Professional Documents
Culture Documents
Ejtihad57 58-النهائية
Ejtihad57 58-النهائية
شروط النشر:
ترحِّب المجلّة بمساهمات الباحثين في
المدير المسؤول مج!!االت الفق!!ه اإلس!!المي وأص!!وله ،وعلم
ربيع سويدان الح!!!ديث ،والرج!!!ال ،ومراجع!!!ات الكتب،
والمناقشات.
يشترط في المادّة المرس!!لة أن تل!!تزم
الهيئة االستشارية (أبجديا ً)
بأص!!!!ول البحث العلميّ على مختل!!!!ف
إيران الشيخ أحمد المبلِّغي
المس!!تويات :المنهج ،المنهجيّ!!ة ،التوثي!!ق،
السعوديّة الشيخ حسن الصفّار الشيخ
وأن ال تكون قد نُشرت أو أرس!!لت للنش!!ر
د .محمد عُمان خميس العدوي
في كتابٍ أو دَوْريّة عربيّة أخرى.
تركيا خير قيرباش أوغلو
تخضع المادّة المرسلة لمراجع!!ة هيئ!!ة
مصر د .محمد سليم الع ّوا
التحرير ،وال تُعاد إلى صاحبها ،نُش!!رت أم
لم تنشر.
تنضيد وإخراج يح!!قّ لهيئ!!ة التحري!!ر إع!!ادة ص!!ياغة
papyrus
النص!!وص ال!!تي ت!!رِدُ إليه!!ا إذا اقتض!!ت
الضرورة ذل!!ك ،ش!!رط أن ال ي!!ؤدّي إلى
تصميم الغالف اإلخالل بمقصود الكاتب.
Idea Creation
للمجلّ!!ة ح!!قّ إع!!ادة نش!!ر الم!!واد
المنشورة ،منفصلةً أو ضمن كتاب.
ما تنشره المجلّة ال يعبِّ!!ر بالض!!رورة
فصليّة مخت ّ
صة بقضـــايا االجتهاد والفقــه اإلسالم ّي
تصدر عن مركز البحوث المعاصرة في بيروت
دراسات
قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعي ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم
األوّل
الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمّي13........
منطقة الفـــراغ بين النفي واإلثبـــات ،دراســـةٌ مقارنة بين النظريّة والنمـــوذج
العمل ّي
د .الشيخ محمد رحماني40............................................
قاعدة التسامح في أدلّة ال ُّسنَن ،ودَوْ رهاـ في تسرُّ ب الموضوعات /القسم األوّل
د .الشيخ حسين الخشن 73.............................................
الهيمنة الذكوريّة ،بين التشريع الدين ّي واألعراف االجتماعيّة
الشيخ حسن الصفّار 102..............................................
توبة المرت ّد الفطريـ ،قراءةٌ فقهيّة جديدة
د .إبراهيم زارع 126...................................................
قاعــدة اشــتراك الرجــال والنســاء في األحكــام الشــرعيّة ،المفــاد واألدلّــة عنــد
المذاهب اإلسالميّة
أ .شروق فقيه152.....................................................
ي للمسلمين ،عرضٌ وتحليل مفهوم الغنيمة في التراث الفكر ّ
أ .مشتاق بن موسى اللواتي185.......................................
«ال ُسنَّة» ودالالتهاـ في التراثين الدين ّي واألدب ّي في القرون الهجريّة األولى
الشيخ محمد عافي الخراساني221....................................
إنكــار قاعــدة قبح العقــاب بال بيــان ،دراســةٌ مقارنــةٌ بين نظــريّت َْي الروحــانيـ
والصدرـ
الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محم!!دي هويه /الش!!يخ ســـپهر
كرد 243......................................................................
نظــرة اإلســالم إلى المــرأة العقيم ،قـراءةٌ نقديّــة في النصـوص الدينيّة (الـزواج
والتشنيعـ نموذجاً)
الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي260.........................
الوالية التكوينية للنب ّي وأهل البيت^ ،محاولةٌ للتوفيق بين النفي واإلثبات
الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي 294...........................
المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
د .محمد بنعمر 318...................................................
(انتصار الدم على السيف) ،قراءةٌ نقديّة في المفهوم
د .الشيخ عصري الباني 339...........................................
تع ُّدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوحـ ،دراسةٌ فقهيّة استدالليّة
الشيخ علي نذر 357....................................................
التوقيفيّة في ترتيب اآليات القرآنيّة ،قراءةٌ نقديّة في نظريّة الطباطبائيـ
الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري372.......
ي لإلمـــام الرضا× ،مقاربـــةٌ فكريّـــة في التـــاريخ الحضـــور العلم ّي والـــتربو ّـ
والمعاصرة
أ .نبيل علي صالح394.................................................
الملكيّة وأسبابهاـ في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
د .الشيخ خالد الغفوري الحسني 427.................................
قراءات
(األسس المنطقيّة لالستقراء) في المــيزان ،عــرضٌ ومناقشـةٌ لنقــد الشــيخ أيمن
المصريـ
أ .حسين هشام يعقوب 446............................................
األحكام الشرعيّة بين مسؤوليّتين
إثارةٌ معرفيّة من َوحْ ي الواقع
محمد عباس دهيني
الهوامش
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
*)(*) أحد الفقهاء البارزين ،ومن أبرز أساتذة الفكر والفلسفة .رئيس مجمع
تشخيص مصلحة النظام في إيران .يُ َع ّد أحد أبرز نقّاد بعض التيّارات اإلصالحيّة.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 14
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
المقام األ ّول :بيان المراد بالقاعدة وتحرير موضع النزاع فيها
وينبغي من أجل ذلك استعراض األمور التالية:
ي في القاعدة
األمر األ ّول :الحكم الشرع ّ6
والكالم على ذلك في جهتين:
15 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 16
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
بأَسْرها منتزعةٌ عن األحكام التكليفية ـ كما عليه الشيخ األعظم & ومَنْ
تبعه ـ ،أو قلنا :إنها بأَسْرها مجعوالتٌ مستقلّة ،أو قلنا بالتفصيل ،وإنّها
قد تكون منتزعةً عنها؛ وقد تكون مجعوالتٍ مستقلةً تقع في موض!!وعها،
فلن نكون ـ على أيّ تقديرٍ ـ في غ!!نىً عن ه!!ذا البحث بش!!أن األحك!!ام
الوضعيّة خاصّةً؛ حتّى إذا افترضنا تماميّة القاعدة في الحكم التكليفيّ.
وهذا واضحٌ على الوجهين األخيرين ،وال مج!!ال ـ بن!!اءً عليهم!!ا ـ
لتوهُّم المالزمة بينهما؛ ألنّ األحكام الوضعيّة حينئذٍ ـ إمّ!!ا كلّه!!ا أو
بعضها ـ بحاج!!ةٍ إلى جع!!لٍ مس!!تقلّ ،وال يكفي مج!!رّد جع!!ل األحك!!ام
التكليفية لحدوثها ،وهذا يعني أنه باإلمكان أن يكون هناك واقعةٌ بال حكمٍ
وضعيٍّ على الرغم من ثبوت حكمٍ تكليفيّ له!!ا ،فال بُ!!دَّ من البحث عن
خلوّ الواقعة عن الحكم الوضعيّ أيضاً.
وأمّا على الوجه األوّل فكذلك؛ وذل!!ك ألنّ الحكم الوض!!عيّ وإنْ
كان ـ بناءً عليه ـ مالزِم!!اً للحكم التكليفيّ مالزم!!ة المن!!تزع لمنش!!أ
انتزاعه ،إالّ أنَّ المالزمة من طرفٍ واحد ،وليس الحكم التكليفي مالزماً
النتزاع الحكم الوضعيّ منه؛ إذ ليس كلّ حكمٍ تكليفيّ ينتزع من!!ه حكمٌ
وضعيّ ،وإنْ كان ك!!لّ حكمٍ وض!!عيّ منتزع!!اً من حكمٍ تكليفي ،وه!!ذا
واضحٌ بأدنى تأمُّلٍ.
وعليه فإثبات أنّ الواقعة ال تخلو من الحكم التكليفيّ ال يغنين!!ا عن
الكالم في خل!!وّ الواقع!!ة عن الحكم الوض!!عيّ ،فال بُ!!دَّ من عق!!د بحثٍ
مستقلٍّ عن خصوص األحكام الوضعيّة.
إالّ أنّ وجه!!ة نظرن!!ا في ه!!ذه الرس!!الة مقص!!ورةٌ على األحك!!ام
التكليفية ،وال نبحث عن خلوّ األفعال وعدم خلوّه!!ا من الحكم الوض!!عيّ؛
فإنّ ذلك ممّا يتطلّب مجاالً آخر من البحث ،لعلّ التوفيق يساعدنا عليه
فيما بعد إنْ شاء اهلل تعالى.
وقد يُقال :إنّه ال يبعد! القول بعدم الخلوّ فيه!!ا أيض!!اً ،على أس!!اس
أنّ أفعال المكلَّفين كلّها مملوك!!ةٌ لهم بالمِلْكيّ!!ة الش!!رعية الذاتي!!ة.
17 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
والمِلْكيّة حكمٌ وضعيّ ،وهذا يع!!ني :ع!!دم خل!!وّ فع!!لٍ من األفع!!ال عن
الحكم الوضعيّ.
وكيف كان ،فتحقيق القول في ذلك ـ إيجاباً وسلباً ،وما ي!!ترتّب
عليه من الثمار األصولية أو الفقهية ،موكولٌ إلى مجالٍ آخر.
ي
2ـ الحكم الواقع ّي والظاهر ّ
فإن من الواجب علينا أيضاً أن نتساءل عن موقعهما في هذا ال!!نزاع،
وأنه هل يشملهما معاً ،أو يختصّ بأحدهما دون اآلخر؟
والجواب :إنه باإلمكان في بادئ النظ!!ر دخ!!ول القس!!مين في مح!!لّ
النزاع ،إالّ أن المصرَّح به في بعض الكلمات ـ على ما ي!!أتي إنْ ش!!اء اهلل
تعالى ـ اختصاص ما سيأتي من األدلّة ب!!الحكم ال!!واقعيّ ،وخ!!روج الحكم
الظاهريّ عن موضوع! القاعدة ،وهذا يعني إمكان خلوّ الواقع!!ة من الحكم
الظاهريّ.
وقد يُق!!ال :إنَّ الظ!!اهر ممّ!!ا أف!!اده الش!!يخ األعظم& في مج!!اري
األصول العمليّة هو الحصر العقلي( ،)4ومن الواضح أنّ معنى ذل!!ك حكم
العقل بعدم خلوّ الواقعة من الحكم الظاهريّ أيضاً.
والج!!واب :إن المقص!!ود في المق!!ام ه!!و الحكم الش!!رعي ،فال يعمّ
االحتياط والتخيير العقليّين المشتمل عليهما ما ذك!!ره الش!!يخ األعظم&
بذاك الصدد.
وكيف كان فالكالم في هذه الرسالة مقصورٌ على الحكم الواقعيّ،
ودراسة المس!!ألة في الحكم الظ!!اهريّ ـ إيجاب!!اً وس!!لباً ،والبحث عمَّ!!ا
يترتَّب عليه من اآلثار ـ موكولٌ إلى مجالٍ آخر.
ي
ي واإلرشاد ّ3ـ الحكم المولو ّ
لق!!د قس!َّ! م المحقِّ!!ق الش!!عراني الحكم الش!!رعيّ إلى :مول!!ويّ؛
وإرشاديّ ،ثم ادَّعى دخول القسمين في موضوع! القاعدة .وإليك نصّ ما
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 18
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
19 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 20
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
21 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 22
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
اإلرادة والكراهة؛ ومرتبة اإلنشاء بداعي جعل الداعي المنتَزَع عن!!ه البعث
والزجر ،وينصبّ البحث عندئ!!ذٍ على أنّ الواقع!!ة ه!!ل تخل!!و عن اإلرادة
والكراهة أم ال؟ وعلى الثاني( :)10هل تخلو عن اإلنشاء أم ال؟
ي اإلثبات ّي
ي والنقل ّ6
األمر الثالث 6:نفي الخل ّو 6،بين العقل ّي الثبوت ّ6
فهل المسألة سنخ مسألةٍ عقليّة ثبوتيّة ،يستند! فيها إلى المالزم!!ات
العقليّة التي تفيد عدم خلوّ الواقعة عن الحكم ،بمع!!نى ع!!دم اإلمك!!ان؛ أو
23 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
سنخ مسألةٍ نقليّة إثباتيّة ،يستند فيها إلى اآلي!!ات القرآنيّ!!ة والرواي!!ات
المأثورة عن أهل بيت العصمة والطهارة^؟(.)11
والمتصوَّر في بادئ النظر وجوه ثالثة:
أحدها :أن تكون المسألة عقليّةً بَحْتة ،وال يدلَّ عليه!!ا ش!!يءٌ من
الكتاب والسنّة.
والثاني :أن تكون المسألة نقليّةً بَحْتة ،وال ت!!دلّ عليه!!ا مالزم!!ةٌ
عقلية.
والثالث :أن تكون المسألة ممّا يدرك بالعق!!ل ،ويؤيَّ!!د بالنق!!ل ،أي
إنّهما متطابقان على عدم خلوّ الواقع!!ة من الحكم الش!!رعيّ ،ولم يس!!كت
أحدهما عن ذلك ،وهذا بخالف الوجهين المتقدِّمين !،حيث إن الشرع ق!!د
سكت ـ على األوّل ـ عن إبداء الموقف تجاه هذه المسألة ،كما أنّ العق!!ل
قد عجز ـ على الثاني ـ عن تحديد األم!!ر ،وأنّ!!ه ه!!ل تخل!!و الواقع!!ة من
الحكم أو ال؟
وأيّاً ما كان فسوف يتَّضح من خالل البح!!وث اآلتي!!ة إنْ ش!!اء اهلل
تع!!الى أنّ الظ!!اهر من كلم!!ات األص!!حاب اختي!!ار واح!!د من ال!!وجهين
األخيرين ،وأنّ المترائي من أكثرهم هو الثاني .وأم!!ا الوج!!ه األوّل فلم
نجِدْ قائالً به بينهم ،وإنْ كان قد يستظهر ذلك من كلم!!ات المحقِّ!!ق
الشعراني& المتقدِّمة .وال يخلو من وجهٍ إذا بُني على عدم تماميّ!!ة م!!ا
سيأتي إنْ شاء اهلل تعالى من األدلّ!!ة النقلي!!ة ،أع!!ني :اإلجم!!اع واألخب!!ار،
للداللة على المطلوب.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 24
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
حتّى نكون آخذين بعين االعتبار ـ عند تقييم األدلّة ـ داللتها على تل!!ك
الفكرة العامّة عن القاعدة ،ال على تفسيرٍ نحن ندَّعيه اليوم.
قال الشهيد الثاني& :فائدةٌ ،وهي خاتمة القس!!م األوّل :ليس ك!!لّ
مجتهدٍ في العقليات مصيباً ،بل الحقّ فيه!!ا واح!!دٌ؛ فمَنْ أص!!ابه أص!!اب؛
ومَنْ فقده أخطأ وأثم إجماعاً .وأمّا المجتهد في المسائل الفرعيّة ففيه
خالفٌ يبنى على أنّ كلّ صورةٍ هل لها حكمٌ معيّن أم ال؟
وقد لخَّص الرازي هذا الخالف فقال :اختل!!ف العلم!!اء في الواقع!!ة
التي ال نصَّ فيها على قولين:
أحدهما ـ وبه قال األشعريّ وجمه!!ور المتكلِّمين ـ :إن!!ه ليس هلل
تعالى فيها قبل االجتهاد حكمٌ معيّن ،ب!!ل حكم!!ه تع!!الى فيه!!ا ت!!ابعٌ لظنّ
المجتهد .وهؤالء هم القائلون بأنّ كلّ مجتهدٍ مص!!ي .واختل!!ف ه!!ؤالء؛
فقال بعضهم :ال بُدَّ أن يوجد في الواقع!!ة م!!ا ل!!و حكم اهلل تع!!الى فيه!!ا
بحكمٍ لم يحكم إالّ به؛ وقال بعضهم ،ال يشترط ذلك.
والقول الثاني :إنّ له تعالى في كلّ واقعة حكماً معيّناً.
وعلى هذا فثالثة أقوال:
أحدها ،وهو قولُ طائف!!ةٍ من الفقه!!اء والمتكلِّمين :يحص!!ل الحكم
من غير داللةٍ وال أمارةٍ ،بل هو كدفينٍ يعثر عليه الطالب اتّفاقاً ،فمَنْ
وجده فله أجران ،ومَنْ أخطأه فله أجرٌ.
والقول الثاني :عليه أمارةٌ ،أي دليلٌ ظنّي .والقائلون ب!!ه اختلف!!وا؛
فقال بعضهم :لم يكلَّف المجتهد بإصابته؛ لخفائه وغموضه؛! فلذلك كان
المخطئ فيه معذوراً مأجوراً ،وه!!و ق!!ول جمه!!ور الفقه!!اء ،وينس!!ب إلى
الشافعي وأبي حنيفة؛ وقال بعضهم :إنّه مأمورٌ بطَلَبه أوّالً ،فإنْ أخط!!أ
وغلب على ظنّ!ه ش!يءٌ آخ!ر ،تغيَّ!ر التكلي!ف ،وص!ار م!أموراً بالعم!ل
بمقتضى ظنِّه.
والقول الثالث :إنّ عليه دليالً قطعيّاً .والقائلون به اتفقوا على أنّ
المجتهد مأمورٌ بطَلَبه ،لكنْ اختلفوا؛ فقال الجمهور :إن المخطئ في!!ه ال
25 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
مقدّمة
وفيه!!ا نس!!تعرض بعض م!!ا للمنك!!رين والمثب!!تين من النص!!وص
والعبارات؛ حتى يتبيَّن من خاللها االتجاهات المختلف!!ة في ه!!ذا المج!!ال،
فنقول:
من جمل!!ة المنك!!رين للقاع!!دة المحقِّ!!ق الخراس!!اني& في (فوائ!!د
األصول) ،حيث قال...« :ظهر الحقّ في المقامين ،وهو في المق!!ام األوّل
جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعيّ ،بحيث لم يكن فيها بعثٌ أو زج!!ر،
وال إرادةٌ أو كراهة ومولويّة ،وال أمرٌ ونهي.)13(»...
وقد أشبع الكالم عن ذلك بتفصيلٍ ،فشدّ النك!!ير على دع!!وى ع!!دم
الخلوّ بكلتا مرتبتي الحكم الداخلتين في مح!!لّ ال!!نزاع ،على م!!ا تق!!دَّم،
وسيأتي إنْ شاء اهلل تعالى.
ومنهم القائد الراحل& في مسألة اقتض!!اء األم!!ر بالش!!يء للنهي عن
ضدّه العامّ ،حيث ردَّ على المقدمة الثاني!!ة من مق!!دّمات وجهه!!ا الث!!اني
بقوله« :وثانياً :لم يقُمْ دلي!!لٌ على ع!دم خل!وّ الواقع!!ة عن الحكم ،ب!ل
الدليل على خالفه.)14(»...
ومنهم المحقِّق الرشتي& ،في بدايع!ه ،حيث ردَّ على م!ا حك!اه عن
صاحب (الفصول) ،في ذي!!ل البحث من ج!!واز ك!!ون المتالزمين مختلفين
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 26
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
في الحكم ،بتوقُّفه على مقدّمتين فاسدتين :إحداهما :ال تمتُّ إلى بحثنا
بصلةٍ؛ والثانية :عدم جواز خلوّ الفع!!ل عن ش!!يءٍ من األحك!!ام الخمس!!ة.
وهي أيضاً واضحة الفساد .ودعوى القطع بذلك ممّا ينبغي ص!!دوره من
مثله؛ إذ ال سبيل إلى القط!!ع ب!!ذلك ،ال من ج!!انب العق!!ل ،وال من ج!!انب
النقل ،وأيُّ دليلٍ يفيد القطع؟ أمّا العقل فألنه ال يس!!تقلّ بثب!!وت الحكم
بكلّ واقعةٍ ،وأمّا النقل فقد ورد أنّه ما من واقعةٍ إالّ وله!!ا حكمٌ مف!!رد
عند اهلل .إالّ أنّ اعتماد مثله على مثله في أمثال المسألة كما ترى(.)15
وسوف يتّضح إنْ شاء اهلل تعالى من خالل األبح!!اث اآلتي!!ة تماميّ!!ة
الدليل العقلي والنقلي في المسألة .لكننا لم نعثر على النصّ الذي ذكره،
ولعلّه نقل بالمضمون .وكيف كان ففي ما ي!!أتي من الرواي!!ات كفاي!!ةٌ
عنه.
وال يبعد أن يكون قوله« :في مثله» إشارة إلى ضعف تلك الرواي!!ة
سنداً .كما يحتمل أن يكون قوله« :في أمثال المسألة» إش!!ارة إلى ع!!دم
كفاية أخبار اآلحاد في المسألة ،بناءً على أنّها مسألةٌ واقعيّ!!ة ،وليس!!ت
تعبّديةً بَحْتة .وسوف يأتي الكالم ذلك عند البحث اإلثباتي ،فإنّ هذا لو
تمّ لعمّ اإلجماع والروايات إذا لم يثبت تواترها.
ومن جملة المثبتين للقاعدة :صاحب (الحاشية على المع!!الم) ،حيث
قال& « :وأمّا على أصول اإلماميّة ،على ما دلّت عليه نصوصهم المتواترة
بحَس!! ب الواق!!ع،
َ من أئمّتهم ،من كون حكم اهلل تعالى في الواقعة واحداً
وأنّ له تعالى في كلّ واقعة حكماً مخزوناً عند أهله ،أصابه مَنْ أص!!ابه
وأخطأه مَنْ أخطأه»(.)16
وظاهره :االكتفاء باألخبار في مقام االستدالل.
ومنهم :صاحب الفصول ،حيث قال& في كالمٍ له« :ألنّا نقول :هذا
االحتجاج مبنيٌّ على ما ثبت عندنا باألخبار واآلث!!ار من أن هلل تع!!الى في
كلّ واقعةٍ حكماً معيَّناً بيّنه لنبيّه ص!!لوات اهلل علي!!ه ،وبيَّن!!ه الن!!بيُّ
ألوصيائه^ ،فاألحكام كلّها مق!!رّرة عن!!دهم ،مخزون!!ة ل!!ديهم ،وليس في
27 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 28
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
العمل ،تَبَعاً لما أفاده الشيخ& بقوله« :وال دلي!!ل على ع!!دم ج!!واز خل!!وّ
الواقعة عن حكمٍ ظاهري إذا لم يحتج إليه في العمل ،نظ!!ير :م!!ا ل!!و دار
األمر بين الوجوب واالستحباب»(.)23
وكيف كان فعبارته غيرُ صريحةٍ في انحصار الدليل في األخب!!ار
واإلجماع.
ومنهم :المحقِّق الخراساني& ،في (الكفاية) ،حيث قال« :فه!!و وإنْ
كان خطأ من جهة ت!!واتر األخب!!ار وإجم!!اع أص!!حابنا على أن هلل تب!!ارك
وتعالى في كلّ واقعةٍ حكماً يشترك فيه الكلّ»(.)24
وكذا قال في (درر الفوائد)« :كما يكون باإلجماع والض!!رورة من
المذهب في كلّ واقعةٍ حكمٌ يشترك فيه األمّة»(.)25
ومنهم :المحقِّق العراقي& ،على ما في (نهاية األفكار) ،حيث ق!!ال:
«إالّ أنّه مع كونه خالف اإلجماع وم!ا ت!واتر علي!ه األخب!ار من أنّ ل!ه
سبحانه في كلّ واقعةٍ حكماً يشترك فيه العالم والجاهل»(.)26
ومنهم :السيد الخوئي& ،في مبحث االجته!!اد والتقلي!!د ،فق!!د ق!!ال:
« مضافاً إلى اإلجماع واألخبار الكثيرة الدالّة على أنّ هلل حكماً في ك!!لّ
واقعةٍ يشترك فيه العالم والجاهل»(.)27
وكيف كان فالمشهورُ أنّه ما من واقعةٍ إالّ وله!!ا حكمٌ ش!!رعيّ.
واستدلّ على ذل!!ك بالعق!!ل والنق!!ل .كم!!ا يمكن أن يس!!تدلّ! علي!!ه بم!!ا
يتركَّب منهما.
فالكالم في ثالث مراحل:
29 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 30
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
31 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 32
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
المالزمة بين تحسين الفعل وإرادته ،والسرُّ أن ال!!داعي ،ال!!ذي ه!!و س!!بب
اإلرادة ،يختلف باختالف األحوال واألشخاص ،وغلب!!ة الش!!هوات ،والتف!!اوت
في المَلَكات ،ومالحظة نظام الكائنات.
الفقرة الثالثة :في تكميل البحث ب!!ذكر اعتراض!!ين على المخت!!ار،
واإلجابة عنهما:
أمّا األوّل فهو أنّ الحُسْن والقُبْح إذا كانا ـ حَسْ! ب المخت!!ار ـ
عبارةً عن استعجاب العقل ورضاه بالفعل أو استغرابه وس!!خطه علي!!ه فال
معنى النفكاكهما عن اإلرادة والكراهة بعد مساوقتهما لهم!!ا ،حَسْ! ب ه!!ذا
التقريب.
والجواب عنه واضحٌ بعد مالحظة ما سبق من شهادة الوجدان وعمل
العقالء.
ولعلّ الحلّ المقصود بهذا الج!!واب :ه!!و أنّ إرادة المري!!د ورض!!اه
بالفعل ال تتأثَّر برضا العقل واستعجابه فحَسْب ،حتّى تتكوَّن المالزم!!ة
بينهما ،بل هناك مؤثِّرٌ لسائر الدواعي واألغراض النفسية.
وأمّ!!ا الث!!اني فه!!و أنّ ت!!أثُّر اإلرادة بتل!!ك األغ!!راض وال!!دواعي
المخالفة للحُسْ! ن العقلي ل!!و تمَّ فإنّم!!ا يتمّ في م!!ا س!!وى اهلل تب!!ارك
وتعالى ،فال وج!!ه لتس!!رية ال!!دعوى من العقالء إلى اهلل تب!!ارك وتع!!الى؛
لوضوح أنّ اإلرادة والكراهة فيه تعالى ليست إالّ علم!!ه بمص!!لحة الفع!!ل
ومفسدته ،وال حُسْن وال قُبْح إالّ بالمصلحة والمفسدة.
وقد أجاب عن ذلك بما محصَّله :إنّ اإلرادة كسائر الص!!فات في!!ه
تعالى ،وإنْ اتَّحدَتْ م!!ع العلم وج!!وداً ومص!!داقاً ،إالّ أنّ مج!!رّد العلم
بالمصلحة كما أنّه ليس بإرادةٍ تكوينيّة موجبة لتحقُّق المراد ،كذلك
ليس بحَسَب المصداق إرادةٌ تشريعية موجبة لبعث العباد نحو المراد.
والوجه في ذلك إمكان توفُّر م!!ا يمن!!ع عقالً عن البعث والزج!!ر،
كما في صورة مزاحمة ما فيه المصلحة الملزمة بما كان أهمّ منه؛ ألنّ
البعث إلى غير األهمّ أو إليهما معاً قبيحٌ ،دون البعث إلى خصوص األهمّ،
33 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
كما ال يخفى ،مع أنَّ المهمّ ب!!اقٍ على م!!ا ه!!و علي!!ه من المص!!لحة؛ أو
كعدم االستعداد في بعض العباد؛ لقُرْب عهدهم من اإلس!!الم ،أو أيّ أم!!رٍ
آخر ال نعرفه وال يلزم معرفته ،كم!!ا في الص!!بيّ ال!!ذي لطفت قريحت!!ه
وحسن ذكاؤه؛ فإنّ أفعاله ذات مصالح ومفاس!!د ،وم!!ع ذل!!ك فه!!و غ!!ير
مكلَّفٍ باألحكام بالضرورة.
وبعبارةٍ أخ!!رى :إنّ البعث والزج!!ر؛ باعتبارهم!!ا فعلين من أفع!!ال
المولى !،ال بُدَّ من تبعيّتهما ،إض!!افةً إلى مص!!الح متعلَّقهم!!ا ومفاس!!ده،
للمص!!الح والمفاس!!د الكامن!!ة في نفسَ! يْهما ،فرُبَم!!ا يك!!ون المتعلَّ!!ق ذا
مصلحةٍ ملزم!ة في نفس!!ه ،إالّ أنّ البعث إلي!ه يس!توجب! بعض المفاس!!د،
فمجرّد كون الفعل ذا مصلحةٍ أو مفسدةٍ ال يستتبع! البعث والزجر.
وقد استنتج& من جميع هذه الفقرات:
أوّالً :جواز خلوّ الواقع عن الخطاب والجَعْ!!ل ،أي مرتب!!ة اإلنش!!اء
والفعلية ،حَسْب رأيه ،ومرتبة اإلنشاء ،حَسْب المختار.
وثانياً :جواز خلوّ الواقع عن روح الخطاب وحقيقته ،أعني :اإلرادة
والكراهة(.)30
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 34
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
البناءات العقالئية على مدح طائفةٍ من األفعال وذمّ طائفةٍ أخ!!رى منه!!ا،
وهذا المدح والذم ينشآن من المالكات النوعية العقالئية ،وأمّ!!ا األحك!!ام
الشرعيّة فقد تنشأ من المالكات الشخصيّة .وأمّا بناءً على المخت!!ار من
كون الحُسْن والقُبْح وص!!فين واقعيّين فهم!!ا متقارب!!ان م!!ع المص!!لحة
والمفسدة في الموضوع !.والتفصيل في محلّه.
وأمّا ثانياً :فألنّ إثب!!ات الخل!!وّ وعدم!!ه ،كم!!ا ق!!د يمكن باألدلّ!!ة
العقليّة ،كذلك يمكن باألدلّة النقلية ،وال ينحصر طريق إثباته بالعق!!ل،
فال وج!!ه لحص!!ر البحث في المس!!لك! العقلي ،وع!!دم اس!!تعراض اآلي!!ات
والروايات التي ادُّعي في كلمات الكثيرين تواترها على المطلوب.
نعم ،يمكن تبرير ذلك بأنّ القوم حيث استعرض!!وا البحث عن ه!!ذه
القاع!!دة في خالل البحث عن قاع!!دة المالزم!!ة ،وك!!ان موض!!وع! ه!!ذه
المالزمة ،أي ما حكم به العقل ،مساوقاً للحُسْن والقُبْح العقليّين ـ على
ما هو المشهور ،ال على المختار من كون هذا العنوان ذا جهاتٍ عديدة ـ،
انصبّ النزاع في كالمهم على الحُسْن والقُبْح العقليّين ،وال يعني ذلك
أنّهم يحصرون البحث بطريقه العقلي .وكيف كان فال بُدَّ من توس!!يع
البحث من هذه الجهة ،سواء تمّ التبرير المذكور أم ال.
والحاصلُ أنّ علينا البحث:
أوّالً :عن المالزمة بين الحُسْن والقُبْح وبين اإلرادة والكراهة.
وثاني!!!اً :عن المالزم!!!ة بين المص!!!لحة والمفس!!!دة وبين اإلرادة
والكراهة.
وثالثاً :عن األدلة النقلية ،كالضرورة واإلجم!!اع والرواي!!ات ،ال!!تي
تدَّعى داللتها على عدم خلوّ الواقع عن الحكم.
التعليقة الثانية :إنّ م!!ا أف!!اده كنقضٍ على المالزم!!ة ،من ص!!دور
األفعال القبيحة من العقالء ،يحتاج إلى ضمّ ما ب!!ه يتمّ االس!!تدالل ،وه!!و
أنّه مهما أمكن تعليق اإلرادة التكويني!!ة بالفع!!ل الق!!بيح فال محال!!ة يمكن
تعلّق اإلرادة التش!!ريعية ب!!ه؛ ألنّ الف!!رق بينهم!!ا في المتعلَّ!!ق؛! حيث إنّ
35 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 36
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
الواضح أنّه ال مالزمة بينها وبين اإلرادة والكراهة .وما ذكره المحقِّ!!ق
الخراس!!اني& من النق!!وض إنّم!!ا يتمّ دون ه!!ذا األس!!اس؛ لوض!!وح ع!!دم
المصلحة النهائية بع!!د مالحظ!ة تنفُّ!ر العب!اد ،أو المص!!لحة المزاحِم!ة
األهمّ ،أو مصلحة التسهيل في الصبيّ مثالً ،أو غير ذلك.
الوجه الثاني :إن البحث ينص!!بّ ت!!ارةً على المالزم!!ة بين الحُسْ! ن
والقُبْح العقليّين وبين اإلرادة والكراهة ،وأخ!!رى على المالزم!!ة بينهم!!ا
وبين البعث والزجر ،أو الخطاب حَسْب تعب!!ير اآلخوند& .ومن الواض!!ح:
أنّ الكالم هاهنا إنما هو في القسم األوّل ،كما صرّح بذلك ه!!و نفسه&،
في تحرير محلّ النزاع ،وفي مطاوي كلماته أيضاً ،لكنّ!!ه ـ وللعجب ـ
قد ساق البحث في الفقرة الثالثة من كالمه إلى البعث والزج!!ر ،ف!!ذكر
أنّ المصلحة في المتعلَّق ال تكفي بنفسها للبعث والزجر؛ الحتمال وجود
المانع ،مع أنّ الكالم إنما هو في اإلرادة والكراهة .وال وج!!ه للخل!!ط بين
المسألتين.
توضيح ذلك :إنّ اإلرادة وإنْ كانت من األفعال النفسانية ،إالّ أنّها
ليست فعالً خارجيّاً تابعاً ألغ!!راضٍ مس!!تقلّة ،وال يعق!!ل التفكي!!ك بين
مالك المراد ومالك اإلرادة ،بل هي تابعةٌ للمراد تَبَعيّة المعنى الح!!رفي
للمعنى االسميّ ،وه!!ذا بخالف البعث والزج!!ر؛ فإنّهم!!ا فعالن خارجيّ!!ان
تابعان ألغراضٍ خاصّة بهما ،فقد يتوفَّر المالك في فعلٍ وال يتوفَّر في
البعث إليه أو الزجر عنه.
والمحصَّل:
أوّالً :إن الكالم إنّما هو في المصالح والمفاسد بعد مرحل!!ة الكس!!ر
واالنكسار !،وتقديم األهمّ على المهمّ ،فال تتمّ النقوض المذكورة.
وثانياً :إنّه لو افترضنا تماميّتها فسوف ال يثبت له!ا ش!يءٌ أك!!ثر
من عدم المالزمة بين الحُسْن والقُبْح وبين البعث والزجر ،وأمّ!!ا اإلرادة
والكراهة ،اللتان هما حقيقة الحكم وروحه ،والبحث منصبٌّ عليهم!!ا ،فال،
كما تبيَّن.
37 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 38
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
اعتراض وجواب
ٌ
وقد يُجاب عن هذا الوجه:
أوّالً :بالمنع عن الحُسْن والقُبْح غير اللزوميّ ،كما ه!!و قض!!يّة
ما عليه المحقِّق األصفهاني& ،من إرجاع المحاسن والقبايح العقليّ!!ة إلى
حكمٍ عقليّ واحد ،وهو :حُسْن العدل وقُبْح الظلم؛ إذ من الواضح أنّه ال
مجال للحُسْن غير اللزوميّ على هذا األساس.
ولكنّنا لم نخضَعْ دون القول بهذا االتّج!!اه فيم!!ا س!!بق ،وقلن!!ا :إن
الوجدان خير شاهدٍ على محاسن وقب!!ائح متكثِّ!!رة ال ترج!!ع إلى حُسْ! ن
العدل وقُبْح الظلم؛ فإن اإليثار حَسَ! نٌ ،وطلب الكم!!ال حَسَ! نٌ ،من دون
مالحظة عنوان العدالة ومدخليّتها فيهما .وقد وافَقَنا على ذلك جماع!!ةٌ
من األصوليين ،كالسيد الشهيد& وغيره ،وهذا يع!!ني ت!!وفُّر محاس!!ن أو
قبائح غير لزوميّة.
وثانياً :بأنّه ال وجه لحصر اإلرادة التكويني!!ة باللزومي!!ة؛ لوض!!وح
أنّ اقتضاءَها للتحرُّك ـ فيما إذا كانت مستَتْبِعةً له ـ مختلفةٌ بالشدّة
والضعف ،بمعنى أن اقتضاءَها للتحرُّك قد تكون على درجةٍ توجب داعياً
غيرَ أكيدٍ في نفس العبد ،وه!!ذه هي اإلرادة غ!!ير اللزومي!!ة .فلزومي!!ة
اإلرادة وعدمها تابعةٌ لش!!دّتها وض!!عفها ،وبم!!ا أنه!!ا تنقس!!م إلى ش!!ديدة
وضعيفة بال رَيْبٍ ـ خالفاً للمحقِّق النائيني&( )31ـ فال محال!!ة تك!!ون
لزوميّةً عند الضعف.
نعم ،نفس التحرُّك الخارجي من العبد ال يتّصف بالش!!دة والض!!عف
دائماً ،وإنْ اتّصف بهما غالباً ـ إمّا باعتبار دفع الموان!!ع؛! وإمّ!!ا باعتب!!ارٍ
حَس!! ب
ْ آخر ـ ،إالّ أنّ اقتضاء التحرُّك مختلفةٌ دائماً ـ كما عرفْتَ ـ،
اختالف درجة شوق المولى إلى الفعل ،الناتج من اختالف درج!!ة المص!!الح
الواقعية.
وثالثاً :بأنه لو س!!لَّمنا ب!!أنّ الحُسْ! ن ق!!د يك!!ون غ!!ير ل!!زوميٍّ،
وسلَّمنا أن اإلرادة التكوينية ال تكون إالّ لزوميّةً ،فإننا ال نس!!لِّم قي!!اس
39 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 40
• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ ،وأثرها في علم أصول الفقه /القسم األول
تَرْكاً للراجح.
إنْ قلتَ :هذا في خصوص المزاحمة ،قلتُ :ما من مرج!!وحٍ ي!!ترك
إالّ وقد كان مزاحماً لألخذ براجحٍ ،وما من راجحٍ يؤخذ إالّ وقد ك!!ان
مزاحماً بترك مرجوحٍ ،فافهَمْ جيّداً .هذا في اإلرادة التكوينيّة.
وتطبيقُها في التشريعيّة أنّ العاقل بما هو عاقلٌ إذا أدرك الحُسْن
غير اللزوميّ في فعل الغير اشتاق إليه ،وتكوَّنت لدي!!ه إرادةٌ إلى ذل!!ك
الفعل؛ أداءً لما يقضي به العقل ،وبالتالي تصدّى لتحصيله ،والتسبّيب إلى
تحريكه ،وجعل الداعي في نفسه ،وذلك بالبعث نحو الفعل ،وهذا يعني أن
الحُسْن غ!!ير الل!!زوميّ ق!!د اس!!تتبع إرادةً لزوميّ!!ة ـ أي مؤدِّي!!ةً إلى
التحريك ،كما يزعمه القائل ـ ،فتأمَّلْ جيّداً.
سن
والح َ
َ 3ـ بطالن انحصار األمور في القبيح
الوجه الثالث :إن المالزمة المذكورة إنما تجدي في المقام إذا ثبت
انحصار األمور واألشياء في القبيح والحَسَن ،بأن ال يكون هن!!اك واقع!!ةٌ
إالّ وهي إمّا حَسَنة أو قبيحة ،ولكنّ التالي باطل؛ لعدم البرهان عليه ،لو
أريد به عدم الخلوّ ولو بالعناوين الثانوية ،وإنْ ك!!ان مظنون!!اً أو ممّ!!ا
يطمأنّ به؛ ولشهادة الوجدان على خالفه ،لو أري!د! ب!!ه العن!!اوين األوليّ!!ة
وذوات األشياء.
ونس!!تخلص من جمي!!ع ذل!!ك قص!!ورَ الطريق!!ة األولى عن إثب!!ات
المطلوب !،ال لعدم المالزمة بين الحَسَن والق!!بيح وبين اإلرادة والكراه!!ة؛
بل لعدم الدليل على حصر الوقائع في الحَسَن والق!!بيح ،ول!!و بالعن!!اوين
الثانوية.
حُس!! ن
ْ هذا من جهة قصور هذه الطريقة عن إثب!!ات المالزم!!ة بين
الفعل وإِرادته.
وأمّا المالزمة بين حُسْنه وتوجُّه الخطاب إليه ،أو فقُ!!لْ :اإلنش!!اء
بداعي جعل الداعي ،فهناك مانعٌ عامّ يعيق إثباتها ،وهو أنّ الخط!!اب بم!!ا
41 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الشيخ صادق الالريجاني ،بقلم :الشيخ محمد حسن القمي
أنّه فعلٌ خاصّ ،وإنْ كان ناشئاً عن العلم ب!!المالك وت!!وفُّر اإلرادة ،إالّ
أنه تابعٌ أيضاً لمصالح مستقلّةٍ فيه أو مفاسد ك!!ذلك ،كم!!ا تق!!دَّمت
الحَس!! ن والق!!بيح أو اإلرادة
َ اإلشارة إلى ذلك فيما سبق .فمجرّد إثب!!ات
والكراهة ال يكفي مؤنة إثبات الخطاب بعد إمكانية ابتالئه بالموانع.
نعم ،غاية ما يمكن أن يُقال عن ذلك هو اقتض!!اء اإلرادة والكراه!!ة
للبعث والزجر ،وأمّا فعليّة هذا االقتضاء فمرهونةٌ ب!!إحراز ع!!دم الم!!انع
من البعث والزجر ،وأنَّى! إلى ذلك من سبيلٍ قطعيّ؟
ـ يتبع ـ
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 42
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
مقدّمةٌ
يمتاز الدين اإلسالمي من سائر األديان العالمية األخرى بأمور ،ومن
بينها :منظومة التقنين والتشريع اإلسالمي (الفق!!ه) .إن اإلس!!الم يش!!تمل
على قوانين لجميع االحتياجات الفردية واالجتماعي!!ة في مختل!!ف األبع!!اد
السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية ،ولم يترك لحظةً واحدة من
حياة اإلنسان إالّ وقد وضع لها حكماً وتعليماً.
سوف نعمل في هذا المقال على نقد ومناقشة هذه المس!!ألة الهامّ!!ة،
وهي :هل يوجد في اإلسالم مسائل وموضوعاتٍ أوكل اهلل بيان حكمها في
عصر الغَيْبة إلى الحاكم؟ وبعبارةٍ أخرى :هل هناك ف!!راغٌ ق!!انونيّ في
المنظومة التشريعية لإلسالم أم ال؟ وإذا كان هناك فراغٌ قانونيّ فما هو
المراد منه؟ وكيف يتمّ مَلْء هذا الفراغ؟ وما ه!!و دَوْر ال!!وليّ الفقي!!ه
(وليّ األمر) في هذه العملية؟
إن المسائل التي سنعمل على بحثه!!ا في ه!!ذا المق!!ال هي على نح!!و
اإلجمال عب!!ارة عن :ج!!ذور كلم!!ة الق!!انون ،ومع!!نى الق!!انون ،وتعري!!ف
القانون اصطالحاً ،والمراد من الف!!راغ الق!!انوني ،ودراس!!ة ونق!!د نظري!!ة
*)(*) أستا ٌذ في الحوزة العلميّة في قم ،وأستا ٌـذ مسا ِع ٌد ومديرـ قسم الفقه واألصولـ
في جامعة المصطفى| العالميّة في إيران.
43 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 44
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
بعض الموضوعات إلى حاكم الشرع ،بحيث يُعتَبَر حكم الشارع حكم اهلل،
فهو موضعُ بحثٍ وتحقيق .ومن المناسب ذكر ص!!الحية وض!!ع الق!!انون
لوليّ األمر في إدارة الدولة بَدَالً من عنوان الفراغ القانوني.
1ـ نظريّة عدم الفراغ (لدى المنكرين لوالية الفقيه العا ّمة)6
هناك من الفقهاء مَنْ يرى أن حدود والي!!ة الح!!اكم اإلس!!المي في
عصر الغَيْبة ال تتجاوز أمور الحِسْبة .وعليه ال يوجد لدينا شيءٌ باس!!م
الفراغ القانوني ،الذي ترك الشارع بيان حكم!!ه ل!!وليّ األم!!ر .وقي!!ل في
تعريف أمور الحِسْبة :إن أمور الحِسْبة هي تلك األمور ال!!تي ال تحت!!اج
إلى تدخُّل الجهات الرسمية (الفقهاء في حال!!ة ع!!دم وج!!ود الع!!دول من
المؤمنين) في متابعة الدعاوى والشكاوى والخصومات ،ب!!ل تباش!!ر ذل!!ك
الجهات ذات الصالحية ،حيث تتعرَّض وتتصدّى لهذه األمور ارتجاالً.
إن الفقه!!اء ال!!ذين لم يرتض!!وا والي!!ة الفقي!!ه يجب أن يكون!!وا! من
أصحاب هذه الرؤية .ومن المناسب هنا أن نذكر ـ على س!!بيل المث!!ال ـ
كالم أحد القائلين بهذه النظريّة(.)38
قال صاحب التنقيح« :إن الوالية لم تثبت للفقيه في عص!!ر الغَيْب!!ة
بدليلٍ ،وإنما هي مختصّةٌ بالنبيّ واألئمة^ ،بل الثابت حَسْبَ ما يُس!!تفاد
من الروايات أمران :نفوذ قضائه؛ وحجّية فتواه .وليس له التص!!رُّف في
م!!ال القُص!َّ! ر أو غ!!يره ممّ!!ا ه!!و من ش!!ؤون الوالي!!ة ،إالّ في األم!!ر
الحِسْبي»(.)39
وطبق!!اً له!!ذه الرؤي!!ة ال يمل!!ك وليّ األم!!ر أيّ ح!!قٍّ في وض!!ع
القوانين أو األحكام.
ونتيجة هذه الرؤية عب!!ارةٌ عن ع!!دم حاكمي!!ة ال!!دين والفق!!ه في
جميع أبعاد الحياة؛ خالفاً للقائلين بوالية الفقيه.
وعلى أساس هذه الرؤية ليس أليّ فقيهٍ حقّ التقدُّم على غيره في
تصريف أمور الحِسْبة .ولكنْ طبقاً لرأي المؤمنين بوالي!!ة الفقي!!ه ف!!إن
45 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
وليّ األمر ـ وهو المسؤول عن إدارة المجتم!!ع ـ ل!!ه ح!!قّ التق!!دُّم في
التصدّي ألمور الحِسْبة على سائر الفقهاء.
وكذلك بناءً على ه!!ذه الرؤي!!ة ف!!إن مالك تص!!رُّف الفقي!!ه ه!!و
تحقُّق العنوان الثانويّ؛ خالفاً لرأي الق!!ائلين بوالي!!ة الفقي!!ه؛ ألن مالك
تصرُّف الفقيه يكمن في تشخيص مصلحة النظام وعامّة الناس.
مناقشةٌ واعتراض6
إن أصل ثبوت الوالية للفقيه هو ـ في الجمل!!ة ـ من األم!!ور ال!!تي
كانت وال تزال م!!ورد قب!!ول الكث!!ير من الفقه!!اء .وال!!دليل على ذل!!ك،
مضافاً إلى داللة اآليات والرواي!!ات وكيفي!!ة وض!!ع الق!!وانين ،أن العم!!ل
بالكثير من القوانين يحتاج إلى الوالية وممارسة السلطة من قِبَل الفقيه.
كما يحكم العقل بهذا األمر أيضاً .وإن الجدير بالتحقيق والنقد هنا ه!!و
حدود صالحيات وشرائط وصفات ال!!وليّ الفقي!!ه ،وم!!ا إذا ك!!ان تعيين!!ه
باالنتخاب أو التنصيب.
صر التشريع والتقنين 6باهلل (مع القول بالوالية 6العا ّمة للفقيه)
2ـ نظريّة َح ْ
النظرية األخرى في ما يرتبط بموضوع بحثنا هي أن الفقه!!اء ،رغم
ثب!!وت الوالي!!ة لهم في عص!!ر الغَيْب!!ة ،ال يح!!قّ لهم ممارس!!ة التق!!نين
والتشريع؛ وذلك ألن وضع القانون من مختصّ! ات اهلل س!!بحانه وتع!!الى.
وحيث تمّ بيان حكم جميع الموض!!وعات واألح!!داث الفعلي!!ة والقادم!!ة ال
يوجد هناك فراغٌ قانوني ،حتّى يتصدّى! الفقيه لمَلْء هذا الفراغ.
طبقاً له!!ذه الرؤي!!ة إنم!!ا يك!!ون للفقه!!اء في عص!!ر الغَيْب!!ة ح!!قّ
تش!خيص الحكم اإللهيّ ،ويجب في األح!داث االجتماعي!ة الواقع!ة أن يتمّ
العمل على بيان حكم اهلل .وبعبارةٍ أخرى :إن حكم اهلل ق!!د تمَّ بيان!!ه في
جميع المسائل ،حتّى في الح!وادث الواقع!ة ،وإن وليّ األم!ر إنم!ا ي!بيِّن
أشكالها وقوالبها ،وليس أحكامها.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 46
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
47 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
األخرى.
نق ٌد ور ّد
يبدو أنه حيث لم يتّضح مورد النزاع فقد تمّ الخلط بين المس!!ائل؛
إذ لو كان مراد الذين أنكروا الفراغ الق!!انوني ه!!و المع!!نى األوّل ك!!ان
ذلك صحيحاً ،فليس هناك موضوعٌ! أو واقعةٌ لم يتمّ بيان حكمها بشكلٍ
صريح ،أو على نح!!و اإلطالق والعم!!وم ،أو من طري!!ق األص!!ول العملي!!ة.
وليس هناك مَنْ يناقش في ذلك .فحتّى أصحاب نظرية الفراغ القانوني
يؤمنون بهذا المعنى ،وإالّ فإن!!ه س!!يَرِدُ التش!!كيك في جامعيّ!!ة اإلس!!الم
وشموليّته.
إن الفراغ القانوني المقبول من قِبَل بعض العلماء الكبار عبارةٌ عن
أن اهلل سبحانه وتعالى كم!!ا بيَّن أحك!!ام بعض الموض!!وعات بنفس!!ه على
نحوٍ صريح ،أو على نحو اإلطالق أو العموم !،فقد ت!!رك بي!!ان حكم بعض
الموضوعات األخرى ـ وال سيَّما الموضوعات المرتبطة ب!!إدارة المجتم!!ع،
والتي هي في معرض التغي!!ير ـ إلى ال!!وليّ الفقي!!ه ،وق!!ال :إن حكم!!ه
حكمي .وعلى هذا األساس فإن حكم اهلل في هذه الموارد عب!!ارةٌ عن الحكم
الذي يبيِّنه وليّ األمر على أساس مص!الح عامّ!ة الن!اس .وإن حكم وليّ
األمر غير تطبيق األحكام اإللهي!ة الكلّي!!ة على المص!!اديق ،وغ!ير كش!!ف
األحكام الجزئية من المطلقات والعمومات ،بل كما أن حكم اهلل ه!!و حكمٌ
بشكلٍ مستقلّ ،ف!إن حكم وليّ األم!ر حكمٌ بش!كلٍ مس!!تقلّ ،ولكنْ ب!إذن
وإمضاء اهلل في الموارد الخاصّة.
إن هذا التفسير للفراغ القانوني ـ وال!!ذي من األفض!!ل أن نس!!مّيه
(صالحية تشريع الحاكم) ـ ال يتنافى م!!ع أيٍّ من األدل!!ة المقام!!ة على
نَفْيه.
وأما الروايات الدالّة على بيان جميع األحكام من قِبَ!!ل اهلل س!بحانه
وتعالى ،حتّى األرش في الخدش ،فهي ال تتنافى مع هذا المعنى من الفراغ
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 48
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
القانوني؛ ألن نفوذ وحجّية حكم الحاكم في بعض الموارد إنم!!ا ه!!و في
الواقع بمنزلة بيان الحكم في تلك الموارد من قِبَل اهلل تع!!الى ،وإن حكم
الحاكم إنم!!ا ه!!و ب!!إذن وإرادة اهلل ،واعتب!!ار وحجّي!!ة حكم الح!اكم من
األحكام األوّلية اإللهية.
ق!!ال اإلم!!ام الخمي!!ني« :إن الحكوم!!ة ال!!تي هي ف!!رعٌ عن الوالي!!ة
المطلق!!ة لرس!!ول اهلل| واح!!دةٌ من األحك!!ام األوّلي!!ة في اإلس!!الم ،وهي
مقدَّمةٌ على جمي!!ع األحك!!ام الفرعي!!ة ،بم!!ا في ذل!!ك الص!!الة والص!!وم
والحجّ»(.)42
وكذلك الروايات الدالّة على أن حالل اهلل وحرامه ب!!اقٍ إلى ي!!وم
القيامة ال تتنافى مع هذا المعنى من الفراغ الق!!انوني؛ ألن ص!!الحية وليّ
األمر لجعل الحكم الوالئي هو من األحك!!ام المجعول!!ة من قِبَ!!ل الش!!ارع
أيضاً ،وباقٍ إلى يوم القيامة ،وال يتنافى مع خلود األحكام اإللهيّة أبداً.
وبعبارةٍ أخرى :إن بعض األحك!!ام اإللهي!!ة ثابت!!ة ،وال يط!!رأ علي!!ه
التغيير والتبديل أبداً ،ومن بين هذه األحكام الثابتة صالحيات وليّ األمر
في إدارة الحكم .وأما الق!!ول ب!!أن المقنِّن والمش!!رِّع ل!!ه مواص!!فاتٌ ال
تتوفَّر في غير اهلل سبحانه وتع!!الى فه!!و كالمٌ ص!!حيح في م!!ا يتعلَّ!!ق
ب!!الموارد ال!!تي يعم!!ل فيه!!ا المقنِّن والمش!!رِّع على وض!!ع الق!!وانين
باالستقالل ،وأما في مورد وليّ األمر فحيث يكون اهلل ق!!د أذن ل!!ه يك!!ون
قانونه حجّةً ومعتبراً .وعليه فإن المقنِّن والمشرِّع في الواقع ه!!و اهلل،
وليس الحاكم.
وفي الختام من المناسب إليضاح المسألة أن نشير إلى جعل الوالي!!ة
من قِبَل اهلل لألب في بعض الم!!وارد ،من قبي!!ل :المباح!!ات والمس!!تحبّات
والمكروهات .فكما ال يكون أمرُ وحكمُ الوال!!د منافي!!اً لألحك!!ام اإللهيّ!!ة
كذلك حكم الحاكم ال يكون منافياً لألحكام اإللهيّة أيضاً.
3ـ نظريّة وضع القانون 6من قِبَل ول ّي األمر
49 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 50
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
بحَسَب المصلحة الراهنة .وكما اتّضح بطبيعة الحال فإن هذا الن!!وع من
األحكام تابعٌ في بقائه وزواله لمقتضيات وموجبات المرحلة ،وهي تتغيَّر
وتتحوَّل حَتْماً بتطوُّر المدنية وتغيير المصالح والمفاس!!د .وإن أص!!ل
الوالية بما هو حكمٌ سماويّ يعتبر من م!!وادّ الش!!ريعة ،ال يقب!!ل النس!!خ
والتغيير(.)44
51 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
ج ـ معنى منطقة الفراغ6
ليس معنى منطق!!ة الف!!راغ أن اهلل ليس ل!!ه رأيٌ أو حكمٌ في بعض
الموضوعات !،وإنما منطقة الفراغ تعني أن اهلل سبحانه وتع!!الى ق!!د جع!!ل
حُكْماً لجميع الموضوعات !،ولم يترك أيّ موضوعٍ من دون حكمٍ ،إالّ أنه
ترك تحديد حكم بعض الموضوعات إلى حاكم الشرع .وتوض!!يح ذل!!ك،
على سبيل المثال :لو عمدَتْ السلطة التشريعية في دولةٍ م!!ا إلى إص!!دار
قانون الض!!رائب ،وت!!ركَتْ تحدي!!د مق!!دار ه!!ذه الض!!رائب إلى الس!!لطة
التنفيذيّة ،فهذا ال يعني أن السلطة التشريعيّة ال تمتلك حكم!!اً بالنس!!بة
إلى هذه الموارد ومقدار الضرائب؛ إذ بعد المصادقة على اختي!!ار الس!!لطة
التنفيذيّة تكون قراراتها منسوبةً إلى السلطة التشريعيّة.
وعلى هذا األس!!اس ف!!إن حكم الح!!اكم في م!!وارد منطق!!ة الف!!راغ
(والقدر المتيقَّن منها دائرة المباحات) ه!!و حكم اهلل ،وإن الح!!اكم إنم!!ا
يصدر الحكم من حيث إن اهلل هو ال!!ذي أعط!!اه ه!!ذه الص!!الحية ،وإن منح
الصالحية للحاكم اإلسالمي للحكم في هذه الموارد إنما ه!!و من مص!!ادر
قوّة المنظومة التشريعيّة في اإلسالم ،حيث يمكن اختيار القانون المناسب
لجميع الظروف والحاالت.
ب أو حرام
تحول المباح 6إلى واج ٍ
د ـ ُّ
إن جعل الوجوب أو الحرمة في دائرة األم!!ور المباح!!ة ،ب!!ل وحتّى
المستحبّات والمكروهات في بعض الموارد ،أمرٌ ثابت ومقب!!ول من قِبَ!!ل
أكثر الفقهاء .ومن ذلك:
المورد األوّل :إن المكلَّف يمكنه أن يوجب على نفسه أمراً مباح!!اً،
أو يحرِّمه على نفسه ،بالنَّذْر مثالً .وال أتص!!وَّر فقيه!!اً يخ!!الف ه!!ذه
المسألة.
قال الشيخ الطوسي« :فمتى كان ما نذر علي!!ه وحص!!ل وجب علي!!ه
الوفاء بما نذر فيه ،ولم يسُغْ له تركه»( .)46إذن متعلَّق النذر إما مباحٌ،
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 52
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
53 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
الوالد .وهكذا أمرُ الزوج زوجته أيضاً .فالزوج يمكنه ـ مثل األب واألم ـ
في بعض الموارد أن يُحرِّم مباحاً على زوجته.
قال صاحب العروة ال!!وثقى« :الخ!!امس من الش!!روط :أن ال يك!!ون
السفر حراماً ،وإالّ لم يقصر ،سواءٌ ك!!ان نفس!!ه حرام!!اً ،ك!!الفرار من
الزحف ،وإباق العبد !،وسفر الزوجة ب!!دون إذن ال!!زوج في غ!!ير ال!!واجب،
وسفر الولد مع نهي الوالدين في غير الواجب»(.)49
إن الغرض من نقل هذه الموارد هو أنه إذا قي!!ل ب!!أن اهلل س!!بحانه ـ
وهو الشارع الحقيقي واألصلي ـ قد ت!!رك جع!!ل حكم بعض الموض!!وعات
إلى حاكم الشرع ،وعبَّر عن!!ه بمنطق!!ة الف!!راغ ،ال يجب االس!!تغراب من
ذلك؛ إذ حتّى المكلف العادي يمكنه أن يوجب أو يحرِّم على نفسه ما لم
يوجبه اهلل أو يحرِّمه علي!!ه (كم!!ا في الم!!وارد األوّل والث!!اني والث!!الث
والرابع) ،وفي بعض األحيان يمكن لآلخرين أن يوجبوا أو يحرِّم!!وا على
المكلَّف شيئاً لم يوجبه اهلل أو يحرِّم!!ه (كم!!ا في الم!!وردين الخ!!امس
والسادس).
هـ ـ األدلّة النظريّة 6والعمليّة على صالحية ول ّي األمر للتشريع
ولكي يتّضح البحث سوف نتناول البحث من زاويتين ،وهما:
1ـ الروايات.
2ـ األحكام الوالئيّة للفقهاء.
1ـ الروايات
لق!!د فتح المح!!دِّثون الكب!!ار في كتبهم الروائي!!ة باب!!اً بعن!!وان
«التفويض» ،ونقلوا فيه الكثير من الروايات ،ومنها م!!ا ه!و ت!امّ الدالل!ة
والسند !،وال س!!يَّما ب!!النظر إلى الق!!رائن والش!!واهد الموج!!ودة في ه!!ذه
الروايات ،ومن ذلك أنه جاء في بعضها أحكامٌ وضعها شخصُ رسول اهلل|.
وفي ما يلي نشير إلى عددٍ منها على النحو التالي:
1ـ عن زرارة قال :سمعتُ أبا جعفر وأبا عبد اهلل’ يق!!والن« :إن اهلل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 54
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
عزَّ وجلَّ فوّض إلى نبيِّه| أمرَ خلقه؛ لينظ!!ر كي!!ف ط!!اعتهم؟ ثمّ تال
هذه اآلية﴿ :مَ!!ا آَتَ!!اكُمُ الرَّسُ! ولُ فَخُ!!ذُوهُ وَمَ!!ا نَهَ!!اكُمْ عَنْ!!هُ
فَانْتَهُوا﴾ (الحشر.)50(»)7 :
كما ورد ذات هذا المضمون في الرواي!!ات األخ!!رى ،م!!ع إض!!افة أن
جميع ما فُوِّض إلى رسول اهلل| ق!!د تمّ تفويض!!ه إلى األئمّ!!ة األطه!!ار^
أيضاً ،ومن بينها :الرواية الثالثة.
2ـ عن محمد بن الحسن الميثمي ،عن أبي عبد اهلل× ،ق!!ال :س!!معتُه
يقول« :إن اهلل عزَّ وج!!لَّ أدَّب رس!!وله حتّى قوَّم!!ه على م!!ا أراد ،ثمّ
فوّض إليه فقال عزَّ ذكره﴿ :مَا آَتَ!!اكُمُ الرَّسُ! ولُ فَخُ!!ذُوهُ وَمَ!!ا
نَهَاكُمْ عَنْ!!هُ فَ!!انْتَهُوا﴾ ،فم!!ا ف!!وَّض اهلل إلى رس!!وله| فق!!د فوَّض!!ه
إلينا»(.)51
3ـ عن عبد اهلل بن سنان ،عن بعض أص!!حابنا ،عن أبي جعفر× ق!!ال:
إن اهلل تبارك وتعالى أدَّب محمداً| ،فلما تأدَّب فوَّض إليه ،فق!!ال تب!!ارك
وتع!!الى﴿ :مَ!!ا آَتَ!!اكُمُ الرَّسُ! ولُ فَخُ!!ذُوهُ وَمَ!!ا نَهَ!!اكُمْ عَنْ!!هُ
فَانْتَهُوا﴾ ،وقال﴿ :مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اهللَ﴾ (النساء،)80 :
فكان في ما فرض في القرآن فرايض الصلب ،وفرض رسول اهلل| ف!!رايض
الجدّ ،فأجاز اهلل ذلك له»(.)52
إن هذه الروايات وأمثالها تدلّ على أنه في بعض الموارد تمّ إلق!!اء
أمر التقنين على ع!!اتق رس!!ول اهلل| ،وأن رس!!ول اهلل ق!!د وض!!ع في بعض
الموارد أحكاماً لم يضَعْها اهلل ،كما في الحديث األخير والحديث الراب!!ع
من الباب.
55 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 56
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
57 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
ما جاء في كتاب الجواهر [ما مضمونه](« :)64لو ق!!ام إجم!!اعٌ على
عدم مشروعية الجهاد االبتدائي في عصر غَيْبة الق!!ائم فلن يك!!ون هن!!اك
دليلٌ على عدم مشروعيّته؛ إذ األدلة األخرى قابلةٌ للخدش ،ب!!ل إن أدلّ!!ة
نياب!!ة الفقي!!ه ،باإلض!!افة إلى عم!!وم أدل!!ة الجه!!اد ،تثبت ج!!واز االجته!!اد
االبتدائي في عصر الغَيْبة»(.)65
وجاء في منهاج الصالحين« :الظاهر عدم سقوط وجوب الجه!!اد في
عصر الغَيْبة ،وثبوته في كافّة األعصار ،لدى توفُّر ش!!رائطه .وه!!و في
زمن الغيبة منوطٌ بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة»(.)66
وجاء في كتاب والية الفقيه« :إن ما جاء في الروايات ه!!و وج!!وب
الجهاد االبتدائي مع اإلمام العادل .واإلمام العادل في مقابل اإلمام الج!!ائر.
ومن هنا فإن اإلمام العادل يشمل اإلمام المعص!!وم× والح!!اكم اإلس!!الميّ.
وعلى ال!!رغم من أن مص!!داق اإلم!!ام الع!!ادل في عص!!ر الحض!!ور ه!!و
المعصوم!× .وعليه ال يشترط حضور أو إذن اإلم!!ام المعص!!وم! في الجه!!اد
االبتدائي»(.)67
وعليه ،بناءً على مشروعية الجهاد االبتدائي في عصر الغَيْب!!ة ف!!إن
األمر ب!ه س!يكون من األحك!ام الوالئيّ!ة ،وال يك!ون ناف!ذاً إالّ من قِبَ!ل
الحاكم اإلسالمي.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 58
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
الحج مؤقّتا ً
ّ 6ـ الحكم بتعطيل
قال اإلمام الخميني& ،بشأن صالحيات الحكوم!!ة اإلس!!المية« :يمكن
للحكومة اإلسالمية أن تمنع الحجّ ـ وهو من الفرائض اإللهيّة الهامّ!!ة ـ
مؤقَّتاً ،وذلك عندما تجد أنه مخالفٌ لمصالح الدولة اإلسالميّة»(.)70
ش!! كَّ في أن تعطي!!ل الحجّ عن!!دما ي!!رى الح!!اكم اإلس!!المي ال َ
مصلحةَ المجتمع والدولة اإلسالمية في ذلك يُعَدّ من األحكام الوالئيّ!!ة
والمؤقَّتة.
59 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 60
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
الموقوف! عليه؛ وإذا كان الوقف عامّاً تق!!ع إدارت!!ه على ع!!اتق الح!!اكم؟
هناك عدّة أقوال في هذه المسألة.
والقول القويّ من بين هذه األق!وال ه!و أن إدارة وح!قّ التص!رّف
يكون للحاكم ،سواء قلنا :إن الوقف باقٍ على ملكية الواق!!ف ،أو قلن!!ا :إن
الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه ،أو قلن!!ا :إن الوق!!ف يص!!بح ملك!!اً
هلل»(.)76
وعلى هذا األساس فإن جميع تصرُّفات وأحك!!ام ح!!اكم الش!!رع في
الموقوفات العامّة تكون من األحك!!ام الوالئي!!ة ،وهي تش!!مل بي!!ع الوق!!ف،
وقبض الوقف ،وما إلى ذلك.
3ـ الحكم في أمور المحجور عليهم
()77
قال العالّمة الحلّي ،في القواعد[ !،م!!ا مض!!مونه] « :إن للح!!اكم
اإلسالمي ومَنْ يث!!ق بهم من ع!!دول المؤم!!نين الوالي!!ةَ على المحج!!ور؛
لصغرٍ أو جنونٍ أو إفالسٍ ماليّ أو سَفَهٍ»(.)78
وعلى هذا األساس فإن جميع أحكام الحاكم في هذه الموارد ـ حيث
تنشأ من جهة كونه حاكماً ـ تعتبر من األحكام الوالئية.
61 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
الج ْزية
5ـ الحكم بالعفو أو تعيين مقدار ِ
يذهب الكثير من الفقهاء إلى الق!!ول ب!!أن العف!!و أو تع!!يين مق!!دار
الجِزْية أو نوعها من صالحيات اإلمام (الحاكم اإلسالميّ)(.)81
قال المحقِّ!!ق الحلّي« :في كمّي!!ة الجِزْي!!ة :وال حَ!!دَّ له!!ا ،ب!!ل
تقديرها إلى اإلمام (الحاكم اإلسالمي) ،بحَسَب األصلح»(.)82
وعلى هذا األساس فإن كلّ حكمٍ يصدر عن الحاكم اإلسالمي بشأن
العفو أو تعيين مقدار الجِزْية يندرج ضمن األحكام الوالئية.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 62
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
63 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 64
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
والنفع للمسلمين»(.)94
وقال العالّمة الحلّي« :إنْ أُخذوا [األسرى] بع!!د انقض!!اء الح!!رب
ح!!رم قتلهم ،ويتخيَّ!!ر اإلم!!ام (الح!!اكم اإلس!!المي) بين المنّ والف!!داء
واالسترقاق»(.)95
ويتبيَّن من هذه األقوال بوضوحٍ أن أم!!ر األس!!رى في الح!!رب إلى
الحاكم اإلسالمي ،وأن أحكام وأوامر الحاكم اإلسالمي إنما تكون ناف!!ذةً
في هذا الشأن من جهة الحكم الوالئي؛ ألن!!ه يعم!!ل في ذل!!ك على أس!!اس
المصلحة التي يراها.
65 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
اإلسالميّ.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 66
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
فمنعها مع القدرة ،كلَّفه الحاكم اإلنفاق عليها ،فإنْ لم يفعل أجبره على
ذلك ،فإنْ أبى حبسه أبداً.)103(»...
وقال الشيخ حسين الحلّي« :لو لم يقُمْ [الزوج] بحق!!وق زوجت!!ه،
وأمره الحاكم الشرعي بالقيام بتل!!ك الحق!!وق ،ف!!امتنع عن ذل!!ك ،ولم
يتمكَّن الحاكم الشرعي من إجباره ،...ينفتح بهذا باب الطالق اإلجباريّ،
ويكون األم!!ر دائ!!راً بين اث!!نين :إم!!ا أن يج!!بره الح!!اكم الش!!رعي على
الطالق؛ ليُخلي سبيل الزوجة؛ أو يتولّى الحاكم الشرعي بنفس!!ه ذل!!ك،
ويجري الطالق جَبْراً عليه لو امتنع»(.)104
وقال الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري في ه!!ذا الش!!أن« :ص!!حيح أن
اإلسالم لم يعْطِ حقَّ الطالق للمرأة ـ وه!!ذا ق!!ائمٌ على أس!!اسٍ منطقيّ
عجيب ـ ،ولكنْ هناك م!!وارد يُطْلَ!!ق عليه!!ا مص!!طلح الطالق القض!!ائيّ،
بمعنى أن الزواج لو أصبح بحيث يخلو من المص!!لحة األُسَ! ريّة ،وأص!!رّ
الزوج على عدم الطالق ،يمكن للحاكم الشرعيّ أن يطلِّق الزوجة»(.)105
وقال السيد ال!!يزدي في ه!!ذا الش!!أن« :في المفق!!ود ال!!ذي لم يعلم
خبره ،وأنه حيٌّ أو ميتٌ...؛ وكذا المفق!!ود المعل!!وم! حيات!!ه ،م!!ع ع!!دم
تمكُّن زوجته من الصبر؛ بل وفي غير المفقود ،ممَّن علم أن!!ه محب!!وس
في مكانٍ ال يمكن مجيئ!!ه أب!!داً؛ وك!!ذا في الحاض!!ر المُعْسِ! ر ال!!ذي ال
يتمكَّن من اإلنفاق ،مع عدم صبر زوجته على هذه الحالة ،ففي جميع هذه
الصور وأشباهها ،وإنْ كان ظاهر كلم!اتهم ع!دم ج!واز فكّه!ا وطالقه!ا
للحاكم ،...إالّ أنه يمكن أن يُقال بجوازه»(.)106
ويتّضح من هذه العبارة وغيرها أن حكم الحاكم في بعض الم!!وارد
الخاصّة من األحكام الوالئية.
67 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 68
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
أنزلوا قواتهم في جنوب إيران ،األمر الذي شكَّل تهدي!!داً لإلس!!الم ،فيجب
على كافّة المسلمين من العرب واإليرانيين أن يُعِ!!دّوا أنفس!!هم ل!!دَحْر
الكفّ!!!ار من البل!!!دان اإلس!!!المية...؛ ألن ه!!!ذا من أهمّ الف!!!رائض
اإلسالمية»(.)109
4ـ حكم الجهاد والنفير 6العام ض ّد اإلنجليز6
قال السيد عبد الحس!!ين الالري ،في الح!!رب العالمي!!ة األولى ،حيث
أنزلت القوات اإلنجليزية جنودها في مدينة بوش!!هر ،وعم!!دوا إلى احتالل
المنطقة عسكريّاً« :إن ال!!واجب العي!!نيّ ف!!وريٌّ ...إن الجه!!اد وال!!دفاع
واجبٌ ،وكلُّ مَنْ يتخلَّف أو يتقاعس عن االلتح!!اق به!!ذا الجيش ،وعن
هذا الجهاد األكبر والنهي عن المنكر ،فكأنَّم!!ا تخلَّ!!ف عن جيش أس!!امة
وصاحب العصر والزمان»(.)110
69 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 70
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
71 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 72
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
73 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
خاتمةٌ
وفي الختام من المناسب أن نجعل مسك الخت!!ام له!!ذا البحث نق!!ل
آراء عددٍ من كبار العلماء في هذه المسألة ،وهي صالحية جعل الق!!وانين
في عصر الغَيْبة على عاتق وليّ األمر في الجملة ،على النحو التالي:
1ـ قال الشهيد مرتضى مطهَّري ،في الجواب عن الس!!ؤال القائ!!ل:
هل يحقّ لغير اهلل أن يسنّ الق!!وانين أم ال؟« :يجب ح!!لّ موض!!وعين! في
هذا البحث ،وهما :أوّالً :مسألة وضع الق!!انون ،وه!!ل يح!!ق لغ!!ير اهلل أن
يضع القوانين أم ال؟ وق!د ذكرن!ا أنكم إذا كنتم تقص!!دون ب!ذلك ح!!قّ
الوض!!ع في مقاب!!ل الق!!وانين اإللهي!!ة ف!!الجواب ه!!و :كالّ؛ وإنْ كنتم
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 74
• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات ،دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي
75 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ محمد رحماني
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 76
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
ٌ
باحث إسالم ّي ،وأستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلميّة .له أعما ٌل متعدِّدة. (*)
*)
من لبنان.
77 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 78
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
79 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 80
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
81 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 82
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
تكون مطروحة في الفقه الشيعيّ ،فقد عبَّر عنها اإلم!!ام أحم!!د بتعب!!ير:
التساهل في أخبار فضائل األعمال ،في مقابل التشدُّد! في الحرام والحالل.
ومصطلح التسامح مطروح عندهم أيضاً ،كما تق!!دَّم في كالم الن!!ووي(
676هـ) ،وقال أيض!!اً« :وق!!د اتَّف!!ق العلم!!اء على أن الح!!ديث المرس!!ل
والض!!عيف والموق!!وف يُتس!!امح ب!!ه في فض!!ائل االعم!!ال ،ويُعم!!ل
بمقتضاه»( .)147وأمّا عند الشيعة فقد ظه!رت القاع!!دة به!ذه الص!!يغة في
كلمات المت!!أخِّرين ،ب!!دءاً من الش!!هيد األول(786هـ)( ،)148ومَنْ تاله،
ونُسب ذلك إلى العالّمة الحلّي في موضعين من المنتهى ،كما في كالم
مفاتيح األصول المتقدِّم ،ولم نعثَرْ عليهما.
أـ اإلجماع6
قال ابن فهد الحلّي ،بعد أن أورد بعض أخبار القاعدة« :فص!ار ه!ذا
المعنى مجمعاً عليه عند الفريقين»(.)149
ويَرِدُ عليه:
أوّالً :إنّ دعوى كون القاعدة مجمعاً عليه!ا بين فقه!اء الف!ريقين
غير صحيحة ،كما عرفْتَ ،فال إجماع ش!!يعيّاً وال س!!نّياً على المس!!ألة.
وكيف تكون المسألة إجماعية وال نجد لها ذِكْراً في كلم!!ات فقهائن!!ا،
إالّ ب!دءاً من الش!هيد األوّل في الق!رن الث!امن الهج!ري؟! وق!د س!جَّل
بعضُهم كالم الشهيد األوّل ،الذي جاء فيه« :أح!!اديث الفض!ائل يُتس!!امح
فيها عند أهل العلم»( ،)150معتبراً أنّ هذه الجملة ت!!دلّ على أنّ التس!!امح
إجماعيّ( ،)151والحال أنّ هذه العبارة ينقلها الشهيد األوّل ـ كما يصرِّح
في مستهلّ كالمه ـ عن صاحب الروضة ،وهو النووي( .)152وقد الحَظْنا
83 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
أنّ الشهيد الثاني أفاد أنّ األك!!ثر ج!!وَّزوا العم!!ل ب!!الخبر الض!!عيف في
فضائل األعم!!ال( ،)153وس!!يأتي نق!!ل كالم!!ه الحق!!اً .ولكنْ حتّى دع!!وى
األكثرية غير واضحةٍ؛ بلحاظ ما تقدَّم من س!كوت كث!يرٍ من الفقه!اء
عن هذه القاعدة.
ثانياً :إنّ اإلجماع ـ على فرض تحقُّقه ـ ليس تعبُّدياً كاشفاً عن
رأي المعصوم !،فمن المرجَّح أن القائلين بالتسامح قد استندوا إلى األخبار
المذكورة! في المسألة.
ب ـ الروايات6
وهي العمدة ،من قبيل :صحيحة هش!!ام بن س!!الم ،عن أبي عب!!د اهلل×
قال « :مَنْ سمع شيئاً من الثواب على شيءٍ فصنعه كان له ،وإنْ لم يكُنْ
على ما بلغه»()154؛ وغيرها من األخبار ،التي سنذكرها الحقاً.
ويبدو أنّ تعب!!ير جم!!عٍ من الفقه!!اء عن القاع!!دة المبح!!وث عنه!!ا
بقاعدة «مَنْ بلغ» أكثر انسجاماً مع إنكار داللة األخب!!ار على التس!!امح
في أدلة السُّنَن ،وأقرب إلى العنوان المأخوذ في األخبار.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 84
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
إثباتاً ونَفْياً»( )157فال ينبغي الشكّ ،وال االختالف ،في أن قاعدة التسامح
أص!!وليّةٌ؛ ألنّ البحث ي!!تركَّز على دليليّته!!ا؛ إذ مح!!لّ الكالم وم!!ورد
النقض واإلبرام في دليليّة وحجّية الخبر الضعيف في السُّنَن.
أما لو نظرنا إلى المس!ألة من زاوي!ة ال!رأي النه!ائيّ في القاع!دة،
ومدى داللة األخبار عليها ،ال من زاوية ما يتوقَّع ويترقَّب منها ،ف!!الرأي
سيكون مختلفاً فيها باختالف األنظار؛ فمَنْ اعتق!!د بدالل!!ة األخب!!ار على
التسامح ،وجعل الحجّية للخبر الضعيف ،فالقاع!!دة عن!!ده أص!!وليّةٌ()158؛
ومَنْ رأى دالل!!ة الرواي!!ات على جع!!ل االس!!تحباب على عن!!وان البل!!وغ
فالمسألة عنده فقهيّةٌ( .)159وقد نُوقش ذلك بعدم صحّة م!!ا ذُك!!ر في
توجيهه()160؛ ومَنْ رأى أنّ مفاد الروايات هو« :ثبوت الثواب عن!!د خط!!أ
األم!!ارة للواق!!ع ،ليس إالّ» فالمس!!ألة عن!!ده كالميّ!!ةٌ( .)161وحيث إنن!!ا
نستقرب ـ كما سيأتي ـ أنّ األخبار ال تدلّ على جع!!ل الحجّي!!ة للخ!!بر
الضعيف ،وال االستحباب على عنوان البلوغ ،وإنما الوع!!د بإعط!!اء الث!!واب،
فتكون المسألة المستفادة منها كالميّةً.
85 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
وعال﴿ :وَالَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِ!!هِ عِلْمٌ إِنَّ السَّ! مْعَ وَالْبَصَ! رَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُوالً﴾ (اإلسراء.)36 :
أجل ،ذهب مشهور الفقهاء واألصوليّين إلى خروج الخبر الصحيح،
مع كون!!ه ظنّيّ الس!!ند ،عن عم!!وم! م!!ا دلّ على النهي عن اتّب!!اع الظنّ،
ومستندهم في ذلك أن أدلّة حجّية الخ!!بر ق!!د خصّص!!ت اإلطالق!!ات أو
العمومات المذكورة الناهية عن اتّباع الظنّ.
وفي المقام أيضاً يُدَّعَى! أننا نخرج عن مقتضى القاع!!دة األوّلي!!ة؛
لقيام الدليل أيضاً على ذلك .والدليل هو األخبار التي تج!!يز اإلفت!!اء في
السُّنَن بالخبر الضعيف .وهذه األخبار أخصُّ من أدل!!ة النهي عن اتّب!!اع
الظنّ ،وعدم حجّية الخبر الضعيف ،فتتقدَّم عليه!!ا تق!!دُّم الخ!!اصّ على
العامّ .وعليه ،فقاعدة التسامح؛ بداللتها على حجّي!!ة الخ!!بر الض!!عيف في
السُّنَن ،تمثِّل استثناءً من القاعدة األوّليّة العامّ!!ة ،أع!!ني قاع!!دة ع!!دم
حجّية الظنّ .كما أنّ قاعدة حجّية الخ!!بر الص!!حيح في اإللزاميّ!!ات أو
السُّنَن هي استثناءٌ من تلك القاعدة أيضاً .فال فرق بين استثناءٍ وآخر؛
فمَنْ قبل باالستثناء األوّل في الخبر الصحيح؛ لقيام الدليل عليه ،عليه أن
يقبل باالستثناء الثاني في الخبر الضعيف الوارد في السُّنَن؛ للنكتة عينها،
أعني قيام الدليل عليه.
هذا ،ولكنْ ثمّة اتجاهٌ قريبٌ من الص!!واب ي!!رى أنّ قاع!!دة حرم!!ة
العمل بالظنّ لم تتعرّض لالس!!تثناء والتخص!!يص مطلق!!اً ،حتّى بلح!!اظ
الخبر الصحيح الظنّي ،فضالً عن الخبر الضعيف؛ فالخبر الصحيح الظنّي
ليس حجّةً ،وإنما الحجّة هو الخبر الموثوق نوع!!اً .وه!!ذا ليس خارج!!اً
على نحو التخصيص من تحت أدلّة عدم حجّية الظنّ ،وإنما خ!!رج عنه!!ا
تخصُّصاً؛ ألن الوثوق علمٌ في نظر العُرْف .ولو تغاضينا وتنزَّلنا وقلنا
بالتخصيص األوّل ،أعني خ!!روج الخ!!بر الظنّي من تحت أدل!!ة النهي عن
اتّباع الظنّ ،فمن الصعوبة بمكان أن نوافق على االستثناء الثاني؛ فهو أشدّ
مؤونة من االستثناء األوّل؛ ألنه قد يُقال ب!أن س!يرة العقالء ج!رَتْ على
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 86
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
االستثناء األوّل ـ أعني حجّية الخ!!بر الظنّي الص!!حيح ـ ،أو أن!!ه ب!!دون
األخذ به يلزم انمحاء الدين( ، )162وهذا ال يجري في االستثناء الثاني؛ إذ ال
حاجة تفرضه ،بل إنه قد تترتَّب عليه الكثير من النت!ائج الس!لبيّة ،كم!ا
سنرى.
وثمّة معضلةٌ( )163ثانيةٌ تواجه االستثناء الثاني ،وهو أن!!ه ين!!افي ـ
باإلضافة إلى عمومات النهي عن اتّباع الظنّ ـ منطوقَ قوله تع!!الى﴿ :يَ!!ا
فَاس! قٌ بِنَبَ!أٍ فَتَبَيَّنُ!وا أَنْ
ِ أَيُّهَ!ا الَّ!ذِينَ آَمَنُ!وا إِنْ جَ!اءَكُمْ
تُصِيبُوا قَوْم!!اً بِجَهَالَ!!ةٍ فَتُصْ! بِحُوا عَلَى مَ!!ا فَعَلْتُمْ نَ!!ادِمِينَ﴾
(الحجرات ،)6 :واألمر ب!!التبين إرش!!ادٌ إلى ع!!دم حجّي!ة خ!!بر الفاس!!ق،
فيكون األخذ به في المستحبّات مستلزماً لتخصيصٍ آخر لع!!امٍّ ق!!رآني.
وهذا ما يجعل الوثوق بهذا التخصيص أش!!دّ مؤن!!ة من االس!!تثناء األوّل.
اللهمّ إالّ أن يُقال :إن التعليل ال!!وارد في اآلي!!ة يؤشِّ! ر إلى نظره!!ا إلى
األحكام اإللزاميّة ،دون المباحات بالمعنى األعمّ؛ ألنّ هذه ال يترتَّب على
تركها أو الخطأ فيها ندامةٌ.
ثانياً :ذكر بعض العلماء أنّ القول باالستحباب ،اس!!تناداً إلى أدلّ!!ة
«مَنْ بلغ» وقاعدة التسامح منافٍ لما دلّ على حرمة الكذب( )164على اهلل
تعالى﴿ :آهللُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اهللِ تَفْتَرُونَ﴾ (يونس.)59 :
ويُالحَظ عليه :إنه ـ إذا لم يكن ناظراً في كالمه إلى ما ذكرن!!اه
في الوجه األوّل ـ ال محلَّ للكذب في المقام؛ وذلك ألنّ الك!!ذب إمّ!!ا أن
يكون في الفتوى! التي تضمَّنها الخبر الضعيف؛ وإمّا في اإلفت!!اء اس!!تناداً
إلى الخبر الضعيف ،أي في الطريق.
فإنْ أراد األوّل فيردّه أنّ الفقيه إنم!!ا يحكم باس!!تحباب العم!!ل في
المورد الذي جاء فيه خبرٌ محتمل الصدور والمطابقة للواقع ،وعلي!!ه فال
يصحّ وصف الخبر الضعيف م!!ع كون!!ه محتم!!ل المطابق!!ة بالك!!ذب ،إالّ
بضربٍ من التنزيل المحتاج إلى ال!دليل ،كم!ا في اتّه!ام ال!ذين يرم!ون
المحْصَنات دون إقامة الشهود بأنّهم كاذبون ،كم!!ا نصَّ علي!!ه ال!!ذكر
87 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 88
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
89 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
منها إلى مفاد األخبار .واحتدم النق!!اش بينهم بطريق!!ةٍ عميق!!ةٍ تُظْهِ!!ر
قدرة العقل األصوليّ على التحقيق والبحث ،وال سيَّما على يدَيْ الش!!يخ
األنصاري والمحقِّقين من بعده ،ومنهم :اآلخون!!د الخراس!!اني والن!!ائيني
واألصفهاني .وطبيعيٌّ أنّ بحث هذه الوج!!وه ،وم!!ا قي!!ل فيه!!ا ،وبش!!أنها،
وبيان آراء هؤالء األعالم ونقاشاتهم ،هو عملٌ وجهدٌ خ!!ارج عن موض!!وع
بحثنا ،وهو موكولٌ إلى علم األصول ،وإنم!!ا نكتفي في المق!!ام بإطالل!!ةٍ
إجمالية ومختص!!رةٍ على بعض النقاش!!ات المطروح!!ة في كالم العلمَيْن
الخوئي والصدر ،مع ترجيح ما يمكن ترجيحه.
أما االحتمال األوّل ،وهو أن تكون روايات «مَنْ بلغ» بص!!دد جع!!ل
الحجّية الظاهرية للخبر الضعيف في المستحبّات ،فهو األساس في قاع!!دة
التسامح ،وبانهياره تنهار.
وقد ردّه السيد الخوئي بأنه « بعيدٌ عن ظاهر الروايات غاية البُعْد؛
ألنّ لسان الحجّية إنما هو إلغاء احتمال الخالف ،والبن!!اء على أنّ م!!ؤدّى
الطريق هو الواقع ،كما في أدلّة الطرق واألمارات ،ال فرض ع!!دم ثب!!وت
المؤدّى! في الواقع ،كما هو لسان هذه األخبار .فهو غ!!ير مناس!!بٍ لبي!!ان
حجّية الخبر الض!عيف في ب!اب المس!!تحبّات ،وال أق!!لّ من ع!!دم داللته!ا
عليها»(.)168
وقريبٌ منه ما ذكره اإلمام الخمينيّ(.)169
وناقشه السيد الشهيد في البحوث( )170بمناقشتين:
األولى« :إنّ األم!!ر الط!!ريقي الظ!!اهري ال ينحص!!ر في أن يك!!ون
بمعنى جعل الحجّية للخبر الضعيف ،بل يُعْقَل ذلك على مس!!توى الحكم
باالحتياط ،وهو ال ينافي مع التعبير المذكور».
الثاني!!ة :إنّ اعتراض!!ه إنم!!ا يتمّ بن!!اءً على «مص!!طلحات مدرس!!ة
الميرزا ،من مالحظة ألسنة الجَعْل في األحكام الظاهرية الطريقية ،وأنه!ا
في األمارات بلسان جَعْل الطريقيّة ،وإالّ فقد عرفْتَ بما ال مزي!!دَ علي!!ه
أنّ حقيقة الحكم الظاهريّ وروحه واحدةٌ ،س!!واء ك!ان به!ذا اللس!ان أو
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 90
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
بغيره»(.)171
وما طرحه السيد الشهيد في المناقشة األولى هو وجهٌ آخ!!ر لبي!!ان
طريقيّة أخب!!ار «مَنْ بلغ» ،وق!!د م!!ال إلى تبنّي!!ه في تقري!!رات درس!!ه،
ومفادُه أن المقصود بها «جعل إيج!!اب االحتي!!اط االس!!تحبابيّ في م!!ورد
بلوغ الثواب ،من دون جعل الحجّية للخبر الضعيف ،وترتيب آث!!ار ذل!!ك
عليه»( .)172وهذا ال ينافيه تعبير« :وإنْ كان الرسول| لم يقُلْه».
أقول !:ورُبَما يُالحَظ عليه:
أوّالً :أمّا عدم منافاة التعبير المذكور! مع االحتياط فيَ!!رِدُ علي!!ه
أنّ االحتياط؛ حيث كان لمراعاة مصلحة الواقع وال!ترغيب بإدراك!ه ،فال
يناسبه التعبير بقوله« :وإنْ لم يكن قد قاله» ،بل يناسبه التعبير« !:افعَلْ
ذلك ،فعسى! أن يكون قد قاله» .فمنطلق االحتياط وغايته هو عدم فَ!!وْت
الواقع ،ورجاء إدراكه.
ثانياً :أمّا أن الحُجَج الظاهرية ال تحت!!اج إلى لس!!انٍ خ!!اصّ ،وأن
األساس فيها قوّة االحتمال الكاشف عن الواق!ع ،بص!رف النظ!ر عن لس!ان
جعل الحجّية ،فهو أمرٌ ال نوافقه عليه .والظ!!اهر أنّ الحُجَج الظاهري!!ة
الطريقية تعتمد على لسانٍ خاصّ ،وتحتاج إليه ،واعتماد اللسان هو أم!!رٌ
عقالئيّ ،والشارع لم يخ!!رج عن س!!يرة العقالء في التعب!!ير عن أغراض!!ه
الشرعية ،مضموناً وشكالً ،ثمّ سلّمنا أنّ الحُجَج الظاهرية ال تحتاج إلى
لسانٍ خاصّ ،ولكنْ شرط أن ال يُستخدم! لسانٌ ينافيها ،كم!!ا ه!!و الح!ال
في المقام ،حيث صرّحَتْ األخبار بأن الثواب محف!!وظٌ ،حتّى م!!ع ك!!ون
الخبر مخالفاً للواقع.
ثالثاً :يرِدُ على أصل االحتمال األوّل ـ سواء بتفسير المش!!هور من
ظهور أخبار «مَنْ بلغ» في جَعْل الحجّية الظاهرية للخبر الض!!عيف ،أو
بتفسير الشهيد الصدر من ظهورها في جَعْل االحتياط االستحبابيّ ـ أنّ
األخبار المذكورة ليست بصدد الجَعْل أصالً ،س!!واء أك!!ان جَعْالً للحكم
الظاهري أو جَعْالً لالحتياط االستحبابي ،وإنما هي في مق!!ام الوَعْ!!د أو
91 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 92
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
عزَّ وجلَّ.
وأم!!ا الرابع فق!!د ردَّه الس!!يد الش!!هيد في البح!!وث بأنّ!!ه «خالف
ظهورها في أنه!!ا بص!!دد الحثّ وال!!ترغيب والطلب ،ال مج!!رد اإلخب!!ار أو
الوَعْد الصِّرْف»(.)178
وقد عرفْتَ للتوّ أنّ هذا الوجه يصلح لتتميم الوجه الثالث؛ ليغ!!دو
المقصود بأخب!!ار «مَنْ بلغ» تق!!ديم وإعط!!اء وَعْ!!دٍ مول!!ويٍّ ب!!الثواب
لمصلحةٍ في نفس الوعد !،ول!!و ك!!انت ه!!ذه المص!!لحة هي ال!!ترغيب في
االحتياط؛ باعتبار حُسْنه عقالً(.)179
والذي يب!!دو أن ه!!ذا االحتم!!ال ه!!و أق!!رب االحتم!!االت ،إالّ إذا تمّ
االحتمال الخامس التالي.
وأما الخامس فعلَّق عليه السيد الشهيد بأن!!ه «وإنْ ك!!ان وارداً في
نفسه ،وقد يُستشهد! عليه بما ورد في لس!!ان بعض الرواي!!ات« :مَنْ بلغ!!ه
ثوابٌ على شيءٍ من الخير» ،الظاهر في المفروغية عن خيريّة ورجحان
العمل الّذي بلغ عليه الثواب في المرتبة السابقة ،إالّ أنّ حمل كلّ أخبار
الباب ،حتّى المطلق منها ،على ذلك ال موجب له»(.)180
وما يمكن أن نقول!!ه بش!!أن االحتم!!ال الخ!!امس ،وم!!ا أورده الس!!يد
الشهيد عليه ،عدّة أمور:
األمر األوّل :إنّ غاية ما تدلّ علي!!ه أخب!!ار «مَنْ بلغ» ،بن!!اءً على
هذا االحتمال ،هو أنّ الثواب الذي يُعطاه المكلَّ!!ف ليس ه!!و على العم!!ل
الذي لم يقُلْه النبيّ| من األساس ،بل على عمل الخ!!ير ال!!ذي قاله| ،ولكنْ
لم ينقُلْه الراوي طبقاً لما قاله| ،لجهة درجة الثواب ومقداره .فاالش!!تباه
الذي رُبَما وقع فيه ناقلُ الخبر المتضمِّن لعمل الخير أو للث!!واب علي!!ه
ليس هو االشتباه في أصل ص!!دور عم!!ل الخ!!ير وثواب!!ه عنه| ،وإنّم!!ا في
مرتبة الثواب ،كيفيّةً وكمّي!!ةً .فأص!!ل مرغوبيّ!!ة العم!!ل وخيريّت!!ه ـ
وبالتالي كونه مستوجباً للثواب ـ هو أمرٌ مفروغ منه ،وإنم!!ا التفضُّ! ل
الذي أضافَتْه هذه الروايات هو أنّ اهلل تعالى يعطي العبد ثواب م!!ا بلغ!!ه،
93 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
ولو كان أزيد من ثواب العم!!ل عن!!ده واقع!!اً .فل!!و فرض!!نا أنّ الرواي!!ة
الضعيفة المرويّ!!ة عنه| تق!!ول« :إنّ مَنْ تص!!دَّق رفع!!ه اهلل درج!!ةً في
الجنة» ،فتصدَّق العبد طمعاً في هذه الدرجة ،ولم يكن األمر كما بلغ!!ه،
أعطاه اهلل تلك الدرجة .ولو فرض أن النبيّ| واقعاً كان قد ق!!ال« :مَنْ
تص!!دَّق ك!!ان ل!!ه درجة» ،لكنّ الرواي!!ة الض!!عيفة نقلَتْ عنه|« :أنّ من
تصدَّق له درجتان» ،وتصدَّق العبد؛ طمع!اً بال!درجتين ،ف!إنّ اهلل تع!الى
سيكون عن!!د حُسْ! ن ظنّ عب!!ده! ب!!ه ،ويعطي!!ه ال!!درجتين .وفي المث!!الين
يُالحَظ أنّ أصل العمل ثابتُ المشروعيّة بدليلٍ آخ!!ر ،وأن!!ه من أعم!!ال
الخير والبرّ والصدقة .وبناءً على هذا التفسير ال ش!!مول له!!ذه األخب!!ار
لصورة الشكّ في صدور الحديث المتضمِّن للثواب.
األمر الثاني :إنّ هذا الوجه فيما يبدو ليس مجرّد احتمالٍ مطروحٍ
حديثاً( ، )181بل هو مطروحٌ في كلمات السابقين؛ فقد نقله الشيخ البهائي
عن بعض الفضالء ،وأنه قال« :إن معنى ق!!ولهم :يج!!وز العم!!ل بالح!!ديث
الضعيف في فض!!ائل األعم!!ال ،دون مس!!ائل الحالل والح!!رام ،أن!!ه إذا ورد
حديثٌ صحيحٌ أو حَسَنٌ في استحباب عملٍ ،وورد حديثٌ ضعيفٌ في أن
ثوابه كذا وكذا ،جاز العمل بذلك الح!!ديث الض!!عيف ،والحكم ب!!ترتُّب
ذلك الثواب على ذلك الفعل»(.)182
ويبدو أيضاً من الشيخ الحُرّ العاملي المَيْ!!ل إلي!!ه ،ق!!ال« :واعْلَمْ
أنّ هذه األحاديث ال تدلّ على إثبات االستحباب بالخبر الض!!عيف ،وال على
إثبات اإلباحة به ،بل ال بُدَّ من العلم باإلباحة والمش!!روعيّة واالس!!تحباب
من طريقٍ معتمد !،وإنّما يثبت بالخبر الضعيف ترتُّب الثواب أو مق!!داره،
ال غير»(.)183
وقد حكاه الشيخ األنصاري( )184عن جماعةٍ.
وذهب إليه بعض علماء السنّة ممَّنْ تقدَّمَتْ كلماتهم.
األمر الثالث :إنّ ما يدلّ على ترجيح هذا الوجه هو بعض الروايات،
من قبيل :ما رواه الصدوق ،عن أبيه ق!!ال :ح!!دَّثني عليّ بن موس!!ى ،عن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 94
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
أحمد بن محمد ،عن عليّ بن الحكم ،عن هاش!!م بن ص!!فوان ،عن أبي عب!!د
اهلل× قال« :مَنْ بلغه شيءٌ من الثواب على شيءٍ من خيرٍ ،فعمل!!ه ،ك!!ان
له أجرُ ذلك ،وإنْ كان رسول اهلل| لم يقُلْه»(.)185
وهي واضحةُ الداللة على أنّ خيريّة العمل ثابتةٌ بدليلٍ سابق على
البلوغ.
بَيْدَ أنّ الرواية ضعيفة السند بعليّ بن موسى.
والداللة عينها نجدها في ما رواه الصدوق ،عن محم!!د بن يعق!!وب،
بطرقه إلى األئمّة^« :إنّ مَنْ بلغه شيءٌ من الخير ،فعمل ب!!ه ،ك!!ان ل!!ه
من الثواب ما بلغه ،وإنْ لم يكن األمر كما نُقل إليه»(.)186
وهذه أيضاً ضعيفة السند باإلرسال ،فتصلح لتأييد سابقتها.
وفي خبر محمد بن مروان قال :س!!معتُ أب!!ا جعفر× يق!!ول« :مَنْ
بلغه ثوابٌ من اهلل على عملٍ ،فعمل ذلك العم!!ل؛ التم!!اس ذل!!ك الث!!واب،
أوتيه ،وإنْ لم يكن الحديث كما بلغه»( ،)187فإنه؛ وبلحاظ ذَيْله ،مُشْعِرٌ
ـ إنْ لم يكن ظاهراً ـ بأنّ الحديث حَتْماً صادرٌ عن!!ه| ،لكنّ ال!!راوي لم
يبلغه كما هو ،أي إنّ أصل بلوغ الحديث المتضمِّن للثواب ثابتٌ.
