You are on page 1of 22

‫بسم هللا والصالة والسالم على رسول وعلى آله وصحبه ومن وااله صلى هللا عليه‬

‫وسلم أما بعد الشك أن موضوع الربا ‪ ،‬وأضراره ‪ ،‬وآثاره الخطيرة جدير بالعناية ‪،‬‬
‫ومما يجب على كل مسلم أن يعلم أحكامه وأنواعه ليبتعد عنه ؛ ألن من تعامل بالربا‬
‫فهو محارب هلل ولرسوله وال شك وال ريب أن العلماء رحمهم هللا تعالى قد بينوا ذلك‬
‫وفسروا آيات الربا التي وردت في كتاب هللا ‪ ،‬وجمعوا األحاديث التي وردت عن‬
‫رسول هللا صلى هللا عليه وسلم في هذا الموضوع ‪.‬‬

‫وقد جمعنا في هذا البحث األدلة من الكتاب والسنة في أحكام الربا ‪ ،‬وأضراره ‪،‬‬
‫وآثاره على الفرد والمجتمع ‪.‬‬

‫فكانت خطة البحث كاآلتي ‪:‬‬

‫مقدمة ‪،‬‬

‫المبحث األول ‪ :‬تعريف الربا لغة وشرعا ً وصوره في الجاهلية‪.‬‬

‫المطلب األول تعريف الربا لغة وشرعا‬

‫المطلب الثاني الربا في الجاهلية‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬موقف اإلسالم من الربا‬

‫المطلب األول‪ :‬بعض ما ورد من نصوص الكتاب والسنة في التحذير منه‬

‫المطلب الثاني‪ :‬ربا الفضل‬

‫بعض ما ورد في ربا الفضل‬ ‫أ‪-‬‬


‫حكمه وسائر أنواع الربا‬ ‫ب‪-‬‬

‫المطلب الثالث ‪:‬ربا النسيئة‬

‫تعريفه‬ ‫أ‪-‬‬
‫ذكر بعض النصوص التي وردت في شأنه وحذرت منه‬ ‫ب‪-‬‬

‫ج‪ -‬ما يجوز فيه التفاضل والنساء‬

‫المطلب الرابع ‪:‬بيع العينة حكمه وبعض ماورد من النصوص في ذمه‬

‫تعريف بيع العينة‬ ‫أ‪-‬‬


‫حكمه وبعض ماورد من النصوص في ذمه‬ ‫ب‪-‬‬

‫المبحث الثالث ‪ :‬مضار الربا ومفاسده وآثاره وأسباب تحريمه‬

‫المطلب األول ‪:‬مضار الربا ومفاسده وآثاره‬


‫المطلب الثاني‪ :‬أسباب تحريم الربا‬

‫نسأ ُل هللا أن يجعل هذا العمل القليل مباركاً‪ ،‬خالصا ً لوجهه الكريم‪ ،‬وأن ينفعني وإي اكم؛‬
‫فإنه تعالى خير مسؤول‪ ،‬وأكرم مأمول‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ ،‬وال حول وال قوة إال‬
‫باهلل العلي العظيم‪ ،‬وص لى هللا وس لم وب ارك على عب ده ورس وله‪ ،‬وخيرت ه من خلق ه‪،‬‬
‫وأمينه على وحيه‪ ،‬نبينا محمد وعلى آله وأصحابه‪ ،‬ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬تعريف الربا لغة وشرعا ً وصوره في الجاهلية‬


‫المطلب األول‪ :‬تعريف الربا لغة وشرعا‬
‫الربا في اللغة‪ :‬هو الزيادة‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬فَِإ َذا َأ ْن َز ْلنَا َعلَ ْيهَا ْالـ َما َء ا ْهتَ َّز ْ‬
‫ت َو َربَ ْ‬
‫ت‬
‫‪.)1(‬‬

‫وقال تعالى‪َ :‬أ ْن تَ ُكونَ ُأ َّمةٌ ِه َي َأرْ بَى ِم ْن ُأ َّم ٍة ‪ ،)2(‬أي أكثر عدداً يقال‪(( :‬أربى‬
‫فالن على فالن‪ ،‬إذا زاد عليه))(‪.)3‬‬
‫وأصل الربا الزيادة‪ ،‬إما في نفس الشيء‪ ،‬وإما مقابله كدرهم بدرهمين‪ ،‬ويطلق‬
‫بيع محرم أيضاً(‪.)4‬‬ ‫الربا على كل ٍ‬
‫ثانياً‪ :‬تعريف الربا شرعا‪ً:‬‬
‫الربا في الشرع‪ :‬هو الزيادة في أشياء مخصوصة‪ ،‬والزيادة على ال َّديْن ُمقَابل األجل‬
‫مطلقاً‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو الزيادة في بيع شيئين يجري فيهما الربا( )‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫وهو يطلق على شيئين‪ :‬يطلق على ربا الفضل‪ ،‬وربا النسيئة( )‪.‬‬
‫‪6‬‬

‫المطلب الثاني ‪ :‬الربا في الجاهلية‬


‫لقد كان الربا منتشراً في عصر الجاهلية انتشاراً كبيراً‪ ،‬وقد ع ّدوه من األرباح‬
‫العظيمة – في زعمهم – التي تعود عليهم باألموال الطائلة‪ ،‬فقد روى اإلمام الطبري –‬

‫() سورة الحج‪ ،‬اآلية‪.5 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة النحل‪ ،‬اآلية‪.92 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() انظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور‪ ،304 /14 ،‬والنهاية البن األثير‪ ،191 /2 ،‬والمغني‬ ‫‪3‬‬

‫البن قدامة‪.6/51 ،‬‬


‫() انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،11/8 ،‬وفتح الباري البن حجر‪.4/312 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الشرح الممتع البن عثيمين‪.387 /8 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،6/52 ،‬وفتح القدير للشوكاني‪ ،1/294 ،‬والربا والمعامالت‬ ‫‪6‬‬

‫المصرفية‪ ،‬لعمر المترك‪ ،‬ص ‪.43‬‬


‫رحمه هللا – بسنده في تفسيره عن مجاهد أنه قال‪(( :‬كانوا في الجاهلية يكون للرجل‬
‫على الرجل ال َّدين فيقول‪ :‬لك كذا وكذا‪ ،‬وتؤخر عني فيؤخر عنه))(‪.)1‬‬

‫وغالب ما كانت تفعله الجاهلية أنه إذا ح ّل أجل ال َّدين قال من هو له لمن هو عليه‪:‬‬
‫أتقضي أم تُربِي؟ فإذا لم يقض زاد مقداراً في المال الذي عليه‪ ،‬وأ ّخر له األجل إلى‬
‫حين‪.‬‬

‫وقد كان الربا في الجاهلية في التضعيف أيضاً‪ ،‬وفي ال ِّسنِّ كذلك‪ ،‬فإذا كان للرجل‬
‫فضل دَين على آخر فإنه يأتيه إذا ح ّل األجل‪ ،‬فيقول له‪ :‬تقضيني أو تزيدني؟ فإن كان‬
‫عنده شيء يقضيه قضاه‪ ،‬وإال حوّله إلى السّنِّ التي فوق سنِّه من تلك األنعام التي هي‬
‫دَين عليه‪ ،‬فإن كان عليه بنت مخاض‪ ،‬جعلها بنت لبون في السنة الثانية‪ ،‬فإذا أتاه في‬
‫السنة الثانية ولم يستطع القضاء‪ ،‬جعلها ِحقّة في السنة الثالثة‪ ،‬ثم يأتيه في نهاية األجل‬
‫فيجعلها جذعة‪ ،‬ثم رباعيّاً‪ ،‬وهكذا حتى يتراكم على المدين أموال طائلة‪.‬‬

‫وفي األثمان يأتيه فإن لم يكن عنده أضعفه في العام القابل‪ ،‬فإن لم يكن عنده في‬
‫العام القابل أضعفه أيضاً‪ ،‬فإذا كانت مائة جعلها إلى قابل مائتين‪ ،‬فإن لم يكن عنده من‬
‫قابل جعلها أربعمائة يضعفها له كل سنة أو يقضيه(‪ ،)2‬فهذا قوله تعالى‪ :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ‬
‫آ َمنُوا ال تَْأ ُكلُوا الرِّبا َأضْ َعافا ً ُم َ‬
‫ضا َعفَةً َواتَّقُوا هَّللا َ لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِحُونَ ‪.)3(‬‬

‫فالربا في الجاهلية كان يُع ّد – كما ذكرت آنفا ً – من األرباح التي يحصل عليها ربّ‬
‫المال‪ ،‬وال يهمه ضرر أخيه اإلنسان سواء ربح‪ ،‬أم خسر أصابه الفقر‪ ،‬أم غير ذلك؟‬
‫المهم أنه يحصل على المال الطائل‪ ،‬ولو أ ّدى ذلك إلى إهالك اآلخرين‪ ،‬وما ذلك إال‬
‫لقبح أفعال الجاهلية وفساد أخالقهم‪ ،‬وتغيّر فطرهم التي فطرهم هللا عليها‪ ،‬فهم في‬
‫مجتمع قد انتشرت فيه الفوضى‪ ،‬والرذائل‪ ،‬وعدم احترام اآلخرين‪ ،‬فالصغير ال يوقّر‬
‫الكبير‪ ،‬والغني ال يعطف على الفقير‪ ،‬والكبير ال يرحم الصغير‪ ،‬فالقوم في سكرتهم‬
‫يعمهون‪ ،‬ومما يؤسف له أن الربا لم يقتصر على عصر الجاهلية األولى فحسب‪ ،‬بل‬
‫إنه انتشر في المجتمعات التي تدِّعي اإلسالم‪ ،‬وت َّدعي تطبيق أحكام هللا تعالى في أرض‬
‫هللا‪ !...‬فيجب على كل مسلم أن يُطبِّق أوامر هللا ويُنَفِّذ أحكامه‪ ،‬أما من تعامل بالربا‬
‫ممن ي ّدعي اإلسالم‪ ،‬فنقول له بعد أن نوجه إليه النصيحة ونُ َح ِّذ ُرهُ من هذا ْالجُرْ ِم‬
‫الكبير‪:‬‬

‫إنه قد عاد إلى ما كانت عليه الجاهلية األولى قبل نزول القرآن الكريم بل قبل مبعث‬
‫النبي محمد ‪.‬‬

‫() جامع البيان في تفسير آي القرآن‪ ،‬للطبري‪.3/67 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر‪ :‬جامع البيان في تفسير آي القرآن‪ ،4/59 ،‬وفتح القدير للشوكاني‪،1/294 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وموطأ اإلمام مالك‪ ،2/672 ،‬وشرحه للزرقاني‪.3/324 ،‬‬


‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.130 :‬‬ ‫‪3‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬موقف اإلسالم من الربا‬
‫الفصل األول‪ :‬التحذير من الربا وبعض النصوص الواردة في ذلك‬
‫لقد ورد في التحذير من الربا نصوص كثيرة من نصوص الكتاب والسنة؛ وبما أن‬
‫كتاب هللا وسنة رسوله ‪ ‬هما المصدران الصافيان‪ ،‬فمن أخذ بهما واتبع ما جاء‬
‫فيهما‪ ،‬فقد فاز وأفلح‪ ،‬ومن أعرض عنهما فإن له معيشة ضنكاً‪ ،‬وسيحشر يوم القيامة‬
‫أعمى‪ ،‬ونسمع بعض ما ورد في شأن الربا من نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وهللا‬
‫المستعان‪ ،‬وعليه التكالن‪.‬‬

‫‪ -1‬قال هللا تعالى‪ :‬الَّ ِذينَ يَْأ ُكلُونَ الرِّبا ال يَقُو ُمونَ ِإالّ َك َما يَقُو ُم الَّ ِذي يَتَخَ بَّطُهُ‬
‫ك بَِأنَّهُ ْم قَالُوا ِإنَّـ َما ْالبَ ْي ُع ِم ْث ُل الرِّبا َوَأ َح َّل هَّللا ُ ْالبَ ْي َع َو َح َّر َم الرِّبا فَ َم ْن‬
‫ال َّش ْيطَانُ ِمنَ ْالـ َمسِّ َذلِ َ‬
‫َجا َءهُ َموْ ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ِه فَا ْنتَهَى فَلَهُ َما َسلَفَ َوَأ ْم ُرهُ ِإلَى هَّللا ِ َو َم ْن عَا َد فَُأولَِئكَ َأصْ َحابُ‬
‫ار هُ ْم فِيهَا خَالِ ُدونَ ‪.)1(‬‬ ‫النَّ ِ‬
‫ار َأثِ ٍيم‪.)2(‬‬
‫ت َوهَّللا ُ ال ي ُِحبُّ ُك َّل َكفَّ ٍ‬ ‫ق هَّللا ُ الرِّبا َويُرْ بِي ال َّ‬
‫ص َدقَا ِ‬ ‫‪ -2‬وقال ‪: ‬يَ ْم َح ُ‬

