You are on page 1of 19

‫‪ 05‬ﺳﺒﺘﻤﺒﺮ ‪2019‬‬ ‫ﻗﺴﻢ اﻟﻔﻠﺴﻔﺔ واﻟﻌﻠﻮم ا�ﻧﺴﺎﻧﻴﺔ‬ ‫ﺑﺤﺚ ﻣﺤﻜﻢ‬

‫‪All rights reserved © 2019‬‬ ‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ © ‪2019‬‬


‫خالصة البحث‬
‫حقال معرفيّاً طارفاً‪،‬‬
‫ً‬ ‫البحث من محاولة تحديد مفهوم «سوسيولوجيا اإلسالم» باعتباره‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ينطلق هذا‬
‫يستقل بموضوعه الخاص‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫التخصصات المعرفيّة في دائرة العلوم اإلنسانيّة‪ ،‬بقدر ما‬
‫ّ‬ ‫تتقاطعُ فيه مجموعة من‬
‫ويهدف هذا الحقل البحثي أساساً إلى البحث عن الروابط المُفترضة بين اإلسالم والحداثة‪ ،‬ر ّداً على تص ّور‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫وتجادل هذه السوسيولوجيا الوليدة ض ّد‬ ‫يقف عائقاً وس ّداً أمام محاوالت التحديث‪.‬‬
‫نمطي عن اإلسالم باعتباره ُ‬
‫ُ‬
‫وحقل‬ ‫حقول معرفيّة ثالثة وهي‪ُ :‬‬
‫حقل االستشراق القديم والحديث‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫فرضيّات سائدة حول اإلسالم‪ ،‬أنتجتها‬
‫الفرضيّات الشائعة حول اإلسالم‪ :‬نظريّة االستبداد‬
‫المركزيّة الغربيّة‪ ،‬وعل ُم االجتماع الكالسيكي‪ .‬ومن هذه َ‬
‫اإلسالمي في تقبل الحداثة‪ ،‬وغياب المُجتمع المدني في اإلسالم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫الشرقي‪ ،‬واالستثناء ْ‬

‫يضع َم ْشروع «وائل حلاّ ق» ضمن أبحاث سوسيولوجيا اإلسالم‪ ،‬باعتبار‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫يحاول هذا البحث أن‬ ‫ث ّم‬
‫مشروعه يمثل ر ّداً صريحاً مباشراً وغير مُباشر على معظم الفرضيّات الغربيّة عن اإلسالم‪ ،‬وبصفة‬
‫خاصة عن الشريعة اإلسالميّة‪ .‬ولقد أبان «وائل» بالتحليل الدقيق عن الوهم الكبير الذي تقع فيه الدراسات‬
‫ّ‬
‫الغربيّة لإلسالم‪ ،‬حين تطابق بين الشريعة والقانون‪ .‬وأيضاً الوهم األكبر الذي أشاعته عبر فرضيّة «س ّد‬
‫باب االجتهاد»‪ .‬وقد كشف «حلاّ ق» عن الفعاليّة االجتماعيّة الكبرى التي مارستها الشريعة في المجتمعات‬
‫اإلسالميّة عبر الجغرافيا الكونيّة‪ ،‬وأيضاً عبر تاريخها الطويل‪ ،‬ورفع الغطاء عن الخصائص الحيويّة التي‬
‫َ‬
‫مختلف األعراق والجنسيّات‬ ‫ْ‬
‫حكمت‬ ‫تتمي ُّز بها الشريعة‪ ،‬بالقدر الذي جعل منها أداة ضبط اجتماعي هائلة‪،‬‬
‫ْ‬
‫وأبانت عن مُرونة كبيرة في التعامل مع مختلف الظروف والمستج ّدات‪.‬‬ ‫والثقافات‪،‬‬

‫إن الشريعة‪ ،‬كما كشف «وائل حلاّ ق»‪ ،‬ليست قانوناً مُجرّ داً يُطبّق على المجتمع من فوق‪ ،‬بل هي‬
‫ّ‬
‫ممارسة خطابيّة (حسب المفهوم الشهير لفوكو)‪ ،‬تتغلغل في عمق النسيج االجتماعي‪ ،‬وتتّ ِحد معه أفقيّاً‬
‫وحملت همومه وتطلعاته‪ ،‬وعبّرت عن رغباته‬ ‫ْ‬ ‫وعموديّاً‪ .‬والفقهاء أيضاً طبقة خرجت من رحم المجتمع‪،‬‬
‫وآماله‪ .‬ممّا يجعل المجتمع والشريعة كلاّ ً واحداً‪ ،‬ونسيجاً متوحّ داً‪ .‬ومن ث ّم فال مجال أليّة مقارنة بين الشريعة‬
‫والقانون الحديث‪ ،‬وهي المقارنة التي أفرزت كمّاً وفيراً من األخطاء واألوهام في الدراسات الغربيّة الحديثة‬
‫لإلسالم‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫مقدّمة‬
‫ُ‬
‫تجاوز عُ مرُ ُه أرب َعة‬ ‫اإلسالم» َمفهوماً َحديثاً في َح ْقل ال ّدراسات اإلسالميّة‪ ،‬إذ ال َي‬
‫وسيُولوجيا ْ‬‫«س ْ‬‫ي َُش ّك ُل ُ‬
‫اال استراتيجيّاً جديداً من َمجاالت ال َبحث في العُلوم اإلنسانيّة‪ ،‬ويقعُ في ُ‬
‫تقاطع‬ ‫مج ً‬
‫عقود‪ ،1‬ويُنظر إليه باعتباره َ‬
‫التخصصات ال َمعْرفيّة‪ :‬علم االجتماع‪ ،‬التاريخ‪ ،‬األنثروبولوجيا‪ ،‬األديان المُقارنة‪ ،‬علم‬
‫ُّ‬ ‫دقيق بين تن ُّوع من‬
‫بحثي‬
‫ّ‬ ‫إزاء حقل‬ ‫واض َحة؛ وهي أنّنا َ‬ ‫ً‬
‫حقيقة ِ‬ ‫االجتماع الديني‪ ...‬إلخ‪ .2‬غير ّ‬
‫أن هذا الوُجُ و َد المُلت َبس ال يُخفي‬
‫الخاص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫س مجالَ ُه البَحْ ّ‬
‫ثي‬ ‫يأخ ُذ ِمنَ الحُ قول المُجاورة إلاّ لي ّ‬
‫ُؤس َ‬ ‫طارف وم ُْس ّ‬
‫تقل‪ ،‬ال ُ‬

‫إطالق غيرُ َد ِقيق‪ ،‬وأيضاً غيرُ‬


‫ٌ‬ ‫وسيُولوجيا اإلسالم»‪ ،‬هو‬ ‫«س ْ‬‫وصف «ال َمنهج» على ُ‬ ‫َ‬
‫إطالق ْ‬ ‫ويبدو ّ‬
‫أن‬
‫تخطئ ال َعي ُْن‬
‫ُ‬ ‫أكثر ممّا يت َعلّ ُق ب َمنهج أو أسلوب في ال ّد َ‬
‫راسة‪ ،‬إذ ال‬ ‫ألن الموضوعَ يتعلّ ُق ْ‬
‫بحقل بحْ ثي َ‬ ‫صيف؛ ّ‬‫َح ِ‬
‫والحديثة عهداً بالنّ ْع َمة‬
‫َ‬ ‫وسيُولوجيا ال َوليدة‪،‬‬
‫الس ْ‬
‫نطاق هذه ُّ‬ ‫ً‬
‫ُتباينة؛ ضمنَ‬ ‫ً‬
‫ُختلفة وم‬‫النّافذ ُة والنّاقد ُة تلوينات م‬
‫ِ‬
‫السوسيولوجيا بصفة‬ ‫درس ُّ‬
‫ِ‬ ‫ثي الحديث‪ ،‬وبين‬ ‫الخلط بين هذا ال َمجال البَحْ ّ‬ ‫صحّ التّعْبير)‪ .‬كما أنّه ال َي ُ‬
‫جب َ‬ ‫(إذا َ‬
‫ثقافي‬
‫ّ‬ ‫صياغتُها في ِسياق‬ ‫ّت ِ‬‫وسيُولوجيا اإلسالم» تم ْ‬ ‫«س ْ‬‫ألن فكرة ُ‬ ‫خاصة‪ّ ،‬‬‫ّ‬ ‫عامّة‪ ،‬أو ُسوسيولوجيا ال ّدين بصفة‬
‫أسئلة م َُح ّددة تتعلّ ُق بعالقة‬ ‫اإلج َ‬
‫ابة عن ْ‬ ‫ُ‬
‫ويحاول َ‬ ‫اإلسالم تحديداً دون باقي األديان‪.‬‬ ‫ُ‬
‫يبحث في ْ‬ ‫وتاريخي ُم َعيّن‪،‬‬
‫ّ‬
‫راسات اإلسالميّة‪ ،‬سواء‬ ‫الجاهزة في مجال ال ّد َ‬ ‫َ‬
‫تفكيك بعض ال َم ْسكوكات َ‬ ‫ً‬
‫أصالة‬ ‫بالحداثة‪ ،‬ويرو ُم‬
‫اإلسالم َ‬
‫ْ‬
‫ّال‬ ‫حقل ال ّدراسات اإلسالميّة الحديث‪ ،‬والذي ّ‬
‫ظل غالباً مُكب ً‬ ‫تشراقي‪ ،‬أو التي ط ّو َرها ُ‬
‫ُّ‬ ‫االس‬ ‫ُ‬
‫الحقل ْ‬ ‫رس َخها‬
‫التي ّ‬
‫الصارمة‪.‬‬
‫االستشراقيّة ّ‬
‫بأغالل الفرضيّات ْ‬

‫وسيُولوجيا اإلسالم» إلى البحْ ث عن الرّ وابط الم ُْفترضة بين ال ّدين وال َمدنيّة‪ ،‬وبيان‬ ‫«س ْ‬‫حقل ُ‬ ‫كما َي ْسعى ُ‬

‫ُصارُ إلى‬‫بالضرُ ورة شبي َه ًة ب َمدنيّة ال َغرْ ب‪ ،‬التي ي َ‬‫ّ‬ ‫(ليس ْت‬
‫َ‬ ‫خاصة به‪،‬‬
‫ّ‬ ‫أسه َم اإلسال ُم في خلق َمدنيّة‬ ‫كي َ‬
‫ْف ْ‬
‫راسي التّح ُّوالت التاريخيّة ال ِم ْفصليّة التي‬
‫ُّ‬ ‫الح ُ‬
‫قل ال ّد‬ ‫ص ُد هذا َ‬‫اعْ تبارها ِمقياساً و ِمعْياراً لباقي ال َمدنيّات)‪ .‬كما يرْ ُ‬
‫لوشائج ترابطيّة‪،‬‬
‫َ‬ ‫إنتاجها‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وطريق‬ ‫«التركيز على العالقات االجتماعيّة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫اإلسالمي ُّة‪ ،‬ومن ث ّم‪:‬‬
‫ربة ْ‬‫عرفتها التّجْ ُ‬
‫ْ‬
‫اإلسالم ُ‬
‫كق ّوة طويلة‬ ‫العلمي «إلى تي ِْسير فه ِْم ْ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫الحقل‬ ‫يهدف هذا‬ ‫ُ‬ ‫ُؤسساتيّة»‪ .‬ومن جهة أخرى؛‬ ‫وتكوينات م ّ‬
‫ُؤسسي ًّة لتن ُّوع من ال َعالقات والترتيبات»‪.3‬‬ ‫توفرُ رابطاً اجتماعيّاً‪ ،‬ثقافيّاً‪ ،‬ولُحْ ً‬
‫مة م ّ‬ ‫األ َمد‪ّ ،‬‬

‫‪ 1‬ـ غالباً ما يُؤرّ خ لحقل «سوسيولوجيا اإلسالم» بكتاب "برايان تيرنر"‪« :‬فيبر واإلسالم» الصادر سنة ‪ ،1974‬الذي حاول فيه تفكيك مقوالت «ماكس‬
‫فيبر» عن اإلسالم‪ ،‬وقد ترجم الكتاب إلى العربيّة أبو بكر أحمد باقادر‪ ،‬وصدر بعنوان‪« :‬علم االجتماع واإلسالم‪ :‬دراسة نقديّة لفكر ماكس فيبر»‪ ،‬عن‬
‫دار القلم في طبعة أولى‪ ،‬كما صدر عن دار «جداول»‪ ،‬سنة (‪.)2013‬‬
‫‪ 2‬ـ أرماندو سالفاتوري‪« ،‬سوسيولوجيا اإلسالم‪ :‬المعرفة والسلطة والمدنيّة»‪ ،‬ترجمة‪ :‬ربيع وهبه‪ ،‬الشبكة العربيّة لألبحاث والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪،‬‬
‫(‪ ،)2017‬ص‪.9 :‬‬
‫‪ 3‬ـ المرجع السابق‪ ،‬ص‪.13 :‬‬

