You are on page 1of 161

‫‪m‬‬

‫محمد يوسف الصليبي‬

‫‪o‬‬
‫‪b.c‬‬
‫انتائً‬
‫‪o‬‬
‫‪ -‬رواية ‪-‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪alk‬‬

‫من منشورات اتحاد الكتاب العرب‬


‫‪8991‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪b.c‬‬
‫الحقوق كافة‬
‫مـحــــفــــوظـة‬
‫التـحــاد الـكـتـّاب الــعـرب‬

‫‪o‬‬
‫‪ott‬‬
‫تصمٍم انغالف نهفىان ‪:‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-2-‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫اإلهداء‬

‫‪b.c‬‬
‫إنى تهك انُردة انتً قصفتٍا ٌد انقدر‬
‫ًٌَ فً أَج عطائٍا!‬
‫إنى أمً انتً نم أستىشق عبٍزٌا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-3-‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
mo
o b.c
ott
alk
w.
ww

-4-

www.alkottob.com
‫‪m‬‬
‫‪-1-‬‬

‫‪o‬‬
‫حدثني يوسف بن يوسف الياللي قال‪:‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أشعر أنني في قمعة آمنة‪ .‬ال أبذل كثي اًر من الجيد ألحصل عمى ما يعينني‬
‫عمى البقاء متحركاً‪ .‬أدور في أنحاء قمعتي بحرية ال مثيل ليا‪ .‬تضخمت فأصبحت‬
‫بقدمي‬
‫ّ‬ ‫أضيق بالمكان‪ .‬لكنني أحبو‪ .‬ولم ترغب نفسي عنو‪ .‬أخذت أدفع الجدران‬
‫ويدي عميا تتسع لحركتي التي أصبحت ال تتوقف‪ .‬كنت أسمع آىاتيا تخرج متألمة‬ ‫ّ‬
‫وممتاعة‪ ،‬لكني لم أبال‪ .‬ربما كنت أستعذب ىميمات آالميا العذبة!! شعرت‬
‫بسعادتيا تمتزج مع تمك اآلىات‪ .‬ومع تواصل صرخاتيا كانت تندفع أنفاسيا‬

‫‪o‬‬
‫خارجة من أنفيا‪ ،‬يتحول جزء منيا إلى داخميا فيقتحم قمعتي‪ .‬تمفحني ح اررتيا‪:‬‬
‫أنكمش‪ .‬أصمت‪ .‬يتمبسني البيات الشتوي‪ .‬لحظات وأعود إلى دفع الجدران في‬
‫‪ott‬‬
‫محاولة ثانية لتوسيعيا‪ .‬أفشل فتتسارع حركتي في محاوالت فاشمة‪ .‬تزايدت‬
‫صرخاتيا مع تزايد اندفاعاتي اليوجاء‪.‬‬
‫‪-‬يوسف‪..‬‬
‫انطمق االسم من فييا مع صرخات مكتومة تعبر عن األلم الذي سببتو ليا‪.‬‬
‫سمعت االسم فاستعذبت حروفو‪ .‬دفعتيا بشدة أكثر آمالً أن أسمع الحروف تنساب‬
‫‪alk‬‬

‫من بين شفتييا مرة أخرى‪.‬‬


‫‪-‬ي‪ ..‬و‪..‬س‪..‬ف‪.‬‬
‫كم ىو خفيف عمى األذن ىذا االسم‪ ..‬تذوق نغمة صوت السين فيو‪ ..‬نغمة‬
‫تائية في فضاء بعيد‪ ..‬تصل إلي وكأنيا آتية من عمق األعماق‪ .‬دفعتيا بقسوة‬
‫أكثر‪ .‬وبدالً من أن تنطق باالسم انطمقت صرخاتيا بتالحق يفتت األكباد‪.‬‬
‫رأيتو يندفع نحوىا‪ .‬ضخم الجثة طويل القامة ذو شنب ضخم‪ ،‬لكنو وسيم‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫تسمرت نظراتو عمى بطنيا المتكور‪ .‬أخذ يتابع حركتي‪ .‬ارتعبت‪ .‬تعمدت أن أتوه‬
‫بو في مواقع متعددة من حصني المنيع‪ .‬تقدم باتجاىيا‪ ،‬باتجاىي‪ ..‬ارتجفت من‬
‫الخوف‪ .‬تشرنقت في ركن من الحصن فبرز لمعيان مكاني‪ ..‬امتدت يده نحوي‪..‬‬
‫أمسكني من أنفي‪ ..‬ىربت إلى الزاوية األخرى‪ ..‬الحقتني أصابعو‪ .‬أمسكني‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫تزايدت مخاوفي‪ .‬تزايد ارتجاف أطرافي‪ ،‬وأنا الذي كنت أظن أنني في موقع‬
‫‪-5-‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫حصين ال تطولني يد!‬
‫‪-‬يكاد ينفمت منك‪ ..‬قال بصوت متيدج‪.‬‬
‫أجابتو بصرخة طويمة متقطعة‪ .‬لم يحتمل دموعيا الساقطة بإصرار عجيب‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫تحركت أصابعو من عمى أنفي وامتدت إلى وجنتييا تمسح دموع عنيا‪.‬‬
‫‪-‬ال تخافي‪ ..‬اصبري‪ ،‬كل شيء سيكون عمى ما يرام‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أخذت أقيقو بصوت عال‪ ،‬ثم كتمت قيقياتي خوفاً من أن يسمعني‪ .‬ىالني‬
‫ما أرى! الرجل القوي الذي تحدى جمعاً من أىمو يقف مرتجفاً أماميا‪ ..‬احترمت‬
‫ألمو وليفتو عمييا‪ .‬أوقفت حركتي‪ ..‬تمددت بقدر ما سمحت لي المياه المتسربة‪.‬‬
‫وساقي‪ ..‬استكانت‪ ..‬تحسستني بيدييا‪ ..‬أمسكتني‬‫ّ‬ ‫ىناك متسع ألن أبسط ذراعي‬
‫فخذي‪ ..‬استرخت أساريرىا‪ ..‬ابتسمت عيناىا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من مكان ما بين‬
‫‪-‬إنو ولد يا يوسف‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫قالت وقد تدفقت سعادة ال حدود ليا من عينييا‪ .‬صعدت آىة مرتاحة من‬
‫القمب‪ ..‬قمبيا لتعانق أفكاره وتمتف حولو‪ .‬تمقفيا منشرح القمب‪ .‬أطمق إشارات‬
‫‪ott‬‬
‫االمتنان ليا من عينيو‪ ،‬ال بل من قمبو‪ ..‬رأيتو ينبض فيتدفق مزيجاً من والسعادة‬
‫واألمل إلى رأسو فتندفع كل تمك المشاعر الراقية منو إلييا‪ .‬كنت أرقبيم‬
‫باستمتاع‪.‬ضغطت عمى خاصرتيا‪ ،‬فاختفت االبتسامة من وجييا وانطمقت منيا‬
‫آىة دعتني أن انتظر بعضاً من الوقت‪...‬‬
‫‪-‬سأخرج‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬يا قطعة من قمبي الذي تطوقو بيديك! انتظر‪.‬‬


‫ابتسمت‪ ..‬وما كان مني إال أن أمتثل لرغبتيا‪ ..‬انتظرت!‬
‫‪-‬وىل تنتظرينني؟! سألتيا بميفة‪.‬‬
‫‪-‬إن كان ىذا يسرك فسأفعل‪.‬‬
‫‪-‬وان لم تميمك يد القدر؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ال تكن سوداوياً!‬


‫قالت وقد تكدرت مالمحيا وتسممت دمعة من عينييا‪ .‬أبكتني‪ .‬حاولت أن‬
‫أمسح دموعيا الغالية‪ ،‬لم أستطع دفعت بنفسي إلى أعمى‪ .‬صرخت من األلم‪.‬‬
‫توقفت‪ .‬ىدأت ىي‪ .‬بقيت وحيداً‪ .‬أمامك طريق واحدة‪ .‬ال خيار لديك‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫تير وسرواال ىو‬


‫ىا أنت ذا وحيد كما تركتك‪ .‬تحمل عمى جسدك قميصاً قد ّأ‬
‫‪-6-‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫الوحيد الذي اشتراه لك‪ .‬جسد لم يعرف معنى االسترخاء قط‪ .‬كما كنت تحمم‪ ..‬أن‬
‫تتخمص منيا جميعاً وىا أنت ذا تفعل‪ .‬واقع الحال أنك لم تفعل‪ ..‬األيام ىي التي‬
‫قررت لست نادماً‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ال تمتفت لمخمف‪ ،‬وال تنحرف عن الطريق‪.‬‬
‫ىكذا صاح الجندي الذي كان ضمن مجموعة رافقتنا إلى حيث الحدود‪ .‬يوم‬

‫‪b.c‬‬
‫قائظ شمسو حارقة تميب األرض ومن عمييا بسياط طويمة من ح اررتيا‪ .‬بدأت‬
‫قطرات العرق تتجمع في أنحاء عدة من ىذا الجسد الميدود‪ .‬نظرت إلى اآلخرين‪،‬‬
‫لم يكن في استطاعتي أن أق أر ما بداخميم‪ .‬ألقيت نظرة متفحصة عمى ىذا الفضاء‬
‫الواسع‪ .‬اصطدمت نظراتي بجبال شاىقة‪ .‬ألول مرة أراىا‪ ..‬أو أرى مثميا‪" .‬ال‬
‫تمتفت لمخمف!!" يا ليا من نصيحة!! أردت أن أتخمص من الماضي‪ .‬وىا أنا ذا‬
‫أخطو الخطوة األولى‪ .‬وذاك الجندي يأمرني أال ألتفت لمخمف‪ .‬ىل باستطاعتي أن‬
‫أفعل؟ سأترك لؤليام الرد!! األيام!! الزمن؟؟ ماذا فعل بي؟! وماذا فعمت أنا؟!‬
‫تحمل ىذا الجسد؟! أليذا‬

‫‪o‬‬
‫تتدحرج من ىضبة إلى سفح‪ .‬ثم تنيض من جديد‪ ..‬كم ّ‬
‫خمق؟!‬
‫‪ott‬‬
‫تقاطرنا واحداً خمف اآلخر‪ ،‬كما أمرنا الجندي‪ ،‬لم يمتفت أحدنا لمخمف‪ .‬لمحظة‬
‫راودتني نفسي أن أفعل‪ ..‬أن ألقي نظرة عمى ما سيكون ماضياً‪ ..‬التف‪..‬‬
‫حولي‪ ،‬فرغبت عن تمك الفكرة المجنونة‪ ،‬أتذكر تمك األيام عندما شعرت‬
‫برجولتك ألول مرة؟ تحسست شعيرات متناثرة نبتت في أجزاء من ذقنك‪ .‬وىذه‬
‫الشعيرات كذلك‪ .‬انتثرت في مساحات واسعة‪ .‬ونحن في طريق ال نحيد عنيا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬بعد عدة أمتار سيمقاكم إخوانكم‪ .‬قال ذلك الجندي‪.‬‬


‫‪-‬ىا ىم‪ .‬صاح أحدنا‪.‬‬
‫نظرت إلييم "لماذا فعمتم بنا كل ما فعمتم؟ "كدت أصرخ‪ ،‬لكن الخوف ألصق‬
‫لساني بين شفتي‪ ،‬فانحبست الكممات‪.‬‬
‫‪-‬ال تنحرفوا عن الطريق‪ .‬صاح أحدىم‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫سمعنا ذلك من قبل‪.‬‬


‫‪-‬ماذا فعمت؟ سألني الضابط‪.‬‬
‫لم تتردد الكممات بين شفتي‪ .‬انطمقت بسرعة‪.‬‬
‫‪-‬كنت في فناء الكمية عندما اندلعت المظاىرة فألقوا القبض عمي‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-7-‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أي كمية؟‬
‫‪-‬كمية بير زيت‪.‬‬
‫‪-‬وىذا كل ما فعمتو؟ سألني‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ىذا كل شيء‪ .‬أجبت‪.‬‬
‫وىكذا تتابع االستجواب‪ ،‬واندلقت اإلجابات الكاذبة بال خجل‪ .‬من قال إن‬

‫‪b.c‬‬
‫الكذب كمو حرام؟ سألت نفسي‪ ..‬ىل نجحت؟ ما أتفو السؤال!! فاأليام ما زالت‬
‫تتراقص أمامي تخفي كثي اًر من األسرار‪" .‬ال تكن سوداوياً‪ ".‬قال فاروق لي ذات‬
‫مرة‪" .‬إنيا ت ارفقني كظمي" قمت لو‪.‬‬
‫عندما أدخمني رجل االستخبارات حجرة نظيفة‪ ،‬ادخل عمي فاروق‪ .‬كان وجيو‬
‫متورماً‪ .‬نظرت إليو كان شاحباً‪ .‬غمزني أن ال أنطق‪ .‬لم أفعل‪ .‬دامت لحظات‬
‫المقاء قميالً‪ .‬لم أره بعد ذلك‪ .‬خرج ىو من السجن وبقيت أنا أعاني‪ .‬مكثت طويالً‬

‫‪o‬‬
‫بين الجدران وكان ىو خارجيا‪ .‬و ىا أنا ذا أنطمق ح اًر أللحق بو!! أين ىو؟!‬
‫"األيام تنسج األحداث بدىاء "قمت لنفسي‪ .‬أين ىو اآلن؟ حشرت جسدي مع‬
‫‪ott‬‬
‫اآلخرين في سيارة عسكرية ال أدري أين تتجو‪ .‬كانت الشمس قد غادرتنا غير‬
‫آسفة‪ ،‬وعباءة من الظالم الكثيف تمف المكان بإحكام‪ .‬وفي منتصف الطريق‬
‫اخترق الصمت صوت انفجار شديد‪ .‬توقفت السيارة عمى أثره‪ .‬اندلع الخوف في‬
‫أجزائي‪ .‬ورغم شدة الظالم رأيتو مجسداً أمامي يعانق خوف اآلخرين‪ .‬ما الذي‬
‫حدث؟! كما ىي العادة‪ ،‬ال بد أن يقضي أحدنا عمى اآلخر‪ .‬وال أحد يريد أن يكون‬
‫ىذا اآلخر‪ .‬تباً ليذا العقل الذي يرفض التجانس مع المعقول‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬ال تتحركوا‪ .‬صاح جندي يجمس في المقدمة‪.‬‬


‫وىل بإمكاننا أن نفعل؟ تجمدت أطرافنا‪ .‬التصق بعضنا ببعض‪ .‬لحظة‬
‫الرعب تمك لم تدم طويالً‪ .‬ىل شعرت يوماً بتوقف الدماء في عروقك؟ من تصمبيا‬
‫أمسكت بيا‪.‬‬
‫وصمنا إلى سجن الكرك‪ .‬انزلقنا من السيارة‪ .‬بقايا خوف تشبثت بثنايا عقولنا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫بقايا من عزم دفعتنا ألن نتحامل عمى أقدامنا ونصل إلى حجرات واسعة‪ .‬تفحصتنا‬
‫بنظرات ذابمة‪ .‬ارتدت نفسي إلى الداخل‪ ،‬وكذلك فعمت عيناي‪ .‬تممك التعب كل‬
‫أنحاء جسدي‪ ،‬ألقيت بو عمى األرض وتمددت أمالً في أن أغمق صمام الوىم‬
‫وأغمض عيني‪ ،‬وأنام‪ .‬لم يكن في متناول يدي‪ .‬استجمعت ما تبقى عندي من قوة‬
‫عيني‪ ،‬تحقق لي ذلك لمحظات‪ ..‬ثم داخل الجفون المغمقة بقيت عيناي‬ ‫ألغمق‬
‫‪ww‬‬

‫ّ‬
‫‪-8-‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫يقظتين‪ .‬وما ىي إال ىنييات حتى استيقظت حواسي كميا‪.‬‬
‫كيف أتيت إلى ىذه الدنيا؟! ولماذا بقيت أنا ومات عدد منيم؟! تحسست‬
‫الوىم بيدي‪ .‬فشمت في أن أصورىا في ذاكرتي‪ ،‬فأنا لم أشاىدىا‪ .‬ما أسرع ما‬

‫‪o‬‬
‫تركتني‪ ..‬أين ىي اآلن؟! حاولت أن أوقف دوران الذاكرة في زوايا حياتي ‪ ..‬لم‬
‫أستطع!! وماذا استطعت أنت أصالً من قبل؟! تيوي من عمياء أوىامك إلى قاع‬
‫سحيق ىو واقعك الذي ال تعترف أنت بو‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أتذكر؟!‬
‫األيام الرائعة في رام اهلل‪ ..‬عندما شعرت أن األيام قد ابتسمت لك‪ ،‬وتخمصت‬
‫من قضبان وىمية فرضيا عميك أخوك وزوجتو‪ .‬ذاك المساء العابق برائحة الزىور‬
‫البرية في يوم تموزي‪ ..‬نسمات اليواء الخفيفة تتدفق عبر حواسك كميا‪ .‬أنت سارح‬
‫في ممكوت اهلل‪ ،‬وفاروق وعبد الكريم يدخنان المفائف‪..‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬أال تدخن يا يوسف؟! سأل فاروق‪.‬‬


‫‪-‬ال‪ ..‬ال أعتقد أنني بحاجة إلى ذلك‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬وما ىي متعتك في الدنيا إن لم تدخن؟ قال عبد الكريم‪.‬‬
‫في تمك الجمسة بدأت البدايات‪ .‬كنا خارج معيد المعممين في رام اهلل‪ .‬تحدثنا‬
‫طويالً‪ .‬في ذلك اليوم دخنت لفافتين ‪-‬ولقد كانت بدايتي في التدخين أيضاً‪ -‬واتفقنا‬
‫عمى أن نبدأ العمل‪.‬‬
‫‪-‬أتعرفو جيداً؟ سألني فاروق‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬أعتقد ذلك‪ .‬أجبت‪.‬‬


‫‪-‬إذن سنقابمو‪.‬‬
‫‪-‬ال أعد بذلك سأحاول أوالً‪.‬‬
‫تتير‬
‫البداية وبعض بعدىا‪ .‬ثم انكشف كل شيء‪ .‬قل لي بربك‪ ..‬كثي اًر ما َّأ‬
‫تتير أنت بين يدي األيام قبل أن‬
‫األيام بين يديك دون أن تسحقك‪ ،‬وأكثر من ذلك ّأ‬
‫‪w.‬‬

‫تشعر بذاتك‪ .‬قل لي بربك‪ .‬ما تفسير ذلك؟ كيف حدث ما حدث؟! لم نفعل الكثير‬
‫الذي نستحق عميو ما عانيناه الحقاً‪.‬‬
‫كانت الرحمة من رام اهلل إلى غزة تستغرق نحو الساعتين والنصف قضيناىا‬
‫نغرس نظراتنا في أرض كانت ذات يوم ممكنا‪ .‬مدينة القدس العتيقة بحوارييا‬
‫ومنازليا شاىدة عمى التاريخ وربما التاريخ شاىد عمييا‪ .‬ثم مزارع خضر عمى طول‬
‫‪ww‬‬

‫‪-9-‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫طريق ال أعرف اسمو‪ ،‬فنحن في أرض ىي لنا ولم نرىا من قبل‪ .‬ذابت نفسي مع‬
‫خضرة الطريق‪ ..‬تسممت أحاسيسي عبر النافذة فعانقت الفضاء المحيط باألشجار‬
‫الخضر‪ .‬دفقات من المطر اقتحمت وجيي المسحوق والجمال المبعثر عمى جانبي‬

‫‪o‬‬
‫الطريق‪ ،‬فازداد الجمال جماالً‪.‬‬
‫‪-‬يوسف‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫كأن الصوت آتياً من أعماق األرض‪ .‬انتفضت ممتفتاً إلى مصدره‪.‬‬
‫‪-‬ىذه ىي دير سنيد‪ ..‬قال المدرس الذي يرافقنا في الرحمة‪.‬‬
‫آه‪ ..‬يا وخزة األلم الذي ال يحتمل‪ .‬سكين ينغرس في لحمك‪ .‬تتأوه ببطء‪..‬‬
‫يتسمل األلم عبر أجزائك كميا‪" .‬دير سنيد"‪ ،‬يا لالسم الرائع!! تحركت أصابع يدي‬
‫عابثة باليواء‪" ..‬دير سنيد"‪ ..‬تمنيت أن يبطئ السائق اندفاع السيارة‪ ،‬لكنو لم‬
‫يفعل‪ .‬لتكن غصة في القمب‪ ،‬وأمالً سابحاً في فضاء بال قرار‪ ..‬أحمق الىثاً خمف‬

‫‪o‬‬ ‫سراب عمني ألمس ذاك األمل‪.‬‬


‫العيد‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬فقط تمك القروش الخمسة وال شيء غيرىا‪.‬‬
‫قال ابن أخي عندما أرسمتو ليطمب لي المزيد من أخي الذي ىو ولي أمري‪.‬‬
‫‪-‬قل لو يا رجل أنيا ال تكفي‪ ..‬العيد الفائت أعطاني خمسين قرشاً‪.‬‬
‫قمت لو‪ .‬وبعد فترة عاد‪..‬‬
‫‪-‬ال نقود لديو‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫قدمي في طريقي ألخرج‬


‫ّ‬ ‫ألقيت القروش الخمسة في جيب سروالي وحركت‬
‫من محيط المخييم ‪-‬نسيت أن أقول لكم إنني أقيم في مخيم جباليا‪ ،‬وأصالً من‬
‫سكان قرية دير سنيد‪ ،‬تمك القرية التي توقف قمبي بجوارىا ‪-‬بيارة الترك‪ ..‬طريق‬
‫مرصوفة عمى جانبييا أشجار البرتقال محاطة بسياج قوي‪ ،‬لكن يسيل اختراقو‪.‬‬
‫اء‬
‫وكثي اًر ما سطونا عميو لنغتصب بعضاً من الجوافة والبرتقال‪ .‬بدأت أتنفس ىو ً‬
‫‪w.‬‬

‫نقياً‪ .‬أمسكت لحظة الذوبان ىذه بيدي‪ ..‬زادىا روعة ذاك المطر الخفيف الذي بدأ‬
‫يتساقط‪ ..‬عن بعد لمحتيم‪ ..‬سرت باتجاىيم‪ ..‬مجموعة من شبان المخيم‪ ..‬الحق‬
‫أقول إنيم بال طموح‪ .‬ىكذا عرفتيم‪ ..‬أحببتيم لصفات جيدة يتحمى بيا كل منيم‪.‬‬
‫عندما وصمت‪ ،‬وجدتيم يمعبون القمار‪ .‬يمسك أحدىم بقرش "يفنو" في الفضاء‬
‫ويمقي بو وبيده فوقو عمى األرض‪ .‬عميك أن تعرف ىل الوجو المالصق لراحة اليد‬
‫‪ww‬‬

‫الرقم "‪ "01‬من القرش‪ ،‬أم الوجو اآلخر "الممك"‪ .‬فإذا عرفت‪ ،‬كسبت قرشاً أو أكثر‬
‫‪- 01 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أعجبتني المعبة‪ ،‬فاستسممت لؤلحالم الشيطانية‪.‬‬
‫تحسست القروش الخمسة المختبئة في جيب سروالي‪ ،‬عصرتيا في راحة‬
‫يدي‪ ..‬ىيا حاول‪ ..‬قال الشيطان‪ ..‬عشرة قروش أفضل من خمسة‪ ..‬ال تكن‬

‫‪o‬‬
‫متردداً‪ ..‬تابع‪ ..‬ولكن؟! ال لكن وال شيء‪ ..‬كميا مغامرة‪ ..‬بعدىا سيكون في جيبك‬
‫أضعاف ىذا المبمغ‪ ..‬غامرت كثي اًر‪ ،‬وناد اًر ما ربحت‪ ..‬أال ترى؟! لقد قمت ناد اًر‪..‬‬
‫اليوم ربما تربح! ىيا‪ .‬تحسستيا مرة ثانية‪ ..‬ترقد بسالم في الجيب العميقة‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أخرجيا‪ ..‬أحتاجيا في مكان آخر‪ ..‬وماذا تعمل خمسة القروش ىذه؟! تيبست‬
‫أفكاري‪ .‬انعدم المنطق‪ .‬بال تردد أخرجتيا‪ .‬انتظرت لحظات ثم جمست عمى ركبتي‬
‫كما يفعمون ومددت يدي بقرش قائالً "ممك" ربحت‪ .‬وأخذت "افن" القرش والتقط‬
‫قروش اآلخرين‪ .‬وفي الجولة الثانية كنت قد خسرت كل ما ربحتو وخمسة القروش‬
‫العريقة التي التصقت بجيب سروالي فترة إلى أن أجبرتيا عمى الخروج‪.‬‬
‫‪-‬أتقرضني؟ قمت لجياد‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬سأشاركك‪.‬‬
‫‪-‬ولكني ال أممك نقوداً‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬سأعطيك خمسة قروش‪ .‬يكون ديني عميك قرشين ونصفاً‪ ،‬والباقي حصتي‬
‫من رأس المال‪.‬‬
‫وحاولت مرة أخرى‪ .‬في لحظات كانت كل القروش في أيدي اآلخرين تبعثرت‬
‫أحالمي عمى قارعة الطريق‪ .‬نظرت إلى جياد وقمت لو يائساً سأؤدي لك المبمغ‬
‫في أقرب فرصة ‪-‬اآلن أعترف أمامكم بأنني لم أدفع تمك القروش لو‪ ،‬وىي في‬
‫‪alk‬‬

‫عيني وغالبت صرخة ألم ولوعة فخرجت‬ ‫ّ‬ ‫ذمتي‪ -‬حبست دمعة كادت تقفز من‬
‫حشرجة ىي لمموت أقرب‪ .‬تركت ذاك الفضاء والرذاذ الذي يستمقي عمى التراب‬
‫األصفر فتنتشر تمك الرائحة العجيبة الساحرة‪ .‬عدت أدراجي إلى حيث أزقة المخيم‬
‫وحجرات المنزل الضيقة ونظرات أخي النارية وتيكمات زوجتو الالذعة‪.‬‬
‫عيني فمم أستطع‪ ..‬وكما اآلن أيضاً طافت‬
‫ّ‬ ‫كما اآلن‪ ..‬حاولت أن أغمض‬
‫‪w.‬‬

‫بي الذكرى أيام الصبا فتساءلت عنيا ولماذا تركتني‪ .‬بقيت أسئمتي بال إجابة إلى‬
‫أن ىزمني النوم‪ ،‬أو ربما ىزمتو فنمت‪.‬‬
‫‪-‬ال تتحرك‪.‬‬
‫مع آخر صدى لصوتو ىذا أرخيت جفوني‪ ،‬فاستطعت أن ألقي نظرة عمى‬
‫ذاك الذي ألقى باألمر‪ .‬لم أتبين مالمحو‪ .‬زدت من اتساع جفوني‪ .‬تكونت لدي‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 00 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫بعيني‪ .‬عرفت‪ ..‬بل أيقنت‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فكرة تحسست البنادق المصوبة نحوي‬
‫‪-‬ال تتحرك‪ ..‬ىل لديك سالح؟‬
‫أيضاً لم أتكمم‪ .‬لقد غاص لساني في إناء من الخوف السافر‪ ،‬واستأثر الخوف‬

‫‪o‬‬
‫قدر حالتي‪ .‬توقف عن توجيو األسئمة‬ ‫بحواسي كميا‪ .‬وأظن أن من كان يسألني قد ّ‬
‫بقيت لحظات ممقى حيث أنا‪ .‬ساكن كحصاة ممقاة في رصيف طريق أتقن صنعو‬

‫‪b.c‬‬
‫عيني‪ ،‬فمم أستطع‪ .‬تحجرتا‪ .‬كان باستطاعتي فقط أن أرى من‬ ‫ّ‬ ‫حاولت أن أحرك‬
‫يتحرك أماميما‪ ..‬كانت أشباح تمر أمامي وال قدرة لدي عمى تمييزىا‪.‬‬
‫‪-‬انيض‪.‬‬
‫فعمت‪.‬‬
‫‪-‬ارتد مالبسك‪.‬‬
‫فعمت‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬اخرج‪..‬‬
‫خرجت‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫شيء ما مغروس في ظيري‪ .‬تحسست ذاتي‪ ،‬فوجدت بقايا قوة أعانتني عمى‬
‫أن أقطع الفناء ومن ثم عتبة المنزل إلى الخارج‪.‬‬
‫‪-‬أجمس‪.‬‬
‫جمست عمى األرض أرتجف‪ .‬فوىتا البندقيتين المصوبتين إلى رأسي ومالمح‬
‫‪alk‬‬

‫الضابط الصارمة تحكمت في دوران دمي‪ .‬أظنو توقف عن الدوران‪ .‬تحسستو‪.‬‬


‫صمب كعجز نخمة ال فائدة ليا‪ .‬تحجرت عيناي وتوقفنا عن التمييز بين األشياء‪.‬‬
‫عيني في وجو الضابط‪ .‬لو ليجة‬ ‫ّ‬ ‫ألصقت جسدي بجدار المنزل‪ .‬تصمبت حدقتا‬
‫مصرية واضحة‪ .‬ارتعبت من الفكرة‪ .‬ال أظن ذلك‪ .‬فذاك عيد مضى‪ ،‬وىذا الذي‬
‫أمامي ينتمي إلى عيد آخر رغم ليجتو المصرية‪.‬‬
‫‪-‬لقد اعترف خميل بكل شيء‪ ،‬بقي أنت‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫خرجت الكممات من فيو واثقة وجازمة‪ .‬تبمدت أفكاري‪ .‬توقف عمري كمو في‬
‫ىذه المحظة‪ .‬الرعب اليائل مائل أمامي‪ .‬بنادق مصوبة نحوي ووجوه جنود‬
‫االحتالل تكومت فييا أطنان من الكراىية‪ .‬نسيت حتى ذاتي‪.‬‬
‫‪-‬ال أعرف خميل ىذا‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫قمت صادقاً‪ .‬واقع الحال أنني غبت عن ماضي وحاضري فمم أتذكره‪ .‬بقيت‬
‫‪- 02 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ساكناً كأحد حجارة الجدار الذي أتكئ عميو‪.‬‬
‫‪-‬ستعرفو‪ ..‬قال‪.‬‬
‫بقيت ساكناً‪ .‬تالشت قدرتي عمى النطق‪ .‬ال زالت البنادق تحيل دمي إلى كتل‬

‫‪o‬‬
‫يصعب دورانيا في مجراىا‪.‬‬
‫‪-‬قف‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫تحاممت عمى نفسي وانتصبت‪ .‬الحظت أنني كقوس‪ ،‬فحاولت أن أعتدل‪.‬‬
‫فشمت‪ .‬الحظ ىو ذلك‪ ،‬فصرخ بي أن انتصب جيداً‪ .‬نجحت‪ .‬لقد تطاير الخوف‬
‫مع صرختو فاعتدل جاذباً جسدي معو‪ .‬سار باتجاه المنزل‪ .‬جذبني معو‪ .‬كان‬
‫أخي قد صحا من نومو ووقف في فناء المنزل عاج اًز عن الحركة‪ .‬نظر إليو ذو‬
‫المكنة المصرية‪ ،‬فعرف مقدار الرعب الذي سكن المنزل‪.‬‬
‫‪-‬ما اسمك؟ سأل‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬ذيب‪.‬‬
‫‪-‬اسمع يا ذيب‪ ،‬الحياة فييا الحمو والمر‪ .‬وكمما تذوقت حمو الحياة‪ ،‬ال بد لك‬
‫‪ott‬‬
‫أن تتذوق مرىا‪ .‬يقولون أن أخاك منظم‪ .‬سنأخذه ونعرف لماذا‪ .‬واذا لم يكن كذلك‬
‫فسنرجعو لك‪.‬‬
‫من أين أتتو الحكمة؟! نظرت إليو مشدوىاً‪ .‬ظننت أن األرض تتأوه من وقع‬
‫أقداميم فإذا لدييم من الكممات ما يمتص دفقات الخوف واأللم‪.‬‬
‫‪-‬لنا اهلل‪ .‬قال أخي‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬اهلل لنا جميعاً‪ .‬قال الضابط‪ .‬ادخل وبدل مالبسك‪ .‬أمرني‪.‬‬


‫بدأت استرد ذاتي‪ .‬حمو الحياة ومرىا‪ .‬كم من الزمن تمون لسانك وحمو الحياة؟‬
‫عيني‪ ،‬بل إنيا تعانق كمماتي‪ .‬وىل يعرف ذو‬‫ّ‬ ‫أما م اررتيا فال تسل!! تطفح من‬
‫مرىا لتبدلت األيام وكذا المواقف‪.‬‬
‫مر الحياة وحموىا؟! لو عرف ّ‬
‫الميجة المصرية ّ‬
‫قدمي حتى أصبحت وسط الحجرة التي كان يقاسمني إياىا ابن أخي‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫نقمت‬
‫‪w.‬‬

‫جنود ثالثة كانوا داخميا‪ .‬وجد أحدىم بعضاً من مذكراتي باإلنجميزية‪ ،‬عرضوىا‬
‫عميو‪ ،‬ق أر المقدمة‪" ،‬ألقوىا مكانيا ال أىمية ليا" قال‪:‬‬
‫ارتديت مالبسي أمام الجميع‪ .‬ازداد تماسك أجزائي‪ .‬استدرت خمفو واستدارت‬
‫البنادق خمفنا جميعاً‪ .‬خرجت من المنزل‪ .‬شعرت أنني لن أعود إليو مرة أخرى ‪-‬ال‬
‫تسألني لم ىذا الشعور‪ ..‬ألم تسمع فاروق عندما قال لي "ال تكن سوداوياً" أنا‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 03 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫بطبعي كذلك ‪-‬لم ألق نظرة أخيرة عمى الباب‪ ،‬رغم أن نفسي راودتني أن أفعل‬
‫حاولت أن ألقي بالماضي خمفي‪ ،‬كما حاولت عندما أمرنا الجندي أن نسير في‬
‫طريق مستقيم إلى أن نمتقي بإخواننا‪ .‬الفرق ىذه المرة أنني لن ألتقي بأخوتي بل‬

‫‪o‬‬
‫بأبناء عمومتي‪ ..‬ويا ليم من أبناء عم!!!‬
‫ىي المحظة التي حدثك عنيا األستاذ خاطر‪ ،‬مدرس الجغرافيا الذي حاول‬
‫لمممة أشالء تنظيم كان قد اىترئ عمى أيدي مثقوبين‪ .‬قال‪:‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬عندما تواجييم‪ ،‬حاول أن تتماسك‪ .‬سيسألونك عن تاريخ حياتك‪ .‬كن دقيقاً‬
‫واخف ما استطعت من الحقائق حتى تضمميم‪ .‬ىي إذن تمك المحظة وأنت مستعد‬
‫ليا‪ .‬من قال ذلك؟! ال زال الخوف يحتل مساحات شاسعة مني‪ ،‬لكني بدأت أحس‬
‫بما يدور حولي‪ .‬ىذا منزل خالي صالح‪ .‬كميم نيام‪ .‬وجياد أيضاً نائم‪ .‬ال يعرف‬
‫المسكين أنو فقد نقوده إلى األبد‪.‬‬

‫ّ‬
‫‪o‬‬
‫إلى األبد؟! أنت حقاً سوداوي‪ ..‬غداً ستعود وترد إليو نقوده‪ ..‬ال أظن ذلك‪..‬‬
‫عيني يتحقق؟! متى؟! سحقتني األيام‬ ‫ومتى كان األمل الذي كثي اًر ما تراقص أمام‬
‫بكثرة اإلخفاقات المتتالية‪ ،‬وىذه إحداىا‪ .‬أو تسامحني يا جياد بالنقود؟! أعرف أنك‬
‫‪ott‬‬
‫ستفعل‪.‬‬
‫ألتعرف األشياء‪ ،‬لكنو لم يميمني‪ ..‬تقدم جندي بجانبو‬
‫ّ‬ ‫استرقت نظرات دائرية‬
‫وآخران عمى كل من جانبي‪ ،‬فانعدمت الرؤية‪ .‬وعندما وصمت نقطة ما‪ ،‬التقطني‬
‫جندي من أعمى قميصي خمف عنقي وجرني كخروف حان وقت ذبحو إلى السيارة‬
‫العسكرية‪ .‬أظنيا نصف مجنزرة كتمك التي رأيتيا كثي اًر عندما كنت طميقاً‪ .‬كيف‬
‫‪alk‬‬

‫أصبحت في تمك المجنزرة؟! ال أدري‪ .‬جمست عمى ركبتي كما فعمت لحظة أن‬
‫لعبت القمار مع أولئك الذين ال يشعرون بما يدور حوليم‪.‬‬
‫‪-‬انبطح!!‬
‫صاح بي أحد الذين أحاطوني في المجنزرة‪ .‬نظرت إليو ببالىة فمم أفيم ما‬
‫قالو‪ .‬نظروا إلي‪ ،‬فاخترقت نظراتيم أنحاء كثيرة من جسدي‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬أال تفيم؟! تضاعفت بالىتي‪.‬‬


‫جرني من عنقي كما فعل ذاك الذي صعد بي إلى المجنزرة وألقاني عمى‬
‫بطني‪ ،‬فاستمقيت مستكيناً ومستسمماً لمقدر كما ىي عادتي‪ .‬لحظات وألقى كل‬
‫منيم بقدميو عمى جسدي‪ .‬أحدىم وضع قدميو المدسوستين في حذاء عسكري ثقيل‬
‫فوق رأسي‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 04 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
m
..‫ىكذا‬
..‫ىكذا‬
.‫انيزمت وأفكاري في داخمي‬

o
b.c


o
ott
alk
w.
ww

- 05 -

www.alkottob.com
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-2-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أما زلت تصغي لما أقول؟! سألني يوسف‪.‬‬
‫‪-‬بالتاكيد‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪-‬وىل تود أن أتابع؟!‬
‫‪-‬ال بأس‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫صمت لمحظات شرد بعينيو إلى أعمى‪ .‬دائماً يحاول الصعود إلى أعمى‪ ،‬حتى‬
‫في حركتو داخل حصنو‪ .‬قمت لنفسي‪ .‬تحسس وجودي بجانبو‪ .‬رفع يده في اليواء‬
‫وكأنو يحاول أن يمسك بجزئياتو‪ ..‬ثم قال‪:‬‬
‫‪ott‬‬
‫عندما تركتني وحدي وأفمت منيا حبل دموعيا‪ ،‬تقوقعت في أعمى بطنيا‪ .‬بدأ‬
‫بيدي فاصطدم‬
‫ّ‬ ‫جسدىا يرتجف‪ ،‬وتسارعت دقات قمبيا‪ .‬حاولت الصعود الحتضنو‬
‫بقدمي صارخاً‪ .‬صرخت ىي‪.‬‬‫ّ‬ ‫رأسي بسقف حصني‪ .‬آلمتني الصدمة فرفستو‬
‫صراخ ممتاع ممموء باأللم والموعة‪ .‬أتعرف أنو ألم المذة الممزوج بالسعادة؟ ظني‬
‫أنيا تستمدىا من خيوط األمل التي بدأت تنسجيا خيوط الشمس المتسممة عبر‬
‫‪alk‬‬

‫نافذتيا‪ .‬سكنت حركتي‪ ،‬فاستسممت ىي ألفكارىا‪ .‬ضغطت نفسي وصعدت إلى‬


‫عقميا‪.‬‬
‫‪-‬ماذا؟! سألت بيمع‪.‬‬
‫‪-‬صعدت إلى عقميا!!‬
‫‪-‬أوتريدني أن أصدقك؟!!‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ىذا قرارك‪ ..‬الميم أنني صعدت إلى عقميا‪ ،‬ولك أن تصدق أو ال‪ .‬أخذت‬
‫أمسك بأفكارىا‪ ،‬الواحدة تمو األخرى‪ ...‬وقبل أن تتجسد الفكرة وتنطمق‪ ،‬كنت‬
‫بيدي وأقدر إمكانية تحقيقيا‪.‬‬
‫أتفحصيا ّ‬
‫‪-‬وبماذا كانت تفكر؟!‬
‫‪ww‬‬

‫قال‪:‬‬
‫‪- 06 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫إنو ولد "شموص"‪ .‬ال يكف عن الحركة التمقائية‪ .‬أريحو وأفرد لو مساحات‬
‫كافية في أحشائي ويأبى إال أن يتكوم في زاوية ضيقة‪ ..‬ىذا حق‪ .‬قمت لنفسي‪ ،‬وال‬
‫أدري سبباً ليذا االلتصاق‪ .‬سأسميو عبيد‪ ..‬لم أحب االسم ورجوتيا أن تغيره‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫وعندما اصطدمت بعنادىا التجأت إلى الرجل صمب المالمح الذي عاد إلى الحجرة‬
‫عمو يكسر إصرارىا‪ .‬ولقد نجح كما توقعت‪ .‬لكنو نجاح مشروخ‪ ،‬إذ أصرت ىي‬
‫عمى االسم الذي اختارتو وأصر ىو عمى اختياره‪ .‬سأحميو من غدر الزمن‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ساقي عمى طوليما‬
‫ّ‬ ‫تأممت ىذه الفكرة وتسمل الشك إلي!! لقد آلمتيا إذ مددت‬
‫فاصطدمتا بجدار جمجمتيا‪ .‬صرخت من األلم وعندما عدت كما كنت توقفت‬
‫آالميا‪ .‬لحظات ثم ازدادت‪ .‬تسمل األلم إلى رأسيا وبطنيا‪ ،‬في الواقع إلى كل‬
‫جسدىا‪ ..‬حزنت ألجميا‪ .‬أخذت أطمق سراح األفكار الزاىية عمني أجذب انتباىيا‬
‫إلييا‪ .‬نجحت‪ .‬لكن األلم كان يتسرب بين جزئيات أفكارىا‪ ،‬فيزداد ثقل رأسيا‬
‫ويخف وزن أحشائيا‪ .‬تمتاع‪ .‬تحسستني من خمف الجدار‪ .‬لم تجدني‪ .‬توقفت‬

‫بيدي‪ .‬ضغطت‬
‫‪o‬‬
‫أفكارىا‪ .‬تسمرت نظراتيا في الالشيء‪ .‬اندلعت نيران الشك في رأسي‪ .‬سقطت من‬
‫رأسيا إلى مكاني‪ .‬في طريقي تحسست قمبيا‪ .‬توقف قميالً‪ .‬أحطتو ّ‬
‫عميو بحنان‪ .‬بدأ ينبض‪ .‬تالشت النيران في رأسي‪ .‬استرحت‪ .‬تحسستني بيدييا‬
‫‪ott‬‬
‫وأفكارىا‪ .‬التصقت يدىا بأنفي‪ .‬اطمأنت‪ ،‬وصرخت أنا‪ .‬كدت أختنق‪ .‬قفزت إلى‬
‫الزاوية األخرى‪.‬‬
‫‪-‬ماذا حدث؟‬
‫‪-‬يكاد ىذا‪ ،‬وأشارت إلي‪ ،‬أن ينفمت مني‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬أين عمي؟! سألت ذيبو‪.‬‬


‫‪-‬كان ىنا منذ لحظات‪ .‬ربما ذىب ليحضر سكيبو‪.‬‬
‫‪-‬أو يطول غيابو؟!‬
‫‪-‬ال أدري!!‬
‫نظرت إلى ذيبو‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬توقف!! ماذا قمت؟! سألتو باستغراب‪.‬‬


‫‪-‬نظرت إلى ذيبو!‬
‫تدفق استنكاري وشكي من خاليا جسدي كمو‪ .‬طوقتو أفكاري المتشككة‪.‬‬
‫ابتسم‪ .‬ازداد استنكاري‪ .‬يستخف بقدراتي ىذا اليوسف‪ .‬قمت لنفسي‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬ال تنزعج‪ .‬فقد صعدت إلى رأسيا‪ ،‬ونظرت إلييا من خالل عينييا‪ .‬رأيتيا‬
‫‪- 07 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫التقت عيناي بعينييا‪ .‬شعرت بما يدور في رأسيا‪ .‬ومع فقدان يقيني بأفكارىا‪ ،‬إال‬
‫أنني ارتجفت من الخوف منيا‪ ،‬فانزلقت بسرعة إلى داخمي ومن ثم إلى حصني‪.‬‬
‫لدقائق شعرت أنني أحقق ما أريد‪ ..‬دقائق فقط‪ ..‬بعدىا صحوت‪ .‬أبقيت‬

‫‪o‬‬
‫نفسي ممدداً عمى تمك القطعة من القماش الممقاة عمى أرض غير مستوية‪ .‬جمت‬
‫بعيني أنحاء الحجرة‪ ..‬تماماً كما فعمت ليمة أن قبضوا عمي ىناك في مخيم جباليا‪.‬‬
‫عجباً‪ ..‬الوجوه ساىمة‪ ..‬ماذا يجول داخميا؟! من أين لي أن أعرف؟! الصمت‬

‫‪b.c‬‬
‫يحتل مساحة واسعة‪ ،‬كما لو كنا وقوفاً في إحدى حجرات سجن عسقالن استعداداً‬
‫لمعدد ‪-‬ساحدثكم عن ذلك في وقت الحق‪ ..‬ال تستعجموا حتى ال تيرب مني‬
‫األفكار‪ ،‬فما أود قصو عميكم عظيم األىمية‪ ..‬أستميحكم عذ اًر‪ ..‬فأنا ال أقص‪..‬‬
‫لكنني أقول الحقيقة‪ ..‬ال بأس إن اعتبرتم ما أحكيو لكم طريقة مباشرة فجة‪ ..‬فأنا‬
‫ال أحب الغموض وال الصعب من األشياء‪ ..‬أطمت عميكم‪ ..‬ال بأس‪ ..‬ربما كنت‬
‫عمى حق‪ ..‬فأنا قرأت روايا ستيرن وتأثرت بيا‪ ..‬ال يحق لي أن أحاكييا‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫اعذروني إن فعمت‪ .‬لكني لن أفعل‪ -‬تتابعت تالوة القرآن من إذاعة القاىرة‪ ..‬ما‬
‫الذي حدث؟! ال زالت حرب الشوارع مستمرة في عمان وباقي مدن المممكة‪" ...‬يا‬
‫‪ott‬‬
‫أيتيا النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية‪ "..‬ثم أطبق الصمت عمى‬
‫الحجرة تماماً‪ .‬ال زلت ممدداً‪ ..‬تقمص حيز وجودي‪ .‬تساويت وأرض الحجرة‪ .‬ثم‬
‫أعمن صوت مألوف لنا موت الرئيس‪.‬‬
‫‪-‬يا لمكارثة!!‬
‫تالشيت تماماً‪ .‬درت عمييم جميعاً‪ .‬محمود النجار‪ ..‬في األربعينات من‬
‫‪alk‬‬

‫عمره‪ .‬ضعف أيامي‪ ..‬عيناه مصبوغتان باألحمر‪ ..‬سالت دموعو بغ ازرة‪ ..‬وبدون‬
‫أن يحرك ساكناً‪ ،‬تحدث عن مشاعرنا كميا‪ ..‬بحثت عن دموعي‪ ،‬لم أجدىا‪..‬‬
‫‪-‬تمالك نفسك يا رجل‪ ..‬قمت لو مواسياً‪.‬‬
‫‪-‬ال زلت صغير السن‪ ،‬وال تعرف ما الذي سيحدث لنا بعده‪.‬‬
‫مع كمماتو ذات الصوت الشجي تداخل الحزن مع األلم والبالىة في أنفسنا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ىو رجل كما اآلخرين الذين يستشيدون في ىذه المحظات‪.‬‬


‫نظر إلي‪ .‬اخترقني بنظراتو‪ ..‬كأنو يأمرني أن أصمت فأنا لست بالذي يقدر‬
‫عيني عميو‪ ..‬أحسست ببرودة جسدي تحرك جزءاً من‬ ‫ّ‬ ‫عواقب األمور‪ ..‬أبقيت‬
‫مالبسي‪ ..‬إنيا تتطاير‪ ..‬حممتني معيا‪ ..‬تمك لحظة‪..‬‬
‫قال عيسى أبو شنب الذي كان يجالس عدداً من رجال الحارة‪" ..‬سأسترد‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 08 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫شبابي وأتزوج اثنتين‪" .. "..‬وزوجتك؟" سألو أحدىم‪" ..‬أتسمي تمك زوجة؟ حتى‬
‫أنني أفيق من نومي مرعوباً عندما أجدىا بجانبي‪."..‬‬
‫ثم بدأت البداية‪ ..‬اإلنسحاب إلى خط الدفاع الثاني‪ ..‬آه قال عز الدين‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫"تصوروا أنيم يريدون صيد الجيش اإلسرائيمي في وسط سيناء لمقضاء عميو‪" ..‬ولم‬
‫الخط الثاني؟! "سأل أحدىم" ىذه خطط القادة‪ ..‬وال أحد يعرف لماذا"‪ ..‬وقبل ذلك‬
‫بيوم قال ذيب‪ ..‬إن الدبابات المصرية تقدمت داخل الحدود وعندما نفذ الوقود‪،‬‬

‫‪b.c‬‬
‫استولوا عمى الدبابات اإلسرائيمية واستعمموا وقودىا‪ ..‬ثم بجانب جدار متداع أخذ‬
‫أحدىم يبكي بحرقة ويقول لقد استفردوا بدمشق‪..‬‬
‫تمددت عمى السرير‪ ،‬وألول مرة أحتضن مذياع أخي الذي كان محرماً عمي‪.‬‬
‫أخذت استمع إلى صوت الموسيقى العسكرية‪ .‬بدأت دموعي تنساب بتواصل لفت‬
‫انتباه زوجة أخي‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬ماذا حدث؟!‬


‫سألت بانكسار‪ ،‬فيي لم تعتد أن تسألني إما ألنيا واصمت حقدىا عمي حتى‬
‫اإلىمال وكأني لست موجوداً‪ ،‬أو ألنيا اعتادت أن تصدر األوامر‪ .‬لم أجب‪ .‬ليس‬
‫‪ott‬‬
‫ألنني اكرىيا‪ ،‬ولكن ألن قدرتي عمى الكالم انعدمت‪ .‬بقيت صامتاً‪ ،‬لكني دموعي‬
‫كانت تتحدث عني‪ .‬وىا ىي ذي دموع محمود تتحدث عنو وعنا‪ .‬عمقت نظراتيا‬
‫في وجيي ودموعي فازداد انكسارىا‪ .‬وظني أنيا لم تطق الصبر أكثر وأنيا شعرت‬
‫بأن في األمر شيئاً خطي اًر‪.‬‬
‫‪-‬يوسف‪ ..‬بربك أخبرني عن الذي يحدث‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫كان الرجل ال زال يتحدث معمناً استقالتو ومعيا ىزيمتنا‪ .‬تطايرت أشالئي‬
‫وغبت عن وعيي‪ .‬ثم مع بداية الموسيقى العسكرية تمقفت أشالئي مرة أخرى‬
‫وصحت فييا‪ ..‬بل أنني صحت في نفسي‪..‬‬
‫‪-‬أال تسمعين؟! أال تفيمين؟! لقد انيزمنا واستقال ناصر‪.‬‬
‫انطمق منيا صوت ىادر‪ ،‬ال أدري أىو صراخ أن انفجار في داخميا‪ .‬سقط‬
‫‪w.‬‬

‫المذياع عمى األرض وسقطت أنا فوقو‪ .‬ىجم عمينا أخي صارخاً "ما الذي حدث"؟‬
‫ولم أدر أأحدثو عن الذي حدث حولنا أو لنا‪ ..‬لكني تمالكت نفسي وقمت لو‪:‬‬
‫‪-‬انيزمنا واستقال ناصر وصرخت ذيبو من األلم‪.‬‬
‫انطمق منو صوت كخوار ثور أصيب بسيم مصارع جبار‪ .‬تسمرنا في‬
‫‪ww‬‬

‫أماكننا‪ .‬وفجأة انطمقت القذائف من كل مكان‪.‬‬


‫‪- 09 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬سيقتموننا جميعاً‪ .‬قالت ذيبو‪.‬‬
‫كنا قد حفرنا خندقاً في فناء البيت‪ ،‬اندسسنا فيو‪ ،‬وذىب أخي إلى المطبخ‪.‬‬
‫تكومت عائمة أخرى في إحدى الحجرات‪ .‬تسرب البول إلى خارج الحجرة حتى‬

‫‪o‬‬
‫وصمني عند مدخل الخندق‪ .‬نظرت إلى الداخل‪ ،‬فرأيت إحداىن وقد بالت عمى‬
‫نفسيا‪ ،‬نظرت إلي باستحياء أن سامحني وال تفضحني‪ .‬كمنا مفضوحين ىذه األيام‪.‬‬
‫ال بأس عميك قالت نظراتي‪ .‬ثم انفجرت قذيفة قريباً منا‪ .‬تطاير الدخان فصرخت‬

‫‪b.c‬‬
‫ذيبو‪.‬‬
‫‪-‬إلحق أخاك يا يوسف‪ ..‬لقد تطايرت أشالؤه‪.‬‬
‫انزلقت قوة غريبة داخمي‪ .‬قفزت واذ أنا بداخل المطبخ‪" ..‬ىل أنت بخير؟"‬
‫ووسط الدخان أتاني صوتو مرتعشاً‪" ..‬ال تخف فالقذيفة انفجرت خمف منزلنا‪"..‬‬
‫تركتو وانطمقت خارج المنزل‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫"عد يا مجنون‪ "..‬آخر ما سمعت منو‪ ،‬ولكني حممت جنوني واندفعت أبحث‬
‫عن مكان االنفجار‪ .‬منزل أبي غانم‪ ..‬رجل عجوز مع زوجتو وزوجتي ابنيو‬
‫الموجودين خارج البمد‪ .‬في وسط المنزل توت ضخمة كثي اًر ما اقتنصنا منيا بعضاً‬
‫‪ott‬‬
‫من ثمارىا‪ .‬عندىا اشتد القصف‪ ،‬قام الرجل وحمل مالءة بيضاء ربطيا بعصا‬
‫مكنسة وأراد أن يرفعيا فوق أعمى شجرة التوت معمناً استسالمنا‪ .‬لم يدر المسكين‬
‫أنيم ليسو بحاجة لمالءتو البيضاء‪ ،‬فقد أيقنوا من استسالمنا منذ المحظة التي‬
‫ساوت طائراتيم طائراتنا باألرض وىي جاثمة عمى أرض المطارات‪ ..‬يا أبا غانم‪،‬‬
‫ىل تخاف عمى بقية أيامك وتعمن استسالمك حفاظاً عمييا‪ ..‬يا بقايا رجل‪ ..‬من‬
‫‪alk‬‬

‫أين أتتك تمك القوة لرفع المالءة إلى أعمى شجرة التوت‪ .‬اندفعت قذيفة إلى ظير‬
‫الرجل فأحرقتو وتناثرت أمعاؤه عمى تمك الشجرة‪ ..‬فاندلع صراخ أقوى من صوت‬
‫القذائف‪.‬‬
‫‪-‬مات أبو غانم‪.‬‬
‫تناقمت األلسنة النبأ فاندفع جمع من الرجال إلى منزلو‪ .‬لمممنا بقاياه‪.‬‬
‫وضعناىا في كيس من الخيش‪ .‬انطمقت القذائف بال إنذار‪ ..‬تفرقنا في أنحاء‬
‫‪w.‬‬

‫المنزل‪ ..‬بعدىا ىدأت األصوات فتجمعنا مرة أخرى‪.‬‬


‫ما زلت ممدداً في أرض الحجرة‪ ..‬بحثت عن دموعي فمم أجدىا‪ .‬تحسست‬
‫أفكاري فوجدتيا قد تناثرت عمى مساحة الحجرة‪ .‬أين تمك الدموع السخية التي‬
‫عيني بال استئذان؟ اعتاد الجسد تمقي الضربات ففقد‬
‫ّ‬ ‫اعتادت أن تتدفق من‬
‫‪ww‬‬

‫اإلحساس بيا‪ .‬أرض بال سماء وحجرة بال سقف وأنا حتى أقل من وزن ريشة فمم‬
‫‪- 21 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أعد أحس بنسمة ىواء واحدة‪ ..‬إني أختنق‪ .‬أطل وجو نقيب الشرطة عبر الباب‪..‬‬
‫مكفي اًر كوجوىنا‪ ..‬جال بعينيو في أشالئنا‪ .‬لم ينطق‪ .‬ربما فقد القدرة عمى ذلك‪.‬‬
‫"أحقاً مات؟" لم يكتمل دوره بعد‪ ..‬مقيور مقطع األوصال‪ .‬حاول لمممة ما يمكن‬

‫‪o‬‬
‫لمممتو‪ .‬وفي منتصف الطريق مات‪.‬‬
‫عيني‪ .‬دفعت إحداىما فكانت ثقيمة‬
‫ّ‬ ‫مرة أخرى تحسست الدمع المتحجر في‬
‫عصية عمى الحركة‪ .‬ىل أصابتك رصاصة ولم تشعر بيا إال بعد حين؟ ربما ىذا‬

‫‪b.c‬‬
‫ما حدث لي‪ .‬أبقيت عمى ذاتي كما ىي‪ ..‬مات األمل؟ ال أدري ما سيحدث لنا‬
‫بعده؟ لقد كان معنا‪ .‬ولم يحدث ما تمنيناه‪ .‬كان يحاول وكان عاقداً العزم عمى‬
‫الفعل‪ ..‬ىل خذلناه؟! ربما ىو الذي خذلنا!! ربما‪...‬‬
‫قطعنا النصف األول من الميل‪ ..‬المرة األولى منذ سنة ونصف أشعر‬
‫باالنتقال من نصف إلى آخر‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬محمود‪ ..‬حاول أن تنام‪.‬‬


‫قمت راجيا‪ .‬ربما كنت استدرج ذاتي لمنوم‪.‬‬
‫‪-‬ال أستطيع‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬وىل ستبقى كما أنت ىكذا جالساً؟ تمدد إذن وأرح جسدك مما ىو فيو‪.‬‬
‫‪-‬ال عميك‪ ،‬نم أنت‪.‬‬
‫ومن أين يأتي النوم؟! ما تمنيتو حدث‪ :‬أن أقتمع القضبان وأنطمق‪ .‬وىا أنا ذا‬
‫خارجيا‪ .‬لكن القضبان تالحقني‪ .‬حقاً إنني في سجن الكرك‪ ،‬لكن ىذا مؤقت‪ ،‬وغداً‬
‫‪alk‬‬

‫سأحتضن الدنيا بذراعي‪ ..‬ىا أنت ذا تفمت من سوداوية رافقت أيام عمرك‬
‫الماضية‪ .‬أين ىي؟! وىل حقاً أن لي أياماً ماضية؟! كذلك؟! ال تنس عادة‪ .‬آه‬
‫الجرح الغائر في الجسد الميدود‪ ..‬غاده الرممي‪..‬‬
‫كانت بجانبي في كمية بير زيت‪ ..‬يا لمذكرى الحارقة‪ .‬أحببت المغة اإلنجميزية‬
‫منذ المحظة التي جاورتني فييا‪ .‬معممتنا كانت نيمة القدسي‪ ،‬تمك التي أضفت عمى‬
‫المحاضرات سح اًر ال يقاوم‪ .‬لم أتكمم معيا عدة أيام‪ ،‬لكني كنت أتحرق شوقاً حتى‬
‫‪w.‬‬

‫يأتي موعد المحاضرة وأجمس بجانبيا‪ .‬وفي يوم وعندما كنا نق أر بصمت إحدى‬
‫القطع‪ ،‬سألتني‪..‬‬
‫‪-‬ما معنى كممة "‪savage‬؟!"‬
‫ألم تجدي إال ىذه الكممة لتسأليني عن معناىا؟! لم تصادفني من قبل‪ ،‬صمت‬
‫‪ww‬‬

‫لحظات ثم‪:‬‬
‫‪- 20 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أين ىي؟‬
‫اقتربت منيا فأحسست رائحة عطرىا قبل أن أستنشقو‪ .‬قبل أن ألقي نظرة‬
‫عمى الكممة‪ ،‬ألقيت نظرة عمى الوجو القمري‪ ..‬بمورتان تدوران في سماء كثر‬

‫‪o‬‬
‫غيميا‪ ..‬أذابتني المحظة‪ ..‬قوس قزح ارتسم وسط تمك السماء‪ ،‬فتوردت الوجنتان‪..‬‬
‫تجسدت أيامي كميا في تمك المحظة‪ ..‬أحسست بنظراتي تحتوييا‪ ..‬سحبتيا‪..‬‬
‫ألقيت نظرة عمى الكممة في الجممة‪ .‬عرفت المعنى‪:‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أظنيا تعني "متوحش"‪.‬‬
‫قرأنا الجممة معاً‪ .‬وافقت عمى صحة استنتاجي‪.‬‬
‫‪-‬أشكرك‪.‬‬
‫بل أنا من يجب أن أشكرك‪ .‬الحرمان كمو ذاب في تمك المحظة‪ .‬غادة‪ ..‬أمنية‬
‫األمنيات‪ ..‬أمنية العمر‪ ..‬وفي ىذه األيام‪ ..‬حقاً في ىذه األيام‪ .‬وفي اليوم الثاني‬

‫‪o‬‬ ‫وبعد أن انتيت المحاضرة‪.‬‬


‫‪-‬يوسف‪ ..‬أترافقني إلى المكتبة؟!‬
‫‪ott‬‬
‫تخمص من ذاتك وانطمق‪ ..‬ال تطيق الجموس كثي اًر‪ ..‬اآلن اعشقو‪ ..‬غادة‬
‫بجانبك وىي التي تدعوك‪ ..‬وداعاً أيتيا القضبان‪.‬‬
‫‪-‬لنذىب‪.‬‬
‫سرنا متجاورين‪ .‬ليست بعيدة كما تمنيتيا‪ .‬حاول أن تنطق‪ ..‬من أين تأتي‬
‫الكممات؟! الزمردتان تدوران في ذاك الوجو الذي تعتميو الغيوم بكبرياء متواضعة‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫نسمة ىواء وتنيال األمطار‪ ..‬أين تمك النسمة؟!‬


‫المدرسة‪.‬‬
‫‪-‬رائعة تمك ّ‬
‫أأقول صوت موسيقى ىادئة انطمق من األعماق فاستولى عمى أحاسيسي‬
‫كميا؟! األمطار الخفيفة تنعش النفس الظمأى‪..‬‬
‫‪-‬إنيا حقاً رائعة‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫ما كان مني إالّ أن أردد كمماتيا‪ .‬وىل تدور في األفق كممات غيرىا؟! بحثت‬
‫عن كمماتي الزاىية فمم أجدىا‪ ،‬كعادتي دائماً‪..‬‬
‫‪-‬غادة‪.‬‬
‫تابعت‪ .‬ألول مرة أطمق حروف اسميا منفردة‪ ..‬توقفت‪ ..‬استدارت‪ ..‬عانقت‬
‫‪ww‬‬

