You are on page 1of 5

‫المبحث األول ‪ :‬ماهية التحكيم‬

‫المطلب األول ‪ :‬مفهوم التحكيم و تطوره‬

‫الفرع األول ‪ :‬التطور التاريخي للتحكيم‬

‫تجاهلت العديد من دول العالم الثالث التحكيم التجاري الدولي لفترة من الزمن بعد استقاللها‪ ،‬ويعود ذلك‬
‫إلى اعتقادها بأن التحكيم يتعارض مع مبدأ سيادة الدولة‪ .‬كان بناء االقتصاد الموجه الذي اعتمدته بعض‬
‫الدول االشتراكية مسؤواًل عن استبعاد نظام التحكيم من المنظومة القضائية‪ .‬وكانت التحوالت االقتصادية‬
‫والسياسية العالمية التي شهدتها الثمانينات أثرت بشكل كبير على الساحة الجزائرية‪ ،‬حيث أصبحت‬
‫سياسة االقتصاد السوق هد ًفا للسلطات الجزائرية‪ .‬وبعد أن أثبتت سياسة االقتصاد الموجه محدوديتها في‬
‫الجانب االقتصادي للدولة وأثرت سلبًا على النواحي االجتماعية‪ ،‬أدى ذلك إلى ضرورة إعادة النظر في‬
‫آليات حل المنازعات الدولية‪ ،‬وعلى رأسها التحكيم التجاري الدولي‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬التعريف الفقهي و تعريف المعاهدات للتحكيم‬

‫التحكيم الدولي هو إجراء تسوية للنزاعات الدولية بين الدول أو بين الدولة والشركات أو بين شركات من‬
‫مختلف الدول‪ ،‬وذلك باللجوء إلى طرف ثالث يتمتع بالشخصية القانونية‪ .‬ويتم ذلك بموجب االتفاق على‬
‫ً‬
‫موجودا في العقد المبرم بين األطراف أو في اتفاق‬ ‫شروط وإجراءات التحكيم‪ ،‬والذي يمكن أن يكون‬
‫منفصل‪ .‬وتكون هذه اللجنة مؤلفة من حكام محايدين مختصين في مجال النزاع المعني‪ .‬ويتم اختيار‬
‫الحكام بطريقة متفق عليها بين األطراف‪ ،‬أو بموجب قواعد تحكيم دولية معتمدة‪ ،‬ويتم النظر في الحالة‬
‫وإصدار القرار بشكل سري ومستقل‪ ،‬دون تدخل من السلطات القضائية في الدول المعنية‪ .‬ويتم اعتبار‬
‫قرار لجنة التحكيم الدولية بمثابة حكم قضائي نهائي وملزم بالنسبة لألطراف المتنازعة‪.‬‬

‫وال تختلف التعريفات الفقهية كثيرا مع ما تناولته االتفاقيات الدولية في مقاربتها للتحكيم‪ ،‬فنجد أن المادة‬
‫‪ 37‬من اتفاقية "الهاي" األولى والخاصة بالتسوية السلمية للمنازعات الدولية تنص على أن التحكيم‬
‫الدولي يهدف إلى حل المنازعات بين الدول عبر قضاة يتم اختيارهم حسب رغبة األطراف ذات النزاع‪،‬‬
‫وعلى أساس احترام القانون‪ .‬أما المادة األولى من قانون التحكيم النموذجي (‪ )Modellaw‬الصادر عن‬
‫لجنة األمم المتحدة لقانون التجارة الدولية‪ ،‬فتعتبر أن التحكيم التجاري الدولي يتم بين طرفين توجد أماكن‬
‫عملهم في دول مختلفة ويسري على كافة المواضيع الناشئة عن العالقات ذات الطبيعة التجارية سواء‬
‫كانت تعاقدية أم لم تكن‪ ،‬والعالقات ذات الطبيعة التجارية تتضمن‪ :‬العالقات التجارية الخاصة بتزويد أو‬
‫تبادل البضائع والخدمات‪ ،‬اتفاقية التوزيع‪ ،‬التمثيل التجاري أو الوكالة‪ ،‬التصنيع‪ ،‬التأجير‪ ،‬أعمال البناء‪،‬‬
‫االستشارة‪ ،‬الهندسة‪ ،‬الترخيص‪...‬‬
‫وعلى مستوى القضاء نجد أنه تم التعرض لتعريف التحكيم‪ ،‬فمجلس الدولة الفرنسي يرى أن التحكيم‬
‫يتمثل في سلطة القرار التي يعترف بها لطرف ثالث (المحكم) والتسليم بأن قرار المحكم هو قرار‬
‫قضائي‪ ,‬أما على مستوى التشريع الجزائري فنجد أن المادة ‪ 1039‬من قانون اإلجراءات المدنية و‬
‫اإلدارية تناولت تعريف التحكيم الدولي دون تحديده‪ ،‬فنصت على أنه‪" :‬يعد التحكيم دوليا بمفهوم هذا‬
‫القانون‪ ،‬التحكيم الذي يخص النزاعات المتعلقة بالمصالح االقتصادية لدولتين على األقل"‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬الطبيعة القضائية‬


