‬تى‬
‫وعمدى وكل ذلك عندى‪ ،‬اللهم اغفر لى ما ق‪22‬دمت وم‪22‬ا أخ‪22‬رت‪ ،‬وم ‪2‬ا أس‪22‬ررت وما‬
‫أعــلنت‪ ،‬أنت ال ُمق‪2‬دم وأنت الم‪2‬ؤخر‪ ،‬الأل‪2‬ه إال أنت وأنت على ك‪2‬ل ش‪2‬ىء ق‪2‬دير ) ــ‬
‫ُ‬
‫ظلمت نفسى ظلما كبيرا وال يغفر ال‪22‬ذنوب إال أنت ف‪22‬اغفر لى مغف‪22‬رة من‬ ‫(اللهم إنى‬
‫عندك وارحمنى إنك أنت الغفور الرحيم ) ‪0‬‬
‫كما سن لنا صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم بع‪22‬د الص‪22‬الة‪ :‬االس‪22‬تغفار ثالث‪22‬ا‪ ،‬وال‪22‬دعاء‪،‬‬
‫حيث قال لسيدنا معاذ بن جبل رضى هللا عنه‪ ( :‬إنى أحب‪22‬ك‪ ،‬ف‪22‬إذا ص‪22‬لَّيت المكتوب‪22‬ة‬
‫فقل عقب كل صالة ‪ :‬اللهم إعنا على ذِكرك وشكرك وحُسن عبادتك ) ‪0‬‬
‫ولقد سُئل صلى هللا علي‪2‬ه وس‪2‬لم أى ال‪2‬دعاء أس‪2‬مع ؟ ‪ ،‬فق‪2‬ال‪ ( :‬م‪2‬ا ك‪22‬ان بع‪2‬د‬
‫الفريضة) ‪ ،‬وسأله آخر ‪ :‬أى الدعاء أسمع ؟ فقال‪ ( :‬ما كان فى جوف الليل الغابر)‬
‫وقال صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬أقرب ما يكون العبد من ربِّه وهو ساجد )‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪36‬‬
‫كذلك بعد الفراغ من صالة الضحى سن لنا صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم أن نق‪22‬ول‪:‬‬
‫(اللهم إن الضحاء ضحاؤك والبهاء بهاؤك والجم‪22‬ال جمال‪22‬ك والق‪22‬وة قوت‪22‬ك والق‪22‬درة‬
‫قُدرتك‪ ،‬اللهم إن كان رزقنا فى السماء فأنزل‪2‬ه وإن ك‪22‬ان فى األرض فأخرج‪22‬ه‪ ،‬وإن‬
‫كان بعيدا فقرِّ به‪ ،‬وإن كان معسَّرا فيسِّره وإن كان محرم‪22‬ا فطه‪22‬ره‪ ،‬بح‪22‬ق ض‪22‬حائك‬
‫وبهائ‪22‬ك وجمال‪22‬ك وقوت‪22‬ك وق‪22‬درنك‪ ،‬آت‪22‬نى م‪22‬ا آتيت عب‪22‬ادك الص‪22‬الحين ‪00‬ي‪22‬ارب‬
‫العالمين) ثم تختم بالصالة عليه صلى هللا عليه وسلم ‪0‬‬
‫والدعاء المأثور عنه صلى هللا عليه وسلم كث‪22‬ير‪ ،‬نس‪22‬أل هللا س‪22‬بحانه وتع‪22‬الى‬
‫ب مطمئن م‪22‬وقن باإلجاب‪22‬ة من‪22‬ه س‪22‬بحانه‪ ،‬كم‪22‬ا‬
‫حُسن اإلقبال عليه بحال صادق‪ ،‬وبقل ٍ‬
‫نسأله جميل القبول منه الذى يبلِغنا حبه ورضاه‪ ،‬كما ورد عن النبى صلى هللا علي‪22‬ه‬
‫‪2‬يى ك‪22‬ريم‪ ،‬يس‪22‬تحى من عب‪22‬ده إذا رف‪22‬ع يدي‪22‬ه إلي‪22‬ه أن‬
‫وسلم حين يق‪22‬ول‪ ( :‬إن ربَكم ح‪ِ 2‬‬
‫يردهما صفرا‪ ،‬فادعو هللا وأنتم موقنون باإلجابة‪ ،‬وإعلموا أن هللا تعالى ال يستجيب‬
‫دعاء من قلبٍ غافل ) ‪0‬‬
‫ب خ‪22‬الص‪ ،‬ه‪22‬و‬
‫فالحضور م‪22‬ع هللا فى ص‪22‬التك ودعائ‪22‬ك بتوج‪22‬ه ص‪22‬ادق وقل ٍ‬
‫الباب الذى من‪2‬ه يك‪2‬ون ال‪2‬دخول على هللا‪ ،‬والمع‪2‬راج ال‪2‬ذى تن‪2‬ال ب‪2‬ه المن‪2‬ازل العلي‪2‬ة‬
‫والدرجات السنيَة‪ ،‬قال تعالى‪  :‬ولكلٍّ درجات مما عملوا ‪ ،‬وقال س‪22‬بحانه‪ :‬ال‪22‬ذين‬
‫يُقيمون الصالة ومم‪22‬ا رزقن‪22‬اهم يُنفق‪22‬ون ُأولئك هم المؤمن‪22‬ون حق‪22‬ا لهم درج‪22‬ات عن‪22‬د‬
‫ربهم ومغفرة ورزق كريم ‪ 0‬‬
‫والمؤمن كلما ازداد هلل قربا كلما ازداد من هللا حب‪22‬ا ‪ ،‬وم‪22‬تى أحب‪22‬ه هللا رفع‪22‬ه‬
‫وقرَّبه وأشهده وأدخلَ‪22‬ه ِحص‪22‬نه الحص‪22‬ين فى دائ‪22‬رة ‪ ‬يثبِّت هللا ال‪22‬ذين آمن‪22‬وا ب‪22‬القول‬
‫الثابت فى الحياة الدنيا واآلخرة ‪ 0‬‬
