You are on page 1of 56

‫‪247‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫ّ‬
‫الكالميــة‬ ‫مدرســة الكوفــة‬

‫أكرب أقوام كربايس*‏‬

‫* عضــو اللجنــة العلميــة يف املعهــد العــايل للعلــوم والثقافــة اإلســامية‪ ،‬وباحــث يف‬
‫كليــة القــرآن والحديــث ‪ /‬قــم‪.‬‏ ‏‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪248‬‬
‫‪249‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫ّ‬
‫امللخص‬
‫نسعى يف هذه املقالة إىل إثبات أن اإلمامية كان لهم يف القرن الثاين‬
‫للهجرة مدرسة كالمية يف الكوفة أو عدد من التيارات األصيلة‪ ،‬وأنهم قد‬
‫أنتجوا تراثاً ق ّيامً يف هذا الشأن‪ ،‬وأن بعض التيارات يف هذه املدرسة كانت‬
‫معروفة بالكالم يف ذلك القرن‪ ،‬وأن التيارات األخرى وإن مل تكن مشتهرة‬
‫بالكالم‪ ،‬إال أنها تركت من نفسها سلوكاً كالمياً واضحاً‪ ،‬وأن هذه املدرسة‬
‫‪-‬من الناحية التاريخية‪ -‬إذا مل نقل إنها كانت سابقة عىل كالم املعتزلة‪ ،‬فال‬
‫أقل من القول إنها كانت نشطة بشكل متزامن معها‪.‬‬
‫وبذلك فإن هذه املقالة تنظر إىل أصالة كالم اإلمامية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل استقاللية هذا الكالم عن سائر املدارس الكالمية األخرى‪ ،‬من قبيل‬
‫املعتزلة‪.‬‬

‫الكلمات املفتاحية‬

‫{عقائد اإلمامية ‪ ،‬علم الكالم اإلمايم ‪ ،‬مدرسة الكوفة }‬


‫أكرب أقوام كربايس‬ 250

The verbal school of Kufa

Akbar Aqwam Karbasi


Member of the scientific committee in the high institute for knowledge and
Islamic culture.

Abstracts
We aim in this study to prove that imamiyyah were had in the
second century of the Islamic immigration verbal school at Kufa
or several authentic movements, and they produced tradition in
this regard, and one of these movements was known by speech in
that century, and the other movements although are not known by
speech, however, left of herself a clear behavior speech, and this
school historically, if we didn’t say it was prior of the speeches of
Mutazila, nothing less to say it was active simultaneously with it.
So, this study views the authenticity of immamiyyah's speeches,
in addition to the independence of this speech from other schools
such as Mutazila.
Keywords:immamiyyah's beliefs- the imamiyyah's speech science-
the school of Kufa.
‫‪251‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫مدخل‪:‬‬
‫إن دراســات وأبحــاث بعــض الكتّــاب واملؤلفــن يف حقــل تاريــخ كالم‬
‫اإلماميــة‪ ،‬تضــع طائفتــن مــن اإلشــكاالت األساســ ّية أمــام جــذور الفكــر‬
‫الكالمــي لإلمام ّيــة‪.‬‬

‫أمــا الطائفــة األوىل فهــي اإلشــكاالت التــي تســتهدف األصالــة املعرفيــة‬


‫لعقائــد اإلماميــة‪ .‬إن هــذه اإلشــكاالت تســعى إىل إثبــات أن األســس الفكريــة‬
‫لإلماميــة ليــس لهــا جــذور يف املصــادر األصيلــة لإلســام‪ ،‬وهــذه الرؤيــة‬
‫تنظــر إىل عقائــد اإلماميــة بوصفهــا مجموعــة مــن العقائــد واآلراء املســتحدثة‬
‫والبدع ّيــة يف تاريــخ اإلســام‪ ،‬وأنهــا قــد تبلــورت بتأثري مــن العنارص واألســباب‬
‫الخارجيــة والرشائــط الثقافيــة واالجتامعيــة يف مختلــف املراحــل التاريخيــة‪.‬‬

‫وأمــا الطائفــة الثانيــة مــن اإلشــكاالت فهــي التــي تشــكك يف اســتقالل‬


‫واســتمرار الهويــة التاريخيــة لــكالم اإلماميــة‪ ،‬وعــى هــذا األســاس فــإن كالم‬
‫اإلماميــة مــن الناحيــة التاريخيــة ال يشــكل فكــرا ً مســتقالً ومســتم ّرا ً يف هــذه‬
‫أي أدبيــات أو منظومــة معرفيــة مح ـ ّددة‬ ‫الرؤيــة‪ ،‬بــل هــو مجــرد علــم ال يق ـ ّدم ّ‬
‫عــى مختلــف مراحــل التاريــخ‪ ،‬بــل هــو ‪-‬باإلضافــة إىل ذلــك‪ -‬مديــن ملنظومة‬
‫وأدبيــات علــوم أخــرى‪ ،‬مــن قبيــل‪ :‬االعتــزال والفلســفة واملنطــق‪.‬‬

‫فمــن الطبيعــي أن اصطبــاغ الــكالم بهــذا النمــوذج يــؤدي ‪-‬أوالً‪ -‬إىل‬


‫التشــكيك يف اســتقاللية هــذا العلــم‪ ،‬و‪-‬ثانيـاً‪ -‬ال يُبقــي موضعـاً إلحــراز هويــة‬
‫تاريخيــة مســتم ّرة لــه[[[‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬ال ينبغي تفسري هذا الكالم بعدم توظيف املتكلمني أو عدم معرفتهم برتاث الفالسفة‪،‬‬
‫وعىل كل حال فإن التعاطي بني علمني أو ثقافتني يُع ّد أمرا ً عادياً حتى يف الحقول غري ذات‬
‫الصلة‪ .‬إن الذي ت ّم التأكيد عليه يف إشكاالت من هذا القبيل‪ ،‬هو االرتباط املبارش والتوظيف‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪252‬‬

‫وقــد أ ّدت آثــار بعــض املحققــن ‪-‬مــن أمثــال‪ :‬الســيد حســن املــدريس‬
‫الطباطبــايئ[[[‪ ،‬ومحمــد عــي أمــر معـ ّزي[[[‪ ،‬ومحســن كديــور[[[‪ ،‬وغريهــم مــن‬
‫أمثــال‪ :‬ولفــرد مادلونــج[[[‪ ،‬ومارتــن مكدرمــوت[[[‪ ،‬وزابينــه شــميتكه[[[‪ ،‬وهــاري‬
‫ولفســون[[[‪ ،‬ونيومــان وآخريــن ‪-‬إىل إلقــاء جــزء مــن هــذه املشــاكل إىل القارئ‪.‬‬

‫املنهجي واالستفادة املنظمة للكالم من سائر األنظمة املعرفية األخرى‪.‬‬


‫[[[ ‪ -‬السيد حسني املدريس الطباطبايئ (‪ 1942‬؟ م)‪ :‬أستاذ جامعي ومفكر إسالمي إيراين‬
‫معارص‪ ،‬من مواليد مدينة قم املقدسة‪ .‬من العلامء البارزين يف الغرب‪ .‬يعترب من أبرز الباحثني‬
‫يف التاريخ اإلسالمي‪ .‬له دراية بالفلسفة والقانون والفقه والحديث والتاريخ‪ .‬يجيد عدّة لغات‬
‫منها الفارسية والعربية واإلنجليزية‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬محمد عيل أمري مع ّزي (‪ 1956‬؟ م)‪ :‬عامل دراسات إسالمية وأستاذ جامعي ومؤرخ فرنيس‬
‫معارص من أصل إيراين‪ .‬مختص يف الدراسات اإلسالمية يف كلية الدراسات العليا‪ .‬يعترب‬
‫أحد األكادمييني الرائدين يف دراسة الشيعة اإلصنا عرشية املبكرة‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬محسن كديور (‪ 1959‬؟ م)‪ :‬مفكر إيراين معارص‪ .‬له آراء جدلية يف الالهوت والفقه‬
‫والفكر السيايس الشيعي‪ .‬يقيم حالياً يف الواليات املتحدة األمريكية‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬ولفرد مادلونج (‪ 1930‬؟ م)‪ :‬مسترشق أملاين معارص‪ .‬انتقل مع عائلته إىل الواليات‬
‫املتحدة األمريكية سنة ‪ ،1987‬حيث درس يف جامعة جورج تاون‪ .‬أقام يف مرص ملدة سنة‬
‫وذلك يف عام ‪ 1952‬م‪ ،‬ثم أكمل الدراسات العليا يف أملانيا وحاز عىل درجة الدكتوراه‪ .‬ويف‬
‫سنة ‪ 1958‬م عمل يف سفارة أملانيا ببغداد لسنتني‪ .‬ثم درس يف جامعة شيكاغو حيث شغل‬
‫منصب أستاذ التاريخ اإلسالمي‪ ،‬وبعدها شغل منصب أستاذ اللغة العربية بجامعة أوكسفورد‪.‬‬
‫كتب بشكل مكثف يف موضوع اإلسالم املبكر‪ ،‬كام كتب عن الطوائف اإلسالمية مثل الشيعة‬
‫اإلمامية واإلسامعيلية‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬مارتن مكدرموت (‪ 2018 1934‬م)‪ :‬مفكر ومحقق ومتأله ومتكلم كاثولييك معارص‪ .‬بدأ‬
‫دراسته من جامعة الحكمة يف بغداد تتلمذ عىل يد ولفرد مادلونج‪ ،‬ومحسن مهدي‪ .‬مؤلف‬
‫كتاب (األفكار الكالمية للشيخ املفيد)‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬زابينه شميتكه (‪ 1964‬؟ م)‪ :‬باحثة معارصة يف الدراسات اإلسالمية من أملانيا‪ .‬درست يف‬
‫جامعة أكسفورد ويف الجامعة العربية يف القدس‪ .‬أستاذة التاريخ الفكري اإلسالمي يف معهد‬
‫الدراسات املتقدمة يف برينستون‪ .‬أفسح لها املجال بالتدريس يف حقل الدراسات اإلسالمية‬
‫يف جامعة بون األملانية‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬هاري ولفسون (‪ 1974 1887‬م)‪ :‬عامل يهودي وفيلسوف وأستاذ جامعي ومؤ ّرخ بيالرويس‪.‬‬
‫مؤ ّرخ لفلسفة العصور الوسطة اليهودية واإلسالمية‪ .‬من أعامله‪( :‬فلسفه سبينوزا)‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫‪253‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫ويبــدو أن أهـ ّم منشــأ وحاضنــة لطــرح هــذا النــوع مــن اإلشــكاالت‪ ،‬يعــود‬
‫إىل تصويــر املنظريــن لهــذا النــوع مــن الدراســات ملرحلــة الحضــور‪ ،‬وهــي‬
‫املرحلــة التــي كانــت تعــ ّد مــن وجهــة نظرهــم عــر اإلميــان‪ ،‬وإن عقائــد‬
‫اإلماميــة إمنــا تتبلــور عــى أســاس مجـ ّرد التع ّبــد بــكالم املعصــوم ومــن دون‬
‫إقحــام للتعقــل[[[‪.‬‬

‫إن هــؤالء املحققــن ‪-‬اســتنادا ً إىل بعــض التقريــرات[[[‪ -‬قــد تجاهلــوا عل ّو‬
‫شــأن تفكــر اإلماميــة يف الكوفــة‪ ،‬وق ّدمــوا فهـاً نقليـاً عــن الكوفــة يف القــرن‬
‫الثــاين للهجــرة؛ ليثبتــوا أن الكوفيــن كانــوا يصوغــون أفكارهــم ومعتقداتهــم‬
‫مــن خــال املصــادر الوحيانيــة فقــط‪ .‬كــا أن كالم اإلماميــة يبــدأ يف هــذا‬
‫التصويــر التاريخــي بعــد مرحلــة الحضــور‪ ،‬ومــع ظهــور املفكريــن العقالنيــن‬
‫مــن أمثــال‪ :‬النوبختيــن‪ ،‬والشــيخ املفيــد‪ ،‬والســيد املرتــى‪ .‬كــا يتــ ّم‬
‫التعريــف بالعلــاء الســابقني لإلماميــة يف عــر الحضــور‪ ،‬مــن أمثــال‪ :‬هشــام‬
‫بــن الحكــم‪ ،‬وزرارة بــن أعــن‪ ،‬وهشــام بــن ســامل‪ ،‬ومؤمــن الطــاق وغريهــم‪،‬‬
‫بوصفهــم مــن الشــخصيات الفـذّة والفريــدة‪ ،‬وأنهــم عــى الرغــم مــن نشــاطهم‬
‫يف حقــل الــكالم‪ ،‬إال أنهــم مل يتمكنــوا مــن بنــاء منظومــة لــكالم اإلماميــة كــا‬
‫ينبغــي‪ ،‬وميكــن العثــور عــى هــذا التصويــر التاريخــي يف مؤلفــات يوســف‬
‫فــان أي[[[‪،‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬املدريس الطباطبايئ‪ ،‬السيد حسني‪« ،‬مناظرات كالمي و نقش‬
‫متكلامن» (املناظرات الكالمية ودور املتكلمني)‪ ،‬مجلة نقد ونظر الفصلية‪ ،‬العدد‪ ،4 3 :‬ص‬
‫‪ 1374 ،31‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬من قبيل‪ :‬الروايات الواردة يف ذم الكالم‪ ،‬والطعن يف املتكلمني من قبل األمئة (عليهم‬
‫السالم)‪ ،‬وكالم األصحاب يف ردّهم واإلنكار عليهم‪ ،‬ورجوع األصحاب إىل اإلمام يف‬
‫الحصول عىل معتقداتهم‪ ،‬األمر الذي كان يفهم مبعنى عدم اعتبار حجية العقل‪ ،‬وشواهد‬
‫أخرى من هذا القبيل‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬يوسف أو جوزيف فان إس (‪ 2021 1934‬م)‪ :‬مسترشق وأستاذ جامعي أملاين‪ .‬متخصص‬
‫يف الدراسات اإلسالمية‪ .‬كانت رسالته يف الدكتوراه عن التص ّوف اإلسالمي‪ ،‬ثم حصل عىل‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪254‬‬

‫وعــي ســامي النشــار[[[‪ [[[،‬يف قــراءة هــؤالء املفكريــن لتاريــخ كالم‬


‫اإلماميــة‪ ،‬عــى الرغــم مــن مشــاهدتنا لتيــار أو عــدد مــن التيــارات الكالميــة‪،‬‬
‫غــر أنهــا تيــارات ال تحظــى باألصالــة‪ ،‬ولرمبــا ت ـ ّم توفــر األســس الفكريــة‬
‫ملنظميهــا مــن خــارج النصــوص الدينيــة‪.‬‬

‫ويف املقابــل هنــاك فرضيــة منافســة تحظــى بدعامــة كبــرة مــن الشــواهد‬
‫الكثــرة عــى االعتقــاد القائــل بــأن املفكريــن الكوفيــن باإلضافــة إىل أخذهــم‬
‫املعــارف مــن املعصومــن ‪ ،‬مل تكــن تضيــق صدورهــم بالعقالنيــة والبيــان‬
‫والنقــد والبحــث ونقــض األفــكار وإبرامهــا‪ ،‬بــل إنهــم يذهبــون إىل االتجــاه‬
‫العقــي يف عمليــة التفكــر والتدبّــر‪ .‬تقــوم الفرضيــة األخــرة عــى وجــود‬
‫مجموعــة كبــرة وغنيــة مــن التنظــرات والتفســرات والتحليــات العقالنيــة‬
‫للعقائــد يف الكوفــة يف القــرن الثــاين للهجــرة‪ .‬لقــد ســعى علــاء اإلماميــة يف‬
‫ظــل التعاليــم الوحيانيــة لتقديــم‬
‫الكوفــة ‪-‬يف هــذا النمــوذج‪ -‬إىل العمــل يف ّ‬
‫فهــم عقــاين عــن املحتويــات الداخليــة للمعــارف الســاوية‪ ،‬والدفــاع عنهــا‬
‫يف مواجهــة الخصــوم‪ .‬ويُشــر هــذا االتجــاه ‪-‬يف الوقــت نفســه‪ -‬إىل أن هــذا‬
‫األمــر كان يتــ ّم مبــرأى ومســمع مــن اإلمــام املعصــوم ‪ ،‬ويتــم القيــام‬
‫بــه بتوجيــه وهدايــة منــه‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه فــإن أســلوب ومســاحة مواجهــة‬
‫األصحــاب وتعاملهــم يف هــذا الشــأن ‪ -‬مل يكــن عــى وتــرة واحــدة‪ ،‬وبذلــك‬
‫فقــد ظهــرت تيــارات مختلفــة بــن الكوفيــن‪.‬‬
‫شهادة التأهيل لألستاذية من جامعة غوته يف فرانكفورت عن عمله يف نظرية املعرفة يف‬
‫املدرسة اإلسالمية‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬عيل سامي النشار (‪ 1980 1917‬م)‪ :‬مفكر عريب مرصي‪ .‬أحد كبار املفكرين اإلسالميني‬
‫يف القرن العرشين للميالد‪ .‬وكان عاملاً شافعي املذهب‪ ،‬وقد برع يف علم الكالم والفلسفة‬
‫واملنطق حتى لقّب بـ (رئيس األشاعرة يف العرص الحديث)‪( .‬املع ّرب)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬فان أس‪ .‬جوزيف‪ ،‬علم الكالم واملجتمع يف القرنني الثاين والثالث للهجرة‪ ،‬ج‬
‫‪ ،1‬ترجمة‪ :‬ساملة صالح‪ ،‬دار الجمل‪ ،‬بريوت‪ 2008 ،‬م؛ سامي النشار‪ ،‬عيل‪ ،‬نشأة الفكر‬
‫الفلسفي يف اإلسالم‪ ،‬ج ‪ ،2‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪255‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫وعــى هــذا األســاس يكــون لتاريــخ كالم اإلماميــة مدرســة يف األســلوب‬


‫واملحتــوى قــد أُ ِّس َســت يف الكوفــة‪ ،‬وكان لهــا نشــاط كالمــي بحــت حتــى‬
‫قبــل مدرســة بغــداد‪ ،‬ونقطــة قـ ّوة هــذه الفرضيــة يف قبــال الــرأي األول تكمــن‬
‫يف أنهــا تعمــد إىل التقريــرات املخالفــة ‪-‬التــي يتــم االســتناد إليهــا يف الفرضيــة‬
‫األوىل بشــكل رئيــس‪ -‬فتقــوم بتحليلهــا واســتيعابها‪ .‬وعــاوة عــى ذلــك‬
‫فــإن إثبــات الفرضيــة األخــرة يعمــل حق ـاً عــى فــرض تحديــات عــى كلتــا‬
‫الطائفتــن مــن اإلشــكاالت املتق ّدمــة‪ ،‬ومــن هنــا فــإن هــذا األمــر يضاعــف‬
‫مــن أهميــة التحقيــق وإعــادة البحــث والتنقيــب يف مدرســة الكوفــة‪.‬‬

‫إن التقابــل والتضــاد بــن هذيــن التصويريــن إمنــا يُظهــر نفســه بشــكل‬
‫أفضــل عندمــا يتـ ّم العمــل عــى بيــان مفهــوم «املدرســة» و«التيــار» بوضــوح‪.‬‬

‫أ ّمــا مصطلــح «املدرســة» فيســتعمل أحيانـاً بــن الناطقــن باللغــة العربية‪،‬‬


‫مبعنــى التيــار الفكــري الخــاص‪ ،‬الــذي يطلــق للداللــة عــى مجموعــة مــن‬
‫املنتمــن إىل ذات هــذا التيــار‪ ،‬وتكــون لهــم مبــانٍ ومواقــف فكريــة مشــركة[[[‪،‬‬
‫ويتــم التعبــر عــن هــذا املعنــى يف اللغــة الفارســية بكلمــة «مكتــب» أو‬
‫«مذهــب»؛ إال أن لهــذه الكلمــة يف اللغــة العربيــة معنــى أعــم‪ ،‬ولهــا اليــوم‬
‫يف اللغــة الفارســية شــيوعاً أكــر أيض ـاً‪ ،‬وهــذا هــو املعنــى املــراد يف هــذه‬
‫املقالــة أيضـاً‪ .‬ويف هــذا املعنــى األخــر تطلــق املدرســة عــى مجموعــة مــن‬
‫ـن‪ ،‬والذيــن يعملــون ‪-‬يف تعاطيهــم‬ ‫العلــاء واملفكريــن يف حقــل علمــي معـ ّ‬
‫مــع بعضهــم ضمــن محــور وبيئــة جغرافيــة محــددة‪ -‬عــى إنتــاج محاصيــل‬
‫علميــة جديــدة[[[‪.‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬العالمة العسكري‪ ،‬السيد مرتىض‪ ،‬معامل املدرستني‪ ،‬مجمع‬
‫علمي إسالمي دانشكده أصول دين‪ ،‬طهران‪ 1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬سبحاين‪ ،‬محمد تقي‪« ،‬كالم إمامية‪ :‬ريشه ها ورويش ها» (كالم اإلمامية‪ :‬الجذور‬
‫والفروع)‪ ،‬مجلة‪ :‬نقد ونظر‪ ،‬العدد‪ ،65 :‬ص ‪ 1391 ،37 2‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪256‬‬

‫إن عموميــة املعنــى الثــاين لكلمــة «املدرســة» تــأيت مــن حيــث إننــا قــد‬
‫نواجــه يف مدرســة مــا أكــر مــن تيــار علمــي واحــد؛ يف حــن أن املعنــى‬
‫األ ّول للمدرســة يعتــر مرادفـاً ومســاوياً لـــ «التيــار»‪ ،‬ثـ ّم إن إنتــاج املحاصيــل‬
‫العلميــة وازدهــار البحــث والتبــادل الثقــايف‪ ،‬هــو مــن بــن الخصائــص األخرى‬
‫ملفهــوم املدرســة يف هــذا املصطلــح‪.‬‬