‫‪3‬‬
‫األساسي في ُسوسيولوجيا‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫السؤال‬ ‫يس َعى لإلجابة عنه‪ّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫ثي ُس ٌ‬
‫ؤال مركزيٌّ ْ‬ ‫لك ّل علم أو َح ْقل بَحْ ّ‬
‫وإذا كانَ ُ‬
‫ُ‬
‫تذهب إلى ذلك مُعظم‬ ‫يقف اإلسال ُم عائقاً أمام الحداثة‪ ،‬كما‬ ‫ً‬
‫فعال ُ‬ ‫ُ‬
‫عالقة اإلسالم بالحَ داثة‪ :‬هل‬ ‫اإلسالم هو‬
‫بالضرُ ورة لإلسالم‪ ،‬بقدر‬ ‫َ‬
‫عوائق الحداث ِة ال ترت ُّد ّ‬ ‫والسوسيُولوجيّة في ال َغرْ ب؟ أم ّ‬
‫أن‬ ‫الدراسات االستشراقيّة ُّ‬
‫َ‬
‫الح ُ‬
‫داثة ظاهر ٌة كونيّة‬ ‫الحداثة الغربيّة إحداها؟ وقبل ذلك؛ هل َ‬
‫لعل َ‬ ‫عوامل تاريخيّة مُتضافرة؛ ّ‬
‫َ‬ ‫ما تعُو ُد إلى‬
‫ليس ْت‬
‫وص َور مختلفة؟ َ‬
‫خاصة ومحليّة‪ ،‬قد تظ َهرُ في أشكال ُ‬
‫ّ‬ ‫الحداثة‪ ،‬أم أنّها ظاهر ٌة‬ ‫ُصرُّ على ذلك َس ُ‬
‫دنة َ‬ ‫كما ي ِ‬
‫بالضرورة هي المُت َعارف عليْها في التّقليد الغربي‪4‬؟‬

‫الشائعة وال َمقبُولة‬ ‫التفسيريّة ّ‬


‫ِ‬ ‫الز َجاجة‪ ،‬أي من األطر‬ ‫روج من عُ نُق ُّ‬
‫الخ َ‬‫وسيولوجيا اإلسالم» ُ‬
‫«س ْ‬
‫اول ُ‬‫تُ َح ُ‬

‫ارسين في علم االج ِتماع‪ ،‬وهي األطرُ التي قرّ رها العلما ُء الرّ وا ُد الكبارُ ‪ ،‬واكتس َب ْت ما ي ُْشب ُه‬
‫عند مُعظم ال ّد ِ‬
‫ُ‬
‫وغياب‬ ‫الحداثة‪،‬‬
‫اإلسالمي في تقبُّل َ‬
‫ُّ‬ ‫واالستثنا ُء‬
‫ْ‬ ‫الشرْ قي‪،‬‬ ‫«اإلجماع العلمي»‪ ،‬من قبيل‪ :‬نظري ُّة ْ‬
‫االستبداد ّ‬
‫ُ‬
‫ودين ال َب ْدو‬ ‫اآلسيوي‪ ،‬كما في تحليالت هيجل وماركس‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫المُجْ تمع ال َمدني في اإلسالم‪ ،‬ونمُوذجُ اإلنتاج‬
‫تقترح ْتفسيرات جديدة أكثر ت َفهُّماً وإنصافاً لعالقة اإلسالم بالحداثة‪.‬‬
‫َ‬ ‫المُحاربين عند فيبر‪ ...‬إلخ؛ لِ‬

‫اإلسالم»‬
‫وسيولوجيا ْ‬ ‫أ ّو ًال‪ :‬الوالد ُة ال َع ِسري ُة لـ ُ‬
‫«س ْ‬
‫التأسيسيّة‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫واألعمال‬ ‫ٌ‬
‫طارف وحديث‪،‬‬ ‫معرفي‬
‫ٌّ‬ ‫وسيولوجيا اإلسالم» هو ٌ‬
‫حقل‬ ‫«س ْ‬ ‫َسبقت اإلشارة إلى ّ‬
‫أن ُ‬
‫فيه تكاد تُ َع ُّد على األصابع‪ ،‬ممّا يجعل من والدة هذا الحقل ال َمع ّ‬
‫ْرفي والد ًة عسير ًة‪ ،‬ويجعل من الباحث فيه‬
‫خاصة أمام حجم‬
‫ّ‬ ‫الطريق‪ .‬وبصفة‬‫أشب َه ما يكون بالمُغامر‪ ،‬أمام نُ ْدرة ال َمصادر‪ ،‬وقلّة ال َموارد‪ ،‬وعدم ُوضوح ّ‬
‫ْ‬
‫يقف أما َم أصنام ثالثة أخض َعت العلو َم االجتماعي َّة لِ َمناهجها وفرضياتها‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫التح ّديات التي يُواجهها؛ وهو ُ‬
‫َ‬
‫الكالسيكي‪.5‬‬
‫ّ‬ ‫وصن ُم ال َمركزيّة ال َغربيّة‪ ،‬وصن ُم ِعلم االجتماع‬ ‫ص َن ُم ْ‬
‫االستشراق‪َ ،‬‬

‫الموسوم بـ «فيبر واإلسالم» سنة (‪،)1974‬‬


‫ُ‬ ‫كتاب «براين تيرنر»‬
‫ِ‬ ‫السوسيولوجيا بصدور‬ ‫قص ُة هذه ُّ‬‫تبدأ ّ‬
‫خاصة‬
‫ّ‬ ‫السوسيُولوجي األلماني األشهر «ماكس فيبر»‪ ،‬وبصف ٍة‬ ‫دراس ٌة نقدي ٌّة لفكر ُّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫والكتاب في َج ْوهره‬
‫وسيولوجيا اإلسالم» أل ّول مرّ ة في هذا الكتاب‬
‫«س ْ‬
‫ُصطلحُ ُ‬ ‫ظهر م ْ‬
‫َ‬ ‫ُنحازة ض ّد ال ّدين اإلسالمي‪ .‬وقد‬
‫تطبيقاته الم َ‬
‫السوسيُولوجيّة‬
‫راسة ُّ‬‫العلمي في مجال ال ّد َ‬
‫ّ‬ ‫حين برّ َر «تيرنر» انهما َم ُه بالموضوع إلى‪« :‬عدم ُ‬
‫توافر التراث‬ ‫ِ‬

‫‪ 4‬ـ غالباً ما ترتبط فكرة مَحليّة الحداثة‪ ،‬ووجود «حداثات متعدّدة» بتيارات الخطاب التقليدي األصاليّ المدافع عن الهويّة‪ ،‬أو بعض التوجّ هات في‬
‫نظريّة الخطاب ما بعد الكولونيالي المفكّكة للهيمنة الغربيّة‪ .‬في حين يدافع أنصار الحداثة ودعاة الغربنة عن كونيّة الحداثة وضرورة االنخراط في‬
‫ُصرُّ األوّل على‬
‫الحداثة العالميّة‪ .‬وفي الفكر المغربي المعاصر تظهر هذه المقابلة صارخة بين فلسفة «العروي» وفلسفة «طه عبد الرحمن»‪ ،‬إذ ي ِ‬
‫كونيّة الحداثة‪ ،‬في حين يُفرّ ق الثاني بين «روح الحداثة» و«واقع الحداثة» ليؤكد على محليتها وتعدّدها‪ ،‬كما جادل في كتابه «روح الحداثة‪ :‬المدخل‬
‫إلى تأسيس الحداثة اإلسالميّة»‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ سنقف الحقاً على تعريف «سوسيولوجيا اإلسالم» حسب مبدأ النفي‪ ،‬أو الح ّد التمييزي‪ ،‬أي باعتباره تجاوزاً لحقول معرفيّة ثالثة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫وترتيب الحقائق ال َم ْشهورة عن‬
‫ُ‬ ‫سير لفيبر‪،‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫لإلسالم»‪ .6‬كما ّ‬
‫أك َد في موضع آخر ّ‬
‫هدف دراس ِت ِه هو «تقدي ُم تف ٍ‬ ‫أن‬
‫اإلسالمي»‪.7‬‬ ‫اإلسالم داخل إطار نظريّ ‪ ،‬قد يثيرُ االهتما َم ُ‬
‫بسوسيُولوجيا التاريخ والمُجْ تمع ْ‬

‫ُ‬
‫يمكن وجو ُد‬ ‫حلقة دراسي ًّة بعنوان‪« :‬هل‬
‫ً‬ ‫مت جام َع ُة ُ‬
‫«هومْبولت» ببرلين‬ ‫وفي َسنة (‪ّ )1995‬‬
‫نظ ْ‬
‫اإليطالي «أرمان ُدو َسلفاتوري»‬
‫َّ‬ ‫األكاديمي‬
‫َّ‬ ‫دعت الجا ِم َع ُة لإلشراف عليها وتأطيرها‬
‫وسيولوجيا لإلسالم؟» وقد َ‬
‫ُس ْ‬
‫لطة وال َمدَني ُّة»‪.‬‬
‫والس ُ‬ ‫وسيولوجيا اإلسالم‪ :‬ال َم ُ‬
‫عرفة ُّ‬ ‫«س ْ‬
‫كتاب ُ‬
‫ِ‬ ‫وصاحب‬
‫َ‬ ‫ُتخصص في الموضوع‪،‬‬
‫الم ّ‬

‫اوت» (صديق «براين تيرنر») حولي َّة‬ ‫وبعد هذا التاريخ بثالث سنوات فقط أطلق «جورج ش َت ْ‬
‫األكاديمي‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫شارك في تحريرها‬ ‫استمرّ صدورُ ها إلى سنة (‪ ،)2008‬وقد‬ ‫«سوسيولوجيا اإلسالم»‪ ،‬والتي ْ‬‫ُ‬
‫السوسيُولوجي‬‫السياق ُّ‬
‫الح ْوليّة ربْط ِّ‬
‫َف من هذه َ‬ ‫اإليطالي «أرماندو سلفاتوري» المُشار إليه سابقاً‪ .‬وكانَ الهد ُ‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫والفكاك‬ ‫َ‬
‫حاول عل ُم االجتماع عن طري ِقه نزعَ صف ِة الت َبعيّة‪،‬‬ ‫البحث الرئيس‪ ،‬الذي‬
‫ِ‬ ‫اإلسالم مع برنامج‬
‫لدراسة ْ‬
‫َ‬
‫خاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من قبْضة االفتراضات الرائجة بين أوساط الم ُْستشرقين بصفة‬

‫«الـجمْعيّ ِة ُّ‬
‫السوسيولوجيّة‬ ‫َ‬ ‫وسيولوجيا اإلسالم تمثّ َل في َع ْقد‬ ‫أن ال ُم ْن َ‬
‫عطف الرّ ئيس في تاريخيّة ُس ْ‬ ‫غير ّ‬
‫وسيولوجيا اإلسالم‪ :‬تأمُّالت‪ ،‬ومُراجعة‪ ،‬وإعادة توجيه»‪ ،‬في يونيو‬ ‫األلمانيّة» مُؤتمراً دوليّاً بعنوان‪ُ :‬‬
‫«س ْ‬
‫َ‬
‫عرض‬ ‫االفتتاحي‬
‫ّ‬ ‫(‪ .)2015‬وقد عُ ِق َد المُؤت َمرُ بجامعة «الرور» في مدينة «بوخوم» األل َمانيّة‪ .‬وفي الخطاب‬
‫ثي‬ ‫َ‬
‫الحقل البَحْ ّ‬ ‫أن هذا‬ ‫َ‬
‫المجال‪ .‬وأعلنَ ّ‬ ‫«برايان تيرنر» حصا َد أربعين َسنة من التط ُّور الذي اعترى هذا‬
‫َ‬
‫شارك فيه «أرماندو سلفاتوري» بورقة بعُنوان‪:‬‬ ‫باالستقالل عنه‪ .8‬وقد‬
‫ْ‬ ‫ُولِ َد بالتّوازي و َن ْقد ْ‬
‫االستشراق لكن‬
‫وصعُو ُد ّ‬
‫الصين»‪.‬‬ ‫اإلسالم ُ‬
‫وسيُولوجيا ْ‬
‫«س ْ‬
‫ُ‬

‫اإليطالي «أرماندو‬
‫ّ‬ ‫األكاديمي‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫كتاب‬ ‫وسيولوجيا اإلسالم»‬
‫«س ْ‬ ‫و ِمنَ ال ِكتابات َ‬
‫الحديثة المُهمّة عن ُ‬
‫طويل مع‬
‫ٍ‬ ‫ص ُ‬
‫يلة تفاعُ ٍل‬ ‫«سوسيولوجيا اإلسالم‪ :‬المعرفة والسلطة والمدنيّة»‪ .‬وهو َح ِ‬
‫الموسوم بـ ُ‬
‫ُ‬ ‫سلفاتوري»‬
‫الحداثة» الصادرة‬
‫السياسي في َ‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫والخطاب‬ ‫أطروحته للدكتوراه‪« :‬اإلسال ُم‬
‫َ‬ ‫وسيولوجيا اإلسالم‪ ،‬منذ‬
‫موضوع ُس ْ‬
‫ُ‬
‫الموضوع‪،‬‬ ‫الكتاب هو جُ ْز ٌء أ ّول من ثالثيّة في‬
‫َ‬ ‫سنة ‪ .1997‬وقد صرّ ح في مُق ّدمة كتابه المذكور ّ‬
‫بأن هذا‬
‫َي ْع ِقبُها الجز ُء الثاني بعنوان‪« :‬القانون والدولة والفضاء العام»‪ ،‬ث ّم الجزء الثالث بعنوان‪« :‬عبور القوميّات‬
‫وتفاعل الثقافات والعولمة»‪.‬‬

