You are on page 1of 18

9 11

‫ إسهامات مدرسة كوبنهاجن‬:9/11 ‫أثر خطاب األمننة على تطور الدراسات األمنية بعد أحداث‬
The impact of the security discourse on the development of security
studies after 9/11: contributions of the Copenhagen School

*
2
fouzia.21@hotmail.com
2019 02 19 2019 01 27

*******
:‫ملخّص‬
‫التمركز نحو األمن املجتمعي ودور خطاب‬-‫تتعرض هذه املقالة ملسار التحول عن األمن الدوالتي‬
‫ إذ قامت مدرسة كوبنهاغن‬،‫ وهو الجانب الذي تخصصت فيه مدرسة كوبنهاغن وتميزت به‬،‫األمننة في ذلك‬
‫بتوفير أداة تحليلية تفيد صناع السياسة والباحثين في معالجتهم للقضايا األمنية والتعقيدات املختلفة‬
،‫ أال وهي نظرية األمننة ملؤسسها "أولي وايفر" والتي تشير إلى البناء اإلستطرادي للتهديد‬،‫التي تؤثر عليها‬
‫ معتمدة على‬،‫ سبتمبر رفقة "باري بوزان" ليصبح تطبيقها أوسع نطاقا‬11 ‫ليطورها الحقا بعد أحداث‬
.‫بناءات عاملية للتهديدات والوحدات املرجعية‬
.‫ الدراسات األمنية؛ مدرسة كوبنهاغن؛ نظرية األمننة؛ توسيع مفهوم األمن‬:‫الكلمات املفتاحية‬
Abstract:
This article addresses the path of transformation from state-centered
security to community security and the role of Securitization Discourse. The
Copenhagen School has provided an analytical tool for policymakers and
researchers to address security issues. And the various complications that affect
them, namely the securitization theory of its founder “Ole Waever”, which refers
to the discursive construction of the threat, this theory has been developed later
after the events of September 11th with "Barry Buzan" to become a broader
approach, based on global structures of threats and reference objects.
Key words: security studies; Copenhagen School; securitization theory;
widening the security concept.

.2 ‫ جامعة وهران‬،‫ املجتمع والسلطة‬،‫* عضوة في مخبر البحث القانون‬

1498 2019 1515 1498 01 10


‫‪9 11‬‬

‫مقـ ــدّم ــة‪ّ :‬‬


‫عرف مسار الدراسات األمنية تحوالت عميقة على طول املحطات الكبرى التي شهدها تاريخ‬
‫العالقات الدولية الحديث واملعاصر‪ ،‬إنطالقا من فترة الحرب الباردة أين ارتبط مفهوم األمن باألجندة‬
‫العسكرية مع ما يحمله ذلك من دالالت تتعلق بسعي الدولة الدائم لتعزيز قوتها بهدف الحفاظ على بقائها‬
‫في مواجهة الدول األخرى‪ ،‬ولقد ساعدت هذه األجواء على احتكار املنظور التقليدي لحقل الدراسات‬
‫األمنية‪ ،‬التي غلب عليها الطابع اإلستراتيجي والتقني من جراء سباق التسلح األمريكي السوفياتي‪ ،‬حيث‬
‫اشتغل الباحثون في هذه الفترة على ابتكار نظريات تبرر الصراع ضد الشيوعية‪ ،‬األمر الذي أفقد هذا‬
‫الحقل املعرفي الحياد الفكري‪.‬‬
‫ولقد أثبت املنظور التقليدي إخفاقه في تفسير التحديات التي فرضها النظام العالمي الجديد‬
‫عقب نهاية الحرب الباردة‪ ،‬األمر الذي استدعى إعادة النظر في مفهوم األمن‪ ،‬دعى إليها مجموعة من‬
‫الباحثين الذين برزوا في هذه املرحلة من خالل عدد من املقاربات والنظريات التي تندرج تحت ما يسمى‬
‫"بالدراسات األمنية النقدية"‪ ،‬وكانت أولى هذه املبادرات وأهمها‪ ،‬كتاب "باري بوزان" ‪Barry Buzan‬‬
‫الصادر سنة ‪ 1983‬تحت عنوان ''الناس‪ ،‬الدول والخوف‪ :‬مشكلة األمن القومي في العالقات الدولية''‬
‫‪، People, States and Fear: The National Security Problem in International Relations‬‬
‫ُ‬
‫والذي جادل فيه أن األمن قد أسس على مفهوم ضيق جدا‪ ،‬مقترحا تعميقه ليشمل ثالث مستويات‬
‫وتوسيعه عبر خمسة قطاعات‪.‬‬
‫إنضم "بوزان" بعد ذلك إلى "معهد كوبنهاغن ألبحاث السالم" كمدير ملشروع ''السمات غير‬
‫العسكرية لألمن األوروبي''‪ ،‬ولقد شاركه في بحثه مجموعة من األساتذة أبرزهم "أولي وايفر" ‪Ole‬‬
‫‪ Waever‬و "ليني هانسن" ‪ Lene Hansen‬و"ياآب دي فيلده" ‪ Jaap De Wilde‬و"مورتن كلسترب"‬
‫‪ ،Morten Kelstrup‬حيث أثمرت جهود هؤالء بالعديد من الدراسات حول توسيع مفهوم األمن خاصة‬
‫في القطاع املجتمعي‪ ،‬والتي أصبحت تندرج تحت مسمى "مدرسة كوبنهاغن للدراسات األمنية"‪.‬‬
‫تتعرض هذه املقالة ملسار التحول عن األمن الدوالتي‪-‬التمركز ‪ State-centred security‬نحو‬
‫األمن املجتمعي ودور خطاب األمننة ‪ Securitisation Discourse‬في ذلك‪ ،‬وهو الجانب الذي تخصصت‬
‫فيه مدرسة كوبنهاغن وتميزت به‪ ،‬مما دفعنا إلى التركيز في تحليلنا على الدراسات الصادرة عن هذه‬
‫األخيرة‪ ،‬خاصة تلك املتعلقة بـ"باري بوزان" نظرا ألهمية أعماله في حقل الدراسات األمنية املعاصرة‪ .‬وذلك‬
‫استنادا على اإلشكالية التالية‪:‬‬
‫كيف وظفت مدرسة كوبنهاغن خطاب األمننة في تطوير التنظير في حقل الدراسات األمنية بعد‬
‫أحداث ‪9/11‬؟‬
‫وألن الكشف عن حقائق املشكلة البحثية ومعرفة أغوارها‪ ،‬يتطلب تكامل األطر النظرية‬
‫واملنهجية‪ ،‬فقد وظفنا في معالجتنا لهذا املوضوع املناهج التالية‪:‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1499‬‬


‫‪9 11‬‬

‫املنهج التاريخي‪ :‬عند تتبعنا ملراحل تطور حقل الدراسات األمنية‪ ،‬سواء أكان ذلك أثناء الحرب‬
‫الباردة أو بعدها أو عقب أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬في سبيل اإلحاطة بالظروف التي تحكمت في ميالد أو‬
‫اندثار الظواهر األمنية خالل هذه الفترات الزمنية‪ ،‬وطبيعة العالقات الدولية السائدة فيها‪.‬‬
‫املنهج املقارن‪ :‬الذي تم توظيفه إلبراز أوجه التشابه واإلختالف بين مراحل تطور حقل الدراسات‬
‫األمنية‪ ،‬وذلك منذ فترة الحرب الباردة إلى غاية ما بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬ملا لهذا املنهج من أهمية‬
‫في التوصل إلى تفسير علمي لطبيعة هذا التطور‪ ،‬عبر اكتشاف العالقة بين املتغيرات املستقلة واملتغيرات‬
‫التابعة‪.‬‬
‫ولقد تم تقسيم املقالة إلى ثالثة مباحث؛ بحيث سوف نتعرض ملراحل تطور التيار التقليدي‬
‫للدراسات ا ألمنية (أوال)‪ ،‬وهو التيار الذي ركز على التهديدات العسكرية‪ ،‬وذلك لفترة طويلة من الزمن‪،‬‬
‫لغاية بروز التيار الداعي إلى توسيع مفهوم األمن وعدم حصره في الجانب العسكري وحسب‪ ،‬وهو ما‬
‫أدرجته موجة الدراسات النقدية (ثانيا)‪ ،‬هذه املوجة التي شهدت انعطافا مصيريا في تطور الدراسات‬
‫األمنية بعد أحداث ‪( 9/11‬ثالثا) وهو ما ساهمت مدرسة كوبنهاغن في التنظير له‪.‬‬
‫املبحث األو ّل ّ‬
‫مراحل تطور التيار التقليدي في حقل الدراسات األمنية ّ‬
‫يميل التيار التقليدي في حقل الدراسات األمنية إلى التركيز على الجانب العسكري واألمن الدوالتي‪-‬‬
‫التمركز‪ ،‬وهو ما كان سائدا طوال فترة الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وهي الفترة التي نشأت أثناءها الدراسات‬
‫األمنية كحقل أكاديمي‪ ،‬وكذلك أثناء الحرب الباردة وما بعدها‪ ،‬حيث تشبث التقليديون بمسلماتهم‬
‫وحاولوا تكييفها مع واقع فترة ما بعد الحرب الباردة مثلما سنناقشه في اآلتي‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬نشأة حقل الدراسات األمنية ّ‬
‫إن نشأة حقل الدراسات األمنية حديث العهد نسبيا‪ ،‬فقد اقتصرت األبحاث األكاديمية قبل‬
‫الحرب العاملية الثانية على التاريخ العسكري والدبلوماس ي‪ ،‬في حين كان اإلهتمام بالشؤون اإلستراتيجية‬
‫والحربية حكرا على املؤسسة العسكرية‪ ،‬غير أنه وألول مرة خالل الحرب العاملية الثانية‪ ،‬أصبح الباحثون‬
‫املدنيون معنيين بالتخطيط العسكري وعلى نطاق واسع‪ ،‬األمر الذي فتح املجال للموجة األولى من‬
‫الدراسات األمنية(‪.)1‬‬
‫ولقد وصف "دافيد بالدوين" ‪ David A. Baldwin‬الفترة ما بين ‪ 1955‬و‪ ،1965‬بالفترة األكثر‬
‫إبداعا في تاريخ الدراسات األمنية‪ ،‬وهو ما سمي بالعصر الذهبي‪ ،‬أين حصر الحقل أبحاثه لدراسة املسائل‬
‫املتعلقة باألسلحة النووية والتنافس بين القطبين األمريكي والسوفياتي‪ ،‬واإلجابة عن تساؤل مركزي‬
‫واضح‪ ،‬مفاده كيف يمكن للدول استخدام أسلحة الدمار الشامل كأداة سياسية بالنظر إلى خطر أي‬
‫ً‬
‫تبادل نووي‪ ،‬وهو ما مثل تحوال مهما مقارنة بالعقد األول ملا بعد سنة ‪ ،1945‬ففي حين تمحورت األبحاث‬
‫سابقا حول ماهية األمن وأهميته بالنسبة ألهداف أخرى‪ ،‬والوسائل التي يمكن أن تعززه‪ ،‬أصبح التركيز‬
‫الجديد على كيفية استخدام مجموعة معينة من األسلحة(‪.)2‬‬