‫والتث‪22‬بيت ه‪22‬و من‪22‬ازل أه‪22‬ل التمكين‪ ،‬ال‪22‬ذين ال تلتفت قل‪22‬وبُهم عن هللا لفت‪22‬ة واح‪22‬دة‪ ،‬إذ‬
‫اإللتفات عندهم حجاب والحجاب نار أشد على قلوبهم من نار اآلخرة ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪37‬‬
‫يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه‪ :‬من التفت لفتة الفتتن ‪0‬‬
‫ويقول رضى هللا عنه‪:‬‬
‫من فوق نار الغضا سيْرى لمنــان‬ ‫فى لفتتى ِحجبتى والحَجـــب لـظى‬

‫فأهل المعرفة طهُ‪2‬رت قل‪2‬وبُهم ب‪2‬اليقين الح‪2‬ق ح‪2‬تى ص‪2‬ارت ودائ‪2‬ع م‪2‬دد هللا‪,‬‬
‫وخ‪22‬زائن أس‪22‬راره‪ ،‬إلي‪22‬ه يرجع‪22‬ون‪ ،‬وب‪22‬ه يهيم‪22‬ون‪ ،‬وعلي‪22‬ه يتوكل‪22‬ون‪ ،‬وإلى غ‪22‬يره ال‬
‫يلتفت‪22‬ون‪ ،‬هم أه‪22‬ل مق‪22‬ام ‪ ‬ق‪22‬ل هللا ثم ذرهم فى خوض‪22‬هم يلعب‪22‬ون ‪ ،‬هم أه‪22‬ل المق‪22‬ام‬
‫ال ُع َمرى الذى قال فيه الن‪22‬بى ص‪2‬لى هللا علي‪2‬ه وس‪2‬لم‪ ( :‬م‪2‬ا س‪2‬لك عم‪2‬ر ف ًّج‪2‬ا إال س‪2‬لك‬
‫الشيطان ف ًّجا غير الذى سلكه عمر)‪ ،‬يِئس الشيطان أن يُعبد فى أرضهم‪ ،‬ألنهم على‬
‫ق‪22‬دم الص‪22‬دق فى إقب‪22‬الهم على ربِّهم‪ ،‬فى حص‪22‬ون أمن‪22‬ه ال‪22‬تى ق‪22‬ال تع‪22‬الى فيه‪22‬ا‪ :‬إن‬
‫عبادى ليس لك عليهم سلطان ‪ ،‬وم‪22‬ا ن‪22‬ال ه‪22‬ؤالء مق‪22‬ام العبودي‪22‬ة الخالص‪22‬ة هلل ع‪22‬ز‬
‫وجل إال بدوام إقبالهم عليه بالصالة والدعاء‪ ،‬قال تعالى‪  :‬وإذا سألك عبادى ع‪22‬نى‬
‫فإنى قريب ُأجيب دعوة الداع إذا دع‪22‬ان ‪ ،‬فم‪22‬ا بال‪22‬ك بمن حال‪22‬ه االض‪22‬طرار دوام‪22‬ا‬
‫وأبدا إلى هللا‪ ،‬يقوم حيث أقامه هللا فى محاب‪22‬ه ومراض‪22‬يه‪ ،‬ويس‪2‬ارع فيم‪22‬ا ر َّغب‪2‬ه في‪22‬ه‬
‫ربُّه‪ ،‬إن سأله أعطاه‪ ،‬وإن دع‪22‬اه لبَّاه‪ ،‬وإن أقس‪22‬م علي‪22‬ه أب ‪2‬رَّه‪ ،‬ثم ك‪22‬انت الص‪22‬الة هى‬
‫الرائد لهم فى كل أعمالهم وأحوالهم‪ ،‬ألنه‪22‬ا العه‪22‬د ال‪22‬ذى أخ‪22‬ذه علي‪22‬ه ربُّهم‪ ،‬وب‪22‬ايعوا‬
‫عليه نبيِّهم صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬التكب‪22‬ير عن‪22‬دهم فن‪22‬اء عن األغي‪22‬ار وتنزي‪22‬ه للواح‪22‬د‬
‫القهار‪ ،‬والسجود س‪22‬جود عن النفس والطاع‪22‬ات ب‪22‬ال ُم َوفِّق له‪22‬ا س‪22‬بحانه‪ ،‬وفيهم يق‪22‬ول‬
‫اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫وأشــهـد بالـتــنزيـــه إذ أنا راكــع‬ ‫ُأحــ ِّرم فى التـكــبير مشـهـد غـيره‬
‫وأسـجد ُأخرى عن فنائى تواضــع‬ ‫وأســجـد عن نفـسى وفعلى فانيـــا‬
‫بســـبع صفاتٍ أثبتتها الشــــــرائع‬ ‫ألن سـجـــود العـبــد مــثل طوافه‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪38‬‬
‫يشير بذلك إلى قول‪22‬ه ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪ُ ( :‬أم‪22‬رت أن أس‪22‬جد على س‪22‬بعة‬
‫أعظم) أى الجبهة واليدين والركبتين والقدمين‪ ،‬كذلك الطواف ح‪22‬ول ال‪22‬بيت الح‪22‬رام‬
‫سبعة أش‪2‬واط‪ ،‬فالس‪2‬جود والط‪2‬واف هن‪2‬ا يش‪2‬ير إلى الص‪2‬فات الس‪2‬بع ال‪2‬تى ج َّمل‪2‬ك هللا‬
‫تعالى بها وهى‪ ( :‬السمع والبصر‪ 2‬والقدرة واإلرادة والحياة والعلم والكالم ) ‪ 0‬حتى‬
‫يكون طوافك هلل تعالى ذك‪2‬را‪ ،‬وس‪2‬جودك ل‪2‬ه س‪2‬بحانه ِذك‪2‬را‪ ،‬ومن ع‪2‬رف نفس‪2‬ه فق‪2‬د‬