‫‪ -3‬وقال ‪: ‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َو َذرُوا َما بَقِ َي ِمنَ الرِّبا ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِينَ *‬
‫فَِإ ْن لَ ْم تَ ْف َعلُوا فَْأ َذنُوا بِ َحرْ ٍ‬
‫ب ِمنَ هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َوِإ ْن تُ ْبتُ ْم فَلَ ُك ْم ُرُؤ وسُ َأ ْم َوالِ ُك ْم ال ت ْ‬
‫َظلِ ُمونَ‬
‫ظلَ ُمونَ ‪.)3(‬‬ ‫َوال تُ ْ‬

‫قال ابن عباس رضي هللا عنهما‪(( :‬هذه آخر آية نزلت على النبي ‪.)4())‬‬

‫‪ -4‬وقال ‪: ‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تَْأ ُكلُوا الرِّبا َأضْ َعافا ً ُم َ‬
‫ضا َعفَةً َواتَّقُوا هَّللا َ لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫تُ ْفلِحُونَ ‪.)5(‬‬

‫‪ -5‬وقال ‪ ‬في شأن اليهود حينما نهاهم عن الربا وحرمه عليهم‪ ،‬فسلكوا طريق‬
‫الحيل إلبطال ما أمرهم به‪ ،‬قال سبحانه في ذلك‪َ  :‬وَأ ْخ ِذ ِه ُم الرِّبا َوقَ ْد نُهُوا َع ْنهُ َوَأ ْكلِ ِه ْم‬
‫اط ِل َوَأ ْعتَ ْدنَا لِ ْل َكافِ ِرينَ ِم ْنهُ ْم َع َذابا ً َألِيما ً‪.)6(‬‬
‫اس بِ ْالبَ ِ‬
‫َأ ْم َوا َل النَّ ِ‬

‫‪ -6‬وقال ‪َ : ‬و َما آتَ ْيتُ ْم ِم ْن ِربا ً لِيَرْ بُ َو فِي َأ ْم َوا ِل النَّ ِ‬
‫اس فَال يَرْ بُو ِع ْن َد هَّللا ِ َو َما آتَ ْيتُ ْم‬
‫ِم ْن َز َكا ٍة تُ ِري ُدونَ َوجْ هَ هَّللا ِ فَُأولَِئكَ هُ ُم ْال ُمضْ ِعفُونَ ‪.)7(‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.275 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.276 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة‪ ،‬اآليتان‪.279 -278 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() البخاري‪ ،‬قبل الحديث رقم ‪ ،2086‬وانظر‪ :‬فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.4/314‬‬
‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآلية‪.130 :‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.161 :‬‬ ‫‪6‬‬

‫() سورة الروم‪ ،‬اآلية‪.39 :‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪ -7‬وعن جابر ‪ ‬قال‪(( :‬لعن رسول هللا ‪ :‬آكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬وكاتبه‪،‬‬
‫وشاهديه))‪ ،‬وقال‪(( :‬هم سواء))(‪.)1‬‬

‫‪ - 8‬وعن سمرة بن جندب ‪ ‬قال‪ :‬قال النبي ‪(( :‬رأيت الليلة رجلين أتياني‬
‫فأخرجاني إلى أرض ُمقَ َّدسة‪ ،‬فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم‪ ،‬وعلى‬
‫وسط النهر رجل بين يديه حجارة‪ ،‬فأقبل الرجل الذي في النهر‪ ،‬فإذا أراد أن يخرج‬
‫رمى الرجل بحجر في فيه‪ ،‬فَ ُر َّد حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر‬
‫فيرجع كما كان‪ ،‬فقلت‪ :‬ما هذا؟ فقال‪ :‬الذي رأيته في النهر آكل الربا))(‪.)2‬‬
‫‪ -9‬وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬اجتنبوا السبع الموبقات))‪ ،‬قالوا‪ :‬يا‬
‫رسول هللا‪ ،‬وما هن؟ قال‪(( :‬الشرك باهلل ‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرّم هَّللا ُ إال‬
‫بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتّولّي يوم ال ّزحف‪ ،‬وقذف المحصنات الغافالت‬
‫المؤمنات))(‪.)3‬‬
‫‪ -10‬وعن ابن مسعود ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬ما أح ٌد أكثر من الربا إال كان‬
‫عاقبة أمره إلى قِلَّة))(‪.)4‬‬
‫‪ -11‬وعن سلمان بن عمرو عن أبيه قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬في حجة الوداع‬
‫يقول‪(( :‬أال إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع‪ ،‬لكم رؤوس أموالكم ال تَظلمون وال‬
‫تُظلمون‪ ،‬أال وإن كل دم من دم الجاهلية موضوع‪ ،‬وأول دم أضع منها دم الحارث بن‬
‫عبد المطلب كان مسترضعا ً في بني ليث فقتلته هذيل‪ ،‬قال‪ :‬اللهم هل بلّغت؟ قالوا‪ :‬نعم‪،‬‬
‫ثالث مرات‪ .‬قال‪ :‬اللهم اشهد ثالث مرّات))(‪.)5‬‬
‫ففي هذا الحديث أن ما أدركه اإلسالم من أحكام الجاهلية فإنه يلقاه بال ّر ّد والتّنكير‪،‬‬
‫وأن الكافر إذا أربى في كفره ثم لم يقبض المال حتى أسلم‪ ،‬فإنه يأخذ رأس ماله‪،‬‬ ‫ّ‬
‫ويضع الربا‪ ،‬فأما ما كان قد مضى من أحكامهم‪ ،‬فإن اإلسالم يلقاه بالعفو فال يتعرض‬
‫لهم فيما مضى‪ ،‬وقد عفا هللا عن الماضي‪ ،‬فاإلسالم يَجبّ ما قبله من الذنوب(‪.)6‬‬

‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب لعن آكل الربا ومؤكله‪ ،‬برقم ‪.1597‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب موكل الر با‪ ،‬برقم ‪ ،2085‬وانظر‪ :‬فتح الباري بشرح‬ ‫‪2‬‬

‫صحيح البخاري‪.4/313 ،‬‬


‫َّ ِ‬
‫ال الْيَتَ َامى ظُْل ًـما‬ ‫اهلل تعالى‪ِ :‬إ َّن الذ َ‬
‫ين يَْأ ُكلُو َن َْأم َو َ‬ ‫() البخاري‪ ،‬كتاب الوصايا‪ ،‬باب قول‬ ‫‪3‬‬

‫صلَ ْو َن َس ِع ًيرا ‪[ ‬النساء‪ ،]10 :‬برقم ‪ ،2765‬ومسلم‪،‬‬ ‫ِإنَّ َـما يَْأ ُكلُو َن فِي بُطُونِِه ْم نَ ًارا َو َسيَ ْ‬
‫كتاب اإليمان‪ ،‬باب الكبائر وأكبرها‪ ،‬برقم ‪.89‬‬
‫() سنن ابن ماجه‪ ،‬كتاب التجارات‪ ،‬باب التغليظ في الربا‪ ،‬برقم ‪ ،2279‬وصححه األلباني‬ ‫‪4‬‬

‫في صحيح الجامع الصغير‪ ،5/120 ،‬وفي صحيح ابن ماجه‪ ،‬طبعة مكتبة المعارف‪/2 ،‬‬
‫‪.241‬‬
‫() سنن أبي داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب في وضع الربا‪ ،‬برقم ‪ ،3334‬وقال األلباني في‬ ‫‪5‬‬

‫صحيح أبي داود‪ ،‬برقم ‪(( :2852‬صحيح))‪.‬‬


‫() انظر‪ :‬عون المعبود بشرح سنن أبي داود‪.9/183 ،‬‬ ‫‪6‬‬
‫ّ‬
‫((ليأتين على الناس زمان ال يبالي‬ ‫‪ -12‬وعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫المرء بما أخذ المال أ ِمنَ الحالل أم ِمنَ الحرام))( )‪ ،‬أخبر النبي ‪ ‬بهذا تحذيراً من‬
‫‪1‬‬

‫فتنة المال‪ ،‬فهو من بعض دالئل نبوته ‪ ‬إلخباره باألمور التي لم تكن في زمنه‪،‬‬
‫ووجه ّ‬
‫الذ ّم من جهة التّسوية بين األمرين‪ ،‬وإال فأخذ المال من الحالل ليس مذموما ً من‬
‫حيث هو‪ ،‬وهللا أعلم(‪.)2‬‬

‫‪ -13‬وعن أبي جحيفة عن أبيه ‪ ‬أن رسول هللا ‪(( :‬نهى عن ثمن الدم‪ ،‬وثمن‬
‫ب اَأل َم ِة‪ ،‬ولعن الواشمة‪ ،‬والمستوشمة‪ ،‬وآكل الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬ولعن‬
‫الكلب‪َ ،‬و َك ْس ِ‬
‫المصور))(‪.)3‬‬
‫ِّ‬
‫‪ -14‬وعن عبد هللا بن مسعود ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬الربا ثالثة وسبعون بابا ً‬
‫أيسرها مثل أن ينكح الرجل ُأ َّمهُ‪َّ ،‬‬
‫وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم))(‪.)4‬‬

‫ي عن عبد هللا بن حنظلة غسيل المالئكة أنه قال‪ :‬قال رسول هللا ‪:‬‬‫‪ -15‬ور ُِو َ‬
‫((درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أش ُّد من ٍّ‬
‫ست وثالثين زنية))(‪.)5‬‬

‫‪ -16‬وعن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬نهى رسول هللا ‪ ‬أن تُ ْشتَرى الثمرة‬
‫حتى تُ ْ‬
‫ط َعم‪ ،‬وقال‪(( :‬إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلّوا بأنفسهم عذاب هللا))(‪.)6‬‬

‫() البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب من لم يبال من حيث كسب المال‪ ،‬برقم ‪ ،2059‬و‬ ‫‪1‬‬

‫‪.2083‬‬
‫() انظر‪ :‬الفتح‪.4/297 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫() البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب ثمن الكلب‪ ،‬برقم ‪2237‬‬ ‫‪3‬‬

‫() أخرجه الحاكم في المستدرك‪ ،2/37 ،‬وقال‪(( :‬حديث صحيح على شرط الشيخين ولم‬ ‫‪4‬‬

‫يخرجاه))‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وقال شعيب األرنؤوط‪(( :‬صححه الحافظ العراقي))‪ ،‬انظر‪:‬‬
‫حاشية‪ 8/55 :‬من شرح السنة للبغوي‪ ،‬تحقيق زهير الشاويش وشعيب األرنؤوط‪ ،‬وأخرج‬
‫نصفه األول ابن ماجه عن أبي هريرة‪ ،‬برقم ‪ ،2274‬وصححه العالمة األلباني في صحيح ابن‬
‫ماجه‪ ،2/27 ،‬وانظر‪ :‬كالم العالمة ابن باز في هذا الكتاب‪ ،‬ص ‪ ،77‬حاشية رقم (‪.)1‬‬
‫() أخرجه أحمد‪ ،5/225 ،‬برقم ‪ ،22303‬قال الشيخ محمد ناصر الدين األلباني‪(( :‬وهذا‬ ‫‪5‬‬

‫سند صحيح على شرط الشيخين))‪ ،‬انظر‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪ ،2/29 ،‬برقم‬
‫‪ ،1033‬وقال شعيب في حاشية شرح السنة للبغوي‪(( :‬صحيح اإلسناد))‪ ،2/55 ،‬وهذا‬
‫إسناد أحمد‪ ،‬حدثنا حسين بن محمد‪ ،‬حدثنا جرير – يعني ابن حازم – عن أيوب‪ ،‬عن ابن‬
‫أبي مليكة‪ ،‬عن عبد اهلل بن حنظلة غسيل المالئكة قال‪ :‬قال رسول اهلل‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫() أخرجه الطبراني‪ ،1/178 ،‬برقم ‪ ،460‬والحاكم‪ ،2/37 ،‬برقم ‪ ،2261‬وقال‪:‬‬ ‫‪6‬‬