‫نظراتيا نظراتي‪ ..‬تحركت شفتاي بدون صوت‪ .‬قمت كالماً كثي اًر لكنيا لم تسمع‪..‬‬
‫‪- 22 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫"أنت ىدية من السماء‪ ..‬أنت األمل الذي ليس بعده أمل‪ .‬غاده‪ ..‬يا أمنية النفس‬
‫الممتاعة‪ ".‬تسممت أحاسيس ىادئة إلى كل أنحائي‪ ..‬لم أعد أشعر بالكون حولي‬
‫"أنت‪ ..‬أناقتك‪ ..‬وجيك وتمك العينان المرسومتان بريشة فنان رائع‪ ..‬غادة‪ "..‬وفي‬

‫‪o‬‬
‫منتصف المحظة اغتصب أنظارنا أحد الرفاق‪ ..‬من ذا الذي أعطاه الحق‬
‫بمالحقتنا؟!وىل حدث ذلك؟! ربما قادتو قدماه في طريقنا دون أن يدري‪ ..‬وقبل ىذا‬
‫كمو لم تعطي نفسك حق امتالك اآلخرين؟! نحيت كل ىذه الخواطر جانباً وتابعت‬

‫‪b.c‬‬
‫سيري بجانبيا‪ ..‬رغم توقف الحوار بيننا إال أنو لم ينقطع في أعماقنا‪.‬‬
‫‪-‬لماذا توقفت؟!‬
‫شفتي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪-‬لقد اغتصب اآلخر جزءاً من المحظة‪ ،‬وألن الكممات تعثرت عمى‬
‫‪-‬إذن لندخل‪.‬‬
‫وىكذا دخمنا المكتبة‪ .‬وبدالً من أن أجمس بجانبيا ابتعدت عنيا وجمست‬

‫‪o‬‬
‫وحيداً‪ .‬نظرت إلي مشدوىة‪ ..‬أحسست بعتاب نظراتيا‪ ..‬ما باليد حيمة‪ ..‬أخشى‬
‫اآلخر‪ ..‬حساسيتي زائدة‪ ..‬ولكن ماذا لو جمست بجانبيا؟! من ذا الذي يستطيع أن‬
‫ينتقد ذلك؟! وىل ىناك داع لالنتقاد؟! ىذه الذات غير سوية‪ ..‬و‪ ..‬أتتك فمم تحافظ‬
‫‪ott‬‬
‫عمييا‪..‬‬

‫‪‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 23 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-3-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫قال يوسف‪:‬‬
‫‪-‬أما ازل الشك يسكن عقمك؟!‬
‫بماذا أجيبو؟ الحق أن الشك يتممكني‪ ،‬لكن روايتو لؤلحداث ليا وقع الحقيقة‪.‬‬
‫اختمطت األشياء في رأسي‪ ،‬لكنو يأسرني بأفكاره واستنتاجاتو‪.‬‬
‫‪ -‬قمت ‪:‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬قميل منو يتسرب إلى نفسي‪.‬‬


‫أمسك قدميو بيديو‪ .‬تكور‪ .‬رأيت ذلك الحبل الممتد من صرتو إلى مكان‬
‫أجيمو‪ .‬ما سره؟! انفمت من عقالو وتدفقت الكممات من فيو‪:‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬اسمع‪ ..‬أنا ال أعرف اسمك! وال أريد‪ ..‬أسرتني بدماثة خمقك؟! نعم! لماذا‬
‫أقص عميك وأنثر عميك أسراري؟! ال أدري! أحببتك‪ .‬سأتابع قصتي حتى وان‬
‫تسممت خيوط الشك إلى نفسك‪ .‬يقيني أنك ستصدقني في النياية ألنني ال أقول إال‬
‫الحقيقة‪ .‬قمت لك أنني لم أرتح ألفكار ذيبو‪ .‬أحسست أنيا تخبئ لي ما ال أود أن‬
‫يحدث‪ ،‬وعندما استمقت عيناي عمى وجو ذيبة‪ ،‬ارتجفت‪ .‬التجأت إلييا‪ ،‬فقرأت ما‬
‫‪alk‬‬

‫يدور في رأسي‪ .‬احتضنتني بيدييا وقمبيا‪ .‬نظرت إلييم‪ .‬ضغطت عمى جدارىا‬
‫ألسترد انتباىيا‪.‬‬
‫‪-‬سأبقى طويالً حيث أنا!! قمت ليا‪.‬‬
‫‪-‬ال تفعل‪ .‬ستتعفن وستقتمني‪.‬‬
‫‪-‬أخشاىم!!‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬من؟!‬
‫‪-‬ذيب وذيبة‬
‫‪-‬ذيب أخوك‪ ،‬وذيبة ابنة عمك‪.‬‬
‫‪-‬لن أخرج‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 24 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬ال تكن أحمق‪..‬‬
‫تحامقت ونظرت ليا‪ .‬حتى مسحة الجمال غادرتيا‪ .‬ترتجف يداىا بال توقف‪.‬‬
‫عطفت عمييا وخفت منيا‪ .‬أما ىو‪ ،‬فصارم‪ .‬لم ينطق كممة واحدة‪ .‬نظر إلينا نحن‬

‫‪o‬‬
‫االثنين‪ .‬إنيا والدتو‪ .‬انعدمت أحاسيس التعاطف من محياه‪ .‬لم يمتفت لي‪ .‬ربما‬
‫ألقى نظرة عابرة‪ ،‬ميممة‪ ،‬وربما متعالية‪ .‬سكنت زاويتي المفضمة واستكنت‪ .‬أردتيا‬
‫أن تبدو ىادئة أماميم ألحفظيا من نظرات التشفي‪ .‬لم يدم كموني طويالً‪ .‬لقد‬

‫‪b.c‬‬
‫استعذبت صراخيا‪ ،‬واستعذبتو ىي‪ .‬سرب العصافير يعمن مكانو بنغمات عذبة‬
‫تستمقي بفعميا الروح سكرى‪ ،‬ثم تييم في فضاءات معبقة بأريج الميمك والزنبق‬
‫والتمر حناء‪ .‬أما أنا فأعمن عن قدومي بصرخات حادة منطمقة منيا ومني‪ .‬طال‬
‫مكوثيم الثقيل عمى القمب‪ .‬سمبوني لذة مشاكستيا‪ .‬أردتيم أن يخرجوا‪ .‬صعدت إلى‬
‫عقميا‪ ،‬وفي طريقي اصطدمت ببعض أحشائيا‪ .‬تألمت‪ .‬صرخت‪ .‬انقبض صدري‪،‬‬
‫فيمست ليا" لن أؤلمك" فقط أريد أن أقول لك س اًر عمى قدر كبير من األىمية"‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬قمو بال حركة‪ ،‬فحركتك تؤلمني‪ .‬قالت‪.‬‬
‫‪-‬ال أريد أن يسمعانا‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬لن يستطيعا‪.‬‬
‫‪-‬إنيما يراقباننا‪.‬‬
‫‪-‬لكنيما ال يسمعاننا‪.‬‬
‫‪-‬سنمفت انتباىيما‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬وماذا في ذلك؟!‬
‫‪-‬سنثير حقدىما عمينا‪.‬‬
‫‪-‬ال تأثير ليما عميك!!‬
‫‪-‬احتممي لحظات‪ .‬أرجوك‪ ..‬ال تصرخي‪.‬‬
‫تابعت سيري‪ .‬مررت بقمبيا‪ .‬درت حولو دون أن ألمسو‪ .‬وفي حركتي أوسعت‬
‫‪w.‬‬

‫لو في المكان‪ .‬ارتخى وتمدد بسيولة ويسر‪ .‬ارتاحت ىي‪ .‬تركتو وواصمت صعودي‬
‫إلى أعمى‪ .‬مررت بحنجرتيا‪ .‬حنجرة صغيرة‪ ،‬رقيقة وجميمة‪ .‬يخرج صوتيا منيا‬
‫ناعماً ومعب اًر بانسياب سيل‪ ،‬لكنو قوي‪ .‬لم أجرؤ عمى لمسيا‪ .‬وألنني أحببت‬
‫صوتيا‪ ،‬جيدت أن أكون عمى مسافة منو وأنا في طريقي إلى عقميا‪ .‬ولكن ورغم‬
‫إرادتي اصطدمت حافة إصبع قدمي بأحد حباليا الصوتية‪ ،‬فاىتز الجياز كمو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 25 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫تألمت ىي وأحسست أنا برعشة جسدىا‪ .‬أطمقت صرخة ضعيفة ناطقة بألم حزين‬
‫وعاتب‪ .‬واصمت سيري‪ .‬وصمت‪ .‬سكنت عقميا‪.‬‬
‫‪-‬كيف أنت اآلن؟ سألتيا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬تكثر من إيالمي‪.‬‬
‫‪-‬رغماً عني‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬لو سكنت ألرحتني!!‬
‫‪-‬كيف السبيل إلى خروجيما من الحجرة؟! قمت ىامساً‪.‬‬
‫‪-‬سأتدبر األمر‪ .‬فقط كن حيث أنت وال تتحرك‪.‬‬
‫‪-‬سأفعل‪.‬‬
‫صمتاىما‪ .‬تاىت عيونيما في فضاء الحجرة‪ .‬كان بعيداً عنيا ولم‬
‫ُ‬ ‫صمتنا‪،‬‬

‫‪o‬‬
‫يحاول حتى لمسيا‪ .‬إنيا زوجتو!! ما طبيعة عالقتيما؟ نظرت إلى ذيبة‪ ،‬ثم نظرت‬
‫ىي إلييا‪.‬‬
‫‪-‬ذيبة؟‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ماذا تريدين؟! قالت بجفاء‪.‬‬
‫‪-‬اذىبي وحاولي أن تجمعي بعض األخشاب الجافة وأشعمي نا اًر‪ .‬سأحتاج‬
‫لبعض المياه الساخنة‪.‬‬
‫لم تجب‪ .‬ترددت‪ .‬بقيت حيث ىي‪ .‬بدت وكأنيا فقدت القدرة عمى الحركة‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫نظرت إلى ذيب‪ .‬غرس عينيو الجامدتين في وجييا وكأنو يأمرىا أن تفعل‪.‬‬
‫خرجت‪ .‬ارتحت أنا‪ .‬غفوت بين خالياىا‪ .‬نمت وأرحتيا‪ .‬ارتاحت ىي‪ .‬غفت‪.‬‬
‫كأنني لم أنم‪ ..‬انطمقت عيناي من قيودىا‪ .‬تحسست الحجرة بيما‪ .‬كميم نيام‪.‬‬
‫فقط محمود النجار يستعد لصالة الفجر‪ .‬دفعت قوة زائدة إلى جسدي ونيضت‪.‬‬
‫توضأت ثم صمينا معاً‪ ..‬الفجر‪ ..‬اعتدت ذلك منذ أيام السجن المرة‪ .‬رغم عتمة‬
‫أيامنا ىناك‪ ،‬لم نعدم لحظات تنفرج شفاىنا فييا عن ابتسامة باىتة‪ ،‬وأحياناً قيقية‬
‫‪w.‬‬

‫من األعماق‪..‬‬
‫كان ذلك مساء يوم خريفي ونحن في سجن عسقالن ‪-‬وعسقالن ىذه مدينة‬
‫فمسطينننية ساحمية احتفظت باسميا رغم استيالئيم عمييا في المرة األولى ‪-‬كنا‬
‫واحداً وعشرين رجالً في الحجرة‪ .‬الشيخ حسن شبانة كان واحداً منا‪ ..‬رجل وقور‬
‫‪ww‬‬

‫ومتدين‪ ..‬تخرج في جامعة األزىر‪ ..‬شديد األيمان بربو وبقضيتو‪ ..‬وقفنا جميعاً‬
‫‪- 26 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫نصمي المغرب إال سائقاً ال أدري لم ىو في السجن!! ربما نقل أحد المطموبين في‬
‫سيارتو دون أن يدري!! ال يؤمن بشيء قدر إيمانو بالمال والنساء‪ ..‬خاشعين‬
‫وصامتين كنا خمف اإلمام‪ .‬ىو متكئ عمى ذراعو األيمن ماداً ساقيو عمى طوليما‬

‫‪o‬‬
‫ومواجياً الجمع‪" .‬يا أييا الذين آمنوا ىل أدلكم عمى تجارة رابحة‪" ..‬ق أر الشيخ حسن‬
‫بصوت شجي فنزلت السكينة عمى قموبنا جميعاً‪ ..‬وفي المحظة التي صمت فييا‬
‫الشيخ ليسترد أنفاسو‪ ،‬صاح السائق‪:‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أنا أدلكم‪..‬‬
‫حتى المحظة لم يعره أحد انتباىاً‪ .‬بقينا صامتين ننتظر اآلية التالية وقد تعمقت‬
‫مشاعرنا بما يرتمو الشيخ من آيات بينات‪.‬‬
‫‪-‬أنا واهلل أدلكم‪.‬‬
‫تقطعت حبال الخشوع‪ ،‬وتوجيت بعض األنظار إليو‪ ..‬مستنكرة ربما‬

‫‪o‬‬ ‫مستفسرة‪..‬‬
‫‪-‬تجارة النساء واهلل أربح تجارة‪ .‬أنا سائق وذو تجربة‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫ذابت حبال الوصل‪ .‬انفجرنا ضاحكين‪ .‬ضحكاً ىستيرياً‪ .‬الكممات في حد‬
‫ذاتيا ال تستدعي كل تمك القيقية‪ .‬لكن الموقف والظرف والصمت و‪ ..‬السجن‪..‬‬
‫وفوق ذلك الرغبة المجنونة اقتمعت الضحكات الصاخبة من حناجرنا‪ .‬النساء يا‬
‫تارك الصالة؟!! ألم تجد غيرىا؟! انفضت الجماعة‪ ،‬وبقي الشيخ حسن وحده‬
‫يصمي‪ ..‬ثم بعد لحظات تجمعنا وأكممنا صالتنا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬ذكرتني بأم عدنان يا سائق الشيطان‪.‬‬


‫قال أبو عدنان وىو شيخ في الستينيات من عمره‪ .‬ألقوا القبض عميو ألنو‬
‫شارك في ثورة الشيخ حسن سالمة أيام كنا مزروعين في األرض‪.‬‬
‫‪-‬عندما سأقابل رجال الصميب األحمر سأطمب منيم إما أن يطمقوا سراحي‬
‫أو يحضروا لي أم عدنان في الزنزانة‪ .‬تابع أبو عدنان وال أحد يدري أكان جاداً أم‬
‫مازحاً‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬انظر إلى ىذه الرسالة‪ .‬قال أبو عدنان‪.‬‬


‫‪-‬ما بيا؟ سألت‪.‬‬
‫‪-‬إنيا من ابنتي‪ ..‬ىي خريجة كمية الصيدلة‪ .‬حاول أن تستنشق رحيقيا‪.‬‬
‫أدنيت انفي من الرسالة‪ .‬رائحة زكية تنبعث منيا‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 27 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬إن البنتك ىذه ذوقاً رفيعاً‪.‬‬
‫عمقت نظراتي في وجيو‪ .‬قرأتو‪ .‬أحد أولئك الذين حاولوا منع الكارثة‪ .‬لم يكن‬
‫بمقدوره وال اآلخرين‪ .‬ما حدث قد حدث‪ .‬وىانحن نعاني‪ .‬أىي معاناة؟! ىي أكثر‬

‫‪o‬‬
‫من ذلك!! إنو يدفع ثمن محاوالتو السابقة‪.‬‬
‫‪-‬أحزين أنت يا أبا عدنان؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫شعرت بسخافة السؤال‪ .‬لكنو انفمت من بين شفتيو‪ .‬نظر إلي باسماً‪ ..‬ربما ق أر‬
‫ما يدور داخمي‪ ..‬انتظر لحظات قبل أن يقول‪..‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬لست حزيناً‪ ..‬في تمك األيام بعتما تممك أم عدنان من ذىب وىو‬
‫قميل‪ ..‬ربما كل ما أىديتو ليا عند زواجنا‪ ..‬اشتريت بندقية قديمة وقميالً من‬
‫الطمقات‪ .‬التحقت بقوات حسن سالمة‪ .‬نصف الرصاصات فقط انطمق من بندقيتي‬
‫ثم تعطمت عن العمل‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫قمت الحق يا أبا عدنان‪ .‬لم يكن باستطاعتنا تفادي ما وقع‪ .‬تذكرت وصف‬
‫غسان كنفاني لرحيمنا من يافا‪ :‬انطمقت القذائف تحرق كل مكان إالّ ذاك الطريق‬
‫المؤدي إلى الميناء‪ .‬تدافعنا من خاللو إلى البحر‪ ،‬ومن ىناك تزاحمنا في مراكب‬
‫‪ott‬‬
‫وكأنيا معدة سابقاً لمثل ىذه الميمة‪ ،‬ثم إلى بيروت حيث استقر بنا المقام‪ ..‬ظننا‬
‫أننا سنمكث أياماً معدودة نعود بعدىا‪ .‬لكننا لم نعد مطمقاً‪ ..‬وىذه أيام السجن‬
‫طالت ولم أعد ألؤدي لجياد قروشو التي خسرتيا عشية القبض عمي‪.‬‬
‫‪-‬ىل ابنتك متزوجة؟!‬
‫‪alk‬‬

‫لممرة الثانية أطمق سؤاالً ال معنى لو‪ .‬تماماً كما لم يكن معنى لمغادرتي‬
‫المكتبة تاركاً غادة وحدىا‪ ..‬حتى إنني لم أستأذنيا‪ .‬كان أحمد الجبالي‪ ..‬ذلك‬
‫الرجل الذي اغتصب روعة المحظة عندما تسممت حروف اسميا من بين شفتي قد‬
‫جمس بالقرب مني وعمى بعد خطوات منيا‪ ..‬لم أتحمل فعمتي‪ .‬ثقمت عمي ذاتي‬
‫لقدمي أن تقوداني حيث‬
‫ّ‬ ‫عيني تتوىان في ال شيء‪ ،‬وسمحت‬ ‫ّ‬ ‫فخرجت‪ .‬تركت‬
‫تريدان‪ ..‬فقدت اإلحساس بكل شيء حولي‪ ..‬ىي عادتي‪ ..‬حاولت لمممة أفكاري‪،‬‬
‫‪w.‬‬

‫فتاىت في الماضي‪ ..‬الماضي! الماضي ما أقساه‪ ..‬ىي قسوة األيام‪ ..‬الصف‬


‫األول اإلعدادي‪ ..‬كنت ممي اًز في المدرسة‪ ..‬أعطاني ابن أخي األكبر قصصاً وال‬
‫أدري كيف حصمت عمى سروال جديد‪ ..‬ربما من وكالة الغوث‪ ..‬أرتديتيما‪..‬‬
‫واسترقت نظرة إلييا‪ ،‬فمم أجدىا‪ ..‬اغتصبت "شبشباً" كان ليا وخرجت مسرعاً في‬
‫طريقي إلى المدرسة‪ ..‬وكالقدر وقفت لي أمام الباب‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 28 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أييا المص‪ ..‬اخمع الشبشب‪.‬‬
‫المص‪ ..‬اقتنصتني أمي من بين يدي القدر‪ ..‬أطفاليا بعد أخي وأختي ماتوا‬
‫جميعاً‪ ،‬وعندما التقطتني التفت حولي‪ ..‬قال أبي سنسميو يوسف‪ .‬وقالت أمي‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫مر بمنزلنا في طريقو إلى المرعى‬ ‫سنسميو عبيد‪ ..‬اسم الراعي الذي كثي اًر ما ّ‬
‫يوسف‪ ..‬عبيد‪ ..‬يوسف‪ ..‬عبيد‪ ..‬وأخي اًر أسماني أبي "يوسف" وأسمتني أمي "عبيد"‬
‫لكن "عبيد" التصق بي‪ ،‬فعرفني رجال الحي ونساؤه "بعبيد" وكذلك رفاقي‪ ،‬أما‬

‫‪b.c‬‬
‫يوسف فكان اسمي الرسمي‪ ..‬لص‪ ..‬منذ أن ولدتك أمك‪ ..‬صمت‪ ..‬لم أنطق كان‬
‫أخي مستمقياً في الفناء‪.‬اعتدل‪" .‬لص"! سمعيا‪ ،‬ال‪ ..‬بل تكومت في أذنيو‪.‬‬
‫‪-‬اتركيو يذىب بو إلى المدرسة!‬
‫ىذا كل ما قدرت عميو يا ذيب؟! "اتركيو" يا لك من رجل!! ميسور أنت‪.‬‬
‫وكان باستطاعتك أن تشتري لي حذاء جديداً‪ ..‬النقود في مخبئيا‪ ..‬إن لم‬

‫‪o‬‬ ‫تتضاعف‪ ،‬يجب أال تنقص‪.‬‬


‫‪-‬من ال يحترمني ال يجب أن يستعمل أشيائي‪ .‬قالت‪.‬‬
‫أحترمك‪ ..‬وأنا الذي جاع والسمة ممموءة بالخبز‪ ..‬اذىب حافياً إلى المدرسة‬
‫‪ott‬‬
‫وجيبك متخمة بالنقود‪ ..‬احترمك وأنت تعتبرينني كأني لم أكن‪ ..‬حاولت‪ ..‬ولكن‬
‫نظرات الحقد في عينيك أوقفت كل رجائي‪ ..‬واآلن تغوصين بمعنوياتي إلى تحت‬
‫الصفر‪ ..‬انزلقت قدماي من الشبشب وخرجت حافياً إلى المدرسة‪.‬‬
‫‪-‬فعمت شيئاً ما خطأ وتحاسب نفسك‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫بأذني‪ ..‬حروف متفرقة لم أعرىا اىتماماً‪ ،‬فقد كنت في‬


‫ّ‬ ‫اصطدمت الكممات‬
‫مشادة مع نفسي‪ ..‬لماذا فعمت ما فعمت؟! لماذا تركتيا؟! أنا الذي انتظرت تمك‬
‫المحظة دى اًر‪ .‬وفي أحالم يقظتي صورتيا بجانبي‪ ،‬تحدثني فتذوب نفسي بين‬
‫كمماتيا‪ ..‬أبحث عن ذاتي فأجدىا ممزقة وقد انتثرت عمى مساحة جسدىا‪ ..‬شعرىا‬
‫فاحم السواد مصفوف عمى رأسيا بعناية فائقة كأنو غيمة توشك أن تسقط‬
‫أمطارىا‪ ..‬عندما تحقق الحمم‪ ،‬ىربت‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬يوسف‪..‬‬
‫صحوت ببطء‪ ..‬لكني ما زلت غارقاً في ذاتي‪.‬‬
‫‪-‬أييا الساىم أبداً‪..‬‬
‫جذبت أحاسيسي‪ ..‬عدت لنفسي‪ ..‬نظرت إليو‪ ..‬عبد الكريم حسن‪ ..‬الصديق‬
‫‪ww‬‬

‫القريب من النفس‪ .‬تقاربنا في كل شيء إال االستقرار النفسي‪ ..‬ابتسمت أجزائي‬


‫‪- 29 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫شفتي‪ ..‬سعدت لرؤيتو‪ ..‬اتجيت نحوه‪..‬‬
‫ّ‬ ‫قبل أن ترتسم االبتسامة عمى‬
‫‪-‬ماذا فعمت؟!‬
‫تراقص السؤال عمى شفتيو‪ ،‬فتجسدت أمامي‪ ..‬غادة‪ ..‬السمراء الساحرة‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫جسدتيا لمحظة فذابت ثانية‪ ،‬فجاورتني‪ ..‬تداخمت وعبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬أين أنت؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫األسئمة التي ال معنى ليا تنطمق من بين شفتي فال أحاول إيقافيا‪ .‬أشعر بيا‬
‫فقط بعد أن تندفع‪ ..‬كعادتي دائماً‪ ،‬عندما اصطدم وزوجة أخي تخرج الكممات‬
‫القاسية تمقائياً بدون حساب لعواقبيا‪ ..‬وىا أنا ذا أفعل ذلك‪..‬‬
‫‪-‬أين أنا؟! أنا ىنا أبحث عنك‪ ..‬وأنت المختفي أبداً إما في ذاتك أو مع‬
‫اآلخرين‪..‬‬
‫اقتربت منو‪ ..‬أمسكت بيده‪ ..‬سرنا في طريق عمى جانبيو بساتين الفاكية التي‬

‫‪o‬‬
‫اشتيرت بيا بير زيت‪ ..‬دخمنا أحدىا بال استئذان‪ ..‬التقطنا كثي اًر من ثمارىا وبدأنا‬
‫مر بنا أحدىم فصاح‪..‬‬ ‫نأكل دون أدنى إحساس بالذنب‪ّ ..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ليرحم اهلل صاحبيا‪..‬‬
‫‪-‬ليرحمو اهلل‪ ..‬صحنا معاً‪.‬‬
‫تابعنا سيرنا بال ىدى‪ ..‬استل لفافة تبغ وقدميا لي‪ ..‬أشعمتيا رغم أني ال‬
‫أدخن‪ ..‬دلقت دفقة من دخانيا إلى صدري‪ ..‬تكومت في رئتي‪ ..‬كدت اختنق‪..‬‬
‫أطمقت أصواتاً حادة إلى أن بدأت أتنفس مرة أخرى‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬لم تعتد التدخين بعد‪ ،‬وال تستمتع بو‪.‬‬


‫أثار في نفسي الرغبة في التحدي‪ .‬طقس شتائي رائع‪ .‬الغيوم تغتصب‬
‫الفضاء الواسع فتحجب صفاء السماء‪ .‬قطرات رقيقة تصافح وجوىنا فتنتعش‬
‫أرواحنا‪ .‬ارتوت األرض بما فاضت بو السماء فانبعثت منيا رائحة رائعة‪ .‬مع‬
‫دخان المفافة ورائحة األرض المبتمة بالماء الساقط من السماء حمقت بي أفكاري‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫تناسيت عبد الكريم بجانبي‪.‬‬


‫فقط البيئة تغيرت‪ .‬كانت رممية سيمة االختراق‪ .‬ما أن انيمر المطر حتى‬
‫تداخل وكل أجزائيا‪ .‬عبد الكريم وعبد الحميم وفاروق وأنا وآخران جمسنا تحت شجرة‬
‫الكينياء الصحراوية‪ .‬ماذا نستطيع أن نفعل؟! ما زلنا في مقتبل العمر‪ .‬الصف‬
‫الثاني الثانوي‪ .‬لتكن "جمعية الواجب المقدس" ذلك أول عيدنا بالتنظيمات السرية‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 31 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫حددنا ما يجب أن يدرسو كل فرد منا‪ :‬كان نصيبي (الكمية الحربية)‪ .‬مسؤول‬
‫العمل العسكري‪ .‬وعبد الكريم (كمية الطب)‪ .‬وعبد الحكيم المحاسبة‪ ..‬وىكذا بدأنا‪.‬‬
‫‪-‬أتذكر يا عبد الكريم؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬أوتفكر أنت فيو؟!‬
‫‪-‬وىل ىناك غيره؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ولكن قل لي لماذا كنت غارقاً في ذاتك؟‬
‫أخرجت تنييدة طويمة دون أن أدري‪ ..‬نظرت إليو‪ ،‬ثم‪:‬‬
‫‪-‬غادة‪.‬‬
‫‪-‬السمراء؟‬
‫‪-‬دعتني إلى المكتبة‪ ..‬ثم خذلتيا!‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬كعادتك‪ ..‬ربما تيت عنيا في ذاتك‪ ..‬فأنا أعرفك‪ ..‬أو ربما قمت ما ال‬
‫يقال‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ىي األولى‪ .‬اغتصب أحمد الجبالي المحظة‪ ،‬فتركتيا‪ .‬أنت تعمم أنني ال‬
‫أطيقو‪.‬‬
‫‪-‬أييا المغفل! دعتك ىي‪ ..‬كن جريئاً واستمتع بالمحظة حتى الثمالة‪ .‬ما‬
‫عالقة الجبالي في صفاء لحظة جاد بيا الزمان عميك؟! تحممت من كل المشاعر‪.‬‬
‫قتمتك ذيبة يامسكين!‬
‫‪alk‬‬

‫ال تقل ذلك يا عبد الكريم‪ ،‬فأنا أعرف ذاتي‪ .‬وأعرف من الذي حطميا!! ال‬
‫تعاظم مأساتي‪ .‬األحالم تقتميا قسوة األيام‪ .‬أما المحظة التي تتكمم عنيا فقد قتمت‬
‫يوم تركتني أمي ومن بعدىا أبي‪.‬‬
‫روعة المكان وجمال الطبيعة الجبمية سمبتانا من ذاتنا‪ .‬سرنا خطوات طويمة‬
‫دون كممات‪ .‬لكنو استرد ذاتو قبمي فنظر إلي‪ .‬أيقظني من خموتي مع نفسي‪.‬‬
‫‪-‬تناسيت واقعك‪ .‬قال‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫أخذت األمطار تزداد فرجعنا قبل أن يبدأ انيمارىا‪.‬‬


‫ما زالت عيناه محمرتين‪ ،‬تنطقان بمعاناتو القاسية‪ .‬كان بكاؤه حا اًر‪ ،‬وحزنو‬
‫عميقاً‪ .‬مات الرجل‪ ..‬مات األمل‪ .‬وفي تمك األيام لم أعد أراه كذلك‪ ..‬اليزيمة‬
‫كانت قاسية‪ .‬األحالم التي أيقظيا داخمنا كانت عظيمة‪ ،‬وعندما وقعت اليزيمة‬
‫‪ww‬‬

‫كانت الصدمة أعظم‪.‬‬


‫‪- 30 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أما زلت حزيناً يا محمود؟!‬
‫ولون صوتي ىذه المرة حزن دفين بدأ يستولي عمى أفكاري‪.‬‬
‫سألتو ّ‬
‫‪-‬أصبحت الحياة بال معنى‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬إلى ىذا الحد؟!‬
‫‪-‬بل أكثر من ذلك‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫وأنا المعروف بسوداويتي‪ ..‬ىنا رجل فاقني سوداوية‪ ..‬الفارق أبداً في‬
‫أحزاني‪ ..‬ىو أنو فاقني حزناً‪ ..‬أظنو حزن المحظة‪ ..‬لكن حزني أبدي‪ ..‬منذ ذلك‬
‫اليوم الذي فقدت فيو أمي وبعدىا بعدة شيور أبي‪ ،‬قدري في ىذه الدنيا شؤم‪..‬‬
‫تدثرت أيامي بالمصاعب والحزن الجارف يوم توالني أخي وزوجتو‪..‬‬
‫‪-‬كم ولداً لك يا محمود؟!‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬زوجة وثالثة أوالد‪..‬‬


‫‪-‬ألست حزيناً عمى فراقيم؟!‬
‫واحد من األسئمة التي ال معنى ليا‪ ..‬كنت أود أن أسألو عن مدى حزنو‬
‫‪ott‬‬
‫لموت الرئيس ومقارنتو بحزنو عمى فراق أوالده وزوجتو‪ .‬خانتني المغة‪ ،‬كما ىي‬
‫العادة‪ ،‬فأطمقت سؤاالً ال معنى لو‪ .‬ال بد أن الحزن يكون كاسحاً في مثل ىذه‬
‫الظروف‪.‬‬
‫خانتو المغة ىو اآلخر‪ .‬لم يكن في مقدوره اإلجابة عن السؤال‪ .‬ليس عج اًز‬
‫ولكن األلم كان أقوى من الكممات‪ ،‬فانزلقت سحابة حزن عميق عمى مساحة‬
‫‪alk‬‬

‫وجيو‪ .‬أحسست مقدار معاناتو وحزنو‪ .‬مسكين أنت يا محمود‪ ..‬زوجة وثالثة‬
‫أطفال؟! من ذا الذي سيرعاىم؟! ولمن يذىبون عندما تغدر بيم األيام؟! وىل‬
‫سيواجو ىؤالء األطفال ما واجيتو أنا؟! وأنت‪ ..‬أنت‪ ..‬الرجل األربعيني‪ ..‬ماذا بقي‬
‫في الحياة لتعيش من أجمو؟! ىل بإمكانك إحضارىم ىنا؟! وىل سبل العيش ىنا‬
‫كما ىي ىناك في غزة؟! ظني أن ىذه األسئمة كانت أيضاً في رأسو‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬اإلفطار‪ .‬صاح الشرطي‪.‬‬


‫نظرت إلى الباب المغمق‪ ..‬انفتح في ثوان‪ ..‬دخل رجالن أظنيما سجينين‬
‫قدما لكل منا قطعة من الخبز مع قطعة من الجبن وبعض حبات الزيتون‪ ..‬ثم‬ ‫ّ‬
‫كأساً من الشاي‪ .‬حممت أشيائي وجاورت محمود‪ ..‬انجذبت إليو‪ ..‬ربما أشاركو‬
‫مأساتو‪ ..‬أو ليشاركني ىو مأساتي‪ ..‬ربما‪ ..‬لنتقاسم المأساة معاً‪ ..‬أدخمت قطعة‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 32 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫صغيرة من الخبز في فمي‪ ..‬الحقتيا بقميل من الشاي‪ ..‬صعب أن تدخل في‬
‫أمعائك ماال تشتييو النفس‪ ..‬كيف كنت تفعل ذلك عندما كنت ىناك في سجن‬
‫عسقالن؟! ذلك المكان الذي احتضنك فترة طويمة من الزمن‪ ..‬كنت تشعر فيو‬

‫‪o‬‬
‫باألمان‪ ..‬أن تحشر نفسك بين واحد وعشرين رجالً وأن تنام آمناً ىو الحمم بعينو‪..‬‬
‫كنت دائماً وحيداً‪ ..‬وفجأة تجد نفسك مع رفاق كميم في مثل حماستك‪ ..‬كميم‬
‫يحمل ىمومك‪ ..‬تقاسمنا اليم واأللم كما نفعل اآلن‪ ..‬في الصباح الباكر‪ ،‬يصيح‬

‫‪b.c‬‬
‫جندي الحراسة "عدد"‪ ..‬تنيض من نومك متثاقالً‪ ..‬تقفز إلى الحمام وتغسل وجيك‬
‫ثم ترتب أغطيتك وتصطف كما لو كنت جندياً في طابور الصباح‪ ..‬يمر العسكري‬
‫الييودي وىو غالباً برتبة رقيب مصطحباً معو جندياً آخر‪ .‬يصرخ عريف الحجرة‬
‫برقم السجناء‪ ،‬وال يطمئن العسكري إلى الرقم فيعدنا ليتأكد من ذلك‪ ..‬وعندما‬
‫يخرجان من الحجرة نبدأ يومنا‪.‬‬
‫"اإلفطار" يصرخ الحارس‪ .‬وغالباً ما كان يقول ذلك بنصف عربية ونصف‬

‫‪o‬‬
‫عبرية‪" ..‬جروان عمى الباب" يقوم عريف الحجرة بترتيب فناجين الشاي‪ .‬يصب‬
‫سجين يعمل في مطبخ السجن سائالً أصفر المون يقال عنو شاي‪ .‬ثم يقدمون لنا‬
‫‪ott‬‬
‫بيضة وقطعة خبز وبعض الزيتون‪ .‬السجن ىو السجن‪ ..‬ىنا في الكرك أو ىناك‬
‫في عسقالن‪ ..‬ينتابك شعور غريب‪ ..‬استسممت لؤليام أو ربما استسممت لك‬
‫األيام‪ ..‬أنت مكوم داخميا أو ىي مكومة داخمك‪ ..‬استرخاء ال نياية لو‪ ..‬يمضي‬
‫الزمن رغم إرادتك‪ ..‬رحمة طويمة عبر الدقائق والساعات‪ ،‬وأنت ال تشعر بمعاناة‬
‫تمك الرحمة النعدام إحساسك بالزمن‪ ..‬القتال‪ ..‬أي قتال؟! ما زال ضارياً‪ ..‬واألفكار‬
‫زادت حدتيا داخمك‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬ىل انتيى كل شيء؟! سألنا الجندي‪.‬‬


‫نظر إلينا باستنكار‪ ،‬ثم قال بحدة‪:‬‬
‫‪-‬كيف ينتيي كل شيء وخمف كل جدار رجل؟!‬
‫أجاب دون أن يعطي نفسو دقيقة ليفكر‪ .‬إذن الرجال ىناك وال أحد يستطيع‬
‫اقتالعيم‪ .‬وىذه األصوات الثقيمة عمى النفس‪ .‬أما آن ليا أن تنتيي؟! تتقاذفك‬
‫‪w.‬‬

‫األمواج اليائجة‪ .‬تستسمم ليا‪ .‬استسممنا لمواقع‪ .‬أخذنا ننتظر‪ .‬وفجأة ظير بالباب‬
‫جندي من البادية يحمل رشاشاً أمريكي الصنع‪ ..‬متوثباً كأنو مصارع ثيران وقد‬
‫قد من صخر‪ ..‬تفحصنا بعيني صقر‪..‬‬ ‫اقترب منو الثور مياجماً‪ ..‬وجيو صارم ّ‬
‫‪-‬انتم واهلل الرجال! أما ىؤالء‪ ..‬إنيم لصوص‪ ..‬يقولون أنو ال سالح لدينا‬
‫‪ww‬‬

‫لقتال إسرائيل‪ ..‬واآلن يممؤون الدنيا صراخاً عن النابالم الذي نقذفيم بو‪.‬‬
‫‪- 33 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫قال بافتخار‪ .‬ألقى محاضرة في دقائق‪ .‬كمماتو البسيطة رسمت صورة دقيقة‬
‫لموضع في تمك األيام‪ .‬نظرت إليو‪ ..‬تعمقت داخمو‪ ..‬أنت واهلل رجل‪ ..‬تقاتل‬
‫كرجل‪ ..‬الذي غرس الفكرة في رأسك بأن ىؤالء الذين تقاتميم لصوص‪ ،‬يستطيع أن‬

‫‪o‬‬
‫يزرع الفكرة األخرى وستقاتل وتنتصر‪ ..‬سنوات طويمة وتمك النبتة الشيطانية‬
‫تترعرع في رأسك‪ ،‬وىناك من يرعاىا ويمدىا بالماء والطعام‪ ..‬ىا ىو غضبك‬
‫ينفجر كالبركان يدمر كل شيء‪ ..‬حتى األطفال‪ ..‬ألن من غرس الفكرة في رأسك‬

‫‪b.c‬‬
‫أوحى لك أنيم ورغم براءتيم ىم نبتات شيطانية يجب اقتالعيا‪ ..‬وىا أنت ذا تفعل‪.‬‬
‫زاد صمتنا‪ .‬صمت ىو أيضاً‪ .‬وماذا كان باستطاعتنا أن نقول‪ .‬لقد قال ىو‪،‬‬
‫وما عمينا إال أن نسمع‪ .‬وعندما انتيى‪ ،‬تكمم الصمت‪ .‬كانت كمماتو ثاقبة‪ .‬ربما‬
‫سمعيا ىو‪ .‬ال أظن أن تمك الكممات الصاخبة فعمت شيئاً في تكوين عقمو الذي‬
‫صقل منذ زمن بعيد‪ .‬ذىب‪ .‬تنفسنا الصعداء‪ .‬أحقاً ىم لصوص؟! ىكذا وصفتني‬
‫ذيبة ذات يوم‪ ..‬وىل كنت حقاً لصاً؟! أن أقتنص ما يقيني رمضاء الطريق‬

‫‪o‬‬ ‫يحولني إلى لص؟!‬


‫عندما بدأت قطرات الماء الساقطة من السماء تتزاحم عمى أجسادنا‪ ،‬آثرنا‬
‫‪ott‬‬
‫الرجوع إلى مبنى الكمية‪ .‬أسرعنا الخطى‪ ،‬وفي لحظات كنا ىناك نحتمي من زخات‬
‫المطر في بناية من البنايات‪ .‬كيف انبثقت من ال شيء؟! ال أعرف‪ .‬شامخة وقفت‬
‫أمامي‪ .‬تكسرت المغة عمى سطح نظراتيا المماحة‪ .‬عندما نظرت إلييا‪ ،‬أيقنت أن‬
‫لدييا الكثير لتقولو‪ ..‬انتظرت وال خطة لدي لمواجية الموقف‪ .‬اعتمدت عمى‬
‫الظروف لتنقذني مما فعمت‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 34 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-4-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫إغفاءتو كانت قصيرة‪ .‬أدرت ما حدثني بو في رأسي‪ .‬عجبت منو وعجبت‬
‫من نفسي‪ .‬كيف لي أن أصدق كل ما قالو؟! واصمت االستماع لو‪ .‬أغراني بحمو‬
‫الحديث وغرائبيتو‪ ،‬واستغل ىو افتتاني بو وتابع روايتو بال توقف‪ .‬عندما رأيتو‬
‫يغفو‪ ،‬حاولت أنا أن أنصرف‪ .‬وفي المحظة التي قررت فييا أن أغادر‪ ،‬أوقفني‬
‫بإشارة من يده‪ .‬دققت النظر فيو‪ ،‬ثم صحت‪:‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬يا يوسف يا بن يوسف الياللي!! ماذا جرى لك؟ أتستخف بقدراتي‬
‫العقمية؟!!‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬من قال ىذا؟! قال بحدة‪.‬‬
‫‪-‬بصراحة أنا ال أفيم ما تقول‪.‬‬
‫‪-‬أنت ال تريد أن تفيم!!‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬اسمع‪:‬‬
‫‪alk‬‬

‫بعد أن خرجت ذيبو مكرىة‪ ،‬بقي ىو في الحجرة‪ .‬لفت انتباىيا إلى وجوده‪.‬‬
‫طمأنتني وطمبت مني أال أرتعب منو‪ .‬لكنو موجود‪ .‬قمت ليا‪ .‬وماذا في ذلك؟!‬
‫قالت‪ .‬ثم تابعت وصيتيا ‪-‬الحظ كممة وصيتيا‪ ،‬ىل تعني لك شيئاً؟! إذن انتظر‬
‫وستعرف‪ -‬ال تترك مخاوفك تأخذك بعيداً‪ .‬كن قوياً وسينكمش ىو عمى نفسو‬
‫ويتركك طميقاً‪ .‬وعمى مدى أيام عمري التزمت نصيحتيا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ذيب‪ .‬قالت بصوت ضعيف‪.‬‬


‫‪-‬نعم! قال‪.‬‬
‫‪-‬أريدك أن تعدني‪.‬‬
‫‪-‬بماذا؟‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬أن تحافظ عمى أخيك‪.‬‬


‫‪- 35 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬أن تمبي لو احتياجاتو‪.‬‬
‫‪-‬متى؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬وقتما يريد‪.‬‬
‫‪-‬سأحاول‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫استمعت إلى كالميم‪ .‬استوقفتني كممة سأحاول‪ .‬إنيا ليست وعداً‪ .‬كممة‬
‫عائمة ال تعني شيئاً‪ .‬كيف ستتم ىذه المحاولة؟! ولماذا تطمب منو ذلك؟! استولى‬
‫القمق عمى أفكاري‪ .‬بماذا تفكر؟! ال‪ ..‬ال أظن ذلك‪ .‬احتماالت المستقبل‪ ،‬وىذه‬
‫إحداىا‪ .‬ولكن ليس بيذه السرعة‪.‬‬
‫‪-‬لماذا تقولين ما تقولين؟! ىمست ليا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫لم تسمعني‪ .‬ضغطت عمى جدار عقميا بمطف‪ .‬لكن صرختيا أرعبتني‬
‫وأرعبت ذيب الذي تمممل في مكانو دون أن تظير مشاعر القمق عمى وجيو‪ .‬أنني‬
‫أخيفو‪ .‬سعدت ليذا الخاطر‪ .‬كررت المحاولة مرة أخرى‪ ،‬فكانت صرختيا أقوى من‬
‫‪ott‬‬
‫األولى‪ .‬اآلن‪ ..‬اآلن فقط تسربت مشاعر الخوف والقمق إليو‪ .‬غادرت عيناه‪.‬‬
‫اندست إحدى يديو في جيب سروالو‪ .‬لم ينطق‪ .‬تمممل في مكانو‪ .‬دار بعينيو‬
‫فضاء الحجرة‪ .‬ثوان‪ ،‬ثم غادرنا‪ .‬تدحرجت مشاعر سعادتي أماميا‪ .‬اختمطت‬
‫بأفكارىا‪ .‬انزعجت‪ .‬ما كان يجب عميك أن ترعبو‪ ،‬أنو أخوك‪ .‬قالت عاتبة‪.‬‬
‫‪-‬إلى أين ذىب؟ سألتيا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬ال أدري‪ .‬أليس ىذا ما أردتو؟!‬


‫‪-‬نعم واآلن كيف تشعرين؟‬
‫‪-‬ما دمت ساكناً‪ ،‬فأنا ىادئة وسعيدة بصحبتك‪.‬‬
‫‪-‬سأبقى ساكناً إن كنت تحبين ذلك‪.‬‬
‫تركتيا حيث ىي وتجولت في الحجرة‪ .‬من قال أنيا حجرة؟! أكوام من الطين‬
‫‪w.‬‬

‫أخذت أشكال الجدران‪ .‬أخشاب فقدت القدرة عمى االعتدال بفعل ثقل األحجار‬
‫فوقيا‪ .‬أما النافذة‪ .‬فموحان من الخشب متوازيان‪ .‬أن فتحتيما‪ ،‬تحتاج لوقت طويل‬
‫لتثبتيما في مكانيما مرة أخرى‪ .‬وان لم تكن حذ اًر‪ ،‬فربما تصدع الجدار أو انيار‬
‫بعض منو‪ .‬لذلك يبقونو مغمقاً طوال السنة ليتخمصوا مما يسببو ليم من صداع‪.‬‬
‫ىل سأعيش ىنا؟! سألت نفسي‪ .‬لم أجب‪ .‬ألغيت التفكير في المستقبل حتى ال‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 36 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أصاب باإلحباط الذي يبدو أنو سيالزمني فترات طويمة من حياتي‪.‬‬
‫‪-‬أين ذىبت؟! سألتني‪.‬‬
‫‪-‬ما زلت بجانبك‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬بجسدك فقط!‬
‫‪-‬ىا أنذا أعود إليك‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أسعدتني بانتظارك‪.‬‬
‫‪-‬انتظريني أنت‪..‬‬
‫تستجدي سرعة سير الدقائق‪ ..‬أثقل عميك الزمن‪ ..‬تباطؤه يقتل الرغبة لديك‬
‫في الحركة‪ .‬ألقيت نظرة في الفضاء‪ ..‬تائية كأفكاري‪ ..‬صافية ال يعكر صفوىا‬
‫ئتي‪.‬‬
‫اعي عمى طوليما‪ .‬استدرجت تيا اًر من اليواء إلى ر ّ‬
‫شيء‪ ..‬وقفت‪ .‬مددت ذر ّ‬

‫‪o‬‬
‫مؤلني‪ .‬ترنحت أجزائي لمحظات‪ .‬بعدىا عادت كما كانت‪ .‬طفت الفضاء مرة‬
‫أخرى‪ .‬كل شيء ىادئ‪ .‬غادرنا الجندي المتحفز‪ .‬تجولت قدماي في ساحة السجن‬
‫الواسعة‪ ،‬وتجولت المدينة في أنحاء الذاكرة المكتنزة‪ .‬تحقق الحمم‪ .‬وحدك في‬
‫‪ott‬‬
‫الفضاء الواسع‪ .‬أنت لذاتك‪ .‬اقتحمتك الحياة من حيث أردت‪ .‬ال تنتظر‪ .‬انزلقت‬
‫عيناي إلى أسفل‪ .‬التصق بالذاكرة‪" ..‬لص" وسمبتني إياه‪ ..‬وذلك الجالس يشاىد ما‬
‫يحدث‪ ..‬اتركيو لو‪ ..‬سرقتني الذكرى فاستسممت ليا‪.‬‬
‫ال أحد حولي‪ .‬أنا والفراغ والحرمان‪ .‬حجرة ضيقة وشيء يقال عنو حامل‬
‫عميو كومة من األغطية‪ .‬مددت يدي فاصطدمت بشيء معدني‪ .‬التقطتو‪ .‬سحبت‬
‫‪alk‬‬

‫يدي من بين األغطية‪ .‬نظرت بذىول إلى ما تحتويو‪ .‬نصف قرش‪ .‬ىدية لم‬
‫أتوقعيا‪ ..‬ىدية منيا‪ .‬ربما‪ .‬نصف قرش‪ ..‬جيوبو ممموءة بالقروش‪ .‬يعز عميو‬
‫مفارقة أحدىا‪ .‬يعشقيا كفتاة رائعة الجمال‪ .‬وعندما يخرج قرش منو‪ ،‬فإن الكتابة‬
‫عميو تمتصق بأصابعو‪ .‬حممت كنزي بيد ترتعش‪ .‬حممتني قدماي خارج المنزل‪.‬‬
‫عدوت وىا أنذا في‬‫عدوت‪ْ ..‬‬
‫تراقصت األشياء أمامي‪ ،‬فأنا أممك نصف قرش‪ْ ..‬‬
‫السوق‪ ..‬طفتو مرات عديدة‪ ..‬مضى وقت طويل قبل أن أقرر مصير نصف‬
‫‪w.‬‬

‫القرش ىذا‪ ..‬أخي اًر قررت‪ ..‬كانت رائحتيا تجتذب المارة‪ ..‬وجييا النحاسي يدعوك‬
‫لتقبيميا‪ ..‬إذن ىي‪ ..‬ىذا ىو قراري‪ ..‬اقتربت منيا باحترام‪ ..‬حاورتيا‪ ..‬استنشقت‬
‫عبيرىا‪ ..‬تماماً كما استنشقت عبير غاده عندما دنوت منيا‪ ..‬تحسست كنزي الذي‬
‫أحكمت قبضة يدي عميو‪ ..‬ال بد من التنفيذ‪.‬‬
‫‪-‬أريد بنصف قرش‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 37 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫التقطو البائع‪ ..‬وضع سكينو العريض في خاصرتيا‪ ..‬ال تفعل ذلك يا رجل!!‬
‫وىل مثميا يطعن بسكين؟! إن كنت ال بد فاعالً‪ ،‬فكن رقيق القمب‪ ..‬ال تدعو‬
‫يغوص في أعماقيا‪ ..‬تحددت لي‪ ..‬دفعت كنزي ثمناً ليا‪ ..‬سأتذوقيا‪ ..‬أتذكر‬

‫‪o‬‬
‫تاريخ آخر مرة تذوقتيا؟! سؤال صعب‪ ..‬مرور الزمن أنساني اسميا‪ ..‬كنت‬
‫ألحظيا من بعيد‪ ..‬أكتفي بذلك‪ ..‬تدور بي الدنيا‪ ،‬أو أدور بيا‪ ..‬وىا ىي ذي‬
‫القطعة أمامي‪ ،‬حقيقة أمامي‪ ..‬سألون معدتي بيا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫انتظرت لحظات طويمة حتى اكتممت القطعة وتربعت بكبرياء عمى صفحة‬
‫ورقة نظييفة‪ .‬امتدت يد البائع نحوي‪ .‬لم أىاجميا‪ .‬ولم انقض عمييا‪ .‬عاممتيا‬
‫باحترام فائق‪ .‬وبرفق مددت يداً مرتجفة‪ .‬احتضنت ثمن كنزي‪ .‬تركتيا ترتاح في‬
‫راحة يدي‪ .‬نظرت ليا طويالً‪ ..‬ثم نظرت إلى السماء الصافية‪ .‬رأيتيا ىناك‪:‬‬
‫يا أم ذيب‪ ..‬يا أمي‪ ..‬اليوم سأحتضن الحياة‪ ..‬سأتذوق طعميا‪ ..‬سبحان‬
‫الذي سخر ىذا لي‪ ..‬في أحالم يقظتي المتواصمة لم تمتقط يدي مثل ىذه القطعة‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫أود أن تشاركيني‪ ..‬ىييات أن تتحقق أماني‪..‬‬ ‫وىا ىي ترتاح في راحة يدي‪ْ ..‬‬
‫تأسرني اليموم فأنقطع إليك‪ ..‬أنت التي تركتني مرغمة‪ .‬وىل كان في اإلمكان رفع‬
‫‪ott‬‬
‫يد القدر عن عنقك؟! ال أظن‪ ..‬ىا ىي ذي في يدي‪ ..‬أال تشاركينني فييا؟!‬
‫‪-‬انتظر‪.‬‬
‫صوت قادم من ال مكان‪ ..‬عصرت حواسي كميا‪ ..‬أردت أن أتنبو‪..‬‬
‫"انتظر"‪ ..‬رفعت رأسي إلى أعمى‪ ..‬صفاء السماء تجتاحو غيمة سوداء‪ ..‬ىل أتى‬
‫الصوت منيا؟!‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬عبيد‪.‬‬
‫يا رب السموات واألرض!! أو تكون ىي؟! االسم األثير لدييا‪" ..‬عبيد"‬
‫سأنتظرك ولو طال انتظاري‪ .‬اقتربت الغيمة‪ ..‬تتيادى باتجاىي‪ ..‬يا أم ذيب! ىل‬
‫تكونين بجانبي اآلن؟! ال أستطيع تجسيدك‪ ،‬فأنا ال أعرف مالمحك‪ ..‬أعرف أن‬
‫لي أماً‪ ..‬أنت‪ ..‬ولكن أين أنت؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬انتظر يا عبيد‪.‬‬
‫ضغطت عمى ذاتي‪ ..‬اخترقت أفكاري‪ ..‬ربما تجاورني‪ ..‬يا خالق الخمق‪ ..‬يا‬
‫مطعم الطير‪ ..‬يا مقدر القدر‪ ..‬جد عمي وأرسميا لي‪ ..‬جسدىا أمامي‪ ..‬انتظرتيا‬
‫طويالً‪ ..‬وىا ىي ذي تناديني!‬
‫‪-‬عبيد‪ ..‬أعطني قطعة‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 38 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫الحمد هلل‪ ..‬الواىب والمانع‪ ..‬القيار‪ ..‬ىا ىي‪ ..‬كل القطعة لك‪ ..‬طوقيني‬
‫بذراعيك‪ ..‬تناسيت تمك المحتضنة راحة يدي‪ ..‬وبدون أن أدري رفعت ذراعي‬
‫بعنف‪ ..‬عنف الميفة‪ .‬ودوران العاصفة‪ ..‬ىيجان الذات الممتاعة‪ ..‬ىتفت من‬

‫‪o‬‬
‫أعماقي‪:‬‬
‫‪-‬أين أنت؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫اىتز جسدي كمو‪ .‬ترتجف األمنية وتقفز ىدية السماء من يدي‪ .‬تندلق عمى‬
‫األرض بدالل‪ .‬يقفز معيا قمبي خافقاً مستجي اًر باكياً‪..‬‬
‫‪-‬تضحي بيا عمى األرض وال تذيقني شيئاً منيا!‬
‫من الوضع جالساً‪ ،‬جالساً حول قطعتي‪ .‬نظرت إليو‪ ..‬إلييا‪ ..‬ال أدري‪.‬‬
‫‪-‬أىذا أنت؟!‬
‫تجسد الصوت القادم من الغيمة السوداء في شخصو‪ ،‬وضاعت أمنية‬

‫‪o‬‬
‫األمنيات‪ .‬اندلقت عمى األرض في لحظة تعمق اآلمال بخيوط الريح "أىذا أنت!"‬
‫رددت السؤال من الوضع مكوماً حول أمنيتي المقتولة‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬كنت أريد قطعة‪.‬‬
‫كنت تريد قطعة‪ ،‬وكنت أنا أريد شيئاً آخر‪ .‬ىا ىي ذي األشياء كميا تستمقي‬
‫عمى األرض‪ .‬تعال وجاورني‪ .‬عمنا نقتسم بعضاً منيا معاً‪ .‬كنت جاداً‪ .‬ذىل‪" .‬تقدم‬
‫يا عبد الرحمن"‪ .‬أحطتيا بذراعي‪ ،‬وأحاطني الجمع‪ .‬كان أطوليم‪ .‬انحنى بجانبي‪.‬‬
‫تركت لو مكاناً‪ .‬بدأنا نمتيم القطعة معاً‪ .‬تجاىمنا الجمع المشدوه‪ .‬جزئيات التراب‬
‫‪alk‬‬

‫التي عمقت بما أكمناه تسممت إلى أمعائنا مع القطع الحموة‪ .‬لم نشعر بيا‪ .‬نيضت‪.‬‬
‫استعذبت الصمت‪ .‬ألقيت نظرة عمى ذاتي‪ .‬تركت من كان حولي وغادرت‪ .‬تركت‬
‫األماني العارية خمفي‪ .‬غالطت نفسي‪ .‬لقد سمعتيا‪.‬‬
‫اليدوء الكثيف حدد حركتنا‪ .‬ندور في مساحة ضيقة‪ .‬كل منا تائو في ذاتو‪.‬‬
‫فجأة انسحب اليدوء‪ .‬جندي‪ ..‬آثر اليروب من المعارك الدائرة‪ .‬ألقوه معنا في‬
‫السجن‪ .‬لم نحادثو‪ ،‬ولم يحاول ىو‪ .‬تصفحنا بسرعة‪ .‬اكتشف أن لو من العمو ما‬
‫‪w.‬‬

‫يمنعو من مخالطتنا‪ .‬توارى عن األنظار‪ .‬عدت لما كنت فيو‪ :‬أتأمل الفضاء‬
‫الشاسع بال ممل‪.‬‬
‫‪-‬أييا المعتوه‪ ..‬توقف‪.‬‬
‫شق السكون صوت ىادر‪ .‬كاد الرصاص يمعمع‪ .‬في المحظة الحاسمة ألقوه‬
‫‪ww‬‬

‫أرضاً‪ .‬ذلك اليارب من الخدمة استولى عمى رشاش من مركز الشرطة‪ .‬جاور بناء‬
‫‪- 39 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫عالياً وصوب رشاشو باتجاه القمعة التي يتمركز فييا مجموعة من الفدائيين‪ .‬لو‬
‫أطمق رصاصة واحدة النتقمت جينم إلينا!! انقض عميو شرطي فحفظ لنا حياتنا‪.‬‬
‫ألقوه بيننا تالحقو المعنات‪ .‬أيقن أنو رىن السجن‪ .‬جمس ذليالً بال حراك‪ .‬لم نحاول‬

‫‪o‬‬
‫مواساتو‪ ..‬ال يستحقيا‪.‬‬
‫‪-‬أو تطول إقامتنا ىنا؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫سألت بال روح‪ .‬لقد استولى القمق عمى أفكاري‪ .‬رغبت في الحياة وأنا الذي‬
‫كثي اًر ما تمنيت أن أغادرىا‪ .‬عندما ألقاني الجندي اإلسرائيمي وسط المجنزرة وألقى‬
‫بحذائو الضخم فوق رأسي‪ ،‬تمنيت أن ينفجر لغم ويحول المجنزرة بمن فييا إلى‬
‫كتمة من جينم‪ .‬احترق األلم داخمي‪ .‬انتشرت البالدة في جسدي كمو‪ ،‬انعدم‬
‫إحساسي باألشياء‪ .‬تممست أرض المجنزرة‪ :‬باردة كأجزائي‪ .‬ستسممت‪ .‬كان ىدير‬
‫المحرك يخترق رأسي بعنف‪ ،‬فيعيد لي إحساسي مرة أخرى‪ .‬عندىا يزداد ثقل‬
‫الحذاء فوق رأسي‪ .‬لم ألعن الزمن‪ ،‬لكني لعنت الظروف والظالم واألحالم الكاذبة‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫أخي اًر توقف الركب‪ .‬انعدم إحساسي بالمكان مرة أخرى‪ .‬وقفت مذىوالً أحاطني‬
‫أحدىم بذراعو الضخمة‪ .‬لحيتو الكثيفة زادت ذىولي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ىل تتكمم العبرية؟ سألني‪.‬‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫‪-‬واالنجميزية؟‬
‫‪-‬أتكمميا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬بطالقة؟‬
‫‪-‬ال‪ ..‬ليس كما تظن‪.‬‬
‫أوقفوني ووجيي لمحائط‪ .‬يداي مرفوعتان‪ .‬قدماي‪ ،‬لذىولي‪ ،‬كانتا ثابتتين‪.‬‬
‫استرددت ذاتي ثانية‪ ،‬وبدأت أشعر بإنسانيتي‪ .‬عدت أنا كما أنا‪.‬‬
‫‪-‬تحرك‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫تحركت في ممر طويل‪ .‬أبواب زنزانات مغمقة وأصوات صراخ تأتي من بعيد‪.‬‬
‫العتمة الخفيفة زادت رىبة المكان‪ .‬لحظات صمت قصيرة تخترقيا أصوات صراخ‬
‫مرعبة‪ ..‬ثم يعود الصمت مرة أخرى‪ .‬وأمام باب مفتوح ألصق جندي قبضة يده‬
‫بعنقي من الخمف‪.‬‬
‫‪-‬قف‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 41 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬توقفت‪.‬‬
‫‪-‬ادخل‪.‬‬
‫دخمت حجرة جرداء استمقت في أرضيتيا طاولة ميترئة ومقعدان ليسا بأحسن‬

‫‪o‬‬
‫حال منيا‪.‬‬
‫‪-‬اجمس‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫جمست ووجيي لجدار اىترأت واجيتو‪ ..‬ربما من صراخ أحد المعتقمين‪..‬‬
‫انتظرت‪ ..‬وفجأة انبثق من ال مكان وواجيني‪ ..‬ىو ضابط االستخبارات الذي ألقى‬
‫يدي‪ ..‬سأحاول أن أنجو بجمدي‪.‬‬
‫القبض عمي‪ .‬تجمعت خيوط أفكار متناثرة بين ّ‬
‫‪-‬ماذا فعمت؟!‬
‫أذني‪ ،‬ومن‬
‫تسممت حروف سؤاليا ببطء عبر اليواء الذي يفصل وجيينا إلى ّ‬
‫ثم إلى أجزاء قمبي‪ ..‬تناثرت ذرات جسدي في الالمكان‪ ..‬صعدت روحي وحمقت‬

‫‪o‬‬
‫بعيداً‪ ..‬تجمعت بقاياي‪ ..‬وتسممت عيناي إلى عيونيا‪ ..‬ازدحم اليواء بأنفاسيا‬
‫وعبير عطرىا‪ ..‬نزلت عيناي من عميائيا‪ ..‬ثم وببطء ارتفعت إلييا‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬غمرتني أحاسيس لم أعتدىا فأثقمت عمي‪.‬‬
‫انفرجت شفتاىا عن ابتسامة ساحرة‪ .‬لمعت حبات المؤلؤ في فييا‪ ،‬تسربت‬
‫موسيقاىا إلى أذني‪..‬‬
‫‪-‬ما كان يجب أن تتركني وحيدة وتخرج‪..‬‬
‫ولكن األيام قست عمي فأصبحت أفعل ما ال يجب أن أفعمو‪ ..‬أثقل عمي‬
‫‪alk‬‬