ولكنْ في المقابل يوجد طائفةٌ أخرى من األخبار ـ وفيها الص!!حيح
ـ مطلق!ةٌ من ه!ذه الجه!ة ،وت!دلّ على أنّ العم!ل الب!الغ ،س!واءٌ ك!ان
مفروغاً من خيريّته أم ال ،يُ!!ؤجَر ص!!احبه ويُث!!اب على فعل!!ه ب!!الثواب
الوارد في الخبر الضعيف .ومن هذه الطائفة :صحيحة هشام ،عن أبي عبد
اهلل× قال« :مَنْ بلغه عن النبيّ| شيءٌ من الثواب ،فعمله ،كان أجرُ ذلك
له ،وإنْ كان رسول اهلل| لم يقُلْه»()188؛ وفي صحيحةٍ أخ!!رى لهش!!ام بن
سالم ،عن أبي عبد اهلل× ق!!ال« :مَنْ س!!مع ش!!يئاً من الث!!واب على ش!!يءٍ،
فصنعه ،كان له ،وإنْ لم يكن على ما بلغه»(.)189
والسؤال :هل من تعارضٍ بين الطائفتين؟ وما هو وجه الجمع؟
ذهب الشيخ األنصاري والسيد الش!!هيد ـ وهم!!ا المعترف!!ان ،بنظ!!ر
الطائفة األولى ،إلى صورة المفروغيّة عن كون العمل خَيْراً في نفسه ـ
95 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
()190
ال إلى «أنّ حمل كلّ أخب!!ار الب!!اب ،حتّى المطل!!ق منه!!ا ،على ذلك
موجب له»( )191و«في إطالق البواقي كفايةٌ»(.)192
وال مج!!الَ لالع!!تراض على كالمهم!!ا بأنّ!!ه م!!ا دامت طائف!!ة من
األخبار مطلقة واألخرى مقيّدة فيحمل المطلق على المقيّ!!د؛ ألن!!ه يمكن
أن يُجاب على ذلك :إنّ «المقيّد هن!!ا ال يع!!ارض المطل!!ق حتّى يحم!!ل
المطل!!ق! عليه»( .)193والوج!!ه في ع!!دم التع!!ارض والتن!!افي بينهم!!ا أن
الطائفتين في المقام مثبتتان.
ونالحظ على ذلك أنّ هذه األخب!!ار من الط!!ائفتين هي بمجموعه!!ا
تشير إلى معنىً واحدٍ ،أو قُلْ :هي بصدد بيان موضوعٍ! ومطلوبٍ واح!!د،
فال معنى للتفكيك بينها ،وقراءتها به!!ذه الطريق!!ة التجزيئيّ!!ة ،واعتب!!ار
بعض!!ها مطلق!!اً واآلخ!!ر مقيّ!!داً ،ومن ثمّ دع!!وى أنّ المقيّ!!د ال ين!!افي
المطلق !،بل يتعين قراءتها بطريق!!ةٍ مجموعي!!ة؛ ألنه!!ا تش!!ير إلى مع!!نىً
واحد ،فيحمل المطلق على المقيّد.
على أنّ الطائف!!ة الثاني!!ة تحتم!!ل النظ!!ر إلى م!!ا ج!!اء في األولى؛
فصحيحة هشام الثانية رُبَما كان النظ!!ر في قوله× فيه!!ا« :وإنْ لم يكن
كم!!ا بلغه» ليس إلى الخط!!أ في أص!!ل نق!!ل الث!!واب ،ب!!ل في درجت!!ه.
واالحتمال عينه ـ ولو بدرجةٍ أضعف ـ واردٌ في ص!!حيحة هش!!ام األولى؛
بلحاظ أن الشيء من الثواب في قوله« :مَنْ بلغه شيءٌ من الثواب» أقرب
إلى إرادة حصّةٍ من الثواب ،وهي الحصة المجامعة لكون العمل خَيْراً في
نفسه ،وإالّ لم يكن ثمّ!!ة داعٍ للتعب!!ير الم!!ذكور ،واقتص!!ر على الق!!ول:
«بلغه ثوابٌ» ،وأما الضمير في قوله« :وإنْ ك!!ان رس!!ول اهلل| لم يقُلْه»
فهو يعود إلى الشيء ،ال إلى الثواب ،فيُراد به ما أُريد بالشيء.
وباإلضافة إلى أنّ األخذ ب!!اإلطالق ي!!ترتَّب علي!!ه بعض التَّبِع!!ات
اآلتية ،فإن ذلك يدفعنا إلى التشكيك! في أصل داللة الطائفة الثاني!!ة على
اإلطالق.
األمر الرابع :إذا اتّضح داللة األخبار على هذا المعنى فإيجاد تفسيرٍ
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 96
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
ثبوتيّ له ليس عسيراً ،فمن الممكن القول :إن هذا الث!!واب ال!!ذي يُعط!!اه
العبد! هو تفضُّلٌ من اهلل تعالى ،أي إنّ هذه األخبار تنبئ عن س!!عة ك!!رم
اهلل تعالى ،وأنه عند حُسْن ظنِّ عبده به ،وأنه يريد مكافأة العبد المنق!!اد
له ،وهي ال تخلو من وَعْدٍ إلهيّ ب!!ذلك .ومن الممكن الق!!ول أيض!!اً :إن
الغرض من هذه األخب!!ار ـ كم!!ا ذك!!ر الس!!يد الش!!هيد ـ ه!!و تكمي!!ل
محرّكية األوامر االستحبابيّة.
وختام الكالم !:إنّه في حال تمّ االحتمال الخامس يتعيَّن حمل أخبار
«مَنْ بلغ» عليه .ونقطة الض!عف في!ه هي ض!عف األخب!ار الدالّ!ة علي!ه
سنداً .لكنّه ـ رغم ذلك ـ يبقى محتَمَالً.
وأم!!ا إذا لم يتمّ ف!!األقرب عن!!دها حم!!ل أخب!!ار «مَنْ بلغ» على
االحتمال الثالث مطعَّماً بالرابع.
وأما الوجهان األوّل والثاني فال داللة لألخبار عليهما ،كما سلف.
وعليه ،تسقط قاعدة التسامح في أدلة السُّنَن عن االعتبار ،ويت!!بين
أنه ال أصل لها.
ويؤيِّد ذلك أنّ هذه األخب!!ار ،م!!ع كونه!!ا في متن!!اول األص!!حاب
والفقهاء ،لم يحتمل أحدٌ منهم ـ باس!!تثناء المت!!أخِّرين ـ داللته!!ا على
التسامح في أدلة السُّنَن.
وأما االحتمال األول فال داللة لها عليه ،ولو سلَّمنا بدالل!!ة بعض!!ها
عليه ففي كفايتها إلثبات المسألة األص!!وليّة المخالف!!ة للقاع!!دة تأمُّ!!لٌ
كبير.
ومع سقوط القاعدة ،وانكشاف ض!!عفها ،ال يبقى ثمّ!!ة حاج!!ة لبعض
البحوث التفصيلية ،والفروع المرتبطة بها ،باستثناء بعض النق!اط اآلتي!ة،
التي نرى أهمّية التطرُّق إليها؛ لصلتها ببحثنا ومقاربتنا للمسألة.
97 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 98
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
99 االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• د .الشيخ حسين الخشن
الفت!!اوى ،ي!!ؤدّي إلى النتيج!!ة عينه!!ا؛ ألن ه!!ذا الع!!دد الكب!!ير ج!!دّاً من
المستحبّات والمكروهات هو بنفس!!ه يعطي ويعكس تص!!وُّراً خاصّ! اً عن
اإلس!!الم ورؤيت!!ه لألم!!ور .فص!!ورة اإلس!!الم ال تُؤخَ!!ذ من الواجب!!ات
والمحرَّمات فحَسْب ،بل ومن السُّنَن أيضاً ،فالتساهل في أسانيدها سوف
ينعكس على صورة اإلسالم نفسه.
أمثلةٌ واقعيّة
وإليك بعض األمثلة على التسامح في األحكام المتّصلة بالمف!!اهيم،
وما تركه من انعكاساتٍ سلبيّة:
1ـ ذمّ بعض األعراق :تضمّنت بعض الروايات الضعيفة ذمّاً لبعض
األقوام (ك!!األكراد مثالً) ،أو الش!!رائح االجتماعي!!ة (ك!!ذوي العاه!!ات)،
ودعوة إلى مقاطعتهم اجتماعياً واقتصادياً .وهذه األخبار( ،)195مع ضعفها
السندي !،قد أفتى بها بعض الفقهاء()196؛ استناداً إلى قاع!!دة التس!!امح(.)197
وهذا ما تسبَّب بتق!!ديم نظ!!رةٍ س!!لبية عن التش!!ريع اإلس!!الميّ ،وأوحى
بإقراره بهذه النظرة العنصريّة المقيتة تجاه هؤالء! مع أن اإلس!!الم إنم!!ا
جاء برفض كلّ أشكال العنصريّة .وهكذا ،فإنّ الرواي!!ات ال!!واردة في ذمّ
المرأة ،والمبيِّنة لنقصان عقله!!ا وحظّه!!ا وإيمانه!!ا ،والداعي!!ة إلى ت!!رك
مشاورتها ، )198(...إنّ هذه رواياتٌ ضعيفة ،بَيْدَ أنّ بعضهم لم يَرَ مانعاً
من االلتزام بمفادها؛ ألنّها ال تتضمَّن أحكاماً إلزامية( ،)199مع أنّها تعكس
صورة اإلسالم عن المرأة ،وهي صورةٌ محلّ جَدَلٍ كبير ،ورُبَما ي!!رى
البعض! أنها السبب وراء القمع الذي تتع!!رَّض ل!!ه الم!!رأة في الكث!!ير من
الدول العربيّة واإلسالمية.
2ـ النظ!!رة إلى الطبّ والم!!داواة :نالح!!ظ أن العالّم!!ة المجلس!!ي
يع!!ترف أنّ كت!!اب طبّ األئمة^ «ليس في درج!!ة س!!ائر الكتب؛ لجهال!!ة
مؤلِّفه» .ولكنه يعقِّب على ذلك قائالً« :وال يضرّ ذلك؛ إذ قلي!!ل من!!ه
يتعلَّق باألحكام الفرعية ،وفي األدوي!!ة واألدعي!!ة ال نحت!!اج إلى األس!!انيد
100االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 101
• د .الشيخ حسين الخشن
ج ـ التزهيد بالواجبات6
إنّ االلتزام بقاعدة التسامح ،وإضفاء الشرعيّة على العم!!ل العب!!اديّ
اس!!تناداً إليه!!ا ،س!!وف ي!!ؤدّي إلى حال!!ةٍ من االرتخ!!اء ل!!دى الكث!!ير من
المؤم!!نين ،فتض!!عف همّتهم عن ته!!ذيب النفس ومجاه!!دتها ،وعن القي!!ام
بالمس!!ؤوليات الدينيّ!!ة األساس!!يّة والمه!!امّ الجهاديّ!!ة ،على اعتب!!ار أنهم
ركنوا إلى روايةٍ هنا أو هناك قد جعلَتْ لهم ثواب!!اً عظيم!!اً على عم!!لٍ
صغير ،وأعطَتْهم ضماناً بعدم دخول النار؛ بسبب ه!!ذا العم!!ل ،كم!!ا ه!!و
الحال في ثواب صالة الرغائب ،أو ثواب بعض الزي!!ارات .إنّ ه!!ذا الث!!واب
العظيم س!!يدفع الكث!!يرين إلى الزه!!د باألعم!!ال الكب!!يرة ،والمس!!ؤوليات
االجتماعية المهمّة ،مكتفين بـ «االنتصارات» السَّهْلة ال!!تي تض!!منها لهم
قاعدة التسامح في أدلة الس!ُّ نَن .والحقيق!ة أنّ التوس!ُّ ع ال!ذي عرفَتْ!ه
القاعدة ،وأبواب التسامح الذي دخلَتْها ،قد زاد المح!!اذير ،وأدخ!!ل الكث!!ير
من تراث الوضّاعين إلى الفضاء الدينيّ .وسوف نشير في النقطة الالحقة
إلى بعض األبواب التي توسَّعت القاعدة لتشملها.
س ضعيفة
د ـ بناء القِيَم األخالقية على أس ٍ
إنّ المجال األخالقي هو بنظر الفقهاء من المجاالت التي ت!!دخل في
نطاق السُّنَن ،فيمكن التسامح فيها باالعتماد على األخبار الضعيفة .وه!!ذا
األمر له تأثيرٌ سلبيّ بالغ على س!!لوكيات الف!!رد المس!!لم ،كم!!ا س!!نرى
بعض أمثلته .وما يزيد في الطين بِلّ!!ةً ،وي!!دعو لالس!!تغراب ،أنّ العق!!ل
الفقهيّ ال ي!!زال بعي!!داً إلى ح!!دٍّ كب!!ير عن التأص!!يل النظ!!ري للفق!!ه
التربويّ ،ويتعامل مع الموضوع بش!!يءٍ من االس!!تخفاف؛ كون!!ه يتّص!!ل
باألخالقيات واآلداب المحكومة ـ لدى هذا العق!!ل ـ بقاع!!دة التس!!امح في
أدلّة السُّنَن .ومضافاً إلى ذلك ،فإنّ نمط االستنباط الفقهيّ الس!!ائد ال
يساعد على إنتاج فقهٍ من هذا القبي!!ل؛ ألنّ!!ه يعتم !د! منهج!!اً تفكيكي!!اً ذا
آليّاتٍ صناعية ال تُعنى كث!!يراً باالعتب!!ارات التربويّ!!ة واألخالقي!!ة ،وال
102االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 103
• د .الشيخ حسين الخشن
ـ يتبع ـ
104االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة التسامح في أدلة السنن ،ودوْ رها في تسرب الموضوعات /القسم األول
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 105
• الشيخ حسن الصفار
الهيمنة الذكوريّة
بين التشريع الدين ّي واألعراف االجتماعيّة
(*)*)
الشيخ حسن الصفار
تمهي ٌد
تُعَدّ العالق!!ة الزوجيّ!!ة إح!!دى أخصّ وأوث!!ق العالق!!ات بين ب!!ني
البشر .فالعالق!!ة بين ال!!زوجين مفتوح!!ةٌ على ج!!انبي ال!!روح والجس!!د،
مضافاً إلى التداخل واالندماج النفسي بينهما ،حتّى وصف القرآن الك!!ريم
هذه العالقة باعتبارها نوعاً من السَّكَن لنفس اإلنسان ،قال تعالى﴿ :وَمِنْ
آيَاتِهِ أَنْ خَلَ!!قَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِ! كُمْ أَزْوَاج!!اً لِّتَسْ! كُنُوا! إِلَيْهَا﴾،
فالزوج وفق التعبير القرآني سَكَنٌ لزوجته ،والزوجة سَكَنٌ لزوجها.
وأشارَتْ آيةٌ قرآنية أخرى إلى وصف العالقة الزوجيّ!!ة باللب!!اس،
فالزوج بمنزلة اللباس للزوجة ،والعكس صحيح ،قال تعالى﴿ :هُنَّ لِبَاسٌ
لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾ .ومن المعلوم! أنّ عالق!!ة اإلنس!!ان بلباس!!ه
تمتاز بااللتصاق في المقام األوّل ،حيث يلتص !ق! اللب!!اس بالجس!!م تمام!!اً،
وحينما يصف القرآن الكريم العالقة الزوجية باللباس فإنّ ذلك من ب!!اب
التمثيل لحالة القُرْب الشديد! إلى حدِّ االلتصاق بين الزوجين .كما يأتي
وصف العالقة الزوجيّة باللباس؛ لما في اللب!!اس من حماي!!ة للجس!!م ،من
البرد والحَرّ والغبار وسائر العوامل الخارجية ،التي يمكن أن تؤثِّر على
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 107
• الشيخ حسن الصفار
أهمّية السؤال انطالقاً من خطورة هذا الق!!رار على مس!!تقبلها ،فهي ال!!تي
ستكون تحت قوامة الزوج؛ على النقيض من الرجل ،الذي س!!يكون ص!!احب
السُّلْطة ،وبيده قرار الطالق .كما أنّ المرأة هي الطرف األكثر انفعاالً
وتأثُّراً في الحياة الزوجية .وعليه ،فهي معنيّةٌ مباش!!رة باتّخ!!اذ ق!!رار
الزواج ،فهل لها حقُّ اتّخاذ القرار بالزواج أم ال؟
ينبغي القول :إنّ ه!!ذا الموض!!وع لم يكن مح!!لَّ بحث في العص!!ور
الماضية ،حين كانت المرأة تعاني التهميش الش!!ديد !،والنظ!!رة الدُّوني!!ة،
نتيجة الهَيْمنة الذكورية المتفشِّية ،لذلك لم يكن للمرأة رأيٌ يُذْكَر
في تحديد مصيرها ،بل لم يكن يُنْظَر إلى الم!!رأة باعتباره!!ا في مرتب!ةٍ
موازي!!ة للرج!!ل ،وإنّم!!ا هي في مرتب!!ةٍ دون الرج!!ل ،كم!!ا في بعض
الحضارات والتنظيمات االجتماعية القديمة.
لقد ساهم ظه!!ور اإلس!!الم في ب!!روز تغي!!يرٍ جَ!!ذْريٍّ في نَمَ!!ط
التعامل مع المرأة ،الجاري في األق!!وام الس!!ابقة .ولكنْ م!!ا ال!!ذي أض!!افه
اإلسالم حيال امتالك المرأة قرارها في الزواج؟
حقيقة األمر أن هناك نقاش!!اً محت!!دماً بين فقه!!اء اإلس!!الم حي!!ال
موضوع حقّ المرأة في اتّخاذ قرار الزواج .ولقد بلغ من اختالف الفقهاء
في مسألة تزويج المرأة نفسها حدّاً جع!!ل أح!!د العلم!!اء الكب!!ار؛ الش!!يخ
يوسف البحراني ،يقول في كتابه الحدائق« :وق!!د عَ!!دَّها األص!!حاب من
أمّهات المسائل ،ومعضالت المشاكل ،وقد صُنِّفت فيها الرس!!ائل ،وك!!ثر
السؤال عنها والسائل ،وأطنب جملةٌ من األص!!حاب فيه!!ا االس!!تدالل له!!ذه
األقوال ،وأكثروا فيها القي!!ل والق!!ال»( .)209وه!!ذا م!!ا يش!!ير إلى م!!دى
التعقيد المحيط بهذه المسألة.
أمّا عن أهمّ األقوال في مسألة حقّ المرأة في تزويج نفسها فهن!!اك
ثالثة أقوال:
108االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
يحصر القول األوّل قرار التزويج بيد الوليّ فقط؛ إذ يرى جمل!!ةٌ
من الفقهاء ـ من مختلف المذاهب ـ أنّ ق!!رار ال!!زواج بالنس!!بة إلى البنت
البِكْر محصورٌ بيد وليِّها ،الذي قد يكون األب أو الجدّ لألب .وعلى رأي
المذاهب السنّية ينتقل القرار إلى العَصَبة ،من أعمامٍ وأخ!!والٍ ،في ح!!ال
وفاة األب والجدّ.
وبذلك ال قرار للبنت في أمر زواجها ،وفقاً لهذا الرأي.
واستدلّ هذا الفريق من الفقهاء بجملةٍ من الرواي!!ات ،ومن ذل!!ك:
صحيحة فضل بن عبد المل!!ك ،عن أبي عب!د اهلل الص!ادق× أن!ه ق!ال« :ال
تُستأمَر الجارية التي بين أبوَيْها ،إذا أراد أبوها أن يزوِّجه!!ا ه!!و أنظ!!ر
لها»( ، )210أي إنّ البنت ال رَأْيَ لها إذا ما قرَّر والدها تزويجها.
واستدلّوا كذلك برواي!!ةٍ أخ!!رى عن اإلم!!ام الص!!ادق× ،كم!!ا في
صحيحة الحلبيّ ،في الجارية يزوِّجها أبوها بغير رضاً منها ،أن!!ه ق!!ال×:
«ليس له!!ا م!!ع أبيه!!ا أم!!رٌ ،إذا أنكحه!!ا ج!!از نكاحه!!ا ،وإنْ ك!!انت
كارهةً»(.)211
وقد استند هذا الفريق من الفقهاء الشيعة على هذه الروايات ،وقالوا
بأنّ القرار بيد الوليّ.
ويوافقهم في ذلك الش!!افعية والمالكي!!ة ،حيث ق!الوا؛ تثبت الوالي!!ة
إجباريّاً لألب ،وللج!!دّ عن!!د عدم!!ه .فلألب ت!!زويج البِكْ!!ر ،ص!!غيرةً أو
كبيرةً ،بغير إذنها ،ويستحبّ استئذانها.
وجماع الق!ول عن!د ه!ذا الفري!ق :إنّ البنت ال ق!رار له!ا في أم!ر
زواجها ،وإنّما يُتَّخذ بالنيابة عنها أخطرُ قرارٍ يتحدَّد بموجبه مصيرها
ومستقبلها.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 109
• الشيخ حسن الصفار
رشيدةً.
وعلَّلوا ذلك بأنّ األصل في الشريعة هو سلطة اإلنسان على نفسه.
ولكون المرأة إنساناً فهي كذلك مسلَّطةٌ على نفس!!ها ،وإالّ فم!!ا ال!!ذي
يجعل الرجل يمتلك قراره بيده فيما ينتزع ذلك الحقّ من المرأة؟
وهنا يمكن القول بوجود استثناءٍ في عدم منح المرأة ح!!قّ ت!!زويج
نفسها ،لكنّ ذلك يستلزم دليالً واضحاً ،وهو غير موج!!ودٍ ،وفق!!اً له!!ذا
الفريق من الفقهاء.
ويستند! ه!!ؤالء الفقه!!اء أيض!!اً إلى جمل!!ةٍ من األدلّ!!ة والنص!!وص
الدينية الدالّة على أنّ الفتاة البِكْر تستقلّ بق!!رار ت!!زويج نفس!!ها ،ومن
ذلك :ما رُوي عن زرارة ،عن اإلمام الباقر× أنه قال« :إذا ك!!انت ام!!رأةٌ
مالكةٌ أمرها ،تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت ،فإنّ
أمرها جائزٌ ،تزوج إنْ شاءَتْ بغير إذن وليِّها؛ وإنْ لم تكن ك!!ذلك فال
يجوز تزويجها إالّ بإذن وليِّها»( .)212ومضمون ذلك ـ وفقاً للرواي!!ة ـ
أن ح!!قَّ الم!!رأة في ت!!زويج نفس!!ها ،بغ!!ير إذنٍ من وليّه!!ا ،يتقيَّ!!د
باستقالليّتها الماليّة ،ورُشْدها العقلي.
وضمن هذا السياق نقل السيّد محسن الحكيم ،في المستمسك ،خ!بر
ابن عباس ،أنّ جاريةً بِكْراً جاءَتْ إلى النبيّ| ،فقالت :إنّ أبي زوَّجَ!!ني
من ابن أخٍ له؛ ليرفع خسيسته ،وأنا له كارهةٌ ،فقال|« :أجيزي ما ص!!نع
أبوكِ» ،فقالت :ال رغبة لي في ما صنع أبي ،قال|« :فاذهبي ،ف!!انكحي مَنْ
شِئْتِ»(.)213
وقد ورد هذا الحديث عن ابن ماجة(.)214
وبناءً على هذه األدلّ!!ة وأمثاله!!ا ذهب إلى ه!!ذا ال!!رأي كث!!يرٌ من
العلماء ،المتقدِّمين والمتأخّرين ،وأصبح ه!!و ال!!رأي المش!!هور ،حتّى أنّ
بعض الفقهاء ادّعى اإلجماع على هذا الرأي ،كما عند الس!!يّد المرتض!!ى،
وصاحب الجواهر ،والشهيدين في اللمعة والروضة ،ومال إلى ه!!ذا ال!!رأي
السيّد الشيرازي في بحثه االستدالليّ ،حيث قال« :واألقرب في النظر أنّ
110االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
الوالية بيدها وحدها؛ لألدلة التي تقدَّمَتْ .وال تقاومها س!!ائر األدل!!ة؛ إذ
إنّ أدلة سائر األقوال ،باإلضافة إلى منافاتها لألدلّة العامّة ،مثل« :الن!!اس
مسلَّطون» ونحوه ،ال بُ!!دَّ أن تُحْمَ!!ل على ن!!وعٍ من األدب»( .)215فه!!و
يرى في بحثه االستدالليّ أنّ أخذ المرأة اإلذن من وليّها في الزواج يأتي
من باب التأدُّب وحَسْب ،وإنْ قال في فتاواه العمليّة باالحتياط.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 111
• الشيخ حسن الصفار
112االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
ترجيح أحد اآلراء ،مع أهمّية النظر في ت!!أثيرات اختي!!ار أو ت!!رجيح أيّ
حكمٍ شرعيٍّ على سمعة اإلسالم ،وواقع المسلمين.
وال س!!يَّما أنن!!ا م!!ا ن!!زال نواج!!ه اس!!تغالالً لبعض اآلراء الفقهيّ!!ة
المتقادمة في تعزي!!ز بعض الع!!ادات واألع!!راف ،وإمض!!ائها في المجتم!!ع،
ومنها :تلك المتعلِّقة بمسألة تكافؤ النَّسَب بين ال!زوجين ،ال!ذي يع!ني
أنّ أيّ شخصٍ تزوَّجت إحدى! أقاربه من شخصٍ يعتبره ه!!و من قبيل!!ةٍ
أو عائلةٍ أقلّ شأناً ،وأدنى! مكان!!ةً من قبيلت!!ه ،فل!!ه أن يرف!!ع قض!!يّة في
المحكمة؛ للتفريق بينهما .وهذا ما حصل بالفعل في المملك!!ة ،في ح!!االتٍ
متك!!رِّرة ،حيث انش!!غلت الص!!حافة المحلِّي!!ة وال!!رأي الع!!امّ في اآلون!!ة
األخيرة بقضيّةٍ من هذا القبيل ،كما ورد في صحيفة الحياة ،بتاريخ 29
جمادى اآلخرة 1437هـ ،بعنوان« :حكم قضائيّ بفسخ فتاةٍ س!!عودية من
زوجها» ،علماً بأنّ زوجها يعمل جنديّاً في القوات المس!!لَّحة ،وه!!و من
النَّس!! ب،
َ المقاتلين على الحدّ الجنوبي ،وذلك تحت مبرِّر ع!!دم تك!!افؤ
ومردُّ ذلك إلى أنّ أعمام الزوجة رفعوا دعوى إلحدى محاكم الرياض،
وقد نظرَتْ المحكمة في الدَّعوى !،فيما لجأَتْ الزوجة إلى بثِّ معاناته!!ا
من خالل مقطعٍ مصوَّر انتشر ع!!بر مواق!!ع التواص!!ل االجتم!!اعي ،وق!!د
كانت تستغيث ،وتأمل من الملك ،ووليّ العه!!د ،ووزارة الع!!دل ،معالج!!ة
أمرها ،وإعادة النظر في ق!!رار المحكم!!ة؛ لكونه!!ا ح!!امالً ،ويش!!غل باله!!ا
كثيراً التفكير في مستقبلها ومصير وليدها الم!!رتقب ،وال س!!يَّما أنّه!!ا
تتشبَّث بزوجها ،وهو كذلك ال يريد التخلّي عنها .وهذه ليست القضية
األولى وال الوحيدة التي تنظرها المحاكم في قضايا تكافؤ النَّسَب ،فق!!د
نظرَتْ المحاكم السعودية في أكثر من 63دعوى لفس!!خ عق!!د نك!!احٍ؛
بمبرِّر عدم تكافؤ النَّسَب.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 113
• الشيخ حسن الصفار
114االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 115
• الشيخ حسن الصفار
معيَّن فإنّ رأيه!!ا ينبغي أن يك!!ون مح!!لَّ اح!!ترامٍ ،وذل!!ك ب!!النظر إلى
التداعيات الخطيرة المتوقَّعة في حال تمّ صرفها تحت ضغط العائل!!ة عن
الزواج ممَّنْ تريد .وغاية ما هناك أن يج!ري الح!!ديث معه!!ا ،ومحاول!ة
إقناعه!!ا بص!!رف النظ!!ر عن ذل!!ك ال!!زواج ،إذا ك!!انت هن!!اك م!!برِّراتٌ
صحيحة ،وإالّ فال جدوى من الضغط عليها إذا تش!!بَّثَتْ برأيه!!ا؛ لم!!ا في
ذلك من عواقب غير محمودةٍ إذا تزوَّجَتْ الحقاً بمَنْ ال ت!!رغب في!!ه؛
حيث ستفقد االستقرار في عالقتها الزوجيّة الجديدة؛ ب!!النظر النش!!دادها
وعواطفها المنشغلة بأحدٍ آخر.
والحال نفسه مع الشابّ ال!!ذي ج!!رى رفض ارتباط!!ه بالفت!!اة ال!!تي
يحبّ؛ إذ ستكون عالقته الزوجيّة المستقبليّة غ!!ير مس!!تقرّةٍ؛ النش!!داده
إلى فتاةٍ أخرى .وجميع ذلك يقود إلى ب!!روز مش!!اكل جِدِّي!!ة ،رُبَم!!ا
قادَتْ إلى انحرافاتٍ أخالقية ،وتفكُّ!!كٍ أُسَ! رِيّ .ل!!ذلك ينبغي إع!!ادة
النظر في هذا األمر ،على نحوٍ يكون هنالك إقرارٌ بحقّ الفتاة في ق!!رار
الزواج بمَنْ تشاء ،وعلى األسرة أن تمحضها الرأي ،وتساعدها في ترش!!يد
قرارها ،مع حفظ حقِّها في اتّخاذ القرار النهائي.
116االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
وتعلُّم االل!!تزام به!!ا .فم!!تى! م!!ا نش!!أ في عائل!!ةٍ تح!!ترم قِيَم العدال!!ة
والحُرِّية والكرامة وسائر حقوق اإلنسان فإنّه سيتربّى على هذه القِيَم،
وسيزعجه مخالفتها ضمن أيّ دائرةٍ أخرى ،وسيكون له موقفٌ حاسم في
حال مواجهته أليِّ اعتداءٍ على ه!!ذه القِيَم ض!!من محيط!!ه االجتم!!اعيّ.
وعلى النقيض من ذلك ،إذا ما عاش الفرد أجواء القَمْع وانتهاك حقوق!!ه
اإلنسانية ضمن محيطه العائليّ فإنّه سيتقبَّل ذات االنتهاكات إذا مورست
بحقِّ!!ه ض!!من محيط!!ه االجتم!!اعيّ األوس!!ع ،ولن يج!!د أدنى غراب!!ةٍ في
خضوعه للقَمْع في المدرسة أو الشارع أو مكان العمل.
فالعائلة هي الدائرة األس!!اس ال!!تي ينبغي أن تتك!!رَّس فيه!!ا القِيَم،
وتتعزَّز من خالله!!ا س!!لوكيّات االل!!تزام به!!ا .ويمكن مالحظ!!ة ال!!تزام
المجتمعات المتحضِّرة بتعزيز ه!ذه القِيَم ض!من المحي!ط الع!ائليّ في
المقام األوّل؛ إلدراكها التامّ بأنّ انتهاك هذه القِيَم ضمن دائرة العائل!!ة
سيجعلها منتهكةً ومهدورةً في باقي الدوائر والساحات.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 117
• الشيخ حسن الصفار
طَلَّقَهَا فَال تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْ!!رَهُ فَ!!إِنْ
طَلَّقَهَا فَال جُنَ!!احَ عَلَيْهِمَ!!ا أَنْ يَتَرَاجَعَ!!ا إِنْ ظَنَّ!!ا أَنْ يُقِيمَ!!ا
حُدُودَ اهلل وَتِلْكَ حُدُودُ اهلل يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ .وق!!د ج!!اء
التأكيد على ﴿حُدُودُ اهللِ﴾ لستّ مرّاتٍ؛ بغرض التدليل على ض!!رورة أن
تكون العائلة منطلقاً لرعاية الح!!دود ،واح!!ترام القِيَم ،س!!واء في دائ!!رة
المجتمع أم الوطن أم األمّة ،وصوالً إلى دائرة األُسْرَة اإلنسانيّة.
فحين يش!!دِّد ال!!دين على تحقي!!ق العدال!!ة على ك!!لّ الص!ُّ! عُد!،
االجتماعي!!ة والسياس!!ية ،وفي العالق!!ات الدولي!!ة ،ف!!إنّ نقط!!ة االنطالق
لتحقيقه!!ا يب!!دأ! من العائل!!ة أيض!!اً ،ق!!ال تع!!الى في م!!ا يرتب!!ط بتع!!دُّد
الزوجات﴿ :فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾.
كما ينسحب ذلك على التزام العدالة بين األوالد ،والمس!!اواة بينهم
في المعاملة؛ فقد ورد عن أمير المؤمنين× أنه قال« :أبصَ! رَ رس!!ول اهلل|
رَجُالً لَهُ وَلَدانِ ،فَقَبَّلَ أحَدَهُما وتَ!!رَكَ اآلخَ!!رَ ،فَق!!الَ| :فَهَالَّ
واسَيْتَ بَينَهُما»()221؛ وجاء في حديثٍ آخر عن رس!!ول اهلل| أنّ!!ه ق!!ال:
«اتَّقوا اهلل ،واعدلوا بين أوالدكم»( .)222إنّ معان!!اة األبن!!اء من التمي!!يز
داخل األس!رة س!يجعلهم يتقبَّل!ون التمي!يز على الص!عيدَيْن االجتم!اعي
والسياسي.
واستطراداً ينبغي الوقوف عند الفهم الملتَبِس لمسألة قوامة الرجل
على الزوج!!ة في المجتمع!!ات المس!!لمة؛ انطالق!!اً من اآلي!!ة الكريم!!ة
﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ ،فهل تع!!ني القوام!!ة اإللغ!!اء الت!!امّ
لشخصيّة المرأة ،كما قد يفهم بعضٌ؟ وهل معنى ذلك أن تتنازل المرأة
عن شخصيّتها وكيانها لص!!الح الرج!!ل ،على نح!!وٍ تك!!ون في!!ه خاض!!عةً
للسلطة المطلقة للزوج في كلّ المجاالت؟
ينبغي أن نقول بوضوحٍ :إنّ القوامة التي تفهم على ه!!ذا النح!!و ال
يُقِرُّها الدِّين ،وال يقيم لها الفق!!ه اإلس!!المي وَزْن!!اً .لكنّ مجتمعاتن!!ا
كانت وما تزال ترزح تحت هَيْمنة األعراف والتقاليد الذُّكوري!ة ،ال!تي
118االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
ال يمتّ بعضُ! ها إلى ال!!دِّين بص!!لةٍ ،وم!!ا ه!!و إالّ التكلُّ!!ف في تطوي!!ع
النصوص الدينية بغَرَض إسباغ الشرعيّة على تلك األعراف والتقاليد.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 119
• الشيخ حسن الصفار
120االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
على احترام سلطة اإلنسان على ماله ،يتصرَّف فيه كيف يش!!اء ،وتج!!رِّم
التعدِّي على أموال الغير ،أو تعويقهم عن التصرُّف في أموالهم.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 121
• الشيخ حسن الصفار
لتنتقل معها صالحية التصرُّف إلى غيره .كما لو كان المالك ص!!غيراً
في السنّ ،أو مجنوناً ،أو غير راشدٍ ،فإنه يفقد بذلك حقَّ التصرُّف في
ماله ،بل إنّ من الظلم إعطاء حقّ التصرُّف لمَنْ كان ه!ذا حال!ه؛ ألنّ!ه
سيبدِّد أمواله هَدْراً.
ويعالج المشرِّعون هذه الحاالت بتعيين ال!!وليّ على أمث!!ال ه!!ؤالء
األشخاص ،ليك!!ون لل!!وليّ ح!!قّ التص!!رُّف في الم!!ال ،في م!!ا يص!!بّ في
مصلحة المولَّى عليه؛ فإذا ك!!بر الص!!غير ،أو ش!!في المجن!!ون ،أو ص!!لح
الفاقد للرشد ،تنتقل له حينها صالحية التصرُّف كاملة؛ باعتباره صاحب
المال األصليّ.
122االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 123
• الشيخ حسن الصفار
ومردُّ ذلك إلى أنّ للزوج على زوجته حقَّين فق!!ط ،هم!!ا :ح!!قّ
االستمتاع؛! وحقّ المساكنة .وما دام عملها ال يتعارض مع هذين الحقَّين
فال حاجة لها الستئذان زوجها في العمل.
أما إذا كان عمل الزوجة يستلزم خروجها من البيت فعن!!دها ينبغي
أن ال يتعارض مع حقّ المساكنة ،وذلك بناءً على ال!!رأي الفقهي القائ!!ل
بع!!دم ص!!حّة خ!!روج الم!!رأة من بيت زوجه!!ا إالّ بإذن!!ه ،على اختالفٍ
تفصيليّ بين الفقهاء حول ما إذا كان وج!!وب االس!!تئذان ب!!الخروج على
نحو اإلطالق أم أنّ الوجوب ال يقع إالّ في حال زاحم خروجها حقَّ!!ه في
االستمتاع؛! حيث يرى بعض الفقهاء بأنّ استئذان الم!!رأة في الخ!!روج من
الم!!نزل ليس واجب!!اً على نح!!و اإلطالق ،م!!ا دام ال يتع!!ارض م!!ع ح!!قّ
االستمتاع؛! في حين يرى فقهاء آخرون عدم جواز خروج المرأة من البيت
مطلقاً إالّ بإذن زوجها.
وبناءً على الرأي األخير إذا أجاز لزوجته الخروج للعمل ،أو ك!!ان
ذلك مشروطاً في عقد الزواج ،فإنّ األَجْر الذي تحصل عليه لقاء عملها
يكون حقَّها وملكاً لها وَحْدها ،وال يصحّ للزوج أن يتص!!رَّف في ش!!يءٍ
منه إالّ بإذنها ورضاها.
ق ثابت للزوجة
النفقة ح ٌّ
إنّ حقّ النفقة ثابتٌ للمرأة على الزوج في كلّ األحوال ،حتّى ل!!و
كانت غنيّةً غير محتاجةٍ .وذلك بخالف نفقة الرجل على والدَيْه ،التي
ال تكون واجبةً عليه إالّ إذا كان الوالدان محت!!اجين ،وليس!!ت واجب!!ةً في
حال كان الوالدان مقتدرَيْن ماليّاً .وكذلك الحال بالنس!!بة إلى نفق!!ة
األب على األوالد ،فهي غير واجبةٍ إذا ما ك!!ان األوالد مقت!!درين ماليّ!!اً.
لكنّ حقّ المرأة في النفقة ال يس!!قط أب!!داً ،فه!!و ح!!قٌّ ث!!ابت في ك!!لّ
األحوال ،س!!واء ك!!انت محتاج!!ةً لتل!!ك النفق!!ة أم ك!!انت ثريّ!!ةً غ!!ير
124االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
محتاجةٍ.
ابتزاز المرأة ماليّاً6
المرأة هي صاحبة الحقّ والمتصرِّف الوحيد في أموالها وأمالكها،
وليس من حقّ أحدٍ ،ال أباً وال أخاً وال زوج!!اً ،التص!!رُّف في ش!!يءٍ من
أموال المرأة إالّ بإذنها ورضاها .وق!!د اس!!تخدم الق!!رآن الك!!ريم تعب!!يراً
ش!! يْءٍ مِنْ!!هُ
دقيقاً في هذا الصَّدد ،قال تعالى﴿ :فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ َ
نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾ ،ويعني ذلك أنّ االستثناء الوحي!!د ألخ!!ذ
شيءٍ من أموال المرأة إذا كان ذلك عن طيب نفسٍ منه!!ا ،ال أن يج!!ري
االستحواذ على مالها باالبتزاز ،وممارسة الضغوط عليها ،كما بات يج!!ري
في كثيرٍ من القضايا والحاالت.
واالستحواذ على هذا النحو على مال المرأة ،زوجةً أو بنتاً أو أختاً،
أمرٌ غير جائزٍ شرعاً .ومن ذلك :ما يفعله بعض اآلباء الذين يحرم!!ون
بناتهم العامالت من الزواج؛ طمعاً في دخلهنّ .وقد نشرَتْ إحدى الصحف
السعوديّة قبل فترة عن امرأةٍ لم يتسنَّ لها الزواج إالّ بعد وف!!اة أبيه!!ا،
وقد بلغَتْ األربعين من العمر؛ وذلك ألنّ أباها درج على االستحواذ على
أجرها الشهريّ ،وال يريد أن يخسر ذلك .ولطالم!!ا تحجَّج بعض اآلب!!اء
في رفضهم لطالبي الزواج من بناتهم بأنّ الخاطب إنّم!!ا يطلب ي!!د ابنت!!ه
طَمَعاً في مالها ،والصحيح أنّ هذا األب هو الط!!امع في أم!!وال ابنت!!ه ،ال
ذاك الخاطب ،ويُعَدّ تصرُّف األب هذا شكالً من أشكال الجَوْر المح!!رَّم
شرعاً.
وتعجّ الصحافة المحلّية بالتقارير والتحقيق!ات ال!!تي تتن!اول ه!ذا
النوع من القضايا .فما يزال هنالك إخوةٌ يمنع!!ون أخ!!واتهم من اس!!تالم
نصيبهنّ من إرث أبيهم؛ استضعافاً لهنّ .ومما يفاقم ذلك انتش!!ار ثقاف!!ة
العَيْب حيال رفع القضايا أمام المحاكم ،ومطالبة النس!!اء بحق!!وقهنّ من
إخوانهنّ ،على اعتبار أنّ الدخول في مشاكل قضائيّة م!!ع اإلخ!!وة؛ لق!!اء
حفنةٍ من المال ،هو أمرٌ معيب! إضافة إلى األعراف والتقالي!!د المحلّي!!ة،
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 125
• الشيخ حسن الصفار
حيث تبدو إجراءات التقاضي أمام المح!!اكم غ!!ير مش!!جِّعةٍ للم!!رأة في
كثيرٍ من األحيان ،ما يؤدّي إلى ضياع وخسارة الحقوق.
وفي هذا الصدد نشرت صحيفة المدينة ،في عددها لي!!وم 6ف!!براير
2016م ،تحقيقاً الفتاً بعنوان« :جاهلية القرن الحادي والعشرين ،...وأد
ميراث النساء» ،وتناولت الص!!حيفة ع!دداً من الدراس!!ات الجامعي!!ة ح!ول
الموضوع ،ومن ذلك :ما أشارت له دراسة مص!!رية تق!!ول :إنّ %95من
نساء الصعيد محروماتٌ من الميراث .ولنا أن نتخيَّل هذه النسبة الهائل!!ة
في مجتمعٍ مسلم يعيش في هذا الق!!رن .كم!!ا أثبتت الدراس!!ة أنّ %38
من النساء ال يطالبن بحقهنّ في الميراث؛ لمعرفتهنّ باستحالة حص!!ولهنّ
على هذا الحقّ! في حين اعتبر %29من العيِّنة الخاص!!ة بالدراس!!ة أنّ
تقاليد وعادات العائلة تمنعهنّ من المطالبة بالميراث.
وتج!!در اإلش!!ارة هن!!ا إلى أنّ بعض األزواج يس!!تندون! إلى بعض
المرويّات في تخوي!ل أنفس!هم ح!قّ التص!رُّف ب!أموال زوج!اتهم .ومن
ذلك :ما ورد من «أنْ ليس للمرأة أن تتصرَّف في مالها ،حتّى في أمور
البرّ ،إالّ بإذن زوجها».
إالّ أنّ هذه الرواية وأمثالها تتصادم وآياتٍ قرآنيّة واض!!حة؛ كم!!ا
تصادم نصوصاً قطعيّة من السنّة النبويّة .ناهيك عن مصادمتها لقواع!!د
أساسيّة في الفقه .لذلك ال يمكن القبول بها .وق!!د حم!!ل بعض الفقه!!اء
الرواية على االستحباب ،بحيث يستحبّ للم!!رأة ،وف!!ق ه!!ذا ال!!رأي ،أن ال
تنفق من أموالها في مختلف أوجه البرّ إالّ بإذن زوجها.
126االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
يمارس! نَ حقَّهنّ في التص!رُّفْ أُس! رَتَها ،وال س!يَّما أنّ بعض النس!اء
ْ
بأموالهنّ بشكلٍ خاطئ؛ كما في تبديدها على التبضُّع ومالحقة صرعات
الموضة واقتناء الكماليات ،في الوقت الذي يع!!وز م!!نزل أُسْ! رَتها أش!!ياء
أساس!يّة! وفي حين يمكن الق!!ول :إنّ!!ه ال يجب على الم!رأة من الناحي!ة
الشرعيّة أن تنفق على أسرتها ،ولكنْ ماذا عن الناحية األخالقي!!ة ،وت!!أثير
ذلك على حياة األُسْ! رَة؟ وف!!ق ه!!ذه االعتب!!ارات ينبغي للم!!رأة ص!!احبة
الدَّخْل المالي أن تعين زوجها ،وترفِّ!!ه عن أُسْ! رَتها؛ ألنّ قيم!!ة الم!!ال
تكمن في توفيره الراحة لإلنسان ولمَنْ حوله .وهذا الخطاب يعني المرأة
المقتدرة ،كم!!ا يع!!ني الرج!!ل المقت!!در؛ حيث ينبغي للم!!رأة أن تش!!ارك
مجتمعها ،وتساعد أُسْرَتها ،شريطة أن يكون جميع ذل!!ك عن طيب نفسٍ
منها ،وليس فَرْضاً عليها ،وال ابتزازاً لها.
إنّ الوَسَط النسائي بحاجةٍ إلى ثقاف!!ةٍ واعي!!ة ،ت!!دفع الم!!رأة إلى
وضع األولويّات حي!!ال مس!!ألة اإلنف!!اق ،على نح!!وٍ تأخ!!ذ بعين االعتب!!ار
الوضع العائليّ ،وحاجة األرحام ،ومساعدة المجتمع.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 127
• الشيخ حسن الصفار
آالم الحمل ،ثمّ مخاض الوالدة الخطير ،ذلك المخاض الذي لو خُيِّرَتْ
أيُّ امرأة تكابده بين حياتها وحياة مولودها آلثرت معظم األمّه!!ات حي!!اة
وليدها على نفسها.
إنّ الحنان الذي يتغذَّى! منه اإلنسان م!!ع حليب أمّ!!ه ،حين تحوط!!ه
بأحضانها ،وتفديه بنفسها ،وتغمره برعايتها ،ليالً ونهاراً ،هو ذات الحن!!ان
والعطف الذي يحتاجه الرجل من المرأة ،حتّى يبنيا مع!!اً حي!!اةً زوجيّ!!ة
سعيدة ،حيث تجتذبه بنعومتها وعطفها وحبِّها ،وذلك بأجمع!!ه م!!ا ينبغي
أن يكون محلّ تقدير الرجل.
إالّ أن العكس قد يحصل ،فتكون هذه الرقّة والحالة العاطفيّة عن!!د
المرأة في الكثير من األحيان دافعاً الستقواء الرجل عليه!!ا .ولع!!لّ ذل!!ك
انعكاساً لطبيعة اإلنسان عند الشعور ب!القوّة تج!!اه مَنْ هم أض!!عف من!!ه؛
حيث يجد في ذلك إغراءً وتشجيعاً على االعتداء والتج!!اوز على حق!!وق
اآلخرين .وهذا عين ما نجده من تعسُّف السلطات بحقّ الشعوب ،وتجبُّر
األغنياء على الفق!!راء ،وتعنُّت أرب!!اب العم!!ل على الع!!املين ،في مص!!داقٍ
لآلية الكريمة ﴿ :إِنَّ اإلِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾.
المرأة تعاني من العنف إلى اليوم
ورغم التقدُّم الهائل الذي شهدَتْه البشرية ،إالّ أنّ المرأة ال ت!!زال
هَدَفاً للعنف والعدوان الصادر عن الرجل .مع تطوّر أوض!!اع الم!!رأة في
العصر الراهن ،على نحوٍ مغ!!اير لمعظم ف!!ترات الت!!اريخ ،بحيث لم تعُ!!دْ
المرأة اليوم كما كانت باألمس ،وال سيَّما أنها ق!!د امتلكَتْ كث!!يراً من
مقوّمات القوّة التي كان ينفرد بها الرجل على مرّ العصور !،فقد أص!!بح
بيدها المال والعلم والمكانة االجتماعية والوظيفي!!ة ،وب!!الرغم من ك!!لِّ
ذلك لم تتجاوز المرأة بعدُ حالة المعاناة من العنف والعدوان الصادر عن
الرجل.
ولعلّ أبرز دليل على ذلك هو إعالن منظّم!!ة األمم المتح!!دة ي!!وم
128االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
25نوفمبر من كلّ عامٍ يوماً دوليّاً للقضاء على العن!!ف ض!!دّ الم!!رأة،
حيث ال ت!!زال تعت!!بر الم!!رأة ض!!حيّة العن!!ف والع!!دوان على شخص!!يّتها
وحقوقها في معظم دول العالم.
والالفت أنّ اإلحصاءات األُمَمية ،بحَسَ! ب ش!!عبة الس!!كّان في األمم
المتحدة ،تشير إلى أنّ النساء يمثلن %49,7من تعداد الس!!كان الع!!المي،
أي إنهنّ يمثِّلْنَ أقلّ من نصف البشريّة بنسبةٍ ضئيلة ،لكنّهنّ مع ذلك
كنَّ وال زلْنَ يمثِّلْنَ النس!!بة العظمى من ض!!حايا العن!!ف ،في ال!!دول
النامية والدول المتقدّمة على حدٍّ سواء.
فقد أشارَتْ اإلحصاءات الصادرة عن األمم المتحدة ،بمناس!!بة الي!!وم
العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة ،إلى أرقام مزعجة؛ ففي الوالي!!ات
المتّحدة األمريكية وحدها تتعرّض ام!!رأةٌ للض!!رب على ي!!د زوجه!!ا أو
شريكها ك!!لّ 15ثاني!!ة؛ وفي روس!!يا تتع!!رّض 3600ام!!رأة للض!!رب
يوميّاً على أيدي أزواجهنّ.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 129
• الشيخ حسن الصفار
130االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
ثمّ أمُّكَ !،ثمّ أمُّكَ»( .)234أوَلَيْسَتْ هذه األمّ هي نفسها المرأة التي
يجري تبرير الهَيْمَنة عليها بكلّ السُّبُل.
وقد ورد في السياق نصوصٌ كثيرة تحضّ على حُسْن التعامل مع
الزوجة ،والنهي عن إيذائها؛ فقد ورد عن رس!!ول اهلل| أن!!ه ق!!ال« :أال وإنّ
اهلل ع!!زَّ وج!!لَّ ورس!!وله بريئ!!ان ممَّنْ أض!!رّ ب!!امرأةٍ حتّى تختل!!ع
منه»( ، )235أي إنّ اهلل سبحانه ورسوله بريئان ممَّنْ يضرّ بامرأت!!ه حتّى
يلجئها إلى طلب الطالق منه؛ كما ورد عن النبيّ| أنه ق!!ال« :إني ألعجب
ممَّنْ يض!!رب امرأت!!ه وه!!و بالض!!رب أَوْلى منها»()236؛ وق!!ال أم!!ير
المؤمنين׫ :إنّ النس!!اء عن!!د الرج!!ال ال يملكْنَ ألنفس!!هنَّ خَيْ!!راً وال
نَفْعاً ،وإنهنَّ أمانةُ اهلل عندكم ،فال تضارّوهُنَّ وال تعضلوهُنَّ»(.)237
هنا يمكن القول :إنّه ال عبرة للحاالت القليل!!ة الش!!اذّة ال!!تي تك!!ون
فيها المرأة هي المعتدية على الزوج ،فال يمكن تبرير حاالت االعتداء على
المرأة بوجود نسبةٍ من حاالت االعت!!داء الص!!ادرة عن بعض النس!!اء ض!!دّ
أزواجهنّ .إنّ مجتمعاتنا اإلس!!المية في أمسّ الحاج!!ة إلى الثقاف!!ة ال!!تي
تعي!!د للم!!رأة كرامته!!ا ،وال س!!يَّما أن مظ!!اهر إي!!ذاء الم!!رأة ،والعن!!ف
س! مْعة دينن!ا الح!نيف، األُسَريّ في مجتمعاتن!ا ،ق!د أص!بحت تن!ال من ُ
وتُشوِّه صورته على مستوى! العالم.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 131
• الشيخ حسن الصفار
132االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الهيمنة الذكورية ،بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية
الذي يحبّ أبناءه ويريد إكرامهم ،أن يض!!ع في اعتب!!اره أنّ تعامل!!ه م!!ع
زوجته أمّهم له دَوْرٌ كبير في إشعار األبناء بالكرامة والتقدير.
علين!!ا جميع!!اً أن نس!!تذكر جه!!ود أمّهاتن!!ا ،وأن نس!!تمطر لهنّ
الرحمات ،وأن نقابل جهود وأتعاب زوجاتنا بالتقدير ،وأن نح!!ترم مش!!اعر
بناتنا ،كما يعلِّمنا الدِّين ،وتربِّينا تعاليم الن!!بيّ| ،ال!!ذي ك!!ان مض!!رب
المثل في التعامل الحَسَن مع أزواجه وبناته ،ذلك التعامل الذي ينبغي أن
نقتدي به ،وهو القائل|« :خيرُكم خيرُكم ألهله ،وأنا خيرُكم ألهلي».
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 133
• د .إبراهيم زارع
مقدّمةٌ
يحظى مفه!!وم التوب!!ة في الق!!رآن الك!!ريم باهتم!!امٍ خ!!اصّ ،حتّى
تكرَّرَتْ مفردة التوبة ومشتقّاتها في القرآن 92م!!رّة ،كم!!ا تك!!رّرت
كلمة االستغفار ومشتقّاتها 45مرّة .وقد تمّ اعتبار التوبة في الحق!!وق
الجزائية لإلس!!الم إح!!دى م!!وارد س!قوط العق!!اب ،ويتمّ بيانه!!ا بوص!!فها
تأسيساً حقوقيّاً .وقد بحث الفقهاء آثاره!!ا الحقوقي!!ة في ض!!وء اآلي!!ات
والروايات.
والتوبة لغةً من مادة «تَوَبَ» ،بمعنى العودة والرجوع .قال صاحب
(مقاييس اللغة)« :توب ـ التاء والواو والباء ـ كلم!!ةٌ واح!!دة ت!!دلّ على
الرج!!وع .يُق!!ال :ت!!اب من ذنب!!ه ،أي رج!!ع عن!!ه ،يت!!وب إلى اهلل توب!!ة
ومتاب!!اً»( .)239وق!!ال المحقِّ!!ق األردبيلي في كت!!اب (مجم!!ع الفائ!!دة
والبرهان)« :التوبة هي الندامة والع!!زم على ع!!دم الفع!!ل؛ لك!!ون ال!!ذنب
قبيحاً ممنوعاً ،وامتثاالً ألمر اهلل ،ولم يكن غير ذلك مقصوداً»(.)240
يُستفاد من هذا التعريف أمران:
1ـ الندم !:توبة.
ٌ
باحث وأكاديم ّي،ـ حائ ٌز على دكتوراه في الحقوق والعقوبات والجرائمـ من (*)
*)
2ـ عدم الفعل (ترك المعصية) يجب أن يكون بسبب قُبْحه الشرعي،
بمعنى أن عدم الفعل يجب أن ال يكون بسبب عدم القدرة عليه ،وإنما ألن!!ه
ممنوعٌ؛ أو ألنه قبيحٌ.
ومن هنا فإن مجرّد عدم الفعل ال يُعَدّ توبةً.
وأما الشيخ البهائي فقد اشترط في تعريف التوب!ة ـ باإلض!افة إلى
النَّدَم وعدم الفعل؛ بسبب قبحه الشرعي ـ عقد العَزْم األبديّ على ت!!رك
العودة إلى الذنب والمعصية أيضاً(.)241
وعليه ف!!إن التوب!!ة تع!ني الع!!ودة من ال!ذنب واألعم!!ال اإلجرامي!!ة،
والنَّدَم عن األعمال الماضية ،والسَّعْي إلى القي!!ام باألعم!!ال الص!!حيحة
والحَسَنة ،وعدم تكرار األخطاء السابقة(.)242
وعلى هذا األساس فإن التوبة تقوم على ثالثة عناصر ،وهي :النَّدَم،
واالعتذار !،وعدم العَوْدة إلى الذنوب السابقة.
إن التوبة أمرٌ يستدعي مَحْو جمي!!ع اآلث!!ار المش!!ؤومة المترتِّب!!ة
على الذنوب والمعاصي ،ويحلّ محلَّها ض!!ميرٌ ط!!اهر ،ونفسٌ مطمئنّ!!ة.
وفي ذلك يقول اهلل تعالى في الق!!رآن الك!!ريم﴿ :إِالَّ مَنْ تَ!!ابَ وَآمَنَ
س!!! يِّئَاتِهِمْ
ص!!! الِحاً فَأُولَئِ!!!كَ يُبَ!!!دِّلُ اهللُ َ
وَعَمِ!!!لَ عَمَالً َ
حَسَنَاتٍ( ﴾...الفرقان.)70 :
وقال رسول اهلل|« :النَّدَم على الذنب توبةٌ»(.)243
وبعبارةٍ أخرى :يمكن الق!!ول :إن التوب!ة الحقيقي!ة تس!تتبع ن!!دماً
خاصّاً يحول دون تكرار األعمال السابقة.
وفي المأثور عن اإلمام عليّ× ق!!ال« :الن!!دم على ال!!ذنب يمن!!ع عن
معاودته»(.)244
ونسعى! في هذه المقالة إلى بيان اإلجابة عن األسئلة التالية:
1ـ ما هي اآلثار الفقهيّة التي ترتفع عن المرتدّ بالتوبة؟
2ـ هل صحيحٌ ما قاله الكثير من الفقهاء بأن توبة المرتدّ ال تزيل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 135
• د .إبراهيم زارع
136االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
استتابته(.)249
ي والمرت ّد الملّي
3ـ التفريق بين المرت ّد الفطر ّ
لقد ميَّ!ز أك!!ثر فقه!!اء اإلماميّ!ة بين المرت!دّ الفط!!ري والملّي،
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 137
• د .إبراهيم زارع
138االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 139
• د .إبراهيم زارع
الورثة .فهل هذا الحكم صحيحٌ أم ال؟ ولو تاب المرتد الفطري قبل إقامة
البيِّنة عليه (دون إكراهٍ أو إجبارٍ) ،أو كان في دار الكف!!ر ولم يُجْ!!رَ
عليه الحدّ وتاب هناك ،فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟ وهل يرفع
ذلك حكم القتل عنه؟
لقد ورد في تعريف المرتدّ الفطري :هو الذي يكون أح!!د والدَيْ!!ه
مسلماً حين انعقاد نطفته ،ويخت!!ار اإلس!!الم بع!!د بلوغ!!ه ،ثمّ يخ!!رج من
اإلسالم بعد ذلك(.)259
وهناك بين فقهاء اإلمامية في ما يتعلَّق بعدم قبول توب!!ة المرت!!دّ،
واألحكام المرتبطة به ،ثالثة آراء ،على النحو التالي:
1ـ ذهب مشهور الفقهاء إلى القول بأن توبة المرت!!دّ عن فط!!رةٍ ال
تقبل أبداً« :ينبغي أن يعلم أن اإلسالم يطهِّر عن نجاس!!ة الكف!!ر بجمي!!ع
أقسامه ،إالّ االرتداد الفطريّ من الرجل خاصّةً ،دون الم!!رأة...؛ لألص!!ل؛
بمعنى االستصحاب لموضوع الكفر نفسه ،ولحكمه من النجاس!!ة ونحوه!!ا،
وإطالق م!!ا في م!!واريث كش!!ف اللث!!ام من اإلجم!!اع على ع!!دم قب!!ول
توبته»( .)260وقال صاحب (شرائع اإلس!!الم) :إن ه!!ذا الش!!خص (المرت!!دّ
الفط!!ري) إذا ع!!اد إلى اإلس!!الم ال يُقْبَ!!ل من!!ه ،وتج!!ري علي!!ه األحك!!ام
الثالثة(.)261
2ـ هناك مَنْ قال بأن توبة المرت!!دّ تُقْبَ!!ل على كلت!!ا الح!!التين
(سواء أكان المرتدّ فطريّاً أو ملِّياً) .وهذه ه!!و مخت!!ار ابن الجُنَيْ!!د؛
حيث رأى لالرتداد قسماً واحداً فقط ،وأن المرت!!دّ يُس!!تتاب؛ ف!!إنْ ت!!اب؛
وإالّ فإنه يقتل( . )262وقد مال الفيض الكاشاني إلى هذا الرأي ،وق!!ال :إن!!ه
يوافق االحتي!!اط( .)263كم!!ا يُس!!تفاد ه!!ذا ال!!رأي من بعض كلم!!ات ابن
البرّاج أيضاً؛ وذلك إذ يقول« :وإذا ك!!ان المرت!!دّ مول!!وداً على فط!!رة
اإلس!!الم وجب قتل!!ه من غ!!ير اس!!تتابةٍ؛ ف!!إنْ ت!!اب لم يكن ألح!!دٍ علي!!ه
سبيلٌ»(.)264
وقد نبّّه الشهيد الثاني في (مسالك األفهام) إلى أن مشهور الفقهاء
140االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
يُنْكِر قبول توبة المرتدّ ،إالّ أن لسان األدلّة المعتبرة في التوب!!ة لس!!انٌ
عامّ ومطلق !،يشمل حتّى مورد بحث توبة المرتدّ أيضاً( .)265وقد صرَّح
الشهيد الثاني في موضعٍ آخر ـ بعد تقرير رأي اإلسكافي ـ قائالً :األقوى!
قبول توبة المرتدّ مطلقاً .وقد ذهب صاحب (جواهر الكالم) إلى االعتقاد
بأن الشهيد الثاني يميل إلى رأي اإلسكافي(.)266
3ـ االختالف في اآلث!!ار المترتِّب!!ة على االرت!!داد ،بمع!!نى أن توب!!ة
المرتدّ الفطري ال تأثير لها بالنسبة إلى عودة األموال ،وحلِّية الزوج!!ة،
وعقوبة القتل (ال تُقْبَل ظ!!اهراً) ،إالّ أنه!!ا م!!ؤثِّرة بالنس!!بة إلى س!!ائر
اآلثار األخرى ،من قبيل :صحّة العبادة ،وحلِّية الذبيحة ،وطه!!ارة الب!!دن،
وما إلى ذلك ،وتُقْبَل توبته (تُقْبَل باطناً)(.)267
واآلن علينا أن نرى لو أن المرتدّ الفطري تاب قب!!ل إقام!!ة البيِّن!!ة
عليه (دون إك!!راهٍ أو إجب!!ارٍ) ،أو ك!!ان في دار الكف!!ر ولم يكن إج!!راء
الحدّ عليه ممكناً وتاب هناك ،فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 141
• د .إبراهيم زارع
أـ الروايات
«سألتُ أبا جعفر× عن المرتد؟ فقال :مَنْ رغب عن اإلسالم !،وكفر
بما أُنزل على محمدٍ| ،بعد إسالمه ،فال توبة له ،وقد وجب قتل!!ه ،وب!!انَتْ
منه امرأتُه ،ويُقسَّم ما ترك على وُلْده»( .)268إن التعبير بـ «فال توب!!ة
له» مطلقٌ ،وبذلك فإنه يشمل التوبة بع!د قي!ام البيِّن!ة وقبله!ا أيض!اً.
وهذا التعبير يُخصِّص أدلّة التوبة بالنس!!بة إلى ه!!ذه األحك!!ام الثالث!!ة:
(القتل ،والبينونة عن الزوج!ة ،وتقس!يم الم!ال)؛ ألن!!ه ق!!د جع!!ل التوب!ة
بالنسبة إلى هذه األحكام من قبيل :عدم التوبة(.)269
ب ـ اإلجماع
ذهب بعض الفقهاء إلى ادّعاء اإلجماع من قِبَل اإلماميّ!!ة على قت!!ل
المرتدّ ،دون أن يخالف في ذلك أحدٌ( .)270قال صاحب (جواهر الكالم) ـ
بع!!د نق!!ل كالم المحقِّ!!ق الحلي؛ إذ يق!!ول :ال يُقْبَ!!ل إس!!الم المرت!!دّ
الفطري ،وقتله واجبٌ ،وتبين منه زوجته ...ـ :لم أجِدْ خالفاً معتدّاً به
في ه!!ذه المس!!ألة ،ب!!ل عليه!!ا كال الن!!وعين من اإلجم!!اع (المنق!!ول
والمحصَّل)(.)271
ج ـ االستصحاب6
يجري االستصحاب الموضوعي والحُكْمي في مورد المرت!!د الت!!ائب؛
142االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
إذ مع الشكّ في رفع موضوع! الكفر بالتوبة أو عدم رف!!ع ه!!ذه األحك!!ام
يبقى الكفر باستصحاب الموضوع !،وفي حالة بقاء الكفر باستصحاب الحكم
يثبت بقاء أحكام الكفر أيضاً( .)272وهناك مَنْ قال بجري!!ان االستص!!حاب
الحُكْمي في مورد المرتدّ الفطري بعد التوبة؛ إذ مع فرض قبول توبت!!ه
وإسالمه ال يوجد دليلٌ على طهارته؛ إذ ال يوجد عموم يدلّ على طه!!ارة
كلّ مسلمٍ .وعليه فإن مقتضى االستصحاب هو بق!!اء حكم النجاس!!ة على
حاله( ،)273وبطبيعة الحال لن ترتفع عنه األحكام األخرى أيضاً.
نق ٌد ونقاش
وفي مقام اإلجابة عن هذه األدلّة يمكن القول:
الجواب عن دليل اإلجماع :هناك في تحلي!!ل اإلجم!!اع بعض النق!!اط
الجديرة بالتأمُّل .فإن أصلَ تحقُّ!ق اإلجم!اع ،م!ع وج!ود مخ!الفين من
أمثال :ابن الجُنَيْد واإلسكافي ،موضعُ تأمُّلٍ .وعليه يُحتَمَ!!ل أن يك!!ون
المراد من اإلجماع هنا هو اتّفاق أك!!ثر اإلماميّ!!ة ،وليس جميعهم ،كم!!ا
ذُكر هذا االحتمال من قِبَل صاحب (الحدائق الناضرة)(.)274
النقطة األخرى أن هذا اإلجماع المدَّعى! لو تمّ إحرازه فإنه؛ بس!!بب
مدركيّته أو احتمال مدركيّته ،ال يمكن أن يكون حجّةً ،وال يُعَدّ دليالً
مستقالًّ .فقد ورد التعبير بـ «ال يُس!!تتاب» في خمس!!ة م!!وارد أو س!!تّة،
كما ورد التعبير بـ «لن تُقْبَل توبته» في ستّة موارد أو سبعة ،حيث إن
التعبير األوّل أعمّ من توب!!ة المرت!!دّ وع!!دمها ،بمع!!نى أن!!ه ال يطلب من
المرتدّ أن يتوب ،بَيْدَ أنه في حالة التوبة ال يكون لسان الروايات ن!!اظراً
إليها.
وفي الجواب عن دلي!!ل االستص!!حاب يمكن الق!!ول :إن!!ه م!!ع تغيُّ!!ر
الموضوع! ال يمكن استصحاب بقاء الحكم ،كم!!ا ذك!!ر ذل!!ك الكث!!ير من
الفقهاء؛ وذلك ألن الحكم بنجاسته كان يستند إلى موضوع الكفر ،واآلن
قد انتفى هذا الموضوع !،وال يصدق عنوان الكفر على هذا الش!!خص .وعلى
هذا األساس ال يصحّ إجراء أصل االستصحاب مع تغيُّر الموض!!وع؛ إذ م!!ع
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 143
• د .إبراهيم زارع
االلتفات إلى توبة الشخص المرت!!دّ يك!!ون ق!!د تغيَّ!ر عن!!وان الكف!!ر إلى
اإلسالم .وعليه؛ حيث ال يصحّ التمسُّك! باالستصحاب ،يجب االس!!تناد إلى
أصل الطهارة ،واعتبار المرتدّ التائب طاهراً(.)275
وفي الجواب عن االستدالل برواية محمد بن مس!لم يجب الق!ول :ال
يمكن إثبات بقاء تلك األحكام الثالثة في مورد الشخص الذي يت!!وب قب!!ل
إقامة البيِّنة عليه.
وال بُدَّ أوّالً من ذكر نصّ الرواية ،ثمّ العمل على طرح األدلّة:
«س!!ألتُ أب!!ا جعفر× عن المرت!!دّ؟ فق!!ال :مَنْ رغب عن اإلس!!الم،
وكفر بما أُنزل على محمّدٍ| ،بعد إسالمه ،فال توبة له ،وقد وجب قتل!!ه،
وبانَتْ منه امرأته ،ويقسَّم ما ترك على وُلْده»(.)276
بعد مالحظة هذا الكالم المطلق من قِبَ!!ل اإلم!ام× يمكن الق!!ول :إن
هذه الرواية تشتمل على عمومٍ !،وال يُعْلَم ما إذا كان هذا الحكم متعلِّقاً
بالمرتدّ الفطري أم المرتدّ الملّي.
فإنْ قلنا في الجواب :إن مراد هذه الرواية ـ بعد مالحظة الرواي!!ات
األخرى التي تفصّل بين حكم المرتدّ الملّي وحكم المرتدّ الفطري ـ هو
المرتدّ الفطري ،دون الملّي.
فسوف نقول :مع االلتفات إلى هذه الروايات التي تبيِّن الم!!راد من
ه!!ذه الرواي!!ة يجب أن يك!!ون الم!!راد من عب!!ارة «فال توب!!ة له» ه!!و
«االستتابة ،ويجب تفسير «فال توبة له» طبق!!اً لتل!!ك الرواي!!ة المبيّن!!ة
أيضاً ،بمع!!نى أن!!ه ال يجب على الح!!اكم الش!!رعيّ أن يس!!تتيب! المرت!!دّ
الفطري كما يستتيب! المرتدّ الملّي أيضاً .وعلى ه!!ذا األس!!اس؛ حيث تمّ
نفي االس!!تتابة في الرواي!!ات األخ!!رى ،يتّض!!ح أن الم!!راد من التوب!!ة هي
االستتابة بعد إقامة البيِّنة؛ إذ ورد بعد هذه العبارة مباشرةً ذكر :وجوب
القتل ،وبينونة الزوجة ،وتقسيم األموال .وإن ه!!ذا البي!!ان يُفْهَم من!!ه أن
المراد هو نفي استحقاق التوبة ،ببيان أن الحاكم الشرعي ال ينتظر توبته،
بل يمكنه أن يطبِّق عليه حكم القتل وغيره من األحكام ،دون مناقش!!ة م!!ا
144االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 145
• د .إبراهيم زارع
الرواية التي ورد التعبير فيه!!ا بـ «فال توب!!ة له» ،بحيث لم يتمّ في أيٍّ
من الروايات ذكرُ ما إذا كان المرتدّ فطريّاً أو ملِّياً ،وفي إحداها يتمّ
قبول توبة المرتدّ مطلقاً ،وفي األخرى يتمّ رفض توبة المرتدّ مطلقاً.
وعليه ،لو قيل :إنه يجب الرجوع في هذا المورد إلى الروايات ال!!تي
تميِّز بين المرتدّ الفطري والمرتدّ الملّي فسوف نقول :إنه لم يرِدْ في
تلك الروايات بحثٌ عن التوبة من قِبَل الشخص المرتدّ ،وما إذا ك!!انت
تقبل توبته أم ال ،بل إن البحث فيها عن االستتابة من قِبَ!!ل الح!!اكم ،وإن
موضوع االستتابة يكون لما بعد إثبات االرت!!داد .بَيْ!!دَ أن موض!!وع ه!!ذه
الرواية التي يستند! إليها الفقهاء في إثبات عدم قبول التوب!!ة من المرت!!دّ
عن فطرةٍ هو بحث مطلق التوبة من قِبَ!!ل الش!!خص المرت!!دّ .وبعب!!ارةٍ
أخرى :إن التوبة قبل إثبات االرتداد تدخل ضمن دائرة منطقة الف!!راغ من
الروايات ،والتي ال يوجد فيها أيّ حكمٍ صريح في الروايات عليه!!ا ،ويجب
اتّخاذ القرار في موردها على أساس إطالقات وعمومات اآليات والروايات.
وعليه إذا كانت الروايتان متعارضتين من جميع الجه!ات وجب البحث عن
وج!!هٍ ل!!ترجيح إح!!داهما على األخ!!رى .وال!!ذي يمكن االس!!تفادة من!!ه
كمرجِّحٍ هو موافقة الروايات آليات القرآن الكريم .وبعبارةٍ أخرى :لو
فسَّرنا عبارة« :فال توبة له» بمعناها الحقيقي ،واعتبرناها بشكلٍ مطل!!ق،
فسوف تتعارض مع آيات مطلق التوبة ،وآي!!ات التوب!!ة في ب!!اب االرت!!داد.
وعلى هذا األساس فإن الرواية المتقدِّمة يجب أن تكون ناظرةً إلى التوبة
بعد إقامة البيِّنة عند الحاكم ،وليس قبلها ،وفي مثل هذه الحالة لو ت!!اب
المرتدّ الفطري قبل إقامة البيِّنة سوف يتمّ رفع الحدّ عنه.
هـ ـ آيات القرآن وقبول توبة المرتدّ ،بين التصريح والتلويح
ق!!ال اهلل تع!!الى في الق!!رآن الك!!ريم﴿ :قُ!!لْ يَ!!ا عِبَ!!ادِيَ الَّ!!ذِينَ
أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ال تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اهللِ إِنَّ اهللَ يَغْفِرُ
الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ (الزمر.)53 :
146االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 147
• د .إبراهيم زارع
في مورد تخصيص هذه التوبة بالمرت!دّ الملّي .وق!د ذهب بعض الفقه!اء
إلى القول في مورد هذه اآلية« :يُس!!تفاد من ه!!ذه اآلي!!ة األخ!!يرة أن اهلل
سبحانه وتعالى يقبل توبة المرتدّ ـ س!!واء أك!!ان مرت!!دّاً عن فط!!رةٍ أو
مرتدّاً عن ملّة ـ؛ وذلك إذ ورد في اآلية 86التعبير بـ «كف!!روا بع!!د
إيمانهم» ،والكفر بعد اإليمان أعمّ من أن يكون مسبوقاً بالكفر (المرت!!دّ
الملّي) أو ال يكون مسبوقاً بالكفر (المرتدّ الفطري)»(.)284
وقال بعض المفسِّرين في تفسير هذه اآلية« :استش!!هدَتْ جماع!!ةٌ
بهذه اآلية إلثبات عدم قب!!ول توب!!ة المرت!!دّ ،إالّ أن ه!!ذا الكالم مخ!!الفٌ
للتحقيق؛ وذلك ألن األدلّة األربعة ،من الكتاب والسنّة واإلجماع والعقل،
قائمةٌ على قبول التوبة .بل نقول :لو لم تُقْبَل توبة المرتدّ فهل يك!!ون
مكلَّفاً بالتكاليف الشرعية ،من قبيل !:الص!!الة وس!!ائر العب!ادات ،أم ال؟ إنْ
قلتُم :إنه مكلَّف بها كان ه!!ذا من التكلي!!ف بم!!ا ال يُط!!اق؛ ألن اإليم!!ان
شرطٌ في صحّة جميع العبادات؛ وإنْ قلتُم :إنه غير مكلَّف بها كان هذا
مخالفاً لضرورة اإلسالم .ثمّ إن هذه اآلية ال تدلّ على عدم قب!!ول توب!!ة
المرتدّ»(.)285
وج!!اء في تفس!!ير ك!!نز ال!!دقائق ،في تفس!!ير قول!!ه تع!!الى﴿ :إِالَّ
الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اهللَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
(آل عمران« :)89 :أي بعد االرتداد ،و«أصلحوا» ما أفسدوا ،أو دخلوا في
الصالح !،فإن اهلل غفورٌ :يقبل توبته ،رحيمٌ :يتفضَّل عليه»(.)286
وجاء في تفسير مجمع البيان ،في شأن ن!!زول ه!!ذه اآلي!!ة« :قي!!ل:
نزلت اآليات في رجلٍ من األنصار يُقال له :حارث بن سويد بن الص!!امت،
وكان قتل المحذّر بن زياد البلوي ،غ!!دراً ،وه!!رب ،وارت!!دّ عن اإلس!!الم،
ولحق بمكّة ،ثمّ ندم ،فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول اهلل| :ه!!ل لي من
توبة؟ فسألوا؛ فنزلت اآلية إلى قوله﴿ :إِالّ الَّذِينَ تَابُوا﴾؛ فحمله!!ا إلي!!ه
رجلٌ من قومه ،فقال :إني ألعلم أنك لصدوقٌ ،ورسول اهلل أصدق منك،
وأن اهلل أصدق الثالثة ،ورجع إلى المدينة ،وتاب ،وحسن إسالمه»(.)287
148االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 149
• د .إبراهيم زارع
التعبير عنها بـ «ثمّ آمنوا» .ولذلك ذهب بعض فقهاء أهل السنّة ـ في
ضوء هذه اآلية ـ إلى عدم قبول التوب!!ة من المرت!!دّ إذا تك!!رَّر ارت!!داده،
ولكنّ توبته تُقْبَل في المرّة األولى فقط(.)291
وقال بعض المفسِّرين في مورد هذه اآلية« :إن هذه اآلية قد نزلت
في المرتدّ؛ إما عن ملّةٍ ،كما هو ظاهر عبارة« :إن الذين آمن!!وا» ،أنهم
قد دخلوا إلى اإليم!!ان من الكف!!ر؛ أو األعمّ من الملّي والفط!!ري ،بمع!!نى
األشخاص الذين يكون لهم إيمانٌ ،ثمّ يرتدّون بالكفر ،ولو بإنكار واح!!دٍ
من ضروريات الدين ،أو بإدخ!!ال بدع!!ةٍ في ال!!دين ،ثم ت!!ابوا وع!!ادوا إلى
اإليم!!ان (ثمّ آمن!!وا)؛ حيث يُس!!تفاد من ه!!ذه الجمل!!ة أن توب!!ة المرت!!دّ
مقبولةٌ ،سواء أكان ملِّياً أم فطرياً .وهذا ه!!و الح!!قّ .وال يتمّ ت!!رتيب
أحكام المرتدّ عليه ،فيمكنه العودة إلى زوجت!!ه ،ويمتل!!ك مال!!ه ،ويطه!!ر
بدنه .وأما قتله؛ فإنْ كانت توبته قبل ثبوت ارت!!داده فيُرفَ!!عْ عن!!ه؛ وإنْ
كانت بعد ثبوت االرتداد فإن!!ه يُقْتَ!!ل إنْ ك!!ان فطريّ!!اً .ول!!و أن ه!!ذا
المرتدّ كفر مرّتين بعد التوبة ،وبقي على كف!!ره وارت!!داده حتّى م!ات
على ذلك ـ كما هو مفاد (ثمّ ازدادوا كُفْراً) ـ فلم يكن اهلل ليغفر له؛
ألنه مات كافراً ،والكافر ال تشمله الرحمة والمغفرة .ويُستفاد من ه!!ذه
العبارة أنه لو مات على اإليمان فسوف تشمله المغفرة»(.)292
وقد جاء في تفسير النور أن من أبرز مصاديق هذه اآلية أش!!خاصٌ
من أمثال« :شَ! بَث بن ربعي» ،حيث ذك!!ر الت!!اريخ أن!!ه أس!!لم في زمن
النبيّ| ،ثمّ ارتدّ بعد رحيل الن!!بيّ ،ثمّ ت!!اب وص!!ار من أص!!حاب عليٍّ×،
وبعد ذلك قاد الخوارج وأثار حرب النهروان ،وتاب بعد ذلك وص!!ار من
أصحاب اإلم!!امين الحس!!ن والحس!!ين’ ،وك!!ان من ال!!ذين ك!!اتبوا اإلم!!ام
الحسين× ،ولكنّه غدر في الكوفة بمسلم بن عقي!!ل ،وانض!!مّ في ك!!ربالء
إلى معس!!كر يزي!!د ،وب!!نى مس!!جداً في الكوف!!ة احتف!!اءً بقت!!ل اإلم!!ام
الحسين×(.)293
وفي قوله تعالى﴿ :مَنْ كَفَ!!رَ بِاهللِ مِنْ بَعْ!!دِ إِيمَانِ!!هِ ...ثُمَّ
150االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَ!!اجَرُوا مِنْ بَعْ!!دِ مَ!ا فُتِنُ!!وا ثُمَّ جَاهَ!دُوا
وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النح!!ل 106 :ـ
)110جاء ذكر المغفرة بعد بضع آياتٍ تتحدَّث عن الكفر بعد اإليم!!ان،
وأن التوبة تُقْبَل بعد مراحل.
وقد قال صاحب تفسير أطيب البيان :إن ه!!ذه اآلي!!ات ص!!ريحةٌ في
قبول توب!!ة المرت!!دّ الملّي والفط!!ري ،وفسَّ! ر «الفتنة» بمع!!نى الكف!!ر
والشرك واالرتداد(.)294
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 151
• د .إبراهيم زارع
يُحْسَب له كلّ عملٍ صالح عمله في إيمانه ،و ال يبطل منه شيءٌ»(.)300
وعلى هذا األساس فإن الذي يتوب ،ويعود إلى اإليمان بع!!د االرت!!داد،
ولم يُجْرَ عليه الح!!دّ؛ أليّ س!!ببٍ من األس!!باب ،ال يمكن اعتب!!اره غ!!يرَ
مس!!لمٍ .والمش!!هور بين الفقه!!اء أن الحجّ ال!!ذي ق!!ام ب!!ه ح!!ال االرت!!داد
صحيحٌ(.)301
وقال الشيخ األنصاري ـ استناداً إلى هذه الرواي!!ة ـ ب!!أن الش!!خص
الذي يغتسل ،ثمّ يرتدّ ،ثمّ يتوب بعد ال!!ردّة ،فغس!!لُه ص!!حيحٌ ،ويحص!!ل
على ثواب عمله أيضاً(.)302
كما ذُكِرَتْ هذه الرواية في بابٍ آخر ،تحت عنوان« :باب صحّة
التوبة من المرتدّ» ،دون أن يَرِدَ فيها الحديث عن الحجّ( ،)303واعتبرَتْ
مطلق التوبة موجباً الحتساب أعماله الصالحة التي قام بها قبل الردّة.
152االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
والصوم ـ تؤيِّد بدَوْرها هذه المسألة أيضاً؛ إذ قالوا :إن على المرتدّ إذا
تاب أن يقضي الصالة التي فاتَتْه ح!!ال االرت!!داد ،حتّى إذا ك!!ان ارت!!داده
فطريّ!!اً .وق!!د ادّعى بعض الفقه!!اء ـ من أمث!!ال :الس!!يد المرتض!!ى في
المسائل الناصريّات ـ اإلجماع على هذه المسألة .وهذا إنما يصحّ إذا كنّا
نق!!ول بقب!!ول توب!!ة المرت!!دّ الفط!!ري( .)306ب!!ل ق!!ال المحقِّ!!ق الحلّي:
«المرتدّ ال يبطل تيمُّمه بردّته ،ولو رجع إلى اإلس!!الم ص!!لّى بتيمُّم!!ه
األوّل...؛ ألن نقض الطه!!ارة موق!!وفٌ على الدالل!!ة ،وحيث ال دالل!!ة فال
نقض»( .)307وقال المحقِّق األردبيلي« :لم يثبت عدم قبول توبة المرت!!دّ
مطلقاً»()308؛ إذ لم يرِدْ في كتب المتقدِّمين بحث مطلق توبة المرت!!دّ،
وإنما التوبة تعرض من الح!!اكم (االس!!تتابة) .وق!!ال في موض!!عٍ آخ!!ر:
« يُحتَمَل أنه [المرتدّ الفطري] إنْ تاب في نفس األمر يرجع ماله إلي!!ه،
لو خرج ،ولم يُقْتَل»(.)309
وباإلضافة إلى ما تقدَّم ،يمكن التمسُّك لرفع حكم القتل بقاعدةٍ
عامّة ،قَبِل بها جميع الفقهاء .وعلى أساس هذه القاعدة لو ارتكب شخصٌ
عمالً محرَّماً يستوجب! الحدّ ،وثبت أنه تاب قبل عَرْض!!ه على القاض!!ي،
رُفع ذلك الحدّ عنه.
وقد تمّ التمسُّك لذلك برواي!!اتٍ ،منه!!ا :الرواي!!ة المش!!هورة عن
النبيّ األكرم| أنه قال« :التائب من الذنب كمَنْ ال ذَنْبَ له»(.)310
وفي وسائل الشيعة ،تحت عنوان« :إن مَنْ تاب قبل أن يُؤخَذ سقط
عنه الحدّ» ،رواياتٌ ،منها :الرواية القائلة« :عن أحدهما’ :في رجلٍ سرق
أو شرب الخمر أو زنى ـ فلم يُعْلَم ذلك من!!ه ،ولم يُؤخَ!!ذ ،حتّى ت!!اب
وص!لح ـ ،فق!ال :إذا ص!لح وعُ!رِفَ من!ه أم!رٌ جمي!ل ،لم يُقَمْ علي!ه
الحدّ»( .)311وعلى ال!!رغم من ورود ه!!ذه الرواي!!ة في العن!!اوين الثالث!!ة
(السرقة ،والزنا ،وش!!رب الخم!ر) ،بَيْ!!دَ أن الفقه!اء ق!د اس!تفادوا منه!ا
العموم !،وقاموا بتسريتها إلى جمي!!ع الح!!دود .ق!!ال المحقِّ!!ق الحلّي في
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 153
• د .إبراهيم زارع
شرائع اإلسالم :مَنْ تاب قبل قيام البيِّنة عليه س!!قط عن!!ه الح!!دّ .وق!!ال
صاحب الجواهر ،تعليقاً على هذا الكالم !:لم أرَ مخالفاً في هذه المس!!ألة،
بل في كشف اللثام دعوى اتّفاق جميع الفقهاء عليها(.)312
واآلن ،لو ت!!اب المرت!!دّ ه!!ل يجب علي!!ه رف!!ع أم!!ره إلى الح!!اكم
الشرعيّ؛ كي يعاقبه ،أم وظيفته الكتمان ،كما في سائر الذنوب؟
قال السيد محمد كاظم ال!!يزدي في ذل!!ك« :ال يجب على المرت!!دّ
الفطريّ بعد التوبة تعريض نفسه للقتل ،بل يجوز له الممانعة منه»(.)313
ي
2ـ الدليل الثانوي لقبول توبة المرت ّد الفطر ّ
يجب القول :حتّى ل!!و ثبتَتْ توب!!ة المرت!!دّ ل!!دى الح!!اكم فإن!!ه؛
بااللتفات إلى األدلّة التي سبق أن ذكرناها في مقالة «االرت!!داد الحُكْميّ
والحكوميّ» ،يمكن للحاكم ،فيما لو ت!!اب المرت!!دّ ،وإذا ك!!ان في ذل!!ك
ص!!الحٌ ،وت!!وفَّرَتْ الش!!رائط والمقتض!!يات في المجتم!!ع اإلس!!الميّ
والمجتمع العالميّ ،أن يقبل توبته.
ويمكن العثور على دليل ذلك في حفظ النظام اإلسالميّ؛ فإذا أمكن
ضمان مصالح النظام اإلسالميّ بهذه الطريقة وجب على الحاكم الشرعيّ
أن يراعي هذه المصالح .وعلي!!ه ،يمكن في م!!ورد رعاي!!ة مص!!الح النظ!!ام
اإلسالميّ والمجتمع إلغاء أحكام المرتدّ ،من قبيل :القتل ،وما إلى ذلك.
وهناك شواهد على هذه المسألة ،من آيات القرآن الكريم والروايات،
يمكن لنا بيانها على النحو التالي:
1ـ قال تعالى بشأن ارتداد عددٍ من المسلمين﴿ !:الَ تَعْتَ!!ذِرُوا قَ!!دْ
كَفَرْتُمْ بَعْ!!دَ إِيمَ!!انِكُمْ إِنْ نَعْ!فُ عَنْ طَائِفَ!ةٍ مِنْكُمْ نُعَ!!ذِّبْ
طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (التوبة.)66 :
وهناك بشأن هذه الجماعة من الذين ارتدّوا قوالن:
قال بعضٌ :إن هؤالء كانوا من المنافقين ،وقد خطَّطوا بعد واقع!ة
تبوك الغتيال النبيّ األكرم في بعض الطري!!ق ،أو أنهم ك!!انوا من!!افقين
يسخرون من النبيّ األكرم| في تبوك ،أو في طريق العودة منها(.)314
154االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
وإن عباراتٍ ،من قبيل« :كفرتُمْ بعد إيمانكم» ،و«لقد قالوا كلمة
الكفر» ،و«كفروا بعد إسالمهم» ،في اآلية 74من ه!!ذه الس!!ورة ،ت!!دلّ
على كفرهم وارتدادهم عن اإلسالم.
ومع ذلك تمّ الحكم على بعضهم بالعقوبة؛ وعلى بعضهم بالعفو.
قال العالّمة الطباطبائي في تفسير هذه اآلي!!ة« :إن الم!!راد ب!!العفو
هو ترك العذاب؛ لمصلحةٍ من مصالح الدِّين ،دون العفو بمعنى المغف!!رة،
المستندة! إلى التوبة؛ إذ ال وجه ـ ظ!!اهراً ـ لمث!!ل قولن!!ا« :إنْ غفرن!!ا
لطائفةٍ منكم؛ لتوبتهم ،نعذِّب طائفةً؛ لجرمهم» ،م!!ع أنهم [المن!!افقون]
لو تابوا جميعاً لم يعذَّبوا قطعاً»(.)315
وبعد نزول هذه اآلية قال رسول اهلل|« :لوال أنّي أك!!ره أن يُق!!ال:
«إن محم!!داً اس!!تعان بق!!ومٍ ،حتّى إذا ظف!!ر بع!!دوِّه قتلهم» لض!!ربت
أعناقهم»( .)316إن هذا الكالم من النبيّ األكرم| يثبت أن عدم مبادرته إلى
العقوبة كان بدافعٍ من مصلحة اإلسالم والنظام اإلسالمي الفتيّ.
2ـ تشير اآليات المرتبطة بارتداد بني إس!!رائيل إلى اختالف أحك!!ام
المرتدّين في األمم السالفة ،بمعنى أن حكم االرتداد لم يتمّ تطبيق!!ه على
جميع اإلسرائيليّين على ذات النَّسَق .وإن السامريّ ال!!ذي ارت!!دّ ،وص!!ار
سبباً الرتداد اآلخرين ،عوقب بعقابٍ غير القتل؛ إذ قال له الن!!بيّ موسى×،
على ما حكاه القرآن الكريم ﴿ :قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ
تَقُولَ ال مِسَاسَ وَإِنَّ لَ!!كَ مَوْعِ!!داً لَنْ تُخْلَفَ!!هُ وَانْظُ!!رْ إِلَى
إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّ!!هُ ثُمَّ لَنَنْسِ! فَنَّهُ
فِي الْيَمِّ نَسْفاً﴾ (طه .)97 :وأما سائر الذين عب!!دوا لعج!!ل فق!!د حكم
عليهم بالقتل ،وقال لهم النبيّ موسى× ،على ما حكاه القرآن الكريم﴿ :يَ!!ا
قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُ!!وا إِلَى
بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ
عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة.)54 :
3ـ وفي المورد اآلخر ارتدّ الحارث بن سويد ـ وكان من أص!!حاب
النبيّ األكرم| ـ ،مع أحد عشر شخص!!اً من أص!!حابه ،وف!!رُّوا إلى مكّ!!ة،
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 155
• د .إبراهيم زارع
ولكنْ بعد فتح مكّة تاب بعضهم ،وعاد إلى اإلسالم ،وقُبِلَتْ توبتهم(.)317
4ـ ويمكن العث!ور على المث!ال األب!رز على المص!لحة في س!لوك
البُغ!!اة ،فعلى ال!!رغم من أنهم ك!!انوا من بين المص!!اديق الب!!ارزة على
االرتداد ،إالّ أن اإلم!!ام أبقى على ب!!اب التوب!!ة مفتوح!!اً أم!!امهم ،وقَبِ!!ل
ت!!وبتهم ،دون أن يس!!ألهم م!!ا إذا ك!!انوا ق!!د وُل!!دوا من مس!!لمين أو من
كافرين.
قال المحقِّق المجلسي في هذا الشأن« :لقد كان اإلمام× يقبل توبة
الخ!!وارج ،رغم أنهم ك!!انوا من أس!!وأ! الكف!!ار وأخبثهم ،ولم يكن اإلم!!ام
يسألهم عن أصولهم ،وما إذا كانوا منح!!درين من مس!!لمين أو ك!!افرين،
ولم يكُنْ يلتفت إلى كَوْن ارتدادهم عن فط!!رةٍ أو عن ملّ!!ة .ولرُبَم!!ا
قيل :إن األوضاع في صدر اإلسالم كانت تختلف عن المراحل المتأخِّرة؛
وذلك ألن الناس في الصدر األوّل كانوا قد تعرَّفوا على اإلسالم حديثاً،
ولو تمّ التعامل معهم بهذه الشدّة لم يبْقَ منهم أحدٌ»(.)318
كما أن صاحب جواهر الكالم يُقِ!!رّ ب!!أن المتم!!رِّدين على اإلم!!ام
المعصوم!× مرتدّون ،وإن الكثير منهم كانوا مرت!!دّين عن فط!!رةٍ ،وه!!و
يقرّ بأن اإلمام× قد غضَّ الطرف عنهم ،بل وقد اعت!!بر الش!ُّ بْهة عُ!!ذْراً
لهم(.)319
وقال الشهيد الثاني بشأن البُغاة« :أما البغاة ف!!إنهم عن!!دنا كفّ!!ارٌ
مرتدّون ،فقد يطلب نقلهم إلى اإلسالم مع اإلمكان .ف!!إنْ قيل :إذا ك!!انوا
مرتدّين فارتدادهم فطريّ ،فكيف يطلب إسالمهم ،مع أن!!ه ال يقب!!ل توب!!ة
هذا القسم من المرتدّين عندنا؟! قلنا :قد قبل عليٌّ× توب!!ة مَنْ ت!!اب من
الخوارج ،وهو أكثرهم ...وهذا يدلّ على أن له!!ذا الن!!وع من المرت!!دّين
حكماً خاصّاً .وجاز أن يكون السبب ـ م!!ع النصّ ـ تمكُّن الشُّ! بْهة من
قلوبهم»(.)320
5ـ كما أن النبي األكرم| أصدر عَفْواً عامّاً ،واس!!تثنى من ذل!!ك
ستّة أشخاص فقط ،اعتبرهم مستحقّين للقتل .ومن هؤالء الس!!تّة أس!!لم
عكرمة ،وعفا عنه النبيّ؛ وأما عبد اهلل بن سعد فقد ارت!!دّ وأنك!!ر الكت!!اب
156االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 157
• د .إبراهيم زارع
158االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• توبة المرتد الفطري ،قراءة فقهية جديدة
الثقافية والسياسية؟
النتيجة
بااللتفات إلى ما تقدَّم ،وبحث الروايات المرتبط!!ة بتوب!!ة المرت!!دّ،
وآراء الفقهاء حول أحكام المرتدّين ،يمكن الوصول إلى نتيج!!ةٍ مفاده!!ا:
إن القول بعدم قبول توبة المرتدّ الفطري بالنسبة إلى أعماله المتعلِّق!!ة
باهلل ،من قبيل :صحّة عبادته ،وعدم طهارت!!ه بع!!د التوب!!ة ،ال يتَّف!!ق م!!ع
اآليات والروايات ،كما ال يوافق آراء الفقه!!اء أيض!!اً .وإن ه!!ذا الش!!خص
الذي تاب يكون أهالً حتّى للدخول إلى الجنّة.
وأما في ما يتعلَّق بتوبة هذا الشخص بالنسبة إلى رفع حكم القت!!ل
عنه ،وتَبَعاً لذلك رفع سائر األحكام الظاهريّة األخرى؛ فيجب القول في
ضوء الروايات :إن تلك الروايات المتعلِّقة بشخص المرتدّ ـ دون تل!!ك
الروايات التي تبيِّن وظيفة الحاكم بالنسبة إلى المرتدّ الفطري ـ على
طائفتين؛ الطائفة األولى تقبل توب!ة المرت!!دّ مطلق!!اً؛ والطائف!!ة الثاني!!ة
ترفض توبة المرتدّ بالمطلق !،وهي التي يستند! إليه!!ا الفقه!!اء في ق!!ولهم
بعدم قبول توبة المرتدّ عن فطرةٍ.
إن هاتين الطائفتين من الروايات ـ حيث يقوم بينهما تعارضٌ تامّ ـ
يجب البحث عن وجهٍ يرجِّح تقديم إحدى الط!!ائفتين على األخ!!رى .وإن
الذي يمكن بيانه كوجهٍ للترجيح هو موافق!!ة إح!!دى ه!!اتين الط!!ائفتين
آليات القرآن الكريم .ولو عرَضْ! نا كلت!!ا الط!!ائفتين من الرواي!!ات على
القرآن فسوف نحصل على نتيجةٍ مفادُها :قبول توبة المرتدّ .ول!!و ت!!اب
هذا المرتدّ قبل إثبات ارتداده عند الحاكم رُفع عنه حكم القتل.
ومع االلتفات إلى ما ورد في سائر الرواي!!ات ،ويُس!!تفاد من عب!!ارة:
«ال يُستتاب» ،باإلضافة إلى وجود الكثير من الشُّبُهات في مورد الشخص
الذي يتوب قبل إثبات ارتداده ،وكذلك وجود مسألةٍ هامّة ،مث!!ل :دم!!اء
الناس ،يبدو أنه يجب التعامل في مورد المرت!!دّ ال!!ذي يت!!وب قب!!ل ظف!!ر
الحاكم ب!ه على أس!اس قاع!دة «االحتي!اط في ال!!دماء» ،وقاع!!دة «دَرْء
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 159
• د .إبراهيم زارع
الحدود بالشُّ! بُهات» ،كم!!ا ق!!ال الن!!بيّ األك!!رم|« :ادرأوا الح!!دود عن
المسلمين! ما استطعتُم !،فإنْ وجدتُم للمسلم مخرجاً فخَلُّوا سبيله؛ ف!!إن
اإلمام إنْ يخطئ في العفو خيرٌ له من أن يخطئ في العقوبة»(.)327
الهوامش
160االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
خالصةٌ
تعتبر القاعدة عند اإلماميّة من القواعد الفرعي!!ة للقاع!!دة الكلِّي!!ة
المعروفة بـ (قاعدة االش!!تراك) العامّ!!ة؛ حيث يوج!د في الفق!ه اإلم!امي
قاعدةٌ كلّية حملَتْ عنوان قاع!!دة االش!!تراك ،وق!!د تف!!رَّع عنه!!ا ع!!دّة
قواعد ،منها :قاعدة اشتراك األحكام بين العالم والجاه!!ل؛ ومنه!!ا :قاع!!دة
اشتراك األحكام بين المسلم والكافر؛ ومنها ـ والتي هي مح!!لّ بحثن!!ا ـ:
قاعدة اشتراك األحكام بين الرجل والمرأة في التكليف.
وأمّا سائر المذاهب فقد عُنونت هذه القاعدة عندهم بعناوين متع!!دِّدة،
من قبيل( :النساء شقائق الرجال).
وهذا العنوان ،أي النساء شقائق الرجال ،ال!!ذي يعت!!بر أص!!ل قاع!!دة
اشتراك األحكام بين الرجال والنساء ،وموضوع المادّة العلمية لها عندهم،
هو نصُّ حديثٍ نبويّ شريف ،رَوَتْه جوامع األحاديث ،ثمّ جرى مج!!رى
القاعدة عند الفقهاء.