‫وحسنه الشيخ‬
‫((صحيح اإلسناد))‪ ،‬والبيهقي في شعب اإليمان‪ ،4/363 ،‬برقم ‪ّ ،5416‬‬
‫األلباني في صحيح الترغيب والترهيب‪ ،‬برقم ‪.1859‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ربا الفضل وبعض النصوص الواردة فيه وحكمه وسائر أنواع الربا‬
‫ي من جنسه( )‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫أ‪ -‬تعريف ربا الفضل‪ :‬هو الزيادة في مبادلة مال ربوي بمال ربو ٍّ‬
‫ب‪ -‬بعض ما ورد في ربا الفضل من النصوص‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أبي سعيد الخدري ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪(( :‬ال تبيعوا الذهب بالذهب‪ ،‬إال‬
‫بالورق إال ِم ْثالً بِ ِم ْث ٍل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫مثالً بمثل‪ ،‬وال تَشفوا بعضها على بعض(‪ ،)2‬وال تبيعوا ال َو ِرق‬
‫وال تَشفُّوا بعضها على بعض‪ ،‬وال تبيعوا منها غائبا ً بناجز))(‪ ،)3‬والمراد بالناجز‬
‫الحاضر‪ ،‬وبالغائب المؤجّل‪.‬‬

‫‪ -2‬وعن عثمان بن عفان ‪ ‬أن رسول هللا ‪ ‬قال‪(( :‬ال تبيعوا الدينار بالدينارين‪،‬‬
‫وال ال ّدرهم بال ّدرهمين))(‪.)4‬‬

‫‪ -3‬وعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪(( :‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة‬
‫بالفضة‪ ،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثالً بمثل‪ ،‬يداً‬
‫بيد‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى‪ ،‬اآلخذ والمعطي فيه سواء))(‪.)5‬‬

‫‪4‬ـ وعن عبادة بن الصامت ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول هللا ‪(( :‬الذهب بالذهب‪ ،‬والفضة‬
‫بالفضة‪ ،‬والبر بالبر‪ ،‬والشعير بالشعير‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬والملح بالملح‪ ،‬مثالً بمثل‪،‬‬
‫سواء بسواء‪ ،‬يداً بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم‪ ،‬إذا كان يداً بيد))‬
‫(‪.)6‬‬

‫اشتر به‬
‫ِ‬ ‫‪ -5‬وعن معمر بن عبد هللا أنه أرسل غالمه بصاع قمح‪ ،‬فقال‪ :‬بِ ْعهُ ثم‬
‫شعيراً‪ ،‬فذهب الغالم فأخذ صاعا ً وزيادة بعض صاع‪ ،‬فلما جاء معمراً أخبره بذلك‪،‬‬
‫تأخذن إال مثالً بمثل‪ ،‬فإني كنت أسمع‬
‫َّ‬ ‫فقال له معمر‪ :‬لم فعلت ذلك؟ انطلق فر َّده وال‬

‫() انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،53 /6 ،‬ومجموع فتاوى ابن باز‪،304 /30 ،245 /19 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫والربا والمعامالت المصرفية‪ ،‬لعمر المترك‪ ،‬ص ‪.55‬‬


‫() أي ال تفضلوا بعضها على بعض‪ ،‬والشف الزيادة‪ ،‬ويطلق أيضاً على النقصان فهو من‬ ‫‪2‬‬

‫األضداد‪ .‬من تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على صحيح مسلم‪.3/1208 ،‬‬
‫() البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع الفضة بالفضة‪ ،‬برقم ‪ ،2177‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساقاة‬ ‫‪3‬‬

‫والمزارعة‪ ،‬باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً‪ ،‬برقم ‪.1584‬‬


‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب الربا‪ ،‬برقم ‪.1585‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب الربا‪ ،‬برقم ‪.1584‬‬ ‫‪5‬‬

‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً‪ ،‬برقم‬ ‫‪6‬‬

‫‪ ،1587‬وأبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب في الصرف‪ ،‬رقم ‪ ، 3349‬و‪ ،3350‬وابن ماجه‪،‬‬
‫كتاب التجارات‪ ،‬باب الصرف وما ال يجوز‪ ،‬رقم ‪.2254‬‬
‫رسول هللا ‪ ‬يقول‪(( :‬الطعام بالطعام مثالً بمثل))‪ ،‬قال‪ :‬وكان طعامنا يومئذ الشعير‪،‬‬
‫قيل له‪ :‬فإنه ليس بمثله‪ ،‬قال‪ :‬إني أخاف أن يضارع(‪.)2()1‬‬

‫واحتج مالك بهذا الحديث في كون الحنطة والشعير صنفا ً واحداً ال يجوز بيع‬
‫أحدهما باآلخر متفاضالً‪ ،‬أما مذهب الجمهور فهو خالف ما ذهب إليه اإلمام مالك‬
‫رحمه هللا تعالى؛ فإن الجمهور على أن الحنطة صنف‪ ،‬والشعير صنف آخر يجوز‬
‫التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد‪ ،‬كالحنطة مع األرز‪ ،‬ومن أدلة الجمهور قوله ‪:‬‬
‫((فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد))(‪.)3‬‬

‫‪6‬ـ وقوله ‪(( :‬ال بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثر يداً بيد‪ ،‬وأما نسيئة فال))‬
‫(‪ ،)4‬وأما حديث معمر السابق فال حجة فيه كما قال ذلك اإلمام النووي رحمه هللا؛ ألنه‬
‫لم يُصرِّ ح بأن البر والشعير جنس واحد‪ ،‬وإنما خاف من ذلك فتورّع عنه احتياطاً(‪.)5‬‬
‫وعلى هذا فال إشكال في ذلك والحمد هلل‪ ،‬فيكون الشعير جنسا ً مستقالً‪ ،‬والبر جنسا ً‬
‫آخر يجوز التفاضل بينهما إذا كان البيع يداً بيد‪ ،‬والقبض قبل التفرق‪.‬‬

‫ض َي هللاُ َع ْنهُ َما‬


‫‪ -7‬وعن سعيد بن المسيب رحمه هللا أن أبا هريرة‪ ،‬وأبا سعيد َر ِ‬
‫حدثاه أن رسول هللا ‪ ‬بعث أخا بني عدي األنصاري فاستعمله على خيبر‪ ،‬فقدم بتمر‬
‫جنيب(‪ ،)6‬فقال رسول هللا ‪(( :‬أك ّل تمر خيبر هكذا؟)) قال‪ :‬ال وهللا يا رسول هللا‪ ،‬إنَّا‬
‫لنشتري الصاع بالصاعين من الجمع(‪ ،)7‬فقال رسول هللا ‪(( :‬ال تفعلوا‪ ،‬ولكن مثالً‬
‫بمثل‪ ،‬أو بيعوا هذا واشتروا بثمنه من هذا‪ ،‬وكذلك الميزان))(‪.)8‬‬
‫‪ - 8‬وعن أبي سعيد قال‪ :‬جاء بالل بتمر برني فقال له رسول هللا ‪(( :‬من أين‬
‫هذا))؟ فقال بالل‪ :‬تمر كان عندنا رديء بعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي ‪،‬‬

‫والم َقاربةُ‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬مادة‬


‫الم َشابهةُ‪ُ ،‬‬
‫ضارعةُ ‪ُ :‬‬
‫الم َ‬
‫() يضارع‪ُ :‬‬
‫‪1‬‬

‫رع)‪،‬‬ ‫(ض‬
‫‪.175 / 3‬‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب بيع الطعام مثالً بمثل‪ ،‬برقم ‪.1592‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب الصرف وبيع الذهب بالورق نقداً‪ ،‬برقم‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،1587‬وانظر‪ :‬شرح النووي‪.11/14 ،‬‬


‫() سنن أبي داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب في الصرف‪ ،‬برقم ‪ ،3349‬وقال عنه األلباني في‬ ‫‪4‬‬

‫صحيح سنن أبي داود‪ ،‬برقم ‪(( :2864‬صحيح))‪ ،‬وانظر‪ :‬عون المعبود‪.3/198 ،‬‬
‫() انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.11/20 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫يب ‪ :‬ن وع جيِّد مع روف من أن واع الت َّْم ر‪ .‬انظ ر‪ :‬النهاي ة في غ ريب الح ديث واألث ر‪،‬‬‫() ِ‬
‫الجن ُ‬
‫‪6‬‬
‫َ‬
‫مادة (جنب)‪.819 / 1 ،‬‬
‫اَألصمعي‪:‬كل لون من النخل ال يعرف اسمه فهو َجمع‪...‬وقيل‪:‬الجمع‬‫ّ‬ ‫الج ْمع‪َّ :‬‬
‫الدقَ ُل‪...،‬قال‬ ‫() َ‬
‫‪7‬‬

‫ط ِإال لرداءته‪.‬لسان العرب‪،‬مادة (جمع)‪،‬‬


‫تمر مختلط من َأنواع متفرقة‪ ،‬وليس مرغوباً فيه‪،‬وما يُ ْخلَ ُ‬
‫‪.53 / 8‬‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب بيع الطعام مثالً بمثل‪ ،‬برقم ‪.1593‬‬ ‫‪8‬‬
‫فقال رسول هللا ‪ ‬عند ذلك ((أوّه(‪ ،)9‬عين الربا(‪ ،)2‬ال تفعل‪ ،‬ولكن إذا أردت أن‬
‫اشتر به))(‪.)3‬‬
‫ِ‬ ‫تشتري فبعه ببيع آخر‪ ،‬ثم‬
‫‪9‬ـ وعن أبي سعيد الخدري ‪ ‬قال‪ :‬كنا نُرْ زَق تمر الجمع على عهد رسول هللا ‪،‬‬
‫وهو الخلط(‪ )4‬من التمر‪ ،‬فَ ُكنَّا نبيع صاعين بصاع‪ ،‬فبلغ ذلك رسول هللا ‪ ‬فقال‪(( :‬ال‬
‫صاعي تمر بصاع‪ ،‬وال صاعي حنطة بصاع‪ ،‬وال درهم بدرهمين))(‪.)5‬‬
‫‪ -10‬عن فضالة بن عبيد هللا األنصاري ‪ ‬قال‪ُ :‬أتِ َي رسول هللا ‪ ‬وهو بخيبر‬
‫بقالدة فيها خرز‪ ،‬وذهب‪ ،‬وهي من المغانم تباع‪ ،‬فأمر رسول هللا ‪ ‬بالذهب الذي في‬
‫القالدة فنُ ِز َع وحده‪ ،‬ثم قال لهم رسول هللا ‪(( :‬الذهب بالذهب وزنا ً بوزن))(‪.)6‬‬

‫‪ -11‬وعن فضالة أيضا ً قال‪ :‬اشتريت يوم خيبر قالدة باثني عشر دينارًا فيها ذهب‬
‫وخرز‪ ،‬ففصلتها(‪ ،)7‬فوجدت فيها أكثر من اثني عشر ديناراً‪ ،‬فذكرت ذلك للنبي ‪‬‬
‫صل))(‪.)8‬‬ ‫فقال‪(( :‬ال تباع حتى تُ ْف َ‬
‫صل‪ ،‬فيباع الذهب‬ ‫ففي هذا الحديث أنه ال يجوز بيع ذهب مع غيره بذهب حتى يُ ْف َ‬
‫بوزنه ذهباً‪ ،‬ويباع اآلخر بما أراد‪ ،‬وكذا ال تباع فضة مع غيرها بفضة‪ ،‬وكذا الحنطة‬
‫ال تباع مع غيرها بحنطة‪ ،‬والملح مع غيره بملح‪ ،‬وكذا سائر الربويات بل ال بد من‬
‫فصلها‪ ،‬وهذه المسألة المشهورة والمعروفة بمسألة (( ُم ُّد َعجْ َوة))‪ ،‬وصورتها باع م ّد‬
‫عجوة ودرهما ً بم َّدي عجوة أو بدرهمين ال يجوز؛ لهذا الحديث‪ ،‬وهذا منقول عن عمر‬
‫ض َي هللاُ َع ْنهُ َما‪ ،‬وجماعة من السلف‪ ،‬وهو مذهب الشافعي‪ ،‬وأحمد‬ ‫بن الخطاب وابنه َر ِ‬
‫بن حنبل(‪.)9‬‬

