You are on page 1of 6

‫التاريخ المختصر للكون ‪:‬‬

‫من االنفجار الكبير حتى نهاية الوقت‬


‫كتبه عمر بنونة‬
‫كل شيء بدأ في مكان بدون مساحة‪ ،‬في وقت قبل الزمن‪ ،‬ف‍‍ي لحظة نبتت فيها بذرة‬
‫الكون‪ .‬ولد الفضاء والزمن‪ ،‬وترك الكون مملكة الكم‪ .‬تحولت الطاقة إلى مادة‪،‬‬
‫وفي البداية كان الكون مظلمًا؛ سج ًنا للطاقة لكنه لم يكن فار ًغا‪ ،‬كان هناك شيء‬
‫غير مرئي يتربص في الظالم‪.‬‬

‫المادة المظلمة تبني أعمدة الكون‪ ،‬الشبكة الكونية تتشكل‪ ،‬وفي قلبها المظلم يبدأ‬
‫شيء ما بنحت الكون الذي نعرفه‪ .‬تنخفض درجة الحرارة حتى نقطة التحول‪،‬‬
‫تتشكل أولى ذرات الهيدروجين ويصبح الكون شفا ًفا‪ .‬بدأت حقبة جديدة في تاريخ‬
‫الكون‪.‬‬

‫منجذبة بتلك المادة غير المرئية‪ ،‬تتشبث الغازات بخيوط المادة المظلمة‪ .‬وفي‬
‫تقاطعاتها تبدأ النغمات األولى من تلك السيمفونية‪ .‬تنهار السحب األولية من‬
‫الغاز‪ ،‬ترتفع حرارة الغاز حتى تبدأ أولى ردود الفعل لالنصهار النووي‪ .‬صاغت‬
‫الجاذبية أولى العمالقة‪ ،‬ولدت الجيل األول من النجوم‪.‬‬

‫بدأت الضوء تسود الظالم‪ ،‬تلك الوحوش التي عاشت حياة شرسة وقصيرة‪،‬‬
‫النجوم األكثر ضخامة التي سكنت الكون على اإلطالق‪ .‬وفي باطنها‪ ،‬بدأت‬
‫العناصر التي ستثري الكون تتشكل‪.‬‬

‫لكن لكي تستمر السيمفونية‪ ،‬على عمالقة الضوء التضحية بأنفسهم‪ .‬فقط بموتهم‬
‫يمكنهم تحرير المكونات التي بنوها في قلوبهم‪ ،‬ومن تضحيتهم تبدأ حقبة جديدة‪.‬‬
‫عبر محيط الهيدروجين والهيليوم‪ ،‬تبدأ عناصر جديدة باإلبحار لتشكيل الجيل‬
‫الثاني من النجوم‪.‬‬

‫تجمعت في سحب ضخمة من الغاز والغبار‪ ،‬المكونات الجديدة للكون تجعل مهود‬
‫النجوم تظهر‪ .‬نجوم أكثر تعقي ًدا من سلفها تتشكل في باطن تلك السدم‪ ،‬ألن هذه‬
‫النجوم ليست وحدها‪ .‬تربط الجاذبية األنظمة النجمية بعضها ببعض‪ ،‬رابطة‬
‫جاذبية لكل األبد‪ .‬تتكون المجرات كجزر من الضوء وسط محيطات واسعة من‬
‫الظالم‪.‬‬
‫وحول النجوم تنبت أجسام جديدة‪ ،‬تبدأ الكواكب في التشكل حول شموسها‪ .‬تتشكل‬
‫درب التبانة وعمالقة الضوء جاهزون لقيادة الكون نحو حقبة جديدة‪ .‬تشكل حياة‬
‫النجوم وموتها إيقاع السيمفونية‪ ،‬وتستمر الجاذبية في كونها المهندس والمبدع‬
‫لتلك المعجزات‪ .‬القوة التي تجلب الضوء وفي الوقت نفسه الظالم‪ ،‬ألنها أيضًا‬
‫مدمرة‪.‬‬

‫غضب ال يعرف الرحمة يكمن في أساس الكون‪ ،‬كان الكون يشهد الجانب المظلم‬
‫للجاذبية‪ .‬الرحلة إلى ذلك المكان المجهول‪ ،‬تلك المنطقة التي تنتهي فيها جميع‬
‫الطرق‪ .‬ال يزال حلم الكون حيًا‪ ،‬لكن كما في العديد من األحالم‪ ،‬يظهر وحش‪.‬‬
‫وحش غير مرئي له قوة تدمير العوالم وإيقاف الزمن‪.‬‬

‫عندما انهارت النجوم األكثر كتلة‪ ،‬تم سحق كل مادة من نواتها حتى تمزقت‬
‫القوى األكثر أساسية للكون‪ .‬انشق الزمكان إلى فراغ ال نهائي من الظالم‪ ،‬سجن‬
‫في المكان والزمان‪ .‬ولد وحش قادر على استنزاف ضوء الكون‪ ،‬الثقب األسود‪،‬‬
‫بئر مظلمة في الكون‪.‬‬

