Professional Documents
Culture Documents
ثلاثون سبب للسعادة
ثلاثون سبب للسعادة
1
المقدمة
الحمد هلل والصالة والسالم على رسول هللا وآله وصحبه ....وبعد:
سطَّ َر بنات أفكارها القلم وقضاهن في يومين بج**وار بيت هللا الح**رام فيفهذه رسالة مختصرة َ ,
مهب**ط ال**وحي .عص**رت فيه**ا عش**رات الكتب في ب**اب البحث عن الس**عادة ،ولم أثق**ل علي**ك
باألسماء واألرقام والمراجع والنقوالت ،بل شذبتها وهذبتها جهدي عس**ى هللا أن ينفع**ني وإي**اك
بها في الدنيا واآلخرة .إنها تدعوك إلى حياة طيبة آمنة مطمئنة .
ً
ولك إن شئت أن تكرر قراءته*ا وأن تعي**د جمله**ا وأن تض*ع خطوط*ا تحت كلماته*ا ،وأن تط**الب
نفسك بتنفيذ قراراتها والعمل بإرشاداتها ،ولعله**ا أن تق**رأ على األس**رة في ال**بيت وعلى المن**بر
في المسجد ،وفي درس الوعظ على الناس .إنه**ا أش**به بغص**ن الريح**ان خفي**ف المحم**ل طيب
الرائحة ،توضع في درج المكتب وبجوار مخدة النوم .
واسأل نفسك عند قراءتك لها :هل تغير في ذهنك شيء؟ هل ترى أثرآ في روح**ك؟ لع**ل ذل**ك أن
يكون وهذا الذي أريد ،وهللا من وراء القصد وما توفيقي إال باهلل عليه توكلت وإليه أنبت .
عائض القرني
الرياض
ت 014625398
2
السبب األول
فكر واشكر
والمعنى أن تذكر نعم هللا عليك ,فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك (( وإن تعدوا نعمت هللا ال تحصوها
)) صحة في بدن ،أمن في وطن ،غذاء وكساء ،وهواء وماء ،لديك الدنيا وأنت ما تش**عر ،تمل**ك الحي**اة وأنت ال
تعلم (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرةً وباطنةً )) عندك عينان ،ولسان وشفتان ،ويدان ورجالن (( فبأي آالء ربكم**ا
تكذبان )) .هل هي مسألة سهلة أن تمشي على ق*دميك ،وق*د ب*ترت أق*دام ,وأن تعتم*د على س*اقيك ،وق*د قطعت
سوق ،أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار األلم نوم الكثير ،وأن تمالً معدتك من الطعام الش**هي ،وأن تك**رع من
الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام ،ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام .تفكر في سمعك وق**د ع**وفيت
من الصمم ،وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى ،وانظ**ر إلى جل**دك وق**د نج**وت من ال**برص والج**ذام ،والمح
عقلك وقد أنعم عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول.
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهباَ ،أتحب بي*ع س*معك وزن " ثهالن " فض*ة ،ه*ل تش*تري قص*ور الزه*راء
بلسانك فتكون أبكما ،هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقط**ع ،إن**ك في نعم عميم**ة وأفض**ال
جسيمة ،ولكنك ال تدري .تعيش مهموم*ا ً مغموم*ا ً حزين*ا ً كئيب*ا ً وعن**ك الخ**بز وال**دفء ،والم**اء الب**ارد ،والن**وم
الهانىء ،والعافي*ة الوارف*ة ،تتفك*ر في المفق*ود وال تش*كر الموج*ود ،ت*نزعج من خس*ارة مالي*ة وعن*دك مفت*اح
السعادة ،وقناطير مقنطرة من الخير والمواهب والنعم واألشياء ،فك**ر واش**كر (( وفي أنفس**كم أفال تبص**رون ))
فك**ر في نفس**ك ،وأهل**ك ،وبيت**ك ،وعمل**ك ،وعافيت**ك ،وأص**دقائك ،وال**دنيا من حول**ك (( يعرف**ون نعمت هللا ثم
ينكرونها )) .
السبب الثاني
ما مضى فات
ق وجنون ،وقتل لإلرادة وتبديد للحي**اة الحاض**رة . تذكر الماضي والتفاعل معه واستحضاه ،والحزن لمآسيه حم ٌ
إن ملف الماضي عند العقال ًء يطوى وال يروى ،يغلق عليه أبدا في زنزانة النسيان ،يقيد بحب**ال قوي**ة في س**جن
اإلهمال فال يخرج أبداً ،ويوصد عليه فال ي*رى الن**ور ،ألن*ه مض*ى وانتهى ،ال الح**زن يعي**ده ،ال الهم يص*لحه ،ال
الغم يصححه ،ال الكدر يحيـيه ألنه عدم .ال تعش في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت ،أنق*ذ نفس*ك من ش*بح
الماضي ،أتريد أن ترد النهر إلى مصبه والشمس إلى مطلعها ،والطفل إلى بطن أمه ،واللبن إلى الثدي ،والدمعة
إلى العين ،إنك بتفاعلك مع الماضي ،وقلقلك منه واحتراقك بناره ،وانطراحك على أعتابه تعيش وضعا ً مأس**اويا ً
رهيبا ً مخيفا ً مفزعاً.
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر ،وتمزيق للجهد ،ونسف للساعة الراهنة ،ذكر هللا األمم وما فعلت ثم
قال (( :تلك أمةٌ قد خلت )) انتهى األمر وقضي ،وال طائل من تشريح جثة الزمان ،وإعادة عجلة التاريخ .
إن الذي يعود للماضي كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصالً ،وكال*ذي ينش*ر نش*ارة الخش*ب .وق*ديما ً ق*الوا
لمن يبكي على الماض**ي :ال تخ**رج األم**وات من قب**ورهم ،وق**د ذك**ر من يتح**دث على ألس**نة البه**ائم أنهم ق**الوا
للحمار لم ال تجتر ؟ قال :أكره الكذب .
