You are on page 1of 19

‫بقلم‬

‫عائض بن عبدهللا القرني‬

‫‪1‬‬
‫المقدمة‬
‫الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وآله وصحبه ‪ ....‬وبعد‪:‬‬
‫سطَّ َر بنات أفكارها القلم وقضاهن في يومين بج**وار بيت هللا الح**رام في‬‫فهذه رسالة مختصرة ‪َ ,‬‬
‫مهب**ط ال**وحي ‪ .‬عص**رت فيه**ا عش**رات الكتب في ب**اب البحث عن الس**عادة‪ ،‬ولم أثق**ل علي**ك‬
‫باألسماء واألرقام والمراجع والنقوالت‪ ،‬بل شذبتها وهذبتها جهدي عس**ى هللا أن ينفع**ني وإي**اك‬
‫بها في الدنيا واآلخرة ‪ .‬إنها تدعوك إلى حياة طيبة آمنة مطمئنة ‪.‬‬
‫ً‬
‫ولك إن شئت أن تكرر قراءته*ا وأن تعي**د جمله**ا وأن تض*ع خطوط*ا تحت كلماته*ا‪ ،‬وأن تط**الب‬
‫نفسك بتنفيذ قراراتها والعمل بإرشاداتها‪ ،‬ولعله**ا أن تق**رأ على األس**رة في ال**بيت وعلى المن**بر‬
‫في المسجد ‪ ،‬وفي درس الوعظ على الناس ‪ .‬إنه**ا أش**به بغص**ن الريح**ان خفي**ف المحم**ل طيب‬
‫الرائحة‪ ،‬توضع في درج المكتب وبجوار مخدة النوم ‪.‬‬
‫واسأل نفسك عند قراءتك لها‪ :‬هل تغير في ذهنك شيء؟ هل ترى أثرآ في روح**ك؟ لع**ل ذل**ك أن‬
‫يكون وهذا الذي أريد ‪ ،‬وهللا من وراء القصد وما توفيقي إال باهلل عليه توكلت وإليه أنبت ‪.‬‬

‫عائض القرني‬
‫الرياض‬
‫ت ‪014625398‬‬

‫‪2‬‬
‫السبب األول‬
‫فكر واشكر‬
‫والمعنى أن تذكر نعم هللا عليك ‪ ,‬فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك (( وإن تعدوا نعمت هللا ال تحصوها‬
‫)) صحة في بدن‪ ،‬أمن في وطن‪ ،‬غذاء وكساء‪ ،‬وهواء وماء‪ ،‬لديك الدنيا وأنت ما تش**عر‪ ،‬تمل**ك الحي**اة وأنت ال‬
‫تعلم (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً )) عندك عينان‪ ،‬ولسان وشفتان‪ ،‬ويدان ورجالن (( فبأي آالء ربكم**ا‬
‫تكذبان )) ‪ .‬هل هي مسألة سهلة أن تمشي على ق*دميك‪ ،‬وق*د ب*ترت أق*دام‪ ,‬وأن تعتم*د على س*اقيك‪ ،‬وق*د قطعت‬
‫سوق‪ ،‬أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار األلم نوم الكثير‪ ،‬وأن تمالً معدتك من الطعام الش**هي‪ ،‬وأن تك**رع من‬
‫الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام‪ ،‬ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام ‪ .‬تفكر في سمعك وق**د ع**وفيت‬
‫من الصمم‪ ،‬وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى‪ ،‬وانظ**ر إلى جل**دك وق**د نج**وت من ال**برص والج**ذام‪ ،‬والمح‬
‫عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول‪.‬‬
‫أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهباَ‪ ،‬أتحب بي*ع س*معك وزن " ثهالن " فض*ة‪ ،‬ه*ل تش*تري قص*ور الزه*راء‬
‫بلسانك فتكون أبكما‪ ،‬هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقط**ع‪ ،‬إن**ك في نعم عميم**ة وأفض**ال‬
‫جسيمة‪ ،‬ولكنك ال تدري ‪ .‬تعيش مهموم*ا ً مغموم*ا ً حزين*ا ً كئيب*ا ً وعن**ك الخ**بز وال**دفء‪ ،‬والم**اء الب**ارد‪ ،‬والن**وم‬
‫الهانىء‪ ،‬والعافي*ة الوارف*ة‪ ،‬تتفك*ر في المفق*ود وال تش*كر الموج*ود‪ ،‬ت*نزعج من خس*ارة مالي*ة وعن*دك مفت*اح‬
‫السعادة‪ ،‬وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم واألشياء‪ ،‬فك**ر واش**كر (( وفي أنفس**كم أفال تبص**رون ))‬
‫فك**ر في نفس**ك‪ ،‬وأهل**ك‪ ،‬وبيت**ك‪ ،‬وعمل**ك‪ ،‬وعافيت**ك‪ ،‬وأص**دقائك‪ ،‬وال**دنيا من حول**ك (( يعرف**ون نعمت هللا ثم‬
‫ينكرونها )) ‪.‬‬

‫السبب الثاني‬
‫ما مضى فات‬
‫ق وجنون‪ ،‬وقتل لإلرادة وتبديد للحي**اة الحاض**رة ‪.‬‬ ‫تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاه‪ ،‬والحزن لمآسيه حم ٌ‬
‫إن ملف الماضي عند العقال ًء يطوى وال يروى‪ ،‬يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان‪ ،‬يقيد بحب**ال قوي**ة في س**جن‬
‫اإلهمال فال يخرج أبداً‪ ،‬ويوصد عليه فال ي*رى الن**ور‪ ،‬ألن*ه مض*ى وانتهى‪ ،‬ال الح**زن يعي**ده‪ ،‬ال الهم يص*لحه‪ ،‬ال‬
‫الغم يصححه‪ ،‬ال الكدر يحيـيه ألنه عدم ‪ .‬ال تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت‪ ،‬أنق*ذ نفس*ك من ش*بح‬
‫الماضي‪ ،‬أتريد أن ترد النهر إلى مصبه والشمس إلى مطلعها‪ ،‬والطفل إلى بطن أمه‪ ،‬واللبن إلى الثدي‪ ،‬والدمعة‬
‫إلى العين‪ ،‬إنك بتفاعلك مع الماضي‪ ،‬وقلقلك منه واحتراقك بناره‪ ،‬وانطراحك على أعتابه تعيش وضعا ً مأس**اويا ً‬
‫رهيبا ً مخيفا ً مفزعاً‪.‬‬
‫القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر‪ ،‬وتمزيق للجهد‪ ،‬ونسف للساعة الراهنة‪ ،‬ذكر هللا األمم وما فعلت ثم‬
‫قال‪ (( :‬تلك أمةٌ قد خلت )) انتهى األمر وقضي‪ ،‬وال طائل من تشريح جثة الزمان‪ ،‬وإعادة عجلة التاريخ ‪.‬‬
‫إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصالً‪ ،‬وكال*ذي ينش*ر نش*ارة الخش*ب ‪ .‬وق*ديما ً ق*الوا‬
‫لمن يبكي على الماض**ي‪ :‬ال تخ**رج األم**وات من قب**ورهم‪ ،‬وق**د ذك**ر من يتح**دث على ألس**نة البه**ائم أنهم ق**الوا‬
‫للحمار لم ال تجتر ؟ قال‪ :‬أكره الكذب ‪.‬‬
‫إن بالءن**ا أنن**ا نعج**ز عن حاض**رنا ونش**تغل بماض**ينا ‪ ,‬نهم**ل قص**ورنا الجميل**ة‪ ،‬ونن**دب األطالل البالي**ة‪ ،‬ولئن‬
‫اجتمعت اإلنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا ألن هذا هو المحال بعينه ‪.‬‬
‫إن الناس ال ينظرون إلى الوراء وال يلتفتون إلى الخل**ف؛ ألن ال**ريح تتج**ه إلى األم**ام والم**اء ينح*در إلى األم*ام‬
‫والقافلة تسير إلى األمام‪ ،‬فال تخالف سنة الحياة ‪.‬‬

‫السبب الثالث‬
‫يومك يومك‬
‫إذا أصبحت فال تنتظر المساء‪ ،‬اليوم فحسب ستعيش‪ ،‬فال أمس الذي ذهب بخيره وش**ره‪ ،‬وال الغ**د ال**ذي لم ي**أت‬
‫إلى اآلن ‪ .‬اليوم الذي أظـلتك شمس*ه‪ ،‬وأدرك*ك نه*اره ه*و يوم*ك فحس*ب‪ ،‬عم*رك ي*وم واح*د‪ ،‬فاجع*ل في خل*دك‬
‫العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه ‪ ,‬حينها ال تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهم**ه وغم**ه‪ ،‬وبين‬
‫توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب‪ ،‬لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإب**داعك وك**دك وج**دك‪،‬‬
‫فلهذا اليوم ال بد أن تقدم صالة خاشعة وتالوة بتدبر واطالعا ً بتأمل‪ ،‬وذكراً بحضور‪ ،‬واتزانا ً في األمور‪ ،‬وحس**نا ً‬

‫‪3‬‬
‫في خلق‪ ،‬ورضا ً بالمقسوم‪ ،‬واهتماما ً بالمظهر‪ ،‬واعتنا ًء بالجسم‪ ،‬ورضا َ بالمقسوم‪ ،‬واهتماما ً بالمظهر‪ ،‬واعتنا ًء‬
‫بالجسم‪ ،‬ونفعا ً لآلخرين ‪.‬‬
‫لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات‪ ،‬ومن ثوانيه شهور‪ ،‬تزرع فيه الخ**ير‪ ،‬تس**دي‬
‫فيه الجميل تس**تغفر في**ه من ال**ذنب‪ ،‬ت**ذكر في*ه ال**رب‪ ،‬تتهي**أ للرحي**ل‪ ،‬تعيش ه**ذا الي**وم فرح*ا ً وس**روراً‪ ،‬وأمن*ا َ‬
‫وسكينة‪ ،‬ترضى فيه برزقك‪ ،‬بزوجتك‪ ،‬بأطفال**ك بوظيفت**ك‪ ،‬ببيت**ك‪ ،‬بعلم**ك‪ ،‬بمس**تواك (( فخ**ذ ما آتيت**ك وكن من‬
‫الشاكرين )) تعيش هذا اليوم بال حزن وال انزعاج‪ ،‬وال سخط‪ ،‬وال حقد‪ ،‬وال حسد ‪.‬‬
‫إن عليك أن تكتب على لوح قـلبك عبارة واحدة تجعلها أيضا َ على مكتبك ‪ ,‬تقول العبارة‪ :‬يومك يومك ‪.‬‬
‫إذا أكلت خبزاً حاراً شهيا ً هذا اليوم فهل يضرك خبز األمس الجاف الرديء‪ *،‬أو خبز غد الغائب المنتظر ‪.‬‬
‫إذا شربت ما ًء عذبا َ زالالً هذا اليوم‪ ،‬فلماذا تحزن من ماء أمس الملح األجاج‪ ،‬أو ماء غ ٍد اآلسن الحار ‪.‬‬
‫إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فوالذية صارمة عارمة ألخضعتها لنظرية‪ :‬لن أعيش إال هذا اليوم ‪.‬‬
‫حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك‪ ،‬وتزكية عمل**ك ‪ ،‬فتق**ول‪ :‬للي**وم فق**ط أه**ذب‬
‫ألف**اظي فال أنط**ق هج**راً أو فحش*اً‪ ،‬أو س**باً‪ ،‬أو غيب**ة‪ ،‬للي**وم فق**ط س**وف أرتب بي**تي ومكتب**تي‪ ،‬فال ارتب**اك وال‬
‫بعثرة ‪ ،‬وإنما نظ*ام ورتاب*ة ‪ .‬للي*وم فق*ط س*وف أعيش ف*أعتني بنظاف*ة جس*مي ‪ ،‬وتحس*ين مظه*ري واالهتم*ام‬
‫بهندامي ‪ ،‬واالتزان في مشيتي وكالمي وحركاتي ‪.‬‬
‫لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي‪ ،‬وتأدية صالتي على أكمل وجه‪ ،‬والتزود بالنوافل‪ ،‬وتعاهد مصحفي‪،‬‬
‫والنظر في كتبي‪ ،‬وحفظ فائدة‪ ،‬ومطالعة كتاب نافع ‪.‬‬
‫لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء‬
‫وحسد وحقد وغل وسوء ظن ‪.‬‬
‫لليوم فقط سوف أعيش فأنفع اآلخرين ‪ ,‬وأسدي الجميل إلى الغير‪ ،‬أعود مريضاً‪ ،‬أشيع جنازة‪ ،‬أدل حيران‪،‬‬
‫أطعم جائعاً‪ ،‬أفرج عن مكروب‪ ،‬أقف مع مظلوم‪ ،‬أشفع لضعيف‪ ،‬أواسي منكوباً‪ ،‬أكرم عالماً‪ ،‬أرحم صغيراً‪ ،‬أجل‬
‫كبيراً ‪.‬‬
‫ض ذهب وانتهى ‪ :‬اغرب كشمسك فلن أبكي علي**ك ولن ت**راني أق**ف ألت**ذكرك لحظ**ة ؛‬ ‫لليوم فقط سأعيش فيا ما ٍ‬
‫ألنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد اآلبدين ‪.‬‬
‫ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع األحالم‪ ،‬ولن أبيع نفسي م**ع األوه**ام* ولن أتعج**ل ميالد مفق**ود ؛‬
‫ألن غداً ال شيء ألنه لم يخلق وألنه لم يكن مذكوراً ‪.‬‬
‫يومك يومك أيها اإلنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها ‪.‬‬

