You are on page 1of 16

‫أرومة مصاحف األمصار‬

‫مايكل كوك‬

‫ترجمة‪ :‬مصطفى الفقي‬

‫‪mostafaaelfekey@gmail.com‬‬

‫‪ /1‬مقدمة‪:‬‬

‫هل من الممكن تحديد أرومة مصاحف األمصار المنتسخة في صدر اإلسالم؟ في دراسة سابقة‪،‬‬
‫قدّمتُ بعض المالحظات األولية حول هذا السؤال في أحد الهوامش‪ ،1‬معتمدا بقدر كبير على‬
‫القراءة التي قدّمها نولدكه في العام ‪ .21860‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬أدركتُ أن األمر ليس واضحا بما‬
‫يكفي‪ .‬ومن هنا‪ ،‬تأتي تلك الورقة الراهنة‪.‬‬

‫نص رسمي معتمد للقرآن إبان حكم الخليفة عثمان‬ ‫تتحدث المصادر اإلسالمية عن عملية جمع ّ‬
‫بن عفان (حكم‪ ،)656-644 / 35-23 :‬ومن ث ّم تعميم هذا النص وإرساله إلى األمصار‪ .‬وقد‬
‫أورد العالم األندلسي أبو عمرو الداني (ت‪ )1053/ 444 .‬روايتين لعملية توزيع هذا النص‬
‫على األمصار‪ .3‬وبحسب أولى الروايتين‪ ،‬نسخ عثمان أربع نسخ من هذا النص (جعله على أربع‬
‫نسخ) وأرسل نسخة إلى الكوفة‪ ،‬وأخرى إلى البصرة‪ ،‬وثالثة إلى الشام‪ ،4‬وأبقى واحدة لديه‬
‫(وأمسك عند نفسه واحدة)‪ .‬وبحسب الداني‪ ،‬هذه الرواية هي الرواية األصح وهي ما تبنّاه كثير‬
‫من األئمة‪ .‬وفقا لل رواية الثانية‪ ،‬انتسخ عثمان سبع نسخ وليس أربعة‪ ،‬وأرسل النسخ اإلضافية‬
‫إلى مكة واليمن والبحرين‪ ،‬ولكن الداني ال يرجح هذه الرواية‪.‬‬

‫وقبل أن نشرع في معالجة هاتين الروايتين‪ ،‬يجدر بنا أن نالحظ إشكاليتين تكتنفان مثل هذه‬
‫المرويات‪ .‬أوال‪ :‬من غير الواضح تماما ما إذا كانت تلك النسخ األربع (أو السبع) تتضمن أم‬

‫‪1‬‬
‫‪M. cook, "A Koranic Codex Inherited by Malik from his Grandfather", Graeco-Arabica 7-8 (1999-‬‬
‫‪2000) 93-105, here 101, n.52.‬‬
‫ومنذ ذلك الحين‪ ،‬استفدت من العمل مع طالبي على مجموعة من المواد ذات الصلة على مدار حلقتين دراسيتين‪.‬‬
‫‪( Theodor Nöldeke, Geschichte des Qorāns, Göttingen 1860, 242 2‬حيث ي صف القراءة المقترحة بأنها األكثر‬
‫ترجيحا)‪ .‬وتظهر هذه القراءة مرة أخرى بدون تغيير في ‪Theodor Nöldeke et al., Geschichte des Qorāns2, 3,‬‬
‫‪( Leipzig 1926-1938, 15,‬والجزء ذو الصلة من الكتاب روجع بواسطة برغشترسر)‪ .‬ومن الالفت للنظر أن النقاش حول‬
‫مصاحف األمصار المعروض في الطبعة الثانية لألطروحة كان موجودا بالفعل في الطرح الذي قُ ّدِّم أول مرة‪ ،‬ولكن جميع المراجع‬
‫اإلضافية تخص الطبعة الثانية من الكتاب‪.‬‬
‫‪ 3‬الداني‪ ،‬المقنع في رسم مصاحف األمصار‪ ،‬طبع بعناية أوتو برتزل‪ ،‬استانبول‪ :‬مطبعة الدولة ‪ ،1932‬ص ‪ 10‬سطر ‪ ،8‬وسيشار إلى‬
‫هذا المصدر من اآلن فصاعدا بـ (المقنع)‪ .‬ولمطالعة روايات مماثلة‪ ،‬انظر على سبيل المثال‪ ،‬ابن أبي داود‪ ،‬كتاب المصاحف‪ ،‬عناية‬
‫آرثر جيفري‪ ،‬في الروايات التي أوردها حول تاريخ نص القرآن‪ ،‬ليدن ‪ ،1937‬ص‪ 34‬س ‪ ،14‬ص ‪ 34‬س ‪ ،17‬وسيشار إلى هذا‬
‫المصدر بـ (المصاحف)‪.‬‬
‫‪ 4‬في مواضع أخرى من الكتاب‪ ،‬يقول الداني إن هذه النسخة أرسلت إلى مدينة "حمص" تحديدا ‪( ،‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 109‬س ‪ .13‬ص‬
‫‪ 121‬س ‪.)2‬‬
‫تستبعد من بينها المصحف اإلمام (وهو النص الذي انتُسخت منه جميع النسخ األخرى سواء‬
‫بشكل مباشر أو غير مباشر) ‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تشي العبارة القائلة إن عثمان أمسك عند نفسه واحدة‬
‫بأن المصحف اإلمام كان من بين هذه النسخ‪ .‬أما اإلشكالية الثانية فهي أن تلك الروايات ال‬
‫تخبرنا ما إذا كانت هذ ه النسخة التي أمسكها عثمان عند نفسه هي نسخة شخصية خاصة به‪ ،‬أم‬
‫أنها هي ذاتها نسخة المدينة (التي تكافئ نسخ الكوفة والبصرة والشام)‪ .‬تشي الصياغة الظاهرة‬
‫للروايات باالحتمال األول‪ ،‬ولكن عند أخذ حالة التكافؤ بين النسخ في عين االعتبار نصبح أمام‬
‫االحتمال الثاني‪.‬‬

‫سط األمور من خالل وضع افتراضات ثالثة‪ .‬أوال‪ ،‬سوف نؤجل‬ ‫عند هذه المرحلة‪ ،‬دعونا نب ّ‬
‫النقاش حول الرواية الثانية التي أوردها الداني لنبدأ بالرواية األولى جريا على ترجيحه‪ .‬ثانيا‪،‬‬
‫سوف نفترض أن هذه النسخ األربعة تتضمن المصحف اإلمام‪ .‬ثالثا‪ ،‬لنفترض أن النسخة التي‬
‫أمسكها عثمان عند نفسه هي نسخة المدينة (أو هي نسخة تلعب دورا مزدوجا)‪ .‬وطبقا لهذه‬
‫االفتراضات الثالثة‪ ،‬نحن معنيون عند هذه النقطة بأربع نسخ فقط أُرسلت إلى األمصار‪ .‬ويمكننا‬
‫أن نرمز إلى تلك النسخ بالحروف التالية‪:‬‬

‫حرف (ش) ويرمز إلى النسخة المرسلة إلى الشام‪ ،‬حرف (مـ) ويرمز إلى النسخة التي أمسكها‬
‫عثمان في المدينة‪ ،‬حرف (ب) ويرمز إلى نسخة البصرة‪ ،‬وحرف (ك) يرمز إلى نسخة الكوفة‪.‬‬

‫بالطبع‪ ،‬لم يبق أي مصحف من هذه المصاحف األربعة إلى اليوم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فنحن لدينا روايات‬
‫صلة حول االختالفات النصية التي تميزت بها كل نسخة من النسخ األربع (أو المصاحف‬ ‫مف ّ‬
‫المحلية المنتسخة منها)‪ . 5‬يورد الداني هذه الروايات في أحد األبواب المخصصة لمناقشة هذا‬
‫الموضو ع‪ . 6‬حيث يحصي الداني ستة وثالثين موضعا في القرآن تحدث فيها مثل هذه‬
‫االختالفات ‪ ،‬وفي كل موضع من هذه المواضع يخبرنا الداني بالقراءات المحلية لآلية‪ .7‬ال يعد‬
‫نص طويل بحجم القرآن‪ ،‬إذ أن الكلمات التي تقع فيها مثل هذه‬ ‫ّ‬ ‫هذا العدد كبيرا بالقياس إلى‬
‫االختالفات تشكل أقل من كلمة واحدة من كل ألفي كلمة‪ .‬كما ال يتعدى عدد القراءات المختلفة‬
‫ي بقراءة منهما أو‬ ‫في أي موضع من المواضع المذكورة القراءتين‪ ،‬ويلهج كل مصحفٍ محل ّ‬
‫باألخرى‪ .‬ال ينفرد أبو عمرو الداني بذكر هذه المعلومات‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬نعثر على هذه‬
‫المرويات بشكل أساسي في مصنفات ابن أبي داود (ت‪ ،8)929 / 316 .‬وأبي عبيد القاسم بن‬
‫سالم (ت‪ ، 9)838 / 224 .‬ويعاد إنتاج هذه الروايات في المصنفات الحديثة التي تعالج تاريخ‬
‫القرآن‪ . 10‬ثمة بعض التناقضات التي تظهر بين مختلف المصادر‪ ،‬ولكننا نحتاج إلى النظر إليها‬
‫باعتبارها ذات صلة بنقاشنا‪ .‬ولنشرع اآلن في معالجة نسخةً فنسخة‪.‬‬