ومعنى شقائق الرجال نظ!!ائرهم وأمث!!الُهم في الخَلْ!!ق والطِّب!!اع،
فكأنهُنَّ شققْنَ من الرجال .وفيه من الفقه إثبات القياس ،وإلح!!اق حكم
النظير بالنظير ،وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنس!!اء،
1ـ مقدّمةٌ
تُعَدّ القواعد الفقهية من جملة البحوث التي يُعْنى بها علم الفق!!ه،
أو علم الفروع واألحكام الفقهية .كما أنه!!ا تش!!كِّل عنص!!راً أساس!!ياً ال
يس!!تغني عن!!ه الفقي!!ه في عملي!!ة االجته!!اد الفقهي ،واس!!تخراج األحك!!ام
الشرعية .وهذا أم!!رٌ ال يخفى على ك!!لّ مَنْ م!!ارس عملي!!ة االس!!تنباط
لألحكام الشرعيّة ،وخاض في غمرات النص!!وص واألدل!!ة والقواع!!د ال!!تي
تحتاجها تلك العملية الشاقّة .ومن بين تلك القواع!!د( :قاع!!دة اش!!تراك
األحكام الشرعيّة بين النساء والرجال) ،التي تُعَدّ من القواعد المفص!!ليّة
في تعميم األحكام الشرعيّة التي لم يثبت بالدليل اختصاصها بالرج!!ال أو
النساء .ومن هنا عُ!!دَّتْ أص!!الً يرج!!ع إلي!!ه في ك!!لّ حكمٍ شُ! كَّ في
اختصاصه بالرجال أو النساء .ومن هنا تعرَّض له!!ا الفقه!!اء من مختل!!ف
المذاهب ،وبيَّنوا موارد الحاجة إليها.
وفي ه!!ذه المقال!!ة س!!وف نتع!!رَّض إلى مبحثٍ مهمٍّ من مب!!احث
القاعدة ،والذي يثبت من خالله مشروعيّتها ،وإمكان توظيفه!!ا في معرف!!ة
حكم الفروع الفقهيّة والجزئيّات المتناثرة؛ فإنها تش!!كِّل اإلط!!ار الكلِّي
والجامع للجزئيات والفروع الفقهية .وهذا المبحث هو أدلّة القاع!!دة في
الفقه اإلسالميّ ،مضافاً إلى بيان مفادها والمقص!!ود منه!!ا عن!!د الم!!ذاهب
اإلسالمية.
162االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
في قضيّةٍ أغلبيّة ،يتعرَّف منه!!ا أحك!!ام م!!ا دخ!!ل تحتها»()328؛ والبعض
اآلخر على أساس أنه!!ا كلِّي!!ة ،فج!!اء تعريفه!!ا على «أنه!!ا أم!!رٌ كلِّي
منطبقٌ على جميع جزئيّاته عند تعرُّف أحكامه منه»( ،)329أو أنها «حكمٌ
كلِّي ينطبق على موارده الجزئيّة الكثيرة في أبواب مختلفةٍ»(.)330
وهذا االختالف في كلِّية القاع!!دة أو أغلبيّته!!ا ناش!!ئٌ من اختالف
وجهات النظر إلى القاعدة؛ فمَنْ نظر إليها باعتبار وجود االستثناءات فيها
قال :إن القاعدة الفقهية أغلبيّةٌ؛ ومَنْ نظر إلى أن االستثناءات ال ت!!ؤثِّر
في كلِّيتها قال :هي كلِّيةٌ .وبما أن االستثناءات من القاع!!دة ال تق!!دح
بكلِّيتها ،وال تتنافى مع عموميّتها في ذاتها ،كما ال يخفى ،ف!!إن المعت!!بر
في عموم! القاعدة هو العموم العادي ،ال العموم العقلي .والعموم الع!!ادي ال
يقدح في كلِّيته تخلُّف بعض الجزئيّات .فالبلوغ مثالً يكون عن!د س!نّ
الـ ،15فإذا وُجد مَنْ لم يبلغ عند الـ 15فإن ذلك ال يخ!!رم القاع!!دة.
أما العموم العقلي فتنقدح كلِّيته ولو تخلَّف فردٌ واحد .ولو سُلِّم بأن
هذه المستثنيات قد توافَرَتْ فيها الشروط ،وانتفَتْ عنه!!ا الموان!!ع !،ف!!إن
وجودها ال يقدح في كلِّية القاعدة بعد ثبوتها؛ ألن «الغ!!الب األك!!ثريّ
معتبرٌ في الشريعة اعتب!!ار الع!!امّ القطعيّ؛ ألن المتخلّف!!ات الجزئيّ!!ة ال
ينتظم منها كُلِّي يعارض هذا الكُلِّي الثابت»( .)331وعليه ،فال بُ!!دَّ من
أخذ قيد الكلِّية في تعريف القاعدة الفقهية ،فيُقال :إنه!!ا تل!!ك القواع!!د
التـي تتض!!مَّن أحكام!!اً فقهيّ!!ة كلِّي!!ةً ،تنطب!!ق على ص!!ورٍ وح!!االتٍ
مختلفةٍ ،ليس لها جامعٌ إالّ دخولها تحت ضابط القاعدة.
تعريف االشتراك
المقصود من االشتراك هنا مش!اركة الرج!ال والنس!اء في األحك!ام
الشرعيّة التي تضمَّنَتْها الخطاب!!ات الش!!رعية الموجَّه!!ة للمكلَّفين .وال
يُراد منه التساوي ،كما يمكن أن يحلو لبعضٍ التعبير بالتساوي ،اعتق!!اداً
منه أن ذلك ينسجم مع عدالة اإلسالم األصيل؛ ف!!إن التس!!اوي في كث!!يرٍ
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 163
• أ .شروق فقيه
من الموارد يتنافى مع العدالة ،وه!!و حَتْم!!اً ليس م!!راداً للش!!ارع ،كم!!ا
سيتَّضح ذلك عند بيان مفاد ومضمون القاعدة.
164االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 165
• أ .شروق فقيه
166االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 167
• أ .شروق فقيه
القاعدة بشكلٍ مستقلّ ومفصَّل ،مما يجعل الباحث يب!!ذل جه!!داً كب!!يراً
للوصول إلى مرامهم ،من خالل التتبُّع في كتبهم ومالحظ!!ة كلم!!اتهم.
ومن ثَمَّ أمكن تصيُّد مفاد القاعدة ومض!!مونها من خالل م!!ا أوردوه في
كتبهم ،عند كالمهم عن أن األصل في الشريعة هو عموميّة األحكام لكلّ
المكلَّفين .كم!!ا يمكن تص!!يُّده من خالل ح!!ديثٍ نس!!بوه إلى الن!!بيّ
األك!رم|( :النس!اء ش!قائق الرج!ال)( ،)346وال!ذي ص!يغَتْ من!ه القاع!دة
عندهم()347؛ فإنّ معنى كون النس!!اء ش!!قائق الرج!!ال أن الم!!رأة ش!!قيقة
الرجل ،أي مساوية له ،وتشترك معه في م!!ا فرض!!ه اهلل ع!!زَّ وج!!لَّ من
التكاليف اإللهيّة ،فيما ل!!و لم يعلم االختص!!اص .ه!!ذا م!!ا ص!!رَّحَتْ ب!!ه
الحنفية والمالكية والشافعية والحنابل!!ة ،ب!!أن األص!!ل في خط!!اب الش!!رع
عندهم العموم؛! فهو موجَّهٌ إلى الرجال والنساء ،من دون وجود فرقٍ فيه
بينهما ،إالّ فيما دلَّ دليلٌ على تخصيصه بأحدهما؛ فقد قال رسول اهلل[|]:
(إنما النساء شقائق الرجال)( ،)348وأنه (ال حاجة إلى التنصيص على الحكم
في المرأة؛ فإن من المعلوم أن كلّ حكمٍ ثبت للرجال ثبت للنساء؛ ألنهنّ
شقائق الرجال ،إالّ ما نُصَّ)(.)349
168االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 169
• أ .شروق فقيه
ب ـ الروايات 6الشريفة6
وقد استدلّ على قاعدة االش!تراك بالرواي!ات ال!واردة عن أئمّ!ة أه!ل
البيت^ في موارد مختلفة ،ونذكر منها:
1ـ ما رواه الكليني بإسناده عن أبي عم!!رو الزب!!يري ،عن أبي عب!!د
اهلل× ـ في حديثٍ ـ أنه قال« :حكم اهلل عزَّ وجلَّ في األوّلين واآلخرين
وفرائضه عليهم سواءٌ ،إالّ من علّةٍ أو حادثٍ يكون .واألوّلون واآلخرون
أيضاً في منع الحوادث شركاء ،والفرائض عليهم واحدةٌ ،يسأل اآلخ!!رون
عن أداء الفرائض كما يسأل عنه األوّلون ،ويحاسبون به كم!!ا يحاس!!بون
به»(.)352
وداللةُ ه!!ذه الرواي!!ة على اش!!تراك التكلي!!ف بين الجمي!!ع ،رج!!االً
ونساءً ،واضحةٌ؛ حيث يُراد من (األوّلون واآلخرون) العموم واالستغراق،
فيكون داالًّ على اشتراك كلّ فردٍ من األول مع ك!!لّ ف!!ردٍ من اآلخ!!ر،
سواء كانوا من الرجال أو النساء ،وهذا يستلزم اشتراك األوّلين بعض!!هم
مع بعضٍ أيض!!اً؛ ألن الف!!رد من األوّلين يش!!اركه ك!!لٌّ من اآلخ!!رين،
وكلٌّ من األوّلين يشاركهم في ذلك ،فيشترك الكلّ(.)353
2ـ النب!!ويّ المش!!هور ،ق!!ال |« :حكمي على الواح!!د حكمي على
الجماعة»(.)354
فإنّ ظاهر هذه الجملة أنّ حكمي ،الذي ه!!و حكم اهلل ،على أح!!دكم
حكمي على الجميع ،نساءً ورجاالً ،أي إن!!ني ال أخصّ أح!!داً ب!!الحكم ،ب!!ل
كلُّكم ،أيها الرجال والنساء ،في حكمي سواءٌ.
هذا هو المتفاهم العُرْفي والظاهر من ه!!ذا الح!!ديث الش!!ريف .وال
شَكَّ في حجّية ظواهر األلفاظ والجُمَل ،فيدلّ هذا الح!!ديث المب!!ارك
170االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 171
• أ .شروق فقيه
المتشرعة6
ِّ ج ـ ارتكاز
إن االشتراك في التكاليف بين جميع المكلَّفين ،رجاالً ونس!!اءً ،ه!!و
المرتَكَز عند أهل الشرع وعامّة المس!!لمين ،من دون أن يك!!ون مختصّ! اً
بالمخاطَب .وهذا االرتكاز ال محالة قد نش!!أ من مب!!دأ ال!!وحي والرس!!الة،
وقد انتق!!ل ي!!داً بي!!دٍ من الس!َّ لَف إلى الخَلَ!!ف .ول!!ذا ل!!و س!!أل أح!!دُ
المقلِّدين مقلَّده واستفتاه في حكمِ موضوعٍ استفاد منه المقلِّد اآلخ!!ر،
سواء كان رجالً أم امرأة ،وتعيَّنَتْ وظيفته أيض!!اً ،من دون حاج!!ةٍ إلى
172االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
استفتاءٍ جديد .والسؤال في الروايات إنّما كان على ه!!ذا المن!!وال .ف!!اذا
قال اإلمام× ـ مثالً ـ في جواب زرارة ،الذي سأله عن إص!!ابة ال!!دم ثوب!!ه،
وقد نسيه ،فصلّى فيه؟ :أعِدْ صالتك !،يكون المرتكز في ذهن المتشرِّعة
ثبوت هذا الحكم بالنسبة إلى جمي!!ع مَنْ ك!!ان منطبق!!اً علي!!ه مف!!روض
الس!!ؤال ،بال ف!!رق بين أن يك!!ون رجالً أو ام!!رأةً ،وإنْ ك!!ان المخ!!اطَب
بحَسَب اللفظ والبيان هو زرارة(.)362
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 173
• أ .شروق فقيه
اقتضَتْ تشريع حكم تطهير ثوب زرارة الذي أصابه البول هي نفسها التي
تقتضي ذلك بالنسبة إلى المرأة؛ فإن األحكام التابعة للمص!!الح والمفاس!د
نفس األمريّة ـ عند العَدْلية ـ ال تختلف بحَسَب أفراد المكلَّفين ،س!!واء
في ذلك الرجل والمرأة؛ للزوم دفع المضرّة وجلب المنفع!!ة الالزم على
الكلّ(.)364
لكنْ ال يخفى أن تمامي!!ة ه!!ذا ال!!دليل موق!!وفٌ على العلم بمن!!اط
الحكم في المسألة ،فما لم يَرِدْ ما يص!لح أن يك!ون مناط!اً للحكم ،وعلم
بكونه هو المناط ،فال يمكن تعميم الحكم إلى كلٍّ من الرج!!ل والم!!رأة.
وعليه ،فهذا الدليل أخصّ من المدَّعى!.
174االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
سنَّة الشريفة6
ب ـ ال ُّ
استند علماء جمهور المذاهب الفقهي!!ة إلى مجموع!!ةٍ من األح!!اديث
والروايات؛ إلثبات أن أحكام الشريعة للناس كافّةً ،ويشترك فيه!!ا جمي!!ع
األمّة ،من الرجال والنساء .ومن هذه األحاديث:
1ـ ما رواه أنس بن مالك ،عن رسول اهلل[|] أنه ق!!ال« :أُم!!رْتُ أن
أقات!!ل الن!!اس حتّى يش!!هدوا أن ال إل!!ه إال اهلل ،وأن محم!!داً رس!!ول اهلل،
واستقبلوا قبلتنا ،وأكلوا ذبيحتنا ،وصلّوا ص!!التنا ،فق!!د ح!!رُمَتْ علين!!ا
دماؤهم وأموالهم إالّ بحقِّها ،لهم ما للمسلمين !،وعليهم ما عليهم»(.)367
فالمستفاد من هذا الحديث أنه[|] مأمورٌ بنشر دين اإلسالم ،وتعميم
األحكام على جميع الناس ،دون فرقٍ بين النساء والرجال ،فتك!!ون الم!!رأة
مشاركةً للرجل في التكليف ،وتلك هي حقيقة الدين وغايته.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 175
• أ .شروق فقيه
2ـ ما رواه سعيد بن المرزبان ،عن أنس بن مالك ،عن عائش!!ة أنه!!ا
قالت :سُئل رسول اهلل[|] عن الرجل يجِدُ البَلَ!!ل ،وال ي!!ذكر احتالم!!اً؟
قال« :يغتسل»؛ وعن الرجل يرى أنه قد احتلم وال يجد بَلَالً؟ ق!!ال« :ال
غسل عليه» ،قالت أمّ سليم :هل على المرأة ترى ذلك غسلٌ؟ قال« :نعم؛
إن النساء شقائق الرجال»(.)368
ووجه االستدالل( :إن النساء) ـ وهو استئنافٌ في مع!!نى التعلي!!ل ـ
(شقائق الرجال) ،أي نظائرهم في الخَلْ!!ق والطب!!ائع ،ك!!أنهُنَّ ش!!ققْنَ
منهم؛ فما ثبت للرجال من أحك!!ام وتك!!اليف فه!!و ث!!ابتٌ للنس!!اء ،إالّ م!!ا
أخرجه النصّ .وعليه يجب الغسل على المرأة برؤية البَلَ!!ل بع!!د الن!!وم،
كالرجل .وه!!ذا االش!!تراك بين الرج!ال والنس!!اء أش!!به بإلح!!اق النظ!!ير
بالنظير ،ومن باب أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء،
إالّ في مواضع مخصوصة(.)369
فهذا الحديث يعت!!بر من األح!!اديث المهمّ!!ة ال!!تي اس!!تدلّ به!!ا على
اشتراك األحكام بين الرجال والنساء؛ باعتبار أنه موجَّ!!هٌ لهم!!ا مع!!اً ،وال
فرق فيه بينهما ،إالّ في ما دلَّ دليلٌ على تخصيص!!ه بأح!!دهما .كم!!ا أن
عنوان القاعدة مأخوذٌ منها.
أـ الضرورة
لقد عُلِمَ من دين النبيّ الكريم[|] ،والشريعة السمحة التي جاء بها
وأُمر بتبليغها ،بالضرورة ،أن األحكام والتكاليف للناس كافّ!!ة ،ذك!!رهم
وأنثاهم ،إلى يوم القيامة(.)370
ب ـ اإلجماع
176االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 177
• أ .شروق فقيه
178االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
ومن هنا كان من المناسب اإلشارة إلى بعض الموارد ال!!تي خ!!رجت
عن القاعدة ،مع بيان مالك هذا الخروج.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 179
• أ .شروق فقيه
استُثني فيه أحدهما .وفي ذلك يقول ابن القيِّم« :فإنّ مصلحةَ العبادات
البدنيّة ومصلحةَ العقوبات الرجالُ والنس!!اء مش!!تركون فيه!!ا ،وحاج!!ةُ
أحد الصِّنفين إليها كحاجة الصِّنف اآلخر ،فال يلي!!ق التفري!!ق بينهم!!ا.
نعم؛ فرَّقَت بينهما في أليق المواضع بالتفريق ،وهو الجمع!!ة والجماع!!ة،
لَس!! نَ من أه!!ل ال!!بروز
فخُصَّ وجوبُهما بالرجال دون النساء؛ ألنهُنَّ ْ
ومخالطة الرجال .وكذلك فرَّقَتْ بينهما في عبادة الجه!!اد ،ال!!تي ليس
اإلناثُ من أهلها ،وسوَّتْ بينهما في وجوب الحجِّ؛ الحتياج الن!!وعين إلى
مصلحته ،وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة»(.)377
180االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
نعالن»(.)380
ووجه الداللة على المطلوب واضحةٌ؛ فإنها ظ!!اهرةٌ في أن!!ه يح!!رم
على الرجل لبس المخيط والثوب والخفَّين اختياراً.
2ـ ما رواه الشيخ الطوسي أيضاً ،بإسناده عن يعقوب بن ش!!عيب ،عن
أبي عبد اهلل× ،قال :الم!!رأة تلبس القميص ت!!زرّه عليه!!ا وتلبس الحري!!ر
والخزّ والديباج؟ فقال« :نعم ،ال بأس به»(.)381
3ـ ما رواه الصدوق ،بإسناده عن حريز ،عن أبي عبد اهلل× قال« :كلّ
ثوبٍ تصلّي فيه فال بأس أن تحرم فيه»(.)382
بتقريب أن للمرأة المُحْرِمة أن تلبس ما شاءَتْ من أن!!واع! الثي!!اب
التي يجوز لها لبسها قبل اإلحرام ،مخيطاً أو منسوجاً أو خالف ذلك.
ب ـ أدلّة جمهور المذاهب :واستدلّ علماء سائر المذاهب اإلسالميّة
على حرمة لبس المخيط والخفَّين للرج!!ل ،وعلى ج!!واز لبس المخي!!ط
للمرأة ،بأدلّةٍ ،منها:
1ـ اإلجماع :أجمع أه!!ل العلم على أنّ المُحْ!!رِم ممن!!وعٌ من لبس
القمص ،والعمائم ،والسراويالت ،والخف!!اف ،وال!!برانس؛ وأجمع!!وا! على أن
للم!!رأة المُحْرِم!!ة لبس القميص ،وال!!دروع ،والس!!راويل ،والخُمُ!!ر،
والخِفاف(.)383
2ـ األخبار ،كالذي رُوي عن عبد اهلل بن عمر ،عن أبيه قال« :سأل
رجلٌ النبيّ[|] عمّا يجتنب المُحْرِم من الثياب؟ قال« :ال يلبس القميص،
وال الس!!راويل ،وال ال!!برنس ،وال العمام!!ة ،وال ثوب!!اً مسّ! ه ال!!ورس ،وال
الزعف!!!ران .ويلبس إزاراً ورداءً ونعلين ،وال يلبس الخفَّين ،إالّ لمَنْ ال
يج!!!د النعلين ،فليلبس الخفَّين ،وليقطعهم!!!ا حتّى يكون!!!ا أس!!!فل من
الكعبين»(.)384
ووجهُ الداللة أنّ النبيّ[|] نهى عن خمسة أنواعٍ من اللب!!اس تش!!مل
جميع ما يحرم؛ وذلك أنّ اللباس إما أن يصنع للبدن فق!!ط ،فه!!و القميص
وما في معناه؛ أو للرأس فقط ،وهو العمامة وما في معناها؛ أو لهما ،وه!!و
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 181
• أ .شروق فقيه
182االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 183
• أ .شروق فقيه
والتخصص
ُّ 6ـ الخروج عن االشتراك ،بين التخصيص
بعد ثبوت أن هناك موارد قد خرجَتْ عن القاعدة ،وق!!ع الكالم بين
األعالم ـ حتّى داخل المذهب الواحد ـ في كيفيّة هذا الخروج وطبيعت!!ه،
وأنه بنحو التخصيص أو بنحو التخصُّص .وبيان ذلك كما يلي:
184االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 185
• أ .شروق فقيه
186االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
يكون حَلَّ مشكلة االستثناءات التي تشكِّل عائقاً أمام عمومها واطّراده!!ا؛
حيث قال« :فالجزئيات المتخلِّفة ق!!د يك!!ون تخلُّفه!!ا لحكمٍ خ!!ارجٍ عن
مقتضى الكلِّي ،فال تكون داخلةً تحت!!ه أص!!الً؛ أو تك!!ون داخل!!ةً ،لكنْ لم
يظهر لنا دخولها؛ أو داخلة عندنا ،لكنْ عارضها على الخصوص ما هي ب!!ه
أَوْلى»( .)395فعلى كلّ تقديرٍ ال اعتبار بمعارضة الجزئيّ!!ات في ص!!حّة
وضع الكلِّيات للمصالح.
فتعبير الشاطبي بقوله( :فال تكون داخلةً تحته أصالً) هو نفسه م!!ا
اصطلحَتْ عليه بعض علماء االماميّة بـ (الخروج التخصُّص!!ي) ،فيك!!ون
من القائلين بأن خروج الموارد المتقدِّمة إنم!!ا ه!!و من م!!وارد الخ!!روج
التخصُّصي الموضوعيّ !،ال التخصيصي الحُكْمي.
إذن ،المذاهب اإلس!!الميّة األخ!!رى مختلف!!ةٌ في ه!!ذه المس!!ألة على
قولين ،كاإلماميّة.
صلة6
النتيجة المتح ِّ
اتّضح من خالل ما تقدَّم الفَرْق األساسي بين الخروج التخصُّصي
والتخصيصيّ ،وهو أن اإلخ!!راج في التخص!!يص عن الحكم ليس إخراج!!اً
حقيقيّ!!اً ،فل!!وال وج!!ود القرين!!ة المُخْرِج!!ة ل!!ه ،وال!!تي يعبَّ!!ر عنه!!ا
(بالمخصِّص) ،لم يخرج عن موض!!وع الحكم؛ خالف!!اً للتخصُّ! ص؛! ف!!إن
خروج المخصِّص خروجٌ حقيقيٌّ عن الموضوع !،بال حاج!!ةٍ إلى وج!!ود
قرينةٍ تُخْرِجُه؛ ألن المس!!افر مثالً غ!!ير الحاض!!ر حقيق!!ةً .ف!!اذا ق!!ال
الشارع« :يجب على المسافر التقص!!ير في ص!!الته» يخ!!رج الحاض!!ر عن
الحكم تخصُّصاً ،من دون حاجةٍ إلى قرين!!ةٍ أو دلي!!لٍ آخ!!ر ،أي من دون
حاجةٍ إلى (مخصِّص) خارجيّ .وهذا ال يُعَدّ انخراماً لقاعدة.
وهكذا الحال في قاعدة اش!!تراك الرج!!ل والم!!رأة في التكلي!!ف؛ ف!!إن
اختالف الرجل مع المرأة في أحكامٍ كثيرة ال يؤثِّر على كلِّي!!ة القاع!!دة،
وال يكون نقضاً لعمومها؛ ألن موارد النقض ه!!ذه لم ت!!دخل في القاع!!دة من
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 187
• أ .شروق فقيه
األصل.
188االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
ب ـ حكم االحتكار6
1ـ عند اإلماميّة :ذهب بعض الفقهاء إلى تح!!ريم احتك!!ار الس!ِّ لَع؛
لما فيه من هالك الناس ،فيجب البيع؛ لوجوب حفظ الناس ،كما قي!!ل ،في
المخمصة.
واس!!تدلّوا على التح!!ريم برواي!!اتٍ ت!!وجَّهَتْ إلى بعض األف!!راد
بالخصوص !،كما في الرواية التي رواها الكليني ،بإس!!ناده عن أبي الفض!!ل
سالم الحنّاط قال :ق!!ال لي أب!!و عب!!د اهلل× :م!!ا عمل!!ك؟ قلتُ !:حنّ!!اطٌ،
ورُبَما قدمْتُ على نفاق ،ورُبَما قدمْتُ على كسادٍ فحبسْتُ ،قال × :فما
يقول مَنْ قِبَلك في!!ه؟ قلتُ :يقول!ون :محتكِ!!رٌ ،فق!!ال× :يبيع!!ه أح!!دٌ
غيرك؟ قلتُ :ما أبيع أنا من ألف جزءٍ جزءاً ،قال׫ :ال بأس ،إنّما ك!!ان
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 189
• أ .شروق فقيه
ذلك رجلٌ من قريش ،يُقال له :حكيم بن حزام ،وكان إذا دخ!!ل الطع!!ام
المدينة اشتراه كلَّه ،فمَرَّ عليه النبيّ| ،فقال :يا حكيم بن حزام ،إيّ!!اك
أن تحتكر»(.)398
وهذه الرواية وإنْ وردَتْ في موردٍ خاصّ ،في شأن حكيم بن حزام
تنهاه عن االحتكار ،إالّ أنّه لمّ!!ا ك!!ان االحتك!!ار س!!بباً في هالك األنفس
واإلفساد في المجتم!!ع فمن غ!!ير المعق!!ول أن ه!!ذا الفع!!ل إذا ص!!در من
مكلَّفٍ يكون مفسدةً ،وإذا صدر من مكلَّفٍ آخر ال يكون كذلك .وليس
النهي عن االحتكار الذي ورد في الرواية خاصّاً بحزامٍ؛ ألنّه ال دليل على
الخصوصية ،بل الدليل على إلغائها ،كم!!ا تق!!دَّم من أنّ األحك!!ام عامّ!!ةٌ
بأدلّة االشتراك(.)399
وبناءً على ما تقدَّم ،ال يمكن أن تظهر داللة الرواية على المطل!!وب
الذي هو تسرية الحكم من حزامٍ إلى غيره من الرج!!ال والنس!!اء ،إالّ من
خالل قاعدة االشتراك ،ولو بنكتة تنقيح المناط.
2ـ عن!!د جمه!!ور الم!!ذاهب :أجم!!ع جمه!!ور الم!!ذاهب على حرم!!ة
االحتكار(.)400
واستدلّوا على حرمته بما رُوي عن أحد بني عديّ بن كعب قال :قال
رسول اهلل[|]« :ال يحتكر إالّ خاطئٌ» ،فقلتُ لسعيد :فإن!!ك تحتك!!ر ،ق!!ال:
ومعمر كان يحتكر(.)401
ومن المالحَظ أن الظاهر من روايات االحتكار عند المذاهب األخرى
أنها وردَتْ متوجِّهةً في الخطاب إلى الرجل ،كما عند اإلماميّة؛ ولع!!لّ
ذلك من باب أن السائد فيما سبق من األزمنة أنّ الرجل مَنْ يقوم بفع!!ل
االحتكار؛ نظراً لتصدّيه ألمر التج!!ارة وإج!!راء المع!!امالت .إالّ أنّ حكم
الحرمة الذي ورد في الروايات ال يختصّ بالرجال ،بل يسري إلى النس!!اء؛
ألنّ العموم والمساواة يكون في الحاالت والمناطات المتساوية والمتماثلة،
التي يُعبَّر عنها باتحاد الصنف ،ومع عدم وج!!ود قرين!!ةٍ على اختص!!اص
الحكم بالرجال فتشترك النساء فيه؛ ألنهُنَّ شقائق الرجال.
190االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
حاربة
ج ـ حكم ال ُم َ
1ـ عن!!د اإلماميّة :المقص!ود من المح!ارب ه!!و ك!لّ مَنْ ج!رّد
السالح؛! لإلخافة في برٍّ أو بحرٍ ،ليالً أو نهاراً(.)402
وقد أفتى علماء اإلماميّة بوجوب إقام!ة الح!دّ على المُح!ارِب ،من
دون فرقٍ بين الرجال والنساء(.)403
واستدلّوا على ذلك بصحيح محم!!د بن مس!!لم ،عن اإلم!!ام الب!!اقر×،
حيث قال« :مَنْ شهر السالح في مص!رٍ من األمص!ار ،فعق!ر ،اقتصّ من!ه،
ونُفي من تلك البلد .ومَنْ شهر السالح في مص!!رٍ من األمص!!ار ،وض!!رب
وعقر وأخذ المال ،ولم يقتل ،فهو محارِبٌ ،فجزاؤه جزاء المحارِب ،وأمره
إلى اإلمام؛ إنْ شاء قتله وصلبه؛ وإنْ شاء قط!!ع ي!!ده ورجل!!ه .وإنْ ض!!رب
وقتل وأخذ المال فعلى اإلمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة ،ثمّ يدفعه إلى
أولياء المقتول فيتبعونه بالمال ،ثم يقتلونه» .فقال له أب!!و عبي!!دة :أرأيتَ
إنْ عفا عنه أولياء المقتول؟ فقال أبو جعفر׫ :إنْ عفَوْا عن!!ه ك!!ان على
اإلمام أن يقتله؛ ألنه قد حارب وقتل وسرق»(.)404
ومن الواضح أنّ ألفاظ الروايات ج!!اءَتْ مطلق!!ةً ،وغ!!ير مقيَّ!!دةٍ
بالرجل أو المرأة ،إالّ أنّه قد يُقال بانص!!رافها إلى الرج!!ال؛ باعتب!!ار أنّ
عادة قطع الطريق ،وإشهار السالح؛ إلخاف!!ة الن!!اس ،غالب!!اً م!!ا تص!!در من
الرجال ،وقد يفهم العُرْف أنّ الحكم ورد بخصوص الرج!!ال؛ لم!!ا ذك!!ر،
لذلك ال بُدَّ من دليلٍ آخ!!ر ي!دعم الرواي!ة على س!!راية الحكم للنس!اء،
ويمكن أن يُقال حينئذٍ أنّ المبرِّر للقول بالشمولية هو قاع!!دة اش!!تراك
األحكام بين الرجال والنساء.
2ـ عند جمهور المذاهب :من المس!!ائل ال!!تي وق!!ع الكالم فيه!!ا بين
األعالم ،والتي يمكن عدُّها تطبيقاً لقاع!دة (النس!اء ش!قائق الرج!ال) ،أو
قاعدة االشتراك ،مسألة الحرابة ،وقطع الطريق التي لها ح!!دٌّ معل!!وم في
الشريعة؛ حيث اش!!ترط بعض!!هم في إقام!!ة الح!!دّ على الق!!اطع أن يك!!ون
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 191
• أ .شروق فقيه
8ـ الخاتمة
1ـ لقد اختلف الفريقان في عن!!وان القاع!!دة المبح!!وث عنه!!ا ،حيث
عُنونَتْ عند!:
أـ اإلمامية بـ (قاع!!دة اش!!تراك األحك!!ام الش!!رعية بين الرج!!ال
والنساء) .وهو ينطبق على مضمون القاعدة ،وما يُراد إثباته منه!!ا ،بحيث
ال يَرِدُ عليه إشكالٌ يزعزع كلِّيتها وعمومها وقاعديّتها.
ب ـ جمهور المذاهب بـ (النساء شقائق الرجال) ،الذي معناه النظير،
أي المساوي من جميع الجهات .وإن هذا ال ينطبق مع مضامين القاعدة.
2ـ إنّ مفاد قاعدة اشتراك األحكام بين الرجال والنساء عن!د جمي!ع
المذاهب الفقهيّة تتكفَّل إثبات االشتراك في األحكام الفرعيّ!ة ،التكليفي!ة
والوضعيّة ،ال العقائد الدينيّة ،فكان تعبيرهم كالتالي:
أـ اإلماميّة :إنّ مفاد قاعدة اشتراك األحكام بين الرجال والنس!!اء ـ
الفرع ـ عند اإلمامية هو أنّ الحكم إذا توجَّ!!ه إلى رج!!لٍ أو طائف!!ةٍ من
192االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية ،المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية
دون قَيْدٍ فإنّ المتسالم عند الفقه!!اء ش!!موله للرج!!ال والنس!!اء مع!!اً ،أو
فقُلْ :هو إلحاق النساء بالرجال ـ أو ب!!العكس ـ في األحك!!ام الموجَّه!!ة
إليهم ،المخاطَبين بها.
ب ـ جمهور المذاهب :ذكروا أنّ األصل في الشريعة شموليّة األحك!!ام
للنساء والرجال ،إالّ ما خصّ.
3ـ إن تمامي!!ة األدلّ!!ة ال!!تي س!!اقها العلم!!اء من مختل!!ف الم!!ذاهب
اإلسالميّة على قاعدة اشتراك األحكام بين الرج!!ل والم!!رأة تص!!يِّر ه!!ذه
القاعدة ص!الحةً ألن تك!ون قاع!دةً مس!تقلّة قائم!ةً برأس!ها؛ حيث إنه!ا
تتكفَّل بعنوانها الخاصّ إثبات التكلي!!ف لعم!!وم الرج!!ال والنس!!اء ،بغضّ
النظر عن الزمان والمكان .ويترتَّب عليها فروع كثيرة في جميع أب!!واب
الفقه اإلسالمي.
ويكفي دليالً قيام ضرورة الشرع والفق!!ه ،واالتّف!!اق القطعيّ ،على
اعتبار قاعدة اشتراك األحك!ام بين الرج!ل والم!رأة ،حتّى ل!و ن!وقش في
سائر األدلّة.
4ـ وعلى هذا األساس يكون األصل األوّلي عند الشكّ في اش!!تراك
التكليف بين الرجل والمرأة ،وعند انع!!دام القرين!!ة على التخص!!يص ،ه!!و
االشتراك وعموم التكليف لكلٍّ منهما ،فيس!!ري الحكم من أح!!د الط!!رفين
إلى اآلخر بمعونة قاعدة االشتراك ،ما لم يدلّ دليلٌ على العَدَم.
وطبعاً هذا االشتراك الذي تثبته القاعدة عند مختلف المذاهب إنم!!ا
ه!!و االش!!تراك في األحك!!ام الفرعيّ!!ة ،التكليفي!!ة والوض!!عيّة ،ال العقائ!!د
الدينية.
5ـ هناك موارد عديدة! خرجَتْ عن القاعدة عن!!د جمي!!ع الم!!ذاهب.
وتقاربَتْ تعبيراتهم حول مناط الخروج ،فكانت كالتالي:
أـ عند اإلماميّة :مناط الخروج يرجع إلى مص!لحةٍ يراه!ا الش!ارع
الحكيم؛ إمّا الختالف التكوين بين الجنس!!ين؛ أو اختالف األدوار المنوط!!ة
بكلٍّ منهما؛ أو مراعاة الظروف والعناوين الطارئة؛ وما شاكل ذلك.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 193
• أ .شروق فقيه
الهوامش
194االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
مقدّمةٌ
ي!!تركَّز البحث على م!!ادّة «الغنم» ،وتص!!ريفاتها ،واس!!تعماالتها،
وتجلِّياتها الجَدَلية حول مفهوم الغنيمة في التراث الفكريّ للمسلمين.
ويرصد النواحي الداللية لهذه المادّة في المعهود اللغويّ الت!!داولي،
وانعكاساتها في مجالَيْ التفسير والفقه.
وال يتطرَّق إلى األمور المتّصلة بالتاريخ السياسيّ ،ال!!تي لم يعُ!!دْ
لها وجودٌ موضوعيّ في التاريخ الحديث.
ونعني بالتراث الفكريّ ما تركه علماء العرب والمسلمين من آث!ارٍ
واجتهاداتٍ في المجاالت الفكريّة واألدبيّ!!ة ،كاللغ!!ة والتفس!!ير والفق!!ه
والبحوث الروائيّة.
تشريع الخمس
إن أصل تشريع الخمس ثابتٌ بنصّ القرآن الكريم ،في قوله تعالى:
﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ هللِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ
وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ
آمَنْتُمْ بِاهللِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَ!!وْمَ الْتَقَى
الْجَمْعَانِ وَاهللُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (األنفال.)41 :
ٌ
باحث مهت ٌّم بالفكر العرب ّي اإلسالم ّي .من سلطنة ُع َمان. (*)
*)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 195
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
196االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 197
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
198االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
مناقشة الحيدري
وفي ضوء م!!ا س!بق يمكن مناقش!!ة م!ا ذك!!ره الحي!!دري ،من أن!!ه
بمراجعة المصادر اللغوية األصليّة ،ب!!ل الثانوي!!ة أيض!!اً ،ال نج!!د وص!!فاً
للغنيمة بأنها مطلق الفائدة المكتَسَبة ،بل ينصّون على أن الغنم هو الفوز
بالشيء بال مشقّةٍ ،وأن المحصَّلة المستفادة من كلم!!اتهم التفري!!ق بين
الغنم والغنيمة ،وأن الغنم واشتقاقاتها موضوعٌ للفوز بالشيء بال مش!!قّة،
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 199
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
200االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 201
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
202االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 203
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
204االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 205
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
206االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
على المعترض!!ين !،أو على مَنْ يختلج في ص!!دره ب!!أن ش!!يئاً من حقوق!!ه
مُنِحَتْ لغير المس!!تحقّ .وال ي!!ؤثِّر ذل!!ك في الحكم التش!!ريعي ال!!ذي
أكَّد عليه القرآن ،كما ظنّ بعض الكتّاب(.)438
س ْع ٍي
الغنيمة ما يُنال ب َ
يبدو أن بعض المفسِّرين المتأخِّرين التفت!وا إلى إش!كالية القَيْ!د
المذكور! (بدون مشقّةٍ) ،وعدم انطباق!!ه على الواق!!ع ،فق!!دَّموا تعريف!!اً
مغايراً ومقابالً للفظ الغنيمة .وقرَّروا أنه ما يناله الرج!!ل أو الجماع!!ة
بس!! عْيٍ .ودعم!!وا كالمهم بأمثل!!ةٍ من الش!!عر الع!!ربي .ومن ه!!ؤالء: َ
القرطبي(671هـ)؛ وأب!!و حيّ!!ان(745هـ)؛ والش!!وكاني(1250هـ)؛
وأطفيش(1332هـ)(.)439
بل انتهى بعض الباحثين بأن من مع!!اني الغنيم!!ة م!!ا يحص!!ل علي!!ه
الفرد أو المجموعة بالسَّعْي والتجوال ،وفي ذلك يقول الشاعر:
رضيتُ من الغنيمة وقد طوَّفْتُ في اآلفاق حتّى
()440
باإليابِ
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 207
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
غير أنه قال بعده !:واعلم أن االتّفاق حاصلٌ على أن الم!!راد بقول!!ه
تعالى﴿ :غَنِمْتُمْ مِّنْ شَيْءٍ﴾ مالُ الكفّ!!ار إذا ظف!!ر ب!!ه المس!!لمون على
وجه الغلبة والقَهْر.
وصرَّح بالقول :وال تقتضي اللغة هذا التخصيص !،على م!!ا بيَّن!!اه.
ولكنْ عُرْفُ الشرع قيَّد اللفظ بهذا النوع(.)442
وكالمُ!!ه واض!!حٌ في أن مفه!!وم الغنيم!!ة في اللغ!!ة واس!!عٌ ،وأن
التخصيص جاء من جهة اتّفاق الفقهاء ،وما عبَّر عنه بعُرْف الشرع ،وهو
تعبيرٌ عن النظرة الفقهية السائدة المتبنّاة في هذا الشأن.
وبهذا فقد مايزا بين المعنى اللغويّ واالصطالحي الشرعي.
كما صرَّح األلوسي(1270هـ) بقوله :وغنم في األصل من الغنم،
بمعنى الربح ...وفي القاموس :المغنم والغ!!نيم والغنيم!!ة والغنم بالض!!مّ
الفَيْء .والمشهور تغاير الغنيمة والفَيْء .ثمّ قال :وفسَّروها بم!!ا أخ!!ذ
من الكفار قهراً بقتالٍ أو إيجافٍ(.)443
وقد صرّح بعض الباحثين المعاص!!رين ب!!أن التعري!!ف الس!!ائد ه!!و
فقهيٌّ اصطالحيّ.
قال القاسمي :ف!!رّق الش!!رع بين الغنيم!!ة والفَيْء ،وال حاج!!ة بن!!ا
للرجوع إلى األصل اللغوي ،فهو متش!!عِّبٌ وطوي!!ل .ونكتفي هن!!ا بال!!ذي
اعتمده الفقهاء ،ولم يختلفوا فيه ،فقالوا :إن الغنيمة م!!ا أُخ!!ذ من أم!!وال
أهل الحرب عنوةً بطريق القَهْر والغَلَبة(.)444
وقال الصالح :الغنيمة مالٌ من أموال الكفّ!!ار ،ظف!ر المؤمن!ون ب!ه
على وجه الغَلَبة والقَهْر .وأضاف :ومعناه االصطالحيّ هذا م!!أخوذٌ من
المعنى اللغوي للغنيمة :الفوز بالشيء(.)445
وهكذا نجد أن جملةً من المفسِّرين ذكروا بعض المعاني اللغويّ!!ة
208االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
العامّة للفظ الغنيمة ،غير أنهم اختاروا في النتيجة ما غلب على استعماله
التاريخيّ ،واستقرّ عليه العُرْف الفقهي السائد.
ولهذا يرى الخرسان أن تخصيص مفهوم الغنيمة بمصداقها الحربيّ،
دون غيره ،هو نتيجة الت!!أثُّر باتّج!!اه الفق!!ه الرس!!ميّ في ظ!!لّ األُنْس
الذهنيّ بكونه من المسلَّمات(.)446
وهو ما أكَّد عليه بعض الفقهاء ،كالنراقي والسيستاني.
ثانياً :اتجاهات التفسير6
بعد أن عرَضْنا آراء اللغ!!ويّين ح!!ول دالالت الكلم!!ة ،واس!!تعماالتها
المعهودة؛ وتطرَّقنا إلى التحليالت التي ترى تأثُّر بعض اآلراء باتّجاهات
الفق!ه الت!اريخيّ الرس!ميّ ،نش!ير إلى انعكاس!اتها في تش!كُّل اتّجاه!ات
التفسير لمفهوم الغنيمة:
االتجاه المضيّق
يقصر العديد من المفسِّرين مفهوم الغنيمة على المع!!نى الض!!يِّق،
وهو :ما يظفر به المسلمون! في الحرب مع المشركين.
فقد نقل الطبري(310هـ) عن عطاء بن السائب :ما أخذوه من مالٍ
ظهروا عليه فهو غنيمةٌ.
وعن سفيان الثوري :الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوةً بقتالٍ.
وقال الطبري :الغنيمة هي م!!ا أف!!اء اهلل على المس!!لمين من أم!!وال
المشركين بغَلَبةٍ وقَهْرٍ.
وقال في موردٍ آخر :وقد بيَّنا فيما مض!!ى مع!!نى الغنيم!!ة ،وأنه!!ا
المال يوصل إليه من مال مَنْ خوّل اهلل مال!ه أه!!ل دين!!ه ،بغَلَب!!ةٍ علي!!ه،
وقهرٍ بقتال(.)447
وذكر البيضاوي(685هـ) أن الغنيمة في الش!!ريعة م!!ا دخلَتْ في
أي!!دي المس!!لمين من أم!!وال المش!!ركين ،على س!!بيل القَهْ!!ر بالخَيْ!!ل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 209
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
والرِّكاب(.)448
وحَسْب ابن كثير(774هـ) :الغنيمة هي المال المأخوذ من الكفّار
بإيجاف الخيل والرِّكاب(.)449
وصرَّح األردبيلي(933هـ) بقوله :وال!ذي ينبغي أن يُ!ذْكَر هن!ا
مضمون اآلية ،فهي تدلّ على وجوبه في غنائم دار الح!!رب ،ممّ!!ا يص!!دق
عليه شيء ،وأيَّ شيءٍ كان ،منقوالً وغير منقول( .)450وق!!د احتمل!!ه في
«مجمع الفائدة» ،ولم يجزم في!!ه على دالل!!ة اآلي!!ة حَصْ! راً على غن!!ائم
الحرب.
وانتهى رشيد رضا إلى القول :والتحقيق أن الغنيمة في الش!!رع م!!ا
أخذه المسلمون! من المنقوالت في حرب الكفّار عنوةً(.)451
سعاالتجاه المو ّ
وفي المقابل ذكر بعض المفسِّرين كال المفهومين للغنيمة ،سواء
الضيِّق أو الواسع .ومع كون المعنى الضيِّق ـ على األق!!لّ ـ مص!!داقاً
بارزاً غير أنهم مالوا إلى المفهوم األوسع؛ اتّساقاً م!!ع الموق!!ف ال!!روائي
والفقهي لديهم .وفي الوقت نفسه صرَّحوا بأنه يتّفق مع الداللة اللغوية.
عرّف الطوسي(460هـ) الغنيمة بالمعنى اللغوي السائد ،وه!!و :م!!ا
أخذ من أموال أهل الحرب من الكفّار بقت!!الٍ .وتط!!رَّق إلى بعض اآلراء
حول الفرق بين الغنيمة والفَيْء .وقال :وعند أص!!حابنا الخمس يجب في
كلّ فائ!!دةٍ تحص!!ل لإلنس!!ان من المكاس!!ب وأرب!!اح التج!!ارات والكن!!وز
والمعادن والغوص وغير ذل!!ك ،ممّ!!ا ذكرن!!اه في كتب الفق!!ه .وعلَّ!!ل
ذلك بقوله :ويمكن االستدالل على ذلك [المعنى الواسع] بهذه اآلية؛ ألن
جميع ذلك يُسمّى! غنيمةً(.)452
ففي نظره إن داللة اآلية أوس!!ع من مج!!رّد م!!ا يُؤخَ!!ذ من أم!!وال
الكفّار في الحرب؛ ألن داللة الغنيمة تشمل كلّ فائدةٍ تحصل لإلنسان.
ويبدو أنه حاول الجمع بين الداللة اللغويّة وموقفه الفقهيّ.
210االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 211
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
االتجاه المضيّق
ذهب جملةٌ من الفقهاء إلى تضييق المفهوم .ونش!!ير هن!!ا إلى بعض
كلماتهم وآرائهم:
ي!!رى أب!!و يوسف(182هـ) أن الغنيم!!ة م!!ا أص!!اب المس!!لمون من
عساكر أهل الشرك ،وما أجلبوا به من المتاع والسالح والك!!راع ،ف!!إن في
ذلك الخمس(.)457
وحَسْب يحيى بن آدم(203هـ) ،عن الحس!!ن بن ص!!الح :س!!معنا أن
الغنيمة ما غلب عليه المسلمون! بالقتال ،حتّى يأخذوه عنوةً(.)458
وصرَّح البيساني(القرن 4هـ) :إنما سُمِّي غنيمةً ألنهم ربحوه من
مال المش!!ركين؛ ألن ال!!ربح يس!!مّى! غنم!!اً .والغنيم!!ة هي ال!!ربح؛ ألنهم
غنموه في ح!!رب الع!!دوّ حالالً .وأض!!اف :وأم!!ا م!!ا غنم!!وا في الح!!رب،
212االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
وقسَّموه بينهم من الغن!!ائم ،فإن!!ه يخ!رج من!ه خُمْس!!ه ال!!ذي جعل!!ه اهلل
فيه( . )459ويتَّضح من كالمه بأنه يرى أن الربح هو غنيمةٌ ،وأن الغنيم!!ة
هي ربحٌ .وقد يُستفاد من كالمه أن غنائم الح!!رب من مص!!اديق ال!!ربح
والغنم.
واعت!!بر الم!!اوردي(450هـ) م!!ال الغنيم!!ة م!!أخوذاً من الكفّ!!ار
قَهْراً(.)460
وفي نظر ابن تيمي!!ة(728هـ) :الغنيم!!ة هي الم!!الُ الم!!أخوذ من
الكفّار بالقتال ،ذكره!!ا اهلل في س!!ورة األنف!!ال ،ال!!تي أنزله!!ا في غ!!زوة
بدر(.)461
وذهب محم!!د الع!!املي(1009هـ) إلى أن المتب!!ادر من الغنيم!!ة
الواقعة فيها (في اآلية) غنيمة دار الحرب ،كما يدل علي!!ه سَ! وْق اآلي!!ات
السابقة والالحقة ،فال يمكن التجوُّز بها في غ!!يره ،إال م!!ع قي!!ام الدالل!ة
عليه(.)462
وهو نفس ما قرَّره السبزواري(1090هـ) ،وه!!و أن المتب!!ادر من
الغنيمة الواقعة في اآلية غنيمة دار الحرب ،كما يدل عليه سَ! وْق اآلي!!ات
السابقة والالحقة(.)463
أما عليّ الطباطب!!ائي(1231هـ) ف!!ذكر م!!ا علي!!ه بعض الفقه!!اء
والمفسِّرين من عموم اآلية؛ لجملةٍ من الم!!وارد ال!!تي عليه!!ا األص!!حاب،
فقال :وإثباته حقيقة لغةً أو عُرْفاً مشكلٌ ،بل ظاهرُ األص!!حاب وجمل!!ةٌ
من الرواي!!ات العَ!!دَم؛! حيث قوب!!ل فيه!!ا وفي كالمهم المع!!ادن ونحوه!!ا
بالغنيمة ،بحيث يظهر المغ!!ايرة بحَسَ! ب الحقيق!!ة الوض!!عيّة .كم!!ا هي
ظاهر جماعة من أهل اللغة ،بل عامّتهم ،والعُ!!رْف أيض!!اً ،كم!!ا ص!!رَّح
بعض األجلّة .ثمّ قال :وحينئذٍ فتعميم األصحاب الغنيمة للجمي!!ع كم!!ا
فيه ،لعلّه من جهة النصوص المفسِّرة للغنيمة(.)464
وهكذا فق!د ذهب فري!قٌ من الفقه!اء إلى أن م!دلول «غنمتُمْ» في
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 213
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
214االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 215
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
أصناف :األوّل :صيد ال!!برّ والبح!!ر وم!!ا اس!!تخرج منهم!!ا ،أي من ال!!برّ
والبحر ،أو أُخذ من ظاهرهما ،كمعدنٍ ،فإنه يجب في!!ه الخمس؛ وك!!نزٍ،
إذا كان ذلك الك!!نز ليس لقط!!ةً ،فإن!!ه يجب في!!ه الخمس .وأم!!ا ال!!ذي
يُستَخْرَج من البحر فهو نحو :درّة وعنبر ،ف!!إن فيهم!!ا الخمس .ويجب
الخمس في عسلٍ مباح .والثاني من الغنائم التي يجب فيها الخمس :هو ما
يُغْنَم في الحرب ...و ال خالف في وجوب الخمس في غنائم أهل الحرب.
والثالث من األم!!وال ال!!تي يجب فيه!!ا الخمس :ثالث!!ة أش!!ياء ،وهي :م!!ال
الخراج؛ ومال المعاملة؛ وما يُؤخَذ من أه!!ل الذمّ!!ة .والمعامل!!ة وض!!عها
رسول اهلل| في بعض أراضي خي!!بر( .)469ونق!!ل عن!!ه من كتاب!!ه «البح!!ر
الزخّ!!ار» :يجب الخمس في الص!!يود ،بحريّ!!ةً ك!!انت أم برّي!!ةً؛ إذ هي
مغنمٌ ،فعمَّتْها اآلية .وأضاف :قالوا :الغنيمة اس!!م م!!ا أُخ!!ذ من الكفّ!!ار
فقط ،قلنا :بل كلّ ما اغتنم( .)470وكالمه واضحٌ في توسيع المفهوم.
ويُستفاد من بعض هذه األقوال الفقهيّة أنها ت!!درج بعض م!!ا يُن!!ال
عبر الغوص والكنز ضمن الغن!!ائم ،وإنْ ك!!انت محصّ! لة البحث في فق!!ه
الجمهور ـ حَسْب الهمداني ـ تفيد بأن الخمس المقصود هو غ!!ير الخمس
المصطلح !،ومستحقّه هو غ!!ير م!!ا ص!!رَّحت ب!!ه آي!!ة الخمس في س!!ورة
األنف!!!ال ،وه!!!و قول!!!ه تع!!!الى﴿ :وَاعْلَمُ!!!وا أَنَّ مَ!!!ا غَنِمْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ...اآلية﴾(.)471
وبص!!رف النظ!!ر عن طبيع!!ة الخمس ومس!!تحقّه يظه!!ر من بعض
الكلمات اآلنفة توسيع مفهوم الغنيمة.
وفصّل الهاش!!مي(2018م) الق!!ول في مفه!!وم الغنيم!!ة ،ف!!رأى أن
المفاد األصليّ لمادّة الغنم إما هو خصوص المال الذي يفوز به اإلنس!!ان،
ويظفر به من العدوّ ،بالغَلَبة والقوّة ،وهو ما يختصّ بغنائم الحرب؛ أو
هو الفائ!!دة المطلق!!ة الحاص!!لة مجّان!!اً بال ت!!رقُّبٍ وال بَ!!ذْلِ م!!الٍ أو
جُهْدٍ( .)472وهذا المفهوم أوسع من األوّل؛ حيث يش!!مل الك!!نز والمع!!دن
216االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 217
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
218االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
أوجبت الخمس في كلّ ما يُغْنَم ،وهو يتناول غنيمة دار الحرب ويتناول
غيرها ،فالتخصيصُ من غير دليلٍ باطلٌ(.)483
وإليه ذهب زين الدين العاملي(965هـ) ،وقال :خالفاً للعامّة ،حيث
خصّوها بالمعنى الثاني ،ونقلوه!!ا عن موض!!وعها اللغ!!ويّ إلى غن!!ائم دار
الحرب خاصّة ،أو خصّوها به(.)484
وأكَّد أحمد النراقي(1245هـ) على أن األصل في وجوب الخمس
في جميع ما يستفيده! اإلنسان ويكسبه ويغنمه اآلي!!ة الش!!ريفة واألخب!!ار.
والغنيمة في أص!!ل اللغ!!ة الفائ!!دة المكتَسَ! بة !،كم!!ا ص!!رَّح بعض أه!!ل
اللغة( .)485ويرى أن تصريح بعض الفقهاء بأن المتبادر من الغنيمة في آية
الخمس هو ما يُؤخَذ من دار الحرب؛ بداللة السياق ،ما ه!!و إالّ انعك!!اسٌ
لما اشتهر في الفقه التاريخيّ الرسميّ والتفسير غير اإلماميّين(.)486
ومض!!ى على ه!!ذا التفس!!ير الع!!امّ للغنيم!!ة جماع!!ةٌ من الفقه!!اء
المعاصرين.
فحَسْب الخوئي :إن كلمة غنم بالصيغة الواردة في اآلية المباركة
ترادف ربح واستفاد وما شاكل ذل!!ك ،فتعمّ مطل!!ق الفائ!!دة ...وأض!!اف:
ولعلّ في التعبير بالشيء ـ الذي فيه من السعة والشمول ما ترى ـ إيعازاً
إلى هذا التعميم .وإن الخمس ثابتٌ في مطلق ما ص!!دق علي!!ه الش!!يء من
الربح ،وإنٍ كان يسيراً جدّاً ،كالدرهم ،غير المناسب لغنائم دار الحرب،
كما ال يخفى ...وانتهى إلى الق!!ول :وال ينبغي التأمُّ!!ل في إطالق اآلي!!ة
المباركة في حدّ ذاتها ،وشمولها لعامّة األرباح والغنائم(.)487
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 219
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
220االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
ومن نماذج الكتب :ما رواه البخاري ،عن ابن عباس قال :ق!!دم وف!!دُ
عبد القيس ،فقالوا :يا رسول اهلل ،إنا هذا الحيّ من ربيعة ،بينن!!ا وبين!!ك
كفّار مضر ،فلسنا نصل إليك إالّ في الشهر الحرام ،فمُرْنا بأمرٍ نأخ!!ذ
به ،وندعو! إليه مَنْ وراءن!ا ،ق!ال :آم!ركم ب!أربع ،وأنه!اكم عن أرب!ع:
اإليمان باهلل :شهادة أن ال إله إال اهلل ـ وعقد بيده ـ؛ وإقام الصالة؛ وإيت!!اء
الزكاة؛ وصيام رمضان؛ وأن تؤدّوا هلل خمس ما غنمتم ،...إلخ(.)490
ومن الجليّ ـ في نظرهم ـ أنه ال يمكن أن يكون الخُمْس هن!!ا على
غنائم حربيّة مع هذا الحيّ المستَضْ! عَف ،ال!!ذي ال يق!!وى على الخ!!روج
للقاء النبيّ إالّ بمناسبة السِّلْم في األشهر الحُرُم.
وقد جاء مثل هذا التأكي!!د على أداء خمس المغ!!انم في جمل!!ةٍ من
كتب الرسول| إلى مختلف القبائل التي انض!!مَّتْ إلى المس!!لمين !،حَسْ! ب
بعض المصادر ،مثل :كتاب!ه أله!!ل اليمن م!!ع عم!!رو بن ح!زم ،وكتاب!!ه
للفجيع ،ولجنادة األزدي وقومه .وكتب لجهينة بن زي!!د :إنّ لكم بط!!ون
األرض وسهولها ،وتالع األودية وظهورها ،على أن ترعوا نباتها ،وتش!!ربوا
ماءها ،على أن تؤدّوا الخمس .والرس!!الة األخ!!يرة ظ!!اهرةٌ في أن!!ه طلب
منهم أن يدفعوا! خمس ما يستفيدونه من خَيْرات األرض(.)491
ويُالحَ!!ظ في بعض كتب الرس!!ول| أن!!ه رب!!ط فيه!!ا بين الص!!الة
والزكاة والصيام والخمس وغيرها من األمور !،التي اعتُبِرَت ش!!رطاً في
قبول إس!!المهم ،ودخ!!ولهم في ذمّ!!ة اهلل ورس!!وله| ،وفي م!!ا دَخَ!!ل في!!ه
المسلمون ،ممّا يؤكِّد على أهمِّيته الدينيّة ،وليس السياسية فقط .وقد
بين فيها الوظائف الفرديّة ،التي يجب على كل مسلم أن يؤديها.
ويرى هذا الفريق أن الن!!بيّ| لم يكن يطلب منهم في تل!!ك العه!!ود
والكتب أن ي!!!دفعوا الخمس من غن!!!ائم الح!!!رب؛ ألن بعض!!!هم ك!!!انوا
مستَضْعَفين ،كما تبين من وضع وفد عبد القيس ،باإلض!!افة إلى أنهم لم
يكونوا مخوَّلين ليعلنوا حَرْباً؛ ألنه كان من شؤون النبيّ| .ول!!و ك!!ان
المقصود من دفع الغنائم بعد وقوع حربٍ أو قتالٍ مع المشركين لناسب
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 221
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
ي|
مناقشة االستشهاد بكتب النب ّ6
وبالنظر في نصوص! الكتب النبويّة يُطْرَح تس!!اؤلٌ مف!!ادُه :إذا لم
حَس!! ب الكتب
ْ يكن الم!!رادُ من الخمس المطل!!وب دفع!!ه إلى الن!!بيّ| ـ
المذكورة! ـ خمسَ غنائم الحرب فمن أيِّ الغنائم يكون؟
قد يحتمل أنها من الكنوز والمعادن والركاز وممّا يُس!!تَخْرَج من
البحر لمَنْ كان قريباً منه.
ولكنْ هل كانت ه!!ذه الم!!وارد من الك!!ثرة وال!!وفرة ل!!ديهم بحيث
استدعى كلّ هذا التأكيد في الكتب النبويّة؟!
ومن جه!!ةٍ أخ!!رى ال يوج!!د م!!انعٌ من أن ي!!بين لهم الن!!بيّ| ه!!ذا
التشريع المالي السياسيّ ،رغم كونهم غير مخوَّلين بإعالن الحرب.
ثمّ إنهم إنْ لم يكونوا مخوَّلين بإعالن أيّ ح!!ربٍ ابت!!داء ،فإن!!ه ال
رَيْبَ في أنّ من حقِّهم أن ي!!دافعوا عن أنفس!!هم إذا م!!ا تعرَّض!!وا أليّ
هجومٍ من القبائل المعادية لهم ،ومن ثمّ فإنه اش!!ترطه عليهم بن!!اءً على
هذا االفتراض.
وحقّ ال!!دفاع عن النَّفْس والعِ!!رْض والم!!ال مش!!روعٌ ،ومق!!رَّرٌ
عقالئيّاً ودينيّاً ،وال يحتاج بطبيعة الحال إلى إذنٍ .وإنْ وق!!ع ش!!يءٌ من
ذلك ،وغنموا في تلك الحرب الدفاعية ،فإن عليهم دفع أخماس!!ها ،وفاق!!اً
لبعض النصوص الفقهية(.)493
وهناك مَنْ يرى أن مطالبةَ النبيّ لتلك الوف!!ود والقبائ!!ل تق!!ديم
الخمس له كان بسبب عدم حضور الن!!بيّ بنفس!!ه تل!!ك المع!!ارك ،فك!!ان
يطالب أؤلئك القادة ،ال!!ذين ك!!انوا نوّاب!!اً عن!!ه ،أن ي!!ؤدّوا إلي!!ه خمس
غنائمها(.)494
وهذا افتراضٌ لم يستند! إلى أيّ دليلٍ أو مصدرٍ تاريخي .فالرسائل
222االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
لم تكن لقادةٍ بعثهم النبيّ بالنيابة عنه لمهمّاتٍ قتالي!!ة ض!!دّ فئ!!اتٍ من
المشركين .إن الرسائل التي بعثها الن!!بيّ بع!!د الحديبي!!ة ،وتحدي!!داً في
السنتين السادسة أو السابعة ،كانت للملوك واألمراء ،ولناسٍ من الع!!رب.
أما الرسائل التي كتبها للقبائل التي وفدَتْ إليه فكانت في ع!!ام الوف!!ود،
في السنة التاسعة .وبدراسة نصوص!!ها ومالحظ!!ة س!!ياقاتها التاريخي!!ة ال
نجدها تدلّ على ذلك .ولم يَرِدْ في مصادر التاريخ أنها كانت موجَّهةً
لسرايا أو بعوثٍ أرسلت لمهمّاتٍ قتالية.
إن السرايا التي بعثها النبيّ| ـ حَسْب ابن سعد(230هـ) ـ ك!!ان
مجموعه!!ا ح!!والي 56س!!ريّة ،ومعظمه!!ا ك!!انت في الس!!نوات الثاني!!ة
والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة للهجرة .والس!!رايا ال!!تي
رجعَتْ بغنائم كانت حوالي 12سريّة(.)495
إن مهمّات السرايا كانت أمنيّةً وتأديبيّة ،وبعضها سياس!!يّة دينيّ!!ة
محدودة .وحَسْ! ب تعب!!ير بعض م!!ؤلِّفي الس!!يرة :إنه!!ا مهمّ!!ات فِ!!رَق
الشرطة في زماننا( .)496وفي جميع األحوال فإن ه!دف الرس!ائل والعه!!ود
كان مختلفاً عن غرض السرايا األمنيّة والقتاليّة.
وق!د يَ!رِدُ على دع!وى ك!ون المقص!ود من الخمس في الرس!ائل
ص! فْو
النبويّة هو خمس المكاس!ب واألرب!اح بأن!ه ورد في بعض!ها حكمُ َ
المال ،ممّا يؤيِّد أنها ك!!انت أق!!رب إلى الس!!ياق الح!!ربيّ .ب!!ل ج!!اء في
كتاب!!ه لعب!!د يغ!!وث بن وعل!!ة الح!!ارثي« :وأعطى! خمس المغ!!انم في
الغَ!!!زْو»( .)497وخلَتْ جمل!!ةٌ من الكتب من أيّ إش!!!ارةٍ إلى أخم!!اس
المغانم(.)498
وتض!!مَّنَتْ بعض الكتب أم!!وراً إداري!!ة وأمني!!ة وسياس!!ية مهمّ!!ة،
باإلضافة إلى الفرائض .وفي بعضها نصّ على خمس المغانم؛ وفي بعض!!ها
لم يَرِدْ له ذكرٌ.
ففي كتابه لمَنْ أسلم من حدس من لخم :وأعطى حظّ اهلل وح!!ظّ
رسوله ،وفارق المشركين ،فإنه آمن بذمّة اهلل ورس!!وله؛ ومَنْ رج!!ع عن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 223
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
224االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 225
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
عدم الترقُّب ـ في نظرهم ـ يرجع إلى أن الفوز بشيءٍ م!!ا يتحقَّ!!ق في
حالة عدم ترقُّبه ،أو بقولٍ آخر :عند مصاحبته لعنصر المفاجأة.
أما مفهوم عدم المش!!قّة فه!!و أق!!رب إلى ع!!دم التعب ،وع!!دم ب!!ذل
المجهود المتعارف ،ومن ثمّ يعني الحصول على الشيء بيُسْرٍ وسهولةٍ.
ويَرِدُ عليه أنه ال يتبادر من الف!!وز مع!!نى ع!!دم ال!!ترقُّب الت!!امّ.
فالذين يش!!اركون في مس!!ابقاتٍ أو يق!!دِّمون اختب!!اراتٍ ،وإنْ ك!!ان ال
يمكنهم الجَزْم بالفوز فيها ،بعضُهم ـ على األقلّ ـ يتوقَّع فرص الف!!وز
بنسبٍ عالي!!ة معت!!دٍّ به!!ا .وبعب!!ارةٍ أخ!!رى :إن مثلهم ليس مث!!ل مَنْ ال
يحتسب وال يتوقَّع الفوز نهائيّاً .وإالّ ـ أي بناءً علي!!ه ـ ف!!إن األرب!!اح
والمكاسب التجاريّة هي األخرى ال تكون محتسبةً؛ ألن التاجر كثيراً م!!ا
يدخل في مخاطرات ويحتمل الربح أو الخس!!ارة بنس!!بٍ متفاوت!ة .ثمّ إن
هناك من األعمال التجارية ما قد يجزم أصحابها سَلَفاً بتحقُّ!!ق أرب!!احٍ
منها ،فهل تخرج من موارد الخمس؟!
كما أن عمليات استخراج المعادن من ب!اطن األرض ،وص!يد اللؤل!ؤ
من البحار ،لم تعُدْ متوقِّفةً على األساليب التقليديّة ،بحيث يطبق عليها
مفهوم عدم الترقُّب.
وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم المجّانية وعدم وجود مقابلٍ ،فإنه
ليس المعنى المتبادر من قَيد «بدون مش!!قّةٍ» ،ب!!ل ق!!د يُس!!تَفَاد ذل!!ك
بضربٍ من العناية اإلضافية.
ويبدو أن بعض الدارسين استنتجوا هذه األم!!ور من بعض المواق!!ف
الروائيّة والفقهية ،ال!!تي أدرجَتْ الك!!نز والرك!!از والمع!!دن وم!!ا ين!!ال
بالغَوْص ض!!من مفه!!وم الغنيم!!ة ،وق!!رَّرَتْ عليه!!ا الخمس .وهي ممّ!!ا
يُظْفَر به اتّفاقاً ،وبدون توقُّعٍ سابق.
وحَس!!! ب بعض اآلراء الفقهي!!!ة :ال يجب دف!!!ع الخمس على بعض ْ
الفوائد المتوقَّعة ،كالمواريث المترقَّبة؛ بينما يجب إخ!!راج الخمس من
المواريث غير المحتَسَبة أو غير المتوقَّعة.
226االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
وبناءً على هذه اآلراء تمّ تفسير ق!!ول اللغ!!ويّ الف!!وز بالش!!يء بال
مشقّةٍ .ولو لم تُؤخَذ الروايات الحديثية واآلراء الفقهي!!ة بعين االعتب!!ار
في التحليالت السابقة العتبر الميراث بأنواعه ،والهب!!ات بأش!!كالها ،وبعض
أشكال المركوزات ،من األمور التي يفوز بها بال مشقّةٍ وال عناءٍ.
ويُالحَظ أن بعض تحليالت المنتظري حول أغ!!راض المس!!تثمرين
والتجّار عن المكاسب والفوائد التجارية ال تصدق على األنشطة التجاري!!ة
في مختلف األزمنة واألمكن!!ة؛ إذ يظه!!ر أن!!ه ركَّ!!ز نظ!!ره على أعم!!ال
تجاريّة محدودة ،ألفرادٍ هدفهم منها الحصول على لقمة العيش اليومي!!ة.
إن أغراض التج!!ارة متع!!دِّدةٌ !،وال تقتص!!ر فق!!ط على توف!!ير الحاج!!ات
المعيشيّة األساس.
وكذلك الحال بالنسبة إلى الحرب؛ فإنّ ما ذكره قد يص!!دق على
الناحية النفسية للمقاتلين لحظة القتال ،بأن هدفهم حينها يك!!ون منص!!بّاً
صوب تحقيق الغَلَبة والنصر وحَسْم المعركة لصالحهم ،وإالّ فقد تكون
للح!!روب أه!!دافٌ مركَّب!!ة ،عس!!كرية وسياس!!ية وأمني!!ة واقتص!!ادية
واستراتيجية ،وال تكون لمجرّد الغَلَبة العسكرية في الميدان.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 227
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
حركة الفتح بدافع الغنيمة أساساً .وحَسْب قراءته فإن الغنيمة والخ!!راج
كانا يشكِّالن موردَيْن وحيدَيْن للدول!!ة الرَّيْعيّ!!ة في ص!!در اإلس!!الم
والعصر األموي(.)506
وفي هذا الصدد يذكر البالذري(279هـ) أن الخليفة أبا بك!!ر لم!!ا
فرغ من قتال الردّة رأى توجيه الجيوش إلى الشام ،فكتب إلى أه!!ل مكّ!!ة
والطائف واليمن وجمي!!ع الع!!رب بنَجْ!!د والحج!!از يس!!تنفرهم للجه!!اد،
وي!!رغِّبهم في!!ه وفي غن!!ائم ال!!روم ،فس!!ارع الن!!اس إلي!!ه بين محتس!!بٍ
وطامع(.)507
وثمة شواهد تاريخي!ة تؤيِّ!!د كالم!!ه ،فق!!د ك!!ان س!!بب الهزيم!!ة
المُنْكَرة التي لحقَتْ بالمسلمين في غ!!زوة أُحُ!!د ه!!و مخالف!!ة الرم!!اة
تعليمات النبيّ| ،وتركهم مواقعهم ،وركضهم وراء جمع الغن!!ائم؛ خوف!!اً
من أن تفوتهم.
كما تطاول بعض!!هم على الن!!بيّ| في غ!!زوة ح!!نين؛ بس!!بب قس!!مة
الغنائم.
إن التأمُّل في اآليات القرآنية التي رافقَتْ حركة الجهاد في تاريخ
المسلمين! يفيدنا بوضوحٍ أن نَيْل المغانم كان من بين الح!!وافز القويّ!!ة
رَض!! يَ
ِ التي طرحها القرآن لتشجيعهم على القتال .يقول تعالى﴿ :لَقَ!!دْ
اهللُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي
قُلُوبِهِمْ فَ!!أَنْزَلَ الس!َّ كِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَ!!ابَهُمْ فَتْح!!اً قَرِيب!!اً *
وَمَغَ!!انِمَ كَثِ!!يرَةً يَأْخُ!!ذُونَهَا وَكَ!!انَ اهللُ عَزِي!!زاً حَكِيم!!اً *
وَعَدَكُمْ اهللُ مَغَانِمَ كَثِ!!يرَةً تَأْخُ!!ذُونَهَا فَعَجَّ!!لَ لَكُمْ هَ!!ذِهِ
وَكَ!!فَّ أَيْ!!دِيَ النَّ!!اسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُ!!ونَ آيَ!!ةً لِلْمُ!!ؤْمِنِينَ
وَيَهْدِيَكُمْ صِ! رَاطاً مُسْ! تَقِيماً﴾ (الفتح 18 :ـ .)20ك!!ان الق!!رآن
الكريم يرشِّد تحرّكاتهم ،ويهذِّب اندفاعاتهم ،ويق!!وِّم اعوج!!اجهم ،في
ض!! رَبْتُمْ فِي هذا السياق .يقول سبحانه﴿ :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا َ
س!! بِيلِ اهللِ فَتَبَيَّنُ!!وا وَالَ تَقُولُ!!وا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ الس!َّ! الَمَ
َ
228االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
منظوران رئيسان6
ومحصّلة البحث أن هن!اك منظ!!ورين رئيس!ين في تحدي!د مفه!!وم
الغنيمة في اآلية ،هما:
األوّل :يقصر مدلول الغنيمة على غنائم الحرب وَحْدَها.
الثاني :يوسِّع المفهوم ،ليشمل كلّ ما يفوز به المرء ،في الح!!رب
أو السلم ،من كسبٍ أو تجارةٍ أو كنزٍ أو ركازٍ أو غوصٍ وما شاكل.
وهناك منظورٌ يتوسط بينهما من بعض الوجوه.
وقد أشار الطوسي(460هـ) إلى كال المنظورين ،عن!!د جمع!!ه بين
بعض األخبار المختلفة حول الغنيمة ،وما اذا كانت ب!!المعنى الخ!!اصّ أو
العامّ .قال« :الوجه فيه أحد شيئين!:
أح!!دهما :أن يك!!ون المع!!نى في!!ه أن!!ه ليس الخمس إالّ في الغن!!ائم
خاصّة؛ بظاهر القرآن؛ ألن ما عدا الغنائم إنما علم وجوب الخمس فيه في
السنّة ،ولم يَعْنِ أنه ليس في ذلك خمسٌ أصالً.
والوجه الثاني :أن تكون هذه المكاسب والفوائد التي تحصل لإلنسان
هي من جملة الغنائم التي ذكرها اهلل تعالى في القرآن ،وقد بيَّن× ذل!!ك
في الرواية التي ذكرناها في أوّل الباب»(.)508
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 229
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
خالصاتٌ ونتائج
لقد اتّضح من البحث أن الفقهاء والمفسِّرين تن!!اولوا القض!!يّة من
230االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين ،عرض وتحليل
مختلف جوانبها ،وقدَّم كلُّ اتّجاهٍ منهم مستنداته ،وما يؤيِّد رأيه.
تمَّتْ محاكمة اآلراء ونقد المباني المختلفة في أجواء اجتهاديّ!!ةٍ
فكريّة ،ممّا يدحض المقوالت التي تتردَّد في بعض الكتابات ،والتي ترجع
االختالف الفقهي والتفسيري فيها إلى عوامل سياسيّة ،ومصالح شخص!!يّة
وفئويّة معيَّنة.
إن اإلرب!!اك الحاص!!ل ح!!ول تحدي!!د مفه!!وم الغنيم!!ة يرج!!ع إلى
االختالف بين أئمّ!!ة اللغ!!ة والتفس!!ير والفق!!ه .وق!!د ت!!داخلت مختل!!ف
المعطيات اللغويّة والروائيّة والفقهيّة ،وتطبيقات التاريخ السياس!!يّ ،في
اتجاهات البحث في هذا الموضوع.
كما تبين أن استعمال مادّة الغنم وتص!!ريفاتها لم يقتص!!ر على م!!ا
يظفر به في الحروب ،واختلف حول مَ!!دَيات االس!!تعمال ،وم!!ا إذا ك!!انت
موارد الكَسْب تشكِّل ظاهرةً لغويّة دالليّة اجتماعيّة.
وقد تبين أن القضية جَدَلي!!ةٌ ،ومرجعي!!ات البحث فيه!!ا متع!!دِّدةٌ
ومتداخلةٌ .والمرجعية اللغوية لم تحسم الجَدَل .ومع وجود مرجعيّ!!اتٍ
نصّية ،تواصل االختالف الفقهيّ حتّى في االتّج!!اه الواح!!د .وهن!!ا ي!!برز
سؤال اللحظة التاريخية ومقتضيات الواقع في االجتماع اإلنسانيّ ،وم!!دى
مساهمتها في عملية الحَسْم؟
والمفارقة التي ظهرت جليّةً في المقام أن!ه في ال!وقت ال!ذي رأى
بعضهم أن المفهوم اللغوي للكلمة أعمّ ،قيَّدوه بالمعنى االصطالحيّ الذي
استقرّ لديهم في الفقه .وفي المقابل رأى بعضٌ أن المفهوم الس!!ائد ه!!و
أضيق ،ومع ذل!!ك تبنّى االتّج!!اه الفقهيّ المش!!هور في نظ!!رهم ،وفاق!!اً
للموقف الروائيّ والفقهيّ القائل بالمفهوم الواسع.
وتبين أن القول ب!!المفهوم الض!!يِّق للغنيم!!ة في آي!!ة الخمس ليس
مقتصراً على اتّجاهٍ فقهيّ مذهبيّ وتفس!!يريّ معين ،وإنْ ك!!ان موض!!ع
اتّفاقٍ لدى أحد االتّجاهين الفقهيّين الرئيسين للمسلمين !،ومح!!لّ خالف
لدى االتّجاه اآلخر ،وإنْ على مستوىً محدودٍ.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 231
• أ .مشتاق بن موسى اللواتي
وفي الوقت نفسه هن!!اك مَنْ خ!!الف الموق!!ف الفقهي المش!!هور في
مدرسته ،وتمسَّك بما قاده إليه البحث العلميّ ،حَسْب قناعته المستقلّة.
وأسفر البحث عن وجود آراء من!!ذ القِ!!دَم ،ل!!دى مختل!!ف م!!ذاهب
الكَس! ب غ!ير الحربيّ!ة ،م!ع
ْ فرض! تْ الخمس على بعض م!وارد َ الفق!ه،
تكييفاتٍ فقهيّة معيَّنة.
الهوامش
232االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
المقدّمة
إن أحد األدلّ!!ة الهامّ!!ة في حجّي!!ة الس!!نّة النبوي!!ة ،مس!!تقلّةً عن
القرآن الكريم ،هو عددٌ من أحاديث النبيّ األكرم| ،التي ت!!أمر المس!!لمين
باتّب!!اع «سُ! نَّته» الش!!ريفة( .)514لكنْ هن!!اك اختالف بين اللغ!!ويّين في
معنى كلمة «السُّنَّة».
ويعتقد بعضٌ أن الكلمة تع!!ني «الطريقة» ،س!!واءٌ ك!!انت طريق!!ةً
جيّدةً أو طريقةً سيّئةً؛ وعلى العكس من ذلك ،يعتقد بعضٌ أن للكلم!!ة
داللةً إيجابيّةً ،وإنّما تدلّ على الطريقة الحَسَنة فقط.
وفي مثل هذه الحال يمكن للقرآنيّين أن يُشكِّكوا في حجّية السنّة
النبويّة؛ بدعوى أن الخالف الموجود في آراء اللغويّين يجعلنا في ش!!كٍّ
في دائرة دالل!!ة لف!!ظ «السُّ! نَّة» ،وحينئ!!ذٍ يجب أن نتمسَّ! ك! بالق!!در
المتيقَّن من داللته ،وهي الطريقة الحَسَنة .وإذَنْ ليس هناك دليلٌ على
أن األحاديث النبويّة تدلّ على وجوب اتّباع كلّ طريقةٍ للنبيّ| ،بل إنم!!ا
تدلّ على وجوب اتّباع طريقته التي ثبت حُسْنُها بدليلٍ آخ!!ر .ونتيج!!ة
هذا اإلشكال أن السنّة النبويّة ليست حجّةً مس!!تقلّةً إلى ج!!انب الق!!رآن
تحقيق (أحاديث أميرالمؤمنين× ،برواية السيد عبد العظيم الحسني ،وإمالء القاضي
جعفر البهلولي) ،من مخطوطات الزيدية .من مدينة بيرجند ـ إيران.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 233
• الشيخ محمد عافي الخراساني
الكريم(.)515
وفي هذه المقالة ،بصرف النظ!!ر عن األجوب!!ة األخ!!رى ال!!تي يمكن
طرحها في جواب هذا اإلشكال ،نق!!دِّم دراس!!ةً في االس!!تعماالت العربيّ!!ة
لكلمة «السُّنَّة» في مصداقٍ قبيحٍ من الطريقة .ويتّض!!ح لن!!ا من خالل
ذلك أن معنى الكلمة عامٌّ يشمل المصاديق الحَسَنة والسيّئة معاً ،وليس
هناك معنىً إيجابيٌّ فيها نفس!!ها ،وبالت!!الي نس!!تطيع أن نق!!ول :إن ه!!ذا
اإلشكال مردودٌ ،وليس هناك أيّ شبهةٍ في حجّية السنّة النبويّة من هذه
الجهة ،وال عبرة بآراء اللغويّين بعد إثبات عموميّ!!ة مع!!نى الكلم!!ة ،ع!!بر
االستشهاد باالستعماالت مباشرةً.
ويجب أن أش!!ير إلى أنّ دراس!!ة االس!!تعماالت في الق!!رآن الك!!ريم
واألحاديث النبوية قد تقدَّمَتْ في مقالةٍ أخرى مستقلّة( .)516وأركِّ!!ز
في هذه المقال!!ة على االس!!تعماالت في كلم!!ات أه!!ل ال!!بيت^ والص!!حابة
واألش!!عار في الق!!رن األول الهج!!ري؛ إلثب!!ات المع!!نى الع!!امّ لمف!!ردة
«السُّنَّة» في العصر النبويّ ،ثمّ أركِّز على االس!!تعماالت في الق!!رون
التالية؛ إلثبات المعنى العامّ للكلمة في العصور المتأخِّرة.
وإن الذي يدعو! إلى هذا التقسيم أن مفردة «السُّنَّة» ،التي ورَدَتْ
في األحاديث النبوية اآلمرة باتّباع الس!!نّة النبويّ!!ة ،ال تخل!!و من إح!!دى
الحالتين :إم!!ا أن تك!!ون كلم!!ة «الس!ُّ نَّة» فيه!!ا هي عين الكلم!!ة ال!!تي
خرجَتْ من شَفَتَيْ رسول اهلل| ،وبعب!!ارةٍ أخ!!رى :هي منقول!!ة باللف!!ظ؛
وإما أن تكون هذه الكلمة منقول!!ةً ب!!المعنى ،ولم تكن عينَ الكلم!!ة ال!!تي
قالها النبيّ| .واالس!!تعماالت في الق!!رن األوّل الهج!!ريّ تس!!اعدنا في فهم
معنى الكلمة في حالة النق!!ل باللف!!ظ ،واالس!!تعماالت في الق!!رون التالي!!ة
تساعدنا في فهم معناها في حالة النقل بالمعنى.
ويجب أن أنبِّه القراء الكرّام إلى أنني؛ حيث ق!!دَّمْتُ في المقال!!ة
السابقة المختصّة باالستعماالت في القرآن والح!!ديث النب!!ويّ تفص!!يالتٍ
كثيرةً حول جوانب أهمّية هذه الدراسة ،ومنهجي فيها ،ال أري!!د إعادته!!ا
234االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 235
• الشيخ محمد عافي الخراساني
236االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
وهو أهمّ المصادر الحديثية اعتباراً عند اإلماميّة .لكنْ مع ذلك قد ورد
في أك!!ثر المص!!ادر« :ومَنْ ع!!رف العِبْ!!رة» ب!!دل «ومَنْ ع!!رف
السُّنَّة»( .)527فحينئذٍ كلمة «السُّ! نَّة» ال توج!!د في الح!!ديث إالّ في
تعبير «سنّة األوّلين» في صدر الرواي!!ة ،وه!!ذا التعب!!ير غ!!ير دالٍّ على
المعنى العامّ ضرورةً؛ ألنه رُبَما يش!ير إلى تعب!ير «س!!نّة األوّلين» في
القرآن الكريم( .)528وقد تق!دَّم في المقال!ة الس!!ابقة ح!ول االس!تعماالت
القرآنية عدم وضوح هذا التعبير في المعنى العامّ؛ الحتمال كونه بمعنى
سنّة اهلل في عذابهم ،فهي س!!نّة اهلل ،وال يمكن أن تك!!ون طريق!!ةً س!!يّئةً
حتّى تُثبت المعنى العامّ للكلمة( .)529وعلى أيّ حالٍ لم يح!رز أن تك!!ون
«السُّنَّة» في الحديث من المصاديق السيّئة للطريقة ،لكنّه رُبَما يصلح
لالستدالل كقرينةٍ ،إلى جانب سائر القرائن.
8ـ ورُوي عنه׫ :أظلم الناس مَنْ سَنَّ سُنَنَ الجَ!!وْر ،ومح!!ا
سُنَنَ العدل»(.)530
9ـ ورُوي عن الصادق× أن أمير المؤمنين× أحيى شخصاً بعد موته،
« فخرج من قبره ،وهو يقول بلسان الفرس ،فقال أم!!ير المؤم!!نين× :ألَمْ
تَمُتْ وأنتَ رجلٌ من العرب؟! قال :بلى ،ولكنّ!!ا متن!!ا على سُ! نَّة فالنٍ
وفالنٍ ،فانقلبَتْ ألسنتنا»(.)531
إن هذا الحديث ال يُ!!روَى عن أم !ير المؤمنين× مباش!!رةً ،ب!!ل ه!!و
مرويٌّ عن اإلمام الص!!ادق× ،عنه× .وال يبع!!د أن يتكلَّم اإلم!!ام الص!!ادق×
وِف!!قَ لغ!!ة عص!!ره ومخاطَبي!!ه ،ويحكي كالم أم!!ير المؤم!!نين× وِف!!قَ
العربيّة في القرن الثاني الهجري .فإذَنْ يبدو أن االستدالل بهذا الح!!ديث
على معنى الكلمة في عصر النبيّ× ال يخل!!و من اإلش!!كال .والظ!!اهر أن!!ه
صالحٌ لالستدالل على معنى الكلمة في العصور المت!!أخِّرة ،خصوص!!اً أن
سياقه ال يتطابق بشكلٍ جليٍّ مع ما ورد من النصوص المختلفة من عصر
أمير المؤمنين× ،كخطب نهج البالغة وغيرها.
نعم ،يحتمل أن يكون باقي كلمات أمير المؤمنين× ،التي رواها غيرُ
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 237
• الشيخ محمد عافي الخراساني
ب ـ في كلمات الصحابة6
1ـ وعن سلمان الفارسي رضي اهلل عنه« :أصبْتُم س!!نّةَ مَنْ ك!!ان
قبلكم من الفرقة واالختالف ،وأخطأتم سُنّةَ نبيِّكم»(.)537
238االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
2ـ وعنه رضي اهلل عنه أيضاً« :لكنّكم أخَذَتْكم سُنّة بني إسرائيل،
فأخط!!أتُم الح!!قَّ»( .)538ورُوي بش!!كلٍ آخ!!ر« :ولكنّكم أص!!بتُم سُ! نّة
األوّلين ،وأخطأتُم سبيلكم»(.)539
لكنْ مع ذلك رُبَما يخط!!ر بالب!!ال أن س!لمان لم يكن عربيّ!!اً ،فال
يصحّ االستشهادُ بكالمه على المعنى اللغويّ األصيل .ومع ذلك قد يمكن
االستشهاد به في صورة النقل ب!!المعنى؛ حيث يحتم!!ل قويّ!!اً أنّ ال!!رواةَ
نقلوا كالمه وِفْقَ لغتهم.
3ـ وفي كالم ابن عبّاس رضي اهلل عنه« :كان أصحاب األَيْكة ،مع
ما كانوا فيه من الشِّرْك ،استنّوا سُنّة أصحاب مَدْيَن ،فقال لهم شعيب:
﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ( ﴾...الشعراء.)540(»)178 :
4ـ وقال في قصّة قوم لوط...« :فأقبل بعضهم على بعضٍ ،فقالوا:
اجعل!!وا سُ! نّتكم فيه!!ا :مَنْ وج!!دتموه في بالدكم غريب!!اً ،ال تعرف!!وه،
فاسلبوه وانكحوه واسحبوه.)541(»...
النَّس!! يء عم!!رو بن
ِ 5ـ وق!!ال أيض!!اً« :إنّ أوّل مَنْ س!!نَّ
لحيّ .)542(»...وحيث إن النَّسِيء طريقةٌ س!!يّئة ،بتص!!ريحٍ من الق!!رآن
الكريم(،)543يتّضح أنّ استعمالَ «السُّنَّة» في هذا الش!!اهد اس!!تعمالٌ في
مص!!داقٍ ق!!بيحٍ من الطريق!!ة .لكنْ ورد في بعض المص!!ادر «نسأ» ب!!دل
«سنّ»(.)544
6ـ وقال أبو بكر بن أبي قحافة ،حينما أُتِي ل!!ه ب!!رأس ك!!افرٍ من
بالد الشام« :إنه قدم علينا برأس نياق البطريق !،ولم يكن لن!ا ب!ه حاج!ةٌ،
إنّما هذه سُنَّة العَجَم»(.)545
7ـ وهناك شاهدٌ آخ!!ر من كالم أبي عبي!!دة لعُمَ!!ر بن الخطّ!!اب،
حيث حُكي« :فبينما عُمَر يس!ير إذ لقي!ه المُقلِّس!ون من أه!ل أذرع!ات
بالسيوف والريحان ،فقال عمر :مه ،ردُّوهم وامنعوهم ،فقال أبو عبي!!دة:
يا أمير المؤمنين ،هذه سُنَّة العَجَم ـ أو كلم!!ة نحوه!!ا ـ ،وإنّ!ك! إنْ
تمنَعْهم منها يرَوْا أنّ في نفسك نقضاً لعهدهم»( .)546وصرَّح ال!!راوي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 239
• الشيخ محمد عافي الخراساني
240االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
وأخشى أن تكونوا غداً مطلوبين ،فال يرضى الناس منكم إالّ بمث!!ل ال!!ذي
()554
سَنَنْتُم على أنفسكم ،قالوا :فردَّها إلى دِيَةٍ واحدةٍ».
وعلى أيّ حال ،في ظنّي القاصر أن األغلبيّة الس!!احقة من الكلم!!ات
المرويّة عن الصحابة ،التي تقدَّم ذكرُها ،تختلف عن العربيّة في عصر
النبيّ| ،والجيل التالي بع!!ده .ويب!!دو أنه!!ا ال تخل!!و من النق!!ل ب!!المعنى.
وحينئ!!ذٍ من األفض!!ل االستش!!هاد به!!ا على المع!!نى الع!!امّ في العص!!ور
المتأخِّرة ،كما تقدَّمت اإلشارة إلى هذا األمر في بعض الموارد.
ي2ـ في النصف الثاني للقرن 6األ ّول الهجر ّ
ي
أـ في التراثين 6الدين ّي والسياس ّ6
يمكن االستدالل باالستعماالت في هذا العصر أيضاً إلثبات المعنى في
العصر النبويّ ،لكنها في الرتبة التالية من األهمِّية؛ ألنها أبعد من عص!!ر
النبيّ| ،وقد تغيَّرت العربي!!ة فيه!!ا ،حتّى األح!!اديث المرويّ!!ة عن اإلم!!ام
السجّاد× أيضاً ـ كما هو واضحٌ من مقارنة الصحيفة السجّادية( )555م!!ع
كلمات أمير المؤمنين× في نهج البالغة ـ ،فال يستبعد! أنه تحدَّث × باللغة
العربية الشائعة في زمانه ،والتي تختلف عن اللغ!!ة في العص!!ر الج!!اهليّ
وصدر اإلسالم ،كما تقدَّمَت اإلشارةُ إلى مثل هذا األمر.
1ـ وأبدأ بالكلمات المرويّة عن اإلمام السجاد׫ :إن األمور الواردة
عليكم في كلّ يومٍ وليلة من مظلمات الفتن ،وح!!وادث البِ!!دَع ،وسُ! نَن
الجَوْر.)556(»...
وهناك قرينةٌ على أن ألفاظ هذه الرواية من نفس اإلم!!ام ،وليس!!ت
من قبيل :النقل بالمعنى :يقول الراوي لهذا الحديث أبو حمزة الثمالي في
صدر هذه الرواية« :قرأتُ صحيفةً فيه!!ا كالم زه!!دٍ من كالم عليّ بن
الحسين× ،وكتبتُ ما فيها ،ثمّ أتيتُ عليّ بن الحسين× ،فعرضْتُ ما فيها
عليه ،فعرفه وصحَّحَه» .ومن جهةٍ أخرى هناك كتابٌ ألبي حمزة اسمه
كتاب الزهد( ، )557فيحتمل جدّاً أن هذه الرواية أيضاً كانت موجودةً في
كتابه الزهد ،فتؤيِّدُ! هذه القرينة أن هذه الرواية عين ألفاظ اإلمام× ،أو
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 241
• الشيخ محمد عافي الخراساني
242االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
1ـ شع ٌر البن ال ّز َ
بعرى
راتق ما فتقت إذ أنا بورُ «يا رسـول الملـيك إنّ
لساني
إن شاعرَ هذه األبيات كان يهجو النبيّ| ـ والعياذ باهلل ـ ،لكنه أسلم
في فتح مكّة ،ومدح النبيّ| ،واعتذر إليه .وهذه األبي!!ات ك!!انت في مق!!ام
اعتذاره.
لكنْ هناك روايةٌ أخرى لهذا الشعر أيضاً« :إذ أت!!اني الش!!يطانُ في
سَنَة النوم»( .)566ومع هذا االضطراب في روايته ال يمكن االستش!!هاد ب!!ه؛
ألن «سنة» في «سَنَة النوم» بمعنى النُّعاس ،وبفتح الس!!ين والن!!ون ،وال
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 243
• الشيخ محمد عافي الخراساني
244االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
()568
ورد ه!!!ذا الش!!!عر في ع!!!ددٍ كب!!!يرٍ من المع!!!اجم اللغويّة
وغيرها( . )569وله قصةٌ يجب أن يُشار إليها؛ ألنها تُبيِّن بشكلٍ واضح أن
الكلمة في هذا السياق بالمعنى الع!!امّ ،واس!!تُعملَتْ مص!!داقاً في طريق!!ةٍ
سيّئةٍ:
قيل :إن أبا ذؤيب الهذلي أرسل خال!!داً؛ ليك!!ون رس!!وله إلى ام!!رأةٍ،
فعشقَتْه المرأة ،وتركَتْ أبا ذؤيب ،فعاتب أب!!و ذؤيب خال!داً على ذل!ك،
فأجاب خالدٌ بهذه األبيات ،وأشار إلى خيانة أبي ذؤيب ،حيث ك!!ان هن!!اك
شخصٌ آخر قد أرسل أبا ذؤيب كرسولٍ إلى نفس تلك الم!!رأة ،فخان!!ه
أبو ذؤيب ،فيقول خال!!دٌ اله!!ذلي خطاب!!اً ل!!ه :أنت أوّل مَنْ سَ! نَّ ه!!ذه
الس!!يرة ،فال ت!!نزعج من طريق!!ةٍ أنتَ اتّخَ!!ذْتَها أو جعلتَه!!ا ذائع!!ةً في
الناس؛ ألن الشخص الذي يتّخذ طريق!ةً فه!!و أوّل مَنْ يرض!ى به!ا ،فال
ينبغي له أن يكون منزعجاً منها حينما يتّخذها شخصٌ آخر.
فاستعمال «السُّنَّة» بالمعنى العامّ في هذا البيت واض!!حٌ من ه!!ذه
القصّة.
ومن جهةٍ أخرى تمثَّ!!ل به!!ذا الش!!عر كث!!يرون في مق!!ام اللَّ!!وْم
والتأنيب ،كعمر بن الخطّاب( ،)570وابن الزبير األسدي في عتاب عب!!د اهلل
بن الزبير( ،)571وس!ليمان العباس!ي (عمّ الس!فاح الخليف!ة العباس!ي)(،)572
وآخرين( .)573فيبدو أن البيت مَثَلٌ ـ كم!!ا ق!!د ورد في كُتُب! األمث!!ال
أيضاً( )574ـ .ونفسُ استخدام هذا الشعر في مقام اللوم أيضاً مبيِّن!!ةٌ أن
الكلمة تُستَعمل! في مصداقٍ قبيحٍ للطريقة.
ويبدو من هذه القرائن أن ه!!ذا الش!!عر من أهمّ الش!!واهد في ه!!ذه
الدراسة؛ فقد اجتمع فيه عديدٌ من القرائن التي تصلح لالس!!تدالل ،منه!!ا:
وضوحُ المعنى السلبيّ في السياق ،وع!!دمُ احتم!!ال النق!!ل ب!!المعنى في!!ه،
وعدمُ وجود كلمة «السّنن» فيه ،حتّى يحتمل أن تكون «السَّنَن» ب!!دل
«السُّنَن» ،وذكرُه في مصادر كثيرة ومتنوّعة ،بحيث يحصل االطمئنان
بأصالته ،وكونُ هذا االستعمال في أفض!!ل الف!!ترات الزمنيّ!!ة لالستش!!هاد
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 245
• الشيخ محمد عافي الخراساني
على معنى الكلمة في حالة النقل باللفظ؛ ألنه من ش!!اعرٍ أدرك الجاهلي!!ة
واإلسالم .ومن الميِّزات الهامّة التي يمتاز هذا الشعر بها ،خالف!!اً لس!!ائر
الشواهد !،أن صاحبه من قبيلة هُ!!ذَيْل؛ وهن!!اك حكاي!!اتٌ مختلف!!ة ت!!بيِّن
مكانتَهم العليا في اللغة العربيّ!!ة؛ كم!!ا حُكي أن «ه!!ذيالً أش!!عر قبائ!!ل
العرب»()575؛ وقد قال عثمان بن عف!!ان لمّ!!ا رأى الخَلَ!!ل الموج!!ودة في
كتابة المصحف« :لو كان المُمْلِي من هُ!!ذَيْل والك!!اتب من ثقي!!ف لم
يوجد فيه هذا»( )576؛ وحُكي أيضاً أن ابن عبّاس بحث عن رجلٍ من ه!!ذه
القبيلة ليعرف معنى مفردةٍ من الق!!رآن الك!!ريم ،وعن!!دما س!!مع معناه!!ا
عندهم قال« :فهو كذلك»( . )577فيظهر أن هذه القبيلة كانت في مكانةٍ
عالية من الفصاحة .ونتيجةً لذلك ستكون الشواهد من كلم!!اتهم أك!!ثر
قيمةً.
اضطراب في رواية هذا الشعر؟6
ٌ6 هل هناك
وجديرٌ بالذكر أن هناك رواي!!ةً أخ!!رى لل!!بيت ،وورد فيه!!ا لف!!ظ
«السِّيرة» بدل «السُّنّة» في المصراعين( .)578وعليه رُبَما يُشْكَل على
االستدالل به.
لكنّ الظاهر ـ في ظنّي القاص!!ر ـ أن «السِّ! يرة» تص!!حيفٌ من
«السُّنَّة» في هذه الرواية للشعر؛ لقرائن ،منها:
األولى :تعرَّضَتْ أربعٌ من المصادر( )579الختالف الرواية في ه!!ذا
الشعر ،ولم يذكر واحدٌ منها «السِّيرة» في كال المصراعين ،وإنما ورد
الس!! نَّة» في المص!!راع األوّل
الس!! يرة» في بعض المص!!ادر ب!!دل « ُّ « ِّ
()580
،خصوصاً إذا الحظنا أنّ كلَّ واحدٍ من ه!!ذه المص!!ادر ذك!!ر فقط
اختالفاً ،غير االختالف الذي ذكره اآلخر.
الثانية :هناك كثيرٌ من اللغويين استشهدوا به!!ذا ال!!بيت في مع!!نى
«السُّ! نَّة» ،فال يمكن أن تك!!ون «الس!ِّ! يرة» ب!!دل «السُّ! نَّة» في كال
المص!!راعين في روايتهم لل!!بيت .وحتّى مَنْ استش!!هد ب!!ه في مع!!نى
الس!!! نَّة» في ال!!!بيت ،واستش!!!هد بـ
الس!!! يرة» أيض!!!اً ذك!!!ر « ُّ « ِّ
«سِرْتَها»( .)581وهذا مما يجب أن نلفت النظر إليه.
246االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 247
• الشيخ محمد عافي الخراساني
248االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 249
• الشيخ محمد عافي الخراساني
19ـ ش!!عرٌ أنش!!ده! عب!!دُ اهلل بن عليّ ،عمّ أبي جعف!!ر المنص!!ور،
يخاطب امرأةً من بني أميّة:
سَنَنْتُم علينا القتلَ ال تُنْكِرونه
250االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى
النتيجة
استعرَضْنا االستعماالت لكلمة «السُّنَّة» في محورين :االستعماالت
في القرن األوّل الهجريّ؛ واالستعماالت فيما بعده.
وقدَّمْنا في كلٍّ من المحورَيْن شواهد متنوِّعة:
فقد تق!!دَّم في المح!!ور األوّل ش!!واهد مختلف!!ة من أح!!اديث أه!!ل
البيت^ وكلمات الصحابة واألشعار القديمة وغيرها.
وتقدَّم في المحور الثاني أيضاً شواهد متنوِّعة في لسان الطبق!!ات
المختلفة من الناس ،كالفقهاء والمؤرِّخين واألمراء والشعراء وغيرهم.
واتَّضح من جميع ذلك أن المعنى اللغويّ العامّ لكلمة «السُّنَّة»،
وشمولها للطريقة السيِّئة والحَسَنة معاً ،ثابتٌ في كال الحالتين :النقل
باللفظ؛ والنقل بالمعنى.
وبالتالي يتبيَّن من خالل ذلك أن األم!!ر النب!!ويّ باتّب!!اع سُ! نَّته
عامّ ،يشمل كلّ طريقةٍ ل!ه .ويثبت من ه!!ذه الجه!!ة أن حجِّي!!ة الس!!نّة
النبويّة عامٌّ ،وهذا اإلشكال من القرآنيّين غيرُ واردٍ.
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 251
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
توطئةٌ
لقد عم!!د المنك!!رون لقاع!!دة قبح العق!!اب بال بي!!انٍ إلى التمسّ! ك
بأدلّةٍ في إطار إنكارهم له!!ذه القاع!!دة .ومن بين الفقه!!اء يُعَ!!دّ الس!!يد
الشهيد محمد باقر الصدر والسيد الروحاني من المنكرين له!!ذه القاع!!دة.
بَيْدَ أن الشَّبَه الشديد! في األدلّة التي يقيمها هذان الفقيهان دفع البعض
ـ خطأً ـ إلى اعتبار هاتين النظريتين نظريّةً واحدة ،دون أن يلتفتوا إلى
نقاط االختالف والتمايز ،في طريقة استداللهما ،والنتيج!!ة ال!!تي يص!!الن
إليها من خالل ذلك.
وسوف نسعى في هذه المقالة إلى بيان اختالف رؤية السيّد الش!!هيد
الصدر عن رؤية الس!!يّد الروح!!اني في ه!!ذا الش!!أن ،ابت!!داءً من المب!!اني
االستداللية التي يعتمدانها !،وصوالً إلى النتائج المختلف!!ة المترتِّب!!ة على
أدلّتهما؛ حيث قام السيد الروحاني بنفي وإبطال هذه القاعدة طبقاً لبعض
*)(*) أستا ُذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية في قم ،وأستا ٌـذ مساعد في قسم الفقه
ومبادئ الشريعة اإلسالمية في جامعة اإلمام الصادقـ× في طهران.
*)(**) أستا ٌذ في جامعة اإلمام الصادق× في طهران ،متخصِّ صٌ في الفقه والقانون.
باحث في الحوزة العلمية في قم ،وطالبٌ في مرحلة الماجستير في جامعة ٌ (***)
*)
المقدّمة
إن كلّ علمٍ من العلوم يشتمل على سلسلةٍ من المقدمات والمب!ادئ
التي يُصطلح عليها بمبادئ ذلك العلم .وعلم أصول الفقه بدَوْره يشتمل
على سلسلةٍ من المبادئ ،تظهر ثمارها المباشرة في مس!!ائل علم األص!!ول،
من قبيل :المبادئ اللغوي!!ة ال!!تي تبحث عن الوض!!ع واالس!!تعمال واإلرادة.
وتظهر ثمار ذلك في مب!!احث األلف!!اظ .ومن بين المب!!ادئ الهامّ!!ة لعلم
األصول المبادئُ الكالمي!!ة .وتظه!!ر ثم!!رة ذل!!ك في أك!!ثر مس!!ائل علم
األصول.
إن أحد هذه المب!!ادئ الكالميّ!!ة ،ال!!تي ظه!!رت من!!ذ عص!!ر الوحي!!د
البهبهاني& ،وتوجَّهت إليها األنظار في علم األصول من قِبَ!!ل المحقِّقين
وكبار العلماء ،وظهرَتْ حولها مختل!!ف اآلراء؛ ه!!و اتج!!اه المكلَّ!!ف في
مقابل الشريعة ،واحتمال التكليف م!!ع ع!!دم تحقُّ!!ق القط!!ع ب!!التكليف أو
الظنّ المعتبر بالنسبة إليه.
وفي مثل هذه الحالة ذهب الكثير من المحقِّقين إلى اإلذعان بأن أمّ
القضايا ـ العقليّة بحكم العقل العمليّ ـ عبارةٌ عن ال!!ترخيص واإلباح!!ة.
وبعب!!ارةٍ أدقّ :ع!!دم اس!!تحقاق العق!!اب األخ!!رويّ عن!!د مخالف!!ة الحكم
الواقعيّ ،أي إنه كلّما لم يقط!!ع المكلَّ!!ف بالع!!دم؛ لع!!دم وج!!ود دلي!!لٍ
معتبر ،وفقدان القطع ،بل احتمل مج!!رَّد اإلل!!زام ،ال يك!!ون المكلَّ!!ف في
مقام ثبوت التكليف ـ بحكم األدلّة المتع!!دِّدة! عن!!د العق!!ل ـ مس!!توجباً
الستحقاق العقوبة .وهو ما يُعبَّر عن!ه في لس!ان المحقِّقين بـ «قاع!دة
قُبْح العقاب بال بيانٍ» .وهو القول المنسوب لمشهور األصوليّين.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 253
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
وفي مقابل هذا القول هناك نظريّتان أخريان ،في مقام النقد والردّ
على هذه القاعدة.
النظرية األولى :وهي للسيد الروحاني في منتقى األص!!ول .وهي أن
قاعدة قُبْح العقاب بال بيانٍ ـ التي تسعى إلى إثبات عدم اس!!تحقاق العب!!د
في ظرف فقدان ال!!دليل للعقوب!!ة األخرويّ!!ة ـ ال تش!!تمل على توجي!!هٍ
بالنسبة إلى العقوبة األخروية ،وال يمكن العثور لها على مب!!نىً ص!!حيح.
وخالصة كالمه :إن نسبة العقوبة األخروي!!ة إلى أفع!!ال البش!!ر بحيث ال
يمكن لعقول البشر أن تستوعبها وتفهمها؛ وذلك ألن العقوبة عند الموالي
العرفيّين تكون إما للتشفّي أو للتأديب .ومن الواضح والبديهيّ أن ه!ذين
المنشأين ال معنى لهما ،وال يمكن تصوُّرهما ،بالنس!!بة إلى اهلل تع!!الى في
العقاب األخروي بحقّ العباد ،وإنما توجيه العقوبة يكون من ب!!اب الوعي!!د
بالعق!!اب .ال شَ! كَّ في أن مالك وع!!د اهلل تع!!الى بالعقوب!!ة (في ظ!!رف
المخالفة) ليس بأيدينا ،ومع االفتقار إلى فهم المالك في ترتُّب العقوب!!ة
األخرويّة ال يمكن الجَزْم بثبوت العقاب في فرضٍ دون فرضٍ آخر.
والنظرية الثانية ،في مقاب!!ل مب!!نى المش!!هور ،هي نظريّ!!ة الش!!هيد
محمد باقر الصدر؛ إذ يرى أن اتجاه المكلَّف في ظرف احتم!!ال التكلي!!ف،
ثبوتاً وسقوطاً ،ـ عند العقل ـ هو االحتياط ،دون الترخيص واإلباحة ،أي
إن الشهيد الصدر ـ على أساس التحليل العقلي ـ ي!!رى أن المنجِّ!!ز ه!!و
مجرَّد احتمال التكليف ،سواءٌ في مرحلة احتم!!ال ثب!!وت التكلي!!ف أو في
مرحلة احتمال سقوط التكليف وتحصيل فراغ الذمّة.
يكتفي السيد الروحاني في نظريّته بمجرّد الس!!عي إلى نفي قاع!!دة
قبح العقاب بال بيانٍ ،دون أن يبيِّن رأياً من الناحية اإلثباتية؛ وأما السيد
الشهيد الصدر فإن!!ه ،باإلض!!افة إلى ردّ ه!!ذه القاع!!دة في ض!!وء المب!!اني
الكالمية ـ االختالف بين الم!!والي الع!!رفيّين وذاتيّ!!ة دائ!!رة الطاع!!ة لهم
بالنسبة إلى حقوقهم المتعلِّقة في ذمم وأعناق العبيد ـ ،ق!!د رأى بطالن
قاعدة قبح العقاب بال بيان .وطبقاً لهذا المبنى منه قال بـ «حقّ الطاعة»
254االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
في ظرف الشكّ ،أي إنه حتّى في ظ!!رف احتم!!ال التكلي!!ف يجب العم!!ل
بمضمون ما يثبته االحتمال أيضاً.
وسوف نعمل في هذه المقالة على دراسة ومناقشة أق!!وال وكلم!!ات
السيد الشهيد الصدر وكلمات السيد الروحاني ،بشكلٍ مستقلٍّ ،ثمّ نذكر
بعد ذلك التمايز النظريّ بينهما .وبذلك سيتّضح بطالن تصوُّر بعضٍ،
القائل بعدم وجود اختالف جوهريّ بين هاتين النظريّ!!تين؛ إذ س!!نثبت أن
هاتين النظريّ!!تين مختلفت!!ان عن بعض!!هما ،في طريق!!ة االس!!تدالل ،وفي
استخالص النتائج والثمار أيضاً.
أ ّوالً :نظريّة السيد الروحاني6
لقد أشار السيد الروحاني ـ قبل بيان رأيه في صحّة أو عدم صحّة
قاعدة «قبح العقاب بال بيانٍ» ـ إلى مسلكَين في مفهوم الحُسْن والقُبْح،
على سبيل المقدّمة.
قال :هناك مسلكان في الحُسْن والقُبْح ،وهما:
المسلك األوّل :يذهب الق!!ائلون به!!ذا المس!!لك إلى االعتق!!اد ب!!أن
الشأنية المتصوَّرة للعقل هي ش!!أنية اإلدراك .وبعب!!ارةٍ أخ!!رى :ال يمكن
تصوُّر حكم العقل على شيءٍ ،بل إن شأن العقل هو مجرَّد إدراك األشياء
بما يتطابق مع واقعيّتها .وعليه ،فإن األحكام العقلي!!ة تع!!ود إلى األحك!!ام
العقالئيّة ،التي أجم!ع عليه!ا العقالء ،واتّفقَتْ عليه!ا كلمتهم؛ من أج!ل
الحفاظ على النوع من الفساد.
وعلى هذا المس!!لك ليس لحكم العق!!ل بقُبْح العق!!اب بال بي!!ان من
حقيقةٍ غير اتّف!اق رأي العقالء على ذل!!ك ،وأن الش!!ارع؛ بوص!!فه رئيس
العقالء ،يوافقهم على هذا االتّفاق.
المسلك الثاني :يعمل القائلون بالمس!لك الث!اني على تحلي!ل حكم
العقل بالحُسْن والقُبْح من طريق مالءمته وتنافره م!!ع الق!!وّة العاقل!!ة،
ببيان قولهم :إن الم!!راد من حكم العق!!ل بالحُسْ! ن والقُبْح ه!!و مالءم!!ة
الشيء مع القوّة العاقلة ،ونفرته من القوّة العاقلة أيضاً ،بمعنى أن الشيء
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 255
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
إذا كان متالئماً مع القوّة العاقلة فإن العق!!ل يحكم بحُسْ! نه ،وإنْ ك!!ان
متنافراً مع القوّة العاقل!!ة حكم العق!!ل بقُبْح!!ه؛ وال!!دليل على ذل!!ك أن
الفرد يمتلك العديد من القِ!وَى ،من قبي!ل :الق!وّة الباص!رة ،والذائق!ة،
والالمسة ،وما إلى ذلك ،وإن من بين هذه الموارد القوّة العاقلة .وعلي!!ه،
كما توجد لكلّ واحدٍ من هذه القوى والحواس ما يالئمه!!ا وم!!ا يتن!!افر
معها ـ كما في النعومة التي تالئم اللمس ،والخشونة التي تتنافر معه!!ا ـ
كذلك هناك للقوّة العاقلة ما يالئمها وما يتنافر معها أيض!!اً ،فك!!لّ م!!ا
يتالئم مع القوّة العاقلة حَسَنٌ ،وكلُّ ما يتنافر معها قبيحٌ.
وعلى هذا األساس ،فإن حكم العقل بقُبْح العق!اب بال بي!انٍ في ه!ذا
المسلك! يعود إلى منافرة العقاب بال حجّةٍ م!!ع الق!!وّة العاقل!!ة ،أي حين
يكون العقاب على مخالفة أمرٍ لم تقُمْ عليه الحجّ!ة يك!ون ه!ذا العق!اب
متنافراً مع القوّة العاقلة ،فالعقل ال يرتضيه؛ فيكون هذا العقاب قبيحاً.
واآلن يظهر االختالف بين هذين المسلكين ،حيث نشكّ في شيءٍ ما
إذا كان مصداقاً للظلم أم ال؟
بناءً على المسلك األوّل يجب الرج!!وع إلى البن!!اء العمليّ للعقالء
من أجل رفع الشكّ؛ لنرى ما إذا ك!!ان يعت!!بر ه!!ذه الم!!وارد من م!!وارد
الظلم أم ال.
وأما بناء على المسلك الثاني فإن المرجع في تحديد هذا األمر ه!!و
وجدان الفرد ،وليس هناك من طري!!قٍ آخ!!ر ،غ!!ير الوج!!دان .وعلى ه!!ذا
األساس حيث يقع الفرد في مقام الشكّ ،وال يوج!!د حكمٌ ل!!ه في ال!!بين،
فإن المسألة سوف تبقى على حالة الشكّ(.)613
وبعد ذكر هذه المقدّمة ،ي!!دخل س!!ماحته في تحلي!!ل قاع!!دة قُبْح
العقاب بال بيانٍ العقليّة؛ ليبيِّن أنه إذا بقي المكلَّ!!ف في ظ!!رف الش!!كّ
فهل يكون العقاب على مخالفة التكليف صحيحاً أم ال؟
لقد قام سماحته بدراسة هذا البحث ض!!من ثالث!!ة مقام!!ات .وال!!ذي
نحتاج إليه في هذه المقالة ،في مقابل قاع!!دة قُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ من
256االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
وجهة نظر المشهور ،هو المقام الثالث ،الذي هو في مورد صحّة أو ع!!دم
صحّة عقاب المولى الشرعيّ في اآلخرة في ظرف الشكّ؛ وذل!!ك أوّالً:
إن محلّ البحث في قاعدة قُبْح العقاب بال بيانٍ العقلي!!ة ه!!و العق!!اب من
قِبَل المولى الشرعيّ؛ وثانياً :إن المطروح في هذه القاعدة ه!!و العق!!اب
األخروي ،وليس الدنيوي .ولكنْ في إطار تكميل نظريته ،وكذلك الفهم
األدقّ للتفاوت والتم!!ايز بين الح!!االت الثالث!!ة المطروح!!ة في نظريّت!!ه،
سوف نشير إلى المقامين األوّل والثاني من نظريّته أيضاً.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 257
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
ـ في مث!!ل ه!!ذه الحال!!ة ـ بقُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ ،وال الق!!ول بع!!دم
القُبْح(.)614
258االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 259
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
260االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
يمكن القول بعدم قُبْحه؛ وذلك لعدم علمنا بالمالك الذي بموجبه يق!!وم
الش!!ارع بالتوعُّ!!د على العق!!اب؛ بس!!بب المخالف!!ة .وحيث ال نعلم مالك
الشارع في ترتُّب العقاب ال نستطيع! القول هنا بأن العقاب قبيحٌ أم ال.
وتوضيح ذل!!ك :إن س!!ماحته يق!!ول :إن المالك في م!!ورد العق!!اب
والثواب األخروي واضحٌ ومعلوم ،فه!!و ال يخ!!رج من إح!!دى ح!!التين؛ إن
مالك العقوبة الدنيوية يكون إما من أجل تح!!ذير الم!!ذنب نفس!!ه؛ كي ال
يعود إلى تكرار المعصية مجدَّداً؛ أو من ب!!اب ت!!أديب اآلخ!!رين وردعهم؛
كي ال يرتكبوا هذه المعصية .إن هذا المالك إنم!!ا يمكن بيان!!ه وتفس!!يره
بلحاظ عالم ال!!دنيا ،دون ع!!الم اآلخ!!رة؛ إذ إن ع!!الم اآلخ!!رة ليس ع!!المَ
تكليفٍ وفعلٍ؛ لتكون هذه الموارد مطروحةً في ذلك الع!!الم .وعلى ه!!ذا
األساس يجب أن يقوم العقاب األخرويّ على أس!!اس مالكٍ آخ!!ر ،وال علم
لنا بهذا المالك .وحيث ال يك!!ون ل!!دينا طري!!قٌ إلى معرف!!ة ه!!ذا المالك،
وبيان حدوده وأبعاده ،ال نستطيع الق!!ول بقُبْح العق!!اب ،والبحث عن!!ه في
موضعٍ دون موضعٍ آخر( .)618وبعبارةٍ أخرى :إن البحث في ه!!ذا الش!!أن
خاطئٌ من رأسٍ؛ إذ ال علمَ لدينا بمالك ال!!ترتُّب أب!!داً .وحيث ال يك!!ون
لدينا علم بمالك الترتُّب ال نستطيع! القول بأن العقاب في ظرف الش!!كّ
قبيحٌ أو غيرُ قبيحٍ؛ إذ قد يكون مالك العق!!اب ثابت!!اً في ظ!!رف الش!!كّ
والجهل .وعليه ،كيف يمكن لنا القول بأن العقاب في مثل ه!!ذه الحال!!ة ـ
أي في حالة شكِّنا في التكليف ـ يتنافى مع القوّة العاقلة أو يتن!!افى م!!ع
بناء العقالء؟! وبعبارةٍ أخرى :إن دخول المكلَّف في تحليل هذه المس!!ألة
خاطئٌ من األساس؛ وذلك ألن هذه المسألة تدور حول مدار بيان الشارع
بالنسبة إلى موضوع العقاب ،وتحديد مساحته وحدوده.
وعلى هذا األساس يمكن القول ،كنتيجةٍ عامّة :إن العق!!ل ليس ل!!ه
طريقٌ إلى الحكم بقبح العقاب بال بيانٍ .ومن هنا ،ال تقوم ه!!ذه القاع!!دة
المشهورة ـ «قُبْح العقاب بال بيانٍ» ـ على أيّ أساسٍ(.)619
لقد اتّضح ـ في ضوء ما ذكره السيّد الروح!!اني ـ أن موقف!!ه من
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 261
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
قاعدة قُبْح العقاب بال بيانٍ العقلية هو نفي ه!!ذه القاع!!دة .ولكنّ!!ه ليس
بصدد إثبات ما يقابلها ،الذي هو عبارةٌ عن ع!!دم قُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ،
وإنما هو يكتفي بمجرّد نفي هذه القاعدة ،أي إن!!ه يق!!ول :إن قاع!!دة قبح
العقاب بال بيانٍ ليست صحيحةً ،وال يمكن القول بقبح العق!!اب في مح!!لّ
البحث ،وال القول بحُسْن العقاب .وبعبارةٍ أخ!!رى :إن ه!!ذه المس!!ألة من
وجهة نظره مسكوتٌ عنها ،وليس لدينا طريقٌ إلى معرفة كُنْهها.
وفي ختام بيان هذه النظريّة ال بُدَّ من التذكير بأن هذه النظرية
قد تواجه الكثير من اإلش!!كاالت .ولكنْ حيث إنن!!ا لس!!نا في ه!!ذه المقال!!ة
بصدد بحث صحّة وسقم هذه النظريّة ،ال نرى مناسبةً للخوض في بي!!ان
هذه اإلشكاالت .وكلُّ الذي نروم!!ه في ه!!ذه المقال!!ة ه!!و إيض!!اح ه!!ذه
النظرية ،وبيان نتيجتها النهائية ،بحيث نتمكَّن بع!!د ذل!!ك من مقارنته!!ا
بنظريّة ح!!قّ الطاع!!ة ،للس!!يد الش!!هيد محم!!د ب!!اقر الص!!در ،م!!ع بي!!ان
االختالفات األساسيّة بين هاتين النظريتين.
وبعد االنتهاء من بيان نظريّ!!ة الس!!يد الروح!!اني ننتق!!ل إلى بي!!ان
نظريّة السيد الشهيد الصدر ،ومقارنته!!ا بقاع!!دة قُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ،
وتقييمها بالنسبة إلى نظرية السيد الروحانيّ أيضاً.
262االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
في القطع يستلزم الحجِّية والمنجِّزية في حدّ ذاته ،بمع!!نى أن!!ه حيثم!!ا
وُجد القطع كانت الحجِّي!ة والمنجِّزي!ة موج!ودةً أيض!اً؛ وذل!ك ألن
الالزم الذاتيّ للش!!يء ال ينف!!كّ عنه( .)620وعلي!!ه؛ حيث إنهم ق!!الوا ب!!أن
الحجِّية من اللوازم الذاتيّة للقطع ،فقد ذهب!!وا إلى انتف!!اء الحجِّي!!ة في
حالة عدم وجود القطع .وعلى هذا األساس قالوا بقاع!!دة قُبْح العق!!اب بال
بيانٍ(.)621
يقول السيد الشهيد الصدر هن!!ا :علين!!ا أن نبحث في ه!!ذه المس!!ألة،
وهي القطع بأمر أيّ شخصٍ يكون هو المنجِّز؟ فهل القطع ب!!أمر ك!!لّ
شخصٍ هو المنجِّز أم أن المنجِّز هو القطع بخصوص أمر الم!!ولى؟ من
الواضح جدّاً أن المنجِّز ليس هو القطع بأمر كلّ ش!!خصٍ ،ب!!ل القط!!ع
المنجِّز هو القطع بأمر المولى .فحيث تك!!ون المنجِّزي!!ة دائ!!رةً م!!دار
حكم العقل فإن العقل ال يرى المنجِّزية ألمر كلّ شخصٍ ،بل إن العق!!ل
إنما يحكم بتنجيز ووجوب أمثال أمر الشخص الذي أثبت ل!!ه المولويّ!!ة،
وأوجب له حقّ الطاعة .فتك!!ون النتيج!!ة هي أن المنجِّزي!!ة إنم!!ا تك!!ون
تابعةً للقطع بأمر المولى ،وليس مطلق القطع .ف!إذا قلن!ا ذل!ك س!تكون
النتيجة أن الحجّية والمنجِّزية تدور مدار المولويّة ،وبعب!!ارةٍ أخ!!رى:
إن الحجِّية والمنجِّزية من شؤون المولويّة ،وليست من شؤون القط!!ع.
وأضاف سماحته بعد ذلك ،قائالً :ثمّ نسأل ذات هذا العقل ـ ال!!ذي ق!!ال
بوجوب االمتثال ألمر المولى ـ :هل وجوب االمتثال هذا ،وبعبارةٍ أخرى:
الحجِّية والمنجِّزية ،منحصرٌ بظ!!رف القط!!ع ب!!أمر الم!!ولى أو يش!!مل
حاالت الظنّ والشكّ أيضاً؟ وبعبارةٍ أخرى :ه!!ل ح!!قّ الطاع!!ة للم!!ولى
منحصرٌ بالتكاليف المعلومة فق!!ط أم ه!!و ش!!املٌ للتك!!اليف المش!!كوكة
والمظنونة أيضاً؟ وعلى هذا األساس ،ف!!إن البحث هن!!ا يق!!ع ح!!ول دائ!!رة
مولويّة المولى(.)622
يقول السيد الشهيد الصدر :نحن ن!!رى أن العق!!ل في ه!!ذه المس!!ألة
يذهب إلى القول بالتوسعة؛ بمعنى أن مقتضى حكم العقل هو ثب!!وت ح!!قّ
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 263
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
264االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
العُرْفيين هو استقباح معاقبة العبد على ترك التكاليف المشكوكة ،أي إن
العبد! إذا كان جاهالً بأمر مواله ،وخالفه؛ بسبب جهله ،تكون معاقبت!!ه من
قِبَل المولى في مثل هذه الحالة قبيحةٌ .فهكذا األمر بالنس!بة إلى مح!لّ
بحثنا؛ بمعنى أن العبد إذا لم يكن عالماً بتك!!اليف الش!!ارع ،وبس!!بب ع!!دم
علمه ال يبادر إلى امتثالها ،لن يكون العبد في مثل هذه الحال!!ة مس!!تحقّاً
للعقاب ،وإن معاقبته من قِبَل الشارع قبيحةٌ .في حين أن هذا االس!!تدالل
خاطئٌ من األساس( )627؛ وذلك ألنه يقوم على أساس تفكيرٍ باطل ،يساوي
بين المولويات ،ويرى له!!ا مع!!نى واح!!داً ،وال ي!!رى فَرْق!!اً بين الم!!ولى
الحقيقيّ والم!!ولى العُ!!رْفي .ومن هن!!ا تمّ قي!!اس مقتض!!يات الم!!والي
العُرْفيين ،وتعميمها على المولى الحقيقي ،في حين أن مولوية اهلل تعالى،
الثابتة بمالك المالكية والمنعمية المطلقة ،تختلف عن المولوية المجعولة
بجع!!ل جاع!!لٍ ،من قبي!!ل :المولوي!!ة بالنس!!بة إلى الم!!والي العُرْف!!يين،
المجعول!!ة لهم من قِبَ!!ل العُ!!رْف .وعلي!!ه ،يجب التفري!!ق بين ه!!اتين
المولويتين !.ومن هن!!ا نق!!ول :إن المولوي!!ة العُرْفي!!ة تج!!ري في ظ!!رف
التكاليف المقطوعة فقط؛ وأما المولوي!ة غ!ير المجعول!ة فيتمّ تعريفه!ا
على أساس اختالف حدود ودائرة حقّ المولى تجاه العبد ،بلحاظ منعميّته
ومالكيّته .وعلى هذا األساس ،فإن تحديد وضيق مولويّ!!ةٍ هن!!ا ال ي!!ؤدّي
بالضرورة إلى تحديد وتضييق مولويّةٍ هناك(.)628
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 265
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
266االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 267
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
النتيجة
268االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
نظريتي الروحاني والصدر
ْ • إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان ،دراسة مقارنة بين
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 269
• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار /أ .علي محمدي هويه /الشيخ سپهر كرد
الهوامش
270االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
المدخل
نحن اليوم نواجه منعطفاً تاريخياً في المب!!احث الفقهي!!ة ،حيث إنّ
الفقه في هذه العقود األخيرة واجه الكثير من التساؤالت ،وال تك!اد توج!!د
مسألةٌ فقهية إالّ وعليها الكثير من اإلشكاليات والتساؤالت الج!!ادّة ،حتّى
بِتْنا مع األسف في موقف الدفاع أكثر منّا في موقف الهجوم.
وهذا يتطلّب منّا أن نهتمّ بالمباحث الفقهي!!ة اإلش!!كالية أك!!ثر من
اهتمامتنا بالمباحث الفقهية المكرَّرة والواضحة ،بل علينا أن نأخذ بزمام
األمور ،ونحاول اكتشاف رؤي!!ة الش!!ريعة تج!!اه الموض!!وعات المختلف!!ة،
مقدَّماً على التحدّيات التي من المتوقَّع أن تطرح في الساحة الثقافيّ!!ة
والعلميّة ،ال أن نقف مكتوفي األيدي حتّى تط!!رح المس!!ائل واإلش!!كاليات،
ثمّ نحاول وضع الحلول ،بعد أن تكون هذه اإلشكاليّات قد أخ!!ذت ض!!حايا
كثيرةً من شبابنا وفتياتنا.
ومن المواضيع التي أثارت جَدَالً واسعاً في العقود األخيرة مس!!ألة
ٌ
باحث في الحوزة العلميّة في قم ،وطالبٌ في مرحلة الدكتوراه في قسم (*)
*)
حقوق المرأة ،التي بلغت ذَرْوته!!ا بع!!د أن ط!!رحت م!!دارس فكريّ!!ة ،من
قبيل :الفمينيسم (( Feminismواألومانيس!م ( ،)Humanismفي الع!الم ،حيث
اعتبر بعضٌ األحكام الدينية معارضةً لحقوق اإلنسان وما شابه ذلك.
ومن هذه الموضوعات التي ترتبط بحقوق المرأة كراه!!ةُ ال!!زواج
من المرأة العقيم ،التي طُرحت في الكثير من الكتب الفقهية ،األمر ال!!ذي
اعتبر دليالً على عدم عدالة الشريعة اإلسالميّة؛ ألنّه!ا اتّخ!!ذت المع!ايير
الخَلْقية للحكم على النساء ،بينما المع!!ايير الخُلُقي!!ة هي ال!!تي يمكن أن
تكون معياراً للتفضيل بين النساء .فما هو ذنب هذه المرأة ال!!تي وُل!!دَتْ
عقيماً؛ لتأتي الش!!ريعة اإلس!!الميّة وتتعام!!ل معه!!ا كأنّه!!ا مص!!داقٌ من
مصاديق الشرّ ،أو تصفها بأن حصيراً في ناحية البيت أفضل منها؟!
ال نريد أن نبحث هنا في إطار فلسفة األحكام ،وتوجي!!ه ه!!ذا الحكم،
وإنّما نريد أن نركِّز على أصل ثبوت هذا الحكم في الشريعة اإلسالمية؛
لنرى مدى صحّة انتساب هذا الحكم إلى الش!!ريعة اإلس!!المية؛ إذ ال يص!!ل
الدَّوْر إلى تبرير هذا الحكم وفلسفته إنْ لم يثبت كونه من الشريعة.
سوف نقدِّم البحث القرآني على البحث الروائي؛ إيماناً منّا بتقديم
الكتاب على الحديث في فهم ال!!دِّين ،كم!!ا ورد في النص!!وص الحديثي!!ة
نفسها ،النصوص التي عُرفَتْ بنصوص العَرْض على الكتاب؛ حيث ال نرى
اختصاص!ها بمج!ال معارض!ة األح!اديث فق!ط ،ب!ل هي معي!ارٌ لحجِّي!ة
النصوص الحديثية نفسها .فالخبر المخالف للقرآن الكريم ليس بحجّ!!ةٍ،
ال أنّها حجّةٌ في نفسها ،لكنّها في مجال التعارض تس!!قط عن الحجِّي!!ة.
فالبحث القرآني يمثِّل البِنْية التحتيّة لالجتهاد الفقهيّ عموماً.
وبما أنّ مثل اإلجماع والشهرة ليس!!ت دليالً مس!!تقالًّ في االجته!!اد
اإلمامي ،وإنّما هي كاش!!فةٌ عن السُّ! نَّة ،وال ن!!رى كاش!!فيّة اإلجم!!اع
والشهرة في مثل هذه المسألة ،فال نخوض في البحث فيهما.
فتكون محاور البحث ـ بعد المقدِّمة ـ محوران ،وهما:
المحور األوّل :موقف القرآن الكريم من المرأة العقيم.
272االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 273
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
الشريعة اإلسالمية.
النص القرآني
ّ المحور األ ّول :المرأة العقيم في
يُعتبر! القرآن الكريم المصدر األساس في استنباط القضايا الفقهية؛
فنبدأ الحديث عن رؤية القرآن الكريم تجاه الزواج من الم!!رأة العقيم من
ناحيةٍ ،وتجاه التشنيع في حقّه!!ا من ناحي!!ةٍ أخ!!رى؛ فنقس!!م البحث إلى
مرحلتين:
المرحل!!ة األولى :موق!!ف الق!!رآن الك!!ريم من ال!!زواج من الم!!رأة
العقيم.
المرحلة الثانية :توصيف القرآن الكريم للمرأة العقيم.
274االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 275
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
هذه اآلية أن هذه الصفات التي ذُك!!رت؛ بقرين!!ة «خَيْ!!راً مِنْكُنَّ» ،هي
صفاتٌ راجحة ومطلوبة في الزوجات.
وال نجد في اآليات القرآنية ما يش!!ير إلى مس!!ألة ال!!والدة أو العقم
كمعيارٍ للزواج ،ال للرجل ،وال للمرأة .كما ال نجد إش!!ارةً إلى الص!فات
الخَلْقية في ذلك ،وإنمّا ركَّز القرآن الكريم على الص!!فات الخُلُقيّ!!ة،
كاإليمان ،والصالح .فال نستطيع أن نستدلّ! بالقرآن الكريم على كراه!!ة
الزواج من المرأة العقيم ،بل ق!!د يُس!!تدلّ ب!!اإلطالق المق!!امي على ع!!دم
كراهة الزواج منها ،حيث لم نجِدْ في الق!!رآن الك!!ريم ،م!ع أنّ!!ه تن!اول
صفات الزوجة ،إشارةً إلى شيءٍ من ذل!!ك ،فيثبت ب!!ذلك أن ال!!زواج من
المرأة العقيم ليس مكروهاً .وهذا مبنيٌّ على أنّ القرآن في مق!!ام بي!!ان
تمام الصفات المعتَبَرة شَرْعاً للزوجة.
وكذلك يمكن االستشهاد باآلي!!ات القرآني!!ة ال!!تي تتن!!اول مع!!ايير
التفضيل بين العباد ،حيث يركِّز كثيراً على الص!!فات الخُلُقي!!ة ،مث!!ل:
التقوى !،الجهاد ،األمر بالعدل والعلم واإلنفاق و.)641(..
وقد يستدلّ كذلك باإلطالق في قوله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ
النِّس!! اءِ مَثْنَى
َ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
وثُالَثَ ورُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ ذلِ!!كَ أَدْنَى أَنْ الَ تَعُولُ!!وا!﴾ (النس!!اء)3 :؛ حيث لم يقيّ!!د
النكاح بأن تكون المرأة ولوداً أو ما شابه ذلك.
ولكنّها ال تبدو في مقام بيان تمام الصفات المعتبرة للزوج!!ة؛ كي
نتمسّك! بإطالقها.
276االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 277
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
أ ّوالً :النصوص القانونية في كراهة الزواج بالمرأة العقيم أو استحباب 6ال66زواج ب66المرأة
الولود ،رص ٌد تفصيل ّي
سوف ندرس هنا الروايات ،التي وجَدْناها في التراث اإلماميّ ،ال!!تي
تشتمل على تعابير قانونية (األوامر والنواهي) تتّصل بكراهة ال!!زواج من
المرأة العقيم ،أو استحباب الزواج من المرأة الول!!ود .وس!!نبدأ! بالرواي!!ات
التي تتحدَّث مباش!!رةً عن العقيم ،وس!!نختم بالرواي!!ات ال!!تي تحثّ على
الزواج بالوَلُود.
وبما أن هذه الروايات تشتمل على الصيغ القانونية ،كاألمر والنهي،
تكون داللتها على الكراه!!ة القانوني!!ة أو االس!!تحباب الق!!انوني أق!!وى من
غيرها ،وكذلك يكون حملها على اإلرشاديّة أصعب.
وسوف نركِّز في هذا الفصل على هذه الروايات ،ونؤجِّل الحديث
عن الروايات التوصيفية ،التي تتضمَّن تعابير قد يب!!دو فيه!!ا تش!!نيعٌ في
حقّ المرأة العقيمة إلى القس!!م الث!!اني من البحث؛ حيث خصَّص!!نا بحث!!اً
مستقالًّ في هذا الموضوع.
نعم ،قد يُس!!تفاد من تل!!ك األح!!اديث كراه!!ة ال!!زواج من الم!!رأة
العقيمة بالداللة االلتزامية ،فلذلك نعقد بحثاً صغيراً عن مَ!!دَى ص!!حّة
هذه المالزمة ،بعد االنته!!اء من دراس!!ة الرواي!!ات القانوني!!ة في التحلي!!ل
اإلجماليّ لها.
278االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 279
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
280االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 281
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
عاقراً؛ فإنّي مباهٍ بكم األمم يوم القيامة ،أَوَما علمْتَ أنّ الول!!دان تحت
العرش يستغفرون آلبائهم ،يحضنهم إبراهيم ،وت!!ربِّيهم س!!ارة ،في جب!!لٍ
من مسكٍ وعنبر وزعفران»(.)647
أـ الدراسة السنديّة :إنّ ه!!ذه الرواي!!ة ـ من الناحي!!ة الس!!نديّة ـ
ضعيفةٌ؛ ألنّ سندها يشتمل على سهل بن زياد ،ال!!ذي اعتُ!!بر ض!!عيفاً في
الحديث ،غير معتمد فيه .وكذلك يش!!تمل على عليّ بن س!!عيد ال!!رقّي،
وهو مهملٌ تماماً في المصادر الرجاليّة اإلماميّة.
وقد نقل ما يشبه هذه الرواية مرسلةً ،في كتاب النوادر ،للراوندي،
مع اختالفٍ سيأتي ذكره.
ب ـ الدراسة الدالليّة :قد يُقال بأنّ هذه الرواية وردَتْ في قضيّةٍ
معيَّنة ،حيث جاء فيها( :قال رسول اهلل| لرجلٍ ،)...فاستفادة التعميم منها
يحتاج إلى تأمُّلٍ .وقد يسهل األمر؛ ألنّ الحديث يشتمل على تعليلٍ ع!!امّ
بالنسبة إلى جميع المكلَّفين ،وهي مباهاة الن!!بيّ| بأمّت!!ه األمم األخ!!رى،
التي تشير إلى مسألة النسل.
ولكنْ تبدو هذه المباهاة غيرُ واضحةٍ؛ إذ ما ه!!و ت!!أثير ك!!ثرة أو
قلّة األمّة المسلمة عند النبيّ|؟! وما هو دَوْر هذه الكثرة في أداء رسالته
أو في رضوانه إلى اهلل تبارك وتعالى؟ وخاصّ! ة الك!!ثرة ال!!تي نش!!أَتْ من
الوالدة ،ال الهداية .وإذا كان المقصود الهداي!!ة وتثقي!!ل األرض ب!!ذكر ال
إله إالّ اهلل فرُبَما كان السعي وراء هداي!!ة الكفّ!!ار والمش!!ركين أس!!هل
وأسرع بكثيرٍ من إنجاب األطفال ،فتأمَّلْ.
إالّ أن يُقال :إنّ األمّة اإلسالمية كانت تحتاج آن!!ذاك إلى البس!!ط
والتمدُّد ،وكانت بحاجةٍ إلى المجاهدين يدافعون عن األمّة ال!!تي أخ!!ذت
بالظهور للتوّ ،وكانت تواجه األعداء من الجهات المختلفة ،كالمشركين
وأهل الكتاب.
وهو األمر الذي يقوّي احتمال الفهم التاريخي لهذه النصوص؛ حيث
نعرف جميعاً أنّ موض!!وع! النس!!ل وتحدي!!ده في الع!!الم يتب!!ع الظ!!روف
282االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 283
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
5ـ « َذ ُروا...العقيم ،وعليكم بـ...الولود»
وهي مُرْسَلة صاحب الري!!اض :ق!!ال رس!!ول اهلل|« :ذَرُوا الحس!!ناء
العقيم ،وعليكم بالس!!!وداء الول!!!ود؛ ف!!!إنّي مُك!!!اثِرٌ بكم األمم ،حتّى
بالسقط»(.)649
أـ الدراسة السنديّة :إنّ هذه الرواية مرسَلةٌ ،ال سند لها ،نقلها لن!!ا
الطبرسي في كتابه «مكارم األخالق» ،عن كتاب الري!!اض ،ورُبَم!!ا نق!!ل
صاحب الرياض مضمون الروايات السابقة ،فال يمكن إحراز اس!!تقالل ه!!ذه
الرواية.
ب ـ الدراسة الدالليّة :تحتوي هذه الرواية على المضمون المشترك
في الروايات السابقة ،والتي سبق أن تحدَّثنا عنه.
284االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
عرض ونقد
ٌ ثانياً :6النصوص التوصيفيّة في التشنيع على المرأة العقيم،
سوف نقوم هنا بدراسة القسم الثاني من الروايات التي تتح!!دَّث عن
المرأة العقيم ،والتي قد ال تشتمل على صيغ وتعابير قانونية ،ولكنّه!!ا من
حيث استخدامها تعابير معيَّنة في حقّ المرأة العقيم ج!!ديرةٌ باالهتم!!ام،
وهي:
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 285
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
أمرهُ ،وإذا خال بها بذلت لهُ ما أراد منها ،ولم تبذَّل لهُ تبذُّل الرَّجُ!!ل،
ثمّ قال :أَالَ أُخبرُكُم بش!!رّ نس!!ائكُم؟ ق!!الُوا :بلى ،ق!!ال :إنّ من ش!!رّ
نسائكُمُ الذّليلة في أهلها ،العزيزة م!!ع بعله!!ا ،العقيم ،الحقُ!!ود ،ال!!تي ال
تتورَّعُ من قبيحٍ ،المُتبرِّجة إذا غاب عنها بعلُها ،الحصان معهُ إذا حضر،
التي ال تسمعُ قولهُ ،وال تُطيعُ أمرهُ ،وإذا خال به!!ا بعلُه!!ا تمنَّعت من!!هُ
تمنُّع الصعبة عند رُكُوبها ،وال تقبلُ لهُ عُذراً ،وال تغفرُ لهُ ذَنْباً ،ثمّ
ق!ال :أفال أُخ!برُكُم بخ!!ير رج!الكُم؟ فقُلن!ا :بلى ،ق!!ال :إنّ من خ!!ير
الس!! مِح الكفَّين ،الس!!ليم الطَّ!!رَفين ،ال!!برّ
رج!!الكُمُ التقيّ ،النقيَّّ ،
بوالدَيْه ،وال يُلجئُ عيالهُ إلى غ!!يره ،ثمّ ق!!ال :أَفَال أُخ!!برُكُم بش!!رّ
رجالكُم؟ فقُلنا :بلى ،قال :إنّ من شرّ رجالكُمُ البهّات ،الفاحش ،اآلك!!ل
وحدهُ ،المانع رفدهُ ،الضارب أهلهُ وعبدهُ !،البخي!!ل ،المُلْجِئ عيال!!هُ إلى
غيره ،العاقّ بوالدَيْه»(.)653
أـ الدراسة السنديّة :قد يُقال بأن اتّصال هذا الس!!ند غ!!ير معل!!ومٍ؛
حيث ال ندري هل (سمعْتُه يقول) ه!و مق!ول أبي حم!زة ،فيك!ون الس!ند
متّصالً؛ أو مقول جابر بن عب!!د اهلل ،فيك!!ون الس!!ند غ!!ير متّص!!لٍ؟ إذ ال
ندري مرجع الضمير في «سمعتُه» ،فتكون الرواية مضمرةً.
ولكنْ بعد الرجوع إلى الرواية في التهذيب يرتفع هذا اإلشكال.
فقد ورد هذا الحديث في الكتاب الك!!افي للكلي!!ني ،وك!!ذلك نقله!!ا
الشيخ الطوسي بطريقٍ صحيح في التهذيب ،والشيخ الصدوق أيضاً نقله!!ا
في كتابه مرسَالً .فهذا الحديث ورد في الكتب األربعة ،عدا االستبصار.
ويشتمل سند هذه الرواية في الكافي على ثالثة طرق ،وهي:
الطري!!ق األوّل :ع!!دّة من أص!!حابنا ،عن س!!هل بن زي!!اد ،عن ابن
محب!!وب ،عن عليّ بن رئ!!اب ،عن أبي حم!!زة ،عن ج!!ابر بن عب!!د اهلل ،عن
رسول اهلل|.
وهذا الطريق ضعيفٌ؛ بسبب وجود سهل بن زياد في السند.
الطري!!ق الث!!اني :محم!!د بن يح!!يى ،عن أحم!!د بن محم!!د ،عن ابن
286االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
محب!!وب ،عن عليّ بن رئ!!اب ،عن أبي حم!!زة ،عن ج!!ابر بن عب!!د اهلل ،عن
رسول اهلل|.
وهذا الطريق صحيحٌ ال غبار عليه.
الطريق الثالث :عليّ بن إبراهيم ،عن أبيه ،عن ابن محبوب ،عن عليّ
بن رئاب ،عن أبي حمزة ،عن جابر بن عبد اهلل ،عن رسول اهلل|.
وهذا الطريق مختلفٌ فيه؛ بسبب اشتماله على إبراهيم بن هاشم.
وثمّة خالفٌ في توثيق أبي حمزة الثمالي؛ وبعضهم ـ ك!!البهبودي
والكثير من أهل السنّة ـ أنك!!ر وثاقت!!ه؛ لم!!ا ورد من ش!!ربه النبيذ(.)654
وهذا ،إضافةً إلى عدم الوثوق بثبوته في حقّ الثماليّ ،لن يضرّ بوثاقت!!ه
في الحديث ،إالّ في ما يتعلَّق بالنبيذ .وقد يرجع ه!!ذا إلى خالفٍ فقهيّ؛
حيث نجد بعض الفقهاء في التاريخ كانوا يجيزون ش!!رب النبي!!ذ ،فلعلّ!!ه
كان ممَّنْ يجيز شربه؛ انطالقاً من مقاربةٍ فقهي!!ة .فال يمكن تض!!عيف
الثمالي بعد ثبوت وثاقته بتصريح النصوص الرجالية؛ استناداً لما ورد من
شربه النبيذ .فتكون الرواية من الناحية السنديّة تامّةً ،ال غبار عليها.
ب ـ الدراسة الدالليّة :السؤال الذي يفرض نفسه هنا :ه!!ل أن ه!!ذه
الصفات أُخذَتْ على النحو المجموعي أو الجميعي؟ هل يفهم العُ!!رْف أن
عنوان شرار النساء يصدق على التي تتّصف بجميع هذه الصفات أو يصدق
على التي تتّصف ولو بواحدةٍ من هذه الصفات؟
اإلنصاف أنّ الفهم العُرْفي لمثل هذا النصّ يرى لك!!لّ خصوص!!يّةٍ
من الخصوصيات جانباً من الش!!رّ ،والتقاؤه!!ا ه!!و ال!!ذي جعلهُنَّ ش!!رار
النساء .ولكنّ الكالم في مفهوم الشرّ ه!!ذا ،ه!!ل في!!ه ج!!انبٌ ق!!انونيّ أو
تشنيعٌ في حقّ المرأة العقيم أو ال؟
لو تأمَّلْنا قليالً سنرى أنّ هذا الحديث ليس في مقام بيان األحك!!ام
القانونيّة ،وإنّما هو قضيّةٌ إرشاديّة .وعلى األقلّ ال يمكن إحراز كونها
في مقام بيان األحكام القانونيّة ،ولسنا ممَّنْ يقبل بأص!!الة القانوني!!ة أو
المولوية في النصوص الدينيّة ،فال تدلّ هذه الرواي!ة على االس!تحباب أو
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 287
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
الكراهة .فه!!ذه الرواي!!ة تب!!دو إرش!!اديّةً ،أو على األق!!لّ ال يمكن إح!!راز
المولويّة فيها.
وأما من جهة التشنيع في حقّ المرأة بجهة توصيفها بالش!!رّ ،وه!!ذا
تعبيرٌ نجده في كثيرٍ من روايات هذا الب!!اب ،فس!!وف ن!!درس ذل!!ك في
التحليل اإلجماليّ حول كلمة الشرّ ،ومدى داللتها على التشنيع.
إذن ،هذه الرواية من حيث السند تامّةٌ؛ ومن حيث الداللة غير دالّةٍ
على الكراهة ،ولكنّها قد تدلّ على نوعٍ من التش!!نيع والت!!وهين في ح!!قّ
المرأة العقيم.
وهُنَّ ثالث :فامرأةٌ ولود ،ودود ،تعين زوجه!!ا على ده!!ره ،ل!!دنياه
وآخرته ،وال تعين الدهر عليه؛ وامرأةٌ عقيمة ،ال ذات جم!!الٍ وال خُلُ!!قٍ،
وال تعين زوجها على خيرٍ؛ وام!!رأةٌ ص!!خّابة ،والّج!!ة ،همّ!!ازة ،تس!!تقلّ
الكثير ،وال تقبل اليسير»(.)655
288االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 289
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
الكاشاني ،في الوافي ،على هذا الحديث قائالً«« :العقرة» التي ال تلد .وفي
بعض النسخ «القف!!رة» ،بالق!!اف ثم الف!!اء ،أي قليل!!ة اللحم؛ وفي بعض!!ها
«المقفرة» ،أي الخالي!!ة من الطع!!ام .وكأنّهم!!ا من المص!!حَّفات»(.)657
ولكنّه لم يوضِّح وجه اختياره للعقرة على س!!ائر االحتم!!االت .وعلى أيّ
حال هناك أربعة احتماالت في هذه الكلمة ،حَسْب النسخ المختلفة:
1ـ المُعقَرة :وهذا هو المتوافق مع النُّسَخ المطبوعة للكافي.
2ـ العَقِرة :نقلها الفيض في كتابه «الوافي».
3ـ القَفِ!!رة :نقله!!ا العالّم!!ة المجلس!!ي في كتاب!!ه «م!!رآة
العقول»( ،)658بمعنى قليلة اللحم.
نُس!! خ! الك!!افي ،طب!!ع دار
4ـ المقف!!رة :ورد في ه!!امش بعض َ
الحديث(.)659
ويب!!دو أنّ ه!!ذه االحتم!!االت كلّه!!ا محتمل!!ةٌ .والبتُّ في ه!!ذا
الموضوع! يحتاج إلى دراسةٍ مستقلّة في النُّسَخ المخطوطة.
فلنفرض أنّها المعقرة أو العقرة ،فتدخل الرواية في محلّ البحث.
أـ الدراسة السنديّة :يعاني سند هذه الرواية من اإلرس!!ال؛ إذ نقل!!ه
أحمد بن محمد بن خالد عن بعض أصحابه؛ إضافةً إلى أنّ السند يش!!تمل
على ملحان ،وهو رجلٌ مهمَلٌ جدّاً في المصادر الرجاليّة اإلماميّة .فهذا
السند ضعيفٌ من الناحية السنديّة.
ب ـ الدراسة الدالليّة :ال نجد في هذه الرواي!!ة نَهْي!!اً مباش!!راً عن
الزواج من المرأة العقيم .وكلُّ ما في األمر توصيف المرأة العقيم بأنها
من شرار النساء ،ويحتمل أن يكون هذا تعبيراً لبيان التمي!!يز بين الم!!رأة
العقيم والوَلود ،ال تشنيعاً في حقِّها.
290االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 291
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
سر والدتها»
س ُر والدتها ،وبركة المرأة...يُ ْ
5ـ «شؤم المرأةُ ...ع ْ
وهي خبر عبد اهلل بن ميمون .روى الصدوق ،عن أبيه& قال :حدَّثنا
عليّ بن إبراهيم بن هاشم ،عن أبيه ،عن عبد اهلل بن ميم!!ون ،عن أبي عب!!د
اهلل× قال« :قال رسول اهلل| :الشؤم في ثالثة أشياء :في الدابّ!!ة؛ والم!!رأة؛
والدار .فأما المرأة فشؤمُها غالءُ مَهْرها وعُسْرُ والدته!!ا؛ وأم!!ا الدابّ!!ة
فشؤمُها كثرةُ عِلَلها وسوءُ خُلُقها؛ وأما الدار فشؤمُها ض!!يقُها وخبثُ
جيرانها» .وقال« :من برك!!ة الم!!رأة خفّ!!ة مؤونته!!ا ،ويُسْ! ر والدته!!ا؛
و[من] شؤمها شدّة مؤونتها ،وتعسُّر والدتها»(.)665
أـ الدراسة السنديّة :سند هذه الرواية ،بغضّ النظر عن إبراهيم بن
هاشم ،سندٌ معتبر .وإنْ اعتبرنا عبد اهلل بن ميم!!ون إماميّ!!اً( )666فيك!!ون
السند حينئذٍ صحيحاً.
ب ـ الدراسة الدالليّة :تش!!به ه!!ذه الرواي!!ة الرواي!!ة الس!!ابقة ،م!!ع
اختالفاتٍ فيهما .لكنّ هذا الحديث تحدَّث عن تعسُّر ال!!والدة ،واعتبره!!ا
شؤماً للمرأة .وقد يُق!!ال بش!!مول الح!!ديث للعقيم أيض!!اً؛ إم!!ا بالدالل!!ة
المطابقية ،بأن نق!!ول :التعس!ُّ ر يش!!مل ع!!دم اإلمك!!ان أيض!!اً؛ أو بقي!!اس
األولويّة .وعلى أيّ حالٍ ال نجد في ه!!ذا الح!!ديث أيض!!اً س!!وى مفه!!وم
«الش!!ؤم» ،ال!!ذي تح!!دَّثنا عن!!ه ،وك!!ذلك معض!!لة التمي!!يز ب!!األمور
التكوينيّة !،الذي سوف يأتي الحديث عنه.
292االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 293
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
بأحاديث سنّية؛ كي يكون لها وقعٌ عند عامّ!!ة الن!!اس من غ!!ير الش!!يعة،
أكثر من استخدام األسانيد المختصّة بالشيعة .ورُبَما يكون ه!!ذا أق!!ربَ
تفسيرٍ لوجود أسماء غير مألوف!!ة إماميّ!!اً في كتب األم!!الي ه!!ذه .وإنْ
كان بعض المعاص!!رين( )669يش!!كِّك في نس!!بة بعض كتب األم!!الي إلى
أصحابها .وتفصيلُ ذلك يراجع في محلّه.
إنّ رسول اهلل| يوصي في هذه الرواي!!ة عليّ!!اً× بمنع!!ه عروس!!ه من
أربعة أشياء في أسبوعها ،ويعلِّلها بأنّه!!ا ت!!برِّد ال!!رَّحِم وتعقِّمه!!ا ،ثمّ
يأتي بجملةٍ هي محلّ الشاهد؛ إذ قد يُستفاد منه تشنيعٌ في ح!!قّ الم!!رأة
العقيم؛ إذ جاء في الحديث« :ولحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ ال
تلد.»...
لكنّ هذا المقطع ورد في المصادر السنّية على أنّ!!ه ق!!ول عم!!ر بن
الخطّاب ،فاعتبروه من الموقوفات( .)670وفي بعض المصادر منس!!وبٌ إلى
ابن عمر( .)671ولكنْ في المصدر الشيعي نُسِب ه!!ذا المقط!!ع إلى رس!!ول
اهلل| .نعم ،ذكر ابن الج!!وزي ه!!ذه الرواي!!ة ،مس!!ندةً إلى رس!!ول اهلل| ،في
كتابه «الموضوعات»؛ حيث يذكر الرواية ه!!ذه بس!!ندٍ ش!!بيهٍ ،معت!!براً
إيّاها من الموضوعات .وكما نعرف من منهج ابن الجوزي ،كلّم!!ا ك!!ان
في سند الحديث رجلٌ وضّاع( )672يصف الحديث بالموضوع !،مع أنّ ه!!ذا
المنهج ليس بصحيحٍ ،ومن الخط!!أ في االص!!طالح؛! إذ ال تالزم بين وج!!ود
رجلٍ وضّاعٍ في السند والقط!!ع بك!!ون الح!!ديث موض!!وعاً ،غاي!!ة األم!!ر
التشكيك! بالصدور .وكذلك نجد هذا المقطع منس!!وباً إلى رس!!ول اهلل|
في بعض الكتب غ!!ير الحديثيّ!!ة أله!!ل الس!!نّة ،مث!!ل :أبي ط!!الب المكّي
والغزالي ،حيث نقال هذا المقطع مرسَالً ،بال سندٍ ،عن رسول اهلل|(.)673
وعلى أيّ حالٍ ه!!ذا الح!!ديث في جمي!!ع المص!!ادر ال!!تي ورد فيه!!ا
حديثٌ ضعيفٌ ،بل في بعض المصادر ال سند له.
ب ـ الدراسة الدالليّة :ه!!ذا التعب!!ير ال!!وارد هن!!ا« :ولحص!!يرٌ في
ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ ال تلد» هو التعب!!ير األك!!ثر إث!!ارةً؛ إذ ق!!د
294االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
يُقال بأنه صريحٌ في التشنيع في ح!!قّ الم!!رأة العقيم .فم!!ا ذنب الم!!رأة
العقيم التي جعلها اهلل عقيماً أن تُعامَل هكذا؟ ولكنْ قلنا :إن صدور ه!!ذا
التعبير عن رسول اهلل| غير مُحْرَزٍ ،فال يمكن االعتماد عليه.
الولود»
8ـ «إنّ هللا بارك 6في َ
وهي خبر أبي المق!!دام ،عن أبي عب!!د اهلل× ق!!ال :دخ!!ل رس!!ول اهلل|
منزله ،فإذا عائشة مقبلةٌ على فاطمة تصايحها ،وهي تقول :واهللِ ،ي!!ا بنت
خديجة ،ما ترين إالّ أن ألمِّك علينا فضالً ،وأيُّ فضلٍ كان لها علينا؟!
ما هي إالّ كبعضنا .فسمع مقالتها لفاطمة ،فلما رأَتْ فاطمة رس!!ول اهلل|
بكَتْ ،فقال لها« :م!!ا يبكي!!كِ ،ي!!ا بنت محم!!د؟» ،ق!!الت :ذك!!رَتْ أمّي،
فتنقَّصتها ،فبكيتُ !،فغضب رسول اهلل| ،ثمّ قال« :مَهْ ،يا حميراء ،فإنّ اهلل
تبارك وتعالى بارك في الوَلود الوَدود .وإنّ خديجة رحمه!!ا اهلل ول!!دَتْ
منّي طاهراً ،وهو عبد اهلل ،وهو المطهَّر ،وولدَتْ منّي القاس!!م وفاطم!!ة
ورقيّ!!ة وأمّ كلث!!وم وزينب؛ وأنتِ ممَّنْ أعقم اهلل رَحِمَ!!ه ،فلم تل!!دي
شيئاً»(.)674
أـ الدراسة السنديّة :إنّ هذه الرواية من متفرِّدات الشيخ الصدوق،
نقلها في كتاب الخصال .ومن الناحية الرجالية سندُها ضعيفٌ؛ إذ يشتمل
على أبي عليّ الواسطي ،وهو رجلٌ مجهول ،ال نجد له توثيقاً أو تضعيفاً
في المصادر الرجاليّة اإلماميّة ،ورواياته قليلةٌ جدّاً .وك!!ذلك يش!!تمل
على عبد اهلل بن عصمة ،وهو أيضاً رجلٌ مجهولٌ في المص!ادر اإلماميّ!ة،
ورواياته في اإلمامية قليلةٌ ،ال تتج!!اوز أص!!ابع الي!!دين؛ ولكنْ نج!!د ل!!ه
روايات في المص!!ادر الس!!نّية ،وتناول!!ه علم!!اء الرج!!ال من أه!!ل الس!!نّة،
وضعَّفه غيرُ واحدٍ من علماء أه!!ل الس!!نّة( .)675وك!!ذلك يش!!تمل على
عمرو بن أبي المقدام ،الذي لم تثبت وثاقته.
ب ـ الدراسة الدالليّة :يؤكِّد رسول اهلل| في هذه الرواي!!ة على أنّ
اهلل تبارك وتعالى ب!!ارك في الول!!ود ال!!ودود .وه!!ذا يب!!دو من!!ه التمي!!يز
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 295
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
296االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
مع أخالق النبيّ| ،وغير منسجم مع اآليات القرآني!!ة ،ومنه!!ا ه!!ذه اآلي!!ات
التي ذكرناها ،واآليات التي تركِّز على الصفات التي ترج!!ع إلى األخالق
والفضيلة والدين و ...في التفضيل بين العباد.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 297
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
الولود والعاقر.
298االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
ونحن نعلم من الخ!!ارج أنّ تكث!!ير النس!!ل ليس واجب!!اً في نفس!!ه على
الجميع ،وإالّ كان أصل الزواج واجباً عينيّاً .فهذه قرينةٌ على عدم إرادة
الحرمة من النَّهْي هنا ،وكذلك عدم إرادة الوجوب من األم!!ر ب!!الزواج
من المرأة الولود.
ولعلّ الفقهاء استندوا في ذلك لقيام س!!يرة المتش!!رِّعة على ع!!دم
الزواج من المرأة العاقر ،فاعتبروا أن تلك قرينةٌ على اس!!تفادة الكراه!!ة
واالستحباب من هذا النوع من الروايات.
ولعلّ المس!!تند في ذل!!ك بعض الق!!رائن الموج!!ودة في نفس ه!!ذه
الروايات ،مثل :صحيحة محم!!د بن مس!!لم ،حيث ج!!اء فيه!!ا« :تزوَّج!!وا
بِكْراً وَلُوداً» ،مع أنه ال يجب الزواج من البِكْر الوَل!!ود .وه!!ذا رس!!ول
ض!! يْرٍ فياهلل| قد تزوَّج من الثيِّبات أيضاً ،وال يجد القرآن الكريم أيّ َ
عَس!! ى رَبُّ!!هُ إِنْ
ال!!زواج من الثيِّب!!ات ،م!!ع أنهُنَّ من الع!!اقراتَ ﴿ :
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْ! لِمَاتٍ مُؤْمِنَ!!اتٍ
قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَ!!اتٍ وَأَبْكَ!!اراً﴾ (التح!!ريم:
.)5
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 299
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
300االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
6ـ مقتضى التعليل تخصيص النَّ ْهي بالزواج الذي يُراد منه اإلنجاب6
كما رأينا في بعض هذه الروايات ـ ومنها ص!!حيح الس!!ند ـ نج!!د
عالقةً وطي!!دة بين النهي عن ال!!زواج من الم!!رأة العقيم ومس!!ألة ازدي!!اد
النَّسْل .وهذا يدعو لتقييد الكراهة ـ لو ثبتَتْ ـ بالمورد ال!!ذي يُ!!راد أو
يمكن اإلنجاب ،وإالّ إذا لم يمكن اإلنجاب ـ من جه!!ة عقم الرج!!ل مثالً ـ
فال موجب لهذا النَّهْي.
وال نستطيع! أن نحصر غايات الزواج في اإلنجاب؛ فإنّ المرأة العاقر،
وخاصّةً في ظّل ثقافة تعدُّد الزوجات ،وفي ظلّ ثقاف!!ة اإلم!!اء ومل!!ك
اليمين أيض!!اً ،حتّى ل!!و لم تنجب ،ك!!انت تنف!!ع في تربي!!ة أوالده ،وفي
العطف واإلحسان على الزوج ،وما شابه ذلك.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 301
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
على أن الرجل الكبير ،الذي توفِّيت زوجته ،ق!!د يحت!!اج الم!!رأةٍ ال
تنجب .وهذا شائعٌ كثيراً ،حيث يبحث الرجال الكب!!ار ،ال!!ذين لهم أوالدٌ،
وتوفِّيت زوجاتهم ،عن ام!رأةٍ أخ!!رى ع!!اقرٍ ،فلم!!اذا النهي عن ال!!تزويج
بالمرأة العاقر بالمطلق ،مع أن له!!ذه الم!!رأة ح!!قّ ال!!زواج ،وه!!و ش!!يءٌ
فُطرَتْ عليه ،وتحتاج!!ه؟! وإذا فس!!دت ه!!ذه الم!!رأة فهي أش!!دُّ إفس!!اداً
للمجتمع من المرأة التي تنجب؛ إذ ليس هناك قلقٌ من حَمْلها.
302االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
ي لهذه الروايات
9ـ االعتبار الصدور ّ
تحتوي المجموعة األولى من الروايات س!!تّ رواي!!ات ،اثنت!!ان منه!!ا
صحيحتان؛ وتحتوي المجموعة الثانية عشر روايات؛ رواي!!ة واح!!دة منه!!ا
صحيحة .ففي مجموع هذه الروايات إنّم!!ا نج!!د ثالث رواي!!ات ص!!حيحة؛
وكثيرٌ منها مرسَلة ،بل ال سَنَد لها أساس!!اً .فعلى مب!!نى حجِّي!!ة خ!!بر
الثقة النَّهْي عن الزواج من المرأة العقيم أمرٌ ثابت .وإنْ لم يفهم فهماً
تاريخياً فيمكن استنباط كراه!!ة ال!!زواج من الم!!رأة العقيم ،بع!!د ط!!رد
احتمال االرشاديّة في هذه الروايات.
ولكنْ على مبنى حجِّي!!ة الخ!!بر الموث!!وق يبع!!د حص!!ول االطمئن!!ان
بصدور هذه الروايات كحكمٍ تكليفيّ أَبَ!!ديّ؛ إذ يحتم!!ل فيه!!ا اإلرش!!اديّة
والتاريخيّة احتماالً معتدّاً به.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 303
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
بينهما في هذه الدراسة .والسؤال الذي يطرح نفسه هن!!ا :م!!ا هي العالق!!ة
القانونية بين االستحباب والكراهة في هذا الموضوع؟ هل يمكن أن ننتق!!ل
من كراهة الزواج من المرأة العقيم ـ لو ثبت ـ إلى استحباب الزواج من
الولود ،والعكس كذلك ،أو ال؟
إذا لم نقب!!ل بكلِّي!!ة اس!!تحباب ت!!رك المك!!روه ،أو كراه!!ة ت!!رك
المستحبّ ،ال نستطيع أن نقبل بهذه المالزمة هنا أيضاً .وبما أنّنا ال نقبل
بهاتين القضيّتين ككبرى كلِّية فال نستطيع! أن ندَّعي ذلك هنا أيض!!اً؛
إذ ال نجد خصوصيّةً زائدة في هذا الموضوع.
11ـ النصوص الذا ّمة للمرأة العاقر ،وداللتها على الكراهة القانونيّة
وكما رأَيْنا فإن الكثير من الروايات المتعلِّق!!ة ب!!المرأة العقيم ال
يشتمل على األمر والنَّهْي ،وإنّما تصف المرأة العقيم بتعابير مرجوحةٍ.
والسؤال هنا :هل نستطيع أن نس!!تفيد! من مث!!ل ه!!ذه النص!!وص الكراه!!ة
القانونيّة للزواج من المرأة العقيم أو ال؟
قد يُقال بأنّ توصيف المرأة العقيم بـ «شرار النس!!اء» ،أو اعتب!!ار
عقم الم!!رأة ش!!ؤماً له!!ا ،وإنْ لم ي!!دلّ بالمطابق!!ة على النَّهْي ،ولكنّ!!ه
بالداللة االلتزامية يدلّ على النَّهْي التنزيهيّ على األق!!لّ ،فت!!دخل ه!!ذه
الروايات في مجموع الشواهد ال!!تي تؤكِّ!!د على النَّهْي عن ال!!زواج من
المرأة العقيم.
ولكنّ هذه المالزمة غير مفهومةٍ من قِبَلن!!ا؛ إذ ال نج!!د مالزم!!ةً
دائميّة بين المرجوحية في الخارج والكراه!!ة القانوني!!ة؛ كي ننتق!!ل من
بيان المرجوحيّة هذه إلى الكراهة الشرعيّة .وكذلك في االستحباب.
ق المرأة العقيم
12ـ النصوص القانونيّة 6االستحبابيّة 6،وداللتها على التشنيع بح ّ
لقد استحضَرْنا في هذه الدراسة النصوص ال!!تي تحثّ على ال!!زواج
من المرأة الولود ،وتمدحها؛ إذ قد يقال بأنّ هذا االستحباب يالزم كراهة
304االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 305
• الشيخ سعيد نورا /الشيخ مهدي قاسمي
وتعالى﴿ :أَمْ يَحْسُ! دُونَ النَّ!!اسَ عَلَى مَ!!ا آتَ!!اهُمُ اهللُ مِنْ فَضْ! لِهِ
فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْ!!رَاهِيمَ الْكِتَ!!ابَ وَالْحِكْمَ!!ةَ وَآتَيْنَ!!اهُمْ مُلْك!!اً
عَظِيماً﴾ (النساء.)54 :
فما نراه من التمييز واالفتراق بين البشر ،بل في جميع المخلوقات،
ليس إالّ من فضل اهلل سبحانه وتعالى ،فال يُسْأَل س!!بحانه عن ش!!يءٍ من
ذلك؛ إذ ال حقَّ لآلخرين في مقابله تعالى .فالتمييز ليس ظلماً.
هذا ،إضافةً إلى أنّنا ال نستطيع! أن نثبت أنّ اإلنجاب أمرٌ مطل!!وبٌ
للجميع؛ فرُبَما إنجاب الولد يجلب الشرّ والمفاس!!د لبعضٍ ،فال نس!!تطيع
اعتبار العقم شرّاً مطلقاً.
وثمّة جوابٌ نَمَطِيّ يبرِّر الشرور في العالم ع!!بر فك!!رة النظ!!ام
األحسن .ويمكن توظيف هذا الجواب هن!!ا أيض!!اً ،ب!!أن نق!!ول :إنّ النظ!!ام
األحسن ،الذي يريده اهلل سبحانه ،يقتضي بأن يك!!ون بعض الن!!اس عقيم!!اً؛
فإنْ كان العقم في ذاته شرّاً ـ لو ثبت ذلك ـ فهو حَسَ! نٌ ب!!النظر إلى
النظام األحسن .إذاً ال بُدَّ من وجوده لتحقُّق النظام األحسن.
الخاتمة
لقد حاوَلْنا في هذا المقال أن نتناول موضوعاً نجد أنه يحت!!اج إلى
إعادة نظرٍ فقهيّ ،وهو «كراهة الزواج من المرأة العقيم ،والتشنيع به!!ا
في النصوص الدينيّة» .وبدأنا بعَرْض قراءة القرآن عن ه!!ذا الموض!!وع!،
ثمّ انتقلنا إلى الح!!ديث الش!ريف ،ال!ذي يعت!!بر األس!اس في ه!!ذا الحكم.
ووجدنا قرابة ستّ عشرة رواية في هذا الموضوع! في المصادر الحديثية.
وحاوَلْنا دراسة أسانيدها ،ومداليلها ،كلٌّ على حِدَة ،لننتقل بع!!د ذل!!ك
أش!! رْنا
في التحليل اإلجماليّ إلى مقارنة النتائج ،وبعض المالحظات التي َ
إليها .ووصلنا إلى عدم ثبوت كراه!ة ال!!زواج من الم!!رأة العقيم كحكمٍ
ق!انونيّ كلِّي يعمّ جمي!ع األزمن!ة واألمكن!ة في الع!الم ،إالّ بن!اءً على
أصولٍ اجتهاديّة ال نقبل بها ،كأصالة المولويّة في النص!!وص ،وحجِّي!!ة
306االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم ،قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 307
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
والوليّ قادرةً على إفاضة الوجود على المخلوق!!ات فعلى أس!!اس النقط!!ة
األولى ال توجد السلسلة المجرَّدة بين عالم الطبيعة والخالق ،فتكون هذه
النفوس القُدْس!!ية موج!!ودةً بإيج!!اد اهلل لحدوث!!ه؛ وعلى أس!!اس النقط!!ة
الثانية الممكن في حدوثه يحتاج إلى الخالق ،وفي بقائ!!ه ال يحت!!اج إلي!!ه،
فتكون هذه النفوس القُدْسية موجودةً بإيجاد اهلل ،بحيث تكون قادرةً على
إفاضة الوجود على المخلوقات وإدارتها ،فهم يعملون! ما يشاؤون ،ويفعلون
ما يريدون ،واهلل ال دَخْلَ ل!!ه في إفاض!!ة الوج!!ود للمخلوق!!ات ،فينطب!!ق
عليهم التفويض ،وهو إرجاع أمر التدبير إليهم.
نق ٌد ور ّد
وهذا التصوير للتوسيط في اإلفاضة اإللهيّة ثبوتاً ممنوعٌ؛ وذل!!ك
ألسباب:
أوّالً :إنّ النقطة األولى ممنوعةٌ؛ فهناك وج!!وداتٌ مج!!رّدة تامّ!!ة
وناقصة بين الخالق وعالم الطبيعة على أساس قاعدة إمكان األشرف ،كما
يؤمن بها الفالسفة.
ثانياً :النقطة الثانية ـ أيضاً ـ ممنوعةٌ؛ ألنّ اإليجاد فرع الوج!!ود؛
إذ الفاعل وأثره هو الوجود .فبالنظر إلى أنّ أصل وج!!ود الفاع!!ل وج!!هٌ
للخالق تعالى ،كما أنّ أصل وجود األثر وج!!هٌ ل!!ه ،فإيج!!اده إيج!!ادُ اهلل،
فيكون اهلل فاعالً بمعنى ما منه الوجود .وب!!النظر إلى أنّ وج!!ود الفاع!!ل
محدودٌ مرتبةً ،وحدُّه هو فقدانيّته للمراتب األخرى من الوج!!ود ،كم!!ا
أنّ وجود األثر محدودٌ بحدٍّ ،فاإليجاد من الفاعل المحدود يُضاف إلي!!ه،
فيكون الفاعل فاعالً بمعنى ما به الوجود .فاإليجاد من العبد باعتبار أصل
وجود األَثَر إيجاد اهلل ،وباعتبار محدوديّة وجود األَثَر إيجاد العبد .وال
يُعقل عزل الخالق من التأثير.
ثالث!!اً :إن!!ه يس!!تلزم الش!!رك في الربوبي!!ة ،والربوبي!!ة من ش!!ؤون
األلوهيّة ،فكيف يمكن الفصل بين كونه تع!!الى إله!!اً ـ بمع!!نى الخ!!الق
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 309
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
310االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 311
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
312االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
به الوجود ،فيسري هذا الحكم للغاي!!ة من جه!!ة اتّحاده!!ا م!!ع ذي الغاي!!ة،
فتكون تلك النف!وس القُدْس!ية في ق!وس الص!عود من جه!ة روحانيته!ا
ونورانيتها واسطةً في اإلفاضة واإليجاد .فمَنْ يلتزم بعدم هذه الواس!!طة
يلتزم بعدم ما يُبتدأ! به عالم الوجود نزوالً ،وهذا إنكارٌ للعوالم ال!!تي هي
في طول هذا العالم .وقد ثبتت هذه العوالم بقاعدة إمكان األش!!رف ،كم!!ا
تقدَّم في النقطة الثانية.
وعلى ضوء ما تقدَّم قال المحقِّ!!ق األص!!فهاني&؛ إلثب!!ات ك!!ونهم
علالً فاعليّة« :فاإلنسان الكام!!ل المحمّ!!دي| في ه!!ذه ال!!دائرة العظيم!!ة،
وغيره من النفوس القُدْسية في سائر الدوائر؛ بلحاظ اتّح!!اده بالفواع!!ل
العالية ،واسطةٌ في اإلفاضة بروحانيّتها ونورانيّتها .ف!!االلتزام بع!!دم م!!ا
ينتهي إليه الدائرة التزامٌ بعدم ما تبتدئ به ،وااللتزام بعدمه التزامٌ بعدم
فاعل ما به الوجود ،فيوجب االلتزام بعدم سائر العوالم التي هي في ط!!ول
هذا العالم»(.)683
مناقشاتٌ واعتراض6
وقد نُوقش هذا المعنى للوالية التكوينية بعدّة وجوهٍ:
الوجه األوّل :إنّها تستلزم التفويض ،والتفويض يوجب الش!!رك في
الربوبية ،كما تقدَّم في التصوير األوّل للوالية التكوينية.
وهذا الردّ مخدوشٌ؛ ألنّ التفويض ه!!و إرج!!اع األم!!ر إلى الغ!!ير،
وهذه الوالية ال تكون إرجاعاً ألم!!ر الت!!دبير إلى الغ!!ير من وجه!ة نظ!!ر
الفالسفة؛ ألنّ عالم الجبروت بنظرهم الزمُ وجود الباري تبارك وتع!!الى،
فموجودٌ بوجوده ،فيكون من الصقع الربوبيّ ،فال يكون موجوداً بخلقه ـ
أي إيجاده من العدم ـ حتّى يكون توسيطه لإلفاضة من قبيل :تسليم أم!!ر
التدبير إلى الغير ،ويستلزم ذلك إذا كان الشيء موج!!وداً بخلق!!ه كم!!ا
كان هذا المعنى وارداً على تصوير الوالية القائم على ق!!ول المتكلِّمين؛
ألنّ النبيّ واألئمّة^ حادثٌ ،على قولهم ،فيكون وجودهم بإيجاد اهلل تبارك
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 313
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
وتعالى من العدم .فإرجاع تدبير الخلق إليهم تفويضٌ ألم!!ر الت!!دبير إلى
الغير ،وهذا شركٌ في الربوبية.
الوجه الثاني :وهو للشيخ السبحاني( ،)684وحاصله :إنّ هذه النفوس
القُدْسيّة لو كانت في مرتبة العلّة الفاعليّة لعالم الطبيعة للزم تق!!دُّم
الشيء على نفسه؛ ألنّ هذه النفوس في مرتبة المعل!!ول للعل!!ل الطبيعي!!ة،
فإنّ حياتهم تتوقَّف على الهواء والماء والطعام والدواء ،فتتوقَّف! حياتهم
على هذه األسباب .فلو كانت هذه الذوات في مرتبة العلّة له!!ذه األس!!باب
يستلزم تقدُّم الشيء على نفسه ،وهو محالٌ.
وال يمكن المساعدة على هذه المناقشة؛ ألنّ لهذه الذوات القُدْس!!يّة
في هذا العالم جهتين:
األولى :الجهة الجسمانية.
الثانية :الجهة الروحانية ،ولهذه الجهة مراتب ،وهي :مرتبة الطب!!ع
إلى مرتبة السرّ ،على قول العرفاء ،فإذا وصلت نفوسهم إلى مرتبة الس!!رّ
فال تحتاج إلى البدن ،على قول العرفاء ،فيك!!ون البَ!!دَن بمثاب!!ة الجلب!!اب،
متى شاء يدخل فيه ،ومتى شاء يخرج منه .فيكون احتي!!اجهم إلى األس!!باب
الطبيعية في حياتهم من الجانب الجس!!ماني؛ فأجس!!امهم من حيث كونه!!ا
تتغذّى وتنمو وتولد ـ ومنشأ هذه األمور هو النفس النباتية ـ ،ومن حيث
كونها تحسّ وتتحرّك باإلرادة ـ ومنش!!ؤهما ه!!و النفس الحيواني!!ة ـ،
تحتاج إلى تلك األس!!باب .وأمّ!!ا من ج!!انب النفس الناطق!!ة في الم!!راتب
الدنيا ،مثل :مرتبة الطبع والنفس ،فيحتاج ـ أيضاً ـ إلى تل!!ك األس!!باب.
وأمّا النفس الناطق!!ة في الم!!راتب العلي!!ا ،مث!!ل :مرتب!!ة ال!!روح والس!!رّ
والخفيّ واألخفى ،فال تحت!!اج إلى تل!!ك األس!!باب .والوالي!!ة التكويني!!ة
لل!!ذوات القُدْس!!يّة تك!!ون من جه!!ة النفس الناطق!!ة بمراتبه!!ا العلي!!ا ،ال
بمراتبها الدنيا ،فال يَرِدُ عليها ما تقدَّم من الشيخ السبحاني.
اإلشكال على مذهب الوساطة بالفَ ْيض6
314االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 315
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
وال زيادة شيء عليه ـ أي بال زيادةٍ ونقيصةٍ ـ ص!!ار ش!!يئاً آخ!!ر ،وله!!ذا
المعنى الحقيقيّ ثالث صور:
الصورة األولى :صيرورة شيءٍ ما شيئاً آخ!!ر ،م!!ع بق!اء وجودهم!!ا
معاً بعد االتّحاد .وه!!ذه الص!!ورة مح!!الٌ؛ الس!!تلزامها وح!!دة المتع!!دِّد،
ووحدة المتعدِّد محالٌ.
الصورة الثانية :صيرورة شيءٍ ما ش!!يئاً آخ!!ر م!!ع انع!!دام الش!!يء
الصائر بالمرّة ،وبقاء الشيء الثاني .وهذه الصورة ـ أيضاً ـ محالٌ؛ ألنّها
تستلزم اجتماع النقيضين؛ إذ االتّحاد بمعنى الصيرورة يقتض!!ي أن يك!!ون
الشيء الصائر موجوداً ،وفرضنا أنّه انع!!دم !،فحص!!ل اجتم!!اع النقيض!!ين،
واجتماع النقيضين محالٌ.
الصورة الثالثة :صيرورة شيءٍ ما شيئاً متأخِّراً عن الشيء األوّل.
ولهذه الصورة فرضان:
الفرض األوّل :أن يكون الش!!يء المت!!أخِّر كم!!االً للش!!يء األوّل،
مثل :الحرك!ة الجوهري!ة للم!ادّة إلى النفس النباتي!ة ،وحرك!ة النفس
النباتي!!ة إلى النفس الحيواني!!ة ،وحرك!!ة النفس الحيواني!!ة إلى النفس
الناطقة .فالمادّة صارت نفساً نباتيةً ،والنفس النباتية المتأخِّرة كم!!الٌ
لتل!!ك الم!!ادّة .وهك!!ذا النفس الحيواني!!ة بالنس!!بة إلى النفس النباتي!!ة؛
والنفس الناطق!!ة بالنس!!بة إلى النفس الحيواني!!ة .وه!!ذا الف!!رض ممكنُ
الوجود ،ومتحقِّقٌ في عالم الطبيعة.
الفرض الثاني :أن ال يكون الشيء المتأخِّر كم!!االً للش!!يء األوّل.
وهذا الفرض محالٌ؛ ألنّ الشيء المت!!أخِّر ل!!و ص!!ار عين الش!!يء األوّل
الستلزم تقدُّم الشيء على نفسه ،وتقدُّم الشيء على نفسه محالٌ.
وعلى ضوء هذه المعاني لالتّح!!اد ف!!إنّ ف!رض اتّح!اد نفس الن!!بيّ
والوليّ في نهايات قوس الصعود مع ب!!دايات ق!!وس ال!!نزول ال يخل!!و من
احتماالت ثالثة:
316االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 317
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
تلك العوالم ،وهذا تقدُّم الشيء على نفس!!ه ،وه!!و مح!!الٌ ،فيس!!تحيل أن
يكون ذو الغاية عينَ الغاية.
وأمّا ما قاله بعض أهل المعقول ،المتشرِّب بالعرفان ،من أنّ كلّ
فاعلٍ في قوس النزول له غايةٌ في ق!!وس الص!!عود ،فغ!!يرُ مقب!!ولٍ؛ ألنّ
الغاية إمّا أن تكون بمعنى ما ينتهي إليه الفعل ،فهذا ال ينطب!!ق في ق!!وس
النزول؛ إذ الفاعل في هذا القوس ،مثل :عالم الملكوت ،ينزل فيض الوجود
منه إلى الهيولى األولى في عالم الناسوت ،ويصعد إلى الصورة الجس!!مية،
ثم إلى صورة العناصر البسيطة ،وال ينتهي إلى النفس اإلنس!!انية بمرتب!!ة
الروح ،بل يتجاوزها إلى النفس اإلنسانية بمرتب!!ة الس!!رّ ،فال يص!!دق أنّ
النفس اإلنسانية بمرتبة الروح هي ما ينتهي إليها فعل عالم المَلَك!!وت؛ أو
تكون ـ أي الغاية ـ بمعنى ما ألجله أقدم الفاعل على فعل!!ه ،وه!!ذه الغاي!!ة
تكون للفاعل المختار ،والفواعل المجرّدة في قوس ال!!نزول ،مث!!ل :ع!!الم
الجبروت ،وعالم الملكوت ،ليست فواعل مختارة ،بل هي فواعل بالتس!!خير،
ولو أنّ الفالسفة تخيّلوا أنّ النفوس الفَلَكيّة التي هي من عالم الملكوت
األعلى فواعل مختارة( .)686وبناءً عليه ،إنّنا نرى أنّ الغاية هي م!!ا ينتهي
إليه الشيء .فاهلل هو الغاية بهذا المعنى؛! ألنّ ك!!لّ ش!!يءٍ ينتهي إلي!!ه في
القيامة الك!!برى؛ إذ يف!!نى ك!!لّ ش!!يءٍ في!!ه ب!!المعنى الث!!الث المج!!ازيّ
لالتّحاد .فوجوده تبارك وتعالى ليس محدوداً بحدٍّ ،فيكون واجداً لك!!لّ
شيءٍ بنحوٍ أعلى وأشرف .وتكون وحدته وحدةً حقّ!!ة حقيقيّ!!ة ،فيفيض
الوجود إلى المخلوقات على نحو الطولية ،من ع!!الم الج!!بروت إلى ع!!الم
الناسوت ،ثمّ يرتقي من عالم الناسوت إلى ع!!الم الملك!!وت ،دون أن يك!!ون
في مرتبة ذلك العالم بحيث يتّحد معه؛ ألنّ!!ه من تجلِّيات!!ه وإش!!راقاته.
وهك!!ذا فيض الوج!!ود ي!!رتقي من ع!!الم الملك!!وت إلى ع!!الم الج!!بروت،
باستكمال النفس اإلنسانيّة بالعقل المستفاد ،دون أن تكون في مرتبة ذلك
العالم بحيث يتّحد معه؛ ألنّها من تجلِّياته وإشراقاته .فال تتّحد ب!!ذلك
العالم ،كما قال به العرفاء ،بل يتّصل بتلك العوالم ،وتستمرّ بالسير إلى
318االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 319
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
مفيضاً للوجود لتلك العوالم ،وفي نفس الوقت يكون ما تنتهي إليه تلك
العوالم في القيامة الكبرى بالفناء فيه .وأمّا بحَسَ! ب الغائيّ!!ة على ق!!ول
بعضٍ يكون عالم الج!!بروت مفيض!اً للوج!!ود لتل!!ك الع!!والم ،وفي نفس
الوقت يكون غايةً لوجوداتها في سَيْرها التكاملي ،وه!!ذا يس!!تلزم تق!!دُّم
الشيء على نفسه.
320االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
العقل األوّل محالٌ؛ ألنّ فناءه في العقل األوّل بوجوده في نفسه ال يخلو
من فرضين :إمّا أن يكون العقل األوّل أثن!!اء الفن!!اء متجلِّي!!اً في بَ!!دَن
النبيّ أو الوليّ؛ أو ال.
فإن لم يكن متجلِّياً فيه فالنفس؛ من حيث إنّها مرتب!!ةٌ نازل!!ة من
العقل األوّل ،قد فنيَتْ في العقل األوّل ،حتّى تك!!ون نفس العق!!ل األوّل،
فتفنى تلك المرتبة ،وبالتالي تف!!نى النفس في مرتب!!ة الطب!!ع وال!!روح.
وبفنائها تفنى النفس النباتية والحيوانية؛ ألنّهما موجودتان بوجود النفس
الناطق!!ة .وبفن!!اء ه!!ذه النف!!وس الثالث تنتفي الحي!!اة من بَ!!دَن الن!!بيّ
والوليّ؛ ألنّها تنشأ من النفوس .فباالتحاد به!!ذا المع!!نى يتح!!وَّل بَ!!دَن
النبيّ والوليّ إلى جثّةٍ هامدة ،وبطالن ذلك من الواضحات.
وإنْ كان متجليّاً فيه يستلزم الخُلْف؛ فما فرضناه فاني!!اً بح!!دِّه
في وجود العقل األوّل في نفسه لم يكن فانياً كذلك ،بل يك!!ون حافظ!!اً
لحدِّه.
وممّا تقدَّم يظهر وجه حَصْر االحتماالت في االتّحاد باالحتم!!االت
الثالثة؛ إذ نفس النبيّ والوليّ إمّا تص!!ل إلى مرتب!!ة العق!!ل األوّل أو ال.
وعلى فرض الوصول ال يخل!!و من فرض!!ين؛ إمّ!!ا غ!!يره؛ أو نفس!!ه .وفي
الفرض األوّل يأتي االحتمال األوّل لالتّحاد؛ وفي الف!!رض الث!!اني ي!!أتي
االحتمال الثاني .وعلى فرض عدم الوصول يأتي االحتمال الثالث؛ إذ تكون
نفس النبيّ وال!!وليّ تجلِّي!!اً وظه!!وراً ل!!ه .وثبت بطالن االتّح!!اد بك!!لّ
احتماالته.
ومقصود بعض أه!ل المعق!ول ،من علم!اء الش!يعة ،ال!ذين يؤمن!ون
بالوالية التكوينية للنبيّ والوليّ ،هو االحتم!!ال الث!!اني لالتّح!!اد من بين
تلك االحتماالت الثالثة .فمن خالل هذا االتّح!!اد بين ذي الغاي!!ة والغاي!!ة
يسري حكم ذي الغاية إلى الغاية .وه!ذا يع!ني الوالي!ة التكويني!ة بمع!نى
الواسطة في الفَيْض.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 321
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
االتصال بين النفوس القُدْسية والعقل األ ّول
وبعد بطالن االتّحاد بكلّ احتماالته نرى أنّ الصحيح هو االتّص!!ال.
ويتوقَّف على اإليمان بنقطتين:
األولى :أن نفسِّر الفناء ب!!المعنى العرف!!اني ،ال ب!!المعنى الفلس!!في،
وهو فقدان الشيء حدَّه ،كما تقدم في المعنى الثالث المجازي لالتّح!!اد.
والفناء بالمعنى العرفاني هو عدم ش!!عور الش!!خص بنفس!!ه ،وال ش!!يء من
لوازم نفسه.
الثانية :أن نفسِّ! ر االتص!!ال ب!!المعنى العرف!!اني ،وه!!و الش!!هود ،ال
بالمعنى اللغوي !،وهو اتّصال الذات بالذات؛ ألنّ هذا المعنى ال يُعْقَ!!ل في
مقام البحث؛ إذ ذلك ال يكون إالّ بين الجسمين .وبحَسَب ه!!ذا التفس!!ير
للفناء فنفس النبيّ والوليّ تكون فانيةً في العقل األوّل بوجوده الرابطي،
وبالتالي يشهد الوجود الرابطي للعقل األوّل .وهذا المع!!نى للفن!!اء ي!!أتي
على أساس أنّ نفوسهم تكون من تجلِّياته وإشراقاته في ع!!الم الناس!!وت.
ومراتب التجليّ مختلفةٌ؛ إذ تجلِّيه في نفس النبيّ أعظم من تجلِّيه في
نفس الوليّ ،على أساس أنّ الن!!بيّ| أفض!!ل من جمي!!ع األئمّة^ .فوج!!وده
الرابطي في نفس النبيّ أقوى من وجوده الرابطي في نفس الوليّ .وه!!ذا
المعنى للفناء معقولٌ ،إالّ أنّه ال ي!!وجب سَ! رَيان حكم العق!!ل األوّل إلى
الجانب ال!روحي لوج!ودهم الناس!!وتيّ ،وه!و إفاض!!ة الوج!ود إلى س!!ائر
المخلوقات؛ إذ الفناء حصل في الوجود الرابطيّ للعقل األوّل ،وهو فن!!اءٌ
عرفانيّ؛ فإذا كانت النفس فانيةً في العقل األوّل ـ بمعنى ع!!دم الش!!عور
بإنّيتها ـ فتشهد العقل األوّل ،وبالتالي تش!!هد اهلل تب!!ارك وتع!!الى؛ ألنّ!!ه
باطنٌ للعقل األوّل ،فاهلل صار باطناً لباطن نفس الن!!بيّ وال!!وليّ .وه!!ذا
الشهود يكون بمقدار مقوِّمية العقل األوّل لهذه النفوس .كما أنّ ش!!هود
اهلل ـ أيضاً ـ يكون بمقدار مقوِّميّة اهلل لهذه النف!!وس .وبالنتيج!!ة نفس
النبيّ والوليّ تتّصل بعالم الجبروت ،ومن ثمّ باهلل تبارك وتعالى ،ال أنّها
تتَّحد مع عالم الجبروت ،كما يؤمن القائل بالوالي!!ة التكوينيّ!!ة بمع!!نى
322االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
الوساطة في الفَيْض.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 323
• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي
النتيجة
وهذه القدرة على التصرُّف في األمور التكوينية ـ أثن!!اء االتّص!!ال
بالعق!!ل األوّل ،وبالت!!الي االتّص!!ال بحقيقتهم النوريّ!!ة في الحض!!رة
األَحَديّة ،التي هي التعيُّن األوّل لذات الحقّ ـ هي الوالي!!ة التكويني!!ة،
324االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^ ،محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 325
• د .محمد بنعمر
المعنى ومستوياته
في علم أصول الفقه
(*)*)
د .محمد بنعمر
الخالصة
نسعى! من وراء هذا البحث إلى إبراز جهود األصوليّين في اشتغالهم
على استمداد المعنى من النصّ الشرعي؛ ذل!!ك أن الموض!!وع األس!!اس في
الدرس األصولي هو تحص!!يل واس!!تمداد! المع!!نى من النصّ؛ ليك!!ون ه!!ذا
المعنى طريقاً وسبيالً إلى تفهُّم النصوص الشرعيّة ،واستنباط األحك!!ام
الشرعيّة منها ،وإلى تمثُّل القصد المحمول في ذلك المعنى.
ولعلّ هذا البُعْ!!د المع!!رفي في االش!!تغال على المع!!نى في ال!!درس
األصولي هو الذي جعل المب!!احث األص!!ولية حامل!!ةً لكث!!يرٍ من القض!!ايا
المنتمية إلى مجال اللغة والداللة والمعجم والس!!ياق .فالن!!اظر في كتب
علم أصول الفقه ،وال سيَّما األمّهات منها ،يُالحِظ أنها حاملةٌ لكثير من
البحوث والدراسات التي تنتمي إلى علم اللغة ،وهذا مؤشِّ! رٌ واض!!حٌ على
توجُّه علم أصول الفقه نحو الوجهة البياني!!ة والتفس!!يرية .وه!!ذا البحث
هو إبرازٌ وإظهار لمنهج علماء األصول في اشتغالهم على المعنى ،وتع!!يين
ط!!رائقهم ومس!!الكهم في اس!!تمداد! ه!!ذا المع!!نى من النصّ؛ حتّى يك!!ون
مقدّمةً في االستدالل على األحكام الشرعية من النصّ.
تمهي ٌد
يُعَدّ مشكل تفسير النصّ الشرعي ،وبيان داللت!!ه اللغوي!!ة ومعاني!!ه
باحث في الفكر اإلسالم ّي ،وحائ ٌز على دكتوراه في علم أصول الفقه ،وأستا ٌذ
ٌ (*)
*)
الشرعية ،وتمثُّل القصد منه ،من أبرز القضايا المعرفيّة والمنهجية التي
خاص!! ة .فعلم أص!!ول
ّ أثارها علماء اإلسالم عامّةً ،وعلماء األصول بصفةٍ
الفقه من أبرز العلوم استحض!!اراً وإث!!ارةً له!!ذا اإلش!!كال؛ فه!!و من أهمّ
العل!!وم اإلس!!المية اش!!تغاالً على الفَهْم ،واستحض!!اراً لقض!!ايا البي!!ان في
التراث العربيّ اإلسالميّ ،إلى درجة أن هناك مَنْ سمّى ونعت علم أصول
الفقه بـ (علم نقد النصّ) ،أو (علم فهم النصّ)(.)691
بحيث أراد له مؤسِّسه اإلمام الشافعي(204هـ) أن يكون علم أصول
الفقه علماً مسدّداً في تفهُّم النصّ ،ومساعداً على االستنباط ،وموجّه!!اً
لالستدالل على األحكام الشرعيّة؛ ألن تحصيل المعنى هو الطريق األمث!!ل
إلدراك القصد في مضامين النصوص الشرعية.
ولما كان الوَحْي هو مركز المعرفة في التراث العربيّ اإلسالميّ
ومدارها فقد نشأَتْ مجموع!!ةٌ من العل!!وم والمع!!ارف انطالق!!اً من ه!!ذا
المركز ،الذي هو القرآن الكريم .ومن ه!!ذه العل!!وم علمُ أص!!ول الفق!!ه،
الذي يشتغل على صناعة واستمداد! المعنى من النصّ الشرعي؛ ليكون ه!!ذا
المعنى طريقاً إلى االستنباط ،وسبيالً إلى االستدالل ،وكذا البرهن!!ة على
القض!!ايا والن!!وازل غ!!ير المنص!!وص عليه!!ا ،أو غ!!ير المص!!رَّح به!ا ،في
النصوص الشرعيّة.
فالحضارة العربية اإلسالمية تُنْعَت بين الباحثين عادةً بـ (حض!!ارة
النصّ) ،وبـ (حض!!ارة التأوي!!ل)؛ ذل!!ك أن التأوي!!ل ه!!و الوج!!ه اآلخ!!ر
والمقابل للنصّ.
في ه!!ذا اإلط!!ار ك!!ان البحث عن المع!!نى ،والعم!!ل على مقاربت!!ه،
وتأمين الطريق والسبيل للوصول إلي!!ه ،من أهمّ المح!!اور الك!!برى ال!!تي
حضرَتْ في بناء العلوم اإلسالميّة .ومن العلوم ال!!تي ن!!الت الص!!دارة في
االشتغال على المعنى علم أصول الفقه(.)692
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 327
• د .محمد بنعمر
328االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 329
• د .محمد بنعمر
ولقد ردّ الدكتور طه عبد الرحمان بقوّةٍ على مَنْ استص!!غر ه!!ذا
العلم ،أو قلَّل من ش!!أنه ،أومن قيمت!!ه العلميّ!!ة؛ ألن القض!!ايا والمب!!احث
واإلشكاليّات الكبرى التي استحضرها وأثارها علماء هذا العلم قديماً ليس
باإلمكان أن يستحضرها الباحثون المعاصرون اليوم.
وفي المقابل ،اعتبر الدكتور! مهدي فضل اهلل «أن علم أصول الفق!!ه
منهجٌ دقي!!ق ،وأن!!ه منهجٌ ال يعادل!!ه منهجٌ آخ!!ر ،في دقّت!!ه ،وتماس!!كه،
ومرونته ،وقدرته على الخوض في مختلف موضوعات الشريعة ،والوصول
فيها إلى حلولٍ اجتماعيّة إنسانيّة»(.)699
وهذا يدلّ أن علم أصول الفقه من أهمّ العلوم التي استطاعَتْ أن
تحمل نظريةً متكاملة في تفسير النصّ ،وقراءت!ه وتأويل!!ه .فعلم أص!!ول
الفقه علمٌ يختصّ بمنهج االستنباط ،ويتعلّ !ق! بتق!!ويم عملي!!ة االجته!!اد،
ويعمل على تسديد الفهم ،ويتّصل مباشرةً بتسديد النظ!ر في الفهم وف!ق
قانونٍ علميّ ضابط؛ ألن مسعى! األصولي كان دائم!!اً ه!!و تقعي!!د قواع!!د
الفهم ،وإرساء شروط التفسير ،وعَرْض مقتضيات البيان وأصول التأويل.
