Professional Documents
Culture Documents
U U o U o o U U o U U o o U U U o o U o U o U U o o U Ouo U U o U o U U U o o o o o o o U U o o U U U o o o U U o o o o o o U o U o o U o o U U o U U o o o
U U o U o o U U o U U o o U U U o o U o U o U U o o U Ouo U U o U o U U U o o o o o o o U U o o U U U o o o U U o o o o o o U o U o o U o o U U o U U o o o
2017
1
املقدمة:
إلدراك مدى جناح اإلطار القانوين العام يف تنظيم العالقة اليت تربط بني الفاعلني يف جمال تنفيذ امليزانية
العامة للدولة ،البد من االهتمام بعنصر املسؤولية الذي يقع على كل متدخل لتحويل بنود امليزانية إىل
واقع ملموس ،على أنه هو احملدد للخط الفاصل الذي مينع جتاوزه وإال وجب الزجر والعقاب ،ذلك أن
تنفيذ عمليات امليزانية واملالية العمومية يعد اختصاصا مسيجا بقواعد قانونية ومشكال من إجراءات تقنية
ال ميكن اخلروج عنها أو خرقها من طرف اآلمر ابلصرف أو املراقب املايل أو احملاسب العمومي ،على
اعتبار أن ذلك يعرضهم للعقوابت القانونية املنصوص عليها هبذا اخلصوص.1
وألن االختصاص يف ميدان التأديب املتعلق ابمليزانية والشؤون املالية يعود إىل اجمللس األعلى للحساابت،
فهو يبادر إىل فتح ملفات التأديب من تلقاء نفسه عند اكتشافه للمخالفات مبناسبة البث يف حساابت
احملاسبني العموميني ،2كما ميكن أن ترفع قضااي التأديب بناء على تقارير الرقابة أو التفتيش مشفوعة
ابلواثئق املثبتة من طرف الوكيل العام للملك ورئيس جملس النواب ورئيس جملس املستشارين ،ورئيس
احلكومة ،ووزير املالية والوزراء فيما خيص األفعال املنسوبة إىل املوظفني واألعوان املتصرفني يف املال العام
املوضوعني حتت سلطتهم.3
- 1ظهري شريف رقم 1.02.25صادر يف 12من حمرم 3( 1423أبريل )2002بتنفيذ القانون رقم 61.99املتعلق بتحديد مسؤولية اآلمرين ابلصرف
واملراقبني واحملاسبني العموميني ج .ر عدد 4999بتاريخ ( 29أبريل ،)2002ص.1168 :
- 2ظهري شريف رقم 1.02.124صادر يف فاتح ربيع األول 13( 1423يونيو )2002بتنفيذ القانون رقم 62.99املتعلق مبدونة احملاكم املالية ،ج .ر
عدد 15( 5030غشت ،)2002ص.2294 :
- 3املادة 57من قانون 62.99املتعلق مبدونة احملاكم املالية.
2
فاملسؤولية اليت يتحمل كل من اآلمر ابلصرف واملراقب وكذا احملاسب العمومي ،هي الكفيلة بتقدمي
اإلطار القانوين الذي تتحرك فيه انطالقا من عالقتها مع القاعدة القانونية الزاجرة ومدى أتثريها على
أعمال التنفيذ والرقابة اليت يضطلعون مبسؤولية إجنازها.
ومعلوم أن املسؤولية التأديبية أو املدنية أو اجلنائية ،تبقي قائمة بصرف النظر عن عقوابت احملاكم املالية ما
عدا يف حالة وجود قوة قاهرة أو استثناءات منصوص عليها يف القانون.4
وحسب املادة 2من القانون رقم 561.99يقصد ابآلمر ابلصرف ،اآلمر ابلصرف حبكم القانون واآلمر
ابلصرف املعني واآلمر ابلصرف املنتدب واآلمر املساعد ابلصرف ونواهبم.
وما يهمنا يف هذا اجلانب هو اآلمر ابلصرف حبكم القانون أي الوزراء ،حبيث يعترب الوزراء حبكم القانون
آمرين ابلصرف فيما يتعلق مبداخيل ونفقات وزارهتم وميزانيات مصاحل الدولة املسرية بصورة مستقلة
واحلساابت اخلصوصية الراجعة هلذه الوزارة ،6غري انه ميكن إصدار مراسيم بتعيني مديرين عامني أو
مديرين بصفة آمرين ابلصرف إذا اقتضت حاجيات املصلحة ذلك.
وابلعودة إىل التجربة الفرنسية اليت يستلهم منها نظام الرقابة ببالدان ،جند أن إحداث جملس التأديب
املتعلق ابمليزانية والشؤون املالية ،جاء مبقتضى قانون رقم 25شتنرب ،1948استجابة لرغبة الرأي العام
- 4الفقرة الثانية من املادة االوىل 61.99 ،املتعلق بتحديد مسؤولية االمرين ابلصرف واملراقبني واحملاسبني العموميني.
أشار اليه ،إبراهيم عقاش ،الطبيعة القانونية ملسؤولية اآلمرين ابلصرف ،جملة مسالك ،عدد ،2007-7ص.74-67 :
- 5املادة 2من القانون رقم 61.99املشار اليه اعاله.
- 6الفصل 64من املرسوم امللكي رقم 330.66الصادر بتاريخ 10حمرم 21( 1387ابريل )1967بسن نظام عام للمحاسبة العمومية ،ج.ر
عدد 2843بتاريخ 26ابريل ،1967ص.810:
3
يف حماسبة اآلمرين ابلصرف املكلفني بتدبري املال العام إىل جانب احملاسبني العموميني واحرتام التشريع
املايل.7
ورغم التحيني الذي تعرض له جملس التأديب املتعلق ابمليزانية والشؤون املالية يف فرنسا سنوات -1970
،1980-1990فإن الفكرة املتمثلة يف اهتمامه ابملتصرفني يف املال العام بقيت اثبتة ومستقرة ،ومل متتد
إىل املراقبني املاليني اعتبارا لطبيعة تدخلهم يف عمليات تنفيذ امليزانية.
أما يف املغرب فقد مشلت مسطرة التأديب املتعلق ابمليزانية والشؤون املالية مجيع املتدخلني يف عمليات
تنفيذ امليزانية ،ويتعلق األمر ابآلمر ابلصرف واملراقب واحملاسب العمومي واألعوان واملوظفون الذين
يوجدون حتت إمرهتم أو يعملون حلساهبم ،وقد حددت مدونة احملاكم املالية ابلتدقيق املخالفات اليت
تستوجب الغرامة يف حالة ارتكاهبا.
بل شددت مسؤولية املتصرفني يف املال العام ،ذلك أنه إذا ثبت للمجلس أن املخالفات املرتكبة قد
تتسبب يف خسارة ألحد األجهزة اخلاضعة لرقابته ،قضى على املعىن ابألمر إبرجاع املبالغ املطابقة لفائدة
هذا اجلهاز من رأمسال وفوائد ،8وهبذا الشكل يكون املشرع يف حماولته للحفاظ على املال العام وإقرار نوع
من العدالة واملساواة يف املسؤولية اجتاه القائمني على تنفيذ عمليات امليزانية واملالية العمومية.
