Professional Documents
Culture Documents
التائه
التائه
o
b.c
انتائً
o
-رواية -
ott
alk
www.alkottob.com
o m
b.c
الحقوق كافة
مـحــــفــــوظـة
التـحــاد الـكـتـّاب الــعـرب
o
ott
تصمٍم انغالف نهفىان :
alk
w.
ww
-2-
www.alkottob.com
o m
اإلهداء
b.c
إنى تهك انُردة انتً قصفتٍا ٌد انقدر
ًٌَ فً أَج عطائٍا!
إنى أمً انتً نم أستىشق عبٍزٌا.
o
ott
alk
w.
ww
-3-
www.alkottob.com
mo
o b.c
ott
alk
w.
ww
-4-
www.alkottob.com
m
-1-
o
حدثني يوسف بن يوسف الياللي قال:
b.c
-أشعر أنني في قمعة آمنة .ال أبذل كثي اًر من الجيد ألحصل عمى ما يعينني
عمى البقاء متحركاً .أدور في أنحاء قمعتي بحرية ال مثيل ليا .تضخمت فأصبحت
بقدمي
ّ أضيق بالمكان .لكنني أحبو .ولم ترغب نفسي عنو .أخذت أدفع الجدران
ويدي عميا تتسع لحركتي التي أصبحت ال تتوقف .كنت أسمع آىاتيا تخرج متألمة ّ
وممتاعة ،لكني لم أبال .ربما كنت أستعذب ىميمات آالميا العذبة!! شعرت
بسعادتيا تمتزج مع تمك اآلىات .ومع تواصل صرخاتيا كانت تندفع أنفاسيا
o
خارجة من أنفيا ،يتحول جزء منيا إلى داخميا فيقتحم قمعتي .تمفحني ح اررتيا:
أنكمش .أصمت .يتمبسني البيات الشتوي .لحظات وأعود إلى دفع الجدران في
ott
محاولة ثانية لتوسيعيا .أفشل فتتسارع حركتي في محاوالت فاشمة .تزايدت
صرخاتيا مع تزايد اندفاعاتي اليوجاء.
-يوسف..
انطمق االسم من فييا مع صرخات مكتومة تعبر عن األلم الذي سببتو ليا.
سمعت االسم فاستعذبت حروفو .دفعتيا بشدة أكثر آمالً أن أسمع الحروف تنساب
alk
تسمرت نظراتو عمى بطنيا المتكور .أخذ يتابع حركتي .ارتعبت .تعمدت أن أتوه
بو في مواقع متعددة من حصني المنيع .تقدم باتجاىيا ،باتجاىي ..ارتجفت من
الخوف .تشرنقت في ركن من الحصن فبرز لمعيان مكاني ..امتدت يده نحوي..
أمسكني من أنفي ..ىربت إلى الزاوية األخرى ..الحقتني أصابعو .أمسكني.
ww
تزايدت مخاوفي .تزايد ارتجاف أطرافي ،وأنا الذي كنت أظن أنني في موقع
-5-
www.alkottob.com
m
حصين ال تطولني يد!
-يكاد ينفمت منك ..قال بصوت متيدج.
أجابتو بصرخة طويمة متقطعة .لم يحتمل دموعيا الساقطة بإصرار عجيب.
o
تحركت أصابعو من عمى أنفي وامتدت إلى وجنتييا تمسح دموع عنيا.
-ال تخافي ..اصبري ،كل شيء سيكون عمى ما يرام.
b.c
أخذت أقيقو بصوت عال ،ثم كتمت قيقياتي خوفاً من أن يسمعني .ىالني
ما أرى! الرجل القوي الذي تحدى جمعاً من أىمو يقف مرتجفاً أماميا ..احترمت
ألمو وليفتو عمييا .أوقفت حركتي ..تمددت بقدر ما سمحت لي المياه المتسربة.
وساقي ..استكانت ..تحسستني بيدييا ..أمسكتنيّ ىناك متسع ألن أبسط ذراعي
فخذي ..استرخت أساريرىا ..ابتسمت عيناىا.
ّ من مكان ما بين
-إنو ولد يا يوسف.
o
قالت وقد تدفقت سعادة ال حدود ليا من عينييا .صعدت آىة مرتاحة من
القمب ..قمبيا لتعانق أفكاره وتمتف حولو .تمقفيا منشرح القمب .أطمق إشارات
ott
االمتنان ليا من عينيو ،ال بل من قمبو ..رأيتو ينبض فيتدفق مزيجاً من والسعادة
واألمل إلى رأسو فتندفع كل تمك المشاعر الراقية منو إلييا .كنت أرقبيم
باستمتاع.ضغطت عمى خاصرتيا ،فاختفت االبتسامة من وجييا وانطمقت منيا
آىة دعتني أن انتظر بعضاً من الوقت...
-سأخرج.
alk
www.alkottob.com
m
الوحيد الذي اشتراه لك .جسد لم يعرف معنى االسترخاء قط .كما كنت تحمم ..أن
تتخمص منيا جميعاً وىا أنت ذا تفعل .واقع الحال أنك لم تفعل ..األيام ىي التي
قررت لست نادماً.
o
-ال تمتفت لمخمف ،وال تنحرف عن الطريق.
ىكذا صاح الجندي الذي كان ضمن مجموعة رافقتنا إلى حيث الحدود .يوم
b.c
قائظ شمسو حارقة تميب األرض ومن عمييا بسياط طويمة من ح اررتيا .بدأت
قطرات العرق تتجمع في أنحاء عدة من ىذا الجسد الميدود .نظرت إلى اآلخرين،
لم يكن في استطاعتي أن أق أر ما بداخميم .ألقيت نظرة متفحصة عمى ىذا الفضاء
الواسع .اصطدمت نظراتي بجبال شاىقة .ألول مرة أراىا ..أو أرى مثميا" .ال
تمتفت لمخمف!!" يا ليا من نصيحة!! أردت أن أتخمص من الماضي .وىا أنا ذا
أخطو الخطوة األولى .وذاك الجندي يأمرني أال ألتفت لمخمف .ىل باستطاعتي أن
أفعل؟ سأترك لؤليام الرد!! األيام!! الزمن؟؟ ماذا فعل بي؟! وماذا فعمت أنا؟!
تحمل ىذا الجسد؟! أليذا
o
تتدحرج من ىضبة إلى سفح .ثم تنيض من جديد ..كم ّ
خمق؟!
ott
تقاطرنا واحداً خمف اآلخر ،كما أمرنا الجندي ،لم يمتفت أحدنا لمخمف .لمحظة
راودتني نفسي أن أفعل ..أن ألقي نظرة عمى ما سيكون ماضياً ..التف..
حولي ،فرغبت عن تمك الفكرة المجنونة ،أتذكر تمك األيام عندما شعرت
برجولتك ألول مرة؟ تحسست شعيرات متناثرة نبتت في أجزاء من ذقنك .وىذه
الشعيرات كذلك .انتثرت في مساحات واسعة .ونحن في طريق ال نحيد عنيا.
alk
-7-
www.alkottob.com
m
-أي كمية؟
-كمية بير زيت.
-وىذا كل ما فعمتو؟ سألني.
o
-ىذا كل شيء .أجبت.
وىكذا تتابع االستجواب ،واندلقت اإلجابات الكاذبة بال خجل .من قال إن
b.c
الكذب كمو حرام؟ سألت نفسي ..ىل نجحت؟ ما أتفو السؤال!! فاأليام ما زالت
تتراقص أمامي تخفي كثي اًر من األسرار" .ال تكن سوداوياً ".قال فاروق لي ذات
مرة" .إنيا ت ارفقني كظمي" قمت لو.
عندما أدخمني رجل االستخبارات حجرة نظيفة ،ادخل عمي فاروق .كان وجيو
متورماً .نظرت إليو كان شاحباً .غمزني أن ال أنطق .لم أفعل .دامت لحظات
المقاء قميالً .لم أره بعد ذلك .خرج ىو من السجن وبقيت أنا أعاني .مكثت طويالً
o
بين الجدران وكان ىو خارجيا .و ىا أنا ذا أنطمق ح اًر أللحق بو!! أين ىو؟!
"األيام تنسج األحداث بدىاء "قمت لنفسي .أين ىو اآلن؟ حشرت جسدي مع
ott
اآلخرين في سيارة عسكرية ال أدري أين تتجو .كانت الشمس قد غادرتنا غير
آسفة ،وعباءة من الظالم الكثيف تمف المكان بإحكام .وفي منتصف الطريق
اخترق الصمت صوت انفجار شديد .توقفت السيارة عمى أثره .اندلع الخوف في
أجزائي .ورغم شدة الظالم رأيتو مجسداً أمامي يعانق خوف اآلخرين .ما الذي
حدث؟! كما ىي العادة ،ال بد أن يقضي أحدنا عمى اآلخر .وال أحد يريد أن يكون
ىذا اآلخر .تباً ليذا العقل الذي يرفض التجانس مع المعقول.
alk
بقايا من عزم دفعتنا ألن نتحامل عمى أقدامنا ونصل إلى حجرات واسعة .تفحصتنا
بنظرات ذابمة .ارتدت نفسي إلى الداخل ،وكذلك فعمت عيناي .تممك التعب كل
أنحاء جسدي ،ألقيت بو عمى األرض وتمددت أمالً في أن أغمق صمام الوىم
وأغمض عيني ،وأنام .لم يكن في متناول يدي .استجمعت ما تبقى عندي من قوة
عيني ،تحقق لي ذلك لمحظات ..ثم داخل الجفون المغمقة بقيت عيناي ألغمق
ww
ّ
-8-
www.alkottob.com
m
يقظتين .وما ىي إال ىنييات حتى استيقظت حواسي كميا.
كيف أتيت إلى ىذه الدنيا؟! ولماذا بقيت أنا ومات عدد منيم؟! تحسست
الوىم بيدي .فشمت في أن أصورىا في ذاكرتي ،فأنا لم أشاىدىا .ما أسرع ما
o
تركتني ..أين ىي اآلن؟! حاولت أن أوقف دوران الذاكرة في زوايا حياتي ..لم
أستطع!! وماذا استطعت أنت أصالً من قبل؟! تيوي من عمياء أوىامك إلى قاع
سحيق ىو واقعك الذي ال تعترف أنت بو.
b.c
أتذكر؟!
األيام الرائعة في رام اهلل ..عندما شعرت أن األيام قد ابتسمت لك ،وتخمصت
من قضبان وىمية فرضيا عميك أخوك وزوجتو .ذاك المساء العابق برائحة الزىور
البرية في يوم تموزي ..نسمات اليواء الخفيفة تتدفق عبر حواسك كميا .أنت سارح
في ممكوت اهلل ،وفاروق وعبد الكريم يدخنان المفائف..
تشعر بذاتك .قل لي بربك .ما تفسير ذلك؟ كيف حدث ما حدث؟! لم نفعل الكثير
الذي نستحق عميو ما عانيناه الحقاً.
كانت الرحمة من رام اهلل إلى غزة تستغرق نحو الساعتين والنصف قضيناىا
نغرس نظراتنا في أرض كانت ذات يوم ممكنا .مدينة القدس العتيقة بحوارييا
ومنازليا شاىدة عمى التاريخ وربما التاريخ شاىد عمييا .ثم مزارع خضر عمى طول
ww
-9-
www.alkottob.com
m
طريق ال أعرف اسمو ،فنحن في أرض ىي لنا ولم نرىا من قبل .ذابت نفسي مع
خضرة الطريق ..تسممت أحاسيسي عبر النافذة فعانقت الفضاء المحيط باألشجار
الخضر .دفقات من المطر اقتحمت وجيي المسحوق والجمال المبعثر عمى جانبي
o
الطريق ،فازداد الجمال جماالً.
-يوسف.
b.c
كأن الصوت آتياً من أعماق األرض .انتفضت ممتفتاً إلى مصدره.
-ىذه ىي دير سنيد ..قال المدرس الذي يرافقنا في الرحمة.
آه ..يا وخزة األلم الذي ال يحتمل .سكين ينغرس في لحمك .تتأوه ببطء..
يتسمل األلم عبر أجزائك كميا" .دير سنيد" ،يا لالسم الرائع!! تحركت أصابع يدي
عابثة باليواء" ..دير سنيد" ..تمنيت أن يبطئ السائق اندفاع السيارة ،لكنو لم
يفعل .لتكن غصة في القمب ،وأمالً سابحاً في فضاء بال قرار ..أحمق الىثاً خمف
نقياً .أمسكت لحظة الذوبان ىذه بيدي ..زادىا روعة ذاك المطر الخفيف الذي بدأ
يتساقط ..عن بعد لمحتيم ..سرت باتجاىيم ..مجموعة من شبان المخيم ..الحق
أقول إنيم بال طموح .ىكذا عرفتيم ..أحببتيم لصفات جيدة يتحمى بيا كل منيم.
عندما وصمت ،وجدتيم يمعبون القمار .يمسك أحدىم بقرش "يفنو" في الفضاء
ويمقي بو وبيده فوقو عمى األرض .عميك أن تعرف ىل الوجو المالصق لراحة اليد
ww
الرقم " "01من القرش ،أم الوجو اآلخر "الممك" .فإذا عرفت ،كسبت قرشاً أو أكثر
- 01 -
www.alkottob.com
m
أعجبتني المعبة ،فاستسممت لؤلحالم الشيطانية.
تحسست القروش الخمسة المختبئة في جيب سروالي ،عصرتيا في راحة
يدي ..ىيا حاول ..قال الشيطان ..عشرة قروش أفضل من خمسة ..ال تكن
o
متردداً ..تابع ..ولكن؟! ال لكن وال شيء ..كميا مغامرة ..بعدىا سيكون في جيبك
أضعاف ىذا المبمغ ..غامرت كثي اًر ،وناد اًر ما ربحت ..أال ترى؟! لقد قمت ناد اًر..
اليوم ربما تربح! ىيا .تحسستيا مرة ثانية ..ترقد بسالم في الجيب العميقة..
b.c
أخرجيا ..أحتاجيا في مكان آخر ..وماذا تعمل خمسة القروش ىذه؟! تيبست
أفكاري .انعدم المنطق .بال تردد أخرجتيا .انتظرت لحظات ثم جمست عمى ركبتي
كما يفعمون ومددت يدي بقرش قائالً "ممك" ربحت .وأخذت "افن" القرش والتقط
قروش اآلخرين .وفي الجولة الثانية كنت قد خسرت كل ما ربحتو وخمسة القروش
العريقة التي التصقت بجيب سروالي فترة إلى أن أجبرتيا عمى الخروج.
-أتقرضني؟ قمت لجياد.
o -سأشاركك.
-ولكني ال أممك نقوداً.
ott
-سأعطيك خمسة قروش .يكون ديني عميك قرشين ونصفاً ،والباقي حصتي
من رأس المال.
وحاولت مرة أخرى .في لحظات كانت كل القروش في أيدي اآلخرين تبعثرت
أحالمي عمى قارعة الطريق .نظرت إلى جياد وقمت لو يائساً سأؤدي لك المبمغ
في أقرب فرصة -اآلن أعترف أمامكم بأنني لم أدفع تمك القروش لو ،وىي في
alk
عيني وغالبت صرخة ألم ولوعة فخرجت ّ ذمتي -حبست دمعة كادت تقفز من
حشرجة ىي لمموت أقرب .تركت ذاك الفضاء والرذاذ الذي يستمقي عمى التراب
األصفر فتنتشر تمك الرائحة العجيبة الساحرة .عدت أدراجي إلى حيث أزقة المخيم
وحجرات المنزل الضيقة ونظرات أخي النارية وتيكمات زوجتو الالذعة.
عيني فمم أستطع ..وكما اآلن أيضاً طافت
ّ كما اآلن ..حاولت أن أغمض
w.
بي الذكرى أيام الصبا فتساءلت عنيا ولماذا تركتني .بقيت أسئمتي بال إجابة إلى
أن ىزمني النوم ،أو ربما ىزمتو فنمت.
-ال تتحرك.
مع آخر صدى لصوتو ىذا أرخيت جفوني ،فاستطعت أن ألقي نظرة عمى
ذاك الذي ألقى باألمر .لم أتبين مالمحو .زدت من اتساع جفوني .تكونت لدي
ww
- 00 -
www.alkottob.com
m
بعيني .عرفت ..بل أيقنت.
ّ فكرة تحسست البنادق المصوبة نحوي
-ال تتحرك ..ىل لديك سالح؟
أيضاً لم أتكمم .لقد غاص لساني في إناء من الخوف السافر ،واستأثر الخوف
o
قدر حالتي .توقف عن توجيو األسئمة بحواسي كميا .وأظن أن من كان يسألني قد ّ
بقيت لحظات ممقى حيث أنا .ساكن كحصاة ممقاة في رصيف طريق أتقن صنعو
b.c
عيني ،فمم أستطع .تحجرتا .كان باستطاعتي فقط أن أرى من ّ حاولت أن أحرك
يتحرك أماميما ..كانت أشباح تمر أمامي وال قدرة لدي عمى تمييزىا.
-انيض.
فعمت.
-ارتد مالبسك.
فعمت.
o -اخرج..
خرجت.
ott
شيء ما مغروس في ظيري .تحسست ذاتي ،فوجدت بقايا قوة أعانتني عمى
أن أقطع الفناء ومن ثم عتبة المنزل إلى الخارج.
-أجمس.
جمست عمى األرض أرتجف .فوىتا البندقيتين المصوبتين إلى رأسي ومالمح
alk
خرجت الكممات من فيو واثقة وجازمة .تبمدت أفكاري .توقف عمري كمو في
ىذه المحظة .الرعب اليائل مائل أمامي .بنادق مصوبة نحوي ووجوه جنود
االحتالل تكومت فييا أطنان من الكراىية .نسيت حتى ذاتي.
-ال أعرف خميل ىذا.
ww
قمت صادقاً .واقع الحال أنني غبت عن ماضي وحاضري فمم أتذكره .بقيت
- 02 -
www.alkottob.com
m
ساكناً كأحد حجارة الجدار الذي أتكئ عميو.
-ستعرفو ..قال.
بقيت ساكناً .تالشت قدرتي عمى النطق .ال زالت البنادق تحيل دمي إلى كتل
o
يصعب دورانيا في مجراىا.
-قف.
b.c
تحاممت عمى نفسي وانتصبت .الحظت أنني كقوس ،فحاولت أن أعتدل.
فشمت .الحظ ىو ذلك ،فصرخ بي أن انتصب جيداً .نجحت .لقد تطاير الخوف
مع صرختو فاعتدل جاذباً جسدي معو .سار باتجاه المنزل .جذبني معو .كان
أخي قد صحا من نومو ووقف في فناء المنزل عاج اًز عن الحركة .نظر إليو ذو
المكنة المصرية ،فعرف مقدار الرعب الذي سكن المنزل.
-ما اسمك؟ سأل.
o -ذيب.
-اسمع يا ذيب ،الحياة فييا الحمو والمر .وكمما تذوقت حمو الحياة ،ال بد لك
ott
أن تتذوق مرىا .يقولون أن أخاك منظم .سنأخذه ونعرف لماذا .واذا لم يكن كذلك
فسنرجعو لك.
من أين أتتو الحكمة؟! نظرت إليو مشدوىاً .ظننت أن األرض تتأوه من وقع
أقداميم فإذا لدييم من الكممات ما يمتص دفقات الخوف واأللم.
-لنا اهلل .قال أخي.
alk
جنود ثالثة كانوا داخميا .وجد أحدىم بعضاً من مذكراتي باإلنجميزية ،عرضوىا
عميو ،ق أر المقدمة" ،ألقوىا مكانيا ال أىمية ليا" قال:
ارتديت مالبسي أمام الجميع .ازداد تماسك أجزائي .استدرت خمفو واستدارت
البنادق خمفنا جميعاً .خرجت من المنزل .شعرت أنني لن أعود إليو مرة أخرى -ال
تسألني لم ىذا الشعور ..ألم تسمع فاروق عندما قال لي "ال تكن سوداوياً" أنا
ww
- 03 -
www.alkottob.com
m
بطبعي كذلك -لم ألق نظرة أخيرة عمى الباب ،رغم أن نفسي راودتني أن أفعل
حاولت أن ألقي بالماضي خمفي ،كما حاولت عندما أمرنا الجندي أن نسير في
طريق مستقيم إلى أن نمتقي بإخواننا .الفرق ىذه المرة أنني لن ألتقي بأخوتي بل
o
بأبناء عمومتي ..ويا ليم من أبناء عم!!!
ىي المحظة التي حدثك عنيا األستاذ خاطر ،مدرس الجغرافيا الذي حاول
لمممة أشالء تنظيم كان قد اىترئ عمى أيدي مثقوبين .قال:
b.c
-عندما تواجييم ،حاول أن تتماسك .سيسألونك عن تاريخ حياتك .كن دقيقاً
واخف ما استطعت من الحقائق حتى تضمميم .ىي إذن تمك المحظة وأنت مستعد
ليا .من قال ذلك؟! ال زال الخوف يحتل مساحات شاسعة مني ،لكني بدأت أحس
بما يدور حولي .ىذا منزل خالي صالح .كميم نيام .وجياد أيضاً نائم .ال يعرف
المسكين أنو فقد نقوده إلى األبد.
ّ
o
إلى األبد؟! أنت حقاً سوداوي ..غداً ستعود وترد إليو نقوده ..ال أظن ذلك..
عيني يتحقق؟! متى؟! سحقتني األيام ومتى كان األمل الذي كثي اًر ما تراقص أمام
بكثرة اإلخفاقات المتتالية ،وىذه إحداىا .أو تسامحني يا جياد بالنقود؟! أعرف أنك
ott
ستفعل.
ألتعرف األشياء ،لكنو لم يميمني ..تقدم جندي بجانبو
ّ استرقت نظرات دائرية
وآخران عمى كل من جانبي ،فانعدمت الرؤية .وعندما وصمت نقطة ما ،التقطني
جندي من أعمى قميصي خمف عنقي وجرني كخروف حان وقت ذبحو إلى السيارة
العسكرية .أظنيا نصف مجنزرة كتمك التي رأيتيا كثي اًر عندما كنت طميقاً .كيف
alk
أصبحت في تمك المجنزرة؟! ال أدري .جمست عمى ركبتي كما فعمت لحظة أن
لعبت القمار مع أولئك الذين ال يشعرون بما يدور حوليم.
-انبطح!!
صاح بي أحد الذين أحاطوني في المجنزرة .نظرت إليو ببالىة فمم أفيم ما
قالو .نظروا إلي ،فاخترقت نظراتيم أنحاء كثيرة من جسدي.
w.
- 04 -
www.alkottob.com
m
..ىكذا
..ىكذا
.انيزمت وأفكاري في داخمي
o
b.c
o
ott
alk
w.
ww
- 05 -
www.alkottob.com
o m
-2-
b.c
-أما زلت تصغي لما أقول؟! سألني يوسف.
-بالتاكيد .قمت.
-وىل تود أن أتابع؟!
-ال بأس.
o
صمت لمحظات شرد بعينيو إلى أعمى .دائماً يحاول الصعود إلى أعمى ،حتى
في حركتو داخل حصنو .قمت لنفسي .تحسس وجودي بجانبو .رفع يده في اليواء
وكأنو يحاول أن يمسك بجزئياتو ..ثم قال:
ott
عندما تركتني وحدي وأفمت منيا حبل دموعيا ،تقوقعت في أعمى بطنيا .بدأ
بيدي فاصطدم
ّ جسدىا يرتجف ،وتسارعت دقات قمبيا .حاولت الصعود الحتضنو
بقدمي صارخاً .صرخت ىي.ّ رأسي بسقف حصني .آلمتني الصدمة فرفستو
صراخ ممتاع ممموء باأللم والموعة .أتعرف أنو ألم المذة الممزوج بالسعادة؟ ظني
أنيا تستمدىا من خيوط األمل التي بدأت تنسجيا خيوط الشمس المتسممة عبر
alk
-ىذا قرارك ..الميم أنني صعدت إلى عقميا ،ولك أن تصدق أو ال .أخذت
أمسك بأفكارىا ،الواحدة تمو األخرى ...وقبل أن تتجسد الفكرة وتنطمق ،كنت
بيدي وأقدر إمكانية تحقيقيا.
أتفحصيا ّ
-وبماذا كانت تفكر؟!
ww
قال:
- 06 -
www.alkottob.com
m
إنو ولد "شموص" .ال يكف عن الحركة التمقائية .أريحو وأفرد لو مساحات
كافية في أحشائي ويأبى إال أن يتكوم في زاوية ضيقة ..ىذا حق .قمت لنفسي ،وال
أدري سبباً ليذا االلتصاق .سأسميو عبيد ..لم أحب االسم ورجوتيا أن تغيره.
o
وعندما اصطدمت بعنادىا التجأت إلى الرجل صمب المالمح الذي عاد إلى الحجرة
عمو يكسر إصرارىا .ولقد نجح كما توقعت .لكنو نجاح مشروخ ،إذ أصرت ىي
عمى االسم الذي اختارتو وأصر ىو عمى اختياره .سأحميو من غدر الزمن..
b.c
ساقي عمى طوليما
ّ تأممت ىذه الفكرة وتسمل الشك إلي!! لقد آلمتيا إذ مددت
فاصطدمتا بجدار جمجمتيا .صرخت من األلم وعندما عدت كما كنت توقفت
آالميا .لحظات ثم ازدادت .تسمل األلم إلى رأسيا وبطنيا ،في الواقع إلى كل
جسدىا ..حزنت ألجميا .أخذت أطمق سراح األفكار الزاىية عمني أجذب انتباىيا
إلييا .نجحت .لكن األلم كان يتسرب بين جزئيات أفكارىا ،فيزداد ثقل رأسيا
ويخف وزن أحشائيا .تمتاع .تحسستني من خمف الجدار .لم تجدني .توقفت
بيدي .ضغطت
o
أفكارىا .تسمرت نظراتيا في الالشيء .اندلعت نيران الشك في رأسي .سقطت من
رأسيا إلى مكاني .في طريقي تحسست قمبيا .توقف قميالً .أحطتو ّ
عميو بحنان .بدأ ينبض .تالشت النيران في رأسي .استرحت .تحسستني بيدييا
ott
وأفكارىا .التصقت يدىا بأنفي .اطمأنت ،وصرخت أنا .كدت أختنق .قفزت إلى
الزاوية األخرى.
-ماذا حدث؟
-يكاد ىذا ،وأشارت إلي ،أن ينفمت مني.
alk
-ال تنزعج .فقد صعدت إلى رأسيا ،ونظرت إلييا من خالل عينييا .رأيتيا
- 07 -
www.alkottob.com
m
التقت عيناي بعينييا .شعرت بما يدور في رأسيا .ومع فقدان يقيني بأفكارىا ،إال
أنني ارتجفت من الخوف منيا ،فانزلقت بسرعة إلى داخمي ومن ثم إلى حصني.
لدقائق شعرت أنني أحقق ما أريد ..دقائق فقط ..بعدىا صحوت .أبقيت
o
نفسي ممدداً عمى تمك القطعة من القماش الممقاة عمى أرض غير مستوية .جمت
بعيني أنحاء الحجرة ..تماماً كما فعمت ليمة أن قبضوا عمي ىناك في مخيم جباليا.
عجباً ..الوجوه ساىمة ..ماذا يجول داخميا؟! من أين لي أن أعرف؟! الصمت
b.c
يحتل مساحة واسعة ،كما لو كنا وقوفاً في إحدى حجرات سجن عسقالن استعداداً
لمعدد -ساحدثكم عن ذلك في وقت الحق ..ال تستعجموا حتى ال تيرب مني
األفكار ،فما أود قصو عميكم عظيم األىمية ..أستميحكم عذ اًر ..فأنا ال أقص..
لكنني أقول الحقيقة ..ال بأس إن اعتبرتم ما أحكيو لكم طريقة مباشرة فجة ..فأنا
ال أحب الغموض وال الصعب من األشياء ..أطمت عميكم ..ال بأس ..ربما كنت
عمى حق ..فأنا قرأت روايا ستيرن وتأثرت بيا ..ال يحق لي أن أحاكييا..
o
اعذروني إن فعمت .لكني لن أفعل -تتابعت تالوة القرآن من إذاعة القاىرة ..ما
الذي حدث؟! ال زالت حرب الشوارع مستمرة في عمان وباقي مدن المممكة" ...يا
ott
أيتيا النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية "..ثم أطبق الصمت عمى
الحجرة تماماً .ال زلت ممدداً ..تقمص حيز وجودي .تساويت وأرض الحجرة .ثم
أعمن صوت مألوف لنا موت الرئيس.
-يا لمكارثة!!
تالشيت تماماً .درت عمييم جميعاً .محمود النجار ..في األربعينات من
alk
عمره .ضعف أيامي ..عيناه مصبوغتان باألحمر ..سالت دموعو بغ ازرة ..وبدون
أن يحرك ساكناً ،تحدث عن مشاعرنا كميا ..بحثت عن دموعي ،لم أجدىا..
-تمالك نفسك يا رجل ..قمت لو مواسياً.
-ال زلت صغير السن ،وال تعرف ما الذي سيحدث لنا بعده.
مع كمماتو ذات الصوت الشجي تداخل الحزن مع األلم والبالىة في أنفسنا.
w.
- 08 -
www.alkottob.com
m
شبابي وأتزوج اثنتين" .. "..وزوجتك؟" سألو أحدىم" ..أتسمي تمك زوجة؟ حتى
أنني أفيق من نومي مرعوباً عندما أجدىا بجانبي."..
ثم بدأت البداية ..اإلنسحاب إلى خط الدفاع الثاني ..آه قال عز الدين..
o
"تصوروا أنيم يريدون صيد الجيش اإلسرائيمي في وسط سيناء لمقضاء عميو" ..ولم
الخط الثاني؟! "سأل أحدىم" ىذه خطط القادة ..وال أحد يعرف لماذا" ..وقبل ذلك
بيوم قال ذيب ..إن الدبابات المصرية تقدمت داخل الحدود وعندما نفذ الوقود،
b.c
استولوا عمى الدبابات اإلسرائيمية واستعمموا وقودىا ..ثم بجانب جدار متداع أخذ
أحدىم يبكي بحرقة ويقول لقد استفردوا بدمشق..
تمددت عمى السرير ،وألول مرة أحتضن مذياع أخي الذي كان محرماً عمي.
أخذت استمع إلى صوت الموسيقى العسكرية .بدأت دموعي تنساب بتواصل لفت
انتباه زوجة أخي.
كان الرجل ال زال يتحدث معمناً استقالتو ومعيا ىزيمتنا .تطايرت أشالئي
وغبت عن وعيي .ثم مع بداية الموسيقى العسكرية تمقفت أشالئي مرة أخرى
وصحت فييا ..بل أنني صحت في نفسي..
-أال تسمعين؟! أال تفيمين؟! لقد انيزمنا واستقال ناصر.
انطمق منيا صوت ىادر ،ال أدري أىو صراخ أن انفجار في داخميا .سقط
w.
المذياع عمى األرض وسقطت أنا فوقو .ىجم عمينا أخي صارخاً "ما الذي حدث"؟
ولم أدر أأحدثو عن الذي حدث حولنا أو لنا ..لكني تمالكت نفسي وقمت لو:
-انيزمنا واستقال ناصر وصرخت ذيبو من األلم.
انطمق منو صوت كخوار ثور أصيب بسيم مصارع جبار .تسمرنا في
ww
www.alkottob.com
m
-سيقتموننا جميعاً .قالت ذيبو.
كنا قد حفرنا خندقاً في فناء البيت ،اندسسنا فيو ،وذىب أخي إلى المطبخ.
تكومت عائمة أخرى في إحدى الحجرات .تسرب البول إلى خارج الحجرة حتى
o
وصمني عند مدخل الخندق .نظرت إلى الداخل ،فرأيت إحداىن وقد بالت عمى
نفسيا ،نظرت إلي باستحياء أن سامحني وال تفضحني .كمنا مفضوحين ىذه األيام.
ال بأس عميك قالت نظراتي .ثم انفجرت قذيفة قريباً منا .تطاير الدخان فصرخت
b.c
ذيبو.
-إلحق أخاك يا يوسف ..لقد تطايرت أشالؤه.
انزلقت قوة غريبة داخمي .قفزت واذ أنا بداخل المطبخ" ..ىل أنت بخير؟"
ووسط الدخان أتاني صوتو مرتعشاً" ..ال تخف فالقذيفة انفجرت خمف منزلنا"..
تركتو وانطمقت خارج المنزل..
o
"عد يا مجنون "..آخر ما سمعت منو ،ولكني حممت جنوني واندفعت أبحث
عن مكان االنفجار .منزل أبي غانم ..رجل عجوز مع زوجتو وزوجتي ابنيو
الموجودين خارج البمد .في وسط المنزل توت ضخمة كثي اًر ما اقتنصنا منيا بعضاً
ott
من ثمارىا .عندىا اشتد القصف ،قام الرجل وحمل مالءة بيضاء ربطيا بعصا
مكنسة وأراد أن يرفعيا فوق أعمى شجرة التوت معمناً استسالمنا .لم يدر المسكين
أنيم ليسو بحاجة لمالءتو البيضاء ،فقد أيقنوا من استسالمنا منذ المحظة التي
ساوت طائراتيم طائراتنا باألرض وىي جاثمة عمى أرض المطارات ..يا أبا غانم،
ىل تخاف عمى بقية أيامك وتعمن استسالمك حفاظاً عمييا ..يا بقايا رجل ..من
alk
أين أتتك تمك القوة لرفع المالءة إلى أعمى شجرة التوت .اندفعت قذيفة إلى ظير
الرجل فأحرقتو وتناثرت أمعاؤه عمى تمك الشجرة ..فاندلع صراخ أقوى من صوت
القذائف.
-مات أبو غانم.
تناقمت األلسنة النبأ فاندفع جمع من الرجال إلى منزلو .لمممنا بقاياه.
وضعناىا في كيس من الخيش .انطمقت القذائف بال إنذار ..تفرقنا في أنحاء
w.
اإلحساس بيا .أرض بال سماء وحجرة بال سقف وأنا حتى أقل من وزن ريشة فمم
- 21 -
www.alkottob.com
m
أعد أحس بنسمة ىواء واحدة ..إني أختنق .أطل وجو نقيب الشرطة عبر الباب..
مكفي اًر كوجوىنا ..جال بعينيو في أشالئنا .لم ينطق .ربما فقد القدرة عمى ذلك.
"أحقاً مات؟" لم يكتمل دوره بعد ..مقيور مقطع األوصال .حاول لمممة ما يمكن
o
لمممتو .وفي منتصف الطريق مات.
عيني .دفعت إحداىما فكانت ثقيمة
ّ مرة أخرى تحسست الدمع المتحجر في
عصية عمى الحركة .ىل أصابتك رصاصة ولم تشعر بيا إال بعد حين؟ ربما ىذا
b.c
ما حدث لي .أبقيت عمى ذاتي كما ىي ..مات األمل؟ ال أدري ما سيحدث لنا
بعده؟ لقد كان معنا .ولم يحدث ما تمنيناه .كان يحاول وكان عاقداً العزم عمى
الفعل ..ىل خذلناه؟! ربما ىو الذي خذلنا!! ربما...
قطعنا النصف األول من الميل ..المرة األولى منذ سنة ونصف أشعر
باالنتقال من نصف إلى آخر.
سأحتضن الدنيا بذراعي ..ىا أنت ذا تفمت من سوداوية رافقت أيام عمرك
الماضية .أين ىي؟! وىل حقاً أن لي أياماً ماضية؟! كذلك؟! ال تنس عادة .آه
الجرح الغائر في الجسد الميدود ..غاده الرممي..
كانت بجانبي في كمية بير زيت ..يا لمذكرى الحارقة .أحببت المغة اإلنجميزية
منذ المحظة التي جاورتني فييا .معممتنا كانت نيمة القدسي ،تمك التي أضفت عمى
المحاضرات سح اًر ال يقاوم .لم أتكمم معيا عدة أيام ،لكني كنت أتحرق شوقاً حتى
w.
يأتي موعد المحاضرة وأجمس بجانبيا .وفي يوم وعندما كنا نق أر بصمت إحدى
القطع ،سألتني..
-ما معنى كممة "savage؟!"
ألم تجدي إال ىذه الكممة لتسأليني عن معناىا؟! لم تصادفني من قبل ،صمت
ww
لحظات ثم:
- 20 -
www.alkottob.com
m
-أين ىي؟
اقتربت منيا فأحسست رائحة عطرىا قبل أن أستنشقو .قبل أن ألقي نظرة
عمى الكممة ،ألقيت نظرة عمى الوجو القمري ..بمورتان تدوران في سماء كثر
o
غيميا ..أذابتني المحظة ..قوس قزح ارتسم وسط تمك السماء ،فتوردت الوجنتان..
تجسدت أيامي كميا في تمك المحظة ..أحسست بنظراتي تحتوييا ..سحبتيا..
ألقيت نظرة عمى الكممة في الجممة .عرفت المعنى:
b.c
-أظنيا تعني "متوحش".
قرأنا الجممة معاً .وافقت عمى صحة استنتاجي.
-أشكرك.
بل أنا من يجب أن أشكرك .الحرمان كمو ذاب في تمك المحظة .غادة ..أمنية
األمنيات ..أمنية العمر ..وفي ىذه األيام ..حقاً في ىذه األيام .وفي اليوم الثاني
ما كان مني إالّ أن أردد كمماتيا .وىل تدور في األفق كممات غيرىا؟! بحثت
عن كمماتي الزاىية فمم أجدىا ،كعادتي دائماً..
-غادة.
تابعت .ألول مرة أطمق حروف اسميا منفردة ..توقفت ..استدارت ..عانقت
ww
نظراتيا نظراتي ..تحركت شفتاي بدون صوت .قمت كالماً كثي اًر لكنيا لم تسمع..
- 22 -
www.alkottob.com
m
"أنت ىدية من السماء ..أنت األمل الذي ليس بعده أمل .غاده ..يا أمنية النفس
الممتاعة ".تسممت أحاسيس ىادئة إلى كل أنحائي ..لم أعد أشعر بالكون حولي
"أنت ..أناقتك ..وجيك وتمك العينان المرسومتان بريشة فنان رائع ..غادة "..وفي
o
منتصف المحظة اغتصب أنظارنا أحد الرفاق ..من ذا الذي أعطاه الحق
بمالحقتنا؟!وىل حدث ذلك؟! ربما قادتو قدماه في طريقنا دون أن يدري ..وقبل ىذا
كمو لم تعطي نفسك حق امتالك اآلخرين؟! نحيت كل ىذه الخواطر جانباً وتابعت
b.c
سيري بجانبيا ..رغم توقف الحوار بيننا إال أنو لم ينقطع في أعماقنا.
-لماذا توقفت؟!
شفتي.
ّ -لقد اغتصب اآلخر جزءاً من المحظة ،وألن الكممات تعثرت عمى
-إذن لندخل.
وىكذا دخمنا المكتبة .وبدالً من أن أجمس بجانبيا ابتعدت عنيا وجمست
o
وحيداً .نظرت إلي مشدوىة ..أحسست بعتاب نظراتيا ..ما باليد حيمة ..أخشى
اآلخر ..حساسيتي زائدة ..ولكن ماذا لو جمست بجانبيا؟! من ذا الذي يستطيع أن
ينتقد ذلك؟! وىل ىناك داع لالنتقاد؟! ىذه الذات غير سوية ..و ..أتتك فمم تحافظ
ott
عمييا..
alk
w.
ww
- 23 -
www.alkottob.com
o m
-3-
b.c
قال يوسف:
-أما ازل الشك يسكن عقمك؟!
بماذا أجيبو؟ الحق أن الشك يتممكني ،لكن روايتو لؤلحداث ليا وقع الحقيقة.
اختمطت األشياء في رأسي ،لكنو يأسرني بأفكاره واستنتاجاتو.
-قمت :
يدور في رأسي .احتضنتني بيدييا وقمبيا .نظرت إلييم .ضغطت عمى جدارىا
ألسترد انتباىيا.