قصده من هذا تحصيل المعنى المحمول في الخطاب القرآني؛ ليك!ون ه!ذا
المعنى مدخالً الستنباط الحكم الشرعي(.)700
فهو منهجٌ باإلمكان استثمارُه في تفقُّه النصوص المدوَّن!!ة باللغ!!ة
العربية ،بم!!ا في ذل!!ك النص!!وص القانوني!!ة؛ ألنه!!ا مُص!!اغةٌ ومركّب!!ة
بأسلوبٍ عربيّ(.)701
فهذه المهمّة ،التي أُنيط بها علم أصول لفقه ،هي التي كشف عنه!!ا
اإلم!!ام الغ!!زالي بقول!!ه« :أص!!ول الفق!!ه يرج!!ع إلى ض!!بط ق!!وانين
االستدالل»(.)702
ولمّا كانت معظم التكاليف الشرعية لها استمدادٌ من اللغة العربية
وعلومها أَوْلى علم!!اء ه!!ذه الش!!ريعة العناي!!ة البالغ!!ة باللغ!!ة العربيّ!!ة،
واستعانوا بقواعد اللغة العربية في فهمهم للشريعة اإلسالميّة(.)703
وقد انطوى ه!!ذا العلم على نظريّ!!اتٍ علميّ!!ة ال تق!!لّ أهمّي!!ةً عن
330االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 331
• د .محمد بنعمر
في شأن هذه القواعد...« :فإنه من أدوات تفسير القرآن ،وإنه لنعم العَوْن
على فهم المعاني ،وت!رجيح األق!!وال .وم!ا أح!وج المفس!ِّ ر إلى معرف!ة:
النصّ ،والظ!!اهر ،والمجم!!ل ،والم!!بين ،والع!!امّ ،والخ!!اصّ ،والمطل!!ق!،
والمقيّد ،وفح!وى الخط!اب ،ولحن الخط!اب ،ودلي!ل الخط!اب ،وش!روط
النسخ ،ووج!!!وه التع!!!ارض ،وأس!!!باب الخالف ،وغ!!!ير ذل!!!ك ،من علم
األصول!.)704(»...
332االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 333
• د .محمد بنعمر
334االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 335
• د .محمد بنعمر
تأسيس البيان المؤدّي إلى فهم القرآن الكريم ،ووضع الض!!وابط العلمي!!ة،
والشروط المنهجيّة المتّصلة بالفهم والبيان ،من خالل استدرار المع!!اني
من مف!!ردات النصّ ،وتحص!!يلها من منطوق!!ه !،واس!!تمدادها من مفهوم!!ه،
واستكشافها من معقوله ،مع االلتف!!ات إلى العِلَ!!ل ،واألم!!ارات ،والق!!رائن،
والسياقات ،والمقتضيات المحيطة بالنصّ .لق!!د ك!!ان األص!!ولي من!!دفعاً
برغبةٍ أكبر وتوجُّهٍ قويّ في صيانة النصّ ،وحمايته وتحصينه من أن
يصير مجاالً للزيادة ،وممرّاً إلقحام ال!!ذات ،ومع!!براً من أج!!ل تص!!ريف
اآلراء الشخصيّة ،وتمرير الرغبات الذاتي!!ة ،لق!!ارئ النصّ ،وال س!!يَّما إذا
كانت هذه الرغبات ال تحكمها المع!!ايير العلميّ!!ة ،وال تح!!ترم الض!!وابط
المنهجيّة ،وتنأى بطبيعتها عن الحياد ،وتنتصر للتحيُّز الذاتي ،وال تأخ!!ذ
بالموضوعية التي يقتضيها البحث العلمي(.)719
فال أحد يشكّ في أن علم أصول الفق!!ه من أهمّ العل!!وم المنهجي!!ة
والتأويلية التي قدَّمَتْ نظريّةً متكاملةً تخصّ تفسير وفقه النصّ.
وفي هذا الس!!ياق ع!!اتب المفسِّ! ر ابن ج!!زي الكل!!بي ،في مقدّم!!ة
تغاض! وْا واغفل!وا مب!احث علم أص!ول َ تفسيره ،بعض المفس!ِّ رين؛ ألنهم
الفقه ،و تجاهلوا جه!!ود األص!!وليّين في التفس!!ير ،ولم يستحض!!روها في
سياق تفسيرهم للقرآن الكريم ،وال س!!يَّما م!!ا تعلَّ!!ق بالقواع!!د اللغوي!!ة
المخصّصة للتفسير عامّة ،وتفسير النصّ القرآنيّ خاصّة.)720(...
وهذا العتاب يجد اعتباره أن مقصد البيان يُعَدّ من أب!!رز المقاص!!د
التي جاء بها اإلسالم !،وحملتها الشريعة اإلسالمية ،وأصَّ! لتها في خطابه!!ا،
وبيَّنتها في آياتها ،وقعَّ!!دتها في نصوص!!ها ،وكش!!فت عنه!!ا في نقوله!!ا
وشواهدها ،وقعَّدتها في قواع!!دها ،ال!!تي منه!!ا :إن «األص!!ل في الخط!!اب
البيان وتحقيق الفهم» ،وبعبارة اإلمام أبي الحس!!ين البص!!ري(436هـ):
« إن الغرض من إرسال الخطاب هو تحقيق التفاهم.)721(»...
336االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
ممّ!!ا ي!!دلّ على الص!!لة القويّ!!ة القائم!!ة بين علم أص!!ول الفق!!ه
والتفسير أن كلَيْهما يشتغل! على محور التفسير والبي!!ان ،وعلى تمثُّ!!ل
المعاني ،واستمداد الدالالت اللغويّ!!ة المحمول!!ة في النصّ الق!!رآني(.)722
ومن هنا فإن الضرورة المنهجية والعلمية ملزمةٌ للمفسِّ! ر والق!!ارئ في
أن يستعين بجهود األصوليّين ،ويستحضر بحوثهم ،ويستأنس باجتهاداتهم
وآرائهم في قراءة النصّ الش!!رعي ،وأن ال يتغاض!!ى عن ه!!ذه الجه!!ود في
كلّ عملٍ اتّصل بقراءة النصّ.
وتَبَعاً لهذا االعتبار العملي ،وهذا المعطى المنهجي المحدّد ألهمّية
المنهج ،فق!!د أدركَتْ الثقاف!!ة العربي!!ة اإلس!!المية في بداي!!ة نش!!أتها أن
ماس!! ةٌ وض!!روريّةٌ إلى تأس!!يس منهجٍ يض!!بط عملي!!ة الفهم، ّ الحاج!!ة
ويسدِّد عملية البيان ،ويقوِّم االستمداد ،وينظِّم ويقنِّن عملية التأوي!!ل،
وخاصّة في تحقي!!ق دالل!!ة األلف!!اظ ،وفي تح!!وُّل المع!!نى وانتقال!!ه من
الداللة األصلية إلى الداللة التَّبَعية ،تَبَعاً للس!!ياقات والمقتض!!يات ال!!تي
تَرِدُ فيها تلك الداللة ،من خالل ما تمّ إرس!!اؤه من الض!!وابط ،وم!!ا تمّ
إنتاجه وتقنين!ه من المقتض!يات ،وم!ا تمّ تعيين!ه من الش!روط الخادم!ة
والمشتغلة على الفهم ،والمنظِّمة للتأويل.
والمنهج عند المفسِّرين هو تلك الطرق والمسالك التي ينبغي أن
يتّبعها ويسلكها ويتقيَّد بها المفسِّ! ر في تفس!!يره لكت!!اب اهلل؛ تحص!!يناً
لكتاب اهلل من التحريف.)723(...
وممّا يؤكِّ!د! حض!!ور المنهج بش!!كلٍ ب!!ارز في العل!!وم اإلس!!المية
حضور مب!!احث علم أص!!ول الفق!!ه وعلم أص!!ول التفس!!ير وعلم المعجم؛
باعتبارها من أبرز علوم من!!اهج الفَهْم .ف!!وظيفتهم تتَّح!!د في تحص!!ين
وضبط عمل المفسِّر من أن ال يخرج عن السبيل في التماسه للمعنى.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 337
• د .محمد بنعمر
338االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 339
• د .محمد بنعمر
340االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 341
• د .محمد بنعمر
بالمواضعة اللغويّة(.)741
وممّا يؤكِّد! أهمّي!!ة الدالل!!ة في الفهم واس!!تمداد المع!!نى ك!!ون
النصّ الشرعيّ يدلّ على أكثر من داللةٍ ،بطرقٍ مختلفة .فق!!د أض!!حى
ضروريّاً البحث في داللة النص!!وص على معانيه!!ا ،وال!!تي تعت!!بر قواع!!د
أصوليّة لغويّة ترسم منهج االجتهاد في استثمار كافّة طاق!!ات النصّ في
الداللة على معانيه .وه!!و من أهمّ البح!!وث ال!!تي يق!!وم عليه!!ا اس!!تنباط
األحكام(.)742
ومن أهداف النظرة األصولية للبحث ال!!داللي الس!َّ عْيُ إلى تحدي!!د
معالم البي!!ان والتفس!!ير والتأوي!!ل؛ وذل!!ك بوض!!ع المع!!ايير المنض!!بطة
والضوابط الحاكمة التي توزن بها النصوص والمتون اللغوي!!ة فيم!!ا ل!!و
شابَها لَبْسٌ ،أو مسّها غم!!وضٌ !،أو اعترض!!ها إبه!!امٌ ،أو أص!!ابها خف!!اءٌ
والتباسٌ .كلّ هذا العمل كان من أجل الوصول إلى تحقيق ه!!ذا اله!!دف
النبيل ،الذي يتحدَّد في ضبط عمليّ!!تي الق!راءة والتأوي!!ل .وعلم أص!!ول
الفقه في مجمله إنما هو بحثٌ في الدالالت ،لفظاً ومعنى ،ونصّاً وسياقاً،
وذلك عن طريق مبدأ! التالزم القائم بين قوانين اللغ!!ة في فهم الخط!!اب،
وض!!وابط الس!!ياق في تحدي!!د المع!!نى المتع!!دِّد !،والمحتم!!ل على نح!!وٍ
مخصوص»(.)743
واالهتمام بال!!دالالت ،بجمي!!ع أقس!!امها وفروعه!!ا وأنواعه!!ا ،جعلَتْ
علماء األصول يتّجه!!ون إلى البحث في الس!!ياق؛ باعتب!!ار أن الس!!ياق أداةٌ
إجرائيّ!!ة لتحدي!!د المع!!نى ،وس!!ببٌ مُعين في ال!!ترجيح بين ال!!دالالت
المحتَمَلة ،واألقوال المتعدِّدة التي يحتملها المعنى المحم!!ول في النصّ
الشرعي( .)744هذه األهمِّية التي اكتسبَتْها ال!!دالالت في التفس!!ير جعلت
بعض الب!!احثين يستحض!!رون مبحث ال!!دالالت ليك!!ون قانون!!اً عامّ!!اً في
التفسير والبيان.
وتنقسم الداللة إلى عدّة أقسامٍ ،منها:
1ـ الداللة األصليّة :وهي داللةٌ لفظيّ!!ة تابع!!ةٌ لقص!!د المتكلِّم،
342االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
حيث يجد العقل بين الدالّ والمدلول مناسبةً .وقوامها أن تأخ!!ذ األلف!!اظ
من وضعها األصليّ ،بحيث تكون داللتها وف!!ق م!!ا وُض!!عَتْ ل!!ه بالقص!!د
األوّل الم!!أخوذ من الوض!!ع .فهي دالل!!ةٌ تش!!ترك فيه!!ا جمي!!ع الفه!!وم
واأللسنة(.)745
2ـ الدالل!!ة التابعة :وهي دالل!!ة مس!!تمدّةٌ من الدالل!!ة األص!!لية،
وخادمةٌ له!!ا ،وراجع!!ةٌ إليه!!ا .ويتطلّب النظ!!ر في معرفته!!ا النظ!!ر في
المقتضيات العامّة المحيطة بالخطاب ،أعني السياق(.)746
وتحصيل الداللة التَّبَعية من األصليّة متوقِّفٌ على مدى المعرفة
بالسياق المحيط بالخطاب .وهو ما يتفاوت فيه المتلقِّين له!!ذا الخط!!اب.
وهو ما يعني أن المتلقِّين يتفاوتون في اكتساب هذه الداللة...
فمراع!!!اة المقتض!!!يات التداولي!!!ة للخط!!!اب ،من حيث الظ!!!روف
والمالبس!!ات المحيط!!ة بالخط!!اب ،مطلبٌ منهجيّ في تمثُّ!!ل الدالل!!ة في
الخطاب ،بأقسامها المتعدِّدة !،وبفروعها وأشكالها المتنوِّعة.
والداللة بهذا التقسيم والتفري!!ع هي من اختي!!ار اإلم!!ام الش!!اطبي(
790هـ) ،في الموافقات ،فقد قسَّم الدالل!!ة ال!!تي ترج!!ع إلى المواض!!عة
اللغويّة إلى:
داللة أصليّة؛ « ...من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مفيدة دالّة على
معانٍ مطلقة.»...
وداللة تابعة « ،وهي من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مقيّدة دالّ!!ةٌ
على معانٍ خادمةٍ للداللة التابعة.)747(»...
ويندرج في هذه المقتضيات الحاكمة والموجِّه!!ة للمع!!نى الس!!ياق
والقرائن والمقام؛ باعتبارها من العالم!!ات الدالّ!!ة والمُرْشِ! دة إلى م!!راد
المُرْش!! دة إلى بي!!ان المحتَمَالت
ِ المتكلِّم من كالمه .وهي من الوسائل
من الخطاب.)748(...
أما اإلم!!ام األص!!ولي ابن القيِّم الجوزي!!ة(751هـ) فل!!ه اختي!!ارٌ
واجتهادٌ خاصّ في توصيف وتفريع وتقسيم الداللة( .)749فهي تأخذ عنده
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 343
• د .محمد بنعمر
قسمين أساسيين:
1ـ الداللة الحقيقية :وهي الداللة التابعة لقصد المتكلِّم .وه!!ذه
الداللة ال تختلف باختالف المتكلِّمين؛ فالمتكلم أدرى من غ!!يره بكالم!!ه،
وهو أعلم به من غيره.
2ـ الداللة التابعة :وهي التابعة لفهم السامع .وهذه الداللة تختلف
باختالف مدارك ومستويات السامعين ،حَسْ! ب المقتض!!يات الثقافي!!ة ال!!تي
يتميَّزون بها(.)750
344االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
معنىً»( .)752ومن ثمّ فمن الجه!!ات المهمّ!!ة ال!!تي اش!!تغل عليه!!ا علم!!اء
األصول ،وكان لها األثر الكبير في استمداد المعنى !،جهة الس!!ياق ،وقص!!د
المتكلِّم من الخطاب .ومن قواعدهم في هذا الباب :الس!!ياق ح!!اكمٌ ،وإن
األصل المنهجي هو إعمال الداللة الحقيقية للفظ .وال يُلْجَأ إلى الس!!ياق
إالّ عند عدم قدرة الوضع على الوف!!اء ب!!المعنى .وإن ان!!تزاع المع!!نى من
النصّ يحكمه السياق .وإن األصل في الخطاب ه!!و تحقي!!ق الفهم والبي!!ان
واإلبالغ .قال الشيخ ابن دقيق العيد« :أما السياق فه!!و يرش!!د إلى تب!!يين
المجمالت ،وترجيح المحتمالت ،وتقرير الواضحات .وكلُّ ذلك يُعْرَف
باالستعمال»( .)753والسياق في الدرس األصولي يُعَ!!دّ من أب!!رز الجه!!ات
الضابطة للمعنى !،بل هو الموجِّه للمعنى في النصّ(.)754
واعت!!بر علم!!اء األص!!ول مب!!دأ مراع!!اة وتحكيم الس!!ياق في الفهم
وتحصيل المعنى المنهجَ األمثل ،والطري!!قَ الس!!ديد المُعين في تحص!!يل
المعنى من النصّ الشرعيّ( .)755وإن الناظر في كتب األص!!ول يُالحِ!!ظ
مدى اهتمام علماء األصول بالسياق ،وبقص!!د المتكلِّم من الخط!!اب ،ممّ!!ا
جعلهم يخصِّصون له مباحث واسعةً في ثنايا كتبهم ومؤلَّفاتهم.
كما أن الس!!ياق ه!!و آليّ!!ةٌ مس!!اعدة ،وأداة موجِّه!!ة ،على توجي!!ه
المعنى في الخطاب( ،)756بناءً على أن مقص!!ود الخط!!اب ليس التفقُّ!!ه في
العبارة ،بل التفقُّه في المعبِّر.)757(...
ومن اجتهاداتهم في ه!!ذا المج!!ال أن الخط!!اب الص!!ادر عن الش!!ارع
يحمل على المعنى الشرعيّ؛ فإذا تعذَّر حُمِل على المع!!نى العُ!!رْفي ،ثمّ
أخيراً يحمل على المعنى الشرعيّ(.)758
والمبدأ في هذا االشتغال أن اللف!!ظ قب!!ل االس!!تعمال ال يكتس !ب! أيّ
معنىً ،وإنما معناه الحقيقيّ يتحدّد في اس!!تعماله ،تَبَع!!اً للس!!ياق ال!!ذي
يَرِدُ فيه ،ممّا يدلِّل ويعني أن السياق ه!!و الن!!اظم ال!!ذي يعطي للكلم!!ة
داللتها الحقيقية في التركيب.
والسياق يتفرَّع إلى عدّة أنواع ،منه!!ا :الس!!ياق اللغ!!وي والمق!!الي؛
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 345
• د .محمد بنعمر
والسياق غير اللغوي ،وهو المقامي( .)759فهو أداةٌ إجرائية لتحديد المعنى
في النصّ .وإعمالُه يساعد ويُعين على حسن الفَهْم والتلقّي .ويؤكِّ!!ده
أنّ الجهل بالسياق ،وعدم إعماله أو استحضاره ،يُعَدّ ضَرْباً من تحري!!ف
المعنى !،وإبعاده عن أص!!له ،وعن قص!!ده؛! إذ حض!!ور القص!!د في التخ!!اطب
ضروريٌّ ،وإنه ال كالم إالّ بوجود القصد .ومن قواعد! علم!!اء األص!!ول:
األصل في الكالم القَصْد(.)760
هذه االعتب!!ارات مؤشِّ! رٌ على أن علم أص!!ول الفق!!ه يبقى من أهمّ
أدوات الفهم واالس!!تمداد .وم!!ا أح!!وج المفسِّ! ر لالطالع واالنفت!!اح على
قواع!!د ه!!ذا العلم المُس!!اعِدة على الفهم والتلقّي لمع!!اني النص!!وص
الشرعية!
خاتمةٌ
ما نستنتجه في هذا البحث أن علوم الفهم والتفسير والبي!!ان تحظى
بموقعٍ متميِّز ومكانةٍ خاصّة في ال!!تراث الع!!ربيّ اإلس!!المي .وإن ه!!ذه
العلوم !،رغم اختالف أنواعها ،وتعدُّد أشكالها ،وتنوُّع فروعه!!ا وأقس!!امها،
قد اختارَتْ االشتغال على جهة البي!!ان وتفهُّم النص!!وص !،وه!!و مؤشِّ! رٌ
داعم لمدى حضور منهج الفَهْم في التراث العربي اإلسالمي.
ويأتي علم األصول في صدارة العلوم اإلسالميّة التي اش!!تغلَتْ على
جهة الفهم والبيان واالستمداد.
ه!!ذه االعتب!!ارات والمواص!!فات اعتب!!اراتٌ ومؤشِّ! رات على أن علم
أصول الفق!ه يبقى من أهمّ أدوات الفهم وعناص!ر االس!!تمداد للمع!نى في
النصوص الشرعيّة خاصّةً ،والنصوص المدوَّنة باللغ!!ة العربي!!ة بص!!فةٍ
عامّة.
فعناية علماء األصول كانت متّجهةً إلى االهتمام بالداللة ،وبط!!رق
استخالص المعنى؛ بقصد ض!!بط فهم النصّ من نص!!وص! الق!!رآن الك!!ريم
والسُّنَّة النبوية ،واالشتغال بالمنهج األصوليّ في ق!!راءة وتأوي!!ل النصّ
346االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
الهوامش
تمهي ٌد
مَنْ يُراجِع ما كُتُب! عن اإلم!!ام الحس!!ين× من الكُتُب !،واألش!!عار
التي نُظمَتْ ،إلى فترة ما قبل الخمسينيّات من الق!!رن الماض!!ي ،ال ي!!رى
تصريحاً أو تلميحاً يتح!!دّث عن أنَّ االم!!ام الحس!!ين× انتص!!ر بحَسَ! ب
الفَهْم الشائع والمعروف لدى عم!!وم الش!!يعة الي!!وم ،في أنّ!!ه تغلَّب على
خَصْمه.
فالكتابات واألشعار قبل هذه المرحلة كانت تتح!!دَّث عن ش!!جاعته،
وعن عُلُوّ هِمَّته ،وجُرأته ،ووضوحه ،وإقدامه ،وعزِّه ،وشموخه ،وأنّ!!هُ
بنى لنفسه ولقومه مَجْداً عظيماً عبر التأريخ !،في سُوح القتال؛ باعتب!!ار
*)(*) أستا ُذ التاريخ في مجمع اإلمام الخمين ّي للدراسات العليا في قم .من العراق.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 347
• د .محمد بنعمر
348االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
اإلنترنت !،من أن اإلمام الحسين× ق!!د قُت!!ل ،وأن!ه انتص!ر بع!د قتل!ه ،وأن
أهدافه قد تحقَّقَتْ ،وانتهى الموضوع !.فصارت مجالس اإلم!!ام الحس!!ين×
متمسّكةً به!!ذا الط!!رح .وهك!!ذا ب!!دأ الش!!عراء ينظم!!ون( ،)762والروادي!!د
يقرؤون ،وتؤلَّف الكتب ،فانتشرَتْ هذه الفكرة.
فهم يستعملون النصر بالمعنى المح!!رَّف ،ال!ذي ح!رِّف عن أص!!له
الموجود في كتب اللّغة واألدب .ثمّ يطبِّقونه على المشروع الحسيني.
ثمرة البحث6
هنا يأتي السؤال عن الثمرة التي ستترتَّب على كال الفهمين؟
فنقول :إننا حينما نفهم مشروع اإلمام الحسين× بالفَهْم األوّل ،من
أن المشروع حقَّق بعضاً من أهدافه ،أما األه!!داف العظمى فلم يحقِّقه!!ا
حتّى اآلن ،فهذا سيجعل الشيعة تتحرَّك باتّجاهه!!ا ،وس!!تتبرمج عق!!ولهم
باتّجاه أن يتحرّكوا ويعملوا وينشطوا.
بخالف ما لو قلنا :إن الحسين× قد انتص!!ر ،وحقَّ!!ق أهداف!!ه ،وتمّ
اإلصالح !،وأُصلحت أوضاع األمّة ،فيقتص!!ر الش!!يعة على إقام!!ة الش!!عائر
الحسينيّة ،ويتصوّرون أنهم يفتحون الفتوح.
فاإلشكال ليس الشعائر الحسينية ،ولكنّنا نقول :إن هذه الش!!عائر ال
قيمة لها من دون المعرفة .ول!!ذا حين تح!!دَّث أئمّتن!!ا عن أهمّ ش!!عيرةٍ،
()763
عتيبة بيّاع القصب ،عن أبي عبد اهلل× وهي الزيارة ،كما في صحيحة
ق!!ال« :مَنْ أتى ق!!بر الحس!!ين× عارف!!اً بحقِّ!!ه كتب!!ه اهلل في أعلى
عليّين»( .)764فعلى الن!!اس أن يقيم!!وا الش!!عائر ،ولكنْ ب!!وعيٍ ومعرف!!ةٍ.
فهؤالء الذين يقولون :إن الحسين انتصر ،وإن الحسين حقَّق أهدافه ،وإن
األمة قد أصلحت ،يفرِّغون مشروع اإلمام الحسين× من مضمونه.
ونحن في هذا المق!!ال س!!نناقش ه!!ذه الفك!!رة ،من خالل اللغ!!ة في
أص!!لها ،واالس!!تعمال الق!!رآنيّ ،وح!!ديث أه!!ل ال!!بيت^ ،وبحَسَ! ب الواق!!ع
التأريخي ،من خالل بعض األمثلة ،وبعض النص!!وص !،ال!!تي تركِّ!!ز ه!!ذا
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 349
• د .محمد بنعمر
الموضوع! وتوضِّحه.
النص القرآني6
ّ أ ّوالً :في
1ـ في صحيحة جميل ،عن أبي عبد اهلل× ،قال :قلتُ قول اهلل تبارك
وتعالى﴿ :إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَ!!اةِ ال!!دُّنْيَا
وَيَوْمَ يَقُومُ األَشْهَادُ﴾؟ قال« :ذلك واهلل في الرَّجْعة .أم!!ا علمْتَ أن
أنبياء كثيرة لم يُنْصَروا في الدنيا ،وقُتلوا .واألئمّة بعدهم ،قُتلوا ،ولم
يُنْصَروا .ذلك في الرجعة»(.)765
فاإلمام× لم يقُلْ :إنهم بعد قتلهم انتصروا؛ إذ كيف ينتصرون وقد
قُتلوا؟!
نعم ،يمكنننا أن نقول :إن أه!!دافهم تحقَّقَتْ ل!!و ك!!ان هن!اك مَنْ
يسعى في تحقيق أهدافهم ،ولكنّ تحقيق األهداف ش!!يءٌ وه!!ذا المص!!طلح
(النصر) شيءٌ آخر.
فهذا هو مفهوم األئمّة للنصر ،ال النصر السياسي ،أو اإلعالمي ،أو...
وهذا هو معنى النصر في اللغة ،وفي القرآن.
أما االستعمال بالمعنى الثاني فهو لغةٌ محرَّفة ،حرَّفتها الحكومات
التي تسلَّطت على مقادير األمّة بعد النبيّ| ،ومَنْ جاء بع!!دهم ،وت!!ابعهم
بعضُ الشيعة ،فنشأَتْ هذه الثقافة ،فكتب الكت!!اب ،ونظم الش!!عراء ،وأنش!!د
الرواديد.
()766
أبي بصير ،عن أبي جعفر× ،قال :تال هذه اآلية: 2ـ في موثَّقة
﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَ!!اةِ ال!!دُّنْيَا وَيَ!!وْمَ
األَش!! هَادُ﴾ (غ!!افر ،)51 :ق!!ال« :الحس!!ين بن عليٍّ منهم ،ولم ْ يَقُ!!ومُ
يُنْصَر بعدُ» ،ثمّ قال« :واهلل ،لقد قتل قتلة الحسين× ،ولم يُطْلَب بدمه
بعدُ»(.)767
فقتل قتلة اإلمام الحسين× هذا ليس نص!!راً للحس!!ين× ،ب!!ل النص!!ر
يتحقَّق عند غلبة المظلوم على الظالم ،بشكلٍ حسّيٍّ وظاهرٍ ومباشرٍ.
350االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 351
• د .محمد بنعمر
مرَّ وتقرَّر .ونضيف إلى ذلك أننا لم نجِدْ في كلّ الزيارات واألدعية
والتوسُّالت! والمناجيات لإلمام الحس!!ين× أنهم تح!!دَّثوا عن نص!!رٍ قب!!ل
الرَّجْعة .فمشروع اإلمام الحسين× يتحرَّك باتّجاه االنتصار.
352االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
فهو ليس ما يطلق عليه اإللحاد في أيّامن!!ا ه!!ذه ،وه!!و إنك!!ار وج!!ود اهلل
سبحانه وتعالى ،بل المراد من اإللحاد هنا هو اإللحاد ال!!ذي تح!!دَّث عن!!ه
القرآن واألحاديث ،وهو اإللحاد بحقّ محمّدٍ وآل محمد^.
2ـ عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× أنه قال يوم!!اً لحذيف!!ة
بن اليمان« :يا حذيفة ،...فوالذي نفسُ عليٍّ بيده ،ال ت!!زال ه!!ذه األمّ!!ة
بعد قتل الحسين ابني في ضاللٍ وظلم!!ة ،وعس!!ف وجَ!!وْرٍ ،واختالفٍ في
الدين ،وتغييرٍ وتبديل لما أنزل اهلل في كتابه ،وإظه!ار البِ!دَع ،وإبط!ال
السُّنَن ،واختالل وقياس مش!!تبهات ،وت!!رك محكم!!اتٍ ،ح!!تى تنس!!لخ من
اإلسالم !،وتدخل في العمى والتلدُّد! والتسكُّع.)770(»...
فهذا هو حال األمّة بعد استش!!هاد االم!!ام الحس!!ين× ،بحَسَ! ب أم!!ير
المؤمنين×.
3ـ عن رزين قال :قال أب!!و عب!!د اهلل׫ :لمّ!!ا ضُ! رب الحس!!ين بن
عليّ’ بالسيف ،فسقط رأسه ،ثم ابتدر ليقطع رأسه ،نادى منادٍ من بطن!!ان
العرش :أال أيتها األمّ!ة المتحيِّ!رة ،الض!الّة بع!د نبيِّه!ا ،ال وفَّقكم اهلل
ألضحىً وال لفطرٍ» .قال :ثم ّقال أبو عبد اهلل׫ :فال جَ!!رَم ،واهللِ ،م!!ا
وُفِّقوا وال يوفَّقون حتّى يثأر ثائرُ الحسين×»(.)771
واإلمام× بقوله« :لما ضُرب الحسين بن عليّ بالس!يف ،فس!!قط ،ثمّ
ابتدر ليقطع رأسه» يتحدَّث عن ه!!ذه الحادث!!ة ال!!تي يرويه!!ا الط!!بري:
«وحَمَل عليه في تلك الحال س!!نان بن أنس بن عم!!رو النخعيّ ،فطعن!!ه
بالرمح ،فوقع»(.)772
وأما قوله« :ال وفَّقكم اهلل ألضحىٍ وال لفطرٍ» فاألض!!حى إش!!ارةٌ
إلى الحجّ ،والفطر إشارةٌ إلى الصيام ،وكالهما يشيران إلى الصالة ،وإلى
طقوس وتفاصيل الدِّين .وهذا هو الواقع حتّى يومنا هذا ،فال الحج حجٌّ
في مواعيده !،وال الصيام صيامٌ في أيّامه ،وال العيد عيدٌ.
4ـ قال محمد بن أبي قرّة :نقلتُ من كتاب أبي جعف!!ر محم!!د بن
الحسين بن سفيان البزوفري(رضي اهلل عنه) هذا الدعاء ،وذكر في!!ه أن!!ه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 353
• د .محمد بنعمر
دعاءٌ لصاحب الزم!!ان (ص!!لوات اهلل علي!!ه وعجَّ!!ل فرج!!ه وفرجن!!ا ب!!ه)،
ويستحبّ أن يُدْعَى به في األعياد األربعة...« :أين المُعَ!!دّ لقط!!ع داب!!ر
الظلمة؟ أين المنتظر إلقامة األَمْت والعوج؟ أين المرتجى إلزالة الجَ!!وْر
والعدوان؟ أين المدَّخر لتجديد الفرائض والسُّنَن؟ أين المتخيَّر إلعادة
الملّة والشريعة؟ أين المؤمَّل إلحياء الكتاب وحدوده؟ أين مح!!يي مع!!الم
الدِّين وأهل!!ه؟ أين قاص!!م ش!!وكة المعت!!دين؟! أين ه!!ادم أبني!!ة الش!!رك
والنِّف!!اق؟ أين مبي!!د أه!!ل الفس!!ق والعص!!يان؟ أين حاص!!د ف!!روع الغيّ
والشقاق؟ أين طامس آث!!ار الزَّيْ!!غ واأله!!واء؟ أين ق!!اطع حبائ!!ل الك!!ذب
واالفتراء؟ أين مبي!!د أه!!ل العن!!اد والمَ!!رَدة؟ أين مع!!زّ األولي!!اء وم!!ذلّ
األعداء؟ أين جامع الكلمة على التقوى؟ أين باب اهلل الذي من!!ه ي!!ؤتى؟ أين
وجه اهلل الذي إلي!!ه تتوجَّ!!ه األولي!!اء؟ أين الس!!بب المتَّص!!ل بين األرض
والسماء؟ أين صاحب يوم الفتح وناش!!ر راي!!ة اله!!دى؟ أين مؤلِّ!!ف ش!!مل
الصالح والرضا؟ أين الطالب بذحول األنبياء وأبناء األنبي!!اء؟ أين الط!!الب
()773
بدم المقتول بكربالء»...
فهذه الجُمَل ترسم لنا صورةً واض!!حةً عن الواق!!ع الس!!يِّئ .وهي
منذ زمن استشهاد اإلمام الحسين× ،واستمر الحال السيِّئ ،وال زال الح!!ال
هو الحال .فأين اإلصالح الذي يتحدَّث عن أن االمام الحسين× قد انتص!!ر،
وقد حقَّق النصر ،وتحقَّقت أهدافه ،وأن األمّة قد أصلح حالها؟!
5ـ من حديثٍ دار بين إمامنا السجّاد× وعمّته زينب÷ ،وهي تحدِّث
عن أم!!ير المؤم!!نين× ،وأم!!ير المؤم!!نين× يح!!دِّث عن رس!!ول اهلل| ،في
اللحظات األخيرة من حياته ،يقول×...« :ولقد ق!!ال لن!!ا رس!ول اهلل| ،حين
أخبرنا بهذا الخبر :إن إبليس في ذلك اليوم يطير فرحاً ،فيجول األرض
كلَّها في شياطينه وعفاريته ،فيقول :يا معشر الشياطين ،قد أدرَكْنا من
ذرِّية آدم الطلبة ،وبلغنا في هالكهم الغاي!!ة ،وأورثن!!اهم الس!!وء إالّ مَن
ْاعتصم بهذه العصابة ،فاجْعَلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم ،وحملهم على
ع!!داوتهم ،وإغ!!رائهم بهم وبأولي!!ائهم؛ حتّى تس!!تحكم ض!!اللة الخل!!ق
354االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 355
• د .محمد بنعمر
ولكنْ ال يطلق النصر على الفتح؛ ألن الفتح أعلى رتبةً من النصر.
فاالستشهاد مع االمام الحسين× مقدّمةٌ للفتح .واإلم!!ام هن!!ا ذك!!ر
كلمة «الفتح» معرَّفةً باأللف والالم ،فهي عهديّةٌ ،يع!!ني هن!!اك ش!!يءٌ
معهود في أذهان الذين اطَّلعوا على مبادئ وفكر أتباع مدرسة أهل البيت^،
وهذا الفتح هو الفتح الذي يتحقَّق عمليّاً في ظهور اإلمام المهديّ.#
وقد يقول قائلٌ :إن الفتح هنا يُراد منه الفتح المعنوي.
وجوابه :إن الفتح ليس معنويّاً ،وإنما ت!!أتي المعنويّ!!ات م!!ع الفتح
الواقعيّ الحسّي الملموس المرئيّ المسموع .فكم!!ا أن النص!!ر ه!!و أم!!رٌ
واقعي ملموسٌ محسوسٌ مسموعٌ مرئيّ كذلك الفتح؛ فهو أعلى درجةً
ورتبةً من النصر.
وسورة النصر واضحةٌ صريحةٌ في هذا المع!!نى؛ إذ يق!!ول تع!!الى:
﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اهللِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ
اهللِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْ!!دِ رَبِّ!!كَ وَاسْ! تَغْفِرْهُ إِنَّ!!هُ كَ!!انَ
تَوَّاباً﴾ (النصر 1 :ـ .)3فالنص!!ر ذُكِ!!رَ قب!!ل الفتح .وه!!ذا ال!!ترتيب
يُشْعِر بأن الفتح أعلى رتبةً.
مع اإلشارة إلى أنه ليس من الضروريّ دائماً أن يكون في ال!!ترتيب
في الذكر في الكالم داللةٌ على أن الذي ذُكِر أوّالً هو أدنى! رتبةً؛ فقد
يكون بالعكس .ولكنْ هنا إذا نظَرْنا إلى بنية سورة النصر بالكام!!ل ف!!إنّ
ه!!ذا ال!!ترتيب يُشْ! عِرُنا به!!ذه الحقيق!!ة ،وهي أن الفتح أعلى رتب!!ةً من
النصر.
وقول!!ه﴿ :وَرَأَيْتَ النَّ!!اسَ يَ!!دْخُلُونَ فِي دِينِ اهللِ أَفْوَاج!!اً﴾
يعني :وأنت حيٌّ ترزق رأيت الناس يدخلون في دين اهلل أفواج!!اً .فهن!!اك
أمرٌ محسوسٌ ملموسٌ مسموعٌ! م!!رئيٌ متجسّ! دٌ! في الواق!!ع الخ!!ارجي،
والذي يترتَّب على هذا ﴿ :فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾.
فهذه عمليّةٌ محسوسةٌ ملموسةٌ ،يختل!!ط فيه!!ا الج!!انب المعن!!وي
والمحسوس .ومن خالل كلّ هذه التفاصيل فإن النصر يكون أدنى! رتب!!ةً
356االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
من الفتح إذا ما فهمنا السورة بهذا الفهم ،وتعاملنا معه!!ا بالطريق!!ة ال!!تي
تعاملت بها مع السورة.
ويؤيِّد ذلك ما جاء عن أمير المؤمنين׫ :وأم!!ا م!!ا تأويل!!ه بع!!د
تنزيله فاألمور التي حدثَتْ في عصر النبيّ| وبعده من غصبِ آل محمّدٍ
حقَّهم ،وما وعدهم اهلل به من النصر على أعدائهم ،وما أخ!!بر اهلل ب!!ه من
أخبار القائم وخروج!!ه ،وأخب!!ار الرَّجْع!!ة والس!!اعة ،في قول!!ه ﴿وَلَقَ!!دْ
كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ األَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي
الصَّالِحُونَ﴾ (المائدة)6 :؛ وقوله﴿ :وَعَدَ اهللُ الَّ!!ذِينَ آمَنُ!!وا مِنْكُمْ
اس!! تَخْلَفَ
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي األَرْضِ كَمَا ْ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَ! ى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي الَ يُشْرِكُونَ
ش!! يْئاً﴾ (الن!!ور ،)55 :ن!!زلت في الق!!ائم من آل محمد| ،وقول!!ه: بِي َ
اسْتُض!!!! عِفُوا فِي األَرْضِ
ْ ﴿وَنُرِي!!!!دُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّ!!!!ذِينَ
وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص« !!.)5 !:ومثلُ!!ه
كثيرٌ ،ممّا تأويله بعد تنزيله»(.)776
فرسالة النبيّ االعظم| هي لجميع الناس كافّةً ،وقول!!ه﴿ :وَرَأَيْتَ
النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اهللِ أَفْوَاجاً﴾ يعني جميع الناس يدخلون في
دين اهلل أفواجاً ،من دون نفاقٍ .وهذا األمر لم يتحقَّق في زم!!ان رس!!ول
اهلل| ،وال في األزمنة التي تلَتْ زمانه.
وعن محمد بن عمر بن عليّ ،عن أبيه ،عن جدّه× قال« :لمّا ن!!زلت
على النبيّ|﴿ :إِذَا جَاءَ نَصْرُ اهللِ وَالْفَتْحُ﴾ قال لي :يا عليّ ،إنه قد جاء
نصر اهلل والفتح ،فإذا رأيْتَ الناس ي!!دخلون في دين اهلل أفواج!!اً فس!!بِّح
بحمد ربِّك واستغفِرْه إنّه كان توّاباً .ي!!ا عليّ ،إن اهلل ق!!د كتب على
المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي ،كما كتب عليهم جهاد المش!!ركين
معي ،فقلتُ :يا رسول اهلل ،وما الفتنة التي كُتِبَ علينا فيها الجهاد؟ قال:
فتنةُ ق!!ومٍ يش!!هدون أن ال إل!!ه إالّ اهلل ،وأني رس!!ول اهلل ،وهم مخ!!الفون
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 357
• د .محمد بنعمر
لسُنَّتي ،وطاعنون في ديني .فقلتُ :فعالمَ نق!!اتلهم ،ي!!ا رس!!ول اهلل ،وهم
يشهدون أن ال إل!!ه إالّ اهلل وأن!!ك رس!!ولُ اهلل؟ فق!!ال :على إح!!داثهم في
دينهم ،وفراقهم ألمري ،واستحاللهم دماء عترتي ،قال :فقلتُ :ي!!ا رس!!ول
اهلل ،إنك كنْتَ وعَ!!دْتَني الش!!هادة ،فسَ! لْ اهلل تع!!الى أن يعجِّلَه!!ا لي،
فقال :أجل ،قد كنْتُ وعَدْتُك الشهادة ،فكيف صبرك إذا خضبت هذه من
هذا ،وأومى إلى رأسي ولحيتي؟ فقلتُ :يا رسول اهلل ،أما إذا بيَّنت لي م!!ا
بيَّنت فليس بموطن صبرٍ ،ولكنّه م!!وطن بش!!رى وش!!كرٍ ،فق!!ال :أج!!ل،
فأعِدَّ للخصومة ،فإنك مخاصِ! مٌ أم!تي ،قلتُ :ي!ا رس!!ول اهلل ،أرش!!دني
الفَلَج ،قال :إذا رأيْتَ قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضالل فخاص!!مهم؛
فإن الهدى من اهلل ،والضالل من الشيطان .يا عليّ ،إن الهدى هو اتّباع أمر
اهلل ،دون الهوى والرأي .وكأنّك بق!!ومٍ ق!!د ت!!أوَّلوا الق!!رآن ،وأخ!!ذوا
بالشبهات ،واستحلّوا الخمر بالنبيذ ،والبخس بالزكاة ،والسُّحْت بالهديّة،
قلتُ :يا رسول اهلل ،فما هم إذا فعلوا ذلك ،أهُمْ أهل ردّةٍ أم أهل فتن!!ةٍ؟
قال :هم أهل فتنةٍ ،يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل ،فقلتُ :يا رسول
اهلل ،العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال :بل منّا ،بنا يفتح اهلل ،وبنا يختم ،وبن!!ا
ألَّف اهلل بين القلوب بعد الشرك ،وبنا يؤلِّف اهلل بين القلوب بعد الفتن!!ة،
فقلتُ :الحمد هلل على ما وَهَبَ لنا من فضله»(.)777
فالحديث عن عصر اإلمام المهديّ.#
وقال× ﴿« :بِسْمِ اهللِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِذَا جَ!!اءَ نَصْ! رُ اهللِ
وَالْفَتْحُ﴾ قال :نزلت بمِنَى في حجّة ال!!وداع إذا ج!!اء نص!!ر اهلل والفتح،
فلمّا نزلت قال رسول اهلل| :نُعِيَتْ إليَّ نفسي ،فجاء إلى مسجد الخي!!ف،
فجمع الناس ،ثمّ قال :نصر اهلل امرأً سمع مقالتي فوعاه!!ا ،وبلَّغه!!ا مَنْ
لم يسمعها؛ فرُبَّ حامل فقهٍ غير فقيهٍ ،ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ ه!!و
أفق!!ه من!!ه .ثالث ال يغ!!لّ علي!!ه قلب ام!!رئٍ مس!!لمٍ ،إخالص! العم!!ل هلل؛
والنصيحة ألئمّة المسلمين؛! واللزوم لجماعتهم؛ فإن دعوتهم محيط!!ةٌ من
ورائهم .أيّها الناس ،إني ت!!اركٌ فيكم ثقلين ،م!!ا إنْ تمسَّ! كْتُم بهم!!ا لن
358االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
تضلّوا ،ولن تزلّوا :كتاب اهلل؛ وعترتي أهل بيتي؛ فإنه قد نبّأني اللطيف
الخبير أنهما لن يتفرَّقا حتّى يَرِدَا عليَّ الحَوْض ،كإص!!بعَيّ ه!!اتين،
وجمع بين سبّابتَيْه ،وال أقول :كهاتين ،وجم!!ع بين س!!بّابته والوس!!طى،
فيفضل هذه على هذه»(.)778
فالسورة نزلَتْ في آخر أيّام حي!!اة رس!!ول اهلل| ،في حجّ!!ة ال!!وداع،
ولم يكن هن!!اك قت!!الٌ وال ح!!ربٌ .إذن فالس!!ورة تتح!!دَّث عن مرحل!!ةٍ
مستقبليّة.
فالن!!اس لم ي!!دخلوا جميع!!اً في دين محمّ!!دٍ| ،وهن!!اك الكث!!ير من
الرَّس!! ولُ
ُ المنافقين .ويحدِّثنا عن هذه الحقيقة قوله تعالى﴿ :يَا أَيُّهَا
بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّ!!كَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَ!!لْ فَمَ!!ا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاهللُ يَعْصِ! مُكَ مِنْ النَّ!اسِ إِنَّ اهللَ الَ يَهْ!دِي الْقَ!!وْمَ
الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة)67 :؛ وما ذلك إالّ لكثرة المن!!افقين .فالمن!!افقون
الكُثُر ،الذين لم يذعنوا لبيع!!ة الغ!!دير ،وإنم!!ا ب!!ايعوا ظ!!اهراً ،وك!!انوا
يخطِّطون لقتل رسول اهلل| ،ولقتل عليٍّ أمير المؤم!!نين× ،كم!!ا ص!!رَّح
ب!!ذلك الق!!رآن الك!!ريم( ،)779والتفاص!!يل ذكَرَتْه!!ا لن!!ا الرواي!!ات
واألحاديث(.)780
وأدلّ دليلٍ على ذلك ما حدث بعد وفاة رسول اهلل| ،وكيف خالفت
األمّة نبيَّها؛ فإن هذا األمر لم يكن هكذا ابتداءً بعد وفاة رس!!ول اهلل| ،ب!!ل
كان له مقدّماتٌ كانت موجودةً في أيّام رسول اهلل| ،وجاء هذا البرنامج
تطبيقاً لصحيفةٍ كُتبَتْ أيّ!!ام الن!!بيّ| .فعن أبي عب!!د اهلل× في ق!!ول اهلل
عزَّ وجلَّ﴿ :مَا يَكُونُ مِنْ نَجْ!!وَى ثَالَثَ!!ةٍ إِالَّ هُ!!وَ رَابِعُهُمْ وَالَ
خَمْسَةٍ إِالَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَالَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَالَ أَكْثَ!!رَ إِالَّ
هُ!!وَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَ!!ا كَ!!انُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَ!!ا عَمِلُ!!وا يَ!!وْمَ
الْقِيَامَةِ إِنَّ اهللَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (المجادل!!ة !،)7 :ق!!ال« :ن!!زلت
هذه اآلية في فالن وفالن وأبي عبيدة الج!!رّاح وعب!!د ال!!رحمن بن ع!!وف
وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن ش!!عبة؛ حيث كتب!!وا الكت!!اب بينهم،
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 359
• د .محمد بنعمر
وتعاهدوا وتوافقوا :لئن مضى محمّدٌ ال تكون الخالفة في بني هاشم ،وال
النبوّة أبداً ،فأنزل اهلل عزَّ وجلَّ فيهم هذه اآلية .قال :قلتُ !:قوله ع!!زَّ
يَحْس! بُونَ أَنَّ!ا الَ
َ وجلَّ﴿ :أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ
نَسْ! مَعُ سِ! رَّهُمْ وَنَجْ!!وَاهُمْ بَلَى وَرُسُ! لُنَا لَ!!دَيْهِمْ يَكْتُبُ!!ونَ﴾
(الزخرف 79 :ـ )80؟ قال :وهاتان اآليتان نزلتا فيهم ذلك اليوم .ق!!ال
أبو عبد اهلل× :لعلّك ترى أنه كان يومٌ يشبه يوم كُتب الكتاب ،إالّ يوم
قتل الحسين× .وهكذا كان في س!ابق علم اهلل ع!زَّ وج!لَّ ،ال!ذي أعلم!ه
رسول اهلل| ،أن إذا كُتب الكتاب قتل الحس!!ين ،وخ!!رج المُلْ!!كُ من ب!!ني
هاشم ،فقد كان ذلك كلّه»(.)781
فنحن إذا دقَّقْنا النظر في ألفاظ السورة ـ ح!!تى من دون الرج!!وع
إلى األحاديث ـ نجد أن السورة ليس لها من تطبيقٍ على أرض الواق!!ع ،ال
في زمان رسول اهلل| ،وال في الزمن الذي جاء بعد رسول اهلل| ،وإلى يومن!!ا
هذا .وليس باإلمكان أن يتحقَّق هذا ،بحَسَ! ب المعطي!!ات الموج!!ودة على
األرض ،إالّ في عصر ظهور اإلمام المهديّ #وما بعده.
فسورة النصر ترتبط بعصر ظهور اإلمام المهديّ#؛ فهن!!اك س!!يكون
الفتح األعظم ،س!!يكون في الرجع!!ة ،ول!!ذا س!!يكون لقب اإلم!!ام الحس!!ين×
«المنتصر» ،وهو ما تشير إلي!!ه رواي!!ة ج!!ابر الجعفي ق!!ال :س!!معتُ أب!!ا
جعفر× يقول« :واهللِ ،ليملكَنَّ أهل البيت رجلٌ بعد موته ثالثمائة س!!نةٍ
ويزداد تسعاً ،قلتُ :متى يكون ذلك؟ قال :بعد القائم× ،قلتُ :وكم يقوم
القائم في عالمه؟ قال :تسع عشرة س!!نة ،ثم يخ!!رج المنتص!!ر إلى ال!!دنيا،
وهو الحسين× ،فيطلب بدمه ودم أصحابه ،...الخبر»(.)782
وإلى هذا يُشير رسول اهلل| في كالمه ألمير المؤمنين× ،حين س!!أله
أمير المؤمنين× « ،فقلتُ :يا رسول اهلل ،العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال :بل
منّا ،بنا يفتح اهلل ،وبنا يختم ،وبنا ألَّف اهلل بين القلوب بعد الشرك ،وبن!!ا
يؤلِّف اهلل بين القلوب بعد الفتنة ،فقلتُ :الحمد هلل على ما وَهَبَ لنا من
فضله»(.)783
360االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
فالظنّ بأن السورة في فتح مكّة ضعيفٌ جداً .نعم ،فتح مكّ!!ة في!!ه
داللةٌ سياسيةٌ عميقة ،وفيه داللةٌ اجتماعيةٌ عظيمةٌ في وقتها ،وفي!!ه م!!ا
فيه من الحَشْد الوجداني ،وفيه ما فيه من الواقع المعنويّ الدينيّ .هناك
مجموعةٌ كب!!يرة من المعطي!ات تحقَّقت وترس!َّ خت وظه!رَتْ في فتح
مكّة .ولكنّه فتحٌ محدود ،كما تشير إلى ذلك جمل!!ةٌ من آي!!ات الكت!!اب
الكريم ،وعلى سبيل المثال :قوله تعالى﴿ :وَأُخْ!!رَى تُحِبُّونَهَ!!ا نَصْ! رٌ
مِنَ اهللِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ (الصف.)13 :
فنالحظ عدّة أمور!:
1ـ هناك فارقٌ في التعبير ،وعنايةٌ بالغي!!ةٌ في التمي!!يز بين ه!!ذه
اآلية وبين ما جاء في سورة النصر؛ ففي ه!!ذه اآلي!!ة ج!!اء ه!!ذا التعب!!ير!:
﴿نَصْرٌ مِنَ اهللِ﴾ ،يعني عطاءٌ من عطاء اهلل؛ بينما في سورة النصر جاءت
هذه الصيغة﴿ :نَصْرُ اهللِ﴾ ،فالنصر هنا بالكامل منسوبٌ إلى اهلل.
2ـ إن الفتح في س!!ورة الص!فّ ج!اءَت منكَّ!رة ،من دون تعري!!فٍ،
ومنوَّنة ،وموصوفة بصفة القرب .وهذا القرب قد يكون زمانيّاً؛ قد يكون
مكانيّاً .قد يكون في ظروفٍ ومالبساتٍ بسببها يُوصَف بهذا الوصف.
فهناك فارقٌ كبير ما بين ما جاء في سورة النصر وبين ما جاء في
سورة الصفّ؛ ففي سورة النصر هناك قضيّةٌ عميقةٌ واسعةٌ قويّةٌ جدّاً؛
أما التعبير في سورة الصفّ فهو في مرتبةٍ أدنى.
نعم ،يمكننا أن نطبِّق! الصيغة التي جاءَتْ في سورة الصفّ﴿ :نَصْرٌ
مِنَ اهللِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ على زمان ظهور اإلمام المه!!ديّ#؛ ف!!إن ظه!!ور
اإلمام قريبٌ بمنظار أهل البيت^؛ ألننا حين نتعبَّد! بانتظ!!ار الف!!رج فه!!ذا
يعني أن الفرج قريبٌ .وهذا هو مع!نى انتظ!ار الف!رج؛ إذ رُبَم!ا ن!رى ـ
وجدانيّاً ونفسيّاً ـ أن الفَرَج بعيدٌ ،ولكنّ القلوب المخلصة ،التي تك!!ون
عندها الغَيْبة بمنزلة المشاهدة ،فإنها ترى الفَرَج قريباً .وأعظم الفَرَج
انتظار الفَرَج؛ «فإن النبيّ| أوصى عليّاً× ،فقال :يا عليّ ،علي!!ك بص!!الة
الليل (ثالث م!رّات) .ومَنْ اس!تخفّ بص!الة اللي!ل فليس منّ!ا .فاعمَ!لْ
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 361
• د .محمد بنعمر
362االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
7ـ عن ميسر بن عبد العزيز ،عن أبي جعفر× قال« :كتب الحس!!ين
بن عليٍّ’ إلى محمد بن عليٍّ× ،من كربالء :بسم اهلل ال!!رحمن ال!!رحيم،
من الحسين بن عليٍّ’ إلى محمد بن عليٍّ ومَنْ قِبَله من بني هاشم ،أم!!ا
بعدُ ،فكأنَّ الدنيا لم تكُنْ ،وكأنَّ اآلخرة لم تَزَلْ ،والسالم»(.)786
الكتاب السابق كان من مكّة؛ النها تمثِّل بداية عصر ظه!!ور اإلم!!ام
المهديّ .#وكربالء نقطةٌ محوريةٌ في مراحل الظهور .فه!!ذه الكتب لم
تكتب هكذا من دون دقّةٍ .فنحن نتح!!دَّث عن اإلم!!ام الحس!!ين× ،ص!!احب
المشروع اإللهيّ األعظم ،وعليه ف!!إن اختي!!ار األزمن!!ة واألمكن!!ة لم يكُنْ
جزافاً.
فاإلمام الحسين× في هذا المقطع الزماني يق!!ول :إنن!!ا لم نخطِّ!!ط
لدنيا باقيةٍ ،فال الواق!!ع السياس!!ي ،وال االجتم!!اعي ،وال ال!!ديني ،يعين على
ذلك .وعليه ،فإنّ هدفنا هو الهدف األعظم لرسول اهلل| ،وال!!ذي يتحقَّ!!ق
في حصول مشروع اإلم!!ام المه!!ديّ #األعظم ،وال بُ!!دَّ أن تك!!ون ل!!ذلك
مقدّمةٌ ،وهي ما عبَّر عنها اإلمام الحسين× في هذه الرواي!!ة ،فبرنامج!!ه
هو برنامج الشهادة ،فهو ومَنْ لحق به راحلون عن هذه الدنيا.
فنصرُ اإلمام الحسين× لم يتحقَّق إلى اآلن ،وإنما مشروع الحس!!ين
يتحرَّك باتّجاه النصر ،وطالئعُ نصره تكون عند ظهور اإلمام المه!ديّ#؛
اذ المنتصر هو الذي يستردّ حقَّه وظالمته .علماً أننا هنا ال نتحدَّث عن
ح!!قٍّ شخص!!يّ ،رغم وج!!وده .وال نتح!!دَّث عن ظالم!!ةٍ شخص!!يّةٍ ،م!!ع
وجودها .إننا نتحدَّث عن مشروع اهلل .اهلل سبحانه وتعالى ل!!ه مش!!روعٌ،
وهو مشروع الخالفة اإللهيّة على األرض .وهذا المشروع أُني!!ط باإلم!!ام
المهديّ ،#بعدما انح!!رفت األمّ!!ة ،فص!!ار المش!!روع األوّل واألخ!!ير ه!!و
مشروع اإلمام المهديّ .#ولكنن!!ا ال نس!!تطيع! تحقيق!!ه إالّ من خالل ه!!ذا
المش!!روع العمالق ،وه!!و مش!!روع اإلم!!ام الحس!!ين× .فمش!!روع اإلم!!ام
الحسين× له هَدَفٌ قريب ،وه!!دفٌ متوسِّ! ط ،وه!!دفٌ بعي!!د .واله!!دفُ
البعيد! هو الهدف األصل ،وهو تحقيق مشروع اإلمام المه!!ديّ #على أرض
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 363
• د .محمد بنعمر
الواقع.
خالصةٌ واستنتاج
إن ما يطرح في أج!!واء الثقاف!!ة الحس!!ينيّة المعاص!!رة ،من ش!!عار:
«انتصار الدم على السيف»؛ أو «يظلم اإلنس!!ان كي ينتصر» ،ه!!ذا الكالم
إنْ أُريد منه المعنى الحقيقي التامّ الكام!!ل فال ص!!حّة ل!!ه ،ال على أرض
الواقع ،وال يتطابق وال يتوافق مع منطق الكتاب والعترة في فهم مش!!روع
اإلمام الحسين×.
لكنْ إنْ أُريد من شعار «إن الدم ينتصر على السيف» تحقُّق بعض
األهداف ،ال كلّ األهداف التي ألجلها سُ! فكت ال!!دماء؛ أو أن الش!!خص أو
المجتمع حين يتَّخذ المظلومية سبيالً لتحقيق أهدافه فإن!!ه س!!ينجح في
بعضها أو في كلّها ،فتتحقَّق األه!!داف بنح!!وٍ ج!!زئيّ أو بنح!!وٍ كلِّي،
ويطلق على هذا النصر واالنتصار ،ويك!!ون اإلطالق مجازيّ!!اً ،فحينئ!!ذٍ ال
إشكال في األمر.
وتأريخ البشرية حافلٌ بهذه الحقيقة ،قبل اإلس!!الم وبع!!د اإلس!!الم.
فلطالما تسفك الدماء في أيّ اتجاهٍ من االتّجاهات .ولطالما تكون هن!!اك
مظلوميّاتٌ .وبسبب تلك الدماء أو بسبب تلك المظلوميّات قد تتحقَّ!!ق
س! فكَتْ دم!!اؤهم ،كالًّ أو ج!زءاً ،ولكنْ قَطْع!اً من دون أهداف ال!ذين ُ
وجودهم .ولو كانوا موج!!ودين ف!!إنّ إدارتهم لتحقي!!ق األه!!داف قَطْع!!اً
ستكون مختلفةً عن إدارة الذين يحقِّقون األهداف بع!!د ذل!!ك .وحينئ!!ذٍ
فإن النصر ب!المعنى الحقيقي لم يتحقَّ!ق لهم .وك!ذلك إدارة األه!داف
مثلما رسموا ،ومثلما خطَّطوا ،لم تتحقَّق .هي تحقَّقت بنحوٍ وبطريقةٍ
أخرى ،تنسجم مع الذي كانوا يتح!!دَّثون عن!!ه ،أو م!!ع ش!!عاراتهم ال!!تي
رفعوها بحَسَب فَهْم الذين يحقِّقون أهدافهم على أرض الواقع.
فه!!ذا المض!!مون الموج!!ود في ه!!ذه المقول!!ة« :انتص!!ار ال!!دم على
السيف» إذا كان المراد منه ه!!ذا الفهم ،وه!!و تحقي!!ق بعض األه!!داف أو
364االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 365
• الشيخ علي نذر
مقدّمةٌ
ال شَكَّ أن أصل التزويج والزواج مستحبٌّ في اإلسالم؛ حتّى ورد
عن رسول اهلل|« :مَنْ تزوَّج فقد أحرز نصف دينه»؛ وق!!د وردت العدي!د!
من الروايات الحاثّة على ذلك .وهو أمرٌ ال خالف فيه ،ال بل إن اإلس!!الم
أجاز وأمضى تعدُّد الزوجات ،حيث كان عُرْفاً موجوداً في جاهليّ!!ة م!!ا
قبل اإلسالم ،وقد قال تعالى﴿ :فَ!!انْكِحُوا مَ!!ا طَ!!ابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَ! اءِ
مَثْنَى وَثُالَثَ وَرُبَاعَ﴾.
إالّ أنه وقع خالفٌ بين الفقهاء في مرجوحية التع!!دُّد ورجحان!!ه،
حتّى كثر األخذ وال!!ردّ في المس!!ألة بعنوانَيْه!!ا :األوّلي ،المس!!تفاد من
نفس الدليل؛ والثانوي ،المتأثِّر بالظروف والبيئة المحيطة.
وكالمنا في هذا المقال يتناول الحكم األوّلي ألصل مس!!ألة تع!!دُّد
الزوجات ،دون مالحظ!ة العن!اوين الثانوي!ة ،ال!تي يمكن أن تط!رأ بس!بب
الظروف والبيئة.
وللبحث في ذلك ال بُدَّ من مراجعة التراث الموجود في المس!!ألة،
من اآليات والروايات ،مروراً باألبحاث المطروحة.
وتجدر اإلشارة إلى أنه سيتمّ معالجتها ضمن العناوين التالية:
366االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح ،دراسة فقهية استداللية
ٍ واحدة
()793
3ـ القول باستحباب عدم الزيادة ،أو البقاء 6على
ذهب بعض الفقهاء إلى القول باستحباب االقتصار على واحدةٍ ،كما
ذكر الشيخ الطوسي( ،)794وكذلك القاض!!ي ابن ال!!برّاج( )795في كتاب!!ه
المهذَّب.
األخص
ّ 4ـ القول باإلباحة 6بالمعنى6
ذهب بعض الفقه!!اء إلى الق!!ول بإباح!!ة التع!!دُّد !،ومنهم :الس!!يد
السيستاني( ،)796حيث اعتبر أنه لم يثبت استحباب تعدُّد الزواج.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 367
• الشيخ علي نذر
وفي الخالصة يتّضح وجود آراء عديدة ،متفاوت!!ة م!!ا بين الكراه!!ة
واالستحباب ،في مسألة تعدُّد الزوج!!ات .ول!!ذا يج!!در البحث في حقيق!!ة
الحكم في المسألة.
التحقيق
إن اآلية ليست في مقام الترغيب إلى الزواج المتعدِّد !،بل في مق!!امٍ
آخر ،كما يشير السيد الخوئي ،حيث يقول في كتاب!!ه الع!!روة ال!!وثقى:
«تكفَّلت اآلية الكريمة بي!!ان الح!!دّ للحكم باإلباحة»( ،)800وال س!!يَّما إذا
لوحظ صدرها ،وهو قول!!ه تع!!الى﴿ :وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ تُقْسِ! طُوا فِي
الْيَتَامَى فَانْكِحُوا ما طَابَ ،﴾...والمعنى حينئذٍ :إنْ خفتم أن ال تعدلوا
في يتامى النساء إذا تزوَّجتم بهنّ ،فانكحوا ما طاب لكم من غ!!يرهنّ من
النساء.
368االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح ،دراسة فقهية استداللية
وقد ذكر الشيخ الجواهري في كتابه جواهر الكالم !:نعم ،م!!ا وق!!ع
من غير واحدٍ من االستدالل علي!!ه بقول!!ه تع!!الى﴿ :وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ
النِّس!! اءِ مَثْنَى
َ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ
وَثُالَثَ وَرُبَاعَ﴾ باعتبار اشتماله على األمر ،والذي أقرب المج!!ازات إلى
معناه الحقيقي ،بعد تعذُّره ،النَّدْب .وهو ال يخلو من نظرٍ؛ ضرورة عدم
استفادة أكثر من اإلباحة منه؛ باعتبار تعليق!!ه على خ!!وف ت!!رك القس!!ط
والعدل ،المشعر بكون األمر النتفائه في المأمور به وسالمته عنه .وذلك
قرينةٌ واضحة على إرادة الرخص!!ة من!!ه ،من غ!!ير التف!!اتٍ إلى الوج!!وب
والندب .والمع!!نى حينئ!!ذٍ :إنْ خفتم أن ال تع!!دلوا في يت!!امى النس!!اء إذا
تزوَّجتم بهنّ فانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهنّ؛ ف!!إنهم ،كم!!ا
قيل ،كانوا يتزوَّجون اليتامى الالتي في حجورهم؛ طمع!!اً في الم!!ال أو
رغبةً في الجمال ،فيجتمع عند الواحد منهم منهنّ ما ال يقدر على القي!!ام
بحقِّه .أو إنْ خفتم أن تج!!وروا على مَنْ لكم الوالي!!ة عليهم من يت!!امى
النساء؛ بأخذ أموالهنّ وصرفها في مؤن تزويجكم ،فانكحوا م!!ا ط!!اب لكم
من النساء مثنى وثالث ورباع ،وال تزي!!دوا حتّى ال يح!!وجكم إلى ذل!!ك؛
فقد قيل :إن الرجل من قريش كان يتزوَّج العش!!ر من النس!!اء وأك!!ثر،
فإذا أعدم تناول من أموال اليتامى المولّى عليهم ،فنزلَتْ ه!!ذه اآلي!!ة .أو
غير ذلك ممّا قيل في اآلية ،ممّا هو مشترك في م!!ا ذكرن!!اه ،من ع!!دم
االلتفات فيه إلى الوج!!وب والن!!دب ،وأن!!ه ال يُ!!راد من!!ه س!!وى الرخص!!ة
واإلباحة ،نحو قول القائل« :إنْ خفْتَ من ض!!رر ه!!ذا الطع!!ام فكُ!!لْ من
ذلك»؛ فإن المفهوم أن الطعام المأمور به خالٍ من الض!َّ! رَر م!!رخَّصٌ
في أكله ،وأما أن أكله مطلوبٌ ومرادٌ فال يُفْهَم منه»(.)801
ثمّ يكمل الشيخ الجواهري؛ ليشير إلى أمرٍ آخر في اآلية يؤيِّد ما
ذكره« :على أن المفهوم من اآلية المنع عمّ!!ا زاد على األرب!!ع ،ومن ثمّ
استدلّوا بها على حَصْر الجواز في ذلك ،بل أمر النبيّ| عند نزولها مَنْ
كان عنده أزيد من أربع بإمساك األربع وتس!!ريح الب!!واقي ،وذل!!ك إنم!!ا
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 369
• الشيخ علي نذر
يصح لو كان األمر لإلباحة؛ فإن مفه!وم الع!دد حينئ!ذٍ يقتض!ي تح!ريم
الزيادة .بخالف ما ل!!و ك!ان األم!!ر للن!دب؛ فإن!!ه يقتض!ي حينئ!ذٍ ع!!دم
استحبابها ،وهو أعمّ من تحريمها .واألمر سهلٌ بع!!د تع!!دُّد األدلّ!!ة على
المطلوب»(.)802
وهذا البيان ،رغم تعقيده ،كافٍ للقول بأن اآلية ال تفيد سوى إباحة
التعدُّد ،وهي تشير إلى العدد المسموح به من الزوجات.
370االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح ،دراسة فقهية استداللية
6ـ عليّ بن حسان ،عن بعض أصحابنا قال :سَأَلَنا أب!!و عب!!د اهلل×:
أيّ األشياء ألذّ؟ قال :فقلنا غير شيءٍ ،فقال هو׫ :ألذّ األش!ياء مباض!عة
النساء»(.)808
7ـ خبر عمر بن يزي!!د ،عن أبي عب!!د اهلل× ق!!ال :ق!!ال رس!!ول اهلل|:
« جعل قرّة عيني في الصالة ،ولذّتي في الدنيا النساء ،وريحانتَيّ الحس!!ن
والحسين»(.)809
8ـ خبر جميل بن درّاج قال :قال أبو عبد اهلل׫ :ما تل!!ذَّذ الن!!اس
في الدنيا واآلخرة بلذّةٍ أكثر لهم من لذّة النساء ،وه!!و ق!!ول اهلل ع!!زَّ
وجلَّ﴿ :زُيِّن لِلنَّاسِ حُبُّ الش!َّ هَوَاتِ مِنَ النِّسَ! اءِ وَالْبَنِين...إلى
آخر اآلية﴾ ،ثمّ قال :وإن أهل الجنّة ما يتلذَّذون بشيءٍ من الجنّة أشهى
عندهم من النكاح ،ال طعام ،وال شراب»(.)810
مناقشةٌ ور ّد
يُستخدم! الجمع في اللغة العربية أحياناً الستفادة الجنس ،ويُعْرَف
ذلك من سياق استخدام اللفظ .والذي يظهر هنا أن المقص!!ود ه!!و جنس
النساء ،ال جمعهنّ .وهو مح!!لّ اتّف!!اق ل!!دى الفقه!!اء .وبالت!!الي ال يمكن
االستفادة من الروايات في المقام ،فال داعي للبحث في سندها.
ولعلّه لذلك قال الشيخ االش!!تهاردي ،في كتاب!!ه م!!دارك الع!!روة،
تعليقاً على استفادة بعض الفقهاء التعدُّد! من الروايات« :وأم!!ا اس!!تحبابه
فلم أعثر على خبرٍ ي!!دلّ علي!!ه ،وإنْ عن!!ون في الوس!!ائل «ب!!اب ك!!ثرة
استحباب الزوجات والمنكوحات وكثرة إتيانهنّ بغير إفراطٍ» ،وأورد فيه
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 371
• الشيخ علي نذر
اثني عشر حديثاً ،ال داللة لواحدٍ منها على أوّل عنوان الب!!اب ،أي ك!!ثرة
استحباب الزوجات .نعم ،كثيرٌ منها دالٌّ على العنوان الثاني ،أي اإلتي!ان.
مع ما يعارض!!ها .وتع!!دُّد زوج!!ات وس!!ريّات س!!ليمان بن داوود وتع!!دُّد
زوجات النبيّ| غيرُ دالٍّ على استحبابها ،كم!!ا ال يخفى ،فراجِ!!عْ ج ،14
ص ،179باب .)811(»140
إالّ أن هذا الكالم ال يمكن أخذه على إطالقه ،وسيبين ذلك.
372االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح ،دراسة فقهية استداللية
النساء .ولق!!د ت!!رك النس!!اء العفّ!!ة ب!!ترك أزواجهنّ التهيئة» ،ثمّ ق!!ال:
«أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئ!!ةٍ؟» ،قلتُ:
ال ،قال« :فه!!و ذاك» ،ثمّ ق!!ال« :من أخالق األنبي!!اء التنظُّ!!ف والتطيُّب
وحلق الشعر وكثرة الطروقة ،...الحديث».
أقول !:وتقدّم ما يدلّ على ذلك هنا وفي الطهارة(.)817
معنى الطروقة
أـ في لسان الفقهاء
يظهر وجود اختالفٍ بين الفقهاء في معنى كلمة الطروق!!ة ،وممّ!!ا
ذكروه من المعاني:
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 373
• الشيخ علي نذر
ب ـ في كتب اللغة
1ـ ق!!ال ال!!راغب اإلص!!فهاني ،في المف!!ردات في غ!!ريب الق!!رآن:
وباعتبار الضرب قيل :طَرَقَ الفحلُ الناقةَ ،وأَطْرَقْتُهَا ،واسْتَطْرَقْتُ
فالناً فحالً ،كقولك :ض!!ربها الفح!!ل ،وأض!!ربتها ،واستض!!ربته فحالً.
ويقال للنّاقة :طَرُوقَةٌ ،وكُنِّي بالطَّرُوقَةِ عن المرأة(.)826
2ـ وقال الجوهري ،في الصحاح :وطروق!!ة الفح!!ل :أنث!!اه .يُق!!ال:
ناقةٌ طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل(.)827
3ـ وقال الخليل في العين :وكلّ امرأةٍ طروق!!ة زوجه!!ا .ويُق!!ال
للمتزوِّج :كيف طروقتك؟ وكلّ ناقةٍ طروقة فحلها ،نعت لها من غير
فعلٍ .والعالي من الكالم أن الطروقة للقلوص التي بلغت الض!!راب ،وال!!تي
374االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح ،دراسة فقهية استداللية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 375
• الشيخ علي نذر
تقريب االستدالل
تشير الرواية إلى أنه ال يوجد إس!!رافٌ في النس!!اء .واإلس!!راف ه!!و
التب!!ذير .وق!!د ورد مث!!ل ه!!ذا التعب!!ير في الطِّيب« :ال إس!!راف في
الطيب»( .)835وق!!د اس!!تخدمه الفقه!!اء «ال إس!!راف في اإلس!!راج»« ،وال
إسراف في الف!!رش» ...والم!!راد أن اإلكث!!ار في ه!!ذه األم!!ور مطل!!وبٌ
ومرغوبٌ.
ومن هنا يُستفاد أن اإلكثار من النساء محبَّبٌ.
376االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح ،دراسة فقهية استداللية
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 377
• الشيخ علي نذر
النساء والعيال»(.)839
خاتمةٌ
بحثنا في ه!!ذا المق!!ال رجح!!ان ومرجوحيّ!!ة تع!!دُّد الزوج!!ات في
اإلسالم .وقد توصَّلنا في خت!!ام البحث إلى اس!!تحبابيّة التع!!دُّد؛! وذل!!ك
اعتماداً على طريقين:
األوّل :روايات استحباب ك!!ثرة الطروق!!ة ،بع!!د أن نقَّحن!!ا مع!!نى
الطروقة ،وناقَشْنا الروايات الواردة في استحبابها.
الثاني :الرواية الواردة في نفي اإلس!!راف ،وال!!تي يمكن أن يُس!!تفاد
منها وفق بعض المباني السنديّة.
ويشير بعض الباحثين إلى أنه يمكن استفادة اس!!تحباب التع!!دُّد من
إطالق استحباب أصل الزواج.
لكنْ يجدر السؤال قَبْالً :هل هي في مقام بيان عدد الزوجات (وهو
من شروط انعقاد اإلطالق) أو هي في مقام بيان أصل ال!!زواج في مقاب!!ل
عدمه؟ وهو بحثٌ يحتاج مقاالً آخر.
378االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح ،دراسة فقهية استداللية
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 379
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
ٌ
باحث في الحوزة العلميّة ،وحائ ٌـز على الماجستير في علوم القرآن والحديث (*)
*)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 381
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
جمعْتَ القرآن؛ فإني أخاف عليه أن يذهب حَمَلته ،فقال له أبو بكر :أفعل
ما لم يفعله رس!!ول اهلل؟! فلم يَ!!زَلْ ب!!ه عم!!ر حتّى جمع!!ه وكتب!!ه في
صحفٍ ،وكان مفرَّقاً في الجريد وغيرها(.)844
وفي تاريخ أبي الفداء :وقتل في قتال مسيلمة جماع!!ةٌ من الق!!رّاء،
من المهاجرين واألنصار .ولما رأى أبو بكر كثرة مَنْ قُتِل أم!!ر بجم!!ع
القرآن من أفواه الرجال وجريد النخل والجلود ،وت!!رك ذل!!ك المكت!!وب
عند حفصة بنت عمر ،زوج النبيّﷺ .انتهى(.)845
وعن ابن أبي داوود ،من طريق يحيى بن عب!!د ال!!رحمن بن ح!!اطب،
قال« :قدم عمر فقال :مَنْ كان تلقّى من رسول اهللﷺ شيئاً من الق!!رآن
فليأْتِ به ،وكانوا يكتبون! ذلك في الصحف واأللواح والعسب .وك!!ان ال
يقبل من أحدٍ شيئاً حتّى يشهد شهيدان»(.)846
وعنه أيضاً ،من طريق هشام بن ع!!روة ،عن أبي!!ه ـ وفي الطري!!ق
انقطاعٌ ـ ،أن أبا بكرٍ قال لعمر ولزيد« :اقعدوا على ب!!اب المس!!جد! فمَنْ
جاءكما بشاهدَيْن على شيءٍ من كتاب اهلل فاكتباه»(.)847
وفي اإلتقان عن ابن أشتة ،في المص!!احف ،عن الليث بن س!!عد ق!!ال:
« أوّل مَنْ جمع القرآن أبو بكر ،وكتبه زيد .وكان الناس يأتون زيد بن
ثابت فكان ال يكتب آيةً إالّ بش!!اهدَيْ ع!!دلٍ .وإن آخ!!ر س!!ورة ب!!راءة لم
يوجد إالّ مع أبي خزيمة بن زيد بن ثابت فق!!ال :اكتبوه!!ا؛ ف!!إن رس!!ول
اهللﷺ جعل شهادته بشهادة رجلين ،فكتب .وإنّ عمر أتى بآي!!ة ال!!رجم فلم
يكتبها؛ ألنه كان وحده»(.)848
وعن ابن أبي داوود ،في المصاحف ،من طريق محمد بن إسحاق ،عن
يحيى بن عبّاد بن عبد اهلل بن الزبير ،عن أبيه ق!!ال« :أت!!اني الح!!ارث بن
خزيمة بهاتين اآليتين من آخر سورة براءة ،فق!!ال :أش!!هد أنّي س!!معتُهما
من رسول اهللﷺ ،ووعَيْتهما ،فقال عمر :وأن!!ا أش!!هد لق!!د س!!معتُهما ،ثمّ
قال :لو كانت ثالث آي!!ات لجعلتُه!!ا س!!ورةً على حِ!!دَةٍ ،ف!!انظروا آخ!!ر
382االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
ب ـ التناقض 6الداخلي
فإنّها من حيث المتن أخبارٌ متناقضة ،ال يمكن االعتماد عليها:
فبعضها ظاهرة في أنّ الجمع ك!!ان في زمن عثم!!ان ،كرواي!!ة ابن
شهاب أنّ أنس بن مالك حدَّثه فق!!ال :إنّ حذيف!!ة بن اليم!!ان ق!!دم على
عثمان ،وكان يغازي أه!!ل الش!!ام في فتح أرميني!!ة وأذربيج!!ان م!!ع أه!!ل
العراق ،فأفزع حذيفة اختالفهم في القراءة ،فقال حذيفة لعثمان :يا أم!!ير
المؤمنين ،أدرك هذه األم!!ة قب!!ل أن يختلف!!وا في الكت!!اب اختالف اليه!!ود
والنصارى ،فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننس!!خها في
المصاحف ،ثمّ نردّها إليك ،فأرسلَتْ بها حفصة إلى عثمان ،فأمر زيد بن
ثابت ،وعبد اهلل بن الزبير ،وسعيد بن العاص ،وعبد الرحمن بن الحرث بن
هشام ،فنسخوها في المصاحف ،وقال عثمان للرهط القرشيين الثالث!!ة :إذا
اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه! بلسان ق!!ريش؛
فإنما نزل بلسانهم ،ففعل!!وا حتّى إذا نس!!خوا الص!!حف في المص!!احف ردّ
عثمان الصحف إلى حفصة ،فأرسل إلى كلّ أفقٍ بمص!!حف ممّ!!ا نس!!خوا،
وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يحرق(.)852
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 383
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
وبعضها اآلخر صريحةٌ في أنّه حصل في عهد أبي بكر ،بعدما أش!!ار
إليه عمر بن الخطّاب من قتل كثيرٍ من الق!!رّاء وحَمَل!!ة الق!!رآن ي !وم
اليمامة .وقد مرّ ذكر بعض تلك األخبار.
وبعضها ذكرَتْ أنّه حصل ذلك في زمن عم!!ر بن الخطّ!!اب ،فق!!د
كتب مص!!احف أربع!!ة ،فأرس!!ل واح!!داً إلى البص!!رة والث!!اني إلى الش!!ام
والثالث إلى الكوفة والرابع إلى الحج!!از .وق!!د ج!!اء عن أبي إس!!حاق ،عن
بعض الصحابة قال :لما جمع عمر بن الخطّاب المصحف سأل :مَنْ أعرب
الناس؟ قيل :سعيد بن العاص ،فق!!ال :مَنْ أكتب الن!اس؟ فقي!!ل :زي!!د بن
ثابت ،قال :فليُمْلِ سعيد ،وليكتب زي!!دٌ ،فكتب!!وا! مص!!احف أربع!!ة ،فأنف!!ذ
مصحفاً منها إلى الكوفة ،ومص!!حفاً إلى البص!!رة ،ومص!!حفاً إلى الش!!ام،
ومصحفاً إلى الحجاز(.)853
وعلى هذا األساس ال يمكن االعتم!!اد واألخ!!ذ به!!ذه الرواي!ات؛ ف!!إنّ
التعارض القائم بينها يسقطها عن االعتبار واالحتجاج بها(.)854
384االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
3ـ ما رواه زيد بن ثابت قال« :كنّا عند رسول اهلل| نؤلِّف القرآن
من الرقاع»(.)857
ق!!ال الح!!اكم« :ه!!ذا ح!!ديثٌ ص!!حيح على ش!!رط الش!!يخين ،ولم
يخرِّجاه» .والرقاع جمع رقعة ،فقد تكون من جل!!دٍ أو ورقٍ أو كاغ!!ذٍ،
وهي تشعرنا بوجود نوعٍ من أدوات الكتابة المتيسِّرة لكتّاب الوَحْي عند
رسول اهلل| ،ومعنى ذل!!ك أنّ ت!!رتيب اآلي!!ات ك!!ان وف!!ق إش!!ارة الن!!بيّ|،
وبإرشادٍ من أمين الوَحْي جبريل×(.)858
4ـ ما رُوي عن ابن عبّاس ،من أن الرجل المسلم كان يأتي بالورق
إلى النبيّ| ،فيأمر النبيّ الصحابة فينس!!خوا ل!!ه الق!!رآن .فعن جعف!!ر بن
محمد بن عليّ ،عن أبيه ،عن عليّ بن الحسين ،عن ابن عبّاس قال :كانت
المصاحف ال تُباع ،كان الرجل يأتي بورقه عند النبيّﷺ ،فيق!!وم الرج!!ل،
فيحتسب !،فيكتب !،ثمّ يقوم آخر فيكتب !،حتّى يفرغ من المصحف(.)859
5ـ ما رُوي عن زيد بن ثابت أنه ق!!ال :كنتُ أكتب ال!!وَحْي عن!!د
رسول اهللﷺ ،وهو يملي عليَّ ...فإذا فرغْتُ قال :اقرأ ،فأقرأه ،فإذا ك!!ان
فيه سقط أقامه ،ثمّ أخرج به إلى الناس(.)860
وفي هذه الروايات ونحوها داللةٌ واض!!حة على أنّ كتاب!!ة الق!!رآن
كانت قد تمَّت في عهد النبيّ األكرم ،وأنّه| قد أمر عليّاً× بجمع السور
واآليات التي كتبت على الحرير والخشب والقراطيس في مصحفٍ واحد.
نعم ،رُبَما يقال :إنّه وإنْ كان جمع الق!!رآن الذي ق!!ام ب!!ه عليٌّ×
كان حَسْب ترتيب نزول اآليات ،ممّا يع!!ني أنّ الق!!رآن ال!!ذي كُتب في
زمن النبيّ أيضاً كان حَسْب ترتيب ال!!نزول؛ ألنّ عليّ!!اً ال يخ!!الف م!!ا
كتبه النبيّ|.
إالَّ أنّ هذا مجرّد احتمالٍ ال دليل عليه .وسيأتي أنّ ترتيب القرآن
الذي كتبه عليٌّ× ال يختلف عن القرآن الموجود فيما بيننا.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 385
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
386االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
على أنّ تلك اآليات من القرآن ،وقد مرَّ ذِكْرُها ،ومنه!ا :إنّ أب!!ا بك!!ر
قال لعمر ولزيد« :اقعدوا على باب المسجد فمَنْ جاءكما بشاهدَيْن على
شيءٍ من كتاب اهلل فاكتب!!اه»؛ وأيض!!اً حديث ليث بن س!!عد ،حيث ق!!ال:
« أوّل مَنْ جمع القرآن أبو بكر ،وكتبه زيد ،وكان الناس يأتون زيد بن
ثابت ،فكان ال يكتب آيةً إالّ بشاهدَيْ عَدْلٍ ،وإنّ آخ!!ر س!!ورة ب!!راءة لم
يوجد إالّ مع أبي خزيمة بن زيد بن ثابت ،فقال :اكتبوه!!ا؛ ف!!إن رس!!ول
اهللﷺ جعل شهادته بشهادة رجلين ،فكتب ،وإن عم!!ر أتى بآي!!ة ال!!رجم فلم
يكتبها؛ ألنه كان وحده»(.)862
فنري في هاتين الروايتين أنّ أكثر اآليات الكريم!!ة ،ب!!ل جميعه!!ا،
على حدّ تعبير الرواية الثانية ،ثبتت في الق!!رآن بش!!اهدَيْن ،ب!!ل بش!!اهدٍ
واحد .والزم ذلك أنّ القرآن لم يصل إلينا بالتواتر ،وإنّم!!ا وص!!ل إلين!!ا
بخبر الواحد؛ أو البيِّنة ،التي ال تفضل كثيراً عن خبر الواحد .وفي هذا
مخالفةٌ إلجماع المسلمين على أنّ الق!!رآن الكريم ال طري !ق إلثبات!!ه إالّ
بالتواتر .ولستُ أدري كيف يعتمد! على هذه الرواي !ات مَنْ يعتق!!د ب!!أنّ
القرآن وصل إلينا بالتواتر؟! أال يلزمن!!ا الق!!ول بت!!واتر الق!!رآن أن نلقي
بهذه الروايات ،ونقطع بكذبها؟(.)863
أض!! فْ إلى ذل!!ك أنّ اإلتي!!ان بش!!اهدَيْن ال يُعَ!!دّ أم!!راً ص!!عباً
ِ
للدسّاسين والمنافقين الذين يتربَّصون باإلس!!الم ك!!لّ حينٍ ،ويري !دون
هدمه والقضاء عليه ،بل هو في غاية السهولة لهم؛ وقد كذبوا على رسول
اهلل| في حياته ،حتّى قام وق!!ال :ك!!ثرَتْ عليَّ الكذّاب!!ة ،وس!!تكثر ،فمَنْ
كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ! مقعده من النار.
فإذا كان في حياته هكذا يُكْذَب عليه| فما بالك بالكذب علي !ه بع!!د
وفاته ،خصوصاً في ما يتعلَّق بالقرآن ،الذي يعتبر المصدر األوّل والثقل
األكبر في اإلسالم!
وهل يعقل أن يكون كالم اهلل ،ذلك ال!!وَحْي اإللهي ال!!ذي ال يأتي !ه
الباطل من بين يدي!ه وال من خلفه ،أن يكون قد جُم!!ع بش!!هادة ش!!اهدَيْن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 387
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
ي|
ز ـ كتابة الصحابة للقرآن 6،وعرضه عى النب ّ
من األمور الثابتة تاريخي !اً أنّ هن!!اك ع!!دداً من الص!!حابة ك!!انوا
يمارسون الكتابة ،حتّى عُرفوا بـ (كُتّاب الوَحْي) .وممّا يؤيِّ!!د ذل!!ك
روايات جمع القرآن ،ومنها:
1ـ ما رُوي من أنّه جمع القرآن على عهد رسول اهللﷺ خمسةٌ من
األنصار :معاذ بن جبل ،وعبادة بن الصامت ،وأبيّ بن كعب ،وأبو ال!!درداء،
وأبو أيّوب األنصاريّ(.)864
2ـ رواي ة عبد اهلل بن عمر قال :وجمعتُ القرآن ،فقرأتُ ب!!ه ك!!لَّ
388االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
س َور بالبسملة
2ـ روايات انقضاء 6ال ُّ
عن ابن عبّاس قال :كان المسلمون ال يعلمون انقضاء السورة حتّى
تنزل «بسم اهلل الرحمن الرحيم» ،فإذا نزلت «بسم اهلل الرحمن ال!!رحيم»
علموا أنّ السورة قد انقضت .ق!ال الح!اكم :ه!ذا الح!ديث ص!حيحٌ على
شرط الشيخين(.)870
رُوي عن ابن عباس رضي اهلل عن!!ه أنّ!!ه ق!!ال« :ك!!ان الن!!بيّﷺ ال
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 389
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
يعرف خاتمة السورة حتّى تنزل «بسم اهلل الرحمن الرحيم» ،ف!!إذا ن!!زلت
«بسم اهلل الرحمن الرحيم» عرف أنّ السورة قد خُتِمَتْ(.)871
قال سعيد بن جب!!ير :في عه!!د الن!!بيّ| ك!!انوا ال يعرف!!ون انقض!!اء
السورة حتّى تنزل« :بِسْمِ اهللِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» ،فإذا نزلت علم!!وا
أنْ قد انقضت السورة ،ونزلت أخرى(.)872
حَس!! ب ال!!نزول
ْ وغيرها من الروايات ،التي تدلّ على ترتيب اآليات
في زمن النبيّ .وهو يقتضي أن تكون اآليات المكّي!!ة دُوِّنَتْ في الس!!ور
المكّية ،واآليات المدنية في السور المدن!ية .ولكنّ ما ن!!راه في المص!!حف
الذي بين أيدينا خالفُ ذلك؛ حيث توجد آياتٌ مكّية في سور مَدَنية ،أو
آيات مدنية في سور مكّية .وهكذا نالحظ آي !اتٍ نازل!!ةً في أواخ!!ر عه!!د
النبيّ| وهي واقعةٌ في سورٍ نازلةٍ في أوائل الهجرة ،ممّ!!ا ي !دلّ على أنّ
القران الموجود عندنا غير ما كان في عهد النبيّ|.
اعتراض وإشكال
ٌ
أوّالً :إنّ هذه الروايات قد ذكرت االبتداء واالنتهاء البدويّ للسور،
وأنّ السورة يجب أن تختتم بالبسملة ،كما يجب أن تب!!دأ بالبس!!ملة .ولم
تمنع من ضمّ آيةٍ أو آيات يقوم بها رسول اهلل| إلى آيات سورةٍ مكتمل!!ة.
وقد جاء في عددٍ من الروايات أنّ النبيّ| ك!!ان ي !أمر بعض الص!!حابة أن
يضع اآليات التي كانت تنزل عليه متأخِّراً في سور ق!!د انتهت واختتمت
كتابتها:
فقد رُوي عن ابن عبّاس ،عن عثمان أنّه قال :إنّ رسول اهلل| ك!!ان
ممّا يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العَدَد ،فكان إذا أن!!زل
عليه الشيء دعا بعض مَنْ يكتب ،فيقول :ضعوا هؤالء اآلي!!ات في الس!!ورة
التي يذكر فيها كذا وكذا ،فإذا نزلت عليه اآلي!!ة فيق!!ول :ض!!عوا ه!!ذه
اآلية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا(.)873
وفي لفظٍ آخر قال :كان النبيّ| ممّا ت!!نزل علي!!ه اآلي!!ات ،في!!دعو
390االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
بعض مَنْ كان يكتب له ،ويقول له« :ضع ه!!ذه اآلي!!ة في الس!!ورة ال!!تي
يذكر فيها كذا وكذا» ،وتنزل عليه اآلية واآليتان فيقول مثل ذلك.
والرواية صحيحةٌ ،كما صرَّح الحاكم النيسابوري(.)874
وهذه الرواي !ات وغيره!!ا ت!!دلّ على أنّ النبيّ| دائم!!اً ك!!ان ي !أمر
بإضافة آياتٍ في سورٍ قد انقض!ي ت!!دوينها حَسْ! ب الظ!!اهر .ومن ذل!!ك
ي تّضح لنا عدم صحّة قول العالّمة الطباطبائي ،حيث ذهب إلى أنّ روايات
البسملة تدلّ على ترتيب اآليات حَسْب النزول في زمن النبيّ| ،خالفاً لما
نراه في المصحف الذي بين أيدينا ،من وجود آيات مكّية في سور مدني!!ة،
أو آيات مدنية في سور مكّية ،أو وجود آيات نازلة في أواخر عهد الن!!بيّ|
وهي واقعةٌ في سور نازلة في أوائل الهجرة ،ممّا ي!!دلّ على أنّ الق!!رآن
الموجود عندنا غير ال!!ذي ك!!ان في عه!!د الن!!بيّ|؛ ف!!إنّ جمي!ع ذل!!ك ال
يعارض قولنا بأنّ اآليات المكّية والمدنية المتداخلة إنّما حص!!لَتْ ب!!أمرٍ
من رسول اهلل|.
كما أنّها تنقض قول العالّمة؛ فإنّه بعدما نقل رواية عثمان بن أبي
العاص ،الدالّة على وضع الرسول قوله تعالى﴿ :إِنَ اهللَ يَأْمُرُ بِالْعَ!!دْلِ
وَاإلِحْسَانِ﴾ في موضعٍ مغاير لترتيب نزولها ،قال :ال تدلّ هذه الرواي !ة
على أزي!!د من فعله| في بعض اآلي!!ات في الجمل!!ة ،ال بالجملة( .)875ف!!إنّ
الروايات التي مرَّ ذِكْرُها صريحةٌ في أنّ النبيّ| كثيراً ما كان يأمر
بوضع آيةٍ ،بل آياتٍ ،بل سورٍ بكاملها ،في موض!!عٍ يغاير الموض!!ع ال!!ذي
نزلت فيه تلك اآلية أو اآليات.
يقول القرطبي :ذكر أبو بك!!ر األنب!!اري ،في كت!!اب ال!!ردّ ،أنّ اهلل
تعالى أنزل القرآن جملةً إلى س!!ماء ال!!دنيا ،ثمّ ف!!رّق على الن!!بيّﷺ في
عشرين س!!نة .وك!!انت الس!!ورة ت!!نزل في أم!!رٍ يح!!دث ،واآلي!!ة جواب!!اً
لمستخبرٍ يسأل ،يوقف جبريل رسول اهللﷺ على موضع الس!!ورة واآلي!!ة.
فاتّساق السور كاتّساق اآليات والحروف ،فكلّه عن محمد خاتم النبيّين×،
عن ربّ العالمين .فمَنْ أخَّر سورةً مقدَّمة أو ق!!دَّم أخ!!رى م!!ؤخَّرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 391
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
ي×
3ـ روايات مصحف اإلمام عل ّ
روى سُلَيْم بن قيس الهاللي ،عن سلمان الفارسي رضوان اهلل علي!!ه
392االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
قال :لمّا رأى أمير المؤمنين صلوات اهلل عليه غدر الناس ب!!ه ل!!زم بيت!!ه،
وأقبل على القرآن يؤلِّفه ويجمعه(.)878
وروى عنه× ،قال :آلى على نفسه أن ال يض!!ع رداءه على عاتق!!ه ،إالّ
للص!!الة؛ حتّى يؤلِّ!!ف الق!!رآن ويجمع!!ه ،ف!!انقطع عنهم م!!دّةً إلى أن
جمعه(.)879
وقال ابن النديم ـ بسندٍ ي!!ذكره ـ :إنّ عليّ!!اً× رأى من الن!!اس
طِيَرةً عند وفاة النبيّ| ،فأقس!!م أن ال يض!!ع رداءه حتّى يجم!!ع الق!!رآن،
فجلس في بيته ثالثة أيّام حتّى جمع القرآن(.)880
وعن اإلمام الباقر× قال :ما من أحدٍ من الن!!اس يق!!ول :إنّ!!ه جم!!ع
القرآن كلّه كما أنزل اهلل إالّ كذّابٌ .وما جمعه وما حفظه كما أنزل
اهلل إالّ عليّ بن أبي طالب(.)881
وعنه× قال :ما ن!!زلت آي!!ةٌ على رس!!ول اهلل| إالّ أقرأنيه!!ا وأماله!!ا
عليَّ ،فأكتبها بخطّي .وعلَّمني تأويلها وتفسيرها ،وناسخها ومنسوخها،
ومحكمها ومتشابهها ،ودعا اهلل لي أن يعلِّمني فهمها وحفظها .فما نس!!يتُ
آيةً من كتاب اهلل ،وال علماً أماله عليَّ فكتبته ،منذ دعا لي ما دعا(.)882
وتقريب االستدالل :إنّ جمع القرآن عقب موت الن!!بيّ| على ت!!رتيب
النزول يدّل على أنّ اإلمام× لم يرضَ بالجمع والترتيب الموجود في هذا
القرآن ،فلو كان ترتيب آيات القرآن بأمرٍ من النبيّ لما خالف اإلمام هذا
الترتيب.
وضمُّ هذه الطوائف الثالثة من الروايات إلى بعض!ها ي!دلّ على أنّ
اآليات القرآنية في عهد النبيّ ك!!انت مرتب!!ةً بحَسَ! ب ت!!رتيب ال!!نزول،
فكانت المكّيات في السور المكّية ،والمدنيات في الس!!ور المدني !ة .خالف!!اً
لما نراه في القرآن الذي بين أيدينا ،من وج!!ود آي!ات مدني!ة وض!!عت في
سور مكّية ،ووجود آيات مكّية وضعت في س!!ور مدني !ة؛ أو ك!!ون آي !ات
نازلة في أواخر عهد الن!!بي| واقع!!ةً في س!!ور نازل!!ة في أوائ!!ل الهج!!رة،
كآيات الرِّبا ،التي تُعَدّ من آخ!!ر م!!ا ن!!زل على النبي| ،وهي واقع!!ةٌ في
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 393
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
سورة البقرة ،وغيرها من اآليات .فكلّ ذلك يورث الجَزْم لنا أنّ ت!!رتيب
بعض اآلي!!ات القرآني!!ة على م!!ا ه!!و علي!!ه اآلن ليس إالّ باجته!!ادٍ من
الصحابة(.)883
تساؤالتٌ مشروعة
وممّا استدلّ ب!!ه العالّم!!ة الطباطب!!ائي على وج!!ود التع!!ارض بين
المصحف العثماني الموجود بين أيدينا والمصحف الذي قام النبيّ| بجمعه
وترتيبه ،ومنه إلى القول بعدم توقيفية ترتيب آي!ات الق!!رآن الكريم ،ه!!و
الخاص!! ة
ّ المصحف المعروف بـ (مصحف عليٍّ×) .فق!!د ورد عن طري!!ق
والعامّة أنّ عليّاً× جمع القرآن على ت!رتيب ال!نزول عقب الن!بيّ| ،وه!و
يختلف عن ترتيب اآليات الموجودة في المصحف العثماني .ممّا يؤيِّد أنّ
الترتيب الموجود في هذا المصحف لم يكن بأمرٍ من النبيّ| ،وإنّما ك!!ان
برأيٍ واجتهاد من الصحابة.
نعم ،ممّا ال شَكَّ فيه أنّ اإلم!!ام أم !ير المؤمنين× ك!!ان من أوّل
األصحاب الذين جمعوا القرآن .وقد ثبت متواتراً أنّه ك!!ان ل!ه مص!!حفٌ
يسمّى بـ (مصحف عليّ×) .ولكنْ ه!!ل ه!!ذا المص!!حف كُتب بع!!د وف!!اة
النبيّ|؟ وهل ترتيب آياته يختلف عن ت!!رتيب آي !ات المص!!حف العثم!!اني؟
وبعبارةٍ أخرى :هل جمع اإلمام آيات هذا المصحف حَسْب ت!!رتيب ن!!زول
اآليات؟ وما الذي يميِّز هذا المصحف عن المص!!حف العثم!!اني المت!!داول
بيننا؟
المشهور بين المؤرِّخين أنّ اإلم!!ام عليّ!!اً× ،بع!!دما ت!!وفي الن!!بيّ|،
وبعدما أبعدوه عن الخالفة ،جلس في داره ،ولم يخ!!رج منه!!ا حتّى جم!!ع
القرآن.
يقول ابن شهرآش!!وب :إنّه× آلى على نفس!!ه أن ال يض!!ع رداءه على
عاتقه ،إالّ للصالة ،حتّى يؤلِّف القرآن ويجمعه ،فانقطع عنهم م!!دّةً إلى
أن جمعه(.)884
394االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 395
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
396االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 397
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
بن الحسن.#
وإنّما ذهبوا إلى ذل!!ك؛ لم!!ا فهم!!وه من األخب!!ار والرواي !ات ال!!تي
وصفَتْ هذا المصحف الشريف بأنّه مكتوبٌ حَسْب ما أنزله اهلل ،أو كما
أُنزل على النبيّ ،كرواية اإلمام الصادق× قال :أما واهللِ لو قُرئ الق!!رآن
كما أُنزل أللفيتمونا فيه مسمَّين ،كما سُمِّي مَنْ كان قبلنا(.)891
إالّ أنّ هذا الفهم والتفسير غير تامٍّ ،ب!ل الم!!راد أنّ ذك!!ر أس!!ماء
األئمّة لم يكن في ألفاظ اآليات ،وإنّما هي م!!ذكورةٌ م!!ا وراء الس!!طور،
وفي باطن اآليات .وهذا ما أراده اإلمام.