ونظرا ألمهية هذا املوضوع الذي دفعتنا جمموعة من املتغريات املستقلة اىل معاجلته ،واملتمثلة يف امهية الرقابة
على املال العام ،وكذلك النقاش الذي شهده الرأي العام عقب اإلعفاءات اليت تعرض هلا الوزراء واليت
كانت مببادرة من امللك ،هذا اىل جانب الدور االساسي الذي لعبته احلركات االحتجاجية إبقليم
احلسيمة ،كل هذه املتغريات دفعتنا للبحث عن متغري اتبع ،أال وهو مدى امكانية خضوع االمرين
-7عيسى عيسى ،املراقبة اإلدارية على تنفيذ امليزانية العامة ابملغرب ،رسالة لنيل الدكتوراه يف القانون العام ،جامعة احلسن الثاين ،عني الشق ،الدار البيضاء،
السنة اجلامعية ،2005-2004ص.156 :
-8الفقرة 3من املادة 66من القانون رقم 62.99املتعلق مبدونة احملاكم املالية ،املرجع السابق.
4
ابلصرف حبكم القانون (الوزراء) اىل املساءلة واملعاقبة واختاذ الوسائل الزجرية يف حقهم يف حالة ارتكاهبم
لبعض املخالفات اليت متس بقدسية املال العام .
وهذا ما فرض علينا طرح االشكال االيت :اىل أي حد ميكن احلديث عن أجرأة مبدأ ربط املسؤولية
ابحملاسبة يف حق اآلمرين ابلصرف حبكم القانون ؟
سنعاجل هذه االشكاالت وفق منهج حتليلي قانوين ،للوقوف على خمتلف املعطيات االساسية ،وهو ما
يدفعنا اىل مقاربة املوضوع وفق مبحثني:
املبحث الثاين :أجرأة مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة (تقرير برانمج التنمية اجملالية إلقليم احلسيمة
منوذجا):
5
املبحث االول :مسؤولية االمرين ابلصرف ووضعهم القانوين:
سنتطرق اىل الوضع القانوين ألعضاء احلكومة (املطلب االول) ومسؤوليتهم ابعتبارهم آمرين ابلصرف
حبكم القانون ( املطلب الثاين).
ألعضاء احلكومة جمموعة من الصالحيات (الفقرة االوىل) كما هلم وضع قانوين خاص هبم(الفقرة الثانية )
بناء على املادة التاسعة من القانون التنظيمي رقم 065.13املتعلق بتنظيم وتسيري اشغال احلكومة
والوضع القانوين ألعضائها ،9اليت حاولت حتديد صالحيات اعضاء احلكومة بصفة عامة ،ميارس هؤالء
اختصاصاهتم يف القطاعات الوزارية املكلفني هبا ،يف حدود الصالحيات املخولة هلم مبوجب املراسيم
احملددة لتلك االختصاصات ،واملتخذة من طرف رئيس احلكومة بعد تعيني اعضاء احلكومة من قبل
امللك ،وحتدد ايضا مبقتضاها مهام كل عضو من اعضائها واختصاصاته ،واهلياكل االدارية اليت يتوىل
السلطة عليها ،وذلك طبقا للمادة 4من نفس القانون ،اليت عملت على تفعيل الفصل 93من
الدستور ، 10كما ميارسون صالحياهتم يف حدود النصوص التشريعية والتنظيمية اجلاري هبا العمل.11
- 9ظهري شريف رقم 1.15.33صادر بتاريخ 28مجادى االوىل 19(1436مارس )2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 065.13املتعلق بتنظيم
وتسيري أشغال احلكومة والوضع القانوين العضائها ،ج.ر عدد 6348بتاريخ 12مجادى الثانية 2( 1436ابريل )2015ص.3515 :
- 10ظهري شريف رقم 1.11.91صادر بتاريخ 27شعبان 29( 1432يوليوز )2011بتنفيذ نص الدستور ،ج .ر عدد 5964مكرر ،بتاريخ 30
يوليوز ،2011ص.3600:
- 11احلاج شكرة ،االدارة املركزية واجلماعات الرتابية ،مطبعة دعاية ،الطبعة االوىل ،2016ص.74:
6
وهبذه الصفة يعترب اعضاء احلكومة بناء على الفقرة الثانية من املادة 9مسؤولني عن تنفيذ السياسة
احلكومية يف القطاعات املكلفني هبا يف اطار التضامن احلكومي ،حتت اشراف رئيس احلكومة ،فهذا
االخري مسؤول عن السياسة العمومية.
ويف هذا االطار ينبغي التذكري ابملكانة الدستورية املتميزة اليت حيتلها رئيس احلكومة واليت خوهلا له دستور
،2011وبذلك ينبغي ان تعكسها صالحياته اليت تعترب غري قابلة للتنقيص منها.
اىل جانب صالحية املشاركة يف اشغال الربملان بنص املادة 24من نفس القانون.
والفصل 67من الدستور جنده مسح للوزراء حبضور جلسات كال اجمللسني واجتماعات جلاهنما ،واجاز
هلم االستعانة مبندوبني يعينوهنم هلذا الغرض.
ويعترب الوزير كذلك يف قمة اهلرم الرائسي داخل وزارته ،وهبذا يعترب املسؤول املباشر عن تنفيذ السياسة
احلكومية ابلنسبة للقطاع الذي عني على رأسه.12
وميارس الوزير السلطة التنظيمية يف حالتني ،اما حتت مسؤولية رئيس احلكومة عرب تنفيذ القوانني والتوقيع
ابلعطف على املقررات التنظيمية لرئيس احلكومة وكذا عن طريق التفويض أو بصفة مستقلة عرب اختاذ
التدابري العامة لتنظيم مصاحل وزارته ،حيث يتمتع بسلطة تعيني املوظفني التابعني لوزارته مع احرتام
اختصاص رئيس احلكومة وامللك يف التعيني ،كما للوزير سلطة التنظيم والتسيري والتقرير ،والرقابة على
مجيع اهليئات واملؤسسات واملرافق التابعة له. 13
7
وللوزير الصالحية يف أن يعقب على أي قرار يصدر عن مرؤوسيه سواء ابإللغاء او التعديل او السحب
او استبدال غريه به او وقف تنفيذه ،وذلك ألسباب يقدرها الوزير قد تتعلق ابملشروعية أو املالءمة.14
انطالقا من الفصل 94من الدستور الذي ينص على أن اعضاء احلكومة مسؤولون جنائيا أمام حماكم
اململكة ،عما يرتكبونه من جناايت وجنح ،أثناء ممارستهم ملهامهم ،و الفقرة االوىل من املادة 27من
القانون التنظيمي رقم 065.13املتعلق بتنظيم وتسيري أشغال احلكومة والوضع القانوين ألعضائها 15اليت
تنص على أنه " حتدد بقانون املسطرة املتعلقة ابملسؤولية اجلنائية ألعضاء احلكومة أمام حماكم اململكة،
عما يرتكبون من جناايت وجنح ،أثناء ممارستهم ملهامهم" وابلتايل فقد احالت اىل قانون عادي مسألة
حتديد املسطرة اليت ميكن مبوجبها مساءلة أعضاء احلكومة جنائيا عما يرتكبونه من جناايت وجنح أثناء
ممارستهم ملهامهم وهذه االحالة تشكل تفعيل ملقتضيات الفصل 94من الدستور ،16الذي اعترب أعضاء
احلكومة مسؤولني جنائيا امام حماكم اململكة ،عما يرتكبونه من جناايت وجنح أثناء ممارستهم ملهامهم،
وأشار أيضا اىل حتديد القانون للمسطرة املتعلقة هبذه املسؤولية.17
كما ان نفس املادة نصت على حتديد كيفيات التصريح الكتايب ابملمتلكات واالصول اليت يف حيازة
أعضاء احلكومة ،بصفة مباشرة أو غري مباشرة ،مبجرد تسلمهم ملهامهم ،وخالل ممارستها وعند انتهائها.
