Professional Documents
Culture Documents
3 PDF
3 PDF
@ @ÖibÜa@ñ‹÷a§a@óàíÙ¨a@ï÷Š@pa‹Ø‰à
@ @‡ïÉÝi@ãþÜa@‡jÈ
@ @ó»6à@×ì‹“Üa@óÑïz–@bém‹“ä@báØ
املذكرات األصلية عىل هذا املوقع:
/http://www.belaidabdesselam.com
@ @
@ @
@ @
@ @
êma‹Ø‰à ‹“ä@''ðàíïÜa@×ì‹“Üa''@Ü@˜‚‹î@ãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi
تحصلت "الرشوق اليومي" ،أمس ،عىل ترصيح من السيد بلعيد عبد السالم رئيس الحكومة السابق بنرش
مذكراته التي وضعها عىل اإلنرتنيت باللغة الفرنسية .وحرص السيد بلعيد عبد السالم عىل التأكيد بأن الوثائق
امللحقة باملذكرات تربز صحة روايته لألحداث وتعرض أيضا راوية الخصوم بشكل موضوعي .وسيكون
بمقدور السادة القراء متابعة مذكرات السيد بلعيد عبد السالم يوميا يتناول فيها قصة التعيني عىل رأس
الحكومة وأيضا الرصاعات التي فجرها مع خصومه يف الحكم وأيضا ظروف تنحيته ..فمتابعة
شيقة ................التحرير
1
1992@óïÝîíu@À@óàíÙ¨a@ób÷Š@ðÜím@oÝjÔ@lbjÿa@ë‰: N1
2007O07O17@ßbÕ¾a@„îŠbm
يف اليوم الثاني من شهر جويلية ،غداة مراسيم دفن الراحل الرئيس بوضياف ،تم اختيار السيد عيل كايف من
طرف زمالئه لخالفة الفقيد عىل رأس املجلس األعىل للدولة بعد إخفاق تلك املساعي الحثيثة التي كان الجنرال
تواتي يقوم بها يف الكواليس من أجل تعيني شخص آخر يف املنصب .فلم ينجح الجنرال إال يف تزكية السيد رضا
مالك بصفته عضوا خامسا يف املجلس األعىل للدولة لشغل املكان الشاغر الذي تركه رحيل بوضياف .
يف اليوم املوايل ،يوم الجمعة 3جويلية ،قمت بزيارة إىل األخ رضا مالك لتهنئته بعد ترقيته عضوا يف الهيأة العليا
للدولة .وقد طلب مني ما إذا كنت ،من جانبي ،مستعدا لاللتزام إزاء اإلجراءات املتخذة تحت إرشاف املجلس
األعىل للدولة مؤكدا يل أنه يف حالة اإلجابة بنعم ،سيكون هو أيضا مستعدا لنفس االلتزام .أجبته أنني لم أرفض
أبدا تحمل مسؤولياتي ،غري أن التزامي ال يمكن أن يقع إال يف سياق خدمة سياسة مطابقة لقناعاتي" .كال ! رد
عي .ينبغي أن تعرف كيف تتطور وتقبل بالتسويات الوسطى" ،فما كان يل إال أن أجبته أنني لم أكن أبدا
أرفض الحلول الوسطى رشيطة أال تأتي هذه األخرية لتطعن يف ما يعترب مبادئ جوهرية وإال فقدت كل تسوية
من هذا القبيل معناه وصارت نكرانا للذات .فعال ،لم أكن أدري يف ذلك اليوم من شهر جويلية 1992أنني
كنت بصدد نكران للذات كنت قد رفضته منذ نحو عرش سنوات كثمن له عندما عرض عيل الرئيس الشاديل
االحتفاظ بي إىل جانبه يف "التسيري ".
يف الحقيقة ،لقد وجدت نفيس بصحبة رضا مالك غداة أحداث 5أكتوبر 1988بهدف التوقيع عىل ما سمي بـ
"ترصيح الثمانية عرش" الذي دعا فيه أصحابه الرئيس الشاذيل إىل تأجيل االنتخابات الرئاسية والقيام بتنظيم
ندوة وطنية بغرض وضع قواعد النفتاح نظام الحكم يف الجزائر يف اتجاه الديمقراطية التعددية .غري أن
2
مسارينا السياسيني اللذين التقيا نوعا ما يف أكثر من مرة إىل ذلك الحني رسعان ما بدءا يأخذان اتجاهني
مختلفني بل ومتناقضني يف أغلب األحيان ومتعاديني يف أحيان أخرى لكن من دون أن يؤدي ذلك إىل التأثري يف
عالقاتنا الشخصية كصديقني .لقد افرتقنا ،بعد اللقاء املذكور ،مسجلني خالفاتنا .ولم أتوقع أنا ،وال هو عىل ما
أظن ،أننا سنلتقي من جديد ،أسبوعا من بعد ،حول طاولة االجتماع للمجلس األعىل للدولة .يوم السبت املوايل،
أي 4جويلية ،أعلنت برقية صادرة عن وكالة إعالمية أن املجلس األعىل للدولة كان بصدد القيام بمشاورات
سياسية حول األوضاع السائدة يف البالد .ويف منتصف النهار تقريبا ،أخربني األمني العام للرئاسة أن الرئيس
عىل كايف والجنرال خالد نزار يريدان مقابلتي يف إطار نفس املشاورات وحدد يل موعدا يف نفس اليوم ،أي 4
جويلية الساعة الخامسة بعد الزوال ،بفيال تابعة لوزارة الدفاع الوطني .قلت لهذا األمني العام إن أفكاري حول
املشكالت املطروحة يف البلد وحلولها معروفة وأنه لم يكن لدي أي يشء آخر تقريبا أريد قوله للمسؤولني اللذين
يريدان استشارتي .أثناء هذا اللقاء ،قام الجنرال خالد نزار بإعطاء نظرة شاملة حول األوضاع السائدة يف
البلد ،السيما األمور املتعلقة بالجوانب األمنية .وقد قدمت ردا مستفيضا عارضا تحلييل يف ما يخص أسباب
األزمة التي كانت تعيشها بالدنا وكذا السبل الكفيلة ،يف نظري ،بإخراج الجزائر من هذه األزمة .يف ما يتعلق
بقمع أفعال التقتيل والتخريب ،اقرتحت فكرة إنشاء سلطة قضائية متخصصة وترسيع إجراءات التحقيق
توخيا ،يف الوقت ذاته ،لفعالية عمل قوات األمن وتجنبا – بسبب ضغط انفعاالت املواطنني الساخطني عىل
االعتداءات اإلرهابية – اللجوء ،مثلما حدث ذلك يف بلدان أخرى ،إىل األحكام العرفية وما يرتتب عليها من
إجراءات مترسعة .يف ما يخص األزمة االقتصادية ،اكتفيت بإعادة ذكر تلك التصورات التي سمحت يل الفرصة
من قبل القرتحتها عىل العموم .ويف هذا الصدد ،أعدت ،عىل وجه الخصوص ،ذكر فحوى اإلجراءات التي سبق يل
أن اقرتحتها يف سبيل التخفيف من وطأة املديونية الخارجية للجزائر من دون اللجوء إىل تلك الحلول التي
تتضمن قبول الرشوط املمالة من طرف صندوق النقد الدويل واملتضمنة ،عىل وجه الخصوص :تخفيض
جذري لقيمة العملة الوطنية ،التحرير املتوحش للتجارة الخارجية ،تصفية املؤسسات االقتصادية الوطنية
بثمن بخس .
3
يف الواقع ،لم أجد نفيس إال مكررا ،عىل مسامع الرئيس عىل كايف والجنرال خالد نزار ،أفكارا قلتها ستة شهور
من قبل ،أي يف أوائل شهر جانفي ،1992لشخص آخر زارني للتحدث إيل .يف ذات الوقت ،كان النقاش حول
الرشوط التي ينبغي أن يغادر الرئيس الشاذيل منصبه فيها قد بدأ .وقد أخربني زائري أن األمر كان متعلقا
بإنشاء "مجلس دولة" لخالفة رئيس الجمهورية وأن اسمي ورد يف سياق ذلك .بالنسبة إيل ،لم يتجاوز
الحديث حدود عالقات الصداقة الشخصية ،ولم يتم إبالغي أبدا – ولم يكن ذلك ليخطر يل عىل بال أبدا – أنني
كنت ،من خالل تلك الزيارة ،حلقة من تلك الخطة التي كان بصدد وضعها ما كنا نسميهم ،حتى يف ذلك الوقت،
بـ "أصحاب القرار" .وقد كانت يل أدلة يف ما بعد جعلتني أظن أن أقوايل قد بلغت من كانوا منهمكني يف إعداد
الخطة لتنفيذ ما ُسجل يف التاريخ من "استقالة للرئيس الشاذيل" و"توقيف للمسار االنتخابي "وإنشاء
للمجلس األعىل للدولة .إنني ألذكر بهذه الواقعة – التي اكتست ،بالنسبة إىل ،طابعا خصوصيا– كي أؤكد أن
األفكار التي عرضتها عىل الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار ،أثناء لقائنا بتاريخ 4جويلية ،1992لم تكن
جديدة بالنسبة إىل مخاطبي السيما عندما أرشت إىل أن أسباب األزمة تعود إىل تلك اآلثار التي خلفتها السياسة
املتبعة يف الجزائر أثناء "العرشية السوداء" وأن حل هذه األزمة مرهون باعتماد سياسة تقويمية ذات نفس
طويل ،تتضمن – موازاة مع اإلجراءات التي تمليها مكافحة األفعال اإلرهابية وحماية النظام واألمن العموميني
– تدابري عميقة بهدف إصالح األوضاع االقتصادية واالجتماعية بكل قوة وبصورة معتربة وأن هذا اإلصالح
يتطلب فرتة استقرار مدتها خمس سنوات عىل أقل تقدير .كما أضفت أنه – بالنظر إىل توقيف املسار االنتخابي
الذي عرب فيه الناخبون رصاحة عن رفضهم لنظام الحكم من خالل تصويت مكثف عىل تيار سيايس هدفه
القضاء عىل الدولة الوطنية التي بنتها الجزائر بعد االستقالل– ال يمكن لالستقرار أن يتحقق إال من خالل
تطبيق املادة 120من الدستور التي تنص عىل حالة الطوارئ "عندما يكون البلد مهددا بخطر وشيك عىل
مؤسساته ،"...وإال فليس هناك ما يربر ،بحكم القانون والدستور ،تأجيل العمليات االنتخابية وجعل الناخبني
يف عطلة إىل أجل غري مسمى .وعليه ،عكس ما يدعيه الجنرال تواتي ،بطريقة ماكرة ، ،فكرة مرحلة انتقالية من
خمس سنوات ،يف شكل نظام يعمل بحسب قواعد حالة الطوارئ املنصوص عليها يف دستورنا الساري املفعول
آنذاك ،لم تكن لها صلة بتعييني عىل رأس الحكومة وبوجود هذه الحكومة .لقد أفصحت عن هذه الفكرة ستة
شهور من قبل أن يتم تعييني كرئيس للحكومة .أكثر من ذلك ،أدليت بهذه الفكرة علنيا يف مقابلة أجرتها معي
يومية Quotidien d'Algérieوصدرت يف اليوم املوايل بتاريخ 3جانفي ،1992أي قبل إعالن "استقالة"
الرئيس الشاذيل ذاتها وتوقيف املسار االنتخابي .كما عدت ،بصورة ضمنية ،إىل نفس الفكرة يف مقابلة صحفية
أجرتها معي أسبوعية Parcours Maghrébinوصدرت يف العدد 105منها لألسبوع املمتد من 17إىل 23
فيفري . 1992
يف األخري ،هل عيل أن أؤكد ،مرة أخرى ،أنه أثناء املقابلة التي دعاني إليها الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار
اقرتحت اللجوء إىل حالة الطوارئ قبل إعالن هاذين األخريين قرارهما بدعوتي االضطالع بمهام رئيس
الحكومة .بالنسبة إيل ،يف تلك الفرتة كما اليوم ،حالة الطوارئ كانت تمثل رضورة أملتها أوضاع البالد ونجاح
عملية إصالح أحواله .فلم تشكل ،بالنسبة إيل أبدا ،رشطا وضعته لقبويل املنصب وال ملواصلة املهمة التي أسندت
إيل آنذاك .بعد هذه املقابلة التي تبادلنا فيها جملة من األفكار ،أعلن السيد عيل كايف – بطبيعة الحال باسمه
الخاص واسم الجنرال خالد نزار – عرضه يل لرتؤس الحكومة .ال أخفي أن نوعا من الحرية تملكني وأنا أشهد
املنحى الذي اتخذته املقابلة علما أنني ما دعيت إليها إال يف سياق "املشاورات" .اآلراء التي سبق يل أن عربت
عنها عالنية منذ أكتوبر ،1988االنتقادات التي وجهتها بصورة رصيحة جدا ،السيما داخل اللجنة املركزية
4
لحزب جبهة التحرير الوطني ،ضد اإلصالحات االقتصادية التي رشع فيها الرئيس الشاديل ،خصوصا يف
السنوات األخرية من عهده وكذا التصورات التي اقرتحتها ،ولو عن انفراد ،يف تلك الفرتة التي بدأت تتخذ فيها
قرارات كان من شأنها أن تؤدي إىل توقيف املسار االنتخابي يف جانفي 1992كلها أمور لم تجعلني أفكر يف
إمكانية دعوتي ،يوما ما ،إىل ترؤس الحكومة .وألن الدعوة التي عرضت عيل لرتؤس الحكومة لم تأت إال بعد
االستماع إىل تحلييل ألوضاع البلد وأرائي يف ما يخص الطريقة الكفيلة بإخراج الجزائر من األزمة عن طريق
إجراء إصالحات يف اقتصادنا لم يبق يل خيار يف الرد .فلو رفضت العرض أو طلبت مهلة للتفكري لكان من
املمكن أن يؤوﱠل ذلك عىل أساس أنه تهرب من املسؤولية يف ظرف عصيب بالنسبة إىل تطور األوضاع يف الجزائر
حيث كان قبول املسؤوليات يعرض صاحبه إىل خطر حقيقي .لذلك ،لم أجد خيارا آخر غري إجابة مخاطبي
أنني كمناضل يف سبيل القضية الجزائرية منذ نعومة أظافري ،لم يكن أمامي سوى القبول .لم أشفع قبويل هذا
بأي رشط ألنني ،كمناضل ،كنت متعودا عىل اعتبار الثقة املتبادلة بمثابة القاعدة التي تحكم العالقات بني
املسؤولني ،السيما يف الظروف الصعبة حيث كان مصري البلد معرضا لخطر الهالك .كان من حقي أن أحسب
من كنت أسهم معهم بالتزامي من دون حسابات ثانوية ويف ظرف كان قبول مسؤوليات يف مثل تلك الجسامة
محفوفا باملخاطر – كما أثبت ذلك املصري الذي كان من نصيب محمد بوضياف ذاته – رجاال قادرين،
بأنفسهم ،عىل إدراك قيمة ذلك االلتزام .كما أظل متأكدا أن روح التضحية هذه هي التي جعلت األخ محمد
بوضياف يقبل ،عىل الرغم من األخطار املحدقة ،منصب رئيس الدولة يف وقت كانت الجزائر معرضة لخطر
مؤكد ،خطر أودى بحياته يف نهاية املطاف .لقد اكتفى الرجل بالتأكد من أن عودته إىل الجزائر يف تلك الظروف
كانت استجابة لنداء الجيش الوطني الشعبي وأن هذا األخري سيدعمه بتأييده .
5
@ @ (óánm@)1992@óïÝîíu@À@óàíÙ¨a@ób÷Š@ðÜím@béïÐ@oÝjÔ@>Üa@Óì‹ÅÜaN2
@ @2007O07O18@ßbÕ¾a@„îŠbm
حينئذ ،أخربني الجنرال خالد نزار أن اختيار الوزراء يف الحكومة الجديدة كان من مسؤوليتي التامة ماعدا
وزير الداخلية الذي كان ينبغي أن يحظى تعيينه بموافقته ،هو أيضا ،نظرا لكون القوات املوضوعة تحت
سلطة وزارة الداخلية والقوات التابعة لوزارة الدفاع كانت يف اتصال دائم ؛ مما يستدعي تنسيق عملها
بانسجام وتفاهم تامني ما بني الوزيرين املرشفني عىل هاتني الوزارتني األساسيتني يف مجال محاربة اإلرهاب
وضمان سالمة البلد .وقد وافقت عىل ذلك من دون صعوبة .
هكذا ،وباقرتاح من الجنرال خالد نزار ،تم تعيني السيد امحمد طولبة وزيرا منتدبا مكلفا األمن العمومي .كما
وقع االتفاق ،من دون صعوبة أيضا ،عىل اسم الراحل حمد حردي الذي كلفته بتلك املهمات الصعبة ،مهمات
وزير الداخلية والجماعات املحلية .أثناء تبادل اآلراء يف هذا اللقاء ،أُخربت أن االضطرابات الواقعة يف البلد كانت
تحصل بفضل نحو مائتني قطعة سالح يف حوزة عنارص تمارس االعتداءات اإلرهابية وأن قوات األمن تعرف
طبيعة هذه األسلحة وتحاول جادة استعادتها من أجل وضع حد لالعتداءات التي كانت تنال من النظام
العمومي .كما علمت ،يف ما بعد ،أن الدعوة وجهت للدكتور أحمد طالب اإلبراهيمي يف الخارج من أجل تبليغ
قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ ،النشطة يف ذلك الوقت ،رسالة تدعوهم إىل الهدوء وتجنب ،عىل األقل ،كل ما كان
من شأنه التسبب يف تصعيد اللجوء إىل العنف .الشخص أو األشخاص الذين اتصل بهم الدكتور أحمد طالب
اإلبراهيمي أجابوه أنه لم تكن لهم أية سيطرة عىل هؤالء الذين لجأوا إىل أعمال التخريب .لقد جاء هذا الرد
أسابيع بعد ذلك املسعى يف شكل قنابل من بينها تلك التي تسببت يف كارثة مطار الجزائر العاصمة .أضف إىل
ذلك أنه يف الوقت الذي كنت مجتمعا بالرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار ،كانت تجري وقائع محاكمة قادة
الجبهة اإلسالمية بالبليدة .وقد كانت وسائل اإلعالم توحي أن طلب الحكم باإلعدام وإقراره كانا واردين من
دون شك ضد هؤالء املسؤولني السياسيني .لذلك ،نبهت إىل أن إمكانية من هذا القبيل لم تكن ،فقط ،مبالغ فيها
وإنما كانت أيضا غري مناسبة فما لبث الجنرال خالد نزار أن أجابني أن املعلومات الصادرة عىل صفحات
الجرائد لم يكن لها أساس من الصحة وأن طلب محافظ الحكومة ضد قادة الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ كان يف
حدود من اثنتي عرشة إىل خمسة عرشة سنة سجنا وأن املعنيني قد تم إبالغهم بذلك .
ونحن نهم باالنرصاف ،خاطبني الجنرال خالد نزار ،وعالمات الغبطة مرتسمة عىل وجهه بعدما قبلت ترؤس
الحكومة ،بهذه العبارة " :هناك عدد من الضباط سيشعرون بالسعادة هذا املساء" .وبما أنني لم أكن من
مقربيه امتنعت ،حياء ،عن توجيه سؤال له حول هؤالء الضباط وحول سبب سعادتهم .ومع ذلك ،وكما قلت
6
ذلك نحو سنة تقريبا من بعد بمناسبة خطاب ألقيته بمقر املجلس الشعبي البلدي ملدينة الجزائر ،ظننت أن من
بني هؤالء الضباط كان - :الكثري منهم كان يف صفوف جيش التحرير الوطني أو ممن كانوا متمسكني بذات
ا ُملثل التي كانت تحدو دوما الحركة الوطنية وثورة نوفمرب . 1954هؤالء يمكن أن يسعدوا لرؤية مناضل قديم
يف الحركة الوطنية الجزائرية ،أي واحد من ذويهم ،أو ،بعبارة أخرى ،واحد من عائلتهم السياسية ،وهو يرأس
الحكومة ويعيد الرشف واالعتبار إىل تلك األفكار التي كانوا يؤمنون بها .لكن ،لألسف ،إذا كانت العنارص
الحاملة لهذه األفكار تشكل ،من دون شك ،األغلبية يف صفوف الجيش الوطني الشعبي إال أنها ليست من بني
هؤالء الكثريين ممن يتحدثون باسم هذا املؤسسة .يف الكثري من األحيان ،وباسم االنضباط الذي يشكل قوة
الجيوش ،يعاني هؤالء يف صمت بينما يتكلم آخرون باسمهم مقدمني أفكارا وخيارات ليست أفكارهم
وخياراتهم .
-هناك آخرون ،دائما داخل الجيش الوطني الشعبي ،وتماشيا مع أوساط أخرى يف مجتمعنا ،من املمكن أنهم
شعروا بالرغبة – كمؤيدين لفكرة "اجعله يقبل ثم سنرى" – يف محاولة كسب شخص اشتهر ،صوابا أو خطأ،
بكونه معارضا للسلطة وسياسة العرشية السوداء باعتبار أن كسب شخص من هذا القبيل سيكون فرصة
للنجاح وذريعة مقبولة من أجل امليض قدما يف سياسية االنفتاح والتحرير االقتصادي الذي كانوا يريدون بقوة
انتصاره يف البلد .بالفعل ،ويف أوائل شهر جويلية ،1992كانت بنود اتفاق مع صندوق النقد الدويل قد تم
التفاوض بشأنها وتحديدها .هذا االتفاق كان ينتظر املوافقة السياسية والقبول الرسمي له قبل التوقيع عليه
والرشوع يف تطبيقه .يف لحظة معينة من حديثنا أثناء لقاء 4جويلية ،1992وبعد موافقتي عىل ترؤس
الحكومة ،قال يل الجنرال خالد نزار ،يف سياق الحديث عن النشاط االقتصادي الذي كان عيل أن أبارشه يف
منصبي الجديد ،إن األموال ستكون متوفرة وأن املهمة ستكون سهلة .الظاهر أنه كان يعني أن االتفاق مع
صندوق النقد الدويل ،كان أمرا مقضيا وأن الجزائر كانت ،تبعا لذلك ،بصدد الحصول عىل موارد مالية معتربة .
بالنسبة إىل هؤالء ممن أملوا يف تزكية من الرئيس بوضياف بغرض امليض قدما يف تطبيق سياستهم الهادفة إىل
تجاوز توجهات ثورتنا ،كانت الفرصة سانحة إلقحامي يف حساباتهم وحميل عىل "رفع راية" سمرستهم
السياسية واالقتصادية ! وكما تذهب العبارة الشائعة ،لقد "وضعوا أصابعهم يف عيونهم" حقيقة عندما ظنوا
أن عرضهم عيل برتؤس الحكومة سيجعلني أبادلهم الجميل بالتخيل ،بسهولة ،عن قناعاتي وأسمح بأن تتحول
مواقفي املعلنة إىل مجرد ادعاءات مزعومة الهدف منها الحصول عىل شهرة سياسية باسم عدد من القيم
األساسية التي قد أتخيل عنها رسا من أجل الحصول عىل ترقية زائفة ،أي من أجل مجرد "طبق من العدس" يف
نهاية األمر .ومع ذلك ،يمكن أن نتصور رجاال مثل الجنرال تواتي – الذي دفعته األوضاع السياسية للبلد ،بعد
جانفي ،1992إىل تقلد ذلك الدور املدوﱢخ يف "صنع امللوك" و "الدوقات" – أنهم أخطأوا يف الحساب إىل درجة
اعتبار كافة املناضلني يف الحركة الوطنية الجزائرية مختلطني بالساسة املزعومني ممن تجدهم دائما
يستسلمون ألوهامهم من أجل الوصول إىل مناصب يتمناها الجميع .
7
لقد راود أنصار تحرير اقتصادنا األمل يف أن حظوة الرئيس بوضياف والسمعة التي كانت له كشخصية
تاريخية ستسهم يف تغطية وتخفيف اآلثار التي كانت سترتتب عىل تطبيق الرشوط املفروضة من طرف
صندوق النقد الدويل .وبعدما اغتيل الرئيس بوضياف ،ظن البعض أنه من املمكن أن أشكل ،بالنسبة إليهم،
بصفتي مناضال قديما يف الحركة الوطنية وكذا بحكم منصبي يف عهد الرئيس بومدين ومعارضتي املعروفة
لنظام الرئيس الشاذيل وإصالحاته "عوضا" عن الخسارة املرتتبة بسبب فقدان الرئيس بوضياف - .وأخريا،
كان البعض ربما يعترب أنه نظرا ملواقفي السابقة ،السيما يف عهد الرئيس الشاذيل ،وترصيحاتي العمومية،
رصت ،كما قيل يل يف ما بعد ،نوعا من األسطورة وأن هذه األسطورة يجب أن يقىض عليها ،من خالل توريطي
يف مسؤوليات حكومية ،يف متاهات التسيري موفرا بذلك املناسبة لخصومي بإقحام نفيس يف التدمري الذي أريد يل
أن أقوم به تاركا لهم ،هكذا ،الفرصة لجري إىل ساحة املكائد واملكر فيقىض عىل سمعتي وتُحبط مساعي
بغرض إقامة الحجة الدامغة عىل بطالن األفكار التي كنت أدافع عنها .
تلك هي ،إذاً ،الظروف التي دعيت فيها إىل ترؤس الحكومة يف 4جويلية .1992قبل أن نفرتق يف االجتماع
املذكور ،اتفقنا عىل أن إعالن تعييني سيقع يف يوم 8جويلية ،1992غداة إحياء ذكرى اليوم السابع بعد دفن
الفقيد الرئيس بوضياف .وقد تعهد الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار القيام باملهمة عىل أحسن وجه يف ما
يخص طريقة إجراء التغيري الحكومي .تطور األمور أثناء الشهور الثالث عرشة األخرية التي قضيتها عىل رأس
حكومتنا قد أبرزت ترصفات من كانت أفكارهم السياسية املسبقة أو مصالحهم متعارضة مع توجهات
برنامجي الحكومي واألهداف املسطرة فيه .ومن أجل فهم تلك "األمور" التي يزعم الجنرال تواتي أن له رواية
بشأنها ،وأنا ال أقبلها ،أؤكد مرة أخرى أن العرض الذي قدم إيل بخصوص تويل رئاسة الحكومة قد تم بعد
تبادل لآلراء جرى بيني وبني مخاطبي وأنني ،عىل هذا األساس ،كنت أعترب ،من جانبي ،أن الدعوة لرتؤس هذه
الحكومة كانت تعني موافقة عىل األفكار التي استعرضتها والتي ظننت أنها ستشكل األساس يف تحديد سياسة
حكومتي .
للتذكري ،لقد تم استعراض هذه األفكار يف مناسبات عديدة قبل لقاء جويلية 1992مع الرئيس عيل كايف
والجنرال خالد نزار ،كما أفصحت عن هذه األفكار عالنية يف ندوات عمومية ،داخل اللجنة املركزية لجبهة
التحرير الوطني وكذا يف الترصيحات التي أدليت بها يف الصحف طيلة سنة 1991وأثناء السدايس األول من
سنة 1992.ثم تمت بلورة وتطوير هذه األفكار يف الربنامج الذي أعدته حكومتي ونال موافقة املجلس األعىل
للدولة.
8
@ @@ðmaím ßa‹å§a@âÈaà@ôÝÈ@†‹Üa@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰à@N3
2007O07O20@ßbÕ¾a@„îŠbm
يف الواقع ،لقد ذهب الجنرال تواتي يف كالمه إىل أبعد من تأكيد مزاعم يمكن أن نجد لها ما يربرها نوعا ما .غري
أنه ال يرتدد يف اإلدالء بأكاذيب ال يمكنه أن يجهل طبيعتها ،أي إنه ،بعبارة أخرى ،يسمح لنفسه بتشويه
مقصود للحقيقة .فلم يكتف بتقديم نفسه آنذاك عىل أنه الناطق املأذون للجيش الوطني الشعبي وإنما قدم
نفسه أيضا عىل أنه "دماغه املدبر" )أو "املخ" كما صار متداوال يف األوساط السياسية العاصمية )تاركا كافة
املالحظني املطلعني يظنون أن الشطط الذي كان يرتكبه يف كالمه عىل حساب الحقيقة كان بمثابة جملة من
األفكار زعم أنه يديل بها باسم الجيش الوطني الشعبي.
أي باسم املؤسسة التي تبقى ،يف عيون الجزائريني واملالحظني األجانب عىل السواء ،ركيزة الدولة الجزائرية
والضامنة للتماسك الوطني لشعبنا .كل هذا لإلشارة إىل ذلك الدور الشائن الذي سمح الجنرال تواتي لنفسه
بأدائه أو أسند إليه خالل السنوات األخرية يف أحلك فرتة وأكثرها مأساة تمر بها أمتنا منذ استعادة سيادتها
سنة .1962إن األرضار املرتتبة عىل هذا الدور بالنسبة إىل سمعة الثورة الجزائرية لتتجاوز بكثري تلك األرضار
القليلة التي ظن الجنرال أنه قادر عىل تكبيدي إياها .كل مدرك لشؤوننا العمومية وطريقة سري مؤسساتنا يقرأ
النص الذي نُرش للجنرال تواتي لن يندهش فقط وإنما سيشعر أيضا بالتقزز وهو يطالع أكاذيب وتشويهات
مغرضة للوقائع أرص عىل التفوه بها شخص يحمل رتبة لواء يف قيادتنا العسكرية وهو ال يستحق أكثر من
وصفه بالجنرال املاكر ،باإلضافة إىل تلك الخسة التي سقط فيها تعويضا عن الحجة الدامغة .وعليه ،من
البديهي أن أظل ،يف دحيض للمزاعم التي أراد أن يقنع الناس بها حويل ،مدركا أن محاوالت النيل من شخيص
تبقى أمورا ثانوية نسبيا مقارنة بتلك األرضار التي تسبب فيها هذا الرجل للبلد .ومع ذلك ،البد من فضح
الطابع املغرض لتلك املزاعم التي أدىل بها الجنرال تواتي يف ما يخصني من باب خدمة الحقيقة ال غري .
من أجل وضوح الرد عىل هذه املزاعم – التي لم تكن يف أغلب األحيان سوى مجرد أكاذيب افرتاها عيل الجنرال
تواتي – يبدو يل أنه من األحسن الرجوع إىل نص الحوار من بدايته إىل نهايته كي يتسنى للقارئ أن يكون عىل
بينة من أمره بسهولة مع شفع كل ادعاء تفوه به هذا الجنرال املاكر برسد للوقائع واألفكار التي تدحضه أو
9
تفضح التشويهات التي جاء حامال لها .
".1أنا ،أيضا ،أرغب يف تقديم روايتي لألمور .وهذه الرواية ال تروق بالرضورة السيد عبد السالم" كما أرشت
يف بداية هذا املقال ،ال يكمن املشكل يف معرفة الرواية التي يمكن أن تروقني وإنما يف تبيني الفكرة التي يتصور
بها هذا الرجل – الذي يريد أن يكون "مخا" ألهم مؤسسة وطنية ،أال وهي الجيش الوطني الشعبي– رشف
الوظيفة التي يدعيها والرتبة التي يحملها عىل أساس ترصفه إزاء الحقيقة .إن ترصفه هذا من املفروض أن
يكون أيضا قائما عىل االحرتام املطلوب تجاه املواطنني الذين يزعم أنه يفيدهم بأخبار والذين ينتظرون منه،
عىل األقل ،أال يغلطهم السيما وأنه قدم نفسه دائما ليس فقط عىل أساس أنه الناطق الرسمي للجيش الوطني
الشعبي وإنما أيضا بوصفه مصدرا إلهام بالنسبة إىل القرارات املتخذة .أما ماعدا ذلك ،فليس إال هراء ال طائل
من ورائه .
...".2كانت هناك جملة من التقديرات والشكوك أبداها العديد من اإلطارات يف ما يخص مقدرة السيد عبد
السالم واستعداده للتكيف مع السياق السيايس واالقتصادي الجديد" .أ .هل أنا يف حاجة إىل تأكيد أن
"اإلطارات" التي يشري إليها الجنرال تواتي ينتمون ،معظمهم إن لم يكن كلهم ،إىل ذلك التيار الذي يسميه هو
نفسه بالتيار "الديمقراطي" من أمثال مناضيل التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية الذي ،كما يعلم
الجميع ،له صلة به .وهؤالء ليسوا شيئا آخر غري ورثة هؤالء ممن حاربوا الحركة الوطنية الجزائرية باألمس
وحاولوا االستخفاف بالقيم التي قامت عليها والزالت دائما هذه الحركة .هؤالء "اإلطارات" أفرح ألنني خيبت،
والزلت ،ظنهم مثلما أشعر بالسعادة بعد قيام الشعب الجزائري ،بأغلبيته الساحقة ،بفضح هؤالء "اإلطارات"
ومن يؤيدون أو يؤيدونهم أنهم ،بالفعل" ،أخطأوا الشعب" كما اعرتف بذلك رصاحة ،ذات يوم ،أبرز ناطق
رسمي لهم .ب .يف ما يخص قدرتي عىل التكيف مع "السياق االقتصادي الجديد" ،أكتفي بإحالة الجنرال
ُ
جعلت هذه الحكومة تعتمدها أو تواتي عىل برنامج العمل املقدم من طرف حكومتي وكذا عىل اإلصالحات التي
حملت املجلس األعىل للدولة عىل إقرارها ،السيما قانون االستثمارات .كما أود ،هنا ،تذكري الجنرال تواتي وكل
من رشفني بقراءة هذا النص أنني ،خالل الفرتة التي كنت فيها رئيسا للجنة الشؤون االقتصادية لدى اللجنة
املركزية لجبهة التحرير الوطني ،أثناء العهدة األوىل للرئيس الشاديل ،قمت بإعداد مشاريع نصوص ،اعتربت
جد متقدمة يف وقتها ،من أجل النهوض بالقطاع الخاص الوطني السيما من خالل إعطاء معنى أوسع ملفهوم
"القطاع الخاص الوطني غري املستغِ ل" الذي تضمنه امليثاق الوطني املعتمد سنة 1976يف عهد الرئيس
بومدين .هذا العمل كنت قد رشعت فيه يف سنواتي األخرية عىل مستوى وزارة الصناعة بمعية بعض من
مساعدي يف نفس الوزارة مستندا يف ذلك إىل أجهزة املعهد الوطني لإلنتاجية والتنمية الصناعية (INPED).
وقد تمثل هذا العمل أساسا يف صياغة عدد كبري من املرشوعات االستثمارية الصغرية واملتوسطة يف املجال
الصناعي توكل إىل القطاع الخاص وكذا يف صياغة نصوص تبني الرشوط التي تتم بها االستثمارات يف هذا
القطاع مع رسم معالم النصوص القانونية املتصلة باألشكال التي ينبغي أن تتخذها املؤسسات الخاصة فردية
كانت أو جماعية .لعل أرشيف اللجنة املركزية لجبهة التحرير الوطني يف عهد الحزب الواحد وأرشيف وزارة
الصناعات الخفيفة واملعهد الوطني لإلنتاجية والتنمية الصناعية زاخر بالكثري من النسخ ملختلف هذه
النصوص .
10
موازاة مع العمل عىل صياغة مشاريع النصوص املذكورة أعاله ،قمت أيضا بطلب مقرتحات يف مجال تطبيق ما
قدم يف وقته عىل أنه عملية لـ "مراقبة الثروات الخاصة" بهدف وضع حد النتشار تلك اآلفة التي بدأت آنذاك
تنال ،فعال ،من معنويات مجتمعنا ومن مصداقية دولتنا بصورة خطرية .لعله من نافلة القول إن انتشار هذه
اآلفة وما تسببت فيه من أرضار لم تكن غريبة عن تفسخ أوضاعنا السياسية يف أواخر الثمانينيات وظهور
تيارات أيديولوجية مؤذية أدت إىل تلك النتائج االنتخابية يف جوان 1990وديسمرب 1991وإىل تلك األحداث
املفجعة التي عرضت وجود دولتنا وتماسك مجتمعنا إىل الخطر يف تلك العرشية .كل ذلك ألبني أنه يف ما يخص
االنفتاح والتكيف مع املستجدات يف بلدنا وعىل مستوى العالم ليس هناك أي درس يمكن أن أتلقاه من الجنرال
تواتي وهؤالء اإلطارات الدائرين يف فلكه .بطبيعة الحال ،بالنسبة إيل ،كل تكيف ال يمكن أن يكون له معنى إال
إذا كان مندرجا يف سياق تطور مجتمعنا واقتصادنا وعىل أساس أنه تقدم يف مجال تجسيد وتعميق مبادئ
ثورتنا ال من حيث هو تنكر لهذه املبادئ وسعي للقضاء عىل ما تحقق من منجزات يف مجال تحسني أحوال
جماهرينا الشعبية باإلضافة إىل تلك النتائج التي استطعنا أن نحققها بفضل تلك الجهود التي بذلناها يف سبيل
تنمية البالد .
مما تقدم ،ال أرى كيف استطاعت اإلطارات العديدة التي تحدث عنها الجنرال تواتي أن تساورها "شكوك"
حول مقدرتي واستعدادي للتكيف مع املستجدات السياسية واالقتصادية مادمت لم أخف أبدا ،منذ أكتوبر
،1988يف الكثري من الكتابات والترصيحات العمومية وكذا يف تلك اللقاءات والندوات التي جمعتني بإطارات،
أفكاري وتصوراتي إزاء جميع املسائل املطروحة عىل بلدنا يف أواخر الثمانينيات والعرشية التي جاءت بعدها.
إن الذين طلبوا مني ترؤس الحكومة كانوا عىل علم بأفكاري وتصوراتي جيدا السيما وأنني أعربت عنها
وذكرت بها مبارشة حتى قبل إعالن قرار تعييني عىل رأس هذه الحكومة.
11
".3يف ترصيحاته الصحفية ،يتهمني السيد عبد السالم بالتدخل يف أنشطته موحيا أنني كنت أقتحم ديوانه" ال
أظن أنني رصحت أن الجنرال تواتي كان يقتحم ديواني .لكن هذا األخري ذاته هو الذي قال يل إنه حرض ذات
يوم ،يف شكل اقتحام تقريا ،إىل مكتب مدير ديواني لالحتجاج ضد قرار التعليق الذي اتخذته ضد يومية El
Watan؛ وهو ما يعني ،عىل أية حال ،شكال من أشكال التدخل يف عميل ألن تدخال أو احتجاجا من هذا القبيل
عىل مستواي بوصفي رئيس حكومة كان ال بد أن يمر صاحبه عرب الوزير املعني ،أي وزير الدفاع يف هذه
الحالة ،والذي كان الجنرال خالد نزار ،ألن هذا األخري هو املخول لذلك .ومع ذلك ،وانطالقا من نفس العبارات
التي استعملها الجنرال تواتي تجاهي ،سيكون يل حديث يف ما بعد عن هذه الواقعة املتعلقة بتعليق صدور
يومية El Watanألرسد روايتي يف هذا الشأن والتي لن "تروق بالرضورة" الجنرال تواتي هذا .
وكيال أتجاوز ما ينسبه إيل الجنرال تواتي من كالم أكون قد اتهمته فيه بالتدخل يف أنشطتي ،سأكتفي ،عند هذا
الحد ،بذكر ما قاله يف تدخله بخصوص قانون االستثمارات وزعمه أنه كان مالذا بالنسبة إىل الوزراء يف
حكومتي ممن كان يدعي آراء لم يجرؤ عىل اإلفصاح عنها يف حرضتي وكذا الدور الذي اعرتف به يف حواره مع
جريدة El Watanيف حبك تلك املؤامرة التي أدت بالجزائر إىل اللجوء إىل إعادة هيكلة مديونيتها الخارجية
وأخريا موقفه القايض باللجوء إىل الخزينة الفرنسية للتحقق من األرقام التي كنت قد قدمتها يف ترصيح
عمومي .هذا ،وهناك اعتبارات أخرى سيتم التعرض لها ،يف ما بعد ،حول هذه النقطة من مزاعم الجنرال
تواتي .
12
ðmaím@‡á«@ßa‹å§a μiì@?ïi@Óþ©a@óÕïÕy@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN4
2007O07O21@ßbÕ¾a@„îŠbm
".4كنا يف سنة ...1992وبما أننا كنا تحت نظام حالة الطوارئ بدا لنا ،بحكم التجربة ،من الرضوري اللجوء
إىل إنشاء خلية تنسيق ،تفكري واقرتاح يف ما يخص جميع التدابري املمكن أن ترتتب عىل حالة الطوارئ هذه لكن
يف اتجاه استعادة النظام العمومي وضمان أمن األشخاص واملمتلكات .كانت هناك ،إذاً ،مجموعة متكونة من
خمسة وزراء ،موظفني ساميني اثنني واملتحدث بوصفي ضابط اتصال لوزارة الدفاع الوطني".
صحيح ،خالل الفرتة األوىل من عمر حكومتي – فرتة تزامنت تقريبا مع السدايس الثاني من 1992والشهور
األوىل من سنة –1993كانت عالقاتي بالجنرال تواتي تجري يف جو من االنسجام .كنا ،حينئذ ،منهمكني يف
محاربة األنشطة االنقالبية التي كانت تمس ،بصورة خطرية ،استقرار بالدنا .كما كان علينا ،بوجه أخص،
تحديد صيغ الرد يف هذه املحاربة عىل االغتياالت التي كانت تدمي مجتمعنا وترهب سكاننا .لقد اضطررنا إىل
مواجهة وضع لم يسبق له مثيل يف املجال األمني منذ استقالل الجزائر .كما كان علينا أن نفكر يف اإلمكانيات
ونوفرها ويف أجهزة وإجراءات ذات طبيعة لم تعهدها من قبل أبدا أجهزة أمننا املكلفة بحفظ النظام العام .وقد
استطعنا أن ننجز أعماال معتربة يف هذا املجال بفضل ذلك التعاون الذي صار بني الوزارات املعنية .لقد كانت
هناك اجتماعات تنسيق تقع بديواني ،تارة بحضوري وتحت رئاستي وتارة لدى مدير ديواني .كانت املناقشات
تجري يف جو حميمي ميزته إرادة كل واحد واستعداده لبذل الجهد والقيام بمهماته عىل أكمل وجه من أجل
تزويد البالد بأدوات كفيلة بتمكينه من تجاوز األخطار املحدقة به .من جانبي ،ال يمكن إال أن أحيي ذلك
اإلسهام الذي قدمه الجنرال تواتي إىل هذا العمل وكنت أفكر يف إقامة ،ليس فقط عالقات تعاون منسجم بيننا،
تبن لقيم مشرتكة .صحيح ،قبل مجيئي عىل رأس الحكومة ،لم أكن وإنما أيضا عالقات ثقة ظننتها قائمة عىل ﱟ
أعرف الجنرال تواتي ولم أكن أدرك الفروق الجوهرية املوجودة بيننا عىل مستوى ما يمكن تسميته بميول كل
منا من الناحية األيديولوجية والتاريخية .لذلك ،ابتداء من أواخر الفصل األول من سنة 1993وألسباب
سأتعرض لها يف ما بعد ،أخذت عالقات الثقة تتضاءل بيننا ليتبعها نوع من االرتياب ثم عداوة رصيحة يف آخر
األمر .
".5مافتئ السيد عبد السالم يعلن للمأل أنني يف خدمة بعض املصالح ال لسبب إال ألنني سمحت لنفيس بإبداء
13
مالحظة له حول مرشوع قانون االستثمارات الذي أفرغه من كل محتواه عندما أضاف بندا أو فقرة تفرض عىل
كل مستثمر جزائري ،مقيما كان أو غري مقيم ،الترصيح أمام موثق بمصدر األموال التي ينوي استثمارها ".
أ .مجرد االدعاء أن مرشوع قانون االستثمار الذي أمرت بصياغته أُفرغ من محتواه ألنني أدرجت يف نصه بندا
يفرض عىل املستثمر الترصيح بمصدر األموال التي بحوزته ال يمكن أن يؤوٍّل بصورة أخرى غري كونه دعما
مقدما لهؤالء املعروفني من الجميع ممن كسبوا ثروات معتربة عىل حساب الدولة ،سواء عن طريق الغش
الرضيبي أو عن طريق مختلف أشكال الرشوة السيما العموالت املقتطعة من الصفقات العمومية لإلدارة أو
املؤسسات االقتصادية الوطنية أو ،أخريا ،عن طريق الغش يف العمليات التجارية عىل حساب املستهلكني .
ب .أضف إىل ما سبق ،الدور الذي ال يخفي الجنرال تواتي قيامه به يف نصب املكائد ورسم خطط التدخالت
التي أدت بالجزائر إىل اللجوء إىل إعادة هيكلة مديونيتها الخارجية هو )أي الدور( ،يف حد ذاته ،طريقة جديدة
يف تقديم الدعم لبعض املصالح أو يف إثبات صلته بها مادامت الحملة التي شنت ،السيما من طرف الجنرال
تواتي ،كما يقر هو ذاته بذلك ،كانت تستهدف ،بصفة خاصة ،الحصول – تحت غطاء رضورة الخضوع
لرشوط صندوق النقد الدويل – عىل تحرير التجارة الخارجية وكذا تمكني املتعاملني الخواص من صفقات
تجارة االسترياد-التصدير ) (import-exportالتي تخص ،أساسا ،استرياد املواد الواسعة االستهالك .ودائما
يف سياق تطبيق رشوط صندوق النقد الدويل ،كان لهؤالء املتعاملني الخواص الحق يف االستفادة من قروض
خارجية حصلت عليها الدولة أو مضمونة من طرفها لتمويل املواد التي كانوا يستوردونها .وعليه ،هل أنا يف
حاجة إىل التذكري ،مرة أخرى ،بالروابط التي تربط الجنرال تواتي بمجموعة التجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية وأن زعيم هذه املجموعة المني ،يف مقال صدر له بعد حل حكومتي ،بعدما أرشت إىل أنه من بني
مدبري حمالت القدح ضد السياسة االقتصادية املعتمدة من طرف حكومتي السيما عرب بعض الصحف التي
تدعي أنها مستقلة ،كان هناك مستوردون كبار معروفون عىل مستوى الساحة التجارية الجزائرية بتلك
العمليات املربحة التي أنجزوها يف مجايل حديد البناء واألدوية .ليس هناك ما يثبت أن الجنرال تواتي له أسهم
يف مجموعات املصالح ممن استفادوا من امتيازات أكيدة تأتت لهم بفضل التوجهات التي ال يخفي أنه كان
وراءها يف مجال السياسة االقتصادية للجزائر بعد تصفيتي من عىل رأس الحكومة .ثم إنني لم أرصح أبدا أنه
استفاد شخصيا من أنشطة مجموعات املصالح ممن نفعهم نشاطه لدى الدوائر القيادية يف الدولة .
