Professional Documents
Culture Documents
التاريخ المختصر للكون
التاريخ المختصر للكون
المادة المظلمة تبني أعمدة الكون ،الشبكة الكونية تتشكل ،وفي قلبها المظلم يبدأ
شيء ما بنحت الكون الذي نعرفه .تنخفض درجة الحرارة حتى نقطة التحول،
تتشكل أولى ذرات الهيدروجين ويصبح الكون شفا ًفا .بدأت حقبة جديدة في تاريخ
الكون.
منجذبة بتلك المادة غير المرئية ،تتشبث الغازات بخيوط المادة المظلمة .وفي
تقاطعاتها تبدأ النغمات األولى من تلك السيمفونية .تنهار السحب األولية من
الغاز ،ترتفع حرارة الغاز حتى تبدأ أولى ردود الفعل لالنصهار النووي .صاغت
الجاذبية أولى العمالقة ،ولدت الجيل األول من النجوم.
بدأت الضوء تسود الظالم ،تلك الوحوش التي عاشت حياة شرسة وقصيرة،
النجوم األكثر ضخامة التي سكنت الكون على اإلطالق .وفي باطنها ،بدأت
العناصر التي ستثري الكون تتشكل.
لكن لكي تستمر السيمفونية ،على عمالقة الضوء التضحية بأنفسهم .فقط بموتهم
يمكنهم تحرير المكونات التي بنوها في قلوبهم ،ومن تضحيتهم تبدأ حقبة جديدة.
عبر محيط الهيدروجين والهيليوم ،تبدأ عناصر جديدة باإلبحار لتشكيل الجيل
الثاني من النجوم.
تجمعت في سحب ضخمة من الغاز والغبار ،المكونات الجديدة للكون تجعل مهود
النجوم تظهر .نجوم أكثر تعقي ًدا من سلفها تتشكل في باطن تلك السدم ،ألن هذه
النجوم ليست وحدها .تربط الجاذبية األنظمة النجمية بعضها ببعض ،رابطة
جاذبية لكل األبد .تتكون المجرات كجزر من الضوء وسط محيطات واسعة من
الظالم.
وحول النجوم تنبت أجسام جديدة ،تبدأ الكواكب في التشكل حول شموسها .تتشكل
درب التبانة وعمالقة الضوء جاهزون لقيادة الكون نحو حقبة جديدة .تشكل حياة
النجوم وموتها إيقاع السيمفونية ،وتستمر الجاذبية في كونها المهندس والمبدع
لتلك المعجزات .القوة التي تجلب الضوء وفي الوقت نفسه الظالم ،ألنها أيضًا
مدمرة.
غضب ال يعرف الرحمة يكمن في أساس الكون ،كان الكون يشهد الجانب المظلم
للجاذبية .الرحلة إلى ذلك المكان المجهول ،تلك المنطقة التي تنتهي فيها جميع
الطرق .ال يزال حلم الكون حيًا ،لكن كما في العديد من األحالم ،يظهر وحش.
وحش غير مرئي له قوة تدمير العوالم وإيقاف الزمن.
عندما انهارت النجوم األكثر كتلة ،تم سحق كل مادة من نواتها حتى تمزقت
القوى األكثر أساسية للكون .انشق الزمكان إلى فراغ ال نهائي من الظالم ،سجن
في المكان والزمان .ولد وحش قادر على استنزاف ضوء الكون ،الثقب األسود،
بئر مظلمة في الكون.
يجذب كل شيء بواسطة قوة الجاذبية لتفرده حتى ذلك المكان الذي ال يستطيع
حتى الضوء الهروب منه ،الحدود بين الكون المعروف والكون المخفي في
أعماق الثقب األسود .لم يكن الوحوش وحدها ،جميعهم يرغبون في االستيالء
على العرش وبدأت الحرب للسيطرة على قوة درب التبانة.
جذبت غضب إخوتهم الثقوب السوداء الذين تقاتلوا من أجل هيمنة الظالم .كان
يمكن أن يبقى واحد فقط .وأخيرً ا ،استولى أحدهم على العرش ،السهم يهيمن على
قلب المجرة ،يأسر رماد النجوم والكواكب التي اقتربت كثيرً ا .نما دوامة المادة
أكثر وأكثر ،حتى عندما لم تتمكن من احتواء غضبها ،بدأ شيء ما يظهر من
قلبها.
أشعة جاما تم طردها من الوحش المظلم ،أكثر قوة مدمرة في الكون .اجتاحت
األشعة المجرة بعرض قوة مدمرة للجاذبية .لكن في خضم تلك الفوضى ،كانت
هناك أمل.
خالل حياة نجمة ،توجد معركة مستمرة ،حرب بين قوتين :الطاقة النووية تدفع
للخارج والجاذبية تجذب النجمة نحو قلبها وأعماقها .لكن لماليين السنين يسود
التوازن ،الوقت الذي ُتبنى فيه الكواكب حولها ويتم تشكيل عناصر أثقل في
أعماقها .عناصر تنتظر بصبر ليتم تحريرها .كل شيء مسألة وقت حتى تصل
االندماج النووي إلى الحديد.
هذا هو نهاية الطريق ،لقد تسممت النجمة بقلبها الحديدي .توقفت ردود الفعل في
النواة ،انتهت المعركة وانتصرت الجاذبية .لم يعد هناك شيء يمنع االنهيار وفي
جزء من الثانية تنفجر بلمعان يعادل مليار شمس .لقد ماتت النجمة في شكل
انفجار عظيم ،لكن في تضحيتها ُتطلق تلك العناصر التي كانت ترتاح في قلبها
من سجن النجوم وتنتشر في الفضاء.