‫ظمو‪ ،‬فكرىت أن أكون حيث يكون‪ .‬خرجت‪ ..‬رمقتني بنظرة الئمة‪ ..‬لكنيا لم‬
‫تعدني حيث كنت‪..‬‬
‫‪-‬يجب أن تكوني رحيمة بو‪ ،‬ألنو يممك مما فعل الكثير‪..‬‬
‫تدخل عبد الكريم‪ .‬أحببت مداخمتو‪ .‬أنقذني في الوقت المناسب‪ .‬دعانا لنتناول‬
‫كأساً من الشاي‪ .‬وافقنا‪ ،‬وفي الطريق قالت غادة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ميما يكن‪ ،‬ما كان عميو أن يغادر ويتركني وحيدة‪ ..‬ذىبنا معاً‪ ،‬وكان عمينا‬
‫أن نعود معاً‪.‬‬
‫جاورتيا في طريقنا إلى الكفتريا‪ ..‬اقتربت ىي مني‪ ..‬أن تقتنص لحظات‬
‫السعادة من بين شقاء األيام المتراكم ىي السعادة بعينيا‪ ..‬خفت عمييا أن تسقط‬
‫‪ww‬‬

‫من بين يدي فأطبقت شفتي ولم أنطق‪ ..‬حرفت مدار الذاكرة حتى تتقوقع في‬
‫‪- 40 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫المحظة‪ ..‬نجحت‪ ..‬عانقتيا بنظراتي‪ ..‬وددت لو أذىب معيا إلى آخر الدنيا لنعيش‬
‫وحيدين‪ ..‬ىا ىي ذي األحالم تطبق عمي‪ ..‬أعددت ليا المكان فرافقتني رفقة ال‬
‫أنفاك منيا‪ ..‬أقول لكم الحق إنيا تريحني‪ ..‬أىرب من قسوة أيامي وأتدثر‬

‫‪o‬‬
‫بأحالمي‪ ،‬أنجح أحياناً‪ ،‬ولكني أخفق أغمب األوقات‪..‬‬
‫‪-‬نحن نعرف عنك كل شيء و‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫فقاطعتو بيدوء‪ ..‬أغراني أنو لم يكن شرساً معي حتى اآلن‪.‬‬
‫‪-‬أريد أن أسألك‪.‬‬
‫نظر إلي طويالً‪ ..‬لعمو ق أر ما بداخمي‪.‬‬
‫‪-‬ليكن‪.‬‬
‫‪-‬ىل أنا إنسان أم حيوان؟!‬

‫‪o‬‬
‫استغرب سؤالي‪ ..‬لكنو لم يستخفو‪ ..‬ربما فاجأتو‪.‬‬
‫‪-‬بالطبع أنت إنسان‪.‬‬
‫وىذه اإلنسانية الميانة‪ ،‬ماذا أفعل بيا؟! أن استمقي في منتصف المجنزرة‬
‫‪ott‬‬
‫واألحذية الثقيمة فوق رأسي وبقايا جسدي المنيك دائماً‪ ..‬تسربت إنسانيتي وبقي‬
‫الحيوان داخمي يصرخ بموعة‪.‬‬
‫‪-‬إذا كنت كذلك‪ ،‬فمماذا عاممني جنودك بال إنسانية‪..‬‬
‫فيم ما قصدت‪ .‬جاراني في حوار اإلنسانية‪ ،‬ربما ليستدرجني‪ .‬ظني أن‬
‫‪alk‬‬

‫أسموبيم مدروس‪ :‬ضعوا المعتقل في أدنى درجات اإلنسانية ليسيل استجوابو‪.‬‬


‫الخوف واالحتقار والشراسة كميا تقودك إلى الياوية‪.‬‬
‫‪-‬وماذا عن جنودكم؟! يقطعون جنودنا قطعاً صغيرة بعد قتميم‪.‬‬
‫أعرف أن ىذا ليس صحيحاً‪ .‬لم أسمع عن ذلك من قبل‪ .‬كان عميو أن يقول‬
‫ما قالو ليبرر وحشية المعاممة‪ ..‬وبسرعة قمت‪:‬‬
‫‪-‬أنا لست ضابطاً والمسؤوالً عما يفعمو الجنود‪ ،‬أما أنت فضابط ومسؤول‬
‫‪w.‬‬

‫عما يفعمو جنودك‪.‬‬


‫ربما أعجبتو اإلجابة!! وربما جاراني في أفكاري الستدراجي فقال‪:‬‬
‫‪-‬إذا فعل جنودي معك ذلك فأنا آسف‪ .‬واآلن قل كل شيء‪.‬‬
‫‪-‬لقد قمت كل شيء!!‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 42 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫رماني بنظرة طويمة ماكرة ميددة‪ ،‬ربما محتقرة وربما معجبة‪ .‬ضاعف طول‬
‫نظرتو‪ ،‬فازدادت مخاوفي‪ ..‬عمي أن أحفظ نفسي ورفاق دربي‪ ..‬حتى اآلن كل‬
‫شيء ىادئ‪ .‬لكنو ىدوء ممموء بالقمق وبأسوأ االحتماالت‪ .‬ىا أنذا وجياً لوجو‬

‫‪o‬‬
‫معيم‪.‬‬
‫‪-‬ستكون كومة من العظام محاطة بقطع لحم متيرئ‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬اآلن سترى‪.‬‬
‫وفجأة دخل ضابط طويل‪ .‬الشراسة في وجيو تنطق بكل سفاالت األرض‪.‬‬
‫عرفت فيما بعد أن اسمو رحاميم‪" .‬جزار سجن غزة"‪ .‬ىكذا وصفوه لي فيما بعد‪..‬‬
‫تمدد طولياً أمامي‪ .‬عمود من الخرسانة‪ ..‬نشر الخوف ليس في أجزائي فقط‪ ،‬ولكن‬
‫في أنحاء الزنزانة كميا‪ .‬دخل رجل آخر مربوع القامة‪ ،‬أبيض البشرة‪ ،‬سميك كدلفين‬

‫‪o‬‬
‫خرج لتوه من البحر‪ ..‬وقفا يستمعان لمحوار بيني وبين ذاك الذي ألقى القبض‬

‫‪-‬لو سمحت‪..‬‬
‫عمي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫قاطعت المحقق بيذه الكممات‪ .‬صاعقة من سقف الزنزانة سقطت فوق رقبتي‪.‬‬
‫شمت أفكاري‪ .‬أعادتني إلى البداية التي حاولت تجاوزىا‪.‬‬
‫‪-‬تكمم جيداً عندما تتحدث إلى سادتك أييا الكمب الضال‪..‬‬
‫تكمم جيداً‪" ..‬لو سمحت" تمك تستعمميا عندما تسترد إنسانيتك‪ ،‬أما ىنا‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫فنحن سادتك‪" ..‬سيدي" ىي الكممة التي يجب أن تخاطبيم بيا‪ ..‬أو ليس ىم من‬
‫يقرر مصيرك؟!‬
‫التفوا حولي‪ ،‬وأنا بينيم كطريدة تقطعت بيا السبل‪..‬‬
‫جمسنا حول طاولة نظيفة‪ ..‬النسمات الشتائية تتسمل عبر نوافذ الكفتريا‪،‬‬
‫فتحرك األحاسيس الحموة وتثيرىا‪ ..‬شعرىا األسود يظمل وجييا المالئكي فتزداد‬
‫روعة المحظة روعة‪ ..‬أتوه في أزقة ال نياية ليا‪ ..‬أخرج عبد الكريم عمبة لفائفو‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫ألقى بواحدة لي‪ .‬لم أتردد في اإلمساك بيا‪ ..‬لدىشتي قبمت غادة لفافة منو‪ ..‬أشعمنا‬
‫لفائفنا وأخذنا ندخن باستمتاع ونشرب الشاي الساخن فتحمق أرواحنا في فضاء‬
‫مترامي األطراف‪ .‬قمت‬
‫‪-‬أيكفي ىذا اعتذا اًر يا غادة؟ قالت‪:‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 43 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬الحمد هلل أنك نطقت‪.‬‬
‫‪-‬أعطو حقو يا غادة‪ ،‬فأنا أعرف يوسف يوم كنا في المدرسة الثانوية معاً‪..‬‬
‫يحتقن أحياناً فتتراكم الكممات داخمو‪ ..‬تثقمو‪ ..‬يسافر بيا بعيداً‪ ..‬يتوه في صحارى‬

‫‪o‬‬
‫الحياة‪ ..‬وأخي اًر ينفجر ويطيح بأثقالو كميا‪.‬‬
‫‪-‬أحقاً أنت كذلك؟! سألتني‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ىكذا يقول عبد الكريم‪ ..‬ربما أنا كذلك‪.‬‬
‫بعيني‪ ..‬ذوت سعادتي عندما تذكرت‬ ‫ّ‬ ‫اصطدمت نظراتيا وىي في الطريق‬
‫الوسامة‪ ..‬نصيبي منيا لم يكن كثي اًر‪ ..‬ذوت مالمحي‪ ..‬اندلقت أفكاري داخمي‪..‬‬
‫تكسرت الكممات داخل شفتي‪ ..‬ازدادت أثقالي‪ ..‬سافرت‪ ..‬أمسكني عبد الكريم في‬
‫المحظة التي كنت أعتمي فييا ظير الحياة الئماً شاكياً ونادماً‪ ..‬سأل‪:‬‬
‫‪-‬أين ذىبت؟!‬

‫‪o‬‬
‫عدت ثانية إلييم‪ ..‬اتعبتني المحظة‪ ،‬لم أعتد تمك السعادة الغامرة‪ ..‬رأيتيا وىي‬
‫تنظر إلى ساعتيا‪ ..‬عرفت أن موعد الرحيل قادم ال محالو ‪-‬لقد جادت عمي الحياة‬
‫‪ott‬‬
‫بمحظات ال مثيل ليا‪ .‬جاء الوقت الذي ستقذفني فيو ىذه الحياة في متاىاتيا‪ ..‬ألقم‬
‫بالميمة بنفسي‪ ..‬نظرت إلييا‪ ..‬وددت أن أستنزف المحظة الباقية بنظرة طويمة إلى‬
‫مالمحيا التي أسرتني حتى االستسالم‪ ..‬مؤلت شقاً من الذاكرة بأساريرىا اآلسرة‪.‬‬
‫‪-‬محاضرة الدكتورة نيمة ستبدأ بعد قميل‪.‬‬
‫قمت وفي عقمي كانت تمك العبارة "بيدي ال بيد عمرو" تتقافز فرحة‪ .‬التقطت‬
‫‪alk‬‬

‫يد عبد الكريم ونيضت بو‪ ..‬غادرنا فناء الكمية في طريقنا إلى موقف الحافالت‪.‬‬
‫‪-‬أوتظن أننا سنمقاه؟ سأل‪.‬‬
‫‪-‬ىكذا تواعدنا‪.‬‬
‫‪-‬اليوم؟‬
‫‪-‬نعم‪ ،‬مساء اليوم بعد العشاء‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬وخميل يعرف ذلك؟‬


‫‪-‬ىو من حدد الموعد‪.‬‬
‫مررنا بذلك البستان الغائب صاحبو‪ ..‬ما زالت أشجار المشمش والبرقوق‬
‫محممة بأكوام من الثمار‪ ..‬لم يكن لدينا متسع من الوقت لنمؤل معدتنا ببعض‬
‫‪ww‬‬

‫منو‪ ..‬وعندما وصمنا إلى الموقف كانت الحافمة تتحرك في طريقيا إلى رام اهلل‪..‬‬
‫‪- 44 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫انزلقنا في جوفيا فأسرعت خطاىا‪ ،‬ومعيا تاىت أفكارنا‪..‬‬
‫ىي البداية‪ ..‬عمينا أن نفعل شيئاً‪ ..‬وىا ىو ذا خميل أبو خديجة يفتح لنا‬
‫الباب‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬أواثق منو أنت؟! سألني عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬إنو يوحي بذلك!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬وكيف قابمتو؟‬
‫‪-‬كنت أجمس أمام مكتبو‪.‬‬
‫‪-‬تائياً بأفكارك كالعادة‪.‬‬
‫‪-‬أظنو تأممني جيداً ولمدة طويمة‪ ..‬ثم جاءني مبتسماً‪ ..‬أسمر مثمي‪ ..‬طويل‬
‫ممتمئ الجسم‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬مرحباً‪ .‬قال‪.‬‬


‫‪-‬أىالً‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬من أين األخ؟ سألني‪.‬‬
‫‪-‬من غزة وبالتحديد من معسكر جباليا‪.‬‬
‫‪-‬أىالً وسيالً‪ ..‬أنا خميل أبو خديجة من رام اهلل وموظف في معيد المعممين‪.‬‬
‫‪-‬أىال أخ خميل‪.‬‬
‫ثم قدم لي عمبة كوكاكوال‪ ..‬بدأت أتذوقيا باستمتاع شاك اًر لو مبادرتو‪ ..‬قدم لي‬
‫‪alk‬‬

‫لفافة تبغ ترددت في أخذىا‪ ،‬وتحت إلحاحو أشعمتيا‪ ..‬بدأت أنفث الدخان في‬
‫اليواء وأتابعو بمتعة شديدة‪ ..‬كان الوقت صيفاً‪ ،‬وصيف رام اهلل رقيق‪ ،‬تيب فيو‬
‫نسمات جميمة فترتاح النفس الميمومة‪ ،‬فنحن فوق جبل يبعد عن المدينة مسافة‬
‫ليست بالقريبة‪ .‬في تمك األجواء يفقد اإلنسان إحساسو بالواقع ويدور في دنيا‬
‫أفكاره‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫و"أنا خير من يدور في دنيا أفكاري" كما قال عبد الكريم ذات يوم لي‪ ..‬درت‬
‫وعيناي إلى النافذة فسحرتني المناظر الجبمية األخاذة‪ .‬إنيا رام اهلل‪ .‬تمك المدينة‬
‫التي أظن أن المالئكة اتخذتيا مسكناً ليا‪ .‬مددت نظري إلى ما ال نياية حيث‬
‫تمتقي السماء باألرض وكأن خيمة زرقاء انتصبت فوق تمك البقعة الساحرة‪ .‬ولقد‬
‫زاد المحظة روعة أن سائق الحافمة أطمق العنان لصوت فيروز من خالل آلة‬
‫‪ww‬‬

‫التسجيل لتشدو بأرق نغم عن القدس‪..‬‬


‫‪- 45 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ألجمك يا مدينة الصالة أصمي‪..‬‬
‫ألجمك يا قدس‪..‬‬
‫ثم‪ ..‬جسر العودة‪ ..‬جس اًر خشبياً يسبح فوق الماء‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫جسر العودة‪ ..‬منذ تمك األيام السوداء سنة ‪ 48‬ونحن ندعو كل شيء عودة‬
‫إال عودتنا الحقيقية ال ندعوىا كذلك‪ .‬تقول أختي أن والدتي حزنت حزناً قاتالً‬

‫‪b.c‬‬
‫عندما غادرنا دير سنيد وأرضنا وسكنا في قرية بيت الىيا‪ ..‬الجئين ينتظرون يوم‬
‫العودة‪ .‬وأكثر ما آلم والدتي فراقيا لتمك البقرة الحموب التي كانت تحدثيا كطفمة‪..‬‬
‫اختفت أكواب الحميب الصباحية التي كانت تقدميا ألبنائيا‪ ..‬طال انتظار والدتي‬
‫ومعيا والدي ليوم العودة‪ .‬وازدادت عمييا اليموم واآلالم‪ ..‬ضعفت مقاومتيا‪ ،‬وبعد‬
‫أن أنجبتني بساعات لم تستطع المقاومة‪ .‬غمبيا األلم والحزن ففارقت الحياة لوعة‬
‫وحسرة عمى األرض المسروقة وبقرتيا الحموب‪ ..‬أما والدي فقد ىاجمتو الوحدة‬

‫‪o‬‬
‫واآلالم بعد وفاة والدتي‪ ..‬رغم حبو الشديد ليا ‪-‬لقد رفض أن يستعمل إبريق الماء‬
‫الذي كانت تستعممو ورفض أن يمسو شخص آخر ميما كان ‪-‬لكنو تزوج في‬
‫محاولتو لميروب من الوحدة واآلالم والمعاناة‪ ..‬وبعد ستة أشير من وفاة والدتي‬
‫‪ott‬‬
‫توفي والدي وتركني طفالً ال أعي من الدنيا شيئاً‪ .‬توالني أخي ذيب وزوجتو التي‬
‫ىي ابنة عمي‪ ،‬ىكذا تقول أختي‪ ..‬وابنة عمي ىذه حاقدة ماكرة وجاىمة‪ ..‬أعماىا‬
‫الحقد عمى والدي ووالدتي المذين أذاقاىا كثي اًر من الم اررة‪ ..‬ىكذا قالت لي زوجة‬
‫أخي اآلخر الذي توفي الحقاً‪ .‬فأىالت كل تراكمات الحزن والغضب عمي‪ ،‬أنا‬
‫الطفل الصغير‪ ،‬وعمى أختي الصبية‪ ..‬ولكن اهلل رحم أختي فتزوجت بعد مدة‬
‫‪alk‬‬

‫قصيرة‪ .‬وىكذا بقيت أنا الدمية التي ستنفث عمييا زوجة ذيب كل معاناتيا الماضية‬
‫وحقدىا الدفين‪.‬‬
‫‪-‬أين ذىبت؟!‬
‫‪-‬لقد وصمنا وىا ىي ذي الحافمة تتيادى بدالل في طريقيا إلى المحطة‬
‫األخيرة‪ .‬صورة صادقة لمجتمع فقد أرضو ودولتو‪ ،‬زد عمى ذلك أنو تم احتاللو في‬
‫منتصف القرن العشرين‪ .‬العالم كمو تخمص من االحتالل إال في ىذه البقعة‪ .‬وجوه‬
‫‪w.‬‬

‫متجيمة‪ ..‬الفقر واأللم واالحتالل ترتسم عمى وجوه الناس‪ .‬باستطاعتك أن تقرأىا‪.‬‬
‫تشد عميو‪ .‬متجيمة كأنيا فقدت‬ ‫امرأة عجوز تمسك بيد ابنيا‪ ،‬وربما حفيدىا‪ّ ..‬‬
‫زوجيا باألمس‪..‬تدور عيناىا في متاىات ال قرار ليا‪ ..‬رجل في األربعين من‬
‫عمره‪ ،‬لكنو كيل في الستينيات‪ ،‬ربما في السبعينيات من عمره‪ ،‬يحمل كيساً عمى‬
‫‪ww‬‬

‫كتفو‪ ،‬اهلل وحده يعمم ما بداخمو‪ ..‬كل يمشي في اتجاه‪ ..‬ونحن‪ ..‬عبد الكريم وأنا‪..‬‬
‫‪- 46 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫نسير في اتجاه مغاير‪ .‬تسممنا من بين الجمع‪ ،‬ومن ثم خارج المحطة‪ .‬أخذنا‬
‫الشارع الرئيسي ومنو إلى آخر فرعي في طريقنا إلى معيد المعممين‪ .‬ذلك البناء‬
‫الجميل في منطقة خالية من السكان‪ .‬تباطأنا في السير محاولين االستمتاع بكل‬

‫‪o‬‬
‫ثانية من وقتنا‪ ،‬فالطريق خالية من الناس والسيارات والح اررة وصمت إلى أدنى‬
‫درجة يمكن أن تصل إلييا في فصل الصيف‪ .‬نسمات سابحة في الفضاء تستمقي‬
‫عمى وجوىنا باستمتاع‪ ،‬ونحتضنيا نحن وكأنيا معشوقة طال انتظارنا ليا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫لم نتحدث وال رغبة لنا في ذلك‪ .‬كل يحادث نفسو‪ .‬أقدامنا تعرف طريقيا‬
‫فسممناىا القيادة‪ .‬ألغينا عقولنا‪ ،‬ففي العمر متسع الجتثات لحظات السعادة من‬
‫مخالبو القاسية‪.‬ألفينا عقولنا‪ ،‬ففي العمر متسع الجتثاث لحظات السعادة من‬
‫مخالبو القاسية الحت بدايات األبنية القرميدية الجميمة لممعيد‪ .‬انتبينا معاً‪ .‬وكأننا‬
‫شخص واحد قمنا‪" :‬ىا قد وصمنا"‪ :‬فاروق الذي يدرس المواصفات والكميات في‬
‫معيد قريب كان عمى مشارف البوابة‪ .‬وبصورة طبيعية‪ ،‬ربما غريزية التفت لمخمف‬

‫‪o‬‬
‫فممحنا‪ .‬توقف‪ .‬أخرج عمبة لفائفو ‪-‬إنو مدخن شره‪ -‬اقتنص واحدة‪ .‬أشعميا‪ .‬اتكأ‬
‫عمى حافة السور‪ .‬سحب نفساً عميقاً منيا وتوجو وعيناه إلينا‪ .‬التقت نظراتنا‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫تعانقنا‪ .‬لحظات وكنا نتعانق فعالً‪.‬‬
‫‪-‬تقوقعتم في بير زيت عند الصبايا الحسان‪.‬‬
‫‪-‬وأنت ممقى ىنا بين حجارة الجبل‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬

‫‪ -‬ال يعدم اإلنسان لحظة يتخمص فييا من الحجارة والجالفة ويمقي‬


‫‪alk‬‬

‫بنفسو بين األحضان الممساء الناعمة‪ .‬قمت‪:‬‬


‫‪-‬مثمك يعمميا‪.‬‬
‫‪-‬إن استمقت الفرصة أمامك ترفضيا؟! قال فاروق‪.‬‬
‫صدمني السؤال‪ .‬ىل أعمميا؟! لم ال؟! ولكن‪ ..‬ىا ىي غادة فرصة تسترخي‬
‫يدي‪ .‬لم يمح في أفق خيالي مجرد لمس شعرىا الذي سحرني برائحتو الزكية‬ ‫بين ّ‬
‫‪w.‬‬

‫ولونو وطريقة انسدالو عمى كتفييا ووجنتيا‪ .‬أو تشاركنا غادة ما نحن فيو؟! ربما‪.‬‬
‫أنيا تستمقي ىناك اآلن‪ .‬ربما في سريرىا‪ ،‬أو في المكتبة تطالع كتاباً‪ .‬أنا أعرفيا‪.‬‬
‫الجمال والذكاء ناد اًر ما يمتقيان‪ .‬ىكذا يقولون‪ .‬ولكن غادة انزلقت من تمك القاعدة‪.‬‬
‫إنيا االستثناء‪ .‬ىي حقاً كذلك‪ .‬ألقت قيقية فاروق بمجدافيا فوق كتفي‪.‬‬
‫‪-‬أين ذىبت؟! قال فاروق‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 47 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬اتركو‪ ..‬لقد وجد مرفأ يرسو فيو‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬حقاً!‬
‫‪-‬عمى مستوى راق من الجمال‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬يا دميم الوجو وجميل األفكار!! من ىي تمك الرقطاء التي ستسمح لك بالرسو في‬
‫أحضانيا؟! أو تأممت وجيك في المرآة ىذا الصباح؟!! قال فاروق مقيقياً‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أصاب مني مقتالً‪ .‬ىذه إحدى نقاط ضعفي الكثيرة‪ .‬ال فائدة من إخفائيا‪.‬‬
‫واضحة لكل ذي عينين‪ .‬لكني أحب ىذا الفاروق‪ .‬سنوات الطفولة وبدايات الشباب‬
‫عقدت زواجاً كاثوليكياً بين روحينا‪ .‬ىو يعرف مقدار محبتي لو‪ ،‬وأنا أعرف مقدار‬
‫محبتو لي‪ .‬لكنو يمقي قذائفو عمي بإصرار‪ .‬إنو موقن من صالبة الصخرة التي‬
‫يقذفيا بكمماتو الصخرية‪.‬‬
‫‪-‬ال تنزعج ىكذا‪ .‬قال فاروق‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬لو تعيرني بعضاً من وسامتك أييا المعين؟! قمت‪.‬‬
‫‪-‬كميا لك‪ .‬قال‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬احتفظ بوقاحتك لنفسك! قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬ىذه ىي المرة األولى التي تكون فييا كريماً‪ .‬لكنك تعرف استحالة العطاء‪.‬‬
‫‪-‬أال تكفيك وسامتك‪ .‬قال فاروق‪.‬‬
‫‪-‬لممرة األلف تكذب‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬واهلل ال أكذب‪ .‬قال فاروق‪.‬‬


‫‪-‬من بين المالمح الغميظة تتدفق الوسامة‪ .‬وكل من يممك بعضاً من الذكاء‬
‫والفراسة يمحظيا‪ .‬غاده دليل عمى ذلك‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬اهلل يجبر بخاطرك‪ ،‬جبرت بخاطره‪ .‬ولكن من ىي ىذه الغادة؟! تمقف‬
‫فاروق االسم وانقض عمى أفكاري بجرأتو المعيودة وذكائو المماح‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬إنيا المرفأ الذي بني خصوصاً لو‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬


‫‪-‬يا دميم األفكار!! وتستجدي مني بعضاً من وسامتي!!‬
‫ألقيت عميو نظرة وكأنني أراه لممرة األولى‪ .‬أطول مني قميالً‪ .‬أشقر البشرة‬
‫والشعر‪ .‬عيناه زرقاوان تدوران في سطح من الثمج‪ .‬درجاتنا في المدرسة متقاربة‪،‬‬
‫وكذلك ذكاؤنا‪ .‬لكن مدرسينا كانوا يفضمونو عمي‪ .‬ظني لوسامتو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 48 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أعتقد أن خميل بالداخل ينتظرنا‪ .‬قمت محاوالً أن أضع حداً لتمك األفكار‬
‫التي انتزعتني من واقعي وتعد العدة لمذىاب بعيداً‪.‬‬
‫‪-‬أخي اًر‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬إنو يحاول أن يتخمص من حالتو المرضية‪ .‬قال فاروق‪.‬‬
‫دخمنا البوابة وعمى مدخل مكتبو كان خميل في انتظارنا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫استسممت لمشاعر جياشة أرسمتيا لي‪ .‬سكوني أدخميا في أطياف من‬
‫األحالم‪ .‬تفحصتيا‪ .‬ال تدع تداخل الكممات يضمل حصافتك‪ .‬تذكر أنني في‬
‫عقميا‪ ،‬أتممس أفكارىا‪ .‬وما دققت فيو ىو نوعية أحالميا‪ .‬ال تتنازل عن ذكائك‬
‫بأسئمة ال أجوبة ليا‪ .‬إنني صدقاً تحسست أحالميا‪ .‬ال تصدقني‪ ،‬انتظر‪،‬‬
‫وسيدىشك صدق روايتي‪ .‬إلى متى؟ حتى يكتمل حديثي‪ .‬لم تقتنع؟! فقط انتظر‬
‫حتى ال تقتمني من الغيظ‪ .‬قمت لك أنني تمقفت أحالميا‪ .‬استجوبتيا‪ .‬أحالم شفافة‬

‫‪o‬‬
‫وباىية‪ .‬يبدو أنني ورثت عنيا ىذه األحالم‪ ،‬ولو أنيا عندي أحالم يقظة كانت‬
‫كنسمة تتنقل بين وردة زاىية األلوان‪ .‬متفائمة‪ .‬وىذه أيضاً ورثتيا منيا‪ .‬التفاؤل رغم‬
‫ثقل األحداث‪ .‬تركتيا تسبح وأحالميا في دنيا اهلل التي بدت ضيقة رغم رحابتيا‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫حافظت عمى سكون حركتي‪ .‬أحببت تداخل روحي مع روحيا‪ .‬ما أعذبو من‬
‫تداخل إنساني انكماشي داخميا وأنساىا تدافعي في فضائيا‪ .‬مكثت طويالً في‬
‫عقميا‪ .‬تسممت يداىا إلى رأسيا‪ .‬أمسكتو‪ .‬ضغطت عميو‪ .‬آلمتني‪ .‬كتمت صرختي‬
‫داخمي حتى ال اقتمعيا من جنة رسمتيا ىي في خياليا‪ .‬أحست ىي بجسدي‪،‬‬
‫فأزاحت يدييا عن رأسيا‪ .‬ابتسمت ىي وابتسمت أنا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬كيف أنت اآلن؟ سألتيا‪.‬‬


‫‪-‬أتنقل بين الزنابق‪ ،‬أدور حوليا‪ .‬ألمس نبتة الميمك‪ .‬استنشق عبيرىا‪ .‬أمسح‬
‫براحتي تعب الشوق‪ :‬شوقي إليك‪ .‬أن احتضنك‪ .‬استعذب قمق االنتظار‪ :‬انتظاري‬
‫حتى تتجسد أمامي‪ .‬ىذا األلم الممزوج بعبيرك يريحني‪.‬‬
‫‪-‬إنني في أحضانك‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬سأنتظر حتى تتجسد أمامي‪.‬‬


‫‪-‬أو يطول ىذا االنتظار؟!‬
‫‪-‬أصبحت قمقاً‪.‬‬
‫‪-‬يؤلمني ىذا الفضاء الضيق‪ .‬أتميف عمى ضوء القمر ودفء الشمس‪ .‬لوال‬
‫‪ww‬‬

‫خوفي عميك لقفزت إلى فضائك‪.‬‬


‫‪- 49 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أو تتألم يا مقمة عيني؟! انتظرتك طويالً‪ .‬انتظرني دقائق!! حسرتي عمى ما‬
‫ضاع مني أضاف أطناناً من الم اررة إلى م اررتي‪ .‬انتظر‪.‬‬
‫‪-‬وماذا فقدت؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ال تعذبني بماض أحاول أن أنساه وال أنجح‪.‬‬
‫‪-‬نسيتني‪ .‬قاطعتو بحدة‪ .‬تجاىمت وجودي‪ ،‬وأغراك صمتي‪ ،‬فتيت عني‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أعرف مدى ما تحممو ليا من مودة وحب‪ ،‬ولكن ىذا ال يعطيك الحق في أن‬
‫تيممني‪.‬‬
‫عيني‪ .‬لحظت مسحة من‬ ‫ّ‬ ‫ألقى نظرة خاطفة عمييا‪ ،‬ثم استدار لتقابل عيناه‬
‫في‪ .‬اتجيت بنظراتي إلى‬ ‫األلم والعتاب تتؤلأل في عينيو‪ .‬أدىشني تأثيره الساحق ّ‬
‫األرض‪ .‬خجمت منو‪ ،‬نظرت إلييا‪ .‬تحيطو بطوق من المحبة الخالصة‪ .‬تحتضنو‬
‫بقمبيا‪ ،‬بأفكارىا‪ ،‬بشوقيا‪ ،‬بألميا‪ ،‬بتدفق أطيافيا‪ .‬تخمص من قيودىا ثم قال‪:‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬تعاتبني ألنني أمضيت لحظات معيا أتزود بأريجيا وأنفاسيا‪ .‬ومع ذلك‬
‫فأنت عمى حق‪ .‬أنت ال تعرف ماذا حدث الحقاً‪ ،‬وكيف تركتني وسط رياح ىائجة‬
‫تقذف بالرمال والقاذورات عمى وجيي‪ .‬انظر كيف انزعجت أنت ألنني انشغمت‬
‫‪ott‬‬
‫عنك بيا لمحظات‪ ،‬تعرف مقدار المعاناة التي شاركتني عمري كمو‪ .‬عمى أي حال‬
‫أنا في انتظارك ‪-‬الحظ كثرة استعمالي لكممة انتظار‪ ،‬ألنني أمضيت زمناً طويالً‬
‫في انتظار شيء ما وما زلت انتظر‪ .‬ويقيني أن ىذا الشيء سيأتي لكن متى وأين؟‬
‫فأنا ال أعرف‪ .‬انتظاري لن يكون كانتظار غودو! ىل قرأت تمك المسرحية؟! نعم؟‬
‫قرأتيا أنا‪ .‬لم أفيميا في البداية‪ ،‬لكني استمتعت بقراءتيا بعد ذلك مرات كثيرة‪ .‬ال‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫يوليسنس أكثر متعة منيا‪ .‬سكنتني طويالً وما زالت‪ .‬جويس عالمة بارزة في تاريخ‬
‫الرواية ‪-‬حرفتني عن متابعة روايتي‪ .‬لنؤجل حديثنا عن األدب لوقت آخر‪ .‬دعنا‬
‫نعود إلييا‪.‬‬
‫‪-‬من ىي؟!‬
‫‪-‬تمك التي أتشبث بثناياىا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬أو ما زالت تنتظر؟!‬


‫‪-‬نعم‪ .‬إنيا تنتظر الرجل القوي‪ .‬إنو يعشقيا‪ .‬ىي قالت لي‪ .‬وىي تحبو‪ .‬لم‬
‫يحتمل أن يراىا تتألم‪ ،‬فاندفع بكل قوتو وذىب يستدعي من يساعدىا عمى وضع‬
‫حمميا أماميا‪ .‬ال تتغات!! ال يستطيع ىو أن يفعل‪ .‬ال خبرة لديو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬كيف أنت اآلن؟! سألتيا‪.‬‬


‫‪- 51 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫وقبل أن تجيب ىي‪ ،‬أبديت المالحظة التالية‪ :‬إنك تكثر من إلقاء ىذا السؤال‬
‫عمييا‪ .‬ال ترىقيا باألسئمة‪ .‬غضب‪ .‬تكومت مظاىر االنفجار في وجيو‪ ،‬لكنو في‬
‫لحظات كتم انفجاره داخمو‪ .‬ثم قال‪:‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬أأتمنك عمى أسراري‪ ،‬نعم‪ .‬أما أن تتدخل في أموري الشخصية معيا‪ ،‬فال‪.‬‬
‫أرجو أن ال تفعل ذلك في أيامنا القادمة‪ .‬طريقنا طويمة واليدف ليس في مرمى‬
‫البصر كما تعتقد‪ .‬فمنتفق منذ التو والمحظة عمى أسموب رفقتنا معاً‪ :‬أنا أقص‬

‫‪b.c‬‬
‫عميك وأنت ال تتدخل وال تنتقد سموكي‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬لك الحق في أن تستوضحني‬
‫في ما غمض عميك من األمور‪ .‬إن كنت توافقني عمى ذلك‪ ،‬نتابع مسيرتنا‪ .‬واال‬
‫فيذا فراق بيني وبينك‪ .‬فما رأيك طال عمرك؟‬
‫‪-‬ال تغضب‪ .‬لم أكن أعمم أنك حساس إلى ىذه الدرجة‪ .‬عمى أي حال أنا‬
‫موافق عمى ما قمت‪ ،‬وأعتذر عما بدر مني‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫رجعت ليا‪ .‬كانت ترمقني وأنا في لحظة الغضب تمك‪ .‬عاتبتني صامتة‪.‬‬
‫اعتذرت ليا أنا أيضاً صامتاً‪ .‬قالت‪:‬‬
‫‪-‬ترتاح نفسي وتيدأ مخاوفي ما دمت أنت ىادئاً وتستعد لمرحيل‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬لن أرحل وسأبقى معك‪.‬‬
‫‪-‬معي نعم‪ ،‬أما داخمي فال‪.‬‬
‫‪-‬ما الفرق؟ قالت‪:‬‬
‫‪-‬كبير‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬احترس‪ .‬صاح يوسف الياللي‪ .‬ىا ىو ذا الياللي الكبير قد قدم يصطحب‬


‫معو سكيبو‪ .‬توار خمف الجدار‪ .‬ضربتو ساحقة‪.‬‬
‫ىربت أنا وتواريت خمف بعض األغطية المكومة في ركن من الحجرة‪ ،‬أما‬
‫يوسف الياللي الصغير فقد رأيتو ينزوي في ركن قصي في ما يسميو حصنو‬
‫المنيع‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫ألقيت رأسي عمى الجدار الميترئ‪ .‬حاولت أن ألغي أفكاري وأستسمم لمواقع‪.‬‬
‫نجحت لمحظات‪ ،‬وفجأة ىاجمتني األفكار اليائجة‪ .‬تدفقت بدون استئذان‪.‬‬
‫أىذه ىي النياية التي تمنيتيا تموت بين الجدران السميكة ربما تندثر في أحد‬
‫الشقوق التي تمؤل تمك الجدران رصاصة طائشة قد تخترق رأسك رصاصة عربية‬
‫مساء‬
‫ً‬ ‫ىذه المرة وربما فمسطينية اإلنذار لن يدوم طويالً كم الساعة اآلن الخامسة‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 50 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أجابني جندي الحراسة وىل تتوقع شيئاً كل شيء ممكن ىذه األيام االحتماالت‬
‫كميا واردة إن لم يتحركوا عند الساعة الثانية عشرة ليالً ستنتقل جينم إلى ىنا لواء‬
‫الدبابات األردني الذي كان يرابط قرب الحدود تحرك إلى جوار القمعة وىم عمى‬

‫‪o‬‬
‫استعداد لمساواتيا باألرض كل شيء وارد ىذه األيام يبعدونك من السجن إلى‬
‫السجن في الكرك لماذا اآلن لعميم كانوا يعرفون ال صوت يرتفع ولماذا يرتفع‬
‫الصوت إذا كانت اإلرادة ممزقة أكتب رسالة لمن ألخيك تدلو فييا عمى جسدك‬

‫‪b.c‬‬
‫أييا المسكين وماذا يفيد ذلك ستتساوى جزيئات جسدك وىذه الجدران المتيرئة تمتع‬
‫بأفكارك قبل النياية المنتظرة كم الساعة اآلن السابعة ساعتان مضتا ورأسك ممقى‬
‫فوق ىذا الجدار المتيرئ ال بأس كم عانيت في حياتك تتذكر األيام األولى وكأنيا‬
‫أمامك يوم مولدك ربما فرحت والدتك ولم تكن تدري المسكينة أنيا فرحتيا األخيرة‬
‫ماتت وبقيت وحدك مع والدك الذي مات ىو أيضاً بين مخالب ذيب وذيبة وتمك‬
‫الصفعة القوية التي ألقت بيا ذيبة عمى وجيك يوم تشاجرت مع قريب ليا يوم‬

‫‪o‬‬
‫عرس أختيا يا لمذاكرة الفاقعة تذكر حتى تمك المحظة التي تجمت إنسانية ذيبو فييا‬
‫وأعارتك قميصاً كانوا قد خبؤوه البنيم حتى تمبسو في تمك المقابمة التي عمى أثرىا‬
‫دخمت كمية بير زيت طالباً وليمة توافد عميك أوالد خالك وخاالتك ليودعوك ألقوا‬
‫‪ott‬‬
‫بين يديك مبمغاً من المال يعتبر ثروة في تمك األيام عندما أصبحت وحيداً تمك‬
‫الوحدة األبدية ىاجمك ذيب متمحفاً بثوب حمل عمينا أن نؤدي ىذه النقود في‬
‫القريب ومن غيري سيؤدييا‪ .‬قرأت أفكاره في لحظة لم أتردد كم تريد أخذ ثمثي‬
‫المبمغ مني وترك لي عشر ليرات‪ .‬يعشق النقود ال يقاوم إغراءىا وقبل ذلك بأشير‬
‫عندما عممت في قطع البرتقال واستممت أجري قال لي يوسف ماذا أال أجد عندك‬
‫‪alk‬‬

‫بعضاً من النقود أريد أن أذىب إلى خان يونس ألسمم عمى ابن عمك الذي عاد‬
‫عز عمي أن أراه في حاجة إلى النقود ولقد كنت مغفالً كما ىي‬ ‫من مصر يوميا ّ‬
‫عادتي دائماً تخدعني المظاىر الكاذبة وثوب الحمل الذي يرتديو أحياناً يخدعني‬
‫أخرجت من جيبي أيضاً ثمثي ما أممك وألقيت بو بين يديو‪ .‬حتى كممة "شك اًر" لم‬
‫أسمعيا منو ولو كنت في تمك المحظة العاطفية تذكرت يوم رفض أن يعطيني قرشاً‬
‫ألحمق بو شعري بعضاً ما كنت أعطيو ما أعطيتو من نقود لكن تمك النفس‬
‫‪w.‬‬

‫الضعيفة أمام إغراءات المشاعر اإلنسانية وربما الكاذبة تقود أفعالي‪ .‬كم الساعة‬
‫اآلن الحادية عشرة والنصف قال لي جندي الحراسة وأخي اًر أخرجت ورقة وقمماً‬
‫وكتبت أنا يوسف بن يوسف الياللي حاولت أن أقاوم المحتمين في بمدي لكنيم‬
‫سجنوني مدة سنة ونصف (بعدىا أبعدوني إلى األردن وىا أنذا ممقى في سجن‬
‫الكرك أنتظر لحظة النياية التي ال شك عندي أنيا قادمة‪ .‬عندما تفتح بوابات‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 52 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫الجحيم بين الجنود األردنيين والفدائيين الفمسطينيين كنت أتمنى أن أستشيد عمى‬
‫أرض فمسطين ولكن القدر كما ىي عادتو معي يأبى إال أن يطيح بآمالي ويمقي‬
‫بي في متاىات ال أتمناىا‪ .‬انسمت الورقة من بين يدي وقبميا القمم وأوقفت نزيف‬

‫‪o‬‬
‫الذكريات‪ .‬ضغطت عمى ذاتي وظني أني أسممت نفسي لمالك النوم ونمت كميت‬
‫لم تسعفو األدوية باالستمرار‪ ..‬كم الساعة اآلن الواحدة والنصف تحسست جسدي‬
‫ما زال مكوماً متماسكاً أعدت تحسسو مرة أخرى إنيا حقيقة‪ .‬قدماي كما ىما‬

‫‪b.c‬‬
‫ورأسي ما زال ممقى عمى الجدار كما تركتو منذ المحظة التي سمعنا فييا عن‬
‫عيني إلى جندي الحراسة ما زال واقفاً بالقرب من‬
‫ّ‬ ‫اإلنذار إذن حدث شيء ورفعت‬
‫الشباك نظر إلي ىو اآلخر الكل نيام عدانا ماذا حدث ال زالت الجدران صامتة‬
‫مشققة كما رأيتيا أول مرة لقد رحموا كيف حدث ىذا تدخل الوسطاء قالوا إن الكرك‬
‫ساقطة عسكرياً واقتصادياً إن كان الموقف لمصمحتكم في عمان فستعودون ىنا‬
‫وان انقمبت األوضاع فيا أنتم تحافظون عمى أنفسكم وعمى المدينة التي آوتكم حيناً‬

‫‪o‬‬
‫من الزمن كالم مقنع وىكذا رحموا تنفست الصعداء وىا أنذا أعيش مرة أخرى إذن‬
‫ىي الحياة بكل معانييا ىل تبتسم لي أو تضحك‪ .‬مني من يدري تعثرت قدماي‬
‫فتمدد جسدي كمو عمى أرض الحجرة الواسعة وضعت حذائي تحت رأسي ونمت‬
‫‪ott‬‬
‫نوماً عميقاً عميقاً لقد أصبحت الحجرة آمنة‪.‬‬
‫‪-‬أنت آمن ىنا‪ .‬قل لنا من ىم رفاقك وسنطمق سراحك‪ ..‬قال الضابط‬
‫رحاميم‪.‬‬
‫عما تحكي؟‬‫‪ّ -‬‬
‫‪alk‬‬

‫كانت أجابتو صاعقة عمى وجيي‪ .‬دارت بي الدنيا‪ .‬دارت معي جدران‬
‫الزنزانة القذرة‪.‬‬
‫‪-‬يا ابن الكمب‪ ..‬أتستجوبنا؟!‬
‫المسألة خطيرة إذن وال بد من تدارك الموقف‪ .‬كان عقمي يعمل بتمقائية‪.‬‬
‫يحاول أن يحمي جسدي من التيرؤ‪ .‬ما زلت صامتاً‪.‬‬
‫‪-‬ىذا النوع من الرجال ال ينفع معو غير تكسير الرأس‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫نقموني إلى زنزانة أكثر قذارة من األولى ممقى عمى أرضيتيا مقعد أكثر قذارة‬
‫من الجدران‪ .‬اخترق جدار الصمت صوت صراخ وتأوىات صادرة من األعماق‪.‬‬
‫ىي إذن الحرب النفسية التي كثي اًر ما سمعت وقرأت عنيا‪ .‬صمت الصراخ فجأة‪،‬‬
‫ثم انطمق قوياً مولو ال متألماً‪ ..‬آه‪ ..‬آه‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 53 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أال تريد أن تتكمم؟! سألني والشرر يتطاير من عينيو‪.‬‬
‫‪-‬عماذا ماذا؟!!‬
‫‪-‬يا بغل‪ ..‬نحن نعرف عنك كل شيء‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬إذن لماذا تسألونني؟!‬
‫‪-‬ىذا الكمب‪ ..‬ثم ألقاني أرضاً‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ارفع قدميك‪.‬‬
‫فعمت‬
‫‪-‬ادخميما من فتحتي الكرسي‪.‬‬
‫فعمت صاغ اًر‪.‬‬
‫‪-‬عد الضربات‪ .‬وكمما صرخت‪ ،‬نعود من البداية‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫قدمي‪ ..‬واحد‪ ..‬اثنين‪ ..‬عشرة‪ ..‬آه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وأخذ يمقي بعصا ثقيمة عمى‬
‫‪-‬من البداية مرة أخرى‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫يا شياطين األرض! يباح لكم كل شيء والعالم أصم وأعمى! الضعف يولد‬
‫الضعف‪ ..‬والقوة تفعل ما تريد‪ ..‬وأنا ممقى عمى أرض الزنزانة الحرشاء‪ ..‬أعد‬
‫الضربات التي تكيمونيا لي‪ ..‬غداً يوم آخر!‬
‫‪-‬من ىم أصحابك؟!‬
‫‪-‬أي أصحاب؟!‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬الذين تمشي معيم‪.‬‬


‫‪-‬أمشي مع كل الطالب‪.‬‬
‫‪-‬يا كمب‪ ..‬الذين تمشي معيم دائماً‪.‬‬
‫نطقت بأسماء كثيرة‪ ،‬ال أدري إن كان اسما فاروق وعبد الكريم منيا‪.‬‬
‫‪-‬أحضروىم‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ال عالقة ليم بما يسألون عنو‪.‬‬


‫‪-‬يا ابن الكمب‪ ..‬وما شأنك أنت‪ .‬ثم انيال عمي بعصاً ربما كانت رجل‬
‫كرسي تحطم من الغيظ‪ .‬ألقى بيا فوق رأسي فاندفعت الدماء بحماسة تضاىي‬
‫حماسة ذلك المتوحش في ضربي‪ .‬لم أشعر بما حدث‪ ،‬فقد تمددت في أرض‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 54 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫الزنزانة نائماً وربما فاقداً الوعي‪.‬‬
‫عيني‪ .‬أزحت حشرة كانت ترقد بسالم عمى جسدي‪ ..‬لم‬ ‫ّ‬ ‫ببطء أعدت فتح‬
‫أحرك رأسي فالتصقت نظراتي بسقف الحجرة الواسعة‪ .‬إذن لم تتيدم األسطح ولم‬

‫‪o‬‬
‫تتحمل األشياء‪.‬‬
‫‪-‬كم الساعة اآلن؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫وأنا الذي فقد اإلحساس بالزمن بعد أن أمضيت ثمانية عشر شي اًر متنقالً من‬
‫سجن إلى آخر‪ .‬عجبت من أمري ومن ليفتي عمى ىذا الزمن الضائع‪ .‬نظر إلي‬
‫الجندي بإشفاق‪ .‬ىذا ظني! بإشفاق‪.‬‬
‫‪-‬الثامنة صباحاً‪.‬‬
‫إنو صباح صيف في مدينة الكرك‪ ..‬ما زالت ح اررة الجو محتممة‪ ...‬تسممت‬
‫بعض النسمات الصباحية عبر النافذة فأنعشت روحي‪ .‬نيضت متثاقالً‪ .‬غسمت‬

‫‪o‬‬
‫وجيي ورأسي فازداد انتعاش روحي‪ ..‬إذن ىي الحياة مرة أخرى‪.‬‬
‫‪-‬صباح الخير يا محمود‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬أىالً يوسف‪.‬‬
‫‪-‬أحمد اهلل إننا ال زلنا أحياء‪.‬‬
‫‪-‬الحمد هلل‪ .‬ردد‪.‬‬
‫جاورتو صامتاً‪ .‬تأممنا السماء الصافية معاً‪ .‬التفت إلى باقي الرفاق فوجدتيم‬
‫مشغولين بالحديث عن ليمة أمس‪ .‬قمت لنفسي ما كان قد كان ولقد كتب لنا عمر‬
‫‪alk‬‬

‫جديد‪.‬‬
‫‪-‬متى تراىم يطمقون سراحنا؟‬
‫أحد األسئمة التي ال يستطيع محمود اإلجابة عمييا‪ ،‬لكنو انطمق من بين‬
‫شفتي‪ .‬نظر إلي وصمت لثوان‪ ،‬ثم قال بجدية ظاىرة‪.‬‬
‫‪-‬ال أظنيم يحتجزوننا مدة أطول‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫تجمعنا حول طعام اإلفطار‪ .‬كانت روحنا المعنوية قد ارتفعت‪ .‬ال زال القتال‬
‫مستم اًر‪ ،‬لكن بعيداً عن الكرك‪ .‬وىناك محاوالت جادة إليقافو‪ .‬الرئيس ناصر كان‬
‫قد غادر دنيانا إلى دنيا أخرى والكل يشارك في وداعو لممرة األخيرة‪.‬‬
‫‪-‬كل المبعدين يتجيون إلى ساحة السجن‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫صاح الجندي‪ ،‬ثم ردد نداءه مرة أخرى‪ ،‬تجمعنا في الساحة‪ .‬إحساسي إنيم‬
‫‪- 55 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫سيطمقون سراحنا‪.‬‬
‫قال الجندي‪:‬‬
‫‪-‬نحن عادة ال نحتجز المبعدين أكثر من يومين أو ثالثة ولكن لظروف‬

‫‪o‬‬
‫القتال الدائر طالت مدة احتجازكم ونحن بالطبع نأسف لذلك‪ .‬وقد قررت بمدية‬
‫الكرك إعطاء كالً منكم ثالثة دنانير وستخرجون من السجن بعد لحظات‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ثالثة دنانير وىناك دينار أعطاه لنا جنود االحتالل في فمسطين يكون‬
‫المجموع أربعة‪ .‬عميك أن تواجو الحياة مسمحاً بأربعة دنانير‪ .‬لن يغتصبيا منك‬
‫أحد‪ .‬لقد حصمت عمييا بال مقابل‪ .‬وتمك الدنانير الستة التي قضيت شي اًر كامالً‬
‫تعمل في حقول البرتقال من أجميا‪ .‬كانت ثروة كبيرة‪ .‬حممتيا في جيب سروالك‬
‫الميترئ وذىبت إلى المنزل‪ .‬كان ابن خالتك قد توفي منذ أربعة أيام‪ .‬لم تشعر‬
‫بذلك الحزن الدفين الذي ألم بخالتك وبكل الجيران‪ .‬فأنت طفل رغم بموغك الرابعة‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬أال تذىب لمشاىدة فيمم "لورنس العرب"؟ قال مصباح أبو الجاز‪ .‬رفيق‬
‫عشر‪.‬‬

‫الطفولة وجار لنا‪.‬‬


‫‪ott‬‬
‫‪-‬متى؟ سألت‪.‬‬
‫مساء‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪-‬اليوم‬
‫‪-‬ال بأس‪.‬‬
‫لم يخطر ببالي أن أيام الحداد طويمة وعمي مراعاة ذلك وأن ال أتمتع بما‬
‫‪alk‬‬

‫تجود بو الحياة عمي‪ .‬جيبي ممموءة بالدنانير‪ ،‬وىذا فيمم عن لورنس والعرب يمثمو‬
‫عمر الشريف في أول ظيور لو عمى الشاشة العالمية‪ .‬ولم ال أذىب؟! لقد مات‬
‫ودفن‪.‬‬
‫كان جالساً أمام باب حجرتو وبجواره ذيبو‪ .‬سمة ممموءة بالجميز والعنب‬
‫والتين الشوكي كانت أمامو‪ .‬يتناول من كل نوع حبة‪ ،‬يخمطيم في فيو ثم يزدرد‬
‫الخميط باستمتاع‪ .‬يبدو أنني قطعت عمييم سيل األحاديث العذبة‪ .‬ارتدى ثوب‬
‫‪w.‬‬

‫الذئب‪ .‬برزت أنيابو‪ .‬ظيرت األخاديد المعبرة عن الغضب بين حاجبيو‪.‬‬


‫‪-‬ىل حقاً ذىبت إلى السينما؟!‬
‫نظرت إليو وقمبي يرتجف‪ .‬ىا قد حانت لحظة الحساب‪ .‬وماذا في ذلك؟! لم‬
‫أطمب منو أن يعطيني نقوداً ألذىب!! حتى إن تجرأت وطمبت فمن يعطيني‪ .‬ذات‬
‫‪ww‬‬

‫مرة كان رفاقي كميم يريدون الذىاب إلى السينما‪ .‬لم أممك حتى مميماً ألفعل ذلك‪.‬‬
‫‪- 56 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫جاورتو وىو عمى وشك أن ينام‪.‬‬
‫‪-‬أعطني عشرة قروش يا أخي‪ ..‬أصدقائي يريدون الذىاب إلى السينما وأنا‬
‫أريد أن أرافقيم‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫كانت آمالي كبيرة بأنو سيعطيني‪ ..‬لكن وبكل قوتو قذف ملء فيو بصاق‬
‫عمى وجيي‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬يا كمب‪ ..‬تريد أن تذىب إلى السينما؟!‬
‫اآلن عمي أن أواجو الموقف‪.‬‬
‫‪-‬فعمت‪..‬‬
‫‪-‬يا كمب وابن خالتك قد توفي منذ مدة‪.‬‬
‫يا رب السماوات واألرض‪ ..‬وما دخمي أنا بذلك‪ .‬رحمو اهلل‪ ..‬ىذا كل ما أممك‬

‫‪o‬‬ ‫أن أقول لو‪.‬‬


‫‪-‬ىات ما عندك من نقود‪.‬‬
‫تابع تجيمو‪ ..‬ىي جالسة بجانبو تتصنع البراءة وىي كل البالء‪ .‬لديو‬
‫‪ott‬‬
‫االستعداد ألن يستولي حتى عمى أفكاري‪ .‬ىي تشجعو‪ .‬محصور بين طمعو‬
‫وحقدىا‪.‬‬
‫أخرجت كل ما في جيبي وألقيتو بين يديو‪..‬‬
‫صحوت عمى أصوات صاخبة في الممر الفاصل بين الزنازين‪ .‬ال بد وأنيم‬
‫‪alk‬‬

‫قد ألقوا القبض عمى مجموعة أخرى‪ .‬لم أفيم لغتيم‪ .‬لكنني أيقنت من أن مجموعة‬
‫ميمة قد ألقى القبض عمييا‪ .‬لم أكن أعرف الوقت وال رغبة لدي لمعرفتو‪..‬‬
‫‪-‬قف‪..‬‬
‫‪-‬ال أستطيع فقدماي متورمتان‪..‬‬
‫‪-‬قف يا كمب يا ابن الكمب‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫جاىدت نفسي ووقفت‪ .‬لحظات وأغمقت فتحة صغيرة في باب الزنزانة‪ .‬عرفت‬
‫أن ميمتي قد انتيت‪ .‬تراخت قدماي فوقعت عمى األرض الحرشاء‪ .‬بقيت مستمقياً‬
‫إلى أن فتح الباب‪.‬‬
‫‪-‬قف‪..‬‬
‫تحاممت عمى نفسي مرة أخرى‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 57 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أذىب إلى الحمام‪ .‬أمؤل ىذا اإلناء بالماء‪.‬‬
‫نظرت إلى اإلناءين‪ .‬كالىما قذر‪ .‬لم تطاوعني نفسي في حمل أحدىما‪.‬‬
‫‪-‬أال تعرف؟! ونظر إلي الجندي باحتقار‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫صمت‪..‬‬
‫‪-‬خذ ىذه‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫اختار لي األكثر قذارة‪ .‬حممت جسدي وسرت ببطء كسمحفاة أضناىا طول‬
‫السفر‪.‬‬
‫‪-‬من أنت؟!‬
‫‪-‬ما تيمتك؟!‬
‫‪-‬من اعتقل معك؟!‬

‫‪o‬‬
‫كانت األسئمة تتقاذف حولي من خمف األبواب وال قدرة لدي عمى اإلجابة‪،‬‬
‫ربما خوفاً ورىبة‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ال زال دمو يتدفق من رأسو‪.‬‬
‫أحسست باأللم فمددت يدي تتحسس رأسي‪ ..‬مادة لزجة التصقت بشعري‪،‬‬
‫رفعتيا‪ ..‬نظرت إلييا‪ ..‬مصبوغة بمون أحمر‪ .‬إذن ىي الدماء‪ .‬ألقيت بيدي فوق‬
‫الجرح النازف وضغطيا عميا توقف الدماء‪ .‬وصمت الحمام‪ .‬جدرانو مصبوغة‬
‫بالمون البني الغامق‪ .‬انقبض صدري وأنا داخمو‪ .‬قطرات دماء متناثرة عمى أبواب‬
‫‪alk‬‬

‫الحمامات‪ .‬اإلضاءة كانت خافتة تثير الخوف في النفس‪ .‬قضيت حاجتي بسرعة‪.‬‬
‫أمرني الجندي أن أمؤل اإلناء بالماء ألستعممو في مسكني الجديد‪ .‬فعمت ما إن‬
‫دخمت زنزانتي حتى استمقيت عمى األرض متعباً منيك القوى‪.‬‬
‫‪-‬اإلفطار‪.‬‬
‫قذف لي الجندي قطعة خبز مع أشياء لم أتبينيا ولكن من أين تقبل النفس‬
‫بالطعام‪ .‬عافتو‪ ،‬تركتو كما ىو‪ .‬لم أكن أدخن في تمك الفترة‪ ،‬واال لكانت أيامي‬
‫‪w.‬‬

‫أكثر سواداً مما ىي عميو‪.‬‬


‫‪-‬أحمل أشياءك وأخرج‪ .‬أمرني الجندي‪.‬‬
‫فعمت‪ .‬وأنا سائر عمى الدرج‪ ،‬صرخ عمي أن أتوقف‪ .‬توقفت بماذا ينادونك‬
‫في الشارع "عبيد" قمت‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬اذىب‪.‬‬
‫‪- 58 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ذىبت‪ .‬كنت أعتقد أن زنزانتي الصغيرة ىي السجن‪ ،‬وسأمكث فييا طويالً‪.‬‬
‫وجدت نفسي بين مجموعة من المساجين في حجرة واسعة‪ .‬وجوىيم ليست‬
‫متجيمة كما أنا‪ .‬اعتادوا عمى السجن‪ ،‬فتكيفت أحاسيسيم بو‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬من أنت؟ سألني أحدىم‪.‬‬
‫‪-‬يوسف‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ىل اعترفت؟!‬
‫‪-‬بماذا؟‬
‫‪-‬إذن ال تتكمم عن شيء ىنا‪.‬‬
‫صمت‪ .‬طال صمتي‪ .‬كنت أستمع إلى خميل أبو خديجة وىو يتحدث عن‬
‫السرية وعدم الثرثرة واالنضباط‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬الميمة شاقة‪ .‬قال‪:‬‬


‫‪-‬ومتى سنتدرب عمى السالح؟! سأل فاروق‪.‬‬
‫‪-‬ىذه مسألة ميمة‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫لم أتكمم‪ .‬تذكرت تمك المحظة التي أخذني فييا عبد الكريم إلى منزلو في‬
‫جباليا وعرض عمي قنبمة يدوية‪ .‬ازدادت حماستي‪ .‬رجوتو أن يعطيني إياىا ألقذفيا‬
‫عمى أول سيارة عسكرية تصادفني في الطريق‪.‬‬
‫‪-‬أييا المتيور!! عميك بالتدريب أوالً واال انفجرت القنبمة في يدك وقتمتك أنت‬
‫‪alk‬‬

‫أوالً‪.‬‬
‫وىا نحن نطالب بالعمل‪ .‬شعر خميل بمقدار حماسنا‪ .‬أراد أن يرجعنا إلى‬
‫أرض الواقع‪.‬‬
‫‪-‬عميكم بالتدريب أوالً‪ ،‬كما عميكم أن تتعمموا الكثير ثم تبدؤون بالعمل‪.‬‬
‫نبدأ العمل حقاً؟! بدأنا نرتشف القيوة التي قدميا لنا خميل‪ .‬أشعمت لفافة تبغ‬
‫قدميا لي فاروق‪ .‬قررت عمى أثرىا أن أشتري بعضاً من المفائف‪ .‬تسممنا خارج‬
‫‪w.‬‬

‫المكتب ثم خارج المعيد‪ .‬الطريق ثانية إلى بير زيت‪.‬‬


‫‪-‬ال زال ىناك متسع من الوقت‪ .‬فمنذىب إلى القدس‪ .‬راقت لي الفكرة ووافق‬
‫عبد الكريم‪ ،‬وىكذا ذىبنا إلى الطريق المؤدية إلى القدس حيث توقفت حافمة‬
‫اندسسنا فييا‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫مر صالح الدين وفي ىذه البقعة نزل عمر بن الخطاب عن راحمتو‬
‫من ىنا ّ‬
‫‪- 59 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫وركب خادمو مفاتيح القدس يتسمميا عمر ال خوف عميكم اليوم عمر كنيسة‬
‫القيامة رفض أن يصمي فييا المسجد العمري باب العامود حي المغاربة القدس‬
‫ىدية سيمة عاصمتنا عاصمتيم ال بأس إلى حين سأصمي في القدس واال فنحن‬

‫‪o‬‬
‫معتادون عمى التمر والمبن قتموه وغاده زىرة يصعب قطفيا إنيا كل شيء سقطت‬
‫القدس غاده لن تسقط حائط المبكى النبي سميمان إلى حين متى إلى حين متى‬
‫ىذا الحين ال أعرف غادة تعرف وسنعرف جميعاً الصخرة آثار قدم الرسول العظيم‬