إن بالءن**ا أنن**ا نعج**ز عن حاض**رنا ونش**تغل بماض**ينا ,نهم**ل قص**ورنا الجميل**ة ،ونن**دب األطالل البالي**ة ،ولئن
اجتمعت اإلنس والجن على إعادة ما مضى لما استطاعوا ألن هذا هو المحال بعينه .
إن الناس ال ينظرون إلى الوراء وال يلتفتون إلى الخل**ف؛ ألن ال**ريح تتج**ه إلى األم**ام والم**اء ينح*در إلى األم*ام
والقافلة تسير إلى األمام ،فال تخالف سنة الحياة .
السبب الثالث
يومك يومك
إذا أصبحت فال تنتظر المساء ،اليوم فحسب ستعيش ،فال أمس الذي ذهب بخيره وش**ره ،وال الغ**د ال**ذي لم ي**أت
إلى اآلن .اليوم الذي أظـلتك شمس*ه ،وأدرك*ك نه*اره ه*و يوم*ك فحس*ب ،عم*رك ي*وم واح*د ،فاجع*ل في خل*دك
العيش لهذا اليوم وكأنك ولدت فيه وتموت فيه ,حينها ال تتعثر حياتك بين هاجس الماضي وهم**ه وغم**ه ،وبين
توقع المستقبل وشبحه المخيف وزحفه المرعب ،لليوم فقط اصرف تركيزك واهتمامك وإب**داعك وك**دك وج**دك،
فلهذا اليوم ال بد أن تقدم صالة خاشعة وتالوة بتدبر واطالعا ً بتأمل ،وذكراً بحضور ،واتزانا ً في األمور ،وحس**نا ً
3
في خلق ،ورضا ً بالمقسوم ،واهتماما ً بالمظهر ،واعتنا ًء بالجسم ،ورضا َ بالمقسوم ،واهتماما ً بالمظهر ،واعتنا ًء
بالجسم ،ونفعا ً لآلخرين .
لليوم هذا الذي أنت فيه فتقسم ساعاته وتجعل من دقائقه سنوات ،ومن ثوانيه شهور ،تزرع فيه الخ**ير ،تس**دي
فيه الجميل تس**تغفر في**ه من ال**ذنب ،ت**ذكر في*ه ال**رب ،تتهي**أ للرحي**ل ،تعيش ه**ذا الي**وم فرح*ا ً وس**روراً ،وأمن*ا َ
وسكينة ،ترضى فيه برزقك ،بزوجتك ،بأطفال**ك بوظيفت**ك ،ببيت**ك ،بعلم**ك ،بمس**تواك (( فخ**ذ ما آتيت**ك وكن من
الشاكرين )) تعيش هذا اليوم بال حزن وال انزعاج ،وال سخط ،وال حقد ،وال حسد .
إن عليك أن تكتب على لوح قـلبك عبارة واحدة تجعلها أيضا َ على مكتبك ,تقول العبارة :يومك يومك .
إذا أكلت خبزاً حاراً شهيا ً هذا اليوم فهل يضرك خبز األمس الجاف الرديء *،أو خبز غد الغائب المنتظر .
إذا شربت ما ًء عذبا َ زالالً هذا اليوم ،فلماذا تحزن من ماء أمس الملح األجاج ،أو ماء غ ٍد اآلسن الحار .
إنك لو صدقت مع نفسك بإرادة فوالذية صارمة عارمة ألخضعتها لنظرية :لن أعيش إال هذا اليوم .
حينها تستغل كل لحظة في هذا اليوم في بناء كيانك وتنمية مواهبك ،وتزكية عمل**ك ،فتق**ول :للي**وم فق**ط أه**ذب
ألف**اظي فال أنط**ق هج**راً أو فحش*اً ،أو س**باً ،أو غيب**ة ،للي**وم فق**ط س**وف أرتب بي**تي ومكتب**تي ،فال ارتب**اك وال
بعثرة ،وإنما نظ*ام ورتاب*ة .للي*وم فق*ط س*وف أعيش ف*أعتني بنظاف*ة جس*مي ،وتحس*ين مظه*ري واالهتم*ام
بهندامي ،واالتزان في مشيتي وكالمي وحركاتي .
لليوم فقط سأعيش فأجتهد في طاعة ربي ،وتأدية صالتي على أكمل وجه ،والتزود بالنوافل ،وتعاهد مصحفي،
والنظر في كتبي ،وحفظ فائدة ،ومطالعة كتاب نافع .
لليوم فقط سأعيش فأغرس في قلبي الفضيلة وأجتث منه شجرة الشر بغصونها الشائكة من كبر وعجب ورياء
وحسد وحقد وغل وسوء ظن .
لليوم فقط سوف أعيش فأنفع اآلخرين ,وأسدي الجميل إلى الغير ،أعود مريضاً ،أشيع جنازة ،أدل حيران،
أطعم جائعاً ،أفرج عن مكروب ،أقف مع مظلوم ،أشفع لضعيف ،أواسي منكوباً ،أكرم عالماً ،أرحم صغيراً ،أجل
كبيراً .
ض ذهب وانتهى :اغرب كشمسك فلن أبكي علي**ك ولن ت**راني أق**ف ألت**ذكرك لحظ**ة ؛ لليوم فقط سأعيش فيا ما ٍ
ألنك تركتنا وهجرتنا وارتحلت عنا ولن تعود إلينا أبد اآلبدين .
ويا مستقبل أنت في عالم الغيب فلن أتعامل مع األحالم ،ولن أبيع نفسي م**ع األوه**ام* ولن أتعج**ل ميالد مفق**ود ؛
ألن غداً ال شيء ألنه لم يخلق وألنه لم يكن مذكوراً .
يومك يومك أيها اإلنسان أروع كلمة في قاموس السعادة لمن أراد الحياة في أبهى صورها وأجمل حللها .