‫السبب الرابع‬
‫اترك المستقبل حتى يأتي‬
‫(( أتى أمر هللا فال تستعجلوه )) ال تستبق األحداث‪ ،‬أتريد اجهاض الحمل قبل تمامه ‪ ،‬وقطف الثمرة قبل النضج‬
‫‪ ،‬إن غداً مفقود ال حقيقة له ‪ ،‬ليس له وجود وال طعم وال لون ‪ ،‬فلماذا نشغل أنفسنا ب**ه ونت**وجس من مص**ائبه‬
‫ونهتم لحوادثه ونتوقع كوارثه‪ ،‬وال ندري هل يحال بيننا وبينه أو نلقاه فإذا ه**و س**رور وحب**ور ‪ ،‬المهم أن**ه في‬
‫عالم الغيب لم يصل إلى األرض بعد ‪ .‬إن علينا أن ال نعبر جسراً حتى نأتيه‪ ،‬ومن يدري؟ لعلنا ننفق قب**ل وص**ول‬
‫الجسر‪ ،‬أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا‪ ،‬وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسالم ‪.‬‬
‫إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم االكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوتٌ‬
‫شرعاً؛ ألنه طول أمل‪ ،‬ومذموم عقالً ؛ ألنه مصارعة للظل‪ .‬إن كثيراً من ه**ذا الع**الم يتوق**ع في مس**تقبله الج**وع‬
‫والعري والمرض والفقر والمصائب‪ ،‬وهذا كله من مفردات مدارس الشيطان (( الشيطان يع**دكم الفق**ر وي**أمركم‬
‫بالفحشاء وهلل يعدكم مغفرةً منه وفضالً )) ‪.‬‬
‫ً‬
‫كثي ٌر هم الذين يبكون ؛ ألنهم سوف يجوعون غدا‪ ،‬وسوف يمرضون بعد س*نة‪ ،‬وس*وف ينتهي الع*الم بع**د مائ**ة‬
‫عام ‪ .‬إن الذي عمره في يد غيره ال ينبغي ل**ه أن ي**راهن على الع**دم ‪ ،‬وال**ذي ال ي*دري م*تى يم**وت ال يج**وز ل**ه‬
‫االشتغال بشيء مفقود ال حقيقة له ‪.‬‬
‫اترك غداً حتى يأتيك ‪ ،‬ال تسأل عن أخباره ‪ ،‬ال تنتظر زحفه ؛ ألنك مشغول باليوم ‪.‬‬
‫فعجب هؤالء يقترضون الهم نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ي**ر الن**ور‪ ،‬فح**ذار من‬ ‫ٌ‬ ‫وإن تعجب‬
‫طول األمل ‪.‬‬

‫السبب الخامس‬

‫‪4‬‬
‫كيف تواجه النقد اآلثم‬
‫الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في عاله‪ ،‬وشتموا الواحد األحد ال إل**ه إال ه**و‪ ،‬فم**اذا أتوق**ع أن**ا وأنت‬
‫ونحن أهل الحيف والخطأ ‪ ،‬إنك سوف تواجه في حياتك حربا ً ضروسا ً ال هوادة فيه**ا من النق**د اآلثم الم**ر‪ ،‬ومن‬
‫التحطيم المدروس المقصود‪ ،‬ومن اإلهانة المتعمدة ما دام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتس**طع وتلم**ع‪ ،‬ولن يس**كن‬
‫هؤالء عنك حتى تتخذ نفقا ً في األرض أو سلما ً في السماء فتفر من هؤالء‪ ،‬أما وأنت بين أظه**رهم ف**انتظر منهم‬
‫ما يسوؤك ويبكي عينك‪ ،‬ويدمي مقلتك‪ ،‬ويقض مضجعك ‪.‬‬

‫حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه‬


‫فالناس أعدا ٌء له وخصوم‬

‫إن الجالس على األرض ال يسقط‪ ،‬والناس ال يرفسون كلبا ً ميتاً‪ ،‬لكنهم يغض*بون علي*ك ألن**ك فقـتهم ص*الحاً‪ ،‬أو‬
‫علماً‪ ،‬أو أدباً‪ ،‬أو ماالً‪ ،‬فأنت عندهم مذنب ال توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم هللا عليك‪ ،‬وتنخلع من ك**ل ص**فات‬
‫الحمد‪ ،‬وتنسلخ من كل معاني النبل‪ ،‬وتبقى بليداً غبيًا‪ ،‬صفراً محطماً‪ ،‬مكدوداً ‪ ,‬هذا ما يريدون بالضبط ‪.‬‬
‫إذاَ فاصمد لكالم هؤالء ونقدهم وتش**ويههم وتحق*يرهم " اثبت أح**د" وكن كالص**خرة الص**امتة المهيب**ة تتـكسر‬
‫عليها حبات البر لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء ‪ .‬إنك إن أصغيت لكالم هؤالء وتفاعلت مع**ه حققت أم*نيتهم‬
‫الغالية في تعكير حياتك وتكدير عم**رك ‪ ،‬أال فاص**فح الص**فح الجمي**ل‪ ،‬أال ف**أعرض عنهم وال ت**ك في ض**يق مم**ا‬
‫يمكرون ‪ .‬إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ‪ ،‬وبقدر وزنك يكون النقد اآلثم المفتعل ‪.‬‬
‫إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤالء ولن تس*تطيع أن تعتق**ل ألس*نتهم لكن**ك تس*تطيع أن ت*دفن نق**دهم وتج*نيهم‬
‫بتجافيك لهم‪ ،‬وإهمالك لشأنهم‪ ،‬وإطراحك ألقوالهم (( قل موتوا بغيظكم ))‬

‫ما أبالي أنب بالحزن تيس‬


‫أو لحني بظهر غيب لئيم‬

‫بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك ‪.‬‬

‫إذا محاسني الالتي أدل بها‬


‫كانت عيوبي فقل لي كيف أعتذر‬

‫إن كنت تريد أن تكون مقبوالً عند الجميع محبوبا ً لدى الك**ل س**ليما ً من العي**وب عن**د الع**الم فق**د طلبت مس**تحيالً‬
‫وأملت أمالً بعيداً ‪.‬‬
‫قال حاتم ‪:‬‬

‫وكلمة حاس ٍد من غير جرم‬


‫سمعتُ فقلت مري فانفذيني‬
‫وعابوها علي ولم تعبني‬
‫ً‬
‫ولم يند لها أبدا جبيني‬

‫السبب السادس‬
‫ال تنتظر شكراً من أحد‬
‫من يفعل الخير ال يعدم جوازيه‬
‫ال يذهب العرف بين هللا والناس‬
‫خلق هللا العباد ليذكروه ورزق هللا الخليقة ليشكروه‪ ،‬فبعد الكثير غيره‪ ،‬وشكر الغالب سواه؛ ألن طبيع**ة الجح**ود‬
‫والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النف**وس‪ ،‬فال تص**دم إذا وج**دت ه**ؤالء ق**د كف**روا جميل**ك‪ ،‬وأحرق**وا‬
‫إحسانك‪ ،‬ونسوا معروفك‪ ،‬بل ربما ناصبوك العداء‪ ،‬ورموك بمنجنيق الحق**د ال**دفين‪ ،‬ال لش**يء إال ألن**ك أحس**نت‬
‫إليهم (( وما نقموا إال أن أغناهم هللا ورسوله من فضله )) ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وطالع سجل العالم المشهود‪ ،‬فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه‪ ،‬وأدب**ه‪ ،‬وعلم**ه‪،‬‬
‫سهر لينام‪ ،‬وجاع ليشبع‪ ،‬وتعب ليرتاح‪ ،‬فلما طر شاب هذا االبن وقوي ساعده‪ ،‬أص**بح لوال**ده ك**الكلب العق**ور‪،‬‬
‫استخفافاً‪ ،‬ازدرا ًء‪ ،‬مقتاً‪ ،‬عقوقاً‪ ،‬صراخاً‪ ،‬عذابا ً وبيال ً‪.‬‬
‫أال فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر‪ ،‬ومحطمي اإلرادات‪ ،‬وليهنؤوا بعوض المثوبة عن**د‬
‫من ال تنفذ خزائنه ‪.‬‬
‫إن هذا الخطاب الحار ال يدعوك لترك الجميل‪ ،‬وعدم اإلحسان للغير‪ ،‬وإنما يوطنك على انتظ**ار الجح**ود والتنك**ر‬
‫لهذا الجميل واإلحسان‪ ،‬فال تبتـئس بما كانوا يصنعون ‪.‬‬
‫اعمل الخير لوجه هللا‪ ،‬ألنك الفائز على كل حال‪ ،‬ثم ال يضر غم*ط من غمط**ه‪ ،‬وال جح**ود من جح**ده‪ ،‬واحم**د هللا‬
‫ألنك المحسن‪ ،‬وهو المسيء‪ ،‬واليد العليا خير من اليد السفلى (( إنما نطعمكم لوج**ه هللا ال نري**د منكم ج**زا ًء وال‬
‫شكوراً )) ‪.‬‬
‫وقد ذهل كثير من العقالء من جبل*ة الجح*ود عن*د الغوغ*اء‪ ،‬وك*أنهم م*ا س*معوا ال*وحي الجلي*ل وه*و ينعي على‬
‫الصنف عتوه وتمرده (( مر كأن لم يدعنا إلى ض ٍر مس**ه)) ال تفاج*ا ً إذا أه**ديت بلي**داً قلم*ا ً فكتب ب**ه هج**اءك‪ ،‬أو‬
‫منحت جافيا ً عصا ً يتوك**أ عليه*ا ويهش به**ا على غنم*ه‪ ،‬فش**ج به**ا رأس*ك‪ ،‬ه*ذا ه**و األص**ل عن**د ه**ذه البش*رية‬
‫المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في عاله‪ ،‬فكيف بها معي ومعك ‪.‬‬