‫جهــات فكريــة‬ ‫وأ ّمــا مصطلــح «التيــار» ف ُيطلــق عــى جامعــة تحمــل تو ّ‬
‫متشــابهة أو واحــدة‪ ،‬ويشــعر أفرادهــا باالنتــاء والتبعيــة إىل بعضهــم‪،‬‬
‫ويحيكــون شــبكة مــن العالقــات والصــات‪ .‬إن التيــارات تعمــل ‪-‬عــادة‪ -‬عــى‬
‫هدايــة بعــض األفــراد بوصفهــم نــواة مركزيــة‪ ،‬وتربــط األعضــاء الجــدد بهــذه‬
‫النــواة‪ ،‬ثـ ّم إن هــذه الجامعــات تســعى إىل إنتــاج أنظمــة مــن العقائــد والق َيــم‬
‫واألســاليب والســلوكيات املتن ّوعــة يف الحيــاة‪ ،‬وهــي وإن كانــت متتــاز مــن‬
‫ثقافــة املجتمــع املنتــج لهــا‪ ،‬إال أنهــا مرتبطة بتلــك الثقافــة وذلــك املجتمع[[[‪.‬‬

‫الجذور الكالمية ملدرسة الكوفة‬

‫إن للكوفــة ومدرســتها الكالميــة مكانــة ممتــازة ومرموقــة يف تاريــخ كالم‬


‫اإلماميــة‪ ،‬وميكــن إرجــاع الفــرة الزمنيــة لهــذه املدرســة إىل مــا يقــرب مــن عام‬
‫‪ 80‬إىل ‪ 180‬للهجــرة؛ وقــد شــهدت األعــوام املتزامنــة مــع املرحلــة األخــرة‬
‫مــن إمامــة اإلمــام زيــن العابديــن ‪ ‬بدايــة جهــود أصحــاب األمئــة يف بيــان‬
‫املعــارف واملفاهيــم والدفــاع عنهــا‪ ،‬وقــد بلغــت هــذه الجهــود ذروتهــا يف‬
‫عــر اإلمــام الباقــر واإلمــام الصــادق ‪ ، ‬واســتم ّرت إىل أواخــر إمامــة‬
‫اإلمــام الكاظــم ‪ ‬؛ حيــث تزامنــت هــذه الفــرة مــع تعـ ّرض اإلمــام والشــيعة‬
‫لضغــوط كبــرة عــى يــد الخليفــة العبــايس هــارون الرشــيد‪.‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬طالقاين‪ ،‬سيد عيل‪« ،‬ترمينولوژي جريان شنايس فرهنگي» (مصطلح التيارات‬
‫الثقافية)‪ ،‬مجلة‪ :‬حوزة‪ ،‬العدد‪ ،119 :‬ص ‪ 1382 ،19 15‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫‪257‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫وتعــود األهم ّيــة التاريخيــة لهــذه املدرســة يف الغالــب إىل هــذه النقطــة‪،‬‬
‫وهــي أننــا نســتطيع يف هــذه املرحلــة مشــاهدة األبحــاث النظريــة واالعتقاديــة‬
‫الرصيحــة عــى مســتوى املجتمــع العلمــي بوضــوح‪ ،‬يف حــن أنــه حتــى مــا‬
‫قبــل هــذه الفــرة الزمنيــة‪ ،‬كانــت الطبقــة العلميــة يف مدرســة املدينــة املنـ ّورة‬
‫تنفــق الحجــم األكــر مــن جهودهــا وتأمالتهــا الكالميــة عــى املســائل‬
‫السياســية واالجتامعيــة‪ ،‬وتعمــل عــى بيــان أغلــب املســائل االعتقاديــة ‪-‬مــن‬
‫قبيــل‪ :‬اإلميــان والكفــر‪ ،‬أو الجــر واالختيــار‪ -‬يف ضــوء األبحــاث السياســية‬
‫واالجتامعيــة[[[‪.‬‬

‫وعــى الرغــم مــن إمــكان العثــور عــى هــذا األمــر بشــكل واضــح يف‬
‫الــراث املتبقــي مــن تلــك املرحلــة[[[‪ ،‬إلّ أنّــه ال ينبغــي أن يذهــب بنــا التص ّور‬
‫إىل أن هــذه األبحــاث االعتقاديــة مل تكــن مطروحــة قبــل مدرســة الكوفــة‪.‬‬
‫وعــى كل حــال فــإن النشــاط الفكــري والعلمــي لإلمــام زيــن العابديــن ‪‬‬
‫والتيــارات املنتســبة إىل أهــل بيــت الوحــي والنبــ ّوة ‪(-‬مــن قبيــل‪ :‬املدرســة‬
‫الفكريــة واالعتقاديــة ملحمــد بــن الحنفيــة)‪ -‬وأحاديــث أهــل البيــت ‪ b‬وال‬
‫ســيام كالم أمــر املؤمنــن اإلمــام عــي ‪ ،‬و ِمــن ث َــ ّم النشــاط الفكــري‬
‫كل‬
‫واالعتقــادي ألصحــاب األمئــة األطهــار ‪ b‬يف مدرســة املدينــة املن ـ ّورة‪ّ ،‬‬

‫[[[ ‪ -‬من ذلك أن البحث عن الجرب واالختيار عىل سبيل املثال إمنا كان يت ّم طرحه من أجل‬
‫حل مسألة اختيار اإلنسان وإرادة الله سبحانه وتعاىل‪ ،‬والتي تأيت يف الغالب من أجل تربير‬
‫ّ‬
‫أفعال خلفاء الجور‪ .‬كام أن مسألة اإلميان والكفر ترد يف الغالب لغرض بيان دار اإلميان‬
‫ودار الكفر‪ ،‬وعدم التفريط يف حقوق املواطنني بشكل أقرب من ذلك إىل بيان معنى وماهية‬
‫الكفر واإلميان‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬للوقوف عىل شواهد عىل هذا املدّعى‪ ،‬انظر‪ :‬الخوارزمي‪ ،‬املناقب‪ ،‬ص ‪ ،313‬ح‪414 :‬؛‬
‫العالمة األميني‪ ،‬الغدير‪ ،‬ج ‪ ،1‬ج ‪ ،1‬ص ‪186 166‬؛ الهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج ‪ ،9‬ص ‪104‬؛‬
‫ابن أيب الحديد املعتزيل‪ ،‬رشح نهج البالغة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪208‬؛ املسعودي‪ ،‬مروج الذهب‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪382‬؛ ابن عساكر‪ ،‬تاريخ مدينة دمشق‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪568‬؛ املتقي الهندي‪ ،‬كنز العامل‪ ،‬ج‬
‫‪ ،11‬ص ‪ ،332‬ح‪31662 :‬؛ العالمة املجليس‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،36‬ص ‪ ،353‬دار‬
‫إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪ 1403 ،‬هـ؛ نرص بن مزاحم‪ ،‬وقعة صفني‪ ،‬ص ‪.338‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪258‬‬

‫ذلــك يُع ـ ّد مــن بــن الشــواهد عــى نشــاط األبحــاث االعتقاديــة يف املدينــة‬
‫املن ـ ّورة‪.‬‬

‫كانــت هــذه األرضيــة تتســع يومـاً بعد يــوم بســبب الرؤيــة املعرفيــة لألمئة‬
‫األطهــار ‪ ،b‬وهــي الرؤيــة التــي عــى الرغــم مــن اعتبارهــا العقــل بوصفــه‬
‫جــة نهائيــة يف الوصــول إىل الحقائــق[[[‪ ،‬إال أنهــا ‪-‬باإلضافــة إىل ذلــك‪-‬‬ ‫ح ّ‬
‫كانــت تعتقــد أن هــذا املصــدر يحتــاج ‪-‬يف وصولــه إىل املعرفــة‪ -‬إىل إرشــاد‬
‫وتوجيــه مــن الوحــي واألوليــاء اإللهيــن‪ ،‬وال ميكنــه أن يصــل إىل الحقيقــة‬
‫إال يف ظــل الهدايــة الصــادرة عــن أوليــاء اللــه ‪ ،[[[ b‬وكان مــن الطبيعــي‬
‫أن يضطلــع اإلمــام املعصــوم ‪ ‬بهــذا الــدور املعــريف ‪-‬يف هــذا الظــرف‪-‬‬
‫عــى أحســن وجــه‪ ،‬يك يتمكــن النــاس يف معتقداتهــم الجوهريــة واألصليــة‬
‫بأذيالهــم‪ ،‬ويتعلمــوا طريقــة التفكــر الصحيــح بوســاطة هدايتهــم وإرشــاداتهم‪،‬‬
‫وعــى أســاس هــذا املبنــى كان الشــيعة مــن أهــل الكوفــة يرجعــون إىل أهــل‬
‫البيــت ‪ b‬يف املدينــة املنــ ّورة‪ ،‬ويطرحــون عليهــم أســئلتهم ومعضالتهــم‪،‬‬
‫ولكــن بعــد ازدهــار مدرســة الكوفــة والتحليــل العقــي للمســائل االعتقاديــة يف‬
‫تلــك الرقعــة الجغرافيــة؛ وصــل النشــاط النظــري يف إثــراء الــراث االعتقــادي‬
‫إىل منعطــف جوهــري يف الــكالم بالنســبة إىل ذلــك العــر‪.‬‬

‫الكالم يف مدرسة الكوفة‬

‫إن الــكالم والفقــه علــان كانــا يف بدايــة ظهورهــا متقابلــن‪ ،‬فقــد كان‬
‫الــكالم يف بدايــة أمــره يُطلــق عــى علــم يتكفّــل بإثبــات جميــع القضايــا‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬املقدمة‪ ،‬تصحيح‪ :‬عيل أكرب الغفاري‬
‫ومحمد آخوندي‪ ،‬دار الكتب اإلسالمية‪ ،‬طهران‪ 1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ املفيد‪ ،‬محمد بن محمد بن النعامن‪ ،‬أوائل املقاالت يف املذاهب‬
‫واملختارات‪ ،‬ص ‪ ،45 44‬مؤسسة مطالعات اسالمي دانشگاه طهران ‪ /‬دانشگاه مك كيل‪،‬‬
‫‪ 1372‬هـ ش‪.‬‬
‫‪259‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫الدينيــة ‪-‬ســواء منهــا االعتقاديــة وغــر االعتقاديــة‪ -‬ويتــوىل يف الوقــت نفســه‬


‫مه ّمــة الدفــاع عنهــا‪ ،‬وهــذا املعنــى مــن الــكالم تطـ ّور بعــد النصــف األول مــن‬
‫القــرن الثــاين بالتدريــج‪ ،‬واكتســب معنــى أعــم وأكــر ســعة‪ ،‬ويف املقابــل كان‬
‫الفقــه بــدوره يطلــق عــى معنــى أعــم مــن الفقــه املطــروح حاليـاً؛ حيــث كان‬
‫مصطلــح «الفقــه» يُطلــق عــى جميــع أنــواع اســتنباط وفهــم القضايــا النظريــة‬
‫والعمليــة مــن الديــن[[[‪ ،‬وعليــه فــإن الفقــه كان مبثابــة منطــق فهــم الديــن‪،‬‬
‫والــكالم كان مبنزلــة منطــق املواجهــة مــع الخصــوم؛ حيــث كان يتصــ ّدى‬
‫للدفــاع عــن املفاهيــم والقضايــا الدينيــة[[[‪.‬‬

‫إن الفقــه ‪-‬مبعنــى الفهــم والتلقــي الصحيــح للمعــارف الدينيــة‪ -‬كان ميثــل‬
‫النقطــة املشــركة لجميــع الطبقــات والفئــات املعرفيــة لإلماميــة يف الكوفــة؛‬
‫ســواء يف ذلــك الجامعــات التــي كانــت تخالــف الــكالم أو تلــك التــي كانــت‬
‫تنشــط يف حقــل الــكالم بــكل طاقتهــا‪ ،‬ومل يكــن هنــاك اختــاف بينهــا حــول‬
‫فهــم املعــارف‪ ،‬ومــن هنــا فقــد تـ ّم التعريــف بالكثــر مــن املتكلمــن يف هــذه‬
‫املرحلــة بوصفهــم مــن الفقهــاء أيضـاً[[[؛ إال أن فهــم معــارف أهــل البيــت ‪b‬‬
‫مل يش ـكّل كل هاجــس العلــاء واملفكريــن مــن اإلماميــة يف الكوفــة‪ .‬وعــى‬
‫كل حــال فــإن الكوفــة كانــت مــن الناحيــة الثقافيــة مدينــة يضطـ ّر فيهــا اإلماميــة‬
‫إىل االختــاط والتعاطــي مــع التيــارات الداخليــة والخارجيــة املتن ّوعــة‪.‬‬

‫إن مجمــوع املخاطبــن يف املناظــرات املنقولــة عــن هــذه املرحلــة‪،‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الفارايب‪ ،‬محمد بن محمد‪ ،‬إحصاء العلوم‪ ،‬تعليق‪ :‬عثامن محمد أمني‪ ،‬ص ‪،86 85‬‬
‫مكتبة الخانجي‪ ،‬القاهرة ‪ /‬مرص‪ 1931 ،‬م‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬سبحاين‪ ،‬محمد تقي‪« ،‬كالم شيعي‪ :‬ماهيت تحوالت و جالش ها» (الكالم الشيعي‪:‬‬
‫املاهية‪ ،‬والتحوالت‪ ،‬والتحدّيات)‪ ،‬أخبار شيعيان‪ ،‬العدد‪ ،38 :‬ص ‪ 1387 ،15 10‬هـ ش‪.‬‬
‫(مصدر فاريس)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬السبحاين‪ ،‬جعفر‪ ،‬معجم طبقات املتكلمني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪،298‬‬
‫وص ‪ ،302‬وص ‪ ،307‬مؤسسة اإلمام الصادق (عليه السالم)‪ ،‬قم‪ 1424 ،‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪260‬‬

‫يكشــف بوضــوح عــن أن العلــاء الكوفيــن كانــوا مــن ناحيــة يواجهــون‬


‫املقــرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مختلــف االتجاهــات والتيــارات الداخليــة‪ ،‬مــن قبيــل‪ :‬الغــاة أو‬
‫وكانــوا مــن ناحيــة أخــرى يواجهــون التيــار املؤثــر جــدا ً ألصحــاب الحديــث‬
‫واألفــكار العقالنيــة للمعتزلــة‪ ،‬ثــم إ ّن معتقــدات األديــان املختلفــة‪ ،‬مثــل‬
‫الصابئــن والزنادقــة وغريهــا‪ ،‬وإن مل تكــن بحجــم التيــارات الســابقة‪ ،‬إال‬
‫أنهــا كانــت مطروحــة باملقــدار الــكايف الــذي يفــرض عــى هــؤالء العلــاء‬
‫واملفكريــن يف الكوفــة عنــاء الجــواب والــر ّد عــى شــبهاتهم‪.‬‬

‫إن مجمــوع املناظــرات املتوفــرة والواصلــة إلينــا مــن تلــك املرحلــة‬


‫يثبــت هــذا التن ـ ّوع واالختــاف بوضــوح[[[؛ وكان مــن الطبيعــي لهــذا الفضــاء‬
‫مــن االرتبــاط والتواصــل أن يخلــق تســاؤالت جــادة أمــام العلــاء واملفكريــن‬
‫مــن اإلماميــة؛ وأن تت ـ ّم مطالبتهــم بإجابــات وافيــة وشــافية يف املواجهــة مــع‬
‫أفــكار الخصــوم واملناوئــن‪.‬‬

‫إن هــذه األســئلة واإلشــكاالت مل تكــن تطــرح مــن قبــل املخالفــن‬


‫فقــط‪ ،‬بــل كانــت تطــرح حتــى مــن قبــل اإلماميــة أيض ـاً‪ ،‬فهنــاك الكثــر مــن‬
‫الشــواهد التــي تشــر إىل طــرح هــذا النــوع مــن التســاؤالت التــي يتـ ّم طرحهــا‬
‫مــن قبــل أصحــاب األمئــة يف هــذه املســائل االعتقاديــة؛ األمــر الــذي يثبــت‬
‫وجــود أســئلة جــادة يف تحليــل العقائــد حتــى بــن اإلماميــة أنفســهم[[[‪.‬‬

‫وســوف نثبــت يف هــذه املقالــة أن مجموعــة كبــرة مــن الــرواة واملفكرين‬


‫يف الكوفــة‪ ،‬عمــدوا ‪-‬يف إطــار تلبيــة هــذه الحاجــة الداخليــة والخارجيــة‬

‫املرشفة‬
‫ّ‬ ‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬أحمدي ميانجي‪ ،‬عيل‪ ،‬مواقف الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،3‬جامعة املدرسني بقم‬
‫‪ /‬مؤسسة النرش اإلسالمي‪ ،‬قم‪ 1374 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تصحيح‪:‬‬
‫هاشم الحسيني‪ ،‬ص ‪ ،410‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة لجامعة املدرسني‪ ،‬قم‪ 1398 ،‬هـ؛‬
‫=الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1407 ،147‬هـ‪.‬‬
‫‪261‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫للمجتمــع الفكــري لإلماميــة‪ -‬إىل التفكــر والعمــل عــى إنتــاج املعــارف‪،‬‬


‫حتّــى إن بعضهــم تص ـ ّدى لإلجابــة عــن األفــكار الدخيلــة والخارجيــة‪ ،‬وقــام‬
‫بالدفــاع عــن التعاليــم الدينيــة‪.‬‬

‫إن الدفــاع عــن املفاهيــم العقائديــة بوصفهــا شــاخصاً للمتكلمــن يف‬


‫تلــك املرحلــة‪ ،‬كان يظهــر شــكله يف الغالــب مــن خــال البحــث والجــدال‬
‫ويف إطــار حلقــات املناظــرة‪.‬‬

‫إن نظــرة عابــرة عــى كتــاب (مواقــف الشــيعة) ‪-‬الــذي ســعى مؤلفــه‬
‫إىل جمــع مناظــرات أصحــاب اإلماميــة‪ -‬كفيلــة بــأن تظهــر مــدى اهتــام‬
‫املتكلمــن مــن أصحــاب األمئــة بهــذه امله ّمــة[[[‪.‬‬

‫ال شــك حقـاً يف أن مجمــوع املناظــرات اآلنــف ذكرهــا كافيــة إلثبــات أن‬
‫الــكالم ‪-‬مبعنــاه التاريخــي؛ أي الدفــاع عــن التعاليــم الدينيــة‪ -‬كان موجــودا ً بــن‬
‫أصحــاب اإلماميــة يف الكوفــة؛ إال أن هنــاك شــواهد تاريخيــة أخــرى تثبــت أن‬
‫بعــض األصحــاب عــى الرغــم مــن ظهورهــم يف حالــة الــرورة يف مياديــن‬
‫الدفــاع عــن األفــكار والعقائــد اإلماميــة[[[‪ ،‬إال أنهــم يف الوقــت نفســه مل‬
‫جهــون إليهــم‬‫يكونــوا متناغمــن مــع الــكالم واملتكلمــن أيضـاً‪ ،‬بــل كانــوا يو ّ‬
‫ـادات بســبب الدخــول يف حقــل الــكالم[[[‪.‬‬‫انتقـ ٍ‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬أحمدي ميانجي‪ ،‬عيل‪ ،‬مواقف الشيعة‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1374 ،3‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬سوف نرى الحقاً أن أبان بن تغلب املذكورة مناظرته عىل سبيل املثال كان ينتمي إىل‬
‫تيار ال يتمتع بعالقة ط ّيبة مع الكالم السائد يف تلك املرحلة الزمنية‪( .‬انظر عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي الرجايئ‪ ،‬ج‬
‫‪ ،2‬ص ‪ ،622‬مؤسسة آل البيت (عليهم السالم)‪ ،‬قم‪ 1363 ،‬هـ ش)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬االعتقادات‪ ،‬ص ‪ ،43‬املؤمتر‬
‫العاملي للشيخ املفيد‪ ،‬قم‪ 1414 ،‬هـ؛ الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪،92‬‬
‫‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪262‬‬

‫إن هــذه املجموعــة مــن األصحــاب كانــوا يذهبــون ‪-‬يف ضــوء بعــض‬
‫الروايــات‪ -‬إىل االعتقــاد بــأن ســلوك وطريقــة املتكلمــن ال يتطابــق مــع ســلوك‬
‫األمئــة ‪ ،b‬هــذا يف حــن أن الكثــر مــن مناظــرات املتكلمــن كانــت تعقــد‬
‫بحضــور اإلمــام املعصــوم ‪ ،‬بــل وكان حتــى أســلوب البحــث واملناظــرة‬
‫منهــم يخضــع لنقــد وتقييــم مــن قبــل األمئــة [[[‪ ،b‬ويبــدو أن ســبب هــذا‬
‫املوقــف ‪-‬مــن قبــل األصحــاب‪ -‬مــن علــم الــكالم‪ ،‬يــأيت يف مســار الدفــاع‪،‬‬
‫ـاً مفــاده ‪ :‬مــا هــي الخصوصية أو الســلوك يف مســار األنشــطة‬ ‫فيثــر تســاؤالً مهـ ّ‬
‫الكالميــة للكوفيــن‪ ،‬التــي كانــت تدفــع بعــض األصحــاب إىل نقــد أصحــاب‬
‫الــكالم واإلشــكال عليهــم؟ إن اإلجابــة عــن هــذا الســؤال تســتلزم القيــام بقراءة‬
‫دقيقــة لتياريــن معرفيــن هامــن يف أجــواء الكوفــة يف تلــك املرحلــة‪.‬‬