‫‪b.c‬‬
‫أنو آخر األنبياء آه لكننا حاربناك بشراسة تشعر بالرىبة وأنت بداخمو آال يشعرون‬
‫بالرىبة عندما يفكرون أنيم فقدوه بائع عمى الرصيف كم ثمن ىذا القميص ال‬
‫يمزمني عمبة لفائف أشعل فاروق واحدة وىكذا فعل عبد الكريم وأنا وضعتيا في‬
‫جيبي أصبحت مدخناً ال بأس القدس وعمر ثم صالح الدين لبيك ال تبتئس إلى‬
‫حين ىشام بن عبد الممك مسجداً يتسع آلالف المصمين إنو األقصى في القدس‬
‫من ىنا صعد الرسول الكريم إلى العال عاصمتيم إلى حين ذيبو رأس دبوس ال‬

‫‪o‬‬
‫يتوقف عن وخز جسدك تائو في شوارع ضيقة إنيا شوارع القدس‪.‬‬
‫أوقفت فتاة جميمة فاروق‪ .‬كممتو بمغة ال يتقنيا‪ .‬ردد بعض الكممات‬
‫‪ott‬‬
‫باإلنجميزية‪ .‬أوىميا أنو قدم حديثاً إلى المدينة‪ .‬وضعت يدىا في يده‪ .‬إنيا اآلخر‬
‫الذي نخشاه‪ .‬أشار لنا بعينو أن غادرا‪ .‬لم نفعل‪.‬‬
‫‪-‬ىيا يا فاروق‪ .‬صاح عبد الكريم‪.‬‬
‫التفتت إلينا‪ .‬اكتشفت المعبة‪ .‬صاحت بكممات ال نعرفيا‪ .‬قفز فاروق ىارباً‪.‬‬
‫التحق بنا‪ .‬حثثنا الخطى ثم توارينا عن األنظار‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬أييا الموبوؤون‪ ..‬حسدتموني فيربت فريستي‪.‬‬


‫‪-‬أو تعمميا؟‬
‫‪-‬بالتأكيد‪ ..‬صاح من الغيظ‪.‬‬
‫‪-‬يا ولد ابحث عن أصمك‪ ،‬فربما كنت منيم‪.‬‬
‫‪-‬كنت أشبعتك ضرباً اآلن‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬الحمد هلل أنك ليس كذلك‪.‬‬


‫‪-‬ىا قد حضرت الحافمة‪.‬‬
‫ىذا آخر عيدي بالكرك‪ .‬استممت الدنانير الثالثة أما الرابع فقد انتيى مع أيام‬
‫السجن‪ .‬أول شيء فعمتو‪ :‬اشتريت حذاء جديداً‪ .‬ألول مرة اشتري حذاء‪ .‬لقد رفض‬
‫‪ww‬‬

‫ذيب أن يشتري لي واحداً يوم قبمت في كمية بير زيت‪ .‬تحطمت القضبان وىا أنت‬
‫‪- 61 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ذا وحدك‪ ،‬تممك قرارك‪ .‬حقاً دنيا اهلل الواسعة‪ .‬الكرك‪ .‬خطوات وتتكئ أقدامنا عمى‬
‫أرضنا‪ .‬لكن ىذه الخطوات ىي المستحيل بعينو‪ .‬جاورت محمود في طريقنا خارج‬
‫السجن‪ .‬لم يشتر شيئاً‪ .‬ومن محطة الحافالت ركبنا في أول سيارة ذاىبة إلى‬

‫‪o‬‬
‫عمان‪.‬‬
‫سحرتني الطبيعة الجميمة‪ ،‬الوديان‪ ،‬المرتفعات‪ ،‬األرض بنية المون‪ ..‬أشجار‬
‫كثيفة تغطي بعض الجبال‪ ،‬قمتيا عارية كصمعة عجوز أثقمت الشمس عمييا‬

‫‪b.c‬‬
‫فبدأت تممع‪.‬‬
‫وحدك كل ىذه األرض ممكك السيد اآلمر الناىي الطريق إلى عمان طويمة‬
‫أطمق السائق العنان لسيارتو محمود في المقعد األمامي ربما يفكر في زوجتو‬
‫وأوالده وغادة بسمة الحياة وزىرتيا ذيب جرح دام في الخاصرة ماذا ستفعل التحق‬
‫بقوات الثورة وان عاكستك الظروف ابحث لك عن منحة دراسية كنت تحمم‬
‫بالجامعة وأنت في السجن كمية الطب وسماعة الطبيب مدالة من أذنيك السيارة‬

‫‪o‬‬
‫والمفافة وغادة بجانبك والوطن ىل ستبحث لك عن وطن جديد ال يمكن شراؤه‬
‫وذيبو غصة في الحمق وقمم الحبر الذي رفض أن يعطيو لك وأىداه ألختيا مصيبة‬
‫‪ott‬‬
‫ىو في البيت اتركيو ال تزيدي عقده قال ليا وكما ترين ىا أنذا أعطي القمم الذي‬
‫طمبو ألختك أخفيو عنو ولم يدر أنني أسمع كل شيء وعندما خرج من الحجرة‬
‫ى األعصاب أنت ىنا سألني ولم أجبو‬ ‫وجدني مكوماً أماميا محطم النفس ميتر ْ‬
‫تاىت نفسي بين األمل والضياع عمان تنتظرك وكيف السبيل إلى اإللتقاء بغادة‬
‫ستفعل ىي األيام التي تقرر عمان أمنية تتحقق عمى طريقة القدر أبعدوك إلييا‬
‫‪alk‬‬

‫وىا أنت تحتضنيا بذراعيك ىي تفعل ذلك المنازل المتناثرة تمفت النظر ماذا يعمل‬
‫أصحابيا في ىذه األرض المسحوقة ولم تسأل‪.‬‬
‫‪-‬ىا نحن عمى مدخل عمان‪ .‬قال السائق‪.‬‬
‫البدايات ليست مشجعة‪ .‬عاصمة وىذا مدخميا؟ انتظر حتى تغوص في قمب‬
‫المدينة‪ ..‬كيف كنت تتصورىا؟ كما األفالم؟؟ دائماً تقبع في أحالمك‪ ..‬حتى‬
‫غادة‪ ..‬جزء من ىذه األحالم‪ .‬تريدىا كما صورتيا أحالمك‪ ..‬ىي كذلك‪ .‬تحدثيا‬
‫‪w.‬‬

‫وكأنك في مشيد من فيمم‪ ..‬سقطاتك مدوية‪ .‬لحظة أن تركتيا في المكتبة وحدىا‪.‬‬


‫مرت أيام وأنت تجمد ذاتك بسياط الندم‪...‬‬
‫‪-‬غادة‪ ..‬ما رأيك في رحمة إلى رام اهلل؟‬
‫قمت ليا عمى استحياء‪ .‬غمرتني األحاسيس الناعمة‪ .‬غمفت حروف كمماتي‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫يتردد صداىا في داخمي‪ ،‬وأنا موزع بين األمل والعدمية‪ .‬رجوت األحالم أن‬
‫‪- 60 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫تتحقق‪ ..‬انتظرت‪ ..‬أسقطت نظرة عمى الغيوم المضيئة‪ .‬تنسل منيا قطرات الندى‪.‬‬
‫‪-‬ىيا‪ .‬قالت‪.‬‬
‫نظرت إلى مجموعة أشجار بالقرب منا‪ .‬أوراقيا الخضراء تتكاثر‪ .‬تجمعت‬

‫‪o‬‬
‫العصافير فوقيا‪ .‬غردت بأعذب األلحان‪ .‬أزىرت الورود‪ .‬الشعر الناعم المتساقط‬
‫عمى الجبية البرونزية ارتعش من السعادة‪ .‬ىيا‪ ..‬ىل كنت مستعداً لذلك؟ أظنني‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫فقد عمى مصروفي الشيري من الكمية‪ ..‬ىيا‪ ..‬يا نسمة رقيقة حركت الحياة الراكدة‬
‫في أجزائي‪ ..‬ىيا‪ ..‬ما بعد البدايات‪ ...‬ىيا‪ ..‬الجرح النازف في النفس الممتاعة بدأ‬
‫يبرأ‪ ..‬ىيا‪ ..‬لنبدأ من جديد‪.‬‬
‫جاورتيا‪ .‬تسممنا من باب الكمية‪ .‬انبثقت كوردة تتفتح‪ .‬الدكتورة نيمو‪ ..‬نيمو‬
‫القدسي التي أضفت عمى محاضرات المغة نسمة من تمك التي تؤجج األحاسيس‪.‬‬
‫‪-‬إلى أين؟!‬

‫‪o‬‬‫انطمقت نغمات لحن تسحر المشاعر‪.‬‬


‫‪-‬إلى رام اهلل‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫أجبنا معاً‪ .‬بحسيا المرىف كانت قد أيقنت من حقيقة مشاعرنا‪ .‬تميزنا في‬
‫الفصل أفرد لنا مساحة رطبة في عقميا‪ .‬تشعر بمودتنا ليا‪ ،‬ونحن كذلك‪.‬‬
‫‪-‬إني ذاىبة إلى ىناك‪ ...‬أترافقانني؟!‬
‫عندما تتكاثف الغيوم‪ ،‬ينيمر المطر بال توقف‪ .‬تصب‪ ..‬تصب‪ ..‬تصب‬
‫مياىيا بغ ازرة حتى ترتوي األرض وتتشبع بالمياه‪ .‬زىرة تتفتح بين يدي‪ ،‬وأخرى‬
‫‪alk‬‬

‫تحتضنيا‪ .‬الحياة تتبسم‪ ..‬إي واهلل إنيا تبتسم‪ .‬أنيل من رحيقيا أييا المتعطش أبداً‬
‫لمسعادة‪ .‬أسبح في مياىيا الدافئة‪ .‬اترك مشاعرك تتحرك‪.‬‬
‫‪-‬ومن غير الدكتورة نيمة ينثر الورد في طريقنا‪.‬‬
‫قمت‪ ،‬وال أعرف من أين أتتني الجرأة ألقول ما أقول‪ .‬كما أن الكممات تدفقت‬
‫من بين شفتي بال تردد‪ .‬ابتسمت الدكتورة نيمو‪ ،‬وىكذا فعمت غادة‪ .‬اقتربت من‬
‫‪w.‬‬

‫نافذة السيارة وغادة بجانبي‪ .‬سبحت في أطياف من الرائحة الزكية القادمة من‬
‫االثنتين‪ .‬سحرتني المحظة‪ .‬ومنيا التصقت بي الشجاعة والرقة معاً‪.‬‬
‫‪-‬إذن انتظ ار دقائق حتى يحضر زوجي ونذىب معاً‪.‬‬
‫‪-‬سنسير عمى األقدام حتى تمحقا بنا‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬ال بأس‪.‬‬
‫‪- 62 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ابتعدنا قميالً‪ .‬لمحتيا وىي تغمرني بنظراتيا‪ .‬تيت في أجوائيا‪ .‬انعدمت المغة‪.‬‬
‫تحدثت روحي‪.‬‬
‫‪-‬ىا أنت ذا تقول كالماً جميالً‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫قالت‪ .‬أحسست بنظرات اإلطراء في صوتيا فتاىت روحي‪ .‬تجولت بين‬
‫أحاسيسي‪ .‬انعدمت األشياء داخمي إالّ صوتيا‪ .‬شعرىا فاحم السواد ينساب عمى‬

‫‪b.c‬‬
‫كتفييا ويخفي جبيتيا‪.‬‬
‫‪-‬أو تعتقدين إنني ممموء باليموم فقط؟!‬
‫‪-‬لم أكن أعرف أنك كتمة من األحاسيس والمشاعر‪.‬‬
‫كنت أشعر بيا‪ .‬وىا ىي تنتثر أمامي‪.‬‬
‫‪-‬المحظة طاغية‪ .‬أنستني ذاتي‪ .‬أنت يا غادة‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫ثم صمت‪ .‬كرىت أن أحول أفكاري إلى كممات‪ .‬أرغب أن أتركيا تتحدث‬
‫وحدىا‪ .‬ظني أن غادة أحست بذلك‪.‬‬
‫‪-‬ىا أنت تعود أنت‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫فمسفة راقية ىذه‪ .‬أنت تعود أنت‪ .‬رددت كمماتيا بصمت‪ .‬استولت عمي كمياً‪.‬‬
‫استسممت‪ .‬ما أروع أن تستسمم لمن تحب!! تحولت إلى كم ىائل من األحاسيس‬
‫الغارقة في بحر ىادئ من السعادة الشفافة‪.‬‬
‫‪-‬ذكاؤك ّسر جمالك‪ ،‬ربما جمالك ّسر ذكائك‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬يا لمروح اليائمة‪.‬‬


‫‪-‬أتجول في دنياك‪ .‬ال ترىقني كثرة األزقة‪.‬‬
‫‪-‬مخبأ في داخمك أنت‪ .‬وفي لحظة تنطمق من ذاتك‪.‬‬
‫‪-‬أنت من يممك المحظة‪.‬‬
‫‪-‬أحب‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫توقفت بجانبنا‪ .‬احتوانا المقعد الخمفي لمسيارة‪ .‬صمت‪ .‬غادة صمتت‪ .‬الدكتورة‬
‫وزوجيا صمتا‪ .‬كل شيء صامت‪ .‬انسابت السيارة في الطريق المنزلق من أعمى‬
‫الجبل‪ .‬الجمال كمو تجسد في الطبيعة الجبمية لبير زيت‪ .‬كما أنو بجانبي وأمامي‪.‬‬
‫ما أروع أن تحتضن الجبال بعينيك وأحاسيسك‪.‬‬
‫‪-‬ما رأيكما في زيارة قصيرة لمنزلنا؟ قالت الدكتورة نيمو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 63 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬وىي فرصة لنتحدث معاً‪ .‬قال زوجيا‪.‬‬
‫‪-‬ال نريد أن نتأخر كثي اًر‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪-‬إذن مرة أخرى‪ .‬قالت الدكتورة‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫مسك تيار كيربائي خفيف‬
‫ّ‬ ‫نزلنا في وسط المدينة‪ .‬التقت يدانا فتشابكتا‪ .‬ىل‬
‫يدغدغ أجزاءك كميا؟ ىذا حدث لي‪ .‬تنقمنا من شارع إلي آخر‪ .‬تجولنا في عيون‬

‫‪b.c‬‬
‫الناس ومعالم المدينة‪ .‬تركت الصمت يتمدد بيننا‪ .‬إنيا المغة العذبة التي تعشقيا‬
‫النفس‪ .‬تسمل الزمن رغم إرادتنا‪ .‬مالت الشمس إلى الغروب‪ .‬تطاولت ظالل‬
‫المنازل‪ .‬لم نشعر بيا‪ .‬بالقرب من مطعم تائو في أحد األزقة توقفنا‪.‬‬
‫‪-‬سندويشتان من الفالفل‪.‬‬
‫‪-‬وزجاجتا كوكاكوال‪ .‬قالت غادة‪.‬‬
‫قابمتيا عمى طاولة متواضعة‪ .‬نظرت إلى وجييا المكسو بغيوم توشك أن‬

‫‪o‬‬
‫تمقي بأثقاليا عمى األرض‪ .‬أعشق المطر والغيوم التي تحممو‪.‬‬
‫‪-‬أما كان عمينا أن نمبي دعوة الدكتورة؟ غردت‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬وأترك ىذه المحظة تتدحرج من يدي‪.‬‬
‫‪-‬أوتعتبرىا لحظة؟!‬
‫‪-‬وما العمر غير لحظات أنت ىي‪.‬‬
‫‪-‬كنت أحس بما في عقمك‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬وأنا كنت أحس بذكائك‪ ،‬أستنشق عبيرك‪ ،‬وأتيو في فضاء عينيك‪.‬‬


‫مرة أخرى تركنا الصمت يشاركنا‪ .‬تركت أفكاري تسبح في ثنايا ذكائيا‪.‬‬
‫تجرأت ومددت يدي تممس الغيوم المتناثرة فوق جبينيا‪ .‬أزحتيا جانباً فاستدار القمر‬
‫أمامي‪ .‬تيت في أوديتو‪ .‬بدأت تيتز أطرافي‪ .‬ىذا الفضاء كمو لك‪ .‬كم من الوقت‬
‫مكثنا والصمت ثالثنا؟! أظنو طويالً‪ .‬ال رغبة لدي ألن أعرف‪ .‬أفقنا عمى صوت‬
‫يطمب من الناس أن يمزموا منازليم بعد ساعة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬لحظتنا قاربت عمى نيايتيا‪ .‬قالت‪:‬‬


‫بدأت تحتضن كمماتي‪ .‬تداخمت أفكاري وأفكارىا‪ .‬يا لجمال المغة‪ .‬الصمت‬
‫وحروف الكممات وصوت ناي قادم من بعيد‪ ..‬ىي إذن المحظة التي تغرق فييا‪.‬‬
‫عشقت ىذا الغرق‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬توقف قسري‪ .‬قمت‪:‬‬


‫‪- 64 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬ىي كذلك‪ .‬قالت‪.‬‬
‫اصطحبت يدىا‪ .‬أصابعيا بين يدي‪ .‬قطرات ندى تكثفت في صباح يوم بارد‪.‬‬
‫تسممت البرودة إلى جسدي‪ .‬تيت في ىذه الدنيا‪ .‬دنياي بعيداً عن ذيبو‪ .‬في‬

‫‪o‬‬
‫لحظات كنا داخل حافمة في طريقنا إلى بير زيت‪.‬‬
‫ىا ىي عمان‪ .‬مكفيرة ومحطمة األوصال‪ .‬تتأوه من األلم والرغبة‪ .‬ساكنة‬

‫‪b.c‬‬
‫كطفل أنبتو والدتو عندما أخطأ‪ .‬إنيا تتعذب‪ .‬دموعيا سالت عمى خدييا فرسمت‬
‫شوارع ضيقة تعج بالناس الميمومين‪ .‬عمان األمنية واالنطالق‪ .‬ال أراك مرحبة‪ .‬ال‬
‫تتسرع في الحكم عمييا‪ .‬إنيا تظير خالف ما تبطن‪ .‬الزىور تحتاج لمماء حتى‬
‫تتفتح‪ .‬لعميا في لحظة والدة‪ ...‬بعدىا تنطمق من جديد‪ .‬إنيا فاعمة‪ .‬نزلنا من‬
‫السيارة‪ .‬محمود وأنا وبعض الرفاق‪ .‬وفي أحد المكاتب المنتشرة في خاصرة المدينة‬
‫صاحبنا رجل مرحباً بنا إلى فندق مجاور‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫فندق الخيام‪ .‬شاركني محمود النجار الحجرة‪ .‬نعم الرفقة‪ .‬قمت‪ :‬ما أن‬
‫استقرينا داخميا حتى تخمصت من مالبسي‪ .‬أخذت حماماً دافئاً ثم استمقيت عمى‬
‫السرير استسممت لنوم عميق‪ .‬ظني أن محمود فعل ذلك أيضاً‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 65 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-6-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫عندما رأيتو قادماً ازداد انكماشي في ذاتي‪ .‬تسممت من رأسيا إلى أسفل‪ ،‬إلى‬
‫الحصن المنيع الذي فيو لن تطالني يد‪ .‬مع تدافعي المست أطرافي معظم‬
‫أحشائيا‪ .‬تألمت وصرخت‪ .‬ىذا الصراخ وسط الدجى يثيرني ويثيره‪ .‬اختبأت في‬
‫زاويتي المفضمة‪ .‬ىدأت حركتي‪ .‬ضغطت جسدي ألحتل أضيق مساحة منيا‪.‬‬
‫أردت أن أريحيا وأريحو‪ .‬بدأ الخوف الذي سببو لي يتسرب مني‪ .‬نظراتو الحانية‬

‫‪o‬‬
‫عمييا وعمي أدخمت السكينة إلى نفسي‪ .‬بدأت أتأممو من جديد‪ .‬ىذا الرجل قوي‬
‫الشكيمة وصمب المالمح يتحول إلى كتمة من األحاسيس المرتجفة تنتشر في‬
‫أرواحنا‪ .‬ىي وأنا‪ .‬أحببتو‪ .‬أحببت خوفو عمييا‪ .‬وىو في خوفو عمييا كان حقاً‬
‫‪ott‬‬
‫خائفاً عمي‪ .‬يوسف الياللي!! ىذا من سأدعوه أبي‪ .‬كممة انفمتت من بين شفتي‬
‫كثي اًر دون أن يسمعيا ىو‪ .‬وعندما بدأت أطمقيا في الفضاء الالمنتيي‪ ،‬لم يسمعيا‬
‫ىو‪ .‬نسيتيا‪.‬‬
‫‪-‬كيف حدث ىذا؟ سألتو‪.‬‬
‫‪-‬ال تستعجل األحداث‪ .‬انتظر‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫يا ليذه الكممة المنطمقة أبداً منو ومنيا‪" .‬انتظر!!" حياتيم كميا انتظار‪ .‬قمت‬
‫لنفسي‪ .‬عمى أي حال سأنتظر‪ .‬لكنو أثار اىتمامي بقضية األب‪ .‬كيف نسي تمك‬
‫الكممة؟! اآلن فقط بدأت أحس بمعاناتو‪.‬‬
‫‪-‬حان الوقت وآن لك أن تنطمق‪ .‬قالت‪:‬‬
‫رغم ليفتي عمى الخروج إلى المكان األوسع إال أن األمر ىالني‪ .‬سأتركيا؟!‬
‫‪w.‬‬

‫ثم ماذا بعد؟! ستكون بجانبي‪ .‬ىذا ما قمتو لي‪ .‬الفرصة أمامك اآلن‪ .‬انظر إلييا‬
‫من الداخل‪ .‬إنيا مفرودة أمامك وأنت حر الحركة‪ .‬فعمت‪ .‬أول ما لفت انتباىي ىو‬
‫قمبيا الممموء بالمحبة‪.‬‬
‫‪-‬كيف عرفت ذلك؟! سألتو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬مرة أخرى تعود لؤلسئمة التي ال إجابة عمييا‪ .‬أنت تعرف أنني تحسست‬
‫‪- 66 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫قمبيا‪ .‬لم أستطع أن أسبح داخمو‪ .‬لكنو بدا صغي اًر‪ ،‬وعندما المستو بدأت جزيئات‬
‫المحبة تنتثر حولو وتغمرني‪ .‬حباليا الصوتية التي دفعتيا بإصبع قدمي دقيقة‬
‫ومتناسقة‪ .‬صوتيا نغمة ساحرة سابحة بين األرواح اليائمة‪ .‬أما عقميا‪ ،‬فممموء‬

‫‪o‬‬
‫باألفكار الزاىية‪ .‬ال يحمل تمك األفكار الفاسدة التي تمؤل كثي اًر من العقول‬
‫المعطوبة‪ .‬بشرتيا من الداخل تميل إلى المون البني‪ .‬جدرانيا نحيمة وقوتيا في‬
‫نحوليا‪ .‬استغرقني التدقيق في داخميا وقتاً طويالً‪ ،‬حتى أنني تناسيت من حوليا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫تركتيا مستمقية في فراشيا وأخذت أنظر حوليا‪ .‬تمك المرأة النحيفة يقولون أن‬
‫اسميا سكيبو ىي من سيتولى ميمة اقتالعي من حصني وقذفي بين جمرات النار‬
‫ألخطو خطواتي األولى في طريق عذابي‪ .‬أما الياللي الكبير فقد اقترب منيا‪.‬‬
‫قدر مدى آالميا‪ ،‬فتدفقت مشاعره‪.‬‬‫انحنى عمييا‪ .‬أمسك بيدىا بين يديو‪ .‬ويبدو أنو ّ‬
‫‪-‬سعدى!‬
‫نظرت إليو نظرة خافتة‪ ،‬محبة وممتنة‪ .‬تسربت إليو‪ ،‬فازداد خفقان قمبو‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬االنتظار يا سعدى‪ ،‬أممي أال يطول‪ .‬بعدىا سترتاحين‪.‬‬
‫ماذا يعني ىذا الياللي الكبير؟! وىل تنبأ بما قد يحدث؟! أبعد ىذا الخاطر‬
‫‪ott‬‬
‫عنك‪ .‬قا ل الكممة بحنان زائد‪ .‬مؤلىا بكل محبتو ليا‪ .‬كانت قوية وىو يحب القوة‪.‬‬
‫طريقيا مستقيمة وىو يحب الطريق المستقيم‪ .‬ضغط عمى يدىا‪ ،‬فتسممت أحاسيسيا‬
‫إلى يده‪.‬‬
‫‪-‬يوسف‪..‬‬
‫رجعت من شرودي إلييا‪ .‬أجبتيا بمحبة تضاىي محبتو ليا‪ .‬دارت بيدىا‬
‫‪alk‬‬

‫حولي‪ .‬ليس أنت يا قمبي‪ .‬إنني أريد يوسف الكبير‪ .‬ىو بجانبك ويمسك بيدك‪ .‬قمت‬
‫ليا‪.‬‬
‫‪-‬يوسف‪ ..‬نادتو مرة أخرى‪.‬‬
‫‪-‬أنا بجانبك‪.‬‬
‫‪-‬عبيد في طريقو إلينا‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬تقصدين يوسف‪.‬‬
‫‪-‬سمو ما شئت‪ ،‬لكنني سأدعوه عبيد‪.‬‬
‫‪-‬نحن في انتظاره‪.‬‬
‫‪-‬ىو أمانة في عنقك!!‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 67 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫يا رب السموات واألرض‪ ،‬ىذه السعدى‪ ..‬عرفت اسميا‪ .‬ألم تسمعو‬
‫يخاطبيا؟! ما الذي تفكر ىي فيو؟! أمانة في عنقو‪ ،‬وذيب يمبي احتياجاتي‪ ..‬وأنت‬
‫يا سعدى‪ ،‬ماذا سيحدث لك؟! انتفضت من الفكرة الحزينة‪ ،‬تقافزت في كل أنحائيا‪،‬‬

‫‪o‬‬
‫فصرخت صرخة قوية مدوية‪ .‬انتفض ليا الياللي الكبير‪ ،‬فصرخ في سكيبو أن‬
‫تبدأ العمل‪.‬‬
‫‪-‬ىيا اخرج‪ .‬قالت سكيبو‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬لن أخرج‪ .‬قال‪.‬‬
‫‪-‬ال تكن عنيداً‪.‬‬
‫خرج‪ .‬خطواتو تائية‪ ،‬بطيئة ومتعرجة‪ .‬التفاتاتو لمخمف كانت أضعاف‬
‫خطواتو‪ .‬وعندما وصل الباب أمسك بو‪ .‬استدار‪.‬‬
‫‪-‬سعدى‪ ..‬اهلل معك ولن ينسانا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫تجاىمت سكيبو‪ ،‬وبقيت معيا وحدي‪ .‬تمددت بقدر ما سمحت ىي لي‪.‬‬
‫ىذه ىي بداية معرفتي باالسترخاء‪ .‬أخذت عيناي وقتاً أطول مما اعتادتا‬
‫‪ott‬‬
‫لتنفضا جفونيا وتدوران ببطء في ساحتييما الثمجيتين‪ .‬أبقيت عمى جسدي مسترخياً‬
‫في الفراش الوثير الذي داعب أطرافي لممرة األولى منذ سنوات‪ .‬ال زال محمود‬
‫نائماً‪ .‬ربما مسترخياً مغمض الجفنين مثمي‪ .‬مددت يدي إلى عمبة سجائري‬
‫وسحبت لفافة أخذت أدخنيا باستمتاع‪ .‬لقد أصبحت مدخناً شرىاً‪ .‬أدخمت كماً من‬
‫الدخان إلى رئتي‪ ..‬أبقيتو لحظة‪ ،‬ثم أطمقت سراحو ببطء‪ .‬تابعتو وىو يتصاعد إلى‬
‫‪alk‬‬

‫سقف الحجرة‪ .‬تأممت أفكاري!! ما أسيل انتقاليا‪ .‬تتقافز كضفدع حول بركة من‬
‫المياه الراكدة‪.‬‬
‫سجن رام اهلل الذي لم نمكث فيو سوى أسابيع قميمة كان أفضل السجون بعدىا‬
‫إلى سجن نابمس المركزي كان إسطبالً لخيول الجنود األتراك قال لي النابمسيون‬
‫الذين التقيتيم فيو مازن العكر وحسين الحداد وماىر نسيت اسم عائمتو وكان ىناك‬
‫تيسير شاىين أيضاً ماذا حدث لكل ىؤالء األصدقاء ال أعرف كنت عنيداً أكره‬
‫‪w.‬‬

‫االندالق عمى اآلخرين أدافع عن حقي بشراسة كان ذلك في ليمة رمضانية وكنت‬
‫يحضر‬
‫ّ‬ ‫سيحضر طعام السحور ألفراد مجموعتي وكان سامر النابمسي‬‫ّ‬ ‫أنا من‬
‫لمجموعتو حاول أن يأخذ دوري رفضت تيسير في مجموعتنا وماذا في ذلك دعني‬
‫أستعمل الموقد أوالً ال لن تفعل إنو تيسير ومن ىذا التيسير صحا عمى صراخنا‬
‫عرف القصة أتركو أوالً قال لسامر ومنذ تمك الحادثة أصبح ال يرتاح لي وعندما‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 68 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫نقموني إلى حجرة أخرى عتبت عمى تيسير ألنو لم يعترض أرسل لي قائالً انتظر‬
‫انتظرت وحفظ كممتو رجعت إلى الحجرة ويوم ازرنا ممثمو الصميب األحمر طمب‬
‫رفيقي‬
‫ّ‬ ‫منا أن ال نتكمم معيم احتجاجاً حاولت كسر القرار نيرني بشدة عرفت أن‬

‫‪o‬‬
‫عادل ومحمد طمبا من ممثمي الصميب األحمر ان ينقموا زوارىم من غزة إلى نابمس‬
‫ولم ينسني الرفيقان زيارتو األولى في نابمس وكنت قد أوقفت سنة بدون محاكمة‬
‫فمم تكن ىناك قضية ضدي أخبرتو بذلك لم يعمق كان األلم يرتسم عمى وجيو‬

‫‪b.c‬‬
‫أحسست بو كانت ىديتو بعضاً من البرتقال خجمت أمام رفاقي لكنيم قدروا ذلك‬
‫مكثفاً عدة أشير ىناك ثم انتقمنا إلى سجن غزة كنا ثالثة في سيارة عسكرية‬
‫وجندي حراسة في المقدمة أوثقوا أيدينا بسالسل من الحديد ثم وضعوا عصابات‬
‫عمى أعيننا حتى ال نرى شيئاً وفي الطريق تج أر عادل وأرخى العصابة عن عينيو‬
‫ىمس بصمت ال أحد ىنا فعمت أنا مثمو وكذلك محمد وأخذنا بمناظر بمدنا الجميمة‬
‫الخضرة مترامية األطراف وفجأة توقفت السيارة ونزل جندي استدار بسرعة إلى‬

‫‪o‬‬
‫الخمف فمحظ أن عصابة عادل مدالة أسفل عينيو فكان نصيبو عدة لطمات عمى‬
‫وجيو أخذنا نضحك كثي اًر بعد أن تابعت السيارة سيرىا لم نقتنع وأرخيت العصابة‬
‫مرة أخرى فارتسمت مناظر بالدي الجميمة في الذاكرة الحية‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬يوسف‪.‬‬
‫‪-‬صباح الخير يا محمود‪.‬‬
‫‪-‬صحوت مبك اًر‪.‬‬
‫‪-‬ال أعتقد ذلك‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫نزلنا إلى الطابق األرضي من الفندق‪ .‬تناولنا طعام اإلفطار معاً‪ .‬ثم أخذنا‬
‫ندخن ونرتشف القيوة بتمذذ‪ .‬دخل رجل وسيم وتكمم مع الموظف الجالس في‬
‫الفندق‪ .‬أشار إلينا فاتجو الرجل إلى حيث كنا‪.‬‬
‫‪-‬أىالً بالرفاق‪ ..‬قال‪.‬‬
‫‪-‬أىالً بكم‪ .‬أجبنا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬أنا أبو صخر ومسؤول عنكم مؤقتاً‪.‬‬


‫‪-‬أىالً بأبي صخر‪.‬‬
‫وفي مكتب لممنظمة عمى أطراف جبل الجوفة قابمنا باقي المبعدين‪ .‬المقاء‬
‫األول خارج القضبان‪ .‬شيء من الماضي يمتصق بك‪ ،‬يشدك إليو وأنت بكل قواك‬
‫‪ww‬‬

‫تحاول اإلفالت منو‪ .‬ىا ىو مجسد أمامك‪ ،‬مرسوم عمى الوجوه‪.‬‬


‫‪- 69 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬عمينا مقابمة أبي نضال‪ ،‬فيو مسؤول الداخل‪ .‬قال محمود‪.‬‬
‫قمت ألقابمو وبعدىا أقرر ما سأفعل‪ .‬مستقبمي كمو معمق في ىذه المحظة‪.‬‬
‫وأبو نضال ىذا كان معممي في المرحمة االبتدائية‪ .‬حماسو كان طاغياً‪ .‬أعرفو‬

‫‪o‬‬
‫جيداً‪ .‬أما نائبو أبو الرائد فيو أيضاً كان مدرساً في المدرسة الثانوية بجباليا ومن‬
‫سكان مخيمنا‪ .‬المقاء المحظة‪ ،‬بعده ربما يتضح شيء من الصورة‪ .‬حان الوقت‪.‬‬
‫حجرة مؤثثو جيداً نظرت إلى االثنين عندما فتح الباب‪ .‬يمبسان جيداً‪ .‬ال بأس إنيما‬

‫‪b.c‬‬
‫ثائران‪ .‬لكن ال يبدو عمييما غبار الثورة‪.‬‬
‫‪-‬يوسف الياللي‪.‬‬
‫تقدمت‪ .‬حارس بالباب‪ .‬ال بد من الحذر‪ .‬فأنت في مكتب ثوار‪ .‬تفحصني‬
‫جيداً‪ .‬غرز نظراتو في جوانب شتى من جسدي‪.‬‬
‫‪-‬أجمس‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬كم مكثت في السجن يا يوسف؟! سألني أبو نضال‪.‬‬
‫جمست‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ثمانية عشر شي اًر‪ .‬قمت‪.‬‬
‫تمتم لمحظات ثم‪.‬‬
‫‪-‬يكون المبمغ الذي سنقدمو لك مائة وثمانين دينا اًر‪.‬‬
‫‪-‬عشرة دنانير عن كل شير‪ .‬قال أبو الرائد‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫يا لمثمن الرخيص‪ .‬قمت لنفسي‪ .‬كل شير بعشرة دنانير‪ .‬لو كانت أيام‬
‫المعاناة تحسب بيذه الطريقة ألصبحت من أصحاب الماليين‪ .‬كل شير عشرة‬
‫دنانير‪ .‬ثم ماذا أعمل بعد ذلك؟ عمي دخول السجن مرة أخرى ألحصل عمى‬
‫قوتي‪..‬‬
‫‪-‬وماذا أفعل بعد ذلك؟! حولت أفكاري إلى كممات‪.‬‬
‫‪-‬انتظر حتى نحصل لك عمى منحة دراسية‪ .‬قال أبو نضال‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫ىو مدرسي القديم ويعرف مقدرتي العممية‪.‬‬


‫يريد أن يرسمني في بعثة دراسية‪ .‬وىل من أجل ذلك أنا فعمت ما فعمت؟!‬
‫ليكن ما يكون‪ ،‬ولنترك األيام تقرر ما تريد‪.‬‬
‫‪-‬والتنظيم؟! سألت بال روح‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 71 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬سننظم لك وضعاً‪ .‬قال‪:‬‬
‫وبعد أيام صادفت أبا الرائد في المكتب‪ .‬أشار لي بعينو أن أتبعو‪ .‬فعمت وبعد‬
‫لحظات لحق بنا رجل طويل القامة وسيم القسمات‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ىذا ىو أبو خميل‪ ،‬مسؤولك التنظيمي‪ .‬رتب معو أوضاعك‪ .‬ثم غادرنا‪.‬‬
‫‪-‬يا رفيق يوسف متى يالئمك حتى نجتمع أسبوعياً؟‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ال عمل لي‪ ،‬فالوقت المناسب لك ىو مناسب لي‪.‬‬
‫‪-‬صباح كل يوم اثنين‪ .‬أيناسبك؟!‬
‫‪-‬ال بأس‪.‬‬
‫ومر األسبوع األول‪ ،‬ثم ذىبت يوم االثنين صباحاً إلى منزلو الذي وصفو لي‪.‬‬
‫ّ‬
‫ولم أجده‪ .‬قمت لعمو في ميمة‪ .‬وفي االثنين التالي خرج لي بمالبس النوم‪ .‬واعتذر‬

‫‪o‬‬
‫أنو لم ينم‪ .‬قمت في نفسي يا سبحان اهلل‪ ..‬ىذا ىو العمل واال فال! لم ينم‪ ..‬وماذا‬
‫كنت تعمل طوال الميل‪ .‬تمزقت كل أحالمي‪ ..‬وحيد مرة أخرى وال قدرة لدي لعمل‬
‫شيء‪ .‬تتطاول القضبان أمامك‪ .‬حاول أن تقتمعيا!! كمما اقتمعت أحدىا برز مكانو‬
‫‪ott‬‬
‫اثنان‪ .‬يا لقسوة الواقع‪ .‬اتجيت أفكاري منحى آخر‪ .‬ال فائدة في مثل ىؤالء الناس‪.‬‬
‫‪-‬أليس ذاك الرجل ىو األستاذ عزيز قدوره‪.‬‬
‫سألت عبد الكريم عندما مررنا أمام المبنى األمامي من معيد المعممين برام‬
‫اهلل‪.‬‬
‫‪-‬إنو ىو‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫ذىبنا إليو وسنوات المدرسة االبتدائية تالحقنا‪ ،‬فيو معممنا في الصف الرابع‬
‫والخامس االبتدائي‪ ..‬وابن مخيمنا وجار لنا‪.‬‬
‫‪-‬أستاذ عزيز‪ ..‬وصافحناه بح اررة‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تعمالن ىنا؟! سألنا‪.‬‬
‫‪-‬نحن في بعثة دراسية إلى بير زيت‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬لم أركما ىنا‪.‬‬


‫‪-‬قمما نأتي إلى رام اهلل‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫جمسنا بجانبو نتذكر األيام الحموة في مخيم جباليا قبل االحتالل‪ .‬إنيا حقاً أيام‬
‫حموة رغم م اررة الفقر ووخزات ذيب وذيبو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 70 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬سنغادر رام اهلل غداً فنحن في دورة تعميمية انتيت ىذا اليوم‪.‬‬
‫راقت لي الفكرة‪ .‬وأظنيا راقت كذلك لعبد الكريم‪ .‬وفي صباح يوم الجمعة كنا‬
‫أمام المعيد بحقائبنا ننتظر قدوم الحافمة‪ .‬رحمة مجانية ال يمكن مقاومتيا‪ .‬حاولت‬

‫‪o‬‬
‫غاده في مساء اليوم السابق أن تثنيني عن المغادرة لكنيا لم تفمح‪.‬‬
‫‪-‬اكتشفت فيك العناد‪ ..‬صفة ال أحبيا كثي اًر‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫قالت بدالل‪.‬‬
‫‪-‬إنو ليس عناداً‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تسميو إذاً؟!‬
‫‪-‬اإلصرار عمى تحقيق اليدف‪.‬‬
‫زاد اتساع عينييا‪ .‬تبسمت قسمات وجييا‪ ،‬وأوشكت الغيوم السوداء أن تسقط‬

‫‪o‬‬ ‫منيا عمى األرض البرونزية‪.‬‬


‫‪-‬ميما كانت المصاعب!! سألتني‪.‬‬
‫‪-‬وان كنت أممك تذليميا؟!‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ال بأس‪.‬‬
‫‪-‬ىل من رسالة ألىمك؟!‬
‫‪-‬أشكرك‪.‬‬
‫كان ىناك متسع الثنين في الحافمة‪ .‬احتممنا المقعد المتوسط‪ .‬كان أمامنا‬
‫‪alk‬‬

‫األستاذ عزيز وبعض المدرسين الذين عممونا في المدرسة االبتدائية‪ .‬لم يعترض‬
‫السائق‪ .‬اخترقت الحافمة الشارع الرئيسي لرام اهلل ومن ثم إلى القدس‪ .‬مررنا بالقدس‬
‫القديمة ثم الجديدة‪ .‬الفرق واضح بينيما‪ .‬وذلك الطريق الذي كانوا يعممون فيو عند‬
‫قدومنا إلى رام اهلل قبل ثالثة أسابيع انتيوا منو‪ .‬يا لسرعة العمل‪.‬‬
‫‪-‬ىل الحظت؟!‪ ..‬سألني عبد الكريم‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬وىل ىذا يخفى عمى كل ذي عينين؟! أجبت‪.‬‬


‫أشجار الخروب انتشرت عمى جانبي الطريق‪ .‬خضرة مترامية األطراف‪ .‬ما‬
‫أجمميا؟!‬
‫‪-‬ىنا موقعة القسطل‪ .‬أشار األستاذ عزيز إلى عربات عسكرية محترقة‪ .‬ىذه‬
‫عرباتيم تركوىا لمذكرى‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 72 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫يا اهلل حطمنا ليم عرباتيم ومع ذلك حطموا لنا رؤوسنا وماذا فعمت سبعة‬
‫جيوش عربية خرجنا كالنعاج المرعوبة ذيبو جرح ال يندمل أيام وتعودون وطالت‬
‫األيام ولم نعد يا رازق الطير في السماء والسمك في البحر أين نحن القسطل ما‬

‫‪o‬‬
‫أجمميا من بقعة ال مثيل ليا واهلل تائو أنا بال ىويو وجباليا مخيمك ودير سنيد‬
‫الحقيقة الضائعة‪.‬‬
‫صحوت عمى صوت األستاذ عزيز‪ ..‬يا ىاللي‪ ..‬يا ىاللي‪ ..‬ىذه ىي دير‬

‫‪b.c‬‬
‫سنيد‪ ..‬الصدمة التائية‪ ..‬دير سنيد‪ ..‬ىنا ركض والدك خمف ذلك الرجل الذي‬
‫سرقو‪ .‬ىنا زرع أخوك نايف أشجار التين والعنب‪ .‬وىناك حمبت والدتك بقرتيا‬
‫وبعدىا ماتت حسرة عمييا‪ .‬وفي ذلك البستان أجمس عمك بعض المصوص عمى‬
‫الشوك عقاباً ليم‪ .‬دير سنيد! يا أمالً ضائعاً وحقيقة يصعب الوصول إلييا‪.‬‬
‫‪-‬نحن في الطريق‪ ..‬لكزني عبد الكريم‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬آه‪ .‬نحن حقاً في الطريق‪ .‬أظنو طويالً‪.‬‬
‫‪-‬الميم أننا في الطريق‪.‬‬
‫‪-‬نعم ىذا ىو الميم‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫رجعت إلى الفندق الذي أعيش فيو مع محمود بعد أن تحطمت أحالمي عمى‬
‫باب مسئولي الذي لم ينم طيمة ليمة أمس‪ .‬مضى شير دون أن أجمس معو جمسة‬
‫عمل‪ .‬وجدت محمود أمام الفندق يمعب الورق‪ .‬جمست بجانبو‪ ،‬ثم شاركتو ورفاقو‪.‬‬
‫دخنت كثي اًر من المفافات وأمضيت وقتاً طويالً كان يجب أن أقضيو مع أبي خميل‪.‬‬
‫ثم حان وقت الغداء ذىبنا إلى مطعم مجاور‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬محمود‪.‬‬
‫‪-‬ما خطبك؟!‬
‫‪-‬أريد أن أرحل عن الفندق‪.‬‬
‫‪-‬إلى أين؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬نستأجر منزالً‪.‬‬
‫‪-‬عين العقل‪.‬‬
‫‪-‬أوتشاركني؟!‬
‫‪-‬بالتأكيد‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫وفي جبل المريخ وجدنا منزالً متواضعاً‪ ،‬استأجرناه بسرعة‪ .‬اشترينا ما تيسر‬
‫‪- 73 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫من األثاث‪ .‬بعد مدة انضم إلينا شخص ثالث ىو عاطف أبو ندى‪ .‬عشنا حيناً من‬
‫الدىر ال يعكر صفونا شيء‪.‬‬
‫بدأت الدراسة في مدارس األردن‪ .‬اشتاقت نفسي إلى الكتاب‪ ،‬وبعد تفكير‬

‫‪o‬‬
‫عميق‪ ،‬قررت أن ألتحق بأحد المدارس الثانوية الخاصة في عمان‪ .‬ولقد كان سيالً‬
‫أن نمتحق بيا‪ ،‬عاطف أبو ندى وأنا‪ ..‬لكن المشكمة كانت الرسوم المدرسية‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ذىبنا معاً إلى مكتب منظمة التحرير‪ .‬تنقمنا من مكتب إلى آخر نسأل عن‬
‫كيفية الحصول عمى رسوم المدرسة‪ .‬مكثنا طويالً‪ .‬تسمل اليأس إلينا‪.‬‬
‫‪-‬ال فائدة‪ .‬قمت لعاطف‪.‬‬
‫‪-‬سنتدبر أمرنا‪ .‬قال‪.‬‬
‫واستدارت رؤوسنا في الطريق لمخروج من دىيمز المكاتب المنتشرة في ىذا‬
‫المبنى الجديد‪ .‬وعمى باب أحدىا صاح أحدىم أن انتظرا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫التفتنا إلى الداخل فأشار لنا رجل يجمس عمى مقعد وثير أن أدخال‪ ،‬فدخمنا‪.‬‬
‫‪-‬أنت ابن اسماعيل أبو ندى؟ وجو سؤالو إلى عاطف‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫‪-‬أىالً بك‪ .‬كيف حالك وحال والدك؟ وماذا تفعل ىنا؟‬
‫‪-‬أنا مبعد‪ .‬قال عاطف‪.‬‬
‫نظر الرجل إلي‪ ،‬فعرفت أنو يستجوبني‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬وأنا كذلك‪ ..‬مبعد‪.‬‬


‫‪-‬ماذا تريدان؟‬
‫‪-‬نحاول الحصول عمى رسوم المدرسة الثانوية‪.‬‬
‫‪-‬كم المبمغ؟‬
‫‪-‬أربعون دينا اًر لكل منا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫أخرج ورقة من درج مكتبو‪ .‬كتب عمييا شيئاً‪ .‬ناوليا لعاطف‪.‬‬


‫‪-‬اذىب إلى الصندوق‪.‬‬
‫لم نصدق أنفسنا‪ .‬أخي اًر وفي المحظة الميتة يتحقق اليدف؟!! صافحناه‬
‫شاكرين‪ ،‬وفي طريقنا إلى الصندوق قرأنا معاً "أصرف لحاممييا مقدار خمسين‬
‫‪ww‬‬

‫دينا اًر لكل منيم‪ ".‬ىذه اآلفة القذرة تعشش ىنا في مكاتب يجب أن تكون نظيفة‪ .‬لو‬
‫‪- 74 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫لم يتعرف عمى عاطف ووالده لما كنا حصمنا عمى شيء‪ .‬زاد من قناعتي بمتابعة‬
‫دراستي‪.‬‬
‫استممت العشر ليرات من محاسب الكمية‪ .‬ىي كل ما أممك‪ .‬ذىبت وغادة إلى‬

‫‪o‬‬
‫رام اهلل‪ ،‬تمك الرحمة الغارقة في قاع الذاكرة‪ .‬بعد الرحمة أفمست تماماً‪ .‬جمست في‬
‫فناء الكمية شارداً أغوص في ذكرياتي وأحاول أن أتدبر األمر‪ .‬فاجأني عبد الكريم‬
‫وأنا أسمم ما أممك من نقود لذيب‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أظن أن اليموم تداعبك؟! قال‪.‬‬
‫‪-‬ىي كذلك‪.‬‬
‫‪-‬ىل تممك نقوداً؟!‬
‫‪-‬أنفقتيا مساء أمس‪.‬‬
‫‪-‬كيف؟‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬ذىبت وغادة إلى رام اهلل‪.‬‬


‫ألقى بمفافة تبغ بين يدي وأشعميا لي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬سأقرضك بعضاً منيا‪.‬‬
‫‪-‬ومتى أسدد ما لك عندي؟!‬
‫‪-‬عندما تتخرج‪.‬‬
‫وىذه ىي األيام تأسرني بين قضبانيا ولم أتخرج‪ .‬جياد لو عندي عدد من‬
‫الميرات‪ ،‬وىكذا عبد الكريم‪ .‬والدنانير تممئ جيبي اآلن‪ .‬لن تمكث طويالً‪ ،‬فيي‬
‫‪alk‬‬

‫تعرف كيف تتسرب إلى أيدي اآلخرين‪ .‬تراخت الفكرة في رأسي‪ .‬لن أدفع رسوم‬
‫المدرسة ولن أدخميا‪ .‬سأحتفظ بالنقود لنفسي‪ .‬لماذا؟ ال أعرف‪..‬‬
‫كان محمود قد عاد مبك اًر من أحد معسكرات الثورة الذي بدأ يعمل فيو كفدائي‬
‫متفرغ‪ .‬جيز طعام الغداء وأخذ يدخن منتظ اًر وصولنا‪ .‬تفحصنا جيداً ونحن ندخل‪.‬‬
‫الحظ أساريرنا المنبسطة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬قميالً ما أراك ىكذا!! قال مبتسماً‪.‬‬


‫‪-‬ىي إذن الثورة التي تحافظ عمى أبنائيا‪.‬‬
‫آه لو تعرف كيف حصمنا عمييا!! ربما تغير وجية نظرك‪ .‬ىذا الرجل‬
‫المنصير مع قضيتو‪ .‬عميقة أفكاره‪ ،‬ال بد من األخطاء في ىكذا عمل‪ .‬قال ذات‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 75 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫مرة عندما بدأنا نعدد األخطاء‪ .‬خطأ عن خطأ يفرق‪ .‬ربما حساسيتي الزائدة تضخم‬
‫لي األخطاء‪ .‬لم أرد أن أنزل وأفكاره إلى أسفل السمم‪" .‬ىي الخالص مما نحن‬
‫فيو"‪ .‬قال مرة أخرى‪ .‬وىي فعالً كذلك‪ .‬لكن العفن يتسمل إلييا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫وجبة شيية تمك التي تناولناىا معاً‪ .‬الفاصولياء البيضاء التي عشقتيا منذ‬
‫بدأت أتذوق الطعام‪ .‬ال نشترييا‪ ،‬لكنا نحصل عمييا من وكالة الغوث‪ .‬ومحمود‬
‫ماىر في الطبخ‪ .‬استمقى كل منا عمى سريره‪ .‬وعصر ذلك اليوم صحونا مبك اًر‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ذىب محمود إلى قاعدتو وبقينا أنا وعاطف ندخن المفائف ونشرب الشاي‪.‬‬
‫‪-‬سأذىب إلى منزل قريب لي‪ .‬قال عاطف‪.‬‬
‫‪-‬رافقتك السالمة‪.‬‬
‫أوترافقني؟! سألني‪.‬‬
‫‪-‬ال رغبة لي في المغادرة‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫تركني وذىب‪ .‬ىا أنت ذا تذوب في ذاتك مرة أخرى قل مرات أعشق ىذه‬
‫الوحدة دروبيا متنوعة أسرح وذاتي في دنيا اهلل ال ذيبو تنغص عيشتي وال ذيب‬
‫‪ott‬‬
‫يسمبك نقودك ال ينتقدك أحد تممك كل ما تريد وتتمتع بما تريد تتوه النفس في ثنايا‬
‫األزقة المتشعبة وأنت تحمم وتحمم وتحقق آمالك بعيداً عن القضبان لكنيا ال تمبث‬
‫أن تعود قاسية مغروزة في أرض صمبة وال قدره لديك عمى اقتالعيا أذكرىا جيداً‬
‫كما أنت اآلن وحيداً تجمس بجانب سياج أحد المنازل المقذوفة في طرف المخيم‬
‫مسموب اإلرادة تتألم أمعاؤك من فراغيا تحاكي الطعام البعيد عن متناول يدك لن‬
‫تسمح لك ذيبو بتناول شيء منو إال وقت الغداء ولقد أبطئ الزمن سيره امتدت يدك‬
‫‪alk‬‬

‫إلى قطعة جمدية ممقاة بجانبك تحسستيا طرية قمبتيا بين يديك مرت بجانبك امرأة‬
‫بدوية ال بد وأنيا تفحصتك جيداً وقرأت ما يدور في عقمك "كميا" قالت بخشونة لو‬
‫أنيا تؤكل لفعمت لم أتكمم "كميا" قالت مرة أخرى حرقت الشمس قدمي‪ .‬انحسر‬
‫الظل عني‪ .‬ألذىب إلى منزل أخي اآلخر كانوا يتناولون طعام الغداء عدس‬
‫مطبوخ لكنو شيي‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬تعال شاركنا يا يوسف‪ .‬قال ابن أخي‪.‬‬


‫لم تطاوعني نفسي أن أشاركيم‪ ،‬ففقرىم يضاىي حرماني‪.‬‬
‫‪-‬ال رغبة لدي لمطعام‪ .‬قمت وأمعائي تجأر من وخزات األلم‪.‬‬
‫‪-‬يا رجل!‬
‫‪ww‬‬

‫وبعد لحظات انتيوا من تناول غدائيم‪ .‬بقي بعض منو‪ .‬اندفعت إليو‪ .‬قذفتو‬
‫‪- 76 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫لتمك األمعاء اليائجة راجياً أن يكون كافياً إلسكاتيا‪.‬‬
‫‪-‬لقد دعوناك ورفضت‪.‬‬
‫‪-‬لم تكن لدي رغبة‪ ،‬لكني كرىت أن تبقى بقايا الطعام في اإلناء‪ .‬وواقع‬

‫‪o‬‬
‫الحال أنني رغبت عن تناول شيء سأحرميم منو‪.‬‬
‫حشرت جسدي في قميص وسروال جديدين‪ .‬سرحت شعري ودسست عمبة‬

‫‪b.c‬‬
‫لفائف في جيب قميصي وخرجت‪ .‬لم يكن لدي ىدف محدد‪ .‬فقط أريد أن أمارس‬
‫وحدتي بين الناس وفي شوارع عمان‪ .‬قادتني قدماي إلى مكتب الجبية‪ .‬لم أقاوم‬
‫رغبتيا في الذىاب إلى ىناك‪ .‬أترك ليا حرية القرار‪ .‬ألغي عقمي‪ .‬ليتني تعممت‬
‫قدمي‪ .‬وصمت إلى ىناك‪ .‬مجموعة من الرفاق مكومة في‬ ‫ّ‬ ‫كيف أدوس عمى قرار‬
‫أحد الحجرات‪ .‬جمست بينيم‪ .‬الحارس أحد المبعدين وىو يعرفني جيداً‪ .‬كان رفيقاً‬
‫لي في أحد السجون‪ .‬لم أرتح لنظراتو‪" .‬ربما ىاجت عميو ذكرى زوجتو وأوالده‪،‬‬

‫‪o‬‬
‫فتجيمت أساريره "قمت في نفسي وتابعت حديثي مع أحدىم‪.‬‬
‫‪-‬من ال عمل لو فميغادر المكتب‪ .‬قال بصوت جيوري غاضب‪.‬‬
‫لم أحرك ساكناً‪ .‬لكنني غرست نظراتي في وجيو‪ .‬أظنيا اخترقتو ووصمت‬
‫‪ott‬‬
‫إلى مركز تفكيره‪.‬‬
‫‪-‬أنت يا يوسف ال عمل لك!‬
‫لكمة مفاجئة في الوجو‪ .‬اىانو صريحة أمام الجميع‪ .‬كيف سترد عميو؟! لم‬
‫أترك لو فرصة االستمتاع بإىانتي‪ .‬جاءه صوتي مدوياً‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬ىذا مكتب الثورة‪ ..‬وأنا ابن الثورة‪ .‬يحق لي أن أحضر ىنا وقتما أشاء‪ ..‬إنو‬
‫ردني الرفاق‪.‬‬
‫ليس مكتباً ألبيك‪ .‬أتفيم؟! كنت عمى استعداد ألن أىاجمو لوال أن ّ‬
‫تماماً كما كنت تنفجر في ذيبو عندما ال تترك لك خيا اًر غير ذلك‪ .‬كنت تريد‬
‫أن تصمح سرواالً لك‪ .‬أخرجت كرسياً من حجرة أخيك‪ .‬جمست عميو وفي يدك‬
‫السروال‪ .‬بحثت عن إبرة تخيط بيا لم تجد‪ .‬ذىبت إلى منزل خالتك تسأل عن‬
‫واحدة‪ .‬أعطتك إياىا وعندما عدت وجدت السروال ممقى عمى األرض والكرسي‬
‫‪w.‬‬

‫اختفى من المكان‪ .‬انفجرت أطرافك من الغيط‪ .‬توقف تفكيرك‪ .‬تحكمت بو‬


‫لمحظات‪" .‬أين الكرسي؟" سألت‪ .‬كان سؤالك موجياً ال ألحد‪ .‬قال أخوك إن ال‬
‫يستعممو أحد‪ .‬انفجرت‪ .‬يا بنت الكمب‪ .‬من أعطاك الحق في ذلك؟! أييا المعين‬
‫أخرج من بيتي! أنو ليس بيتك! ىو بيت أبي‪ ..‬أبوك شبع موتاً‪" .‬أيتيا المئيمة‪.‬‬
‫أحضري الكرسي واال‪ .‬أوتضربني؟! وأضرب أباك أيضاً‪ ..‬ىجم الجيران عمى‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 77 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫منزلنا‪ .‬لقد كانت أصداء معاركنا تزور كل منزل في محيطنا ىجمت خالتي‪،‬‬
‫وعندما عرفت السبب اشتاطت غضباً "أعطو الكرسي يا بنت الكمب‪ ..‬واهلل إنك‬
‫حيوانو "إنيال عمييا الجيران بالتقريع‪ .‬كانت دموعي تنساب بسخاء عمى وجنتي‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬إنا ال أحاول طردك من المكتب‪ ..‬قال الحارس‪.‬‬
‫‪-‬إذن ما معنى كالمك ىذا؟! ولماذا توجيو لي؟! صرخت بو‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫وفي ىذه األثناء حضر تيسير شاىين‪ .‬أعرفو‪ .‬وأعرف أنو ال يرتاح لي منذ‬
‫تمك الحادثة في سجن نابمس‪.‬‬
‫‪-‬يا رفيق تيسير‪ ..‬أال يحق لي أن أدخل المكتب؟!‬
‫‪-‬من قال ىذا؟!‬
‫‪-‬اسأل الحارس‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬أبو حسن‪ .‬صرخ في الحارس‪ .‬ال يحق لك أن تتكمم مع أي من الرفاق بيذا‬
‫الشكل‪ ،‬أتفيم؟!‬
‫‪-‬أمرك يا رفيق‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫شعرت أنو أنصفني ولم يتخل عني تماماً كما حدث في سجن نابمس يوم أن‬
‫أرجعني إلى الحجرة التي كان مسجوناً فييا‪ .‬ارتفعت معنوياتي‪ ..‬شعرت أن ىناك‬
‫بصيصاً من األمل‪ .‬انتيزت الفرصة ألشكو لو حال وضعي التنظيمي‪.‬‬
‫‪-‬يا رفيق تيسير ىا أنذا ممقى ىنا في عمان منذ شير وال وضع تنظيمي لي‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬أبو ماىر‪ .‬صاح تيسير‪ .‬ما ىو وضع يوسف التنظيمي؟‬


‫‪-‬انظر إلى ذلك القميص الذي يرتديو‪ ،‬إنو من الجبية‪ .‬ولو وضع تنظيمي‬
‫مع أبي خميل‪.‬‬
‫يا رافع الغيوم ومسقط المطر يا من صنعت تمك الغيوم فوق الجبية البرونزية‬
‫لغاده‪ ،‬القميص دليل الثورة؟! لم يخطر ذلك ببالي‪ .‬ربما كان ساى اًر معو تمك الميمة‬
‫التي لم ينم فييا أبو خميل ولم يستطع استقبالي‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ولكن أبو خميل ىذا لم يكن عنده الوقت الكافي الستقبالي‪ .‬قمت والم اررة‬
‫واأللم تالزمان كل حرف من كمماتي‪.‬‬
‫‪-‬ال بد وأن يكون لو وضع تنظيمي‪ .‬قال تيسير‪.‬‬
‫‪-‬جئتك في أمر ميم‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 78 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫المست الغيوم المحممة بالرائحة الفواحة الجبية الندية‪ .‬تراقصت عيناىا في‬
‫أفكاري‪ .‬أيقنت أن األمر ميم‪.‬‬
‫‪-‬وأنا في انتظار ذلك األمر الميم‪ .‬قالت‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫لمحظات‪ .‬توقفنا أمام‬ ‫سرنا في شارع تحتضنو األشجار من الجانبين‪ .‬صمتنا‬
‫أحد أغصانيا وقف‬ ‫شجرة كثيفة األوراق واألغصان‪ .‬إنيا شجرة باسقة‪ .‬عمى‬

‫‪b.c‬‬
‫ويستديران‪ .‬ذيالىما‬ ‫عصفوران تأممناىما معاً‪ .‬رأساىما متجاوران‪ .‬لحظات‬
‫ويستديران‪ .‬ذيالىما‬ ‫متجاوران‪ .‬تأممناىما معاً‪ .‬رأساىما متجاوران‪ .‬لحظات‬
‫متجاوران‪ .‬لحظات ويعودان إلى الوضع األول‪.‬‬
‫‪-‬ما أجمميا‪ .‬قالت‪.‬‬
‫سمعنا تغريدىما‪ .‬صوت عود لعازف يجمس أمامك‪ .‬انسابت النغمات‪،‬‬
‫اخترقت النسمات الخريفية الباردة‪ ،‬وصمتنا ونحن غارقان في عبق الرائحة المتسممة‬

‫‪o‬‬ ‫من مكان العصفورين‪.‬‬


‫‪-‬يتناجيان‪ .‬قالت‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫وضعت إصبعي عمى شفتييا محاوالً أن أقول ليا أن تصمت‪ .‬صمتت‪ .‬سكن‬
‫الصمت الفضاء‪ .‬آتانا صوتيما من جديد‪ .‬توقفت حركتيما‪ .‬طا ار معاً‪ .‬تابعنا‬
‫سيرنا‪.‬‬
‫‪-‬ما رأيك في ما يحدث اآلن؟! سألتيا‪.‬‬
‫‪-‬ىي الحياة‪ ..‬تحافظ عمى جنسيا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬في البمد‪.‬‬
‫‪-‬ىي األمل‪.‬‬
‫‪-‬ىل لديك استعداد لممساىمية في صنع األمل؟! ألقيت بيدىا في أحضان‬
‫يدي‪ .‬ضغطت عمييا‪ ،‬استسممت لي‪ .‬احتضنتني أفكارىا‪ .‬إذن نحن معاً في صنع‬
‫األمل‪ .‬زمردة تسير بجانبي‪ .‬وردة تتفتح بفعل الندى‪ .‬يتكاثف عمى الوريقات‬
‫‪w.‬‬