14
ج .لكن ،وبرصف النظر عن مختلف االعتبارات التي يمكن أن تجعل الجنرال تواتي يصدر أحكاما عىل البند
الذي أدرجته يف مرشوع قانون االستثمارات يف ما يتعلق مراقبة مصادر األموال التي يوفرها املستثمرون
املحتملون ،يبقى السؤال األسايس املطروح حول نقطة الخالف كاآلتي :كيف استطاع الجنرال تواتي – وهو
يترصف بوصفه ممثال لواحدة من أبرز السلطات يف الدولة – وكذا هؤالء ممن يدعي أنهم أرسوا له بأشياء ،أن
يروا غرابة ،بل أمرا غري مقبول ،أن يتساءل وكالء مؤهلني للدولة ،أي موثقني ،عن مصدر رؤوس األموال املزمع
استثمارها السيما وأن هؤالء املستثمرين كانوا يستفيدون من امتيازات وضمانات من طرف الدولة ؟ يعلم
جميع املالحظني لساحتنا السياسية الوطنية أن تلك العنارص التي اغتنت بطريقة غري رشعية ،ويف الكثري من
األحيان عىل حساب الجماعة الوطنية ،هي التي كانت تتمنى الحصول عىل إقرار قانوني باملنافع التي تحققت
لها جراء النهب وتسعى يف هذا االتجاه لدى كافة الفاعلني املرشفني عىل أنشطتنا السياسية الوطنية من أجل
ضمان عدم تعرضها أبدا للعقاب ومن أجل الحصول عىل الصفة القانونية ملا كسبته بوسائل كانت غري قانونية
بمثل ما كانت غري أخالقية .ذلك هو الرهان كله بالنسبة إىل هؤالء الذين ما فتئوا ،منذ سنوات ،يظهرون بني
الفينة واألخرى يف صورة مطالبة بالعفو الرضيبي بحجة أن الجزائر يف حاجة إىل رؤوس أموال من أجل خلق
مناصب شغل وتقليص البطالة .
الكل يعرف أيضا أن البلدان املتطورة يف العالم الغربي ذي االقتصاد املحكوم بقواعد الرأسمالية واقتصاد
السوق تفرض مراقبة صارمة عىل مصدر األموال املتداولة أو املستثمرة يف أنشطتها االقتصادية .هل أنا يف
حاجة إىل التذكري هنا أنه يف البلدان الغربية ،كل إيداع لألموال يف بنك – حتى ولو كان املبلغ ضئيال نسبيا
مقارنة بتلك األعداد الضخمة من األوراق النقدية املتداولة لدينا يف أكياس القمامة – يفرض عىل صاحبه تقديم
إثباتات صارمة يف ما يخص مصدر األموال املودعة ؟ يف الواليات املتحدة األمريكية ،مسافر قادم من الخارج
يرصح أن بحوزته مبلغا مساويا أو أكثر من 5000دوالر أمريكي يجد نفسه أمام استنطاق مشدد من طرف
مصالح األمن .هذه القواعد كانت موجودة قبل اإلجراءات املفروضة هناك يف السنوات األخرية بكثري من أجل
مالحقة األموال املخصصة لتمويل ما يسمى باإلرهاب الدويل .وقد كان الهدف منها محاربة األموال القذرة ،أي
املحصل عليها ،أساس ،عن طريق املتاجرة باملخدرات ،أنشطة الدعارة والجريمة املنظمة .فكيف يمكن للدولة
الجزائرية ،املتمخضة عن ثورة كلفت شعبنا مئات األلوف من الشهداء والتي أشعت عىل العالم بأرسه ،أن
تغض الطرف عن إصدار قوانني باسمها تفتح الباب واسعا لتبييض األموال القذرة التي تدينها جميع الدول
املتحرضة والجادة عىل أنها جريمة بائنة ومساسا بسمعة املؤسسات التي تحكم هذه الدول ؟ ليس هناك سوى
تلك البلدان التي تسود فيها مختلف الجماعات املافياوية النشطة عىل مستوى العالم التي ترىض بالتحول إىل
فراديس رضيبية لألرباح الهاربة من قوانني الدول التي تحققت فيها .لقد تحولت هذه الدول إىل مالذ طيب
لرؤوس األموال ذات املصادر املشبوهة التي كثريا ما تكون مرتبطة بجرائم وترصفات أشخاص ال دين لهم وال
ملة .
د .يبدو أن الجنرال تواتي قد نيس ،مثلما يبدو الكثري من مسؤولينا السياسيني معه ،أن أحد املوضوعات الكربى
املستعملة كتربير وهدف للعمل الذي تم القيام به تحت إرشاف الجيش الوطني الشعبي غداة إلغاء نتائج
االنتخابات الترشيعية لسنة 1991وتوقيف املسار االنتخابي الناجم عنه كان استعادة مصداقية الدولة .يف ما
يخصني ،ويف برنامج العمل الذي سطرته لحكومتي بموافقة من املجلس األعىل للدولة ،احتلت هذه املسألة
15
مكانا مرموقا وتضمنت جانبني :محاربة األنشطة التخريبية واتخاذ تدابري ضد الفساد وضد ما كنا آنذاك
نسميه باآلفات االجتماعية التي كانت السبب الرئييس يف تدهور األوضاع السياسية يف البالد .حكومتي هي التي
صاغت جميع األحكام الترشيعية والتنظيمية من أجل تمكني قوات األمن من التدخل بفعالية وجهازنا القضائي
من العمل بالرصامة والرسعة املطلوبتني بغرض احتواء ومحاربة الهجومات املستهدفة ملؤسسات الدولة وكذا
حماية األشخاص واملمتلكات من الخطر املتزايد شدة واتساعا .وبعد موافقتي االضطالع بمسؤولية لم أبحث
عنها ولم أطلبها أبدا ويف تلك الظروف األليمة التي كانت الجزائر تعيشها يف تلك الفرتة ) 2جويلية )1992
والشهور التي تلتها ،لم يكن بإمكاني ،بأي حال من األحوال ،أن أخضع إلرادة من كانوا ،عىل شاكلة الجنرال
تواتي ،يظنون أنفسهم أصحاب رسالة سامية تخولهم ،دون سواهم ،تحديد ما كان صالحا للبلد وما لم يكن
وأن أترك اسمي يسجل يف صفحات تلك املرحلة الغامضة من تاريخنا عىل أنني كنت فقط ذلك الرجل صاحب
قانون مكافحة اإلرهاب ،املحاكم الخاصة والتدابري الهادفة إىل تخليص مساجدنا من األنشطة االنقالبية التي
بدأت تعشش فيها منذ السنوات التي سبقت تلك الفرتة التي بدأت مع توقيف املسار االنتخابي مطلع .1992
وإضافة إىل أثره من حيث كونه حكما ترشيعيا رضوريا لتنقية املناخ األخالقي يف البالد واستعادة مصداقية
الدولة ،جاء البند املتعلق بمراقبة رؤوس األموال الذي أدرجته يف مرشوعي لقانون االستثمارات كواجب أخالقي
لم يكن بإمكاني التخيل عنه من دون النيل من رشف املهمة التي عهد بها إيل ومن طابع املخ ﱢلص .لقد تمثل
دوري يف تجهيز البالد بقانون لالستثمارات كفيل باإلسهام يف مواصلة تنميتها وتعزيزها ،يف كنف احرتام القيم
السوية لثورتنا .كال ،لم يتمثل دوري يف توفري قانون لتبييض أموال غري مستحقة استحوذ عليها من ال دين لهم
وال ملة عىل حساب شعبنا .
16
êïÝÈ@μÜbu@>àíÙy@öb›Ècì@oåØ@ñ‰Üa@æ—ÍÜa@ÊÔ@êjji@oááè ñ‰Üa@‡åjÜaN5
22/07/2007ßbÕ¾a@„îŠbm
.6أغلب مساعديه)املقصود أنا( كانوا ضد هذا البند لكنهم لم يجرؤوا عىل مصارحته ألن – وهذا أمر ينبغي أن
نقوله – حتى أعضاء الحكومة لم يكونوا يدخلون مكتبه إال وهم متوجسني خيفة .ومهما يكن من أمر ،أحد
الوزراء هو الذي أعرب يل عن مخاوفه بخصوص هذا البند الذي قد يجعل قانون االستثمارات يبدو وكأنه
قانون عقوبات .أما ماعدا ذلك ،فنص مرشوع القانون كان ممتازا .
أ .يف ما يخص طريقة التعامل مع مساعديٍّ يف إطار ممارسة مختلف املسؤوليات التي عهد بها إيل طيلة
حياتي ،أفضل ترك اإلجابة لهؤالء ،ولو يف قرارة أنفسهم ،عن املزاعم الواردة عىل لسان الجنرال تواتي .من
جانبي ،أكتفي بالقول ،ببساطة ،إنه لرشف يل أنني حظيت باالحرتام والتقدير ،املمتزجني بالعاطفة األخوية يف
بعض األحيان ،من طرف مساعدي دائما ،أو عىل األقل البعض منهم ،بما يف ذلك أثناء الفرتات التي لم أكن
أمارس فيها إال مسؤوليات نضالية لم تمنحني أية قدرة عىل ترهيبهم إىل درجة جعلهم ال يدلون يل بآرائهم وال
يقرتبون مني إال بحذر .ثم إنني ال أجهل أن هذا التقدير وهذا االحرتام التلقائيني قد جعال املالحظني الخارجيني
الذين لم يخلوا دائما من سوء النية ،يظنون أن السلطة التي كانت يل من املستحيل أال تكون حاصلة بفعل
اإلكراه املتصل بمسؤولياتي .ومع ذلك ،فإن إرادة التغلب كما لو كنا يف لعبة الضامة عىل من كالوا يل التهم –
تهما كانت وهمية مثلما اكتست ربما طابع الحسد ألنهم لم يستطيعوا الظفر بنفس السلطة مثيل مع
مساعديهم – ال تجعلني أذهب إىل أبعد من هذا الحد يف ردي عىل مثل هذه املزاعم .
ب .ليس من الغريب ،السيما بالنظر إىل جو املكائد والترصفات االنتهازية املميزة ألوضاعنا السياسية منذ أوائل
الثمانينيات ،أن يكون بعض من مساعدي أو أعضاء يف حكومتي قد أعربوا للجنرال تواتي عن تحفظاتهم ،إن
لم نقل معارضتهم ،بخصوص البند املدرج يف مرشوع قانون االستثمارات يف مجال مراقبة رؤوس األموال .لم
تكن حكومتي لتخلو من مساعدين ووزراء ممن كانت لهم لغة مزدوجة ويظهرون بمظاهر مختلفة بحسب
الفكرة التي يحملونها عن مخاطبهم .يف هذا السياق ،من املعروف أنه سواء أمامي أو يف إطار اجتماع مجلس
الحكومة بحضور جميع األعضاء ،كان يحدث أن يقوم البعض ممن كان همهم األول اإلدالء بأكثر اآلراء
راديكالية ومواقف كانت تضعهم يف خانة أشد العنارص رصامة يف مجال تسيري شؤون الدولة ومعالجة املسائل
املتصلة ببعض الجوانب من حياتنا االجتماعية مثل الرشوة واإلثراء غري املرشوع .هكذا كان هؤالء يلجأون إىل
من كانوا يعتربونهم "أصحاب القرار الحقيقيني" لتقويم األمور يف اتجاه ما كان يناسب خياراتهم الفعلية التي
لم يجرؤوا عىل اإلفصاح عنها والدفاع عنها أمام املأل .إن من أرسوا إىل الجنرال تواتي ،حسب زعمه،
بمعارضتهم لبند مراقبة مصدر األموال املعدة لالستثمار كانوا ربما نفس األشخاص ممن أكدوا يل أن العسكر
ال يمكن أبدا أن يرتكوا مثل هذا البند يمر ولم يرتددوا يف البوح يل رصاحة أن هؤالء العسكر أو أصدقاءهم
سيكونون أول من يعاني جراء هذه املراقبة .يف ما يخصني ،وانطالقا من املوقف الذي التزمته عندما أمرت
بإدراج البند القايض بالتأكد من نزاهة مصدر االستثمارات املستفيدة من االمتيازات املنصوص عليها يف قانون
االستثمارات ،كنت أحسب أن أصحاب القرار املنتمني إىل الجيش الوطني الشعبي لم تكن لهم مصالح خفية
يريدون حمايتها من مراقبة الدولة وال يقبلون أبدا أن يتحولوا إىل رشكاء للمتعاملني الخواص املستنزفني
17
لالقتصاد الوطني .وعليه ،فالقلوب الطيبة التي يحلو للجنرال تواتي الحصول منها عىل أرسار كانوا ربما نفس
األشخاص ممن ادعوا تنويري ومساعدتي بنصائحهم مشريين يل أن بعضا من مواقفي ،السيما البند املتعلق
بمراقبة مصدر األموال يف مرشوع قانون االستثمارات ،جعلتني أهم بقطع الغصن الذي كنت وأعضاء حكومتي
جالسني عليه .
يف نهاية األمر ،الدرس الذي يجب استخالصه من هذه الواقعة املتعلقة بمسار مرشوع قانون االستثمارات الذي
طلبت إعداده وتم اعتماده ،بعد تنحيتي ،هو– السيما أثناء فرتة معينة متأخرة من الحياة السياسية يف بلدنا –
أن من كانوا يظهرون يف عيون الرأي العام الوطني والدويل بوصفهم املرشفني عىل مصالح البلد لم يكونوا ،يف
الواقع ،مصدر القرارات املتخذة حتى وإن بقوا مسؤولني عنها يف نظر العامة .كانت هناك مساعي رسية لدى
دوائر سلطة خفية من شأنها عرقلة عملهم والقضاء عىل نجاعته بل وفرض قرارات عليهم لم تكن متفقة مع
خياراتهم هم .يبدو أن الجنرال تواتي ممتاز يف هذا النوع من املمارسات بل ويجد فيها متعة حتى أضحى من
غري النادر سماع بعض األصوات يف أوساط عاصمية تقول إنه كان يتلذذ بالتنقل ما بني السفارات حيث كان
يُظن أنه "املخ" أي "امللهم" املحدد لكيفية تدبري شؤون البالد ووسيط الوحي الذي كان الناس يعرفون بفضله
االتجاه الذي كان أولو أمرنا بصدد اتخاذه .
" .7لقد كانت عالقاتنا ،بالعكس ،ممتازة ومحل ثقة كبرية إىل درجة أنني سمحت لنفيس بالتدخل لديه
)املقصود أنا( بعد تعليق صدور يومية El Watanيف 1992وتوقيف خمسة من صحفييها .كنت أعترب أن
هذه اليومية لم ترتكب أية مخالفة ولم تخرق أي رس عسكري عندما نرشت خرب الهجوم اإلرهابي عىل مقر
الدرك الوطني بقرص الحريان .لم يقل يل أي يشء عىل التو ،لكنه ،لم يرتدد ،يف ما بعد ،يف االدعاء أنني كنت يف
خدمة الصحافة الخاصة ".
أ .ذات يوم من شهر جانفي – 1993يوم السبت 2من الشهر عىل وجه التحديد – وبعد وصويل إىل املكتب،
اطلعت عىل فحوى مقال يومية El Watanالتي نرشت عىل عرض صفحته األوىل كلها خرب موت خمسة دركيني
بالقرب من األغواط .وقد أثار الخرب حفيظتي لسببني :أوال ،ألننا كنا قد اتفقنا ،السيما مع مسؤويل الصحف،
عىل االمتناع عن املبالغة يف توفري إشهار ملحاوالت االغتيال اإلرهابية التي كان من بني أهداف أصحابها رضب
الرأي العام وذيوع أفعالهم ؛ ثانيا ،بالنسبة إيل كان من الفاحشة أن تقدم صحيفة ،تدعي الجدية ،عىل استغالل
تجاري ملأساة تسببت فيها أيادي إرهابية .كنت أجهل آنذاك بعض االعتبارات الخفية التي يمكن أن تفرس
اإلشهار الذي حظيت به هذه الواقعة .وأنا أطلع عىل فحوى الخرب يف ، El Watanعلمت أن مدير هذه اليومية
وبعضا من مساعديه من الصحفيني أوقفوا يف الصباح املبكر من طرف رجال الدرك الوطني بحجة عرقلة
التحقيق الذي كانوا بصدده يف هذه الواقعة عندما أذاعوا الخرب قبل األوان .لقد كنا ،يف تلك الفرتة ،يف حالة
طوارئ ،وكانت األوضاع الداخلية متأثرة كثريا باالغتياالت اإلرهابية .بناء عىل ذلك ،اتخذت عىل الفور قرارا
بتعليق صدور اليومية املذكورة إىل "أجل غري مسمى ".
بعد ذلك بأيام قليلة ،وبعد عدد من التدخالت ،السيما من جانب الجنرال خالد نزار الذي أكد يل أنه قام بتوبيخ
شديد اللهجة ملدير ، El Watanقمت برفع التعليق عىل اليومية .يف هذه األثناء ،أفرج الدرك الوطني عن مدير
اليومية والصحفيني الذين كانوا معه .أما يف ما يخص الجنرال تواتي ،لم أكن أبدا عىل علم بتدخله بشأن هذه
18
الواقعة .ولم أعرف إال يف ما بعد بكثري ،كما أخربني هو نفسه بمناسبة لقاء بمكتبي ،أنه اقتحم تقريبا ،كما
قال ،مكتب مدير ديواني لالحتجاج عىل قرار تعليق صدور اليومية املذكورة .لعله أحس ،آنذاك ،أنه لم يكن من
املناسب إخطاري مبارشة برد فعله ولعله فضل التوجه إىل الجنرال خالد نزار ليطلب منه التدخل لدي من أجل
رفع التعليق .الجنرال خالد نزار ،بصفته عضوا يف املجلس األعىل للدولة ،لكن أيضا بحكم وضعه كقائد الجيش
الوطني الشعبي ،كان يُعترب آنذاك عىل أنه صاحب السلطة العليا الحقيقي يف البالد ؛ مما جعله يف منصب
أسمى من منصبي .ثم إن العالقات بيننا كانت الئقة جدا وفيها من الثقة والكياسة ما جعلني أشعر بالغبطة
نحوها .
لعل الجنرال تواتي قد أحس باإلحباط بعدما لم يستطع الحصول عىل رفع فوري لتعليق صدور الجريدة
املذكورة التي كان حاميها نوعا ما .كما أنه البد وأن تكون لهذه الواقعة عالقة بتلك االتهامات ،الناجمة عن حقد
غري معلن ،املوجهة ضدي ،السيما عرب تلك األقاويل الباطلة حول نزعتي" القيرصية" املزعومة يف ممارسة
السلطة .
19
æ íÜa@óÑïz– ÒïÔím@pbïÑÝ‚@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN6
2007O07O23@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
يف الواقع ،وألنني اعتدت البقاء بعيدا دائما عن دوائر اللقاءات والصداقات التي كانت ،وال زالت ،ﱢ
تنشط الحياة
االجتماعية والسياسة بعاصمتنا ،كنت أجهل ،آنذاك ،ما يمكن أن يفرس تلك الحماسة التي أبداها الجنرال تواتي
يف صالح يومية El Watan.وبالفعل ،لقد علمت يف ما بعد ،أي مع تطور مسريتي القصرية كرئيس حكومة،
وبعد تنحيتي خاصة ،أن الجنرال تواتي كان يحمل للجنرال عباس غزيل ،قائد الدرك الوطني آنذاك ،عداء يكاد
يصعب وصفه .
لعل الجنرال تواتي كان يعترب نفسه أحق من الجنرال غزيل بقيادة دركنا الوطني ألنه سبق له أن درس
بمدرسة فرنسية للدرك ضمن الجيش الفرنيس قبل التحاقه بصفوف جبهة التحرير الوطني .لكن ،أكثر من
ذلك ،ما علمته من خالل الجنرال تواتي حول ميوله األيديولوجية وأفكاره املسبقة بشأن القيم املميزة للحركة
الوطنية الجزائرية يجعلني أعتقد أن عداءه للجنرال غزيل تجاوز حدود مجرد الخصومة يف ما يتعلق بقيادة
الدرك الوطني .يف اعتقادي ،يتعلق األمر باختالفات جوهرية يف املسرية ذات الصلة باألصول التنظيمية
واأليديولوجية لكل من الجنرالني .أحدهما ،الجنرال غزيل ،وهو مناضل قديم يف صفوف حزب الشعب
الجزائري وكان التحاقه بصفوف جيش التحرير الوطني نتيجة بديهية اللتزامه بالقضية الوطنية منذ شبابه.
ثانيهما ،الجنرال تواتي ،وهو لم يسمع ،قبل التحاقه بصفوف الجيش الفرنيس ،أبدا بالحركة الوطنية ولم
يشعر قط بالحس الوطني يختلج يف أحشائه .الجنرال غزيل كان تلميذا بثانوية سكيكدة التي درست بها قبله
أثناء السنة الدراسية .1949-1948وملا كان أصغر مني سنا ،البد وأنه كان يف قسم أدنى من القسم الذي كنت
فيه .لكن ،وعىل غرار بعض من الزمالء يف الثانوية املذكورة ،كان غزيل مناضال يف حزب الشعب .ذات يوم وهو
يشارك يف مظاهرة نظمها حزبه يف املدينة ،وقعت له مشاكل مع الرشطة ؛ مما أدى إىل كشف أمر انتمائه إىل
حزب الشعب ومشاعره الوطنية لدى مدير الثانوية فكان ذلك سببا يف طرده من هذه الثانوية .بعد عودته إىل
منزله بباتنة ،حثه أهله ،بهدف حمايته الشك ،عىل التطوع يف الجيش الفرنيس الذي التحق به عن طريق مدرسة
اإلشارة العسكرية بفرنسا .
20
بعد أول نوفمرب 1954بفرتة قصرية وبعد استعادة اتصاله بخاليا حزب الشعب بباتنة بمناسبة عطلة أتي
ليقضيها بالجزائر ،التحق برفاقه القدامى يف الحزب بجبال األوراس منخرطا هكذا يف صفوف جيش التحرير
الوطني .لقد كانت حياته ،من بعد ،حياة أي فرد من أفراد جيش التحرير الوطني ،أوال يف الداخل ثم يف
الخارج ،يقاسم إخوانه يف الكفاح أوقات الرساء وأوقات الرضاء وكذا تلك التقلبات التي شهدها من عايش
مسرية حربنا التحريرية إىل ذلك اليوم الذي تحقق لها النرص فيه بإعالن استقالل الجزائر .فحتى وإن مر
عباس غزيل بالجيش الفرنيس قبل مغادرته له ملتحقا بصفوف جيش التحرير الوطني ،إال أنه ال يوضع يف
خانة ما اعتدنا تسميتهم بـ "الفارين من الجيش الفرنيس" نحو جبهة التحرير الوطني عىل الحدود مع تونس
واملغرب بعد فرارهم من األماكن التي عينوا فيها من طرف الجيش الفرنيس .أما الجنرال تواتي ،فقد التحق
بجبهة التحرير الوطني بالخارج يف شهر فيفري .1961قبل ذلك ،درس بمركز التكوين اإلداري الذي أنشأه
جاك سوستال سنة 1955بهدف توفري تكوين رسيع إلطارات جزائرية موجهة لتعزيز اإلدارة االستعمارية يف
الجزائر كي تحكم قبضتها عىل سكاننا .لعلنا نتذكر أن واحدة من املالحظات التي أبداها الحاكم العام
سوستال بعد تنصيبه سنة 1955كحاكم عام يف الجزائر ،هي اعتباره أن إدارة السكان الجزائريني كانت
ناقصة ،أي أن األجهزة االستعمارية املكلفة بتأطري هؤالء كانت يف حاجة إىل إحكام .لقد كان سوستال يريد
رضب عصفورين بحجر :إحكام القبضة أكثر إلدارته عىل شعبنا وكسب إطارات جزائرية بغرض استخدامهم
كعنارص لدعم النظام القمعي الذي كان ينوي إقامته يف سبيل محاربة ثورتنا آمال يف الحيلولة دون انتشار هذه
الثورة بعدما أخذ نموها يتزايد يف عهد سوستال ). (1
من جانبي ،لقد استطعت أن أفهم ،يف ما بعد ،أن األمر كان متعلقا بـ "رواية لألمور" تفرس سبب تلك الحيوية
والحماسة اللتني ميزتا رد فعل الجنرال تواتي بخصوص قراري تعليق صدور يومية El Watan.حينما
اتخذت هذا القرار ،لم تكن بحوزتي معلومات حول الخصومات الداخلية بني الجنرال تواتي وقائد الدرك
الوطني .وعليه ،ال أستغرب أن يكون الجنرال تواتي ذاته هو مصدر تلك املعلومة التي انفردت يومية El
21
Watanبنرشها حول االغتيال الذي أودى بحياة عدد من أفراد الدرك الوطني بالقرب من األغواط ،وكانت
معلومات أرادت قيادة الدرك الوطني تأخري نرشها لرضورات التحقيق .إن لدي من األسباب ما يجعلني أظن
أن الكشف عن هذه الواقعة لم يكن أبدا بنية "إعالم الجمهور" كما يدعي بعض الصحفيني لتربير مبادراتهم
أحيانا .فقد يكون الهدف من نرشها النيل من سمعة الجنرال غزيل ومقدرته كقائد لدركنا الوطني .كما يمكن
أن يكون الهدف الحط من شأن هذا الضابط السامي وكفاءته لخالفة الجنرال خالد نزار عىل رأس وزارة
الدفاع الوطني ألنني ال أظن أني أفيش رسا عندما أشري إىل تلك اإليحاءات التي أفادت ،يف أواخر 1992أو أوائل
1993عىل ما أظن ،أن الجنرال خالد نزار كان يفكر يف تقليص أنشطته ،ألسباب صحية ،بل وربما يف تقاعده
وأن الخيار قد وقع عىل الجنرال غزيل لخالفته كوزير للدفاع الوطني .بطبيعة الحال ،لم يكن من شأن هذه
اإليحاءات أن تريض الجنرال تواتي .
ومهما يكن من أمر ،من املعلوم أن يومية El Watanلتعوي عندما أثري مسألة عالقاتها بأوساط تابعة لوزارة
الدفاع الوطني .غري أن بعضا من صحفييها ،يف تلك الفرتة ،أرسوا إىل أعضاء يف حكومتي كانت تربطهم بهم
عالقات شخصية تعود ،يف بعض األحيان ،إىل فرتة الدراسة ،قائلني " :هل تظنون أننا كنا قادرين عىل نرش مثل
هذا الخرب من دون موافقة الجيش ؟" .بطبيعة الحال ،بالنسبة إىل رجال ، El Watanإشارة من الجنرال تواتي
كانت بمثابة املوافقة من طرف الجيش الوطني الشعبي .املبادرة التي اتخذتها شخصيا بتعليق صدور اليومية
إىل أجل غري مسمى ،كانت إشارة مني ،ومن دون أن أشعر ،إىل أن الجنرال تواتي لم يكن ،بالرضورة ،يعكس
وجهة نظر الجيش كله .يف نهاية األمر ،ومن دون أن أريد ذلك أو تنبهت إليه عىل الفور ،وجدت نفيس متورطا
يف شقاق كان رهانه ،عىل مستوى مؤسستنا العسكرية ،سيادة التيار الفكري النابع من أعماق حركتنا الوطنية
والذي شكل العامل الحاسم يف اندالع ثورتنا وانتصارها وكذا يف قيام جيش التحرير الوطني الذي انبثق منه
سليله الجيش الوطن الشعبي .أما يف ما يخص الكالم الذي ينسبه الجنرال تواتي إيل بشأن عالقاتي بالصحافة
الخاصة ،الرأي عندي أن هذا الجنرال ليس هو الذي كان يف خدمة الصحافة الخاصة وإنما ،بالعكس ،هذه
الصحافة – التي تزعم أنها حرة ومستقلة – هي التي كانت يف خدمته ،أي يف تنصتها للسلطة من خالله
باعتباره "املخ" بالنسبة إليها .
".8ما لبثت أن أدركت أن السيد عبد السالم كان له تصور ’قيرصي’ للسلطة ’ :من القائد وإىل القائد .’...عندما
يقول )عبد السالم( أنا الذي تسببت يف تنحيته إنما يقوم بعملية إسقاط بمعنى الطب النفيس للكلمة .االعرتاف
أن املجلس األعىل للدولة هو الذي أقاله سيكون بالنسبة إليه بمثابة االعرتاف بصحة مبادرة تنحيته .لقد كان
املجلس األعىل للدولة هو الهيئة املخولة يف الحكم عىل نشاطه .لكن السيد عبد السالم ال يستطيع أن يقر
بأخطائه مع مرور الزمن ".سأعود ،يف ما بعد ،إىل هذيان الجنرال تواتي بخصوص ما يسميه بـ "تصوري
القيرصي للسلطة" .لنتحدث ،قبل ذلك ،عن "الطب النفيس" ودور املجلس األعىل للدولة .
أ .ليس من املستبعد أن يكون املرور بمخابر الجيش االستعماري وربما أيضا بما كنا نسميه أثناء حرب
التحرير بـ "مركز سوستال" هو الذي سمح للجنرال تواتي بتلقي أرسار ما يسمى بـ "الحرب النفسية" حيث
يكون قد تعلم كيفية اللجوء إىل صيغ من الطب النفيس عندما يتعلق األمر بالتأثري يف السامعني وحملهم عىل
تقبل سخافات نسعى لتقديمها كحقائق ال تقبل النقاش .هكذا ،يحاول الجنرال تواتي حمل الناس اليوم عىل
االعتقاد أن املجلس األعىل للدولة ،وبعد رحيل الفقيد محمد بوضياف ،أول رئيس له ،هو الذي كان يمارس
22
السلطة فعال وأنه هو ذاته )أي الجنرال( لم يكن له أي دور ولم يكن أبدا يتدخل يف نشاطات هذا املجلس.
بالنسبة إىل هذه النقطة ،أود أن أسمح لنفيس بتذكريه ،فقط ،بتلك األمور التي أرس يل بها ذات يوم ،عندما كانت
عالقاتنا جيدة ،حول الدور الذي قام به أو زعم أنه قام به يف تسوية مسألة خالفة الرئيس بوضياف ويف اختيار
أعضاء املجلس االستشاري الذي أسسه الراحل من قبل .هل أنا يف حاجة أيضا إىل تذكريه أنه بتاريخ 8ماي
،1993أرسل إيل ،ساعات قبل إذاعته يف التلفزة ،نص الخطاب الذي كان الرئيس عيل كايف بصدد إلقائه
بمناسبة إحياء ذكرى 8ماي 1945؟ صحيح ،كان الرئيس عيل كايف يتحرك يف إطار رئاسة ذات طابع
جماعي .أحد أعضاء هذه الرئاسة كان ،بطبيعة الحال ،الجنرال خالد نزار الذي كان الجنرال تواتي مستشارا
سياسيا له واملمثل لوزارة الدفاع الوطني يف االجتماعات الوزارية التي تعنيها .عىل هذا األساس ،كان له ،من
دون شك ،أن يطلع ،لحساب الجنرال خالد نزار باعتباره عضوا يف املجلس األعىل للدولة ،عىل نص الخطاب
املذكور قبل إلقائه من طرف الرئيس عىل كايف عىل شاشة التلفزيون .ومع ذلك ،فإنه عندما أرسل إيل ،هو
نفسه ،بنص هذا الخطاب قبل إذاعته لعله كان يريد أن يشري يل أن وراء الجنرال خالد نزار كان هو الذي
يعطي اإلذن لنص خطاب رئيس املجلس األعىل للدولة ؛ مما يوحي أيضا أنه كان امللهم واملتمم للقرارات
الصادرة عن املجلس األعىل للدولة .أكثر من ذلك ،أثناء لقاء وقع يف 3ماي 1993مع الرئيس عىل كايف
والجنرال خالد نزار – أي ذلك اللقاء الذي سأتعرض له من بعد والذي كان من املتوقع ،حسب ما رواه يل رضا
مالك ،أن أتلقى توبيخا بسبب املبادرة بعدد من اإلجراءات إثر كشف الصحافة الدولية عن عملية رشوة متصلة
بعقد بيع للغاز الطبيعي الجزائري إىل إيطاليا – خاطبني الجنرال خالد نزار رصاحة بهذه العبارات " :يس عيل
سيلقى عىل األمة خطابا يوم 8ماي القادم بمناسبة إحياء ذكرى مجازر 8ماي .1945ماذا يجب أن يقول
بشأن الحكومة ؟".
23
@óàíÙ¨a óÜbÔgì@ñbà@8@lb‚@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@ôma‹Ø‰àN7
2007O07O24@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
أجبت أنه بإمكانه أن يشري ،يف خطابه ،إىل أن املجلس األعىل للدولة – عند نهاية عهدته املقررة ألواخر سنة
1993ومن خالل الصيغ التي ستتم بلورتها من أجل تنظيم فرتة انتقالية بعد ذلك – سيسهر عىل اتخاذ
التدابري الالزمة بهدف ضمان استمرار السياسة املطبقة من طرف الحكومة عىل أساس الربنامج الذي أقرته.
حينئذ ،طلب مني الجنرال خالد نزار بإرسال نص إىل رئيس املجلس األعىل للدولة يمحل الصيغة التي يجب
بواسطتها تأكيد وضمان استمرار السياسة املتبعة من طرف حكومتي.
كان ذلك غداة تبني مجلس الوزراء للمرسوم الترشيعي املتعلق بالخطة الوطنية لسنة 1993واألهداف العامة
للفرتة املمتدة من 1993إىل 1997وصدور هذا املرسوم بالجريدة الرسمية .وقد تزامن ذلك أيضا مع بداية
الحديث عن نتائج الحوار الذي بادر به املجلس األعىل للدولة مع بعض األحزاب السياسية والحركات
الجمعوية .كما انترشت آنذاك شائعات تفيد ،يف سياق هذا الحوار ،بتنظيم املرحلة االنتقالية التي ستأتي بعد
انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة .استجابة ،إذاً ،لطلب الجنرال خالد نزار شخصيا ،بحضور رئيس املجلس
األعىل للدولة ،كلفت عضوا يف الحكومة تحرير النص املطلوب مني يف اتجاه ما قلته للجنرال خالد نزار ،أي قيام
الرئيس عيل كايف يف خطابه عىل األمة بمناسبة 8ماي بتأكيد استمرار السياسة املتبعة من طرف الحكومة بعد
انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة .وقد تم تسليم هذا النص ،كما اتفق عليه ،لرئاسة املجلس األعىل للدولة .غري
نص الخطاب الذي ألقاه الرئيس عيل كايف عىل شاشة التلفزيون يوم 8ماي ،1993والذي وصلتني نسخة منه
من طرف الجنرال تواتي قبل إلقائه ،لم يرش البتة ال إىل الحكومة وال إىل سياستها خالفا لإلرادة التي عرب عنها
الجنرال خالد نزار الذي لم يكن الجنرال تواتي إال أحد مرؤوسيه .ومنذ اليوم املوايل من إلقاء هذا الخطاب،
أجهزت الصحافة املأمورة" ،الحرة واملستقلة" ،بتعليقات متفاوتة الحدة حول صمت رئيس املجلس األعىل
للدولة يف ما يخص الحكومة .وقد قدم هذا الصمت عىل أنه كان عالمة عىل خالف بني الجهاز التنفيذي وهيأة
الرئاسة الجماعية وأنه ،عىل وجه الخصوص ،إشارة إىل سحب هذه الهيأة لتأييدها لعمل الحكومة .لست يف
حاجة ،هنا ،إىل إضافة أن هذه الصحافة كانت معروفة بعالقاتها بالجنرال تواتي واألوساط السياسية التي
كانت تدعي حظوتها لدى هذا األخري .ثم هل أنا يف حاجة إىل أن أضيف أن تاريخ 8ماي كان يطابق تلك الفرتة
التي قدمها الجنرال تواتي ،يف حواره مع يومية El Watanالصادر بتاريخ 27سبتمرب ،2001عىل أنها كانت
الفرتة التي بدأ ،حسب قوله دائما ،يرى فيها أن حكومتي أخفقت يف مهمتها .وعليه ،هذا الرجل الذي يدعي أنه
لم يقم بأي دور يف تحديد سياسة البالد وقيادتها هل كان بإمكانه أن يتجاهل أمرا صادرا عن الجنرال خالد
نزار شخصيا ؟ فلم ينقصه ،إذاً ،إال ادعاء القدرة عىل حمل هذا األخري عىل الرتاجع عىل ما وعد وأوىص به
شخصيا .
وعليه ،أليس من حقي أن أظن أن الجنرال تواتي لم يكن غريبا عن الحملة العدائية والحقودة التي شنتها
الصحافة املعروفة بعالقاتها باألوساط املسماة بـ "الديمقراطية" ومجموعات املصالح املعارضة للسياسة
االقتصادية لحكومتي ؟ األطروحة التي تبنتها هذه الصحافة يف حملتها الحاقدة استغلت الصمت املذكور أعاله
24
يف ما يخص حكومتي يف خطاب الرئيس عىل كايف يوم 8ماي .هذا الصمت ،كما تبينا منذ حني ،كان بفعل
مكيدة دبرها الجنرال تواتي الذي جاء ترصفه مناقضا لتوصية أصدرها الجنرال خالد نزار بكل تلقائية.
الصحافة التي كانت تحمل يل العداء أعطت لهذا الصمت بعد الرسالة التي يكون املجلس األعىل للدولة قد أراد
بها اإليحاء أن حكومتي كانت أيامها معدودة وعملها محكوما عليه بالفشل .لقد وجدت هذه الصحافة متعة يف
لفت االنتباه إىل أن خطاب الرئيس عيل كايف يف 8ماي ،وخالفا للخطاب الذي ألقاه من قبل أمام إطارات األمة
بنادي الصنوبر يف 14جانفي ،لم يتحدث عن الوقت الذي كانت الحكومة يف حاجة إليه من أجل تطبيق
برنامجها .ومهما يكن من أمر ،هذه الواقعة تذكرني بترصف آخر كشف إرادة الجنرال تواتي لضبط الحياة
السياسية يف البالد وإخضاعها ألطروحاته االندماجية الجديدة املغلفة بغطاء الديمقراطية ،الجمهورية،
العلمانية وبحداثة زائفة .بالفعل ،لقد أخربني مدير ديواني أن الجنرال تواتي سأله ذات يوم عن سبب امتناعي
عن إخضاع نص ترصيحاتي ملوافقة املجلس األعىل للدولة قبل مخاطبة الرأي العام الوطني عرب التلفزيون ،أي
ملراقبته هو .كما أنه لم يكن يرتدد ،يف ترصفاته ،يف التحيل بثوب "الشيخ )" (gourouيف مجال قيادة سياسة
البالد ،مقتنعا أنه كان الوحيد القادر عىل وضع القواعد والقيم األساسية التي تنبني عليها هذه السياسية .
ستكون يل ،يف ما بعد ،املناسبة للتعرض إىل جانب آخر يؤكد مثل هذا االدعاء الذي يجعل الجنرال تواتي ينسب
إىل نفسه دور امللهم األكرب للخيارات املحددة للمؤسسات السياسية يف الجزائر ولتوجيه عمل حكومتها .هذا
الرجل ذاته هو الذي يلومني يف حوار له مع يومية El Watanالصادرة يف 27سبتمرب ،2001عىل اتهامه ظلما
عىل" تدخله يف شؤوني" .وبتالعب باأللفاظ ،يدعي اليوم أن املجلس األعىل للدولة كان الهيئة املخولة الحكم عىل
نشاطي .بطبيعة الحال ،وعىل املستوى القانوني املحض ،كان هذا املجلس الهيئة الوحيدة املخولة الحكم عىل
نشاط الحكومة وتقرير مصريها .من كان ،يف تلك الفرتة ،السيما من بني املسؤولني بل وحتى عىل مستوى الرأي
العام الوطني ،ال يستطيع أن يظن أن األمور لم تكن إال صورية من هذا الجانب وأن واقع السلطة وقراراتها
كان عىل مستوى آخر ،أي بالضبط عىل ذات املستوى الذي كان الجنرال تواتي ينشط فيه ؟ ثم إن الجنرال
تواتي لم يكن أبدا يخفي الدور الذي كان له عىل مستوى قيادة سياستنا الوطنية .أكثر من ذلك ،لم يفته
التبجح بمثل هذا الدور أمام "زبائنه" ومداحيه ،السيما أمام املالحظني الخارجيني .أما يف ما يخص إقالتي،
الكثري من دوائرنا العاصمية لم يفتها اإليحاء أنها كانت صدى ملا كان الجنرال تواتي يقوله مدعيا الدور الذي
قام به يف إقالة حكومتي .هذا ،وأعتقد أننا لسنا يف حاجة إىل العودة إىل تلك األصداء التي انترشت عقب رحيل
حكومتي ملعرفة الدور الذي قام به الجنرال تواتي يف تلك الفرتة من حياتنا السياسية الوطنية .إننا لنستشف
هذا الدور من خالل ما قاله الرجل ذاته يف الحوار املذكور الذي خص به يومية El Watan.
ب .لعلنا نتذكر ذلك السخط الذي أبدته بعض صحفنا بعدما أرشت ،أثناء عرض ألقيته ببلدية مدينة الجزائر،
إىل أن قبويل بمسؤولية قيادة الحكومة كان التزاما إزاء جيشنا .وقد كانت هناك محاوالت سعت لتقديم
ترصيحي كرضبة ضد الرئيس عيل كايف بحجة أنه كان نكرانا علنيا لدور املجلس األعىل للدولة ورئيسه .علما
أنني ،يف تدخل سابق أمام إطارات الدولة املجتمعني بنادي الصنوبر يف شهر فيفري ،1993قلت كالما أكدت
فيه أكثر دور الجيش الوطني الشعبي يف تدبري شؤون البالد ويف وجود حكومتي .عندما قلت ذلك الكالم ،لم
أكن قط أفكر أنني كنت بصدد إفشاء أرسار دولة أو املساس بصالحيات املجلس األعىل للدولة ألن الجميع كان
يعلم أن هذا املجلس قد تحول ،منذ رحيل الرئيس بوضياف ،إىل مجرد غرفة تسجيل وجهاز للصدور الرسمي
لقرارات متخذة يف مكان آخر .ثم إن الرئيس عىل كايف ذاته قال يل ،يف العديد من لقاءاتنا ،أنه وأنا لم نكن إال
25
"خرضة فوق عشا" ،كما نقول عندنا ،من ناحية حيازة السلطة الفعلية وممارستها وأنه ،مثيل ،نعمل من أجل
مساعدة الجيش الوطني الشعبي يف أداء املهمة الثقيلة التي أخذها عىل عاتقه من أجل خالص الدولة وتقويم
أوضاع البلد .كل ذلك للداللة عىل أنه لم يكن هناك طائل من وراء مواصلة االدعاء ،مثلما فعل الجنرال تواتي يف
حواره الصحفي املذكور ،أن املجلس األعىل للدولة هو الذي كان يحكم عىل نشاط الحكومة وهو الذي انهي
مهامي عىل رأس هذه الحكومة .
ج .أما يف ما يتعلق بما أكون قد ارتكبته من أخطاء ،فأنا ال أنكرها أبدا عندما تتبني يل ألنني أعترب أنه من املمكن
االعتزاز بهذه األخطاء مثلما أعتز بنجاحاتي .إن كال من األخطاء والنجاحات نتاج حياتي يف خدمة بلدي .إال أن
اعرتاف املرء بأخطائه ال يعني تنكره لقناعاته يف سبيل تبني قناعات اآلخرين ،أي الخصوم ممن حاربهم أو
اختلف معهم يف املواقف بشأن كيفية تصور حياتنا االجتماعية ،تنمية اقتصادنا الوطني وبناء رصح أجهزة
دولتنا ومؤسساتها .إن من يطلبون مني ،مثل الجنرال تواتي ،االعرتاف بما يعتربونه أخطاء عندي ويلومونني
عىل عدم االكرتاث بمطالبهم امللحة هم ،ببساطة ،من لم ترقهم الخيارات املعتمدة من طرف بلدنا قبلما تسمح
لهم املآيس التي أملت بالجزائر بالوصول إىل االستحواذ عىل السلطة .يف بعض األحيان ،يتعلق األمر بعنارص لم
تستطع أن تقبل قيام ثورتنا بنرصة أفكار غري أفكارهم .هذه العنارص ال تخفي إرادتها يف الثأر لنفسها عىل
ثورتنا تحت غطاء محاربة التخريب والجرائم املرتكبة باسم تصور معني لإلسالم .فلو قيلت يل األخطاء التي
ارتكبتها يف نشاطي الحكومي ملا وجدت يف ذلك أي حرج عندما توجد ،ومنها ما هو موجود حقا .أما يف ما
يتعلق باملجال األيديولوجي واألفكار الجوهرية ،فقد اندرج نشاطي يف إطار الخيارات املذهبية والتوجهات التي
كانت ،أوال توجهات الحزب الذي انتميت إليه منذ شبابي املبكر إىل غاية أول نوفمرب ،1954ثم الخيارات
والتوجهات املعتمدة من طرف جبهة التحرير الوطني منذ اندالع ثورتنا .إن من يطلب مني ،مثل الجنرال
تواتي" ،التطور "و"التكيف" مع العالم الجديد هم ،ببساطة ،نفسهم ممن يحملون لثورتنا ضغينة دفينة ألن
هذه الثورة كانت كما كانت .أضف إىل ذلك أنني أشعر بالغبطة لـ "عدم إقراري بأخطائي مع الزمن" كما قال
الجنرال تواتي يف الحوار املذكور الذي خص به جريدة El Watan.
االستمرار يف الدفاع عن خيارات يف ما يخص الرقي االجتماعي واألولوية التي ينبغي أن يكتسيها هذا الرقي يف
فائدة الطبقات املحرومة حتى عندما نسجل قصورا ،بل وسقوطا تاما ،يف أجهزة السلطة ،ال يعني رفض املرء
االعرتاف بأخطائه وإنما البقاء وفيا لنفسه أمينا تجاه التزاماته األساسية يف حياته والتعفف عن ذلك الرضا
الزائف الناجم عن نهج االنتهازية .ومهما ظن الجنرال تواتي وأتباعه ،فهؤالء لم يستطيعوا اجتثاث القيم
الوطنية من روح شعبنا وحمل جماهرينا الشعبية عىل نسيان تلك التوجهات الثورية التي أثارت حماستها
وأسندت آمالها .صحيح ،بالنسبة إىل الجنرال تواتي ،عبارة" الجماهري الشعبية" هي رضب من الشتم أو هي
عىل األقل ،كما قال رجل سياسة فرنيس "،كلمة بذيئة" .فالكالم عنها هو عناد يف الخطأ كما جاء يف كالم
الجنرال تواتي .
الجنرال نزار ،مثله مثل الجنرال تواتي ،ضابط سام سابق يف الجيش الفرنيس إال أنه التحق بصفوف جيش
التحرير الوطني قبل هذا األخري بكثري .وكما يقول هو نفسه ،لم يناضل يف صفوف الحركة الوطنية قبل أول
نوفمرب ،1954إال أن ترصفه – عكس ترصف الجنرال تواتي الذي نستشف لديه أطروحات االندماجية الجديدة
املنبثقة من مذاهب لم تعرتف ،يف السابق ،بوجود أمتنا ذاته – نشعر فيه عالمات االنتماء إىل هذه األرض
26
وانعكاسا لتلك الخصوصيات العميقة التي تحدد هوية شعبنا .لذلك نجد الجنرال خالد نزار ،يف مذكراته
الصادرة سنة 1999عن دار الشهاب ،يتفهم ،بصورة طبيعية ،كيف أن مواقفي لم يكن لها معنى التمادي يف
الخطأ وإنما كانت ،بكل بساطة ،تعبريا عن تعلق مخلص لتلك األفكار التي تبنيتها منذ شبابي املبكر .يقول :
"أما يف ما يخص بلعيد عبد السالم ،ومهما قيل عن أفكاره ،هو رجل مبادئ ،يدافع دائما عن أفكاره بقناعة
كبرية ،وهو وطني تام ال يمكن ألحد أن يشك يف وطنيته .إني ألحيي ،بهذه املناسبة ،شجاعته ونضاله"
)ص.(214.