‫‪ 5‬تتحدث المصادر عادة عن "مصاحف أهل البصرة" ولكنها نادرا ما تشير إلى االختالفات بين مثل هذه المصاحف المحلية {لمطالعة‬
‫مثال على ذلك االستثناء‪ ،‬انظر‪ :‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 109‬س ‪ 18‬حول اآلية (‪ )36‬من سورة النساء}‪ .‬وألغراض إجرائية يمكننا الركون إلى‬
‫الصيغة التي تتحدث عن "مصحف أهل البصرة"‪ ،‬وهكذا بالنسبة إلى بقية مصاحف األمصار‪.‬‬
‫‪ 6‬المقنع‪ ،‬ص ‪.116 – 108‬‬
‫‪ 7‬هذه المواضع الستة وثالثين من إحصائي‪ .‬أما الداني فقد أحصى ثالثة وأربعين اختالفا‪ ،‬ولكن ستة مواضع منها تخالف قطعا‬
‫المصحف المكي‪ ،‬وموضع واحد ربما خالف مصاحف األمصار‪ ،‬وهكذا تكون هذه المواضع غير ذات صلة بنقاشنا عند هذه المرحلة‪.‬‬
‫والموضع المتنازع فيه هو اآلية (‪ )18‬من سورة محمد (الحالة السابعة في االختالفات المكية التي سنناقشها الحقا في الفقرة التاسعة)‪.‬‬
‫‪ 8‬المصاحف‪ ،‬ص ‪.49-39‬‬
‫‪ 9‬أبو عبيد القاسم بن سالم‪ ،‬فضائل القرآن‪ ،‬بيروت ‪ .200- 196 ،1991‬وسيشار إلى هذا المصدر الحقا بـ (الفضائل)‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪Nöldeke, Geschichte, 11-14.‬‬
‫‪ /2‬مصحف أهل الشام‬

‫تسير األمور على نحو مبسط في حالة مصحف الشام‪ .11‬ثمة مجموعة واحدة من المواضع‬
‫(عددها ستة عشر موضعا) التي انفرد بها مصحف الشام (وهذا يعني أن تلك المواضع غير‬
‫مقروءة هكذا في مصاحف أهل المدينة والبصرة والكوفة)‪ .‬كما توجد مجموعة ثانية من‬
‫المواضع (وعددها ثالثة عشر موضعا) اتفق فيها مصحف الشام مع مصحف المدينة مخالفا‬
‫مصاحف البصرة والكوفة‪ .12‬ولم يحدث أبدا أن وافق مصحف أهل الشام مصاحف البصرة أو‬
‫الكوفة وخالف المصحف المدني‪ . 13‬وعلى هذا النحو‪ ،‬بإمكاننا أن نميز مصحف أهل الشام من‬
‫خالل تحديد المواضع التي انفرد بها (مؤجلين النقاش حول المواضع التي وافق فيها مصحف‬
‫المدينة مخالفا لمصاحف الكوفة والبصرة إلى حين مناقشة مصحف أهل المدينة)‪ .‬وهذه‬
‫المواضع هي‪:14‬‬

‫َللا َولَدًا (بدال من وقالوا بالواو) ‪.‬‬ ‫قَالُوا ات َّ َخذَ َّ ُ‬ ‫(ش‪ )1 :‬سورة البقرة‪ :‬آية (‪)116‬‬ ‫‪-‬‬
‫ب (بدال من بالبينات‬ ‫الزب ُِّر َو ِّب ْال ِّكت َا ِّ‬
‫ِّب ْال َب ِّّينَاتِّ َو ِّب ُّ‬ ‫(ش‪ )2 :‬سورة آل عمران‪ :‬آية (‪)184‬‬ ‫‪-‬‬
‫والزبر والكتاب)‪.15‬‬
‫َّما فَ َعلُوهُ ِّإ َّال قَ ِّليال ِّّم ْن ُه ْم (وفي سائر المصاحف‪:‬‬ ‫(ش‪ )3 :‬سورة النساء‪ :‬آية (‪)66‬‬ ‫‪-‬‬
‫إال قلي ٌل بالرفع) ‪.‬‬
‫َّار ْاآل ِّخ َرة ُ (وفي سائر المصاحف‪ :‬ولل ّدار‬ ‫َولد ُ‬ ‫(ش‪ )4 :‬سورة األنعام‪ :‬آية (‪)32‬‬ ‫‪-‬‬
‫اآلخرة)‪.16‬‬
‫ير ِّّمنَ ٱ ْل ُم ْش ِّركِّينَ قَتْ َل أ َ ْو َٰلَ ِّد ِّه ْم‬ ‫َو َك َٰذَلِّكَ زَ يَّنَ ِّل َكثِّ ٍ‬ ‫(ش‪ )5 :‬سورة األنعام‪ :‬آية (‪)137‬‬ ‫‪-‬‬
‫شُ َر َكآئه ْم (وفي سائر المصاحف‪ :‬شركاؤهم) ‪.‬‬
‫قَ ِّليال َما يذَ َّك ُرونَ (وفي سائر المصاحف‪:‬‬ ‫(ش‪ )6 :‬سورة األعراف‪ :‬آية (‪)3‬‬ ‫‪-‬‬
‫تذكرون أو تذّكرون بالتاء من غير ياء) ‪.‬‬
‫‪17‬‬

‫ِّي (وفي سائر المصاحف‪ :‬و َما كُ َّنا‬ ‫َما كُنَّا ِّلنَ ْهتَد َ‬ ‫(ش‪ )7 :‬سورة األعراف‪ :‬آية (‪)43‬‬ ‫‪-‬‬
‫ِّلنَ ْهتَد َ‬
‫ِّي) ‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪See Nöldeke, Geschichte, 11-14.‬‬

‫‪ 12‬نؤجل آيات سورة المؤمنون‪ )85-89( :‬حتى نقاش مصحف أهل البصرة‪.‬‬
‫‪ 13‬نؤجل آية سورة الشمس حتى نقاش الحالة الثالثة عشر في المصحف المدني‪.‬‬
‫‪ 14‬يورد ابن أبي داود في المصاحف (ص ‪ 44‬س ‪ )14‬قائمة تُعزى فيها كثير من هذه المواضع إلى مصحف المدينة أيضا (نعثر على‬
‫المثال األول لدينا في كتاب المصاحف ص ‪ 44‬س ‪ ،17‬وآخر مثال تجده في ص ‪ 47‬س ‪ .)11‬وقد يبدو ذلك أمرا مربكا كثيرا إلن‬
‫قراءات مصحف المدينة موثقة جيدا في ال مخطوطات الفعلية‪ ،‬ومن ثم تجاهلت األمر‪ .‬ولمطالعة قراءتين شاذتين منسوبتين إلى مصحف‬
‫أهل الشام‪ ،‬دون وجود بيانات كافية للمقارنة مع المصاحف األخرى‪ ،‬انظر‪ :‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 121‬س ‪ ،4‬وكتاب المصاحف‪ ،‬ص ‪ 44‬س‬
‫‪ ،13‬ص ‪ 45‬س ‪ ،19‬وحول اآلية (‪ )67‬من سورة األنفال‪ ،‬واآلية (‪ )77‬من سورة الكهف‪ ،‬انظر‪ :‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 121‬س ‪ . 5‬وقد‬
‫استبعدت ذلك‪.‬‬
‫‪ 15‬وفي رواية أخرى يقال إن الباء زيدت في كلمة (وبالزبر) وحدها‪ .‬انظر‪ :‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 109‬س ‪.14‬‬
‫‪ 16‬قد ال يكون ذلك أكثر من مجرد خطأ إمالئي‪.)Nöldeke, Geschichte, 12, n.3( .‬‬
‫‪ 17‬وحول القراءات المختلفة لآلية‪ ،‬انظر‪ :‬ابن مجاهد‪ ،‬كتاب السبعة في القراءات‪ ،‬تحقيق شوقي ضيف‪ ،‬القاهرة ‪ ،1980‬ص ‪.278‬‬
‫وسيشار إلى هذا المصدر فصاعدا بـ (السبعة)‪.‬‬
‫وقَالَ ٱ ْل َم َأل ُ ٱلَّذِّينَ ٱ ْست َ ْك َب ُرواْ (وفي سائر‬ ‫(ش‪ )8 :‬سورة األعراف‪ :‬آية (‪)75‬‬ ‫‪-‬‬
‫المصاحف‪ :‬قَا َل ٱ ْل َم َأل ُ ٱلَّذِّينَ ٱ ْست َ ْكبَ ُرواْ)‪.‬‬
‫ع ْونَ (وفي سائر‬ ‫َو ِّإ ْذ أَن َجا ُكم ِّّم ْن آ ِّل ِّف ْر َ‬ ‫(ش‪ )9 :‬سورة األعراف‪ :‬آية (‪)141‬‬ ‫‪-‬‬
‫المصاحف‪َ :‬و ِّإ ْذ أَن َج ْينَاكُم ِّّم ْن آ ِّل فِّ ْر َ‬
‫ع ْونَ )‪.‬‬
‫س ِّي ُّركُ ْم فِّي ْال َب ِّ ّر َو ْالبَحْ ِّر (وفي سائر‬ ‫ه َُو الَّذِّي يُ َ‬ ‫(ش‪ )10 :‬سورة يونس‪ :‬آية (‪)22‬‬ ‫‪-‬‬
‫المصاحف‪ :‬يُ َسيِّ ُّركُ ْم)‪.‬‬
‫س ْب َحانَ َر ِّبّي (في مقابل‪ :‬قُ ْل ُ‬
‫س ْب َحانَ‬ ‫قال ُ‬ ‫(ش‪ )11 :‬سورة اإلسراء‪ :‬آية (‪)93‬‬ ‫‪-‬‬
‫َر ِّبّي)‪.18‬‬
‫َلل ت َأ ْ ُم ُروننِّّي أ َ ْعبُ ُد (وفي سائر‬ ‫قُ ْل أَفَغَي َْر ٱ َّ ِّ‬ ‫(ش‪ )12 :‬سورة الزمر‪ :‬آية (‪)64‬‬ ‫‪-‬‬
‫ْ‬
‫ى)‪.‬‬ ‫المصاحف‪ :‬تَأ ُم ُر ٓونِّّ ٓ‬
‫ش َّد‬‫ش َّد ِّم ْنك ْم (وفي سائر المصاحف‪ :‬أ َ َ‬ ‫َكانُوا هُ ْم أ َ َ‬ ‫(ش‪ )13 :‬سورة غافر‪ :‬آية (‪)21‬‬ ‫‪-‬‬
‫ِّم ْن ُه ْم)‪.‬‬
‫الري َْحانُ (وفي سائر‬ ‫ف َو َّ‬ ‫َو ْال َحبُّ ذا ْال َع ْ‬
‫ص ِّ‬ ‫(ش‪ )14 :‬سورة الرحمن‪ :‬آية (‪)12‬‬ ‫‪-‬‬
‫ف)‪.‬‬ ‫ص ِّ‬ ‫المصاحف‪ :‬ذُو ْال َع ْ‬
‫اإل ْك َر ِّام (وفي سائر المصاحف‪:‬‬ ‫ِّذو ْال َج َال ِّل َو ْ ِّ‬ ‫(ش‪ )15 :‬سورة الرحمن‪ :‬آية (‪)78‬‬ ‫‪-‬‬
‫اإل ْك َر ِّام)‪.‬‬‫ذِّي ْال َج َال ِّل َو ْ ِّ‬
‫َللاُ ْال ُح ْسنَى (وفي سائر المصاحف‪:‬‬ ‫ع َد َّ‬‫َوكُ ٌل َو َ‬ ‫(ش‪ )16 :‬سورة الحديد‪ :‬آية (‪)10‬‬ ‫‪-‬‬
‫وكالً وعد هللا)‪.‬‬