‫شكاية والتّوجع‪ .‬النهاية البن األثير‪.195 / 1 ،‬‬ ‫() َّأوه‪ :‬كلمة يقولها الرجل عند ال ّ‬
‫‪1‬‬

‫سه‪ .‬النهاية البن األثير‪.625 / 3 ،‬‬ ‫الربَا‪ :‬أي‪َ :‬ذاتُه و َن ْف ُ‬


‫() َع ْي ُن ِّ‬
‫‪2‬‬

‫() البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب شراء الطعام إلى أجل‪ ،‬برقم ‪ ،2201‬و‪ ،2202‬ومسلم‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫واللفظ له‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب بيع الطعام مثالً بمثل‪ ،‬برقم ‪.1594‬‬
‫() الخلط‪ :‬أي المجموع من أنواع مختلفة‪ ،‬وإنما خلط لرداءته‪ ،‬انظر‪ :‬لسان العرب‪/8 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪.53‬‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب بيع الطعام مثالً بمثل‪ ،‬برقم ‪.1595‬‬ ‫‪5‬‬

‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب بيع القالدة فيها خرز وذهب‪ ،‬برقم ‪،1591‬‬ ‫‪6‬‬

‫وانظر‪ :‬شرح النووي‪.11/17 ،‬‬


‫الحاجز بين الشيئين‪ ،‬فَص ل بينهما ِ‬
‫يفص ل‬ ‫ِ‬ ‫ص ل‪:‬‬
‫ففصلتها‪ :‬ميّزت ذهبها وخرزها؛ ألن ((ال َف ْ‬ ‫() َّ‬ ‫‪7‬‬
‫َ‬
‫ص ل َأي قطعت ه))‪ .‬لس ان الع رب‪ ،‬م ادة (فص ل)‪/ 11 ،‬‬ ‫ص لْت الش يء فان َف َ‬ ‫فانفص ل‪ ،‬وفَ َ‬
‫َ‬ ‫ص الً‬‫فَ ْ‬
‫‪.521‬‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب بيع القالدة فيها خرز وذهب‪ ،‬برقم ‪،1591‬‬ ‫‪8‬‬

‫وانظر‪ :‬شرح النووي‪.11/18 ،‬‬


‫() انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.11/17 ،‬‬ ‫‪9‬‬
‫ج‪ :‬حكمه وسائر أنواع الربا ‪ :‬قال اإلمام النووي رحمه هللا تعالى‪(( :‬أجمع‬
‫المسلمون على تحريم الربا في الجملة‪ ،‬وإن اختلفوا في ضابطه وتعاريفه))(‪ ،)1‬ونص‬
‫النبي ‪ ‬على تحريم الربا في ستة أشياء‪ :‬الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬والبر‪ ،‬والشعير‪ ،‬والتمر‪،‬‬
‫والملح‪.‬‬
‫قال أهل الظاهر‪ :‬ال ربا في غير هذه الستة‪ ،‬بناء على أصلهم في نفي القياس‪.‬‬

‫وقال جميع العلماء سواهم‪ :‬ال يختص بالستة‪ ،‬بل يتع ّدى إلى ما في معناها‪ ،‬وهو ما‬
‫يشاركها في العلَّة‪.‬‬

‫واختلفوا في العلَّة التي هي سبب تحريم الربا في الستة‪:‬‬

‫فقال الشافعية‪ :‬العلة في الذهب‪ ،‬والفضة‪ :‬كونهما جنس األثمان‪ ،‬فال يتع َّدى الربا‬
‫منهما إلى غيرهما من الموزونات‪ ،‬وغيرها؛ لعدم المشاركة‪ ،‬والعلَّة في األربعة‬
‫الباقية‪ :‬كونها مطعومة فيتع َّدى الربا منها إلى كل مطعوم‪ .‬ووافق مالك الشافعي في‬
‫الذهب والفضة‪.‬أما في األربعة الباقية فقال‪ :‬العلَّة فيها‪ :‬كونها تُدَّخَ ر للقوت وتصلح‬
‫له‪.‬وأما مذهب أبي حنيفة رحمه هللا تعالى‪ :‬فهو أن العلَّة في الذهب والفضة الوزن‪،‬‬
‫وفي األربعة الكيل‪ ،‬فيتع َّدى إلى كل موزون‪ ...‬وإلى كل مكيل‪.‬ومذهب أحمد‪ ،‬والشافعي‬
‫في القديم‪ ،‬وسعيد بن المسيب‪ :‬أن العلَّة في األربعة كونها مطعومة موزونة‪ ،‬أو مكيلة‪،‬‬
‫بشرط األمرين(‪.)2‬قال اإلمام ابن تيمية رحمه هللا تعالى‪(( :‬اتفق جمهور الصحابة‪،‬‬
‫والتابعين‪ ،‬واألئمة األربعة على أنه ال يباع الذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬والحنطة‪ ،‬والشعير‪،‬‬
‫والتمر‪ ،‬والزبيب‪ ،‬بجنسه إال مثالً بمثل‪ ،‬إذ الزيادة على المثل أك ٌل للمال بالباطل))‬
‫(‪.)3‬وأجمع العلماء كذلك على أنه ال يجوز بيع الربوي بجنسه وأحدهما ُمؤجَّل‪ ،‬وعلى‬
‫أنه ال يجوز التفاضل إذا بيع بجنسه حاالً‪ :‬كالذهب بالذهب‪ ،‬وأجمعوا على أنه ال يجوز‬
‫التفرق قبل التقابض إذا باعه بجنسه ــ‪ :‬كالذهب بالذهب‪ ،‬أو التمر بالتمر – أو بغير‬
‫جنسه مما يشاركه في العلَّة‪ ،‬كالذهب بالفضة والحنطة بالشعير(‪ ،)4‬وقال اإلمام ابن‬
‫قدامة – رحمه هللا – في حكم الربا‪(( :‬وهو محرم بالكتاب والسنة واإلجماع))‬
‫(‪.)5‬والحاصل مما تقدم أن العلة في جريان الربا في الذهب والفضة‪ :‬هو مطلق الثمنية‪،‬‬
‫وهو رواية عن اإلمام أحمد‪ ،‬واختارها شيخ اإلسالم ابن تيمية(‪ ،)6‬فيلحق بالذهب‬
‫والفضة ما كان في معناهما‪ ،‬ويكون ثمنا ً لألشياء‪.‬أما األربعة الباقية فكل ما اجتمع فيه‬
‫الكيل‪ ،‬أو الوزن‪ ،‬والطعم من جنس واحد ففيه الربا‪ ،‬مثل‪ :‬البر‪ ،‬والشعير‪ ،‬والذرة‪،‬‬
‫واألرز‪ ،‬والدخن‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أحمد‪ ،‬واختارها شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمه‬

‫() شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،11/9 ،‬وانظر‪ :‬المغني البن قدامة‪..58 -54 /6 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.11/9 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فتاوى ابن تيمية‪ ،20/347 ،‬وانظر‪ :‬الشرح الكبير‪ ،12/11 ،‬واإلنصاف في معرفة‬ ‫‪3‬‬

‫الراجح من الخالف للمرداوي‪ ،12/11 ،‬وشرح الزركشي‪.3/414 ،‬‬


‫() انظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.11/9 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫() المغني‪.6/51 ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫() انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،56 /6 ،‬ومجموعة فتاوى شيخ اإلسالم‪ ،471 /29 ،‬وانظر‬ ‫‪6‬‬

‫للفائدة‪ :‬الشرح الممتع‪ ،390 /8 ،‬والربا والمعامالت المصرفية‪ ،‬ص ‪.111‬‬


‫هللا(‪.)1‬وأما ما انعدم فيه الكيل‪ ،‬والوزن‪ ،‬والطعم واختلف جنسه فال ربا فيه‪ ،‬وهو قول‬
‫أكثر أهل العلم‪ ،‬مثل‪ :‬القت‪ ،‬والنوى(‪.)2‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬ربا النسيئة‬


‫أ‪3 -‬تعريف ربا النسيئة‪ :‬هو تأخير القبض في بيع كل جنسين اتفقا في علة ربا‬
‫الفضل( )‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ربا النسيئة‪ :‬هو بيع الربوي بجنسه نسيئة( )‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫واألقرب – وهللا أعلم – أن يقال‪ :‬هو تأخير القبض في بيع الربوي بالربوي‪،‬‬
‫سواء كان من جنسه أو من غير جنسه إذا اتفقا في العلة‪.‬‬
‫وربا النسيئة‪ :‬هو الذي كان مشهوراً في الجاهلية؛ ألن الواحد منهم كان يدفع ماله‬
‫لغيره إلى أجل‪ ،‬على أن يأخذ منه كل شهر قدراً معيناً‪ ،‬ورأس المال باق بحاله‪ ،‬فإذا‬
‫ح ّل طالبه برأس ماله‪ ،‬فإن تعذر عليه األداء زاد في الحق واألجل‪ ،‬وتسمية هذا نسيئة‬
‫مع أنه يصدق عليه ربا الفضل؛ ألن النسيئة هي المقصودة منه بالذات‪.‬‬

‫وكان ابن عباس رضي هللا عنهما ال يُحرِّ ُم إال ربا النسيئة محت ّجا ً بأنه المتعارف‬
‫بينهم(‪.)5‬‬

‫وسيأتي ذكر أدلّة رجوعه عن قوله ‪ ‬قريباً‪ ،‬وانضمامه إلى الصحابة في تحريم‬
‫ربا الفضل‪ ،‬وربا النسيئة جميعاً‪ ،‬فال إشكال في ذلك‪ ،‬وهلل الحمد والمنة‪.‬‬
‫ب‪ -‬بعض ما ورد في ربا النسيئة من النصوص‪:‬‬
‫ال شك أن ربا النسيئة ال خالف في تحريمه بين األمة جمعاء‪ ،‬إنما الخالف في ربا‬
‫الفضل بين الصحابة وابن عباس وذكر عن ابن عمر أيضا ً ‪ ‬أجمعين‪ ،‬وقد ثبت عن‬
‫ابن عباس أنه رجع عن قوله‪ ،‬وانض ّم إلى الصحابة في القول بتحريم ربا الفضل‪.‬‬

‫أما بالنسبة لربا النسيئة‪ ،‬فتحريمه ثابت بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪:‬‬

‫عن أبي صالح قال‪ :‬سمعت أبا سعيد الخدري ‪ ‬يقول‪(( :‬الدينار بالدينار‪ ،‬والدرهم‬
‫بالدرهم‪ ،‬مثالً بمثل‪ ،‬فمن زاد أو استزاد فقد أربى))‪ ،‬فقلت له‪ :‬إن ابن عباس يقول غير‬
‫هذا‪ ،‬فقال‪ :‬لقد لقيت ابن عباس فقلت له‪ :‬أرأيت هذا الذي تقول‪ ،‬أشيء سمعته من‬

‫() انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،56 /6 ،‬واألخبار العلمية في اختيارات شيخ اإلسالم ابن تيمية‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪ ،188‬وانظر للفائدة‪ :‬الشرح الممتع‪ ،389 /8 ،‬والربا والمعامالت المصرفية‪ ،‬ص ‪ ،111‬و‬
‫ص ‪.123‬‬
‫() انظر‪ :‬المغني البن قدامة‪ ،6/58 ،‬ونيل األوطار للشوكاني‪.358-6/346 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المقنع‪ ،73 /2 ،‬والمغني البن قدامة‪ ،63 /6 ،‬والشرح الممتع‪ ،427 /8 ،‬والربا‬ ‫‪3‬‬

‫والمعامالت المصرفية‪ ،‬ص ‪.137‬‬


‫() مجموع فتاوى ابن باز‪.305 /30 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر‪ :‬تفسير المنار‪.4/124 ،‬‬ ‫‪5‬‬


‫رسول هللا ‪ ،‬أو وجدته في كتاب هللا ‪‬؟ فقال‪ :‬لم أسمعه من رسول هللا ‪ ،‬ولم أجده‬
‫في كتاب هللا‪ ،‬ولكن حدثني أسامة بن زيد أن النبي ‪ ‬قال‪(( :‬الربا في النسيئة))(‪.)1‬‬