‫سر تمك الوريقات التي ىي الوردة‪.‬‬


‫الحمراء‪ .‬أبحث عن الجذور لتعرف ّ‬
‫‪-‬أوتتحممين المخاطر؟ سألت!‬
‫‪-‬أوتتحمميا أنت؟ أجابت بسؤال‪.‬‬
‫‪-‬إذن نحن عمى الطريق‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬طويمة ىي‪.‬‬
‫‪- 79 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
m
.‫لكننا نسير ونحث الخطى‬-

o
b.c


o
ott
alk
w.
ww

- 81 -

www.alkottob.com
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-7-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ماء ساخن وسكيبو واحدى خاالتي والياللي الكبير يصحبو ذيب وذيبو كميم‬
‫تجمعوا في الحجرة الضيقة أصالً‪ .‬ازدحام وخوف وقمق تكاثف في أنحاء الحجرة‪.‬‬
‫توترت األجواء‪ .‬صحت دليمة من نوميا‪ .‬دخمت الحجرة مرتجفة‪ .‬ما الذي يحدث‬
‫ألمي؟ احتضنتيا خالتي وطمأنتيا‪ .‬كنت أنظر إلييم‪ .‬جميمة ىذه الدليمة‪ .‬بكاؤىا‬
‫كان صادقاً‪ .‬تسألني عنيا‪ .‬معك كل الحق‪ .‬إنيا أختي‪ .‬سيكون ليا دور في تشكيل‬

‫‪o‬‬ ‫حياتي‪ .‬اصمت!!‬


‫‪-‬ىيا اخرجوا جميعاً‪ .‬صاحت سكيبو‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫امتثموا لؤلمر‪ .‬بقيت خالتي ممسكة بيد والدتي تحنو عمييا وتشجعيا‪ .‬تشجعي‬
‫يا سعدى‪ .‬كانت تقول‪ ،‬ثم تتمتم بأشياء لم أفيميا‪ ،‬عرفت فيما بعد أنيا أدعية‬
‫وآيات من القرآن الكريم‪ .‬تمردت دليمة‪ .‬أرادت أن تبقى في الحجرة بجانب والدتيا‪.‬‬
‫نيرىا الياللي الكبير‪ .‬أطمق عمييا نظرة نارية من عينيو الواسعتين‪ .‬ارتجفت‪.‬‬
‫توقفت الكممات بين شفتييا‪ .‬انكمشت عمى ذاتيا‪ .‬اصفر وجييا‪ .‬تباطأت خطواتيا‪.‬‬
‫سحبت نفسيا إلى الخارج‪ .‬ال تستغرب تأثير نظراتو عمييا‪ .‬يقولون أنو ذات مرة‬
‫‪alk‬‬

‫صوب نظرتو الحارقة تمك إلى ذيبو‪ ،‬فبالت عمى نفسيا‪ .‬ال‪ .‬ال أبالغ‪ .‬ىذه حقيقة‬
‫معروفة عنو‪ ،‬يعرفيا القاصي والداني في دير سنيد وبيت الىيا‪ .‬كنت أتحاشى‬
‫نظراتو‪ .‬في زاويتي كنت أرقبيم جميعاً‪ .‬سكوني اآلني أغراىم بأن األمور ىادئة‪.‬‬
‫توددت إلييا‪ .‬حرقتني قطرات العرق المتصببة منيا‪ .‬كما أن سكيبو بعينيا الخبيرة‬
‫عرفت عندما رأت كمية العرق النازفة منيا أن األمور ليست عمى ما يرام‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬كيف عرفت؟ قاطعتو‪.‬‬


‫‪-‬ىا أنت ذا تعود اآلن وتسألني عما استنكرتو مني فيما مضى‪ .‬كان الماء‬
‫يتسرب منيا ثم يختفي‪ ،‬قل لي أين يذىب؟‬
‫اقتربت سكيبو منيا‪ .‬تسممت يدىا عبر والدتي‪ .‬رمقتيا بحذر‪ .‬أسرعت في‬
‫قدمي‪ .‬رفستيا‬ ‫اليروب منيا‪ .‬يدىا دقيقة وصغيرة‪ ،‬طاردتني‪ .‬أمسكت أحد‬
‫‪ww‬‬

‫ّ‬
‫‪- 80 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫باألخرى‪ .‬تألمنا جميعاً وأخذنا نصرخ‪ .‬ىي وسكيبو وأنا‪.‬‬
‫‪-‬إنو مشاكس‪ .‬رأسو إلى أعمى وقدماه إلى أسفل‪ .‬وىذه مشكمة‪.‬‬
‫‪-‬إنو ولد قالت والدتي‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬كيف عرفت؟ سألت خالتي‪.‬‬
‫‪-‬ىو من قال لي‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫صمت الجميع‪ .‬ظناً أن والدتي تيذي‪ .‬أراحك اهلل يا سعدى‪ .‬انطمقت خالتي‬
‫بالدعاء والتمتمة‪ .‬استفزني شعورىم نحو والدتي‪ .‬تظنان أنني جن‪ .‬اكتأبت ىي‪.‬‬
‫أسرعت إلييا‪ .‬أنا منكم‪ ،‬أشبيكم‪ ،‬ال تخافي‪ .‬قمت ليا‪.‬‬
‫‪-‬كن مطيعاً وانزلق بيسر‪ .‬قالت‪.‬‬
‫‪-‬ال أود أن أغادرك!‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬لكنك ستفعل إن اآلن أو بعد حين‪ .‬ألم أقل لك أنك ستقتمني إن أنت‬
‫تحامقت وبقيت حيث أنت‪.‬‬
‫‪-‬إن كان ال مفر‪ ،‬فأود أن أنزلق وحدي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ال تستطيع‪.‬‬
‫امتدت يد سكيبو مرة أخرى‪ .‬كانت قوة غريبة تدفع رأسي إلى أسفل‪ .‬فشمت‬
‫كل محاوالتي في المقاومة‪ .‬أصبحت قدماي إلى أعمى ورأسي في طريقو لمخروج‪.‬‬
‫أمسكتو سكيبو‪ .‬جذبتني‪ .‬تشبثت بأجزائيا‪ .‬تراجعت سحبت يدىا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬عنيد‪ .‬الزال ىناك متسع من الوقت‪.‬‬


‫‪-‬حاولي مرة أخرى‪ .‬قالت خالتي برجاء‪.‬‬
‫تحولت إلييا‪ .‬سألتيا عن الماء الساخن الذي أحضرتو ذيبو‪ .‬ىل ستسمقني‬
‫بو؟ قمت بانشداه‪ .‬ابتسمت إنيا لي وليست لك‪ .‬وىل ستسمقك بيا؟ قمت بانشداه‬
‫أكثر ال‪ ،‬كن عاقالً‪ .‬وكنت حقاً عاقالً‪ .‬فبعد أن غادرتني‪ ،‬أحضر لي ذيب قميصاً‬
‫جديداً‪ .‬أظنو من البالة‪ .‬طمب من ذيبو أن تحممني‪ .‬وعندما تكوم جسدي في ساحة‬
‫‪w.‬‬

‫البيت عارياً كما أنا اآلن‪ ،‬دلقت عمى ذيبو كمية من الماء المغمي‪ .‬ىربت صارخاً‪.‬‬
‫اندفع ذيب يستطمع األمر‪ .‬وعندما عرف الحقيقة‪ ،‬انيال عمييا بالتوبيخ والضرب‪.‬‬
‫رجعت إلييا‪ .‬أصغيت ليا‪ ،‬الياللي ينتظرك‪ .‬سيسعد بقدومك‪ .‬ال تغادرنا بسرعة‬
‫كما فعل اآلخرون‪ .‬قالت بحنان‪ .‬يا ليا من أم حنون‪ .‬لو كان القدر يستسمم لي‬
‫‪ww‬‬

‫لبقيت وأبقيت عميك‪ .‬بدأت أطرافيا ترتخي‪ .‬ضغطت دقات قمبيا‪ .‬تسرب الماء من‬
‫‪- 82 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫مكمني‪ .‬ارتعبت‪ .‬وصمني صوتيا ضعيفاً ومتألماً‪.‬‬
‫‪-‬ىي النياية‪.‬‬
‫ال‪ .‬صرخت من أعماقي‪ .‬إنيا ليست كذلك‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬بل ىي كذلك! قالت بموعة‪.‬‬
‫سأغادرك‪ ،‬حتى وأن عصتني نفسي‪ .‬أرجوك ال تتركيني‪ .‬أنا في طريقي‬

‫‪b.c‬‬
‫إليك‪ .‬انتظري‪ .‬أنت وعدت‪ .‬صرخت عمى سكيبو أن ساعديني كي أخرج‪.‬‬
‫استجابت‪ .‬امتدت يدىا الدقيقة إلى رأسي‪ .‬تركتو ليا‪ .‬لم أقاوم ولن أفعل‪.‬‬
‫‪-‬إنو يستسمم لي‪ .‬قالت سكيبو‪.‬‬
‫‪-‬ساعديو‪ .‬قالت خالتي‪.‬‬
‫‪-‬أنا قادم‪ .‬صرخت ودفعت نفسي باتجاىيم‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫إنو الخريف‪ .‬تخمت األوراق عن أشجارىا‪ ،‬فروع جرداء تخترق الفضاء‪ .‬تحط‬
‫العصافير عمى تمك األغصان‪ .‬ال تجد ما تبحث عنو‪ .‬تغرد حزينة ثم تغادر‪.‬‬
‫حريتيا ىي الحياة‪ .‬تذىب أينما تشاء كما أفعل أنا مع أفكاري‪ .‬عمان أيضاً جرداء‬
‫‪ott‬‬
‫حزينة‪ .‬ممتاعة‪ .‬الخريف زادىا كآبة‪ .‬شوارعيا مزدحمة‪ .‬الوجوه متجيمة‪ .‬منزلنا في‬
‫جبل المريخ يترنح من األلم واألمل‪ .‬غادره محمود مبك اًر‪ .‬يعتصر نفسو ليرتق‬
‫الخروق المتناثرة في جسد ترىل مبك اًر‪ .‬يشكو لي أحياناً‪ .‬وأسألو‪ ،‬ىل من أمل؟! لن‬
‫أفقده أبداً‪ .‬كان يجيب‪ .‬صحوت مبك اًر ولم أجده في فراشو‪ .‬تسممت إلى الصالة‬
‫ممنياً النفس أن أجده جالساً ىناك يدخن لفافة ويرتشف القيوة‪ .‬لم أجده‪ .‬نظرت إلى‬
‫‪alk‬‬

‫الباب‪ ،‬أيقنت أنو خرج‪ .‬صنعت لنفسي فنجاناً من القيوة وأخذت أدخن باستمتاع‬
‫صحا عاطف فشاركني جمستي صامتاً‪ .‬وفجأة انفجر الرصاص‪.‬‬
‫‪-‬يأتي صوتو من بعيد‪ .‬عمق عاطف‪.‬‬
‫‪-‬إنو كذلك‪ .‬قمت‪.‬‬
‫ثم سكنت الفكرة رأسي‪ .‬محمود خرج مبك اًر ىل كان عمى عمم بذلك‪ .‬يأتي‬
‫‪w.‬‬

‫صوت الرصاص من موقعو‪ .‬يا اهلل‪ .‬كان يتوقع شيئاً‪ .‬وىا ىو ىذا الشيء يحدث‪.‬‬
‫نظرت إلى عاطف فوجدتو ساىماً مفك اًر‪ .‬أو يفكر بمثل ما أفكر فيو؟! انتبو‬
‫لنظرتي‪ .‬حول عينيو إلى وجيي‪.‬‬
‫‪-‬أو يكون وسط ذلك الرصاص المتطاير؟! سألني‪.‬‬
‫‪-‬ىذا ما أفكر فيو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 83 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫وبسرعة اندسسنا في مالبسنا‪ .‬تركنا فناجين القيوة نصف ممموءة‪ .‬ىرولنا‬
‫مسرعين نحو المعسكر‪ .‬غادر الناس الشوارع التجؤوا إلى منازليم‪ .‬أنو الخريف‪.‬‬
‫والطيور أيضاً غادرت األشجار‪" .‬عودا إلى المنزل؟!" أتانا صوت من ال مكان‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫"ستصطدم رأساكما ببعض الرصاصات التائية‪ ".‬محمود وسط الرصاص وال بد من‬
‫الوصول إليو‪ .‬تجيم وجيي‪ .‬قرأني عاطف‪.‬‬
‫‪-‬أبعد ىذه السوداوية عنك يا يوسف‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫كيف؟! أحس بالكارثة قبل أن تحدث‪ .‬كنت أنظر إلى وجو ذيبو فأعرف إن‬
‫كنت سأقضي لحظتي بسالم أم بييجان يحطم النفس واألفكار‪ .‬وىا ىي األحاسيس‬
‫السوداء تغزوني‪ .‬محمود‪ .‬لو زوجة وأوالد في غزة‪ ..‬ينتظرونو أو ىو ينتظرىم‪.‬‬
‫طار عصفور بعد أن مكث دقائق عمى فرع شجرة جرداء‪ .‬طار عالياً‪ .‬تابعتو‬
‫بعيني حتى اختفى في الفضاء الواسع الغارق في المجيول‪ .‬ومحمود!! أسرعنا‬
‫الخطى‪ .‬عمى باب المعسكر حاول الحارس منعنا من الدخول‪ .‬جادلناه لحظات ثم‬

‫‪o‬‬
‫سمح لنا‪ .‬نظرت إلى السماء‪ .‬لم أشاىد العصفور‪ .‬طار مبتعداً عن مكان لم يجد‬
‫غايتو فيو‪ .‬محمود‪ ..‬أين أنت؟! صرخت من الموعة واأللم‪ .‬محمود‪ ..‬ىم في‬
‫‪ott‬‬
‫انتظارك‪ .‬إنو شييد قال أحدىم‪ .‬ىو كذلك‪ ،‬لكنو‪ ..‬ماذا أقول رصاصة أتت من‬
‫بعيد‪ .‬استقرت في الرأس الميمومة باألفكار الثائرة‪.‬‬
‫إنو يصارع الموت‪ .‬يرفض أن يتناول شيئاً من الطعام‪ .‬أبو الفحم‪ .‬ذلك االسم‬
‫الثاقب‪ .‬مضى عدد من األيام ونحن مضربون عن الطعام‪ .‬كان ذلك في سجن‬
‫عسقالن‪ .‬مجاو اًر لحجرتنا كان‪ .‬مصاب في معركة القوا عميو القبض أثناءىا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫عممياتو أنيكت قواىم‪ .‬الشتاء بأمطاره الغزيرة‪ ،‬غيومو تحجب ضوء الشمس‪.‬‬
‫تخضر‪ .‬ال زال صامداً‪ .‬أدخموا أنبوباً‬ ‫ّ‬ ‫العصافير ترفرف فوق األشجار التي بدأت‬
‫مطاطياً إلى معدتو‪ .‬دلقوا فييا بعضاً من الحميب‪ .‬أصيبت المعدة‪ .‬بدأت تنزف‪..‬‬
‫ومحمد األسود ممقى في ركن حجرتنا‪ ..‬انعدمت حركتو‪ .‬مضرب عن الطعام‪..‬‬
‫حضر جندي يرافقو أحد المسجونين الغتصاب مالبسنا القذرة‪ .‬رفض محمد األسود‬
‫النيوض‪ .‬اقترب منو الجندي‪ .‬صرخ فيو محمود‪ .‬كمب ابن كمب‪ ..‬واهلل سأحطم‬
‫‪w.‬‬

‫فر الجندي ىارباً‪ .‬إنو سجن عسقالن‪ .‬ماذا حدث؟! تكوم الحزن في أنحاء‬ ‫رأسك‪ّ .‬‬
‫السجن‪ ..‬الطيور تتزاحم عمى األشجار الخضراء‪ ،‬وفي ىيجانيا عندما فاجأىا‬
‫أحدىم ببندقيتو كتمت أنفاس أحدىا‪ .‬لقد سقط‪ .‬دماؤه داخمو‪ .‬لم تندلق قطرة واحدة‬
‫إلى الخارج‪ ..‬أبو الفحم‪ ..‬وداعاً‪ ..‬قاتل كثي اًر وتألم كثي اًر وصمد كثي اًر‪.‬‬
‫استممت رزمة من المنشورات‪ .‬ال بد من توزيعيا في أنحاء متفرقة من رام اهلل‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 84 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫وبير زيت‪ ،‬وأن أمكن القدس‪ .‬رام اهلل تسكنيا اآلن نجمة متؤللئة تسبح في اتجاىنا‪.‬‬
‫سرت في الطريق إلى معيد المعممات‪ .‬مخبأة في ثنايا معطف لبستو متعمداً‪.‬‬
‫الشتاء ببرده القارص في رام اهلل ال يمفت االنتباه لما تحممو عمى جسدك‪ .‬قابمتيا‬

‫‪o‬‬
‫في نصف الطريق‪ .‬ألقت الغيوم قميالً من حمميا عمى األرض‪ .‬لمحتني من بعيد‪.‬‬
‫بعيني‪ .‬غاصت‬
‫ّ‬ ‫أسرعت الخطى وفعمت ىي‪ .‬تالقينا‪ .‬سكنت يدىا يدي‪ .‬احتضنتيا‬
‫في دفء أفكاري واستسممت لسكينتيا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬لم أرك منذ مدة‪ .‬قالت‪.‬‬
‫‪-‬كنت رفيقاً لك أثناءىا‪.‬‬
‫‪-‬أعمم ذلك‪..‬‬
‫‪-‬حقاً؟!‬
‫‪-‬ال تستغرب‪...‬‬

‫‪o‬‬
‫تابعنا سيرنا في ذلك الشارع المطوق باألشجار‪ .‬أسراب من الطيور تحط‬
‫عمى األشجار المورقة‪ .‬تغرد بأعذب األلحان‪ .‬وتغرد ىي صامتة‪ .‬باحت عيونيا‬
‫‪ott‬‬
‫ببعض أسرارىا‪ ،‬فذبت في رحيقيا‪.‬‬
‫‪-‬ىل من جديد؟! سألتني‪.‬‬
‫‪-‬دائماً ىناك جديد‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪-‬ما ىو؟!‬
‫ضغطت عمى يدىا‪ ،‬فذاب الندى المتكاثف عمى أصابعيا بين أصابعي‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫أحسست بو‪ .‬طوفان من المشاعر المغردة طاف أنحائي‪ .‬كما العصافير‪ ،‬أسرارىا‬
‫في أصواتيا‪ ،‬قابمتنا سيارة عسكرية‪ .‬حممق الجنود في وجيينا‪ ..‬تممكنا الخوف‪.‬‬
‫‪.‬أحمل ما ال تحمد عقباه إن اكتشف‪ .‬تجاوزتنا ال مبالية‪.‬‬
‫‪-‬ارتعشت من الخوف‪ .‬عمقت‪.‬‬
‫‪-‬أرعبتني الفكرة‪ ..‬قمت‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬أية فكرة؟!‬
‫‪-‬أن يوقفونا‪..‬‬
‫‪-‬وماذا في ذلك؟!‬
‫جمسنا في مقيى جانبي‪ .‬بدأنا نرتشف القيوة بتمذذ‪ .‬أخرجت لفافة‪ ..‬أشعمتيا‬
‫‪ww‬‬

‫ببطء‪ .‬وعندما أرجعت عمبة لفائفي مكانيا‪ ،‬أخرجت رزمة المنشورات ووضعتيا‬
‫‪- 85 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫عمى الطاولة بال اىتمام‪.‬‬
‫‪-‬ما ىذا؟! سألت‪.‬‬
‫‪-‬الفكرة التي أرعبتني‪ .‬قمت‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫سحبت حقيبة يدىا‪ ..‬تحسستيا‪ ..‬لحظت غضباً مكتوماً في عينييا‪ .‬وضعت‬
‫الرزمة فييا وأغمقتيا‪ .‬نظرت إلى عينييا مرة أخرى‪ .‬احتمت الدىشة مكان الغضب‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫تركتيا لحظات‪.‬‬
‫‪-‬إنيا منشورات‪ ..‬وعميك توزيعيا‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪-‬في معيد المعممات؟! قالت‪.‬‬
‫‪-‬في أي مكان‪.‬‬
‫ودعتيا وفي النفس غصة‪ .‬تابعتيا وىي تعود إلى معيد المعممات‪ .‬خطواتيا‬
‫عمي أن أعود إلى بير زيت‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫واثقة‪ .‬غابت النجمة بين الغيوم المتناثرة‪ ،‬وكان ّ‬
‫نزلنا من الحافمة‪ .‬غزة مرة أخرى‪ .‬لم نعتد الغياب عنيا كثي اًر‪ .‬كان ينقصنا‬
‫فاروق‪ .‬اعتذر عن مرافقتنا‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬أين المستقبمون؟ سألني عبد الكريم مازحاً‪.‬‬
‫‪-‬إنيا زيارة مفاجئة‪ .‬وتم إذاعة النبأ متأخ اًر‪.‬‬
‫أخذنا سيارة إلى مخيم جباليا‪ .‬لم يتغير شيء‪ .‬زاد تجيم الوجوه‪ .‬تكاثر‬
‫األطفال في الشوارع‪ .‬كانت المفاجأة لذيب وذيبو‪ .‬انشرحت أساريره لرؤيتي‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫أويحبني؟! ما ىذا السؤال؟ سألت نفسي!! أليس ىو أخي؟! سعدت أنا لرؤيتو‪.‬‬
‫وصافحتني ذيبو مبتسمة‪ .‬إنيا أيضاً تحبني‪ .‬اعتادت عمى مناوشاتيا معي‪،‬‬
‫فأصبحت ال تستغني عني‪ .‬وأنا اعتدت عمى مشاكساتيا‪ .‬لقد صبغت حياتي بمون‬
‫ال لون لو‪ .‬وىا ىي أمامي مبتسمة مرحبة‪.‬‬
‫‪-‬أىالً بك‪ ..‬ولكن‪..‬‬
‫لم أتركو يكمل‪ ،‬فأنا أعرفو‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬إجازة قصيرة نعود بعدىا إلى بير زيت‪.‬‬


‫استراحت أفكارىا‪ ..‬ىدأت مخاوفو‪ ،‬ربما انتابتو ىواجس من نوع آخر‪..‬‬
‫الفموس‪ ،‬فأنا في ترحالي احتاج إلييا‪ ..‬في تمك المحظة لم تخطر عمى بالو‪ .‬لكنو‬
‫يستطيع أن يتدارك األمور‪ .‬لم أمكث كثي اًر عندىم‪ .‬تركت أشيائي وذىبت إلى منزل‬
‫‪ww‬‬

‫عبد الكريم‪ ،‬والدتو تحبني ألنني صديق ابنيا‪ ،‬ووالده كذلك‪.‬‬


‫‪- 86 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬لم أعتد مثل ذلك العشاء‪ .‬قمت‪..‬‬
‫‪-‬أنت في منزل أبي العبد‪..‬‬
‫‪-‬أنا حقاً في منزلو‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬أوتنام عندي؟!‬
‫‪-‬ال أظن‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أقبل يد خالي الذي حضر لمسالم عمي‪.‬‬ ‫وفي المنزل نيرني أخي ألنني لم ّ‬
‫لثمتيا معتذ اًر لسيوي عن فعل ذلك‪ .‬دارت أحاديث لم أفيم معظميا‪ .‬كنت متعباً‬
‫وما أن خرج الجميع حتى استمقيت عمى فراشي القديم ونمت نوماً عميقاً‪.‬‬
‫منتصف الميل وال قدره لدي عمى إغالق جفوني‪ ..‬ومن أين لمجفون المقرحة‬
‫أن تغمق‪ .‬جرح آخر يغوص في الخاصرة‪ .‬دارت فناجين القيوة المرة التي عممتيا‬
‫جارة لنا عمى الحضور‪ .‬كثير عددىم‪ .‬الذي يعرفو والذي يعرفنا حضر لمعزاء فيو‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫كان محبوباً من قبل الجميع تقدمنا ساعة من زمن اليوم الثاني ‪ .‬تفرق بعضيم ‪،‬‬
‫وآخرون آثروا أن يبقوا معنا‪ .‬انتحى كل منيم جانباً وحاول أن ينام‪ .‬سحبت مخدتي‬
‫‪ott‬‬
‫ووضعتيا تحت رأسي وتمددت عمى األرض المغطاة بحصيرة جديدة‪ .‬دفعت جفني‬
‫لتتالقيا مع رفيقييما‪ .‬بقيت عيناي يقظتين‪ .‬جافاني النوم‪ .‬رجوتو!! ازداد عناداً‪.‬‬
‫‪-‬سنرحل من ىذا المنزل‪ .‬قمت لعاطف‪.‬‬
‫‪-‬سنفعل‪.‬‬
‫‪-‬وأشياؤه؟!‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬سنسمميا ليم‪.‬‬
‫‪-‬ىذا أفضل‪.‬‬
‫‪-‬سأحتفظ ببعض من كتبو‪ .‬قال عاطف‪.‬‬
‫‪-‬لك ىذا‪ .‬قمت‪.‬‬
‫وفي الصباح كان الرفاق كميم قد صحوا مبك اًر‪ .‬وبعد دقائق تفرقوا‪ ..‬حممنا‬
‫‪w.‬‬

‫أشياءه وذىبنا إلى معسكره‪ .‬وىناك تركناىا وبدأنا نبحث عن منزل جديد‪.‬‬
‫تركت حرية االختيار لعاطف‪ .‬القيت أشيائي في الحجرة التي تركيا لي‪.‬‬
‫أصبحت وحيداً كما الماضي‪ .‬أحبيا‪ .‬التصقت بي ومن العار أن أىرب منيا‪.‬‬
‫رغبت عن التمدد فوق السرير وفضمت عميو األرض‪ .‬تذكرني بماضي‪ .‬حركة‬
‫‪ww‬‬

‫عاطف في المنزل الجديد ال تقمقني‪ ..‬يحب النظام والنظافة‪ .‬طاقو ىائمة لديو‬
‫‪- 87 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫لمعمل‪ .‬أغمق باب حجرتي فأبعدت عن العالم كمو‪...‬‬
‫ال أحد يكتشف مواىبك أنت ال تساعدىم عمى ذلك صحفياً أم طبيباً ال مدرساً‬
‫ربما ميندساً تتوزع خياراتك فتفقد التركيز تائو أنت وفي المدرسة تحاول أن تمفت‬

‫‪o‬‬
‫انتباه مدرسيك نيرك أحدىم قائالً ال تثرثر كثي اًر كرىت الكالم تصمت عندما يجب‬
‫أن تتكمم وغالباً تفعل العكس وفاروق دائماً إلى جانبك تفوقت عميو مرة وتفوق‬
‫عميك مرات تحبو أنو يحبك أيضاً وعندما فاجأك وأنت جالس أمام المنزل رجوتو‬

‫‪b.c‬‬
‫أال يحرجك لكنو فعل دخل المنزل ورجوت ذيبو أن تعد بعضاً من الطعام ولقد‬
‫كانت كريمة كنت عمى وفاق معيا وتبخر اإلحراج في اليواء عندما دعاك فاروق‬
‫لمشاركتو إحدى معاركو لم تتردد يعشق صباح تمك الفتاة الجميمة يقول لك إنيا‬
‫تحبو وىي كذلك ولقد كانت معركة صعبة مع أقاربيا كان فاروق بطالً وكنت أنت‬
‫تساعده كما قصص األفالم تماماً وفي المدرسة عندما وصمتيم الشكوى أراد‬
‫الضابط أن يعاقبك أعجب بك الرقيب فطمب منك أن تكون في شرطة المدرسة‬

‫‪o‬‬
‫وافقت ولكنك لم تحصل عمى شاردة الشرطي مثقوب أخذىا منك وعندما قمت‬
‫لمدرس الفيزياء إنو مثقوب طمب من الطالب االنصراف وأبقى عميك ىل ثقبتو‬
‫‪ott‬‬
‫سألك ال ولكن اآلخرين فعموا أمتأكد أنت سألني نعم بعدىا أصبحا أصدقاء ىل‬
‫ثقبو المدرس ال أدري تخاصمت وعبد الكريم الذي صادقتو حديثاً تباعدتما ولو ال‬
‫بداية الحرب لما تم التقارب بينكما عندما بدأت الحرب كنت في غزة تحاول‬
‫مساعدة قريبة لك تقدم امتحانات االعدادية كنت مشيو اًر بذكائك وتقدمك في‬
‫المدرسة تركتيا وذىبت إلى جباليا لممشاركة في المعركة إحدى سقطاتك القاتمة‬
‫المك الكثيرون عمى فعمتك تمك ذىبت إلى زوجة أخيك وأعطيتيا ساعة يدك قائالً‬
‫‪alk‬‬

‫ليا ىي ألختي إن استشيدت وذىبت مع جمع كثير إلى مركز الشرطة لمحصول‬
‫عمى السالح رفضوا ورأيت الجنود عائدين إلى المنازل ماذا حدث لقد تم إسقاط‬
‫طائرة وأسر قائدىا قمت لمجميع ىل رأيتو بعينيك سألت عبد الكريم نعم قمت كاذباً‬
‫تتحداه ثم بدأت الصداقة مرة أخرى أقوى وأكثر نضجاً‪.‬‬
‫أزيز الرصاص أطاح بأفكارك‪ .‬قفزت من الفراش واقفاً‪ .‬اندفع عاطف إلى‬
‫‪w.‬‬

‫الداخل‪ .‬غزير ىذا الرصاص صاح عاطف‪ ..‬الوضع صعب وال يحتمل االنتظار‪.‬‬
‫نظرت إليو‪ ،‬عالمات القمق تسكن وجيو‪ ،‬احتل الخوف أفكارنا‪ .‬ال نريد أن نموت‬
‫مكومين في حجرة كالنعاج‪ .‬وعاطف ىذا ال انتماء لو‪ .‬والده مختار في غزة‪.‬‬
‫أبعدتو سمطات االحتالل نكاية في والده‪ .‬كاد أن يحترق ذات مرة عندما نام‬
‫ومصباح من الكيروسين بجانبو‪ .‬حاول معو‪ .‬عمك تنجح في جذبو لموقوف معنا‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬عاطف‪.‬‬
‫‪- 88 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫‪-‬ىل سنموت ىنا؟‬
‫‪-‬وماذا بمقدورنا أن نفعل؟!‬

‫‪o‬‬
‫أجبتو بالعمل‪ .‬لبست مالبسي‪ ،‬وفعل ىو ذلك ثم خرجنا من المنزل مسرعين‪.‬‬
‫حاولنا أن نتجنب الشوارع المكشوفة خوفاً من رصاص القناصة‪ .‬الوصول إلى‬

‫‪b.c‬‬
‫المكتب أخذ وقتاً إضافياً‪ .‬وصمنا بسالم‪ ،‬لكن إطالق الرصاص تضاعف‪ .‬دخمنا‬
‫المكتب واذ بأبي نضال في الداخل‪ .‬ىادئ‪ .‬األفكار الصمبة تنطمق من عينيو‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تريدان؟ سأل بصرامة‪.‬‬
‫‪-‬سنقاتل معكم‪.‬‬
‫تبدلت مالمحو‪ .‬سكنت السخرية عينيو‪ .‬تجيم‪ .‬غضب‪ .‬ظننت أنو عاتب‬
‫عمينا ألننا تأخرنا‪ .‬غيرت رأيي في لحظة‪ .‬غاضب ألننا فاجأناه‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬أىي فزعة؟! تحمل نبوتاً وتجيم!‬


‫يا إمبراطور الثورة التائو! خناقة ونبوت وىجوم‪ ..‬أوتمنعنا حقنا في الدفاع عن‬
‫‪ott‬‬
‫أنفسنا‪ ..‬قصف رعد مصحوب ببرق خاطف ثم تنيال األمطار بغ ازرة‪ .‬وأنت عار‬
‫أمام منزلك‪ ،‬ستغرقك األمطار والرجل ال يحب "الفزعات" وال النبابيت‪ .‬ذىمت‪.‬‬
‫أىون عمي أن أغرق في بحر مالحة مياىو عمى أن أغوص في الماء اآلسن‪.‬‬
‫نبوت‪ .‬لم أنطق‪ ..‬الرد المفاجأة أخرسني‪ .‬خجمت من نفسي ومن عاطف‪ .‬نبوت‬
‫وىجوم‪ .‬ونحن الذين نحتاج إلى دفعة لؤلمام‪ .‬ىناك من يشدك لموراء‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬اذىبا إلى المنزل وال تغادراه‪.‬‬


‫تقيح الجرح‪ .‬أبو خميل سير طيمة الميل ولم يكن في مقدوره االجتماع معنا‪.‬‬
‫وىذا يريد أن يحطم النبوت‪ .‬ونحن نغرق في الماء اآلسن‪ .‬اذىبا إلى المنزل‪ .‬حكم‬
‫بالغرق ونحن ال نريد إال السباحة‪ .‬دوامة في بحر ىائج‪ ،‬نقاتل من أجل التخمص‬
‫منيا‪ .‬ينيرك!! يقصف أمانيك‪ .‬نبوت وفزعة!! نزل بك أدنى درجات السمم‪ .‬ال‬
‫عاش من استسمم ليذه عقول‪ .‬خرجنا‪ .‬الرصاص ينطمق من ال مكان‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬ىذه ىي ثورتك؟! قال عاطف ساخ اًر‪.‬‬


‫ربما زادت م اررتو أن من كممناه ىو من الصف القيادي األول‪.‬‬
‫‪-‬ال بأس‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬ماذا تعني؟!‬
‫‪- 89 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬ىيا بنا‪.‬‬
‫‪-‬إلى أين؟‬
‫‪-‬إلى قريب لي في جبل الجوفة‪ .‬إنو قائد عسكري وأظنو لن يبخل عمينا‬

‫‪o‬‬
‫بالسالح‪.‬‬
‫جاراني عاطف ربما ليعمق الجرح ويزيده تقيحاً‪ .‬دعوت اهلل أن نحقق ما نريد‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫وصمنا جبل الجوفة واتجينا إلى مقر القيادة‪ .‬أوقفنا الحارس عند البوابة‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تريدان؟! سألنا‪.‬‬
‫‪-‬أبا الييثم‪.‬‬
‫‪-‬من أنتما؟‬
‫‪-‬قل لو يوسف الياللي‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫دخمنا سالحو بجانبو‪ .‬متوثب كفيد يتأىب لالنقضاض عمى غزال في مرمى‬
‫البصر‪ .‬نظر إلينا‪ .‬ابتسم قميالً‪.‬‬
‫‪-‬أوفي ىذه المحظة؟‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬والعمر لحظات ىذه إحداىا‪.‬‬
‫‪-‬الموقف ال يدعو إلى كل ذلك‪.‬‬
‫‪-‬كرىنا أن نموت في المنزل بال حول وال قوة‪.‬‬
‫‪-‬لن يصل الوضع إلى ىذا السوء‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬ىذا ما فكرنا فيو‪.‬‬


‫أمر لكل منا ببندقية‪ .‬المرة األولى التي أحمل فييا رشاشاً في عمان وأظنيا‬
‫كذلك بالنسبة لعاطف‪ .‬ألقى درساً في كيفية إطالق الرصاص ثم أرسل معنا من‬
‫يوصمنا إلى موقع متقدم لحماية مركز القيادة‪ .‬وىناك مكثفاً الميل بطولو ولم نطمق‬
‫رصاصة واحدة‪ .‬رغم كثافة الرصاص إال أنو لم يكن قريباً منا‪ .‬كنا نسمعو بوضوح‬
‫‪w.‬‬

‫وكأنو بجانبنا‪ .‬ومضت الميمة بسالم‪.‬‬


‫وفي اليوم التالي التقيت عبد الكريم صباحاً‪ .‬تحدثنا كثي اًر وزرنا بعض الرفاق‪.‬‬
‫كنت أنوي الذىاب إلى المنزل‪ .‬لم يكن باستطاعتي أن أدعوه إلى الغداء ويعرف‬
‫ىو ذلك‪.‬‬
‫‪-‬ما رأيك لو زرنا األستاذ خطار؟!‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 91 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫واألستاذ خطار ىذا مدرس الجغرافيا في المدرسة الثانوية لمبنات‪ .‬كان قد‬
‫تعرف عمى عبد الكريم بعد إلقاء القبض عمى أفراد التنظيم بفعل أحد المثقوبين‪.‬‬
‫كنا صغار السن مقارنة مع أولئك الذين ألقوا القبض عمييم‪ .‬تمقفنا ذلك الضال‬

‫‪o‬‬
‫إلليائنا عما كنا نحن بصدده‪.‬‬
‫‪-‬ال بأس‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬سنذىب بعد صالة العصر‪.‬‬
‫‪-‬وىو كذلك‪.‬‬
‫في المساء عممت ذيبو بعض سندويشات الفالفل حممت إحداىا إلى عبد‬
‫الكريم وذىبنا إلى بيت الىيا لمقابمة األستاذ خطار‪ .‬لم يكن في المنزل فأرسل لو‬
‫والده من يستدعيو‪ .‬وعندما أصبحنا في الداخل قال لي عبد الكريم بأن ال أتحدث‬
‫عما حدث معنا في رام اهلل‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬أىالً‪ ..‬أىالً بالرفاق‪.‬‬


‫دخل مرحباً باشاً ومبتسماً‪ .‬ارتحنا لمقابمتو‪ .‬المرة األولى التي أقابمو فييا‪ .‬عبد‬
‫‪ott‬‬
‫الكريم يعرفو منذ بضعة أشير‪ .‬صافحناه وجمسنا نتحدث حتى حضرت فناجين‬
‫الشاي‪ .‬أخذنا ندخن‪.‬‬
‫‪-‬ىناك فتاة جميمة لعوب‪ .‬قال خطار‪.‬‬
‫‪-‬أوتعمميا؟! سأل عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬ال ولكني أراىا وأنا في الطريق إلى المدرسة‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫ومضت ساعة أو أكثر‪ ،‬ربما أقل وىو يتحدث عن النساء‪ .‬ثم حضر العشاء‬
‫وأمضينا وقتاً آخر في تناولو‪.‬‬
‫‪-‬ماذا عن العمل؟! سألت‪.‬‬
‫‪-‬إذا تم إلقاء القبض عمييا‪ ،‬سيسألونك عن تاريخ حياتك‪ .‬يجب أن تكون‬
‫حذ اًر وتختار من وقائع حياتك ما يستر سرك‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫وتكمم كثي اًر عن أسموب التحقيق في المخابرات مرشداً عن كيفية التعامل‬


‫معيم ومحذ اًر من الوقوع في شباكيم‪.‬‬
‫‪-‬نحن ال نسأل عن ذلك!! قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬عن ماذا إذن؟! سأل خطار‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬عن العمل المسمح!‬


‫‪- 90 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫فاجأناه‪ ..‬ال‪ ..‬توقع ىو ذلك‪ ..‬ولقد أعد نفسو جيداً لمثل ىذا السؤال‪.‬‬
‫‪-‬ىل استمعتم إلى صوت سوريا الجديد؟!‬
‫‪-‬وماذا في ىذا؟! سأل عبد الكريم‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬إنيا محطة تجريبية‪ ،‬وصوت أم كمثوم يصدح عبرىا طيمة النيار‪.‬‬
‫‪-‬ثم؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ثم سيرسمون لنا تعميماتيم خالليا عندما يتم افتتاحيا وتنظيم برامجيا‪.‬‬
‫غادرنا بيت الىيا بعد صالة العشاء‪ ،‬أيقنت أن ىذا المدرس لن يقودنا إلى ما‬
‫نطمح إليو‪ .‬وربما يمثل أشياء أخرى‪ .‬صارحت عبد الكريم بما يدور في عقمي‪.‬‬
‫صادق عمى صحة أفكاري‪.‬‬
‫‪-‬إذاً ما العمل؟ سألتو‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ننساه‪ ..‬نحن لم نتورط معو في شيء يمكن أن يديننا‪.‬‬
‫‪-‬إذن لننسو‪ .‬ىل يعرف إسمي؟! سألت‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬لست متأكداً‪ .‬مع أنني لم أبح لو بأي من األسماء التي كانت تشارك في‬
‫التنظيم السابق‪.‬‬
‫المطر خير من يحمي المستجيرين بو‪ .‬لكنو حرمنا من متعة التدخين‪ .‬ونحن‬
‫ال نحتاجيا في ذلك الوقت‪ .‬لم يرافقنا خميل‪ .‬فاروق‪ ،‬عبد الكريم وأنا‪ .‬كان وصف‬
‫المكان دقيقاً‪ .‬وصمنا إلى المغارة وكأننا نعرفيا منذ زمن‪ .‬عبرت نظراتنا األفق‪ ،‬ال‬
‫‪alk‬‬

‫أحد يراقبنا رذاذ المطر المتساقط انساب عمى وجوىنا تاركاً أخاديداً من المياه‬
‫الجارية‪ .‬البرد يمكن احتمالو‪ .‬لكن االنتظار فال‪.‬‬
‫‪-‬أو يكون ىذا ىو المكان؟ سألت‪.‬‬
‫‪-‬ال يبدو ذلك‪ .‬قال فاروق‪.‬‬
‫‪-‬لننتظر لحظات‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫وأطمق فاروق صفي اًر مستعمالً يديو وشفتيو‪ .‬ثوان وأتانا صفير مماثالً‪ .‬إذن‬
‫وصمنا تقدمنا بحذر‪ .‬عبرنا مدخل المغارة‪ .‬العتمة تسود المكان‪ .‬تسمل الخوف إلينا‪.‬‬
‫‪-‬ىذا المكان كان يستعممو المصوص في الماضي‪ .‬قال فاروق‪.‬‬
‫‪-‬لنرجع‪ .‬أقترح عبد الكريم‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫وعندما درنا عمى أعقابنا برز أحدىم ومعو مصباح يدوي‪.‬‬


‫‪- 92 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬أييا الرفاق‪.‬‬
‫تقدمنا ممثم‪ .‬وجوىنا مكشوفة‪ .‬لم يسألنا عن أسمائنا‪ .‬ولم نسألو نحن‪.‬‬
‫‪-‬معيد المعممين؟! سأل‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬نعم‪ .‬قمنا‪.‬‬
‫‪-‬إذاً أىالً بكم‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫وفي الداخل كان ىناك متسع لنا جميعاً‪ .‬افترشنا األرض وبعد دقائق حضر‬
‫أحدىم‪ ،‬ممثماً مثل األول‪ .‬قدم لنا الشاي الذي ارتشفناه برغبة زائدة‪ .‬دخنا السجائر‪.‬‬
‫عرضوا عمينا مجموعة من األسمحة الرشاشة وبعض القنابل‪ .‬وبدأ الذي قابمنا أوالً‬
‫شرح مكوناتيا‪ .‬بدأنا نجرب تفكيكيا‪ .‬طال الدرس ألكثر من ساعتين بعد استراحة‬
‫قصيرة غادرنا المكان عمى أن نمتقي مرة أخرى في وقت يتم تحديده‪.‬‬
‫‪-‬لقد بدأ العمل‪ .‬عمقت‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬ىي الطريق‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬


‫‪-‬طويمة‪ .‬قال فاروق‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ال بأس من المسافة إذا كان اليدف نبيالً‪.‬‬
‫تفرقنا‪ .‬فاروق ذىب إلى قمنديا وذىبت وعبد الكريم إلى بير زيت‪.‬‬
‫اعتذرنا عن دعوة أبي الييثم لتناول طعام اإلفطار‪ .‬سممنا أسمحتنا وغادرنا‬
‫إلى منزلنا‪ .‬توقف إطالق الرصاص وعاد الناس إلى أشغاليم‪ .‬اعتادت عمان عمى‬
‫‪alk‬‬

‫ىذه األعمال‪ .‬تمطر السماء رصاصاً‪ .‬تصطدم وبعض الرؤوس‪ .‬يسقط أصحابيا‬
‫إما جرحى أو قتمى‪ ..‬يتأزم الموقف‪ .‬تقفر المدينة‪ .‬تغادرىا الطيور‪ ،‬ثم يعود كل‬
‫شيء ىادئاً كما كان‪.‬‬
‫ألقيت جسدي عمى السرير ىذه المرة وحاولت أن أنام‪ .‬غالبتو طويالً ولكني‬
‫انتصرت عميو‪ .‬لم أنم‪ .‬خرجت من الحجرة فوجدت عاطف يتناول شيئاً من‬
‫الطعام‪ .‬شاركتو ودلقت كأس شاي ساخن إلى معدتي‪ .‬عدت مرة أخرى إلى‬
‫‪w.‬‬

‫السرير‪ .‬صارعت النوم دقائق فصرعني‪ .‬نمت بعمق‪.‬‬


‫بيت ىادئ في قرية بعيدة‪ .‬أشجار التين والجميز منتثرة في المكان‪ .‬دالية‬
‫محممة بعناقيد العنب تتسمق شجرة جميز عالية األفرع‪ .‬أتوه بينيا‪ .‬أحرسيا‪ ،‬أجمس‬
‫تحت إحداىا‪ .‬أقطف حبة تين عمى وشك أن تغادر فرعيا‪ .‬مذاقيا رائع‪ .‬وفجأة‬
‫تنتشمني يد قاسية صمبة‪ .‬تمسك بي من رقبتي تتدلى يداي وقدماي بال حول وبال‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 93 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫قوة‪ .‬انعدم صوتي من الخوف فمم أصرخ‪ .‬حاولت أن أنظر إلى الوجو الذي‬
‫يحممني بكل ىذه القوة‪ .‬رأيت مالمح غميظة‪ ،‬وأسناناً بارزة كأنيا مخالب ذئب‬
‫مفترس‪ .‬رموش عين طويمة‪ ،‬ولساناً تدلى‪ .‬غميظ مدبب‪ .‬إنس أم جان ىذا الذي‬

‫‪o‬‬
‫يحممني؟ حل الرعب محل دمائي التي تحجرت‪ .‬طار بي بعيداً‪ .‬ضغط عمى رقبتي‬
‫حتى كاد أن يفصميا عن جسدي‪ .‬ولو فعل لما سالت قطرة دم واحدة‪ .‬ىوة عميقة‬
‫تمك التي كان يحممني فوقيا‪ .‬لم يحررني من قبضة يده‪ ،‬لكنيا أبقاني فييا بكل‬

‫‪b.c‬‬
‫قوتو‪.‬‬
‫ىويت‪ .‬ىويت‪ ..‬تمقفني شخص ال أعرفو‪ .‬مربوع القامة أسمر الجبية بيي‬
‫المالمح‪ .‬ارتحت في كفة يده‪ .‬صعد بي عالياً‪ .‬وضعني عمى حافة اليوة العميقة‪.‬‬
‫كن حذ اًر مرة أخرى‪ .‬قال لي‪ .‬حاولت أن أتبين مالمحو‪ ،‬لكنني لم أستطع‪ .‬حاول‬
‫آخر دفعني إلى اليوة مرة أخرى‪ ..‬تمسكت ببقايا جذع شجرة ميترئة‪ .‬صرخت‪..‬‬
‫صرخت‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫دخل عاطف الحجرة مرتعباً‪ .‬أرى العرق يتصبب من جسدي‪ .‬أحضر لي‬
‫الماء‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬ماذا حدث؟‬
‫‪-‬ال بد وأنو كابوس‪.‬‬
‫‪-‬وال ترتعب‪ ..‬إنيض‪.‬‬
‫مساء‪ .‬ال بد وأنني نمت طويالً والميل طويل وال عمل‬
‫ً‬ ‫نيضت‪ .‬كان الوقت‬
‫لدينا لنمضي فيو وقتنا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬ما رأيك في جولة في قمب عمان؟‬


‫‪-‬ال بأس‪.‬‬
‫وفي صباح يوم األحد‪ ،‬العطمة الرسمية في كمية بيرزيت باإلضافة ليوم‬
‫الجمعة‪ ،‬خرجت مبك اًر‪ .‬كانت ذيبو تحمل حقيبة مالبسي فوق رأسيا‪ .‬إنني أحبيا‬
‫عندما تكون ىادئة ويغادرىا الحقد وشيوة االنتقام‪ .‬وأمام منزل خالي صادفتنا امرأة‬
‫‪w.‬‬

‫جميمة يحكون كثي اًر عن أخالقيا غير السوية‪ .‬تمنيتيا طويالً‪ ،‬لكني كنت طفالً ال‬
‫يستحق أن تجازف من أجمو‪.‬‬
‫‪-‬أذاىب لمعمل؟ سألت المرأة الرغبة‪.‬‬
‫‪-‬ال‪ ..‬إنو ذاىب إلى الجامعة‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 94 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ألم أقل لك إنني لم أعد ذلك الطفل‪ ..‬لو تركتني أرتوي من ذلك الماء‬
‫العذب؟! ىا أنا ذا في الجامعة كما قالت ذيبو‪ .‬نظرت إلي بإعجاب‪ ..‬تدفقت‬
‫رغبتي من عيني‪ .‬لمحتيا‪ .‬وظني أنيا عرفت مقدار حرماني‪ .‬ربما تمنيت أن تحقق‬

‫‪o‬‬
‫لي إحدى رغباتي المكبوتة‪ .‬لكن ال المكان وال الزمان يسمحان بذلك‪ .‬اخترقتيا‬
‫بنظراتي‪ .‬أصابتيا شظايا من نار ممتيبة داخمي‪ .‬تمقفتيا صامتة‪ .‬ربما رغبت في‬
‫منحي بعضاً من ثناياىا!! ندمت عمى ما فات‪ ،‬فغادرت المكان‪ .‬وصل عبد الكريم‬

‫‪b.c‬‬
‫من منزلو‪ .‬شكرت ذيبو وحممت حقيبتي وجاورتو في طريقنا إلى محطة الحافالت‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 95 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-8-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫يتسمل األلم بين ثنايا األمل‪ .‬ينشل الفكر وتصطدم بالحقيقة المرة‪ .‬ال زال‬
‫صدى صرخاتيا يخترق أذني‪ .‬بذلت جيداً متعاظماً حتى أقييا وخزات األلم‪ .‬لم‬
‫أنجح‪ .‬جرفتني المياه المتسربة منيا‪ .‬دفعت نفسي ألسفل‪ ،‬وساعدتني سكيبو‪.‬‬
‫تممصت من حبالي وقيودي‪ .‬وفي منتصف الطريق‪ ،‬حين تحقق األمل ورأيت‬
‫وجييا صرخاتيا ضعيفة‪ .‬من يصرخ ال ينام قمت لنفسي‪ .‬لماذا تغمق عينييا؟‬

‫‪o‬‬
‫نظرت إلى خالتي‪ .‬ىالني ما رأيت‪ .‬امرأة وقور حالمة‪ .‬تكثف الحب والود في‬
‫وجييا الجميل‪ .‬صورة طبق األصل من وجو أمي‪ .‬ال زالت تتمتم‪.‬‬
‫‪-‬إنو في طريقو إليك يا سعدى‪ .‬قالت خالتي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫فتحت عينييا‪ .‬التقت وعيناي‪ .‬حممتيما واخترقت الجدران الصماء‪ .‬شجرة‬
‫التوت الكبيرة المجاورة لمنزلنا‪ ،‬بدأت تورق! تخضر! خضرة كثيفة! تدفق التوت‬
‫منيا بال انقطاع! أما شجرة التفاح المجاورة‪ ،‬فقد ازدىرت وامتؤلت بحبات التفاح‬
‫وردية المون! سرب عصافير حط عمى الشجرتين‪ .‬أخذت تنطمق منيا أصوات‬
‫جميمة‪ ،‬لكنيا حزينة‪ .‬سحرني النغم‪ .‬واصمت استمتاعي بألحانيا‪ .‬سيوت‪ .‬اندفعت‬
‫‪alk‬‬

‫بقوة ىائمة إلى األمام‪ .‬أصبحت خارج الجدران‪ .‬مع اندفاعي اندفع منيا سيل من‬
‫الصرخات الضعيفة الواىنة‪ .‬صرخاتيا األخيرة!‬
‫‪-‬ماذا قمت؟ سألتو‪.‬‬
‫‪-‬صرخاتيا األخيرة‪.‬‬
‫‪-‬ما الذي حدث؟!‬
‫‪w.‬‬

‫انزلقت من بين يدي سكيبو‪ .‬رفعتني من قدمي إلى أعمى‪ .‬تدلت رأسي‪ .‬ألقت‬
‫براحة يدىا عمى ظيري مرات عدة‪ .‬صرخت خائفاً من أيامي واحباطاتي القادمة‪.‬‬
‫تعمقت عيونيم بي‪ .‬تناسوا والدتي‪ .‬أدنتني سكيبو منيا‪ .‬رفعت يدييا ببطء‬
‫لتحتضنني‪ .‬سقطت بجانبيا‪ .‬طوقتني بذراعييا‪ .‬غمرتني أشياؤىا‪ :‬دفؤىا‪ ،‬حبيا‪،‬‬
‫‪ww‬‬

‫حنانيا‪ ،‬خوفيا‪ ،‬ألميا‪ ،‬آماليا‪ ،‬صمتيا‪ ،‬أفكارىا‪ ،‬أنفاسيا‪ ،‬وجسدىا‪ ،‬تحسستيا‪،‬‬


‫‪- 96 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ارتاحت نفسي‪ .‬تباطأت أنفاسيا‪ .‬ضعف قمبيا‪ .‬أغمضت عينييا‪ .‬تراخت يدييا‪.‬‬
‫انفمت منيا‪.‬‬
‫‪-‬أوكنت عارياً أماميم؟! سألتو مستنك اًر‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ال صبر لديك‪ .‬أما وقد أثرت الموضوع‪ ،‬فسأحدثك عما جرى لي في سجن‬
‫نابمس‪ .‬كنا أكثر من أربعين سجيناً في الحجرة الواحدة‪ .‬كنا نستحم مرة واحدة‬

‫‪b.c‬‬
‫بالماء الساخن كل أسبوع‪ .‬نذىب إلى الحمامات‪ ،‬وىناك نتخمى عن مالبسنا‬
‫طواعية‪ ،‬كما اآلن‪ .‬كل اثنين منا يدخالن حماماً واحداً‪ .‬دخمت معو أقفمنا الباب‪.‬‬
‫استدار أمامي‪ .‬تصاعدت أنفاسي‪ .‬خمفو كنت عارياً‪ .‬أفكاري اليائجة مؤلت‬
‫الحمام‪ ،‬طمب مني أن أنظفو‪ .‬امتدت يدي مرتجفة‪ .‬أغمضت عيني‪ .‬أغرتني‬
‫نفسي‪ .‬بصقت عمييا بعد أن استمعت قميالً ليا‪ .‬افعل‪ ،‬صاحت‪ .‬تجاىمتيا‪ .‬وعندما‬
‫تابعت إصرارىا‪ ،‬ركمتيا ىربت من الحمام‪ .‬انفمت من ذاتي‪ .‬عدت إلييا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫لم تجب لوعة حارقة اخترقت عقمي‪ .‬وخزة ألم في القمب‪ .‬سعدى لم تعد‬
‫سعدى‪ .‬أصبحت جسداً‪ ،‬أمي‪ ،‬أين أنت؟ لم أسمع صوتيا‪ .‬تحسست أنفاسيا‪ ،‬لم‬
‫‪-‬أمي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫أجدىا‪ .‬أمي‪ .‬لم تجب‪ .‬غارت الشمس التي تسممت من شق بالباب‪ .‬تساقطت أوراق‬
‫شجرتي التوت والتفاح‪ .‬طار سرب العصافير‪ .‬انعدمت األشياء صرخت سكيبو‬
‫تبعتيا خالتي بالصراخ‪ .‬اقتربت منيم بيمع‪ .‬سعدى‪ .‬لم تجب والدتي‪.‬‬
‫شبق الموت الغادر‪ .‬يد القدر التي ال راد ليا‪ .‬غدر األيام‪ .‬حطام األحالم‪.‬‬
‫انتياء الزمان‪ .‬لوعة الفراق‪ .‬عذاب السنين القادمة‪ .‬يا سعدى! يا أمي! كيف ييون‬
‫‪alk‬‬

‫عميك فراقي؟ لمن تتركينني؟ لمخالب الزمن الحادة؟ غصن وسط األشواك‪ .‬انسابت‬
‫دموعي عمى وجييا‪ .‬انتفضت‪ .‬االنتفاضة األخيرة‪ .‬سعدى‪ .‬لم تجب والدتي‪.‬‬
‫عصارة الحرمان في حمق لم يتذوق إال م اررة األيام‪ .‬بين أشجار الصبار ألقتني‪،‬‬
‫تمسعني األشواك ويحرقني جمر الحرمان‪ .‬يا سعدى! أما كان في اإلمكان أن‬
‫تصحبيني معك‪ ،‬أو أن أصحبك معي؟ سعدى‪ .‬لم تجب والدتي‪ .‬تائو في بداية‬
‫الطريق‪ .‬ال مرشد وال دليل يصحبني في رحمتي الطويمة القاسية‪ .‬أو ييون عميك‬
‫‪w.‬‬

‫من حممتو شيو اًر طويمة في أحشائك؟ لمن تقذفينو؟ انعدمت اآلمال‪ .‬عبيد أو‬
‫يوسف‪ ،‬ىو ممقى في خريف األيام‪ ،‬أيامو كميا خريفية‪ .‬سعدى‪ .‬لم تجب والدتي‪.‬‬
‫‪-‬لماذا تركتيا تمضي؟ سألتو ببالىة‪.‬‬
‫لو استطعت لقاتمت الوىم‪ .‬بل أنني قالتو‪ .‬ىزمني‪ .‬سيف يممع في الفضاء‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫يسقط فوق رأسي‪ .‬حمتني ىي‪ .‬تمسكت بيا‪ .‬انفمتت مني‪ .‬مضت‪ .‬ابتعدت‪.‬‬
‫‪- 97 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫تبعتيا‪ .‬صرخت أن أبتعد‪ .‬كنت عنيداً وكانت ىي أكثر عناداً‪ .‬ابتعد‪ ،‬ىذا مكان لم‬
‫يحن الوقت بعد كي تتبعني إليو‪ .‬ابتعد‪ ،‬فما زال أمامك طريق طويل‪ .‬ممموء‬
‫بالحرمان والعذاب والموعة يا سعدى! وداعاً سعدى!‬

‫‪o‬‬
‫عند الخط الفاصل بين ما كان ممكنا في الماضي وما أصبح ممكاً ليم ونحن‬
‫معو اآلن أوقفونا‪ .‬أمرنا الجنود أن ننزل من الحافمة‪ .‬فعمنا‪ .‬تفحصنا أحدىم‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬إلى أين؟ سألنا‪.‬‬
‫إلى كمية بير زيت‬
‫‪-‬أنتم طمبة إذاً؟!‬
‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫‪-‬لماذا ال تدرسون في الخارج؟ سأل‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫قفزت دىشتنا من الداخل وتأبطت عيوننا‪ .‬أدرك ىو ذلك‪ .‬ربما كان يقصده‪.‬‬
‫تركنا ودىشتنا لحظات‪ .‬راقبنا مستمتعاً‪.‬‬
‫‪-‬أال تعرفون كيف تدرسون في الخارج؟‪0‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬كيف؟!‬
‫‪-‬أخرجا خارج مباني الكمية وستدرسون في الخارج‪.‬‬
‫أطمق ضحكة عالية‪ ،‬ثم أمر الجميع بأن يدخموا الحافمة لم يقم بتفتيشنا كما‬
‫ىي عادتيم‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫بكل ىذه البساطة أدخموا السيارة وىيا إلى أماكنكم ربما يكون أستاذ جامعة‬
‫فيم أيضاً يخدمون في االحتياط ندرس في الخارج خارج سور الكمية أين منو ذلك‬
‫الشرطي آشر عندما كنا في سجن غزة بعد أن نقموني من الزنزانة إلى حجرات‬
‫السجن وفي إحداىا كنا واحداً وعشرين سجيناً في سن متقاربة يدخل عمينا آشر‬
‫ىذا صائحاً عدد وجيك لمحائط ويبدأ بضربنا عمى مؤخراتنا بعصاه الغميظة وعندما‬
‫أراد أن يمارس ىوايتو تمك أمسكو من رقبتو سجين كان قد أضافوه إلى حجرتنا في‬
‫‪w.‬‬

‫الميمة السابقة مقطوعة يده ويكبرنا في السن لن أتركو إال أمام مدير السجن كيف‬
‫تدخل حجرتنا ثم أخذ يصرخ باسم المدير وذلك الشرطي يرجوه أال يفعل ثم طبع‬
‫أصابعو الخمسة عمى وجو الشرطي وأطمق سراحو لم يعد إلى ممارسة ىوايتو تمك‬
‫أخرجوا خارج األسوار تدرسون في الخارج وذيبو كانت دائماً ترسمني ألدرس في‬
‫الخا رج خارج المنزل وفاروق يشاركني في ميمتي الخارجية ىذه ذكاؤه متوحش يق أر‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 98 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫صفحة العموم ثم يطمب مني أن أسمعيا لو غيباً غداً عندما تزىو الحياة سأكون‬
‫طبيباً أو ميندساً ربما مدرساً وساتزوج ومن غيرىا تتسمل داخمك تحتوييا بأفكارك‬
‫وىي حقيقة أمامك والعمل واالحتالل سأعمل وسأعيش حياتي ال ال لن يمقوا‬

‫‪o‬‬
‫القبض عميك أوىام تائية في صحراء الحياة‪.‬‬
‫كان أول من قابمنا بعد أن وصمنا بير زيت فاروق ومعو غاده‪ .‬رأيتيما‬
‫فترنحت أساريري‪ .‬لمحتنا فمحظت بسمة ترتسم أسفل الغيمة اليادئة‪ .‬نظرت إلى‬

‫‪b.c‬‬
‫عبد الكريم فابتسم‪.‬‬
‫‪-‬لن يسرقيا منك!‬
‫‪-‬ال يستطيع‪.‬‬
‫‪-‬وسامتو تساعده!‬
‫‪-‬روابطنا أوثق من أن تؤثر فييا الوسامة‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫أخذنا باألحضان‪ .‬تسممت يدي إلى يدىا فاىتزت أجزائي‪ .‬لمحني فاروق‪.‬‬
‫‪-‬كيف لدميم مثمك أن يأسر كل ىذا الجمال؟!‬
‫‪ott‬‬
‫جرح قديم اندمل وال أمل في تقيحو‪ .‬ىا ىو ذا يحاول‪ .‬اعتدت عمى‬
‫مشاكساتو‪ .‬سددت إليو نظرة نارية‪ .‬كانت تطمب منو أن يصمت ويحتفظ بوقاحتو‬
‫لنفسو‪ ،‬وليدلقيا في مكان آخر‪.‬‬
‫‪-‬ال تبتنس‪ ،‬فيذا القمر يحتاج إلى دميم مثمك يحفظو من نظرات الحسد‪.‬‬
‫تابع بفظاظة محبوبة‪ .‬نظرت إليو غادة مشدوىة من جرأتو ووقاحتو‪ .‬وعندما‬
‫‪alk‬‬