وقد ورد أنّ ثلث القرآن نزل فيهم؛ حيث رُوي عن األصبغ بن نباتة
أنه قال :سمعتُ أمير المؤمنين× يقول :ن!!زل الق!!رآن أثالث!!اً :ثلثٌ فين!!ا
وفي عدوّنا ،وثلثٌ سنن وأمثال ،وثلثٌ فرائض وأحكام( ،)892فال معنى ألن
يكون هذا العدد الكبير من اآليات قد صرّح بأسماء األئمّة^!
وعليه ،يتبين أنّ مقصود اإلمام أنّه ن!!زل في ش!!أنهم ومقام!!اتهم ،ال
في ذكر أسمائهم.
وهكذا في الحديث المذكور آنفاً« :لو قرئ القرآن كم!!ا أُن!!زل»،
يع!!ني ل!!و ق!!رئ بتفس!ي!ره وبم!!ا تحتوي!ه اآلي!ات من مع!!نىً في داخله!!ا
لوجدتمونا مذكور!ين في القرآن؛ ألنّ ثلث القرآن نزل فينا.
كانت هذه أهمّ األدلّة التي استند إليه!!ا العالّم!!ة الطباطب!!ائي على
عدم توقيفية ترتيب اآليات ،وقد رأيْتَ أنّها غير صامدةٍ أمام النقد.
398االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
وآياته ،مع ما تحتوي من نظمٍ وترتيب فيما بينه!!ا ،هي من اهلل س!!بحانه.
ومن تلك اآليات :قوله تعالى﴿ :قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اهللِ نُ!!ورٌ وَكِتَ!!ابٌ
مُبِينٌ﴾ (المائدة)15 :؛ وقول!!ه تع!!الى﴿ :إِنَّ!!ا نَحْنُ نَزَّلْنَ!!ا عَلَيْ!!كَ
الْقُرْآنَ تَنْزِيالً﴾ (اإلنس!!ان)23 :؛ وقول!!ه تع!!الى﴿ :وَإِنَّ!!كَ لَتُلَقَّى
الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ (النمل ،)6 :وقوله تعالى﴿ :وَنَزَّلْنَا
عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَ! يْءٍ وَهُ!!دىً وَرَحْمَ!!ةً وَبُشْ! رَى
لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل.)89 :
وهذه اآليات صريحةٌ في أنّ ه!!ذا الكت!!اب منس!!وبٌ إلى اهلل تع!!الى،
وأنّه نزل من عنده سبحانه ،ونحن نعلم أنّه ال تص!!حّ نس!!بة كت!!ابٍ إلى
أحدٍ إالّ إذا ثبت أنّ ألفاظ الكتاب وعباراته المنس!!جمة فيم!!ا بينه!!ا من!!ه.
وهكذا بالنسبة إلى هذا الكتاب السماويّ ،ال تصحّ نسبته إلى اهلل تعالى إالّ
إذا كانت جميع ألفاظه وآياته والترتيب القائم بينها من اهلل تع!!الى .وق!!د
أثبت القرآن الكريم ذلك في قول!!ه تع!!الى﴿ :وَقَ!!الَ الَّ!!ذِينَ كَفَ!!رُوا
لَوْالَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِ!!هِ
فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيالً﴾ (الفرقان .)32 :والترتيل بمعنى التنس!!يق
والتنضيد .يقول العالّمة المصطفوي :رتَّ!!ل الكالم أي إذا أحس!!ن تأليف!!ه
وتنسيقه وأبانه ونظَّمه( .)893ويقول الزمخشري :رتَّل الق!!رآن ت!!رتيالً:
إذا ترسَّل في تالوته وأحس!!ن ت!!آليف حروفه( .)894وب!!ذلك يتَّض!!ح أنّ
ترتيب آيات القرآن الكريم وتأليفها من اهلل تعالى.
وفي هذه اآليات أيضاً ردٌّ على بعض الرواي !ات ال!!تي اس!!تند إليه!!ا
العالّمة الطباطبائي ،كرواية زيد بن ث!!ابت ق!!ال :قبض الن!!بيّ| ولم يكن
القرآن جُمع في شيءٍ؛ فإنّ عدم جمع القرآن ال ينسجم مع تعابير اآليات
التي عبَّرَتْ عن القرآن بالكتاب؛ فإنّ التعبير بالكتاب ال يطلق على آياتٍ
وجملٍ متناثرة على خشبٍ وعسبٍ وقراطيس وغيرها.
أضِفْ إلى ذلك أنّنا نجد التناقض الواضح في كالم العالّمة؛ فه!!و
من جهةٍ يذكر أنّ اآليات كانت مرتّبةً عن!!د الن!!بيّ| بحَسَ! ب نزوله!!ا،
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 399
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
400االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية ،قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي
بَلْ الَ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَ!!دِيثٍ مِثْلِ!!هِ إِنْ كَ!!انُوا صَ! ادِقِينَ﴾
(الطور .)34 :إذن المقصود من سورةٍ واحدة أو عشر س!!ورٍ هي الس!!ور
القرآنية التي ال يستطيع أن يأتي بمثلها أحدٌ إالّ اهلل تعالى .وعليه ،فكيف
يُقال :إنّ ترتيب آيات السور القرآنية كان باجته!!ادٍ من الص!!حابة ،وهم
الذين جمعوا اآليات المتناثرة في موضعٍ واح!!د ،وص!نعوا منه!ا س!ورةً؟!
أليس هذا يخالف قوله تعالى ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ
ص!! ادِقِينَ﴾
مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اهللِ إِنْ كُنْتُمْ َ
(يونس.)38 :
النتيجة
وبهذه الدراسة المختصرة يتَّضح لنا أنّ ما استدلّ به العالّم!!ة من
الروايات غيرُ تامٍّ:
فأمّا روايات الجم!!ع األوّل فهي ،م!!ع إرس!!الها وتناقض!!ها ،تع!!ارض
مسألة إعج!!از الق!!رآن ،كم!!ا أنّه!!ا تع!!ارض أيض!!اً الرواي!ات المت!!واترة
المرويّة عن أهل البيت^ في أنّ القرآن جمع في زمن النبيّ|.
وأمّا رواي ات البسملة فهي ،باإلضافة إلى تعارضها مع روايات أخرى،
فإنّها ذكرت االبتداء واالنتهاء البَدْويّ للسور ،وأنّ السورة يجب أن تبدأ
وتنتهي بالبسملة ،ولم تمنع من ض!!مّ آي !اتٍ أخرى إلى الس!!ور المكتمل!!ة
بالبسملتين ،وقد نصّ في بعض األخبار على ذلك.
وأمّا روايات مصحف عليّ× فهي ،وإنْ دلَّتْ على أنّ اإلمام كان له
مصحفٌ ،إالّ أنّ ذلك المصحف ال يختلف عن المصحف ال!!ذي كتب!!ه في
زمن النبيّ| ،والذي تتوارثه األجيال إلى يومنا هذا.
كما اتّضح لنا في المحور الثاني ،من خالل بعض اآلي !ات الكريم!!ة،
أنّ الترتيب القائم بين اآليات القرآنية من اهلل تعالى.
وبذلك تتّضح لن!!ا نتيج!!ة البحث ،وهي أنّ الصحيح ه!!و توقيفي !ة
ترتيب اآليات القرآنية.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 401
• الشيخ عيسى محسني /د .الشيخ محمد هادي المنصوري
الهوامش
402االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
نحتاجُ دائماً إلى إعادة قراءة تراثنا ال!!ديني ،ومراجع!!ة كث!!ير من
تحوُّالت تاريخنا العربيّ واإلسالميّ( ،)896والتمعُّن في مختل!!ف أحداث!!ه
ووقائعه الكثيرة ،التي امتدّت لق!!رون عدي!!دة ،وخاص!!ة ت!!اريخ أه!!ل بيت
النبوّة^ ،ممَّنْ كانتْ لهم تعاليمهم السامية ،وأساليبهم العملي!!ة الرائ!!دة
في الدعوة إلى اإلس!!الم ،ومح!!اولتهم ترك!!يزه في واق!!ع األمّ!!ة وَعْي!!اً
ومسؤوليات فردي!!ة وجماعي!!ة ،ال ب!!القول فق!!ط ،ب!!ل بالق!!دوة واألس!!وة
الحَسَنة ،في انخراطهم الميداني التربوي والعلمي م!!ع الن!!اس في مواق!!ع
الحياة والمسؤوليّات العملية.
ونحن هنا نتابع هذه القراءات مع أحد أئمّتنا العظام^ ،وه!!و اإلم!!ام
عليّ الرضا× .ولكنْ ال بُدَّ لنا قب!!ل الب!!دء بتحلي!!ل ه!!ذا الج!!انب العلمي
والتربوي الهامّ من حيات!!ه المبارك!!ة ،من الوق!!وف مليّ!!اً أم!!ام حقيق!!ة
المالبسات السياسية واألوضاع االجتماعية العامة التي عايش!!ها× في ذل!!ك
العصر من تاريخ األمّة ،ومحاولة استيعاب معالمها الرئيسة ،ومتغيِّراته!!ا
التاريخية في سياق وَعْيه× لها ،ولتمثُّالتها الواقعية ،وامتالك!!ه لرؤي!!ةٍ
إسالمية موضوعية في مواجهتها ،والتكيُّ!!ف اإليج!!ابي الفاع!!ل م!!ع بعض
عناصرها الضاغطة التي فرضَتْ نفسها عليه في هذا الموقع أو ذاك .فم!!ا
هي ه!!ذه التغيُّ!!رات؟! وم!!ا هي األج!!واء الفكري!!ة والثقافي!!ة الجدي!!دة
ٌ
باحث وكاتبٌ في الفكر العرب ّي واإلسالم ّي.ـ من سوريا. (*)
*)
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 403
• أ .نبيل علي صالح
404االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
3ـ انتشار 6الثورات 6واالنتفاضات( 6من مظاهر التفرقة والتنابذ والصراع السياسي)6
اس!!تمرّ العبّاس!!يون في اعتم!!اد الوس!!ائل والط!!رق السياس!!ية
واالجتماعية القاسية والظالمة نفسها التي اتَّبعها أسالفهم األمويّون()911؛
من أجل تثبيت مُلْكهم العضوض وزعامتهم على رأس الس!!لطة والحكم ،ال
بل يمكن القول :إنهم (أي بني العبّاس) تفوَّقوا على األمويين ـ في اتّباع
مختلف أساليب وصنوف العذاب والظلم ـ أض!!عافاً مض!!اعفة ،حتّى وص!!ل
األمر بالناس إلى أنهم كانوا يتمنّون عودة الحكم األمويّ على ما فيه من
ويالتٍ ومآسٍ!
ومن المعروف ـ بالنسبة إلى الجميع ـ أن تلك السياس!!ات الفوقي!!ة
الظالمة قد أدَّتْ إلى إحداث فتن اجتماعية ،وت!!وتُّرات ديني!!ة وسياس!!ية،
أسَّسَتْ (بحكم قوّة مراكزها ،واتّساع نفوذ أقطابها) مواق!!عَ تنظيميّ!!ة
لحركة العنف والصراع والتنابذ السياس!!ي في األمّ!!ة .وبالت!!الي أج!!برت
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 405
• أ .نبيل علي صالح
الناس ودفعَتْهم إلى حمل السالح ،وسلوك طري!!ق ال!!دم والعن!!ف ،وإعالن
الثورات ،والدفاع عن الحقّ ض!!دّ النظ!!ام الح!!اكم( )912بش!!رعيّة الق!!وّة
والنار( . )913ولعلّ ما ورد من كالمٍ على لسان ابن أبي ذؤيب ـ في إجابته
عن سؤال المنصور الدوانيقي :أيُّ الرجال أنا؟ ـ يمكن أن يك!!ون كافي!!اً
لتصوير حالة التوتُّر والضغط الذي كان يرزح تحتها أبناء المجتمع في
العهد العبّاسي .فها هو يقول للمنصور« :أنتَ واهلل عندي ش!!رُّ الرج!!ال،
استأثَرْتَ بمال اهلل ورسوله ،وسَهْم ذوي القربى واليت!!امى والمس!!اكين،
وأهلكْتَ الضعيفَ ،واتّبعْتَ القويّ ،وأمسكْتَ أموالهم»( .)914وق!!د س!!بق
لهذا «المنصور» أن ادّعى لنفسه حقّ التصرُّف المطل!!ق بالعب!!اد والبالد،
واعتبر نفسه ظالًّ هلل على األرض .يقول« :أيها الناس ،إنّم!!ا أن!!ا س!!لطان
اهلل في أرضه ،أسوسكم بتوفيقه وتسديده ،وأنا خازن!!ه على فَيْئ!!ه ،أعم!!لُ
بمشيئته ،وأقسمه بإرادته ،وأعطيه بإذنه ،قد جعلني اهلل عليه قفالً ،إذا ش!!اء
أن يفتحني فتحني ،وإذا شاء أن يقفلني قفلني»(.)915
406االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 407
• أ .نبيل علي صالح
408االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
لكنّ هذا التفاعل والتبادل الحضاري الذي حدث بين تلك المع!!ارف
والفلسفات والطروح!!ات الثقافي!!ة ،وأنم!!اط التفك!!ير ،وال!!رؤى الفكري!!ة
والعقائدية المختلفة ،لم يكن ليمرّ دون أن يترك آثاراً جانبيّ!!ة خط!!يرة
على مستوى نش!!وء ردود أفع!!ال معيَّن!!ة (ش!!اذّة وخالف م!!ا ه!!و س!!ائد)
ان!!دفعَتْ إلى س!!طح الواق!!ع ،وتمثَّلت بظه!!ور مجموع!!ةٍ من التش!!كيالت
العقائدية ،والتيارات الفكرية ،والفِرَق الكالمية والفلسفية ،ال!!تي ح!!اولت
أن تبني لنفسها شرعيّةً قانونيةً ،دينيةً واجتماعية؛ من أج!!ل بثّ آرائه!!ا
(واجتهاداتها) بين صفوف أبناء المجتمع.
لقد كان من الطبيعيّ أن تطفو تلك الحركات الفكرية على سطح
الواقع التاريخي اإلسالميّ آنذاك ،وتمارس عملها الدعوتي التشكيكي ـ إذا
صحّ التعبير ـ؛ وذلك بالنظر إلى طبيعة األجواء والظروف الموض!!وعية،
الداخلية والخارجي!!ة ،ال!!تي س!!ادَتْ هن!!اك ،وتحكَّمَتْ بمس!!يرة احتك!!اك
وانفتاح حضارتنا وثقافتنا اإلس!!الميّة على الحض!!ارات األخ!!رى؛ حيث لم
تكن حضارتنا جاهزةً ومهيّأةً بمقدار الكفاية ـ على صعيد الفكر الموجود
والق!!ادة الم!!تزعِّمين للحكم والتجرب!!ة ـ للسَّ! يْر في مج!!ال التب!!ادل
والتواصل مع باقي ثقافات وحض!!ارات الع!!الم ،وخصوص!!اً بع!!د أن ج!!رى
تعطيل مدرسة أهل البيت^ ،وإقصاء روّاده!!ا ورموزه!!ا الكب!!ار عن س!!احة
العمل الجماهيريّ ،واإلمعان في مالحقتهم (وقتلهم) من قِبَ!!ل الس!!لطات
الزمنيّة الحاكمة؛ خوفاً وطمعاً.
لقد تسبَّب هذا االنفتاح الحضاري غير المت!!وازن في ب!!روز قض!!ايا
ووقائع فكريّة وسياسية واجتماعية وحضارية كثيرة جدّاً ،كان ال بُ!!دَّ
من تبيان رأي الشريعة والفقه اإلسالميّ األصيل حولها .ويبدو أن ظه!!ور
المذاهب الفكرية ،واآلراء الفقهية اإلسالمية ،كان هو المحصّلة اإلجمالية
العامّة التي تمخّضت عن اتّساع ونموّ حركة تلك التط!!وّرات الكب!!يرة
والسريعة التي شهدَتْها أمّتنا خالل ذلك العصر.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 409
• أ .نبيل علي صالح
المبحث الثاني 6:د َْور اإلمام الرضا× في مواجهة الواقع المنحرف لعصره
إنّ الذي يتابع أسلوبَ وطريق!ةَ أداء اإلم!ام عليّ الرضا× في وَعْي
(ودراسة ومواجهة) تلك المظاهر السلبيّة العامّة التي انطبع بها عص!!ره
يمكن أن يمنهج عمل وحركة اإلمام× على مستوى! التواصل اإليجابيّ م!!ع
الفكر اإلسالميّ ،وحماية العقيدة الدينية ،وتحصين األمّة من الوقوع بين
براثن التخلُّف والسقوط واالنهيار ،من خالل ما يلي:
410االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
في غيره فتضلّوا .هو حبلُ اهلل المتين ،وعروته الوثقى ،وطريقته المثلى،
المودي إلى الجنّة ،والمنجي من الن!!ار .ال يخل!!ق على األزمن!!ة ،وال يغثّ
على األلسنة؛ ألنه لم يُجْعَلٍ لزمانٍ دون زمانٍ ،بل جُعل دلي!!ل البره!!ان،
والحجّة على كلّ إنسانٍ﴿ !:الَ يَأْتِيهِ الْبَاطِ!!لُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ!!هِ وَالَ
مِنْ خَلْفِ!!هِ تَنزِي!!لٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِي!!دٍ﴾ .ف!!القرآن حيٌّ ال يط!!رؤه
الموت والبوار ،كما أنه حقٌّ ال يقرب!!ه البطالن؛! ألن!!ه المظه!!ر الت!!امّ هلل
سبحانه ،الذي هو حياةٌ ال موت فيها ،وحقٌّ ال يحوم حوله البطالن؛! ألن!!ه
تعالى لم ينزله لزمانٍ دون زمان ،وال ألناسٍ دون أن!!اسٍ ،فه!!و في ك!!لّ
زمنٍ جديد ،وعند كلّ قومٍ غضٌّ إلى يوم القيامة»(.)927
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 411
• أ .نبيل علي صالح
412االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 413
• أ .نبيل علي صالح
414االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 415
• أ .نبيل علي صالح
أـ إعادة التأكي66د على أص6ول العقي66دة اإلس6الميّة ،وش6رحها ،وتث6بيتُ 6أ ُ
سس66ها العام6ة في
ذهنيّة األ ّمة
1ـ نموذج التوحيد
416االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 417
• أ .نبيل علي صالح
الج ْبر واالختيار
2ـ نموذج َ
418االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 419
• أ .نبيل علي صالح
وفي ردّه الحاسم على تلك الطروحات المض!!لِّلة ،ال!!تي ج!!اء به!!ا
علماء األشاعرة والمعتزل!!ة ،رفض اإلم!!ام الرضا× رفض!!اً قاطع!!اً القب!!ول
باألفكار والحُجَج والبراهين التي أورده!!ا الفريق!!ان .فأوضح× المف!!اهيم
الملتبسة !،وصحَّح التفسير الخاطئ للعالقة بين اهلل تع!!الى وإرادة العب!!اد.
وه!!ا ه!!و يجيب عن س!!ؤالٍ ورده ح!!ول الج!!بر والتف!!ويض بقول!!ه« :أال
أعطيكم في هذا أص!!الً ال تختلف!ون في!!ه ،وال يخاص!!مكم علي!ه أح!!دٌ إالّ
كسرتموه؟!» ،قلن!!ا :إنْ رأيْتَ ذل!!ك ،فق!!ال« :إن اهلل تع!!الى لم يُطَ!!عْ
بإكراهٍ ،ولم يُعْصَ بغَلَبةٍ ،ولم يهمل العباد في ملكه .هو المال!!ك لم!!ا
ملَّكهم ،والقادر على ما أقدرهم عليه؛ فإنْ ائتم!!ر العب!!اد بطاعت!!ه لم يكن
اهلل عنها صادّاً ،وال منها مانعاً؛ وإنْ ائتم!!روا بمعص!!يته فش!!اء أن يح!!ول
بينهم وبين ذلك فعل ،وإنْ لم يحُلْ ففعلوا فليس هو الذي أدخلهم فيه »،
ثمّ قال׫ :مَنْ يضبط حدود هذا الكالم فقد خصم مَنْ خالفه»(.)937
420االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 421
• أ .نبيل علي صالح
422االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
تبارك وتعالى ينزل ك!!لّ ليل!!ةٍ إلى الس!!ماء ال!!دنيا؟! فق!!ال׫ :لعن اهلل
المحرِّفين الكَلِم عن مواضعه .واهللِ ،ما قال× كذلك ،إنما ق!!ال :إن اهلل
تبارك وتعالى يُنْزِل مَلَكاً إلى السماء كلّ ليلةٍ في الثلث األخير ،وليلة
الجمعة في أوّل الليل ،فيأمره فينادي :أَهَل من سائلٍ فأعطيه؟! ه!!ل من
تائبٍ فأتوب عليه؟! هل من مستغفرٍ فأغفر له؟! يا طالب الخير فأقبل ،يا
طالب الشرّ أقصر .فال يزال ينادي به!!ذا حتّى يطل!!ع الفج!!ر ،ف!!إذا طل!!ع
الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السماء .حدَّثني ب!!ذلك أبي ،عن ج!!دّي،
عن آبائه ،عن رسول اهلل|»(.)944
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 423
• أ .نبيل علي صالح
424االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
الصنعة ،أَوَما رأيْتَ أن الرجل اتّخذ شيئاً فليلطف في اتّخاذه؟ فيقال :ما
ألطف فالناً ،فكيف ال يقال للخالق الجليل( :لطيف) إذا خلق خلقاً لطيفاً
وجليالً ،وركب في الحيوان منه أرواحها ،وخلق كلّ جنسٍ متباين!!اً عن
جنسه في الصورة ،وال يشبه بعضه بعض!!اً ،فك!!لٌّ ب!!ه لط!!فٌ من الخ!!الق
اللطيف الخبير في ت!!ركيب ص!!ورته .ثمّ نظرن!!ا إلى األش!!جار ،وحمله!!ا
أطايبها ،المأكولة منها وغير المأكول!!ة ،فقلن!!ا عن!!د ذل!!ك :إن خالقن!!ا
لطيفٌ ال كلطف خلقه .وقلنا :إنه س!!ميعٌ؛ ألن!!ه ال يخفى علي!!ه أص!!وات
خلقه ما بين العرش إلى الثرى ،من ال!!ذرّة إلى م!!ا ه!!و أك!!بر منه!!ا ،في
برّها وبحرها ،وال يشتبه عليه لغاتنا ،فقلنا :إنه سميعٌ ال ب!!أُذُن .وقلن!!ا:
إنه بصيرٌ ال ببصرٍ؛ ألنه يرى أثر الذرة السحماء( )946في الليل!ة الظلم!!اء
على الص!!خرة الس!!وداء ،وي!!رى دبيب النم!!ل في الليل!!ة الدجيّ!!ة ،وي!!رى
مضارّها ومنافعها ،وفراخها ونسلها ،فقلنا عند ذلك :إنه بصيرٌ ال كبصر
خلقه»(.)947
أما مواجهته× للواقفية( )948ـ وهي فرقةٌ كالميّة منحرف!!ة ،ادَّعت
أن اإلم!ام موس!!ى بن جعفر× لم يمُتْ ،ب!ل رُف!ع كم!ا رُف!ع عيس!!ى بن
مريم× ،وأنه هو المهديّ ،وسيعود إلى عالم الدنيا مرّةً أخ!!رى ،وال يمكن
أن يك!!ون من بع!!ده أيّ إم!!امٍ ،ورفض!!وا إمام!!ة عليّ بن موس!!ى الرضا×
وخالفته ألبيه( .)949فقد كاتب الرضا× ـ بعد شهادة أبيه الكاظم× ـ بعض
أقطاب ورموز هذه الفرقة فلم يستجيبوا لرسالته ،التي كشفَتْ بوض!!وحٍ
تامّ عن الغايات والمصالح المادّية المنحطّ!!ة الكامن!!ة وراء أج!!وبتهم ،من
العصيان ،وتصنيع األعذار ،والطَّمَع بالمال(.)950
ولإلمام الرضا× رأيٌ واضح بشأن تل!!ك الفرق!!ة ،وبزعاماته!!ا .فعن
إبراهيم بن أبي يحيى بن أبي البالد قال :قال الرض!!ا« :م!!ا فع!!ل الش!!قيّ
حمزة بن بزيع؟» ،قلتُ :هو ذا قدم ،فقال« :يزعم أن أبي حيٌّ ،هم الي!!وم
شكّاكٌ ،وال يموتون غ!!داً إالّ على الزندقة» ،ق!!ال ص!!فوان :فقلتُ بي!!ني
وبين نفسي :شكّاك قد عرفْتُهم ،فكيف يموتون على الزندقة؟! فما لبثن!!ا
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 425
• أ .نبيل علي صالح
إالّ قليالً حتّى بلغنا عن رجلٍ منهم أنه قال عند موته :هو كافرٌ ب!!ربٍّ
أماته ،قال صفوان :فقلتُ هذا تصديقُ الحديث»(.)951
وفي إحدى! رسائل اإلمام× إلى البزنطيّ يكشف لنا واقع دعوة هؤالء،
ودوافعها؛ فقد جاء في الرسالة« :أما ابن السرّاج فإنما دعاه إلى مخالفتنا،
والخروج من أمرنا ،أنه عدا على مالٍ ألبي الحسن ـ موس!!ى بن جعف!!ر ـ
عظيمٍ ،فاقتطعه في حياة أبي الحسن× ،وك!!ابرني علي!!ه ،وأبى أن يدفع!!ه!،
والناس كلُّهم مسلِّمون مجتمعون على تس!!ليمهم األش!!ياء كلّه!!ا إليَّ.
فلما حدث ما حدث من هالك أبي الحسن × اغتنم فراق عليّ بن أبي حمزة
وأصحابه إيّاي ،وتعلَّل ،ولعم!!ري م!!ا ب!!ه من علّ!!ةٍ إالّ اقتطاع!!ه الم!!ال،
وذهابه به .وأما ابن أبي حمزة فإنه رجلٌ تأوَّل تأويالً لم يُحْسِنْه ،ولم
يُؤْتَ علمه ،فألقاه إلى الناس ،فلجَّّ فيه ،وكره إكذاب نفسه في إبط!!ال
قوله ،بأحاديث تأوَّلها ،ولم يحسن تأويلها ،ولم يُؤْتَ علمها ،ورأى أنه إذا
لم يصدق آبائي بذلك لم يَدْرِ لعلّ ما خبر عنه ،مثل :السفياني وغ!!يره،
أنه كائنٌ ال يكون منه شيءٌ ،وقال لهم :ليس يسقط ق!!ول آبائ!!ه بش!!يء،
ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء ،ولكنْ قص!!ر علم!!ه عن غاي!!ات ذل!!ك
وحقائقه ،فصار فتنةً له ،وشُبِّه عليه ،وفَرَّ من أمرٍ فوقع فيه»(.)952
وهكذا يبدو للجميع أن الطم!!ع بالم!!ال والج!!اه( ،)953وخبث النواي!!ا،
وضعف العقيدة واإليمان ،وتخلخل الشخصية ،واضطراب األفكار في نفوس
هؤالء ،هو الس!!بب األهمّ واألعم!!ق خل!!ف ه!!ذه اآلراء الباطل!!ة وال!!دعاوى
المنحرفة.
426االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 427
• أ .نبيل علي صالح
ي السياس ّي
ب ـ الرهان 6التربو ّ
كان اإلمام الرضا× إنساناً واعياً ومدركاً تماماً لخلفي!!ات وخباي!!ا
واقع أمّته الحضاري في ذلك العص!!ر ،ل!!ذلك لم يس!!تطِعْ ه!!ذا الواق!!ع
الضاغط ـ بكلّ رموزه وشخصيّاته ـ أن يخضع فكره وروح!!ه وعقل!!ه ،أو
يه!!زم قوّت!!ه وإرادت!!ه وق!!راره .ولم تتمكَّن القِيَم الس!!كونية (حبّ
االسترخاء والراح!!ة والدَّع!!ة) من ال!!دخول إلى ج!!وِّه وطبع!!ه النفس!!يّ
الخاصّ.
لقد وجد× نفسه في واقعٍ تربويّ سياسيّ معقَّد ومرتبك وش!!ديد
التلوُّن والزخرف (بالمعنى السلبيّ طبعاً) ،فح!!اول أن يفهم!!ه ويحلِّل!!ه
ويحياه من موقع وَعْيه هو ،ال من موقع سلبيّات الواقع ذاته.
وكان من الطبيعيّ جدّاً أن يعمل الرضا× على مواجهة هذا الواق!!ع
التربويّ السياسي المنحرف عن خ!!طّ اإلس!!الم ،والمف!!روض على األمّ!!ة
بطريقةٍ حركية غير مباشرة ،تقوم على معيارَيْن أساسيّين في رفض أو
قبول الحكم السياسي القائم:
1ـ المعيار األوّل :يتعلَّ!!ق بالج!!انب التثقيفي العقائ!!دي في رفض
التعاون مع أيّ نظ!!امٍ ح!!اكمٍ ظ!!المٍ ،ال يس!!تمدّ! ش!!رعيّته من اإلس!!الم
428االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 429
• أ .نبيل علي صالح
430االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
اسمك قد ذُكِرَ معهم حتّى تصبح جزءاً منهم! فقال׫ :األنبياء أفض!!ل
أم األوص!!ياء؟» ،ق!!الوا :األنبي!!اء ،ق!!ال׫ :الس!!لطانُ المش!!ركُ أس!!وأ! أم
السلطانُ المسلمُ الفاسقُ؟» ،ق!!الوا :الس!!لطان المش!!رك ،ق!!ال׫ :أيُّهم!!ا
أشدُّ ،الذي يتعاونُ طالباً ذلك أم الذي يفرض عليه ذلك؟» ،قالوا :الذي
يطلبه ،فقال׫ :كان يوسف الصدِّيق نبيّاً ،وعزيز مصر ك!!ان ك!!افراً
مشركاً ،ويوسف طلب بنفسه﴿ :قَ!!الَ اجْعَلْنِي عَلَى خَ!!زَائِنِ األَرْضِ
إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف)55 :؛ فق!!د أرادَ أنْ يأخ!!ذ موقع!!اً بحيث
يحسن االستفادة من ذل!!ك الموق!!ع .إض!!افةً إلى أن عزي!!ز مص!!ر ك!!ان
كافراً ،والمأمون مسلمٌ فاسق .لقد كان يوسف نبيّاً ،وأنا وص!!يّ ن!!بيّ.
هو طلب ذلك ،وأنا أُجْبِرْتُ على ذلك(.)966
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 431
• أ .نبيل علي صالح
432االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 433
• أ .نبيل علي صالح
434االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا× ،مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 435
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
دراسة وتقويم ونقد اآلراء واالتّجاهات الفقهيّة المطروحة حول أسباب 6ال ِم ْلكيّة
لقد أشَرْنا الى أنّ المتعارف في الفقه الوضعيّ هو إطالق مصطلح
(أسباب المِلْكيّة) ،وأمّا في فقهنا اإلسالميّ فالمتعارف:
1ـ بيان مصاديق األسباب ،أي أسباب المِلْكيّة بالمعنى الشائع .ومنها
يُمكن انتزاع أسباب المِلْكيّة.
2ـ وندرَ مَنْ تعرَّض إلى حَصْر أسباب المِلْكيّة.
ومهما يكن من أم!!رٍ فق!د ورد في الفق!ه اإلس!!المي التع!رُّض إلى
مص!!ادر المِلْكيّ!!ة ،على اختالفٍ في اآلراء؛ فال!!ذين تعرَّض!!وا ألس!!باب
المِلْكيّة وأسبابها يذكرون عادة أسباباً عديدة لمِلْكيّة اإلنس!!ان ألموال!!ه
المنفص!!لة عنه( .)969أج!!ل ،احتم!!ل بعضٌ انحص!!ارها في س!!ببٍ واح!!د.
ولنذكر هذه اآلراء أو الوجوه:
صراً
االتجاه األ ّول :الحيازة َح ْ
حصر المِلْكيّة في سببٍ واح!!د ،وه!!و الحي!!ازة ،ال!!ذي ه!!و الس!!بب
الوحيد للمِلْك أوّالً وآخراً ،وال سبب س!!واه .وأمّ!!ا م!!ا يُظَنّ أنّ!!ه من
أجوبةٌ وشواهد
1ـ قد أُجيب بأنّ الظاهر من حال المتعاملين في المعامالت خالفه؛
فإنّ كالًّ منهما يملِّك اآلخر ،ال أنّه يرفع اليد عمّ!!ا يملك!!ه بالحي!!ازة
واالستيالء !،بعد أن التحق المال بالمُباحات ،بإعراض المال!!ك األوّل عن!!ه،
ورفعه لليد عنه(.)971
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 437
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
438االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
واضحٌ من قصد الزوجين عند إيقاع العقد خارجاً؛ فإنّ الزوجين يقصدان
الحياة المشتركة.
وكذلك هو ليس معاوض!!ةً ،وال عق!!داً ماليّ!!اً ،من حيث األحك!!ام،
ومن حيث اآلثار المترتِّبة عليه ،كما يتَّضح ه!!ذا من خالل إج!!راء أدنى!
مقارنةٍ بينه وبين سائر المعاوضات والعقود المالية.
وعليه ،فإنّ مثل هذه العقود غير المالية كي!!ف يمكن إرجاعه!!ا إلى
اإلعراض؟! فإنّ العقود مش!!تركةٌ في مع!!نىً واح!!د ،وه!!و االل!!تزام من
الطرفين بإيجاد األثر المترتِّب عليه ،وتحقيق الغرض.
وأمّا ما ورد في بعض النصوص الشريفة ،قرآناً وسنّةً ،من التعبير
باألجر ونح!!وه فال يُ!!راد ب!!ه المع!!نى الحقيقي .ومن هن!!ا احت!!اط بعض
الفقهاء بالتعبير بأنّ النكاح فيه معنى المعاوضة ،أو فيه شائبة المعاوض!!ة،
ولم يجرؤ على التعبير بأنّه معاوضةٌ.
ومن الغريب أنّ المحقِّق اإليرواني قد صرَّح بإرج!!اع النك!!اح إلى
المعاوضة ،بل إلى اإلجارة ،قال...« :وممّا ذكرنا يس!!هل ل!!ك األم!!ر في
بقية المعامالت؛ فإنّها يرجع كثير منها إلى ما ذكَرْنا؛ فإنّ مآل النك!!اح
إلى اإلجارة ،وتسليط الغير على منفع النفس منفعةً خاصّة ،وهي منفع!!ة
البضع .وك!!ذا المزارع!!ة والمس!!اقاة ،وهم!!ا من جزئي!!ات اإلج!!ارة ،وق!!د
تخصَّصتا بالتعلُّق بمتعلَّق خاصّ»(.)980
فمع التسليم بكونه معاوضةً كيف يُدَّعى! أنّه إجارةٌ؟!
أجل ،رُبَما يكون لهذه الدعوى وجهٌ بالنسبة إلى النك!!اح الم!!ؤقَّت،
وإنْ كنّا نرفضها أيضاً.
وعلى أيّ حالٍ فمع فرض التسليم بكون النكاح معاوضةً أو إج!!ارةً
كيف يتمّ تصويره طبقاً لفرضيّة اإلعراض؟!
هذا ،وقد عثرتُ أخيراً على بيانٍ للشهيد الصدر في ه!!ذا المض!!مار،
بمناسبة البحث عن التملي!ك المجّ!اني ،ق!ال« :ولع!لّ من ه!!ذا القبي!!ل:
المَهْر ،وإنْ قال الفقهاء بأنّه مُطعَّمٌ بالمعاوضة( ،)981لكنّ المقصود من
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 439
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
ذلك وجود الداعي على نحو الحيثي!!ة التعليليّ!!ة ،ال التقييدي!!ة ،فليس في
البَين معاوض!!ةٌ بحَسَ! ب ق!!انون المعامل!!ة ،وال بحَسَ! ب المُنْشَ! أ فيه!!ا،
فالزواج ليس معاملةً أو معاوضةً أو مبادلةً ،وإنّما هو إكرامٌ وإحس!!انٌ
وإنعامٌ للمرأة من قِبَل الزوج ،وتمليكٌ شبه مجّ!!انيّ ،ال يُش!!ترط في!!ه
القبض خارجاً»(.)982
3ـ ثمّ ما هو حال سائر النواقل ،كاإلرث؟! فهل يتمّ التمليك في!!ه
على أساس الحيازة؟! فإنّه من المستَبْعَد جدّاً إرجاعه إليها .ولنا رؤي!!ةٌ
خاصّة حول اإلرث ،عسى أن نُوفَّق! لبحثها الحقاً ،إنْ شاء اهلل تعالى.
4ـ ولستُ أدري ماذا يقول هذا المحقِّق الكبير بالنسبة إلى مِلْكيّة
اإلنسان لنفسه ومنافعه وأعماله ،بناءً على ثبوت المِلْكيّة االعتبارية له!!ا،
كما هو الصحيح عندنا؟! فهل يملكها بالحيازة؟!
5ـ وأيضاً م!!ا ه!!و الس!!بب في حص!!ول مِلْكيّ!!ة النم!!اء؟ فه!!ل هي
الحيازة؟!
6ـ كما أنّ هذا االف!!تراض مبتنٍ على ك!!ون اإلع!!راض مُسْ! قِطاً
للمِلْكيّة ومُزيالً لها ،فلو رفضنا المبنى ـ كما رفضه المش!!هور ـ لم!!ا
استقام هذا البناء.
7ـ ثمّ ما معنى اإلعراض الجهتيّ؟! ف!!إنّ المال!!ك إذا أع!!رض عن
ماله أصبح مباحاً لجميع الناس؛ نظراً النقطاع علقته ب!!ه ،وال مع!!نى ألن
يكون مباحاً لشخصٍ ،دون غيره؛ النتهاء سلطنته عليه.
وأمّا دعوى! كون المالك إنّما قصد بهذا اإلع!!راض وقوع!!ه ب!!إزاء
إعراض الطرف اآلخر ،ال مطلقاً ،فال يجوز لطرفٍ ثالث اغتن!!ام الفرص!!ة
بعد اإلعراض والقيام بالحيازة؛ ت!!ذرُّعاً ب!!أنّ اإلع!!راض االس!!تطراقيّ ال
يفسح المجال إالّ للمستطرَق إليه أن يمارس الحيازة ،طبق!!اً للمرتك!!زات
العقالئية( ،)983فغير صحيحةٍ؛ فإنّ هذا القصد مجرّد داعٍ ال أثر له فيم!!ا
لو بقي موضوعٌ للتأثير؛ إذ بإعراضه رف!!ع موض!!وع الت!!أثير على الم!!ال،
فاإلعراض معناه التخلّي عن الشيء ورفع اليد عنه ،وبعد رفع يد المال!!ك
440االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
ال سلطان له على المال حتّى يمنع غير ص!!احبه من حيازت!!ه ،ال من خالل
الداعي ،وال من خالل القيد.
8ـ إنّ ه!!ذا االف!!تراض ال يتمّ في بعض ح!!االت ال!!بيع ،مث!!ل :بي!!ع
الكُلِّي بالذمّة ،كبيع السَّلَف ،فهنا ال مِلْكيّة بالحي!!ازة ،لكنّ المِلْكيّ!!ة
واقعةٌ بالبيع(.)984
9ـ ب!!ل بن!!اءً على مب!!نى المحقِّ!!ق اإلي!!رواني من ص!!حّة بي!!ع
المنافع( ،)985مثل :بيع العمل ،ال يتمّ هذا االفتراض أيض!!اً ،فهن!!ا أيض!!اً ال
حيازة.
وعلي!!ه ال بُ!!دَّ من اإلق!!رار بع!!دم رج!!وع التملي!!ك ال!!بيعيّ إلى
التملُّك! بالحيازة ،وإالّ فلن يُتصوَّر في ما ال يُمْلَك بها(.)986
10ـ إنّ ال!!بيع غ!!ير محت!!اجٍ إلى القبض بحَسَ! ب الخ!!ارج؛ ف!!إنّ
المرتكز عقالئيّاً في تأثير البيع أنّه يؤثِّر حتّى قبل القبض واإلقب!!اض
الخارجيّين.
وعلى أيّ حالٍ لو صحّ ما يُستشمّ من كلمات الفقهاء ال!!واردة في
موارد مختلفة ،من أنّ االرتكاز العقالئي يقتضي أن تكون أف!!راد المعامل!!ة
تامّ!!ةً بمج!!رّد المعامل!!ة ،وبال حاج!!ةٍ إلى حي!!ازةٍ خارجي!!ة من قِبَ!!ل
المشتري ،فال إشكال في أنّ ه!!ذا االرتك!!از ال يمكن تفس!!يرُه وفق!!اً له!!ذا
االفتراض؛ ألنّه يس!!تدعي حي!!ازة المش!!تري للعين ،والمف!!روضُ ع!!دمُها،
فقبل الحيازة والقبض يكون النقل واالنتقال ت!!امَّيْن ،ومع!!ه ال بُ!!دَّ من
فرضِ مِالكٍ آخر لتماميّتها(.)987
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 441
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
إشكا ٌل وإيراد
في البدء أُنبِّه على أنّني شخص!يّاً أش!عر بوج!ود خَلَ!لٍ في ه!ذا
البيان .والظاهر أنّ المُراد أنّ الش!!خص كم!!ا يمكن!!ه ابت!!داءً أن يح!!وز
لنفسه ،ويحوز لغيره ،يمكنه بع!!د حيازت!!ه للعين بق!!اءً أن يح!!وز لغ!!يره
أيضاً ،فلو حاز عَيْناً لنفسه أوّالً صار مالكاً لها ،وبحكم مِلْكيّت!!ه ال!!تي
ثبتت له يستطيع بعد ذلك أن يحوز هذه العين مرّةً أخرى لغيره .وهذه
الفكرة نُطبِّقها على البائع؛ فإنّه ابتداءً ملك عَيْناً بحيازتها لنفسه ،ثمّ
يحوز هذه العين مرّةً أخرى بقصد أن تكون للمشتري .فإنْ كان هذا هو
المُراد فإنّه ـ مُضافاً إلى اإلشكال الذي سجَّله الشهيد الص!!در على ه!!ذا
االفتراض (والذي فكَّكناه إلى اإلشكالين الثامن والتاسع) ـ يَرِدُ عليه:
1ـ نظير ما أورَدْناه في بعض اإلشكاالت السابقة أيض!!اً ،من قبي!!ل:
442االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
اإلشكال األوّل؛ فإنّ البائع ال يقصد الحيازة للمشتري ،كما هو واضحٌ في
البيوع الواقعة خارجاً.
وكذا نظير م!ا ج!اء في اإلش!كال الث!اني ،من ع!دم قي!ام االرتك!از
العقالئي على كون البيع ،وال غيره من العقود الناقلة ،حيازةً ،ال ح!!دوثاً
وال بقاءً ،ولذا خصَّصوا لكلّ عقدٍ اسماً وعنواناً خاصّاً به.
وأيضاً يأتي عليه نظير ما ذكرناه في اإلشكال الرابع.
2ـ وأمّا اإلشكال الثالث فيَرِدُ عليه هنا بش!!دّةٍ ،ف!!إنّ الحي!!ازة من
قِبَل الميّت للوارث غير معقولةٍ ،وليست مُستَبْعَدةً فحَسْب.
3ـ إنّ هذا االفتراض مبتنٍ على إمكانية النياب!!ة في الحي!!ازة ،فل!!و
رفضنا المبنى ـ كما رفضه المشهور ـ لما استقام هذا البناء.
4ـ إنّ الحيازة حينم!!ا تتحقَّ!!ق تك!!ون نتيجته!!ا المِلْكيّ!!ة ،وه!!ذه
النتيجة الحادثة تكون باقيةً ،وال تحتاج إلى علّةٍ أخرى للبقاء.
5ـ إنّ الحيازة إنّما تكون مملِّكةً فيما لو تعلَّقَتْ بالشيء المباح،
وأمّ!!ا الممل!!وك فال يك!!ون موض!!وعاً للحي!!ازة .والمف!!روض أنّ الش!!يء
المُحَاز كان قد حازه البائع ومَلَكه مُسْبَقاً ،فال معنى لعروض الحيازة
عليه مرّةً ثانية ،سواء صدرت من الح!!ائز األوّل أو من المش!!تري أم من
شخصٍ ثالث.
6ـ ويترتَّب على هذا اإلشكال الخ!!امس أنّ!!ه لوأرَدْن!!ا إنق!!اذ ه!!ذه
الفرض!يّة فال محيصَ لن!!ا من االحتي!!ال بس!بيلٍ آخ!!ر ،وه!و اإلع!!راض،
وافتراض كون اإلعراض جهتيّاً ،وهذا ما التفت إليه المحقِّق اإليرواني،
وحينئذٍ تُحيى بعضُ اإلش!!كاالت ال!!تي أورَدْناه!!ا على دع!!وى اإلع!!راض،
واإلعراض الجهتيّ ،من جديدٍ ،كاإلشكالين السادس والسابع.
ع عن المحقِّق اإليرواني6
دفا ٌ
قد يُق!!ال :إنّ المحقِّ!!ق اإلي!!رواني لم يكن بص!!دد حَصْ! ر أس!!باب
المِلْكيّة كافّةً ،وإنّما كان بصدد حَصْر أس!!باب المِلْكيّ!!ة في األعي!!ان
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 443
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
ق وبيان
تعلي ٌ
1ـ إنّه إنْ لم يكن& بصدد االس!!تيعاب فه!!ذا م!!ا يؤكِّ !د! ادّعاءن!!ا،
ويزيد عليه ،وهو عدم تصدّي الفقه!!اء لحَصْ! ر أس!!باب المِلْكيّ!!ة .ومَنْ
ظَنَنَّا تصدِّيه لبيانها فإنّما تصدّى لذلك بنحو الموجبة الجزئيّ!!ة .إذن
فلم يبْقَ أيُّ عصفورٍ على الشجرة ،كما يُقال في المَثَل.
2ـ لو فرَضْنا كونه في مقام حَصْر أسباب المِلْكيّ!!ة في األعي!!ان
فقط ،ال مطلقاً ،فال يتزعزع شيءٌ ممّا أورَدْناه عليه من مناقشاتٍ.
444االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
نق ٌد وتحقيق
1ـ إنّ كون الحيازة سبباً للمِلْكيّة عقالئيّاً أم!!رٌ ال رَيْبَ في!!ه،
إالّ أنّ جعلها السبب الرئيس فقط هو أمرٌ غير صحيح؛ فإنّ هناك س!!بباً
أصليّاً آخر ،وهو الصنع والعالج ،بل ال يمكن إرجاع كلِّ المُملِّكات إلى
هذين السببين ،كما سيأتي بيانه.
2ـ وأمّا ما ذكَرَه من تصوير لكيفيّة إرج!!اع س!!ائر األس!!باب إلى
الحيازة ،واألمثلة التي أوردها ،من قبيل :كون مِلْكيّة شيءٍ بالشراء إنّما
تتحقَّق بحيازة الثمن ،ولو بوس!!ائط ،فه!!ذا ممّ!!ا يث!!ير العجب ،وممّ!!ا ال
ينبغي صدوره من مثله؛ إذ إنّ مِلْكيّة الثمن لم تحص!!ل بس!!بب الحي!!ازة،
وإنّما بسبب النقل والتبادل ،وهذه سببيّةٌ مستقلّةٌ عن س!!ببيّة الحي!!ازة،
وإنْ كان يُمكن أن يكون المنقول أمراً مُحَازاً.
فإنْ كان المراد بهذا البيان إلغاء سببيّة النقل وغيره فهذا رج!!وعٌ
إلى النظرية السابقة ،التي ترى أحادية األسباب ،وانحصارها في الحيازة.
وإنْ كان الم!!راد ك!!ون الحي!!ازة هي الس!!بب األص!!ليّ ،ثمّ ح!!دث
توسُّعٌ من قِبَل العقالء ،فأضافوا أسباباً ثانويّة أخ!!رى ،فه!!ذا التص!!وير
قاص!!رٌ ،وال ينهض بإف!!ادة ذل!!ك ،مُض!!افاً إلى ع!!دم انحص!!ار المِلْكيّ!!ة
األصليّة بالحيازة ،حتّى تكون األسباب الثانوية كلّها راجعةً إليها.
وإنْ كان المراد التقدُّم الزماني للمملوك بالحيازة على الممل!!وك
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 445
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
بغير حيازةٍ فهذا البيان لو ك!!ان ل!!ه قيم!!ةٌ علميّ!!ة فال يُفي!!د في بي!!ان
السببيّة؛ لع!!دم ك!!ون البحث فيه!!ا بحث!!اً تاريخي!!اً ،أو تحليالً لظ!!اهرةٍ
اجتماعية تحليالً عقليّاً ،بل المرتبط بالبحث الفقهي التحليل على أساسٍ
عقالئيّ واعتب!!ارٍ عقالئيّ .ثمّ إنّ!!ه ال مالزم!!ة بين التق!!دُّم الرت!!بيّ
والتقدُّم الزماني ،كما سوف نُشير إليه الحقاً.
إذن ،فالصحيح هو تعدُّد أسباب المِلْكيّة ـ الرئيسة منها والثانوي!!ة
ـ ،وعدم وحدانيتها ،وعدم صحّة إرجاع األسباب الثانوية طُرّاً إلى س!!ببٍ
واحد ،وهو الحيازة.
فالمهمّ إذن هو بحث االتجاهات التعدُّدية األخرى.
تنبيهٌ واعتراض6
يتَّضح ممّا مرَّ ويأتي عدم جامعيّ!!ة ه!!ذا التقس!!يم؛ نظ!!راً لع!!دم
انحصار األسباب في ما ذُكِ!!ر؛ فإنّ!!ه ممّ!!ا ال رَيْبَ في!!ه ك!!ون العم!!ل
446االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
تساؤ ٌل وإيراد
على ال!!رغم من أنّ ه!!ذا التقس!!يم أفض!!ل بكث!!يرٍ ممّ!!ا س!!بقه من
التقسيمات ،إالّ أنّه مُبتلىً ببعض اإليرادات( ،)997ومنها:
1ـ تداخل األقسام ،من قبيل :م!ا أورده في الن!وع األوّل من عط!!ف
(البيع) على (الشراء) .فيا تُرى هل هما سببان متباين!!ان ،أح!!دُهما غ!!يرُ
اآلخر؟! وكذا الحال بالنسبة إلى عط!!ف (الحي!!ازة) على (الص!!يد)؛ ومن
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 447
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
قبيل :ما أورده في النوع الثاني ،من إتباع (األُروش) للـ (الجنايات).
2ـ عدم جامعيّة التقسيم باعتراف صاحبه؛ حيث استفاد من عب!!ارة:
(وما إلى ذلك) .وال نعلم مُراده من هذه العب!!ارة ،وإلى أيّ ش!!يءٍ ك!!ان
نظره فيها.
3ـ إنّ ذكره (النذور) في الصنف األوّل ليس فنّياً؛ فإنّه ليس من
التمليك! القَهْري؛ إذ إنّ التمليك بالنَّ!!ذْر إنْ ك!!ان النَّ!!ذْر على نح!!و
شرط النتيجة ـ والظاهر هو الملحوظ في المقام ـ ال يصحّ؛ ألنّ!!ه غ!!ير
مقدورٍ للناذر()998؛ وإنْ كان بنحو شرط الفعل فهو تملي!كٌ اختي!اريّ؛
لتوقُّفه على قبول المنذور له.
4ـ إنْ قي!!ل :إنّ المُ!!راد بالتملي!!ك في النَّ!!ذْر ه!!و التملي!!ك هلل
تعالى؛ باعتبار أنّ حرف (الالم) ال!!وارد في ص!!يغة النَّ!!ذْر (هلل عليَّ،)...
فيكون الفعل المنذور مملوكاً هلل؛ بسبب ذلك ،ويترتَّب عليه أنّ الم!!ال
المنذور يُمْلَك قَهْراً.
فإنّه يُقال :إنّ التعهُّ!!د الموج!!ود في النَّ!!ذْر يجب أن ال يُخْلَ!!ط
بباب المِلْكيّ!!ة والتملي!!ك؛! ففي ق!!ول( :هلل عليَّ أن أتص!!دَّق ب!!درهمٍ)
تعهُّدٌ والتزامٌ بحَسَب االرتكاز العقالئي ،وال يُوجد أيّ تمليكٍ .فالناذر
بهذا الق!!ول ال يري!!د أن يُملِّ !ك! اهلل فعالً من أفعال!!ه ،وإنّم!!ا يري!!د أن
يتعهَّد له سبحانه بالتصدُّق بدرهم .فبابه باب العُهْدة ،ال باب التملي!!ك،
و(الالم) في قوله (هلل) الم اإلضافة في المتعهَّد له؛ حيث إنّ المتعهَّد به
يُضاف إلى المتعهَّد له ،فكما يُضاف المملوك إلى المالك ،فيُقال( :ه!!ذا
ملك فالن) ،كذا يُقال( :ه!!ذا متعهَّ!!د ب!!ه لفالن) .فـ (الالم) هن!!ا الم
التعهُّد !،ال المِلْك(.)999
5ـ ما ذكره من تقسيمٍ للنوع الث!!اني إلى ص!!نفين؛ ف!!إنّ الص!!نف
الثاني ال يكون من األسباب القَهْرية بنحوٍ مطلق ،بل ق!!د يك!!ون في بعض
الحاالت من األسباب االختياريّة؛ إذ ما لم يقب!!ل الط!!رف اآلخ!!ر ـ وه!!و
الموصى! له ـ ال ي!!دخل الموص!ى! ب!!ه في مِلْك!!ه ،بخالف الص!!نف األوّل،
448االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 449
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
وإذا اتّضح ذلك نط!!رح الس!!ؤال الت!!الي :ه!!ل أنّ ه!!ذَيْن الس!!ببين
للمِلْكيّة يكونان بنحو مانعة الخلوّ أو بنحو مانعة الجمع؟
يرى أصحاب هذا الرأي أنّهما على نحو مانعة الخلوّ( ،)1001وال مانع
من اجتماعهما في شيءٍ واحد ،كما إذا حاز أحدٌ الخشب ،وصنعه س!!ريراً،
فمِلْكيّت!!ه له!!ذا الس!!رير بلح!!اظ الم!!ادّة نتجَتْ من الحي!!ازة ،وبلح!!اظ
الصورة نتجَتْ من الصنع(.)1002
ثانياً :المِلْكيّة االبتدائية التَّبّعية ،التي تحصل بسبب كون الم!!ال
ثمرةً لما يملكه اإلنسان ،ك!!بيض ال!!دجاج وص!!وف الغنم وثم!!ر الش!!جر؛
فإنّها تُمْلَك بتَبَع مِلْكيّة األصل.
القسم الثاني :المِلْكيّة الثانويّة ،التي تكون في طول المِلْكيّ!!ة من
القسم األوّل .وتتمثَّل بسائر األسباب .وتنقسم إلى قسمين:
أوّالً :المِلْكيّة االختياريّة ،كالعقود.
ثانياً :المِلْكيّة القَهْريّة كاإلرث والوصيّة ـ بن!!اءً على أنّه!!ا من
اإليقاعات ـ أو الوَقْف(.)1003
نقاش وتعليق
ٌ
1ـ ناقش ذلك الشهيد الصدر& ـ على ما حُكي عنه ـ بأنّ سريريّة
السرير تُمْلَك في نظر العقالء تَبَعاً لتملُّ!!ك مادّت!!ه .ول!!ذا ل!!و ح!!از
خشباً ،ثمّ صنع شخصٌ آخر منه ،بدون إذنه ،سريراً ،كان األمر كما لو
صنع هو منه سريراً ،بل إنّ مِلْكيّة السريريّة تندكّ في مِلْكيّة الم!!ادّة،
وال تُرى عُرْفاً ملكيّةً خاصّة للسريريّة(.)1004
وشَرَحه السيد الحائريّ ،فأفاد :إنّ نفس ه!!ذا اإلش!!كال يَ!!رِدُ على
السيد الخوئي في مثل مث!!ال ص!!نع الك!!وز من الطين ،أو إبع!!اد الم!!اء من
النه!!ر ،أو حف!!ظ الثلج إلى الص!!يف ،وم!!ا ش!!ابه ذل!!ك؛ ف!!إنّ المِلْكيّ!!ة
العقالئيّة للكوز مثالً إنّما تكون في نظر العقالء بلحاظ مِلْكيّة مادّت!!ه،
وهو الطين ،فلو صنع الكوز من طينٍ كان في حي!!ازة ش!!خصٍ آخ!!ر ،بال
450االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
إذنه ،كان الكوز مِلْكاً لذاك الشخص ،ال لصانع الكوز .وكذا لو أبعد ماءً
كان في حيازة شخصٍ آخر من النهر ،أو حف!!ظ م!!ا ح!!ازه من الثلج من
دون تملُّكه بإذنه ،كان في مِلْك الشخص األوّل.
وكأنّ السيد الخوئي وقع هن!!ا في الخط!!أ على أس!!اس تخيُّ!!ل أنّ
المِلْكيّة فرع الماليّة()1005؛ عِلْماً بأنّه قد فرَّق بينهم!ا في أوّل بحث!ه،
الذي عنونه بـ (ما هي حقيقة المال؟ وما هو الفارق بينه وبين المِلْك؟)،
وأوضح ثمّة أنّ النسبة بين المال والمِلْك نسبة العموم! والخص!!وص من
وجهٍ ،ولم يكن يعتقد بوجود مالزمةٍ بينهما(.)1006
2ـ اتَّضح من هذه المناقشة أنّ سببيّة الحيازة والصنع إنّم!!ا هم!!ا
على سبيل مانعة الجمع .وسيأتي أنّ االتّجاه الرابع يرى أنّ الحيازة تكون
مملِّكةً في خصوص المنقوالت؛ وأمّا الصنع فهو مملِّ!!كٌ في خص!!وص
غير المنقول.
3ـ إنّ العقالء إنّم!!ا ي!!رَوْن في مث!!ال الس!!رير ان!!دكاك مِلْكيّ!!ة
السريريّة م!!ع مِلْكيّ!!ة الخش!!ب؛ بس!!بب انع!!دام! الحاج!!ة إلى التفكي!!ك،
وصعوبة التفكيك في مقام التعامل؛ فإنّ الفصل بين الهيئة والمادّة فصلٌ
عقليّ دقّي ،وتحليلٌ فلسفيّ ،وليس تحليالً عُرْفياً.
4ـ إنّ جعل المِلْكيّة في الوصيّة من القَهْرية ،بن!!اءً على كونه!!ا
إيقاعاً ،غيرُ دقيقٍ؛ وذلك ألنّ الوصيّة وإنْ كانت ال تحت!!اج إلى قب!!ولٍ
غير أنّ للموصى له الردّ ،ومع ثبوت حقّ الردّ ال تصدق القَهْرية.
5ـ كما أنّ ذكر الوَقْف كأحد مصاديق المِلْكيّة القَهْري!!ة ليس
دقيقاً؛ وذلك ألنّه ال مِلْكيّ!!ة في الوَقْ!!ف ،ال للعين ،وال للمنفع!!ة؛ ف!!إنّ
الوقف تحبيس العين وإطالق المنفعة( ،)1007والواقف يقوم بف!!كّ مِلْك!!ه،
ويثبت للموقوف عليه حقّ االنتفاع من العين الموقوفة ،ال أكثر.
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 451
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
452االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 453
• د .الشيخ خالد الغفوري الحسني
454االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي ،عرْ ضٌ وتحليل /القسم الثاني
يذهب إلى تقسيم أسباب المِلْكيّة إلى قسمين رئيس!!ين :األوّل :المِلْكيّ!!ة
الذاتية؛ والثاني :المِلْكيّ!!ة العَرَض!!ية ،أي ملكي!!ة األش!!ياء المنفص!!لة عن
اإلنسان ،وهي بدَوْرها تنقسم إلى قس!!مين :أوّلهما :المِلْكيّ!!ة االبتدائي!!ة
االستقالليّة [= األصلية = األوّلية] ،وهي منحصرةٌ بسببين ،وهما :إمّ!!ا
الحيازة (كحيازة المباحات األصلية)؛ وإمّ!!ا الص!!نع (كص!!نع الك!!وز من
الطين المحاز) وما يُلحق ب!ه من األعم!!ال ،كالنق!!ل (كم!ا إذا أتى أح!د
بالماء من النهر) أو الحفظ (كحفظ الثلج من الشتاء إلى الصيف) .كما
أن هذا المسلك يذهب إلى أنّه ال مانع من اجتماع الحيازة والص!!نع مع!!اً
في شيءٍ واحد.
6ـ تصدَّيْنا لعرْضٍ موجزٍ لالتّجاه الراب!!ع ،ال!!ذي قسَّ! م أس!!باب
المِلْكيّة إلى قسمين :أصلية؛ وثانوية.
فاألولى ـ وهي المِلْكيّة األوّلية االستقالليّة ـ فإنّه!!ا المنش!!أ في
مِلْكيّة اإلنسان ألمواله المنفصلة عنه ،وتتمثَّ!!ل بأح!!د أم!!رين :الحي!!ازة
(المختصّة بالمنقوالت) ،والصنع (المختصّ بغ!!ير المنق!!والت ،ك!!األرض
التي تُمْلَك بالزراعة أو العمارة) .وإنّ الحيازة والصنع ال يجتمع!!ان في
شيءٍ واحد .ويرى هذا االتّجاه أنّ العقالء توسَّعوا في الحيازة.
وأمّا الثانية ـ وهي المِلْكيّة الثانوي!!ة ـ فإنّه!!ا ناش!!ئةٌ في ط!!ول
األولى؛ فقد حصل عند العقالء توسُّعات في باب الحيازة من جهاتٍ شتّى.
ولم نتصَ! دَّ! لتحليل!!ه ،وال لمناقش!!ة وتق!!ويم ه!!ذا االتّج!!اه هن!!ا؛ ألنّن!!ا
خصَّصنا له مقالين مستقلَّين.
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 455
• أ .حسين هشام يعقوب
ٌ
باحث وكاتبٌ في الحوزة العلميّة .من العراق. (*)
*)
456االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان ،عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري
ي
نقود الشيخ المصر ّ
قال الشيخ المصريّ ،بعد أن ناقش التجربة كأحد مصادر المعرف!!ة
البشريّة ،وتحت عنوان( :وَهْمٌ وتنبيهٌ)« :هن!!اك( )1017مَنْ ش!!كَّك في
بداهة كبرى القياس االقتراني األوّل ،بتشكيكه في قضية أن «االتفاقيّ ال
يتكرَّر دائميّاً ،وال أكثريّاً» ،وادّعى أنها خاضعةٌ لحس!!اب االحتم!!االت؛
ظنّاً منه أن تكرار المشاهدات مج!!رَّد تك!!رارٍ كمِّيّ ،يتض!!اءل احتم!!ال
الصدفة بتكرُّره ،إلى أن نصل إلى احتمالٍ ضئيل ج!!دّاً ،ال يع!!يره العق!!ل
اهتماماً ،فيسقطه عن اعتب!!اره واحتمال!!ه ،فينعق!!د اليقين ال!!ذاتيّ .ونحن
نقول فيه:
أوّالً :إن بداهة هذه القضية يمكن أن ينبّه عليها بوجهين:
الوج!!ه األوّل :بعكس النقيض ألص!!لٍ ب!!ديهيّ ،وه!!و «ك!!لُّ أث!!رٍ
يتكرَّر دائميّاً أو أكثريّ!!اً فه!!و لعلّ!!ةٍ ذاتية» ،وينعكس بعكس النقيض
إلى «كلّ ما ليس لعلّةٍ ذاتيّة ـ أي اتفاقيّة ـ فهو ال يتك!!رَّر دائميّ!!اً،
وال أكثريّاً».
وبيان األصل أن العلّة لو كانت تامّةً فال ينفكّ عنها معلولها على
الدوام ،وهو ضروريّ؛ وإنْ كانت ناقصةً فيصدر عنها معلولها في أكثر
األحيان؛ لوجود المقتضي المرجِّح لصدوره دائماً ،لوال الم!!انع الع!!ارض؛
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 457
• أ .حسين هشام يعقوب
ألن المانع لو كان الزماً للمؤثِّر لكان ذاتيّاً ،وهو خالف ف!!رض وج!!ود
المقتضي لألثر ،فيلزم اجتماع النقيضين؛ لكونه مقتضياً وغير مقتضٍ.
الوجه الثاني :إن قولنا« :األثر االتف!!اقيّ ال يتك!!رَّر» ه!!و قض!!يّةٌ
أوّليّة تحليليّة ،يُصدِّق العقل بها بمجرّد التصوُّر الصحيح لموض!!وعها
ومحمولها .وبيان ذلك:
إن معنى األثر االتفاقيّ هو األثر الحاصل لسببٍ أخصّ من طبيع!!ة
المؤثِّر ،ومعنى ال يتكرّر أي إنه ال يحصل مع ارتف!!اع الخصوص!!يّة؛ ألن
التكرار يهدف إلى رفع مدخليّة الظروف الخاصّة للمؤثِّر ـ كما س!!بق
أن أشَرْنا ـ ،فتكون القضية بهذا النحو« :األثر الحاص!!ل من خصوص!!يّة
المؤثِّر ال يحصل مع ارتفاع الخصوصيّة» ،وهي ضروريّةٌ أوّليّة.
ثانياً :إن الواقع على خالف ما ظنّ من رجوع هذه القضية لحس!!اب
االحتماالت .بل األم!!ر على العكس ،وه!!و رج!!وع حس!!اب االحتم!!االت إلى
التسليم بهذه القضية ،وإالّ لسقط عن االعتبار .وبيان ذلك:
إن صدور األثر االتفاقيّ لو امتنع أن يكون دائميّ!!اً أو أكثريّ!!اً ـ
كما ذهب الحكماء بحكم العقل األوّليّ ،كما أشَرْنا ـ فه!!و المطل!!وب؛
وإنْ أمكن أن يكون األثر االتفاقيّ أكثريّاً في بادئ األم!!ر ،بحَسَ! ب م!!ا
افترض المدَّعي ،فال يمكن أن تتضاءل نسبة احتمال الص!!دفة م!!ع تك!!رُّر
بحَس!! ب
َ صدور األثر عن المؤثِّر؛ ألن الصدفة يمكن أن تكون أكثريّ!!ةً
الفرض عنده ،أو بعبارةٍ أخرى :ال يمكن مع إنك!!ار بداه!!ة ه!!ذه القاع!!دة
العقليّة إثبات ذاتيّة المؤثِّر لألثر؛ لتكرار لزوم!!ه ل!!ه؛ الحتم!!ال وج!!ود
سببٍ عَرَضيّ الزم للمؤثِّر ،يؤثِّر في صدور األثر عنه»(.)1018
مناقشاتٌ ومالحظات6
ونسجِّل عليه المناقشات التالية:
المناقشة األولى :نحن ال نسلِّم باألصل في الجملة؛ إذ نحن نس!!لِّم
بأن أثر العلّة التامّة دائميٌّ بالضرورة ،لكنْ ال نس!!لِّم ب!!أن أث!!ر العلّ!!ة
458االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان ،عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 459
• أ .حسين هشام يعقوب
460االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان ،عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 461
• أ .حسين هشام يعقوب
462االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان ،عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 463
• أ .حسين هشام يعقوب
يكون كثيراً ،بل نقول :ال يكون أكثريّاً ،بمعنى أنّه في أكثر الح!!االت
ال يتخلَّف األثر عن المؤثِّر ،فنحكم بأن هذا ال يكون اتّفاقيّاً»(.)1025
ونالحظ عليه ما يلي:
أوّالً :القول بأنّ الدائميّ يكفي فيه عدم تخلُّفه في مشاهداتنا ،أيّاً
كان عددها ،ال يرفع اإلشكال؛ ألن المطلوب تحديد حدٍّ أو ضابطٍ نحدِّد
به الدائميّ عمليّاً ،بحيث إن المجرّب عندما يتحقَّ!!ق عن!!ده ه!!ذا الح!!دّ
يستنتج كونه علّةً ،ال صدفة .وهذا ما ال يفي فيه (مشاهداتنا أيّ!!اً ك!!ان
عددها)؛ ألنه بنفسه يحتاج إلى تحديدٍ وتعيين.
ثانياً :القول بأنّ األكثريّ أمرٌ نسبيّ !،يكفي فيه عدم تخلُّف!!ه في
أكثر الحاالت ،يَرِدُ علي!!ه م!!ا ورد في أوّالً؛ ألن تحدي!!ده بكون!!ه أم!!راً
نسبيّاً يعني كونه يختلف من حالةٍ إلى أخرى ،ومن تجربةٍ إلى أخ!!رى.
لكنّ هذا ال يكفي؛ ألنه ال بُدَّ لألمر النسبيّ من ضابطٍ يح!!دِّد انطباق!!ه
على الحاالت والتجارب المختلفة .وهذا ال يتحقَّق بكونه يكفي في!!ه ع!!دم
التخلُّف في أكثر المشاهدات؛ ألن أكثر المش!!اهدات ال يص!!لح أن يك!!ون
حدّاً وضابطاً؛ فهل تتحقَّق أكثر المشاهدات بمشاهدات مجرِّبٍ واح!!د،
أم يشترط مجموعة مجرِّبين؟ ومشاهدات الواحد هل يعني أنه إذا أج!!رى
عشر تجارب فيكفي في تحقُّ!!ق األك!!ثريّ أن يك!!ون أك!!ثر من النص!!ف
لصالح اقتران (أ) بـ (ب) ،حتى نستنتج السببيّة ،ونستبعد! الصدفة؟
وهكذا نالحظ أنّ هذه التحديدات ال يمكنها تقديم ص!!يغةٍ مح!!دَّدة
للمبدأ األرسطي ،يمكِّنه من الجريان عمليّاً بشكلٍ مبرَّر موضوعيّ.
لكنْ باإلمكان ترميم هذه المحاولة في ما يتعلَّق ب!!األكثريّ وف!!ق
المنطق األرسطي ،بأن نقول :إنّ الضابط هو ما ذكره المنطق األرس!!طيّ
في تحقُّق المتوترات وغيرها( ،)1026وهو أن تسكن النفس سكوناً تامّ!!اً ـ
يزول معه الشكّ ـ بأنّ هذا الع!!دد من التج!!ارب ال!!تي أُجْ!!ري ،وال!!ذي
اقترن فيه (أ) بـ (ب) ،هو اق!!ترانٌ س!!ببيّ ،ال اتّف!!اقيّ .وبعب!!ارةٍ ثاني!!ة:
سكون النفس إلى أن هذا العدد من االقترانات يمثِّل األكثريّ النسبيّ.
464االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ
• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان ،عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري
لكنْ يُالحَظ عليه أنه ضابطٌ ذاتيٌّ ينفع الشخص المجرِّب ،لكنّ!!ه
ال يمكن أن يكون ضابطاً معياريّاً موضوعيّاً بيني وبين اآلخرين ،بخالف
حساب االحتماالت ،فهو يتميَّز بهذا األمر.
الهوامش
االجتهاد والتجديد ـ العـددان 57ـ ،58السـنة الخامسة عشرة ،شتاء وربيع 2021م ـ 1442هـ 465
قسيمة االشتراك
مجلة االجتهاد والتجديد
ّ
مؤسسات أفراد
اســــم المشترك.............................................................................. :
العنوان الكامل................................................................................ :
...................................................................................................
الهاتــــف.................:فاكــــس......................................................... :
مدة االشتراك .......................:ابتــدا ًء مـــن......................................... :
المبلغ......................:عـــدد النســـــخ................................................ :
نقـداً إلى ............................:شيك مصرفي........................................ :
التــــاريــخ.......................:التوقيــــع................................................ :
االشتراك السنوي
ثمن النسخة
لبنان 3,5دوالر سوريا 6000ل!!يرة األردن 2,5دين!!ار
الك!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!ويت 3دن!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!انير
العراق 3000دينار اإلمارات العربية 30درهماً البحرين 3
دنانير قطر 30رياالً السعودية 30رياالً عمان 3رياالت
اليمن 400ريال مصر 7جنيهات الس!!ودان 200دين!!ار
الصومال 150شلناً ليبي!ا 5دن!انير الجزائ!ر 30دين!اراً
تونس 3دنانير المغرب 30درهماً موريتانيا 500أوقي!!ة
أمريك!!ا وأوروب!ا جنيه!!ات5 ق!!برص ل!يرة20000 تركي!!ا
. دوالرات10 وسائر الدول األخرى
Editor in chief
Mohamad Dohaini
Responsible Director
Rabie Sowaidan
Correspondence:
To the office of the Editor in chief
Lebanon – Beirut. P.O.Box: 327 / 25
E-mail: mdohayni@hotmail.com
ي لخدمــة والتطوع ّـ
ُّ ع من تقديم اإلنسان لوقته في سبيل العمل الخير ّ
ي الو ْقفـ المعاصرة .و«هو نو ٌ () وهو أحد أشكال َ
1
ي والدين»( .را ِجعْ :الشــيخ حيــدر حبّ هللا ،مقالـةٌ بعنــوان« :وقــف الــوقت ،مطالعـةٌ اإلنسان اآلخر وخدمة القِيَم والرُّ ق ّـ
التطوعي» ،في مجلة االجتهاد والتجديد ،العدد :44ـ ،235ـ السنة الحادية عشرة، ّ ُّ فقهيّةٌ أوّليّةٌ في وقفـ المنفعة والعمل
خريف 2017م ـ 1439هـ).
)(2را ِجعْ :المصدر السابق.
هــذا ،مــع اإلشــارة إلى أننــا قــد نكــون مضــطرِّ ين لــذلك في بعض األحيــان؛ توضــيحاًـ لبعض الخافيــات ،أو تأكيــداً
للواضحات ،إالّ أن اإلشكال في اإلطالة واإلسهاب.
)(3يمثِّل هذا البحث تقريراً لمحاضرات الشيخ األستاذ صادقـ الالريجاني(حفظـه هللا) ،في دَوْ رتــه األصـولية الثانيـة،
عندما كان يبحث في مبادئ علم األصول عن المبادئـ المتعلِّقة بالحكم الشرع ّي .وقد استغرقـ البحث عن هــذه المســألة
تسعة مجالس تقريباً ،لم ّدة أسبوعين أو أكثر من السنة الدراسيّة ( 1426ـ 1427هـ).
ت
ت أو تقـديما ٍ ت أو زيـادا ٍ وقد أل َح ْقنا بها مـا أفـاده سـماحته بعـدها ،أو مـا كـان لـه د َْخـ ٌل في إغنـاء البحث ،من تنسـيقا ٍ
ـطر.ـ وقــد أثبتنــا في الهــامش بعض طراً بعــد سـ ٍ ت ،م ّما قد صحَّحه سماحته بالكامل ،بعد المالحظة النهائيــة َسـ ْ وتأخيرا ٍ
وتر ْكنا بعضا ً آخر عسى أن يتيسَّر الكالم َ ـ، الغالب في َّدة يومؤ ،ً ا أيض ٌ ة َ ظ الح
ُ َ م وهي ـ ة
ٍ فائد من يخلو ال قد ا ماألمور م ّ
ً
أن مقتضى طبيعة هــذه المســائل ،الــتي لم يشــبع البحث عنهــا مســتقالّ لــدى إن شاء هللا .وزعمي ّ مجال أوسع ٍْ عنها في
ُ
األصحاب ،أن تكون بحاج ٍة أكثر إلى تضارب الحجج واآلراء فيها ،والعصمة عند أهلها ،وهللا المستعان.
)(4الشيخ مرتضى األنصاري ،فرائد األصول 1425 ،25 :1هـ.
)(5أبو الحسن الشعراني ،المدخل الى عذب المنهل1373 ،325 :هـ.ش.
)(6المحقِّق الخراساني،ـ درر الفوائد1417 ،132 :هـ.
أن عدم الخل ّو إنّما هــو في وفي حاشية المشكينيـ على الكفاية :2ـ ( 28منشورات دار الحكمة)« :ويشهدـ لما ذكرنا من ّ
األحكام الواقعية ،ال الفعلية ،ما نقل عن سيِّد الموحِّدينﷺ :إن هللا تعالى سكت عن أشــياء ،ولم يســكت عنهــا نســياناً،...
الخبر( .وسائل الشيعة 129 :18الباب 12من أبواب صفات القاضي ،ح ،)61فإن نسيانها كنايةٌ عن عدم بلوغها الى
المرتبة الفعلية» .والصحيح« :عدم نسيانها» وإالّ كانت دالّةً على العكس ،كما ال يخفى.
)(7المحقِّق الخراساني،ـ درر الفوائد.249 :
)(8التقوي االشتهاردي ،تنقيح األصول (تقريــر بحث القائــد) :2ـ ،115مؤسَّســة تنظيم ونشــر آثــار اإلمــام الخميــني،
1418هـ.
)(9الفاضل اللنكراني ،معتمد األصول 1423 ،123 :1هـ.
)(10هذا على المشهور؛ وأما على ما ذهب إليه المحقِّق األصــفهاني& ،من المنــع عن اإلرادة والكراهــة في أحكــام هللا
أن خلـ ّو الواقــع منهمــا ال يعــني خلـوّه من البعث والزجــر؛ فإنهمــا منبعثــان عنــده عن المصــالح تعــالى ،فمن الواضــح ّ
ّ َّ
والمفاسد ،ال عن اإلرادة والكراهة ،فيتجه البحث عندئ ٍذ حتى على القول بخل ّو الواقع عنهما.
ممكن وال ينافيــه عــدم ٌ أن عدم الخل ّو ال ينافيـ إمكانه ،حيث قال« :وهــذا أيضـا ً )(11وفي حاشية المشكيني على الكفاية ّ
خلـ ّو الواقعـة عن الحكم؛ ألنـه ال ينـافي دعـوى اإلمكـان»( .أبـو الحسـن المشـكيني ،الحاشـية على الكفاية :2ـ ،72قم
المق َّدسة ،انتشاراتـ لقمان1413 ،هـ).
)(12زين الدين العاملي (الشهيد الثاني) ،تمهيد القواعد ،321 :مكتب اإلعالم اإلسالمي1214 ،هـ.
)(13المحقِّق الخراساني،ـ فوائد األصول1407 ،313 :هـ.
)(14السيد روح هللا الموسوي الخميني ،مناهج األصول إلى علم األصول :2ـ ،18مؤسّسـة تنظيم ونشـر آثـار اإلمـام
الخميني ،قم1415 ،هـ.
)(15الميرزار حبيب هللا الرشتي ،بدايع األفكار:ـ ،386الطبعة الحجرية.
)(16الشيخ محمد حسين األصفهاني ،الفصول في األصول1420 ،85 :هـ.
)(17الشيخ محمد تقي األصفهاني ،هداية المسترشدين ،341 :مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث ،قم المق ّدسة.
)(18المصدر السابق.254 :
)(19الكالنتري ،مطارح األنظار 1425 ،339 :2هـ.
)(20الشيخ مرتضى األنصاري ،فرائد األصول 1425 ،185 :2هـ.
)(21ال يبعد أن يكون مراده بالدليل هو الدليل العقلي؛ نظراً إلى المقابلة بينه وبين السنّة واإلجماع.
)(22محمد حسين األشتياني ،بحر الفوائد ،86 :1الطبعة الحجرية1404 ،هـ.
)(23الشيخ مرتضى األنصاري ،فرائد األصول .145 :2
)(24اآلخوند الخراساني ،كفاية األصول ،469 :مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث ،قم1417 ،هـ.
)(25المحقِّق الخراساني،ـ درر الفوائد1410 ،71 :هـ.
ولع ّل ال َج ْمع بين هذا وبين ما سبق نقله من فوائد األصول هو المنع من الدليل العقلي ،وإثبات القاعدة بالدليل النقلي.
أن اإلجمــاع والضــرورة فحسْب ،بمعــنى ّ كما يحتمل بمالحظة السياق أن يكون كالمه هذا ناظراً إلى مسألة االشتراكـ َ
قاضيان باشتراك األحكام الواقعية بين العــالم والجاهــل .ويضـعِّفه مــا ســبق منــه من اختصــاص القاعــدة بــالحكم غــير
الفعل ّي.
ّ
أن األكثر من هذه اإلجماعات المحكيّة والتواترات المـ ّدعاة ليسـت إال لجهـة اشـتراك األحكـام ّ
ولكن الغالب على ظني ّ ّ
بين العالم والجاهل ،دون مسألة الخل ّو وعدمه.
كما يحتمل أن يكون ذلك كلّه بنا ًء على مسلك القوم ،ال على مختاره؛ أو يكون من التب ُّدل في الرأي.
حكم ،كمــا هــو مــذهبنا ،وقــدويض ِّعفـ الك َّل تصريحه في المصدرـ األول (الفوائد) ـ بعد قلي ٍل ـ بأن الواقعة ال تخلو من ٍ
فراجـ عْ :الشــيخ محمــد رضــا األصــفهاني ،وقايــةِ عاتب صاحب (وقاية األذهان) صــاحب الكفايــة على هــذا التهــافت،
األذهان ،595 ،348 :مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث ،قم المق ّدسة1413 ،هـ.
وكيف كان فتواترـ األخبار وقيام اإلجماع على ذلك ليس بتلك الدرجة التي ال يختلف فيها اثنــان ،ولــذلك نــرى الشــيخ،
على ما في (المطارح) ،يقول« :كما يُستفاد من جمل ٍة من األخبار» .وكذا في الهداية في األصـولـ (تقريـر بحث السـيّد
أن لـه تبـارك وتعـالىـ في كـ ّل واقعـة حكمـا ً يشـترك فيـه العـالم بـه الخوئي&)« :وا ّدعى بعضـهمـ تـواتر األخبـار على ّ
والجاهل» .وهذا ظاه ٌر أيضا ً في مسألة االشتراك ،ال في الخل ّو وعدمه .كما يتَّضح بالمراجعة .وللتحقيق مجالٌ.
)(26الشيخ محمد تقي البروجردي ،نهاية األفكار ( 4ق1422 ،30 :)2هـ.
)(27السيد محمد الواعظ البهسودي ،مصباح األصول ،445 ،3 :مكتبة الداوري ،قم1417 ،هـ.
)(28المحقِّق الخراساني،ـ فوائد األصول1407 ،312 :هـ.
أن الشوق حالةٌ نفسيّة وجدانيّة ،وتوفُّرهاـ في بعض ما يُ ْكره عليـه اإلنســان قـد ال يســاعده الوجـدان؛ فـإن )(29ال يخفى ّ
وإن أص ّر على ذلــك مجرّد كون الفعل المكروه مق ّدمة لدفع ما هو أش ّد كراهةً منه قد ال يكفي سببا ً لتلك الحالة النفسيّةْ ،
شيخنا األستاذ (حفظه هللا).
)(30المحقِّق الخراساني،ـ فوائد األصول.312 :
)(31الشيخ محمد علي الكاظميني ،فوائدـ األصول (تقرير بحث الشيخ النائيني) 135 :1ـ 1402 ،134هـ.
)(32انظر :علي أكبر دهخدا ،لغت نامه ،121 :41مفردة قانون( .مصدر فارسي).
)(33شرح المطالع وحاشية المالّ عبد هللا في مبحث تعريف المنطق.
)(34تاج العروس ،كلمة القانون.
)(35المعجم الوسيط ،كلمة القانون.
)(36انظر :برهان قاطع؛ فرهنگ نفيسي؛ لغت نامه؛ المعجم الوسيط ،مادة كلمة (قانون)( .مصدر فارسي).ـ
)(37المعجم الوسيط763 :؛ فرهنگ معين .2627 :2
)(38انظــر :محمــد جعفــر الجعفــري ،ترمينولــوژي حقــوق (المصــطلحات الحقوقيــة) ،83 :طبعــة مكتبــة گنج ودانش.
(مصدر فارسي).
)(39السيد أبو القاسم الخوئي ،التنقيح في شرح العروة الوثقى ،424 :1مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث.
)(40الشيخ جعفر السبحاني ،معالم الحكومة ،301 :مكتبة اإلمام أمير المؤمنين× ،إصفهان.
)(41الشيخ ناصر مكارمـ الشيرازي ،أنوار الفقاهة ،553 :1منشورات مدرسة اإلمام أمير المؤمنين×.
)(42اإلمام روح هللا الخميني ،صحيفه نور (صحيفة النور) ( .170 :20مصدر فارسي).
)(43انظر :السيد محمد حسين الطباطبائي ،بحثي درباره مرجعيت وروحــانيت ،مقالــه واليت وزعــامت (بحث حــول
المرجعية والمؤسسة الدينية ،مقالة الوالية والزعامة) ،84 :شركة سهاميـ انتشار( .مصدر فارسي).
)(44انظر :الشيخ مرتضىـ مطهَّري ،إسالم ومقتضياتـ زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ( .77 :2مصدر فارسي).
)(45السيد الشهيد محمد باقرـ الصدر ،اقتصادنا ،362 :2دار الفكر.
)(46الشيخ الطوسي ،النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ ،577 :2طبعة جامعة طهران.
)(47السيد أبو الحسن اإلصفهاني ،وسيلة النجاة ،251 :2دار التعارف للمطبوعات.
)(48السيد محسن الحكيم ،منهاج الصالحين ،58 :2المسألة رقم ،63دار التعارف للمطبوعات.
)(49السيد محمد كاظمـ اليزدي ،العروة الوثقى ،122 :2المكتبة العلمية اإلسالمية.
)(50محمد بن يعقوب الكليني ،أصول الكافي ،267 :1باب التفويض ،ح ،5دار الكتب اإلسالمية.
)(51المصدر السابق .268 :9
)(52أبو جعفر محمد بن الحســن بن فــروخـ الصـفّار ،بصــائرـ الــدرجات :8ـ ،382البــاب الرابــع (بــاب التفــويض إلى
رسول هللا) ،ح.16
)(53الشيخ الصدوقَ ،م ْن ال يحضره الفقيه ،79 :2دار الكتب اإلسالمية.
)(54لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة .المعرّب.
)(55محمد حسن النجفي ،جواهر الكالم .359 :16
)(56لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة .المعرّب.
)(57السيد محمد كاظمـ اليزدي ،العروة الوثقى مع تعليقاتها ،231 :7طبعة الدار اإلسالمية.
)(58الشيخ الطوسي ،الجمل والعقود (سلسلة الينابيع الفقهية) ،231 :7طبعة الدار اإلسالمية.
)(59لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة .المعرّب.
)(60ابن إدريس ،كتاب السرائر .585 :1
)(61المحقِّق الحلّي ،المختصر النافع (سلسلة الينابيع الفقهية) .671 :8
)(62الشيخ محمد حسن النجفي ،جواهر الكالم .700 :19
)(63الشيخ األنصاري ،كتاب الزكاة.512 :
)(64لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة .المعرّب.
)(65الشيخ محمد حسن النجفي ،جواهر الكالم .14 :21
)(66منهاج الصالحين ،366 :1نشر مدينة العلم.
)(67دراسات في والية الفقيه ،118 :1المركز العالمي للدراسات اإلسالمية.
)(68الشيخ الطوسي ،النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ ،302 :1طبعة جامعة طهران.
المهذب ،341 :1مؤسّسة النشر اإلسالمي. َّ )(69ابن البرّاج،
)(70اإلمام روح هللا الخميني ،صحيفه نور (صحيفة النور) ( .171 :2مصدر فارسي).
)(71الح ّج (مجموع كلمات ونداءات اإلمام الخميني) ،177 :مركزـ تحقيقات وانتشارات الحجّ( .مصدر فارسي).
)(72انظر :الشيخ المفيد ،المقنعة.
)(73المحقِّق الحلّي ،شرائع اإلسالم ،21 :2منشورات األعلمي ،طهران.
)(74الشيخ الصدوق ،التوحيد:ـ ،388دار المعرفة.
)(75لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة .المعرّب.
)(76السيد محمد كاظمـ اليزدي ،ملحقات العروة الوثقى ،227 :1المسألة ،2مكتبة الداوري.
)(77لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة .المعرّب.
)(78العالّمة الحلّي ،مفتاح الكرامة .213 :4
)(79ابن حمزة ،الوسيلة ،277 :منشورات مكتبة المرعشي النجفي.
المهذب ،569 :2مؤسّسة النشر اإلسالمي. َّ )(80ابن البرّاج،
)(81انظر :الشيخ الطوسي ،المبسوطـ ،38 :2منشورات األعلمي.
)(82المحقِّق الحلّي ،شرائع اإلسالم ،328 :1منشورات األعلمي.
)(83الشيخ الطوسي ،النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ ،308 :1طبعة جامعة طهران.
)(84الشيخ المفيد ،المقنعة.616 :
)(85لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة .المعرّب.
)(86الشيخ محمد حسن النجفي ،جواهر الكالم .484 :22
)(87دراسات في والية الفقيه ،118 :1المركز العالمي للدراسات اإلسالمية.
)(88المحقِّق الحلّي ،شرائع اإلسالم .275 :3
)(89الشيخ محمد حسن النجفي ،جواهر الكالم .59 :38
)(90الشيخ مرتضىـ مطهَّري ،إسالم ومقتضيات زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ( .86 :2مصدر فارسي).
)(91المصدر نفسه.
)(92اإلمام روح هللا الخميني ،صحيفه نور (صحيفة النور) ( .138 :10مصدر فارسي).
)(93الشيخ الطوسي ،النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ .298 :1
َّ
المهذب .216 :1 )(94القاضي ابن البرّاج،
)(95العالّمة الحلّي ،قواعد األحكام ،104 :1كتاب الجهاد ،منشوراتـ الشريف الرضي.
)(96الشيخ المفيد ،المقنعة ،81 :مؤسّسة النشر اإلسالمي.
المهذب ،518 :2مؤسّسة النشر اإلسالمي. َّ )(97ابن البرّاج،
)(98أبو الصالح الحلبي ،الكافيـ في الفقه ،406 :منشورات مكتبة أمير المؤمنين×.
)(99المحقِّق الحلّي ،شرائع اإلسالم .276 :2
)(100الشيخ محمد حسن النجفي ،جواهر الكالم .189 :29
)(101المحقِّق الكركي ،جامع المقاصد ،96 :12مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث.
)(102اإلمام روح هللا الخميني ،صحيفه نور (صحيفة النور) ( .39 :4مصدر فارسي).
)(103الشيخ الطوسي ،المبسوطـ .31 :6
)(104الشيخ حسين الحلّي ،بحوث فقهية ،210 :مؤسّسة المنار.
)(105الشيخ مرتضىـ مطهَّري ،إسالم ومقتضيات زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ( .59 :2مصدر فارسي).
)(106السيد اليزدي ،ملحقات العروة الوثقى ،75 :1المسألة .33
)(107أحمد كسروي ،تاريخ مشروطه إيران (تاريخ الحركة الدســتورية في إيــران) :2ـ ،617انتشــاراتـ أمــير كبــير.
(مصدر فارسي).
)(108رضا أستادي ،ده فتواي مذهبي وسياسيـ (عشر فتاوىـ دينية وسياسية) ،مجلة نــور علم ،العــدد :5ـ ،18الــدورة
الثانية( .مصدر فارسي).
)(109علي دواني ،نهضت روحانيون إيران (ثورة علماء الدين في إيران) ( .209 :1مصدر فارسي).
)(110مجلة نور علم ،العدد ،6ال َّدوْ رة الثالثة( .مصدرـ فارسي).
)(111المصدر السابق ،العدد .84 :1
)(112روحانيت وملّي شدن صنعت نفط (علماء الدين وتأميم النفط)( .56 :مصدر فارسي).ـ
)(113موسوعة الموسم (الشيعة والشيوعية ،مساجالت في الدين والماركسية /القسم األوّل) ،العدد :89ـ ،101تصدر
في هولندا ،صاحبهاـ ورئيس تحريرها :محمد سعيد الطريحي ،السنة .2011 ،23
)(114تشيُّع ومشروطيت در إيران (التشيُّع والدستورية ال َملَكيّة في إيران)( .174 :مصدر فارسي).ـ
)(115مجلة نور علم ،العدد ،21 :5ال َّدوْ رة الثانية.
)(116إبراهيم تيموري ،تحــريمـ تنبــاكو ،أوّلين مقــاومت منفي در إيــران (حرمــة التنبــاك ،المقاومــة الســلبية األولى في
إيران)( .مصدر فارسي).
)(117اإلمام روح هللا الخميني ،صحيفه نور (صحيفة النور) :4ـ ،207مركزـ مدارك فرهنگي انقالب إسالمي( .مصدر
فارسي).
)(118المصدر السابق .27 :5
)(119المصدر السابق .123 :5
)(120المصدر السابق .124 :5
)(121المصدر السابق .253 :8
)(122المصدر السابق .176 :9
)(123المصدر السابق 172 :10؛ وانظر أيضاً( .170 :20 :مصدر فارسي).ـ
)(124الشيخ مرتضىـ مطهَّري ،إسالم ومقتضيات زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ( .179 :1مصدر فارسي).
)(125السيد الشهيد محمد باقرـ الصدر ،اقتصادنا ،362 :2دار الفكر.
)(126المصدر السابق.363 :
)(127بحــثي دربــاره مــرجعيت وروحــانيت ،مقالــه واليت وزعــامت (بحث في المرجعيــة والواليــة ،مقالــة الواليــة
والزعامة)( .85 :مصدر فارسي).
)(128السيد كاظم الحائري ،حكومت وإسالم ،مقاله قانونگذاري در نظامـ هاي بشري ونظامـ آسماني (الحكومة واإلســالم،
مقالة التقنين في األنظمة البشرية والنظامـ السماوي) ،116 :نشر سازمان تبليغات إسالمي( .مصدر فارسي).
)(129السيد محمود الهاشمي ،مصدر التشريع ونظامـ الحكم في اإلسالم.70 :
)(130الشــيخ محمــد مــؤمن الق ّمي ،حكــومت در إســالم ،مقالــة نحــوه قانونگــذاري در حكــومت إســالمي( .343 :مصــدر
فارسي).
)(131مدارك األحكام .13 :1
)(132الحدائق الناضرة .198 :4
)(133مستمسك العروة الوثقى .171 :7
)(134مصباح األصول .320 :2
)(135مفاتيح األصول.345 :
)(136انظُرْ :كتابه الموضوعات 220 :ـ .222
)(137أوثق المسائل في شرح الرسائل.300 :
)(138القول المس َّدد في مسند أحمد.20 :
)(139التمهيد .39 :6
)(140الكفاية في علم الرواية.126 :
)(141نقله عنه األلباني في تمام المنّة.36 :
)(142المجموع .43 :5
)(143تمام المنّة.34 :
)(144قال« :قَوْ ُل َأحْ َمد ب ِْن َح ْنبَ ٍل :إ َذا َجا َء ْال َحال ُل َو ْال َح َرا ُم َش َّد ْدنَا فِي اَأل َسانِي ِد؛ َوِإ َذا َجا َء التَّرْ ِغيبُ َوالتَّرْ ِهيبُ تَ َساه َْلنَا فِي
االسـتِحْ بَا ِ
ب ْس َم ْعنَــاهُ ْإثبَـات ْ ضـاِئ ِـل اَأل ْع َمــا ِل :لَي َ يف فِي فَ َ الضـ ِع ِث َّ ـل بِ ْال َحـ ِدي ِاَأل َسانِي ِد؛ َو َك َذلِكَ َما َعلَيْـ ِه ْال ُعلَ َمـا ُء ِمن ال َع َمـ ِ
يل شَرْ ِع ٍّيَ ،و َم ْن َأ ْخبَ َر ع َْن هللاِ َأنَّهُ يُ ِحبُّ َع َمالً اب ُح ْك ٌم شَرْ ِع ٌّي ،فَال يَ ْثب ُ
ُت ِإالَّ بِ َدلِ ِ ث الَّ ِذي ال يُحْ تَجُّ بِ ِه؛ فَِإ َّن اال ْستِحْ بَ َ بِ ْال َح ِدي ِ
اب وْ التَّحْـ ِري َم.ـ َولِهَـ َذاَأ ْ َأ ْأ
ِّين َمـا لَ ْم يَـ َذ ْن بِـ ِه هللاَُ ،ك َمــا لَــوْ ثبَتَ اِإل َ ِمن اَأل ْع َم ِ
يجـ َ ال ِم ْن َغي ِْر َدلِي ٍل شَرْ ِع ٍّي فَقَ ْد َشـ َر َع ِمن الـد ِ
ـرا ُدهُ ْم بِـ َذلِكَ َ :أ ْن يَ ُكــونَُوعَ ،وِإنَّ َمــا ُمـ َ ِّين ْال َم ْشـر ِ بَ ،ك َما يَ ْختَلِفُونَ فِي َغي ِْر ِه ،بَلْ هُ َو َأصْ ُل الد ِ يَ ْختَلِفُ ْال ُعلَ َما ُء فِي اال ْستِحْ بَا ِ
ص َدقَ ِة؛يح؛ َوال ُّدعَا ِء؛ َوال َّ الو ِة ْالقُرْ آ ِن؛ َوالتَّ ْسبِ ِ اعَ ،كتِ َ ْال َع َم ُل ِم َّما قَ ْد ثَبَتَ َأنَّهُ ِم َّما يُ ِحبُّهُ هللاَُ ،أوْ ِم َّما يَ ْك َرهُهُ هللاُ ،بِنَصٍّ َأوْ إجْ َم ٍ
ْض اَأل ْع َمــا ِل
ضـ ِل بَع ِ يث فِي فَ ْ ي َحـ ِد ٌ ب؛ َو ْال ِخيَانَـ ِة؛ َونَحْـ ِـو َذلِـكَ .فَـِإ َذا ر ُِو َ اس؛ َو َك َراهَـ ِة ْال َكـ ِذ ِ ق؛ َواِإل حْ َسـا ِن ِإلَى النَّ ِ َو ْال ِع ْت ِ
َأ ٌ
ي فِيهَا َحــ ِديث ال نَ ْعلَ ُم نَّهُ ب َو ن َوا ُعهُ إ َذا ر ُِو َـْ َأ ْ
ب َوال ِعقَا ِ َّ
ْض ا ْع َما ِل َو ِعقَابِهَا ،فَ َمقَا ِدي ُـر الث َوا َِأل ْال ُم ْستَ َحبَّ ِة َوثَ َوابِهَا،ـ َو َك َراهَ ِة بَع ِ
اب» .الفتاوى .65 :12 اب َأوْ تَخَافُ َذلِكَ ْال ِعقَ َ ك الثَّ َو َ س تَرْ جُو َذلِ َ ت ِر َوايَتُهَُ ،و ْال َع َم ُل بِ ِه ،بِ َم ْعنَى َأ َّن النَّ ْف َ ع َجازَ ْ َموْ ضُو ٌـ
َ )(145م ْن ال يحضره الفقيه .91 :2
)(146بحر الفوائد في شرح الفرائد .66 :2
)(147المجموع :2ـ .94وقال أيضاً« :إن العلماء متَّفقون على التســامح في األحــاديث الضــعيفة في فضــائل األعمــال
ونحوها م ّما ليس من األحكام» .المجموع .262 :8ومقصودُه باألحكامـ ما فيه إلزا ٌم ب َح َسب سياق كالمه.
)(148بتتبُّعنا لم ن ِج ْدها مذكورةً قبل الشهيد .والشيخ األنصاريـ ـ عنــد التطــرُّ ق لكلمــات الفقهــاء ــ نقــل أوّل األمــر كالم
الشهيد ،ولم ينقُلْ كالما ً للسابقين عليه .انظُرْ :رسائل فقهيّة.137 :
)(149ع ّدة الداعي ونجاح الساعي.10 :
)(150ذكرى الشيعة .34 :2
)(151هداية المسترشدين .466 :3
)(152را ِجعْ :روضة الطالبين .655 :1
)(153الرعاية.94 :
)(154الكافي .87 :2
)(155العناوين الفقهية 420 :1؛ 325 :3؛ ورجَّح البجنوردي أنها فقهيّة ،انظُرْ :القواعد الفقهية .334 :3
ـر؛ حيث ذهب () وذلك أنهم طرحواـ في تنبيهات مبحث البراءة مسألة االحتياط في العبادة ،وحاجتــه إلى وجــود أمـ ٍ
156
للتمسـك بأخبـارـ االحتيـاط ،ويكفي ُّ الشيخ األنصاريـ إلى أن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خـبراً ضـعيفا ً فال ضـرورة
التمسُّك بأخبار « َم ْن بلغ» .فرائد األصول :2ـ .153وقدـ تبعه القوم على تناول المســألة في هــذا المبحث .وطــبيع ّي أن
بحثه في باب حجّية الخبر هو األنسب.