‫‪1500‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪9 11‬‬

‫ولقد جاء استخدام األمن في األعمال األولى من الدراسات األمنية بمفهوم ضيق‪ ،‬باعتباره مرادفا‬
‫لبقاء الدولة والجهود التي تتخذها هذه األخيرة لحماية وجودها في مواجهة التهديدات العسكرية للدول‬
‫املنافسة‪ ،‬متجاهلة املصادر األخرى للتهديدات‪ُ ،‬مركزة على التوازنات العسكرية فحسب‪ ،‬وليس أدل على‬
‫ذلك من نظرية الردع‪ ،‬التي كانت نتاج ما سمي بالعصر الذهبي للدراسات األمنية وأحد أهم النظريات في‬
‫العالقات الدولية‪ ،‬إال أنها بالغت في التركيز على الجوانب العسكرية لألمن القومي(‪ ،)3‬فهي تفترض وجود‬
‫فاعل يتسم بالعقالنية (الواليات املتحدة األمريكية) وآخر عدائي (اإلتحاد السوفياتي) دون البحث في‬
‫األسباب‪ ،‬ولقد أهمل هذا اإلفتراض العوامل التنظيمية والسياسية والنفسية التي تلعب دورا في تشكيل‬
‫سلوك الدولة‪.‬‬
‫من ناحيته يعتبر "بوزان" أن الدراسات األمنية أثناء الحرب الباردة‪ ،‬إهتمت بمفهوم "أمن الدولة"‬
‫الذي ُوصف بصورة مضللة "باألمن القومي"‪ ،‬وأنه رغم وجود إجماع حول سعي الدول للحفاظ على أمنها‪،‬‬
‫إال أنه ال وجود لتوافق حول ما يعنيه ذلك في حالة حرب أو صراع‪ ،‬حيث تشير املدرسة الواقعية أن الدول‬
‫مدفوعة من قبل مصلحتها الذاتية والشك ناحية اآلخرين‪ ،‬األمر الذي يجعلها تسعى إلى تعزيز أمنها أوال‬
‫وقبل كل ش يء(‪ّ .)4‬‬
‫ورغم أن األمر يبدو أنه وسيلة دفاعية بالنسبة للدولة‪ ،‬إال أن الدول األخرى قد تعتبره ُّ‬
‫تحركا‬
‫هجوميا‪ ،‬لتصبح الدول محاصرة في دوامة‪ ،‬أين تحاول كل واحدة منها الحفاظ على أمنها بزيادة قدراتها‬
‫العسكرية‪ ،‬وهو الذي يعكس مفهوم "املأزق األمني" ‪ Security Dilemma‬الذي قام بصياغته "جون هيرز"‬
‫‪ John Herz‬عام ‪ ،1957‬بقوله أن اإلجراءات الدفاعية التي تتخذها الدول لتعزيز أمنها (تطوير‬
‫تكنولوجيات عسكرية جديدة‪ ،‬حشد القوات‪ ،‬سباق التسلح)‪ ،‬يجعل الدول املجاورة األخرى أقل أمنا‪،‬‬
‫وبما أنه ال مجال ملعرفة ما إذا كان وراء هذا اإلنتشار العسكري نوايا دفاعية أو هجومية‪ ،‬فإنه من‬
‫األفضل توقع األسوأ‪ ،‬والنتيجة هي محاولة كل جانب تعزيز قدراته العسكرية لتتناسب مع قوات الجانب‬
‫اآلخر(‪.)5‬‬
‫وانتهت املوجة األولى من الدراسات األمنية في منتصف الستينيات‪ ،‬ليشهد الحقل فترة تراجع‬
‫خالل السنوات الخمس عشرة الالحقة وذلك لعدة أسباب‪ ،‬فقد وصل برنامج بحث الدراسات األمنية إلى‬
‫طريق مسدود بعدما تم تناول األسئلة املركزية التي حددها نموذج الردع العقالني بالدراسة والتحليل‪،‬‬
‫حتى إن لم يتم حلها بالكامل ضمن هذا اإلطار النظري‪ ،‬فضال عن فشل علماء املوجة األولى في تكوين جيل‬
‫يخلفه‪ ،‬فمجموعة كبيرة من الدكاترة املتخرجين على يد علماء أمثال "ألبرت والشتتر" ‪Albert Wohlstetter‬‬
‫و"وليم كوفمان" ‪ ،William Kaufmann‬فضلوا املناصب الحكومية بدل دخول األقسام األكاديمية‪،‬‬
‫وبسبب عالقاتهم الوثيقة وقربهم من صناع القرار والسياسات‪ ،‬لم يتم اعتبارهم مفكرين مستقلين(‪.)6‬‬
‫كما عكس هذا التراجع‪ ،‬تأثير حرب الفيتنام على طريقة التفكير في القضايا املتعلقة بالشؤون‬
‫العسكرية‪ ،‬فقد شككت بعض األعمال األولى في حقل الدراسات األمنية بهزيمة القوات األمريكية في الهند‬
‫الصينية‪ ،‬فضال عن تدهور الوضع اإلقتصادي األمريكي في هذه الفترة وبناء على ذلك‪ ،‬بدأ العلماء‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1501‬‬


‫‪9 11‬‬

‫يشككون في جدوى القوة العسكرية والتأكيد على دور القضايا اإلقتصادية وكانت تلك بداية تخلي‬
‫الباحثين في حقل الدراسات األمنية عن الفرضيات ‪-‬البسيطة نسبيا‪ -‬التي وجهت املوجة األولى‪ ،‬مما شكل‬
‫تحد صريح للنموذج الواقعي(‪.)7‬‬
‫ذلك أن خطر انقطاع إمدادات النفط العربي في هذه الفترة برهن أن أسلوب الحياة األمريكي‬
‫ُمهدد من طرف مصادر غير عسكرية‪ ،‬فمع بروز منظمة الدول املصدرة للنفط "األوبك" وانهيار نظام "بريتن‬
‫وودز" النقدي‪ ،‬ومطالبة دول العالم الثالث بنظام إقتصادي عالمي جديد فضال عن األزمات النفطية التي‬
‫َ‬
‫شهدتها فترة السبعينيات‪ ،‬ت َّبين أن العالقات الدولية ال يمكن تفسيرها من خالل العوامل العسكرية‬
‫وحسب‪.‬‬
‫ولقد جعلت سياسة اإلنفراج بين الواليات املتحدة واإلتحاد السوفياتي وبالتالي تراجع خطر الحرب‬
‫النووية‪ ،‬دراسة الحرب تبدو أقل أهمية‪ ،‬غير أن فترة الوفاق هذه لم تدم بسبب الشكوك املتزايدة بين‬
‫الطرفين‪ ،‬لتنتهي مع الغزو السوفياتي ألفغانستان أواخر عام ‪ ،1979‬ومع انهيار سياسة اإلنفراج وتجدد‬
‫الحرب الباردة‪ ،‬تجدد اإلهتمام مرة أخرى بالدراسات األمنية في أواخر السبعينيات والثمانينيات(‪.)8‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬نهضة حقل الدراسات األمنية ّ‬
‫بدأت نهضة الدراسات األمنية مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات‪ ،‬أي بعد نهاية حرب‬
‫الفيتنام‪ ،‬فقد برز في هذه الفترة مجموعة من املفكرين الجدد في عدد من التخصصات‪ ،‬والذين باشروا‬
‫بنشر أبحاثهم بعدما تجدد اإلهتمام العام بقضايا الدفاع والسياسة الخارجية‪ ،‬وتم تخصيص املزيد من‬
‫اإلنتباه إلى التاريخ وعلم النفس‪ ،‬والجوانب األمنية لإلعتماد اإلقتصادي املتبادل(‪.)9‬‬
‫دون أن ننس ى دور مؤسسات النشر الجديدة‪ ،‬مجلة "األمن الدولي" ‪ International Security‬في‬
‫عام ‪ ،1976‬و"مجلة الدراسات اإلستراتيجية" ‪ The Journal of Strategic Studies‬في عام ‪1978‬‬
‫وتحسن نوعية النشر بتأسيس "دراسات كورنيل في الشؤون األمنية" ‪The Cornell Studies in‬‬
‫‪ Security Affairs‬و"أوراق أديلفي" ‪ The Adelphi Papers‬و"سورفافول" ‪ Survival‬في الثمانينيات‪،‬‬
‫شجع العمل الطموح والصارم على املواضيع األمنية‪ .‬فضال عن الدعم املالي الذي تلقته برامج البحث في‬
‫الدراسات األمنية من طرف عدد من املؤسسات مثل مؤسسة كارنيجي في نيويورك ‪The Carnegie‬‬
‫‪ ،Corporation‬مؤسسة فورد ‪ ،The Ford Foundation‬مؤسسة ماك آرثر ‪The McArthur‬‬
‫‪ ،Foundation‬مؤسسة جون أولين ‪ The John M. Olin Foundation‬وغيرها‪ ،‬األمر الذي مكن‬
‫العديد من األكاديميين من البحث دون الخضوع لضغوطات رسمية‪ ،‬وليس من املستغرب أن نجد الكثير‬
‫من املفكرين الجدد البارزين في حقل الدراسات األمنية‪ ،‬قد قضوا جزءا من حياتهم املهنية في أحد هذه‬
‫البرامج(‪.)10‬‬
‫وتميزت املوجة الجديدة من الدراسات األمنية باإلعتماد أكثر على التاريخ‪ ،‬أو ما أسماه "جوزيف‬
‫ناي" بإعادة إكتشاف التاريخ‪ ،‬فقد استفاد املؤرخون من رفع السرية عن وثائق الحكومة األمريكية‪ ،‬مما‬
‫أتاح القيام بتحقيقات مفصلة لسياسة األمن القومي‪ ،‬وأدت هذه الجهود إلى مراجعة تفسيرات األحداث‬