‫التيارات املعرفية والكالمية اإلمامية يف مدرسة الكوفة‬

‫يذهــب املحققــون املعــارصون ‪-‬يف ضــوء الكثري مــن الشــواهد‪ -‬إىل عدم‬
‫الشــك يف أن الكوفــة يف القــرن الثــاين للهجــرة قــد شــهدت يف الح ـ ّد األدىن‬
‫تياريــن «معرفيــن» قــد اصطّفــا يف قبــال بعضهــا؛ هــا‪ :‬التيــار الــذي أخــذ‬
‫يواجــه الــكالم واملتكلمــن‪ ،‬وال يُبــدي مرونــة تجــاه هــذا املســلك؛ والتيــار‬
‫الــذي أخــذ إىل الض ـ ّد مــن هــذه الرؤيــة يُبــدي اهتامم ـاً باألنشــطة الكالميــة‪.‬‬
‫إن التيــار األخــر الــذي أطلقنــا عليــه عنــوان «املتكلمــن املنظريــن» أو‬
‫«املتكلمــن املح ّدثــن»‪ ،‬قــد اشــتهر أصحابــه ‪-‬باملعنــى التاريخــي والخــاص‬
‫للكلمــة ويف تلــك املرحلــة‪ -‬مبامرســة التكلّــم؛ وأمــا التيــار اآلخــر الــذي‬
‫نطلــق عليــه عنــوان «املتكلمــن النصيــن» أو «املح ّدثــن املتكلمــن»‪ ،‬فــإن‬
‫أصحابــه وإن مل يكونــوا قــد اشــتهروا يف تلــك املرحلــة بالــكالم‪ ،‬إال أنهــم‬
‫كانــوا ‪-‬باملعنــى الواقعــي واملعــارص للــكالم‪ -‬ميارســون ســلوكاً كالميـاً بشــكل‬
‫تــام‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1407 ،171‬هـ‪.‬‬
‫‪263‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫وبطبيعــة الحــال علينــا ألّ نغفــل عــن وجــود اتجــاه بــن بعــض األصحاب‬
‫يف الكوفــة‪ ،‬وهــو وإن مل يكــن اتجاهـاً معرفيـاً عــى غــرار التياريــن الســابقني؛‬
‫إال أنــه يتخــذ يف الغالــب «ســرة عمليــة» يف املقابلــة مــع تــراث أهــل البيــت‬
‫ـر عــن هــذا االتجــاه بـــ «رصف املحدثــن»‪ .‬إن هــذه الجامعــة‬ ‫‪ .b‬ونحــن نعـ ّ‬
‫بســبب تع ّبدهــم بالنصــوص الدينيــة ‪-‬ومــن بينهــا الروايــات الناهيــة عــن الكالم‪-‬‬
‫كانــوا مثــل املتكلمــن النصيــن‪ ،‬ال يبــدون مرونــة تجــاه الــكالم واملتكلمــن‪.‬‬
‫ولهــذا الســبب ســوف نبحــث عــن هــذا االتجــاه عــى هامــش تيــار املح ّدثــن‬
‫ا ملتكلمني ‪.‬‬

‫وفيــا يــي ســوف نســتعرض الشــواهد عــى هــذا االدعــاء‪ ،‬ونثبــت‬


‫أن االختــاف بــن تيــار املتكلمــن املنظريــن‪ ،‬واملتكلمــن النصيــن هــو‬
‫أي يشء‬‫اختــاف يف األســلوب ومســاحة الدخــول إىل األبحــاث أكــر مــن ّ‬
‫آخــر‪ ،‬ولكــن عــى الرغــم مــن جميــع االختالفــات‪ ،‬هنــاك ‪-‬يف الوقــت نفســه‪-‬‬
‫الكثــر مــن التامهــي ونقــاط االشــراك‪ ،‬األمــر الــذي يحــي عــن توافــق‬
‫التياريــن الســابقني يف األصــول واألســس الفكريــة الجوهريــة لإلماميــة‪ .‬إن‬
‫هــذه املشــركات االعتقاديــة هــي ذات املعتقــدات واألفــكار التــي جعلــت‬
‫كالم اإلماميــة يف الكوفــة يقــف إىل الضــ ّد مــن كالم املعتزلــة وأصحــاب‬
‫الحديــث‪.‬‬

‫إن مقارنــة معتقــدات اإلماميــة قياســاً إىل تيــاري االعتــزال وأصحــاب‬


‫الحديــث يف الكثــر مــن املســائل ‪-‬مــن قبيــل‪ :‬املعرفــة االضطراريــة‪،‬‬
‫واالرتبــاط بــن العقــل والوحــي‪ ،‬وصفــات الفعــل وصفــات الــذات‪ ،‬والقضــاء‬
‫والقـ َدر‪ ،‬واألمــر بــن األمريــن‪ ،‬واالســتطاعة‪ ،‬والعصمــة‪ ،‬ودائــرة علــم اإلمــام‪،‬‬
‫ومــا إىل ذلــك مــن املســائل األخــرى[[[‪ -‬تثبــت هــذه النقطــة‪ ،‬وهــي أنــه عــى‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫حسني زرزور‪ ،‬ج ‪ ،1‬املكتبة العرصية‪ ،‬بريوت‪ 1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪264‬‬

‫الرغــم مــن جميــع االختالفــات الداخليــة بــن مختلــف التيــارات الكوفيــة‪،‬‬


‫هنــاك الكثــر مــن نقــاط االشــراك والتامهــي يف جوهــر التفكــر بــن التيــارات‬
‫اإلماميــة‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه يبــدو أن الشــبه األهــم بــن هــذه التيــارات‪ ،‬هــو‬
‫املبنــى املعــريف املشــرك الــذي ســبق أن ذكرنــاه‪ ،‬وهــو املبنــى الــذي ذهبــت‬
‫عــى أساســه جميــع التيــارات الكالميــة اإلماميــة ‪ -‬إىل اعتبــار العقــل والوحــي‬
‫جــة‪ ،‬وال يــرون إشــكاالً يف اســتفادة العقــل مــن هدايــة املعلمــن اإللهيني[[[‪،‬‬
‫ح ّ‬
‫وعــى هــذا األســاس ميكــن رصــد آثــار التســاؤالت والبحــث عــن املســائل‬
‫الفكريــة وطلــب اإلجابــة عنهــا مــن األمئــة املعصومــن ‪ b‬ونقــل تعاليمهــم‬
‫إىل اآلخريــن لــدى كال التياريــن عــى درجــة واحــدة‪.‬‬

‫إن مقارنــة مقتضبــة وأوليــة لروايــات وآراء شــخص مثــل محمــد بــن مســلم‬
‫‪-‬بوصفــه شــخصاً منتمي ـاً إىل تيــار املح ّدثــن ‪ /‬املتكلمــن يف الكوفــة‪ -‬مــع‬
‫هشــام بــن الحكــم ‪-‬بوصفــه شــخصاً منتميــاً إىل تيــار املتكلمــن يف تلــك‬
‫الحــارضة‪ -‬يعطــي هــذا املســتوى مــن االطمئنــان‪ ،‬بــأن األرضيــة الفكريــة لــكال‬
‫التياريــن هــي األحاديــث والروايــات التــي تلقوهــا عــن اإلمــام املعصــوم ‪.‬‬

‫إن االعتبــار املعــريف للمعلمــن اإللهيــن باإلضافــة إىل العقــل‪ ،‬يعمــل‬


‫‪-‬يف الحقيقــة‪ -‬عــى تصويــر الكوفيــن وكأنهــم طيــف مــن الــرواة يقــف‬
‫املتكلمــون يف جانــب منــه‪ ،‬وهــم يتعاملــون مــع الروايــات بأســلوب تبيينــي‪،‬‬
‫ويف الجانــب اآلخــر مــن هــذا الطيــف‪ ،‬كانــوا يــرون الرتكيــز عــى صيانــة ونقل‬
‫الروايــات مناســباً‪ ،‬وإمنــا تــرز هــذه النقطــة عــى نحــو أكــر عندمــا نــدرك أن‬
‫تاريــخ الــكالم عنــد أهــل الســنة كان ‪-‬بســبب غيــاب هــذا األصــل املعــريف بني‬
‫املعتزلــة وأصحــاب الحديــث‪ -‬يشــهد عــى الــدوام تياريــن مــن املح ّدثــن‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ املفيد‪ ،‬محمد بن محمد بن النعامن‪ ،‬أوائل املقاالت يف املذاهب‬
‫واملختارات‪ ،‬ص ‪ 1372 ،45 44‬هـ ش؛ الكراجيك‪ ،‬أبو الفتح‪ ،‬كنز الفوائد‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪،222‬‬
‫دار الذخائر‪ ،‬قم‪ 1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪265‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫أي واحــد منهــا اآلخــر أبــدا ً‪ ،‬وأمــا يف كالم‬


‫واملتكلّمــن‪ ،‬حيــث مل يتح ّمــل ّ‬
‫اإلماميــة فــا يصــح هــذا التاميــز يف مرحلتــي مدرســة الكوفــة بطبيعــة الحــال؛‬
‫إذ ‪-‬كــا ســرى‪ -‬إن املنتســبني إىل هذيــن التياريــن كانــوا مــن املح ّدثــن‬
‫الشــيعة‪ ،‬كــا أنهــم يتمتعــون يف الوقــت نفســه بنشــاط كالمــي أيضــاً[[[‪ .‬إن‬
‫هــذه الدقــة كانــت مبذولــة حتــى يف اختيــار التســمية لهذيــن التياريــن أيض ـاً‪،‬‬
‫حيــث يت ـ ّم اســتعامل مفــرديت املح ـ ّدث واملتكلّــم‪.‬‬

‫ثــم إن بيــان املعــارف االعتقاديــة كان بــدوره عنــرا ً مشــركاً آخــر‪،‬‬


‫يهتــم كال التياريــن الســابقني بالقيــام بــه‪ ،‬وإن املــراد مــن البيــان هــو الســعي‬
‫والتوصــل إىل االرتبــاط بينهــا‪ ،‬ويف هــذا‬
‫ّ‬ ‫العقــاين مــن أجــل إيضــاح املفاهيــم‬
‫املســعى يتــ ّم لحــاظ حــل التعارضــات املحتملــة بــن مختلــف املفاهيــم‬
‫االعتقاديــة والوصــول إىل نســبة األفــكار فيــا بينهــا بشــكل كامــل‪ .‬إن البيــان‬
‫أي نــوع‬
‫‪-‬بهــذا املعنــى‪ -‬هــو الخطــوة األوىل التــي ال غنــى للمتكلــم عنهــا يف ّ‬
‫مــن أنــواع املواجهــة؛ وذلــك ألن الدفــاع الكالمــي عــن التعاليــم الدينيــة‬
‫متفـ ّرع عــن فهــم تلــك املعــارف‪ ،‬وإن نقــل املعــارف ‪-‬التــي تـ ّم فهمهــا‪ -‬إىل‬
‫الغــر ســوف يتوقّــف ‪-‬بــدوره‪ -‬عــى بيــان تلــك املعــارف؛ ولهــذا الســبب‬
‫فــإن إثبــات هــذا الســلوك للمتكلمــن املنظريــن ليــس رضوريـاً جــدا ً؛ وذلــك‬
‫ألنهــم ‪-‬بحكــم كالمهــم‪ -‬ال مفـ ّر لهــم مــن هــذا األمــر‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه هنــاك‬
‫الكثــر مــن الشــواهد عــى هــذا امل ّدعــى‪ ،‬ســوف نعمــل عــى بيانهــا خــال‬
‫بحــث هــذا التيــار‪.‬‬

‫ولكــن مــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬إن التقاريــر األخــرى تثبــت أن الكثــر مــن‬
‫املخالفــن للــكالم يف الكوفــة كانــوا بدورهــم يســعون إىل بيــان وفهــم‬
‫املعــارف بشــكل منهجــي‪ ،‬ويف الوقــت الــذي كانــوا يخالفــون الــكالم الشــائع‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الجعفري‪ ،‬محمد رضا‪ ،‬الكالم عند اإلمامية‪ :‬نشأته وتط ّوره وموقع الشيخ املفيد‬
‫منه‪ ،‬مجلة تراثنا‪ ،‬العدد‪ ،31 30 :‬ص ‪ ،184 150‬سنة ‪ 1413‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪266‬‬

‫يف تلــك املرحلــة ‪-‬التــي كان فيهــا متهــاً باملــراء والجــدال واالبتعــاد عــن‬
‫متمســكني ببيــان املعــارف أيضـاً‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املعــارف الخالصــة ألهــل البيــت ‪ -b‬كانــوا‬
‫إن هــذه الشــواهد تثبــت أن غــر املتكلمــن يف الكوفــة كانــوا بدورهــم يكتبــون‬
‫الرســائل الكالميــة واالعتقاديــة‪ ،‬ويطرحــون األســئلة العقائديــة‪ ،‬ويحملــون‬
‫هاجــس اإلجابــة عــن األســئلة االعتقاديــة‪ ،‬بــل ينقلــون الكثــر مــن الروايــات‬
‫العقائديــة أيضــاً‪ ،‬وســوف نقــ ّدم شــواهد هــذا االدعــاء عــى هامــش دراســة‬
‫هــذا التيــار‪ ،‬بيــد أن الــذي يحظــى باألهميــة هــو اختــاف هذيــن التياريــن يف‬
‫هــذه النقطــة مــن البيــان؛ فــإن البيــان وإن كان هــو الســلوك املشــرك لــكال‬
‫التياريــن املذكوريــن آنفــاً؛ إال أن كيفيتــه يف إعــادة قــراءة وتحليــل الــراث‬
‫الوحيــاين تُع ـ ّد مــن مناشــئ اختــاف هذيــن التياريــن‪.‬‬

‫‪ -1‬تيار املتكلمني املنظرين (املتكلمون املحدّ ثون)‪.‬‬

‫إن تيــار املتكلمــن املنظريــن كان تيــارا ً يؤمــن ‪-‬يف قبــال املتكلمــن‬
‫النصيــن‪ -‬باملناظــرة والجــدل ونقــد األفــكار ور ّدهــا وإبرامهــا‪ ،‬وكان يعمــل‬
‫ـص املقـ ّدس‪.‬‬ ‫عــى تنظيــم هــذا الســلوك عــى أســاس منظومــة مــن خــارج النـ ّ‬
‫إن هــذا التيــار كان أول تيــار يف تاريــخ اإلســام يعمــل عــى تعيني«الــكالم‬
‫النظــري»‪ ،‬وإن املــراد مــن الــكالم النظــري هــو التفســر والتحليــل العقــاين‬
‫وال ُعقــايئ ملعــارف أهــل البيــت ‪ b‬ضمــن منظومــة معرفيــة‪ ،‬حيــث يتــ ّم‬
‫الســعي ‪-‬مــن خــال عــرض مفاهيــم وأدبيــات جديــدة‪ -‬إىل تقديــم مبــانٍ‬
‫عقالنيــة وأســس اعتقاديــة‪ ،‬وتصويــر انســجامها وتناغمهــا ضمــن تنســيقها‪.‬‬

‫إن النقطــة امله ّمــة يف املنظومــة املفهوميــة لهــذا التيــار تكمــن يف أن‬
‫متأصلــة؛ بــل إن العقالنيــة كانــت تــرى نفســها‬
‫ّ‬ ‫عقالنيــة هــذه املنظومــة ليســت‬
‫‪-‬عــى أســاس الفكــر الجوهــري الرتبــاط العقــل والوحــي عنــد اإلماميــة عــى‬
‫مــا تق ّدمــت اإلشــارة إليــه‪ -‬يف قبــال الوحــي‪ ،‬وتعمــل عــى تصويــر ذلــك‬
‫‪267‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫بأدبيــات مســتحدثة‪.‬‬

‫إن اإلصــاح الخارجــي لهــذه املعــارف إمنــا كان مــن حيــث إن االكتفــاء‬
‫كاف للتفســر واملواجهة‬ ‫مببــادئ وأدبيــات املــن ‪-‬بزعــم هــذه الجامعــة‪ -‬غــر ٍ‬
‫مــع األفــكار املنافســة‪ ،‬ومــن هنــا كان مــن الــازم تقديــم أدبيــات يف أجــواء‬
‫ـص بوصفهــا أدبيــات أساســية لــي يتـ ّم فهــم املعــارف االعتقاديــة‬‫عقالنيــة النـ ّ‬
‫يف ضوئهــا‪ ،‬وميكــن العثــور عــى هــذا األمــر بوضــوح يف املســار البيــاين‬
‫ملتكلمــن مــن أمثــال هشــام بــن الحكــم‪ .‬إن إبــداء نظريــة املعــاين مــن قبــل‬
‫هشــام بــن الحكــم لفهــم الصفــات[[[ قابــل للتفســر ضمــن هــذا النمــوذج؛ إذ‬
‫ـص املقـ ّدس قابـاً للفهــم العقــاين‪ ،‬وإن تأويــل اإلرادة‬ ‫يســعى إىل جعــل النـ ّ‬
‫إىل الحركــة[[[‪ ،‬واالرتبــاط بــن املعرفــة العقليــة واملعرفــة االضطراريــة[[[‪،‬‬
‫ونظريــة االســتطاعة[[[‪ ،‬ومــا إىل ذلــك ‪ -‬إمنــا يقبــل التوضيــح والبيــان عــى‬
‫أســاس هــذا الهاجــس‪.‬‬

‫وعــى كل حــال‪ ،‬فــإن هــذا الحــدث التاريخــي إمنــا أســفر عــن وجهــه‬
‫للمـ ّرة األوىل يف الكوفــة‪ ،‬بــن بعــض املتكلمــن املح ّدثــن يف الكوفــة وتيــار‬
‫االعتــزال الســني‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه فــإن املبــاين املعرفيــة املتفاوتــة بــن‬
‫اإلماميــة واملعتزلــة يف كيفيــة االســتفادة مــن العقــل والوحــي‪ ،‬هــي التــي‬
‫كانــت تفصــل طريــق هاتــن الجامعتــن ونهجهــا‪ ،‬وال ينبغــي الغفلــة عــن‬
‫نقطــة مه ّمــة هــي أنــه عــى الرغــم مــن التعبــر يف الوقــت الراهــن عن أســلوب‬
‫وطريقــة املعتزلــة واإلماميــة بعنــوان «العقالنيــة»‪ ،‬إال أن تكــرار هــذه النقطــة ال‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫حسني زرزور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1430 ،48‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،51‬وص ‪.308‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.58‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.52‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪268‬‬

‫يخلــو مــن الفائــدة‪ ،‬وهــي أن النقطــة الفارقــة التــي مت ّيــز األســلوب املعــريف‬
‫لــدى اإلماميــة يف مدرســة الكوفــة مــن املعتزلــة ‪-‬بــل حتــى مــن املراحــل‬
‫الالحقــة لــكالم اإلماميــة‪ -‬تكمــن يف أن املتكلمــن املنظريــن يف الكوفــة‬
‫كانــوا يفكــرون وينظــرون إىل املعــارف ضمــن إطــار محــدد‪ ،‬وعــى أســاس‬
‫األحاديــث واملعــارف التــي يحصلــون عليهــا مــن مصــدر الوحــي‪ ،‬وبهــذا‬
‫املعنــى كان تنظــر املتكلمــن يف الكوفــة «نص ّيـاً»؛ وهــو الســلوك الــذي كان‬
‫الخاصــة باإلماميــة‪ -‬يؤمــن بالتفســر العقــاين‬
‫ّ‬ ‫‪-‬عــى أســاس الرؤيــة املعرفيــة‬
‫للمعتقــدات الدينيــة يف ضــوء النــص املقـ ّدس‪ ،‬ويعمــل عــى تحقيــق ذلــك[[[‪.‬‬

‫إن هــذا اإلطــار واملنهــج يف كالم اإلماميــة مــال بالتدريــج يف بغــداد إىل‬
‫جهــة تيــار االعتــزال؛ إىل الحـ ّد الــذي أخــذت معــه املعــارف الوحيانيــة تلعــب‬
‫يف الغالــب دور املؤيــد‪ ،‬بــدالً مــن أن يكــون لهــا دور حاســم ومحــوري يف‬
‫هــذا الشــأن‪.‬‬

‫إن الدراســات االكتشــافية والتنقيبيــة حــول هــذا التيــار‪ ،‬تكشــف النقــاب‬


‫عــن عــدد مــن الخطــوط الفكريــة والداخليــة بــن هــذا التيــار‪ ،‬حيــث يطلــق‬
‫عليهــا كُتّــاب املقــاالت عنــوان «األصحــاب»‪ ،‬وتــم الحديــث ‪-‬مــن بــن هــذه‬
‫التيــارات الجزئيــة يف الغالــب‪ -‬عــن أســاء وأوصــاف أربــع شــخصيات كوفيــة‬
‫متم ّيــزة‪ ،‬وهــم كل مــن‪ :‬زرارة بــن أعــن‪ ،‬ومؤمــن الطــاق‪ ،‬وهشــام بــن ســامل‪،‬‬
‫وهشــام بــن الحكــم‪ ،‬ومــن بــن هــؤالء يُعـ ّد املنهــج والخــط الفكــري لــزرارة‬
‫بــن أعــن هــو األقــدم مــن الناحيــة الزمنيــة‪ ،‬وأمــا الخــط الكالمــي لهشــام‬
‫بــن الحكــم فلــه التقـ ّدم عــى جميــع الخطــوط الفكريــة الســابقة‪ ،‬مــن حيــث‬
‫غــزارة اإلنتــاج عــى مســتوى التنظــر واآلثــار العلميــة وكــرة التالميــذ‪.‬‬

‫[[[ ‪ -‬لقد ت ّم بيان شواهد هذا االدعاء يف مقالة لكاتب السطور يف طريقها إىل النرش‪ ،‬بعنوان‪:‬‬
‫النص يف املدرسة الكالمية يف‬
‫ّ‬ ‫«نظريه پردازي منت انديش در مدرسه كالمي كوفه» (التنظري‬
‫الكوفة)‪.‬‬
‫‪269‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫‪ -1 / 1‬الخط الفكري لزرارة وآل أعني‬

‫زرارة بــن أعــن الشــيباين‪ ،‬مــن أصحــاب وتالميــذ اإلمــام محمــد الباقــر‬
‫‪ ،‬واإلمــام جعفــر الصــادق ‪ ،‬فقيــه ومتكلــم وأديــب كــويف[[[‪.‬‬