-سأبقى طويالً حيث أنا!! قمت ليا.
-ال تفعل .ستتعفن وستقتمني.
-أخشاىم!!
w.
-من؟!
-ذيب وذيبة
-ذيب أخوك ،وذيبة ابنة عمك.
-لن أخرج.
ww
- 24 -
www.alkottob.com
m
-ال تكن أحمق..
تحامقت ونظرت ليا .حتى مسحة الجمال غادرتيا .ترتجف يداىا بال توقف.
عطفت عمييا وخفت منيا .أما ىو ،فصارم .لم ينطق كممة واحدة .نظر إلينا نحن
o
االثنين .إنيا والدتو .انعدمت أحاسيس التعاطف من محياه .لم يمتفت لي .ربما
ألقى نظرة عابرة ،ميممة ،وربما متعالية .سكنت زاويتي المفضمة واستكنت .أردتيا
أن تبدو ىادئة أماميم ألحفظيا من نظرات التشفي .لم يدم كموني طويالً .لقد
b.c
استعذبت صراخيا ،واستعذبتو ىي .سرب العصافير يعمن مكانو بنغمات عذبة
تستمقي بفعميا الروح سكرى ،ثم تييم في فضاءات معبقة بأريج الميمك والزنبق
والتمر حناء .أما أنا فأعمن عن قدومي بصرخات حادة منطمقة منيا ومني .طال
مكوثيم الثقيل عمى القمب .سمبوني لذة مشاكستيا .أردتيم أن يخرجوا .صعدت إلى
عقميا ،وفي طريقي اصطدمت ببعض أحشائيا .تألمت .صرخت .انقبض صدري،
فيمست ليا" لن أؤلمك" فقط أريد أن أقول لك س اًر عمى قدر كبير من األىمية".
o
-قمو بال حركة ،فحركتك تؤلمني .قالت.
-ال أريد أن يسمعانا.
ott
-لن يستطيعا.
-إنيما يراقباننا.
-لكنيما ال يسمعاننا.
-سنمفت انتباىيما.
alk
-وماذا في ذلك؟!
-سنثير حقدىما عمينا.
-ال تأثير ليما عميك!!
-احتممي لحظات .أرجوك ..ال تصرخي.
تابعت سيري .مررت بقمبيا .درت حولو دون أن ألمسو .وفي حركتي أوسعت
w.
لو في المكان .ارتخى وتمدد بسيولة ويسر .ارتاحت ىي .تركتو وواصمت صعودي
إلى أعمى .مررت بحنجرتيا .حنجرة صغيرة ،رقيقة وجميمة .يخرج صوتيا منيا
ناعماً ومعب اًر بانسياب سيل ،لكنو قوي .لم أجرؤ عمى لمسيا .وألنني أحببت
صوتيا ،جيدت أن أكون عمى مسافة منو وأنا في طريقي إلى عقميا .ولكن ورغم
إرادتي اصطدمت حافة إصبع قدمي بأحد حباليا الصوتية ،فاىتز الجياز كمو.
ww
- 25 -
www.alkottob.com
m
تألمت ىي وأحسست أنا برعشة جسدىا .أطمقت صرخة ضعيفة ناطقة بألم حزين
وعاتب .واصمت سيري .وصمت .سكنت عقميا.
-كيف أنت اآلن؟ سألتيا.
o
-تكثر من إيالمي.
-رغماً عني.
b.c
-لو سكنت ألرحتني!!
-كيف السبيل إلى خروجيما من الحجرة؟! قمت ىامساً.
-سأتدبر األمر .فقط كن حيث أنت وال تتحرك.
-سأفعل.
صمتاىما .تاىت عيونيما في فضاء الحجرة .كان بعيداً عنيا ولم
ُ صمتنا،
o
يحاول حتى لمسيا .إنيا زوجتو!! ما طبيعة عالقتيما؟ نظرت إلى ذيبة ،ثم نظرت
ىي إلييا.
-ذيبة؟
ott
-ماذا تريدين؟! قالت بجفاء.
-اذىبي وحاولي أن تجمعي بعض األخشاب الجافة وأشعمي نا اًر .سأحتاج
لبعض المياه الساخنة.
لم تجب .ترددت .بقيت حيث ىي .بدت وكأنيا فقدت القدرة عمى الحركة.
alk
نظرت إلى ذيب .غرس عينيو الجامدتين في وجييا وكأنو يأمرىا أن تفعل.
خرجت .ارتحت أنا .غفوت بين خالياىا .نمت وأرحتيا .ارتاحت ىي .غفت.
كأنني لم أنم ..انطمقت عيناي من قيودىا .تحسست الحجرة بيما .كميم نيام.
فقط محمود النجار يستعد لصالة الفجر .دفعت قوة زائدة إلى جسدي ونيضت.
توضأت ثم صمينا معاً ..الفجر ..اعتدت ذلك منذ أيام السجن المرة .رغم عتمة
أيامنا ىناك ،لم نعدم لحظات تنفرج شفاىنا فييا عن ابتسامة باىتة ،وأحياناً قيقية
w.
من األعماق..
كان ذلك مساء يوم خريفي ونحن في سجن عسقالن -وعسقالن ىذه مدينة
فمسطينننية ساحمية احتفظت باسميا رغم استيالئيم عمييا في المرة األولى -كنا
واحداً وعشرين رجالً في الحجرة .الشيخ حسن شبانة كان واحداً منا ..رجل وقور
ww
ومتدين ..تخرج في جامعة األزىر ..شديد األيمان بربو وبقضيتو ..وقفنا جميعاً
- 26 -
www.alkottob.com
m
نصمي المغرب إال سائقاً ال أدري لم ىو في السجن!! ربما نقل أحد المطموبين في
سيارتو دون أن يدري!! ال يؤمن بشيء قدر إيمانو بالمال والنساء ..خاشعين
وصامتين كنا خمف اإلمام .ىو متكئ عمى ذراعو األيمن ماداً ساقيو عمى طوليما
o
ومواجياً الجمع" .يا أييا الذين آمنوا ىل أدلكم عمى تجارة رابحة" ..ق أر الشيخ حسن
بصوت شجي فنزلت السكينة عمى قموبنا جميعاً ..وفي المحظة التي صمت فييا
الشيخ ليسترد أنفاسو ،صاح السائق:
b.c
-أنا أدلكم..
حتى المحظة لم يعره أحد انتباىاً .بقينا صامتين ننتظر اآلية التالية وقد تعمقت
مشاعرنا بما يرتمو الشيخ من آيات بينات.
-أنا واهلل أدلكم.
تقطعت حبال الخشوع ،وتوجيت بعض األنظار إليو ..مستنكرة ربما
o مستفسرة..
-تجارة النساء واهلل أربح تجارة .أنا سائق وذو تجربة.
ott
ذابت حبال الوصل .انفجرنا ضاحكين .ضحكاً ىستيرياً .الكممات في حد
ذاتيا ال تستدعي كل تمك القيقية .لكن الموقف والظرف والصمت و ..السجن..
وفوق ذلك الرغبة المجنونة اقتمعت الضحكات الصاخبة من حناجرنا .النساء يا
تارك الصالة؟!! ألم تجد غيرىا؟! انفضت الجماعة ،وبقي الشيخ حسن وحده
يصمي ..ثم بعد لحظات تجمعنا وأكممنا صالتنا.
alk
- 27 -
www.alkottob.com
m
-إن البنتك ىذه ذوقاً رفيعاً.
عمقت نظراتي في وجيو .قرأتو .أحد أولئك الذين حاولوا منع الكارثة .لم يكن
بمقدوره وال اآلخرين .ما حدث قد حدث .وىانحن نعاني .أىي معاناة؟! ىي أكثر
o
من ذلك!! إنو يدفع ثمن محاوالتو السابقة.
-أحزين أنت يا أبا عدنان؟!
b.c
شعرت بسخافة السؤال .لكنو انفمت من بين شفتيو .نظر إلي باسماً ..ربما ق أر
ما يدور داخمي ..انتظر لحظات قبل أن يقول..
-ال ..لست حزيناً ..في تمك األيام بعتما تممك أم عدنان من ذىب وىو
قميل ..ربما كل ما أىديتو ليا عند زواجنا ..اشتريت بندقية قديمة وقميالً من
الطمقات .التحقت بقوات حسن سالمة .نصف الرصاصات فقط انطمق من بندقيتي
ثم تعطمت عن العمل.
o
قمت الحق يا أبا عدنان .لم يكن باستطاعتنا تفادي ما وقع .تذكرت وصف
غسان كنفاني لرحيمنا من يافا :انطمقت القذائف تحرق كل مكان إالّ ذاك الطريق
المؤدي إلى الميناء .تدافعنا من خاللو إلى البحر ،ومن ىناك تزاحمنا في مراكب
ott
وكأنيا معدة سابقاً لمثل ىذه الميمة ،ثم إلى بيروت حيث استقر بنا المقام ..ظننا
أننا سنمكث أياماً معدودة نعود بعدىا .لكننا لم نعد مطمقاً ..وىذه أيام السجن
طالت ولم أعد ألؤدي لجياد قروشو التي خسرتيا عشية القبض عمي.
-ىل ابنتك متزوجة؟!
alk
لممرة الثانية أطمق سؤاالً ال معنى لو .تماماً كما لم يكن معنى لمغادرتي
المكتبة تاركاً غادة وحدىا ..حتى إنني لم أستأذنيا .كان أحمد الجبالي ..ذلك
الرجل الذي اغتصب روعة المحظة عندما تسممت حروف اسميا من بين شفتي قد
جمس بالقرب مني وعمى بعد خطوات منيا ..لم أتحمل فعمتي .ثقمت عمي ذاتي
لقدمي أن تقوداني حيث
ّ عيني تتوىان في ال شيء ،وسمحت ّ فخرجت .تركت
تريدان ..فقدت اإلحساس بكل شيء حولي ..ىي عادتي ..حاولت لمممة أفكاري،
w.
- 28 -
www.alkottob.com
m
-أييا المص ..اخمع الشبشب.
المص ..اقتنصتني أمي من بين يدي القدر ..أطفاليا بعد أخي وأختي ماتوا
جميعاً ،وعندما التقطتني التفت حولي ..قال أبي سنسميو يوسف .وقالت أمي.
o
مر بمنزلنا في طريقو إلى المرعى سنسميو عبيد ..اسم الراعي الذي كثي اًر ما ّ
يوسف ..عبيد ..يوسف ..عبيد ..وأخي اًر أسماني أبي "يوسف" وأسمتني أمي "عبيد"
لكن "عبيد" التصق بي ،فعرفني رجال الحي ونساؤه "بعبيد" وكذلك رفاقي ،أما
b.c
يوسف فكان اسمي الرسمي ..لص ..منذ أن ولدتك أمك ..صمت ..لم أنطق كان
أخي مستمقياً في الفناء.اعتدل" .لص"! سمعيا ،ال ..بل تكومت في أذنيو.
-اتركيو يذىب بو إلى المدرسة!
ىذا كل ما قدرت عميو يا ذيب؟! "اتركيو" يا لك من رجل!! ميسور أنت.
وكان باستطاعتك أن تشتري لي حذاء جديداً ..النقود في مخبئيا ..إن لم
-يوسف..
صحوت ببطء ..لكني ما زلت غارقاً في ذاتي.
-أييا الساىم أبداً..
جذبت أحاسيسي ..عدت لنفسي ..نظرت إليو ..عبد الكريم حسن ..الصديق
ww
www.alkottob.com
m
شفتي ..سعدت لرؤيتو ..اتجيت نحوه..
ّ قبل أن ترتسم االبتسامة عمى
-ماذا فعمت؟!
تراقص السؤال عمى شفتيو ،فتجسدت أمامي ..غادة ..السمراء الساحرة..
o
جسدتيا لمحظة فذابت ثانية ،فجاورتني ..تداخمت وعبد الكريم.
-أين أنت؟!
b.c
األسئمة التي ال معنى ليا تنطمق من بين شفتي فال أحاول إيقافيا .أشعر بيا
فقط بعد أن تندفع ..كعادتي دائماً ،عندما اصطدم وزوجة أخي تخرج الكممات
القاسية تمقائياً بدون حساب لعواقبيا ..وىا أنا ذا أفعل ذلك..
-أين أنا؟! أنا ىنا أبحث عنك ..وأنت المختفي أبداً إما في ذاتك أو مع
اآلخرين..
اقتربت منو ..أمسكت بيده ..سرنا في طريق عمى جانبيو بساتين الفاكية التي
o
اشتيرت بيا بير زيت ..دخمنا أحدىا بال استئذان ..التقطنا كثي اًر من ثمارىا وبدأنا
مر بنا أحدىم فصاح.. نأكل دون أدنى إحساس بالذنبّ ..
ott
-ليرحم اهلل صاحبيا..
-ليرحمو اهلل ..صحنا معاً.
تابعنا سيرنا بال ىدى ..استل لفافة تبغ وقدميا لي ..أشعمتيا رغم أني ال
أدخن ..دلقت دفقة من دخانيا إلى صدري ..تكومت في رئتي ..كدت اختنق..
أطمقت أصواتاً حادة إلى أن بدأت أتنفس مرة أخرى.
alk
- 31 -
www.alkottob.com
m
حددنا ما يجب أن يدرسو كل فرد منا :كان نصيبي (الكمية الحربية) .مسؤول
العمل العسكري .وعبد الكريم (كمية الطب) .وعبد الحكيم المحاسبة ..وىكذا بدأنا.
-أتذكر يا عبد الكريم؟!
o
-أوتفكر أنت فيو؟!
-وىل ىناك غيره؟!
b.c
-ولكن قل لي لماذا كنت غارقاً في ذاتك؟
أخرجت تنييدة طويمة دون أن أدري ..نظرت إليو ،ثم:
-غادة.
-السمراء؟
-دعتني إلى المكتبة ..ثم خذلتيا!
o
-كعادتك ..ربما تيت عنيا في ذاتك ..فأنا أعرفك ..أو ربما قمت ما ال
يقال.
ott
-ىي األولى .اغتصب أحمد الجبالي المحظة ،فتركتيا .أنت تعمم أنني ال
أطيقو.
-أييا المغفل! دعتك ىي ..كن جريئاً واستمتع بالمحظة حتى الثمالة .ما
عالقة الجبالي في صفاء لحظة جاد بيا الزمان عميك؟! تحممت من كل المشاعر.
قتمتك ذيبة يامسكين!
alk
ال تقل ذلك يا عبد الكريم ،فأنا أعرف ذاتي .وأعرف من الذي حطميا!! ال
تعاظم مأساتي .األحالم تقتميا قسوة األيام .أما المحظة التي تتكمم عنيا فقد قتمت
يوم تركتني أمي ومن بعدىا أبي.
روعة المكان وجمال الطبيعة الجبمية سمبتانا من ذاتنا .سرنا خطوات طويمة
دون كممات .لكنو استرد ذاتو قبمي فنظر إلي .أيقظني من خموتي مع نفسي.
-تناسيت واقعك .قال.
w.
www.alkottob.com
m
-أما زلت حزيناً يا محمود؟!
ولون صوتي ىذه المرة حزن دفين بدأ يستولي عمى أفكاري.
سألتو ّ
-أصبحت الحياة بال معنى..
o
-إلى ىذا الحد؟!
-بل أكثر من ذلك.
b.c
وأنا المعروف بسوداويتي ..ىنا رجل فاقني سوداوية ..الفارق أبداً في
أحزاني ..ىو أنو فاقني حزناً ..أظنو حزن المحظة ..لكن حزني أبدي ..منذ ذلك
اليوم الذي فقدت فيو أمي وبعدىا بعدة شيور أبي ،قدري في ىذه الدنيا شؤم..
تدثرت أيامي بالمصاعب والحزن الجارف يوم توالني أخي وزوجتو..
-كم ولداً لك يا محمود؟!
وجيو .أحسست مقدار معاناتو وحزنو .مسكين أنت يا محمود ..زوجة وثالثة
أطفال؟! من ذا الذي سيرعاىم؟! ولمن يذىبون عندما تغدر بيم األيام؟! وىل
سيواجو ىؤالء األطفال ما واجيتو أنا؟! وأنت ..أنت ..الرجل األربعيني ..ماذا بقي
في الحياة لتعيش من أجمو؟! ىل بإمكانك إحضارىم ىنا؟! وىل سبل العيش ىنا
كما ىي ىناك في غزة؟! ظني أن ىذه األسئمة كانت أيضاً في رأسو.
w.
- 32 -
www.alkottob.com
m
صغيرة من الخبز في فمي ..الحقتيا بقميل من الشاي ..صعب أن تدخل في
أمعائك ماال تشتييو النفس ..كيف كنت تفعل ذلك عندما كنت ىناك في سجن
عسقالن؟! ذلك المكان الذي احتضنك فترة طويمة من الزمن ..كنت تشعر فيو
o
باألمان ..أن تحشر نفسك بين واحد وعشرين رجالً وأن تنام آمناً ىو الحمم بعينو..
كنت دائماً وحيداً ..وفجأة تجد نفسك مع رفاق كميم في مثل حماستك ..كميم
يحمل ىمومك ..تقاسمنا اليم واأللم كما نفعل اآلن ..في الصباح الباكر ،يصيح
b.c
جندي الحراسة "عدد" ..تنيض من نومك متثاقالً ..تقفز إلى الحمام وتغسل وجيك
ثم ترتب أغطيتك وتصطف كما لو كنت جندياً في طابور الصباح ..يمر العسكري
الييودي وىو غالباً برتبة رقيب مصطحباً معو جندياً آخر .يصرخ عريف الحجرة
برقم السجناء ،وال يطمئن العسكري إلى الرقم فيعدنا ليتأكد من ذلك ..وعندما
يخرجان من الحجرة نبدأ يومنا.
"اإلفطار" يصرخ الحارس .وغالباً ما كان يقول ذلك بنصف عربية ونصف
o
عبرية" ..جروان عمى الباب" يقوم عريف الحجرة بترتيب فناجين الشاي .يصب
سجين يعمل في مطبخ السجن سائالً أصفر المون يقال عنو شاي .ثم يقدمون لنا
ott
بيضة وقطعة خبز وبعض الزيتون .السجن ىو السجن ..ىنا في الكرك أو ىناك
في عسقالن ..ينتابك شعور غريب ..استسممت لؤليام أو ربما استسممت لك
األيام ..أنت مكوم داخميا أو ىي مكومة داخمك ..استرخاء ال نياية لو ..يمضي
الزمن رغم إرادتك ..رحمة طويمة عبر الدقائق والساعات ،وأنت ال تشعر بمعاناة
تمك الرحمة النعدام إحساسك بالزمن ..القتال ..أي قتال؟! ما زال ضارياً ..واألفكار
زادت حدتيا داخمك.
alk
األمواج اليائجة .تستسمم ليا .استسممنا لمواقع .أخذنا ننتظر .وفجأة ظير بالباب
جندي من البادية يحمل رشاشاً أمريكي الصنع ..متوثباً كأنو مصارع ثيران وقد
قد من صخر ..تفحصنا بعيني صقر.. اقترب منو الثور مياجماً ..وجيو صارم ّ
-انتم واهلل الرجال! أما ىؤالء ..إنيم لصوص ..يقولون أنو ال سالح لدينا
ww
لقتال إسرائيل ..واآلن يممؤون الدنيا صراخاً عن النابالم الذي نقذفيم بو.
- 33 -
www.alkottob.com
m
قال بافتخار .ألقى محاضرة في دقائق .كمماتو البسيطة رسمت صورة دقيقة
لموضع في تمك األيام .نظرت إليو ..تعمقت داخمو ..أنت واهلل رجل ..تقاتل
كرجل ..الذي غرس الفكرة في رأسك بأن ىؤالء الذين تقاتميم لصوص ،يستطيع أن
o
يزرع الفكرة األخرى وستقاتل وتنتصر ..سنوات طويمة وتمك النبتة الشيطانية
تترعرع في رأسك ،وىناك من يرعاىا ويمدىا بالماء والطعام ..ىا ىو غضبك
ينفجر كالبركان يدمر كل شيء ..حتى األطفال ..ألن من غرس الفكرة في رأسك
b.c
أوحى لك أنيم ورغم براءتيم ىم نبتات شيطانية يجب اقتالعيا ..وىا أنت ذا تفعل.
زاد صمتنا .صمت ىو أيضاً .وماذا كان باستطاعتنا أن نقول .لقد قال ىو،
وما عمينا إال أن نسمع .وعندما انتيى ،تكمم الصمت .كانت كمماتو ثاقبة .ربما
سمعيا ىو .ال أظن أن تمك الكممات الصاخبة فعمت شيئاً في تكوين عقمو الذي
صقل منذ زمن بعيد .ذىب .تنفسنا الصعداء .أحقاً ىم لصوص؟! ىكذا وصفتني
ذيبة ذات يوم ..وىل كنت حقاً لصاً؟! أن أقتنص ما يقيني رمضاء الطريق
w.
ww
- 34 -
www.alkottob.com
o m
-4-
b.c
إغفاءتو كانت قصيرة .أدرت ما حدثني بو في رأسي .عجبت منو وعجبت
من نفسي .كيف لي أن أصدق كل ما قالو؟! واصمت االستماع لو .أغراني بحمو
الحديث وغرائبيتو ،واستغل ىو افتتاني بو وتابع روايتو بال توقف .عندما رأيتو
يغفو ،حاولت أنا أن أنصرف .وفي المحظة التي قررت فييا أن أغادر ،أوقفني
بإشارة من يده .دققت النظر فيو ،ثم صحت:
o
-يا يوسف يا بن يوسف الياللي!! ماذا جرى لك؟ أتستخف بقدراتي
العقمية؟!!
ott
-من قال ىذا؟! قال بحدة.
-بصراحة أنا ال أفيم ما تقول.
-أنت ال تريد أن تفيم!!
-كيف؟!
-اسمع:
alk
بعد أن خرجت ذيبو مكرىة ،بقي ىو في الحجرة .لفت انتباىيا إلى وجوده.
طمأنتني وطمبت مني أال أرتعب منو .لكنو موجود .قمت ليا .وماذا في ذلك؟!
قالت .ثم تابعت وصيتيا -الحظ كممة وصيتيا ،ىل تعني لك شيئاً؟! إذن انتظر
وستعرف -ال تترك مخاوفك تأخذك بعيداً .كن قوياً وسينكمش ىو عمى نفسو
ويتركك طميقاً .وعمى مدى أيام عمري التزمت نصيحتيا.
w.
www.alkottob.com
m
-كيف؟!
-أن تمبي لو احتياجاتو.
-متى؟!
o
-وقتما يريد.
-سأحاول.
b.c
استمعت إلى كالميم .استوقفتني كممة سأحاول .إنيا ليست وعداً .كممة
عائمة ال تعني شيئاً .كيف ستتم ىذه المحاولة؟! ولماذا تطمب منو ذلك؟! استولى
القمق عمى أفكاري .بماذا تفكر؟! ال ..ال أظن ذلك .احتماالت المستقبل ،وىذه
إحداىا .ولكن ليس بيذه السرعة.
-لماذا تقولين ما تقولين؟! ىمست ليا.
o
لم تسمعني .ضغطت عمى جدار عقميا بمطف .لكن صرختيا أرعبتني
وأرعبت ذيب الذي تمممل في مكانو دون أن تظير مشاعر القمق عمى وجيو .أنني
أخيفو .سعدت ليذا الخاطر .كررت المحاولة مرة أخرى ،فكانت صرختيا أقوى من
ott
األولى .اآلن ..اآلن فقط تسربت مشاعر الخوف والقمق إليو .غادرت عيناه.
اندست إحدى يديو في جيب سروالو .لم ينطق .تمممل في مكانو .دار بعينيو
فضاء الحجرة .ثوان ،ثم غادرنا .تدحرجت مشاعر سعادتي أماميا .اختمطت
بأفكارىا .انزعجت .ما كان يجب عميك أن ترعبو ،أنو أخوك .قالت عاتبة.
-إلى أين ذىب؟ سألتيا.
alk
أخذت أشكال الجدران .أخشاب فقدت القدرة عمى االعتدال بفعل ثقل األحجار
فوقيا .أما النافذة .فموحان من الخشب متوازيان .أن فتحتيما ،تحتاج لوقت طويل
لتثبتيما في مكانيما مرة أخرى .وان لم تكن حذ اًر ،فربما تصدع الجدار أو انيار
بعض منو .لذلك يبقونو مغمقاً طوال السنة ليتخمصوا مما يسببو ليم من صداع.
ىل سأعيش ىنا؟! سألت نفسي .لم أجب .ألغيت التفكير في المستقبل حتى ال
ww
- 36 -
www.alkottob.com
m
أصاب باإلحباط الذي يبدو أنو سيالزمني فترات طويمة من حياتي.
-أين ذىبت؟! سألتني.
-ما زلت بجانبك.
o
-بجسدك فقط!
-ىا أنذا أعود إليك.
b.c
-أسعدتني بانتظارك.
-انتظريني أنت..
تستجدي سرعة سير الدقائق ..أثقل عميك الزمن ..تباطؤه يقتل الرغبة لديك
في الحركة .ألقيت نظرة في الفضاء ..تائية كأفكاري ..صافية ال يعكر صفوىا
ئتي.
اعي عمى طوليما .استدرجت تيا اًر من اليواء إلى ر ّ
شيء ..وقفت .مددت ذر ّ
o
مؤلني .ترنحت أجزائي لمحظات .بعدىا عادت كما كانت .طفت الفضاء مرة
أخرى .كل شيء ىادئ .غادرنا الجندي المتحفز .تجولت قدماي في ساحة السجن
الواسعة ،وتجولت المدينة في أنحاء الذاكرة المكتنزة .تحقق الحمم .وحدك في
ott
الفضاء الواسع .أنت لذاتك .اقتحمتك الحياة من حيث أردت .ال تنتظر .انزلقت
عيناي إلى أسفل .التصق بالذاكرة" ..لص" وسمبتني إياه ..وذلك الجالس يشاىد ما
يحدث ..اتركيو لو ..سرقتني الذكرى فاستسممت ليا.
ال أحد حولي .أنا والفراغ والحرمان .حجرة ضيقة وشيء يقال عنو حامل
عميو كومة من األغطية .مددت يدي فاصطدمت بشيء معدني .التقطتو .سحبت
alk
يدي من بين األغطية .نظرت بذىول إلى ما تحتويو .نصف قرش .ىدية لم
أتوقعيا ..ىدية منيا .ربما .نصف قرش ..جيوبو ممموءة بالقروش .يعز عميو
مفارقة أحدىا .يعشقيا كفتاة رائعة الجمال .وعندما يخرج قرش منو ،فإن الكتابة
عميو تمتصق بأصابعو .حممت كنزي بيد ترتعش .حممتني قدماي خارج المنزل.
عدوت وىا أنذا فيعدوتْ ..
تراقصت األشياء أمامي ،فأنا أممك نصف قرشْ ..
السوق ..طفتو مرات عديدة ..مضى وقت طويل قبل أن أقرر مصير نصف
w.
القرش ىذا ..أخي اًر قررت ..كانت رائحتيا تجتذب المارة ..وجييا النحاسي يدعوك
لتقبيميا ..إذن ىي ..ىذا ىو قراري ..اقتربت منيا باحترام ..حاورتيا ..استنشقت
عبيرىا ..تماماً كما استنشقت عبير غاده عندما دنوت منيا ..تحسست كنزي الذي
أحكمت قبضة يدي عميو ..ال بد من التنفيذ.
-أريد بنصف قرش.
ww
- 37 -
www.alkottob.com
m
التقطو البائع ..وضع سكينو العريض في خاصرتيا ..ال تفعل ذلك يا رجل!!
وىل مثميا يطعن بسكين؟! إن كنت ال بد فاعالً ،فكن رقيق القمب ..ال تدعو
يغوص في أعماقيا ..تحددت لي ..دفعت كنزي ثمناً ليا ..سأتذوقيا ..أتذكر
o
تاريخ آخر مرة تذوقتيا؟! سؤال صعب ..مرور الزمن أنساني اسميا ..كنت
ألحظيا من بعيد ..أكتفي بذلك ..تدور بي الدنيا ،أو أدور بيا ..وىا ىي ذي
القطعة أمامي ،حقيقة أمامي ..سألون معدتي بيا.
b.c
انتظرت لحظات طويمة حتى اكتممت القطعة وتربعت بكبرياء عمى صفحة
ورقة نظييفة .امتدت يد البائع نحوي .لم أىاجميا .ولم انقض عمييا .عاممتيا
باحترام فائق .وبرفق مددت يداً مرتجفة .احتضنت ثمن كنزي .تركتيا ترتاح في
راحة يدي .نظرت ليا طويالً ..ثم نظرت إلى السماء الصافية .رأيتيا ىناك:
يا أم ذيب ..يا أمي ..اليوم سأحتضن الحياة ..سأتذوق طعميا ..سبحان
الذي سخر ىذا لي ..في أحالم يقظتي المتواصمة لم تمتقط يدي مثل ىذه القطعة..
o
أود أن تشاركيني ..ىييات أن تتحقق أماني.. وىا ىي ترتاح في راحة يديْ ..
تأسرني اليموم فأنقطع إليك ..أنت التي تركتني مرغمة .وىل كان في اإلمكان رفع
ott
يد القدر عن عنقك؟! ال أظن ..ىا ىي ذي في يدي ..أال تشاركينني فييا؟!
-انتظر.
صوت قادم من ال مكان ..عصرت حواسي كميا ..أردت أن أتنبو..
"انتظر" ..رفعت رأسي إلى أعمى ..صفاء السماء تجتاحو غيمة سوداء ..ىل أتى
الصوت منيا؟!
alk
-عبيد.
يا رب السموات واألرض!! أو تكون ىي؟! االسم األثير لدييا" ..عبيد"
سأنتظرك ولو طال انتظاري .اقتربت الغيمة ..تتيادى باتجاىي ..يا أم ذيب! ىل
تكونين بجانبي اآلن؟! ال أستطيع تجسيدك ،فأنا ال أعرف مالمحك ..أعرف أن
لي أماً ..أنت ..ولكن أين أنت؟!
w.
-انتظر يا عبيد.
ضغطت عمى ذاتي ..اخترقت أفكاري ..ربما تجاورني ..يا خالق الخمق ..يا
مطعم الطير ..يا مقدر القدر ..جد عمي وأرسميا لي ..جسدىا أمامي ..انتظرتيا
طويالً ..وىا ىي ذي تناديني!
-عبيد ..أعطني قطعة.
ww
- 38 -
www.alkottob.com
m
الحمد هلل ..الواىب والمانع ..القيار ..ىا ىي ..كل القطعة لك ..طوقيني
بذراعيك ..تناسيت تمك المحتضنة راحة يدي ..وبدون أن أدري رفعت ذراعي
بعنف ..عنف الميفة .ودوران العاصفة ..ىيجان الذات الممتاعة ..ىتفت من
o
أعماقي:
-أين أنت؟!
b.c
اىتز جسدي كمو .ترتجف األمنية وتقفز ىدية السماء من يدي .تندلق عمى
األرض بدالل .يقفز معيا قمبي خافقاً مستجي اًر باكياً..
-تضحي بيا عمى األرض وال تذيقني شيئاً منيا!
من الوضع جالساً ،جالساً حول قطعتي .نظرت إليو ..إلييا ..ال أدري.
-أىذا أنت؟!
تجسد الصوت القادم من الغيمة السوداء في شخصو ،وضاعت أمنية
o
األمنيات .اندلقت عمى األرض في لحظة تعمق اآلمال بخيوط الريح "أىذا أنت!"
رددت السؤال من الوضع مكوماً حول أمنيتي المقتولة.
ott
-كنت أريد قطعة.
كنت تريد قطعة ،وكنت أنا أريد شيئاً آخر .ىا ىي ذي األشياء كميا تستمقي
عمى األرض .تعال وجاورني .عمنا نقتسم بعضاً منيا معاً .كنت جاداً .ذىل" .تقدم
يا عبد الرحمن" .أحطتيا بذراعي ،وأحاطني الجمع .كان أطوليم .انحنى بجانبي.
تركت لو مكاناً .بدأنا نمتيم القطعة معاً .تجاىمنا الجمع المشدوه .جزئيات التراب
alk
التي عمقت بما أكمناه تسممت إلى أمعائنا مع القطع الحموة .لم نشعر بيا .نيضت.
استعذبت الصمت .ألقيت نظرة عمى ذاتي .تركت من كان حولي وغادرت .تركت
األماني العارية خمفي .غالطت نفسي .لقد سمعتيا.
اليدوء الكثيف حدد حركتنا .ندور في مساحة ضيقة .كل منا تائو في ذاتو.
فجأة انسحب اليدوء .جندي ..آثر اليروب من المعارك الدائرة .ألقوه معنا في
السجن .لم نحادثو ،ولم يحاول ىو .تصفحنا بسرعة .اكتشف أن لو من العمو ما
w.
يمنعو من مخالطتنا .توارى عن األنظار .عدت لما كنت فيو :أتأمل الفضاء
الشاسع بال ممل.
-أييا المعتوه ..توقف.
شق السكون صوت ىادر .كاد الرصاص يمعمع .في المحظة الحاسمة ألقوه
ww
أرضاً .ذلك اليارب من الخدمة استولى عمى رشاش من مركز الشرطة .جاور بناء
- 39 -
www.alkottob.com
m
عالياً وصوب رشاشو باتجاه القمعة التي يتمركز فييا مجموعة من الفدائيين .لو
أطمق رصاصة واحدة النتقمت جينم إلينا!! انقض عميو شرطي فحفظ لنا حياتنا.
ألقوه بيننا تالحقو المعنات .أيقن أنو رىن السجن .جمس ذليالً بال حراك .لم نحاول
o
مواساتو ..ال يستحقيا.
-أو تطول إقامتنا ىنا؟!
b.c
سألت بال روح .لقد استولى القمق عمى أفكاري .رغبت في الحياة وأنا الذي
كثي اًر ما تمنيت أن أغادرىا .عندما ألقاني الجندي اإلسرائيمي وسط المجنزرة وألقى
بحذائو الضخم فوق رأسي ،تمنيت أن ينفجر لغم ويحول المجنزرة بمن فييا إلى
كتمة من جينم .احترق األلم داخمي .انتشرت البالدة في جسدي كمو ،انعدم
إحساسي باألشياء .تممست أرض المجنزرة :باردة كأجزائي .ستسممت .كان ىدير
المحرك يخترق رأسي بعنف ،فيعيد لي إحساسي مرة أخرى .عندىا يزداد ثقل
الحذاء فوق رأسي .لم ألعن الزمن ،لكني لعنت الظروف والظالم واألحالم الكاذبة.
o
أخي اًر توقف الركب .انعدم إحساسي بالمكان مرة أخرى .وقفت مذىوالً أحاطني
أحدىم بذراعو الضخمة .لحيتو الكثيفة زادت ذىولي.
ott
-ىل تتكمم العبرية؟ سألني.
-ال.
-واالنجميزية؟
-أتكمميا.
alk
-بطالقة؟
-ال ..ليس كما تظن.
أوقفوني ووجيي لمحائط .يداي مرفوعتان .قدماي ،لذىولي ،كانتا ثابتتين.
استرددت ذاتي ثانية ،وبدأت أشعر بإنسانيتي .عدت أنا كما أنا.
-تحرك.
w.
تحركت في ممر طويل .أبواب زنزانات مغمقة وأصوات صراخ تأتي من بعيد.
العتمة الخفيفة زادت رىبة المكان .لحظات صمت قصيرة تخترقيا أصوات صراخ
مرعبة ..ثم يعود الصمت مرة أخرى .وأمام باب مفتوح ألصق جندي قبضة يده
بعنقي من الخمف.
-قف.
ww
- 41 -
www.alkottob.com
m
-توقفت.
-ادخل.
دخمت حجرة جرداء استمقت في أرضيتيا طاولة ميترئة ومقعدان ليسا بأحسن
o
حال منيا.
-اجمس.
b.c
جمست ووجيي لجدار اىترأت واجيتو ..ربما من صراخ أحد المعتقمين..
انتظرت ..وفجأة انبثق من ال مكان وواجيني ..ىو ضابط االستخبارات الذي ألقى
يدي ..سأحاول أن أنجو بجمدي.
القبض عمي .تجمعت خيوط أفكار متناثرة بين ّ
-ماذا فعمت؟!
أذني ،ومن
تسممت حروف سؤاليا ببطء عبر اليواء الذي يفصل وجيينا إلى ّ
ثم إلى أجزاء قمبي ..تناثرت ذرات جسدي في الالمكان ..صعدت روحي وحمقت
o
بعيداً ..تجمعت بقاياي ..وتسممت عيناي إلى عيونيا ..ازدحم اليواء بأنفاسيا
وعبير عطرىا ..نزلت عيناي من عميائيا ..ثم وببطء ارتفعت إلييا.
ott
-غمرتني أحاسيس لم أعتدىا فأثقمت عمي.
انفرجت شفتاىا عن ابتسامة ساحرة .لمعت حبات المؤلؤ في فييا ،تسربت
موسيقاىا إلى أذني..
-ما كان يجب أن تتركني وحيدة وتخرج..
ولكن األيام قست عمي فأصبحت أفعل ما ال يجب أن أفعمو ..أثقل عمي
alk
ظمو ،فكرىت أن أكون حيث يكون .خرجت ..رمقتني بنظرة الئمة ..لكنيا لم
تعدني حيث كنت..
-يجب أن تكوني رحيمة بو ،ألنو يممك مما فعل الكثير..
تدخل عبد الكريم .أحببت مداخمتو .أنقذني في الوقت المناسب .دعانا لنتناول
كأساً من الشاي .وافقنا ،وفي الطريق قالت غادة.
w.
-ميما يكن ،ما كان عميو أن يغادر ويتركني وحيدة ..ذىبنا معاً ،وكان عمينا
أن نعود معاً.
جاورتيا في طريقنا إلى الكفتريا ..اقتربت ىي مني ..أن تقتنص لحظات
السعادة من بين شقاء األيام المتراكم ىي السعادة بعينيا ..خفت عمييا أن تسقط
ww
من بين يدي فأطبقت شفتي ولم أنطق ..حرفت مدار الذاكرة حتى تتقوقع في
- 40 -
www.alkottob.com
m
المحظة ..نجحت ..عانقتيا بنظراتي ..وددت لو أذىب معيا إلى آخر الدنيا لنعيش
وحيدين ..ىا ىي ذي األحالم تطبق عمي ..أعددت ليا المكان فرافقتني رفقة ال
أنفاك منيا ..أقول لكم الحق إنيا تريحني ..أىرب من قسوة أيامي وأتدثر
o
بأحالمي ،أنجح أحياناً ،ولكني أخفق أغمب األوقات..
-نحن نعرف عنك كل شيء و..
b.c
فقاطعتو بيدوء ..أغراني أنو لم يكن شرساً معي حتى اآلن.
-أريد أن أسألك.
نظر إلي طويالً ..لعمو ق أر ما بداخمي.
-ليكن.
-ىل أنا إنسان أم حيوان؟!
o
استغرب سؤالي ..لكنو لم يستخفو ..ربما فاجأتو.
-بالطبع أنت إنسان.
وىذه اإلنسانية الميانة ،ماذا أفعل بيا؟! أن استمقي في منتصف المجنزرة
ott
واألحذية الثقيمة فوق رأسي وبقايا جسدي المنيك دائماً ..تسربت إنسانيتي وبقي
الحيوان داخمي يصرخ بموعة.
-إذا كنت كذلك ،فمماذا عاممني جنودك بال إنسانية..
فيم ما قصدت .جاراني في حوار اإلنسانية ،ربما ليستدرجني .ظني أن
alk
- 42 -
www.alkottob.com
m
رماني بنظرة طويمة ماكرة ميددة ،ربما محتقرة وربما معجبة .ضاعف طول
نظرتو ،فازدادت مخاوفي ..عمي أن أحفظ نفسي ورفاق دربي ..حتى اآلن كل
شيء ىادئ .لكنو ىدوء ممموء بالقمق وبأسوأ االحتماالت .ىا أنذا وجياً لوجو
o
معيم.
