You are on page 1of 174

‫د‪ .

‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ُ‬
‫دور الوقت يف الصح ة والمرض‬

‫‪1‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪2‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫دورُُالوقتُُ‬
‫فيُالصحُةُُوالمرضُُ‬

‫د‪ .‬حسَّان أحمد قمحيَّة‬

‫‪3‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الطبعة الثانثة‬
‫‪ 2022‬م‬

‫‪‬‬
‫للمؤلِّف‬

‫‪4‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الفهرسُ‬
‫ةُ‬
‫الصفح ُ‬ ‫عُ‬
‫الـموضو ُ‬

‫‪7‬‬ ‫مق ِّدمة الطبعة الثانثة‬


‫‪9‬‬ ‫الولى‬
‫مق ِّدمة الطبعة أ‬
‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫لول‪َ :‬م أ‬ ‫ُ‬
‫‪23‬‬ ‫لمح الثثولوجثا الزمثثة‬ ‫اب ا أ‬ ‫الث‬
‫‪25‬‬ ‫علم احلياة الزمني (ال َب ُيولوجيا الزمنية)‬
‫ُ‬
‫‪41‬‬ ‫تاريخ علم احلياة أو ال َب ُيولوجيا الزمنية‬
‫‪47‬‬ ‫ودوراُتا‬
‫ُ‬ ‫مبادئُ الب ُيولوجيا الزمنية‬
‫‪51‬‬ ‫الـمعارصة‬
‫ال َب ُيولوجيا الزمنية ُ‬
‫‪61‬‬ ‫ممارسة مبادئ الب ُيولوجيا الزمن ّية‬
‫َ‬
‫‪65‬‬ ‫الفيزيولوجيا الزمن ّية‬
‫‪67‬‬ ‫البا ُثو ُلوجيا الزمنية‬
‫‪69‬‬ ‫علم األدوية الزمني‬
‫ُ‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫‪75‬‬ ‫الثاب الثا ـنى‪ :‬تطثيقاب عملثة على الثثولوجثا الزمثثة‬
‫‪77‬‬ ‫والنظم ال َّي ْوماوي واجلهاز الـمناعي‬
‫ُ‬ ‫النو ُم‬
‫‪83‬‬ ‫وصحة القلب واألوعية والـمشاكل الـمتع ِّل َقة بالشدَّ ة أو‬
‫َّ‬ ‫اليوماوي‬
‫ّ‬ ‫ّظم‬
‫الن ُ‬
‫الك َْرب‬

‫‪5‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪87‬‬ ‫السكّري والنّو ُم عندَ األطفال‬


‫ُّ‬
‫‪95‬‬ ‫الساعة الـمعو َّية‪ :‬تأثري النُّ ُظم اليوماو َّية فـي السبيل اهلضمي‬
‫‪101‬‬ ‫والتبول‬
‫ُّ‬ ‫الساع ُة البيولوج َّية‬
‫‪103‬‬ ‫صح ُة اجللد والساعة البيولوج َّية‬
‫ّ‬
‫‪111‬‬ ‫اخلارجي فـي ال ّليل ورسطان ال ّثدي‬
‫ّ‬ ‫للضوء‬
‫التعرض ّ‬
‫ُّ‬
‫‪117‬‬ ‫النشاط اجلنيس والساعة البيولوجية‬
‫‪121‬‬ ‫الرائحة؟ َبرَمَ ٌة عَصب َّية لالستيقاظ!‬
‫وت أم َّ‬
‫الص ُ‬
‫َّ‬
‫‪125‬‬ ‫العمل اللييل ونظام الـمناوبات والساعة البيولوجية‬
‫‪133‬‬ ‫الـميالتونني والن َّْوم وتعزيزُ الـمناعة‬
‫‪139‬‬ ‫ُ‬
‫الليل واألكسجني‬
‫‪141‬‬ ‫والصحة‬
‫َّ‬ ‫تأثري إدمان وسائل التواصل االجتامعي فـي النوم‬
‫ُ‬
‫‪147‬‬ ‫ال َع َب ُث ال َب ََش ّي‬
‫‪153‬‬ ‫لنن ِّظم حياتَنا من جديد‬

‫‪163‬‬ ‫ا ـلمزاجع‬
‫ِّ‬
‫‪167‬‬ ‫كثب اخزى للمولف‬
‫‪169‬‬ ‫سيزة ذانثة للمولف‬

‫‪6‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مقدّمة الطبعة الثانية‬

‫بعض ما ورد فيها من‬‫حت َ‬


‫وصح ُ‬
‫ّ‬ ‫فقرأُتا من جديد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫عدت إىل الطبعة األوىل من الكتاب‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫معلومات جديدة‪ .‬وباإلضافة إىل‬ ‫أضفت‬ ‫جل َمل‪ ،‬كام‬
‫ُ‬ ‫بعض الـمفاهيم وا ُ‬
‫طت َ‬ ‫وبس ُ‬
‫مالحظات‪ّ ،‬‬
‫لت شيئًا من اإلخراج الفنّي للكتاب‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬عدّ ُ‬

‫خالصا لوجه اهلل تعاىل‪ ،‬وأن جيدَ فيها القارئ الكريم ضا ّلته من‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫يكون هذا العمل‬ ‫وأرجو أن‬
‫العلم والـمعرفة‪.‬‬

‫واهلل و ُّيل التوفيق‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‬


‫َّ‬

‫الرياض‪ ،‬تَشين الثانـي‪/‬نوفمرب ‪ 2022‬م‬

‫‪7‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪8‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مقدّمة الطبعة األولى‬

‫يمر يو ُم اإلنسان وغريه من الكائنات احل َّية عىل وجه األرض عىل ن ََس ٍق واحد من حيث‬
‫ال ُّ‬
‫البَش منذ فجر‬
‫ُ‬ ‫عرف العلام ُء ذلك‪ ،‬بل الحظه‬
‫َ‬ ‫حالتُه النفسية واجلسد َّية والسلوكية‪ .‬ولقد‬
‫األقل؛ فمع ِّ‬
‫كل مدّ ة أو جزء زمني من اليوم حتصل‬ ‫تغري حالة النباتات عىل ّ‬
‫التاريخ‪ ،‬من خالل ُّ‬
‫التغريات يطرأ‬ ‫ِّ‬
‫والظل وفـي معطيات البيئة والـمحيط‪ .‬ومع هذه ّ‬ ‫الضياء‬
‫ات فـي دورة ِّ‬
‫تغري ٌ‬
‫ُّ‬
‫الكثري من‬
‫َ‬ ‫بعض التبدّ ل عىل جسم اإلنسان ومزاجه‪ .‬ومن أجىل الظواهر الدا َّلة عىل ذلك َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫بعضها اآلخر‪ .‬وفـي‬
‫احليوانات تأوي إىل اهلجوع أو السكون مع َبدْ ء حلول الـمساء‪ ،‬بينام ينشط ُ‬
‫النهار‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ويظل‬ ‫غايات وأهداف‪ .‬ولكن يبقى ُ‬
‫الليل مسك َن النوم واهلدوء‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫كلتا احلالتني هناك‬
‫التغريات مرتبطة بتعاقب الضوء والظالم‬ ‫بعضهم َّ‬
‫أن هذه ُّ‬ ‫َ‬
‫باعث النشاط واحلركة(‪ .)1‬وقد ظ َّن ُ‬
‫فقط‪ ،‬لك َّن علامء آخرين وجدوا َّأَّنا حتصل أحيانًا مع مرور الوقت حتَّى فـي غياب عام َلـي‬
‫ُ‬
‫العوامل عىل‬ ‫النور والعتمة‪ ،‬لذلك فهناك عوامل أخرى ر َّبام تسهم فـي األمر‪ .‬وقد ُُتْيل تلك‬

‫صباحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ 1‬يكون نشا ُطنا فـي ذروته َ‬
‫قبل الظهر‪ ،‬حيث يتسارع أداؤنا الذهني ليبل َغ أوجه حوايل الساعة ‪11‬‬
‫وتصل حالتُنا النفسيّة إىل أعىل مستوياُتا فـي هذا اجلزء من النهار‪ .‬ولكن‪ ،‬ينبغي ّأال ن ِ‬
‫ُفرط فـي النشاط البدنـي‪.‬‬
‫َ‬
‫أفضل وقت للدراسة تقريبًا؛ أي أ ّن اجل َ‬
‫سم والذهن يكونان فـي أفضل حالة‪،‬‬ ‫صباحا‬
‫ً‬ ‫وتعدّ الساعة العارشة‬
‫َ‬
‫ضغط الدم‬ ‫مهمة‪ .‬ومن اجلدير بالذكر ّ‬
‫أن‬ ‫ولذلك فإ ّن هذه النافذ َة الزمنية هي األنسب ّ‬
‫التاذ القرارات الـ ّ‬
‫مر ًة أخرى مع حلول الـمساء‪،‬‬
‫ثم يعاود االرتفاع ّ‬
‫قليال فـي مرحلة ما بعد الظهر‪ّ ،‬‬ ‫يرتفع َ‬
‫قبل الظهر‪ ،‬وينخفض ً‬

‫سبب نشاطنا فـي الصباح‪.‬‬


‫وهذا هو ُ‬

‫‪9‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫اإلنسان وغريه من الكائنات احلية طبيع َة نشاطه وحركته‪ ،‬مثل درجة احلرارة فـي اخلارج‬
‫وطبيعة الطقس وعوامل اخلطر وغريها‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يبقى للنهار والليل بمختلف مراحلهام‬
‫ِ‬
‫الدور األكرب فـي التأثري‪ .‬ولكن‪ ،‬ما ينبغي أن نُغف َل َ‬
‫دور األشياء التي تدخل اجلسم‪ ،‬سوا ٌء‬ ‫ُ‬
‫بعضها‬
‫اهلرمونات التي يتَّصف ُ‬
‫ُ‬ ‫بشكل أدوية أو مستحرضات أو أطعمة‪ ،‬ومن أمثلة هذه األشياء‬
‫احلي‪.‬‬
‫بتأثريات كبرية فـي حالته ونشاطه وسلوكه عندما تُعطى للكائن ِّ‬

‫ٍ‬
‫تناوب منتظم ما بني‬ ‫األريض إىل‬
‫ّ‬ ‫يتعرض ٌّ‬
‫كل من البَش واحليوانات الـمختلفة عىل كوكبنا‬ ‫َّ‬
‫التناوب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫طوال احلياة‪ .‬ولكن‪ ،‬ال يؤ ِّثر هذا‬ ‫وتستمر هذه الدور ُة ‪ 24‬ساعة‬
‫ُّ‬ ‫الضوء والظالم‪،‬‬
‫الـمنتظم بني الضوء والظالم فـي األنظمة البيولوجية البَشية فقط‪ ،‬وإنَّام يؤ ّثر فـي التنظيم‬
‫أيضا‪ .‬وقد تؤ ِّثر العمل ّي ُ‬
‫ات احلاصلة فـي الكائن البَشي‪ ،‬التي تعتمد عىل‬ ‫االجتامعي للسلوك ً‬
‫والعامل الـمشتغلني بنظام‬
‫َّ‬ ‫الـم ْكفوفني‬
‫التبدُّ ل الدوري وتناوب العوامل البيئية‪ ،‬فـي َ‬
‫عاداُتم عن الوضع االعتيادي لدى معظم الناس‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تنحرف‬
‫ُ‬ ‫الـمناوبات (األنامط الليلية) الذين‬
‫أن طرازَ تناوب الضوء والظالم خيتلف عند ّ‬
‫خط االستواء‪ ،‬وما ورا َء‬ ‫ومن اجلدير بالذكر َّ‬
‫أيضا‪ ،‬فهو ليس واحدً ا ‪ -‬كام هو معلوم ‪ -‬فـي‬
‫القطبني‪ ،‬وعند االنتقال عرب عدَّ ة مناطق زمنية ً‬
‫مجيع أنحاء األرض‪.‬‬

‫يتجىل تأثري هذه األنامط من الضوء بتغريات دورية فـي ٍ‬


‫عدد من الوظائف الفيزيولوج َّية‬ ‫َّ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫والنُّ ُظم ال َب ُيولوجية التي تظهر فـي ٍّ‬
‫كل مستوى من مستويات احلياة‪ ،‬سوا ٌء فـي اخلاليا أو‬
‫األنسجة أو األعضاء‪ ،‬ومن َث َّم فـي النُّ ُظم الفيزيولوجية للكائنات احل َّية فـي َّناية الـمطاف‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ولذلك‪ ،‬تعدُّ النُّ ُظ ُم اليومية والـموسم َّية ِسم ًة أساس َّية لدى مجيع الكائنات احلية و ُع َض َّياُتا التي‬
‫تقبع فيها‪.‬‬
‫ُ‬

‫تغريات الطقس أو األحوال‬


‫التغريات فـي البيئة اخلارجية‪ ،‬مثل ُّ‬
‫التكه ُن ب ُّ‬
‫ُّ‬ ‫قد يصعب‬

‫الكائنات احلية إىل ُن ُظم أو إيقاعات تستجيب للبيئات الـ ّ‬


‫متغرية مبارشةً‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫اجلوية؛ لذلك‪ ،‬حتتاج‬
‫ّ‬
‫حتركات َكواكبية حمدَّ دة‪ ،‬مثل تعاقب‬
‫أيضا‪ ،‬وهي نامجة عن ُّ‬
‫تغريات يمكن التن ُّبؤ هبا ً‬
‫ولكن‪ ،‬هناك ُّ‬
‫الليل والنهار (بسبب دوران األرض عىل حمورها)‪ ،‬أو دورة القمر (نتيجة دوران القمر حول‬
‫السنوية (بسبب دوران األرض حول الشمس)‪ .‬وبنا ًء عىل هذه‬ ‫األرض)‪ ،‬أو الدورات َّ‬
‫ٍ‬
‫وإيقاعات بيولوجية داخلية‬ ‫التغريات الـمتو َّقعة‪ُ ،‬ق ِّي َضت للكائنات احل ّية آل َّيات نوع ّية تلق ُن ُظ ًام‬
‫ُّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل مبارشة مع التق ُّلبات الدور َّية الـمعروفة فـي البيئة‪ .‬وهي ال تعتمد عىل‬ ‫الـمنشأ تتالءم‬
‫الـم ْستقاة من تلك‬
‫الـمتكررة ُ‬
‫ِّ‬ ‫ُن ُظم البيئة مبارش ًة‪ ،‬لكنَّها تستفيد من الـمعلومات الدورية أو‬
‫البيئة لتحقيق التزامن بني التق ُّلبات البيولوجية والدورات البيئ َّية‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫نحاول فـي هذا الكتاب أن نرصدَ تأثريات الضياء والظالم فـي جسم اإلنسان‬
‫تغريات فـي‬
‫عام تأتـي به البيئة والـمحيط من حوله‪ ،‬وما يرتتَّب عىل ذلك من ُّ‬ ‫خاص‪ً ،‬‬
‫فضال ّ‬ ‫ّ‬
‫الصحة والـمرض‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سلوكه ونشاطه‪ .‬كام نستمدّ من هذه التأثريات ما تنطوي عليه من َو ْق ٍع عىل‬
‫والصحية والدوائية والعالجية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ثم ُن ْب ِحر فـي التوصيات بشأن بعض األمور الط ّبية‬
‫َّ‬

‫مكونات ال َب ُيولوجيا والسلوك عند البَش ضمن مدّ ة زمنية‬ ‫حتدث تق ُّل ٌ‬
‫بات فـي الكثري من ِّ‬
‫قريبة من دورة تعا ُقب الليل والنهار عىل مدى ‪ 24‬ساع ًة‪ .‬و ُ‬
‫حيتاج حتديدُ خصائص النّظم أو‬

‫‪11‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫حمور األبحاث الـمتع ّلقة بعلم‬ ‫اإليقاعات اليوماو َّية عند البَش إىل نامذج جتريب ّية مع َّقدة تُشك ُِّل َ‬
‫أن الناظِم َة اليوماو َّية الدَّ اخلية‬ ‫البيولوجيا الزمني‪ .‬ت ِ‬
‫ُظه ُر الدراسات التي تتابع هذه النامذج حال ًيا َّ‬
‫(الساعة البيولوجية الدَّ اخلية) لدهيا مدّ ة زمنية بطول ‪ 24.18‬ساعة‪ ،‬وهي تشبه ما يوجد عند‬
‫الكثري من ال َّثدْ يِيات‪.‬‬

‫الـمتغريات؛‬
‫ّ‬ ‫النظم اليوماو َّية عندَ البَش مرن ًة‪ ،‬إذ يمكنها أن تتأق َلم إىل حدٍّ بعيد مع‬
‫ُ‬ ‫تُعدُّ‬
‫فعىل سبيل الـمثال‪ ،‬تستطيع َ‬
‫فعل ذلك مع الليايل الطويلة جدا (‪ 14‬ساعة)‪ ،‬عرب كبح‬
‫الكورتيزول (أحد هرمونات الشدّ ة فـي اجلسم ورافع لسكّر الدم‪ ،‬ويؤ ّثر فـي احلالة الـمناعية)‬
‫ٍ‬
‫ـمزيد من‬ ‫الـمعني عىل النَّوم) ل‬
‫أطول‪ ،‬وإفراز الـميالتونني ‪ُ ( melatonin‬‬ ‫أو تثبيطه مدّ ًة َ‬
‫(‪)1‬‬

‫الوقت‪ ،‬وخفض درجة حرارة اجلسم أكثر فأكثر‪ .‬يقوم الباحثون حال ًيا باستخدام اللعاب‬
‫لقياس َمعالِـم النظم اليوماوي عند الـمرىض من خالل إنشاء َشواكِل أو مظاهر التعبري التي‬
‫يتَّخذها الـميالتُونني‪ .‬وتُعدُّ الدراسات اجلين ّية احلديثة التي تعمل عىل قياس النُّ ُظم اليوماو َّية‬
‫أهم الـمواضيع التي تتناوهلا‬
‫عند البَش‪ ،‬باستخدام ع ِّينات من النُّ ُسج أو الدَّ م‪ ،‬واحد ًة من ّ‬
‫األبحاث البيولوج ّية‪.‬‬

‫ُ‬
‫حلول الليل إشار ًة للبَش كي يناموا‪ ،‬بينام كان‬ ‫عىل مدى عَشات آالف السنني‪ ،‬كان‬
‫مصدر الضوء الوحيد إلعادة‬
‫َ‬ ‫رشوق الشمس يشري إىل االستيقاظ‪ .‬كام ّ‬
‫أن رشوق الشمس كان‬ ‫ُ‬

‫إنتاجه وإفرازُ ه فـي‬ ‫‪ 1‬الـميالتونني هرمون طبيعي تُصنّعه الغدّ ة الصنوبرية‪ ،‬و ُي ِ‬
‫سهم فـي اخللود للنوم‪ ،‬ويرتبط ُ‬
‫إنتاجه مع تقدّ م العمر‪.‬‬
‫الدماغ بالوقت من اليوم‪ ،‬إذ يزيد عندما يأتـي الليل‪ ،‬وينقص فـي النهار‪ .‬كام ينخفض ُ‬

‫‪12‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أيضا‪ .‬ولك ّن‬


‫تدريج ساعاتنا الداخلية‪ ،‬حيث يضبطها بحسب دورات اليوم‪ ،‬وبحسب الفصل ً‬
‫زود بام يكفي من الضوء‬
‫بعض ليله بام ُيتاح له من أشياء‪ ،‬ويت ّ‬
‫اإلنسان ‪ -‬بعد ذلك ‪ -‬بدأ ينري َ‬
‫اخرتاع الـمصباح‬
‫ُ‬ ‫للرؤية‪ ،‬غري أ ّن ذلك مل يكن كاف ًيا إلعادة ضبط ساعاتنا البيولوجية؛ ّ‬
‫ثم جاء‬
‫الكهربائي سنة ‪ 1879‬م‪ ،‬وانتَش الضوء االصطناعي برسعة كبرية‪ ،‬وبدا بشكل مفاجئ أنّنا‬
‫حتررنا من قيود الدورة الشمسية‪ ،‬وأصبحنا قادرين عىل حتويل الليل العاتم إىل ليل ميضء‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن ساعاتنا الداخلية تبقى حمكوم ًة بمخ ّطط الضوء والظلمة القديم‪ ،‬لذلك كان هلذه‬
‫ولكن‪ ،‬بام ّ‬
‫بعضها اآلن‪ ،‬وما زلنا نكتشف الـمزيدَ يو ًما بعدَ يوم‪.‬‬
‫اإلضاءة عىل مدار الساعة تبعات‪ ،‬اكتشفنا َ‬

‫ساعات جسمنا إىل الظلمة مثلام حتتاج إىل الضوء ُتا ًما؛ فقد لوحظ َّ‬
‫أن الضو َء‬ ‫ُ‬ ‫حتتاج‬
‫تكون النوا َة‬
‫الـمستمر يلغي التزام َن فـي وترية اإلشارات التي تطلقها اخلاليا العصبية التي ِّ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫ضبط‬ ‫فوق التصالبة البرصية(‪)1‬؛ فعندَ إضاءة القناديل والـمصابيح بعدَ غروب الشمس‪ ،‬نعيد‬
‫لـمستويات منخفضة من الضوء‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫التعر َض حتّى‬ ‫ٍ‬
‫بشكل غري مقصود؛ حيث َّ‬
‫إن ّ‬ ‫ساعاتنا البيولوجية‬
‫كام فـي اإلضاءة فـي الـمكاتب وغرف الـمعيشة واجللوس‪ ،‬يمكن أن يؤ ّث َر فـي ُن ُظ ِمنا احليو َّية‪.‬‬

‫فوق ال َّتصا ُلبة )‪ suprachiasmatic nucleus (SCN‬منطق ٌة‬


‫فوق ال َّتصا ُلبة البرص َّية أو النَّوا ُة َ‬
‫‪ 1‬النَّوا ُة َ‬

‫صغرية من الدِّ ماغ تقبع فـي اجلزء األمامي من الوطاء (الـمنطقة حتت الـمهاد) خلف أو فوق التصا ُلبة البرصية‬

‫سمى البُ َطني الثالث‪ .‬وهي مسؤولة عن التح ُّكم فـي النظم اليوماوي‬ ‫ٍ‬
‫تناظر جانبي مع ما ُي َّ‬ ‫مبارش ًة‪ ،‬فـي‬

‫الوظائف العصبية اخللوية واهلرمونية التي تو ِّلدها النوا ُة فوق التصالبة ال َ‬


‫كثري من أنشطة اجلسم‬ ‫ُ‬ ‫للجسم‪ .‬وتن ِّظم‬

‫ضمن دورة زمنية ُتتدّ عىل مدار ‪ 24‬ساعة‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫النواظم أو‬
‫ُ‬ ‫لقد ُو ِجدَ أنّه خالل الساعات األوىل من الليل ال َب ُيولوجي (احلقيقي)‪ ،‬تكون‬
‫ت‬‫ضوابط النظم اليوماوية لـديـنـا سـريع َة التأ ّثر؛ حيث يـؤدي التعر ُض للضوء فـي وقـ ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫التأثري‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫متأخر من الـمساء البيولوجي إىل تأجيل أطـوار سـاعتنا احليو ّية‪ .‬لذلك‪ ،‬يعمل هـذا‬
‫التعر ُض للضوء فـي باكورة الصباح فيدفع‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫عمل شـروق الشمس الذي يأتـي الح ًقا‪ .‬أ ّما‬
‫روق الشـمس جـاء مبك ًّرا‪َّ .‬‬
‫إن الضو َء فـي‬ ‫أن شـ َ‬
‫الساع َة إلـى األمام‪ ،‬بحيث يتو ّقع اجلسـم َّ‬
‫واستمرارا؛ ولذلك‬
‫ً‬ ‫إنتاج هرمون الـميالتونني الذي جيعل النوم أفـضـ َل بد ًءا‬
‫َ‬ ‫الليل يث ّبط‬
‫اط اإلنزيمي الضـروري‬ ‫التعرض الوجيز للضوء فـي منتصف الليل‪ ،‬النشـ َ‬ ‫ّ‬ ‫ُي ِنقص‪ ،‬حتَّى‬
‫لتصنيع الـميالتونني‪.‬‬

‫الكائنات احل ّية الوحيدة التي تضـيء لي َلها ال َب ُيولوجي‪ ،‬لذلك نتجاوز أنظم َتنا‬
‫ُ‬ ‫نحن‬
‫اخلاصة‪ ،‬ونعرب الـمناطق الزمنية‪ ،‬ونعمل وننام فـي أوقات تعاكس ساعاتِنا احليو َّية الداخلية‬
‫ّ‬
‫محدق بنا‪.‬‬‫تالف للخطر الـ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫أو ال تنسـجم معها‪ ،‬ونتجاهل ما تدعـونـا إليه سـاعا ُتنا مـن‬
‫ولكنَّنا أضأنا َ‬
‫الليل البيولوجي أو احلقيقي لبعض احليوانات التي َ ُْتجع مـع غياب الشمس‪،‬‬
‫وذلك مـن خـالل اقتناء احليوانات والطيور الداجنة‪ ،‬كالقطط وال َب ْبغاوات ‪ ...‬إلـخ‪ ،‬فر ّبام‬
‫ُيصـي َبها مـا أصابنا‪.‬‬

‫خص‬
‫رب الـمناطق الزمنية أو خـطـوط الـطـول‪ :‬عندما ينتقل الشـ ُ‬ ‫فر ع َ‬
‫لنأخـذ السـ َ‬
‫خـالل سـاعات بالطريان إلـى مسـ ٍ‬
‫افات بعيدة حول العامل‪ ،‬ال تل ِّبي األجزا ُء الـمختلفة مـن‬
‫األمر ببطء‪ ،‬وينطبق ذلك حتّى علـى‬
‫ُ‬ ‫اجلسـم ذلك مـن حيث نُظمها اليوماو َّية‪ ،‬بل حيصل‬

‫‪14‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫َ‬
‫تستغرق أجهز ُته‬ ‫أيضا؛ فبالنسبة إىل ّ‬
‫كل منطقة زمنية يعربها الشخص‪ ،‬يمكن أن‬ ‫اجلهاز اهلضمي ً‬
‫ف ُتا ًما مع الزمن اجلديد‪ .‬ولذلك‪ ،‬يذكر ثلثا الـمسافرين عرب‬
‫العضوية يو ًما آخر لتتك ّي َ‬
‫‪»jet‬؛ وهي‬ ‫‪lag‬‬ ‫سمى «تَلكُّؤ الن ّفاثة (أو إرهاق السفر)‬
‫أعراض حالة ُت َّ‬
‫َ‬ ‫الـمناطق الزمنية‬
‫ليال‬ ‫اضطراب فـي الـمعدة وتشـ ُّوش وتعب طـ َ‬
‫وال اليوم واضطراب فـي الـخلـود للنوم ً‬ ‫ٌ‬
‫(بعدَ الطريان باجتاه الشـرق) أو االسـتيقاظ بـاكـ ًرا جدا (بعدَ السفر باجتاه الغرب) وعيوب‬
‫فـي الذاكرة واالنتباه وفقدان للشـهية؛ فالـمسافرون يستيقظون فـي منتصف الليل غال ًبا‪،‬‬
‫األعراض أسـو َأ ك ّلام ّاجتهنا مـن‬
‫ُ‬ ‫بسـبب دفقة اهلرمونات التي تأتـي مـع الصباح‪ ،‬وتكون‬
‫الغرب إلـى الشـرق‪ ،‬ر ّبام ألنّه مـن األسـهل علـى اجلسـم التك ّيف مـع يوم طويل منه مـع‬
‫يوم مضغوط‪.‬‬

‫االنزعاج والوهن فـي ظاهرة «تلكّؤ الن ّفاثة» أو إرهاق السفر ينجامن‬
‫َ‬ ‫بعضهم َّ‬
‫أن‬ ‫يعتقد ُ‬
‫ف‬
‫ألَّنا حتاول التك ّي َ‬
‫عن فقدان التزامن ما بني الساعة الـمهيمنة للجسم وساعاته الـمحيطية‪ّ ،‬‬
‫مع الـمنطقة الزمنية اجلديدة‪ّ ،‬‬
‫كل منها بحسب إيقاعه اخلاص؛ فالساع ُة الدماغية الرئيسية أو‬
‫الـمهيمنة فـي النواة فوق التصالبة‪ ،‬التي تَشف عىل ُن ُظمنا الكبرية (مثل درجة حرارة اجلسم)‪،‬‬
‫لكن الساعات الـمحيطية فـي ُن ُسجنا (مثل تلك‬
‫تعود إىل َن َسقها الصحيح خالل يوم واحد؛ ّ‬
‫تستغرق أسبوعً ا أو أكثر لتستعيدَ ُأ َ‬
‫سلوهبا‬ ‫َ‬ ‫الـموجودة فـي الرئتني والعضالت والكبد) يمكن أن‬
‫ألن ساعتها ال‬ ‫لتتمرن‪ ،‬يمكن أ ّ‬
‫ال تستجيب ج ّيدً ا‪ّ ،‬‬ ‫الـمناسب؛ فعندما يومئ الدما ُغ إىل العضالت ّ‬
‫تزال فـي نوم عميق‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫يعدُّ هـذا التل ّكؤُ الزمني فـي تعديل السـاعة ضـرور ًيا للحياة الطبيعية؛ فإذا ّ‬
‫تغريت‬
‫التغريات الـمفـاجـئـة فـي الضـوء‪ ،‬يمكـن‬ ‫ورا أو بشـ ٍ‬
‫كل متزامـن مـع ّ‬ ‫سـاعا ُتنا الداخلية فـ ً‬
‫تتذبذب إلـى األمام واخللف فـي كـ ّل ّ‬
‫مرة ندخل فيه غرف ًة مظلمة أو نخرج منها؛ فمنظوم ُة‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫التغريات التدرجيية‬
‫ّ‬ ‫مصممة بطريـقـة يمكن مـن خـالهلا التك ّيف بسـهولة مـع‬
‫ّ‬ ‫اجلسـم‬
‫َ‬
‫الطريان‬ ‫التغريات الفصلية فـي طول اليوم‪ .‬ولك َّن‬
‫الصـغرية فـي نامذج الضوء والظالم‪ ،‬مثل ّ‬
‫يتحرض اجلسم له؛‬
‫ّ‬ ‫أو االنتقال عرب الزمـن أو خـطـوط الطول يم ّثل حـد ًثا غري طبيعي لـم‬
‫تغريات كبرية وفـجـائية فـي دورة‬
‫عبور الـمناطق الزمنية السـريع إلـى ّ‬
‫ُ‬ ‫ولـهذا يـؤ ّدي‬
‫الضـوء‪ ،‬األمـر الذي يـقـود إلـى اضطراب شـديد فـي منظومة اجلسـم احليوية أو‬
‫البيولوجية‪.‬‬

‫أن السـاع َة الـمهيمنة فـي النَّواة فـوق التَّصا ُلبة تشـرف علـى النُّ ُظم الدور ّية‬
‫مـع َّ‬
‫للجسم‪ ،‬لكن الـمؤ ِّق ِ‬
‫تات أو السـاعات الوراثي َة أو اجلين َّية الكائنة فـي خـاليـا النُّ ُسج‬ ‫ّ‬
‫ذرى‬‫حترض ً‬ ‫اخلاصة‪ ،‬حيث ِّ‬
‫ّ‬ ‫تتبع أنسـا َقها الروتينية اليومية‬
‫واألعضاء البعيدة يمكن أن َ‬
‫ضات مـن النشـاط فـي أوقـات خمتلفة من اليوم فـي مواضعها الـمناسبة لضامن‬ ‫ومنْخ َف ٍ‬
‫ُ‬
‫معني ما حيتاجه عندما حيتاجه‪ ،‬وحتديد توقيت أنشطته حسب َأ ْولوياته الذاتية؛‬ ‫ٍ‬
‫عضو َّ‬ ‫امتالك‬
‫اخلاصة بضغط‬
‫ّ‬ ‫فالساعات فـي اخلاليا القلبية ‪ -‬عىل سبيل الـمثال ‪ -‬تضبط ُن ُظ َمها اليومية‬
‫ُ‬

‫الساعات فـي اخلاليا الكبد َّية ُن ُظ َم اهلضم واستقالب أو تفكيك ُّ‬


‫السموم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫الـدم‪ ،‬بينام تضبط‬
‫مثل الكحول‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫َ‬
‫مشاكل فـي‬ ‫والـمتكرر يس ِّبب‬
‫ِّ‬ ‫الـمستمر‬
‫ّ‬ ‫السفر الطويل‬
‫َ‬ ‫لقد وجدت إحدى الدراسات َّ‬
‫أن‬
‫أن الطريا َن فـوق أكثر مـن سـبع مناطق زمنية‬
‫الذاكرة واضطرا ًبا فـي اإلدراك‪ .‬كمـا لوحظ َّ‬
‫ٍ‬
‫زيادة فـي مسـتويات ُه ْرمون الشدَّ ة «الكورتيزول»؛‬ ‫فـي ّ‬
‫أقل مـن خـمسـة أ ّيام َّ‬
‫ُتخ َض عن‬
‫كل متواصل إلشـارات مربكة مـن الضـوء والظلمة نتيجة سـ ٍ‬
‫فر‬ ‫يتعرض اجلسـ ُم بشـ ٍ‬
‫فعندما ّ‬
‫بعيد الـمسافة‪ ،‬يضطرب إدرا ُكـه لتعاقب الليل والنهار‪ ،‬ويبقى الكورتيزول علـى مستوى‬
‫رضر الـخاليا‬
‫مون بمسـتوياته الـمرتفعة إلـى َت ُّ‬ ‫َ‬
‫طوال الوقت؛ ويؤ ّدي ذلك اهل ُ ْر ُ‬ ‫واحد‬
‫الفص‬
‫ّ‬ ‫الـم َح ْو َسبة انكامشـًا فـي‬
‫صور الدماغ الـمقطع َّية ُ‬
‫ُ‬ ‫الدماغية‪ .‬ولذلك‪ ،‬أظهرت‬
‫حل َص ْني(‪ ،)1‬وهو جز ٌء من الدماغ رضوري‬
‫الصـدغي فـي هذه احلاالت‪ ،‬بام فـي ذلك منطقة ا ُ‬
‫ُّ‬
‫جدا للتع ُّلم والذاكرة‪.‬‬

‫مكو ٌن رئييس فـي أدمغة البَش‬ ‫سمى َق ْرن آمون أو حصان البحر) هو ِّ‬ ‫الـ ُح َص ْني ‪( hippocampus‬كان ُي َّ‬
‫‪1‬‬

‫َشة‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫زوج منه‪ ،‬واحدٌ فـي ّ‬ ‫ِ‬


‫الـمخية (الق ْ َ‬ ‫كل جهة من الدماغ‪ ،‬يقع حتت القَشة‬ ‫والفقار َّيات األخرى‪ .‬وهناك ٌ‬
‫الصدْ غي اإلنْيس‪ ،‬وحيتوي عىل ُجزْ َأ ْين رئيسيَّني‬
‫ص ُّ‬‫ال َعري َقة أو البِدائيَّة ‪ ،)allocortex‬وفـي الرئيسيَّات فـي ال َف ِّ‬
‫الـم ْخصوص ‪ hippocampus proper‬وال َّت ْلفيف ُ‬
‫الـم َسنَّن ‪َ .dentate gyrus‬ينْتَمي‬ ‫حل َص ْني َ‬
‫متشابكني مها ا ُ‬
‫حلوفـي ‪( limbic system‬منظومة عضو َّية تقع فـي مركز ِّ‬
‫كل من نصفي الكرة‬ ‫سمى اجلهاز ا ُ‬
‫حل َص ْني إىل ما ُي َّ‬
‫ا ُ‬
‫مهمة فـي َد ْمج =‬
‫أدوارا َّ‬
‫ً‬ ‫الدماغية‪ ،‬وهي مسؤولة عن الوظائف االنفعالية فـي جسم اإلنسان)‪ ،‬ويامرس‬
‫معلومات الذاكرة القصرية األمد مع الذاكرة الطويلة األمد‪ ،‬وفـي الذاكرة الـمكانية أو احل ِّيزية التي ُتكِّن‬
‫الشخص من التجوال‪ .‬فـي داء ألزهايمر (وأشكال أخرى من اخلرف)‪ ،‬يكون احلصنيُ أحدَ الـمناطق الدماغية‬
‫األوىل التي ُتصاب بالرضر‪ ،‬حيث يعدُّ فقدان الذاكرة القصرية الـمدى والتَّ َوهان من بني األعراض الـمب ّكرة‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أمراضا‬
‫ً‬ ‫كل يشء‪ ،‬فانعكس ما يفعله عىل حياة البَش‬ ‫اإلنسان الـمعارص َّ‬
‫ُ‬ ‫ث‬‫كام َّلو َ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫ٍ‬
‫واعتالالت واضطرابات‪ ،‬مل يسلم منها حتّى الكائنات احلية األخرى‪ .‬نعم‪ ،‬لقد َّلوث‬
‫والبرص بتشويه ُح َلل الطبيعة‪ ،‬والـام َء بمخ َّلفات الـمصانع واألسلحة‬
‫َ‬ ‫السمع بالضجيج‪،‬‬
‫َ‬
‫لف ل َّفها‪ .‬وليس هناك من عاقل ال يعلم مدى‬
‫والـمتفجرات‪ ،‬واهلوا َء بالـموا ّد الكيميائية وما َّ‬
‫ِّ‬
‫وبحرا وجوا‪ .‬واليو َم بات البَش يدفعون‬
‫ً‬ ‫اإلساءة البالغة التي أورثها بنو اإلنسان لألرض‪ ،‬برا‬

‫أعامرهم طالت‪ ،‬وق َّلت ُ‬


‫نسب الوفيات باألمراض واألوبئة وحاالت‬ ‫َ‬ ‫صحيح َّ‬
‫أن‬ ‫ٌ‬ ‫ثم َن ِّ‬
‫كل ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل هائل باألسلحة والتدمري والت َّْهجري‬ ‫نسب القتل والفتك‬
‫ُ‬ ‫العدوى‪ ،‬لكن زادت‬
‫والـمكمالت الدوائية‪ ،‬ومنهم‬
‫ِّ‬ ‫العمر يعيشون عىل العقاقري‬
‫ُ‬ ‫مـمن طال هبم‬
‫وكثري ّ‬
‫ٌ‬ ‫والتصحر‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان بام‬ ‫ِ‬
‫يكتف‬ ‫ومؤسساته اخلدم َّية‪ .‬ومل‬ ‫الصحية‬ ‫من أصبح عبئًا عىل الـمجتمع ومرافقه‬
‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫سبق‪ ،‬فوصل عب ُثه إىل الـمنتجات الزراعية واحليوان َّية‪ ،‬حيث تالعب بجينات بعض‬
‫بحجة احلاجة إىل إطعام األعداد الـمتزايدة من البَش‬
‫َّ‬ ‫الـمحاصيل طم ًعا فـي زيادة إنتاجها‬
‫اهلدف زياد ُة العوائد الـامدية‪ ،‬ليس َّإال‪ ،‬والشواهدُ عىل‬
‫ُ‬ ‫واألمر ما هو كذلك‪ ،‬بل‬
‫ُ‬ ‫وتأمني الوفرة‪،‬‬
‫األمر إىل ت َْسمني احليوانات بطريقة رسيعة تقوم عىل إطعامها بعض‬
‫ُ‬ ‫ذلك كثرية‪ .‬وامتدَّ‬
‫نموها‪ ،‬مثل اإلنارة الدائمة‬
‫اهلرمونات أو غريها‪ ،‬وخلق بيئات جتعل منها تأكل باستمرار لتعزيز ِّ‬
‫إن َّ‬
‫كل ذلك ر َّبام يؤ ِّثر فـي الساعة البيولوجية والنظم اليومي لتلك الكائنات‪،‬‬ ‫فـي الـمداجن‪َّ .‬‬

‫سمى رصع‬
‫التأكسج أو التهاب الدماغ أو ما ُي َّ‬
‫ُ‬ ‫األرضار التي تلحق بالـحصني عن نقص‬
‫ُ‬ ‫تنتج‬
‫كام يمكن أن َ‬
‫الصدغي‪.‬‬
‫الفص ُّ‬
‫ّ‬

‫‪18‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وروا ُده‬
‫رشكات التجميل َّ‬
‫ُ‬ ‫صحتنا وحياتنا‪ .‬وبعدَ هذا وذاك‪ ،‬جاءت‬ ‫وسينعكس بال َّ‬
‫شك عىل َّ‬
‫وعيب برز‪ ،‬ومشكلة حصلت‪،‬‬‫ٍ‬ ‫َرهل‪،‬‬ ‫ومـْم َت ِهنوه ليصححوا اخللل‪ ،‬ويعيدوا نضار َة ٍ‬
‫جلد ت َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫فأصبحت هي األخرى تسعى إىل جني األرباح وترغيب الناس بام تقدِّ مه من خدمات‬
‫وإجراءات حتت ٍ‬
‫وابل من اإلغراء واإلغواء باسـتعادة الشـباب وإحياء الـجامل(‪ .)1‬ومصـدا ًقا‬
‫ً‬
‫فصال عـن «الع َبث البَشي»‪ ،‬وهـو وإن كـان يبتعد عـن‬ ‫الكتاب‬
‫َ‬ ‫سأضمن هذا‬
‫ِّ‬ ‫لذلك‪،‬‬
‫يصب فـي موضوع‬ ‫ُّ‬ ‫موضوع الوقت والنظم اليومي البيولوجي لـمجريات احلياة‪ ،‬لكنَّه‬
‫يات كثرية خـادعـة‪ ،‬ظاهرها ا ّدعاء اخلري‪،‬‬‫ان حتت مسـم ٍ‬ ‫التالعب الذي جلأ إليه اإلنسـ ُ‬
‫َّ‬
‫وحقيقتها دون ذلك بكثري‪.‬‬

‫رب التاريخ؛ وقد كان‬


‫األول لإلنسان والقاتل األكرب له ع َ‬
‫العدو َّ‬
‫َّ‬ ‫إن األوبئ َة كانت هي‬
‫َّ‬
‫يعلم شـيئًا عـن السـاعات‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان يعيش حياتَه بام ينسجم مـع قوانني احلياة دون أن‬

‫ترج علينا بربامج دعائية يأتـي من ِّظموها ببعض األشخاص‪ ،‬السيّام‬


‫‪ 1‬وبلغ األمر ببعض القنوات الفضائية أن َ‬
‫وتغيريا يف أوزاَّن ّن وأجسامه ّن ووجهوهن وأسناَّن ّن عىل مدى أسابيع أو‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تعديال‬ ‫من النساء‪ ،‬فيُ ْع ِملون فيه ّن‬
‫ٍ‬
‫استعراض‬ ‫الـمشرتكات والـم ِ‬
‫شاهدين‪ ،‬فـي‬ ‫ِ‬ ‫ثم ما بعده‪ ،‬أما َم دهشة‬ ‫شهور‪ ،‬ويقارنون بني ما ُك ّن عليه َ‬
‫ُ‬ ‫قبل ذلك ّ‬
‫فسدون أفكار الناس وحيصدون الـامل ويشوهون ِ‬
‫القيم من خالل‬ ‫آلخر صيحات التجميل والتزويق‪ ،‬في ِ‬
‫ُ ِّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬
‫بالـم ْضمون‪ .‬وقد سار عىل مسار هذه الربامج كثريون‪،‬‬
‫الرتكيز عىل الـمظاهر والشكل اخلارجي دون اهتامم َ‬
‫الـم ْحموم نحو الربح واالعتداد‬ ‫كثريا أو ً‬
‫قليال‪ ،‬وليس من ورائها سوى السعي َ‬ ‫وظهرت برامج أخرى تشبهها ً‬
‫ِ‬
‫حساب اجلوهر‪.‬‬ ‫بالـمظاهر اخلادعة عىل‬

‫‪19‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫البيولوجية القابعة فـي ّ‬


‫كل جزء من جسمه‪ .‬ولوال تلك األوبئ ُة َ‬
‫لعاش حيا ًة مديدة ورغيدة؛ ثم‬
‫التصحح (احلرص علـى النظافة وغسـل‬
‫ُّ‬ ‫تغ َّلب البشـ ُر علـى األوبئة بدرجة كبرية مـن خـالل‬
‫الصحية لـمصادر الـغـذاء والشـراب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اليدين والتطهري وال َّت ْعقيم)‪ ،‬وتوفري الشـروط‬
‫واللقاحات والـمضا ّدات احليوية‪ .‬ولذلك‪ ،‬إذا جـمع اإلنسـ ُ‬
‫ان بني الـحياة البسيطة‬
‫الـمنسجمة مـع ُن ُظم الـحيـاة اليومية والفصـل َّية ومكافحة األوبئة بالتقانة الـحديثة بلغَ غـاية‬
‫الرقـ ِّي ومنتهى الصـ َّحـة‪.‬‬

‫ُ‬
‫سلوك البَش الـمنافـي لطبيعة احلياة وقوانينها فـي احلركة والسكون‪ ،‬والنوم‬ ‫لقد َّ‬
‫ُتخض‬
‫الطب‬
‫ّ‬ ‫تدخ َل الباحثني فـي‬
‫صحية استوجبت ُّ‬
‫واالستيقاظ‪ ،‬والضوء والظالم‪ ،‬عن مشاكل ِّ‬
‫ٍ‬
‫واضطرابات مستجدَّ ة وعوامل مـمرضة‬ ‫أنتج أجسا ًما واهية‬
‫لتقويم اخللل احلاصل‪ ،‬وهذا ما َ‬
‫رشكات األدوية فـي تصنيع مستحرضات صيدالنية لـمواجهة‬
‫ُ‬ ‫مل تكن فـي احلسبان؛ فنشطت‬
‫ُ‬
‫اإلنسان من وراء ذلك سوى الـمزيد من النفقات واجلهود الضائعة‬ ‫تلك الـمشاكل‪ ،‬ومل حيصد‬
‫كثري من أولـي النُّهى والبصرية إىل‬
‫الصدْ ع‪ .‬ولكن‪ ،‬فـي الـمقابل‪ ،‬تداعى ٌ‬
‫سع ًيا إىل رأب َّ‬
‫َ‬
‫اإلنسان فـي غنًى عن تلك‬ ‫التذكري َّ‬
‫بأن‬ ‫َ‬ ‫الصحي‪ ،‬فأعادوا‬
‫ِّ‬ ‫التحذير من السلوك البَشي غري‬
‫األدوية والنصائح إذا عاد إىل حياته الطبيع َّية الـمنسجمة مع قوانني الكون ومبادئ احلياة‬
‫الصحية وجتنُّب‬
‫ّ‬ ‫الصحيحة‪ ،‬مثل النوم فـي الليل واالستيقاظ مع الفجر‪ ،‬وتناول األطعمة‬
‫الـمأكوالت اجلاهزة والـمصنَّعة الغن َّية بالسكَّريات والدهون‪ ،‬وتعزيز النشاط اجلسدي ً‬
‫بدال‬
‫من اخلمول واحلياة الراكدة‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مهية َق ْرن النشاط والسكون بتعاقب الليل والنهار فقط‪،‬‬


‫الكتاب عىل التذكري بأ ّ‬
‫ُ‬ ‫ال يركِّز هذا‬
‫تقبع فـي ِّ‬
‫كل أجهزة اجلسم وأعضائه‪،‬‬ ‫تبصري القارئ بساعاتنا البيولوجية التي ُ‬
‫َ‬ ‫بل حياول‬
‫ترتيب حياتنا ك ِّلها (من تناول الطعام إىل ممارسة النشاط اليومي‪ ،‬إىل‬
‫َ‬ ‫والغاي ُة من ذلك أن نعيدَ‬

‫استعامل األدوية ‪ ...‬إلخ) بام ال يتعارض مع هذا النَّ ْظم اليومي الراسخ فينا‪ .‬ومن األ ِّ‬
‫مهية بمكان‬
‫أن َ‬
‫خرق نظام الساعة البيولوجية أو النظم اليوماوي لـمختلف َمريات احلياة‬ ‫اإلشارة إىل َّ‬
‫َّ‬
‫وجل ‪ -‬علينا‬ ‫وأعضاء اجلسم ال يؤ ِّدي إىل األمراض والعلل عىل الفور‪ ،‬بل لقد أنعم اهلل ‪ -‬عزَّ‬

‫بآل َّيات معاوضة تسعى إىل التأق ُلم والتك ُّيف مع أي ِّ‬
‫متغريات جديدة‪ ،‬فتنزاح الساع ُة البيولوجية‬
‫ِّ‬
‫لكل عضو ُي ْمن ًة أو ُيرسة بام يتَّفق مع التبدّ ل الـمحيطي أو البيئي‪ .‬ولك َّن تلك الـمعاوض َة هلا‬
‫التغريات احلا َّدة فـي احلياة‬
‫رب استمرار ُّ‬
‫حدود‪ ،‬حيث يمكن فـي حال كرسها أو إرهاقها‪ ،‬ع َ‬
‫ومعارضة قوانينها وسننها‪ ،‬أن تبدأ األمراض والعلل باحلدوث‪.‬‬

‫فالدراسات عليه ال تزال‬


‫ُ‬ ‫الـمهم‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الكتاب ُملام ِّ‬
‫بكل أطراف هذا العلم‬ ‫ُ‬ ‫قد ال يكون هذا‬
‫حاولت من خالل هذه‬
‫ُ‬ ‫بكل جديد‪ .‬ولكنَّني‬ ‫فـي ٍ‬
‫دأب ونشاط؛ وقد تأتـي يو ًما بعدَ يوم ِّ‬
‫الصحة‬
‫َّ‬ ‫لفت األَنْظار إىل قيمة الوقت ودور الزمن وضوابطه الدور َّية فـي‬
‫الصفحات َ‬
‫والنهار ً‬
‫ليال‪ ،‬وبدأ يشكو من الكثري من‬ ‫َ‬ ‫َّنارا‬
‫قلب الليل ً‬ ‫َ‬
‫إنسان اليوم قد َ‬ ‫والـمرض‪ ،‬الس َّيام َّ‬
‫وأن‬
‫فحر ٌّي بنا أن نَتن َّب َه إىل خطورة االنقالب عىل سنن احلياة‪،‬‬
‫االضطرابات واألمراض نتيجة ذلك؛ َ‬
‫وترصفاتنا‪ ،‬فنبادر إىل تصحيح مسار‬
‫ُّ‬ ‫وإمهال تأثريات الضياء والظلمة فـي أجسامنا وأنشطتنا‬
‫معيشتنا بام يتَّفق مع هذه الـمبادئ والقوانني‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ٍ‬
‫صيحة تُضاف إلـى غريها من الصيحات الواعية‬ ‫ولعل هذا الـمؤ َّل َ‬
‫ف يكون بمنزلة‬ ‫َّ‬
‫حل لـمشاكل البَشية الصحية َّإال بالعودة إىل سنن الكون واحلياة‪ ،‬مع‬
‫والـمحذرة من أنَّه ال َّ‬
‫ِّ‬
‫الصحية نو ًما وغذا ًء وحركة‬
‫ّ‬ ‫فاجلمع بني احلياة‬
‫ُ‬ ‫استثامر التقانة احلديثة فـي دعم هذه العودة؛‬
‫الصواب وغاي ُة الطلب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والتقانة الـمفيدة هو عني‬