‫إن حجــم تناقــل الروايــات بــن أبنــاء أرستــه من جهــة‪ ،‬والوفــاء إىل األفكار‬
‫الخاصــة بــزرارة مــن قبــل هــذه األرسة مــن جهــة أخــرى؛ يجعلنــا نقــف أمــام‬‫ّ‬
‫مجموعــة متامســكة مــن األشــخاص بــن متكلمــي اإلماميــة األوائــل‪ ،‬يُعــ ّد‬
‫زرارة وأفــكاره محــورا ً لذلــك االتجــاه الفكــري‪ ،‬وإن آراءه الخاصــة ونظرياتــه‬
‫الفــذة ‪-‬ال ســيام يف مســألة االســتطاعة والق ـ َدر‪ ،‬واألفعــال اإللهيــة‪ ،‬واإلميــان‬
‫والكفــر‪ ،‬واملعرفــة‪ ،‬والتحديــث‪ ،‬ومــا إىل ذلــك‪ -‬قــد أبرزتــه بوصفــه واحــدا ً‬
‫مــن أشــهر علــاء الشــيعة يف تلــك املرحلــة‪ ،‬وتبعــاً لذلــك فقــد اشــتملت‬
‫املصــادر عــى مجموعــة مــن األحاديــث والروايــات بعضهــا يف مدحــه والثنــاء‬
‫عليــه‪ ،‬واألخــرى يف ذ ّمــه والقــدح فيــه[[[‪.‬‬

‫إن الرؤيــة األهــم واألكــر إثــارة للجــدل حــول زرارة بــن أعــن واتجاهــه‬
‫جــة‬
‫الفكــري‪ ،‬هــي رؤيتــه يف مســألة «االســتطاعة»‪ ،‬فقــد أثــارت رؤيتــه هــذه ض ّ‬
‫يف الكوفــة‪ ،‬وأ ّدت يف نهايــة املطــاف إىل اســتياء اإلمــام ‪ ‬منــه‪ ،‬ومــع ذلــك‬
‫را ً عــى رؤيتــه يف هــذه املســألة[[[‪ .‬إن رؤيتــه يف هــذه‬
‫فقــد بقــي زرارة مــ ّ‬
‫املســألة تقــف إىل الضــ ّد مــن نظريــة هشــام بــن الحكــم‪ ،‬وكانــت تختلــف‬
‫إىل حـ ّد مــا عــن نظريــة مؤمــن الطــاق وهشــام الجواليقــي أيضـاً[[[‪ ،‬وقــد ألــف‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،175‬رقم‪ ،263 :‬مؤسسة النرش‬
‫اإلسالمي التابعة لجامعة املدرسني‪ ،‬قم‪ 1365 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي‬
‫الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،345‬رقم‪ 208 :‬و‪ 1363 ،235‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ص ‪ ،340‬رقم‪ 127 :‬و‪.234‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪270‬‬

‫زرارة كتابــاً يف االســتطاعة والجــر أيضــاً[[[‪ ،‬وقــد تــ ّم تســجيل فرقــة باســمه‬
‫تحمــل عنــوان «الزراريــة» يف آثــار املؤ ّرخــن للمذاهــب وال ِفــ َرق أيضــاً[[[؛‬
‫األمــر الــذي يحــي عــن وجــود اتجــاه فكــري خــاص لــه وألصحابــه‪.‬‬

‫حمــران بــن أعــن مــن أشــهر‬ ‫وبعــد زرارة بــن أعــن يُعــد أخــوه األكــر ُ‬
‫األشــخاص يف هــذه الجامعــة‪ ،‬وهنــاك الكثــر مــن الروايــات حــول قدرتــه‬
‫وقـ ّوة عارضتــه يف مجالــس املناظــرة[[[‪ ،‬وقــد تـ ّم تبويــب رواياتــه العقائديــة يف‬
‫املصــادر الروائيــة األصليــة لإلماميــة‪ ،‬وال س ـ ّيام رواياتــه يف بــاب الفــرق بــن‬
‫اإلمــام والنبــي[[[‪ ،‬وإثبــات الصانــع[[[‪ ،‬ومــا إىل ذلــك‪.‬‬

‫ويُعــد عبــد اللــه بــن بُ َكــر بــن أعــن مــن الشــخصيات الشــهرية األخــرى‬
‫يف هــذه األرسة‪ ،‬وهــو مــن أشــهر املح ّدثــن‪ ،‬ومــن أصحــاب اإلجــاع‪ ،‬وكان‬
‫مفكــرا ً يف الــكالم أيضــاً‪ ،‬وقــد ذكــره األشــعري يف عــداد هشــام الجواليقــي‬
‫وزرارة بــن أعــن ومحمــد بــن حكيــم‪ ،‬ونســب إليــه رأي ـاً مشــابهاً لــرأي زرارة‬
‫بــن أعــن يف مســألة االســتطاعة[[[‪ .‬وتقــع رواياتــه االعتقاديــة يف الغالــب‬

‫حسني زرزور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1430 ،52‬هـ‪.‬‬


‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،175‬رقم‪.463 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬البغدادي‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬الفرق بني ال ِف َرق‪ ،‬تصحيح‪ :‬إبراهيم رمضان‪ ،‬ص ‪ ،76‬دار‬
‫املعرفة‪ ،‬بريوت‪ 1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬العالمة املجليس‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،66‬ص ‪ ،3‬وج‬
‫‪ ،23‬ص ‪.9‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1407 ،171 169‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تصحيح‪ :‬هاشم الحسيني‪،‬‬
‫ص ‪ 1398 ،295‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫حسني زرزور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1430 ،52‬هـ‪.‬‬
‫‪271‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫ضمــن حقــل اإلميــان والكفــر[[[‪ ،‬واالســتطاعة[[[‪ ،‬وغيبــة إمــام العــر ‪،[[[#‬‬


‫والتوحيــد والعــدل[[[‪.‬‬
‫وقــد عــ ّدوا عبــد امللــك بــن أعــن مــن أصحــاب اإلمــام الباقــر ‪‬‬
‫واإلمــام الصــادق ‪ ‬أيضـاً[[[‪ ،‬وإن مل يكــن قــد أدرك حضــور هذيــن اإلمامــن‬
‫العظيمــن ‘ مبقــدار حضــور أخويــه زرارة وحمــران اب َنــي أعــن‪ ،‬بيــد أن صلتــه‬
‫باملعصومــن ‪ b‬قــد أتاحــت لــه الحصــول عــى اإلجابــة عــن الكثــر مــن‬
‫أســئلته[[[‪.‬‬
‫وأخــرا ً يع ـ ّد عبــد األعــى بــن أعــن بــدوره فقيه ـاً مــن أصحــاب اإلمــام‬
‫محمــد الباقــر ‪ ‬واإلمــام جعفــر الصــادق ‪ ‬أيضــاً‪ ،‬وكان عبــد األعــى‬
‫مثــل زرارة بــن أعــن مــن أصحــاب الــكالم والجــدل واملناظــرة‪ ،‬وكان يف هــذا‬
‫الشــأن يحمــل وصيّــة مــن قبــل اإلمــام جعفــر الصــادق ‪ ،[[[‬وقــد روى بدوره‬
‫بعــض الروايــات يف بــاب االســتطاعة[[[ واملعرفــة[[[ ومــا إىل ذلــك أيضـاً‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 1407 ،384‬هـ‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تصحيح‪ :‬هاشم الحسيني‪،‬‬
‫ص ‪ 1398 ،258‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1407 ،339 337‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تصحيح‪ :‬هاشم الحسيني‪،‬‬
‫ص ‪ 1398 ،328‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الزراري أبو غالب الكويف‪ ،‬أحمد بن محمد‪ ،‬رسالة أيب غالب إىل ابن ابنه يف ذكر‬
‫آل أعني‪ :‬تحقيق‪ :‬محمد رضا الحسيني‪ ،‬ص ‪ ،135 132‬مركز البحوث والتحقيقات اإلسالمية‪،‬‬
‫قم‪ 1369 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1407 ،100‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي‬
‫=الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،610‬رقم‪ 1363 ،578 :‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تصحيح‪ :‬هاشم الحسيني‪،‬‬
‫ص ‪ 1398 ،351‬هـ‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ص ‪.412‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪272‬‬

‫‪ -2 / 1‬االتجاه الكالمي لهشام بن سامل‪.‬‬

‫بعــد زرارة يُع ـ ّد أبــو محمــد هاشــم بــن ســامل الجواليقــي الجعفــي ‪-‬مــن‬
‫األصحــاب الكبــار لإلمــام جعفــر الصــادق واإلمــام مــوىس الكاظــم ‘‪ -‬مــن‬
‫كبــار املتكلمــن يف الكوفــة[[[‪ ،‬وهنــاك تقريــر فرقــة باســمه تحــت عنــوان‬
‫«الجواليقيــة» يف فهــارس ومصــادر ال ِفــ َرق‪ ،‬وقــد كان لهــذه الفرقــة حضــور‬
‫كالمــي مؤثــر يف عــر املهــدي العبــايس[[[‪ ،‬وبطبيعــة الحــال ال ميكــن لنــا‬
‫االدعــاء بــأن اتجاهــه الفكــري كان بق ـ ّوة وثــراء االتجــاه الــذي أسســه هشــام‬
‫بــن الحكــم‪ ،‬ولكــن ميكــن القــول إن الجواليقــي كانــت لــه شــعبية واســعة يف‬
‫صلــب التفكــر اإلمامــي يف الكوفــة‪ ،‬وعــى كل حــال فــإن حضوره يف سلســلة‬
‫طــرق الحديــث[[[‪ ،‬ومتثيلــه لســكان الكوفــة يف تعيــن اإلمــام بعــد اإلمــام‬
‫الصــادق ‪ ،[[[‬وتواجــده يف مجالــس املناظــرة مــع كبــار املتكلمــن[[[‪،‬‬
‫وتأليــف الكتــب والرســائل الكالميــة املقبولــة[[[‪ ،‬وتقريــر أنــواع عقائــد فرقــة‬
‫الجواليقيــة[[[ ‪ -‬يثبــت اعتبــاره ومنزلتــه يف الكوفــة‪ .‬وباإلضافــة إىل ذلــك كلــه‬
‫فــإن مناظراتــه ودفاعــه عــن املعتقــدات اإلماميــة ‪-‬وعــرض املبــاين والبيــان‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،434‬رقم‪.1165 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي‬
‫الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،542‬رقم‪ 1363 ،479 :‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،100‬ح‪ 1407 ،3 :‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي‬
‫الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،565‬رقم‪ 1363 ،502 :‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،564‬رقم‪.500 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الطويس‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسامء‬
‫=املصنفني وأصحاب األصول‪ ،‬تصحيح‪ :‬عبد العزيز الطباطبايئ‪ ،‬ص ‪ ،493‬رقم‪،782 :‬‬
‫مكتبة املحقق الطباطبايئ‪ ،‬قم‪ 1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫حسني زرزور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،46‬وص ‪ 1430 ،53 51‬هـ‪.‬‬
‫‪273‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫العقــاين لتلــك املعتقــدات‪ -‬تعـ ّد بدورهــا مــن بــن جهــوده يف هــذا املجــال‪.‬‬

‫إن التقريــرات الواصلــة عــن نظريــات الكوفيــن يف كتــاب األشــعري وإن‬


‫كانــت تثبــت بوضــوح أن الجواليقــي ال ميتلــك اليــد الطــوىل يف جميع مســائل‬
‫دقيــق الــكالم وجليلــه ‪-‬عــى العكــس مــن هشــام بــن الحكــم‪ -‬إال أنــه كان‬
‫نشــطاً عــى املســتوى الفكــري يف مســائل وموضوعــات مــن قبيــل املعرفــة‬
‫االضطراريــة[[[‪ ،‬واالســتطاعة[[[‪ ،‬وحقيقــة أعــال اإلنســان[[[‪ ،‬ومــا إىل ذلــك‪،‬‬
‫وكانــت لــه آراء خاصــة يف هــذه املســائل‪ ،‬وعــى الرغــم مــن ذلــك‪ ،‬مل يت ـ ّم‬
‫التعريــف باالتجــاه الفكــري لهشــام بــن ســامل الجواليقــي كــا تــم التعريــف‬
‫باملذهــب الكالمــي لهشــام بــن الحكــم؛ وإن معلوماتنــا عــن األتبــاع الذيــن‬
‫ســاروا عــى منهجــه الفكــري شــحيحة جــدا ً‪ ،‬بيــد أن هــذا املدعــى ال يعنــي‬
‫أن اتجاهــه الفكــري مل يكــن يتمتــع باملقبوليــة والشــعبية؛ وذلــك ألن حجــم‬
‫الروايــات املنقولــة عنــه تبلــغ حــوايل أربعــة أضعــاف املــروي عــن هشــام بــن‬
‫الحكــم تقريبـاً‪ ،‬وأن تلقــي أحاديــث هشــام بــن ســامل الجواليقــي بالقبــول مــن‬
‫قبــل تيــار املح ّدثــن املتكلمــن ‪-‬وهــو التيــار الــذي يحتــل مســاحة كبــرة‬
‫مــن املدرســة الفكريــة للكوفــة‪ -‬يـ ّ‬
‫ـدل عــى مقبوليــة أفــكاره مــن قبــل عمــوم‬
‫األصحــاب يف الكوفــة‪.‬‬

‫وميكــن تع ّقــب االتجــاه الفكــري لهشــام بــن ســامل الجواليقــي‪ ،‬وامتــداده‬


‫لــدى‪ :‬محمــد بــن أيب عمــر‪ ،‬وعــي بــن الحكــم األنبــاري‪ ،‬وحســن بــن‬
‫محبــوب‪ ،‬ويعقــوب بــن يزيــد‪ ،‬وأحمــد بــن أيب نــر البزنطــي‪ ،‬وآخريــن؛‬
‫وكيــف انتقــل هــذا الــراث الفكــري إىل مدرســة قــم[[[‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.58‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.52‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.53‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬گرامي‪ ،‬سيد محمد هادي‪ ،‬نخستني مناسبات فكري تشيع (النشاطات الفكرية‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪274‬‬

‫‪ -3 / 1‬االتجاه الكالمي ملؤمن الطاق‪.‬‬

‫وبعــد زرارة بــن أعــن‪ ،‬وهشــام بــن ســامل الجواليقــي‪ ،‬يــأيت تسلســل‬
‫مؤمــن الطــاق يف املرتبــة الثالثــة بوصفــه مــن أهــم املتكلمــن يف املدرســة‬
‫الكالميــة يف الكوفــة‪ ،‬واســمه الحقيقــي هــو أبــو جعفــر محمــد بــن عــي بــن‬
‫النعــان[[[‪ ،‬ولكنــه قَلّــا يُعــرف بهــذا االســم‪ ،‬وإنــه ‪-‬خالفـاً لســائر املتكلمــن‬
‫املعروفــن الذيــن مل تكــن لهــم ســابقة عريقــة يف اإلســام والتشــ ّيع‪ -‬قــد‬
‫ترعــرع يف أرسة شــيعية معروفــة بحبهــا لإلمــام عــي بــن أيب طالــب ‪،[[[‬‬
‫وميكــن اإلشــارة ‪-‬مــن بــن خصائصــه‪ -‬إىل‪ :‬بيــان األبحــاث الح ـ ّرة مــع أتبــاع‬
‫حــل الفكريــة‪ ،‬واملعلومــات الدينيــة الكثــرة والزاخــرة‪ ،‬والحضــور‬ ‫مختلــف ال ِّن َ‬
‫الذهنــي‪ ،‬وحـ ّدة الــذكاء‪ ،‬وتوظيــف روح النقــد والقــدرة عــى البيــان‪ ،‬والجــرأة‬
‫واالندفــاع يف بيــان املطالــب‪ ،‬ومــا إىل ذلــك[[[‪ ،‬وقــد وصلتنــا عنــه مناظــرات‬
‫رائعــة وجميلــة يف أصــول االعتقــاد‪ ،‬باإلضافــة إىل العديــد مــن اآلثــار[[[ ‪-‬وكلها‬
‫يف حقــل علــم الــكالم تقريبـاً‪ -‬وهــي ‪-‬باإلضافــة إىل ترصيــح األمئــة األطهــار‬
‫‪ ‬وســائر األصحــاب املعارصيــن لــه‪ -‬تثبــت أن مؤمــن الطــاق (أبــا جعفــر)‬

‫األوىل للتشيّع)‪ ،‬ص ‪ ،105‬انتشارات دانشگاه إمام صادق (عليه السالم)‪ ،‬طهران‪ 1391 ،‬هـ‬
‫ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،325‬رقم‪.886 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الطويس‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬الرجال‪ ،‬تصحيح‪ :‬جواد قيّومي إصفهاين‪ ،‬ص‬
‫‪ ،146‬وص ‪ ،182‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة لجامعة املدرسني‪ ،‬قم‪ 1373 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪،‬‬
‫تصحيح‪ :‬مهدي الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ 1363 ،426 424‬هـ ش؛ الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪،‬‬
‫الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،174‬ح‪ 1407 ،5 :‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪326 325‬؛ الشيخ الطويس‪ ،‬محمد‬
‫بن الحسن‪ ،‬فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسامء املصنفني وأصحاب األصول‪ ،‬تصحيح‪:‬‬
‫عبد العزيز الطباطبايئ‪ ،‬ص ‪ ،407‬رقم‪ 1420 ،782 :‬هـ؛ الشهرستاين‪ ،‬محمد بن عبد الكريم‪،‬‬
‫امللل والنحل‪ ،‬تصحيح‪ :‬أمري عيل مهنا وعيل حسن فاعور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،186‬دار املعرفة‪،‬‬
‫بريوت‪ 1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪275‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫حــرا ً وضليع ـاً يف علــم الــكالم‪.‬‬


‫كان متب ّ‬

‫إن التنقيبــات األوىل عــن األفــكار واآلراء الكالميــة ملؤمــن الطــاق‪ ،‬تضــع‬
‫أمامنــا هــذه النقطــة القائلــة بعــدم وجــود رشخ كبــر يف اآلراء بينــه وبــن أمثــال‬
‫زرارة وهشــام بــن ســامل الجواليقــي‪ ،‬وتشــر تقريــرات األشــعري بوضــوح إىل‬
‫أن مؤمــن الطــاق يف أهــم املســائل الكالميــة يف تلــك املرحلــة ‪-‬مــن قبيــل‪:‬‬
‫املعرفــة االضطراريــة‪ ،‬واالســتطاعة‪ ،‬وحــدوث العلــم اإللهــي‪ ،‬والتقديــر‪ ،‬ومــا‬
‫إىل ذلــك مــن املســائل األخــرى‪ -‬كان متامهيـاً مــع املجتمــع الشــيعي بأكمله‪،‬‬
‫وليــس بينــه وبــن املجتمــع الشــيعي أدىن اختــاف يف األفــكار املتعارفــة‪ ،‬ومل‬
‫أي اتهــام أيضـاً[[[‪.‬‬
‫يــرد بحقــه ّ‬

‫إن هــذه النقطــة ‪-‬باإلضافــة إىل مــا تظهــره مــن اعتدالــه الفكــري‪ -‬تنشــأ يف‬
‫الغالــب مــن أنــه قلــا يظهــر نفســه بوصفــه ُم َنظّــرا ً يف حقــل الــكالم‪ ،‬ويُؤثِــر أن‬
‫يــرز بوصفــه متكلـاً مدافعـاً‪ .‬إن منــط مناظــرات مؤمــن الطــاق تشــهد بوضوح‬
‫أنــه ال يســمح للخصــم باالســتيالء عــى أسســه الفكريــة‪ ،‬لــي ال يتمكــن مــن‬
‫الســيطرة عليــه بأســلوب فنــي‪ ،‬بيــد أن هــذه النقطــة ‪-‬عــى الرغــم مــن روعتهــا‬
‫وظرافتهــا‪ -‬هــي التــي حــرت شــخصيته الكالميــة لتبقــى يف دائــرة الجــدل‬
‫واملناظــرة‪ ،‬وهنــاك شــواهد يف روايــات الشــيعة تشــر إىل أن اإلمــام الصــادق‬
‫‪ ‬بشــكل خــاص قــد ح ـذّره مــن اســتخدام األســاليب غــر املرشوعــة يف‬
‫مقــام املناظــرة والجــدل‪ ،‬وإن نظــرة عابــرة إىل االنتقــادات الــواردة عليــه مــن‬
‫قبــل األمئــة مــن أهــل البيــت ‪ ،b‬تثبــت بوضــوح أن هــذه االنتقــادات مل تكــن‬
‫ناظــرة إىل محتــوى تفكــره‪ ،‬وإمنــا هــي تســتهدف أســلوبه الكالمــي فقــط[[[‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫حسني زرزور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،48‬وص ‪ 1430 ،53 52‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬أقوام كربايس‪ ،‬أكرب‪ ،‬وسبحاين‪ ،‬محمد تقي‪« ،‬مؤمن الطاق و روش كالمي او»‬
‫(مؤمن الطاق وأسلوبه الكالمي)‪ ،‬مجلة‪ :‬كالم اسالمي‪ ،‬العدد‪ ،85 :‬ص ‪ ،81‬سنة ‪ 1392‬هـ‬
‫ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪276‬‬

‫وعــى الرغــم مــن ذلــك كلــه‪ ،‬ميكــن العثــور يف ذات هــذه التقاريــر‬
‫عــى حلقــة مــن األفــراد ملؤمــن الطــاق[[[‪ ،‬وهــي الحلقــة التــي ورد التعبــر‬
‫عنهــا يف املصــادر املتأخــرة عــن األشــعري‪ ،‬باســم وعنــوان «النعامنيــة»[[[ أو‬
‫«الشــيطانية»[[[‪ ،‬إال أن أعضــاء هــذه الحلقــة الفكريــة ليســوا مجهولني فحســب‪،‬‬
‫بــل ليــس هنــاك شــواهد للتع ـ ّرف عليهــم‪.‬‬