‫‪ 6‬ـ براين تيرنر‪« ،‬علم االجتماع واإلسالم‪ :‬دراسة نقديّة لفكر ماكس فيبر»‪ ،‬ترجمة‪ :‬أبو بكر أحمد باقادر‪ ،‬جداول‪ ،‬ط‪ ،)2013( ،1‬ص‪.14 :‬‬
‫‪ 7‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.18 :‬‬
‫‪ 8‬ـ هذه الجملة نعتبرها مفتاحيّة في التمييز بين «نقد االستشراق» و«سوسيولوجيا اإلسالم»‪ ،‬إذ خطاب نقد االستشراق هو حصيلة حوار مستمر مع‬
‫الخطابات االستشراقيّة‪ ،‬يروم تعريتها وكشف زيفها‪ ،‬أمّا سوسيولوجيا اإلسالم؛ فعلم مستقل‪ ،‬وإن ينطلق من رفض النظريّات االستشراقيّة األساسيّة‪،‬‬
‫إال أنّه يقدّم نظريّات مستقلة تقدّم بدائل كاملة‪ .‬وهذا التمييز هو الذي يوضح الفرق بين عمل «إدوارد سعيد» وبين عمل «وائل حالق»‪ ،‬فاألوّل جعل‬
‫مشروعه تقويض خطاب االستشراق عبر ربطه بالمؤسّ سة والسلطة‪ ،‬أمّا الثاني فكان هدفه تقديم مداخل جديدة لسوسيولوجيا الشريعة اإلسالميّة نقيضة‬
‫لما هي عليه في الجامعات الغربيّة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫وسيولوجيا اإلسالم»‬
‫«س ْ‬ ‫ثانياً‪َ :‬ع ُ‬
‫وامل ظ ُهور ُ‬
‫ظهر فيه هذا الحقل البحثي الجديد‪ ،‬ومن‬
‫َ‬ ‫السياق ال َمعرفي والتاريخي العام الذي‬ ‫استقراء ّ‬
‫من خالل ْ‬
‫تخالص بعض ال َعوامل الثاوية وراء والدة «سوسيولوجيا‬
‫ُ‬ ‫اس‬ ‫ُ‬
‫يمكن ْ‬ ‫ضوع‪،‬‬ ‫خالل قراءة ما ُكتُب حول ال َم ْو ُ‬
‫اإلسالم» نع ُ‬
‫ْرض بع َ‬
‫ْضها‪:‬‬

‫خاصة المرتبطة باإلسالم وتاريخِ هِ‪ .‬في مُقابل‬


‫ّ‬ ‫‪ .1‬نُدْر ُة الدّراسَ ات العِلميّة في حقل عل ِم االجتماع الدّيني‬
‫َوفْرة ملحوظة في هذه الدّراسَ ات‪ ،‬تتناولُ باقي األديان‪ ،‬حتى الدّيانات القديمَة‪ ،‬والدّيانات البدائيّة والميّتة‪.‬‬

‫الصارمَة لعلم االجتِماع التّقليدِي‪ ،‬وقصورُ ها عن تفْسِ ير الظاهرة اإلسْ الميّة في‬
‫‪ .2‬جُ مُود النّماذج ّ‬
‫انطوت‬
‫ْ‬ ‫هت مُعظَ َم الدّراسَ ات الغَربيّة عن اإلسْ الم‪ ،‬بما‬
‫خاصة سُ وسْ يولوجيا «ماكس فيبر»‪ ،‬التي وجّ ْ‬
‫ّ‬ ‫التّاريخ‪،‬‬
‫عليه من عَ داء وكراهيّة لإلسْ الم‪.‬‬

‫بعض النّظريّات في‬


‫ِ‬ ‫ّات عل ِم االجْ تمَاع في اتّجاه نقْد االحتِكار الغَرْ بيّ للحَ داثة‪ ،‬وإطالقيّة‬
‫‪ .3‬تطَ وُّرُ نظري ِ‬
‫المَركزيّة الغَربيّة ال ُمنْتشيَة بعَناوينَ من قبيل‪ :‬فرا َد ُة الغَرب‪ ،‬وعَ بقريّ ُة الغَرب‪ ،‬وديموقراطيّ ُة الغَرب‪ ،‬ونهاي ُة‬
‫التّاريخ بهيمنة الغرب‪.‬‬

‫تضعُها في سِ يَاقاتِها الفِكريّة والتاريخيّة‪،‬‬


‫‪ .4‬إعا َد ُة قراء ِة األعمَال التأسيسيّة في علم االجتماع قراء ًة جديد ًة َ‬
‫خاصة أطروحات كارل ماركس وماكس فيبر وإميل دوركايم‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫ّ‬

‫ْرضة‬
‫‪ .5‬تجاوُز خِ طاب االستشراق حولَ اإلسْ الم‪ ،‬الذي عمِلَ على ترْ سيخ بعض الفرضيّات ال ُمغ َ‬
‫والعنصريّة‪ ،‬وقد أشار «تيرنر» في ورق ِت ِه االفتتاحيّة لمُؤتمَر «سُ وسْ يولوجيا اإلسالم» إلى أنّ هذا الحقلَ‬
‫البَحْ ثيّ ُولِ َد بالتّوازي و َنقْد االسْ تشراق لكن باالسْ تقالل عنه‪.9‬‬

‫خاصة بعد أحداث ‪ 11‬شتنبر‪ ،‬حيث مسّ ت الحاجَ ُة‬


‫ّ‬ ‫َاصر‪،‬‬
‫‪ .6‬تزايُ ُد الحَ اج ِة إلى فهْم اإلسْ الم في العَالم ال ُمع ِ‬
‫ُناصب ِت ِه العَداء‪ ،‬وقد أشار «سَ الفاتوري» إلى أنّ فرْ ع سُ وسيُولوجيا‬
‫إلى فهْم اإلسْ الم واالقتراب منه‪ ،‬بدلَ م َ‬
‫اإلسالم «تلقى دفعَة كبيرة بعد أحداث ‪ 11‬شتنبر‪ ،‬جنباً إلى جانب مجاالت أكاديميّة أخرى تتعامل واإلسالم‬
‫من زاوية الحداثة»‪.10‬‬

‫اس الحَ اج ِة إلى مقاربة اإلسالم عِ لْميّاً َبعِيداً عن خطاب التّسْ ييس‪ ،‬وما ترتّب عنه من تجْ ييش‬
‫‪ .7‬مسَ ُ‬

‫‪ 9‬ـ أرماندو سالفاتوري‪« ،‬سوسيولوجيا اإلسالم‪ :‬المعرفة والسلطة والمدنيّة»‪( ،‬م س)‪ ،‬ص‪.11 :‬‬
‫‪ 10‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11 :‬‬

‫‪6‬‬
‫واسْ تقطاب عالميّ ‪ ،‬ومُواجَ هة ال ُعنْف بالعُنف‪ ،‬وقد أشار «تيرْ نر» في وَرق ِت ِه االفْتتاحيّة لمُؤتمَر سُ وسْ يولوجيا‬
‫«خطاب التّسْ ييس الذي يشكّل تحدّياً خطيراً أمام مشروع سُ وسْ يولوجيا اإلسالم»‪.11‬‬
‫ِ‬ ‫اإلسالم إلى خُ طورة‬

‫تجاوِز‬
‫طاب ُم َ‬ ‫ثالثاً‪ُ :‬‬
‫«سوس ُيولوجيا اإلسالم» مبا هُ َو ِخ ٌ‬
‫اإلسالم» إلاّ عبر تمْييز ِه عن بعض الحُ قول ال َمعرفيّة‬ ‫وسيُولوجيا ْ‬
‫«س ْ‬
‫برنامج ع َمل حقل ُ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫يمكن تحْ دي ُد‬ ‫ال‬
‫لت «عوائق‬ ‫ً‬
‫قاطعة وصار َمة‪ّ ،‬‬
‫شك ْ‬ ‫وأصدرت في َح ّق ِه أحكاماً‬
‫ْ‬ ‫لإلسالم بال ّدرْ س والتّحْ ليل‪،‬‬
‫ْ‬ ‫تص ّد ْت‬
‫التي َ‬
‫االستشراق‪،‬‬ ‫حقل ْ‬‫إبستمولوجيّة» في وجْ ِه أيّ مُقاربات َحديثة أكثر موضوعيّة‪ ،‬وأكثر إنصافاً‪ ،‬وهي تحْ ديداً‪ُ :‬‬

‫«سوسيُولوجيا اإلسالم»‬ ‫وخطاب ال َمركزيّة ال َغربيّة ال ِمعْياريّة‪ .‬ومن ث ّم ّ‬


‫فإن ُ‬ ‫ُ‬ ‫علم االجت َماع التقليديّ ‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وحقل ِ‬
‫أنتج ْت ُه في َح ْقل ال ّد َ‬
‫راسات اإلسالميّة‪.‬‬ ‫اوز لهذه الخطابات الثالثة وما َ‬ ‫ُتج ِ‬ ‫ِخ ٌ‬
‫طاب م َ‬

‫بحثي م ُْس ّ‬
‫تقل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫كمجال‬ ‫وسيولوجيا اإلسالم»‪،‬‬
‫«س ْ‬
‫أن ُ‬ ‫شك ّ‬‫الكالسيكي‪ :‬ال ّ‬
‫ّ‬ ‫* تجاوز ِعلم االج ِت َماع‬
‫ٍ‬
‫علم االجتماع‬ ‫أن أح َد ِس َم ِ‬ ‫فرع من علم االجتماع العام‪ ،‬ومن علم االجت َماع ال ّديني‪ .‬وال ّ‬
‫شك أيضاً ّ‬ ‫هو ٌ‬
‫ات ِ‬
‫أكاديمي لها وعليها‪ ،‬بما تحوي ِه من عمليّات تأسيسيّة‬
‫ّ‬ ‫األساسيّة «نشأتُ ُه فيما يتعلّ ُق بالحداثة‪ ،‬كانعكاس‬

‫وتحويليّة‪ ...‬وربّما اعت َم َد فهْ ُمنا الحَ داث ِة أكب َر اعتماد على ِ‬
‫فهم ُعل َماء االجتماع‪ ،‬أكثر من اعتما ِده على‬
‫إن عل َم االجت َماع هو المُؤرّ ُخ ال ُمم ُ‬
‫ْتاز‬ ‫يسمحُ لنا بالقول‪ّ :‬‬
‫والفالسفة»‪ ،12‬بالق ْد ِر الذي ْ‬
‫ِ‬ ‫ع َم ِل ال ُمؤ ّرخين‬
‫بكل تح ُّوالتها‪.‬‬‫والكف ُء للحداثة ّ‬
‫ْ‬

‫ْ‬
‫استطاعت‬ ‫نماذج تفسيريّة صلبة وصار َمة‪،‬‬
‫َ‬ ‫اغ َة‬
‫ص َي َ‬ ‫غير ّ‬
‫أن عل َم االجتماع استطاع بوساطة أعالم ِه الكبار ِ‬
‫خاصة مع أعالم ِمن َقبيل‪ :‬دوركايم وماركس‪ ،‬وبصفة‬ ‫ّ‬ ‫بالحداثة‪،‬‬ ‫تفسير وتحْ َ‬
‫ليل الكثير من الظواهر المُرْ تبطة َ‬ ‫َ‬
‫لت أيضاً‬ ‫خاصة ماكس فيبر‪ ،‬هذه النماذجُ بقدر ما أغ َن ْت عل َم االجتماع بدراسات وتحليالت عميقة‪ ،‬فإنّها ّ‬
‫شك ْ‬ ‫ّ‬
‫ظواهر اجتماعيّة وفكريّة ظلّت َع ِ‬
‫صي ًّة على النّمْذجة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وتفسير‬
‫ِ‬ ‫عق َب ًة إبستمولوجي ًّة أمام فه ِْم‬

‫وض ُع ُه قلقاً في علم االجت َماع التقليديّ ‪ ،‬وعلم مُقارن ِة‬


‫على رأس هذه الظواهر يأتي اإلسال ُم الذي اعتُ ِب َر ْ‬
‫تصين في الموضوع‪،‬‬ ‫األديان على م ُْستو َييْن‪ :‬نُ ْدر ُة ال ِكتابات‪ 13‬وضع ُْفها من ناحية‪ ،‬وهو ما اعترف به كبارُ الم ُْخ ّ‬
‫وتاريخ األديان‪...‬‬ ‫علم االجتماع والفينومينولوجيا‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ُّ‬ ‫دراس َة‬ ‫إذ ّ‬
‫ِ‬ ‫ُنسق «يُمثل َميدانا ُم ْه َمال في ِ‬
‫اإلسالم بأسلوب م ّ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫إن‬

‫‪ 11‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.11 :‬‬


‫‪ 12‬ـ أرماندو سالفاتوري‪« ،‬سوسيولوجيا اإلسالم‪ :‬المعرفة والسلطة والمدنيّة»‪ ،‬ترجمة‪ :‬ربيع وهبه‪ ،‬الشبكة العربيّة لألبحاث والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪،‬‬
‫(‪ ،)2017‬ص‪.17 :‬‬
‫ال لذلك‪« :‬ولعلّ السبب في ذلك هو أنّ ماركس ودوركهايم لم يقدّما شيئاً يذكر عن اإلسالم‪ ،‬بينما توفي فيبر قبل أن يختتم دراسته‬
‫‪ 13‬ـ كتب «تيرنر» تعلي ً‬
‫لالجتماع الديني‪ ،‬بدراسة تفصيليّة عن اإلسالم»‪ .‬انظر‪ :‬براين تيرنر‪« ،‬علم االجتماع واإلسالم‪ :‬دراسة نقديّة لفكر ماكس فيبر»‪ ،‬ترجمة‪ :‬أبو بكر أحمد‬
‫باقادر‪ ،‬جداول‪ ،‬ط‪ ،)2013( ،1‬ص‪.23 :‬‬