‫عرف ربَّه ‪0‬‬
‫ضىء النبى صلى هللا عليه وس‪22‬لم فق‪22‬ال ل‪22‬ه الن‪22‬بى‬
‫وقد ر ُِوى أن رجال كان يو ِّ‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬سل ما شئت ؟ )‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬سألتك مرافقتك فى الجن‪22‬ة ي‪22‬ا‬
‫رسول هللا‪ ،‬فقال له صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬أعنى على نفسك بكثرة السجود ) ‪0‬‬
‫وجاء الج‪22‬واب من الن‪22‬بى ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم هك‪22‬ذا‪ ،‬ألن فى الس‪22‬جود كم‪22‬ا أش‪22‬ار‬
‫اإلمام أبو العزائم رضى هللا عن‪22‬ه‪ :‬فن‪22‬اء عن النفس ب‪22‬ه ين‪22‬ال العب‪22‬د مق‪22‬ام الق‪22‬رب من‬
‫حضرة الرب ‪0‬‬
‫كذلك جاء الجواب ( أع‪22‬نى على نفس‪22‬ك بك‪22‬ثرة الس‪22‬جود ) ألن الرج‪22‬ل يس‪22‬أل‬
‫النبى صلى هللا عليه وسلم مرافقته فى الجن‪22‬ة أى معيَّت‪22‬ه‪ ،‬وأه‪22‬ل المعي‪22‬ة وص‪22‬فهم هللا‬
‫تعالى بقوله‪ ( :‬تراهم ُر َّكعا ُسجَّدا )‪ ،‬فمن أراد أن يكون منهم فليتجمل بأوصافهم‬
‫والسائل هذا حينما قال له النبى صلى هللا عليه وس‪2‬لم‪ ( :‬س‪2‬ل م‪2‬ا ش‪2‬ئت )‪ ،‬لم‬
‫َّ‬
‫يتمن الرجل من الدنيا متاعا وال ماال أو جاها‪ ،‬ولكنه فطن إلى العطية الكبرى ال‪22‬تى‬
‫ال نفاد لها‪ ،‬فقال ( سألتك مرافقتك فى الجن‪22‬ة )‪ ،‬وه‪22‬و س‪22‬ؤال ال يك‪22‬ون إال من محب‬
‫صادق‪ ،‬وعاش ٍّ‬
‫ق فانى بحبه فى رسول هللا صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪ ،‬فه‪22‬و يتم‪22‬نى أن ال‬
‫يفارق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬بل يك‪22‬ون مع‪22‬ه فى الجن‪22‬ة كم‪22‬ا ه‪22‬و مع‪22‬ه فى‬
‫ال‪2‬دنيا‪ ،‬ومن هن‪2‬ا نأخ‪2‬ذ إش‪2‬ارة إلى أن الحب هلل ورس‪2‬وله ص‪2‬لى هللا علي‪2‬ه وس‪2‬لم ه‪2‬و‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪39‬‬
‫مفتاح العبادة‪ ،‬والعبادة هى مصداق الحب ‪ ،‬ق‪22‬ال تع‪22‬الى ‪  :‬ق‪22‬ل إن كنتم تحب‪22‬ون هللا‬
‫فاتبعونى يحببكم هللا ويغفر لكم ذنوبكم وهللا غفور رحيم‪ 0‬‬
‫ولما كان اإلقبال على هللا تعالى بحا ٍل صادق هو عن‪22‬وان الحب الخ‪22‬الص ل‪22‬ه‬
‫سبحانه‪ ،‬نرى أنه لحبه لنا ك‪22‬ذلك وع‪22‬دنا فى ه‪22‬ذه اآلي‪22‬ة الكريم ‪2‬ة ب‪22‬المغفرة فى قول‪22‬ه‬
‫تعالى‪  :‬يغفر لكم ذنوبكم ‪ ،‬ثم يبين لنا بع‪22‬د ذل‪22‬ك أن المغف‪22‬رة والرحم‪22‬ة هى ص‪22‬فته‬
‫سبحانه فيقول‪  :‬وهللا غفور رحيم ‪ 0‬‬
‫ك‪22‬ذلك فإن‪22‬ه س‪22‬بحانه يتب‪22‬ادل معن‪22‬ا الحب‪ ،‬فت‪22‬ارة أنت محب وه‪22‬و المحب‪22‬وب‪،‬‬
‫وتارة هو المحب وأنت المحبوب‪ ،‬ففى قوله تعالى‪  :‬تحب‪22‬ون هللا ‪ ‬المحب ه‪22‬و أنت‬
‫والمحبوب هو هللا‪ ،‬وفى قوله سبحانه‪  :‬يحببكم هللا ‪ ‬المحب هو هللا والمحبوب ه‪22‬و‬
‫أنت ‪0‬‬
‫ومن هنا فتح هللا باب الدخول عليه فى الصالة بم‪22‬ا يحب‪22‬ه س‪22‬بحانه‪ ،‬أال وه‪22‬و‬
‫طه‪22‬ارة الظ‪22‬اهر والب‪22‬اطن‪ ،‬فق‪22‬ال‪  :‬إن هللا يحب الت‪22‬وابين ‪ ،‬والتوب‪22‬ة هى طه‪22‬ارة‬
‫الباطن‪( ،‬ويحب المتطه‪2‬رين ) وه‪2‬ذه طه‪22‬ارة الظ‪22‬اهر‪ ،‬ق‪2‬ال ص‪22‬لى هللا علي‪2‬ه وس‪22‬لم‪:‬‬
‫(مفتاح الصالة الطه‪22‬ور )‪ ،‬ف‪22‬دعانا لل‪22‬دخول على حض‪22‬رته س‪22‬بحانه فى الص‪22‬الة من‬