‫‪1502‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪9 11‬‬

‫التاريخية الهامة(‪ ،)11‬خاصة ما يتعلق بتاريخ تطور العقيدة النووية اإلستراتيجية األمريكية‪ ،‬ودور األسلحة‬
‫النووية في دبلوماسية الحرب الباردة‪ ،‬وكانت هذه األعمال مهمة جدا لتصحيح املفاهيم الخاطئة عن تاريخ‬
‫العصر النووي(‪.)12‬‬
‫وأبدى املؤرخون في هذه املرحلة إستعدادا أكبر لدمج نظريات ومفاهيم من العلوم السياسية في‬
‫أعمالهم‪ ،‬ليس كوسيلة للتفسير فحسب بل للتنبؤ أيضا‪ ،‬األمر الذي شجع علماء السياسة على بناء‬
‫واختبار وصقل الفرضيات والنظريات حول األمن الدولي وفق استخدام السجل التاريخي بطريقة أكثر‬
‫انضباطا(‪ ، )13‬فقد تم في هذه الفترة نقد وإعادة تقييم فرضيات نظرية الردع‪ ،‬املتمثلة في املعلومات املثالية‬
‫والحسابات العقالنية التي ت كمن في صميم نموذج الردع العقالني‪ ،‬وذلك باإلستناد إلى علم النفس‬
‫واإلقتصاد ومجموعة من الدراسات التاريخية لفهم السياق املعقد لصنع القرار‪ ،‬فهزيمة الواليات املتحدة‬
‫األمريكية في الهند الصينية في نهاية السبعينيات أثارت موجة من اإلنتقادات على نظرية وإستراتيجية‬
‫الردع(‪.)14‬‬
‫ولقد اقترح "توماس شلينغ" ‪ Thomas Schelling‬تحليال أوسع باإلستناد إلى اإلقتصاد وعلم‬
‫النفس‪ ،‬عندما ذهب إلى القول أن نتائج املفاوضات ال تعكس بالضرورة التوازن في املصالح أو القدرات‬
‫العسكرية‪ ،‬فهناك عوامل أخرى قد تلعب دورا رئيسيا في هذه النتائج‪ ،‬ويمكن القول أن أكثرها أهمية هو‬
‫"اإلستعداد للمعاناة"‪ ،‬ذلك أن الحرب بالنسبة "لشلينغ" هي سباق لإلرادات‪ ،‬فحتى منتصف العشرينيات‬
‫إستخدمت القوة إلخضاع أو كسر إرادة الخصم‪ ،‬بالتغلب على قوته العسكرية وسلب إقليمه وشعبه‬ ‫ُ‬
‫وموارده اإلقتصادية‪ ،‬ولقد سهلت القوة الجوية واألسلحة النووية ذلك‪ ،‬لكن الحرب لم تعد سباقا للقوة‬
‫–حسب رأيه‪ -‬بل سباقا لتحمل األلم واملعاناة‪ ،‬فالقدرة على إلحاق الضرر كمصدر مهم في املفاوضات‪ ،‬قد‬
‫توازي في أهميتها القدرة على تحمله (سواء أكان هذا الضرر جسديا أو عقليا أو إقتصاديا)‪ ،‬األمر الذي‬
‫ينفي قوة الخصم في توقيع الجزاء(‪.)15‬‬
‫فبالرغم من القصف الذي تعرض له شمال الفيتنام‪ ،‬غير أن ذلك لم يثني عزيمته‪ ،‬ويعتقد‬
‫ُ‬
‫"شلينغ" أن السبب يرجع إلى تخلف إقتصاد الفيتنام‪ ،‬بالتالي لم يكن هناك بنى تحتية تستهدف لتعطيل‬
‫اإلقتصاد‪ ،‬وكان الشعب أقل اعتمادا على شبكات التوزيع املوجودة للحصول على القوت والدعم املادي‪،‬‬
‫ومن الواضح أن قدرة شمال الفيتنام على تحمل الضرر فاقت القدرات العسكرية واملادية األمريكية التي‬
‫كانت تدعم الجنوب‪ ،‬فقد تمكنت الحكومة في الشمال من الحفاظ على معنويات مرتفعة طوال فترة‬
‫الحرب‪ ،‬رغم الخسائر الفادحة في األرواح‪ ،‬لتنتهي الحرب بتوحيد الفيتنام(‪ّ .)16‬‬
‫ولقد أهملت املقاربات الواقعية هذه األبعاد في إستراتيجية الردع‪ ،‬وركزت على قوة إلحاق الضرر‬
‫وكيفية تحويله إلى تهديدات ذات مصداقية‪ ،‬وفي هذا اإلطار‪ ،‬قام "كينث والتز" ‪ Kenneth Waltz‬وغيره‬
‫من الباحثين خالل هذه الفترة‪ ،‬بإعادة النظر في النموذج الواقعي‪ ،‬وكان نتاج هذه الجهود ما سمي‬
‫بالواقعية الجديدة‪ ،‬والتي أعادت صياغة املفاهيم والفرضيات الغامضة للواقعيين التقليديين(‪.)17‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1503‬‬


‫‪9 11‬‬

‫فقد افترض "والتز" في أواخر السبعينيات بعد صدور كتابه الذي يحمل عنوان "نظرية السياسة‬
‫الدولية" ‪ ،Theory of International Politic‬أن الدول ليست عدائية بطبيعتها وليس سعيها إلى‬
‫تحقيق أقص ى حد ممكن من القوة أصيال في سلوكها كما رأى "مورغانثاو"‪ ،‬إنما تسعى إلى تحقيق أدنى‬
‫حد ممكن من القوة للحفاظ على بقائها‪ ،‬ذلك أن بنية النظام الدولي تتميز بالفوض ى وهو ما يدفع الدول‬
‫إلى ا ملنافسة األمنية‪ ،‬غير أنه أشار إلى إمكانية التخفيف من هذه الفوض ى عبر املؤسسات واملنظمات‬
‫الدولية(‪.)18‬‬
‫وهو رأي كتاب آخرين أمثال "باري بوزان"‪ ،‬الذي يرى أن أحد السمات املهمة التي ميزت النظام‬
‫الدولي في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين‪ ،‬هي البروز التدريجي ملا أسماه "بالفوض ى‬
‫الناضجة" أين تعترف الدول بخطر إستمرار العداء التنافس ي فيما بينها من جراء التركيز على مصالحها‬
‫األمنية الضيقة‪ ،‬بحيث يعتقد "بوزان" أن هناك تفهما بين الدول األكثر نضجا في النظام الدولي يقتض ي‬
‫أخذها بعين اإلعتبار ملصالح جيرانها‪ ،‬أي تفهم الدول بأن السياسات األمنية هي سياسات إعتماد متبادل‪،‬‬
‫وهو ما يمثل التحول من اإلنشغال باألمن القومي إلى اإلنشغال باألمن الدولي(‪ّ .)19‬‬
‫بعد نهاية الحرب الباردة‪ ،‬برهن التيار التقليدي في حقل الدراسات األمنية عن فشله في تفسير‬
‫التهديدات الجديدة غير العسكرية التي برزت في القطاع اإلقتصادي واإلجتماعي والصحي والبيئي‪ ،‬فقد‬
‫شكل انهيار الثنائية القطبية تحديا للواقعيين الذين افترضوا أنه نظام دائم‪ ،‬فضال عن األسلوب السلمي‬
‫والطوعي الذي أدى لنهايته بدال من املواجهة العسكرية‪ .‬ولقد أثارت نهاية القطبية الثنائية تساؤالت حول‬
‫اإلستراتيجية الكبرى األمريكية الجديدة‪ ،‬ذلك أن هوية وطبيعة املنافسين الجدد للواليات املتحدة‬
‫األمريكية لم تكن واضحة‪ ،‬ولقد جنح التركيز في هذه الفترة على الصين‪ ،‬التي برزت منذ أواخر التسعينيات‬
‫كقوة إقليمية بفضل نموها اإلقتصادي‪ ،‬األمر الذي أثار مخاوف حول إحتمال سعي هذه األخيرة إلى تطوير‬
‫قواتها العسكرية(‪ .)20‬من ناحية أخرى‪ ،‬أصبح العالم اإلسالمي موضوعا أمنيا بارزا بعد الحرب الباردة‪،‬‬
‫كمنافس محتمل للواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ونلمس هذا التوجه في أطروحة "صاموئيل هنتغتون"‬
‫‪ Samuel Huntington‬عام ‪ 1993‬تحت عنوان "صدام الحضارات"‪.‬‬
‫وبالرغم من النقاش الذي أثير حول كل من الصين واإلسالم كمرشحين محتملين ملنافسة القوة‬
‫األمريكية‪ ،‬غير أن ذلك لم يجعلهما ندا لها محل اإلتحاد السوفياتي‪ ،‬األمر الذي فتح النقاش بشأن‬
‫اإلستراتيجية الكبرى األمريكية الجديدة ملدة أطول‪ ،‬والتي أصبحت سمة رئيسية في أدبيات الدراسات‬
‫األمنية في هذه الفترة‪ ،‬فقد افترض الباحثون األمريكيون أن نهاية الحرب الباردة قد أنشأت مجتمعا غربيا‬
‫يتميز باألمن الدائم‪ ،‬تجمعه نفس الثقافة واملؤسسات واملصالح اإلقتصادية‪ ،‬فضال عن اإللتزام‬
‫بالديمقراطية الليبرالية‪.‬‬
‫ولقد انقسم هذا التصور إلى إتجاهين‪ ،‬تعلق األول بنظرية السالم الديمقراطي‪ ،‬والتي مفادها أن‬
‫النصر في الحرب الباردة كان من حليف الديمقراطيات الليبرالية‪ ،‬التي لم تعد تنافسها أية قوة عظمى‬