‫وفي رواية عن ابن عباس رضي هللا عنهما قال‪ :‬حدثني أسامة بن زيد أن رسول‬
‫هللا ‪ ‬قال‪(( :‬أال إنما الربا في النسيئة))(‪.)2‬‬

‫قال اإلمام النووي رحمه هللا تعالى‪(( :‬كان معتمد ابن عباس‪ ،‬وابن عمر حديث‬
‫أسامة بن زيد‪(( :‬إنما الربا في النسيئة))‪ ،‬ثم رجع ابن عمر‪ ،‬وابن عباس عن ذلك‪،‬‬
‫وقاال بتحريم بيع الجنس بعضه ببعض متفاضالً حين بلغهما حديث أبي سعيد كما ذكره‬
‫مسلم من رجوعهما صريحاً‪ ،‬وهذه األحاديث التي ذكرها مسلم تد ّل على أن ابن عمر‪،‬‬
‫وابن عباس لم يكن بلغهما حديث النهي عن التفاضل في غير النسيئة‪ ،‬فلما بلغهما‬
‫رجعا إليه‪.‬‬

‫وأما حديث أسامة‪(( :‬ال ربا إال في النسيئة)) فقال قائلون‪(( :‬بأنه منسوخ بهذه‬
‫األحاديث‪ ،‬وقد أجمع المسلمون على ترك العمل بظاهره وهذا يدل على نسخه))( )‪.‬‬
‫‪3‬‬

‫قال الحافظ ابن حجر العسقالني رحمه هللا‪(( :‬اتفق العلماء على صحة حديث‬
‫أسامة‪ ،‬واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد‪ ،‬فقيل‪ :‬منسوخ‪ ،‬لكن النسخ ال‬
‫يثبت باالحتمال‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬المعنى في قوله‪(( :‬ال ربا)) الربا األغلظ الشديد المتوعد عليه بالعقاب‬
‫الشديد‪ ،‬كما تقول العرب‪ :‬ال عالم في البلد إال زيد‪ ،‬مع أن فيها علماء غيره‪ ،‬وإنما‬
‫القصد نفي األكمل‪ ،‬ال نفي األصل‪ ،‬وأيضا ً نفي تحريم ربا الفضل من حديث أسامة‬
‫إنما هو بالمفهوم‪ ،‬فيقدم عليه حديث أبي سعيد؛ ألن داللته بالمنطوق‪ ،‬ويحمل حديث‬
‫أسامة على الربا األكبر كما تق ّدم‪ ،‬وهللا أعلم))(‪.)4‬‬

‫فاتّضح مما تق ّدم تحريم‪ :‬ربا الفضل‪ ،‬وربا النسيئة‪ ،‬فال إشكال في ذلك‪ ،‬وهلل الحمد‪.‬‬

‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب بيع القالدة فيها خرز وذهب‪ ،‬برقم ‪،1596‬‬ ‫‪1‬‬

‫وانظر‪ :‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.11/25 ،‬‬


‫() البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع الدينار بالدينار نساء‪ ،‬برقم ‪ ،2178‬و‪ ،2179‬ولفظ‬ ‫‪2‬‬

‫البخاري‪(( :‬ال ربا إال في النسيئة))‪ ،‬وانظر الفتح‪ ،4/381 ،‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساقاة‬
‫والمزارعة‪ ،‬باب بيع الطعام مثالً بمثل‪ ،‬برقم ‪.1596‬‬
‫() شرح النووي على صحيح مسلم‪.11/25 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫() فتح الباري بشرح صحيح البخاري‪.4/382 ،‬‬ ‫‪4‬‬


‫ج‪ -‬ما يجوز فيه التفاضل والنساء‬
‫قال اإلمام النووي رحمه هللا تعالى‪(( :‬أجمع العلماء على جواز بيع ربوي بربوي ال‬
‫يشاركه في العلة متفاضالً‪ ،‬ومؤجالً؛ وذلك كبيع الذهب بالحنطة‪ ،‬وبيع الفضة‬
‫بالشعير‪ ،‬وغيره من المكيل‪.‬‬

‫وأجمعوا كذلك على أنه يجوز التفاضل عند اختالف الجنس إذا كان يداً بيد‪ ،‬كصاع‬
‫قال‬ ‫حنطة بصاعي شعير‪ ،‬وال خالف بين العلماء في شيء من هذا))(‪.)1‬‬
‫اإلمام البخاري رحمه هللا تعالى‪(( :‬باب بيع العبيد‪ ،‬والحيوان بالحيوان نسيئة))(‪.)2‬‬

‫قلت‪ :‬اختلف العلماء رحمهم هللا تعالى في جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة؛ فذهب‬
‫الجمهور من علماء األمة إلى الجواز‪ ،‬واحتجوا بحديث عبد هللا بن عمرو بن العاص‪،‬‬
‫فعنه ‪ ‬قال‪ :‬أمرني رسول هللا ‪ ‬أن أبعث جيشا ً على إبل كانت عندي‪ ،‬قال‪ :‬فحملت‬
‫الناس عليها حتى نفدت اإلبل‪ ،‬وبقيت بقية من الناس ال ظهر لهم‪ ،‬قال‪ :‬فقال لي رسول‬
‫هللا ‪(( :‬ابتع علينا بقالئص(‪ )3‬من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذ هذا البعث))‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فكنت أبتاع البعير بالقلوصين والثالث من إبل الصدقة إلى محلها‪ ،‬حتى نفَّذت ذلك‬
‫البعث‪ ،‬قال‪ :‬فلما حلت الصدقة أ َّداها رسول هللا ‪.)4(‬‬

‫وعن جابر ‪ ‬قال‪ :‬جاء عبد فبايع النبي ‪ ‬على الهجرة‪ ،‬ولم يشعر أنه عبد‪ ،‬فجاء‬
‫سيده يريده‪ ،‬فقال له النبي ‪(( :‬بعنيه)) فاشتراه بعبدين أسودين‪ ،‬ثم لم يبايع أحداً بعد‪،‬‬
‫حتى يسأله‪(( :‬أعبد هو))؟(‪.)5‬‬

‫وهذا فيه جواز بيع عبد بعبدين سواء كانت القيمة متفقة أو مختلفة‪ ،‬وهذا مجمع‬
‫عليه إذا بيع نقداً‪ ،‬وكذا حكم سائر الحيوانات(‪.)6‬‬

‫فإن باع عبداً بعبدين‪ ،‬أو بعيراً ببعيرين إلى أجل‪ ،‬فالراجح الجواز كما سبق‪ ،‬وهذا‬
‫هو مذهب الشافعي‪ ،‬والجمهور(‪.)7‬‬

‫() شرح النووي على صحيح مسلم‪ ،‬ببعض التصرف‪.11/9 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() البخاري‪ ،3/41 ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة‪ ،‬قبل الحديث‬ ‫‪2‬‬

‫رقم ‪ ،2228‬وانظر‪ :‬الفتح‪.4/419 ،‬‬


‫() القالئص‪َ :‬ج ْم ع َقلُ وص‪ ،‬وهي الناق ة الش ابَّة‪ .‬وقي ل ‪ :‬ال ت زال َقلُوص اً ح تى تص ير ب ا ِزالً‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وتُ ْج َم ع على قِالص‪ ،‬و ُقلُص أيض اً‪ .‬انظ ر‪ :‬النهاي ة في غ ريب الح ديث واألث ر‪ ،‬م ادة (قلص)‪،‬‬
‫‪.156 / 4‬‬
‫() مسند اإلمام أحمد‪ ،2/216 ،‬برقم ‪ ،7025‬وانظر‪ :‬سنن أبي داود‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب‬ ‫‪4‬‬

‫ك‪ ،‬برقم ‪.3357‬‬ ‫ص ِة فِي َذلِ َ‬ ‫فِي ُّ‬


‫الر ْخ َ‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب جواز بيع الحيوان بالحيوان من جنسه متفاضالً‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫برقم ‪ ،1602‬وانظر‪ :‬شرح النووي‪.11/39 ،‬‬


‫() انظر‪ :‬شرح النووي‪.11/39 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫() انظر‪ :‬شرح النووي‪.11/39 ،‬‬ ‫‪7‬‬


‫فظهر مما تقدم أن الراجح في بيع الحيوان بالحيوان متفاضالً ونسيئة‪ :‬هو الجواز‪،‬‬
‫واآلثار عن بعض الصحابة والتابعين تد ّل على جواز ذلك‪ ،‬قال البخاري – رحمه هللا‬
‫– في صحيحه‪:‬‬

‫‪1‬ـ ((اشترى ابن عمر راحلة بأربعة أبعرة مضمونة عليه‪ ،‬يوفيها صاحبها‬
‫بالربذة))(‪.)6‬‬
‫‪2‬ـ واشترى رافع بن خديج بعيراً ببعيرين‪ ،‬أعطاه أحدهما‪ ،‬وقال‪ :‬آتيك باآلخر غداً‬
‫رهواً(‪ )7‬إن شاء هللا‪.‬‬

‫‪3‬ـ وقال ابن عباس‪(( :‬قد يكون البعير خيراً من البعيرين))‪.‬‬

‫‪4‬ـ وقال ابن المسيب‪(( :‬ال ربا في البعير بالبعيرين‪ ،‬والشاة بالشاتين إلى أجل))(‪.)8‬‬

‫الرب ذة – بالتحريك‪َ : -‬قرية معروفة ُق رب المدينة‪ ،‬بها َقب ر أبي َذر ِ‬


‫الغفا ِري‪ .‬النهاية في‬ ‫() َّ َ‬
‫‪6‬‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫غريب الحديث واألثر‪ ،‬مادة (ربذ)‪.456 / 2 ،‬‬
‫تباس فيه‪ .‬يقال ‪ :‬جاءت الخيل رهواً‪ :‬أي ُمتتابعة‪ .‬النهاية في‬
‫اح َ‬ ‫() رهواً‪ :‬أي َع ْف واً َس هالً ال ْ‬
‫‪7‬‬

‫غريب الحديث واألثر‪ ،‬مادة (رهو)ـ ‪.682 / 2‬‬


‫() انظر‪ :‬صحيح البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب بيع العبيد والحيوان بالحيوان نسيئة‪ ،‬قبل‬ ‫‪8‬‬

‫الحديث رقم ‪ ،2228‬فكل هذه اآلثار هناك‪.‬‬


‫المطلب الرابع‪ :‬بيع العينة‬
‫أ‪ -‬تعريف العينة‪:‬‬
‫العينة‪ :‬هي أن يبيع شيئا ً من غيره بثمن مؤجل ويُسلِّمه إلى المشتري‪ ،‬ثم يشتريه قبل قبض‬
‫الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر(‪.)1‬‬

‫قلت‪ :‬ومثال ذلك‪ :‬أن يبيع شخص سلعة على شخص آخر بمبلغ مائة لاير مؤجلة لمدة سنة‪ ،‬ثم‬
‫في نفس الوقت يشتري البائع سلعته من المشتري بمبلغ خمسين رياالً نقداً‪ ،‬وتبقى المائة في ذمة‬
‫المشتري األول!‬
‫ب‪ -‬بعض ما ورد في ذلك من النصوص‪:‬‬
‫عن ابن عمر رضي هللا عنهما قال‪ :‬سمعت رسول هللا ‪ ‬يقول‪(( :‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬وأخذتم‬
‫أذناب البقر‪ ،‬ورضيتم بالزرع‪ ،‬وتركتم الجهاد‪ ،‬سلّط هللا عليكم ُذالًّ ال ينزعه حتى ترجعوا إلى‬
‫دينكم))(‪ ،)2‬وللحديث روايات أخرى(‪.)3‬‬

‫وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة جمع من العلماء‪ ،‬منهم‪ :‬اإلمام مالك بن أنس‪ ،‬واإلمام أبو‬
‫حنيفة‪ ،‬واإلمام أحمد‪ ،‬والهادوية‪ ،‬وبعض الشافعية‪.‬‬