27
óÜ쇧a ò†bÈgì@l‹¨a@†b—nÔa@æÈ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN8
@ @2007O07O25@ßbÕ¾a@„îŠbm
"ال تحق له املطالبة باقتصاد حرب أو تطبيقها مثلما أوحى بذلك يف فرتة ما .من باب التذكري فقط ،أشري إىل
أننا كنا نعيش التقشف منذ 1987إثر انهيار أسعار البرتول سنة .1986الرهان الذي راهن عليه السيد عبد
السالم يف الربنامج املعروض عىل املجلس االستشاري الوطني تمثل يف سعر ُقدﱢر بـ 22دوالر للربميل ! يف حني
لم يلبث هذا السعر أن انهار إىل مستوى 14دوالر.
وتبعا لذلك ،بلغت خدمة مديونيتنا الخارجية نحو %80من قيمة العائدات النفطية ،فكانت وضعية استحال
عىل البالد أن تواصل تحملها" .من خالل هذا الكالم وحده ،الوارد عىل لسان الجنرال تواتي ،نستشف ،مرة
أخرى ،أن صاحبه كان فعال يتدخل يف عمل الحكومة .ال أعارضه يف هذا الدور أبدا خصوصا بوصفه مستشارا
لوزير الدفاع الذي كان ،عىل األقل من الناحية النظرية ،عضوا يف حكومتي إضافة إىل عضويته يف املجلس األعىل
للدولة .ما أعارضه فيه ،فعال ،هو تلك األفكار التي مفادها أنه من خالل ممارسة صالحياته كمستشار لعضو
مهم يف الهيئات القيادية للدولة حاول ،عن طريق حجج واهية يف بعض األحيان وباستعماله ،يف أحيان أخرى،
ألخبار غري صحيحة بُثت بهدف تغليط بعض املسؤولني لتحقيق غايات معينة .كما أندد بلجوئه ،كسبا للتأييد
الذي كان يف حاجة إليه إلنجاح مكائده ،إىل صيغ كانت تتجاهل املصالح املؤهلة يف الدولة علما أن هذه املصالح
هي وحدها املخولة نرش معطيات ومعلومات موثوقة ألنها حقيقية وواضحة ومناقضة أيضا كلما دعت
الرضورة إىل ذلك .
أ .يف الخطة املتعددة السنوات املعدة للخروج من األزمة والتي قدمتها حكومتي ونالت موافقة مجلس الوزراء
برئاسة رئيس املجلس األعىل للدولة ونرشت بالجريدة الرسمية للجمهورية ،لم يتعلق األمر بقيامي بتطبيق
صارم ملا عرف باقتصاد الحرب الذي كان من شأنه فرض تدابري قاسية يف مجال توفري املواد ذات االستهالك
الشعبي الواسع وبعض املواد املخصصة لسري بعض النشاطات االقتصادية لسبب بسيط هو أن وضع
اقتصادنا ،آنذاك ،لم يفرض علينا اللجوء إىل مثل هذه التدابري .ومهما كانت صعوبة هذه الوضعية ،فإنها لم
تكن خطرية إىل ذلك الحد الذي أوحى به من كانوا ،عىل غرار الجنرال تواتي ،يسعون بجد من أجل اللجوء إىل
صندوق النقد الدويل وفرض إصالحات قاسية عىل بلدنا كما كانت تتمنى بعض مجموعات املصالح التي لم
تجرؤ آنذاك عىل البوح رصاحة بمطالبها ذات الطابع املضاد ،بكل قوة ،للوطن وللمجتمع .لكن أود التذكري هنا
بما سبقت اإلشارة إليه يف هذا النص أن خطة عمل الحكومة املعلن للجمهور بعد املوافقة عليه من طرف
املجلس األعىل للدولة تضمن رصاحة ما ييل :
"...اعتماد سياسة تقشف صارمة بهدف التخفيض ،بصورة جذرية ،من اللجوء إىل االسترياد يفرض نفسه
كرضورة باتة من أجل نجاح التقويم االقتصادي .وفرة املوارد بالدينار لن تكون ،من اآلن فصاعدا ،مقياسا
أساسيا يف الحصول عىل مبالغ بالعملة الصعبة" .كما تمت اإلشارة إىل أنه عند الحاجة" ،ستكون الحكومة
مطالبة بقبول مزيد من التقشف من أجل الحد من وارداتنا إىل مستوى ما هو رضوري بالنسبة إىل حياة
البلد" .العبارات املستعملة يف هذا النص لم تكن من ذلك النوع الذي ال يرتدد بعض القادة يف اللجوء إليه
28
لتخويف املواطنني وإنما كانت عبارات توحي بتطبيق إجراءات تقشفية أكثر رصامة وأقرب منها إىل اقتصاد
حرب باعتماد تدابري يف اتجاه تقنني االستهالك الشعبي .أؤكد ،مرة أخرى ،أن األولية املحددة من طرف
حكومتي يف مجال االسترياد ُك ﱢرست لالحتياجات األساسية والحيوية للسكان عىل أن تسجل الكماليات يف أسفل
القائمة ،أي ما كان يطالب به من وقفوا ضد حكومتي .
ب .يرصح الجنرال تواتي ،يف حواره الصحفي املذكور ،أنني يف برنامجي املعروض عىل املجلس االستشاري
الوطني "عولت عىل سعر 22دوالر للربميل وأن هذا السعر تقهقر إىل مستوى 14دوالر؛ مما نجم عنه بلوغ
خدمة مديونيتنا مستوى يقارب % 80من عائداتنا النفطية" .الربنامج الذي يتحدث عنه الجنرال تواتي
تضمنه مرسوم ترشيعي ،أي ،يف السياق السيايس لتلك الفرتة ،نصا يرقى إىل مستوى القانون .وقد أمضاه
الرئيس عيل كايف وصدر بالجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية ،العدد 26املؤرخ يف
26أفريل 1993.التوقعات املتصلة بسعر البرتول صيغت يف هذا النص كاآلتي " :نظرا إىل توقعات سعر
البرتول عند التصدير ،أي ما بني 20و 21دوالر للربميل يف 1994-1993وما بني 22و 23دوالر يف -1996
1997وإىل حجم الصادرات املعتمد ،من املتوقع أن تبلغ عائدات صادراتنا من املحروقات مستوى 11مليار
دوالر ما بني ،1994-1993مواصلة ارتفاعها لتبلغ مستوى 15دوالر يف سنة ". 1997
29
إضافة إىل ما تقدم ،الشكوك التي كانت تحوم حول سعر البرتول سنة ،1993لم يقع أبدا إخفاؤها يف الخطة
املتعددة السنوات املعتمدة من طرف حكومتي .ثم إن التوقعات املعلنة من طرف هذه الحكومة كان عليها أال
تكتف ،ولم تكتف فعال ،باالستناد إىل املعطيات املتصلة بأسعار املحروقات يف تقويم عائداتنا النفطية وإنما
أخذت يف الحسبان تطور حجم صادراتنا أيضا .كي نستطيع ،اليوم ،أي بعد وقوع ما وقع ،الحكم عىل مدى
صدق التوقعات يف مجال العائدات من العملة الصعبة املتأتية للجزائر ،ينبغي األخذ يف الحسبان جميع
املؤرشات املذكورة يف الخطة املتعددة السنوات .من هذه الناحية ،يمكننا أن نالحظ بسهولة أن النتائج املسجلة
فعال أثناء السنوات التي شملتها هذه الخطة لم تحِ د كثريا عن التوقعات املعتمدة يف البداية .وهذا هو األهم ألن
الجميع يعرف أن التوقع يف مجال االقتصاد هو أبعد ما يكون علما دقيقا .أما ماعدا ذلك ،فيبقى دائما خاضعا
لتقلبات الحياة االقتصادية وأن هذه التقلبات كما ُقدّرت آنذاك وكما تجسدت من بعد فعال تبني اليوم أنه لم
يكن هناك داع إىل التخوف أكثر من اللزوم يف ماي 1993وزرع تلك البلبلة التي أفضت بالجزائر إىل الخضوع
لرشوط صندوق النقد الدويل فرضت عىل سكاننا إفقارا ال رحمة فيه .أضف إىل ذلك ،ومثلما سبق ذكره بالنسبة
إىل سنة 1993عىل أية حال ،عندما أقيلت حكومتي ،كانت الجزائر تتوفر ،عالوة عىل عائداتها من الصادرات،
عىل أدوات حقيقية ومتينة كانت تسمح لها بالتجاوز ،إيجابيا ،ملزيد من الصعوبات يف تسيري ميزان مدفوعاتها
الخارجية .
ختاما ،ليس من نافلة القول اإلشارة إىل تلك الطريقة التي استعملها الجنرال تواتي يف الربهنة عىل ما كان
يدعيه من خالل ترصيحاته ليومية El Watanحيث اختار ،عمدا ،رقما مرتفعا من التوقعات املتضمنة يف خطة
حكومتي املتعددة السنوات لعام 1993ورقما آخر يوافق أدنى مستوى بلغه انخفاض أسعار البرتول خالل
السنوات األوىل من التسعينيات بهدف حمل القارئ أو السامع عىل تقدير الفرق الشاسع ما بني الواقع
والتوقعات التي جاءت بها الخطة املذكورة .ال يمكننا أن نتخيل برهنة أخرى أشد عىل سوء نية الجنرال تواتي
إزائي من مدى تصديق كل من كان مستعدا لتصديقه ،السيما عىل مستوى الجيش الوطني الشعبي .إن الكثري
من إطارات هذا الجيش الوطني الشعبي ،السيما من بني الرتب العليا ،ظنوا أن الجزائر كانت عىل حافة العجز
عن التسديد يف عالقاتها بالخارج عندما أقيلت حكومتي .غري أن واقع الحال كان يدل أن الجزائر ،يف شهر أوت
،1993لم تكن فقط ملتزمة بواجباتها املرتتبة عىل املديونية وإنما كانت أيضا بصدد استعادة معتربة
ملصداقيتها لدى األوساط االقتصادية األجنبية واملؤسسات املالية الدولية .الحقيقة كما تبدو من مختلف
العنارص املتضمنة يف نص الربنامج تشري إىل أن من كان ،عىل غرار الجنرال تواتي ،يظن ،خالل السدايس األول
من سنة ،1993أن السياسة االقتصادية لحكومتي كانت تمدهم بالحجة املبينة لفشل محاولة التقويم الوطني
التي تعهدت القيام بها عندما قبلت ترؤس الحكومة كان هدفهم من استخالص هذا الفشل االدعاء يف ما بعد
عدم وجود حل آخر غري اللجوء إىل صندوق النقد الدويل والرضا االضطراري املزعوم بتطبيق اإلصالحات التي
كان يطالب بها هذا الصندوق مقابل إسهامه يف تخفيف عبء مديونيتنا الخارجية .تلك اإلصالحات جاءت
متفقة تماما وأطماع بعض مجموعات املصالح ومن كانوا يؤيدونهم عىل مستوى أجهزة السلطة واإلدارة ،بل
ومؤسساتنا االقتصادية الوطنية .بيد أن غياب الشجاعة السياسية لدى هؤالء للتعبري عالنية عما كانوا يريدونه
عىل الصعيد االقتصادي جعلهم يلجأون إىل تدبري الحيل بهدف االستفادة من اإلصالحات املذكورة بفضل
العواقب املرتتبة عىل الرشوط املفروضة من طرف صندوق النقد الدويل .وبعبارة أخرى ،سعي هؤالء إلرضاء
جشعهم بفضل األرباح املغرية ،السيما من خالل ممارسات أنشطة "االسترياد-التصدير" – املقترصة ،يف
30
الحقيقة ،عىل االسترياد وحده – جعلهم ال يرتددون يف الزج بالبلد نحو تجويع سكاننا ،الحط من مصداقية
دولتنا يف نظر الخارج والقضاء عىل إشعاع ثورتنا .الجميع يعرف ،اليوم ،أن إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية
لم تمنح الجزائر تلك األموال التي كان من شأنها ،يف نظر دعاة هذا التدبري ،أن تؤدي إىل انطالقة اقتصادنا
وتقليص ملا نعانيه من بطالة .لكن من ناحية أخرى ،األموال التي أسهم بها صندوق النقد الدويل قد وفرت
موارد ضخمة يف فائدة مضاربي "االسترياد-التصدير" .لعل هؤالء ممن لم ينقطعوا عن الهتاف ،يف صفحات
جرائدنا الحرة واملستقلة املزعومة ،بـ "اقتصاد السوق" قد وجدوا بفضل إعادة الجدولة هذه ما يهدئ من
حماستهم يف خدمة هذا النمط من االقتصاد.
31
óàíÙ¨a óÜbÔfi@‡ïéánÜa@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN9
2007O07O27@ßbÕ¾a@„îŠbm
ج .حقيقة ،منذ انهيار أسعار البرتول سنة ُ ،1986فرض نوع من التقشف عىل وارداتنا .يف هذا الصدد ،من
املفيد التنبيه إىل صمت الجنرال تواتي ،ربما بصورة ليست غري مقصودة أو بريئة ،عن كون الجزائر سجلت يف
تلك الفرتة التي شهدت هذا االنهيار خسارة معتربة يف عائداتها النفطية من العملة الصعبة جراء قرارات
اتخذت ،يف أوائل الثمانينيات ،من أجل إلغاء عقود بيع الغاز املميع للواليات املتحدة األمريكية بحكم العملية
املعروفة بـ " "El Pasoولجمهورية أملانيا الفدرالية باالشرتاك مع هولندا من ناحية ،ومن ناحية ثانية ،من
أجل التوقف عن تطوير إنتاجنا من البرتول بحجة ترك قسم من ثرواتنا من املحروقات لألجيال القادمة.
يف ما يخص فقط العقدين املتعلقني ببيع الغاز املميع للواليات املتحدة األمريكية وجمهورية أملانيا االتحادية،
بلغت خسارة الجزائر ،يف نهاية الثمانينيات ،وبرصف النظر عن انهيار أسعار البرتول آنذاك ،ملياري دوالر
أمريكي يف السنة .هذه الخسارة كانت هي السبب الحقيقي يف األزمة املالية التي استعملت كذريعة للجوء إىل
صندوق النقد الدويل من أجل الحصول عىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية ومن ثمة إىل استغالل الرشوط
املفروضة من طرف هذه املؤسسة املالية الدولية يف تفكيك النظام االقتصادي الوطني كله الذي شيدته الجزائر
بعد استعادة استقاللها .عىل أية حال ،مثل هذا التذكري كاف بمفرده إلدراك كيف أن عملية تدمري ما حققته
ثورتنا من منجزات منذ استقالل البالد ال تعود إىل تلك الفرتة التي تمكن فيها الجنرال تواتي من القدرة عىل
التأثري يف القرارات املتخذة من طرف هيئاتنا القيادية .فلم يكن الجنرال تواتي ،إذاً ،إال املواصل لهذه العملية و،
من دون شك ،املدبر أو أحد املدبرين للوصول بها إىل نهايتها .التقشف املطبق منذ ،1987كما يقول الجنرال
تواتي ،لم يضع حدا لتبديد مخزوننا من الرصف .لهذا السبب ،تضمن برنامج عمل حكومتي فرض تقشف
أكثر رصامة عىل وارداتنا ،بل وأكثر مناسبة بالنظر إىل االحتياجات الحيوية القتصادنا وحماية مخزوننا من
العملة الصعبة من أجل مواجهة خدمة مديونيتنا الخارجية من دون املساس بسيادتنا عىل املستوى
االقتصادي .هذا ما نستطيع قراءته من خالل التدابري اآلتية " :ال يمكن ،بحجة التمايش مع قواعد اقتصاد
السوق ،ترك الحرية ملسريي املؤسسات العمومية أو الخاصة ولوكالء البنوك يف الترصف يف مديونية الدولة من
خالل اللجوء ،بحسب إرادتهم وحدها ،إىل القروض الخارجية املضمونة من طرف الجزائر ،وال صالحية الحكم
خصص المتصاص مديونيتنا يف املقام عىل فائدة استعمال احتياطات البلد من العملة الصعبة التي يمكن أن تُ ﱠ
األول ".
تطبيق هذا التدبري هو الذي أدى إىل إنشاء لجنة خاصة عىل مستواي ملراقبة جميع عقود االسترياد املتجاوزة
لقيمة معينة .هل أنا يف حاجة إىل التذكري ،هنا ،أن إقامة هذه اللجنة ومبارشة أعمالها خاصة هو الذي أدى
بمجموعات املصالح إىل التكالب عيل يف زمن كان أفرادها متلهفني عىل التمتع بمنافع عمليات "االسترياد-
التصدير" عرب املضاربة عىل وارداتنا .هذا التكالب اكتىس صيغا عديدة ،ابتداء من حملة الحقد التي انطلقت
طرحت فكرتها يف شهر فيفري 1993بنادي الصنوبر إىل محاوالت شل اقتصادنا ُ ضد سياسة "الرحمة" التي
الوطني عن طريق مبادرات إثارة مختلف اإلرضابات بتواطؤ من بعض العنارص اليسارية التي أضحت من
املدافعني األشداء عىل اقتصاد السوق .من كانوا ،عىل مستوى أجهزة السلطة ،املدبرين الحقيقيني لهذا التكالب
32
وما تبعه من تحامل عيل ،لم تكن لهم ،يف نهاية األمر ،حجة أخرى للوصول إىل ما كانوا يريدون غري التبجح
بحجة فشل حكومتي يف املجال االقتصادي من أجل التخلص مني ويل الرقبة لسياسة التقويم الوطني التي كان
خطؤها الوحيد زعزعة مصالح املجموعات التي استطاعت ،هكذا ،أن تجد أمامها الباب مفتوحا عىل مرصاعيه
من أجل استنزاف االقتصاد الوطني كما طاب لها .
".10يف ما يتعلق بانتهاء مهامه عىل رأس الحكومة ،لدي رواية أخرى أقدمها .منذ أيام فقط ،طلبت من
الجنرال خالد نزار تذكريي بظروف إقالة السيد عبد السالم .القرار املتخذ بشأن إنهاء مهامه تم يف أواخر شهر
جوان أو أوائل شهر جويلية عندما أكد للمجلس األعىل للدولة أنه كان بحوزته ما قيمته 600مليون دوالر ظن
أنه كان قادرا عىل مواجهة املديونية به وربما حتى النفقات غري القابلة للتقليص .غري أن املستشار االقتصادي
للرئاسة قدم للمجلس األعىل توضيحا يف غاية األهمية :مبلغ 600مليون دوالر املذكور كان معظمه متكونا من
ودائع خاصة (dépôts privés).وقد أخطأ السيد عبد السالم عندما نسب إيل هذه املعلومة .ما وقع هو أنه
انطالقا من هذه املعلومة ،دعا رئيس املجلس األعىل للدولة والجنرال خالد نزار السيد عبد السالم من أجل
مناقشة املسألة فما كان لهذا األخري إال االعتذار بحجة أنه لم يكن خبريا يف مجال االقتصاد .ولعله يكون قد
وافق عىل اقرتاح خالد نزار بتعيني وزير لالقتصاد .لكن ،يف اليوم املوايل ،تراجع عن موقفه بحجة أن مثل هذا
التعيني كان من شأنه اكتساء داللة سياسية .وانطالقا من االعتبارين اآلتيني :
أوال ،املعطيات التي قدمها املستشار االقتصادي لرئاسة املجلس األعىل للدولة ،أال وهو السيد بوزيدي ؛
ثانيا ،رفض السيد عبد السالم تعيني وزير لالقتصاد .
اقرتح الجنرال خالد نزار عىل السيد عيل كايف ،رئيس املجلس األعىل للدولة ،عدم التعويل عىل رهان السيد عبد
السالم يف ما يخص تجنيبنا اللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية ".عند قراءة هذه السطور من
ترصيحات الجنرال تواتي يف الحوار الذي خص به يومية El Watanالصادرة يوم 27سبتمرب ،2001
يصيبني الذهول ويف نفس الوقت الحزن وأنا أرى مثل هذا الكالم يصدر عن شخص يريد أو يراد له أن يظهر
بمظهر "املخ" بالنسبة إىل جيشنا الوطني الشعبي .ال يمكننا أن نتصور وقاحة أكرب يف اإلقدام عىل مثل هذه
األكاذيب وهذه التشويهات للحقيقة وهذه الترصيحات التي ال تأتي إال من باب الغباوة .ينبغي أال ننىس أن
األمر متعلق برجل كان واحدا من أقرب املستشارين للجنرال خالد نزار الذي تقلد زمام األمور يف أصعب فرتة
من تاريخنا منذ استقالل البالد .كما يتعلق بشخص كان يظهر بمظهر مصدر األخبار واملعطيات االقتصادية
املوجهة إلطارات الجيش الوطني الشعبي ،السيما الجنراالت ،من أجل تكوين رأي حول مسرية البلد الذي كان
مصريه مرهونا بهذا الرأي بالذات لفرتة طويلة ،وإىل غاية اليوم من دون شك ،عىل الرغم من التقدم الحاصل يف
مجال تطبيع حياتنا السياسية الوطنية بعد تلك العواقب التي خلفتها األحداث املتتابعة منذ تلك القرارات التي
اتخذت يف جانفي . 1992
إن من شارك يف مناقشات اللجنة التي ُش ّكلت يف الفصل األخري من سنة ،1993من أجل النظر يف التدابري
الواجب اتخاذها يف البلد عىل املستوى السيايس واملؤسساتي عند انتهاء عهدة الرئيس الشاديل يف أواخر 1993
بعد مواصلتها من طرف املجلس األعىل للدولة بعد إنشائه يف جانفي ،1992يتذكرون أنه كلما كانت تطرح
مسألة جوهرية يف هذه املناقشات كانت أنظار كل الحارضين متجهة ،بصورة آلية وتلقائية ،صوب رأس
الجنرال تواتي الذي كان ،بوصفه ممثال لوزارة الدفاع الوطني ،نوعا من وسيط الوحي الذي كان الجميع
33
ينتظر ما يتفوه به من كلمات طيبة أو ،باألحرى ،كلمات حاسمة .ذلك هو الرجل الذي ال يرتدد ،يف ترصيح
عمومي ،يف اإلدالء بأكاذيب – كي ال نذهب إىل أبعد من ذلك – أكاذيب تكشف مدى جدية وقيمة الطريقة التي
عوملت بها إدارة شؤون أمتنا يف مرحلة حرجة من التطور السيايس للجزائر املستقلة ،ثمرة ثورة أول نوفمرب
. 1954
وأخريا ،ذلك هو الرجل الذي كان من املفروض أن ينتظر منه اآلالف من الجنود والضباط – ممن كانوا يبذلون
النفس والنفيس يف مواجهة قوى التدمري واإلرهاب أثناء السنوات األخرية – إفادتهم باملعلومات والتوضيحات
املربرة لتضحياتهم يف خدمة الدفاع عن الجمهورية ،تلك الجمهورية التي أراد الجنرال تواتي أن يكون رايتها
بامتياز .الفقرات التي تنترش فيها هذه األكاذيب والتشويهات عىل حساب واقع األحداث تتطلب ،لألسف ،إفاضة
طويلة من أجل تنوير الرأي العام وتمكينه من فهم الحيثيات التي وقع حجبها عنه يف ما يخص تطور األحداث
التي طبعت تلك املسرية املفصية إىل إقالة حكومتي واللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية مع كل ما
ترتب عىل هذا اللجوء من عواقب يعرفها الجميع .نجد الجنرال تواتي يتظاهر باللجوء إىل ذاكرة الجنرال خالد
نزار يف ما يخص الظروف التي تم فيها ،كما قال ،إنهاء مهامي كرئيس حكومة .ال أحد يستطيع أن يصدق مثل
هذا الزعم عندما يعلم ذلك االندفاع الذي أبداه الجنرال تواتي يف الظهور بمظهر الفاعلني األكثر دراية وحظوة
يف تدبري شؤون البلد .ثم إنني ،وبعد إقالة حكومتي ،ال أظن أنني سأفاجئ الكثري من الناس إن ذكرتهم بما
ادعاه لنفسه من دور يف هذه اإلقالة.
34
óïuŠb©a óïäía@ßíy@߇u@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN10
2007O07O28@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
يف الحقيقة ،لقد جرت األمور بالطريقة اآلتية :يف املرحلة األخرية من عمر حكومتي ،بدأ كل يشء ،بالنسبة إيل،
يوم االثنني 3ماي .1993يف هذا اليوم ،وكما أرشت إىل ذلك أعاله ،مثل سائر أيام االثنني غداة االجتماع
األسبوعي للمجلس األعىل للدولة املقرر لكل أحد ،كان يل موعد مع الرئيس عيل كايف .وكان رضا مالك ،كما
أرشت ،قد أخربني بحضور الجنرال خالد نزار يف هذا اللقاء يف حني جرت العادة أن يستقبلني الرئيس بمفرده.
كما أخربني أن الرئيس عىل كايف ،مثله مثل الجنرال خالد نزار لم يرقهما البالغ املقتضب الذي كنت قد أذعته
إلعالن إجراءات وتدابري مختلفة عقب كشف الصحافة اإليطالية والدولية عن وجود عموالت مهمة دفعت يف
عملية إبرام عقد بيع الغاز الطبيعي إليطاليا .ترصيف بهذا الشكل جعلني أُتهم بوضع املجلس األعىل للدولة أمام
األمر الواقع عىل أساس أنه كان من واجبي إخطار هذا األخري ،أوال ،قبل إذاعة بالغي املتعلق بردود فعل
حكومتي للفضيحة املذكورة التي لطخت سمعة الجزائر أمام العالم بأرسه .لذلك ،أشار إيل رضا ملك بتوقع
توبيخ يف هذا الشأن .يوم االثنني 3ماي ،1993كنت بمكتب الرئيس عيل كايف الذي كان مصحوبا ،فعال،
بالجنرال خالج نزار .لم نتحدث كثريا عن قضية أنبوب الغاز الطبيعي الجزائري اإليطايل .لكن ،أثناء حديثنا،
وبطلب من الجنرال خالد نزار ،تعرضت للخطوط العريضة يف السياسة االقتصادية لحكومتي .ويف نهاية
العرض ،خاطبني هذا األخري بنوع من اإللحاح قائال " :ينبغي أن تعرض ،يف التلفزيون ،ما قلته لنا منذ حني.
ينبغي عىل الشعب أن يعرفه" .وقد أجبته أنني كنت أفكر يف مثل ذلك التدخل ،لكن بما أن األمر تعلق يف هذه
املرة بمسألة حيوية أردت ،أوال وقبل كل يشء ،أن أطلب من مصالحي املؤهلة تحرير وثيقة لنرشها كسند
لترصيحاتي مع ذكر كافة األرقام واملعطيات التي تقوم عليها كل من إشكالية مديونيتنا الخارجية والتدابري
املتبعة من طرف حكومتي من أجل الخروج من األزمة التي تسببت فيها هذه املديونية .لقد ملست بعض
التعاطف لدى الجنرال خالد نزار كي ال أقول تأييدا لسياستي كما أحسست أن إلحاحه عيل بالتدخل يف
التلفزيون كما لو كان يشعر بنوع من اإلزعاج جراء بعض التدخالت التي أعطته صورة متعارضة مع عمل
حكومتي يف هذا املجال .لقد كان من الواضح أن البعض ،من بينهم ربما الجنرال تواتي ،قد بدأوا محاوالت
التأثري عليه من أجل حمله عىل جعيل أغري سياستي أو يقدم عىل وضع حد ملهامي عىل رأس الحكومة .لقد
تزامنت هذه الفرتة بقيام الصحافة الخاصة" ،الحرة واملستقلة" املزعومة ،باإلجهاز بكل قوة عىل شخيص وعىل
تلك السياسة التي كنت أنتهجها يف املجال االقتصادي .كلنا نعرف العالقات الوثيقة بني هذه الصحافة
والجنرال تواتي وأظن أال أحد نيس تلك الهسترييا التي شنت بها هذه الصحافة حملتها عىل حكومتي معلنة ،يف
كل مرة ،أن املجلس األعىل للدولة كان عىل وشك استدعائي ومطالبتي بتغيري سياستي .
ج .يف أواخر شهر جوان ،1993الوثيقة التي كنت طلبتها حول عرض السياسة االقتصادية للحكومة كانت
جاهزة بعدما تطلب إعدادها أكثر من شهرين ألن ،أوال ،نصها كان طويال نسبيا وثانيا ألنه كان من الالزم أن
تُحرر بلغة تجعلها مفهومة من طرف أكرب عدد من الناس .وأخريا ،ينبغي قول ذلك ،كان عيل أو أواجه ،حينئذ،
مؤامرة حقيقية عىل مستوى مصالحي ،السيما عىل مستوى من كانوا يف اتصال مع صندوق النقد الدويل والبنك
35
العاملي .كان يُطلب مني عدم عرقلة املفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدويل بنقل النقاش إىل الساحة
العمومية .يف الواقع ،لم يكن البعض يريدون أن يُكشف ،أمام كافة الجزائريني والجزائريات ،أمر تلك الرشوط
الشهرية التي كانت هذه املؤسسة تطالب بها من أجل التخفيف من وطأة مديونيتنا الخارجية عىل ميزان
مدفوعاتنا .كما اتخذ بعض إطاراتنا من رضورة عدم إزعاج ممثيل صندوق النقد الدويل ذريعة ملخاوفهم من
مغبة ردود أفعال مواطنينا بإعالن تلك التدابري القاسية التي كانوا يهمون بتسليطها عىل شعبنا .
د .يوم الخمس 24جوان ،1993استغللت زيارة عمل قادتني إىل والية الجزائر للقاء إطاراتها املجتمعني بقاعة
املجلس الشعبي البلدي لعاصمتنا ،وبحضور ممثيل الصحافة ،تناولت بإسهاب التوجهات املعتمدة يف السياسة
االقتصادية لحكومتي .وقد ركزت عريض عىل أنه كان هناك سبيالن للخروج من األزمة :السبيل الذي انتهجته
حكومتي والسبيل اآلخر – الذي لم يكن آنذاك إال احتماال من بني االحتماالت – املرتتب عىل اللجوء إىل صندوق
النقد الدويل من أجل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية مع كل ما كان ينجم عنه من عواقب عىل مستوى معيشة
سكاننا ،سيادتنا وحرية عملنا عىل الصعيد االقتصادي .كما حددت ،بصفة خاصة ،اإلجراءات املزمع اتخاذها يف
إطار نشاط حكومتي مبينا كذلك ،وبطريقة موضوعية قدر اإلمكان ،حقيقة تلك املساعدات التي يمكن أن
نتوقعها من تدخل صندوق النقد الدويل وكذا طبيعة وبعد الرشوط التي كانت هذه املؤسسة الدولية تفرضها
مقابل مساعدتها للجزائر .كنت ،بطبيعة الحال ،أقصد من وراء الحارضين يف االجتماع كافة الجزائريني السيما
رشائحنا الشعبية التي كان مصريها عرضة لآلثار السلبية ملا كان ،آنذاك سوى تدخل محتمل لصندوق النقد
الدويل .وسعيا مني للتأكد من فهم جميع الجزائريني ملا كنت بصدده ،حرصت عىل التعبري بلغة سهلة وسليمة
يف متناول الجميع بما يف ذلك الجماهري العريضة .وبكلمة واحدة ،حاولت – بصيغة مبسطة وبكلمات من
الحياة اليومية العامة – أن أعمم الفائدة بتناول موضوعات جرت العادة لدى مسؤولينا السياسيني ومصالحنا
التقنية وكذا صحافتنا بصفة أخص عىل تناولها بلغة مبهمة كثريا ما وجد املختصون أنفسهم صعوبة يف فهم
فحواها .غالبا ما كان أكثر الناس يجد مشقة يف إدراك معنى املفردات ،العبارات أو املفاهيم املستعملة يف إطالع
رأينا العام الوطني عىل الخيارات والتوجهات التي من شانها ترك آثار عميقة يف الحياة اليومية للسكان .
هذا الحرص عىل تعميم الفائدة هو الذي جعلني أقول إنني لم أكن خبريا يف االقتصاد أو أنني لم أكن أكتفي ،يف
الرشوح التي كانت مصالحي تفيدني بها ،بلغة االقتصادي .يف ترصيحه لجريدة ، El Watanنجد الجنرال
تواتي يستغل العبارة التي استعملتها ،يف عريض أمام إطارات والية الجزائر ،بطريقة خبيثة سعيا منه للقيام
بعملية فيها سوء نية فكرية موصوف إذ قال إنني أجبت رئيس املجلس األعىل للدولة والجنرال خالد نزار أنني
لم أكن خبريا اقتصاديا ،معرتفا ،هكذا حسب زعمه ،بالعجز عن تقديم توضيح بخصوص معطى يكون
املستشار االقتصادي للرئاسة قد كشف عنه للمجلس األعىل للدولة بهدف التنديد بعدم صحة املعلومة
وتوضيحها لهذا األخري الذي أعلنتها له بوصفه الهيئة العليا يف الدولة الجزائرية .هكذا يسعى الجنرال تواتي،
بطريقة ال حياء فيها إىل حمل السامع عىل أنني لم أكن فقط عاجزا وإنما سيئ النية إزاء أعىل هيئة يف الدولة .
إن املكر – وليسمحْ يل القارئ استعمال هذه املفردة التي ال أرى لها بديال يف وصف ترصف الجنرال تواتي من
خالل الحوار الصحفي املذكور – ال ينتهي عند حد تقديمي عىل أنني شخص غري مخلص أمام املجلس األعىل
للدولة وإنما يذهب إىل أبعد من ذلك بكثري حينما ينسب إيل القول أمام هذه الهيئة إنني "ظننت أنني كنت
قادرا عىل مواجهة املديونية وربما حتى عىل مواجهة النفقات غري القابلة للتقليص" و بـ "مخزون من العملة
36
الصعبة ما قيمته 600مليون دوالر" .أعتقد أنني لست يف حاجة هنا إىل تذكري كل متتبع لشؤون الجزائر ،أن ال
أعضاء املجلس األعىل للدولة وال أنا كنا قادرين ،يف ، 1993أن نكون خرباء اقتصاديني .ثم إن من سألني من
الحارضين يف االجتماع باملجلس األعىل للدولة املنعقد بتاريخ 1993-07-18حول املشاكل االقتصادية ،اكتفى
بتكرار هذه العبارات " :نعلم أن...يقال إن...هناك أفكار كثرية "...كما لو كان يف حرية من أمره يف ما يتعلق
بالطريق الواجب اتّباعه السيما يف مجال حل املشكل املطروح بسبب مديونيتنا الخارجية .لكن ،مهما كان عدم
درايتنا ،أي أعضاء املجلس األعىل للدولة وشخيص ،بالشأن االقتصادي ،لم يكن من املمكن أن يفوت أحدنا
االنتباه إىل سخافة ادعاء القدرة عىل "مواجهة املديونية وربما أيضا النفقات غري القابلة للتقليص وأن لنا
احتياطيا من الرصف بلغ ما قيمته 600مليون من الدوالرات" .لو تفوهت بمثل هذه السخافة ،الستطاع كل
عضو يف املجلس األعىل للدولة أن يكون له من العقل ما يعفيه من الشعور بالحاجة إىل الخربة االقتصادية أو
اللجوء إىل خدمات مستشار اقتصادي عىل مستوى الرئاسة إلدراك بطالن مثل هذا االدعاء ألن السفهاء وحدهم
هم القادرون عىل اعتبار املبلغ 600مليون دوالر كافيا ملواجهة خدمة مديونية ونفقات غري قابلة للتقليص
بلغت قيمتها أزيد من نحو عرشة مليارات من الدوالرات .وعليه ،تجدني أتساءل عن السبب الذي دفع الجنرال
تواتي ،يف الحوار الذي خص به جريدة ، El Watanإىل ادعاءات سخيفة من هذا القبيل ،ادعاءات لم تخطر إال
باله .وحينما يتحدث عن "الطب النفيس" يف ما يخصني ،أظن أنه كان أحرى به أن يزور مصلحة من هذا
الطب ملعالجة حالته هو .
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
37
_îŠbi@¶g@ðmaím@ßa‹å§a òŠbîŒ@öaŠìbà@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN11
2007O07O29@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
أما يف ما يتعلق بـ "التقدير املهم" الذي يكون املستشار االقتصادي للرئاسة قد قدمه والذي دل عىل أن 600
مليون دوالر – التي ينسب الجنرال تواتي إيل مصدرها خطأ – كانت تمثل ،يف تلك الفرتة ،قيمة الودائع الخاصة
من العملة الصعبة ،لم أعلم أبدا بوجوده وأظن أال أحد سمع به عىل اإلطالق إىل غاية ذلك اليوم التي طلعت
يومية El Watanبه يف الحوار الذي خصها به الجنرال تواتي.
وأخريا ،وبما أن الجنرال تواتي وجد ،يف املقابلة الصحفية املذكورة ،من الواجب الكشف عن موضوع احتياطنا
من العملة الصعبة بعدما استمع إيل املجلس األعىل للدولة حسب زعمه ،أي يف يوم 18جويلية ،1993أؤكد أنه
منذ تويل مهامي كرئيس حكومة يف شهر جويلية ،1992بقيت عيناي معلقتني بمخزوننا من الرصف ،كما كان
يصلني كل أسبوع عرض لحالته من طرف بنك الجزائر الذي هو ،كما يعرف الجميع ،بنك البالد املركزي .ال
أظنني يف حاجة إىل تأكيد أن هذا البنك وحده هو الذي كان مخوال حيازة احتياطاتنا من العملة الصعبة
والذهب وإدارتها .ولو طلب مني أعضاء املجلس األعىل للدولة إطالعهم عىل املبلغ إىل يوم 18جويلية ،1993
تاريخ مشاركتي يف اجتماع هذه الهيئة ،ألحلت مخاطبي ،ببساطة ،عىل الرقم املعلن من طرف بنك الجزائر
والذي بلغ مستواه آنذاك 1.580مليون دوالر ،مع وجوب إضافة قيمة الجزء الباقي من مخزون الذهب غري
"املبادَل )"" (non "swapéاملوروث عن عهد الرئيس بومدين .كما أشري كذلك إىل أن رقم هذا املخزون ،إىل
غاية 20أوت ،1993أي عشية إنهاء مهامي عىل رأس الحكومة ،كان يف حدود 2,0455مليار دوالر ،منها
1,2765مليار دوالر احتياطي صاف و 709,5مليون دوالر كقيمة ممثلة لقيمة الجزء "املبادَل" من مخزون
الذهب و 59,5مليون دوالر ممثلة ملبلغ قرض قصري املدى .كانت تلك هي األرقام املقدمة من طرف بنك
الجزائر عند إقالة حكومتي .وعليه ،نحن أبعد ما نكون عن ذلك الهذيان الذي تفوه به الجنرال تواتي عىل أعمدة
يومية El Watan.ولختم هذه اإلفاضة الطويلة التي بدت يل من املفيد االسرتسال فيها من أجل تنوير الرأي
العام الوطني وتجنيبه الوقوع يف الخطأ بسبب مزاعم الجنرال تواتي ،أذكر أنه غداة تدخيل أمام إطارات والية
الجزائر ،يوم 24جوان ، 1993الوثيقة التي كنت قد أمرت بتحريرها حول السياسة االقتصادية لحكومتي
صدرت ،يوم 29جوان 1993باللغتني العربية والفرنسية ،يف جميع الصحف التابعة للقطاع العام وكذا
محطاتنا اإلذاعية ومحطة التلفزيون .لقد كان هناك حرص عىل أن يتم التوزيع عىل نطاق واسع ومتكرر عدة
أيام .كما تم إعالن عريض أمام إطارات والية الجزائر عىل شاشة التلفزيون .الصحافة الخاصة – التي تدعي
أنها حرة ومستقلة والتي هي ،يف الواقع ،خاضعة ألوامر مجموعات مصالح معينة تتحرك يف الخفاء – امتنعت
عن نرش الوثيقة ،بل ولم تذكر ،أحيانا ،وجودها وصدورها أصال ،يف حني لم تنقطع عن التأكيد أن مهمتها هو
إعالم الرأي العام الوطني من خالل قرائها وأن علة وجودها هي يف إعطاء معنى ومحتوى ملموسا للحق يف
اإلعالم .إن وثيقة تحمل توجهات سياسة اقتصادية ذات الصلة بحياة املواطنني جميعا َلتتعدى حدود كونها
مجرد دعاية يف صالح الحكومة يمكن للصحافة أن ترفض نرشها باسم تصورها لحرية اإلعالم .
يف 18جويلية ،1993ويف الوقت الذي دعيت إىل حضور اجتماع املجلس األعىل للدولة ،كان أعضاء هذا األخري
38
كلهم عىل علم ،أو من املفروض أن يكونوا عىل علم ،بكافة معطيات السياسة االقتصادية لحكومتي من أجل
الخروج من األزمة التي سببها املستوى الذي بلغته مديونيتنا الخارجية .لعل القارئ الحظ كيف أن الجنرال
تواتي قد تجاهل تماما ،يف حواره مع يومية ، El Watanوجود هذه الوثيقة وتوزيعها لدى الجمهور العريض
وكذا محتوى عريض املذاع للجمهور عىل أمواج األثري .يف الحقيقة ،الجنرال تواتي يؤمله أن يرى الترصيحات
املغلوطة – كيال نقول الكاذبة – التي كان يبثها هنا وهناك وهي تتهاوى أمام وثائق مكتوبة ،ومعلومات
حقيقية ،وفيها برهنة ،كما هي قابلة لالعرتاض عليها رشط أن يكون ذلك عىل املكشوف .أود أن أشري ،هنا،
بإلحاح أنه ال علم يل بأي تحليل أو أي رد فعل من جانب الجنرال تواتي ومن يقاسمه خياراته حول الوثيقة
التي أمرت بنرشها تحت عنوان " :مذكرة ألهم التوجهات يف برنامج الحكومة االقتصادي" .وعندما طلبت ،أوال،
من الجنرال تواتي رأيه يف مسألة تعيني وزير للداخلية إثر املقابلة التي جرت بيني وبني الرئيس عيل كايف
والجنرال خالد نزار ،أجابني ،أوال ،أنني لم أقنعه ثم أردف يل بهذا النبأ املدهش " :بمناسبة سفري األخري إىل
باريس ،اتصلت بالخزينة الفرنسية التي أخربتني أنه يف حالة اللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية ،لن
يتجاوز تخفيض بعض القروض التجارية التي كانت الجزائر تستفيد منها إىل ذلك الوقت نحو نسبة !" %20
فلو كان اتصاله بالخزينة الفرنسية وزيارته إىل باريس إال بغرض الحصول عىل معلومات بخصوص مستوى
القروض التجارية التي كانت الجزائر قادرة عىل مواصلة الحصول عليها بعد إعادة جدولة املديونية يف حالة
وقوعها ،لم يكن مضطرا إىل عبور البحر األبيض املتوسط والذهاب إىل تلك الخزينة ملعرفة األمر إذ كان يكفيه
قراءة نص الوثيقة التي أصدرتُها أو االستماع إىل ترصيحاتي عرب شاشة التلفزيون وأمواج اإلذاعة كي يالحظ
أنها لم تكن تقول شيئا آخر غري ما ذكر .ثم إنني أجبته ،عىل التو ،أنه كانت بحوزتنا مراسلة يف هذا الشأن من
مسؤويل صندوق النقد الدويل .الحقيقة ،يف تدخيل كما يف املذكرة املتعلقة بتوجهات برنامج حكومتي
االقتصادي ،السؤال الذي كان مطروحا هو معرفة ما هي القدرة اإلضافية لالسترياد التي كانت ستتأتى
للجزائر يف حالة الوصول إىل اتفاق مع صندوق النقد الدويل .لقد برهنا ،باألرقام ،عىل أن الكنز الذي توقعه
الجنرال تواتي ،ومن حذا حذوه ،من صندوق النقد الدويل لم يكن إال خديعة وأنه لن يرفع من قدرة الجزائر عىل
االسترياد بصورة محسوسة .وبالفعل ،هذه الزيادة يف قدرتنا عىل االسترياد قدمها ممثلو صندوق النقد الدويل،
من بينهم السيد ميشال كامديسوس ذاته ،عىل أنها املفتاح النطالقتنا االقتصادية ،انطالقة كفيلة بأن تكون
األداة السحرية التي ستمكننا من تقليص البطالة بصورة معتربة كي نجنب شبابنا االلتحاق بصفوف اإلرهاب.
الجديد الذي أتت به وثيقة الحكومة أثار هلع جميع تلك العنارص التي كانت ،مثل الجنرال تواتي ،تنشط من
أجل حمل الجميع عىل االقتناع بأنه لم يكن هناك حل آخر ملشكل مديونيتنا الخارجية عدا اللجوء إىل صندوق
النقد الدويل وأنه كان يكفي الجزائر الحصول عىل مساعدات من هذا الصندوق للعودة إىل الرخاء بفضل
انطالقتها االقتصادية .من كان يمدح صندوق النقد الدويل واللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا ،السيما من بني
مسؤولينا السامني يف الجيش الوطني الشعبي ،كانوا يأملون تراجع البطالة أو عىل األقل امتصاصها ،هذه
البطالة التي ،وللتذكري ،قدمت عىل أساس أنها كانت السبب الرئييس يف انخراط قسم كبري من شبابنا يف صفوف
املخربني تحت لواء الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ .
الجنرال خالد نزار ،وأثناء اللقاء الذي جمعني به والرئيس عىل كايف ،بعد جلسة املجلس األعىل للدولة املنعقدة
يف 18جويلية 1993التي دعيت إليها ،أخربني أن الجنرال تواتي الذي تم التفكري يف تعيينه وزيرا للداخلية
سافر إىل باريس بغرض الراحة مدة ثمان وأربعني ساعة .الذهاب إىل باريس وقطع مسافة 2000كلم
بالطائرة من أجل راحة مدتها ثمان وأربعني ساعة بدا يل أمرا غريبا نوعا ما .لكن ،ونظرا إىل ما قاله يل الجنرال
39
تواتي بعد عودته من باريس ،أجدني أتساء ما إذا لم يكن للرحلة املذكورة غرض آخر غري الغرض املعلن يل.