‫‪1504‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪9 11‬‬

‫أخرى‪ ،‬بالتالي فإن العالقات الدولية ستشهد تحوال عميقا من خالل الغياب الدائم للخوف من حروب‬
‫القوى العظمى‪.‬‬
‫أما اإلتجاه اآلخر‪ ،‬فقد اقترح وضع السالم الديمقراطي في سياق مزدوج املسار للنظام الدولي‪،‬‬
‫يضم منطقة ديمقراطية للسالم والتي تشمل الدول الرأسمالية األساسية‪ ،‬ومنطقة صراع تقع على‬
‫هامشه‪ ،‬ووفقا لهذا الرأي‪ ،‬فإن النظام العالمي الجديد يكمن في املركز‪ ،‬في حين يبقى الهامش خاضعا‬
‫لقواعد الواقعية القديمة(‪.)21‬‬
‫وفي نفس السياق‪ ،‬أشار "باري بوزان" في مقاله الصادر عام ‪ 1991‬تحت عنوان "النماذج الجديدة‬
‫لألمن العالمي في القرن الحادي والعشرين"‪ ،‬أن نهاية الحرب الباردة غيرت نموذج ونوعية العالقات‬
‫الدولية‪ ،‬فبعدما كان العالم في السابق مقسما إلى ثالث‪ :‬عالم أول ويتمثل في الواليات املتحدة األمريكية‪،‬‬
‫وعالم ثان يتوسم في اإلتحاد السوفياتي‪ ،‬وثالث في إشارة إلى الجنوب‪ ،‬أصبحت العالقات الدولية اليوم‬
‫تدور بين القوى الكبرى في الشمال (أو املركز) وبين الدول في الجنوب (أو الهامش)‪ ،‬ووفقا لهذا املعنى‪ ،‬فإن‬
‫الرأسمالية الغربية قد انتصرت على كل من األيديولوجية الشيوعية والعالم الثالث‪ ،‬وذهب "بوزان" في‬
‫شرحه إلى افتراض إمكانية تطور "حرب باردة حضارية" بين الشمال والجنوب في العقود املقبلة‪ ،‬بسبب‬
‫جعل اإلسالم في الصف األول من املعارضة للهيمنة الغربية(‪.)22‬‬
‫وإلى جانب الشكوك حول مستقبل الحروب‪ ،‬فقد تميزت الدراسات األمنية ما بعد الحرب الباردة‬
‫باستمرارية اإلهتمام بتكنولوجيا األسلحة النووية‪ ،‬بحيث تم تعويض النقص الذي خلفه سباق التسلح‬
‫األمريكي السوفياتي‪ ،‬بالقلق إزاء اإلنتشار النووي‪ ،‬مع تحول التركيز من الدول الغربية إلى دول العالم‬
‫الثالث‪ ،‬خاصة مع بروز قوى نووية جديدة في آسيا والشرق األوسط(‪.)23‬‬
‫إن تحول اإلهتمام بالحرب في العالم الثالث‪ ،‬أنشأ بدوره تحول التركيز من الحروب بين الدول إلى‬
‫الحروب داخل الدول‪ ،‬ولقد ارتبط ذلك ببروز الصراعات املحلية واملخاوف بشأن ما سمي بالدول‬
‫الفاشلة‪ ،‬فضال عن بروز اإلهتمام بعمليات حفظ السالم والتدخالت والحروب اإلنسانية الناتجة عن‬
‫مختلف املحاوالت الغربية للتدخل باسم حقوق اإلنسان‪.‬‬
‫إن زيادة اإلهتمام باملشاكل اإلقليمية واملحلية‪ ،‬كان من بين النتائج الرئيسية لنهاية القطبية‬
‫الثنائية‪ ،‬األمر الذي يفسر تحول تركيز الدراسات األمنية باتجاه العالم الثالث‪ ،‬خاصة مع بروز مواضيع‬
‫مثل الدول املارقة واإلرهاب على األجندة األمريكية وربطها بأسلحة الدمار الشامل(‪ .)24‬ولقد أدى ظهور‬
‫الشبكات اإلرهابية التي بدت أكثر عاملية في التنظيم والدافع‪ ،‬وأكثر تطرفا في األسلوب‪ ،‬إلى تغذية املخاوف‬
‫بشأن إمكانية اكتساب هذه الجماعات ألسلحة الدمار الشامل‪ ،‬األمر الذي فتح النقاش حول مدى الجدية‬
‫التي ينبغي على الواليات املتحدة األمريكية اتخاذها تجاه هذا التهديد‪ ،‬وظل اإلرهاب مصدر قلق مستمر‬
‫لكن ليس مركزيا في الدراسات األمنية‪ ،‬إلى غاية أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪.2001‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1505‬‬


‫‪9 11‬‬

‫املبحث الثاني ّ‬
‫التيار التوسيعي والتعميقي في حقل الدراسات األمنية‬
‫بعدما تناولنا صمود التيار التقليدي في حقل الدراسات األمنية‪ ،‬بفرضياته املتمحورة حول‬
‫األجندة العسكرية ومفهوم األمن الدوالتي‪-‬التمركز رغم نهاية الحرب الباردة‪ ،‬سنحاول فيما يلي‪ ،‬عرض‬
‫وجهة النظر املعارضة لكل من املوسعين ‪ Wideners‬واملعمقين ‪ Deepeners‬الذين ألحوا بضرورة‬
‫تعميق املوضوع املرجعي لألمن وعدم حصره في الدولة من جهة‪ ،‬وتوسيع مفهوم األمن ليشمل قطاعات‬
‫أخرى غير القطاع العسكري من جهة أخرى‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مفهوم األمن في الدراسات النقدية ّ‬
‫بالرغم من إجماع الباحثين املوسعين واملعمقين ملفهوم األمن على تحدي التيار التقليدي‪ ،‬غير أن‬
‫الدراسات التوسيعية والتعميقية ملفهوم األمن تضم عددا من املقاربات ذات تسميات ومنظورات مختلفة‬
‫أهمها‪ :‬الدراسات البنائية‪ ،‬دراسات األمن اإلنساني‪ ،‬دراسات بحث السالم‪ ،‬الدراسات األمنية النسوية‪،‬‬
‫الدراسات األمنية ما بعد الكولونيالية‪ ،‬ودراسات األمن النقدية‪ ،‬ولقد طرحت هذه الدراسات مسألة‬
‫"كيف ينبغي دراسة األمن؟"‪ ،‬مما يعني أن اإلبستمولوجيا شكلت جزءا أساسيا من النقاشات التوسيعية‬
‫التي دارت منذ تسعينيات القرن املاض ي‪ ،‬وبالتالي فإنه من املفيد أن نأخذ فكرة عن الكيفية التي تمت بها‬
‫هذه األخيرة‪.‬‬
‫إن أول تمييز إبستمولوجي مركزي في الدراسات األمنية‪ ،‬هو الفرق بين مفهوم األمن املوضوعي‬
‫‪ Objective‬والذاتي ‪ Subjective‬واإلستطرادي ‪ ،Discursive‬ولقد ورد التعريف املوضوعي والذاتي‬
‫لألمن في أحد أولى األعمال الكالسيكية للدراسات األمنية‪ ،‬حيث جادل "والفرز" ‪ Wolfers‬أن األمن من‬
‫الناحية املوضوعية يقيس غياب التهديدات عن القيم املكتسبة‪ ،‬أما من الناحية الذاتية فهو يعني غياب‬
‫الخوف من أن يتم اإلعتداء على هذه القيم‪ ،‬وأضاف أنه من غير املمكن قياس األمن بموضوعية‪ ،‬طاملا‬
‫لعبت العوامل الذاتية دورا ال مفر منه في صنع القرار السياس ي(‪.)25‬‬
‫يقوم املفهوم املوضوعي لألمن‪ ،‬بتحديد هذا األخير من الناحية املادية‪ ،‬فاحتمال أن تشكل الدول‬
‫تهديدا أو أن تكون قادرة على ردع األعداء يستند على قدراتها املادية‪ ،‬أما املفهوم الذاتي لألمن‪ ،‬فهو يؤكد‬
‫على أهمية التاريخ واألعراف والخوف وسوء الفهم والسياقات العالئقية التي تصاغ التهديدات ضمنها‬
‫(األصدقاء‪ ،‬املنافسين‪ ،‬املحايدين‪ ،‬األعداء)‪ ،‬وتشير هذه الدراسات إلى أن كال من العوامل املادية‬
‫والفكرية‪ ،‬تلعب دورا في التأثير على املصادر العسكرية التي تملكها الدولة‪ ،‬فما سمي باملأزق األمني على‬
‫سبيل املثال‪ ،‬يحدث نتيجة سوء فهم الدول لنوايا بعضها البعض‪ ،‬فمسعى كل دولة في تأمين دفاعها يعتبر‬
‫تهديدا بالنسبة لألخرى‪ ،‬ما يقودنا إلى القول أن األمن الذاتي يرتبط باألمن املوضوعي‪ ،‬وبعبارة أخرى أنه ال‬
‫يمكن للمقاربات الذاتية اإلستغناء عن التعريف املوضوعي لألمن(‪.)26‬‬
‫في املقابل‪ ،‬تذهب املقاربات اإلستطرادية لألمن إلى القول أن هذا األخير ال يمكن تحديده‬
‫بموضوعية‪ ،‬وفي هذا اإلطار فقد افترضت مدرسة كوبنهاغن أن األمن هو فعل الخطاب ‪ ،Speech Act‬أي‬

‫‪1506‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪9 11‬‬

‫بمجرد إعالن فاعل سياس ي ما أن مسألة ما تمثل تهديدا يستدعي استخدام أية وسيلة ضرورية ملنع‬
‫تطوره‪ ،‬فإن هذا التهديد يصبح موضوعيا‪ ،‬لكن هذا ال يعني أنه يمكن تحويل أي ش يء لقضية أمنية‪،‬‬
‫فضمان نجاح فعل الخطاب يتوقف على إقناع الجمهور املستهدف(‪.)27‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬منظور "باري بوزان" لألمن ّ‬
‫يرى "أول وايفر" ‪ Ole Waever‬أن مركز اإلبداعات النظرية في حقل الدراسات األمنية قد انتقل‬
‫من الواليات املتحدة األمريكية إلى أوربا ليقترن بأماكن مثل أبريستويث ‪ Aberystwyth‬وباريس‬
‫تحدت‬‫وكوبنهاغن ‪ ،‬أين برز عدد من النظريات وبرامج البحث غالبا ما تطلق عليها تسمية "املدارس" والتي َّ‬
‫على نطاق واسع الفرضيات الواقعية التقليدية‪ ،‬وهي تندرج تحت ما يسمى "بالدراسات األمنية‬
‫النقدية"(‪.)28‬‬
‫ومن بين هذه املدارس التي ساهمت في تعميق وتوسيع مفهوم األمن‪ ،‬نذكر "مدرسة كوبنهاغن"؛‬
‫ُ‬
‫تحيل تسمية "مدرسة كوبنهاغن" إلى األجندة البحثية ملجموعة من الباحثين األكاديميين في "معهد‬
‫كوبنهاغن ألبحاث السالم" في الدانمارك‪ ،‬الذي تم إنشاؤه عام ‪ ،1985‬وكان أول من أطلق عليها هذه‬
‫التسمية هو "بيل ماك سويني" ‪ Bill McSweeney‬عام ‪ ،1996‬في إشارة منه إلى اإلسهامات النظرية لكل‬
‫من "باري بوزان" و " أول وايفر" وآخرون ممن شاركهما برنامج البحث‪ ،‬فمنذ صدور الطبعة األولى من‬
‫كتاب "الناس‪ ،‬الدول والخوف‪ :‬مشكلة األمن القومي في العالقات الدولية" عام ‪ ،1983‬أصبح عمل‬
‫"بوزان" مرجعا ال غنى عنه لدارس ي األمن‪ ،‬ولقد حفزت الطبعة الثانية املنقحة من نفس املؤلف الصادرة‬
‫عام ‪ ،1991‬مجموعة من الباحثين إلى مواصلة التعمق في استكشاف املشكلة األمنية إلى جانب "بوزان"‪،‬‬
‫األمر الذي أثمر عدة منشورات حول موضوع األمن مترابطة فيما بينها بما يكفي‪ ،‬لتبرير التسمية الجماعية‬
‫لهذه األعمال بـ "مدرسة كوبنهاغن للدراسات األمنية"(‪ّ .)29‬‬
‫ولقد اتخذت مراجعة الدراسات األمنية التي أعلن عنها "بوزان" منذ عام ‪ ،1983‬منعطفا جديدا‬
‫مع اإلصدارات الالحقة ملدرسة كوبنهاغن والتي وفرت ثالث أدوات تحليلية لتسهيل دراسة مفهوم األمن‪،‬‬
‫فقد قام "بوزان" بتأسيس أداتين تمثلت في فكرة توسيع قطاعات األمن والتي جعلها تشمل خمسة‬
‫قطاعات‪ ،‬فضال عن نظرية مركب األمن اإلقليمي‪ ،‬أما نظرية األمننة وهي أهم أداة تحليلية تتميز بها‬
‫مدرسة كوبنهاغن‪ ،‬فهي ملؤسسها "وايفر"‪ ،‬التي طورها الحقا رفقة "بوزان"‪.‬‬
‫يمكن القول أن تحليل "بوزان" هو مزيج من الواقعية الجديدة بصفة عامة والبنائية بصفة‬
‫خاصة‪ ،‬فهو يتقبل مسلمة الواقعيين الجدد التي تفيد أن النظام السياس ي هو نظام فوضوي (غياب‬
‫التراتبية)‪ ،‬وأن هذا السياق يفرض علينا إعتبار الدولة املوضوع املرجعي الرئيس ي لألمن‪ ،‬وهو ما يجعله‬
‫وفيا لنموذج مركزية الدولة‪ ،‬غير أنه يرى في املقابل أن تفسير األمن على أنه محض صراع للقوة‪ ،‬هو تفسير‬
‫محدود قد يعيق صناع السياسة أو الباحثين في العالقات الدولية في التوصل إلى فهم شامل للقضية‬
‫األمنية‪.‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1507‬‬