‫‪7‬‬
‫لإلسالم»‪ .14‬ومن جه ٍة أخرى؛ التّعام ُُل المُنحاز ض ّده‪،‬‬
‫وسيولوجيّة أساسيّة ْ‬ ‫ُب أن نعْثُ َر على دراسات ُس ْ‬ ‫يصع ُ‬ ‫إذ ْ‬
‫والنماذج التفسيريّة األساسيّ ِة في علم االجتماع‪ ،‬بحيث يبدو ديناً بدائيّاً‪،‬‬
‫ِ‬ ‫الحداثة‪،‬‬
‫لمعايير َ‬
‫ِ‬
‫عبر إخضاع ِه قسراً‬
‫وتقليديّاً‪ ،‬و ُممْتنعاً أما َم التحديث‪.15‬‬

‫ْس ِمنَ المصادفة في شيء أن ارتبَط ظهو ُر «سوسيولوجيا اإلسالم» بنقد فكر «ماكس فيبر»‪ ،‬إذ‬ ‫ولي َ‬
‫حو َل ْ‬
‫اإلسالم هي‬ ‫اإلسالم في علم االجتماع ال ِفيبريّ ‪ ،‬إلاّ ّ‬
‫أن أحكا َم «فيبر» ْ‬ ‫ور ْ‬ ‫على الرّ غم من ضعف ُ‬
‫حض ِ‬
‫هة كما بيّنَ بجدار ٍة «تيرنر»‪ ،‬الذي من خالل ر ّد ِه على «فيبر» ر ّد على‬ ‫وضعيفة ومُش ّو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫أحكا ٌم مُتسرّ ٌ‬
‫عة‬
‫بعض ِك َبار عُ ل َماء االجتماع ِمم ّْن تقاط َع ْت م َعهُم تحليالت هذا األخير‪ ،‬مثل تحليالت «كارل ماركس»‪ .‬فقد‬
‫اآلسيوي‬ ‫السيْطرة الوراثيّة ي ُ‬
‫ُماثل من الناحيّة التص ُّوريّة مفهوم المُجْ ت َمع ْ‬ ‫بين «تيرنر» باقتدار ّ‬
‫أن «مفهو َم ّ‬
‫لدى ماركس»‪.16‬‬

‫كانت شا ِئ َع ًة عن ْ‬
‫اإلسالم‬ ‫ْ‬ ‫أفكار «ماكس فيبر» ال تخرُ جُ عن اآلراء العامّة التي‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫كشف «تيرنر» ّ‬ ‫وقد‬
‫والشرق‪ .‬فآدم سميث‬ ‫ّ‬ ‫ُرتب َط ِة بشكل أو بآخر باالختالفات َ‬
‫الج ْوهريّة بين الغرب‬ ‫اسع عشر‪ ،‬والم ِ‬‫القرن التّ ِ‬
‫ِ‬ ‫في‬
‫في كتابه «ثروة األمم»‪ ،‬وجيمس ميل في كتابه «تاريخ الهند البريطانيّة»‪ ،‬وجون ستيوارت ميل في كتابه‬
‫«أسس االقتصاد السياسي»‪ ،‬كانوا يعتقدون بوجود فرق شاسع بين أوربّا اإلقطاعيّة واالستبداد الشرقي‪،17‬‬
‫أس َماليّة‪.‬‬ ‫ْ‬
‫قاتلت ن ُم ّو الرّ ْ‬ ‫ّ‬
‫وأن هذا األخير قد َمهّد لظهُور اقتصاديّة جا ِمدة‪،‬‬

‫االستشراق‪ :‬أشار «براين تيرنر» في م َُحاضرته االفتتاحيّة لمؤتمر «سوسيولوجيا‬


‫* تجاوُ ز ِخطاب ْ‬
‫َ‬
‫المجال ال ّدراسي ُولد في ّ‬
‫السبعينات بالتوازي ونقد االستشراق ولكن‬ ‫اإلسالم» سنة (‪ )2015‬إلى ّ‬
‫أن هذا‬
‫باستقالل عنه‪ ،‬وتلقى دفعة كبيرة مع أحداث ‪ 11‬شتنبر جنباً إلى جنب مع مجاالت أكاديميّة أخرى تهت ّم‬
‫بدراسة اإلسالم‪.18‬‬

‫وسيولوجيا‬
‫االستشراق وبين ُس ْ‬ ‫ص ُدور كتابه «فيبر واإلسالم»؛ ّ‬
‫تأكدت ال َعالقة الوطيدة بين ْنقد ْ‬ ‫وبعد ُ‬
‫ار الم ُْستشرقين‬ ‫اإلسالم‪ ،‬إذ نجد «تيرنر» أثنا َء ر ّده على طروحات «ماكس فيبر»‪ ،‬يُجا ِد ُل ض ّد ُط َ‬
‫روحات ِك َب ِ‬

‫‪ 14‬ـ براين تيرنر‪« ،‬علم االجتماع واإلسالم‪ :‬دراسة نقديّة لفكر ماكس فيبر»‪( ،‬م س)‪ ،‬ص‪.23 :‬‬
‫‪ 15‬ـ من الكتابات المهمّة التي سعت إلى تحدّي االفتراض الشائع في العلوم االجتماعيّة‪ ،‬القائل‪ :‬إنّ «السياسات الدينيّة ونم ّو الليبراليّة الديموقراطيّة‬
‫أمران متعارضان»‪ ،‬عبر تحليل التجربة اإلسالميّة الحديثة ذاتها‪ .‬كتاب نادر هاشمي «اإلسالم والعلمانيّة والديموقراطيّة الليبراليّة‪ :‬نحو نظريّة‬
‫ديموقراطيّة للمجتمعات المسلمة»‪ .‬وقد ترجمه إلى العربيّة أسامة غاوجي‪ ،‬وصدر عن الشبكة العربيّة لألبحاث والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬سنة ‪.2017‬‬
‫‪ 16‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.35 :‬‬
‫‪ 17‬ـ راجع رد ممتاز على نظريّة «االستبداد الشرقي» عند وائل حلاّ ق في كتابه «الدولة المستحيلة»‪ ،‬ترجمة‪ :‬عمرو عثمان‪ ،‬المركز العربي لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ ،‬ط‪ 2014 ،1‬ص‪.134 :‬‬
‫‪ 18‬ـ أرماندو سالفاتوري‪« ،‬سوسيولوجيا اإلسالم‪ :‬المعرفة والسلطة والمدنيّة»‪( ،‬م س)‪ ،‬ص‪.11 :‬‬

‫‪8‬‬
‫األقل َس ْطحيّة م َ‬
‫ُتسرّ عة‬ ‫ّ‬ ‫من قبيل‪ :‬جولدزيهر وواط ورودنسون‪ ،‬في تقريرهم ألحكام عامّة عُ ْنصريّة‪ ،‬أو على‬
‫ض ّد اإلسالم‪.‬‬

‫وبالنظر إلى الدور الكبير الذي لعبه االستشراق التقليدي في توجيه البحث في حقل الدراسات اإلسالميّة‪،‬‬
‫يمكن القول ّ‬
‫إن مهمّة سوسيولوجيا اإلسالم األساسيّة كانت تفكيك مقوالت االستشراق واقتراح أطر تفسيريّة‬
‫جديدة وتوجيه حقل البحث في اإلسالم بتوجيه مركبه إلى بحار ومحيطات جديدة لم يصلها االستشراق‪.‬‬

‫«سوسيُولوجيا‬ ‫ُ‬
‫حقل ُ‬ ‫ُجيب عنها‬ ‫ُ‬
‫يحاول أن ي َ‬ ‫األساسيّة التي‬ ‫األسئلة َ‬‫الغربيّة‪ :‬من ْ‬ ‫* تجَ اوُ ز ال َمركزيّة َ‬
‫ف‬‫أنتج ما عُ ِر َ‬ ‫اإلسالم» سؤال اإلسالم والحداثة‪ ،‬أي‪ :‬هل يقف اإلسالم عائقاً أمام التحديث؟ وهو ُّ‬
‫السؤال الذي َ‬
‫ٌ‬
‫رافض للحداثة‪ .‬وبطبي َعة‬ ‫أن اإلسال َم‪ ،‬كونه ديناً‪ ،‬هو بطبي َع ِته مُقاوم ألنماط التحديث‬
‫باالستثناء اإلسال ِم ّي‪ ،‬أي ّ‬
‫ْ‬
‫الحداثة الغربيّة في الحكم على أيّة‬
‫ُض َمرة‪ ،‬وهي ِمعياريّة َ‬ ‫االستثناء هاته على فرضيّة م ْ‬ ‫الحال ت ْنطوي نظريّة ْ‬
‫لسوسيولوجيا اإلسالم تفكيك المركزيّة الغربيّة‪ ،‬وتقديم‬ ‫األساسيّة ُ‬
‫ِ‬ ‫تجربة مختلفة‪ .‬ومن هنا ّ‬
‫فإن من األدوار‬
‫الخاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫دراسة علميّة َت َف ُّه ِميّة تحاول فهم وتفسير التجربة اإلسالميّة في سياقاتها التاريخيّة واالجتماعيّة‬
‫مؤهال وقادراً على «التشكيك فيما ي ُْف ُ‬
‫ترض أنّه‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ولعل عل َم االجتماع من بين فروع العلوم اإلنسانيّة َمن كان‬
‫لتعريف الحداث ِة وإدارتها»‪.19‬‬
‫ِ‬ ‫غربي‬
‫ٌّ‬ ‫احتكارٌ‬

‫رابعاً‪ :‬وائل حلاّ ق؛ من نقد االسترشاق إىل سوسيولوجيا الرشيعة‬


‫ضوء‬
‫ْ‬ ‫اإلسالمي‪ ،‬على‬ ‫المشروع الفكري لـ «وائل حلاّ ق» على إعادة قراءة ّ‬
‫الشريعة والفقه ْ‬ ‫ُ‬ ‫يقو ُم‬
‫ُ‬
‫ويمكن أن‬ ‫ُمارسة االجتماعيّة والتط ُّورات التاريخيّة التي عرفها اإلسال ُم في مُخ َتلف تعيناته التاريخيّة‪.‬‬
‫الم َ‬
‫اإلسالم بكفاءة واق ِتدَار‪.‬‬
‫قرأت ُسوسيولوجيا ْ‬ ‫ْ‬ ‫مشروع ُه واح ٌد من أرقى النماذج التي‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫األحداث؛ وأعلن ّ‬ ‫أس َ‬
‫تبق‬ ‫ْ‬
‫أن مشروعه يقف في مواجهة األصنام الثالثة المشار إليها سابقاً‪ :‬صنم ْ‬
‫االستشراق‪ ،‬وصنم علم االجتماع‬ ‫كما ّ‬
‫التقليديّ ‪ ،‬وصنم المركزيّة ال َغربيّة‪.‬‬

‫يمكن ْ‬
‫غل ُق باب االجْ تهاد إلاّ بإيقاف الديناميّة االجتماعيّة‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬ال‬

‫الس ْب ِعينات من القرن العشرين كان «وائل حلاّ ق» في جامعة كولومبيا بالواليات المُتّحدة‬ ‫في نهاية ّ‬
‫بحثي جديد‪ ،‬في ِخض ّم هَ يْمنة مُطلقة لألطر ال َمعْرفيّة ال ُم ْغلقة التي كرّ َسها‬
‫ّ‬ ‫األمريكيّة‪ ،‬يبحث له عن طريق‬
‫أسيرة األحكام‬ ‫ْ‬
‫كانت ِ‬ ‫الشريعة‪ ،‬فقد‬ ‫خاصة فيما يت َعلّ ُق بالعُلوم ْ‬
‫اإلسال ِميّة وعلى رأسها ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫تشراق التّقليديُّ ‪،‬‬‫االس‬
‫ْ‬
‫وكاهنُهم األكبر «جوزيف شاخت»‪ .‬و ِمن هَ ذه األحكام‬
‫ِ‬ ‫درها في َح ّقها علما ُء ْ‬
‫االستشراق‪،‬‬ ‫أص َ‬ ‫الصارمة التي ْ‬ ‫ّ‬

‫‪ 19‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.17 :‬‬

‫‪9‬‬
‫الش َ‬
‫ريعة جا ِمد ٌة ومُتحجّ ر ٌة‪،‬‬ ‫أن ّ‬ ‫ْ‬
‫«شاخت»‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫كتاب‬ ‫الكتابات الغربيّة‪ ،‬ومنها‬
‫ِ‬ ‫كانت مُتغل ِغ ً‬
‫لة في‬ ‫ْ‬ ‫والم َ‬
‫ُعتقدات «التي‬
‫«انسدَاد باب االجتهاد»»‪.20‬‬
‫ْ‬ ‫مر ّد ذلك إلى ظاهرة عُ بّر عنها بع َبارة‬ ‫ّ‬
‫وأن َ‬

‫ً‬
‫كفيلة ب َن ْسف‬ ‫تسا ُؤالت َع ِم ً‬
‫يقة‬ ‫فطرح َ‬
‫َ‬ ‫والخطيرة‪،‬‬‫َ‬ ‫مئن «وائل َحلاّ ق» إلى هَ ذه ال ّدعْ وى ال َعريضة‬ ‫يط ّ‬ ‫لم ْ‬