لذلك وكما ذكرت ،لو تعلق األمر فقط بالتأكد من مبلغ األموال التي كانت الجزائر ستستفيد منها جراء إعادة
جدولة مديونيتها ،كان باستطاعة الجنرال تواتي أو آمريه املحتملني الحصول ،يف عني املكان ،بالجزائر
العاصمة ،عىل جميع املعلومات املطلوبة ،مشفوعة بكافة الضمانات املهدئة من مخاوفهم .عىل أية حال ،لقد أيد
تطور األحداث تلك األطروحة التي اعتمدتها حكومتي والقاضية باعتبار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل لم يكن
من شأنه أبدا إفادة الجزائر بأموال كبرية مثلما كان يدعي أنصار إعادة الجدولة .الكل يرى اليوم العواقب
الوخيمة التي تسببت فيها إعادة الجدولة هذه لشعبنا كما يرى ذلك اإلفقار الذي طال سكاننا بادئا تطوره منذ
الثمانينيات بسبب تلك السياسية االنتكاسية التي طبقها الرئيس الشاديل ثم تسارعت وتريتها بعد تدخل
صندوق النقد الدويل لريتفع معدل البطالة بقوة عوض أن ينخفض بينما لم تلق مؤسساتنا االقتصادية
العمومية والخاصة ،ليس فقط أي دعم من أجل انطالق نشاطاتها أو نموه وإنما وجدت نفسها مضطرة إىل
تخفيض هذه النشاطات أو توقيفها نهائيا .إن الجميع ليعلم اليوم ما وقع بعد االتفاق الخاص بإعادة الجدولة
مع صندوق النقد الدويل حيث ما لبثت مخابر االسترياد-التصدير أن تكاثرت يف بلدنا وكيف اجتاحت املوارد
اإلضافية من العملة الصعبة التي أتى بها هذا االتفاق السوق الوطنية من دون أن ترتك أي أثر إيجابي يف
االنطالقة االقتصادية وكيف اختُرص اقتصاد السوق الذي كانت بعض األصوات تهتف به ،بكل بساطة ،يف فتح
حدودنا لتمكني نسور االسترياد –التصدير من االستيالء عىل ثروات البالد دافعني بشعبنا إىل هاوية البؤس،
الحرمان وفقدان األمل .هل نحن يف حاجة ،أيضا ،إىل التذكري أنه بعد القرار الذي أذل الجزائر واضطرها إىل
الخضوع إىل الخيارات املفروضة من طرف صندوق النقد الدويل ،ظهرت الكثري من األصوات عرب العالم
الرأسمايل ،ال سميا يف الواليات املتحدة األمريكية ذاتها ،منددة بمضار ما سمي بالعالج املطبق من طرف
صندوق النقد الدويل عىل تلك البلدان التي لجأت إليه لحل مشكالتها املالية املرتتبة عىل مديونيتها الخارجية ؟
يف ما يتعلق بالجزائر واألرضار التي سلطت عليها بعد إعادة جدولة مديونيتها ،لم يجد ممثلو صندوق النقد
الدويل ما يقولونه بهذا الشأن سوى إن سبب املصاعب التي كانت بالدنا تواجهها لم يكمن يف التدابري املطلوبة
من طرف مؤسستهم وإنما يف سوء تطبيق هذه التدابري من طرف اإلدارة والسلطات الجزائرية .
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
40
óÜì‡ÝÜ@ôÝÈÿa Ý1a@Êà@ðmaöbÕÜ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰à@N12
2007O07O30@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
لكن ما هو أدهى وأمر ،بالنسبة إيل ،يف ترصف الجنرال تواتي عندما قام بزيارة إىل باريس هو أن يسمح لنفسه
–كضابط برتبة جنرال ،يف الخدمة ،ومعروف ،فوق ذلك ،بكونه مستشارا مقربا جدا من عضو يعترب األكثر
تأثريا عىل مستوى املجلس األعىل للدولة – بالتحقق لدى مصلحة أجنبية من معطيات متوفرة لدى حكومة بلده
ذاتها .ال يمكن إال أن أظن أن الجنرال تواتي لم يكتف باالستفسار عن صحة معلومات وردت يف مذكرة
التوجهات التي أصدرتها حكومتي وأنه يكون قد أخرب الحكومة الفرنسية أن السياسة املتبعة من طرف
حكومتي لم تكن تحظى باملصداقية والتأييد من طرف من كانوا ،يف تلك الفرتة ،أصحاب القرار الفعيل يف
الجزائر.
لم يكن أحد ليجهل ،بالجزائر كما بباريس ،أن إدالء الجنرال تواتي برأي أو القيام بترصف ما لم يكن يتم
باسمه الخاص فقط .ثم إنه كان من الثقة يف نفسه ما جعله ال يشعر بأي حرج يف أن يرس إيل شخصيا بالزيارة
التي قادته إىل باريس للتأكد ،عىل مستوى الخزينة الفرنسة ،من صحة وثيقة صادرة عن حكومتي .هذا ترصف
مشني إزاء رئيس الحكومة .لقد سمحت يل هذه الواقعة املحزنة بتقدير قلة القيمة التي كانت توىل لتلك املهمة
السامية التي عهد إيل بها .هذا الترصف من جانب الجنرال تواتي كان داللة عىل طابع الوقاحة ميز سياسة
معينة ،سياسة كانت ،من ناحية ،تعلن سيادة مؤسسات الجمهورية دافعة بخرية شبابنا ،يف إطار الجيش
الوطني الشعبي واألجهزة األمنية ،إىل بذل النفس والنفيس ،ومن ناحية أخرى ،تعامل نفس املؤسسات بخفة
بلغت حد عدم الرتدد يف بخسها أمام األجانب .بعد هذا اإلسهاب الطويل – الذي أملته رضورة تعرية بعض من
األكاذيب التي وردت عىل لسان الجنرال تواتي وإبراز الطرق غري النزيهة التي استعملها لدى من كان يلقى
لديه آذانا صاغية أو يصدقون ما كان يكتب أو يقول – يجب اآلن الخوض يف تلك الطريقة التي ادعي بها
قدرته عىل رسد الوقائع يف ما يخص مختلف لقاءاتي عىل مستوى املجلس األعىل للدولة أو ببعض أعضائه،
السيما الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار .
41
عقد ندوة وطنية لهذا الغرض ؛
-إعادة النظر يف الخيارات االقتصادية يف ضوء املعطيات املستجدة .
وقد شفع الرئيس عىل كايف هذه املسائل بمالحظات يمكن اخترصاها كاآلتي :
-تمر البالد بأزمة صعبة ؛
-علينا أن نواجه هذه املرحلة كرجال يؤلفون سلطة متينة ومنسجمة ،أي :
•يجب علينا أن نتفق عىل قاعدة متينة ؛
•يجب علينا أن نتشاور ؛
•املرحلة االنتقالية يجب أن تُطبق بكل حزم ؛
•يجب علينا أن نتفاهم حول الخيارات االقتصادية ؛
•إعادة النظر يف الخيارات االقتصادية يف ضوء املعطيات املستجدة .
بعد هذا التقديم الوجيز من طرف الرئيس عيل كايف ،أخذ الجنرال خالد نزار الكلمة مركزا عىل العنارص اآلتية :
-التوجه نحو االنسجام ؛
-يف ما يخص املسائل االقتصادية ،هناك أفكار عديدة .هل هناك سبيل آخر مقارنة بالسياسة املتبعة حاليا ؟
-ما هي نتائج هذه السياسة ؟
-ما الذي يمكن أن نفعله بخصوص الحوار املنطلق مع األحزاب السياسية ؟
-هل يجب علينا أن نواصل هذا الحوار أم ال ؟
بدا يل أنني لم أكن مجرد ضيف هناك وما لبثت أن أدركت أنني كنت محط أنظار الجميع ومحط الكثري مما
كان يقال من ترصيحات وتلميحات .هكذا بدت يل الهيئة – التي كانت تمارس ،بصفة جماعية ،السلطة العليا
يف البالد وتحتكر كافة الصالحيات الترشيعية والتنفيذية املنصوص عليها يف الدستور – وهي تريد القيام
بحصيلة سنة من النشاط الحكومي والبت بشأن مستقبل البالد يف فرتة حرجة من تاريخها كما لو تعلق األمر
بتفاهم بني خالن قرروا ،فجأة ،خالل نزهة أو تسلية ما التوجه لتناول مرشوب حول طاولة مقهى أو تناول
وجبة غداء رسيعة مواصلني خوضهم يف شؤون البالد .لقد عادت بي هذه املالحظات إىل أربعني سنة من قبل
عندما كنا ،عىل مستوى اللجنة املركزية لحزب الشعب-حركة انتصار الحريات الديمقراطية ،نعيش أزمة حزب
شعبي طالئعي بسبب عجز قيادته التي رسعان ما سقطت بسبب ممارساتها يف مجال تنظيم العمل .طيلة
سنوات قبيل الفرتة التي انفجرت فيها األزمة وقيض عىل التنظيم كحزب ،كانت اجتماعات قيادة ما كان آنذاك
يعترب الحزب الثوري الطالئعي من دون جدول أعمال محدد سلفا ،وكانت املحادثات تتم من دون االستناد إىل
ملفات ومشاريع مُعدﱠة من قبل لهذا الغرض .هكذا ،إذاً ،انعقد اجتماع املجلس األعىل للدولة بهدف مناقشة
حصيلة نشاطات الحكومة )أي ،يف الحقيقة ،نشاطاتها االقتصادية( والتخاذ قرارات حول مسرية البالد يف
املستقبل عىل املستوى السيايس ،وذلك من دون تحضري الوثائق املتضمنة للمعطيات الالزمة لهذه املناقشات
واملحددة لآلفاق أو املقرتحات الواجب اعتمادها يف نهاية االجتماع .بعد ذلك ،جاء دوري ألخذ الكلمة .بدأت
بإعطاء نظرة شاملة مخترصة عن زيارة العمل التي قمت بها إىل واليات الجنوب األقىص ملحا عىل بعض
املشاكل املطروحة هناك والتي كان حلها يستدعي تدابري مستعجلة وواسعة النطاق .بدا يل أن كلمتي لم تثر
اهتماما كبريا وأن األذهان كانت متجهة إىل موضوعات أخرى .ويف تناويل ملا أدىل به كل من الرئيس عيل كايف
42
والجنرال خالد نزار ،ركزت عىل النقاط اآلتية :
-نشاط حكومتي مندرج يف سياق برنامج عمل وافق عليه املجلس األعىل للدولة بموجب املراسيم الترشيعية
املعتمدة من طرف مجلس الوزراء والتي هي مساوية لقوانني املالية التقليدية وكذا بموجب مرسوم ترشيعي
آخر متعلق بالخطة الوطنية لسنة 1993واملحدد لألهداف العامة بالنسبة إىل الفرتة املمتدة من 1993إىل
. 1997
-يف ما يتعلق باملديونية الخارجية ،خدمتها تمت يف ظروف عادية واستطعنا أن نسدد يف املوعد الصعب املقرر
لدفع 500مليون دوالر ،دفع كانت الجزائر فيه محط األنظار عىل مستوى األسواق املالية الدولية .
-يف ما يخص تعبئة موارد إضافية من العملة الصعبة خارج الدوائر الخاضعة لقواعد صندوق النقد الدويل،
هناك جهود تبذل حاليا .غري أن نجاح مثل هذه الجهود يبقى مرهونا بالوقت السيما وأننا يف حاجة إىل إعادة
تشكيل شبكة من األصدقاء ومن املستشارين واملؤسسات ملساعدتنا يف ترتيب عمليات من شأنها توفري أموال لنا
من دون أن نضطر إىل اللجوء إىل تقبل رشوط صندوق النقد الدويل .
-ويف هذا السياق ،أرشت إىل أن عملية التنازل عن عدد من حصصنا يف أحد آبارنا البرتولية كانت عىل وشك
وافقت عىل صيغها املقرتحة من طرف سوناطراك إال أن إبرامها تأخر ألسباب أجهل طبيعتها .كما ُ التتويج .لقد
اغتنمت الفرصة ألكشف أمام كافة أعضاء املجلس األعىل للدولة عن أن هناك أصداء وصلتني إلشاعات من
النوع "ال يمكن أن تهدى إليه هذه الهدية" ؛ وهو يعني أن هناك أشخاصا كانوا يتحركون عىل مستوى ما
ملنعي من تسجيل نتائج مالية معتربة من شأنها جلب املصداقية لحكومتي .وبعد اإلدالء بهذه املعلومة ،أعرب
الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار عن اندهاشهما وسخطهما .يف ما بعد ،علمت من مصالح متخصصة بأن
الشائعات املتعلقة بمحاولة منع العقد من اإلبرام يف العملية السابقة الذكر لم تكن خالية من الصحة ؛ وهو ما
كان يؤكد وجود مكائد كانت تحاك من طرف بعض األوساط التي كان همها إحباط السياسة االقتصادية
لحكومتي .كما يجب أن أؤكد اليوم أن هذه العملية – التي تمت كلها يف ظل حكومتي وبموافقتي – لم يربم
العقد الخاص بها إال بعد اتفاق إعادة جدولة املديونية مع صندوق النقد الدويل ،أي يف ذات الوقت التي لم يعد
فيه لها أي نفع وأثر يف تمكني الجزائر من الحصول ،من خالل التنازل عن قسم من ثرواتها ،عىل موارد كان
صندوق النقد الدويل يرفضها لها .كل ذلك يبني أن املناورات التي حيكت من أجل تأخري هذه العملية لم يتمثل
غرضها فقط يف حرمان حكومتي من الحصول عىل أموال جديدة وإصدار إشارات إيجابية يف اتجاه أوساط
األعمال الدولية التي كان من املمكن أن تفيد بالدنا باستثماراتها ،وإنما استهدفت كذلك غلق كل سبيل كان من
شأنه أن يجنب الجزائر السقوط يف قبضة صندوق النقد الدويل وتحمﱡ ل العواقب الوخيمة جراء تلك الرشوط
القاسية التي يقر بقسوتها كل قاص ودان ،اليوم ،عىل املستوى الكون .
لفت انتباه الحارضين أنه ال يمكن الحكم عىل حصيلة نشاطات ما عىل أساس ما يمكن أن توفره من -كما ﱡ
موارد مالية جديدة فقط وإنما ينبغي أيضا األخذ بعني االعتبار كل تلك األرضار والكوارث التي منعت من
تحقيق النتائج املرجوة .ويف هذا الصدد ،ذكرت أنه عند تأسيس حكومتي ،يف جولية ،1992كانت هناك
محاوالت أراد أصحابها أن يقنعوني أنني لو لم أجد األموال الالزمة قبل شهر سبتمرب ،سيكون لدي 600.000
عاطل إضايف عن العمل يف شوارع مدننا يف وقت كانت الجزائر تعيش اضطرابات متفاقمة لم تعرفها أبدا يف
43
تاريخها منذ االستقالل .حينئذ ،رد الجنرال خالد نزار أنه ،بحكم كونه عضوا يف الحكومة قبل شهر جويلية
،1992سمع عن هذا التقدير املشؤوم الذي كان يُشهر يف وجه تدبري شؤون البالد ؛ علما أنه لم يكن من أهون
األمور أن استطاعت حكومتي أن تبعد شبح رؤية قواتنا األمنية وهي تواجه الجماهري الجائعة يف شوارع مدننا
يف وقت كانت مجندة كلها للقضاء عىل العنف اإلرهابي وضمان سالمة األشخاص واملمتلكات .
ُ
خضت يف املشكل رصاحة من دون لف أو دوران مشريا إىل أنه ،منذ شهور، -يف ما يتعلق بانسجام السلطة،
وحكومتي وشخيص محل هجمات مسعورة وحملة مغرضة من التضليل اإلعالمي والقدح كانت تغذيها مصادر
موجودة عىل مستوى الرئاسة وأعضاء املجلس األعىل للدولة .وقد ذكرت رصاحة عيل هارون عىل أنه واحد ممن
كانوا يغذون تلك الحملة عن طريق اإلشاعات وعىل صفحات الجرائد الخاصة املسماة باملستقلة .بطبيعة الحال،
أظهر الرئيس عيل كايف سخطا شديدا وهو يرى الرئاسة متورطة يف الحملة التي استهدفت الحكومة وأعرب عن
احتجاجه الصادق .وقد ﱡ
لفت االنتباه أنه يف أكثر من مرة انترشت معلومات يف الصحافة عىل أنها صادرة عن
دوائر يف الرئاسة من دون أن يؤدي ذلك إىل صدور أي تكذيب .كما أعرب عيل هارون ،من جهته ،عن براءته من
هذه الحملة غري أنني ،وأنا جالس بجانبه ،كررت مآخذي له .
-لكن ،بالنسبة إيل ،بلغ التالعب عىل الحبلني ذروته عندما ذكرت البالغ الذي أعلنته الرئاسة حول حصيلة
الحوار الجاري بني املجلس األعىل للدولة وبعض األحزاب السياسية .لقد تضمن هذا البالغ مقطعا أوحى بإعادة
النظر يف السياسة االقتصادية .ولم تلبث الصحافة "املستقلة" أن استولت عىل املوضوع متخذة منه دليال عىل
أن املجلس األعىل للدولة ،ومن ورائه أصحاب الحكم الفعليني ،كان بصدد اعتماد سياسة اقتصادية مختلفة عن
تلك املعتمدة إىل ذلك الحني من طرف الحكومة .بعد ذلك مبارشة ،قيل يل إن البالغ املذكور كان مجرد انعكاس
لخالصة من األفكار املعرب عنها من طرف الرشكاء يف الحوار وأن هذه األفكار ال تلزم أبدا املجلس األعىل للدولة.
إال أنه لم يصدر ،هنا كذلك ،أي رد فعل وال أي تكذيب من جانب الرئاسة جاء ليفند مزاعم الصحافة الخاصة
ضد الحكومة ؛ هذه الصحافة التي لم ترتدد يف االستغالل السافر ملواقف نسبتها ’ىل املجلس األعىل للدولة .ويف
ضوء هذا السيل من التناقضات والشبهات ،بدت يل الهيئة التي كان يجري بها النقاش حول مصري البالد بؤرة
للمكائد غري الالئقة بالجزائر وثورتها .لم تتمخض أية رؤية واضحة بشأن مستقبل البالد من تلك املناقشات .
-أما يف ما يتعلق بالفرتة االنتقالية وبالحوار ،كان يكفي الرجوع إىل خالصة برنامج العمل الحكومي وإىل
ترصيحاتي أمام هذا املجلس األعىل للدولة نفسه ،يف سبتمرب ، 1992ملعرفة وجهة نظري حول هاذين
املوضوعني .يف جويلية ،1993ظل هذا املوقف نفسه ؛ مما جعل الجنرال تواتي يقول ،حسب ما يُروى ،إنني
كنت عاجزا عن التطور وغري قادر عىل التكيف مع السياق السيايس الجديد .
@ @
@ @
@ @
44
óàíÙ¨a@ób÷Š@À >Ðþ©@‡éº@ÚÜbà@bšŠ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN13
2007O07O31@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
بعد تدخيل ،جاء دور رضا مالك .وقد أوحت العبارات األوىل التي نطق بها انطباعا واضحا أنه هو الذي تم
تكليفه دور اإلجهاز عيل ،سواء يف املجال االقتصادي أو املجال السيايس .يف الجانب املتعلق باالقتصاد من
تدخله ،تكلم برزانة وحذر ولم ينقطع عن القول "يقال إن ،...يقال إن "...كما لو كان يريد أن يوحي أنه لم
يكن إال معربا عن أفكار صاغها غريه .هذه األفكار يمكن إيجازها كاآلتي :
-يتوخى الربنامج االقتصادي للحكومة ،يف حد ذاته ،غاية حميدة ،أي تفادي الوقوع تحت ضغط صندوق
النقد الدويل وفرض البطالة عىل أعداد كبرية من عمالنا .
-ومع ذلك ،مواصلة هذه الغاية تحتوي عىل خطر يصعب تفاديه :يف األوضاع الحالية ،ال تشتغل مؤسساتنا
االقتصادية إال بنسبة % 30من طاقاتها بسبب نقص يف املواد األولية واملواد نصف املصنعة وقطع الغيار التي
ُ
خدمة ال تستطيع الجزائر استريادها نظرا إىل محدودية مواردها من العملة الصعبة التي تمتص معظمَ ها
ديوننا الخارجية .فلو واصلنا سياسة التقشف املطبقة حاليا من طرف الحكومة ،سنكون ،بعد ثالث سنوات
من اآلن ،قد قلصنا يف حجم املديونية ربما بصورة معتربة .غري أن مؤسساتنا االقتصادية ستدمﱠ ر نهائيا ؛ مما
سيضطرها إىل توقيف نشاطاتها وبالتايل إىل تفاقم مشكل البطالة .تفيش هذه البطالة التي نريد تجنبها اليوم
ستفرض نفسها علينا يف يوم ما ؛ لذلك وجبت مواجهتها منذ اآلن بقبول رشوط صندوق النقد الدويل يف ما
يخص إعادة جدولة ديوننا الخارجية لنتمكن من إنقاذ قسم من أداتنا اإلنتاجية .هذه األطروحة املؤيدة إلبرام
اتفاق مع صندوق النقد الدويل بحسب رشوطه كانت تتناقض وفكرة أصحابها عندما كانوا يعتربون أن
مساعدات صندوق النقد الدويل كان من شأنها تقليص حجم البطالة كي يمكن تجفيف املنبع الذي كانت
الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ تنهل منه يف تجنيد الشباب لتعزيز صفوف اإلرهاب .كل يشء كان يقع كما لو أن
خصوم السياسة االقتصادية املتبعة من طرف حكومتي كانوا يتخذون من أية ذريعة حجة مادام همهم كان
منصبا ،ال عىل حماية مصالح سكاننا وحرية بالدنا يف التحرك يف املجال االقتصادي وإنما إتمام عملية تدمري
النظام االجتماعي االقتصادي الذي أقامته الجزائر منذ استقاللها عىل أساس توجهات ثورتنا .هذا التدمري الذي
كان من شأنه السماح لبعض مجموعات املصالح من استغالل موارد البالد يف صالحها .
عند هذا الحد ،أود أن أشري إىل أن الرقم الذي ذكره رضا مالك بخصوص مستوى اإلنتاج ،الذي قال عنه إنه لم
يعد يتجاوز نسبة % 30من طاقات مؤسساتنا االقتصادية ،لم يكن إال محض خيال .وإنه ملن األسف أن نرى
عضوا يف أعىل هيئة يف الدولة ،وأثناء جلسة عمل رسمية ،يستند إىل معلومات لم يكن لها أي أساس من الصحة
خصوصا وأن املصالح املعنية يف الدولة تؤكد أن هذا املستوى لم ينزل أبدا تحت نسبة % 50؛ مما يبني قلة
الجد التي ميزت عمل السلطة أو ،بعبارة أخرى ،كيف أن القرارات كانت تُتخذ يف دوائر خفية بحيث لم يبق
للمجلس األعىل للدولة إال تسجيلها .قلة الجد هذه لم تظهر يل إال عندما قيل يل ،يف بداية الجلسة ،إن من بني
نقاط جدول األعمال كان إجراء حصيلة لنشاط الحكومة بعد سنة من وجودها .القيام بحصيلة من هذا النوع
يفرتض تنشيط جميع مصالح الدولة املعنية من أجل جمع كافة املعطيات الرضورية لهذه الحصيلة وعىل
45
أساس أرقام قابلة للتأكد منها ونعرف مصادرها ونستطيع التحقق من صحتها يف الحساب .
ثم إن خالد نزار عندما سمع نسبة % 30عىل لسان رضا مالك ،رد برسعة وبكثري من الرزانة عندما قال إنه
بحكم كونه عضوا يف الحكومة منذ سنوات لم تكن املرة األوىل التي سمع فيها بهذا الرقم ؛ ومعنى ذلك أن األمور
لم تزدد سوءا ،إذاً ،يف ظل حكومتي .
-أثناء اللقاء الذي جرى بيننا ،بعد اجتماع املجلس األعىل للدولة ومأدبة غداء عمل مع الرئيس عيل كايف
والجنرال خالد نزار ،كرر يل الجنرال تواتي نفس األفكار التي عرب يل عنها رضا مالك يف ما يخص القضايا
االقتصادية ،لكن مع الكشف عن هوية ضمري املجهول )" ("onالذي استعمله هذا األخري يف تدخله أثناء اجتماع
املجلس األعىل للدولة .يتعلق األمر بإطار سام يف بنك الجزائر كان يعرف الجنرال تواتي جيدا .لإلشارة،
بمناسبة تبادل لآلراء عرب الصحافة ،وبعد تعيينه عىل رأس الحكومة ،رصح رضا مالك أن قرار اللجوء إىل
صندوق النقد الدويل تم اتخاذه يف نهاية 1993إثر ذلك االنخفاض الكبري الذي كانت أسعار البرتول تسجله
حينئذ .يف حني ،ويف جولية 1993عند تدخله أمام املجلس األعىل للدولة يف االجتماع املذكور ،اتخذ من نفسه
الناطق الرسمي لدعاة اللجوء إىل هذه املؤسسة املالية الدولية .يف الواقع ،قرار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل تم
يف أواخر السدايس األول من . 1993
غري أن من كانوا وراء هذا املوقف و"أصحاب القرار" الذين اعتمدوه أو استسلموا له كانوا يبحثون عن عذر
لتربيره أمام السكان .هؤالء الشك أنهم كانوا يتمنون مني تأييد خيارهم وتحمّ ل مسؤولية هذا الخيار عالنية.
هذا ،وسنرى يف ما بعد طبيعة املساعي املبذولة من أجل حميل عىل ذلك .بعد هذا االستطراد اآلخر ،لنعد ثانية
إىل مناقشات اجتماع املجلس األعىل للدولة بتاريخ 18جولية .1993بعد استعراض القضايا السياسية ،تغريت
لهجة رضا مالك وصارت أكثر تحامال ،كما أحسست أن كالمه كان موجها إىل شخصيا عند إشارته إىل نقص يف
االنسجام بني الترصيحات العمومية التي من املفرتض أن تعكس وجهة نظر السلطة ؛ مما أدى ،حسب زعمه
إىل االلتباس يف أذهان الناس يف ما يخص بعض املواقف .أي أننا لو صدقناه ،كانت هناك بلبلة وحاالت من عدم
الفهم الخطرية يف مواقف السلطة بسبب نقص انسجام الحكومة ،أو باألحرى رئيسها ،مع املجلس األعىل
للدولة .إال أن رضا مالك تفادى ذكر مبادرتي – كما فعل يف فرتة سابقة – بالقيام بتحقيق معمق حول
فضيحة أنبوب الغاز الجزائري اإليطايل باعتباره واحدا من األمثلة التي كانت تستعمل كحجة لدى من كانوا
يتهمونني بعدم احرتام واجب االنسجام مع املجلس األعىل للدولة .لقد كان رضا مالك يتكلم كما لو أنه هو الذي
أخذ عىل عاتقه تحديد توجهات السلطة عىل الصعيدين السيايس واأليديولوجي ،السيما يف مواجهة التيار
اإلسالمي املمثل يف الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ .كما تبني أنه كان ،عىل وجه الخصوص ،ومن دون أن يفصح عن
ذلك ،بصدد الرد عىل ذلك األثر الذي خلفته ردودي أفعايل من قبل عىل التهجمات الصادرة عن "الديمقراطيني"
و"الجمهوريني" املزعومني ممن كانوا يقدمونني عىل أنني "رجل املايض" ال غري .كما كان يستهدف املواقف
التي عربت عنها عالنية حول بعض املوضوعات اعتربت ذات صبغة إسالموية .
إن هؤالء" الديمقراطيني" و"الجمهوريني" ملخطئون عندما يتوهمون أن الكفاح ضد ترصفات الجبهة
اإلسالمية لإلنقاذ كان يعني رفض كل ذكر لإلسالم يف خياراتنا السياسية وتوجهاتنا األيديولوجية .عالقات
رضا مالك بالجنرال تواتي لعلها جعلته يشعر بنوع من الحظوة يف تجسيد هذه الخيارات والتوجهات .لقد كان
من عادته الرزانة يف التعبري واإلدالء بآرائه ومشاعره ،السيما عندما يتعلق األمر بجدل متصل بمشاكلنا
46
السياسية الداخلية ،وها هو يعرب بكلمات قطعية ،متخذا مسافة رصيحة من مواقفي ومبديا نحوي ،أحيانا،
معارضة تكاد تكون عداوة .وباختصار ،لقد أظهر من الثقة يف النفس ما لم أعهده فيه من قبل .ومع ذلك ،لم
يكن رضا مالك ،يف ذلك االجتماع ،ليدعي التحدث باسم أغلبية الحارضين وال أغلبية أعضاء املجلس األعىل
للدولة .لقد أكد يل عيل كايف دائما تضامنه معي يف األفكار السياسية واأليديولوجية التي كنت أعرب عنها ،السيما
عندما كنت أرد عىل "الديمقراطيني" و"الجمهوريني" .ال يمكن ألحد أن يدعي أن الفقيد الدكتور تيجيني هدام
كان من أنصار هؤالء .أما الجنرال خالد نزار ،فالوعي الذي كان له بموقعه يف السلطة جعله يعتمد الحذر
والوسطية كي يظل محتفظا بدور الحكم الذي كان يمليه عليه موقعه داخل الهيئة العليا للدولة من حيث هو
أول مسؤول للجيش الوطني الشعبي .لهذه األسباب كلها ،لم يكن رضا مالك ،يف استهدافه يل بكالمه ،قادرا عىل
كسب تأييد غري عيل هارون لخياراته األيديولوجية .
لقد ولت تلك الفرتة التي كنا نعمل فيها ،منسجمني ،يف عهد الرئيس بومدين ،السيما عندما كنا بصدد صياغة
امليثاق الوطني الذي اعتمده الشعب يف استفتاء سنة .1976يف تلك الفرتة ،غالبا ما كان رضا مالك يعرب عن
حرصه عىل االنسجام معي بخصوص الكثري من األمور .وبعد وفاة بومدين ،دُفن امليثاق الوطني مثلما دُفن
صاحبه !
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
47
ÚÜbà@bšŠ Êà@ðmbÐþ‚@lbjc@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN14
2007O08O01@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
منذ أن أخرجني الرئيس الشاديل من الحكومة ثم من املكتب السيايس للجنة املركزية لجبهة التحرير الوطني،
بدا يل أنني رصت يف نظر رضا مالك نوعا من "املنبوذ" يف الساحة السياسية .لذلك ،كان يظهر أمامي بمظهر
ما يسميه الشيعة بـ "املرجعية" ؛ وهو ما جعلني أتساءل عما كان يسوغ له مثل هذا املظهر .الشك أنه وصل
به املطاف إىل هذا النوع من الشعور بسبب مروره باملجلس األعىل للدولة ويف سياق انتماء إىل هذا الجهاز.
الشك أيضا أن سبب هذا الترصف يعود إىل معارشته الدائمة لبعض العسكر من أمثال الجنرال تواتي فأحس
بنفسه وكأنه صاحب الحظوة واملرجعية العليا يف ما يخص كل ما له عالقة بالديمقراطية ،الجمهورية
والعرصنة بالنسبة إىل بلدنا .كما كان يظهر عليه شعور متنام بنوع من التفوق فسمح لنفسه بالترصف وكأنه
صاحب رسالة يبني للناس ما يصلح لهم وألمثايل ،عىل وجه الخصوص ،الطريق املستقيم و"الحكم الراشد".
ذلك هو سبب ظهور الخالفات يف عالقاتنا ،خالفات حادة يف بعض األحيان أثناء تلك الفرتة التي كان فيها
عضوا يف املجلس األعىل للدولة وأنا رئيس حكومة ما بني 1992و .1993لكن هذه الخصومات ظهرت من
جانبه ،وغالبا ما كانت حادة ،قبل تأسيس املجلس األعىل للدولة وانضمامه إليه ،السيما غداة األحداث التي هزت
بالدنا يف أكتوبر . 1988
هكذا بدت له مواقفي عىل أنها كانت نوعا من الطعن يف التفوق الذي كان يظنه لنفسه .وكان يحدث له أن يقول
يل إن ترصيحاتي ومواقفي كانت متشابهة مع ترصيحات الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ ومواقفها .يف ما يخصني،
لم أكن أقوم بيشء آخر غري تأكيد أفكار مستمدة من املخزون املذهبي واأليديولوجي لحزب الشعب الجزائري
الذي كنت مناضال فيه منذ شبابي .وبما أنه لم يناضل أبدا يف صفوف حزب ما ،يبدو رضا مالك أنه ال يفهم وال
يقدر معنى اإلخالص لاللتزام ما وما يفرضه ذلك من انضباط وخضوع حر إزاء الحزب .كما يجهل ،عىل وجه
الخصوص ،معنى االلتزام يف حياة املناضل إزاء الحزب ،أي الربح معه والخسارة معه وال يمكن بأي حال
التخيل عنه عندما ال يبتسم له الحظ .لقد عرفنا يف حزب الشعب فرتات اندحار سيايس ،إال أننا لم نفقد األمل فيه
أبدا أو خذلناه أو تنكرنا النتمائنا إليه .هذا معناه أنني ،من خالل ترصيحاتي وترصفاتي ،لم أكن أسعى
للتقرب من الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ وإنما أردت فقط أن أبقى وفيا اللتزاماتي املعهودة .هذا هو السياق الذي
ينبغي أن يُفهم فيه ذلك املوقف الذي عربت عنه أمام املجلس األعىل للدولة ،يف 7سبتمرب ،1992عندما دعاني
إىل حضور اجتماعه وإفادته برأيي حول الحوار الذي كان يهم باملبادرة به مع بعض األحزاب السياسية
والشخصيات املعروفة عىل الساحة الوطنية .يف هذا االجتماع ،أكدت بكل وضوح أنه كانت يل العزيمة التامة يف
مكافحة األصولية رشيطة أال تعود فائدة ذلك إىل مصلحة الشيوعيني والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.
يف هذه الحالة ،سأكون يف صف الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ بكل رصاحة .وقد وجد رضا مالك يف مثل هذا
الترصيح رضبا من الكفر يف حني ،بالنسبة إيل ،كان الكفر يف جانبه عندما نسب نفسه إىل نفس التيار مثل
الشيوعيني والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية .أنا ال أؤاخذه أبدا عىل أن تكون له أفكار وأن يعرب عن هذه
األفكار وما اتصل بها من خيارات سياسية وتوجهات أيديولوجية .ما أؤاخذه عليه هو ذلك الدور الذي تقمصه
48
– السيما عىل أساس عضويته يف املجلس األعىل للدولة وعالقاته بالجنرال تواتي – واعتباره ألفكاره عىل أساس
أنها كانت أفكار الجماعة الوطنية بأرسها .
يف ما يخصني ،وكما هو الحال عند األغلبية الساحقة من الجزائريني ،أشعر بتقزز حقيقي إزاء آثار االندماجية
الجديدة التي نستشفها من بعض الترصيحات والترصفات الصادرة عن "ديمقراطيينا "املزعومني ممن ال
يرتددون يف تقديم أنفسهم عىل أنهم "نخبة" البلد .رصاحة ،عوض آثار هذه االندماجية الجديدة ،أفضل آثار
الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ ،وأفضلها أكثر عندما أرى االندماجيني الجدد يميلون إىل اتخاذ مكافحة أصوليي
الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ وأفعالهم اإلجرامية مناسبة لتصفية الوطنية الشعبية الجزائرية ودفنها نهائيا ،مع كل
ما تحمله هذه الوطنية من قيم .ورفعا لكل لبس ومنعا لكل اتهام ممكن يل بالحكم عىل النوايا بسبب
استعرايض ملا تم تداوله يف اجتماع املجلس األعىل للدولة ،أود أن أذكر بواقعة جرت يف أواخر سنة .1993من
املعلوم أنه بعد تعيينه رئيسا للحكومة إثر إقالتي ،لم يقم رضا مالك بتقديم برنامج عمل كما جرت عليه العادة
منذ فيفري 1989كلما عني رئيس حكومة جديد .وعندما سألته الصحافة عن سبب ذلك ،أجاب أن املجلس
األعىل للدولة ،الذي كان عضوا فيه ،سبق له أن وافق عىل برنامج الحكومة املنقضية فلم ير داعيا إىل تغيري
الربنامج املعتمد وتقديم برنامج جديد .و ّملا سئل وملاذا،إذاً ،وقع تغيري الحكومة السابقة ،أجاب أن ما كان يهم
يف حكومته هو التوفر عىل طاقم مرتاص ومتضامن وأن االنسجام بني حكومته واملجلس األعىل للدولة سيتم
تأكيده بما ال يدع املجال "ألي تأويل أو رشخ يكون من شأنه إضعاف نشاطنا" .وقد كانت تلك طريقة أعاد
بها ،نوعا ما ،ما قاله يف االجتماع املذكور للمجلس األعىل للدولة ،أي أن األمور مع الحكومة السابقة كانت تسمح
بتأويالت من شأنها إضعاف نشاط السلطة .أشهرا من بعد ،وقبل أن يجف حرب التوقيع عىل االتفاق املربم مع
صندوق النقد الدويل الذي دافع رضا مالك عىل رضورته أمام املجلس األعىل للدولة ،جاء الدور لتنحيته ! ومرة
أخرى ،وكما رصح هو بذلك عندما سئل عن عدم تقديم حكومته لربنامج عمل ،كان من "الالزم تغيري ما لزم
تغيريه" بحسب نفس العبارة التي استعملها من قبل يف ما يخصني .وعليه ،لعل ذلك التماسك الذي أكده لم
يكن من التماسك الذي توقعه .هو اآلخر ،ربما تلقى لوما عىل تركه البلبلة وعدم االنسجام يدبان بني حكومته
والسلطة التي خلفت املجلس األعىل للدولة .وإذا كان إبرام االتفاق مع صندوق النقد الدويل حول إعادة جدولة
مديونيتنا الخارجية مقياس نجاح السياسة االقتصادية للحكومة ،فإن الجنرال تواتي لم يقل لنا يف ماذا
أخفقت حكومة رضا مالك شهورا فقط بعد تعيينها ،وماذا كانت األسباب التي دعت إىل" إقالتها ".
-لنعد اآلن إىل االجتماع املذكور للمجلس األعىل للدولة .أثناء هذا االجتماع ،طلبت من رضا مالك إفادتي بأسماء
املسؤولني عن البلبلة وعدم االنسجام اللذين سمح لنفسه بتسجيلهما ،إال أنه اكتفى بالقول "نحن جميعا !".
فلو غامر بذكر أسماء ملسؤولني معينني ،كان عليه أن يبني أيضا تلك الحاالت التي اتسمت بالبلبلة وعدم
االنسجام ؛ وهو ما كان سيجربه عىل إظهار ميوله السياسية أو األيديولوجية بوضوح وعىل الكشف عما كان
يقوم به كلما انتهت إىل مسمعه مثل هذه الحاالت .عندما الحظ الرئيس عيل كايف أن النقاش الذي كان يرشف
عليه يمكن أن يتحول إىل شجار بالكالم ،سارع إىل إيقافه ورفع الجلسة .تلك هي الظروف التي تم فيها
االستماع إيل أثناء اجتماع املجلس األعىل للدولة بتاريخ 18جويلية .1993ولم يتم التعرض يف أية لحظة من
هذا االجتماع لتلك املسألة التي اخرتعها الجنرال تواتي عندما نسب إيل فكرة مواجهة مديونيتنا الخارجية
ونفقاتنا غري القابلة للتقليص وبحوزتنا مبلغ قدره 600مليون دوالر .عندما خرجت من قاعة االجتماع ،انفرد
بي الرئيس عىل كايف ليقول يل إنه يدعوني ،يوم الثالثاء املوايل ) 20جويلية( ،إىل مأدبة غداء مع الجنرال خالد
49
نزار بمقر إقامته عىل شاطئ البحر من أجل ،كما قال يل ،استئناف النقاش عىل أسس أكثر جدية ويف جو أكثر
هدوءا .فاتفقنا ،إذاً ،عىل املوعد املرضوب ثم انرصفنا .
ز .لقائي بالرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار حول مائدة غداء بمقر إقامة رئيس الدولة يف يوم 20جويلية
.1993هذا اللقاء هو الذي استطعت أن أدرك أثناءه أن قرار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل قد اتخذ بالرشوط
املمالة من طرف هذه املؤسسة املالية الدولية ؛ مما يعني أن عمر حكومتي كانت أيامه معدودة بالنظر إىل
الرصامة التي اعتمدتها يف هذا الشأن رافضا اللجوء إىل صندوق النقد الدويل وقبول رشوطه مهما كان الثمن.
لقد مرت مأدبة الغداء يف جو من االنرشاح واألخوة .كما أن املناقشات التي تمت سواء حول املائدة أو عىل انفراد
بعد ذلك ،كانت كثيفة وتمت يف ظل الجدية واملودة .لقد كان هذا اللقاء آخر مناسبة جادة حظيت بها ،طيلة
الفرتة التي قضيتها عىل رأس الحكومة ،ملناقشة شؤون الدولة مع أعىل مسؤولني يف البالد .بعد انرصايف ،وحتى
وإن كنا قد اتفقنا عىل اللقاء ثانية بعد عطلة قصرية ،شعرت بالسعادة أنني حرضت هذا اللقاء بعد ذلك
االجتماع الذي ضم أعضاء املجلس األعىل للدولة يومني من قبل .
بعدما قدمت عرضا ،يف وثيقة مكتوبة ،عن توجهات السياسة االقتصادية لحكومتي ورسمت أهداف هذه
السياسة علنيا والخيارات املحددة لهذه األهداف ،وكذا املعطيات التي تستند إليها حكومتي ،وأخريا دعوتي
جميع الجزائريني إىل إدراك أن وراء النقاش والجدل بشأن قيادة شؤوننا االقتصادية كان رهان جوهري
مطروح ،رهان يتعلق بنوع املجتمع الذي نختاره ،أي الطريقة التي تترصف بها الحكومة والسلطة التي منها
انبثقت ويتوقف عليها املصري الشخيص لكل جزائري .وهنا ،أشعر بالغبطة أنه سبق يل أن رصحت أثناء تدخيل
أمام إطارات والية الجزائر ،يف 24جوان ،1993أنني كنت سعيدا باختياري السياسة التي كنت بصدد
تطبيقها ،وكنت أومن بنجاحها يف النهاية وأنني يف مواجهة املنتقدين ،كنت أظن أنه من قبيل الرشف أن تتم
تنحيتي بسبب هذه السياسة .
50
órïj©a@ðÈb¾aì .. ÞÅÜa@pbЋ—m@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN5
2007O08O03@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
وبعدما جلسنا حول طاولة غداء شهي أعده لنا طهاة الرئيس عيل كايف ،افتتح الجنرال خالد نزار النقاش حول
تلك املسائل التي لم يتم تناولها إال قليال أو بقيت عالقة يف اجتماع املجلس األعىل للدولة املنعقد يومني من قبل.
وقد خاطبني قائال يل إن املرحلة التي كنا بصدد اجتيازها من حياة البالد كانت تتطلب حكومة قوية ومنسجمة
وتغيريات البد منها يف طاقم الحكومة الذي شكلتُه عند تعييني أو يف التعديالت الالحقة.
لقد قال "مثال ،نقرتح عليك تعيني وزير اقتصاد ونشري عليك بشخص يدافع بقوة عن سياستك ،أال وهو
املستشار االقتصادي للرئاسة ،بوزيدي" ،فما كان يل إال أن أجبته من دون أي لف أو دوران أال أحد قادر عىل
الدفاع عن سياستي أحسن مني وأن جمعي بني رئاسة والحكومة وهذا املنصب يجعلني أعتقد أن تكليف
شخص آخر غريي يف هذه الوظيفة معناه وجوب تغيري السياسة االقتصادية املعتمدة وأنه ،يف هذه الحالة ،من
ينبغي تغيريه هو رئيس الحكومة .ما نسبه الجنرال تواتي إىل الجنرال خالد نزار زاعما أنني قبلت اقرتاح تعيني
وزير اقتصاد ثم تراجعت عن موقفي يف اليوم املوايل هو مجرد اخرتاع تعوﱠ د عليه صاحبه – مثلما هو الحال يف
ما ورد يف النص الذي سلمه ليومية – El Watanيف دعم مكائده التي يريد أن يجر من أرادوا أن يصغوا إليه
من بينهم ،مع األسف ،رجال غالبا ما يشغلون مناصب مهمة يف القيادة العسكرية وأجهزة الدولة .لم يحدث
أبدا أن قبلت تعيني وزير اقتصاد ثم تراجعت يف الغد .
يف جويلية ،1992بعد تعييني عىل رئيس الحكومة ،فكرت يف تعيني مراد بن آشنهو وزيرا لالقتصاد .لم أكن
أعرفه من قبل شخصيا ،لكن كنت ،شهورا قبل تعييني ،قد قرأت له مقاالت يف الصحف عرب فيها عن أفكار
كانت قريبة جدا من تلك األفكار التي كنت أعرب عنها من خالل مقابالتي الصحفية أو ندواتي العمومية.
وعندما علمت أنه كان بواشنطن ،قررت اعتماد الحل املتخذ من طرف الحكومة السابقة ،أي االحتفاظ بمنصب
وزير االقتصاد إضافة إىل رئاسة الحكومة مع تعيني ثالثة وزراء منتدبني لالقتصاد .لقد بدا يل هذا الحل األكثر
مناسبة يف سياق تلك الفرتة التي كنت فيها بصدد إدراج إصالحات وتدابري مصريية يف برنامج حكومتي .فحوى
ما جرى ،يف ما بعد ،من حديث حول طاولة الغداء يثبت رفيض الفوري للتخيل عن وزارة االقتصاد .وبالفعل،
أخذ الجنرال خالد نزار يلومني عىل إجهاد نفيس بمهام لم تكن من مستواي قائال يل " :تشغل نفسك بتفاصيل
ال لزوم لها وكان األحرى بك أن ترتكها لغريك وتسمو عليها .ينبغي عليك أن تلتحق بنا ألننا نفكر فيك يف سياق
مسؤولية أعىل" .هذه" التفاصيل" الشك أنها كانت ذات صلة بتلك اللجنة الخاصة ) (ad hocاملعنية بمراقبة
رخص االسترياد .وعندما وجه الجنرال خالد نزار هذه املالحظة إيل ،أنا متأكد أن نيته كانت "حمايتي"
سياسيا .ونظرا إىل املهمة التي كان يفكر فيها يف ما يخصني ،لعله كان يظن أنه من األحسن يل أن أبقى بعيدا،
نوعا ما ،عن املعرتك وال أثقل نفيس بوظائف يمكن أن تثري ،والزالت تثري دائما ،نزاعات قد تتحول إىل خالفات
ترض مواصلة "مسريتي املهنية" عىل الصعيد السيايس .ولعل مالحظا خارجيا كان بإمكانه أن يسجل ،هنا ،أن
العسكري خالد نزار كان له حس سيايس أكرب من مناضل مثيل انبثق من ذلك التيار الوطني الذي جسده أقدم
حزب يف الجزائر .هذا ،وأغتنم الفرصة هنا لتأكيد ما قاله يل الجنرال خالد نزار ذات يوم عندما زارني بإقامتي
51
ليخربني بالتغيريات الحاصلة عىل مستوى وزارة الدفاع الوطني :
"تعيني الجنرال ملني زروال عىل رأس وزارة الدفاع الوطني يعني أن صاحب املنصب يتحول إىل مدني ،مثله
مثل باقي الوزراء يف الطاقم الحكومي ،عىل اعتبار أن ملني زروال ضابط متقاعد لم يعد يف الخدمة ضمن
صفوف الجيش الوطني الشعبي .غري أن القائد الحقيقي لهذا الجيش سيكون ،من اآلن فصاعدا ،الجنرال
العماري بعدما أصبح قائد األركان العامة للجيش الوطني الشعبي .سأحتفظ بعيل كايف للفرتة االنتقالية وأنت
ستكون املرشح لرئاسة الجمهورية عندما يحني وقت تنظيم انتخابات رئاسية" .وتتمة للحديث حول هذا
املوضوع ،ينبغي أن أذكر أنه منذ تعييني عىل رأس الحكومة وإىل غاية أخر اجتماع يل باملجلس األعىل للدولة،
ظل الرئيس عيل كايف يكرر يل نفس الكالم " :ال تنس أنك أنت الذي وقع االختيار عليك يف ما يخص االنتخابات
الرئاسية املقبلة ألننا( أي أعضاء املجلس األعىل للدولة( ،كما تعلم ،قررنا عدم الرتشح يف هذه االنتخابات ".