‫‪9 11‬‬

‫وفي هذا اإلطار‪ ،‬أشار "بوزان" أنه قد تم تأسيس األمن بمفهوم ضيق جدا‪ ،‬واقترح في كتابه‬
‫"الناس‪ ،‬الدول والخوف" عام ‪ 1983‬توسيع املفهوم عموديا عندما تحدث عن تقسيم األمن إلى ثالث‬
‫مستويات‪ :‬الفرد‪ ،‬الدولة‪ ،‬والنظام الدولي(‪ ،)30‬ورغم أن ظاهرة األمن القومي تكمن في املستوى الثاني‪ ،‬غير‬
‫أن عالقة هذا األخير بكل من املستوى األول والثالث جد قوية وال يمكن تجاهلها‪ ،‬فمفهوم األمن يربط‬
‫األفراد والدول والنظام الدولي برباط وثيق يستلزم معالجة املوضوع من خالل منظور شامل(‪.)31‬‬
‫من ناحية أخرى إقترح "بوزان" تعميق مفهوم األمن أفقيا نحو القطاعات اإلقتصادية والسياسية‬
‫واملجتمعية والبيئية فضال عن العسكرية‪ ،‬وذلك كما ورد في مقاله "النماذج الجديدة لألمن الدولي في‬
‫القرن الحادي والعشرين" الصادر عام ‪ ،1991‬وال يمكن لهذه املفاهيم أن تعالج قضايا األمن بشكل‬
‫منفصل‪ ،‬ذلك ألنها مرتبطة ببعضها البعض إرتباطا وثيقا ومعقدا‪ ،‬مشكلة شبكة من املعلومات التي ينبغي‬
‫على املحلل األمني أو الباحث في العالقات الدولية‪ ،‬فك عقدها ملعرفة كيفية تأثير كل مفهوم على اآلخر(‪.)32‬‬
‫ما يقودنا إلى حقيقة أن األمن املطلق غاية لن تدرك‪ ،‬وهو ما أشار إليه "بوزان" بالقول أنه عندما‬
‫يتعلق األمر بالسياسة األمنية الناجحة فإننا نكون أمام مأزق أبدي‪ ،‬خاصة بعد املنعطف الذي شهده‬
‫عالم ما بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬بحيث ليس من املستغرب أن نجد أنفسنا ضمن سياسات أمنية‪،‬‬
‫غاياتها أو تداعياتها قد ال تبرر الوسائل(‪.)33‬‬
‫ولقد تعزز برنامج البحث داخل مدرسة كوبنهاغن بموضوع صنع الكثير من الجدل في األوساط‬
‫األكاديمية‪ ،‬ويتعلق األمر بنظرية األمننة ‪ Securitisation Theory‬ملؤسسها "أولي وايفر" ‪Ole Waever‬‬
‫والتي تشير إلى البناء اإلستطرادي للتهديد‪ ،‬فاألمننة هي العملية التي يصرح من خاللها فاعل ما أنه تمة‬
‫تهديد وجودي يتعرض ملوضوع مرجعي ما‪ ،‬فإذا ما تقبل الجمهور ‪ Audience‬املستهدف األمر فإن ذلك‬
‫سيتيح للفاعل املؤمن ‪ Securitizing Actor‬وقف العمل وفق السياسة العادية واتباع إجراءات‬
‫إستثنائية إستجابة لتلك األزمة املفترضة(‪.)34‬‬
‫املبحث الثاني ّ‬
‫البناءات العاملية للتهديدات الالتماثلية والوحدات املرجعية ّ‬
‫وضعت أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬نهاية فجائية لفترة ما بعد الحرب الباردة‪ ،‬حيث يتفق أغلب‬
‫الباحثين أنها قد رسمت املرحلة الجديدة للعالقات الدولية واألمن الدولي‪ ،‬وأنها شكلت منعطفا مهما في‬
‫تطور حقل الدراسات األمنية‪ ،‬فقد أكدت هذه املرحلة على حداثة القضايا األمنية نظرا لبروز التهديدات‬
‫الالتماثلية على الساحة الدولية‪ ،‬أبرزها تهديد الذي يمثله ما سمي باإلرهاب‪ .‬وسوف نناقش في اآلتي‬
‫كيفية استغالل اإلدارة األمريكية لخطاب الحرب على اإلرهاب‪ ،‬وذلك لتجسيد إستراتيجية اإلنفرادية‬
‫إلدارة الشؤون العاملية املبنية على القوة والهيمنة‪ ،‬ويدعمها في ذلك منطق األمننة لشرعنة التحول نحو‬
‫مجتمع دولي أكثر هرمية‪.‬‬

‫‪1508‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪9 11‬‬

‫املطلب األول‪ :‬نظرية األمننة ّ‬


‫تعد نظرية األمننة أحد أهم النظريات التي برزت في حقل الدراسات األمنية املعاصرة واألكثرها‬
‫ابتكارا وجدال في الوقت ذاته‪ ،‬والتي قام "أولي وايفر" بتأسيسها عام ‪ 1995‬من خالل مقاله املعنون‬
‫بـ"األمننة ونزع األمننة" ‪ ،Securitisation and Desecuritisation‬ولقد شاركه في تطويرها "باري‬
‫بوزان" ‪ Barry Buzan‬لتصبح هذه النظرية ميزة خاصة بمدرسة كوبنهاغن للدراسات األمنية‪.‬‬
‫يعتبر "وايفر" أن املشكلة األساسية في الدعوة إلى توسيع األجندة األمنية وذلك باإلنتقال من‬
‫التركيز الصارم على أمن الدولة إلى أمن األفراد‪ ،‬يتمثل في معرفة "متى نتوقف"‪ ،‬فأمن األفراد قد يتأثر بعدة‬
‫طرق ومن جوانب مختلفة‪ ،‬وعلى هذا املنوال فإن أي ش يء قد يصبح قضية أمنية وهو ما يخشاه‬
‫التقليديون‪ ،‬بالتالي كيف نستطيع اإلقتراب من صفات واضحة لهذه األخيرة‪ ،‬بطريقة تميزها عن املشاكل‬
‫األخرى التي تحيط بالفرد(‪.)35‬‬
‫أراد "وايفر"من خالل ذلك‪ ،‬اإلجابة عن سؤال بسيط مفاده‪ :‬ما الذي يجعل شيئا ما مشكلة‬
‫أمنية؟ واقترح أن املشاكل األمنية من الناحية النظرية‪ ،‬هي تطورات تهدد سيادة أو إستقالل الدولة‬
‫بطريقة سريعة ومثيرة‪ ،‬تستدعي بذل أقص ى حد ممكن من الجهود وحشد كل ما أمكن من الوسائل أما‬
‫من الناحية العملية‪ ،‬فإن اعتبار بعض التطورات على أنها تشكل مشكلة أمنية‪ ،‬يتيح ألصحاب السلطة‬
‫أمننة قضية ما ألجل التحكم فيها‪ ،‬وبحكم ذلك يصبح ش يء ما مشكلة أمنية عندما تعلن النخب‬
‫السياسية أنه كذلك‪ ،‬بالتالي يمكن النظر إلى األمن على أنه فعل الخطاب ‪ Speech Act‬فهو ال يشير إلى‬
‫ش يء ملموس في الواقع‪ ،‬فالكالم في حد ذاته هو الفعل(‪ّ .)36‬‬
‫ولقد أشار "وايفر" بأنه ال يمكن اعتبار األمن كش يء أو حالة سابقة في وجودها عن الخطاب‪ ،‬فهو‬
‫ُ‬
‫ممارسة ذاتية املرجعية‪ ،‬بمعنى أن شرط وجوده قد أسس بفعل الخطاب ذاته‪ ،‬وليس بتهديد مفروض‬
‫مهما كان نوعه‪ ،‬وبهذا املعنى فقد ذهب "بوزان" إلى القول أن املعاني ترتبط سببيا بالطريقة التي‬
‫استخدمت بها اللغة‪ ،‬فاملعنى ال يرتبط بكيفية تفكير وإدراك الناس له‪ ،‬بل في كيفية استخدامه بشكل من‬
‫األشكال دون غيره‪.‬‬
‫من خالل ما تقدم‪ ،‬نستنتج أن فكرة األمننة تشير إلى البناء اإلستطرادي للتهديد‪ ،‬وأن إفتراضها‬
‫الرئيس ي يكمن في اعتبارها األمن كفعل الخطاب‪ ،‬فبمجرد التلفظ أن شيئا ما يشكل قضية أمنية فإنه‬
‫يصبح كذلك‪ ،‬وبعبارة أخرى‪ ،‬فإن تصريح فاعل ما أن موضوعا مرجعيا ما مهدد في وجوده‪ ،‬يمنحه الحق‬
‫في اتخاذ تدابير إستثنائية لضمان بقاء ذلك املوضوع املرجعي‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى نقل القضية من حيز‬
‫السياسة العادية إلى حيز القضايا الطارئة‪ ،‬أين يمكن التعامل معها بسرعة‪ ،‬خارج قواعد الديمقراطية‬
‫العادية(‪ّ .)37‬‬
‫غير أن ذلك يتي ح إمكانية أن يصبح أي ش يء قضية أمنية‪ ،‬ولتجنب هذه النتيجة تشترط نظرية‬
‫األمننة إقناع الجمهور املستهدف‪ ،‬مما يعني قبوله باإلجراءات اإلستثنائية التي يطالب الفاعل املؤمن‬
‫باتخاذها‪ ،‬ومن غير ذلك فإنه ال يمكننا الحديث عن األمننة الناجحة(‪ّ .)38‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1509‬‬