‫قال اإلمام الشوكاني رحمه هللا تعالى‪(( :‬ومن المعلوم أن العينة عند من يستعملها إنما يسميها‬
‫بيعاً‪ ،‬وقد اتفقا – أي البائع والمشتري – على حقيقة الربا الصريح قبل العقد‪ ،‬ثم غيّر اسمها إلى‬
‫المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي ال قصد لهما فيه البتة‪ ،‬إنما هو حيلة ومكر‪ ،‬وخديعة هلل‪ ،‬فمن‬
‫أسهل الحيل على من أراد فعله‪ :‬أن يعطيه مثالً‪ :‬ألفا ً إال درهما ً باسم القرض‪ ،‬ويبيعه خرقة تساوي‬
‫درهما ً بخمسمائة درهم‪ .‬وقوله ‪(( :‬إنما األعمال بالنيات))(‪ )4‬أصل في إبطال الحيل‪ ،‬فإن من‬
‫أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفا ً بألف وخمسمائة‪ ،‬إنما نوى باإلقراض تحصيل الربح الزائد‬
‫الذي أظهر أنه ثمن الثوب‪ ،‬فهو في الحقيقة أعطاه ألفا ً حالة بألف وخمسمائة مؤجلة‪ ،‬وجعل‬
‫صورة القرض وصورة البيع محلالً لهذا المحرم‪ ،‬ومعلوم أن هذا ال يرفع التحريم‪ ،‬وال يرفع‬
‫المفسدة التي حُرِّ م الربا ألجلها بل يزيدها قوة‪ ،‬وتأكيداً من وجوه‪ ،‬منها‪ :‬أنه يقدم على مطالبة‬
‫الغريم المحتاج من جهة السلطان والحكام إقداما ً ال يفعله المربي؛ ألنه واثق بصورة العقد الذي‬
‫تحيّل به))(‪.)5‬‬

‫() انظر‪ :‬عون المعبود‪.9/336 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أبو داود‪ ،‬كتاب اإلجارة‪ ،‬باب في النهي عن العينة‪ ،‬برقم ‪ ،3462‬وانظر‪ :‬عون المعبود‪،9/335 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقال الشيخ ناصر الدين األلباني إنه صحيح لمجموع طرقه‪ ،‬انظر‪ :‬سلسلة األحاديث الصحيحة‪،1/15 ،‬‬
‫برقم ‪.11‬‬
‫() انظر‪ :‬مسند اإلمام أحمد‪ ،2/84 ،‬برقم ‪.5562‬‬ ‫‪3‬‬

‫() البخاري‪ ،‬كتاب باب بدء الوحي‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي‪ ،‬برقم ‪ ،1‬ومسلم‪ ،‬كتب اإلمارة‪ ،‬باب‬ ‫‪4‬‬

‫بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم‪ ،‬برقم ‪.1907‬‬


‫() نيل األوطار‪.6/363 ،‬‬ ‫‪5‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬مفاسد الربا وأضراره وأخطاره وآثاره وأسباب تحريمه‬
‫المطلب األول‪ :‬أسباب تحريم الربا‬
‫أن للرّبا أضراراً جسيمة‪ ،‬وعواقب وخيمة‪ ،‬والدين اإلسالمي لم يأمر البشرية بشيء إال‬ ‫ك ّ‬‫ال ش ّ‬
‫وفيه سعادتها‪ ،‬وع ّزها في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ولم ينهها عن شيء إال وفيه شقاوتها‪ ،‬وخسارتها في‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬وللربا أضرار عديدة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ -1‬الربا له أضرار أخالقية وروحية؛ ألننا ال نجد من يتعامل بالربا إال إنسانا ً منطبعا ً في نفسه‬
‫البخل‪ ،‬وضيق الصدر‪ ،‬وتحجُّ ر القلب‪ ،‬والعبودية للمال‪ ،‬والتكالب على المادة وما إلى ذلك من‬
‫الصفات الرذيلة‪.‬‬
‫‪2‬ـ الربا له أضرار اجتماعية؛ ألن المجتمع الذي يتعامل بالربا مجتمع ُم ْن َحلٌ‪ُ ،‬متف ِّك ٌ‬
‫ك‪ ،‬ال‬
‫يتساعد أفراده فيما بينهم‪ ،‬وال يُساعد أحد غيره إال إذا كان يرجو من ورائه شيئاً‪ ،‬والطبقات‬
‫الموسرة تضاد وتعادي الطبقات المعدمة‪.‬‬

‫وال يمكن أن تدوم لهذا المجتمع سعادته‪ ،‬وال استتباب أمنه‪ ،‬بل ال بد أن تبقى أجزاؤه مائلة إلى‬
‫التف ُّكك‪ ،‬والتشتَّت في كل حين من األحيان‪.‬‬

‫‪3‬ـ الربا له أضرار اقتصادية؛ ألن الربا إنما يتعلق من نواحي الحياة االجتماعية بما يجري فيه‬
‫التداين بين الناس‪ ،‬على مختلف صوره وأشكاله‪.‬‬
‫والقروض على أنواع‪:‬‬
‫النوع األول‪ :‬قروض يأخذها األفراد المحتاجون؛ لقضاء حاجاتهم الذاتية‪ ،‬وهذا أوسع نطاق‬
‫تحصل به المراباة ولم يسلم من هذه اآلفة قطر من أقطار العالم إال من رحم هللا‪ ،‬وذلك ألن هذه‬
‫األقطار لم تبذل اهتمامها لتهيئة الظروف التي ينال فيها الفقراء‪ ،‬والمتوسطون القرض بسهولة‪،‬‬
‫فكل من وقع من هؤالء في يد المرابي مرة واحدة ال يكاد يتخلَّص منه طول حياته‪ ،‬بل ال يزال‬
‫أبناؤه‪ ،‬وأحفاده يتوارثون ذلك الدين(‪.)1‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬قروض يأخذها التجار‪ ،‬والصُّ نَّاع‪ ،‬و ُمالَّك األراضي الستغاللها في شؤونهم‬
‫المثمرة‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬قروض تأخذها الحكومات من أسواق المال في البالد األخرى لقضاء حاجاتها‪.‬‬

‫وهذه القروض ضررها يعود على المجتمع بالخسارة‪ ،‬والتعاسة مدة حياته‪ ،‬سواء كانت تلك‬
‫القروض لتجارة‪ ،‬أو لصناعة‪ ،‬أو مما تأخذه الحكومات الفقيرة من الدول الغنية‪ ،‬فإن ذلك كله يعود‬
‫على الجميع بالخسارة الكبيرة التي ال يكاد يتخلص منها ذلك المجتمع أو تلك الحكومات‪ ،‬وما ذلك‬
‫إال لعدم اتباع المنهج اإلسالمي‪ ،‬الذي يدعو إلى كل خير ويأمر بالعطف على الفقراء والمساكين‪،‬‬
‫اونُوا َعلَى اِإل ْث ِم َو ْال ُع ْد َوا ِن‬
‫وذوي الحاجات‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ  :‬وتَ َعا َونُوا َعلَى ْالبِ ِّر َوالتَّ ْق َوى َوال تَ َع َ‬
‫ب‪.)2(‬‬ ‫َواتَّقُوا هللاَ ِإ َّن هللاَ َش ِدي ُد ْال ِعقَا ِ‬

‫() انظر الربا ألبي يعلى المودودي‪ ،‬ص‪.40‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة المائدة‪ ،‬اآلية‪.2 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫وَأ َمر الرسول ‪ ‬بالتراحم‪ ،‬والتعاطف‪ ،‬والتكاتف بين المسلمين فقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫((إن المؤمن للمؤمن كالبنيان يش ّد بعضه بعضاً‪ ،‬وشبك بين أصابعه))(‪.)1‬‬

‫وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬مثل المؤمنين في توادِّهم وترا ُح ِم ِه ْم وتعاطفهم‪ ،‬كمثل الجسد‪ ،‬إذا‬
‫اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))(‪.)2‬‬

‫فال نجاة‪ ،‬وال خالص‪ ،‬وال سعادة‪ ،‬وال فكاك من المصائب‪ ،‬إال باتباع المنهج اإلسالمي القويم‬
‫واتباع ما جاء به من أحكام‪ ،‬وتعاليم‪.‬‬

‫‪4‬ـ انعكاس الربا على المجتمعات اإلسالمية‪ ،‬وتقدم توضيحه‪.‬‬

‫‪5‬ـ تعطيل الطاقة البشرية‪ ،‬فإن البطالة تحصل للمرابي بسبب الربا‪.‬‬
‫‪6‬ـ التضخم لدى الناس بدون عمل‪.‬‬
‫‪7‬ـ توجيه االقتصاد وجهة منحرفة‪ ،‬وبذلك يحصل اإلسراف‪.‬‬

‫‪ - 8‬وضع مال المسلمين بين أيدي خصومهم‪ ،‬وهذا من أخطر ما أصيب به المسلمون‪ ،‬وذلك‬
‫ألنهم أودعوا الفائض من أموالهم في البنوك الربوية في دول الكفر‪ ،‬وهذا اإليداع يجرّد المسلمين‬
‫من أدوات النشاط‪ ،‬ويعين هؤالء الكفرة أو المرابين على إضعاف المسلمين‪ ،‬واالستفادة من‬
‫أموالهم(‪.)3‬‬

‫‪9‬ـ الربا خلق وعمل من أعمال أعداء هللا اليهود‪ ،‬قال هللا ‪َ : ‬وَأ ْخ ِذ ِه ُم الرِّبا َوقَ ْد نُهُوا َع ْنهُ‬
‫اط ِل َوَأ ْعتَ ْدنَا لِ ْل َكافِ ِرينَ ِم ْنهُ ْم َع َذابا ً َألِيما ً‪.)4(‬‬
‫اس بِ ْالبَ ِ‬ ‫َوَأ ْكلِ ِه ْم َأ ْم َو َ‬
‫ال النَّ ِ‬
‫‪10‬ـ الربا من أخالق أهل الجاهلية فمن تعامل به وقع في صف ٍة من صفاتهم(‪.)5‬‬

‫‪11‬ـ آكل الربا يُبعث يوم القيامة كالمجنون‪ ،‬قال هللا تعالى‪:‬‬
‫‪‬الَّ ِذينَ يَْأ ُكلُونَ الرِّبا ال يَقُو ُمونَ ِإالّ َك َما يَقُو ُم الَّ ِذي يَتَ َخبَّطُهُ ال َّش ْيطَانُ ِمنَ الـْ َمسِّ َذلِكَ بَِأنَّهُ ْم قَالُوا ِإنَّـ َما‬
‫ْالبَ ْي ُع ِم ْث ُل الرِّبا َوَأ َح َّل هللاُ ْالبَ ْي َع َو َح َّر َم الرِّبا فَ َم ْن َجا َءهُ َموْ ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ِه فَا ْنتَهَى فَلَهُ َما َسلَفَ َوَأ ْم ُرهُ‬
‫ار هُ ْم فِيهَا خَالِ ُدونَ ‪.)6(‬‬ ‫ك َأصْ َحابُ النَّ ِ‬ ‫ِإلَى هَّللا ِ َو َم ْن عَا َد فَُأولَِئ َ‬

‫() البخاري‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬باب تشبيك األصابع في المسجد وغيره‪ ،‬برقم ‪ ،481‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر‬ ‫‪1‬‬

‫والصلة‪ ،‬باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم‪ ،‬برقم ‪.2585‬‬


‫() البخاري‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب رحمة الناس والبهائم‪ ،‬برقم ‪ ،6011‬ومسلم‪ ،‬كتاب البر والصلة‪ ،‬باب‬ ‫‪2‬‬

‫تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم‪ ،‬واللفظ له برقم ‪.2586‬‬


‫انظر‪ :‬الربا‪ ،‬وآثاره على المجتمع اإلنساني‪ ،‬للدكتور عمر بن سليمان األشقر‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآلية‪ ،161 :‬وانظر‪ :‬ص‪.15‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫انظر الفصل الثالث من الباب األول (الربا في الجاهلية)‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.275 :‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬


‫ص َدقَا ِ‬
‫ت َوهللاُ ال ي ُِحبُّ‬ ‫‪12‬ـ يمحق هللا أموال الربا ويتلفها‪ ،‬قال هللا ‪: ‬يَ ْم َح ُ‬
‫ق هللاُ الرِّبا َويُرْ بِي ال َّ‬
‫ار َأثِ ٍيم‪ ،)7(‬وعن ابن مسعود ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير‬ ‫ُك َّل َكفَّ ٍ‬
‫إلى قل))(‪.)8‬‬