‫ويمكننا في المرحلة الحالية أن نتغاضى عن السؤال المهم حول ما إذا كان أي من هذه القراءات‬
‫يمكن أن تكون صحيحة أو خاطئة‪.‬‬

‫‪ /3‬مصحف أهل المدينة‬

‫تختلف حالة المصحف المدني عن حالة مصحف الشام‪ .‬ففي حين انفرد مصحف الشام بستة‬
‫عشر موضعا مختلفا‪ ،‬لم ينفرد مصحف المدينة بقراءة ما ‪ ،‬حيث نجده في كل موضع موافقا‬
‫لمصحف الشام أو مصحف البصرة‪ .‬وهكذا‪ ،‬بإمكاننا أن نميز مصحف المدينة بذكر الثالثة عشر‬
‫موضعا التي خالف فيها مصحف البصرة‪ .‬وهذه المواضع هي‪:19‬‬

‫ص َٰى بِّ َها)‪.‬‬‫ص َٰى بِّ َها (في مقابل‪َ :‬و َو َّ‬ ‫َوأ َو َّ‬ ‫(مـ‪ )1 :‬سورة البقرة‪ :‬آية (‪)132‬‬ ‫‪-‬‬
‫ارعُوا ِّإلَ َٰى َم ْغ ِّف َرةٍ ِّّمن َّربِّّكُ ْم (في مقابل‪:‬‬
‫س ِّ‬
‫َ‬ ‫(مـ‪ )2 :‬سورة آل عمران‪ :‬آية (‪)133‬‬ ‫‪-‬‬
‫ارعُوا بالواو) ‪.‬‬
‫س ِّ‬
‫َو َ‬
‫يَقُو ُل الَّذِّينَ آ َمنُوا (في مقابل‪َ :‬و َيقُو ُل بالواو)‪.‬‬ ‫(مـ‪ )3 :‬سورة المائدة‪ :‬آية (‪)53‬‬ ‫‪-‬‬
‫َمن َي ْرتدد ِّمنكُ ْم (في مقابل‪َ :‬و َمن َي ْرت َ َّد ِّمنكُ ْم بدال‬ ‫(مـ‪ )4 :‬سورة المائدة‪ :‬آية (‪)54‬‬ ‫‪-‬‬
‫واحدة) ‪.‬‬

‫‪ 18‬وتجد ذلك منسوبا إلى مصحف أهل الكوفة أيضا في أحد المصادر (المصاحف‪ ،‬ص ‪ ،)48‬وقد استبعدت ذلك‪.‬‬
‫‪ 19‬مرة أخرى‪ ،‬نؤجل آيات سورة المؤمنون‪ )85-89( :‬حتى نقاش مصحف أهل البصرة‪.‬‬
‫ضرارا (في مقابل‪ :‬والذين‬
‫ً‬ ‫الذين اتخذوا مسجدًا‬ ‫(مـ‪ )5 :‬سورة براءة‪ :‬آية (‪)107‬‬ ‫‪-‬‬
‫ضرارا بإثبات الواو) ‪.‬‬
‫ً‬ ‫اتخذوا مسجدًا‬
‫َخي ًْرا ِّّم ْن َهما ُمنقَلَبًا (في مقابل‪َ :‬خي ًْرا ِّّم ْن َها ُمنقَلَبًا)‪.‬‬ ‫(مـ‪ )6 :‬سورة الكهف‪ :‬آية (‪)36‬‬ ‫‪-‬‬
‫الر ِّح ِّيم (في مقابل‪َ :‬وت ََو َّك ْل‬ ‫يز َّ‬ ‫علَى ْال َع ِّز ِّ‬ ‫فت ََو َّك ْل َ‬ ‫(مـ‪ )7 :‬سورة الشعراء‪ :‬آية (‪)217‬‬ ‫‪-‬‬
‫بالواو)‪.‬‬
‫ض ْالفَ َسا َد (في مقابل‪ :‬أ َ ْو أ َ ْن‬ ‫ُظ ِّه َر فِّي ْاأل َ ْر ِّ‬ ‫وأ َ ْن ي ْ‬ ‫(مـ‪ )8 :‬سورة غافر‪ :‬آية (‪)26‬‬ ‫‪-‬‬
‫ض ْالفَ َ‬
‫سا َد)‪. 20‬‬ ‫ُظ ِّه َر فِّي ْاأل َ ْر ِّ‬‫ي ْ‬
‫ت‬ ‫ت أَ ْيدِّيكُ ْم (في مقابل‪ :‬فَبِّ َما َك َسبَ ْ‬ ‫ب َما َك َسبَ ْ‬ ‫(مـ‪ )9 :‬سورة الشورى‪ :‬آية (‪)30‬‬ ‫‪-‬‬
‫أ َ ْيدِّيكُ ْم)‪.‬‬
‫علَ ْيكُ ُم ْاليَ ْو َم (في مقابل‪ :‬يَا‬ ‫ف َ‬ ‫يَا ِّعبَادي ِّ َال خ َْو ٌ‬ ‫(مـ‪ )10 :‬سورة الزخرف‪ :‬آية (‪)68‬‬ ‫‪-‬‬
‫ِّعبَا ِّد بغير ياء)‪. 21‬‬
‫س (في مقابل‪َ :‬ما ت َ ْشت َ ِّهي‬ ‫َما ت َ ْشت َ ِّهي ِّه األَنفُ ُ‬ ‫(مـ‪ )11 :‬سورة الزخرف‪ :‬آية (‪)71‬‬ ‫‪-‬‬
‫س)‪.‬‬ ‫األَنفُ ُ‬
‫ي‬‫َللا ه َُو ْالغَنِّ ُّ‬
‫ي ْال َح ِّمي ُد (في مقابل‪ :‬فَإ ِّ َّن َّ َ‬ ‫َللا ْالغَنِّ ُّ‬
‫(مـ‪ )12 :‬سورة الحديد‪ :‬آية (‪ )24‬فَإ ِّ َّن َّ َ‬ ‫‪-‬‬
‫ْال َح ِّمي ُد)‪.‬‬
‫َاف‬ ‫َاف عُ ْقبَاهَا ( في مقابل‪َ :‬وال يَخ ُ‬ ‫فال يَخ ُ‬ ‫(مـ‪ )13 :‬سورة الشمس‪ :‬آية (‪)15‬‬ ‫‪-‬‬
‫بالواو)‪. 22‬‬

‫ومرة أخرى‪ ،‬يمكننا تأجيل السؤال عما إذا كان يمكن قراءة أي من هذه المواضع بشكل صحيح‬
‫أو خاطئ‪.‬‬

‫‪ /4‬مصحف أهل البصرة‬

‫على نحو بارز‪ ،‬يعد مصحف أهل البصرة مرآة لمصحف المدينة‪ .‬ومثلما هي الحال مع‬
‫المصحف المدني‪ ،‬لم ينفرد مصحف البصرة بقراءة ما‪ ،23‬وفي كل موضع نجده موافقا إما‬
‫لمصحف المدينة أو لمصحف الكوفة‪ ،‬ولكن لم يحدث أن وافق مصحف البصرة مصحف الشام‬
‫مخالفا مصحف المدينة (تماما مثلما اتفق مصحف المدينة في كل المواضع إما مع مصحف‬
‫الشام أو مصحف البصرة‪ ،‬ولكنه لم يحدث أن اتفق مع مصحف الكوفة مخالفا مصحف‬

‫‪ 20‬يقول الداني إن مصاحف أهل الكوفة انفردت بقراءة (أو أن يظهر) وهو ما يعني ضمنا أن قراءة (وأن يظهر) كانت هي قراءة أهل‬
‫البصرة (المقنع‪ ،‬ص ‪ 114‬س ‪ ) 1‬وهذا ما تدعمه قراءة أبي عمرو البصري (السبعة‪ ،‬ص ‪ 569‬رقم ‪ .)6‬ولكن الداني يذكر الحقا أن‬
‫قراءة (أو أن يظهر) هي قراءة "أهل العراق" (المقنع‪ ،‬ص ‪ 117‬س ‪ ،5‬وكذا في كتاب المصاحف‪ ،‬ص ‪ 46‬س ‪ ،20‬والفضائل‪ ،‬ص‬
‫‪ 197‬س ‪ .) 3‬وينص ابن أبي داود صراحة على أن قراءة (أو أن يظهر) هي قراءة الكوفيين والبصريين جميعا (المصاحف‪ ،‬ص ‪40‬‬
‫س ‪ . )1‬وكذلك هي قراءة يعقوب الحضرمي البصري (ابن الجزري‪ ،‬النشر في القراءات العشر‪ ،‬تحقيق علي محمد الضباع‪ ،‬المجلد‬
‫الثاني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ص ‪ 365‬س ‪.)6‬‬
‫‪ 21‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 114‬س ‪ . 7‬أضع تلك الصيغة اإلمالئية المختلفة بين هذه المواضع فقط إلن الداني ال يستبعدها‪ ،‬وهي ال تظهر عادة‬
‫عند مقارنة الفروقات ما بين مصاحف المدينة ومصاحف البصرة‪ .‬انظر على سبيل المثال‪ ،‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 117‬س ‪.6‬‬
‫‪ 22‬ينص الداني في "المقنع" على أن هذه القراءة انفردت بها مصاحف أهل المدينة (المقنع‪ ،‬ص ‪ 116‬س ‪ .)1‬ولكن يبدو جليا أنه‬
‫تجاهل مصحف أهل الشام (انظر المقنع‪ ،‬ص ‪ 119‬س ‪ ،15‬والقسم األلماني من الكتاب‪ ،‬ص ‪ ،30‬كتاب المصاحف‪ ،‬ص ‪ 47‬س ‪،12‬‬
‫الفضائل‪،‬ص ‪ 199‬س ‪ ،8‬السبعة‪ ،‬ص‪ 689‬رقم ‪.)2‬‬
‫‪ 23‬كما لوحظ في‪. Nöldeke, Geschichte,15 . :‬‬
‫البصرة)‪ .‬لسنا بحاجة إلى سرد المواضع التي اختلف فيها مصحف البصرة مع مصحف المدينة‬
‫إلننا أتينا على ذكرها لدى مناقشة مصحف المدينة‪ ،‬كما أننا لن نسرد المواضع التي خالف فيها‬
‫مصحف البصرة مصحف الكوفة إلننا سوف نذكرها عندما تحين مناقشة مصحف الكوفة‪.‬‬