‫لمحت ابتسامتي أيقنت إن ما بيننا أقوى من عوامل التحمل كميا‪.‬‬


‫‪-‬أما آن ليذه الوقاحة أن تندثر؟! عمقت‪.‬‬
‫‪-‬ىي في دمائو ولن تزول‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬أراد أن يخدع األخرى مدعياً أنو منيم‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪-‬كادت أن تفتك بو لوال أن أطمق ساقيو لمريح‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬تكاثرتم عمي‪ .‬لو أني معكم لما فعمتما بي ما تفعالنو اآلن‪ .‬قال فاروق‪.‬‬
‫كانت غادة صامتة وتراقبنا بانبيار‪ .‬عالقتنا معاً خمقت لدييا الرغبة في‬
‫متابعة المعركة الدائرة باأللسن بيننا‪ .‬وعندما أحست بأن لحظة اليدوء قادمة‪،‬‬
‫أرادت أن تثيرنا من جديد‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 99 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬ىل تحدث معيا؟! سألت‪.‬‬
‫‪-‬تكمم بإنجميزية مكسرة وصدقتو ىي لمحظات‪.‬‬
‫‪-‬وعندما اكتشفتو ىرب كأرنب مرعوب‪ .‬قالت‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫أثارتو‪.‬‬
‫‪-‬كيف لك أن تصادقي مثل ىذا الدراكوال؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬إنو إنسان‪ .‬قالت‪.‬‬
‫أشعمنا المفائف فقد كنا بعيدين عن مدخل الكمية‪ .‬كان فاروق قد حضر‬
‫لزيارتنا معتقداً أننا سنصل مبك اًر وعندما طال انتظاره أوصمتو غاده إلى محطة‬
‫الحافالت وفي منتصف الطريق تالقينا‪.‬‬
‫‪-‬كيف عرفتيا أييا الشيطان؟ سأل عبد الكريم‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬تنجذب الفراشات دائماً إلى ضوء القمر‪ .‬قال فاروق‪.‬‬
‫‪-‬يظن أنو فراشة ىذا الضبع الكاسر‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬إنيا مسكونة وال مكان لك أييا المئيم‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫‪-‬أوتظنني قميل األصل؟! ربما أكون وقحاً‪ ،‬ولكني أحفظ ود األصدقاء‪ .‬فكيف‬
‫وأنت من األحباب؟!‬
‫‪-‬ثقتي فيك لن تتزعزع‪ .‬قمت‪.‬‬
‫ألقينا حقائبنا في حجرتنا وخرجنا ليم‪ .‬كانت غاده تتحدث مع فاروق وظني‬
‫‪alk‬‬

‫أني كنت محور الحديث‪ .‬ذىبنا إلى خارج مبنى الكمية نحمل معنا بعضاً من‬
‫الطعام الذي أحضرناه من غزة‪ .‬افترشنا األرض وفرد فاروق بعضاً من أوراق مجمة‬
‫كان يحمميا وضعنا الطعام عمييا وبدأنا نتناولو باستمتاع‪.‬‬
‫وفي مخيم جرش جمسنا في منزل قريب لنا نتناول طعام الغداء‪ .‬رغم فقر‬
‫صاحب البيت إال أن الوجبة لم تخل من لحم الدجاج‪ .‬عرفت فيما بعد بعد أن أبا‬
‫الييثم ىو من أرسمو ليم‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫قمت بزيارة لمنزل أبي الييثم في مساء يوم خريفي‪ ،‬وعندما فتحت لي زوجتو‬
‫الباب قالت إنو في مخيم جرش حيث نقل إلى ىناك‪ .‬ودعتيا وانصرفت بعد أن‬
‫اعتذرت عن عدم الدخول‪ .‬قررت أن أزوره‪ ،‬فأنا لم أر ىذا المخيم الذي أقيم بعد‬
‫الحرب مباشرة ليؤوي النازحين من غزة‪ .‬فضل عاطف زيارة أقارب لو في عمان‬
‫‪ww‬‬

‫فذىبت وحدي‪.‬‬
‫‪- 011 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أخذني أحدىم إلى منزل في وسط المخيم‪ .‬إنو مقر لممنظمة‪ .‬وجدت أبا الييثم‬
‫في حجرة وأمامو امرأة تشتكي من أن جا اًر ليم حاول االعتداء عمييا‪.‬‬
‫‪-‬متى حدث ذلك؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬في منتصف الميل‪ .‬أجابت‪.‬‬
‫‪-‬ما الذي دعاه لفعل ما فعل؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ال أدري‪.‬‬
‫‪-‬ىل أوحيت لو بذلك؟!‬
‫‪-‬ال‪.‬‬
‫‪-‬ىو قال ذلك‪.‬‬
‫‪-‬لكنني لم أقمو‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫خرجت المرأة ودخل الشاب الذي حاول االعتداء عمييا‪ .‬ىناك بعض الكدمات‬
‫في وجيو لقد تم ضربو ولكنني ال أعرف إن كان في المكتب أم في منزل المرأة‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬لماذا حاولت االعتداء عمييا؟ سألو أبو الييثم‪.‬‬
‫‪-‬ىي من واعدتني‪.‬‬
‫‪-‬إذن لماذا تشتكي عميك؟!‬
‫‪-‬ألن زوجيا لمحني‪.‬‬
‫‪-‬ىل لك عالقة معيا سابقاً؟!‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫‪-‬ال تقترب منيا وال من منزليا‪ .‬فاىم‪.‬‬
‫‪-‬حاضر‪.‬‬

‫بعد أن خرج الرجل ذىب أبو الييثم إلى حيث كانت المرأة‪ .‬مكث دقائق‬
‫‪w.‬‬

‫طويمة ثم عاد معتذ اًر‪.‬‬


‫‪-‬ىل تقومون بعمل الشرطة ىنا؟!‬
‫‪-‬نحاول أن نحل مشاكميم‪.‬‬
‫‪-‬لكنيا ليست ميمتكم!!‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 010 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬من قال ذلك؟!‬
‫‪-‬ىا أنذا أقولو‪.‬‬
‫نظر إلي وكأنو يقول ومن أنت لتقول ما تقول‪ .‬نقاتل ونستشيد وأنت تقول ما‬

‫‪o‬‬
‫ال يجب أن يقال‪.‬‬
‫‪-‬نحاول أن نؤطر حياتنا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬ولكن الشرطة ىي من يحفظ النظام‪.‬‬
‫‪-‬أين ىي الشرطة؟!‬
‫‪-‬موجودة‪..‬‬
‫‪-‬انتيت‪.‬‬
‫والشرطة في قطاع غزة انتيت مع بداية االحتالل‪ .‬لكنيم طمبوا أن تتابع‬

‫‪o‬‬
‫الشرطة عمميا تحت إشرافيم‪ .‬لم يتدخموا في عمميم‪ .‬كان األمن مستتباً رغم وجود‬
‫قوات االحتالل‪ .‬ربما امتنع الناس عن خمق المشاكل ألنيم أحسوا بأن ىناك‬
‫مشكمة أكبر يجب حميا‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫كنت وعبد الكريم في طريقنا إلى منزل فاروق في بيت الىيا‪ .‬صادفنا‬
‫شرطيين عربيين يركبان الخيل‪ ،‬عمى رؤوسيم قبعات تحمل النجمة السداسية‪.‬‬
‫كرىت أن أراىا عمى رؤوسيم‪.‬‬
‫‪-‬أليس في اإلمكان تنحية ىذا الشعار؟ سألت بصوت مرتفع‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪-‬واهلل ال نستطيع‪ .‬قاال وتابعا سيرىما‪.‬‬


‫لكزني عبد الكريم أن أصمت قال‪:‬‬
‫‪-‬يا رجل ضاعت األرض وانيزمت الجيوش وتطمب ممن ال حول ليم وال قوة‬
‫أن يرفعوا الشعار الذي فوق رؤوسيم إنيم مجبرون‪.‬‬
‫‪-‬أعرف ىذا ولكني كرىت أن أراه عمى رؤوس عربية‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫تحدثنا في كل شيء ونسيت منشو اًر كان في جيب قميصي‪ .‬كنا نحمل كتبنا‬
‫نحاول أن نق أر أي شيء وعن بعد رأينا سيارة عسكرية تتفقد الطريق‪ .‬فالعمل‬
‫الفدائي كان في بدايتو‪ .‬وىم الذي يعرفون معنى الحذر والعمل‪.‬‬
‫‪-‬سالم عميكم‪ .‬قال الضابط‪.‬‬
‫يخاطبوننا بالمغة التي نحبيا‪ .‬يتسممون إلى أعماقنا‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 012 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬وعميكم السالم‪.‬‬
‫‪-‬ماذا تفعالن ىنا؟‬
‫‪-‬نذاكر‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ولماذا ال تذاكران في المنزل؟!‬
‫‪-‬البيت ممموء باألطفال وال يمكننا المذاكرة وسط الضوضاء‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أخرجا كل ما في جيوبكما؟‬
‫أخرجت بطاقة ىويتي وقمما كان في جيب بنطالي وبعض النقود‪ .‬سممتيا لو‪،‬‬
‫ىكذا فعل عبد الكريم‪ .‬طمب كتبنا أيضاً‪ .‬سممناىا لو‪ .‬تفحصيا جيداً ثم دون أسمينا‬
‫في مذكرتو وسممنا أشياءنا‪ .‬وضعت بطاقة اليوية في جيب قميصي فتممست‬
‫أصابعي ذلك المنشور المنسي‪ .‬أرتعش ولكني تحكمت في أعصابي‪ .‬ربما ظير‬
‫الخوف في مالمحي‪ ،‬وأعتقد أن الضابط فسر ذلك بالخوف منيم‪ .‬غادرنا‪ .‬تنفست‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬ماذا دىاك؟! سألني عبد الكريم بغضب‪.‬‬
‫الصعداء‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬نسيت ذلك المنشور في جيب قميصي‪.‬‬
‫‪-‬إىمال ال تحمد عقباه‪.‬‬
‫وأي إىمال لو وضع يده عمى جيب القميص الكتشفو خميل في رام اهلل كان‬
‫سيساق إلى مسالخيم وفاروق وعبد الكريم ومن أيضاً ىذا ما حدث الحقاً عندما‬
‫كان أحدىم يراقب تأثير عممية تفجير متجر في القدس كان يحمل مسدساً وعندما‬
‫‪alk‬‬

‫تطاير الغضب وانفجر جزء من جينم ىناك ىرب ونسي أن يخفي مسدسو كان‬
‫عميو أن ال يحممو أصالً وفي المسمخ اعترف عمى كل أعضاء التنظيم وحتى عمى‬
‫كل من لو عالقة بو وصمني االعتقال أنا في جباليا غاده نجت وكذا فاروق وعبد‬
‫الكريم سعدت لنجاتيم وتألمت لفراقيم وتاىت اآلمال الكبيرة والحب الصافي عممت‬
‫أنيا بكت بم اررة شديدة ولكن ما نفع البكاء اختفت عن األنظار أياماً ثم عادت إلى‬
‫ما كانت عميو لم أنسيا ولن أفعل وردة تشق طريقيا وسط األشواك تألمت ذيبو‬
‫‪w.‬‬

‫العتقالي ازرتني في السجن نحن ننتظرك قالت لتزيد آالمي ال لن أفعل فقط أخرج‬
‫وستجدني عمى غير ما تركتني وذيب تألم ازرني مرات افتقدت غزة وبيت الىيا‬
‫وأشجار الجميز التي كنا نغزوىا وح اررة األرض تسمق أقدامنا الحافية لكن الجميز‬
‫كان يسكن في أمعائنا فينسينا ح اررة األرض وبير الزيت وبساتين المشمش كميا‬
‫‪ww‬‬

‫ضاعت ولم يعد في مقدوري أن أتنفس بحرية كما كنت في الماضي وفوق ذلك‬
‫‪- 013 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫غاده تمك النسمة العطرة التي رطبت أيامي وأعادت لي شيئاً من القوة التي نيبتيا‬
‫ذيبو وذيب جرح غائر في الخاصرة تقيح وتقيح حتى انفجر‪.‬‬
‫‪-‬ال عميك‪ ،‬قمت‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬الحذر أمر ال بد منو يا يوسف‪ .‬قال عبد الكريم‪.‬‬
‫سكنت مواقع األلم في جسدي‪ .‬تابعنا سيرنا حتى وصمنا منزل فاروق الذي‬

‫‪b.c‬‬
‫أخذنا إلى بستانيم‪ .‬كانت أختو وسيمة مثمو‪ .‬أحضرت لنا الغداء ىناك‪ .‬تحدثنا‬
‫كثي اًر وتجولنا في أنحاء البستان‪.‬‬
‫بعد الغداء جمسنا ننتظر فناجين الشاي التي لم تتأخر كثي اًر‪ .‬كان والد‬
‫صاحب الدار وىو قريب لنا طاعناً في السن‪ ،‬يدخن بشراىة تمفت النظر‪ .‬عندما‬
‫قدمت لو لفافة تمقفيا بميفة‪ .‬أشعمتيا لو‪ .‬دخل عمينا رجل ىو من جباليا أيضاً‪ .‬ىو‬
‫عضو ميم في أحد التنظيمات‪ .‬يرتدي بدلة تثير لعاب سكان المخيم وحسدىم‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫عالمات الثراء واضحة عمى مالمحو‪ .‬كان مدرساً في الثانوية وعندما حدثت‬
‫الكارثة رحل إلى عمان والتحق بتنظيمو مرة أخرى‪.‬‬
‫‪-‬كيف العمل ىنا؟ سأل أبو ثائر‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫أبو ثائر‪ ..‬كميم ثوار‪ ..‬بدلتو ثائرة‪ ..‬المفائف الفاخرة التي يدخنيا ثائرة‪ .‬تأممتو‬
‫كثي اًر‪ .‬لم أنطق‪ .‬وماذا أقول؟! أو يحق لمبتدئ مثمي أن يقول شيئاً أمام العمالقة‬
‫المتجذرين في الثورة؟! أوليس ىو ثائ اًر؟! يحق لو أن يبدو كذلك‪.‬‬
‫‪-‬مشاكل المخيم كثيرة‪ .‬قال أبو الييثم‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫ىل أتينا ىنا لنحل مشاكل المخيم‪ .‬مشاكل الفقر والضياع والبغاء‪ .‬والحشيش‬
‫كميا تعشش في ىذا المخيم‪ .‬كان يمكن معالجتيا بطريقة أخرى‪.‬‬
‫‪-‬جئت ألبحث عن عمال‪ .‬قال أبو ثائر‪.‬‬
‫أتنبو الرجل العجوز‪ .‬قفزت أفكاره أمامي‪ .‬تحفز‪..‬‬
‫‪-‬أوتختارني؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬أنت بقايا عمر‪ .‬قال أبو ثائر‪.‬‬


‫‪-‬أعمل حارساً‪.‬‬
‫‪-‬ال حاجة لنا لحارس‪ ،‬ىناك العديد من المسمحين الذين يعممون في الحراسة‪.‬‬
‫سكت العجوز‪ .‬تألم‪ .‬ىذا زمن الرشاش والدىاء واستغالل الفرص‪ .‬أين أنت‬
‫‪ww‬‬

‫من كل ىذا‪.‬‬
‫‪- 014 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬لقد ضاع مني ألف دينار باألمس‪ ..‬بحثت عنيا لكنني لم أجدىا‪ .‬سممت‬
‫باألمر‪ ،‬وىا أنذا أحاول تعويضيا‪.‬‬
‫ألف دينار يا شيخ الكذابين أو الدجالين‪ ..‬أو نظرت إلى العجوز‪ ..‬كانت‬

‫‪o‬‬
‫خاليا وجيو تنطق بالمعاناة واأللم وربما االحتقار‪ .‬لقد كان فقي اًر في غزة وىا ىو ذا‬
‫يعيش فقي اًر وسيموت فقي اًر‪ .‬حدثني ابنو ذات مرة قال كان والدي في طريقو من‬
‫خان يونس إلى جباليا لزيارة أخيو‪ .‬وفي الطريق تعطمت السيارة نزل السائق وطمب‬

‫‪b.c‬‬
‫منيم اإلجرة‪ .‬رفض العجوز‪.‬‬
‫‪-‬ستدفع األجرة وتدور حوليا سبع مرات‪ .‬قال السائق‪.‬‬
‫‪-‬أما الدفع فال‪ ،‬وأما الدورات السبعة فيذه واحدة وأخذ يدور حول السائق‪.‬‬
‫ىذه اثنتان‪ ..‬وىكذا حتى أتم الدورات السبع‪ .‬قيقو السائق وقال إذن خذ مني أجرة‬
‫فوق أجرتك ودر سبع دورات مرة ثانية‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪-‬أوتنام عندنا؟! سألني قريبي‪.‬‬


‫‪-‬ال أشكرك‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪-‬وىل ستعود إلى عمان؟! سألني أبو الييثم‪.‬‬
‫‪-‬نعم‪.‬‬
‫وىكذا عدت إلى عمان بعد أن عشت يوماً في مخيم جرش‪ .‬شاىدت قميالً‪.‬‬
‫وعرفت كثي اًر‪ .‬وصمت المنزل في المساء‪ .‬لم يكن عاطف قد عاد بعد‪ .‬جمست في‬
‫الشرفة أراقب الطريق والناس‪ .‬دخنت لفافة تبغ بال متعة‪ .‬فقط أردت أن أعمل‬
‫‪alk‬‬

‫شيئاً‪ .‬نفثت الدخان وتابعتو حتى اختفى في الفضاء الواسع‪ .‬وذاك العصفور أيضاً‬
‫اختفى في الفضاء وكذا محمود وأبو الفحم وكثيرون حقاً إن الموت يختار‬
‫ضحاياه‪ .‬أبو ثائر يدخن المفائف الفاخرة وىو ثائر يبحث عن عمال‪ .‬ضاع منو‬
‫ألف دينار ولم يتأثر‪ .‬ذاك العجوز قال "يمعن د‪...‬د يكك" ألف دينار‪ .‬أعطنا فقط‬
‫دينا اًر واحداً‪ .‬تضيع الدنانير!! ال بأس أما أن يعطيني واحداً فال‪ .‬ىي الحياة‬
‫والموت يختار ضحاياه كما يقولون‪ ..‬ربما ليريحيم من قذارة عيش لم يكن‬
‫‪w.‬‬

‫بمقدورىم أن يتعامموا معو‪ .‬وعندما عدت من غارتي في السوق وتمرغت أنا‬


‫وقطعتي النحاسية المذيذة في التراب كانت ذيبو قد حفيت قدماىا وىي تبحث عني‬
‫في أرجاء المخيم‪ .‬لقد اكتشفت ضياع نصف قرشيا والمتيم األول ىو أنا‪ .‬ألم‬
‫أسرق شبشبيا ذات مرة ولوال عناية اهلل ما كانت قد رأتني وأنا في طريقي إلى‬
‫المدرسة؟‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 015 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬ذيبو بحثت عنك في كل مكان‪ .‬قال جياد‪.‬‬
‫تداعت أطرافي‪ .‬ال بد وأنيا اكتشفت العممية‪ .‬لكنو مدفون وسط األغطية‪.‬‬
‫قمت لنفسي‪ .‬ىل وضع نفسو ىناك؟ ىل وضعو الشيطان أللتقطو أنا؟! ال بد أن‬

‫‪o‬‬
‫يداً ألقتو بعيداً حتى عن تفكير اآلخرين‪ .‬يد تعرف كيف تضع القرش فوق اآلخر‬
‫لتكون ثروة‪ .‬ومن غير ذيبو يفعل ذلك‪ .‬كان عميك أن تفكر في األمر قبل أن تفعل‬
‫ما فعمت‪ .‬قضي األمر‪ .‬وانتحر النصف قرش بين يدي‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬أال تعرف لماذا؟! سألتو‪.‬‬
‫‪-‬ومن أين لي أن أعرف‪ .‬قال جياد‪.‬‬
‫‪-‬كيف رأيتيا؟ سألت بميفة مرتعشة‪.‬‬
‫‪-‬يتطاير الشرر من عينييا واختفى آخر رمش من رموشيا‪.‬‬
‫إذن ىي الكارثة‪ .‬وماذا سأفعل؟! اعترف ليا‪ .‬ماذا سيكون عقابي؟! ربما‬

‫‪o‬‬
‫حرمان من الطعام لمدة يوم‪ .‬أو نصف وجبة بدالً من الوجبة الكاممة‪ .‬ال تستطيع‬
‫أن تسترجعو‪ .‬حاولت أن أتغيب عن المنزل أطول وقت ممكن‪ .‬آالم معدتي‬
‫‪ott‬‬
‫الجائعة دفعت قدمي إلى المنزل‪ .‬يجب أن أتناول شيئاً من الطعام‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫الطوفان‪ .‬المواجية‪ ..‬المواجية‪ .‬وأن ألقت بيدىا الجرداء فوق صفحة وجيك؟!‬
‫ستزيده تشوىاً لن تفعل‪ .‬لن أسمح ليا بذلك‪.‬‬
‫‪-‬أىالً بأبي زيد‪.‬‬
‫تسمرت أماميا‬
‫ّ‬ ‫واجيتني والشرر يتطاير من العينين المتين فقدتا رموشيا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫توقفت عيناي عن الدوران في محجرييما‪ .‬بدأت مراكز الغضب تعمل‪ .‬لم أستطع‬
‫تحريك لساني‪ .‬بدايات االنفجار‪ .‬ال حدود لمداه‪.‬‬
‫‪-‬أين كنت؟ تابعت‪.‬‬
‫‪-‬وما شأنك أنت؟‬
‫‪-‬ماذا فعمت بالنصف قرش؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪-‬أي نصف قرش ىذا؟!‬


‫‪-‬الذي سرقتو‪.‬‬
‫‪-‬لم أسرق شيئاً‪.‬‬
‫‪-‬أييا المص لقد لمحوك وأنت تشتري بو‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪-‬وماذا اشتريت؟!‬
‫‪- 016 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪-‬إذن سرقتو‪...‬‬
‫عجبت الستنتاجاتيا وطريقة استجوابيا‪ .‬أو تكون درست في كمية‬
‫االستخبارات؟ ولو كانت ضابط تحقيق العترف كل متيم بفعمتو‪ .‬كيف يولد الجيل‬

‫‪o‬‬
‫كل ىذه المباقة في االستجواب؟! نصف قرش ثروة بالنسبة ليا وعمييا أن تحافظ‬
‫عمى ثروتيا‪ .‬تدلى رأسي إلى أسفل فأصبح شكيا يقيناً‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪-‬سرقتو؟! قالت بيدوء صارخ‪.‬‬
‫‪ -‬وجدتو بين المالبس ولم أعمم أنو لك!!‬
‫‪ -‬ىو لمشيطان إذن‪ ..‬أين ىو ؟!‬
‫‪ -‬اشتريت بو قطعة حموى‪.‬‬
‫‪ -‬أييا المص ‪.‬أناال أريدك ىنا؟! ىل يعمم الناس ماذا تفعل بي؟ يارب‬
‫السماوات واألرض أبوه عذبني وأمو احتقرتني وىاىو ذا يسرقني‪ ..‬وتابعت تثرثر‬

‫‪o‬‬
‫بكالم لم أفيمو وأنا واقف بالدفاع عن النفس ألنني فعمت شيئاً شنيعاً‪ ،‬لم أكن‬
‫أترصدىا ألسرقيا‪.‬كان عمي التفكير! ىل وضعو الشيطان ىناك؟! سؤاليا منطقي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫لكن الحرمان والرغبة شال تفكيري‪ ،‬حاولت تناول قطعة من الخبز‪ ،‬ىاجمتني في‬
‫المحظة التي أمسكت بالقطعة في يدي‪..‬‬
‫‪ -‬ال أريد أن أراك اآلن‪..‬‬
‫خرجت وأخذت أبحث عما يسكن أمعائي‪ .‬ذىبت إلى منزل أخي المتوفى‪.‬‬
‫كرىت أن أشاركيم طعاميم‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫مساء ولم يحضر عاطف بعد‪ .‬بدأت‬


‫ً‬ ‫نظرت إلى ساعتي‪ ..‬الحادية عشرة‬
‫أحضر بعض الطعام وعندما انتييت وصل‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬حماتك ستحبك كثي اًر‪.‬‬
‫‪ -‬دائماً أنا في الموعد‪.‬‬
‫بدأنا نتناول طعام العشاء ببطء‪ ،‬فضمنا أن نجمس في الشرفة‪ ،‬بدأنا نشرب‬
‫‪w.‬‬

‫الشاي وندخن المفائف‪ ،‬سمعنا طرقاً عمى الباب‪ ،‬فتحو عاطف واذ بجارنا في‬
‫السكن وجارنا في الوطن يدخل‪.‬‬
‫‪ -‬أىالً أبا عمي‪ .‬قمت مرحباً‪.‬‬
‫‪ -‬أىالً يوسف‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫صب لو عاطف كأساً من الشاي وقدمت أنا لو لفافة من التبغ‪ ،‬جمسنا‬


‫‪- 017 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫صامتين‪.‬‬
‫‪ -‬ىل أنتما مرتاحان ىنا؟!‪ ..‬سأل‪.‬‬
‫‪ -‬الحمد هلل‪ .‬أجبنا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬واهلل أنني أحببتكم كأبناء لي‪.‬‬
‫‪ -‬ونحن أحببناك كأب لنا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬أتمنى أال تقوما بمثل مايقوم بو اآلخرون‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا يفعمون ؟! سألت‪.‬‬
‫‪ -‬أال تعرف؟!‬
‫‪ -‬ليس كثي اًر‪..‬‬
‫‪ -‬يفعمون كل ماىو مممنوع و‪...‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬كيف‪ ..‬نحن ال نفعل ىذا‪...‬‬


‫‪ -‬الحمد هلل‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬الحمد هلل‪.‬‬
‫أصر عمي أن نتناول الطعام معو غداً‪ ،‬حاولنا االعتذار‬ ‫ّ‬ ‫وتابعنا سيرتنا ثم‬
‫لكنو أصر عمى ذلك قبمنا دعوتو‪ ،‬غادرنا وبقيت أنا وعاطف نطوف بأحاديثنا‬
‫أرجاء مخيماتنا في غزة‪ ،‬صنع لنا عاطف فنجاناً من القيوة‪ ،‬وقدمت أنا المفائف‪.‬‬
‫‪ -‬ىل حقاً ىذا يحدث؟! سألني عاطف‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬سمعت عن ذلك‪..‬‬
‫‪ -‬العاقبة ستكون خطيرة‪..‬‬
‫‪ -‬أو لم تشاىد مايحدث؟!‬
‫‪ -‬إنيا مؤامرة‪..‬‬
‫‪ -‬كان عمى قادتنا أن يكونوا أكثر وعياً بأبعادىا‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫وتابعنا الكالم حتى الساعة األولى من صباح اليوم التالي‪ .‬تعبت‪ ،‬شعرت بأن‬
‫وقت النوم قد أزف‪ .‬استأذنت‪.‬‬
‫‪ -‬ألن تذىب إلى المدرسة غداً؟ سألني عاطف‪.‬‬
‫‪ -‬ال رغبة لدي‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 018 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫نمت بعمق‪ ،‬فيومي كان مشحوناً ‪ ،‬تعبت وتعبت أفكاري‪ .‬تممكني القمق‬
‫والخوف من المستقبل لم يكن لدي مثل ىذه األفكار وأنا في السجن‪ .‬صحوت‬
‫الساعة الحادية عشر صباحاً‪ .‬كان عاطف قد غادر المنزل مبك اًر في طريقو إلى‬

‫‪o‬‬
‫المدرسة‪ .‬كنت قد حصمت عمى شيادة الثانوية العامة في غزة‪ ،‬ولم أكن في حاجة‬
‫ألحصل عمييا مرة أخرى‪ .‬تناولت طعام إفطاري‪ ،‬عددت نقودي!! بدأت تتناقص‪.‬‬
‫ولوال المبمغ الذي حصمت عميو كرسوم لممدرسة الثانوية ألفمست اآلن‪ ،‬لم تقمقني‬

‫‪b.c‬‬
‫الفموس‪ ،‬فدائماً كنت مفمساً وكنت أعيش‪ .‬ما آلمني ىو المستقبل‪ .‬ارتديت مالبسي‬
‫وخرجت وليس لدي ىدف محدد‪ .‬قادتني قدماي إلى فندق قصر العرب‪ .‬ذلك‬
‫المكان الذي مكثت فيو أياماً طويمة مع محمود النجار‪ .‬دخمت فوجدت عامل‬
‫االستقبال "أبو نادر" صافحتو بح اررة وتجاذبنا أطراف الحديث‪ .‬حضر ساعي البريد‬
‫وسممو عدة رسائل‪ .‬نظر في أحدىا‪.‬‬
‫‪ -‬إنيا لك‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫استغربت‪ ..‬من أين ستصمني تمك الرسالة؟ تناولتيا واذا بيا من ليبيا‪ ،‬أختي‬
‫متزوجة من ابن خالي ىناك‪ .‬كنت قد أرسمت رسالة ألخي وكتبت لو عنواني‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫أخي الحبيب‪...‬‬
‫كم كانت فرحتي عظيمة عندما عممت أنك في األردن وأنك قد خرجت من السجن‪.‬‬
‫بالطبع لم أكن أدري أنك مكثت كل ىذه المدة ىناك‪ ،‬عمى أي حال الحمد هلل أنك بخير‪.‬‬
‫مرسل لك مبمغ خمسة عشر دينا اًر وأريدك أن تبحث عن أي جامعة تدرس فييا‪ ،‬أعممني‬
‫عن كل تحركاتك‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫أختك‬
‫دليمة الياللي‬
‫عيني‪ .‬اصطدمت بأبي نادر‪ .‬فسعد لسعادتي‪ ،‬ىاىو ذا‬‫ّ‬ ‫قفزت السعادة من‬
‫الزمن يبتسم‪ .‬رسالة أمل وفموس أيضاً‪ .‬شربت الشاي ودخنت لفافة ثم خرجت‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫وأمام الفندق رأيت بعضاً ممن قابموني بعد صولي إلى عمان يمعبون الورق‪.‬‬
‫تذكرت محمود وأفكاره وآمالو وآالمو‪ .‬كتمة من كل ذلك كان ىو‪ .‬جمست‬
‫بينيم وبعد لحظات شاركتيم المعب‪ .‬الميزوم يشتري لنا الشاي‪ ..‬وافقت‪ .‬بدأت‬
‫متقدماً حتى الدور األخير عندما ىزموني‪ .‬دفعت ثمن الشاي‪ .‬نظرت إلى‬
‫ساعتي‪ ..‬الثانية بعد الظير‪ .‬غادرتيم وذىبت إلى مطعم مجاور كنت أرتاده مع‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 019 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫محمود قبل أن ننتقل إلى ذلك المنزل المشؤوم ‪ .‬جمست‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا ستفعل يامحمود؟! سألتو‪.‬‬
‫‪ -‬طبعاً سألتحق بقوات الثورة‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬وزوجتك وأوالدك؟!‬
‫‪ -‬سأحضرىم عندما تستقر األمور‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ولم تستقر األمور‪ .‬فاجأتو رصاصة تعرف طريقيا‪ .‬استقرت في رأسو وبقيت‬
‫زوجتو وأوالده في خان يونس‪.‬‬
‫تناولت طعامي ممزوجاً بم اررة الذكرى‪ .‬دخنت نصف لفافتي ثم خرجت‪.‬‬
‫أيضاً ال ىدف لدي‪ ..‬ألذىب إلى مكتب المنظمة‪ .‬قمت لنفسي‪ .‬وأن صادفني ذاك‬
‫الحارس ستكون نيايتنا نحن األثنين‪ .‬دخمت وكان ىناك‪ .‬لم أنظر إليو‪ .‬تألم‪ .‬تقدم‬
‫مني‪ ..‬صافحني عمى استحياء‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫عمي؟! قال‪.‬‬
‫‪ -‬أال زلت ناقماً ّ‬
‫‪ -‬فقط عاتب عميك‪ ..‬فأنت رفيق سجن وماكان يجب أن يصدر منك‬
‫‪ott‬‬
‫ماصدر‪.‬‬
‫حاول أن يتكمم‪ ،‬لكنو حبس كمماتو بين شفتيو في المحظة األخيرة‪ .‬أيقنت أنو‬
‫كان مدفوعاً من أحدىم‪ ،‬ولم أرد إحراجو فيو رجل كبير في السن ويبحث عن لقمة‬
‫عيشو‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫كان بعض الرفاق يجمسون في إحدى حجرات المكتب‪ .‬أعرفيم‪ ..‬أحدىم‬


‫"طالل" كان قد شاركنا ذاك االجتماع الذي عقدناه في جباليا عندما فكرنا في‬
‫تكوين "منظمة الواجب المقدس" صافحتيم بح اررة‪ ،‬أفسح لي مقعداً بجانبو‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تعمل ىنا يايوسف؟! سألني‪.‬‬
‫‪ -‬الشيء‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬أليس لك وضع تنظيمي؟!‬


‫‪ -‬بمى‪ ..‬ولكن في اليواء‪.‬‬
‫‪ -‬ألم تحصل عمى منحة دراسية؟!‬
‫‪ -‬ليس لي واسطة؟!‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 001 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫اتسعت عيناه‪ .‬جمت بنظرة عمييم جميعاً‪ ،‬كانت ىناك فتاة تشاركني عدم‬
‫الوسامة اسميا فاطمة‪ .‬عندما التقت نظراتي بنظراتيا أحسست أنيا تستنكر ماقمتو‪.‬‬
‫لكنيا كظمت غيظيا‪ ،‬حضر أبو الرائد‪ .‬دخل مكتبو‪ .‬لم أعره انتباىاً‪ .‬تدافعوا‬

‫‪o‬‬
‫إلى المكتب‪ .‬خرج طالل وقال الحمد هلل لقد تقرر إرسالنا إلى بغداد إلكمال‬
‫دراستنا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬وىل أنا معكم؟! سألتو‪..‬‬
‫‪ -‬ال أدري‪..‬‬
‫أيقنت أنني خارج البعثة الدراسية‪ .‬لم أبتئس‪ ،‬فأبا الرائد ىذا لم يرتح لي منذ‬
‫النظرة األولى‪ ،‬وال أدري لماذا‪ .‬ربما صراحتي وقمة دبموماسيتي دفعتاه أال يطيقني‪.‬‬
‫‪ -‬أريد أن أتعمم اإلنكميزية‪ .‬قالت فاطمة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن غير يوسف يعممك إياىا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫قال طالل وىويعرف أني درست في كمية بير زيت‪.‬‬
‫‪ -‬حقاً‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬حاولي‪...‬‬
‫‪ -‬أو تقبل يايوسف أن تعممني؟! سألتني‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬الباس‪ .‬قمت‪...‬‬
‫كان الجواب سريعاً‪ .‬انطمق بدون أن أفكر فيو‪ .‬أعرف أنني ال أستطيع أن‬
‫أقول "ال" وىي واحدة من سقطاتي المدوية‪ ،‬وصفت لي مكان منزليا وتواعدنا عمى‬
‫أن أزورىا الميمة وأبدأ معيا الدرس األول‪.‬‬
‫‪ -‬الساعة الحادية عشرة ليالً‪ .‬قمت‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬إنو وقت متأخر ‪ .‬قالت‪.‬‬


‫‪ -‬عندي ارتباطات حتى ذاك الوقت‪.‬‬
‫‪ -‬البأس‪ ..‬قالت‪..‬‬
‫خرجت من المكتب دون أن أقابل أبا الرائد‪ .‬لو كان يريدني ألرسل لي‪ .‬إنو‬
‫‪ww‬‬

‫ال يريد أن أذىب إلى بغداد مع الرفاق ألدرس ىناك‪ .‬فضمت أن أسير عمى األقدام‬
‫‪- 000 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ألصل المنزل‪ .‬تيت في شوارع عمان‪ .‬لكني كنت أعرف طريقي جيداً‪ .‬تركت‬
‫قدمي تسيران كما تريدان‪ .‬وتركت أفكاري تسافر حيثما تشاء‪ .‬قالت ذيبة ألخي‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ -‬خالتك عزمتك عمى الغذاء‪ .‬أعط يوسف قرشاً يشتري فالفل‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫من أين جاءىا ىذا الكرم؟! لكنيا تريد أن تكفر عما فعمتو معي ىذا اليوم‪ ،‬لقد‬
‫مزقت قميصي والتم الجيران ألنني جمست عمى كرسي كان من المفروض أن ال‬

‫‪b.c‬‬
‫أجمس عميو حسب رغبة أخي كما قالت ىي لي ولمجيران‪ .‬تناول قرشاً من جيبو‬
‫وقذف بو إلي‪ .‬رفضتو‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا؟! سأل باستغراب‪.‬‬
‫ىو ناد اًر مايجود عمي بمثل ىذه اليبة‪ .‬لكنو عمى وفاق مع ذيبة وفوق ذلك‬
‫مع نفسو‪ .‬كما أنو مدعو لمغذاء عند خالتي‪.‬‬
‫‪ -‬تمزق زوجتي قميصي وتمم الجيران عمي ألنني جمست عمى كرسيك‪ ...‬ثم‬

‫‪o‬‬ ‫تعطونني قرشاً تعويضاً عما حدث!‬


‫أسقط في يدىا‪ .‬لم تتوقع أن أبوح بما ال يباح‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬متى حدث ىذا؟! سأل وقد انتفخت أوداجو‪.‬‬

‫‪ -‬ىذا الصباح‪ .‬قمت‪.‬‬


‫‪alk‬‬

‫‪ -‬لماذا فعمت ىذا؟! سأليا‪.‬‬


‫‪ -‬ألم تطمب مني أال أخرج ىذا الكرسي خارج حجرتك؟! قالت‪.‬‬

‫‪ -‬ممعون أبو الكراسي‪ ،‬وممعون أبوك‪ .‬أريد أن أرتاح‪ ،‬ولكن مشاكمكم ال‬
‫تنتيي‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫أخذا يتقاذفان بكممات جارحة‪ .‬صفعيا بشدة‪ .‬أخذت تصرخ بحرقة‪ ،‬ىربت إلى‬
‫منزل أخي المتوفى‪ .‬في المساء حضر ذيب وأخذني بالقوة إلى المنزل‪ .‬استسممت‬
‫لمواقع منتظ اًر فرصة أخرى ألقتمع القضبان وأنطمق بعيداً‪.‬‬
‫وصمت المنزل منيك القوى‪ ،‬متعب األفكار‪ ،‬وجدت عاطف يتصفح أحد‬
‫الكتب‪ .‬ألقيت عميو التحية واتجيت إلى فراشي‪ .‬ىنا أرتاح‪ ،‬أوقف الفكر والمعاناة‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 002 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أصارع النوم وكثي اًر ماأىزمو وأنام‪ ،‬وقميالً مايتركني أتقمب عمى الفراش أقاوم‬
‫الرغبة والقمق والذكريات الثائرة‪ .‬تطول فترة المقاومة ىذه لكنيا تنتيي بعد أن‬
‫تتركني جثة ىامدة وأنام عميقاً‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬ىل ستنام ؟! سألني عاطف‪.‬‬
‫‪ -‬وماذاتراني أفعل؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬ال تنس! موعدنا مع أبي نادر‪..‬‬
‫‪ -‬عميك إيقاظي‪.‬‬
‫‪ -‬البأس‪.‬‬
‫وضعت رأسي عمى المخدة ‪ ،‬فضمت أن أنام عمى السرير‪ .‬لحظات ولم أعد‬
‫أعمم بمايدور حولي‪.‬‬
‫عشاء فاخ اًر أكمت كثي اًر‪ .‬كان‬
‫ً‬

‫‪o‬‬
‫وفي المساء ذىبنا إلى منزل جارنا الذي أعد لنا‬
‫الرجل كريماً‪ .‬سعدنا بمقائو زمناً ثم استأذناه في الخروج‪.‬‬
‫‪ -‬أعرف أنكم ناس طيبون‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬نشكرك‪..‬‬
‫‪ -‬أوصيكم مرة أخرى أن ال تجاروا اآلخرين وتقوموا بأعمال التحمد عقباىا‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫خرجنا وال زالت كمماتو تسكن عقمي‪ .‬لمصمحة من يحدث كل مايحدث؟‬


‫عندما اتفقوا عمى جمع السالح من األفراد‪ ،‬كان ىناك اجتماع لنا مع أبي‬
‫نضال‪..‬‬
‫قال‪:‬‬
‫‪ -‬إذا أحضر مندوب فتح والحكومة لجمع السالح اقتموا مندوب فتح قبل‬
‫‪w.‬‬

‫مندوب الحكومة!‪...‬‬
‫النار المشتعمة تحرق كل شيء! حتى من أشعميا‪ .‬نقتل مندوب فتح‬
‫والحكومة‪ ،‬ومن سيقتمنا بعد ذلك؟ والجاثمين عمى أرضنا؟! من يقتميم؟! تركوا‬
‫الميمة لنا‪ ،‬وأخذوا يتفرجون عمينا‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬ألن تذىب معي إلى المنزل‪ .‬قال عاطف عندما رآني انحرف عن‬
‫‪- 003 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫الطريق‪..‬‬
‫‪ -‬سأزور أصدقائي‪.‬‬
‫‪ -‬ىل سنتأخر؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬ال أدري‪..‬‬
‫وفي منزل فاطمة وجدت تمك الممرضة "سيا" عمى عكس فاطمة‪..‬بيضاء‬

‫‪b.c‬‬
‫البشرة‪..‬ناعمة المالمح‪ ...‬ذات صوت شجي‪ ..‬أخرجت لفافة‪..‬أشعمتيا نظرت إلي‬
‫بجسارة‪.‬‬
‫‪ -‬أال تقدم لي لفافة؟!‬
‫خجمت من تصرفي‪ .‬لكني لم أعرف أنيا تدخن‪ .‬أشعمت ليا لفافة‪ ،‬وكانت‬
‫فاطمة قد أحضرت فناجين الشاي‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬ىل تعمم أنيا تقمد صوت فيروز؟! قالت فاطمة‪.‬‬
‫‪ -‬حقاً؟ أسمعينا شيئاً‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد أن تسمع؟‬
‫‪ -‬أي شيء‪..‬‬
‫وانطمق صوتيا ‪ ...‬ياجبل البعيد خمفك حبايبنا‪ ...‬بتموج مثل العيد‪ ،‬وىمك‪...‬‬
‫‪alk‬‬

‫ألم تختار إال ىذه األغنية؟ ياجبل البعيد خمفك غاده‪ ..‬والجبل بعيد وفوق ذلك‬
‫من غير المسموح لي باالقتراب منو‪ .‬أثارت النيران تحت الرماد‪ ..‬غاده‪ ..‬عبد‬
‫الكريم‪ ..‬فاروق‪ ...‬يالمذكرى اليائجة‪ ..‬خمفك حبايبنا‪ ...‬بيعدوا‪ ..‬آه‪ ..‬عدت إلى‬
‫ذاتي‪ ..‬وحيد بين فتاتين‪ ..‬لم أعد أشعر بوجودىما‪..‬‬
‫‪ -‬أين ذىبت ؟! سألتني فاطمة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫سؤال عبد الكريم األبدي عندما آتيو في ذاتي‪..‬أين أنت اآلن؟! وماذا تفعل؟!‬
‫طالت جمستنا دون أن أعمميا كممة‪ ..‬كان صوت سيا شجياً‪ .‬وأنا أعشق فيروز‬
‫والذكرى‪ ..‬غادرتيم بعد منتصف الميل‪ .‬تسممت إلى المنزل ومن دون ضجة‬
‫استمقيت عمى الفراش ونمت‪.‬‬
‫الساعة العاشرة صباحاً‪ .‬عاطف في المدرسة‪ .‬وحيد في المنزل‪ ،‬أحن ليذه‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 004 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫الوحدة كثي اًر‪ .‬فنجان القيوة والمفائف وجمسة في الشرفة تسرق بعضاً من وقتك‬
‫الطويل‪ ..‬أراقب خمق اهلل‪ ،‬كل يبحث عن ىدفو‪ ..‬بعضيم بال ىدف‪ .‬وأنا ىنا بال‬
‫ىدف حتى اآلن‪ ..‬كانت ليمة جميمة‪..‬سيا وصوتيا الفيروزي‪ ..‬تعارفنا بسرعة‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫دخنا كثي اًر من المفائف‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا ستفعل ؟! سألتني‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أحياناً ينيمر المطر بال مقدمات‪ ،‬فتبتل مالبسك‪ ،‬ومن ثم جسدك حتى‬
‫العظم‪..‬‬
‫‪ -‬ال أعرف!!‬
‫‪ -‬لماذا ال تدرس في الجماعة؟! قالت‪..‬‬
‫الجامعة‪ ..‬إحدى األمنيات المكبوتة‪ ..‬ولم ال؟ فأنا أحمل الشيادة الثانوية‪ .‬ىذا‬
‫ىو اليدف‪ ..‬الجامعة‪ .‬ارتديت مالبسي وذىبت إلى مكتب المنظمة‪ .‬انتظرت مع‬

‫‪o‬‬
‫اآلخرون كانت فاطمة ىناك‪ .‬دخل أبو الرائد‪ .‬دعت فاطمة كل من لو عمل معو‬
‫لمدخول‪ .‬وبعد أن انتيوا من مقابمتو‪ .‬دخمت أنا‪ .‬الحظت تغير مالمحو‪ :‬جاداً‬
‫ومتجيماً كان‪ .‬البأس قمت لنفسي فأنا ال أريد منو شيئاً ميماً‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬ىل وجدت واسطة لتدخل عندي؟!‬
‫فاجأني تذكرت ماحدث باألمس‪ .‬تماسكت‪ .‬نظرت في عينيو حتى أؤثر فيو‬
‫أكثر‪..‬‬
‫‪ -‬أعرف ماتتكمم عنو‪ ..‬قمت‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬أما كان من األفضل أال تقول ماقمتو باألمس؟!‬


‫‪ -‬كيف ؟ كل رفاقي ذىبوا في منحة دراسية إلى بغداد إال أنا؟!‬
‫‪ -‬وضعيم التنظيمي يختمف عن وضعك‪.‬‬
‫‪ -‬وأين وضعي التنظيمي ىذا الذي تتكمم عنو؟!‬
‫‪ -‬وأبو خميل؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬من ىذا أبو خميل؟!‬


‫‪ -‬مسؤولك التنظيمي‪.‬‬
‫‪ -‬إنني معمق في اليواء يارفيق أبو رائد‪ .‬فمم أقابل أبا خميل ىذا مطمقاً‪ .‬دائماً‬
‫إما مشغول أو نائم!‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 005 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬أن تكون معمقاً في اليواء أفضل من أن تكون عمى األرض! ليتني معمق‬
‫في اليواء مثمك‪.‬‬
‫أييا الثعمب ‪ ..‬تتالعب بالكممات‪ ..‬تدخمني في موضوعات ال أىمية ليا‪،‬‬

‫‪o‬‬
‫وتترك الميم‪ .‬األستاذ خاطر كان يقوم بدور مماثل‪.‬‬
‫خرجت‪ ..‬جمست بين الرفاق أسترد أنفاسي وأدخن لفافة بعد تمك المقابمة‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬رفيق يوسف‪ .‬قالت فاطمة‪..‬‬
‫نظرت إلييا‪..‬‬
‫‪ -‬أبو الرائد يريدك‪..‬‬
‫دخمت‪ .‬تبدلت مالمحو‪ ..‬أصبح مبتسماً‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬كنت أريد شيادة من المنظمة تثبت أنني مبعد أذىب بيا إلى سوريا عمني‬
‫أدخل الجامعة‪..‬‬
‫‪ -‬البأس‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫خرجت مرة أخرى‪ .‬وبعد لحظات أحضرت لي فاطمة الورقة‪.‬‬
‫تشيد منظمة التحريرالفمسطينية أن السيد يوسف بن يوسف الياللي كان‬
‫معتقالً في سجون العدو مدة ثمانية عشر شي اًر‪ .‬وقد تم إبعاده إلى األردن عن‬
‫طريق غور الصافي‪ .‬وبناء عمى رغبتو أعطيت لو ىذه الشيادة‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫ىذا كل ما أريده منكم‪ ،‬سأتدبر أمري وأحقق تمك األمنية التي سكنتني طويالً‪.‬‬
‫وددت أن أضحي بيا من أجل العمل معكم‪ ،‬لكن‪ ..‬آه‪ ..‬ىذه المكن المرة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 006 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-9-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫تشظى الزمن‪ .‬ظننتو توقف‪ .‬اندفع الياللي الكبير‪ .‬وقد تضاءل وانكمش‪ .‬في‬
‫اندفاعو حطم باب الحجرة‪ .‬لم أعد أراه كما رأيتو أول مرة‪ .‬انبعث بريق مخيف من‬
‫عينيو‪ .‬تجاىمني وألقى بنفسو عمييا‪ .‬طوقيا بذراعيو‪ .‬سعدى حبو الصافي ومالذه‬
‫اآلمن‪ .‬لم يصدق أنيا ستتوارى! ستعود مرة أخرى وسيستمقي في ظالليا‪ .‬احترمت‬
‫ذىولو ولوعتو‪ .‬كانت حرقتي وانشداىي أكثر‪ .‬ستتركنا‪ .‬دخمت دليمة باكية‪ .‬لمن‬

‫‪o‬‬
‫تتركينا يا أمي‪ .‬أبكت من في الحجرة‪ .‬حتى والدتي دفعت بدمعة حارة من عينييا‪.‬‬
‫أصابتنا جميعاً‪ .‬كيف حدث ماحدث؟ انيار الرجل العظيم‪ ،‬انتخب صارخاً‪:‬‬
‫سعدى‪ ،‬الحروف التي اندثرت‪ .‬الضوء الذي خفت‪ .‬ماليذه األيام السوداء ال تفرز‬
‫‪ott‬‬
‫قدمي وسعدى التي عالجتيا تتبخران في‬ ‫ّ‬ ‫إال م اررة وسواداً؟! األرض التي أحرقت‬
‫اليواء‪ .‬يالنكد الدنيا! سعدى‪ ،‬عودي إلي! وماذا أفعل أنا؟ ممقى بجانبيا ميمالً‪.‬‬
‫يعتبرونني القاتل‪ ،‬وأنا القتيل‪ ،‬صفعات الزمن المتالحقة تستمقي عمى وجو‬
‫أيامنا‪ .‬أنا وىو ودليمة‪ .‬عصارة الحزن الصافي‪ .‬ألم السنين الموحشة‪ .‬سعدى‬
‫مضت‪ .‬حريق في القمب يمتيم كل األحاسيس‪ .‬دخل ذيب تتبعو ذيبو‪ .‬قالت لي‬
‫‪alk‬‬

‫زوجة أخي اآلخر أن ذيب لم يكن عمى وفاق مع والدتي رغم دالليا الزائد لو‪ .‬كان‬
‫يبكي بحرقة وىكذا فعمت ذيبو‪ .‬ال شماتة في الموت‪ .‬لمن تتركيننا ياسعدى؟ دليمة‬
‫والياللي الكبير وأنا‪ .‬كانت خالتي تبكي بصمت‪ .‬أما سكيبو فقد تدافعت يداىا في‬
‫محاولة فاشمة الستردادىا‪ .‬الموت! ىذا الغامض المتربع عمى عرش حياتنا‪ .‬يختار‬
‫ضحاياه بعناية‪ .‬لم تشفع ليا كل دعواتنا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫سعدى في رحاب اهلل‪.‬‬


‫تناولتني خالتي من بين الجميع‪ .‬رفضت ذيبو أن تجيرني‪ .‬التجأت إلى زوجة‬
‫أصر عمى أن‬
‫أخي اآلخر‪ .‬وعندما تم مواراتيا في مكان أجيمو‪ .‬استأثر بي ذيب‪ّ .‬‬
‫بشدة‪.‬‬
‫يجيرني‪ .‬تممصت منو في محاولة ألن التجئ إلى أخي اآلخر‪ .‬رفض ذيب ّ‬
‫عرفت فيما بعد سبب ىذا اإلصرار‪ :‬يريد أن يستأثر بما تجود بو عمينا وكالة‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 007 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫غوث الالجئين من أغذية كل شير‪.‬‬
‫تدثر الياللي الكبير بالحزن والحرمان‪ .‬أيام مضت ثم ّأرقو شبقو ووحدتو‬
‫وحرمانو‪ .‬تزوج بعد وفاة سعدى بأشير قميمة‪ .‬لم يجد عند زوجتو الجديدة ماكان‬

‫‪o‬‬
‫يجده عند سعدى‪ .‬الحب‪ ،‬الحنان‪ ،‬المرفأ اآلمن‪ ،‬الوفاء‪ ،‬القناعة‪ ،‬وفوق ذلك كمو‬
‫االستقامة‪ .‬أمضى شيو اًر قمقة بعد زواجو‪ .‬ثم مات حسرة عمى سعادة اندثرت مع‬
‫ماسر ىذه الحياة؟ تتوالى النكبات وماعمينا إال االنبطاح تحت وقع‬ ‫سعدى‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ّ‬
‫ضرباتيا‪ .‬وحيد في صحراء الحياة المترامية‪ .‬حدثتك عن تمك الصفعة اليائمة التي‬
‫ألقتيا ذيبو عمى صفحة وجيي‪.‬‬
‫‪ -‬متى؟ سألتو‪.‬‬
‫‪ -‬ىل نسيت؟ سألني‪.‬‬
‫‪ -‬صيرتني م اررة أيامك! قمت‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫‪-‬وىل في مقدور ىذه الكممات أن تصور طعم تمك الم اررة؟ تستعصي عمي‬
‫المغة‪ ،‬ىذه المخموقة العجيبة! أروع مافييا أنيا ال تموت‪ .‬بل تتجدد‪ ..‬أجب‬
‫بصراحتك المعيودة‪ ،‬ىل نجحت في تصوير ماال يصور؟!‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬أصدقك القول أنني تداخمت وصورك‪ .‬أحياناً أشعر بم اررة أيامك‪.‬‬
‫‪ -‬أحياناً؟! قال باستنكار‪..‬‬
‫‪ -‬أقصد معظم األحيان‪ .‬وفي بعض األحيان تسمبني من ذاتي بروعة‬
‫تصويرك لؤلشياء‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬لم تجب‪..‬‬
‫‪ -‬وماذا أقول؟ أترك ذلك لآلخرين‪ ،‬أما أنا فسأشاركك حديثك‪.‬‬
‫اخترت زاويتي في أحشائيا بمحض إرادتي‪ ،‬سعدت ىي الختياري‪ .‬وبعد أن‬
‫غادرتيا أو األدق غادرتني‪ ،‬اختارت ذيبو زاويتي‪ .‬منبوذ‪ .‬كممة صعبة‪ ،‬لكنيا‬
‫تصور حالي بعدما غادرتني‪ .‬ميمل‪ .‬ربما قضيت أيامي في تمك الزاوية‪ .‬كنت‬
‫‪w.‬‬

‫أظن أن ىذه الرائحة الكريية تنبعث من مكان بعيد‪ ،‬صعقت عندما عرفت أنني‬
‫مصدرىا‪ .‬ازرتني زوجة أخي اآلخر‪ ،‬استدعيتيا س اًر‪.‬‬
‫‪ -‬عساك بخير؟!‬
‫سألتني بشفقة ال تخفى عن العين‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬من أين يأتي الخبر ؟ أجبتيا‪.‬‬


‫‪- 008 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬ما الذي يزعجك؟‬
‫‪ -‬أريد أن أستحم!‬
‫‪ -‬فمتفعل!!‬

‫‪o‬‬
‫نظرت ليا نظرة عاتبة‪ .‬فيمتني‪ .‬حممتني في سمة قديمة وخرجت بي من‬
‫المنزل‪ ،‬وعندما رآىا ذيب‪ ،‬نيرىا أن تتركني‪ .‬البد وأن يرى الطبيب‪ .‬قالت‪ .‬وأين‬

‫‪b.c‬‬
‫ىو ىذا الطبيب الذي سيراه؟ قال‪ .‬دعيا تأخذه‪ .‬قالت ذيبو‪ .‬لم يتكمم‪ .‬ذىبنا معاً‬
‫إلى منزليا‪ .‬وىناك استعدت ذاتي التي تسربت مني عبر رائحتي النتنة التي كانت‬
‫تتسرب مني‪ ،‬إني جائع يازوجة أخي الرائعة‪.‬‬
‫تناولت الغذاء في ذلك المطعم الذي اعتدت أن أرتاده ومحمود النجار‪ .‬أىي‬
‫مصادقة أن أجد تمك الطاولة خالية من رواد المطعم؟! جمست في مقعدي الذي‬
‫اعتدت أن أجمس عميو‪ .‬تذكرتو! إنو ال ينسى‪ .‬خرجت مسرعاً إلى المنزل‪ .‬وعمى‬

‫‪o‬‬
‫الباب وجدت ورقة مكتوب فييا "حضرت ولم أجدك أرجو الحضور إلى منزلي‬
‫مساء‪ .‬أبو الييثم‪ ،‬أقفمت زاوية التفكير فيو وفي الرسالة‪ .‬فتحت باب أحالم‬
‫ً‬ ‫اليوم‬
‫اليقظة‪ ..‬الجامعة‪ ..‬كمية الطب‪ ..‬وأن كان من الصعب تحقيق ذلك فكمية اليندسة‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫ىندسة الطيران‪ .‬المطار والطائرات والسروال القصير والعمل الجاد‪ .‬فأنت‬
‫مسؤول عن أرواح مئات بل آالف من البشر‪ .‬سماعة الطبيب المدالة عمى صدرك‬
‫وذاك المريول األبيض‪ .‬والوطن‪ ..‬أو اشتريو؟! عجبت ليذه الكممة‪ ..‬الوطن! بقعة‬
‫من األرض ومنزل‪ ..‬ال‪ ..‬ال ليس ىذا ىو الوطن‪ ..‬ماىو إذن؟! ذاك الرباط‬
‫السحري بقطعة األرض التي أنت عمى استعداد ألن تنساب دماؤك في سبيل‬
‫‪alk‬‬

‫الدفاع عنيا‪.‬‬
‫أىذا ىو الوطن؟! ولماذا حدث ماحدث؟! لقد سالت الدماء وضاع الوطن‪.‬‬
‫عندما أمرك الجندي ورفاقك أن ال تمتفتوا لمخمف‪ ،‬كنت سعيداً‪ ..‬نعم كنت كذلك‪..‬‬
‫ظننت أنيا فترة مؤقتة بعدىا نعود‪" ..‬صيغة الجمع‪ ..‬من نحن؟! ال بأس‪" ..‬إليو‪..‬‬
‫كما كان يعتقد والدك الياللي الكبير وآالف مثمو‪ ..‬أو ستقضي حياتك تنتظر تمك‬
‫المحظة!! آه المحظة وغاده كانت لحظات تكون جزءاً من حياتي‪ .‬نسيتيا ال‪ ..‬لن‬
‫‪w.‬‬

‫أنساىا‪ ..‬ىي في مقمة العين‪ ..‬أظنيا تتذكرني كمما سارت في ذلك الشارع‬
‫الطويل!! من يعمم‪ ..‬إنيا الوطن‪ ..‬تمك الروابط السحرية التي تربطني بيا ىي‬
‫مايربطني بالوطن‪ ..‬والوطن نحبو كما يقولون‪ ..‬ستعود طبيباً أو ميندساً‪ ،‬وستبني‬
‫ذاك البيت الذي حممت بو كثي اًر‪ ..‬لم أنتبو لوصول عاطف من المدرسة‪ ،‬فتح الباب‬
‫‪ww‬‬

‫ودخل كسراب الصحراء‪.‬‬


‫‪- 009 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬مرحباً‪ ..‬قال‪.‬‬
‫فاجأتني في خموتي‪ .‬أيقظتني من أحالمي‪..‬‬
‫‪ -‬أىالً بعاطف‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬ألم تخرج؟!‬
‫‪ -‬بمى ‪ ..‬لقد خرجت وذىبت إلى صاحبك‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬من ىذا الصاحب؟!‬
‫‪ -‬أبو الرائد‪..‬‬
‫‪ -‬تشاجرتم‪..‬‬
‫‪ -‬ليس تماماً‪..‬‬
‫‪ -‬إذن ماذا؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬طمبت منو شيادة من منظمة التحرير تثبت أنني مبعد‪..‬‬
‫‪ -‬وىل حصمت عمييا؟‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬نعم‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا ستفعل بيا؟!‬
‫‪ -‬سأذىب إلى دمشق وأحاول دخول الجامعة‪..‬‬
‫‪ -‬خطوة جيدة‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫أعمم أنو يتناول طعامك الغذاء خارج المنزل‪ ،‬ىذا اليوم لم يفعل‪ .‬بدأ يعد‬
‫طعامو‪ .‬ساعدتو‪ .‬وعندما انتيى تناول غذاءه وحده وذىبت ألنام‪.‬‬
‫في المساء خرجت‪ .‬مخيم الوحدات ىو وجيتي‪ .‬لماذا أسموه جميورية‬
‫الوحدات؟! ال أدري‪ ،‬لكني كرىت تمك التسمية‪ .‬مخيم الوحدات يحمل تمك المعاني‬
‫التي نقاتل من أجميا‪ .‬لكنيم مصممون عمى استثارتيم‪ ،‬ولقد نجحوا‪ .‬وصمت ولم‬
‫تخن ذاكرتي في الوصول إلى منزل أبي الييثم‪ .‬طرقت الباب‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬أىالً يوسف‪ .‬قال مرحباً‪.‬‬


‫‪ -‬أىالً بك‪..‬‬
‫‪ -‬ىل وجدت الرسالة؟! سألني‪..‬‬
‫‪ -‬نعم وىا أنذا تحت أمرك‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 021 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬كل مافي األمر أنني تسممت رسالة من ابن خالك في السعودية‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف عرف أنني ىنا‪..‬‬
‫‪ -‬يبدو أن خالك أرسل لو‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫تناولت الرسالة‪ .‬كانت ال تزال مغمقة‪ .‬أعجبني تصرفو‪ .‬فتحتيا وقرأت‬
‫ماأسعدني‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫عزيزي يوسف‪.‬‬
‫اليوم عممت من والدي أنك في األردن بعد أن قضيت مدة طويمة في السجن‪.‬‬
‫أعرف أنك ممتاز في الدراسة‪ .‬وعميو فإنني مستعد ألن أرسل لك مبمغاً شيرياً إذا‬
‫دخمت أية جامعة‪.‬‬
‫تمنياتي لك بالتوفيق‬