‫واهلل و ُّيل التوفيق‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‬


‫َّ‬

‫الرياض‪ ،‬تَشين األ َّول‪/‬أكتوبر ‪ 2020‬م‬

‫‪22‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ُ‬ ‫ُ َ‬
‫الباب األ ّول‪َ :‬م أ‬
‫لمح الثثولوجثا الزمثثة‬ ‫ُ‬

‫‪ ‬علم الحياة الزمني (البَيُولوجيا الزمنيّة)‬

‫‪ ‬تاريخ البيُولوجيا الزمنية‬

‫‪ ‬مبادئ البيُولوجيا الزمنية ودوراتها‬

‫‪ ‬البيُولوجيا الزمنية الـمعاصرة‬

‫‪ ‬ممارسـة مبادئ البيُولوجيا البيُولوجيا الزمنية‬

‫‪ ‬الفيزيولوجيا الزمنية‬

‫‪ ‬الباثُولُوجيا الزّمنية‬

‫‪ ‬علم األدوية الزّمني‬

‫‪23‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪24‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫علمُ الحياة‬
‫الزّمني‬
‫(البَيُولوجيا‬
‫الزمنيّة)‬
‫توطئة وتعريفات‬
‫الساعة الدّ اخلية للجسم البَشي ‪human‬‬ ‫ليس لدى معظم الناس معرف ٌة كبرية فيام ُي ّ‬
‫سمى ّ‬
‫‪ .body’s‬ولكن‪ ،‬هناك ع ْل ٌم جديد ُأ ْطلق عليه اسم علم احلياة الزمني أو‬ ‫‪inner clock‬‬

‫مهي ًة كبرية عىل مدى السنني الثالثني‬


‫البيُولوجيا الزمنيّة ‪ ،chronobiology‬وقد اكتسب أ ّ‬
‫لق‬
‫معظمنا مل يت ّ‬
‫َ‬ ‫الطب‪ ،‬رغم ّ‬
‫أن‬ ‫ّ‬ ‫مهية بالغة فـي‬
‫الـامضية؛ حيث ُيعدُّ هذا العلم ميدانًا رائ ًعا‪ ،‬ذا أ ّ‬
‫أي ُم ْستوى من التدريب عليه‪.‬‬
‫ّ‬

‫الساعة البيولوجية أو احل ّيوية ‪ biological clock‬هي الضابط الفطري الدقيق الذي ين ّظم‬
‫والتغريات‬
‫ّ‬ ‫وقت النوم واالستيقاظ واحلركة والسكون‪ ،‬ووقت الشعور باجلوع وطلب الطعام‪،‬‬
‫والـمؤرشات احليوية كالضغط والنبض ودرجة احلرارة يف‬
‫ّ‬ ‫يف مستوى النشاط ِ‬
‫وقيم اهلرمونات‬
‫التغريات احليوية والنفسية التي تتبع دورة الساعة احليوية خالل ‪ 24‬ساعة‬
‫عرف ّ‬ ‫اجلسم‪ .‬و ُت َ‬

‫‪25‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫سمى الدورات اإليقاعية‪ ،‬أي حتدث بفواصل زمنية منتظمة‪،‬‬


‫باإليقاع أو النظم اليوماوي أو ما ُي ّ‬
‫التموجات يف العوامل‬
‫ّ‬ ‫ت ّتفق مع تعاقب الليل والنهار غال ًبا‪ ،‬أو حتّى مع تعاقب الفصول أو‬
‫عرف‬ ‫ُ‬
‫فالسلوك الذي حيدث يوم ًيا ُي َ‬ ‫البيئية كالضوء واحلرارة والرطوبة النسبية والضغط اجل ّوي‪،‬‬
‫باإليقاع أو النّظم اليوماوي‪.‬‬

‫إ ًذا‪ ،‬يتحدّ ث هذا ال ُ‬


‫علم عن كيف ّية تشكيل األحداث ذات الصلة بالوقت لردود أفعالنا أو‬
‫الطب فيام يتع ّلق بالفيز ُيولوجيا الـمرض ّية‬
‫ّ‬ ‫تفاعالتنا الب ُيولوج ّية اليومية‪ ،‬وتطبيقها عىل جوانب‬
‫تغرية واالستجابة للمعاجلة؛ فعىل سبيل الـمثال‪ُُ ،‬تارس األ ْح ُ‬
‫داث‬ ‫‪ pathophysiology‬الـم ّ‬
‫اليوماو ّية الطبيع ّية (الدّ ورات اليوم ّية‪ ،‬عىل مدار ‪ 24‬ساعة تقري ًبا)‪ ،‬مثل اهلبوط الشديد فـي‬

‫مستويات ُهرمونـي األَ ْدرينالني والكورتيزول الذي حيدث فـي اجلسم حواىل ّ‬
‫الساعة العارشة‬
‫مساء وحتّى الرابعة فجرا وزيادة مستويات ِ‬
‫اهل ْستامني ‪ )1(histamine‬والوسائط األخرى التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬

‫ومتنوعة من الكائنات احلية‪ ،‬و ُيوجد فـي العديد‬ ‫‪ِ 1‬‬


‫اهل ْستامني ماد ٌة نشطة بيولوجيًا‪ ،‬توجد فـي َمموعة كبرية‬
‫ّ‬
‫سم احلَشات‪ .‬و ُيصنَّف كيميائ ًيا عىل أنه َأمني‪ .‬ويوجد عندَ اإلنسان فـي مجيع‬
‫من النَّباتات واجلراثيم‪ ،‬وفـي ّ‬
‫سمى اخلاليا ال َبدينة ‪mast cells‬‬
‫أنسجة اجلسم تقري ًبا‪ ،‬حيث جيري تزينُه بشكل رئييس فـي ُح َب ْيبات خاليا ُت ّ‬
‫الق ِعدات أو ا َ‬
‫أل ُسسات ‪( basophils‬أحد أنواع الكر َّيات البيض التي تزيد‬ ‫تسمى َ‬
‫لألنسجة‪ .‬حتتوي خاليا الدَّ م التي ّ‬
‫وبمجرد إفراز اهلستامني من ُح َب ْيباته‪ ،‬يؤ ِّدي إىل‬
‫َّ‬ ‫أيضا عىل ُح َب ْيبات تشتمل عىل اهلستامني‪.‬‬
‫التحسس) ً‬
‫ُّ‬ ‫فـي حاالت‬
‫الـم ْلسـاء فـي الرئتني‬ ‫العديد من التأثريات الـمختلفة داخل اجلسـم‪ ،‬بام فـي ذلك تق ُّل ُ‬
‫ص األنسـجة العضلية َ‬
‫َ‬
‫ضغط الدم‪ ،‬وتنبيه إفراز الـحمض‬ ‫والر ِحم والـمعدة‪ ،‬وتوسع األوعية الدموية الذي يزيد من النفاذية ِ‬
‫وينقص‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬

‫‪26‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الربو خالل ال ّليل‪ .‬وفـي‬


‫دورا رئيسيا فـي تفا ُقم ّ‬
‫فجرا‪ً ،‬‬
‫حتدث بني منتصف الليل والرابعة ً‬
‫الربو‪ .‬وبام ّ‬
‫أن مجيع الوظائف الب ُيولوج ّية‪،‬‬ ‫الواقع‪ ،‬حيدث هذا ال ّتفا ُق ُم ال ّل ُّ‬
‫ييل عند غالب ّية مرىض ّ‬
‫وظائف اخلاليا واألعضاء واجلسم بكامله‪ ،‬هلا ُن ُظم يوماو ّية ‪ circadian‬أو فوق‬
‫ُ‬ ‫بام فـي ذلك‬
‫يـومـاو ّية ّ‬
‫(أقل مـن ‪ 22‬سـاعة)‪ ،‬أو دون يـومـاو ّية (أكثر من ‪ 26‬ساعة) فـي معدَّ ل التواتر‪،‬‬
‫التغريات‬
‫نضع هذه ُّ‬
‫فهم الفيزيولوجيا الـمرض ّية ومعاجلة األمـراض يـحتاجان إـىل أن َ‬ ‫لذلك ّ‬
‫فإن َ‬
‫فـي احلسبان‪.‬‬

‫ُ‬
‫اله ْستامين والوسائط االلتهابية األخرى‪،‬‬
‫زيادة مستويات ِ‬
‫فجرا‪ ،‬تمارس ً‬
‫دورا‬ ‫التي تحدث بين منتصف الليل والرابعة ً‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫تفاقم ّ‬ ‫ًّ‬
‫الربو خالل الليل‪.‬‬ ‫رئيسيا فـي‬

‫ُتشري البيُولوجيا الزّ منيّة أو علم البيولوجيا الزَّ مني إىل دورة ال ّليل والنّهار التي تؤ ّثر فـي‬

‫الكائن البَشي عندما تدور األرض؛ وهي َف ٌ‬


‫رع من ال ُعلوم الطب َّية البيولوج َّية هيدف فـي الـمقام‬
‫ُ‬
‫التاريخ البَشي اعتام ًدا عىل‬ ‫األول إىل ِدراسة النُّ ُظم البيولوج َّية‪ُ .‬منذ بداية البَش ّية‪َ ،‬تش َّكل‬
‫ّ‬
‫الضوء والظالم‪ .‬ولذلك‪ ،‬تقبع أنظم ُة التوقيت الـمحكومة وراث ًيا فـي عمق أجسادنا‪ ،‬وهي‬
‫ّ‬
‫األساس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تتح ّكم فـي هذا اإليقاع أو النّظم‬

‫أيضا‪ ،‬حيث حيمل الرسـ َ‬


‫ائل الكيميائية بني اخلاليا‬ ‫ٍ‬
‫كناقل عصبي ً‬ ‫الـمعدي‪ ،‬وتسـ ُّرع القلب‪ .‬كـام يعمل الـهسـتامني‬
‫العصب َّية‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الساعات اليوماو َّية فـي النوا ُة فوق التصا ُلبة )‪ suprachiasmatic nucleus (SCN‬ومناطق‬
‫أخرى من الدماغ‪ .‬باإلضافة إىل الناظمة الـمركزية الـموجودة فـي النواة فوق التصالبة‪ ،‬هناك‬
‫ساعات أخرى فـي مناطق خمتلفة من الدماغ‪ .‬حي ِّرض الضو ُء توليدَ اإليقاع أو النظم ال َي ْوماوي فـي‬
‫ٌ‬
‫الساعة الرئيسية تعمل َ‬
‫عمل‬ ‫َ‬ ‫الساعة البيولوجية الرئيسية (أي النواة فوق التصالبة)‪ .‬ويبدو َّأَّنذه‬
‫تصل إحـدى اإلشـارات االستقالبية‪ ،‬مثل تناول‬ ‫زامن لسـاعات الدماغ؛ حيث يمكن أن َ‬ ‫م ِ‬
‫ُ‬
‫الطعام‪ ،‬إلـى الـجهاز العصبي الـمركزي عرب سـاعة موضع َّية فـي أحـد أجزاء منطقة الوطـاء (مـا‬
‫حتت الـمهاد)‪.‬‬

‫‪human‬‬ ‫اليوماوي البَشي)‬


‫ّ‬ ‫إيقاع أو نظم الساعة البيولوجية البَشية (النظم‬
‫ُ‬ ‫يتو َّلد‬
‫‪ circadian rhythm‬بواسطة ُم َذ ِبذب داخلـي الـمنشأ ‪ ،endogenous oscillator‬وهو يتبع‬
‫اليوماوي البَشي الداخيل وسط ًيا بحواىل ‪24.2‬‬
‫ّ‬ ‫دور ًة تقريبية مدّ ُتا ‪ 24‬ساعة ( ُيقدَّ ر النظم‬
‫ساعة‪ ،‬وقد يرتاوح بني ‪ 23.5‬و ‪ 24.5‬ساعة)‪ .‬وإذا كان األفرا ُد سيتّبعون ساعاُتم‬

‫‪28‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الـمكون من ‪ 24‬ساعة‪ .‬لذلك‪،‬‬


‫َّ‬ ‫األمر خارج السياق فـي اليوم البيئي‬
‫ال َب ُيولوجية‪ ،‬فسينتهي هبم ُ‬
‫جيب أن يكون اإليقاع أو النظم اليومي متزامنًا مع البيئة‪.‬‬

‫‪pineal‬‬ ‫ِ‬
‫وإفرازه من الغدَّ ة الصنوبرية‬ ‫ليق الـ ِميالتونني‬
‫ت ِ‬‫بيط َ ْ‬
‫فيز ُيولوجيا الـميالتونني‪ .‬جيري َتثْ ُ‬
‫اإلشارات العصبية من اخلاليا العقدية الـ ُمح َّفزة أو‬
‫ُ‬ ‫‪ gland‬بتأثري الضوء‪ ،‬وحي ِّفزه الظالم‪ُ .‬تن َقل‬
‫الـمن َّبهة ‪ stimulated ganglion cells‬إىل الـمنطقة األمامية من الوطاء (ما حتت الـمهاد) والنواة فوق‬
‫ُ‬
‫وأخريا إىل الغدَّ ة الصنوبرية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ثم إىل العقدة الرقب َّية العلوية‪،‬‬ ‫التصا ُلبة عرب َّ‬
‫السبيل الشبكي الوطائي‪َّ ،‬‬

‫الـمتوضعة فـي الـمنطقة‬


‫ِّ‬ ‫تعدُّ النوا ُة فوق التصالبة )‪،suprachiasmatic nucleus (SCN‬‬
‫األمامية من الوطاء (أي ما حتت الـمهاد)‪ ،‬الساع َة احليو َّية الرئيسية لدى ال َّثدْ يِيات‪ .‬و ُيعت َقد َّ‬
‫أن‬
‫ُزامن اإلشارات ال َب ُيولوجية اليومية للساعات‬ ‫هذه النوا َة هي مصدر اإليقاع الداخيل؛ فهي ت ِ‬

‫‪29‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫احليوية الـمحيطية‪ ،‬وت ِ‬


‫ُدخل األنظم َة العضو َّية فـي اليوم البيئي البالغ ‪ 24‬ساعة‪ .‬ولكن‪ ،‬البدَّ‬ ‫َّ‬
‫الـمدْ َخالت أو اإلشارات اخلارجية‪ ،‬للحفاظ عىل‬
‫من إعادة الـمزامنة اليومية‪ ،‬باستخدام ُ‬
‫الـمستحدَ ث بني النُّ ُظم الداخلية واليوم البيئي (‪ 24‬ساعة)‪.‬‬
‫التَّواؤُ م التك ُّيفي أو ُ‬

‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬


‫ـمتوضعة فـي الـمنطقة‬ ‫تعد النواة فوق التصالبة‪ ،‬ال ِ‬
‫األمامية من الوطاء (أي ما تحت الـمهاد في الدماغ)‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫لحيوية الرئيسية لدى الث ْد ِييات‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الساعة ا‬

‫يم ِّثل الضوء أقوى م ِ‬


‫زامن أو مؤ ّثر بيئي أو حميطي تستخدمه النوا ُة فوق التصا ُلبة؛ ففي داخل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والـمخاريط ‪ cons‬وخاليا عقد َّية شبك َّية‬
‫َ‬ ‫ُسمى العيص (أو النَّبابيت) ‪rods‬‬
‫العني‪ ،‬تلتقط بنى ت َّ‬
‫السبيل الشبكي الوطائي‬
‫سمى َّ‬
‫ُرسل هذه اإلشارة عىل طول مسار عصبي ُي ّ‬
‫نوعية الضو َء‪ ،‬وت َ‬
‫‪ ،retinohypothalamic tract‬لتُن َق َل إىل النواة فوق التصا ُلبة مبارشة‪ .‬يمكن أن يؤ ِّدي ُّ‬
‫التعر ُض‬
‫لضوء الصباح إىل ُن ُظم بيولوجية يومية متقدِّ مة الطور أو الـمرحلة‪ ،‬أي ضمن اإليقاع الطبيعي‬
‫التعر ُض لضوء الـمساء إىل ُّ‬
‫تأخر فـي مسار الساعة البيولوجية عن طبيعتها‬ ‫للحياة‪ ،‬بينام يؤ ِّدي ُّ‬
‫نات أو الـمؤ ّثرات األخرى عىل توقيت الراحة أو التمرين‪،‬‬ ‫السوية‪ .‬وتشتمل الـم ِ‬
‫زام ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫التعرض للضوء‪.‬‬ ‫والتأثريات االجتامعية‪ ،‬والـمدخول الغذائي‪ ،‬ولكنّها ذات تأثريات ّ‬
‫أقل من ّ‬
‫اإليقاع أو النظم‬
‫ُ‬ ‫قد حيدث ُ‬
‫زوال أو اضطراب التزامن ‪ desynchronization‬عندما يتع ّطل‬
‫رب‬
‫الـم ّتسق مع اليوم البيئي‪ ،‬الس َّيام بسبب السفر ع َ‬
‫الطبيعي‪ ،‬أو خيرج عن الـمرحلة أو الطور ُ‬
‫خطوط الطول ‪( transmeridian‬مسافات عرضية طويلة) أو العمل بنظام الـمناوبات الليلية‪،‬‬

‫‪30‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أيضا‪ .‬وقد يؤ ّدي ُ‬


‫زوال‬ ‫وبسبب االضطرابات فـي النظم اليوماوي أو االضطرابات األخرى ً‬
‫األعراض احلاصلة‬
‫ُ‬ ‫ترتاوح‬
‫َ‬ ‫الصحة والعافية‪ .‬يمكن أن‬
‫َّ‬ ‫السوي إىل تدهور‬
‫ّ‬ ‫أو اضطراب التزامن‬
‫وتغريات احلالة الـمزاجية‬
‫ّ‬ ‫بسبب ذلك ما بني الشعور بالتعب وضعف الرتكيز والذاكرة‬
‫واالنزعاج اهلضمي والغثيان ‪ ...‬إلخ‪.‬‬

‫التأثري الـمحتمل خللل إيقاع الساعة البيولوجية (النظم‬


‫َ‬ ‫لقد و ّثقت األد َّلة الـمرتاكمة‬
‫اليوماوي) فـي حدوث األمراض الـمزمنة‪ ،‬بام فـي ذلك اضطرابات القلب واألوعية الدموية‬
‫االضطراب فـي‬
‫َ‬ ‫واضطرابات التمثيل الغذائي (االستقالب) والرسطان‪ .‬ولقد ثبت َّ‬
‫أن‬
‫اال ْن ِسجام أو التواؤم اليوماوي يؤ ّدي إىل خلل الـنَّ ْظم أو اإليقاع اليوماوي فـي مقاييس النُّ ُظم‬
‫الـمؤرشات أو الـمعالِـم الداخلية فـي الدم (كالـميالتونني(‪ )1‬والكورتيزول وما إىل ذلك)‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫أو‬
‫مؤرشا‬
‫الصحة‪ .‬لذلك‪ ،‬قد يكون اخللل فـي هذه الـمعالـم ِّ ً‬
‫ّ‬ ‫وهو ما يرتبط بعواقب سلبية عىل‬
‫ُ‬
‫فوارق النهارية فـي مستويات بعض العنارص‬‫أيضا‪ .‬وتعدُّ ال‬
‫عىل زوال أو اضطراب التزامن ً‬
‫لساعة البيولوجية‬
‫لتغريات النظمية التي حتدث كداللة عىل حالة ا َّ‬ ‫َ‬
‫دالئل وصفية عىل ا ُّ‬ ‫فـي الدم‬
‫السلوكية عىل مدار ‪ 24‬ساعة‪.‬‬
‫الداخلية‪ ،‬باإلضافة إلـى تأثري البيئة اخلارجية واإلشارات ُّ‬

‫كثري من أنامط األمراض بالنّ ُظم البيولوجية للجسم؛ فالتق ّل ُ‬


‫بات اليومية فـي بعض‬ ‫يتأ ّثر ال ُ‬
‫َ‬
‫تكون واضحة‬ ‫التحسس وارتفاع ضغط الدم والنقرس والربو‪ ،‬يمكن أن‬
‫ّ‬ ‫العلل‪ ،‬مثل حاالت‬
‫نتائج كاذبة؛ فلتشخيص‬ ‫جدً ا‪ ،‬بحيث َّ‬
‫إن القيا َم باختبارها فـي وقت خاطئ من اليوم قد يعطي َ‬

‫صباحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ 1‬يكون تش ّكل الـميالتونني فـي ذروة عند حواىل الساعة الرابعة‬

‫‪31‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫كثريا عىل االختبارات اجللدية؛ ولكن‪ ،‬أكثر ما‬


‫التحسس‪ ،‬عىل سبيل الـمثال‪ ،‬يعتمد األط ّبا ُء ً‬
‫ّ‬
‫للتحسس فـي غبار الـمنزل وغبار الطلع‬
‫ّ‬ ‫تكون استجابة اجللد للهيستامني وللعوامل الـمس ّببة‬
‫ُ‬
‫القليل من األط ّباء مواعيدَ هم‪ .‬كام َّ‬
‫أن‬ ‫واضح ًة فـي الـمساء‪َ ،‬‬
‫قبل النوم ُتا ًما‪ ،‬عندما يربمج‬
‫االختبارات التشخيصية‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ضغط الدم يتّجه إىل االرتفاع بعدَ الظهر‪ ،‬لذلك يمكن أن تيسء‬
‫يشخص أحدُ األط ّباء للمريض ضغ ًطا‬
‫تقدير شدّ ة ارتفاع ضغط الدم‪ .‬وبذلك‪ ،‬قد ّ‬
‫َ‬ ‫الصباحية‬
‫ارتفاع ضغط الدم عندما يراه‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ليشخص له‬ ‫طبيب آخر‬
‫ٌ‬ ‫سو ًيا عندما يراه فـي الصباح‪ ،‬ويأتـي‬
‫الصحة‪ ،‬فمن الـمفيد لألط ّباء‬
‫ّ‬ ‫بعدَ الظهر‪ .‬إذا كان النَّ ْظ ُم ً‬
‫عامال مهام فـي الـمرض كام هو فـي‬
‫َّأال ينتبهوا ج ّيدً ا إىل توقيت االختبارات التشخيصية فحسب‪ ،‬بل وإىل الـمعاجلات الدوائية‬
‫الكثري من األط ّباء ال يزالون غري مقتنعني بأن النُّ ُظم‬
‫َ‬ ‫أيضا‪ .‬ولكن‪ ،‬لألسـف‪ُ ،‬يالحظ َّ‬
‫أن‬ ‫ً‬
‫مظهرا مهام للمرض أو الـمعاجلة؛ وهـذه مشـكل ٌة فـي رأي علمـاء البيولوجيا‬
‫ً‬ ‫اليوماوية ُت ّثل‬
‫َ‬
‫يتعامل مـع الـجرعة نفسـها مـن دواء ما بطرائق خمتلفة بحسب‬ ‫اجلسم يمكن أن‬
‫َ‬ ‫الزمنية‪َّ ،‬‬
‫ألن‬
‫الوقت من اليوم‪.‬‬
‫َ‬
‫يتعامل الجسم مـع الـجرعة نفسـها مـن دواء ما‬ ‫يمكن أن‬
‫بطرائق مختلفة بحسب الوقت من اليوم‪ .‬ومن هنا تأتي‬
‫أهمية التوقيت الـمناسب إلعطاء ذلك الدواء‪.‬‬

‫بعض‬ ‫أن األد ّل َة الـمبارشة عىل دور ت ّ‬


‫غري النظم اليوماوي فـي تأثري األدوية قليلة‪ ،‬لك َّن َ‬ ‫مع َّ‬
‫أن الساعة اليوماوية فـي الفئران عىل ّ‬
‫األقل تقود‬ ‫الدراسات أظهرت ‪ -‬عىل سبيل الـمثال ‪َّ -‬‬
‫النُّ ُظ َم فـي اجلينات التي تسمح للجسم باالستجابة لألدوية والـمواد الغريبة األخرى؛‬

‫‪32‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫فالفئران ذات الساعات الطبيعية ن ّظفت أجسا َمها من دواء ِ‬


‫الب ْنتوباربيتال ‪ pentobarbital‬بشكل‬
‫ُ‬
‫الفئران التي لدهيا ساعات طافرة (معيبة)‪ ،‬فكان لدهيا عيوب‬ ‫أرسع بكثري ً‬
‫ليال منه خالل النهار؛ أ ّما‬
‫َ‬
‫طوال اليوم‪ ،‬كام َّأَّن ا عانت من تأثريات جانبية س ّمية‬ ‫شديدة فـي تنظيف الدواء مـن أجهزُتا‬
‫أكثر جتاه بعض األدوية‪.‬‬

‫وقت خاطئ من‬ ‫َ‬ ‫َّ‬


‫القيام باختبارات لبعض األمراض فـي ٍ‬ ‫إن‬
‫اليوم قد يعطي َ‬
‫نتائج كاذبة‪.‬‬

‫ٍ‬
‫تأثريات يوماوية مماثلة لـام سبق؛ فقد أظهرت إحدى‬ ‫ُ‬
‫األبحاث فـي اإلنسان إىل‬ ‫تشري‬
‫طب األسنان يدوم فـي وقت ما بعد الظهرية أطول مم ّا هو فـي‬
‫التخدير فـي ّ‬
‫َ‬ ‫الدراسات َّ‬
‫أن‬

‫‪33‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الصباح؛ فالليدوكايني ‪ Lidocaine‬الـمعطى ما بني الساعة ‪ 3-1‬بعدَ الظهر خي ِّفف األمل السنّي‬
‫باكرا فـي الصباح‪ .‬ومن جهة‬
‫لـمدّ ة تزيد ثالثة أضعاف عىل الـمدّ ة احلاصلة عندَ إعطائه ً‬
‫أخرى‪ ،‬أظهرت دراس ٌة أخرى َّ‬
‫أن الـمرىض الذين خيضعون للتخدير بقصد اجلراحة فـي وقت‬
‫ما بعد الظهر يعانون ألـ ًام وغثيا ًنا وقيئًا تال ًيا للجراحة أكثر من أولئك الذي يتل ّقون األدوية‬
‫ويقومون هبذه اإلجراءات فـي الصباح؛ وهذا ما قد ينجم عن أخطاء فـي تطبيق التخدير‬
‫اجلسم مع دواء‬
‫ُ‬ ‫أيضا فـي الطريقة التي يتعامل هبا‬
‫بسبب تعب الطبيب‪ ،‬لكن قد يكون كامنًا ً‬
‫معني فـي وقت حمدَّ د من اليوم‪.‬‬
‫ّ‬

‫ّ‬ ‫يخفف َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الليدوكايين‪ ،‬وهو ّ‬ ‫ّ‬


‫األلم السني‬ ‫موضعي‪ِ ،‬‬ ‫مخدر‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫عندما يعطى بعد الظهرلـمدة تزيد ثالثة أضعاف على‬
‫مدة الحاصلة َ‬
‫عند إعطائه ً‬
‫باكرا فـي الصباح‪.‬‬ ‫الـ ّ‬

‫إ ًذا‪ ،‬ك ّلام استوعبنا ب ٍ‬


‫ذكاء أكثر معلومات أنظمة التوقيت تلك‪ ،‬زاد انتفاعُنا هبا‪ .‬ولذلك‪ ،‬يعدُّ‬
‫مر مهام فـي الوقاية من األمراض وفـي معاجلتها‪ ،‬وكذلك بالنسبة لعمل ّية الشفاء‪.‬‬
‫هذا األ ُ‬

‫طرائق الـمُراقبة فـي علم البيولوجيا الزَّمن‬

‫تطو ًرا رسي ًعا‪ ،‬و ُيعدُّ هذا‬


‫متخصصة فـي أبحاث النَّظم اليوماوي ُّ‬
‫ّ‬ ‫الطرائق الـمنهجية الـ‬
‫ُ‬ ‫تشهد‬

‫الـمجال من أكثر األبحاث البيولوج َّية تشوي ًقا‪ .‬لقد أصبح لدينا الكثري من الـمعلومات عن‬
‫النَّاظِ َمة اليوماو َّية عندَ البَش‪ ،‬أي ُمدخالُتا وخمُ َرجاُتا والعوامل التي تُؤ ِّث ُر فيها‪ .‬هذا‪ ،‬وتضع‬

‫‪34‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مستمر‪ ،‬أي أنَّه جيري تضمنيُ َمموعات مقارنة‬


‫ّ‬ ‫طرائق الـمنهجية الـمستعملة إىل تنقيح‬
‫ُ‬ ‫ال‬
‫ِ‬
‫العوامل غري الـمقصودة‪ ،‬التي قد تُؤ ِّدي إىل‬ ‫إضاف َّية إىل الدراسات من أجل التخ ُّلص من‬
‫تأثريات ُمقنِّعة أو حا ِجبة ‪.masking effects‬‬
‫ٍ‬
‫تطورة ومساحة واسعة معزولة‬ ‫الطرائق الـمنهجية ُمع َّقدة‪ ،‬وهي ُ‬
‫حتتاج إىل خمتربات ُم ِّ‬ ‫ُ‬ ‫تعدُّ هذه‬
‫زمن ًيا وبعض الـمعدّ ات‪.‬‬
‫‪forced‬‬ ‫َ‬
‫يكون للدراسات عن خلل التزا ُمن القرسي (إخالل التزامن)‬ ‫ينبغي أن‬
‫‪ desynchrony‬تأثري رئييس فـي اضطراب العافية عندَ الـمشاركني الذين يعيشون يف ٍ‬
‫بيئة ال‬ ‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫اخلارجي‪ ،‬ويستيقظون فـي أوقات خمتلفة‬
‫ّ‬ ‫ُوجو َد للزمن فيها‪ ،‬وليس لدهيم أي ا ّتصال مع العامل‬
‫غري مرغوب فيه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫سمح هلم بالنَّوم فقط فـي أوقات يكون النو ُم فيها َ‬
‫خالل الليل أو النَّهار؛ و ُي َ‬
‫غري جائعني‪ .‬فـي البلدان التي ُتنع قوانينها ممارس َة التعذيب‬
‫ويأكلون طعا َمهم عندما يكونون َ‬
‫اجلسدي‪ُ ،‬تستخدَ م ظروف تُشبه خلل التزا ُمن القرسي من أجل استجواب أرسى احلرب‪.‬‬
‫ّ‬
‫النتائج النَّامجة عن منهج َّيات أو طرائق إحداث خلل التزا ُمن القرسي تتأ َّثر‬
‫َ‬ ‫ومن الـمحتَمل َّ‬
‫أن‬
‫بالطبيعة غري الـمألوفة وغري الـ ُمستَدامة للحاالت التجريب َّية‪.‬‬

‫َ‬ ‫ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫ستخدم‬ ‫الجسدي‪ ،‬ت‬ ‫قوانينها ممارسة التعذيب‬ ‫فـي البلدان التي تمنع‬
‫ُ‬
‫التزامن القسري من أجل استجواب أسرى الحرب‪.‬‬ ‫ظروف ُتشبه َ‬
‫خلل‬

‫بني بروتوكول أو أسلوب الليايل الطويلة مرون ًة كبري ًة فـي ُقدرة البَش عىل التأقلم مع ال ُ‬
‫ـمدَ د‬ ‫ُي ِّ ُ‬

‫‪35‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫بني‬
‫الزمنية الطويلة من الظالم‪ ،‬وذلك مـن النَّاحيتني البيولوجية والسـلوكية م ًعا‪ .‬وهو ُي ِّ ُ‬
‫تغريات بيولوج َّية‪ ،‬مـثـل كبح أو تثبيط هـرمـون الكورتيزول لـمدّ ٍة طويلة‪ ،‬والتقليل مـن‬ ‫ُّ‬
‫ربه َن ذلـك عـلـى منفعة بالنسـبة إلـى شـرائح مع َّينة‬‫مـدّ ة النـَّـوم فـي النهار‪ .‬ويمكن أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫أو‬ ‫‪narcolepsy‬‬ ‫مـن البشـر‪ ،‬مثل األطفال أو مرىض حالة تُسـ َّمى ال َّت ْغفيق (فرط النوم)‬
‫معلومات عـن علم البيولوجيا الزمني‬
‫ُ‬ ‫مرضـى االضطرابات الوجدان َّية‪ .‬ومـع ذلك‪ ،‬تبقى الـ‬
‫قليلة‪.‬‬

‫تعمل عىل إجياد مناهج جتريب َّية تُق ِّلل‬


‫الزمني عندَ البَش ُ‬
‫ّ‬ ‫اخلاصة بعلم البيولوجيا‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫األبحاث‬ ‫يبدو َّ‬
‫أن‬
‫أي فوارق بني البَش أو بني حيوانات أخرى أو بني النباتات‪ .‬لقد أصبحت‬
‫إىل حدّ كبري من ّ‬
‫أبحاث ال ُّن ُظم اليوماوية عند البَش؛‬
‫ُ‬ ‫معيار الرئييس الذي تطمح إليه‬ ‫ِ‬
‫القوارض الـ َ‬ ‫الدراسات عىل‬
‫ُ‬
‫الدراسات عىل القوارض والبَش من ثبات َّية أو استمرار طول الـمدّ ة الزمنية لطر َف ِ‬
‫ـي‬ ‫ُ‬ ‫حيث تعزِّ ز‬
‫ٍ‬
‫معلومات عن‬ ‫مجع‬ ‫اليوم إىل أقىص حدّ ‪ ،‬وتُق ِّل ُل من تغا ُيرمها إىل أقىص حدّ ً‬
‫اهلدف هو َ‬ ‫ُ‬ ‫أيضا‪ .‬وإذا كان‬
‫النمط الظاهري أو ما يبدو لعني الناظر ‪ phenotypic‬بالنسبة للدراسات اجلين َّية‪ ،‬فمن الـمفهوم َّ‬
‫أن‬
‫ال َ‬
‫ثباتية القصوى والتغاير األدنى للنوم واليقظة رضور ّيان‪ .‬ولكن‪ ،‬هناك يشء مفقود بالنسبة لنا‬
‫مفضل للنهار‪ ،‬حيث نستبعد‬ ‫نتخىل عن نامذج ت ِ‬
‫ُظه ُر تغا ُي ًرا فرد ًيا فـي الطول الـ ّ‬ ‫ك َب ََش عندما َّ‬
‫طولة‪.‬‬
‫فضلون البقا َء مستيقظني أو نائمني أوقا ًتا ُم َّ‬
‫أشخاصا ُي ِّ‬
‫ً‬

‫الوقت من اليوم فـي فيزيولوجيا‬


‫ُ‬ ‫من الـمثري لالهتامم أن نف ّك َر بالـمسألة التالية‪ :‬كيف يتح ّكم‬
‫تغري مظاهره‪ .‬عندَ االستيقاظ فـي الصباح‪ ،‬تزداد رسع ُة‬
‫الـمرض‪ ،‬أي فهم آل ّية حدوثه أو ّ‬

‫‪36‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ات الدمو ّية إىل الرتا ُكم‬


‫الصفيح ُ‬
‫رضبات القلب وضغط الدم زياد ًة رسيعة ‪ ،‬كام ُتيل ُّ‬
‫(‪)1‬‬

‫يكون لذلك ارتبا ٌط بزيادة النّوبات‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫عوامل التخ ُّثر األخرى ً‬
‫أيضا؛ ويمكن أن‬ ‫والتكدُّ س وتزداد‬
‫القلب ّية فـي هذا الوقت من اليوم‪ .‬أ ّما خالل الوقت ما بعدَ الظهر‪ ،‬فنحن نميل إىل ُب ُلوغ أفضل‬
‫مجيع الوظائف الب ُيولوجية‪ ،‬سوا ٌء فـي الـخاليـا أو‬ ‫أداء ذهني وجسـدي‪ ،‬وهكذا‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫تغري‬ ‫ٍ‬
‫متأصلة وفطرية مـن ُّ‬ ‫ّ‬ ‫دورة‬ ‫األنسـجة أو األعضاء‪ ،‬أو اجلسم بكامله‪ ،‬تعمل من خالل‬
‫النّشاط والوظيفة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لكثري من العوامل‪ ،‬مثل األدوية والـمواد الكيميائ ّية‬ ‫االستجابات الب ُيولوجية‬
‫ُ‬ ‫ال ت ُ‬
‫كون‬
‫ٍ‬
‫استجابات عشوائ ّية؛ وال ينطبق ذلك عىل‬ ‫والسموم ثابت ًة عىل مدى ‪ 24‬ساعة‪ ،‬كام ّأَّنا ليست‬
‫ُّ‬
‫جسم اإلنسان فقط‪ ،‬بل يتعدّ اه إلـى أشياء وكائنات أخرى؛ فاستجاب ُة اجلراثيم ل ُ‬
‫لمضا ّدات‬
‫أيضا؛‬ ‫الكيميائي أو ُّ‬
‫الشـعاعـي هي كذلك ً‬ ‫ّ‬ ‫الرسطانية لعوامل العالج‬
‫احليو ّية‪ ،‬واخلاليا ّ‬
‫ات اليوماو ّية االستجاب َة العالج ّية‬
‫التغري ُ‬
‫ونرضب فيام يأتـي مثالني عىل الطريقة التي ُتبدِّ ل هبا ُّ‬
‫والدوائية‪.‬‬

‫صباحا‪ ،‬ويميل الـ ّ‬


‫مدخنون أو مرىض الربو‬ ‫‪ 1‬تكون الرئتان فـي مرحلتهام ِ‬
‫النشطة ما بني الساعتني الثالثة واخلامسة‬
‫ً‬
‫إىل االستيقاظ فـي هذا الوقت‪ .‬كام يؤ ّدي التهاب األنف الـمزمن أو التهاب القصبات اهلوائية أو االلتهابات التن ّفسية‬

‫الرضر احلاصل فـي اجلهاز التن ّفيس بسبب ما سبق جيعله َ‬


‫غري قادر‬ ‫َ‬ ‫أيضا‪ّ ،‬‬
‫ألن‬ ‫إىل صعوبة التن ّفس فـي هذا الوقت ً‬
‫أيضا‪ ،‬لذلك ّ‬
‫فإن هذا اجلز َء من اليوم‬ ‫عن تلبية هذا النشاط الـمتجدّ د بكفاءة‪ .‬ونميل إىل الشعور باخلوف والقلق ً‬
‫ضغط الدم وتب ُطؤ‬
‫ُ‬ ‫صباحا‪ ،‬ينخفض‬
‫ً‬ ‫خطري جدا عىل األشخاص الـمصابني باالكتئاب‪ .‬وفـي حواىل الساعة الرابعة‬
‫رسعة رضبات القلب‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫َ‬
‫يمكن أن يكـون لزيادة سـرعة القلب‬
‫ُّ‬
‫وضغط الدم وعـوامل التخثر‪ ،‬وميل‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫والتكدس‬ ‫الدموية إلى التراكم‬ ‫الصفيحات‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫فـي ّ‬
‫القلبية‬ ‫الصباح ارتباط بزيادة النوبات‬
‫فـي هـذا الوقت من اليوم‪.‬‬

‫أن إعطا َء‬ ‫مثال إىل ٍ‬


‫فأر مصاب بابيضاض الدم‪ ،‬وهو نمط من رسطان الدّ م؛ فقد لوحظ ّ‬ ‫لنن ُظر ً‬
‫كعالجٍ كيميائي دفع ًة واحدة أ ّدى إىل نتائج تفوق إعطا َءه‬ ‫‪Cytarabine‬‬ ‫السيتارابني‬
‫دواء ّ‬
‫باجلرعة اإلمجالية نفسها‪ ،‬ولكن عىل جرعتني متساويتني؛ حيث زاد معدّ ُل البقاء عىل قيد احلياة‬
‫سمية الدّ واء‪ ،‬وذلك مقارن ًة بطريقة الـمعاجلة‬
‫وفيات نامجة عن ّ‬
‫ٌ‬ ‫إىل ال ّضعفني‪ ،‬ومل تكن هناك‬
‫بعض‬
‫بجرعتني متساويتني‪ ،‬مثلام ذكرنا‪ .‬واستنا ًدا إىل هذا الـمفهوم وتطبيقه عىل البَش‪ ،‬درس ُ‬
‫باألرومات ال ّلمفاو ّية ‪acute lymphoblastic‬‬ ‫ً‬
‫أطفاال مصابني بابيضاض الدّ م احلا ّد ُ‬ ‫الباحثني‬
‫ُ‬
‫األطفال إىل هوادة للمرض‬ ‫‪ leukemia‬وهو فـي حالة هوادة أو هجوع؛ حيث وصل هؤالء‬
‫صباحا أو بعدَ اخلامسة مساء؛ وكانت اجلرع ُة‬
‫ً‬ ‫بالعالج الكيميائي الذي ُط ّبق َ‬
‫قبل العارشة‬
‫ف عىل وقت إعطاء‬‫واألدوية الـمستخدمة ُمتطابقني فـي كلتا الـمجموعتني‪ ،‬واقترص االختال ُ‬
‫اجلرعات فقط‪ .‬وبعدَ ٍ‬
‫سنة واحدة‪ ،‬كان معدّ ُل االنتكاس (رجعة الـمرض) لدى األطفال الذين‬
‫مرات ونصف تقري ًبا من األطفال الذين تل ّقوا‬
‫صباحا أكثر بمقدار أربع ّ‬
‫ً‬ ‫العالج الكيميائي‬
‫َ‬ ‫تل ّقوا‬
‫النتائج مدّ ة ‪ 6‬سنوات إضاف ّية‪ ،‬مع‬
‫ُ‬ ‫تمرت‬
‫العالج الكيميائي مسـا ًء‪ .‬وفـي هؤالء األطفال‪ ،‬اسـ ّ‬
‫َ‬

‫‪38‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مرتني ونصف تقري ًبا بالنسبة للمعاجلة الصباح ّية‪.‬‬


‫بقاء اخلطر النّسبي لالنتكاس أكرب بمقدار ّ‬

‫وبام أنَّنا حتدَّ ثنا عن األطفال‪ ،‬فمن اجلدير‬


‫الرضع‬
‫َّ‬ ‫أن الدراسات تشري إىل َّ‬
‫أن‬ ‫بالذكر َّ‬
‫يتعرضون فـي وحدات‬
‫َّ‬ ‫الـمولودين حدي ًثا‬
‫ِ‬
‫لعديد من‬‫العناية الـمركَّزة للولدان إىل ا‬
‫تكررة‪ ،‬بام فـي ذلك‬
‫الـم ِّ‬
‫الضارة ُ‬
‫َّ‬ ‫الـمن ِّبهات‬
‫والض ْوضاء الصاخبة والتعامل‬
‫الضو ُء الساطع َّ‬
‫تكرر باأليدي (كثرة محلهم وحتريكهم)‬
‫الـم ِّ‬
‫ُ‬
‫الـمتعدِّ دة‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫واإلجراءات الـمؤلـمة ُ‬
‫يمـكـن أن يـؤ ِّدي ُ‬
‫تقليل مسـتويـات اإلضـاءة‬

‫َناوب ظروف الليل والنهار إىل احلدِّ من الكرب أو الشدَّ ة‪ ،‬و َت ْعزيز زيادة النوم‪ ،‬وزيادة الوزن‪،‬‬
‫وت ُ‬
‫أن البيئ َة الفيزيائ َّية‬
‫دراسات إىل َّ‬
‫ُ‬ ‫وتنامي النُّ ُظم اليوماو َّية ‪ circadian‬السو َّية لدهيم‪ .‬وتُشري تلك ال‬
‫التعر َض لليل والنهار بشكل‬ ‫للخدَّ ج‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫الالحق ُ‬
‫وأن ُّ‬ ‫هلا تأثري (مبارش أو غري مبارش) فـي السلوك‬
‫انخفاضا فـي شدَّ ة الـمرض عندَ تقليل‬
‫ً‬ ‫متعاقب وطبيعي مفيد‪ .‬كام أظهرت دراس ٌة أخرى ً‬
‫أيضا‬
‫التعرض للضوء والضوضاء والتعامل باأليدي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ُ‬
‫تعرض الخ َّدج لإلضاءة والضوضاء‬ ‫ُ‬
‫تقليل مستويات ُّ‬ ‫يمكن أن ّ‬
‫يؤدي‬
‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ َ‬ ‫ّ‬
‫الحد من الشدة‪ ،‬وتعزيزالنوم‪ ،‬وزيادة الوزن لديهم‪.‬‬
‫والتعامل باأليدي إلى ِ‬

‫‪39‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ينطبق ما سبق‪ ،‬من حيث الب ُيولوجيا الزّ من ّية والـمعاجلة الزّ من ّية ‪ ،chronotherapy‬عىل‬
‫الكثري عن األحداث الب ُيولوجية‬
‫َ‬ ‫الطب‪ .‬ولكنّنا بحاجة إىل أن نتع ّل َم‬
‫ّ‬ ‫الكثري من َماالت‬
‫َ‬
‫مستقبل سيأتـي بأشياء كثرية تزيد عىل ما‬‫الصلة بالوقت‪ ،‬ونحن واثقون بأ ّن الـ‬
‫والعالجية ذات ّ‬
‫الصلة‬ ‫َ‬
‫األحداث ذات ّ‬ ‫نفهم‬
‫استعراضه هنا‪ .‬وفـي خالل العقد القادم‪ ،‬سيكون علينا مجي ًعا أن َ‬
‫ُ‬ ‫جرى‬
‫بالوقت (وغريه)‪ ،‬وتأثري الضوضاء أو األصوات والضجيج خالل ما ينبغي أن يكون وقتًا للنوم‬
‫ٍ‬
‫بشكل أفضل‪.‬‬ ‫فهم الفيزيولوجيا الـمرض ّية لألمراض وكيف ّية معاجلتها‬
‫والراحة والسكون‪ ،‬كي ن َ‬

‫‪40‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫تاريخ علم الحياة‬

‫أو البَيُولوجيا‬

‫الزّمنيّة‬
‫سمى علم البيولوجيا الزَّ مني‪ ،‬أو دراسة النُّ ُظم‬ ‫معظم اختصاصيي النوم َّ‬
‫أن ما ُي َّ‬ ‫ُ‬ ‫يرى‬
‫وطب النَّوم؛ فقد ُتكَّن‬
‫ّ‬ ‫مَشوع من أبحاث النَّوم‬
‫ٌ‬ ‫‪ ،biologic‬هو ُجز ٌء‬ ‫‪rhythms‬‬ ‫البيولوج َّية‬

‫الباحثون‪ ،‬وعىل مدى عدَّ ة ُقرون ماضية‪ ،‬من ُّ‬


‫التعرف إىل النّظم اليوماوي فـي أنشطة النباتات‬
‫أن هذه النُّ ُظ َم البيولوج َّية هي نتيجة مبارشة للتق ُّلبات البيئ َّية‬
‫واحليوانات‪ .‬ولقد افرتضوا َّ‬
‫الدورية للضوء والظالم‪.‬‬
‫بعض الدّ راسني ّ‬
‫أن البدايات‬ ‫ولكن‪ ،‬يرى ُ‬
‫الفعلية لعلم الب ُيولوجيا الزّ من ّية تعو ُد إىل‬
‫القرن الثامن عَش (وحتديدً ا فـي سـنة‬
‫تأثريا آخر فـي‬ ‫تبني ّ‬
‫أن هناك ً‬ ‫‪ 1729‬م‪ ،‬عندما ّ‬
‫األحياء غري ال ُّظلمة والضوء)؛ حيث ذكر‬
‫عالـ ُم الفلك الفرنسـي جان جاك دي مريان‬

‫‪41‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ميموزا) ‪mimosa‬؛ فمن‬ ‫‪ Jean Jacques de Mairan‬احلرك َة اليوم ّية ألوراق نبات ّ‬
‫السنط ( ُ‬
‫تأرجح بإيقا ٍع أو نظم يوماوي‪ ،‬ح ّتى فـي‬
‫ستمر بال ُ‬ ‫َ‬
‫األوراق ت ُّ‬ ‫إظهار ّ‬
‫أن‬ ‫َ‬ ‫التجربة‪ ،‬استطاع‬
‫ُ‬ ‫خالل‬
‫الظالم الدائم‪.‬‬

‫وكان ُيعتقد َ‬
‫قبل مكتشفاته وأبحاثه ّ‬
‫أن‬
‫الصغرية لنبتة الكلنكُوة ب ُلوس‬
‫هور احلمراء ّ‬
‫الزُّ َ‬
‫ِفلد ُيونة ‪ Kalanchoe bloss feldiuna‬تتفتّح فـي‬
‫النهار بسبب ضوء ّ‬
‫الشمس‪ ،‬و ُتغلق فـي الليل‬
‫بسبب ال ّظالم‪ .‬ولكن‪ ،‬عندما وضع دي مريان‬
‫استمر تف ُّت ُح‬
‫ّ‬ ‫بات فـي ظال ٍم دامس‪،‬‬
‫هذا النّ َ‬
‫قائم عىل‬
‫األمر ٌ‬ ‫الزُّ هور وإغال ُقها يوم ًيا‪ ،‬أي َّ‬
‫أن َ‬
‫داخيل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫أساس ب ُيولوجي‬

‫وتُعدُّ هذه التجرب ُة َّأو َل برهان عىل استمرار النُّ ُظم اليوماو َّية ‪ circadian rhythms‬فـي غياب‬
‫إشارات بيئية دا َّلة عىل الوقت‪ .‬وقد أشار علام ُء مشهورون‪ ،‬مثل تشارلز داروين‪ ،‬إىل ظواهر‬