‫يجذب كل شيء بواسطة قوة الجاذبية لتفرده حتى ذلك المكان الذي ال يستطيع‬
‫حتى الضوء الهروب منه‪ ،‬الحدود بين الكون المعروف والكون المخفي في‬
‫أعماق الثقب األسود‪ .‬لم يكن الوحوش وحدها‪ ،‬جميعهم يرغبون في االستيالء‬
‫على العرش وبدأت الحرب للسيطرة على قوة درب التبانة‪.‬‬

‫جذبت غضب إخوتهم الثقوب السوداء الذين تقاتلوا من أجل هيمنة الظالم‪ .‬كان‬
‫يمكن أن يبقى واحد فقط‪ .‬وأخيرً ا‪ ،‬استولى أحدهم على العرش‪ ،‬السهم يهيمن على‬
‫قلب المجرة‪ ،‬يأسر رماد النجوم والكواكب التي اقتربت كثيرً ا‪ .‬نما دوامة المادة‬
‫أكثر وأكثر‪ ،‬حتى عندما لم تتمكن من احتواء غضبها‪ ،‬بدأ شيء ما يظهر من‬
‫قلبها‪.‬‬
‫أشعة جاما تم طردها من الوحش المظلم‪ ،‬أكثر قوة مدمرة في الكون‪ .‬اجتاحت‬
‫األشعة المجرة بعرض قوة مدمرة للجاذبية‪ .‬لكن في خضم تلك الفوضى‪ ،‬كانت‬
‫هناك أمل‪.‬‬

‫خالل حياة نجمة‪ ،‬توجد معركة مستمرة‪ ،‬حرب بين قوتين‪ :‬الطاقة النووية تدفع‬
‫للخارج والجاذبية تجذب النجمة نحو قلبها وأعماقها‪ .‬لكن لماليين السنين يسود‬
‫التوازن‪ ،‬الوقت الذي ُتبنى فيه الكواكب حولها ويتم تشكيل عناصر أثقل في‬
‫أعماقها‪ .‬عناصر تنتظر بصبر ليتم تحريرها‪ .‬كل شيء مسألة وقت حتى تصل‬
‫االندماج النووي إلى الحديد‪.‬‬

‫هذا هو نهاية الطريق‪ ،‬لقد تسممت النجمة بقلبها الحديدي‪ .‬توقفت ردود الفعل في‬
‫النواة‪ ،‬انتهت المعركة وانتصرت الجاذبية‪ .‬لم يعد هناك شيء يمنع االنهيار وفي‬
‫جزء من الثانية تنفجر بلمعان يعادل مليار شمس‪ .‬لقد ماتت النجمة في شكل‬
‫انفجار عظيم‪ ،‬لكن في تضحيتها ُتطلق تلك العناصر التي كانت ترتاح في قلبها‬
‫من سجن النجوم وتنتشر في الفضاء‪.‬‬

‫وكطائر الفينيق‪ ،‬ستولد نجوم جديدة من رماد تلك التي قضت‪ .‬عملية الموت‬
‫والقيامة التي نشأنا منها نحن‪ ،‬ألنه كان في أعماق سديم حيث بدأت دورة نجمة‬
‫جديدة‪ ،‬نسل يعود إلى بداية عصر الضوء‪ .‬نجمة ستسمى بمرور الزمن بالشمس‪.‬‬
‫وُ لِدَ المجموعة الشمسية‪ ،‬أصبحت الشمس عمال ًقا‪.‬‬

‫وبين الغبار والصخور‪ ،‬اندلعت حرب للعثور على مأوى تحت ضوء النجمة‪.‬‬
‫أبناء الشمس سيناضلون إليجاد موطنهم‪ ،‬للسيطرة على إحدى تلك المدارات‬
‫الثمينة حول نجمتهم األم‪ ،‬والجاذبية هي سالحهم‪ .‬وبعد تلك الحرب المُدمِرة‪ ،‬نجا‬
‫أحد العوالم ووصل إلى المعركة النهائية‪ .‬األرض تواجه اللحظة التي ستحدد‬
‫مصيرها‪.‬‬
‫فازت األرض بالمعركة األخيرة‪ ،‬وظهرت القمر من رماد التصادم‪ .‬لكن األرض‬
‫ال تزال جحيمًا‪ .‬تهوي الكويكبات األولية للمجموعة الشمسية على األرض‪ ،‬لكنها‬
‫تحمل هدية‪ .‬مع كل تصادم‪ ،‬يصل الماء إلى عالمنا‪ .‬ببطء‪ ،‬واح ًدا تلو اآلخر‪ ،‬مع‬
‫انخفاض درجة الحرارة‪ ،‬تبدأ المحيطات في التكوين‪ .‬األرض تبدأ في الشبه‬
‫بموطننا‪.‬‬