بطبيعة الحال ،لعل الرئيس عيل كايف كان يعرب عن تفضيله الشخيص يل بسبب طبيعة العالقات التي كانت
تجمعنا .ومع ذلك ،ما قاله يل لم يكن سوى صدى ملا كان يسمعه من حوله ،أي ممن كنا نسميهم بـ "أصحاب
القرار" .والشك أن هذا الخيار لم يكن لرييض الجنرال تواتي الذي كانت جعبته تحمل أسماء آلخرين .
لم أفد بأي رد عىل هذه اإلشارات املتعلقة بمستقبيل ،ال بالقبول وال بالرفض ،مكتفيا بتسجيل ما كان يقال يل يف
كل مرة ،السيما وأن هذه اإلشارات لم تكن متبوعة بأي نقاش وأن ما كان يشغل بايل ليس اإلجابة بال أو نعم
وإنما ما كان منتظرا مني مقابل العروض املطروحة عيل .منذ شبابي املبكر ،عاهدت نفيس عىل أن أبقى دائما
وفيا اللتزامي األول يف خدمة وطني ،متمسكا بخطي الثابت ،مهما كانت تقلبات الحياة السياسية ،وبالقيم
األساسية التي قامت عليها الحركة الوطنية الجزائرية التي ناضلت يف صفوفها طيلة حياتي كلها :يف صفوف
حزب الشعب الجزائري-حركة انتصار الحريات الديمقراطية ثم يف صفوف جبهة التحرير الوطني من بعد .لم
أسع أبدا ،وبأي شكل من األشكال ،للحصول عىل أي منصب من املناصب .لقد كنت مناضال ،وعىل هذا األساس
قبلت املسؤوليات التي عهد إيل بها وبذلت قصارى جهدي للقيام بها بتفان وعملت من أجل النجاح فيها قدر
اإلمكان .وعليه ،عندما كنت ،طيلة السنة التي قضيتها عىل رأس الحكومة ،أسمع أصواتا من أكرب املصادر
املأذونة تتحدث يل عن احتمال اختياري عىل رأس الدولة ،أرصرت عىل أال أترك غريي يفهم أن العرض يمكن أن
يجعلني أتخىل عن قناعاتي .
وسواء كنت رئيسا للجمهورية ،رئيسا للحكومة ،وزيرا ،أو يف أي منصب آخر ،ال يمكن أبدا أن أترصف إال
بحسب ما تمليه عيل مثيل .هناك أصدقاء مقربون جدا من فلك الجنرال تواتي غالبا ما كانوا يأتونني ليشريوا
عيل برضورة إدراك أن الرهان السيايس كان االنتخابات الرئاسية املرتقبة آنذاك بعد نهاية عهدة املجلس األعىل
للدولة وأنه كان عيل ضبط مواقفي وترصفاتي بحسب ذلك املوعد .أي أنهم كانوا يدعونني إىل املساومة
بقناعاتي عند الرضورة مقابل الحصول عىل تأييد من أجل الظفر بمنصب رئاسة الجمهورية ؛ وهو ما رفضت
الدخول يف لعبته .ثم إنه ليس هناك ما يؤكد أنني لو استسلمت للعرض وقبلت ،من أجل الوصول إىل رئاسة
الجمهورية ،بانتهاج السبيل املؤدية إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية وما كان يرتتب عليها من عواقب
وخيمة عىل حياة الشعب الجزائري واستقاللنا الوطني ،لن يُلقى بي لقمة سائغة أمام سخط املواطنني عوض
وقع ،فعال، مساندتي للوصول إىل كريس الرئاسة .رضا مالك – الذي أيد اللجوء إىل صندوق النقد الدويل والذي ّ
عىل االتفاق املربم مع هذه املؤسسة باسم الحكومة – ذاته لم يعرف مصريا مختلفا عن مصريي كرئيس حكومة
52
عندما" أنهيت مهامه" ،كما قال الجنرال تواتي ،أياما فقط بعد التوقيع عىل االتفاق املذكور .هذا ،ويبدو أن
الجنرال خالد نزار فهمني جيدا مادام ،كما ذكرت من قبل ،قد كتب أنني كنت "رجل مبادئ" ،يدافع دائما عن
أفكارها بكثري من القناعة ".
هذا استطراد آخر لجأت إليه لذكر ما ذكرت منذ حني من أجل التأكيد أن اللقاء الذي جمعني بالرئيس عيل كايف
والجنرال خالط نزار كان أبعد مما يتناسب مع ما يدعيه الجنرال تواتي بافرتاءاته وتشويهه لحقيقة ما جرى
بيننا من حديث يف هذا اللقاء الذي كان ،بالنسبة إيل ،لقاء تاريخيا .مواصلة لحديثنا يف اللقاء املذكور ،ذ ّكرت
مرة ثانية بأهداف سياستي يف املجال االقتصادي والوسائل التي كنت أظن أنها كفيلة بتحقيق هذه األهداف .يف
لحظة ما من الحديث ،أخذ الجنرال خالد نزار الكلمة بنربة توحي بنوع من االستغراب ليخاطبني قائال " :لكن،
يف هذه الحالة ،ملاذا تواصلون املفاوضات مع صندوق النقد الدويل ؟" .وقد بدا يل أنه كان يعتقد أن املفاوضات
مع هذه املؤسسة ال يمكن أن تخص شأنا آخر غري إعادة جدولة املديونية ،إعادة جدولة كانت "ستوفر للجزائر،
ومنذ البداية ،كنزا قيمته 14مليار من الدوالرات" كما كان يقال منذ زيارة السيد كامديسوس إىل الجزائر يف
أواخر شهر ديسمرب . 1992
حينئذ أجبته أن الجزائر كانت عضوا يف صندوق النقد الدويل بوصفه جهازا دوليا تابعا لنظام األمم املتحدة.
وعليه ،كان علينا أن نجري لقاءات دورية مع ممثليه نتناول خاللها املسائل املتعلقة بأوضاعنا االقتصادية
وإطالع مصالحه بتطور هذه األوضاع من كافة جوانبها .وأضفت أنه كلما ظهر مشكل ما يف أوضاعنا أو يف
عالقاتنا بهذه املؤسسة – كما حدث منذ أن صارت مصالحها تظن أن مستوى مديونيتنا الخارجية قد بلغ حدا
يحول دون الحصول عىل قروض جديدة عىل مستوى األسواق املالية الدولية – كانت لقاءاتنا مع ممثيل صندوق
النقد الدويل تتضمن مفاوضات الهدف منها الوصول إىل حلول كفيلة بتجاوز الصعوبات .غري أن هذا التساؤل
البسيط الذي أدىل به الجنرال خالد نزار كان كافيا لجعيل أفهم أنني كنت يف نظر أصحاب القرار يف البالد
الشخص الذي كان ،بسبب ترصفاتها املحكوم عليها بالذاتية واأليديولوجية ،يغلق الطريق أما تدفق أموال
جديدة يف خزينة الدولة الجزائرية يف حني لم يكن صندوق النقد الدويل ينتظر سوى توقيع بسيط من طرف
الحكومة لينطلق ذلك التدفق .مثل هذا الظن كان سببه مساع خبيثة تجري يف الخفاء وال يستطيع أصحابها أن
يجهروا بها ويجادلون فيها أمام املأل مدعني االنفراد بحيازتها بفضل صالحياتهم أو "مهنتهم "كتقنيني أو
خرباء مضافا إليهم ،يف بعض األحيان ،أبهة صفة "الدوليني" .وملواجهة ترصفات الظل هذه حيث يسود الكذب
والتضليل ،ال تجدي نفعا أكثر الوثائق دقة وإحكاما وأكثر الترصيحات العمومية حجة ألن عددا كبريا من
املسؤولني ال يقرؤون ما يُكتب ،هذا إذا لم يتجنبوا قراءته أصال ،باإلضافة إىل أنهم ال يهتمون بما يُعلن ظانني
أنه مجرد حمالت هدفها الدعاية .
@ @
@ @
53
Њì@ðmaím@ôÝÈ@óïÝ‚a‡Üa ‹îŒì@k—åà@oš‹È@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN16
2007O08O04@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
لنعد اآلن إىل سري مأدبة الغداء وما جرى بيننا نحن الثالثة ،الرئيس عيل كايف ،الجنرال خالد نزار واملتحدث.
الشك أن الجنرال خالد نزار لم ييأس من إقناعي بتغيري موقفي يف اتجاه قبول تدخل صندوق النقد الدويل
والرشوط التي عادة ما ترافق هذا التدخل .فجأة ،خاطبني بهذه الكلمات " :ملاذا ال يتم تنظيم ملتقى لخرباء
حول مسألة ديوننا الخارجية والحلول املمكنة لها ؟".
أجبته " :أنا متفق ،لكن رشط أن تكون كل املناقشات مبارشة عرب شاشة التليفزيون !"" .ل َم ال ؟" ،أجابني.
سأعود إىل هذا الجانب املتصل بامللتقى الذي كان بمثابة حيلة استعملها أنصار إعادة الجدولة كي يتسنى لهم
إلقاء مسؤولية خيارهم عىل غريهم فيجعلوا منهم ،عند الحاجة ،كبش فداء يمدونهم باملاء لغسل أيديهم بعد
ذلك .وكما سبق ذكره ،محادثاتنا نحن الثالثة يف مأدبة الغداء تلك لم تقترص عىل املسألة االقتصادية .من
جانبي ،قلت إنني كنت أرغب يف إجراء تعديل يف حكومتي مؤكدا رفيض القاطع الخضوع إلرادة الشارع يف
اتخاذ قراراتي والتخيل عن هؤالء الوزراء ممن كانوا يتعرضون لحملة مسعورة من طرف الصحافة املستقلة
ط من عالم األعمال أو من داخل بعض طها أوسا ٌ
املزعومة التي لم تكن يف الواقع إال صحافة مأمورة تحرك خيو َ
الدوائر يف السلطة .أما يف ما يخص وزير الداخلية – وكما وقع االتفاق عليه عند تنصيبي عىل رأس الحكومة
عىل أن يكون تعيينه باتفاق بيني وبني وزير الدفاع الوطني – وبعد وقوع مشكالت عديدة بني الوزير القائم،
الفقيد محمد حردي ووزيره املنتدب امحمد طولبة ،من جهة ،وقائد العمليات للواليات الوسطى املحيطة
بالعاصمة ،من جهة ثانية ،أعربت عن رغبتي يف أن يكون وزير الداخلية ،هذه املرة ،شخصية من الجيش .من
جانبي ،أعربت عن تفضييل السيد نور الدين زرهوني ألنني كنت أحرتمه وألنه كان كذلك صاحب دراية بشؤون
األمن بفضل تجربته الطويلة يف هذا امليدان الحيوي الذي صار ذا أهمية قصوى يف بالدنا .ومن ناحية أخرى،
ظننت أنني بفضل تعيينه ،ونظرا إىل الجهة التي ينحدر منها ،كان بإمكاني إضفاء بعض التوازن الجهوي عىل
طاقم حكومتي .لقد حظي اقرتاحي بتأييد تام من جانب الرئيس عيل كايف الذي كان يشاطرني خياري
والحجج التي أسندت بها هذا الخيار .أما السيد خالد نزار ،فقد اقرتح عيل اسم الجنرال بتشني الذي لم أكن
أعرفه حينئذ .لقد كان هذا الرجل مجاهدا وعضوا سابقا يف صفوف جيش التحرير الوطني يف الداخل ثم واصل
مسريته يف صفوف الجيش الوطني الشعبي .
كما وقع االختيار عىل اسم الجنرال تواتي من بني املرشحني للمنصب عىل أساس ما حصل له ،يف تلك الفرتة –
سواء داخل الجيش الوطني الشعبي أو كممثل له يف اللجان الوزارية املشرتكة – من دراية بشؤون األمن
والنزاعات التي ظهرت بني مختلف مصالح الدولة الناشطة يف هذا املجال .وقد تم االتفاق عىل أن أقوم
باالتصال به حول املوضوع .لكن قبل أن نفرتق ،بعد مأدبة الغداء تلك ،لفت خالد نزار انتباهي إىل عدم
التعويل عىل الجنرال تواتي بنسبة % 80ألن هذا األخري ،كما قال ،بدأ يزعجه فعال ببعض من مواقفه
بخصوص الدستور الذي كانت أصوات مقربة من الجنرال تواتي تنادي برضورة تعديله آنذاك .وبهذه
املناسبة ،أخربني الجنرال خالد نزار بتلك الزيارة التي قام بها الجنرال تواتي إىل باريس يف عطلة دامت ثمان
54
وأربعني ساعة .اتصلت بهذا األخري بعد عودته من "عطلته" ،إذاً ،ملعرفة موقفه يف ما يخص تعيينه وزيرا
للداخلية .رفض العرض شاكرا إياي عىل" الثقة" التي منحته إياها ،مضيفا أنه كان ،أكثر من ذلك ،يفكر يف
مغادرة صفوف الجيش الوطني الشعبي يف حالة عدم حصول اتفاق بني املسؤولني حول التعديالت التي كان
يراها رضورية بالنسبة إىل الدستور .ما قاله يل أكد تلك املعلومة التي أفادني بها الجنرال خالد نزار حول
مسألة التعديل الدستوري ،وكان موضوعا ظل الجنرال تواتي يقلقه به إىل حد التربم به .غري أن الجنرال تواتي،
عكس الجنرال خالد نزار ،لم يفصح يل عن طبيعة الخالفات بني الجنرالني بشأن دستور البالد .ومع ذلك ،أظن
أن ما كان الجنرال يقوم به ،حينئذ ،هو امتداد منطقي لتلك األطروحة التي كان يدافع عنها "الديمقراطيون "
املزعومون وأكرب عرابيهم ،الجنرال تواتي ذاته .
حسب هذه األطروحة ،النتائج االنتخابية املسجلة يف ماي 1990وديسمرب 1991يف صالح الجبهة اإلسالمية
لإلنقاذ والتيار اإلسالمي السائد آنذاك يف الساحة السياسية الوطنية جاءت بفعل تصور خاطئ للتعديل
الدستوري الذي تم يف فيفري 1989يف عهد الرئيس الشاديل وجاء كإجراء الغرض منه الوقاية من عواقب
أحداث أكتوبر .1988دعاة هذه األطروحة واملدافعون عنها كانوا يرفضون االعرتاف أن هذه األحداث وقعت
نتيجة سخط عميق يف أوساط سكاننا بسبب تلك األرضار التي خلفتها السياسة االجتماعية واالقتصادية غري
الشعبية املعتمدة يف الثمانينيات .هذه األطروحة ،يف جوهرها ،لم تكن جديدة وقد سادت بمناسبة التعديل
الدستوري أثناء حكم الرئيس ملني زروال يف ما بعد .حسب هذه األطروحة ،االنتقال من نظام الحزب الواحد إىل
التعددية الحزبية ،وبالتايل الديمقراطية ،ينبغي أن يكون مصحوبا بضمانات دستورية تحول دون وقوع أي
انحراف قد تتسبب فيه الحمى الشعبية .بالنسبة إىل "ديمقراطيينا" املزعومني ،كان ينبغي االنطالق يف االنفتاح
الديمقراطي ،إذاً ،عرب أشد الوسائل تعارضا مع الديمقراطية ،أي عدم الثقة يف الشعب الذي طاملا تبجحوا
بكونه صاحب السيادة يف كل نظام ديمقراطي جدير بهذا االسم .الضمانات املقرتحة من طرف هؤالء
"الديمقراطيني" واملدرجة يف دستور 1996باقرتاح من الرئيس ملني زروال جاءت كاآلتي :
-عدم املوافقة عىل تأسيس أي حزب سيايس قبل الحصول عىل اعتماد من وزير الداخلية ؛
-رفض هذا االعتماد لكل حزب يحيل ،يف قواننيه الداخلية ومذهبه ،عىل اإلسالم أو عىل أي انتماء جهوي وال
يلتزم – وهذا ما هو سخيف – رصاحة نبذ العنف من أجل الوصول إىل السلطة ؛
-تضمني املؤسسات الدستورية للدولة آلليات الغرض منها تعطيل أي قرار صادر عن أغلبية برملانية ال
تعتربه السلطة )أي املسؤولون العسكريون( القائمة مناسبا .
إن من كانوا ينتقدون الحزب الواحد ويلومونه عىل اعتبار نفسه قائد الشعب ينصبون اليوم أنفسهم ،باسم
الديمقراطية والجمهورية ،أوصياء عىل ذات الشعب .من هذا الجانب ،لم تكن أطروحة مشاهري" ديمقراطيينا"
جديدة ألنها لم تكن إال عودة إىل تلك األفكار التي كان أعداء الحركة الوطنية الجزائرية ينادون بها يف السابق
والذين كانوا يعتربون أنفسهم "نخبة" لهذا الشعب ألنه لم يبلغ مستوى النضج السيايس .لقد كانت تلك
النخب ،كما هو معلوم ،تتكون أساسا من نفس العنارص التي بلغت حد نكران وجود أمتنتا ذاته ،مدافعني عن
فكرة اندماج الجزائر يف فرنسا .للتذكري ،أثناء إعداد امليثاق الوطني والدستور سنة ،1976ظهرت أصوات
تحذر السلطة من مغبة الثقة يف الشعب ألن أي قائد كاريزماتي أو أي حزب يحسن التعبئة الجماهريية كان
بوسعه أن يؤدي إىل سن قوانني تمس ببعض الحقوق األساسية ،الفردية أو الجماعية .أظن أن الحرص
55
للحيلولة دون هذا الخطر هو الذي كان وراء إنشاء مجلس األمة يف دستور 1996والحكم القايض بما يسمى
بالثلث الرئايس املعطل .
إن "ديمقراطيينا" املزعومني ملولعون بمثال تركيا كمال أترتك .إنهم يظنون أن إدراج ممنوعات يف الدستور
كاف لرصف شعبنا نهائيا عن تلك القيم التي يبقى متمسكا بها يف العمق .إنهم ينسون أن يف تركيا ذاتها،
اإلرث "الالئيكي" ملصطفى كمال لم يمكن فرضه إال من خالل االنقالبات العسكرية الدموية املتكررة منذ
رحيل صاحبه .وعلة ذلك أن الحداثة ال يمكن أن يكون لها معنى وحظ يف النجاح إال إذا أحسن أنصارها
التمييز ،بروية ،بني ما هو متخلف وبني ما له عالقة بالوفاء للقيم التي تشكل أساس الشخصية الوطنية .أما يف
ما يخص الراحل محمد حردي ،فقد فكرت يف تنحيته من وزارة الداخلية بسبب تلك النزاعات التي نشبت بني
األجهزة التابعة ملديرية األمن الوطني وقيادة املنطقة العملياتية الخاصة بواليات الوسط املحيطة بالعاصمة.
وكنت كلما وصلني نبأ هذه النزاعات ،ملت إىل تأييد قيادة املنطقة التي كنا قد أنشأناها منذ فرتة قصرية من
أجل دعم محاربة األنشطة اإلرهابية التي احتدت آنذاك ،وكذا من أجل تمكني الجيش الوطني الشعبي من
االنخراط بقوة أكثر يف هذه املحاربة .غري أن مطالب الجنرال العماري نحو وزير الداخلية ،محمد حردي ،ما
فتئت تتجاوز الحدود املمكنة وكذا نحو وزيره املنتدب ،امحمد طولبة ،الذي كان ،باإلضافة إىل مهامه الوزارية،
يمارس القيادة املبارشة عىل واحدة من املصالح الخاضعة للسلطة العملياتية التابعة للجنرال العماري .لقد قال
يل امحمد طولبة إنه كان من السهل تجريده من جميع املهام لكنه لم يكن ليقبل ،بأي حال من األحول ،تحمل
مسؤولية أفعال لم يكن هو صاحبها ولم يكن حتى عىل علم بها أصال .أضف إىل ذلك أن محمد حردي صار
نوعا من "الشخصية غري املرغوب فيها" يف نظر بعض الجنراالت ممن كانوا يلومونه عىل إزعاجه لهم من خالل
بعض ترصيحاته .لذلك ،وجدت أنه من الرضوري تصفية األجواء بني الجيش الوطني الشعبي والحكومة
السيما وأنني كنت قد اتفقت ،منذ البداية ،مع الجنرال خالد نزار عىل أن يتم تعيني وزير الداخلية بموافقتنا
نحن االثنني ؛ عكس باقي املناصب الوزارية التي تُركت يل ،رصاحة ،الحرية التامة يف تعيني أصحابها .
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
@ @
56
1965@lþÕäa@æÈ@ÒÝn²@ý 1992 ðÑäbu@À@t‡y@bà@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN17
2007O08O05@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
تلك كانت الظروف واالعتبارات التي أدت بي إىل التفكري يف تنحية محمد حردي – لكن من دون إبعاده من
الحكومة – والبحث عن شخصية أخرى كنت أرغب أن تأتي من صفوف الجيش الوطني الشعبي ذاته ،سواء
كانت يف الخدمة أو يف حالة تقاعد ،تجنبا للصدامات التي ميزت ،طيلة فرتة حكومتي ،العالقات بني بعض
القادة العسكريني واألجهزة التابعة ملديرية األمن الوطني أو اإلدارة اإلقليمية .إال أنني كنت ،مع ذلك ،مرصا عىل
االحتفاظ بمحمد حردي يف الطاقم الحكومي مكلفا إياه مهمات أخرى .موقفي من هذه املسألة عربت عنه بكل
قوة ،وقد قبله كل من الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار.
لقد كنت مقتنعا ،حتى يف حالة عدم وجود خالفات تعكر جو العالقات بيننا ،أن الجنرال تواتي ما كان ليقبل
بمنصب وزير الداخلية .دور "الرجل النافذ" الذي كان يؤديه يف الظل كان يناسبه أكثر من منصب يف الحكومة
حيث ينكشف أمام املأل ويعرض نفسه للمساوئ الناجمة عن تقلد املناصب ولخطر املواجهة مع اآلخرين يف
وضح النهار .البقاء يف الكواليس كان أحسن له لحبك خطوط املؤامرات ورضب الناس من دون تحمل
للمسؤولية .هذا الوضع هو الذي سمح له بمواصلة دوره ،خالفا ملنصب وزير الداخلية الذي كان سيضطره إىل
العمل يف العلن .الرأي القائل إنني فكرت يف عرض منصب وزير الداخلية عىل الجنرال تواتي ألنني علمت أنني
كنت بصدد تبدييل برضا مالك عىل رأس الحكومة ما هي إال عينة من تلك األوهام املخرتعة من طرف الرجل
ذاته من أجل إغاظتي وخلق الشكوك لدى الناس يف الوقت ذاته .ومع ذلك ،فقد بدأت فكرة تبدييل برضا مالك
تنترش منذ أوائل 1993يف شكل إشاعة وصلتني عن طريق بعض األصدقاء املقربني من األوساط التي كان
الجنرال تواتي يتحرك فيها .ولم أعرها أي اهتمام ولم يكن لدي أبد ما يقلني بشأنها ألن وصويل عىل رأس
الحكومة كان قائما عىل التزامي السيايس وتلك التصورات التي كانت يل ال بفضل والئي لشخص ما وانتمائي
إىل عصبة ما من بطانة الحكم .أضف إىل ذلك ،وكما ورد من قبل ،املصري الذي كان يتم التفكري فيه بشأني
بلغني من مسؤولني أكثر مصداقية بكثري من الجنرال تواتي .وعليه ،كنت يف غنى عن إعارة أي اهتمام لتلك
الشائعات الخائبة التي كان يروج لها هذا األخري .
أما يف ما يتعلق بمكان لقائي للجنرال تواتي ،فقد تم هذا اللقاء ،فعال ،بمقر إقامتي الرسمية .لكن ال ألن
الجنرال تواتي فرض هذا املكان كما يزعم يف افرتاء آخر له وإنما ألنه كان ،وببساطة ،املكان الذي كنت أستقبل
فيه معظم زواري ،بل وحتى املساعدين يل .املرشفون عىل مصالح األمن املكلفة حمايتي كانوا ينصحونني
بتقليص تنقالتي يف شوارع العاصمة إىل أقىص حد ال يتجاوز املسافة الفاصلة ما بني مقر إقامتي ومكتبي
بقرص الحكومة .فلو حاول الجنرال تواتي فرض أي مكان ما للقاء لرفضت استقباله ،ناهيك عن دعوته إىل
مأدبة غداء يف نهاية محادثاتنا .لقد تمت هذه املحادثات بيننا يف جو الئق ماعدا تلك اللحظة التي سمعته يقول
فيها إن الشكوك كانت تساوره بشأن نجاح سياستي يف مجال الديون الخارجية انطالقا من معطيات زوده بها
إطار سام يف بنك الجزائر ومن تلك الزيارة التي أخربني أنه قام بها إىل فرنسا للتأكد ،لدى الخزينة الفرنسية،
من صحة األرقام الواردة يف ترصيح رسمي ووثيقة مكتوبة ومنشورة يف جميع الصحف التابعة للقطاع العام
57
يف الجزائر .
لنعد ،مرة أخرى ،إىل لقاء 20جويلية 1993بمقر إقامة الرئيس عيل كايف عىل شاطئ البحر .عاود الجنرال
خالد نزار طرح مسألة تنظيم املرحلة االنتقالية املنتظرة لنهاية السنة بعد انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة .يف
مخاطبته يل مبارشة ،قال يل إنه كان عيل أن أسهم يف صياغة الحل الواجب اعتماده بعد انتهاء عهدة املجلس،
مشريا إىل أن الحوار الجاري مع بعض األحزاب لم يسمح بالخروج بحل يحظى بموافقة الجميع .الفكرة التي
كان بصددها ،وبإيعاز من الجنرال تواتي الشك ،كانت تفيد باستدعاء ندوة وطنية الغرض منها اعتماد ما
يكون قد اتخذ من تدابري يف مجال تنظيم املرحلة االنتقالية املرتقبة .لقد كان الجنرال تواتي دوما حريصا عىل
إلباس كل مبادرة ثوب الديمقراطية منذ توقيف املسار االنتخابي يف جانفي ،1992علما أن جميع املبادرات لم
يكن لها ،يف الواقع ،مصدر آخر غري حاشية وزير الدفاع ،أي القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي ،التي
كانت ،يف نهاية األمر ،هي مصدر القرارات املتصلة بمصري البالد يف تلك املرحلة العصيبة التي بدأت منذ جانفي
1992ثم اشتدت صعوبة بسبب الفراغ السيايس الناجم عن فاجعة الرحيل املفاجئ للرئيس محمد بوضياف.
لقد كان الجنرال تواتي يرى تلك األالعيب السياسية – التي كانت الصحف تقدمها يف صورة املناقشات الخصبة
– بمثابة البعث السيايس واالزدهار الديمقراطي .تلك الصحف التي كان الجنرال تواتي ،عىل العموم ،املرشف
عليها والحامي لها باإلضافة إىل تلك الزمر السياسية التي كان يحلو للجنرال تواتي تقديم نفسه عىل أنه
عرابها .
لم يخف الجنرال خالد نزار خيبة أمله يف الحوار الذي انطلق يف سبتمرب 1992مع عدد من األحزاب التي كان
يرجى منها تأييد رصيح ما للمسار السيايس املعتمد منذ توقيف املسار االنتخابي يف جانفي .1992وقد ذكرني
أنني ،يف نهاية األمر ،لم أخطئ عندما حذرتهم من أن الحوار لن يؤدي إىل نتيجة عندما طلبوا مني رأيي فيه.
الدعم الذي لقوه من جانب أحزاب األقلية ،مثل التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية أو الحزب الشيوعي وكذا
من شخصيات "ديمقراطية" لكنها ال تمثل رأينا العام الوطني لم يكن من شأنه جلب التأييد املرجو ملواجهة
الوضع الناتج عن رحيل الرئيس الشاديل وإلغاء نتائج انتخابات ديسمرب .1991لقد كانوا يعرفون أن الرأي
العام ،الوطني والدويل ،كان يعتربهم وحدهم املسؤولني عما وقع من أحداث أرادوا ،وال زالوا إىل اليوم ،يحاولون
تقديمها عىل أنها كانت محتومة وأن تدخلهم فرضته الظروف الناجمة عن إفالت زمام األمور ،هذا اإلفالت
الناجم بدوره عن االنفتاح "الديمقراطي" الذي قرره الرئيس الشاديل إثر أحداث أكتوبر .1988وعليه ،اكتفيت
بتذكري الرئيس عيل كايف و الجنرال خالد نزال بالحلول التي كنت قد اقرتحتها يف تلك الخالصة التي أدرجتها يف
برنامج حكومتي املقدم للمجلس األعىل للدولة .
ظري "تغيري جانفي 1992كان لديهم بعض اإلعجاب بالطريقة التي حاول كل يشء كان يشري إىل أن "من ﱢ
الرئيس بومدين بها الحصول – وقد حصل له ذلك ولو من بعد – عىل موافقة املؤسسات السياسية يف تلك
الفرتة عىل اإلطاحة بالرئيس بن بلة ونظامه يف 19جوان 1965؛ وكانت ،للتذكري ،إطاحة تمت عن طريق
الجيش الوطني الشعبي .أعضاء املكتب السيايس واللجنة املركزية لجبهة التحرير الوطني ،نواب الجمعية
الوطنية أمضوا كلهم ،إال قليال منهم ،ترصيحات أكدوا فيها اإلطاحة برئيس الجمهورية وتعليق العمل
بالدستور وبالتايل حل املؤسسات السياسية القائمة بموجب أحكام هذا الدستور .يف الوقت ذاته ،أقرت هذه
الترصيحات ،نوعا ما ،الهيئات الجديدة باسم املرشوعية الثورية لتسيري شؤون األمة تحت نظام االنفراد بجميع
58
السلطات .ما تم يف جانفي ،1992لم يختلف جوهريا عما وقع يف جوان 1965ماعدا أن مدبري االنقالب لم
يريدوا ،يف هذه املرة ،تسمية األشياء بأسمائها ؛ مما أدى إىل كل تلك املناورات السياسية التي لجأوا إليها إىل
غاية انتخاب ملني زروال عىل رأس الجمهورية سنة .1995كما نعلم ،لقد كانت هذه االنتخابات بداية لعملية
"تطبيع "لألوضاع السياسية يف الجزائر من خالل العودة إىل املسار الديمقراطي والحياة الدستورية .أثناء
محادثاتنا ،تعرض الجنرال خالد نزار أيضا إىل ما أسماه بمساعدة" الصحافة املستقلة" .والشك أنه كان
يقصد ،من دون الجهر به ،تمويل خزينة الدولة لطبع الصحف التي اتخذت منها األوساط "الديمقراطية"
منربا والتي لم تكن صالتها ببعض الدوائر يف وزارة الدفاع الوطني لتخفى عىل أحد .أجبته أننا كنا بصدد
وضع قانون للصحافة املكتوبة يف إشارة إىل الصيغ التي يمكن للدولة أن تقدم بها املساعدة إىل جميع الصحافة
املكتوبة عىل أساس مقاييس موضوعية يتم اختيارها بمشاركة أهل املهنة أنفسهم .يف الواقع ،بالنسبة إىل من
كانوا يتدخلون لدى الجنرال خالد نزار يف ما يتعلق بهذه املساعدة ،اتصل األمر بالحصول عليها يف صالح
الصحف التي كانت تؤيد مواقف عصبة "الديمقراطيني" حتى وإن ظلت هذه الصحافة تدعي أنها حرة
ومستقلة .هذه الصحافة" الحرة واملستقلة" كانت ،فعال ،مجموعات من القطاع الخاص تصدرها ولم تكن
عناوينها تابعة للقطاع العام .غري أن هذه املجموعات كانت تتشكل أيضا من عنارص معروفة بعدائها لجبهة
التحرير الوطني والقيم التي دافعت عنها الحركة الوطنية دائما .كما أن توجهاتها السياسية واأليديولوجية
كانت متماشية مع أراء مشابهة لتلك التي كانت للجنرال تواتي ومن كانوا ،باسم ترقية قيم الجمهورية ومبادئ
الديمقراطية ،يظنون أنهم قادرون بفضلها عىل وأد جبهة التحرير الوطني من الناحية األيديولوجية والتمكن،
نهائيا ،من إصدار شهادة الوفاة للوطنية الجزائرية .
كما تحدثنا ،باختصار ،يف اللقاء املذكور عن كثرة املوظفني بديواني يف قرص الحكومة .يف الواقع ،ومنذ إنشاء
وظيفة الوزير األول ثم رئيس الحكومة ،كان كل معني يف هذا املنصب يأتي بجماعة من اإلطارات لتعمري
ديوانه .غري أن هؤالء – أو قسما كبريا منهم – لم يكونوا يرحلون مع رئيسهم السابق بعد تبديله .لذلك ،صار
ديوان رئيس الحكومة ،مع الزمن ،مليئا باألطقم املتالحقة ؛ مما نتج عنه اكتظاظ يف احتالل املكاتب املخصصة
لهذا النوع من اإلطارات .وقد رشعت يف ترسيح الكثري من هذه اإلطارات إال أنني لم أرد أبدا حرمانهم من
مصدر رزق معيشتهم وعملت عىل أن أضمن لهم منصبا يمكنهم من االستمرار يف تقايض رواتب محرتمة .لم
يكن ذلك باألمر الهني بالنظر إىل كثرة عددهم وكان من الصعب إيجاد مناصب لهم يف مختلف أجهزتنا سواء
عىل مستوى اإلدارة أو املؤسسات العمومية الوطنية .لقد أدى مثل هذا الوضع إىل جو مزعج عىل مستوى
ديواني حيث ساد االنطباع أنه كان مكانا للخمول ال يفيد سري مؤسسة يف مقام مؤسسة رئاسة الحكومة .وقد
أثار هذا الوضع انتباه الجميع ،السيما الجنرال خالد نزار الذي كان يتمنى وضع حد لحالة شكلت مصدر
انتقادات مرضة بسلطة رئيس الحكومة .
@ @
@ @
59
μ“ni@ôÝÈ@óïÝ‚a‡ÝÜ a‹îŒì@ðäí芌@oÝ›Ð@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN18
2007O08O06@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
يف نهاية مأدبة الغداء ،وبعد تناولنا لجميع املسائل املطروحة ،انرصفنا لقضاء عطلة ملدة أسبوعني ،متفقني عىل
اللقاء مرة أخرى يف نهاية هذه العطلة .من جانبي ،خرجت من هذا اللقاء ولدي شعور واضح جدا أن القرار قد
اتخذ – حيث تتخذ القرارات الحاسمة – بشأن اللجوء إىل صندوق النقد الدويل من أجل إعادة جدولة ديوننا
الخارجية وأنه كان هناك سعي إلقناعي بهذا الحل ألكون ،أنا ،صاحب املبادرة يف إبرام العقد مع هذه املؤسسة.
متخليا بذلك عن تلك السياسة التي رسمتها عىل أساس قناعاتي ومبادئي ،تاركا نفيس أنخدع بوعد لم يكن إال
وهميا برتقية إىل أعىل منصب يف سدة الحكم .وبما أنني لم أكن مستعدا أبدا لتغيري سياستي ،لم أشك أبدا يف
طبيعة ما سيقع يف اللقاء الذي اتفقنا علية بعد العطلة .هكذا ،إذاً ،غادرت مقر إقامة رئيس الدولة حريصا عىل
عدم االستسالم أبدا إلرادة من كانوا ،عىل غرار الجنرال تواتي ،يشكون يف قدرتي عىل" التكيف مع السياق
السيايس واالقتصادي الجديد" من أجل أن يقول عني هؤالء ،يوما ما ،إنني كنت رجل انفتاح ،قادرا عىل التطور
وله من الذكاء ما جعله يدرك التحوالت املستجدة يف العالم .ال أرجو من غريي مدحي عىل حساب قناعاتي
ومبادئي ليقال عني يوما إني تنكرت لهذه القناعات وهذه املبادئ من أجل إرضاء نفيس بوهم وغرور
مصدرهما وعد لم يكن أكيدا عىل أية حال .ما الذي كان يضمن يل أنني بعد قبول حبل صندوق النقد الدويل
حول عنقي لن يلقى بي ،بعد ذلك ،إىل انتقام الجماهري وسخط األغلبية الساحقة من مواطنينا وأصري محل
احتقار من طرف من كان يحرتمني بسبب وفائي ملبادئي وقناعاتي ورفيض االستسالم ألطماع سياسية .لننظر
إىل ما حدث لرضا مالك بعدما أبرمت حكومته االتفاق مع صندوق النقد الدويل ! لكن بالنسبة إىل الجنرال
تواتي وأتباعه ،كل هذه االعتبارات هي داللة عىل التحجر الفكري ال يسمح لصاحبه باستخالص العرب من
تطور األمور ويمنعه من إدراك تلك التحوالت الناجمة عن التقدم والحداثة .
بعد اللقاء املذكور بفرتة قليلة ،زارني جنرال آخر ،وكان من املساعدين املبارشين للجنرال خالد نزار ،ليقول يل :
"يس خالد كلفني ،قبل ذهابه ،بزيارتكم ألحاول إصالح ذات البني بينكما" فأجبته " :لكن ليس هناك أي نزاع
بيننا .تريدون تغيري السياسة االقتصادية فغريوا رئيس الحكومة !" .حينئذ رد عيل قائال " :كال ! ما جئتكم
لهذا .األمر ال يتعلق إال بتعيني وزير لالقتصاد .فإذا كان السيد بوزيدي ال يعجبكم ،يمكن أن تعينوا محمد
حردي يف املنصب مادام هذا األخري مغادرا لوزارة الداخلية وتريدون اإلبقاء عليه يف الحكومة" .أجبته " :كال !
ال يتعلق األمر بمسألة شخص ما .مطالبتي بتعيني وزير لالقتصاد ،منصب أشغله حاليا باإلضافة إىل رئاسة
الحكومة ،ال يمكن أن تكون له داللة أخرى غري تغيري السياسة االقتصادية" .حينئذ ،بدأ بيننا حديث عما يمكن
أن يحصل من آثار إيجابية للجزائر بفضل إبرام اتفاق اقتصادي مع صندوق النقد الدويل .وقد بدأ مخاطبي
يتلو الحجة بعد األخرى ،وكانت حججا سمعتها من قبل ،أي حصول الجزائر ،بفضل هذا االتفاق ،عىل أموال
كثرية من املؤسسة املذكورة كفيلة بأن تمكن الجزائر من انطالقة اقتصادية وخلق عدد كبري من مناصب
الشغل تحد من البطالة وتحول دون التحاق شبيبتنا بصفوف الجبهة اإلسالمية لإلنقاذ يف الجبال وبفلول
اإلرهاب باملدن .ما قاله يل أكد إحسايس أن القرار قد اتخذ نهائيا يف ما يخص اللجوء إىل إعادة الجدولة ولم يبق
60
إال حميل عىل املوافقة عىل هذا املعطى املستجد يف تطور أوضاع البالد .كان كل يشء يظهر عىل مستوى دوائر
"اتخاذ القرار" كما لو أن الجنرال تواتي وأتباعه كانوا يسعون الستغالل ذلك الجدل املتعلق بكيفية معالجة
مديونيتنا الخارجية لدفعي نحو باب الخروج فيتمكنوا من إبرام االتفاق مع صندوق النقد الدويل بينما كان
آخرون يحاولون رضب عصفورين بحجر :إبرام هذا االتفاق مع االحتفاظ بي عىل رأس الحكومة .
يف الحقيقة ،كان الكثري عندنا مبهورين بالـ 14مليار دوالر التي تحدث عنها املدير العام لصندوق النقد
الدويل ،السيد كامديسوس ،بمناسبة زيارته إىل الجزائر يف أواخر شهر ديسمرب .1992التوضيحات املقدمة
شفويا وكتابيا حول اإلسهام الحقيقي لهذا املبلغ يف االنطالقة االقتصادية القتصادنا لم تكن مفهومة لدى
البعض من مسؤولينا ممن كانوا ال يأخذون بعني االعتبار إال ما كانوا يسمعونه من آراء ومعلومات من أفواه
املعنيني ،السيما تلك التي كانت تصدر عن إطارات مزعومني من املستوى العايل ،ذوي شهادات جامعية كثرية
واشتهروا بكونهم خرباء دوليني بارزين لم يرتددوا يف إقناع من كانوا مستعدين لإلصغاء إليهم والثقة يف آرائهم
يف إسناد "خرباتهم التقنية" بمعطيات مغلوطة أو مشوهة كانوا ينرشونها بغرض التأثري يف املسؤولني وانتزاع
ما كانوا ينتظرون منهم من قرار واستسالم لهم .وخالفا للجنرال تواتي ،كان الجنرال الذي زارني "منتوجا
خالصا "لجبهة التحرير الوطني .لقد التحق هذا الضابط السامي بصفوف جيش التحرير الوطني يف سن
مبكرة وظل أثناء مسريته كلها متشبعا بقيم ثورتنا .لذلك ،لم يكن يف حديثنا حذر خفي ونفور متبادل مثلما
وقع يل مع الجنرال تواتي يف لقاءاتنا بسبب التعارض املوجود بيننا عىل املستوى األيديولوجي .يف األيام األوىل
من عمر حكومتي ،كانت عالقاتي بالجنرال تواتي الئقة ،بل لم تخل من الثقة أحيانا إىل أن ملست تعارضا يف
املرجعية التي كان كل منا يستند إليها يف املجال السيايس .
لقد جرت بيني وبني مساعد الجنرال خالد نزار لقاءات أخرى أتاني فيها من أجل فض ما أسماه املوفد بـ
"النزاع "الذي ثار بيني وبني رئيسه أثناء مأدبة الغداء املذكورة .وقد تبادلنا اآلراء حول أسماء وزراء جدد
لتعيينهم بمناسبة ذلك التعديل الذي كنت أنوي إجراءه عند الدخول االجتماعي .كما اتفقنا عىل أسماء واختلفنا
حول أخرى وتعرضنا للجنرال بتشني الذي اقرتح عيل تعيينه وزيرا للداخلية بينما كنت أفضل نور الدين
زرهوني ،املعروف بيزيد ،والذي كنت أعرفه منذ أيام مدرسة إطارات الوالية الخامسة بمدينة وجدة .وقد بقيت
األمور عند هذا الحد حتى ذلك اليوم الذي أخربت فيه بانتهاء مهامي كرئيس حكومة .وكي أجيب عن تلك
األحكام القطعية الصادرة عن الجنرال تواتي حويل أجد نفيس – عىل العكس منه وبسبب الشهرة التي حصلت
له بفضل منصبه يف وزارة الدفاع ودوره ،أحيانا ،كناطق رسمي باسم الجيش الوطني الشعبي السيما عندما
يوقع عىل مقاالت صادرة بمجلة الجيش – مضطرا ،يف الرد ،إىل إفاضة لعلها مملة لكنني أعتربها أحسن طريقة
لكشف الحقيقة ومالبساتها .أما هو ،بالعكس ،فنجده يكتفي بإطالق أحكام جزافية ليست إال افرتاءات غالبا ما
يعتربها قارؤها حقائق ثابتة من دون تكليف النفس عناء التأكد من صحتها ال ليشء إال ألن صاحبها شغل
وظائف سامية بمؤسسة اشتهرت بجديتها .
...".11فكرة الفرتة االنتقالية ذاتها جاءت نتيجة املدة التي اقرتحها السيد عبد السالم ) 3أو 5سنوات( بهدف
التمكن من تطبيق برنامجه .إال أنني اكتشفت ،مع مرور الوقت ،أنه لم يكن لريض بتصور آخر غري تصوره .يف
الحني الذي كانت نهاية عهدة مجلس األعىل للدولة ،وبمقتىض ترصيح 14جانفي ،1992محددة بشهر
ديسمرب ،1993أي بموعد انتهاء عهدة الرئيس السابق ،كان السيد عبد السالم يعترب أن هذه العهدة ينبغي
61
تمديدها .لكن حتى هذا املشكل كان من املمكن إيجاد حل له من خالل تعديل دستوري يتضمن أحكام انتقالية
من شأنها إسناد النشاط الحكومي ،بل وحتى تمديد عهدة املجلس األعىل للدولة بفرتة معينة .غري أن السيد عبد
السالم لم ير األمور هكذا وإنما كان يدعو إىل فرض حالة الظروف االستثنائية ال حالة الطوارئ فقط" .فعال،
وكما ورد يف نص الخالصة التي تضمنتها وثيقة مرشوع برنامج حكومتي يف سبتمرب ،1992كنت أدعو إىل
اعتماد فرتة انتقالية تفصلنا عن الوضع املتميز بإلغاء املسار االنتخابي يف جانفي 1992مادامت البالد متجهة
نحو العودة إىل االنتخابات من أجل إقامة املؤسسات املنصوص عليها يف الدستور .أذكر أن هذا االقرتاح كنت قد
أرشت إليه يف أوائل جانفي 1992عندما بدأ الحديث عن رحيل الرئيس الشاديل الذي لم تع َلن "استقالته" ،غري
التلقائية ،آنذاك بعد .يبدو الجنرال تواتي ،مرة أخرى ،معرتفا يل ببعض الفضل ،أي بكوني مصدر فكرة
املرحلة االنتقالية .لكنه ،يف الوقت ذاته وكعادته ،يبدو أنه ال يرتدد يف السماح لنفسه بتشويه الحقيقية .يكفي
القارئ َ الرجو ُع إىل نص خالصة مرشوع برنامجي الحكومي ليكتشف ذلك الفرق املوجود بني اقرتاحي وبني
الفكرة التي يريد الجنرال تواتي تقديمها يف حواره الصحفي مع يومية El Watanالصادرة بتاريخ 27
سبتمرب . 2001
االقرتاح الذي قدمته بشأن إعالن حالة الظروف االستثنائية تمثل أساسا يف تعليق الدستور انطالقا من تطبيق
حكم وارد يف هذا الدستور نفسه ،مع التعهد بالعودة إىل املسار االنتخابي بعد فرتة خمس سنوات وبعد تطبيق
برنامج لتطهري األوضاع السياسية واالقتصادية يف البالد .ومعنى ذلك رضورة التقدم إىل الشعب بروزنامة
دقيقة وبآفاق واضحة يف اتجاه تحسني معيشة الجماهري الشعبية ،أساسا ،بما سيسمح بتغيري املعادلة يف البالد
قبل العودة إىل الناخبني ثانية .أما يف حالة العكس ،فأرشت يف اقرتاحي أال بديل آخر غري مواجهة من تمردوا
عىل الدولة والدخول معهم يف تنافس طويل تكون نتيجته ،يف النهاية ،يف فائدة مصالح األمن لكن بخسائر
باهظة لشعبنا .ألم يكن ذلك ما وقع يف نهاية املطاف عندما ننظر يف الفرتة املمتدة من جانفي-جويلية 1992
والسنة 1997-1996التي تميزت باالنتهاء من العمليات االنتخابية املكرسة لتطبيع الحياة السياسة بالجزائر
بعد كل ما وقع منذ ديسمرب 1991؟ من ،ماعدا الجنرال تواتي ومن رأى فيه صاحب دراية مزعومة باملسائل
القانونية ،يستطيع أن يقول ،اليوم ،بصدق إن الدستور لم يتم تعليقه وإن حالة الظروف االستثنائية لم تطبق
ميدانيا يف تلك الفرتة ومن دون اإلقرار بوجودهما من الناحية الصورية ؟ وإال ،فماذا يعني إعالن حالة الطوارئ
غري تعليق الدستور ومنح رئيس الدولة جميع السلطات من أجل حماية الجمهورية وخالص األمة ؟ أكثر من
ذلك ،حالة الطوارئ التي تبناها الجنرال تواتي أو دعا إليها أفضت إىل حالة الظروف االستثنائية ،ومن دون
رئيس جمهورية ؛ وهو ما يشكل ،من الناحية القانونية ،أمرا أسوء من حالة الظروف االستثنائية ذاتها .يُنسب،
ربما خطأ ،إىل تواتي نظرية مفادها أن حالة الظروف االستثنائية كان معناها استيالء الجيش الوطني الشعبي
عىل السلطة مبارشة .من يستطيع أن يثبت ،من دون أن يعرض نفسه للسخرية ،أن الجيش لم يمارس السلطة
العليا ،وبصورة انفرادية ،يف الجزائر أثناء تلك الفرتة ؟ ومن منا يستطيع أن يدعي أن تنصيب املجلس األعىل
لألمن للمجلس األعىل للدولة ،سنة ،1992ولرئيس الدولة سنة 1994كان ،من الناحية القانونية ،شيئا آخر
غري مهزلة أريد بها تمويه واقع األمور ،أي تعطيل العمل بالدستور والدخول يف نظام حالة ظروف استثنائية
ازداد سوءا بسبب غياب رئيس جمهورية منتخب مسبقا له الحق يف اللجوء إىل تطبيق حكم دستوري يقيض
بإعالن حالة الظروف االستثنائية ملواجهة وضع استثنائي يحمل خطرا داهما ؟
يف الواقع ،مواصلة العمل بالدستور من الناحية الشكلية عىل الرغم من تجاهله يف امليدان إىل حد إبطال العمل به
62
تقريبا كان عبارة عن مراوغات سياسية وقانونية استطاع بفضلها الجنرال تواتي ومن وثق فيه التهرب من
مسؤولياتهم بل ،وبعبارة أكثر رصاحة ،إقامة نظام قائم عىل الالمسؤولية .هذا هو السبب الذي يسمح ملدبري
عملية جانفي 1992بمواصلة القول إن الرئيس الشاديل استقال بعد حله للمجلس الوطني الشعبي وأن هذا
الرئيس ترك لهم البالد أمام فراغ دستوري كان عليهم أن يسدوه من خالل تأسيس املجلس األعىل للدولة من
طرف املجلس األعىل لألمن بعدما رفض املجلس الدستوري الدخول يف تلك اللعبة التي لم تخف عىل أحد.