‫باب االجتها ِد قد ا ْن َس ّد‪ ،‬فكيف نجحَ ال ُم ْسلِمون إذن في ال َعيْش‬


‫«إن كانَ ُ‬ ‫اسها‪ْ :‬‬ ‫هذه ال ِفكرة ال َف ِطيرة من َ‬
‫أس ِ‬
‫باب االجتهاد‬‫قرون كثير ٍة جداً‪ ،‬بعد حُ ُدوث ذلك اال ْن ِسدا ِد ال َمزعُ وم؟ وإن كان ُ‬
‫ٍ‬ ‫الشريع ِة طوال‬‫ظل حُ ْكم ّ‬ ‫في ِّ‬
‫ِ‬
‫نجح‬
‫ؤال‪ :‬كيف َ‬ ‫إن ُس َ‬ ‫الف َقهاء واألصوليّون ذلك االنسداد؟»‪ّ .21‬‬ ‫انس ّد‪ ،‬فلِ َم ا ْن َس ّد؟ و َم ْن َس ّدهُ؟ وكيف َس ّوغ ُ‬
‫قد َ‬
‫اإلسالم‪،‬‬
‫وسيُولوجيا ْ‬ ‫يضعُنا في ْقلب ُس ْ‬
‫الشريعة طوال قرون كثيرة جداً‪َ ،‬‬ ‫الم ُْسلِمون إذن في ال َعيْش في ّ‬
‫ظل حُ ْكم ّ‬
‫الش ُ‬
‫ريعة تاريخيّاً‪،‬‬ ‫مار ْستها ّ‬
‫الشريعة‪ .‬أي البحث في الوظائف واأل ْد َوار االجتماعيّة التي َ‬ ‫وتحْ ديداً سوسيُولوجيا ّ‬
‫الشري َع ُة لِمواجهة االنعطافات الكبرى‪ ،‬واألز َمات ال َعظي َمة التي عرفتها‬
‫أخص‪ :‬اآلليّات التي اعت َمد َْتها ّ‬
‫ّ‬ ‫وبصفة‬
‫اإلسالميّة في األز ِم َنة َ‬
‫الحديثة‪.‬‬ ‫عوب ْ‬ ‫ُّ‬
‫الش ُ‬

‫‪ّ -‬‬
‫الشريع ِة ُتش ّكل الوَ ْضع البَشري في اإلسالم‬

‫وسيُولوجيا اإلسالم»‬
‫«س ْ‬
‫وضوعي للحديث عن ُ‬
‫ّ‬ ‫وسيُولوجيا ّ‬
‫الشريعة» هو المُعا ِدل ال َم‬ ‫«س ْ‬ ‫َ‬
‫الحديث عن ُ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫التص ُّوف أو‬
‫المي مثل َ‬ ‫ريعة ليست فرعاً من فروع الفكر ْ‬
‫اإلس ّ‬ ‫فالش ُ‬
‫في ال َمشرُ وع الفكري لـ «وائل حلاّ ق»‪ّ .‬‬
‫ضع‬ ‫جميع مظاهر ال َو ْ‬ ‫َ‬ ‫وجوهرُ ه ولبابُه‪ ،‬إذ تُ ّ‬
‫غطي‬ ‫وع َما ُده‪َ ،‬‬‫اإلسالم ِ‬
‫ْ‬ ‫ال َف ْلس َفة أو علم الكالم‪ ،‬بل هي ِقوا ُم‬
‫شامل ي ّ‬
‫ُنظم الحيا َة الفردي َّة‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫وقانون‬ ‫اإلسالميّة‪،‬‬
‫ْ‬ ‫اإلنساني بالنّ ْس َبة إلى ال َفرْ د الم ُْسلِم‪ ،‬فهي ٌ‬
‫نمط عا ٌّم للحياة‬ ‫ّ‬
‫لت في‬ ‫مث ْ‬ ‫َ‬
‫الشريعة قد ّ‬ ‫ظاهره وتلوينا ِته‪ّ :‬‬
‫«إن‬ ‫االجتماعي ّ‬
‫بكل َم‬ ‫ّ‬ ‫غلغل في النّ ِسيج‬‫والجماعيّة للم ُْسلِ ِمين‪ ،‬فهي ت َت ُ‬
‫ِ‬
‫ترق البنية‬ ‫يخ ُ‬‫األصل ُمر ّكباً معقداً من العالقات االجتماعيّة‪ ،‬واالقتصاديّة‪ ،‬والثقافيّة‪ ،‬واألخالقيّة‪ُ .‬مر ّكباً ْ‬
‫تص ُ‬
‫طبغ‬ ‫ياسي»‪ .22‬هذا الوضعُ هو الذي جعل الحضار َة ْ‬
‫اإلسالميّة ْ‬ ‫ّ‬ ‫والس‬
‫ّ‬ ‫االجتماعي‬
‫ّ‬ ‫اإلبست ُمولوجيّة ّ‬
‫للنظا َميْن‬
‫ربي‪« :‬إذا جاز لنا أن نُ َسمّي َ‬
‫الحضار َة ْ‬
‫اإلسالميّة بإحدى‬ ‫ّ‬
‫بحق ناق ُد ال َعقل ال َع ّ‬ ‫بالصبْغة ال ِفقهيّة‪ ،‬وكما َسجّ َل‬
‫ّ‬
‫منتجاتها؛ فإنّه سيكون علينا أن نقول عنها‪ :‬إنّها حضارة فقه»‪.23‬‬

‫األلماني الكبيرُ «جوزيف شاخت» قد تنبّ َه إلى مركزيّة الشريعة وال ِف ْقه بال ِق َياس إلى‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫تشرق‬ ‫وكان الم ُْس‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأه ّم أن ُموذج تتجلّى‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫خالصة ال ِفكر‬ ‫المي هو‬ ‫«إن ال ِف ْق َه ْ‬
‫اإلس ّ‬ ‫ُ‬
‫يقول‪ّ :‬‬ ‫فكتب‬
‫َ‬ ‫المي ككل‪،‬‬ ‫ال ّدين ْ‬
‫اإلس ّ‬

‫‪ 20‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬الشريعة‪ :‬النظريّة والممارسة والتح ّوالت»‪ ،‬ترجمه وقدّم له‪ :‬كيان أحمد حازم يحيى‪ ،‬دار المدار اإلسالمي‪ ،‬ط‪2018 ،1‬‬
‫ص‪.12 :‬‬
‫‪ 21‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.13 :‬‬
‫‪ 22‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬ما هي الشريعة»‪ ،‬ترجمة‪ :‬طاهرة عامر وطارق عثمان‪ ،‬مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬ط‪ ،2016 ،1‬ص‪.28 :‬‬
‫‪ 23‬ـ محمّد عابد الجابري‪« ،‬تكوين العقل العربي»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربيّة‪ ،‬ط ‪ ،2011 ،11‬ص‪.96 :‬‬

‫‪10‬‬
‫ْق حيا َة‬
‫اإلسالمي ِب ُعم ٍ‬
‫ّ‬ ‫اإلسالم ولبُّه‪ ...‬فقد طب َع ْت آرا ُء ال ِف ْق ِه‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫طريق حياة ال ُم ْسلِمين‪ ،‬وهو َج ْوهرُ‬ ‫من خاللِه‬
‫ناهج التّعليم ال َعربيّة واإلسالميّة‪َ ،‬وغدا من الم ُْس ِ‬
‫تحيل ف ْه ُم اإلسالم دون‬ ‫بي‪ ،‬و َم َ‬
‫َب ال َع َر ّ‬
‫الم ُْسلمين كلها‪ ،‬واألد َ‬
‫فهم الفقه اإلسالمي»‪.24‬‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫«ويمكن‬ ‫للشريعة‪ ،‬ث ّم يكتُ ُب قا ِئ ً‬
‫ال‪:‬‬ ‫شاخت» في هذه ال َهيْمنة ّ‬
‫مع ما يُقرّ رُ ه «جُ وزيف ْ‬ ‫فق «وائل حلاّ ق» َ‬
‫َيتّ ُ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ ّ‬
‫اإلضافة أن القانونَ ‪ /‬الفقه ال يُ َعرّ ف فقط طريقة حيا ِة الم ُْسلم‪ ،‬ولكن يُ َعرّ ف أيضا ثقافة عم ِ‬
‫ُوم الم ُْسل ِمين‬
‫فاصيل‪،‬‬‫كل ال ّت ِ‬‫طريقة حياة ال ُم ْسلم حرفيّاً وأدا َرها في ّ‬‫َ‬ ‫اإلسالمي حك َم‬
‫ُّ‬ ‫عشر قرناً‪ .‬فالفق ُه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أربعة‬ ‫ونفسيّاتهم منذ‬
‫الج ْنسيّة إلى‬
‫الصيْد إلى آداب األكل‪ ،‬و ِمن العَالقات ِ‬ ‫السياسيّة حتى َبيْع العَقار‪ ،‬ومن ّ‬ ‫بدءاً من الحُ كو َمة ّ‬
‫باخ ِتصار إنّ ُه يُقرّ رُ كيف َي َر ْونَ ُ‬
‫أنف َسهُم والعال َم ِمن حولهم»‪.25‬‬ ‫الصلوات‪ْ ...‬‬
‫ال ِعبادة وأداء ّ‬

‫وإساء َة قراء ِتها‬


‫الشريع ِة َ‬ ‫ِمن هذا المُنطلق يُدرك «وائل حلاّ ق» بعُمق وفطانة بال َغيْن كيف ّ‬
‫أن تشوي َه ّ‬
‫انتقلت ع َملي ُّة‬
‫ْ‬ ‫ً‬
‫فعال‪ ،‬فقد‬ ‫َ‬
‫حدث‬ ‫والضرورة ْ‬
‫تشوي َه اإلسالم‪ ،‬وهو ما‬ ‫ّ‬ ‫تشراقي يعني باللزوم‬
‫ّ‬ ‫االس‬
‫في الخطاب ْ‬
‫وض َع المرأة‪ ...‬إلخ من خطاب‬‫تخص الحُ دو َد أو ْ‬
‫ُّ‬ ‫اإلسالم واختزالِ ِه في أحكام فقهيّة مُح ّددة؛‬ ‫ُهاجم ِة‬
‫م َ‬
‫ِ‬
‫اإلعالم وق َنوات ِ‬
‫الحوار‪ ،‬ممّا كان له أخطر اآلثار على‬ ‫ِ‬ ‫ائل‬
‫وس ِ‬‫األكاديمي المُغلّف بال ِعلميّة إلى َ‬
‫ّ‬ ‫االستشراق‬ ‫ْ‬
‫عالقة الم ُْسل ِمين بالغرب‪.‬‬

‫‪ -‬اجتماعيّة الشريعَة وتجريديّة القانون‬

‫يتح ّد ُث «وائل حلاّ ق» في دراسة عميقة بعنوان‪« :‬ما هي الشريعة؟»‪ 26‬عن م ُْشكلة التّمْثيل اللّ َساني‪ ،‬أو‬
‫صى‬ ‫تقنين اللغة‪« .‬فلكي تتح ّو َل الكل َم ُة إلى مفهوم؛ عليها أن تُ َو ّف َق بين ما ال يُحْ َ‬
‫ُ‬ ‫طلح عليه «نيتشه»‪:‬‬
‫اص َ‬‫ما ْ‬
‫ُ‬
‫التقنين اللغويُّ‬ ‫ُتطابقة»‪ .27‬هذا‬ ‫ٌ‬ ‫الحاالت التي قد تتشاب ُه بقدر أو بآخر َب ْي َنها‪ ،‬ولكنّها قطعاً‬
‫غير م ِ‬
‫حاالت َ‬ ‫من َ‬
‫ُضاعف‪،‬‬‫بش ْكل م َ‬ ‫ضع َ‬ ‫«تق ِنيناً للحقيقة»‪ .‬وبالنّ ْسبة إلى مفهُوم ّ‬
‫الشريعة يُعاني من هذا ال َو ْ‬ ‫يرْ قى إلى أن يكونَ ْ‬
‫ِ‬
‫ألن‪« :‬لُ َغ َتنا ال تُ ْس ِع ُفنا في‬
‫للشريعة اإلسالميّة ولتاريخها‪ ،‬ذلك ّ‬ ‫اسع ّ‬ ‫الش ِ‬ ‫نقف ِش ْب َه عاجزين أمام هذا االمتدا ِد ّ‬
‫إنّنا ُ‬
‫ص َح عن ْنف ِسه َمفاهيميّاً‪ ،‬وإبستمولوجيّاً‪ ،‬وأخالقيّاً‪ ،‬واجتماعيّاً‪،‬‬ ‫صف لهذا التاريخ‪ ،‬الذي ْأف َ‬ ‫اعينا إلخراج َو ْ‬‫مس ِ‬
‫َ‬

‫‪ - 24‬جوزيف شاخت‪« ،‬مدخل إلى الفقه اإلسالمي»‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬حمادي ذويب‪ ،‬مراجعة‪ :‬عبد المجيد الشرفي‪ ،‬دار المدار اإلسالمي‪ ،‬ط‪،2018 ،1‬‬
‫ص‪.11 :‬‬
‫‪ 25‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬غضبة مسلم والقانون اإلسالمي»‪ ،‬مقال ضمن كتاب «دراسات في الفقه اإلسالمي‪ :‬وائل حّ الق ومجادلوه = وائل حلاّ ق وديفيد‬
‫باورز»‪ ،‬ترجمة وتنسيق‪ :‬أبو بكر باقادر‪ ،‬مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬ط ‪ 2016 ،1‬ص‪.27 :‬‬
‫‪ 26‬ـ الدراسة نشرها «وائل حلاّ ق« في الواليات المتحدة األمريكيّة ضمن «حوليّة القانون اإلسالمي والشرق أوسطي» المجلد ‪ 12‬العدد ‪ 1‬سنة ‪،2005‬‬
‫وقد ترجمها كلٌّ من‪ :‬طاهرة عامر‪ ،‬وطارق عثمان‪ ،‬ونشراها بالعنوان نفسه في كتاب مستقل في حوالي ‪ 100‬صفحة‪ ،‬صدر عن دار نماء للبحوث‬
‫والدراسات‪ ،‬ط ‪.2016 /1‬‬
‫‪ 27‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬ما هي الشريعة»‪( ،‬م س)‪ ،‬ص‪.14 :‬‬