‫اإليقاعات أو النُّ ُظ ُم الب ُيولوج ّية ُم ّ‬


‫تأصلة فـي الكائنات احل ّية؛ وعىل الرغم‬ ‫ُ‬ ‫نظم ّي ٍة مماثلة‪ .‬لذلك‪ ،‬ف‬
‫تغري دورة النّوم واليقظة‪ ،‬لك ّن هذه التبدُّ الت‬
‫تتغري مع مرور الوقت من خالل ُّ‬
‫من ّأَّنا يمكن أن ّ َ‬
‫فإن النو َم نفسه يمكن أن يؤ ّث َر سل ًبا فـي الفيز ُيولوجيا‬
‫حتدث عىل مدى أ ّيام‪ .‬ومع ذلك‪ّ ،‬‬
‫والسعال ً‬
‫ليال‪.‬‬ ‫الصحية واألدواء‪ ،‬حيث تزداد بعض األعراض‪ ،‬كاحلكّة ُّ‬
‫ّ‬ ‫الـمرض ّية للمشاكل‬

‫‪42‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫بعض احليوانات تنشط‬ ‫ال يقترص تأثري الوقت عىل نشاط النباتات؛ ففي عامل احليوان نجد ّ‬
‫أن َ‬
‫خالف ذلك ُتا ًما‪.‬‬
‫َ‬ ‫فـي النهار وُتجع فـي الليل‪ ،‬بينام تفعل حيوانات أخرى‬

‫أن هناك ثالث َة‬


‫علم البيولوجيا الزَّ مني بشكل منفصل عن أبحاث النَّوم‪ ،‬ويبدو َّ‬
‫تطور ُ‬
‫لقد َّ‬
‫ِ‬
‫عوامل أسهمت فـي هذا االختالف‪ ،‬وهي عىل النحو اآلتـي‪:‬‬

‫الدراسات الطويلة األمد‪ ،‬التي شاع اللجو ُء إليها فـي أبحاث النُّ ُظم البيولوجية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫‪ .1‬حالت‬
‫ُ‬
‫تسجيل هذا‬ ‫مستمر لنشاط موجات الدِّ ماغ‪ .‬وفـي تلك الـمرحلة‪ ،‬كان‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫دون القيام بتسجيل‬
‫قياس النشاط عند حيوانات‬
‫النشاط صع ًبا جدً ا بالتأكيد‪ ،‬ومل يكن رضور ًيا بالفعل‪ .‬وكان ُ‬
‫أمرا مناس ًبا وطريق ًة مستخدمة عىل‬
‫التجارب فـي أثناء قيامها بتدوير العجلة ‪ً wheel-running‬‬
‫ٍ‬
‫نطاق واسع إلظهار النظمية اليوماو َّية ‪.circadian rhythmicity‬‬

‫‪43‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫فضل ألبحاث النَّوم خالل الـمرحلة الـممتدَّ ة بني ثالثينيات إىل‬ ‫ُ‬
‫احليوان الـ ُم َّ‬ ‫‪ .2‬كان‬
‫ُظام مـُ َحـدَّ دة‬ ‫ُ‬
‫القطط وال الكالب ن ً‬ ‫القط‪ ،‬ولكن لـم ت ِ‬
‫ُظهر‬ ‫ّ‬ ‫سبعينيات القـرن الـاميض هو‬
‫وواضحة للنشاط اليوماوي بحسب تلك األبحاث‪.‬‬

‫‪ .3‬لوحظ َقدْ ٌر واضح من الفصل بني علم البيولوجيا الزَّ مني وأبحاث النوم‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل ميل اختصاصيي علم البيولوجيا الزمني إىل معرفة القليل عن النوم‪ ،‬وميل الباحثني فـي‬
‫سمى منحنيات‬
‫مسائل النوم إىل أن يبقوا بعيدين عن خفايا الساعة البيولوجية‪ ،‬مثل ما ُي ّ‬
‫‪ phase‬والتفاعل بني ُن ُظم الساعة البيولوجية والبيئة‬ ‫‪response curves‬‬ ‫استجابة الطور‬
‫(االنزياح أو االنجرار‪ )entraining‬وزوال التزا ُمن الداخيل ‪.internal desynchronization‬‬

‫احلديث عن تأثري أو دور ال ّليل والنّهار أو الوقت من اليوم فـي ُّ‬


‫تغري األشياء يعود إىل‬ ‫َ‬ ‫ولك ّن‬
‫احلمى‬
‫اعر الكبري أبو الط ّيب الـمتن ّبي فـي قصيدته عن ّ‬ ‫أبعد من القرن الثامن عَش‪ ،‬فهذا هو ّ‬
‫الش ُ‬
‫وتف مع ُطلوع النّهار‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫ُّ‬ ‫الشمس‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة رائعة إىل ّأَّنا تشتدُّ مع غُروب ّ‬ ‫ُيشري‬

‫ور إِالّ فـــي الـ ّظـَال ِم‬ ‫َفـ َلـ ْيــَس َتـزُ ُ‬ ‫َحـيـا ًء‬ ‫بِـهـا‬ ‫َكـ َّ‬
‫أن‬ ‫وزائِــ َرتـــي‬

‫دامـ ُعـهـا بـ َأ ْربــ َعــ ٍة ِســجــا ِم‬


‫مـ ِ‬
‫َ‬ ‫الصـ ْبـ َح َيـْطــ ُر ُدهـا َفــ َتــ ْجــري‬ ‫كــ َّ‬
‫أن ُّ‬

‫ّ‬
‫الليل ّ‬ ‫ُ‬
‫والنهارأو الوقت من اليوم فـي‬ ‫الحديث عن تأثيرأو دور‬
‫ُّ‬
‫تغيراألشياء يعود إلى أبعد من القرن الثامن عشر‪ ،‬وهذا ما‬
‫اعرال ّ‬
‫لش ُ‬‫ّ‬ ‫ُ‬
‫نالحظه فـي قصيدة « ّ‬
‫ـمتنبي‪.‬‬ ‫الحمى» ل‬

‫‪44‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫روادها‬ ‫ُ‬
‫أبحاث الب ُيولوجيا الزمن ّية فعل ًيا ح ّتى القرن العَشين‪ .‬وكان من بني ّ‬ ‫ومع ذلك‪ ،‬مل تبدأ‬
‫ويلهلم بيفر ‪ Wilhelm Pfeffer‬وإروين بونينغ ‪ Erwin Bünning‬وجورغن آشوف ‪Jürgen‬‬

‫‪ Aschoff‬وآرثر وينفري ‪ Arthur Winfree‬وآخرون‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪46‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مبادئُ‬
‫البيُولوجيا‬
‫الزمنيّة ودوراتُها‬

‫أي مستوى من الكائنات احل َّية‪ ،‬وبِ َحسب ُطول دورة هذه‬
‫ظم البيولوج َّية فـي ّ‬
‫توجد النُّ ُ‬
‫النُّ ُظم‪ُ ،‬ت ْق َسم إىل ثالث دورات أساس ّية‪:‬‬

‫تستمر أكثر‬
‫ُّ‬ ‫النُّ ُظم دون اليوماو ّية (أو حتت اليوم ّية) ‪ :Infradian Rhythms‬هي النُّ ُظ ُم التي‬

‫أدق َّإَّنا تتق ّلب عىل مدّ ة تزيد عىل ‪ 28‬ساعة‪ ،‬أي ّ‬
‫تتكرر‬ ‫ٍ‬
‫بشكل ّ‬ ‫ُ‬
‫القول‬ ‫من ‪ 24‬ساعة؛ ويمكن‬
‫أقل من النُّ ُظم اليوماو َّية‪ ،‬حيث ال تعود إالّ ّ‬
‫كل بضعة أ ّيام أو أسابيع أو أشهر‪ ،‬أو ح ّتى‬ ‫بتواتر ّ‬
‫نطلق عىل بعضها مصطلح ال ُّن ُظم الـموسمية أو الفصل ّية‪.‬‬
‫مرة واحدة فـي السنة فقط‪ ،‬ويمكن أن َ‬
‫ّ‬

‫‪47‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ومن األمثلة اجل ّيدة عىل النُّ ُظم الـموسمية أو الفصل ّية هجر ُة الط ُيور والنُّ ُظم القمر ّية (التي‬
‫تتبع مراحل أو أطوار القمر‪ ،‬ويمتدُّ ذلك عىل نحو ‪ 29.5‬يو ًما) والنُ ُظم شبه أو نصف القمر ّية‬
‫(نحو ‪ 14‬يو ًما) التي ترتبط بدورات الـمدّ واجلزر‪ .‬وهناك أمثلة أخرى مماثلة عىل ُن ُظم ال يمكن‬
‫أيضا‪ ،‬التي ليس هلا توا ُفق أو ُمقابل بيئي)‬
‫عرف باسم «النُّ ُظم غري اليوماو ّية» ً‬
‫التن ُّبؤ هبا ُتا ًما ( ُت َ‬
‫‪circannual‬‬ ‫حل ْولية‬ ‫سمى النُّ ُظم ال ِ‬
‫عاماو ّية أو ا َ‬ ‫مثل الدّ ورة الطمث ّية للمرأة‪ .‬ومن ذلك ما ُي ّ‬
‫بعض الكائنات احل ّية لالنسجام مع البيئة؛ ففـي بعض األنواع‪ ،‬جيري حتفيزُ‬ ‫وُتر هبا ُ‬
‫‪ُّ ،rhythms‬‬
‫الوظائف التناسلية فـي أوق ٍ‬
‫ات مع َّينة من السنَّة لتعزيز بقاء النوع‪.‬‬

‫ّ‬ ‫ُّ ُ‬
‫الفصلية‬ ‫من األمثلة على النظم الـموسمية أو‬
‫ُ‬
‫هجرة ُ‬
‫الطيور وأطوارالقمر‪.‬‬

‫النُ ُظم فوق اليوماو ّية أو فوق اليوم ّية (الـ ُمت ِ‬
‫َجاوزة ال َيوماو ّية) ‪ :Ultradian Rhythms‬هي‬
‫النُّ ُظم الب ُيولوجية التي تكون أقرص من ‪ 24‬ساعة‪ ،‬مثل الساعات أو الدَّ قائق أو حتَّى الثوانـي‬

‫‪48‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أدق‪ :‬هي النُّ ُظم التي تتق َّلب عىل‬ ‫ٍ‬


‫بشكل ّ‬ ‫مرة فـي اليوم)‪ .‬ويمكن القول‬
‫(حيث حتدث أكثر من ّ‬
‫أكثر من تواتر النُّ ُظم اليوم َّية‪ .‬وتتلف هذه النُّ ُظ ُم‬ ‫مدّ ة ت ّ‬
‫قل عن ‪ 20‬ساعة‪ ،‬وبذلك يكون تواتُرها َ‬
‫كثريا من نوع آلخر‪ ،‬ومن َمع َل ٍم إىل َمع َلم‪ .‬هناك الكثري من الوظائف الفيزيولوج ّية فـي اجلسم‬
‫ً‬
‫البَشي التي ُت ّثل النّظم فوق اليوم ّي؛ وتتق ّلب ال ُ‬
‫كثري من هذه الوظائف عىل ُمدَ د ترتاوح بني‬
‫‪ 120-60‬دقيقة‪ ،‬وتتداخل هذه النُّ ُظم فـي بعض األحيان مع وظائف أخرى تتق َّلب بفواصل‬
‫دورات متعدّ دة فـي اليوم الواحد؛ ففي الفرد البالغ‪ ،‬عىل‬
‫ٌ‬ ‫ترتاوح بني ‪ 5-3‬دقائق‪ .‬وهلذه النُّ ُظم‬
‫جلهد والراحة ّ‬
‫كل ساعتني‪.‬‬ ‫سبيل الـمثال‪ ،‬دور ٌة من ا ُ‬

‫تن ّظم النُّ ُظ ُم أو اإليقاعات فوق اليوم ّية الوظائف اجلسد ّية والعاطفية (االنفعال ّية) والروح ّية‪.‬‬
‫تناول الطعام وجريان الدّ م‪ ،‬وإفراز اهل ُرمونات‬
‫وتستمر عدّ َة ساعات غال ًبا‪ ،‬وتشتمل عىل ُ‬
‫ُّ‬
‫ات فـي‬
‫والـمراحل الـمختلفة من النوم ومنحنى األداء البَشي‪ .‬لقد ُبنيت هذه العمل ّي ُ‬
‫ـي فقط‪ ،‬مثل التحكُّم بالتن ُّفس‪ ،‬و ُ‬
‫بعضها اآلخر‬ ‫يستمر ثوان َ‬
‫ُّ‬ ‫أجسادنا بماليني ال َّطرائق؛ ف ُ‬
‫بعضها‬
‫ان فقط‪ ،‬مثل أغلب العمل ّيات التي جتري فـي اخللية علـى مستوى َمهري‪،‬‬ ‫يستمر ميلـي ثو ٍ‬
‫ُّ‬
‫كحركة بعض العنارص والـمواد‪.‬‬

‫َ‬
‫الرغبة ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُّ ُ‬
‫بتناول‬ ‫اليومية‬ ‫النظ ُم فوق‬ ‫من األمثلة على‬
‫الطعام‪ ،‬وجريان الدم‪ ،‬و إفراز ُ‬
‫الهرمونات‪،‬‬
‫والـمراحل الـمختلفة من النوم ومنحنى النشاط‬
‫البشري خالل اليوم‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وغال ًبا ما ُتالحظ ال ُّن ُظ ُم الـمدّ ية أو ُن ُظم‬


‫(التي تدوم‬ ‫‪tidal rhythms‬‬ ‫الـمدّ واجلزر‬
‫نحو ‪ 12.4‬ساعة) فـي احلياة البحر ّية‪،‬‬
‫َ‬
‫انتقال الـمدّ واجلَزْ ر من األعلـى‬ ‫حيث تتبـع‬
‫ٍ‬
‫وظيفة‬ ‫إىل األدنى واخللف‪ ،‬وهي ذات‬
‫ٍ‬
‫لكثري مـن الناس الذين‬ ‫خاصة بالنسبة‬
‫ّ‬
‫يعيشون داخل منطقة األمواج ‪.surf zone‬‬

‫‪ :Circadian‬هي النُّ ُظ ُم التي تستغرق نحو ‪ 24‬ساعة‪ ،‬مثل‬ ‫‪Rhythms‬‬ ‫النُّ ُظم اليوماو ّية‬
‫دورة النوم واليقظة عند اإلنسان وتعاقب الليل والنهار وحركات أوراق النّباتات‪ .‬ويؤ ّثر‬
‫ٍ‬
‫بشكل مبارش فـي اإلنسان؛ ولذلك‪ ،‬فهي أكثر النُّ ُظم ُخ ُضوعًا للبحث‬ ‫كثري من هذه النُّ ُظم‬
‫ال ُ‬
‫رسها العلامء‪ .‬وهكذا‪ّ ،‬‬
‫فإن مجيع‬ ‫ٍ‬
‫أكثر النظم البيولوج َّية التي َد َ‬
‫َ‬ ‫نطاق واسع‪ ،‬وتُعدُّ‬ ‫عىل‬
‫ال ّتفسريات الالحقة سوف ُتشري إىل النُّ ُظم اليوماو ّية‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫البَيُولوجيا‬
‫الزمنيّة‬
‫الـمُعاصرة‬
‫ٍ‬
‫برسعة فـي مجيع أنحاء العالـم‪ .‬وقد‬ ‫سع م ُ‬
‫يدان علم األحياء الزّ مني (الب ُيولوجيا الزمن ّية)‬ ‫ي ّت ُ‬
‫الطب والباحثون وعا ّمة الناس فـي رؤية منافع استخدام مبادئ‬
‫ّ‬ ‫تخصصون فـي‬
‫بدأ الـ ُم ّ‬
‫الب ُيولوجيا الزمن ّية فـي ّ‬
‫كل يشء‪ ،‬بد ًءا من إعطاء األدوية إىل حتديد الوقت األكثر ف ّعال ًية من‬
‫اليوم لـمامرسة الرياضة والنّشاط البدنـي‪ .‬واليوم‪ ،‬جتري االستفادة من علم األحياء الزّ مني‬
‫الصم وعلم‬
‫ّ‬ ‫(الب ُيولوجيا الزمن ّية)‪ ،‬عىل سبيل الـمثال ال احلرص‪ ،‬فـي دراسة علم الوراثة وال ُغدد‬
‫الريايض وعلم النّفس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والطب‬
‫ّ‬ ‫البيئة‬

‫لقد أثبتت ال َب ُيولوجيا الزمن ّية الدوائ ّية ‪ ،chronopharmacology‬كوَّنا فر ًعا من‬
‫آالف‬
‫ُ‬ ‫خاص فـي معاجلة األمراض؛ فقد أسفرت‬ ‫ّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫الب ُيولوجيا الزمن ّية‪ّ ،‬أَّنا ُمثمر ٌة‬
‫مكمالت الدّ وائ ّية‬ ‫ٍ‬
‫الدراسات عن معلومات عن كيف ّية التقليل من اآلثار اجلانب ّية لألدوية أو الـ ّ‬
‫أكثر ف ّعالية فـي اجلهاز ال ُعضوي‬
‫والغذائية من خالل ال ّتوقيت الدّ قيق إلعطائها‪ ،‬وجعل تأثريها َ‬
‫الـ ُمستهدف أو الـمرض‪ ،‬وح ّتى تعطيل العملية الفيزيولوج ّية ُتا ًما‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الدقيق إلعطاء األدوية أو ال ّ‬ ‫َ‬


‫وقيت ّ‬ ‫َّ ّ‬
‫ـمكمالت‬ ‫إن الت‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الد ّ‬‫ّ‬
‫والغذائية كفيل بالتقليل من آثارها‬ ‫وائية‬
‫الجانبية وزيادة ّ‬
‫فعاليتها‪.‬‬ ‫ّ‬

‫ٍ‬
‫تربات ومناهج دراس ّية تر ّكز عىل‬ ‫مؤسسات الـمشهورة أقسا ًما وخمُ‬
‫كثري من الـ ّ‬
‫وقد أضافت ال ُ‬
‫وأفكارا‬
‫ً‬ ‫سات بحو ًثا‬
‫مؤس ُ‬
‫دراسة علم األحياء الزّ مني (الب ُيولوجيا الزمن ّية)‪ .‬وقدّ مت هذه الـ ّ‬
‫الطب احلديث وفهم النُّ ُظم الب ُيولوجية الغريز ّية لدينا‪ .‬وممّا حيظى‬
‫ّ‬ ‫رائدة ساعدت عىل تشكيل‬
‫سمى اهل ُرمون األساس لعلم األحياء‬
‫خاصة فـي بعض هذه الدّ راسات الـميال ُتونني ( ُي ّ‬
‫مهية ّ‬
‫بأ ّ‬
‫رض ٍ‬
‫وب خمتلفة من األمراض‪ ،‬وظاهرة األنامط الزمن ّية‬ ‫ات الضوء فـي ُ ُ‬
‫الزّ مني)‪ ،‬وتأثري ُ‬
‫‪.chronotypes‬‬

‫علام ناشـئًا‪ّ ،‬‬


‫فإن ما س ُيقدّ مه‬ ‫علم األحياء الزمني (الب ُيولوجيا الزمن ّية) ُيعدُّ ً‬
‫فـي حني ال يزال ُ‬

‫‪52‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫من معلوم ٍ‬
‫ات قد يكون ال حرص له؛ فطرائ ُق البحث أصبحت اليوم أكثر تقدُّ ًما‪ ،‬وستُثبت‬
‫منهج العلمي الرائد‪.‬‬
‫علم سوف يصبح فـي َّناية الـمطاف الـ َ‬ ‫فـي قابل األ ّيام ّ‬
‫أن هذا ال َ‬

‫الساعات الداخل ّية واخلارج ّية فـي وظائفنا اجلسد ّية والنفس ّية والعاطف ّية من دون‬
‫ُ‬ ‫تتح ّك ُم‬
‫صحتُنا‬ ‫تدخلنا‪ .‬وك ّلام احرتمنا هذه النُ ُظم فـي حياتنا‪ ،‬زادت الـمنفع ُة منها ّ‬
‫وحتسنت ّ‬ ‫احلاجة إىل ُّ‬
‫أكثر فأكثر؛ فل ّ‬
‫كل نظا ٍم فيزيولوجي‪ ،‬سوا ٌء أكان الغشاء الـمخاطي للفم أو الكبد أو الـمعدة‬

‫إيقاع أو نظم ب ُيولوجي خاص به؛ ومعرف ُة ذلك ذات أ ّ‬


‫مهية بالغة فـي‬ ‫ٌ‬ ‫أو القلب ‪ ...‬إلخ‪،‬‬
‫الربو والتهاب الـمفاصل وارتفاع ضغط الدم‬ ‫الـمرض والشفاء‪ .‬كام ّ‬
‫أن لألمراض‪ ،‬مثل ّ‬
‫خاصة‬
‫وأطوارا ّ‬
‫ً‬ ‫واالكتئاب والنوبات القلب ّية وقرحة الـمعدة ومشاكل النوم وغريها‪ ،‬مراحل‬
‫البيولوجي الزّ مني للعنارص الفاعلة التي ُتستخدَ م فـي الوقاية من‬
‫ُّ‬ ‫هبا‪ .‬ولذلك‪ ،‬يعدُّ ال ُ‬
‫عامل‬
‫الكثري عن األرسار‬
‫َ‬ ‫مهية‪ .‬وح ّتى اآلن‪ ،‬نحن ال نعرف‬
‫أمرا بالغ األ ّ‬
‫األمراض أو فـي العالج ً‬
‫همة متو ّفرة حال ًيا بشكل‬
‫الكامنة وراء هذه الـمواد‪ .‬ولكن‪ ،‬هناك عد ٌد من الـمواد الـم ّ‬
‫اختبارها وإثبات دورها علميا‪ .‬وبنا ًء عىل‬ ‫ٍ‬
‫مستحرضات ذات صفة بيولوج ّية زمن ّية‪ ،‬وقد جرى‬
‫ُ‬
‫ذلك‪ ،‬ف ّ‬
‫إن علامء الب ُيولوجيا الزمنية يدعون إىل ُب ُحوث تربط ما بني اجلسم والنفس والوقت‪.‬‬

‫أن لدينا َمموع َة حت ُّك ٍم كاملة من‬


‫ستنتجه من وجهة نظر الب ُيولوج ّية الزمن ّية هو ّ‬
‫ُ‬ ‫أهم ما ن‬
‫إن ّ‬‫ّ‬
‫اجلسم يتبع دور ًة‬
‫َ‬ ‫أهم من ذلك ّ‬
‫أن‬ ‫« ُمن ّظامت الوقت» الدّ اخل ّية الـمضبوطة وراث ًيا؛ وما هو ُّ‬
‫ُ‬
‫إطالق اهل ُرمونات فـي َّناية الـمطاف عىل نبضات أو‬ ‫داخل ّية ُتتدُّ عىل مدار ‪ 24‬ساعة‪ .‬يعتمد‬

‫إشارات ساعاتنا الداخل ّية‪ .‬و ُيسيطر دما ُغنا عىل الكثري من الـمواد الـ َّ‬
‫مزودة برسائل‪ ،‬وهي‬

‫‪53‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مواد جتول فـي الدم ُ‬


‫وترب أعضا َءنا عن الوضع الراهن‪ ،‬وتصف العواقب أو النّتائج النوع ّية‪.‬‬
‫ات معزّ زة أو كابحة‪.‬‬
‫وهلذه اهل ُرمونات تأثري ٌ‬

‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬


‫والخارجية فـي‬ ‫تتحك ُم الساعات الداخلية‬
‫ّ‬
‫والعاطفية من دون‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الجسدية والنفسية‬ ‫وظائفنا‬
‫ُّ‬
‫الحاجة إلى تدخلنا‪.‬‬

‫ُ‬
‫ضغط الدم لدينا عند االستيقاظ‪،‬‬ ‫تنخفض درج ُة حرارة أجسامنا فـي أثناء النّوم‪ ،‬ويرتفع‬
‫كل ‪ 24‬ساعة‪ ،‬يو ًما بعد يوم‪ ،‬وليلة فـي إثر ليلة‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫كرر هذه النُّ ُظ ُم ّ‬
‫وهكذا دواليك‪ .‬وتت ّ‬
‫وهبو ًطا‬ ‫ٍ‬
‫دورة ُصعو ًدا ُ‬ ‫يتك ّلم العلام ُء عن إيقاع أو نظم «يوماوي» كام ذكرنا‪ .‬و ال تقيس أقرص‬
‫ٍ‬
‫أجزاء من الـميليثانية؛ أ ّما أطول النُّ ُظم اليوم ّية‪ ،‬مثل اجلُوع أو‬ ‫فـي موجات الدّ ماغ سوى‬
‫احلاجة للنّوم‪ ،‬فتمتدُّ عىل مدار عدّ ة ساعات‪.‬‬

‫ٍ‬
‫مشهد فريد ومم ّيز‪ .‬وفـي‬ ‫كل حلظة‪ُ ،‬حي ّول علم األحياء الزمني األف َ‬
‫عال داخل أعضائنا إىل‬ ‫فـي ّ‬
‫الواقع‪ ،‬بعد ّ‬
‫كل ساعة‪ ،‬ال يبقى يش ٌء مم ّا كان قبل ساعة‪ .‬ويبدو أ ّنه‪ ،‬مع التقدُّ م فـي الس ّن‪ ،‬تبدأ‬
‫ساعات أخرى ُّ‬
‫تدق‬ ‫ٍ‬ ‫تدق ببطء أكثر‪ ،‬فـي حني ّ‬
‫أن‬ ‫بعض الساعات الداخل ّية لدينا تعمل أو ُّ‬ ‫ُ‬
‫َشع‬ ‫ُتيل إىل اخلُ ُروج عن نظامها‪ ،‬ويتو ّقف ُ‬
‫بعضها ُتا ًما خالل سنوات؛ وت َ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل أرسع‪ ،‬حيث ُ‬
‫األعضا ُء بتطوير نظم خاص هبا‪ ،‬فتحدث االضطرابات والـمشاكل‪ .‬وإذا ُتركت من دون‬
‫معاجلة‪ ،‬فقد تظهر األمراض‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫تتواصل أجهز ُة اجلسم كا َّفة عرب رسائل حيو َّية حتملها اهلُرمونات‪ ،‬وتضع تلك‬
‫عرف‬
‫سمى الغدَّ ة النُّخامية‪ ،‬وهي مرتبطة بام ُي َ‬
‫رئييس أو غدَّ ة حاكمة ُت ّ‬
‫ّ‬ ‫الر ُ‬
‫سائل لضابط‬
‫باسم الوطاء أو الـمنطقة حتت الـمهاد فـي وسط الدماغ‪.‬‬

‫اهلدف الذي‬
‫ُ‬ ‫بالضبط‬
‫مرضا ُتعدُّ مجيعها ذات صلة بالنوم؛ وهذا هو ّ‬
‫العلم نحو ‪ً 80‬‬
‫ُ‬ ‫ُيم ّيز‬
‫بحسب قاعدة «الـ ُمستحرض‬ ‫‪chronopharmacology‬‬ ‫تتع ّقبه الب ُيولوجيا الدوائ ّية الزمن ّية‬
‫كون‬
‫الدّ وائي الـمناسب فـي الوقت الـمناسب»‪ .‬والـمقصدُ احلالـي هو حتديدُ الـ ُم ّ‬
‫البيولوجي اليوماوي فـي ٍ‬
‫عدد متزايد من األمراض أو االختالالت اجلسد ّية؛ وهذا ما يؤ ّدي‬ ‫ُ‬

‫‪55‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وأقل تأثريات جانب ّية؛ فاألدوي ُة أو‬ ‫ٍ‬


‫خيارات ُمدهشة فـي الـمعاجلة تكون أكثر ف ّعالية ّ‬ ‫إىل‬
‫مكمالت الغذائية بحسب الب ُيولوجيا الزمن ّية ُتعيد ضبط الـمن ّظم الزمني الداخيل لدينا‪.‬‬
‫الـ ّ‬

‫عالقة بالنوم‪.‬‬ ‫هناك نحو ‪ً 80‬‬


‫مرضا على‬
‫ٍ‬

‫يضبط تعا ُقب الضوء والظالم وظائفنا اليوم ّية باستمرار‪ ،‬عىل إيقاع أو نظم ‪ 24‬ساعة‪ .‬وفـي‬
‫سمى الـميال ُتونني‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫حتويل هذه الـمعلومات إىل إشارة ُهرمون ّية ُت ّ‬ ‫داخل أجسامنا‪ ،‬جيري‬
‫عدد من الـمهام خالل النهار‪ .‬وعند الساعة ‪11‬‬ ‫‪ .melatonin‬وبالفعل‪ ،‬يقوم الـميالتونني ب ٍ‬

‫ً‬
‫ليال تقري ًبا‪ ،‬يكون هناك عاد ًة زياد ٌة أو دفقة مفاجئة فـي مستويات الـميالتونني إىل ما بني ثامنية‬
‫عدد من األعضاء كي ُتبطئ نشاطها ُ‬
‫وجتدّ د‬ ‫حتّى عَشة أضعاف القيمة الطبيعية؛ وهذه إشار ٌة ل ٍ‬

‫‪56‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫كثري من‬ ‫ِ‬


‫الكثري من كبار الس ّن يفقدون هذه الدّ فقة الليل ّية للـميالتونني؛ ويبقى ال ُ‬
‫َ‬ ‫نفسها‪ .‬ولك ّن‬
‫النُّ ُظم‪ ،‬بام فـي ذلك النو ُم وضغط الدم ودرجة حرارة اجلسـم واهل ُرمونات‪ ،‬خارج ًة عن‬
‫ذكي من الدعم الب ُيولوجي‬ ‫ٍ‬
‫شكل ٍّ‬ ‫السيطرة‪ .‬وفـي هذه احلاالت‪ ،‬تربز احلاج ُة إلـى‬
‫االنضباط أو ّ‬
‫الزمني‪ ،‬وهذا ما تتك ّفل به فطرتنا السليمة‪.‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫استنتاجات ق ّيمة؛ حيث بدأ الباحثون يفهمون‬ ‫دراسات حديثة ُمثرية لالهتامم ب‬
‫ٌ‬ ‫لقد خرجت‬
‫الرسطانية إىل االنقسام؛ فالـمن ِّظام ُ‬
‫ت الزمن ّية التي تتلف عن تلك‬ ‫الوقت الذي ُ‬
‫ُتيل فيه اخلاليا ّ‬ ‫َ‬
‫مهية بمكان أن جيري إعطا ُء‬
‫اخلاصة باخلاليا السليمة ُتسيطر عىل األورام‪ .‬لذلك‪ ،‬من األ ّ‬
‫ّ‬
‫التي تستهدف األعضاء‬ ‫العوامل العالج ّية السا ّمة للخاليا‬
‫‪therapeutic cytotoxins‬‬

‫رضرا فـي‬ ‫تأثريها ّ‬


‫أقل‬ ‫ٍ‬
‫ً‬ ‫نمو الورم أكرب‪ ،‬وعندما يكون ُ‬
‫تأثريها فـي ّ‬
‫الـمصابة فـي وقت يكون ُّ‬
‫اخلاليا الـمتب ّقية‪.‬‬

‫ُ‬
‫البحث عن ال ّتدابري‬ ‫علم الب ُيولوجيا الزمن ّية الدوائ ّية ‪ ،chronopharmacology‬وهو‬
‫ُيعدُّ ُ‬
‫العالجية التي تنسجم مع الساعات الداخل ّية لدينا‪ ،‬الـم َ‬
‫يدان األكثر إثار ًة فـي البحوث الط ّبية‬
‫وأَّنا قد تكون من عواقب‬
‫حال ًيا؛ فلقد بدأنا شي ًئا فشي ًئا بفهم الـمزيد والـمزيد عن األمراض‪ّ ،‬‬
‫اضطرابات النُّ ُظم الب ُيولوجية‪ .‬وهذه هي اخلطو ُة األوىل نحو مبادئ علم األحياء الزمني أو‬
‫الب ُيولوجيا الزمن ّية‪.‬‬

‫حوث ّ‬‫ُ ُ‬
‫الطبية إلى ارتباط الـمزيد والـمزيد‬ ‫تشيرالب‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫من األمراض باضطراب النظم ُ‬
‫ولوجية‪.‬‬ ‫البي‬

‫‪57‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫كل خل ّية فـي اجلسم موا ّد حمُ دّ د ًة أو نوع ّية للغاية‪ ،‬مثل ال ّلبِنات البنائ ّية للحموض‬
‫ُتنتج ُّ‬
‫نزيامت‬
‫ُ‬ ‫ثم تقوم اإل‬ ‫األمين ّية؛ وعندَ الوصول إىل الرتكيز الـمرغوب فيه منها‪ ،‬يتو ّقف ُ‬
‫إنتاجها؛ ّ‬
‫بتفكيك هذه الـمواد فـي غضون ساعات؛ وتبدأ دور ٌة جديدة‪.‬‬

‫آل َّية عمل اإلنزيامت (مثل ال ُق ْفل والـمفتاح)‬

‫أيضا) بمنزلة‬
‫الساعة أو جينات التّوقيت» ً‬
‫بعض اجلينات ( ُيشار إليها باسم «جينات ّ‬
‫تعمل ُ‬
‫أي نو ٍع من النسيج البَشي‬
‫مفاتيح تشغيل‪/‬إيقاف هلذه العمل ّيات‪ .‬ويمكن أن تُوجدَ فـي ّ‬
‫مجيع أجزاء اجلسم‬ ‫ٍ‬
‫بشكل ال ُيصدّ ق‪ُ .‬تتلك ُ‬ ‫تأثريها متعدّ د األوجه و ُمع ّقدً ا وذكيا‬
‫تقري ًبا‪ ،‬ويكون ُ‬
‫البَشي ُمستقبِالت تلتقط الـمعلومات الكامنة فـي الـمواد الـ ُم ّ‬
‫حملة بال ّرسائل والـمن ّبهات‬
‫اجلينات الساع ّية أو جينات التّوقيت» بحساس ّية هذه الـ ُمستقبالت‪ .‬كام‬
‫ُ‬ ‫العصب ّية‪ .‬وتتحكّم «‬
‫أيضا عىل تأثري الفيتامينات والعنارص الزّ هيدة وغريمها من الـموا ّد الف ّعالة‬
‫ينطبق ذلك ً‬
‫سمى الدّ ماغ ال َب ْيني ‪،diencephalon‬‬
‫الرئييس فيام ُي ّ‬
‫ّ‬ ‫مفتاح‬
‫ُ‬ ‫توضع الـ‬
‫ب ُيولوج ًيا‪ ،‬بام فيها األدوية‪ .‬ي ّ‬

‫‪58‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫يتكون من ُبنْ َيتني‪ .‬يتل ّقى الدّ ما ُغ البيني رسائل من خاليا ضوئ ّية‬
‫وهو جز ٌء مركزي من الدماغ ّ‬
‫ِ‬
‫ات‪ ،‬التي‬ ‫الشبكية ( ُم ْس َت ْشعرات)‪ .‬وال ّ‬
‫تتعرف هذه الـ ُمستشعر ُ‬ ‫خاصة تقع فـي ّ‬
‫‪ّ photocells‬‬
‫العلم من ّ‬
‫فك شفرُتا فـي اآلونة األخرية‪ ،‬إىل األجسام أو األلوان‪ ،‬بل إىل األوقات فـي‬ ‫ُ‬ ‫ُت َّك َن‬
‫اجلو الـمحيط وال ُف ُصول‪ .‬وهي نقط ُة االنطالق أو البدء آلل ّية الفعل‪ ،‬التي يمكن وص ُفها‬
‫اليوم و ّ‬
‫مجيع الساعات الداخلية‪ .‬وتنقل غرف ُة التح ُّكم هذه‬
‫بأَّنا غرف ُة حت ُّكم تُض َبط فيها ُ‬
‫فـي َمُ ملها ّ‬
‫التغري بني النهار والليل من العالـم اخلارجي إىل ُن ُظ ٍم ال حرص هلا فـي جسـمنا‪ ،‬وت ِ‬
‫ُناغمها مع‬ ‫َ‬ ‫ُّ‬
‫بعضا‪.‬‬
‫بعضها ً‬

‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ ّ ُ‬
‫ضوئية‬ ‫رسائل من خاليا‬ ‫الدماغ البيني‬ ‫يتلقى‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫خاصة تقع فـي الشبكية‪ .‬وتتعرف هذه‬
‫ُ‬
‫ستشعرات إلى األوقات فـي اليوم والجوّ‬ ‫ال ُـم‬
‫ُ‬
‫والف ُ‬
‫صول‪.‬‬ ‫الـمحيط‬

‫ٍ‬
‫شخص ما من نوبة قلب ّية قد تعتمد عىل أش ّعة ّ‬
‫الشمس‬ ‫الضو ُء مو ّلدً ا قويا للنّبض؛ ونجا ُة‬
‫ُيعدُّ ّ‬
‫األرس ُة فـي اجلناح غري‬
‫ّ‬ ‫التي ت ُ‬
‫دخل من خالل نافذة وحدة العناية الـمر ّكزة؛ ولذلك‪ ،‬ترتبط‬
‫ٍ‬
‫بشكل غامض» بمعدّ ل أعىل لل َو َفيات‪.‬‬‫الـم ْش ِمس من الـمستشفى «‬
‫ُ‬

‫‪59‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪60‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مُـمـارسـة‬
‫مبادئ البيُولوجيا‬
‫الزمنيّة‬

‫عدد ال ُحيىص من الـمها ّم والوظائف‪ ،‬ولكنّها حتتاج من أجل حتقيق ذلك إىل‬ ‫تقوم أجسامنا ب ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أوقات حمدّ دة جدا من اليوم؛ غري أ ّنه‪ ،‬ح ّتى الناس‬ ‫أن حت َ‬
‫صل عىل الـموا ّد النافعة والق ِّيمة فـي‬
‫يتعر ُضون للشدّ ة‬
‫نقص ال ّتغذية‪ ،‬الس ّيام عندما ّ‬
‫صح ًيا قد ُيعانون َ‬
‫الذين يتّبعون نظا ًما غذائ ًيا ّ‬
‫السموم البيئ ّية أو اضطرابات ال ّتمثيل الغذائي واالستقالب‪ .‬ولقد و ّفرت لنا‬‫اليوم ّية أو ُّ‬
‫ٍ‬
‫معلومات دقيق ًة عن العنارص الغذائية التي حيتاج إليها اجلسم‪ ،‬وما هي‬ ‫األبحا ُ‬
‫ث العلم ّية‬
‫جرع ُاُتا‪ ،‬ومتى تُعطى بحيث تو ّفر الدّ عم األمثل هلضم ال ّطعام‪ .‬وفـي حني ّ‬
‫أن بعض العنارص‬
‫التأثري الـمطلوب‪.‬‬ ‫الغذائ ّية تتم ّيز ب ٍ‬
‫تأثري معزّ ز ُمتبادل‪ ،‬لك ّن بعضها اآلخر قد ُيعيق‬
‫َ‬

‫دور ُممارسة ُم ْقتَضيات الب ُيولوجيا الزمنية فـي حتسني ُقدرة أعضائنا عىل‬
‫ومن هنا يأتـي ُ‬
‫توفري الفيتامينات والـمعادن والعنارص‬
‫ُ‬ ‫التقاف الـموا ّد احليوية النافعة‪ .‬وبنا ًء عىل ذلك‪ ،‬جيري‬
‫ٍ‬
‫بشكل مزائج أو خالئـط ذك ّية‪ .‬ولكن ال ُبدّ أن‬ ‫الصيدالنية النبات ّية‬
‫الزّ هيدة والـ ُمستحرضات ّ‬
‫اجلسم‬
‫َ‬ ‫تُعطى فـي الوقت الـمناسب؛ فكبسول ُة أو ُقرص الصباح‪ ،‬عىل سبيل الـمثال‪ُ ،‬يساعدان‬

‫‪61‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ُ‬
‫الكبسولة الـمسائ ّية ف ُيساعدان عىل حرق‬ ‫رص أو‬ ‫فـي احلفاظ عىل توازُ ن الطاقة فيه‪ .‬أ ّما ُ‬
‫الق ُ‬
‫اخلاصة بجنس‬
‫ّ‬ ‫ستحرضات‬
‫ُ‬ ‫ـم‬ ‫السموم من اجلسم‪ُ .‬‬
‫وتأخذ ال ُ‬ ‫الدُّ هون فـي أثناء الليل‪ ،‬وإزالة ُّ‬
‫ف عمل ّية األيض أو االستقالب ما بني األعضاء فـي ُّ‬
‫الذكور واإلناث‪.‬‬ ‫الشخص فـي االعتبار اختال َ‬

‫أي وقت‪ُ ،‬معتقدين ّأَّنا لن‬


‫لصحة‪ ،‬فيتناولوَّنا فـي ّ‬ ‫يرى معظم الناس ّ‬
‫أن الفيتامينات تُعزّ ز ا ّ‬
‫الصارمة للب ُيولوجيا الزمن ّية‪ ،‬حيث جيب‬
‫دور القواعد ّ‬
‫بأي خطأ أو رضر‪ .‬وهنا يأتـي ُ‬
‫تتس ّبب ّ‬
‫هم‪ّ :‬أو ًال‪ ،‬وقبل‬ ‫تطبي ُقها عندما نسعى إىل معاجلة نقص الفيتامينات أو الـمعادن؛ فالت ُ‬
‫ّوقيت ُم ٌّ‬
‫تأثري بعض الفيتامينات فـي الصباح خيتلف عن تأثريها فـي الـمساء‪.‬‬
‫أن َ‬ ‫ّ‬
‫كل يشء‪ ،‬نشري إىل ّ‬
‫ٍ‬
‫اضطراب فـي إيقاع أو نظم األربع‬ ‫تأثريها فـي األيض أو االستقالب إىل‬
‫ثان ًيا‪ ،‬قد يؤ ّدي ُ‬
‫مكونات فـي شكل ُمتّفق‬ ‫ٍ‬
‫ستحرض متعدّ د الـ ّ‬ ‫َ‬
‫تناول ُم‬ ‫والعَشين ساعة ألعضاء اجلسم‪ .‬ولك ّن‬
‫اختيار نظا ٍم خمتلف بالنسبة للرجال والنساء‬
‫َ‬ ‫ومهم؛ كام أ ّن‬
‫ّ‬ ‫أساس‬
‫ّ‬ ‫أمر‬
‫مع الب ُيولوجيا الزمن ّية ٌ‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ُ‬
‫أفضل ً‬

‫ّ‬
‫إن تناول الفيتامينات والـمعادن هكذا‪ ،‬ومن‬
‫بعض الـمخاطر‪ ،‬مثل‬
‫ربر واضح‪ ،‬حيمل َ‬
‫دون م ّ‬
‫ري وحدوث اختالل فـي‬
‫غياب التأثري التآزُ ّ‬
‫اآلثار الب ُيولوج ّية‬
‫ُ‬ ‫األعضاء وتأثريات أخرى‪ُ .‬تظهر‬
‫للفيتامينات والعنارص الزّ هيدة تق ُّل ٍ‬
‫بات يوم ّية‬

‫كبرية‪ ،‬وتؤ ّثر فـي ُّ‬


‫حتوالت نشاط اجلسم‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫تأثيربعض الفيتامينات فـي ّ‬ ‫ّ‬


‫إن َ‬
‫الصباح يختلف‬
‫عن تأثيرها فـي الـمساء‪.‬‬

‫ؤخذ مع ال ّطعام أو بشكل ُم ّ‬


‫كمالت غذائية‪ ،‬إىل الدُّ ُهون أو الـامء‬ ‫الفيتامينات‪ ،‬التي ُت ُ‬
‫ُ‬ ‫حتتاج‬
‫للذوبان فـي الدُّ هون ّأو ًال‪:‬‬ ‫لنقلها إىل مناطقها الـ ُمستهدفة‪ .‬لنُ ِ‬
‫لق نظر ًة عىل الفيتامينات القابلة ّ‬
‫الفيتامينات إىل األوعية ال ّلمفية‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫تنحل داخل ُجزيئات الدُّ هون‪ ،‬تصل هذه‬ ‫عندما تذوب أو‬
‫األولية احلاملة لسوائل األنسجة‪ .‬وال ترتبط األوعي ُة ال ّلمفية مبارش ًة ّإال‬
‫وهي ُمجلة األوعية ّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫الصلة فـي األنسجة الدُّ هنية والكبد‬ ‫ب ٍ‬
‫الفيتامينات ذات ّ‬
‫ُ‬ ‫ترتاكم‬
‫ُ‬ ‫عدد قليل من األعضاء‪.‬‬
‫فإَّنا ال يمكن إزالتُها بسهولة‪ .‬وبام ّ‬
‫أن سعة ال ّتخزين فـي‬ ‫رئييس‪ .‬وعندما تُصبح داخل اجلسم‪ّ ،‬‬
‫الفيتامينات ّإال بأقىص ٍ‬
‫قدر من االنتباه‪ .‬هناك أربع ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ؤخذ هذه‬‫الدُّ هون كبرية جدا‪ ،‬ينبغي أالّ ُت َ‬
‫لتناوهلا‬ ‫ٍ‬ ‫فقط من الفيتامينات القابلة للذوبان فـي الدُّ هون‪ ،‬هي‪ A :‬و ‪ D‬و ‪ E‬و ‪K‬؛ و ُ‬
‫أفضل وقت ُ‬
‫وقت الحق من‬ ‫ؤخذ فـي ٍ‬ ‫فـي الصباح بعدَ وجبة إفطار غن ّية‪ ،‬بينام تكون ّ‬
‫أقل ف ّعالي ًة عندما ُت َ‬
‫اليوم‪ .‬يتوزّ ع الـام ُء فـي مجيع أنحاء اجلسم‪ :‬داخل اخلاليا وفـي الدم وفـي النُّ ُسج بني اخلاليا‪.‬‬
‫ً‬
‫وزواال‬ ‫أكثر تق ُّل ًبا‬
‫ات الذ ّوابة فـي الـامء ف ّعال ًة فـي كامل اجلسم‪ ،‬ولكنّها ُ‬
‫ولذلك‪ ،‬تُعدُّ الفيتامين ُ‬
‫مـن الفيتامينات الذ ّوابة فـي الدُّ هون بكثري‪ ،‬حيث ُتطرح ب ٍ‬
‫شكل دوري فـي البول‪.‬‬

‫ات اليومية الـ ُمنتظمة عىل جتنُّب نقص الفيتامينات أو اضطرابات ال ّتمثيل‬
‫ُتساعد اجلرع ُ‬
‫(ذوابة) فـي الـامء فـي‬ ‫ٍ‬
‫فيتامينات قابلة ّ‬ ‫الغذائي (االستقالب أو األيض)‪ .‬هناك سبع ُة‬
‫للذوبان ّ‬
‫َمموعة الفيتامينات ب ‪ :B‬محض ال ُفوليك (‪ ،)B9‬ومحض البانتوثينيك (‪ ،)B5‬وال ّثيامني (‪،)B1‬‬

‫‪63‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫والسيانوكوباالمني (‪ ،)B12‬والريبوفالفني (‪ ،)B2‬والنّياسني (‪ )B3‬والبرييدوكسني (‪ .)B6‬أ ّما‬


‫الفيتامينات األخرى القابلة للذوبان فـي الـامء فهي فيتامني س ‪( C‬محض األسكوربيك)‪،‬‬
‫ُ‬
‫العضيل) ‪.myo-inositol‬‬
‫ّ‬ ‫والب ُيوتني (فيتامني ‪ ،)H‬وال ُكولني‪ ،‬وم ُيو‪-‬إينوزيتول (اإلينُوزيتول‬
‫تأثري ُمبارش‪ ،‬ولكنّها ُتسهم فـي بعض الوظائف األخرى فقط‪ .‬وهذا‬
‫ليس لـمعظم الفيتامينات ٌ‬
‫أَّنا ُتصنّف كإنزيامت مشاركة (ُتائم ‪ )co-enzymes‬أو عوامل ُمساعدة ‪co-‬‬
‫هو السبب فـي ّ‬
‫‪ factors‬عاد ًة‪ .‬أ ّما الـمهام الـمتب ّقية فتقوم هبا موا ُّد أخرى‪ ،‬حيث ال تعمل هذه الـموا ُّد إالّ إذا‬
‫كانت تلك الفيتامينات ُمتو ّفرة بشكلها الف ّعال‪.‬‬

‫معايري التي ينبغي تو ُّفرها‪.‬‬


‫ُ‬ ‫ك ّلام زاد عد ُد الباحثني الـمشاركني فـي هذه الـمسألة‪ ،‬ازدادت الـ‬
‫ويتم ّثل التحدّ ي فـي تطبيق ُمنتجني منفصلني ُتا ًما‪ ،‬ولكن ُم َتعاضدَ ْين‪ ،‬من الـ ُمنتجات‬
‫الـمتعدّ دة الفيتامينات والـمعادن‪ :‬أحدمها فـي الصباح واآلخر عند النوم‪.‬‬

‫ليس ل ُـمعظم الفيتامينات تأثير ُمباشر‪ّ ،‬‬


‫ولكنها‬
‫ُ‬
‫تسهم فـي بعض الوظائف األخرى فقط‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الفيزيولوجيا‬

‫الزمنيّة‬

‫فرع من الب ُيولوجيا الزمنية (علم األحياء‬


‫الفيزيولوجيا الزمن ّية ‪ chronophysiology‬هي ٌ‬
‫الزمني)‪ ،‬يدرس التنظيم الـمو ُقوت أو الزمني (أي فـي الوقت الـمناسب) للعمل ّيات‬
‫(اخلاصة بالوظائف الطبيع ّية لألعضاء)‪ .‬تتعامل الفيزيولوجيا الزمن ّية مع ظاهرة‬
‫ّ‬ ‫الفيزيولوج ّية‬
‫‪morning larks‬‬ ‫سمى نموذج ال ُق ّربات ّ‬
‫الصباحي‬ ‫األنامط الزمن ّية ‪ ،chronotypes‬أو ما ُي ّ‬
‫فرس كيف ترتبط األنظم ُة‬
‫فإَّنا ُت ّ‬
‫‪ .night‬وباإلضافة إىل ذلك‪ّ ،‬‬ ‫ال ُبومات ال ّلييل ‪owls‬‬ ‫ونموذج‬
‫بعضا فيام يتع ّلق بال ّتوقيت‪.‬‬
‫الب ُيولوج ّية والعمل ّيات فـي الكائنات احل ّية مع بعضها ً‬