االعرتاف بإجبار الرئيس الشاديل عىل االستقالة إنما هو إقرار أن الرئيس لم يستقل ولم يتسبب يف فراغ
دستوري وإنما تم خيار اللجوء إىل هذا الحل بالقوة ،أي إىل انقالب يف نهاية األمر .فلو اعرتف مدبرو عملية
جانفي 1992باألمور كما وقعت فعال الضطروا إىل اإلقرار بمسؤولية االنقالب الذي قاموا به ومن ثمة إىل
االضطالع رصاحة بمسؤولية تسيري شؤون البالد .لم يكن الحل الذي لجأوا إليه سوى تهربا من املسؤولية
مثلما يتهرب املنافق .هكذا ،استطاعوا أن يحمﱢ لوا الوزر كله للمجلس األعىل للدولة الذي أرادوه لهذه الغاية
بالذات وباركوه بتنصيب شخصية تاريخية يف ثورتنا عىل رأسه .الفراغ الدستوري الذي اختلقه هؤالء تقرر يف
كنف الرسية والتجاهل لتلك األحكام الدستورية التي تنص عىل حاالت حل املجلس الشعبي الوطني .
63
òbÍݾa@pbibƒnäýa@ÞjÔ@t‡y@íÜ ‡î‡u@æi@ôÝÈ@lþÕäýa@Êà@bäcN19
@ @2007O08O07@ßbÕ¾a@„îŠbm
اقرتاحي الخاص بإعالن حالة الظروف االستثنائية لو حظي بالقبول لسمح – ولو بصورة متأخرة
ألننا كنا يف شهر سبتمرب – 1992برتتيب األمور عىل املستوى الدستوري .يف نهاية األمر ،ويف جانفي، 1992
وقع يف بالدنا انقالب سيايس حقيقي حتى وإن لم يعرتف به مدبروه كي يمكنهم التهرب من املسؤولية ومن
االضطرار إىل االضطالع بمهام تسيري شؤون البالد .
ومهما حاول هؤالء تغطية الشمس بالغربال ،متخفني وراء استقالة الرئيس الشاديل ،فإن ما قاموا به يف جانفي
،1992يف نظر مواطنينا ،املالحظني األجانب والتاريخ ال يعدو أن يكون مجرد انقالب ال يراد تسميته باسمه .
ومع ذلك،هناك سبب آخر يف تفسري الحيل التي لجأ إليها القائمون بهذه العملية لتمويه الطبيعة الحقيقية
لفعلتهم .
إعطاء االنطباع بقيام انقالب كان يقتيض بالرضورة ،أوال ،إعالن اإلطاحة برئيس الجمهورية بقرار صادر عن
القوات املسلح ؛ ثانيا ،تقديم تفسري من جانب هذه القوات للدوافع التي أدت بها إىل التدخل وطرد رئيس الدولة
بالقوة .
غري أن ذكر مثل هذه الدوافع لم يكن بمقدوره تفادي شجب السياسة املتبعة من طرف رئيس الدولة املخلوع
واعتبار هذا األخري املسؤول عن تدهور األوضاع يف البالد .وبعد شجب هذه السياسة ،كان عىل مدبري االنقالب
أن يحددوا سياستهم الجديدة بالنسبة إىل املستقبل يف مكان السياسة القديمة ،السيما يف تلك املجاالت املتصلة
مبارشة بحياة الناس الذين أدت الطريقة التي صوتوا بها يف االنتخابات إىل ظهور األزمة.
وبعبارة أخرى ،لم يكن ممكنا اإلطاحة بالرئيس الشاديل من دون شجب سياسته ،كما لم يكن ممكنا شجب
هذه السياسة ثم مواصلتها من دون إجراء تغيريات جوهرية فيها بعد خلع الرئيس .
اليوم ،ويف ضوء ما وقع يف الجزائر منذ جانفي ،1992يتضح أن الذين دفعوا الرئيس الشاديل إىل "االستقالة"
بقوا متمسكني بنفس السياسة التي رشعوا فيها السيما بعد فتح االقتصاد الوطني للقطاع الخاص ،التنازل عن
أمالك الدولة للخواص ،استيالء املتعاملني الخواص عىل األنشطة التجارية الرئيسية خصوصا يف التعامل مع
الخارج .
بل يمكننا القول إن الخيار الذي تم اعتماده يف جانفي 1992بشأن مواصلة السياسة املتبعة يف املجال
االقتصادي يف عهد الرئيس الشاديل كانت تحمل يف طياتها اللجوء إىل صندوق النقد الدويل والقبول برشوطه من
أجل حل مشكل الديون الخارجية للجزائر.
تمويه االنقالب الذي أطاح بالرئيس الشاديل يف شكل استقالة َليتضح اليوم يف أجىل صورته ،أي مواصلة
سياسة لم يرد أصحاب هذا االنقالب التخيل عنها ألنها تخدمهم .بالنسبة إيل ،اإلطاحة بالرئيس الشاديل
لم يكن من املمكن تربيرها إال باعتماد سياسة مغايرة عن سياسته ،سياسة متجهة بكل قوة نحو تلبية تطلعات
الجماهري ،أي نحو كتلة الناخبني الذين عربوا ،من خالل تصويتهم ،عن سخطهم عىل الحكم القائم منذ، 1979
مؤدين بذلك إىل خلق الحدث الذي أفىض إىل خلع الرئيس الشاديل .عدم تغيري السياسة املتبعة من قبل كان يدل
عىل أن أصحاب القرار اختاروا مصالح أخرى مختلفة عن مصالح الجماهري الشعبية.
64
عندما دعيت إىل ترؤس الحكومة ،قدمت برنامجا تضمن تدابري لتصحيح ذلك االتجاه الذي كان يتجاهل
األسباب الحقيقية لألزمة.
لقد اقرتحت ،يف املجال االقتصادي واالجتماعي ،أهداف وإجراءات بهدف االستجابة النشغاالت األغلبية الساحقة
من الجزائريني وإعادة الثقة لهم من جديد يف الدولة واألمل يف أال يُضحﱠ ى بمصالحهم املرشوعة خدمة ملصالح
الطامعني يف االستيالء برسعة عىل خريات البالد.
إن الغاية التي استهدفتها من برنامجي هو كسب تأييد الشعب ،ولو بعد فرتة طويلة نسبيا ،للنظام الذي قام
بعد جانفي 1992فتتأتى له املرشوعية الشعبية التي افتقر إليها يف البداية.
قد يالحظ البعض أنني ما توخيت هذا التأييد وهذه املرشوعية إال لنفيس وأنني كنت أريد أن أغتنم فرصة
تعييني من طرف املجلس األعىل للدولة لخدمة طموحي الخاص.
حقيقة ،من البديهي أن يكون من شأن نجاح برنامجي كسب التأييد لحكومتي ،غري أال أحد كان من الغباء ما
يجعله ال يدرك ما كان يجري فعال عىل ساحتنا السياسية منذ جانفي .1992
من كان باستطاعته أن يشك يف أن كال من املجلس األعىل للدولة والحكومة لم يكونا إال صنيع السلطة التي كان
أصحابها الفعليون هم قادة الجيش الوطني الشعب؟ وعليه ،كل نجاح لحكومتي كان البد وأن يوضع يف
حساب هذه السلطة التي يبقى عمل الحكومة مرهونا بإرادتها وتأييدها .
كما أن كل إخفاق كان سريد إىل ذات السلطة.
من يستطيع ،اليوم ،االدعاء أن قادة الجيش الوطني الشعبي لم يورطهم الرأي العالم يف مسؤولية ما وقع من
عواقب وخيمة جراء االتفاق املربم مع صندوق النقد الدويل سنة 1994؟
لو جنبنا البالد الوقوع ضحية مثل هذه العواقب ولو تركنا لها إمكانية الخروج من أزمة املديونية مرفوعة
الرأس بفضل تأييدها للسياسة املتبعة من طرف حكومتي ،لعاد الفضل ،من الناحيتني السياسية واألخالقية،
أوال إىل الجيش الوطني الشعبي بوصفه املؤسسة الضامنة لدوام األمة.
إن من رسم خطة تغيري جانفي 1992ونفذها لم يرد لألمور أن تسري بهذا الشكل .واليوم ،ترى األغلبية
الساحقة من الجزائريني أن الجيش الوطني الشعبي له قسط من املسؤولية ،إن لم تكن املسؤولية كلها ،يف ما
حدث من محن تكبدوها وال زالوا جراء تدابري اقتصادية فرضت عىل بلدنا من طرف صندوق النقد الدويل يف
مجال معالجة املشاكل املرتتبة عىل ديوننا الخارجية.
هذا هو السبب الذي جعلني ،منذ إيقاف تلك التجربة التي حاولتها حكومتي ،ال أنقطع عن الدعوة إىل رضورة
إجراء تقييم جديد للتقلبات السياسية الواقعة منذ جانفي ،1992أي البحث عن األسباب التي أدت إىل هذه
التقلبات واألهداف الحقيقية للمتسببني فيها.
لقد اقرتحت هذا التقييم عىل الرئيس زروال عندما استقبلني يف سياق املشاورات التي رشع فيها غداة تنصيبه
رئيسا للدولة.
كما كررت الدعوة إىل إجراء هذا التقييم يف ترصيحات عمومية ثم يف الوثيقة التي أجبت من خاللها عن املذكرة
الصادرة عن الرئاسة قبل إجراء التعديل الدستوري لسنة ،1996باإلضافة إىل إشارتي إليها يف الترصيح الذي
سلمته للصحافة بمناسبة االنتخابات الرئاسية لسنة .1999
ذلك واحد من األمور التي ال يذكرها الجنرال تواتي ويتظاهر بجهلها .
باختصار ،لقد فضل أصحاب التغيري عىل هرم الدولة يف جانفي 1992تقديم هذه املبادرة عىل أساس أنها
جاءت نتيجة قرار طوعي اتخذه الرئيس الشاديل باالستقالة من منصبه فسمحوا ألنفسهم ،أوال بالتهرب من
65
املسؤولية وتجنب االضطالع مبارشة بمهام تسيري شوؤن الدولة ،وثانيا بالسماح للسياسة االقتصادية املطبقة
يف عهد هذا الرئيس باملواصلة بعد رحيله.
يف ما يخصني ،لم يقم موقفي أبدا ،من حيث املبدأ ،عىل رفض التخلص من الرئيس الشاديل بواسطة انقالب.
قبل االنتخابات الترشيعية املسبقة لديسمرب ،1991دعوت مرارا ،ومن خالل ترصيحات عمومية ،إىل رحيل
الرئيس ،السيما من خالل إجراء انتخابات رئاسية مسبقة.
أكثر من ذلك ،لم أخف عن مختلف املسؤولني الذين التقيتهم أميل يف رؤية هذا الرحيل يقع بواسطة انقالب من
األحسن أن يتم "بالرتايض" إن أمكن.
وسبب هذا املوقف هو أنه يف ظل األزمة الوطنية العميقة التي كانت بالدنا تعيشها يف نهاية الثمانينيات ،كان
من ميزة االنقالب إحداث صدمة سيكولوجية يف الرأي العام الوطني يمكن استغالله من أجل هبة شعبية قوية
يف اتجاه اعتماد سياسية جديدة للخالص الوطني.
غري أن القيام بانقالب قبل إجراء االنتخابات الترشيعية لديسمرب 1991كان شيئا والقيام به بعد صدور نتائج
هذه االنتخابات شيئا آخر تماما.
قبل هذه االنتخابات ،االنقالب كان عىل الرئيس الشاديل ؛ أما بعد االنتخابات ،فاالنقالب كان عىل الشعب الذي
صوت بطريقة معينة .هذا بالذات ما تم يف جانفي . 1992
االقرتاح الذي قدمته يف الخالصة املرفقة بمرشوع برنامج عمل حكومتي يف ما يخص إعالن حالة الظروف
االستثنائية كان من شأنه تسمية األشياء بأسمائها من الناحية الدستورية .
لكن ،لفهم هذا املقرتح ،يجب أال يغيب عن أذهاننا أنه كان متصال بربنامج يرسم الطريق املؤدية إىل الخروج
من األزمة ،طريق قابلة للدفاع عنها سياسيا أمام شعبنا وقادرة عىل تعبئته من أجل تأييد إجراءات التقويم
املتخذة من طرف السلطة التي قررت حالة الظروف االستثنائية بعد قيامها بتوضيح األسباب والدوافع التي
أدت إليها ،وكذا الغايات املنشودة منها.
كما هو معلوم ،لقد وافق املجلس األعىل للدولة عىل برنامج العمل لحكومتي ،غري أنه لم يؤيدني يف إعالن حالة
الظروف االستثنائية بحجة االلتزام الذي اتخذه أعضاؤه عىل عاتقهم ،رسميا وأمام الشعب ،بانتهاء مهامهم مع
انتهاء املدة املتبقية من عهدة الرئيس الشاديل بعد رحيله .
موعد انتهاء هذه العهدة كان يف أواخر سنة .1993
ومع ذلك ،تقبل املجلس األعىل للدولة املقرتح الوارد يف برنامج حكومتي والقايض بتحديد فرتة خمس سنوات
كفرتة رضورية لتطبيق هذا الربنامج وتهيئة الظروف الالزمة قبل العودة املوفقة إىل املسار االنتخابي.
لم يطعن املجلس األعىل للدولة يف رضورة ما أصبح يعرف يف ما بعد بـ "الفرتة االنتقالية"
وإنما اعترب أنه كان من السابق ألوانه تحديد صيغها يف ذلك الوقت ،أي سبتمرب ،1992وأنه سيتم إيجاد حل
لذلك عند انتهاء مهامه كما كان مقررا.
من جانبي ،لم أجعل من املوافقة عىل إعالن حالة الظروف االستثنائية وترتيب فرتة انتقالية كما وردت يف
برنامج حكومتي رشطا مسبقا ملواصلة املهمة التي عهد إيل بها .
لقد كانت لدي الثقة يف املجلس األعىل للدولة ولم أنو أبدا أن تكون يف عالقاتنا مساومة من قبيل "وافقوا عىل كل
ما أطلب أو أغادر ".
أذكر ،هنا ،أن عضوا يف املجلس األعىل للدولة جاءني ،عندما كان برنامج حكومتي بصدد مناقشته ،ليقول يل إنه
كان مستعدا لاللتحاق بي إذا كانت يل النية يف االستقالة يف حالة عدم املوافقة عىل مقرتحي الخاص بإعالن
66
حالة الظروف االستثنائية والفرتة االنتقالية .
وقد وثقت يف الوعد الذي وعدت به عىل أساس أن يتم ترتيب مسألة تنظيم هذه الفرتة االنتقالية ،التي يتطلبها
تطبيق برنامج حكومتي ،قبل نهاية سنة ،1993وإال ما كان يل أن أقبل مواصلة مهامي عىل رأس الحكومة.
كما حصل االتفاق عىل عدم القيام بحصيلة لنشاطات حكومتي انطالقا من الربنامج الذي اعتمدته إال بعد
انقضاء الفرتة املقرتحة لتطبيقه.
وقد أشار الرئيس عيل كايف رصاحة ،يف الخطاب الذي ألقاه بمناسبة الذكرى األوىل إلنشاء املجلس األعىل للدولة،
إىل أن برنامج الحكومة كان يف حاجة إىل الوقت قبل ظهور نتائجه.
لم أعِ د أبدا بإيجاد حل ألي مشكل منذ السنة األوىل من نشاط حكومتي ،ناهيك عن مشكل املديونية الخارجية.
ترى ،عىل أي أساس أو مرجع استطاع الجنرال تواتي أو املجلس األعىل للدولة الحكم بإخفاق الحكومة سنة
فقط بعد إنشائها؟
67
óïÈ‹’ 7Ì@Ëbá ÿ@çbØ@ðÜì‡Üa@‡ÕåÜa@×ì‡å–@¶g@öívÝÜaN20
@ @2007O08O08@ßbÕ¾a@„îŠbm
".12عىل املستوى االقتصادي ،لم أسمح لنفيس بالتدخل .غري أن ذلك لم يمنعني ،يف أواخر ماي 1993تقريبا،
من االعتقاد أننا كنا ،حسب الظاهر ،متجهني نحو الفشل وأننا سنضطر إىل اللجوء إىل صندوق النقد الدويل".
فعال ،ربما لم يكن الجنرال تواتي يتدخل يف الجانب االقتصادي عىل مستوى االجتماعات الوزارية.
لكن هل يستطيع حقا أن يؤكد أنه لم يكن أبدا يتدخل يف هذا الجانب لدى زمالئه عىل مستوى أجهزة وزارة
الدفاع الوطني ،والسيما لدى رئيسه الذي كان آنذاك ،كما هو معلوم ،الجنرال خالد نزار ؟
ملاذا ال يكشف الجنرال تواتي لنا ،اليوم ،عن تلك املعلومات التي وصلته "يف أواخر شهر ماي تقريبا" وجعلته
يعتقد "أننا كنا ،حسب الظاهر ،متجهني نحو الفشل وأننا سنكون مضطرين إىل اللجوء إىل صندوق النقد
الدويل" ؟
فماذا كانت ،إذاً ،تلك العنارص التي استطاع أن يراها ولم يرها غريه بذلك الوضوح ؟ يف الواقع" ،أواخر ماي
"1993لم يكن هو التاريخ الذي ظن الجنرال تواتي فيه "أننا كنا مضطرين إىل اللجوء إىل صندوق النقد
الدويل" وإنما قبل ذلك ألن هذا اللجوء كان ،بالنسبة إليه ،مربمجا منذ جانفي .1992
لذلك لم يكن فشيل ،يف نظره ،إال تحصيل حاصل ألن نجاح طريقتي كان معناه "الحكم" بالفشل عىل طريقته
هو من حيث هي قائمة عىل رضورة اللجوء إىل صندوق النقد الدويل الذي كان يمده بالحجة الالزمة من أجل
فتح اقتصادنا ،السيما تجارتنا الخارجية يف فائدة أصحاب" االسترياد-التصدير".
يف أواخر ماي تقريبا ،ما بدا "ظاهرا" ،يف الواقع ،هو تلك العالمات الدالة عىل قدرتنا عىل الخروج من األزمة من
دون االضطرار إىل هذا اللجوء.
عندما بدأت هذه العالمات تلوح يف األفق ،أخذ الهلع يدب يف أوساط املنارصين لهذا الحل .هكذا أحسوا برضورة
التحرك فورا من أجل منع حكومتي التي كانت" حسب الظاهر" موشكة عىل القضاء عىل أية حجة تربر"اللجوء
إىل صندوق النقد الدويل "لتغطية أهداف وأطماع أخرى غري رشيفة كثريا.
هل ينبغي التذكري هنا أن الجنرال تواتي لم يرش ،يف الحوار الذي خص به يومية ، El Watanإىل أية معلومة أو
حدث ملموس لتأييد ادعائه املتكرر أن سياسة حكومتي االقتصادية أخفقت ماعدا التقرير املغلوط الخاص
بمخزوننا من العملة الصعبة الذي ينسبه إىل املستشار االقتصادي للرئاسة وذلك االستعمال املغرض لألرقام
املتصلة بتطور أسعار البرتول املذكورة يف التقديرات املتوسطة املدى يف الربنامج الحكومي املتعدد السنوات.
وكما سنرى من بعد ،هذا الهروب أمام الحقيقة إنما كان تعبريا عن خوفه من أن يفضح أمره وتفسريا لرفضه
بث أشغال امللتقى حول السياسة االقتصادية مبارشة عىل شاشة التليفزيون ،أمام املأل كي يتسنى مواجهة
حجج أنصار اللجوء إىل صندوق النقد الدويل بحجج الرافضني لهذا اللجوء .لقد وفرت آنذاك ،له أو ملن كلفوه
التحدث باسمهم ،فرصة عظيمة لفضح سياستي ونزعتي القيرصية املزعومة يف ممارسة الحكم.
يف الحوار الصحفي املذكور ،نجد الجنرال تواتي ،وكعادته ،يكرر القول ويتهرب من كل برهنة يمكن أن تفضح
مقاصده الحقيقية.
وكما نعلم ،التكرار اململ ملعلومات فارغة يعد وسيلة مفضلة لحشو الدماغ .لكن ،ومن سوء حظ صاحبنا،
هيهات أن تتحول األكاذيب املكررة آالف املرات إىل حقائق ثابتة .
68
".13يف ما يخصني ،ويف أواخر أفريل 1993تقريبا ،اتخذت قرار التوقف عن أي تعاون مع السيد عبد السالم.
يف ديسمرب ،1992كنا قد وضعنا معا خطة طارئة لحماية رؤساء املندوبيات التنفيذية البلدية )الذين عوضوا
رؤساء البلديات )ورؤساء الدوائر ممن لم تكن لهم رشطة.
لقد قامت هذه الخطة عىل تعيني عرشة أشخاص كحد أدنى لهؤالء املسؤولني ليختار كل واحد منهم حرسه كما
أراد .كما تقرر تسليح الحرس بخمسة مسدسات آلية وخمس بندقيات صيد توفرها املديرية العامة لألمن
الوطني .
ينبغي أن نعلم أنه إىل ذلك الوقت ،كان قد سقط ما ال يقل عن 29رئيس مندوبية وأعضاء مندوبيات تحت
رصاص اإلرهاب .
أذكر أن السيد بلعيد كان موافقا عىل هذه الخطة ولم يكن قلقا من هذا الجانب إىل غاية ذلك اليوم الذي اغتيل
فيه رئيس املندوبية التنفيذية لبلدية الكاليتوس ،سليمان كمال ،الذي قتل من دون أن تكون له أية حماية .يف
أفريل ،1993أثناء آخر اجتماع أحرضه يف جهاز التنسيق ،تبني يل أن جميع التعليمات الالزمة من أجل تطبيق
خطة الطوارئ املذكورة لم تصدر بعد .
هكذا بالذات ،غادرت االجتماع قائال:
"أنا لست هنا من أجل إحصاء الجنائز" .ولم تطأ قدماي منذ ذلك اليوم ديوان السيد عبد السالم الذي ظل
يماطل بشأن هذه املسألة ".
مرة أخرى ،ينطلق الجنرال تواتي من مزاعم جزافية باتة ال تستند إىل أي وقائع ملموسة ودقيقة .إال أنه ،يف
هذه املرة ،يضيف شيئا آخر إىل ترسانة مزاعمه سعيا لتشويه الحقيقة واستغالل النية الحسنة ملن يسمعه أو
يقرؤه.
إنه يتالعب باأللفاظ عندما يبدو وكأنه يخلط بني "الديوان" و "املكتب" لإلشارة إىل أماكن العمل عىل مستوى
الحكومة .
لذلك ،جاء نص الحوار الذي خص به اليومية املذكورة بنوع من الغموض يمكن أن يوحي أن االجتماع الذي
تحدث عنه قد انعقد بمكتبي ،وبحضوري ،أي أنه استغل حضوري ألشهد ذلك الصخب الذي أحدثه عندما
احتج ضد تقصريي يف معالجة القضايا األمنية ،تقصري كان خطريا السيما وأنه كان متعلقا بأمن األشخاص.
بهذه الطريقة املغرضة ،الدنيئة وغري الرشيفة ،ظن الجنرال تواتي أنه قادر عىل تحمييل ،بمفردي ،مسؤولية
قتل أشخاص .غري أن الواقع هو غري ذلك إذ أن اجتماعات جهاز التنسيق حول القضايا األمنية التي يتحدث
عنها الجنرال تواتي كانت تعقد ،فعال ،بديواني .لكن ذلك ال يعني أنها كانت تعقد بمكتبي بالذات وبحضوري
الشخيص .مفردة "الديوان" يف اصطالح أجهزة رئاسة الجمهورية ،الوزارات واإلدارات أو املديريات ،فقط ،عىل
مستوى مؤسسات القطاع الخاص يمكن أن تتخذ أيضا معنى جماعيا للداللة عىل كافة املساعدين املبارشين
للرئيس الذي يكون الديوان تابعا له عوض الداللة عىل مقرات هؤالء املسؤولني.
هذا هو املعنى الذي نتحدث به عادة عن "مدير الديوان"" ،رئيس الديوان" لهذا املسؤول أو ذلك .وقد حدث
فعال أن انعقدت اجتماعات بمكتبي الخاص وبرئاستي ،غري أن ذلك لم يقع يف جميع األحوال.
لذلك ،لعل الجنرال تواتي عندما يذكر ديواني إنما يقصد ،وبكل بساطة ،تلك املكاتب الخاصة بجميع
املساعدين العاملني معي.
هذا الغموض املغرض يسمح للجنرال تواتي باتهامي بإثم عظيم مادام األمر متعلقا بوفاة إنسان ،لكن مع ترك
باب للنجاة له حني يوهم السامع أن قصده لم يكن توجيه هذا االتهام أبدا .
69
ال أتذكر أي اجتماع وقع بحضوري وغادر فيه الجنرال تواتي مكتبي مع رضب الباب كما يقال عندنا ألنني ،يف
هذه الحالة ،كنت سأرفض أي لقاء به ثانية مهما كان السبب.أضف إىل ذلك أن الجنرال تواتي لم يكن من بني
املساعدين العاملني معي ولم يكن يتعاون معي شخصيا .
االجتماعات التي كان يحرضها بـ "ديواني" كانت بصفته ممثال لوزارة الدفاع الوطني ومساعدا لها.
لم يكن يتعاون معي مبارشة باملعنى الدقيق للكلمة.
لعل هذه اإلفاضة مملة للقارئ ،لكنها بدت يل من الرضورة بمكان كي أفضح تلك الطرق املاكرة والدنيئة التي
لجأ إليها الجنرال تواتي يف حواره الصحفي املذكور .ومع ذلك ،البد لنا من العودة إىل واقع األمور لتناول تلك
النقطة التي أثارها الجنرال تواتي يف ما يخص حماية رؤساء املندوبيات التنفيذية البلدية ورؤساء الدوائر .
أ .مرة أخرى ،ال يذكر الجنرال تواتي فحوى تلك التعليمات التي كان عيل إصدارها أو توجيهها ولم أفعل يف ما
يخص "تطبيق خطة الطوارئ" التي أشار إليها.
كما أنه ال يقول ما إذا كنت أنا املسؤول شخصيا عن توجيه هذه التعليمات أم أنها كانت صادرة عن سلطة
أخرى.
إنه لم يوضح كيف أنني "تماطلت يف هذه القضية" ولم يقل ما هو بالذات اإلجراء الذي كان عيل أن اتخذه ولم
أفعل .
ب .ال يستطيع الجنرال تواتي أن ينكر أنني أوليت أهمية خاصة وقوية للمسائل األمنية التي كنت أواجهها يف
ممارسة مهامي كرئيس حكومة.
كما أنني لم أدخر جهدا يف مجال توفري اإلمكانيات البرشية ،املادية والتنظيمية من أجل هذه املسائل .
ج .ال يستطيع الجنرال تواتي أن ينكر أنه منذ إنشاء املنطقة العملياتية ،يف نوفمرب ،1992املغطية لواليات
وسط البالد ،كانت لقيادة هذه املنطقة ،املوكلة للجنرال محمد العماري ،جميع الصالحيات التي جعلت كل
املصالح األمنية باملنطقة تحت قيادة هذا األخري ،بما يف ذلك املصالح التابعة للمديرية العامة لألمن الوطني.
من هذه الناحية ،لقد سمحت بأقىص ما يمكن ألنني تسببت يف إثارة استياء املساعدين املبارشين يل ،أي وزير
الداخلية والوزير املنتدب لألمن ،املدير العام لألمن الوطني ،يف نفس الوقت ،عندما قبلت للجنرال العماري
بجميع الصالحيات التي طلبها والتي انتهت إىل تجريد الوزيرين املذكورين من كل مسؤولية يف ما يخص
املنطقة التابعة للقيادة العملياتية ،أي منطقة كانت تشمل والية الجزائر العاصمة وبالتايل بلدية الكاليتوس .
د .ال يخفى عىل الجنرال تواتي أنه منذ اختالس كمية مهمة من األسلحة عىل يد مجموعات إرهابية من مقرات
للرشطة ،صارت وزارة الدفاع الوطني تمارس سلطة صارمة يف مجال توزيع األسلحة من كل نوع.
كما كان لها ،عىل وجه الخصوص ،احتكار رشاء األسلحة من الخارج .هذا جانب لم يكن لرئيس الحكومة أي
يتدخل فيه منذ إنشاء هذا املنصب.
70
ÞáÉÜa@pbÔìc@xŠb‚@âénzÝc@æà@™b©a@ð‹y@ç솋°@aíäbØN21
2007O08O10@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
هـ .بما أن الجنرال تواتي هو الذي يثري هذا املشكل ،أود أن أذكره بواقعة ال يمكن أن تخفى عنه والتي ال
أستطيع مواصلة سرتها عن الرأي العام الوطني الذي يحاول صاحبنا التالعب به .ذات يوم ،وبينما أنا عىل
رأس الحكومة ،جاءني حرايس ،وكانوا تابعني لسلك عسكري ،ليقولوا يل ما ييل :
"عندما ننتهي من الخدمة وندخل ثكنتنا ،نُجرب عىل التخيل عن أسلحتنا وتسليمها عندما مدخل الثكنة .وإذا
أردنا الخروج ثانية ،خارج أوقات الخدمة لاللتحاق ،مثال ،بالعائلة الساكنة باملدينة ،فال نحمل أي سالح للدفاع
عن النفس يف حالة التعرض العتداء من طرف اإلرهابيني الذين نشكل بالنسبة إليهم هدفا مفضال .هل يمكنكم
أن تقوموا بيشء ما من أجل تمكيننا من االحتفاظ بأسلحتنا حتى عندما نكون نتجول خارج أوقات الخدمة ؟"
لقد أصبت بالذهول حقا وأنا أعلم بهذه الحالة ،فما كان يل إال أن فاتحت الرئيس عيل كايف يف األمر الذي كان
حرسه هو أيضا من نفس السلك مثل حريس .وقد أخربني أنه كان عىل دراية بهذا األمر وأنه سيتدخل لدى
الجنرال خالد نزار بوصفه وزير الدفاع .العذر املستعمل يف تفسري سبب اإلجراء املذكور هو أن أعضاء أسالك
األمن ،وهم يتجولون أفرادا يف شوارع املدن بزي مدني ،كانوا ،بالذات ،هدفا لإلرهابيني من أجل االستيالء عىل
األسلحة التي كانوا يحملونها .أي أن الهدف من تجريد الحرس من السالح كان من أجل حمايتهم خارج أوقات
العمل حتى ال يقعوا فريسة لإلرهابيني .كما علمت ،يف ما بعد ،أن أفراد الرشطة كذلك كانوا خاضعني لنفس
اإلجراء .لم أجرؤ إال بصعوبة عىل تصديق التفسري املقدم يل السيما وأن األمر تعلق بحرمان حرس من أسلحتهم
للدفاع عن النفس عىل الرغم من أنهم كانوا من أول املعرضني لخطر اإلرهاب ،ليس فقط من أجل االستيالء عىل
أسلحتهم وإنما كانوا يعتربون أيضا َخدَمة "الطاغوت" يستهلون تصفيتهم .ومعنى ذلك أنه بحجة تجنيب
هؤالء الوقوع فريسة اإلرهاب بسبب األسلحة التي كانوا يحملونها جعلنا منهم لقمة سائغة لإلرهابيني .إن هذا
اإلجراء الذي يصعب تصديقه ،قد ُرفع بفضل احتجاج مختلف أفراد األسالك األمينة عليه السيما بعد سقوط
ضحايا كثريين لألسف .
ال يقول لنا الجنرال تواتي من "ماطل" يف هذه القضية .أما يف ما يخصني ،وبما أنه لم تكن لدي أي مسؤولية
يف مجال تسليح حريس ،ال أري كيف كان بإمكاني "املماطلة" يف تنفيذ خطة الطوارئ التي يتحدث عنها
صاحبنا وأنّي يل أن أتحمل أية مسؤولية يف اغتيال رئيس املندوبية التنفيذية لبلدية الكاليتوس ! كما ال يقول
الجنرال تواتي ،بطريقة ملموسة ودقيقة ،يف ماذا "ماطلت" يف تطبيق إجراءات كنت قد "وافقت عليها تماما".
لذلك ،أراني مرة أخرى ال أملك إال تأكيد ذلك الغموض الذي اكتنف ترصيحاته وسمح له بأن يحيط نفسه
بسحابة كثيفة عوض اإلدالء بأجوبة رصيحة عن ترصفاته .و .يف الواقع ،اإلجراء الذي حرم ،لفرتة ،أفراد
األسالك األمنية من االحتفاظ بأسلحتهم خارج أوقات العمل كان مرده إىل سبب آخر أكثر مصداقية ،أي
الخشية من أي يسلم بعض من هؤالء األفراد أسلحتهم إىل اإلرهابيني طواعية .ينبغي أن نشري هنا إىل أننا كنا يف
فرتة صارت إمكانية تسلل عنارص إرهابية يف صفوف األسالك األمنية هاجسا حقيقيا لدى مسؤويل هذه
األسالك .وقد تم اكتشاف عدد من هذه الحاالت ؛ مما فرض حذرا أكرب ،ربما إىل حد اإلفراط .
71
أثناء االجتماع الذي ضم والة املنطقة الوسطى من الوطن املحيطة بالعاصمة وبمناسبة لقاءات بممثيل
املجاهدين ،قيل لنا إن مطاردة الجماعات اإلرهابية من طرف الوحدات الكربى التابعة ملختلف أسالك األمن
كانت ناقصة ألن – وكان ذلك تفسريا معقوال – تحركات هذه الوحدات كانت الجماعات اإلرهابية تراها من
بعيد فكان ألفراد هذه األخرية ما يكفي من الوقت لتخبئة أسلحتهم واالنرصاف من دون ترك أي أثر لهم .
وعندما كانت وحدات الجيش ،الدرك الوطني والرشطة تصل إىل األماكن الذي أفادت االستعالمات بوجود
جماعات إرهابية فيها ،كانت ال تجد شيئا .وعليه ،كان املسؤولون اإلداريون املحليون وممثلو املجاهدين ،عىل
وجه الخصوص ،يقرتحون إنشاء مجموعات مسلحة خفيفة تتشكل من متطوعني ،السيما مجاهدين يعرفون
األرض وقادرين عىل التنقل خفية ،بل وعىل مطاردة فلول اإلرهاب يف عقر ديارها ذاتها .لقد تبنيت هذه الفكرة
وطرحتها عىل كل من الجنرال خالد نزار والجنرال ملني زروال عندما خلفه يف منصبه وزيرا للدفاع الوطني.
وكنت يف كل مرة ألقى آذانا صاغية لكن مع وجود اعرتاض واحد " :من يستطيع أن يثبت لنا أن األسلحة التي
سنسلمها ،نحن أنفسنا ،ملجموعات املتطوعني لن توجﱠ ه ضدنا ؟" .ولتفادي أي انحراف من هذا القبيل
للمجموعات املتطوعة ،اقرتحت تأطريها بضباط متقاعدين سواء من الجيش الوطني الشعبي ،الدرك الوطني أو
الرشطة ،إضافة ،عند الحاجة ،إىل ضباط سابقني يف جيش التحرير الوطني .ذلك هو الرتدد الذي منع أو أخر
لوقت ما تكوين مجموعات مسلحة للدفاع الذاتي ومحاربة اإلرهاب وكذا تسليم األسلحة الالزمة لعمل هذه
املجموعات .يف ما بعد ،أفضت هذه الفكرة إىل إنشاء وحدات من املتطوعني يف محاربة اإلرهاب املعروفة بـ
"الوطنيني " (LES PATRIOTES).لم أكن مسؤوال يف يشء عما حصل من "تماطل" يف تشكيل هذه الوحدات
و،ربما أيضا ،يف تأخري "تطبيق خطة الطوارئ "التي تحدث عنها الجنرال تواتي .غري أن "املماطلة" يف هذه
الحالة ال يتحدث عنها الجنرال تواتي قط ألنه كان ،من مركزه ،يعلم جيدا أنني لم أكن معنيا باملسؤولية فيها .
".14كما ذكرت ،إنه رجل ذو رؤية قيرصية للسلطة .فإذا كانت خدمة اإلمرباطورية يف زمن روما القديمة ال
يمكن أن تتم إال من خالل خدمة مجد القيرص ،يا حرستاه عىل يس بلعيد ! لم يكن من املمكن خدمة الجزائر إال
يف إطار ما كان يراه ويتصوره .يف نظره ،كل طريقة أخرى كانت إما محكوما عليها بالفشل أو مشكوكا يف
أمرها" .هذا االدعاء هو ،يف الحقيقة ،تعبري عن غيظ لم يستطع صاحبه كظمه ذلك أن الجنرال تواتي – الذي
يحب كثريا "ذكر" األشياء – ال يذكر بعض الوقائع ميزت عالقاتنا وأدت إىل استيائه مني .املنصب الذي كان
يشغله يف وزارة الدفاع الوطني حيث كانت تر ﱠوج الشائعات بكونه "املخ" – منذ ذلك الدور الذي صار للجيش
الوطني الشعبي ولهذه الوزارة ،السيما إثر التغيري السيايس الذي وقع يف البلد يف جانفي – 1992اعتاد
الجنرال تواتي عىل تلك "املساعي" والتوسالت التي كان بعض من أشباه الساسة )املمتلئة بهم ساحتنا
السياسية ،السيما يف الدوائر العاصمية( يقومون بها لديه من أجل الحصول عىل دعم لطموحاتهم .فبالنسبة إىل
هؤالء ممن كانوا يظنون أنهم مدينون له بيشء أو يخشون جانبه ،كانت رغبات السيد تواتي تعترب أوامر ال
نقاش فيها ويجب تنفيذها بكل حماسة ورسعة .من هذه الناحية ،طريقتي لم تكن لرتوقه ؛ مما خلق لديه ،من
دون شك ،عداء جعله ينسب إيل تلك "الرؤية القيرصية للسلطة" التي يتحدث عنها بهدف النيل مني .ذلك هو
ما يفرس ،يف نظري ،العداء الذي يحمله الجنرال تواتي لشخيص .
أ .يف نوفمرب ،1992قام وزير العدل بتعليق مهام النائب العام ملدينة الجزائر عىل الرغم من أنني كنت قد
أصدرت تعليمات إىل جميع الوزراء بعدم تنحية أو تعليق مهام املوظفني السامني التابعني لهم قبل الرجوع إىل
72
رئيس الحكومة أوال .ويف ما يخص وزير العدل عىل وجه الخصوص ،منعته من املساس بوضع النائب العام
ملدينة الجزائر من دون موافقتي ألنه كان قد أخطرني من قبل بنيته يف القيام بذلك .غري أن وزير العدل ،ماحي
باهي ،لم يحرتم تعليماتي فنفذ ما كان يريده جاعال إياي ،هكذا ،أمام األمر الواقع مرصحا للصحافة أن قراره
جاء يف سياق محاربة الفساد ،ناسبا لنفسه وحده رشف ذلك .وقد بلغ األمر بالبعض ممن ال يتأخرون أبدا يف
إلقاء الزيت عىل النار حد القول إن الوزير كان يريد من وراء قراره هذا أن يعطي يل املثل ويربز قصوري يف
محاربة الفساد .وملا كان الجنرال تواتي يعرف أنني لن أبقى صامتا أما هذا التحدي العلني ،جاءني ليقول يل
بالحرف الواحد " :الشك أن وزير العدل ارتكب خطأ .لكن إقالته من منصبه ستكون خطأ آخر" .بل بلغ به
األمر حد اقرتاح إلغاء تعليق مهام النائب العام وإعادته يف منصبه .وقد أجبته أنه لم يكن من عادتي أن أترك
غريي يتحداني يف ممارسة مسؤولياتي وأنني ال أستطيع أن أحتفظ إىل جانبي بوزير تحدى رصاحة أوامري
وأنني قد عينت وزيرا آخر يف محله .الشك أن الجنرال تواتي وجد يف ردي ما يزعجه باعتباره "ويل نعمة" يف
منح املناصب وعرابا للنظام السيايس القائم .لكن ما كنت أجهله حينئذ وانتهي إىل علمي يف ما بعد هو ما يكون
الوزير املخلوع قد أرس به إىل مقربني إذ قال إن الجنرال تواتي لم يكتف بالتدخل لدي بعد إعالن قرار تعليق
مهام النائب العام لكنه طمأنه أيضا بعدم فقدانه ملنصبه ،موضحا " :لقد تحصلت عىل ضمانات تحميني".
غري أنه ،يف حدود علمي ،لم يبح باسم الشخص الذي يكون قد أعطى له هذه الضمانات .لكن ،ترى ،من كان
بمقدوره أن يقدم عىل ذلك ماعدا الساعي إلبقائه يف املنصب ؟ وعليه ،البد وأنني ظهرت يف نظر الجنرال تواتي
عىل أنني أخطأت مرتني ،مرة عندما لم استجب لطلبه ومرة عندما طعنت يف مصداقية السلطة الخفية ودور
العراب الذي كان ينسبه إىل نفسه .هذا هو ،يف اعتقادي ،من أوىل األسباب التي جعلته يتحدث عن "رؤية
قيرصية للسلطة" التي يتحفني بها .
وتتمة للكالم يف هذا املوضوع ،البد أن أشري إىل أن النائب العام ملجلس قضاء الجزائر كان إحدى الركائز
األساسية يف الجهاز القضائي عىل مستوى العاصمة يف مجال محاربة اإلرهاب .سنوات من بعد ،تسبب دوره يف
هذه املحاربة يف قتل أحد أقاربه عىل يد اإلرهاب .كل ذلك للداللة عىل أن إجراء تعليق مهام هذا النائب لم يكن
مؤسسا وكان جائرا إزاء شخص خدم الدولة بتفان وعرض نفسه ألخطار أكيدة .وعىل الرغم من أن اتهام
الوزير له بالرشوة كان يثري السخرية ،إال أن هذا الوزير لم يرتدد يف اتخاذ قراره املنفرد بتعليق مهام النائب.
يكفي ،للتأكد من بطالن هذا االتهام ،االطالع عىل امللف الذي شكله الوزير إلسناد قراره .هذا الوزير كان يجهل
أن امللف الذي كان بحوزته تضمن وثائق تحمل اتهامات ضده ،هو ذاته ،مماثلة لتلك االتهامات املوجهة ضد
النائب العام الذي كان يريد التخلص منه!
73
paím@ßa‹å§bi@ðmbÔþÈ@Šíè‡m@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN22
2007O08O11@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
ب .تعليق يومية El Watanالتي تحدثت عن معارفها بمثل واقعة أخرى طبعت تدهور عالقاتي بالجنرال
تواتي .لم يستطع هذا األخري أن يهضم تعليق اليومية التي كانت تحت حمايته السيما عندما رفضت رفع هذا
التعليق .أضف إىل ذلك ،وكما ذكرت من قبل ،تكون يومية El Watanقد تحركت يف الواقعة املذكورة بإيعاز
من الجنرال تواتي ؛ مما جعل قراري بتعليقها بمثابة التكذيب ملا كان يقال عن قوته داخل السلطة آنذاك.
الشك أن ذلك هو ما يفرس العداء الناجم عن كربيائه املجروحة حتى وإن لم أكن ،آنذاك ،عىل علم بصالته مع
اليومية املذكورة وترصفاته الخبيثة ضد منافسيه داخل وزارة الدفاع الوطني .
ج .كما هو معلوم ،منذ تعييني عىل رئاسة الحكومة ،شنت الزمر السياسية – ممن سمت نفسها بـ
"الديمقراطية" و"الجمهورية" وبعض الفرديات الدائرة يف فلكها األيديولوجي – ضدي حملة قدح وتشنيع
حادة عىل أساس أنني كنت "رجل املايض" .املايض لدى املتحاملني عيل كان املقصود منه تمسكي بقيم الوطنية
الجزائرية ومعارضتي لتصورات الحركة الرببرية االنفصالية عىل وجه الخصوص .ويف ردي عىل هذه الحملة
املعادية ،قلت إن أصحابها لم يكونوا سوى ورثة من كانوا ،يف زمن ما ،ينكرون وجود أمتنا ذاته ويدعون إىل
إدماج الجزائريني يف فرنسا وأنهم كانوا ،عىل الرغم من صغر أعمارهم ،هم رجال املايض ما ماداموا حاملني
أفكارا وتصورات موروثة عن هذا املايض ،لكنه ماض يريدون إخفاءه عن األجيال الصاعدة .لقد أبدى يل
الجنرال تواتي امتعاضه حول هذه املسألة فكانت مناسبة أدركت فيها عمق الخالفات التي لم تكن تفصلنا
فحسب وإنما كانت تجعلنا أيضا عىل طريف نقيض عىل الصعيد األيديولوجي والسيايس .وأنا أصغي إليه ،تهيأ
يل وكأنني كنت استمع إىل كل تلك األقوال التي حاربها الوطنيون الجزائريون يف السابق .ومع ذلك ،ما أدهشني
وأحزنني معا هو أن أكتشف أن واحدا من حاميل هذه التصورات كان معششا عىل قمة هرم القيادة العسكرية
يف بالدنا .