‫‪11‬‬
‫تختلف كلي ًّة عن تلك الثقافات الماديّة والمثاليّة التي َ‬
‫أنتجت الحداثة‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ووسائل‬ ‫ُؤسساتيّاً‪ ،‬عبر ُطرق‬
‫وثقافيّاً‪ ،‬وم ّ‬
‫و َمعْرفتها اللسانيّة ال َغربيّة»‪.28‬‬

‫توج ُد‬
‫داثي‪ ،‬إذ ال َ‬ ‫الح ّ‬ ‫للشريعة في ال ِفكر َ‬ ‫الوضعُ اللُّغويّ القلق انعكس على وضع المُقابل اللغويّ ّ‬
‫ْ‬ ‫هذا‬
‫ص ِفها قانوناً‪ ،‬وكل َم ُة‬‫للشري َعة يتعا َم ُل معها ب َو ْ‬
‫الحداثي ّ‬
‫ُّ‬ ‫فالتص ُّور‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الداللة‪.‬‬ ‫كلمة تعا ِد ُل مفهو َم ّ‬
‫الشريعة من ُ‬
‫حيث‬ ‫ٌ‬

‫الشريعَة‪ .‬ومن ث ّم‬ ‫تتوافق على ْ‬


‫اإلطالق مع داللة ّ‬ ‫ُ‬ ‫َان وأحكام ال‬ ‫تش ُ‬
‫«قانون» ب َمدلولها الحداثي ْ‬
‫تمل على مع ٍ‬
‫قبضة اإلبستمولوجيا‬ ‫كانت «مُهم ُّة َحلاّ ق األساسيّة في هذه الدراسة تتمثّ ُل في تحرير مفهُوم ّ‬
‫الشريعة من َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬
‫الحديث»‪.29‬‬
‫ُوم القانون َ‬ ‫ّ‬
‫ُوم الشريع ِة ومفه ِ‬
‫عازل بين مفه ِ‬
‫ٍ‬ ‫جدار‬
‫ٍ‬ ‫االستشراقيّة‪ ،‬بإقا َم ِة‬
‫ْ‬

‫الخطاب االستشراقي في قرا َءة ّ‬


‫الشريعة‪،‬‬ ‫الحديث لهي أولى آفات ِ‬ ‫إن المُقا َبلة بين ّ‬
‫الشري َعة والقانون َ‬ ‫ّ‬
‫«وج ْ‬
‫دتها‬ ‫َ‬ ‫الشريعة‪:‬‬ ‫قامت أوربّا على مدار قرن أو أكثر بالنّظر في ْ‬
‫شأن ّ‬ ‫ْ‬ ‫بت عليها نتائجُ َخطيرة‪ ،‬فعندما‬‫ترتّ ْ‬
‫دتها عدي َم َة‬
‫وج ْ‬
‫األوربي‪ ،‬وإنّما َ‬
‫ّ‬ ‫اهي أيّة نُ ْسخ ٍة من القانون‬‫ض ِ‬ ‫ّبة لآلمال‪ ،‬ومُحْ ً‬
‫بطة تماماً‪ ،‬إذ لم َت ِج ْدها تُ َ‬ ‫مُخي ً‬

‫الفاعليّة‪ ،‬وعدي َم َة الكفاءة‪ ،‬بل ومُفتقر ًة لألهليّة أساساً»‪ .30‬ومن ث ّم كان ال ّد ْورُ ال ِمحْ وريّ لـ«وائل حلاّ ق» هو‬
‫ف تحديداً عن كفا َءة ّ‬
‫الشريعة وفاعليّ ِتها االجتماعيّة وقدر ِتها الهائلة على ّ‬
‫الضبْط‪.‬‬ ‫ْ‬
‫الكش ُ‬

‫‪ -‬أخالقيّة الشريعَة ودهرانيّة القوانين‬

‫تاريخها لم تعرف‬‫ِ‬ ‫الش ُ‬


‫ريعة طوال‬ ‫الحديث‪ ،‬بينما ّ‬ ‫القي ِس َم َة القانون َ‬ ‫ْ‬
‫واألخ ّ‬ ‫القانوني‬
‫ّ‬ ‫الفص ُل بين‬
‫ْ‬ ‫يُ َع ُّد‬
‫الدراسات ال َغربيّة‬
‫َ‬ ‫إن عد َم التّمْييز هذا يتح ّول في‬
‫واألخالقي‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫القانوني‬
‫ّ‬ ‫الفص َل مُطلقاً‪ ،‬فهي ال تُ َمي ُّز بين‬‫هذا ْ‬
‫«و ْفقاً لِمُنطلقا ِتنا البرادايميّة وال ِمعْياريّة‪ ،‬يت ُّم اعتبارُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫الحداثيّة إلى إدانة صريحة في حق أيّ قانون نتح ّدث عنه‪ِ :‬‬ ‫َ‬
‫يجب أن تكونَ عليه جميعُ القوانين»‪.31‬‬ ‫ُ‬ ‫ريعي‪ ،‬الذي‬ ‫ّ‬ ‫ذلك القانون شيئاً مُنا ِقضاً لما َنعْتبرُ ُه َمثلَنا األعلى التّ ْش‬

‫طة ضعف خطيرة‪،‬‬ ‫أن ما يَعتبرُ ُه هذا التّحْ ليل نُ ْق َ‬ ‫ُؤكداً ّ‬


‫يُ َوجّ ُه «حلاّ ق» نقداً قويّاً لهذا التّحْ ليل ال ِمعْياريّ ‪ ،‬م ّ‬
‫والقانوني كان‬
‫ّ‬ ‫األخالقي‬
‫ّ‬ ‫الشري َعة ال َمزعُ وم في التّمْييز بين‬ ‫فشل ّ‬‫«إن َ‬ ‫َيعْتبرُ ها هو ِب َم ْنهج ِه نقطة ق ّوة َجديرة‪ّ :‬‬
‫اعي‪ ،‬و ُمتغلغلة‬
‫بأساليب حُ كميّة ذات ُمرتكز ج َم ّ‬ ‫َ‬ ‫الشريعة‪ ،‬وزوّ َدها‬ ‫أ ْدنى أ ْدواره ّأنه قد ع ّزز من كفاءة ّ‬
‫ِ‬
‫صياع‬‫الفت من اال ْن ِ‬
‫ٍ‬ ‫لضرْ ٍب‬ ‫ً‬
‫أهال َ‬ ‫الش َ‬
‫ريعة‬ ‫جعلت ّ‬
‫ِ‬ ‫أساليب قد‬
‫َ‬ ‫في المجتمع‪ ،‬و ُم ّت ِجهة من قاعدته إلى ِق ّم ِته‪،‬‬
‫أنتج ْت ُه أوربّا»‪.32‬‬
‫إمبريالي َ‬
‫ّ‬ ‫قانون‬ ‫كنيس ٍة أو أيّ‬
‫َ‬ ‫أقل إكراهاً من أيّة‬ ‫ّ‬
‫الطوعي‪ ،‬ومن ث ّم َج َع ْلتها ّ‬
‫ٍ‬
‫‪ 28‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.14 :‬‬
‫‪ 29‬ـ طارق عثمان‪ ،‬مقدّمة ترجمته لكتاب وائل حلاّ ق «ما هي الشريعة؟»‪ ،‬مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬ط ‪ ،2016 ،1‬ص‪.8 :‬‬
‫‪ 30‬ـ وائل حالق‪« ،‬ما هي الشريعة»‪ ،‬ص‪15 :‬‬
‫‪ 31‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.16 :‬‬
‫‪ 32‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪17 :‬‬

‫‪12‬‬
‫الحديثة للقانون‪،‬‬ ‫راسات َ‬ ‫تجاهلُه ْ‬
‫بإصرار في ال ّد َ‬ ‫ُ‬ ‫القي في فلسفة التّ ْشريع هو ما َيت ُّم‬ ‫الجانب ْ‬
‫األخ ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫إن‬
‫ص َياع‬ ‫والحق في احتكار ال ِعقاب‪ ،‬أمّا ّ‬
‫الشريعة فتقو ُم على الحُ رّ يّة واال ْن ِ‬ ‫ّ‬ ‫فالقانون يقو ُم على اإلكراه‪ّ ،‬‬
‫والزجْ ر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫«إن قانونَ ال ّد ْولة‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫األخالقي‪:‬‬ ‫اعي‪ ،‬انطالقاً من َمبدأ الواجب‬ ‫الضبْط االجت َم ّ‬ ‫ّ‬
‫الط ْوعي‪ ،‬وال ُمشار َكة في ّ‬
‫ماط التّ ْشريع في ْ‬
‫اإلسالم لعامل الواجب‬ ‫بمبدأي المُراق َبة وال ِعقاب‪ ،‬لذا فهو َي ْفت ِقرُ م َ‬
‫ُقارنة بأ ْن ِ‬ ‫ْ‬ ‫الحديثة َمحكو ٌم‬
‫َ‬
‫اسم»‪.33‬‬
‫الح ِ‬
‫األخالقي َ‬
‫ّ‬

‫س االجتماعيّة واألخالقيّة ّ‬
‫للشريعة‬ ‫األس ُ‬
‫‪ُ -‬‬

‫ُ‬
‫تنهض‬ ‫س االجتماعيّة واألخالقيّة التي‬ ‫الشريعة‪ُ ،‬م َبيّناً ُ‬
‫األس َ‬ ‫وسيُولوجيا ّ‬ ‫تحليال مُعمّقاً في ُس ْ‬
‫ً‬ ‫يُق ّد ُم «حلاّ ق»‬
‫تي مُد ّونة‬ ‫قواع َد شكليّة بين ّ‬
‫دف ْ‬ ‫ِ‬ ‫ال في‬ ‫ص ِفها قانوناً َحديثاً م ُْخ َ‬
‫تز ً‬ ‫مارسة َخطابيّة‪ ،34‬ال ِب َو ْ‬‫َ‬ ‫عليها‪ِ ،‬بوَ ْص ِفها ُم‬
‫ُ‬
‫تمثل فقط الفرْ َق‬ ‫ريعة بمثابة َمنظومة حياتيّة وثقافيّة‪ ،‬ت ّم اختزالُها في مُد ّونة ال‬ ‫الش ُ‬ ‫قانونيّة‪« :‬فبعدما كانت ّ‬
‫نصاً‬ ‫نفسها بوصفها ّ‬ ‫الصورة المُقنّنة‪ ،‬وإنّما هي أيضاً ُت ْق ِح ُم َ‬ ‫ضويّة وهذه ُّ‬ ‫صور ِتها ما َ‬
‫قبل الحديث ِة كبنية عُ ْ‬ ‫بين ُ‬
‫قانونيّاً في ِسياسات لم َت ْخبُرْ ها أبداً ُّ‬
‫الصورة ما َ‬
‫قبل الحديثة»‪.35‬‬

‫الحركة االجتماعيّة‬
‫القلب من َ‬‫الش ْكلي الجامد‪ ،‬بل هي تقعُ في ْ‬
‫الشري َعة أبعد ما تكون عن القانُون ّ‬
‫إن ّ‬‫ّ‬
‫ْ‬
‫«مثلت‬ ‫يمكن تحْ ُ‬
‫ليل أيّ ظاهرة من الظواهر االجتماعيّة بعيداً عن الشريعة‪ ،‬إذ‬ ‫ُ‬ ‫في المُجتمعات المسلمة‪ ،‬فال‬
‫يخترق الب ْن َ‬
‫ية‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُعقداً من العالقات االجتماعيّة‪ ،‬واالقتصاديّة‪ ،‬والثقافيّة‪ ،‬واألخالقيّة‪،‬‬
‫ُركباً م ّ‬‫في األصل م ّ‬
‫ْ‬
‫وتفاعلت فيما‬ ‫ْ‬
‫تقاطعت فيها هذه العالقات‪،‬‬ ‫مارس ًة خطابيّة‬
‫َ‬ ‫ياسي‪ُ ،‬م‬
‫والس ِ‬
‫االجتماعي ّ‬
‫ّ‬ ‫اإلبستمولوجيّة للنّظا َميْن‬
‫ص َر لها»‪.36‬‬ ‫بينها ُ‬
‫بطرق ال َح ْ‬

‫س االجتماعيّة‬ ‫يمكن أن نُ َح ّد َد ُ‬
‫األس َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الموضوع‪،‬‬ ‫استقراء مُجْ َمل ما كت َب ُه «وا ِئل حلاّ ق» في هذا‬
‫من خالل ْ‬
‫للشريعة‪ ،‬من خالل العناوين اآلتية‪ ،‬وغالباً ما يقاربُها «حلاّ ق» انطالقاً من عمليّ ِة مُقارنة علنيّة‬ ‫واألخالقيّة ّ‬
‫أو م ْ‬
‫ُض َمرة بالقانون الحديث‪.‬‬