األمر الذي يبني أبن املادة املذكورة هي جمرد إعادة إنتاج ملقتضى دستوري.
-14كرمي حلرش ،القانون االداري املغريب ،مطبعة األمنية ،الرابط ،الطبعة الثالثة ،2014ص.172 :
- 15ظهري شريف رقم 1.15.33صادر بتاريخ 28مجادى االوىل 19(1436مارس )2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 065.13املتعلق بتنظيم
وتسيري أشغال احلكومة والوضع القانوين ألعضائها ،ج.ر عدد 6348بتاريخ 12مجادى الثانية 2( 1436ابريل )2015ص3515 :
- 16الفصل 94من الدستور.
- 17املقصود هنا جمموعة القانون اجلنائي الفصول من 241اىل 262الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم 1.59.413بتاريخ 28مجادى الثانية
26(1382نونرب )1962اجلريدة الرمسية عدد 2640مكرر ،بتاريخ 12حمرم 5( 1383يونيو )1963ص.1253:
8
ابإلضافة اىل ان املادة 28من نفس القانون احالة على نص تنظيمي لتحديد االجرة الشهرية
والتعويضات واملنافع العينية املمنوحة ألعضاء احلكومة وعدد املستخدمني الذين يوضعون رهن اشارهتم .
و تضمنت املادة 29جمموعة من القواعد اليت تنظم الدواوين املتعلقة أبعضاء احلكومة ،اىل جانب حتديد
املعاشات اليت تصرف ألعضاء احلكومة بقانون ،وهو ما احالت اليه املادة .30
اىل جانب هذه املقتضيات االساسية يف حتديد الوضعية القانونية ال عضاء احلكومة ،ال يؤهل حسب
املادة 31االشخاص غري املتمتعني حبقوقهم املدنية والسياسية ،وغري احلاصلني على شهادة إبرائية من
املصاحل الضريبية ،وذلك من اجل تاليف متكني اعضاء احلكومة من استغالل مناصبهم قصد التهرب من
أداء الضرائب املفروضة عليهم او على الشركات اليت كانوا يتولون تسيريها وامتالكها.18
وحددت كل من املواد 32و 33و 34و 35احلاالت اليت تتناىف مع الوظيفة احلكومية ،وذلك
لتفرغ أعضاء احلكومة للقيام ابملهام املوكلة إليهم.19
يتعني على عضو احلكومة الذي يوجد يف احدى حاالت التنايف املنصوص عليها ،تسوية وضعيته داخل
أجل ال يتعدى ستني ( )60يوما من اتريخ تنصيب جملس النواب للحكومة أو من اتريخ تعيني عضو
حلكومة املعين ،حسب احلالة.20
وطبقا ألحكام الفصلني 47و 87من الدستور تستمر احلكومة املنتهية مهامها ألي سبب كان ،يف
تصريف األمور اجلارية ،وذلك اىل غاية تشكيل حكومة جديدة.21
- 18تقرير جلنة العدل والتشريع وحقوق االنسان حول مشروع القانون التنظيمي رقم ،065.13دورة أكتوبر ،2014السنة التشريعية
الرابعة ،2012.2015،الوالية التشريعية التاسعة ،2016-2011ص.66:
- 19نفس التقرير املشار اليه سابقا .
- 20املادة 35من القانون التنظيمي رقم 065.13املشار اليه سابقا.
- 21جناة خلدون ،قانون التنظيم االداري املغريب ،مطبعة دعاية ،الطبعة الثانية ،2017ص.31:
9
املطلب الثاين :مسؤولية أعضاء احلكومة ابعتبارهم آمرين ابلصرف:
خيضع االمرين ابلصرف جملموعة من املسؤوليات سواء التأديبية او اجلنائية او السياسية اال ان هناك
استثناءات من هذه املسؤولية لعدة اعتبارات وهذا ما سنتطرق له بشيء من التفصيل.
مت حتديد املسؤولية التأديبية لآلمرين ابلصرف يف جمال تنفيذ امليزانية العامة من خالل مقتضيات القانون
املتعلق مبدونة احملاكم املالية ،خاصة املادة 51اليت نصت صراحة علي ما يلي " ميارس اجمللس مهمة
قضائية يف ميدان التأديب املتعلق ابمليزانية ،والشؤون املالية ابلنسبة لكل مسؤول أو موظف أبحد
األجهزة اخلاضعة لرقابة اجمللس ،كل يف حدود االختصاصات املخولة له ،والذي يرتكب إحدى
املخالفات املنصوص عليها يف املواد 54و 55و 56بعده ، 22وقد نصت املادة 54من نفس القانون
على ما يلي ":مع مراعاة املادة 52اعاله ) أي مراعاة استثناء أعضاء احلكومة والربملان ( خيضع
للعقوابت املنصوص عليها يف هذا الفصل كل أمر ابلصرف أو آمر مساعد ابلصرف أو مسؤول وكذا
كل موظف أو عون يعمل حتت سلطتهم أو حلساهبم ،إذا ارتكبوا أثناء مزاولة مهامهم إحدى املخالفات
التالية:
10
-خمالفة القواعد املتعلقة إبثبات الديون العمومية الذي قد يعهد به إليهم عمال ابلنصوص التشريعية
اجلاري هبا العمل.
-خمالفة قواعد تدبري ممتلكات األجهزة اخلاضعة لرقابة اجمللس.
-إخفاء املستندات أو اإلدالء إىل احملاكم املالية أبوراق مزورة أو غري صحيحة.
-عدم الوفاء جتاهال أو خرقا املقتضيات النصوص الضريبية اجلاري هبا العمل ابلواجبات املرتتبة
عليها قصد تقدمي امتياز بصفة غري قانونية لبعض امللزمني ابلضريبة.