‫اجلسم البَشي إليقاع أو نظم ‪ 24‬ساعة؛ فنحن لدينا ساع ٌة داخل ّية (الساعة اليوماو ّية)‬
‫ُ‬ ‫خيضع‬
‫ٍ‬ ‫تتكرر يوم ًيا‪ ،‬والتك ُّيف مع ال ُّظروف البيئ ّية الـمختلفة‬
‫بطريقة‬ ‫ُُت ّكننا من تو ُّقع األحداث التي ّ‬
‫مثال ّية من الناحية الفيزيولوج ّية أو الوظيف ّية؛ وحيا ُتنا تضع إليقاع أو نظم تعا ُقب النّهار‬
‫الضوء وال ّظالم ودرجة احلرارة والصوت واحلركة‪،‬‬
‫ات‪ ،‬مثل ّ‬ ‫وال ّليل‪ .‬ولذلك‪ُ ،‬تؤ ّثر الـم ّ‬
‫تغري ُ‬
‫مجيع العمل ّيات‬
‫فإن َ‬‫فـي إيقاعنا الب ُيولوجي‪ ،‬وهذا ما يوجد عمي ًقا داخل جيناتنا‪ .‬وفـي الواقع‪ّ ،‬‬
‫رمونات‬
‫ُ‬ ‫احليو ّية فـي اجلسم تقري ًبا‪ ،‬التي جرت دراس ُتها‪ ،‬تضع لنُ ُظ ٍم خمتلفة؛ حيث تُبدي اهل ُ‬

‫‪65‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫والنّو ُ‬
‫اقل العصب ّية وجزيئات الس ّكر التي نتناوهلا واألجسام الـمضا ّدة (األضداد) ضمن خاليا‬
‫التغريات‬ ‫أو كُر ّيات الدّ م تراكيزَ متناوب ًة أو ُمتبدّ لة فـي الدم خالل اليوم‪ .‬كام ُيعدُّ ال ُ‬
‫كثري من ُّ‬
‫هم ًة ً‬
‫أيضا لل ّتفا ُعالت الـمختلفة فـي أعضاء اجلسم‪ .‬وح ّتى ُحدُ وث‬ ‫َ‬
‫عوامل تنظي ٍم (أو نواظم) ُم ّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫ٍ‬
‫ساعة داخل ّية؛ وهذا ما ُيالحظ‬ ‫األمراض وشدّ ة أعراضها تتبع نبضات أو د ّقات أو نظم‬
‫الرصع واألمراض اجللدية واحلكّة والسعال ‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫الربو واالكتئاب ونوبات ّ‬
‫خاص فـي ّ‬
‫ّ‬
‫الصح ُة العا ّمة‬
‫ّ‬ ‫اليوماوي)‪ ،‬تتأ ّثر‬
‫ّ‬ ‫الساعة الب ُيولوج ّية (النّظم‬
‫إيقاع أو نظم ّ‬
‫ُ‬ ‫عندما يضطرب‬
‫َ‬
‫يكون هلا‬ ‫ات فـي الوقت والزمن‪ ،‬عىل سبيل الـمثال‪ ،‬يمكن أن‬ ‫وحال ُة العافية بشدّ ة؛ ف ُّ‬
‫التغري ُ‬

‫سمى تلكُّؤ الن ّفاثة ‪( jet lag‬أي اضطراب أو تعب ما بعد ّ‬


‫السفر)‪ ،‬بام فـي ذلك‬ ‫نفسه لـام ُي ّ‬
‫أثري ُ‬
‫ال ّت ُ‬
‫ُ‬
‫مشاكل أكثر خطور ًة وإزمانًا بني‬ ‫ُ‬
‫مشاكل النوم والرتكيز‪ ،‬أو ح ّتى االكتئاب‪ .‬وقد ُتصبح هذه الـ‬
‫العاملني الذين يعملون بنظام الـمناوبات‪ ،‬حيث تظهر أد ّل ٌة عىل اضطراب مزمن‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬عندَ تكييف أسلوب حياتنا بحيث‬


‫يتناسب مع ُن ُظمنا الداخلية‪ ،‬يمكن أن نح َ‬
‫صل‬
‫صح ٍة ج ّيدة‪.‬‬
‫عىل ال ّطاقة الالزمة للبقاء ب ّ‬

‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬


‫الحيوية فـي الجسم تخضع‬ ‫العمليات‬ ‫جميع‬ ‫إن‬
‫ُ‬
‫ُلنظ ٍم وإيقاعات ُمختلفة‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الباثولوجيا‬
‫الزّمنية‬

‫علم األمراض الزمني أو البا ُثو ُلوجيا الزمنية ‪ chronopathology‬مع موضوع‬ ‫ي ُ‬


‫تعامل ُ‬
‫خلل أو اضطراب ال ّتوقيت فـي العمليات الب ُيولوج ّية أو احليو ّية؛ وهو يصف ال ّظ َ‬
‫واهر‬
‫مهيته فـي الـمآل‬ ‫سلسل الزّ مني‪ً ،‬‬
‫فضال عن خصائصه وأسبابه وأ ّ‬ ‫الـمختلفة ل ُش ُذوذ أو خلل ال ّت ُ‬
‫األمراض فـي بعض الكائنات احل ّية فـي أوقات‬
‫ُ‬ ‫والتشخيص ومضامينه العالج ّية‪ .‬تظهر‬

‫السنوية واألُسبوع ّية ٌ‬


‫تأثري فـي االستعداد لألمراض وتكرار حدوثها‪،‬‬ ‫يكون للنُّ ُظم ّ‬
‫ُ‬ ‫حمُ دّ دة‪ .‬و‬
‫وتوا ُتر ُوقوع احلوادث ومعدّ ل الوفيات‪.‬‬

‫ُ‬
‫ضغط الدّ م‪ ،‬عىل سبيل‬ ‫أمرا شائ ًعا؛ ف‬
‫االنحرافات فـي اإليقاع أو النّظم الب ُيولوجي ً‬
‫ُ‬ ‫تُعدُّ‬
‫عدد ليس بالقليل من العوامل الـمؤ ِّثرة فيه‪ ،‬حيث حتدث ُ‬
‫بعض‬ ‫ٍ‬ ‫الـمثال‪ ،‬ينطوي عىل‬
‫االضطرابات فيه خالل ُظر ٍ‬
‫وف مع ّينة يوم ًيا‪ ،‬وكذلك خالل مراحل النشاط والراحة‪ .‬ولذلك‪،‬‬ ‫ُ‬
‫علم األمراض الزمني عىل دراسة هذه ال ّظواهر الـ ّ‬
‫متغرية فـي االضطرابات الوظيف ّية‬ ‫يعمل ُ‬
‫ألداء أعضاء اجلسم وفـي األمراض‪ ،‬فيام يتع ّلق بدور تعا ُقب الليل والنهار‪ .‬وأكثر الـمجاالت‬

‫‪67‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الرحالت‬
‫شيو ًعا لتطبيق هذا العلم تكون لدى العاملني بنظام الـ ُمناوبات وحاالت تعب ّ‬
‫ستمر‪.‬‬ ‫الطويلة بالطريان (تلكُّؤ النّ ّفاثة)‪ ،‬التي تتم ّيز ُّ‬
‫بتغري الوقت الـ ُمفاجئ أو الـ ُم ّ‬

‫علم األمراض الزّ مني عىل حتديد الـمراحل الـمختلفة لالنحراف عن القاعدة أو‬
‫يساعد ُ‬
‫مهية كبرية‬ ‫ف إىل اخلصائص التي تعتمد عىل الوقت يمكن أن ي َ‬
‫كون ذا أ ّ‬ ‫التعر ُ‬
‫احلالة الطبيعية؛ ف ُّ‬
‫مريض الدقيق هو األساس فـي األدوية‬
‫ُّ‬ ‫َشيح الـ‬
‫فـي تشخيص الـمرض ومعاجلته‪ .‬ويعدُّ ال ّت ُ‬
‫عالجي‪ ،‬حيث يمكن رصدُ ه من خالل تت ّبع ما حيصل يف الن ُُّسج من‬
‫ّ‬ ‫التي ت ّتصف ب ٍ‬
‫إطار زمني‬
‫تغريات عىل مدى اليوم بعدَ استعامل الدواء‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪68‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫علمُ األدوية‬
‫الزّمني‬

‫الزمني‪ :‬الـمركّب الدّ وائي الـمناسب فـي الوقت الـمناسب‬


‫علم األدوية ّ‬

‫فرع من الب ُيولوجيا الزمن ّية‪ ،‬يدرس ساعتنا‬


‫علم األدوية الزمني ‪ chronopharmacology‬هو ٌ‬
‫ُ‬
‫الداخلية فيام يتع ّلق بتأثريها فـي الـمعاجلة باألدوية والعقاقري؛ كام يستكشف ُس َ‬
‫لوك األدوية‬
‫البَشي يتبع دور ًة ُتتدُّ عىل‬
‫ُّ‬ ‫اجلسم‬
‫ُ‬ ‫فـي جسم اإلنسان وتأثري الوقت أو الزمن فـي األعضاء؛ ف‬
‫الساع ُة الداخلية لدينا وظائ َفه‪ .‬تُعدُّ النُّ ُظ ُم البيولوج ّية مه ّم ًة‬
‫مدار ‪ 24‬ساعة‪ ،‬حيث ُتن ّظم هذه ّ‬
‫اآلثار والتأثريات‬
‫ُ‬ ‫الصحيح للدّ واء‪ ،‬حيث يمكن أن تتلف‬
‫فـي حتديد اإلعطاء أو االستعامل ّ‬
‫وُت ّثل هذه الـمعرف ُة ً‬
‫أمرا ُمهام جدا عند معاجلة‬ ‫اجلانبية لألدوية وف ًقا للوقت الذي ُتعطى فيه‪ُ .‬‬
‫مهم فقط‪ ،‬ولك ّن الوقت‬
‫مقدار الدواء الـ ُمعطى هو الـ ّ‬
‫ُ‬ ‫رض ٍ‬
‫وب خمتلفة من األمراض‪ .‬وليس‬ ‫ُ ُ‬
‫علم‬
‫يب عنها ُ‬ ‫أيضا‪ .‬لذلك‪ ،‬تشتمل األسئل ُة الـم ّ‬
‫همة التي يمكن أن ُجي َ‬ ‫من اليوم الذي ُيعطى فيه ً‬
‫األدوية الزمني عىل ما يلـي‪:‬‬

‫الصباح؟‬ ‫ٍ‬
‫بشكل أفضل فـي ّ‬ ‫‪ -‬ما هي الـام ّد ُة (أو الدّ واء) التي تعمل‬

‫‪69‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ٍ‬
‫بشكل أفضل فـي الـمساء؟‬ ‫‪ -‬ما هي الـام ّد ُة التي تعمل‬

‫بعضا‬
‫‪ -‬ما هي الـموا ُّد التي يمكن إعطاؤُ ها م ًعا‪ ،‬وتلك التي حتتاج إىل إعطائها مع بعضها ً‬
‫ُعيق موا ُّد ب ُيولوج ّية ُأخرى تأثري هذه الـام ّدة؟‬
‫لكي تُعطي تأثريها؟ هل يمكن أن ت َ‬

‫‪ -‬كيف يتغ ّري تأث ُري بعض األدوية بحسب وقت إعطائه من اليوم؟‬

‫‪ -‬كيف يمكن تعزيزُ ف ّعالية أو كفاءة األدوية اعتام ًدا عىل توقيت إعطائها؟‬

‫يمكن أن يزيدَ إعطا ُء األدوية فـي الوقت الـمناسب من ف ّعالية الـمعاجلة‪ ،‬ويعمل عىل‬
‫التّقليل من اآلثار اجلانب ّية إىل أدنى حدٍّ ممكن؛ فأدوية ضغط الدم ومستحرضات الكورتيزون ‪-‬‬
‫بعض األدوية‬ ‫خاصة عند حتديد وقت إعطائها؛ حيث ّ‬
‫إن َ‬ ‫عىل سبيل الـمثال ‪ -‬حتتاج إىل عناية ّ‬
‫الصباح‪ .‬كام‬
‫بدال من ّ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل أفضل عندما ُتؤخذ فـي الـمساء ً‬ ‫اخلافضة لضغط الدم ُتنقصه‬
‫فضل تناول الكورتيزون (وبق ّية الستريويدات القَشية الرتكيبية) فـي الصباح‪ ،‬وهو الوقت‬ ‫ُي ّ‬
‫معظم الكورتيزول (الطبيعي) عادة‪ ،‬حيث يساعد ذلك عىل تقليل زيادة‬
‫َ‬ ‫الذي ُينتِج فيه اجلسم‬
‫الوزن النامجة عنه‪ ،‬وهو ُيعطى بجرعة واحدة يوم ًيا مع وجبة اإلفطار‪ .‬وإذا فاتت الـمريض‬
‫وقت الغداء من اليوم نفسه‪ ،‬ولكن ليس بعدَ ذلك‪ ،‬مع أ ّنه فـي بعض‬
‫اجلرعة‪ ،‬يمكن أخذها َ‬
‫األمراض أو احلاالت الشديدة‪ ،‬قد يصف الطبيب هذا الدوا َء عىل جرعتني منفصلتني‪.‬‬

‫ـمهم فقط‪ّ ،‬‬


‫ولكن‬ ‫مقدار ّ‬
‫الدواء ال ُـمعطى هو ال ّ‬ ‫ُ‬ ‫ليس‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الوقت من اليوم الذي يعطى فيه أيضا‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫هم ًة عن توقيت استعامل‬ ‫ٍ‬


‫يستفيد الـمرىض من علم األدوية الزّ مني‪ ،‬أل ّنه ُيو ّفر معلومات م ّ‬
‫ُ‬
‫يتناوهلا‬ ‫التحمل والف ّعالية فـي الـ ُمستحرضات التي‬
‫ُّ‬ ‫األدوية‪ ،‬األمر الذي ُيؤ ّدي إىل زيادة‬
‫ٍ‬
‫جديدة فيام يتع ّلق بتوقيت‬ ‫الـمختصون بعلم األدوية الزّ مني عن نتائج‬ ‫الـمرىض‪ .‬يبحث ال ُعلام ُء‬
‫ّ‬
‫الوقت األمثل ‪-‬‬
‫ُ‬ ‫استعامل األدوية التي ُحت ّسن الكفاءة و ُتق ّلل من التأثريات اجلانب ّية‪ .‬ولقد بات‬
‫من حيث الف ّعالية ‪ -‬إلعطاء العديد من الـمواد معرو ًفا بالفعل‪ .‬ولذلك‪ ،‬هناك عد ٌد من‬
‫ٍ‬
‫بطريقة ذك ّية من حيث كفاءة التأثري؛ فهذه‬ ‫الـ ُمستحرضات احلديثة التي يمكن جتهيزُ ها‬
‫الـ ُمستحرضات حتتوي عىل بعض الـموا ّد البيولوج ّية الدقيقة ليو ٍم كامل‪ ،‬وبذلك ال حتتاج إىل‬

‫مرة واحدة فـي اليوم؛ فهي ف ّعال ٌة منذ حلظة إعطائها وحتّى بلوغ ال ّليل‪ّ ،‬‬
‫ألَّنا‬ ‫أن ُتؤخذ سوى ّ‬
‫ٍ‬
‫برسعات خمتلفة‪.‬‬ ‫ت زمني أو بموا ّد ُتط َلق‬‫َمُ هزة إما بمؤ ّق ٍ‬
‫ّ ّ‬

‫أن رسع َة تأثري األدوية فـي اجلسم (طريقة االمتصاص واالستقالب‬


‫وخالص ُة األمر َّ‬
‫فاالرتفاع واالنخفاض‬
‫ُ‬ ‫واإلفراغ) تعتمد عىل النُّظم اليوماوية فـي خمتلف وظائف اجلسم؛‬
‫أن الطبيع َة النظمية لنشاط‬
‫اليومي لـمختلف اهلرمونات يؤ ّثر فـي امتصاص األدوية‪ .‬كام َّ‬
‫بعض األدوية الـمأخوذة عن‬ ‫الـمعدة (اإلفراغ أرسع فـي النهار‪ ،‬وأبطأ فـي الليل) تعني َّ‬
‫أن َ‬
‫تتحر َك إىل َمرى الدم ببطء أكرب‪ ،‬ور ّبام خيتلف ذلك بحسب‬
‫ّ‬ ‫طريق الفم َ‬
‫قبل النوم يمكن أن‬
‫وضعية النوم نفسها‪ ،‬عىل أحد اجلانبني أم عىل الظهر؛ وأ ّما العقاقري الـمأخوذة فـي وقت أبكر‬
‫ألن درج َة حرارة اجلسم الـمرتفعة ضمن‬
‫تر ًبا فـي اجلسم‪َّ ،‬‬
‫أرسع ّ‬
‫َ‬ ‫من اليوم فتكون بوجه عام‬
‫سمية الـمواد‬
‫اجلسم فـي إزالة ّ‬
‫ُ‬ ‫ترسع التفاعالت الكيميائية التي يستعملها‬
‫احلدّ الطبيعي ّ‬

‫‪71‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫توثيق هذه التأثريات بحسب الوقت من اليوم ألكثر من مائة دواء‪.‬‬


‫ُ‬ ‫الغريبة‪ .‬ولقد جرى‬
‫اجلسم مع هذا الدواء مع ما‬
‫ُ‬ ‫اهلدف من توقيت إعطاء الدواء ما يفعله‬
‫ُ‬ ‫ولذلك‪ ،‬جيب أن ُي ِ‬
‫وازن‬
‫يفعله الدواء فـي اجلسم؛ وينطبق ذلك بشكل خاص عىل أدوية الرسطان‪ ،‬حيث يمكن أن‬
‫َ‬
‫الفرق بني ُم ْستويي التأثري أو حتّى بني احلياة والـموت‪.‬‬ ‫التوقيت‬
‫ُ‬ ‫يعني‬

‫ُ‬
‫العقاقيرالـمأخوذة فـي وقت باكرمن اليوم تكون‬
‫تخرًبا فـي الجسم عادة‬ ‫َ‬
‫أسرع ّ‬

‫يواصل معظم مرىض الرسطان تل ّقي الـمعاجلة الكيميائية فـي أوقات مالئمة لفريق‬
‫أن إعطا َء أدوية الرسطان فـي أوقات خمتارة بد ّقة‬
‫بعض الدراسات أظهرت َّ‬
‫الـمستشفى‪ ،‬لك ّن َ‬
‫السمية‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫من اليوم يمكن أن يعزّ ز من تأثرياُتا العالجية‪ ،‬ويق ّلل من تأثرياُتا اجلانبية‬
‫األساس فـي الـمعاجلة هو فهم التوقيت الـمم ّيز النقسام اخلاليا الرسطانية واخلاليا‬
‫َ‬ ‫ف ّ‬
‫إن‬
‫السو ّية؛ ففي ال ِّلمفومة ‪( lymphoma‬ورم عىل حساب اخلاليا اللمفية) ً‬
‫مثال‪ُ ،‬تيل اخلاليا فـي‬
‫أنامط مع ّينة منها إىل االنقسام ما بني الساعة ‪ 9‬و ‪ 10‬مساء‪ ،‬واخلاليا فـي البطانة الـمعوية حواىل‬
‫صباحا‪ ،‬وفـي نقي العظام عندَ الظهرية تقري ًبا‪ .‬ولقد ُو ِجد َّ‬
‫أن اخلاليا الـمب ّطنة لألمعاء‬ ‫ً‬ ‫الساعة ‪7‬‬
‫َ‬
‫العامل العالجي‬ ‫مرة منها فـي الليل(‪)1‬؛ وهلذا‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫تتكاثر فـي النهار أكثر بثالث وعَشين ّ‬

‫ٍ‬
‫بشكل أرسع‬ ‫االستيقاظ ما بني اخلامسة والسابعة صباحا يف اإليقاع اليومي ِ‬
‫النشط‬ ‫َ‬ ‫‪ 1‬يدخل األشخاص الذين اعتادوا‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫عادة؛ ففي الصباح جيب أن ننغمس فـي االسرتخاء مع جت ّنب التو ّتر والشدّ ة‪ .‬كام ينبغي لـمرىض القلب‬

‫‪72‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وأكثر‬
‫َ‬ ‫سمية‪،‬‬ ‫يكون ّ‬
‫أقل ّ‬ ‫َ‬ ‫الكيميائي الـمعروف بتس ّببه لرضر األمعاء ونقي العظم يمكن أن‬
‫ف ّعالية جتاه خاليا اللمفومة‪ ،‬عندما ُيعطى خالل الليل‪.‬‬

‫القلق والشدّ ة مها من بني‬


‫َ‬ ‫فـي الواقع‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫تؤرق نو َم الناس؛‬
‫األسباب الرئيسية التي ّ‬
‫ولكن هناك بالطبع أدوية‪ ،‬بام فـي ذلك ُ‬
‫اجليل‬
‫منومات «اللطيفة»؛ غري َّ‬
‫أن‬ ‫اجلديد من الـ ّ‬
‫اخلربا َء يقولون إ َّن أقراص النوم أو األقراص‬
‫منومة من أي نوع كانت تؤ ّدي إىل اضطراب‬
‫الـ ّ‬
‫النوم الطبيعي‪.‬‬

‫الصحية اجل ّيدة للنوم»‪ :‬الذهاب إىل الرسير فـي وقت‬


‫ّ‬ ‫ُ‬
‫وأفضل إسرتاتيجية هي «العادات‬
‫التمرن أو التدريب فـي وقت ّ‬
‫متأخر مـن الليل؛ كام قد يكون‬ ‫منتظم‪ ،‬وتغطية السـاعة‪ ،‬وعدم ّ‬

‫ً‬
‫عرضة للمشاكل القلبية خالل ساعات‬ ‫أكثر‬
‫ألَّنم قـد يكونون َ‬
‫خاص أن يدخلوا فـي الروتني اليومي ببطء‪ّ ،‬‬
‫كمية كافية مـن السـوائل‪ ،‬ويعدّ مشـروب الشاي من األنواع الـمثالية‪ ،‬والبدّ‬
‫الصباح‪ .‬ولذلك‪ ،‬جيب أن يشـربوا ّ‬
‫التغوط فـي هـذا الوقت من اليوم‪ .‬وقـد يسـتفيد‬
‫مستحسن التع ّود علـى ّ‬
‫َ‬ ‫مـن جت ّنب الـمَشوبات الباردة‪ .‬ومـن الـ‬
‫صباحا‪ ،‬يبدأ معدّ ل رضبات القلب فـي‬
‫ً‬ ‫كثريا من التامرين الصباحية‪ .‬عندَ نحو الساعة ‪7‬‬
‫األصحاء ً‬
‫ّ‬ ‫األشخاص‬
‫الزيادة‪ ،‬ويزداد إفراز اهلرمونات‪ ،‬بام فـي ذلك ُه ْرمون التستوستريون (هرمون الذكورة)‪ ،‬ويكون تركيزُ ه فـي الدم‬
‫سبب ميل الرجال للمامرسة اجلنسية فـي الصباح‪.‬‬
‫يفرس َ‬
‫أعىل بنسبة ‪ ٪40‬منه فـي منتصف الليل‪ ،‬وهو ما ّ‬

‫‪73‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ملح‪.‬‬
‫من الـمفيد احلدُّ من اجلهد الذهني الـ ّ‬

‫ّ‬
‫الصحية ّ‬ ‫ُ‬
‫الجيدة للنوم على‪:‬‬ ‫تشتمل العادات‬
‫الذهاب إلى السريرفـي وقت منتظم‪ ،‬وتغطية‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬
‫الساعة‪ ،‬وتجنب التدريب فـي وقت متأخرمن الليل‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ل‬ ‫ث‬‫ث‬‫ٌ ع عل ل ُ‬
‫الباب الثانـي‪ :‬تطثيقاب ملثة ى ا ووجثا الزمثثة‬
‫م اليَّوْماوي والجهاز الـمناعي‬
‫م والنظ ُ‬
‫‪ ‬النو ُ‬

‫‪ ‬النّظمُ اليوماويّ وصحَّة القلب واألوعية‬


‫كرْب‬
‫والـمشاكل الـمتعلِّقَة بالشدَّة أو ال َ‬

‫‪ ‬السُّكّري والنّوم عندَ األطفال السَّاعة الـمعويَّة‬

‫‪ ‬تأثير النُّظُم اليوماويَّة فـي السبيل الهضمي‬

‫‪ ‬الساعة البيولوجيَّة والتبوُّل‬

‫صحّةُ الجلد والسَّاعة البيولوجيَّة‬


‫‪ِ ‬‬

‫‪ ‬التعرُّض للضّوء الخارجيّ فـي الليل وسرطان‬


‫الثدي‬

‫‪ ‬النشاط الجنسي والساعة البيولوجية‬

‫‪ ‬الصَّوتُ أم الرَّائحة؟ بَرمَجةٌ عَصبيَّة لالستيقاظ!‬

‫‪ ‬العمل الليلي ونظام املناوبات والساعة‬


‫البيولوجية‬

‫‪75‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪ ‬الـميالتونين والنَّوْم وتعزي ُز املناعة‬

‫ل واألكسجين‬
‫‪ ‬اللي ُ‬

‫‪ ‬تأثيرُ إدمان وسائل التواصل االجتماعي فـي‬


‫النوم والصحَّة‬

‫ث البَشَريّ‬
‫‪ ‬العَبَ ُ‬

‫‪ ‬لننظِّم حياتَنا من جديد‬

‫‪76‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫النومُ والنظمُ‬
‫اليَوْماوي‬
‫والجهاز الـمناعي‬

‫تأثريا تنظيم ًيا قو ًيا فـي وظائف‬


‫ً‬ ‫يامرس النو ُم والنظام اليوماوي (الساعة البيولوجية)‬
‫الـمناعة‪ .‬وقد استبان ذلك من خالل ترافق دورة النوم واالستيقاظ الطبيعية مع معالـم مناع َّية‬
‫ُسمى‬
‫حمدَّ دة‪ ،‬مثل عدد اخلاليا التائ َّية الساذجة (البسيطة) غري الـمتاميزة وإنتاج مواد مناع َية ت َّ‬
‫(‪)1‬‬

‫السيتوكينات الـمعزِّ زة لاللتهاب واخلاليا الفاتكة الطبيعية السا َّمة للخاليا‪ ،‬وكذلك نشاط‬
‫ِّ‬
‫السيتوكينات الـمضا َّدة لاللتهاب فـي أثناء اليقظة خالل النهار‪ .‬ورغم أنَّه من الصعب ُ‬
‫فصل‬ ‫ِّ‬
‫أن مقارن َة تأثريات النوم‬
‫تأثري النوم ُتا ًما عن إيقاع الساعة البيولوجية أو النَّظم اليوماوي‪ ،‬إال َّ‬
‫ترس َب اخلاليا التائية وإعادة‬
‫يسهل ُّ‬ ‫اللييل بأوقات اليقظة خالل ‪ 24‬ساعة تشري إىل َّ‬
‫أن النو َم ِّ‬
‫تأثريا معزِّ زً ا انتقائ ًيا للنوم فـي‬ ‫توزيعها الـ ُمح َتمل إىل العقد اللمفية‪ .‬كام َّ‬
‫أن الدراسات كشفت ً‬
‫َ‬
‫التفاعل الـمتبادل أو التآثر بني اخلاليا الـمقدِّ مة للمستضدّ‬ ‫تشجع‬
‫ِّ‬ ‫السيتوكينات التي‬

‫‪ 1‬اخلاليا التائية هي نمط من أنامط الكر ّيات البيض‪ ،‬وهلا عدّ ة أنواع‪ ،‬ومهام خمتلفة ّ‬
‫تتلخص فـي الدفاع عن‬
‫اجلسم جتاه أي مواد غريبة تدخل إليه‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫اجلسم شيئًا غري ًبا عنه وهيامجه) واخلاليا التائية الـمساعفة‬


‫ُ‬ ‫(الـمستضدّ هو أي ما ّدة يعدُّ ها‬
‫(الـمساعدة)‪ ،‬مثل اإلنرتلوكني‪ .)1(12‬لقد أ َّدى النو ُم فـي الليلة الالحقة ألخذ اللقاحات‬
‫التجريبية الـمـضا َّدة اللتهاب الكبد األلفي ‪ A‬إىل زيادة قو ّية ومستديمة فـي عدد اخلاليا التائية‬
‫النتائج َمتمع ًة إىل دور نوعي‬ ‫ساعفة النوع َّية للمستضدّ ومستويات األضداد‪ .‬وتشري هذه‬ ‫الـم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بشكل خاص بمرحلة نوم‬ ‫ٌ‬
‫مرتبط‬ ‫الدور‬
‫َ‬ ‫للنوم فـي تكوين الذاكرة الـمنا َّعية‪ .‬ويبدو َّ‬
‫أن هذا‬
‫الصم الـمعزِّ زة لاللتهاب‪ ،‬التي تتم َّيز بارتفاع‬
‫ّ‬ ‫حركات العني البطيئة (النوم العميق) وبيئة الغدد‬
‫النمو والربوالكتني وانخفاض تراكيز الكورتيزول‬
‫ّ‬ ‫مستويات ٍّ‬
‫كل من هرمونـَي‬
‫والكاتيكوالمينات‪.‬‬

‫يعدُّ ٌّ‬
‫كل من النوم والنظام اليوماو ّي (تعاقب الليل والنهار) من العوامل الـمن ّظمة القوية‬
‫التأثري إىل التواصل الثنائي االجتاه أو الـمتبادل بني اجلهازين‬
‫ُ‬ ‫للعمليات الـمناعية‪ .‬ويعود هذا‬
‫رب اإلشارات‬
‫العصبي الـمركزي من جهـة والـمناعي مـن جهـة أخرى‪ ،‬ويكون ذلك ع َ‬
‫تعصب‬
‫والسيتوكينات) واألليـاف العصبية التـي ِّ‬
‫الـمشرتكة (النواقل العصبية واهلرمونات ِّ‬

‫السيتوكينات (بروتينات إفراز َّية وجزيئات ذات إشارة) تفرزها‬ ‫‪ِ 1‬‬
‫اإل ْنرتلوكينات ‪َ interleukins‬مموع ٌة من ِّ‬
‫كريات الدم البيض‪ .‬تعتمد وظيف ُة اجلهاز الـمناعي فـي ٍ‬
‫بعض‬ ‫جزء كبري منه عىل اإلنرتلوكينات‪ ،‬وقد ُذكِر ُ‬ ‫َّ‬
‫ظاهر فـي أمراض الـمناعة الذاتية أو العوز الـمناعي‪ُ .‬ت َصنَّع‬ ‫أشكال القصور النادرة فـي ٍ‬
‫عدد منها‪ ،‬حيث َتت َ‬
‫ِ‬
‫الوحيدة‬ ‫معظم اإلنرتلوكينات من قبَل ال ِّلمفاويات التَّائية الـمساعدة ‪ ،CD4‬وكذلك مـن خـالل الـخاليا َ‬
‫ُ‬
‫(الوحيدات) والب ِ‬
‫العم والـخاليا البطـانية‪ .‬وهـي تـعـزِّ ز ت ُّل َق اللمفاو ّيات التائية والبائية والـخاليا‬ ‫َ‬
‫مكونـة للدم وُتايزها‪.‬‬
‫الـ ِّ‬

‫‪78‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪autonomic‬‬ ‫ّ‬
‫الـمستقل‬ ‫اجلهـازَ الـمناعي مباشـرة بواسـطة اجلهاز العصبي الالإرادي أو‬
‫‪.nervous system‬‬
‫ٍ‬
‫إيقاعات أو ُن ُظ ًام بارزة بالتزامن مع دورة النوم واالستيقاظ‬ ‫يبدي عد ٌد من الوظائف الـمناع َّية‬
‫الـمنتظمة عىل مدار ‪ 24‬ساعة‪ ،‬مـ َّام يشري إىل األفعال التآزر َّية للنوم والنظام ال َي ْوماوي فـي هذه‬
‫الـ َمعالـم‪ .‬وبنا ًء عىل ذلك‪ ،‬تصل اخلاليا الـمناعية الـ ُمتاميزة ذات وظائف االستجابة الفورية‬
‫(‪)1‬‬ ‫ِ‬
‫(الـ ُم ْس َت ْفع َلة ‪ ،)effector‬مثل اخلاليا الفاتكة الطبيعية السا َّمة للخاليا ‪cytotoxic NK cells‬‬

‫اخلاليا الفاتكة الطبيعية هي‪ ،‬بحسب علم الـمناعة والتَشيح الـمريض‪ ،‬خاليا لـمفاو َّية (لِـمفاو َّيات)‬ ‫‪1‬‬

‫ِ‬
‫الـمستهدَ فة هبا‪ ،‬وتعدُّ جز ًءا من جهاز الـمناعة الف ْطري‪ .‬ويشبه ُ‬
‫دور هذه اخلاليا‬ ‫ُحبَيْبية كبرية‪ ،‬سا َّمة َ‬
‫للخاليا ُ‬
‫سمى اخلاليا التائية (التائ َّيات) السا َّمة للخاليا فـي حالة االستجابة الـمناعية التك ُّيفية‬
‫دور ما ُي َّ‬
‫الفاتكة الطبيعية َ‬
‫استجابات رسيعة للخاليا الـمصابة بالفريوسات‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ويتجىل ُ‬
‫عمل هذه اخلاليا فـي َّأَّنا تو ِّفر‬ ‫َّ‬ ‫لدى ِ‬
‫الفقار َّيات‪.‬‬
‫َ‬
‫حدوث األورام‪ .‬تكتشف اخلاليا‬ ‫حيث تبدأ نشا َطها فـي غضون ‪ 3‬أ َّيام من اإلصابة أو العدوى‪ ،‬وتكافح‬

‫الـمناعية عاد ًة مع َّقد التوا ُفق النسيجي الرئييس )‪ major histocompatibility complex (MHC‬الـموجود‬

‫عىل أسطح اخلاليا الـمصابة بالعدوى‪ ،‬األمر الذي يؤ ِّدي إىل إِطالق عوامل كيميائيَّة طبيعيَّة ت َّ‬
‫ُسمى‬

‫السيتوكينات‪ ،‬وهي عوامل تتسبَّب فـي موت اخللية الـمصابة عن طريق التح ُّلل أو االستِامتة (أي الـموت‬
‫ِّ‬
‫التعرف إىل اخلاليا‬
‫ربمج)‪ .‬ولك َّن اخلاليا الفاتكة الطبيعية فريد ٌة من نوعها‪ ،‬فهي تتميَّز بالقدرة عىل ُّ‬
‫الـم َ ْ‬
‫اخللوي ُ‬
‫الـمريضة أو الشائخة وقتلها فـي غياب األجسام الـمضا َّدة (األضداد) ومع َّقـد التوا ُفق النسيجي الرئييس‬

‫مـام يسمح باستجابة أو ر ّد فعل مناعي‬


‫(هو أحدُ وسائل الدفاع فـي اجلسم‪ ،‬حيث يم ِّيز الذات من الغري)‪َّ ،‬‬
‫الـمترضرة‪ .‬وبام‬
‫ِّ‬ ‫ألَّنا ال حتتاج إىل تنشيط لقتل اخلاليا الغريبة أو‬
‫أرسع بكثري‪ .‬وقد ُس ِّميت «بالفاتكـة الطبيعية» َّ‬

‫‪79‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫واللمفاو َّيات التائ َّية السا َّمة للخاليا )‪ cytotoxic T lymphocytes (CTL‬ذات التاميز النهائي‪،‬‬
‫إىل ذروُتا خالل مرحلة االستيقاظ‪ ،‬مـ َّام يسمح بمكافحة العوامل الغريبة الوافِدة عىل اجلسم‬
‫ٍ‬
‫بشكل ف ّعال ورسيع‪،‬‬ ‫الـمترضرة‬
‫ِّ‬ ‫سمى الـمستضدّ ات ‪ )antigens‬وترميم األنسجة‬‫(أو ما ُي َّ‬
‫دث ذلك فـي أثناء الطور ِ‬
‫النشط من يوم الكائن احلي‪ .‬وفـي الـمقابل‪،‬‬ ‫مرجح أن حي َ‬
‫ومن الـ َّ‬
‫‪naïve‬‬ ‫ّ‬
‫األقل ُتايزً ا مثل اخلاليا التائية البسيطة أو الساذجة‬ ‫تصل اخلاليا غري الـمتاميزة أو‬
‫‪ memory‬الـمركزية إىل ذروُتا فـي أثناء الليل‪ ،‬حيث تبدأ‬ ‫‪T cells‬‬ ‫وخاليا الذاكرة التائية‬
‫االستجاب ُة الـمناعية التك ُّيفية التي َّ‬
‫تتطور ببطء‪ .‬يعزِّ ز النو ُم اللييل‪ ،‬الس َّيام نوم حركات العني‬
‫النمو والربوالكتني‪ ،‬فـي‬
‫البطيئة (النوم العميق) الذي يسيطر خالل َّأول الليل‪ ،‬إفرازَ هرمونـي ّ‬
‫ات الـمضا ّدة لاللتهاب للكورتيزول والكاتيكوالمينات فـي أدنى‬
‫حني تكون التأثري ُ‬
‫الـمستويات‪ ،‬وهذا ما يؤكِّد َّ‬
‫أن مكافحة حاالت العدوى تكون عىل أشدِّ ها خالل النهار‪ ،‬بينام‬
‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫الـمكْروبات عندما يكون‬ ‫ترتاجع خالل الليل‪ ،‬وهذا ما يتوافق مع رضورة مواجهة ِ‬

‫الـم ِ‬
‫مرضة‪.‬‬ ‫وتعرضه هلذه العوامل ُ‬
‫فـي أوج نشاطه ُّ‬

‫الصم فـي أثنـاء النـوم الـمب ّكر بشـ ٍ‬


‫كل واضح مـا يلـي‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وتدعم بيئ ُة الغدد‬

‫أ َّن هذه اخلاليا تبلغ ذرو َة نشاطها فـي النهار‪ ،‬لذلك تؤ ِّمن محاي ًة كبرية من الـمكروبات التي َّ‬
‫يتعرض هلا‬

‫اإلنسان خالل نشاطه اليومي‪ ،‬بينـام هيدأ عم ُلها فـي الليل حيث يتو َّقف نشاط اإلنسان‪ ،‬ومن َث َّم ُّ‬
‫تعرضه‬
‫ُ‬
‫عوامل الـمناعة الرسيعة فـي االستجابة أقـوى فـي النهـار‬ ‫للمكروبات أو األحياء الدقيقة‪ .‬ومـن هنا تكون‬

‫الصحية لدورة النوم الـمتوافقة مع تعاقب الليل والنهار‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫منها فـي الليل‪ .‬وهذا ما ينسجم مـع الطبيعة‬

‫‪80‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الـم ْس ِ‬
‫تفردة للمستضدَّ ات ‪antigen presenting‬‬ ‫(‪ )1‬التفاعل الـمتبادل أو التآثر ما بني اخلاليا ُ‬
‫)‪ cells (APC‬واخلاليا التائية‪ ،‬وي َّتضح ذلك من خالل زيادة إنتاج اإلنرتلوكني ‪،IL-12 12‬‬

‫ُتغ َّطى اخلاليا الـمناعيَّة البائيَّة ‪ B‬والتائيَّة ‪ T‬بمستقبالت (كام هو َّ‬


‫مبني هنا)‪ .‬وبسبب إعادة‬
‫األمر‬
‫ُ‬ ‫الرتكيب (التأشيب) ‪ recombination‬والطفرات فـي جينات الـمستقبالت‪َ ،‬ينْتهي‬
‫لكل منها َموا ِض ُع َر ْبط للمستضدِّ (مو ِّلد‬ ‫ٍ‬
‫بجيش هائل من هذه اخلاليا الـمتميِّزة جينيًا‪ٍّ ،‬‬
‫الضد) ذي شكل فريد‪.‬‬

‫ساع َفة‪/1‬اخلاليا التائية الـم ِ‬


‫ساع َفة‪2‬‬ ‫(‪ )2‬وانزياح توازن سيتوكينات اخلاليا التائية الـم ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ Th1/Th2‬نحو سيتوكينات اخلاليا التائية الـم ِ‬
‫ساع َفة‪،Th1 1‬‬ ‫ُ‬
‫(‪ )3‬وزيادة تكاثر اخلاليا التائية الـم ِ‬
‫ساع َفة‪،‬‬ ‫ُ‬

‫أيضا‪.‬‬
‫(‪ )4‬ور ّبام تسهيل هجرة اخلاليا التائية الساذجة (البسيطة) إىل العقد اللمفية ً‬

‫‪81‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الصم خالل النوم الـمب ِّكر ابتدا َء االستجابات‬


‫ّ‬ ‫رجح أن تعزِّ زَ بيئة الغدد‬ ‫وبذلك‪ ،‬من الـم َّ‬
‫ِ‬
‫األول التي تدعم فـي َّناية الـمطاف تكوي َن‬ ‫الـمناعية اخلاليا التائية الـ ُمساع َفة من النمط َّ‬
‫ات طويلة واستجابة الشدَّ ة الـمصاحبة هلا فهي‬ ‫ذواكر مناعية طويلة األمد‪ .‬أما ق َّل ُة النوم ألوق ٍ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫وصف‬
‫للسيتوكينات الـمعزِّ زة لاللتهاب‪ ،‬وأفضل ما ُي َ‬
‫إنتاجا مسـتمرا غري هادف ِّ‬
‫ً‬ ‫تستدعي‬
‫ضارة عىل‬
‫أيضا‪ ،‬وكالهـام له آثار َّ‬
‫التهاب مزمن خفيف‪ ،‬يؤ ِّدي إلـى العوز الـمناعي ً‬
‫ٌ‬ ‫ذلك بأ ّنه‬
‫الصحة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫مستوى‬

‫كل من النوم والنظام اليوماو ّي (تعاقب الليل والنهار)‬ ‫ُّ‬


‫يعد ٌّ‬
‫ّ‬
‫من العوامل الـمنظمة القوية للعمليات الـمناعية‪.‬‬

‫نص ح باحلصول عىل اللقاحات‪ ،‬مثل لقاح األنفلونزا الـموسمية(‪،)1‬‬


‫نذكر بأنَّه ُي َ‬
‫بقي أن َ‬
‫َ‬
‫اجلسم عندَ احلصول عىل اللقاح‬
‫ُ‬ ‫نتجها‬ ‫فـي الصباح‪َّ ،‬‬
‫ألن األضداد (األجسام الـمضا َّدة) التي ُي ُ‬
‫اللقاح فـي الـمساء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أعطي‬
‫َ‬ ‫بني َ‬
‫قبل الظهر تزداد عدَّ َة مرات مقارن ًة بمستواها إذا‬

‫‪ 1‬البدّ أن نشري هنا إىل أ ّن زياد َة اإلصابة بنزالت الربد واألنفلونزا فـي فصل الشتاء‪ ،‬مقارن ًة بالصيف وغريه‬

‫الصحة والـمرض‪ ،‬برصف النظر عن مسامهة العوامل األخرى‪.‬‬


‫ّ‬ ‫من الفصول‪ ،‬يندرج حتت دور الوقت فـي‬

‫‪82‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ي‬
‫النّظمُ اليوماو ّ‬
‫وصحَّة القلب‬
‫واألوعية الدمويّة‬
‫واملشاكل املتعلِّقَة‬
‫كرْب‬
‫بالشدَّة أو ال َ‬
‫القلبي الوعائي وف ًقا لنظا ٍم زمني نوعي ومتذبذب بطبيعته؛ ولذلك‪ ،‬ت ِ‬
‫ُظه ُر‬ ‫ّ‬ ‫ُين َّظ ُم اجلهازُ‬
‫ب هذه االختالفات (التي يمكن التن ُّبؤ‬ ‫ٍ‬
‫تغريات يوماو َّية‪ .‬وتُس ِّب ُ‬
‫معظم الوظائف القلب َّية الوعائية ُّ‬
‫هبا فـي حينها) فـي احلالة الفيزيولوجية جلهاز القلب واألوعية تغري ٍ‬
‫ات نظم َّي ًة فـي االستعداد‬ ‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫ات الـمرض َّية ألمراض‬
‫أو القابل َّية للمرض أو الوفاة عندَ البَش‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ُ ،‬تبدي اآلل َّي ُ‬
‫تغريات زمن َّية فـي مظاهرها وشدَّ ُتا م ًعا‪ ،‬مـ َّام ُيؤ ِّدي إلـى فـوارق‬
‫القلب واألوعية بحدِّ ذاُتا ُّ‬
‫يمكـن تو ُّقعها فـي حينها‪ ،‬وذلك من حيث قدرُتا علـى إحداث الـمرض وتفاقمه‪.‬‬

‫وقوع احلوادث القلبية الوعائ َّية ال حيصل فـي ِّ‬


‫كل األوقات‪،‬‬ ‫َ‬ ‫تشري أد َّل ٌة متزايدة إىل َّ‬
‫أن‬
‫نامذج زمنية فريدة تتلف بحسب الوقت فـي اليوم‪ ،‬وبحسب اليوم من األسبوع‪،‬‬
‫ظهر َ‬ ‫ولكنّه ُي ِ‬

‫النامذج مع التفاوت الزمني فـي اآلليات الفيزيولوج َّية‬


‫ُ‬ ‫وبحسب الشهر من السنة‪ .‬وتتوافق هذه‬

‫‪83‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫والتغريات الفيزيولوج َّية فـي نظم اجلسم‪.‬‬


‫ُّ‬ ‫َ‬
‫مشاكل القلب واألوعية‪،‬‬ ‫حتر ُض‬
‫الـمرض َّية التي ِّ‬
‫الزمني ‪ ،chronorisk‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫و ُي ِ‬
‫سه ُم ما سبق ذكره فـي تعريف الـمفهوم اجلديد للخطر‬

‫الـمفهو ُم ينطوي عىل َمموعة من العوامل ال تش ِّكل بمفردها ً‬


‫رضرا‪ ،‬بل هي قادرة عىل حتريض‬
‫بعضا خالل اإلطار الزمني نفسه‪.‬‬
‫أحداث غري ُمستح َّبة عندما تأتـي مع بعضها ً‬

‫تتفاوت رسع ُة القلب وضغط الدم بحسب‬


‫الوقت من اليوم‪ً ،‬‬
‫فضال عن عدد الكر َّيات البيض‬
‫اجلائلة فـي الدم ومستويات اهلرمونات والنواقل‬
‫العصب َّية‪ ،‬وحتَّى رسعة اجلريان الدموي فـي الدماغ؛‬
‫ُ‬
‫فرسعة القلب وضغط الدم يزدادان ببطء خالل‬
‫اليوم‪ ،‬ويرتاجع هرمون الشدَّ ة «الكورتيزول»‪.‬‬

‫ومع بداية الليل‪ ،‬حتصل دفقات فـي إفراز الـميالتونني ‪« melatonin‬هرمون الظلمة‬
‫متدرج فـي درجة احلرارة ورسعة القلب‬
‫ِّ‬ ‫انخفاض‬
‫ٌ‬ ‫‪ ،»darkness‬كام حيدث‬ ‫‪hormone‬‬

‫وضغط الدم‪ ،‬مع ارتفاع بطيء فـي الكورتيزول إلـى أن يبلغَ ذروتَه فـي الصباح الباكر َ‬
‫قبل‬
‫االستيقاظ‪.‬‬

‫الذبذبات اليوماوية مسأل ًة تسرتعي االهتامم بالنسبة للكثريين؛ فإذا‬


‫ُ‬ ‫ولكن‪ ،‬ال تشكِّل هذه‬
‫معني‪ ،‬من ضغط الدم‬
‫القياسات لدى شخص َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫تكون‬ ‫لـم يفكِّر األط َّباء هبذه الظواهر‪ ،‬يمكن أن‬

‫‪84‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫غري دقيقة‪ ،‬مع أ َّن َ‬


‫بعض العلامء‬ ‫التحسسية‪َ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫إىل رسعة القلب‪ ،‬ومن تعداد النطاف إىل التفاعالت‬
‫ُرفق مع الوقت الذي لوحظت فيه‪ .‬وبنا ًء عىل ذلك‪،‬‬ ‫أن َّ‬
‫كل مالحظة رسيرية ينبغي أن ت َ‬ ‫يرون َّ‬
‫ثمر معرفتنا هبذه التق ُّلبات البدنية فـي ِّاتاذ خياراتنا الشخصية اجل ِّيدة‪ .‬ولتجنُّب‬
‫البدَّ من أن نست َ‬
‫الصفيحات الدمو َّية‬
‫ُ‬ ‫صباحا‪ ،‬حيث تكون‬
‫ً‬ ‫لق حليتَنا الساعة ‪8‬‬ ‫فضل أن ن َْح َ‬
‫فرط النَّزف‪ُ ،‬ي َّ‬
‫الـمشكِّلة للج ْل َطة أكثر غزار ًة ِ‬
‫وص َّحة ممَّا تكون عليه فـي أوقات أخرى من اليوم (وهذا ما‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫حدوث النوبات القلب َّية بذروُتا فـي هذا الوقت)‪.‬‬ ‫يفرس‬
‫ِّ‬

‫ّ‬
‫متدرج فـي درجة‬
‫مع بداية الليل‪ ،‬يحدث انخفاض ِ‬
‫الحرارة وسرعة القلب وضغط الدم‪ ،‬مع ارتفاع بطيء‬
‫َ َ‬
‫ذروته فـي الصباح الباكر َ‬
‫قبل‬ ‫فـي الكورتيزول إلى أن يبلغ‬
‫االستيقاظ‪.‬‬

‫بقي أن نقول ّ‬
‫إن القلب يكون فـي ذروة نشاطه فـي وقت الظهرية ما بني احلادية عَشة قبل‬ ‫َ‬
‫الظهر والواحدة بعده‪ .‬ولذلك‪ ،‬جيب ّأال ُن ِ‬
‫فرط فـي إرهاق أجسامنا بتناول وجبات ثقيلة خالل‬

‫أكثر نشا ًطا‪ ،‬الس ّيام فـي أ ّيام الصيف ّ‬


‫احلارة‪ ،‬ويمكن أن نستفيد‬ ‫الوقت الذي يكون فيه القلب َ‬
‫اجلسم فـي طور هضم‬
‫ُ‬ ‫كثريا من القيام بنزهة قصرية فـي ّ‬
‫الظل أو من أخذ قيلولة‪ ،‬حيث يكون‬ ‫ً‬
‫خيف الشعور‬
‫طعام الغداء‪ ،‬فنشعر ببعض الضعف والكسل‪ .‬ولكن‪ ،‬مع تراجع النشاط‪ّ ،‬‬
‫باأللـم‪ ،‬لذلك قد يكون هذا الوقت مناسـ ًبا ألخـذ موعـد عندَ طبيب األسنان لغري‬
‫اإلجراءات النازفة‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪86‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫السكّري والنّوم‬
‫ُّ‬
‫د األطفال‬
‫عن َ‬