‫عارف ديموقراطيّة‬ ‫ْ‬ ‫بكو ِنها ض ّد النخبويّة‪ ،‬بل‬ ‫ْتاز ّ‬


‫النخبويّة‪ :‬تم ُ‬ ‫* ّ‬
‫الشريعَة ض ّد ّ‬
‫كانت أكثر ال َم ِ‬ ‫الشري َعة ْ‬
‫أتت ْ‬
‫تخ ِد َم ُه في ال َمقام‬ ‫االجتماعي‪ ،‬الذي ْ‬
‫ّ‬ ‫وترعرع ْت في قلب النّظام‬
‫َ‬ ‫في الثقافة اإلسالميّة‪ ،‬فهي قد نب َع ْت‬

‫‪ 33‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.18 :‬‬


‫‪ 34‬ـ مفهوم مركزي عند «ميشيل فوكو»‪ ،‬يُعرّ ف ُه بكونه مجموعة من القواعد الموضوعيّة والتاريخيّة المعينة والمحدّدة دوماً في الزمان والمكان‪ ،‬وفي‬
‫نطاق اجتماعي واقتصادي وجغرافي معيّن‪ ،‬وتحدّد إنتاج هذا الخطاب‪.‬‬
‫‪ 35‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬ما هي الشريعة»‪ ،‬ص‪.27 :‬‬
‫‪ 36‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.28 :‬‬

‫‪13‬‬
‫شي َء ِم ْنها تقريباً كانَ نُ ْخبويّاً»‪ .37‬فقد كانَ علما ُء‬
‫كانت نُ ْخبويّة‪ ،‬وال ْ‬
‫ْ‬ ‫وصي التّ ْقني‬
‫ّ‬ ‫تجلّيها ال ُّن ُ‬
‫ص‬ ‫األ ّول‪« :‬فقط في َ‬
‫أقدر فهْماً‬
‫الشريعة قاد ِمين من م ُْختلف طبقات المجتمع‪ ،‬بل غالباً ما مثلوا أكثر فئا ِت ِه هامشيّة‪ ،‬ومن ث ّم كانوا َ‬ ‫ّ‬
‫االجتماعي‪.38‬‬
‫ّ‬ ‫صاتاً للنّبْض‬
‫وإ ْن َ‬

‫الشرعيّة ضمن الفضاءات العُموميّة‬ ‫الشريعة يُمارسون وظي َف َتهُم ّ‬‫* الشريع َُة والفضاءُ العام‪ :‬كان علما ُء ّ‬
‫اجد‪ ،‬أو‬ ‫كانت ت ْنعق ُد في َساحات َ‬
‫ْ‬ ‫لس القاضي‪ ،‬كما هي َح ُ‬ ‫ّ‬
‫المس ِ‬ ‫لس المُفتي‪ ،‬كلها‬ ‫لقة العالِم‪ ،‬و َمجْ ُ‬ ‫والشعْبيّة‪ ،‬ف َمجْ ُ‬
‫االجتماعي كلّه بدرجة‬
‫ّ‬ ‫كانت ُم ْنتشر ًة في نطاق النّظام‬
‫ْ‬ ‫الشرعي ُّة‬ ‫خاصة‪« :‬فال َمع ُ‬
‫ْرفة ّ‬ ‫ّ‬ ‫األسواق‪ ،‬أو في بُيوت‬ ‫في ْ‬
‫االجتماعي وبين عُ لماء‬
‫ّ‬ ‫ضرْ باً من المُشاركة والتّفاعليّة بين ألوان ّ‬
‫الطيْف‬ ‫ُب ال َمزي ُد عليها»‪ .39‬ممّا يُ ْن ِتجُ َ‬
‫يصع ُ‬‫ْ‬
‫أقرب إلى د َْور المُجْ تمع ال َمدني الحديث منه إلى د َْور ال ّدولة‪.‬‬
‫َ‬ ‫الشريعة‪ ،‬الذين يبدو د َْورُ ُهم‬

‫تكن هناك ُه ّوة بين ال َمحْ ك َمة كم ّ‬


‫ُؤس ّسة قانونيّة وبين‬ ‫* ّ‬
‫الشريعَة وديموقراطيّة ال َمعْرفة القانونيّة‪ :‬لم ْ‬
‫ُتقاضين ُ‬
‫أنف ِسهم‪« :‬ف َعلى النّقيض‬ ‫الشريعة فقط‪ ،‬بل إلى الم ِ‬ ‫ُ‬
‫والفضل في ذلك ال يعو ُد إلى عُ ل َماء ّ‬ ‫ُتقاضين‪،‬‬
‫الم ِ‬
‫القانوني‪ ،‬كان المُجْ تمعُ الم ُْسل ُم التقليديُّ‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫الحديث‪ ،‬حيث األفرا ُد بطرُ ٍق شتّى في َمبْعد ٍة عن َ‬
‫المج ِ‬ ‫من المُجْ ت َمع َ‬
‫غمسة‬‫كمة بد َْورها ُم ْن َ‬ ‫كانت ال َمحْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ُم ْنغ ِمساً في منظوم ِة ال ِق َيم التشريعيّة القانونيّة التي أرْ َس ْتها ّ‬
‫الشري َعة بق ْد ِر ما‬
‫بالشريعة‪ ،‬بالق ْدر‬ ‫إن عُ مُو َم الم ُْسلمينَ كان لديهم الح ّد األ ْدنى من ال َمعْرفة ّ‬ ‫األخالقي للمُجْ تمع»‪ّ .40‬‬
‫ّ‬ ‫الفضاء‬‫في َ‬
‫ُواطن الحديث الذي يقعُ ضحي َّة َجهْل ِه التا ّم بالقانون‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫استجا َب ِتهم الطوعيّة ألحكامها‪ .‬عكس الم‬ ‫الذي ي َُح ّد ُد مدَى ْ‬
‫ضة للخداع‬ ‫وتخصصات ال ْيفق ُه في آليّات عملها شيئاً‪ ،‬ممّا يجعل ُه عُ رْ ً‬ ‫مؤسسات‬ ‫يج ُد ْنف َس ُه تائهاً بين‬
‫ُّ‬ ‫ّ‬ ‫حين ِ‬
‫والتدليس‪.41‬‬

‫خارج‬
‫َ‬ ‫حاس َمة‪،‬‬
‫حطات تاريخيّة ِ‬ ‫اإلسالميّة في َم ّ‬ ‫َ‬
‫عاش الكثيرُ ِمنَ المُجْ تم َعات ْ‬ ‫* ال ّت ْنظي ُم الذاتي ّ‬
‫للشريعة‪:‬‬
‫الشري َع ُة ذاتُها‪ ،‬يقول‬
‫غياب ال ّد ْول ِة هو ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫البديل الذي َع ّو َ‬
‫ض‬ ‫الذاتي‪ ،‬وكان‬ ‫مظلّة ال ّد ْولة‪ ،‬في َ‬
‫ضرْ ب من الحُ ْكم ّ‬

‫الشريعة الثقافيّة والتشريعيّة القانونيّة‪ ،‬ل ُه َو مُجْ تم ٌع‬ ‫الق‪« :‬إنّ ُه لَ ِمنَ الم َُسلّمات تقريباً ّ‬
‫أن مُجْ ت َمعاً يُ َدارُ ب َمعايير ّ‬ ‫َح ّ‬
‫ّب‬‫ُصع ُ‬ ‫آية على غياب ال ّد ْولة‪ ،‬وهو األمْرُ الذي ي َ‬ ‫نفس ُه؛ لهو ٌ‬
‫حك َم المجتمعُ َ‬ ‫نفس ُه ذاتيّاً بدرجة كبيرة‪ْ ،‬‬
‫وأن َي ُ‬ ‫يحك ُم َ‬
‫في ز َم ِننا هذا تص ُّور أنّه قد َحدث َي ْوماً ما»‪.42‬‬

‫‪ 37‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.28 :‬‬


‫‪ 38‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬الدولة المستحيلة»‪ ،‬ص‪118 :‬‬
‫‪ 39‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬ما هي الشريعة»‪ ،‬ص‪.31 :‬‬
‫‪ 40‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 41‬ـ وائل حلاّ ق‪ ،‬الدولة المستحيلة‪ ،‬ص ‪.119‬‬
‫‪ 42‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬ما هي الشريعة»‪ ،‬ص‪.42 :‬‬

‫‪14‬‬
‫وصي مع العالم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ص‬ ‫الش ُ‬
‫ريعة ضرباً فريداً من التعامُل ال ُّن ُ‬ ‫الشريع ِة وجُ مو ُد القانون‪ :‬لقد ط ّورت ّ‬ ‫* ُمرونة ّ‬
‫يكون ثمّة رأيان أو ثالثة أو أكثر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫أن الفق َه اإلسالمي فق ٌه تع ُّدديٌّ بشكل كبير‪ ،‬ففي ّ‬
‫كل َم ْسأل ٍة‬ ‫فمن المعلوم جيّداً ّ‬
‫ٍ‬
‫ويقعُ على طيف األحكام الشرعيّة ال ُممْت ّد من اإلباحة إلى التحريم‪« :‬وبالرّ غم من ّ‬
‫كل الجهود المبذولة ل َتحْ ِجيم‬
‫بش ْكل ال ِمرا َء فيه‪ِ ،‬ممّا َي ِشي ْ‬
‫بكون التع ُّدديّة واحدة من صفا ِته األكثر‬ ‫فإن ال ِف ْق َه قد ّ‬
‫ظل ت َع ُّدديّاً َ‬ ‫هذه التع ُّدديّة‪ّ ،‬‬
‫ْ‬
‫قوي بالن ْسب ّي ِة القضائيّة» ‪ .‬وفي تش ٍ‬
‫ريع بهذه المُرونة ال‬ ‫‪43‬‬ ‫س ٍّ ّ‬ ‫كانت هذه التعددي ُّة آية على ِح ٍّ‬ ‫ْ‬ ‫جَ وهريّة‪ ،‬لقد‬
‫ليس ْت بعدال ٍة‪ ،‬ألنّ ُه عندما يتعلّ ُق األمرُ ببشر ُ‬
‫ليسوا‬ ‫دالة م ّ‬
‫ُغطا ُة ال َعيْنين َ‬ ‫مكانَ لسيّد ِة العدال ِة َمعْصوب ِة ال َعيْنين‪ ،‬ف َع ٌ‬

‫معصوبة ال َعيْنين‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫عدالة‬ ‫ال تجاهَ هم ألاّ يتعا َمل معهم ككينونة واحدة‪ّ .‬‬
‫إن‬ ‫يجب على القانون لكي يكونَ عا ِد ً‬ ‫َسواء ُ‬
‫أن هذه‬ ‫ُوثق في شهادة أعْ َمى على واقعة ما»‪ .44‬ويرى «حلاّ ق» ّ‬ ‫كقاض‪ ،‬إلاّ َبق ْدر ما ي ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫يوثق بها‬ ‫ُ‬
‫يمكن أن‬ ‫«ال‬
‫ً‬
‫حديثة أخرى‪ ،‬لِ َدمْج القوانين‬ ‫ً‬
‫وسيلة‬ ‫صف ِه‬
‫«ب َو ْ‬ ‫الموضوعي للتّ ْكويد‬ ‫ُ‬ ‫التع ُّدديّة هي‬
‫القانوني الحديث‪ِ ،‬‬
‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫النقيض‬
‫الخاض ِعين لها بالتّ َبع»‪.45‬‬
‫ِ‬ ‫وصه ِْر أولئك‬ ‫وصهْرها في ُك ّل م َ‬
‫ُتجا ِنس‪ ،‬ومن ث ّم َدم ِْج َ‬ ‫َ‬

‫راسخاً في المُجْ تم َعات الم ُْسلِمة وفي‬


‫«الصلح َسيّ ُد األحكام» كانَ تقليداً ِ‬
‫ُّ‬ ‫الصلحُ َ‬
‫قبل الحُ كم‪ّ :‬‬
‫إن مبدأ‬ ‫* ُّ‬
‫الوساطات والتحكيم د َْوراً رئيساً في‬ ‫َ‬ ‫الح ّل األخير‪ ،‬إذ تل َع ُب‬
‫الشريعة‪ ،‬إذ كان يُ ْن َظرُ إلى المحكمة باعتبارها َ‬
‫ّ‬
‫الجماعات إلى‬ ‫يل َ‬‫ُتماسك بش ّدة‪ ،‬بحيث ت ِم ُ‬
‫الشأن في مجتمع م ِ‬ ‫تسوية النّزاعات‪« :‬وال َغرْ َو أن يكون ذلك هو ّ‬ ‫ْ‬
‫هاب إلى ال َمحاكم»‪ .46‬كما كان القضا ُة بد َْو ِ‬
‫رهم يلعبُونَ د َْو َر‬ ‫قبل أن تُقرّ ر ّ‬
‫الذ َ‬ ‫تصفية خالفا ِتها فيما بينها‪َ ،‬‬
‫ْ‬
‫األو َسع للعالقات بين أطراف‬
‫االجتماعي ْ‬ ‫السياق‬ ‫إصدار األحكام‪ ،‬وكانوا يت َفحّ ُ‬
‫صون ّ‬ ‫والوساطة قبل ْ‬ ‫كيم‬ ‫ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫التحْ ِ‬
‫بغرض‬
‫ِ‬ ‫ال ّدعْ وى‪ ،‬واألهَ ّم من ذلك كانوا «يُحاولون ق ْد َر الم ُْستطاع أن يحُ ولوا دون االنهيار التام للعالقات‪،‬‬
‫ُتنازعة أن تستمرّ في العيش ِب َسالم»‪.47‬‬
‫َ‬ ‫يمكن فيه لألطراف الم‬ ‫ُ‬ ‫اجتماعي‬
‫ّ‬ ‫الحفاظ على واقع‬
‫ِ‬