‫ومع ذلك‪ ،‬ثمة استثناء هنا يشوب صفو تحليلنا للموضوع‪ .‬في الواقع‪ ،‬تمدنا المصادر بقراءة‬
‫واحدة انفرد بها مصحف البصرة‪:‬‬

‫هلل ‪ ...‬هللا ‪ ...‬هللا (في مقابل‪" :‬هلل"‬ ‫‪( -‬ب‪ )1 :‬سورة المؤمنون‪ :‬اآليات (‪)85-89‬‬
‫لثالثتهن) ‪.‬‬

‫وبعيدا عن كون هذا الموضع ربما هو الموضع الوحيد الذي انفرد به مصحف البصرة‪ ،‬تأتي‬
‫المصادر على ذكر عدد من الروايات التي تخبرنا أن األلفين اللذين زيدا في كلمة (هللا) قد أضيفا‬
‫في وقت الحق‪ .24‬يرفض الداني هذه الروايات بشيء من التحفظ‪ ،‬والحقيقة القائلة بأن تلك‬
‫الروايات تنسب هذه اإلضافة إلى ثالثة أشخاص مختلفين ال تشي بكثير من الثقة فيها‪ .‬ولكن‬
‫الروايات توافق الدليل النصي‪ ،‬لذلك سوف أتجاهل هذه القراءة‪.‬‬

‫‪ /5‬مصحف أهل الكوفة‬

‫إذا كان مصحف أهل البصرة مرآة للمصحف المدني‪ ،‬فإن مصحف أهل الكوفة مرآة لمصحف‬
‫الشام وإن كان ذلك من الناحية النوعية ال الكمية‪ .25‬وهذا يعني أن قراءات مصحف الكوفة إما‬
‫قراءات انف رد بها أو وافق فيها مصحف البصرة‪ ،‬ولكن لم يحدث أن وافق مصحف الكوفة‬
‫مصحف المدينة أو مصحف الشام مخالفا مصحف البصرة‪( .‬االستثناء الوحيد المعتبر لتلك‬
‫القاعدة هو القراءة المذكورة في مناقشة مصحف البصرة وقمنا باستبعادها بوصفها إضافة‬
‫الحقة‪ ،‬وإذا ما قبلناها ‪ ،‬فسوف يوافق مصحف الكوفة في هذه الحالة مصاحف المدينة والشام‬
‫ويخالف مصحف البصرة‪ . 26‬وعلى هذا النحو‪ ،‬يمكننا أن نميز مصحف الكوفة من خالل سرد‬
‫القراءات التي انفرد بها وتأتي في ستة مواضع (بخالف الستة عشر موضعا التي انفرد بها‬
‫مصحف الشام)‪ .‬وهذه المواضع كما يأتي‪:27‬‬

‫لَ ِّئ ْن أ َ ْن َجانَا‪( 28‬في مقابل‪ :‬لَ ِّئ ْن أ َ َ‬


‫نج ْيتَنَا( ‪.‬‬ ‫‪( -‬ك‪ )1 :‬سورة األنعام‪ :‬آية (‪)63‬‬
‫قال (في مقابل‪ :‬قل) ‪.‬‬ ‫‪( -‬ك‪ )2 :‬سورة األنبياء‪ :‬آية (‪)4‬‬

‫‪ 24‬انظر‪ ،M. cook, "A Koranic Codex Inherited by Malik from his Grandfather", 98, n.41 :‬وانظر أيضا‪:‬‬
‫المصاحف‪ ،‬ص ‪ 50‬س ‪ ،1‬ص ‪ 118‬س ‪( 1‬حيث ينسب هذه اإلضافة إلى الحجاج)‪.‬‬
‫‪ .Nöldeke, Geschichte,15 . 25‬خالفا لالدعاء الشامي غير المعقول والذي ينص على أن مصاحف أهل الشام وأهل البصرة‬
‫أحفظ من مصحف أهل الكوفة إلنهما روجعا قبل إرسالهما إلى المصرين (كتاب المصاحف‪ ،‬ص ‪ 35‬س ‪.)13‬‬
‫‪ 26‬هذا االستثناء الثانوي سيكون سندا شاذا لقراءة (قال سبحان ربي‪ ،‬بدال من قل) في سورة اإلسراء (انظر‪ :‬ش ‪ )11‬بالنسبة إلى‬
‫مصحف الكوفة‪ .‬وكال االستثنائين مستبعد‪.‬‬
‫‪ 27‬استبعدت كلمة (تأتهم) في اآلية (‪ )18‬من سورة محمد (انظر أدناه‪ :‬ة‪ )7 :‬حيث يبدو أن نسبة هذه القراءة إلى مصحف الكوفة مسألة‬
‫مشكوك فيها‪ .‬كما استبعدت أيضا موضع سورة غافر (انظر‪ :‬مـ ‪ .)8 :‬وكال الموضعين ال يظهران عند سبر االختالفات الخاصة بين‬
‫مصاحف أهل العراق (المقنع‪ ،‬ص ‪ 119‬س ‪ ،18‬الفضائل‪ ،‬ص ‪ 119‬س ‪ .)11‬ولمطالعة قراءة شاذة تنسب إلى مصحف الكوفة في‬
‫عارض بما جاء في‬‫اآلية (‪ )36‬من سورة ا لنساء انظر‪ :‬المصادر أعاله‪ ،‬هامش رقم (‪ ،)5‬كتاب المصاحف‪ ،‬ص ‪ 40‬س ‪( 21‬ولكنه ُم َ‬
‫ص ‪ 48‬س ‪.)11‬‬
‫‪ 28‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 110‬س ‪. 11‬‬
‫قل (في مقابل‪ :‬قال) ‪.29‬‬ ‫(ك‪ )3 :‬سورة المؤمنون‪ :‬آية (‪)112‬‬ ‫‪-‬‬
‫تماما كما هو الموضع السابق‪.‬‬ ‫(ك‪ )4 :‬سورة المؤمنون‪ :‬آية (‪)114‬‬ ‫‪-‬‬
‫عملت أيديهم (في مقابل‪ :‬عملته أيديهم) ‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫(ك‪ )5 :‬سورة يس‪ :‬آية (‪)35‬‬ ‫‪-‬‬
‫سانَ بِّ َوا ِّل َد ْي ِّه إحسانا (في مقابل‪:‬‬ ‫ص ْينَا ْ ِّ‬
‫اإلن َ‬ ‫َو َو َّ‬ ‫(ك‪ )6 :‬سورة األحقاف‪ :‬آية (‪)15‬‬ ‫‪-‬‬
‫ُح ْسنًا)‪.‬‬

‫نالحظ أن ثمة مواضع ثالثة مما سبق ذكره تعد ذات أهمية هامشية‪ ،‬وهي المتعلقة بحالة التناوب‬
‫بين لفظت ي (قال وقل)‪ ،‬وهي في األساس ليست أكثر من مسألة اختالف في التلفظ بهما‪ .‬ومرة‬
‫أخرى‪ ،‬بإمكاننا تأجيل السؤال عما إذا كان يمكن تصنيف هذه القراءات صحيحة أو خاطئة‪.‬‬

‫سحائب صيف‬
‫ُ‬ ‫‪/6‬‬

‫في غالبية المواضع الستة وثالثين التي يقع فيها االختالف بين المصاحف يكون األمر واضحا ال‬
‫لبس فيه‪ .‬ولكن في بعض المواضع‪ ،‬كما رأينا من قبل‪ ،‬نشهد بعض اللبس الذي قمت بإيجاد‬
‫مخرج له بطريقة أو بأخرى‪ .‬وتنقسم هذه المواضع‪ ،‬من حيث تأثيرها على البيانات المعروضة‬
‫آنفا‪ ،‬إلى نوعين‪.31‬‬