‫‪9 11‬‬

‫بالتالي تصبح قضية ما رهانا أمنيا فقط متى أعلن فاعل ُمؤمن ما عبر خطاب أمني‪ ،‬على أنها‬
‫تشكل تهديدا وجوديا‪ ،‬يتطلب إجراءات مستعجلة‪ ،‬تبرر األعمال الخارجة عن حدود اإلجراءات السياسية‬
‫العادية كشرط أول‪ ،‬ولقد ورد في الكتاب املشترك لكل من "بوزان"‪" ،‬وايفر" و"دي فيلده" لعام ‪ ،1998‬أن‬
‫تقديم قضية ما على أساس أنها تهديد وجودي‪ ،‬يعني القول‪'' :‬إذا لم نعالج هذه املشكلة‪ ،‬فإن كل ش يء‬
‫آخر سيكون غير ذي معنى‪ ،‬ألننا لن نتواجد هنا‪ ،‬أو أننا لن نكون أحرارا في التعامل معها بطريقتنا‬
‫الخاصة'' وتسمى هذه الخطوة بالتحرك نحو األمننة ‪ Securitizing Move‬ولنجاحها البد من قبول‬
‫الجمهور لها كشرط ثان(‪ّ .)39‬‬
‫وليس بالضرورة أن يكون هذا القبول عبر نقاش حضاري حر‪ ،‬فهو يتوقف دائما إما على اإلكراه‬
‫أو الرض ى‪ ،‬لكن أمام عدم إمكانية فرض األمننة بالقوة‪ ،‬البد أن تكون حجج الفاعل املؤمن مقنعة‪ ،‬وينبغي‬
‫أن يركز في جداله على التهديد الوجودي وليس على تبني اإلجراءات املستعجلة‪ ،‬فذلك سيتيح له إكتساب‬
‫نسبة كافية من تفهم الجمهور‪ ،‬تسمح بشرعنة خرق القوانين واستخدام سلطات فوق العادة في مواجهة‬
‫التهديد‪ ،‬وليس باإلمكان الحديث عن أمننة قضية ما في حال غياب مؤشرات عن هذا القبول‪ ،‬إنما نكون‬
‫بصدد التحرك نحو األمننة فحسب كما أسلفنا بالقول(‪.)40‬‬
‫من الواضح أن نظرية األمننة تستند على مفاهيم خاصة بالنظرية الواقعية التقليدية‪ ،‬مثل البقاء‬
‫والتهديدات الوجودية‪ ،‬وحالة الخطر األقص ى ومطالبة سلطة الدولة بحقوق غير عادية(‪ ،)41‬في حين أن‬
‫اإلستفهام حول القضايا التي تمثل مسألة بقاء‪ ،‬يتوقف على طبيعة الفاعل الطارح للقضية وفهمه‬
‫الخاص ملا يعتبره تهديدا وجوديا‪ ،‬وبهذا املعنى‪ ،‬فإن األمننة هي بناء إجتماعي وبيذاتاني ووفقا لهذا‬
‫اإلعتبار‪ ،‬يمكن القول أن مدرسة كوبنهاغن تسعى إلى الجمع بين تفسير نظريتين متعارضتين إبستمولوجيا‬
‫وأنطولوجيا ومنهجيا (الواقعية والبنائية) في تفسير موحد(‪.)42‬‬
‫إن األمننة كما شرحناها‪ ،‬ماهي سوى أداة نظرية لتحليل املمارسات األمنية‪ ،‬وليست توصيفا‬
‫ألسلوب حكم يختلق فيه صانع القرار تهديدا وجوديا قد يؤدي إلى املوت العنيف‪ ،‬حتى يتمكن من خرق‬
‫القوانين والحصول على هامش أكبر من املناورة‪ ،‬كما ورد عن "جيف هيوزمنز" ‪ Jef Huysmans‬في‬
‫نقده لنظرية األمننة(‪ ، )43‬بمعنى أن استيعاب مفهومها‪ ،‬ينبغي أن يستند على وجهة نظر املحلل والباحث‬
‫األكاديمي‪ ،‬وليس على وجهة نظر الفاعل املؤمن‪.‬‬
‫ويتمثل هدف "وايفر" ومدرسة كوبنهاغن من خالل هذه النظرية في اإلجابة على سؤال ليس بأقل‬
‫أهمية مفاده‪ :‬هل تعتبر عملية األمننة أمرا إيجابيا أم سلبيا؟ بحيث ينتقد "وايفر" بشدة إضفاء الطابع‬
‫األمني على القضايا‪ ،‬التي تتيح للفاعل املؤمن إتخاذ قرارات ال تستلزم املرور عبر القنوات املؤسساتية‬
‫والرقابية التقليدية‪ ،‬لذلك فهو يرى أن األمننة هي ظاهرة سلبية‪ ،‬وأنها تعبر عن الفشل في معالجة قضية‬
‫أمنية ما وفق القواعد والضوابط الديمقراطية(‪ّ .)44‬‬
‫لذلك يقترح "وايفر" عملية نزع األمننة ‪ Desecuritisation‬أي نزع الطابع األمني عن القضايا‬
‫وتحويلها من حيز الخطر واإلستعجال إلى حيز السياسة العادية‪ ،‬ويعرفها كل من "بوزان" و"وايفر" بأنها‬

‫‪1510‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪9 11‬‬

‫العملية التي يقوم من خاللها املجتمع السياس ي بالتراجع عن اعتبار ش يء ما تهديدا وجوديا يتعرض‬
‫ملوضوع مرجعي ما‪ ،‬مما يعني توقف املطالبة باتخاذ تدابير إستثنائية للتعامل مع هذا التهديد(‪ ،)45‬بالتالي‬
‫يعتبر "وايفر" نزع األمننة مفهوما إيجابيا ينبغي على صناع السياسة تبنيه‪ ،‬ومع ذلك ال تزال نظرية نزع‬
‫ُ‬
‫األمننة في حيز البلورة‪ ،‬وقليال ما طبقت لتحليل حاالت إمبريقية‪.‬‬
‫إن هذا اإلطار البنائي لتحليل مفهوم األمن والتهديدات األمنية الخاص بمدرسة كوبنهاغن قد تم‬
‫تطبيقه في دراسة قضايا مختلفة‪ ،‬مثل الهجرة والصحة وحقوق األقليات وال سيما في سياق ما بعد‬
‫أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬في إطار الحرب العاملية على اإلرهاب بقيادة الواليات املتحدة األمريكية‪.‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أحداث ‪ 11‬سبتمبر وبروز خطاب الحرب على اإلرهاب ّ‬
‫إن مشروع بناء نظام عالمي جديد‪ ،‬من خالل خلط لغة السياسة بلغة الحرب‪ ،‬كان باستمرار‬
‫مشروع الواليات املتحدة األمريكية منذ نهاية الحرب الباردة‪ ،‬وهو ما ورد في مقال جمع "أنيتا الزار"‬
‫‪ Annita Lazar‬و"ميشال الزار"‪ ،Michelle Lazar‬ذلك أنه بعد زوال التهديد السوفياتي أشار خطاب‬
‫النظام العالمي الجديد إلى تصور الواليات املتحدة لهيمنتها األحادية في عالم يميل نحو التعددية القطبية‬
‫رغم تفوق قوتها العسكرية‪ ،‬ولقد سعت من خالل هذا الخطاب إلى إنشاء نظام أخالقي –حسب زعمها‪-‬‬
‫يكون تحت قيادتها وزعامتها املطلقة والذي تحتاج لتبريره إلى تهديد وجودي تعمل على استئصاله(‪.)46‬‬
‫غير أن واشنطن بدت وكأنها تعاني من عجز تهديدي ‪ Threat Deficit‬بعد زوال الخطر‬
‫الشيوعي‪ ،‬وكانت هناك سلسلة طويلة من املحاوالت ألمننة قضايا مختلفة وجعلها تهديدا بديال عن‬
‫اإلتحاد السوفياتي‪ ،‬ترتكز عليه الواليات املتحدة في سياستها الخارجية والعسكرية‪ ،‬ولم تكن أطروحة‬
‫صدام الحضارات "لصامويل هنتغتون" ‪ Samuel Huntington‬سوى محاولة واضحة ألمننة اإلسالم‬
‫وشرق آسيا كمنافسين للقوة األمريكية وقيمها‪ ،‬سعيا منها لإلقتراب من األمننة الكلية‪.‬‬
‫لتأتي هجمات ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬التي أدت إلى نهاية مفاجئة لفترة ما بعد الحرب الباردة وتحول‬
‫كبير في األجندة األمنية‪ ،‬وبدا واضحا أن هذه األحداث قامت بحل مشكلة العجز التهديدي للواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ،‬حيث وفرت الحرب على اإلرهاب أمننة مهيمنة‪ ،‬ركزت واشنطن عليها في سياستها‬
‫الخارجية لتجسد ما يمكن وصفه "باألمننة من املنظور األمريكي"‪ ،‬معتبرة نفسها مالكة أو على األقل ممثلة‬
‫ملستقبل البشرية‪ ،‬وبذلك لها حق وواجب التحدث باسم –والعمل من أجل‪ -‬الجنس البشري(‪ّ .)47‬‬
‫ولقد خلص ‪ Adam Hodges‬إلى القول‪ ،‬بعد تحليله لخطابات "بوش اإلبن" حول الحرب على‬
‫اإلرهاب بعد أحداث ما أصبح يسمى بالثالثاء األسود‪ ،‬أنها أنشأت سردا ثقافيا مشتركا واسع النطاق‪،‬‬
‫سواء داخل األمة األمريكية أو خارجها‪ ،‬مما منحه حرية اتخاذ القرارات والقدرة على تحديد واقع اجتماعي‬
‫وفرض تصوراته على الصعيد العالمي(‪ .)48‬وهي الفكرة التي أشار إليها "باري بوزان" في دراسته عام ‪2006‬‬
‫باألمننة الكلية ‪ ،Macrosecuritisation‬والتي تستند إلى نفس مفهوم نظرية األمننة التي فصلنا فيها‬
‫سابقا غير أنها تمارس على نطاق أوسع‪ ،‬معتمدة على بناءات عاملية للتهديدات والوحدات املرجعية‪ ،‬ويرى‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1511‬‬