‫فـي حني يعدُّ الدا ُء الس ّكري من النوع الثانـي ً‬


‫مرضا من أمراض البالغني‪ ،‬لكنّه أخذ ُيصيب‬
‫مرض بزيادة الـمقاومة هلُرمون األنسولني‬ ‫األطفال عىل ٍ‬
‫نحو ُمتزايد؛ ويرتبط هذا الـ ُ‬ ‫َ‬ ‫اليو َم‬
‫عواقب مد ّمر ٌة ُمزمنة لدى‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫يكون هلا‬ ‫وبالتأثريات األيضية أو االستقالب ّية التي يمكن أن‬
‫الشخص‪ .‬ولذلك‪ ،‬يعمل األط ّبا ُء والعلامء دائبني عىل اكتشاف السبب الذي جيعل الكثري من‬

‫األطفال يصابون بالدّ اء الس ّكري من النّمط الثانـي ومن أنواع أخرى مم ّا ُي ّ‬
‫سمى متالزمة ال ّتمثيل‬
‫الغذائي أو الـ ُمتالزمة االستقالب ّية ‪.metabolic syndrome‬‬
‫ُتشري نتائج األبحاث اجلديدة إىل وجود ارتبا ٍ‬
‫ط بني النوم والس ّكري‪ ،‬ممّا قد يدُ ُّل عىل ّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬
‫ارتفاع‬
‫ُ‬ ‫إيقاعاتنا أو ُن ُظمنا اليوم ّية قد ُتسهم فـي كيف ّية التعا ُمل مع مركّب الس ّكر الذي يم ّثل‬
‫مستواه فـي الدم جوهر الـمشكلة‪ ،‬ح ّتى فـي س ّن مب ّكرة جدا من احلياة‪.‬‬

‫أرضارا بالغ ًة ألعضاء اجلسم عىل‬


‫ً‬ ‫يمكن الرتفاع مسـتوى السكّر فـي الـدم أن ُيس ّبب‬
‫الـمدى ال ّطويل‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الدّاءُ السكّري عندَ األطفال‬


‫هناك نوعان من الدّ اء الس ّكري‪ :‬النوع أو النّمط ّ‬
‫األول والنوع أو النّمط الثانـي‪.‬‬

‫أي عمر‪ ،‬لكنّه يظهر قبل س ّن األربعني غال ًبا‬


‫األول من السكّري فـي ّ‬ ‫ُ‬
‫النمط ّ‬ ‫َ‬
‫حيدث‬ ‫يمكن أن‬
‫اسم السكّري‬
‫(بحسب آخر الدّ راسات)‪ ،‬الس ّيام فـي سنوات الطفولة‪ .‬ولذلك‪ ،‬فقد ُيطلق عليه ُ‬
‫األول من داء‬ ‫ات إىل ّ‬
‫أن النمط ّ‬ ‫أحيا ًنا‪ .‬و ُتشري اإلحصائ ّي ُ‬ ‫ّ‬
‫الشبابـي ‪juvenile diabetes‬‬

‫السكّري ُيشكّل ‪ 10‬فـي الـامئة من إمجايل حاالت السكّري‪.‬‬

‫ُ‬
‫مشكلة فـي هذا ال ّنوع من السكّري‬‫وتكمن الـ‬
‫ُ‬
‫بعدم إفراز غدّ ة البنكرياس لألنسولني‪ ،‬وهو‬
‫ُ‬
‫اهلرمون الـمسؤول عن تنظيم مستوى السكّر فـي‬
‫الدم‪ .‬ولذلك‪ ،‬يمكن أن ُيطلق عىل هذا النوع من‬
‫السكّري اسم السكّري الـ ُمعتمد عىل‬
‫أيضا‪.‬‬
‫األنسولني ‪ً insulin-dependent diabetes‬‬
‫األول نتيج ًة لعجز اجلسم عن‬
‫ّ‬ ‫إِ َذن‪ ،‬حيدث الدّ ا ُء السكّري من النمط‬
‫سمى سكّر العنب)‬ ‫ٌ‬
‫سؤول عن نقل الغلوكوز (أو ما ُي ّ‬ ‫ُ‬
‫اهلرمون م‬ ‫إفراز هرمون األنسولني‪ ،‬وهذا‬
‫كوقود إلنتاج الطاقة‪ ،‬فت ُجوع اخلاليا وتفتقر‬
‫الزائد من الدم باجتاه اخلاليا‪ ،‬حيث ُيستخدَ ُم ُ‬
‫ٍ‬
‫بشكل كبري‪ .‬وعندَ عجز اجلسم عن استخدام‬ ‫للغذاء رغم ارتفاع مستوى الس ّكر فـي الدم‬
‫السكّر إلنتاج الطاقة‪ ،‬يعمد إىل تفكيك الدُّ هون والنُّ ُسج العضلية الستخدامهام فـي إنتاج‬

‫‪88‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الطاقة‪ ،‬ويؤ ّدي ذلك إىل نقص الوزن وزيادة الشحم ّيات يف الدم؛ كام قد يؤ ّدي إىل اإلصابة‬
‫‪diabetic‬‬ ‫حلامض السكّري الكيتونـي‬
‫ُسمى ا ُ‬
‫بحالة قصرية األمد (لكنّها خطرية) ت ّ‬
‫اجلسم بالتجفاف‬
‫ُ‬ ‫‪ ketoacidosis‬حيث يرتفع مسـتوى احلموضة فـي الدم‪ ،‬و ُيصاب‬
‫وأعراض أخرى‪.‬‬

‫األول علـى أ ّنه أحـدُ أمـراض الـمناعة الذات ّية‪ ،‬وذلـك ّ‬


‫ألن‬ ‫ُيصنّف السكّري من النّمط ّ‬
‫الدّ فاعات الطبيعيـة فـي اجلسم ُتعامل خاليا غدّ ة البنكرياس (وبالتّحديد تلك الـمسؤولة عن‬
‫إنتاج األنسولني) كعنارص ُمعادية وُتامجها‪ ،‬وهذا ما يؤ ّدي إلـى تو ُّقفها عـن إنتاج األنسولني‪.‬‬

‫أ ّما فـي النّمط الثانـي من اإلصابة بالسكّري‪ ،‬فيؤثر الـ ُ‬


‫مرض فـي استقالب (أو حتطيم)‬
‫بطريقة خمتلفة جدا؛ حيث إ ّن اجلسم ال ينتج كم ٍ‬
‫يات كافي ًة من‬ ‫ٍ‬ ‫أيضا‪ ،‬ولكن‬‫الغلوكوز ً‬
‫ّ‬ ‫ُ‬

‫‪89‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫بصورة ج ّيدة (بسبب الـمقاومة‬ ‫ٍ‬ ‫أن خاليا اجلسم ال تستجيب لألنسولني‬ ‫األنسولني‪ ،‬أو ّ‬
‫أن البنكرياس يعمل بفاعلية أكرب من أي ٍ‬
‫وقت مىض لتلبية ال ّطلب الـ ُمتزايد‬ ‫لألنسولني)؛ فرغم ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ات إىل‬
‫عىل األنسولني‪ ،‬لك ّن الغلوكوز فـي الدم ال يدخل إىل اخلاليا بكفاءة‪ .‬وتُشري اإلحصائ ّي ُ‬
‫السكّري ُيش ّكل ما نسبته ‪ 90‬فـي الـامئة من إمجايل حاالت السكّري‪،‬‬‫أن النوع الثانـي من ُّ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫مرحلة الحقة أو ّ‬
‫متأخرة من احلياة‪.‬‬ ‫وغال ًبا ما حتدث اإلصاب ُة به فـي‬

‫ارتفاع فـي‬
‫ٌ‬ ‫الس ّكري من النّمطني ّ‬
‫األول والثانـي يكون لدهيم‬ ‫ومع ّ‬
‫أن الـمصابني بالدّ اء ُّ‬
‫أي‬
‫األول ال يكون لدهيم ُّ‬
‫مستوى الغلوكوز فـي الدّ م‪ ،‬لك ّن الـمرىض الـمصابني بالنّوع ّ‬
‫أنسولني عىل اإلطالق فـي َمرى الدم‪ ،‬أ ّما الـمرىض الـمصابون بالنّوع الثانـي فيكون لدهيم‬

‫مستويات عالية جدا منه‪ .‬وخال ًفا للدّ اء الس ّكري من النمط ّ‬
‫األول‪ ،‬حيدث الدا ُء الس ّكري من‬ ‫ٌ‬
‫بشكل رئييس بسبب عوامل متع ّلقة بنمط احلياة‪ ،‬ويمكن أن ُيعال َج فـي ٍ‬
‫كثري من‬ ‫ٍ‬ ‫النوع الثانـي‬
‫ُفيض إىل إنقاص الوزن وحتسني االستقالب‪.‬‬ ‫تغيريات فـي أسلوب احلياة ت ِ‬
‫ٍ‬ ‫األحيان بإجراء‬

‫قد خي ّرب الس ّكري من النوع الثانـي األوعي َة الدموية واألعصاب وشبك َّية العني والوظيفة‬
‫منع حدوث هذا الـمرض ما أمكن ‪ -‬ولكن كيف؟‬
‫مهم ُ‬
‫الكلو ّية‪ .‬ولذلك‪ ،‬من الـ ّ‬

‫الساعة الب ُيولوج ّية أو النّظم اليوماوي‬ ‫بحوث جديدة إىل ّ‬


‫أن احلفاظ عىل إيقاع أو نظم ّ‬ ‫ٌ‬ ‫ُتشري‬
‫ٍ‬
‫قابالت ومجعوا ع ّينات من الدّ م‬ ‫يمكن أن يكون ُجز ًءا مهام من الوقاية؛ فقد أجرى الباحثون ُم‬
‫النتائج كام يأتـي‪ :‬األطفال الذين كـانـوا ينا ُمون أقـ ّل مـن عشـر‬
‫ُ‬ ‫لدى آالف األطفال‪ ،‬فكانت‬
‫مقدار أعىل من الدُّ هون فـي اجلسم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ساعات ونصف (‪ )10.5‬وسطيا فـي ال ّليل ُلوحظ لدهيم‬

‫‪90‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وارتفاع مستويات الس ّكر فـي الدم‪،‬‬


‫نسولني؛ فالف ُ‬
‫رق فـي‬ ‫ومقاومة أكثر لأل ُ‬
‫طول ال ّنوم لـمدّ ة ال ُّ‬
‫تقل عن نصف‬
‫ساعة ترتبط مع زيادة الدُّ ُهون فـي‬
‫اجلسـم وارتفاع سـكّ ر الـدم؛ فإذا كـان‬

‫باحلاسـوب ال ُّلويـحـي أو لالنتـهـاء من‬


‫ُ‬ ‫ليال عـن النوم‪ ،‬إ ّما فـي ال ّلعب‬
‫أخـر ولـو قـ ً‬ ‫ال ُ‬
‫طفل يتـ ّ‬
‫(الـمتأخرة) أو فـي مشـاهدة التلفزيون‪ ،‬فإ ّنه يمكن أن يكـ َ‬
‫ون لذلك‬ ‫ّ‬ ‫حـ ّل الواجبات الـمدرسـ ّية‬
‫همة‪.‬‬
‫صحية مـ ّ‬
‫آثار ّ‬
‫ٌ‬

‫ات فـي اهل ُرمونات الـمن ّظمة ل ّ‬‫احلرمان اجلزئي من النوم بتغري ٍ‬
‫أيضا‪ ،‬أي‬‫لشهية ً‬ ‫ُّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫كام يرتبط‬
‫ٍ‬
‫زيادة فـي الشهية‪ ،‬ممّا قد‬ ‫ات ُتؤ ّدي إىل‬
‫التغري ُ‬ ‫ال ّلبتني ‪ )1(leptin‬والغريلني ‪)2(ghrelin‬؛ وهذه‬
‫ُّ‬
‫يؤ ّدي بدوره إىل زيادة تناول الطعام وزيادة الوزن‪.‬‬

‫الشبع ‪ُ ،satiety hormone‬ينْتجه و ُي ْفرزه الن ُ‬


‫ّسيج الدهني‪ ،‬السيّام‬ ‫روتيني ُيدعى ُه ُرمون ّ‬
‫ٌّ‬ ‫‪ 1‬ال ّل ْبتني ُه ْر ٌ‬
‫مون ُب‬
‫الشهي ُة‬ ‫النّسيج الدُّ ْهني األ ْبيض‪ .‬ويامرس ال ّل ْبتني ً‬
‫دورا مهام فـي تنْظيم است ْهالك الطاقة وتوازَّنا‪ ،‬بام فـي ذلك ّ‬
‫والت ّْمثيل الغذائي أو االست ْقالب (األ ْيض)‪.‬‬

‫النمو‪ُ ،‬يشار إليه باسم « ُه ْرمون اجلوع »‪»hunger hormone‬‬


‫ّ‬ ‫‪ 2‬الغريلني بِ ْبتيد (بروتني) ُم ْطلق هلُ ْرمون‬
‫ْتجه اخلاليا ذات الـ َم ْفعـول‬
‫تيدي ُتن ُ‬ ‫وهو ُه ْر ٌ‬
‫مون ببْ ٌّ‬ ‫غالبًا؛ كام ُيعرف باسم ال ّلينو ُموريلني ‪ً lenomorelin‬‬
‫أيضا‪ُ ،‬‬
‫العصبي فـي اجلهاز العصبي‬
‫ّ‬ ‫الغريلينيكي ‪ ghrelinergic cells‬فـي القناة اهلضميّة‪ ،‬وي ْعمل بمنْزلة الببْتيد‬

‫‪91‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ّ‬
‫بعض ال ُبحوث إلى أن الحفاظ على إيقاع أو‬‫ُتشير ُ‬
‫النظم اليوماوي‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫الساعة ُ‬
‫نظم ّ‬
‫ولوجية أو‬ ‫البي‬
‫مهما من الوقاية من‬‫زءا ًّ‬ ‫يمكن أن يكون ُج ً‬
‫ّ‬
‫السكري من النوع الثانـي‪.‬‬

‫التأثرياتُ السّلبيّة الضطراب النّظم اليوماوي عند األطفال‬


‫عادات نو ٍم منتظمة خلطر الدّ اء الس ّكري من النّوع‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األطفال الذين ليس لدهيم‬ ‫يتعر ُض‬
‫ال ّ‬
‫مهمة‪ .‬وكام هي ُ‬
‫احلال عند‬ ‫ٍ‬
‫الثاين فقط‪ ،‬ولكن لـمجموعة كبرية من األمراض واالضطرابات الـ ّ‬
‫احلفاظ عىل إيقا ٍع أو نظم يوماوي ثابت و ُمن ّظم ج ّيدً ا أحد الركائز األساس ّية‬ ‫ُ‬ ‫البالغني‪ُ ،‬يعدُّ‬
‫عادات نو ٍم‬
‫ُ‬ ‫أن األطفال الذين لدهيم‬ ‫عدد مـن الدّ راسات ‪ّ -‬‬ ‫للصحة والعافية‪ .‬لقد وجد ‪ -‬فـي ٍ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بقسط وافر من النّوم جينُون الـمنافع التالية‪:‬‬ ‫ُمنتظمة تسمح‬
‫رجات أفضل فـي الـمدرسة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫•د‬
‫نقصا فـي الـمشاكل ال ُّسلوكية‪.‬‬
‫• ً‬
‫نقصا فـي معدّ الت زيادة الوزن أو السمنة‪.‬‬
‫• ً‬
‫• زياد ًة فـي االهتامم والدّ افع وال ُقدرة عىل االنتباه فـي الـمدرسة‪.‬‬
‫نقصا فـي أ ّيام الـمرض بسبب األداء األفضل للجهاز الـمناعي‪.‬‬
‫• ً‬

‫أيضا فـي تنظيم تـوزُّ ع الطاقة ومعدّ ل‬


‫دو ًرا مـهام ً‬ ‫وفض ًال عن َتنْظيم ّ‬
‫الشهية‪ ،‬يامرس الغريلني ْ‬ ‫الـمركزي‪ْ .‬‬
‫استخدامها‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫كثري من األطفال ال‬ ‫ٍ‬


‫جدول ُمنتظم للنّوم‪ّ ،‬‬
‫فإن ال َ‬ ‫عىل الرغم من الـمنافع الكثرية للحفاظ عىل‬
‫وقت ثابت ومنتظم للنّوم؛ وهذا‬
‫كاف من النوم‪ ،‬بل ال يكون لدهيم ٌ‬‫قسط ٍ‬
‫ٍ‬ ‫حيصلون اليوم عىل‬
‫عرضهم ليس إىل خطر اآلثار النّفسية واجلسد ّية فقط‪ ،‬بل خلطر استمرار عادات النّوم الس ّيئة‬
‫ما ُي ّ‬
‫أيضا‪ ،‬مثل البالغني‪.‬‬
‫لدهيم ً‬

‫تشجيع عادات النوم اجليّدة عند األطفال‬


‫ُ‬
‫األطفال فـي سن الـمدرسة عىل نحو ‪ 6‬و ‪ 12‬ساعة من النوم فـي‬ ‫ُيوىص حاليا بأن حيصل‬
‫وقت النّوم فـي‬ ‫ٍ‬
‫لكثري من اآلباء واأل ّمهات‪ ،‬ف ُ‬ ‫ُ‬
‫أسهل من الواقع بالنسبة‬ ‫الليلة؛ ولكن الكالم‬
‫تحولون إىل الرصاع مع‬
‫كثري من اآلباء ي ّ‬ ‫ٍ‬
‫كثري من األحيان هو حدث طويل و ُمرهق‪ ،‬جيعل ال َ‬
‫األجهزة ال ّلوح ّية أو غريها من العادات الس ّيئة قبل ذهاب األطفال إىل الرسير‪ .‬ويمكن و ُ‬
‫ضع‬
‫اإلسرتاتيج ّيات الالحقة فـي االعتبار للتغ ُّلب عىل هذه الـمشكلة‪:‬‬
‫الذهاب إىل الفراش فـي الوقت نفسه من ّ‬
‫كل ليلة يسمح للدماغ‬ ‫• تعيني ٍ‬
‫وقت منتظم للنّوم؛ ف‬
‫ُ‬
‫وقت مب ّكر‪.‬‬‫واجلسم باالستعداد للنّوم فـي ٍ‬

‫أن‬ ‫ٍ‬
‫ساعة أو ساعتني قبل النوم؛ فلقد ُوجد ّ‬ ‫• التقليل من قضاء الوقت علـى ّ‬
‫الشاشات إىل‬
‫إنتاج الـميال ُتونني‪.‬‬
‫الضوء األزرق الـمنبعث من األجهزة ُيث ّبط َ‬

‫ّ‬ ‫الت ُ‬‫ّ‬


‫قليل من قضاء الوقت على الشاشات‬ ‫بالنسبة لألطفال‪ ،‬يجب‬
‫َ‬
‫الضوء األزرق الـمنبعث من‬ ‫َّ‬ ‫ساعة أو ساعتين َ‬
‫قبل النوم؛ ألن‬ ‫إلى‬
‫ٍ‬
‫َ‬
‫الخلود للنوم‪.‬‬ ‫هذه األجهزة ُي ّثبط َ‬
‫إنتاج الـميالتونين‪ّ ،‬‬
‫مما يعيق‬

‫‪93‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫• احلفاظ عىل برنامجٍ روتين ّي للنّوم؛ فالقيا ُم باألشياء نفسها وبالرتتيب نفسه يؤ ّدي إىل‬
‫ٍ‬
‫برسعة أكرب‪.‬‬ ‫اسرتخاء األطفال بحيث َيغ ُفون‬
‫ٍ‬
‫بشكل أفضل عندما‬ ‫ُ‬
‫األطفال‪ ،‬مثل البالغني‪ ،‬ينا ُمون‬ ‫نشطني خالل النهار؛ ف‬ ‫• إبقاء األطفال ِ‬

‫احلركي خالل النّهار‪.‬‬


‫ّ‬ ‫ُجيهدون أنفسهم باحلركة والنشاط‬
‫أن القليل من اآلباء واألُ ّمهات ُيع ُطون‬
‫• التّقليل من الكافيني والـمن ّبهات األخرى؛ ومع ّ‬
‫السوداء‪ ،‬ولكن الـمَشوبات الغاز ّية قبل العشاء أو ّ‬
‫الشاي قبل النّوم‬ ‫أطفاهلم ُكو ًبا من القهوة ّ‬
‫أثري الـمن ّبه نفسه فـي الطفل‪.‬‬
‫يمكن أن يكون هلام ال ّت ُ‬

‫ميال لـ ُمحاكاة‬ ‫ُ‬


‫األطفال هم فـي َّناية الـمطاف أكثر ً‬ ‫• ن ُموذج ال ُّسلوك اجل ّيد فـي النّوم؛ ف‬
‫أفعال الكبار من إطاعة التعليامت‪.‬‬
‫كثري من البالغني فـي العامل الـمعارص للحصول عىل القدر الذي حيتاجون إليه من‬
‫يكافح ال ُ‬
‫ُ‬
‫مرر هذه العادات الس ّيئة فـي النوم إىل أطفالنا؛ مع أ ّنه من‬
‫النوم‪ .‬ونحن – لألسف ‪ -‬قد ن ّ‬
‫إن رصف‬ ‫وقت مىض أن نحرص عىل حصول الطفل عىل كفايته من النوم‪ّ .‬‬ ‫الـمهم أكثر من أي ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بعض الوقت فـي تعليم األطفال كيفية احلفاظ عىل إيقا ٍع أو نظم يومي (ل ّ‬
‫لساعة الب ُيولوجية)‬
‫صحة أفضل وأداء أكثر إرشا ًقا‪.‬‬
‫صحي س ُيسهم فـي تأمني ّ‬
‫ّ‬

‫‪94‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫السَّاعة الـمعويَّة‪:‬‬
‫تأثير النُّظُم‬
‫اليوماويَّة فـي‬
‫السبيل الهضمي‬

‫النُّ ُظ ُم اليومية والـموسم َّية هي ِسمة أساس َّية لدى مجيع الكائنات احلية وعض َّياُتا أو‬
‫أجزائها الداخلية‪ .‬تعدُّ ال ُّن ُظم البيولوجية مسؤول ًة عن تناول الطعام اليومي؛ حيث جيري‬
‫التحك ُُّم فـي أوقات اجلوع والشبع عن طريق ناظمة مركزية تقبع فـي النواة فوق التَّصا ُلبة‬
‫)‪ suprachiasmatic nucleus (SCN‬فـي الوطاء (منطقة ما حتت الـمهاد)‪ ،‬ويتواصل مع‬
‫األساس‬ ‫األنسج ُة عرب مسارات أو مسالك عصبية ِ‬
‫وخ ْلطية ‪ humoral‬ثنائية االجتاه‪ .‬ويشتمل‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اجلزيئي للت َّْوقيت اليوماوي فـي السبيل اهلضمي عىل حلقات أو عرى ارجتاع َّية‬
‫انتِساخ َّية‪/‬ترمج َّية(‪ُ )1‬متَداخلة تصل إىل ذروُتا فـي التعبري النَّ ْظمي ونشاط َمموعة من جينات‬

‫ذج خلوي للن َّْسخ والرتمجة‪ ،‬وفيها جيري‬


‫‪ 1‬الـمقصو ُد بالعروة أو احللقة االنتساخ َّية‪/‬الرتمج َّية االرجتاع َّية نَمو ٌ‬
‫ٍ‬
‫رب األنواع‬ ‫رشح ُن ُظم الساعة البيولوجية فـي ُّ‬
‫السلوك والفيزيولوجيا‪ .‬وتُصان هذه ال ُعرى عىل نطاق واسع ع َ‬ ‫ُ‬

‫‪95‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الساعة واهلرمونات ذات الصلة‪ .‬ومن الالفت للنظر وجود ساعات فـي السبيل اهلضمي‬
‫وتتوضع هذه الساعات‬
‫َّ‬ ‫مسؤولة عن النشاط الدوري لـمختلف أجزائه وللعبور عىل طوله؛‬
‫مستقرة تقع بني الطبقات‬
‫َّ‬ ‫خاصة ذات ك ُُمونات ِغشائية غري‬
‫َّ‬ ‫البيولوجية فـي خاليا ِخاللية‬
‫العضل َّية الطوالنية والدائرية للقناة اهلضم َّية‪ .‬وجيري التحك ُُّم فـي إيقاع أو َن ْظم الـموجات‬
‫القطع الـمختلفة من هذا السبيل اهلضمي كام يلـي‪:‬‬ ‫البطيئة فـي األجزاء أو ِ‬

‫(‪ )1‬فـي الـمعدة (‪ 3‬دورات فـي الدقيقة تقري ًبا)‪.‬‬

‫(‪ )2‬وفـي االثناعَشي ‪ 12( duodenum‬دورة فـي الدقيقة)‪.‬‬

‫الصائم ‪ jejunum‬وال َّلفائفي ‪( ileum‬من ‪ 7‬إىل ‪ 10‬دورات فـي الدقيقة)‪.‬‬


‫(‪ )3‬فـي َّ‬

‫(‪ )4‬وفـي القولون (‪ 12‬دورة فـي الدقيقة)‪.‬‬

‫َّب احلركي الـمهاجر )‪ migrating motor complex (MMC‬فـي الـمعدة‬ ‫يبدأ الـمرك ُ‬
‫(أي حركية الـمعدة)‪ ،‬ويتحرك علـى طول القناة الـمعوية مسـببا تق ُّلصـ ٍ‬
‫ات ُت ُّعجية‬ ‫ِّ ً‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫‪ peristaltic‬عندما ترتاكب ذرى النشاط الكهربائي مع الـموجات البطيئة‪.‬‬

‫ِ‬
‫والغريلني ‪ ،ghrelin‬فـي‬ ‫الـموتيلني ‪motilin‬‬
‫هرمونات السبيل اهلضمي‪ ،‬مثل ُ‬
‫ُ‬ ‫تشارك‬
‫توليد الـمركَّبات احلركية الـمهاجرة (أي الـموجات احلرك َّية الـمعوية)‪ ،‬بينام تشارك‬

‫ينات تلك الساعة احليوية بواسطة ُمنْتَجاُتا‬ ‫رب التنظيم التلقـائي أو الذاتـي‪ ،‬حيث ُين َّظم انتِ ُ‬
‫ساخ ِج ُ‬ ‫احليَّة ع َ‬
‫الربوتينية‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫السريوتونني) فـي توليد ذرى‬ ‫ِ‬


‫هرمونات أخرى (الغاسرتين‪ ،‬الغريلني‪ ،‬الكوليسيستوكينني‪ِّ ،‬‬
‫مـام يؤ ّدي إىل تق ّلصات ُت ُّعجية أو ِق َطعية فـي األمعاء الدقيقة‬
‫عىل الـموجات الـمعو َّية البطيئة‪ّ ،‬‬
‫(االثناعَشي‪ ،‬الصائم‪ ،‬اللفائفي) واألمعاء الغليظة (القولون)‪ .‬وباإلضافة إىل ذلك‪ ،‬يسهم‬
‫الصاموية العصبية فـي خماطية السبيل اهلضمي‪ٍ ،‬‬
‫بدور‬ ‫الـميالتونني‪ ،‬الذي تنتجه اخلاليا الغدّ ية ّ‬
‫مهم فـي الساعة البيولوجية الداخلية الـمرتبطة بتناول الطعام (اجلوع والشبع) والنظم العضيل‬
‫ّ‬
‫‪ pineal‬بشكل رئييس خالل‬ ‫الغدّ ة الصنوبرية ‪gland‬‬ ‫الكهربـي ‪( myoelectric‬الذي تو ِّلده‬
‫صاموي‬ ‫الـمدّ ة الـمظلمة من دورة الضوء والظالم)‪ .‬ويبدو َّ‬
‫أن ذلك هو ترميز غدِّ ي ّ‬
‫‪ endocrine encoding‬لدورة الضوء والظالم البيئية‪ ،‬حيث ينقل الـمعلومات الضوئية التي‬
‫والـم ْوسمي م ًعا‪.‬‬
‫َ‬ ‫الكائنات احل ّية للتنظيم اليومي‬
‫ُ‬ ‫تستخدمها‬

‫فضال عن إيقاع أو َن ْظم تكاثر اخلاليا فـي السبيل‬


‫ً‬ ‫ُ‬
‫النشاط احلركي واإلفرازي‪،‬‬ ‫خيضع‬
‫ٍ‬
‫لعدد من ُن ُظم الساعة البيولوجية (اليوماو َّية)‪ ،‬بوساطة خاليا الإرادية أو‬ ‫اهلضمي والكبد‪،‬‬

‫مستق َّلة ‪ autonomic‬وبعض اهلرمونات الـمعو َّية (الغاسرتين والغريلني ُّ‬


‫والسوماتوستاتني)‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ولذلك‪ ،‬قد يؤ ِّدي ُ‬


‫خلل فيزيولوجيا الساعة البيولوجية‪ ،‬بسبب اضطراب النوم أو العمل بنظام‬
‫الـمناوبات‪ ،‬إىل أمراض هضم َّية خمتلفة‪ ،‬مثل متالزمة ال َق ْولون العصبي (متالزمة ُت ُّيج األمعاء)‬
‫ُ‬
‫جلزْ ر أو االرجتاع الـمعدي الـمريئي أو داء القرحة اهلضمية(‪ .)1‬وباإلضافة إىل ذلك‪،‬‬
‫وداء ا َ‬
‫َكو َن األورام‬
‫اضطراب الساعة البيولوجية أو النظم اليوماوي من الشيخوخة‪ ،‬ويعزِّ ز ت ُّ‬
‫ُ‬ ‫يرسع‬
‫ِّ‬
‫فـي الكبد والقناة اهلضمية‪.‬‬

‫خلل فيزيولوجيا الساعة البيولوجية‪،‬‬ ‫يؤدي ُ‬ ‫قد ّ‬


‫ِ‬
‫بسبب اضطراب النوم أو العمل بنظام‬
‫َّ‬
‫هضمية مختلفة‪ ،‬مثل‬ ‫ال ُـمناوبات‪ ،‬إلى أمراض‬
‫ّ‬ ‫َ ْ‬
‫متالزمة القولون العصبي؛ كما يمكن أن ِ‬
‫يعزز‬
‫َ ُّ َ‬
‫كون األورام فـي الكبد والقناة الهضمية‪.‬‬ ‫ت‬

‫ف إىل األساس اجلزيئي إليقاع الساعة ال َب ُيولوجية ودور الـميالتونني فـي تنظيمه‬
‫التعر َ‬
‫إن ُّ‬ ‫َّ‬

‫اجلسم دافئًا فـي الصباح خالل ّأول ساعتني من االستيقاظ من النوم‪ ،‬أي ما بني السابعة‬
‫ُ‬ ‫‪ 1‬جيب أن يبقى‬
‫صباحا‪ ،‬لذلك جيب جتنّب االستحامم بالـامء البارد وتناول أي رشاب بارد‪ .‬كام يكون اجلهازُ اهلضمي‬
‫ً‬ ‫والتاسعة‬
‫فـي َأ ْوج نشاطه‪ ،‬لذلك فهذا الوقت هو األفضل لتناول اإلفطار‪ ،‬ويمكن خالله منح اجلسم مجيع الفيتامينات‬
‫والـمعادن والعنارص الغذائية‪ .‬كام أ ّن غدّ ة البنكرياس تنشط ما بني التاسعة واحلادية عَشة قبل الظهر‪ ،‬لذلك‬
‫يعمل اجلسم عىل هضم الس ّكريات بكفاءة فـي هذا الوقت‪ ،‬وفيه يمكن االستمتاع بتناول الفاكهة أو ال َع َسل‪،‬‬
‫مع رضورة جتنّب الكحول‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫يسمح للباحثني واألط َّباء بالتعامل مع األمراض اهلضمية من منظور زمني َب ُيولوجي‪ .‬لقد‬
‫األعراض لدى الـمصابني بالقولون‬
‫َ‬ ‫حيسن‬ ‫الدراسات الرسيرية َّ‬
‫أن إعطا َء الـميالتونني ِّ‬ ‫ُ‬ ‫أظهرت‬
‫بعض الدراسات إىل َّ‬
‫أن‬ ‫ً‬
‫وفضال عىل ذلك‪ ،‬تشري ُ‬ ‫العصبي واالرجتاع الـمعدي الـمريئي‪.‬‬
‫الـميالتونني حيمي الغشا َء الـمخاطي اهلضمي بدرجة كبرية‪ ،‬وله تأثريات وقائ َّية قوية فـي‬
‫‪non-alcoholic steatohepatitis‬‬ ‫الكبد عندَ مرىض التهاب الكبد الدهني غري الكحويل‬
‫السمنة‬ ‫)‪ .(NASH‬وتشري فرض َّية حديثة إلـى َّ‬
‫أن خلل تنظيم الساعة البيولوجية قد يـؤ ِّدي إلـى ِّ‬
‫ُ‬
‫األبحاث الـمستقبلية عىل دور‬ ‫من خالل تغيري نظام تناول الطعام‪ .‬ولذلك‪ ،‬جيب أن تر ِّكزَ‬
‫جينات الساعة احليو َّية فـي الفيزيولوجيا الـمرضية للسبيل اهلضمي والكبد‪.‬‬

‫بعض الفرض َّـيات إلـى َّ‬


‫أن خلل تنظيم‬ ‫تشير ُ‬
‫الساعة البيولوجية قد ي ّ‬
‫ـؤدي إلـى ّ‬
‫السمنة من‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خالل تغييرنظـام تنـاول الطعام‪.‬‬

‫بعدَ نحو ساعة من النوم‪ ،‬نبدأ فـي الدخول فـي مرحلة األحالم األوىل‪ .‬ولكن‪ ،‬إذا تناول‬
‫الشخص وجبة ثقيلة عىل العشاء‪ ،‬فلن تسمح الـمرارة له بالنوم أو قد يستيقظ بأمل شديد فـي‬
‫الـمعدة‪ .‬وعندَ منتصف الليل تقري ًبا‪ ،‬يتو ّقف اجلسم عن إنتاج اهلرمونات الـمسكّنة أو احلارصة‬
‫لألمل؛ فإذا كان لديه بعض الـمتاعب أو األلـم‪ ،‬فسيزداد ذلك‪ ،‬حيث يعاين مرىض الـمرارة –‬
‫عىل سبيل الـمثال ‪ -‬من تدهور حالتهم عادة‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ثبات النُّ ُظم اليوماو َّية وتكاملها يقومان عىل عادتنا احلياتية‪ ،‬مثل‬
‫أن َ‬ ‫وخالص ُة احلديث َّ‬
‫فإن تبدُّ َل هذه‬
‫طبيعة النوم والنشاط اجلسدي والتواصل االجتامعي وأوقات الطعام‪ .‬ولذلك‪َّ ،‬‬
‫النُّ ُظم يتصاحب مع حدوث األمراض اهلضم َّية التي ترتبط ارتبا ًطا وثي ًقا بضعف حركية السبيل‬
‫سمى تركيب َِم َْه ِر َّيات‬ ‫ِ‬
‫تغريات البيئة الـمكْروبية واحليو َّية فيه وما حوله (أو ما ُي َّ‬
‫اهلضمي أو ُّ‬
‫ال ُب ْق َعة ‪.)microbiota‬‬

‫‪100‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الساعةُ‬
‫البَيُولوجيَّة‬
‫والتبوُّل‬
‫تواترا منه فـي النهار أو خالل اليقظة‪ .‬ويرتبط توات ُر‬
‫أقل ً‬ ‫التبو ُل فـي الليل بمعدّ ل ّ‬
‫يكون ُّ‬
‫التبول ارتبا ًطا وثي ًقا بثالثة عوامل‪ :‬مستوى الت َي ُّقظ فـي الدماغ‪ ،‬ومعدَّ ل إنتاج البول فـي ال ُكىل‪،‬‬
‫ّ‬
‫السعة الوظيفية فـي الـمثانة التي تزيد خالل النوم‪ .‬وهناك عالق ٌة مؤكَّدة بني الساعة‬
‫والقدرة أو َّ‬
‫البيولوجية اليومية واثنني من هذه العوامل الثالثة (مستوى الت َي ُّقظ ومعدَّ ل إنتاج البول)‪.‬‬
‫تغريا وظيف ًيا َّنار ًيا فـي ال ُكىل والـمثانة؛‬
‫دراسات سلوكية خمتلفة فـي البَش ّ ً‬
‫ٌ‬ ‫أظهرت‬
‫ظهر الـمرىض الذين يعانون من سلس البول الليلـي ‪nocturnal enuresis‬‬ ‫وبالـمقابل‪ُ ،‬ي ِ‬

‫وال ُبوال الليلـي ‪ nocturia‬اضطرا ًبا فـي هذه العوامل الثالثة‪.‬‬

‫التبول‪ ،‬حيث‬
‫نظام فـي تواتر ّ‬
‫ُت ْبدي اجلرذان والفئران‪ ،‬وهي حيوانات ليلية‪ ،‬إيقاعًا أو ً‬
‫التبول لدهيا خالل النهار‪ ،‬وهذا ما يم ّثل مرحل َة النوم بالنسبة هلا‪ .‬وفيام يتع َّلق بمستوى‬
‫ينقص ّ‬
‫طفرات فـي جينات ساعتها‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الفئران التي لدهيا‬ ‫الت َي ُّقظ الدماغي فـي أثناء النوم‪ ،‬لوحظ َّ‬
‫أن‬
‫البيولوجية تعانـي عد ًدا من اضطرابات النوم‪ ،‬مثل نقص نوم حركات العني غري الرسيعة‬
‫(النوم اهلادئ) وق َّلة إمجالـي مدَّ ة النوم وكثرة تق ُّطعه‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫قوُتا فـي الساعة‬


‫تكون أعضا ُء جهاز اإلفراغ وعمل ّيات إزالة السموم يف البول بكامل ّ‬
‫نصح بَشب الكثري من السوائل‪ ،‬الس ّيام شاي األعشاب‪.‬‬
‫عرصا‪ .‬ولذلك‪ُ ،‬ي َ‬
‫الثالثة ً‬

‫أيضا‪،‬‬
‫إثبات وجود الساعة البيولوجية اليوماوية فـي الدماغ والكىل والـمثانة ً‬
‫ُ‬ ‫لقـد أمكن‬
‫حيث توجد آالف جينات التق ُّلبات اليومية‪ .‬وفـي الكىل‪ ،‬تشتمل عىل اجلينات الـمشاركة فـي‬
‫تنظيم الـامء والكهارل أو الشوارد الرئيسية (الصوديوم والبوتاسيوم والكلور)؛ وفـي الـمثانة‬
‫هناك جني مرتبط بتنظيم َسعة الـمثانة‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫صحّةُ الجلْد‬
‫والسَّاعة‬
‫البيولوجيَّة‬
‫النّظم اليوماوي للجلد‬
‫ثري مـن‬ ‫الساعة الب ُيولوجية (النّظم اليوماوي) لكـ ٍ‬
‫أن الدمـا َغ يتح ّكم فـي إيقاع ّ‬
‫فـي حـني ّ‬
‫أيضا‪ .‬و ُيعدُّ‬
‫خاصة هبا ً‬ ‫ٍ‬ ‫فإن ل ِّ‬
‫أحوال أجسـادنا‪ ،‬كذلك ّ‬
‫كل خل ّية مـن اخلاليا سـاعات داخل ّية ّ‬
‫ٍ‬
‫ساعات داخل ّية‬ ‫مجموعات «الـ ُمستق ّلة» من اخلاليا‪ ،‬مع ُو ُجود‬
‫اجللدُ واحدً ا مـن أكثر الـ ُ‬
‫خاصة به‪ .‬تتكاثـر اخلـاليا اجلذعيـة اجللد ّية ‪ skin stem cells‬فـي الليل‬ ‫ٍ‬
‫ومؤ ّرشات توقيت ّ‬
‫السطح‪.‬‬
‫تقَشت أو انسـلخت عـن ّ‬
‫حمل تلك التي ّ‬ ‫لتحل ّ‬ ‫بشـ ٍ‬
‫كل رئيسـي‪ ،‬و ُتنتج بَش ًة جـديدة ّ‬
‫ٍ‬
‫أوقات‬ ‫ٍ‬
‫بشكل دوري فـي‬ ‫الح أو ترميم احلمـض النّووي الوراثي (الدَّ نا) ‪DNA‬‬
‫وحيدث إصـ ُ‬
‫حمدّ دة خـالل ‪ 24‬ساعة من اليوم‪ .‬وباإلضـافـة إلـى ذلك‪ ،‬يبدو أ ّن لسامكة اجللـد وترطيبه‬
‫مرتني‬
‫اجلروح تلتئم برسعة أكرب ب َّ‬
‫َ‬ ‫أيضا‪ .‬وقـد لـوحـظ َّ‬
‫أن‬ ‫وعوامل أخرى إيقـا ًعا مـم ّيزً ا خاصا ً‬
‫عندما حتـدث اإلصابـة خالل النهار منها فـي حال حدوثها خالل الليل‪.‬‬

‫َ‬
‫الجروح تلتئم بسرعة أكبر َّ‬
‫بمرتين عندما تحدث‬ ‫لقد لوحظ َّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫اإلصابة خالل النهارمنها فـي حال حدوثها خالل الليل‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الساعة هي َمموع ُة اجلينات الـمسؤولة عن هذا ال ّتجديد؛ حيث ّإَّنا‬


‫جينات التّوقيت أو ّ‬
‫ُ‬
‫عرض‬ ‫ُ‬
‫يكون فيها اجللدُ لدى الفرد فـي أعىل درجات ال ّت ُّ‬ ‫مسؤول ٌة عن حتديد األوقات التي‬
‫الرضر َ‬
‫قبل‬ ‫للخطر‪ ،‬ممّا يستدعي إصالح ّ‬

‫خطريا جدا أو ال ُيمكن‬


‫ً‬ ‫صبح‬
‫أن ُي َ‬
‫وترميمه‪ .‬وعندَ تع ُّطل أو‬
‫ُ‬ ‫إصالحه‬
‫ُ‬
‫اضـطراب هـذا ال ّتوقيت‪ ،‬ال يمكن‬
‫صلح الضـرر بشـ ٍ‬
‫كل‬ ‫للخـاليـا أن تُـ َ‬
‫تناو َل‬
‫ُ‬ ‫ف ّعـال‪ .‬ولألسف‪ ،‬يبـدو ّ‬
‫أن‬
‫الطعـام فـي سـ ٍ‬
‫اعات غري منتظمة يؤ ّثر‬
‫سـل ًبا فـي هـذا التوقيت الداخلـي‪.‬‬

‫ل فـي وقتٍ متأخّر من الليل باجللد‬


‫هل يضرُّ األك ُ‬

‫منتَش‬ ‫متأخر من ال ّليل شائ ًعا جدا فـي العامل الغربـي‪ ،‬ولكنّه‬
‫وقت ّ‬‫تناول ال ّطعام فـي ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُيعدُّ‬
‫ٌ‬
‫كثري من النّاس حيتفظون اليوم ببعض الـمأكوالت فـي‬
‫أيضا؛ فال ُ‬
‫فـي الوطن العربـي وغريه ً‬
‫ب ُيوُتم‪ ،‬مثل الكعك أو ال ُفشار أو اآليس كريم (الـمث ّلجات)‪ ،‬من أجل تلبية رغبتهم ّ‬
‫الشديدة‬
‫متأخر من ال ّليل‪ .‬ومن الـمعروف ج ّيدً ا ّ‬
‫أن هذه الوجبات اخلفيفة فـي‬ ‫وقت ّ‬‫ٍ‬ ‫باألكل فـي‬
‫وتره ًال فـي وسط اجلسم)‪،‬‬
‫ضارة للغاية للخرص (تُس ّبب بدان ًة ُّ‬
‫منتصف الليل يمكن أن تكون ّ‬

‫‪104‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫بسبب‬ ‫(‪)1‬‬
‫مم ّا ُيسهم فـي زيادة الوزن و ُمتالزمة ال ّتمثيل الغذائي (الـمتالزمة االستقالب ّية)‬
‫وث جديدة إىل ّ‬
‫أن تناول وجبة خفيفة لذيذة فـي وقت‬ ‫السعرات احلرار ّية اإلضافية‪ُ .‬تشري ُب ُح ٌ‬
‫ُّ‬
‫متأخر من ال ّليل قد تتداخل مع إيقاع الساعة الب ُيولوجية (النّظم اليوماوي) ً‬
‫أيضا‪ ،‬و ُتسهم فـي‬ ‫ّ‬
‫ّ‬
‫الشيخوخة الـمب ّكرة فـي َّناية الـمطاف‪.‬‬

‫َمرد تعا ُقب ّ‬


‫الضوء‬ ‫إيقاع الساعة الب ُيولوجية (النّظم اليوماوي) للجلد علـى ّ‬
‫ُ‬ ‫ال يعتمد‬
‫همة متى نأكل أو‬ ‫ٍ‬
‫إشارات ُأخرى ً‬ ‫وال ّظالم‪ ،‬ولكن عىل وجود‬
‫أيضا‪ ،‬ومن هذه اإلشارات الـم ّ‬
‫نَشب‪ .‬قام باحثون بتقسيم عدد من الفئران إىل َمموعات‪ :‬واحدة ذات أوقات أكل منتظمة‬
‫وواحدة ذات وجبات غري منتظمة للغاية؛ ُث ّم جرى تعري ُض هذه الفئران لألش ّعة فوق‬
‫ضار ٌة باجللد لدى ٍّ‬
‫كل من البَش والفئران‪ .‬بالنسبة لـمجموعة‬ ‫البنفسج ّية‪ ،‬وهي معروف ٌة ب ّأَّنا ّ‬
‫الفئران ذات أوقات تناول الطعام الـمنتظمة‪ ،‬كانت قادر ًة عىل إصالح رضر اجللد برسعة؛ أ ّما تلك‬
‫التي أكلت بشـ ٍ‬
‫كل غري ُمنتظم‪ ،‬فقـد استغرقت وق ًتا أطول ّ‬
‫للشفاء‪ ،‬وبقي لدهيا رضر أكثر‪.‬‬
‫ّ‬
‫الليل ُي ّ‬ ‫ّ‬
‫سرع‬ ‫تناو ُل الطعام فـي ٍ‬
‫وقت متأخر من‬
‫َ‬
‫شيخوخة الجلد‬

‫يفة من‬ ‫تالزمة األيضية ‪ metabolic syndrome‬هي مصطلح طبي يشري إىل تولِ ٍ‬ ‫تالزم ُة االستِقالب َّية أو الـ ُم ِ‬
‫‪ 1‬الـ ُم ِ‬
‫ٌ ِّ ُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ومشاكل أخرى تُؤ ِّث ُر فـي‬‫ِ‬ ‫والسكتة‬
‫حاالت تزيدُ من خطر مرض القلب َّ‬‫ٌ‬ ‫السكَّري وارتفاع ضغط الدم والبدانة‪ ،‬وهي‬
‫الرضر‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ألي من تلك احلاالت وحدها‪ ،‬أي السكَّري وارتفاع ضغط الدَّ م والبدانة‪ ،‬أن تُسبِّ َ‬ ‫األوعية الدموية‪ .‬يمكن ّ‬
‫بعضا‪ ،‬ممَّا‬
‫حاالت شائعة جدا‪ ،‬وترتبط مع بعضها ً‬ ‫ٌ‬ ‫تمعة؛ وهي‬‫لألوعية الدموية‪ ،‬ولكنها تُصبح أكثر خطور ًة إذا كانت َمُ ِ‬

‫فرس إصابة الكثري من الناس بالـ ُمتالزمة االستِقالبية‪.‬‬


‫ُي ِّ ُ‬

‫‪105‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الساعة البيولوج ّية‬ ‫متأخر من الليل‪ ،‬يتع ّطل أو يضطرب‬


‫وقت ّ‬‫عندما نأكل فـي ٍ‬
‫إيقاع ّ‬
‫ُ‬
‫اخلاصة‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫إطالق اإلنزيامت‬ ‫(النّظم اليوماوي) خلاليانا اجللد ّية‪ .‬ونتيج ًة لذلك‪ّ ،‬‬
‫يتأجل أو ينقص‬
‫بإصالح اجللد؛ وهذا ما يمكن أن ُيعيق شفاء اجللد برسعة من األرضار التي أحلقتها به األش ّع ُة‬
‫الشيخوخة‬‫فوق البنفسج ّية‪ .‬ومع مرور الوقت‪ ،‬يمكن أن يؤ ّدي ذلك إىل تسا ُرع ُحدوث ّ‬
‫ٍ‬
‫وجبات غري منتظمـة‪ ،‬بام فـي‬ ‫ومظاهـر تقدُّ م ال ُعمر بخـالف اليشء الطبيعي‪ .‬كام ّ‬
‫أن تناول‬
‫متأخر من ال ّليل‪ ،‬قد يكون له عواقب مدى احلياة (مزمنة)‪.‬‬
‫وقت ّ‬‫ات اخلفيفة فـي ٍ‬
‫ذلك الوجب ُ‬

‫هل حيافظ النومُ على الشّباب والنّضارة؟‬

‫الساعة البيولوج ّية (النّظم اليوماوي)‬ ‫ٍ‬


‫لقد ربطت عدّ ُة دراسات سابقة بني إيقاع ّ‬
‫‪SIRT1‬‬ ‫بالرمز‬
‫الساعة الب ُيولوج ّية ُيرمز له ّ‬ ‫والشيخوخة‪ .‬ويبدو ّ‬
‫أن بروتينًا من بروتينات ّ‬
‫(السريتولني‪ )1()Sirtuin1 1‬هو جزء من حالة االرتباط بني ساعاتنا الدّ اخلية الدّ ورية وساعة‬
‫ّ‬
‫للضغوط والشدّ ة ويف شفاء اخلاليا‪ ،‬ومن هنا فقد يكون‬ ‫ّ‬
‫الشيخوخة‪ .‬كام ُيشارك فـي االستجابة ُّ‬
‫كمالت هذا الربوتني‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الفئران الـمسنّة ُم ّ‬ ‫جز ًءا من كيف ّية تأثريه فـي ّ‬
‫الشيخوخة‪ .‬عندما ُتعطى‬
‫حتسنًا يف الوظيفة الـمعرفية أو اإلدراك ّية‪ ،‬وزمنًا أسـرع فـي الشـفاء‬
‫فإَّنا تبدي عىل الفور ُّ‬
‫ّ‬
‫السريتولني‪ 1‬السـاعة إلـى الوراء‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫وصفات أخرى تشري إلـى حيوية ّ‬
‫الشباب‪ .‬وبعبارة أخرى‪ُ ،‬يعيد ّ‬