السبب الرابع
اترك المستقبل حتى يأتي
(( أتى أمر هللا فال تستعجلوه )) ال تستبق األحداث ،أتريد اجهاض الحمل قبل تمامه ،وقطف الثمرة قبل النضج
،إن غداً مفقود ال حقيقة له ،ليس له وجود وال طعم وال لون ،فلماذا نشغل أنفسنا ب**ه ونت**وجس من مص**ائبه
ونهتم لحوادثه ونتوقع كوارثه ،وال ندري هل يحال بيننا وبينه أو نلقاه فإذا ه**و س**رور وحب**ور ،المهم أن**ه في
عالم الغيب لم يصل إلى األرض بعد .إن علينا أن ال نعبر جسراً حتى نأتيه ،ومن يدري؟ لعلنا ننفق قب**ل وص**ول
الجسر ،أو لعل الجسر ينهار قبل وصولنا ،وربما وصلنا الجسر ومررنا عليه بسالم .
إن إعطاء الذهن مساحة أوسع للتفكير في المستقبل وفتح كتاب الغيب ثم االكتواء بالمزعجات المتوقعة ممقوتٌ
شرعاً؛ ألنه طول أمل ،ومذموم عقالً ؛ ألنه مصارعة للظل .إن كثيراً من ه**ذا الع**الم يتوق**ع في مس**تقبله الج**وع
والعري والمرض والفقر والمصائب ،وهذا كله من مفردات مدارس الشيطان (( الشيطان يع**دكم الفق**ر وي**أمركم
بالفحشاء وهلل يعدكم مغفرةً منه وفضالً )) .
ً
كثي ٌر هم الذين يبكون ؛ ألنهم سوف يجوعون غدا ،وسوف يمرضون بعد س*نة ،وس*وف ينتهي الع*الم بع**د مائ**ة
عام .إن الذي عمره في يد غيره ال ينبغي ل**ه أن ي**راهن على الع**دم ،وال**ذي ال ي*دري م*تى يم**وت ال يج**وز ل**ه
االشتغال بشيء مفقود ال حقيقة له .
اترك غداً حتى يأتيك ،ال تسأل عن أخباره ،ال تنتظر زحفه ؛ ألنك مشغول باليوم .
فعجب هؤالء يقترضون الهم نقداً ليقضوه نسيئة في يوم لم تشرق شمسه ولم ي**ر الن**ور ،فح**ذار من ٌ وإن تعجب
طول األمل .
السبب الخامس
4
كيف تواجه النقد اآلثم
الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في عاله ،وشتموا الواحد األحد ال إل**ه إال ه**و ،فم**اذا أتوق**ع أن**ا وأنت
ونحن أهل الحيف والخطأ ،إنك سوف تواجه في حياتك حربا ً ضروسا ً ال هوادة فيه**ا من النق**د اآلثم الم**ر ،ومن
التحطيم المدروس المقصود ،ومن اإلهانة المتعمدة ما دام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتس**طع وتلم**ع ،ولن يس**كن
هؤالء عنك حتى تتخذ نفقا ً في األرض أو سلما ً في السماء فتفر من هؤالء ،أما وأنت بين أظه**رهم ف**انتظر منهم
ما يسوؤك ويبكي عينك ،ويدمي مقلتك ،ويقض مضجعك .
إن الجالس على األرض ال يسقط ،والناس ال يرفسون كلبا ً ميتاً ،لكنهم يغض*بون علي*ك ألن**ك فقـتهم ص*الحاً ،أو
علماً ،أو أدباً ،أو ماالً ،فأنت عندهم مذنب ال توبة لك حتى تترك مواهبك ونعم هللا عليك ،وتنخلع من ك**ل ص**فات
الحمد ،وتنسلخ من كل معاني النبل ،وتبقى بليداً غبيًا ،صفراً محطماً ،مكدوداً ,هذا ما يريدون بالضبط .
إذاَ فاصمد لكالم هؤالء ونقدهم وتش**ويههم وتحق*يرهم " اثبت أح**د" وكن كالص**خرة الص**امتة المهيب**ة تتـكسر
عليها حبات البر لتثبت وجودها وقدرتها على البقاء .إنك إن أصغيت لكالم هؤالء وتفاعلت مع**ه حققت أم*نيتهم
الغالية في تعكير حياتك وتكدير عم**رك ،أال فاص**فح الص**فح الجمي**ل ،أال ف**أعرض عنهم وال ت**ك في ض**يق مم**ا
يمكرون .إن نقدهم السخيف ترجمة محترمة لك ،وبقدر وزنك يكون النقد اآلثم المفتعل .
إنك لن تستطيع أن تغلق أفواه هؤالء ولن تس*تطيع أن تعتق**ل ألس*نتهم لكن**ك تس*تطيع أن ت*دفن نق**دهم وتج*نيهم
بتجافيك لهم ،وإهمالك لشأنهم ،وإطراحك ألقوالهم (( قل موتوا بغيظكم ))
بل تستطيع أن تصب في أفواههم الخردل بزيادة فضائلك وتربية محاسنك وتقويم اعوجاجك .
إن كنت تريد أن تكون مقبوالً عند الجميع محبوبا ً لدى الك**ل س**ليما ً من العي**وب عن**د الع**الم فق**د طلبت مس**تحيالً
وأملت أمالً بعيداً .
قال حاتم :
السبب السادس
ال تنتظر شكراً من أحد
من يفعل الخير ال يعدم جوازيه
ال يذهب العرف بين هللا والناس
خلق هللا العباد ليذكروه ورزق هللا الخليقة ليشكروه ،فبعد الكثير غيره ،وشكر الغالب سواه؛ ألن طبيع**ة الجح**ود
والنكران والجفاء وكفران النعم غالبة على النف**وس ،فال تص**دم إذا وج**دت ه**ؤالء ق**د كف**روا جميل**ك ،وأحرق**وا
إحسانك ،ونسوا معروفك ،بل ربما ناصبوك العداء ،ورموك بمنجنيق الحق**د ال**دفين ،ال لش**يء إال ألن**ك أحس**نت
إليهم (( وما نقموا إال أن أغناهم هللا ورسوله من فضله )) .
5
وطالع سجل العالم المشهود ،فإذا في فصوله قصة أب ربى ابنه وغذاه وكساه وأطعمه وسقاه ،وأدب**ه ،وعلم**ه،
سهر لينام ،وجاع ليشبع ،وتعب ليرتاح ،فلما طر شاب هذا االبن وقوي ساعده ،أص**بح لوال**ده ك**الكلب العق**ور،
استخفافاً ،ازدرا ًء ،مقتاً ،عقوقاً ،صراخاً ،عذابا ً وبيال ً.