)(157دروس في علم األصول ،الحلقة الثانية.144 :
)(158وهذا ما أص ّر عليه الشيخ األنصاري،ـ رسائل فقهية.133 :
)(159وهذا ما ذهب إليه السيد البجنوردي ،القواعد الفقهية .334 :3
إن مصــبّ الكالم هــو في اســتحباب كـ ّل فعـ ٍل بلــغ الثــواب عليــه ،فال يكــون الخــبر )(160قيل في توجيه كونهــا فقهيّــةّ :
ق لموضوعه. الضعيف دليالً على الحكم ،وإنّما هو محقِّ ٌ
مخالف لعنوان المسألة ،ومعقد إجماعهم. ٌ و ُر َّد بأنه
ألن «مــا ذكــر في محصـل لـه؛ وذلـك ّ ّ على أن ما ُذكر في توجيه إرجـاع الكالم فيهـا إلى المسـألة الفقهيّـة هــو كال ٌم ال
التعبــير عن المســألة باســتحباب ك ـ ّل فع ـ ٍل د ّل على اســتحبابه خــب ٌر ضــعيف عبــارةٌ أخــرى عن حجّيــة الضــعيف في
فعل د ّل الخــبر المستحبّات ،ويجوز مثل هذا التعبير في حجّية الخبر الصحيح أيضا ً بأن يُقال الكالم فيه في وجوب ك ّل ٍ
راجـ عْ :أوثــق ـل دل ّالخــبر باســتحبابه ،وكــذا الحرمــة والكراهــة واإلباحة»ِ . الصحيح على وجوبه ،واستحباب كـ ّل فعـ ٍ
الوسائل في شرح الرسائل.301 :
)(161طرحه المحقِّق النائيني احتماالً .أجود التقريرات 207 :2؛ وفوائدـ األصول .409 :3
إن بعضــهمـ قــال هــذا الكالم في مواجهــة التقســيم )(162حيث ي َروْ ن أنه إذا لم نعمل بأخبار اآلحاد يلزم َمحْ و الدين ،بل ّ
الرباعي للحديث.
تهويل ،فال يصغى إليها. ٍ ولكن هذه الدعوى في المجالين هي مجرد ّ
بأن إثبات أحد وإن اشت َّد ضعفُها ،ولم ينجبر .واإليرا ُد ّ ضعاف في ال ُّسنَنْ ، )(163قال الشيخ البهائي« :وقد شاع العمل بال ِّ
مخالف لما ثبت في محلِّه مشهورٌ .والعا ّمة ُمضْ طَ ِربون في التفصّي عن ذلــك .وأ ّمــا نحنُ ٌ األحكام الخمسة بما هذا حاله
ْ ً ْ
ـ معاش َر الخاصّة ـ فالعم ُل عنـدنا ليس بهـا في الحقيقـة ،بـل ب َح َسـنَةَ « :من َسـ ِم َع شـيئا من الثـواب» ،وهي م ّمـا تف َّردنـا
بروايته» .الوجيزة ،مدرجةٌ ضمن رسائل في دراية الحديث .542 :1
)(164يظهر ذلك من السيد هاشم معروف ال َح َسني في كتاب الموضوعات.221 :
ش َهدَا ِء فَُأولَِئكَ ِع ْن َد هللاِ ُه ُم ا ْل َكا ِذبُونَ ﴾ (النور.)13 :ش َهدَا َء فَِإ ْذ لَ ْم يَْأتُوا بِال ُّ )(165قال تعالى﴿ :لَ ْوال َجاُؤوا َعلَ ْي ِه بَِأ ْربَ َع ِة ُ
)(166أنهاها السيد الخوئي إلى ثالثة .انظُرْ :مصباح األصول :2ـ 319؛ بينما أنهاها الســيد الشــهيد إلى خمســة .انظُــرْ :
بحوث في علم األصول .122 :5
)(167بحوث في علم األصول .122 :5
إن هذا االحتمال بعيد غايته عن مساق األخبــار؛ فــإن لســان )(168مصباح األصول :2ـ .319وقال اإلمام الخمينيّ « :
إعطاء الحجّية هو إلقاء احتمال الخالف ،وكون المؤ ّدى هو الواقع ،وهو ينافي فرض عدم كون الحديث كمـا بلغـه ،أو
فرض عدم صدوره عن رسول هللا|» .أنوار الهداية .135 :2
)(169المصدر السابق .136 :2
مخالف للظاهر .انظُـرْ :الحلقـة الثانيــة262 :؛ والحلقــة الثالثـة :2 ٌ )(170لكنّه في الحلقات أشار إلى أن االحتمال األوّل
.157
)(171بحوث في علم األصول .122 :5
)(172المصدر السابق .126 :5
أن «مفادها اإلرشادـ إلى حكم العقل بحسن االنقياد ،وترتُّب الثواب على اإلتيان بالعمل )(173االحتمال األوّل عنده هو ّ
بح َسـب وإن لم يكن األمر كمــا بلغه» .مصـباح األصــول :2ـ .319وهـذا هــو االحتمــال الثــالث َ الذي بلغ عليه الثواب ْ
تصنيفنا.
)(174المصدر السابق .319 :2
)(175الحلقة الثانية.262 :
)(176بحوث في علم األصول .122 :5
)(177الحلقة الثانية.262 :
)(178بحوث في علم األصول .122 :5
)(179الحلقة الثانية262 :؛ والحلقة الثالثة.155 :
)(180بحوث في علم األصول 122 :5ـ .123
أنت ّ وخ ْلتُه حينها غير مسبو ٍ
ق،ـ بَ ْي َد أنّي وج ـ ْد ُ كنت أثناء التدريس بعض المتون األصوليّة أرجِّ ح هذا الوجهِ ، )(181قد ُ
بعض كلمات الفقهاء غير بعيد ٍة عنه.
)(182األربعون حديثاً.204 :
ر بذلك أيضاً ،فقد أورد رواياتـ « َم ْن بلغ» )(183الفصول المهمة إلى أصول األئ ّمة .617 :1وكالمه في الوسائل ُم ْش ِع ٌ
في باب «استحباب اإلتيان بك ّل عم ٍل مشروعـ رُوي له ثوابٌ عنهم^» .وسائل الشيعة .80 :1
)(184رسائل فقهية.150 :
)(185ثواب األعمال132 :؛ وعنه :وسائل الشيعة ،80 :1الباب 18من أبواب مق ّدمة العبادات ،ح.1
)(186ع ّدة الداعي ونجاح الساعي9 :؛ وعنه :وسائل الشيعة ،82 :1الباب 18من أبواب مق ّدمة العبادات ،ح.8
)(187الكافي .87 :2
)(188المحاسن .25 :1
)(189الكافي .87 :2
)(190صورة المفروغيّة عن خيريّة العمل.
)(191بحوث في علم األصول 122 :5ـ .123
)(192رسائل فقهية.150 :
)(193المصدر نفسه.
ق في الفتوى بين الواجب أو المحرَّم أو المستحب أو المكروه أو المفهــوم؛ )(194يقول السيد فضل هللا« :ليس هناك فر ٌـ
فقد يكون المفهوم اإلسالمي الذي يطرح على الناس بمثابة الفتوى التي تحرِّك واقعا ً معيَّناً ،م ّمــا يش ـ ِّكل خطــورة أكــبر
حكم شرعي فرع ّي» .كتاب النكاح .161 :1 من خطورة الخطأ في ٍ
)(195من قبيل :ما رواه الكليني ،بسنده عن علي بن الحكم ،ع َّم ْن ح َّدثه عن أبي الربيع الشامي قال« :سـ ُ
ـألت أبــا عبــد
إن عندنا قوما ً من األكراد ،وإنّهم ال يزالون يجيئون بالبيع ،فنخــالطهم ونبــايعهم؟ فقــال :يــا أبــا الربيــع ،ال ُ
فقلتّ : هللا×،
حي من أحيــاء الجن ،كشــف هللا عنهم الغطــاء ،فال تخــالطوهم» .الكــافي :5ـ .158وقــال ّ ّ
تخــالطوهم؛ فــإن األكــراد ٌّ
الجن ،فكــأنّهم منهم ،كشــف عنهم ّ الجن بأنهم؛ لسوء أخالقهم ،وكثرة ِحيَلهم ،أشــباه ّ المجلسي« :و ُربَماـ يؤ َّول كونهم من
الغطاء» .مرآة العقول .145 :19
ّ
وروىـ الكليني ،بسن ٍد فيه إرسالٌ ،عن أبي عبد هللا׫ :ال تعامل ذا عاه ٍة؛ فإنهم أظلم شي ٍء» .الكافي ،158 :5وعنه×:
«احذرواـ معاملة أصحاب العاهات؛ فإنّهمـ أظلم شي ٍء»َ .م ْن ال يحضره الفقيه :3ـ .164وكراهة معاملة ذوي العاهــات
ال تزال يُفتى بها إلى يومنا هذا .را ِجعْ :منهاج الصالحين :2ـ .12وقدـ سجَّلنا عليها في كتاب «من حقــوق اإلنســان في
إن هذا الحديث ،لو ص ّح ســنداً ــ وهــو غــير صــحيح ــ ،نــاظ ٌر ــ بمقتضــى التعليــل اإلسالم» المالحظات التالية :أ ّوالًّ :
ً ُ ُ ً
الوارد فيه ـ إلى المعوّقينـ الذين لم يعمل المجتمع على تهذيبهم وتربيتهم نفسيّا وخلقيّا بما يشعرهمـ بإنســانيّتهم الكاملــة،
بل أبقاهم معزولين عن سائرـ الناس ،كأنّهم وحوش مفترسة أو مصابون بأمراض ُمعْدية ،ولذا من الطــبيعي أن يكــون
إن الفتـوى المـذكورة ،وباإلضـافة إلى افتقارهـا إلى لهم ر ّدة فع ٍل ناقمة على المجتمع ،وأن يكونـوا أظلم شـي ٍء .ثاني6ا ًّ :
المستند الصحيح ،تساهم في َخ ْلق مشكل ٍة إنسانية ،وتع ِّمق من عزلة المعاق ،وتزيده َحنَقا على اآلخرين .وهي من هــذه
ً
الجهة أشبه بفتوى كراهة معاملـة األكــراد ومخـالطتهم وتــزويجهم؛ لجهـة مخالفتهــا لـروح القـرآن الكــريم ،ومقاصــده
أن هذه الفتاوى هي من نتائج االعتماد على قاعدة التسامح في أدلّة ال ُّسنَن ،مع أنهــا الداعية إلى تكريم اإلنسان .وأعتقد ّ
إن أمثــال هــذه الفتــاوى تســتغ ّل ضـ ّد الــدين؛ لتشــويه ت فال مجــال لهــا في المقــام .ثالث6ا ًّ : قاعدةٌ غير صــحيحة ،ولــو ت َّم ْ
أن لها تأثيراً سلبيّا ً على المعوّق نفسه ،وهي تجعله يسيء ْب ّصورته .وهي تدفع البعض إلى التشكيك باإلسالم .وال َري َ
الظن باهلل تعالى ،ويعتقد أنه تعالى ظَلَمه ظلما ً تشريعياً ،باإلضافة إلى ما قد يعتقد أنّه ظل ٌم تكويــن ّي ،كمــا أنّهــا تثــير في ّ
نفسه ال َحنَق على المجتمع ،و ُربَما دفعه ذلك إلى االنتقام بطريق ٍة أو بأخرى.
والسـفلة واألدنين والمحــارفين وذويـ َ َّ )(196يقول العالّمة الحلّي في بيان المعــامالت المكروهــة« :ومعاملــة الظــالمين
العاهات واألكراد ،ومجالستهم ،ومناكحتهم،ـ وأهــل الذمة» .قواعــد األحكــام :2ـ 6؛ وقــال« :وكــذا تكــره معاملــة ذوي
الجن» .تذكرة الفقهاء .138 :12 ّ حي منالعاهات واألكراد ،ومجالستهم ،ومناكحتهم؛ـ لما رُوي من أنّهم ٌّ
)(197أشار إلى ضعف أسانيدها ،وإمكان اإلفتاء بمضمونها؛ استناداً إلى قاعدة التســامح ،في كتــاب مــا وراء الفقــه :6
فراجعْ.
ِ .226لكنّه رفض ذلك بوجهين،
بشكل مفصَّل في كتاب «المرأة في النصّ الدين ّي ،قراءة نقدية في روايات ذ ّم المرأة». ٍ أوضحْ نا الكالم حول ذلك َ )(198
)(199وهذا ما رأى فيه البعض سببا ً إلقدام الشريف الرضيـ على حــذف أســانيد كتابــه .قــال الســيد األمين&« :ولم يكن
قصده ـ أي الشريف الرضــي ــ أن تُؤخَــذ منــه األحكــام ومســائل الحالل والحــرام ،ليــذكر أســانيده ،وإنّمــا قصــد جمــع
كالم له حظٌّ في الفصاحة والبالغة والمضامين العالية؛ لينتفــع قـرّاؤه بــذلك» .انظــر :أعيــان الشــيعة :1 ت من ٍ مختارا ٍ
.540
)(200بحار األنوار .30 :1
)(201استد ّل به الفاضل الدربندي(1285هـ) في إكسير العبادات في أسرار الشهادات :3ـ 248؛ـ وأشــارـ إليــه فيــه :1
.141ـ واستشهدـ بـه على نحــو االســتئناس الشــيخ عبــد هللا المامقــاني في المــواكب الحســينية .انظُــرْ :رســائل الشــعائر
ـظ :فتــاوىـ العلمــاءوالحـ ْ
ِ الحسينية 231 :ـ .232واستد ّل به السيد حسن الشيرازي .،انظر :الشــعائر الحســينية.127 :
في الشعائر الحسينية.141 ،100 :
)(202العروة الوثقى .678 :2
)(203را ِجعْ :كتاب «مفاهيم ومعتقدات».69 :
)(204تعليقا ً على الحديث التاليَ « :م ْن استدان َديْنا ً فلم ي ْن ِو قضاءه كان بمنـزلة السارق» يقول بعض الفقهاء« :فال يبعد
كون نيّة الوفاء كنيّة أداء سائر الواجبات من الواجبات األخالقية» .انظُرْ :السيد الحكيم ،مستمس ـكـ العــروة الــوثقى :5
وف﴾ (النسـاء :)20إنـه .296مثا ٌل آخر :يقول الســيد الحكيم& أيضـاً ،تعليقـا ً على قولــه تعــالىَ ﴿ :وع ِ
َاشُ 6روهُنَّ بِ66ال َم ْع ُر ِ
«ناظ ٌر إلى الجهات األخالقيــة ،ال غيرها» .المصــدرـ الســابق :12ـ .302ويعلّــق الســيد الخــوئي& على روايـ ٍة معيَّنــة
بالقول« :إنها ناظرةٌ إلى الجهة األخالقية ،فال تكون مدركاًـ في األحكام الفرعيّة» .انظُرْ :مصــباح الفقاهـة .256مثــا ٌل
آخر :يذكر الســيد الخــوئي دليالً على حرمــة ال ِغيبــة ،وهــو« :مــا د ّل على أن َم ْن اغتــاب مســلما ً أو مســلمةً لم يقبــل هللا
صالته وال صيامه أربعين يوما ً وليلة ،إالّ أن يغفر له صاحبه» ،ث ّم يعلِّق على الرواية قائالً« :وفيه :أ ّوالً :إنه ضــعيف
السند؛ وثانيا ً :إنه ال بُ َّد من حمل نظائرـ هذه األخبار على األحكام األخالقية؛ فإنه لم يتف َّوه أح ٌد ببطالن عبادة المغتاب ـ
بالكسر ـ ،ووجوب القضاء عليهم بعد التوبة» .مصباح الفقاهة :1ـ 518؛ وانظُرْ :كتــاب الح ّج (تقريــرات درس الســيد
الخوئي) .375 :1
)(205الطبرسي ،مكارمـ األخالق.8 :
)(206من قبيل :فتوىـ الرضاع من الكبــيرة .وال يبتعــد عن ذلــك الفتــوى الــتي تســمح بــالتمتُّع ،ولــو في حــدو ٍد معيَّنــة،
بالزوجة الرضيعة!
ً
)(207يقول السيد الخوئي& ،تعليقا على بعض الروايات« :راجعة إلى الجهــات األخالقيــة ،فتحمــل على االســتحباب».
انظُرْ :مصباح الفقاهة :1ـ 544؛ ويقول في مور ٍد آخر :إن جميع مــا وردـ في حقــوق اإلخــوان محمــو ٌل على الجهــات
األخالقية ،فيحمل على االستحباب إالّ ما ثبت وجوبه في الشريعة .انظُرْ :المصدر نفسه .545 :1
)(208يقــول الســيد الخــوئي ،تعليقـا ً على قــول الســيد الــيزدي في العــروة( :يجب التقليــد في المســتحبّات والمكروهــات
والمباحات)« :إذا احتمل معها (المستحبّات والمكروهات والمباحات) حكما ً إلزاميّا ً أيضاً ،كما إذا احتمل أن يكــون مــا
هو المستحب واجبا ً واقعاً ،أو يكون المكروه أو المباح حرامـا ً كــذلك ،فإنــه عنــد احتمــال ٍ
حكم إلــزام ّي معهــا ال بُـ َّد من
تحصــيل المــؤ ِّمن على تــرك مــا يحتمــل وجوبــه أو ارتكــاب مــا يحتمــل حرمتــه ،وال مــؤ ِّمن ســوى االجتهــاد والتقليــد
وإن لم يعلم بأنــه مبــا ٌح أو مســتحبّ أو مكــروه ،فال حاجــة فيــه إلى التقليــد ،وال إلى واالحتياط.ـ وأما لو جزم بالجوازْ ،
قرينَيْه» ،أي االحتياطـ واالجتهاد .انظُرْ :التنقيح في شرح العروة الوثقى (التقليد).256 :
)(209البحراني ،الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة .212 :23
)(210الكليني ،الكافيـ ،394 :5ح.5
)(211الح ّر العاملي ،وسائل الشيعة 285 :20ـ ،2٨٦ح.25٦43
)(212الطوسي ،االستبصار ،234 :3ح.٨42
)(213السيد محسن الطباطبائيـ الحكيم ،مستمسكـ العروة الوثقى .442 :14
214
ت يسير). () محمد بن يزيد القزويني ،سنن ابن ماجة ،٦٠٢ :1ح( 1٨74بتفاو ٍ
)(215السيد محمد الشيرازي ،الفقه كتاب النكاح .27 :64
)(216الكافي .34١ :5
)(217ابن قدامة ،المغني .392 :9
)(218الموسوعة الفقهية .273 :34
)(219المصدر السابق .274 :34
)(220المصدر السابق .277 :34
)(221المصدر السابق .84 :71
)(222كنـز العمال ،445 :16ح.4534٨
)(223وسائل الشيعة ،552 :20ح.2٦325
)(224المصدر السابق 551 :20ـ ،552ح.26324
)(225بحار األنوار ،٢٧٢ :٢ح.7
)(226كنـز العمال ،93 :1ح.4٠4
)(227مسند اإلمام أحمد بن حنبل ،903 :6ح.20٩71
)(228الكافي ،8 :7ح.10
)(229المصدر السابق ،7 :7ح.1
)(230كنـز العمال ،ج ،371 :16ح.44943
)(231المصدر السابق ،٤٦١ :١٦ح.4543٩
)(232الميرزا النوري ،مستدركـ الوسائل ،١٨١ :١٥باب ،7٠ح.4
)(233وسائل الشيعة ،٤٩١ :٢١ح.27٦7٠
صلة واآلداب ،ح.254٨ )(234صحيح مسلم ،كتاب البِ ّر وال ِّ
)(235الصدوق ،ثواب األعمال.٢٨٧ :
)(236المجلسي ،بحار األنوار ،٢٤٩ :١٠٠ح.37
)(237جامع أحاديث الشيعة .٣٢٦ :٢٠
)(238صحيفة الرياض ،االثنين 17محرّم 143٦هـ ،الموافق 10نوفمبر 2٠14م ،العدد .1٦٩4٠
)(239ابن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،357 :1دار الكتب العلميّة ،قم.
)(240المق ّدس األردبيلي ،مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد األذهان :12ـ ،321مؤسّسة النشر اإلسالمي التابعة
لجماعة المد ِّرسين في الحوزة العلمية بقم ،ط ،1قم المق ّدسة1403 ،هـ.
)(241انظر :الشيخ البهائي ،األربعون حديثاً ،458 :مؤسّسة النشر اإلسالمي.
)(242الراغب اإلصفهاني ،المفردات في غريب القرآن.76 :
)(243ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة :15ـ ،336مؤسّسة آل البيت^ إلحيــاء الــتراث ،ط،1
قم المق ّدسة1409 ،هـ.
)(244الميرزا حسين النوري ،مستدركـ الوسائل ومستنبطـ المسائل .118 :12مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث ،ط،1
بيروت1408 ،هـ.
ّ ِّ
)(245انظر :اإلمام الخميني ،تحريرـ الوسيلة ،366 :2مؤسّسة مطبوعات دار العلم ،ط ،1قم المق ّدسة؛ المحقق الحلي،
شرائع اإلسالم في مســائل الحالل والحــرامـ :4ـ ،170مؤسّســة إســماعيليان ،ط ،2قم1408 ،هـــ؛ عبــد القــادر عــودة،
التشريع الجنائي اإلسالمي ،706 :2دار الكتاب العربي ،بيروت.
)(246الشيخ الطوسي ،الخالف ،353 :5المسألة .3
)(247سليمان بن األشعث ،سنن أبي داوود :4ـ ،126دار إحياء السنّة النبوية؛ علي أصــغر مرواريــد ،سلســلة الينـابيع
الفقهية ،168 :31مؤسّسة فقه الشيعة والدار اإلسالمية ،بيروت1410 ،هـ.
)(248انظر :ابن قدامة المقدسي ،المغني ،76 :19دار الكتاب العربي ،بيروت.
)(249انظر :المصدر نفسه.
)(250المصدر السابق .76 :10
)(251المتّقي الهندي ،كنـز العمال ،19 :10مؤسّسة الرسالة ،بيروت.
)(252ابن قدامة المقدسي ،المغني .76 :10
)(253المصدر نفسه.
)(254انظر :محمد حسن النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم :41ـ ،605دار إحياء التراث العــربي ،ط،7
بيروت.
)(255انظر :ابن قدامة المقدسي ،المغني .78 :10
)(256ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة ،323 :28الباب األول من أبواب المرتد ،ح.2
)(257المصدر السابق ،324 :ح.5
)(258المصدر السابق ،323 :ح.1
)(259انظر :اإلمام الخميني ،تحريرـ الوسيلة .366 :2
)(260انظر :النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم 605 :41؛ .293 :6
)(261انظر :المحقِّق الحلّي ،شرائع اإلسالم في مسائل الحالل والحرامـ .170 :4
)(262انظر :النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم .608 :41
)(263انظر :الفيض الكاشاني ،مفاتيح الشرائع ،104 :2مكتبة السيد المرعشي النجفي ،ط ،1قم المق ّدسة.
)(264القاضي ابن البرّاج الطرابلسي ،المه َّذب البارع ،552 :2مؤسّسة النشر اإلسالمي ،ط ،1قم المق ّدسة1406 ،هـ.
)(265انظر :الشهيد الثاني ،مسالك األفهام إلى تنقيح شرائع اإلسالم ،2کتاب القضاء ،مؤسّسة المعارف اإلسالمية ،ط
،1قم المق ّدسة1413 ،هـ؛ يوسفـ البحــراني ،الحــدائق النــاظرة في أحكــام العــترة الطــاهرة :11ـ ،17مؤسّســة النشــر
اإلسالمي ،ط ،1قم المقدسة1405 ،هـ..
)(266انظر :النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم .608 :41
)(267انظر :الشهيد الثاني ،الروضة البهيــة في شــرح اللمعـة الدمشــقية :9ـ ،338مكتبــة الــداوري ،ط ،1قم المق ّدســة،
1410هـ؛ البحراني ،الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة ،17 :11أبو القاسم الخوئي ،التنقيح في شرح العروة
الوثقى ،224 :3مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث؛ اإلمام الخميني ،تحريرـ الوسيلة .366 :2
)(268ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة ،324 :28الباب األول من أبواب المرتد.
)(269انظر :الخوئي ،التنقيح في شرح العروة الوثقى .228 :3
)(270انظــر :الشــيخ الطوســي ،الخالف :2ـ ،434مؤسّســة النشــر اإلســالمي ،ط ،1قم المق ّدســة1407 ،هـــ.؛ الشــيخ
الطوسي ،المبسوط في فقه اإلمامية :7ـ ،281المكتبة المرتضوية إلحياء آثار الجعفرية ،ط ،3طهران1377 ،هـ.ش؛
الشهيد الثاني ،الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية 337 :9؛ النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم :6
45؛ .608 :41
)(271انظر :النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم .605 :41
)(272انظر :المصدر السابق .45 :6
)(273انظــر :الســيد محســن الحكيم ،المستمس ـكـ في شــرح العــروة الــوثقى :2ـ ،119مؤسّســة دار التفســير ،ط ،1قم
المق ّدسة1416 ،هـ.
)(274انظر :البحراني ،الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة .15 :11
)(275انظر :الشيخ مرتضـیـ األنصــاري ،كتــاب الطهــارة :5ـ ،322المــؤتمر العــالمي إلحيــاء ذكــرى الشــيخ األعظم
األنصاري ،ط ،1قم المق ّدسة1415 ،هـ؛ العالّمة الحلّي ،تحرير األحكام الشرعية على مذهب اإلماميــة ،25 :مؤسّســة
اإلمام الصادق× ،قم المق ّدسة1420 ،هـ؛ القاضي ابن الــبرّاج الطرابلســي ،المهـ َّذب البــارع :2ـ 551؛ الشــهيد الثــاني،
الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية :9ـ 338؛ السيد مهدي الطباطبائي (بحــر العلــوم) ،الــدرّة النجفيــة ،54 :دار
الزهراء ،ط ،2قم المق ّدسة1406 ،هـ؛ الميرزا أبو القاسم الجيالني الق ّمي،جامع الشتات في أجوبة الســؤاالت :1ـ ،55
مؤسّسة كيهان ،ط ،1قم المق ّدسة1412 ،هـ.
)(276ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة ،324 :28الباب األول من أبواب المرت ّد.
)(277انظر :سيف هللا صـرامي ،أحكــام مرتـ ّد أز ديــدگاه إســالم وحقـوق بشــر (أحكــام المرتـ ّد من وجهـة نظـر اإلســالم
وحقوق اإلنسان) ،360 :مركز التحقيقات االستراتيجية في رئاسة الجمهورية ،طهران1376 ،هـ( .مصدر فارسي).
)(278انظر :اإلمام الخميني ،كتاب الطهارة ،633 :3مؤسّسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني ،طهران.
)(279انظر :السيد عبد الكريم األردبيلي ،فقه الحدود والتعزيرات 151 :4ـ ،152مؤسّسة النشر لجامعة المفيد ،ط،2
قم المقدسة1427 ،هـ.
)(280ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة ،323 :28الباب األول من أبواب المرت ّد ،ح.1
)(281انظــر :العالّمــة الطباطبــائي ،المــيزان في تفســير القــرآن :2ـ ،168مؤسّســة األعلمي للمطبوعــات ،بــيروت،
1391هـ.
)(282انظر :السيد محمود اآللوســي ،روح المعــاني في تفســير القــرآن العظيم :1ـ ،335دار الكتب العلميــة ،بــيروت،
1415هـ.
)(283انظر :السيد محمد كاظم الــيزدي ،العـروة الـوثقى :2ـ ،466المسـألة ،76مؤسّســة األعلمي للمطبوعــات ،ط،2
بيروت1409 ،هـ.
)(284انظر :السيد محمد حسن المرعشــي الشوشــتري ،ديــدگاه هــاي نــو در حقــوق (آراء جديــدة في الحقــوق) :1ـ ،84
منشورات الميزان ،ط ،2طهران1427 ،هـ( .مصدر فارسي).
)(285انظـــر :عبـــد الحســـين طيّب ،أطيب البيـــان في تفســـير القـــرآن :3ـــ ،278انتشـــارات إســـالم ،ط ،2طهـــران،
1387هـ.ش( .مصدر فارسي).
)(286محمد بن محمد رضا الق ّمي المشهدي ،كنـز الدقائقـ وبحر الغرائب .157 :3
)(287الفضل بن الحسن الطبرسي ،مجمع البيان في تفسير القرآن ،259 :2دار األميرة للطباعة والنشرـ والتوزيع ،ط
،1بيروت2009 ،م.
)(288انظر :العالّمة الطباطبائي ،الميزان في تفسير القرآن .341 :3
)(289انظر :السيدة نصرت أمين بانو إصفهاني ،مخزن العرفان في تفسير القرآن :3ـ ،180منشورات نهضة النســاء
المسلمات ،طهران1361 ،هـ.ش( .مصدر فارسي).ـ
)(290انظر :القمي المشهدي ،كنـز الدقائق وبحرـ الغرائب .158 :3
)(291انظـر :عبـد الـرحمن الجزيـري ،الفقـه على المـذاهب األربعـة :5ـ ،438دار إحيـاء الـتراث العـربي ،بـيروت؛
الشافعي ،األ ّم ،158 :6دار المعرفة ،بيروت.
)(292انظر :عبد الحسين طيّب ،أطيب البيان في تفسير القرآن .239 :4
)(293انظــر :محســن قــراءتي ،تفســير نــور (تفســير النــور) :2ــ ،410مركــز فـــرهنگي درســهاييـ أز قــرآن ،ط،11
1383هـ.ش( .مصدر فارسي).
)(294انظر :عبد الحسين طيّب ،أطيب البيان في تفسير القرآن .196 :8
)(295انظر :المحقِّق الحلّي ،شرائع األسالم في مسائل الحالل والحرامـ .157 :4
)(296انظر :الشيخ المفيد ،المقنعة ،801 :المؤتمرـ العالمي إلحياء ذكرى الشيخ المفيد ،ط ،1قم المق ّدسة1413 ،هـ.
)(297انظر :الشيخ الطوسي ،النهاية ،711 :دار الكتاب العربي ،ط ،2بيروت1400 ،هـ.
)(298انظر :ابن حمزة الطوسي ،الوسيلة ،416 :مكتبة السيد المرعشي النجفي ،ط ،1قم1208 ،هـ.
)(299انظــر :ابن إدريس الحلّي ،الســرائر الحــاوي لتحريــر الفتــاوي :3ــ ،476مؤسســة النشــر اإلســالمي ،ط ،1قم
المق ّدسة1410 ،هـ..
)(300ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة .125 :1
)(301انظر :المحقِّق السبزواري ،ذخيرة المعاد في شرح اإلرشاد :2ـ ،564مؤسّسة آل البيت^ إلحيــاء الــتراث ،ط،1
قم المق ّدسة1427 ،هـ.
)(302انظر :الشيخ مرتضیـ األنصاري ،كتاب الطهارة .579 :2
)(303انظر :ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة .105 :16
)(304انظر :الخوئي ،التنقيح في شرح العروة الوثقى .228 :3
)(305انظر :األنصاري ،كتاب الطهارة .324 :5
)(306انظــر :الســيد المرتضــى ،المســائل الناصــريات ،252 :رابطــة الثقافــة والعالقــات اإلســالمية ،ط ،1طهــران،
1417هـ.
ّ
)(307المحقق الحلي ،المعتبر في شرح المختصرـ ،408 :1مؤسّسة سيد الشهداء× ،ط ،1قم المقدسة1407 ،هـ. ّ ِّ
)(308انظر :المق َّدس األردبيلي ،مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد األذهان .327 :13
)(309المصدر السابق .328 :13
)(310ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة .74 :16
)(311المصدر السابق .37 :28
)(312انظر :النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم .308 41
)(313اليزدي ،العروة الوثقى .142 :1
)(314انظر :الطبرســي ،مجمــع البيــان في تفســير القــرآن :5ـ 70؛ جالل الــدين الســيوطي،ـ الــد ّر المنثــورـ في التفســير
بالمأثورـ 254 :3ـ ،255دار المعرفة ،ط ،1ج ّدة1365 ،هـ.
)(315العالّمة الطباطبائي،ـ الميزان في تفسير القرآن .335 :9
)(316ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة .333 :28
)(317انظر :الطبرسي ،مجمع البيان في تفسير القرآن .790 :2
)(318انظر :محمد تقي المجلسي ،روضة المتّقين في شرح َم ْن ال يحضره الفقيه :6ـ ،328نشر :بنياد فرهنگ إســالمي
كوشانپور ،قم المق ّدسة1406 ،هـ.
)(319انظر :النجفي ،جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم .47 :21
)(320الشهيد الثاني ،مسالك األفهامـ إلى تنقيح شرائع اإلسالم .21 :3
)(321سيرة ابن هشام ،52 :4انتشاراتـ إيران ،قم1363 ،هـ.ش.
)(322انظـر :جعفـر السـبحاني ،مفـاهيم القـرآن في معـالم الحكومـة :2ـ ،451إعـداد :جعفـر الهـادي ،مؤسسـة النشـر
اإلسالمي ،ط ،3قم المق ّدسة1405 ،هـ.
)(323انظر :مجلّة مكتب إسالم ،17 :بتاريخ :مرداد1363 ،هـ.ش( .مصدر فارسي).
)(324اإلمام الخميني ،صــحيفه إمــام (صــحيفة اإلمــام) :14ـ ،461مؤسّســة تنظيمـ ونشــر آثــار اإلمــام الخميــني ،ط،4
طهران1386 ،هـ.ش( .مصدر فارسي).ـ
)(325المصدر السابق .268 :21
)(326انظر :المحقِّق الحلّي ،معارج األصول ،221 :مؤسّسة آل البيت^ إلحياء الــتراث ،ط ،1قم المقدســة1403 ،هـــ؛
محمد بن م ّكي (الشهيد األول) ،القواعد والفوائدـ ،38 :1مكتبة المفيد ،ط ،1قم المقدسة.
)(327السيوطي ،األشباه والنظائر ،122 :بيروت1407 ،هـ.
)(328علي الندوي ،القواعد الفقهية.43 :
كشـاف )(329انظر :مسـعودـ بن عمــر التفتــازاني ،شـرح التلـويح على التوضــيح :1ـ 34؛ ومحمـدـ بن علي التهــانويّ ،
اصطالحات الفنون 1176 :5ـ .1177وانظر أيضاً :علي بن محمد الجرجاني،ـ التعريفات.171 :
)(330محمد حسن البجنوردي ،القواعد الفقهيّة 5 :1؛ وانظر:ـ ناصر مكارم الشيرازي ،القواعد الفقهية .11 :2
)(331انظر :إبراهيم بن موسى الشاطبي ،الموافقات (شرح درّاز) .53 :2
)(332مجمع الفقه اإلسالميـ الدولي ،معلمة زايد للقواعد الفقهية .255 :3
)(333انظر :عبد الوهاب بن علي السبكي ،األشباه والنظــائرـ :2ـ 102ـ 103؛ وعبــد الواحــد بن إســماعيل الرويــاني،
بحر المذهب .239 :10
)(334إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي ،الموافقات .543 :1
)(335انظر :أبو بكر بن مسعود الكاساني ،بدائع الصنائع .311 :2
)(336انظر :محمد بن أشرفـ بن أمير العظيم آبادي ،عون المعبودـ في شرح سنن أبي داوود .107 :12
ق من علم األصول .322 :1 )(337انظر :محمد بن علي الشوكاني،ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الح ّ
)(338انظر :أحمد بن محمد الطحطاويـ الحنفي ،حاشية الطحطاوي على مراقيـ الفالح (شرح نور اإليضــاح)620 :؛
ومحمد بن علي الشوكاني ،السيل الجرّار المتدفقـ على حدائق األزهـار141 :؛ ومحمـدـ بن الطيب البـاقالني المـالكي،
التقريب واإلرشادـ (الصغير) .177 :2
)(339عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ،فتح الباري في شرح صحيح البخاريـ .341 :1
)(340انظر :محمد بن محمد الغزالي ،المستصفى في علم األصول.241 :
)(341انظر :محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي ،المبسوط 172 :29؛ ومحمدـ صدقي آل بورنو،ـ موسوعة القواعد
الفقهية .295 :1
)(342محمد بن عيسى الترمذي ،سنن الترمذي .189 :1
)(343انظر :مير عبد الفتاح الحسيني المراغي ،العناوين ۲۰ :۱ـ ۲۱؛ ومحمد حسن الموســوي البجنــوردي ،القواعــد
الفقهية 53 :2؛ ومحمد فاضل اللنكراني ،القواعد الفقهية .295 :1
)(344انظر :المصادر نفسها.
)(345انظر :علي أكــبر الســيفي المازنــدراني ،مبــاني الفقــه الف ّعــال :3ـ 34ـ 35؛ ومحمـدـ فاضــل اللنكــراني ،القواعــد
الفقهية.
)(346عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي ،فتح الباري شرح صحيح البخاري .341 :1
)(347مجمع الفقه اإلسالميـ الدولي ،معلمة زايد للقواعد الفقهية واألصولية .292 :18
)(348محمد بن محمد بن أمير الحاج ،التقرير والتحبيرـ .211 :1
)(349زين الدين بن إبراهيم بن نجيم المصري الحنفي ،البحر الرائـق في شـرح كنــز الـدقائق :1ـ 45؛ وانظـر :محمـد بن
محمد الغزالي ،المستصفى في علم األصـول 241 :ـ 242؛ ومحمـد بن عبـد هللا بن بهـادر الزركشـي ،البحـر المحيـط في
أصول الفقه 240 :4ـ .245
)(350انظر :علي أكبر السيفي المازندراني ،مباني الفقه الفعّال 42 :3ـ .43
)(351انظر :عباس علي الزارعي السبزواري ،القواعد الفقهية في فقه اإلمامية .144 :9
)(352محمد بن يعقوب الكليني ،الكافيـ ،18 :5ح.1
)(353انظر :مير عبد الفتاح الحسيني المراغي ،العناوين .26 :1
)(354محمد باقر المجلسي ،بحار األنوار ،271 :2ح.4
)(355انظر :محمد حسن الموسويـ البجنوردي ،القواعد الفقهية .59 :2
)(356محمد بن عل ّي بن بابويه الصدوق ،معاني األخبار ،162 :ح.1
)(357انظر :محمد فاضل اللنكراني ،القواعد الفقهية .300 :1
)(358محمد بن يعقوب الكليني ،الكافيـ ،304 :4ح.4
)(359انظر :محمد إسحاق الفيــاض ،محاضــرات في أصــول الفقــه (تقريــرات أبحــاث الســيد الخــوئي) :4ـ 26؛ وعبــد
الصاحب الحكيم ،منتقى األصول (تقريرات أبحاث السيد الروحاني) .215 :3
)(360انظر :مير عبد الفتاح الحسيني المراغي ،العناوين .23 :1
)(361انظر:عباس علي الزارعي السبزواري ،القواعد الفقهية في فقه اإلمامية .153 :9
)(362انظر :محمد فاضل اللنكراني ،القواعد الفقهية .299 :1
)(363انظر :المصدر السابق 299 :1ـ .300
)(364انظر :المصدر السابق 300 :1ـ .301
)(365انظر :محمد بن أحمد السرخسي ،أصول السرخسي :1ـ 73؛ وإبراهيمـ بن موسىـ بن محمد الشاطبي ،الموافقات
407 :2؛ وأحمدـ بن عبد الحليم بن تيمية ،مجموع الفتاوىـ .59 :27
)(366انظر :محمد بن محمد بن أمير حاج الحنفي ،التقرير والتحبير :1ـ 225؛ ومحمــد بن الطيب البــاقالني المــالكي،
التقريب واإلرشادـ :2ـ .182ومحمد بن أحمد بن النجار الحنبلي ،مختصر التحرير شــرح الكــوكب المنــير :3ـ 218ـ
.221
)(367محمد بن إسماعيل البخاري ،صحيح البخاري :1ـ ،14ح25؛ وعبد هللا بن المبارك المروزي ،مسند اإلمام عبد
هللا بن المبارك ،147 :ح240؛ محمد علي فركوس ،اإلنارة شــرح كتــاب اإلشــارة76 :؛ وعبــد الــرحمن بن أحمــد بن
رجب الحنبلي ،جامع العلوم والحكم 228 :1ـ .230
)(368محمد بن عيسى الترمذي ،سنن الترمذي ،189 :1ح113؛ ومحمد بن الحسن الشيباني ،المبسوط .49 :1
)(369انظر :محمد بن أشرفـ بن أمير العظيم آبادي ،عون المعبودـ في شرح سنن أبي داوودـ 275 :1؛ وعمر بن عل ّي
بن الملقن الشافعي ،التوضيح لشرح الجامع الصحيح :4ـ 640؛ ومحمدـ بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية ،إعالم المــوقعين
.154 :1
)(370انظر :محمد بن أحمد بن النجار الحنبلي ،مختصرـ التحرير شرح الكوكب المنير 250 :3ـ .251
)(371انظر :محمد بن محمد بن أمير حاج ،التقرير والتحبير :1ـ 189؛ ومحمد بن عبد الرحيمـ الهندي ،نهاية الوصول
في دراية األصول 285 :1؛ وانظر :عبد الرحمن اإليجي ،شرح مختصر المنتهى األصوليـ .102 :2
)(372مالك بن أنس األصبحيـ المدني ،الموطّأـ :2ـ ،624ح23؛ ومحمدـ بن إســماعيل البخــاري ،صــحيح البخــاري :3
،73ح2171؛ ومسلم بن الحجّاج النيسابوري ،صحيح مسلم ،1171 :3ح.1542
والمزابنــة :بيــع التمــر بــالرطب َك ْيالً ،وبيــع الكــرم بــالزبيب َك ْيالً .انظــر :محمــود عبــد الــرحمن عبــد المنعم ،معجم
المصطلحات واأللفاظ الفقهية .265 :3
)(373محمد بن إسماعيل البخــاري ،صــحيح البخــاري :3ـ ،140ح2496؛ ومســلم بن الح ّجــاج النيســابوري ،صــحيح
مسلم ،1229 :3ح.1608
)(374انظر :عبد هللا بن أحمد بن قدامة الحنبلي ،روضة الناظر وجنّة المناظرـ 42 :2ـ .44
)(375انظر :إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي ،الموافقات 411 :2؛ وعلي بن أبي علي بن محمد اآلمدي ،اإلحكام
في أصول األحكام .260 :2
)(376انظر :مجمع الفقه اإلسالمي الدولي ،معلمة زايد .266 :3
)(377محمد بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية ،أعالم الموقعين عن ربّ العالمين .114 :2
)(378انظـر :السـيد عبـد األعلى الموسـوي السـبزواري ،مهـ َّذب األحكـام :13ـ 121؛ والشـهيد الثـاني زين الـدين بن ّ
علي
العاملي ،مسالك األفهام 257 :2؛ ومحمد أمين بن عابدين الحنفي ،ر ّد المختار على الدرّ المختار .481 :2
)(379انظر :العالّمة الحسن بن يوسفـ الحلّي ،منتهى المطلب في تحقيق المذهب :10ـ 259؛ .19 :12والشهيد الثاني
زين الدين بن عل ّي العاملي ،مسالك األفهام .270 :2
)(380محمد بن الحسن الطوسي ،تهذيب األحكام :5ـ ،69ح227؛ ومحمـدـ بن الحســن ال ُحـ ّر العــاملي ،وســائل الشــيعة
،500 :12ح.1
)(381محمد بن الحسن الطوسي ،تهذيب األحكام :5ـ ،74ح246؛ ومحمـدـ بن الحســن ال ُحـ ّر العــاملي ،وســائل الشــيعة
،366 :12ح.1
)(382محمد بن عل ّي بن بابويه الصدوقَ ،م ْن ال يحضره الفقيه :2ـ ،334ح2595؛ ومحمد بن الحسن ال ُحـ ّر العــاملي،
وسائل الشيعة ،359 :12ح.1
)(383انظر :محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري ،اإلجماع53 :؛ ويحيىـ بن شــرف النــووي ،المجمــوعـ :7ـ 261؛
وأحمد بن محمد بن قدامة ،المغني .303 :3
)(384محمد بن إسماعيل البخاري ،صحيح البخاري :1ـ ،39ح134؛ ومسلمـ بن الحجّاج النيســابوري ،صــحيح مســلم
،835 :2ح.1177
)(385انظر :أبو بكر بن مسعود الكاساني ،بدائع الصنائع .186 :2
)(386سليمان بن األشعث السجستاني ،سنن أبي داوود ،166 :2ح.1827
)(387أحمد بن الحسين البيهقي ،السنن الكبرى ،75 :5ح.9050
)(388انظر :منى خالد محمد عل ّي م ّكي ،ميراث المرأة في اإلسالم والشبهات المثارة حوله والر ّد عليها.166 :
)(389انظر :الشيخ محمد الجواهري ،معجم طبقات اإلرث :1ـ 54؛ وعثمان بن علي الــزيعلي الحنفي ،تبــيين الحقــائق
في شرح كنـز الدقائق وحاشية ال ِّش ْلبي .234 :6
)(390انظر :عثمان بن علي الزيعلي الحنفي ،تبيين الحقائق في شرح كنـز الدقائقـ .238 :6
)(391مير عبد الفتاح الحسيني المراغي ،العناوين الفقهية .29 :1
)(392انظر :محمد فاضل اللنكراني ،القواعد الفقهية .308 :1
)(393انظر :محمد حسن الموسويـ البجنوردي ،القواعد الفقهية .62 :2
)(394انظر :محمد صدقي آل بورنو،ـ موسوعة القواعد الفقهية .22 :1
)(395إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي ،الموافقات .84 :2
)(396انظر :محمد حسين الطباطبائي،ـ الميزان في تفسير القرآن .81 :15
)(397انظر :أبو بكر بن مسعود الكاساني ،بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع :7ـ 40؛ وإسـماعيل بن عمـرو بن كثـير
القرشي ،تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) .10 :6
)(398محمد بن يعقوب الكليني ،الكافيـ ،١٦٥ :٥ح4؛ ومحمدـ بن الحسن ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة ،428 :17ح
.3
399
() انظر :أحمد بن محمد األردبيلي ،مجمع الفائدة والبرهان .38 :8
)(400عبدهللا بن أحمد بن قدامة الحنبلي ،المغني .166 :4
)(401سليمان بن األشعث السجستاني ،سنن أبي داوود ،217 :3ح.3447
)(402انظر :علي المشكيني األردبيلي ،مصطلحاتـ الفقه.475 :
)(403انظر :محمد صادق الروحاني ،فقه الصادق .530 :25
)(404محمد بن الحسن الطوسي ،تهذيب األحكام ،132 :10ح.141
)(405انظر :أبو بكر بن مسعود الكاساني ،بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع .91 :7
)(406جار هللا الزمخشري ،الك ّشاف عن حقائق التنـزيل :2ـ ،158مكتبــة ومطبعــة مصــطفى البــابي الحلــب ّي وأوالده،
بمصر1966 ،م.
)(407حيدر علي قلمداران ،الخمس في الكتاب والسنّة ،ترجمة :سعد رستم ،نسخة إلكترونية ،بدون ترقيم الصفحات.
)(408كمال الحيدري ،هل لخمس أرباح المكاسب أص ٌل قرآني؟:ـ ،39بقلم :ميثاق العسر1433 ،هـ.
)(409قلمداران ،الخمس في الكتاب والسنّة ،بدون ترقيم الصفحات.
)(410علي عبد السالم بالنور ،من لطائفـ عدول الفعل الماضــي في القــرآن الكــريم ،مجلّــة الجامعــة األســمرية ،العــدد
:28ـ ،265السنة ،14ليبيا؛ وظافر العمري ،بالغــة القــرآن الكــريم ،دراســة في أســرار العــدول في اســتعمال صــيغ
الفعل ،مكتبة وهبة ،القاهرة1429 ،هـ.
)(411الخليل بن أحمد ،العين :4ـ ،426مق ّدمة المحقِّق ،تحقيق :مهدي المخزوميـ وإبراهيم الســامرائي ،ط ،2مؤسّســة
دار الهجرة ،إيران1410 ،هـ.
)(412أحمد بن فارس ،معجم مقاييس اللغة ،397 :4تحقيق :عبد السالم محمد هارون ،دار الفكر1979 ،م.
)(413جمال الدين بن منظور ،لسان العرب ،446 ،445 :12دار صادر ،بيروت ،بدون تاريخ.
)(414الحسن بن محمد الراغب اإلصفهاني ،المفردات ،366 :ط1404 ،2هـ.
)(415فخر الدين الطريحي ،مجمع البحرين ،129 :6تحقيق :أحمد الحسيني ،المكتبة المرتضوية ،طهران.
)(416ابن قتيبة ،غريب الحديث 228 :1ـ ،229تحقيق :عبد هللا الجبوري ،مطبعة العاني ،بغداد ،ط1977 ،1م.
)(417ابن األثير ،النهاية في غريب الحديث 389 :3ـ ،390ط1963 ،1م.
)(418ابن منظور ،لسان العرب .519 :4
)(419لويس معلوف ،المنجد ،480 :طهران ،ط1379 ،35هـ.ش.
)(420كمال الحيدري ،هل لخمس أرباح المكاسب أصل قرآني؟.50 :
)(421المصدر السابق.47 ، :
)(422ابن فارس ،مقاييس اللغة 3 :ـ .5
)(423الخليل بن أحمد الفراهيدي ،كتاب العين ( 12 :1مق ّدمة المحقِّق).
)(424جورج طرابيشي ،إشكاليات العقل العربي 217 :ـ ،220دار الساقي ،ط.1998 ،1
)(425الخليل بن أحمد ،كتاب العين ( 19 :1مقدمة المحقِّق).
)(426محمد علي الرباني ،االجتهاد والتقليد واالحتياط (تقريرات درس السيد علي السيســتاني) ،28 :موقـعـ تقريــرات
السيستاني.
)(427ابن األثير ،النهاية في غريب الحديث .390 :3
)(428محمد صادق الخرسان ،الخمس 96 :ـ ،100الشؤون الفكرية في العتبة العبّاسية ،ط2012 ،3م.
)(429المصدر السابق.45 :
)(430حســين النــوري الهمــداني ،الخمس في ضــوء مدرســة أهــل الــبيت 25 :ـ ،38مكتب اإلعالم اإلســالمي ،ط،2
1419هـ ،قم ـ إيران.
)(431محمد رشيد رضا ،تفسير المنار ،3 :10دار المنار ،ط1368 ،2هـ.
)(432مرتضى البروجردي ،المستند في شرح العــروة الــوثقى ،كتــاب الخمس (تقريــراً ألبحــاث الســيد الخــوئي) :15
،212مطبعة نينوى ،ط2009 ،4م.
)(433مرتضى العسكري ،معالم المدرستين 95 :2ـ ،102مؤسّسة البعثة ،طهران1406 ،هـ.
)(434المصدر السابق .104 :2
)(435نوري الهمداني ،الخمس.23 :
)(436محمد رمضان البوطي ،فقه السيرة ،396 :دار الفكر ،ط1980 ،8م.
)(437نجم الدين الحلّي ،شرائع اإلسالم ،245 :1تعليق :صادق الشيرازي ،مؤسّسة الوفاء ،بيروت ،ط1983 ،1م.
)(438قلمداران ،الخمس ،بدون بيانات.
)(439محمد بن أحمد ،القرطبي ،الجامع ألحكــام القـرآن :8ـ ،1مطبعـة دار الكتب المصـريّة ،القــاهرة1939 ،م؛ أبــو
حيّان األندلسي ،البحــر المحيــط :5ـ ،323دار الفكــر2010 ،م؛ محمــد عل ّي الشــوكاني ،فتح القــدير ،539 :مراجعــة:
يوسف الغوش ،دار المعرفة ،بيروت ،ط،4ـ 2007م؛ ومحمـدـ يوســف أطفيش ،هيميــان الــزاد إلى دار المعــاد ،نســخة
إلكترونية ،موقع التفاسير ،بدون بيانات.
ّ
)(440كريم فليح حسن ،آراء اإلمام الماورديـ في الغنيمة ،دراسةٌ تاريخية مقارنة ،مجلــة الدراســات التاريخيــة ،العــدد
2012 ،14م.
)(441الفخر الرازي ،تفسير مفاتيح الغيب ،164 :15ط.3
)(442القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن .1 :8
)(443محمود اآللوسي ،روح المعاني ،2 :10نسخة إلكترونية ،بدون بيانات.
)(444ظافر القاسمي ،الجهاد ،531 :دار العلم للماليين ،بيروت ،ط1982 ،1م.
)(445صبحي الصالح ،النظم اإلسالمية ،366 :دار العلم للماليين ،ط1982 ،6م.
)(446محمد صادق الخرسان ،الخمس.45 :
)(447أبو جعفر الطبري ،جامع البيان 171 :6ـ ،248دار الكتب العلمية ،بيروتـ ،ط1992 ،1م.
)(448القاضي البيضاوي ،تفسير البيضاويـ (مع حاشية زاده) ،408 :2المطبعة العثمانية.
)(449ابن كثير ،تفسير ابن كثير ،310 :2مكتبة دار التراث ،القاهرة.
)(450أحمد بن محمد األردبيلي ،زبدة البيان في أحكام القرآن ،209 :تحقيق :محمد باقر البهبودي.ـ
)(451رشيد رضا ،المنار .3 :10
)(452أبو جعفر الطوسي ،التبيان ،123 :5تحقيق :أحمد حبيب العاملي ،دار إحياء التراث العربي ،بيروت.
)(453أبــو عل ّي الطبرســي ،مجمــع البيــان :4ـ ،836تحقيــق :هاشــم المحالّتي وزميلــه ،دار المعرفــة ،بــيروت ،ط،1
1986م.
)(454سعيد بن هبة الراوندي ،فقه القرآن ،242 :1تحقيق :أحمد الحسيني ،ط ،2قم ـ إيران1405 ،هـ.
)(455محمد حسين الطباطبائيـ الميزان ،91 :10مؤسّسة األعلمي ،بيروت ،ط1983 ،5م.
)(456محمد حسين فضل هللا ،من وحي القرآن ،296 :10دار الزهراء ،ط1984 ،1م.
)(457أبو يوسف،ـ موسوعة الخراج ،الخراج ( ،18 :)1دار المعرفة ،بيروت1979 ،م.
)(458يحيى بن آدم ،موسوعة الخراج ،الخراج ( ،19 :)2دار المعرفة ،بيروت1979 ،م.
)(459عل ّي بن محمد البيساني ،مختصرـ البسيوي ،90 :تقديم :الشيخ أحمد الخليلي ،دار الحكمة ،لندن2007 ،م.
)(460أبو الحسن الماوردي ،األحكام السلطانية ،126 :دار الكتب العلمية ،بيروت1987 ،م.
)(461تق ّي الدين بن تيمية ،السياسة الشرعيّة ،32 :دار المعرفة ،بيروت ،ط1969 ،4م.
)(462محمد الموسوي العاملي ،مدارك األحكام ،381 :5مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث ،ط ،1مشهد1410 ،هـ.
)(463محمد باقر السبزواري ،ذخيرة المعاد في شرح اإلرشاد :1ـ ( 480القســم الثــالث) ،مؤسّســة آل الــبيت^ إلحيــاء
التراث.
)(464علي الطباطبائي ،رياض المسائل 227 :5تحقيق :مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث.
)(465المصدر السابق .15 :1
)(466محمود الهاشمي ،الخمس ،10 :2مكتب اإلعالم اإلسالمي ،ط1410 ،1هـ.
)(467المصدر السابق .11 :2
)(468المصدر السابق .15 :1
)(469المصدر السابق .16 :2
)(470سيد سابق ،فقه السنّة ،329 :1دار الكتاب العربي ،بيروت ،ط1987 ،8م.
)(471محمد بن إسماعيل البخاري ،صحيح البخاري ،292 :ح ،1499بيت األفكار الدولية ،الرياض1998 ،م.
)(472أبو يوسف،ـ موسوعة الخراج ،الخراج (.21 :)1
)(473عبد الحمن الجزيري ،الفقه على المذاهب األربعة ،555 :1دار الكتب العلمية ،بيروت2003 ،م.
)(474أحمد بن يحيى بن المرتضى ،شرح األزهار 263 :1ـ ،267بدون بيانات.
)(475حسن القزويني ،الخمس في الشريعة االسالمية ،39 :دار الزهراء1979 ،م.
)(476نوري الهمداني ،الخمس.82 :
)(477محمد بن بابويه الصدوق ،الهداية ،177 :مؤسّسة اإلمام الهادي1418 ،هـ.
)(478محمد بن محمد بن النعمان المفيد ،المقنعة ،276 :مؤسّسة النشر اإلسالمي ،قم ـ إيران1410 ،هـ.
)(479عل ّي بن الحسين المرتضى ،االنتصار ،225 :مؤسّسة النشر اإلسالمي1415 ،هـ.
)(480أبو جعفر الطوسي ،الخالف ،181 :4تحقيق :عل ّي الخراسانيـ وآخرين1414 ،هـ.
)(481المحقِّق الحلّي ،المعتبر :2ـ ،623تحقيق :بإشرافـ ناصر مكارم ،مؤسّسة ســيد الشــهداء1364 ،هـــ.ش؛ وكــذا:
المحقِّق الحلّي ،شرائع اإلسالم ،كتاب الجهاد (تعليقات صادق الشيرازي) ،242 :1مؤسّسة الوفاء1982 ،م.
وراجـ عْ:
ِ )(482الحسن بن يوسف الحلّي ،تذكرة الفقهاء :5ـ ،421مؤسّسة آل البيت اإلسالمية ،قم ـ إيران1414 ،هـــ.
الحسن بن يوسف الحلّي ،مختلف الشيعة ،313 :3مؤسّسة النشر اإلسالمي ،ط1413 ،1هـ.
)(483الحسن بن يوسف الحلّي ،منتهى المطلب ،548 :1الطبعة القديمة ،بدون بيانات.
)(484زين الدين العاملي ،مسالك األفهامـ ،50 :3مؤسّسة المعارفـ اإلسالمية ،ط1414 ،1هـ.
)(485أحمد محمد مهدي النراقي ،مستند الشيعة في أحكام الشريعة ،9 :10مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث.
)(486المصدر السابق .11 :10
)(487مرتضى البروجردي ،المستند في شرح العروة الوثقى ،الخمس (تقريراً ألبحاث السيد الخوئي) .196 :15
)(488حسين علي المنتظري ،دراسات في والية الفقيه ،47 :3مطبعة المقدس ،قم ـ إيران ،ط1411 ،1هـ.
)(489محمود الهاشمي ،الخمس ،12 :2مكتب اإلعالم اإلسالمي ،ط1410 ،1هـ.
)(490البخاري ،صحيح البخاري ،593 :ح.3095
)(491مرتضى العسكري ،معالم المدرستين 112 :2ـ .118
)(492مرتضىـ العسكري ،معالم المدرستين :2ـ 117؛ ونوري الهمداني ،الخمس95 :؛ وجعفر العاملي ،الصحيح من
سيرة المصطفى ،309 :3مؤسّسة النشر اإلسالمي ،قم1402 ،هـ.
)(493كاظم اليزدي ،العروة الوثقى 232 :4ـ ( 233تعليقات الفقهاء) ،مؤسّسة النشر اإلسالمي ،قم ،ط1420 ،1هـ.
)(494قلمداران ،الخمس ،نسخة إلكترونية ،بدون صفحات.
)(495محمد بن سعد ،الطبقات الكبرى 292 :2ـ ،334أع ّد الفهارس :رياض عبد الهادي ،دار إحياء التراث العربي.
)(496محمــد الغــزالي ،فقــه الســيرة ،382 :خـرَّج أحاديثــه :ناصــر الــدين األلبــاني ،دار الكتب الحديثــة ،مصــر ،ط،7
1976م.
)(497محمد بن سعد ،الطبقات الكبرى .130 :1
)(498علي حسينعلي األحمدي ،مكاتيب الرسولـ :2ـ ،301ـ ،306ـ ،308ـ ،313ـ ،316ـ ،317ـ ،353ـ ،364ـ ،385دار
صعب ،بيروت.
)(499محمد بن سعد ،الطبقات الكبرى .130 ،129 :1
)(500محمود الهاشمي ،الخمس .17 :2
)(501المنتظري ،دراسات في والية الفقيه 44 :3ـ .46
)(502محمود الهاشمي ،كتاب الخمس .10 ، :2
)(503تفسير المنار .3 :10
)(504جعفر السبحاني ،الخمس في الشريعة اإلسالمية ،20 :الموقع اإللكتروني للمؤلِّف.
)(505عبد الكريم بنحميدة ،الغنيمة في حروب اإلسالم المب ِّكرة ،5 :موقع مؤمنون بال حدود.ـ
)(506محمد عابد الجابري ،نقد العقل السياسي العربي 169 :ـ ،256مركزـ دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،ط،10
1017م.
)(507أحمد بن يحيى البالذري ،فتوح البلدان ،115 :دار الكتب العلميّة1987 ،م.
)(508محمــد بن الحســن الطوســي،ـ االستبصــارـ :2ـ ،56تحقيــق وتعليــق :حســن الموســويـ الخرســان ،دار صــعب
والتعارف ،بيروت.
)(509محمود الهاشمي ،كتاب الخمس .29 :2
)(510المصدر السابق .43 :2
)(511المنتظري ،دراسات في والية الفقيه .70 :3
)(512مرتضى البروجردي ،المستند في شرح العروة الوثقى ،الخمس (تقريراً ألبحاث السيد الخوئي) .197 :15
)(513محمد جواد مغنية ،التفسير المبين ،183 :دار التيار الجديد ،بيروت ،ط2007 ،3م.
)(514انظر على سبيل المثـال :جـامع الترمـذي :2ـ ،555تحقيـق :أحمـد محمـد شـاكر وآخـرون ،دار إحيـاء الـتراث
العربي ،بيروت ،ط1؛ الكليني ،الكافي :3ـ ، 317دار الحديث ،قم1429 ،هـ؛ صــحيح ابن ِحبّــان :13ـ ،60ـ تحقيــق:
شعيب األرنـؤوط ،مؤسّسـة الرسـالة ،بـيروت ،ط2؛ الحـاكم النيسـابوري ،المسـتدركـ على الصـحيحين :1ـ ،36دار
الســنَّة 139 :ـ ،142مؤسّســة الكتب العلمية ،بــيروت ،ط .1وللمزيــدـ من الروايــات انظــر :حيــدر حبّ هللا ،حجِّيــة ُّ
االنتشار العربي ،بيروت ،ط2011 ،1م.
)(515حيدر حبّ هللا ،حجّية السنّة.142 :
ت في مجلّة االجتهاد والتجديد ،العدد .56 )(516تق َّد َم ْ
)(517فإن «ال َّسنَن» بمعنى «الطريق» ،و«ال ُّسنَن» ـ جمع ال ُّسنّة ــ بمعــنى «الطريقة» ،وقـدـ يُــراد بــ «الطريقـ» معــنى
َت في بعض المعاجم بمعنى «الجهة» و«النهج» أيضـاً ،وهــو «الطريقة والمنهج» .ومن جه ٍة أخرى إن «السَّنن» ورد ْ
أيضا ً قريب من معنى «الطريقة» .انظر :الجوهري ،الصحاح :5ـ ،2139تحقيق :عبد الغفور عطّار ،بــيروت ،ط،1
1376هـ؛ ابن سيدة ،المحكم والمحيط األعظم :8ـ ،417تحقيق :عبد المجيد هنداوي ،دار الكتب العلمية ،بــيروت ،ط
1421 ،1هـ.
ٌ
تفصيالت حول هذا األمر ،وأكتفي هنا بهذا المقدار. ت في المقالة السابقة )(518قد تق َّد َم ْ
)(519أقصد من أهل البيت^ هنا خصوص أهل الكساء^؛ ليكون ذكر الشواهد وفق ـا ً لترتيبهــا التــاريخ ّي وفي المنتصــف
ي.ـ وسأذكر االستعماالتـ في كالم اإلمام السجّاد× في المجموعة التاليةْ ،
إن شاء هللا. األوّل من القرن األول الهجر ّ
)(520نهج البالغة209 :
)(521الكليني ،الكافي 162 :15؛ المفيد ،اإلرشادـ ،292 :1مؤتمرـ الشيخ المفيد ،قم 1413 ،هـ.
)(522تفسير فرات الكوفي:ـ ،314ـ مؤسّسة الطبـع والنشـرـ في وزارة اإلرشــاد اإلســالمي ،طهــران ،ط،1ـ 1410هــ؛
يسير في :شواهد التنـــزيل لقواعــد التفضــيل :1ـ ،557ـ مجمــع إحيــاء الثقافــة اإلســالميّة في وزارة الثقافــة ٍـ وباختالف
ٍ
واإلرشادـ اإلسالمي ،طهران ،ط1411 ،1هـ.
)(523الثقفي ،الغارات :2ـ 483؛ نهج البالغــة93 :؛ الطوســي ،األمــالي ،181 :دار الثقافــة ،قم ،ط،1ـ 1414هـــ؛ ابن
شهرآشوب ،مناقب آل أبي طالب ،272 :2عالّمه ،قم ،ط1379 ،1هـ.
)(524ابن حمدون ،التذكرة الحمدونية ،243 :6تحقيق :إحسان عباس ،دار صادر ،بيروت ،ط1996 ،1م.
يسير في :ابن شـعبة الحـرّاني ،تحـف العقـول130 :؛ دعـائم اإلسـالم :1ـ ،356 ٍ وباختالف
ٍـ )(525نهج البالغة431 :؛
تحقيق :آصف الفيضي ،مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث ،قم ،ط1427 ،2هـ؛ التذكرة الحمدونية 319 :1؛ النويري،
نهاية اَأل َرب في فنون األدب ،22 :6دار الكتاب والوثائقـ القومية ،القاهرة1423 ،هـ.
)(526الكليني ،الكافي :3ـ 131؛ الصدوق ،الخصال :1ـ 231؛ تحف العقول165 :؛ المفيــد ،األمــالي ،277 :تحقيــق:
علي أكبر الغفاري ،مؤتمر الشــيخ المفيــد ،قم ،ط،1ـ 1413هـــ؛ أبــو نعيم اإلصــفهانيـ ،حليــة األوليــاء :1ـ ،74دار أ ّم
القرى ،القاهرة ،ط1؛ الطوسي ،األمالي38 :؛ المرشدـ باهلل الشجري الجرجاني،ـ األمالي الخميسية :1ـ ،104تحقيــق:
محمد حسن إسماعيل ،دار الكتب العلمية ،بيروت1422 ،هـ؛ وانظــر أيضـاً :كتــاب ُسـلَيْم بن قيس :2ـ ،614تحقيــق:
األنصاريـ الزنجاني ،انتشارات الهادي ،قم ،ط،1ـ 1405هـ؛ محمد بن الحسن الغسّاني(315هـ) ،أخبار وحكايات:ـ 1
،5تحقيق :إبراهيم صالح ،دار البشائر ،بيروت1994 ،هـ.
)(527و ُربَما وقع سقطٌ في هذه الصيغة من الحديث.
)(528الحجر13 :؛ الكهف.55 :
لكن الظاهر أن « ُسنَّة األوّلين» هنا بمعنى طريقة األوّلين ،وليست كتعبير « ُس ـنَّة األوّلين» الــذي وردـ في بعض ّ )(529
السـنَّة فكأنّمـاـ كـان مـع
اآليات القرآنية؛ والدليل على هذه المغايرة أنه في عبـارة الحـديث يوجـد تعبـير« :و َم ْن عـرف ُّ
األوّلين» ،وكأنّ اإلمام× يقولَ :م ْن عرف طرائق األ ّولين ومسالكهم فهو كالشخص الذي عاش في أوساطهم ،فيستطيع
مختلف عن السياق الذي ورد فيــه تعبــير « ُس ـنَّة
ٌ أن يعرفـ سبب نجاة َم ْن نجا منهم ،وسبب هالك َم ْن هلك منهم .وهذا
األوّلين» في اآليات القرآنية.
)(530اآلمدي ،غرر الحكم ودرر الكلم ،217 :قم ،ط1410 ،2هـ.
)(531الكليني ،الكافي 486 :2؛ ابن شهرآشوب ،مناقب آل أبي طالب 340 :2
إن َذكَرْ تُمـ نَ َسبه. )(532أي ْ
)(533أي اإلنذار.
)(534أي مائالً.
)(535الجــوهري ،الســقيفة وفــدك:ـ ،140تحقيــق :محمــد هــادي األميــني ،مكتبــة نينــوىـ الحديثــة ،طهــران؛ الطــبري
(المنســوب) ،دالئــل اإلمامــة ،114 :مؤسّســة البعثــة ،قم ،ط،1ـ 1413هـــ؛ اآلبي ،نــثر الــد ّر في المحاضــرات :4ـ 5؛
يسير في :اإلربلي كشف ،الغ ّمة :2ـ ،208تحقيق :علي آل كوثر وعلي الفاضــلي ،المجمــع العــالم ّي ألهــل ٍـ وباختالف
ٍ
البيت^ ـ دار التعارف ،بيروت1433 ،هـ.
ي ،قم ،ط1؛ القاضي النعمان ،شرح األخبار ،35 :3 )(536ابن طيفور ،بالغات النساء ،24 :انتشارات الشريف الرض ّـ
تحقيق :محمد حسين الحسينيـ الجاللي ،مؤسّسة النشر اإلسالمي ،قم ،ط1409 ،1هـ.
)(537كتاب ُسلَيْم بن قيس 595 :2
)(538الطبرسي ،االحتجاج 111 :1
)(539رجال الك ّشي ،21 :تحقيق :المصطفوي ،نشر دانشگاه مشهد ،مشهد ،ط1409 ،1هـ.
)(540تاريخ مدينة دمشق .75 :23
)(541الحاكم النيسابوري ،المستدركـ على الصحيحين .562 :2
)(542البغوي ،معالم التنـزيل في تفسير القرآن ،347 :2دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط1420 ،1هـ.
)(543التوبة.37 :
)(544الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) :5ـ ،45تحقيق :ابن عاشور ،دار إحياء التراث العربي ،ط،1
1422هـ.
)(545ابن عبد الحكم ،فتوح مصر والمغرب ،120 :مكتبة الثقافة الدينية ،القاهرة ،ط1415 ،1هـ؛ الصدفي ،تاريخ ابن
يـونس المصــري :1ـ ،345دار الكتب العلميــة ،بــيروت ،ط،1ـ 1421هــ؛ تــاريخ مدينــة دمشق :59ـ 22؛ ابن حجــر
العسقالني ،اإلصابة في تمييز الصحابة ،101 :5منشورات محمد علي بيضون ،بيروت ،ط1415 ،1هـ.
)(546أبو عبيد ،األموال ،200 :تحقيق :محمد خليل هراس ،دار الفكر ،بيروت1408 ،هـ؛ ابن زنجويه ،األمــوال1 :
،62تحقيــق :األســيوطي،ـ دار الكتب العلميــة ،بــيروت1427 ،هـــ؛ البالذري ،فتــوح البلــدان ،141 :مكتبــه الهالل،
بيروت ،ط1988 ،1م.
)(547ابن أعثم ،الفتوح :2ـ ،399تحقيق :على شيري ،دار األضــواء ،بــيروت ،ط،1ـ 1411هــ؛ وانظــر :البالذري،
أنساب األشرافـ ،158 :6تحقيق :سهيل ز ّكار ورياض الزركلي ،دار الفكر ،بيروت ،ط1417 ،1هـ.
)(548ابن أعثم ،الفتوح .394 :2
)(549صحيح مسلم 218 :8؛ مسند أحمد بن حنبل .541 :4
)(550ابن أبي شيبة ،المصنَّف .177 :8
)(551النيسابوري ،المستدركـ على الصحيحين .475 :4
)(552الزمخشري ،ربيع األبرار ،257 :3تحقيق :عبد األمير مهنّا ،مؤسّسة األعلمي ،بيروت ،ط1412 ،1هـ.
)(554إنه أدرك عصر النب ّي| ،لكنه لم ْيلت ِ
َق به. 553
() تاريخ مدينة دمشق 333 :24؛ ابن عديم ،بغية الطلب في تاريخ حلب ،1316 :3دار الفكر ،بيروت ،ط.1
)(555حتّى في األدعية؛ فإنها ُربَما كانت تعليميّةً ،كما هي رؤيــة بعض العلمــاء ،بصــرف النظــر عن صـحّتها .وعليــه
لكن يشكل عليه أن الصحيفة السجّادية كانت إمالء اإلمام الســجّاد× على ُربَما يضط ّر اإلمام أن يتكلَّم وفقـ المخاطَبينْ .
بح َسـبها ،فألفــاظ اإلمــام في اإلمام البــاقر× ،فمخاطَبــه أيضـا ً كــان إمامـاً .ويمكن أن نقــول :إن البالغــة في كـ ّل عصـ ٍ
ـر َ
الصحيفة كانت في عل ّو البالغة بالنسبة إلى البالغة في عصره×.
)(556الكليني ،الكافي 50 :15؛ ابن شعبة الحرّاني ،تحف العقول.253 :
)(557راجع :الطوسي ،الفهرست105 :؛ تحقيق :السيد عبدالعزيز الطباطبائي ،مكتبة المحقِّق الطباطبائي ،قم ،ط1 ،1
420هـ.
ً
)(558نعم ،يحتمل أيضا أنها من كلمات الرواة الذين كتبوا هذه الصحيفة ،يعني نقلوا كلمات اإلمام بالمعنى ،ث ّم كتبوهــا
في الصحيفة؛ لكنّه احتما ٌل ضئيلٌ.
)(559الصحيفة السجّادية ،162 :منشورات الهادي ،قم ،ط1376 ،1هـ.ش.
)(560انظر :رواية المتو ِّكل بن هارون في بداية الصحيفة حول كيفيّة نقلها .الصحيفة السجّادية.14 :
)(561تاريخ الطبري :5ـ 565؛ الذهبي ،تاريخ اإلسالم :5ـ ،43تحقيق :عمر عبد السالم تدمري ،دار الكتاب العربي،
بيروت ،ط1413 ،2هـ.
)(562البالذري ،أنساب األشرافـ .12 :7
)(563الجاحظ ،البيان والتبــيين :2ـ ،211تحقيــق :علي أبــو ملحم ،مكتبــة الهالل ،بــيروت ،ط،1ـ 2002م؛ ومثلــه في:
الزبير بن ب ّكار ،األخبار الموفّقيات ،92 :1تحقيق :سامي م ّكي العاني ،عالم الكتب ،بيروت ،ط1416 ،2هـ؛ ابن عبد
ربّه ،العقد الفريد :4ـ 209؛ أبو هالل العسكري ،األوائــل ،325 :دار البشــير ،مصــر ــ طنطــا1408 ،هـــ؛ النــويري،
نهايــة األرب في فنــون األدب :21ـ 209؛ القلقشــندي ،صــبح األعشــى :1ـ ، 263دار الكتب العلميــة ـ ـ منشــوراتـ
بيضون ،بيروت.
)(564ابن قتيبة الدينوريـ (المنسوب) ،اإلمامة والسياسة :2ـ ،48تحقيــق :علي شــيري ،دار األضــواء ،بــيروت ،ط،1
1410هـ.
)(565ابن هشام ،السيرة النبوية :2ـ 419؛ ابن سالم ،طبقات فحولـ الشعراء :1ـ ،242تحقيق :محمــود محمــد شــاكر،
دار المدني ،السعودية ـ ج ّدة ،ط،1ـ 1400هـ؛ تاريخ الطبريـ :3ـ 64؛ أبو نعيم ،معرفة الصــحابة :3ـ 155؛ ابن عبــد
البرّ ،االستيعاب ،902 :3دار الجيل ،بيروت ،ط1412 ،1هـ؛ عبد هللا بن عبد العزيز البكري(487هـ) ،سمط الآللي
:2ـ ،833تحقيق :عبد العزيز الميمــني ،دار الكتب العلميــة ،بــيروت؛ ابن األثــير ،أســد الغابــة :3ـ 135؛ ابن األثــير،
الكامل 250 :2؛ ابن كثير ،البداية والنهاية ،308 :4دار الفكر ،بيروت1407 ،هـ.
)(566غريب القرآن في شعر العرب ،سؤاالت نافع إلى عبد هللا بن العبّاس ،38 :مؤسّســة الكتب الثقافية ،بــيروت ،ط
1413 ،1هـ؛ السيوطي ،الد ّر المنثور فى التفسير بالمأثورـ ،205 :4مكتبة المرعشي ،قم ،ط1404 ،1هـ.
)(567المبرّد ،الكامل في اللغة واألدب :2ـ ،46تحقيق :تغاريد بيضون ونعيم زرزور ،دار الكتب العلمية ،بــيروت1 ،
409هـ.
ّ
)(568األزهري ،تهذيب اللغة :13ـ 34؛ أبو عبيد قاسمـ بن سالم ،الغريب المصنفـ :2ـ ،593تحقيق :محمـد العبيـدي،
بيت الحكمــة ،تــونس ،ط ،1ـ 1990م؛ ابن دريــد ،جمهــرة اللغــة :2ـ ،725تحقيــق :رمــزي منــير بعلبكي ،دار العلم
للماليين ،بيروت ،ط،1ـ 1988م؛ الصاحب بن عبّاد ،المحيط في اللغة :8ـ 376؛ الصحاح :2ـ 691؛ـ :5ـ 2139؛ ابن
فارس ،معجم مقاييس اللغة :3ـ ،61ـ 121؛ـ ابن سيدة ،المحكم والمحيطـ :8ـ 572؛ ابن سيدة ،المخصّص :14ـ ،241
دار الكتب العلمية ،بيروتـ ،ط1؛ الزمخشري ،أساس البالغة317 :؛ الزبيدي ،تاج العــروس :6ـ ،559تحقيــق :علي
الهاللي وسيري علي ،بيروت ،ط1414 ،1هـ.
)(569اإلصفهاني ،األغــاني :6ـ ،478دار إحيــاء الــتراث العــربي ،بــيروت1415 ،هـــ؛ أبــو هالل العســكري ،ديــوان
المعاني :1ـ ،343تحقيق :أحمد سليم غانم ،دار الغرب اإلسالمي ،بيروتـ ،ط ،1ـ 1424هـ؛ تيســير المطــالب،469 :
تحقيق :عبدهللا بن حمود العزي ،مؤسّسة زيد بن عل ّي الثقافية ،صنعاء ،ط،1ـ 1422هـ؛ ابن عبد الب ّر القرطبي ،بهجة
المجـالس :2ـ ،788تحقيـق :محمــد مرســي الخــولي ،دار الكتب العلميــة ،بــيروت ،ط،2ـ 1981م؛ ابن قتيبـة ،الشــعر
والشعراء :2ـ ،640تحقيق :أحمد محمد شاكر ،دار الحديث ،القاهرة1423 ،هـ؛ ابن قتيبة ،عيون األخبــار :4ـ ،107
تحقيق :يوسفـ علي الطويل ،دار الكتب العلمية ،بيروت1418 ،هـ؛ ابن الشيخ ،ألف بــاء في أنــواع اآلداب :2ـ 581؛
ديوان الهذليّين ،157 :1تحقيق :أحمد الزين ،الدار القومية للطباعة والنشر ،القاهرة1385 ،هـ.
َّ
ق ولده وجفاه ،فحينما قال ابن الرجل :إن أبي أيضا ً قد عق أباه ،تمثل عمر
َّ رجل شكا إليه عقو َ
ٍ )(570تمثَّل به في عتاب
بهذا البيت؛ لعتاب األب .ابن الجوزي ،الب ّر والصلة :1ـ ،100ـ ،101ـ تحقيق :عــادل عبــد الموجــود وعلي معــوض،
الكتب الثقافية ،مصر ،ط1416 ،2هـ.
)(571اقتبس من المصرع األوّل قوله:
ق أخيــك .أبــووذلك حينما قتل عب ُد هللا بن الزبير أخاه عمرو ،يح ِّذره بأن توقَّ ْع أن ينـزل بك هذا الظلم الذي ارت َك ْبتَه بح ّ
الفرج اإلصفهاني ،األغاني ،413 :14دار إحياء التراث العربي ،بيروت ،ط1415 ،1هـ.
)(572تمثَّل به في عتاب امرأ ٍة من بني أميّة حينما طالبَ ْته العدل فيهم .ابن أبي الحديد ،شرح نهج البالغة .150 :7
)(573تمثَّل به الواثـق الخليفـة العباسـي .الـراغب اإلصـفهاني ،محاضـرات األدبـاء ومحـاوراتـ الشـعراء والبلغـاء :1
،301تحقيق :عمر فاروق الطبّاع ،دار األرقمـ بن أبي األرقم ،بيروت ،ط،1ـ 1420هـ؛ وتمثَّل بــه ابن منــارة الكــاتب
أيضا ً في عتاب عاملــه .الخفــاجي ،سـ ّر الفصــاحة226 :؛ أبــو هالل العســكري ،الصــناعتين ،الكتابــة والشــعر:ـ ،343
تحقيق :محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي ،المكتبة العصرية ،بــيروت1419 ،هـــ؛ الخــوارزمي،ـ مفــاتيح
العلوم ،82 :دار المناهل ،بيروت1428 ،هـ؛ وتمثَّل به المعتمد بن عبــاد اللخمي ،صــاحب مدينــة إشــبيلية من جزيــرة
األندلس .الخزرجي،ـ العقد الفاخر ال َح َسن في طبقات أكابر أهل اليمن :3ـ ،1326مكتبة الجيل الجديد ،صــنعاء143 ،
0هـ.
)(574الميداني ،مجمع األمثـال :2ـ ،198العتبـة الرضــوية ،مشـهد1366 ،هــ.ش؛ يوسـفـ بن طـاهر الخــويي ،فرائــد
الخرائــد في األمثــال ،488 :تحقيــق :عبــد الــر ّزاق حســين ،دار النفــائس ،األردن1415 ،هـــ؛ الخــوارزمي ،األمثــال
المولّــدة ،71 :المجمــع الثقــافي ،أبوظــبي2003 ،م؛ وال يــد ّل عنــوان «المولّــدة» في كتابــه على أن هــذا المثــل لم يكن
أصيالً؛ ألن الخوارزميـ يذكر كثيراً من أصحاب األبيات التي صارت مثالً .وذكر هنا أيضا ً أن الــبيت لخالــد الهــذلي.
وذكره المدني الشيرازي أيضا ً في كتابه ضمن األمثال :الطراز األوّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعوّل 14 :8
،7مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث ،مشهد ،ط،1ـ 1384هـ.ش .وقد اتّضــح ممـا تقـ َّدم أن الــبيت يُتمثَّل بـه في عتــاب
شخص يتّخذ سلوكا ً ال يحبّها بنفسه من قِبَل اآلخرين. ٍ
)(575الثعالبي ،اإلعجاز واإليجاز ،138 :تحقيق :محمد إبراهيم سليم ،مكتبة القرآن ،القاهرة.
)(576أبو بكر السجستاني ،كتاب المصاحف:ـ ،127الفاروقـ الحديثة للطباعة والنشر ،القاهرة ،ط1423 ،1هـ.
)(577تفسير الطبري .143 :17
)(578جمهرة اللغة ،725 :2وخصوصا ً أن ابن دريد لم يذكر البيت في معنى «السنّة» ،فيؤيّد هذا عد َم وجودـ «السنّة»
في روايته من البيت؛ ابن جنّي ،الخصائص :2ـ ،16تحقيق :الهنــداوي ،دار الكتب العلميــة ،بــيروت1429 ،هـــ؛ ابن
لكن هذا الكتاب حقِّق مع نسخ ٍة الشيخ ،كتاب ألف باء في أنواع اآلداب 581 :2؛ الخوارزمي ،األمثال المولّدةّ .412 :
السـنّة»فريدة .ومن جه ٍة أخرى الظاهر أن الخوارزمي أخذه من أستاذه الميــداني من مجمـع األمثـال .وقـد وردـ فيـه « ُّ
تصحيف من «ال ُّسنَّة».
ٌ بدل «السِّيرة» ،فيبدو أنها
)(579أبــو الفــرج اإلصــفهاني ،األغــاني :6ـ 478؛ التوحيــدي ،البصــائرـ والــذخائرـ ،144 :تحقيــق :وداد القاضي ،دار
صادر ،بيروت ،ط1419 ،4هـ؛ التذكرة الحمدونية 212 :7؛ شمس العلوم .2903 :5
)(580وهو ابن حمدون ،في التذكرة الحمدونية .212 :7
لكن ال يشكل أن استشــهاده بهــذا الــبيت في معــنى مــا ّدة )(581إالّ ابن دريد فهو ذكر البيت ضمن معنى «سار سيرةً»ْ .
السـيرة» ـ على فرضــهاـ وجودهــا ـ السـنَّة»؛ ألن « ِّ
«السير» دليل على أن الموجود في روايته للشعر «السِّيرة» بدل « ُّ
ليست هي الكلمة الوحيدة من ما ّدة (س ي ر) في هذا البيت ،فال يبعد أن ابن دريد استشهد بـ « ِسرْ تَهاـ» في البيت ،وأن
تكون «السيرة» في كتابه تصحيفا ً من «ال ُّسنَّة» .أقصدـ أن استشهاده به في معنى السِّيرة صحيحٌ ،حتّى مع عدم وجــود
«السِّيرة» بدل «ال ُّسنَّة» في البيت.
ِ « )(582سـرْ تَهاـ» و«يســيرها» ،و ُربَمــا كــان «من ســير ٍة» بــدل «من ُسـنّ ٍة» في المصــراع األوّل ،كمــا ورد في بعض
ت واحد.
الروايات لهذا البيت .فيصلـ رقم تكرار مادة (س ي ر) إلى ثالث مرّات .وهذا رق ٌم كبير بالنسبة إلى بي ٍ
)(583انظر على سبيل المثال :الشبيريـ الزنجاني ،كتاب النكاح ،1178 :4رأي پرداز ،قم1419 ،هـ.
عاش قبل ميالد المسيح× وكان طويل العمر حتى ضــربت بــه العــرب المثــل في َ )(584لقمان بن شمس بن عاد ،رج ٌل
طول العمر بقولهم «طال األبد على لبد» .فإن كانت هــذه الكلمــات عين ألفــاظ لقمــان بن عــاد فهي شــاهدةٌ على معــنى
الكلمة في العصور الجاهلية.
)(585الهمداني ،اإلكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير ،202 :8وزارة الثقافة والسياحة ،صنعاء ،ط1425 ،1هـ.
)(586الزمخشري ،ربيع األبرار ونصوص األخيار 401 :3؛ ابن حمدون ،التذكرة الحمدونية .۱۰۲ :۸
)(587أبو الفرج اإلصفهاني ،األغاني .18 :17
)(588الطوسي،ـ تهذيب األحكام .136 :6
)(589الكافي .592 :7
)(590تفسير فرات الكوفي:ـ .136
)(591الكافي .578 :7
)(592تاريخ الطبري .238 :7
)(593وهو أبو حمزة الشاري .وذكر الفاكهي ،بعد ذكر خطبته هنا« :ث ّم نزل ،فما رُؤيـ على منبر م ّكة أح ٌد كان أحسن
خطبةً منه».
)(594الفاكهي ،أخبار م ّكة في قديمـ الدهر وحديثه ،144 :3مكتبه األسدي ،م ّكة المكرّمة ،ط1424 ،4هـ.
)(595تاريخ الطبري 425 :7؛ ابن األثير ،الكامل .414 :5
)(596ابن حبيب ،المحبر ،340 :دار اآلفاق الجديدة ،بيروت ،ط.1
وإن كان ما نقله عنهم هو عين عباراتهم فهذه استعماالت قبل عصر البالذري.ـ ْ )(597
)(598هكذا في المصدر.ـ والموافقـ للقواعد أن يكون« :ع ّما».
)(599فتوح البلدان.431 :
)(600الطبري ،جامع البيان في تفسير القرآن .54 :15
)(601صحيح ابن خزيمة ،263 :4تحقيق :محمد مصطفى األعظمي ،المكتب اإلسالمي ،بيروت ،ط.1
)(602اإلكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير .112 :1
)(603العقد الفريد .240 :4
)(604ابن الفقيه ،البلدان ،618 :1تحقيق :يوسف الهادي ،عالم الكتب ،بيروت ،ط1416 ،1هـ.
)(605ابن النديم ،الفهرست.488 :
)(606الصولي ،كتاب األوراق ،305 :3الهيئة العامة لقصور الثقافة ،القاهرة2004 ،م؛ نثر الد ّر في المحاضرات :1
305؛ التذكرة الحمدونية .134 :2
)(607الصولي ،كتاب األوراقـ .316 :3
)(608ابن قتيبة ،عيون األخبار ۱۲۳ :۳؛ أبو حيّان التوحيدي ،الصــداقة والصــديق ،۲4۱ :تحقيــق :إبــراهيم الكيالني،
دار الفكر ،دمشقـ1421 ،هـ؛ ابن عبد البرّ ،بهجة المجالس وأنس المجالس :1ـ 787؛ـ اإلبشيهي ،المستطرفـ في كـ ّل
فن مستظرف:ـ ،4۰تحقيق :سعيد محمد اللحّام ،عالم الكتب ،بــيروت1419 ،هــ .وفيـ بعض هـذه المصـادرـ لم ينســب ّ
البيت إلى أح ٍد ،فال يمكن تحديد الفترة الزمنية لهذا الشعر بالضبط.
)(609أبو هالل العسكري،ـ ديوان المعاني .428 :1
)(610ديوان المتنبّي ،542 :دار بيروت ،بيروت1403 ،هـ؛ السمعاني ،األنساب 347 :2؛ ابن خلّكان ،وفياتـ األعيان
وأنبـاء أبنـاء الزمـان :4ـ ،52تحقيـق :إحسـان عبّـاس ،دار الفكـر ،بـيروت ،ط1؛ لسـان العـرب :13ـ 62؛ ابن ّ
بسـام
الشنتريني ،الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ،677 :2دار الغرب اإلسالمي ،بيروت2000 ،م.
)(611كانت م ّدة خالفته سنتَيْن 320 :ـ 322هـ .انظر :تاريخ بغداد :1ـ ،356ـ تحقيق :مصطفىـ عبد القــادر عطــا ،دار
الكتب العلمية ،بيروت1417 ،هـ.
)(612المسعودي ،مروج الذهب ومعادن الجوهر ،222 :4تحقيق :أسعد داغر ،دار الهجرة ،قم1409 ،هـ.
)(613انظر :محمد الروحاني ،منتقى األصول :4ـ 438ـ ،439تصـحيح :عبـد الصـاحب الحكيم ،مكتب السـيد محمـد
الحسيني الروحاني ،إيران ـ قم1413 ،هـ.
)(614انظر :المصدر السابق .440 :4
)(615انظر :المصدر نفسه.
)(616انظر :المصدر السابق .441 :4
)(617انظر :المصدر نفسه.
)(618انظر :المصدر نفسه.
)(619المصدر نفسه.
)(620انظر :محمد باقر الصدر ،دروس في علم األصول ،22 :2دار المنتظر ،بيروت1405 ،هـ.
)(621انظر :المصدر السابق .35 :3
)(622انظر :المصدر السابق 22 :2ـ .23
)(623انظر :المصدر السابق .23 :2
)(624انظر :السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ،بحوث في علم األصول (تقريــراً ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر
الصــدر) :5ـ ،25دائــرة معــارف الفقـه اإلســالمي طبقـا ً لمــذهب أهــل الــبيت^ ،مركــز الغــدير للدراســات اإلســالمية،
1417هـ.
ً
)(625انظر :الشيخ حسن عبد الساتر ،بحوث في علم األصول (تقريرا ألبحاث السيد الشهيد محمد بــاقر الصــدر) :11
،58الدار اإلسالمية ،بيروت ـ لبنان.
)(626انظر :الشيخ مرتضىـ األنصاري ،فرائد األصــول :2ـ ،58تحقيـق :لجنـة تحقيــق تـراث الشــيخ األعظم ،مجمــع
الفكر اإلسالمي ،قم ـ إيران1428 ،هـ.
)(627انظر :الشيخ حسن عبد الساتر ،بحوث في علم األصول (تقريراً ألبحاث السيد الشهيد محمد بــاقر الصــدر) :11
.58
)(628انظر :المصدر السابق .58 :11
)(629سيتّضــح أنــه لم يتّم تقســيم المولويــة إالّ لقســمين فقــط ،وهمــا :المولويــة الذاتيّــة (الحقيقيــة)؛ والمولويــة َ
الجعْليــة
ظ( .المعرِّ ب).فالح ْ
ِ آخريْن؛
(االعتبارية) .نعم ،تنقسم المولوية الجعلية بدَوْ رهاـ إلى قسمين َ
ً
)(630انظر :السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ،بحوث في علم األصول (تقريــرا ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر
الصدر) 28 :4ـ .29
)(631انظر :الشيخ حسن عبد الساتر ،بحوث في علم األصول (تقريراً ألبحاث السيد الشهيد محمد بــاقر الصــدر) :11
.58
)(632انظر :السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ،بحوث في علم األصول (تقريــراً ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر
الصدر) .29 :4
ق الطاعة ،الذي هو من مدركات العقل العملي» .انظر :الشيخ حسن عبــد الســاتر، « )(633إن جوهر المولوية معناه ح ّ
بحوث في علم األصول (تقريراً ألبحاث السيد الشهيد محمد باقر الصدر) .10 :9
)(634انظر :السيد محمود الهاشمي الشاهرودي ،بحوث في علم األصول (تقريــراً ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر
الصدر) .30 :4
)(635انظر :المصدر السابق .24 :5
)(636أتو َّجه بالشكر الجزيل إلى شيخنا األستاذ الدكتور حيدر حبّ هللا؛ حيث استفدنا من دروسـه الصـوتية وإرشــاداته في
كتابة هذا المقال.
)(637انظر :النهاية في مجرّد الفقه والفتــاوى463 :؛ المختصــر النــافع في فقــه اإلماميــة :1ـ 171؛ نزهــة النــاظر في
الجمع بين األشباه والنظائر98 :؛ تبصرة المتعلِّمين في أحكام الدين133 :؛ القواعد والفوائد :1ـ 381؛ مسالك األفهامـ
إلى تنقيح شرائع اإلسالم :7ـ 15؛ والعروة الوثقى (للسيد اليزدي) :2ـ 799؛ منهــاج الصــالحين (للخــوئي) :2ـ 259؛
منهاج الصالحين (للتبريزي) 332 :2؛ منهاج الصالحين (للوحيد الخراساني) 294 :3؛ وغيرها من الکتب.
211؛ الســرائرـ )(638انظر :النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى463 :؛ شــرائع اإلســالم في مســائل الحالل والحــرام :2ـ
الحاوي لتحرير الفتاوى :2ـ 560؛ إرشاد األذهان إلى أحكام اإليمان :2ـ 4؛ اللمعة الدمشقية في فقــه اإلماميــة173 :؛
مسالك األفهـام إلى تنقيح شـرائع اإلسـالم :7ـ 17؛ جـواهرـ الكالم في شـرح شـرائع اإلسـالم :29ـ 38؛ كتـاب النكـاح
(للشيخ األنصاري)32 :؛ العروة الوثقى (للسيد اليزدي) 799 :2؛ تحريرـ الوسيلة 237 :2؛ وغيرها من الکتب.
)(639جامع المقاصد في شرح القواعد .13 :12
)(640جامع المدارك في شرح مختصر النافع :4ـ :131أ ّما كراهة تزويج العقيم فلما في الخبر الراجــع إلى اســتحباب
اختيار العفيفة المذكور؛ ولما في بعض األخبار« :الحصير في ناحية الــبيت خــي ٌر من امــرأ ٍة ال تلد» .ويمكن أن يُقــال:
استفادة االستحباب الشرع ّي أو الكراهة ال تخلو عن اإلشكال بالنسبة إلى بعض األخبار الــواردة ،بــل الظــاهر أنّــه من
قبيل :اإلرشاد ،كأوامرـ الطبيب ونواهيه.
َ َأ ْ ْ َأ ُ
ش ُعوبا ً وقبَاِئ َل لِتَ َعا َرفوا ِإنَّ ك َر َم ُك ْم ِعنَ 6د هللاِ ْتق66ا ُك ْم ِإنَّ َ وج َعلنا ُك ْم ُ َ ْ َ ُأ َ
اس ِإنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِمنْ ذ َك ٍر و نثى َ
ْ () التقوى﴿ :يَا َأيُّ َها النَّ ُ
641
يل س 6ب ِ ِ ض َر ِر وا ْل ُم َجا ِه6دُونَ فِي َ ستَ ِوي ا ْلقَا ِعدُونَ ِمنَ ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ َغ ْي ُر ُأولِي ال َّ هللاَ َعلِي ٌم َخبِي ٌر﴾ (الحجرات)13 :؛ـ الجهاد﴿ :الَ َي ْ
ضَ 6ل هللاُ س6نَى وفَ َّ ً
سِ 6ه ْم َعلَى ا ْلقَا ِعِ 6دينَ َد َر َج 6ةً و ُكالّ َو َعَ 6د هللاُ ا ْل ُح ْ ض َل هللاُ ا ْل ُم َجا ِه ِدينَ بَِأ ْم َوالِ ِه ْم و ْنفُ ِ
َأ س ِه ْم فَ َّ هللاِ ِبَأ ْم َوالِ ِه ْم وَأ ْنفُ ِ
ثب ولَ ْو َأع َْجبََ 6ك َك ْثَ 6رةُ ا ْل َخبِي ِ يث والطَّيِّ ُ ستَ ِوي ا ْل َخبِ ُ ا ْل ُم َجا ِه ِدينَ َعلَى ا ْلقَا ِع ِدينَ َأ ْجراً ع َِظيما ً﴾ (النساء)95 :؛ـ الطيبة﴿ :قُ ْل الَ يَ ْ
ب هللاُ َمثَالً ضَ 6ر َ 6راط مس66تقيمَ ﴿ :و َ والسْ 6ير على صٍ 6 َّ ب لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحونَ ﴾ (المائدة)100 :؛ـ األمر بالعدل فَاتَّقُوا هللاَ يَا ُأولِي اَأل ْلبَا ِ
ْأ
س6تَ ِوي ُهَ 6و و َمنْ يَُ 6م ُر بِا ْل َع6د ِْل ت بِ َخ ْي ٍر َه ْل يَ ْ ْأ
َي ٍء و ُه َو َك ٌّل َعلَى َم ْوالَهُ َأ ْينَ َما يُ َو ِّج ْههُ الَ َي ِ َر ُجلَ ْي ِن َأ َح ُد ُه َما َأ ْب َك ُم الَ يَ ْق ِد ُر َعلَى ش ْ
َأ
ش6ا ُء و َم66ا ْنتَ سِ 6م ُع َمنْ يَ َ َأل
س6تَ ِوي ا ْحيَ66ا ُء والَ ا ْمَ 6واتُ ِإنَّ هللاَ يُ ْ َأل يم﴾ (النحل)76 :؛ـ الحي66اةَ ﴿ :و َم66ا يَ ْ ستَقِ ٍ اط ُم ْ ص َر ٍ و ُه َو َعلَى ِ
ُ َ
اآلخ َرة َويَ ْر ُج 6و َر ْح َم 6ة َربِّ ِه قْ 6ل َ َ ً
اجدا َوقاِئما يَ ْحذ ُر ِ َ ً س ِ َّ َ َ َأ
س ِم ٍع َمنْ فِي القبُو ِر﴾ (فاطر)22 :؛ـ العلمَّ ﴿ :منْ ُه َو قانِتٌ آنا َء الل ْي ِل َ ُ ْ بِ ُم ْ
ستَ ِوي ي
َ َ َ ْا م و ﴿ : الصالح والعمل اإليمان ـ
؛ ) 9 (الزمر: ﴾ ب
َ ِ ا بلْ َأل ا و ُ ل و ُأ ر َّ
ك ذَ
َ ْ ُ ِإ َ َ ُ َ تي ا م َّ ن ونَ مَ ل ع ي َ ال ينَ ذ َّ
َ ِ ل ا و ونَ م َ ل
ِ َْ ُع ي ينَ ذ َّ ل ا ي و َ
َه ْل َ ْ ِ
ت س ي
سي ُء قَلِيالً َم66ا تَتَ6ذ َّكرُونَ ﴾ (غــافر)58 :؛ـ اإلنف66اق والجه66اد قب66ل َ ت والَ ا ْل ُم ِ صالِ َحا ِ صي ُر والَّ ِذينَ آ َمنُوا و َع ِملُوا ال َّ اَأل ْع َمى وا ْلبَ ِ
قستَ ِوي ِم ْن ُك ْم َمنْ َأ ْنفَ َ ض الَ يَ ْ ت َواَأل ْر ِ س َما َوا ِ اث ال َّ يل هللاِ َوهللِ ِمي َر ُ سب ِ ِ الفتح (في ظروف المحنة)َ ﴿ :و َما لَ ُك ْم َأنْ الَ تُ ْنفِقُوا فِي َ
س6نَى َوهللاُ ِب َم66ا تَ ْع َملُ66ونَ َخبِ66ي ٌر﴾ ح َوقَاتَ َل ُأولِئ َك َأ ْعظَ ُم َد َر َجةً ِمنَ الَّ ِذينَ َأ ْنفَقُوا ِمنْ َب ْع ُد َوقَاتَلُوا َو ُكالًّ َو َع َد هللاُ ا ْل ُح ْ ِمنْ قَ ْب ِل ا ْلفَ ْت ِ
(الحديد.)10 :
)(642الكافي ،333 :5طبعة اإلسالمية.