-ستكون كومة من العظام محاطة بقطع لحم متيرئ.
b.c
-كيف؟!
-اآلن سترى.
وفجأة دخل ضابط طويل .الشراسة في وجيو تنطق بكل سفاالت األرض.
عرفت فيما بعد أن اسمو رحاميم" .جزار سجن غزة" .ىكذا وصفوه لي فيما بعد..
تمدد طولياً أمامي .عمود من الخرسانة ..نشر الخوف ليس في أجزائي فقط ،ولكن
في أنحاء الزنزانة كميا .دخل رجل آخر مربوع القامة ،أبيض البشرة ،سميك كدلفين
o
خرج لتوه من البحر ..وقفا يستمعان لمحوار بيني وبين ذاك الذي ألقى القبض
-لو سمحت..
عمي.
ott
قاطعت المحقق بيذه الكممات .صاعقة من سقف الزنزانة سقطت فوق رقبتي.
شمت أفكاري .أعادتني إلى البداية التي حاولت تجاوزىا.
-تكمم جيداً عندما تتحدث إلى سادتك أييا الكمب الضال..
تكمم جيداً" ..لو سمحت" تمك تستعمميا عندما تسترد إنسانيتك ،أما ىنا..
alk
فنحن سادتك" ..سيدي" ىي الكممة التي يجب أن تخاطبيم بيا ..أو ليس ىم من
يقرر مصيرك؟!
التفوا حولي ،وأنا بينيم كطريدة تقطعت بيا السبل..
جمسنا حول طاولة نظيفة ..النسمات الشتائية تتسمل عبر نوافذ الكفتريا،
فتحرك األحاسيس الحموة وتثيرىا ..شعرىا األسود يظمل وجييا المالئكي فتزداد
روعة المحظة روعة ..أتوه في أزقة ال نياية ليا ..أخرج عبد الكريم عمبة لفائفو..
w.
ألقى بواحدة لي .لم أتردد في اإلمساك بيا ..لدىشتي قبمت غادة لفافة منو ..أشعمنا
لفائفنا وأخذنا ندخن باستمتاع ونشرب الشاي الساخن فتحمق أرواحنا في فضاء
مترامي األطراف .قمت
-أيكفي ىذا اعتذا اًر يا غادة؟ قالت:
ww
- 43 -
www.alkottob.com
m
-الحمد هلل أنك نطقت.
-أعطو حقو يا غادة ،فأنا أعرف يوسف يوم كنا في المدرسة الثانوية معاً..
يحتقن أحياناً فتتراكم الكممات داخمو ..تثقمو ..يسافر بيا بعيداً ..يتوه في صحارى
o
الحياة ..وأخي اًر ينفجر ويطيح بأثقالو كميا.
-أحقاً أنت كذلك؟! سألتني.
b.c
-ىكذا يقول عبد الكريم ..ربما أنا كذلك.
بعيني ..ذوت سعادتي عندما تذكرت ّ اصطدمت نظراتيا وىي في الطريق
الوسامة ..نصيبي منيا لم يكن كثي اًر ..ذوت مالمحي ..اندلقت أفكاري داخمي..
تكسرت الكممات داخل شفتي ..ازدادت أثقالي ..سافرت ..أمسكني عبد الكريم في
المحظة التي كنت أعتمي فييا ظير الحياة الئماً شاكياً ونادماً ..سأل:
-أين ذىبت؟!
o
عدت ثانية إلييم ..اتعبتني المحظة ،لم أعتد تمك السعادة الغامرة ..رأيتيا وىي
تنظر إلى ساعتيا ..عرفت أن موعد الرحيل قادم ال محالو -لقد جادت عمي الحياة
ott
بمحظات ال مثيل ليا .جاء الوقت الذي ستقذفني فيو ىذه الحياة في متاىاتيا ..ألقم
بالميمة بنفسي ..نظرت إلييا ..وددت أن أستنزف المحظة الباقية بنظرة طويمة إلى
مالمحيا التي أسرتني حتى االستسالم ..مؤلت شقاً من الذاكرة بأساريرىا اآلسرة.
-محاضرة الدكتورة نيمة ستبدأ بعد قميل.
قمت وفي عقمي كانت تمك العبارة "بيدي ال بيد عمرو" تتقافز فرحة .التقطت
alk
يد عبد الكريم ونيضت بو ..غادرنا فناء الكمية في طريقنا إلى موقف الحافالت.
-أوتظن أننا سنمقاه؟ سأل.
-ىكذا تواعدنا.
-اليوم؟
-نعم ،مساء اليوم بعد العشاء.
w.
منو ..وعندما وصمنا إلى الموقف كانت الحافمة تتحرك في طريقيا إلى رام اهلل..
- 44 -
www.alkottob.com
m
انزلقنا في جوفيا فأسرعت خطاىا ،ومعيا تاىت أفكارنا..
ىي البداية ..عمينا أن نفعل شيئاً ..وىا ىو ذا خميل أبو خديجة يفتح لنا
الباب.
o
-أواثق منو أنت؟! سألني عبد الكريم.
-إنو يوحي بذلك!
b.c
-وكيف قابمتو؟
-كنت أجمس أمام مكتبو.
-تائياً بأفكارك كالعادة.
-أظنو تأممني جيداً ولمدة طويمة ..ثم جاءني مبتسماً ..أسمر مثمي ..طويل
ممتمئ الجسم.
لفافة تبغ ترددت في أخذىا ،وتحت إلحاحو أشعمتيا ..بدأت أنفث الدخان في
اليواء وأتابعو بمتعة شديدة ..كان الوقت صيفاً ،وصيف رام اهلل رقيق ،تيب فيو
نسمات جميمة فترتاح النفس الميمومة ،فنحن فوق جبل يبعد عن المدينة مسافة
ليست بالقريبة .في تمك األجواء يفقد اإلنسان إحساسو بالواقع ويدور في دنيا
أفكاره..
w.
و"أنا خير من يدور في دنيا أفكاري" كما قال عبد الكريم ذات يوم لي ..درت
وعيناي إلى النافذة فسحرتني المناظر الجبمية األخاذة .إنيا رام اهلل .تمك المدينة
التي أظن أن المالئكة اتخذتيا مسكناً ليا .مددت نظري إلى ما ال نياية حيث
تمتقي السماء باألرض وكأن خيمة زرقاء انتصبت فوق تمك البقعة الساحرة .ولقد
زاد المحظة روعة أن سائق الحافمة أطمق العنان لصوت فيروز من خالل آلة
ww
www.alkottob.com
m
ألجمك يا مدينة الصالة أصمي..
ألجمك يا قدس..
ثم ..جسر العودة ..جس اًر خشبياً يسبح فوق الماء..
o
جسر العودة ..منذ تمك األيام السوداء سنة 48ونحن ندعو كل شيء عودة
إال عودتنا الحقيقية ال ندعوىا كذلك .تقول أختي أن والدتي حزنت حزناً قاتالً
b.c
عندما غادرنا دير سنيد وأرضنا وسكنا في قرية بيت الىيا ..الجئين ينتظرون يوم
العودة .وأكثر ما آلم والدتي فراقيا لتمك البقرة الحموب التي كانت تحدثيا كطفمة..
اختفت أكواب الحميب الصباحية التي كانت تقدميا ألبنائيا ..طال انتظار والدتي
ومعيا والدي ليوم العودة .وازدادت عمييا اليموم واآلالم ..ضعفت مقاومتيا ،وبعد
أن أنجبتني بساعات لم تستطع المقاومة .غمبيا األلم والحزن ففارقت الحياة لوعة
وحسرة عمى األرض المسروقة وبقرتيا الحموب ..أما والدي فقد ىاجمتو الوحدة
o
واآلالم بعد وفاة والدتي ..رغم حبو الشديد ليا -لقد رفض أن يستعمل إبريق الماء
الذي كانت تستعممو ورفض أن يمسو شخص آخر ميما كان -لكنو تزوج في
محاولتو لميروب من الوحدة واآلالم والمعاناة ..وبعد ستة أشير من وفاة والدتي
ott
توفي والدي وتركني طفالً ال أعي من الدنيا شيئاً .توالني أخي ذيب وزوجتو التي
ىي ابنة عمي ،ىكذا تقول أختي ..وابنة عمي ىذه حاقدة ماكرة وجاىمة ..أعماىا
الحقد عمى والدي ووالدتي المذين أذاقاىا كثي اًر من الم اررة ..ىكذا قالت لي زوجة
أخي اآلخر الذي توفي الحقاً .فأىالت كل تراكمات الحزن والغضب عمي ،أنا
الطفل الصغير ،وعمى أختي الصبية ..ولكن اهلل رحم أختي فتزوجت بعد مدة
alk
قصيرة .وىكذا بقيت أنا الدمية التي ستنفث عمييا زوجة ذيب كل معاناتيا الماضية
وحقدىا الدفين.
-أين ذىبت؟!
-لقد وصمنا وىا ىي ذي الحافمة تتيادى بدالل في طريقيا إلى المحطة
األخيرة .صورة صادقة لمجتمع فقد أرضو ودولتو ،زد عمى ذلك أنو تم احتاللو في
منتصف القرن العشرين .العالم كمو تخمص من االحتالل إال في ىذه البقعة .وجوه
w.
متجيمة ..الفقر واأللم واالحتالل ترتسم عمى وجوه الناس .باستطاعتك أن تقرأىا.
تشد عميو .متجيمة كأنيا فقدت امرأة عجوز تمسك بيد ابنيا ،وربما حفيدىاّ ..
زوجيا باألمس..تدور عيناىا في متاىات ال قرار ليا ..رجل في األربعين من
عمره ،لكنو كيل في الستينيات ،ربما في السبعينيات من عمره ،يحمل كيساً عمى
ww
كتفو ،اهلل وحده يعمم ما بداخمو ..كل يمشي في اتجاه ..ونحن ..عبد الكريم وأنا..
- 46 -
www.alkottob.com
m
نسير في اتجاه مغاير .تسممنا من بين الجمع ،ومن ثم خارج المحطة .أخذنا
الشارع الرئيسي ومنو إلى آخر فرعي في طريقنا إلى معيد المعممين .ذلك البناء
الجميل في منطقة خالية من السكان .تباطأنا في السير محاولين االستمتاع بكل
o
ثانية من وقتنا ،فالطريق خالية من الناس والسيارات والح اررة وصمت إلى أدنى
درجة يمكن أن تصل إلييا في فصل الصيف .نسمات سابحة في الفضاء تستمقي
عمى وجوىنا باستمتاع ،ونحتضنيا نحن وكأنيا معشوقة طال انتظارنا ليا.
b.c
لم نتحدث وال رغبة لنا في ذلك .كل يحادث نفسو .أقدامنا تعرف طريقيا
فسممناىا القيادة .ألغينا عقولنا ،ففي العمر متسع الجتثات لحظات السعادة من
مخالبو القاسية.ألفينا عقولنا ،ففي العمر متسع الجتثاث لحظات السعادة من
مخالبو القاسية الحت بدايات األبنية القرميدية الجميمة لممعيد .انتبينا معاً .وكأننا
شخص واحد قمنا" :ىا قد وصمنا" :فاروق الذي يدرس المواصفات والكميات في
معيد قريب كان عمى مشارف البوابة .وبصورة طبيعية ،ربما غريزية التفت لمخمف
o
فممحنا .توقف .أخرج عمبة لفائفو -إنو مدخن شره -اقتنص واحدة .أشعميا .اتكأ
عمى حافة السور .سحب نفساً عميقاً منيا وتوجو وعيناه إلينا .التقت نظراتنا.
ott
تعانقنا .لحظات وكنا نتعانق فعالً.
-تقوقعتم في بير زيت عند الصبايا الحسان.
-وأنت ممقى ىنا بين حجارة الجبل .قال عبد الكريم.
ولونو وطريقة انسدالو عمى كتفييا ووجنتيا .أو تشاركنا غادة ما نحن فيو؟! ربما.
أنيا تستمقي ىناك اآلن .ربما في سريرىا ،أو في المكتبة تطالع كتاباً .أنا أعرفيا.
الجمال والذكاء ناد اًر ما يمتقيان .ىكذا يقولون .ولكن غادة انزلقت من تمك القاعدة.
إنيا االستثناء .ىي حقاً كذلك .ألقت قيقية فاروق بمجدافيا فوق كتفي.
-أين ذىبت؟! قال فاروق.
ww
- 47 -
www.alkottob.com
m
-اتركو ..لقد وجد مرفأ يرسو فيو .قال عبد الكريم.
-حقاً!
-عمى مستوى راق من الجمال.
o
-يا دميم الوجو وجميل األفكار!! من ىي تمك الرقطاء التي ستسمح لك بالرسو في
أحضانيا؟! أو تأممت وجيك في المرآة ىذا الصباح؟!! قال فاروق مقيقياً.
b.c
أصاب مني مقتالً .ىذه إحدى نقاط ضعفي الكثيرة .ال فائدة من إخفائيا.
واضحة لكل ذي عينين .لكني أحب ىذا الفاروق .سنوات الطفولة وبدايات الشباب
عقدت زواجاً كاثوليكياً بين روحينا .ىو يعرف مقدار محبتي لو ،وأنا أعرف مقدار
محبتو لي .لكنو يمقي قذائفو عمي بإصرار .إنو موقن من صالبة الصخرة التي
يقذفيا بكمماتو الصخرية.
-ال تنزعج ىكذا .قال فاروق.
o
-لو تعيرني بعضاً من وسامتك أييا المعين؟! قمت.
-كميا لك .قال.
ott
-احتفظ بوقاحتك لنفسك! قال عبد الكريم.
-ىذه ىي المرة األولى التي تكون فييا كريماً .لكنك تعرف استحالة العطاء.
-أال تكفيك وسامتك .قال فاروق.
-لممرة األلف تكذب .قمت.
alk
- 48 -
www.alkottob.com
m
-أعتقد أن خميل بالداخل ينتظرنا .قمت محاوالً أن أضع حداً لتمك األفكار
التي انتزعتني من واقعي وتعد العدة لمذىاب بعيداً.
-أخي اًر .قال عبد الكريم.
o
-إنو يحاول أن يتخمص من حالتو المرضية .قال فاروق.
دخمنا البوابة وعمى مدخل مكتبو كان خميل في انتظارنا.
b.c
استسممت لمشاعر جياشة أرسمتيا لي .سكوني أدخميا في أطياف من
األحالم .تفحصتيا .ال تدع تداخل الكممات يضمل حصافتك .تذكر أنني في
عقميا ،أتممس أفكارىا .وما دققت فيو ىو نوعية أحالميا .ال تتنازل عن ذكائك
بأسئمة ال أجوبة ليا .إنني صدقاً تحسست أحالميا .ال تصدقني ،انتظر،
وسيدىشك صدق روايتي .إلى متى؟ حتى يكتمل حديثي .لم تقتنع؟! فقط انتظر
حتى ال تقتمني من الغيظ .قمت لك أنني تمقفت أحالميا .استجوبتيا .أحالم شفافة
o
وباىية .يبدو أنني ورثت عنيا ىذه األحالم ،ولو أنيا عندي أحالم يقظة كانت
كنسمة تتنقل بين وردة زاىية األلوان .متفائمة .وىذه أيضاً ورثتيا منيا .التفاؤل رغم
ثقل األحداث .تركتيا تسبح وأحالميا في دنيا اهلل التي بدت ضيقة رغم رحابتيا.
ott
حافظت عمى سكون حركتي .أحببت تداخل روحي مع روحيا .ما أعذبو من
تداخل إنساني انكماشي داخميا وأنساىا تدافعي في فضائيا .مكثت طويالً في
عقميا .تسممت يداىا إلى رأسيا .أمسكتو .ضغطت عميو .آلمتني .كتمت صرختي
داخمي حتى ال اقتمعيا من جنة رسمتيا ىي في خياليا .أحست ىي بجسدي،
فأزاحت يدييا عن رأسيا .ابتسمت ىي وابتسمت أنا.
alk
www.alkottob.com
m
-أو تتألم يا مقمة عيني؟! انتظرتك طويالً .انتظرني دقائق!! حسرتي عمى ما
ضاع مني أضاف أطناناً من الم اررة إلى م اررتي .انتظر.
-وماذا فقدت؟!
o
-ال تعذبني بماض أحاول أن أنساه وال أنجح.
-نسيتني .قاطعتو بحدة .تجاىمت وجودي ،وأغراك صمتي ،فتيت عني.
b.c
أعرف مدى ما تحممو ليا من مودة وحب ،ولكن ىذا ال يعطيك الحق في أن
تيممني.
عيني .لحظت مسحة من ّ ألقى نظرة خاطفة عمييا ،ثم استدار لتقابل عيناه
في .اتجيت بنظراتي إلى األلم والعتاب تتؤلأل في عينيو .أدىشني تأثيره الساحق ّ
األرض .خجمت منو ،نظرت إلييا .تحيطو بطوق من المحبة الخالصة .تحتضنو
بقمبيا ،بأفكارىا ،بشوقيا ،بألميا ،بتدفق أطيافيا .تخمص من قيودىا ثم قال:
o
-تعاتبني ألنني أمضيت لحظات معيا أتزود بأريجيا وأنفاسيا .ومع ذلك
فأنت عمى حق .أنت ال تعرف ماذا حدث الحقاً ،وكيف تركتني وسط رياح ىائجة
تقذف بالرمال والقاذورات عمى وجيي .انظر كيف انزعجت أنت ألنني انشغمت
ott
عنك بيا لمحظات ،تعرف مقدار المعاناة التي شاركتني عمري كمو .عمى أي حال
أنا في انتظارك -الحظ كثرة استعمالي لكممة انتظار ،ألنني أمضيت زمناً طويالً
في انتظار شيء ما وما زلت انتظر .ويقيني أن ىذا الشيء سيأتي لكن متى وأين؟
فأنا ال أعرف .انتظاري لن يكون كانتظار غودو! ىل قرأت تمك المسرحية؟! نعم؟
قرأتيا أنا .لم أفيميا في البداية ،لكني استمتعت بقراءتيا بعد ذلك مرات كثيرة .ال..
alk
يوليسنس أكثر متعة منيا .سكنتني طويالً وما زالت .جويس عالمة بارزة في تاريخ
الرواية -حرفتني عن متابعة روايتي .لنؤجل حديثنا عن األدب لوقت آخر .دعنا
نعود إلييا.
-من ىي؟!
-تمك التي أتشبث بثناياىا.
w.
www.alkottob.com
m
وقبل أن تجيب ىي ،أبديت المالحظة التالية :إنك تكثر من إلقاء ىذا السؤال
عمييا .ال ترىقيا باألسئمة .غضب .تكومت مظاىر االنفجار في وجيو ،لكنو في
لحظات كتم انفجاره داخمو .ثم قال:
o
-أأتمنك عمى أسراري ،نعم .أما أن تتدخل في أموري الشخصية معيا ،فال.
أرجو أن ال تفعل ذلك في أيامنا القادمة .طريقنا طويمة واليدف ليس في مرمى
البصر كما تعتقد .فمنتفق منذ التو والمحظة عمى أسموب رفقتنا معاً :أنا أقص
b.c
عميك وأنت ال تتدخل وال تنتقد سموكي .ومع ذلك ،لك الحق في أن تستوضحني
في ما غمض عميك من األمور .إن كنت توافقني عمى ذلك ،نتابع مسيرتنا .واال
فيذا فراق بيني وبينك .فما رأيك طال عمرك؟
-ال تغضب .لم أكن أعمم أنك حساس إلى ىذه الدرجة .عمى أي حال أنا
موافق عمى ما قمت ،وأعتذر عما بدر مني.
o
رجعت ليا .كانت ترمقني وأنا في لحظة الغضب تمك .عاتبتني صامتة.
اعتذرت ليا أنا أيضاً صامتاً .قالت:
-ترتاح نفسي وتيدأ مخاوفي ما دمت أنت ىادئاً وتستعد لمرحيل.
ott
-لن أرحل وسأبقى معك.
-معي نعم ،أما داخمي فال.
-ما الفرق؟ قالت:
-كبير.
alk
ألقيت رأسي عمى الجدار الميترئ .حاولت أن ألغي أفكاري وأستسمم لمواقع.
نجحت لمحظات ،وفجأة ىاجمتني األفكار اليائجة .تدفقت بدون استئذان.
أىذه ىي النياية التي تمنيتيا تموت بين الجدران السميكة ربما تندثر في أحد
الشقوق التي تمؤل تمك الجدران رصاصة طائشة قد تخترق رأسك رصاصة عربية
مساء
ً ىذه المرة وربما فمسطينية اإلنذار لن يدوم طويالً كم الساعة اآلن الخامسة
ww
- 50 -
www.alkottob.com
m
أجابني جندي الحراسة وىل تتوقع شيئاً كل شيء ممكن ىذه األيام االحتماالت
كميا واردة إن لم يتحركوا عند الساعة الثانية عشرة ليالً ستنتقل جينم إلى ىنا لواء
الدبابات األردني الذي كان يرابط قرب الحدود تحرك إلى جوار القمعة وىم عمى
o
استعداد لمساواتيا باألرض كل شيء وارد ىذه األيام يبعدونك من السجن إلى
السجن في الكرك لماذا اآلن لعميم كانوا يعرفون ال صوت يرتفع ولماذا يرتفع
الصوت إذا كانت اإلرادة ممزقة أكتب رسالة لمن ألخيك تدلو فييا عمى جسدك
b.c
أييا المسكين وماذا يفيد ذلك ستتساوى جزيئات جسدك وىذه الجدران المتيرئة تمتع
بأفكارك قبل النياية المنتظرة كم الساعة اآلن السابعة ساعتان مضتا ورأسك ممقى
فوق ىذا الجدار المتيرئ ال بأس كم عانيت في حياتك تتذكر األيام األولى وكأنيا
أمامك يوم مولدك ربما فرحت والدتك ولم تكن تدري المسكينة أنيا فرحتيا األخيرة
ماتت وبقيت وحدك مع والدك الذي مات ىو أيضاً بين مخالب ذيب وذيبة وتمك
الصفعة القوية التي ألقت بيا ذيبة عمى وجيك يوم تشاجرت مع قريب ليا يوم
o
عرس أختيا يا لمذاكرة الفاقعة تذكر حتى تمك المحظة التي تجمت إنسانية ذيبو فييا
وأعارتك قميصاً كانوا قد خبؤوه البنيم حتى تمبسو في تمك المقابمة التي عمى أثرىا
دخمت كمية بير زيت طالباً وليمة توافد عميك أوالد خالك وخاالتك ليودعوك ألقوا
ott
بين يديك مبمغاً من المال يعتبر ثروة في تمك األيام عندما أصبحت وحيداً تمك
الوحدة األبدية ىاجمك ذيب متمحفاً بثوب حمل عمينا أن نؤدي ىذه النقود في
القريب ومن غيري سيؤدييا .قرأت أفكاره في لحظة لم أتردد كم تريد أخذ ثمثي
المبمغ مني وترك لي عشر ليرات .يعشق النقود ال يقاوم إغراءىا وقبل ذلك بأشير
عندما عممت في قطع البرتقال واستممت أجري قال لي يوسف ماذا أال أجد عندك
alk
بعضاً من النقود أريد أن أذىب إلى خان يونس ألسمم عمى ابن عمك الذي عاد
عز عمي أن أراه في حاجة إلى النقود ولقد كنت مغفالً كما ىي من مصر يوميا ّ
عادتي دائماً تخدعني المظاىر الكاذبة وثوب الحمل الذي يرتديو أحياناً يخدعني
أخرجت من جيبي أيضاً ثمثي ما أممك وألقيت بو بين يديو .حتى كممة "شك اًر" لم
أسمعيا منو ولو كنت في تمك المحظة العاطفية تذكرت يوم رفض أن يعطيني قرشاً
ألحمق بو شعري بعضاً ما كنت أعطيو ما أعطيتو من نقود لكن تمك النفس
w.
الضعيفة أمام إغراءات المشاعر اإلنسانية وربما الكاذبة تقود أفعالي .كم الساعة
اآلن الحادية عشرة والنصف قال لي جندي الحراسة وأخي اًر أخرجت ورقة وقمماً
وكتبت أنا يوسف بن يوسف الياللي حاولت أن أقاوم المحتمين في بمدي لكنيم
سجنوني مدة سنة ونصف (بعدىا أبعدوني إلى األردن وىا أنذا ممقى في سجن
الكرك أنتظر لحظة النياية التي ال شك عندي أنيا قادمة .عندما تفتح بوابات
ww
- 52 -
www.alkottob.com
m
الجحيم بين الجنود األردنيين والفدائيين الفمسطينيين كنت أتمنى أن أستشيد عمى
أرض فمسطين ولكن القدر كما ىي عادتو معي يأبى إال أن يطيح بآمالي ويمقي
بي في متاىات ال أتمناىا .انسمت الورقة من بين يدي وقبميا القمم وأوقفت نزيف
o
الذكريات .ضغطت عمى ذاتي وظني أني أسممت نفسي لمالك النوم ونمت كميت
لم تسعفو األدوية باالستمرار ..كم الساعة اآلن الواحدة والنصف تحسست جسدي
ما زال مكوماً متماسكاً أعدت تحسسو مرة أخرى إنيا حقيقة .قدماي كما ىما
b.c
ورأسي ما زال ممقى عمى الجدار كما تركتو منذ المحظة التي سمعنا فييا عن
عيني إلى جندي الحراسة ما زال واقفاً بالقرب من
ّ اإلنذار إذن حدث شيء ورفعت
الشباك نظر إلي ىو اآلخر الكل نيام عدانا ماذا حدث ال زالت الجدران صامتة
مشققة كما رأيتيا أول مرة لقد رحموا كيف حدث ىذا تدخل الوسطاء قالوا إن الكرك
ساقطة عسكرياً واقتصادياً إن كان الموقف لمصمحتكم في عمان فستعودون ىنا
وان انقمبت األوضاع فيا أنتم تحافظون عمى أنفسكم وعمى المدينة التي آوتكم حيناً
o
من الزمن كالم مقنع وىكذا رحموا تنفست الصعداء وىا أنذا أعيش مرة أخرى إذن
ىي الحياة بكل معانييا ىل تبتسم لي أو تضحك .مني من يدري تعثرت قدماي
فتمدد جسدي كمو عمى أرض الحجرة الواسعة وضعت حذائي تحت رأسي ونمت
ott
نوماً عميقاً عميقاً لقد أصبحت الحجرة آمنة.
-أنت آمن ىنا .قل لنا من ىم رفاقك وسنطمق سراحك ..قال الضابط
رحاميم.
عما تحكي؟ّ -
alk
كانت أجابتو صاعقة عمى وجيي .دارت بي الدنيا .دارت معي جدران
الزنزانة القذرة.
-يا ابن الكمب ..أتستجوبنا؟!
المسألة خطيرة إذن وال بد من تدارك الموقف .كان عقمي يعمل بتمقائية.
يحاول أن يحمي جسدي من التيرؤ .ما زلت صامتاً.
-ىذا النوع من الرجال ال ينفع معو غير تكسير الرأس.
w.
نقموني إلى زنزانة أكثر قذارة من األولى ممقى عمى أرضيتيا مقعد أكثر قذارة
من الجدران .اخترق جدار الصمت صوت صراخ وتأوىات صادرة من األعماق.
ىي إذن الحرب النفسية التي كثي اًر ما سمعت وقرأت عنيا .صمت الصراخ فجأة،
ثم انطمق قوياً مولو ال متألماً ..آه ..آه..
ww
- 53 -
www.alkottob.com
m
-أال تريد أن تتكمم؟! سألني والشرر يتطاير من عينيو.
-عماذا ماذا؟!!
-يا بغل ..نحن نعرف عنك كل شيء.
o
-إذن لماذا تسألونني؟!
-ىذا الكمب ..ثم ألقاني أرضاً.
b.c
-ارفع قدميك.
فعمت
-ادخميما من فتحتي الكرسي.
فعمت صاغ اًر.
-عد الضربات .وكمما صرخت ،نعود من البداية.
o
قدمي ..واحد ..اثنين ..عشرة ..آه.
ّ وأخذ يمقي بعصا ثقيمة عمى
-من البداية مرة أخرى.
ott
يا شياطين األرض! يباح لكم كل شيء والعالم أصم وأعمى! الضعف يولد
الضعف ..والقوة تفعل ما تريد ..وأنا ممقى عمى أرض الزنزانة الحرشاء ..أعد
الضربات التي تكيمونيا لي ..غداً يوم آخر!
-من ىم أصحابك؟!
-أي أصحاب؟!
alk
- 54 -
www.alkottob.com
m
الزنزانة نائماً وربما فاقداً الوعي.
عيني .أزحت حشرة كانت ترقد بسالم عمى جسدي ..لم ّ ببطء أعدت فتح
أحرك رأسي فالتصقت نظراتي بسقف الحجرة الواسعة .إذن لم تتيدم األسطح ولم
o
تتحمل األشياء.
-كم الساعة اآلن؟!
b.c
وأنا الذي فقد اإلحساس بالزمن بعد أن أمضيت ثمانية عشر شي اًر متنقالً من
سجن إلى آخر .عجبت من أمري ومن ليفتي عمى ىذا الزمن الضائع .نظر إلي
الجندي بإشفاق .ىذا ظني! بإشفاق.
-الثامنة صباحاً.
إنو صباح صيف في مدينة الكرك ..ما زالت ح اررة الجو محتممة ...تسممت
بعض النسمات الصباحية عبر النافذة فأنعشت روحي .نيضت متثاقالً .غسمت
o
وجيي ورأسي فازداد انتعاش روحي ..إذن ىي الحياة مرة أخرى.
-صباح الخير يا محمود.
ott
-أىالً يوسف.
-أحمد اهلل إننا ال زلنا أحياء.
-الحمد هلل .ردد.
جاورتو صامتاً .تأممنا السماء الصافية معاً .التفت إلى باقي الرفاق فوجدتيم
مشغولين بالحديث عن ليمة أمس .قمت لنفسي ما كان قد كان ولقد كتب لنا عمر
alk
جديد.
-متى تراىم يطمقون سراحنا؟
أحد األسئمة التي ال يستطيع محمود اإلجابة عمييا ،لكنو انطمق من بين
شفتي .نظر إلي وصمت لثوان ،ثم قال بجدية ظاىرة.
-ال أظنيم يحتجزوننا مدة أطول.
w.
تجمعنا حول طعام اإلفطار .كانت روحنا المعنوية قد ارتفعت .ال زال القتال
مستم اًر ،لكن بعيداً عن الكرك .وىناك محاوالت جادة إليقافو .الرئيس ناصر كان
قد غادر دنيانا إلى دنيا أخرى والكل يشارك في وداعو لممرة األخيرة.
-كل المبعدين يتجيون إلى ساحة السجن.
ww
صاح الجندي ،ثم ردد نداءه مرة أخرى ،تجمعنا في الساحة .إحساسي إنيم
- 55 -
www.alkottob.com
m
سيطمقون سراحنا.
قال الجندي:
-نحن عادة ال نحتجز المبعدين أكثر من يومين أو ثالثة ولكن لظروف
o
القتال الدائر طالت مدة احتجازكم ونحن بالطبع نأسف لذلك .وقد قررت بمدية
الكرك إعطاء كالً منكم ثالثة دنانير وستخرجون من السجن بعد لحظات.
b.c
ثالثة دنانير وىناك دينار أعطاه لنا جنود االحتالل في فمسطين يكون
المجموع أربعة .عميك أن تواجو الحياة مسمحاً بأربعة دنانير .لن يغتصبيا منك
أحد .لقد حصمت عمييا بال مقابل .وتمك الدنانير الستة التي قضيت شي اًر كامالً
تعمل في حقول البرتقال من أجميا .كانت ثروة كبيرة .حممتيا في جيب سروالك
الميترئ وذىبت إلى المنزل .كان ابن خالتك قد توفي منذ أربعة أيام .لم تشعر
بذلك الحزن الدفين الذي ألم بخالتك وبكل الجيران .فأنت طفل رغم بموغك الرابعة
o
-أال تذىب لمشاىدة فيمم "لورنس العرب"؟ قال مصباح أبو الجاز .رفيق
عشر.
تجود بو الحياة عمي .جيبي ممموءة بالدنانير ،وىذا فيمم عن لورنس والعرب يمثمو
عمر الشريف في أول ظيور لو عمى الشاشة العالمية .ولم ال أذىب؟! لقد مات
ودفن.
كان جالساً أمام باب حجرتو وبجواره ذيبو .سمة ممموءة بالجميز والعنب
والتين الشوكي كانت أمامو .يتناول من كل نوع حبة ،يخمطيم في فيو ثم يزدرد
الخميط باستمتاع .يبدو أنني قطعت عمييم سيل األحاديث العذبة .ارتدى ثوب
w.
مرة كان رفاقي كميم يريدون الذىاب إلى السينما .لم أممك حتى مميماً ألفعل ذلك.
- 56 -
www.alkottob.com
m
جاورتو وىو عمى وشك أن ينام.
-أعطني عشرة قروش يا أخي ..أصدقائي يريدون الذىاب إلى السينما وأنا
أريد أن أرافقيم.
o
كانت آمالي كبيرة بأنو سيعطيني ..لكن وبكل قوتو قذف ملء فيو بصاق
عمى وجيي.
b.c
-يا كمب ..تريد أن تذىب إلى السينما؟!
اآلن عمي أن أواجو الموقف.
-فعمت..
-يا كمب وابن خالتك قد توفي منذ مدة.
يا رب السماوات واألرض ..وما دخمي أنا بذلك .رحمو اهلل ..ىذا كل ما أممك
قد ألقوا القبض عمى مجموعة أخرى .لم أفيم لغتيم .لكنني أيقنت من أن مجموعة
ميمة قد ألقى القبض عمييا .لم أكن أعرف الوقت وال رغبة لدي لمعرفتو..
-قف..
-ال أستطيع فقدماي متورمتان..
-قف يا كمب يا ابن الكمب..
w.
جاىدت نفسي ووقفت .لحظات وأغمقت فتحة صغيرة في باب الزنزانة .عرفت
أن ميمتي قد انتيت .تراخت قدماي فوقعت عمى األرض الحرشاء .بقيت مستمقياً
إلى أن فتح الباب.
-قف..
تحاممت عمى نفسي مرة أخرى.
ww
- 57 -
www.alkottob.com
m
-أذىب إلى الحمام .أمؤل ىذا اإلناء بالماء.
نظرت إلى اإلناءين .كالىما قذر .لم تطاوعني نفسي في حمل أحدىما.
-أال تعرف؟! ونظر إلي الجندي باحتقار.
o
صمت..
-خذ ىذه.
b.c
اختار لي األكثر قذارة .حممت جسدي وسرت ببطء كسمحفاة أضناىا طول
السفر.
-من أنت؟!
-ما تيمتك؟!
-من اعتقل معك؟!
o
كانت األسئمة تتقاذف حولي من خمف األبواب وال قدرة لدي عمى اإلجابة،
ربما خوفاً ورىبة.
ott
-ال زال دمو يتدفق من رأسو.
أحسست باأللم فمددت يدي تتحسس رأسي ..مادة لزجة التصقت بشعري،
رفعتيا ..نظرت إلييا ..مصبوغة بمون أحمر .إذن ىي الدماء .ألقيت بيدي فوق
الجرح النازف وضغطيا عميا توقف الدماء .وصمت الحمام .جدرانو مصبوغة
بالمون البني الغامق .انقبض صدري وأنا داخمو .قطرات دماء متناثرة عمى أبواب
alk
الحمامات .اإلضاءة كانت خافتة تثير الخوف في النفس .قضيت حاجتي بسرعة.
أمرني الجندي أن أمؤل اإلناء بالماء ألستعممو في مسكني الجديد .فعمت ما إن
دخمت زنزانتي حتى استمقيت عمى األرض متعباً منيك القوى.
-اإلفطار.
قذف لي الجندي قطعة خبز مع أشياء لم أتبينيا ولكن من أين تقبل النفس
بالطعام .عافتو ،تركتو كما ىو .لم أكن أدخن في تمك الفترة ،واال لكانت أيامي
w.
-اذىب.
- 58 -
www.alkottob.com
m
ذىبت .كنت أعتقد أن زنزانتي الصغيرة ىي السجن ،وسأمكث فييا طويالً.
وجدت نفسي بين مجموعة من المساجين في حجرة واسعة .وجوىيم ليست
متجيمة كما أنا .اعتادوا عمى السجن ،فتكيفت أحاسيسيم بو.
o
-من أنت؟ سألني أحدىم.
-يوسف.
b.c
-ىل اعترفت؟!
-بماذا؟
-إذن ال تتكمم عن شيء ىنا.
صمت .طال صمتي .كنت أستمع إلى خميل أبو خديجة وىو يتحدث عن
السرية وعدم الثرثرة واالنضباط.
أوالً.
وىا نحن نطالب بالعمل .شعر خميل بمقدار حماسنا .أراد أن يرجعنا إلى
أرض الواقع.
-عميكم بالتدريب أوالً ،كما عميكم أن تتعمموا الكثير ثم تبدؤون بالعمل.
نبدأ العمل حقاً؟! بدأنا نرتشف القيوة التي قدميا لنا خميل .أشعمت لفافة تبغ
قدميا لي فاروق .قررت عمى أثرىا أن أشتري بعضاً من المفائف .تسممنا خارج
w.
مر صالح الدين وفي ىذه البقعة نزل عمر بن الخطاب عن راحمتو
من ىنا ّ
- 59 -
www.alkottob.com
m
وركب خادمو مفاتيح القدس يتسمميا عمر ال خوف عميكم اليوم عمر كنيسة
القيامة رفض أن يصمي فييا المسجد العمري باب العامود حي المغاربة القدس
ىدية سيمة عاصمتنا عاصمتيم ال بأس إلى حين سأصمي في القدس واال فنحن
o
معتادون عمى التمر والمبن قتموه وغاده زىرة يصعب قطفيا إنيا كل شيء سقطت
القدس غاده لن تسقط حائط المبكى النبي سميمان إلى حين متى إلى حين متى
ىذا الحين ال أعرف غادة تعرف وسنعرف جميعاً الصخرة آثار قدم الرسول العظيم
b.c
أنو آخر األنبياء آه لكننا حاربناك بشراسة تشعر بالرىبة وأنت بداخمو آال يشعرون
بالرىبة عندما يفكرون أنيم فقدوه بائع عمى الرصيف كم ثمن ىذا القميص ال
يمزمني عمبة لفائف أشعل فاروق واحدة وىكذا فعل عبد الكريم وأنا وضعتيا في
جيبي أصبحت مدخناً ال بأس القدس وعمر ثم صالح الدين لبيك ال تبتئس إلى
حين ىشام بن عبد الممك مسجداً يتسع آلالف المصمين إنو األقصى في القدس
من ىنا صعد الرسول الكريم إلى العال عاصمتيم إلى حين ذيبو رأس دبوس ال
o
يتوقف عن وخز جسدك تائو في شوارع ضيقة إنيا شوارع القدس.
أوقفت فتاة جميمة فاروق .كممتو بمغة ال يتقنيا .ردد بعض الكممات
ott
باإلنجميزية .أوىميا أنو قدم حديثاً إلى المدينة .وضعت يدىا في يده .إنيا اآلخر
الذي نخشاه .أشار لنا بعينو أن غادرا .لم نفعل.
-ىيا يا فاروق .صاح عبد الكريم.
التفتت إلينا .اكتشفت المعبة .صاحت بكممات ال نعرفيا .قفز فاروق ىارباً.
التحق بنا .حثثنا الخطى ثم توارينا عن األنظار.
alk
ذيب أن يشتري لي واحداً يوم قبمت في كمية بير زيت .تحطمت القضبان وىا أنت
- 61 -
www.alkottob.com
m
ذا وحدك ،تممك قرارك .حقاً دنيا اهلل الواسعة .الكرك .خطوات وتتكئ أقدامنا عمى
أرضنا .لكن ىذه الخطوات ىي المستحيل بعينو .جاورت محمود في طريقنا خارج
السجن .لم يشتر شيئاً .ومن محطة الحافالت ركبنا في أول سيارة ذاىبة إلى
o
عمان.