‫وكورثة من جميع تلك النجوم التي ضحت في الماضي‪ ،‬يحدث شيء في أعماق‬
‫البحار‪ .‬المركبات الكيميائية الناشئة من المنابع الحرارية تتكون‪ .‬من تلك الشقوق‬
‫البركانية‪ ،‬نشأت الظروف الالزمة لكي يتمكن الكون من فهم نفسه‪ ،‬لكي يتمكن‬
‫هيكل جزيئي عشوائي من تخزين المعلومات‪ .‬تكون الحمض النووي‪ ،‬ومعه‬
‫الحياة‪ .‬قبل ‪ 3.8‬مليار سنة‪ ،‬نظمت الجزيئات العضوية في المحيطات على تلك‬
‫األرض الشابة لتشكيل هيكل بيولوجي قادر على الحفاظ على النظام الداخلي‪،‬‬
‫لتجنب فوضى الكون‪ ،‬لجني الطاقة داخله‪.‬‬

‫آالت البقاء‪ ،‬األوتوماتا المبرمجة بعشوائية بهدف الحفاظ على وجود الجينات‪،‬‬
‫جينات أنانية مختبئة في قلب الخاليا‪ .‬وفي هذا األنانية‪ ،‬لم تكن هناك حدود؛ كلما‬
‫حصدت المزيد والمزيد من الطاقة‪ .‬ومنذ ‪ 500‬مليون سنة‪ ،‬قفزنا القفزة الحاسمة‪.‬‬
‫رماد موت النجوم تحول إلى كائنات متقدمة‪ .‬انفجار الكامبري أنبت ممالك‬
‫المخلوقات الحية‪ .‬لقد وجدت الحياة طريقها‪.‬‬

‫كل العهود لها نهاية‪ ،‬ونهاية كل عهد تمثل بداية عهد آخر‪ .‬من رماد تلك األرض‬
‫المهجورة‪ ،‬عثرت الحياة على طريق آخر مرة أخرى‪ ،‬رحلة ستقود إلى ميالد‬
‫تلك المخلوقات التي جعلت الكون يعرف نفسه‪ .‬لقد عشنا طويالً وربما سنعيش‬
‫أكثر‪ ،‬لكن ال شيء وال حتى شمسنا أبدية‪ .‬عندما يستنفذ الشمس وقودها‪ ،‬لن‬
‫تتالشى وتموت بهدوء‪ ،‬بل ستبدأ انتقالها إلى العمالق األحمر‪.‬‬
‫ببطء‪ ،‬ستتحول نجمتنا إلى وحش أحمر‪ .‬األرض ستتوقف عن أن تكون كوكبًا‬
‫صالحً ا للسكن‪ .‬عالمنا سيصبح مجرد وهم لما كان يومًا ما منزالً‪ .‬سيبدأ انقراض‬
‫الحياة إذا كانت ال تزال موجودة على األرض‪ .‬العمالق الناري سيبدأ في التهام‬
‫أبنائه‪ .‬وعلينا فقط أن ننتظر‪ .‬لن يكون أحد قادرً ا على مشاهدة اللحظة التي يبتلعنا‬
‫فيها الشمس في توسعه الحتمي‪.‬‬

‫ستلتهم نجمتنا التي منحتنا الحياة وسيختفي كل ما تبقى من حضارتنا‪ .‬مع الشمس‬
‫المتحدة‪ ،‬ال يوجد مكان للحياة سوى ذلك السجن الملتهب‪ .‬انتهت رحلتنا‪ .‬ال يمكن‬
‫لكل ما يعتمد على حرارة الشمس سوى انتظار الليل األبدي واللحظة التي ينطفئ‬
‫فيها ضوء الشمس‪.‬‬

‫وعندئذ‪ ،‬عندما ال يتبقى داخلها أكثر قتال‪ ،‬ستموت الشمس‪ .‬سيتم تحرير طبقاتها‬
‫الخارجية ومثل النجم الذي أعطاها الحياة‪ ،‬يجب أن تضحي الشمس حتى تولد‬
‫األخرى‪ .‬تنتهي قصة لتبدأ قصة أخرى‪ .‬وتلك الذرات التي كانت جزءًا منا ستعود‬
‫تلك الذرات التي كانت جزءًا منا ومن مكونات الحياة إلى المكان الذي أتينا منه‬
‫جميعًا‪ .‬وكتذكار لوجودها‪ ،‬ستبقى كرة ضوء صغيرة‪ ،‬نجمة ضئيلة‪ ،‬قزم أبيض‪،‬‬
‫مصيره الوحيد هو أن يبرد حتى يندمج في الظالم‪ .‬لكن حتى في هذا الفراغ‪،‬‬
‫هناك أمل‪ .‬أن يكون لتضحيتنا هدفٌ ما‪ ،‬أن تعود رمادنا للحياة وتبدأ كل شيء‬
‫مرة أخرى‪.‬‬

You might also like