‫أعلمه الرماية كل يوم‬


‫فلما اشتد ساعده رماني‬

‫السبب السابع‬
‫اإلحسان إلى الغير انشراح للصدر‬
‫الجميل كاسمه‪ ،‬والمع**روف كرس**مه‪ ،‬والخ**ير كطعم**ه‪ .‬أول المس**تفيدين من إس**عاد الن**اس هم المتفض**لون به**ذا‬
‫اإلسعاد‪ ،‬يجنون ثمراته عاجالً في نفوس**هم‪ ،‬وأخالقهم‪ ،‬وض**مائرهم‪ ،‬فيج**دون االنش**راح‪ ،‬واالنبس**اط‪ ،‬واله**دوء*‬
‫والسكينة ‪.‬‬
‫ف*إذا ط*اف ب*ك ط*ائف من هم أو ألم ب*ك غم ف*امنح غ*يرك معروف*ا ً وأس* ِد لهم جميالً تج*د الف*رج والراح*ة‪ .‬أع*ط‬
‫محروماً‪ ،‬انصر مظلوماً‪ ،‬أنقذ مكروباً‪ ،‬أطعم جائعاً‪ ،‬عد مريضاً‪ ،‬أعن منكوباً‪ ،‬تجد السعادة تغم**رك من بين ي**ديك‬
‫ومن خلفك ‪.‬‬
‫إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه‪ ،‬وعوائد الخير النفسية عقاقير مبارك**ة تص**رف في ص*يدلية‬
‫الذين عمرت قلوبهم بالبر واإلحسان ‪.‬‬
‫إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء األخالق صدقة جارية في عالم القيم " ول**و أن تلقى أخ**اك بوج**ه طـلق‬
‫" وإن عبوس الوجه إعالن حرب ضروس على اآلخرين ال يعلم قيامها إال عالم الغيوب ‪.‬‬
‫شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السماوات واألرض ألن صاحب الثواب غفور‬
‫شكور جميل‪ ،‬يحب الجميل‪ ،‬غني حميد ‪.‬‬
‫يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف وتش**اغلوا ب**الخير‪ ،‬عط**اء وض**يافة‬
‫ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعما ً ولونا ً وذوقا ً (( وما ألح ٍد عنده من نعم ٍة تجزى(‪)19‬إال ابتغ**اء‬
‫وجه ربه األعلى(‪ )20‬ولسوف يرضى )) ‪.‬‬

‫السبب الثامن‬
‫أطرد الفراغ بالعمل‬
‫الفارغون في الحياة هم أهل األراجيف والشائعات ألن أذهانهم موزعة (( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف ))‪.‬‬
‫إن أخطر حاالت الذهن يوم يفرغ صاحبه من العم**ل فيبقى كالس**يارة المس**رعة في انح**دار بال س**ائق تجنح ذات‬
‫اليمين وذات الشمال ‪.‬‬
‫ي**وم تج**د في حيات**ك فراغ*ا ً فتهي**أ حينه**ا للهم والغم والف**زع؛ ألن ه**ذا الف**راغ يس**حب ل**ك ك**ل ملف**ات الماض**ي‬
‫والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج‪ ،‬ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدالً‬
‫من هذا االسترخاء القاتل ألنه وأ ٌد خفي‪ ،‬وانتحار بكبسول مسكن ‪.‬‬
‫إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع الس**جين تحت أنب**وب يقط**ر ك**ل دقيق**ة‬
‫قطرة‪ ،‬وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الراحة غفلة‪ ،‬والفارغ لص محترف‪ ،‬وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية ‪.‬‬
‫إذاَ قم اآلن صل أو اقرأ‪ ،‬أو سبح أو طالع‪ ،‬أو اكتب‪ ،‬أو رتب مكتبتك‪ ،‬أو اصلح بيتك‪ ،‬أو انفع غيرك حتى تقضي‬
‫على الفراغ وإني لك من الناصحين ‪.‬‬
‫اذبح الفراغ بسكين العمل‪ ،‬ويضمن لك أطب**اء الع*الم ‪ %50‬من الس**عادة مقاب*ل ه*ذا اإلج*راء الط**ارئ فحس*ب‪،‬‬
‫انظ**ر إلى الفالحين والخب**ازين والبن**اءين يغ**ردون باألناش**يد كالعص**افير في س**عادة وراح**ة وأنت على فراش**ك‬
‫تمسح دموعك وتضطرب كأنك ملدوغ ‪.‬‬

‫السبب التاسع‬
‫ال تكن إمعة‬
‫ال تتقمص شخصية غيرك وال ت**ذب في اآلخ**رين‪ .‬إن ه**ذا ه**و الع**ذاب ال**دائم‪ ،‬وكث*ير هم ال**ذين ينس**ون أنفس**هم‬
‫وأص**واتهم وحرك**اتهم‪ ،‬وكالمهم‪ ،‬وم**واهبهم‪ ،‬وظ**روفهم‪ ،‬لينص**هروا في شخص**يات اآلخ**رين‪ ،‬ف**إذا التكل**ف‬
‫والصلف‪ ،‬واالحتراق‪ ،‬واإلعدام للكيان وللذات ‪.‬‬
‫وآدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة‪ ،‬فلماذا يتفقون في المواهب واألخالق ‪.‬‬
‫أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه ‪.‬‬
‫أنت مختلف تماما ً عن زيد وعمرو فال تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان ‪.‬‬
‫ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات ))‬ ‫ٍ‬ ‫س مشربهم )) ((‬ ‫انطلق على هيئتك وسجيتك (( قد علم كل أنا ٍ‬
‫عش كما خلقت ال تغير صوتك‪ ،‬ال تبدل نبرتك‪ ،‬ال تخلف مشيتك‪ ،‬هذب نفسك بالوحي‪ ،‬ولكن ال تلغي وجودك‬
‫وتقتل استقاللك ‪.‬‬
‫أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا‪ ،‬ألنك خلفت هك**ذا وعرفن**اك هك**ذا " ال يكن‬
‫أحدكم إمعة " ‪.‬‬
‫إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم األشجار ‪ .‬حلو وحامض‪ ،‬وطويل وقصير‪ ،‬وهكذا فليكونوا ‪ .‬فإن كنت كالموز‬
‫فال تتحول إلى سفرجل ؛ ألن جمالك وقيمتك أن تكون موزاً ‪ ،‬إن اختالف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية‬
‫من آيات الباري فال تجحد آياته ‪.‬‬

‫السبب العاشر‬
‫قضاء وقدر‬
‫(( م**ا أص**اب من مص**يبة في األرض وال في أنفس**كم إال في كت**اب من قب**ل أن نبرأه**ا )) ‪ ,‬ج**ف القلم‪ ،‬رفعت‬
‫الصحف‪ ،‬قضي األمر‪ ،‬كتبت المقادير‪ ،‬لن يصيبنا إال ما كتب هللا لنا‪ ،‬ما أص**ابك لم يكن ليخط**أك‪ ،‬وم**ا أخط**أك لم‬
‫يكن ليصيبك ‪.‬‬
‫إن هذه العقيدة إذا رس*خت في نفس*ك وق*رت في ض*ميرك ص*ارت البلي*ة عطي*ة‪ ،‬والمحن*ة منح*ة‪ ،‬وك*ل الوق*ائع‬
‫جوائز وأوسمة " من يرد هللا به خيراً يصب منه " فال يصيبك قلق من م*رض أو م*وت ابن‪ ،‬أو خس**ارة مالي*ة‪،‬‬
‫أو احتراق بيت‪ ،‬فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل‪ ،‬واالختيار هكذا‪ ،‬والخيرة هلل‪ ،‬واألجر حصل والذنب ُكفِّ َر ‪.‬‬
‫هنيئا ً ألهل المصائب صبرهم ورضاهم عن اآلخذ‪ ،‬المعطي‪ ،‬القابض‪ ،‬الباسط‪ ،‬ال يسأل عما يفعل وهم يسألون ‪.‬‬
‫ولن تهدأ أعصابك وتسكن بالبل نفسك‪ ،‬وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر‪ ،‬جف القلم بما أنت‬
‫الق‪ ،‬فال تذهب نفسك حسرات‪ ،‬ال تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار‪ ،‬وحبس الماء أن ينس**كب‪ ،‬ومن**ع‬
‫الريح أن تهب‪ ،‬وحفظ الزجاج أن ينكسر‪ ،‬هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك‪ ،‬وس**وف يق**ع المق**دور‪ ،‬وينف**ذ‬
‫القضاء‪ ،‬ويحل المكتوب (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) ‪.‬‬
‫استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعوي**ل‪ ،‬اع**ترف بالقض**اء قب**ل أن ي**دهمك س**يل الن**دم‪ ،‬إذاَ‬
‫فليهدأ بالك إذا فعلت األسباب‪ ،‬وبذلت الحيل‪ ،‬ثم وقع ما كنت تحذر‪ ،‬فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع‪ ،‬وال تق**ل "‬
‫لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا‪ ،‬ولكن قل‪ :‬قدر هللا وما شاء فعل"‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫السبب الحادي عشر‬
‫إن مع العسر يسراً‬
‫يا إنسان بعد الجوع شبع‪ ،‬وبعد الظمأ ري‪ ،‬وبعد السهر نوم‪ ،‬وبعد المرض عافية‪ ،‬سوف يصل الغ**ائب ويهت**دي‬
‫الضال‪ ،‬ويفك العاني‪ ،‬وينقشع الظالم (( فعسى هللا أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده )) ‪.‬‬
‫بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال‪ ،‬ومسارب األودية‪ ،‬بش**ر المهم**وم بف**رج مف**اجئ يص**ل في‬
‫سرعة الضوء ولمح البصر‪ ،‬بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة ‪.‬‬
‫إذا رأيت الصحراء تمتد‪ ،‬فاعلم أن ورائها رياضا ً خضراء وارفة الظالل ‪.‬‬
‫إذا رأيت الحبل يشتد يشتد‪ ،‬فاعلم أنه سوف ينقطع ‪.‬‬
‫أحسن كلمة قالها العرب في الجاهلية ‪:‬‬
‫الغمرات ثم ينـلجنّه‬
‫ثم يذهبن وال يجنّه‬
‫مع الدمعة بسمة‪ ،‬ومع الخوف أمناً‪ ،‬ومع الفزع سكينة‪ ،‬النار ال تح**رق إب**راهيم التوحي**د؛ ألن الرعاي**ة الرباني**ة‬
‫فتحت نافذة برداً وسالما ً ‪.‬‬
‫البحر ال يغرق كليم الرحمن؛ ألن الصوت القوي الصادق نطق بكال إن معي ربي سيهدين ‪.‬‬
‫ش َر صاحبه بأنه وحده معنا فـتـنـزل األمن والفتح والسكينة ‪.‬‬ ‫المعصوم في الغار بَ َّ‬
‫إن عبيد ساعدتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة ال يرون إال النكد والضيق والتعاسة‪ ،‬ألنهم ال ينظرون إال إلى‬
‫ج**دار الغرف**ة وب**اب ال**دار فحس**ب ‪ .‬أال فليم**دوا أبص**ارهم وراء الحجب وليطلق**وا أعن**ة أفك**ارهم إلى م**ا وراء‬
‫األسوار ‪.‬‬
‫إذاَ فال تضق ذرعا فمن المحال دوام الحال‪ ،‬وأفضل العبادة انتظار الفرج‪ ،‬األيام دول‪ ،‬والدهر قلب‪ ،‬والليالي‬
‫َ‬
‫حبالى‪ ،‬والغيب مستور‪ ،‬والحكيم كل يوم هو في شأن‪ ،‬ولعل هللا يحدث بعد ذلك أمرا ‪ ،‬وإن مع العسر يسراَ ‪.‬‬