‫‪ -4 / 1‬الخط الفكري لهشام بن الحكم‪.‬‬

‫ميكــن القــول ‪-‬بــكل ثقــة‪ -‬بــأن هشــام بــن الحكــم وتيــاره الفكــري‪ ،‬هــو‬
‫املنظــم األصــي للتيــار الكالمــي التنظــري‪ ،‬إن أبــا محمــد هشــام بــن الحكــم‬
‫هــو املتكلــم اإلمامــي األبــرز يف عــر اإلمــام الصــادق واإلمــام الكاظــم ‘‪.‬‬
‫كان هشــام بــن الحكــم قبــل اعتنــاق مذهــب اإلماميــة ينتمــي إىل املذهــب‬
‫صالتــه الفكريــة مــع‬‫الجهمــي[[[‪ ،‬وهنــاك بعــض التقريــرات التــي تشــر إىل ِ‬
‫أشــخاص مــن أمثــال أيب شــاكر الديصــاين ‪-‬مــن كبــار الثنويــة‪ -‬أيضـاً[[[‪ ،‬وعــى‬
‫حــت هــذه التقريــرات‪ ،‬فهــي إمنــا يجــب أن‬ ‫هــذا األســاس؛ حتــى لــو ص ّ‬
‫تعــود إىل مرحلــة قصــرة مــن بدايــة حياتــه وشــبابه؛ وذلــك ألنــه قــد التحــق‬
‫بأصحــاب اإلمــام الصــادق ‪ ‬يف رشخ شــبابه‪.‬‬

‫يبــدو أن اشــتهار هشــام بــن الحكــم يعــود ‪-‬قبــل كل يشء‪ -‬إىل تنظــره‬
‫وجهــوده يف تنقيــح املباحــث الكالميــة‪ ،‬وليــس مــن املســتغرب أبــدا ً لــو‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫حسني زرزور‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1430 ،48‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشهرستاين‪ ،‬محمد بن عبد الكريم‪ ،‬امللل والنحل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.218‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪:‬البغدادي‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬الفرق بني ال ِف َرق‪ ،‬تصحيح‪ :‬إبراهيم رمضان‪،‬ص‪ 1429،77‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي‬
‫الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،527‬رقم‪ 1363 ،476 :‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الخياط‪ ،‬أبو الحسني‪ ،‬االنتصار‪ ،‬ص ‪ ،83‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪277‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫ادعينــا أنــه قــد عمــل بــن اإلماميــة عــى تكميــل مســار يف الــكالم‪ ،‬قلــا‬
‫متتــع بــه املتكلمــون اآلخــرون حتــى تلــك املرحلــة والحقبــة الزمنيــة‪ ،‬وهــذا‬
‫األمــر لوحــده يكفــي إلثــارة الكثــر مــن الحساســيات تجاهــه بــن املح ّدثــن‬
‫الشــيعة‪ ،‬وحتــى بــن املتكلمــن منهــم‪ ،‬وإن ظهــور التنافــس واالختــاف بينــه‬
‫وبــن الجبهتــن الداخليــة والخارجيــة لإلماميــة يف أكــر املســائل ومباحــث‬
‫دقيــق الــكالم وجليــل الــكالم ‪ -‬يؤيّــد هــذه املقولــة بوضــوح‪ .‬إن نظــرة نلقيهــا‬
‫إىل مجمــوع املعتقــدات الكالميــة لهشــام بــن الحكــم يف كتــب املقــاالت‬
‫والروايــات التاريخيــة بشــأنه؛ تثبــت بوضــوح أنــه كان ميتلــك يف أغلــب‬
‫املســائل وأبحــاث املجتمــع العلمــي لعــره ‪ -‬آراء ونظريــات خاصــة‪ ،‬بــل‬
‫وحتــى مختلفــة مــع أبنــاء مذهبــه أيض ـاً[[[‪.‬‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فــإن املعطــى الفكــري والجهــد الكالمــي الواســع‬


‫لهشــام بــن الحكــم ‪-‬باإلضافــة إىل الرســائل االعتقاديــة واملناظــرات العلميــة‪-‬‬
‫قــد امت ـ ّد إىل أقصــاه يف أجيــال مــن تالميــذه‪ ،‬خالف ـاً ألشــخاص مــن أمثــال‬
‫مؤمــن الطــاق وهشــام بــن ســامل الجواليقــي؛ إذ مل يكــن لهــا عقــب فكــري؛‬
‫فقــد متكــن هشــام بــن الحكــم مــن بنــاء حلقــة مــن التالميــذ واملتكلمــن مــن‬
‫حولــه‪ ،‬وأن يؤســس لتيــار فكــري ‪ /‬كالمــي تــ ّم تســجيله باســمه يف التاريــخ‬
‫وامتــد لجيلــن بعــده عنــد أفــول نجــم املدرســة النظريــة يف الكوفــة‪ .‬إن‬
‫ـرون عــن هــذا التيــار باســم «أصحــاب‬ ‫أصحــاب امللــل والنحــل غالبـاً مــا يعـ ّ‬
‫هشــام» أو «الهشــامية»[[[‪ ،‬تذكــرا ً بتبعيــة هــذا التيــار الفكــري لهشــام بــن‬
‫الحكــم‪.‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬تصحيح‪ :‬نعيم‬
‫حسني زرزور‪ ،‬قسم اعتقادات الروافض‪ 1430 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬البغدادي‪ ،‬أبو منصور‪ ،‬الفرق بني ال ِف َرق‪ ،‬تصحيح‪ :‬إبراهيم رمضان‪ ،‬ص ‪1429 ،71‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪278‬‬

‫وعــى كل حــال‪ ،‬ينبغــي تت ّبــع أهــم املعتقــدات الكالميــة لهشــام بــن‬


‫الحكــم‪ ،‬يف حقــل التوحيــد‪ ،‬والعلــم اإللهــي‪ ،‬واالســتطاعة‪ ،‬واملعرفــة العقليــة‬
‫ـص عليهــا‪ ،‬والتحديــث‪ ،‬والعصمة‪ .‬ومثــة تقريرات‬ ‫واالضطراريــة‪ ،‬واإلمامــة والنـ ّ‬
‫عــن تنظرياتــه وآرائــه يف حقــل دقيــق الــكالم يف ر ّد نظريــة الجــزء الــذي ال‬
‫يتجــزأ‪ ،‬والطفــرة‪ ،‬وتعريــف اإلنســان ومــا إىل ذلــك[[[‪.‬‬

‫إن التيــار الفكــري لهشــام بــن الحكــم قــد امتــ ّد بشــكل أكــر بــن‬
‫أشــخاص مــن أمثــال‪ :‬عــي بــن منصــور‪ ،‬وأيب مالــك الحرضمــي‪ ،‬ومحمــد بــن‬
‫خليــل الســكاك‪ ،‬ويونــس بــن عبــد الرحمــن‪ ،‬والفضــل بــن شــاذان‪ ،‬ولقــد تــم‬
‫التعريــف بهــذا االتجــاه الفكــري يف مختلــف اآلثــار‪ ،‬األمــر الــذي يغنينــا عــن‬
‫إعــادة قراءتــه مــن الناحيــة العمليــة[[[‪ .‬إن املهــم يف هــذا االتجــاه الفكــري هــو‬
‫وجــود ك ّميــة كبــرة مــن التنظــرات الكالميــة‪ ،‬والــردود‪ ،‬واملناظــرات‪ ،‬األمــر‬
‫الــذي يشــر بوضــوح إىل وجــود تيــار كبــر يف حقــل الــكالم‪ ،‬والدفــاع عــن‬
‫املعتقــدات الدينيــة‪.‬‬

‫أُفول التيار الكالمي التنظريي يف الكوفة‪.‬‬

‫إن هــذه املقالــة ال تتســع لبحــث أســباب وعلــل أفــول التيــار الكالمــي‬
‫التنظــري يف الكوفــة‪ ،‬وإمنــا هــذا يحتــاج إىل مقالــة أخــرى‪ ،‬ومــع ذلــك‬
‫ميكــن أن نعــدد فهرســة باألدلــة واألســباب الداخليــة والخارجيــة؛ لنثبــت مــا‬
‫هــي األســباب التــي وضعــت حــدا ً ونهايــة لهــذه املنظومــة العلميــة العمالقــة‬
‫لعلــم الــكالم يف الكوفــة‪ .‬فمــن بــن هــذه األســباب مــا يــأيت‪:‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬أسعدي‪ ،‬عيل رضا‪ ،‬هشام بن حكم (هشام بن الحكم)‪ ،‬ص ‪ ،240 57‬نرش پژوهشگاه‬
‫علوم و فرهنگ اسالمي‪ ،‬قم‪ 1388 ،‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬گرامي‪ ،‬سيد محمد هادي‪ ،‬نخستني مناسبات فكري تشيع (النشاطات الفكرية‬
‫األوىل للتش ّيع)‪ ،‬ص ‪ 1391 ،72‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)؛ سامي النشار‪ ،‬عيل‪ ،‬نشأة الفكر‬
‫الفلسفي يف اإلسالم‪ ،‬ص ‪ 2008 ،883‬م‪.‬‬
‫‪279‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫ـص املقـ ّدس‪ ،‬وحضــور العقالنيــة يف‬


‫أ ‪ -‬صعوبــة التنظــر عــى أســاس النـ ّ‬
‫حقــل منهــج املعرفــة الدينية‪.‬‬

‫ب ‪ -‬صعوبــة واســتصعاب الكثــر مــن املفاهيــم واملعــارف الدينيــة‪ ،‬عىل‬


‫مــا هــو املــروي عــن اإلمــام جعفــر الصــادق ‪ ،‬يف قولــه‪« :‬إن حديثنــا‬
‫صعــب مســتصعب»[[[‪.‬‬

‫ج ‪ -‬تحذيــرات ونصائــح األمئــة ‪ b‬للمتكلمــن بالتــزام الدقّــة يف أســلوب‬


‫التكلّم [ [[ ‪.‬‬

‫د ‪ -‬إيجــاد بعــض املحدوديــات والقيــود مــن قبــل أهــل البيــت ‪ b‬عــى‬


‫بيــان بعــض املعــارف‪ ،‬مثــل األبحــاث املرتبطــة بــذات اللــه ســبحانه وتعــاىل‪،‬‬
‫أو القضــاء والقــدر[[[‪.‬‬

‫هـ ‪ -‬الروايات املأثورة عن أهل البيت ‪ b‬يف ذ ّم الكالم‪.‬‬

‫و ‪ -‬حداثة علم الكالم يف مدرسة الكوفة‪.‬‬

‫ز ‪ -‬تأثــر الضغــوط السياســية للحكومــة وأجهــزة الدولــة عــى املتكلمني‪،‬‬


‫ومــا إىل ذلك[[[‪.‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،401‬ح‪ 1407 ،3 :‬هـ‪« .‬عن جابر‬
‫قال قال أبو جعفر عليه السالم‪ :‬قال رسول الله ‪ t‬إن حديث آل محمد صعب مستصعب ال‬
‫يؤمن به إال ملك مقرب أو نبي مرسل أو عبد امتحن الله قلبه لإلميان‪.»... .‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪،‬‬
‫تصحيح‪ :‬مهدي الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،429‬رقم‪.331 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تصحيح‪ :‬هاشم الحسيني‪،‬‬
‫ص ‪ ،455 454‬ح‪ 1 :‬و‪ 2‬وغريهام‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املرزباين الخراساين‪ ،‬مخترص أخبار الشعراء الشيعة‪ ،‬إعداد‪ :‬الشيخ محمد هادي‬
‫األميني‪ ،‬ص ‪ ،100 88‬رشكة الكتبي للطباعة والنرش والتوزيع‪ ،‬بريوت‪ 1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪280‬‬

‫هــذه مــن بــن األســباب التــي أ ّدت إىل أفــول علــم الــكالم يف مدرســة‬
‫الكوفــة‪ ،‬ولكــن عــى الرغــم مــن ذلــك كلــه‪ ،‬هنــاك الكثــر مــن خلّــص‬
‫أصحــاب األمئــة األطهــار ‪ ،b‬كانــوا يتعلمــون الــكالم تحــت إرشاف األمئــة‬
‫أنفســهم[[[؛ وهــو كالم كان يســعى ‪-‬خالف ـاً للتيــار املعتــزيل املنافــس‪ -‬إىل أن‬
‫يبقــى وفيـاً لــكالم أهــل البيــت ‪ ،b‬وأن ميــارس التنظــر عــى أســاس النــص‪،‬‬
‫ويق ـ ّدم املبــاين العقالنيــة ألبحاثــه يف إطــار نظــام وأدبيــات جديــدة‪ ،‬وعليــه‬
‫فــإن هــذا االتجــاه والتيــار املهـ ّم عــى الرغــم مــن ازدهــاره وتخريجــه للكثــر‬
‫مــن املتكلمــن بســبب الفضــاء املفتــوح يف عــر اإلمــام الصــادق ‪‬‬
‫وتشــجيعه عليــه؛ حتــى ســجل لنفســه بلــوغ مرحلــة الــذروة يف التاريــخ‪ ،‬إال‬
‫أن املعضــات والصعوبــات اآلنــف ذكرهــا وضعــت بعــض التشــكيكات‬
‫والتســاؤالت أمــام األصحــاب‪ ،‬وأ ّدت ‪-‬مــن الناحيــة العمليــة‪ -‬إىل االنهيــار‬
‫الداخــي لتيــار الــكالم العقــاين والتنظــري عنــد اإلماميــة‪ ،‬وأمــا مــن الناحيــة‬
‫األخــرى فنجــد أن التيــار الكالمــي للمتكلمــن املتمحوريــن حــول النــص قــد‬
‫واصــل حضــوره يف مدرســة قــم‪.‬‬

‫النصيني (املحدّ ثون املتكلمون)‪.‬‬


‫‪ -2‬تيار املتكلمني ّ‬

‫إن بعــض املح ّدثــن املتكلمــن هــم مــن رواة الحديــث يف الكوفــة‪ ،‬مــن‬
‫الذيــن كانــت لهــم توجهــات فكريــة وأســاليب ينســجمون فيهــا مــع بعضهــم‪،‬‬
‫وهنــاك تقاريــر عــن ارتبــاط أتبــاع هــذا التيــار ببعضهــم‪ ،‬األمــر الــذي يثبــت‬
‫مــدى انتامئهــم وعمــق ارتباطهــم ببعضهــم[[[‪ .‬إن هــذه الحكايــة قابلــة للطــرح‬

‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪،‬‬
‫تصحيح‪ :‬مهدي الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪ ،429‬رقم‪.331 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي‬
‫الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،347‬رقم‪ 215 :‬و‪ .219‬حيث نشاهد يف رواية مأثورة عن اإلمام جعفر‬
‫الصادق (عليه السالم)‪ ،‬متاهياً وانسجاماً بني بريد بن معاوية‪ ،‬وأيب بصري‪ ،‬ومحمد بن مسلم‪،‬‬
‫وزرارة بن أعني من أتباع هذا التيار‪ .‬وانظر أيضاً‪ :‬السيد املوسوي الخويئ‪ ،‬أبو القاسم‪ ،‬معجم‬
‫‪281‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫بالنســبة إىل الكثــر مــن الــرواة واملح ّدثــن يف الكوفــة‪ ،‬ومــن هنــا ال يبقــى‬
‫أي شــك أو تــر ّدد يف أنهــم يؤسســون لتيــار فيــا بينهــم‪ ،‬وهنــاك بعــض‬
‫هنــاك ّ‬
‫الجهــود املبذولــة مــن أجــل التعـ ّرف عــى أســاء وأشــخاص هــؤالء األفــراد؛‬
‫األمــر الــذي يغنينــا ‪-‬يف الجملــة‪ -‬عــن بــذل املزيــد مــن الجهــود يف هــذا‬
‫الشــأن[[[‪ ،‬إال أن الــيء الغائــب يف معرفــة جميــع التيــارات اآلنــف ذكرهــا‬
‫‪ -‬هــو الســلوك الكالمــي لهــذا التيــار؛ وذلــك ألن بعــض هــذه التحقيقــات ال‬
‫يؤمــن يف األســاس بالنشــاط الكالمــي لهــذا التيــار‪.‬‬

‫ســبق أن أرشنــا إىل أن هــذا التيــار بــدوره ‪-‬مثــل املتكلمــن املنظريــن‪ -‬لــه‬
‫يــد يف بيــان املعــارف أيضــاً‪ ،‬بيــد أن النقطــة الجوهريــة يف املســار البيــاين‬
‫لهــذا التيــار املعــريف هــو أن أنصــاره مل يكونــوا يستســيغون اإلعــراض عــن أطر‬
‫وأدبيــات الروايــات يف بيــان املعــارف‪ ،‬وكانــوا يســعون يف املســار البيــاين إىل‬
‫ـص وإىل التشـ ّبث بنظــام املعــارف االعتقاديــة أيضـاً‪ ،‬وكأن أتبــاع‬ ‫التمســك بالنـ ّ‬
‫هــذا التيــار كانــوا يســعون إىل تحقيــق هــذا األمــر امله ـ ّم مــن خــال البيــان‬
‫ـص واملنظومــة املعرفيــة‪ ،‬وميكــن القــول‪ :‬إن أتبــاع تيار‬‫والتحليــل الداخــي للنـ ّ‬
‫املح ّدثــن املتكلمــن كانــوا يعتقــدون بأنــه لــو ت ـ ّم فهــم الــراث العقائــدي‬
‫بشــكل صحيــح ومنظــم؛ فســوف نكــون يف غنــى عــن البيانــات الخارجيــة‪،‬‬
‫ولــن تكــون هنــاك حاجــة إىل منظومــة مــن خــارج أطــر املعــارف الدينيــة‪.‬‬

‫أي شــاهد يف البــن يثبــت أن هــذا التيــار كان‬


‫ويف الحقيقــة ليــس هنــاك ّ‬

‫رجال الحديث وتفصيل طبقات الرواة‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪ ،290‬رقم‪ ،1673 :‬ج ‪ ،17‬وص ‪ ،227‬رقم‪:‬‬
‫‪ 11779‬و‪ ،11784‬وج ‪ ،7‬ص ‪ ،218‬رقم‪ .4662 :‬كام تحيك بعض التقارير عن االتحاد يف‬
‫بعض عقائدهم‪( .‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار‬
‫معرفة الرجال)‪ ،‬تصحيح‪ :‬مهدي الرجايئ‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،240‬رقم‪ 1363 ،437 :‬هـ ش)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬فان أس‪ .‬جوزيف‪ ،‬علم الكالم واملجتمع يف القرنني الثاين والثالث للهجرة‪ ،‬ترجمة‪:‬‬
‫ساملة صالح‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 2008 ،474 447‬م؛ گرامي‪ ،‬سيد محمد هادي‪ ،‬نخستني مناسبات‬
‫فكري تشيع (النشاطات الفكرية األوىل للتشيّع)‪ ،‬ص ‪ 1391 ،109 63‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪282‬‬

‫يســعى إىل بيــان العقائــد مــن خــال االســتفادة مــن مفــردات ومصطلحــات من‬
‫ـص املقـ ّدس‪ ،‬أو أن يعمــل عــى توظيــف نظــام معــريف آخــر لفهــم‬ ‫خــارج النـ ّ‬
‫ذلــك النــص‪ .‬إن الــذي تب ّقــى مــن هــذا التيــار ال يعــدو النصــوص والروايــات‬
‫التــي انتقلــت إىل األجيــال الالحقــة تباع ـاً‪ ،‬وهــذا األســلوب هــو الــذي دعــا‬
‫البعــض إىل القــول بــأن ســلوكهم ميثّــل نوعـاً مــن «النزعــة ّ‬
‫النصيــة»‪.‬‬

‫ـي لهــذا التيــار وإن كان يت ـ ّم تحويلــه مــن قبــل بعــض‬‫إن الســلوك النـ ّ‬
‫مــن أمثــال رصف املح ّدثــن[[[‪ ،‬إىل مجــ ّرد نقــل بســيط‪ ،‬إال أن الكثــر مــن‬
‫املنتمــن إىل هــذا االتجــاه فكري ـاً قــد جســدوا ســلوكاً مختلف ـاً عــن مجــ ّرد‬
‫النقــل البســيط لروايــة اعتقاديــة مــا؛ وهــو ســلوك يحــي عــن فهــم عميــق‬
‫وتفقُّــه مــن قبلهــم للروايــات االعتقاديــة‪.‬‬

‫وميكــن القــول‪ :‬إن هــذا التيــار بــدوره كان يذهــب ‪-‬عــى أســاس‬
‫النمــوذج اإلمامــي لالرتبــاط بــن العقــل والوحــي‪ -‬إىل االعتقــاد بــأن منظومــة‬
‫املعــارف الدينيــة تحتــوي عــى مفــردات ومصطلحــات واســتدالالت خاصــة‬
‫بهــا‪ ،‬وميكــن فهمهــا مــن خــال التدبّــر وهدايــة وإرشــاد األوليــاء اإللهيــن‪،‬‬
‫والشــاهد عــى هــذا املدعــى هــو أن هــذا التيــار ‪-‬عــى خــاف املتكلمــن‬
‫املنظريــن‪ -‬كان يســعى يف حــدود اإلمــكان إىل االبتعــاد عــن الجــدال والبحــث‬
‫واملناظــرات الخارجيــة‪ ،‬بــل ورمبــا اعتــروا ذلــك مخالفـاً لســرة أهــل البيــت‬
‫[[[‪ ،b‬ث ـ ّم إن ســبب هــذا الســلوك يعــود ‪-‬قبــل كل يشء‪ -‬إىل أن الدخــول مــن‬
‫ـص إىل حقــل البيــان‪ ،‬يــؤ ّدي ‪-‬بزعمهــم‪ -‬إىل الجــدال واملــراء‪ ،‬ومــن‬
‫خــارج النـ ّ‬
‫طبيعــة الجــدال واملناظــرة أن تت ـ ّم االســتفادة فيهــا مــن األلفــاظ والرباهــن‬
‫وحتــى األنظمــة املعرفيــة األخــرى أيضــاً‪ ،‬والشــاهد عــى هــذا االدعــاء أن‬
‫هــؤالء كانــوا يــرون أن الكثــر مــن املتكلمــن قــد ســقط يف هــذا الفــخ‪،‬‬
‫[[[ ‪ -‬سوف يت ّم التعريف بهذا االتجاه الحقاً إن شاء الله تعاىل‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬االعتقادات‪ ،‬ص ‪ 1414 ،43‬هـ‪.‬‬
‫‪283‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫وكانــوا يشــتكون إىل األمئــة املعصومــن ‪ b‬مــن املحتــوى الــذي يق ّدمــه‬