سحرتني الطبيعة الجميمة ،الوديان ،المرتفعات ،األرض بنية المون ..أشجار
كثيفة تغطي بعض الجبال ،قمتيا عارية كصمعة عجوز أثقمت الشمس عمييا
b.c
فبدأت تممع.
وحدك كل ىذه األرض ممكك السيد اآلمر الناىي الطريق إلى عمان طويمة
أطمق السائق العنان لسيارتو محمود في المقعد األمامي ربما يفكر في زوجتو
وأوالده وغادة بسمة الحياة وزىرتيا ذيب جرح دام في الخاصرة ماذا ستفعل التحق
بقوات الثورة وان عاكستك الظروف ابحث لك عن منحة دراسية كنت تحمم
بالجامعة وأنت في السجن كمية الطب وسماعة الطبيب مدالة من أذنيك السيارة
o
والمفافة وغادة بجانبك والوطن ىل ستبحث لك عن وطن جديد ال يمكن شراؤه
وذيبو غصة في الحمق وقمم الحبر الذي رفض أن يعطيو لك وأىداه ألختيا مصيبة
ott
ىو في البيت اتركيو ال تزيدي عقده قال ليا وكما ترين ىا أنذا أعطي القمم الذي
طمبو ألختك أخفيو عنو ولم يدر أنني أسمع كل شيء وعندما خرج من الحجرة
ى األعصاب أنت ىنا سألني ولم أجبو وجدني مكوماً أماميا محطم النفس ميتر ْ
تاىت نفسي بين األمل والضياع عمان تنتظرك وكيف السبيل إلى اإللتقاء بغادة
ستفعل ىي األيام التي تقرر عمان أمنية تتحقق عمى طريقة القدر أبعدوك إلييا
alk
وىا أنت تحتضنيا بذراعيك ىي تفعل ذلك المنازل المتناثرة تمفت النظر ماذا يعمل
أصحابيا في ىذه األرض المسحوقة ولم تسأل.
-ىا نحن عمى مدخل عمان .قال السائق.
البدايات ليست مشجعة .عاصمة وىذا مدخميا؟ انتظر حتى تغوص في قمب
المدينة ..كيف كنت تتصورىا؟ كما األفالم؟؟ دائماً تقبع في أحالمك ..حتى
غادة ..جزء من ىذه األحالم .تريدىا كما صورتيا أحالمك ..ىي كذلك .تحدثيا
w.
يتردد صداىا في داخمي ،وأنا موزع بين األمل والعدمية .رجوت األحالم أن
- 60 -
www.alkottob.com
m
تتحقق ..انتظرت ..أسقطت نظرة عمى الغيوم المضيئة .تنسل منيا قطرات الندى.
-ىيا .قالت.
نظرت إلى مجموعة أشجار بالقرب منا .أوراقيا الخضراء تتكاثر .تجمعت
o
العصافير فوقيا .غردت بأعذب األلحان .أزىرت الورود .الشعر الناعم المتساقط
عمى الجبية البرونزية ارتعش من السعادة .ىيا ..ىل كنت مستعداً لذلك؟ أظنني.
b.c
فقد عمى مصروفي الشيري من الكمية ..ىيا ..يا نسمة رقيقة حركت الحياة الراكدة
في أجزائي ..ىيا ..ما بعد البدايات ...ىيا ..الجرح النازف في النفس الممتاعة بدأ
يبرأ ..ىيا ..لنبدأ من جديد.
جاورتيا .تسممنا من باب الكمية .انبثقت كوردة تتفتح .الدكتورة نيمو ..نيمو
القدسي التي أضفت عمى محاضرات المغة نسمة من تمك التي تؤجج األحاسيس.
-إلى أين؟!
تحتضنيا .الحياة تتبسم ..إي واهلل إنيا تبتسم .أنيل من رحيقيا أييا المتعطش أبداً
لمسعادة .أسبح في مياىيا الدافئة .اترك مشاعرك تتحرك.
-ومن غير الدكتورة نيمة ينثر الورد في طريقنا.
قمت ،وال أعرف من أين أتتني الجرأة ألقول ما أقول .كما أن الكممات تدفقت
من بين شفتي بال تردد .ابتسمت الدكتورة نيمو ،وىكذا فعمت غادة .اقتربت من
w.
نافذة السيارة وغادة بجانبي .سبحت في أطياف من الرائحة الزكية القادمة من
االثنتين .سحرتني المحظة .ومنيا التصقت بي الشجاعة والرقة معاً.
-إذن انتظ ار دقائق حتى يحضر زوجي ونذىب معاً.
-سنسير عمى األقدام حتى تمحقا بنا.
ww
-ال بأس.
- 62 -
www.alkottob.com
m
ابتعدنا قميالً .لمحتيا وىي تغمرني بنظراتيا .تيت في أجوائيا .انعدمت المغة.
تحدثت روحي.
-ىا أنت ذا تقول كالماً جميالً.
o
قالت .أحسست بنظرات اإلطراء في صوتيا فتاىت روحي .تجولت بين
أحاسيسي .انعدمت األشياء داخمي إالّ صوتيا .شعرىا فاحم السواد ينساب عمى
b.c
كتفييا ويخفي جبيتيا.
-أو تعتقدين إنني ممموء باليموم فقط؟!
-لم أكن أعرف أنك كتمة من األحاسيس والمشاعر.
كنت أشعر بيا .وىا ىي تنتثر أمامي.
-المحظة طاغية .أنستني ذاتي .أنت يا غادة..
o
ثم صمت .كرىت أن أحول أفكاري إلى كممات .أرغب أن أتركيا تتحدث
وحدىا .ظني أن غادة أحست بذلك.
-ىا أنت تعود أنت.
ott
فمسفة راقية ىذه .أنت تعود أنت .رددت كمماتيا بصمت .استولت عمي كمياً.
استسممت .ما أروع أن تستسمم لمن تحب!! تحولت إلى كم ىائل من األحاسيس
الغارقة في بحر ىادئ من السعادة الشفافة.
-ذكاؤك ّسر جمالك ،ربما جمالك ّسر ذكائك.
alk
توقفت بجانبنا .احتوانا المقعد الخمفي لمسيارة .صمت .غادة صمتت .الدكتورة
وزوجيا صمتا .كل شيء صامت .انسابت السيارة في الطريق المنزلق من أعمى
الجبل .الجمال كمو تجسد في الطبيعة الجبمية لبير زيت .كما أنو بجانبي وأمامي.
ما أروع أن تحتضن الجبال بعينيك وأحاسيسك.
-ما رأيكما في زيارة قصيرة لمنزلنا؟ قالت الدكتورة نيمو.
ww
- 63 -
www.alkottob.com
m
-وىي فرصة لنتحدث معاً .قال زوجيا.
-ال نريد أن نتأخر كثي اًر .قمت.
-إذن مرة أخرى .قالت الدكتورة.
o
مسك تيار كيربائي خفيف
ّ نزلنا في وسط المدينة .التقت يدانا فتشابكتا .ىل
يدغدغ أجزاءك كميا؟ ىذا حدث لي .تنقمنا من شارع إلي آخر .تجولنا في عيون
b.c
الناس ومعالم المدينة .تركت الصمت يتمدد بيننا .إنيا المغة العذبة التي تعشقيا
النفس .تسمل الزمن رغم إرادتنا .مالت الشمس إلى الغروب .تطاولت ظالل
المنازل .لم نشعر بيا .بالقرب من مطعم تائو في أحد األزقة توقفنا.
-سندويشتان من الفالفل.
-وزجاجتا كوكاكوال .قالت غادة.
قابمتيا عمى طاولة متواضعة .نظرت إلى وجييا المكسو بغيوم توشك أن
o
تمقي بأثقاليا عمى األرض .أعشق المطر والغيوم التي تحممو.
-أما كان عمينا أن نمبي دعوة الدكتورة؟ غردت.
ott
-وأترك ىذه المحظة تتدحرج من يدي.
-أوتعتبرىا لحظة؟!
-وما العمر غير لحظات أنت ىي.
-كنت أحس بما في عقمك.
alk
www.alkottob.com
m
-ىي كذلك .قالت.
اصطحبت يدىا .أصابعيا بين يدي .قطرات ندى تكثفت في صباح يوم بارد.
تسممت البرودة إلى جسدي .تيت في ىذه الدنيا .دنياي بعيداً عن ذيبو .في
o
لحظات كنا داخل حافمة في طريقنا إلى بير زيت.
ىا ىي عمان .مكفيرة ومحطمة األوصال .تتأوه من األلم والرغبة .ساكنة
b.c
كطفل أنبتو والدتو عندما أخطأ .إنيا تتعذب .دموعيا سالت عمى خدييا فرسمت
شوارع ضيقة تعج بالناس الميمومين .عمان األمنية واالنطالق .ال أراك مرحبة .ال
تتسرع في الحكم عمييا .إنيا تظير خالف ما تبطن .الزىور تحتاج لمماء حتى
تتفتح .لعميا في لحظة والدة ...بعدىا تنطمق من جديد .إنيا فاعمة .نزلنا من
السيارة .محمود وأنا وبعض الرفاق .وفي أحد المكاتب المنتشرة في خاصرة المدينة
صاحبنا رجل مرحباً بنا إلى فندق مجاور.
o
فندق الخيام .شاركني محمود النجار الحجرة .نعم الرفقة .قمت :ما أن
استقرينا داخميا حتى تخمصت من مالبسي .أخذت حماماً دافئاً ثم استمقيت عمى
السرير استسممت لنوم عميق .ظني أن محمود فعل ذلك أيضاً.
ott
alk
w.
ww
- 65 -
www.alkottob.com
o m
-6-
b.c
عندما رأيتو قادماً ازداد انكماشي في ذاتي .تسممت من رأسيا إلى أسفل ،إلى
الحصن المنيع الذي فيو لن تطالني يد .مع تدافعي المست أطرافي معظم
أحشائيا .تألمت وصرخت .ىذا الصراخ وسط الدجى يثيرني ويثيره .اختبأت في
زاويتي المفضمة .ىدأت حركتي .ضغطت جسدي ألحتل أضيق مساحة منيا.
أردت أن أريحيا وأريحو .بدأ الخوف الذي سببو لي يتسرب مني .نظراتو الحانية
o
عمييا وعمي أدخمت السكينة إلى نفسي .بدأت أتأممو من جديد .ىذا الرجل قوي
الشكيمة وصمب المالمح يتحول إلى كتمة من األحاسيس المرتجفة تنتشر في
أرواحنا .ىي وأنا .أحببتو .أحببت خوفو عمييا .وىو في خوفو عمييا كان حقاً
ott
خائفاً عمي .يوسف الياللي!! ىذا من سأدعوه أبي .كممة انفمتت من بين شفتي
كثي اًر دون أن يسمعيا ىو .وعندما بدأت أطمقيا في الفضاء الالمنتيي ،لم يسمعيا
ىو .نسيتيا.
-كيف حدث ىذا؟ سألتو.
-ال تستعجل األحداث .انتظر.
alk
يا ليذه الكممة المنطمقة أبداً منو ومنيا" .انتظر!!" حياتيم كميا انتظار .قمت
لنفسي .عمى أي حال سأنتظر .لكنو أثار اىتمامي بقضية األب .كيف نسي تمك
الكممة؟! اآلن فقط بدأت أحس بمعاناتو.
-حان الوقت وآن لك أن تنطمق .قالت:
رغم ليفتي عمى الخروج إلى المكان األوسع إال أن األمر ىالني .سأتركيا؟!
w.
ثم ماذا بعد؟! ستكون بجانبي .ىذا ما قمتو لي .الفرصة أمامك اآلن .انظر إلييا
من الداخل .إنيا مفرودة أمامك وأنت حر الحركة .فعمت .أول ما لفت انتباىي ىو
قمبيا الممموء بالمحبة.
-كيف عرفت ذلك؟! سألتو.
ww
-مرة أخرى تعود لؤلسئمة التي ال إجابة عمييا .أنت تعرف أنني تحسست
- 66 -
www.alkottob.com
m
قمبيا .لم أستطع أن أسبح داخمو .لكنو بدا صغي اًر ،وعندما المستو بدأت جزيئات
المحبة تنتثر حولو وتغمرني .حباليا الصوتية التي دفعتيا بإصبع قدمي دقيقة
ومتناسقة .صوتيا نغمة ساحرة سابحة بين األرواح اليائمة .أما عقميا ،فممموء
o
باألفكار الزاىية .ال يحمل تمك األفكار الفاسدة التي تمؤل كثي اًر من العقول
المعطوبة .بشرتيا من الداخل تميل إلى المون البني .جدرانيا نحيمة وقوتيا في
نحوليا .استغرقني التدقيق في داخميا وقتاً طويالً ،حتى أنني تناسيت من حوليا.
b.c
تركتيا مستمقية في فراشيا وأخذت أنظر حوليا .تمك المرأة النحيفة يقولون أن
اسميا سكيبو ىي من سيتولى ميمة اقتالعي من حصني وقذفي بين جمرات النار
ألخطو خطواتي األولى في طريق عذابي .أما الياللي الكبير فقد اقترب منيا.
قدر مدى آالميا ،فتدفقت مشاعره.انحنى عمييا .أمسك بيدىا بين يديو .ويبدو أنو ّ
-سعدى!
نظرت إليو نظرة خافتة ،محبة وممتنة .تسربت إليو ،فازداد خفقان قمبو.
o
-االنتظار يا سعدى ،أممي أال يطول .بعدىا سترتاحين.
ماذا يعني ىذا الياللي الكبير؟! وىل تنبأ بما قد يحدث؟! أبعد ىذا الخاطر
ott
عنك .قا ل الكممة بحنان زائد .مؤلىا بكل محبتو ليا .كانت قوية وىو يحب القوة.
طريقيا مستقيمة وىو يحب الطريق المستقيم .ضغط عمى يدىا ،فتسممت أحاسيسيا
إلى يده.
-يوسف..
رجعت من شرودي إلييا .أجبتيا بمحبة تضاىي محبتو ليا .دارت بيدىا
alk
حولي .ليس أنت يا قمبي .إنني أريد يوسف الكبير .ىو بجانبك ويمسك بيدك .قمت
ليا.
-يوسف ..نادتو مرة أخرى.
-أنا بجانبك.
-عبيد في طريقو إلينا..
w.
-تقصدين يوسف.
-سمو ما شئت ،لكنني سأدعوه عبيد.
-نحن في انتظاره.
-ىو أمانة في عنقك!!
ww
- 67 -
www.alkottob.com
m
يا رب السموات واألرض ،ىذه السعدى ..عرفت اسميا .ألم تسمعو
يخاطبيا؟! ما الذي تفكر ىي فيو؟! أمانة في عنقو ،وذيب يمبي احتياجاتي ..وأنت
يا سعدى ،ماذا سيحدث لك؟! انتفضت من الفكرة الحزينة ،تقافزت في كل أنحائيا،
o
فصرخت صرخة قوية مدوية .انتفض ليا الياللي الكبير ،فصرخ في سكيبو أن
تبدأ العمل.
-ىيا اخرج .قالت سكيبو.
b.c
-لن أخرج .قال.
-ال تكن عنيداً.
خرج .خطواتو تائية ،بطيئة ومتعرجة .التفاتاتو لمخمف كانت أضعاف
خطواتو .وعندما وصل الباب أمسك بو .استدار.
-سعدى ..اهلل معك ولن ينسانا.
o
تجاىمت سكيبو ،وبقيت معيا وحدي .تمددت بقدر ما سمحت ىي لي.
ىذه ىي بداية معرفتي باالسترخاء .أخذت عيناي وقتاً أطول مما اعتادتا
ott
لتنفضا جفونيا وتدوران ببطء في ساحتييما الثمجيتين .أبقيت عمى جسدي مسترخياً
في الفراش الوثير الذي داعب أطرافي لممرة األولى منذ سنوات .ال زال محمود
نائماً .ربما مسترخياً مغمض الجفنين مثمي .مددت يدي إلى عمبة سجائري
وسحبت لفافة أخذت أدخنيا باستمتاع .لقد أصبحت مدخناً شرىاً .أدخمت كماً من
الدخان إلى رئتي ..أبقيتو لحظة ،ثم أطمقت سراحو ببطء .تابعتو وىو يتصاعد إلى
alk
سقف الحجرة .تأممت أفكاري!! ما أسيل انتقاليا .تتقافز كضفدع حول بركة من
المياه الراكدة.
سجن رام اهلل الذي لم نمكث فيو سوى أسابيع قميمة كان أفضل السجون بعدىا
إلى سجن نابمس المركزي كان إسطبالً لخيول الجنود األتراك قال لي النابمسيون
الذين التقيتيم فيو مازن العكر وحسين الحداد وماىر نسيت اسم عائمتو وكان ىناك
تيسير شاىين أيضاً ماذا حدث لكل ىؤالء األصدقاء ال أعرف كنت عنيداً أكره
w.
االندالق عمى اآلخرين أدافع عن حقي بشراسة كان ذلك في ليمة رمضانية وكنت
يحضر
ّ سيحضر طعام السحور ألفراد مجموعتي وكان سامر النابمسيّ أنا من
لمجموعتو حاول أن يأخذ دوري رفضت تيسير في مجموعتنا وماذا في ذلك دعني
أستعمل الموقد أوالً ال لن تفعل إنو تيسير ومن ىذا التيسير صحا عمى صراخنا
عرف القصة أتركو أوالً قال لسامر ومنذ تمك الحادثة أصبح ال يرتاح لي وعندما
ww
- 68 -
www.alkottob.com
m
نقموني إلى حجرة أخرى عتبت عمى تيسير ألنو لم يعترض أرسل لي قائالً انتظر
انتظرت وحفظ كممتو رجعت إلى الحجرة ويوم ازرنا ممثمو الصميب األحمر طمب
رفيقي
ّ منا أن ال نتكمم معيم احتجاجاً حاولت كسر القرار نيرني بشدة عرفت أن
o
عادل ومحمد طمبا من ممثمي الصميب األحمر ان ينقموا زوارىم من غزة إلى نابمس
ولم ينسني الرفيقان زيارتو األولى في نابمس وكنت قد أوقفت سنة بدون محاكمة
فمم تكن ىناك قضية ضدي أخبرتو بذلك لم يعمق كان األلم يرتسم عمى وجيو
b.c
أحسست بو كانت ىديتو بعضاً من البرتقال خجمت أمام رفاقي لكنيم قدروا ذلك
مكثفاً عدة أشير ىناك ثم انتقمنا إلى سجن غزة كنا ثالثة في سيارة عسكرية
وجندي حراسة في المقدمة أوثقوا أيدينا بسالسل من الحديد ثم وضعوا عصابات
عمى أعيننا حتى ال نرى شيئاً وفي الطريق تج أر عادل وأرخى العصابة عن عينيو
ىمس بصمت ال أحد ىنا فعمت أنا مثمو وكذلك محمد وأخذنا بمناظر بمدنا الجميمة
الخضرة مترامية األطراف وفجأة توقفت السيارة ونزل جندي استدار بسرعة إلى
o
الخمف فمحظ أن عصابة عادل مدالة أسفل عينيو فكان نصيبو عدة لطمات عمى
وجيو أخذنا نضحك كثي اًر بعد أن تابعت السيارة سيرىا لم نقتنع وأرخيت العصابة
مرة أخرى فارتسمت مناظر بالدي الجميمة في الذاكرة الحية.
ott
-يوسف.
-صباح الخير يا محمود.
-صحوت مبك اًر.
-ال أعتقد ذلك.
alk
نزلنا إلى الطابق األرضي من الفندق .تناولنا طعام اإلفطار معاً .ثم أخذنا
ندخن ونرتشف القيوة بتمذذ .دخل رجل وسيم وتكمم مع الموظف الجالس في
الفندق .أشار إلينا فاتجو الرجل إلى حيث كنا.
-أىالً بالرفاق ..قال.
-أىالً بكم .أجبنا.
w.
www.alkottob.com
m
-عمينا مقابمة أبي نضال ،فيو مسؤول الداخل .قال محمود.
قمت ألقابمو وبعدىا أقرر ما سأفعل .مستقبمي كمو معمق في ىذه المحظة.
وأبو نضال ىذا كان معممي في المرحمة االبتدائية .حماسو كان طاغياً .أعرفو
o
جيداً .أما نائبو أبو الرائد فيو أيضاً كان مدرساً في المدرسة الثانوية بجباليا ومن
سكان مخيمنا .المقاء المحظة ،بعده ربما يتضح شيء من الصورة .حان الوقت.
حجرة مؤثثو جيداً نظرت إلى االثنين عندما فتح الباب .يمبسان جيداً .ال بأس إنيما
b.c
ثائران .لكن ال يبدو عمييما غبار الثورة.
-يوسف الياللي.
تقدمت .حارس بالباب .ال بد من الحذر .فأنت في مكتب ثوار .تفحصني
جيداً .غرز نظراتو في جوانب شتى من جسدي.
-أجمس.
o
-كم مكثت في السجن يا يوسف؟! سألني أبو نضال.
جمست.
ott
-ثمانية عشر شي اًر .قمت.
تمتم لمحظات ثم.
-يكون المبمغ الذي سنقدمو لك مائة وثمانين دينا اًر.
-عشرة دنانير عن كل شير .قال أبو الرائد.
alk
يا لمثمن الرخيص .قمت لنفسي .كل شير بعشرة دنانير .لو كانت أيام
المعاناة تحسب بيذه الطريقة ألصبحت من أصحاب الماليين .كل شير عشرة
دنانير .ثم ماذا أعمل بعد ذلك؟ عمي دخول السجن مرة أخرى ألحصل عمى
قوتي..
-وماذا أفعل بعد ذلك؟! حولت أفكاري إلى كممات.
-انتظر حتى نحصل لك عمى منحة دراسية .قال أبو نضال.
w.
- 71 -
www.alkottob.com
m
-سننظم لك وضعاً .قال:
وبعد أيام صادفت أبا الرائد في المكتب .أشار لي بعينو أن أتبعو .فعمت وبعد
لحظات لحق بنا رجل طويل القامة وسيم القسمات.
o
-ىذا ىو أبو خميل ،مسؤولك التنظيمي .رتب معو أوضاعك .ثم غادرنا.
-يا رفيق يوسف متى يالئمك حتى نجتمع أسبوعياً؟
b.c
-ال عمل لي ،فالوقت المناسب لك ىو مناسب لي.
-صباح كل يوم اثنين .أيناسبك؟!
-ال بأس.
ومر األسبوع األول ،ثم ذىبت يوم االثنين صباحاً إلى منزلو الذي وصفو لي.
ّ
ولم أجده .قمت لعمو في ميمة .وفي االثنين التالي خرج لي بمالبس النوم .واعتذر
o
أنو لم ينم .قمت في نفسي يا سبحان اهلل ..ىذا ىو العمل واال فال! لم ينم ..وماذا
كنت تعمل طوال الميل .تمزقت كل أحالمي ..وحيد مرة أخرى وال قدرة لدي لعمل
شيء .تتطاول القضبان أمامك .حاول أن تقتمعيا!! كمما اقتمعت أحدىا برز مكانو
ott
اثنان .يا لقسوة الواقع .اتجيت أفكاري منحى آخر .ال فائدة في مثل ىؤالء الناس.
-أليس ذاك الرجل ىو األستاذ عزيز قدوره.
سألت عبد الكريم عندما مررنا أمام المبنى األمامي من معيد المعممين برام
اهلل.
-إنو ىو.
alk
ذىبنا إليو وسنوات المدرسة االبتدائية تالحقنا ،فيو معممنا في الصف الرابع
والخامس االبتدائي ..وابن مخيمنا وجار لنا.
-أستاذ عزيز ..وصافحناه بح اررة.
-ماذا تعمالن ىنا؟! سألنا.
-نحن في بعثة دراسية إلى بير زيت.
w.
- 70 -
www.alkottob.com
m
-سنغادر رام اهلل غداً فنحن في دورة تعميمية انتيت ىذا اليوم.
راقت لي الفكرة .وأظنيا راقت كذلك لعبد الكريم .وفي صباح يوم الجمعة كنا
أمام المعيد بحقائبنا ننتظر قدوم الحافمة .رحمة مجانية ال يمكن مقاومتيا .حاولت
o
غاده في مساء اليوم السابق أن تثنيني عن المغادرة لكنيا لم تفمح.
-اكتشفت فيك العناد ..صفة ال أحبيا كثي اًر.
b.c
قالت بدالل.
-إنو ليس عناداً.
-ماذا تسميو إذاً؟!
-اإلصرار عمى تحقيق اليدف.
زاد اتساع عينييا .تبسمت قسمات وجييا ،وأوشكت الغيوم السوداء أن تسقط
األستاذ عزيز وبعض المدرسين الذين عممونا في المدرسة االبتدائية .لم يعترض
السائق .اخترقت الحافمة الشارع الرئيسي لرام اهلل ومن ثم إلى القدس .مررنا بالقدس
القديمة ثم الجديدة .الفرق واضح بينيما .وذلك الطريق الذي كانوا يعممون فيو عند
قدومنا إلى رام اهلل قبل ثالثة أسابيع انتيوا منو .يا لسرعة العمل.
-ىل الحظت؟! ..سألني عبد الكريم.
w.
- 72 -
www.alkottob.com
m
يا اهلل حطمنا ليم عرباتيم ومع ذلك حطموا لنا رؤوسنا وماذا فعمت سبعة
جيوش عربية خرجنا كالنعاج المرعوبة ذيبو جرح ال يندمل أيام وتعودون وطالت
األيام ولم نعد يا رازق الطير في السماء والسمك في البحر أين نحن القسطل ما
o
أجمميا من بقعة ال مثيل ليا واهلل تائو أنا بال ىويو وجباليا مخيمك ودير سنيد
الحقيقة الضائعة.
صحوت عمى صوت األستاذ عزيز ..يا ىاللي ..يا ىاللي ..ىذه ىي دير
b.c
سنيد ..الصدمة التائية ..دير سنيد ..ىنا ركض والدك خمف ذلك الرجل الذي
سرقو .ىنا زرع أخوك نايف أشجار التين والعنب .وىناك حمبت والدتك بقرتيا
وبعدىا ماتت حسرة عمييا .وفي ذلك البستان أجمس عمك بعض المصوص عمى
الشوك عقاباً ليم .دير سنيد! يا أمالً ضائعاً وحقيقة يصعب الوصول إلييا.
-نحن في الطريق ..لكزني عبد الكريم.
o
-آه .نحن حقاً في الطريق .أظنو طويالً.
-الميم أننا في الطريق.
-نعم ىذا ىو الميم.
ott
رجعت إلى الفندق الذي أعيش فيو مع محمود بعد أن تحطمت أحالمي عمى
باب مسئولي الذي لم ينم طيمة ليمة أمس .مضى شير دون أن أجمس معو جمسة
عمل .وجدت محمود أمام الفندق يمعب الورق .جمست بجانبو ،ثم شاركتو ورفاقو.
دخنت كثي اًر من المفافات وأمضيت وقتاً طويالً كان يجب أن أقضيو مع أبي خميل.
ثم حان وقت الغداء ذىبنا إلى مطعم مجاور.
alk
-محمود.
-ما خطبك؟!
-أريد أن أرحل عن الفندق.
-إلى أين؟!
w.
-نستأجر منزالً.
-عين العقل.
-أوتشاركني؟!
-بالتأكيد.
ww
وفي جبل المريخ وجدنا منزالً متواضعاً ،استأجرناه بسرعة .اشترينا ما تيسر
- 73 -
www.alkottob.com
m
من األثاث .بعد مدة انضم إلينا شخص ثالث ىو عاطف أبو ندى .عشنا حيناً من
الدىر ال يعكر صفونا شيء.
بدأت الدراسة في مدارس األردن .اشتاقت نفسي إلى الكتاب ،وبعد تفكير
o
عميق ،قررت أن ألتحق بأحد المدارس الثانوية الخاصة في عمان .ولقد كان سيالً
أن نمتحق بيا ،عاطف أبو ندى وأنا ..لكن المشكمة كانت الرسوم المدرسية.
b.c
ذىبنا معاً إلى مكتب منظمة التحرير .تنقمنا من مكتب إلى آخر نسأل عن
كيفية الحصول عمى رسوم المدرسة .مكثنا طويالً .تسمل اليأس إلينا.
-ال فائدة .قمت لعاطف.
-سنتدبر أمرنا .قال.
واستدارت رؤوسنا في الطريق لمخروج من دىيمز المكاتب المنتشرة في ىذا
المبنى الجديد .وعمى باب أحدىا صاح أحدىم أن انتظرا.
o
التفتنا إلى الداخل فأشار لنا رجل يجمس عمى مقعد وثير أن أدخال ،فدخمنا.
-أنت ابن اسماعيل أبو ندى؟ وجو سؤالو إلى عاطف.
ott
-نعم.
-أىالً بك .كيف حالك وحال والدك؟ وماذا تفعل ىنا؟
-أنا مبعد .قال عاطف.
نظر الرجل إلي ،فعرفت أنو يستجوبني.
alk
دينا اًر لكل منيم ".ىذه اآلفة القذرة تعشش ىنا في مكاتب يجب أن تكون نظيفة .لو
- 74 -
www.alkottob.com
m
لم يتعرف عمى عاطف ووالده لما كنا حصمنا عمى شيء .زاد من قناعتي بمتابعة
دراستي.
استممت العشر ليرات من محاسب الكمية .ىي كل ما أممك .ذىبت وغادة إلى
o
رام اهلل ،تمك الرحمة الغارقة في قاع الذاكرة .بعد الرحمة أفمست تماماً .جمست في
فناء الكمية شارداً أغوص في ذكرياتي وأحاول أن أتدبر األمر .فاجأني عبد الكريم
وأنا أسمم ما أممك من نقود لذيب.
b.c
-أظن أن اليموم تداعبك؟! قال.
-ىي كذلك.
-ىل تممك نقوداً؟!
-أنفقتيا مساء أمس.
-كيف؟
تعرف كيف تتسرب إلى أيدي اآلخرين .تراخت الفكرة في رأسي .لن أدفع رسوم
المدرسة ولن أدخميا .سأحتفظ بالنقود لنفسي .لماذا؟ ال أعرف..
كان محمود قد عاد مبك اًر من أحد معسكرات الثورة الذي بدأ يعمل فيو كفدائي
متفرغ .جيز طعام الغداء وأخذ يدخن منتظ اًر وصولنا .تفحصنا جيداً ونحن ندخل.
الحظ أساريرنا المنبسطة.
w.
- 75 -
www.alkottob.com
m
مرة عندما بدأنا نعدد األخطاء .خطأ عن خطأ يفرق .ربما حساسيتي الزائدة تضخم
لي األخطاء .لم أرد أن أنزل وأفكاره إلى أسفل السمم" .ىي الخالص مما نحن
فيو" .قال مرة أخرى .وىي فعالً كذلك .لكن العفن يتسمل إلييا.
o
وجبة شيية تمك التي تناولناىا معاً .الفاصولياء البيضاء التي عشقتيا منذ
بدأت أتذوق الطعام .ال نشترييا ،لكنا نحصل عمييا من وكالة الغوث .ومحمود
ماىر في الطبخ .استمقى كل منا عمى سريره .وعصر ذلك اليوم صحونا مبك اًر.
b.c
ذىب محمود إلى قاعدتو وبقينا أنا وعاطف ندخن المفائف ونشرب الشاي.
-سأذىب إلى منزل قريب لي .قال عاطف.
-رافقتك السالمة.
أوترافقني؟! سألني.
-ال رغبة لي في المغادرة.
o
تركني وذىب .ىا أنت ذا تذوب في ذاتك مرة أخرى قل مرات أعشق ىذه
الوحدة دروبيا متنوعة أسرح وذاتي في دنيا اهلل ال ذيبو تنغص عيشتي وال ذيب
ott
يسمبك نقودك ال ينتقدك أحد تممك كل ما تريد وتتمتع بما تريد تتوه النفس في ثنايا
األزقة المتشعبة وأنت تحمم وتحمم وتحقق آمالك بعيداً عن القضبان لكنيا ال تمبث
أن تعود قاسية مغروزة في أرض صمبة وال قدره لديك عمى اقتالعيا أذكرىا جيداً
كما أنت اآلن وحيداً تجمس بجانب سياج أحد المنازل المقذوفة في طرف المخيم
مسموب اإلرادة تتألم أمعاؤك من فراغيا تحاكي الطعام البعيد عن متناول يدك لن
تسمح لك ذيبو بتناول شيء منو إال وقت الغداء ولقد أبطئ الزمن سيره امتدت يدك
alk
إلى قطعة جمدية ممقاة بجانبك تحسستيا طرية قمبتيا بين يديك مرت بجانبك امرأة
بدوية ال بد وأنيا تفحصتك جيداً وقرأت ما يدور في عقمك "كميا" قالت بخشونة لو
أنيا تؤكل لفعمت لم أتكمم "كميا" قالت مرة أخرى حرقت الشمس قدمي .انحسر
الظل عني .ألذىب إلى منزل أخي اآلخر كانوا يتناولون طعام الغداء عدس
مطبوخ لكنو شيي.
w.
وبعد لحظات انتيوا من تناول غدائيم .بقي بعض منو .اندفعت إليو .قذفتو
- 76 -
www.alkottob.com
m
لتمك األمعاء اليائجة راجياً أن يكون كافياً إلسكاتيا.
-لقد دعوناك ورفضت.
-لم تكن لدي رغبة ،لكني كرىت أن تبقى بقايا الطعام في اإلناء .وواقع
o
الحال أنني رغبت عن تناول شيء سأحرميم منو.
حشرت جسدي في قميص وسروال جديدين .سرحت شعري ودسست عمبة
b.c
لفائف في جيب قميصي وخرجت .لم يكن لدي ىدف محدد .فقط أريد أن أمارس
وحدتي بين الناس وفي شوارع عمان .قادتني قدماي إلى مكتب الجبية .لم أقاوم
رغبتيا في الذىاب إلى ىناك .أترك ليا حرية القرار .ألغي عقمي .ليتني تعممت
قدمي .وصمت إلى ىناك .مجموعة من الرفاق مكومة في ّ كيف أدوس عمى قرار
أحد الحجرات .جمست بينيم .الحارس أحد المبعدين وىو يعرفني جيداً .كان رفيقاً
لي في أحد السجون .لم أرتح لنظراتو" .ربما ىاجت عميو ذكرى زوجتو وأوالده،
o
فتجيمت أساريره "قمت في نفسي وتابعت حديثي مع أحدىم.
-من ال عمل لو فميغادر المكتب .قال بصوت جيوري غاضب.
لم أحرك ساكناً .لكنني غرست نظراتي في وجيو .أظنيا اخترقتو ووصمت
ott
إلى مركز تفكيره.
-أنت يا يوسف ال عمل لك!
لكمة مفاجئة في الوجو .اىانو صريحة أمام الجميع .كيف سترد عميو؟! لم
أترك لو فرصة االستمتاع بإىانتي .جاءه صوتي مدوياً.
alk
-ىذا مكتب الثورة ..وأنا ابن الثورة .يحق لي أن أحضر ىنا وقتما أشاء ..إنو
ردني الرفاق.
ليس مكتباً ألبيك .أتفيم؟! كنت عمى استعداد ألن أىاجمو لوال أن ّ
تماماً كما كنت تنفجر في ذيبو عندما ال تترك لك خيا اًر غير ذلك .كنت تريد
أن تصمح سرواالً لك .أخرجت كرسياً من حجرة أخيك .جمست عميو وفي يدك
السروال .بحثت عن إبرة تخيط بيا لم تجد .ذىبت إلى منزل خالتك تسأل عن
واحدة .أعطتك إياىا وعندما عدت وجدت السروال ممقى عمى األرض والكرسي
w.
- 77 -
www.alkottob.com
m
منزلنا .لقد كانت أصداء معاركنا تزور كل منزل في محيطنا ىجمت خالتي،
وعندما عرفت السبب اشتاطت غضباً "أعطو الكرسي يا بنت الكمب ..واهلل إنك
حيوانو "إنيال عمييا الجيران بالتقريع .كانت دموعي تنساب بسخاء عمى وجنتي..
o
-إنا ال أحاول طردك من المكتب ..قال الحارس.
-إذن ما معنى كالمك ىذا؟! ولماذا توجيو لي؟! صرخت بو.
b.c
وفي ىذه األثناء حضر تيسير شاىين .أعرفو .وأعرف أنو ال يرتاح لي منذ
تمك الحادثة في سجن نابمس.
-يا رفيق تيسير ..أال يحق لي أن أدخل المكتب؟!
-من قال ىذا؟!
-اسأل الحارس.
o
-أبو حسن .صرخ في الحارس .ال يحق لك أن تتكمم مع أي من الرفاق بيذا
الشكل ،أتفيم؟!
-أمرك يا رفيق..
ott
شعرت أنو أنصفني ولم يتخل عني تماماً كما حدث في سجن نابمس يوم أن
أرجعني إلى الحجرة التي كان مسجوناً فييا .ارتفعت معنوياتي ..شعرت أن ىناك
بصيصاً من األمل .انتيزت الفرصة ألشكو لو حال وضعي التنظيمي.
-يا رفيق تيسير ىا أنذا ممقى ىنا في عمان منذ شير وال وضع تنظيمي لي.
alk
-ولكن أبو خميل ىذا لم يكن عنده الوقت الكافي الستقبالي .قمت والم اررة
واأللم تالزمان كل حرف من كمماتي.
-ال بد وأن يكون لو وضع تنظيمي .قال تيسير.
-جئتك في أمر ميم .قمت.
ww
- 78 -
www.alkottob.com
m
المست الغيوم المحممة بالرائحة الفواحة الجبية الندية .تراقصت عيناىا في
أفكاري .أيقنت أن األمر ميم.
-وأنا في انتظار ذلك األمر الميم .قالت.
o
لمحظات .توقفنا أمام سرنا في شارع تحتضنو األشجار من الجانبين .صمتنا
أحد أغصانيا وقف شجرة كثيفة األوراق واألغصان .إنيا شجرة باسقة .عمى
b.c
ويستديران .ذيالىما عصفوران تأممناىما معاً .رأساىما متجاوران .لحظات
ويستديران .ذيالىما متجاوران .تأممناىما معاً .رأساىما متجاوران .لحظات
متجاوران .لحظات ويعودان إلى الوضع األول.
-ما أجمميا .قالت.
سمعنا تغريدىما .صوت عود لعازف يجمس أمامك .انسابت النغمات،
اخترقت النسمات الخريفية الباردة ،وصمتنا ونحن غارقان في عبق الرائحة المتسممة
-في البمد.
-ىي األمل.
-ىل لديك استعداد لممساىمية في صنع األمل؟! ألقيت بيدىا في أحضان
يدي .ضغطت عمييا ،استسممت لي .احتضنتني أفكارىا .إذن نحن معاً في صنع
األمل .زمردة تسير بجانبي .وردة تتفتح بفعل الندى .يتكاثف عمى الوريقات
w.
-طويمة ىي.
- 79 -
www.alkottob.com
m
.لكننا نسير ونحث الخطى-
o
b.c
o
ott
alk
w.
ww
- 81 -
www.alkottob.com
o m
-7-
b.c
ماء ساخن وسكيبو واحدى خاالتي والياللي الكبير يصحبو ذيب وذيبو كميم
تجمعوا في الحجرة الضيقة أصالً .ازدحام وخوف وقمق تكاثف في أنحاء الحجرة.
توترت األجواء .صحت دليمة من نوميا .دخمت الحجرة مرتجفة .ما الذي يحدث
ألمي؟ احتضنتيا خالتي وطمأنتيا .كنت أنظر إلييم .جميمة ىذه الدليمة .بكاؤىا
كان صادقاً .تسألني عنيا .معك كل الحق .إنيا أختي .سيكون ليا دور في تشكيل
صوب نظرتو الحارقة تمك إلى ذيبو ،فبالت عمى نفسيا .ال .ال أبالغ .ىذه حقيقة
معروفة عنو ،يعرفيا القاصي والداني في دير سنيد وبيت الىيا .كنت أتحاشى
نظراتو .في زاويتي كنت أرقبيم جميعاً .سكوني اآلني أغراىم بأن األمور ىادئة.