أال فليهدأ الذين احترقت أوراق جميلهم عند منكوسي الفطر ،ومحطمي اإلرادات ،وليهنؤوا بعوض المثوبة عن**د
من ال تنفذ خزائنه .
إن هذا الخطاب الحار ال يدعوك لترك الجميل ،وعدم اإلحسان للغير ،وإنما يوطنك على انتظ**ار الجح**ود والتنك**ر
لهذا الجميل واإلحسان ،فال تبتـئس بما كانوا يصنعون .
اعمل الخير لوجه هللا ،ألنك الفائز على كل حال ،ثم ال يضر غم*ط من غمط**ه ،وال جح**ود من جح**ده ،واحم**د هللا
ألنك المحسن ،وهو المسيء ،واليد العليا خير من اليد السفلى (( إنما نطعمكم لوج**ه هللا ال نري**د منكم ج**زا ًء وال
شكوراً )) .
وقد ذهل كثير من العقالء من جبل*ة الجح*ود عن*د الغوغ*اء ،وك*أنهم م*ا س*معوا ال*وحي الجلي*ل وه*و ينعي على
الصنف عتوه وتمرده (( مر كأن لم يدعنا إلى ض ٍر مس**ه)) ال تفاج*ا ً إذا أه**ديت بلي**داً قلم*ا ً فكتب ب**ه هج**اءك ،أو
منحت جافيا ً عصا ً يتوك**أ عليه*ا ويهش به**ا على غنم*ه ،فش**ج به**ا رأس*ك ،ه*ذا ه**و األص**ل عن**د ه**ذه البش*رية
المحنطة في كفن الجحود مع باريها جل في عاله ،فكيف بها معي ومعك .
السبب السابع
اإلحسان إلى الغير انشراح للصدر
الجميل كاسمه ،والمع**روف كرس**مه ،والخ**ير كطعم**ه .أول المس**تفيدين من إس**عاد الن**اس هم المتفض**لون به**ذا
اإلسعاد ،يجنون ثمراته عاجالً في نفوس**هم ،وأخالقهم ،وض**مائرهم ،فيج**دون االنش**راح ،واالنبس**اط ،واله**دوء*
والسكينة .
ف*إذا ط*اف ب*ك ط*ائف من هم أو ألم ب*ك غم ف*امنح غ*يرك معروف*ا ً وأس* ِد لهم جميالً تج*د الف*رج والراح*ة .أع*ط
محروماً ،انصر مظلوماً ،أنقذ مكروباً ،أطعم جائعاً ،عد مريضاً ،أعن منكوباً ،تجد السعادة تغم**رك من بين ي**ديك
ومن خلفك .
إن فعل الخير كالمسك ينفع حامله وبائعه ومشتريه ،وعوائد الخير النفسية عقاقير مبارك**ة تص**رف في ص*يدلية
الذين عمرت قلوبهم بالبر واإلحسان .
إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء األخالق صدقة جارية في عالم القيم " ول**و أن تلقى أخ**اك بوج**ه طـلق
" وإن عبوس الوجه إعالن حرب ضروس على اآلخرين ال يعلم قيامها إال عالم الغيوب .
شربة ماء من كف بغي لكلب عقور أثمرت دخول جنة عرضها السماوات واألرض ألن صاحب الثواب غفور
شكور جميل ،يحب الجميل ،غني حميد .
يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف وتش**اغلوا ب**الخير ،عط**اء وض**يافة
ومواساة وإعانة وخدمة وستجدون السعادة طعما ً ولونا ً وذوقا ً (( وما ألح ٍد عنده من نعم ٍة تجزى()19إال ابتغ**اء
وجه ربه األعلى( )20ولسوف يرضى )) .
السبب الثامن
أطرد الفراغ بالعمل
الفارغون في الحياة هم أهل األراجيف والشائعات ألن أذهانهم موزعة (( رضوا بأن يكونوا مع الخوالف )).
إن أخطر حاالت الذهن يوم يفرغ صاحبه من العم**ل فيبقى كالس**يارة المس**رعة في انح**دار بال س**ائق تجنح ذات
اليمين وذات الشمال .
ي**وم تج**د في حيات**ك فراغ*ا ً فتهي**أ حينه**ا للهم والغم والف**زع؛ ألن ه**ذا الف**راغ يس**حب ل**ك ك**ل ملف**ات الماض**ي
والحاضر والمستقبل من أدراج الحياة فيجعلك في أمر مريج ،ونصيحتي لك ولنفسي أن تقوم بأعمال مثمرة بدالً
من هذا االسترخاء القاتل ألنه وأ ٌد خفي ،وانتحار بكبسول مسكن .
إن الفراغ أشبه بالتعذيب البطيء الذي يمارس في سجون الصين بوضع الس**جين تحت أنب**وب يقط**ر ك**ل دقيق**ة
قطرة ،وفي فترات انتظار هذه القطرات يصاب السجين بالجنون .
6
الراحة غفلة ،والفارغ لص محترف ،وعقلك هو فريسة ممزقة لهذه الحروب الوهمية .
إذاَ قم اآلن صل أو اقرأ ،أو سبح أو طالع ،أو اكتب ،أو رتب مكتبتك ،أو اصلح بيتك ،أو انفع غيرك حتى تقضي
على الفراغ وإني لك من الناصحين .
اذبح الفراغ بسكين العمل ،ويضمن لك أطب**اء الع*الم %50من الس**عادة مقاب*ل ه*ذا اإلج*راء الط**ارئ فحس*ب،
انظ**ر إلى الفالحين والخب**ازين والبن**اءين يغ**ردون باألناش**يد كالعص**افير في س**عادة وراح**ة وأنت على فراش**ك
تمسح دموعك وتضطرب كأنك ملدوغ .
السبب التاسع
ال تكن إمعة
ال تتقمص شخصية غيرك وال ت**ذب في اآلخ**رين .إن ه**ذا ه**و الع**ذاب ال**دائم ،وكث*ير هم ال**ذين ينس**ون أنفس**هم
وأص**واتهم وحرك**اتهم ،وكالمهم ،وم**واهبهم ،وظ**روفهم ،لينص**هروا في شخص**يات اآلخ**رين ،ف**إذا التكل**ف
والصلف ،واالحتراق ،واإلعدام للكيان وللذات .