‫السبب الثاني عشر‬


‫اصنع من الليمون شرابا ً حلواً‬
‫الذكي األريب يحول الخسائر إلى أرباح‪ ،‬والجاهل الرعديد يجعل المصيبة مصيبتين ‪.‬‬
‫طرد الرسول صلى هللا عليه وسلم من مكة فأقام في المدينة دولة مألت سمع التاريخ وبصره ‪.‬‬
‫سجن أحمد بن حنبل وجلد‪ ،‬فصار إم*ام أه*ل الس*نة‪ ،‬وحبس ابن تيمي**ة‪ ،‬ف*أخرج من حبس**ه علم*ا ً جم*اً‪ ،‬ووض*ع‬
‫السرخسي في قعر بئر معطلة‪ ،‬فأخرج عشرين مجلداً في الفقه‪ ،‬وأقعد ابن األثير فصنف جامع األصول والنهاي**ة‬
‫من أشهر وأنفع كتب الحديث‪ ،‬ونفي ابن الجوزي من بغداد‪ ،‬فجود القراءات السبع‪ ،‬وأصابت حمى الم**وت مال**ك‬
‫بن الريب‪ ،‬فأرسل للعالمين قصيدته الرائعة الذائعة التي تعدل دواوين شعراء الدولة العباس**ية‪ ،‬وم*ات أبن**اء أبي‬
‫ذؤيب الهذلي فرثاهم بإلياذة أنصت لها الدهر‪ ،‬وذهل منها الجمهور‪ ،‬وصفق لها التاريخ ‪.‬‬
‫إذا داهمتك داهية فانظر في الجانب المشرق منها‪ ،‬وإذا ناولك أحدهم كوب ليمون فأض**ف إلي**ه حفن**ة من س**كر‪،‬‬
‫وإذا أهدى لك ثعبانا ً فخذ جلده الثمين واترك باقيه‪ ،‬وإذا لدغتك عق**رب ف**اعلم أن**ه مص**ل واقي ومناع**ة حص**ينة‬
‫صد سم الحيات ‪.‬‬
‫تكيف في ظرفك القاسي لتخرج لنا منه زه*راً وورداً وياس*ميناً‪ ،‬وعس*ى أن تكره*وا ش*يئا ً ويجع*ل هللا في*ه خ*يراً‬
‫كثيراً ‪.‬‬
‫سجنت فرنسا قبل ثورتها العارمة شَا ِع َر ْين مجيدين ‪ :‬متفائالً ومتشائما ً ‪ ,‬فأخرجا رؤوسهما من نافذة السجن ‪.‬‬
‫فأما المتفائل فنظر نظرة في النجوم فضحك ‪ .‬وأما المتشائم فنظر إلى الطين في الشارع المجاور فبكى ‪.‬‬
‫انظر إلى الوجه اآلخر للمأساة؛ ألن الشر المحض ليس موجوداً بل هناك خير ومكسب وفتح وأجر ‪.‬‬

‫السبب الثالث عشر‬


‫أمن يجيب المضطر إذا دعاه‬
‫من الذي يفزع إليه المكروب‪ ،‬ويستغيث به المنك*وب‪ ،‬وتص*مد إلي**ه الكائن**ات وتس*أله المخلوق**ات وتلهج ب*ذكره‬
‫األلسن‪ ،‬وتألهه القلوب إنه هللا ال إله إال هو ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫وحق علي وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء‪ ،‬والسراء والضراء‪ ،‬ونفزع إليه في الملمات‪ ،‬ونتوس*ل إلي*ه في‬
‫الكربات‪ ،‬وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيـبـيـن‪ ،‬حينه**ا ي**أتي م**دده ويص**ل عون**ه ويس**رع‬
‫فرجه‪ ،‬ويحل فتحه (( أمن يجيب المضطر إذا دع*اه )) فينجي الغري*ق وي**رد الغ*ائب‪ ،‬ويع**افي المبتـلى‪ ،‬وينص**ر‬
‫المظلوم‪ ،‬ويهدي الضال‪ ،‬ويشفي المريض‪ ،‬ويفرج عن المكروب (( فإذا ركبوا في الفلك دع**وا هللا مخلص**ين ل**ه‬
‫الدين )) ‪.‬‬
‫ولن أس**رد علي**ك هن**ا أدعي**ة إزاح**ة الهم والغم والح**زن والك**رب‪ ،‬ولكن أحيل**ك إلى كتب الس**نة لتتعلم ش**ريف‬
‫الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه‪ ،‬فإن وجدته وجدت كل ش**يء‪ ،‬وإن فق**دت اإليم**ان ب**ه فق**دت ك**ل‬
‫شيء‪ ،‬إن دعاءك ربك عبادة أخرى‪ ،‬وطاعة عظمى ثاني**ة ف**وق حص**ول المطل**وب‪ ،‬وإن عب**داَ يجي**د فن ال**دعاء‬
‫حري أن ال يهتم وال يغتم وال يقلق‪ ،‬كل الحبال تتصرم إال حبله‪ ،‬كل األب**واب توص**د إال باب**ه‪ ،‬وه**و ق**ريب س**ميع‬
‫مجيب‪ ،‬يجيب المضطر إذا دعاه ‪ .‬يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج‪ ،‬وهو الغني القوي الواح**د الماج**د‪ ،‬ب**أن‬
‫تدعوه (( ادعوني أستجب لكم )) ‪.‬‬
‫إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب‪ ،‬فالهج بذكره‪ ،‬واهتف باسمه‪ ،‬واطلب مدده واسأله فتحه ونصره‪ ،‬مرغ‬
‫الجبين لتقديس اسمه‪ ،‬لتحصل على تاج الحرية‪ ،‬وأرغم األنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة ‪ .‬مد ي**ديك‪،‬‬
‫أرفع كفيك‪ ،‬أطلق لسانك‪ ،‬أكثر من طلبه‪ ،‬بالغ في سؤاله‪ ،‬ألح عليه‪ ،‬الزم بابه‪ ،‬انتظ**ر لطف**ه‪ ،‬ت**رقب فتح**ه‪ ،‬أش**د‬
‫باسمه‪ ،‬أحسن ظنك فيه‪ ،‬انقطع إليه‪ ،‬تبتل إليه تبتيالً حتى تسعد وتفلح ‪.‬‬

‫السبب الرابع عشر‬


‫وليسعك بيتك‬
‫العزلة الشرعية السنية‪ :‬بعدك عن الشر وأهله‪ ،‬والفارغين والالهين والفوضويين‪ ،‬فيجتمع علي**ك ش**ملك‪ ،‬يه**دأ‬
‫بالك‪ ،‬ويرتاح خاطرك‪ ،‬ويجود ذهنك بدرر الحكم ويسرح طرفك في بستان المعادن ‪.‬‬
‫إن العزلة عن كل ما يشغل عن الخير والطاعة دواء عزيز ‪ ,‬جربه أطب**اء القل**وب فنجح أيم**ا نج**اح ‪ ،‬وأن**ا أدل**ك‬
‫عليه ‪ .‬في العزلة عن الشر واللغو وعن الدهماء تلقيح للفكر‪ ،‬وإقامة لناموس الخش**ية‪ ،‬واحتف**ال بمول**د اإلناب**ة‬
‫والتذكر‪ ،‬وإنما كان االجتماع المحمود واالختالط الممدوح في الص**لوات والجم**ع ومج**الس العلم والتع**اون على‬
‫الخير‪ ،‬أما مجالس البطال*ة والعطال*ة فح*ذار ح*ذار‪ ،‬اه*رب بجل*دك ‪ ،‬اب*ك على خطيئت*ك‪ ،‬وامس*ك علي*ك لس*انك‪،‬‬
‫وليسعك بيتك ‪ .‬االختالط الهمجي حرب شعواء على النفس ‪ ،‬وتهديد خطير ل**دنيا األمن واالس**تقرار في نفس**ك ؛‬
‫ألنك تجالس أساطين الشائعات وأبطال األراجيف ‪ ،‬وأساتذة التبشير بالفتن والكوارث والمحن ‪ ،‬حتى تم**وت ك**ل‬
‫يوم سبع مرات قبل أن يصلك الموت (( لو خرجوا فيكم ما زادوكم إال خباالً )) ‪.‬‬

‫وإذا ما خال الجبان بأرض‬


‫طلب الطعن وحده والنزاال‬

‫إذاً فرجائي الوحيد إقبالك على شأنك واالنزواء في غرفتك إال من قول خير أو فع*ل خ*ير‪ ،‬حينه*ا تج*د قلب*ك ع*اد‬
‫إليك‪ ،‬فس**لم وقت**ك من الض**ياع‪ ،‬وعم**رك من اإله**دار‪ ،‬ولس**انك من الغيب**ة‪ ،‬وقلب**ك من القل**ق‪ ،‬وأذن**ك من الخن**ا‬
‫ونفسك من سوء الظن‪ ،‬ومن جرب ع**رف‪ ،‬ومن أركب نفس**ه مطاي**ا األوه**ام‪ *،‬واسترس**ل م**ع الع**وام فق**ل علي**ه‬
‫السالم ‪.‬‬

‫السبب الخامس عشر‬


‫العوض من هللا‬
‫ال يسلبك هللا شيئا ً إال عوضك خيراً منه‪ ،‬إذا صبرت واحتسبت " من أخذت حبيبتيه فصبر عوض**ته منهما الجن**ة‬
‫" يعني عينيه ‪ " ,‬من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسب عوضته من الجنة " من فق**د ابن**ه وص**بر ب*ني ل**ه‬
‫بيت الحمد في الخلد‪ ،‬وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال ‪.‬‬
‫فال تأسف على مصيبة فإن الذي قدرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم ‪.‬‬
‫إن أولياء هللا المصابين المبتلين ينوه بهم في الفردوس (( سالم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) ‪.‬‬
‫وح**ق علين**ا أن ننظ**ر في ع**وض المص**يبة وفي ثوابه**ا وفي خلفه**ا الخ**ير (( أولئ**ك عليهم ص**لواتٌ من ربهم‬
‫ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون )) هنيئا َ للمصابين ‪ ،‬وبشرى للمنكوبين ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ‪ ،‬واآلخ**رة خ**ير وأبقى فمن أص**يب هن**ا ك**وفي هن**اك ‪ ،‬ومن تعب هن**ا ارت**اح‬
‫هناك‪ ،‬أما المتعـلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها‪ ،‬فأشد ما على قل**وبهم ف**وت حظ**وظهم منه**ا وتنغيص‬
‫راحتهم فيه**ا ألنهم يري**دونها وح**دها فل**ذلك تعظم عليهم المص**ائب وتك**بر عن**دهم النكب**ات ألنهم ينظ**رون تحت‬
‫أقدامهم فال يرون إال الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة ‪.‬‬
‫أيها المصابون ما فات شيء وأنتم الرابحون ‪ ،‬فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لط**ف وعط**ف وث**واب وحس**ن‬
‫اختيار إن على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة (( فضرب بينهم بسو ٍر لهُ‬
‫العذاب )) وما عند هللا خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫باب باطنهُ فيه الرحمة وظاهره من قبله‬