‫هــؤالء املتكلمــون‪ ،‬ومــن األســاليب التــي يعتمدونهــا يف اســتنباط املعــارف‬
‫واملفاهيــم[[[‪ .‬ثـ ّم إن روايــات نفــي الــكالم يف األســاس‪ ،‬وروايــات الدعــوة إىل‬
‫تج ّنــب الجــدل واملناظــرة‪ ،‬إمنــا كان يتــم طرحهــا يف الغالــب مــن قبــل هــذا‬
‫التيــار لهــذا الســبب[[[‪.‬‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى تشــر التســاؤالت وطــرح األســئلة العميقــة مــن قبــل‬
‫أنصــار هــذا التيــار عــى األمئــة األطهــار ‪b‬؛ إىل أن الذهنيــة التحليليــة لهــؤالء‬
‫األشــخاص كانــت تســعى إىل رفــع املشــاكل الدقيقــة والتفصيليــة؛ ورمبــا‬
‫حتــى التناقضــات التــي تجلّــت لهــم مــن خــال مواجهــة الــراث االعتقــادي‬
‫ألهــل البيــت [[[‪ ،b‬وال يخفــى أن الدخــول يف مضــار األســئلة العقائديــة‬
‫مــع اإلمــام املعصــوم ‪ ‬إمنــا ينبثــق مــن هاجــس التبيــن يف حقــل املعرفــة‬
‫الدينيــة‪.‬‬

‫إن هــذه التســاؤالت واإلبهامــات‪ ،‬مل تكــن تطــرح بالــرورة مــن قبــل‬
‫التيــارات املنافســة‪ ،‬بــل رمبــا كان التع ّمــق يف الروايــات واملعــارف هــو‬
‫الــذي يخلــق أرضيــة لطــرح بعــض األســئلة مــن قبــل اإلصحــاب‪ ،‬ومطالبتهــم‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ج‬
‫‪ ،1‬ص ‪ ،358‬ح‪ 1363 ،233 :‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬باب النهي عن الكالم والجدال واملراء يف الله ع ّز وجل قال أبو جعفر (عليه السالم)‪:‬‬
‫«يا زياد إياك والخصومات‪ ،‬فإنها تورث الشك‪ ،‬وتحبط العمل‪ ،‬وتردي صاحبها ‪( .»...‬انظر‪:‬‬
‫الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬التوحيد‪ ،‬تصحيح‪ :‬هاشم الحسيني‪ ،‬ص ‪،456‬‬
‫‪ 1398‬هـ؛ الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1407 ،92‬هـ)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬عيوم أخبار الرضا (عليه السالم)‪،‬‬
‫تصحيح‪ :‬مهدي الجوردي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،56‬نرش جهان‪ ،‬طهران‪ 1378 ،‬هـ ش؛ الكليني‪ ،‬محمد‬
‫بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1407 ،11‬هـ؛ الصفار‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬بصائر الدرجات يف‬
‫فضائل آل محمد ‪ ،t‬تصحيح‪ :‬محسن كوچه باغي‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،317‬مكتبة آية الله املرعيش‬
‫النجفي‪ ،‬قم‪ 1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪284‬‬

‫بالحصــول عــى أجوبــة شــافية عــن هــذه األســئلة‪.‬‬

‫ثـ ّم إن املواجهــة الخارجيــة بدورهــا‪ ،‬وإن مل تكــن متثــل الوجــه األصــي‬


‫لهــذا التيــار‪ ،‬ولكنهــا كانــت متثّــل ‪-‬عــى كل حــال‪ -‬ردودا ً ورســائل وانتقــادات‬
‫ومناظــرات وغــر ذلــك‪ ،‬واســتجابة للمطالــب العامــة للفضــاء الســابق ذكــره‪،‬‬
‫الــذي كان يســعى إىل اإلجابــة ‪-‬مــن داخــل املنظومــة ومقيّــدا ً مبعطياتهــا‬
‫الداخليــة‪ -‬عــن االنحرافــات واملشــاكل‪.‬‬

‫إن هــذا التيــار ‪-‬يف املواجهــة مــع أفــكار الخصــوم‪ ،‬بــدالً مــن اتخــاذ‬
‫املوقــف النقــدي والجــديل‪ -‬كان يعمــل عــى كتابــة مختلــف الرســائل‬
‫االعتقاديــة‪ ،‬مــن قبيــل‪ :‬البــداء‪ ،‬واملعرفــة‪ ،‬والقضــاء والقــدر‪ ،‬ومــا إىل ذلــك‪،‬‬
‫حيــث كان كل واحــد مــن هــذه املســائل ميثــل يف الواقــع جوابـاً عــن واحــد‬
‫مــن التحديــات الفكريــة يف ذلــك العــر[[[‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه فــإن األســلوب‬
‫األصــي لهــذا التيــار كان يتمثــل يف تقديــم املبــاين العقائديــة يف إطــار نقــل‬
‫الحديــث‪ ،‬ويتــ ّم مــن خــال هــذه النافــذة‪ ،‬وبطبيعــة الحــال فقــد كانــت‬
‫هــذه الرســائل ‪-‬يف العــادة‪ -‬عبــارة عــن مجموعــة مــن الروايــات يف املســائل‬
‫االعتقاديــة‪ ،‬وقــد انتقلــت بشــكل رئيــس إىل مدرســة قــم[[[‪.‬‬

‫ومــع ذلــك كلــه‪ :‬فمــن الواضــح أن التيــار الــذي يجعــل املحوريــة‬


‫للنــص‪ ،‬ويعمــل عــى تظهــر وإبــراز الروايــات الناهيــة عــن الــكالم[[[؛ ال‬

‫[[[ ‪ -‬للوقوف عىل مناذج من رسائل أنصار هذا التيار‪ ،‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال‬
‫النجايش‪ ،‬ص ‪ ،214‬رقم‪559 :‬؛ الشيخ الطويس‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬الرجال‪ ،‬تصحيح‪ :‬جواد‬
‫قيّومي إصفهاين‪ ،‬ص ‪ ،243‬رقم‪ 1373 ،316 :‬هـ ش؛ الشيخ الطويس‪ ،‬محمد بن الحسن‪،‬‬
‫فهرست كتب الشيعة وأصولهم وأسامء املصنفني وأصحاب األصول‪ ،‬تصحيح‪ :‬عبد العزيز‬
‫الطباطبايئ‪ ،‬ص ‪ 1420 ،46‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الطالقاين‪ ،‬السيد حسن‪« ،‬مدرسه كالمي قم» (املدرسة الكالمية يف قم)‪ ،‬مجلة‪ :‬نقد‬
‫و نظر‪ ،‬العدد‪ ،65 :‬ص ‪ 1391 ،90 66‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪،‬‬
‫‪285‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫يســعى ‪-‬بالــرورة‪ -‬إىل فهــم املعــارف الدينيــة مبعــزل عــن االلتفــات إىل‬
‫املبــاين العقليــة‪.‬‬

‫إن الكثــر مــا نقلــه هــؤالء املح ّدثــن املتكلمــن مــن روايــات كتــاب‬
‫العقــل‪ ،‬يظهــر بوضــوح أن هــذا التيــار بــدوره ‪-‬مثــل التيــار الكالمــي التنظــري‪-‬‬
‫كان ينظــر إىل املضامــن االعتقاديــة بوصفهــا تراثـاً معرفيـاً وعقليـاً‪ ،‬وكان يعترب‬
‫الجوهــر الداخــي للمعــارف الدينيــة عقليـاً[[[؛ غايــة مــا هنالــك أن هــذا التيــار‬
‫يذهــب ‪-‬يف الوقــت نفســه‪ -‬إىل االعتقــاد بكفايــة ذات النــص املق ـ ّدس لفهــم‬
‫ـن املطالــب ببيانــه وأســلوبه العقيل[[[‪،‬‬‫الكتــاب‪ ،‬وأن اإلمــام ‪ ‬هــو الــذي يبـ ّ‬
‫وعــى هــذا األســاس‪ ،‬لــن تكــون هنــاك حاجــة إىل املزيــد مــن البيانــات مــن‬
‫ـص‪ ،‬ومــن هنــا فقــد كانــوا يقولــون بــأن الرســالة واملهمــة الرئيســة‬
‫خــارج النـ ّ‬
‫لهــذا التيــار‪ ،‬هــي الفهــم الدقيــق للمعــارف واكتشــاف املنظومــة املعرفيــة مــن‬
‫داخــل الروايــات‪ .‬ومــن الواضــح أن مخاطــب هــذا االتجــاه ميكــن أن يكــون‬
‫ـك ‪-‬بطبيعــة الحــال‪ -‬يف أن هــذا املخاطــب ال‬ ‫هــو مجتمــع املؤمنــن‪ ،‬وال شـ ّ‬
‫يحتــاج إىل التحليــات العامــة مــن خــارج النــص‪ ،‬ويطلــب انســجام ومتاهــي‬
‫ـص‪.‬‬‫معتقداتــه مــن داخــل النـ ّ‬

‫إن الحجــم الكبــر مــن الروايــات االعتقاديــة املأثــورة‪ ،‬ال يــأيت بوصفــه‬
‫دليــاً فحســب‪ ،‬بــل بوصفــه شــاهدا ً عــى هواجــس واهتاممــات التابعــن‬
‫لهــذا التيــار باألبحــاث االعتقاديــة‪ ،‬مــن ذلــك عــى ســبيل املثــال‪ :‬أن مــا يزيــد‬

‫ج ‪ ،2‬ص ‪ 1363 ،424‬هـ ش‪.‬‬


‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬كتاب العقل والجهل‪،‬‬
‫‪ 1407‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،424‬‬
‫رشقا أو غ ّربا؛ لن تجدا علامً صحيحاً‬
‫‪ 1363‬هـ ش‪ .‬إن روايات من هذا القبيل‪ ،‬والتي تقول‪ّ « :‬‬
‫إال شيئاً خرج من عندنا أهل البيت»‪ .‬ميكنها أن تكون شاهدا ً عىل هذا األمر‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪286‬‬

‫عــى ثلثــي روايــات أيب بصــر يتألــف مــن الروايــات العقائديــة[[[‪ ،‬وأن نصــف‬
‫روايــات زرارة بــن أعــن[[[‪ ،‬ومقــدارا ً كبــرا ً مــن روايــات محمــد بــن مســلم هــو‬
‫مــن الروايــات الكالميــة[[[‪.‬‬

‫تنصلــه عــن عنــوان التكلّــم‪ ،‬واســتعامله‬


‫إن هــذا التيــار عــى الرغــم مــن ّ‬
‫لهــذا العنــوان يف نقــد التيــار املنافــس‪ ،‬إال أن مواجهتــه مل تنطلــق مــن الحيثيّــة‬
‫الدفاعيــة للمتكلمــن‪ ،‬وإمنــا كان النقــد يتجــه يف الغالــب إىل أســلوب ومنشــأ‬
‫هــذا الدفــاع‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه فــإن ذات هــذا التيــار باملعنــى املعــارص للكالم‪،‬‬
‫كان يعمــل عــى تجســيد ســلوك كالمــي بــكل مــا للكلمــة مــن معنــى‪ ،‬وعــى‬
‫هــذا األســاس تــ ّم إطــاق عنــوان «املتكلمــن املتمحوريــن حــول النــص»‬
‫عــى هــذا التيــار‪.‬‬

‫ميكــن اإلشــارة مــن بــن أهــم األشــخاص املؤسســن لهــذا التيــار‪ ،‬إىل‬
‫أبــان بــن تغلــب بــن ريــاح الكــويف (م‪141:‬هـــ)‪ .‬إن تعريفــه الخالــد والشــهري‬
‫للتشـ ّيع‪ ،‬يكشــف بصــدق عــن منهجــه وأســلوبه الفكــري يف هــذا التيــار[[[‪ ،‬وال‬
‫يبعــد أن يكــون أمــر اإلمــام الصــادق إيــاه مبناظــرة أهــل املدينــة‪ ،‬متجه ـاً يف‬
‫الغالــب إىل معنــى اإلخبــار والفتــوى‪ ،‬وليــس الجــدال واملــراء يف العقائــد[[[‪.‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬محمدي مازندراين‪ ،‬بشري‪ ،‬مسند أيب بصري‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬قم‪ 1383 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬محمدي مازندراين‪ ،‬بشري‪ ،‬مسند زرارة بن أعني‪ ،‬مؤسسة النرش اإلسالمي التابعة‬
‫لجامعة املدرسني‪ ،‬قم‪ 1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬محمدي مازندراين‪ ،‬بشري‪ ،‬مسند محمد بن مسلم الثقفي الطائفي‪ ،‬مؤسسة النرش‬
‫اإلسالمي التابعة لجامعة املدرسني‪ ،‬قم‪ 1375 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪« -‬الشيعة الذين إذا اختلف الناس عن رسول الله ‪ t‬أخذوا بقول عيل‪ ‬وإذا اختلف‬
‫الناس عن عيل أخذوا بقول جعفر بن محمد (عليه السالم)» (انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪،‬‬
‫رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،12‬رقم‪.)7 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،622‬‬
‫‪ 1363‬هـ ش‪.‬‬
‫‪287‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫إن الكثــر مــن رواياتــه قــد وصلــت إلينــا عــى شــكل أســئلة ألقاهــا عــى‬
‫اإلمــام ‪‬؛ وهــي أســئلة يف بــاب التوحيــد‪ ،‬واإلمامــة‪ ،‬وعــدد األمئــة[[[‪،‬‬
‫واملهدويــة[[[‪ ،‬والرجعــة[[[‪ ،‬وغــر ذلــك مــن املســائل االعتقاديــة[[[‪.‬‬

‫وقــد كان بُريــد بــن معاوية العجــي (م‪150:‬هـ) بــدوره من أهم األشــخاص‬
‫يف الطبقــة األوىل مــن هــذا التيــار‪ ،‬وقــد ورد يف تقريــر أن بريــد وزرارة بــن أعني‬
‫كانــا عــى رأي واحــد فيــا يتعلــق مبســألة االســتطاعة[[[‪ ،‬وكان كل مــن محمــد‬
‫بــن مســلم الثقفــي (م‪150:‬هـــ)‪ ،‬وأيب بصــر يحيــى بن القاســم الكــويف‪ ،‬وزرارة‬
‫بــن أعــن (م‪150:‬هـــ) يف برهــة مــن الزمن مــن املنتســبني إىل هــذا التيــار‪ ،‬وإن‬
‫جميــع هــؤالء األشــخاص كانــوا مــن أصحــاب اإلجــاع‪ ،‬وإنهــم ‪-‬مــن خــال‬
‫دخولهــم يف مضــار بيــان املعارفــة مــن املنظومــة الداخليــة‪ -‬قــد ســجلوا‬
‫ألنفســهم دورا ً كالميـاً أيضـاً‪.‬‬

‫وبعــد هــذه الطبقــة‪ ،‬ميكــن اعتبــار الــرواة مــن أمثــال أيب محمــد الكــويف‬
‫عبــد اللــه بــن ُمســكان العنــزي (كان حيـاً حتــى مــا قبــل عــام ‪203‬هـــ) بوصفــه‬
‫مــن أصحــاب اإلجــاع‪ ،‬وقــد ألــف بــدوره كتاب ـاً يف اإلمامــة أيض ـاً[[[‪ .‬ويُع ـ ّد‬
‫أبــو الحســن الكــويف عــي بــن رئــاب التميمــي بــدوره مــن أصحــاب اإلمــام‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬عيوم أخبار الرضا (عليه السالم)‪ ،‬ج‬
‫‪ ،1‬ص ‪.56‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬ابن أيب زينب‪ ،‬النعامين‪ ،‬الغيبة‪ ،‬تصحيح‪ :‬عيل أكرب الغفاري‪ ،‬ص ‪ ،160‬نرش‬
‫الصدوق‪ ،‬طهران‪ 1397 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الح ّر العاميل‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬اإليقاظ من الهجعة بالربهان عىل الرجعة‪ ،‬ص‬
‫‪ ،126‬نرش توبد‪ ،‬طهران‪ 1362 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬العالمة املجليس‪ ،‬محمد باقر‪ ،‬بحار األنوار‪ ،‬ج ‪ ،23‬وج ‪.27‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪،240‬‬
‫رقم‪.437 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،214‬رقم‪.559 :‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪288‬‬

‫الصــادق واإلمــام الكاظــم ‘‪ ،‬ولــه كتــاب باســم «الوص ّيــة واإلمامــة»[[[‪ ،‬وقــد‬
‫نقلــت كتــب التاريــخ لنــا بعــض مناظراتــه‪ ،‬وقــد ذكــروا أنــه كان البــن رئــاب‬
‫أخــوان؛ أحدهــا مــن كبــار علــاء أهــل الســنة‪ ،‬وكان اآلخــر مــن زعــاء‬
‫الخــوارج‪ ،‬وأن عــي بــن رئــاب كان قــد خصــص ثالثــة أيــام مــن كل عــام‬
‫للمناظــرة مــع أخويــه[[[‪.‬‬

‫إن هــؤالء األشــخاص إمنــا هــم مج ـ ّرد أمثلــة للمنتمــن إىل هــذا التيــار‪،‬‬
‫حيــث كانــت لهــم تســاؤالت عقائديــة‪ ،‬وكانــوا يف الوقــت نفســه ينتجــون تراثاً‪،‬‬
‫وكانــوا إذا لــزم األمــر وتوفّــرت األرضيــة اســتجابوا لعقــد جلســات للمناظــرة‬
‫أيضـاً‪ .‬إن األســئلة التــي كان يطرحهــا أتبــاع هــذا التيــار عــى األمئــة األطهــار‬
‫‪ ،b‬كانــت تظهــر بوضــوح مــدى هواجســهم واهتاممهــم بالفهــم العميــق‬
‫للمعــارف‪ ،‬إال أن هــذا األمــر إذ كان يحــدث يف داخــل منظومــة املعــارف‪،‬‬
‫فإنــه مل يكتســب صبغــة خارجيــة‪ ،‬ومل يشــتهر يف مرحلتــه بالــكالم‪.‬‬

‫إن النقطــة التــي ال ينبغــي الغفلــة عنهــا هــي أن املضامــن املنقولــة مــن‬
‫قبــل بعــض املنتمــن إىل هــذا التيــار؛ تظهــر لنــا اتجاهــن فكريــن آخريــن‬
‫بوصــف الغل ـ ّو والتقصــر أيض ـاً؛ وهــا التيــاران اللــذان يعرفــان مــن خــال‬
‫املحتويــات واملضامــن االعتقاديــة‪ ،‬دون أســلوب املواجهــة‪.‬‬

‫‪ - 1 / 2‬اتجاه الغالة واملتهمون بالغل ّو‪.‬‬

‫ال شــك يف أن الغــاة كانــوا مــن أبــرز التيــارات حضــورا ً يف القــرن الثــاين‬
‫للهجــرة جنبـاً إىل جنــب مــع التيــارات الكالميــة يف الكوفــة؛ وتشــر التحقيقات‬
‫يف كوفــة القــرن الثــاين والثالــث للهجــرة‪ ،‬إىل وجــود طائفتــن معروفتني باســم‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الطويس‪ ،‬محمد بن الحسن‪ ،‬الرجال‪ ،‬تصحيح‪ :‬جواد ق ّيومي إصفهاين‪ ،‬ص‬
‫‪ ،243‬رقم‪ 1373 ،316 :‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬السبحاين‪ ،‬جعفر‪ ،‬معجم طبقات املتكلمني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ 1424 ،316‬هـ‪.‬‬
‫‪289‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫الغــاة‪ ،‬حيــث ينبغــي الفصــل بينهــا؛ وهــا‪ :‬طائفــة موســومة باســم الغــاة‪،‬‬
‫وطائفــة أخــرى متّهمــة بالغلـ ّو[[[‪.‬‬

‫وقــد كانــت الطائفــة األوىل متثــل تيــارا ً مبغوض ـاً مــن قبــل أهــل البيــت‬
‫‪ ،b‬وكان محكومــاً عليــه بالشــجب واالســتنكار مــن قبلهــم[[[‪ ،‬ومــن هنــا‬
‫فإنهــم عــى الرغــم مــن انتســابهم إىل التش ـيّع‪ ،‬ولكــن مل يكــن يت ـ ّم االحتفــاء‬
‫بهــم مــن قبــل املجتمــع الشــيعي العــام‪ ،‬وال يتـ ّم احتضانهــم واســتقبالهم مــن‬
‫قبــل األصحــاب‪ ،‬ومــن الطبيعــي ‪-‬والحالــة هــذه‪ -‬أن ال يت ـ ّم نقــل آثارهــم مــن‬
‫قبــل منظومــة األصحــاب أيض ـاً‪ ،‬والشــاهد عــى ذلــك أن آثــار هــذه الطائفــة‬
‫مل يتـ ّم تناقلهــا بــن علــاء الشــيعة‪ ،‬وال توجــد أســاؤهم يف الكتــب الرجاليــة‬
‫الشــيعية‪ ،‬وال يــرد ذكــر ألعاملهــم ومؤلفاتهــم يف كتــب الفهارس الشــيعية‪ .‬وكان‬
‫مــن أبــرز الخصائــص الفكريــة لهــذا التيــار أنــه كان يرفــع األمئــة األطهــار إىل‬
‫مســتوى النبــي األكــرم ’ ‪-‬مبــا لــه مــن الخصائــص الخاصــة‪ -‬أو أنهــم يرفعونهــم‬
‫إىل مســتوى األلوهيــة‪ .‬إن مســألة الواليــة واإلميــان بهــا كانــت مــن وجهــة‬
‫ـل املناســك الرشعيــة‪ ،‬ورمبــا لهــذا الســبب كان‬ ‫ـل محـ ّ‬‫نظــر هــذا التيــار تحـ ّ‬
‫بعــض أتبــاع هــذا التيــار مــن الداعــن إىل اإلباحيــة‪ .‬ويُعـ ّد بيــان بــن ســمعان‪،‬‬
‫واملغــرة بــن ســعيد‪ ،‬وأبــو الخطــاب‪ ،‬مــن أبــرز شــخصيات هــذا التيــار‪.‬‬