يف الواقع ،لم يغفر يل الجنرال تواتي أبدا إدانتي العلنية ملن كانوا تحت حمايته وجعل من نفسه عرابا لهم عىل
مستوى أكثر املؤسسات أهمية يف السلطة ،أال وهي الجيش الوطني الشعبي .ومرة أخرى ،قمت بثلم ذلك الصنم
الذي أراد إقامته لنفسه يف نظر أتباعه السياسيني ممن كانوا أيضا ال ينقطعون عن مدحه .
د .لعلنا نتذكر االنتخابات املحلية التي جرت سنة 1990وقاطعتها جبهة القوى االشرتاكية حيث حصل
التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عىل األغلبية يف عدد من املجالس البلدية والوالئية يف كل من واليات تيزي
وزو ،بجاية ،والبويرة من دون أن تتعدى نسبة فوز مرشحيه % 10من الناخبني املسجلني .ويف محاولة منه
لالحتجاج ضد سياسة حكومتي ،طلب هذا الحزب من منتخبيه االستقالة من جميع املجالس املذكورة حتى
وإن رفض عدد منهم تعليمة الحزب مفضلني الوفاء لناخبيهم .لكن ما أخفاه محتجو هذا الحزب املزعومون
عن مناضليهم والرأي العام هو اتصالهم ،مبارشة بعد خبطتهم اإلعالمية هذه ،بوايل تيزي وزو مطالبني إياه
74
بتعيينهم أعضاء يف املندوبيات التنفيذية الخاصة التي أحلت محل املجالس املنتخبة بعد أن هجروها .هكذا
استطاعوا ،بطريقة ملتوية ،استعادة تلك الصالحيات واالمتيازات التي ضحوا بها يف عيون الرأي العام من أجل
التعبري عن معارضتهم لحكومتي .وعندما بلغني نبأ ذلك ،رفضت طلب املعنيني لدى الوايل من دون تردد.
موقف التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية يف هذه الواقعة كان منطو عىل تناقض يصعب فهمه إذ كيف
يمكن أن يطلب هذا الحزب من منتخبيه االستقالة من املجالس املحلية احتجاجا عىل سياسة الحكومة ثم يطلب
من نفس الحكومة إعادة الصالحيات لهؤالء واالمتيازات املتصلة بوظائفهم .يف الواقع ،بالنسبة إىل قيادة هذه
الحزب ،لم نكن ،أنا وأعضاء حكومتي ،إال أداة طيعة يف أيدي الحكام الحقيقيني الذين كانوا يدعون صلتهم
بهم .هذا ما جعلهم يظنون أنهم كانوا قادرين عىل التحامل عىل الحكومة وتجاوزها يف سبيل تحقيق مطامحهم
غري املرشوعة .وما لبثت أن أدركت عروة السلطة الفعلية التي كان عنارص التجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية متشبثني بها يف شخص الجنرال تواتي حينما جاءني هذا األخري من أجل االستجابة إىل طلب هذا
الحزب يف ما يخص إعادة الصالحيات للمستقيلني ضمن املندوبيات التنفيذية التي كانت بصدد تعويض
املجالس املنتخبة .بطبيعة الحال ،لم ألب طله ؛ مما جعلني أنال مرة أخرى من تلك الهيبة التي أراد أن يضفيها
عىل نفسه كعنرص بارز يف السلطة .الطعن يف مركزه يف هذه الواقعة كان ،بالنسبة إليه" ،رؤية قيرصية
للسلطة" .من جانبي ،لم أستطع ،أمام مسعى من هذا القبيل ،أن أمنع نفيس من تذكر بعض من تلك األفكار
التي كان اإلسالميون يرددونها ويقولون إنهم لم يفهموا كيف أن قائد حزب التجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية ،حزب أقلية يف البلد ،يريد أن يظهر بمظهر املعارض الشديد للسلطة ،يسمح لنفسه بمخاطبتنا
كلما التقيناه بهذه العبارة " :لن نرتككم تفعلون كذا أو كذا" .وقد كان هؤالء يتساءلون عن مصدر تلك الثقة
التي كانت لزعيم هذا الحزب كما لو كان هو السيد يف البالد يف حني حزبه لم يكن يمثل إال أقلية من املواطنني،
بما يف ذلك مواطني تلك املناطق التي كان يدعي تمثيلها .بالنسبة إيل ،األمور كانت بسيطة ألن مصدر هذه الثقة
لم يكن سوى الجنرال تواتي .ورسعان ما استنتجت أن الرئيس الحقيقي للتجمع من أجل الثقافة
والديمقراطية لم يكن الشخصية املعروفة لدى الرأي العام وإنما تلك الشخصية األخرى التي ،من فوق هرم
وزارتنا للدفاع الوطني ،نصبت نفسها مصدر وحي لسياسة البالد ،بما يف ذلك تلك املجاالت التي تدعي أنها
منعت نفسها من التدخل فيها .وقد فاتحت الجنرال خالد نزار يف األمر وعربت له عن دهشتي من مسعى
الجنرال تواتي يف صالح الحزب املذكور علما أنه كان واحدا من الضباط العسكريني من ذوي املكانة البارزة
بجانبه لكنه نصب نفسه القيم الحقيقي لهذا الحزب ال مجرد رجل يعرب عن آراء قريبة ممن كانوا يصفون
أنفسهم بـ" الديمقراطيني" .وملا كان الجنرال خالد نزار مدركا للطابع الغريب لوجود مساعد مقرب بجانبه
يحمل أفكار التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية ويساند مبادراته السياسية ،اكتفى بالرد عيل بهذه العبارة :
"كال ! كال ! إنه وطني ! إنه وطني !".
تلك هي بعض من الوقائع التي كانت ،ربما ،مصدر العداء الذي حمله يل الجنرال تواتي ولم يبينه يل رصاحة
عىل الرغم من أن هذه الوقائع تدل عىل الفكرة التي كانت له حويل يف ما يخص تصوري ملمارسة الحكم .ومثلما
هو الشأن يف ما يخص املجال االقتصادي ،يكتفي الجنرال تواتي بإطالق أحكام من دون إسنادها إىل معطيات.
أما من جانبي ،فأكتفي بالقول إنني أفضل أن يتهمني الجنرال تواتي بـ "رؤية قيرصية للسلطة" عوض أن
يلومني غريه عىل أنني كنت أداة طيعة يف يده .وكما قال يل عضو سابق يف ديواني عىل رأس الحكومة حينما
نبهني إىل أن القيرص كان ،يف نهاية األمر ،إمرباطوريا رومانيا عظيما وليس هناك ما يدعوني إىل االستياء عندما
يتهمني الجنرال تواتي بـ "رؤية قيرصية للسلطة" .أشاطره الرأي السيما وأن األوضاع التي كانت البالد تمر
75
بها آنذاك حينما كان الشغل الشاغل هو إعادة الهيبة واملصداقية للدولة يف عيون املواطنني الذين كان ربما من
مصلحتهم استشفاف تلك "الرؤية القيرصية للسلطة" عىل مستوى أحد املناصب العليا يف الدولة .
".15ثم إن طريقته كلها كانت مفككة .يف الوقت الذي كان مرتابا مني ويتهمني بكل ذنوب الدنيا ،نجده ،يف
ماي ،1993يعرض عيل منصب وزير الداخلية .أنا لم أكن حتى أرغب يف لقائه ثانية ولم استجب لطلب لقائه
لوال إلحاح خالد نزار .عندئذ زرته بإقامته ال بمكتبه"" .بطبيعة الحال ،رفضت عرضه ألسباب سياسية
واقتصادية رشحتها له مبارشة .لكن البد أن أقول إننا افرتقنا يف جو من الود .ثم إنني أظن أنه لم يقرتح عيل
املنصب إال بعدما وصلته أصداء تفيد بتعيني وشيك لرضا مالك عىل رأس الحكومة .يف نهاية األمر ،السيد عبد
السالم انتهي به املطاف إىل االنغالق عىل ذاته ،انغالقا يبدو أنه صار مزمنا .لذلك تجده يتحامل عىل غريه تهربا
من تحمل مسؤولية إخفاقاته .ما وقع فعال هو أن السيد عبد السالم تمت إقالته كرئيس حكومة من طرف
املجلس األعىل للدولة لسبب أسايس ،أال وهو إخفاق سياسته االقتصادية ...أود أن أقول للسيد عبد السالم هذه
الكلمات ]بالقبائلية يف النص[ ’ :أذي ذاوي ربي ألحس أومغنون’ ومعناها ’ :اللهم اشف عبدك املريض !‘".
أ .ينبغي ،مرة أخرى ،تصحيح ما جاء عىل لسان الجنرال تواتي من أخطاء ال تبدو عفوية .
أوال ،اللقاء الذي جمعني بالجنرال تواتي حيث عرضت عليه منصب وزير الداخلية لم يقع يف ماي 1993
وإنما ،كما يؤكده هو نفسه ،يف أواخر جويلية ،1993بعد اجتماع املجلس األعىل للدولة املنعقد يف 18من نفس
الشهر وبعد مأدبة الغداء التي دعيت إليها بمقر إقامة الرئيس عىل كايف بحضور الجنرال خالد نزار يومني من
بعد .
ثانيا ،اللقاء الذي تم بيني وبني بالجنرال تواتي جرى بمقر إقامتي ال بمكتبي ألن أغلبية استقباالتي كانت تتم،
بالذات ،يف تلك الفيال التي خصصت يل كإقامة رسمية أثناء تأدية وظائفي ،وذلك بطلب من مصالح األمن التي
كانت تريد تجنيبي تنقالت متكررة عرب شوارع العاصمة ما بني مقر إقامتي وقرص الحكومة .
ثالثا ،العرض الذي اقرتحته عليه لتعيينه وزيرا للداخلية كان مندرجا يف سياق مشاورات كنت قد رشعت فيها
– باالتفاق مع الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار ،بعد مأدبة الغداء التي جمعتنا يوم 20جويلية – 1993
من أجل إجراء تعديل يف حكومتي .كما تواصلت هذه املشاورات مع املساعد الذي كلفه الجنرال خالد نزار
باستكمال املحادثات معي بعد مأدبة العمل املذكورة .وقد اتفقنا ،ألسباب سبق ذكرها ،حول تغيري وزير
طرح اسم الداخلية ،محمد حردي آنذاك ،لكن مع االحتفاظ بهذا األخري عضوا يف الحكومة يف منصب آخر .هكذاُ ،
الجنرال تواتي ألنني كنت قد اتفقت مع الجنرال خالد نزار أن يكون وزير الداخلية شخصية من وزارة الدفاع
الوطني اتقاء ملا ظهر ،من قبل ،من سوء تفاهم واختالف يف املزاج بني مسؤولني من هذه الوزارة ونظرائهم يف
وزارة الدفاع .ثم إن الجنرال تواتي ذاته لم يكن مرشحي وإن العرض الذي اقرتحته عليه كان ،بالنسبة إيل،
مسألة ضمري ،أساسا ،وشعور برضورة االختيار ما بني عدد من املرشحني للمنصب .الجنرال خالد نزار نفسه
حذرني أنه كان يتوقع رفض الجنرال تواتي منصب وزير الداخلية بنسبة ،% 80موضحا يل أن هذا األخري
صار يزعجه كثريا بسبب طبيعة اإلصالحات التي كان يدعو إىل إدراجها يف الدستور املزمع تعديله .أضف إىل
ذلك أن الشخص الذي أوفده إيل الجنرال خالد نزار بغرض استكمال املشاورات املتصلة بالتعديل الحكومي
76
املنتظر قد أخرني ،هو اآلخر ،أنه لم يعد يعول عىل الجنرال تواتي لشغل منصب وزير الداخلية .
رابعا ،يدعي الجنرال تواتي ،يف حواره الصحفي ،أنه لم يرض بمقابلتي مرة ثانية إال عىل مضض .فعال ،ال
أستطيع أن أطلع عىل ما بقرارة نفسه يف اللقاء الذي جرى بيننا بعد عودته من "عطلة 48ساعة" بباريس.
ومع ذلك ،أكتفي باإلشارة إىل ما أخربني به يف هذا اللقاء :
-سعيه لدى الخزينة الفرنسية للتأكد من صحة األرقام الواردة يف املذكرة الصادرة عن حكومتي يف ما يخص
توجهات سياستي االقتصادية ،وهي ذات األرقام التي سبق يل ذكرها ،شخصيا ،يف ترصيح عمومي بثته جميع
وسائل اإلعالم التابعة للقطاع العام ؛
-رغبته يف مغادرة الجيش الوطني الشعبي يف حالة عدم القيام ببعض التغيريات التي كان يراها أساسية يف
الدستور الذي كان يدعو إىل تعديله .عىل أية حال ،موقفه من هذه املسألة هو الذي اتخذ منه سببا يف رفضه
منصب وزير الداخلية.
77
Ê÷bÔíÜa@êîí“nÜ@kîˆbØÿa@óŠb¿@¶a@dvÝî@çbØ@ðmaím@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN23
2007O08O12@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
ب .وألنه عاجز عن تأييد مزاعمه بالحجج املستندة إىل وقائع قابلة للتأكد منها ،نجد الجنرال تواتي يلجأ إىل
ممارسة يبدو أنها صارت ميزة يف ترصفاته .تتمثل هذه املمارسة يف تشويه الوقائع تماما وترتيب األمور
بحسب ما يحتاج إليه من لجوء إىل أكاذيب يريد أن يحمل غريه عىل تصديقها .هكذا ،وحسب ما جاء عىل لسانه
يف الحوار الذي خص به يومية ، El Watanكنت أقوم بمهامي بصورة عادية إىل أن وصلتني أنباء عن وشوك
تغيريي برضا مالك عىل رأس الحكومة .
وهكذا أيضا ،حسب زعمه وبعدما دب اليأس إيل ،جاءتني فكرة اللجوء إىل مساعي الجنرال تواتي من خالل
عريض له منصب وزير الداخلية كي يتسنى يل ،بفضله ،املحافظة عىل منصبي .هذه الرتّهة لم تكن إال لتثري
السخرية لو لم ترد عىل لسان رجل اعتربه البعض "مخ" أقوى مؤسسة يف الدولة ،أال وهو الجيش الوطني
الشعبي ،وادعى دوار امللهم يف اتخاذ القرارات الخاصة بمصري جميع الجزائريني .ها نحن ،اليوم ،نعرف
الظروف التي جعلتني أقرتح عىل الجنرال تواتي منصب وزير الداخلية .أما يف ما يخص تبدييل برضا مالك فإن
املسألة لم تكن واردة يف جدول األعمال عىل األقل يف تلك الفرتة .يكفيني هنا أن أذكر بتلك الوعود الرباقة التي
وعدني بها من كانوا أكثر شأنا من الجنرال تواتي يف ما يخص مصريي السيايس .فلو اقترص انشغايل عىل
إرضاء النفس بتلبية مثل هذا الطموح ،الكتفيت بأن أترك نفيس أُرفع برفق إىل تلك املكانة التي كان هؤالء
يلوحون يل بها يف األفق .
فلو كنت ،كما يقول الجنرال تواتي ،قلقا فعال عىل منصبي الكتفيت يف رد "خطر" تبدييل عىل الترصف
بالطريقة اآلتية :
-منذ البداية ،االكتفاء يف إعداد برنامج حكومتي بسياسة اقتصادية متجهة نحو خدمة املصالح التي كان
الجنرال تواتي يدافع عنها أو اعتماد هذه السياسة ثم الرتاجع عنها واإلرساع يف االستجابة لتطلعات من كان
مصريي ،كرئيس حكومة ،بني أيديهم ؛
-عدم اإلفصاح عن معارضتي منذ تنصيب حكومتي لتطبيق تلك العقود العجيبة املربمة مع الحكومة اإليطالية
واملوروثة عن عهد الرئيس الشاذيل والتي بلغت قيمتها من 5إىل 7مليار دوالر ويقول عنها البعض إنها كانت
مرتبطة بمصالح مهمة عندنا ؛
-الوقوف ،قبل اإلقدام عىل أية مبادرة ،عىل ما كان مرغوبا فيه وما لم يكن عىل مستوى من كان قادرا عىل
إعادة النظر يف منصبي عىل املستوى السيايس ؛
-غض الطرف عن بعض األمور التي ُرشع فيها أو كانت بصدد ذلك ،أي االمتناع عن إطالق بعض اإلجراءات
أو ،عىل األقل ،منعها من مواصلة طريقها نزوال عند رغبة من قصدني ووعدني ،لقاء فهم انشغاالته وتلبية
طلبه ،باالستفادة من دعم قوي يل من طرف "موكليهم" ممن كان شأنهم أعىل بكثري من شأن الجنرال تواتي.
وبعبارة أخرى ،لو لم يقترص األمر ،بالنسبة إيل ،سوى عىل ضمان تأييد ملطامحي ونيل رضا "األقوياء" ،لكنت
يف غنى عن الجنرال تواتي ألنه كانت بحوزتي أوراق أخرى أكثر قيمة وفعالية ومصداقية .
78
وكما رصحت بذلك عالنية يف تدخيل ببلدية الجزائر العاصمة يوم 23جوان ،1993لم أكن أجهل تلك الطرق
التي كان يسلكها من كان همهم األول هو خدمة تطلعاتهم والبقاء يف السلطة أو الرقي إىل قمة هرمها .أما يف ما
يخص الجنرال تواتي ،حتى ولو أردت أن أنال ثقته والفوز بتأييده – مادام يعترب نفسه "صانع امللوك" –
كنت أعرف جيدا أن عريض له منصب وزير الداخلية ما كان ليجدي نفعا .كان يكفيني أن ألبي رغبته بما يؤكد
دوره كعراب لدى التجمع الوطني من أجل الثقافة والديمقراطية ويومية El Watanوغريها من الصحف التي
كانت تدور يف فلكه .وحتى ولو لم أستطع الحصول عىل دعمه ،كان بمقدوري عىل األقل محاولة إبطال أثر
تحفظاته بشأني وعداءه يل .
ج .ال يمل الجنرال تواتي من تكرار زعمه بخصوص إخفاق سياستي االقتصادية وقيام املجلس األعىل للدولة
بتنحيتي بسبب هذا اإلخفاق .وعندما ال يجد الحجج القائمة عىل عنارص ملموسة ،تراه ،بسبب اعتياده اللجوء
إىل استعمال عبارات من الطب العقيل ،وكأنه يسقط ،بدوره ،ضحية ولعه بطريقة Coué.يظن أنه يكفيه
التكرار اململ لعبارة "سياسته االقتصادية قد أخفقت" كي يتحول هذا اإلخفاق املزعوم إىل حقيقة راسخة يف
أذهان الناس من دون الشعور بالحاجة إىل تقديم األدلة املثبتة لذلك .لذلك تجد طريقته ال تختلف كثريا عن
طريقة النجار الذي يظل يرضب عىل رؤوس املسامري إىل أن تنغرز يف األلواح .لكن ،هيهات أن تكون عقول
الجزائريني مثل ألواح الخشب .
ما قاله الجنرال تواتي يف الحوار الذي خص به يومية El Watanال يعدو كونه مجرد نسيج من األكاذيب
وتالعبا باأللفاظ خاليا من أي معنى .لذلك ،عوض أن يدعم كالمه بالحجج تجده يلجأ إىل تكرار مزاعم إىل ما ال
نهاية .للتذكري ،بعد صدور حواره ،لفت انتباهه بعض الصحفيني ،وكانوا محقني يف ذلك ،أنه لم يجب عن أية
واحدة من الوقائع التي كنت قد ذكرتها يف مقابالتي مع عدد من الصحف قبله ،مقابالت كان من املفروض أن
يرد عليها يف حواره .يف آخر األمر ،وربما شعورا منه بضعف موقفه وخفة املزاعم التي رددها طيلة نص
الحوار ،اتجه إىل الطعن يف شخيص بعبارات كادت أن تكون شتما سافرا عندما قال عني إني مريض أحتاج إىل
املعالجة مثلما يحتاج املريض النفساني الذي يظل يردد نفس االدعاءات الفارغة تمنعه من رؤية واقع العالم
كما هو من حوله .وبعدما أحس بالغيظ جراء فضحه سياسيا ،لجأ إىل طرق هي أقرب إىل العار .أما من
جانبي ،فأنا أرفض أن أتبعه يف الدرب الذي اختار أن يسلكه ،متعمدا تفضيل االحتقار عن واجب االحرتام .
...".16عوض البكاء عىل مجده الضائع ،كان األحرى بالسيد عبد السالم أن يسهم يف إثراء النقاش الوطني.
فكرة املصلحة العليا لألمة ذاتها لم تنج من سوء معاملة بعض األشخاص الذين أهانوها بردها إىل مستوى
أشخاصهم الصغرية .بالنسبة إيل ،فكرة املصلحة العليا لألمة هذه ال يمكن بلورتها خارج الدستور ويف ظل
احرتام القوانني والتنظيمات .ال أعرتف ألي شخص بالحق يف تنصيب نفسه سيدا للوطنية ،موزعا "فتاواه" يف
اتجاه هذه أو ذلك .نحن نعيش يف ظل جمهورية وما الساسة إال مجرد مو ﱠكلني .ال يولد املرء قائدا .نحن
مطالبون بأال نبتعد عن تلك املفاهيم الجمهورية التي ينبغي ،بالعكس ،تقويتها .الشعب الجزائري غري مدين
برضيبة عرفان نحو القادة عىل أساس ما كانوا عليه يف مرحلة ما من املايض .".
هذا الكالم الذي قاله الجنرال تواتي يف خاتمة حواره الصحفي لم يكن جديدا إذ كثريا ما نسمعه من أفواه أو
79
نقرؤه ألقالم يعاني أصحابها عقدة عدم املشاركة يف حركتنا الوطنية ،أو االنحدار من تيارات سياسية أو
أيديولوجية حاربت هذه الحركة الوطنية من أبناء جلدتنا .ذلك هو سبب انتشار عبارات جذابة من قبيل " :ال
أحد له الحق يف احتكار الوطنية" أو ،تلك العبارة التي أتحفنا بها الجنرال تواتي حينما قال إنه ال يعرتف ألحد
بالحق يف إصدار "فتاوى" .مثل هذه العبارات ال تتطلب ردا آخر غري االبتسامة ،وقد تستدعي قسطا من
الشفقة .ومع ذلك ،تجدني مضطرا إىل الرد عىل عبارة" وما الساسة إال مجرد مو ﱠكلني" بنوع من االندهاش
املمزوج بالسخرية .ال أملك إال أن أسأله :ترى ،ما هي "الفتوى" التي سمحت له باملشاركة يف حرمان منتخبي
ديسمرب 1991من فوزهم وتنصيب قادة آخرين لم يفوضهم أحد يف محلهم ؟ اللهم إال إذا كان يعتقد ،وهذا ما
أظن ،نفسه ومن تبعه يف "فتواه" مصدر املرشوعية يف الجمهورية التي يتحدث عنها ،ومن ثمة املوىل الذي يعود
إليه منح التوكيل .
بالنسبة إىل الوطنيني الجزائريني ،الحديث عن الجمهورية وتحويل مبدئها إىل عقيدة مطلقة ال يعدو أن يكون
دفعا ألبواب مفتوحة أصال .فمنذ نشأة حركتنا الوطنية ،السيما منذ املؤتمر الوطني الثاني لحزب الشعب-
حركة انتصار الحريات الديمقراطية يف أفريل ،1953ظلت فكرة" الجمهورية كشكل حكم" أحد املبادئ
األساسية بالنسبة إىل ما كان يسمى آنذاك بـ" الدولة الجزائرية املستقلة املقبلة" .الوطنيون الجزائريون،
السيما منذ استعادة الجزائر الستقاللها ،ليسوا يف حاجة إىل الترصف كما لو كانوا صعاليك الثورة الفرنسية يف
،1789مضطرين إىل التذكري ،يف كل مرة ،بتمسكهم بالجمهورية من حيث هي مبدأ ثابت وواحدة من القيم
األصلية لثورتنا .أما بالنسبة إىل الفرنسيني ،فعىل العكس ،الجمهورية منذ نشأتها كمحصلة أساسية للثورة
الفرنسية تتحدد بعالقتها بالنظام السيايس واالجتماعي الذي جاءت لتقيض عليه وباإلحالة عىل القيم واملعايري
الجديدة املتمثلة يف الحرية ،املساواة واألخوة التي رسختها يف تنظيم املجتمع الفرنيس ويف شكل الحكم الذي أتت
به يف محل النظام امللكي واإلقطاعي البائد الذي كان قائما عىل عدم املساواة بني الطبقات االجتماعية .
يف ما يخص قيم ثورتنا والتي كانت تشكل الرهان الجوهري يف حرب التحرير الوطني ضد النظام االستعماري
تمثلت أساسا يف :األمة ،االستقالل الوطني ،اإلسالم ،الثقافة الوطنية العربية اإلسالمية ،إعادة املجد لتاريخنا
الوطني العريق ،العدالة االجتماعية ،النهوض بجماهرينا الشعبية .كل هذه القيم تمثل أساس إعالن أول نوفمرب
1954وتم تأكيدها منذئذ يف كل مرة من خالل النصوص األساسية لثورتنا .لكن ،لألسف بالنسبة إىل
"الديمقراطيني" و"الجمهوريني" املزعومني ممن يع ﱡد الجنرال تواتي نفسه واحدا منهم ،أصبحت هذه القيم
عبارة عن تابوهات ينبغي تحطيمها ومفاهيم موروثة عن مايض وىل وحان وقت نسيانه .غري أن الوطنيني
الجزائريني الذين بقوا أوفياء ألنفسهم وللقيم األساسية والثابتة لثورتنا ال يعتربون أبدا من قبيل تنصيب الذات
"أسيادا لحب الوطن" أن يواصلوا التمسك بهذه القيم والدفاع عنها يف الوقت الذي يحاول البعض ،شفاء
للغليل الشك ،جعلها نسيا منسيا ودفنها إىل األبد .جوهر الخالف مع الجنرال تواتي ومن شاطره مشاعره هو
عىل هذا املستوى ألننا يف هذه الجزائر بدولتها املستقلة اليوم لم ننحدر من نفس األصول .
ختاما ،ومن دون اللجوء إىل ترجمة حكمة بسيطة بالقبائلية ،أرد عىل الجنرال تواتي بهذه الكلمات" :أدعو الله
أن يلطف بك وينفعك بحكمته التي ال حدود لها!".
80
béjÔaíÈì@>àíÙy@ãbéà@óîbéä@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN24
2007O08O13@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
أود اآلن أن أخوض يف الجدل الذي خص مسألة نجاح أو إخفاق السياسة االقتصادية لحكومتي التي لم تعمر
إال 13شهرا وبضعة أيام ،فأبدأ بما ورد يف ذات الخالصة التي ألحقتها بمرشوع برنامج عمل حكومتي ،وجاء
كاآلتي:
"تحدد الحكومة ،هكذا ،األهداف التي ترسمها لنشاطها ،كما تعلن بوضوح الوسائل والسبل التي تنوي
اعتمادها من أجل القيام بمهامها .األرضار التي لحقت بالبالد يف املجالني االقتصادي واالجتماعي عميقة وال
يمكن تقويمها بعصا سحرية وال يف وقت قصري .وإذا كان من املمكن األمل يف نتائج ملموسة يف أجل قريب
نسبيا يف ما يخص معالجة األزمة ،فإن الخروج النهائي من هذه األزمة والتسوية الفعلية للمشاكل التي كانت
السبب فيها ال يمكن تصوره إال عىل املديني املتوسط والبعيد .وبعبارة أخرى ،نحن يف حاجة إىل وقت من أجل
هذا الخروج النهائي ؛ مما يجعل الوقت عامال حاسما يف كل مسعى يكون هدفه الوحيد خالص الجزائر".
وعليه ،لقد حذرت ،منذ البداية ،أن حكومتي ال يمكن أن تظهر وتقدﱠر قيمة نتائج نشاطاتها إال عىل املديني
املتوسط والبعيد .إال هذا الحكومة – التي طلبت مهلة بضع سنوات من أجل التمكن من تطبيق برنامج عملها
– ما لبثت أن أُنهيت مهامها بعد 13شهرا و 10أيام فقط .إن الذين نصبوا حكومتي ووافقوا عىل برنامجها
وأقروا برضورة املدة املطلوبة منها ثم ما لبثوا أن أنهوا مهامها سنة ونيف بعد تعيينها ،لم يروا ،إىل حد اآلن،
أي داع إلبالغ الجزائريني باألسباب التي أدت بهم إىل تغيري رأيهم .يظل هؤالء ،مثل الجنرال تواتي ،مكتفني
بتكرار ادعائهم أن حكومتي أنهيت مهاما ألنها "أخفقت يف سياستها االقتصادية" ،لكن من دون توضيح هذا
اإلخفاق ألنهم لو أرادوا ،فعال ،أن يبقوا منطقيني مع أنفسهم ملا أمكنهم الحكم عىل هذه السياسة باإلخفاق إال
بالرجوع إىل الربنامج الذي وافقوا عليه وعىل أساس معطيات ملموسة يمكن أن يفهمها الجميع .إن قرار إنهاء
مهام حكومتي كان بمثابة فسخ العقد من طرف واحد .لقد كان هذا العقد معنويا ومكتوبا معا .عقد معنوي،
ألن العرض املتعلق برتؤيس الحكومة لم يتم اقرتاحه إال بعد االستماع إىل أرائي حول طبيعة األزمة التي كانت
بالدنا تعيشها آنذاك وحول إيجاد الحلول للمشاكل التي كانت السبب يف هذه األزمة ،إضافة إىل مسألة الوقت
الالزم لذلك .عقد مكتوب ،ألنه تجسد من خالل برنامج العمل الذي قدمته للمجلس األعىل للدولة للموافقة عليه
والذي تبلورت فيه األفكار التي كنت قد عربت عنها شفويا أمام من دعاني إىل املنصب وحصل عىل موافقة
هؤالء رسميا .صحيح ،العقد ليس نصا مقدسا .إنه قابل للتعديل أو اإللغاء يف أي وقت .لكن العقد الذي نتحدث
عنه تعلق بمصري الجزائريني يف جميع مناحي الحياة ؛ لذلك ال يمكن إخفاء األسباب التي أدت إىل إلغائه عن
الشعب ،عىل األقل كي نصدق ما يظل هؤالء يدعونه من أننا نعيش يف جمهورية وديمقراطية يُفرتض فيها
تجسيد معايري اإلعالم للجميع والشفافية .
أظن أن هذا النص سيفيد الجزائريني بوقائع ومعلومات ،ال يعرفونها فقط ،وإنما كان هناك سعي إلخفائها
وتغليط الناس بشأنها .أحد املسؤولني عن هذا اإلخفاء وهذا التغليط هو الجنرال تواتي بالذات كما سنرى يف ما
بعد .بقي أن نعرف الظروف التي وقع فيها اتخاذ قرار تنحيتي إضافة إىل محاولة فهم ما قام به املدبرون
81
الحقيقيون بعد هذه التنحية .
أوال ،عالقاتي باملجلس األعىل للدولة منذ اجتماع 18جويلية 1993واالجتماع الضيق املنعقد يومني من بعد.
كما هو معلوم ،استمرت املحادثات مع واحد من املساعدين املبارشين للجنرال خالد نزار ،وقد خصت ،أساسا،
التعديل الحكومي وتم االتفاق حول عدد من األسماء بينما وقع االختالف حول أسماء أخرى .كما تناولت
املحادثات أيضا ،وبصفة ثانوية ،مسائل اقتصادية كان يظن مخاطبي أثناءها أن صندوق النقد الدويل سيمنح
الجزائر مبالغ مالية ضخمة تمكنها من التغلب عىل البطالة وبالتايل من تقليص عدد الشباب ممن قد يغرهم
االلتحاق بصفوف التمرد والتخريب .أذكر أن هذه املحادثات وقعت بعد االجتماع مع املجلس األعىل لدولة يف 18
جويلية ،أي أثناء العطلة القصرية التي تلت هذا االجتماع والتي كان من املقرر أن تستمر إىل غاية نهاية النصف
األول من شهر أوت .هذا املساعد ،وكان واحدا من الجنراالت القادة عىل مستوى وزارة الدفاع ،كلفه الجنرال
خالد نزار ،قبل الذهاب يف عطلة ،مواصلة الحديث معي حول تلك املسائل التي تم تناولها معه والبحث عما إذا
كان هناك حل وسط بشأنها .
ثانيا ،مسالة تنظيم ملتقى حول الخيارات االقتصادية ورهاناتها .يف أواخر جويلية أو أوائل أوت ،أعلنت ،من
خالل بالغ ،خرب تنظيم ملتقى ،يف شهر سبتمرب املوايل ،حول الخيارات االقتصادية ورهاناتها موضحا أن هذا
امللتقى كان مفتوحا لكل من كانوا مهتمني باملسائل االقتصادية وأن جلساته ستكون مفتوحة لجميع الصحف
ومنقولة مبارشة عرب شاشة التليفزيون .بعض من املعارضني لسياستي ظنوا يف هذا اإلعالن مناورة الغاية منها
تحميل غريي مسؤولية اللجوء إىل صندوق النقد الدويل يف حالة إقراره من أجل إعادة جدولة ديوننا الخارجية.
وسواء كانوا قاصدين دعاية كاذبة أو سوء التقدير إلخفاء ما كانوا يفكرون فيه فعال ،أراد خصومي حمل
الناس عىل االعتقاد أنني وصلت إىل االقتناع أال حل آخر غري اللجوء إىل صندوق النقد الدويل للخروج من املأزق
الذي وضعت نفيس فيه وأنني لم ِأرد ،من خالل تنظيم امللتقى املذكور ،سوى القيام بمحاولة يائسة الهدف
منها تحميل غريي مسؤولية إعادة الجدولة وما كان منتظرا منها من عواقب وخيمة عىل مواطنينا .هؤالء الذين
أجهزوا عىل حكومتي ،كانوا ينسبون إىل نوايا دعاة إعادة الجدولة ،هؤالء الدعاة الذين كانوا يبحثون عن عذر
لتغطية الغدر الذي كانوا مقدمني عليه ضد الشعب الجزائري .لذلك ،ويف بالغ ثان أذيع يف جميع وسائل اإلعالم،
وضحت أن مرشوع امللتقى كان باتفاق مع املجلس األعىل للدولة .
وفعال ،لقد تبنيت نفس الفكرة التي أدىل يل بها الجنرال خالد نزار من قبل يف شكل سؤال " :ملاذا لم يتم
تنظيـم ملتقى حول املسائـل االقتصاديـة؟" أثناء مأدبة الغداء املذكورة التي جمعتنا بمقر إقامة الرئيس عىل
كايف .وكما قلت من قبل ،رددت عىل الجنرال خالد نزار هكذا" :متفق ! لكن رشط أن تنقل أشغال املؤتمر عىل
املبارش يف شاشة التليفزيون .".فما كان له إال أن أجابني ببساطة " :لم ال ؟" .بناء عىل ذلك ،أعلنت تنظيم
امللتقى يف شهر سبتمرب مع نقل أشغاله مبارشة عىل شاشة التليفزيون إىل جانب الصحافة املتواجدة بالقاعة .لم
يتأخر خصومي بشأن السياسة االقتصادية يف الرد عىل التحدي ،لكن هذه املرة من جانب املجلس األعىل للدولة
عىل لسان رضا مالك الذي كان يشرتط أمرين :
-أال يكون النقل عرب التليفزيون والصحف مبارشة وإنما من خالل عروض تتم صياغتها بعد كل جلسة ؛
-أال تكون املناقشات تحت رئاستي وإنما تحت رئاسة شخصية أخرى بحجة رضورة سري هذه املناقشة يف جو
82
من الحياد .
أما أنا فقد رفضت هاذين الرشطني لألسباب اآلتي ذكرها :
أ .يف ما يتعلق بالنقل املبارش للمناقشات عىل شاشة التليفزيون ،اإلذاعة والصحافة املكتوبة املعتمدة بامللتقى،
حرصت كل الحرص عىل فضح وامتحان صدق من ظلوا طيلة سنة كاملة يهاجمونني بحدة بسبب السياسة
االقتصادية لحكومتي ولم ينقطعوا عن الطعن يف شخيص ونشاطاتي .كما أردت ،عىل وجه الخصوص ،مطاردة
أنصار إعادة الجدولة إىل آخر معقل لهم ،مركزا يف تدخالتي عىل النقاط اآلتية :
-جرد الحتياجات الجزائر من الواردات ،سواء بالنسبة إىل االستهالك العادي للسكان أو بالنسبة إىل دعم
النشاطات اإلنتاجية ومتطلبات التنمية ؛
-تطور مديونيتنا الخارجية والوضعية الفعلية للجزائر يف مجال املخزون من العملة الصعبة للتسديدات
الخارجية ،مع إعالم الجميع ،يف وضح النهار وبلغة يفهمها كافة املواطنني .هكذا ،كان بوسع كل واحد أن
يعرف الطريقة املستعملة ،منذ صيف ،1993يف ضمان تغطية حاجيات اقتصادينا األساسية .بفضل توضيح
هذه الجوانب الثالثة )وسائل التسديد الخارجية ،املديونية الخارجية ،تغطية مواردنا األساسية( ،كان بإمكان
الجميع أن يدرك كيف أن وضعنا كان ،حقيقة ،صعبا لكن لم يكن أبدا مستحيال ؛
-اآلثار الفعلية للحلول املنتظر الحصول عليها جراء االتفاق مع صندوق النقد الدويل .أوال ،يف ما يخص األرقام
الفعلية املمثلة للمساعدة اإلضافية السنوية من أجل رفع قدراتنا يف مجال استرياد املواد األولية ،املواد نصف
املصنعة وقطع الغيار الرضورية لالنطالقة االقتصادية .ثانيا ،كشف فحوى الرشوط املفروضة من طرف
صندوق النقد الدويل من أجل الحصول عىل حلول بفضل تدخله .لقد كان بإمكان الجزائريني ،هكذا ،معرفة ما
كانوا بصدده بسبب اآلثار املرتتبة عىل ذلك العالج القايس الذي كان صندوق النقد الدويل يفرضه .تلك األرقام
التي ما فتئ منارصو اللجوء إىل هذه املؤسسة املالية الدولية يتبجحون بها ويقولون إن أمواال ضخمة تعد
بمليارات الدوالرات ستتدفق علينا وتمأل خزائننا حالة قبولنا إلبرام عقد مع صندوق النقد الدويل كانت ،أي هذه
األرقام ،ستُفضح وستظهر عىل حقيقتها لتقيض عىل جميع األوهام ،يف حني ستؤدي الرشوط املفروضة إىل
عواقب قاسية عىل حياة كافة الجزائريني ماعدا أقلية منهم من املنتفعني الذين كان مثل هذا الوضع يف صالحهم
بحيث كان سيقذف بهم إىل قمم الثراء بفضل الفوائد الضخمة الحاصلة عن طريق عمليات االسترياد-التصدير .
-حمل كل من كانوا يتحركون يف الظل ويروجون ألرقام مغلوطة ،أو يحمﱢ لون أرقاما صحيحة تأويالت تبعث
عىل اليأس والهلع ،عىل الخروج إىل العلن وتعريض أنفسهم للتفنيد والتكذيب عىل مرأى ومسمع املأل.
وباختصار ،أردت أن أفضح هؤالء أمام الناس جميعا .
لقد كنت مصمما فعال عىل مواصلة حملة التطهري والتوضيح التي رشعت فيها منذ تدخيل أمام إطارات والية
الجزائر العاصمة يوم 24جوان ، 1993حملة أكدتها يف ما بعد بنرش وثيقة مكتوبة وموزعة تحت عنوان
"مذكرة لعرض التوجهات الرئيسية لربنامج الحكومة االقتصادي" .هكذا ،كنت عاقدا العزم عىل فضح من
كانوا يصطادون يف املياه العكرة وكانوا يدبرون املكائد يف الخفاء .لكن يف ما يخصني أيضا ،كنت أعرض نفيس
لصعوبات أو لتكذيبات بشأن املواقف ،املعلومات واملعطيات التي كنت أستند إليها كأساس لسياستي
االقتصادية وكتربير للخيارات واألهداف املتضمنة يف هذه السياسة .تلك هي قاعدة اللعبة ،وقد قبلتها بصدر
رحب ألنني لم أكن أخفي شيئا ما أو أخشاه.
83
óÜbÕnýa@ôÝÈ@ñŠbjufi@μïÈíï“Üa@Êà@aìü aím@ðàí—‚N25
2007O08O14@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
أما خصوم سياستي ،فقد أبدوا ،من خالل ترصفاتهم ،خوفا من الشفافية ألنه كان لهم ،عىل األقل ،يشء ما
يريدون إخفاءه عىل الشعب الذي أمرت بأن تجري النقاشات عىل مرآه ومسمعه .لقد وفرت ،بترصيف هذا،
للجنرال تواتي أو من قبلوا التحدث باسمه فرصة من ذهب إلفحامي أمام الرأي العام الوطني وتبيني بطالن
سياستي.
إن الجنرال تواتي وربما املجلس األعىل للدولة – مادام يختفي وراء هذه املؤسسة التي حولها إال مسألة ال محل
لها من اإلعراب – كان لهم كل الحرية إلثبات إخفاق سياستي االقتصادية وإبراز عنادي يف رفض هذا اإلخفاق،
غري قابل لإلقرار بالواقع كما يدعي الجنرال تواتي يف الكثري من األماكن من الحوار الصحفي الذي خص به
يومية El Watan.االعرتاض الذي عرب عنه رضا مالك باسم املجلس األعىل للدولة يف ما يخص النقل املبارش
لوقائع امللتقى جاء بحجة أن هذه الطريقة كان من شأنها تحويل امللتقى إىل فرجة إعالمية يمكن أن تنتهي
فجأة من دون التوصل إىل خالصة .مرة أخرى ،نجد ذلك الحذر الغريزي الذي يطبع "ديمقراطيينا" نحو
الشعب ،السيما "الجماهري" ؛ هذه املفردة التي ينفر منها الجنرال تواتي .هنا أيضا ،ملست ذلك النوع من ردود
الفعل املعتادة لدى خصوم الوطنية الجزائرية قبل اندالع ثورة التحرير وها هم اليوم ،بعد أن أخرستهم هذه
الثورة ،يرفعون الرأس ثانية ملهاجمة كل نداء مبارش إىل الشعب عىل أنه نزعة شعبوية مرضة ألن املوضوع
املفضل لدى هؤالء هو إبراز دور "النخبة" التي يمنحوها مكانة كربى يف تسيري شؤون البلد .أود أن أغتنم هذه
املناسبة لإلشارة إىل أن بعض الصحفيني ممن كانوا يف صف هذا التيار "الديمقراطي" الموني ذات يوم عىل
إذاعة ترصيحاتي مبارشة عىل شاشة التليفزيون .حسب رأيهم ،من باب ضمان الفعالية كان من األحسن يل أن
أمدهم باملوضوعات التي كنت أتمنى إحاطة الرأي العام علما بها ليتكفلوا هم ،بعد ذلك ،بالطريقة التي تصلح
لنرشها .وهذه طريقة غري مبارشة استعملوها يف معاتبتي عىل تجاوزهم والتحدث إىل الشعب مبارشة .عىل أية
حال ،ذلك هو ترصف كل من أراد أن يفرض نفسه وسيطا بني الشعب وقادته .إن الرفض القاطع الذي أبداه
رضا مالك ضد نقل مناقشات امللتقى عىل املبارش ملست فيه خلفية لذلك الرفض للسماح للشعب باالطالع
مبارشة عىل املعطيات التي تتوقف عليها الحلول املتصلة بمصريه وذلك االدعاء برضورة تمكني "نخب "
مزعومة من أن تكون الوسيط اإلجباري للحديث إىل الشعب .
بطبيعة الحال ،لم أكن بذلك املغفل الذي لم يدرك أن العرض املقرتح عيل برتك الصحفيني يتكفلون بإيجاد
أحسن طريقة لنقل أفكاري إىل الرأي العام كان الهدف منه إتاحة الفرصة لهؤالء الصحفيني للترصف يف
أفكاري بحسب هواهم ،أي إيصال أفكار إىل الرأي العام هي أفكار لغريي وأفكار خصومي السياسيني يف نهاية
األمر لكن باسمي هذه املرة .ب .يف ما يتعلق بتسيري مناقشات امللتقى ،لم أوافق عىل الرشط الذي وضعه املجلس
األعىل للدولة بخصوص تكليف شخصية أخرى غريي اإلرشاف عليه بحجة الحياد املزعوم تجاه األطراف
املنخرطة يف النقاش .وعلة رفيض كانت بسيطة ألنني كنت أنا الذي من كان مصريه مرهونا بحسب مجريات
امللتقى والنتائج التي كانت سترتتب عليه .لذلك ،اعتربت أنه من عدم الحيطة أن أسمح لغريي بالحق يف
84
حرماني من إمكانية الدفاع عن نفيس كلما دعت الحاجة أثناء املناقشات .صحيح ،لقد عرضوا عيل شخصية
أحرتمها كثريا ،لكن هذه الشخصية كانت آنذاك ،من الناحية السياسية ،يف صف "الديمقراطيني" املشتهرين
بعدائهم يل واعرتاضهم الشديد عىل سياستي ،السيما يف املجال االقتصادي .فباسم الحياد ورضورة تهدئة
الجدل ،كان من املمكن حرماني من التدخل لتوضيح بعض األمور أو للرد عىل حاالت لتشويه الحقيقة أو
لتقديم معلومات البد منها .