‫ب من هللا ورسوله ‪ ،‬قال هللا ‪: ‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا اتَّقُوا‬ ‫‪13‬ـ التعامل بالربا يوقع في حر ٍ‬
‫ب ِمنَ هَّللا ِ َو َرسُولِ ِه َوِإ ْن‬ ‫ْأ‬
‫هللاَ َو َذرُوا َما بَقِ َي ِمنَ الرِّبا ِإ ْن ُك ْنتُ ْم ُمْؤ ِمنِينَ * فَِإ ْن لَ ْم تَ ْف َعلُوا فَ َذنـُوا بِ َحرْ ٍ‬
‫ظـلَ ُمونَ ‪.)3(‬‬ ‫َظـلِ ُمونَ َوال تُ ْ‬ ‫تُ ْبتُ ْم فَلَ ُك ْم ُرُؤ وسُ َأ ْم َوالِ ُك ْم ال ت ْ‬

‫‪14‬ـ أكل الربا يد ّل على ضعف التّقوى أو عدمها‪ ،‬وهذا يُسبّب عدم الفالح ويوقع في خسارة‬
‫الدنيا واآلخرة‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تَْأ ُكلُوا الرِّبا َأضْ َعافا ً ُم َ‬
‫ضا َعفَةً َواتَّقُوا هللاَ لَ َعلَّ ُك ْم‬
‫ت لِ ْل َكافِ ِرينَ * َوَأ ِطيعُوا هللاَ َوال َّرسُو َل لَ َعلَّ ُك ْم تُرْ َح ُمونَ ‪.)4(‬‬ ‫ار الَّتِي ُأ ِع َّد ْ‬
‫تُ ْفلِحُونَ * َواتَّقُوا النَّ َ‬
‫‪15‬ـ أكل الربا يُوقع صاحبه في اللعنة‪ ،‬فيبعد من رحمة هللا تعالى‪ ،‬فإن النبي ‪(( :‬لعن آكل‬
‫الربا‪ ،‬وموكله‪ ،‬وكاتبه‪ ،‬وشاهديه))‪ ،‬وقال‪(( :‬هم سواء))(‪.)5‬‬

‫نهر من دم‪ ،‬وتقذف في فيه الحجارة فيرجع في‬ ‫‪16‬ـ آكل الربا ي َّ‬
‫ُعذب بعد موته بالسباحة في ٍ‬
‫وسط نهر الدم‪ ،‬وفي الحديث عن سمرة ‪ ‬بعد أن ساق الحديث بطوله فقيل للنبي ‪(( :‬الذي‬
‫رأيته في النهر آكل الربا))(‪.)6‬‬

‫‪17‬ـ أكل الربا من أعظم المهلكات‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬اجتنبوا السبع‬
‫الموبقات)) قالوا يا رسول هللا وما هن؟ قال‪(( :‬الشرك باهلل‪ ،‬والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي حرّم هللا‬
‫إال بالحق‪ ،‬وأكل الربا‪ ،‬وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتولي يوم الزحف‪ ،‬وقذف المحصنات الغافالت‬
‫المؤمنات))(‪.)7‬‬

‫‪18‬ـ أكل الربا يُسبّب حلول العذاب والدمار‪ ،‬فعن ابن عباس‬
‫رضي هللا عنهما يرفعه إلى النبي ‪(( :‬إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب‬
‫هللا))(‪.)8‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.276 :‬‬ ‫‪7‬‬

‫() أحمد في المسند‪ ،424 ،1/395 ،‬برقم ‪ ،3754‬و‪ ،4026‬والحاكم وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪،‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪ ،2/37‬وصحح إسناده أحمد شاكر في المسند‪ ،‬برقم ‪ ،3754‬وقال األلباني في صحيح الترغيب‬
‫والترهيب‪ ،‬برقم ‪(( :1863‬صحيح))‪.‬‬
‫() سورة البقرة‪ ،‬اآليتان‪.279 -278 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة آل عمران‪ ،‬اآليات‪.132-130 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() أخرجه مسلم عن جابر ‪ ،‬برقم ‪ ،1597‬تقدم تخريجه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب آكل الربا وشاهده وكاتبه‪ ،‬برقم ‪ ،2085‬وانظر‪ :‬فتح الباري‬ ‫‪6‬‬

‫بشرح صحيح البخاري‪.4/313 ،‬‬


‫() متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب الهبة‪ ،‬باب قبول الهدية من المشركين‪ ،‬برقم ‪ ،2615‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬ ‫‪7‬‬

‫اإليمان‪ ،‬باب الكبائر وأكبرها‪ ،‬برقم ‪.89‬‬


‫() أخرجه الحاكم وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،2/37 ،‬وحسنه األلباني في غاية المرام في تخريج‬ ‫‪8‬‬

‫أحاديث الحالل والحرام‪ ،‬ص‪ 203‬برقم ‪.344‬‬


‫‪19‬ـ الربا ثالثة وسبعون بابا ً من أبواب الشر‪،‬فعن عبد هللا بن مسعود ‪ ‬عن النبي ‪ ‬قال‪:‬‬
‫((الربا ثالثة وسبعون بابا ً أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه‪ ،‬وإن أربى الربا عرض الرجل‬
‫المسلم))(‪.)1‬‬

‫‪20‬ـ الربا معصية هلل ورسوله‪ ،‬قال هللا ‪: ‬فَ ْليَحْ َذ ِر الَّ ِذينَ يُخَالِفُونَ ع َْن َأ ْم ِر ِه َأ ْن تُ ِ‬
‫صيبَهُ ْم فِ ْتنَةٌ‬
‫ْص هللاَ َو َرسُولَهُ َويَتَ َع َّد ُحدُو َدهُ يُ ْد ِخ ْلهُ نَاراً خَالِداً‬‫صيبَهُ ْم َع َذابٌ َألِي ٌم‪ ،) (‬وقال تعالى‪َ  :‬و َم ْن يَع ِ‬
‫‪2‬‬
‫َأوْ يُ ِ‬
‫ضى هللاُ َو َرسُولُهُ‬ ‫ين‪ ،)3(‬وقال هللا تعالى‪َ  :‬و َما َكانَ لـِ ُمْؤ ِم ٍن َوال ُمْؤ ِمنَ ٍة ِإ َذا قَ َ‬ ‫فِيهَا َولَهُ َع َذابٌ ُم ِه ٌ‬
‫ضالالً ُمبِينا ً‪ ،)4(‬وقال‬ ‫ض َّل َ‬ ‫ْص هللاَ َو َرسُولَهُ فَقَ ْد َ‬ ‫َأ ْمراً َأ ْن يَ ُكونَ لَـهُ ُم ْال ِخيَـ َرةُ ِم ْن َأ ْم ِر ِه ْم َو َم ْن يَع ِ‬
‫ْص هللاَ َو َرسُولَهُ فَِإ َّن لَهُ نَا َر َجهَنَّ َم خَالِ ِدينَ فِيهَا َأبَداً‪.)5(‬‬ ‫‪َ : ‬و َم ْن يَع ِ‬
‫‪21‬ـ آكل الربا ُمتو َّع ٌد بالنار إن لم يتب‪ ،‬قال هللا ‪َ : ‬وَأ َح َّل هللاُ ْالبَ ْي َع َو َح َّر َم الرِّبا فَ َم ْن َجا َءهُ‬
‫ُأ‬
‫َموْ ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ِه فَا ْنتَهَى فَلَهُ َما َسلَفَ َوَأ ْم ُرهُ ِإلَى هَّللا ِ َو َم ْن عَا َد فَ ولَِئكَ َأصْ َحابُ النَّ ِ‬
‫ار هُ ْم فِيهَا‬
‫خَالِدُون‪.)6(‬‬

‫‪22‬ـ ال يقبل هللا الصدقة من الربا؛ لقول النبي ‪(( :‬إن هللا طيب ال يقبل إال طيباً))(‪.)7‬‬

‫‪23‬ـ ال يستجاب دعاء آكل الربا‪ ،‬ففي حديث أبي هريرة ‪ ‬أن النبي ‪ ...(( ‬ذكر الرجل‬
‫يطيل السفر أشعث أغبر يم ّد يديه إلى السماء‪ :‬يا ربّ ‪ ،‬يا ربّ ومطعمه حرام‪ ،‬ومشربه حرام‪،‬‬
‫ي بالحرام فَأنـّى يُستجاب لذلك))(‪.)8‬‬
‫وملبسه حرام‪ ،‬و ُغ ِذ َ‬

‫() أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،2/37 ،‬وصححه األلباني في صحيح‬ ‫‪1‬‬

‫الجامع الصغير‪ ،3/186 ،‬وأخرجه ابن ماجه في سننه في كتاب التجارات‪ ،‬باب التغليظ في الربا‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة ‪ ،‬برقم ‪ ،2274‬ولفظه‪(( :‬الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكح الرجل أمه))‪ ،‬وصححه‬
‫األلباني في صحيح ابن ماجه‪ ،2/27 ،‬وطبعة المعارف‪ ،240 /2 ،‬وقال شعيب األرنؤوط في تحقيقه‬
‫لشرح السنة للبغوي‪(( :8/55 ،‬صححه الحافظ العراقي))‪ ،‬وأخرج نصفه األول ابن ماجه عن ابن‬
‫مسعود ‪ ،‬برقم ‪ 2275‬ولفظه‪(( :‬الربا ثالثة وسبعون باباً))‪ ،‬وصححه األلباني في صحيح ابن ماجه‪،‬‬
‫‪ ،2/28‬وسمعت شيخنا العالمة عبدالعزيز بن عبد اهلل بن باز رحمه اهلل يقول أثناء تقريره على بلوغ‬
‫المرام‪ ،‬الحديث رقم ‪(( :851‬وعند ابن ماجه‪ :‬الربا ثالثة وسبعون باباً‪ ،‬وهي صحيحة ولم يزد على‬
‫ذلك‪ ...‬ورواه أبو داود بإسناد جيد عن سعيد بن زيد مرفوعاً‪(( :‬إن من أربى الربا االستطالة في عرض‬
‫المسلم بغير حق))‪ ،4/269 ،‬وزيادة ((أيسرها كأن ينكح الرجل أمه)) فيها نظر‪ ،‬وقد رواه الحاكم‬
‫وصححه‪ ،‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وهذا مما يوجب الحذر‪ ،‬والتمثيل باألم يدل على عظم الذنب‪ ،‬والتمثيل‬
‫حرم اهلل‬
‫بالعرض يدل على أن الربا ال يختص بالمال‪ ،‬وأنه يدخل في الربا‪ :‬الغيبة‪ ،‬والنميمة‪ ،‬وتعاطي ما ّ‬
‫من الفواحش األخرى))‪.‬‬
‫سورة النور‪ ،‬اآلية‪.63 :‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫سورة النساء‪ ،‬اآلية‪.14 :‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫سورة األحزاب‪ ،‬اآلية‪.36 :‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫سورة الجن‪ ،‬اآلية‪.23 :‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫سورة البقرة‪ ،‬اآلية‪.275 :‬‬ ‫()‬ ‫‪6‬‬

‫أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها‪ ،‬برقم ‪.1014‬‬ ‫()‬ ‫‪7‬‬

‫أخرجه مسلم‪ ،‬برقم ‪ ،1014‬وتقدم تخريجه‪.‬‬ ‫()‬ ‫‪8‬‬


‫‪24‬ـ أكل الربا يُسبِّب قسوة القلب ودخول الرَّان عليه‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ  :‬كالّ بَلْ َرانَ َعلَى قُلُوبِ ِه ْم‬
‫َما َكانُوا يَ ْك ِسبُونَ ‪ ،)1(‬وقال النبي ‪(( :‬أال وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله‪،‬‬
‫وإذا فسدت فسد الجسد كله أال وهي القلب))(‪.)2‬‬