‫‪9 11‬‬

‫"بوزان" أن الحرب الباردة هي املثال التاريخي األكثر وضوحا لهذا النوع من األمننة‪ ،‬وأن هذه الظاهرة قادرة‬
‫على تنظيم حركيات األمن السائدة بين الدول لعدة عقود مقبلة(‪ّ .)49‬‬
‫حيث كشف الخطاب األمريكي بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬عن عدة إدراكات وتوجهات‬
‫ُ‬
‫إستراتيجية أساسية للسياسة الخارجية األمريكية‪ ،‬والتي تبلور في مجموعها اإلستراتيجية الكبرى األمريكية‬
‫ملا بعد ‪ 11‬سبتمبر ‪ ،2001‬أهمها أن شبكة اإلرهاب وكل حكومة تدعمها هي العدو األول للواليات املتحدة‪،‬‬
‫وبذلك البد من شن الحرب على اإلرهاب‪ ،‬التي حرصت "إدارة بوش اإلبن" على تصويرها أنها معركة‬
‫الحضارة والخير ضد البربرية والشر‪ ،‬كما حرصت على تأكيد انقسام العالم إلى فريقين‪ ،‬مع وضد الواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ،‬معتبرة أن الحرب على اإلرهاب هي مشروع عالمي شامل ليس له حدود زمنية‪ ،‬ونصبت‬
‫نفسها املسؤولة عن تحقيق العدالة في هذا العالم(‪.)50‬‬
‫وعليه يعتبر "بوزان" أنه مع نهاية الحرب الباردة برزت ظاهرة اإلرهاب كنوع جديد من التهديدات‬
‫العاملية‪ ،‬وأنه قد تم تأطير الحرب على اإلرهاب من قبل اإلدارة األمريكية عقب أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪2001‬‬
‫وفق منطق "األمننة الكلية"‪ ،‬فقد كان إنذار "بوش اإلبن" للعالم أنه "من لم يكن معنا فهو ضدنا" كفيل‬
‫بخلق جو شبيه بذلك الذي كان سائدا خالل الحرب الباردة‪ ،‬أين وجد العالم نفسه مخيرا بين معسكرين‬
‫يمثل كل منهما أيديولوجية مختلفة(‪ّ .)51‬‬
‫إن عوملة املبادئ واملصالح األمريكية هو أمر متجذر في الحياة السياسية األمريكية‪ ،‬األمر الذي‬
‫يعطي سياستها األمنية لهجة أخالقية غير عادية‪ ،‬فعندما أعلنت "إدارة بوش اإلبن" الحرب على اإلرهاب‬
‫وخيرت الدول األخرى بين الوقوف إلى جانبها أو إلى جانب اإلرهابيين‪ ،‬أصبح اإلختيار بين الحليف والشريك‬
‫قضية دولية‪.‬‬
‫ويضيف "بوزان" أن األمننة الكلية الناجحة تحدد وتشرعن القيادة على الصعيد الدولي‪ ،‬وتدعم‬
‫املطالبة بالحقوق الخاصة واإلستثنائية‪ ،‬وتسهل تشكيل التحالفات وتساعد على ترسيم مناطق النفوذ‬
‫وحدود اإلحتواء‪ ،‬وهو ما يتضح جليا من خالل إدانة الواليات املتحدة األمريكية لتنظيم القاعدة وإعالنها‬
‫للحرب العاملية على اإلرهاب(‪ّ .)52‬‬
‫يمكن القول بصفة عامة‪ ،‬أن الحرب على اإلرهاب كانت فكرة ناجحة لألمننة الكلية‪ ،‬ففكرة أن‬
‫"القاعدة" وأيديولوجيتها تشكل تهديدا للحضارة الغربية لقيت قبوال عامليا واسعا‪ ،‬ويمكن أن نرجع جزءا‬
‫من هذا النجاح إلى املخاوف األمنية العديدة الناجمة عن النظام الليبرالي‪ ،‬ال سيما التجارة باملخدرات‬
‫وبالتكنولوجيات الخاصة بأسلحة الدمار الشامل‪ ،‬ذلك أن سياسة فتح الحدود التي يدعو إليها النظام‬
‫اإلقتصادي الليبرالي الدولي‪ ،‬يتيح للمنظمات اإلرهابية إمكانية اكتساب األسلحة النووية أو غيرها من‬
‫أسلحة الدمار الشامل‪ ،‬وهو ما أعرب عنه "بوش اإلبن" بقوله‪:‬‬
‫"إن الخطر األكبر الذي يتهدد بأمتنا‪ ،‬يقع عند مفترق الطرق بين التطرف والتكنولوجيا‪ ،‬وقد أعلن‬
‫أعداؤنا صراحة أنهم يسعون إلى اكتساب أسلحة الدمار الشامل (‪ )...‬لن تسمح الواليات املتحدة أن يكتب‬
‫لهذه الجهود النجاح (‪.)53(")....‬‬

‫‪1512‬‬ ‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬


‫‪9 11‬‬

‫وتمثلت املرحلة األولى من هذه الحرب في حملته ضد أفغانستان لإلطاحة بنظام الطالبان املتواطئ‬
‫مع اإلرهابيين على حد تعبيره‪ ،‬ولقد تمتعت "إدارة بوش اإلبن" في هذه املرحلة بتأييد دولي واسع‪ ،‬وخير‬
‫دليل على ذلك أنه مباشرة بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪ 2001‬تحجج حلف شمال األطلس ي وألول مرة‪ ،‬باملادة‬
‫‪ 05‬من معاهدة الحلف لشرعنة الحرب على اإلرهاب‪ ،‬ونظرا لعدم توفر دليل قوي يؤكد عالقة نظام‬
‫صدام حسين بتنظيم القاعدة وأحداث ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬لجأت "إدارة بوش اإلبن" إلى تبرير غزوها للعراق‬
‫كمرحلة ثانية من حربها على اإلرهاب باستراتيجية "الحرب الوقائية"‪ ،‬التي جاءت لتؤكد عزم الواليات‬
‫املتحدة األمريكية في اللجوء إلى القوة ملكافحة اإلرهاب والدول املتواطئة معه‪ ،‬أو ما أسماه "بوش اإلبن"‬
‫بمحور الشر موجها أصابع اإلتهام إلى العراق وإيران وكوريا الشمالية(‪ّ .)54‬‬
‫الخاتمة‪ّ :‬‬
‫على الرغم من نجاح األمننة الكلية للحرب على اإلرهاب‪ ،‬غير أن ذلك لم يستثنها من املعارضة‪،‬‬
‫وليست املعارضة ضد األمننة نفسها بقدر ما هي ضد إطارها الحربي‪ ،‬فقد كثرت االنتقادات حول استمرار‬
‫هذه الحرب‪ ،‬ولم يقم "بوش اإلبن" بتبديد هذه املخاوف بل أعلن أثناء حملته اإلنتخابية في عام ‪ 2004‬أن‬
‫الحرب على اإلرهاب قد ال تنتهي أبدا‪ ،‬ولقد ثارت اعتراضات تمثلت في أن هذه األخيرة ينبغي أن تكون‬
‫مسألة قانونية أو قضائية بدل أن تكون شأنا عسكريا في املقام األول‪ ،‬كما حذرت منظمة مراقبة حقوق‬
‫اإلنسان ‪ Human Right Watch‬من جانبها‪ ،‬أن ذلك سيكون بمثابة توقيع شيك على بياض لكل دولة‬
‫تريد القضاء على املعارضة الداخلية بحجة مكافحة اإلرهاب(‪ّ .)55‬‬
‫هذا ولقد انتقلت التحفظات إلى مستوى آخر بعد غزو "إدارة بوش اإلبن" للعراق والسلوكيات‬
‫التي بدرت منها‪ ،‬ال سيما تلك املتمثلة في تعذيب األسرى واستخدام أساليب مهينة إلستجوابهم والتنكر‬
‫إلتفاقيات جنيف لدرجة أن هذه الحرب أصبحت مقترنة بأعمال تتعارض مع القيم التي يسعى الغرب‬
‫لتمثيلها‪ ،‬فضال عن ردود الفعل املتزايدة ضد تقييد الحريات املدنية واإلقتصادية باسم األمن الداخلي‪،‬‬
‫وليس أدل على ذلك من رفض الكونغرس األمريكي في أواخر سنة ‪ ،2005‬قبول طلب "إدارة بوش اإلبن" في‬
‫الحصول على تمديد لفترة تطبيق ما سمي بـ"قانون الباتريوت"‪ The Patriotic Act‬الذي دخل حيز‬
‫التنفيذ ألول مرة في شهر أكتوبر من عام ‪ 2001‬أي مباشرة بعد أحداث ‪ 11‬سبتمبر‪ ،‬وقد قبل املواطنون‬
‫ُ‬
‫األمريكيون في إطاره بتقييد بعض من حرياتهم املدنية باسم ما أطلق عليه "الخير األكبر" وهو سالمة‬
‫األراض ي األمريكية‪ ،‬ومنه فإن الحرب على اإلرهاب أصبحت تضر بالعالم املتحضر أكثر من نفعها له‪ ،‬وهو‬
‫ما أعرب عنه "بول ولكنسون" ‪ Paul Wilkinson‬بقوله‪:‬‬
‫"إذا قمنا بتقويض أو تدمير حقوقنا وحرياتنا التي اكتسبناها بشق األنفس‪ ،‬باسم األمن ضد‬
‫اإلرهاب‪ ،‬فإننا سنهدي اإلرهابيين نصرا لم يكن بوسعهم الفوز به بالقنبلة واملسدس"(‪.)56‬‬
‫وبدأت شرعية الحرب على اإلرهاب تتراجع حتى لدى أقوى املدافعين عنها‪ ،‬فقد تخلت بريطانيا‬
‫عن عبارة "الحرب على اإلرهاب" في عام ‪ ،2006‬كما حولت "إدارة بوش اإلبن" لغتها وأصبحت تتحدث عن‬
‫"الحرب الطويلة ضد التطرف"‪ ،‬ومعظم املرشحين الديمقراطيين في الرئاسيات األمريكية لعام ‪2008‬‬