‫سمى األسيتيل من الربوتينات التي ت ُْسهم فـي التنظيم‬ ‫السريتولني‪ 1‬إنْزيم ينزع ُجزيئًا أو ْ‬
‫جذ ًرا كيميائ ًيا ُي ّ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬‬

‫والضغوط‪ ،‬وطول عمر اخلل ّية)‪.‬‬


‫اخللوي (التفاعل جتاه الشدّ ات ُّ‬

‫‪106‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫كيف يمكن ألحد الربوتينات أن يكون له هذا ال ّتأثري الـملحوظ فـي ّ‬


‫الشيخوخة؟ يبدو‬
‫ٌ‬
‫مسؤول عن ترسيع أو ضبط عمل ّية التمثيل الغذائي (االستقالب) وإصالح‬ ‫السريتولني‪1‬‬
‫أن ّ‬‫ّ‬

‫اخلاليا وف ًقا ل ّ‬
‫لساعات البيولوجية (اليوماو ّية) الداخلية للشخص‪ .‬ومع تقدُّ منا فـي الس ّن‪ ،‬تبدأ‬
‫الساعات بالرتاجع عن الـمزامنة‪ ،‬ممّا يؤ ّدي إىل ُفتُور عىل مستوى ٍّ‬
‫كل من إصالح اخلاليا‬ ‫ُ‬ ‫هذه‬
‫تعويض الربوتني الذي ين ّظم هذه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫وال ّتمثيل الغذائي (االستقالب) عىل حدٍّ سواء‪ .‬وقد‬
‫أمال ب ٍ‬
‫حياة أطول وأكثر سعادة‪.‬‬ ‫الساعات ُين ُبوع الشباب فـي الـمسـتقبل‪ ،‬وهذا ما ُيعطـي ً‬

‫حتدث الشيخوخةُ بصمت من الداخل إىل اخلارج‬


‫للسريتولني‪ 1‬نُحافظ هبا عىل ّ‬
‫الشباب‪،‬‬ ‫فـي حني أ ّننا مل نستطع ح ّتى اآلن تصنيع ُح ُبوب ّ‬
‫لكن هناك ُط ٌ‬
‫رق طبيع ّية أخرى يمكن أن ُتبطئ الشيخوخة من الداخل‪ .‬وهي تشتمل عىل‪:‬‬
‫قسط ٍ‬
‫كاف من النوم‪ .‬وهذا ما يسمح جلسمك بإصالح األنسجة واحلمض‬ ‫• احلصول عىل ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫النّووي الوراثي‪ ،‬ممّا يمنع األرضار الـمرتاكمة التي يمكن أن تؤ ّدي إىل ظهور مالمح التقدُّ م‬
‫فـي ال ُعمر‪.‬‬
‫ٍ‬
‫دورة طبيع ّية للنّوم واليقظة‬ ‫• ال ّذهاب إىل النوم مب ّك ًرا‪ .‬لقد وجد الباحثون ّ‬
‫أن احلفاظ عىل‬
‫صح ًة عندما يذهبون‬
‫معظم الناس ُيصبحون أكثر ّ‬
‫ُ‬ ‫مهي ًة عن عدد ساعات النّوم نفسها؛ ف‬ ‫ال ُّ‬
‫يقل أ ّ‬
‫إىل الفراش فـي الليل وينهضون عند الفجر‪.‬‬

‫الفيتامينات والـموا ّد عىل إصالح‬


‫ُ‬ ‫تناول الكثري من ُمضا ّدات األكسدة‪ .‬تعمل هذه‬
‫ُ‬ ‫•‬

‫السنني؛ فإذا مل ي ُكن نظا ُمك الغذائي غنيا‬


‫مر ّ‬ ‫جل ُذور ّ‬
‫احلرة التي ترتاكم عىل ّ‬ ‫األرضار النامجة عن ا ُ‬

‫‪107‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫احلرة عن‬
‫مكمالت الغذائ ّية‪ .‬وتنشأ اجلذور َّ‬
‫بالفواكه واخلرضاوات‪ ،‬جيب التفكري بتناول الـ ّ‬
‫التعرض للـمواد الكيميائية الـمختلفة وكثرة تناول األطعمة الدهن َّية‬
‫ُّ‬ ‫عوامل كثرية‪ ،‬مثل‬
‫التعرض ألش َّعة الشمس‬
‫التلوث البيئي وزيادة ُّ‬
‫والـمقل َّية واحللويات والتدخني والكحول و ُّ‬
‫احلارة‪.‬‬
‫فـي األ َّيام َّ‬

‫التخلص من الجذور ّ‬‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬


‫الحرة‪.‬‬ ‫مضادات األكسدة على‬ ‫تعمل‬
‫ُ‬
‫عناصرغذائية طبيعية موجودة في‬ ‫ّ‬
‫مضادات األكسدة هي‬ ‫و‬
‫َ‬
‫تنتقل إلى اإلنسان عن‬ ‫النباتات والحيوانات‪ ،‬ويمكن أن‬
‫طريق تناول الخضراوات واللحوم‪ ،‬ومن أشهرمضادات‬
‫األكسدة الفيتامينات أ ‪ ،A‬س ي ‪ ،C‬ه ـ‪.E‬‬

‫كمية كافية من الـامء‪ .‬تُعدُّ اإلماه ُة (أو تزويد اجلسم بالـامء) رضور ّي ًة للحفاظ‬
‫• رشب ّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫السموم من اجلسم ً‬
‫عىل نضارة اخلاليا وشباهبا‪ ،‬ولطرد ُّ‬

‫الصحية أو الـمفيدة‪ .‬وهي تو ّفر لبنات البناء الالزمة إلصالح اخلاليا‪.‬‬


‫ّ‬ ‫• تناول الدُّ ُهون‬

‫والضارة‪ ،‬مثل الكافيني والكحول والنّيكوتني‪ .‬تس ّبب هذه الـموا ّد‬
‫ّ‬ ‫• جتنُّب الـموا ّد السا ّمة‬
‫إصالحه الح ًقا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يتعني عىل اخلاليا‬
‫رضرا ّ‬
‫ً‬

‫عىل الرغم من أ ّنه ليس منّا من سوف ينجو من ّ‬


‫الشيخوخة ُتا ًما‪ ،‬لك ْن هناك عدد من‬
‫ُ‬
‫احلفاظ عىل الوظائف الـمعرف ّية أو اإلدراك ّية‬ ‫والصحية لتأخري ذلك‪ .‬قد يكون‬
‫ّ‬ ‫الطرائق الطبيع ّية‬

‫‪108‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫عام قريب بسبب البحوث األخرية عن‬


‫والصحة حتى السنوات الذهب ّية للشخص ممكنًا ّ‬
‫ّ‬
‫أوجه االرتباط بني إيقاع الساعة البيولوجية والوقاية من ذلك‪.‬‬ ‫األسباب الرئيس ّية ّ‬
‫للشيخوخة و ُ‬

‫‪109‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪110‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫التعرضُ للضّوء‬
‫ُّ‬
‫ي فـي‬
‫الخارج ّ‬
‫الليل‬
‫وسرطان الثدي‬
‫تعرض‬ ‫لقد عرف العلامء منذ ٍ‬
‫عهد طويل ّ‬
‫أن العمل بنظام الـمناوبات يزيد من احتامل ُّ‬ ‫ُ‬
‫ٌ‬
‫أبحاث جديدة إىل أ ّنه ح ّتى األشخاص الذين‬ ‫الشخص (الـمرأة) لرسطان ال ّثدي‪ .‬ولكن‪ ،‬تشري‬
‫يعملون بنظام الساعات العاد ّية قد يكونون أكثر ُعرض ًة هلذا الرسطان اخلطري إذا كان لدهيم‬
‫التعرض للضوء اخلارجي (فـي اهلواء ال ّطلق) ً‬
‫ليال‪ .‬وبوجود‬ ‫ُّ‬ ‫ٌ‬
‫عامل واحد يبدو بري ًئا‪ :‬وهو‬
‫حقيقي و ُمتنا ٍم فـي أجزاء كثرية من العامل‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫الضوئي‪ ،‬يربز لدينا ُتديدٌ‬
‫التلوث ّ‬
‫مستويات ُّ‬
‫ما يمكن أن يصبح أزم ًة ّ‬
‫صحية عا ّمة‪.‬‬

‫آثارُ الضّوء اخلارجي فـي الليل‬


‫إذا كان الشخص يعيش فـي منطقة تسطع فيها األضواء َ‬
‫طوال الليل‪ّ ،‬‬
‫فإن ذلك قد يكون‬
‫أن هذا األمر شائع‪ .‬أجرى الباحثون دراس ًة عىل‬
‫صحته‪ ،‬عىل الرغم من ّ‬
‫س ّي ًئا أو ضارا للغاية ب ّ‬
‫أكثر من ‪ 100‬ألف امرأة‪ ،‬بام فـي ذلك منطق ُته ّن وعوامل اخلطر ومعدّ الت الرسطان لدهي ّن‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وعند ضبط عوامل اخلطر األخرى‪ ،‬أظهرت النّساء اللواتـي ُكن ِ‬


‫يع ْشن فـي مناطق ذات ٍ‬
‫قدر‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫أكثر ُعرض ًة لإلصابة برسطان الثدي بنسبة ‪ 14‬فـي الـامئة‪ .‬وهذا‬
‫التلوث الضوئي ّأَّن ّن ُ‬
‫كبري من ُّ‬
‫ث الضوئي قد يكون ً‬
‫عامال رئيسيا ُيسهم فـي رسطان الثدي‪.‬‬ ‫التلو َ‬
‫أن ُّ‬ ‫ما يشري إىل ّ‬

‫منطقة تسطع فيها‬ ‫ُ‬


‫الشخص يعيش فـي‬ ‫إذا كان‬
‫ٍ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫األضواء طوال الليل‪ ،‬فإن ذلك قد يكون ًّ‬
‫ضارا‬
‫ّ‬
‫بصحته‪.‬‬ ‫للغاية‬

‫التلوث الضوئي ك ٍ‬
‫خطر‬ ‫طرح السؤا ُل اآلتـي‪ :‬هل ينبغي إضاف ُة ُّ‬
‫وبنا ًء عىل ذلك‪ ،‬يمكن ُ‬
‫ُمتنا ٍم عىل الـمدى الطويل إىل عوامل خطر اإلصابة برسطان الثدي‪ ،‬التي تشتمل عىل التاريخ‬
‫التغريات اجلين ّية والتدخني ورشب الكحول وق ّلة أو عدم ممارسة‬ ‫ُّ‬ ‫العائيل وال ّطفرات أو‬
‫ٍ‬
‫منطقة‬ ‫معرضات خلطر رسطان ال ّثدي أن ينتقلن للعيش فـي‬ ‫الرياضة؟ هل جيب عىل النساء الـ ّ‬
‫ريف ّية مظلمة فـي الليل أو أن ي ُقمن بوضع ستائر ُمعتِمة للحفاظ عىل غرف نومه ّن مظلمة؟ هل‬
‫ٍ‬
‫نتعرض هلا فـي الليل؟‬
‫كمية الضوء التي ّ‬‫ينبغي علينا مجي ًعا أن ن ّتخذ خطوات ف ّعال ًة لتقليل ّ‬

‫السّرطان والنّظم اليوماوي‬


‫التعرض للضوء اخلارجي ً‬
‫ليال يزيد من خطر‬ ‫أن ُّ‬ ‫ُ‬
‫القول ب ّ‬ ‫عىل الرغم من أ ّنه قد يبدو صاد ًما‬

‫االستنتاج تؤ ِّيده َمموع ٌة واسعة من الدراسات السابقة؛ ُ‬


‫فهرمون‬ ‫َ‬ ‫الرسطان‪ ،‬لك ّن هذا‬
‫الـميالتونني‪ ،‬وهو اهل ُرمون الذي ُيطلق بشكل رئييس عندما تستشعر شبكي ُة العني فـي عيوننا‬
‫معروف بأ ّنه يعمل كمضا ٍّد لألكسدة ومن ّبه إلصالح احلمض النّووي الوراثي؛ وكال‬
‫ٌ‬ ‫ال ّظالم‪،‬‬

‫‪112‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫هـذين األمرين يمكن أن يق ّلال مـن خطر ُّ‬


‫حتول اخلاليا الطبيعية إلـى خاليا خبيثة‪ .‬وباإلضافة‬
‫وقت ّ‬
‫متأخر مـن الليل جـدول أو نظام النوم الطبيعي‪.‬‬ ‫إلـى ذلك‪ ،‬يعيق التعر ُض للضوء فـي ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫أن االضطراب فـي إيقاع السـاعة البيولوجية فـي حدّ ذاته يؤ ّثر سل ًبا فـي خطر اإلصابة‬
‫ويبدو ّ‬
‫بالسـرطان‪.‬‬
‫اضطراب فـي النّظم أو اإليـقـاع ال َيوماو ّي يكونون َّ‬
‫أقل مي ًال‬ ‫ٌ‬ ‫أخريا‪ ،‬فإ ّن الذين لدهيم‬
‫ً‬
‫صحية مفيدة ُتق ّلل مـن خطر السـرطان‪ .‬كام ّ‬
‫أن األشـخاص الـ ُمنهكني‬ ‫العتامد خيارات ّ‬
‫صحية ونشـا ُطهم‬
‫خياراُتم غري ّ‬
‫ُ‬ ‫السـعرات احلرار ّية‪ ،‬وتكون‬ ‫يمي ُلون إلـى ُ‬
‫تناول الـمزيد مـن ُّ‬
‫البدنـي أقـ ّل‪.‬‬

‫مشكلة التلوُّث الضّوئي‬


‫مفر منه تقري ًبا‬
‫التلوث الضوئي‪ ،‬حيث يبدو أ ّنه ال ّ‬ ‫سمى ُّ‬ ‫من الـمشاكل الرئيس ّية اليو َم ما ُي ّ‬
‫ٍ‬
‫مدينة كبرية أو بال ُقرب منها‪.‬‬ ‫بالنسبة لألشخاص الذين يعيشون فـي‬

‫أيضا‪ ،‬حيث يمكن‬


‫لضوء الكهربائي فـي عالـمنا ً‬
‫مستمر ل ّ‬
‫ّ‬ ‫احليوانات بالوجود الـ‬
‫ُ‬ ‫كام تتأ ّثر‬
‫لتلوث الضوئي من كيف ّية هجرُتا واغتذائها وتكا ُثرها؛ فعىل سبيل الـمثال‪ ،‬تعدُّ‬
‫يغري ا ُّ‬
‫أن ّ َ‬
‫الحف البحر ّية مفطور ًة عىل الزّ حف نحو الضوء عندما تفقس‪ .‬ولذلك‪ّ ،‬‬
‫فإن األضوا َء فـي‬ ‫ُ‬ ‫الس‬
‫ّ‬
‫خيار ُمميت‪.‬‬ ‫الـ ُمدُ ن يمكن أن تؤ ّدي إىل زحفها نحو ال ُّطرق ّ‬
‫الرسيعة‪ ،‬وليس إىل الـمحيط‪ ،‬وهذا ٌ‬
‫أيضا بسبب االضطراب فـي إيقاع الساعة‬
‫احليوانات زياد ًة فـي خماطر الـمرض ً‬
‫ُ‬ ‫وقد تعانـي‬
‫الضوئي‪.‬‬
‫ث ّ‬ ‫التلو َ‬
‫الب ُيولوجية لدهيا‪ ،‬عىل غرار البَش؛ فنحن مجي ًعا ُنعانـي ُّ‬

‫‪113‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫التّقليل من آثار التلوُّث الضّوئي‬


‫َ‬
‫مكان إقامته‪،‬‬ ‫يغري‬
‫الضوئي من دون أن ّ‬
‫التلوث ّ‬
‫إذا كان الـمر ُء يرغب فـي احلدّ من آثار ُّ‬
‫بعض األشياء التي يمكنه القيام هبا‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫فهناك ُ‬

‫األقل من النّوم‪.‬‬ ‫ٍ‬


‫ساعة عىل ّ‬ ‫• إطفاء األضواء واألجهزة اإللكرتون ّية قبل‬

‫صممة للحفاظ عىل جتنُّب أكرب ٍ‬


‫قدر ممكن من‬ ‫• التفكري باستخدام ستائر كتيمة أو عاُتة ُم ّ‬
‫الضوء‪.‬‬
‫الصفراء‬
‫ّ‬ ‫استخدام الـمصابيح‬ ‫•‬

‫أقل‬ ‫ٍ‬
‫طول موجي ّ‬ ‫اخلارج ّية؛ فهي ذات‬
‫بحيث تنقـص إعـاقتُها للنّوم‪ ،‬كـام ّأَّنا‬
‫تأثريا فـي ال ُّسلوك ال ّسلبي‬
‫ً‬ ‫ُّ‬
‫أقل‬
‫أيضا‪.‬‬
‫للحيـوان ً‬

‫ليال أو ت ِّفف من شدَّ ُتا‪.‬‬


‫شجع أو تُعزّ ز إطفاء األضواء ً‬
‫• الدّ عوة لقوانني ُت ّ‬

‫• استخدام الـمصابيح الباهتة ً‬


‫بدال من الـمصابيح الكهربائية القو ّية‪.‬‬

‫ال توجد وسيل ٌة للهروب ُتا ًما من الضوء فـي معظم الدُّ ول‪ .‬ولك ّن احلدّ من ُّ‬
‫التعرض‬
‫فاألمر ُتا ًما يشبه تبنّي نظا ٍم‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل كبري من خطر اإلصابة بالـمرض؛‬ ‫للتلوث الضوئي قد يق ّلل‬
‫ُّ‬
‫صحي وممارسة النشاط البدنـي يوم ًيا للتقليل من خطر الـمرض‪ ،‬إذ البدّ من ضامن أن‬
‫غذائي ّ‬

‫‪114‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أيضا‪.‬‬ ‫قسط ٍ‬
‫كاف من النوم ً‬ ‫ٍ‬ ‫حي َ‬
‫صل الشخص عىل‬

‫ث الضوئي الذي خي ّيم عىل معظم حياتنا سب ًبا فـي بعض أمراضنا‪ .‬ولكن‪،‬‬ ‫التلو ُ‬
‫قد يكون ُّ‬
‫ٍ‬ ‫التلوث؛ ف ّاتا ُذ‬
‫خطوات للحدّ‬ ‫هناك طرائق يمكننا من خالهلا أن ُنق ّل َل من تأثري هذا النوع من ُّ‬
‫من الضوء الـمحيط سوف يسمح لنا بأن نتم ّت َع ب ٍ‬
‫ليال قادمة أكثر عتمة‪ ،‬كام يساعدنا عىل احلفاظ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫صحة خالية من الرسطان ً‬
‫عىل ّ‬

‫‪115‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪116‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫النشاطُ الجِنْسي‬
‫والساعة‬
‫البَيُولوجية‬

‫معظم‬
‫َ‬ ‫عندما درس العلام ُء التوزّ ع اليوماوي للسلوك اجلنيس عندَ البَش‪ ،‬الحظوا ّ‬
‫أن‬
‫نتاج النظم البيولوجي اجلنيس‪ ،‬وإنَّام‬ ‫وقت النوم‪ ،‬ليس َّ‬
‫ألن ذلك هو ُ‬ ‫العالقات اجلنسية حتدث َ‬
‫السبب فـي اختيار وقت‬
‫َ‬ ‫لـمجرد االلتزام بجداول العمل والشؤون العائلية‪ .‬وهذا ما قد يكون‬
‫ّ‬
‫أن لذلك ‪ -‬حتَّى اآلن ‪ -‬ارتبا ًطا بموسم أو‬
‫النوم للمامرسة اجلنس َّية بني األزواج‪ .‬وال يبدو َّ‬
‫معني من السنة‪.‬‬
‫فصل َّ‬
‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫َ‬
‫أفعاهلا اجلنسية‬ ‫خمتلف عندَ بقية ال َّثدْ يِيات‪ ،‬حيث تُؤ ّقت األخري ُة‬
‫ٌ‬ ‫األمر‬ ‫ولك َّن هذا‬
‫َ‬
‫مقاييسنا وعاداتنا الثقافية حتدِّ د سلوكَنا اجلنيس‪،‬‬
‫َ‬ ‫نجاح التوالد فـي ذروته‪ .‬أ َّما نحن َّ‬
‫فإن‬ ‫َ‬ ‫جتعل‬
‫الـمفضل لدينا للمامرسة اجلنسية وليدَ الـمناسبة ال احلافز فـي ٍ‬
‫كثري من‬ ‫ّ‬ ‫وبذلك يكون الوقت‬
‫األحيان؛ وقد ال يتقاطع ج ّيدً ا مع النُّ ُظم اهلرمونية الطبيعية أو دورات اإلخصاب لدينا؛ فعىل‬
‫مستويات اهلرمون الذكري «التِّستوستريون ‪ »testosterone‬منخفضة‬
‫ُ‬ ‫سبيل الـمثال‪ ،‬تكون‬
‫ذروُتا عند الساعة الثامنة‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بشكل واضح فـي آخر الـمساء ومرتفع ًة فـي الصباح‪ ،‬حيث تبلغ‬

‫‪117‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫صباحا تقري ًبا‪ .‬كام تكون جود ُة السائل الـمنوي فـي أفضل حاالُتا بعدَ الظهر؛ ور ّبام ال تكون‬
‫ً‬
‫التغريات اليوماوية فـي إنتاجه‬
‫ّ‬ ‫هذه الزياد ُة فـي تركيز النطاف فـي هذا السائل نامج ًة عن‬
‫التغريات فـي اآلل ّيات العصبية العضلية التي تتحكَّم بالدفق أو القذف‬
‫ّ‬ ‫ونضجه‪ ،‬بل عن‬
‫األزواج بالتفكري بالـمامرسة اجلنسية بعدَ الظهر وليس‬
‫َ‬ ‫بعض اخلرباء‬
‫الـمنوي‪ .‬ولذلك‪ ،‬ينصح ُ‬
‫فـي الليل انسجا ًما مع الـمعطيات السابقة‪ ،‬برصف النظر عن أسباهبا‪.‬‬

‫الـموضوع اجلنيس‪ ،‬الذي يشغل َ‬


‫بال الكثريين‪ ،‬يستدعي لواز َمه التي‬ ‫َ‬ ‫شك فيه َّ‬
‫أن‬ ‫ومـام ال َّ‬
‫ّ‬
‫اخلاصة؛ ومن هذه اللوازم الـمداعبة واللمس‪ .‬ينشأ‬
‫َّ‬ ‫ر َّبام تؤ ِّثر فـي نمط الساعة البيولوج َّية‬
‫اللمس فـي البَش من النهايات العصبية حتت سطح اجللد‪ ،‬فهي تستشعر الشدّ أو الضغط‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫إشارات كهربائية تسري إىل الدماغ‪ .‬وتتوزّ ع هذه‬ ‫وحتول هذه الطاق َة الـميكانيكية إىل‬
‫الفيزيائي ّ‬
‫تتجمع بأكرب كثافة فـي الشفتني واللسان واألنامل‬
‫ّ‬ ‫النهايات العصبية فـي كامل اجلسم‪ ،‬لكنّها‬
‫ُ‬
‫يتخصص فـي إثارة الـمداعبة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بعضها‬
‫أن َ‬‫واحللمتني والقضيب والبظر‪ .‬ويبدو َّ‬

‫بأن أجسامنَا ُتتلك منظوم ًة من مستقبالت اللمس منفصلة‬


‫بعض الـمشاهدات ّ‬
‫توحي ُ‬
‫َ‬
‫الضغط واالهتزاز‪.‬‬ ‫عن النهايات العصب َّية التي تستشعر‬

‫أكثر قابلية للتأ ُّثر من النشاط‬ ‫َ‬


‫النشاط اجلنيس األنثوي بطبيعته يعدُّ َ‬ ‫ومن اجلدير بالـمالحظة أ َّن‬
‫ُ‬
‫األحداث الثقافية والظروف التارخيية والتنشئة االجتامعية‬ ‫اجلنيس للذكور‪ ،‬حيث تؤ ِّثر فيه‬

‫وعامل ال َقرينات (النِّساء األُ ْخ َريات) والـ ّ‬


‫متغريات االجتامعية األخرى‪ .‬ونتيج ًة لذلك‪ ،‬فهو‬
‫أقل بيولوجي ًة من نظريه عندَ الذكور‪ ،‬بمعنى أنّه ّ‬
‫أقل تأ ّث ًرا بالساعة البيولوجية‪.‬‬ ‫َّ‬

‫‪118‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ِ‬
‫النقل‬ ‫النهايات العصبية البطيئ ُة‬
‫ُ‬ ‫وتتوضع هذه‬
‫ّ‬
‫أو التوصيل حتت اجللد الـمش َّعر‪ ،‬وهي‬
‫‪soft‬‬ ‫خمتصة باللمس الناعم أو اخلفيف‬
‫ّ‬
‫‪touch‬؛ فعندما تُنبَّه‪ ،‬تف ِّع ل منـاطـ َق فـي‬
‫الدماغ تسهم فـي اإلثـارة اجلنسـية‬
‫ِ‬
‫والـمشاعر‪.‬‬ ‫واالستجابة للعواطف‬

‫‪female‬‬ ‫سمى اإلصباح األنثوي‬


‫يعزِّ ز التشاب ُه فـي النَّمط الزمني بني الَشيكني وما ُي ّ‬
‫نموذج‬
‫ُ‬ ‫ليس لدى الذكور‪ .‬كام يرتبط‬
‫‪ morningness‬الرضا عن العالقة لدى اإلناث‪ ،‬ولكن َ‬
‫مفضل للمامرسة اجلنسية عندَ الذكور‪ ،‬ولكن ليس عندَ اإلناث‬ ‫اإلصباح واإلمساء بالوقت الـ ّ‬
‫التناقض بني نموذجي اإلصباح واإلمساء لدى‬
‫ُ‬ ‫قل‬ ‫ِ‬
‫ساعات الـمساء‪ .‬وك َّلام َّ‬ ‫يفضل َن‬
‫اللواتـي ِّ‬
‫الزوجني زاد الرضا اجلنيس عندَ كليهام‪ .‬ور َّبام يعو ُد تفضيل النساء للمامرسة اجلنس َّية فـي وقت‬
‫معني إىل التأثري الثقافـي الـم َّتفق عليه َمتمع ًيا‪ ،‬وليس إىل النَّ ْظم أو اإليقاع البيولوجي‪ ،‬بينام‬
‫ّ‬
‫الذكور إىل االستجابة للتأثري البيولوجي فـي حياُتم اجلنسية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يميل‬

‫ٍ‬
‫بشكل عام ينزع َن إلـى ق َّلة االهتامم اجلنيس عندما يـك َّن فـي‬ ‫َ‬
‫اإلناث‬ ‫الدراسات إىل َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫ُتشري‬
‫أكثر استقاللي ًة عن‬
‫حالة مزاجية س ِّيئة‪ ،‬بينام تكون الرغب ُة فـي الـمامرسة اجلنسية لـدى الذكور َ‬
‫تواترا وأقوى من اإلناث‪ .‬ونتيج ًة لـذلك‪ ،‬قـد يكـون‬
‫حاالُتم العاطفية والنفسية‪ ،‬وهي أكثر ً‬
‫أكثر اسـتعدا ًدا لتقـديـم تنـازالت فيـام يتع َّلق بالوقت الفعيل للمامرسة اجلنسية أكثـر‬
‫ور َ‬ ‫الذكـ ُ‬

‫‪119‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫يفضلـن‬ ‫مـن اإلناث‪ ،‬ويوافقون علـى ِ‬


‫اجلامع فـي الوقـت الذي حتدِّ ده اإلنـاث اللـواتـي ِّ‬
‫فإن تفضيالت اإلناث تصبح ً‬
‫عامال حاسـ ًام فـي حتـديد‬ ‫اللييل‪ .‬وهكذا‪َّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫الـمسائي أو‬
‫ّ‬ ‫الوقت‬
‫السياق‪.‬‬ ‫الوقت الفعلـي ِ‬
‫مهمة فـي هذا ِّ‬
‫تفضيالت الذكور َّ‬
‫ُ‬ ‫للجامع‪ ،‬فـي حني ال تكون‬
‫تواتر اجلامع وتوقيته الشيخوخ ُة البيولوجية‪ ،‬وجودة‬
‫َ‬ ‫ومن األشياء األخرى التي حتدِّ د‬
‫والتعو د عىل اجلنس‪ ،‬والرضا عن العالقة‪ ،‬واحلمل‪ ،‬ووجود أطفال صغار‪ .‬وبذلك‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الصحة‪،‬‬
‫َّ‬
‫قد ال تضع الرغب ُة ِ‬
‫باجلامع عنـدَ اإلنسـان فـي لـحظـة مع ّينة لعامل الزمـن أو النظم‬
‫البيولوجي فقط‪.‬‬

‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫ات إلى َّ‬ ‫ُ‬
‫ينزعن إلى‬ ‫بشكل عام‬‫ٍ‬ ‫أن اإلناث‬ ‫تشيرالدراس‬
‫َّقلة االهتمام الجنس ي عندما َّ‬
‫يكن فـي حالة‬
‫سيئة‪ ،‬بينما تكون الرغبة فـي الـممارسة‬ ‫مزاجية ّ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫الجنسية لدى الذكورأكثراستقاللية عن حاالتهم‬
‫العاطفية والنفسية‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الصَّوتُ أم‬
‫الرَّائحة؟ بَرمَجةٌ‬
‫عَصبيَّة‬
‫لالستيقاظ!‬

‫أي صوت آخر ينتظره َ‬


‫قبل حدوثه عادة‪،‬‬ ‫سامع اجلرس أو صوت الـمن ِّبه أو َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان‬ ‫يتو َّقع‬
‫قبل دقيقة أو دقيقتني من َرنينِه أو حدوثه‪ .‬وقد يصحو ومل حيصل عىل كفايته من‬
‫حيث يستيقظ َ‬
‫حمرضة أو من ِّبهة خف ّية فـي األذنني‬ ‫بعض الناس َّ‬
‫أن أشياء ِّ‬ ‫النوم‪ .‬ولكن‪ ،‬ماذا بعد ذلك؟ يعتقد ُ‬
‫ت ِ‬
‫ُصدر تلك األصوات البارعة والـمم َّيزة فـي الصباح الباكر‪ ،‬مثل َبدْ ء الضجيج عىل طريق‬
‫رسيع أو مرور شاحنة بضائع أو ما إىل ذلك‪.‬‬

‫يفرس شـرا َءنا لسـاعات من ِّبه‬


‫بارع فـي معاجلة األصوات خالل النوم‪ ،‬وهذا ما ِّ‬
‫عضـو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الدما ُغ‬
‫ذات صوت مسموع‪ ،‬بينام ال نشرتي من ِّبهات ذات رائحة للسبب أو اهلدف نفسه‪ ،‬أي ال َّتنْبيه‬
‫بأَّنم يسـتيقظون من نوم عميق نتيجة الرائحة النَّتنة‬
‫بعض الناس ُيؤكِّدون َّ‬ ‫من النوم‪ .‬ومع َّ‬
‫أن َ‬

‫‪121‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫لبعض احليوانات‪ ،‬مثل ال ِّظ ْربان(‪ ،)1‬أو الرائحة القو َّية لتقطري القهوة‪ ،‬لك َّن إحدى الـدراسات‬
‫ً‬
‫كامال فـي االسـتجابة خالل‬ ‫ترى غـري ذلك؛ فقـد و َّثق علام ٌء فـي جامعة براون إخفا ًقا‬
‫الـمرحلة األوىل ك ِّلها تقري ًبا من النوم جتاه روائح قو َّية‪ ،‬مثـل النَّ ْعناع والبرييدين(‪ )2‬الـمزعـج‬
‫مكونات َقطِران ال َف ْحم الـذي ُيستخدَ م غال ًبا كمبيد عشـبي حلطب الوقود‪.‬‬ ‫جدا‪ ،‬وهو أحدُ ِّ‬

‫عول‬ ‫لذلـك‪ ،‬يقول الباحثون‪ :‬ال ت ِ‬


‫فالشم عند اإلنسان ال ُي َّ‬
‫ُّ‬ ‫َعتم د عىل األنف كنظام حراسة؛ «‬
‫مفاتيح التنبيه قد ال‬
‫َ‬ ‫عىل مقدرته فـي إيقاظ النائم»‪ .‬ومهام يكن‪ ،‬فهناك أد َّلة متزايدة تُوحي َّ‬
‫بأن‬
‫خارج جسمك مطل ًقا‪ ،‬بل داخله‪ ،‬وذلك بشكل ساعة من ِّبه صغرية ورائعة معتمدة عىل‬
‫َ‬ ‫تكون‬
‫‪( Peretz‬من معهد‬ ‫الذهن ُحت ِّرض الدِّ ماغ لالستيقاظ؛ فعندما استقىص برييز الفـي‬
‫‪Lavie‬‬

‫َ‬
‫يستيقظ‬ ‫تِكْنيون للتكنولوجيا ‪ )Technion Institute of Technology‬ما إذا كان يمكن أن‬
‫ً‬
‫مدهشا؛ فقد استيقظ‬ ‫معني من دون من ِّبهات خارج َّية‪ ،‬اكتشف شيئًا‬
‫الناس بأنفسهم فـي وقت َّ‬
‫الكثري من األشخاص لديه َ‬
‫قبل أو بعد عَش دقائق من الوقت الـمحدَّ د‪ ،‬حتَّى عندما كان‬ ‫ُ‬
‫صباحا؛ ويعدُّ ذلك ً‬
‫عمال فـذا حقا فـي اإلخبار عن‬ ‫ً‬ ‫باكرا عندَ الساعة الثالثة والنصف‬
‫الوقت ً‬
‫الوقت‪ ،‬بحيث ر َّبام يتجـاوز قدر َة معظم الناس علـى معرفة الوقت خالل ساعات استيقاظهم‪.‬‬

‫َمرد التو ُّقع َّ‬


‫بأن النو َم سوف ينتهي فـي وقت حمدَّ د يزيد تراكيزَ‬ ‫كام أظهرت دراس ٌة أخرى َّ‬
‫أن َّ‬

‫‪ 1‬ال ِّظ ْربان حيوا ٌن َثدْ يي صغري ُمنْتِن الرائحة‪ُ ،‬يط َلق عليه اسم غُرير ال َع َسل أحيانًا‪.‬‬
‫عضوي عىل عالقة وثيقة بالبنـزين‪ ،‬يوجد يف الكثري من الـمواد‪ ،‬مثل بعـض‬
‫ٌّ‬ ‫‪ 2‬البِرييدين ‪ Pyridine‬مرك ٌ‬
‫َّب‬

‫بالسمك‪.‬‬
‫ذواب فـي الـامء‪ ،‬ذو رائحة كرهية مم َّيزة شبيهة َّ‬ ‫الفيتامينات‪ ،‬ال َ‬
‫لون له‪ ،‬رسيع االشتعال‪ ،‬خفيف القلو َّية‪َّ ،‬‬

‫‪122‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أحد هرمونات الشدَّ ة أو الكرب « ُم َو ِّج َهة ِق َْش ال ُك ْظر» بنسبة ‪ ،٪30‬وهذه عالم ٌة مؤكَّدة عىل‬
‫العقل الالواعي (الالشعور)‪ ،‬لدى بعضنا عىل ّ‬
‫األقل‪ ،‬يتع َّقب‬ ‫َ‬ ‫أن الدما َغ َي ْستعدُّ لالستيقاظ‪َّ .‬‬
‫إن‬ ‫َّ‬
‫وقت الساعة حتَّى فـي أثناء النوم‪ ،‬بحيث «يتو َّقع» الدِّ ماغ حد ًثا ذا توقيت‪ ،‬مثل وقت‬
‫بطريقة ما َ‬
‫وحيرض عىل إطالق مواد كيميائ َّية ُتدف إىل‬
‫االستيقاظ الـمطلوب‪ ،‬كام يفعل خالل اليقظة‪ِّ ،‬‬
‫إن التو ُّقع‪ ،‬الذي كان ُيعت َقد بأنَّه مقدر ٌة لدى العقل الواعي فقط‪ ،‬يمكن أن‬
‫وحتركنا‪َّ .‬‬ ‫ِ‬
‫َُّنوضنا ُّ‬
‫ٍ‬
‫بشكل عفوي فـي الساعة‬ ‫َ‬
‫نستيقظ‬ ‫َ‬
‫حيدث فعل ًيا خالل نومنا‪ ،‬ممَّا يسـمح أو يتيح لنـا أن‬
‫الـمتو َّقعة نفسها‪.‬‬

‫َ‬ ‫ُّ‬
‫التوقع َّ‬ ‫إ َّن َّ‬
‫النوم سوف ينتهي فـي وقت‬ ‫بأن‬ ‫مجرد‬
‫تراكيزهرمون َّ‬
‫الشدة أو الكرب‪ّ ،‬‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫مما‬ ‫محدد يزيد‬
‫َ‬
‫الدماغ ُم ْس ًّ‬
‫تعدا لالستيقاظ‪.‬‬ ‫يجعل‬

‫‪123‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪124‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫العملُ الليلي‬
‫ونظامُ املُناوَبات‬
‫والساعة‬
‫البيولوجية‬
‫احلراس الليليني‬
‫قبل نحو قرنني من الزمن‪ ،‬مل يكن يعمل فـي ساعات الظلمة سوى ّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫القوة العاملة تعمل فـي‬ ‫وبعض الـمهن القليلة األخرى‪ .‬أ ّما اآلن‪ ،‬فهناك نسب ٌة ال َ‬
‫بأس هبا من ّ‬
‫ِ‬
‫رب‬
‫اجلوية والـمستشفيات وشاحنات نقل البضائع ع َ‬ ‫جوف الليل‪ ،‬مثل مو َّظفي الـمالحة ّ‬
‫كثريا عن‬ ‫ُ‬
‫العمل جيعلهم بعيدين ً‬ ‫احلدود ومراكز اإلطفاء والَشطة والـمصانع‪ ...‬إلخ‪ .‬وهذا‬
‫النُّ ُظم الزمنية الطبيعية للحياة‪.‬‬

‫كثر الناس‬
‫األشخاص الذين ينخرطون فـي العمل الـمتناوب أو الـمتأرجح أ َ‬
‫ُ‬ ‫ويعدُّ‬
‫عرضـ ًة لالضطرابات‪ ،‬حيث يعانون صعوبات فـي النوم‪ ،‬الس َّيام عندمـا حياولون النو َم فـي‬
‫مراحل ال تتّفق مـع الدورات اليوماوية لدهيم‪ ،‬حيث يكون الـميالتونني فـي انخفاض ودرجة‬
‫حرارة اجلسم فـي ارتفاع؛ فينامون نو ًما مضطر ًبا‪ ،‬ويستيقظون مرهقني‪ .‬وترى الدراسات َّ‬
‫أن‬
‫العمل بنظام الـمناوبات ِ‬
‫ينقص مدّ ة النوم فـي الليل بمقدار ‪ 4-3‬ساعات وسط ًيا‪.‬‬ ‫َ‬

‫‪125‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ّ‬
‫العمال الذين يعملون بنظام الـمناوبات‪ ،‬ويأكلون فـي وقت‬
‫ّ‬
‫متأخرمن الليل‪ ،‬تظهرفـي دمائهم مستويات مرتفعة غير‬
‫طبيعية للحموض الدهنية الـمرتبطة بداء القلب‪.‬‬

‫لعامل الذين يعملون بنظام‬


‫صحية خطرية أخرى عىل الـمدى البعيد؛ فا ّ‬
‫تأثريات ّ‬
‫ٌ‬ ‫كام حتصل‬
‫مستويات مرتفعة بشكل‬
‫ٌ‬ ‫الـمناوبات ويأكلون فـي وقت ّ‬
‫متأخر من الليل‪ ،‬تظهر فـي دمائهم‬
‫حتمل الغلوكوز (أي الـميل‬
‫مضطرب للحموض الدهنية الـمرتبطة بأمراض القلب‪ ،‬مع نقص ّ‬
‫أيضا‪ ،‬وهذا عامل خطر للداء السكّري والضطرابات استقالبية أخرى‪،‬‬
‫إىل الداء السكَّري) ً‬
‫وتشري أبحاث جديدة إىل أن ذلك يعود إىل خلل أو إخفاق فـي حلقة جزيئية كيميائية مسؤولة‬
‫ُسمى دورة الكرياتني ‪ ،creatine cycling‬وهو جزيء يقوم هبذه‬
‫عن تزين الطاقة ورصفها‪ ،‬ت ّ‬
‫الـمهمة‪.‬‬
‫ّ‬

‫ر ّبام يكون للعمل بأسلوب الـمناوبات التأثري نفسه الـمزيل للتزامن فـي النظام‬
‫ُ‬
‫فالعمل بنظام النوبات‬ ‫سمى تلكّؤ الن ّفاثة (إرهاق السفر) الـمزمن؛‬
‫اليوماوي‪ ،‬مثل مشكلة ما ُي ّ‬
‫بعيدً ا عن الساعات الـمنتظمة يؤ ّثر فـي الذاكرة واإلدراك واألنظمة الـمختلفة للجسم‪ ،‬ممّا‬
‫يقود إىل ارتفاع الكولستريول وضغط الدم‪ ،‬وإىل زيادة احتامل اإلصابة اضطرابات الـمزاج‬
‫والعقم وزيادة خطر النوبات القلبية والرسطان‪.‬‬

‫ممرضات اللواتـي يعملن بنظام الـمنـاوبات الس ّيئ‬ ‫بعض األبحـاث ّ‬


‫أن الـ ّ‬ ‫لقد أظهرت ُ‬

‫‪126‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫َ‬
‫أظهرن زياد ًة فـي خطر رسطان الثدي بنسبة ‪ ،٪60‬وزيادة فـي خطر رسطان‬ ‫عىل مدى سنوات‬
‫ليال‪ .‬كام أظهرت دراسة يابانية َّ‬
‫أن العاملني الذين‬ ‫القولون‪ ،‬مقارن ًة بأولئك اللواتـي مل يعملن ً‬
‫تأرجحوا ما بني الـمناوبات النهارية والليلية قد تضاعف الـمعدَّ ل الـمألوف لرسطان‬
‫نمو األورام فـي التجارب التي عبث فيها الباحثون‬
‫مرات‪ .‬كام تسارع ّ‬
‫الربوستات لدهيم ثالث ّ‬
‫بالنُّ ُظم اليوماوية للفئران لـمحاكاة ظروف العمل بنظام النوبات‪.‬‬

‫َ‬
‫مسؤول عن العالقة بني العمل بنظام الـمناوبات والرسطان‬ ‫بعض الباحثني َّ‬
‫أن الـ‬ ‫يعتقد ُ‬
‫كون قاب ًعا عمي ًقا فـي جيناتنا؛ فاضطراب النُّ ُظم الناجم عن العمل هبذا النظام قد‬
‫يمكن أن ي َ‬
‫يؤ ّدي إىل تبدّ ل ملحوظ فـي تعبري جينات الساعات البيولوجية‪ ،‬وهذا بدوره يمكن أن يؤ ّثر‬
‫النمو وتن ّظمه‪ ،‬مثل تنظيم اإلنزيامت التي تتحكّم بتصنيع الدَّ نا‬
‫ّ‬ ‫فـي اجلينات التي تتحكّم فـي‬
‫(الدي أن إي ‪ )DNA‬وانقسام اخلاليا وتكوين األوعية الدموية‪ .‬كام ُيشا ُر إىل دور الضوء‬
‫االصطناعي فـي العالقة بني اضطراب النُّ ُظم اليوماوية والرسطان؛ حيث أصبح من‬
‫اإلنتاج الطبيعي‬
‫َ‬ ‫التعرض للضوء ً‬
‫ليال يكبح‬ ‫ّ‬ ‫الـمعروف علم ًيا منذ سنوات طويلة َّ‬
‫أن‬
‫دراسات عىل احليوانات َّ‬
‫أن كبت إفراز الـميالتونني يعزّ ز‬ ‫ٌ‬ ‫للميالتونني من اجلسم‪ .‬لقد أظهرت‬
‫نتاج‬ ‫التعر َض للضوء االصطناعي ً‬
‫ليال ُينقص إ َ‬ ‫ّ‬ ‫بعض الباحثني َّ‬
‫أن‬ ‫نمو الرسطانات‪ .‬ويرى ُ‬
‫َّ‬
‫النمو الورمي‪ .‬وهلذا‪ ،‬ر ّبام يزيد ذلك من خطر رسطان الثدي لدى النساء‬
‫الـميالتونني‪ ،‬ممّا يعزّ ز ّ‬
‫ليال كام ذكرنا آن ًفا‪.‬‬
‫اللواتـي يعملن ً‬

‫كبريا‪،‬‬
‫صح ًيا ً‬
‫خطرا ّ‬
‫العامل للعمل خـالل الليل والعمل بجداول ليلية خمتلفة خيلق ً‬ ‫ّ‬
‫إن دفع ّ‬

‫‪127‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ليس بالنسبة إىل الفرد العامل فحسب‪ ،‬بل بالنسبة إىل الـمجتمع عام ًة؛ فعندما يضطرب ّ‬
‫توجه‬
‫العامل وإدراكهم بسبب خلل الوظيفة اليوماوية ويتعبون بسبب نقص النوم‪ ،‬تقع احلوادث؛‬
‫ّ‬
‫فقد بدأت أسوأ حادثة نووية فـي العالـم‪ ،‬فـي حم ّطة تَشنوبل فـي أوكرانيا سنة ‪،1986‬‬
‫ٍ‬
‫بعض‬ ‫صباحا‪ ،‬نتيج َة سلسلة من األخطاء التي قام هبا ّ‬
‫عامل ليل ّيون‪ .‬وتشري ُ‬ ‫ً‬ ‫الساعة ‪1:23‬‬
‫والصحة والسالمة َّ‬
‫أن األط ّبا َء الـمقيمني الذين يعملون بنظام‬ ‫ّ‬ ‫الدراسات عىل ساعات العمل‬
‫النوبات مدّ َة ثالثني ساعة قد عانوا من عدّ ة إخفاقات فـي االنتباه خالل العمل ً‬
‫ليال فـي‬
‫الـمستشفيات‪ .‬وهناك من يقول‪ :‬عندما يبقى الناس مستيقظني مدّ ة ‪ 19-17‬ساعة‪ ،‬يكون‬
‫ُ‬
‫معـادل هذا‬ ‫معني مـن ال ُك ُحول فـي دمـه؛ ويزداد‬
‫أداؤهم مكاف ًئا لشـخص لديه مسـتوى َّ‬
‫خطر الوقوع فـي خطأ بعدَ العمل‬
‫الـمسـتوى عندما يبقون مستيقظني مدّ ة ‪ 24‬ساعة‪ ،‬ويصبح ُ‬
‫كبريا جدا‪.‬‬
‫مدّ ة ‪ 24‬ساعة ً‬

‫لقد أظهرت دراسات على الحيوانات َّ‬


‫أن كبت إفراز‬
‫ض‬‫التعر َ‬
‫ّ‬ ‫نمو السرطانات‪ .‬ومن املعلوم َّ‬
‫أن‬ ‫الـميالتونين ّ‬
‫يعزز َّ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫اإلنتاج الطبيعي للميالتونين من الجسم‪.‬‬ ‫للضوء ليال يكبح‬

‫خطرا عىل أنفسهم واآلخرين‬


‫ً‬ ‫مرهقني يمكن أن يشكِّلوا‬ ‫كام ّ‬
‫أن األط َّباء الـمقيمني الـ َ‬
‫فالدراسات عىل الذين ينامون‬
‫ُ‬ ‫عندما يكونون عىل الطريق عائدين إىل منازهلم من مناوباُتم؛‬
‫متوسط النوم لدى معظم الـمقيمني)‬
‫مخس أو ست ساعات فقط فـي الليل بشكل منتظم (وهو ّ‬
‫خطر‬
‫مرات‪ .‬كام يزداد ُ‬
‫يتأخر) ثالث ّ‬ ‫وجدت َّ‬
‫أن الزم َن الوسطي الستجابتهم يتضاعف (أي ّ‬

‫‪128‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫مرتني‪ ،‬بينام تزداد األخطا ُء‬


‫حوادث الس ّيارات لدهيم وهم يقودون سـ ّياراُتم إلـى الـمنـزل ّ‬
‫مرات‪.‬‬
‫مخس ّ‬
‫َ‬

‫ال يعرف أحدٌ التأثريات عىل الـمدى البعيد للعبث بساعات اجلسم وتريب النوم‬
‫بعضهم إىل إعطاء هذه األدوية لبعض أصحاب‬ ‫ّ‬
‫الـمنشطة‪ ،‬حيث يلجأ ُ‬ ‫الطبيعي باألدوية‬
‫واحلراس‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الـمهن الليلية‪ ،‬كالط َّيارين‬

‫صباحا هي الساعة الرئيسية أو ساعة الذروة ألخطاء‬


‫ً‬ ‫إن الساع َة الواقعة ما بني ‪ 3‬و ‪4‬‬
‫َّ‬
‫العمل اللييل‪ ،‬فـي حوادث الس ّيارات والشاحنات‪ ،‬ونوبات فشل القلب االحتقانـي والقرحة‬
‫اهلضمية‪ ،‬ومتالزمة الـموت الـمفاجئ للرضيع والقصور العظمي‪ ،‬ونوبات صداع الش ّقيقة‬
‫والربو‪ ،‬ر ّبام بسبب ارتفاع ضغط الدم وزيادة الكورتيزول‪ .‬ويبدو من الغريب أنّنا ينبغي أن‬

‫‪129‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫َ‬
‫يكون‬ ‫ليس عند االقرتاب مـن َّناية اليوم بـل عندَ بدايته‪ ،‬وكأنّنا نرفض أن‬
‫ننتهي من حياتنا َ‬
‫موت هو النهاية؛ ولكـن‪ ،‬هـذه هـي طريق ُة اجلسم‪ ،‬كل يشء متناقض وغريب ومفاجئ‪.‬‬
‫الـ ُ‬