‫يعتبر التحكيم وفق هذا االتجاه بأنه توجه نحو قضاء العدالة الخاصة أما القضاء فهو توجه نحو قضاء‬
‫العدالة العامة‪ ,‬أي أنه األطراف بين الحالتين في كونهما قضائيين‪ ،‬رغم أن التحكيم جاء كنتيجة إرادة‬
‫األطراف التي اتجهت إلى اختيار هذه الوسيلة لفض النزاع‪ ،‬ولكن هذا في إطار قانوني وتتجلى الوظيفة‬
‫القضائية في طبيعة المحكم دون اعتبار للمعايير الشكلية أو العضوية التي تتعلق بشخص الذي يؤدي‬
‫الوظيفة ويؤكد أنصار الطبيعة القانونية للتحكيم أنه من حيث الشكل محكم التحكيم يأتي مكتوبا ومسببا‬
‫وموقعا عليه من المحكمين كما أنه يشمل على بيانات تكاد تكون نفس البيانات الموجودة في أحكام‬
‫القضاء أما من حيث الموضوع فإن حكم التحكيم يستند إلى قواعد القانون والعدالة ويتمتع الحكم بحجية‬
‫األمر المقضي به إضافة إلى كون التحكيم يقوم على أساس التفويض من الدولة للمحكم بإقامة العدالة بين‬
‫األفراد ورغم أنه مؤقت إال أن هذا ال ينفي عليه الميزة القضائية‪ ،‬ويذهب فريق من أنصار الطبيعة‬
‫القضائية للتحكيم إلى اعتباره وجه من أوجه قضاء الدولة إلى وهذا ما يؤكد حسبهم جانب القضاء العادي‬
‫وعلى هذا بقي هذا الفريق بوجود قضائيين هما قضاء التحكيم وقضاء الدولة الطبيعة القضائية للتحكيم‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪ :‬التنظيم اإلجرائي للتحكيم‬

‫المطلب األول ‪ :‬تشكيل هيئة التحكيم‬

‫الفرع األول ‪ :‬المحكم الفرد و المحكمة الجماعية‬

‫● المحكم الفرد‬
‫إن إسناد التحكيم إلى محكم فرد هو أقدم هذه الهياكل التحكيمية‪ ،‬من الناحية التاريخية‪ ،‬و قد أقرته اتفاقية‬
‫الهاي ‪ 1907‬بمقتضى نص المادة ‪ 56‬غير أنه تراجع كثيرا في العصر الحالي لصالح التحكيم عن‬
‫طريق هيئة جماعية أو محكمة تحكيمية‪ .‬يقصد بالتحكيم الفردي أن تلجأ األطراف المتنازعة إلى تحكيم‬
‫شخص لحل النزاع القائم بينهما‪ ،‬حيث يكون هذا الشخص محل اعتبار وتقدير‪ .‬إن الشخص الذي يعهد‬
‫له التحكيم قد يكون رئيس دولة أو شخصية سياسية أو رجل دين أو من أصحاب العلم‪ . ....‬ولعل من‬
‫أهم خصائص التحكيم الفردي أن القرار الذي يصدر عنه يتمتع مبدئيا بعنصر اإللزام‪ ،‬ويتعزز أكثر‬
‫نظرا للمكانة السياسة التي يحظى بها المحكم في هذه الحالة‪ .‬ومن أمثلة اللجوء إلى التحكيم الفردي قيام‬
‫ملك بريطانيا إدوارد السابع بالتحكيم في العديد من القضايا الدولية بين دول أمريكا الالتينية مع مطلع‬
‫القرن العشرين كما وقع التحكيم في النزاع بين األرجنتين والشيلي سنة ‪ .1901‬ونذكر أيضا قيام ملك‬
‫ايطاليا سنة ‪ 1931‬كمحكم بين كل من فرنسا والمكسيك في النزاع الذي ثار بينهما بشأن السيادة على‬
‫جزير ة كليبيرتون الواقعة في المحيط الهادي‬
‫ومن أمثلة الحديثة عن التحكيم الفردي اختيار ملكة بريطانيا إليزابيث للقيام بالتحكيم مرتين بين‬
‫األرجنتين و الشيلي‪ ،‬فالمرة األولى كانت سنة ‪ 1966‬بخصوص النزاع الحدودي في منطقة األنديز‪،‬‬
‫والمرة الثانية سنة ‪ 1977‬بشأن النزاع حول الجزر الواقعة في قناة بيغل‪.‬‬
‫● المحكمة الجماعية‬
‫يمثل هذا النوع من التحكيم‪ ،‬أسلوبا وسطا ما بين التحكيم والقضاء‪ ،‬فالمحكمة هنا تتكون من (قضاة)‬
‫محايدين ذوي الخبرة القانونية و الكفاءة العلمية ويتولون الفصل في المنازعات الدولية بناء على أسس‬
‫قانونية ويصدرون قرارات تحكيمية معللة بصفة كاملة ودقيقة‪ .‬وتتشكل المحكمة من هيئة جماعية تضم‬
‫خمسة أعضاء وعلى كل طرف أن يختار محكم واحد‪ ،‬أما الثالثة الباقون فهم محكمين محايدين وهو‬
‫األمر الذي يضمن بقدر كبير الصفة الحيادية لهذه المحكمة التحكيمية‪ .‬يترأس الهيئة التحكيمية أحد‬
‫هؤالء المحكمين المحايدين و على خالف الوضع في نطاق اللجنة المختلة‪ ،‬فإن هذا المحكم الرئيس‬
‫يشارك من البداية في سير مهمة المحكمة‪ .‬إن النموذج األول لهذا النوع من التحكيم الدولي‪ ،‬ظهر مع‬
‫قضية أالباما السالفة الذكر وهي أول مرة يشهد فيها المجتمع الدولي اللجوء إلى التحكيم لحل نزاع بين‬
‫دولتين كبيرتين‪.‬‬