توددت إلييا .حرقتني قطرات العرق المتصببة منيا .كما أن سكيبو بعينيا الخبيرة
عرفت عندما رأت كمية العرق النازفة منيا أن األمور ليست عمى ما يرام.
w.
ّ
- 80 -
www.alkottob.com
m
باألخرى .تألمنا جميعاً وأخذنا نصرخ .ىي وسكيبو وأنا.
-إنو مشاكس .رأسو إلى أعمى وقدماه إلى أسفل .وىذه مشكمة.
-إنو ولد قالت والدتي.
o
-كيف عرفت؟ سألت خالتي.
-ىو من قال لي.
b.c
صمت الجميع .ظناً أن والدتي تيذي .أراحك اهلل يا سعدى .انطمقت خالتي
بالدعاء والتمتمة .استفزني شعورىم نحو والدتي .تظنان أنني جن .اكتأبت ىي.
أسرعت إلييا .أنا منكم ،أشبيكم ،ال تخافي .قمت ليا.
-كن مطيعاً وانزلق بيسر .قالت.
-ال أود أن أغادرك!
o
-لكنك ستفعل إن اآلن أو بعد حين .ألم أقل لك أنك ستقتمني إن أنت
تحامقت وبقيت حيث أنت.
-إن كان ال مفر ،فأود أن أنزلق وحدي.
ott
-ال تستطيع.
امتدت يد سكيبو مرة أخرى .كانت قوة غريبة تدفع رأسي إلى أسفل .فشمت
كل محاوالتي في المقاومة .أصبحت قدماي إلى أعمى ورأسي في طريقو لمخروج.
أمسكتو سكيبو .جذبتني .تشبثت بأجزائيا .تراجعت سحبت يدىا.
alk
البيت عارياً كما أنا اآلن ،دلقت عمى ذيبو كمية من الماء المغمي .ىربت صارخاً.
اندفع ذيب يستطمع األمر .وعندما عرف الحقيقة ،انيال عمييا بالتوبيخ والضرب.
رجعت إلييا .أصغيت ليا ،الياللي ينتظرك .سيسعد بقدومك .ال تغادرنا بسرعة
كما فعل اآلخرون .قالت بحنان .يا ليا من أم حنون .لو كان القدر يستسمم لي
ww
لبقيت وأبقيت عميك .بدأت أطرافيا ترتخي .ضغطت دقات قمبيا .تسرب الماء من
- 82 -
www.alkottob.com
m
مكمني .ارتعبت .وصمني صوتيا ضعيفاً ومتألماً.
-ىي النياية.
ال .صرخت من أعماقي .إنيا ليست كذلك.
o
-بل ىي كذلك! قالت بموعة.
سأغادرك ،حتى وأن عصتني نفسي .أرجوك ال تتركيني .أنا في طريقي
b.c
إليك .انتظري .أنت وعدت .صرخت عمى سكيبو أن ساعديني كي أخرج.
استجابت .امتدت يدىا الدقيقة إلى رأسي .تركتو ليا .لم أقاوم ولن أفعل.
-إنو يستسمم لي .قالت سكيبو.
-ساعديو .قالت خالتي.
-أنا قادم .صرخت ودفعت نفسي باتجاىيم.
o
إنو الخريف .تخمت األوراق عن أشجارىا ،فروع جرداء تخترق الفضاء .تحط
العصافير عمى تمك األغصان .ال تجد ما تبحث عنو .تغرد حزينة ثم تغادر.
حريتيا ىي الحياة .تذىب أينما تشاء كما أفعل أنا مع أفكاري .عمان أيضاً جرداء
ott
حزينة .ممتاعة .الخريف زادىا كآبة .شوارعيا مزدحمة .الوجوه متجيمة .منزلنا في
جبل المريخ يترنح من األلم واألمل .غادره محمود مبك اًر .يعتصر نفسو ليرتق
الخروق المتناثرة في جسد ترىل مبك اًر .يشكو لي أحياناً .وأسألو ،ىل من أمل؟! لن
أفقده أبداً .كان يجيب .صحوت مبك اًر ولم أجده في فراشو .تسممت إلى الصالة
ممنياً النفس أن أجده جالساً ىناك يدخن لفافة ويرتشف القيوة .لم أجده .نظرت إلى
alk
الباب ،أيقنت أنو خرج .صنعت لنفسي فنجاناً من القيوة وأخذت أدخن باستمتاع
صحا عاطف فشاركني جمستي صامتاً .وفجأة انفجر الرصاص.
-يأتي صوتو من بعيد .عمق عاطف.
-إنو كذلك .قمت.
ثم سكنت الفكرة رأسي .محمود خرج مبك اًر ىل كان عمى عمم بذلك .يأتي
w.
صوت الرصاص من موقعو .يا اهلل .كان يتوقع شيئاً .وىا ىو ىذا الشيء يحدث.
نظرت إلى عاطف فوجدتو ساىماً مفك اًر .أو يفكر بمثل ما أفكر فيو؟! انتبو
لنظرتي .حول عينيو إلى وجيي.
-أو يكون وسط ذلك الرصاص المتطاير؟! سألني.
-ىذا ما أفكر فيو.
ww
- 83 -
www.alkottob.com
m
وبسرعة اندسسنا في مالبسنا .تركنا فناجين القيوة نصف ممموءة .ىرولنا
مسرعين نحو المعسكر .غادر الناس الشوارع التجؤوا إلى منازليم .أنو الخريف.
والطيور أيضاً غادرت األشجار" .عودا إلى المنزل؟!" أتانا صوت من ال مكان.
o
"ستصطدم رأساكما ببعض الرصاصات التائية ".محمود وسط الرصاص وال بد من
الوصول إليو .تجيم وجيي .قرأني عاطف.
-أبعد ىذه السوداوية عنك يا يوسف.
b.c
كيف؟! أحس بالكارثة قبل أن تحدث .كنت أنظر إلى وجو ذيبو فأعرف إن
كنت سأقضي لحظتي بسالم أم بييجان يحطم النفس واألفكار .وىا ىي األحاسيس
السوداء تغزوني .محمود .لو زوجة وأوالد في غزة ..ينتظرونو أو ىو ينتظرىم.
طار عصفور بعد أن مكث دقائق عمى فرع شجرة جرداء .طار عالياً .تابعتو
بعيني حتى اختفى في الفضاء الواسع الغارق في المجيول .ومحمود!! أسرعنا
الخطى .عمى باب المعسكر حاول الحارس منعنا من الدخول .جادلناه لحظات ثم
o
سمح لنا .نظرت إلى السماء .لم أشاىد العصفور .طار مبتعداً عن مكان لم يجد
غايتو فيو .محمود ..أين أنت؟! صرخت من الموعة واأللم .محمود ..ىم في
ott
انتظارك .إنو شييد قال أحدىم .ىو كذلك ،لكنو ..ماذا أقول رصاصة أتت من
بعيد .استقرت في الرأس الميمومة باألفكار الثائرة.
إنو يصارع الموت .يرفض أن يتناول شيئاً من الطعام .أبو الفحم .ذلك االسم
الثاقب .مضى عدد من األيام ونحن مضربون عن الطعام .كان ذلك في سجن
عسقالن .مجاو اًر لحجرتنا كان .مصاب في معركة القوا عميو القبض أثناءىا.
alk
عممياتو أنيكت قواىم .الشتاء بأمطاره الغزيرة ،غيومو تحجب ضوء الشمس.
تخضر .ال زال صامداً .أدخموا أنبوباً ّ العصافير ترفرف فوق األشجار التي بدأت
مطاطياً إلى معدتو .دلقوا فييا بعضاً من الحميب .أصيبت المعدة .بدأت تنزف..
ومحمد األسود ممقى في ركن حجرتنا ..انعدمت حركتو .مضرب عن الطعام..
حضر جندي يرافقو أحد المسجونين الغتصاب مالبسنا القذرة .رفض محمد األسود
النيوض .اقترب منو الجندي .صرخ فيو محمود .كمب ابن كمب ..واهلل سأحطم
w.
فر الجندي ىارباً .إنو سجن عسقالن .ماذا حدث؟! تكوم الحزن في أنحاء رأسكّ .
السجن ..الطيور تتزاحم عمى األشجار الخضراء ،وفي ىيجانيا عندما فاجأىا
أحدىم ببندقيتو كتمت أنفاس أحدىا .لقد سقط .دماؤه داخمو .لم تندلق قطرة واحدة
إلى الخارج ..أبو الفحم ..وداعاً ..قاتل كثي اًر وتألم كثي اًر وصمد كثي اًر.
استممت رزمة من المنشورات .ال بد من توزيعيا في أنحاء متفرقة من رام اهلل
ww
- 84 -
www.alkottob.com
m
وبير زيت ،وأن أمكن القدس .رام اهلل تسكنيا اآلن نجمة متؤللئة تسبح في اتجاىنا.
سرت في الطريق إلى معيد المعممات .مخبأة في ثنايا معطف لبستو متعمداً.
الشتاء ببرده القارص في رام اهلل ال يمفت االنتباه لما تحممو عمى جسدك .قابمتيا
o
في نصف الطريق .ألقت الغيوم قميالً من حمميا عمى األرض .لمحتني من بعيد.
بعيني .غاصت
ّ أسرعت الخطى وفعمت ىي .تالقينا .سكنت يدىا يدي .احتضنتيا
في دفء أفكاري واستسممت لسكينتيا.
b.c
-لم أرك منذ مدة .قالت.
-كنت رفيقاً لك أثناءىا.
-أعمم ذلك..
-حقاً؟!
-ال تستغرب...
o
تابعنا سيرنا في ذلك الشارع المطوق باألشجار .أسراب من الطيور تحط
عمى األشجار المورقة .تغرد بأعذب األلحان .وتغرد ىي صامتة .باحت عيونيا
ott
ببعض أسرارىا ،فذبت في رحيقيا.
-ىل من جديد؟! سألتني.
-دائماً ىناك جديد .قمت.
-ما ىو؟!
ضغطت عمى يدىا ،فذاب الندى المتكاثف عمى أصابعيا بين أصابعي.
alk
أحسست بو .طوفان من المشاعر المغردة طاف أنحائي .كما العصافير ،أسرارىا
في أصواتيا ،قابمتنا سيارة عسكرية .حممق الجنود في وجيينا ..تممكنا الخوف.
.أحمل ما ال تحمد عقباه إن اكتشف .تجاوزتنا ال مبالية.
-ارتعشت من الخوف .عمقت.
-أرعبتني الفكرة ..قمت.
w.
-أية فكرة؟!
-أن يوقفونا..
-وماذا في ذلك؟!
جمسنا في مقيى جانبي .بدأنا نرتشف القيوة بتمذذ .أخرجت لفافة ..أشعمتيا
ww
ببطء .وعندما أرجعت عمبة لفائفي مكانيا ،أخرجت رزمة المنشورات ووضعتيا
- 85 -
www.alkottob.com
m
عمى الطاولة بال اىتمام.
-ما ىذا؟! سألت.
-الفكرة التي أرعبتني .قمت.
o
سحبت حقيبة يدىا ..تحسستيا ..لحظت غضباً مكتوماً في عينييا .وضعت
الرزمة فييا وأغمقتيا .نظرت إلى عينييا مرة أخرى .احتمت الدىشة مكان الغضب.
b.c
تركتيا لحظات.
-إنيا منشورات ..وعميك توزيعيا .قمت.
-في معيد المعممات؟! قالت.
-في أي مكان.
ودعتيا وفي النفس غصة .تابعتيا وىي تعود إلى معيد المعممات .خطواتيا
عمي أن أعود إلى بير زيت.
o
واثقة .غابت النجمة بين الغيوم المتناثرة ،وكان ّ
نزلنا من الحافمة .غزة مرة أخرى .لم نعتد الغياب عنيا كثي اًر .كان ينقصنا
فاروق .اعتذر عن مرافقتنا.
ott
-أين المستقبمون؟ سألني عبد الكريم مازحاً.
-إنيا زيارة مفاجئة .وتم إذاعة النبأ متأخ اًر.
أخذنا سيارة إلى مخيم جباليا .لم يتغير شيء .زاد تجيم الوجوه .تكاثر
األطفال في الشوارع .كانت المفاجأة لذيب وذيبو .انشرحت أساريره لرؤيتي.
alk
أويحبني؟! ما ىذا السؤال؟ سألت نفسي!! أليس ىو أخي؟! سعدت أنا لرؤيتو.
وصافحتني ذيبو مبتسمة .إنيا أيضاً تحبني .اعتادت عمى مناوشاتيا معي،
فأصبحت ال تستغني عني .وأنا اعتدت عمى مشاكساتيا .لقد صبغت حياتي بمون
ال لون لو .وىا ىي أمامي مبتسمة مرحبة.
-أىالً بك ..ولكن..
لم أتركو يكمل ،فأنا أعرفو.
w.
www.alkottob.com
m
-لم أعتد مثل ذلك العشاء .قمت..
-أنت في منزل أبي العبد..
-أنا حقاً في منزلو.
o
-أوتنام عندي؟!
-ال أظن.
b.c
أقبل يد خالي الذي حضر لمسالم عمي. وفي المنزل نيرني أخي ألنني لم ّ
لثمتيا معتذ اًر لسيوي عن فعل ذلك .دارت أحاديث لم أفيم معظميا .كنت متعباً
وما أن خرج الجميع حتى استمقيت عمى فراشي القديم ونمت نوماً عميقاً.
منتصف الميل وال قدره لدي عمى إغالق جفوني ..ومن أين لمجفون المقرحة
أن تغمق .جرح آخر يغوص في الخاصرة .دارت فناجين القيوة المرة التي عممتيا
جارة لنا عمى الحضور .كثير عددىم .الذي يعرفو والذي يعرفنا حضر لمعزاء فيو.
o
كان محبوباً من قبل الجميع تقدمنا ساعة من زمن اليوم الثاني .تفرق بعضيم ،
وآخرون آثروا أن يبقوا معنا .انتحى كل منيم جانباً وحاول أن ينام .سحبت مخدتي
ott
ووضعتيا تحت رأسي وتمددت عمى األرض المغطاة بحصيرة جديدة .دفعت جفني
لتتالقيا مع رفيقييما .بقيت عيناي يقظتين .جافاني النوم .رجوتو!! ازداد عناداً.
-سنرحل من ىذا المنزل .قمت لعاطف.
-سنفعل.
-وأشياؤه؟!
alk
-سنسمميا ليم.
-ىذا أفضل.
-سأحتفظ ببعض من كتبو .قال عاطف.
-لك ىذا .قمت.
وفي الصباح كان الرفاق كميم قد صحوا مبك اًر .وبعد دقائق تفرقوا ..حممنا
w.
أشياءه وذىبنا إلى معسكره .وىناك تركناىا وبدأنا نبحث عن منزل جديد.
تركت حرية االختيار لعاطف .القيت أشيائي في الحجرة التي تركيا لي.
أصبحت وحيداً كما الماضي .أحبيا .التصقت بي ومن العار أن أىرب منيا.
رغبت عن التمدد فوق السرير وفضمت عميو األرض .تذكرني بماضي .حركة
ww
عاطف في المنزل الجديد ال تقمقني ..يحب النظام والنظافة .طاقو ىائمة لديو
- 87 -
www.alkottob.com
m
لمعمل .أغمق باب حجرتي فأبعدت عن العالم كمو...
ال أحد يكتشف مواىبك أنت ال تساعدىم عمى ذلك صحفياً أم طبيباً ال مدرساً
ربما ميندساً تتوزع خياراتك فتفقد التركيز تائو أنت وفي المدرسة تحاول أن تمفت
o
انتباه مدرسيك نيرك أحدىم قائالً ال تثرثر كثي اًر كرىت الكالم تصمت عندما يجب
أن تتكمم وغالباً تفعل العكس وفاروق دائماً إلى جانبك تفوقت عميو مرة وتفوق
عميك مرات تحبو أنو يحبك أيضاً وعندما فاجأك وأنت جالس أمام المنزل رجوتو
b.c
أال يحرجك لكنو فعل دخل المنزل ورجوت ذيبو أن تعد بعضاً من الطعام ولقد
كانت كريمة كنت عمى وفاق معيا وتبخر اإلحراج في اليواء عندما دعاك فاروق
لمشاركتو إحدى معاركو لم تتردد يعشق صباح تمك الفتاة الجميمة يقول لك إنيا
تحبو وىي كذلك ولقد كانت معركة صعبة مع أقاربيا كان فاروق بطالً وكنت أنت
تساعده كما قصص األفالم تماماً وفي المدرسة عندما وصمتيم الشكوى أراد
الضابط أن يعاقبك أعجب بك الرقيب فطمب منك أن تكون في شرطة المدرسة
o
وافقت ولكنك لم تحصل عمى شاردة الشرطي مثقوب أخذىا منك وعندما قمت
لمدرس الفيزياء إنو مثقوب طمب من الطالب االنصراف وأبقى عميك ىل ثقبتو
ott
سألك ال ولكن اآلخرين فعموا أمتأكد أنت سألني نعم بعدىا أصبحا أصدقاء ىل
ثقبو المدرس ال أدري تخاصمت وعبد الكريم الذي صادقتو حديثاً تباعدتما ولو ال
بداية الحرب لما تم التقارب بينكما عندما بدأت الحرب كنت في غزة تحاول
مساعدة قريبة لك تقدم امتحانات االعدادية كنت مشيو اًر بذكائك وتقدمك في
المدرسة تركتيا وذىبت إلى جباليا لممشاركة في المعركة إحدى سقطاتك القاتمة
المك الكثيرون عمى فعمتك تمك ذىبت إلى زوجة أخيك وأعطيتيا ساعة يدك قائالً
alk
ليا ىي ألختي إن استشيدت وذىبت مع جمع كثير إلى مركز الشرطة لمحصول
عمى السالح رفضوا ورأيت الجنود عائدين إلى المنازل ماذا حدث لقد تم إسقاط
طائرة وأسر قائدىا قمت لمجميع ىل رأيتو بعينيك سألت عبد الكريم نعم قمت كاذباً
تتحداه ثم بدأت الصداقة مرة أخرى أقوى وأكثر نضجاً.
أزيز الرصاص أطاح بأفكارك .قفزت من الفراش واقفاً .اندفع عاطف إلى
w.
الداخل .غزير ىذا الرصاص صاح عاطف ..الوضع صعب وال يحتمل االنتظار.
نظرت إليو ،عالمات القمق تسكن وجيو ،احتل الخوف أفكارنا .ال نريد أن نموت
مكومين في حجرة كالنعاج .وعاطف ىذا ال انتماء لو .والده مختار في غزة.
أبعدتو سمطات االحتالل نكاية في والده .كاد أن يحترق ذات مرة عندما نام
ومصباح من الكيروسين بجانبو .حاول معو .عمك تنجح في جذبو لموقوف معنا.
ww
-عاطف.
- 88 -
www.alkottob.com
m
-نعم.
-ىل سنموت ىنا؟
-وماذا بمقدورنا أن نفعل؟!
o
أجبتو بالعمل .لبست مالبسي ،وفعل ىو ذلك ثم خرجنا من المنزل مسرعين.
حاولنا أن نتجنب الشوارع المكشوفة خوفاً من رصاص القناصة .الوصول إلى
b.c
المكتب أخذ وقتاً إضافياً .وصمنا بسالم ،لكن إطالق الرصاص تضاعف .دخمنا
المكتب واذ بأبي نضال في الداخل .ىادئ .األفكار الصمبة تنطمق من عينيو.
-ماذا تريدان؟ سأل بصرامة.
-سنقاتل معكم.
تبدلت مالمحو .سكنت السخرية عينيو .تجيم .غضب .ظننت أنو عاتب
عمينا ألننا تأخرنا .غيرت رأيي في لحظة .غاضب ألننا فاجأناه.
-ماذا تعني؟!
- 89 -
www.alkottob.com
m
-ىيا بنا.
-إلى أين؟
-إلى قريب لي في جبل الجوفة .إنو قائد عسكري وأظنو لن يبخل عمينا
o
بالسالح.
جاراني عاطف ربما ليعمق الجرح ويزيده تقيحاً .دعوت اهلل أن نحقق ما نريد.
b.c
وصمنا جبل الجوفة واتجينا إلى مقر القيادة .أوقفنا الحارس عند البوابة.
-ماذا تريدان؟! سألنا.
-أبا الييثم.
-من أنتما؟
-قل لو يوسف الياللي.
o
دخمنا سالحو بجانبو .متوثب كفيد يتأىب لالنقضاض عمى غزال في مرمى
البصر .نظر إلينا .ابتسم قميالً.
-أوفي ىذه المحظة؟
ott
-والعمر لحظات ىذه إحداىا.
-الموقف ال يدعو إلى كل ذلك.
-كرىنا أن نموت في المنزل بال حول وال قوة.
-لن يصل الوضع إلى ىذا السوء.
alk
- 91 -
www.alkottob.com
m
واألستاذ خطار ىذا مدرس الجغرافيا في المدرسة الثانوية لمبنات .كان قد
تعرف عمى عبد الكريم بعد إلقاء القبض عمى أفراد التنظيم بفعل أحد المثقوبين.
كنا صغار السن مقارنة مع أولئك الذين ألقوا القبض عمييم .تمقفنا ذلك الضال
o
إلليائنا عما كنا نحن بصدده.
-ال بأس.
b.c
-سنذىب بعد صالة العصر.
-وىو كذلك.
في المساء عممت ذيبو بعض سندويشات الفالفل حممت إحداىا إلى عبد
الكريم وذىبنا إلى بيت الىيا لمقابمة األستاذ خطار .لم يكن في المنزل فأرسل لو
والده من يستدعيو .وعندما أصبحنا في الداخل قال لي عبد الكريم بأن ال أتحدث
عما حدث معنا في رام اهلل.
ومضت ساعة أو أكثر ،ربما أقل وىو يتحدث عن النساء .ثم حضر العشاء
وأمضينا وقتاً آخر في تناولو.
-ماذا عن العمل؟! سألت.
-إذا تم إلقاء القبض عمييا ،سيسألونك عن تاريخ حياتك .يجب أن تكون
حذ اًر وتختار من وقائع حياتك ما يستر سرك.
w.
www.alkottob.com
m
فاجأناه ..ال ..توقع ىو ذلك ..ولقد أعد نفسو جيداً لمثل ىذا السؤال.
-ىل استمعتم إلى صوت سوريا الجديد؟!
-وماذا في ىذا؟! سأل عبد الكريم.
o
-إنيا محطة تجريبية ،وصوت أم كمثوم يصدح عبرىا طيمة النيار.
-ثم؟!
b.c
-ثم سيرسمون لنا تعميماتيم خالليا عندما يتم افتتاحيا وتنظيم برامجيا.
غادرنا بيت الىيا بعد صالة العشاء ،أيقنت أن ىذا المدرس لن يقودنا إلى ما
نطمح إليو .وربما يمثل أشياء أخرى .صارحت عبد الكريم بما يدور في عقمي.
صادق عمى صحة أفكاري.
-إذاً ما العمل؟ سألتو.
o
-ننساه ..نحن لم نتورط معو في شيء يمكن أن يديننا.
-إذن لننسو .ىل يعرف إسمي؟! سألت.
ott
-لست متأكداً .مع أنني لم أبح لو بأي من األسماء التي كانت تشارك في
التنظيم السابق.
المطر خير من يحمي المستجيرين بو .لكنو حرمنا من متعة التدخين .ونحن
ال نحتاجيا في ذلك الوقت .لم يرافقنا خميل .فاروق ،عبد الكريم وأنا .كان وصف
المكان دقيقاً .وصمنا إلى المغارة وكأننا نعرفيا منذ زمن .عبرت نظراتنا األفق ،ال
alk
أحد يراقبنا رذاذ المطر المتساقط انساب عمى وجوىنا تاركاً أخاديداً من المياه
الجارية .البرد يمكن احتمالو .لكن االنتظار فال.
-أو يكون ىذا ىو المكان؟ سألت.
-ال يبدو ذلك .قال فاروق.
-لننتظر لحظات .قال عبد الكريم.
w.
وأطمق فاروق صفي اًر مستعمالً يديو وشفتيو .ثوان وأتانا صفير مماثالً .إذن
وصمنا تقدمنا بحذر .عبرنا مدخل المغارة .العتمة تسود المكان .تسمل الخوف إلينا.
-ىذا المكان كان يستعممو المصوص في الماضي .قال فاروق.
-لنرجع .أقترح عبد الكريم.
ww
www.alkottob.com
m
-أييا الرفاق.
تقدمنا ممثم .وجوىنا مكشوفة .لم يسألنا عن أسمائنا .ولم نسألو نحن.
-معيد المعممين؟! سأل.
o
-نعم .قمنا.
-إذاً أىالً بكم.
b.c
وفي الداخل كان ىناك متسع لنا جميعاً .افترشنا األرض وبعد دقائق حضر
أحدىم ،ممثماً مثل األول .قدم لنا الشاي الذي ارتشفناه برغبة زائدة .دخنا السجائر.
عرضوا عمينا مجموعة من األسمحة الرشاشة وبعض القنابل .وبدأ الذي قابمنا أوالً
شرح مكوناتيا .بدأنا نجرب تفكيكيا .طال الدرس ألكثر من ساعتين بعد استراحة
قصيرة غادرنا المكان عمى أن نمتقي مرة أخرى في وقت يتم تحديده.
-لقد بدأ العمل .عمقت.
ىذه األعمال .تمطر السماء رصاصاً .تصطدم وبعض الرؤوس .يسقط أصحابيا
إما جرحى أو قتمى ..يتأزم الموقف .تقفر المدينة .تغادرىا الطيور ،ثم يعود كل
شيء ىادئاً كما كان.
ألقيت جسدي عمى السرير ىذه المرة وحاولت أن أنام .غالبتو طويالً ولكني
انتصرت عميو .لم أنم .خرجت من الحجرة فوجدت عاطف يتناول شيئاً من
الطعام .شاركتو ودلقت كأس شاي ساخن إلى معدتي .عدت مرة أخرى إلى
w.
- 93 -
www.alkottob.com
m
قوة .انعدم صوتي من الخوف فمم أصرخ .حاولت أن أنظر إلى الوجو الذي
يحممني بكل ىذه القوة .رأيت مالمح غميظة ،وأسناناً بارزة كأنيا مخالب ذئب
مفترس .رموش عين طويمة ،ولساناً تدلى .غميظ مدبب .إنس أم جان ىذا الذي
o
يحممني؟ حل الرعب محل دمائي التي تحجرت .طار بي بعيداً .ضغط عمى رقبتي
حتى كاد أن يفصميا عن جسدي .ولو فعل لما سالت قطرة دم واحدة .ىوة عميقة
تمك التي كان يحممني فوقيا .لم يحررني من قبضة يده ،لكنيا أبقاني فييا بكل
b.c
قوتو.
ىويت .ىويت ..تمقفني شخص ال أعرفو .مربوع القامة أسمر الجبية بيي
المالمح .ارتحت في كفة يده .صعد بي عالياً .وضعني عمى حافة اليوة العميقة.
كن حذ اًر مرة أخرى .قال لي .حاولت أن أتبين مالمحو ،لكنني لم أستطع .حاول
آخر دفعني إلى اليوة مرة أخرى ..تمسكت ببقايا جذع شجرة ميترئة .صرخت..
صرخت..
o
دخل عاطف الحجرة مرتعباً .أرى العرق يتصبب من جسدي .أحضر لي
الماء..
ott
-ماذا حدث؟
-ال بد وأنو كابوس.
-وال ترتعب ..إنيض.
مساء .ال بد وأنني نمت طويالً والميل طويل وال عمل
ً نيضت .كان الوقت
لدينا لنمضي فيو وقتنا.
alk
جميمة يحكون كثي اًر عن أخالقيا غير السوية .تمنيتيا طويالً ،لكني كنت طفالً ال
يستحق أن تجازف من أجمو.
-أذاىب لمعمل؟ سألت المرأة الرغبة.
-ال ..إنو ذاىب إلى الجامعة.
ww
- 94 -
www.alkottob.com
m
ألم أقل لك إنني لم أعد ذلك الطفل ..لو تركتني أرتوي من ذلك الماء
العذب؟! ىا أنا ذا في الجامعة كما قالت ذيبو .نظرت إلي بإعجاب ..تدفقت
رغبتي من عيني .لمحتيا .وظني أنيا عرفت مقدار حرماني .ربما تمنيت أن تحقق
o
لي إحدى رغباتي المكبوتة .لكن ال المكان وال الزمان يسمحان بذلك .اخترقتيا
بنظراتي .أصابتيا شظايا من نار ممتيبة داخمي .تمقفتيا صامتة .ربما رغبت في
منحي بعضاً من ثناياىا!! ندمت عمى ما فات ،فغادرت المكان .وصل عبد الكريم
b.c
من منزلو .شكرت ذيبو وحممت حقيبتي وجاورتو في طريقنا إلى محطة الحافالت.
o
ott
alk
w.
ww
- 95 -
www.alkottob.com
o m
-8-
b.c
يتسمل األلم بين ثنايا األمل .ينشل الفكر وتصطدم بالحقيقة المرة .ال زال
صدى صرخاتيا يخترق أذني .بذلت جيداً متعاظماً حتى أقييا وخزات األلم .لم
أنجح .جرفتني المياه المتسربة منيا .دفعت نفسي ألسفل ،وساعدتني سكيبو.
تممصت من حبالي وقيودي .وفي منتصف الطريق ،حين تحقق األمل ورأيت
وجييا صرخاتيا ضعيفة .من يصرخ ال ينام قمت لنفسي .لماذا تغمق عينييا؟
o
نظرت إلى خالتي .ىالني ما رأيت .امرأة وقور حالمة .تكثف الحب والود في
وجييا الجميل .صورة طبق األصل من وجو أمي .ال زالت تتمتم.
-إنو في طريقو إليك يا سعدى .قالت خالتي.
ott
فتحت عينييا .التقت وعيناي .حممتيما واخترقت الجدران الصماء .شجرة
التوت الكبيرة المجاورة لمنزلنا ،بدأت تورق! تخضر! خضرة كثيفة! تدفق التوت
منيا بال انقطاع! أما شجرة التفاح المجاورة ،فقد ازدىرت وامتؤلت بحبات التفاح
وردية المون! سرب عصافير حط عمى الشجرتين .أخذت تنطمق منيا أصوات
جميمة ،لكنيا حزينة .سحرني النغم .واصمت استمتاعي بألحانيا .سيوت .اندفعت
alk
بقوة ىائمة إلى األمام .أصبحت خارج الجدران .مع اندفاعي اندفع منيا سيل من
الصرخات الضعيفة الواىنة .صرخاتيا األخيرة!
-ماذا قمت؟ سألتو.
-صرخاتيا األخيرة.
-ما الذي حدث؟!
w.
انزلقت من بين يدي سكيبو .رفعتني من قدمي إلى أعمى .تدلت رأسي .ألقت
براحة يدىا عمى ظيري مرات عدة .صرخت خائفاً من أيامي واحباطاتي القادمة.
تعمقت عيونيم بي .تناسوا والدتي .أدنتني سكيبو منيا .رفعت يدييا ببطء
لتحتضنني .سقطت بجانبيا .طوقتني بذراعييا .غمرتني أشياؤىا :دفؤىا ،حبيا،
ww
www.alkottob.com
m
ارتاحت نفسي .تباطأت أنفاسيا .ضعف قمبيا .أغمضت عينييا .تراخت يدييا.
انفمت منيا.
-أوكنت عارياً أماميم؟! سألتو مستنك اًر.
o
-ال صبر لديك .أما وقد أثرت الموضوع ،فسأحدثك عما جرى لي في سجن
نابمس .كنا أكثر من أربعين سجيناً في الحجرة الواحدة .كنا نستحم مرة واحدة
b.c
بالماء الساخن كل أسبوع .نذىب إلى الحمامات ،وىناك نتخمى عن مالبسنا
طواعية ،كما اآلن .كل اثنين منا يدخالن حماماً واحداً .دخمت معو أقفمنا الباب.
استدار أمامي .تصاعدت أنفاسي .خمفو كنت عارياً .أفكاري اليائجة مؤلت
الحمام ،طمب مني أن أنظفو .امتدت يدي مرتجفة .أغمضت عيني .أغرتني
نفسي .بصقت عمييا بعد أن استمعت قميالً ليا .افعل ،صاحت .تجاىمتيا .وعندما
تابعت إصرارىا ،ركمتيا ىربت من الحمام .انفمت من ذاتي .عدت إلييا.
o
لم تجب لوعة حارقة اخترقت عقمي .وخزة ألم في القمب .سعدى لم تعد
سعدى .أصبحت جسداً ،أمي ،أين أنت؟ لم أسمع صوتيا .تحسست أنفاسيا ،لم
-أمي.
ott
أجدىا .أمي .لم تجب .غارت الشمس التي تسممت من شق بالباب .تساقطت أوراق
شجرتي التوت والتفاح .طار سرب العصافير .انعدمت األشياء صرخت سكيبو
تبعتيا خالتي بالصراخ .اقتربت منيم بيمع .سعدى .لم تجب والدتي.
شبق الموت الغادر .يد القدر التي ال راد ليا .غدر األيام .حطام األحالم.
انتياء الزمان .لوعة الفراق .عذاب السنين القادمة .يا سعدى! يا أمي! كيف ييون
alk
عميك فراقي؟ لمن تتركينني؟ لمخالب الزمن الحادة؟ غصن وسط األشواك .انسابت
دموعي عمى وجييا .انتفضت .االنتفاضة األخيرة .سعدى .لم تجب والدتي.
عصارة الحرمان في حمق لم يتذوق إال م اررة األيام .بين أشجار الصبار ألقتني،
تمسعني األشواك ويحرقني جمر الحرمان .يا سعدى! أما كان في اإلمكان أن
تصحبيني معك ،أو أن أصحبك معي؟ سعدى .لم تجب والدتي .تائو في بداية
الطريق .ال مرشد وال دليل يصحبني في رحمتي الطويمة القاسية .أو ييون عميك
w.
من حممتو شيو اًر طويمة في أحشائك؟ لمن تقذفينو؟ انعدمت اآلمال .عبيد أو
يوسف ،ىو ممقى في خريف األيام ،أيامو كميا خريفية .سعدى .لم تجب والدتي.
-لماذا تركتيا تمضي؟ سألتو ببالىة.
لو استطعت لقاتمت الوىم .بل أنني قالتو .ىزمني .سيف يممع في الفضاء.
ww
يسقط فوق رأسي .حمتني ىي .تمسكت بيا .انفمتت مني .مضت .ابتعدت.
- 97 -
www.alkottob.com
m
تبعتيا .صرخت أن أبتعد .كنت عنيداً وكانت ىي أكثر عناداً .ابتعد ،ىذا مكان لم
يحن الوقت بعد كي تتبعني إليو .ابتعد ،فما زال أمامك طريق طويل .ممموء
بالحرمان والعذاب والموعة يا سعدى! وداعاً سعدى!
o
عند الخط الفاصل بين ما كان ممكنا في الماضي وما أصبح ممكاً ليم ونحن
معو اآلن أوقفونا .أمرنا الجنود أن ننزل من الحافمة .فعمنا .تفحصنا أحدىم.
b.c
-إلى أين؟ سألنا.
إلى كمية بير زيت
-أنتم طمبة إذاً؟!
-نعم.
-لماذا ال تدرسون في الخارج؟ سأل.
o
قفزت دىشتنا من الداخل وتأبطت عيوننا .أدرك ىو ذلك .ربما كان يقصده.
تركنا ودىشتنا لحظات .راقبنا مستمتعاً.
-أال تعرفون كيف تدرسون في الخارج؟0
ott
-كيف؟!
-أخرجا خارج مباني الكمية وستدرسون في الخارج.
أطمق ضحكة عالية ،ثم أمر الجميع بأن يدخموا الحافمة لم يقم بتفتيشنا كما
ىي عادتيم.
alk
بكل ىذه البساطة أدخموا السيارة وىيا إلى أماكنكم ربما يكون أستاذ جامعة
فيم أيضاً يخدمون في االحتياط ندرس في الخارج خارج سور الكمية أين منو ذلك
الشرطي آشر عندما كنا في سجن غزة بعد أن نقموني من الزنزانة إلى حجرات
السجن وفي إحداىا كنا واحداً وعشرين سجيناً في سن متقاربة يدخل عمينا آشر
ىذا صائحاً عدد وجيك لمحائط ويبدأ بضربنا عمى مؤخراتنا بعصاه الغميظة وعندما
أراد أن يمارس ىوايتو تمك أمسكو من رقبتو سجين كان قد أضافوه إلى حجرتنا في
w.
الميمة السابقة مقطوعة يده ويكبرنا في السن لن أتركو إال أمام مدير السجن كيف
تدخل حجرتنا ثم أخذ يصرخ باسم المدير وذلك الشرطي يرجوه أال يفعل ثم طبع
أصابعو الخمسة عمى وجو الشرطي وأطمق سراحو لم يعد إلى ممارسة ىوايتو تمك
أخرجوا خارج األسوار تدرسون في الخارج وذيبو كانت دائماً ترسمني ألدرس في
الخا رج خارج المنزل وفاروق يشاركني في ميمتي الخارجية ىذه ذكاؤه متوحش يق أر
ww
- 98 -
www.alkottob.com
m
صفحة العموم ثم يطمب مني أن أسمعيا لو غيباً غداً عندما تزىو الحياة سأكون
طبيباً أو ميندساً ربما مدرساً وساتزوج ومن غيرىا تتسمل داخمك تحتوييا بأفكارك
وىي حقيقة أمامك والعمل واالحتالل سأعمل وسأعيش حياتي ال ال لن يمقوا
o
القبض عميك أوىام تائية في صحراء الحياة.
كان أول من قابمنا بعد أن وصمنا بير زيت فاروق ومعو غاده .رأيتيما
فترنحت أساريري .لمحتنا فمحظت بسمة ترتسم أسفل الغيمة اليادئة .نظرت إلى
b.c
عبد الكريم فابتسم.
-لن يسرقيا منك!
-ال يستطيع.
-وسامتو تساعده!
-روابطنا أوثق من أن تؤثر فييا الوسامة.
o
أخذنا باألحضان .تسممت يدي إلى يدىا فاىتزت أجزائي .لمحني فاروق.
-كيف لدميم مثمك أن يأسر كل ىذا الجمال؟!
ott
جرح قديم اندمل وال أمل في تقيحو .ىا ىو ذا يحاول .اعتدت عمى
مشاكساتو .سددت إليو نظرة نارية .كانت تطمب منو أن يصمت ويحتفظ بوقاحتو
لنفسو ،وليدلقيا في مكان آخر.
-ال تبتنس ،فيذا القمر يحتاج إلى دميم مثمك يحفظو من نظرات الحسد.
تابع بفظاظة محبوبة .نظرت إليو غادة مشدوىة من جرأتو ووقاحتو .وعندما
alk
-تكاثرتم عمي .لو أني معكم لما فعمتما بي ما تفعالنو اآلن .قال فاروق.
كانت غادة صامتة وتراقبنا بانبيار .عالقتنا معاً خمقت لدييا الرغبة في
متابعة المعركة الدائرة باأللسن بيننا .وعندما أحست بأن لحظة اليدوء قادمة،
أرادت أن تثيرنا من جديد.
ww
- 99 -
www.alkottob.com
m
-ىل تحدث معيا؟! سألت.
-تكمم بإنجميزية مكسرة وصدقتو ىي لمحظات.
-وعندما اكتشفتو ىرب كأرنب مرعوب .قالت.
o
أثارتو.
-كيف لك أن تصادقي مثل ىذا الدراكوال؟!
b.c
-إنو إنسان .قالت.