وكطائر الفينيق ،ستولد نجوم جديدة من رماد تلك التي قضت .عملية الموت
والقيامة التي نشأنا منها نحن ،ألنه كان في أعماق سديم حيث بدأت دورة نجمة
جديدة ،نسل يعود إلى بداية عصر الضوء .نجمة ستسمى بمرور الزمن بالشمس.
وُ لِدَ المجموعة الشمسية ،أصبحت الشمس عمال ًقا.
وبين الغبار والصخور ،اندلعت حرب للعثور على مأوى تحت ضوء النجمة.
أبناء الشمس سيناضلون إليجاد موطنهم ،للسيطرة على إحدى تلك المدارات
الثمينة حول نجمتهم األم ،والجاذبية هي سالحهم .وبعد تلك الحرب المُدمِرة ،نجا
أحد العوالم ووصل إلى المعركة النهائية .األرض تواجه اللحظة التي ستحدد
مصيرها.
فازت األرض بالمعركة األخيرة ،وظهرت القمر من رماد التصادم .لكن األرض
ال تزال جحيمًا .تهوي الكويكبات األولية للمجموعة الشمسية على األرض ،لكنها
تحمل هدية .مع كل تصادم ،يصل الماء إلى عالمنا .ببطء ،واح ًدا تلو اآلخر ،مع
انخفاض درجة الحرارة ،تبدأ المحيطات في التكوين .األرض تبدأ في الشبه
بموطننا.
وكورثة من جميع تلك النجوم التي ضحت في الماضي ،يحدث شيء في أعماق
البحار .المركبات الكيميائية الناشئة من المنابع الحرارية تتكون .من تلك الشقوق
البركانية ،نشأت الظروف الالزمة لكي يتمكن الكون من فهم نفسه ،لكي يتمكن
هيكل جزيئي عشوائي من تخزين المعلومات .تكون الحمض النووي ،ومعه
الحياة .قبل 3.8مليار سنة ،نظمت الجزيئات العضوية في المحيطات على تلك
األرض الشابة لتشكيل هيكل بيولوجي قادر على الحفاظ على النظام الداخلي،
لتجنب فوضى الكون ،لجني الطاقة داخله.
آالت البقاء ،األوتوماتا المبرمجة بعشوائية بهدف الحفاظ على وجود الجينات،
جينات أنانية مختبئة في قلب الخاليا .وفي هذا األنانية ،لم تكن هناك حدود؛ كلما
حصدت المزيد والمزيد من الطاقة .ومنذ 500مليون سنة ،قفزنا القفزة الحاسمة.
رماد موت النجوم تحول إلى كائنات متقدمة .انفجار الكامبري أنبت ممالك
المخلوقات الحية .لقد وجدت الحياة طريقها.
كل العهود لها نهاية ،ونهاية كل عهد تمثل بداية عهد آخر .من رماد تلك األرض
المهجورة ،عثرت الحياة على طريق آخر مرة أخرى ،رحلة ستقود إلى ميالد
تلك المخلوقات التي جعلت الكون يعرف نفسه .لقد عشنا طويالً وربما سنعيش
أكثر ،لكن ال شيء وال حتى شمسنا أبدية .عندما يستنفذ الشمس وقودها ،لن
تتالشى وتموت بهدوء ،بل ستبدأ انتقالها إلى العمالق األحمر.
ببطء ،ستتحول نجمتنا إلى وحش أحمر .األرض ستتوقف عن أن تكون كوكبًا
صالحً ا للسكن .عالمنا سيصبح مجرد وهم لما كان يومًا ما منزالً .سيبدأ انقراض
الحياة إذا كانت ال تزال موجودة على األرض .العمالق الناري سيبدأ في التهام
أبنائه .وعلينا فقط أن ننتظر .لن يكون أحد قادرً ا على مشاهدة اللحظة التي يبتلعنا
فيها الشمس في توسعه الحتمي.
ستلتهم نجمتنا التي منحتنا الحياة وسيختفي كل ما تبقى من حضارتنا .مع الشمس
المتحدة ،ال يوجد مكان للحياة سوى ذلك السجن الملتهب .انتهت رحلتنا .ال يمكن
لكل ما يعتمد على حرارة الشمس سوى انتظار الليل األبدي واللحظة التي ينطفئ
فيها ضوء الشمس.
وعندئذ ،عندما ال يتبقى داخلها أكثر قتال ،ستموت الشمس .سيتم تحرير طبقاتها
الخارجية ومثل النجم الذي أعطاها الحياة ،يجب أن تضحي الشمس حتى تولد
األخرى .تنتهي قصة لتبدأ قصة أخرى .وتلك الذرات التي كانت جزءًا منا ستعود
تلك الذرات التي كانت جزءًا منا ومن مكونات الحياة إلى المكان الذي أتينا منه
جميعًا .وكتذكار لوجودها ،ستبقى كرة ضوء صغيرة ،نجمة ضئيلة ،قزم أبيض،
مصيره الوحيد هو أن يبرد حتى يندمج في الظالم .لكن حتى في هذا الفراغ،
هناك أمل .أن يكون لتضحيتنا هدفٌ ما ،أن تعود رمادنا للحياة وتبدأ كل شيء
مرة أخرى.