‫فـي هذه الـمدّ ة‪ ،‬أي آخر الليل‪ ،‬تنخفض درج ُة حرارة اجلسم إىل احلضيض‪ ،‬وكذلك‬
‫َ‬
‫يكون النو ُم‬ ‫خماوف كبرية وهواجس وشكوك‪ .‬واآلن‪ ،‬يف حني ينبغي أن‬
‫ُ‬ ‫األرواح‪ ،‬حيث تلوح‬
‫متسهد من األشياء الـمتب ّقية بفعل ضوء النهار والَشود‪.‬‬
‫عذ ًبا وعمي ًقا‪ ،‬يقلق الذهن الـ ّ‬

‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن الساعة الو اقعة ما بين الثالثة والرابعة‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫صباحا هي الساعة الرئيسية أو ساعة الذروة‬
‫ألخطاء العمل الليلي‪.‬‬

‫دوارة ذاتية ومبدعة ُتكّن‬ ‫َّ‬


‫إن ما يمكن أن يكون قاب ًعا فـي قلب ساعات أجسامنا هو آل ّية ّ‬
‫اخلل ّية من اإلخبار عن الوقت؛ حيث تتبادل َمموعة من اجلينات التأثري يف عرى أو حلقات‬
‫متينة ذات ارجتاع سلبي أو مث ّبط أو كابت إلحداث الذبذبة‪ ،‬أو التِّك تُك‪ ،‬يف تعبريها اخلاص‪.‬‬
‫تُصنِّع بعض هذه اجلينات بروتينات النهار التي ترتاكم خالل اليوم؛ وعندما تصل إىل مستوى‬
‫الذروة فـي الـمساء‪ِ ،‬‬
‫توقف النشاط الكيميائي احليوي الـمؤ ّدي إىل إنتاجها الذاتـي‪ ،‬وتكون‬
‫النتيجة حلقة قو ّية ذاتية االستمرار جتري بشكل متواصل عىل مدى ‪ 24‬ساعة‪.‬‬

‫خاصة‬
‫َّ‬ ‫تقيس النَّوا ُة فوق التَّصا ُلبة ذخري َة يو ٍم َّ‬
‫مكون من ‪ 24‬ساعة بإنتاج بروتينات‬
‫واستعامهلا بطراز يوماوي؛ وهي تتحكَّم فـي النُّ ُظم الكبرية أو الرئيس َّية للجسم وتن ِّظمها‪،‬‬

‫‪130‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وبذلك تكون وظائف النوم مثالية ً‬


‫ليال‪ ،‬بينام تكون وظائف اليقظة نشيطة خالل النهار (عندما‬
‫ُت ََّرب النَّوا ُة فوق التَّصا ُلبة فـي حيوانات الـمخترب‪َّ ،‬‬
‫فإن أنشطتها ـ اجلري وتناول الطعام‬
‫نموذج األربـع والـعشـرين سـاعة الطبيعي‪ ،‬بـل تتوزَّ ع بشـكل‬
‫َ‬ ‫والَشاب والنوم ـ ال تتَّبع‬
‫عشـوائي عرب اليوم)‪.‬‬
‫ً‬
‫شكال آخر‪،‬‬ ‫مع الـمالمح الباهتة األوىل من الضوء فـي األفق‪ ،‬يتّخذ النوم فـي النهاية‬
‫مجيال ال ُيقاوم‪ ،‬تضع له األفكار واألحاسيس‪ .‬ومهام يكن الغرض منه‪ ،‬فهو ُمم َت ّن ّ‬
‫لكل يشء‬ ‫ً‬
‫مجيل يزول معه ّ‬
‫كل يوم‪ .‬هناك من الناس مـن خيتار أن جيري بـال انقطـاع وال تو ّقف علـى‬
‫مستمر َ‬
‫طوال النهار والليل‪ ،‬بالذهن‬ ‫ّ‬ ‫مدار الساعة‪ ،‬لكن ال نسـتطيع أن نتخ ّيل ذلك الضغـط الـ‬
‫إنكار إمكانية البدء مـن جديد‪.‬‬
‫َ‬ ‫واجلسم والروح فـي حالة منفردة‪ ،‬كام ال نستطيع أن نتخ ّيل‬

‫‪131‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪132‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الـميالتونين‬
‫والنَّوْم‬
‫وتعزيزُ املناعة‬

‫ٌ‬
‫مسؤول عن تنظيم‬ ‫الرئيسية فـي اجلسم‪ ،‬وهو‬
‫الـميالتونني ‪ melatonin‬أحدُ اهلرمونات َّ‬
‫انخفاض مستويات الـميالتونني قد‬
‫َ‬ ‫دورة النوم واالستيقاظ‪ .‬ولذلك‪ ،‬فاألفرا ُد الذين يعانون‬

‫أكثر عرض ًة لنقص جودة النوم‪ّ ،‬‬


‫مـام جيعل من الصعب عليهم قضاء اليوم دون نعاس‬ ‫يكونون َ‬
‫للصحة اجلسدية‬
‫َّ‬ ‫أيضا َّ‬
‫أن الـميالتونني يقدِّ م عد ًدا من الـمنافع‬ ‫أو حتى تعب شديد‪ .‬كام ثبت ً‬
‫يعيق ذلك عد ٌد‬ ‫ٍ‬
‫بشكل طبيعي فـي اجلسم‪ ،‬يمكن أن َ‬ ‫والنفس َّية‪ .‬وفـي حني ُينْتَج الـميالتونني‬
‫من العوامل‪ ،‬بام فـي ذلك ُ‬
‫تناول الكثري من الكافيني والكحول‪ ،‬والتدخني‪ ،‬وضعف الرؤية أو‬
‫العمل يف نظام الـمناوبات الليل َّية‪.‬‬

‫اإلنتاج خالل ساعات‬


‫ُ‬ ‫اجلسم الـمزيدَ من الـميالتونني فـي الليل‪ ،‬بينام ينخفض هذا‬
‫ُ‬ ‫ُينتِج‬
‫ٍ‬
‫بشكل طبيعي قد‬ ‫يتعرضون لتعاقب الضوء والظالم‬
‫النهار‪ .‬ولذلك‪ ،‬فاألفرا ُد الذين ال َّ‬
‫إنتاج الـميالتونني‬
‫َ‬ ‫نظرا إىل َّ‬
‫أن‬ ‫يواجهون صعوبات فـي اخللود للنوم ومواصلته‪ .‬ولكن‪ً ،‬‬

‫‪133‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫يتناقص مع تقدّ م العمر‪ ،‬لذلك ُّ‬


‫تقل احلاجة إىل النوم مع تقدُّ م العمر‪ ،‬وقد ال حيصل الشخص‬
‫عىل الراحة الـمنشودة منه‪.‬‬

‫الجسم ال َ‬
‫ـمزيد من الـميالتونين في الليل‪ ،‬بينما‬ ‫ُ‬ ‫ُين ِتج‬
‫ُ‬
‫اإلنتاج خالل ساعات النهار‪ .‬وال ِـميالتونين‬ ‫ينخفض هذا‬
‫مسؤول عن تنظيم دورة النوم واالستيقاظ‪.‬‬

‫كيفيّة تثبيط الـميالتونني لعاصفة السيتوكينات‬


‫ٍ‬
‫فريوس جديد (مثل فريوس كورونا الـمستجدّ )‪ ،‬فليس‬ ‫اجلسم معرك ًة مع‬
‫ُ‬ ‫خيوض‬
‫عندما ُ‬
‫ُسمى‬
‫الـمريض من استجابة عاصفة لـمواد كيميائية مناع َّية ت َّ‬
‫ُ‬ ‫من غري الـمعتاد أن يعانـي‬

‫‪134‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫السيتوكينات ‪ ،cytokine storm‬وهي تنجم عن زيادة النشاط الـمناعي نتيجة اجلهد الكبري‬
‫صحي آخر‪ .‬وقد لوحظ َّ‬
‫أن العديدَ من‬ ‫الذي يامرسه اجلسم لـمحاربة الفريوس أو أي خطر ِّ‬
‫َ‬
‫حدوث عاصفة‬ ‫تضمنت‬
‫َّ‬ ‫حاالت الـمرض الـمعروف بكوفيد‪ COVID-19 19-‬الشديدة‬
‫ِسيتوكين َّية شديدة (أي دفقة من الـمواد الـمضا َّدة لاللتهاب)‪.‬‬

‫األبحاث السابقة أ َّن الـميالتونني يمكن أن يسـاعدَ عىل منع عاصـفة‬


‫ُ‬ ‫لـقـد أظـهـرت‬
‫جل َسيامت االلتهابية ‪.inflammasomes‬‬
‫السيتوكني الـمرتبطة بـكوفيد‪ 19-‬عن طريق تثبيط ا ُ‬
‫ِّ‬
‫أيضا من خالل‬ ‫أبحاث جديدة َّ‬
‫أن الـميالتونني قد يث ِّبط عاصفة السيتوكينات ً‬ ‫ٌ‬ ‫ولكن‪ ،‬ت ِ‬
‫ُظهر‬
‫السك َِّر اهل َ َوائِ ّي ‪ aerobic glycolysis‬فـي اخلاليا الـمناعية‪.‬‬ ‫عكس َ َ‬
‫حت ُّلل ُّ‬

‫‪135‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫والوحيدات ‪ ،monocytes‬عىل‬ ‫ِ‬


‫تعمل اخلاليا الـمناعية‪ ،‬مثل ال َبالعم ‪َ macrophages‬‬
‫حتول‬
‫الـمساعدة فـي محاية اجلسم من العدوى والـمرض‪ .‬ولكن‪ ،‬فـي احلاالت االلتهابية‪ِّ ،‬‬
‫السك َِّر اهل َ َوائِ ّي‪ ،‬وهذا ما يسمح‬ ‫ِ‬
‫هذه اخلاليا عملي َة َأ ْيضها أو استقالهبا إىل عملية ت َّ‬
‫ُسمى َ َ‬
‫حت ُّلل ُّ‬
‫ً‬
‫(فضال عىل أشياء أخرى) بزيادة إنتاج السيتوكينات وإطالقها‪ .‬كام تلق «عاصفة»‬
‫يلحق الرضر‬
‫َ‬ ‫أيضا‪ ،‬األمر الذي يمكن أن‬ ‫كمي ًة هائلة من اجلذور َّ‬
‫احلرة ً‬ ‫السيتوكينات هذه ِّ‬
‫ِّ‬
‫أن الـميالتونني يساعد عىل عكس عملية َ َ‬
‫حت ُّلل‬ ‫بأنظمة اجلسم‪ .‬وقد وجدت دراس ٌة حديثة َّ‬
‫ِ‬
‫السك َِّر اهل َ َوائ ّي‪ّ ،‬‬
‫مـام يفيد فـي تثبيط عاصفة السيتوكينات‪.‬‬ ‫ُّ‬

‫دراسات أخرى‪ ،‬رصدت األنشط َة القوية الـمضا َّدة لألكسدة ولاللتهاب‬


‫ٌ‬ ‫ولقد أظهرت‬
‫أيضا فـي حتييد أو تعديل اجلذور‬ ‫َ‬
‫اهلرمون قد يكون مفيدً ا ً‬ ‫والـمرتبطة بالـميالتونني‪َّ ،‬‬
‫أن هذا‬
‫احلرة‪ ،‬ودعم النَّشاط اخللوي للوقايـة مـن الداء الرئوي ومكافحة الفريوسات‪ .‬ومـن خالل‬
‫َّ‬
‫أكثر قدر ًة عىل التعامـل مـع تأثريات‬
‫الـمريض َ‬
‫ُ‬ ‫محاية الرئتني من الـمزيد من الرضر‪ ،‬يصبح‬
‫هذا الفريوس‪.‬‬

‫ل طبيعي‬
‫تعزيز مستويات الـميالتونني بشك ٍ‬
‫تأثري إجيابـي عميق فـي القدرة عىل النوم اجل ِّيد‬
‫قد يكون لزيادة مستويات الـميالتونني ٌ‬
‫ً‬
‫ليال‪ ،‬مع تقوية االستجابة الـمناعية جتاه الفريوسات الفاتكة‪ ،‬مثل فريوس كورونا الـمستجدّ ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشكل طبيعي‪.‬‬ ‫فيام ييل بعض األساليب لزيادة مستويات الـميالتونني‬

‫‪136‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫التعرض للضوء‬
‫التحكُّم فـي ُّ‬

‫التعرض‬
‫ُّ‬ ‫َ‬
‫أفضل ما يمكن القيام به لتنظيم مستويات الـميالتونني هو التحكُّم فـي‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫بالتعرض مدَّ َة ‪ 15‬دقيقة عىل ّ‬
‫األقل ألش َّعة الشمس للحصول عىل‬ ‫ُّ‬ ‫للضوء‪ .‬يمكن أن نبدأ يومنا‬
‫األقل َ‬
‫قبل وقت النوم‬ ‫ّ‬ ‫ُّب األجهزة اإللكرتونية مدَّ َة ساعتني عىل‬
‫أفضل النتائج‪ .‬كام جيب جتن ُ‬
‫التعرض للضوء األزرق‪.‬‬
‫لتقليل ُّ‬

‫َّ َ‬ ‫ُّ‬
‫مدة ساعتين‬ ‫َ‬
‫العمل على األجهزة اإللكترونية‬ ‫يجب تجن ُب‬
‫ُّ‬
‫التعرض للضوء األزرق‪.‬‬ ‫األقل َ‬
‫قبل وقت النوم لتقليل‬ ‫ّ‬ ‫على‬

‫مكمالت أو مستحرضات الـميالتونني‬


‫ِّ‬

‫الكثري من الناس منفع ًة كبرية فـي تناول أحد مك ِّم الت الـميالتـونني قبـ َل ساعة‬
‫ُ‬ ‫جيد‬
‫هدف هـو تعزيـز روتني ثـابـت‬
‫واحدة تقري ًبا مـن الرغبة فـي النوم‪ .‬وهو أدا ٌة قو ّية إذا كان الـ ُ‬
‫التعرض للضوء قبل النوم‪.‬‬ ‫الـمكمالت عندَ ّ‬
‫تعذر التقليل من ّ‬ ‫ّ‬ ‫للنوم‪ .‬ويمكن اللجوء إىل هذه‬

‫تغذية اجلسم باألطعمة الغن َّية بالـميالتونني‬

‫ٍ‬
‫بشكل‬ ‫أيضا‬ ‫مكمالت امليالتونني‪ ،‬يمكن احل ُ‬
‫صول عىل هذا اهلرمون ً‬ ‫باإلضافة إىل تناول ِّ‬
‫ُ‬
‫وأفضل األطعمة الغن َّية به هي الطامطم والكرز‬ ‫متنوعة من األطعمة؛‬
‫طبيعي فـي َمموعة ِّ‬
‫واجلوز وبذور الكتّان والفلفل الربتقالـي‪.‬‬

‫‪137‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫زيادة تناول الكالسيوم‬

‫َبني َّ‬
‫أن الكالسيوم يزيد من إنتاج الـميالتونني فـي اجلسم‪ ،‬ممَّا جيعل هذا الـمعدن‬ ‫لقد ت َّ َ‬
‫إضاف ًة مفيدة جدا للنظام الغذائي‪ .‬وتشتمل األطعم ُة الغن َّية بالكالسيوم عىل اجلبن واحلليب‬
‫واللبن والك ُْرنب وال ِّل ْفت واللوز والربوكيل (القنبيط)‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الليلُ‬

‫واألكسجين‬

‫الرتكيب الضوئي فـي النَّباتات بعدَ غروب الشمس‪ ،‬يتو ّقف ُ‬


‫إنتاج األكسجني فـي‬ ‫ُ‬ ‫مع تو ُّقف‬
‫َ‬
‫طوال الليل بفائض األكسجني الناتج خالل النهار‪.‬‬ ‫التنفس‬
‫ُ‬ ‫يستمر‬
‫ّ‬ ‫الغالف اجلوي‪ .‬ولكن‪،‬‬
‫الـمدن واحلوارض‪.‬‬
‫ومن هنا تأتـي أمهية وجو ُد الغطاء النباتـي فـي ُ‬

‫إ ًذا‪ ،‬مع تقدُّ م الليل‪ ،‬ينخفض تركيزُ األكسجني أكثر فأكثر‪ ،‬حتَّى يبلغَ أدنى مستوى له عندَ‬
‫الفجر‪ .‬وليس ذلك وحسب‪ ،‬بل َّ‬
‫إن الغازات السا َّمة (مثل ثانـي أكسيد الكربون والـميثان)‬
‫الغازات الـمختلفة من كِ ْربيت وآزوت وعنارص أخرى‬‫ُ‬ ‫تصبح فـي أعىل مستوياُتا‪ ،‬وجتعل‬
‫ثقيال فـي ِّ‬
‫ظل غياب ضوء الشمس وبلوغ األكسجني أدنى مستوياته‪.‬‬ ‫حميط سطح األرض ً‬
‫َ‬

‫وبعدَ رشوق الشمس‪ ،‬تبدأ تنقي ُة اجل ّو تدرجي ًيا بوجود أش َّعة الشمس و َبدْ ء إطالق األكسجني‬
‫ِ‬
‫من جديد‪ .‬لكن‪ ،‬قد يقول أحدُ هم إ َّن الغازات السا َّمة تكون َ‬
‫أكثر خالل النهار منها عندَ الفجر‪،‬‬
‫بسبب االنبعاث الصادر عن الـ َم ْركبات والـمصانِع وحرق الوقود األُ ْحفوري وما إىل ذلك‪.‬‬
‫ونقول‪ :‬خالل النهار‪ ،‬يمكن أن يق ِّل َل ضو ُء الشمس واألكسجني من هذه الغازات السا ّمة‪ .‬أ َّما‬

‫‪139‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫بعدَ غروب الشمس‪ ،‬فال تتو َّقف الـ َمـ ْركبات عن السري فـي الشوارع وبعض الـمح ّطات‬
‫ُ‬
‫إطالق الغازات السا َّمة بعدَ غروب‬ ‫والـمصانع عن العمل فـي أ ّيامنا هذه‪ ،‬لذلك جيري‬
‫أيضا‪ .‬وال توجد عملية مثل الرتكيب الضوئي لتنقية األجواء‪ .‬وهكذا يزداد تركيزُ هذه‬
‫الشمس ً‬
‫الغازات السا َّمة مع تقدُّ م الليل‪ .‬كام تزداد هذه احلال ُة سو ًءا خالل فصل الشتاء بسبب ضبابية‬
‫حاالت االكتئاب فـي هذا الفصل‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الطقس أو انحجاب الشمس ورا َء الغيوم‪ .‬ومن هنا تزداد‬

‫يجيا بوجود َّ‬ ‫ُ‬


‫تنقية ّ‬
‫الجو تدر ً‬ ‫َ‬
‫أشعة‬ ‫بعد شروق الشمس‪ ،‬تبدأ‬
‫الشمس َوب ْدء إطالق املزيد من األكسجين‪.‬‬

‫الشعور باهلواء النقي فـي الصباح الباكر َ‬


‫قبل رشوق الشمس قد يكون حال ًة ذهن َّية وليس‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫إن‬
‫غياب ضوء‬ ‫بسبب ق َّلة مستوى الغازات السا َّمة فـي اهلواء‪ .‬ولكن‪ ،‬ر َّبام َّ‬
‫أن هناك أسبا ًبا أخرى‪ ،‬ف ُ‬
‫الضارة‬
‫َّ‬ ‫َراج َع انبعاث الغازات‬ ‫وإحساسا بالنقاء‪ ،‬كام َّ‬
‫أن ت ُ‬ ‫ً‬ ‫رب ًدا فـي اهلواء‬ ‫الشمس يو ِّفر ً‬
‫تأثريا م ِّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫عام هي يف َّأوله قد يسهم فـي ذلك ً‬
‫فـي آخر الليل ّ‬

‫حيسن مناع َة اجلسم‬


‫التعر َض ألش َّعة الشمس اخلفيفة مدَّ َة ‪ 20‬دقيقة ِّ‬
‫أن ُّ‬ ‫األبحاث َّ‬
‫ُ‬ ‫لقد أثبتت‬
‫من نواحٍ عدّ ة‪ ،‬إحداها حتسني حالة الفيتامني د‪.‬‬

‫صباحا و ‪ 3‬مسا ًء بسبب‬


‫ً‬ ‫قد ال يمكننا ممارسة الرياضة فـي اهلواء ال َّط ْلق ما بني الساعة ‪10‬‬
‫التعرض ألش َّعة الشمس فوق البنفسجية‪ .‬ولكن‪ ،‬للحصول علـى‬
‫ُّ‬ ‫الشمس احلارقة وخطر‬
‫در بالـمرء أن يذهب إلـى احلديقة بعدَ رشوق الشمس أو َ‬
‫قبل غروهبا‪.‬‬ ‫أقىص منفعة من ال َّت ْمرين‪ ،‬جي ُ‬

‫‪140‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫تأثيرُ إدمان‬

‫وسائل التواصُل‬
‫االجتماعي‬
‫يف النوم والصحَّة‬
‫ُين َظر اليو َم إىل شبكات التواصل االجتامعي عىل َّأَّنا إحدى العوامل الرئيس َّية للَشود‬
‫واإلهلاء‪ .‬ولذلك‪ ،‬يسعى الكثري من أهل الرأي واحلكمة إىل احلدِّ من مدَّ ة استعامهلا ومن انخراط‬
‫أيضا‪ ،‬ويرون ّ‬
‫أن ذلك ما ينبغي أن يزيدَ عىل ساعة فـي اليوم أو نحو ذلك؛ فعندما‬ ‫األطفال فيها ً‬
‫َ‬
‫اإلفراط فـي‬ ‫رضرها بدرجة ما‪ ،‬فـي حني َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫تُستخدَ م بحكمة وضمن حدود معقولة ينتفي‬
‫تأثريا شديدَ الرضر‪.‬‬
‫وصحتنا العا َّمة ً‬
‫َّ‬ ‫استخدامها قد يؤ ِّثر فـي عادات نومنا‬

‫ل التواصل االجتماعي والنُّظُم اليوميَّة‬


‫وسائ ُ‬
‫بشكل عام‪ ،‬ووسائل التواصل‬ ‫ٍ‬ ‫عالقات مع َّقدة بني أدوات التقانة احلديثة‬
‫ٌ‬ ‫هناك‬
‫كل خاص‪ ،‬وبني ُن ُظ ِمنا اليومية‪ .‬وال يـزال العلامء جيـرون أبحا َثهم الكتشـاف‬‫االجتـامعي بشـ ٍ‬
‫واهر مثبـتـة بالفـعـل‪ ،‬مثـل‬
‫بعضا‪ .‬ولكن هـنـاك ظـ ُ‬
‫اآلل َّية التي تربـط هـذه األشـياء بعضـها ً‬

‫‪141‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫احلرمان من النوم الـمرتبط بوسائل التواصل االجتامعي واالكتئاب واإلدمان النامجني عنها‪.‬‬

‫كثري من‬ ‫ُ‬


‫وسائل التواصل االجتامعي مكا ًنا للمشاعر الـمر َّكزة‪ ،‬حيث تنَش ال ُ‬ ‫تعدُّ‬
‫عامرا بال َعواطِف‪ ،‬وال جيري تقييدُ األشخاص عىل هذه‬
‫ً‬ ‫عمد حمتوى‬ ‫ٍ‬
‫بشكل مت َّ‬ ‫الصفحات‬
‫منصات باألخالق واآلداب التي حتكمنا فـي احلياة الواقعية‪ ،‬ح ّتى إ َّن َ‬
‫بعض األشخاص قد‬ ‫الـ ّ‬
‫يشعرون بالقلق بشأن انتشار مل َّفاُتم االجتامعية‪.‬‬

‫نَش‬
‫ب التو ُّت ُر والـمشاعر السلبية (أو ح َّتى اإلجيابية الـمفرطة)‪ ،‬نتيجة ما ُي َ‬
‫ويمكن أن يس ِّب َ‬
‫القلق أو االكتئاب‪ ،‬وهـذا مـا يؤ ِّثر بدوره فـي عـادات‬
‫َ‬ ‫فـي وسـائل التواصل االجتامعي‪،‬‬
‫كثريا‪.‬‬
‫نومنا ً‬

‫اهلرمون اخلاص ‪ -‬الـميالتونني‬


‫العامل االنفعالـي ليس العامل الوحيد ورا َء ِّ‬
‫كل ذلك؛ فدما ُغنا يعرف متى يذهب‬ ‫َ‬ ‫لك َّن‬
‫هرمون خاص يتخ َّلق فـي أجسامنا عندما حتني مرحل ُة النوم‬
‫ٌ‬ ‫للنوم بفعل الـميالتونني (وهو‬
‫حسب َن ْظم الساعة البيولوجية لدينا‪ ،‬كام سبق أن ذكرنا)‪ .‬عندما يكون مستوى الـميالتونني‬
‫ٍ‬
‫بشكل كبري عىل‬ ‫أيضا‬
‫فـي دمائنا مرتف ًعا بدرجة كافية‪ ،‬فإننا نغفو‪ .‬لك َّن هذا اهلرمون يعتمد ً‬
‫تعرض له أعيننا‪.‬‬
‫مستوى الضوء الذي ت َّ‬

‫أسلوب «بومة الليل» [أي النوم‬


‫ُ‬ ‫نوع من الكائنات احل َّية ذات اإليقاع اليومي‪ ،‬أ َّما‬
‫البَش ٌ‬
‫ُ‬
‫بعض‬
‫أمر غري طبيعي‪ ،‬نشأ عن مسلك احلراسة الذي كان ُ‬
‫فـي النهار والسهر فـي الليل] فهو ٌ‬
‫َ‬
‫القبائل البدائية فـي الليل‪ ،‬ويطردون احليوانات الـمفرتسة‬ ‫األشخاص حيرسون من خالله‬

‫‪142‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الليلية‪ .‬ولكن فـي الوقت احلارض‪ ،‬أوجدت األضوا ُء االصطناعية واجلدول الزمني للحياة‬
‫وقت خاص بـه خارج عن ذلك النَّ ْظم اليوماوي‪،‬‬ ‫َ‬
‫يكون فيه للشخص ٌ‬ ‫احلديثة َو ْض ًعا يمكن أن‬
‫أو يكون خاليا مـن العمل أو األعامل الـمنزلية أو أي شـيء آخر‪ ،‬فيسهر إلـى ٍ‬
‫وقت ِّ‬
‫متأخر‬ ‫ً‬
‫مـن الليل‪.‬‬

‫برضورة اخللود إىل النوم‪ ،‬بينام نميل فـي ِ‬


‫واقنا الـمعارص إىل‬ ‫ِ‬ ‫تربنا ساع ُتنا البيولوجية‬
‫البقاء مستيقظني لبعض الوقت واالستمتاع باحلياة بعدَ العمل‪ ،‬فريتدّ الـميالتونني من‬
‫«مستوى كاف» إىل «مستوى قليل للغاية» بسبب الضوء الـمنبعث من شاشات أجهزتنا‪.‬‬
‫ونتواصل اجتامع ًيا ونتع َّرض للضوء فـي ذلك الوقت غري الـمناسب لطبيعتنا البيولوج ّية‪،‬‬
‫كثريا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وهذا ما يفسد عادات نومنا ً‬

‫ل التواصل االجتماعي واضطربُ النوم‬


‫وسائ ُ‬
‫ٍ‬
‫عالقة قوية بني الوقت الذي يقضيه‬ ‫بعض البحوث منذ سنة ‪ 2014‬م وجو َد‬
‫أظهرت ُ‬
‫الشخص عىل شبكات التواصل االجتامعي واضطرب نومه؛ وكانت هذه العالق ُة خ ِّطية‪ ،‬أي‬
‫ُ‬
‫أن اضطراب النوم يزداد ك ّلام زاد الوقت الذي ُين َفق عىل تلك الشبكات‪.‬‬
‫ّ‬

‫تكرار تسجيل الدخول إىل موقع فيسبوك أو إنستغرام أو غريمها فـي احلالة النفسية‬‫ُ‬ ‫يؤ ّثر‬
‫والذهنية للشخص‪ ،‬وبذلك يؤ ِّثر فـي ِص َّحته‪ .‬كام قد يؤ ِّدي قضا ُء الكثري من الوقت عىل‬
‫ٍ‬
‫حالة من االعتياد؛ فقد تصبح قراء ُة موجز األخبار « َط ْق ًسا‬ ‫شبكات التواصل االجتامعي إىل‬

‫‪143‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫قبل النوم؛ ولكن ً‬


‫بدال من التهدئة الفعل َّية للقلق‪ ،‬يرتاكم وينتج عنه نوم لييل متق ِّطع‪ ،‬بل‬ ‫مهدِّ ئًا» َ‬
‫الشخص معتا ًدا عىل قراءة خالصة ما يتابعه من مواقع‬
‫ُ‬ ‫القلق إذا كان‬
‫وأكثر من ذلك يزداد ُ‬
‫وأخبار فـي أثناء الليل‪.‬‬

‫ُ‬
‫قضاء الكثيرمن الوقت على شبكات التواصل‬ ‫قد ّ‬
‫يؤدي‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫يعززالقلق لديه‪.‬‬
‫حالة من االعتياد؛ وهذا ما ِ‬
‫االجتماعي إلى ٍ‬

‫الشاشات الليلية والزرقاء‬

‫ينظر دمـا ُغنا إىل وسائل التواصـل االجتامعي ك ُّ‬


‫تجمع بشـري متناغـم‪ ،‬ف ِّ‬
‫ينشط الـمراكز‬
‫رب ٍ‬
‫قدر‬ ‫الالزمة للتواصل االجتامعي‪ .‬ولكن‪ ،‬لسوء احلظ‪ ،‬تتط َّلب هذه األجزا ُء من دماغنا أك َ‬
‫مثال‪ ،‬يتط َّلب «مركزُ الكالم» لدينا أكرب قدر من اجلهد والطاقة تقري ًبا مقارن ًة ِّ‬
‫بأي‬ ‫من الطاقة (ف ً‬
‫جزء آخر من الدماغ)‪.‬‬

‫تنشط أحادي ُثنا وقراءا ُتنا وتفكرينا الـ َّت ْجريدي وتعاطفنا‪ ،‬فتجعلنا متيق ِّظني جدا‪ ،‬وهذا ال‬
‫ت َّ‬
‫ستغرب أ َّنه ح َّتى بعدَ االنتهاء من قراءتنا‪ ،‬تبقى هناك‬
‫الـم َ‬
‫يتَّفق مع النُّعاس‪ .‬ولذلك‪ ،‬ليس من ُ‬
‫حاج ٌة إىل ساعة أو ساعتني لتهدئة أذهاننا‪ ،‬والنوم ً‬
‫أخريا‪.‬‬

‫رب مستهلك للوقت من بني مجيع العادات‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫التواصل االجتامعي اليو َم أك َ‬
‫ُ‬ ‫وسائل‬ ‫تعدُّ‬
‫الكثري من الوقت فـي مشاهدة اخلالصات‬
‫َ‬ ‫البَش َّية‪ ،‬ولكن ر َّبام باستثناء التدخني؛ حيث نقيض‬

‫‪144‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ساعات كثرية من وقتنا الـمنتِج‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الـمواجز ح َّتى بعدَ الر ِّد عىل مجيع الرسائل‪ .‬وبذلك‪ ،‬نفقد‬ ‫أو‬
‫متأخر من الـمساء‪ ،‬والذهاب إىل النوم ِّ‬
‫متأخرين جدا عام كان‬ ‫فيكون علينا العمل حتَّى وقت ِّ‬
‫عليه أسال ُفنا‪.‬‬

‫أدلة متزايدة على ارتباط الوقت الـمصروف َ‬ ‫َّ‬


‫أمام‬ ‫هناك‬
‫الشاشات بالحرمان من النوم لدى األطفال والـمراهقين أكثر‬
‫من البالغين‪.‬‬

‫ما احللّ؟‬

‫شبكات التواصل االجتامعي س ِّيئة بحدِّ ذاُتا‪ .‬ولكن‪ ،‬لتحسني جودة النوم‪ ،‬يمكن‬
‫ُ‬ ‫ليست‬
‫احلدُّ من استخدامها فـي الـمساء فقط‪ ،‬أو َ‬
‫قبل النوم بعدَّ ة ساعات‪ .‬كام يمكن استخدا ُم‬
‫متت ِّبعات الوقت عىل وسائل التواصل االجتامعي‪ ،‬أو ضبط الـمن ِّبهات أو استخدم برامج‬
‫ف‬
‫الـمراسلة فقط‪ ،‬واالبتعاد عن موجز األخبار‪ .‬فـي البداية‪ ،‬قد يكون من الصعب جدا التك ُّي ُ‬
‫الشخص يريد حتسنيَ روتني‬
‫ُ‬ ‫مع عادات وسائل التواصل االجتامعي اجلديدة‪ ،‬ولكن إذا كان‬
‫يستحق ذلك ُتا ًما!‬
‫ّ‬ ‫األمر‬
‫َ‬ ‫فعال‪ ،‬فإ َّن‬
‫نومه ً‬

‫هناك أد َّل ٌة متزايدة عىل ارتباط الوقت الـمرصوف أما َم الشاشات باحلرمان من النوم لدى‬
‫األطفال والـمراهقني أكثر من البالغني‪ .‬وقد أشارت إحدى الدراسات َّ‬
‫أن الـمراهقني الذين‬

‫‪145‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أكثر عرض ًة للحرمان من‬


‫أكثر من ‪ 3.5‬ساعة من الوقت فـي اليوم أما َم الشاشة كانوا َ‬
‫يمضون َ‬
‫النوم من أولئك الذين قضوا ساعتني فقط‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬جيب ُ‬
‫تقليل تأثريات الوقت الـمرصوف أما َم الشاشات ً‬
‫ليال لتفادي احلرمان من‬
‫ُ‬
‫تقليل سطوع الشاشة فـي ذلك‪ ،‬وكذلك استخدام ن َّظارات ذات‬ ‫النوم‪ ،‬كام يمكن أن يساعدَ‬
‫لون َك ْه َرمانـي أو أصفر عند مشاهدة الشاشة بعدَ غروب الشمس‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫العَبَثُ‬

‫البَشَريّ‬

‫َ‬
‫احلديث عن‬ ‫نفسه بنفسه‪َ ،‬يدَّ عي شيئًا ويفعل ِخال َفه‪ .‬وال أريد هنا‬ ‫ُ ِ‬
‫اإلنسان ُيناق ُض َ‬ ‫ما َّ‬
‫انفك‬
‫ِ‬
‫الرصاعات وتَدْ مري األمم‪ ،‬وال احلديث‬‫السالم التي ت َْستبطنُها إثار ُة احلروب وإِ ْذكاء ِّ‬
‫دعوات َّ‬
‫ٍ‬
‫بكثري من الن َّيات الزائفة التي نجد َصداها ً‬
‫قتال‬ ‫عن ُأكْذو َبة من َّظامت حقوق اإلنسان ُ‬
‫الـمغ َّلفة‬
‫الصحة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫احلديث هنا عىل موضوع‬ ‫وفتكًا وانحيازً ا وترقي ًعا؛ إنَّام نر ِّكزُ‬

‫بالصحة‪ ،‬التي ت َْستنزف ُم َقدَّ رات‬


‫َّ‬ ‫اخلاصة‬
‫َّ‬ ‫ؤسسات واجلهات والربامج‬
‫الـم َّ‬
‫كثريا من ُ‬
‫إن ً‬ ‫َّ‬
‫لتكون لوال ذلك العبث البَشي واالنفصام الصارخ بني الغا َية‬ ‫َ‬ ‫الدول وطاقاُتا‪ ،‬مل تكن‬
‫مجيع‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫متكام َلة‬ ‫ٍ‬
‫مكان يف العامل‪ ،‬هي كينون ٌة‬ ‫رتض َّ‬
‫تعمل ُ‬ ‫أي‬
‫أن الدولة‪ ،‬فـي ِّ‬ ‫والوسيلة؛ فالـمف َ‬
‫َناس ٍق لتأمني ُم ْستلزمات العيش الكريم ألبنائها‪ ،‬بأقىص ما تستطيع؛‬‫بشكل مت ِ‬
‫ٍ ُ‬ ‫مكوناُتا وإداراُتا‬
‫ِّ‬
‫جهة أخرى؛ لك َّن‬ ‫رؤية مضادة لرؤية ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫تعمل إحدى اجلهات ضمن‬ ‫يصح أن َ‬ ‫وبمعنى آخر ال‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫صحة الناس‬ ‫الصحية بالسعي إىل تعزيز َّ‬ ‫ِّ‬ ‫اجلهات‬
‫ُ‬ ‫الواقع هو ِخالف ذلك ُتا ًما؛ ففي حني تقوم‬‫َ‬
‫مؤسس َة اإلعالم أو من يقوم مقامها أو يسري‬ ‫من خالل براَمها ومراكزها وأنشطتها‪ ،‬نجد َّ‬
‫أن َّ‬

‫‪147‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ٍ‬
‫عىل َّنجها فـي أنحاء العامل كا َّفة ُتارس أنشط ًة هادمة لتلك األنشطة والربامج؛ فمن جهة ِّ‬
‫يروج‬
‫الرسيعة‬
‫الصحية (الوجبات َّ‬
‫ِّ‬ ‫اإلعال ُم ‪ -‬بدافع الربح والـمنف َعة الـام ِّدية ‪ -‬لألطعمة غري‬

‫والـمنَتجات اجلاهزة ‪ ...‬إلخ) التي َث ُبت ُ‬


‫دورها فـي حدوث البدانة‬ ‫ُ‬ ‫واألطعمة الـمصنَّعة‬
‫الـمكتَسبة وارتفاع ضغط الدم والسكَّري وما إىل ذلك‪ ،‬بينام تعمل‬
‫وأمراض القلب واألوعية ُ‬
‫الصحية‪ .‬ويستثمر‬
‫ِّ‬ ‫الصحية عىل وضع برامح وأنشطة لـمكافحة هذه الـمشاكل‬ ‫ِّ‬ ‫اجلهات‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫إذاعة وقنوات‬ ‫تحرضات‪ ،‬من‬
‫والـم ْس َ‬ ‫اإلعال ُم َّ‬
‫كل ما لديه فـي سبيل الرتويج لتلك البضائع‬
‫ُ‬
‫تلفزيون َّية (أرض َّية وفضائ َّية) وإعالنات ُط ُرق َّية وورق َّية وصحف َّية ‪ ....‬إلخ‪.‬‬

‫ان اإلعـالم يروج فيـه لـمنتَجـ ِ‬


‫ات التبغ‪ ،‬ثـم عمدَ‬ ‫وليس عنَّا ببعيد ذلك الزمـ ُن الذي كـ َ‬
‫ُ‬ ‫ُ ِّ‬
‫إلـى ت ٍ‬
‫رجية جتميل َّية ُمض ِّللة مرافقة‪ ،‬حيث أخـ َذ يضـ ُع عبـار ًة حتذيرية عـن أضـرار التدخني‬
‫السجائر‪.‬‬
‫علـى علب َّ‬

‫الصحية (التي‬
‫ِّ‬ ‫توظيف األموال التي تُن َفق عىل مكافحة الـمشاكل‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العبث‪ ،‬ألمك َن‬ ‫ولوال ذلك‬
‫يسـهم اإلعال ُم فـي حدوثها) فـي ُمعالـجـة األمراض التي ليس هناك عالق ٌة مباشـرة‬
‫لإلنسـان فـي حدوثها‪ ،‬وفـي األبحاث العمل َّية كا َّفة‪ ،‬وما إلـى ذلك من أعامل تأتـي فـي‬
‫صالح البَش َّية جـمعاء‪.‬‬

‫أيضا عىل تعدِّ ي اإلنسان عىل َن ْظم احلياة وساعاُتا احليو َّية‪ ،‬فقد امتدَّ ت‬ ‫ُ‬
‫العبث ينطبق ً‬ ‫وهذا‬
‫وصحتنا ‪ -‬كام ذكرنا فـي مقدِّ مة هذا‬
‫َّ‬ ‫يدُ ه العابثة إىل ِّ‬
‫كل ساعاتنا الناظمة حلياُتا وسلوكنا‬
‫الكتاب‪ .‬وبعد أن أمع َن فـي تشويه ِّ‬
‫كل ذلك‪ ،‬أخذ يبحث عن العالج‪ ،‬فبذل ألجل ذلك‬

‫‪148‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫األدوية والعقاقري والعمليات اجلراحية والتجميلية‪ُ ،‬متَعام ًيا عن جذور الـمشكلة‪ً .‬‬
‫وبدال من‬
‫الصحية‪ ،‬استثمرها ‪ -‬فـي‬
‫ِّ‬ ‫الصحة واحلرص عىل الرتويج للحياة‬
‫َّ‬ ‫استثامر التقانة فـي تعزيز‬
‫وقتال حتت ِ‬
‫هاجس مصطلحات َّبراقة وعناوين طنَّانة هدفها فـي‬ ‫وتدمريا ً‬ ‫معظمها ‪ -‬تري ًبا‬
‫ً‬
‫مصدرا لالرتزاق والسيطرة‬
‫ً‬ ‫َّناية الـمطاف اهليمنة والتحكُّم والرتويض‪ .‬وباتت التقان ُة اليوم‬
‫والسالم‪.‬‬
‫يبق منها إال جز ٌء صغري للخري َّ‬
‫والنفوذ‪ ،‬ومل َ‬

‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬


‫الصحة‬ ‫بدال من أن يستثمراإلنسان التقانة فـي الخيروتعزيز‬
‫ّ‬
‫الصحية‪ ،‬استثمرها ‪ -‬فـي‬ ‫والحرص على الترويج للحياة‬
‫ِ‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫هاجس مصطلحات‬ ‫معظمها ‪ -‬تخريبا وتدميرا وقتال تحت ِ‬
‫َّ‬
‫َّبر اقة وعناوين طنانة هدفها فـي نهاية الـمطاف الهيمنة‬
‫ُّ‬
‫والتحكم والترويض‪.‬‬

‫ومن أشكال العبث البَشي‪ ،‬التي تؤ ِّثر فـي حياتنا اليوم َّية وقد تعود علينا بالكثري من‬
‫األمراض الـمزمنة‪ ،‬الزِّ را َع ُة فـي البيوت الزُّ جاجية أو البالستيك َّية؛ فالغ ُ‬
‫َرض من استخدام‬
‫الضارة» والتَّحكُّم بدرجة‬
‫َّ‬ ‫احلَشات‬
‫ُ‬ ‫البيت الزُّ جاجي هو الت ُ‬
‫َّقليل من التَّلف الذي ت َُس ِّببه «‬
‫احلرارة‪ .‬ويكون ذلك بتَجنُّب ضوء الشمس بتغطية النباتات النامية‪ .‬واآلن‪ ،‬كيف انعكس‬

‫النباتات التن ُّق َل كاحليوانات؛ وهلذا َّ‬


‫السبب‬ ‫ُ‬ ‫تستطيع‬
‫ُ‬ ‫رضر ذلك عىل اإلنسان؟ فـي الواقع‪ ،‬ال‬
‫ُ‬
‫َتعر ُض لـمقادير كبرية من األش َّعة فوق البنفسجية‪ .‬تؤ ِّدي أش َّع ُة الشمس فوق البنفسجية إىل‬
‫ت َّ‬
‫ضارة‬
‫َّ‬ ‫احلرة والـمواد الـمؤكِ َسدة لدى النباتات واحليوانات‪ ،‬وهي عنارص‬ ‫تراكُم اجلذور َّ‬

‫‪149‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫النباتات نف َسها من ذلك ُتتلك آلي ًة فِطر ّية ُُتَكِّنها من إنتاج‬


‫ُ‬ ‫باألجسام احل َّية‪ .‬ولكن‪ ،‬لكي تقي‬
‫الضار لتلك العنارص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للتأكسد التي ُتنع التأثري‬
‫ُ‬ ‫مقادير كبرية من الـمواد الـمضا َّدة‬

‫و ‪،E‬‬ ‫‪C‬‬ ‫و‬ ‫‪A‬‬ ‫للتأكسد عىل الفيتامينات‪ ،‬مثل الفيتامينات‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫العوامل الـمضا َّدة‬ ‫ُ‬
‫تشتمل‬
‫‪isoflavone‬‬ ‫واإليزوفالفون‬ ‫‪flavonoid‬‬ ‫كالفالفانويد‬ ‫‪polyphenols‬‬ ‫والبوليفينوالت‬
‫وتوجد مجي ُعها بمقادير كبرية فـي النباتات‪ُ .‬تنْتَج هذه الـموا ُّد‬
‫َ‬ ‫والكاتيكني ‪catechin‬؛‬
‫تعرض النباتات لألش َّعة فوق البنفسجية‪ .‬وب َت ْع ٍ‬
‫بري آخر‪ ،‬إذا أبعدْ نا ضو َء‬ ‫للتأكسد عندَ ُّ‬
‫ُ‬ ‫الـمضا َّدة‬
‫ِ‬
‫البيوت الزُّ جاجية أو البالستيك َّية‪ ،‬تتناقص شدَّ ُة األش َّعة فوق البنفسجية‬ ‫الش ْمس‪ ،‬باستخدام‬ ‫َّ‬
‫أقل من الـمواد الـمضا َّدة للتأكسد‪،‬‬ ‫النباتات عد ًدا ّ‬
‫ُ‬ ‫اق َطة عىل النَّباتات‪ .‬وبسبب ذلك‪ُ ،‬تنتِج‬
‫الس ِ‬
‫َّ‬
‫كالفيتامينات والبوليفينوالت‪.‬‬

‫إن األولو ّي َة فـي الصناعة الزراعية فـي وقتنا احلارض هي إلنتاج أغذية ذات َمن ٍ‬
‫ْظر مجيل‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ثقوب من احلَشات‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وليس للقيمة الغذائية؛ ففي أوراق اخلَ ْرضاوات التي تنمو فـي الطبيعة‬
‫خل ْرضاوات ذات الـمنظر‬ ‫منتظمة‪ .‬وفـي احلقيقة‪ ،‬هي ليست با َ‬ ‫ٍ‬
‫أشكال غري‬ ‫أو قد تكون ذات‬
‫َ‬
‫اجلميل‪ ،‬لكنَّها ذات ٍ‬
‫طاقة حيوية أكرب؛ َّإَّنا أغذية ح ّية‪ ،‬بل مفعمة باحلياة‪ ،‬وليس طعا ًما ميتًا‪.‬‬

‫ليام إذا مل يكن‬ ‫األطعمة التي ي ُ‬


‫تناوهلا‪ ،‬فلن يكون َس ً‬ ‫َ‬ ‫اإلنسان حي ُ‬
‫صل عىل طاقته من‬ ‫َ‬ ‫وبام َّ‬
‫أن‬

‫نفسه حمتو ًيا عىل الطاقة احليوية‪ ،‬بِغ َِّض النَّظر عن ِّ‬
‫كمية ذلك الطعام الذي َيتناو ُله‪.‬‬ ‫الطعا ُم ُ‬
‫وصحية؛‬
‫ِّ‬ ‫خص الذي ال يتناول طعا ًما من َم ْص ٍ‬
‫در طبيعي‪ ،‬ال يمكن أن يتو َّق َع حيا ًة طبيعي ًة‬ ‫َّ‬
‫والش ُ‬
‫معايري الـمتَّبعة فـي اختيار ذلك الطعام‬
‫ُ‬ ‫فال َّطعا ُم الذي يتناوله يوم ًيا حيافظ عىل ِج ْسمه‪ ،‬والـ‬

‫‪150‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫َّ‬
‫تتمخض عواق ُبه‬ ‫ُحتَدِّ د حال َته َ‬
‫الص ِّح َّية‪ .‬وهناك أشكال متعدِّ دة من مثل هذا العبث الذي‬
‫صحية خمتلفة‪.‬‬
‫باستمرار عن أمراض وعلل واضطرابات ِّ‬

‫نشكر‬
‫َ‬ ‫الـمتالطم من العبث والفوىض والتفريط َّإال‬ ‫ولكن‪ ،‬ال يسعنا فـي ِّ‬
‫ظل هذا البحر ُ‬
‫أولئك العلام َء والباحثني الذي يو ِّظفون َ‬
‫علمهم فـي البحث عن أسباب األمراض والعلل‬
‫استغلق‬
‫َ‬ ‫جاهدين ورا َء اكتشاف ما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫احللول ويسعون‬ ‫الصحية والـمشاكل لدى البَش‪ ،‬فيجدون‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫نجعل هلؤالء‬ ‫احلري بنا أن‬
‫ِّ‬ ‫منها‪ ،‬وين ِّبهون إىل الـمخاطر النامجة عن أشكال العبث البَشي‪ .‬ومن‬
‫مـام ورد‬ ‫وليس َّ‬
‫أدل عىل ذلك َّ‬ ‫اخلري هلم‪َ .‬‬
‫الناس ويرشدوهم إىل ما فـيه ُ‬ ‫منابر اإلعالم حتّى ِّ‬
‫يثقفوا َ‬ ‫َ‬
‫فـي هذا الكتاب من معلومات مفيدة وشائقة هي ِنتاج جهود أولئك العلامء والدارسني‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪152‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫لننظِّم حياتَنا‬

‫من جديد‬

‫‪ ‬تعدّ العالق ُة بني النّ ُظم اليوماوية للجسم واألداء الذهني دقيقة‪ ،‬وغري مفهومة ج ِّيدً ا؛ فقد‬
‫متغريات‪ :‬الضجر‪ ،‬والَشود‪،‬‬
‫بمهمة ذهن َّية مع ّينة بمجموعة من الـ ِّ‬
‫ّ‬ ‫تتأ ّثر قدرتُنا عىل القيام‬
‫والشدّ ة أو الكرب‪ ،‬ومقدار الثقة التي نشعر هبا‪ ،‬ومقدار نومنا فـي الليلة السابقة‪ ،‬وما أكلناه‬
‫عىل الفطور‪ ،‬وما إذا كنّا قد رشبنا القهوة‪ ،‬وبوضع ّيتنا‪ ،‬ودرجة حرارة الـمحيط‪ ،‬وجودة اهلواء‪،‬‬
‫والضجيج‪ ،‬واإلضاءة‪ ،‬وعوامل «تقنيع» أخرى قد ال يكون هلا تأثري كبري فـي ُن ُظمنا اليوماوية‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬من الصعب ُ‬
‫عزل تأثريات الوقت وتكرارها فـي الدراسات العلمية‪.‬‬