‫باب الطهر‪ ،‬والطهر عنوان الحب فقال‪  :‬يا أيها ال‪22‬ذين آمن‪22‬وا إذا قمتم إلى الص‪22‬الة‬
‫فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المراف‪22‬ق وامس‪22‬حوا برؤوس‪22‬كم وأرجلكم إلى الكع‪22‬بين‬
‫‪0000 0‬‬
‫وفى الحديث القدسى الذى يرويه النبى صلى هللا عليه وسلم عن رب العزة‪:‬‬
‫( من أحدث ولم يتوضأ فقد جفانى ‪ ،‬ومن أحدث وتوضأ وصلى ودع‪22‬انى ولم ُأجب‪22‬ه‬
‫فقد جفوته وحاشا أن أكون ربا جافيا ) ‪0‬‬
‫كذلك ف‪2‬إن تك‪2‬رار الص‪2‬الة إش‪2‬ارة إلى محب‪2‬ة هللا تع‪2‬الى ل‪2‬ك‪ ،‬ألن‪2‬ك وأنت فى‬
‫الصالة فى ضيافة الحق‪ ،‬وفى رحابه وبين يديه سبحانه‪ ،‬وهو لحب‪22‬ه ل‪22‬ك ال ي‪22‬دعوك‬
‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪40‬‬
‫فى اليوم مرة واحدة‪ ،‬بل يكرر لك الدعوة ليال ونهارا‪ ،‬فى الفجر والظهر والعص‪22‬ر‬
‫والمغرب والعشاء‪ ،‬والمؤذن يؤذن عند كل ص‪22‬الة‪ :‬حى على الص‪22‬الة ‪ 00‬حى على‬
‫الفالح ‪ 00‬فلوال أنه سبحانه أحبك لَما دعاك لحضرته‪ ،‬ولَما قرَّبك من جنابه‪ ،‬وإنم‪22‬ا‬
‫ص‪2‬رتَ عن‪22‬ده حاض‪22‬را‪ ،‬فرفع‪22‬ك إلى‬ ‫أحبك فدعاك فلبَّيْتَ بدخولك فى الص‪22‬الة ح‪22‬تى ِ‬
‫حظائر قدسه‪ ،‬وناهيك عمن هو مع هللا حيث ال زمان وال مكان‪ ،‬كي‪22‬ف يك‪22‬ون ُأنس‪22‬ه‬
‫بربِّه‪َّ ،‬‬
‫ولذته بمناجاته‪ ،‬وق‪22‬د انكش‪22‬ف ل‪22‬ه من النعيم الش‪22‬هودى فى ص‪22‬الته م‪22‬ا التبين‪22‬ه‬
‫العبارة‪ ،‬وال تومى إليه اإلشارة ‪0‬‬
‫وإلى هذه المعانى يشير اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه يقول‪:‬‬
‫ـــــــراد لِذى الجـــالل‬
‫إلى أنى الم ُ‬ ‫وتكــــــرار الصــالة يشير رمــزا‬
‫يواجــهنى بنــــــــور مــتاللــــــى‪2‬‬ ‫أرى غـــيبا مصــــونا فى صالتى‬
‫كـــأنى قد أرى بــــــــرًّا ووالــــى‬ ‫فــأخفى من صـــالتى فى صالتى‬

‫لذلك حينما دعاك لحضرته‪ ،‬أراد سبحانه أن يكون حض‪22‬ورك مع‪22‬ه بالكلي‪22‬ة‪،‬‬
‫فإنك تقول فى ص‪22‬التك عن‪22‬د ق‪22‬راءة الفاتح‪22‬ة‪  :‬إي‪22‬اك نعب‪22‬د وإي‪22‬اك نس‪22‬تعين ‪ ‬تقوله‪22‬ا‬
‫بصيغة الجمع‪ ،‬فال تقول إياك أعبد وال تقول إياك أستعين مع أنك واحد‪ ،‬والس‪22‬ر فى‬
‫ذلك أن اإلنسان جامع لحقائق كثيرة وليس حقيقة واحدة‪ ،‬فهو ج‪22‬امع للجس‪22‬م والعق‪22‬ل‬
‫والقلب والروح والسر ونفخة القدس‪ ،‬وهللا تعالى يحب لعبده أن يكون حاض‪22‬را معه‬
‫بكلِّه‪ ،‬فحضوره بالجسم فى الصالة يقتضى الخض‪22‬وع‪ ،‬والحض‪22‬ور بالعق‪22‬ل يقتض‪22‬ى‬
‫التدبر والتفكر والتأمل فيما يق‪22‬رأ فى ص‪22‬الته‪ ،‬وحض‪22‬وره ب‪22‬القلب يقتض‪22‬ى الخش‪22‬وع‬
‫والرجاء فى رحمته والخوف من البعد والحجاب عن حضرته‪ ،‬وحض‪22‬وره ب‪22‬الروح‬
‫يقتض‪22‬ى الس‪22‬ياحة فى مع‪22‬انى أس‪22‬مائه وص‪22‬فاته‪ ،‬والحض‪22‬ور بالس‪22‬ر يقتض‪22‬ى تلقى‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪41‬‬
‫األسرار بعد انكشاف المعانى لل‪22‬روح‪ ،‬والحض‪22‬ور بنفخ‪22‬ة الق‪22‬دس يقتض‪22‬ى مواجه‪22‬ة‬
‫أنوار الوجه العلى فى نور مجلى الذات األقدس ‪0‬‬
‫وه‪2‬ذه الص‪2‬الة هى ص‪2‬الة ُك َّمل الرج‪2‬ال لمن اكتم‪2‬ل حض‪2‬وره م‪2‬ع هللا بكل‪2‬ه‪،‬‬