-حصول الشخص لنفس أو لغريه على منفعة غري مربرة نقدية أو عينية.
-إحلاق ضرر جبهاز عمومي يتحملون داخله مسؤوليات ،وذلك بسبب اإلخالل اخلطري يف املراقبة
23
اليت هم ملزمون مبمارستها أو من خالل اإلغفال أو التقصري املتكرر يف القيام مبهامه اإلشرافية
وجتب االشارة اىل ما رأيناه سابقا حبيث أن اعضاء احلكومة والربملان مستثنون من اخلضوع هلذه املسؤولية،
وابلتايل فإن الوزراء أي اآلمرين ابلصرف حبكم القانون موضوع طرحنا غري خاضعني هلذه املسؤولية
ومتمتعني من خصوصية متكنهم من االفالت من املساءلة التأديبية.
إن املسؤولية مبفهومها اجلنائي هي التزام شخص بتحمل نتائج أفعاله اجملرمة ،ولكي يعترب الشخص
مسؤوال جنائيا عن أفعاله اجلرمية يقتضي أن يكون أهال لتحمل نتائج هذه األفعال أي متمتعا بقوة الوعي
و اإلدراك وسليم اإلرادة والتفكري ،وأيضا ارتكاب هذا الشخص خلطأ جنائي ،أي خرق قاعدة جنائية
تتضمن جترميا لفعل وجزاء على فعلها.
11
وجتدر اإلشارة إىل أنه ابعتبار اآلمر ابلصرف موظفا عموميا ،فإن مفهوم هذا األخري أكثر اتساعا يف
القانون اجلنائي ،مما ميكن من معاقبة العديد من األشخاص جنائيا يف احلاالت اليت تقضي بذلك.
ويعترب كل آمر ابلصرف مسؤول بصفة شخصية طبقا للقوانني واالنظمة املعمول هبا عن :
وتبعا لذلك فإننا سنحاول تناول املسؤولية اجلنائية لباقي لآلمرين ابلصرف و العقوابت املرتتبة عنها.
- 24املادة 4من القانون رقم 61-99املتعلق بتحديد مسؤولية االمرين ابلصرف واحملاسبني العموميني واملراقبني.
12
جرمية اختالس املال العام: -1
تعرض القانون اجلنائي املغريب 25جلرمية اختالس املال العام وجرائم أخرى ،ففي الفصل 241منه نص
على ما يلي" يعاقب ابلسجن من مخس اىل عشرين سنة وبغرامة مالية من مخس االف اىل مائة الف
درهم كل قاض أو موظف عمومي بدد أو احتجز بدون حق او اخفى أمواال عامة أو خاصة أو
سندات تقوم مقامها أو حججا أو عقودا أو منقوالت موضوعة حتت يده مبقتضى وظيفته أو بسببها".
واذا كانت االشياء املبددة او ملختلسة او احملتجزة تقل قيمتها عن مائة الف درهم ،فان اجلاين يعاقب
ابحلبس من سنتني اىل مخس سنوات وبغرامة من الفني اىل مخسني الف درهم.
حدد القانون اجلنائي يف فصله 243جرمية الغدر يف احلاالت التالية " :كل قاض أو موظف عمومي
طلب أو تلقى أو فرض أو امر بتحصيل ما ،يعلم أنه غري مستحق أو أنه يتجاوز املستحق ،سواء لإلدارة
26
العامة أو األفراد الذين حيصل حلساهبم أو لنفسه خاصة"
ويعاقب ابحلبس من سنتني اىل مخس سنوات وبغرامة من مخس االف درهم اىل مائة الف درهم .
وتضاعف العقوبة اذا كان املبلغ يفوق مائة الف درهم.
وجتدر اإلشارة إىل أن جرمية الغدر ختتلف عن جرمية الرشوة من حيث أن املوظف املرتكب جلرمية الغدر
يفرض ويطلب مبلغا ماليا على أساس أنه واجب مفروض قانونيا ،يف حني أن جرمية الرشوة تكون بفعل
الطرفان وهم يعلمان مسبقا أهنا غري مستحقة.
25أنظر الظهري الشريف رقم - 1.59.413بشأن املصادقة على جمموعة القانون اجلنائي منشور ابجلريدة الرمسية .عدد 2640مكرر ،بتاريخ 5يونيو
، 1963ص.1253 :
13
-3جرمية التزوير:
يعترب العمل الذي قام به املوظف العمومي تزويرا أثناء أدائه ملهامه إذ قام إبحدى الوسائل احملددة يف
الفصل 352من القانون اجلنائي وهي كالتايل:
• كتابة إضافية أو مقحمة يف السجالت أو احملررات العمومية ،بعد متام حتريرها أو اختتامها.
وقد حدد الفصل 353من نفس القانون مدة العقوبة كما يلي " :يعاقب ابلسجن املؤبد كل واحد من
رجال القضاء أو املوظفني العموميني أو املوثقني أو العدول ،ارتكب بسوء نية أثناء حتريره ورقة متعلقة
بوظيفته".
أما الفصل 354فقد حدد مدة السجن من عشر إىل عشرين سنة يف حالة ارتكاب تزوير يف حمرر رمسي
أو عمومي .
ويعاقب ابحلبس من سنة إىل مخس سنوات يف حالة أداء تصرحيات يعلم أهنا خمالفة للحقيقة أمام احملكمة
وذلك طبقا للفصل 355من نفس القانون.
الرشوة مبعناها العام هي اتفاق بني شخصني يعرض أحدمها على اآلخر عمال أو فائدة ما ،ألداء عمل
أو االمتناع عن القيام بعمل يدخل يف وظيفة أو مأمورية.
14
وهي حسب الفصل 248من القانون اجلنائي " ،من طلب أو قبل عرضا أو وعد أو طلب أو تسلم هبة
أو هدية أو أية فائدة أخرى من اجل:
-1القيام بعمل من أعمال وظيفته قاضيا عموميا أو متوليا مركزا نيابيا أو االمتناع عن هذا العمل سواء
كان مشروعا أو غري مشروع...
-2إصدار قرار أو إيذاء رأي ملصلحة شخص أو ضده ،وذلك بصفته حكما أو خبريا عينته السلطة
اإلدارية أو القضائية أو اختاره األطراف.
-3االحنياز لصاحل احد األطراف أو ضده ،وذلك بصفته احد رجال القضاء أو احمللفني أو أحد أعضاء
هيئة احملكمة.
-4إعطاء شهادة كاذبة ...
- 5جرمية التواطؤ:
تكون جرمية التواطؤ يف حالة حصول اتفاق بني موظفني للقيام أبعمال خمالفة للقانون قصد احلصول على
أموال بطريقة غري شرعية.