وآدم إلى آخر الخليقة لم يتفق اثنان في صورة واحدة ،فلماذا يتفقون في المواهب واألخالق .
أنت شيء آخر لم يسبق لك في التاريخ مثال ولن يأتي مثلك في الدنيا شبيه .
أنت مختلف تماما ً عن زيد وعمرو فال تحشر نفسك في سرداب التقليد والمحاكاة والذوبان .
ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات )) ٍ س مشربهم )) (( انطلق على هيئتك وسجيتك (( قد علم كل أنا ٍ
عش كما خلقت ال تغير صوتك ،ال تبدل نبرتك ،ال تخلف مشيتك ،هذب نفسك بالوحي ،ولكن ال تلغي وجودك
وتقتل استقاللك .
أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ،ألنك خلفت هك**ذا وعرفن**اك هك**ذا " ال يكن
أحدكم إمعة " .
إن الناس في طبائعهم أشبه بعالم األشجار .حلو وحامض ،وطويل وقصير ،وهكذا فليكونوا .فإن كنت كالموز
فال تتحول إلى سفرجل ؛ ألن جمالك وقيمتك أن تكون موزاً ،إن اختالف ألواننا وألسنتنا ومواهبنا وقدراتنا آية
من آيات الباري فال تجحد آياته .
السبب العاشر
قضاء وقدر
(( م**ا أص**اب من مص**يبة في األرض وال في أنفس**كم إال في كت**اب من قب**ل أن نبرأه**ا )) ,ج**ف القلم ،رفعت
الصحف ،قضي األمر ،كتبت المقادير ،لن يصيبنا إال ما كتب هللا لنا ،ما أص**ابك لم يكن ليخط**أك ،وم**ا أخط**أك لم
يكن ليصيبك .
إن هذه العقيدة إذا رس*خت في نفس*ك وق*رت في ض*ميرك ص*ارت البلي*ة عطي*ة ،والمحن*ة منح*ة ،وك*ل الوق*ائع
جوائز وأوسمة " من يرد هللا به خيراً يصب منه " فال يصيبك قلق من م*رض أو م*وت ابن ،أو خس**ارة مالي*ة،
أو احتراق بيت ،فإن الباري قد قدر والقضاء قد حل ،واالختيار هكذا ،والخيرة هلل ،واألجر حصل والذنب ُكفِّ َر .
هنيئا ً ألهل المصائب صبرهم ورضاهم عن اآلخذ ،المعطي ،القابض ،الباسط ،ال يسأل عما يفعل وهم يسألون .
ولن تهدأ أعصابك وتسكن بالبل نفسك ،وتذهب وساوس صدرك حتى تؤمن بالقضاء والقدر ،جف القلم بما أنت
الق ،فال تذهب نفسك حسرات ،ال تظن أنه كان بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار ،وحبس الماء أن ينس**كب ،ومن**ع
الريح أن تهب ،وحفظ الزجاج أن ينكسر ،هذا ليس بصحيح على رغمي ورغمك ،وس**وف يق**ع المق**دور ،وينف**ذ
القضاء ،ويحل المكتوب (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) .
استسلم للقدر قبل أن تطوق بجيش السخط والتذمر والعوي**ل ،اع**ترف بالقض**اء قب**ل أن ي**دهمك س**يل الن**دم ،إذاَ
فليهدأ بالك إذا فعلت األسباب ،وبذلت الحيل ،ثم وقع ما كنت تحذر ،فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ،وال تق**ل "
لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا وكذا ،ولكن قل :قدر هللا وما شاء فعل".
7
السبب الحادي عشر
إن مع العسر يسراً
يا إنسان بعد الجوع شبع ،وبعد الظمأ ري ،وبعد السهر نوم ،وبعد المرض عافية ،سوف يصل الغ**ائب ويهت**دي
الضال ،ويفك العاني ،وينقشع الظالم (( فعسى هللا أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده )) .
بشر الليل بصبح صادق يطارده على رؤوس الجبال ،ومسارب األودية ،بش**ر المهم**وم بف**رج مف**اجئ يص**ل في
سرعة الضوء ولمح البصر ،بشر المنكوب بلطف خفي وكف حانية وادعة .
إذا رأيت الصحراء تمتد ،فاعلم أن ورائها رياضا ً خضراء وارفة الظالل .
إذا رأيت الحبل يشتد يشتد ،فاعلم أنه سوف ينقطع .
أحسن كلمة قالها العرب في الجاهلية :
الغمرات ثم ينـلجنّه
ثم يذهبن وال يجنّه
مع الدمعة بسمة ،ومع الخوف أمناً ،ومع الفزع سكينة ،النار ال تح**رق إب**راهيم التوحي**د؛ ألن الرعاي**ة الرباني**ة
فتحت نافذة برداً وسالما ً .
البحر ال يغرق كليم الرحمن؛ ألن الصوت القوي الصادق نطق بكال إن معي ربي سيهدين .
ش َر صاحبه بأنه وحده معنا فـتـنـزل األمن والفتح والسكينة . المعصوم في الغار بَ َّ
إن عبيد ساعدتهم الراهنة وأرقاء ظروفهم القاتمة ال يرون إال النكد والضيق والتعاسة ،ألنهم ال ينظرون إال إلى
ج**دار الغرف**ة وب**اب ال**دار فحس**ب .أال فليم**دوا أبص**ارهم وراء الحجب وليطلق**وا أعن**ة أفك**ارهم إلى م**ا وراء
األسوار .
إذاَ فال تضق ذرعا فمن المحال دوام الحال ،وأفضل العبادة انتظار الفرج ،األيام دول ،والدهر قلب ،والليالي
َ
حبالى ،والغيب مستور ،والحكيم كل يوم هو في شأن ،ولعل هللا يحدث بعد ذلك أمرا ،وإن مع العسر يسراَ .