‫والطائفــة الثانيــة‪ ،‬جامعــة مــن األصحــاب الذيــن اتهمــوا بالغل ـ ّو نتيجــة‬


‫الخاصــة‪ ،‬وإن هــذا االتهــام يف ح ـ ّد‬
‫ّ‬ ‫لنقلهــم بعــض األحاديــث أو املضامــن‬
‫ذاتــه شـكّل أرضيــة لتمييــز هــذه الجامعــة مــن األصحــاب مــن الطائفــة الثانيــة‪،‬‬
‫ســواء مــن حيــث الهويــة االجتامعيــة ومــن الناحيــة املعرفيــة أيضـاً‪ .‬ويف بــاب‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬گرامي‪ ،‬سيد محمد هادي‪ ،‬نخستني مناسبات فكري تشيع (النشاطات الفكرية‬
‫األوىل للتش ّيع)‪ ،‬ص ‪ 1391 ،296‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬صفري فروشاين‪ ،‬نعمت الله‪ ،‬غاليان (الغالة)‪ ،‬ص ‪ ،166 151‬بنياد پژوهش هاي‬
‫اسالمي‪ ،‬مشهد‪ 1378 ،‬هـ ش‪( .‬مصدر فاريس)‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪290‬‬

‫الصلــة بــن هاتــن الطائفتــن منــذ بدايــة ظهورهــا ويف مســار ازدهارهــا‬
‫وانتشــارهام‪ ،‬ومــا هــي النســبة القامئــة بــن الــراث العلمــي لهــا ‪ -‬شــاعت‬
‫منــذ القــدم بعــض الظنــون والتصــ ّورات؛ حيــث يجــب إخضاعهــا للبحــث‬
‫والتحقيــق‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه نجــد الــراث الفكــري والــروايئ لهــذه الطائفــة‬
‫املتهمــة بالغلــ ّو‪ ،‬كان وال يــزال متــداوالً بــن علــاء اإلماميــة‪ ،‬فهنــاك مــا‬
‫يقــرب مــن ســتني شــخصاً مــن مص ّنفــي الشــيعة‪ ،‬قــد ت ـ ّم اتهامهــم يف كتــاب‬
‫النجــايش بالغل ـ ّو رصاحــة أو تلويح ـاً‪ ،‬وإن ثلــث هــؤالء هــم مــن األصحــاب‬
‫الذيــن ينتمــون إىل املدرســة الفكريــة يف الكوفــة[[[‪.‬‬

‫وقــد تــ ّم عــ ّد أيب محمــد جابــر بــن يزيــد الجعفــي ‪-‬وهــو مــن الــرواة‬
‫عــن اإلمامــن الصادقــن ‘‪ -‬بوصفــه رأس هــذا التيــار‪ ،‬ومل يُعــرف حقـاً مــا هــو‬
‫الســبب الــذي دعــا إىل اتهامــه بالغل ـ ّو‪ .‬إن هــذا االتهــام ال ميكــن أن نعــزوه‬
‫إىل ارتباطــه بتيــار الغــاة؛ إذ ال يوجــد هنــاك شــاهد عــى صلــة جابــر بتيــار‬
‫أمثــال‪ :‬أيب الخطــاب وبيــان بــن ســمعان‪ ،‬إال أن محتــوى بعــض رواياتــه يشــر‬
‫إىل أنــه كان ميتلــك بعــض التعاليــم الخاصــة التــي يكتمهــا عــن النــاس بأمــر‬
‫مــن األمئــة األطهــار ‪ ، [[[ b‬أو أنــه مل يكــن يبــوح بهــا إال يف خلواتــه‪ ،‬حيــث‬
‫يح ـ ّدث بهــا اآلبــار[[[‪.‬‬

‫ث ـ ّم إن املفضــل بــن عمــر هــو الــراوي اآلخــر الــذي اتهــم بــدوره ‪-‬مثــل‬
‫الجعفــي أيضــاً‪ ،‬وقــد أدرك اإلمــام‬
‫ّ‬ ‫جابــر الجعفــي‪ -‬بالغلــ ّو‪ ،‬وهــو مــن أرسة‬
‫الصــادق واإلمــام الكاظــم ‘‪ ،‬وقيــل إنــه كان «خطّابي ـاً»[[[‪ ،‬وبعــده كان محمــد‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪.‬‬


‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬محمد بن عيل‪ ،‬كامل الدين ومتام النعمة‪ ،‬تصحيح‪:‬‬
‫عيل أكرب الغفاري‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،253‬دار نرش إسالمية‪ ،‬طهران‪ 1395 ،‬هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،8‬ص ‪.157‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،416‬رقم‪.1112 :‬‬
‫‪291‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫بــن ســنان مــن أشــهر الشــخصيات التــي تـ ّم اتهامهــا بالغلـ ّو يف الجيــل الالحق‬
‫لجابــر الجعفــي‪ ،‬وجــذور هــذا االتهــام مل تُعــرف بوضــوح أيض ـاً‪ ،‬ولكــن ال‬
‫يبعــد أن يكــون ســبب ذلــك ناشــئاً مــن نقلــه لروايــات جابــر التــي أخــر عنهــا‬
‫النجــايش[[[‪.‬‬

‫ُعــى بــن خنيــس ‪-‬وهــو مــن خلّــص‬ ‫وهكــذا كان أبــو عبــد اللــه امل ّ‬
‫أصحــاب اإلمــام الصــادق ‪ -‬الــراوي اآلخــر الــذي قــد ت ـ ّم اتهامــه بالغل ـ ّو‬
‫أيضــاً‪ ،‬وهنــاك تقريــر واضــح عــن االختــاف بــن األصحــاب يف الكوفــة‪،‬‬
‫ُعــى بــن خنيــس‪ ،‬وعبــد اللــه بــن أيب يعفــور‪،‬‬ ‫حيــث يقــف يف طرفيــه امل ّ‬
‫ن بالغل ـ ّو والتقصــر‪ .‬فقــد روي عــن املعــى بــن‬ ‫ن للمتهم ـ َ‬ ‫بوصفهــا ممثلَ ـ ِ‬
‫ـى بــن خنيــس إىل رفــع األمئــة األطهــار‬ ‫خنيــس مــا يبــدو منــه أنــه يعمــد املعـ ّ‬
‫إىل مرتبــة النبــي األكــرم ’‪ ،‬ويف املقابــل يذهــب ابــن أيب يعفــور إىل التعريــف‬
‫بهــم بوصفهــم مــن «العلــاء األبــرار» فقــط‪ ،‬وقــد تـ ّم وضــع حـ ّد لهــذا النــزاع‬
‫بعــد رفعــه إىل اإلمــام جعفــر الصــادق ‪ ‬وحكــم اإلمــام لصالــح مــا ذهــب‬
‫إليــه ابــن أيب يعفــور[[[‪ .‬إن هــذه الحكايــة متثــل شــاهدا ً عــى التفكــر والتدبّــر‬
‫يف النــص لــدى هــذا االتجــاه‪.‬‬

‫‪ - 2 / 2‬تيار التقصري واملتهمون به‪.‬‬

‫باإلضافــة إىل التيــار الســابق ذكــره‪ ،‬كان هنــاك تيــار فكــري آخــر يف‬
‫الكوفــة يُعــرف باســم «البرتيــة»‪ ،‬إن قــادة هــذا االتجــاه الفكــري وإن كانــوا مــن‬
‫أصحــاب اإلمامــن الصادقــن ‘‪ ،‬إال أنهــم كانــوا يشــككون يف مراتــب األمئــة‪،‬‬
‫وال سـ ّيام منهــا العلــم الخــاص لهــم[[[‪ ،‬كــا كانــوا ينــأون بأنفســهم عــن معتقد‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ص ‪ ،128‬رقم‪.432 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ص ‪.249‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املوسوي الخويئ‪ ،‬السيد أبو القاسم‪ ،‬معجم رجال الحديث وتفصيل طبقات‬
‫الرواة‪ ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪ ،174‬وج ‪ ،3‬ص ‪ ،399‬مركز نرش الثقافة اإلسالمية‪ ،‬قم‪ 1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪292‬‬

‫اإلماميــة يف خصــوص مســألة الــراءة مــن الخليفــة األول والثــاين[[[‪ ،‬ويــأيت‬


‫وصــف هــذا التيــار بـــ «أهــل التقصــر» يف هــذا املقــال مــن هــذه الناحيــة‪.‬‬

‫إن هــذا التيــار الفكــري وإن كان يؤمــن بأفضليــة اإلمــام عــي ‪ ،‬ولكنــه‬
‫حــة خالفــة الخلفــاء األوائــل أيضـاً‪ ،‬وبذلــك‬ ‫كان ‪-‬يف الوقــت نفســه‪ -‬يقــول بص ّ‬
‫كان مــن الناحيــة العمليــة يقــ ّدم ملعتقــد أهــل الســنة ‪-‬يف مســألة اإلمامــة‬
‫والخالفــة‪ -‬ردا ًء مــن معتقــدات الشــيعة‪ .‬إن هــذه النظريــة قــد أظهــرت نفســها‬
‫مــن خــال النظريــة املعروفــة يف إمامــة املفضــول‪ ،‬وهــي النظريــة التــي ت ـ ّم‬
‫تقدميهــا أوالً مــن قبــل هــذا التيــار الفكــري[[[‪ .‬إن أبــرز أتبــاع هــذا التيــار‪ :‬كثــر‬
‫النــواء‪ ،‬وحســن بــن صالــح بــن حــي‪ ،‬وأخــوه عــي‪ ،‬وســامل بــن أيب حفصــة‪،‬‬
‫وســلمة بــن كهيــل‪ ،‬وأبــو املقــدام ثابــت الحــداد‪ .‬إن هــؤالء األشــخاص أخذوا‬
‫‪-‬بعــد ظهــور تيــار الزيديــة يف الكوفــة‪ -‬ينفصلــون بالتدريــج عــن اإلماميــة‪،‬‬
‫ويلتحقــون بتيــار الزيديــة[[[‪.‬‬

‫املقصيــن (الذيــن‬
‫ّ‬ ‫ورمبــا بســبب االختالفــات الكثــرة التــي ظهــرت بــن‬
‫ينكــرون الــراءة) واإلماميــة (الذيــن يؤمنــون بالــراءة)[[[ ‪ -‬تــ ّم اتهــام بعــض‬
‫كبــار اإلماميــة بالتقصــر؛ ملجــ ّرد أنهــم كانــوا ميارســون التقيّــة‪ ،‬ويتلفظــون‬
‫ـرة[[[؛ وهــو االتهــام الــذي ينبثــق‬‫ببعــض العبــارات القريبــة مــن رؤيــة املقـ ّ‬
‫أي يشء آخــر‪ -‬مــن فهــم منقــوص ومجانــب للصــواب عــن شــخصيتهم‬ ‫‪-‬قبــل ّ‬
‫وكالمهــم‪ ،‬ومــن بــن هــؤالء األشــخاص ميكــن اإلشــارة إىل واحــد مــن خلّص‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الشهرستاين‪ ،‬محمد بن عبد الكريم‪ ،‬امللل والنحل‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.187‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املصدر أعاله‪ ،‬ص ‪.186‬‬
‫[[[ ‪ -‬ت ّم بحث هذا التيار يف مقالة لكاتب السطور‪ ،‬وهي يف طريقها إىل النرش تحت عنوان‪:‬‬
‫«مرجئه شيعه» (مرجئة الشيعة)‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الطربي‪ ،‬محمد بن جرير‪ ،‬تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬ج ‪ ،5‬ص ‪،491‬‬
‫االستقامة‪ ،‬القاهرة‪ 1358 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪.133‬‬
‫‪293‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫أصحــاب اإلمــام جعفــر الصــادق ‪ ،[[[‬هــو عبــد اللــه بــن أيب يعفــور[[[‪ .‬إن‬
‫حضــور الحشــود الكبــرة لـــ «مرجئــة الشــيعة» ‪-‬الــذي هــو اللقــب اآلخــر‬
‫ـرة‪ -‬يف تشــييع جنــازة عبــد اللــه بــن أيب يعفــور[[[ ‪ -‬كان مــن‬ ‫للبرتيّــة أو املقـ ّ‬
‫أبــرز الذرائــع لهــذا االتهــام‪ ،‬وكذلــك التفســرات املتن ّوعــة للروايــات املنقولــة‬
‫عنــه‪ ،‬قــد نســبت لــه رؤيــة تقصرييــة موســومة بالعلــاء األبــرار‪ ،‬يزعــم بعــض‬
‫الكتــاب أن هــذه الرؤيــة والنظريــة تــؤ ّدي إىل إنــكار العصمــة والعلــم الخــاص‬
‫بأهــل البيــت [[[‪ ،b‬بيــد أن هــذا االدعــاء غــر وجيــه‪ ،‬وال تعضــده الشــواهد‬
‫الكافيــة والدقيقــة؛ إذ أظهــرت بعــض األبحــاث بحــق أن مصطلــح «العلــاء‬
‫األبــرار» مصطلــح ت ـ ّم بيانــه مــن قبــل أهــل البيــت ‪ b‬أنفســهم؛ لبيــان معنــى‬
‫العلــم الخــاص والعصمــة يف عــر التق ّيــة‪ ،‬وال يعنــي أبــدا ً التقصــر يف بيــان‬
‫خصائــص اإلمــام عنــد اإلماميــة[[[‪.‬‬

‫‪ -3‬املتكلمون املنفردون والوسطيون‪.‬‬

‫كــا ســبق أن ذكرنــا ميكــن اليــوم أن نشــر إىل تياريــن كالميــن يف‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،213‬رقم‪.556 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املدريس الطباطبايئ‪ ،‬السيد حسني‪ ،‬مكتب در فرايند تكامل (املذهب يف طور‬
‫التكامل)‪ ،‬ترجمه إىل اللغة الفارسية‪ :‬هاشم ايزدپناه‪ ،‬ص ‪ ،150‬انتشارات كوير‪ ،‬طهران‪1386 ،‬‬
‫هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،249‬‬
‫رقم‪.458 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬املدريس الطباطبايئ‪ ،‬السيد حسني‪ ،‬مكتب در فرايند تكامل‪ ،‬ترجمه إىل اللغة‬
‫الفارسية‪ :‬هاشم ايزدپناه‪ ،‬ص ‪ 1386 ،73‬هـ ش‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬السبحاين‪ ،‬محمد تقي‪ ،‬نقد كتاب مكتب در فرايند تكامل‪ ،‬جلسه دوم (نقد كتاب‬
‫املذهب يف طور التكامل‪ ،‬املحارضة الثانية)‪ ،‬پژوهشگاه علوم و فرهنگ اسالمي‪ ،‬پژوهشكده‬
‫تاريخ و سريه‪ ،‬قم‪ 1390 ،‬هـ ش؛ رضايئ‪ ،‬محمد جعفر‪« ،‬امتداد جريان فكري هشام بن حكم‬
‫تا مدرسه كالمي بغداد» (امتداد التيار الفكري لهشام بن الحكم إىل املدرسة الكالمية يف‬
‫بغداد)‪ ،‬مجلة‪ :‬نقد و نظر‪ ،‬العدد‪ ،65 :‬ص ‪ ،31‬عام ‪ 1391‬هـ ش‪( .‬مصدران فارسيان)‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪294‬‬

‫الكوفــة‪ .‬إن اصطفــاف األصحــاب بــن هذيــن التياريــن كان لــه بعــض التبعــات‬
‫أيضـاً‪ ،‬ومــن بينهــا حــرة بعــض األشــخاص يف االنحيــاز إىل واحــد مــن هذيــن‬
‫التياريــن‪ ،‬وليــس لهــؤالء األشــخاص أســلوب ومنهــج منفصــل عــن هذيــن‬
‫التياريــن‪ ،‬بيــد أن الشــواهد املتوفّــرة تضعهــم يف بــرزخ وســط بــن هذيــن‬
‫التياريــن‪ ،‬بحيــث إنهــم يف بعــض املســائل يتامهــون مــع تيــار‪ ،‬ويف بعــض‬
‫املســائل األخــرى يتامهــون مــع التيــار اآلخــر‪ ،‬ويُعــ ّد أبــو جعفــر الكــويف‬
‫محمــد بــن حكيــم الخثعمــي مــن جملــة هــؤالء األشــخاص‪ ،‬إذ تشــهد مناظرته‬
‫عــى هــذا االدعــاء[[[‪.‬‬

‫كــا يُع ـ ّد أبــو عــي املدائنــي‪ ،‬وحديــد بــن حكيــم األزدي‪ ،‬وهــا مــن‬
‫تالميــذ اإلمــام الصــادق واإلمــام الكاظــم ‘ ‪-‬مثــل محمــد بــن حكيــم‪ -‬مــن‬
‫املتكلمــن أيضــاً[[[‪ ،‬بيــد أن الشــواهد عــى إثبــات شــخصيته الكالميــة ال‬
‫تصــل إىل مســتوى تكلّــم أيب أيــوب الكــويف منصــور بــن حــازم البجــي‪ ،‬إذ إن‬
‫أي مــدى كان ناشــطاً وباحثـاً‬
‫مجمــوع روايــات أيب أيــوب ت ُظهــر بوضــوح إىل ّ‬
‫حــول مختلــف املســائل واملوضوعــات االعتقاديــة‪ ،‬وال تــزال توجــد يف تراثنــا‬
‫منــاذج تســتحق القــراءة مــن مناظراتــه[[[‪ .‬ث ـ ّم إن هشــام بــن إبراهيــم الختــي‬
‫املعــروف بـــ «هشــام املــريف»[[[ بــدوره مــن املتكلمــن الذيــن يصعــب‬
‫نســبتهم إىل واحــد مــن التياريــن اآلنــف ذكرهــا‪.‬‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،746‬‬
‫رقم‪.884 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬النجايش‪ ،‬أحمد بن عيل‪ ،‬رجال النجايش‪ ،‬ص ‪ ،148‬رقم‪.385 :‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الكليني‪ ،‬محمد بن يعقوب‪ ،‬الكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،86‬ح‪1407 ،3 :‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬الكيش‪ ،‬محمد بن عمر‪ ،‬رجال الكيش (اختيار معرفة الرجال)‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪،561‬‬
‫رقم‪.497 :‬‬
‫‪295‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫‪ -4‬تيار محض املحدّ ثني‬

‫إن هــذه الجامعــة ‪-‬خالفــاً للمح ّدثــن املتكلمــن‪ -‬مل تكــن تحمــل‬
‫هاجــس الفهــم العميــق واملنظــم للمعــارف‪ ،‬وكانــت تكتفــي بنقــل الروايــات‬
‫والفهــم العــادي لهــا فقــط‪ ،‬وإن التابعــن لهــذا االتجــاه وإن مل يكونــوا مــن‬
‫الشــخصيات املشــهورة يف الفضــاء الفكــري‪ ،‬ولكنهــم كانــوا يحملــون إرثــاً‬
‫كبــرا ً مــن الروايــات‪.‬‬

‫فــإذا أمكــن بيــان وإثبــات كالم املح ّدثــن املتكلمــن مــن خــال كتابــة‬
‫رســائل اعتقاديــة‪ ،‬وأســئلة كالميــة‪ ،‬وتنظيــم الروايــات‪ ،‬وترتيبهــا مــن الناحيــة‬
‫املنطقيــة ومــا إىل ذلــك؛ ال نســتطيع يف الحقيقــة والواقــع أن نعــر لهــذه‬
‫تبــن ســلوكها‬
‫ّ‬ ‫املجموعــة مــن رواة الكوفــة عــى طــرح أو خطــة فكريــة‬
‫الكالمــي‪.‬‬

‫وال ينبغــي تجاهــل أن هــذا التيــار ‪-‬بنــاء عــى أســلوبه‪ -‬كان يكتفــي مبج ّرد‬
‫نقــل الروايــات العقائديــة فقــط‪ ،‬ومــن الواضــح أن هــذا الســلوك مل يكــن‬
‫يتقبــل النزاعــات الكالميــة‪ ،‬ولهــذا الســبب كان أتبــاع هــذا التيــار مــورد احــرام‬
‫وتقديــر مــن قبــل الجميــع‪ ،‬ومل يــرد بحقهــم اتهــام مــن قبــل املخالفــن‪ ،‬ومل‬
‫جل باســمهم فرقــة أو مذهــب ُينســب إليهــم‪ ،‬وإن تذ ّمــر هــذه الطائفــة مــن‬ ‫تسـ ّ‬
‫الــكالم ونشــاطات املتكلمــن كان بســبب وجــود النصــوص التــي تــذ ّم الــكالم‬
‫واألنشــطة الكالميــة[[[‪ ،‬وعليــه كان مــن الطبيعــي ‪-‬بالنظــر إىل التزامهــم الخاص‬
‫أل يستســيغوا بيــان املعــارف الدينيــة وال يطيقــوه‪ ،‬لقد كان‬ ‫بالنصــوص الدينيــة‪ّ -‬‬
‫التع ّبــد بالنصــوص يحظــى بأهميــة كبــرة مــن قبــل هــذا التيــار‪ ،‬ولهــذا الســبب‬
‫ـأي لغــة أو‬
‫فــإن أتباعــه مل يكلفــوا أنفســهم عنــاء تبويــب وتنظيــم املعــارف بـ ّ‬
‫منــوذج آخــر‪ ،‬ورمبــا كان تقريــر األشــعري عــن الذيــن كانــوا يقولــون‪« :‬القــول‬