‫يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه‪:‬‬
‫بعنديِّة اإلطالق فى روْ ضة اُألنس‬ ‫ُأصلى صالة الجسم والروح حاضرا‬
‫وروحى تصلى بالشهود بال لبــس‬ ‫فجســـــمى يصلى بالخشوع لربه‬
‫ُ‬
‫تشبهت بالمخـتار بالجســم والنفس‬ ‫ى يصلى فى الصـــــــالة ألننى‬
‫عل َّ‬
‫هللا حبا لفضلــــــــه‬
‫رسول ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫أطعت‬
‫فأشرف بى ربى على حضرة القدس‬
‫وأشرق فى قلبى ضيـاء من الشـمس‬ ‫وأشــــــــهدنى ملكوتَه وجمــــــالَه‬
‫ويقول رضى هللا عنه‪:‬‬
‫وجمعهمــــا صــــــالةٌ للرجـــــال‬ ‫صـــالة الروح فوق صالة جسمى‬
‫بغيب عـبودتى فى صــــفو حـالى‬ ‫لـجــسمى فى الصـــــالة يقين حق‬
‫بحــــــق يقين حـــــب المتعــــــال‬ ‫وُأنس الــروح يُجـــلى فى صالتى‬
‫يصلى الجســــــم فى نيل الســؤال‬ ‫تصـــلى الروح فى فصْلى عيانـــا‬

‫ولقد أدرك سيدنا عمر رض‪22‬ى هللا عن‪22‬ه بفراس‪22‬ته وس‪22‬ر فطرت‪22‬ه‪ ،‬م‪22‬ا للص‪22‬الة‬
‫والخشوع فيها من آثارها البعيدة فى سائر الطاعات‪ ،‬فك‪22‬ان إذا أراد أن يخت‪22‬ار أح‪22‬دا‬
‫لقيادة الجيش‪ ،‬نظرفى صفوف المصلين‪ 2‬فمن يراه أشد خش‪22‬وعا فى ص‪22‬الته اخت‪22‬اره‬
‫وأ َّم َره على الجيش‪ ،‬ولما أراد أن يختار أحدا من صحابته رضوان هللا عليهم لقي‪22‬ادة‬
‫ى الس‪22‬اعدين‪،‬‬
‫المعركة فى نهاوند عند غزو الروم‪ ،‬نظر إلى شاب طويل القام‪22‬ة ق‪22‬و ِّ‬
‫ويقف فى صالته خاشعا بين يدى هللا عز وجل‪ ،‬فلما فرغ الشاب من صالتِه قال له‬
‫سيدنا عمر ‪ :‬لقد ر َّشحتك ألمر عظيم ‪ ،‬فقال الشاب ‪ :‬إن كان لجمع الص‪22‬دقات فأنـا‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪42‬‬
‫ال أصلح لهذا ‪ ،‬وإن كان للجهاد واالستشهاد فى سبيل هللا فأنا أص‪22‬لح له‪22‬ذا ‪( ،‬وك‪22‬ان‬
‫هذا الشاب هو‪ :‬النعمان بن مق‪22‬رن رض‪22‬ى هللا عن‪22‬ه ) ق‪22‬ال ل‪22‬ه س‪22‬يدنا عم‪22‬ر‪ :‬ب‪22‬ل ه‪22‬و‬
‫الجهاد واالستشهاد فى سبيل هللا ‪ ،‬وأ َّمره على الجيش ‪ ،‬فلما ت‪22‬أهبوا للق‪22‬اء الع‪22‬دو فى‬
‫نهاوند ‪ ،‬قام س‪22‬يدنا النعم‪22‬ان رض‪22‬ى هللا عن‪22‬ه وص‪22‬لى ‪ ،‬ثم دع‪22‬ا وأم‪22‬ر من حول‪22‬ه من‬
‫المس‪22‬لمين أن يُؤ ِّمن‪22‬وا على دعائ‪22‬ه ‪ ،‬وك‪22‬ان دع‪22‬اؤه ‪ :‬اللهم ارزق النعم‪22‬ان ش‪22‬هادة فى‬
‫سبيلك ‪ 0‬واستجاب هللا له ‪ ،‬وانتصر جيش المسلمين بعد أن أصابت النعمان رضى‬
‫هللا عنه سهام العدو ‪ ،‬فالتفت حولَه فإذا بالصحابى الجليل معقل بن يسار رض‪22‬ى هللا‬
‫عنه ‪ ،‬فسأله النعمان ‪ :‬هل انتصر جيش المسلمين ‪ ،‬فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬ق‪22‬ال ل‪22‬ه‪ :‬اكتب إلى‬
‫أم‪22‬ير المؤم‪22‬نين ِّ‬
‫فبش‪2‬ره واخ‪22‬بره أن النعم‪22‬ان رزق‪22‬ه هللا ش‪22‬هادةً فى س‪22‬بيله ‪ ،‬ثم ش‪ِ 2‬هق‬
‫رضى هللا عنه شهقةً ففاضت روحه ‪0‬‬
‫هذا مثل حى ألثر الصالة فى طاعة من الطاعات وهى الجهاد‪ ،‬وما ذلك إال‬
‫ألنها كما أنبأ النبى صلى هللا عليه وسلم‪ ( :‬الصالة عماد ال‪22‬دين من أقامه‪22‬ا فق‪22‬د أق‪22‬ام‬
‫والص‪2‬لة بين العب‪22‬د وربِّه ‪ ،‬وم‪22‬تى‬
‫ِّ‬ ‫الدين)‪ ،‬والسر فى ذلك ‪ :‬أن الصالة ثُمثل الرب‪22‬اط‬