‫الفرع الثاني ‪ :‬اللجان المختلطة‬

‫يمثل هذا النوع من التحكيم الجماعي في صورته الحديثة المنظمة‪ ،‬وقد تشكل تاريخيا بصفة تدريجية في‬
‫شكلين متتابعين من القرن الثامن عشر‪ ،‬بتأثير العالقات اإلنجليزية واألمريكية‪ ،‬وهما اللجنة المختلطة‬
‫الدبلوماسية‪ ،‬واللجنة المختلطة التحكيمية‪ .‬كانت اللجنة األولى تتشكل من عضوين بحيث يمثل كل منهما‬
‫أحد الطرفين المتنازعين دون أن يكون هناك عضو مرجح )رئيس(‪ ،‬وقد طبقت هذه الطريقة في تسوية‬
‫منازعات الحدود ما بين الواليات المتحدة وبريطانيا على أساس أن هذه األخيرة كانت تسيطر على كندا‪،‬‬
‫كما وقع في تعيين حدود نهر الصليب المقدس سنة ‪، 1794‬غير أن هذه اللجان في نظر البعض‪ ،‬ليست‬
‫سوى هيئات للتفاوض أكثر منها هيئات تحكيمية‪ .‬أما اللجنة الثانية فتتشكل من ثالثة إلى خمسة أعضاء‬
‫محكمين على أساس واحد أو اثنين لكل طرف من أطراف النزاع‪ ،‬على أن يضاف إليهم عضو أخر‬
‫لتولي رئاسة اللجنة‪ .‬نشأ هذا األسلوب من التحكيم في ظل عقد معاهدة جاي‪ ،‬التي عممت نظام المحكم‬
‫المرجح (رئيس)‪ ،‬الذي ينتمي لدولة محايدة‪ ،‬ومن أهم مزايا هذه الطريقة أن القرارات الصادرة عنها‬
‫تكون مسببة بطريقة كافية‪ .‬وقد ساهم هذا النموذج في إثراء وتقدم التحكيم الدولي بالنظر إلى الضوابط‬
‫الموضوعة لضمان حياد هيئة التحكيم واختيار أعضائها من بين المختصين في القانون الدولي العام وهو‬
‫األمر الذي أدى إلى اتسام قدراتهم بمراعاة اإلجراءات والقواعد القانونية وكذلك التسبب مما أضفى‬
‫عليها صفة السابقة القانونية التي يمكن االستفادة منها مستقبال على غرار ما هو سائد في ظل النظام‬
‫القانوني األنجلوساكسوني‪.‬‬