8
وحق علي وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء ،والسراء والضراء ،ونفزع إليه في الملمات ،ونتوس*ل إلي*ه في
الكربات ،وننطرح على عتبات بابه سائلين باكين ضارعين منيـبـيـن ،حينه**ا ي**أتي م**دده ويص**ل عون**ه ويس**رع
فرجه ،ويحل فتحه (( أمن يجيب المضطر إذا دع*اه )) فينجي الغري*ق وي**رد الغ*ائب ،ويع**افي المبتـلى ،وينص**ر
المظلوم ،ويهدي الضال ،ويشفي المريض ،ويفرج عن المكروب (( فإذا ركبوا في الفلك دع**وا هللا مخلص**ين ل**ه
الدين )) .
ولن أس**رد علي**ك هن**ا أدعي**ة إزاح**ة الهم والغم والح**زن والك**رب ،ولكن أحيل**ك إلى كتب الس**نة لتتعلم ش**ريف
الخطاب معه فتناجيه وتناديه وتدعوه وترجوه ،فإن وجدته وجدت كل ش**يء ،وإن فق**دت اإليم**ان ب**ه فق**دت ك**ل
شيء ،إن دعاءك ربك عبادة أخرى ،وطاعة عظمى ثاني**ة ف**وق حص**ول المطل**وب ،وإن عب**داَ يجي**د فن ال**دعاء
حري أن ال يهتم وال يغتم وال يقلق ،كل الحبال تتصرم إال حبله ،كل األب**واب توص**د إال باب**ه ،وه**و ق**ريب س**ميع
مجيب ،يجيب المضطر إذا دعاه .يأمرك وأنت الفقير الضعيف المحتاج ،وهو الغني القوي الواح**د الماج**د ،ب**أن
تدعوه (( ادعوني أستجب لكم )) .
إذا نزلت بك النوازل وألمت بك الخطوب ،فالهج بذكره ،واهتف باسمه ،واطلب مدده واسأله فتحه ونصره ،مرغ
الجبين لتقديس اسمه ،لتحصل على تاج الحرية ،وأرغم األنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة .مد ي**ديك،
أرفع كفيك ،أطلق لسانك ،أكثر من طلبه ،بالغ في سؤاله ،ألح عليه ،الزم بابه ،انتظ**ر لطف**ه ،ت**رقب فتح**ه ،أش**د
باسمه ،أحسن ظنك فيه ،انقطع إليه ،تبتل إليه تبتيالً حتى تسعد وتفلح .
إذاً فرجائي الوحيد إقبالك على شأنك واالنزواء في غرفتك إال من قول خير أو فع*ل خ*ير ،حينه*ا تج*د قلب*ك ع*اد
إليك ،فس**لم وقت**ك من الض**ياع ،وعم**رك من اإله**دار ،ولس**انك من الغيب**ة ،وقلب**ك من القل**ق ،وأذن**ك من الخن**ا
ونفسك من سوء الظن ،ومن جرب ع**رف ،ومن أركب نفس**ه مطاي**ا األوه**ام *،واسترس**ل م**ع الع**وام فق**ل علي**ه
السالم .
9
إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير ،واآلخ**رة خ**ير وأبقى فمن أص**يب هن**ا ك**وفي هن**اك ،ومن تعب هن**ا ارت**اح
هناك ،أما المتعـلقون بالدنيا العاشقون لها الراكنون إليها ،فأشد ما على قل**وبهم ف**وت حظ**وظهم منه**ا وتنغيص
راحتهم فيه**ا ألنهم يري**دونها وح**دها فل**ذلك تعظم عليهم المص**ائب وتك**بر عن**دهم النكب**ات ألنهم ينظ**رون تحت
أقدامهم فال يرون إال الدنيا الفانية الزهيدة الرخيصة .
أيها المصابون ما فات شيء وأنتم الرابحون ،فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها لط**ف وعط**ف وث**واب وحس**ن
اختيار إن على المصاب الذي ضرب عليه سرادق المصيبة أن ينظر ليرى أن النتيجة (( فضرب بينهم بسو ٍر لهُ
العذاب )) وما عند هللا خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى .
ُ باب باطنهُ فيه الرحمة وظاهره من قبله
10
من حرمني " (( ,والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس )) بش*ر ه**ؤالء بث**واب عاج**ل من الطمأنين*ة والس*كينة
والهدوء .
من سالم الناس يسلم من عواذلهم
ونام وهو قرير العين جذالن
وبشرهم بثواب أخروي كبير في جوار رب غفور في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر .
إنني أنهى نفسي ونفسك عن الحسد رحمة بي وبك ،قبل أن نرحم اآلخرين؛ ألننا بحسدنا لهم نطعم الهم لحومنا،
ونسقي الغم دماءنا ونوزع نوم جفوننا على اآلخرين .
إن الحاسد يشعل فرنا ً ساخنا ً ثم يقتحم فيه .التنغيص والكدر والهم الحاضر أمراض يولدها الحسد لتقض**ي على
الراحة والحياة الطيبة الجميلة .
بلية الحاسد أنه خاصم القضاء واتهم الباري في العدل وأساء األدب مع الشرع وخالف صاحب المنهج .
يا للحسد من مرض ال يؤجر عليه ص*احبه ،ومن بالء ال يث*اب علي*ه المبتلى ب*ه ،وس*وف يبقى ه*ذا الحاس*د في
حرقة دائمة حتى يموت أو تذهب نعم الن*اس عنهم .ك**ل يص*الح إال الحاس**د فالص*لح مع**ه أن تتخلى عن نعم هللا
وتتنازل عن مواهبك ،وتلغي خصائصك ،ومناقبك ،فإن فعلت ذلك فلعله يرضى على مضض ،نع**وذ باهلل من ش**ر
حاسد إذا حسد ،فإنه يصبح كالثعبان األسود السام ال يقر قراره حتى يفرغ سمه في جسم بريء .
11
فأنهاك أنهاك عن الحسد واستعذ باهلل من الحاسد فإنه لك بالمرصاد .