‫السبب السادس عشر‬


‫اإليمان هو الحياة‬
‫األشقياء بكل معاني الشقاء هم المفلس**ون من كن**وز اإليم**ان‪ ،‬ومن رص**يد اليقين‪ ،‬فهم أب**داً في تعاس**ة وغض**ب‬
‫ومهانة وذلة (( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )) ‪.‬‬
‫ال يسعد النفس ويزكيها ويهزه*ا ويفرحه*ا وي*ذهب غمه*ا وهمه*ا وقلقه*ا إال اإليم*ان باهلل رب الع*المين‪ ،‬ال طعم‬
‫للحياة أصالً إال باإليمان ‪.‬‬
‫إذا اإليمان ضاع فال حياة‬
‫وال دنيا لمن لم يحي دينا‬
‫إن الطريقة المثلى للمالح**دة إن لم يؤمن**وا أن ينتح**روا ل**يريحوا أنفس**هم من ه**ذه اآلص**ار واألغالل والظـلمات‬
‫والدواهي ‪ ،‬يا لها من حياة تعيسة بال إيمان‪ ،‬يالها من لعنة أبدية حاقت بالخارجين على منهج هللا في األرض ((‬
‫ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مر ٍة ون*ذرهم في ظغي*انهم يعمه*ون )) وق*د آن اآلوان للع*الم أن‬
‫يقتنع كل القناعة وأن يؤمن كل اإليمان بأن ال إله إال هللا بعد تجربة طويلة شاقة عبر قرون غابرة توصل بع**دها‬
‫العقل إلى أن الصنم خرافة والكفر لعنة‪ ،‬واإللحاد كذبة‪ ،‬وأن الرسل صادقون‪ ،‬وأن هللا حق ‪ ,‬له الملك وله الحم**د‬
‫وهو على كل شيء قدير ‪.‬‬
‫وبقدر إيمانك قوة وضعفاً‪ ،‬حرارة وبرودة‪ ،‬تكون سعادتك وراحتك وطمأنينتك ‪.‬‬
‫(( من عم**ل ص**لحا ً من ذك**ر أو أن**ثى وه**و م**ؤمن فلنحيين**ه حي**اةً طيب*ةً ولنج**زينهم أج**رهم بأحس**ن م**ا ك**انوا‬
‫يعملون )) وهذه الحياة الطيبة هي استقرار نفوسهم لحسن موعد ربهم‪ ،‬وثب**ات قل**وبهم بحب ب**اريهم‪ ،‬وطه**ارة‬
‫ضمائرهم من أوضاع االنحراف‪ ،‬وبرود أعصابهم أمام الحوادث‪ ،‬وسكينة قلوبهم عند وقع القضاء ورضاهم في‬
‫مواطن القدر؛ ألنهم رضوا باهلل ربا‪ ،‬وباإلسالم ديناً‪ ،‬وبمحمد صلى هللا عليه وسلم نبيا ً ورسوال ‪.‬‬

‫السبب السابع عشر‬


‫اجن العسل وال تكسر الخلية‬
‫الرفق ما كان في شيء إال زانه‪ ،‬وما نزع من شيء إال ش**انه‪ ،‬اللين في الخط**اب‪ ,‬البس**مة الرائق**ة على المحي**ا‪،‬‬
‫الكلمة الطيبة عند اللقاء‪ ،‬هذه حلل منسوجة يرتديها السعداء‪ ،‬وهي صفات المؤمن كالنحل**ة تأك**ل طيب*ا ً وتص**نع‬
‫طيباً‪ ،‬وإذا وقعت على زه**رة ال تكس**رها ألن هللا يعطي على الرف**ق م**ا ال يعطي على العن**ف ‪ .‬إن من الن**اس من‬
‫تشرأب لقدومهم األعناق‪ ،‬وتشخص إلى طلعاتهم األبصار‪ ،‬وتحييهم األفئدة وتش**يعهم األرواح؛ ألنهم محبوب**ون‬
‫في كالمهم ‪ ,‬في أخذهم وعطائهم‪ ،‬في لقائهم ووداعهم ‪.‬‬
‫إن اكتس**اب األص**دقاء فن م**دروس يجي**ده النبالء األب**رار‪ ،‬فهم محفوف**ون دائم *ا ً وأب**داً بهال**ة من الن**اس ‪ ,‬إن‬
‫حضروا فالبشر واألنس‪ ،‬وإن غابوا فالسؤال والدعاء ‪.‬‬
‫سهرنا ونام الركب والليل مسرف‬
‫وكنت حديث الركب في كل منزل‬
‫إن هؤالء السعداء لهم دستور أخالق عنوانه(( ادفع بالتي هي أحس**ن ف**إذا ال**ذي بين**ك وبين**ه ع**داوة كأن**ه ولي‬
‫حمي ٌم )) فهم يمتص**ون األحق**اد بع**اطفتهم الجياش**ة‪ ،‬وحلمهم ال**دافيء‪ ،‬وص**فحهم ال**بريء‪ ،‬يتناس**ون اإلس**اءة‬
‫ويحفظون اإلحسان‪ ،‬تمر بهم الكلمات النابية فال تلج آذانهم بل تذهب بعيداً هناك إلى غ**ير رجع**ة ‪ .‬هم في راح**ة‬
‫والناس منهم في أمن والمسلمون منهم في سالم " المسلم من س**لم المس**لمون من لس**انه وي**ده‪ ،‬والم**ؤمن من‬
‫أمنه الناس على دماءهم وأموالهم " ‪ " ,‬إن هللا أمرني أن أصل من قطع**ني وأن أعف**و عمن ظلم**ني وأن أعطي‬

‫‪10‬‬
‫من حرمني " ‪ (( ,‬والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) بش*ر ه**ؤالء بث**واب عاج**ل من الطمأنين*ة والس*كينة‬
‫والهدوء ‪.‬‬
‫من سالم الناس يسلم من عواذلهم‬
‫ونام وهو قرير العين جذالن‬
‫وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر ‪.‬‬

‫السبب الثامن عشر‬


‫أال بذكر هللا تطمئن القلوب‬
‫الصدق حبيب هللا والصراحة صابون القلوب‪ ،‬والتجربة برهان‪ ،‬والرائ**د ال يك**ذب أهل**ه‪ ،‬ولم يوج**د عم**ل أش**رح‬
‫للصدر وأعظم لألجر كالذكر (( فاذكروني أذك**ركم )) ‪ ,‬وذك**ره س**بحانه جنت**ه في أرض*ه من لم ي*دخلها لم ي**دخل‬
‫جنة اآلخرة ‪ ,‬وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابه**ا واض**طرابها ب**ل ه**و طري**ق ميس**ر مختص**ر إلى ك**ل ف**وز‬
‫وفالح ‪ .‬طالع دواوين الوحي لتر فوائد الذكر‪ ،‬وجرب مع األيام بلسمه لتنال الشفاء ‪.‬‬
‫إذا مرضنا تداوينا بذكركم‬
‫ونترك الذكر أحيانا ً فننتكس‬
‫وبذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن ‪ .‬بذكره تزاح جبال الكرب والغم واألسى ‪.‬‬
‫وال عجب أن يرتاح الذاكرون فهذا ه*و األص*ل األص*يل‪ ،‬لكن العجب العج*اب كي*ف يعيش الغ*افلون عن ذك*ره ((‬
‫أموات غير أحيا ٍء وما يشعرون أيان يبعثون )) ‪.‬‬
‫يا من شكى األرق وبكى من األلم وتفجع من الحوادث‪ ،‬ورمته الخطوب ‪ ,‬هيا اهتف باسمه المقدس‪ ،‬هل تعلم ل**ه‬
‫سميا ً ‪.‬‬
‫هللا أكبر كل هم ينجلي‬
‫عن قلب كل مكبر ومهلل‬
‫بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك‪ ،‬يهدأ قلبك‪ ،‬تسعد نفسك‪ ،‬يرتاح ضميرك‪ ،‬ألن في ذكره جل في عاله معاني‬
‫التوكل عليه والثقة به واالعتماد عليه والرجوع إلي**ه‪ ،‬وحس**ن الظن في*ه‪ ،‬وانتظ**ار الف**رج من**ه‪ ،‬فه**و ق**ريب إذا‬
‫دعي‪ ،‬سميع إذا نودي‪ ،‬مجيب إذا سئل ‪ ،‬فاضرع واخضع واخشع ‪ ،‬وردد اسمه الطيب المبارك على لسانك ثن**اء‬
‫وم**دحا ً ودع**ا ًء وس**ؤاالً واس**تغفاراً ‪ ،‬وس**وف تج**د بحول**ه وقوت**ه الس**عادة واألمن والس**رور والن**ور والحب**ور‬
‫(( فآتاهم هللا ثواب الدنيا وحسن ثواب اآلخرة )) ‪.‬‬

‫السبب التاسع عشر‬


‫أم يحسدون الناس‬
‫على ما آتاهم هللا من فضله‬
‫الحسد كاألكلة الملحة تنخ**ر العظم نخ**راً‪ ،‬إن الحس**د م**رض م**زمن يعيث في الجس**م فس**ادا‪ ،‬وق**د قي*ل‪ :‬ال راح*ة‬
‫لحسود فهو ظالم في ثوب مظلوم‪ ،‬وعدو في جلباب صديق ‪ .‬وقد قالوا‪:‬‬

‫هلل در الحسد ما أعدله‬


‫بدأ بصاحبه فقتله‬

‫إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك‪ ،‬قبل أن نرحم اآلخرين؛ ألننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا‪،‬‬
‫ونسقي الغم دماءنا ونوزع نوم جفوننا على اآلخرين ‪.‬‬
‫إن الحاسد يشعل فرنا ً ساخنا ً ثم يقتحم فيه ‪ .‬التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقض**ي على‬
‫الراحة والحياة الطيبة الجميلة ‪.‬‬
‫بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء األدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج ‪.‬‬
‫يا للحسد من مرض ال يؤجر عليه ص*احبه‪ ،‬ومن بالء ال يث*اب علي*ه المبتلى ب*ه‪ ،‬وس*وف يبقى ه*ذا الحاس*د في‬
‫حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الن*اس عنهم ‪ .‬ك**ل يص*الح إال الحاس**د فالص*لح مع**ه أن تتخلى عن نعم هللا‬
‫وتتنازل عن مواهبك‪ ،‬وتلغي خصائصك‪ ،‬ومناقبك‪ ،‬فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض‪ ،‬نع**وذ باهلل من ش**ر‬
‫حاسد إذا حسد ‪ ،‬فإنه يصبح كالثعبان األسود السام ال يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ باهلل من الحاسد فإنه لك بالمرصاد ‪.‬‬

‫السبب العشرون‬
‫اقبل الحياة كما هي‬
‫طبعت على كدر وأنت تريدها‬
‫صفواً من األقذاء واألكدار‬
‫هذا حال الدنيا منغصة اللذات‪ ،‬كث*يرة التبع**ات‪ ،‬جاهم**ة المحي**ا‪ ،‬كث*يرة التل*ون‪ ،‬م*زجت بالك**در‪ ،‬وخلطت بالنك**د‪،‬‬
‫وأنت منها في كبد ‪.‬‬
‫ولن تجد ولداً أو زوجة‪ ،‬أو صديقاً‪ ،‬أو نبيالً‪ ،‬وال مسكنا ً وال وظيفة إال وفي**ه م**ا يك**در وعن**ده م**ا يس**وء أحيان*اً‪،‬‬
‫فأطفيء حر شره ببرد خيره‪ ،‬لتنجو رأسا ً برأس والجروح قصاص ‪.‬‬
‫أراد هللا لهذه الدنيا أن تكون جامعة لضدين والن**وعين والف*ريقين وال**رأيين خ*ير وش*ر‪ ،‬ص*الح وفس*اد‪ ،‬س*رور‬
‫وحزن‪ ،‬ثم يصفو الخير كله والصالح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار ‪.‬‬
‫وفي الحديث‪ " :‬الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال ذكر هللا وما وااله وعالم ومتعلم " فعش واقع**ك وال تس**رح م**ع‬
‫الخيال وحلق في عالم المثاليات‪ ،‬اقبل دنياك كما هي‪ ،‬وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها‪ ،‬فس**وف ال يص**فو ل**ك‬
‫فيها صاحب وال يكمل لك فيها أمر؛ ألن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها وال من صفاتها ‪.‬‬
‫لن تكمل لك زوجة وفي الحديث " ال يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر" ‪.‬‬
‫فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الط**رف أحيان**ا ونس**دد الخطى ‪،‬‬
‫ونتغافل عن أمور ‪.‬‬
‫ومن لم يصانع في أمور كثيرة‬
‫يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم‬