أشعمنا المفائف فقد كنا بعيدين عن مدخل الكمية .كان فاروق قد حضر
لزيارتنا معتقداً أننا سنصل مبك اًر وعندما طال انتظاره أوصمتو غاده إلى محطة
الحافالت وفي منتصف الطريق تالقينا.
-كيف عرفتيا أييا الشيطان؟ سأل عبد الكريم.
o
-تنجذب الفراشات دائماً إلى ضوء القمر .قال فاروق.
-يظن أنو فراشة ىذا الضبع الكاسر .قمت.
ott
-إنيا مسكونة وال مكان لك أييا المئيم .قال عبد الكريم.
-أوتظنني قميل األصل؟! ربما أكون وقحاً ،ولكني أحفظ ود األصدقاء .فكيف
وأنت من األحباب؟!
-ثقتي فيك لن تتزعزع .قمت.
ألقينا حقائبنا في حجرتنا وخرجنا ليم .كانت غاده تتحدث مع فاروق وظني
alk
أني كنت محور الحديث .ذىبنا إلى خارج مبنى الكمية نحمل معنا بعضاً من
الطعام الذي أحضرناه من غزة .افترشنا األرض وفرد فاروق بعضاً من أوراق مجمة
كان يحمميا وضعنا الطعام عمييا وبدأنا نتناولو باستمتاع.
وفي مخيم جرش جمسنا في منزل قريب لنا نتناول طعام الغداء .رغم فقر
صاحب البيت إال أن الوجبة لم تخل من لحم الدجاج .عرفت فيما بعد بعد أن أبا
الييثم ىو من أرسمو ليم.
w.
قمت بزيارة لمنزل أبي الييثم في مساء يوم خريفي ،وعندما فتحت لي زوجتو
الباب قالت إنو في مخيم جرش حيث نقل إلى ىناك .ودعتيا وانصرفت بعد أن
اعتذرت عن عدم الدخول .قررت أن أزوره ،فأنا لم أر ىذا المخيم الذي أقيم بعد
الحرب مباشرة ليؤوي النازحين من غزة .فضل عاطف زيارة أقارب لو في عمان
ww
فذىبت وحدي.
- 011 -
www.alkottob.com
m
أخذني أحدىم إلى منزل في وسط المخيم .إنو مقر لممنظمة .وجدت أبا الييثم
في حجرة وأمامو امرأة تشتكي من أن جا اًر ليم حاول االعتداء عمييا.
-متى حدث ذلك؟!
o
-في منتصف الميل .أجابت.
-ما الذي دعاه لفعل ما فعل؟!
b.c
-ال أدري.
-ىل أوحيت لو بذلك؟!
-ال.
-ىو قال ذلك.
-لكنني لم أقمو.
o
خرجت المرأة ودخل الشاب الذي حاول االعتداء عمييا .ىناك بعض الكدمات
في وجيو لقد تم ضربو ولكنني ال أعرف إن كان في المكتب أم في منزل المرأة.
ott
-لماذا حاولت االعتداء عمييا؟ سألو أبو الييثم.
-ىي من واعدتني.
-إذن لماذا تشتكي عميك؟!
-ألن زوجيا لمحني.
-ىل لك عالقة معيا سابقاً؟!
alk
-نعم.
-ال تقترب منيا وال من منزليا .فاىم.
-حاضر.
بعد أن خرج الرجل ذىب أبو الييثم إلى حيث كانت المرأة .مكث دقائق
w.
www.alkottob.com
m
-من قال ذلك؟!
-ىا أنذا أقولو.
نظر إلي وكأنو يقول ومن أنت لتقول ما تقول .نقاتل ونستشيد وأنت تقول ما
o
ال يجب أن يقال.
-نحاول أن نؤطر حياتنا.
b.c
-ولكن الشرطة ىي من يحفظ النظام.
-أين ىي الشرطة؟!
-موجودة..
-انتيت.
والشرطة في قطاع غزة انتيت مع بداية االحتالل .لكنيم طمبوا أن تتابع
o
الشرطة عمميا تحت إشرافيم .لم يتدخموا في عمميم .كان األمن مستتباً رغم وجود
قوات االحتالل .ربما امتنع الناس عن خمق المشاكل ألنيم أحسوا بأن ىناك
مشكمة أكبر يجب حميا.
ott
كنت وعبد الكريم في طريقنا إلى منزل فاروق في بيت الىيا .صادفنا
شرطيين عربيين يركبان الخيل ،عمى رؤوسيم قبعات تحمل النجمة السداسية.
كرىت أن أراىا عمى رؤوسيم.
-أليس في اإلمكان تنحية ىذا الشعار؟ سألت بصوت مرتفع.
alk
تحدثنا في كل شيء ونسيت منشو اًر كان في جيب قميصي .كنا نحمل كتبنا
نحاول أن نق أر أي شيء وعن بعد رأينا سيارة عسكرية تتفقد الطريق .فالعمل
الفدائي كان في بدايتو .وىم الذي يعرفون معنى الحذر والعمل.
-سالم عميكم .قال الضابط.
يخاطبوننا بالمغة التي نحبيا .يتسممون إلى أعماقنا.
ww
www.alkottob.com
m
-وعميكم السالم.
-ماذا تفعالن ىنا؟
-نذاكر.
o
-ولماذا ال تذاكران في المنزل؟!
-البيت ممموء باألطفال وال يمكننا المذاكرة وسط الضوضاء.
b.c
-أخرجا كل ما في جيوبكما؟
أخرجت بطاقة ىويتي وقمما كان في جيب بنطالي وبعض النقود .سممتيا لو،
ىكذا فعل عبد الكريم .طمب كتبنا أيضاً .سممناىا لو .تفحصيا جيداً ثم دون أسمينا
في مذكرتو وسممنا أشياءنا .وضعت بطاقة اليوية في جيب قميصي فتممست
أصابعي ذلك المنشور المنسي .أرتعش ولكني تحكمت في أعصابي .ربما ظير
الخوف في مالمحي ،وأعتقد أن الضابط فسر ذلك بالخوف منيم .غادرنا .تنفست
o
-ماذا دىاك؟! سألني عبد الكريم بغضب.
الصعداء.
ott
-نسيت ذلك المنشور في جيب قميصي.
-إىمال ال تحمد عقباه.
وأي إىمال لو وضع يده عمى جيب القميص الكتشفو خميل في رام اهلل كان
سيساق إلى مسالخيم وفاروق وعبد الكريم ومن أيضاً ىذا ما حدث الحقاً عندما
كان أحدىم يراقب تأثير عممية تفجير متجر في القدس كان يحمل مسدساً وعندما
alk
تطاير الغضب وانفجر جزء من جينم ىناك ىرب ونسي أن يخفي مسدسو كان
عميو أن ال يحممو أصالً وفي المسمخ اعترف عمى كل أعضاء التنظيم وحتى عمى
كل من لو عالقة بو وصمني االعتقال أنا في جباليا غاده نجت وكذا فاروق وعبد
الكريم سعدت لنجاتيم وتألمت لفراقيم وتاىت اآلمال الكبيرة والحب الصافي عممت
أنيا بكت بم اررة شديدة ولكن ما نفع البكاء اختفت عن األنظار أياماً ثم عادت إلى
ما كانت عميو لم أنسيا ولن أفعل وردة تشق طريقيا وسط األشواك تألمت ذيبو
w.
العتقالي ازرتني في السجن نحن ننتظرك قالت لتزيد آالمي ال لن أفعل فقط أخرج
وستجدني عمى غير ما تركتني وذيب تألم ازرني مرات افتقدت غزة وبيت الىيا
وأشجار الجميز التي كنا نغزوىا وح اررة األرض تسمق أقدامنا الحافية لكن الجميز
كان يسكن في أمعائنا فينسينا ح اررة األرض وبير الزيت وبساتين المشمش كميا
ww
ضاعت ولم يعد في مقدوري أن أتنفس بحرية كما كنت في الماضي وفوق ذلك
- 013 -
www.alkottob.com
m
غاده تمك النسمة العطرة التي رطبت أيامي وأعادت لي شيئاً من القوة التي نيبتيا
ذيبو وذيب جرح غائر في الخاصرة تقيح وتقيح حتى انفجر.
-ال عميك ،قمت.
o
-الحذر أمر ال بد منو يا يوسف .قال عبد الكريم.
سكنت مواقع األلم في جسدي .تابعنا سيرنا حتى وصمنا منزل فاروق الذي
b.c
أخذنا إلى بستانيم .كانت أختو وسيمة مثمو .أحضرت لنا الغداء ىناك .تحدثنا
كثي اًر وتجولنا في أنحاء البستان.
بعد الغداء جمسنا ننتظر فناجين الشاي التي لم تتأخر كثي اًر .كان والد
صاحب الدار وىو قريب لنا طاعناً في السن ،يدخن بشراىة تمفت النظر .عندما
قدمت لو لفافة تمقفيا بميفة .أشعمتيا لو .دخل عمينا رجل ىو من جباليا أيضاً .ىو
عضو ميم في أحد التنظيمات .يرتدي بدلة تثير لعاب سكان المخيم وحسدىم.
o
عالمات الثراء واضحة عمى مالمحو .كان مدرساً في الثانوية وعندما حدثت
الكارثة رحل إلى عمان والتحق بتنظيمو مرة أخرى.
-كيف العمل ىنا؟ سأل أبو ثائر.
ott
أبو ثائر ..كميم ثوار ..بدلتو ثائرة ..المفائف الفاخرة التي يدخنيا ثائرة .تأممتو
كثي اًر .لم أنطق .وماذا أقول؟! أو يحق لمبتدئ مثمي أن يقول شيئاً أمام العمالقة
المتجذرين في الثورة؟! أوليس ىو ثائ اًر؟! يحق لو أن يبدو كذلك.
-مشاكل المخيم كثيرة .قال أبو الييثم.
alk
ىل أتينا ىنا لنحل مشاكل المخيم .مشاكل الفقر والضياع والبغاء .والحشيش
كميا تعشش في ىذا المخيم .كان يمكن معالجتيا بطريقة أخرى.
-جئت ألبحث عن عمال .قال أبو ثائر.
أتنبو الرجل العجوز .قفزت أفكاره أمامي .تحفز..
-أوتختارني؟!
w.
من كل ىذا.
- 014 -
www.alkottob.com
m
-لقد ضاع مني ألف دينار باألمس ..بحثت عنيا لكنني لم أجدىا .سممت
باألمر ،وىا أنذا أحاول تعويضيا.
ألف دينار يا شيخ الكذابين أو الدجالين ..أو نظرت إلى العجوز ..كانت
o
خاليا وجيو تنطق بالمعاناة واأللم وربما االحتقار .لقد كان فقي اًر في غزة وىا ىو ذا
يعيش فقي اًر وسيموت فقي اًر .حدثني ابنو ذات مرة قال كان والدي في طريقو من
خان يونس إلى جباليا لزيارة أخيو .وفي الطريق تعطمت السيارة نزل السائق وطمب
b.c
منيم اإلجرة .رفض العجوز.
-ستدفع األجرة وتدور حوليا سبع مرات .قال السائق.
-أما الدفع فال ،وأما الدورات السبعة فيذه واحدة وأخذ يدور حول السائق.
ىذه اثنتان ..وىكذا حتى أتم الدورات السبع .قيقو السائق وقال إذن خذ مني أجرة
فوق أجرتك ودر سبع دورات مرة ثانية.
شيئاً .نفثت الدخان وتابعتو حتى اختفى في الفضاء الواسع .وذاك العصفور أيضاً
اختفى في الفضاء وكذا محمود وأبو الفحم وكثيرون حقاً إن الموت يختار
ضحاياه .أبو ثائر يدخن المفائف الفاخرة وىو ثائر يبحث عن عمال .ضاع منو
ألف دينار ولم يتأثر .ذاك العجوز قال "يمعن د...د يكك" ألف دينار .أعطنا فقط
دينا اًر واحداً .تضيع الدنانير!! ال بأس أما أن يعطيني واحداً فال .ىي الحياة
والموت يختار ضحاياه كما يقولون ..ربما ليريحيم من قذارة عيش لم يكن
w.
www.alkottob.com
m
-ذيبو بحثت عنك في كل مكان .قال جياد.
تداعت أطرافي .ال بد وأنيا اكتشفت العممية .لكنو مدفون وسط األغطية.
قمت لنفسي .ىل وضع نفسو ىناك؟ ىل وضعو الشيطان أللتقطو أنا؟! ال بد أن
o
يداً ألقتو بعيداً حتى عن تفكير اآلخرين .يد تعرف كيف تضع القرش فوق اآلخر
لتكون ثروة .ومن غير ذيبو يفعل ذلك .كان عميك أن تفكر في األمر قبل أن تفعل
ما فعمت .قضي األمر .وانتحر النصف قرش بين يدي.
b.c
-أال تعرف لماذا؟! سألتو.
-ومن أين لي أن أعرف .قال جياد.
-كيف رأيتيا؟ سألت بميفة مرتعشة.
-يتطاير الشرر من عينييا واختفى آخر رمش من رموشيا.
إذن ىي الكارثة .وماذا سأفعل؟! اعترف ليا .ماذا سيكون عقابي؟! ربما
o
حرمان من الطعام لمدة يوم .أو نصف وجبة بدالً من الوجبة الكاممة .ال تستطيع
أن تسترجعو .حاولت أن أتغيب عن المنزل أطول وقت ممكن .آالم معدتي
ott
الجائعة دفعت قدمي إلى المنزل .يجب أن أتناول شيئاً من الطعام ،وبعد ذلك
الطوفان .المواجية ..المواجية .وأن ألقت بيدىا الجرداء فوق صفحة وجيك؟!
ستزيده تشوىاً لن تفعل .لن أسمح ليا بذلك.
-أىالً بأبي زيد.
تسمرت أماميا
ّ واجيتني والشرر يتطاير من العينين المتين فقدتا رموشيا.
alk
توقفت عيناي عن الدوران في محجرييما .بدأت مراكز الغضب تعمل .لم أستطع
تحريك لساني .بدايات االنفجار .ال حدود لمداه.
-أين كنت؟ تابعت.
-وما شأنك أنت؟
-ماذا فعمت بالنصف قرش؟!
w.
-وماذا اشتريت؟!
- 016 -
www.alkottob.com
m
-إذن سرقتو...
عجبت الستنتاجاتيا وطريقة استجوابيا .أو تكون درست في كمية
االستخبارات؟ ولو كانت ضابط تحقيق العترف كل متيم بفعمتو .كيف يولد الجيل
o
كل ىذه المباقة في االستجواب؟! نصف قرش ثروة بالنسبة ليا وعمييا أن تحافظ
عمى ثروتيا .تدلى رأسي إلى أسفل فأصبح شكيا يقيناً.
b.c
-سرقتو؟! قالت بيدوء صارخ.
-وجدتو بين المالبس ولم أعمم أنو لك!!
-ىو لمشيطان إذن ..أين ىو ؟!
-اشتريت بو قطعة حموى.
-أييا المص .أناال أريدك ىنا؟! ىل يعمم الناس ماذا تفعل بي؟ يارب
السماوات واألرض أبوه عذبني وأمو احتقرتني وىاىو ذا يسرقني ..وتابعت تثرثر
o
بكالم لم أفيمو وأنا واقف بالدفاع عن النفس ألنني فعمت شيئاً شنيعاً ،لم أكن
أترصدىا ألسرقيا.كان عمي التفكير! ىل وضعو الشيطان ىناك؟! سؤاليا منطقي.
ott
لكن الحرمان والرغبة شال تفكيري ،حاولت تناول قطعة من الخبز ،ىاجمتني في
المحظة التي أمسكت بالقطعة في يدي..
-ال أريد أن أراك اآلن..
خرجت وأخذت أبحث عما يسكن أمعائي .ذىبت إلى منزل أخي المتوفى.
كرىت أن أشاركيم طعاميم.
alk
الشاي وندخن المفائف ،سمعنا طرقاً عمى الباب ،فتحو عاطف واذ بجارنا في
السكن وجارنا في الوطن يدخل.
-أىالً أبا عمي .قمت مرحباً.
-أىالً يوسف.
ww
www.alkottob.com
m
صامتين.
-ىل أنتما مرتاحان ىنا؟! ..سأل.
-الحمد هلل .أجبنا.
o
-واهلل أنني أحببتكم كأبناء لي.
-ونحن أحببناك كأب لنا.
b.c
-أتمنى أال تقوما بمثل مايقوم بو اآلخرون.
-وماذا يفعمون ؟! سألت.
-أال تعرف؟!
-ليس كثي اًر..
-يفعمون كل ماىو مممنوع و...
-سمعت عن ذلك..
-العاقبة ستكون خطيرة..
-أو لم تشاىد مايحدث؟!
-إنيا مؤامرة..
-كان عمى قادتنا أن يكونوا أكثر وعياً بأبعادىا..
w.
وتابعنا الكالم حتى الساعة األولى من صباح اليوم التالي .تعبت ،شعرت بأن
وقت النوم قد أزف .استأذنت.
-ألن تذىب إلى المدرسة غداً؟ سألني عاطف.
-ال رغبة لدي.
ww
www.alkottob.com
m
نمت بعمق ،فيومي كان مشحوناً ،تعبت وتعبت أفكاري .تممكني القمق
والخوف من المستقبل لم يكن لدي مثل ىذه األفكار وأنا في السجن .صحوت
الساعة الحادية عشر صباحاً .كان عاطف قد غادر المنزل مبك اًر في طريقو إلى
o
المدرسة .كنت قد حصمت عمى شيادة الثانوية العامة في غزة ،ولم أكن في حاجة
ألحصل عمييا مرة أخرى .تناولت طعام إفطاري ،عددت نقودي!! بدأت تتناقص.
ولوال المبمغ الذي حصمت عميو كرسوم لممدرسة الثانوية ألفمست اآلن ،لم تقمقني
b.c
الفموس ،فدائماً كنت مفمساً وكنت أعيش .ما آلمني ىو المستقبل .ارتديت مالبسي
وخرجت وليس لدي ىدف محدد .قادتني قدماي إلى فندق قصر العرب .ذلك
المكان الذي مكثت فيو أياماً طويمة مع محمود النجار .دخمت فوجدت عامل
االستقبال "أبو نادر" صافحتو بح اررة وتجاذبنا أطراف الحديث .حضر ساعي البريد
وسممو عدة رسائل .نظر في أحدىا.
-إنيا لك..
o
استغربت ..من أين ستصمني تمك الرسالة؟ تناولتيا واذا بيا من ليبيا ،أختي
متزوجة من ابن خالي ىناك .كنت قد أرسمت رسالة ألخي وكتبت لو عنواني..
ott
أخي الحبيب...
كم كانت فرحتي عظيمة عندما عممت أنك في األردن وأنك قد خرجت من السجن.
بالطبع لم أكن أدري أنك مكثت كل ىذه المدة ىناك ،عمى أي حال الحمد هلل أنك بخير.
مرسل لك مبمغ خمسة عشر دينا اًر وأريدك أن تبحث عن أي جامعة تدرس فييا ،أعممني
عن كل تحركاتك.
alk
أختك
دليمة الياللي
عيني .اصطدمت بأبي نادر .فسعد لسعادتي ،ىاىو ذاّ قفزت السعادة من
الزمن يبتسم .رسالة أمل وفموس أيضاً .شربت الشاي ودخنت لفافة ثم خرجت.
w.
وأمام الفندق رأيت بعضاً ممن قابموني بعد صولي إلى عمان يمعبون الورق.
تذكرت محمود وأفكاره وآمالو وآالمو .كتمة من كل ذلك كان ىو .جمست
بينيم وبعد لحظات شاركتيم المعب .الميزوم يشتري لنا الشاي ..وافقت .بدأت
متقدماً حتى الدور األخير عندما ىزموني .دفعت ثمن الشاي .نظرت إلى
ساعتي ..الثانية بعد الظير .غادرتيم وذىبت إلى مطعم مجاور كنت أرتاده مع
ww
www.alkottob.com
m
محمود قبل أن ننتقل إلى ذلك المنزل المشؤوم .جمست.
-ماذا ستفعل يامحمود؟! سألتو.
-طبعاً سألتحق بقوات الثورة.
o
-وزوجتك وأوالدك؟!
-سأحضرىم عندما تستقر األمور.
b.c
ولم تستقر األمور .فاجأتو رصاصة تعرف طريقيا .استقرت في رأسو وبقيت
زوجتو وأوالده في خان يونس.
تناولت طعامي ممزوجاً بم اررة الذكرى .دخنت نصف لفافتي ثم خرجت.
أيضاً ال ىدف لدي ..ألذىب إلى مكتب المنظمة .قمت لنفسي .وأن صادفني ذاك
الحارس ستكون نيايتنا نحن األثنين .دخمت وكان ىناك .لم أنظر إليو .تألم .تقدم
مني ..صافحني عمى استحياء..
o
عمي؟! قال.
-أال زلت ناقماً ّ
-فقط عاتب عميك ..فأنت رفيق سجن وماكان يجب أن يصدر منك
ott
ماصدر.
حاول أن يتكمم ،لكنو حبس كمماتو بين شفتيو في المحظة األخيرة .أيقنت أنو
كان مدفوعاً من أحدىم ،ولم أرد إحراجو فيو رجل كبير في السن ويبحث عن لقمة
عيشو.
alk
www.alkottob.com
m
اتسعت عيناه .جمت بنظرة عمييم جميعاً ،كانت ىناك فتاة تشاركني عدم
الوسامة اسميا فاطمة .عندما التقت نظراتي بنظراتيا أحسست أنيا تستنكر ماقمتو.
لكنيا كظمت غيظيا ،حضر أبو الرائد .دخل مكتبو .لم أعره انتباىاً .تدافعوا
o
إلى المكتب .خرج طالل وقال الحمد هلل لقد تقرر إرسالنا إلى بغداد إلكمال
دراستنا.
b.c
-وىل أنا معكم؟! سألتو..
-ال أدري..
أيقنت أنني خارج البعثة الدراسية .لم أبتئس ،فأبا الرائد ىذا لم يرتح لي منذ
النظرة األولى ،وال أدري لماذا .ربما صراحتي وقمة دبموماسيتي دفعتاه أال يطيقني.
-أريد أن أتعمم اإلنكميزية .قالت فاطمة.
-ومن غير يوسف يعممك إياىا.
o
قال طالل وىويعرف أني درست في كمية بير زيت.
-حقاً..
ott
-حاولي...
-أو تقبل يايوسف أن تعممني؟! سألتني.
alk
-الباس .قمت...
كان الجواب سريعاً .انطمق بدون أن أفكر فيو .أعرف أنني ال أستطيع أن
أقول "ال" وىي واحدة من سقطاتي المدوية ،وصفت لي مكان منزليا وتواعدنا عمى
أن أزورىا الميمة وأبدأ معيا الدرس األول.
-الساعة الحادية عشرة ليالً .قمت.
w.
ال يريد أن أذىب إلى بغداد مع الرفاق ألدرس ىناك .فضمت أن أسير عمى األقدام
- 000 -
www.alkottob.com
m
ألصل المنزل .تيت في شوارع عمان .لكني كنت أعرف طريقي جيداً .تركت
قدمي تسيران كما تريدان .وتركت أفكاري تسافر حيثما تشاء .قالت ذيبة ألخي.
ّ
-خالتك عزمتك عمى الغذاء .أعط يوسف قرشاً يشتري فالفل.
o
من أين جاءىا ىذا الكرم؟! لكنيا تريد أن تكفر عما فعمتو معي ىذا اليوم ،لقد
مزقت قميصي والتم الجيران ألنني جمست عمى كرسي كان من المفروض أن ال
b.c
أجمس عميو حسب رغبة أخي كما قالت ىي لي ولمجيران .تناول قرشاً من جيبو
وقذف بو إلي .رفضتو.
-لماذا؟! سأل باستغراب.
ىو ناد اًر مايجود عمي بمثل ىذه اليبة .لكنو عمى وفاق مع ذيبة وفوق ذلك
مع نفسو .كما أنو مدعو لمغذاء عند خالتي.
-تمزق زوجتي قميصي وتمم الجيران عمي ألنني جمست عمى كرسيك ...ثم
-ممعون أبو الكراسي ،وممعون أبوك .أريد أن أرتاح ،ولكن مشاكمكم ال
تنتيي.
w.
أخذا يتقاذفان بكممات جارحة .صفعيا بشدة .أخذت تصرخ بحرقة ،ىربت إلى
منزل أخي المتوفى .في المساء حضر ذيب وأخذني بالقوة إلى المنزل .استسممت
لمواقع منتظ اًر فرصة أخرى ألقتمع القضبان وأنطمق بعيداً.
وصمت المنزل منيك القوى ،متعب األفكار ،وجدت عاطف يتصفح أحد
الكتب .ألقيت عميو التحية واتجيت إلى فراشي .ىنا أرتاح ،أوقف الفكر والمعاناة.
ww
www.alkottob.com
m
أصارع النوم وكثي اًر ماأىزمو وأنام ،وقميالً مايتركني أتقمب عمى الفراش أقاوم
الرغبة والقمق والذكريات الثائرة .تطول فترة المقاومة ىذه لكنيا تنتيي بعد أن
تتركني جثة ىامدة وأنام عميقاً.
o
-ىل ستنام ؟! سألني عاطف.
-وماذاتراني أفعل؟!
b.c
-ال تنس! موعدنا مع أبي نادر..
-عميك إيقاظي.
-البأس.
وضعت رأسي عمى المخدة ،فضمت أن أنام عمى السرير .لحظات ولم أعد
أعمم بمايدور حولي.
عشاء فاخ اًر أكمت كثي اًر .كان
ً
o
وفي المساء ذىبنا إلى منزل جارنا الذي أعد لنا
الرجل كريماً .سعدنا بمقائو زمناً ثم استأذناه في الخروج.
-أعرف أنكم ناس طيبون.
ott
-نشكرك..
-أوصيكم مرة أخرى أن ال تجاروا اآلخرين وتقوموا بأعمال التحمد عقباىا.
alk
مندوب الحكومة!...
النار المشتعمة تحرق كل شيء! حتى من أشعميا .نقتل مندوب فتح
والحكومة ،ومن سيقتمنا بعد ذلك؟ والجاثمين عمى أرضنا؟! من يقتميم؟! تركوا
الميمة لنا ،وأخذوا يتفرجون عمينا..
ww
-ألن تذىب معي إلى المنزل .قال عاطف عندما رآني انحرف عن
- 003 -
www.alkottob.com
m
الطريق..
-سأزور أصدقائي.
-ىل سنتأخر؟!
o
-ال أدري..
وفي منزل فاطمة وجدت تمك الممرضة "سيا" عمى عكس فاطمة..بيضاء
b.c
البشرة..ناعمة المالمح ...ذات صوت شجي ..أخرجت لفافة..أشعمتيا نظرت إلي
بجسارة.
-أال تقدم لي لفافة؟!
خجمت من تصرفي .لكني لم أعرف أنيا تدخن .أشعمت ليا لفافة ،وكانت
فاطمة قد أحضرت فناجين الشاي..
o
-ىل تعمم أنيا تقمد صوت فيروز؟! قالت فاطمة.
-حقاً؟ أسمعينا شيئاً.
ott
-ماذا تريد أن تسمع؟
-أي شيء..
وانطمق صوتيا ...ياجبل البعيد خمفك حبايبنا ...بتموج مثل العيد ،وىمك...
alk
ألم تختار إال ىذه األغنية؟ ياجبل البعيد خمفك غاده ..والجبل بعيد وفوق ذلك
من غير المسموح لي باالقتراب منو .أثارت النيران تحت الرماد ..غاده ..عبد
الكريم ..فاروق ...يالمذكرى اليائجة ..خمفك حبايبنا ...بيعدوا ..آه ..عدت إلى
ذاتي ..وحيد بين فتاتين ..لم أعد أشعر بوجودىما..
-أين ذىبت ؟! سألتني فاطمة.
w.
سؤال عبد الكريم األبدي عندما آتيو في ذاتي..أين أنت اآلن؟! وماذا تفعل؟!
طالت جمستنا دون أن أعمميا كممة ..كان صوت سيا شجياً .وأنا أعشق فيروز
والذكرى ..غادرتيم بعد منتصف الميل .تسممت إلى المنزل ومن دون ضجة
استمقيت عمى الفراش ونمت.
الساعة العاشرة صباحاً .عاطف في المدرسة .وحيد في المنزل ،أحن ليذه
ww
www.alkottob.com
m
الوحدة كثي اًر .فنجان القيوة والمفائف وجمسة في الشرفة تسرق بعضاً من وقتك
الطويل ..أراقب خمق اهلل ،كل يبحث عن ىدفو ..بعضيم بال ىدف .وأنا ىنا بال
ىدف حتى اآلن ..كانت ليمة جميمة..سيا وصوتيا الفيروزي ..تعارفنا بسرعة.
o
دخنا كثي اًر من المفائف.
-ماذا ستفعل ؟! سألتني.
b.c
أحياناً ينيمر المطر بال مقدمات ،فتبتل مالبسك ،ومن ثم جسدك حتى
العظم..
-ال أعرف!!
-لماذا ال تدرس في الجماعة؟! قالت..
الجامعة ..إحدى األمنيات المكبوتة ..ولم ال؟ فأنا أحمل الشيادة الثانوية .ىذا
ىو اليدف ..الجامعة .ارتديت مالبسي وذىبت إلى مكتب المنظمة .انتظرت مع
o
اآلخرون كانت فاطمة ىناك .دخل أبو الرائد .دعت فاطمة كل من لو عمل معو
لمدخول .وبعد أن انتيوا من مقابمتو .دخمت أنا .الحظت تغير مالمحو :جاداً
ومتجيماً كان .البأس قمت لنفسي فأنا ال أريد منو شيئاً ميماً.
ott
-ىل وجدت واسطة لتدخل عندي؟!
فاجأني تذكرت ماحدث باألمس .تماسكت .نظرت في عينيو حتى أؤثر فيو
أكثر..
-أعرف ماتتكمم عنو ..قمت.
alk
www.alkottob.com
m
-أن تكون معمقاً في اليواء أفضل من أن تكون عمى األرض! ليتني معمق
في اليواء مثمك.
أييا الثعمب ..تتالعب بالكممات ..تدخمني في موضوعات ال أىمية ليا،
o
وتترك الميم .األستاذ خاطر كان يقوم بدور مماثل.
خرجت ..جمست بين الرفاق أسترد أنفاسي وأدخن لفافة بعد تمك المقابمة..
b.c
-رفيق يوسف .قالت فاطمة..
نظرت إلييا..
-أبو الرائد يريدك..
دخمت .تبدلت مالمحو ..أصبح مبتسماً..
-ماذا تريد؟!
o
-كنت أريد شيادة من المنظمة تثبت أنني مبعد أذىب بيا إلى سوريا عمني
أدخل الجامعة..
-البأس..
ott
خرجت مرة أخرى .وبعد لحظات أحضرت لي فاطمة الورقة.
تشيد منظمة التحريرالفمسطينية أن السيد يوسف بن يوسف الياللي كان
معتقالً في سجون العدو مدة ثمانية عشر شي اًر .وقد تم إبعاده إلى األردن عن
طريق غور الصافي .وبناء عمى رغبتو أعطيت لو ىذه الشيادة.
alk
ىذا كل ما أريده منكم ،سأتدبر أمري وأحقق تمك األمنية التي سكنتني طويالً.
وددت أن أضحي بيا من أجل العمل معكم ،لكن ..آه ..ىذه المكن المرة.
w.
ww
www.alkottob.com
o m
-9-
b.c
تشظى الزمن .ظننتو توقف .اندفع الياللي الكبير .وقد تضاءل وانكمش .في
اندفاعو حطم باب الحجرة .لم أعد أراه كما رأيتو أول مرة .انبعث بريق مخيف من
عينيو .تجاىمني وألقى بنفسو عمييا .طوقيا بذراعيو .سعدى حبو الصافي ومالذه
اآلمن .لم يصدق أنيا ستتوارى! ستعود مرة أخرى وسيستمقي في ظالليا .احترمت
ذىولو ولوعتو .كانت حرقتي وانشداىي أكثر .ستتركنا .دخمت دليمة باكية .لمن
o
تتركينا يا أمي .أبكت من في الحجرة .حتى والدتي دفعت بدمعة حارة من عينييا.
أصابتنا جميعاً .كيف حدث ماحدث؟ انيار الرجل العظيم ،انتخب صارخاً:
سعدى ،الحروف التي اندثرت .الضوء الذي خفت .ماليذه األيام السوداء ال تفرز
ott
قدمي وسعدى التي عالجتيا تتبخران في ّ إال م اررة وسواداً؟! األرض التي أحرقت
اليواء .يالنكد الدنيا! سعدى ،عودي إلي! وماذا أفعل أنا؟ ممقى بجانبيا ميمالً.
يعتبرونني القاتل ،وأنا القتيل ،صفعات الزمن المتالحقة تستمقي عمى وجو
أيامنا .أنا وىو ودليمة .عصارة الحزن الصافي .ألم السنين الموحشة .سعدى
مضت .حريق في القمب يمتيم كل األحاسيس .دخل ذيب تتبعو ذيبو .قالت لي
alk
زوجة أخي اآلخر أن ذيب لم يكن عمى وفاق مع والدتي رغم دالليا الزائد لو .كان
يبكي بحرقة وىكذا فعمت ذيبو .ال شماتة في الموت .لمن تتركيننا ياسعدى؟ دليمة
والياللي الكبير وأنا .كانت خالتي تبكي بصمت .أما سكيبو فقد تدافعت يداىا في
محاولة فاشمة الستردادىا .الموت! ىذا الغامض المتربع عمى عرش حياتنا .يختار
ضحاياه بعناية .لم تشفع ليا كل دعواتنا.
w.
www.alkottob.com
m
غوث الالجئين من أغذية كل شير.
تدثر الياللي الكبير بالحزن والحرمان .أيام مضت ثم ّأرقو شبقو ووحدتو
وحرمانو .تزوج بعد وفاة سعدى بأشير قميمة .لم يجد عند زوجتو الجديدة ماكان
o
يجده عند سعدى .الحب ،الحنان ،المرفأ اآلمن ،الوفاء ،القناعة ،وفوق ذلك كمو
االستقامة .أمضى شيو اًر قمقة بعد زواجو .ثم مات حسرة عمى سعادة اندثرت مع
ماسر ىذه الحياة؟ تتوالى النكبات وماعمينا إال االنبطاح تحت وقع سعدى.
b.c
ّ
ضرباتيا .وحيد في صحراء الحياة المترامية .حدثتك عن تمك الصفعة اليائمة التي
ألقتيا ذيبو عمى صفحة وجيي.
-متى؟ سألتو.
-ىل نسيت؟ سألني.
-صيرتني م اررة أيامك! قمت.
o
-وىل في مقدور ىذه الكممات أن تصور طعم تمك الم اررة؟ تستعصي عمي
المغة ،ىذه المخموقة العجيبة! أروع مافييا أنيا ال تموت .بل تتجدد ..أجب
بصراحتك المعيودة ،ىل نجحت في تصوير ماال يصور؟!
ott
-أصدقك القول أنني تداخمت وصورك .أحياناً أشعر بم اررة أيامك.
-أحياناً؟! قال باستنكار..
-أقصد معظم األحيان .وفي بعض األحيان تسمبني من ذاتي بروعة
تصويرك لؤلشياء.
alk
-لم تجب..
-وماذا أقول؟ أترك ذلك لآلخرين ،أما أنا فسأشاركك حديثك.
اخترت زاويتي في أحشائيا بمحض إرادتي ،سعدت ىي الختياري .وبعد أن
غادرتيا أو األدق غادرتني ،اختارت ذيبو زاويتي .منبوذ .كممة صعبة ،لكنيا
تصور حالي بعدما غادرتني .ميمل .ربما قضيت أيامي في تمك الزاوية .كنت
w.
أظن أن ىذه الرائحة الكريية تنبعث من مكان بعيد ،صعقت عندما عرفت أنني
مصدرىا .ازرتني زوجة أخي اآلخر ،استدعيتيا س اًر.
-عساك بخير؟!
سألتني بشفقة ال تخفى عن العين.
ww
www.alkottob.com
m
-ما الذي يزعجك؟
-أريد أن أستحم!
-فمتفعل!!
o
نظرت ليا نظرة عاتبة .فيمتني .حممتني في سمة قديمة وخرجت بي من
المنزل ،وعندما رآىا ذيب ،نيرىا أن تتركني .البد وأن يرى الطبيب .قالت .وأين
b.c
ىو ىذا الطبيب الذي سيراه؟ قال .دعيا تأخذه .قالت ذيبو .لم يتكمم .ذىبنا معاً
إلى منزليا .وىناك استعدت ذاتي التي تسربت مني عبر رائحتي النتنة التي كانت
تتسرب مني ،إني جائع يازوجة أخي الرائعة.
تناولت الغذاء في ذلك المطعم الذي اعتدت أن أرتاده ومحمود النجار .أىي
مصادقة أن أجد تمك الطاولة خالية من رواد المطعم؟! جمست في مقعدي الذي
اعتدت أن أجمس عميو .تذكرتو! إنو ال ينسى .خرجت مسرعاً إلى المنزل .وعمى
o
الباب وجدت ورقة مكتوب فييا "حضرت ولم أجدك أرجو الحضور إلى منزلي
مساء .أبو الييثم ،أقفمت زاوية التفكير فيو وفي الرسالة .فتحت باب أحالم
ً اليوم
اليقظة ..الجامعة ..كمية الطب ..وأن كان من الصعب تحقيق ذلك فكمية اليندسة.
ott
ىندسة الطيران .المطار والطائرات والسروال القصير والعمل الجاد .فأنت
مسؤول عن أرواح مئات بل آالف من البشر .سماعة الطبيب المدالة عمى صدرك
وذاك المريول األبيض .والوطن ..أو اشتريو؟! عجبت ليذه الكممة ..الوطن! بقعة
من األرض ومنزل ..ال ..ال ليس ىذا ىو الوطن ..ماىو إذن؟! ذاك الرباط
السحري بقطعة األرض التي أنت عمى استعداد ألن تنساب دماؤك في سبيل
alk
الدفاع عنيا.
أىذا ىو الوطن؟! ولماذا حدث ماحدث؟! لقد سالت الدماء وضاع الوطن.
عندما أمرك الجندي ورفاقك أن ال تمتفتوا لمخمف ،كنت سعيداً ..نعم كنت كذلك..
ظننت أنيا فترة مؤقتة بعدىا نعود" ..صيغة الجمع ..من نحن؟! ال بأس" ..إليو..
كما كان يعتقد والدك الياللي الكبير وآالف مثمو ..أو ستقضي حياتك تنتظر تمك
المحظة!! آه المحظة وغاده كانت لحظات تكون جزءاً من حياتي .نسيتيا ال ..لن
w.
أنساىا ..ىي في مقمة العين ..أظنيا تتذكرني كمما سارت في ذلك الشارع
الطويل!! من يعمم ..إنيا الوطن ..تمك الروابط السحرية التي تربطني بيا ىي
مايربطني بالوطن ..والوطن نحبو كما يقولون ..ستعود طبيباً أو ميندساً ،وستبني
ذاك البيت الذي حممت بو كثي اًر ..لم أنتبو لوصول عاطف من المدرسة ،فتح الباب
ww
www.alkottob.com
m
-مرحباً ..قال.
فاجأتني في خموتي .أيقظتني من أحالمي..
-أىالً بعاطف..
o
-ألم تخرج؟!
-بمى ..لقد خرجت وذىبت إلى صاحبك..
b.c
-من ىذا الصاحب؟!
-أبو الرائد..
-تشاجرتم..
-ليس تماماً..
-إذن ماذا؟!
o
-طمبت منو شيادة من منظمة التحرير تثبت أنني مبعد..
-وىل حصمت عمييا؟
ott
-نعم..
-ماذا ستفعل بيا؟!
-سأذىب إلى دمشق وأحاول دخول الجامعة..