السبب العشرون
اقبل الحياة كما هي
طبعت على كدر وأنت تريدها
صفواً من األقذاء واألكدار
هذا حال الدنيا منغصة اللذات ،كث*يرة التبع**ات ،جاهم**ة المحي**ا ،كث*يرة التل*ون ،م*زجت بالك**در ،وخلطت بالنك**د،
وأنت منها في كبد .
ولن تجد ولداً أو زوجة ،أو صديقاً ،أو نبيالً ،وال مسكنا ً وال وظيفة إال وفي**ه م**ا يك**در وعن**ده م**ا يس**وء أحيان*اً،
فأطفيء حر شره ببرد خيره ،لتنجو رأسا ً برأس والجروح قصاص .
أراد هللا لهذه الدنيا أن تكون جامعة لضدين والن**وعين والف*ريقين وال**رأيين خ*ير وش*ر ،ص*الح وفس*اد ،س*رور
وحزن ،ثم يصفو الخير كله والصالح والسرور في الجنة ويجمع الشر كله والفساد والحزن في النار .
وفي الحديث " :الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إال ذكر هللا وما وااله وعالم ومتعلم " فعش واقع**ك وال تس**رح م**ع
الخيال وحلق في عالم المثاليات ،اقبل دنياك كما هي ،وطوع نفسك لمعايشتها ومواطنتها ،فس**وف ال يص**فو ل**ك
فيها صاحب وال يكمل لك فيها أمر؛ ألن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها وال من صفاتها .
لن تكمل لك زوجة وفي الحديث " ال يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي آخر" .
فينبغي أن نسدد ونقارب ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسر ونذر ما تعسر ونغمض الط**رف أحيان**ا ونس**دد الخطى ،
ونتغافل عن أمور .
ومن لم يصانع في أمور كثيرة
يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
12
وطعن علي ،وجلدت ظهور األئمة وسجن األخيار ،ونكل باألبرار (( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما ي**أتكم مث**ل
الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا )) .
13
مما يش**رح الص**در وي**زيح س**حب الهم والغم ؛ الس**فر في ال**ديار ،وقط**ع القف**ار ،والتقلب في األرض الواس**عة،
والنظر في كت**اب الك**ون المفت**وح لتش**اهد أقالم الق**درة وهي تكتب على ص**فحات الوج**ود آي**ات الجم**ال ،ل**ترى
حدائق ذات بهجة ،ورياضا ً أنيقة وجنات ألفافاً ،أخرج من بيتك وتأمل ما حولك وما بين يديك وما خلف**ك ،اص**عد
الجبال ،اهبط األودية ،تس*لق األش*جار ،عب من الم**اء النم*ير ،ض*ع أنف*ك على أغص**ان الياس*مين ،حينه*ا تج**د
روحك حرة طليقة ،كالطائر الغريد تسبح في فضاء السعادة ،اخرج من بيتك ،ألق الغطاء األسود عن عيني**ك ،ثم
سر في فجاج هللا الواسعة ذاكراً مسبحاً.
إن االنزواء في الغرفة الضيقة مع الفراغ القاتل طريق ناجح لالنتحار ،وليست غرفتك هي العالم ولست أنت ك**ل
الناس ،فلم االستسالم أمام كتائب األحزان ،أال فاهتف ببصرك وسمعك وقلبك :انف**روا خفاف*ا ً وثق*االً ،تع*ال لتق**رأ
القرآن هنا بين الجداول والخمائل بين الطيور وهي تتلو خطب الحب ،وبين الماء وهو يروي قص**ة وص**وله من
التل .
أيها ذا الشاكي وما بك داء
كن جميالً ترى الوجود جميالً
أترى الشوك في الورود وتعمى
أن ترى فوقه الندى إكليال
إن الترحال في مسارب األرض متعة يوصي بها األطباء لمن ثقلت عليه نفس**ه ،وأظلمت علي**ه غرفت**ه الض**يقة،
فهيا بنا نسافر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبر (( ويتفكرون في خل**ق الس**ماوات واألرض ربن**ا م**ا خلقت ه**ذا بطالً
سبحانك )) .
14
إن كان عندك يا زمان بقية
مما يهان به الكرام فهاتها
15
وأكثر الجيل األول كانوا فقراء لم يكن لديهم أعطيات وال مساكن بهية ،وال م**راكب ،وال حش**م ،وم**ع ذل**ك أث*روا
الحياة وأسعدوا أنفس*هم واإلنس*انية؛ ألنهم وجه*وا م*ا آت*اهم هللا من خ*ير في س*بيله الص*حيح ,فب*ورك لهم في
أعمارهم وأوقاتهم ومواهبهم ،ويقابل هذا الصنف المبارك مٌأل أعطوا من األموال واألوالد والنعم ،فك**انت س**بب
شقائهم وتعاستهم؛ ألنهم انحرفوا عن الفطرة السوية والمنهج الحق وه*ذا بره*ان س*اطع على أن ه*ذه األش*ياء
ليست كل شيء ،انظر إلى من حمل شهادات عالمية لكنه نكرة من النكرات في عطاءه وفهمه وأثره ،بينم**ا تج**د
آخرين عندهم علم محدود ،وقد جعلوا منه نهراً دافقا ً بالنفع واإلصالح والعمار .
إن كنت تريد السعادة فارض بصورتك التي ركبك هللا فيها ،وارض بوضعك األسري وص**وتك ومس**توى فهم**ك،
ودخلك ،بل إن بعض المربين الزهاد يذهبون إلى أبعد من ذلك فيقولون لك :ارض بأقل مم*ا أنت في*ه وب*دون م*ا
أنت عليه وأنشدوا :
سعادتك العظمى إذا كنت عاقالً
مناك بحال دون حال تعيشها
هاك قائمة رائعة مليئة بالالمعين الذين بخسوا حظوظهم الدنيوية :
عطاء بن أبي رباح عالم الدنيا في عهده ،مولى أسود أفطس أشل مفلفل الشعر .
األحنف بن قيس ،حليم العرب قاطبة ،نحيف الجسم ،أحدب الظهر ،أحنى الساقين ،ضعيف البنية .
األعمش محدث الدنيا ،من الموالي ،ضعيف البصر ،فقير ذات اليد ،ممزق الثياب ،رث الهيئة والمنزل .