‫أوال‪ ،‬ثمة بعض المواضع التي ستغير نوعا ما العدد الدقيق للقراءات المنفردة أو المشتركة بين‬
‫المصاحف الت ي حددناها سابقا‪ ،‬ولكنها لن تؤثر على العالقات البنيوية بينها كما رأيناها‪ .‬أحد‬
‫األمثلة على هذه المواضع هي قراءة "أ َ ْو أ َ ْن" في اآلية (‪ )26‬من سورة غافر (مـ‪ ،)8 :‬وهو ما‬
‫قمنا بمعالجته بذكر اشتراك أهل البصرة وأهل الكوفة في القراءة ذاتها‪ ،‬بينما الخيار البديل هو‬
‫معاملة هذا الموضع بوصفه قراءة منفردة ألهل الكوفة‪ .‬ومثال آخر هو قراءة كلمة (تأتهم) في‬
‫اآلية (‪ )18‬من سورة محمد (والتي سنذكرها الحقا كقراءة مكية في المصحف المكي‪ )7 :‬التي‬
‫استبعدنا نسبتها إلى مصحف الكوفة‪ ،‬والخيار البديل في هذه الحالة هو إضافتها إلى القراءات‬
‫التي انفرد بها المصحف الكوفي‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬هناك موضعان سيقوضان العالقات البنيوية التي وجدناها إذا عولجا بطريقة مختلفة‪.‬‬
‫أولها‪ :‬قراءة "هللا" بدال من "هلل" في آيات سورة المؤمنون (‪( )85-89‬ب‪ ،)1 :‬وإذا ما كان علينا‬
‫قبول هذه القراءة في مصحف البصرة‪ ،‬فإن ذلك سوف يعني أنه انفرد بقراءة وحده‪ .‬والموضع‬
‫َاف عُ ْق َباهَا" من سورة الشمس‪ :‬آية (‪( )15‬مـ‪ ،)13 :‬فإذا لم ننسب هذه‬
‫الثاني هو قراءة " فال يَخ ُ‬
‫القراءة إلى مصحف الشام أيضا‪ ،‬فإن ذلك يعني أن مصحف المدينة قد انفرد بقراءة وحده‪.‬‬

‫قراء الكوفة التقليديين الثالثة‪ ،‬قرأ اثنان منهم –حمزة والكسائي‪ -‬هذه اآلية "قل" على األمر وبغير ألف‪ ،‬بينما قرأ عاصم‬
‫‪ 29‬من بين ّ‬
‫"قال" باأللف على الخبر (السبعة‪ ،‬ص ‪ 449‬رقم ‪ .) 19‬وإلن طبعات مصحف القاهرة تلتزم رواية حفص عن عاصم‪ ،‬نجدها هناك‬
‫باأللف المثبتة‪.‬‬
‫‪ 30‬هنا تتفق قراءة حفص عن عاصم (بخالف قراءة حمزة والكسائي ورواية أبي بكر عن عاصم) مع النص غير الكوفي (السبعة‪ ،‬ص‬
‫‪ 540‬رقم ‪ )6‬لذا من غير المفاجئ أن تكتب هكذا في مصحف القاهرة‪.‬‬
‫‪ 31‬أتغاضى عن ذكر بعض المواضع التي يكون إقرار االختالف فيها أمرا هامشيا‪ ،‬أو أن االختالف طفيف لدرجة ال تكاد تذكر‬
‫(وتحديدا القراءة بالتناوب بين لفظتي "قال‪ ،‬وقل"‪ ،‬وحول ذلك األمر انظر‪)Nöldeke, Geschichte, 16. :‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬من األمور المشجعة أن نجد سببا كافيا لرفض البديل غير المرغوب فيه في الحالة‬
‫األولى‪ ،‬وسببا قويا لرفضه في الحالة الثانية كذلك‪.‬‬

‫‪ /7‬بناء أرومة لمصاحف الشام‪ ،‬والمدينة‪ ،‬والبصرة‪ ،‬والكوفة‬

‫دعونا أوال نصطلح على بعض المصطلحات الفرعية للمصاحف األربعة‪ .‬سوف ندعو مصحفا‬
‫الشام والكوفة بـ"مصاحف األطراف"‪ ،‬ومصحفا المدينة والبصرة بـ"مصاحف المركز"‪،‬‬
‫ومصحفا الشام والمدينة بـ"المصاحف الغربية"‪ ،‬ومصحفا البصرة والكوفة بـ"المصاحف‬
‫الشرقية"‪.‬‬

‫وباستخدام تلك المصطلحات‪ ،‬يمكننا تلخيص النمط المستخلص من البيانات المعروضة أعاله‬
‫كما يأتي‪ :‬قراءات كل مصحف من مصاحف األطراف إما قراءات منفردة أو متطابقة مع‬
‫قراءات مصاحف المركز ك ٌل بحسب نطاقه الجغرافي‪ .‬وقراءات كل مصحف من مصاحف‬
‫المركز ليست قراءات منفردة ولكنها إما توافق قراءات مصاحف األطراف ك ٌل بحسب نطاقه‬
‫الجغرافي‪ ،‬أو توافق المصحف المركزي اآلخر‪ .‬السؤال المطروح إذن هو‪ :‬أي أصل من‬
‫األصول العديدة التي يمكن تصورها للمصاحف السابقة تالئم هذه الحقائق المذكورة‪ .‬واإلجابة‬
‫هي أنه توجد أربعة أصول مختلفة‪ ،‬يُحدد ك ٌل منها على نحو فريد بمجرد أن نختار مصحف ما‬
‫للبدء به‪:‬‬

‫قد تبدو هذه النتائج محبطة ‪ ،‬وهي كذلك إلى حد ما‪ .‬ولكنها تصل بنا إلى شيء أيضا‪ .‬ال تقل عدد‬
‫األصول المحتملة التي يمكن تصورها للمصاحف األربعة‪ ،‬حتى على االفتراض الذي افترضناه‬
‫بدءا‪ ،‬عن ستين احتما ال‪ ، 32‬ولكن تلك البيانات السابقة أسدت إلينا معروفا بتقليص تلك‬
‫االحتماالت الستين إلى أربعة فحسب‪.‬‬

‫فهل من الممكن أن نطمح إلى ما وراء ذلك بالسعي إلى ر ّد تلك األصول األربعة المحتملة إلى‬
‫أصل واحد فقط؟ يعتقد نولدكه أن ذلك ممكنا بالطبع‪ :‬فبعد أن يقدم حجاجا مختصرا للغاية‬
‫ومتبصرا في آن‪ ،‬يختار نولدكه النمط "ب" بوصفه األكثر احتماال‪ .33‬ولكن لماذا يختار النمط‬
‫"ب" تحديدا؟ بالطبع لدى نولدكه أسبابه الخاصة‪ ،‬ولكنها غير واضحة إلى حد ما‪ .34‬لذلك نقدّم‬
‫أسبابنا الخاصة كما نراها‪.‬‬

‫يعتمد إحراز المزيد من الفهم المتقدم لهذه النقطة على القدرة على تحديد المواضع التي تبدو فيها‬
‫إحدى كتابات المصاحف صحيحة واألخرى خاطئة‪ ،‬بينما المواضع التي تبدو متكافئة لن‬
‫تساعدنا على اإلطالق‪ .‬المشكلة هنا أن غالبية االختالفات التي نتعاطى معها تنتمي إلى هذا‬
‫النوع المحايد الذي يصعب معه الجزم بخيار ما يم ّكنُنا من أن ندعي بكل وضوح أن‪" :‬هللا لم يقل‬
‫ذلك مطلقا‪ ،‬بل قال ذلك فحسب"‪ .35‬وأنا لن أحاول مناقشة كل موضع على حدة‪ ،‬أو أي موضع‬
‫بالتفصيل‪ ،‬وعلى القارئ المهتم أن يتوجه إلى السياقات القرآنية ليتوصل إلى استنتاجاته‬
‫الخاصة‪ .‬وفيما يلي‪ ،‬سوف أنتخب ببساطة بعض المواضع التي أعتقد أن ثمة ما يدعو إلى‬
‫تفضيل أحد االختالفات فيها على اآلخر‪.‬‬

‫ولنبدأ بالقراءات التي انفرد بها مصحف الشام‪ .‬ثمة أمران تجدر مالحظتهما‪ .‬أوال‪ ،‬ال يوجد‬
‫موضع بعينه يدرك فيه المرء أن قراءة الشام هي القراءة الصحيحة ‪ .‬ثانيا‪ ،‬يبدو أن نصف‬
‫المواضع التي انفرد بها مصحف الشام خاطئة‪ .‬ينطوي هذا القول على حكم ذاتي ‪subjectivity‬‬
‫نوعا ما‪ ،‬ولكن قائمتي الخاصة من االختالفات الشامية الخاطئة إلى حد ما ستشمل‪( :‬ش‪،)3 :‬‬
‫(ش‪( ،36)5 :‬ش‪( ،)9 :‬ش‪( ،)11 :‬ش‪( ،)13 :‬ش‪( ،)14 :‬ش‪( ،)15 :‬ش‪.)16 :‬‬

‫ثم ننتقل إلى ا لمواضع التي خالف فيها مصحف المدينة مصحف البصرة‪ .‬هنا‪ ،‬لألسف‪ ،‬ال‬
‫أحدس‪ ،‬في أي موضع من مواضع الخالف‪ ،‬وجود قراءة صحيحة واألخرى خاطئة‪.‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬نأتي إلى القراءات التي انفرد بها مصحف الكوفة‪ .‬هنا‪ ،‬األمر أخف مما هو عليه في‬
‫حالة مصحف الشام‪ ،‬إذ تميل االختالفات إلى أن تكون محايدة أو هامشية‪ .‬الموضع الوحيد الذي‬
‫يمكن أن يساعدنا في تلك المواضع هو اآلية (‪ )15‬من سورة األحقاف (ك‪ ، )6 :‬إذ تبدو قراءة‬
‫"إحسانا" الكوفية هي القراءة األفضل‪.‬‬