-خطوة جيدة..
alk
أعمم أنو يتناول طعامك الغذاء خارج المنزل ،ىذا اليوم لم يفعل .بدأ يعد
طعامو .ساعدتو .وعندما انتيى تناول غذاءه وحده وذىبت ألنام.
في المساء خرجت .مخيم الوحدات ىو وجيتي .لماذا أسموه جميورية
الوحدات؟! ال أدري ،لكني كرىت تمك التسمية .مخيم الوحدات يحمل تمك المعاني
التي نقاتل من أجميا .لكنيم مصممون عمى استثارتيم ،ولقد نجحوا .وصمت ولم
تخن ذاكرتي في الوصول إلى منزل أبي الييثم .طرقت الباب.
w.
www.alkottob.com
m
-كل مافي األمر أنني تسممت رسالة من ابن خالك في السعودية.
-وكيف عرف أنني ىنا..
-يبدو أن خالك أرسل لو..
o
تناولت الرسالة .كانت ال تزال مغمقة .أعجبني تصرفو .فتحتيا وقرأت
ماأسعدني..
b.c
عزيزي يوسف.
اليوم عممت من والدي أنك في األردن بعد أن قضيت مدة طويمة في السجن.
أعرف أنك ممتاز في الدراسة .وعميو فإنني مستعد ألن أرسل لك مبمغاً شيرياً إذا
دخمت أية جامعة.
تمنياتي لك بالتوفيق
o المخمص
ابن خالك
محمد النزيو
ott
سعدت بالرسالة ،أتت في وقتيا .سممتيا ألبي الييثم ليقرأىا ،انفرجت أساريره.
قدميا لزوجتو التي ابتسمت قائمة.
-ىذه فرصة أتتك من السماء .ال تتردد يايوسف.
-أنا فعالً سأسافر إلى دمشق خالل يومين.
alk
-لماذا لم تخبرني؟!
-كنت سأزورك ىذا اليوم وأقول لك..
عشاء فاخ اًر .دخنا
ً كانت زوجتو قد أعدت العشاء .ىو يحب المحوم ،فكان
بعده عدة لفائف مع فنجانين من القيوة والشاي.
-مايدور يا أبا الييثم في عمان شيء خطير.
w.
يتربصون بنا ويتصيدون أخطاءنا ..ثم ماذا؟! أما من رجل ذي بصيرة يرى
- 020 -
www.alkottob.com
m
المستقبل ويقرؤه؟! ويجنبنا الكارثة .أبو الييثم ،بعد اعتقالو سار مع التيار .دمشق
ىي اليدف! قادم أنا ..ال أستطيع أن أعيش وسط الماء اآلسن! الرحيل الرحيل..
غادرتيم وذىبت إلى منزل فاطمة استعداداً لدرس المغة .لم أجد سيا ىناك.
o
خذلتني مشاعري ،فعرفت فاطمة مايدور في رأسي.
-ستحضر ..قالت.
b.c
تغابيت .أحياناً ينقذ الغباء صاحبو.
-من؟! قمت.
-ألم تتوقعيا ىنا؟!
-من؟!
-ال تتغابى!
تممئ السماء ،وغيمتي اليادئة تتيادى عمى الوجو ناعم القسمات ،غاده بجانبي..
تسربت داخمي وتسربت داخميا ،نستمتع برائحة األرض المبممة بماء المطر .برودة
الطقس تدور بأرواحنا بعيداً بعيداً في فضاء بال نياية .تسمبنا إحساسنا بما حولنا.
اقتربنا من شجرة البرتقال .جاورناىا .امتدت يدي تقطف إحدى البرتقاالت المبممة
بماء المطر .قطفت واحدة أخرى .عدنا إلى مدخل المنزل .قطفت وردة حمراء
فاقعاً لونيا .رائحتيا الزكية تسممت إلى رئتينا .اقتربت من الغيمة المسكونة
w.
باألسرار.
قابمتني .وضعت يدي عمى كتفييا ،لم أتكمم .سبحت في بحر عينييا.
يالمجمال اليادئ .يضاىي جمال الطبيعة الشتوية .فكرت لنفسي .المست يداي
وجنتييا.
ww
ىادئة كمالمحيا .تحركت يداىا .احتضنت يداي .اقتربت مني .اقتربت منيا.
- 022 -
www.alkottob.com
m
تاىت في أعماقي .تيت في عطرىا القادم من غيمتيا.
-غاده!
-ال توقظني..
o
-ظننت أنني أنا الذي فقد إحساسو بالزمن والحياة.
-ال توقظني!
b.c
-ومن يجرؤ عمى ذلك؟!
-ال توقظني!
-أرافقك ..أستظل بغيمتك ..أسبح في سحر عينيك ..أنت أيامي..
-أنت كل شيء في حياتي..
ومضت األيام ..وفي الشتاء التالي ،خرجنا من المنزل ..أوس خمفنا" .عد إلى
o
الداخل" .ىمست لو ..لم يمتفت ليا ..تابعنا تجوالنا ..زىرة أيامنا ..ذىبنا إلى شجرة
البرتقال ،قطعنا برتقاليتين ..قدمت ليا وردة ..قطف أوس وردتين ،قدم األولى
لغاده والثانية أىداىا لي..
ott
ال زلت مستمقياً عمى السرير .مبيو اًر بحممي وبحياتي .ما أعذبو .ما أعذبيا.
والوطن؟! ىو غاده وأوس ،تمك الروابط الخفية ،الوطن الفكرة التائية .ندور حوليا،
نحاول التقاطيا .خمف الجبل ،كما تقول فيروز .واأليام تسقيك عمقميا وأنت خمف
الجبل .من أين أتى ىذا الوباء؟! عالجو!! وأنت خمف الجبل؟! ومشاكل مخيم
جرش!! من يحميا؟! أتركيم يفعمون دخنت لفافة تبغ .لفني دخانيا .غرست األفكار
alk
في رأسي .غاده وأوس وشجرة البرتقال والشتاء والبيت الريفي .نيضت .ىل حقاً
ذىبت إلى السينما؟! سألني ذيب .لم أجب .دلقت كل مافي جيبي من نقود بين
يديو .كان في لباس ذئب ولم يكن في مقدوري إال أن أفعل مافعمت.
بدأ يومي .لحظة ال أحس بيا .لحظاتي كانت ىناك خمف الجبل .فنجان
القيوة والمفافة .ىذه المفائف المعينة ،ال أستطيع تركيا .تنغرس بي شفتي بتمقائية
w.
www.alkottob.com
m
الرصاص ..والذين خمف الجبل؟
-يوسف..
صحوت عمى من يناديني ...نظرت إلى السماء ..غيوم كثيرة تتجول في ىذا
o
الفضاء الالمتناىي ..ىل عادت من الالمكان لتصحبني؟! وددت لو تشاركني تمك
القطعة التي اشتريتيا بكنز ذيبو.
b.c
-يوسف..
صوت قادم من األرض ..تجاىمت الغيوم ..التفت إلى مصدر الصوت..
رأيتو أحمد السمفيتي رفيق سجن ىادئ ..عضو حزب العمل ..أي حزب ىذا؟!
جاد وذكي ..مثقف ..رافقتو شيو اًر عدة في سجن نابمس .تعاطفت معو ليمة أن
صحونا عمى صراخ شاب لعوب بدأ يضربو بشدة مدعياً أن أحمد حاول اغتصابو.
ال يمكن أن يعمميا .قال الرفاق ،وأنا أعتقد ذلك ،بدأ يميل إلي ويحدثني عن حزبو
o
صارم االنضباط .اتجيت نحوه ..أخذني باألحضان..
-أين أنت يارجل؟! سألني..
ott
-في دنيا اهلل الواسعة..
-متى خرجت؟
-في السابع عشر من أيمول.
أخذني إلى مقيى نسيت اسمو ..طمب لنا فنجانين من القيوة .قدمت لو لفافة.
اعتذر .ال يدخن قال .وتحدثنا كثي اًر .ثم دعاني إلى الغذاء في منزلو .ذىبنا معاً.
alk
-ولكني فضمت الذىاب إلى سوريا ،سأحاول دخول الجامعة ىناك ،فأنا ال
يمكن أن أشارك في ىذا العبث الدائر ىنا.
-حسناً فعمت؟؟
وطال حديثنا عن السجن وأيامو .السجن أكثر أمناً من ىذا المكان .قمت
ww
www.alkottob.com
m
لنفسي .وظني أن ىذا ىو رأيو .ثم أعطاني اسم مسؤول لحزب العمال في دمشق
وأوصاني أن أزوره وأقارن بنفسي طريقة العمل .أعطاني رقم ىاتفو .كما أنو طمب
وعدتو بأنني سأزور الرجل
مني أن أحضر لو كتاب النظام الداخمي لحزب العملّ .
o
وأحضر الكتاب .استأذنتو وانصرفت .شوارع عمان ضيقة .تضيق بالناس وتكتم
أنفاسيم .أحببتيا .أشعر بوحدتي وسطيم .تابعت سيري بال ىدى حتى اشتكت
مساء .عاطف يتناول طعام عشائو.
ً قدماي .ذىبت إلى المنزل .الساعة الثانية
b.c
تركت جسدي يتيالك عمى مقعد في الشرفة أحضر عاطف كأسين من الشاي .مع
لفائفنا ورشفات الشاي والصمت قضينا وقتاً طويالً.
-سأذىب غداً إلى دمشق ..قمت.
-قرار ال رجعة عنو!
-ال رجعة عنو .قمت.
وفي صباح اليوم الثاني وضعت مالبسي في حقيبة وحممت معطفاً عمى يدي
وغادرت المنزل .كان عاطف قد ذىب إلى المدرسة .ترك لي ورقة مكتوب فييا
بعض عبارات الوداع الجميمة .كتبت لو عمييا" :.أطمب من اهلل أن يوفقك .إلى
المقاء أييا الصديق" ..أقفمت الباب واحتفظت بالمفتاح معي .الساعة العاشرة
والنصف صباحاً .ال بأس إن ذىبت إلى فاطمة أودعيا فعمت.
w.
www.alkottob.com
m
-أىالً سيا..
-أرى حقيبتك منتفخة بالمالبس.
-سأذىب إلى دمشق..
o
-حقاً..
-حقاً..
b.c
رافقتني حتى السيارات الذاىبة إلى دمشق .ألقت بيدىا بين يدي .اقتربت
مني .استنشقت رائحة عطرىا ..ال تضاىي رائحة عطر غاده ..فكرت .اقتربت
مني حتى أحسست لمحظة أنيا ستقبمني ..ابتعدت قميالً .انتيبت إلى أن الناس
حولنا يرمقوننا بأعينيم..
-ليوفقك اهلل ..قالت ثم غادرتني..
o
وضعت حقيبتي في السيارة ..جمست في المقعد األمامي بجوار السائق.
المقعد الخمفي كان قد امتؤل بالركاب .جاورتني امرأة في مقتبل العمر .صاح
السائق..
ott
-أبو جاسر ،نحن مستعدون وسننطمق..
-رافقتكم السالم.
الساعة العاشرة صباحاً .سجن غزة العسكري .نرتب األغطية ونبدأ في
تنظيف الحجرات بالماء والصابون ،بعض المساجين ينظفون الممر أمام حجرات
السجن .صاح عسكري في مكبر الصوت ..كل من يسمع اسمو يحزم أغطيتو
alk
ويستعد لمنزول إلى ساحة السجن .أسماء كثيرة تناقمتيا أجيزة التكبير بينيا اسمي..
يوسف بن يوسف الياللي ..حممت أغطيتي ،وبدأ قمبي ينبض بسرعة .أمسكت بو.
لم يمتفت لي .صحت بو أن أىدأ .لم يأبو بي مرة أخرى.
تجاىمني .وىكذا فعمت أنا .أومن الممكن أن يطمقوا سراحي؟! لم يوجيوا لي
أي تيمة حتى اآلن .ولم ال؟! فاروق وعبد الكريم لم يمكثا في السجن سوى أيام
w.
معدودة .لكني لم أتكمم عنيم كممة واحدة .حتى أنيم لم يستجوبوىم .أما أنت
فاعترف عميك خميل أبو خديجو .وعرفت بعدىا أنو مسؤول الجناح العسكري
لممنظمة" ..تشجع" ..قال أحد رفاق السجن .ربما إفراج .وربما نقل إلى سجن
آخر ..دارت أفكاري ودارت بي الدنيا ..حدسي أنيا الثانية ..سرت مع اآلخرين.
وصمنا إلى ساحة السجن .سممنا أغطيتنا .اصطفننا أمام جدار طويل..
ww
www.alkottob.com
m
"وجيك لمجدار".
صاح أحد الجنود ..امتثمنا لؤلمر ..أوثقوا قيودنا .كل سجينين ربطا معاً .ثم
أدخمونا سيارة السجن السوداء .غموا أعيننا برباطة سوداء .تحركت السيارة..
o
محشورين فييا كخراف العيد .باب حديد يفصل بيننا وبين حارسين بأسمحتيم.
سارت السيارة بسرعة معقولة .أحسست طريق غزة بيت حانون .نحن عمى مشارف
القرية.
b.c
توقفت السيارة لمحظات .البد وأننا في حاجز أيرز .تمك النقطة الفاصمة بين
الذي استولوا عميو سابقاً وماضموه الحقاً .تحركت السيارة ..كم مضى من الوقت؟!
ال أدري!! ولماذا أسأل؟ أخي اًر أبطأت .دخمت سجناً جديداً .نزلنا ونحن نجر قيود
أقدامنا وأيدينا..
-رأسك في األرض ياكمب ..وألقى بيده عمى رقبة أحدنا..
o
نزلت رؤوسنا فوق صدورنا .ركمني أحدىم بقدمو .ضرب جندي آخر سجيناً
بعصا غميظة .ثم تيافتت عمينا الركالت والشتائم" ..أنت في سجن عسقالن يا
كمب.."..
ott
سرنا في طابور ..الزالت رؤوسنا مداللة عمى صدورنا ..عندما وصمت..
-اسمك..؟!...
-يوسف..
اصطدمت يد غميظة بوجيي..
alk
وال يزالون في ىذا البحر ..واال مامعنى مايحدث اآلن؟! ليس ىنا ..ولكن في كل
مكان..
استممت أغطيتي ..وقادنا عسكري إلى إحدى حجرات سجن عسقالن .كانت
حجرة نظيفة تحتوي عمى حمام نظيف أيضاً .وضعت أغطيتي في مكان ما .قال
ww
لي "شاويش" الحجرة وىو سجين قديم يختاره السجناء لقدمو وأخالقو..
- 027 -
www.alkottob.com
m
-ضع أغطيتك ىنا..
-ولماذا ليس ىنا؟! سألت..
-أرجو أن تضعيا ىنا..
o
فعمت .بعدىا بمحظات صاح الشرطي "فسحة" خرجنا .درنا في ساحة السجن
مدة نصف ساعة ،ألقى عمينا الشاويش "خنجر" تعميماتو أثناء دوراتنا.
b.c
-يديك خمف ظيرك .رأسك في األرض .ال تتكمم مع أحد.
وىكذا كان ..عدنا إلى حجرة السجن ..كانت أغطيتنا متناثرة في كل
األنحاء" ..طبل" شرطي الحراسة في طابقنا نثرىا ..قال إنيا غير مرتبة جيداً" ..يا
سبحان اهلل ..يعمموننا الترتيب"..
-ماذا تحوي حقيبتك؟!
o
سألني الجندي ونحن في نقطة العبور إلى سوريا.
-مالبس..
-فقط..
ott
-فقط ..قمت ..واذ بي أسمع أسمي..
-يوسف الياللي ..يوسف بن يوسف الياللي ..انتيبت ..رفعت رأسي..
فاجأني السائق..
-ىل أوراقك صحيحة؟!
alk
-أظن ذلك..
-إذن ال تخف..
-دخمت حجرة فييا رجل بمالبس مرتبة ..دققت النظر في وجيو .إنو
كذلك ..قمت لنفسي .متجيم ..االبتسامة بعيدة عن شفتيو بعدنا عن عمان.
-اسمك؟! سألني..
w.
www.alkottob.com
m
-إلى أين ذاىب؟!
-إلى دمشق..
-ماذا ستفعل ىناك؟!
o
-سأحاول دخول الجامعة.
-من توسط لك؟!
b.c
وبدون تردد قمت "اهلل" نظر إلي طويالً .قرأني.
-رافقتك السالم .قال.
الحمد هلل .نجوت ..وممن أخاف؟ ذاك الجندي عند معبر أيرز قال لي "لماذا
ال تدرس في الخارج؟" وعندما أجبتو كيف قال خارج الكمية ..إذن أنت تدرس في
الخارج ..ولم يفتح حقائبنا ..غادرت الحجرة ،وأنا راض عن نفسي ،قمما رضيت
o
عنيا ..عندما صرخت في أبي الرائد بأن ىناك واسطة ..ىنأت نفسي عمى جرأتيا.
ندمت .انيمت بسياط التقريع عمى تمك النفس المندفعة .لو كنت توددت إليو .ربما
حصمت عمى منحة دراسية .سأكون مديناً لو مدى عمري ..ذىبت إلى السيارة.
ott
كان السائق قد التقط حقيبتي ووضعيا في الداخل .وعندما رآني تيممت أساريره..
دسست نفسي بجانبو .جاورتني تمك المرأة الغامضة والصامتة .وانطمقنا إلى نقطة
الحدود األخرى عمى الجانب اآلخر.
-كم الساعة اآلن؟ سألت المرأة..
-الواحدة بعد الظير.
alk
www.alkottob.com
m
-نظر إلييا طويالً ..قرآىا ..إبراىيم حمدي كان االسم ،والمينة ..مبعد من
األرض المحتمة..
-متى أبعدوك؟!
o
-منذ ستة أشير.
انطمق بما يحممو إلى مبنى قديم .نزلنا من السيارة وجمسنا تحت شجرة
b.c
ظميمة ..غادرنا رفاق السفر الثالثة ..بقيت أنا والمرأة الغامضة معاً ..ثالثنا كان
الصمت ..لحظات ..وذىبت إلى مقيى بالقرب من مبنى الجوازات .اشتريت شراباً
وبعض األطعمة لممرأة ولي..
-ماكان يجب أن تشغل بالك بمثل ىذه األشياء .قالت.
-شيء بسيط ..قمت..
ترددت لحظات ،ثم قبمت ماقدمتو ليا .بدأنا نأكل والصمت معنا.
تصر عمى أن يجمس ّ
o
في مطعم كمية بير زيت كانت المسؤولةعن الطعام
كان طالب بجانب طالبة .يوميا ولممرة األولى جاورت غادة خارج الفصل.
ott
استرقت بعض النظرات إلى وجييا فصحت في سري "سبحان الواىب القيار ..كل
ىذا الجمال ..وجو مالئكي "..أطمقت عمى شعرىا فاحم السواد لقب "الغيمة المثقمة
ببخار الماء "..وكانت رائحة العطر المنطمقة منيا قد امتزجت وأفكاري التائية.
-ماىذا الطعام؟! سألت وأنا أحاول أن أتذوق أوراق المموخية المطبوخة .لم
أعتد أن أتناوليا عمى ىذه الصورة.
alk
بداية التعارف إلى فالح في طريقو إلى غيمتيا التي تواظب عمى إروائيا بالندى
- 031 -
www.alkottob.com
m
ذي الرائحة الزكية.
قال عبد الكريم:
-الحظتك وأنت جالس بجانبيا ...كانت ألوان الطيف تتابع عمى وجيك لون
o
بعد آخر .قمت لنفسي ترك يوسف ذاتو فتاىت منو ..حاول أن يمتقطيا ففشل
مرات.
b.c
قالت المرأة الصامتة:
-من أين أنت؟!
-من غزة..
صمتت لمحظات ..شردت نظراتيا ..أيقنت أن رديف ابن غزة ىو المشاغب
وصانع المشاكل ..آثرت الصمت عن أن أدفع صفة لم أظيرىا..
قالت والم اررة تتقافز ليس من عينييا فقط ولكن من كل أجزاء جسدىا.
-إنو شييد .قمت مواسياً.
-ال أعرف إن كان كذلك؟!
شدىت..
-ماذا تعنين؟!
w.
كان شييداً وماذا يكون إذا لم يكن كذلك وأبو الفحم ىو شييد لقد قاتل العدو وماذا
- 030 -
www.alkottob.com
m
عن محمود النجار قتل بعد شيور من إبعاده قتل أم استشيد قتل أم استشيد ىذا
ىو السؤال نعم وأنا أكره أن أعيش وسط الماء اآلسن ىذه ىي الشيادة التي طمبتيا
قال أبو الرائد يقال أن الدوالرات تمؤل منزلو أنو ثائر والثائر ال يجب أن يجوع وأن
o
قتل برصاصة طائشة أىو شييد تمنيت أن ينفجر لغم أسفل المجنزرة التي ألقاني
فييا الجنود في الوضع منبطحاً عمى بطني ولم يحدث وماذا لوحدث أكنت شييداً..
-كرىت ذاك القتال العدمي .قالت.
b.c
أفقت عمى صوتيا واأللم يصبغو ..وأنا كرىت ىذه العدمية..
-متى حدث ذلك؟! سألت؟
-أييما الكراىية أم حادثة القتل؟!
-األخيرة..
-منذ شيرين.
يصر عمى أن يرافقني ،وأناّ
o
في الوقت الذي غادرنا فيو محمود ..ومحمود
أرغب في ىذه الرفقة ..صاحب أخالق ومبادئ ،لكنو لم يقتل وىو يقاتل العدو..
ott
-رحمو اهلل..
-فميرحمنا جميعاً..
استقبمنا الصمت ..إنو ضيف خفيف الظل ..أخرجت لفافة .ترددت في أن
أقدم ليا واحدة .قررت .قدمتيا ليا .قبمتيا .وأخذنا ندخن..
alk
صحونا من إغفاءتنا عمى صوت السائق يصرخ أن ىيا سننطمق ..لقد أنجز
كل شيء ولم يستغرق العمل وقتاً طويالً ،ربما كان طويالً ولم نشعر بو حيث كنا
مستغرقين في مناجاة مايحدث .ساعدتيا عمى النيوض .احتوتنا السيارة وانطمقت
من جديد في طريقيا إلى دمشق.
قال مصباح والدموع تتساقط من عينيو:
ww
www.alkottob.com
m
-ضاعت دمشق ..استفردوا بيا ..لك اهلل ياعاصمة األمويين ..يقذفونيا
بآالف من قنابل النابالم..سقطت مصر ،وجاء دور سوريا ..كنت أستمع لو والنار
تشتعل في داخمي ...لم ال؟! ولقد كانت كارثة مفاجئة لي عندما عممت أن
o
الجوالن سقط بيذه السرعة.
بالد الشام ومعاوية ..من ىنا خطا خطوتو األولى ..من ىنا سار عبد الممك
بن مروان .دمشق عاصمة األمويين .دىاء معاوية وعدل عمر .وجيش أولو في
b.c
الكوفة وآخره أين؟ في دمشق ..بوابة المدينة ..شارع متجمل بصفين من األشجار
دائمة الخضرة ..جميمة ىذه الدمشق ..من مخيم جباليا إلى عمان إلى دمشق رحمة
طويمة..
-ىاقد وصمنا .قال السائق.
ساحة المرجة ..قمب المدينة ..تاىت نظراتي في أنحاء محيطي ..الناس ىنا
o
أقل تجيماً منيم في عمان ..غريب في المدينة ..شعرت بغربتي ووحدتي..
التجأت إلييا والى صمتي ..أنزلت حقيبتي من السيارة ..ساعدت المرأة الصامتة
التي تتمتع بمسحة من الجمال..
ott
-كيف يمكن أن أساعدك؟! سألتيا..
-أشكرك فأنا أعرف طريقي..
-إلى أين؟!
-مخيم اليرموك..
alk
-رافقتك السالمة..
-إن قذفتك األيام إلى ىناك فاسأل عن الحداد أبو عامر ،أنا ابنتو ،قالت..
-مع السالمة..
غادرتني ..تابعتيا وىي توقف سيارة ..تدخل فييا ،وتضيع وسط الزحام..
استطالت ظالل المباني العالية .اختفت الشمس ،تقضي لحظاتيا األخيرة في
w.
قديم.
- 033 -
www.alkottob.com
m
.اتجيت إليو
o
o b.c
ott
alk
w.
ww
- 034 -
www.alkottob.com
o m
-11-
b.c
تمدد الياللي الكبير عمى فراشو يئن ويتألم .وقف ذيب بجانبو بال حول وبال
قوة .بحث في جيوبو عن بعض النقود .لم يجد مميماً واحداً .أخذ ينتحب ويطمب
المساعدة .نظر إليو الياللي الكبير عاتباً ومقرعاً .كانت نظرة ذيب معتذرة .ال
يممك نقوداً كي يحممو إلى المستشفى .كنت أسمع الصراخ المتواصل من دليمة
وزوجة الياللي الجديدة .حممتني زوجة أخي اآلخر أللقي نظرتي األخيرة عمى
o
الرجل الذي انيارت قواه ولم تعد لديو قوة لمقاومة المرض .كان صراخ ذيبو عالياً،
وأظنو لم يكن من القمب .لقد كان قاسياً عمييا .كانت متمردة وترغب عن ذيب.
يصر عمى زواجيا من ذيب طمعاً في ىي ابنة عمي .وكان الياللي الكبير
ott
ّ
أرضيا التي استولوا عمييا ضمن دولتيم الجديدة .كان المسكين يحمم بالعودة.
أصبحت وحيداً اآلن ،ذاك الغصن الذي ربما استظميت بظمو تالشى واندثر.
لفظ أنفاسو األخيرة .كان حزن أخي اآلخر كاسحاً .إنو ابنو البكر من خالتي أخت
أمي التي توفيت بعد والدتو .ضخم الجثة كوالده .طويل القامة مثمو .مييب الطمعة
ذو شخصية ساحرة .نظرت إلييم جميعاً .تفحصتيم .تآكل جذع الشجرة ،وماعميك
alk
إال أن تواجو الحياة عارياً .تصرخ دليمو من أعماق أعماقيا .أنيا تكبرني بسنوات
ويبدو أنيا قدرت حجم المأساة وماستالقيو من عذاب في ظل ال ظل لو.
كانت ظنونيا صادقة .كأميا تعاف نفسيا األشياء إن شكت في نظافتيا.
عندما أنيت ذيبو طبخ بعض الخضار .سقط في الحمة ديك من تمك التي تعتني
بيا في المنزل .عادت.
w.
أنا باستمتاع .صمت الجميع .انطمقت نظرات ذيبو نارية ،متحدية وصارخة.
- 035 -
www.alkottob.com
m
-يافتّان! قالت دليمو..
-كان عميك أن تحافظي عمى الحمة نظيفو .صرخت ذيبو .أما أن تقضي
وقتك عند زوجة أخيك اآلخر ،فيذا ماال أقبمو..
o
تناثرت االتيامات من ذيبو والدفاع من دليمو .كادت األمور تصل حد
التشابك .باأليدي .تدخل ذيب وقذف بصحن الحساء في سقف الحجرة صارخاً فينا
b.c
جميعاً أن نصمت ..كان نصيبي بصقة في الوجو وصفعة قوية من أحدىم ،ىربت
عمى أثرىا إلى منزل أخي اآلخر.
-ماذا حدث بعد ذلك؟ سألتو بأسى؟
-تقاطعني في المحظة التي أود أن أسترسل فييا فتقطع حبل أفكاري .نفذ
صبرك.
-ال ..ليس كذلك..
o
عدت من رحمتي إلى نفسي ،تائية في شوارع ضيقة ،كرىت البقاء في
المنزل .تتقاذفني جمرات التأنيب والسخط واليوان .ضمرت شجرتي ،فأصبحت
ott
حر الشمس الالفح .أما دليمو فقد أنقذىا زواجيا من العوم في الماء
عارية تحت ّ
اآلسن .اندلقت األوساخ عمى جسدي وحدي .أخذت أئن تحت وطئتيا .ثقيمة كانت
ذات رائحة نتنة .صبري فاق كل الحدود .عندما يضيق صدري .أنفجر محطماً كل
ما أمامي .أستعيد ىدوئي ،أندم ،مضى زمن الندم .أحمل أثقالك وارحل..
حجرة رقم " "01أدرت المفتاح وأضأت النور ..حجرة صغيرة منظمة وسرير
alk
عميو مالءة بيضاء نظيفة ..ألقيت حقيبتي في دوالب نصف ميترئ ،لكنو صالح
لالستعمال ..جمست عمى مقعد مقابل طاولة صغيرة ..تخمصت من حذائي،
صحوت عمى صوت نسائي ...ىيا "أسرع" ألقيت نظرة خاطفة ..آه الباب مازال
مفتوحاً ..ذىبت ألغمقو فالتقيت وجسد نصف ممفوف بمالءة حمراء ..غزتني
بنظراتيا ..رجل يأتي إلييا مسرعاً حامالً فوطة حمام يسمميا ليا ..لم تيتز عندما
رأتني ...كانت جريئة.
w.
www.alkottob.com
m
أقفت باب حجرتي ثم عدت إلى ماكنت فيو ...استمقيت عمى السرير..
وحاولت أن أنام..
قال ذيب:
o
-ىيا ارتد مالبسك ..سنذىب إلى خان يونس لنسمم عمى أختك وزوجيا..
وأين ىي تمك المالبس التي سأغيرىا؟! بحثت عن قميص طار لونو ،لكنو
b.c
نظيف ،ولم أجد سرواالً أرتديو فاقترح ىو أن أبقي عمى سروالي .بحثت عن شيء
يقيني سخونة األرض فمم أجد .أعارني ابن أخي ذاك الشيء الذي يقولون عنو
"شبشب" ،ىذه المرة لم تنعتن ذيبو بالحرام ،ألن ابنيا أعارني إياه .وىناك سممت
عمى دليمو بح اررة وعمى زوجيا صالح .كان ىمي أن أستمم ىديتي وربما قرشاً أو
قرشين من صالح ..فيدي لم تقبض عمى تمك األشياء المعدنية منذ مدة طويمة..
استمتعت بالغذاء حيث كانت دليمو تقدم لي قطع المحم ألتناوليا .بعد ساعتين
o
رفضت صحناً ممموءاً بالمحم قدمتو لي .كرىت أن أقدم عمى عمل كانت ذيبو
تفعمو إما البنيا أو لزوجيا .رفضت رجاءىا .وتناولو ذيب بشراىة فيو من محبي
المحوم وتوابعيا ..مكثنا أياماً قميمة وحينما حان وقت الرحيل درت حول دليمو
ott
وصالح .لم أحصل عمى ماحممت بو من نقود ..أما اليدية فكانت قطعة قماش
خاطيا ابن خالي بنطاالً وبعد غسيمو لممرة األولى لم يعد جسدي قاد اًر عمى
الدخول فيو .تمقفتو ذيبو ،وال أدري أين ذىب بعد ذلك..
اغتصبت النوم .فنمت ،سرت نائماً إلى تمك اليوة العميقة .نظرت إلى القاع،
لم أتبينو .ارتعشت أطرافي من الفكرة ،دفعتني يد قوية من الخمف فسقطت .أخذت
alk
أىوي بسرعة جنونية .التقطتني يد بارزة العروق .ارتحت وتمك اليد عمى فرع شجرة
نبتت في حائط اليوة .حاولت أن أرى وجو صاحب اليد .لم أستطع ..شكرتو عمى
إنقاذي ..لم يتكمم ،بقينا طويالً عمى فرع الشجرة تمك .أتحدث أنا ويصمت ىو.
وعندما أدير رأسي محاوالً رؤيتو أصطدم وبعض األوراق المستديرة الكبيرة
التي لم أر مثميا من قبل .أخي اًر قذفني إلى حافة اليوة وصرخ "كن حذ اًر في المرة
القادمة" سأحاول" ..قمت"....
w.
صحوت مبك اًر ،تناولت طعام إفطاري ..اإلفطار الدمشقي لذيذ ،صحن من
الحمص وبعض المقبالت ..دخنت لفافة في المطعم .غادرت .سألت أحد المارة
عن مكان مكتب منظمة التحرير في دمشق .اعتذر بأنو ليس من دمشق .سرت
عمى غير ىدى .سألت أحدىم نظر إلي..
ww
www.alkottob.com
m
-فمسطيني ؟ سألني..
-نعم!!
-من أين؟!
o
-من غزة..
صافحني بح اررة..
b.c
-أنا من غزة أيضاً..
تشجعت..
-إذن رافقني إلى المكتب..
وصمنا ىناك .دخل معي .سألت عن المدير فعرفت أنو من سكان مخيم
جباليا .كان مدرساً ىناك .وىو يعرف ابن عم لي ..طمبت مقابمتو .أدخموني عميو.
o
مكتب جيد التأثيث .نظرت إليو عرفتو ...كثي اًر ماكنت أستمع إليو في الحفالت
والندوات التي كانت تعقد في نادي جباليا الرياضي الذي أنشأتو وكالة الغوث.
كانت ىناك مجموعة من الرجال لم أتعرف عمى أي منيم.
ott
-السالم عميكم..
صافحتو ومجموعة الرجال .جمست عمى مقعد بالقرب من اآلخرين...
-ىل من خدمة؟!
ىاىي إحدى المحظات التي ستذكرىا كثي اًر .إما أن تبتسم لك األيام ..واال
alk
www.alkottob.com
m
-ىل بإمكانك الحضور إلى القيادة القومية لحزب البعث غداً؟! سألني..
-بالتأكيد أو تعطيني العنوان؟!
وصفو لي..
o
-غداً سأكون عندك الساعة السابعة صباحاً..
-ال ..التاسعة أفضل..
b.c
-اتفقنا..
تقافزت كل دمائي إلى وجيي فغدا مورداً ..انطمقت أحاسيس الرضا من
عيني ،خرجت بعد أن صافحتيم جميعاً ،من ليفتي اصطدمت وأحد المقاعد ّ
الخالية .عرفوا مقدار ليفتي عمى دخول الجامعة .فقال أحدىم.
-سيتحقق أممك إن شاء اهلل..
o -أشكركم..
عندما نظر إلي ذلك الغزاوي ،عرف أنني نجحت .لكنو أراد أن يتأكد..
ott
-ماذا فعمت؟
-خطوة أولى ناجحة..
-أين تسكن؟!
-في فندق سوريا الكبير..
أوصمتني إلى ىناك .ودعني عمى أمل أن نمتقي في المستقبل .أعطاني
alk
اسمو .لكني نسيتو ،ولم نمتق بعد ذلك أبداً .ربما قابمتو ،لكني لم أتعرف عميو .ولم
يتعرف ىو عمي.
تمددت في سريري .مرات قميمة ىي التي رضيت فييا عن نفسي .لحظات
وبدأت طعنات خفيفة من الندم تتقاذف حولي ...أما كان من المياقة أن تدعوه
لمغذاء معك؟! كنت تعرفت عميو أكثر!! ياناكر الجميل!! حاولت أن أتقي تمك
w.
شاىدتيا أمام الحمام .أطمت نظراتي إلييا ..جميمة ..مغرية ..تحركت رجولتي..
- 039 -
www.alkottob.com
m
حاولت كبحيا ..ىاجت ..اصمت أيتيا المعينة ..آن لي أن أنطمق..
شجعتني..جمست بجواري ..طمبت فنجاناً من القيوة" ..أما من لفافة أجنبية؟!"
سألت واتجيت بعينييا نحوي ..شعرت أنيا تطمبيا مني .قدمت ليا واحدة ..أخذتيا
o
شاكرة..
-من أين؟!
b.c
ولم ىذا السؤال الذي يفجر أحاسيسي ..لم تغادرني غزة لحظة ..أحتضنتيا
في قمبي .أسكنتيا مقمة عيني .أو أتركيا لحظة؟! ال كنت إن فعمت!
-من غزة..
اليبدو عمييا أية مالمح لالنزعاج ..إذن ىي في عالم غير عالمنا..
-طالب.؟!
-سأكون..
www.alkottob.com
m
-أىالً وسيالً ..أين أنت؟!
-أقيم في فندق سوريا الكبير..
-أين أنت اآلن؟!
o
-بجوار الفندق..
-انتظر في الفندق بعد دقائق سأكون عندك..
b.c
ذىبت إلى الفندق .جمست في مكاني نفسو .الزالت ىي تدخن وترتشف
الشاي ىذه المرة .قدمت ليا لفافة أخرى .قبمتيا شاكرة .ستحضر بعد ألي.
ستجدني ..بجوارىا ..وماذا في ذلك؟! سربت أفكاري ليا ..أن تدخل مستسمماً في
شق آمن ،لحظة ال تقاوم .أدخل إن استطعت؟! لن تمنعك ..ترحب بك ..كم من
المال ستدفعو ثمناً لمدخول؟! ىي تمك المشكمة ..ابتعد ..فمازال في العمر متسعاً
من الوقت لتفعل ..دخمت ..ليست عجو اًز كما تصورت ..في منتصف العمر..
بدأت أغير مالبسي ...جمست أمام النافذة أشاىد دمشق في الميل .أخذت
أتناول السندويشات التي اشتريتيا من مطعم مجاور لمفندق .دخنت لفافة نفثت كل
دخانيا في فضاء دمشق مترامي األطراف .مكثت طويالً أتأمل العتمة والنجوم
السابحة فييا .سمعت طرقات عمى الباب .ضوء الحجرة أغرى من بالخارج أن من
بالداخل لم ينم بعد .طرقات خفيفة .غادرت مممكتي وذىبت ألفتح الباب ،كانت
ww
أمامي .اقتحمت رائحة عطرىا الحجرة قبل أن تقتحميا ىي .جريئة .قمت لنفسي.
- 040 -
www.alkottob.com
m
دخمت دون استئذان .لم يكن أمامي إال أن استسمم لرغبتيا .أغمقت الباب .ألقيت
بالقشرة الخارجية لجذع الشجرة المورقة عمى األرض .ناعمة المممس من الداخل..
يدي ،انزلقت رغبتي اليائجة بيسر .أغرتني النعومة فدخمت بعيني قبل ّ
ّ تحسستيا
o
يدي ..ظمآن وجائععميقاً .بدأ الماء الذي التقطتو الجذور من التربة ينساب بين ّ
أنا ..تسممت قطرات من الجسد الخالي من القشرة بين أطرافي ..ال زلت ظمآن..
اطمب المزيد ..اقتحمت الشجرة مرة أخرى ..تداخمت أغصانيا ..تطايرت قطرات
b.c
الماء من حولي ..لقد استنزفتيا ..إنيا شجرة معطاء ..أعطتني أكثر من حاجتي..
ارتويت ..عمل شاق لكنو ممتع ..استرقت الماء من عمق األرض عبر ساق
حر الشمس ..ال حاجة لو بو ..،فالوقت شتاء ..وشتاء دمشق خمصتو مايقيو ّ
قارص ..ربما كان يقييا برد ذلك الشتاء! ال زالت الشجرة مورقة تستقبل الندى وىي
متفتحة األزىار ..ال ترتوي أبداً ..دائماً تطمب المزيد ..وكيف ليا أن تعيش بال
ماء؟! شجرة ممقاة وسط شارع يعبره آالف المارة ..قالئل ىم الذين يمتفتون إلييا..
o
تصرخ فييم أن أغيثوني ،فال مجيب ..فعمت أنا مجب اًر ومدفوعاً بقوة اقتحاميا
وىيجان رغبتي ..ال عاش من بخل بالماء عمى من يحتاجو ..غاب الكون وتكثف
داخل الشجرة ..تمددت تحت ظميا ..مورقة ندية ..مزىرة ..وظميمة ..نمت..
ott
نمت..
وفي الصباح كنت أمام مبنى القيادة القومية ..سألت عن مكتب رئيس اتحاد
الطمبة السوريين ،دلني عميو أحدىم .استقبمني الرجل بابتسامة مرحبة .يشاركو
الجمسة رجل آخر لم أره في مكتب المنظمة يوم أمس .جمست عمى مقعد مجاور
لو .كان يدقق في ورقة أمامو..
alk
-اسمك؟!
-يوسف بن يوسف الياللي.
-أي كمية تريد؟!