بل األنبياء الكرام ص*لوات هللا وس**المه عليهم ،ك**ل منهم رعى الغنم ،وك**ان داود ح**داداً وزكري**ا نج**اراً وإدريس
خياطاً ،وهم صفوة الناس وخير البشر .
إذاً فقيمتك مواهبك وعملك الصالح ونفع**ك وخلق**ك ،فال ت**أس على م**ا ف**ات من جم**ال أو م**ال أو عي**ال ،وارض
بقسمة هللا (( نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا )) .
السبب الثالثون
وكذلك جعلناكم أمة وسطا
العدل مطلب عقلي وشرعي ،ال غلو وال جفاء ،ال إفراط وال تفريط ،ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه،
واندفاعاته ،وليكن عادالً في رضاه وغضبه وسروره وحزنه؛ ألن الشطط والمبالغة في التعامل مع األحداث ظل ٌم
16
للنفس ،وما أحسن الوسطية ،فإن الشرع نزل بالميزان ،والحياة قامت على القسط ،ومن أتعب الناس من طاوع
هواه واستسلم لعواطفه وميوالت**ه حينه*ا تتض*خم عن**ده الح**وادث وتظلـم لدي*ه الزواي**ا وتق*وم في قبل*ه مع**ارك
ضارية من األحقاد وال**دخائل والض**غائن ألن**ه يعيش في أوه**ام وخي**االت ،ح**تى إن بعض**هم يتص**ور أن الجمي**ع
ضده ،وأن اآلخرين يحبكون م*ؤامرة إلبادت*ه ،وتملي علي*ه وساوس*ه أن ال*دنيا ل*ه بالمرص*اد ،فل*ذلك يعيش في
سحب سود من الخوف والهم والغم .
إن اإلرجاف ممنوع شرعا ً ,رخيص طبع*ا وم**ا يمارس*ه إال أن**اس مفـلسون من القيم الحي**ة والمب**ادئ الرباني*ة
ً
(( يحسبون كل صيح ٍة عليهم )) .
أجلس قلبك على كرسيه ،فأكثر ما يخاف ال يكون ،ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسوأ االحتم**االت ثم
توطن نفسك على تقبل هذا األسوأ ،حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الح*دث فيبقى
كقول األول:
كأن قطاة علقت بجناحها
على كبدي من شدة الخفقان
فيا أيها العاقل النابه اعط كل شيء حجمه ،وال تضخم األحداث والمواقف والقضايا بل اقـتصد واعـدل وال تج**ور
وال تذهب مع الوهم الزائف والسراب الخادع ,اسمع م**يزان الحب والبغض في الح**ديث " :أحبب حبيبك هون *ا ً
ما فعسى أن يكون بغيضك يوما ً ما ،وأبغض بغيضك هونا ً ما فعسى أن يكون حبيبك يوم*ا ً م**ا " (( عسى هللا أن
يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة وهللا قدير وهللا غفور رحيم )) .
إن كثيراً من التخويفات واألراجيف ال حقيقة لها وقديما ً قالوا :
وقلت لقلبي إن نزا بك نزوة
من الهم افرح أكثر الروع باطـل ُه
17
الخاتمة
هذا الكالم المكتوب لن تستفيد منه حتى تحاول تطبيقه في نفسك وبيتك وعملك وحياتك لتحصل على حياة أجم**ل
بكثير من حياتك التي تعيشها ,حياة س*عيدة رغي*دةً طيب*ة تص*ل منه*ا إلى حي*اة دائم*ة مطمئن*ة في جن*ات النعيم
(( ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفى اآلخرة حسنة وقنا عذاب النار )) .
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسالٌم على المرسلين والحمد هلل رب العالمين .
18
الفهرس
المقدمة 3 .........................................................................................
السبب األول فكر واشكر5...........................................................................
السبب الثاني ما مضى فات7 ........................................................................
السبب الثالث يومك يومك9 ..........................................................................
السبب الرابع اترك المستقبل حتى يأتي13............................................................
السبب الخامس كيف تواجه النقد اآلثم15.............................................................
السبب السادس ال تنتظر شكر من أحد18 .............................................................
السبب السابع اإلحسان إلى الغير21 ..................................................................
السبب الثامن إطرد الفراغ بالعمل23 .................................................................
السبب التاسع ال تكن إمعة25 .........................................................................
السبب العاشر قضاء وقدر27 .........................................................................
السبب الحادي عشر إن مع العسر يسراً29 ............................................................
السبب الثاني عشر اصنع من الليمون شرابا ً حلواً31 ..................................................
السبب الثالث عشر أمن يجيب المضطر إذا دعاه33 ....................................................
السبب الرابع عشر وليسعك بيتك35 ....................................................................
السبب الخامس عشر العوض من هللا37 ................................................................
السبب السادس عشر اإليمان هو الحياة39 ..............................................................
السبب السابع عشر إجن العسل وال تكسر الخلية41 .....................................................
السبب الثامن عشر أال بذكر هللا تطمئن القلوب43 .......................................................
السبب التاسع عشر أم يحسدون الناس على ما آتاهم هللا من فضله45 .................................
السبب العشرون إقبل الحياة كما هو47 ..................................................................
السبب الحادي والعشرون تعز بأهل المصائب49 .........................................................
السبب الثاني والعشرون الصالة ...الصالة52 ............................................................
السبب الثالث والعشرون حسبنا هللا ونعم الوكيل54 .....................................................
السبب الرابع والعشرون قل سيروا في األرض56 .......................................................
السبب الخامس والعشرون فصب ٌر جميل58 ..............................................................
السبب السادس والعشرون ال تحمل الكرة األرضية على رأسك61 .......................................
السبب السابع والعشرون ال تحطمك التوافه63 ..........................................................
السبب الثامن والعشرون أرض بما قسم هللا لك تكن أغنى الناس65 .....................................
السبب التاسع والعشرون ذكر نفسك بجنة عرضها السموات واألرض68 ................................
السبب الثالثون وكذلك جعلناكم أمة سطا70 .............................................................
الخاتمــــــــــــــــــــــــــة72 ............................................
19