‫السبب الحادي والعشرون‬


‫تعز بأهل البالء‬
‫تلفت يمنة ويسرة فهل ترى إال مبتلى وهل تشاهد إال منكوباً‪ ،‬في كل دار نائحة‪ ،‬وعلى كل خد دم**ع وفي ك**ل وا ٍد‬
‫بنو سعد ‪.‬‬
‫أيها الشامت المعير بالدهر‬
‫أأنت المبرؤ الموفور‬
‫كم من المصائب وكم من الصابرين‪ ،‬فلس**ت أنت وح**دك المص**اب ب**ل مص**ابك أنت بالنس**بة لغ**يرك قلي**ل‪ ،‬كم من‬
‫مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات الشمال يئن من األلم ويصيح من السقم ‪.‬‬
‫كم من محبوس مر به سنوات ما رأى الشمس بعينه ‪ ،‬وما عرف غير زنزانته ‪.‬‬
‫وكم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر ‪.‬‬
‫وكم من مكروب ومديون ومصاب ومنكوب ‪.‬‬
‫آن لك أن تتعـزى به*ؤالء وأن تعلم علم اليقين أن ه*ذه الحي*اة س**جنٌ للم*ؤمن ودار لألح**زان والنكب*ات‪ ،‬تص*بح‬
‫القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها ‪ .‬بينما الشمل مجتمع واألب**دان في عافي**ة واألم**وال واف**رة‪،‬‬
‫واألوالد كثر‪ ،‬ثم ما هي إال أيام فإذا الفقر والموت والفراق واألمراض (( وتبين لكم كيف فعلن**ا بهم وض**ربنا لكم‬
‫األمثال )) فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي ي**برك على الص**خرة ‪ ،‬وعلي**ك أن ت**وازن مص**ابك‬
‫بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر‪ ،‬ليظهر لك أنك معافى بالنسبة لهؤالء وأن*ه لم يأت**ك إال وخ**زات س**هلة‬
‫فاحمد هللا على لطفه واشكره على ما أبقى ‪ ،‬واحتسب ما أخذ ‪ ،‬وتعز بمن حولك ‪.‬‬
‫ولوال كثرة الباكين حولي‬
‫على إخوانهم لقتلت نفسي‬
‫ولك قدوة في رسول صلى هللا عليه وسلم وقد وضع السال على رأسه وأدميت قدماه وشج وجه*ه وحوص**ر في الش**عب‬
‫ح**تى أك**ل ورق الش**جر‪ ،‬وط**رد من مك**ة‪ ،‬وكس**رت ثنيت**ه‪ ،‬ورمي ع**رض زوجت**ه الش**ريف‪ ،‬وقت**ل س**بعون من‬
‫أصحابه‪ ،‬وفقد ابنه‪ ،‬وأكثر بناته في حياته‪ ،‬وربط الحجر على بطنه من الجوع‪ ،‬واتهم بأنه ش**اعر س**احر ك**اهن‬
‫مجنون كذاب‪ ،‬صانه هللا من ذلك‪ ،‬وهذا بالء ال بد منه ومحيص ال أعظم منه‪ ،‬وقد قتل قب**ل زكري**ا وذبح يح**يى ‪،‬‬
‫وهاجر موسى‪ ،‬ووضع الخليل في النار‪ ،‬وصار األئم**ة على ه**ذا الطري**ق فض*رج عم**ر بدم**ه‪ ،‬واغتي**ل عثم**ان‪،‬‬

‫‪12‬‬
‫وطعن علي ‪ ،‬وجلدت ظهور األئمة وسجن األخيار‪ ،‬ونكل باألبرار (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ي**أتكم مث**ل‬
‫الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا )) ‪.‬‬

‫السبب الثاني والعشرون‬


‫الصالة ‪ ...‬الصالة‬
‫(( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصالة ))‬
‫إذا داهمك الخوف وطوقك الحزن‪ ،‬وأخذ الهم بتالبيبك‪ ،‬فقم حاالً إلى الص**الة‪ ،‬تث**وب ل**ك روح**ك وتطمئن نفس**ك‪،‬‬
‫إن الصالة كفيلة بإذن هللا باجتياح مستعمرات األحزان والغموم ومطاردة فلول االكتئاب ‪.‬‬
‫كان صلى هللا عليه وسلم إذا حزبه أم ٌر قال ‪ " :‬أرحنا بالصالة يا بالل " فكانت قرة عينه وسعادته وبهجته ‪.‬‬
‫وقد طالعت سير ق*وم أف*ذاذ ك*انت إذا ض*اقت بهم الض*وائق وكش*رت في وج*وههم الخط*وب‪ ،‬فزع*وا إلى ص*الة‬
‫خاشعة فتعود لهم قواهم وإراداتهم وهممهم ‪.‬‬
‫إن صالة الخوف فرضت لتؤدى في ساعة الرعب‪ ،‬يوم تتطاير الجماجم‪ ،‬وتسيل النفوس على شفرات الس**يوف‪،‬‬
‫فإذا أعظم تثبيت وأجل سكينة صالة خاشعة ‪.‬‬
‫إن على الجيل الذي عصفت به األمراض النفسية أن يتعرف على المسجد ‪ ،‬وأن يمرغ جبيـنه ليرض**ي رب**ه أوال‬
‫ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب وإال فإن الدمع س**وف يح**رق جفن**ه والح**زن س**وف يحطم أعص**ابه وليس‬
‫لديه طاقة تمده بالسكينة واألمن إال الصالة‪.‬‬
‫من أعظم النعم لو كنا نعقل هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة كفارة لذنوبنا‪ ،‬رف**ع ل**درجاتنا عن**د ربن**ا‪ ،‬ثم هي‬
‫عالج عظيم لمآس**ينا ودواء ن**اجع ألمراض**نا‪ ،‬تس**كب في ض**مائرنا مق**ادير زاكي**ة من اليقين وتمل**ؤ جوانحن**ا‬
‫بالرضا‪ .‬أما أولئك الذي جانبوا المسجد وتركوا الصالة‪ ،‬فمن نكد إلى نكد‪ ،‬ومن ح**زن إلى ح**زن ومن ش**قاء إلى‬
‫شقاء (( فتعسا ً لهم وأضل أعمالهم )) ‪.‬‬

‫السبب الثالث والعشرون‬


‫حسبنا هللا ونعم الوكيل‬
‫تفويض األمر إلى هللا ‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والثقة بوعده‪ ،‬والرضا بصنيعه‪ ،‬وحس**ن الظن ب**ه‪ ،‬وانتظ**ار الف**رج من**ه‬
‫من أعظم ثمرات اإليمان‪ ،‬ومن أجل صفات المؤمنين‪ ،‬وحينما يطمئن العبد إلى حس**ن العاقب**ة ويعتم**د على رب**ه‬
‫في كل شأنه يجد الرعاية والوالية والكفاية والتأييد والنصرة ‪.‬‬
‫وإذا الرعاية الحظتك عيونها‬
‫نم فالحوادث كلهن أمان‬
‫لما ألقي إبراهيم عليه السالم في النار قال‪ :‬حسبنا هللا ونعم الوكي**ل‪ ،‬فجعـلها هللا علي**ه ب**رداً وس**الماً‪ ،‬ورس**ولنا‬
‫صلى هللا عليه وسلم وأصحابه لما هددوا بجيوش الكفار وكتائب الوثنية قالوا‪ (( :‬حسبنا هللا ونعم الوكيل(‪ )173‬فانقـلبوا‬
‫فضل عظيم )) ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫بنعم ٍة من هللا وفضل لم يمسسهم س ّو ٌء واتبعوا رضوان هللا وهللا ذو‬
‫إن اإلنسان وحده ال يستطيع أن يص*ارع األح**داث‪ ،‬وال يق**اوم الملم**ات‪ ،‬وال ين**ازل الخط**وب؛ ألن**ه خل**ق ض**عيفا ً‬
‫عاجزاً‪ ،‬ولكنه حينما يتوكل على ربه ويثق بمواله‪ ،‬ويفوض األمر إليه‪ ،‬وإال فما حيلة هذا العبد الفقير الحقير إذا‬
‫احتوشته المصائب وأحاطت به النكبات (( وعلى هللا فتوكلوا إن كنتم مؤمنين )) ‪.‬‬
‫في**ا من أراد أن ينص**ح نفس**ه توك**ل على الق**وي الغ**ني ذي الق**وة الم**تين‪ ،‬لينق**ذك من ال**ويالت‪ ،‬ويخرج**ك من‬
‫الكربات‪ ،‬واجعل شعارك ودثارك حس*بنا هللا ونعم الوكي*ل‪ ،‬ف*إن ق*ل مال*ك‪ ،‬وك*ثر َد ْين*ك‪ ،‬وجفت م*واردك وش*حت‬
‫مصادرك‪ ،‬فناد حسبنا هللا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫وإذا داهمك المرض‪ ،‬وألمح عليك السقم‪ ،‬وتضاعف عليك البالء‪ ،‬فقل حسبنا هللا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫وإذا خفت من عدو‪ ،‬أو رعبت من ظالم‪ ،‬أو فزعت من خطب فاهتف حسبنا هللا ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫(( وكفى بربك هاديا ً ونصيراً )) ‪.‬‬

‫السبب الرابع والعشرون‬


‫قل سيروا في األرض‬

‫‪13‬‬
‫مما يش**رح الص**در وي**زيح س**حب الهم والغم ؛ الس**فر في ال**ديار‪ ،‬وقط**ع القف**ار‪ ،‬والتقلب في األرض الواس**عة‪،‬‬
‫والنظر في كت**اب الك**ون المفت**وح لتش**اهد أقالم الق**درة وهي تكتب على ص**فحات الوج**ود آي**ات الجم**ال‪ ،‬ل**ترى‬
‫حدائق ذات بهجة‪ ،‬ورياضا ً أنيقة وجنات ألفافاً‪ ،‬أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلف**ك‪ ،‬اص**عد‬
‫الجبال‪ ،‬اهبط األودية‪ ،‬تس*لق األش*جار‪ ،‬عب من الم**اء النم*ير‪ ،‬ض*ع أنف*ك على أغص**ان الياس*مين‪ ،‬حينه*ا تج**د‬
‫روحك حرة طليقة‪ ،‬كالطائر الغريد تسبح في فضاء السعادة‪ ،‬اخرج من بيتك‪ ،‬ألق الغطاء األسود عن عيني**ك‪ ،‬ثم‬
‫سر في فجاج هللا الواسعة ذاكراً مسبحاً‪.‬‬
‫إن االنزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح لالنتحار‪ ،‬وليست غرفتك هي العالم ولست أنت ك**ل‬
‫الناس‪ ،‬فلم االستسالم أمام كتائب األحزان‪ ،‬أال فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك‪ :‬انف**روا خفاف*ا ً وثق*االً‪ ،‬تع*ال لتق**رأ‬
‫القرآن هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور وهي تتلو خطب الحب‪ ،‬وبين الماء وهو يروي قص**ة وص**وله من‬
‫التل ‪.‬‬
‫أيها ذا الشاكي وما بك داء‬
‫كن جميالً ترى الوجود جميالً‬
‫أترى الشوك في الورود وتعمى‬
‫أن ترى فوقه الندى إكليال‬
‫إن الترحال في مسارب األرض متعة يوصي بها األطباء لمن ثقلت عليه نفس**ه‪ ،‬وأظلمت علي**ه غرفت**ه الض**يقة‪،‬‬
‫فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر (( ويتفكرون في خل**ق الس**ماوات واألرض ربن**ا م**ا خلقت ه**ذا بطالً‬
‫سبحانك )) ‪.‬‬