‫صلُحت الرابطة بين العبد والرب سبحانه ‪ ،‬صلُح سائر عمل العبد ‪ ،‬ألن ربَّه ال‪22‬ذى‬
‫يقف خاشعا بين يديه فى ص‪22‬الته ق‪22‬د ص‪22‬ار نُ ْ‬
‫ص‪2‬ب عيني‪22‬ه فى ك‪22‬ل ش‪22‬ىء ‪ ،‬إن أم‪22‬ره‬
‫مضى حيث أمره هللا ‪ ،‬وإن نهاه وقف عند حدود هللا سبحانه ‪ ،‬ال يغفل عنه إن غفل‬
‫الغافلون ‪ ،‬قال صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬اإلحسان أن تعبد هللا كأن‪22‬ك ت‪22‬راه ف‪22‬إن لم تكن‬
‫تراه فإن‪2‬ه ي‪2‬راك ) ‪ ،‬فاإلحس‪2‬ان مراقب‪2‬ة العب‪2‬د لربِّه مراقب‪2‬ةً عن حض‪2‬ور يش‪2‬هد فيه‪2‬ا‬
‫عظمة العظيم سبحانه ‪ ،‬فينكسر قلبُ‪22‬ه إجالالً ل‪22‬ه ج‪22‬ل ش‪22‬أنه ‪ ،‬فال ي‪22‬رى العب‪22‬د أما َم‪22‬ه‬
‫وخلفَه ‪ ،‬وعن يمينه وعن ِشماله ومن فوقه إال هللا ‪0‬‬
‫وقد كشف هللا سبحانه لنا عن معانى مراقبته فى كتابه العزيز فق‪22‬ال‪ :‬وه‪22‬و‬
‫معكم أينما كنتم ‪ ‬وقال‪  :‬وهللا من ورائهم ُمحيط ‪ ‬وقال‪  :‬وهو القاهر فوق عباده‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪43‬‬
‫‪ ،‬فهو معك ووراؤك وفوقك‪ ،‬وهو الظاهر فى كل شىء ‪ ،‬الم‪22‬نزه فى ك‪22‬ل ش‪22‬ىء ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪  :‬فأينما تُ َولُّوا فَثم وجه هللا ‪.‬‬
‫يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه ‪:‬‬
‫َمــــرا ٍء لمحبوبى يُمثِّله صـــــوْ بى‬ ‫إلـى َمن فِــرارى والوجـود بأسره‬

‫ففى قول‪2‬ه تع‪22‬الى‪  :‬فف‪2‬روا إلى هللا ) أى أن الف‪2‬رار هن‪22‬ا ب‪2‬ه وإلي‪22‬ه‪ ،‬والمع‪22‬نى‬
‫فف‪22‬روا إلى هللا فيم‪22‬ا يحب‪22‬ه لكم ويرض‪22‬اه‪ ،‬فف‪22‬روا إلى هللا فى أه‪22‬ل هللا ممن أمرن‪22‬ا‬
‫بصُحبتٍهم ومالزمتهم فى قوله تعالى‪  :‬اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين ‪0‬‬
‫وال فرار للعبد إلى هللا إال إذا فر من نفسه وهواه فصار ع‪22‬دما بين ي‪22‬دى هللا‬
‫عز وجل‪ ،‬أى صار بال نفس‪ ،‬ورجع إلى طوره األول ‪ ‬هل أتى على اإلنسان ٌ‬
‫حين‬
‫من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ‪ ‬حتى صار ذليال فى مواجه‪22‬ة العزي‪22‬ز‪ ،‬ض‪22‬عيفا فى‬
‫مواجهة الق‪22‬وى‪ ،‬حق‪22‬يرا فى مواجه‪22‬ة العظيم‪ ،‬فق‪22‬يرا فى مواجه‪22‬ة الغ‪22‬نى‪ ،‬وه‪22‬ذه هى‬
‫الحُل‪22‬ة ال‪22‬تى يحب هللا تع‪22‬الى أن ي‪22‬راك به‪22‬ا وهى حُل‪22‬ة العبودي‪22‬ة وال‪22‬ذل واالنكس‪22‬ار‬
‫واالفتقار‪ ،‬ومتى كنتَ كذلك‪ ،‬أقب‪22‬ل علي‪22‬ك فمح‪22‬ق من قلبِ‪22‬ك األغي‪22‬ار‪ ،‬وس‪22‬ترك بحُل‪22‬ة‬
‫العزيز الغفار‪ ،‬وأدناك فأشهدك‪ ،‬وبمواجهت‪22‬ه س‪22‬بحانه ج َّمل‪22‬ك‪ ،‬فكنت هلل وح‪2‬ده‪ ،‬ومن‬
‫كان هلل كان هللا له‪ ،‬وصار عنده من ضنائنه‪ ،‬فال يعلم سره من أحد إال هللا الذى يعلم‬
‫السر وأخفى ‪0‬‬
‫وقد علَّمنا النبى صلى هللا عليه وسلم فى صالة الحاجة‪ ،‬دعاءه المأثور عن‪22‬ه‬
‫ص‪2‬لى هللا علي‪2‬ه وس‪2‬لم ح‪2‬ال س‪2‬جوده س‪2‬جدة واح‪2‬دة بع‪22‬د التس‪2‬ليم من ركع‪22‬تى ص‪22‬الة‬
‫الحاجة‪ ،‬فيقول صلوات هللا وسالمه عليه وهو ساجد بين يدى ربِّه سبحانه‪( :‬سبحان‬
‫الذى لبس العز وقال به‪ ،‬سبحان الذى تعطَّف بالمجد وتكرَّم ب‪22‬ه‪ ،‬س‪22‬بحان الـــــــذى‬