إال أنني مع ذلك ،حرصت كل الحرص عىل تمكني خصومي من التعبري عن أفكارهم بكل حرية وتقديم الحجج
لتأييد هذه األفكار ،ومن انتقاد التصورات املعتمدة يف برنامجي واملوضحة بالتفصيل يف املذكرة املوزعة يف أوائل
جويلية ،1993وكذا من الطعن يف املعطيات واألرقام املذكورة يف وثائقي .أي ،باختصار ،حرصت عىل أال أحرم
أحدا من أية وسيلة وفرصة إلطالع الغري عىل خياراته .بالنسبة إيل ،الحكم عىل األفكار كان من حق املتتبعني
للمناقشات حتى وإن لم يكونوا حارضين معنا جسديا ،أي الشعب يف عمومه .ولوا حدث أن ترصفت بصورة
منحازة أو كنت غري نزيه يف قيادة املناقشات ،الكتشف الجمهور املتتبع ذلك وأصدر حكمه عيل يف ما يخص
النتائج املتمخضة عن هذه املناقشات بعد تتبعه لها .لقد كنت واثقا من مواقفي أصال السيما وأنني اخرتت
الشفافية التامة كأسلوب ،كما أنه لم يكن هناك ما يجعلني أستحي من استعراض جميع جوانب سياستي
واألهداف املتوخاة فيها .باختصار ،لم يكن لدي ما أخفيه ،عىل العكس من خصومي الذين لم يكونوا رصحاء
ولم يعرتفوا بأهدافهم الحقيقية التي أردت أن أفضحها أمام املأل .أكرر ،لقد استعمل خصومي ،بصورة خبيثة،
أرقاما مغلوطة ومعطيات غري صحيحة كان من الصعب عليهم تبنيها يف وضح النهار أمام مسمع ومرأى
املتتبعني ،أي الجزائريني أنفسهم .يف الحقيقة ،فكرة تنظيم ملتقى حول القضايا االقتصادية خرجت من دماغ
أنصار اللجوء إىل إعادة الجدولة ،من بينهم الجنرال تواتي ،هذا إذا لم يكن هذا األخري هو الذي أوحى بها يف
األصل .الغرض املتوخى من هذا امللتقى اتصل بإيجاد الحجج التقنية الدامغة لتأييد اللجوء إىل صندوق النقد
الدويل وتقديمه للمواطنني عىل أنه قدر محتوم كما أثبته الخرباء واالختصاصيني "األكثر كفاءة" يف مجال
االقتصاد .ولعل الغرض تعلق أيضا ،يف أذهان أصحابه ،بحميل عىل تغيري رأيي واملوافقة عىل إعادة توجيه
سياستي بشأن تسوية مشكلة الديون الخارجية يف اتجاه الرشوط التي كان صندوق النقد الدويل يفرضها .يف
نهاية األمر ،أنصار إعادة الجدولة الذين بقوا مختفني وراء الستار كانوا يريدون إيجاد حجة تمكنهم من
التهرب من مسؤولية الخيار االقتصادي الذي رضوه لبلدهم مع كل ما ترتب عليه من عواقب وخيمة عىل حياة
املواطنني .تماما مثلما وفرت "استقالة "الرئيس الشاديل سنة تقريبا من قبل لهؤالء عذرا مناسبا ،وإن لم يكن
مقنعا ،من أجل تغطية القيام بذلك التدخل القوي الذي جاء به تغيري جانفي . 1992
وبعدما تبنيت الفكرة ،صار تنظيم امللتقى املذكور حامال لخطر ضد أصحابها األصليني .هكذا صار أنصار
إعادة الجدولة ،لحاجة يف نفس يعقوب ،يرون إسرتاتيجيتهم كلها ليس فقط معرضة لخطر االنهيار وإنما
كانت قادرة عىل التسبب يف اإللغاء التام لحلهم املفضل يف ما يخص الديون الخارجية ،أي اللجوء إىل صندوق
النقد الدويل .وبالفعل ،فلقد أخذت أصداء تظهر عىل مستوى بعض دوائر الحكم حول ردود فعل الجماهري
الشعبية والطبقات املتوسطة إثر ترصيحاتي وما كشفت عنه أمام إطارات والية الجزائر العاصمة يف يوم 24
جوان . 1993ردود الفعل هذه بينت أن الجزائريني ،السيما الجماهري العريضة الهشة ،بدأوا يدركون ،أكثر
فأكثر ،طبيعة العواقب املنتظرة من عملية إعادة جدولة ديوننا الخارجية املورثة عن الثمانينيات .بالنسبة إىل
أنصار إعادة الجدولة هذه ،لم يبق هناك إال سبيلني :إما تحول امللتقى – الذي أرادوه لخدمة غرضهم املتمثل
85
يف اللجوء إىل صندوق النقد الدويل – إىل منتدى تنكشف فيه مناورتهم ويُحكم فيه ،أمام الجماهري ،باملوت
النهائي عىل الحل الذي كانوا يحاولون فرضه قبل الرشوع يف مساعيهم وإما التحرك من أجل الحصول عىل
تنحيتي وحل حكومتي قبل انعقاد امللتقى .لعل هذا هو املعنى الذي حمله املسعى الذي رشحه الجنرال تواتي
يف الحوار الذي خض به يومية El Watanحني قال " :بناء عىل ) (1املعطيات املقدمة من طرف املستشار
االقتصادي لرئاسة املجلس األعىل للدولة ،السيد بوزيدي ،؛ ) (2رفض السيد عبد السالم تعيني وزير لالقتصاد،
اقرتح الجنرال خالد نزار عىل السيد عيل كانفي ،رئيس املجلس األعىل للدولة ،عدم امليض أكثر مع السيد عبد
السالم يف رهانه لتجنيبنا اللجوء إىل إعادة الجدولة ".
يف الواقع ،كان بإمكانه أن يقول ،ببساطة ،أنه عندما أردت أن أجعل من امللتقى منتدى تُنقل مناقشاته مبارشة
عىل شاشة التليفزيون ،أوحى أنصار إعادة الجدولة الذين كان واحدا من قادتهم ،إن لم يكن قائدهم الرئييس،
إىل الجنرال خالد نزار بإخبار الرئيس عيل كايف أن الخيار الوحيد الذي بقي له هو "عدم امليض أكثر مع السيد
عبد السالم" والقيام بإنهاء مهامه بحجة إخفاق سياسته االقتصادية .وهذا ما تم بالفعل بتاريخ 19أوت
1993وتم إعالنه يومني من بعد يف ظروف سأتعرض لها يف ما بعد .قبل ذلك ،كان خصومي يأملون يف
إجباري عىل استقالة تلقائية بتعطيل املوانئ الجزائرية بواسطة إرضاب للعمال من أجل خنق نشاطاتنا
االقتصادية والبالد بأرسها .غري أن هذه املناورة األخرية ،التي ساعدهم فيها الشيوعيون لدى العمال ،رسعان ما
أُحبطت ؛ مما جعلهم يعتقدون أال حل بقي لهم غري إقالة حكومتي .يف ما يتعلق باملواجهة التي حدثت ،من
خالل املجلس األعىل للدولة واملتحدث باسمه رضا مالك ،بيني وبني أنصار إعادة الجدولة لعل يف مقدمتهم
الجنرال تواتي ،لم يرش إليها هذا األخري إطالقا يف الحوار الصحفي املذكور .لكن ،عىل أية حال ،لقد اتضح اآلن
أن هذه املواجهة لم تكن الواقعة الوحيدة والحقيقة الوحيدة التي أخفاها عن الرأي العام الذي أراد أن يغلطه ال
أن ينريه بفضل "روايته لألمور".
86
>ÜbÔg çþÈg@ãíî@Lpìc@21ì@óÜì‡ÝÜ@ôÝÈÿa@Ý1bi@ðÜ@öbÕÜ@‹‚eN26
2007O08O15@ßbÕ¾a@„îŠbm
كما ذكرت ،خرجت من محادثاتي الطويلة التي جرت ،يوم 20جويلية ،1993بيني وبني الرئيس عيل كايف
والجنرال خالد نزار وأنا متأكد من أن قرار اللجوء إىل إعادة الجدولة قد تم اتخاذه ولم يبق لهؤالء الذين اتخذوه
إال محاولة إقناعي تحمل مسؤوليته والعواقب املرتتبة عليه .بل أجزم أن محاولة إقناعي بالدخول يف لعبة إعادة
الجدولة كان نزوال عند رغبة الجنرال خالد نزار الذي – خالفا ،الشك ،للجنرال تواتي وأتباعه من
"الديمقراطيني" داخل الجيش الوطني الشعبي وخارجه – يبدو أنه لم يتمن رحييل.
وبالفعل ،من بني إطارات مؤسستنا العسكرية كان هناك من وثق ،بصدق ،يف صحة املعطيات واألرقام التي
كانت تأتيهم وظن أن الجزائر كانت عىل حافة العجز عن التسديد واالنهيار االقتصادي الذي ال يمكن تجنبه
سوى باللجوء إىل صندوق النقد الدويل .بينما استسلم آخرون ،ممن أغوتهم الفوائد الوهمية القتصاد متحرر
تماما ،للمنفعة املزعومة الحاصلة بفضل إعادة الجدولة .أما يف ما يخص الجنرال تواتي ،فاألمر يختلف إذ
إضافة إىل دوافعه املتصلة باالقتصاد كانت له – كما يظهر يف الحوار الصحفي املذكور – نية إلشفاء الغليل
بسبب التحدي الذي ناله مني والذي ظل يجرته عندما رفضت له االمتيازات التي كان يريدها لحزب التجمع من
أجل الثقافة والديمقراطية باإلضافة إىل تسوية بعض املسائل الشخصية كما كان يريد ،السيما يف ما يخص
حاالت بعض الصحف التي كانت لها صلة به .يف رأيه ،كيف يمكن أن يحدث ذلك وهو الذي كان يظن نفسه
رجل نفوذ و"مخا" ملهما لخيارات السلطة .هذا الرجل الذي كانت تدخالته أكثر فعالية من املسؤولني
الصوريني الذين نصبتهم هذه السلطة ،لم يستسغ كيف أسمح لنفيس بعدم النزول عند رغباته واعتربها بمثابة
األوامر .لذلك تجده يتهمني بالنزعة القيرصية يف ممارسة السلطة .وألنني قررت أال أستجيب لألصوات امللحاحة
الداعية إىل اللجوء إىل إعادة جدولة مديونيتنا الخارجية وال لتلك الوعود الرنانة يف ما يخص ترقيتي الخاصة
مقابل التخيل عن سياستي ،لم أشك يف أن املواجهة التي كنت بصددها ،من خالل املجلس األعىل للدولة ،مع
دعاة االستنجاد بصندوق النقد الدويل كانت ستنتهي ،ربما ،بإنهاء مهامي كرئيس حكومة .كما أوحيت إىل
مساعد واحد فقط من املساعدين يل أن حكومتي لن تدوم ،ربما ،إىل ما بعد العطلة التي اتفقنا عليها يف مأدبة
الغداء بمقر إقامة الرئيس عىل كايف يف يوم 20جويلية .1993والتزاما بسريتي يف ممارسة مختلف املسؤوليات
التي أنيطت بي طيلة حياتي – وهو ما أكدته أمام إطارات والية الجزائر العاصمة وبمناسبة اإلجابة عن أسئلة
بعض الصحفيني أثناء جولتي التفقدية بواليات جنوب البالد – حرصت عىل مواصلة مهامي من دون إعارة
االهتمام إىل مصريي كرئيس حكومة .
الشك أن ذلك كان واحدا من األسباب الرئيسة يف تكثيف محاوالت زعزعة حكومتي .وباإلضافة إىل الصحافة
املسماة بـ "الحرة واملستقلة" ،كان هناك هجوم عىل الجبهة االجتماعية منذر بدخول اجتماعي ساخن للغاية.
السلسلة األوىل من مطالب بعض النقابات استجابت لها الحكومة برسعة بعد لقاء تم مع األمانة الوطنية
لالتحاد العام للعمال الجزائريني .بعد ذلك ،بدأ تحرك نقابات عمال املوانئ بهدف توقيف العمل يف جميع
موانئ الجزائر من أجل شل جميع النشاطات االقتصادية يف البلد .وقد سمحت االتصاالت بهذه النقابات بإيجاد
تسوية للمشاكل ذات الطابع املادي واملهني التي أثارها العمال يف أغلب املوانئ التي طالها اإلرضاب ماعدا عمال
موانئ الجزائر العاصمة الذين ظلوا متمسكني بموقفهم نتيجة التأثري الذي كانت عنارص شيوعية ،لها عالقة
بحزب الطليعة االشرتاكية ،تمارسه عليهم .يف نهاية األمر تنازلوا عن موقفهم وأعلنوا نهاية اإلرضاب عندما
هددهم عمال يف موانئ أخرى بفضحهم أمام املواطنني أنهم كانوا يقومون باإلرضاب ألغراض سياسية ال من
أجل الدفاع عن مصالح العمال .فشل هذا اإلرضاب وخطر تحول امللتقى حول القضايا االقتصادية إىل غري
صالحهم – عكس ما كانوا يريدون منه يف األصل ،أي تزكية اللجوء إىل صندوق النقد الدويل – كانا هما أيضا،
ربما ،من بني العوامل التي دفعت أنصار إعادة الجدولة إىل التحرك من أجل الحصول عىل إقالتي مبارشة قبل
انفالت زمام األمور من أيديهم عندما يبني تطور األوضاع بطالن مساعيهم .
من ناحية الصحافة ،قررت التمسك بعدم جعل خزينة الدولة تتكفل بفواتري طبع الصحف التي كانت تبدو
أمام الجميع ،بمن فيهم الصحفيني عىل وجه الخصوص ،متوفرة عىل األموال الرضورية لهذه الغاية .تلك كانت
حالة يومية Libertéاململوكة لرجل صناعة أمواله تعد بمليارات الدينارات والذي كان ،يف الوقت ذاته ،مدينا
ملصالح الرضائب بمبلغ 140مليار سنتيم من دون أن نُدرج يف الحساب عقوبات التأخر عن التسديد .وهكذا
أيضا كانت حالة يومية Le Matinالتي لكم تكن تدفع مستحقات الطبع لكنها استطاعت رشاء عمارة فخمة
يف العاصمة بأموالها الخاصة ،أموال ظهرت إشاعات ،يف أوساط الصحفيني ،تفيد باستعمال جزء منها ألغراض
88
غري متصلة مبارشة بسري املؤسسة .وقد بلغ األمر بمسؤول إحدى الصحف حد القول ،شاهرا دفرت شيكاته ،إن
له من املال ما يسمح له بتسديد الفواتري لكنه يرفض القيام بذلك كي تمتد فرتة تعليق صدور جريدته بهدف
ممارسة ضغط من أجل رحيل رئيس الحكومة .أخريا ،وكوزير لالقتصاد ،بلغني تقرير من مصالح الرضائب
حول عدم قيام رجل صناعة معروف يف األوساط العاصمية بتسديد مستحقات الدولة من الرضائب عىل الفوائد
التجارية التي حصلت له من عمليات االسترياد .وقد أصدرت تعليمات لهذه املصالح باالنطالق يف اإلجراءات
الالزمة الستعادة املستحقات من هذا املتعامل .تنفيذا لهذه األوامر ،منح للمعني مهلة 30يوما لتسوية وضعه
الرضيبي ،وبعد انقضاء هذا األجل كانت مصالح الرضائب مخولة للتحرك عن طريق املصادرة من أجل
استعادة مستحقات الخزينة العمومية .وقد علمت يف ما بعد أن انقضاء هذا األجل اتفق – بصورة غريبة وكما
لو كان محض صدفة – مع اليوم الذي أقيلت فيه حكومتي .رجل الصناعة العنيد هذا تجرأ ،يف ما بعد ،عىل
الترصيح عالنية ومن دون خشية أي عقاب ،أنه استطاع ،بفضل دعم جنرال ،الحصول عىل إلغاء التقويم
الرضيبي الذي قررته له مصالح الرضائب عندما كانت تحت إمرتي .إال أن الجنرال تواتي ،الذي تجمعه برجل
الصناعة هذا عالقات معروفة ،لم يقل كلمة حول هذه القضية .
يف إطار ممارسة مهامي كرئيس حكومة ومواصلة لتطبيق الربنامج الذي سطرته لحكومتي ،أنشأت فوج عمل
للتحضري الفعيل ،مع الدخول االجتماعي ،لعملية تغيري العملة مشفوعة بآليات ملراقبة األموال النقدية ،بمختلف
أشكالها ،التي كانت بحوزة األشخاص املاديني واملعنويني يف الجزائر .كما أرسلت إىل الوالة تعليمات بشأن
التحقيق يف الظروف التي وقع فيها التنازل عن األمالك العقارية التي كانت تابعة للدولة لتصري أمالكا خاصة.
قبل ذلك ،كانت مصالح أمالك الدولة قد فرغت من إحصاء جميع قطع األرض والعقارات التي كانت مساحتها
1000م فما فوق وبيعت للخواص .كما كان هناك إحصاء مماثل يف يخص قطع األرض والعقارات الباقية لم
يشملها اإلحصاء األول .لقد تعلق األمر ،يف هذه الحالة ،بتدابري موجودة ،رصاحة أو ضمنيا ،يف برنامج عمل
حكومتي .يف األخري ،حدثت واقعة شخصية لم تكن عىل تلك األهمية كي أثريها يف هذا السياق وإنما أسوقها ألن
البعض حاول أن يجعل منها قضية ذات طبيعة سياسية .يتعلق األمر بزيارة كنت قد قمت بها إىل الرئيس بن
بلة يف جويلية .1993أول مرة رأيت فيها بن بلة منذ 1965كانت بمناسبة مراسيم دفن الفقيد الرئيس محمد
بوضياف .عندما عاد الرئيس بن بلة من منفاه الطوعي ،لم أر داعيا إىل أن أكون من بني مستقبليه ألن ذلك
كانت له داللة سياسية .يف ما بعد ،لم تتح الفرصة يل للقيام بزيارة مجاملة له إىل ذلك اليوم الذي التقينا فيه
أثناء املناسبة التي أرشت إليها منذ حني .اقرتح عيل زيارتي ببيتي فقلت له ،بالعكس ،أنا الذي سأزوره ببيته.
أياما من بعد ،رصت رئيس حكومة بينما كان هو قد غادر الجزائر فقررت انتظار عودته للوفاء بوعدي ؛ وهو
ما قمت به أثناء عطلتي القصرية يف صيف .1993أثناء حديثنا ،قال يل إنه كان متفقا مع برنامجي وإنه ،من
ناحية ثانية ،لو منح مهلة ستة شهور سيعمل كل ما يف وسعه لتسوية الخالف مع جبهة القوى االشرتاكية .فما
كان يل إال أن أجبته أن مثل هذه األمور كانت شأن املجلس األعىل للدولة والجنرال خالد نزار عىل وجه التحديد
ألنه كان ،بوصفه وزير الدفاع الوطني ،املخاطب املفضل يف ما يتعلق بالشؤون املتصلة بالحوار الذي يمكن أن
يقع مع املتمردين .هذا ،وقد صدر ،يف ما بعد ،كتاب بفرنسا أوحى أن بعض الدوائر العاصمية اعتربت زيارتي
لبن بلة سعيا مني للحصول عىل مساعدته السياسية .أظن أن يل من الحس السيايس ما يكفيني ألن أدرك أن بن
بلة لم يكن بإمكانه تقديم أية مساعدة يل من هذا القبيل .ثم إنني لم أكن أبدا أبحث عن هذه املساعدة ألنني لم
أكن يف حاجة إليها ،ولو أحسست بهذه الحاجة ،كنت أعرف األبواب التي أقصدها .
89
يف ما يخص الرئيس بن بلة ،لقد كنت مدينا له ألنه هو الذي اختارني ،يف 1963و ،1964لإلرشاف عىل شؤون
املحروقات ،إضافة إىل تلك الصلة الشخصية التي جمعتنا يف الذكرى املشرتكة لروح عزيز علينا ،أال وهو األخ
الفقيد محمد خميستي الذي سعى كثريا من أجل التقريب بيننا .أما الناس الذين يعيشون عىل الدسائس
السياسية فال يستطيعون تصور وجود عالقات أخوية بني رجال جمعتهم ظروف النضال .إن زيارتي لبن بلة،
أثناء عطلة جويلية ،1993لم تحمل داللة أخرى غري كونها زيارة مجاملة وتعبريا عن احرتام لشخص سبق له
أن عهد إىل بمهمة يف خدمة بلدي وأردت ،بكل بساطة ،اإلعراب له عن مودتي والقول له إنني لم أنس تلك الثقة
التي وضعها يف عندما كان عىل رأس الدولة.
90
NóàíÙy@ï÷‹Ø@ðàbéà@öbéäg@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN27
2007O08O17@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
يف 19أوت ،1993استدعاني الرئيس عيل كايف والجنرال خالد نزار إىل مقر إقامة رئيس الدولة عىل شط البحر،
أي نفس املكان الذي كنا قد تناولنا فيه مأدبة غداء شهرا من قبل بالضبط .بعدما تبادلنا كالما عاديا وأفدتهم
بمعلومات حول الوضع األمني ،اتخذ الرئيس عيل كايف مظهر الجد ليخاطبني بهذه الكلمات :
"منذ نحو سنة ،التقينا نحن الثالثة وعهدنا إليك بمهمة تشكيل حكومة .اليوم ،وبعد إخفاق هذه الحكومة يف
عملها ،نعلمك بإنهاء هذه املهمة .يبقى علينا أن نصوغ سيناريو بكيفية تجعله ال يبدو إقالة وال استقالة ".
فما كان لردي إال أن يأتي هكذا " :ال تكلفوا أنفسكم عناء كبريا .سوف أبعث إليكم برسالة أقول فيها بكلمات
بسيطة :يف اليوم الفالني دعوتموني وعهدتم إيل بمهمة تشكيل حكومة ويف اليوم الفالني دعوتموني ،مرة
أخرى ،لتبليغي قراركم إنهاء هذه املهمة .أسجل هذا القرار شاكرا لكم ثقتكم .أقول لكم إىل اللقاء متمنيا لكم
ملخاطبي" :لم أخنكما ولم أغ ّلطكما ولم أطرح عليكما
ﱠ حظا سعيدا يف مهامكم" .بعد ذلك ،أردفت قائال
رشوطا" .عندئذ ،رد عيل الجنرال خالد نزار بصوت هادئ يكاد ال يُسمع قائال " :نعم ! حقيقية ،لم تطرح علينا
أي رشوط" .باختصار ،وحرصا مني عىل تفادي أي حديث مطول أو جدل كان ،يف نظري ،من شأنه النيل من
كرامتي ،اكتفيت بالتلميح إىل أنني لم أطلب من أعضاء املجلس األعىل للدولة شيئا ولم يكن بيننا إال عقدا
معنويا كانوا بصدد فسخه من جانب واحد .هذا العقد املعنوي ما كانوا ليجهلوه مادمت قد عربت عنه من
خالل عرض أفكاري حول وضع البالد والحلول املمكنة من أجل تجاوز الصعوبات .كما لم يكن بإمكانهم
تجاهل هذا العقد ألنه كان متضمنا يف برنامج العمل الذي سطرته لحكومتي والخطة املتوسطة املدى اللذين
حظيا بموافقتهم رصاحة وعالنية .ثم إنني حرصت عىل التأكيد أن الحكم عىل نتائج نشاطي لم يكن ليتم إال
بالرجوع إىل االلتزامات التي أخذتها عىل عاتقي أمام املأل ال عىل أساس النوايا التي تُنسب إيل هنا وهناك بما يف
ذلك من طرف "أصحاب القرار ".
رفيض للسيناريو الذي أرادوا توريطي فيه يف ما يخص صيغة إعالن إنهاء مهامي عىل رأس الحكومة وكذا
محتوى الرسالة التي كنت بصدد توجيهها إليهم ،كانا الهدف منهما اإلشارة إىل أنني كنت أفضل ترك الحرية
لهم يف رشح األسباب التي جعلتهم يحكمون عىل نشاط حكومتي بالفشل ألنني لم أكن أريد إعفاءهم من هذه
املهمة .ثم إنني لو منحت إقالتي شكل االستقالة لصار هذا العبء ملقى عيل عاتقي ألنني سأكون ،حينئذ،
مطالبا ،بتفسري األسباب التي جعلتني أنسحب .وسعيا مني لتفادي كل ما من شأنه أن يبدو مساومة أو يأسا
مخاطبي أنه ،شهرا من قبل فقط وأثناء مقابلة عىل انفراد ،قال يل
ﱠ أمام القرار الذي اتخذوه ،امتنعت عن تذكري
كل منهما أن االختيار وقع عيل ألكون رئيس الدولة .
أخربني الجنرال خالد نزار باختيار رضا مالك خلفا يل معتربا أن يف هذا االختيار ما يسعدني مادام خليفتي
صديقا يل .صحيح ،منذ سنوات تفرقت سبلنا ،أنا ورضا مالك ،لكن عالقاتنا الشخصية بقيت معقولة وودية.
91
أظن يف هذه اللحظة بالذات أثار الجنرال خالد نزار سؤاال جاء ليعكر جو اللقاء حيث خاطبني بهذه الكلمات :
"واآلن ،تحدث لنا عن زيارتك إىل بن بلة !" فأجبته شارحا له ما سبق يل ذكره يف هذا املقال مبينا له أسباب
الزيارة وطبيعة الكالم الذي دار بيننا ثم ختمت طالبا من الجنرال خالد نزار" :إذا كانت لكم رواية مغايرة
فلتفدوني بها !" .كال ! أجابني ولم يلح .إىل اليوم ،أجهل السبب الذي جعل الجنرال خالد نزار يسألني عن
زيارتي إىل بن بلة يف وقت اجتمعنا ،ال لنحكي حياتنا لبعضنا البعض وإنما لنفرتق .لم أكن أدري ما علمته يف
ما بعد بشهور بمناسبة صدور كتاب بباريس ورد فيه أن زيارتي إىل بن بلة كان الغرض منها الحصول من
هذا األخري عىل دعم سيايس .فلو كنت عىل علم بهذا االدعاء ،يوم 19أوت ،1993ألعربت للجنرال خالد نزار عن
اندهايش وأنا أرى شخصا يف مقامه يرتك نفسه ينخدع بأقوال صادرة عن سفهاء .قبل أن نفرتق ،وقع بيننا
تبادل قصري يف ما يخص يوم إعالن قرار تغيري الطاقم الحكومي .وبما أننا كنا يف نهاية األسبوع ،قلت إنني
كنت ،فقط ،يف حاجة إىل وقت أجتمع فيه مع أعضاء الحكومة .يف نهاية األمر ،تم االتفاق عىل يوم 22أوت
إلعالن التغيري وتنصيب رضا مالك خلفا يل .
مخاطبي اللذين قررا إنهاء مهامي بعد أن نصباني فيها نحو ثالثة عرش شهرا من قبل .لقد كلف ﱠ هكذا غادرت
الرئيس عيل كايف نفسه عناء مرافقتي إىل غاية السيارة املقلة يل .أثناء تلك الخطوات التي مشيناها مع بعض،
وكما لو أنه كان يريد مواساتي ،همس يل بهذه الكلمات " :سنلتقي بعد شهر ،يف أكتوبر ،يف إطار الحوار
واملرحلة االنتقالية" .لم أقل شيئا ثم تعانقنا وودع بعضنا بعضا ثم امتطيت سيارتي وانطلقت .فور وصويل إىل
مقر إقامتي ،اتصل بي الجنرال خالد نزار عرب الهاتف ليخربني بتقديم موعد اإلعالن بيوم ،أي 21أوت .كما
اتصل بي رضا مالك ليقرتح عيل لقاء خاصا ،فأجبته أننا سنلتقي يوم تسليم املهام سائال إياه ما إذا كان هناك
من أمر خاص نلتقي من أجله وإال فليس لدينا ما نقوله لبعضنا البعض عىل انفراد .هكذا ،إذاً ،طلبت من
ديواني استدعاء اجتماع ألعضاء الحكومة يوم السبت 21أوت 1993يف الصباح .يف ذلك اليوم ،التحقت أوال
بالرئاسة لحضور اجتماع ضم جميع أعضاء املجلس األعىل للدولة حيث أعلن الرئيس تغيري الحكومة قائال
إنني ،منذ ،سنة قبلت املنصب "من دون رشوط" وها أنا اليوم "أقبل" إنهاء مهامي "يف نفس الظروف" .بعد
ذلك ،قرأت عىل مسامع الحضور رسالتي بحسب املحتوى الذي وقع االتفاق عليه بيني وبني الرئيس عيل كايف
والجنرال خالد نزار يف االجتماع الذي أبلغاني فيه بقرار إنهاء مهام يومني من قبل .
فور ذلك ،غادرت الرئاسة متوجها إىل مقر الحكومة حيث كان يف انتظاري من سيصريون منذ ذلك اليوم
وزرائي السابقني .أخربتهم بالتغيري الذي حصل وقرأت عليهم فحوى الرسالة التي سلمتها للمجلس األعىل
للدولة ثم ختمت تدخيل املقتضب بتالوة آية من القرآن " :وعىس أن تكرهوا شيئا وهو خري لكم وعىس أن تحبوا
شيئا وهو رش لكم والله يعلم وأنتم ال تعلمون" )البقرة ،اآلية (216وقد أخذ وزير العدل ،باسم زمالئه ،الكلمة
ليخاطبني بعبارات الشكر عىل العمل الذي قمنا به معا .هكذا افرتقنا إىل غري رجعة .بعد هذا اللقاء بوقت
قصري ،حرض رضا مالك إىل قرص الحكومة وقمنا بمراسيم تسليم املهام كما تقيض العادة .تلك هي الظروف
التي أنهيت فيها مهامي عىل رأس الحكومة .
يف نهاية اليوم ،هتف إىل صديق من املدينة يخربني بشائعة تفيد بمحاولة اغتيال قاصدي مرباح مشريا إىل
احتمال وفاته .وقد تأكدت من ذلك من خالل اتصال بوزير الداخلية والوزير املنتدب لألمن اللذين لم يغادرا
بعد منصبيهما ريثما يتم تعيني خليفتني لهما .أبلغت رضا مالك بهذا الخرب املحزن كما كان عيل أن أقوم بتلك
92
املهمة األليمة ،أال وهي تأكيد الخرب لعائلة مرباح التي كانت تبحث عن مصدر رسمي لالستفسار عما وقع
بالذات .من املعلوم أن وفاة قاصدي مرباح كان مأساة عائلية فظيعة ألن محاولة اغتياله أودت أيضا بحياة
شقيقه وأحد أبنائه إضافة إىل الحرس .يوم السبت 21أوت 1993يبقى وصمة عار يف التاريخ السيايس
املعارص للجزائر .تذكرنا هذه الواقعة بواقعة أخرى يف تاريخ اإلسالم حيث شهدت نفس الليلة أحداث خصت
ثالثة أمراء للمؤمنني يف تاريخ الدولة اإلسالمية :أحدهم ولد ؛ ثانيهم اغتيل؛ ثالثهم ارتقى إىل سدة الحكم .يف
صب يف وظيفته الجزائر ،يوم 21أوت 1993كان يوما لثالثة رؤساء حكومة :أحدهم أُنهيت مهامه ،ثانيهم ن ُ ﱢ
وثالثهم اغتيل .
األثر املبارش الذي تركته هذه الواقعة غطى عىل ذلك الغليان الذي عادة ما يقع عندنا إثر كل تغيري حكومي.
هناك واقعة أخرى ال يمكن إال أن نربطها بالظروف التي أحاطت إقالتي .أسبوعا تقريبا قبل إعالمي بإنهاء
مدو أصدر فيه حكما
مهامي ،كان وزير الخارجية الفرنيس ،آالن جوبي ، Alain Juppéقد أدىل بترصيح ٍ
بالفشل عىل حكومتي حينما قال " :الوضع القائم ال يمكن أن يستمر" سامحا لنفسه ،هكذا ،بالتدخل السافر
يف شؤوننا الداخلية .وقد تبع هذا الترصيحَ مبارشة تعليق يف يومية Le Mondeتبنى صاحبه االنتقادات التي
وجهها الوزير الفرنيس ضدنا ،مشريا إىل مقال كتبه عمر بلهوشات ،مدير يومية – El Watanاملوصوفة
باليومية "املستقلة" – يف شكل افتتاحية تندد بنشاط الحكومة معتربة إياي ،شخصيا "،رجل املايض" يحمل
"أفكارا بالية" .كما هو معلوم ،يومية Le Mondeكانت معروفة ،منذ سنوات ،بكراهيتها للثورة الجزائرية
ولجبهة التحرير الوطني السيما الفرتة التاريخية التي عاشتها الجزائر تحت رئاسة هواري بومدين ،تلك الفرتة
التي ال زال معظم الجزائريني يفتخرون بها إىل اليوم .من هذه الناحية ،ليس من الغريب أن نجد هذه اليومية
يف وفاق مع زميلتها وحليفتها يف الجزائر العاصمة .
ومع ذلك ،ما أدهشني أكثر يف 23أوت ،1993هو ذلك السكوت املحري الذي التزمته تلك األصوات املفزوعة،
هاهنا ،عندما رصح الرئيس ميتريان ،بعد توقيف املسار االنتخابي سنة ونصف من قبل ،أن هذا املسار ينبغي
أن يُستأنف برسعة .ماعدا مقاال نُرش بيومية ، El Moudjahidلم يصدر ،يف الجزائر ،أي رد فعل ضد ترصيح
آالن جوبي والتعليقات املغرضة املنشورة عىل صفحات يومية Le Monde.رضا مالك الذي كان وزيرا
للخارجية وعضوا يف املجلس األعىل للدولة – والذي أعربت له عن اندهايش من عدم صدور رد دبلومايس من
جانبنا عىل إقحام الوزير الفرنيس نفسه يف سياستنا الداخلية – انتهى به املطاف إىل االعرتاف برضورة إصدار
احتجاج ضد ترصيح عمومي جاء عىل لسان وزير خارجية أجنبي يطعن يف سياسة بلدنا .وقد قرأ عيل ،عرب
الهاتف ،نص بالغ مقتضب كان بصدد نرشه باسم وزارته ذكر فيه استدعاء السفري الفرنيس بالجزائر لتقديم
تفسري لترصيح وزير خارجية بلده .غري أن ال وكالة األنباء الجزائرية وال نرشة األخبار التليفزيونية ملساء ذلك
اليوم أشارتا إىل هذا البالغ ؛ علما أن رضا مالك كان دائما يدعي أنه يترصف بكل حرية واستقاللية .بعد
املقابلة الصحفية التي أجريتها مع يومية L'Authentiqueبتاريخ 11أكتوبر 2001والتي أوحيت فيها بأن
الجنرال تواتي هو الذي كان من وراء إنشاء التحالف الوطني الجمهوري ،الحزب الذي كان رضا مالكا رئيسا
له ،اتصل بي هذا األخري ليقول يل إنه هو الذي أسس الحزب من دون أية أوامر تكون قد جاءته من هنا أو
هناك .أما يف ما يخصني ،ال يمكن أن أقتنع أن امتناعه عن نرش البالغ املذكور للرد عىل ترصيح أالن جوبي كان
بإرادته وأنه لم يتخذ "الحيطة الالزمة" بـ "االستشارة" قبل رمي بالغه يف سلة املهمالت .
93
أياما فقط بعد هذه "القلبة" ،أُخربت بقرار وضع نهاية ملهامي .لعل البعض يرى من التفاهة الربط بني
الحدثني غري كونهما مجرد صدفة .ومع ذلك ،يصعب تفادي طرح سؤالني اثنني (1) :هل أخطر حكام الجزائر
باريس بنيتهم أو قرارهم بشأن تغيري الحكومة واإلقدام عىل تغيري السياسة االقتصادية للجزائر يف اتجاه ما
يتطابق و" رغبات" القادة الفرنسيني ؟ ) (2أم هل بعد أن عرب هؤالء عن "تمنياتهم" من خالل وزير
خارجيتهم ،أالن جوبي ،ويومية ، Le Mondeسارع حكامنا إىل تلبية هذه الرغبات من دون تأخر ؟ صحيح،
يقال إن "الصدفة أحسن من ألف ميعاد" ،لكن ،يف هذه الحالة ،يبدو يف الصدفة من الحث ما يصعب إخفاؤه!
94
âéïÐ@pd‚c@báØ@À@aìd‚c@‡ÕÜ@ZãþÜa@‡jÈ@‡ïÉÝi@pa‹Ø‰àN28
2007O08O18@ßbÕ¾a@„îŠbm
@ @
يف شهر فيفري ،1993قمت بزيارة إىل باريس حيث قال يل الوزير األول الفرنيس ،بيار برييغوفوا ،إن رفض
حكومتي تخفيض عملتنا الوطنية كان موقفا يف محله ألن الجزائر كانت تستورد أكثر من % 25من واردات
اقتصادها .يف شهر أفريل املوايل ،حلت حكومة يمينية محل حكومة بريغوفرا .ولم تمض إال فرتة قصرية عىل
تشكيل الحكومة الجديدة حتى أعلنت هذه األخرية أن كل مساعدة مالية فرنسية ألي دولة إفريقية كانت من
ذلك الحني فصاعدا مرهونة بإبرام اتفاق بني هذه األخرية وصندوق النقد الدويل.
ومن غريب األمور ،أن نجد الجنرال تواتي ،يف حواره الصحفي مع يومية El Watanيشري إىل أن هذه الفرتة
بالذات هي التي حصلت له فيها القناعة ،حسب قوله ،برضورة لجوء الجزائر إىل إعادة جدولة ديونها الخارجية
حيث يقول ..." :لكن لم يمنعني ذلك ،يف أواخر ماي ،1993من الظن أننا كنا ،حسب الظاهر ،متوجهني نحو
اإلخفاق ،محكوما علينا بالتفكري يف اللجوء إىل صندوق النقد الدويل" .ما انفك الجنرال تواتي يقول إنه لم يكن
يتدخل يف الشؤون االقتصادية وها هو يتلقى الوحي من السماء يخربه أننا كنا "حسب الظاهر متوجهني إىل
اإلخفاق" .وكما سبق ذكره ،يف أواخر جويلية ،1993قام الجنرال تواتي بزيارة إىل باريس لقضاء " 48ساعة
من الراحة" "استغلها لالتصال بالخزينة الفرنسية" .أقل من أسبوعني بعد ذلك ،أدىل وزير الخارجية الفرنيس
بالترصيح املشار إليه أعاله متبوعا باملقال الصادر بيومية Le Mondeالذي جاء كصدى ملا كان مدير El
Watanقد كتبه يف جريدته ؛ هذه الجريدة املعروفة بصلتها بالجنرال تواتي .زد عىل ذلك أن وزير الخارجية
الجزائري لم يرغب يف الرد عىل ترصيح نظريه الفرنيس الذي كان قد استقبله منذ أسابيع بباريس .ويف أقل من
أسبوع من هذا ترصيح ،أُخربت بقرار إنهاء مهامي عىل رأس الحكومة .
يف الحوار الذي خص به يومية ، El Watanلم يجرؤ الجنرال تواتي عىل تقديم "روايته لألمور" يف ما يخص
زياراته ،الدبلوماسية-السياحية ،إىل باريس ؛ علما أنني ،يف ترصيحاتي الصحفية أرشت إىل تلك" العطلة"
القصرية التي قضاها بباريس واالتصاالت التي أجراها مع الخزينة الفرنسية .ترى ،ملاذا تغافل عن هذه الواقعة
عىل الرغم من أنني أرشت إليها وكان من املفروض أن يرد عىل ما قلته بشأنها يف ترصيحاتي الصحفية ؟
السؤال املطروح :أال يمكن أن يكون وراء هذا التغافل أمور أخرى أكثر خطورة أراد أن يخفيها ؟ يف نهاية
األمر ،أليس من حقنا ،أن نظن أننا حمّ لنا الصدفة أكثر مما تحتمل ؟ ومهما يكن من أمر ،الفرتة التي قضيتها
عىل رأس الحكومة تجعلني أنتهي إىل االستنتاجات اآلتية :
-ليس هناك ما يجعلني أندم عىل قبويل ،يف جويلية ،1993منصب رئيس الحكومة من دون أن أضع رشوطا
مسبقة عىل من اقرتحوا عيل هذا املنصب يف اجتماع هم الذين بادروا به ولم يروا فائدة من إخطاري بموضوعه
مسبقا ؛
-أنا راض عن نفيس ملا عرضت سياستي من خالل برنامج عمل محدد ومع تقديم تحليل يف ما يخص األزمة
التي كانت البالد تمر بها آنذاك ،شارحا األهداف املتوخاة من أجل الخروج من هذه األزمة ومبينا السبل
95
والوسائل الكفيلة بتحقيق هذه األهداف ؛
-أنا راض عن نفيس عندما قمت برتجمة هذا الربنامج ،الذي وافق عليه املجلس األعىل للدولة ،رسميا عرب
مراسيم ترشيعية ترقى إىل مستوى القوانني يف إطار النظام املؤسساتي القائم يف البالد آنذاك ؛
-أشعر بالسعادة عندما قمت بذلك التدخل العمومي ،بتاريخ 24جوان ،1993وأعلنته لجميع الجزائريني ،من
خالل كل وسائل اإلعالم التابعة للقطاع العام ،ثم أردفته ،يف اليوم املوايل ،بوثيقة مكتوبة نرشتها نفس وسائل
اإلعالم وحرصت فيها ،بلغة يفهمها الجميع ،عىل توضيح ما كنت بصدده يف ما يخص السياسة االقتصادية
لحكومتي وكذا الخيارات املحددة للتوجهات املعتمدة يف هذه السياسة مبينا الرهانات الحقيقية التي كانت
تواجها البالد برصف النظر عن الجدال القائم حول مواقفي يف قيادة نشاطي يف املجال االقتصادي ؛
-أشعر بالسعادة أيضا عندما أكدت ،يف تدخيل هذا أمام جميع الجزائريني ،أنني سأظل وفيا لسياستي
االقتصادية وأنني لن أرضخ أبدا إىل من كانوا ،من خالل حمالتهم املسعورة ،يريدون حميل عىل الرحيل عرب
استقالة تلقائية وأنه يرشفني أن أسقط بسبب هذه السياسة؛
-أحمد الله عىل أنني خرجت برشف من تجربتي كرئيس حكومة بعد سنة ونيف ،تاركا للجنرال تواتي ومن
تبعه من املتملقني والطامعني التبخرت يف وحل ما فرضوه عىل البلد ؛
-وأخريا ،أحمد الله عىل أنني لم أستسلم أبدا لوعود من كانوا هم أنفسهم من أعلنوا يل إنهاء مهامي .عندما كان
هؤالء يلمحون يل بمنصب أعىل ،شعرت دائما وكأنهم كانوا يريدون مني ،كمقابل ،تغيري خطي السيايس يف
املجال االقتصادي .
عىل أية حال ،وكما أرشت إىل ذلك خالل هذا النص كله ،وبمناسبة مواقف سياسية اتخذتها منذ مغادرتي
لرئاسة الحكومة ،ال يمكن الحكم عىل نجاح سياستي االقتصادية أو فشلها إال بالرجوع إىل تلك االلتزامات التي
أخذتها عىل عاتقي يف هذا املجال ،بطريقة ال لبس فيها وال غموض .أنا لست مسؤوال أبدا عن نوايا اآلخرين أو
أداءهم ،بمن فيهم "أصحاب القرار" ،إذا أرادوا أن يتوهموا أنهم هم الذين حددوا مهامي من دون مشورتي أو
اتفاق معي .أنا لست مسؤوال إال عىل ما لتزمت به .أما األفكار التي تكونت يف "مخ" الجنرال تواتي حول
ّ
يلومن إال نفسه . حكومتي ،فهي ال تلزمني عىل اإلطالق وإذا راح الرجل ضحية أوهامه فال
ومع ذلك ،العربة التي يمكن استخالصها من تلك املغامرة كرئيس حكومة ويف تلك الظروف الصعبة التي كانت
الجزائر تمر بها آنذاك ،ظروف دعيت إىل مواجهتها وعرب عنها األخ عبد العزيز بوتفليقة ذاته يف ما بعد .ال أحد
يجهل ،اليوم ،أنه عند انتهاء عهدة املجلس األعىل للدولة ،عُ رضت رئاسة الدولة عىل السيد عبد العزيز بوتفليقة
من طرف نفس األشخاص الذين دعوني قبله إىل ترؤس الحكومة .لقد قيل وكتب الكثري عن "رفض" عبد
العزيز بوتفليقة للعرض .كما قيل وكتب الكثري عن األسباب التي قدمها هذا األخري لتفسري رفضه .غري أنني لم
أجد أحدا قال أو كتب كالما عن السبب األسايس لهذا الرفض كما أخربني صاحبه ذاته سنوات بعد هذه الواقعة
حيث قال يل إن قراره كان نابعا من رفضه الستالم زمام األمور طبقا ملا كان يراه "أصحاب القرار" .هذا
السبب رشحـه يل بهذه العبارة" :بعد استعراض أسباب أخرى ويف ختام محادثاتنا ،قلت لهم " :لقد دعوتم
ذات يوم عبد السالم لتويل رئاسة الحكومة وهو لم يطلب منكم أي يشء .التزم معكم ثم أنهيتم مهامه سنة من
بعد .هذا كاف لجعيل أظن أنكم غري قادرين عىل احرتام عقد معنوي .ال أمنحكم الفرصة لتفعلوا بي ،يف يوم ما،
ما فعلتموه بعبد السالم" .أي إن الرجل كان نبها فأراد أن يحصل منهم عىل أمر بدا له كفيال بإعادة االعتبار له
من طرف من كان يحسبهم مصدر تصفيته من الساحة السياسية بعد رحيل الرئيس هواري بومدين ثم رد
96
بالرفض عىل عرضهم بكل بساطة .ولقد كان باستطاعة عبد العزيز بوتفليقة أن يقول لهم إنهم لم يكونوا
يدركون معنى العقد املعنوي ذاته ألن األمر بالنسبة إليهم – أي الجنرال تواتي ومن مىش وراءه – ال بعدو
كونه فخا .لذلك ،كان عبد العزيز بوتفليقة ،ربما بفضل ما وقع يل ،يقظا ولم يقع يف الفخ .شخصيا ،لم أر داعيا
إىل التفكري يف هذا الفخ تفاديا للظهور بمظهر املدعي للنضال ثم رسعان ما يتهرب من املسؤوليات التي
يفرضها هذا النضال .غري أن من أسقطني يف الفخ ثم استطاع التخلص مني لم ينجح يف القضاء عىل تلك
الروح التي تحركني .لكن كان هناك من الناس من لم يرضهم الوقوع يف الفخ ألنهم ،الشك ،كانوا يدركون أن
ليس لديهم ما يضيعونه .
التذكري بهذه االعتبارات غري املرشفة يف ترصف قسم كبري من طبقتنا السياسية يف السنوات األخرية ال ينسيني
ما قام به الجنرال خالد نزار نحوي حينما أقر بـ "وطنيتي ونضايل" يف أحد كتبه .إني ألشكره جزيل الشكر
عىل هذه االلتفاتة .فرتة قصرية بعد إقالة حكومتي ،قام الفقيد عبد الحق بن حمودة ،األمني العام لالتحاد العام
للعمال الجزائريني ،بزيارتي بالفيال املخصصة يل كمقر إقامة رسمية حينما كنت رئيس حكومة قبل مغادرتي
لها .وقد أراد االطالع عىل األسباب التي أدت إىل ما يسميه الجنرال تواتي بـ "إنهاء املهام" .الشك أنه كان
يتذكر تلك الدعوة التي وجهها إىل ،يف 1نوفمرب ،1992ألخذ الكلمة أمام إطارات االتحاد العام للعمال
الجزائريني بدار الشعب حيث رصحت أن حكومتي لن تطبق أبدا سياسة مضادة ملصالح العمال .وحينما
سألني عن األسباب ،أجبته بهذه العبارة " :لقد أخطأوا يف َ كما أخطأت فيهم .من جانبي ،لقد مشيت وفق
التزاماتي واملنطق الذي قامت عليه سياستي إىل النهاية .بقي عليكم أنتم ،أي االتحاد العام للعمال الجزائريني،
أن تدخلوا الحلبة .
كما اغتنمت مناسبة هذه الزيارة ألخربه بذلك القرار الذي اتخذته من قبل وكلفت بموجبه حكومتي بالعمل عىل
تبديل األوراق النقدية ومراقبة رؤوس األموال كهدف رئييس وركيزة أساسية يف نشاطها االقتصادي .وعندما
فقدنا عبد الحق بن حمودة يف ما بعد ،لم يعد االتحاد العام للعمال الجزائريني فاعال حاسما يف قيادة السياسية
االقتصادية لبالدنا ويف التأييد الفعال لعملية التنمية القائمة عىل الحفاظ عىل مصالحنا الوطنية والنهوض
بجماهرينا الشعبية .النموذج ،املجلوب من خارج الديار ،الذي صار االتحاد يقتدي به هو االتحادية الفرنسية
الديمقراطية للشغل CFDTالتي تتبنى فكرة التعاون مع أرباب العمل ،مبتعدا هكذا عن التصورات واألفكار
االجتماعية االقتصادية الثورية املعروفة عند عيسات إيدير ورفاقه ممن كان لهم رشف تأسيس تنظيمنا
النقابي يف زمن الثورة.
97