‫‪25‬ـ أكل الربا يكون سببا ً في الحرمان من الطيبات‪ ،‬قال هللا تعالى‪ :‬فَبِظُ ْل ٍم ِمنَ الَّ ِذينَ هَادُوا‬
‫ص ِّد ِه ْم ع َْن َسبِي ِل هَّللا ِ َكثِيراً * َوَأ ْخ ِذ ِه ُم الرِّبا َوقَ ْد نُهُوا َع ْنهُ َوَأ ْكلِ ِه ْم‬
‫ت لَهُ ْم َوبِ َ‬ ‫ت ُأ ِحلَّ ْ‬
‫َح َّر ْمنَا َعلَ ْي ِه ْم طَيِّبَا ٍ‬
‫اس بِ ْالبَا ِط ِل َوَأ ْعتَ ْدنَا لِ ْل َكافِ ِرينَ ِم ْنهُ ْم َع َذابا ً َألِيما ً‪.)3(‬‬
‫َأ ْم َوا َل النَّ ِ‬
‫‪26‬ـ أكل الربا ظلم‪ ،‬والظلم ظلمات يوم القيامة‪ ،‬قال هللا تعالى‪َ  :‬وال تَحْ َسبَ َّن هللاَ غَافِالً َع َّما‬
‫يَ ْع َم ُل الظَّالِ ُمونَ ِإنَّـ َما يَُؤ ِّخ ُرهُ ْم لِيَــوْ ٍم تَ ْش َخصُ فِي ِه اَأل ْب َ‬
‫صا ُر * ُم ْه ِط ِعينَ ُم ْقنِ ِعي رُُؤو ِس ِه ْم ال يَرْ تَ ُّد ِإلَ ْي ِه ْم‬
‫طَرْ فُهُ ْم َوَأ ْفِئ َدتُهُ ْم هَ َوا ٌء‪.)4(‬‬

‫‪27‬ـ آكل الربا يُحال بينه وبين أبواب الخير في الغالب‪ ،‬فال يقرض القرض الحسن‪ ،‬وال يُن ِظ ُر‬
‫ب؛ ألنه يصعب عليه إعطاء المال بدون فوائد محسوسة‪،‬‬ ‫ْس َر‪ ،‬وال يُنفِّس الكربة عن المكرو ِ‬
‫ال ُمع ِ‬
‫وقد بيّن هللا فضل من أعان عباده المؤمنين ونفّس عنهم الكرب‪ ،‬فعن أبي هريرة ‪ ‬عن النبي ‪‬‬
‫ب يوم القيامة‪،‬‬ ‫ب الدنيا نفّس هللا عنه ُكرْ بَةً من ُك َر ِ‬
‫أنه قال‪(( :‬من نفّس عن مؤمن ُكرْ بَةً من ُك َر ِ‬
‫ومن يسّر على معسر يسّر هللا عليه في الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن ستر مسلما ً ستره هللا في الدنيا‬
‫واآلخرة‪ ،‬وهللا في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))(‪.)5‬‬

‫وعن عبد هللا بن عمر رضي هللا عنهما أن رسول هللا ‪ ‬قال‪(( :‬المسلم أخو المسلم ال يظلمه‬
‫وال يُسلمه‪ ،‬من كان في حاجة أخيه كان هللا في حاجته‪ ،‬ومن فرّج عن مسلم كربة فرّج هللا عنه بها‬
‫كربة من كرب يوم القيامة‪ ،‬ومن ستر مسلما ً ستره هللا يوم القيامة))(‪.)6‬‬

‫وثبت عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬من أنظر معسراً أو وضع عنه أظلَّه هللا في ظله))(‪.)7‬‬

‫‪28‬ـ الربا يقتل مشاعر الشفقة عند اإلنسان؛ ألن المرابي ال يتر َّدد في تجريد المدين من جميع‬
‫أمواله عند قدرته على ذلك؛ ولهذا جاء عن النبي ‪ ‬أنه قال‪(( :‬ال تُنزع الرحمة إال من شقي))‬

‫() سورة المطففين‪ ،‬اآلية‪.14 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫() أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب اإليمان‪ ،‬باب فضل من استبرأ لدينه‪ ،‬برقم ‪ ،52‬وأخرجه مسلم عن النعمان‬ ‫‪2‬‬

‫بن بشير ‪ ،‬كتاب المساقاة والمزارعة‪ ،‬باب أخذ الحالل وترك الشبهات‪ ،‬برقم ‪.1599‬‬
‫() سورة النساء‪ ،‬اآليتان‪.161 -160 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة إبراهيم‪ ،‬اآليتان‪.43 -42 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى‬ ‫‪5‬‬

‫الذكر‪ ،‬برقم ‪.2699‬‬


‫() متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب المظالم‪ ،‬باب ال يظلم المسلم المسلم وال يسلمه‪ ،‬برقم ‪،2442‬‬ ‫‪6‬‬

‫ومسلم‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء والتوبة واالستغفار‪ ،‬باب فضل االجتماع على تالوة القرآن وعلى الذكر‪،‬‬
‫برقم ‪.2580‬‬
‫() مسلم‪ ،‬كتاب الزهد والرقائق‪ ،‬باب حديث جابر الطويل وقصة أبي اليسر‪ ،‬برقم ‪.3006‬‬ ‫‪7‬‬
‫(‪ .)1‬وقال عليه الصالة والسالم‪(( :‬ال يرحم هللا من ال يرحم الناس))(‪ .)2‬وقال عليه الصالة‬
‫والسالم‪(( :‬الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من في األرض يرحمكم من في السماء))(‪.)3‬‬

‫‪29‬ـ الربا يُسبب العداوة والبغضاء بين األفراد والجماعات‪ ،‬ويُحدث التقاطع والفتنة(‪.)4‬‬

‫‪30‬ـ الرّبا يج ّر الناس إلى الدخول في مغامرات ليس باستطاعتهم تح ّمل نتائجها‪ .‬وأضرار الربا‬
‫ال تُحصى‪ ،‬ويكفي أن نعلم أن هللا تعالى ال يُح ِّرم إال ك ّل ما فيه ضرر ومفسدة خالصة أو ما‬
‫ضرره ومفسدته أكثر من نفعه‪ ،‬فأسأل هللا لي ولجميع المسلمين العفو والعافية في الدنيا‬
‫واآلخرة(‪.)5‬‬

‫وصلى هللا وسلّم وبارك على عبده ورسوله‪ ،‬وأمينه على وحيه‪ ،‬وخيرته من خلقه‪ ،‬نبينا محمد‬
‫وعلى آله‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ -‬أسباب تحريم الربا ‪:‬‬

‫ال يشك المسلم في أن هللا عز وجل ال يأمر بأمر إال وله فيه حكمة عظيمة ‪ ،‬فإن علمنا بالحكمة ‪،‬‬
‫فهذا زيادة علم وهلل الحمد ‪ ،‬وإذا لم نعلم بتلك الحكمة فليس علينا جناح في ذلك ‪ ،‬إنما الذي يطلب‬
‫منا هو أن ننفذ ما أمر هللا به ‪،‬‬

‫وننتهي عما نهى هللا عنه ورسوله‬

‫وقد اطلعت على ما قاله الدكتور ‪ /‬عمر سليمان األشقر في أسباب تحريم الربا فأحببت أن أورده‬
‫هنا زيادة للفائدة ‪:‬‬

‫‪ - ١‬الربا ظلم وهللا حرم الظلم ‪.‬‬

‫‪ - ٢‬قطع الطريق على أصحاب النفوس المريضة ‪.‬‬

‫‪ - ٣‬الربا فيه غبن‬

‫‪ - ٤‬المحافظة على المعيار الذي تقوم به السلع ‪ .‬ه ‪ -‬الربا مضاد لمنهج هللا (‪)۱‬‬

‫الخاتمة‬

‫() أبو داود‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب في الرحمة‪ ،‬برقم ‪ ،4942‬والترمذي‪ ،‬كتاب البر والصلة عن رسول اهلل ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫باب ما جاء في رحمة المسلمين‪ ،‬برقم ‪ ،1923‬وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪.2/180 ،‬‬
‫() متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬كتاب التوحيد‪ ،‬باب قول اهلل تبارك وتعالى‪ :‬قُ ِل ا ْدعُوا اهللَ أ ِو ا ْدعُوا َّ‬
‫الر ْح َمن‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬برقم ‪ ،7376‬ومسلم‪ ،‬كتاب الفضائل‪ ،‬باب رحمته ‪ ‬للصبيان والعيال‪ ،...‬برقم ‪.2319‬‬
‫() أبو داود‪ ،‬كتاب األدب‪ ،‬باب في الرحمة‪ ،‬برقم ‪ ،1941‬والترمذي‪ ،‬كتاب البر والصلة عن رسول‬ ‫‪3‬‬

‫اهلل ‪ ،‬باب ما جاء في رحمة المسلمين‪ ،‬برقم ‪ ،924‬وصححه األلباني في صحيح الترمذي‪.2/180 ،‬‬
‫() انظر‪ :‬توضيح األحكام من بلوغ المرام للبسام ‪.4/7‬‬ ‫‪4‬‬

‫() انظر‪ :‬توضيح األحكام من بلوغ المرام للبسام ‪.4/7‬‬ ‫‪5‬‬


‫تم بحمد هللا تعالى هذا البحث بعد التحري ‪ ،‬والعناية ‪ ،‬على قدر المستطاع والموضوع له‬
‫أهمية كبيرة وجدير بالعناية من الباحثين والعلماء المخلصين ‪ ،‬وما ذلك إال ‪ :‬ألن الربا أفة خطيرة‬
‫على األمة اإلسالمية ‪ ..‬وما ذلك إال ‪ :‬ألن الربا مضاد لنهج هللا تعالى فيجب على جميع المسلمين‬
‫التمسك بكتاب هللا ‪ ،‬وسنة رسوله ففيها الخير كله ‪ ،‬وفيها سعادة البشرية ‪ -‬لمن تمسك بها وعمل‬
‫بما فيها من أحكام وتوجيهات ‪ .‬في الدنيا واآلخرة ‪ .‬ومن نتائج هذا البحث استعراض بعض‬
‫المسائل المهمة التي يجب على كل مسلم أن يعرفها ‪ :‬ليجتنب الوقوع فيما حرمه هللا تعالى عليه ‪.‬‬
‫فمن ذلك الوقوف على األدلة القطعية في تحريم الربا ‪ . ،‬ومن ذلك ‪ .‬الوقوف على عادات‬
‫الجاهلية قبل اإلسالم‪ ،‬وأنهم كانوا في حالة يرثى لها ‪ ،‬من تكالب على المال‪ ،‬ولو كان طريقه‬
‫محرما ً وضاراً‪ .‬ومن ذلك أن اإلسالم عندما حرم الربا فإنه لم يترك البشرية بدون تعويض عنه ؛‬
‫بل أحل البيع‪ ،‬وجميع أنواع المضاربات ‪ ،‬التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير والبركة ‪،‬‬
‫والسعادة ‪ .‬ومن ذلك ‪ :‬أن أكل الربا ملعون‪ ،‬ومطرود من رحمة ربه ‪ .‬كما دلت على ذلك السنة‬
‫الصحيحة ‪ .‬ومن ذلك ‪ :‬الوقوف على أنواع الربا‪ ،‬وأنه ينقسم إلى قسمين ‪ :‬ربا الفضل ‪ ،‬وربا‬
‫النسيئة ‪ ،‬وكالهما محرم باإلجماع ‪ .‬ومن ذلك ‪ :‬جواز بيع الحيوان بالحيوان‪ ،‬وجواز التفاضل ‪،‬‬
‫والنساء في غير المكيل ‪ ،‬والموزون‪.‬ومن ذلك أيضا ً ‪ :‬الوقوف على حكم بيع العينة ‪ ،‬وأنه محرم‬
‫بنص السنة الصحيحة‪.‬ومن ذلك ‪ .‬الوقوف على مضار الربا وآثاره ‪ ،‬ومفاسدهومن ذلك‪ ،‬ذكر‬
‫أسباب تحريم الربا‪ ،‬وأن هللا عز وجل له الحكة البالغة ‪ ،‬ومعرفة الحكمة من األحكام الشرعية‬
‫لسنا ملزمين بمعرفتها وهلل الحمد ‪ .‬فإن عرفنا الحكمة في بعض األمور فزيادة علم‪ ،‬وخير‪ ،‬وإن لم‬
‫تعرف عملنا بما أمرنا ربنا ‪ ،‬وانتهينا عما نهانا سبحانه وتقول ‪ :‬سمعنا ‪ ،‬وأطعنا ‪ ،‬وربنا هو‬
‫الحكيم فيا شرع ‪ ،‬الخبير بذلك سبحانه وتعالى ‪ .‬وختاما ً أسأل هللا العلي العظيم أن يجعل أعمالنا‬
‫خالصة لوجهه الكريم ‪ .‬وأن يزيدنا علما ً ‪ ، .‬وهدى‪ ،‬وتوفيقا ً إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪ ،‬وصلى‬
‫هللا وسلم على عبده ورسوله وخيرته من خلقه نبينا محمد بن عبد هللا‬

You might also like