‫السبب الخامس والعشرون‬


‫فصبر جميل‬
‫التحلي بالصبر من شيم األفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر وبقوة إرادة وبمناعة أبي**ة‪ .‬وإن لم أص**بر أن**ا‬
‫وأنت فماذا نصنع؟‬
‫هل عندك حل لنا غير الصبر؟ هل تعلم لنا زاداً غيره ؟‬
‫كان أحد العظماء مسرحا ً تركض فيه المصائب وميدانا ً تتس**ابق في**ه النكب**ات كلم**ا خ**رج من كرب**ة زارت**ه كرب**ة‬
‫أخرى‪ ،‬وهو متترس بالصبر‪ ،‬متدرع بالثقة باهلل‪ ،‬يقول عن حاله‪:‬‬
‫تنكر لي دهري ولم يدر أنني‬
‫أعز وأحداث الزمان تهون‬
‫فبات يريني الدهر كيف عتوه‬
‫وبت أريه الصبر كيف يكون‬
‫هكذا يفعل النبالء‪ ،‬يصارعون الملمات ويطرحون النكبات أرضا ً ‪.‬‬
‫دخلوا على أبي بكر وهو مريض‪ ،‬قالوا‪ :‬أال ندعو لك طبيبا ً ؟ ق*ال‪ :‬الط*بيب ق*د رآني ‪ .‬ق*الوا‪ :‬فم*اذا ق*ال ؟ ق*ال ‪:‬‬
‫يقول‪ :‬إني فعال لما أريد ‪.‬‬
‫ومرض أحد الصالحين فقيل له‪ :‬ماذا يؤلمك ؟‬
‫فقال‪:‬‬
‫تموت النفوس بأوصابها‬
‫ولم يدر عوادها ما بها‬
‫وما أنصفت مهجة تشتكي‬
‫أذاها إلى غير أحبابها‬
‫واصبر وما صبرك إال باهلل‪ ،‬اص*بر ص*بر واث*ق ب*الفرج‪ ،‬ع*الم بحس*ن المص*ير‪ ،‬ط*الب لألج*ر‪ ،‬راغب في تكف*ير‬
‫السيئات‪ ،‬اصبر مهما ادلهمت الخطوب‪ ،‬وأظلمت أمامك الدروب‪ ،‬فإن النصر مع الصبر‪ ،‬وإن الفرج م**ع الك**رب‪،‬‬
‫وإن مع العسر يسراً ‪.‬‬
‫قرأت سير عظماء مروا في هذه الدنيا وذهلت لعظيم صبرهم وقوة احتمالهم‪ ،‬كانت المصائب تقع على رؤوسهم‬
‫كأنها قطرات ماء باردة‪ ،‬وهم في ثبات الجبال‪ ،‬وفي رسوخ الحق‪ ،‬فما هو إال وقت قصير فتشرق وجوههم على‬
‫طالئع فجر الفرج‪ ،‬وفرحة الفتح‪ ،‬وعصر النصر‪ .‬وأحدهم م**ا اكتفى بالص*بر وح**ده‪ ،‬ب**ل ن*ازل الك**وارث وتح**دى‬
‫المصائب وصاح في وجهها منشداً‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫إن كان عندك يا زمان بقية‬
‫مما يهان به الكرام فهاتها‬

‫السبب السادس والعشرون‬


‫ال تحمل الكرة األرضية على رأسك‬
‫نفر من الناس تدور في نفوسهم حرب عالمية‪ ،‬وهم على فرش النوم‪ ،‬فإذا وضعت الحرب أوزارها غنموا قرحة‬
‫المعدة‪ ،‬وضغط الدم والسكري ‪ .‬يحترقون م**ع األح**داث‪ ،‬يغض**بون من غالء األس**عار‪ ،‬يث**ورون لت**أخر األمط**ار‪،‬‬
‫يضجون النخفاض سعر العملة‪ ،‬فهم في انزعاج دائم‪ ،‬وقلق واصب (( يحسبون كل صيح ٍة عليهم )) ‪.‬‬
‫ونصيحتي ل**ك أن ال تحم**ل الك**رة األرض**ية على رأس**ك‪ ،‬دع األح**داث على األرض وال تض**عها في أمع**اءك ‪ .‬إن‬
‫البعض عنده قلب كاإلسفنجة يتش**رب الش**ائعات واألراجي**ف ‪ ,‬ي**نزعج للتواف**ه‪ ،‬يه**تز لل**واردات‪ ،‬يض**طرب لك**ل‬
‫شيء‪ ،‬وهذا القلب كفيل أن يحطم صاحبه وأن يهدم كيان حامله ‪.‬‬
‫أهل المبدأ الحق تزيدهم العبر والعظات إيمانا ً إلى إيمانهم‪ ،‬وأهل الخور تزيدهم الزالزل خوفا ً إلى خوفهم‪ ،‬وليس‬
‫ب شجاع‪ ،‬فإن المقدام الباسل واسع البطان‪ ،‬ثابت الجأش‪ ،‬راسخ اليقين‪ ،‬بارد‬ ‫أنفع أمام الزوابع والدواهي من قل ٍ‬
‫األعصاب‪ ،‬منشرح الصدر‪ ،‬أما الجبان فهو ي**ذبح نفس**ه ك**ل ي**وم م**رات بس**يف التوقع**ات واألراجي**ف واألوه**ام‬
‫واألحالم‪ ،‬فإن كنت تريد الحياة المستقرة فواجه األمور بشجاعة وجلد وال يستخفـنك ال**ذين ال يوقن**ون‪ ،‬وال ت**ك‬
‫في ضيق مما يمكرون‪ ،‬كن أص*لب من األح*داث‪ ،‬وأع*تى من ري*اح األزم*ات‪ ،‬وأق*وى من األعاص*ير‪ ،‬وارحمت*اه‬
‫ألصحاب القلوب الضعيفة كم تهزهم األيام هزاً (( لتجدنهم أح*رص الن*اس على حي*ا ٍة )) وأم*ا األب*اة فهم من هللا‬
‫في مدد‪ ،‬وعلى الوعد في ثقة (( فأنزل السكينة عليهم )) ‪.‬‬

‫السبب السابع والعشرين‬


‫ال تحطمك التوافه‬
‫كم من مهموم سبب همه أم ٌر حقير تافه ال يذكر ‪.‬‬
‫وتعظم في عين الصغير صغارها‬
‫وتصغر في عين العظيم العظائم‬
‫انظر إلى المنافقين‪ ،‬ما أسقط هممهم وما أبرد عزائمهم ‪ .‬هذه أقوالهم‪ :‬ال تنفروا في الحر‪ ،‬إئذن لي وال تفت**ني ‪،‬‬
‫بيوتنا عورة ‪ ،‬نخشى أن تصيبنا دائرة ‪ ،‬ما وعدنا هللا ورسوله إال غرورا ‪ .‬يا لخيبة هذه المع**اطس ‪ ,‬ي**ا لتعاس**ة‬
‫هذه النفوس ‪.‬‬
‫همهم البطون والص*حون وال*دور والقص*ور‪ ،‬لم يرفع*وا أبص*ارهم إلى س*ماء المث*ل‪ ،‬لم ينظ*روا أب*داً إلى نج*وم‬
‫الفضائل ‪ .‬هم أحدهم ومبلغ علمه‪ :‬دابته وثوبه ونعم**ه ومأدبت**ه‪ ،‬وانظ**ر لقط**اع هائ**ل من الن**اس ت**راهم ص**باح‬
‫مساء سبب همومهم خالف مع الزوجة أو االبن أو القريب أو سماع كلم*ة نابي*ة أو موق*ف تاف*ه ‪ .‬ه*ذه مص*ائب‬
‫هؤالء البشر‪ ،‬ليس عندهم من المقاصد العليا من يشغلهم‪ ،‬ليس عندهم من االهتمام**ات الجليل**ة م**ا يمأل وقتهم‪،‬‬
‫وقد قالوا‪ :‬إذا خرج الماء من اإلناء مأله الهواء‪ ،‬إذاَ ففكر في األمر الذي تهتم له وتغتم‪ ،‬هل يستحق ه**ذا الجه**د‬
‫وهذا العناء‪ ،‬ألنك أعطيته من عقلك ولحمك ودمك وراحتك ووقتك‪ ،‬وهذا غبن في الصفقة وخسارة هائلة ثمنه**ا‬
‫بخس‪ ،‬وعلماء النفس يقولون أجعل لكل شيء حداً معقوالً‪ ،‬وأص**دق من ه**ذا قول**ه تع**الى‪ (( :‬ق**د جع**ل هللا لك**ل‬
‫شي ٍء قدراً )) فأعط القضية حجمها ووزنها وقدرها وإياك والظلم والغلو ‪.‬‬
‫هؤالء الصحابة األبرار همهم تحت الشجرة الوفاء بالبيعة ‪ ،‬فنالوا رضوان هللا ‪ ,‬ورج**ل معهم أهم**ه جمل**ه ح**تى‬
‫فاته البيع فكان جزاءه الحرمان والمقت ‪.‬‬
‫فاطرح التوافه واالشتغال بها تجد أن أكثر همومك ذهبت عنك وعدت فرحا ً مسروراً ‪.‬‬

‫السبب الثامن والعشرون‬


‫ارض بما قسم هللا لك‬
‫تكن أغنى الناس‬
‫مر فيما سبق بعض معاني هذا السبب لكنني أبسطه هنا ليفهم أكثر وهو أن عليك أن تقنع بما قسم لك من جس**م‬
‫ومال وولد سكن وموهبة‪ ،‬وهذا منطق القرآن (( فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين )) ‪ .‬إن غ**الب علم**اء الس**لف‬