‫‪ 32‬هناك ‪ 24 = 2 * 3 * 4‬أصال خطيا ‪ unilinear‬يمكن تصوره (وهي األنماط التي ينتمي إليها النمط "أ" والنمط "د")‪ ،‬و ‪* 3 * 4‬‬
‫‪ 24 = 2‬أصال فرعيا يمكن تصوره حيث يتبع المصحف الفرعي المصحف اإلمام مباشرة (وهي األنماط التي ينتمي إليها النمط "ب"‬
‫والنمط "ج")‪ ،‬و ‪ 12 = 3 * 4‬أصال فرعيا يمكن تصوره حيث ال يتبع المصحف الفرعي المصحف اإلمام مباشرة (وهي غير‬
‫موضحة بالرسم التوضيحي)‪.‬‬
‫‪ Nöldeke, Geschichte, 15. 33‬وال يلقي باال ألصول محتملة أخرى‪.‬‬
‫‪ 34‬يُحيل نولدكه على نحو ملغز إلى "التقليد" (‪ ،)mit Hinzuziehung der Tradition‬ولكن ما هي المعلومات ذات الصلة التي‬
‫يمكن أن يقدمها لنا "التقليد" في هذا الصدد؟‬
‫‪ 35‬يُشار إلى هذه النقطة في‪. Nöldeke, Geschichte, 14. :‬‬
‫‪ 36‬حول قراءة ابن عامر المنفردة لآلية‪ ،‬انظر‪ :‬السبعة‪ ،‬ص ‪ ،270‬رقم ‪ ، 54‬وحول الفهم الشامي المرتبك لآلية‪ ،‬انظر‪ :‬الفضائل‪ ،‬ص‬
‫‪ 198‬س ‪ .6‬ويصف نولدكه القراءة تلك بأنها "غير ممكنة لغويا" (‪.)Geschichte, 12, n. 5‬‬
‫وبعبارة أخرى‪ ،‬إذا ما افترضنا أن النصوص القرآنية بدأت صحيحةً ثم وقع االختالف بينها عند‬
‫نسخ المصاحف‪ ،‬يمكننا أن نستنتج بشيء من الثقة أن مصحف الشام نُ ِّس َخ عن مصحف المدينة‪،‬‬
‫وفي الوقت ذاته نقترح أن يكون مصحف البصرة نُ ِّس َخ عن مصحف الكوفة‪ .‬سيؤدي االستنتاج‬
‫األول إلى استبعاد النمط (أ)‪ ،‬أما االقتراح الثاني األقل تأكيدا من شأنه أن يستبعد جميع األنماط‬
‫ما عدا النمط (د)‪ .‬باختصار‪ ،‬بقي لدينا األنماط (ب)‪ ،‬و(ج)‪ ،‬و(د)‪ ،‬مع إعطاء األولوية للنمط‬
‫(د)‪ .‬ولكن هناك مشكلة أخرى‪ .‬افترضنا أن النص بدأ صحيحا ثم جرى عليه االختالف‪ ،‬ولكن‬
‫من الممكن أيضا‪ ،‬بالنسبة إلى المصاحف األربعة‪ ،‬أن يكون بدأ مختلفا ثم خضع لتصحيحات‬
‫معقولة (باإلضافة إلى بعض االختالفات العشوائية) عن طريق الكتبة‪ ،‬والقراءات الخاطئة التي‬
‫أشرتُ إليها ليست‪ ،‬في النهاية‪ ،‬سوى قراءات يمكن لفقيه اللغة أن يتعاطى معها‪ ،‬وبالتالي قد ال‬
‫تكون مهمة للغرض الذي نسعى إليه‪ .‬وإذا ما أخذنا هذا االحتمال بعين االعتبار‪ ،‬فال يزال لدينا‬
‫أربعة أصول محتملة‪.‬‬

‫ثمة احتمال آخر‪ ،‬وإن كان بعيدا ربما‪ .‬إذا كانت لدينا قراءات من مصاحف غير عثمانية في‬
‫المواضع محل بحثنا‪ ،‬فلربما تساعدنا هذه القراءات على تحديد أحد االختالفين في الموضع‬
‫الواحد كقراءة أصلية واآلخر كقراءة ثانوية‪ .‬وأنا ال علم لي بمثل هذه القراءات‪ ،‬ولكن ربما‬
‫يكون لدى مخطوطات صنعاء األقدم ما تقدمه في هذا الشأن‪.‬‬

‫‪ /8‬هل يوجد مصحف إمام دون المصاحف األربعة؟‬

‫افترضنا حتي هذه اللحظة أن المصحف اإلمام كان من بين المصاحف األربعة التي تعرضنا‬
‫لها‪ ،‬وأن المصاحف الباقية منتسخة منه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة‪ .‬ولكن ماذا إن لم يكن‬
‫األمر كما افترضنا؟ دعونا نقلب هذا االحتمال على وجهين‪ :‬أوال‪ ،‬من الناحية النظرية‪ ،‬وثانيا‪،‬‬
‫عند األخذ بعين االعتبار البيانات التي يقدمها لنا أبو عمرو الداني وغيره من المصا در األخرى‬
‫فيما يتعلق باالختالفات النصية في المصحف الذي يدعونه "اإلمام"‪.‬‬

‫بالطبع لن نستفيد شيئا جديدا إذا أقحمنا مصحفا إماما افتراضيا –ولنسمه "س"‪ -‬فوق أي نمط‬
‫من األنماط التي تعرضنا لها آنفا‪ .‬وإذا أقررنا وجود أحد هذه األنماط األربعة‪ ،‬فال شك أننا‬
‫سنميل إلى افتراض أن أول نسخة في أعلى السلسلة منسوخة من مصحف سابق عليها نوعا ما‪،‬‬
‫ولكن لن يكون لدينا أي معلومات إضافية عن هذا المصحف األقدم‪.‬‬

‫في أي موضع ينبغي أن نضع المصحف اإلمام المفترض حتى يش ّكل فارقا؟ بالطبع في الموضع‬
‫الذي يسمح لنا ببناء نمط ألصل المصاحف يكون فيه "س" متبوعا مباشرة بالمصاحف‬
‫المنسوخة عنه‪ .37‬فكم عدد المصاحف الفرعية التي يمكن أن يحتوي عليها مثل هذا النمط؟ ال‬
‫توجد طريقة يمكن من خاللها ألربعة أو حتى ثالثة مصاحف محلية أن تتفرع على الفور من‬
‫‪ 37‬مبدأيا‪ ،‬يمكننا أن ندرج مصحفا مفترضا (ولنسمه "ص") في الحلقة األضعف من النمط‪ .‬وهناك طريقان للقيام بذلك‪ .‬أوال‪ ،‬نظرا‬
‫ل لعالقة المعلومة لدينا بين (م)ـــ(ش) (على اعتبار أن مصحف الشام منسوخ عن مصحف المدينة)‪ ،‬يمكننا تمديد هذه العالقة لتشمل‬
‫"ص" بينهما‪( :‬م)ـــ(ص)ــــ(ش)‪ ،‬ولكن ذلك لن يجدي مطلقا‪ .‬ثانيا‪ ،‬يمكننا بناء نمط فرعي يكون فيه (م) و(ش) على حد سواء‬
‫منسوخان من "ص"‪ ،‬ولكن هذا سيكون مستحيال‪ ،‬أو غير معقوال‪ .‬فمثل هذا النمط ينبغي أن يتفرع منه مصحفان ينفرد كل منهما‬
‫بقراء ات خاصة به‪ ،‬ولكن المصاحف الوحيدة التي انفردت بقراءات خاصة هي (ش) و (ك)‪ ،‬وهذه المصاحف ترتبط ارتبا ً‬
‫طا وثيقًا‬
‫بالمخطوطات المركزية المتطابقة أكثر من ارتباطها ببعضها البعض‪.‬‬
‫"س"‪ ،‬ألنه في هذه الحالة ‪ ،‬يمكننا أن نتوقع العثور على مصحف مركزي واحد على األقل‬
‫يحتوي على قراءات منفردة‪ ،‬ومصحف واحد على األقل من مصاحف األطراف يوافق‬
‫مصاحف المجموعة الجغرافية األخرى‪ .‬ولكن النمط المزدوج مالئم تماما‪ .‬فمن أصل واحد‬
‫وستين نمطا يمكن تصورها من هذا النوع‪ ،38‬هناك ثالثة أنماط ممكنة‪:‬‬

‫هل يمكننا استبعاد أي من هذه األنماط بافتراض أن القراءات التي فضلناها سابقا من المرجح أن‬
‫تكون هي القراءات األصلية؟ ال تساعدنا المرتبة المتدنية لمصحف الشام في اإلجابة على هذا‬
‫السؤال‪ ،‬ولكننا إذا كنا على استعداد لتقبل أولوية المصحف الكوفي كما نعتقد‪ ،‬فيمكننا أن نستبعد‬
‫النمطين‪( :‬هـ) و (و)‪.‬‬

‫فما هي إذن القراءات المنسوبة في المصادر لدينا إلى "اإلمام مصحف عثمان" كما يحلو للداني‬
‫‪39‬‬
‫أحيانا أن يسميه في مصنفه؟‬

‫توجد هنا مشكلتان أساسيتان‪ .‬أوال‪ ،‬ال تمدنا المصادر بقراءات المصحف اإلمام سوى في عدد‬
‫محدود جدا من المواضع‪ ،‬وعادة مواضع الخالف بين مصحف المدينة ومصحف البصرة‪ .‬ثانيا‪،‬‬
‫تمدنا المصادر المختلفة بمعلومات مختلفة بل متناقضة‪.‬‬

‫تبعا لذلك‪ ،‬يعرض لنا الداني ثمان قراءات منسوبة للمصحف اإلمام‪ .‬يسند خمسة من بينها إلى‬
‫أبي عبيد الذي يخبرنا أنه رأى بنفسه المصحف اإلمام أو كما يقول في أحد المواضع "الذي يُقال‬
‫له اإلمام"‪ .40‬من بين هذه القراءات الخمس‪ ،‬ثمة قراءات ثالث يعتمد فيه المصحف اإلمام قراءة‬