‫‪o‬‬ ‫المخمص‬
‫ابن خالك‬
‫محمد النزيو‬
‫‪ott‬‬
‫سعدت بالرسالة‪ ،‬أتت في وقتيا‪ .‬سممتيا ألبي الييثم ليقرأىا‪ ،‬انفرجت أساريره‪.‬‬
‫قدميا لزوجتو التي ابتسمت قائمة‪.‬‬
‫‪ -‬ىذه فرصة أتتك من السماء ‪ .‬ال تتردد يايوسف‪.‬‬
‫‪ -‬أنا فعالً سأسافر إلى دمشق خالل يومين‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬لماذا لم تخبرني؟!‬
‫‪ -‬كنت سأزورك ىذا اليوم وأقول لك‪..‬‬
‫عشاء فاخ اًر‪ .‬دخنا‬
‫ً‬ ‫كانت زوجتو قد أعدت العشاء‪ .‬ىو يحب المحوم‪ ،‬فكان‬
‫بعده عدة لفائف مع فنجانين من القيوة والشاي‪.‬‬
‫‪ -‬مايدور يا أبا الييثم في عمان شيء خطير‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬أال تعمم إنني اعتقمت ألنني اعترضت؟!‬


‫‪ -‬أوليس ىناك فسحة من الوقت نعيد فييا التفكير فيما نقوم بو ىنا؟!‬
‫‪ -‬ال أظن ذلك‪ .‬ال يتركون لنا فرصة‪ .‬كثيرون الذين يتربصون بنا ويتصيدون‬
‫أخطاءنا‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫يتربصون بنا ويتصيدون أخطاءنا‪ ..‬ثم ماذا؟! أما من رجل ذي بصيرة يرى‬
‫‪- 020 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫المستقبل ويقرؤه؟! ويجنبنا الكارثة‪ .‬أبو الييثم‪ ،‬بعد اعتقالو سار مع التيار‪ .‬دمشق‬
‫ىي اليدف! قادم أنا‪ ..‬ال أستطيع أن أعيش وسط الماء اآلسن! الرحيل الرحيل‪..‬‬
‫غادرتيم وذىبت إلى منزل فاطمة استعداداً لدرس المغة‪ .‬لم أجد سيا ىناك‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫خذلتني مشاعري‪ ،‬فعرفت فاطمة مايدور في رأسي‪.‬‬
‫‪ -‬ستحضر‪ ..‬قالت‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫تغابيت‪ .‬أحياناً ينقذ الغباء صاحبو‪.‬‬
‫‪ -‬من؟! قمت‪.‬‬
‫‪ -‬ألم تتوقعيا ىنا؟!‬
‫‪ -‬من؟!‬
‫‪ -‬ال تتغابى!‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬آه ‪ ..‬سيا‪..‬‬


‫‪ -‬نعم يايوسف سيا‪ .‬سأعد فنجان قيوة وقبل أن أنتيي منو ستحضر‪.‬‬
‫وىذا ماحدث‪ .‬حضرت‪ .‬بدأت تثرثر كثي اًر‪ ،‬دخنا وشربنا القيوة‪ ،‬وبدأت تغني‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫غنت كثي اًر لكنيا لم تغن تمك األغنية الجميمة‪ .‬طمبت منيا ذلك‪ .‬غنتيا‪ ،‬ياجبل‬
‫البعيد خمفك حبايبنا‪ ..‬بتموج مثل‪ ..‬وسرحت خمف الجبل‪ ..‬التقيتيا‪ ..‬غاده‪..‬‬
‫احتضنتيا‪ ..‬طرت بيا إلى آفاق بعيدة‪ .‬منزل ريفي أمامو شجرة خروب وشجرة‬
‫تفاح وأخرى برتقال‪ .‬حوض من الزىور أمام المدخل‪ .‬خرجنا معاً في مساء يوم‬
‫شتوي‪ .‬أعشق المطر‪ ..‬يتساقط‪ ..‬يتساقط برشاقة‪ .‬بعد لحظات يتوقف‪ .‬الغيوم‬
‫‪alk‬‬

‫تممئ السماء‪ ،‬وغيمتي اليادئة تتيادى عمى الوجو ناعم القسمات‪ ،‬غاده بجانبي‪..‬‬
‫تسربت داخمي وتسربت داخميا‪ ،‬نستمتع برائحة األرض المبممة بماء المطر‪ .‬برودة‬
‫الطقس تدور بأرواحنا بعيداً بعيداً في فضاء بال نياية‪ .‬تسمبنا إحساسنا بما حولنا‪.‬‬
‫اقتربنا من شجرة البرتقال‪ .‬جاورناىا‪ .‬امتدت يدي تقطف إحدى البرتقاالت المبممة‬
‫بماء المطر‪ .‬قطفت واحدة أخرى‪ .‬عدنا إلى مدخل المنزل‪ .‬قطفت وردة حمراء‬
‫فاقعاً لونيا‪ .‬رائحتيا الزكية تسممت إلى رئتينا‪ .‬اقتربت من الغيمة المسكونة‬
‫‪w.‬‬

‫باألسرار‪.‬‬
‫قابمتني‪ .‬وضعت يدي عمى كتفييا‪ ،‬لم أتكمم‪ .‬سبحت في بحر عينييا‪.‬‬
‫يالمجمال اليادئ‪ .‬يضاىي جمال الطبيعة الشتوية‪ .‬فكرت لنفسي‪ .‬المست يداي‬
‫وجنتييا‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫ىادئة كمالمحيا‪ .‬تحركت يداىا‪ .‬احتضنت يداي‪ .‬اقتربت مني‪ .‬اقتربت منيا‪.‬‬
‫‪- 022 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫تاىت في أعماقي‪ .‬تيت في عطرىا القادم من غيمتيا‪.‬‬
‫‪ -‬غاده!‬
‫‪ -‬ال توقظني‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬ظننت أنني أنا الذي فقد إحساسو بالزمن والحياة‪.‬‬
‫‪ -‬ال توقظني!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬ومن يجرؤ عمى ذلك؟!‬
‫‪ -‬ال توقظني!‬
‫‪ -‬أرافقك‪ ..‬أستظل بغيمتك‪ ..‬أسبح في سحر عينيك‪ ..‬أنت أيامي‪..‬‬
‫‪ -‬أنت كل شيء في حياتي‪..‬‬
‫ومضت األيام‪ ..‬وفي الشتاء التالي‪ ،‬خرجنا من المنزل‪ ..‬أوس خمفنا‪" .‬عد إلى‬

‫‪o‬‬
‫الداخل"‪ .‬ىمست لو‪ ..‬لم يمتفت ليا‪ ..‬تابعنا تجوالنا‪ ..‬زىرة أيامنا‪ ..‬ذىبنا إلى شجرة‬
‫البرتقال‪ ،‬قطعنا برتقاليتين‪ ..‬قدمت ليا وردة‪ ..‬قطف أوس وردتين‪ ،‬قدم األولى‬
‫لغاده والثانية أىداىا لي‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫ال زلت مستمقياً عمى السرير‪ .‬مبيو اًر بحممي وبحياتي‪ .‬ما أعذبو‪ .‬ما أعذبيا‪.‬‬
‫والوطن؟! ىو غاده وأوس‪ ،‬تمك الروابط الخفية‪ ،‬الوطن الفكرة التائية‪ .‬ندور حوليا‪،‬‬
‫نحاول التقاطيا‪ .‬خمف الجبل‪ ،‬كما تقول فيروز‪ .‬واأليام تسقيك عمقميا وأنت خمف‬
‫الجبل‪ .‬من أين أتى ىذا الوباء؟! عالجو!! وأنت خمف الجبل؟! ومشاكل مخيم‬
‫جرش!! من يحميا؟! أتركيم يفعمون دخنت لفافة تبغ‪ .‬لفني دخانيا‪ .‬غرست األفكار‬
‫‪alk‬‬

‫في رأسي‪ .‬غاده وأوس وشجرة البرتقال والشتاء والبيت الريفي‪ .‬نيضت‪ .‬ىل حقاً‬
‫ذىبت إلى السينما؟! سألني ذيب‪ .‬لم أجب‪ .‬دلقت كل مافي جيبي من نقود بين‬
‫يديو‪ .‬كان في لباس ذئب ولم يكن في مقدوري إال أن أفعل مافعمت‪.‬‬
‫بدأ يومي‪ .‬لحظة ال أحس بيا‪ .‬لحظاتي كانت ىناك خمف الجبل‪ .‬فنجان‬
‫القيوة والمفافة‪ .‬ىذه المفائف المعينة‪ ،‬ال أستطيع تركيا‪ .‬تنغرس بي شفتي بتمقائية‬
‫‪w.‬‬

‫عجيبة‪ .‬إلى أين ستذىب؟ ألتجول في شوارع المدينة‪.‬‬


‫عمان‪ ..‬ىذه المدينة الحزينة‪ ..‬تائية ىي أيضاً‪ ..‬جامع الحسين‪ ..‬سوق‬
‫اليمنيو‪ ..‬ىكذا يسمونو‪ ..‬اشتريت معطفاً ثقيالً‪ .‬الشتاء في عمان قارص‪ ..‬تابعت‬
‫سيري بال ىدف‪ ..‬أتصفح وجوه الناس والدكاكين‪ ..‬كل شيء ىادئ‪ ..‬ومن بعيد‬
‫أتاني صوت الرصاص‪ ..‬لم أبال‪ ..‬والماره تجاىموه‪ ..‬جزء من حياتنا ىذا‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 023 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫الرصاص‪ ..‬والذين خمف الجبل؟‬
‫‪ -‬يوسف‪..‬‬
‫صحوت عمى من يناديني‪ ...‬نظرت إلى السماء‪ ..‬غيوم كثيرة تتجول في ىذا‬

‫‪o‬‬
‫الفضاء الالمتناىي‪ ..‬ىل عادت من الالمكان لتصحبني؟! وددت لو تشاركني تمك‬
‫القطعة التي اشتريتيا بكنز ذيبو‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬يوسف‪..‬‬
‫صوت قادم من األرض‪ ..‬تجاىمت الغيوم‪ ..‬التفت إلى مصدر الصوت‪..‬‬
‫رأيتو أحمد السمفيتي رفيق سجن ىادئ‪ ..‬عضو حزب العمل ‪ ..‬أي حزب ىذا؟!‬
‫جاد وذكي‪ ..‬مثقف‪ ..‬رافقتو شيو اًر عدة في سجن نابمس‪ .‬تعاطفت معو ليمة أن‬
‫صحونا عمى صراخ شاب لعوب بدأ يضربو بشدة مدعياً أن أحمد حاول اغتصابو‪.‬‬
‫ال يمكن أن يعمميا‪ .‬قال الرفاق‪ ،‬وأنا أعتقد ذلك‪ ،‬بدأ يميل إلي ويحدثني عن حزبو‬

‫‪o‬‬
‫صارم االنضباط‪ .‬اتجيت نحوه‪ ..‬أخذني باألحضان‪..‬‬
‫‪ -‬أين أنت يارجل؟! سألني‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬في دنيا اهلل الواسعة‪..‬‬
‫‪ -‬متى خرجت؟‬
‫‪ -‬في السابع عشر من أيمول‪.‬‬
‫أخذني إلى مقيى نسيت اسمو‪ ..‬طمب لنا فنجانين من القيوة‪ .‬قدمت لو لفافة‪.‬‬
‫اعتذر‪ .‬ال يدخن قال‪ .‬وتحدثنا كثي اًر‪ .‬ثم دعاني إلى الغذاء في منزلو‪ .‬ذىبنا معاً‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬ماذا تعمل اآلن يايوسف؟!‬


‫‪ -‬ال شيء‪..‬‬
‫‪ -‬وماىي خططك لممستقبل؟!‬
‫‪ -‬حاولت أن أكون مقاتالً ولكن‪..‬‬
‫‪ -‬ىذه المكنة المعينة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬ولكني فضمت الذىاب إلى سوريا‪ ،‬سأحاول دخول الجامعة ىناك‪ ،‬فأنا ال‬
‫يمكن أن أشارك في ىذا العبث الدائر ىنا‪.‬‬
‫‪ -‬حسناً فعمت؟؟‬
‫وطال حديثنا عن السجن وأيامو‪ .‬السجن أكثر أمناً من ىذا المكان‪ .‬قمت‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 024 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫لنفسي‪ .‬وظني أن ىذا ىو رأيو‪ .‬ثم أعطاني اسم مسؤول لحزب العمال في دمشق‬
‫وأوصاني أن أزوره وأقارن بنفسي طريقة العمل‪ .‬أعطاني رقم ىاتفو‪ .‬كما أنو طمب‬
‫وعدتو بأنني سأزور الرجل‬
‫مني أن أحضر لو كتاب النظام الداخمي لحزب العمل‪ّ .‬‬

‫‪o‬‬
‫وأحضر الكتاب‪ .‬استأذنتو وانصرفت‪ .‬شوارع عمان ضيقة‪ .‬تضيق بالناس وتكتم‬
‫أنفاسيم‪ .‬أحببتيا‪ .‬أشعر بوحدتي وسطيم‪ .‬تابعت سيري بال ىدى حتى اشتكت‬
‫مساء‪ .‬عاطف يتناول طعام عشائو‪.‬‬
‫ً‬ ‫قدماي‪ .‬ذىبت إلى المنزل‪ .‬الساعة الثانية‬

‫‪b.c‬‬
‫تركت جسدي يتيالك عمى مقعد في الشرفة أحضر عاطف كأسين من الشاي‪ .‬مع‬
‫لفائفنا ورشفات الشاي والصمت قضينا وقتاً طويالً‪.‬‬
‫‪ -‬سأذىب غداً إلى دمشق‪ ..‬قمت‪.‬‬
‫‪ -‬قرار ال رجعة عنو!‬
‫‪ -‬ال رجعة عنو‪ .‬قمت‪.‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬ليكن التوفيق حميفك‪..‬‬


‫‪ -‬أشكرك‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬ىل ستعود ثانية؟!‬
‫‪ -‬األيام ىي التي ستقرر‪..‬‬
‫‪ -‬كيف؟!‬
‫‪ -‬إذا وفقت ودخمت الجامعة فمن أعود‪ ..‬واال ستجدني أمامك‪..‬‬
‫‪ -‬سأبقى في ىذا المنزل حتى أسمع أخبارك‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫وفي صباح اليوم الثاني وضعت مالبسي في حقيبة وحممت معطفاً عمى يدي‬
‫وغادرت المنزل‪ .‬كان عاطف قد ذىب إلى المدرسة‪ .‬ترك لي ورقة مكتوب فييا‬
‫بعض عبارات الوداع الجميمة‪ .‬كتبت لو عمييا‪" :.‬أطمب من اهلل أن يوفقك‪ .‬إلى‬
‫المقاء أييا الصديق"‪ ..‬أقفمت الباب واحتفظت بالمفتاح معي‪ .‬الساعة العاشرة‬
‫والنصف صباحاً‪ .‬ال بأس إن ذىبت إلى فاطمة أودعيا فعمت‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬صباح الخير‪ .‬قالت‪.‬‬


‫‪ -‬تفضل‪..‬‬
‫‪ -‬دخمت منزليا‪ .‬كانت قد أعدت الشاي لنفسيا فشاركتيا‪ ..‬دخنت لفافتين‪..‬‬
‫حضرت سيا‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬أىالً يوسف‪ ..‬صاحت عندما رأتني‪.‬‬


‫‪- 025 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬أىالً سيا‪..‬‬
‫‪ -‬أرى حقيبتك منتفخة بالمالبس‪.‬‬
‫‪ -‬سأذىب إلى دمشق‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬حقاً‪..‬‬
‫‪ -‬حقاً‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫رافقتني حتى السيارات الذاىبة إلى دمشق‪ .‬ألقت بيدىا بين يدي‪ .‬اقتربت‬
‫مني‪ .‬استنشقت رائحة عطرىا‪ ..‬ال تضاىي رائحة عطر غاده‪ ..‬فكرت‪ .‬اقتربت‬
‫مني حتى أحسست لمحظة أنيا ستقبمني‪ ..‬ابتعدت قميالً‪ .‬انتيبت إلى أن الناس‬
‫حولنا يرمقوننا بأعينيم‪..‬‬
‫‪ -‬ليوفقك اهلل‪ ..‬قالت ثم غادرتني‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫وضعت حقيبتي في السيارة‪ ..‬جمست في المقعد األمامي بجوار السائق‪.‬‬
‫المقعد الخمفي كان قد امتؤل بالركاب‪ .‬جاورتني امرأة في مقتبل العمر‪ .‬صاح‬
‫السائق‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬أبو جاسر‪ ،‬نحن مستعدون وسننطمق‪..‬‬
‫‪ -‬رافقتكم السالم‪.‬‬
‫الساعة العاشرة صباحاً‪ .‬سجن غزة العسكري‪ .‬نرتب األغطية ونبدأ في‬
‫تنظيف الحجرات بالماء والصابون‪ ،‬بعض المساجين ينظفون الممر أمام حجرات‬
‫السجن‪ .‬صاح عسكري في مكبر الصوت‪ ..‬كل من يسمع اسمو يحزم أغطيتو‬
‫‪alk‬‬

‫ويستعد لمنزول إلى ساحة السجن‪ .‬أسماء كثيرة تناقمتيا أجيزة التكبير بينيا اسمي‪..‬‬
‫يوسف بن يوسف الياللي‪ ..‬حممت أغطيتي‪ ،‬وبدأ قمبي ينبض بسرعة‪ .‬أمسكت بو‪.‬‬
‫لم يمتفت لي‪ .‬صحت بو أن أىدأ‪ .‬لم يأبو بي مرة أخرى‪.‬‬
‫تجاىمني‪ .‬وىكذا فعمت أنا‪ .‬أومن الممكن أن يطمقوا سراحي؟! لم يوجيوا لي‬
‫أي تيمة حتى اآلن‪ .‬ولم ال؟! فاروق وعبد الكريم لم يمكثا في السجن سوى أيام‬
‫‪w.‬‬

‫معدودة‪ .‬لكني لم أتكمم عنيم كممة واحدة‪ .‬حتى أنيم لم يستجوبوىم‪ .‬أما أنت‬
‫فاعترف عميك خميل أبو خديجو‪ .‬وعرفت بعدىا أنو مسؤول الجناح العسكري‬
‫لممنظمة‪" ..‬تشجع"‪ ..‬قال أحد رفاق السجن‪ .‬ربما إفراج‪ .‬وربما نقل إلى سجن‬
‫آخر‪ ..‬دارت أفكاري ودارت بي الدنيا‪ ..‬حدسي أنيا الثانية‪ ..‬سرت مع اآلخرين‪.‬‬
‫وصمنا إلى ساحة السجن‪ .‬سممنا أغطيتنا‪ .‬اصطفننا أمام جدار طويل‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 026 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫"وجيك لمجدار"‪.‬‬
‫صاح أحد الجنود‪ ..‬امتثمنا لؤلمر‪ ..‬أوثقوا قيودنا‪ .‬كل سجينين ربطا معاً‪ .‬ثم‬
‫أدخمونا سيارة السجن السوداء‪ .‬غموا أعيننا برباطة سوداء‪ .‬تحركت السيارة‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫محشورين فييا كخراف العيد‪ .‬باب حديد يفصل بيننا وبين حارسين بأسمحتيم‪.‬‬
‫سارت السيارة بسرعة معقولة‪ .‬أحسست طريق غزة بيت حانون‪ .‬نحن عمى مشارف‬
‫القرية‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫توقفت السيارة لمحظات‪ .‬البد وأننا في حاجز أيرز‪ .‬تمك النقطة الفاصمة بين‬
‫الذي استولوا عميو سابقاً وماضموه الحقاً‪ .‬تحركت السيارة‪ ..‬كم مضى من الوقت؟!‬
‫ال أدري!! ولماذا أسأل؟ أخي اًر أبطأت‪ .‬دخمت سجناً جديداً‪ .‬نزلنا ونحن نجر قيود‬
‫أقدامنا وأيدينا‪..‬‬
‫‪ -‬رأسك في األرض ياكمب‪ ..‬وألقى بيده عمى رقبة أحدنا‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫نزلت رؤوسنا فوق صدورنا‪ .‬ركمني أحدىم بقدمو‪ .‬ضرب جندي آخر سجيناً‬
‫بعصا غميظة‪ .‬ثم تيافتت عمينا الركالت والشتائم‪" ..‬أنت في سجن عسقالن يا‬
‫كمب‪.."..‬‬
‫‪ott‬‬
‫سرنا في طابور‪ ..‬الزالت رؤوسنا مداللة عمى صدورنا‪ ..‬عندما وصمت‪..‬‬
‫‪ -‬اسمك‪..‬؟!‪...‬‬
‫‪ -‬يوسف‪..‬‬
‫اصطدمت يد غميظة بوجيي‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬كل كممة ىنا تتبعيا بكممة "سيدي" فاىم ياحمار‪..‬‬


‫‪ -‬نعم‪..‬‬
‫‪ -‬وىوت اليد عمى وجيي مرة أخرى‪..‬‬
‫‪ -‬نعم سيدي‪..‬‬
‫تعوم في بحر اإلذالل‪ ...‬ال قدرة لديك عمى الخروج‪ ..‬كثر ىم الذين سبحوا‬
‫‪w.‬‬

‫وال يزالون في ىذا البحر‪ ..‬واال مامعنى مايحدث اآلن؟! ليس ىنا‪ ..‬ولكن في كل‬
‫مكان‪..‬‬
‫استممت أغطيتي‪ ..‬وقادنا عسكري إلى إحدى حجرات سجن عسقالن‪ .‬كانت‬
‫حجرة نظيفة تحتوي عمى حمام نظيف أيضاً‪ .‬وضعت أغطيتي في مكان ما‪ .‬قال‬
‫‪ww‬‬

‫لي "شاويش" الحجرة وىو سجين قديم يختاره السجناء لقدمو وأخالقو‪..‬‬
‫‪- 027 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬ضع أغطيتك ىنا‪..‬‬
‫‪ -‬ولماذا ليس ىنا؟! سألت‪..‬‬
‫‪ -‬أرجو أن تضعيا ىنا‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫فعمت‪ .‬بعدىا بمحظات صاح الشرطي "فسحة" خرجنا‪ .‬درنا في ساحة السجن‬
‫مدة نصف ساعة‪ ،‬ألقى عمينا الشاويش "خنجر" تعميماتو أثناء دوراتنا‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬يديك خمف ظيرك‪ .‬رأسك في األرض‪ .‬ال تتكمم مع أحد‪.‬‬
‫وىكذا كان‪ ..‬عدنا إلى حجرة السجن‪ ..‬كانت أغطيتنا متناثرة في كل‬
‫األنحاء‪" ..‬طبل" شرطي الحراسة في طابقنا نثرىا‪ ..‬قال إنيا غير مرتبة جيداً‪" ..‬يا‬
‫سبحان اهلل‪ ..‬يعمموننا الترتيب"‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا تحوي حقيبتك؟!‬

‫‪o‬‬
‫سألني الجندي ونحن في نقطة العبور إلى سوريا‪.‬‬
‫‪ -‬مالبس‪..‬‬
‫‪ -‬فقط‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬فقط‪ ..‬قمت‪ ..‬واذ بي أسمع أسمي‪..‬‬
‫‪ -‬يوسف الياللي‪ ..‬يوسف بن يوسف الياللي‪ ..‬انتيبت‪ ..‬رفعت رأسي‪..‬‬
‫فاجأني السائق‪..‬‬
‫‪ -‬ىل أوراقك صحيحة؟!‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬أظن ذلك‪..‬‬
‫‪ -‬إذن ال تخف‪..‬‬
‫‪ -‬دخمت حجرة فييا رجل بمالبس مرتبة‪ ..‬دققت النظر في وجيو‪ .‬إنو‬
‫كذلك‪ ..‬قمت لنفسي‪ .‬متجيم ‪ ..‬االبتسامة بعيدة عن شفتيو بعدنا عن عمان‪.‬‬
‫‪ -‬اسمك؟! سألني‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫ومن الذي صرخ بو؟!‬


‫‪ -‬يوسف بن يوسف الياللي‪..‬‬
‫‪ -‬والدتك؟‪.‬‬
‫‪ -‬سعدى عبد الرحمن‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 028 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬إلى أين ذاىب؟!‬
‫‪ -‬إلى دمشق‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا ستفعل ىناك؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬سأحاول دخول الجامعة‪.‬‬
‫‪ -‬من توسط لك؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫وبدون تردد قمت "اهلل" نظر إلي طويالً‪ .‬قرأني‪.‬‬
‫‪ -‬رافقتك السالم‪ .‬قال‪.‬‬
‫الحمد هلل‪ .‬نجوت‪ ..‬وممن أخاف؟ ذاك الجندي عند معبر أيرز قال لي "لماذا‬
‫ال تدرس في الخارج؟" وعندما أجبتو كيف قال خارج الكمية‪ ..‬إذن أنت تدرس في‬
‫الخارج‪ ..‬ولم يفتح حقائبنا‪ ..‬غادرت الحجرة‪ ،‬وأنا راض عن نفسي‪ ،‬قمما رضيت‬

‫‪o‬‬
‫عنيا‪ ..‬عندما صرخت في أبي الرائد بأن ىناك واسطة‪ ..‬ىنأت نفسي عمى جرأتيا‪.‬‬
‫ندمت‪ .‬انيمت بسياط التقريع عمى تمك النفس المندفعة‪ .‬لو كنت توددت إليو‪ .‬ربما‬
‫حصمت عمى منحة دراسية‪ .‬سأكون مديناً لو مدى عمري‪ ..‬ذىبت إلى السيارة‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫كان السائق قد التقط حقيبتي ووضعيا في الداخل‪ .‬وعندما رآني تيممت أساريره‪..‬‬
‫دسست نفسي بجانبو‪ .‬جاورتني تمك المرأة الغامضة والصامتة‪ .‬وانطمقنا إلى نقطة‬
‫الحدود األخرى عمى الجانب اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬كم الساعة اآلن؟ سألت المرأة‪..‬‬
‫‪ -‬الواحدة بعد الظير‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬ساعتان قضيناىما في النقطة األولى‪ .‬قالت‪.‬‬


‫لقد نطقت‪ .‬قمت لنفسي‪.‬‬
‫‪ -‬لن نمضي وقتاً طويالً في الثانية‪ .‬قال السائق‪.‬‬
‫وعندما وصمنا‪ ،‬طمب من السائق جوازات السفر ليقوم ىو بالميمة الثقيمة‬
‫عنا‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫عندما سممتو بطاقتي‪ .‬قال‪.‬‬


‫‪ -‬أين جواز سفرك؟!‬
‫‪ -‬ال أممك؟‬
‫‪ -‬وىل مسموح لك الدخول بيذه البطاقة؟‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 029 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬نظر إلييا طويالً‪ ..‬قرآىا‪ ..‬إبراىيم حمدي كان االسم‪ ،‬والمينة‪ ..‬مبعد من‬
‫األرض المحتمة‪..‬‬
‫‪ -‬متى أبعدوك؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬منذ ستة أشير‪.‬‬
‫انطمق بما يحممو إلى مبنى قديم‪ .‬نزلنا من السيارة وجمسنا تحت شجرة‬

‫‪b.c‬‬
‫ظميمة‪ ..‬غادرنا رفاق السفر الثالثة‪ ..‬بقيت أنا والمرأة الغامضة معاً‪ ..‬ثالثنا كان‬
‫الصمت‪ ..‬لحظات‪ ..‬وذىبت إلى مقيى بالقرب من مبنى الجوازات‪ .‬اشتريت شراباً‬
‫وبعض األطعمة لممرأة ولي‪..‬‬
‫‪ -‬ماكان يجب أن تشغل بالك بمثل ىذه األشياء‪ .‬قالت‪.‬‬
‫‪ -‬شيء بسيط‪ ..‬قمت‪..‬‬
‫ترددت لحظات‪ ،‬ثم قبمت ماقدمتو ليا‪ .‬بدأنا نأكل والصمت معنا‪.‬‬
‫تصر عمى أن يجمس‬ ‫ّ‬
‫‪o‬‬
‫في مطعم كمية بير زيت كانت المسؤولةعن الطعام‬
‫كان طالب بجانب طالبة‪ .‬يوميا ولممرة األولى جاورت غادة خارج الفصل‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫استرقت بعض النظرات إلى وجييا فصحت في سري "سبحان الواىب القيار‪ ..‬كل‬
‫ىذا الجمال‪ ..‬وجو مالئكي‪ "..‬أطمقت عمى شعرىا فاحم السواد لقب "الغيمة المثقمة‬
‫ببخار الماء‪ "..‬وكانت رائحة العطر المنطمقة منيا قد امتزجت وأفكاري التائية‪.‬‬
‫‪ -‬ماىذا الطعام؟! سألت وأنا أحاول أن أتذوق أوراق المموخية المطبوخة‪ .‬لم‬
‫أعتد أن أتناوليا عمى ىذه الصورة‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬إنيا مموخية‪ .‬انطمقت منيا نغمات كمان ىادئ‪.‬‬


‫‪ -‬أعرف ولكن لم أعتدىا بيذه الصورة‪ ..‬قمت‪.‬‬
‫‪ -‬تريدىا مخروطة‪.‬‬
‫‪ -‬أنت تعرفين أنني فالح وصعب أن أغير عادتي‪.‬‬
‫بسمة ساحرة ارتسمت عمى شفتييا تساقط الندى عمى وجنتييا‪ ،‬ارتعشت‬
‫‪w.‬‬

‫وردتاىا‪ ،‬فتيت في سحر الجمال والرقة‪.‬‬


‫‪ -‬تعود عمييا أييا الفالح‪.‬‬
‫قالت‪ :‬ومازالت البسمة الساحرة تتراقص عمى شفتييا الورديتين‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الوقت وأنا أتعود عمى أشياء جديدة‪ ..‬غاده‪ ..‬من كممة متوحش‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫بداية التعارف إلى فالح في طريقو إلى غيمتيا التي تواظب عمى إروائيا بالندى‬
‫‪- 031 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ذي الرائحة الزكية‪.‬‬
‫قال عبد الكريم‪:‬‬
‫‪ -‬الحظتك وأنت جالس بجانبيا‪ ...‬كانت ألوان الطيف تتابع عمى وجيك لون‬

‫‪o‬‬
‫بعد آخر‪ .‬قمت لنفسي ترك يوسف ذاتو فتاىت منو‪ ..‬حاول أن يمتقطيا ففشل‬
‫مرات‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫قالت المرأة الصامتة‪:‬‬
‫‪ -‬من أين أنت؟!‬
‫‪ -‬من غزة‪..‬‬
‫صمتت لمحظات‪ ..‬شردت نظراتيا‪ ..‬أيقنت أن رديف ابن غزة ىو المشاغب‬
‫وصانع المشاكل‪ ..‬آثرت الصمت عن أن أدفع صفة لم أظيرىا‪..‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬فدائي ؟! سألتني‪..‬‬


‫‪ -‬حاولت أن أكون‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا تعني؟‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬لم أستطع أن أتعايش ومايدور ىناك‪..‬‬
‫‪ -‬دعت الصمت يشاركنا جمستنا مرة أخرى‪ ..‬رحبت بو‪ ..‬كما الغباء‪،‬‬
‫فالصمت كثي اًر ماينقذ داعيو من مواقف ال يحبيا‪.‬‬
‫‪ -‬قتل زوجي في إحدى المعارك‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫قالت والم اررة تتقافز ليس من عينييا فقط ولكن من كل أجزاء جسدىا‪.‬‬
‫‪ -‬إنو شييد‪ .‬قمت مواسياً‪.‬‬
‫‪ -‬ال أعرف إن كان كذلك؟!‬
‫شدىت‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا تعنين؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬لم يفقد حياتو وىو يقاتل العدو‪..‬‬


‫يا لمم اررة ليس شييداً وماذا يكون في قتال بين األخوة قتل لم تستعمل كممة‬
‫شييد وقتل كثيرون في موقعة الجمل وعمي حارب معاوية أو معاوية حارب عمي‬
‫ونبينا العظيم قال من قتل مسمماً فيو في النار لمن تتسع ىذه النار ال أعرف إن‬
‫‪ww‬‬

‫كان شييداً وماذا يكون إذا لم يكن كذلك وأبو الفحم ىو شييد لقد قاتل العدو وماذا‬
‫‪- 030 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫عن محمود النجار قتل بعد شيور من إبعاده قتل أم استشيد قتل أم استشيد ىذا‬
‫ىو السؤال نعم وأنا أكره أن أعيش وسط الماء اآلسن ىذه ىي الشيادة التي طمبتيا‬
‫قال أبو الرائد يقال أن الدوالرات تمؤل منزلو أنو ثائر والثائر ال يجب أن يجوع وأن‬

‫‪o‬‬
‫قتل برصاصة طائشة أىو شييد تمنيت أن ينفجر لغم أسفل المجنزرة التي ألقاني‬
‫فييا الجنود في الوضع منبطحاً عمى بطني ولم يحدث وماذا لوحدث أكنت شييداً‪..‬‬
‫‪ -‬كرىت ذاك القتال العدمي‪ .‬قالت‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫أفقت عمى صوتيا واأللم يصبغو‪ ..‬وأنا كرىت ىذه العدمية‪..‬‬
‫‪ -‬متى حدث ذلك؟! سألت؟‬
‫‪ -‬أييما الكراىية أم حادثة القتل؟!‬
‫‪ -‬األخيرة‪..‬‬
‫‪ -‬منذ شيرين‪.‬‬
‫يصر عمى أن يرافقني‪ ،‬وأنا‬‫ّ‬
‫‪o‬‬
‫في الوقت الذي غادرنا فيو محمود‪ ..‬ومحمود‬
‫أرغب في ىذه الرفقة‪ ..‬صاحب أخالق ومبادئ‪ ،‬لكنو لم يقتل وىو يقاتل العدو‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬رحمو اهلل‪..‬‬
‫‪ -‬فميرحمنا جميعاً‪..‬‬
‫استقبمنا الصمت‪ ..‬إنو ضيف خفيف الظل‪ ..‬أخرجت لفافة‪ .‬ترددت في أن‬
‫أقدم ليا واحدة‪ .‬قررت‪ .‬قدمتيا ليا‪ .‬قبمتيا‪ .‬وأخذنا ندخن‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬ىو من عممني التدخين‪..‬‬


‫‪ -‬ليرحمو اهلل‪..‬‬
‫‪ -‬كنت قد تخرجت من الجامعة عندما قابمتو لممرة األولى‪..‬‬
‫‪ -‬ىل عندك أوالد؟‬
‫‪ -‬لم يرزقنا اهلل بيم‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫صحونا من إغفاءتنا عمى صوت السائق يصرخ أن ىيا سننطمق‪ ..‬لقد أنجز‬
‫كل شيء ولم يستغرق العمل وقتاً طويالً‪ ،‬ربما كان طويالً ولم نشعر بو حيث كنا‬
‫مستغرقين في مناجاة مايحدث‪ .‬ساعدتيا عمى النيوض‪ .‬احتوتنا السيارة وانطمقت‬
‫من جديد في طريقيا إلى دمشق‪.‬‬
‫قال مصباح والدموع تتساقط من عينيو‪:‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 032 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬ضاعت دمشق‪ ..‬استفردوا بيا‪ ..‬لك اهلل ياعاصمة األمويين‪ ..‬يقذفونيا‬
‫بآالف من قنابل النابالم‪..‬سقطت مصر‪ ،‬وجاء دور سوريا‪ ..‬كنت أستمع لو والنار‬
‫تشتعل في داخمي‪ ...‬لم ال؟! ولقد كانت كارثة مفاجئة لي عندما عممت أن‬

‫‪o‬‬
‫الجوالن سقط بيذه السرعة‪.‬‬
‫بالد الشام ومعاوية‪ ..‬من ىنا خطا خطوتو األولى‪ ..‬من ىنا سار عبد الممك‬
‫بن مروان‪ .‬دمشق عاصمة األمويين‪ .‬دىاء معاوية وعدل عمر‪ .‬وجيش أولو في‬

‫‪b.c‬‬
‫الكوفة وآخره أين؟ في دمشق‪ ..‬بوابة المدينة‪ ..‬شارع متجمل بصفين من األشجار‬
‫دائمة الخضرة‪ ..‬جميمة ىذه الدمشق‪ ..‬من مخيم جباليا إلى عمان إلى دمشق رحمة‬
‫طويمة‪..‬‬
‫‪ -‬ىاقد وصمنا‪ .‬قال السائق‪.‬‬
‫ساحة المرجة‪ ..‬قمب المدينة‪ ..‬تاىت نظراتي في أنحاء محيطي‪ ..‬الناس ىنا‬

‫‪o‬‬
‫أقل تجيماً منيم في عمان‪ ..‬غريب في المدينة‪ ..‬شعرت بغربتي ووحدتي‪..‬‬
‫التجأت إلييا والى صمتي‪ ..‬أنزلت حقيبتي من السيارة‪ ..‬ساعدت المرأة الصامتة‬
‫التي تتمتع بمسحة من الجمال‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬كيف يمكن أن أساعدك؟! سألتيا‪..‬‬
‫‪ -‬أشكرك فأنا أعرف طريقي‪..‬‬
‫‪ -‬إلى أين؟!‬
‫‪ -‬مخيم اليرموك‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬رافقتك السالمة‪..‬‬
‫‪ -‬إن قذفتك األيام إلى ىناك فاسأل عن الحداد أبو عامر‪ ،‬أنا ابنتو‪ ،‬قالت‪..‬‬
‫‪ -‬مع السالمة‪..‬‬
‫غادرتني‪ ..‬تابعتيا وىي توقف سيارة‪ ..‬تدخل فييا‪ ،‬وتضيع وسط الزحام‪..‬‬
‫استطالت ظالل المباني العالية‪ .‬اختفت الشمس‪ ،‬تقضي لحظاتيا األخيرة في‬
‫‪w.‬‬

‫دمشق‪ ..‬ستعود غداً‪ ..‬أنا موقن من ذلك‪..‬‬


‫‪ -‬أين أجد فندقاً متواضعاً؟! سألت السائق‪..‬‬
‫‪ -‬ىذه المنطقة كميا فنادق‪..‬‬
‫وأشار إلى مكان اتجيت إليو‪ .‬فندق سوريا الكبير‪ .‬قرأت لوحة أمام مبنى‬
‫‪ww‬‬

‫قديم‪.‬‬
‫‪- 033 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
m
.‫اتجيت إليو‬

o


o b.c
ott
alk
w.
ww

- 034 -

www.alkottob.com
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-11-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫تمدد الياللي الكبير عمى فراشو يئن ويتألم‪ .‬وقف ذيب بجانبو بال حول وبال‬
‫قوة‪ .‬بحث في جيوبو عن بعض النقود‪ .‬لم يجد مميماً واحداً‪ .‬أخذ ينتحب ويطمب‬
‫المساعدة‪ .‬نظر إليو الياللي الكبير عاتباً ومقرعاً‪ .‬كانت نظرة ذيب معتذرة‪ .‬ال‬
‫يممك نقوداً كي يحممو إلى المستشفى‪ .‬كنت أسمع الصراخ المتواصل من دليمة‬
‫وزوجة الياللي الجديدة‪ .‬حممتني زوجة أخي اآلخر أللقي نظرتي األخيرة عمى‬

‫‪o‬‬
‫الرجل الذي انيارت قواه ولم تعد لديو قوة لمقاومة المرض‪ .‬كان صراخ ذيبو عالياً‪،‬‬
‫وأظنو لم يكن من القمب‪ .‬لقد كان قاسياً عمييا‪ .‬كانت متمردة وترغب عن ذيب‪.‬‬
‫يصر عمى زواجيا من ذيب طمعاً في‬ ‫ىي ابنة عمي‪ .‬وكان الياللي الكبير‬
‫‪ott‬‬
‫ّ‬
‫أرضيا التي استولوا عمييا ضمن دولتيم الجديدة‪ .‬كان المسكين يحمم بالعودة‪.‬‬
‫أصبحت وحيداً اآلن‪ ،‬ذاك الغصن الذي ربما استظميت بظمو تالشى واندثر‪.‬‬
‫لفظ أنفاسو األخيرة‪ .‬كان حزن أخي اآلخر كاسحاً‪ .‬إنو ابنو البكر من خالتي أخت‬
‫أمي التي توفيت بعد والدتو‪ .‬ضخم الجثة كوالده‪ .‬طويل القامة مثمو‪ .‬مييب الطمعة‬
‫ذو شخصية ساحرة‪ .‬نظرت إلييم جميعاً‪ .‬تفحصتيم‪ .‬تآكل جذع الشجرة‪ ،‬وماعميك‬
‫‪alk‬‬

‫إال أن تواجو الحياة عارياً‪ .‬تصرخ دليمو من أعماق أعماقيا‪ .‬أنيا تكبرني بسنوات‬
‫ويبدو أنيا قدرت حجم المأساة وماستالقيو من عذاب في ظل ال ظل لو‪.‬‬
‫كانت ظنونيا صادقة‪ .‬كأميا تعاف نفسيا األشياء إن شكت في نظافتيا‪.‬‬
‫عندما أنيت ذيبو طبخ بعض الخضار‪ .‬سقط في الحمة ديك من تمك التي تعتني‬
‫بيا في المنزل‪ .‬عادت‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬دليمو‪ ..‬لفت انتباىيا‪.‬‬


‫‪ -‬مابك ؟ سألتني‪..‬‬
‫‪ -‬لقد سقط ديك في الحمة‪..‬‬
‫كنا نمتف حول إناء ممموء بالحساء‪ ،‬توقفت عن األكل‪ .‬توقف ذيب‪ .‬تابعت‬
‫‪ww‬‬

‫أنا باستمتاع‪ .‬صمت الجميع‪ .‬انطمقت نظرات ذيبو نارية‪ ،‬متحدية وصارخة‪.‬‬
‫‪- 035 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬يافتّان! قالت دليمو‪..‬‬
‫‪ -‬كان عميك أن تحافظي عمى الحمة نظيفو‪ .‬صرخت ذيبو‪ .‬أما أن تقضي‬
‫وقتك عند زوجة أخيك اآلخر‪ ،‬فيذا ماال أقبمو‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫تناثرت االتيامات من ذيبو والدفاع من دليمو‪ .‬كادت األمور تصل حد‬
‫التشابك‪ .‬باأليدي‪ .‬تدخل ذيب وقذف بصحن الحساء في سقف الحجرة صارخاً فينا‬

‫‪b.c‬‬
‫جميعاً أن نصمت‪ ..‬كان نصيبي بصقة في الوجو وصفعة قوية من أحدىم‪ ،‬ىربت‬
‫عمى أثرىا إلى منزل أخي اآلخر‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا حدث بعد ذلك؟ سألتو بأسى؟‬
‫‪ -‬تقاطعني في المحظة التي أود أن أسترسل فييا فتقطع حبل أفكاري‪ .‬نفذ‬
‫صبرك‪.‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬ليس كذلك‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫عدت من رحمتي إلى نفسي‪ ،‬تائية في شوارع ضيقة‪ ،‬كرىت البقاء في‬
‫المنزل‪ .‬تتقاذفني جمرات التأنيب والسخط واليوان‪ .‬ضمرت شجرتي‪ ،‬فأصبحت‬
‫‪ott‬‬
‫حر الشمس الالفح‪ .‬أما دليمو فقد أنقذىا زواجيا من العوم في الماء‬
‫عارية تحت ّ‬
‫اآلسن‪ .‬اندلقت األوساخ عمى جسدي وحدي‪ .‬أخذت أئن تحت وطئتيا‪ .‬ثقيمة كانت‬
‫ذات رائحة نتنة‪ .‬صبري فاق كل الحدود‪ .‬عندما يضيق صدري‪ .‬أنفجر محطماً كل‬
‫ما أمامي‪ .‬أستعيد ىدوئي‪ ،‬أندم‪ ،‬مضى زمن الندم‪ .‬أحمل أثقالك وارحل‪..‬‬
‫حجرة رقم "‪ "01‬أدرت المفتاح وأضأت النور‪ ..‬حجرة صغيرة منظمة وسرير‬
‫‪alk‬‬

‫عميو مالءة بيضاء نظيفة‪ ..‬ألقيت حقيبتي في دوالب نصف ميترئ‪ ،‬لكنو صالح‬
‫لالستعمال‪ ..‬جمست عمى مقعد مقابل طاولة صغيرة‪ ..‬تخمصت من حذائي‪،‬‬
‫صحوت عمى صوت نسائي‪ ...‬ىيا "أسرع" ألقيت نظرة خاطفة‪ ..‬آه الباب مازال‬
‫مفتوحاً‪ ..‬ذىبت ألغمقو فالتقيت وجسد نصف ممفوف بمالءة حمراء‪ ..‬غزتني‬
‫بنظراتيا‪ ..‬رجل يأتي إلييا مسرعاً حامالً فوطة حمام يسمميا ليا‪ ..‬لم تيتز عندما‬
‫رأتني‪ ...‬كانت جريئة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫أبقت عينييا في عيني لحظات طويمة ‪ ..‬وتميمت أنا في إغالق الباب‪.‬‬


‫‪ -‬سنتأخر عن موعدنا‪ ..‬قالت بغنج‪..‬‬
‫‪ -‬ليس كثي اًر‪ ..‬قال الرجل بصوت نسائي‪..‬‬
‫فكرت أنيا ربما تكون راقصة في مميى‪ ..‬امرأة تمتين مينة سيل القيام بيا‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 036 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أقفت باب حجرتي ثم عدت إلى ماكنت فيو‪ ...‬استمقيت عمى السرير‪..‬‬
‫وحاولت أن أنام‪..‬‬
‫قال ذيب‪:‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬ىيا ارتد مالبسك‪ ..‬سنذىب إلى خان يونس لنسمم عمى أختك وزوجيا‪..‬‬
‫وأين ىي تمك المالبس التي سأغيرىا؟! بحثت عن قميص طار لونو‪ ،‬لكنو‬

‫‪b.c‬‬
‫نظيف‪ ،‬ولم أجد سرواالً أرتديو فاقترح ىو أن أبقي عمى سروالي‪ .‬بحثت عن شيء‬
‫يقيني سخونة األرض فمم أجد‪ .‬أعارني ابن أخي ذاك الشيء الذي يقولون عنو‬
‫"شبشب"‪ ،‬ىذه المرة لم تنعتن ذيبو بالحرام‪ ،‬ألن ابنيا أعارني إياه‪ .‬وىناك سممت‬
‫عمى دليمو بح اررة وعمى زوجيا صالح‪ .‬كان ىمي أن أستمم ىديتي وربما قرشاً أو‬
‫قرشين من صالح‪ ..‬فيدي لم تقبض عمى تمك األشياء المعدنية منذ مدة طويمة‪..‬‬
‫استمتعت بالغذاء حيث كانت دليمو تقدم لي قطع المحم ألتناوليا‪ .‬بعد ساعتين‬

‫‪o‬‬
‫رفضت صحناً ممموءاً بالمحم قدمتو لي‪ .‬كرىت أن أقدم عمى عمل كانت ذيبو‬
‫تفعمو إما البنيا أو لزوجيا‪ .‬رفضت رجاءىا‪ .‬وتناولو ذيب بشراىة فيو من محبي‬
‫المحوم وتوابعيا‪ ..‬مكثنا أياماً قميمة وحينما حان وقت الرحيل درت حول دليمو‬
‫‪ott‬‬
‫وصالح‪ .‬لم أحصل عمى ماحممت بو من نقود‪ ..‬أما اليدية فكانت قطعة قماش‬
‫خاطيا ابن خالي بنطاالً وبعد غسيمو لممرة األولى لم يعد جسدي قاد اًر عمى‬
‫الدخول فيو‪ .‬تمقفتو ذيبو‪ ،‬وال أدري أين ذىب بعد ذلك‪..‬‬
‫اغتصبت النوم‪ .‬فنمت‪ ،‬سرت نائماً إلى تمك اليوة العميقة‪ .‬نظرت إلى القاع‪،‬‬
‫لم أتبينو‪ .‬ارتعشت أطرافي من الفكرة‪ ،‬دفعتني يد قوية من الخمف فسقطت‪ .‬أخذت‬
‫‪alk‬‬

‫أىوي بسرعة جنونية‪ .‬التقطتني يد بارزة العروق‪ .‬ارتحت وتمك اليد عمى فرع شجرة‬
‫نبتت في حائط اليوة‪ .‬حاولت أن أرى وجو صاحب اليد‪ .‬لم أستطع‪ ..‬شكرتو عمى‬
‫إنقاذي‪ ..‬لم يتكمم‪ ،‬بقينا طويالً عمى فرع الشجرة تمك‪ .‬أتحدث أنا ويصمت ىو‪.‬‬
‫وعندما أدير رأسي محاوالً رؤيتو أصطدم وبعض األوراق المستديرة الكبيرة‬
‫التي لم أر مثميا من قبل‪ .‬أخي اًر قذفني إلى حافة اليوة وصرخ "كن حذ اًر في المرة‬
‫القادمة" سأحاول‪" ..‬قمت"‪....‬‬
‫‪w.‬‬

‫صحوت مبك اًر‪ ،‬تناولت طعام إفطاري‪ ..‬اإلفطار الدمشقي لذيذ‪ ،‬صحن من‬
‫الحمص وبعض المقبالت‪ ..‬دخنت لفافة في المطعم‪ .‬غادرت‪ .‬سألت أحد المارة‬
‫عن مكان مكتب منظمة التحرير في دمشق‪ .‬اعتذر بأنو ليس من دمشق‪ .‬سرت‬
‫عمى غير ىدى‪ .‬سألت أحدىم نظر إلي‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 037 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬فمسطيني ؟ سألني‪..‬‬
‫‪ -‬نعم!!‬
‫‪ -‬من أين؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬من غزة‪..‬‬
‫صافحني بح اررة‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬أنا من غزة أيضاً‪..‬‬
‫تشجعت‪..‬‬
‫‪ -‬إذن رافقني إلى المكتب‪..‬‬
‫وصمنا ىناك‪ .‬دخل معي‪ .‬سألت عن المدير فعرفت أنو من سكان مخيم‬
‫جباليا‪ .‬كان مدرساً ىناك‪ .‬وىو يعرف ابن عم لي‪ ..‬طمبت مقابمتو‪ .‬أدخموني عميو‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫مكتب جيد التأثيث ‪ .‬نظرت إليو عرفتو‪ ...‬كثي اًر ماكنت أستمع إليو في الحفالت‬
‫والندوات التي كانت تعقد في نادي جباليا الرياضي الذي أنشأتو وكالة الغوث‪.‬‬
‫كانت ىناك مجموعة من الرجال لم أتعرف عمى أي منيم‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬السالم عميكم‪..‬‬
‫صافحتو ومجموعة الرجال‪ .‬جمست عمى مقعد بالقرب من اآلخرين‪...‬‬
‫‪ -‬ىل من خدمة؟!‬
‫ىاىي إحدى المحظات التي ستذكرىا كثي اًر‪ .‬إما أن تبتسم لك األيام‪ ..‬واال‬
‫‪alk‬‬

‫كعادتيا دائماً تضحك منك‪..‬‬


‫‪ -‬أنا مبعد من سجون العدو‪ ..‬سكان مخيم جباليا ‪ -‬تعمدت ذكر اسم المخيم‬
‫ألستولي عمى تعاطفو معي ‪ -‬أود دخول الجامعة ىنا في دمشق‪ .‬ىل في إمكاني‬
‫أن أفعل ذلك‪..‬‬
‫مددت لو تمك الشيادة التي طمبتيا من أبي الرائد‪ .‬قرأىا قدميا ألحد الجالسين‬
‫حولو‪ ..‬صمت لثوان‪ ..‬ثم قال‪:‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬ىذا ىو رئيس اتحاد طمبة سورية‪ .‬ويقيني أنو لن يخذلك‪..‬‬


‫اتجيت آمالي وعيناي إليو‪ .‬رجوتو بصمت أن يساعدني في تحقيق أمنية‬
‫سكنتني طويالً وكنت أود أن أضحي بيا في عمان لو كانت األمور في شكميا‬
‫الصحيح‪ ..‬طال الصمت‪ .‬ربما قصر‪ ،‬فأنا من الميفة لم أعد أحس بالوقت‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 038 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬ىل بإمكانك الحضور إلى القيادة القومية لحزب البعث غداً؟! سألني‪..‬‬
‫‪ -‬بالتأكيد أو تعطيني العنوان؟!‬
‫وصفو لي‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬غداً سأكون عندك الساعة السابعة صباحاً‪..‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬التاسعة أفضل‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬اتفقنا‪..‬‬
‫تقافزت كل دمائي إلى وجيي فغدا مورداً‪ ..‬انطمقت أحاسيس الرضا من‬
‫عيني‪ ،‬خرجت بعد أن صافحتيم جميعاً‪ ،‬من ليفتي اصطدمت وأحد المقاعد‬ ‫ّ‬
‫الخالية‪ .‬عرفوا مقدار ليفتي عمى دخول الجامعة‪ .‬فقال أحدىم‪.‬‬
‫‪ -‬سيتحقق أممك إن شاء اهلل‪..‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬أشكركم‪..‬‬
‫عندما نظر إلي ذلك الغزاوي‪ ،‬عرف أنني نجحت‪ .‬لكنو أراد أن يتأكد‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬ماذا فعمت؟‬
‫‪ -‬خطوة أولى ناجحة‪..‬‬
‫‪ -‬أين تسكن؟!‬
‫‪ -‬في فندق سوريا الكبير‪..‬‬
‫أوصمتني إلى ىناك‪ .‬ودعني عمى أمل أن نمتقي في المستقبل‪ .‬أعطاني‬
‫‪alk‬‬

‫اسمو‪ .‬لكني نسيتو‪ ،‬ولم نمتق بعد ذلك أبداً‪ .‬ربما قابمتو‪ ،‬لكني لم أتعرف عميو‪ .‬ولم‬
‫يتعرف ىو عمي‪.‬‬
‫تمددت في سريري‪ .‬مرات قميمة ىي التي رضيت فييا عن نفسي‪ .‬لحظات‬
‫وبدأت طعنات خفيفة من الندم تتقاذف حولي‪ ...‬أما كان من المياقة أن تدعوه‬
‫لمغذاء معك؟! كنت تعرفت عميو أكثر!! ياناكر الجميل!! حاولت أن أتقي تمك‬
‫‪w.‬‬

‫الطعنات‪ .‬فشمت‪ ،‬قاومتيا كثي اًر‪ ..‬غمبني النوم فنمت‪..‬‬


‫مساء من ثاني أيامي في دمشق‪ .‬األستاذ عادل محمود والسيدة لمياء‬
‫ً‬ ‫الرابعة‬
‫المصري‪ ..‬رقم ىاتفييما في جيبي‪ ...‬ولقد وعدت أحمد أن أتصل بيم‪ .‬ارتديت‬
‫مالبسي‪ .‬نزلت إلى قاعة استقبال الفندق‪ .‬صالة متواضعة األتساع واألثاث‪ .‬ألقيت‬
‫التحية عمى الموظف وطمبت كأساً من الشاي‪ .‬بدأت أدخن‪ .‬دخمت تمك المرأة التي‬
‫‪ww‬‬

‫شاىدتيا أمام الحمام‪ .‬أطمت نظراتي إلييا‪ ..‬جميمة‪ ..‬مغرية‪ ..‬تحركت رجولتي‪..‬‬
‫‪- 039 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫حاولت كبحيا‪ ..‬ىاجت‪ ..‬اصمت أيتيا المعينة‪ ..‬آن لي أن أنطمق‪..‬‬
‫شجعتني‪..‬جمست بجواري‪ ..‬طمبت فنجاناً من القيوة‪" ..‬أما من لفافة أجنبية؟!"‬
‫سألت واتجيت بعينييا نحوي‪ ..‬شعرت أنيا تطمبيا مني‪ .‬قدمت ليا واحدة‪ ..‬أخذتيا‬

‫‪o‬‬
‫شاكرة‪..‬‬
‫‪ -‬من أين؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫ولم ىذا السؤال الذي يفجر أحاسيسي‪ ..‬لم تغادرني غزة لحظة‪ ..‬أحتضنتيا‬
‫في قمبي‪ .‬أسكنتيا مقمة عيني‪ .‬أو أتركيا لحظة؟! ال كنت إن فعمت!‬
‫‪ -‬من غزة‪..‬‬
‫اليبدو عمييا أية مالمح لالنزعاج‪ ..‬إذن ىي في عالم غير عالمنا‪..‬‬
‫‪ -‬طالب‪.‬؟!‬
‫‪ -‬سأكون‪..‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬أىالً وسيالً‪..‬‬


‫ألقيت نظرة إلى أسفل‪ .‬فتالقت نظراتي بزوج من األرجل البيضاء‪ .‬باعدت ما‬
‫‪ott‬‬
‫بينيما‪" ..‬متعمدة" قمت لنفسي‪" ..‬أىي دعوة لمغوص في بحرىا؟!" ىي كذلك‪..‬‬
‫صاحت أطرافي‪ ..‬أىمت عمييا كماً ىائالً من األفكار عميا تيدأ‪ ..‬تأوىت تحتيا‪..‬‬
‫كالنار تحت الرماد‪ ..‬البد من اليرب‪ ..‬ىربوا ىم أيضاً‪ ..‬آه‪ ..‬ألخرج‪ .‬خرجت‬
‫ومن ىاتف خارج الفندق ىاتفت السيد عادل‪ .‬رد عمي صوت نسائي‪..‬‬
‫‪ -‬أىالً‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬أود محادثة السيد عادل‪..‬‬


‫‪ -‬ليس موجوداً اآلن‪ ..‬من نقول لو؟!‬
‫‪ -‬صديق وسأكممو الحقاً‪..‬‬
‫‪ -‬مع السالمة‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫السيدة لمياء‪ ،‬وأدرت قرصا الياتف‪.‬‬


‫‪ -‬نعم‪..‬‬
‫‪ -‬ممكن أتحدث مع السيدة لمياء!‬
‫‪ -‬أنا ىي‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬أنا قادم من عمان من طرف األخ أحمد السمفيتي‪..‬‬


‫‪- 041 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬أىالً وسيالً‪ ..‬أين أنت؟!‬
‫‪ -‬أقيم في فندق سوريا الكبير‪..‬‬
‫‪ -‬أين أنت اآلن؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬بجوار الفندق‪..‬‬
‫‪ -‬انتظر في الفندق بعد دقائق سأكون عندك‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ذىبت إلى الفندق‪ .‬جمست في مكاني نفسو‪ .‬الزالت ىي تدخن وترتشف‬
‫الشاي ىذه المرة‪ .‬قدمت ليا لفافة أخرى‪ .‬قبمتيا شاكرة‪ .‬ستحضر بعد ألي‪.‬‬
‫ستجدني‪ ..‬بجوارىا‪ ..‬وماذا في ذلك؟! سربت أفكاري ليا‪ ..‬أن تدخل مستسمماً في‬
‫شق آمن‪ ،‬لحظة ال تقاوم‪ .‬أدخل إن استطعت؟! لن تمنعك‪ ..‬ترحب بك‪ ..‬كم من‬
‫المال ستدفعو ثمناً لمدخول؟! ىي تمك المشكمة‪ ..‬ابتعد‪ ..‬فمازال في العمر متسعاً‬
‫من الوقت لتفعل‪ ..‬دخمت‪ ..‬ليست عجو اًز كما تصورت‪ ..‬في منتصف العمر‪..‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬السيد يوسف‪..‬‬


‫‪ -‬نعم‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫خرجنا معاً تصحبنا نظرات صاحبة الدعوة التي لم أتسمميا بعد‪ .‬أخذتني في‬
‫سيارتيا إلى حي راق عرفت فيما بعد أنو حي المياجرين‪ .‬وفي شقة حسنة األثاث‬
‫دخمنا‪ .‬حدثتيا عن أحمد السمفيتي وحياتنا معاً في سجن نابمس‪ .‬لدي رغبة في‬
‫العمل المنظم‪" ..‬قمت عندما سألتني عن استعدادي لمعمل‪ .‬أمن أجل ذلك دخمت‬
‫السجن؟ كانت تستجوبني بطريقة لبقة‪ ..‬ال‪ ..‬قمت‪ ..‬بل كنت مع تنظيم آخر لم‬
‫‪alk‬‬

‫أرتح لممارسات أعضائو في عمان‪..‬‬


‫‪ -‬يريد أحمد كتاب النظام الداخمي لمحزب‪ ..‬قمت‪..‬‬
‫لم تجب بسرعة‪ ..‬انتظرت قميالً ثم قالت‪ ..‬أنيا ستخبرني غداً أو بعد غد عن‬
‫قرارىا‪ .‬الميم أنيا ستمقاني مرة أخرى‪ .‬وسنزور عادل ونتحدث معو‪ .‬استأذنت في‬
‫الرحيل‪ ..‬أصرت عمى أن توصمني في سيارتيا‪ .‬ارتحت لقرارىا‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫بدأت أغير مالبسي‪ ...‬جمست أمام النافذة أشاىد دمشق في الميل‪ .‬أخذت‬
‫أتناول السندويشات التي اشتريتيا من مطعم مجاور لمفندق‪ .‬دخنت لفافة نفثت كل‬
‫دخانيا في فضاء دمشق مترامي األطراف‪ .‬مكثت طويالً أتأمل العتمة والنجوم‬
‫السابحة فييا‪ .‬سمعت طرقات عمى الباب‪ .‬ضوء الحجرة أغرى من بالخارج أن من‬
‫بالداخل لم ينم بعد‪ .‬طرقات خفيفة‪ .‬غادرت مممكتي وذىبت ألفتح الباب‪ ،‬كانت‬
‫‪ww‬‬

‫أمامي‪ .‬اقتحمت رائحة عطرىا الحجرة قبل أن تقتحميا ىي‪ .‬جريئة‪ .‬قمت لنفسي‪.‬‬
‫‪- 040 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫دخمت دون استئذان‪ .‬لم يكن أمامي إال أن استسمم لرغبتيا‪ .‬أغمقت الباب‪ .‬ألقيت‬
‫بالقشرة الخارجية لجذع الشجرة المورقة عمى األرض‪ .‬ناعمة المممس من الداخل‪..‬‬
‫يدي‪ ،‬انزلقت رغبتي اليائجة بيسر‪ .‬أغرتني النعومة فدخمت‬ ‫بعيني قبل ّ‬
‫ّ‬ ‫تحسستيا‬

‫‪o‬‬
‫يدي‪ ..‬ظمآن وجائع‬‫عميقاً‪ .‬بدأ الماء الذي التقطتو الجذور من التربة ينساب بين ّ‬
‫أنا‪ ..‬تسممت قطرات من الجسد الخالي من القشرة بين أطرافي‪ ..‬ال زلت ظمآن‪..‬‬
‫اطمب المزيد‪ ..‬اقتحمت الشجرة مرة أخرى‪ ..‬تداخمت أغصانيا‪ ..‬تطايرت قطرات‬