وقد حدد الفصل 233من القانون اجلنائي نوعية عقوبة هذه اجلرمية حيث جعل مدة السجن من شهر
واحد إىل ستة أشهر ويف حاالت أخرى شدد العقاب و ذلك ابلسجن من مخس إىل عشر سنوات.27
إذا كان الوزراء ال يتحملون املسؤولية املالية مثل احملاسبني العموميني ،فإهنم يتحملون مسؤولية سياسية
تبعا لألخطاء املمكن أن يرتكبوهنا أو تبعا لسوء تسيريهم للمال العام.
15
ويشكل جمموع الوزراء اجلهاز احلكومي ،وهو جهاز تنفيذي يعمل على تطبيق القانون على املواطنني مع
خضوعه لذات القانون الذي حيمل مسؤوليته ويف مقدمته الدستور ،فاملسؤولية إذن تعين حتمل الواجبات
والقيام بعمل حيدده الدستور والقوانني فإذا مل يقم هذا اجلهاز بواجباته ميكن للشعب أن يرفضه ،ومن هنا
أييت سحب الربملان ثقته من احلكومة ومن هنا أييت أيضا حل الربملان.
فاملسؤولية السياسة إذن هي السلطة اليت تتحملها احلكومة عن جدارة هبدف حتقيق مصلحة الشعب،
فكل عمل من طرف احلكومة يتعارض وحتقيق هذه املصلحة أو يتناىف ومقتضيات الدستور يعترب إخالل
هبذه املسؤولية ،واملسؤولية السياسية نوعني:
-مسؤولية فردية ويتعلق األمر هنا ابملسؤولية السياسية لوزير معني أو عدد من الوزراء دون
مسؤولية احلكومة ككل ،وحيدث هذا يف اجملاالت اليت ينفرد الوزير املسؤول ابختصاصها واليت ال
تتصل ابألمور اليت تعد من قبيل السياسة العامة للحكومة ،ويتمخض عن هذا النوع من املسؤولية
أي الفردية ،استقالة الوزير املعين أو الوزراء املعنيني مع بقاء احلكومة قائمة.
-وهناك املسؤولية التضامنية ويف إطارها يعترب الوزير األول املسؤول عن سياسة احلكومة ،لذلك
فإن املسؤولية التضامنية تنصب إما على أحد أعمال السياسة العامة احلكومية ،وإما على شخص
رئيس احلكومة ،ويف احلالتني إذا متت املساءلة بسحب الثقة ،فإن ذلك ميس احلكومة أبكملها
اليت تبادر ابالستقالة.
وإذا كان جمال املسؤولية الفردية منحصرا وحمدودا ،فإن األمر خيتلف ابلنسبة للمسؤولية التضامنية ،ألن
جمال األوىل يقتصر عما يصدر عن الوزير يف إطار وزارته ،أما فيما خيص حتديد ما ميكن اعتباره من قبيل
السياسة العامة واليت تؤدي إىل املسؤولية التضامنية فيكتنفه الغموض وحتيط به الصعوبة ،ولذلك ترك
األمر موكوال لرتخيص احلكومة من انحية وتقدير الربملان من انحية أخرى.
16
املبحث الثاين :أجرأة مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة (تقرير برانمج التنمية اجملالية إلقليم احلسيمة
منوذجا):
للحديث عن أجرأة مبدا ربط املسؤولية ابحملاسبة وفق تقرير برانمج التنمية اجملالية إلقليم احلسيمة ،ينبغي
منا اساسا التطرق اىل أساس مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة (املطلب االول ) مث االنتقال اىل تفعيل هذا
املبدأ وربطه ابلتقرير املذكور (املطلب الثاين) اىل جانب التطرق اىل صالحيات امللك يف جمال االعفاء
املتعلق أبعضاء احلكومة (املطلب الثالث)
بعد سنة 2011ومصادقة املغرب على الدستور اجلديد ،كثر احلديث عن مفهوم ربط املسؤولية ابحملاسبة
الذي مت ادراجه يف الوثيقة الدستورية كركن رابع بعد احلكامة اجليدة ،والدميقراطية املواطنة والتشاركية،
وفصل السلط وتوازهنا وتعاوهنا ،وذلك يف نص الفصل األول من الدستور.28
ومنذ ذلك التاريخ اىل أواخر سنة ، 2014اختفى هذا املفهوم يف زمحة تسابق مفاهيم وأوراش املقاصة
والتقاعد والعدالة وحترير االسعار ،غري أن هذا املفهوم الدستوري سرعان ما أعلن عن حضوره من جديد
بعد فضيحة العشب االصطناعي اليت على اثرها أعفى جاللة امللك املسؤول عن هذه القضية بعد أن
ثبتت مسؤوليته االدارية والسياسية ،هذا ما جعل الدولة املغربية تراهن على العودة اىل السلوك الدميقراطي
يف تقييم وتقدمي حصيلة كل مسؤول وجعلته أمرا إلزاميا وحتميا يف مباشرة املسؤولية ومعادلة األهداف
ابلنتائج.
17
إن ربط املسؤولية ابحملاسبة الذي جاء النص عليه يف الفقرة الثانية من الفصل االول من الدستور ،مع ما
يعنيه هذا الرتتيب التشريعي املقصود يف الوثيقة الدستورية ،وضع حدا قاطعا مع سلوك الريع السياسي
واالقتصادي الذي كانت تعرفه البالد قبل اقرار دستور . 2011
ولرفع اللبس عن مفهوم املسؤولية الذي يتم التلويح به شرقا وغراب كلما حلت كارثة ابلبالد ،وجب
التمييز بني املسؤولية املباشرة اليت غالبا تكون فردية مرتبطة بقرارات واجراءات إدارية شخصية مباشرة،
ينجم عنها تكييف موضوع املسؤولية مع جوانبه املدنية واجلنائية واالدارية ،واملسؤولية غري املباشرة
االجتماعية أو االقتصادية أو السياسية أو األخالقية ،اليت تكون نتيجة قرارات وتدابري ومبادرات
مؤسساتية أو مجاعية سارية املفعول على املديني املتوسط والبعيد واليت تصري حصيلة اختيارات موفقة أو
غري موفقة يف تدبري الشأن العام أو احمللي .
للحديث عن تفعيل مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة جيب التطرق أوال اىل اجلهات املختصة بتفعيل هذا املبدأ
(فقرة أوىل) مث منوذج حي عن تفعيل هذه املساءلة واحملاسبة (فقرة اثنية).
يف ما يتعلق بتفعيل مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة جند ان احلكومة مسؤولة امام امللك والربملان ،وتظهر هذه
املسؤولية من خالل جمموعة من امليكانيزمات الدستورية اليت تربط احلكومة سواء ابمللك او الربملان.
فامللك استنادا اىل الفصل 47من الدستور يقوم بتعيني أعضاء احلكومة ،كما أن رئيس احلكومة يوقع
ابلعطف على الظهائر امللكية ،وان دل ذلك فإمنا يدل على ان احلكومة ال ميكن ان يتم تعيينها او ان
متارس مهامها اال اذا كانت حاصلة على ثقة امللك.