‫‪15‬‬
‫وأكثر الجيل األول كانوا فقراء لم يكن لديهم أعطيات وال مساكن بهية‪ ،‬وال م**راكب‪ ،‬وال حش**م‪ ،‬وم**ع ذل**ك أث*روا‬
‫الحياة وأسعدوا أنفس*هم واإلنس*انية؛ ألنهم وجه*وا م*ا آت*اهم هللا من خ*ير في س*بيله الص*حيح ‪ ,‬فب*ورك لهم في‬
‫أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم‪ ،‬ويقابل هذا الصنف المبارك مٌأل أعطوا من األموال واألوالد والنعم‪ ،‬فك**انت س**بب‬
‫شقائهم وتعاستهم؛ ألنهم انحرفوا عن الفطرة السوية والمنهج الحق وه*ذا بره*ان س*اطع على أن ه*ذه األش*ياء‬
‫ليست كل شيء‪ ،‬انظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه نكرة من النكرات في عطاءه وفهمه وأثره‪ ،‬بينم**ا تج**د‬
‫آخرين عندهم علم محدود‪ ،‬وقد جعلوا منه نهراً دافقا ً بالنفع واإلصالح والعمار ‪.‬‬
‫إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك هللا فيها‪ ،‬وارض بوضعك األسري وص**وتك ومس**توى فهم**ك‪،‬‬
‫ودخلك‪ ،‬بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون لك‪ :‬ارض بأقل مم*ا أنت في*ه وب*دون م*ا‬
‫أنت عليه وأنشدوا ‪:‬‬
‫سعادتك العظمى إذا كنت عاقالً‬
‫مناك بحال دون حال تعيشها‬
‫هاك قائمة رائعة مليئة بالالمعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية ‪:‬‬
‫عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده‪ ،‬مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر ‪.‬‬
‫األحنف بن قيس‪ ،‬حليم العرب قاطبة‪ ،‬نحيف الجسم‪ ،‬أحدب الظهر‪ ،‬أحنى الساقين‪ ،‬ضعيف البنية ‪.‬‬
‫األعمش محدث الدنيا‪ ،‬من الموالي‪ ،‬ضعيف البصر‪ ،‬فقير ذات اليد‪ ،‬ممزق الثياب‪ ،‬رث الهيئة والمنزل ‪.‬‬
‫بل األنبياء الكرام ص*لوات هللا وس**المه عليهم‪ ،‬ك**ل منهم رعى الغنم‪ ،‬وك**ان داود ح**داداً وزكري**ا نج**اراً وإدريس‬
‫خياطاً‪ ،‬وهم صفوة الناس وخير البشر ‪.‬‬
‫إذاً فقيمتك مواهبك وعملك الصالح ونفع**ك وخلق**ك‪ ،‬فال ت**أس على م**ا ف**ات من جم**ال أو م**ال أو عي**ال‪ ،‬وارض‬
‫بقسمة هللا (( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا )) ‪.‬‬

‫السبب التاسع والعشرون‬


‫ذكر نفسك بجنة عرضها السموات واألرض‬
‫إن جعت في هذه الدار أو افتقرت أو حزنت أو مرضت أو بخست حقا ً أو ذقت ظلما ً فذكر نفس**ك ب**النعيم والراح**ة‬
‫والسرور والحبور واألمن والخلد في جنات النعيم‪ ،‬إن*ك إن اعتق*دت ه*ذه العقي*دة وعملت له*ذا المص*ير تح*ولت‬
‫خسائرك إلى أرباح‪ ،‬وبالياك إلى عطايا ‪ .‬إن أعقل الناس هم الذين يعملون لآلخرة ألنها خير وأبقى ‪ .‬وإن أحمق‬
‫وأبله هذه الخـليقة هم الذين يرون أن هذه الدنيا هي قرارهم ودارهم ومنتهى أمانيهم‪ ،‬فتجدهم أجزع الناس عند‬
‫المصائب‪ ،‬وأندمهم عند الحوادث؛ ألنهم ال يرون إال حياتهم الزهيدة الحقيرة‪ ،‬ال ينظرون إال إلى ه**ذه الفاني**ة‪ ،‬ال‬
‫يتفكرون في غيرها وال يعملون لسواها‪ ،‬فال يريدون أن يعك*ر لهم س*رورهم وال يك*در عليهم ف*رحهم‪ ،‬ول*و أنهم‬
‫خلع**وا حج**اب ال**ران عن قل**وبهم‪ ،‬وغط**اء الجه**ل عن عي**ونهم لح**دثوا أنفس**هم ب**دار الخل**د ونعيمه**ا ودوره**ا‬
‫وقصورها‪ ،‬ولسمعوا وأنصتوا لخطاب الوحي في وصفها‪ ،‬إنها وهللا الدار التي تستحق االهتمام والكد والجهد ‪.‬‬
‫هل تأملنا طويالً وصف أهل الجنة بأنهم ال يمرضون وال يحزنون وال يموتون ‪ ،‬وال يفنى شبابهم وال تبلى‬
‫ثيابهم‪ ،‬في غرف يرى ظاهرها من باطنها‪ ،‬وباطنها من ظاهرها‪ ،‬فيها ما ال عين رأت وال أذن سمعت وال خطر‬
‫على قلب بشر‪ ،‬يسير الراكب في ظل شجرة من أشجارها مائة عام ال يقـطعها‪ ،‬طول الخيمة فيها ستون ميالً‪،‬‬
‫أنهارها مطردة‪ ،‬قصورها منيفة‪ ،‬قطوفها دانية‪ ،‬عيونها جارية‪ ،‬سررها مرفوعة‪ ،‬أكوابها موضوعة‪ ،‬نمارقها‬
‫مصفوفة‪ ،‬زرابيها مبثوثة‪ ،‬تم سرورها‪ ،‬عظم حبورها‪ ،‬فاح عرفها‪ ،‬عظم وصفها‪ ،‬منتهى األماني فيها‪ ،‬فأين‬
‫عقولنا ال تفكر‪ ،‬ما لنا ال نتدبر ‪.‬‬
‫إذا كان المصير إلى هذه الدار فلتخف المصائب على المصابين ولتقر عيون المنكوبين ولتفرح قلوب المعدمين ‪.‬‬
‫فيا أيها المسحوقون بالفقر ‪ ،‬المنهكون بالفاقة المبتلون بالمصائب ‪ ،‬اعملوا صالحا ً لتسكنوا جنة هللا وتج**اوروه‬
‫تقدست أسماؤه (( سالم عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار )) ‪.‬‬

‫السبب الثالثون‬
‫وكذلك جعلناكم أمة وسطا‬
‫العدل مطلب عقلي وشرعي‪ ،‬ال غلو وال جفاء‪ ،‬ال إفراط وال تفريط‪ ،‬ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه‪،‬‬
‫واندفاعاته‪ ،‬وليكن عادالً في رضاه وغضبه وسروره وحزنه؛ ألن الشطط والمبالغة في التعامل مع األحداث ظل ٌم‬

‫‪16‬‬
‫للنفس‪ ،‬وما أحسن الوسطية‪ ،‬فإن الشرع نزل بالميزان‪ ،‬والحياة قامت على القسط‪ ،‬ومن أتعب الناس من طاوع‬
‫هواه واستسلم لعواطفه وميوالت**ه حينه*ا تتض*خم عن**ده الح**وادث وتظلـم لدي*ه الزواي**ا وتق*وم في قبل*ه مع**ارك‬
‫ضارية من األحقاد وال**دخائل والض**غائن ألن**ه يعيش في أوه**ام وخي**االت‪ ،‬ح**تى إن بعض**هم يتص**ور أن الجمي**ع‬
‫ضده‪ ،‬وأن اآلخرين يحبكون م*ؤامرة إلبادت*ه‪ ،‬وتملي علي*ه وساوس*ه أن ال*دنيا ل*ه بالمرص*اد‪ ،‬فل*ذلك يعيش في‬
‫سحب سود من الخوف والهم والغم ‪.‬‬
‫إن اإلرجاف ممنوع شرعا ً ‪ ,‬رخيص طبع*ا وم**ا يمارس*ه إال أن**اس مفـلسون من القيم الحي**ة والمب**ادئ الرباني*ة‬
‫ً‬
‫(( يحسبون كل صيح ٍة عليهم )) ‪.‬‬
‫أجلس قلبك على كرسيه‪ ،‬فأكثر ما يخاف ال يكون‪ ،‬ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ االحتم**االت ثم‬
‫توطن نفسك على تقبل هذا األسوأ‪ ،‬حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الح*دث فيبقى‬
‫كقول األول‪:‬‬
‫كأن قطاة علقت بجناحها‬
‫على كبدي من شدة الخفقان‬
‫فيا أيها العاقل النابه اعط كل شيء حجمه‪ ،‬وال تضخم األحداث والمواقف والقضايا بل اقـتصد واعـدل وال تج**ور‬
‫وال تذهب مع الوهم الزائف والسراب الخادع ‪ ,‬اسمع م**يزان الحب والبغض في الح**ديث ‪ " :‬أحبب حبيبك هون *ا ً‬
‫ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ً ما‪ ،‬وأبغض بغيضك هونا ً ما فعسى أن يكون حبيبك يوم*ا ً م**ا " (( عسى هللا أن‬
‫يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وهللا قدير وهللا غفور رحيم )) ‪.‬‬
‫إن كثيراً من التخويفات واألراجيف ال حقيقة لها وقديما ً قالوا ‪:‬‬
‫وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة‬
‫من الهم افرح أكثر الروع باطـل ُه‬

‫‪17‬‬
‫الخاتمة‬
‫هذا الكالم المكتوب لن تستفيد منه حتى تحاول تطبيقه في نفسك وبيتك وعملك وحياتك لتحصل على حياة أجم**ل‬
‫بكثير من حياتك التي تعيشها ‪ ,‬حياة س*عيدة رغي*دةً طيب*ة تص*ل منه*ا إلى حي*اة دائم*ة مطمئن*ة في جن*ات النعيم‬
‫(( ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفى اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار )) ‪.‬‬
‫سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالٌم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫الفهرس‬
‫المقدمة ‪3 .........................................................................................‬‬
‫السبب األول فكر واشكر‪5...........................................................................‬‬
‫السبب الثاني ما مضى فات‪7 ........................................................................‬‬
‫السبب الثالث يومك يومك‪9 ..........................................................................‬‬
‫السبب الرابع اترك المستقبل حتى يأتي‪13............................................................‬‬
‫السبب الخامس كيف تواجه النقد اآلثم‪15.............................................................‬‬
‫السبب السادس ال تنتظر شكر من أحد‪18 .............................................................‬‬
‫السبب السابع اإلحسان إلى الغير‪21 ..................................................................‬‬
‫السبب الثامن إطرد الفراغ بالعمل‪23 .................................................................‬‬
‫السبب التاسع ال تكن إمعة‪25 .........................................................................‬‬
‫السبب العاشر قضاء وقدر‪27 .........................................................................‬‬
‫السبب الحادي عشر إن مع العسر يسراً‪29 ............................................................‬‬
‫السبب الثاني عشر اصنع من الليمون شرابا ً حلواً‪31 ..................................................‬‬
‫السبب الثالث عشر أمن يجيب المضطر إذا دعاه‪33 ....................................................‬‬
‫السبب الرابع عشر وليسعك بيتك‪35 ....................................................................‬‬
‫السبب الخامس عشر العوض من هللا‪37 ................................................................‬‬
‫السبب السادس عشر اإليمان هو الحياة‪39 ..............................................................‬‬
‫السبب السابع عشر إجن العسل وال تكسر الخلية‪41 .....................................................‬‬
‫السبب الثامن عشر أال بذكر هللا تطمئن القلوب‪43 .......................................................‬‬
‫السبب التاسع عشر أم يحسدون الناس على ما آتاهم هللا من فضله‪45 .................................‬‬
‫السبب العشرون إقبل الحياة كما هو‪47 ..................................................................‬‬
‫السبب الحادي والعشرون تعز بأهل المصائب‪49 .........................................................‬‬
‫السبب الثاني والعشرون الصالة‪ ...‬الصالة‪52 ............................................................‬‬
‫السبب الثالث والعشرون حسبنا هللا ونعم الوكيل‪54 .....................................................‬‬
‫السبب الرابع والعشرون قل سيروا في األرض‪56 .......................................................‬‬
‫السبب الخامس والعشرون فصب ٌر جميل‪58 ..............................................................‬‬
‫السبب السادس والعشرون ال تحمل الكرة األرضية على رأسك‪61 .......................................‬‬
‫السبب السابع والعشرون ال تحطمك التوافه‪63 ..........................................................‬‬
‫السبب الثامن والعشرون أرض بما قسم هللا لك تكن أغنى الناس‪65 .....................................‬‬
‫السبب التاسع والعشرون ذكر نفسك بجنة عرضها السموات واألرض‪68 ................................‬‬
‫السبب الثالثون وكذلك جعلناكم أمة سطا‪70 .............................................................‬‬
‫الخاتمــــــــــــــــــــــــــة‪72 ............................................‬‬

‫‪19‬‬

You might also like