ىذا ىو السؤال وىذه ىي األمنية ..تقدم وتخمص من سوداويتك .أي كمية؟!
الطب ىو المراد..
w.
-كمية الطب..
نظر إليو طويالً ..ربما تعاطف معي ..وربما عجب لطموحي ..وربما سخر
منو..
-مضى من العام الدراسي الكثير وليس في إمكانك أن تجاري الطالب في
ww
www.alkottob.com
m
تحصيميم العممي اآلن .فكر في كمية أخرى..
تقمصت اآلمال قميالً..
-كمية اليندسة إذن..
o
-وال تمك اآلن..
لم يتبق إال طريق واحد ..أسمكو..
b.c
-كمية اآلداب -قسم المغة اإلنجميزية..
-ىذه نعم..
-من كمية الطب إلى اآلداب ...سبحان اهلل..
قال الرجل الذي كان يستمع إلى حوارنا..
-شيء خير من الشيء ..قمت..
o
-راجعني بعد أسبوعين ،قال الرئيس..
-أشكرك..
ott
بداية البأس بيا ..تتقطع بك األسباب ..وفجأة تمتد يد تأخذك إلى حيث
تحمم .ىاىي األيام تبتسم لك .عانيت الكثير ..ال تحمم! ربما تعاني أكثر وىل
جامعة دمشق ككمية بير زيت؟! وىل سأجد غاده ..قد تكون غاده أخرى .ألقت بك
األقدار في دمشق وىا أنت ذا عمى بعد خطوات من جامعتيا ..أغمق أفكارك،
أبدأ .نعم..
alk
في المساء ازرتني السيدة لمياء .اصطحبتني إلى منزل السيد عادل .مكثنا
وقتاً طويالً نتحدث .كان يراقبني ويزن كمماتي .اطمأن لي ..ىذا ظني ..أعطاني
كتاب النظام الداخمي لحزبو ..أيقنت أنني دخمت الدائرة برغبتي ..عدت إلى
الفندق .منيت النفس بأن أقابميا مرة أخرى ..خاب ظني.ال أستطيع أن أبقى ىنا
أسبوعين ،سأغادر إلى عمان ،كيف ستدخل ىناك؟! سأتبدر األمر..
حممت أشيائي ..كنت كريماً مع موظف االستقبال .قدمت لو أكثر مما طمب.
w.
صافحتو .واتجيت إلى موقف السيارات الذىب إلى عمان .كنت آخر من دخل
السيارة" .عمان"؟ نعم .وضعت كتاب النظام الداخمي في جيب معطفي .توقف
تفكيري عند مشكمة دخول عمان .من يغادرىا بإجازة فدائي يفقد الحق في الرجوع
إلييا .عممت ىذا وأنا في طريقي إلى دمشق .واآلن كيف الوصول إلى عمان يا
ww
عمان .ال بأس .عند مركز الجوازات السوري لم تواجيني مشكمة .قال لي الضابط
- 043 -
www.alkottob.com
m
"سيردونك إلينا" ..سأحاول قمت لو..
قطعنا المسافة الفاصمة بين مركزي الجوازات ،وعند أول خطوة في األراضي
األردنية ،توقفت السيارة أمام جندي الحراسة .طمب جوازات سفرنا .قدمت لو تمك
o
الوثيقة التي أخذتيا من و ازرات الداخمية وتثبت أنني مبعد من األرض المحتمة.
نظر فييا ثم نظر إلي..
b.c
-ىل خرجت بيا؟! سألني..
-نعم ..قمت كاذباً..
سمح لنا بالمرور..
-ىل حقاً إنك خرجت بيا .سألني السائق..
-بالطبع ال ..قمت..
يراقبني .ابتعدت أكثر .أصبحت السيارة بعيدة عني .تابعت سيري .نجحت.
أصبحت خارج مركز جوازات الحدود .أسرعت الخطى .لم يوقفني أحد .وبعد دقائق
كنت في سيارة متجية في رحمة داخمية من الرمثا إلى عمان ..تناولت الكتاب الذي
يثقل جيب معطفي ،وضعتو خمسة أسفل مقعد السيارة .ىم عادة ال يفتشون
السيارات داخل المدن .وعمى مدخل عمان أوقفنا حاجز لمجيش .شاب في مقتبل
العمر يحمل بندقية سريعة الطمقات .صمب ،متجيم الوجو ،متحجر المالمح .نظر
w.
www.alkottob.com
m
أخرجت لو تمك الورقة العتيقة التي أخذتيا من و ازرة الداخمية األردنية .نظر
فييا ،ظني أنو ال يعرف القراءة وال الكتابة..
-ىذه ليست جواز سفر..
o
-إنيا من و ازرة الداخمية..
تصورت أن جبالً اصطدم ووجيي .كل وجيي .فأصبحت بال مالمح .سالت
b.c
الدماء .تحسستيا وىي تخترق ساحة وجيي وتتجو إلى رقبتي .طارت صرخة رعب
مني ..لم أكن أتوقع تمك الضربة ...لم أفعل مايستدعي العقاب..ربما ثمن
الخطيئة ..قمت بال كممات ..في ىذه المحظة حضر رقيب من الجيش..
-ماذا ىناك؟!
-ال يحمل جواز سفر .قال الجندي..
-ألجل ذلك تقتمو؟!
يدي ،أو أي جزء آخر من جسدي .كان الرقيب ينظر في تمك الوثيقة التي سمميا
ّ
لو الجندي...
-انتظر ..قال الرقيب لمسائق..
-إذن نجوت..
-ىذا الرجل مبعد .قال الرقيب موجياً كالمو لمجندي..
w.
-مامعنى ذلك؟!
-أبعدتو قوات االحتالل اإلسرائيمي..
-يعني أنو ليس جاسوساً وال ميميشياً..
-بالضبط..
ww
اتجو إلي .تأمل الدماء النازفة من أنفي .مسحيا بمنديمو ،وضع يده عمى
- 045 -
www.alkottob.com
m
كتفي..
-ال تؤاخذني يارجل أنت تعرف الحال ىنا!..
قال معتذ اًر .تفيمت موقفو وقبمت اعتذاره وحتى تصرفو :ىو جندي عميو أن
o
يحافظ عمى األمن وينفذ األوامر..
تناولت وثيقة إبعادي من الرقيب الذي وضع يده أيضاً عمى كتفي ..ضغط
b.c
عمييا خفيفاً .قال كثي اًر دون أن يتكمم .ولقد سمعتو ،ارتاحت نفسي رغم ذلك الجبل
الذي صدم أنفي .ال زال السائق منتظ اًر..
-اذىب معو ..قال الرقيب..
تحركت قدماي ،بدأ األلم ينتشر في أنحائي ..جمست مكاني ..تعاطف معي
رفاق الطريق .لم أنطق ولم يكمموني..
-ربما لم يستطع قراءة الوثيقة .قال أحدىم بعد فترة صمت طويمة..
o -ربما..
وصمنا عمان .تسممت يدي والتقطت الكتاب من أسفل المقعد .لمحني السائق.
ott
لم يتكمم..
-إذن تستحق ماحدث لك ..قال ضاحكاً..
-إن األمر ليس كما تظن ..قمت..
ذىبت إلى مكتب السيارات التي تعمل بين دمشق وعمان .كانت سيارتنا
alk
-أحدىم..
-وىل فعمت ماتستحق عميو ذلك؟!
-ال..
-إذن لماذا شوه مالمح وجيك؟!
ww
www.alkottob.com
m
ضحك ..سممني حقيبتي ..استقميت أول سيارة وذىبت إلى المنزل..
كانت الساعة الواحدة بعد الظير ،لم يعد عاطف من المدرسة بعد .ال زال
المفتاح ..معي .أخرجتو .فتحت الباب .ال أحد بالداخل .وضعت حقيبتي في
o
الصالة .دخمت حجرتي .ال زالت كما تركتيا .استمقيت عمى السرير .ونمت دون
أن أبدل مالبسي..
b.c
o
ott
alk
w.
ww
www.alkottob.com
o m
-11-
b.c
يجتثك األسى من ركام الحياة ،كتمة مشاعر متناقضة ،الرغبة في التحدي
زادتك قوة وصب اًر .اخترق جدار المستحيل .ولقد فعمت .زودك الحرمان بطاقة ىائمة
من الطموح والرغبة في النجاح .ولقد كنت األول في فصمك .ىل نسيت؟ ال ..لم
أنس ..نعم ..عندما رسبت في السنة األولى االبتدائية .بدأ التحدي الكبير مع
الحياة ..في سنة اإلعادة كنت األول في فصمك .في المنزل والشارع كان ترتيبك
o
األخير .اختزلت ذيبو مشاعرك .الغضب وحماقة االندفاع ىما مابقي عندك.
تعاممت مع اآلخرين وكأنيم ذيبو .داخمك بركان يغمي جاىز لالنفجار في كل
ott
يدي اآلخرين تنثر
لحظة وفي آي لحظة .وعندما تممس لحظة صفاء تستمقي بين ّ
ذاتك أماميم .ذاك الصدر الذي استمقيت عميو لحظات تبوح لو بداخمك ذوى وانتقل
إلى عدمية عصت عمى فيمك .تقاذفتك الرياح حيث شاءت ..شدتيا زادتك شدة.
إصرار غريب في داخمك عمى االنطالق .انطمق ..انطمقت..
ألق مرساتك حيث تستريح روحك ،انطمق ،ذات يوم توسدت أشجار البرتقال
alk
محاوالت ذيبو الدائمة القتحاميا .ىو يرقب كل ذلك وال يحرك ساكناً .تب أر منيم ،لم
تفعل .بل حاولت وحالت دون محاوالتك شراستو وأطماعو .الشارع ىو مسكنك،
ورغم ذلك فأنت مسموب اإلرادة فيو .ىل تذكر؟ الطالب ممتمون حول بائع الفالفل
وكل منيم أمامو صحن صغير ممموء بالفالفل والفمفل األحمر المخروط ،وأنت،
أمعاؤك تنتفض ،تتراقص ،تحترق ،يتسمل لعابيا إلى فمك ،فتنتحر أمانيك بجانب
ww
www.alkottob.com
m
عربة بائع الفالفل .تب أر منيم! لم تستطع .نصف رغيف من الخبز ىو إفطارك
ومثمو غداؤك .وماذا عن العشاء .ربما رغيف .تجوع ولو كانت بجانبك القتطعت
قطعة من لحميا وأطعمتك أياىا .تب أر منيم ،كيف السبيل إلى ذلك؟ حافظت عمى
o
نظافة يديك وستحافظ .انطمق في البساتين المحممة بالتفاح والموز والبرتقال.
فعمت .ظني أن يديك نظيفتان .تب أر منيم ،وما الفائدة إذا كنت مشدوداً بحبال
القرابة التي ال انفكاك منيا؟ تتموى من الجوع ألنك صائم .ترفض أن تفطر
b.c
بإصرار .حرام عميك ياذيبو ،دعيو يفطر ،إنو صغير ،قالت جارتنا ،ىو من يصر
عمى الصوم ،قالت ذيبو .ولم تعمم تمك الجارة الطيبة أنني أصوم حتى أتمتع
بمايقدمونو في السحور .تب أر منيم ،ليس في اإلمكان أبدع مماكان.
-ىذا قول مرفوض ..قمت بحزم..
-كيف؟ سألني..
o
-كان بإمكانك أن تتب أر منيم ،تتمرد ،وتشق طريقك..
-لم يكن ذلك في متناول اليد..
-ألم تقل أن وكالة الغوث كانت تقدم لك مواد غذائية ولوالديك وأختك؟..
ott
-ىذا صحيح.
-إذن كيف تستطيع أن تتحرر من ىيمنتيم..
-كان سيقتمني ذيب لو فعمت..
مسحوق بالييمنة والطمع وشيوة االنتقام ،دلقت ذيبو عمى كل أحقادىا ،تنفث
alk
شيوتيا المنتقمة الحاقدة عمى شخصي ،أئن من وجع األيام وحرمانيا ،كان عمي
أن أنطمق .فانطمقت؟!..
تسمقت الشجرة الرشيقة وارفة الظالل ،تزاحمت عمى أوراقيا ،رائحة حموة
تنبعث منيا وتمؤل الرئتين .ترتاح النفس ،تسكن بينيا ،تعصرني األغصان .أحاول
أن أتسمل عبرىا .أنجح .ال تقاومني .ندية وطرية ىي .تساقطت قطرات الندى من
عمى األوراق .عذبة وممتعة .الروح الظمآى تطمب المزيد .لم تبخل عمي .ىي
w.
أيضاً ال ترتوي ،تمتد جذورىا عميقاً لتمتقط قطرات الماء من عمق التربة .وعندما
سقطت من فوق الشجرة كانت تمك المكمة القوية التي أعادت ترتيب تضاريس
وجيي .عقاب السماء .تسمقت شجرة ماكان عميك أن تقترب منيا .ىي من دعاني.
بل من اغتصبني .ضعفت أمام الدعوة .ازرني خيال غاده .عاتبة ،مستيجنة،
ww
تبخرت مياه غيوميا .ال تقترب مني .قالت .وىل بإمكاني أن أفعل؟! تسممت
- 049 -
www.alkottob.com
m
عيناي إلى زمردتييا .طوقتيا .جذبتيا جاورتني .كان بإمكاني أن تبقى بجواري .لم
تساعدني األقدار ..في المحظة التي كنا فييا عمى بعد خطوات من العمل ،ألقوا
القبض عمينا ،ىذه لك ،وتمك الشجرة ذات األوراق الداعرة .أما كان في قدرتك أن
o
تتجنبيا؟ صمت .تداعت التبريرات.
-يوسف.
b.c
صوت قادم من أعمى الحفرة التي سقطت فييا .يوسف..
صحوت .اكتشفت أنني مبتل .العرق يتصبب من جسدي .طردت األشباح،
ازرني األلم ،تحسست وجيي .متورماً .كان من الممكن أن يكون جسمي كمو
متورماً .أنقذني ذلك الرقيب .باعدت مابين جفوني .صعب أن تحرك تمك الجفون..
ممتصقة بعضيا ببعض .حاولت ثانية .نجحت تراءى لي خيال عاطف .صحوت.
-يوسف..
o
استرجعت حواسي كميا .بقايا الحمم ال زالت عالقة في ذاكرتي ،متعة في
الطريق .تجسد عاطف أمامي .بدأت أعي مايدور حولي.
ott
-أىالً عاطف..
-متى عدت..
-ظير ىذا اليوم..
أحضر طعامو معو .دعاني ألن أشاركو .جائع .أمعائي تصرخ .روحي
تصرخ في الندم ،نيضت .ماأحضره عاطف ال يكفي .أعددنا وجبة سريعة ،جمسنا،
alk
لم يحدثني عن شيء .لم يسألني عن تضاريس وجيي المشوىة .بدأنا نشرب
الشاي .دخنت لفافة .وفعل عاطف .نظر إلي طويالً .حافظ عمى مشاعري.
التقطت نظراتو المواجية إلى وجيي .صمت .البد من أن أوضح لو األمر .ربما
خمن.
-أحدىم كاد أن يمقي بي في غياىب السجن.
w.
-أين؟!..
-ىذا في عمان..
-كيف؟
-ألنني ال أحمل جواز سفر ،ولم يعترف بتمك الوثيقة من الداخمية..
ww
-نجوت؟!!
- 051 -
www.alkottob.com
m
-بفضل رقيب في الجيش تفيم الموقف..
مساء عمان كان رائعاً ىذا اليوم ،انتقمنا إلى الشرفة ،بدأ عاطف يتصفح أحد
كتبو .بدأت أنا أق أر النظام الداخمي لحزب العمل .عدة صفحات ،ثم ألقيت بو
o
جانباً.
رغبت عن مغادرة المنزل .سحبت أفكاري وأخذت أتأمل عمان من الشرفة.
b.c
كانت قدماي تؤلماني ،والجرح مفتوح في رأسي يتنازل عن بعض دمائي.
احتممت اآلالم في قدمي وتمك التي في رأسي .سجن غزة المركزي .بدأ الشباب
يمعبون لعبة خطرة ،يخفض أحدىم رأسو إلى أسفل .يضع يديو فوق رقبتو .وآخر
من الممتفين حولو يضربو بقوة عمى يديو .وعمى المضروب أن يتعرف عمى الذي
ضربو .إن عرف فإن اآلخر يحل محمو .جمست قريباً منيم أراقبيم .ال أستطيع أن
ألعب معيم ،وعندما كنت أسمع صوت الضربات ،كان جسدي ييتز ،أتذكر تمك
أعدىا ،فجأت توقف المعب .كان أحد
www.alkottob.com
m
تكتمل فصول الممياة..
-قالوا أنني سأىاجميم وأدمر دولتيم وألقي بالييود في البحر..
-وىل كنت فعالً تنوي عمل ذلك؟!!
o
-ال واهلل! فقط كنت أود أن أعود إلى منزلي..
-ما أنت في منزلك!
b.c
-ال ..ليس ىذا المنزل..
-أنت طماع! عندك منزل وتريد آخر؟!
-ال ..ال ..لست بالطماع!
-وماذا وجدوا في منزلك؟!
-أي منيما؟!
باب حجرتنا دون أن ينطق ،توقف اآلخرون عن المعب ،بدأنا نتحدث ،طرقنا
مواضيع مختمفة.كان الحرص يرافق كل كممة ينطق بيا أي منا خوفاً من أن تفمت
كممة بالخطا فيتمقفيا مثقوب ويطير بيا إلى جياز استخباراتيم .تحدث أحدىم
وكان قد حكم عميو بالسجن سبع سنوات قال:
ww
www.alkottob.com
m
العرب .لكني أخاف أن ال يعرف الطيارون المصريون أن ىذا سجن لمعرب
ويقصفوه بالقنابل.
-أىذا ما تخاف منو؟!
o
-فميدمروه فوق رؤوسنا ،فقط دعيم يحاربون..
قال آخر وقد تناثرت ضحكاتنا مرة أخرى في أنحاء الحجرة.
b.c
ابتسمت من م اررة الذكرى ،وربما من الحنين إلييا ،تابعت رجالً يحمل سمة
ممموءة بالخضار ،تأممتو جيداً ،في سن متقدمة ،حزين ..مكتئب ..ىكذا يبدو.
ومحمود النجار ..من ذا الذي سيحضر الطعام لزوجتو وأوالده؟! امرأة تسير بال
ىدى .تتبرقع بالسواد ،لعميا فقدت عزي اًز ليا؟! من يدري؟! قالت ابنة أبو عامر
الحداد لي :ال أدري إن كان زوجي شييداً أم ال!! لقد قتل في حرب عدمية .قتال
عدمي ..لماذا؟! وأولئك الذين خمف الجبل؟! آه ..يالمذكرى المرة ..سيا وفاطمة...
o
سأزورىم الميمة .ربما غداً .عندما تستوي مالمح وجيي .ستعود إلى حالتيا
الطبيعية .حتماً ستعود .تحتاج وقتاً .أتمنى أال يطول!! وكم طالت أيام السجن؟!
التبنى جدران السجن عمى أحد .ىكذا قال أحدىم عندما بدأت أتذمر من أيامو
ott
الطويمة وم ارراتيا .ألقيت نظرة عمى ساعة يدي .العاشرة مساءاً ،أبقيت عمى
جسدي ممداً .طرت وعيناي ىذه المرة في فضاء عمان .السماء صافية ال يعكر
صفائيا شيء .ذيبو! أتركيا تتدبر أمورىا .لقد رحمت عنيا .بكت بح اررة عندما
ازرتني في سجن غزة .لم تستطع أن تكممني إال لمحظات ،ثم بدأت بالبكاء .أيقنت
أنيا تحبني .ما ىذا اليراء؟! أو ليست ىي ابنة عمي؟! لو أنيا فقط تخمصت من
alk
حقدىا وتشرذم نفسيا الحزينة؟! وتخمص ىو من بخمو .لكانت حياتنا أزىي .صبغا
حياتي بألوان متضادة .سامحك اهلل ياذيبو! غداً ستجد من تطيح بحطاميا عميو.
-سأذىب ألنام ..قمت لعاطف..
-والعشاء؟
-ال رغبة لي..
w.
في الشجن؟! أعفني ىذه المرة وغداً يوم آخر .وأعدك لؤلفكار المجيدة أن تجاريك
- 053 -
www.alkottob.com
m
أال تيزمني .مثقل أنت بأفكارك الياربة دوماً .ال تفارقك ال ليالً وال نيا اًر .أبق كما
أنت ،فأنت محكوم بالتيو والموعة وأحالم اليقظة ،أرجوك ..أقبل أياديك ..اتركني!
لم تكن استجابتو سريعة كاستجابة تمك الشجرة الممساء عندما تسمقتيا .وبعد طول
o
مجادلة أراحني .نمت.
صحوت الساعة الخامسة صباحاً" .اتركني ساعة أخرى" قمت لو راجياً .ىذا
يكفي ،انيض!!" فعمت .تسممت من سريري .توضأت!! صميت الفجر!! وىل تقبل
b.c
صالة الخطائين ،قمت لنفسي ،والنفس أمارة بالسوء ،سألت اهلل أن يغفر لي!! كم
من الخطايا نقوم بو ،ثم نطمب المغفرة؟! إن لم يمجأ الخطاؤون إلى اهلل ،فممن
يمتجئون إذن؟! لمن؟!
حاولت أن أنام ثانية ،عصاني جسدي ىذه المرة .بدأت أتقمب في فراشي
حتى غزتني الشمس من النافذة .نيضت .فنجان القيوة والمفائف .صحا عاطف.
اإلفطار .ذىب إلى المدرسة .بقيت وحدي .معطوب في صحراء الحياة .الخيارات
o
أمامك قميمة ،أخرج إلى الدنيا .إنس فعل الطبيعة في تضاريس وجيك ،وىل يالم
المرء إذا دفعتو الرياح من أعمى المنزل فكسرت ساقو؟! خرجت..
ott
-أىالً يوسف..
-ما الذي حدث لوجيك؟ سألني أبو نضال..
-أحد تشوىات العصر!
-ماذا تعني؟!
alk
أشاح بيده .قفزت عالمات االشمئزاز إلى مالمحو" .رواتب؟" قال" .ال أممك
- 054 -
www.alkottob.com
m
نقوداً" .تابع .ذىمت ..البل صعقت .أم شييد .تطمب حقاً ليا عمينا .كان ابنيا
مقاتالً كما أبو مضر .تشيح بيدك أن أصرفيا .كيف لنا أن نستمر؟! والبيت
الممموء بالدوالرات والذىب؟! أصرفيا .خرج .لم توقفو أنات األم الثكمى .في حاجة
o
ىي ألن تستمر حياتيا لتستمر مسيرتنا .خرج!! وبعد ذلك!! إلى من تذىب أم
عمي؟! خرج!! لتنتظر عدة أيام في عمان..وبيتيا ىناك خمف الجبل؟! لتنتظر أياماً
أخرى! أين؟! تستطيع أن تدبر أمورىا ..والرواتب؟! خرج .أين تذىب النقود؟!
b.c
خرج .في ميمة؟! أوالده يريدون الخروج .خرج .لم أعمق!! ال تأثير لك ىناك!!
كيف؟! وأم الشييد .لتنتظر كما قال .األيام تفعل فعميا .وتقول إلى أن تصل!!
أين؟! واليد تموح في الفضاء أن ال تزكم أنفي بيذه مطالب .خرج .خرجت.
-في مكتبو في المجنة المركزية .قالت لي أم الييثم.
ذىبت إلى ىناك .خمف مكتبو كان جالساً .فتاتان من أعضاء التنظيم حولو.
يتيامسون .طرقت الباب .انتبو .رحب بي ودعاني لمدخول .ىي التضاريس
o
البارزة .ماذا حدث لك؟! ذلك السؤال الدائم أمام انتفاخ الوجو البارز .ال عميك .ال
زلت أتحرك .واأللم يمكن احتمالو..
ott
-ماذا فعمت؟! سألني..
-سأعود إلى دمشق بعد أيام..
-ىل ستدخل الجامعة؟..
-تمك أمنية تفصمني عنيا خطوات..
alk
-أتمنى ذلك..
بقيت الفتاتان جالستين .تعثر الحديث .قمت كل ماعندي .ال!! بقي ماجئت
من أجمو .بطاقة فدائي .أحتاجيا .ىل عندك صورة .نعم .قدمتيا لو .تناولتيا
إحدى الفتاتين .بعد دقائق عادت وبيدىا البطاقة ،بحث في أوراقو ،التقط إحداىا.
تصريح إلى سورية وأمر دفع لميمة لن أقوم بيا .تسممت البطاقة والتصريح والنقود
عانقتو مودعاً .خرجت وأم عمي؟ لتنتظر.
w.
عندما عادت مالمحي نفسيا خرجت ،ذىبت إلى منزل أحمد السمفيتي،
وجدتو ،بشاشتو التي اعتدت عمييا لم تفارقو ،وكذلك الجدية .رأي الكتاب مغمفاً في
يدي .انفرجت أساريره .نجحت .كيف؟! قصة طويمة .حدثتو ،قدم لي فنجاناً من
القيوة.
ww
ال أعتقد أنني سأكون منكم .في الوقت الحاضر عمى األقل .سأبقى عمى
- 055 -
www.alkottob.com
m
اتصال بالسيدة لمياء المصري .عندما تتكون قناعتي سأقرر .ودعتو وانصرفت.
وأم عمي؟! لتنتظر عدة أيام في عمان.
صعب ىذا االنتظار ..كم ىو صعب ٌ قضيت األيام الثالثة قمقاً متحف اًز،
o
عمييا؟! ال أعرف إن كانت قد استممت رواتب ابنيا الشييد أم ال؟! قال أبو مضر
يمق حتفو في ذلكإنو استشيد في عممية داخل األرض المحتمة ..إذن ىو لم َ
القتال العدمي .ظني أن غاده تكمل دراستيا ىناك خمف الجبل .بماذا تفكر اآلن؟!
b.c
وقت طويل مضى وىي وحدىا .تمك اليالة عمى جبيتيا البرونزية ..ىل ال زالت
الرائحة الزكية تنبعث منيا؟! وماذا في ذلك .غداً سأغادر عمان .وصمت بسرعة
إلى قرارك ىذا .اتفقت مع عاطف .تركت لو حرية التصرف بأشيائي.
ذىبت مساء اليوم إلى منزل فاطمة .رحبت بي ،كانت سيا ىناك .كانت
سيرة وداع ،جيزت فاطمة لنا العشاء ،وغنت سيا أعذب ألحان فيروز .دخنا كثي اًر
من المفائف ،تصافحنا .فترة قصيرة قضيناىا معاً .كانت كافية ألن تخمق التآلف
o بيننا.
حجرة صغيرة ،أكبر من الزنزانة ،مرتبة ونظيفة ،تتسع لنا نحن الثالثة ،حريتنا
ott
بال حدود كانت .وسيا حديقة مفتوحة لكل أنواع الطيور .ال زال األمل يراود
فاطمة ،ىل تحقق؟! ال أدري .عدت .عاطف نائم .حاولت أن أنام .اقترب الفجر.
عمان ىادئة ىذه الميمة .طال ىدوؤىا ،االنفجار قادم .نمت .وفي الصباح كنت
وحدي رتبت أشيائي وذىبت إلى موقف السيارات المغادرة إلى دمشق .وضعت
حقيبتي في السيارة .جمست مع آخرين أمام المكتب ننتظر أن يكتمل عدد الركاب.
alk
لم أتناول إفطاري بعد .ألفعل ىنا .آلخر مرة .من يعمم متى سأعود ثانية .لن
أغامر وأعود .ما أن انتييت من إفطاري حتى اكتمل العدد .قال السائق:
-ىيا يارجال ..أبو جاسر ..سنتوكل عمى اهلل..
-رافقتكم السالم .صاح أبو جاسر..
وتحركت السيارة.
w.
وداعاً عمان برغبتي نعم حاولت أن أتجانس معك أحببتك ،كرىت األشجار
الجرداء والماء اآلسن أم عمي تريد رواتب ابنيا الشييد أشاح بيده يارجل ىكذا
نعامل شيداءنا من يرى ويسمع يبتعد الواسطة تمك اآلفة الفتاكة تسممت إلى
مكاتبيم إذا حضر مندوب فتح مع مندوب الحكومة لجمع السالح اقتموا مندوب
فتح أوالً أييا الثائر القتل ليس ىنا أو بيذه السيولة مع كل متر تقطعو السيارة
ww
تودع عمان ابتعدت كثي اًر عن غاده لم أسمع منيا وال عنيا شغمتني األشياء
- 056 -
www.alkottob.com
m
والشجرة العارية عندما يأتي الشتاء تبتل األرض بالماء تنتعش الجذور تتفتح
األوراق في الربيع تتكاثر الزىور وتدور الفراشات حول الورود في الحدائق الخريف
والشتاء والربيع كميا مرت في يوم واحد حتى الصيف تبممت وتمك الغانية ال ترتوي
o
حاولت األغصان ممساء انزلق بينيا بيسر وسيولة ال تجرحك تأوىت ،أدخل ال
تخف وماأن دخمت حتى نسيت من أنا وكيف لي أن أذكر غاده ىي نسمة في
حياتي ىنا الحياة والعوم في بحر ىادئ بال أمواج ىل سبحتم في مثل ىذا البحر
b.c
أنا سبحت كان العقاب سريعاً تضاريس وجيك تشوىت وعندما وضعوك في نصف
المجنزرة وألقوا عميك جزماتيم العسكرية الثقيمة كان ذلك عقاباً عمى فعل لم تفعمو
الحياة والعمل الذي البد منو أصبح لحياتك معنى حقاً أظن ذلك أن يتسمل الماء
إلى عروقك أو من عروقك ظمآناً كنت نعم الجامعة حمم من أيام المدرسة
االبتدائية أحالمك كبيرة دائماً والعجب أنك تحققيا بسيولة تحسد عمييا ىذا شيء
يحسدك عميو اآلخرون وغاده وفاروق الذي وسمك بالدمامة وكيف لمثل ىذه الغادة
o
أن تمجأ لمثل تمك الدمامة عبد الكريم دائماً بجانبك وفاروق في زورق أبحر طويالً
وأنت معو أو ىو معك من الصف األول االبتدائي وأنتما االثنان معاً نعم فاروق
واأللم والحرمان والمغامرة جائع أنا ذات مرة قمت لو ىيا إلى المنزل وأختو الوسيمة
ott
مثمو قدمت لكما ماتريدان في بستانيم في بيت الىيا إنو صديق وأي صديق يندر
أن تجد ىذه األلفة في مكان آخر عبد الكريم عمق المودة آه األيام تعمل ماتريد
وما عميك إال أن تجارييا أين ىم اآلن في طريقك إلى دمشق لتحقق أمنية كانت
مخنوقة داخمك منذ زمن أو بيذه السيولة عجيبة ىذه األقدار تبممت أيضاً بسيولة
ألول مرة أتقوقع بين األغصان أدخل صاحت لن أجرحك ،ودخمت ذبت في
alk
المحظة كما كنت تفعل عندما كنت تذىب مع غاده دخمت عميقاً وال زلت ظمآناً
تتدفق القوة من بين أضالعك ال زلت قوياً وىي ال ترتوي عمان وداعاً لم أجد فيك
ما أريده ربما كنت خيالياً أكثر من الالزم وسيا ربما كانت تريد أن تستمقي تحت
ظل الشجرة ظالليا ليست كثيفة وفاطمة صحراء يصعب أن يقتحميا المرء
استمعت بالظالل وبيواء الصحراء الالفح لم أبتل ولم تكن عندي الرغبة في ذلك
عمى حدود جرش نحن اآلن ال تقترب منيا قال أبو الييثم لذاك الذي حاول أن
w.
يتمرغ في بستان تمك المرأة في مخيم جرش ظني أنو أراد ىو أن يستمتع بثمارىا
وحده ربما نجح الماء اآلسن وذلك الذي فقد ألفاً من الدنانير ولم يتأثر لفقدىا قذفو
بأقذع الشتائم الرجل العجوز الذي دار حول السائق سبع مرات لكنو رفض أن يدفع
األجرة وذلك المقيى الذي يحتضن كثي اًر من شباب المخيم يمعبون الورق وربما
القمار لعبت أنا ذات مرة وستكررىا قريباً الجامعة وتمك التي حبست رغبتك
ww
www.alkottob.com
m
المتمفعة بين جنبيك كم تمنيتيا رأيت مالبسك الداخمية ذات يوم نيرك قريب زوجيا
أقسم لي صاحب الفرن أنو لم يقترب منيا وىي الظمآنة أبداً لم أكن جريئاً ،وطرقت
بابيا تطمب شربة ماء في الظاىر وتريد اقتناصيا في الواقع ىربت قبل أن تفتح
o
الباب فتحتو أنت واقتحمتك ىي تبممت تحت أغصان الشجرة الممساء كانت لحظة
تيت بين األوراق الغامضة تحسستيا بيديك وعينيك حفظت تضاريسيا عن ظير
قمب وتشوىت تضاريسك في عقاب آني أنت أنت أييا التائو عبر األيام واألزقة
b.c
تبحث عن ذات ضائعة ربما غير موجودة التجئ إلى أحالمك يقظتك ىي المرفأ
وغاده كانت مرفئي كما قال عبد الكريم حسدك عمييا فاروق لكنو لم يقترب منيا
ولو حاول لما استطاع فميناؤك محصن غيمة متأىبة إلسقاط مطرىا تحسستو
بيديك وعينيك فرق شاسع بين المحظتين وذيبو ال تكرىيا كما ال تكره ذيب تحب
أن تراىم أحياناً ولترى مافعل بيما الزمن تفجر وانثر أجزاءك عمى مساحة األيام
عمان ودائماً الحدود ال تخف تحمل بطاقة ىوية اسمك غير اسمك وصورتك ىي
o
صورتك والدنانير تمؤل جيوبك اغترفت من الحياة حموىا واترك مرىا لآلخرين
ىييات أن تتحقق األماني حاول ربما تنجح أبحث عن مياه حموة وستجدىا دمشق
يجري فييا بردى وأنت وحيد تبحث عن الماء والسباحة وستجدىا دمشق عمىمرمى
ott
البصر لحظات وتدخميا فاتحاً ربما طحمباً نابتاً وسط الماء أو فوق الصخور
المبممة غريب في مدينة األمويين وادخل لن أجرحك ودخمت وىا أنت ذا تدخل
الجامعة وكمية اآلداب قسم المغة اإلنجميزية ،ماذا تريد أكثر من ذلك ادخل نعم
سأدخل لن تعود إلى عمان قال الشرطي ،موافق وأين ستذىب إلى المياه العذبة
واألشجار الوارفة واألغصان الخضراء الناعمة وتتوه بينيا ستجدىا في كل مكان
alk
أدخل ال تخف وفاطمة صحراء لم يحاول أحد االقتراب منيا وماذا ستفعل في
صحراء جرداء عطشى وأنت ظمآن لكن المياه المالحة ال تروي الظمآن وسيا
كانت ستتسمق أغصانيا لو طالت األيام عافتيا النفس بال سبب ممرضة لكنيا
غجرية الصوت والجسد ىي قالت ذلك دنت منك وابتعدت عنيا أدخل دمشق تفتح
أبوابيا تندفع السيارة كما الريح كما شعاع الشمس أذىب إلى حيث اليدوء النفسي
والماء العذب والشمس الحارقة وعندما يأتي الشتاء تمفع باألغصان النضرة
w.
المنتظرة وىي كثيرة ومتشابكة ال تتردد أدخل وقاتل الوىن بين أضالعك أقتل
مابنتو ذيبو وذيب وانطمق أنت في عاصمة األمويين دمشق لن تعيش وحيداً بعد
اآلن سأحاول أعرف أن وحدتي أبدية حتى بين األغصان والحسان لقد رأيت الكمية
وطالباتيا الفاتنات صبايا دمشق وجيك غميظ القسمات تخمص منو أنساه سأفعل
أدخل ولن تندم ولن أندم سأدخل دمشق خطوات وتنفذ في أغصانيا دمشق وداعاً
ww
www.alkottob.com
m
عمان تركت األلم واشاحة اليد وأم عمي التي طمبت رواتب ولدىا الشييد "أووة" قال
ومن أين لممسكينة أن تعرف أن بعضاً من رواتب ابنيا يقتنصو المصوص
المتدثرون بعباءات الثوريين غادر عمان غير آسف وقد فعمت ومحمود النجار
o
جمرة في جنبات عمان قتموه قتمتو كثر وتعرفيم ال عاش من ترك األيام تحصره
في زاوية الحياة انطمق فأنت عمى بعد خطوات من دمشق وغاده ابتعدت ابتعدت
ال تنساىا لن أفعل ومن ينسى الوردة األولى في حياتو أدخل األيام ستقرر متى
b.c
تمتقيان أدخل سأفعل دمشق يا إطاللة التاريخ بكل كبواتو ونجاحاتو دمشق يامكمن
المياه العذبة ،األغصان الندية دمشق كم من العمر سأقضي بين ذراعيك وداعاً
ياعمان ابتعدت ابتعدت والبد أن تبتعد أىل كل تراب العالم عمى ماضيك تخمص
منو ىل سأنجح جرب ولن تخسر شيئاً ألم تقل ذلك لعبد الكريم قبل أن تدخل
السجن بأيام أدخل وابتعد وذيب وذيبو ىناك قابعان ارتاحا منك وارتحت منيم ال
تحقد عمييم ومن أين لي بيذه الصفة التي أحتاجيا أحياناً ابتعد سأفعل نعم أىالً
o
أقبل رأسك التجئ إليك ال أحمل جواز سفر كل ما أحممو بطاقة فدائي
اسمي عميو ليس اسمي ونفسي ظمآى أنوي أن أروييا من مياىك العذبة الجامعة
دمشق ّ
أمنية تتحقق وماعميك إال أن تحافظ عمييا دمشق أنت المالذ وأنا الغريب التائية
ott
ىل سأجد مكاناً..
نزلت من السيارة وتوجيت إلى فندق سوريا الكبير ...وىناك...
عزيزي /أنت!..
نعم أنت ..أنت الذي انييت من قراءة ىذه الرواية..
alk
لكنو لم يحدث ،ىكذا قال لي الياللي الصغير .أتصدقني؟! عمى أي حال ،لك
مطمق الحرية أن تفيم الرواية بالطريقة التي تروق لك .ومع ذلك مازال ىناك
الكثير ألقصو عميك عن حياة ىذا الياللي .وصمنا ،أنت وأنا وىو ،إلى دمشق.
إذن انتظرني في الجزء الثاني من قصة حياتو لنرى معاً ماسيحدثنا عنو في دمشق
حيث دخل قسم المغة اإلنجميزية ،ربما نجده وقد اىتدى إلى طريقو أو لعمو مازال
ww
تائياً .انتظر معي .لقد حاولت أن أقنعو بأن يكمل قصتو ألنقميا لكم ،لكنو اعتذر
- 059 -
www.alkottob.com
m
ووعدني أن يتابع قصتو بعد أن تستسمم لو الظروف وتيدأ نفسو ويرتمي بين
أحضان دمشق.
o
إذن إلى اللقاء مع الجزء الثاني من رواية هذا الهاللي التائه.
ناقل الرواية
b.c
محمد يوسف الصليبي.
o
ott
alk
w.
ww
www.alkottob.com
m
هذا الكتاب
رَاٌت حدٌثت بمضمُوٍا
مشكهت تتىاَل َأسهُبٍا.
o
انفهسطٍىٍه حانٍا ً َارتباطٍم فً
كفاحٍم بمىظمت انتحزٌز انفهسطٍىٍت
اَن.
b.c
َما ٌمكه أن ٌعاوًٍ ( انفدائً)
انذي ٌبدَ تائً فعالً حتى ٌٍتدي
إنى حم ما أحداث كثزة تسزد
رحهت (انتًٍ) ٌذي مه خالل
مذكزاث انبطم (ٌُسف) َاألحداث
انتً تُاجًٍ.
َعالقت انحب انتً ٌعٍشٍا فً
www.alkottob.com