18
كما أن مسؤولية احلكومة امام الربملان عرفت تطورا نسبيا منذ اول دستور للمغرب اىل حدود االن
حيث اصبحت هلا امهية ال يستهان هبا ،خصوصا مع دستور ،2011وأتخذ عدة اشكال فتتمثل يف
منح الثقة وتقدمي ملتمس الرقابة.29
اىل جانب أن اجمللس االعلى للحساابت يضطلع أبدوار مهمة على مستوى الرقابة على املال العام من
خالل االختصاصات الرقابية املمنوحة له .
ولتفعيل مبدأ ربط املسؤولية ابحملاسبة جند أن من اختصاصات اجمللس االعلى للحساابت التأديب املتعلق
ابمليزانية والشؤون املالية ،وحدد قانون مدونة احملام املالية يف املادة 51األشخاص اخلاضعني للتأديب
املتعلق ابمليزانية والشؤون املالية ،وهم " كل مسؤول او موظف او عون أبحد االجهزة اخلاضعة لرقابة
اجمللس ،كل يف حدود االختصاصات املخولة له ،والذي يرتكب إحدى املخالفات املنصوص عليها يف
املواد 54و 55و 56بعده " اما االجهزة فقد حددهتا املادة 51من نفس القانون .30
لكن نفس القانون استثىن من جمال اختصاصه كل من اعضاء احلكومة والربملان وذلك بصريح املادة 52
من مدونة احملاكم املالية ،اليت نصت على انه "ال خيضع لالختصاص القضائي للمجلس يف ميدان
التأديب املتعلق ابمليزانية والشؤون املالية اعضاء احلكومة واعضاء الربملان عندما ميارسون مهامهم هبذه
الصفة".
وقد عمد اجمللس االعلى للحساابت على اصدار تقاريره السنوية ،هذا املبدأ جيد اصله الدستوري يف
الفقرة ما قبل االخرية من الفصل 148من الدستور اليت تنص على ان هذا اجمللس يرفع اىل امللك بياان
عن مجيع االعمال اليت يقوم هبا .
- 29حممد كرامي ،القانون االداري ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الطبعة الثالثة ،2015ص.47 :
- 30عبد القادر ابينة ،الرقابة املالية على النشاط االداري ،مطبعة دار القلم ،الرابط ،الطبعة االوىل،2011 ،ص.89:
19
كما ان الفقرة االخرية من املادة الثانية من مدونة احملاكم املالية أتكد على هذا املقتضى ،ولقد وضع
اجمللس االعلى للحساابت اىل غاية 2010اي على بعد 30سنة من أتسيسه تقارير حول انشطته
تغطي السنوات من 2003اىل 2008ولقد خصص اول تقرير بعد صدور القانون رقم 62.99
لسنيت 2003و ،2004مث بعد ذلك عملت التقارير املوالية ان ختصص لكل سنة تقريرا خاصا ابلسنة
املعنية.31
لكن رغم ارتقاء اجمللس االعلى للحساابت اىل مؤسسة دستورية ،إال أنه ظلت مهمته مرتكزة أساسا على
رصد االختالالت ،دون أن يتمكن من أن يضطلع بدور املسامهة الفعالة يف عقلنة تدبري األموال العامة و
ميارس كليا وظيفته كمؤسسة عليا للرقابة على املال العام.
لقد ظل اجمللس األعلى للحساابت مثار جدل بسبب ما يثار حول التقارير السنوية اليت يتم االعالن
عنها دون أن يتم ربط ذلك مببدأ احملاسبة واملسائلة
ويف إطار دستور 2011املرتكز على ربط املسؤولية ابحملاسبة ،خصص الباب العاشر للمجلس األعلى
للحساابت .وقد نص الفصل 147من الدستور على أن اجمللس األعلى للحساابت هو اهليئة العليا
ملراقبة املالية العمومية ابململكة ،ويضمن الدستور استقالله .وميارس اجمللس األعلى للحساابت مهمة
تدعيم ومحاية مبادئ وقيم احلكامة اجليدة والشفافية واحملاسبة ،ابلنسبة للدولة واألجهزة العمومية .كما
يتوىل اجمللس األعلى للحساابت ممارسة املراقبة العليا على تنفيذ قوانني املالية .ويتحقق من سالمة
العمليات ،املتعلقة مبداخيل ومصاريف األجهزة اخلاضعة ملراقبته مبقتضى القانون ،ويقيم كيفية تدبريها
لشؤوهنا ،ويتخذ عند االقتضاء ،عقوابت عن كل إخالل ابلقواعد السارية على العمليات املذكورة .إضافة
إىل ذلك تُناط ابجمللس األعلى للحساابت مهمة مراقبة وتتبع التصريح ابملمتلكات ،وتدقيق حساابت
األحزاب السياسية ،وفحص النفقات املتعلقة ابلعمليات االنتخابية.
- 31عبد القادر ابينة ،الرقابة املالية على النشاط االداري ،م س ،ص.287 :
20
يف هذا السياق ينشر اجمللس األعلى للحساابت مجيع أعماله ،مبا فيها التقارير اخلاصة واملقررات
القضائية .ويرفع اجمللس األعلى للحساابت للملك تقريرا سنواي ،يتضمن بياان عن مجيع أعماله ،ويوجهه
أيضا إىل رئيس احلكومة ،وإىل رئيسي جملسي الربملان ،وينشر ابجلريدة الرمسية للمملكة .يُقدم الرئيس
األول للمجلس عرضا عن أعمال اجمللس األعلى للحساابت أمام الربملان ،ويكون متبوعا مبناقشة.
الفقرة الثانية :تفعيل املبدأ استنادا اىل تقرير احلسيمة منارة املتوسط:
يف اآلونة االخرية رفع السيد ادريس جطو الرئيس األول للمجلس األعلى للحساابت مذكرة خبصوص
التقرير املتعلق بربانمج التنمية اجملالية إلقليم احلسيمة "منارة املتوسط" اىل امللك طبقا ألحكام الدستور
ومقتضيات القانون رقم 62.99املتعلق مبدونة احملاكم املالية .
جاء هبذه املذكرة ان اجمللس قام بفحص برانمج التنمية اجملالية إلقليم احلسيمة وذلك طبقا الختصاصاته
يف جمال تقييم املشاريع العمومية ،حبيث قام اجمللس بدراسة التقرير املعد من قبل املفتشية العامة لإلدارة
الرتابية واملفتشية العامة للمالية ،الذي تسلمه من احلكومة بتاريخ 3اكتوبر 2017طبقا ملقتضيات املادة
109من مدونة احملاكم املالية .
وخلصت هذه الدراسة اىل الوقوف على جمموعة من االختالالت شابت مرحليت اعداد وتنفيذ هذا
الربانمج.
ولتجاوز هذه االختالالت اليت تعزى لنقائص يف منظومة احلكامة أصدر اجمللس االعلى للحساابت
جمموعة من التوصيات ،كما اقرتح االستناد على منجزات برانمج منارة املتوسط من اجل بلورة برانمج
مندمج للتنمية االقتصادية واالجتماعية للجهة .