‫ال ينبغى التس‪22‬بيح إلا ل‪22‬ه‪ ،‬س‪22‬بحان ذى الع‪22‬ز والك‪22‬رم‪ ،‬س‪22‬بحان ذى المن والفض‪22‬ل‪،‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪44‬‬
‫سبحان ذى الطَّوْ ل‪ ،‬اللهم إنى أسألك بمعاقد الع‪22‬ز من عرش‪22‬ك‪ ،‬ومنتهى الرحم‪22‬ة من‬
‫كتاب‪22‬ك‪ ،‬وباس‪22‬مك األعظم وج‪22‬دِّك األعلى‪ ،‬وبكلمات‪22‬ك التام‪22‬ات العام‪22‬ات ال‪22‬تى ال‬
‫يج‪22‬اوزهن ب‪22‬رٌّ وال ف‪22‬اجر أن تص‪22‬لى على محم‪22‬د وعلى آل محم‪22‬د ـ ثم تس‪22‬أل هللا‬
‫حاجتك) ‪0‬‬
‫وفى هذه الكلمات النورانية ‪ ،‬نراه صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم يق‪2‬دِّم ذك‪22‬ره هلل قب‪22‬ل‬
‫سؤاله ‪ ،‬فيكثر من التسبيح له سبحانه تسبيحا جامعا لمعانى الثن‪2‬اء علي‪22‬ه ‪ ،‬والتوحي‪22‬د‬
‫والتعظيم والتمجيد لذاته سبحانه ‪ ،‬والتوجه إليه عز وجل بمحاسن أسمائه وص‪22‬فاته‪،‬‬
‫وفى هذا إرشاد من خير البرية صلى هللا عليه وسلم ألمته حتى يكون الق‪22‬ائم الق‪22‬انت‬
‫بين يدى ربه ‪ ،‬داعيا حاضرا ومستحضرا لعظمة وجالل من يدعوه سبحانه ‪0‬‬
‫وتارة نراه صلى هللا عليه وسلم يطرق باب الدعاء من ب‪22‬اب المعرف‪22‬ة للنفس‬
‫وم‪222‬ا فيه‪222‬ا من ض‪222‬عف واض‪222‬طرار‪ 2‬فيق‪222‬ول‪ ( :‬اللهم إنى ض‪222‬عيف فق‪ِّ 222‬ونى وإنى‬
‫فقيرفأغننى‪ ،‬وإنى ذليل فأعزنى بعزتك يا أرحم الراحمين ) ‪0‬‬
‫فمن واج‪222‬ه هللا ب ُذلِّه وافتق‪222‬اره فُتحت ل‪222‬ه أب‪222‬واب الرحم‪222‬ة‪ ،‬فش‪222‬هد تنزالت‪222‬ه‬
‫الرحمانية وإحسانه الودادى ‪ ،‬فهو الجابر لمن انكسر قلبًه لجنابه ‪ ،‬ال ُمعز لمن ت‪22‬ذلَّل‬
‫على أعتابه ‪ ،‬اللطيف الذى يت‪22‬دارك بلطف‪22‬ه من ذاب خش‪22‬ية من عظمت‪22‬ه وكبريائ‪22‬ه ‪،‬‬
‫وهو الكافى لمن تسربل بحُلة العبودية كل م‪22‬ا أه َّمه ‪ ،‬وه‪22‬و الق‪22‬ريب أق‪22‬رب إلين‪22‬ا من‬
‫أنفسنا‪ ،‬وهو الغنى وكل ما سواه مفتقر إليه ‪ ،‬وه‪22‬و الش‪22‬كور ال‪22‬ذى يتفض‪22‬ل بالعط‪22‬اء‬
‫ويشكر عليه لعلمه سبحانه بعجزنا عن القيام له بشكره ‪0‬‬
‫ومن هنا يقول اإلمام أبو العزائم رضى هللا عنه‪ ( :‬المعرفة أول فريضة وال‬
‫عمل قبلها )‪0‬‬
‫والمراد بالمعرفة‪ :‬معرفة العبد لنفسه ُذال وانكسار ‪ ،‬ثم اإلقبال على هللا فانيا‬
‫عن نفسه وعن األغيار ‪ ،‬ولديها يُرفع عمله إلى العزيز الغفار ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪45‬‬
‫ففى الحديث القدسى الذى يرويه النبى صلى هللا عليه وسلم عن رب العزة‪:‬‬
‫(ليس كل مصلٍّ أتقبل صالته‪ ،‬إنما أتقبل ص‪22‬الة من تواض‪22‬ع به‪22‬ا لعظم‪22‬تى‪ ،‬وخش‪22‬ع‬
‫قلبُه لجاللى‪ ،‬وكف شهواته عن محارمى‪ ،‬وقطع ليله ونهاره فى ذكرى‪ ،‬ولم يتك‪22‬بر‬
‫ى أن أجع‪22‬ل الجهال‪22‬ة ل‪22‬ه‬ ‫على خلقى‪ ،‬ورحم الض‪22‬عيف‪ 2‬وواس‪22‬ى الفق‪22‬ير من أجلى‪ ،‬عل َّ‬
‫حلما‪ ،‬والظلمة له نورا‪ ،‬يدعونى فُألبِّيه‪ ،‬ويسألنى فُأعطيه‪ ،‬ويُقسِم عل َّ‬
‫ى فأبرَّه‪ ،‬أكل‪22‬ؤه‬
‫بقوتى وُأباهى به مالئكتى‪ ،‬لو قٌُسِّم ن‪22‬وره على أه‪22‬ل األرض ل َو ِس‪2‬عهم جميع‪22‬ا‪ ،‬مثل‪22‬ه‬
‫كمثل الفردوس ال يتسنى ثمرها ولم يتغير حالها ) ‪0‬‬
‫هذا هو عطاء هللا س‪22‬بحانه لمن ج‪22‬اوز نفس‪22‬ه فن‪22‬ال ٌأنس‪22‬ه‪ ،‬لمن قط‪22‬ع مراح‪22‬ل‬