‫‪b.c‬‬
‫الماء من حولي‪ ..‬لقد استنزفتيا‪ ..‬إنيا شجرة معطاء‪ ..‬أعطتني أكثر من حاجتي‪..‬‬
‫ارتويت‪ ..‬عمل شاق لكنو ممتع‪ ..‬استرقت الماء من عمق األرض عبر ساق‬
‫حر الشمس‪ ..‬ال حاجة لو بو‪ ..،‬فالوقت شتاء‪ ..‬وشتاء دمشق‬ ‫خمصتو مايقيو ّ‬
‫قارص‪ ..‬ربما كان يقييا برد ذلك الشتاء! ال زالت الشجرة مورقة تستقبل الندى وىي‬
‫متفتحة األزىار‪ ..‬ال ترتوي أبداً‪ ..‬دائماً تطمب المزيد‪ ..‬وكيف ليا أن تعيش بال‬
‫ماء؟! شجرة ممقاة وسط شارع يعبره آالف المارة‪ ..‬قالئل ىم الذين يمتفتون إلييا‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫تصرخ فييم أن أغيثوني‪ ،‬فال مجيب‪ ..‬فعمت أنا مجب اًر ومدفوعاً بقوة اقتحاميا‬
‫وىيجان رغبتي‪ ..‬ال عاش من بخل بالماء عمى من يحتاجو‪ ..‬غاب الكون وتكثف‬
‫داخل الشجرة‪ ..‬تمددت تحت ظميا‪ ..‬مورقة ندية‪ ..‬مزىرة‪ ..‬وظميمة‪ ..‬نمت‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫نمت‪..‬‬
‫وفي الصباح كنت أمام مبنى القيادة القومية‪ ..‬سألت عن مكتب رئيس اتحاد‬
‫الطمبة السوريين‪ ،‬دلني عميو أحدىم‪ .‬استقبمني الرجل بابتسامة مرحبة‪ .‬يشاركو‬
‫الجمسة رجل آخر لم أره في مكتب المنظمة يوم أمس‪ .‬جمست عمى مقعد مجاور‬
‫لو‪ .‬كان يدقق في ورقة أمامو‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬اسمك؟!‬
‫‪ -‬يوسف بن يوسف الياللي‪.‬‬
‫‪ -‬أي كمية تريد؟!‬
‫ىذا ىو السؤال وىذه ىي األمنية‪ ..‬تقدم وتخمص من سوداويتك‪ .‬أي كمية؟!‬
‫الطب ىو المراد‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬كمية الطب‪..‬‬
‫نظر إليو طويالً‪ ..‬ربما تعاطف معي‪ ..‬وربما عجب لطموحي‪ ..‬وربما سخر‬
‫منو‪..‬‬
‫‪ -‬مضى من العام الدراسي الكثير وليس في إمكانك أن تجاري الطالب في‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 042 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫تحصيميم العممي اآلن‪ .‬فكر في كمية أخرى‪..‬‬
‫تقمصت اآلمال قميالً‪..‬‬
‫‪-‬كمية اليندسة إذن‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬وال تمك اآلن‪..‬‬
‫لم يتبق إال طريق واحد‪ ..‬أسمكو‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬كمية اآلداب ‪ -‬قسم المغة اإلنجميزية‪..‬‬
‫‪ -‬ىذه نعم‪..‬‬
‫‪ -‬من كمية الطب إلى اآلداب‪ ...‬سبحان اهلل‪..‬‬
‫قال الرجل الذي كان يستمع إلى حوارنا‪..‬‬
‫‪ -‬شيء خير من الشيء‪ ..‬قمت‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬راجعني بعد أسبوعين ‪ ،‬قال الرئيس‪..‬‬
‫‪ -‬أشكرك‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫بداية البأس بيا‪ ..‬تتقطع بك األسباب‪ ..‬وفجأة تمتد يد تأخذك إلى حيث‬
‫تحمم‪ .‬ىاىي األيام تبتسم لك‪ .‬عانيت الكثير‪ ..‬ال تحمم! ربما تعاني أكثر وىل‬
‫جامعة دمشق ككمية بير زيت؟! وىل سأجد غاده‪ ..‬قد تكون غاده أخرى‪ .‬ألقت بك‬
‫األقدار في دمشق وىا أنت ذا عمى بعد خطوات من جامعتيا‪ ..‬أغمق أفكارك‪،‬‬
‫أبدأ‪ .‬نعم‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫في المساء ازرتني السيدة لمياء‪ .‬اصطحبتني إلى منزل السيد عادل‪ .‬مكثنا‬
‫وقتاً طويالً نتحدث‪ .‬كان يراقبني ويزن كمماتي‪ .‬اطمأن لي‪ ..‬ىذا ظني‪ ..‬أعطاني‬
‫كتاب النظام الداخمي لحزبو‪ ..‬أيقنت أنني دخمت الدائرة برغبتي‪ ..‬عدت إلى‬
‫الفندق‪ .‬منيت النفس بأن أقابميا مرة أخرى‪ ..‬خاب ظني‪.‬ال أستطيع أن أبقى ىنا‬
‫أسبوعين‪ ،‬سأغادر إلى عمان‪ ،‬كيف ستدخل ىناك؟! سأتبدر األمر‪..‬‬
‫حممت أشيائي‪ ..‬كنت كريماً مع موظف االستقبال‪ .‬قدمت لو أكثر مما طمب‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫صافحتو‪ .‬واتجيت إلى موقف السيارات الذىب إلى عمان‪ .‬كنت آخر من دخل‬
‫السيارة‪" .‬عمان"؟ نعم‪ .‬وضعت كتاب النظام الداخمي في جيب معطفي‪ .‬توقف‬
‫تفكيري عند مشكمة دخول عمان‪ .‬من يغادرىا بإجازة فدائي يفقد الحق في الرجوع‬
‫إلييا‪ .‬عممت ىذا وأنا في طريقي إلى دمشق‪ .‬واآلن كيف الوصول إلى عمان يا‬
‫‪ww‬‬

‫عمان‪ .‬ال بأس‪ .‬عند مركز الجوازات السوري لم تواجيني مشكمة‪ .‬قال لي الضابط‬
‫‪- 043 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫"سيردونك إلينا"‪ ..‬سأحاول قمت لو‪..‬‬
‫قطعنا المسافة الفاصمة بين مركزي الجوازات‪ ،‬وعند أول خطوة في األراضي‬
‫األردنية‪ ،‬توقفت السيارة أمام جندي الحراسة‪ .‬طمب جوازات سفرنا‪ .‬قدمت لو تمك‬

‫‪o‬‬
‫الوثيقة التي أخذتيا من و ازرات الداخمية وتثبت أنني مبعد من األرض المحتمة‪.‬‬
‫نظر فييا ثم نظر إلي‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬ىل خرجت بيا؟! سألني‪..‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ..‬قمت كاذباً‪..‬‬
‫سمح لنا بالمرور‪..‬‬
‫‪ -‬ىل حقاً إنك خرجت بيا‪ .‬سألني السائق‪..‬‬
‫‪ -‬بالطبع ال‪ ..‬قمت‪..‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬وماذات ستفعل؟!‪..‬‬


‫‪ -‬أكتب في تمك الورقة التي ستسمميا لمكتب الجوازات أنك تحمل أربعة‬
‫ركاب فقط وعندما نصل مركز الحدود‪ ،‬سأغادركم وحدي وأستقل سيارة من الرمثا‬
‫‪ott‬‬
‫إلى عمان‪..‬‬
‫‪ -‬راقت الفكرة لمسائق‪ .‬وافق‪ .‬وىكذا حصل‪ .‬أما حقيبة المالبس‪ ،‬فقد تركتيا‬
‫في السيارة عمى أمل أن أستمميا في مكتب السيارات في عمان بعد أن أكدت‬
‫لمسائق أن الشيء ممنوع فييا‪ .‬ولقد كنت صادقاً‪...‬‬
‫نزلت من السيارة‪ .‬درت حوليا بحذر‪ ..‬ابتعدت قميالً‪ ..‬تمفت حولي‪ .‬ال أحد‬
‫‪alk‬‬

‫يراقبني‪ .‬ابتعدت أكثر‪ .‬أصبحت السيارة بعيدة عني‪ .‬تابعت سيري‪ .‬نجحت‪.‬‬
‫أصبحت خارج مركز جوازات الحدود‪ .‬أسرعت الخطى‪ .‬لم يوقفني أحد‪ .‬وبعد دقائق‬
‫كنت في سيارة متجية في رحمة داخمية من الرمثا إلى عمان‪ ..‬تناولت الكتاب الذي‬
‫يثقل جيب معطفي‪ ،‬وضعتو خمسة أسفل مقعد السيارة‪ .‬ىم عادة ال يفتشون‬
‫السيارات داخل المدن‪ .‬وعمى مدخل عمان أوقفنا حاجز لمجيش‪ .‬شاب في مقتبل‬
‫العمر يحمل بندقية سريعة الطمقات‪ .‬صمب‪ ،‬متجيم الوجو‪ ،‬متحجر المالمح‪ .‬نظر‬
‫‪w.‬‬

‫داخل السيارة‪ .‬تفحصنا كمنا‪ .‬كنت ىادئاً‪ .‬توقفت نظراتو عندي‪..‬‬


‫‪ -‬أخرج‪ .‬أمرني‪..‬‬
‫خرجت‪..‬‬
‫‪ -‬أين جواز سفرك؟‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 044 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أخرجت لو تمك الورقة العتيقة التي أخذتيا من و ازرة الداخمية األردنية‪ .‬نظر‬
‫فييا‪ ،‬ظني أنو ال يعرف القراءة وال الكتابة‪..‬‬
‫‪ -‬ىذه ليست جواز سفر‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬إنيا من و ازرة الداخمية‪..‬‬
‫تصورت أن جبالً اصطدم ووجيي‪ .‬كل وجيي‪ .‬فأصبحت بال مالمح‪ .‬سالت‬

‫‪b.c‬‬
‫الدماء‪ .‬تحسستيا وىي تخترق ساحة وجيي وتتجو إلى رقبتي‪ .‬طارت صرخة رعب‬
‫مني‪ ..‬لم أكن أتوقع تمك الضربة‪ ...‬لم أفعل مايستدعي العقاب‪..‬ربما ثمن‬
‫الخطيئة‪ ..‬قمت بال كممات‪ ..‬في ىذه المحظة حضر رقيب من الجيش‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا ىناك؟!‬
‫‪ -‬ال يحمل جواز سفر‪ .‬قال الجندي‪..‬‬
‫‪ -‬ألجل ذلك تقتمو؟!‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬ربما كان خائناً أو ميميشياً‪....‬‬


‫حضر سائق السيارة مرتعشاً‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬ماذا تريد؟! صرخ فيو الجندي‪..‬‬
‫‪ -‬أريد أن أعرف ياسيدي ىل أنتظره‪ ،‬أم أستمم منو أجرتي‪..‬‬
‫‪ -‬خذ أجرتك‪..‬‬
‫إذن سيستضيفني ىذا المتوحش‪ ،‬وتختمط مالمح وجيي‪ .‬ربما أفقد إحدى‬
‫‪alk‬‬

‫يدي‪ ،‬أو أي جزء آخر من جسدي‪ .‬كان الرقيب ينظر في تمك الوثيقة التي سمميا‬
‫ّ‬
‫لو الجندي‪...‬‬
‫‪ -‬انتظر‪ ..‬قال الرقيب لمسائق‪..‬‬
‫‪ -‬إذن نجوت‪..‬‬
‫‪ -‬ىذا الرجل مبعد‪ .‬قال الرقيب موجياً كالمو لمجندي‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬مامعنى ذلك؟!‬
‫‪ -‬أبعدتو قوات االحتالل اإلسرائيمي‪..‬‬
‫‪ -‬يعني أنو ليس جاسوساً وال ميميشياً‪..‬‬
‫‪ -‬بالضبط‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫اتجو إلي‪ .‬تأمل الدماء النازفة من أنفي‪ .‬مسحيا بمنديمو‪ ،‬وضع يده عمى‬
‫‪- 045 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫كتفي‪..‬‬
‫‪ -‬ال تؤاخذني يارجل أنت تعرف الحال ىنا!‪..‬‬
‫قال معتذ اًر‪ .‬تفيمت موقفو وقبمت اعتذاره وحتى تصرفو‪ :‬ىو جندي عميو أن‬

‫‪o‬‬
‫يحافظ عمى األمن وينفذ األوامر‪..‬‬
‫تناولت وثيقة إبعادي من الرقيب الذي وضع يده أيضاً عمى كتفي‪ ..‬ضغط‬

‫‪b.c‬‬
‫عمييا خفيفاً‪ .‬قال كثي اًر دون أن يتكمم‪ .‬ولقد سمعتو‪ ،‬ارتاحت نفسي رغم ذلك الجبل‬
‫الذي صدم أنفي‪ .‬ال زال السائق منتظ اًر‪..‬‬
‫‪ -‬اذىب معو‪ ..‬قال الرقيب‪..‬‬
‫تحركت قدماي‪ ،‬بدأ األلم ينتشر في أنحائي‪ ..‬جمست مكاني‪ ..‬تعاطف معي‬
‫رفاق الطريق‪ .‬لم أنطق ولم يكمموني‪..‬‬
‫‪ -‬ربما لم يستطع قراءة الوثيقة‪ .‬قال أحدىم بعد فترة صمت طويمة‪..‬‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬ربما‪..‬‬
‫وصمنا عمان‪ .‬تسممت يدي والتقطت الكتاب من أسفل المقعد‪ .‬لمحني السائق‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫لم يتكمم‪..‬‬
‫‪ -‬إذن تستحق ماحدث لك‪ ..‬قال ضاحكاً‪..‬‬
‫‪ -‬إن األمر ليس كما تظن‪ ..‬قمت‪..‬‬
‫ذىبت إلى مكتب السيارات التي تعمل بين دمشق وعمان‪ .‬كانت سيارتنا‬
‫‪alk‬‬

‫القادمة من دمشق قد وصمت‪ .‬رأيت السائق‪ .‬اتجيت إليو‪..‬‬


‫‪ -‬ىل وصمت حقيبتي؟!‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬ولكن من ذا الذي فعل ذلك بك ؟!‪..‬‬
‫‪ -‬البأس‪..‬‬
‫‪ -‬من؟!‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬أحدىم‪..‬‬
‫‪ -‬وىل فعمت ماتستحق عميو ذلك؟!‬
‫‪-‬ال‪..‬‬
‫‪ -‬إذن لماذا شوه مالمح وجيك؟!‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬أعتقد أنني ميميشيا‪..‬‬


‫‪- 046 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ضحك‪ ..‬سممني حقيبتي‪ ..‬استقميت أول سيارة وذىبت إلى المنزل‪..‬‬
‫كانت الساعة الواحدة بعد الظير‪ ،‬لم يعد عاطف من المدرسة بعد‪ .‬ال زال‬
‫المفتاح ‪..‬معي‪ .‬أخرجتو‪ .‬فتحت الباب‪ .‬ال أحد بالداخل‪ .‬وضعت حقيبتي في‬

‫‪o‬‬
‫الصالة‪ .‬دخمت حجرتي‪ .‬ال زالت كما تركتيا‪ .‬استمقيت عمى السرير‪ .‬ونمت دون‬
‫أن أبدل مالبسي‪..‬‬

‫‪b.c‬‬
‫‪‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 047 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪o‬‬ ‫‪m‬‬
‫‪-11-‬‬

‫‪b.c‬‬
‫يجتثك األسى من ركام الحياة‪ ،‬كتمة مشاعر متناقضة‪ ،‬الرغبة في التحدي‬
‫زادتك قوة وصب اًر‪ .‬اخترق جدار المستحيل‪ .‬ولقد فعمت‪ .‬زودك الحرمان بطاقة ىائمة‬
‫من الطموح والرغبة في النجاح‪ .‬ولقد كنت األول في فصمك‪ .‬ىل نسيت؟ ال‪ ..‬لم‬
‫أنس‪ ..‬نعم‪ ..‬عندما رسبت في السنة األولى االبتدائية‪ .‬بدأ التحدي الكبير مع‬
‫الحياة‪ ..‬في سنة اإلعادة كنت األول في فصمك‪ .‬في المنزل والشارع كان ترتيبك‬

‫‪o‬‬
‫األخير‪ .‬اختزلت ذيبو مشاعرك‪ .‬الغضب وحماقة االندفاع ىما مابقي عندك‪.‬‬
‫تعاممت مع اآلخرين وكأنيم ذيبو‪ .‬داخمك بركان يغمي جاىز لالنفجار في كل‬
‫‪ott‬‬
‫يدي اآلخرين تنثر‬
‫لحظة وفي آي لحظة‪ .‬وعندما تممس لحظة صفاء تستمقي بين ّ‬
‫ذاتك أماميم‪ .‬ذاك الصدر الذي استمقيت عميو لحظات تبوح لو بداخمك ذوى وانتقل‬
‫إلى عدمية عصت عمى فيمك‪ .‬تقاذفتك الرياح حيث شاءت‪ ..‬شدتيا زادتك شدة‪.‬‬
‫إصرار غريب في داخمك عمى االنطالق‪ .‬انطمق‪ ..‬انطمقت‪..‬‬
‫ألق مرساتك حيث تستريح روحك‪ ،‬انطمق‪ ،‬ذات يوم توسدت أشجار البرتقال‬
‫‪alk‬‬

‫تقطف من ثمارىا لتسكت عواء أمعائك المتواصل‪ .‬أمسك بك الناطور متمبساً‬


‫بالجريمة‪ .‬ألقى بقدمو اليائمة عمى قفاك فشعرت أنك قصمت نصفين‪ .‬المنزل مكان‬
‫كريو عافتو النفس‪ .‬وحيد أنت وفي الشارع وحتى في فصمك الدراسي‪.‬‬
‫ذئبو ‪ -‬قصدت ذيبو‪ -‬تمتيم مشاعرك‪ ،‬أفكارك‪ ،‬أمانيك‪ ،‬أيامك‪ ،‬وأحالمك‪،‬‬
‫ترعى في داخمك‪ .‬تتحكم في حركاتك وكمماتك‪ ،‬تتفوه بكممات كثيرة ال معنى ليا‪.‬‬
‫تصدمك ردود فعل اآلخرين كما تصدمك ردود أفعالك‪ .‬حفظت كرامتك رغم‬
‫‪w.‬‬

‫محاوالت ذيبو الدائمة القتحاميا‪ .‬ىو يرقب كل ذلك وال يحرك ساكناً‪ .‬تب أر منيم‪ ،‬لم‬
‫تفعل‪ .‬بل حاولت وحالت دون محاوالتك شراستو وأطماعو‪ .‬الشارع ىو مسكنك‪،‬‬
‫ورغم ذلك فأنت مسموب اإلرادة فيو‪ .‬ىل تذكر؟ الطالب ممتمون حول بائع الفالفل‬
‫وكل منيم أمامو صحن صغير ممموء بالفالفل والفمفل األحمر المخروط‪ ،‬وأنت‪،‬‬
‫أمعاؤك تنتفض‪ ،‬تتراقص‪ ،‬تحترق‪ ،‬يتسمل لعابيا إلى فمك‪ ،‬فتنتحر أمانيك بجانب‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 048 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫عربة بائع الفالفل‪ .‬تب أر منيم! لم تستطع‪ .‬نصف رغيف من الخبز ىو إفطارك‬
‫ومثمو غداؤك‪ .‬وماذا عن العشاء‪ .‬ربما رغيف‪ .‬تجوع ولو كانت بجانبك القتطعت‬
‫قطعة من لحميا وأطعمتك أياىا‪ .‬تب أر منيم‪ ،‬كيف السبيل إلى ذلك؟ حافظت عمى‬

‫‪o‬‬
‫نظافة يديك وستحافظ‪ .‬انطمق في البساتين المحممة بالتفاح والموز والبرتقال‪.‬‬
‫فعمت‪ .‬ظني أن يديك نظيفتان‪ .‬تب أر منيم‪ ،‬وما الفائدة إذا كنت مشدوداً بحبال‬
‫القرابة التي ال انفكاك منيا؟ تتموى من الجوع ألنك صائم‪ .‬ترفض أن تفطر‬

‫‪b.c‬‬
‫بإصرار‪ .‬حرام عميك ياذيبو‪ ،‬دعيو يفطر‪ ،‬إنو صغير‪ ،‬قالت جارتنا‪ ،‬ىو من يصر‬
‫عمى الصوم‪ ،‬قالت ذيبو‪ .‬ولم تعمم تمك الجارة الطيبة أنني أصوم حتى أتمتع‬
‫بمايقدمونو في السحور‪ .‬تب أر منيم‪ ،‬ليس في اإلمكان أبدع مماكان‪.‬‬
‫‪ -‬ىذا قول مرفوض‪ ..‬قمت بحزم‪..‬‬
‫‪ -‬كيف؟ سألني‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬كان بإمكانك أن تتب أر منيم‪ ،‬تتمرد‪ ،‬وتشق طريقك‪..‬‬
‫‪ -‬لم يكن ذلك في متناول اليد‪..‬‬
‫‪ -‬ألم تقل أن وكالة الغوث كانت تقدم لك مواد غذائية ولوالديك وأختك؟‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬ىذا صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬إذن كيف تستطيع أن تتحرر من ىيمنتيم‪..‬‬
‫‪ -‬كان سيقتمني ذيب لو فعمت‪..‬‬
‫مسحوق بالييمنة والطمع وشيوة االنتقام‪ ،‬دلقت ذيبو عمى كل أحقادىا‪ ،‬تنفث‬
‫‪alk‬‬

‫شيوتيا المنتقمة الحاقدة عمى شخصي‪ ،‬أئن من وجع األيام وحرمانيا‪ ،‬كان عمي‬
‫أن أنطمق‪ .‬فانطمقت؟!‪..‬‬
‫تسمقت الشجرة الرشيقة وارفة الظالل‪ ،‬تزاحمت عمى أوراقيا‪ ،‬رائحة حموة‬
‫تنبعث منيا وتمؤل الرئتين‪ .‬ترتاح النفس‪ ،‬تسكن بينيا‪ ،‬تعصرني األغصان‪ .‬أحاول‬
‫أن أتسمل عبرىا‪ .‬أنجح‪ .‬ال تقاومني‪ .‬ندية وطرية ىي‪ .‬تساقطت قطرات الندى من‬
‫عمى األوراق‪ .‬عذبة وممتعة‪ .‬الروح الظمآى تطمب المزيد‪ .‬لم تبخل عمي‪ .‬ىي‬
‫‪w.‬‬

‫أيضاً ال ترتوي‪ ،‬تمتد جذورىا عميقاً لتمتقط قطرات الماء من عمق التربة‪ .‬وعندما‬
‫سقطت من فوق الشجرة كانت تمك المكمة القوية التي أعادت ترتيب تضاريس‬
‫وجيي‪ .‬عقاب السماء‪ .‬تسمقت شجرة ماكان عميك أن تقترب منيا‪ .‬ىي من دعاني‪.‬‬
‫بل من اغتصبني‪ .‬ضعفت أمام الدعوة‪ .‬ازرني خيال غاده‪ .‬عاتبة‪ ،‬مستيجنة‪،‬‬
‫‪ww‬‬

‫تبخرت مياه غيوميا‪ .‬ال تقترب مني‪ .‬قالت‪ .‬وىل بإمكاني أن أفعل؟! تسممت‬
‫‪- 049 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫عيناي إلى زمردتييا‪ .‬طوقتيا‪ .‬جذبتيا جاورتني‪ .‬كان بإمكاني أن تبقى بجواري‪ .‬لم‬
‫تساعدني األقدار‪ ..‬في المحظة التي كنا فييا عمى بعد خطوات من العمل‪ ،‬ألقوا‬
‫القبض عمينا‪ ،‬ىذه لك‪ ،‬وتمك الشجرة ذات األوراق الداعرة‪ .‬أما كان في قدرتك أن‬

‫‪o‬‬
‫تتجنبيا؟ صمت‪ .‬تداعت التبريرات‪.‬‬
‫‪ -‬يوسف‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫صوت قادم من أعمى الحفرة التي سقطت فييا‪ .‬يوسف‪..‬‬
‫صحوت‪ .‬اكتشفت أنني مبتل‪ .‬العرق يتصبب من جسدي‪ .‬طردت األشباح‪،‬‬
‫ازرني األلم‪ ،‬تحسست وجيي‪ .‬متورماً‪ .‬كان من الممكن أن يكون جسمي كمو‬
‫متورماً‪ .‬أنقذني ذلك الرقيب‪ .‬باعدت مابين جفوني‪ .‬صعب أن تحرك تمك الجفون‪..‬‬
‫ممتصقة بعضيا ببعض‪ .‬حاولت ثانية‪ .‬نجحت تراءى لي خيال عاطف‪ .‬صحوت‪.‬‬
‫‪ -‬يوسف‪..‬‬

‫‪o‬‬
‫استرجعت حواسي كميا‪ .‬بقايا الحمم ال زالت عالقة في ذاكرتي‪ ،‬متعة في‬
‫الطريق‪ .‬تجسد عاطف أمامي‪ .‬بدأت أعي مايدور حولي‪.‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬أىالً عاطف‪..‬‬
‫‪ -‬متى عدت‪..‬‬
‫‪ -‬ظير ىذا اليوم‪..‬‬
‫أحضر طعامو معو‪ .‬دعاني ألن أشاركو‪ .‬جائع‪ .‬أمعائي تصرخ‪ .‬روحي‬
‫تصرخ في الندم‪ ،‬نيضت‪ .‬ماأحضره عاطف ال يكفي‪ .‬أعددنا وجبة سريعة‪ ،‬جمسنا‪،‬‬
‫‪alk‬‬

‫لم يحدثني عن شيء‪ .‬لم يسألني عن تضاريس وجيي المشوىة‪ .‬بدأنا نشرب‬
‫الشاي‪ .‬دخنت لفافة‪ .‬وفعل عاطف‪ .‬نظر إلي طويالً‪ .‬حافظ عمى مشاعري‪.‬‬
‫التقطت نظراتو المواجية إلى وجيي‪ .‬صمت‪ .‬البد من أن أوضح لو األمر‪ .‬ربما‬
‫خمن‪.‬‬
‫‪ -‬أحدىم كاد أن يمقي بي في غياىب السجن‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬أين؟!‪..‬‬
‫‪ -‬ىذا في عمان‪..‬‬
‫‪ -‬كيف؟‬
‫‪ -‬ألنني ال أحمل جواز سفر‪ ،‬ولم يعترف بتمك الوثيقة من الداخمية‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬نجوت؟!!‬
‫‪- 051 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫‪ -‬بفضل رقيب في الجيش تفيم الموقف‪..‬‬
‫مساء عمان كان رائعاً ىذا اليوم‪ ،‬انتقمنا إلى الشرفة‪ ،‬بدأ عاطف يتصفح أحد‬
‫كتبو‪ .‬بدأت أنا أق أر النظام الداخمي لحزب العمل‪ .‬عدة صفحات‪ ،‬ثم ألقيت بو‬

‫‪o‬‬
‫جانباً‪.‬‬
‫رغبت عن مغادرة المنزل‪ .‬سحبت أفكاري وأخذت أتأمل عمان من الشرفة‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫كانت قدماي تؤلماني‪ ،‬والجرح مفتوح في رأسي يتنازل عن بعض دمائي‪.‬‬
‫احتممت اآلالم في قدمي وتمك التي في رأسي‪ .‬سجن غزة المركزي‪ .‬بدأ الشباب‬
‫يمعبون لعبة خطرة‪ ،‬يخفض أحدىم رأسو إلى أسفل‪ .‬يضع يديو فوق رقبتو‪ .‬وآخر‬
‫من الممتفين حولو يضربو بقوة عمى يديو‪ .‬وعمى المضروب أن يتعرف عمى الذي‬
‫ضربو‪ .‬إن عرف فإن اآلخر يحل محمو‪ .‬جمست قريباً منيم أراقبيم‪ .‬ال أستطيع أن‬
‫ألعب معيم‪ ،‬وعندما كنت أسمع صوت الضربات‪ ،‬كان جسدي ييتز‪ ،‬أتذكر تمك‬
‫أعدىا‪ ،‬فجأت توقف المعب‪ .‬كان أحد‬

‫‪o‬‬ ‫قدمي‪ ،‬وأنا ّ‬


‫ّ‬ ‫الضربات اليابطة عمى‬
‫المسجونين قد فقد عقمو من وحشية تعذيبيم‪ .‬حضر الشاويش بنحاس‪ .‬ييودي من‬
‫اليمن‪ ،‬طويل وأسمر البشرة‪ .‬ىو لمعرب أقرب‪ .‬رغم الشراسة التي تستمقي عمى‬
‫‪ott‬‬
‫مساحة وجيو‪ ،‬إال أنو طيب القمب يحب الدعابة‪.‬‬
‫‪ -‬مسعود‪ ..‬صرخ عمى ذاك الذي فقد عقمو‪..‬‬
‫‪ -‬نعم سيدي‪..‬‬
‫‪ -‬نيض من آخر الحجرة ووصل الباب جرياً‪...‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬من الذي أحضرك ىنا‪.‬؟!‬


‫‪ -‬ديان ورابين وجولدمير‪..‬‬
‫‪ -‬لم يستطع لفظ االسم األخير صحيحاً‪ .‬كان يقصد جولدمائير‪ .‬تمك المرأة‬
‫العجوز‪ .‬رئيسة الوزراء في زمن اليزيمة‪.‬‬
‫‪ -‬ومن أيضاً؟!‬
‫‪w.‬‬

‫بدأت الضحكات تتناثر بيننا‪ ،‬فالممياة تستدعي أكثر من ذلك‪.‬‬


‫‪ -‬بعض العرب وجيش إسرائيل‪..‬‬
‫‪ -‬كمو؟!‬
‫‪ -‬نعم كمو!‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬ولماذا اقتحموا منزلك وأحضروك ىنا؟!‬


‫‪- 050 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫تكتمل فصول الممياة‪..‬‬
‫‪ -‬قالوا أنني سأىاجميم وأدمر دولتيم وألقي بالييود في البحر‪..‬‬
‫‪ -‬وىل كنت فعالً تنوي عمل ذلك؟!!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬ال واهلل! فقط كنت أود أن أعود إلى منزلي‪..‬‬
‫‪ -‬ما أنت في منزلك!‬

‫‪b.c‬‬
‫‪ -‬ال ‪ ..‬ليس ىذا المنزل‪..‬‬
‫‪ -‬أنت طماع! عندك منزل وتريد آخر؟!‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬لست بالطماع!‬
‫‪ -‬وماذا وجدوا في منزلك؟!‬
‫‪ -‬أي منيما؟!‬

‫‪o‬‬ ‫‪ -‬الذي كنت تسكن فيو‪..‬‬


‫‪ -‬كنت أسكن في االثنين!‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬األخير؟!‬
‫‪ -‬وجدوا طائرة ميراج!‬
‫‪ -‬فقط؟!‬
‫‪ -‬ودبابة باتون!‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬إذن أنت حقاً كنت تريد تدمير الدولة!‬


‫‪ -‬ال تصدق يارجل!!!‬
‫أخذنا نضحك ضحكاً ىستيرياً‪ ،‬أعمى الماساة أم عمى وضعنا؟! سألت نفسي‪،‬‬
‫تداخمت ضحكاتنا مع ضحكات الشاويش بنحاس الذي تذكر نفسو فصرخ فينا أن‬
‫نصمت‪ .‬صمتنا‪ ،‬كتمنا الضحك في قموبنا‪ .‬وقف بالباب دقائق يمعن النظر في‬
‫وجوىنا‪ .‬عيناه تنطقان بتعابير كثيرة‪ :‬األسى‪ ،‬الحقد‪ ،‬الشفقة وربما االستيزاء‪ ،‬غادر‬
‫‪w.‬‬

‫باب حجرتنا دون أن ينطق‪ ،‬توقف اآلخرون عن المعب‪ ،‬بدأنا نتحدث‪ ،‬طرقنا‬
‫مواضيع مختمفة‪.‬كان الحرص يرافق كل كممة ينطق بيا أي منا خوفاً من أن تفمت‬
‫كممة بالخطا فيتمقفيا مثقوب ويطير بيا إلى جياز استخباراتيم‪ .‬تحدث أحدىم‬
‫وكان قد حكم عميو بالسجن سبع سنوات قال‪:‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪ -‬أعرف أنني لن أقضي السنوات السبع في ىذا السجن المعين‪ .‬سيحررنا‬


‫‪- 052 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫العرب‪ .‬لكني أخاف أن ال يعرف الطيارون المصريون أن ىذا سجن لمعرب‬
‫ويقصفوه بالقنابل‪.‬‬
‫‪ -‬أىذا ما تخاف منو؟!‬

‫‪o‬‬
‫‪ -‬فميدمروه فوق رؤوسنا‪ ،‬فقط دعيم يحاربون‪..‬‬
‫قال آخر وقد تناثرت ضحكاتنا مرة أخرى في أنحاء الحجرة‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫ابتسمت من م اررة الذكرى‪ ،‬وربما من الحنين إلييا‪ ،‬تابعت رجالً يحمل سمة‬
‫ممموءة بالخضار‪ ،‬تأممتو جيداً‪ ،‬في سن متقدمة‪ ،‬حزين‪ ..‬مكتئب‪ ..‬ىكذا يبدو‪.‬‬
‫ومحمود النجار‪ ..‬من ذا الذي سيحضر الطعام لزوجتو وأوالده؟! امرأة تسير بال‬
‫ىدى‪ .‬تتبرقع بالسواد‪ ،‬لعميا فقدت عزي اًز ليا؟! من يدري؟! قالت ابنة أبو عامر‬
‫الحداد لي‪ :‬ال أدري إن كان زوجي شييداً أم ال!! لقد قتل في حرب عدمية‪ .‬قتال‬
‫عدمي‪ ..‬لماذا؟! وأولئك الذين خمف الجبل؟! آه‪ ..‬يالمذكرى المرة‪ ..‬سيا وفاطمة‪...‬‬

‫‪o‬‬
‫سأزورىم الميمة‪ .‬ربما غداً‪ .‬عندما تستوي مالمح وجيي‪ .‬ستعود إلى حالتيا‬
‫الطبيعية‪ .‬حتماً ستعود‪ .‬تحتاج وقتاً‪ .‬أتمنى أال يطول!! وكم طالت أيام السجن؟!‬
‫التبنى جدران السجن عمى أحد‪ .‬ىكذا قال أحدىم عندما بدأت أتذمر من أيامو‬
‫‪ott‬‬
‫الطويمة وم ارراتيا‪ .‬ألقيت نظرة عمى ساعة يدي‪ .‬العاشرة مساءاً‪ ،‬أبقيت عمى‬
‫جسدي ممداً‪ .‬طرت وعيناي ىذه المرة في فضاء عمان‪ .‬السماء صافية ال يعكر‬
‫صفائيا شيء‪ .‬ذيبو! أتركيا تتدبر أمورىا‪ .‬لقد رحمت عنيا‪ .‬بكت بح اررة عندما‬
‫ازرتني في سجن غزة‪ .‬لم تستطع أن تكممني إال لمحظات‪ ،‬ثم بدأت بالبكاء‪ .‬أيقنت‬
‫أنيا تحبني‪ .‬ما ىذا اليراء؟! أو ليست ىي ابنة عمي؟! لو أنيا فقط تخمصت من‬
‫‪alk‬‬

‫حقدىا وتشرذم نفسيا الحزينة؟! وتخمص ىو من بخمو‪ .‬لكانت حياتنا أزىي‪ .‬صبغا‬
‫حياتي بألوان متضادة‪ .‬سامحك اهلل ياذيبو! غداً ستجد من تطيح بحطاميا عميو‪.‬‬
‫‪ -‬سأذىب ألنام‪ ..‬قمت لعاطف‪..‬‬
‫‪ -‬والعشاء؟‬
‫‪ -‬ال رغبة لي‪..‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬إن لم تستطع النوم‪ ،‬اخرج وشاركني سيرتي‪..‬‬


‫‪ -‬سأحاول أن أنام قمت وغادرت إلى حجرتي‪.‬‬
‫عمى السرير‪ ،‬حدثتو‪ ،‬رجوتو أن يقدم لي خدمة‪ .‬أن‬ ‫ألقيت بالجسد الميدود‬
‫وال قصر في األعمار طول السير"‪ .‬قال‪" .‬من أين‬ ‫أنام‪" .‬فما أطال النوم عم اًر‬
‫‪ww‬‬

‫في الشجن؟! أعفني ىذه المرة وغداً يوم آخر‪ .‬وأعدك‬ ‫لؤلفكار المجيدة أن تجاريك‬
‫‪- 053 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫أال تيزمني ‪ .‬مثقل أنت بأفكارك الياربة دوماً‪ .‬ال تفارقك ال ليالً وال نيا اًر‪ .‬أبق كما‬
‫أنت‪ ،‬فأنت محكوم بالتيو والموعة وأحالم اليقظة‪ ،‬أرجوك‪ ..‬أقبل أياديك‪ ..‬اتركني!‬
‫لم تكن استجابتو سريعة كاستجابة تمك الشجرة الممساء عندما تسمقتيا‪ .‬وبعد طول‬

‫‪o‬‬
‫مجادلة أراحني‪ .‬نمت‪.‬‬
‫صحوت الساعة الخامسة صباحاً‪" .‬اتركني ساعة أخرى" قمت لو راجياً‪ .‬ىذا‬
‫يكفي‪ ،‬انيض!!" فعمت‪ .‬تسممت من سريري‪ .‬توضأت!! صميت الفجر!! وىل تقبل‬

‫‪b.c‬‬
‫صالة الخطائين‪ ،‬قمت لنفسي‪ ،‬والنفس أمارة بالسوء‪ ،‬سألت اهلل أن يغفر لي!! كم‬
‫من الخطايا نقوم بو‪ ،‬ثم نطمب المغفرة؟! إن لم يمجأ الخطاؤون إلى اهلل‪ ،‬فممن‬
‫يمتجئون إذن؟! لمن؟!‬
‫حاولت أن أنام ثانية‪ ،‬عصاني جسدي ىذه المرة‪ .‬بدأت أتقمب في فراشي‬
‫حتى غزتني الشمس من النافذة‪ .‬نيضت‪ .‬فنجان القيوة والمفائف‪ .‬صحا عاطف‪.‬‬
‫اإلفطار‪ .‬ذىب إلى المدرسة‪ .‬بقيت وحدي‪ .‬معطوب في صحراء الحياة‪ .‬الخيارات‬

‫‪o‬‬
‫أمامك قميمة‪ ،‬أخرج إلى الدنيا‪ .‬إنس فعل الطبيعة في تضاريس وجيك‪ ،‬وىل يالم‬
‫المرء إذا دفعتو الرياح من أعمى المنزل فكسرت ساقو؟! خرجت‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬أىالً يوسف‪..‬‬
‫‪ -‬ما الذي حدث لوجيك؟ سألني أبو نضال‪..‬‬
‫‪ -‬أحد تشوىات العصر!‬
‫‪ -‬ماذا تعني؟!‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬ميميشيا سقط في أيدييم‪..‬‬


‫قدموا لي فنجاناً من الشاي‪ .‬داعب أوراقاً أمامو‪ .‬تجاىمني‪ ،‬وىل مثمي يمفت‬
‫انتبا ىو‪ .‬وقف‪ .‬نظر إلى ساعتو‪ ،‬الرحيل‪ .‬أوقف أبو مضر‪ .‬مقاتل في إجازة‪ .‬يتربع‬
‫في صدر المكتب‪ .‬أوليس مقاتالً؟!‬
‫‪ -‬حضرت أم عمي؟! قال‪.‬‬
‫‪ -‬ومن ىي ىذه األم عمي؟! سأل أبو نضال‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫‪ -‬والدة الشييد عمر‪.‬‬


‫‪ -‬وماذا تريد؟!‬
‫‪ -‬رواتب ولدىا‪..‬‬
‫‪ww‬‬

‫أشاح بيده‪ .‬قفزت عالمات االشمئزاز إلى مالمحو‪" .‬رواتب؟" قال‪" .‬ال أممك‬
‫‪- 054 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫نقوداً"‪ .‬تابع‪ .‬ذىمت‪ ..‬البل صعقت‪ .‬أم شييد‪ .‬تطمب حقاً ليا عمينا‪ .‬كان ابنيا‬
‫مقاتالً كما أبو مضر‪ .‬تشيح بيدك أن أصرفيا‪ .‬كيف لنا أن نستمر؟! والبيت‬
‫الممموء بالدوالرات والذىب؟! أصرفيا‪ .‬خرج‪ .‬لم توقفو أنات األم الثكمى‪ .‬في حاجة‬

‫‪o‬‬
‫ىي ألن تستمر حياتيا لتستمر مسيرتنا‪ .‬خرج!! وبعد ذلك!! إلى من تذىب أم‬
‫عمي؟! خرج!! لتنتظر عدة أيام في عمان‪..‬وبيتيا ىناك خمف الجبل؟! لتنتظر أياماً‬
‫أخرى! أين؟! تستطيع أن تدبر أمورىا‪ ..‬والرواتب؟! خرج‪ .‬أين تذىب النقود؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫خرج‪ .‬في ميمة؟! أوالده يريدون الخروج‪ .‬خرج‪ .‬لم أعمق!! ال تأثير لك ىناك!!‬
‫كيف؟! وأم الشييد‪ .‬لتنتظر كما قال‪ .‬األيام تفعل فعميا‪ .‬وتقول إلى أن تصل!!‬
‫أين؟! واليد تموح في الفضاء أن ال تزكم أنفي بيذه مطالب‪ .‬خرج‪ .‬خرجت‪.‬‬
‫‪ -‬في مكتبو في المجنة المركزية‪ .‬قالت لي أم الييثم‪.‬‬
‫ذىبت إلى ىناك‪ .‬خمف مكتبو كان جالساً‪ .‬فتاتان من أعضاء التنظيم حولو‪.‬‬
‫يتيامسون‪ .‬طرقت الباب‪ .‬انتبو‪ .‬رحب بي ودعاني لمدخول‪ .‬ىي التضاريس‬

‫‪o‬‬
‫البارزة‪ .‬ماذا حدث لك؟! ذلك السؤال الدائم أمام انتفاخ الوجو البارز‪ .‬ال عميك‪ .‬ال‬
‫زلت أتحرك‪ .‬واأللم يمكن احتمالو‪..‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪ -‬ماذا فعمت؟! سألني‪..‬‬
‫‪ -‬سأعود إلى دمشق بعد أيام‪..‬‬
‫‪ -‬ىل ستدخل الجامعة؟‪..‬‬
‫‪ -‬تمك أمنية تفصمني عنيا خطوات‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫‪ -‬أتمنى ذلك‪..‬‬
‫بقيت الفتاتان جالستين‪ .‬تعثر الحديث‪ .‬قمت كل ماعندي‪ .‬ال!! بقي ماجئت‬
‫من أجمو‪ .‬بطاقة فدائي‪ .‬أحتاجيا‪ .‬ىل عندك صورة‪ .‬نعم‪ .‬قدمتيا لو‪ .‬تناولتيا‬
‫إحدى الفتاتين‪ .‬بعد دقائق عادت وبيدىا البطاقة‪ ،‬بحث في أوراقو‪ ،‬التقط إحداىا‪.‬‬
‫تصريح إلى سورية وأمر دفع لميمة لن أقوم بيا‪ .‬تسممت البطاقة والتصريح والنقود‬
‫عانقتو مودعاً‪ .‬خرجت وأم عمي؟ لتنتظر‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫عندما عادت مالمحي نفسيا خرجت‪ ،‬ذىبت إلى منزل أحمد السمفيتي‪،‬‬
‫وجدتو‪ ،‬بشاشتو التي اعتدت عمييا لم تفارقو‪ ،‬وكذلك الجدية‪ .‬رأي الكتاب مغمفاً في‬
‫يدي‪ .‬انفرجت أساريره‪ .‬نجحت‪ .‬كيف؟! قصة طويمة‪ .‬حدثتو‪ ،‬قدم لي فنجاناً من‬
‫القيوة‪.‬‬
‫‪ww‬‬

‫ال أعتقد أنني سأكون منكم‪ .‬في الوقت الحاضر عمى األقل‪ .‬سأبقى عمى‬
‫‪- 055 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫اتصال بالسيدة لمياء المصري‪ .‬عندما تتكون قناعتي سأقرر‪ .‬ودعتو وانصرفت‪.‬‬
‫وأم عمي؟! لتنتظر عدة أيام في عمان‪.‬‬
‫صعب ىذا االنتظار‪ ..‬كم ىو صعب‬ ‫ٌ‬ ‫قضيت األيام الثالثة قمقاً متحف اًز‪،‬‬

‫‪o‬‬
‫عمييا؟! ال أعرف إن كانت قد استممت رواتب ابنيا الشييد أم ال؟! قال أبو مضر‬
‫يمق حتفو في ذلك‬‫إنو استشيد في عممية داخل األرض المحتمة‪ ..‬إذن ىو لم َ‬
‫القتال العدمي‪ .‬ظني أن غاده تكمل دراستيا ىناك خمف الجبل‪ .‬بماذا تفكر اآلن؟!‬

‫‪b.c‬‬
‫وقت طويل مضى وىي وحدىا‪ .‬تمك اليالة عمى جبيتيا البرونزية‪ ..‬ىل ال زالت‬
‫الرائحة الزكية تنبعث منيا؟! وماذا في ذلك‪ .‬غداً سأغادر عمان‪ .‬وصمت بسرعة‬
‫إلى قرارك ىذا‪ .‬اتفقت مع عاطف‪ .‬تركت لو حرية التصرف بأشيائي‪.‬‬
‫ذىبت مساء اليوم إلى منزل فاطمة‪ .‬رحبت بي‪ ،‬كانت سيا ىناك‪ .‬كانت‬
‫سيرة وداع‪ ،‬جيزت فاطمة لنا العشاء‪ ،‬وغنت سيا أعذب ألحان فيروز‪ .‬دخنا كثي اًر‬
‫من المفائف‪ ،‬تصافحنا‪ .‬فترة قصيرة قضيناىا معاً‪ .‬كانت كافية ألن تخمق التآلف‬

‫‪o‬‬ ‫بيننا‪.‬‬
‫حجرة صغيرة‪ ،‬أكبر من الزنزانة‪ ،‬مرتبة ونظيفة‪ ،‬تتسع لنا نحن الثالثة‪ ،‬حريتنا‬
‫‪ott‬‬
‫بال حدود كانت‪ .‬وسيا حديقة مفتوحة لكل أنواع الطيور‪ .‬ال زال األمل يراود‬
‫فاطمة‪ ،‬ىل تحقق؟! ال أدري‪ .‬عدت‪ .‬عاطف نائم‪ .‬حاولت أن أنام‪ .‬اقترب الفجر‪.‬‬
‫عمان ىادئة ىذه الميمة‪ .‬طال ىدوؤىا‪ ،‬االنفجار قادم‪ .‬نمت‪ .‬وفي الصباح كنت‬
‫وحدي رتبت أشيائي وذىبت إلى موقف السيارات المغادرة إلى دمشق‪ .‬وضعت‬
‫حقيبتي في السيارة‪ .‬جمست مع آخرين أمام المكتب ننتظر أن يكتمل عدد الركاب‪.‬‬
‫‪alk‬‬

‫لم أتناول إفطاري بعد‪ .‬ألفعل ىنا‪ .‬آلخر مرة‪ .‬من يعمم متى سأعود ثانية‪ .‬لن‬
‫أغامر وأعود‪ .‬ما أن انتييت من إفطاري حتى اكتمل العدد‪ .‬قال السائق‪:‬‬
‫‪ -‬ىيا يارجال‪ ..‬أبو جاسر‪ ..‬سنتوكل عمى اهلل‪..‬‬
‫‪ -‬رافقتكم السالم‪ .‬صاح أبو جاسر‪..‬‬
‫وتحركت السيارة‪.‬‬
‫‪w.‬‬

‫وداعاً عمان برغبتي نعم حاولت أن أتجانس معك أحببتك‪ ،‬كرىت األشجار‬
‫الجرداء والماء اآلسن أم عمي تريد رواتب ابنيا الشييد أشاح بيده يارجل ىكذا‬
‫نعامل شيداءنا من يرى ويسمع يبتعد الواسطة تمك اآلفة الفتاكة تسممت إلى‬
‫مكاتبيم إذا حضر مندوب فتح مع مندوب الحكومة لجمع السالح اقتموا مندوب‬
‫فتح أوالً أييا الثائر القتل ليس ىنا أو بيذه السيولة مع كل متر تقطعو السيارة‬
‫‪ww‬‬

‫تودع عمان ابتعدت كثي اًر عن غاده لم أسمع منيا وال عنيا شغمتني األشياء‬
‫‪- 056 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫والشجرة العارية عندما يأتي الشتاء تبتل األرض بالماء تنتعش الجذور تتفتح‬
‫األوراق في الربيع تتكاثر الزىور وتدور الفراشات حول الورود في الحدائق الخريف‬
‫والشتاء والربيع كميا مرت في يوم واحد حتى الصيف تبممت وتمك الغانية ال ترتوي‬

‫‪o‬‬
‫حاولت األغصان ممساء انزلق بينيا بيسر وسيولة ال تجرحك تأوىت‪ ،‬أدخل ال‬
‫تخف وماأن دخمت حتى نسيت من أنا وكيف لي أن أذكر غاده ىي نسمة في‬
‫حياتي ىنا الحياة والعوم في بحر ىادئ بال أمواج ىل سبحتم في مثل ىذا البحر‬

‫‪b.c‬‬
‫أنا سبحت كان العقاب سريعاً تضاريس وجيك تشوىت وعندما وضعوك في نصف‬
‫المجنزرة وألقوا عميك جزماتيم العسكرية الثقيمة كان ذلك عقاباً عمى فعل لم تفعمو‬
‫الحياة والعمل الذي البد منو أصبح لحياتك معنى حقاً أظن ذلك أن يتسمل الماء‬
‫إلى عروقك أو من عروقك ظمآناً كنت نعم الجامعة حمم من أيام المدرسة‬
‫االبتدائية أحالمك كبيرة دائماً والعجب أنك تحققيا بسيولة تحسد عمييا ىذا شيء‬
‫يحسدك عميو اآلخرون وغاده وفاروق الذي وسمك بالدمامة وكيف لمثل ىذه الغادة‬

‫‪o‬‬
‫أن تمجأ لمثل تمك الدمامة عبد الكريم دائماً بجانبك وفاروق في زورق أبحر طويالً‬
‫وأنت معو أو ىو معك من الصف األول االبتدائي وأنتما االثنان معاً نعم فاروق‬
‫واأللم والحرمان والمغامرة جائع أنا ذات مرة قمت لو ىيا إلى المنزل وأختو الوسيمة‬
‫‪ott‬‬
‫مثمو قدمت لكما ماتريدان في بستانيم في بيت الىيا إنو صديق وأي صديق يندر‬
‫أن تجد ىذه األلفة في مكان آخر عبد الكريم عمق المودة آه األيام تعمل ماتريد‬
‫وما عميك إال أن تجارييا أين ىم اآلن في طريقك إلى دمشق لتحقق أمنية كانت‬
‫مخنوقة داخمك منذ زمن أو بيذه السيولة عجيبة ىذه األقدار تبممت أيضاً بسيولة‬
‫ألول مرة أتقوقع بين األغصان أدخل صاحت لن أجرحك‪ ،‬ودخمت ذبت في‬
‫‪alk‬‬

‫المحظة كما كنت تفعل عندما كنت تذىب مع غاده دخمت عميقاً وال زلت ظمآناً‬
‫تتدفق القوة من بين أضالعك ال زلت قوياً وىي ال ترتوي عمان وداعاً لم أجد فيك‬
‫ما أريده ربما كنت خيالياً أكثر من الالزم وسيا ربما كانت تريد أن تستمقي تحت‬
‫ظل الشجرة ظالليا ليست كثيفة وفاطمة صحراء يصعب أن يقتحميا المرء‬
‫استمعت بالظالل وبيواء الصحراء الالفح لم أبتل ولم تكن عندي الرغبة في ذلك‬
‫عمى حدود جرش نحن اآلن ال تقترب منيا قال أبو الييثم لذاك الذي حاول أن‬
‫‪w.‬‬

‫يتمرغ في بستان تمك المرأة في مخيم جرش ظني أنو أراد ىو أن يستمتع بثمارىا‬
‫وحده ربما نجح الماء اآلسن وذلك الذي فقد ألفاً من الدنانير ولم يتأثر لفقدىا قذفو‬
‫بأقذع الشتائم الرجل العجوز الذي دار حول السائق سبع مرات لكنو رفض أن يدفع‬
‫األجرة وذلك المقيى الذي يحتضن كثي اًر من شباب المخيم يمعبون الورق وربما‬
‫القمار لعبت أنا ذات مرة وستكررىا قريباً الجامعة وتمك التي حبست رغبتك‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 057 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫المتمفعة بين جنبيك كم تمنيتيا رأيت مالبسك الداخمية ذات يوم نيرك قريب زوجيا‬
‫أقسم لي صاحب الفرن أنو لم يقترب منيا وىي الظمآنة أبداً لم أكن جريئاً‪ ،‬وطرقت‬
‫بابيا تطمب شربة ماء في الظاىر وتريد اقتناصيا في الواقع ىربت قبل أن تفتح‬

‫‪o‬‬
‫الباب فتحتو أنت واقتحمتك ىي تبممت تحت أغصان الشجرة الممساء كانت لحظة‬
‫تيت بين األوراق الغامضة تحسستيا بيديك وعينيك حفظت تضاريسيا عن ظير‬
‫قمب وتشوىت تضاريسك في عقاب آني أنت أنت أييا التائو عبر األيام واألزقة‬

‫‪b.c‬‬
‫تبحث عن ذات ضائعة ربما غير موجودة التجئ إلى أحالمك يقظتك ىي المرفأ‬
‫وغاده كانت مرفئي كما قال عبد الكريم حسدك عمييا فاروق لكنو لم يقترب منيا‬
‫ولو حاول لما استطاع فميناؤك محصن غيمة متأىبة إلسقاط مطرىا تحسستو‬
‫بيديك وعينيك فرق شاسع بين المحظتين وذيبو ال تكرىيا كما ال تكره ذيب تحب‬
‫أن تراىم أحياناً ولترى مافعل بيما الزمن تفجر وانثر أجزاءك عمى مساحة األيام‬
‫عمان ودائماً الحدود ال تخف تحمل بطاقة ىوية اسمك غير اسمك وصورتك ىي‬

‫‪o‬‬
‫صورتك والدنانير تمؤل جيوبك اغترفت من الحياة حموىا واترك مرىا لآلخرين‬
‫ىييات أن تتحقق األماني حاول ربما تنجح أبحث عن مياه حموة وستجدىا دمشق‬
‫يجري فييا بردى وأنت وحيد تبحث عن الماء والسباحة وستجدىا دمشق عمىمرمى‬
‫‪ott‬‬
‫البصر لحظات وتدخميا فاتحاً ربما طحمباً نابتاً وسط الماء أو فوق الصخور‬
‫المبممة غريب في مدينة األمويين وادخل لن أجرحك ودخمت وىا أنت ذا تدخل‬
‫الجامعة وكمية اآلداب قسم المغة اإلنجميزية‪ ،‬ماذا تريد أكثر من ذلك ادخل نعم‬
‫سأدخل لن تعود إلى عمان قال الشرطي‪ ،‬موافق وأين ستذىب إلى المياه العذبة‬
‫واألشجار الوارفة واألغصان الخضراء الناعمة وتتوه بينيا ستجدىا في كل مكان‬
‫‪alk‬‬

‫أدخل ال تخف وفاطمة صحراء لم يحاول أحد االقتراب منيا وماذا ستفعل في‬
‫صحراء جرداء عطشى وأنت ظمآن لكن المياه المالحة ال تروي الظمآن وسيا‬
‫كانت ستتسمق أغصانيا لو طالت األيام عافتيا النفس بال سبب ممرضة لكنيا‬
‫غجرية الصوت والجسد ىي قالت ذلك دنت منك وابتعدت عنيا أدخل دمشق تفتح‬
‫أبوابيا تندفع السيارة كما الريح كما شعاع الشمس أذىب إلى حيث اليدوء النفسي‬
‫والماء العذب والشمس الحارقة وعندما يأتي الشتاء تمفع باألغصان النضرة‬
‫‪w.‬‬

‫المنتظرة وىي كثيرة ومتشابكة ال تتردد أدخل وقاتل الوىن بين أضالعك أقتل‬
‫مابنتو ذيبو وذيب وانطمق أنت في عاصمة األمويين دمشق لن تعيش وحيداً بعد‬
‫اآلن سأحاول أعرف أن وحدتي أبدية حتى بين األغصان والحسان لقد رأيت الكمية‬
‫وطالباتيا الفاتنات صبايا دمشق وجيك غميظ القسمات تخمص منو أنساه سأفعل‬
‫أدخل ولن تندم ولن أندم سأدخل دمشق خطوات وتنفذ في أغصانيا دمشق وداعاً‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 058 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫عمان تركت األلم واشاحة اليد وأم عمي التي طمبت رواتب ولدىا الشييد "أووة" قال‬
‫ومن أين لممسكينة أن تعرف أن بعضاً من رواتب ابنيا يقتنصو المصوص‬
‫المتدثرون بعباءات الثوريين غادر عمان غير آسف وقد فعمت ومحمود النجار‬

‫‪o‬‬
‫جمرة في جنبات عمان قتموه قتمتو كثر وتعرفيم ال عاش من ترك األيام تحصره‬
‫في زاوية الحياة انطمق فأنت عمى بعد خطوات من دمشق وغاده ابتعدت ابتعدت‬
‫ال تنساىا لن أفعل ومن ينسى الوردة األولى في حياتو أدخل األيام ستقرر متى‬

‫‪b.c‬‬
‫تمتقيان أدخل سأفعل دمشق يا إطاللة التاريخ بكل كبواتو ونجاحاتو دمشق يامكمن‬
‫المياه العذبة‪ ،‬األغصان الندية دمشق كم من العمر سأقضي بين ذراعيك وداعاً‬
‫ياعمان ابتعدت ابتعدت والبد أن تبتعد أىل كل تراب العالم عمى ماضيك تخمص‬
‫منو ىل سأنجح جرب ولن تخسر شيئاً ألم تقل ذلك لعبد الكريم قبل أن تدخل‬
‫السجن بأيام أدخل وابتعد وذيب وذيبو ىناك قابعان ارتاحا منك وارتحت منيم ال‬
‫تحقد عمييم ومن أين لي بيذه الصفة التي أحتاجيا أحياناً ابتعد سأفعل نعم أىالً‬

‫‪o‬‬
‫أقبل رأسك التجئ إليك ال أحمل جواز سفر كل ما أحممو بطاقة فدائي‬
‫اسمي عميو ليس اسمي ونفسي ظمآى أنوي أن أروييا من مياىك العذبة الجامعة‬
‫دمشق ّ‬

‫أمنية تتحقق وماعميك إال أن تحافظ عمييا دمشق أنت المالذ وأنا الغريب التائية‬
‫‪ott‬‬
‫ىل سأجد مكاناً‪..‬‬
‫نزلت من السيارة وتوجيت إلى فندق سوريا الكبير‪ ...‬وىناك‪...‬‬
‫عزيزي ‪ /‬أنت‪!..‬‬
‫نعم أنت‪ ..‬أنت الذي انييت من قراءة ىذه الرواية‪..‬‬
‫‪alk‬‬

‫السالم عميكم ورحمة اهلل وبركاتو‪.‬‬


‫أما بعد‪،‬‬
‫أصدقك القول أن ىذه الرواية ليست كما تظن‪ ،‬ظني أنك تظن أنيا سيرة‬
‫ذاتية‪.‬‬
‫واقع الحال أنيا ليست كذلك‪ ،‬ماقرأتو ىو ماكان يتمناه الياللي أن يحدث‪،‬‬
‫‪w.‬‬

‫لكنو لم يحدث‪ ،‬ىكذا قال لي الياللي الصغير‪ .‬أتصدقني؟! عمى أي حال‪ ،‬لك‬
‫مطمق الحرية أن تفيم الرواية بالطريقة التي تروق لك‪ .‬ومع ذلك مازال ىناك‬
‫الكثير ألقصو عميك عن حياة ىذا الياللي‪ .‬وصمنا‪ ،‬أنت وأنا وىو‪ ،‬إلى دمشق‪.‬‬
‫إذن انتظرني في الجزء الثاني من قصة حياتو لنرى معاً ماسيحدثنا عنو في دمشق‬
‫حيث دخل قسم المغة اإلنجميزية‪ ،‬ربما نجده وقد اىتدى إلى طريقو أو لعمو مازال‬
‫‪ww‬‬

‫تائياً‪ .‬انتظر معي‪ .‬لقد حاولت أن أقنعو بأن يكمل قصتو ألنقميا لكم‪ ،‬لكنو اعتذر‬
‫‪- 059 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫ووعدني أن يتابع قصتو بعد أن تستسمم لو الظروف وتيدأ نفسو ويرتمي بين‬
‫أحضان دمشق‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫إذن إلى اللقاء مع الجزء الثاني من رواية هذا الهاللي التائه‪.‬‬
‫ناقل الرواية‬

‫‪b.c‬‬
‫محمد يوسف الصليبي‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪o‬‬
‫‪ott‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 061 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬
‫‪m‬‬
‫هذا الكتاب‬
‫رَاٌت حدٌثت بمضمُوٍا‬
‫مشكهت‬ ‫تتىاَل‬ ‫َأسهُبٍا‪.‬‬

‫‪o‬‬
‫انفهسطٍىٍه حانٍا ً َارتباطٍم فً‬
‫كفاحٍم بمىظمت انتحزٌز انفهسطٍىٍت‬
‫اَن‪.‬‬

‫‪b.c‬‬
‫َما ٌمكه أن ٌعاوًٍ ( انفدائً)‬
‫انذي ٌبدَ تائً فعالً حتى ٌٍتدي‬
‫إنى حم ما أحداث كثزة تسزد‬
‫رحهت (انتًٍ) ٌذي مه خالل‬
‫مذكزاث انبطم (ٌُسف) َاألحداث‬
‫انتً تُاجًٍ‪.‬‬
‫َعالقت انحب انتً ٌعٍشٍا فً‬

‫‪o‬‬ ‫ظم ٌذي األحداث‪.‬‬


‫‪ott‬‬
‫‪alk‬‬
‫‪w.‬‬
‫‪ww‬‬

‫‪- 060 -‬‬

‫‪www.alkottob.com‬‬

You might also like