وعلى اثر هذا التقرير صدر بالغ للديوان امللكي بتاريخ 24اكتوبر 2017وأعفى من خالله جاللة
امللك املسؤولني عن هذه االختالالت ،حيث جاء ابلبالغ أنه " هنوضا من جاللته مبهامه الدستورية،
21
ابعتباره الساهر على حقوق املواطنني وصيانة مصاحلهم ،وتفعيال ألحكام الفصل األول من
الدستور ،وخاصة الفقرة الثانية منه ،املتعلقة بربط املسؤولية ابحملاسبة ،وبناء على خمتلف التقارير
املرفوعة للنظر املولوي السديد ،من طرف املفتشية العامة لإلدارة الرتابية واملفتشية العامة للمالية،
واجمللس األعلى للحساابت ،وبعد حتديد املسؤوليات ،بشكل واضح ودقيق ،أيخذ بعني االعتبار
درجة التقصري يف القيام ابملسؤولية ،قرر امللك ،أعزه هللا ،اختاذ جمموعة من التدابري والعقوابت ،يف
حق عدد من الوزراء واملسؤولني السامني .ويف هذا اإلطار ،وتطبيقا ألحكام الفصل 47من
الدستور ،والسيما الفقرة الثالثة منه ،وبعد استشارة رئيس احلكومة"
على إثر هذه املذكرة قرر جاللة امللك إعفاء عدد من املسؤولني الوزاريني .ويتعلق األمر بكل من :
-حممد حصاد ،وزير الرتبية الوطنية والتكوين املهين والتعليم العايل والبحث العلمي ،بصفته وزير
الداخلية يف احلكومة السابقة ؛
-حممد نبيل بنعبد هللا ،وزير إعداد الرتاب الوطين والتعمري واإلسكان وسياسة املدينة ،بصفته وزير
السكىن وسياسة املدينة يف احلكومة السابقة ؛
-احلسني الوردي ،وزير الصحة ،بصفته وزيرا للصحة يف احلكومة السابقة ؛
-السيد العريب بن الشيخ ،كاتب الدولة لدى وزير الرتبية الوطنية والتكوين املهين والتعليم العايل
والبحث العلمي ،املكلف ابلتكوين املهين ،بصفته مديرا عاما ملكتب التكوين املهين وإنعاش
الشغل سابقا ؛
-كما قرر جاللته إعفاء السيد علي الفاسي الفهري ،من مهامه كمدير عام للمكتب الوطين
للكهرابء واملاء الصاحل للشرب.
22
أما ابلنسبة للمسؤولني يف احلكومة السابقة املعنيني كذلك هبذه االختالالت ،قرر جاللة امللك ،حفظه
هللا ،تبليغهم عدم رضاه عنهم ،إلخالهلم ابلثقة اليت وضعها فيهم ،ولعدم حتملهم ملسؤولياهتم ،مؤكدا أنه
لن يتم إسناد أي مهمة رمسية هلم مستقبال ،ويتعلق األمر بكل من:
-رشيد بلمختار بنعبد هللا ،بصفته وزير الرتبية الوطنية والتكوين املهين سابقا ؛
-حلسن حداد بصفته ،وزير السياحة سابقا ؛
-حلسن السكوري ،بصفته وزير الشباب والرايضة سابقا ؛
-حممد أمني الصبيحي ،بصفته وزير الثقافة سابقا ؛
-حكيمة احليطي ،كاتبة الدولة لدى وزير الطاقة واملعادن واملاء والبيئة ،املكلفة ابلبيئة سابقا.
إثر ذلك ،كلف جاللة امللك رئيس احلكومة برفع اقرتاحات لتعيني مسؤولني جدد يف املناصب الشاغرة.
أما يف ما خيص ابقي املسؤولني اإلداريني ،الذين أثبتت التقارير يف حقهم تقصريا واختالالت يف القيام
مبهامهم ،وعددهم ،14فقد أصدر امللك تعليماته السامية لرئيس احلكومة ،قصد اختاذ التدابري الالزمة يف
حقهم ،ورفع تقرير يف هذا الشأن جلاللته .
كما جدد جاللة امللك الدعوة الختاذ كافة اإلجراءات التنظيمية والقانونية ،لتحسني احلكامة اإلدارية
والرتابية ،والتفاعل اإلجيايب مع املطالب املشروعة للمواطنني ،يف إطار االحرتام التام للضوابط القانونية.
وجتدر االشارة اىل ان هناك متغري مستقل دفع اجمللس االعلى للحساابت اىل حتريك مسطرته ،ويتمثل
هذا املتغري يف االحتجاجات واحلراكات اليت عرفتها منطقة احلسيمة يف االشهر املنصرمة ،مطالبتا برد
االعتبار ملطالب املنطقة وتوفري بعض املرافق االجتماعية واالقتصادية لتنمية االقليم.
23
املطلب الثالث :سلطات امللك املتعلقة ابإلعفاء:
يستمد امللك سلطاته يف جمال اإلعفاء من الدستور ال سيم الفصل 47الذي ينص على انه "...
للملك ،مببادرة منه ،بعد استشارة رئيس احلكومة ،أن يعفي عضوا او اكثر من اعضاء احلكومة من
مهامهم .
ولرئيس احلكومة ان يطلب من امللك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء احلكومة .
ولرئيس احلكومة أن يطلب من امللك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء احلكومة ،بناء على استقالتهم،
الفردية أو اجلماعية .
.".....
وهو األمر الذي يعطي امللك صالحية إعفاء أعضاء احلكومة من مهامهم يف حالة اذا مل يقوموا
بواجباهتم ،أو إذا طلب ذلك رئيس احلكومة.
كما حددت املادة 12من القانون التنظيمي 32على امكانية تكليف اعضاء احلكومة ابلنيابة عن
زمالئهم الذين تغيبوا او حال مانع دون مزاولتهم ملهامهم ،اذا اقتضت الضرورة ذلك ،وميكن عند
االقتضاء ان يتم هذا التكليف مبرسوم ينشر ابجلريدة الرمسية ،وهو ما مت العمل به يف اآلونة االخرية
حيث اصدر رئيس احلكومة مرسوم رقم 2.17.682بتاريخ 10صفر 30( 1439اكتوبر)2017
يقضي بتكليف بعض اعضاء احلكومة ابلقيام مقام االعضاء الذين مث إعفاؤهم .