‫الفرع الثالث ‪ :‬الشروط الواجب توفرها في محكم‬


‫ضرورة تمتع المحكم باألهلية المدنية‬
‫أن يكون المحكم شخصا طبيعيا‬
‫قاعدة الوترية ‪ :‬يجب أن يكون عدد المحكمين الذي تتشكل منه هيئة التحكيم وترا‬
‫حياد واستقالل المحكم‬
‫خبرة وكفاءة المحكم‬
‫ثقافة المحكم‬
‫المبحث الثالث ‪ :‬إرادة الدول في اللجوء إلى التحكيم‬

‫المطلب األول ‪ :‬اتفاق التحكيم التجاري الدولي‬

‫الفرع األول ‪ :‬تعريف اتفاق التحكيم‬

‫تعددت التعريفات التشريعية والقضائية والفقهية التفاق التحكيم‪ ،‬حيث تتقارب تشريعات الدول في تعريف‬
‫اتفاق التحكيم‪.‬‬
‫وقد نصت المادة ‪ 1 / 2‬من اتفاقية نيويورك لعام ‪ 1958‬بشأن االعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها ففي‬
‫تعريفها التفاق التحكيم على أنه ‪ :‬اتفاق المكتوب الذي يلتزم بمقتضاه األطراف بأن يخضعوا للتحكيم كل‬
‫أو بعض المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن عالقة قانونية محددة عقدية كانت أو غير عقدية‪،‬‬
‫بمسألة يجوز تسويتها عن طريق التحكيم‪.‬‬
‫فيما عرفه القانون النموذجي أللمم المتحدة بأنه ‪" :‬اتفاق بين طرفين على أن يحيال إلى التحكيم جميع أو‬
‫بعض المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن عالقة قانونية محددة‪ ،‬سواء أكانت تعاقدية أو غير‬
‫تعاقدية‪ ،‬ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في صورة شرط بند تحكيم وارد في عقد أو في شكل اتفاق‬
‫منفصل‪".‬‬
‫وقد عرفت المادة ‪ 10‬الفقرة ‪ 1‬من قانون التحكيم المصري رقم ‪ 27‬لسنة ‪، 1994‬اتفاق التحكيم على‬
‫أنه ‪" :‬اتفاق الطرفين على االلتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن‬
‫تنشأ بينهما بمناسبة عالقة قانونية عقدية كانت أو غير عقدية‪".‬‬
‫فيما نصت المادة ‪ 173‬من قانون التحكيم الكويتي رقم ‪ 38‬لسنة ‪ 1980‬على أنه ‪" :‬يجوز االتفاق على‬
‫التحكيم في نزاع معين‪ ،‬كما يجوز االتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد‬
‫معين‪".‬‬
‫كما عرفت المادة ‪ 6‬الفقرة ‪ 1‬من قانون التحكيم اإلنجليزي لعام ‪، 1996‬اتفاق التحكيم بأنه ‪" :‬االتفاق‬
‫الذي يفرز فيه األطراف إخضاع كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهم في شأن‬
‫رابطة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية للتحكيم‪".‬‬
‫و عرفه القانون األلماني الصادر في عام ‪ 1997‬بأنه ‪" :‬االتفاق الذي يقرر فيه األطراف إخضاع كل أو‬
‫بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما‪ ،‬في شأن رابطة قانونية معينة‪ ،‬عقدية أو غير‬
‫عقدية للتحكيم‪".‬‬
‫و من الناحية الفقهية فقد عرف البعض اتفاق التحكيم بأنه ‪" :‬عقد خاص يتم باتفاق الطرفين و يعتبر‬
‫مظهرا لسلطان إرادتهم‪".‬‬
‫ويظهر جليا من التعاريف السابقة أن اتفاق التحكيم يرتكز على عدة أمور تبرز جوهره ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أنه تراضي وتالقي إرادتي طرفي عالقة قانونية معينة على اتخاذ التحكيم كوسيلة لتسوية‬
‫المنازعات التي نشأت أو قد تنشأ عن تلك العالقة أيا كان أساس تلك العالقة عقدة أو غير عقدية‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تحويل المحكمين أو هيئة التحكيم سلطة الفصل في كل أو بعض المنازعات الناشئة عن هذه‬
‫العالقة‪ ،‬وغالب عمال أن تحدد المسألة محل التحكيم في االتفاق‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬أن االتفاق على اللجوء إلى التحكيم قد يكون سابقا على نشوء النزاع بين الطرفين‪ ،‬وقد يكون‬
‫الحقا لنشوء النزاع‪.‬‬
‫الفرع الثاني ‪ :‬شروط صحة اتفاق التحكيم‬

You might also like