‫‪ 38‬األنماط التي يمكن تصورها هي‪ :‬جميع النسخ األربعة منسوخة مباشرة من "س" (وهناك حالة واحدة غير محتملة)‪ ،‬ثالثة منسوخة‬
‫من "س"‪ ،‬والرابع منسوخ من أحد الثالثة (اثنا عشرة حالة‪ ،‬وال واحدة منهم محتملة)‪ ،‬اثنان منسوخان من "س" ‪ ،‬واالثنان اآلخران‬
‫منسوخان منهما (اثنا عشرة حالة‪ ،‬واحدة محتملة)‪ ،‬اثنان منسوخان من "س" ‪ ،‬واالثنان اآلخران منسوخان من أحدهما (اثنا عشرة‬
‫حالة‪ ،‬وال واحدة منهم محتملة)‪ ،‬اثنان منسوخان من "س "‪ ،‬والثالث منسوخ من أحد هذين االثنين‪ ،‬والرابع منسوخ من الثالث (أربع‬
‫وعشرون حالة ‪ ،‬اثنان منهم محتمالن)‪.‬‬
‫‪ 39‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 109‬س ‪ ،4‬ص ‪ 114‬س ‪ ، 3‬ص ‪ 115‬س ‪.12‬‬
‫‪ 40‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 115‬س ‪.12‬‬
‫المصاحف الغربية في اآلية (‪ )132‬من سورة البقرة (مـ‪ ،)1 :‬واآلية (‪ )54‬من سورة المائدة‬
‫(مـ‪ ،)4 :‬واآلية (‪ )71‬من سورة الزخرف (مـ‪ .)11 :‬وفي قراءة أخرى‪ ،‬ال يوافق المصحف‬
‫اإلمام ما انفرد به مصحف البصرة من زيادة حرف األلف في اآليات (‪ )85-89‬من سورة‬
‫المؤمنون (ب‪ .)1 :‬كما يظهر في موضع آخر عدم اتفاق المصحف اإلمام مع ما انفرد به‬
‫مصحف الشام في اآلية (‪ )12‬من سورة الرحمن (ش‪ .)14 :‬وبعبارة أخرى‪ ،‬تتفق مواضع‬
‫المصحف اإلمام بحسب رواية أبي عبيد دائما مع مصحف المدينة‪ ،‬وتخالف في موضع واحد‬
‫مصحف الشام‪ .‬وهذا يعني أن المصحف اإلمام ال يمكن أن يكون هو "س" في النمط (ز)‪ ،‬كما‬
‫ال يتناسب مع النمطين (هـ) و (و)‪ ،‬نظرا ألننا نتوقع عندئذ أن يوافق مصحف الشام في النمط‬
‫(هـ) تارة أو مصحف البصرة في النمط (و) تارة أخرى‪ ،‬على الرغم من ضآلة عدد قراءاته‬
‫المتاحة لدينا بحيث ال تمنحنا هذه الثقة‪ .‬أما قراءات المصحف اإلمام األخرى‪ ،‬فيسندها الداني‬
‫إلى مصادر أخرى‪ .‬إحدى هذه القراءات المنسوبة إلى المصحف اإلمام هي قراءة (أو أن) في‬
‫اآلية (‪ )26‬من سورة غافر (مـ‪ ،41)8 :‬وهذا يجعل المصحف اإلمام موافقا لمجموعة المصاحف‬
‫الشرقية (أو أقل احتمالية لموافقة مصحف الكوفة وحده)‪ .‬وثمة إحالة أخرى من المصحف‬
‫اإلمام على قراءات المصاحف الشرقية لآلية (‪ )24‬من سورة الحديد (مـ‪ )12 :‬واآلية (‪ )15‬من‬
‫سورة الشمس (مـ‪ .42)13 :‬وهذه القراءات الشرقية يمكن أن يتضاعف عددها إذا ما أخذنا في‬
‫اعتبارنا البيانات التي أوردها ابن أبي داود والتي تظهر موافقة المصحف اإلمام مصحف‬
‫البصرة في جميع المواضع‪.43‬‬

‫كالم آخر‪ ،‬التقليد منقسم حول طبيعة نص المصحف اإلمام ما إذا كان ينتمي إلى المصاحف‬ ‫ٍ‬ ‫في‬
‫الشرقية أو إلى المصاحف الغربية‪ ،‬وينشأ شك قوي عند النظر في ذلك إذ أننا يجب أن نكون‬
‫حذرين عندما نتعاطى مع المصاحف المحلية العادية التي حددتها األجيال الالحقة عن طريق‬
‫الخطأ بأنها المصحف اإلمام‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬ثمة رواية تفيد بأن المصحف اإلمام فُ ِّقد عند مقتل‬
‫عثمان‪ .44‬وباختصار‪ ،‬ال يمكن للبيانات المتاحة لنا حول نص المصحف اإلمام أن تساعدنا‬
‫مطلقا‪.‬‬

‫ي‬
‫‪ /9‬المصحف المك ّ‬
‫ولنرجع اآلن إلى الرواية الثانية التي ال يرجحها الداني حول توزيع مصاحف األمصار‪ ،‬وهي‬
‫وتنص على أن هذه المصاحف‬
‫ّ‬ ‫رواية تضيف ثالثة مصاحف أخرى إلى النسخ األربع األولى‪،‬‬
‫أرسلت تحديدا إلى مكة‪ ،‬واليمن‪ ،‬والبحرين‪ .‬وعند الحديث عن االختالفات بين المصاحف‬
‫المحلية‪ ،‬ال تأتي المصادر على ذكر أي معلومات عن مصحف اليمن ومصحف البحرين‪ .‬ولكن‬

‫‪ 41‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 114‬س ‪.2‬‬


‫‪ 42‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 120‬س ‪.13‬‬
‫‪ 43‬المصاحف‪ ،‬ص ‪ 37‬س ‪ ،6‬ص‪ 37‬س ‪ ،19‬ص‪ 41‬س ‪{ .11‬ال تشمل هذه المواضع االختالفات اإلمالئية في اآلية (‪ )68‬من سورة‬
‫الزخرف (مـ ‪ .})10‬انظر أيضا المصاحف‪ :‬ص ‪ 38‬س ‪ 20‬حول اآلية (‪ )132‬من سورة البقرة (مـ ‪.)1‬‬
‫‪44‬‬
‫حول المزيد من اإلحاالت عن مصير المصحف اإلمام ‪See cook, "A Koranic Codex", 100 n. 48.‬‬
‫تلك المصادر ذاتها درجت على حشد المعلومات عن مصحف أهل مكة‪ .45‬ولنسمه المصحف‬
‫(ة)‪ ،‬ونرى العالقة بينه وبين المصاحف التي ناقشناها آنفا‪.‬‬

‫ولنبدأ بمناقشة العالقة بين المصحف المكي ومصاحف األطراف‪ .‬ونالحظ هنا أن مصحف مكة‬
‫يحافظ على مسافة بينه وبين كال المصحفين‪ :‬الشامي والكوفي‪ .‬ثمة موضع واحد يوافق فيه‬
‫مصحف مكة القراءة التي انفرد بها مصحف الشام في اآلية (‪ )93‬من سورة اإلسراء (قال‬
‫سبحان ربي‪ ،‬في مقابل‪ :‬قل) (ش‪ ،)11 :‬وهو موضع ال يعنينا كثيرا‪ .‬وهناك موضعان آخران‬
‫مشكوك فيهما ربما يشترك فيهما (ة) مع مع قراءات انفرد بها (ك)‪ .‬الموضع األول هو اآلية‬
‫(‪ )26‬من سورة غافر (مـ‪ ،)8 :‬حيث يوجد سبب وجيه العتقاد أن هذه القراءة تخص مصحف‬
‫البصرة أيضا‪ .‬أما الموضع الثاني فهو اآلية (‪ )18‬من سورة محمد (ة‪ ،)7 :‬حيث القراءة الكوفية‬
‫مشكوك فيها هنا‪.‬‬

‫ما هي العالقة إذن بين (ة) ومصاحف المركز؟ عندما يختلف مصحف المدينة مع مصحف‬
‫البصرة‪ ،‬عادة ً ما يوافق مصحف مكة مصحف البصرة‪ .‬وهكذا توجد تسعة مواضع على األقل‬
‫يوافق فيها (ة) مصحف البصرة مخالفا مصحف المدينة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬يوافق مصحف مكة‬
‫مصحف المدينة في موضعين مخالفا مصحف البصرة‪ :‬في اآلية (‪ )53‬من سورة المائدة (مـ‪)3 :‬‬
‫واآلية (‪ )36‬من سورة الكهف (مـ‪ .)6 :‬وهناك موضعان مشكوك في كونهما يعودان للمصحف‬
‫المكي‪ :‬اآلية (‪ )26‬من سورة غافر (مـ‪ ،)8 :‬حيث يوجد بعض الشك فيما يتعلق بانتماءها إلى‬
‫مصحف أهل البصرة‪ ،‬وفي اآلية (‪ )68‬من سورة الزخرف (مـ‪ ،)10 :‬حيث يوجد شك في‬
‫كونها كذلك في مصاحف أهل مكة‪.46‬‬

‫وأخيرا‪ ،‬ثمة سبعة مواضع (أو خمسة على األقل) انفرد بها المصحف المكي‪ ،‬وهي كما يلي‪:47‬‬