- 32ظهري شريف رقم 1.15.33صادر بتاريخ 28مجادى االوىل 19(1436مارس )2015بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 065.13املتعلق بتنظيم
وتسيري أشغال احلكومة والوضع القانوين ألعضائها ،ج .ر عدد 6348بتاريخ 12مجادى الثانية 2( 1436ابريل )2015ص.3515 :
24
خامتة :
لقد سلك املشرع املغريب ،هنجا مغايرا عن الذي اختذه املشرع الفرنسي ،فيما خيص مسألة متكني اجمللس
األعلى للحساابت من اختاذ اإلجراءات العقابية والزجرية يف حق اخلارجني عن القواعد القانونية ،33حبيث
أن التشريع الفرنسي يسمح للمفتشني حبق توقيف احملاسب العمومي إذا أضر ابملال العام ،أما فيما خيص
التشريع املغريب فإنه يكتفي يف مثل هذه احلاالت إبحالة حمضر املفتشية العامة الذي يدين املوظف أو
املراقب إىل اجلهة املختصة ،واملتمثلة يف الرئيس اإلداري املعين ملطالبته بتوقيفه ،وخيتص الوزير ابختاذ القرار
املناسب يف حق املخل ابملساطر القانونية املتبعة يف مادة تنفيذ العمليات املالية.
فالفصل اخلامس من ظهري 14أبريل 1960املنظم للمفتشية العامة للمالية ،جنده يفيد أبنه يف
حالة خمالفة جسيمة يرفع املفتش تقريره إىل املفتش العام وللجهة اليت تتوفر على السلطة التأديبية يف حق
احملاسب ،وابلتايل ميكن استصدار عقوابت يف حق املخل بتنفيذ العمليات املالية ،إال أنه ويف نفس الوقت
جند أن النص قد سكت عن بيان املسطرة الواجب اتباعها يف حق اآلمرين ابلصرف يف حالة خمالفتهم
للقانون ،وذلك لالعتبارات السياسية لآلمرين ابلصرف حبكم القانون (الوزراء) مما يطرح عدة
إشكاالت على مستوى االنتماء السياسي لآلمر ابلصرف ،إذ يرفض مبدأ املساءلة إال من طرف انخبيه
أو اجلهة اليت عينته مما جيعل مسؤوليته مسؤولية نظرية أكثر منها فعلية ،رغم خضوع معامالته املالية
لسلطة اجمللس األعلى للحساابت ولعدد من املسؤوليات األخرى ،كما ان لآلمر ابلصرف احلق يف جتاوز
رفض التأشري من طرف احملاسب ،ويسمى هذا اإلجراء االستثنائي ب "حق التسخري" ورغم أن
استعماالت هذا احلق تبقى على العموم حمدودة إال أهنا تطرح مشكلة االختالف يف أتويل بعض
-33إدريس بلماحي ،املفتشية العامة للمالية ،جهاز مهم للرقابة وفعالية حمدودة ،أسبوعية مغرب اليوم ،عدد 10بتاريخ 17-11مارس ،1996ص:
.10
25
النصوص القانونية والتنظيمية املالية ،ترى فيها مصاحل اخلزينة جتاوزا لإلجراءات املنصوص عليها ،بينما
يصر اآلمر ابلصرف على تنفيذها حتت مسؤوليته مما يؤثر يف السري العادي للمصاحل اإلدارية املرتبطة هبما.
اىل جانب التأخري الذي يعرفه اإلدالء ابلواثئق واحلساابت للمجلس األعلى ،وحماوالت التملص من
تقدمي البياانت الالزمة أو عرقلة إجراء املراقبة عليها ،ورغم اجلزاءات اليت يرتبها اجمللس األعلى للحساابت
على خمالفة هذه اإلجراءات (كالغرامات التهديدية) فإن التجربة يف هذا اجملال تؤكد غياب اهتمام جدي
بفرضها أو التطبيق الفعلي هلذا اجلانب الرقايب ،مما يتأكد معه مرة أخرى اإلشكال القانوين املزمن واملتمثل
يف التناقض بني النص القانوين واملمارسة العملية.34
ابإلضافة اىل التأخر الذي تعرفه مناقشة قانون التصفية املتعلق بقانون املالية الذي ال تتم مناقشته اال بعد
تنفيذه بسنوات عديدة مما يؤدي اىل التهرب من املسؤولية وعدم تطبيقها على املخالفني والناهبني للمال
العام ،وهو ما يفرغ هذه الرقابة من حمتواها وتبقا رمزية.
وبعد الوقوف على خمتلف اجلوانب املتعلقة مبسؤولية اآلمرين ابلصرف حبكم القانون يتبادر اىل الذهن
سؤال جوهري ميكن طرحه على الشكل التايل ،ما هي دواعي هنج الرقابة على املال العام اذا كان أعضاء
احلكومة والربملان متمتعون ابحلصانة ومعفيون من اخلضوع للمساءلة واحملاسبة ؟
- 34املالية العامة ابملغرب ،مع خنبة من املهتمني ابلشأن االقتصادي واملايل ،اجمللة املغربية للتدقيق والتنمية ،عدد ،13دجنرب ، 2001ص .86 :
26
الئحة املراجع:
الكتب:
❖ إبراهيم عقاش ،الطبيعة القانونية ملسؤولية اآلمرين ابلصرف ،جملة مسالك ،عدد -7
.2007
❖ عيسى عيسى ،املراقبة اإلدارية على تنفيذ امليزانية العامة ابملغرب ،رسالة لنيل الدكتوراه يف
القانون العام ،جامعة احلسن الثاين ،عني الشق ،الدار البيضاء ،السنة اجلامعية -2004
.2005
❖ احلاج شكرة ،االدارة املركزية واجلماعات الرتابية ،مطبعة دعاية ،الطبعة االوىل .2016
❖ كرمي حلرش ،القانون االداري املغريب ،مطبعة األمنية ،الرابط ،الطبعة الثالثة .2014
❖ جناة خلدون ،قانون التنظيم االداري املغريب ،مطبعة دعاية ،الطبعة الثانية .2017
❖ حممد كرامي ،القانون االداري ،مطبعة النجاح اجلديدة ،الطبعة الثالثة .2015
❖ عبد القادر ابينة ،الرقابة املالية على النشاط االداري ،مطبعة دار القلم ،الرابط ،الطبعة االوىل،
.2011
التقارير واجملالت:
❖ إدريس بلماحي ،املفتشية العامة للمالية ،جهاز مهم للرقابة وفعالية حمدودة ،أسبوعية مغرب
اليوم ،عدد 10بتاريخ 17-11مارس .1996
27
❖ تقرير جلنة العدل والتشريع وحقوق االنسان حول مشروع القانون التنظيمي رقم
،065.13دورة أكتوبر ،2014السنة التشريعية الرابعة ،2012.2015،الوالية التشريعية
التاسعة .2016-2011
❖ املالية العامة ابملغرب ،مع خنبة من املهتمني ابلشأن االقتصادي واملايل ،اجمللة املغربية للتدقيق
والتنمية ،عدد ،13دجنرب .2001
القوانني:
28
❖ جمموعة القانون اجلنائي املغريب ،الصادر بتنفيذه الظهري الشريف رقم 1.59.413بتاريخ
28مجادى الثانية 26(1382نونرب )1962اجلريدة الرمسية عدد 2640مكرر ،بتاريخ
12حمرم 5( 1383يونيو )1963ص.1253:
29