‫[[[ ‪ -‬انظر عىل سبيل املثال‪ :‬الشيخ الصدوق (ابن بابويه)‪ ،‬االعتقادات‪ ،‬ص ‪ 1414 ،43‬هـ‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪296‬‬

‫مــا قالــه جعفــر ‪ [[[»‬ناظــرا ً إىل هــذا التيــار واالتجــاه‪ ،‬ويجــب االلتفــات إىل‬
‫أن األشــعري يف مثــل هــذه املــوارد ال يطــرح رؤيــة يف األســاس‪ ،‬وإمنــا يكتفــي‬
‫بذكــر هــذا األســلوب فقــط‪.‬‬

‫إن عــدم الدخــول يف حقــل الدفــاع‪ ،‬والتع ّبــد بالنصــوص‪ ،‬وتج ّنــب‬
‫التفســرات مــن خــارج النصــوص‪ ،‬وبيــان روايــات ذ ّم الــكالم مــن قبــل‬
‫هــذا االتجــاه؛ يعمــل بحــق عــى إيجــاد قرابــة كبــرة لهــذا التيــار مــع تيــار‬
‫املح ّدثــن املتكلمــن‪ ،‬يضــاف إىل ذلــك أن حجــم تبــادل الروايــات بــن هــذه‬
‫املجموعــة مــن املح ّدثــن وبــن املح ّدثــن املتكلمــن ‪ -‬كبــر جــدا ً‪ ،‬ورمبــا‬
‫كان التمييــز بينهــا صعــب مــن هــذه الناحيــة‪.‬‬

‫ـاد بــن عثــان‬


‫ومــن بــن أبــرز أشــخاص هــذا التيــار‪ ،‬ميكــن تســمية حـ ّ‬
‫النــاب (م‪190:‬هـــ)‪ ،‬وأبــان بــن عثــان األحمــر البجــي (م‪200:‬هـــ)‪ ،‬وجميــل‬
‫بــن د ّراج بــن عبــد اللــه الكــويف (كان ح ّي ـاً قبــل عــام ‪203‬هـــ)‪ ،‬وأيب محمــد‬
‫عبــد اللــه بــن املغــرة الخــزاز الكــويف (كان ح ّيـاً قبــل عــام ‪ 203‬هـــ)‪.‬‬

‫اخلالصة‬

‫إن األبحــاث الجديــدة يف حقــل تاريــخ كالم اإلماميــة‪ ،‬مل تصــ ّور لهــذا‬
‫التاريــخ ‪-‬يف الفــرة الزمنيــة مــن عــام ‪ 80‬إىل ‪ 180‬للهجــرة‪ -‬منزلــة حقيقيــة‪ ،‬ومن‬
‫هنــا فقــد اعتُــرت بغــداد واملدرســة الفكريــة لهــذه الرقعــة الجغرافيــة هــي‬
‫املؤسســة لــكالم اإلماميــة‪ ،‬ولكــن كــا رأينــا فإنــه قــد ســبق ملدرســة الكوفــة‬
‫الكالميــة أن عملــت عــى نــر املعــارف االعتقاديــة ألهــل البيــت ‪- b‬يف‬
‫الح ـ ّد األدىن‪ -‬ضمــن تياريــن كالميــن مه ّمــن‪ ،‬موســومني بتيــار «املتكلمــن‬
‫املنظريــن»‪ ،‬وتيــار «املح ّدثــن املتكلمــن»‪ ،‬وعملــت عــى بيانهــا ضمــن‬

‫[[[ ‪ -‬انظر‪ :‬األشعري‪ ،‬أبو الحسن‪ ،‬مقاالت اإلسالميني واختالف املصلني‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪،48‬‬
‫‪ 1430‬هـ‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫األطــر والقوالــب املعرفيــة‪ ،‬وبطبيعــة الحــال فقــد كان كل واحــد مــن هــذه‬
‫التيــارات يحتــوي يف أحشــائه عــى خطــوط مختلفــة‪ ،‬ومــع ذلــك كلــه فــإن‬
‫الوجــه املشــرك لهــذه التيــارات هــو الروايــة والتمســك بالبحــث واالســتفهام‬
‫عــن املســائل الفكريــة مــن األمئــة املعصومــن ‪ b‬وحفظهــا ونقلهــا إىل‬
‫اآلخريــن‪ ،‬ومــع ذلــك فــإن االتجــاه الكالمــي كان بصــدد البيــان العقــاين‬
‫أو التنظــر حــول معــارف مدرســة أهــل البيــت ‪ b‬والدفــاع عنهــا يف قبــال‬
‫التيــارات الفكريــة املنافســة األخــرى‪ ،‬بيــد أن االتجــاه الــروايئ كان بصــدد‬
‫الفهــم الدقيــق لــذات املعــارف وعرضهــا عــى مجتمــع املؤمنــن‪.‬‬
‫إن الــذي ينبغــي االلتفــات إليــه يف هــذه املرحلــة قبــل كل يشء‪ ،‬هــو‬
‫أن الكوفــة كانــت ‪-‬خالفــاً لبعــض األفهــام‪ -‬مدرســة كالميــة لهــا أســاليبها‬
‫الخاصــة‪ ،‬وتياراتهــا الكالميــة املتن ّوعــة‪ ،‬ومتكلموهــا البــارزون‪ ،‬وتراثهــا‬
‫الفكــري والكالمــي‪ ،‬ومل تكــن تُـــختزل ببضغــة أشــخاص مــن املتكلمــن أو‬
‫تيــار مح ـ ّدد‪ .‬لقــد تأسســت هــذه املدرســة أمــام مــرأى ومســمع مــن اإلمــام‬
‫املعصــوم ‪ ،‬وتــ ّم توجيههــا مــن قبلــه‪ .‬مــن بــن هذيــن التياريــن وإن‬
‫اضمحــل تيــار املتكلمــن املح ّدثــن ملختلــف األســباب والعلــل‪ ،‬ومتّــت‬
‫مواصلــة خطهــم الفكــري يف الجملــة يف مدرســة بغــداد‪ ،‬إال أن الســلوك‬
‫الكالمــي لتيــار املح ّدثــن املتكلمــن قــد اســتم ّر عــى خــر وجــه يف مدرســة‬
‫قــم الكالميــة‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪298‬‬

‫املصادر ‪//‬‬

‫‪ - 1‬ابــن أيب زينــب‪ ،‬النعــاين‪ ،‬الغيبــة‪ ،‬تصحيــح‪ :‬عــي أكــر الغفــاري‪ ،‬نــر الصــدوق‪،‬‬
‫طهــران‪ 1397 ،‬هـــ‪.‬‬
‫رشفــة ‪ /‬مؤسســة‬
‫‪ - 2‬أحمــدي ميانجــي‪ ،‬عــي‪ ،‬مواقــف الشــيعة‪ ،‬جامعــة املدرســن بقــم امل ّ‬
‫النــر اإلســامي‪ ،‬قــم‪ 1374 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 3‬أســعدي‪ ،‬عــي رضــا‪ ،‬هشــام بــن حكــم (هشــام بــن الحكــم)‪ ،‬نــر پژوهشــگاه علــوم و‬
‫فرهنــگ اســامي‪ ،‬قــم‪ 1388 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 4‬األشــعري‪ ،‬أبــو الحســن‪ ،‬مقــاالت اإلســاميني واختــاف املصلــن‪ ،‬تصحيــح‪ :‬نعيــم‬
‫حســن زرزور‪ ،‬املكتبــة العرصيــة‪ ،‬بــروت‪ 1430 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪- 5‬أقــوام كربــايس‪ ،‬أكــر‪ ،‬وســبحاين‪ ،‬محمــد تقــي‪« ،‬مؤمــن الطــاق و روش كالمــي او»‬
‫(مؤمــن الطــاق وأســلوبه الكالمــي)‪ ،‬مجلــة‪ :‬كالم اســامي‪ ،‬العــدد‪ ،85 :‬ســنة ‪ 1392‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 6‬البغــدادي‪ ،‬أبــو منصــور‪ ،‬الفــرق بــن ال ِفـ َرق‪ ،‬تصحيــح‪ :‬إبراهيــم رمضــان‪ ،‬دار املعرفــة‪،‬‬
‫بــروت‪ 1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 7‬الجعفــري‪ ،‬محمــد رضــا‪ ،‬الــكالم عنــد اإلماميــة‪ :‬نشــأته وتطـ ّوره وموقــع الشــيخ املفيــد‬
‫منــه‪ ،‬مجلــة تراثنــا‪ ،‬العــدد‪ ،31 30 :‬ســنة ‪ 1413‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 8‬الح ـ ّر العامــي‪ ،‬محمــد بــن الحســن‪ ،‬اإليقــاظ مــن الهجعــة بالربهــان عــى الرجعــة‪،‬‬
‫نــر توبــد‪ ،‬طهــران‪ 1362 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 9‬الخياط‪ ،‬أبو الحسني‪ ،‬االنتصار‪ ،‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ - 10‬رضــايئ‪ ،‬محمــد جعفــر‪« ،‬امتــداد جريــان فكــري هشــام بــن حكــم تــا مدرســه كالمــي‬
‫بغــداد» (امتــداد التيــار الفكــري لهشــام بــن الحكــم إىل املدرســة الكالميــة يف بغــداد)‪،‬‬
‫مجلــة‪ :‬نقــد و نظــر‪ ،‬العــدد‪ ،65 :‬عــام ‪ 1391‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 11‬رضــايئ‪ ،‬محمــد جعفــر‪« ،‬تبيــن معنايــي علــاي ابــرار» «تفســر مفهــوم العلــاء‬
‫األبــرار»‪ ،‬مجلــة‪ :‬هفــت آســان‪ ،‬الســنة الثالثــة عــرة‪ ،‬العــدد‪ 1390 ،52 :‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 12‬الــزراري أبــو غالــب الكــويف‪ ،‬أحمــد بــن محمــد‪ ،‬رســالة أيب غالــب إىل ابــن ابنــه يف‬
‫ذكــر آل أعــن‪ :‬تحقيــق‪ :‬محمــد رضــا الحســيني‪ ،‬مركــز البحــوث والتحقيقــات اإلســامية‪،‬‬
‫قــم‪ 1369 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 13‬سامي النشار‪،‬عيل‪ ،‬نشأة الفكر الفلسفي يف اإلسالم‪ ،‬دار السالم‪ ،‬القاهرة‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 14‬الســبحاين‪ ،‬جعفــر‪ ،‬معجــم طبقــات املتكلمــن‪ ،‬مؤسســة اإلمــام الصــادق (عليــه‬
‫الســام)‪ ،‬قــم‪ 1424 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 15‬ســبحاين‪ ،‬محمــد تقــي‪« ،‬كالم شــيعي‪ :‬ماهيــت تحــوالت و جالــش هــا» (الــكالم‬
‫‪299‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫الشــيعي‪ :‬املاهيــة‪ ،‬والتحــوالت‪ ،‬والتحدّيــات)‪ ،‬أخبــار شــيعيان‪ ،‬العــدد‪ 1387 ،38 :‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 16‬ســبحاين‪ ،‬محمــد تقــي‪« ،‬كالم إماميــة‪ :‬ريشــه هــا ورويــش هــا» (كالم اإلماميــة‪ :‬الجذور‬
‫والفــروع)‪ ،‬مجلــة‪ :‬نقد ونظــر‪ ،‬العــدد‪ 1391 ،65 :‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 17‬الســبحاين‪ ،‬محمــد تقــي‪ ،‬نقــد كتــاب مكتــب در فراينــد تكامــل‪ ،‬جلســه دوم (نقــد‬
‫كتــاب املذهــب يف طــور التكامــل‪ ،‬املحــارضة الثانيــة)‪ ،‬پژوهشــگاه علــوم و فرهنــگ‬
‫اســامي‪ ،‬پژوهشــكده تاريــخ و ســره‪ ،‬قــم‪ 1390 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 18‬الشهرســتاين‪ ،‬محمــد بــن عبــد الكريــم‪ ،‬امللــل والنحــل‪ ،‬تصحيــح‪ :‬أمــر عــي مهنــا‬
‫وعــي حســن فاعــور‪ ،‬دار املعرفــة‪ ،‬بــروت‪ 1421 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 19‬الشــيخ الصــدوق (ابــن بابويــه)‪ ،‬محمــد بــن عــي‪ ،‬عيــوم أخبــار الرضــا (عليه الســام)‪،‬‬
‫تصحيــح‪ :‬مهــدي الجوردي‪ ،‬نــر جهــان‪ ،‬طهــران‪ 1378 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 20‬الشــيخ الصــدوق (ابــن بابويــه)‪ ،‬محمــد بــن عــي‪ ،‬كــال الديــن ومتــام النعمــة‪،‬‬
‫تصحيــح‪ :‬عــي أكــر الغفــاري‪ ،‬دار نــر إســامية‪ ،‬طهــران‪ 1395 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 21‬الشــيخ الصــدوق (ابــن بابويــه)‪ ،‬محمــد بــن عــي‪ ،‬التوحيــد‪ ،‬تصحيــح‪ :‬هاشــم‬
‫الحســيني‪ ،‬مؤسســة النــر اإلســامي التابعــة لجامعــة املدرســن‪ ،‬قــم‪ 1398 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 22‬الشــيخ الصــدوق (ابــن بابويــه)‪ ،‬محمــد بــن عــي‪ ،‬االعتقــادات‪ ،‬املؤمتــر العاملــي‬
‫للشــيخ املفيــد‪ ،‬قــم‪ 1414 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 23‬الصفــار‪ ،‬محمــد بــن الحســن‪ ،‬بصائــر الدرجــات يف فضائــل آل محمــد ‪ ،t‬تصحيــح‪:‬‬
‫محســن كوچــه باغــي‪ ،‬مكتبــة آيــة اللــه املرعــي النجفــي‪ ،‬قــم‪ 1404 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 24‬صفــري فروشــاين‪ ،‬نعمــت اللــه‪ ،‬غاليــان (الغــاة)‪ ،‬بنيــاد پژوهــش هــاي اســامي‪،‬‬
‫مشــهد‪ 1378 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 25‬الطالقــاين‪ ،‬الســيد حســن‪« ،‬مدرســه كالمــي قــم» (املدرســة الكالميــة يف قــم)‪ ،‬مجلــة‪:‬‬
‫نقــد و نظــر‪ ،‬العــدد‪ 1391 ،65 :‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 26‬الطالقــاين‪ ،‬الســيد عــي‪« ،‬ترمينولــوژي جريــان شــنايس فرهنگــي» (مصــادر التيــارات‬
‫الثقافيــة)‪ ،‬مجلــة‪ :‬حــوزه‪ ،‬العــدد‪ 1382 ،119 :‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 27‬الطربي‪ ،‬محمد بن جرير‪،‬تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬االستقامة‪ ،‬القاهرة‪ 1358 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 28‬الشــيخ الطــويس‪ ،‬محمــد بــن الحســن‪ ،‬الرجــال‪ ،‬تصحيــح‪ :‬جــواد قيّومــي إصفهــاين‪،‬‬
‫مؤسســة النــر اإلســامي التابعــة لجامعــة املدرســن‪ ،‬قــم‪ 1373 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 29‬الشــيخ الطــويس‪ ،‬محمــد بــن الحســن‪ ،‬فهرســت كتــب الشــيعة وأصولهــم وأســاء‬
‫املصنفــن وأصحــاب األصــول‪ ،‬تصحيــح‪ :‬الســيد عبــد العزيــز الطباطبــايئ‪ ،‬مكتبــة املحقــق‬
‫الطباطبــايئ‪ ،‬قــم‪ 1420 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 30‬العالمــة العســكري‪ ،‬الســيد مرتــى‪ ،‬معــامل املدرســتني‪ ،‬مجمــع علمــي إســامي‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪300‬‬

‫دانشــكده أصــول ديــن‪ ،‬طهــران‪ 1413 ،‬هـــ‪.‬‬


‫‪ - 31‬الفــارايب‪ ،‬محمــد بــن محمــد‪ ،‬إحصــاء العلــوم‪ ،‬تعليــق‪ :‬عثــان محمــد أمــن‪ ،‬مكتبــة‬
‫الخانجــي‪ ،‬القاهــرة ‪ /‬مــر‪ 1931 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 32‬فــان أس‪ .‬جوزيــف‪ ،‬علــم الــكالم واملجتمــع يف القرنــن الثــاين والثالــث للهجــرة‪ ،‬ج‬
‫‪ ،1‬ترجمــة‪ :‬ســاملة صالــح‪ ،‬دار الجمــل‪ ،‬بــروت‪ 2008 ،‬م‪.‬‬
‫‪ - 33‬الكراجيك‪ ،‬أبو الفتح‪ ،‬كنز الفوائد‪ ،‬دار الذخائر‪ ،‬قم‪ 1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 34‬الكــي‪ ،‬محمــد بــن عمــر‪ ،‬رجــال الكــي (اختيــار معرفــة الرجــال)‪ ،‬تصحيــح‪ :‬مهــدي‬
‫الرجــايئ‪ ،‬مؤسســة آل البيــت (عليهــم الســام)‪ ،‬قــم‪ 1363 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 35‬الكلينــي‪ ،‬محمــد بــن يعقــوب‪ ،‬الــكايف‪ ،‬ج ‪ ،1‬املقدمــة‪ ،‬تصحيــح‪ :‬عــي أكــر الغفــاري‬
‫ومحمــد آخونــدي‪ ،‬دار الكتب اإلســامية‪ ،‬طهــران‪ 1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 36‬گرامــي‪ ،‬ســيد محمــد هــادي‪ ،‬نخســتني مناســبات فكــري تشــيع (النشــاطات الفكريــة‬
‫األوىل للتشـيّع)‪ ،‬انتشــارات دانشــگاه إمــام صــادق (عليــه الســام)‪ ،‬طهــران‪ 1391 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 37‬العالمــة املجلــي‪ ،‬محمــد باقــر‪ ،‬بحــار األنــوار‪ ،‬دار إحيــاء الــراث العــريب‪ ،‬بــروت‪،‬‬
‫‪ 1403‬هـ‬
‫‪ - 38‬محمــدي مازنــدراين‪ ،‬بشــر‪ ،‬مســند محمــد بــن مســلم الثقفــي الطائفــي‪ ،‬مؤسســة‬
‫النــر اإلســامي التابعــة لجامعــة املدرســن‪ ،‬قــم‪ 1375 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 39‬محمدي مازندراين‪ ،‬بشري‪ ،‬مسند أيب بصري‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬قم‪ 1383 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 40‬محمــدي مازنــدراين‪ ،‬بشــر‪ ،‬مســند زرارة بــن أعــن‪ ،‬مؤسســة النــر اإلســامي التابعــة‬
‫لجامعــة املدرســن‪ ،‬قــم‪ 1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ - 41‬املــدريس الطباطبــايئ‪ ،‬الســيد حســن‪« ،‬مناظــرات كالمــي و نقــش متكلــان»‬
‫(املناظــرات الكالميــة ودور املتكلمــن)‪ ،‬مجلــة نقــد ونظــر الفصليــة‪ ،‬العــدد‪1374 ،4 3 :‬‬
‫هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 42‬املــدريس الطباطبــايئ‪ ،‬الســيد حســن‪ ،‬مكتــب در فراينــد تكامــل‪ ،‬ترجمــه إىل اللغــة‬
‫الفارســية‪ :‬هاشــم ايزدپنــاه‪ 1386 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 43‬املرزبــاين الخراســاين‪ ،‬مختــر أخبــار الشــعراء الشــيعة‪ ،‬إعــداد‪ :‬الشــيخ محمــد‬
‫هــادي األمينــي‪ ،‬رشكــة الكتبــي للطباعــة والنــر والتوزيــع‪ ،‬بــروت‪ 1413 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪ - 44‬الشــيخ املفيــد‪ ،‬محمــد بــن محمــد بــن النعــان‪ ،‬أوائــل املقــاالت يف املذاهــب‬
‫واملختــارات‪ ،‬مؤسســة مطالعــات اســامي دانشــگاه طهــران ‪ /‬دانشــگاه مــك كيــل‪1372 ،‬‬
‫هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 45‬املوســوي الخــويئ‪ ،‬الســيد أبــو القاســم‪ ،‬معجــم رجــال الحديــث وتفصيــل طبقــات‬
‫الــرواة‪ ،‬مركــز نــر الثقافــة اإلســامية‪ ،‬قــم‪ 1413 ،‬هـــ‪.‬‬
‫‪301‬‬ ‫مدرسة الكوفة الكالمية‬

‫‪ - 46‬النجــايش‪ ،‬أحمــد بــن عــي‪ ،‬رجــال النجــايش‪ ،‬مؤسســة النــر اإلســامي التابعــة‬
‫لجامعــة املدرســن‪ ،‬قــم‪ 1365 ،‬هـــ ش‪.‬‬
‫‪ - 47‬نيومــن‪ ،‬أنــدره‪ ،‬دوره شــكل گــري تشــيع دوازده امامــي (مرحلــة تبلــور التشــيع اإلمامــي‬
‫االثنــى عــري)‪ ،‬انتشــارات شــيعه شــنايس‪ ،‬قــم‪ 1386 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫‪ - 48‬ولفســن‪ ،‬هــاری اوســرين‪ ،‬فلســفه علــم کالم (فلســفة علــم الــكالم)‪ ،‬ترجمــه إىل اللغــة‬
‫الفارســية‪ :‬أحمــد آرام‪ ،‬نــر الهــدى‪ ،‬طهــران‪ 1368 ،‬هـ ش‪.‬‬
‫أكرب أقوام كربايس‬ ‫‪302‬‬

You might also like