‫مصدر الوقت الرئييس‪ ،‬فهو يضبط ُن ُظ َم النواظم‬


‫َ‬ ‫َ‬
‫الضابط الزمني أو‬ ‫‪ ‬يعدُّ ضو ُء الشمس‬
‫اخلاصة بالضوء‪ ،‬بحيث تبقى منسجم ًة أو مرتبطة مع النَّامذج أو ال ُّط ُرز الـمتن ِّقلة لضوء النهار‬
‫َّ‬
‫ً‬
‫طويال)‪ ،‬وفـي الشتاء (حيث يكون‬ ‫والظلمة‪ ،‬كام فـي الصيف (حيث يكون النهار البيولوجي‬
‫حساسة‬
‫خاصة َّ‬ ‫قصريا)‪ .‬وعندما ُيس َحب ُّ‬
‫الظل فـي الصباح‪ ،‬تقيس خاليا َّ‬ ‫ً‬ ‫النهار البيولوجي‬

‫‪153‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ُسجل بد َء الفجر فـي الـمهد الـمظلم من الدماغ‪ُ ،‬مزحي ًة‬


‫السطوع وت ِّ‬
‫َ‬ ‫للضوء فـي شبكية العني‬
‫نحو النُّ ُظم الكون َّية‪.‬‬
‫الساع َة اليوماو َّية َ‬

‫ِ‬
‫درجات حرارة تصل حتَّى‬ ‫مستقبالت احلرارة الواقعة حتت سطح اجللد مبارش ًة‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬تكتشف‬
‫تقبالت الربودة حتَّى ‪ْ 10‬م‪ .‬وأ َّما عند درجـات احلرارة التي تزيد أو ُّ‬
‫تقل‬ ‫ُ‬ ‫‪ْ 45‬م تقري ًبا‪ ،‬ومسـ‬
‫مستقبالت األمل بالعمل‪ .‬ولكن‪ ،‬حتَّى لو تُرك الـامء ليبلغَ درج َة‬
‫ُ‬ ‫عن هذه الدرجات‪ ،‬فتبدأ‬
‫ٍ‬
‫بشكل كبري‪.‬‬ ‫تتغري درجة حرارة اجلسم الداخلية‬
‫حرارة مرتفعة جدً ا أو منخفضة جدا‪ ،‬ال َّ‬
‫َ‬
‫طوال اليوم حول‬ ‫تتأرجح درج ُة حرارة أجسـامنا مـا بني نحو درجتَني وجزء مـن الدرجة‬
‫القيمة الطبيع َّية‪ ،‬حيث تبدأ عندَ ّ‬
‫أقل قيمة تبلغ نحو ‪ْ 36.11‬م فـي أوىل ساعات الصباح‬
‫(لذلك‪ُّ ،‬‬
‫تدل درجة احلرارة البالغة ‪ْ 37‬م فـي َّأول الصباح علـى حـ َّمى خفيفة عادةً)‪ ،‬بينام‬
‫ترتفع إىل ‪ْ 37.22‬م أو حتَّى ‪ْ 37.78‬م فـي الوقت ما بعدَ العرص وبداية الـمساء‪ .‬وتؤ ِّثر هـذه‬
‫التق ُّل ُ‬
‫بات احلرارية فـي مجيع الوظائف اجلسم َّية؛ فعلـى سـبيل الـمثال‪ ،‬عندما تبلغ درج ُة‬
‫ذروُتا‪ ،‬حيصل الشـيء نفسـه علـى مستوى حت ُّملنا لألمل ومرونة‬
‫َ‬ ‫حرارة أجسـامنا اليومية‬
‫عضالتنا ورسعة الـمنعكسات العصبية والتناسق بني العينني واليدين ود َّقة التصحيح‪ .‬كام َّ‬
‫أن‬
‫ارتفاع درجـة الـحرارة قـد يؤ ّثر فـي السـاعة البيولوجية لدينا‪ ،‬مـ ّام يـؤ ّدي إىل اضطراب‬
‫َ‬
‫قدرتنا عىل التوقيت الدقيق لل ُمدَ د الزمنية‪ ،‬مثل ا ّدعاء شـخص مـحموم آلخر ينتظره بأنَّه ّ‬
‫تأخر‬
‫عنه ساعة‪ ،‬وهو قد غاب نصف ساعة فقط‪ .‬وتؤ ّثر التق ّل ُ‬
‫بات اليومية فـي درجة حرارة اجلسم‬
‫فدرجات احلرارة الـمرتفعة قد تؤ ّدي إىل نقل أرسع‬
‫ُ‬ ‫فـي األداء الذهني‪ ،‬زيادة ونقصانًا؛‬

‫‪154‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫لإلشـارات الكهربائية (أو التدَ ُّفعات العصبية) بني الـخاليا العصبية‪ .‬وقد وجد باحثون‬
‫ارتبا ًطا بني درجات حرارة اجلسم الـمرتفعة وأوج األداء فـي اليقظة واالنتباه البرصي‬
‫والذاكرة وزمن االستجابة‪.‬‬

‫الـمستمرة لسكَّر الدم وثانـي أكسيد‬


‫ّ‬ ‫اجلسم عىل بيئته الداخل َّية من خالل الـمراقبة‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬حيافظ‬
‫الكربون واهل ُ ْرمونات ودرجة احلرارة‪ ،‬وحتَّى درجة محوضة وقلو َّية السائل الدماغي النخاعي‪.‬‬
‫أن هذه الـمستويات تتأرجح َ‬
‫حول نقطة مضبوطة؛ وتقوم شبكة مع َّقدة‬ ‫ومن اجلدير بالذكر َّ‬
‫ومتفاوتة من األعصاب واهلرمونات فـي اجلسم برصد أو َحت ُّسس االنحراف عن النقاط‬
‫الـمضبوطة (التي تدور فـي َف َلك نظ ٍم يوماوي‪ ،‬وتتفاوت بحسب الوقت من اليوم)‪،‬‬
‫الـمصححة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وتصحيح ذلك بإرسال تعليامت إىل األجهزة الـمناسبة إلطالق أو تشغيل اآلل َّيات‬

‫معظم الناس حمرومني ً‬


‫قليال من النوم‪ ،‬الس َّيام خالل أ َّيام العمل من األسبوع‪ .‬ومن‬ ‫ُ‬ ‫‪ ‬يكون‬
‫أن الغفوات القصرية من النوم التي حتصل بني د َّقات الساعة أو الـمن ِّبه ال تكون‬
‫احلظ َّ‬
‫ّ‬ ‫سوء‬
‫الشخص يستطيع أن يغفو رغم‬
‫ُ‬ ‫كافي ًة للتجديد أو الراحة‪ ،‬لكنَّها مهدِّ ئة نوعًا ما‪ .‬وحتَّى إذا كان‬
‫صوت جرس الـمن ِّبه‪ ،‬لك َّن تو ُّق َع االستيقاظ يؤ ِّثر فـي جودة نومه‪.‬‬

‫سمى الرتن ُُّح والت ََّوهان بعدَ االستيقاظ مبارش ًة‬


‫‪ ‬حتصل اليقظة بعدَ النوم العميق ببطء‪ ،‬و ُي ّ‬
‫عَطا َل َة النوم ‪ ،sleep inertia‬حيث يشكو ُّ‬
‫كل شخص تقري ًبا منها‪« ،‬فالدما ُغ يبقى بال استجابة‬
‫بعض العلامء تأثريات عطالة النوم‪ ،‬وجدوا َّ‬
‫أن‬ ‫لـمدَّ ة سبع ثوان أو أكثر»‪ .‬عندما حدَّ د ُ‬
‫الـمهارات الـمعرف َّية لألشخاص اخلاضعني لالختبار كانت ضعيفة عند االستيقاظ‪ ،‬مثلام هي‬

‫‪155‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫أن أسو َأ عطالة نوم تتبدَّ د بعدَ نحو عَش دقائق‪،‬‬


‫السكارى تقري ًبا‪ .‬وفـي حني َّ‬
‫عندَ األشخاص ُّ‬
‫لك َّن تأثرياُتا قد تدوم حتَّى ساعتني؛ وتعتمد شدَّ ُُتا بدرجة ما عىل مرحلة النوم التي استيقظ‬
‫الشخص منها‪ ،‬الس َّيام النوم العميق‪.‬‬
‫ُ‬

‫أيضا؛ حيث‬
‫فالعكس صحيح ً‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬إذا كانت النُّ ُظم اليومية تؤ ّثر فـي كيفية تعاملنا مع الطعام‪،‬‬
‫بعض هذه‬ ‫يؤ ّثر نظام الوجبات لدينا فـي نموذج ُن ُظمنا اليوماوية‪ .‬لقد اكتشف العلامء ّ‬
‫أن َ‬
‫الساعات الـمحيطية فـي أجسامنا تعتمد عىل وقت تناول الطعام لضبط جداوهلا‪ .‬ويعدّ نموذج‬
‫مرات فـي اليوم‪ ،‬الضابط الزمني أو النظام السائد للساعات‬ ‫الوجبات الدوري‪ ،‬ثالث ّ‬
‫الـمستقرة فـي خاليانا الكبدية والكلوية والبنكرياسية؛ وهذا ما َي ِص ّح نوعًا ما من وجهة نظر‬
‫ّ‬
‫فتتحرض‬
‫ّ‬ ‫فيزيولوجية؛ فأعضا ُء اجلسم الرئيسية ينبغي أن تستعدّ للتعامل مع الطعام والـامء‪،‬‬
‫للمهام الـمطلوبة َ‬
‫قبل وقتها‪ ،‬لذلك تكون جاهز ًة المتصاص الطعام وإفراز اإلنزيامت اهلاضمة‬
‫ُ‬
‫فاإلخالل هبذا النموذج الـمنتظم لألكل‪ ،‬مثلام حيصل عند‬ ‫والتحكّم بإنتاج البول‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫عامل الـمناوبات واألشخاص الذين ُيضطرون إىل تغيري ساعات العمل‪ ،‬يمكن أن يؤ ّدي إىل‬
‫ّ‬
‫تضييق هذه الساعات الـمحيطية‪ ،‬فتتس ّبب فـي اضطراب كبري للسبيل اهلضمي وهذا ما يمكن‬
‫أن يساعدَ عىل تفسري السبب فـي ّ‬
‫أن العاملني بنظام الـمناوبات والـمسافرين لـمسافات‬
‫طويلة‪ ،‬الذين يأكلون فـي ساعات الراحة‪ ،‬يعانون من انزعاج هضمي عادة إىل أن يتك ّيفوا مع‬
‫ُ‬
‫اجلدول اجلديد‪.‬‬ ‫يمليه عليهم‬

‫‪ُ ‬خي ّل الَشود ً‬


‫كثريا بساعاتنا الداخلية؛ فعندما تنخرط فـي يشء ما‪ ،‬يتمدَّ د الوقت؛ وحينام‬

‫‪156‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫إن الـمحاكم َة الدقيقة للزمن تتط ّلب االنتبا َه إلـى مروره‪،‬‬


‫بمهمتني‪ ،‬يتضاءل الوقت‪َّ .‬‬
‫ّ‬ ‫نُك ّلف‬
‫الترصف‬
‫ّ‬ ‫مهم فـي قض ّية الـمرور أو السـري‪ ،‬ويم ّثل ذلك سـب ًبا مـن أسـباب‬
‫وهـذا أمـر ّ‬
‫السـ ّيئ للقيادة والـحديث علـى اهلاتف اجل ّوال فـي الوقت نفسه؛ ولكن‪ ،‬هناك أسباب أخرى‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ً‬

‫الـم ْج ِف َلة عىل كرس طبيب األسنان‪ ،‬جيب أن ن َ‬


‫جعل وقت‬ ‫‪ ‬لالبتعاد عن تلك الوخزات ُ‬
‫زيارتنا له بعدَ الظهر‪ ،‬حيث تكون عتب ُة األلـم عىل أشدِّ ها ارتفاعًا‪ ،‬أي ّ‬
‫يقل الشعور به‪.‬‬

‫ترضر اجلسم من األشياء الـمرهقة للكبد (كبعض األدوية‬


‫‪ ‬أ َّما إذا رغبنا بالتقليل من ُّ‬
‫والعقاقري)‪ ،‬فليكن تناو ُلنا لـها ما بني الساعة اخلامسة والسادسة مسا ًء‪ ،‬حيث يكون الكبدُ فـي‬
‫أوج كفاءته من حيث إزال ُة السموم عاد ًة(‪.)1‬‬

‫صباحا‪ ،‬فهو يزيل الدهون من‬


‫ً‬ ‫‪ 1‬تشري مراجع أخرى إىل أ ّن وظيف َة الكبد تكون فـي ذروُتا ما بني الساعة ‪3-1‬‬
‫َمرى الدم و ُيفرغ الـمواد الس ّامة‪ .‬بينام تكون الوظائف األخرى فـي جسمنا يف حالة ركود‪ ،‬كام تكون أكسج ُة‬
‫الشخص يقود سيّارته فـي هذا الوقت‪ .‬وإذا كان‬
‫ُ‬ ‫الدّ ماغ عند أدنى مستوى‪ .‬لذلك‪ ،‬جيب زيادة االنتباه إذا كان‬
‫ألَّنام‬ ‫الشخص مصا ًبا بمشاكل فـي الـمرارة‪ ،‬فقد تظهر األعراض ذات الصلة هبا فـي ٍّ‬
‫كل من الـمرارة الكبد " ّ‬
‫َشب الكحول أو القهوة و ّأال ي ّ‬
‫دخن أو‬ ‫من األعضاء ذات العالقة الـمتبادلة"‪ .‬وجيب‪ ،‬فـي هذا الوقت‪ّ ،‬أال ي َ‬
‫سمى ال َع ِدالت (وهي حتمي اجلسم من‬
‫يأكل وجبات ثقيلة‪ .‬هناك أد ّلة عىل أ ّن نم ًطا من كر ّيات الدم البيض ُي ّ‬
‫العنارص الغريبة من خالل استجابتها األوىل لاللتهاب والعدوى) يمكن أن يؤ ّثر فـي كيفية أداء الكبد لدوره‬
‫سمى اإليالستاز‬
‫لدى األشخاص الـمصابني بالسمنة الـمفرطة‪ ،‬عىل سبيل الـمثال‪ ،‬بإفراز بروتني ُي ّ‬
‫مستويات ال َع ِدالت اجلائلة فـي الدم وف ًقا للنظم أو اإليقاع اليومي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تتغري‬
‫‪ .elastase‬وباإلضافة إىل ذلك‪ّ ،‬‬

‫‪157‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وقت اجلري فـي الـمرحلة الـ ِّ‬


‫متأخرة بعدَ‬ ‫‪ ‬وأ َّما إذا كنا نرغب بمامرسة الرياضة‪ ،‬فليكن ُ‬
‫الظهر أو فـي َّأول الـمساء‪.‬‬

‫ُ‬
‫األطفال هم طيور مبكِّرة بشكل نموذجي‪ ،‬لكنَّهم يبدؤون بالـميل أكثر نحو النموذج‬ ‫‪‬‬
‫صباحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫يتشوق للذهاب عند السادسة‬ ‫ُ‬
‫فالطفل الصغري َّ‬ ‫الـمسائي مع دخوهلم س َّن الـمراهقة؛‬
‫أي شخص حياول أن‬ ‫يفضل أالَّ َ‬
‫ينهض حتَّى الظهر‪ ،‬حيث يعرف ذلك ُّ‬ ‫يتحول إىل مراهق ِّ‬
‫َّ‬ ‫ثم‬
‫َّ‬
‫يسحب مراه ًقا من رسيره للذهاب ً‬
‫باكرا إىل الـمدرسة‪.‬‬ ‫َ‬
‫يتأخر الـمراهقون فـي نومهم لـام ال ُّ‬
‫يقل عن‬ ‫‪ ‬فـي أ َّيام اإلجازات وعطلة آخر األسبوع‪َّ ،‬‬
‫النموذج حتَّى الواحدة والعَشين من العمر تقري ًبا فـي‬
‫ُ‬ ‫ويستمر هذا‬
‫ُّ‬ ‫ثالث ساعات تقري ًبا؛‬
‫الذكور‪ ،‬والتاسعة عَش ونصف تقري ًبا فـي اإلناث‪.‬‬

‫خارج الـ َمنْزل مدَّ َة ‪ 30‬ساعة أو أكثر فـي األسبوع إىل الذهاب‬
‫َ‬ ‫الناس‪ ،‬الذين يبقون‬
‫‪ ‬يميل ُ‬
‫للنوم واالستيقاظ َ‬
‫قبل ساعتني من أولئك الذين يبقون فـي اخلارج عَش ساعات فقط‬
‫أسبوع ًيا‪ .‬ولكن‪ ،‬حتَّى البقاء فـي الضوء الطبيعي مدَّ َة ساعة أو ساعتني فـي مرحلة مبكِّرة من‬
‫يدفع أو يزيح الساع َة البيولوج َّية نحو ‪ 45‬دقيقة‪.‬‬
‫اليوم يمكن أن َ‬
‫‪ ‬يؤ ّدي التقدُّ م فـي الس ّن إىل اضطراب فـي ّ‬
‫كل من النوم والنُّ ُظم اليوماوية؛ فقد وجدت‬
‫بصحة ج ّيدة‪ ،‬ترتاوح أعامرهم ما بني ‪ 65‬و ‪88‬‬
‫ّ‬ ‫بعض الدراسات عىل النوم عند رجال ونساء‬
‫ُ‬
‫متكررة‪ ،‬عىل النقيض من الغفوات الصغرية؛ وقد ال‬ ‫ٍ‬ ‫سنة‪َّ ،‬‬
‫أن معظمهم يعانـي يقظات صغري ًة ّ‬
‫مرة‬
‫مرة وألف ّ‬
‫أكثر من بضع ثوان‪ ،‬لكنّها قد حتصل ما بني مائتي ّ‬
‫اليقظات الوجيزة َ‬
‫ُ‬ ‫تدوم هـذه‬

‫‪158‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫فـي الليلة‪ ،‬فتؤ ّدي إىل خلل مزعج فـي النوم العميق‪ .‬ويبدأ هذا النقص فـي النوم العميق فعل ًيا‬
‫فـي منتصف العمر؛ ففي األعامر ما بني ‪ 36‬و ‪ 50‬سنة‪ ،‬يكون ّ‬
‫أقل من ‪ ٪4‬من مدّ ة نومنا من‬
‫نمط النوع العميق‪ ،‬وهو ما يعادل ُ ْ‬
‫مخس ما نتمتّع به يف بداية س ّن الرشد تقري ًبا‪ .‬ومـ ّام جيعل‬
‫أن التقدّ م بالعمر أو الشيخوخة يمكن أن يؤ ّديا إىل خلل فـي مدى النُّ ُظم‬
‫األمور أكثر سو ًءا ّ‬
‫بعض األد ّلة أ ّنه‪ ،‬فـي الـمسنّني‪ ،‬ال تكون ذرى بعض اهلرمونات‬
‫اليوماوية واستقرارها‪ .‬وترى ُ‬
‫فضال عن درجة حرارة اجلسم والوظائف األخرى‪ ،‬ال تكون‬ ‫مثل الـميالتونني والكورتيزول‪ً ،‬‬
‫مرتفعة بالقدر نفسه‪ ،‬وال ِقيمها الـمنخفضة باالنخفاض نفسه‪ .‬كام يكون لدى الـمسنّني ُن ُظم‬
‫بالقربات غال ًبا‪ ،‬حيث تنخفض درجة حرارة أجسامهم بوضوح قبل الفجر ً‬
‫مثال‪،‬‬ ‫متطرفة شبيهة ّ‬
‫ّ‬
‫عمرا‪ .‬وال يزال علامء البيولوجيا‬
‫وينامون ويستيقظون أبكر ممّا يفعل األشخاص األصغر ً‬
‫التغريات‪ ،‬ولكن‬
‫فهم األسباب التي تؤ ّدي إىل هذه ّ‬
‫اليوماوية ‪ circadian biologists‬حياولون َ‬
‫التغريات الـمتع ّلقة بالعمر فـي العني ـ اصفرار أو عتامة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫متجذرة جزئ ًيا فـي‬ ‫ر ّبام تكون‬
‫بعض الضوء الرضوري لضبط النُّظم اليوماوية‬
‫العدستني‪ ،‬عىل سبيل الـمثال‪ ،‬الذي حيجب َ‬
‫التغريات فـي النواة فوق التّصالبة "البرصية" (الساعة الرئيسية)‪.‬‬
‫بشكل مالئم ـ أو ر ّبام فـي ّ‬

‫تغري فـي حجم النواة فوق التصالبة أو فـي‬ ‫هذا‪ ،‬ويعلم العلامء ّ‬
‫بأن الشيخوخة الطبيعية ال ّ‬
‫ّ‬
‫األقل‪ ،‬ترى أن‬ ‫عدد اخلاليا التي حتتوي عليها؛ ولك ّن إحدى الدراسات احلديثة‪ ،‬عىل‬
‫الشيخوخ َة تس ّبب ً‬
‫خلال فـي األداء الوظيفي خلاليا النواة فوق التصالبة‪ ،‬الس ّيام قدرُتا عىل‬
‫الـمزامنة بني الساعات فـي النُّ ُسج فـي كامل اجلسم‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫النظم الفصيل العميق‪ ،‬الذي جيري جتاه ُله بشكل كبري فـي الـمجتمعات‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬قد يسهم‬
‫الـمعارصة‪ ،‬فـي حدوث التعب‪ ،‬حيث ُيعدّ الوس ُن أو التعب أحدَ األعراض الرئيسية‬
‫لالضطراب العاطفي الـموسمي (بشكل حزن ومزاج هابط)‪ ،‬وهو ر ّدة فعل لق ّلة ضوء‬
‫الشمس فـي الشتاء‪ .‬يفرز الدما ُغ الـميالتونني استجاب ًة ِلقرص مدّ ة النهار وطول مدّ ة الليل‪،‬‬
‫أيضا‪ ،‬وهو ناقل عصبِي‬
‫للسريوتونني ً‬ ‫ِ‬ ‫ً‬
‫جاعال اجلسم فـي «مزاج لييل»؛ كام ُينْقص من إنتاجه ِّ‬
‫لنتأقلم مع التبدّ الت‬
‫َ‬ ‫خيتص بتنظيم الـمزاج‪ .‬ولكن‪ ،‬فـي الـمجتمعات الـمعارصة‪ ،‬ال نبطئ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫ساعات طويلة‪ ،‬ونبقى‬ ‫نستمر فـي العمل‬ ‫تغري الفصول؛ ففي الشتاء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الكيميائية خالل ّ‬
‫متأخر فـي الليل‪ ،‬فتبدأ أجسا ُمنا بالشكوى‪ .‬ور ّبام حتدث عند نسبة صغرية‬ ‫ٍ‬
‫لوقت ّ‬ ‫مستيقظني‬
‫من الناس ـ الس ّيام فـي البالد الواقعة بعيدً ا عن خط االستواء ـ حالة كاملة من الكآبة أو احلزن‬
‫فـي أثناء فصل الشتاء‪ ،‬نتيجة نقص ضوء النهار وفرط إفراز الـميالتونني (زيادة فـي الوزن‬
‫بالتعرض‬
‫ّ‬ ‫أعراض هذا االضطراب‬
‫ُ‬ ‫ونقص فـي النشاط البدنـي وتعب شديد)؛ ويمكن تفيف‬
‫اليومي لـمصدر ضوئي وألوقات حمدّ دة‪.‬‬

‫اخلاصة؛ فمشاهدُ األنف‬


‫ّ‬ ‫األنف فـي حاالت الـمرض يسيل حسب ساعته‬
‫َ‬ ‫‪ ‬يبدو َّ‬
‫أن‬
‫التحسس‪ ،‬تكون‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫احلاك‪ ،‬سـوا ٌء بسبب نزلة الربد أو‬ ‫العاطس والـمسـدود أو الـمزكوم أو‬
‫علـى ُ‬
‫أشدّ ها فـي ساعات الصباح؛ فالـمصابون بفريوسات نزلة الربد أو األنفلونزا‬
‫معظم الـمناديل فـي الصباح‪ ،‬مـا بني السـاعة ‪ 8‬و ‪ 11‬قبل الظهر (ويكون‬
‫َ‬ ‫يسـتعملون‬
‫العطاس علـى أشـدّ ه حواىل السـاعة الثامنة)‪ ،‬أ ّما ّ‬
‫أقل اسـتعامل لـها فهو مـا بني السـاعة ‪ 5‬و‬

‫‪160‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫واضحا‪ ،‬حيث يبلغ ذرو ُته مـا بني وقت الظهرية‬


‫ً‬ ‫نظام يوماويا‬
‫تواتر السـعال ً‬
‫‪ 8‬مسـاء‪ .‬كام يبدي ُ‬
‫والسـادسـة مسـاء‪.‬‬

‫الشعور باهلواء النقي فـي الصباح الباكر َ‬


‫قبل رشوق الشمس قد يكون حال ًة ذهن َّية‬ ‫َ‬ ‫‪َّ ‬‬
‫إن‬
‫وليس بسبب ق َّلة مستوى الغازات السا َّمة فـي اهلواء‪ .‬ولكن‪ ،‬ر َّبام َّ‬
‫أن هناك أسبا ًبا أخرى‪،‬‬
‫َراج َع انبعاث‬ ‫وإحساسا بالنقاء‪ ،‬كام َّ‬
‫أن ت ُ‬ ‫ً‬ ‫رب ًدا فـي اهلواء‬ ‫فغياب ضوء الشمس يو ِّفر َ‬
‫تأثري م ِّ‬ ‫ُ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫عام هي يف َّأوله قد يسهم فـي ذلك ً‬
‫الضارة فـي آخر الليل ّ‬
‫َّ‬ ‫الغازات‬

‫حيسن مناع َة‬


‫التعر َض ألش َّعة الشمس اخلفيفة مدَّ َة ‪ 20‬دقيقة ِّ‬
‫أن ُّ‬ ‫األبحاث َّ‬
‫ُ‬ ‫‪ ‬لقد أثبتت‬
‫اجلسم من نواحٍ عدّ ة‪ ،‬أحدها حتسني حالة الفيتامني د‪.‬‬

‫إدمان اإلنرتنت َأ ْقد ُم من إِ ْدمان الفيسبوك‪ ،‬كأحد ِّ‬


‫أهم وسائل التواصل االجتامعي التي‬ ‫ُ‬ ‫‪‬‬
‫ٍ‬
‫دراسات‬ ‫قد ُّ‬
‫تل متابعتُها بنظام النوم واليقظة؛ وقد حتدَّ ث العلام ُء والباحثون عن ذلك فـي‬
‫بعض الناس ال ينفكُّون عـن‬
‫أكثر شدَّ ة‪ ،‬حيث جتد َ‬ ‫ُ‬
‫إدمان الفيسبوك َ‬ ‫كثرية‪ ،‬لكن ر َّبام يكون‬
‫اإل ْفراط فـي متابعة منشـوراُتم و َمنْشـورات اآلخرين‪ ،‬ممّا يسـ ِّبب لـهم عـد ًدا مـن‬ ‫ِ‬

‫الـمشـاكل‪ ،‬مثـل ال َق َلق وال َّت ْفريط فـي النَّشـاط الـ ِم َهني والوظيفي واضطرا ًبا فـي النوم‬
‫وأشياء أخرى‪.‬‬

‫‪ ‬جيب ُ‬
‫تقليل تأثريات الوقت الـمرصوف أما َم الشاشات ً‬
‫ليال لتفادي احلرمان من النوم‪.‬‬
‫ُ‬
‫تقليل سطوع الشاشة فـي ذلك‪ ،‬وكذلك استخدام ن َّظارات ذات لون‬ ‫كام يمكن أن يساعدَ‬

‫‪161‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫كهرمانـي أو أصفر عندَ مشاهدة الشاشة بعدَ غروب الشمس‪.‬‬

‫نشكر أولئك‬
‫َ‬ ‫الـمتالطم من العبث والفوىض والتفريط َّإال‬ ‫‪ ‬ال يسعنا فـي ِّ‬
‫ظل هذا البحر ُ‬
‫الصحية‬
‫ّ‬ ‫العلام َء والباحثني الذي يو ِّظفون َ‬
‫علمهم فـي البحث عن أسباب األمراض والعلل‬
‫استغلق منها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫احللول ويسعون جاهدي َن ورا َء ما اكتشاف ما‬ ‫والـمشاكل البَش َّية‪ ،‬فيجدون‬

‫‪162‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الـمراجع‬
‫ُُ‬
‫الكثب‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Clinical‬‬ ‫‪Implications‬‬ ‫‪of‬‬ ‫‪Diurnal‬‬ ‫‪Variations‬‬ ‫‪in‬‬ ‫‪Physiological,‬‬
‫‪Psychological and Behavioral Measures in Patients with Chronic Obstructive‬‬
‫‪Pulmonary Disease, Emilie Chan-Thim, Concordia University, Montreal,‬‬
‫‪Quebec, Canada, 2016.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪،‬‬


‫‪ ‬يوم من احلياة فـي جسمك‪ ،‬جينيفر أكريمان‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2011 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة‬ ‫ِ‬


‫العامل اإلنزيمي‪ ،‬د‪ .‬هريومي شينيا‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬ ‫‪‬‬

‫األوىل‪ ،‬الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2008 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬


‫• جتديد الشباب‪ ،‬د‪ .‬هريومي شينيا‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2013 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار النخبة‪،‬‬


‫‪ ‬الفيسبوك حتت الـمجهر‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مرص‪ 1917 ،‬م‪.‬‬
‫‪ Neonatal Pain: Suffering, Pain, and Risk of Brain Damage in the Fetus‬‬
‫‪and Newborn, Editors: Giuseppe Buonocore & Carlo Valerio Bellieni, Second‬‬
‫‪Edition, Springer International Publishing, Switzerland, 2017.‬‬

‫‪163‬‬
‫ حسّان أحمد قمحية‬.‫د‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ل‬
‫اـموا ِّقع ا أ‬
:‫للكيزونثة‬

 Chronobiology and chronotherapy in medicine, Monica Kraft MD,


Richard J. Martin MD, http://www.diseaseamonth.com/article/S0011-
5029(95)90036-5/abstract

 Chronobiology of micturition: putative role of the circadian clock,


Negoro, Hiromitsu; Kanematsu, Akihiro; Yoshimura, Koji; Ogawa, Osamu.
https://repository.kulib.kyoto-
u.ac.jp/dspace/bitstream/2433/178676/1/j.juro.2013.02.024.pdf

 Chronobiology: The Science of Time.


https://www.chronobiology.com/about-chronobiology/
 Day-night differences in oxygen saturation and the frequency of
desaturations in the first 24 hours in patients with acute stroke.
https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/18035240/

 Eating Late at Night Causes Skin to Age More Quickly.


https://www.chronobiology.com/eating-late-at-night-causes-skin-to-age-
more-quickly/
 Effect of Light on Human Circadian Physiology, Jeanne F. Duffy,
M.B.A., Ph.D. and Charles A. Czeisler, Ph.D., M.D, Sleep Med Clin. 2009
Jun; 4(2): 165–177. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2717723/
 Exposure to Outdoor Light at Night Boosts Breast Cancer Risk.
https://www.chronobiology.com/exposure-to-outdoor-light-at-night-boosts-

breast-cancer-risk/

164
‫ حسّان أحمد قمحية‬.‫د‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

 Gut clock: implication of circadian rhythms in the gastrointestinal tract,


P C Konturek, T Brzozowski, S J Konturek, J Physiol Pharmacol, 2011
Apr;62(2):139-50. https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/21673361/

 HOW DO BIOLOGICAL CLOCKS IMPACT OUR LIFE?.


https://www.alagenex.com/en/blog/how-do-biological-clocks-impact-
our-life

 How to take your cortisone medication? https://cortisone-


info.com/en/general-information/how-to-take-your-cortisone-
medication/
 Human immune system during sleep, Nayyab Asif, Razia Iqbal, and
Chaudhry Fahad Nazir, Am J Clin Exp Immunol. 2017; 6(6): 92–96,
Published online 2017 Dec 20.
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC5768894/

 Impact of sleep and sleep loss on glucose homeostasis and appetite


regulation, Kristen L Knutson, PhD, Sleep Med Clin. 2007 Jun; 2(2): 187–
197. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC2084401/
 Impact of Social Media Addiction on Your Sleep and Health, Alaska
Sleep Education Center, Posted by Phoebe Hart on Jun 17, 2020 9:40:00 AM.
https://www.alaskasleep.com/blog/impact-of-social-media-addiction-
on-your-sleep-and-health
 Mammalian molecular clocks, Kwon I, Choe HK, Son GH, Kim K,
Experimental Neurobiology, 31 Mar 2011, 20(1):18-28.
https://europepmc.org/article/med/22110358

165
‫ حسّان أحمد قمحية‬.‫د‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

 Morningness-Eveningness, Chronotypes and Health-Impairing


Behaviors in Adolescents, Róbert Urbán, Tímea Magyaródi, and Adrien Rigó,
Chronobiol Int. 2011 Apr; 28(3): 10.3109/07420528.2010.549599,
https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3818690/

 Newly Discovered Link Between Sleep and Diabetes Warrants Early


Bedtime for Children. https://www.chronobiology.com/newly-discovered-link-

between-sleep-and-diabetes-warrants-early-bedtime-for-children/

 Sleep and immune function, Luciana Besedovsky, Tanja Lange, and


Jan Born, Pflugers Arch. 2012; 463(1): 121–137, Published online 2011 Nov
10. https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC3256323/

 Sleep and Its Disorders, Joseph Jankovic MD, in Bradley and Daroff's
Neurology in Clinical Practice, 2022.
https://www.sciencedirect.com/topics/neuroscience/chronobiology

 The good blue and chronobiology: light and non-visual functions,


Claude GRONFIER, Ph.D, Inserm U846, Stem Cell and Brain
Research Institute, Department of Chronobiology, Lyon, France, 2013.
https://www.pointsdevue.com/article/good-blue-and-chronobiology-
light-and-non-visual-functions
 The Royal Children's Hospital Melbourne.
https://www.rch.org.au/kidsinfo/fact_sheets/Corticosteroid_medicine/

 Time-restricted feeding mitigates obesity through adipocyte


thermogenesis. https://www.science.org/doi/10.1126/science.abl8007

166
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫لل ِّ‬
‫كثب اخزى مولف‬
‫حسان أمحد قمح َّية‪،‬‬
‫• احلمل فـي القرن الواحد والعَشين‪ ،‬آراثي براساد‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2013 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬ ‫ِ‬


‫• العامل اإلنزيمي‪ ،‬د‪ .‬هريومي شينيا‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2008 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار النخبة‪،‬‬


‫• الفيسبوك حتت الـمجهر‪ ،‬د‪َّ .‬‬
‫القاهرة‪ ،‬مرص‪ 1917 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬


‫• جتديد الشباب‪ ،‬د‪ .‬هريومي شينيا‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2013 ،‬م‪.‬‬

‫• َث ْورة إطالة األعامر‪ ،‬د‪ .‬فيليب ميللر‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬


‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2006 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة‬


‫الصحي من مايو كلينك‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫ِّ‬ ‫• دليل احلمل‬
‫األوىل‪ ،‬الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2006 ،‬م‪.‬‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬


‫• معجزة اجلنني‪ ،‬آنـي مورفـي بول‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2012 ،‬م‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫حسان أمحد قمح َّية‪،‬‬


‫• يوم من احلياة فـي جسمك‪ ،‬جينيفر أكريمان‪ ،‬ترمجة‪ :‬د‪َّ .‬‬
‫الطبعة األوىل‪ ،‬الدار العرب َّية للعلوم نارشون‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪ 2011 ،‬م‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫ّ‬
‫سرية ذاتية للمؤلف‬
‫الدكتور َّ‬
‫حسان أحمد قمحية‬

‫َمواليد اجلمهورية العربية السور َّية‪ ،‬مدينة محص‪ 1968 ،‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫َشهادة الدِّ َ‬
‫راسة الثانوية سنة ‪ 1986‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫(الطب العام) سنة ‪ 1992‬م‪.‬‬


‫ّ‬ ‫شها َدة الدكتوراه فـي الطب البَشي بجامعة دمشق‬ ‫‪‬‬

‫الطب الباطني من ‪ 1997-1993‬م‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫إقامة لالختصاص فـي‬ ‫‪‬‬

‫صحة العا ّمة ‪( 1995-1994‬خالل فرتة اختصاص الباطنة)‪.‬‬


‫دراسات فـي ال ّ‬ ‫‪‬‬

‫َط ُ‬
‫بيب طوارئ مع هيئة اهلالل األمحر السعودي من ‪ 2000‬ح ّتى ‪ 2006‬م‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ومدرب فـي برنامج اإلسعاف الـمتقدِّ م التابع للهالل األمحر بمنطقة الـمدينة‬
‫ِّ‬ ‫ف‬ ‫ُم ْ ِ‬
‫َش ٌ‬ ‫‪‬‬

‫منورة‬ ‫منورة‪ ،‬و ُم ْ ِ‬


‫َشف عىل دبلوم اإلسعاف والطوارئ بمعهد السباعي األهيل بالـمدينة الـ َّ‬ ‫الـ َّ‬
‫السعودي‪.‬‬
‫خالل مدّ ة العمل مع هيئة اهلالل األمحر ُّ‬
‫وحمرر ط ِّبي ومؤ ِّلف كتب ط ّبية فـي الـمركز العربـي لرتمجة وتأليف الكتب‬ ‫ِ‬
‫ُم َرتج ٌم ِّ‬ ‫‪‬‬

‫الط ِّبية (أكملز) بالكويت منذ سنة ‪ 1999‬م‪ ،‬وقد ترجم وأ ّلف للمركز الكثري من الكتب الط ِّبية‪،‬‬
‫والصحة الـمهنّية وكتاب االلتهاب والرتمجة الط ّبية التطبيقية‪ .‬كام شارك فـي رشح‬
‫ّ‬ ‫مثل السالمة‬
‫الـمفرس الصادر عن الـمركز‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫مصطلحات الـمعجم الط ِّبي‬

‫منورة‪ ،‬ومدير للدِّ راسات‪ ،‬منذ‬ ‫لله ِ‬


‫الل األمحر السعودي بمنطقة الـمدينة الـ َّ‬ ‫مدير ط ِّبي ِ‬
‫ٌ‬ ‫‪‬‬

‫سنة ‪ 2002‬وحتى ‪ 2006‬م‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الـمحررين الط ِّبيني وعضو َملس اإلدارة فـي موسوعة الـملك عبد اهلل العربية‬
‫ِّ‬ ‫كبري‬ ‫‪‬‬

‫الصحية فـي الشؤون الصحية باحلرس‬


‫ّ‬ ‫الصحي بجامعة الـملك سعود للعلوم‬
‫ِّ‬ ‫للمحتوى‬
‫الوطني‪ ،‬منذ سنة ‪ 2011‬م وحتَّى تارخيه‪.‬‬
‫الصحة العاملية منذ سنة‬
‫َّ‬ ‫‪ ‬يتَعاون مـع الـمكتب اإلقليمي لَشق الـمتوسط بمن َّظمة‬
‫الصحية التابعة له؛ وقد شارك مع ٍ‬
‫فريق‬ ‫ِ‬
‫شبكة تعريب العلوم‬ ‫مؤسس فـي‬
‫ِّ‬ ‫عضو ِّ‬
‫‪ 1997‬م‪ ،‬و ٌ‬
‫أكثر من‬
‫يضم َ‬‫ُّ‬ ‫من الـمن َّظمة فـي إنجاز مَشوع الـمعجم الط ِّبي الـ َّ‬
‫موحد الـ َم َْشوح الذي‬
‫‪ 130‬ألف ُم ْص َطلح بعدَّ ة لغات وبوسائط متعدِّ َدة‪.‬‬
‫أ ْصدر عد ًدا من الكتب الط ِّبية ترمج ًة وتألي ًفا واألدب ّية‪ ،‬وقد َبلغَت حتَّى حينه أكثر من‬ ‫‪‬‬

‫مؤسسة الكويت للتقدُّ م‬ ‫ِ‬


‫ت ْسعني كتا ًبا‪ ،‬مع احلصول عىل َجوائز عَرب َّية مشرتكة‪ ،‬مثل جائزة َّ‬
‫العلمي عـن كتاب هاربر ‪ -‬الكيمياء احليو َّية كأفضل كتاب مرتجم فـي العلوم لسنة ‪2000‬‬
‫م‪ ،‬وعـن كتاب األسس الباثولوجية لألمراض سـنة ‪ 2011‬م‪ .‬وآخـر كتـاب صـدر لـه فـي‬
‫الصحة والـمرض» عن دار اإلرشاد بحمص‪ 2021 ،‬م‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الـمجال الط ّبي هو «دور الوقت فـي‬
‫ومـن بعض تلك الكتب (مرتمجة أو مؤ َّلفة)‪:‬‬
‫الـميرسة (‪ 4‬أجزاء)‪ ،‬مكتبة الـمركز التقني الـمعارص‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫َّ‬ ‫‪ -‬الـموسوعة الط ِّبية‬
‫‪ 1997-1995‬م‪.‬‬
‫‪ -‬الفيزيولوجيا الط ِّبية والفيزيولوجيا الـمرض َّية (‪ 3‬أجزاء)‪ ،‬دار ابن النَّفيس‪ ،‬دمشق‪،‬‬
‫‪ 1998-1997‬م‪.‬‬
‫(جزْ آن)‪ ،‬دار ابن النَّفيس‪ ،‬دمشق‪ 1997 ،‬م‪.‬‬
‫طب العناية الـمشدَّ دة ُ‬
‫‪ّ -‬‬

‫‪170‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪ -‬أطلس أمراض اجللد‪ ،‬مكتبة الـمركز التقني الـمعارص‪ ،‬دمشق‪ 2002 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬كتاب القلب‪ ،‬الدار العربية للعلوم ‪ -‬نارشون‪ ،‬بريوت‪ 2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬دليل الـمسعف (مشرتك)‪ ،‬اهلالل األمحر السعودي‪ ،‬الرياض‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬بروتوكول العمل اإلسعايف (مشرتك)‪ ،‬هيئة اهلالل األمحر السعودي‪ ،‬الرياض‪ 2005 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬ثورة إطالة األعامر‪ ،‬الدار العربية للعلوم ‪ -‬نارشون‪ ،‬بريوت‪ 2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬أسوأ السينار ُيوهات‪ ،‬الدار العربية للعلوم ‪ -‬نارشون‪ ،‬بريوت‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬معجزة اجلنني‪ ،‬الدار العربية للعلوم ‪ -‬نارشون‪ ،‬بريوت‪ 2012 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬يوم من احلياة يف جسمك‪ ،‬الدار العربية للعلوم ‪ -‬نارشون‪ ،‬بريوت‪ 2011 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -‬احلمل فـي القرن الواحد والعَشين‪ ،‬الدار العربية للعلوم ‪ -‬نارشون‪ ،‬بريوت‪ 2013 ،‬م‪.‬‬
‫ََش ال َعديد من الـمقاالت الط ِّبية واألدب ّية‪ ،‬مثل َم َّلة الـموسوعة العرب ّية وَم َّلة مجعية‬
‫نَْ‬ ‫‪‬‬

‫السل واألمراض التن ُّفسية بدمشق والـمن ّظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم وَم َّلة‬
‫مكافحة ِّ‬
‫السعودي وعدد من الـ ّ‬
‫مجالت األخرى والـمواقع اإللكرتونية‪.‬‬ ‫اإلسعاف فـي اهلالل األمحر ُّ‬
‫بعض هذه الكتب ُأعدّ ت‬ ‫فـي الـمجال األدبـي واالجتامعي والرتمجة (مع مالحظة ّ‬
‫أن َ‬ ‫‪‬‬

‫ساب ًقا َ‬
‫قبل تاريخ ُصدورها ببضع سنوات)‪:‬‬

‫‪ -‬دراسات فـي األدب الـمهجري‪:‬‬


‫‪ ‬ديوان َّ ِ‬
‫الشاعر الـ َم ْهجري ُح ْسني ُغراب ‪َ -‬أناشيد ا َ‬
‫حلياة ( َت ْقديم و َض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشاد‪،‬‬
‫محص‪ 2019 ،‬م‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫وشعره (دراسة)‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2018 ،‬م‪.‬‬ ‫الش ِ‬


‫اعر الـ َم ْهجري ُح ْسني غُ راب ‪ -‬حيا ُته‬ ‫‪َّ ‬‬
‫ُ‬

‫اعر الـ َم ْهجري َن ْرص َسـ ْمعان ( َت ْقديم واسـتِدْ راك و َض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشـاد‪،‬‬
‫الشـ ِ‬
‫‪ ‬ديوان َّ‬
‫محص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬
‫الشـ ِ‬
‫اعر الـ َم ْهجري َن ْرص سمعان‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2019 ،‬م‪.‬‬ ‫النص فـي ديوان َّ‬
‫‪ ‬عَتبات ّ‬
‫وض ْبط‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬
‫مجع َ‬ ‫الش ِ‬
‫اعر الـ َم ْهجري َبدْ ري َف ْركوح ‪ -‬ت َْقديم و َ ْ‬ ‫‪ ‬ديوان َّ‬

‫اعر الـ َم ْهجري َندْ رة َحدَّ اد ‪َ -‬أ ْوراق اخلَريف و َقصائِد أخرى ( َت ْقديم‬
‫الش ِ‬
‫‪ ‬ديوان َّ‬
‫واستِدْ راك و َض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬ديوان الشاعرة الـ َم ْهجر َّية سلوى سال َم ة ( َت ْقديم و َمجْ ع َ‬


‫وضبْط )‪ ،‬دار اإلرشاد‪،‬‬
‫محص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬
‫الـم ْهجر َّية َس ْلوى َسال َمة ‪ُ -‬‬
‫حياُتا وأدهبا‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ ‬األديبة والشاعرة َ‬
‫وض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشاد‪،‬‬ ‫الـمهجري بِ ْرتو الطرابليس ( َت ْقديم و َ ْ‬
‫مجع َ‬ ‫ّ‬ ‫‪ ‬ديوان الشاعر‬
‫حـمص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬
‫وض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشـاد‪،‬‬ ‫جري َص ْربي َأنْدريا ( َت ْقديم و َ ْ‬
‫مجع َ‬ ‫الـم ْه ّ‬
‫‪ ‬ديوان الشـاعر َ‬
‫حـمص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬

‫وص ُخور ( َت ْقديم واستِدْ راك‬ ‫ِ‬ ‫‪ ‬ديوان َّ ِ‬


‫الشاعر الـ َم ْهجري ميشيل َمغْربـي ‪َ -‬أ ْمواج ُ‬
‫و َض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2021 ،‬م‪.‬‬
‫وض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2021 ،‬م‪.‬‬
‫مجع َ‬ ‫الش ِ‬
‫اعر الـ َم ْهجري مجيل حلوة (ت َْقديم و َ ْ‬ ‫‪ ‬ديوان َّ‬

‫‪172‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫الش ِ‬
‫اعر الـ َم ْهجري نسيب عريضة ‪ -‬األَ ْرواح احلائرة وقصائد أخرى ( َت ْقديم‬ ‫‪ ‬ديوان َّ‬
‫واستِدْ راك َ‬
‫وض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2021 ،‬م‪.‬‬

‫اعر الـ َم ْهجري نبيه سالمة ‪َ -‬أ ْوتار القلوب وقصائد أخرى ( َت ْقديم واستِدْ راك‬
‫الش ِ‬
‫‪ ‬ديوان َّ‬
‫وض ْبط)‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2021 ،‬م‪.‬‬
‫َ‬
‫الش ِ‬
‫اعر الـ َم ْهجري موسى احلدّ اد‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالذقية‪ 2021 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ ‬ديوان َّ‬
‫الش ِ‬
‫اعر الـ َم ْهجري يوسف صارمي‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالذقية‪ 2021 ،‬م‪.‬‬ ‫‪ ‬ديوان َّ‬

‫‪ ‬أدباء وشعراء َم ْهجريون منس ّيون‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالذقية‪ 2022 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬ديوان األديب الـ َم ْهجري عبد الـمسيح حدّ اد‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالذقية‪ 2022 ،‬م‪.‬‬

‫حممد عيسى‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالذقية‪ 2022 ،‬م‪.‬‬


‫‪ ‬ديوان الشاعر الـ َم ْهجري عيل ّ‬

‫‪ ‬د‪ .‬عبد اللطيف اليونس – حياتُه وأدبه‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالذقية‪ 2022 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬ديوان الشاعر الـ َم ْهجري توفيق فخر‪ ،‬دار احلوار‪ ،‬الالذقية‪ 2022 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -‬دواوين شعرية وكتب أخرى‪:‬‬

‫الص ْمت (َمَ ْموعة ِش ْعر َّية)‪ ،‬دار النخبة‪ ،‬القاهرة‪ 2017 ،‬م‪.‬‬
‫‪َ ‬أ ْبلغ من َّ‬

‫‪ ‬براعم النُّخبة لألطفال (َمَ ْموعة ِش ْعر َّية)‪ ،‬دار النخبة‪ ،‬القاهرة‪ 2017 ،‬م‪،‬‬
‫‪ ‬جرعة حزن (َمَ ْموعة ِش ْعر َّية)‪ ،‬دار النخبة‪ ،‬القاهرة‪ 2018 ،‬م‪،‬‬

‫‪ ‬مرايا الليل (َمَ ْموعة ِش ْعر َّية)‪ ،‬دار روائع الكتب‪ ،‬إسطنبول‪ 2019 ،‬م‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫د‪ .‬حسّان أحمد قمحية‬ ‫دور الوقت يف الصحة و املرض‬

‫‪ ‬وعاد القمر (َمَ ْموعة ِش ْعر َّية)‪ ،‬دار روائع الكتب‪ ،‬إسطنبول‪ 2020 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬نِثار الغريب‪ ،‬دار صونجاغ‪ ،‬إسطنبول‪ 2022 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬الفيسبوك حتت الـمجهر‪ ،‬دار النخبة‪ ،‬القاهرة‪ 2017 ،‬م‪.‬‬

‫‪‬م ِ‬
‫عامل فـي الرتمجة الط ِّبية ‪ -‬حماولة لوضع القواعد واألسس‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2019 ،‬م‪.‬‬ ‫َ‬

‫الصحية‪ ،‬اجلامعة العرب ّية‪،‬‬


‫ّ‬ ‫‪ ‬الرتمجة الط ِّبية التطبيقية – الـمركز العربـي لتأليف وترمجة العلوم‬
‫الكويت‪ 2022 ،‬م‪.‬‬

‫‪ ‬األقرع بن معاذ القشريي‪ ،‬ما ّ‬


‫تبقى من شعره‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار اإلرشاد‪ ،‬محص‪ 2020 ،‬م‪.‬‬

‫‪174‬‬

You might also like