‫دنى أو هوى عم ِّى‪ ،‬وال يكون ذلك إال بالتس‪22‬ليم‬
‫السير بتوبة ال رجعة بعدها إلى حظ ِّ‬
‫الذى ال منازعة فيه‪ ،‬والعمل الذى ال تهاون معه‪ ،‬حتى تصير عامال من عم‪22‬ال هللا‪،‬‬
‫ولديها تسعد بحبك هلل ومحبة هللا لك‪ ،‬ومن كان هذا حاله مع ربِّه ‪ ‬فال تعلم نفسٌ م‪22‬ا‬
‫ٌأخف َى لهم من قٌ َّر ِة أعيٌن جزا ًءا بما كانوا يعملون ‪ 0‬‬
‫ولذلك ك‪22‬ان ِح‪ 2‬رص الص‪22‬حابة رض‪22‬وان هللا عليهم على ش‪22‬هود الجماع‪22‬ة فى‬
‫ى أن الرج‪22‬ل منهم ك‪22‬ان إذا فاتت‪22‬ه‬
‫الصالة‪ ،‬حرص من علِم للص‪22‬الة ق‪22‬درها‪ ،‬فق‪22‬د رُو َ‬
‫تكبيرة اإلحرام خلف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ع ٌّزوه يوما ‪ ،‬ومن فاتته ركعة‬
‫عزوه أسبوعا ‪ ،‬ومن فاتته صالة عزوه شهرا ‪0‬‬
‫وروى أن رجال كان ال يُعلم أحد أبعد من المسجد من داره‪ ،‬وم‪22‬ع ذل‪22‬ك ك‪22‬ان‬
‫ال تفوته صالة خلف رسول هللا صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬فقيل ل‪22‬ه‪ :‬ل‪22‬و اتخ‪22‬ذت لنفس‪22‬ك‬
‫حمارا لتركبه فى الظلماء والرمضاء‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬ما ُأحب أن يكون مس‪22‬جدى إلى‬
‫جنب المسجد‪ ،‬إنى أحب أن يُكتب لى ممشاى إلى المسجد ورجوعى إذا رجعت إلى‬
‫أهلى ‪ ،‬فقال له النبى صلى هللا عليه وسلم ‪ ( :‬قد جمع هللا لك ذلك كله ) ‪0‬‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪46‬‬
‫هكذا يعلمنا النبى صلى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم كي‪22‬ف يك‪22‬ون ال‪22‬دخول على هللا فى الص‪22‬الة‪،‬‬
‫وفض‪22‬ل ش‪22‬هودها فى الجماع‪22‬ات‪ ،‬ف‪22‬إن من افتق‪22‬ر إلى هللا أقب‪22‬ل هللا علي‪22‬ه‪ ،‬ومن ق‪22‬ام‬
‫بالواجب فاز بالمطالب ‪0‬‬
‫وعلى هذه المائدة الربانية القرآنية المحمدية‪ ،‬ك‪22‬ان الرج‪22‬ال أألعالم من أم‪22‬ة‬
‫خير األنام صلى هللا عليه وسلم‪ ،‬وال‪22‬ذين ال تخل‪2‬و األرض منهم فى ك‪22‬ل زم‪22‬ان‪ ،‬فهم‬
‫مصابيح هذه األمة وسُرجُها الو َّ‬
‫ضاءة‪ ،‬ونورها السارى من قبس السراج األزه‪22‬ر ـ‬
‫والن‪22‬ور األتم األعظم س‪22‬يدنا محم‪22‬د ص‪22‬لى هللا علي‪22‬ه وس‪22‬لم‪ ،‬فه‪22‬و ش‪22‬مس هللا ال‪22‬تى ال‬
‫تغيب‪ ،‬وشعاعها الهادى بالنور واألسرار والعلم والبيان والحكمة وفصل الخط‪22‬اب‪،‬‬
‫أنوارها من سبقت لهم الحسنى من هللا ‪ ‬تراهم ُر َّكعا ً ُس ‪2‬جَّداً يبتغ‪22‬ون فض‪22‬ال من‬
‫َ‬ ‫شام‬
‫هللا ورضوانا سيماهم فى وجوههم من أثر السجود * ذلك مثلهم فى الت‪22‬وراة‪ 2‬ومثلهم‬
‫كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على س‪22‬وقٍه يُعجب ال‪22‬زرَّاع‬
‫ٍ‬ ‫فى اإلنجيل‬
‫لِيغي‪22‬ظ بهم الكف‪22‬ار وع‪22‬د هللا ال‪22‬ذين آمن‪22‬وا وعمل‪22‬وا الص‪22‬الحات منهم مغف‪22‬رةً وأج‪22‬را‬
‫عظيما ‪ 0‬‬
‫وصلى هللا على ِسرِّك السارى فى هياكل الموجودات‪ ،‬ورسولك المؤيد منك‬
‫باآليات‬
‫سيدنا محمد صلى هللا عليه وعلى آله وصحبه وسلم ‪0‬‬

‫الفقير إلـى هللا‬


‫عـبد السالم شــتا‬
‫اإلسكندرية‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪47‬‬
‫الراجى عفو ربه‬
‫عبد السالم على شتا‬

‫ا ل ص ال ة م ع ر ا ج‬ ‫‪48‬‬

You might also like