‫خا ِمساً‪ :‬ت ْكويدُ الشرّ ي َعة والدولة اإلسالم ّية املستحيلة‬
‫أح ُد ْ‬
‫األسئل ِة الم ُِهمّة التي‬ ‫دث حتى غدا ال ِف ْق ُه َيعْني ما لم َي ْع ِنه أبداً من قبل‪ :‬قانوناً؟ هذا َ‬ ‫ما الذي َح َ‬
‫بالحضارة‬
‫صالِها َ‬ ‫نتيجة اتّ َ‬
‫صر الحديث‪َ ،‬‬ ‫عرف ْتها المُجْ تم َعات ْ‬
‫اإلسالميّة في ال َع ْ‬ ‫َ‬ ‫ص ُد التح ُّوالت الكبرى التي‬
‫ترْ ُ‬
‫ياسي واالقتصاديّ‬ ‫الس ّ‬ ‫فرض ْت نم َ‬
‫ُوذجها ّ‬ ‫َ‬ ‫قوعها تحْ َت ال َه ْي َمنة الكولونياليّة‪ ،‬التي‬ ‫ال َغربيّة‪ ،‬وتحديداً َ‬
‫نتيجة ُو ِ‬

‫‪ 43‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.43 :‬‬


‫‪ 44‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.43 :‬‬
‫‪ 45‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ ،44 :‬وانظر الدولة المستحيلة ‪123‬‬
‫‪ 46‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪ ،47 :‬وانظر الدولة ص ‪121‬‬
‫‪ 47‬ـ المرجع نفسه‪ ،‬ص‪.50 :‬‬

‫‪15‬‬
‫(لنقل‪ :‬الحداثي) على هذه المُجْ تمعات‪ .‬ولقد تص ّدى الكثير من الدراسات لمحاولة اإلجابة عن هذا السؤال‬
‫وتعميق البحث في مخرجاته‪.48‬‬

‫تصرُ ُه في ال َفرضيّة‬ ‫والجواب ْ‬


‫يخ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اإلجابة عنه‪.‬‬ ‫ُحاو ُل «حلاّ ق»‬
‫الج ْوهريّ الذي ي ِ‬ ‫ؤال َ‬‫الس ُ‬
‫هذا هو ُّ‬
‫وأخطر‬ ‫الشريعة وبين أه ّم‬ ‫باشرة‪ ،‬وأيضاً أثراً جَ انبيّاً‪ ،‬لل ُمواجهة بين ّ‬ ‫ً‬
‫نتيجة ُم ِ‬ ‫التالية‪ّ :‬‬
‫«إن هذا التحوُّ ل كان‬
‫ِ‬
‫انخرطت ال ّدولة سواء الكولونياليّة أو وكيل ِتها ال َمحليّة (دولة‬ ‫انبثقت من الحَ داثة؛ وهي الدولة‪ .‬لقد َ‬ ‫ْ‬ ‫ؤس َسة‬
‫ُم ّ‬
‫َاعيات‬
‫الشريعة‪ ...‬وقد كان من بين تد ِ‬ ‫مع ّ‬‫ُؤس ِسيّاً وتاريخيّاً في صراع م ُْست ِمرّ َ‬
‫ما بعد االستعمار) َمفاهيميّاً وم ّ‬
‫وجامعاتُها‬ ‫وتف ِكيكها نهائيّاً‪ ،‬بما في ذلك َم ُ‬
‫دارسها وكليّاتُها َ‬ ‫ُؤسسيّة ّ‬
‫للشريعة ْ‬ ‫الب ْني ِة الم ّ‬ ‫ُ‬
‫ُواجهة تجْ فيف ِ‬
‫هذه الم َ‬
‫راسة‪ :‬هل يدعو «وائل حلاّ ق» إلى‬ ‫ُ‬
‫قارئ هذه ال ّد َ‬ ‫دهي الذي قد يطرحُ ُه‬ ‫الس َ‬
‫ؤال ال َب ّ‬ ‫ولعل ُّ‬ ‫ّ‬ ‫الم ُْستقلّة ماديّاً»‪.49‬‬
‫تنامت في العالم اإلسالمي في الع ُُقود ِ‬
‫األخيرة؟ وبالنّظر‬ ‫ْ‬ ‫ال َع ْودة إلى ّ‬
‫الشري َعة شأن ال ّدعوات ّ‬
‫السلفيّة التي‬
‫ُؤسسات الحديثة‪ ،‬ما موقعُ هذه المُرافع ِة‬ ‫ْ‬
‫عرفت ُه ال ّدول اإلسالميّة في ترسيخ الم ّ‬ ‫إلى التط ُّور الكبير الذي‬
‫الطويل ِة لصالح الشريعة؟‬

‫وهواجسه من طبيعة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يكون عن مثل هذه ال ّد َعوات‪ ،‬وهمُومُه‬ ‫إن «وائل حلاّ ق» أبع ُد ما‬
‫بطبي َعة الحال؛ ّ‬
‫س‬ ‫أن أصوله ال َمسيحيّة ّ‬
‫تؤكد أنّه يدرُ ُ‬ ‫خالصة‪ ،‬ال عالقة لها بأيّة دعوات دينيّة أو تبشيريّة‪ ،‬كما ّ‬
‫َ‬ ‫معرفيّة علميّة‬
‫السؤال يتطلّ ُب الرُّ جُ وع إلى كتاب وائل حلاّ ق‬
‫الجواب عن هذا ُّ‬
‫َ‬ ‫اإلسال َم بمعناه الثقافي والحضاري‪ .‬غير ّ‬
‫أن‬
‫ُ‬
‫تقول‪ّ :‬‬
‫«إن مفهو َم‬ ‫ينطلق من فرضيّة أساسيّة‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والكتاب‪ ،‬كما هو واضح من العنوان‪،‬‬ ‫تحيلة»‪،‬‬
‫«الدولة الم ُْس ِ‬
‫ْريف َسائد لما تمثله‬
‫أي تع ٍ‬
‫داخلي وذلك بحَ سب ّ‬
‫ّ‬ ‫التحقق‪ ،‬وينطوي على ُ‬
‫تناقض‬ ‫ُّ‬ ‫ال ّدوْ لة اإلسالميّة ُم ْستحيل‬
‫الدولة الحديثة»‪ .50‬وال يتّ ِسعُ المقام لِ َعرْ ض حُ جج الكتاب‪ ،‬وتلخيص نقاشاته‪ ،‬لكنّه ينطوي بمُجمله على ْ‬
‫رصد‬
‫الشري َعة بمرجعيّتها األخالقيّة كما‬ ‫ُ‬
‫الحداثة الغربيّة‪ ،‬وبين مفهوم ّ‬ ‫التّعارُ ضات بين مفهوم الدولة كما أنتجتها‬
‫رهين با ْن ِس َحاب األخرى‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫إحداهما‬ ‫تمرار‬
‫اس َ‬ ‫أفرزتها الحضارة اإلسالميّة‪ ،‬ممّا يعني ّ‬
‫أن ْ‬

‫تشريعي َن ِشط يُنتج‬


‫ّ‬ ‫التعارض على ع ّدة م ُْست َويات‪ :‬ف ِمن جه ٍة‪ٌّ ،‬‬
‫كل من ّ‬
‫الشريع ِة وال ّد ْولة ُم ْنتجٌ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ويظهرُ هذا‬
‫وبسبب هذا التقارب بين وظيفتي ِْهما وجدت ال ّدولة والشريعة نفسيهما في وضعيّة تنافسيّة‪ .‬وعلى‬‫القوانين‪َ ،‬‬
‫السياسة الشرعيّة؛‬
‫فبحسب نظريّة ّ‬
‫َ‬ ‫السيادة المُطلقة‪،‬‬ ‫الصعيد النظري‪ٌّ ،‬‬
‫كل من ّ‬
‫الشري َعة والدولة ي ّدعي ل َن ْف ِسه ّ‬

‫‪ 48‬ـ انظر على سبيل المثال‪ :‬عزّ ة حسين‪« ،‬سياسات تقنين الشريعة‪ :‬النخب المحليّة والسلطة االستعماريّة وتشكّل الدولة المسلمة» ترجمة‪ :‬باسل وطفه‪.‬‬
‫الشبكة العربيّة لألبحاث والنشر‪ ،‬ط‪.2019 ،1‬‬
‫‪ 49‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬ما هي الشريعة»‪ ،‬ص‪.74 :‬‬
‫‪ 50‬ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬الدولة المستحيلة»‪ ،‬ص‪.19 :‬‬

‫‪16‬‬
‫َ‬
‫خالف الدولة الحديثة التي‬ ‫الشري َعة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫غاية وجود الدولة هي ِخ ْد َمة ّ‬ ‫ْ‬
‫كانت‬ ‫ياسي ّ‬
‫للشري َعة‪ ،‬بل‬ ‫الس ّ‬
‫يخضعُ الحك ُم ّ‬
‫السيادة بما فيها سياد ُة التشريع‪ّ ،‬‬
‫«إن دولة بال سيادة تشريعيّة ليست بدولة على اإلطالق»‪.51‬‬ ‫تحْ تكرُ ّ‬

‫خيار‬
‫َ‬ ‫ونحن مجتمعات حداثيّة على الرغم منّا‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫ُواجهة حُ ِسمت لصالح الدولة الحديثة‪،‬‬ ‫ّ‬
‫إن هذه الم َ‬
‫لنا في ال َع ْودة بالزمن إلى الوراء‪ ،‬أو اختيار َمسارات غير هاته‪ ،‬التي ح ّددت وضعنا في العالم‪ ،‬غير ّ‬
‫أن هذا‬
‫وللمؤسسات الحداثيّة ال يمنع من االستفادة من التجربة األخالقيّة الغنيّة التي‬
‫ّ‬ ‫النقد األخالقي للقوانين الحديثة‬
‫ُ‬
‫الدولة‪ ،‬وبين روح التشريع األخالقي‬ ‫ُؤس َسات الحديثة كما أنتجتها‬
‫الجمْع بين الم ّ‬
‫تستض ِمرُ ها الشريعة‪ ،‬في أفق َ‬‫ْ‬
‫كما أنتجتها الشريعة‪.‬‬

‫‪ 51‬ـ ما هي الشريعة ‪.76‬‬

‫‪17‬‬
‫الئحة املراجع‬
‫ـ أرماندو سالفاتوري‪« ،‬سوسيولوجيا اإلسالم‪ :‬المعرفة والسلطة والمدنيّة»‪ ،‬ترجمة‪ :‬ربيع وهبه‪ ،‬الشبكة العربيّة لألبحاث‬
‫والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،)2017( ،‬ص‪.9 :‬‬

‫ـ براين تيرنر‪« ،‬علم االجتماع واإلسالم‪ :‬دراسة نقديّة لفكر ماكس فيبر»‪ ،‬ترجمة‪ :‬أبو بكر أحمد باقادر‪ ،‬جداول‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫(‪.)2013‬‬

‫ـ جوزيف شاخت‪« ،‬مدخل إلى الفقه اإلسالمي»‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬حمادي ذويب‪ .‬مراجعة‪ :‬عبد المجيد الشرفي‪ ،‬دار المدار‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪.2018 ،1‬‬

‫ـ طارق عثمان‪ ،‬مق ّدمة ترجمته لكتاب وائل حلاّ ق «ما هي الشريعة؟»‪ ،‬مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬ط‪.2016 ،1‬‬
‫ّ‬
‫وتشكل الدولة المسلمة» ترجمة‪ :‬باسل وطفه‪.‬‬ ‫عزة حسين‪« ،‬سياسات تقنين الشريعة‪ :‬النخب المحليّة والسلطة االستعماريّة‬‫ـ ّ‬
‫الشبكة العربيّة لألبحاث والنشر‪ ،‬ط‪.2019 ،1‬‬

‫ـ محمّد عابد الجابري‪« ،‬تكوين العقل العربي»‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربيّة‪ ،‬ط ‪.2011 ،11‬‬

‫ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬الدولة المستحيلة»‪ ،‬ترجمة‪ :‬عمرو عثمان‪ ،‬المركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬ط‪.2014 ،1‬‬

‫ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬الشريعة‪ :‬النظريّة والممارسة والتح ّوالت»‪ ،‬ترجمه وق ّدم له‪ :‬كيان أحمد حازم يحيى‪ ،‬دار المدار اإلسالمي‪،‬‬
‫ط‪.2018 ،1‬‬

‫ـ وائل حالق‪« ،‬غضبة مسلم والقانون اإلسالمي»‪ ،‬مقال ضمن كتاب «دراسات في الفقه اإلسالمي‪ :‬وائل حلاّ ق ومجادلوه‪،‬‬
‫وائل حلاّ ق وديفيد باورز»‪ ،‬ترجمة وتنسيق‪ :‬أبو بكر باقادر‪ ،‬مركز نماء للبحوث والدراسات‪ ،‬ط‪.2016 ،1‬‬
‫ـ وائل حلاّ ق‪« ،‬حوليّة القانون اإلسالمي والشرق أوسطي» المجلد ‪ ،12‬العدد‪ ،1‬سنة ‪ ،2005‬وقد ترجمها ٌّ‬
‫كل من‪ :‬طاهرة‬
‫عامر‪ ،‬وطارق عثمان‪ ،‬ونشراها بالعنوان نفسه في كتاب مستقل في حوالي ‪ 100‬صفحة‪ ،‬صدر عن دار نماء للبحوث‬
‫والدراسات‪ ،‬ط‪.2016 ،1‬‬

‫‪18‬‬
All rights reserved © 2019 2019 © ‫ﺟﻤﻴﻊ اﻟﺤﻘﻮق ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‬

You might also like