‫‪2019‬‬ ‫‪1515 1498‬‬ ‫‪01‬‬ ‫‪10‬‬ ‫‪1513‬‬


9 11

"‫ وبعد مرور شهرين من تنصيب "باراك أوباما‬،)57("‫أحجموا أو رفضوا صراحة مفهوم "الحرب على اإلرهاب‬
،‫ أصبح موضوع غياب جملة "الحرب على اإلرهاب" محل نقاش في الصحافة‬،‫ رئيسا‬Barack Obama
ُ ‫ عن مذكرة‬Washington Post "‫ولقد أفاد مقال في "واشنطن بوست‬
‫استلمت عبر البريد اإللكتروني من‬
‫ تشير إلى أن "إدارة أوباما" تفضل تفادي استخدام مصطلح "الحرب الطويلة" أو‬،‫قبل موظفي البنتاغون‬
Overseas "‫"الحرب العاملية على اإلرهاب" راجية استخدام "عملية الطوارئ فيما وراء البحار‬
.)58(‫ بدال من ذلك‬Contingency Operation

ّ :‫الهوامش‬
(1)
Stephen M. Walt, ‘‘The Renaissance of Security Studies’’, International Studies Quarterly, vol.35, N°2 (June,
1991), pp. 213, 214.
(2)
David A. Baldwin, ‘‘Security Studies and The End of The Cold War’’, World Politics, Vol.48, N°1 (October,
1995), p.123.
(3)
Ibid. p.123.
(4)
Barry Buzan and Lene Hansen, ‘‘Editor’s Introduction’’, In. Barry Buzan and Lene Hansen (Eds), International
Security: The Cold War and Nuclear Deterrence, volume 1, (London : Sage Library of International Relations,
2007), p.xvii.
(5)
Ronnie D. Lipschutz, After Authority: War, Peace, and Global Politics In the 21st Century, (Albany : State
University of New York Press, 2000), p.34.
(6)
Stephen M. Walt, Op.Cit., p.216.
(7)
Nye Joseph S. Jr. and Lynn Jones Sean M., ‘‘International Security Studies: A Report of Conference on the State
of the Field’’, In Barry Buzan and Lene Hansen (Eds), International Security: The Transition to the Post-Cold War
Security Agenda, Volume 2, (London : Sage Library of International Relations, 2007). [Source : International
Security, Vol.12, N°4, (1988) : pp.5-27], p.87.
(8)
Peter Wallensteen, ‘‘Focus on : American-Soviet Detente: What Went Wrong?’’, Journal of Peace Research,
Vol.22, N°1, (March, 1985), p.1.
(9)
Joseph S. Nye and Sean M. Lynn Jones, Op.Cit., p.91.
(10)
Stephen M. Walt, Op.Cit., pp.220,221.
(11)
Ibid. p.217.
(12)
Joseph S. Nye and Sean M. Lynn Jones, Op.Cit., p.92.
(13)
Ibid. p.93.
(14)
Richard Ned Lebow, ‘‘Deterrence’’, In. Myriam Dunn Cavelty and Victor Mauer (Eds), The Routledge
Handbook of Security Studies, (London : Routledge, 2010), p.394.
(15)
Ibid., pp.394,395.
(16)
Ibid., p.396.
(17)
Joseph S. Nye and Sean M. Lynn Jones, Op.Cit., p93.
)18(
.38-34 ‫ص‬.‫ ص‬،)2008 ،‫ دار الكتاب الحديث‬:‫ (القاهرة‬،‫ الحوارات النظرية الكبرى‬:‫ نظرية العالقات الدولية‬،‫عامر مصباح‬
)19(
.39 ،38 ‫ص‬.‫ ص‬،‫نفس املرجع‬
(20)
Barry Buzan, ‘‘China in International Society: Is a Peaceful Rise Possible ?’’, The Chinese Journal of
International Politics, Vol.3; N°1, (2010), p.15.
(21)
Barry Buzan and Lene Hansen, The Evolution of International Security Studies, (UK: Cambridge University
Press, 2009), p.167.
(22)
Barry Buzan, ‘‘New Patterns of Global Security in the Twenty-First Century’’, International Affairs, Vol.67,
N°3, (1991), pp. 431-432.
(23)
Barry Buzan and Lene Hansen, The Evolution of International Security Studies, Op.Cit., p.170.
(24)
Ibid. p.181.
(25)
Arnold Wolfers, ‘‘National Security As an Ambiguous Symbol’’, In. Barry Buzan and Lene Hansen (Eds),
International Security:The Cold War And Nuclear Deterrence, Volume1, (London: Sage Library of International
Relations, 2007), p.17. [Source :Political Science Quarterly, Vol.LXVII, N°4, (1952): pp.481-502]
(26)
Barry Buzan and Lene Hansen, The Evolution of International Security Studies, Op.Cit., p.33.
(27)
Ibid., p.34.

1514 2019 1515 1498 01 10


9 11

(28)
Ole Waever, ‘‘Aberystwyth, Paris, Copenhagen : New Schools in Security Theory and Their Origins Between
Core and Periphery’’, unpublished paper, Presented at the 45 th annual meeting of the International Studies
Association, Montreal, March 17-20, 2004, pp. 1, 2.
(29)
Bill McSweeney, ‘‘Identity and Security: Buzan and the Copenhagen School’’, In. Review of International
Studies, Vol.22, N°1, (1996) : p. 81.
(30)
Marianne Stone, ‘‘Security According to Buzan : A Comprehensive Security Analysis’’, Security Discussion
Papers Series1, Columbia University School of International and Public Affairs, New York, (Spring, 2009), p. 3.
(31)
Barry Buzan, People, States and Fear :The National Security Problem in International Relations, (Great Britain:
Wheatsheaf Books LTD, 1983), pp. 245.
(32)
Marianne Stone, Op.Cit. p. 3.
(33)
Ibid. p.10.
(34)
Matt McDonald, ‘‘Constructivism’’, In. Paul D. Williams (Ed), Security Studies: An Introduction, (London:
Routledge, 2008), p.69.
(35)
Ole Waever, ‘‘Securitisation and Desecuritisation’’, In. Barry Buzan and Lene Hansen (Eds), International
Security : Widening Security, volume 3, (London : Sage Library of International Relations, 2007), [Source: Ronny
Lipschutz (Ed), On Security, (New York: Columbia University Press), 1995 : pp.46-86].
(36)
Ibid., pp.72, 73.
(37)
Rita Floyd, ‘‘Toward a Consequentialist Evaluation of Security: Bringing Together the Copenhagen and the
Welsh Schools of Security Studies’’, In. Review of International Studies, Vol.33, N°1, (2007), p.329.
(38)
Rita Taurek, ‘‘Securitisation and Securitisation Studies’’, In. Journal of International Relations and
Development, Vol.9, (2006), p. 54.
(39)
Buzan Barry , Waever Ole and De Wilde Jaap, Security: A New Framework for Analysis, (USA: Lynne Rienner
Publishers, inc, 1998), p.24.
(40)
Ibid., p.25.
(41)
Filip Ejdus, ‘‘Dangerous Liaison : Securitisation Theory and Schmittian Legacy’’, Western Balkans Security
Observer, N°13, (April-June, 2009), p.13.
(42)
Rita Floyd, Security and the Environment : Securitisation Theory and US Environmental Security Policy, (New
York : Cambridge University Press, 2010), p.9.
(43)
Rita Taurek, Op.Cit., p.55.
‫ (جوان‬،5 ‫ العدد‬،‫ مجلة دفاتر السياسة والقانون‬،"‫ خطاب األمننة وصناعة السياسة العامة‬:‫ "املعضلة األمنية املجتمعية‬،‫) عادل زقاغ‬44(
.113.‫ ص‬،)2011
(45)
Benzen Balamir Coskun, ‘‘Analysing De-securitisation: Problems and Prospects for Israeli-Palestinian
Reconciliation’’, unpublished paper, Prepared for the 6 th Pan-European Conference on International Relations,
University of Turin, Italy, 12-15 September 2007, p.4.
(46)
Annita Lazar and Michelle M. Lazar, ‘‘Enforcing Justice, Justifying Force : America’s Justification of Violence
in the New World Order’’, In. Adam Hodges and Chad Nilep (Eds), Discourse, War and Terrorism, (Amsterdam,
The Netherlands : John Benjamins Publishing, 2007), pp.45, 46.
(47)
Barry Buzan, ‘‘The War on Terrorism as the New Macrosecuritisation ?’’, unpublished paper, Prepared for the
Oslo Worshop, February 2-4, 2006., p.6.
(48)
Adam Hodges, The ‘War on Terror’ Narrative: Discourse and Intertextuality in the Construction and
Contestation of sociopolitical Reality, (New York: Oxford University Press, 2011), p.4.
(49)
Marianne Stone, Op.Cit., pp.8, 9.
(50)
Research Paper 01/72, ‘‘11 September 2001: The Response’’, House of Commons Library, October 3 rd , 2001,
pp.13, 14.
(51)
Marianne Stone, Op.Cit., p.9.
(52)
Barry Buzan and Ole Waever, ‘‘Macrosecuritisation and Security Constellations: Reconsidering Scale in
Securitisation Theory ‘’, In. Review of International Studies, Vol.35, (2009), pp.267, 268.
(53)
George W. Bush, The National Security Strategy of the United State of America, Washington D.C, White House,
September, 2002, the 5th passage.
(54)
Gilles Andréani, ‘‘The ‘War on Terror’: Good Cause, Wrong Concept’’, In. Barry Buzan and Lene Hansen
(Eds), International Security: Debating Security and Strategy and the Impact of 9-11, volume 4, (London : Sage
Library of International Relations, 2007), pp.324, 325. [Source: Survival, Vol.46, N°4, (2004-05) :pp.31-50].
(55)
Michael J. Boyle, ‘‘The War on Terror in American Grand Strategy’’, International Affairs, Vol.84, N°2, (2008),
pp.191, 192.
(56)
Barry Buzan, ‘‘ The War on Terrorism as the New Macrosecuritisation ?’’, Op.Cit.,p.15.
(57)
Michael J. Boyle, ‘‘The War on Terror in American Grand Strategy’’, International Affairs, Vol.84, N°2, (2008),
p.192.
(58)
Adam Hodges, The ‘War on Terror’ Narrative: Discourse and Intertextuality in the Construction and
Contestation of sociopolitical Reality, Op.Cit., p.159.

2019 1515 1498 01 10 1515

You might also like