‫تَجْ ِّري من تَحْ ت َ َها األ َ ْن َه ُ‬


‫ار (في مقابل‪ :‬تَجْ ِّري تَحْ ت َ َها‬ ‫(ة‪ )1 :‬سورة التوبة‪ :‬آية (‪)100‬‬ ‫‪-‬‬
‫ار)‪.48‬‬ ‫األ َ ْن َه ُ‬
‫قَا َل َما َمكنني فِّي ِّه َربِّّي َخي ٌْر (في مقابل‪ :‬قَا َل َما‬ ‫(ة‪ )2 :‬سورة الكهف‪ :‬آية (‪)95‬‬ ‫‪-‬‬
‫َم َّك ِّنّي ِّفي ِّه َر ِّّبي َخي ٌْر)‪.49‬‬
‫أ َلَ ْم َي َر (في مقابل‪ :‬أ َ َولَ ْم يَ َر)‪.‬‬ ‫(ة‪ )3 :‬سورة األنبياء‪ :‬آية (‪)30‬‬ ‫‪-‬‬
‫وننزل ْال َمالئِّ َكةُ ت َِّنزيال (في مقابل‪َ :‬ونُ ِّ ّز َل ْال َمالئِّ َكةُ‬ ‫(ة‪ )4 :‬سورة الفرقان‪ :‬آية (‪)25‬‬ ‫‪-‬‬
‫ت َِّنزيال)‪.‬‬
‫ين (في مقابل‪ :‬أ َ ْو لَ َيأْتِّيَ ِّّني‬
‫ان ُّمبِّ ٍ‬
‫ط ٍ‬‫أ َ ْو لَيَأْتِّ َي ِّنّني بِّسُ ْل َ‬ ‫(ة‪ )5 :‬سورة النمل‪ :‬آية (‪)21‬‬ ‫‪-‬‬
‫ين)‪.‬‬
‫ان ُّم ِّب ٍ‬‫ط ٍ‬ ‫س ْل َ‬ ‫ِّب ُ‬
‫سى (في مقابل‪َ :‬وقَا َل ُمو َ‬
‫سى)‪.‬‬ ‫قَالَ ُمو َ‬ ‫(ة‪ )6 :‬سورة القصص‪ :‬آية (‪)37‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪ 45‬ومع ذلك‪ ،‬نالحظ أن الداني يلجأ في موضعين إلى استنتاج قراءة المصحف المكي بسبب قلة المعلومات (المقنع‪ ،‬ص ‪ 113‬س ‪،2‬‬
‫ص ‪ 114‬س‪.)9‬‬
‫‪ 46‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 114‬س ‪.9‬‬
‫‪ 47‬ولمطالعة قراءة شاذة منسوبة لمصحف مكة دون وجود معلومات كافية للمقارنة مع المصاحف األخرى‪ ،‬انظر‪ :‬المقنع‪ ،‬ص ‪121‬‬
‫س ‪ .1‬والمصاحف‪ ،‬ص ‪ 47‬س ‪{ 16‬حول اآلية (‪ )171‬من سورة النساء}‪.‬‬
‫‪ 48‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 111‬س ‪( .7‬وقد أخطأ محرر الكتاب في تحديد رقم اآلية‪ ،‬وكذلك في ص ‪ 117‬س ‪.)16‬‬
‫‪ 49‬ثمة تقليد شاذ ينص على أن هذه القراءة هي قراءة أهل العراق أيضا (المصاحف‪ ،‬ص ‪ 46‬س ‪.)7‬‬
‫عةَ أَن تأتهم بَ ْغتَةً (في مقابل‪:‬‬ ‫فَ َه ْل يَن ُ‬
‫ظ ُرونَ إِّالَّ ال َّ‬
‫سا َ‬ ‫‪( -‬ة‪ )7 :‬سورة محمد‪ :‬آية (‪)18‬‬
‫ت َأْتِّيَ ُهم)‪.50‬‬

‫وال يبدو أن إحدى هذه القراءات تحظى بأولوية ما‪.‬‬

‫ماذا يمكننا أن نستنتج مما سبق؟ حقيقة أن مصحف أهل مكة يوافق مصحفا المركز تعني أنه ال‬
‫يمكن أن يكون منسوخا بشكل حصري من أحدهما‪ .‬كما أنه ال يزال بعيدا عن كونه منسوخا من‬
‫مصحف الشام أو مصحف الكوفة‪ ،‬إلنه يوافق عادة المصحفين اآلخرين مقابلهما‪ .‬بعبارة أخرى‪،‬‬
‫ال يمكن أن نضع مصحف مكة ضمن أي نمط من األنماط السبعة المحتملة كمصحف منسوخ‬
‫عنهم‪ .‬كما أنه ال يمكن أن ينطبق على المصحف (س) في هذه األنماط‪ ،‬ألن فرص اتفاق‬
‫نسختان مستقلتان عن مصحف مكة مقابل قراءاتهما المنفردة ضئيلة للغاية‪ .‬في الحقيقة‪ ،‬النمط‬
‫الوحيد الممكن لجمع مصحف مكة مع المصاحف األربعة األخرى هو النمط التالي‪:‬‬

‫بالطبع يفترض هذا النمط استبعاد الموافقات الثالث الممكنة للمصحف المكي مع مصاحف‬
‫األطراف‪ ،‬ويستخدم المصحف (س) للتخلص من القراءات المنفردة لمصحف مكة قبل أن‬
‫يُتضمنا في مصحف المدينة أو مصحف البصرة‪.‬‬

‫حقيقة أن القراءات المنفردة للمصحف المكي ال تبدو ذات جدارة تقف نوعا ما في وجه هذا‬
‫النمط غير المالئم ويمكننا على األرجح أن ننحيه جانبا‪ .‬وإذا فعلنا ذلك ‪ ،‬يكن الطريق أمامنا‬

‫‪ 50‬هذا إن لم تكن هذه القراءة هي قراءة مصحف الكوفة أيضا‪ ،‬ولكن ذلك مسألة مشكوك فيها (المقنع‪ ،‬ص ‪ 115‬س ‪ .4‬المصاحف‪،‬‬
‫ص ‪ 40‬س ‪ ،18‬ص ‪ 48‬س ‪.)20‬‬
‫ممهدا لتصنيف المصحف المكي على أنه نتاج مختلط‪ .‬وعلى وجه التحديد‪ ،‬يبدو المصحف‬
‫المكي وكأنه التقاء بين المصحف البصري والمدني مع هيمنة مصحف البصرة‪.51‬‬

‫‪ /10‬خاتمة‬

‫كما رأينا في النقاش السابق‪ ،‬ال تسمح لنا البيانات التي يمدنا بها علماء المسلمين بتحديد أرومة‬
‫مصاحف األمصار‪ .‬ولكنها تسمح لنا باستبعاد عدد كبير من األنماط التي يمكن تصورها ألصل‬
‫هذه المصاحف –أكثر من مائة نمط‪ -‬كما تسمح لنا في الوقت ذاته بترجيح بعض االحتماالت‬
‫المتبقية لدينا‪ .‬وربما يكون النمط األكثر ترجيحا لدينا هو النمط (د) الذي يكون فيه مصحف أهل‬
‫الكوفة هو المصحف اإلمام إلى ح ٍد ما‪.‬‬

‫ما هي إذن التداعيات التي تعكسها –أو ال تعكسها‪ -‬هذه النتائج بالنسبة إلى تاريخ القرآن؟ ربما‬
‫يجدر بنا أن نشير إلى أربع نقاط في هذا الصدد‪.‬‬

‫أوال‪ ،‬اإلجابة على سؤال أي من المصاحف األربعة (إن كان ثمة إجابة) هو المصحف اإلمام‬
‫مصاحف أربعة‬
‫َ‬ ‫ليس لها أي تداعيات تاريخية ذات مغزى‪ .52‬ولمعرفة ذلك‪ ،‬دعونا نفترض أن‬
‫نُسخت في المدينة ثم وزعت على األمصار‪ .‬فإذا كانت الحال كذلك‪ ،‬ال يوجد سبب مقنع لإلبقاء‬
‫على مصحف إمام‪ ،‬وهو أحد المصاحف األربعة‪ ،‬دون غيره في المدينة‪ .‬ربما كانت هناك نية‬
‫لإلبقاء على النسخة األجود في المدينة‪ ،‬لكن ربما يؤدي ذلك إلى االحتفاظ بالنسخة األكثر جودة‪،‬‬
‫بدال من مصحف إمام‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬يتحدث أبو عمرو الداني وآخرون عن مصاحف األمصار بوصفها "منتسخة من المصحف‬
‫اإلمام"‪ .53‬فإذا كان المقصود من ذلك أن كل مصحف من هذه المصاحف نُسخ مباشرة عن‬
‫المصحف اإلمام (سواء كان اإلما م من بين المصاحف األربعة أو ال)‪ ،‬فقد ثبت على نحو واضح‬
‫خطأ هذا القول‪.‬‬

‫ثالثا‪ ،‬السمة األكثر لفتا لالنتباه في االختالفات المقررة بين المصاحف األربعة هي عدم وجود‬
‫أي مؤشر ذي خطر على وجود اختالفات حادة بين نصوصها‪ .‬وهذا يدفع أي اقتراح يرى أن‬
‫هذه االختالفات ملفقة‪ .54‬فمن أجل اختالق مجموعة من القراءات الخالية من مظهر التفاوت‬
‫بينها‪ ،‬كان علماء المسلمين األوائل بحاجة إلى نوع من اإلدراك العملي آلليات نقل النصوص‪:‬‬
‫منطق األنماط والتفاوت بين النصوص‪ .‬ونحن نعلم أن ورثتهم الناقلين عنهم من مصنفي تلك‬
‫المصادر التي بين أيدينا لم يتوفروا على ذلك‪ ،‬بل لم يكن ذلك موجودا في أي ثقافة علمية حتى‬

‫نص انتقائي (‪ .)Nöldeke, Geschichte, 15‬ومن غير المحتمل أن يكون نصا مركبا كما كان‬ ‫‪ 51‬بعبارة أخرى‪ ،‬المصحف المكي ّ‬
‫مصحف جد مالك بن أنس (‪ ،)See cook, "A Koranic Codex", 99‬ألن المواضع التي يتفق فيها مع مصحف المدينة مخالفا‬
‫مصحف البصرة محصورة بين المواضع التي يتفق فيها مع مصحف البصرة مخالفا مصحف المدينة‪.‬‬
‫‪ 52‬ربما فاتت هذه النقطة نولدكه (انظر هامش ‪ 34‬أعاله)‪.‬‬
‫‪ 53‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 108‬س ‪( 16‬المنتسخة من اإلمام)‪ ،‬وانظر أيضا‪ :‬المقنع‪ ،‬ص ‪ 2‬س ‪ .10‬وراجع كتاب المصاحف‪ ،‬ص ‪ 39‬س ‪،8‬‬
‫والفضائل‪ ،‬ص ‪ 200‬س ‪ ،5‬والمقنع‪ ،‬ص ‪ 116‬س ‪.4‬‬
‫‪ 54‬كما يشهد أيضا على الدقة المتوارثة إلسناد هذه االختالفات‪.‬‬
‫القرون القليلة الماضية‪ .‬ويمكننا طبقا لذلك أن نستنتج أن علينا أن نتعاطى مع حاالت نسخ حدثت‬
‫بالفعل من مصحف إمام‪.55‬‬

‫أخيرا‪ ،‬يميل تحليلنا للمصحف المكي إلى دعم رفض الداني للرواية الثانية التي تتحدث عن‬
‫توزيع مصاحف األمصار‪ .‬ومن المرجح أن يكون المصحف المكي نصا مختلطا‪ ،‬وسيتناسب‬
‫ذلك بشكل جيد مع أصل متأخر‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫‪Nöldeke, Geschichte, 9.‬‬

You might also like