)(643عبد الر ّزاق الصنعاني ،المصـنَّف :6ـ .160كــذلك ورد في ســنن النســائي :6ـ 65مــا يشــبه ذلــكَ :أ ْخبَ َرنَــا َع ْبـ ُد
اويَةَ ب ِْن قُ َّرةَ، ُور ب ِْن زَا َذانَ ،ع َْن ُم َع ِ الَ :ح َّدثَنَا يَ ِزي ُد بْنُ هَارُونَ قَا َلَ :أ ْنبََأنَا ْال ُم ْستَلِ ُم بْنُ َس ِعي ٍد ،ع َْن َم ْنص ِـ الرَّحْ َم ِن بْنُ خَالِ ٍد قَ َ
بِ ،إال نَّهَــا ال تَلِـدُ، َأ َّ صـ ٍ ْ
ب َو َمن ِ ـر ةً َذاتَ َح َسـ ٍ َأ ْت ا ْمـ َ صـب ُ َأ
الِ :إنِّي َ ُول هللاِﷺ ،فَقَ َ الَ :جا َء َر ُج ٌل ِإلَى َرس ِ ار قَ َ ع َْن َم ْعقِ ِل ْب ِن يَ َس ٍ
ُ َ ِّ َ
ال« :تَ َز َّوجُوا ال َولو َد ال َودُودَ؛ فِإنيـ ُمكاثِ ٌر بِك ْم». ْ ُ ْ َأفََأتَ َز َّو ُجهَا؟ فَنَهَاهُ ،ث َّم تَاهُ الثانِيَة ،فنَهَاهُ ،ث َّم تَاهُ الثالِثة ،فنَهَاهُ ،فق َ
َ َ َ َ َ َّ َأ ُ َ َ َّ َأ ُ
)(644الكافي ،333 :5طبعة اإلسالمية.
)(645عبد الرزاق الصنعاني ،المصنَّف .160 :6
)(646رجال النجاشي:ـ .185
)(647الكافي ،334 :5طبعة اإلسالمية.
)(648الراوندي ،النوادر:ـ .13
)(649مكارم األخالق.202 :
)(650الكافي ،333 :5طبعة الدار اإلسالمية.
)(651المصدر السابق .325 :5
ث مســتقلّ ،في الكــافي :2ـ ،57بســنده ع َْن َأبِي َح ْمــزَ ةَ ،ع َْن ولكن في حــدي ٍ ْ )(652الشيخ الكليني أيضا ً نقل هذه التكملة،
ـر ِر َجــالِ ُك ُم ال َرسُو ُل هللاِ|َ« :أال ُأ ْخبِ ُر ُك ْم بِ َخي ِْر ِر َجالِ ُك ْم؟ قُ ْلنَا :بَلَى يَــا َر ُسـو َل هللاِ ،قَـ َ
ـالِ :إ َّن ِم ْن َخ ْيـ ِ ال :قَ ََجابِ ِر ب ِْن َع ْب ِد هللاِ قَ َ
َ َ ْ
ي الط َرفَ ْي ِن ،البَ َّر بِ َوالِ َد ْي ِهَ ،وال يُل ِجُئ ِعيَالهُ ِإلى َغي ِْر ِه» .كما نقل الكليني صــدر الروايــة ْ َّ َّ َّ ْ
ي ،ال َّس ْم َح ال َكفي ِْن ،النقِ َّ ي ،النَّقِ َّالتَّقِ َّ
في باب خير النساء .والظاهر؛ بقرينة نقل الطوسي ،ووحدة السياق ،أنّها كلّها رواية واحدة ،نقل لنا الطوس ـيـ بعضــها
بعض.
ٍ إلى جانب
)(653تهذيب األحكام .400 :7
)(654الک ّشي ،اختيار معرفة الرجال.201 :
)(655الكافي ،323 :5طبعة اإلسالمية.
)(656المصدر السابق .325 :5
)(657الوافي 61 :21ـ .62
)(658مرآة العقول .13 :20
)(659الكافي ،575 :10دارالحديث.
)(660الكافي ،567 :5طبعة اإلسالمية.
)(661الطبراني ،المعجم الكبير .153 :24
)(662المصباح المنير .328 :2
)(663لسان العرب .314 :12
)(664لسان العرب 314 :12ـ .315
)(665معاني األخبار .152 :2
خالف في كونه إسماعيليا ً أو إمامياً ،وال نريد الخوض فيه هنا. ٌ )(666ث ّمة
َ )(667م ْن ال يحضره الفقيه 392 :3
)(668الصدوق ،األمالي.566 :
صلْ إلى أح ٍد )(669وهو الشيخ آصف محسني ،حيث يش ِّكك في نسبة كتاب األمالي للشيخ الطوسي ،مستنداً إلى أنّه لم ي ِ
من كبار المحدِّثين المتأ ِّخرين بسن ٍد صــحيح .وكــذلك كتــاب األمــالي ،للشــيخ المفيــد ،حيث يقولــه عنـه المحســني:ـ «في
االعتماد عنه َو َج ٌل» .انظر :حيدر حبّ هللا ،نظرية السنّة ،583 :نقالً عن مشرعة بحار األنوار :1ـ 15؛ وبحــوثـ في
علم الرجال.511 :
)(670انظر ،على سبيل المثال :سنن أبي داوودـ 19 :4؛ ابن أبي الدنيا ،العمر والشيب.77 :
)(671أبو بكر البغدادي ،تاريخ بغداد .353 :13
)(672وفي سند هذه الرواية ،بالطريقـ الذي ذكره ابن الجوزي،ـ نجد عبد هللا بن وهب .ويذكرـ في حقّــهَ « :كـ َذا قَـ َ
ـال ابْنُ
يل ْال َجــرْ ِ
ح ِحبَّانَ ،قَا َلَ :وعبد هللا بْن َو ْهب شي ٌخ دجّال ،يضع ال َح ِديث على الثقات ،ال يح ّل ذكــره فِي ْالكتب ِإالَّ َعلَى َس ـبِ ِ
فِي ِه» .ابن الجوزي ،الموضوعات .268 :2
)(673انظر :أبو طالب الم ّكي ،قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصفـ طريـقـ المريــد إلى مقــام التوحيــد :2ـ 403؛
الغزالي ،إحياء علوم الدين .26 :2
)(674الخصال .404 :2
)(675لمزي ٍد من االطالع انظر :العيني ،شرح سنن أبي داوودـ :1ـ 550؛ المظفَّر ،اإلفصاحـ عن أحوال رواة الصــحاح
.437 :2
ٌ
)(676وهذا في دروسه الصوتية المنشورة في موقعه الرسمي :بحوث فقهية ،زواج العقيم وتنظيمـ األسرة.3 :
)(677دعائم اإلسالم .191 :2
)(678مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل 162 :14
)(679عبد الر ّزاق الصنعاني ،المصنَّفـ 162 :6؛ السيوطي ،الجامع الكبير .87 :15
قلت لرسول هللا| :أوّل شي ٍء خلقه هللا تعالى ما هو؟ فقال :نور نبيِّك ،يا جابر ،خلقه هللا، )(680عن جابر بن عبدهللا قالُ :
ث ّم خلق منه ك ّل خير( .بحار األنوار .)24 :15
)(681بحار األنوار .97 :1
)(682بحار األنوار .309 :54
)(683نهاية الدراية .418 :3
وقد صدر مثل هذا الكالم من السيد الخميني& ،في التعليقة على الفوائد الرضوية 56 :ـ ،57حيث قال« :فمقام واليــة
هللا المطلقة مظهر اسم هللا األعظم ،مفتتح سلسلة الوجود ومختتمهــا ،وأوّلهـاـ وآخرهــا ،فهي كنقطـ ٍة سـيّالة في مراحــل
وإن كان يفيد الغاية؛ لمكان الالم، الوجود ،منها البدوّ ،وإليها الرجوع .وقوله׫ :نحن صنائع هللا ،والخلق صنائع لنا» ْ
أن الغاية والفاعل متّحدان ،خصوصا ً في الفواعل المق ّدسة عن كدورة الما ّدة ولواحقهــا ،كمــا هــو المــبيَّن في محلِّه، إالّ ّ
والمحقق عند أصحاب الحكمة المتعاليــة .فــإذا كـان لهم× مقــام المشــيئة المطلقـة ،وســائر النــاس كتعيُّنـاتهم ،كـانت لهم َّ
القيّوميّة على الناس».
والسيد& استفاد من الرواية الشريفة الوالية المطلقة لألئ ّمة^ على أساس نقطتين:
إن «صنائع» جمع صنيع ،وهو مصدر صـنَع بمعــنى عمــل .وهــذا المصــدر يكــون بــالمعنى المفعــولي ،وهــو األولىّ :
المصنوع ،وعليه يكـون معـنى كالم اإلمـام× :نحن مصـنوعون هلل ،والخلـق ــ وهـو عـالم الخلـق ،أي عـالم الشـهادة ـ
ع لنا. مصنو ٌ
إن «لنا»؛ لمكان الالم ،تد ّل على أنّهم علّةٌ غائية للخلق ،ال علّةٌ فاعلية ،فال يثبت أنّهم علّة فاعلية لعالم الخلــق. الثانيةّ :
إن العلّة الغائية هي عين العلّة الفاعلية؛ ولذلك قــال صــدرـ المتــألِّهين&« :إنّــك لــو فيقول السيد& ،ر ّداً على هذا الكالمّ :
بح َسـب االعتبــار ». وجـ ْدتَها في الحقيقــة عين العلّــة الفاعليــة دائمـاً ،إنّمــا التغــاير َ
ق النظر إلى العلّــة الغائيــة َ نظرْ تَ ح ّ
ّ ّ
(األسفار .)270 :2وبذلك استفاد السيد& من هذا النصّ أنّهم^ علةٌ فاعلية لعالم الخلق ،كما أنّهم علةٌ غائيّة له.
الصـنع» أن « ُّ ألن «صــنائع» جمــع صــنيع أو صــنيعة ،والصــنيع مصــدر «صــنع» ،كمــا ّ وال يمكن قبول هذا الــدليل؛ ّ
مصد ٌر له .وكالهما يأتيان بالمعنى المفعولي ،والصُّ نع بالمعنى المفعــولي هــو كــلُّ مــا ُخلــق من شــي ٍء ،كقولــه تعــالى:
َي ٍء﴾ (النمل .)88 :وهذا المعنى المفعولي لهذا المصدرـ يثبت دعوى السيد&؛ ألنّه على هـذا ص ْن َع هللاِ الَّ ِذي َأ ْتقَنَ ُك َّل ش ْ ﴿ ُ
ّ ّ ٌ
المعــنى يكــون مفــاد الروايــة« :نحن مخلوقــون هلل ،والخلــق مخلــوق لنا» .إال أن جمــع هــذا المصــدر يكــون «أصــناع
وصُنوعـ» ،والرواية لم تقُلْ « :نحن أصـناع هللا أو صـنوعه» ،بـل قـالت« :نحن صـنائع هللا» ،وصـنائعـ جمـع صـنيع،
خير وجميل ،كقولك« :ال أنسى صــنيعك» ،أي جميلــك .وهــذا المعــنى والصنيع بالمعنى المفعولي هو ك ّل ما عُمل من ٍ
فيما إذا كان الشيء صنيعاًـ للفاعل المختار؛ وأ ّما إذا كان الشخص صنيعا ً للفاعل المختــار فمعنــاه المــؤ ّدب بأدبــه ،كمــا
موضع آخــر قــال« :اصــطنع ٍ قال صاحب محيط المحيط« :وهو صنيعي ،أي الذي اصطنعته وربيَّته وخرَّجته» ،وفي
فالن :ثمــرة
ٍ عنــده صــنيعة أي أحســن إليــه وأ َّدبــه وربَّاه وخرَّجه» .و ُذكـرـ في المعجم الوســيط« :ويُقــال :فالن صــنيع
ٌ
أن فالنا ً صنيع فال ٍن يعني المؤ ّدب بأدبه ،والمربّى بتربيتــه .وعلى ضــوء هــذا تربيته ،وربيب نعمته» .ومن هنا يظهرـ ّ
ّ
المعنى عندما قال اإلمام׫ :نحن صــنائع هللا» يقصــد أنهم مؤ ّدبــون بأدبــه تعــالى ،و ُمربَّون بتربيتــه .ولــذلك رُوي عن
النب ّي| أنّه قال« :أ َّدبني ربّي فأحسن تأديبيـ»( .بحار األنوار :16ـ .)212وعندما قال« :والخلق صنائع لنا» يقصد من
الخلق الناس؛ فإنّهمـ مؤ َّدبون بأدبهم ومربَّون بتربيتهم .والرواية بهــذا المعــنى ال عالقــة لهــا بالواليــة المطلقـة ،ب َح َسـب
تعبير السيد الخميني& ،بل تد ّل على دَوْ رهم التهذيبيـ للنفوس ،وتربيتهمـ لها ،وذلك بهدايتهم إلى الطريقـ الموصــل إلى
هللا تبارك وتعالى .هذا هو المعنى الظاهر من النصّ فيما لو كان كما نُقل .وأ ّما النصّ الموجـودـ في نهج البالغـة فهـو:
«فإنّا صنائع ربّنا ،والناس بعد صنائع لنا» .وفيـ هذا النصّ ال يُحتَ َمل الوالية المطلقــة؛ ألنّــه ال يعقــل أن تكــون ذواتهمـ
ألن الوساطة تكون من جهة كونهمـ في مرتبــة المق ّدسة واسطةً في صنع الناس ،دون بقية الموجودات في عالم الخلق؛ ّ
العلّة لوجودـ هذا العالم ،وهذه الجهة ال تقتصر على الناس ،بل تكون بالنسبة إلى ك ّل الموجودات في عالم الخلق .ومن
أن هذه الرواية ليست بصددـ إثبات كونهم علالً فاعليّــة للنــاس ،بــل بصــدد بيــان قصر الصنائع لهم على الناس نكتشف ّ
ك في مــا اســتظهرناه من أمر آخر يقتصر عليهم ،وهو كونهم مؤ َّدبين بأدبهم ،فحينئ ٍذ ال يبقى في هذا النصّ مجــا ٌل للشـ ّ ٍ
النصّ السابق.
وإضافةً إلى المعنى المتقدِّم ،هناك معن ًى آخر للصنيع ،قد م ّر في كالم صاحب محيط المحيط« :اصطنع عنده صــنيعةً
أن الشــيخ الطــريحي في أن المعجم الوسيطـ قال« :اصطنع عند فال ٍن صنيعةً :أحســن إليه» .كمــا ّ أي أحسن إليه» .كما ّ
فالن صنيعة :أحسنت إليه» .وعلى ضوء هذا المعنى يمكن استفادة معنى آخــر ُ ً ٍ مجمع البحرين قال« :واصطنعت عند
للنصّ المتقدِّم .ويتوقَّفـ بيانه على ع ّدة أمور:
إن الواسطة في الثبوت تأتي بمعنيين: األمر األ ّولّ :
المعنى األ ّول :ما هو علّة لثبوت الوصفـ للموصوفـ في الواقع ،كالنار بالنسبة للحــرارة؛ فإنّهــا علّـةٌ لثبــوت الحــرارة
للماء.
ّ َّ ّ
المعنى الثاني :ما يتصف بالوصف باألصالة ،وبواسطته يتصـفـ الشــيء اآلخــر بــه بــالتبَع ،كالقــدر على النــار ،فإنــه ّ
يتّصف بــالحرارة باألصــالة ،ويكــون واسـطةً في اتّصـاف الطعــام بهــا بــالتَّبَع .والفــرق بين المعـنى األوّل والثـاني ّ
أن
الوصف في المعنى األوّل قائ ٌـم بالواسطة قياما ً صدورياً،ـ فتكون الواسطة علّةً له؛ بينما الوصفـ في المعنى الثاني قــائ ٌم
أن الواســطة تكــون موصــلةً الوصــف إلى بالواسطة قياما ً حلوليّاً ،كما أنّه قائ ٌم بذي الواسطة قياما ً حلوليّاً ،غاية األمــر ّ
ذي الواسطة ،فتتّصفـ به باألصالة ،وذو الواسطة يتّصف به بالتَّبَع.
سي﴾ (طه ،)41 :أي اخترتُك لنفسي؛ للقيــام اصطَنَ ْعتُ َك ِلنَ ْف ِ
ق موسى×ْ ﴿ : إن هللا ـ تبارك وتعالىـ ـ قال في ح ّ األمر الثانيّ :
بمه ّمة هداية الناس.
إن الالم تأتي بمعنى التعليل كقولك« :اعتراني الحزن لفراقك» .وعليه ،الالم في قــول اإلمــام׫ :النــاس األمر الثالثّ :
صنائع لنا» يعني بواسطتنا.ـ
ي للصنيع ـ وهو َم ْن يُحسن إليه ـ ،يظهر المعنى اآلخر لقول اإلمــام×: وبعد هذه األمور ،مع االلتفات إلى المعنى اللغو ّ
َّ
ويتفض ـل أن هللا اصطنعهمـ لنفسه ألداء الرسالة اإللهيّة ،فيُحسن إليهم برفع قَ ْدرهمـ ومنـزلتهم، «فإنّا صنائع هللا» ،يعني ّ
إن هللا يتفضَّل عليهم باإلحســان إليهم برفــع منـــزلتهم، عليهم بالكماالت المعنوية والفضائل ،و«الناس صنائع لنا» ،أي ّ
ّ
ألن النــاس بواســطتهمـ تصــل إلى الخــيرات ،وأن طــاعتهم يــؤول إلى ويتفضَّل عليهم بالكماالت والفضائل بواسطتهم؛ـ ّ
بح َسب هــذه الواليــة لألئ ّمة× تكــون فعلها .وهذا المعنى يوافقـ الوالية المعنوية ،التي آمن بها العالّمة الطباطبائي&؛ إذ َ
لهم السلطة على الجهة ال َملَكوتية في النفوس؛ من أجل اتّصالهم بعالم األمر ،فيُوصلون النفــوس المســتع ّدة إلى غاياتهــا
التكوينية من الدرجات المعنوية .وبالنتيجة يكون النب ّي| وآلــه األطهــار^ واســطةً بــالمعنى الثــاني للواســطة في الثبــوت
بالنسبة إلى الكماالت والفضائل لأل ّمة ،ال الواسطة بالمعنىـ األوّل بالنسبة إلى وجــود عــالم الخلــق ،حتّى تكــون ذواتهم
المطهَّرة علالً فاعليّة ،وبالتالي تكون واسطة في الثبوت للفيض ،كما ذهب إليها السيد& .وعليه ،فهذه المقولة ال تشــير
إلى وساطتهم الثبوتيــة لوجــود هــذا العــالم ،بــل تــد ّل على القــدر والمنـــزلة لهم عنــد هللا ،وتمتُّعهمـ بالكمــاالت المعنويــة
والفضائل ،كما يُنبئ عن ذلك السياق؛ إذ قال׫ :ولوال ما نهى هللا عنه ،من تزكيــة المــرء نفســه ،لــذكر ذاكـ ٌر فضــائلـ
ج ّمة ،تعرفهاـ قلوب المؤمنين» ،ث ّم قال× هذه المقولة المشهورة.
هذا كالمنا بالنسبة إلى النقطة األولى من بيان السيد الخميني&.
ـحيح؛ إذ ّ ّ
وأ ّما كالمنا بالنسبة للنقطة الثانية فما قاله صدر المتألِّهين& من عينيّة العلة الغائيّة للعلة الفاعليّة دائما غي ُر صـ ٍ
ً
هذه العينيّة ثابتة في الفاعل غير المستكمل بفعله ،وسيأتي توضيحهاـ في الهامش الالحق.
)(684كلِّيات علم الرجال.420 :
أن الواحد ينقسم إلى قسمين: )(685ال بُ َّد من اإلشارة إلى ّ
القس66م األ ّول :الواحــد الحقيقي ،وهــو مـا اتّصـف بالوحــدة لذاتـه من دون واســط ٍة في العــروض ،كزيـ ٍد ،فإنّــه اتّصــف
بالوحدة لذاته.
القسم الثاني :الواحــد غـير الحقيقي ،وهــو مــا اتّصــف بالوحــدة بواســط ٍة في العــروض ،كزيـ ٍد وعمــرو المتحــدين في
اإلنسان ،الذي هو واح ٌد نوع ّي ،وهما اتّصفا بالوحدة ألجل وحدة نوعهما ،فصاراـ واحداً بــالنوع.ـ والوحــدة في الواحــد
الحقيقي إ ّما تكون صفةً للوجودـ أو صفةً للمفهوم.
ـان لــه ،كــالواجب تعــالى ،فتكــون وحدتــه ً
أ ّما الوحدة التي هي صفة الوجودـ فإ ّما أن تكون صفة لوجو ٍـد يمتنــع فــرض ثـ ٍ
ً
ثان له كبقيّة الموجودات ،فتكون وحدته وحــدة حقيقيّــة عدديــة .والواحــد بالوحــدة وحدةً حقيقية حقّة؛ وإ ّما يمكن فرض ٍ
العدديـة إ ّمـا يمتنـع انقسـامه ،بحيث ال يمكن تب ُّدلـه إلى الكثـير ،كمـا في المجـرَّدات ،فيمكن تسـميتها بالوحـدة الحقيقيـة
وإن كـانت هـذه الظلِّية ،في مقابل الوحدة الحقيقيـة األصـلية للـواجب تعـالى ،الـذي تكـون وحدتـه وحـدةً حقيقيّـة حقَّةْ ،
أن الوجود المنبسط هــو الواحــد بالوحــدة الحقيقيــة الظلّيــة؛ وإ ّمــا ال التسمية على خالف مصطلح العرفاء؛ فإنّهم ي َروْ ن ّ
يمتنع انقسامه ،بل يمكن تب ُّدله إلى الكثير ،كما في الما ّديات ،فتس ّمىـ بالوحدة الحقيقية االتصالية.
فإن كانت تا ّمـ ةً ،بحيث تمثِّل تمــام الــذات ألفرادهــا، وأ ّما الوحدة التي هي صفةٌ للمفهوم فإ ّما أن يكون المفهوم ماهويّاًْ ،
تُس ّمى بالوحدة النوعية؛ وإذا كانت غي َر تا ّم ٍة ،بحيث تمثِّل جزء الذات ألفرادها ،تُسمى بالوحدة الجنسيّة .وأ ّمــا الوحــدة
الفصلية فهي مالزمةٌ للوحدة النوعية ،ولذلك ال تُعتبر قسما ً برأسها.ـ وإ ّما أن يكون المفهــوم عنوانيـاً ،كمفهــوم الوجــود
واإلمكان ،فتُس ّمىـ بالوحدة العنوانية.
أن عــالم إن تلك العوالم العلوية فواعل بالتســخير،ـ على قــول المشــائيين؛ وأ ّمــا العرفــاء فــإنّهم يـ َروْ ن ّ ُ )(686ربَما يُقالّ :
أن عالم الجبروتـ في بداية قوس النـزول لــه الجبروت فاع ٌل بالتجلّي .وعلى أساس هذه الرؤية ذهبوا إلى ما تق َّدم ،من ّ
غاية في نهاية قوس الصعود ،وهي النفس اإلنسانية في مرتبة السرّ ،فيتّحد ذو الغاية بالغاية عند انتهاء دائرة الوجود؛ـ
ممكن له ،فال تُتص َّور له غايةٌ زائدة على ذاته ،فتكون الغايــة عينُ ٍ كمال
ٍ يألن عالم الجبروت مج ّر ٌد تا ّم ،ليس فاقداًـ أل ّ ّ
ألن الغاية الزائدة على ذات الفاعل تُتص َّورـ في الفاعل المستكمل بفعله ،كالنفس الناطقة المتعلِّقة باألبدان. ذاته؛ ّ
وقبل الر ّد على هذه المقولة ال بُ َّد من ذكر مق ّدمتين:
إن الفعل االختياريـ يصدر من اإلنسـان بمبـادىء ثالثــة في القــوى النفســانيّة ،وهي :القـوّة المدركـة، المقدّمة األولىّ :
والقوّة الباعثة ،والقوّة الفاعلة.
تصورـ الفعل والتصديقـ بفائدته .وهذا هو المبدأ البعيد. ُّ األ ّول :المبدأ المتعلِّق بالقوّة المدركة هو العلم ،من
الثاني :المبدأ المتعلِّق بالقوّة الباعثة هو الشوقـ واإلرادة .وهذا هو المبدأ المتوسِّط.ـ
الثالث :المبدأ المتعلِّق بالق ّوة الفاعلة هو القوّة المنبثَّة في العضالت .وهذا هو المبدأ القريب.
ألن النفس اإلنســانية فاقــدةٌ وإضافةً إلى هذه المبادىء الثالثة في القوى النفســانية ال بُـ َّد من فائــد ٍة تــترتَّب على الفعــل؛ ّ
ق إلى الفعل؛ لنيل ذلك الكمال المترتِّب عليه. للكمال المتمثِّل بتلك الفائدة ،فيحبّه ،وبحبّه للكمال يحصل له شو ٌ
أن الفعل االختياري ،إضافةً إلى المبادىء الثالثة ،يتق َّوم بالغاية التي تدعو الفاعل إلى الفعل .وفي الحقيقة وبهذا يظهرـ ّ
ّ
ـأخرـ ال يمكن أن يكــون علـةً الغاية ليست علةً للفعل االختياري؛ ألنّهــا بوجودهـاـ الخــارجي مترتِّبـةٌ على الفعــل ،والمتـ ِّ ّ
للمتقدِّم؛ وبوجودها الذهن ّي تؤثِّر في الفعل على نحو الشــرطيّة ،ال على نحــو العلّــة المــؤثِّرة؛ فالعلــة المــؤثرة هي حبّ
ِّ ّ
ي أربعــة :األ ّول: الكمال المتمثِّل بالغاية .وبالنتيجة العلّة الغائيــة هي حبّ الكمــال .فصــارت المبــادىء للفعــل االختيــار ّ
العلم ،الثاني :الشوق واإلرادة ،الث66الث :القـوّة ،الرابع :الحبّ للكمــال المتمثِّل بالغايــة ،الــذي يســريـ إلى الفعــل .وهــذه
بعض ،ويفــترق جميعهــا عن الفاعــل في الفاعــل المســتكمل بفعلــه ،مثــل :النفس الناطقــة ٍ بعضـها عن
ُ المبادىء يفترق
المتعلِّقة بالبدن ،ويتّحد الجميع مع الفاعل في الفاعل المجرّد التا ّم؛ لمكان بساطة وجوده.
وال بُ َّد من معن ًى جامع لهذه المبادىء ،غير ما هو موجو ٌـد في الفاعل المستكمل بفعله؛ حتّى تتحقَّق في الفاعل المجرّد.
فالعلم هو حضور الفعل لدى الفاعل ،أع ّم من أن يكون بصورته أو بنفسه .وهــذا المعــنى للعلم يشــمل العلم الحصــوليـ
والعلم الحضــوري ،فيتحقَّقـ في الفاعــل المســتكمل بفعلـه ،كــالنفس الناطقــة ،وغــير المســتكمل بفعلــه ،كــالمجرّد التــام.
والشوقـ هو حبّ الفاعل لفعله ،فيتحقَّق في الفـاعلين .واإلرادة هي اقتضـاء الفاعـل بمـا هـو عـال ٌم بفعلـه المالئم لذاتـه،
ي فاع ٍل تكــون لــه هــذه فتتحقَّق في الفاعلين أيضاً .والقوّة هي المبدئيّة للفعل ،فتتحقَّقـ في الفاعلين؛ إذ من الواضح ّ
أن أ ّ
َّ ً
المبدئيّة ،وإالّ لما صدر منه الفعل .وهذه المبدئية ال بُ َّد أن تكون عن إراد ٍة حتّى يكون الفعل اختياريّــا.ـ واإلرادة تتوقف
على وصفين ،هما :العلم؛ والحبّ .فالعلم في الفاعل المستكمل بفعله حصــول ّي ،ويكــون زائــداً على ذاتـه ،وفي الفاعــل
غير المستكمل حضوريّ ،ويكون عين ذاته .والحبّ في الفاعل األوّل يتمثَّل بالشوق ،والحبّ المتمثِّل بــه يكــون زائــداً
على ذات الفاعل؛ وفي الفاعل الثاني ال يتمثَّل به ،بل بنفســه يــوجب اقتضــاء الفاعــل لفعلــه .والحبّ يكــون عين ذاتــه،
واإلرادة في الفاعل األوّل تتمثَّل بالشوقـ المؤ َّكد أو القصد ،واإلرادة المتمثِّلة بأحـدهما تكـون زائـدةً على ذات الفاعـل؛
وفي الفاعل الثاني ال تتمثَّل بذلك ،بل بنفسها توجب صدورـ الفعل .وهذه اإلرادة تكون عين ذات الفاعل ،وبذلك يكــون
الفاعل مريداً باإلرادة الذاتية .وبوصف العلم والحب تت ّم اإلرادة ــ وهي اقتضـاء الفعـل ــ ،وبهـا يصـدرـ الفعـل .وبهـذا
البيان يظهر الفرق بين الفاعلين في مبادىء االختيار.ـ
فإن العلّة الغائية للفعل هي حبّ الفاعل لما يراه كماالً له ،ســوا ٌء أكــان كمــاالً حاصـالً المقدمة الثانية :ونتيجةً لما تق َّدم ّ
ّ
قبل الفعل ،مثل :الفاعل العلمي غير المستكمل بفعله؛ فليس له غايةٌ زائدة على ذاته ،والعلة الغائية له هي حبُّه للكمال،
الذي هو عين ذاته ،فيحبّ الفعل بتَبَع حبّه لذاته؛ لكونه أثراً له؛ أو كان كماالً حاصالً بعد الفعــل ،مثــل :الفاعــل العلمي
فإن له غايةً زائدةً تُعتبرـ كماالً له ،والذي يحصل بفعله ،والعلّة الغائيــة هي حبُّه لــذلك الكمــال ،ويحبّ المستكمل بفعلهّ ،
الفعل ألجل الوصول إلى ذلك الكمال .فالفعل في الصورتين مقصو ٌد بالتَّبَع ،والمقصود بالذات هو كمال الفاعل.
بأن عالم الجبروت فاع ٌل بالتجلّي ،فال تكون له غايةٌ إالّ ذاتــه ،فال وعلى أساس هذه المق ّدمة نر ّد على المقولة السابقة ـ ّ
ّ
إن العلــة الغائيّــة بُ َّد أن تكون نهاية قوس الصعودـ هي ذات عالم الجبروت ،حتّى تتّحد الغاية مع ذي الغاية ـــ ،ونقــولّ :
هي حبّ الكمال في المجرّد التا ّم ،فإنّه عندما يعقل ذاته تكون ذاته حاضرةً لديه ،وليست بغائبـ ٍة عنـه ،وهـذا يعـني أنـه
ّ
وإن حبّ الشــيء يســتلزمـ حبّ لوازمــه وآثــاره ،فيحب الفعــل بتَبَــع حبّ ذاتــه ،وبــذلك حبّــه لذاتــه يعلم بذاتــه ويحبّهــاّ .
أن كــون ً ً
باألصالة حبٌّ لفعله بالتَّبَع ،فيقتضيـ صدوره من حيث كونه عالما به ومحبّـا لــه ،فيصــدرـ منــه .وهكــذا يثبت ّ
إن هــذه الغايــة هي ذاتهــا بعــد الفاعل المجرّد فاعالً لغاي ٍة ال يقتضي أن تكون تلك الغاية بعد صدور الفعل ،حتّى يُقالّ :
ّ
الحركة االستكمالية للنفس اإلنسانيّة ،وبالتاليـ تتَّحد الغاية مع ذي الغاية؛ إذ الغاية ليست علةً لصــدورـ الفعــل ،بــل حبّ
الغاية هو العلّة لصدورـ الفعل؛ ألنّه يسري منها إلى الفعل ،وهذه العلّة موجودةٌ في الفاعل غير المســتكمل بالنســبة إلى
أوضحْ نا.ـ
َ فعله في مرتبة ذاته ،كما
ً ّ
وبالنتيجة إ ّما يكون عالم الجبروت فاعالً بالتسخير ،كما يقول بـه المشـاء؛ وتـد ّل عليـه اآليـات الكريمـة أيضـا ،كقولـه
6ر ُه ْم﴾ (التحــريم ،)6 :إذ يُســتفاد من ص 6ونَ هللاَ َم66ا َأ َمَ 6
تعالىَ ﴿ :و ُه ْم بَِأ ْم ِر ِه يَ ْع َملُونَ ﴾ (األنبياء ،)27 :وكقوله تعالى﴿ :الَ يَ ْع ُ
ق ،وال يمكن له مخالفته أصالً ـ، هاتين اآليتين أنّهم فواعل بالتسخيرـ ـ بمعنى الفاعل الذي يريد ما يريده الح ّ
)(687الحديث المشهورـ في ألسنة العرفاء .مسند أحمد .154 :2
)(688بحار األنوار .136 :18
َت ت عاد ْ ت منها ،وأقامت في بيت زكريّا حتّى إذا طه َُر ْ ت خر َج ْ حاض ْ َ )(689وقيل :إنّها كانت تقيم في المسجد حتّى إذا
ت بينها وبين أهلهــا حجابـاً؛ لتغتســل ،إذ دخــل عليهــا إلى المسجد .فبينما هي في مشرف ٍة لها في ناحية الدار ،وقد ضربَ ْ
ت باهلل منه( .الميزان في تفسير القرآن .)35 :14 ي ال َخ ْلق ،فاستعا َذ ْ
جبرائيل في صورة شابٍّ أمرد ،سو ّـ
إن المعجزات الصــادرة من األنبيــاء^ هي من الواليــة التكوينيــة بــالمعنى المتقـدِّم .وتوضــيح ذلــك :يت ّم من خالل ّ )(690
مرحلتين:
أن إذن هللا هو بمعنى إرادة هللا ـ تبارك وتعالى ـ .ويثبت ذلك بعد بيان نقطتين: المرحلة األولىّ :
إن للعلّة التا ّمة المر َّكبة ثالثة أجزاء: النقطة األولىّ :
َّ
ألن اإلحراق يتولد منها. مقتض لإلحراق؛ ّ ٍ األ ّول :المقتضي ،وهو ما يقتضي الوجود للمعلول .فمثالً :النار
ّ
بالمماس ـة، ّ ِّ ّ
الثاني :الشرط ،وهو مت ِّمم فاعلية الفاعل ،الذي هو المقتضي ،كالمماسّة للنار؛ فإن النار ال تؤثرـ بالفعــل إال
فتكون مت ِّممةً لفاعلية النار.
الثالث :عدم المانع ،هو العدم المت ِّمم لقابليّة القابل؛ إذ وجود المانع يمنع عن تأثير المقتضــي في القابــل .مثــل :رطوبــة
أن هذه القابليّة الذاتيّة ال بُ َّد أن ينض ّـم إليها أم ٌر آخــر؛ حتّى وإن كان في ح ّد ذاته قابالً لالحتراق ،إالّ ّ الحطب ،فالحطب ْ
يتأثَّر الحطب بالفعل ،ويقبل اإلحراق ،وهو عدم الرطوبة.
ومن هنا يظهرـ أن تأثير ك ّل جــز ٍء من أجــزاء العلّــة في المعلــول يختلــف عن تــأثير الجــزء اآلخــر؛ فالمقتضـيـ يفيض
الوجود ،ويكون فاعالً بمعنى ما به الوجود؛ والشرطـ يؤثِّر في فعليـة التـأثير للمقتضــي؛ وعــدم المـانع يـؤثِّر في فعليــة
القبول .فالشرطـ وعدم المانع يكونان مص ِّححين لفاعليّة الفاعــل ،فال بُـ َّد من افـتراض المقتضـي في رتبـ ٍة سـابقة؛ حتّى
يكون الشرط وعدم المانع مص ِّححين لفاعليته.
النقطة الثانية :اإلذن هو الترخيص .وينقسم إلى قسمين:
َّ ّ
1ـ إذن تشريعي :وهو ترخيصٌ ناشئ من عدم المنع الشرعي ،كإذن الشارع بشـرب التتن ،بمعـنى أنـه رخص بفعلـه.
وهذا الترخيص نشأ من عدم الحكم بحرمته .وهذا اإلذن تشريع ٌّي.
2ـ إذن تكويني :وهو ترخيص في تأثير السبب في المسبَّب ،وذلك بعدم المانع التكويني ،مثل :تأثير النار في اإلحراقـ
إذن تكويــن ّي لتأثيرهــا .وهــذا المعــنى يُســتفاد من العالّمــة من جهــة عــدم المــانع من تأثيرهــا في اإلحــراق .وهــذا ٌ
الطباطبائيـ& في (الميزان في تفسير القرآن :1ـ ،)79حيث قال« :فاألسبابـ تملكت السببيّة بتمليكه تعالى ،وهي غــير
أن اإلذن إنّمــا مستقلّ ٍة في عين أنّها مالكةٌ .وهــذا المعــنى هــو الــذي يعبِّر ســبحانه عنــه بالشــفاعة واإلذن .فمن المعلــوم ّ
مقتض موجو ٌد يمنع ٍ يستقيم معناه إذا كان هناك مان ٌع من تصرُّ فـ المأذون فيه .والمانع ـ أيضا ً ـ يُتص َّورـ فيما كان هناك
ب مبــدًأ مــؤثِّرا يقتضــي التــأثير في ً إن في ك ّل ســب ٍ المانع عن تأثيره ،ويحول بينه وبين تصرُّ فه» .وتوضيح هذا الكالمّ :
كٍ ـ بتملي لـه ً ا مالك كونه رغم التأثير، في ً ّ ال مستق يكون مسبَّبه .وهذا التأثير أعطاه هللا ـ تبارك وتعالى ـ إيّاه ،ومع ذلك ال
مانع يمنع عن هذا التأثير ،وبالتالي يحول بين السبب وحصول المسبَّب. ٍ من هللا؛ إذ يتوقَّفـ على إذ ٍن منه بعدم حصول
وعليه ،المسبَّب في حصوله يحتاج إلى أمرين :أ ّوالً :إلى إرادة هللا ـ تبارك وتعــالىـ ــ لتــأثير الســبب فيــه؛ وثاني 6ا ً :إلى
اإلذن في هذا التأثير .وعلى ضوء ذلك حمل العالّمة الطباطبائيـ& اإلذن في اآلية الكريمة﴿ :فَ َ6أ ْنفُ ُخ فِي ِ 6ه فَيَ ُك66ونُ طَ ْي66راً
ص َوُأ ْحيِي ال َم ْوتَى بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾ على اإلذن التكويني. بِِإ ْذ ِن هللاِ َوُأ ْب ِرُئ اَأل ْك َمهَ َواَأل ْب َر َ
وإنّنا ال نوافقه على هذا التفسير؛ إذ القرآن الكريم يستخدمـ اإلذن بمعنى اإلرادة في حصــول األمــور التكوينيــة .وأذكــر
6ان فَبِِ6إ ْذ ِن هللاِ﴾ (آل عمــران: 6و َم ا ْلتَقَى ا ْل َج ْم َعِ 6 نماذج من اآليات الكريمة في هذا المجال ،كقوله تعــالىَ ﴿ :و َم66ا َأ َ
ص6ابَ ُك ْم يَْ 6
يح ُغ 66د ُُّوهَا سلَ ْي َمانَ ال ِّر َ .)166وهذه اآلية تتح َّدث عن إصابة المسلمين في ُأحُد بإذن هللا ،أي بإرادته؛ وقوله تعالىَ ﴿ :ولِ ُ
س ْلنَا لَهُ َعيْنَ ا ْلقِ ْط ِر َو ِمنْ ا ْل ِجنِّ َمنْ يَ ْع َم ُل بَيْنَ يَ َد ْي ِه بِ ِ6إ ْذ ِن َربِّ ِه﴾ (ســبأ .)12 :هــذه اآليــة تتحـ َّدث ش ْه ٌر َوَأ َ اح َها َ ش ْه ٌر َو َر َو ُ
َ
س نْ تَ ُم66وتَ ِإال بِِ6إذ ِن هللاِ﴾ (آل عمــران.)145 : ْ َّ َأ ْ َ
ع ّما ُسخر لسليمان بإذن ربّه ،أي بإرادته؛ وقوله تعالىَ ﴿ :و َما َكانَ لِنف ٍ ِّ
س ال تمــوت إالّ بــإذن هللا ،أي بإرادتــه؛ وقولــه تعــالىَ ﴿ :وُأد ِْخَ 6ل الَّ ِذينَ آ َمنُ66وا َو َع ِملُ66وا ي نف ٍ أن أ ّ وهذه اآلية تتح َّدث عن ّ
ْ
ت ت َْج ِري ِمنْ ت َْحتِ َها ا ْن َها ُر َخالِ ِدينَ فِي َها بِِإذ ِن َربِّ ِه ْم﴾ (إبراهيم .)23 :وهذه اآلية تتح َّدث عن نعيم الجنّـة َأل ت َجنَّا ٍ صالِ َحا ِ ال َّ
ٌ
للصالحين بأنه خالد بإذن ربّهم ،أي بإرادته. ّ
ألن هذه اآليات ليست واآليات التي تتح َّدث عن حصول الوقائعـ بإذن هللا كثيرةٌ .واإلذن في هذه اآليات بمعنى اإلرادة؛ ّ
ناظرةً إلى أسباب هذه الوقائع؛ حتى يُفسَّر اإلذن بالترخيص في التأثير من جهة عدم المانع التكويني.
ص 6فّا ً الَ يَتَ َكلَّ ُم66ونَ ِإالَّ وح َوا ْل َمالَِئ َك 6ةُ َ وأحيانا ً يُستخدمـ اإلذن بمعنى األمر في القرآن الكريم ،كقوله تعالى﴿ :يَ ْو َم يَقُو ُم ُّ
الر ُ
ص َوابا ً﴾ (النبأ .)38 :وهذه اآلية تتح َّدث عن المالئكة بأنّهم يقومون بطاعة أمــر هللا ـ ـ تبــارك َمنْ َأ ِذنَ لَهُ ال َّر ْح َمنُ َوقَا َل َ
وتعالى ـ ،كما هو حالهم قبل قيام القيامة ،فهم بأمره يعملون .فاإلذن يكون بمعنى األمر.
وأحيانا ً يُستخدمـ اإلذن بمعنى الترخيص فيه ،كقوله تعالى﴿ :قُ ْل َأهللاُ َأ ِذنَ لَ ُك ْم َأ ْم َعلَى هللاِ تَ ْفتَ 6رُونَ ﴾ (يونس .)59 :وهــذه
أن هللا أذن لكم بــذلك ــ أي ر ّخصــكم في التحليــل اآلية تتحـ َّدث عن التحليــل والتحــريمـ لــرزق هللا ــ تبــارك وتعــالى ـــّ ،
والتحريمـ ـ ،أم على هللا تفترون؟
هذه هي المعاني الثالثة لإلذن في القرآن الكريم .وبعد هذه المعاني نأتي إلى األمورـ التي يتح َّدث عنها القرآن باعتبــار
ض 6ا ِّرينَ بِ ِ 6ه ِمنْ حصولها من أسبابها .وهذه اآليات كثيرةٌ ،ونحن نقتصر على آي ٍة واحدة ،وهي قوله تعالىَ ﴿ :و َم66ا ُه ْم بِ َ
إن السحر ال يض ّر أحداً إالّ بإذن هللا .والسحرـ ســببٌ خــارق للعــادة َأ َح ٍد ِإالَّ بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾ (البقرة .)102 :وهذه اآلية تقولّ :
ض َررـ للناس؛ ولذلك المقطع السابق على هذا المقطـع يتحـ َّدث عن تـأثير السـحر بقولـه تعـالى﴿ :فَيَتَ َعلَّ ُم66ونَ فيؤثِّرـ في ال َّ
أن هللا ر َّخص في تــأثير 6ر ِء َوز َْو ِجِ 6ه﴾ .فــإذنُ هللا في هــذه اآليــة يمكن أن يكــون باعتبــار ّ ْ ِم ْن ُه َما َما يُفَ ِّرقُ66ونَ بِِ 6ه بَيْنَ ا ْل َمْ 6
مانع تكوينيـ يمنع من تــأثيره ،وبهــذا االعتبــار يكــون تــأثير الســحر بــإذن هللا ــ تبــارك ٍ ض َرر؛ بعدم َجعْل السحر في ال َّ
ي أن تــأثير أ ّ وتعالى ـ .وهذا هو المعنى الذي ذكره العالّمة الطباطبــائي& في تفســير اِإل ْذن .ويمكن أن يكــون باعتبــار ّ
ص لألشــياء إنّمــا هي لمبــادىء ألن ك ّل ما نراه من آثار وخوا ٍ شي ٍء في شي ٍء ال يكون إالّ بإرادة هللا ـ تبارك وتعالى ـ؛ ّ
أو َدعَها هللا ـ تباركـ وتعالى ـ في باطن األشياء ،م ّما يساهم في حدوث الظواهرـ في حركة الوجود في ال َكوْ ن؛ فالنــارـ إذ
بالحـ َّدة الــتي أو َدعَهــا هللا فيهــا .وهــذه تحرق إنّما تحرقـ بالحرارة التي أو َدعَها هللا فيها ،والسـ ِّكين إذ تقطــع إنّمــا تقطــع ِ
المبادئ تؤثِّر في المسبَّب بإراد ٍة منه ـ تبارك وتعالى ـ .ولوال هذه اإلرادة لما كانت مؤثرة في المس ـبَّب .والشــاهد على
ً ِّ
ذلك :نار إبراهيم×؛ فإنّها لم تؤثِّرـ في إحراقه؛ لعدم إرادة هللا ذلك؛ والسـكين في يـده×؛ فإنّهـاـ لم تـؤثِّرـ في القطــع؛ لعـدم
إرادة هللا ذلك .هذا بالنسـبة إلى األسـباب الطبيعيــة الجاريــة على وفــق العـادة .ونفس الكالم يجـري في األسـباب غـير
الطبيعية الخارجة عن العادة ،سوا ٌء كانت من الشرور ،كالسحر والكهانة ،أو من الخيرات ،كالكرامــات والمعجــزات.
ففي هذه األسباب ـ أيضا ً ـ مبدٌأ في نفوس َم ْن صدرت منهم هذه الخوارق للعادة؛ فمبــدأ تــأثير الســحر في الشـ ّر يكــون
ضا ِّرينَ بِ ِه ِمنْ َأ َح ٍد ِإالَّ بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾؛ ومبدأـ المعجزات والكرامــات في نفس الساحر ،ولذلك قالت اآلية الكريمةَ ﴿ :و َما ُه ْم بِ َ
ب في مسبَّبه يكــون بــإذن هللا ،أي بإرادتــه .ومن بين ٍ سب ّ
ي أ تأثير يكون في نفوس األنبياء واألولياء .ومجمل القولّ :
إن
ألن اآلية تنظر إلى حصول الض ََّررـ من حيث هذين االحتمالين نحن نستظهرـ االحتمال الثاني لِإل ْذن في اآلية الكريمة؛ ّ
مقتض
ٍ بنظر تفصــيل ّي ،حــتى يُف َّكك تــأثير الســبب إلى تــأثير ٍ بنظر إجمال ّي ،ال ٍ تأثير السحر فيه ،فيكون التأثير ملحوظا ً
مانع في فعلية تأثير المقتضي ـ الذي اعتبر ترخيصاًـ لتــأثيره ـــ .فــإذا كــان النظــر إلى ٍ لوجود المسبَّب ،وإلى تأثير عدم
التأثير من حيث حصول المسبَّب منه فيكون المنظورـ هو التأثير الفعل ّي الحاصل باجتماعـ جميع عناصر السبب .وهــذا
الضـ َرر بــإرادة هللا تبــارك التأثير الفعل ّي يكون بإذنه تبارك وتعالى ،أي بإرادتــه ومشــيئته ،وبالتـاليـ يـؤثِّر الســحر في َّ
ْ
أن عمل األنبياء يؤثِّر في حصول المعجــزة بــإذن هللا ،أي بإرادتـه ،ولـذلك يُحْ َمــل اِإل ذن في قولـه تعـالى: وتعالى ،كما ّ
ول نْ يَ تِ َي بِآيَ ٍة ِإال بِِإذ ِن هللاِ﴾ (الرعد )38 :على نفس المعنى .ويتبيَّن ذلك في المرحلة التالية. ْ َّ ْأ َأ س ٍ ﴿ َو َما َكانَ لِ َر ُ
أن ِإذن هللا عادةً يعني إرادة هللا تبارك وتعالى ،سوا ٌء كان بالنسبة إلى حصول الوقائعـ أو بالنسبة إلى ْ فتحصَّل مما تق َّدم ّ
تأثير السبب.
فـإن اآليـة الكريمـة إن لألنبياء الوالية التكوينية بمعنى القـدرة على التصـرُّ ف في األمـور التكوينيـة؛ ّ المرحلة الثانيةّ :
66وتَى ص َوُأ ْح ِي ا ْل َم ْ ين َك َهيَْئ ِة الطَّ ْي ِر فََأنفُ ُخ فِي ِه فَيَ ُكونُ طَ ْيراً بِِإ ْذ ِن هللاِ َوُأ ْب ِرُئ اَأل ْك َمهَ َواَأل ْب َر َ ق لَ ُك ْم ِمنْ الطِّ ِ قالتَ﴿ :أنِّي َأ ْخلُ ُ
بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾ .وقدـ استُعمل في هذه اآلية أفعالٌ ،مثل« :أبرئ» و«أحيي» ،بضمير المتكلِّم ،واألفعــالـ بضــميرـ المتكلِّم تــد ّل
على أنّها من عمل األنبياء أنفسهم .وهنا يُطرح سؤالٌ :كيــف تكــون تلــك األفعــال الخارقــة عمالً لهم؟ ،فقــد بيَّنت اآليــة
بمقطعها األ ّول ذلك ،حيث قال﴿ :فََأنفُ ُخ فِي ِه فَيَ ُكونُ طَ ْيراً بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾ .ففي هذا المقطع كون الطين طيراً ترتَّب على النفخ
بقصد أن يكون طيراً ،وهذا الترتُّب يد ّل على تأثير النفخ بذلك القصــد في صــيرورته طــيراً .والكالم نفســه يجــري في
إبراء األكمه ،مس ُح عيسى× يده على عين َْي األكمه بقصد اإلبراء يُبرئ األكمه ،وترتُّب اإلبراء على مسح اليــد بقصــده
يعني أنّه مؤثِّ ٌـر فيه .وهكذا إبراء األبرص ،وض ُع عيسى× يده على جلد األبرص بقصد اإلبراء يُبرئه ،وترتُّب اإلبــراء
س ْ 6عيا ً﴾ على وضع اليد بقصده يعني أنّه مؤثِّ ٌر فيه .وهكذا في قصّة إبراهيمـ× ،فاآلية الكريمة تقــول﴿ :ثُ َّم ا ْد ُع ُهنَّ يَْأتِينَ66كَ َ
أن الدعاء بهذا القصد دعائهن بقصد اإلحياء ،وهذا يد ّل على ّ ّ (البقرة ،)260 :ففي هذا المقطع اإلتيان سعيا ً ترتَّب على
مؤثِّ ٌر في اإلحياء .وباعتبارـ ترتُّب هذه األفعال الخارقة للعادة على أعمالهم المقترنة بالقصــودـ صــارت تلــك الخــوارق
عمالً لهم.
ُ
وأ ّما ما قيل في تفسير اآلية السابقة بأن النب ّي عيسى× اسـتخدمـ في هــذه المعــاجز كــأدا ٍة ووســيل ٍة لتنفيــذ اإلرادة اإللهيــة ّ
مقبول؛ أ ّوالً :ألنّه على خالف ظاهر اآلية؛ وثاني6ا ً :ألنّــه لــو كــانت المعجــزة حاصــلةً بــإرادة هللا تبــارك وتعــالىـ ٍ فغي ُر
ٌ ٌ
تأثير في حصولهاـ للزم أن يكون فيه سبحانه جهة وجهة؛ فمن جه ٍة يكون ٍ مباشرة ،والنب ّي يكون مجرّد أدا ٍة له من دون ً
علّةً لهذه المعجزة ،ومن جه ٍة أخرى يكون علّةً لتلك المعجزة؛ للسنخية بين العلّة والمعلول ،والحال أنّه تبارك وتعــالى
اعتبار ،كما ثبت في محلّه ،فرا ِجعْ. ٍ بسيطٌ ،من دون تكثُّر جه ٍة ،وال تع ُّدد
أن النفخ بقصــد صــيرورة الطين طــيراً يــؤثِّر فيهــا ،والمســح بقصــد وفي المحصّلة ،من خالل اآليات الكريمــة ع َر ْفنــا ّ
أن النفس اإلنسانية بتلــك القصــود المقترنــة باألعمــال في حـ ّد اإلبراء يؤثِّرـ فيه ،والدعاء بقصد اإلحياء يؤثِّر فيه .وبما ّ
خاصـية ،بحيث مــتى نفخ في ً ّ ـأن هللا أودع في نفس عيسى× ذاتها لم تكن مبدًأ للتأثير في تلك اآلثار فال بُـ َّد من القــول بـ ّ
الطين بقصد أن يكون طيراً كان نفخه بهذا القصد موجبا ً لصيرورته طيراً؛ وهكـذا مـتى مسـح يـده على عين َْي األكمـه
بقصد اإلبراء كان مسحه بهذا القصد موجبا ً ألن يبرأ؛ وهكذا إبراهيم× قد أودع هللا في نفسه خاصّيةً ،بحيث مــتى دعــا
الخاصـية بالكمــال الـذي ّ ال َميْت المقطوع بقصد اإلحياء كان دعاؤه بهذا القصد موجبا ً لصيرورته حيّاً .وقدـ فُسِّرت هذه
منحه هللا تبارك وتعــالىـ لنفــوس األنبيــاء^ ،بحيث تصــدرـ منهم كثــي ٌر من الخــوارق.ـ وهــذا التفســير يُســتفاد من الشــهيد
مطهَّري& في (والء وواليتها:ـ .)84وعليه ،تكون نفس النب ّي× تتوفَّر على المقتضي ـ وهو القــدرة ــ ،وعلى الشــرط ـ
بإذن من هللا بالمعنى الذي تق َّدم من العالّمة وهو اإلرادة المقترنة ببعض األعمال ـ ،وحينئ ٍـذ يكون صدورـ المعجزة منه ٍ
َّ
أن الشــخص المــأذون يتــوفرـ على المقتضــي والشــرط إلتيــان ضـنا ّ يتحصـل لـه معــن ًى إالّ إذا افت َر ْ َّ الطباطبائيـ&؛ إذ ال
ق سوىـ اإلذن اإلله ّي. المعجزة ،ولم ي ْب َ
ولكنّنا ال نوافقـ على هذا التفسير للخاصّية؛ أ ّوالً :من جهة تفسير اإلذن بالترخيص التكويني .وقد تق َّدم الر ّد عليـه آنفـا؛ً
إن المقصود من الكمال الممنوح لنفــوس األنبيــاء^ هــو القــدرة الخارقــة للعــادة الــتي َوهَبهــا هللا تبــارك وتعــالى وثانيا ًّ :
ي شي ٍء آخر في الوجودـ له قدرةٌ مستم ّدة من عند هللا؛ فتكون مؤثِّرة في تلك الخوارق بإذنه تعــالى ،أي لنفوسهم ،مثل أ ّ
أن هللا تبـارك وتعـالىـ منحهم أن هذه اآلثار الخارقة المعدودة في اآليات الكريمة ال تد ّل على ّ بإرادته .فحينئ ٍـذ يَ ِر ُد عليه ّ
القدرة الخارقة ،بحيث يستطيعون أن يُ ْن ِجزوا بها مــا يريــدون إذا اقتضــى األمــر ،حتّى تثبت لهم الواليــة التكوينيــة؛ إذ
إن هللا َوهَبهم القدرة الخارقــة على هــذه األمــورـ المعــدودة فقــط؛ لتقـوّي واقــع الرســالة ،كمــا في إحيــاء يمكن أن يُقالّ :
ْ َ ّ
الموتى وإبراء األكمه واألبرص لدى عيسى×؛ أو لترد كيد الكفار وتهدم كيانهم ،كما في فلق البحر بعصا موسى ×؛ أو
لتؤ ّدي إلى االطمئنان ،كما في إحياء دعاء إبراهيم× للطيور المقطَّعة ،فتنتهي القدرة إلى هذا الح ّد ،فتكون بمثابة قضيّ ٍة
في واقعة .ومع هذا االحتمال ال تثبت القدرة على تغيير ما يريدونه في الكون ،التي هي الوالية التكوينية.
فإن هللا ســبحانه وتعــالى أودع وأ ّما من وجهة نظرنا فهذه الخاصّية في نفوس األنبياء^ هي حالة االتّصال بعالَم األمر؛ ّ
ُأ
6والَ نِ 6ز َلفي نفوس ُرسُله قابليّة االتّصال بذلك العالَم؛ والدلي ُل على ذلك اآليةُ الكريمةَ ﴿ :وقَا َل الَّ ِذينَ الَ يَ ْر ُجونَ لِقَا َءنَ66ا لَْ 6
س ِه ْ6م َو َعت َْوا ُعتُ ّواً َكبِ66يراً﴾ (الفرقـان)21 :؛ إذ هـذه اآليـة تـد ّل مطابقـةً ستَ ْكبَ ُروا فِي َأنفُ ِ َعلَ ْينَا ا ْل َمالَِئ َكةُ َأ ْو نَ َرى َربَّنَا لَقَ ْد ا ْ
أن المنكرين للمعاد ـ وهم المشركون ـ يتذرَّعون بأنّـه لمـاذا النـب ّي وحـده تنــزل عليـه المالئكـة أو يـرى هللا ،وال على ّ
ك وال ّ
ـبي؛ أو أن نــرى ربَّنــا بأعيننــا حتى ال يبقى شـ ٌّ ً تنـزل علينا المالئكة؛ لنراهم رأي العين؛ ليخبرونا بـ ّ
ـأن مح ّمــدا| نـ ٌّ
أن نزول المالئكة ورؤيتهم ،أو رؤيــة هللا تعــالى بــالمعنى الــذي ي َّدعيــه األنبيــاء^ ـ شبهةٌ في وجوده؟ وتدل إشارةً على ّ
ى واحـ ٍد ،بــل توجـدـ ّ ّ
وهو الرؤية القلبية التي هي الشهود ـ ،ال يتأتّى إال لبعض األفراد؛ إذ النفــوس ليســت كلهــا بمســتو ً
نفوسٌ خاصّة ،أهّلها هللا تعالى لهذه الدرجة الرفيعة ،بحيث ترى هللا ،وتتّصل بالمالئكــة المقــربين وعــالم األمــر ،وهي
َ
أن لهم أهليّة االتّصال بعالَم األمر .وهذا العالَم كما كان مصدراً للقوّة في «قـوّتهمـ ال ُم ْد ِركة» ،كمــا نفوس األنبياء .فثبت ّ
َّ
تق َّدم في المتن ،كذلك يكون مصدرا للقوّة في «قوّتهمـ العاملة» ،بحيث إذا اقتضى األمــر أن يتــدخلواـ في عــالم الطبيعــة ً
ي نحـ ٍو شــاؤوا ،وهـذا يعــني الواليــة التكوينيــة .وفي حـال االتصـال قصــودهمـ المقترنـة بتلــك يمكنهم التصرُّ ف فيه بـأ ّ
ِّ
أن نفوسهم الق ْدسيّة ليست مــؤثرةً ُ ً
األعمال تُحْ ِدث ما يُعتَبَر خارقا للقوانين الطبيعية ،باالستعانة بعالَم األمر .وهذا يعني ّ
أن تـأثيره يكـون بـإرادتهمـ المقترنـة ببعض بتأثير من عـالَم األمـر ،فتكـون نفوسـهمـ مجـرى تـأثير ذلـك العـالَم ،إال ّ ٍ إالّ
األعمال ،فيتوقَّفـ حصول األمور الخارقــة على إرادتهم ،المقترنــة ببعض األعمــال .كمــا أنّــه يتوقَّفـ على قــدرة عــالَم
بإذن من هللا ،كمــا كــان األمر .وبالنتيجة ال تكون نفوسهم القُ ْدسيّة بالقدرة المعطاة لهم مؤثِّرةً في األمور الخارقة للعادة ٍ
بعض كلمــة ٍ بح َسـب تفســير على التفسير األوّل للخاصّية ،بــل تــؤثِّرـ فيهــا بعــو ٍن من عــالَم األمــر ،الــذي هــو أمــر هللاَ ،
ش ْيئا ً َأنْ يَقُ66و َل لَ6هُ ُكنْ فَيَ ُك66ونُ ﴾ (يس .)82 :وأمــره هــو إرادتــه الفعليــة. (األمر) به في قوله تعالىِ﴿ :إنَّ َما َأ ْم ُرهُ ِإ َذا َأ َرا َد َ
ـأن المعجــزة من وهذا معنى قوله تعالى﴿ :فََأنفُ ُخ فِي ِه فَيَ ُكونُ طَ ْيراً بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾ ،أي بــأمره وإرادتــه .وبــذلك يمكن القــول بـ ّ
عمل األنبياء؛ لقيامها بإرادتهمـ المقترنة ببعض األعمال ،كما هي من عمل هللا تبارك وتعالى؛ ألنّها تت ّم بأمره وإرادتــه
الخاصـية باالتّصــال ـــ ،على مــا ِّ أن إضافة النقطة األخيرة ـ وهي تفسير الفعلية ،التي هي عالَم األمر .ومن هنا يظهر ّ
استفَ ْدناه من اآليات الكريمة ،ضروريّةٌ؛ إلثبات الوالية التكوينية لألنبياء .وهذه الخاصِّية موجــودةٌ في نفــوس األوليــاء
اإلن ،وهو الكرامات الصادرة منهم .وبالنتيجة :كرامات األولياء ومعجزات األنبياء تكون من هذا العالَم. أيضاً؛ بدليل ّ
)(691دروس الكراســي العلميّــة في علم أصــول الفقــه ،الــدرس رقم ،1بتــاريخ 28 :ـ 06ـ :2012األســتاذ مصــطفى
بنحمزة ،علم أصول الفقه ،الموضوع ـ األهمية ـ الوظيفة.
)(692د .شكري الطاوشي ،المقام في البالغة العربية ،مجلّة عالم الفكر الكويتية ،المجلّد 2013 ،182 :42م.
)(693من قبيل :هذه الدراسات والبحوث:
1ـ محمد يـونس ،علم التخــاطب اللسـاني ،دراسـة لسـانية لمنـاهج علمـاء األصــول في فهم النصّ ،123 :دار المـدار،
2009م.
2ـ محمد يونس ،المعنى وظالل المعنى.26 :
3ـ محمد يونس ،مق ّدمة في عل َم ْي الداللة والتخاطب.12 :
4ـ نعمان بوقرة ،تفسير النصوص وحدود التأويل عند ابن حزم ،قراءة في أعراف الفَهْم الظاهري للخطــاب القــرآني:
.234
التصور اللساني عند الغزالي في ضوء النظريّة األصولية.11 : ُّ بوقرة، نعمان 5ـ
6ـ يحيى رمضان ،القراءة عند األصوليّين.23 :
7ـ السيد عبد الغفّار ،النصّ القرآني بين التفسير والتأويل ،11 :دار النهضة العربية2002 ،م.
ق المغربيــة ،العــدد :364ـ ،231 )(694د .محمد وقيدي ،الفارابي ونسقـ العلوم في الثقافة اإلسالمية ،مجلّـة دعــوة الحـ ّ
2002م.
)(695ابن خلدون ،المق ّدمة.583 :
)(696عبد الرزاق عكيوي ،نظرية االعتبار في العلوم اإلسالمية ،9 :منشورات المعهد العالمي للفكر اإلسالمي.
)(697أبــو الوليــد البــاجي ،أحكم الفصــول في إحكــام األصــول( 33 :مقدمــة المحقِّق عبــد المجيــد تــركي) ،دار الغــرب
اإلسالمي.
)(698طه عبد الرحمان ،تجديد المنهج في تقويم التراث.23 :
)(699مهدي فضل هللا ،العقل والشريعة.13 :
)(700عبد الكريم مجاهد ،الداللة اللغوية عند العرب.9 :
)(701أبو الحسين البصري ،التحقيق المعتمد ( 11 :1مق ّدمة د .محمد حميد هلل).
)(702اإلمام الغزالي ،جواهر القرآن.23 :
)(703د .عبد الحميد العلمي ،المقاصد اللغوية بين التقصيد الداللي وفهم الخطاب الشرعي.67 :
)(704ابن جزي ،تفسير التسهيل لعلوم التنـزيل (المق ّدمة) .11 :1
)(705محمد بن زكريّاـ الــرازي ،في فقــه اللغــة وســنن العــرب وكالمهــا ،16 :تحقيــق :أحمــد صــقر ،دار إحيــاء الكتب
العربيّة.
)(706أبو حاتم الرازي ،الزينة في األلفاظ العربية اإلسالمية ،61 :1القاهرة1957 ،م.
)(707رقية جابر العلواني ،أثر العُرْ ف في فهم النصوص.112 :
)(708د .أحمد حدادي ،حاجة المفتي إلى اللغة العربية.22 :
)(709المصدر نفسه.
)(710اإلمام الشاطبي ،الموافقات .31 :3
)(711الغزالي ،فاتحة العلوم .22 :1
منهج أمثل لتفسير القرآن الكريم ،10 :دار طيبة2008 ،م. ٍ )(712أحمد بن محمد الشرقاوي ،نحو
)(713اإلمام الشاطبي ،الموافقات .62 :2
)(714محمد عابد الجابري ،بنية العقل العربي.57 :
)(715اإلمام الشاطبي ،الموافقات .62 :2
)(716المصدر السابق .117 :4
)(717أديب صالح ،تفسير النصوص .9 :1
)(718د .بزا عبد النور ،مصالح اإلنسان ،مقاربة مقاصدية.87 :
)(719د .مصطفى بنحمزة ،إسهام األصوليين في دراسة صلة اللفظ بالمعنى.12 :
)(720تفسير ابن جزي الكلب ّي ،المس ّمى التسهيل (المق ّدمة) .3 :1
)(721أبو الحسين البصري ،المعتمد :2ـ ،910اعتنى بتحقيقه :محمد حميد هللا وحســن حنفي ،إصــدار :المعهــد العلمي
الفرنسي ،دمشق.1964 ،
)(722يراجع أطروحة د .فهد الوهبي (المسائل المشتركة بين علوم القرآن وعلم أصول الفقه) ،وهي رسالة جامعية.
)(723د .محمد السيد جبريل ،مدخل إلى مناهج المفسِّرين.98 :
)(724ابن حزم األندلسي ،التقريب لح ّد المنطق.122 :
)(725المصدر السابق.282 :
)(726ابن حزم األندلســي ،اإلحكــام في أصــول األحكــام :8ـ ،101تحقيــق :أحمــد محمــد شــاكر ،دار اآلفــاقـ الجديــدة،
1980م.
)(727الخطاب الشرعي وطرقـ استثماره.476 :
)(728د .عبد الحميد العلمي ،مصطلح اللفظ عند األصوليين.36 :
)(729يرا َجعْ:
1ـ مليكة جفان ،من قضايا اللفظ والمعنى بين اللغويين والبالغيين ،موقع ديوان العرب على الشبكة العنكبوتية.
2ـ مفهوم المعنى ،دراسةٌ تحليلية.29 :
3ـ دراسة المعنى عند األصوليّين 87 :ـ .88
)(730د .محمد عابد الجابري ،اللفظ والمعنىـ في البيان العربي.31 :
)(731ابن حزم ،اإلحكام في أصول األحكام .20 :8
)(732محمد عابد الجابري ،بنية العقل العربي.56 :
)(733اإلمام الشاطبي ،الموافقات .114 :4
)(734إمام الحرمين ،البرهان في علم أصول الفقه .169 :1
)(735عائشة بنت الشاطئ ،مق ّدمة في المنهج.123 :
)(736التفسير الكبير لفحر الدين الرازي23 :1 :
)(737د .حمو النقاري ،المنهجية األصولية والمنطق اليوناني:ـ .42
)(738الغزالي ،المستصفى .72 :2
)(739المصدر السابق .73 :1
)(740الدرس الداللي عند اإلمام الشاطبيـ .33 :1
)(741أبو الحسين البصري ،المعتمد .910 :2
)(742فتحي الدريني ،المناهج األصولية في االجتهاد بالرأي في التشريع اإلسالم ّي.268 :
ويُراجع كذلك:
1ـ أحمد الكبيسي ،الداللة وتفسير النصّ ،مجلة كلِّية الشريعة العراقية ،العدد 1986 ،6م.
2ـ حبلص محمد يوسف ،البحث الداللي عند األصوليين ،مكتبة عام الكتب ،مصر1991 ،م.
)(743محمد سالم أبو عاصي ،الدالالت وأثرها في تفسير القرآن ،دار علي للطباعة والنشر1997 ،م.
)(744يُرا َجـ ع :عمـ ٌل مشــترك ،أه ّميــة اعتبــار الســياق في المجالت التشــريعية ،إصــدار :الرابطــة المحمديــة للعلمــاء،
المغرب.2007 ،
)(745اإلمام الشاطبي ،الموافقات .62 :2
)(746المصدر السابق .67 :2
)(747المصدر السابق .66 :2
)(748ابن دقيق العيد ،إحكام األحكام في شرح عمدة الح ّكام .19 :2
)(749للوقــوفـ على اجتهــادات ابن القيِّم في الداللــة يُرا َجــ ع :د .إدريس بن خويــا ،الداللــة النحويــة في مؤلَّفــات ابن
قيِّم الجوزية ،دار الكتاب العربي ،الجزائر ،ط2016 ،1م.
)(750ابن القيِّم ،إعالم الموقعين .351 :1
يُرا َجع :د.إدريسـ بن خويا ،كتاب علم الداللة في التراث العربي والدرسـ اللساني الحديث ،44 :عالم الكتاب الحــديث،
األردن2016 ،م.
)(751الخطاب الشرعي وطرقـ استثماره.146 :
)(752اإلمام الشاطبي ،الموافقات .116 :3
)(753إحكام األحكام في شرح عمدة األحكام .19 :2
)(754السياق عند األصوليين ،120 :مجلة اإلحياء المغربيّة ،العدد 2007 ،26م.
)(755النصّ القرآني ومنهج السياق.123 :
)(756نجم الدين قادر كريم ،نظرية السياق ،دراسةٌ أصولية ،78 :دار الكتب العلمية2006 ،م.
)(757اإلمام الشاطبي ،الموافقات .410 :4
)(758د .حميد الكبيسي ،الداللة وتفسير النصّ ،مجلة كلِّية الشريعة العراقية ،العدد 1986 ،23 :8م.
() السياق عند األصوليّين.54 : 759
https://forums.alkafeel.net/showthread.php?t=80081
وقال األستاذ عبد الجليل الرفاعي:
http://arabic.irib.ir/programs/item/10227
ويقول الشاعر المسيحي بولس سالمة:
http://www.alwasatnews.com/news/455651.html
)(763حمزة بن محمد العلوي (إمامي ثقة) ،عن عل ّي بن إبراهيم (إمــامي ثقــة) ،عن أبيــه (إمــامي ثقــة) ،عن محمــد بن
أبي عمير (إمامي ثقة) ،عن عتيبة بيّاع القصب (إمامي ثقة).
)(764جعفر بن محمد بن قولويه ،كامل الزيارات ،279 :تحقيــق :الشــيخ جــواد القيــومي ،مؤسّســة النشــر اإلســالمي ـ
مؤسّسة نشر الفقاهة ،ط ،1عيد الغدير 1417هـ.
)(765تفسير عل ّي بن إبــراهيمـ الق ّمي :2ـ ،259تحقيــق وتصــحيح وتعليـقـ وتقــديم :الســيد طيب الموســويـ الجزائــري،
منشورات مكتبة الهدى.1387 ،
)(766سعد بن عبد هللا (إمامي ثقة) ،عن أحمد بن محمد بن عيسى (إمامي ثقة) ،عن محمد بن سنان (إمامي ثقــة) ،عن
عل ّي بن أبي حمزة (واقفي ثقة) ،عن أبي بصير (إمامي ثقة).
)(767كامل الزيارات.134 :
)(768الشيخ الطوسي ،مصباح المتهجِّ د ،827 :مؤسّسة فقه الشيعة ،بيروت ـ لبنان ،ط1411 ،1هـ ـ 1991م.
)(769محمد بن جعفر المشهدي ،المزار ،505 :تحقيق :جواد القيّومي اإلصــفهاني ،مؤسّســة النشــر اإلســالمي ــ نشــر
القيوم ،قم ـ إيران ،ط ،1رمضان المبارك 1419هـ.
)(770ابن أبي زينب النعماني ،الغيبة ،146 :تحقيق :فارس حسّون كريم ،منشورات أنوار الهدى ،قم ،ط.1422 ،1
)(771الشيخ الكليني ،الكــافي :4ـ ،170تصــحيح وتعليــق :علي أكــبر الغفــاري ،دار الكتب اإلســالمية ،طهــران ،ط،3
1367هـ.ش.
)(772محمــد بن جريـرـ الطــبري ،تــاريخ الطــبري :4ـ ،346مراجعــة وتصــحيح وضــبط :نخبــة من العلمــاء األجالء،
مؤسّسة األعلمي للمطبوعات ،بيروت ـ لبنان.
)(773محمد بن جعفر المشهدي ،المزار.579 :
)(774كامل الزيارات.444 :
)(775المصدر السابق.158 :
)(776تفسير الق ّمي .15 :1
)(777الشيخ المفيــد ،األمــالي ،290 :تحقيــق :حســين األســتاد ولي وعلي أكــبر الغفــاري ،دار المفيــد للطباعــة والنشـرـ
والتوزيع ،بيروت ـ لبنان ،ط1414 ،2هـ ـ 1993م.،
)(778تفسير الق ّمي .447 :2
)(779قوله تعالى﴿ :يَ ْحلِفُونَ بِاهللِ َما قَالُوا َولَقَ ْد قَالُوا َكلِ َمةَ ا ْل ُك ْف ِر َو َكفَ ُروا بَ ْع َد ِإ ْ
سالَ ِم ِه ْم َو َه ُّموا بِ َما لَ ْم يَنَ66الُوا َو َم66ا نَقَ ُم66وا
ضلِ ِه فَِإنْ يَتُوبُوا يَ ُك َخ ْيراً لَ ُه ْم وَِإنْ يَت ََولَّ ْوا يُ َع ِّذ ْب ُه ُم هللاُ َع َذابا ً َألِيم6ا ً فِي الُّ 6د ْنيَا َو ِ
اآلخَ 6ر ِة سولُهُ ِمنْ فَ ْ ِإالَّ َأنْ َأ ْغنَا ُه ُم هللاُ َو َر ُ
صي ٍر﴾ (التوبة.)74 : ض ِمنْ َولِ ٍّي َوالَ نَ ِ َو َما لَ ُه ْم فِي اَأل ْر ِ
)(780عن مجاهد :كلمـة الكفـر قـال أحـدهم :لئن كـان مـا يقـول محمـد حقّـا ً لنحن شـرٌّ من الحمـير ،فقـال لـه رجـ ٌل من
حمار ،قال :فهَ َّم المنافقون بقتله ،فذلك قولــهَ ﴿ :و َه ُّموا بِ َم66ا لَ ْم يَنَ66الُوا﴾ .محمــد ٍ ق ،وألنت ش ٌّر من المؤمنين :إن ما قال لح ٌّ
بن جرير الطبري ،جامع البيان عن تأويل آي القرآن :10ـ ،236تقديم :الشيخ خليل الميس ،ضبط وتوثيـقـ وتخــريج:
صدقي جميل العطار ،دار الفكر للطباعة والنشرـ والتوزيع ،بيروت ـ لبنان1415 ،هـ ـ 1995م.،
)(781الكافي .180 :8
)(782حسن بن سليمان الحلّي ،مختصرـ بصائر الدرجات ،49 :منشورات المطبعة الحيدريــة ،النجــف األشــرف ،ط،1
1370هـ ـ 1950م.
)(783الشيخ المفيد ،األمالي.290 :
ي× ،قم المق ّدســة ،ط،1 )(784علي ابن بابويــه الق ّمي ،اإلمامــة والتبصــرة ،21 :تحقيــق ونشــر :مدرســة اإلمــام المهــد ّ
1404هـ ـ 1363هـ.ش.
)(785تفسير الق ّمي .366 :2
)(786كامل الزيارات.158 :
)(787الشيخ الجواهري ،جواهر الكالم :29ـ 5؛ السيد محســن الحكيم ،مستمســك العــروة ،ج14؛ محمــد تقي الخــوئي،
شرح العــروة الــوثقى (النكــاح) ــ تقريــر بحث السـيد الخــوئي (موســوعة اإلمــام الخـوئي) ،ج 32؛ الســيد عبــد األعلى
مهذب األحكام في بيان الحالل والحرامـ 9 :24؛ السيد محمد صادق الروحاني ،العروة الوثقى .456 :2 السبزواري،ـ ّ
)(788اليزدي ،العروة الوثقى ،750 :2دار األعلمي؛ ،670 :2الدار اإلسالمية.
)(789توضيح مكتب حفظ ونشرـ آثار اإلمام الخامنئيـ بشأن قضيّة تع ُّدد الزوجات ،بتــاريخ 13ـ 3ـ ،2020في موقــع
االجتهاد:
http://ijtihadnet.net/
)(790الشيخ الجواهري وغيره.
)(791الشيخ الطوسي ،المبسوطـ .4 :6
)(792الشيخ علي پناه اإلشتهاردي ،مدارك العروة .19 :29
)(793مختصــر المــزني230 :؛ والمجمــوعـ :16ـ 137؛ والجــامع ألحكــام القــرآن :5ـ ،20نقالً عن الشــيخ الطوســي،
الخالف .111 :5
)(794الشيخ الطوسي ،المبسوطـ .4 :6
َّ
المهذب .342 :2 )(795القاضي ابن البرّاج،
)(796أسئلة وردود ،شبكة رافد للتنمية الثقافية (ت َّمت مراجعته بتاريخ 13ـ 3ـ :)2020
https://research.rafed.net/
ورد سؤال للسيّد السيستاني:
ّ ً
ّج يريد الزواج م ّرة أخری بدون عل ٍة أو سب ٍ
ب؟ السؤال :هل يجوز الزواج لمتزو ٍ
وإن كان األنسب رعاية مشاعر الزوجة واألطفال. الجواب :ال مانع منهْ ،
وف َّسرـ أحد الخطباء معنى قول السيّد أنّه يقصد األنسب ترك الــزواج والتعـ ُّددـ مراعــاة للزوجــة واألوالد ،وأضــافـ في
أن السيّد يقصد عدم التع ُّدد في حال عدم الداعي إليه ،كما في الفتوى. قوله ،أمام اآلالفّ ،
ً ْ
فهل تفسير هذا الخطيب صحيحٌ؟! وإن كان صحيحا فكيف يترك مستحبٌّ ألجــل غــيرة الزوجــة؟! وهــذه الغــيرة الــتي
تمنع الزوج من التع ّدد وصفها السيّد في أحد فتاواه بأنّها ال تجوز!
السؤال :ما حكم غيرة المرأة على زوجها؟ـ وما حكم غيرة الرجل على زوجته؟
الجواب :األولى ال تجوز ،إذا كانت غيرتها في ما يح ّل له ،كزواجه بغيرهــا .والثانيــة تجــوز ،إذا كــانت في موضــعها
المشروع ،كما إذا منعها من األمورـ التي يخاف عليها من االبتالء بالحرام فيها ،أو من نظر األجانب إليها نظر شــهوة
وريبة».
َأل َأل ّ
فعل غير جائز؟! كما أنه في كثير من فتاوىـ السيّد يــذكر ا وْ لى الــترك ،وهنــا ذكــر ا وْ لى كيف يترك مستحبّ ألجل ٍ
مراعاة ،فلماذا لم يذكر اَألوْ لى الترك؟!
الجواب:
أ ّوالً :لم يثبت استحباب تع ُّدد الزواج ،بل أصل الزواج من المستحبّات األكيدة.
ثانيا ً :هناك عناوين أخرى مستحبّة قد تكون أه ّم من استحباب الزواج الثاني ـ على تقدير استحبابه ـــ ،وهــو المعاشــرة
وإن كــان يكــره أو يحــرم على الزوجــة فإن هــذا العنــوان مســتحبٌّ من قِبَــل الــزوجْ ، بالمعروفـ مع الزوجة واألوالد؛ ّ
الغيرة ،وإظهارها.ـ
وال ينبغي الخلط بين وظيفة الزوجة ووظيفة الزوج.
أن األنســب مراعــاة مشـاعر الزوجـة ،وليس معــنى ذلــك االســتحباب الشـرع ّي ،بـل هــو وثالثا ً :ذكر السيّد حفظــه هللا ّ
مستحسن أخالقا ً وعُرْ فاًـ و َع ْقالً.
ٌ
إن هــذا اللفــظ ال يعــني االســتحباب الشــرع ّي ،واألولويّــة الشــرعيّة ،بــل يــد ّل على ظهر وجه التعبير بالمناسب ،حيث ّ
ـراع مشــاعر الزوجــة األولى واألوالد. ً
ال ُحسْن العقلي أو العُرْ في .فإذا أراد أن يعيش حياة رغيدة ،ال إزعــاج فيهــا ،فليُـ ِ
ومن المعلوم أن فعل المستحبّ ليس واجبا ً وضروريّاً،ـ على تقدير استحبابه.
)(797الشيخ الطوسي ،الخالف .246 :4
)(798السيد محسن الحكيم ،مستمسكـ العروة .5 :14
)(799السيد اليزدي (مع تعليقات عدد من الفقهاء) ،العروة الوثقى .475 :5
)(800محمد تقي الخوئي ،شرح العروة الوثقى (النكاح) ـ تقرير بحث السيد الخوئي (موسوعة اإلمام الخوئي) ،ج.32
)(801الشيخ الجواهري ،جواهر الكالم .10 :29
)(802المصدر السابق .7 :30
)(803ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة (طبعة آل البيت) ،ج ،20كتاب النكاح ،باب 3من أبواب مق ّدمات النكاح ،ح.2
)(804المصدر نفسه ،ح.1
)(805المصدر نفسه ،باب 1من أبواب مق ّدمات النكاح ،ح.8
)(806المصدر السابق ،كتاب النكاح ،باب 3من أبواب مق ّدمات النكاح ،ح.4
)(807المصدر نفسه ،ح.5
)(808المصدر نفسه ،ح.6
)(809المصدر نفسه ،ح.7
)(810المصدر نفسه ،ح.8
)(811الشيخ علي پناه اإلشتهاردي،ـ مدارك العروة .17 :29
)(812الح ّر العاملي ،وسائل الشيعة .103 :2
)(813المصدر السابق .15 :20
)(814المصدر السابق .110 :4
)(815المصدر السابق .524 :11
)(816المصدر السابق .15 :20
)(817المصدر السابق .246 :20
)(818الشيخ ياسين عيسى العاملي ،االصطالحاتـ الفقية في الرسائل العملية.130 :
)(819محمد تقي المجلسـي ،روضــة المتقين في شــرح َم ْن ال يحضــره الفقيـه :1ـ 337؛ الســيد أحمـد بن زين العابـدين
العلوي العاملي ،مناهج األخيار في شرح االستبصارـ 37 :2؛ الشيخ علي پناه اإلشتهاردي ،مدارك العروة .57 :29
)( 820الشهيد الثاني ،حاشية المختصر النافع.711 :
)(821الفيض الكاشاني ،الوافيـ .871 :22
المهذب البارع 147 :3؛ الشيخ الجواهري ،جواهر الكالم .123 :15 َّ )(822ابن فهد الحلّي
)(823العالّمة المجلسي ،بحار األنوارـ .23 :80
)(824الشيخ فاضل اللنكـراني ،تفصــيل الشــريعة في شــرح تحريــر الوســيلة (كتـاب الـديات)27 :؛ الســيد عبــد األعلى
السبزواري،ـ مه َّذب األحكام في بيان الحالل والحرامـ .83 :29
)(825السيد الخميني ،تحريرـ الوسيلة .557 :2
)(826الراغب األصفهاني ،المفردات في غريب القرآن.518 :
)(827الجوهري ،الصحاح.4 :
)(828الخليل الفراهيدي ،العين .98 :5
)(829الفيروزآبادي،ـ القاموس المحيط .757 :3
)(830أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ،معجم مقاييس اللغة .451 :٣
)(831الكافي .567 :5
)(832بحار األنوار :103ـ 306؛ وسائل الشيعة :21ـ 15ح ،26400مســتدرك الوســائلـ :14ـ ،452نقالً عن رســالة
المتعة للمفيد.
ِّ
)(833وقد قيل :إن النكاح المحكوم عليه باالستحباب هو العقد المحلل للوطء؛ ألن لفظ النكاح حقيقة فيه.
ـير من النصــوص بــالوجوه المشــتركة قلتُ :قد يحتمل قويّا ً كون المراد منه ما يتناوله والتسرّي؛ لوقوعـ التعليــل في كثـ ٍ
بينــه وبين الــتزويج ،كحصــول النســل ،وتكثــير األ ّمــة ،وإبقــاء النــوع ،والخالص من الوحــدة ،وطلب الــرزق والولــد
الصالح ،فيكون األمر بالتزويجـ في اآليات واألخبار لكونه أحد الفر َديْن اللــذين يتــأتّى بهمــا االســتحباب ،ال ألنــه مــرا ٌد
ومطلوبٌ بخصوصه .ويؤيِّده خبر عبد هللا بن المغيرة ،عن أبي الحسن׫ :إنه جاء رج ٌل إلى أبي عبد هللا× ،فقال :هـل
ت لي زوجــة ،ث ّم قــال :الركعتــان وليسـ ْ
َ ت ليلةًلك من زوج ٍة؟ فقال :ال ،فقال :إنّي ما أحبّ أن لي الدنيا وما فيها وأني بِ ُّ
ُعلت فـداك ،فأنـا ليس يصلِّيهما رج ٌل متز ِّو ٌج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره ،فقـال محمـد بن عبيـد :ج ُ
ب» .وهللا العالم.
لي أهلٌ ،فقال :أليس لك جواري ،أو قال :أ ّمهات أوالد؟ قال :نعم ،قال :فأنت لست بعز ٍ
ت ع ّدة.إالّ أن هذا الكالم ال يفيد في المقام؛ باعتبارا ٍ
)(834الح ّر العاملي ،وسائل الشيعة (طبعة الدار اإلسالمية) ،179 :14باب .140
)(835قال الكليني« :وعن ع ّد ٍة من أصحابنا ،عن سهل بن زياد ،عن محمد بن عيسى ،عن زكريا المؤمن ،رفعه ،قال:
بسرف» .الكافي ،٥١٢ :٦ح.16 ٍ ما أنفقت في الطِّيب فليس
)(836الشيخ علي پناه اإلشتهاردي ،مدارك العروة .21 :29
)(837قال الكليني« :وعن ع ّد ٍة من أصحابنا ،عن سهل بن زياد ،عن محمد بن عيسى ،عن زكريا المؤمن ،رفعه ،قال:
بسرف» .الكافي ،٥١٢ :٦ح.16 ٍ ما أنفقت في الطِّيب فليس
)(838أحمد بن محمد مهدي النراقي ،عوائد األيام ٦٣٦ :ـ .٦٣٧
)(839الكليني ،الكافي .330 :5
)(840السيد المرتضى ،الذخيرة.364 :
)(841السيوطي ،اإلتقان في علوم القرآن ،214 :1دار الكتب العربي ،بيروت1421 ،هـ.
)(842الطباطبائي ،الميزان في تفسير القرآن ،125 :12مؤسّسة النشر اإلسالمي ،قم1417 ،هـ.
)(843في الجزء 12من الميزان.
)(844تاريخ اليعقوبي ،135 :2 ،المكتبة الحيدرية ،قم1425 ،هـ؛ الميزان في تفسير القرآن .118 :12
)(845تاريخ أبي الفداء 157 :1؛ الميزان في تفسير القرآن .118 :12
)(846الميزان في تفسير القرآن .119 :12
)(847المصدر نفسه.
)(848اإلتقان في علوم القرآن 210 :1؛ الميزان في تفسير القرآن .119 :12
)(849المسند 240 :3؛ الميزان في تفسير القرآن .120 :12
)(850الميزان في تفسير القرآن .118 :12
)(851الخوئي ،البيان في تفسير القرآن ،245 :مؤسّسة إحياء آثار اإلمام الخوئي ،بيروت1422 ،هـ.
)(852النووي ،فتح الباري في شرح صحيح البخاريـ :8ـ .226فتح الباري في شرح صــحيح البخــاري ،دار الريــان،
بيروت1407 ،هـ.
)(853المتقي الهندي ،كنـز العمال ،364 :2مؤسّسة الرسالة ،بيروت1401 ،هـ.
)(854البيان في تفسير القرآن.245 :
)(855تفسير عل ّي بن إبراهيمـ الق ّمي ،451 :2دار الكتاب ،قم1404 ،هـ.
)(856مناقب آل أبي طالب .41 :2
)(857سنن الترمذي 735 :5؛ المسند .144 :8
)(858أديب العالّف ،البرهان في علوم القرآن ،119 :1مكتبة الفارابي ،دمشق1422 ،هـ.
)(859علي الكوراني ،تدوين القرآن ،238 :دار القرآن ،قم1418 ،هـ.
)(860المعجم الكبير .142 :5
)(861علوم القرآن.175 :
)(862اإلتقان في علوم القرآن .210 :1
)(863البيان في تفسير القرآن.254 :
)(864اإلتقان في علوم القرآن .72 :1
)(865النسائي ،السنن الكبرى .214 :4
)(866كنـز العمال .364 :2
)(867اإلتقان في علوم القرآن .122 :2
)(868محاضرات األدباء .438 :4
)(869جعفر مرتضى العاملي ،حقائق ها ّمة حول القرآن الكريم ، 42 :مؤسّسة النشر اإلسالمي ،قم1407 ،هـ.
)(870الواحدي ،أسباب نزول القـرآن ،17 :دار الكتب العلميـة ،بـيروت1411 ،هــ؛ الحـاكم النيسـابوري ،المسـتدرك
على الصحيحين 231 :1؛ الميزان في تفسير القرآن .127 :12
)(871المستدرك على الصحيحين :1ـ 231؛ النسائي ،السنن الكــبرى :2ـ ،42مؤسّســة الرســالة ،بــيروت1421 ،هـــ؛
الميزان في تفسير القرآن .127 :12
)(872تفسير القــرآن العظيم :1ـ 16؛ أســباب نــزول القــرآن17 :؛ المســتدركـ على الصــحيحين :1ـ 231؛ المــيزان في
تفسير القرآن .128 :12
)(873مرتضىـ العسكري ،القرآن وروايات المدرستين ،211 :1المجمع العلمي اإلسالمي ،طهران1416 ،هـ.
)(874سنن أبي داوود 354 :1؛ المستدرك على الصحيحين .221 :2
)(875الميزان في تفسير القرآن .127 :12
)(876القرطبي ،الجامع ألحكام القرآن ،60 :1انتشارات ناصر خسرو ،طهران1364 ،هـ.
)(877تاريخ اليعقوبي .34 :2
)(878كتاب ُسلَيْم بن قيس الهاللي ،72 :منشورات الهادي ،قم1405 ،هـ.
)(879ابن شهرآشوب ،مناقب آل أبي طالب ،50 :2انتشارات ذوي القربى ،قم 1427 ،هـ.
)(880ابن النديم ،الفهرست.48 :
)(881المجلسي ،بحار األنوار ،88 :92مؤسّسة الوفاء ،بيروت1404 ،هـ.
)(882الكليني ،الكافيـ ،64 :1دار الكتب العلمية ،طهران1407 ،هـ.
)(883الميزان في تفسير القرآن .128 :12
)(884مناقب آل أبي طالب .51 :2
)(885الفهرست 47 :ـ .48
)(886الكافي .64 :1
)(887هاشم البحراني ،البرهان في تفسير القرآن :1ـ ،38مؤسّسة البعثة ،طهران1416 ،هـ؛ الطبرسي ،االحتجاج :1
،153نشر المرتضى،ـ مشهد1403 ،هـ.
)(888محمد علي مهدويـ راد ،آفاق تفسير ،102 :هستي نما ،طهران1382 ،هـ.ش.
)(889الكافي .228 :1
)(890الصفّار ،مختصرـ بصائر الدرجات ،143 :1مكتبة المرعشي النجفي ،قم1404 ،هـ.
)(891المفيد،المسائل السروية ، 79 :7المؤتمرـ العالمي أللفيّة الشيخ المفيد ،قم1413 ،هـ.
)(892تفسير العيّاشي ،24 :1المطبعة العلمية ،طهران1380 ،هـ.ش.
)(893حســن المصــطفوي ،التحقيــق في كلمــات القــرآن الكــريم :4ـ 46وزارة الثقافــة واإلرشــادـ اإلســالمي ،تهــران،
1368هـ.ش.
ّ
)(894الزمخشري ،الكشاف ، 220 :دار صادر ،بيروت1979 ،م.
)(895الفيومي ،المصباح المنير ،295 :2مؤسّسة دار الهجرة ،قم1414 ،هـ؛ المصطفوي ،التحقيق في كلمات القرآن
الكريم .358 :5
)(896ما نقصده من التراث التاريخيـ لأل ّمة هنا هو ك ّل الرأسمال الرمزيـ لها ،ك ّل ما أنتجته من ثقافة عا ّمــة في الــدين
والفن ،...إلخ .هــذا هــو الــتراث بكـ ّل مــا فيــه من قصـ ٍ
ـور ّ والفكر والفلسفة والفقــه والتفســير والتأويــل واألدب والشــعرـ
الغث والسمين ،وفيه السيّئ والجيّد؛ حيث إن الشروحات ّ ولكن في ما يخص التراث الديني بالذات نجد أن فيه ْ وإبداع.
ً ْ
ض َّخمت هذا التراث ،وباتَت أكبر من نصوصه األولى ،بل جعلت الشرح متنا ،لألسف.
)(897راجع :الشيخ باقر القرشي ،حياة اإلمام الرضا× .181 :2عصر المأمون 330 :1وما بعدها.
)(898أنشئت في بغداد وحدها حوالي ثالثين مدرسة ،كان من أكثرها شــهرة المدرســة النظاميــة ،الــتي ذاع صــيتها في
اآلفاق.
(راجـ عْ:
ِ ّ
الخاصـة إليهــا. )(899كان من أبرزها مكتبة بيت الحكمــة ،الــتي قيــل بــأن هــارون الرشــيدـ أمــر بنقــل مكتبتــه
القرشي ،حياة اإلمام الرضا× 182 :2؛ رحلة ابن جبير208 :؛ القرشي ،حياة اإلمام الجواد×.)197 :
)(900انظر كتاب الفهرست ،البن النديم ،الذي يــذكر فيــه أســماء كثــيرة من الكتب والمصـنَّفات المترجمــة عن اللغــات
المختلفة.
)(901تاريخ الفلسفة في اإلسالم.329 :
)(902لقد كان لهذه العلوم مراكز أساسية لالنطالقـ واالنتشار ،نذكر منها :بغداد والكوفة والبصرة ،التي كانت مدرسـةً
ها ّمةً في علم النحو ،الذي أنشأه أبو األسودـ الدؤلي (تلميذ أمير المؤمنين اإلمام عل ّي).
)(903را ِجعْ :عصر المأمون .375 :1
(راجـ عْ :القرشــي،
ِ )(904قُدِّرت واردات الدولة في عهد اإلمام الرضا× من الخراج وحده بحوالي 400مليــون درهم.
حياة اإلمام الرضا× 179 :2ـ .)180والرقمـ 400مليون درهم ذكره ابن خلدون في مق ّدمته.180 :
)(905القرشي ،حياة اإلمام الرضا× .190 :2
)(906يذكر ابن األثير في تاريخه :6ـ ،434أن المأمون كان في دمشق ،فأصابته ضائقة مادية اقتصــادية فحملت إليــه
كمية من الماء قدرت بحوالي ثالثين مليون درهم من مال الخراج ،فأمرـ المــأمون بإنفــاق 24مليــون درهم منهــا على
أصحابه ،والباقيـ أنفقه على جنده.
)(907كان اإلسراف والتبذيرـ ظاهرة طبيعية سائدة عند ملــوك بـني العبّـاس .فقـد بـنى المهــدي منتزهـا ً أنفـق عليــه 50
مليون درهم ،وصرفـ المتو ِّكل على قصره المعروف بالماحوزة 50مليون درهم ،وعلى قصره المعروف بالعروس
30مليون ،وعلى البَهْو 25مليون درهم .ومن األلوان واألشكال األخرى للبذخ واإلسراف الكبير الذي تفنَّن فيه حكام
الدولة العباسية ،والمذكور في بطون الكتب التاريخية ،قصة زواج المأمون ببوران ،حيث بلغت تكــاليف ونفقــات هــذا
العرس أكثر من 48مليون درهم .وقد قيل في ذلك الشــيء الكثــير (راجــع :تــاريخ ابن األثــير :6ـ 364؛ ابن الســاعي
البغدادي ،نساء الخلفاء68 :؛ حميد بن احمــد المحلي ،الحــدائق الورديــة :2ـ 220؛ داوودـ بن عمــر األنطــاكي ،تــزيين
األسواق 3 :ـ .)17ويبدو أن هذا اإلسرافـ والهدر الكبير الذي جرى في ثروات األمة ومقـدراتهاـ ومواردهـاـ الجبـارة
والهائلة من قِبَل فئ ٍة مفسدة وظالم ٍة من الحكام والفراعنة والحواشيـ والتابعين لهم ما زال يجري ،ويفعـل فعلـه تمزيقـا ً
وتفتيتا ً في طاقات أ ّمتنا العربية اإلسالمية حتّى يومنا هذا؛ إذ ال يكاد يمـ ّر يــوم إالّ ونســمع فيــه ــ في إعالمنــا المقــروء
والمسموعـ واإللكتروني ـ عن قضاياـ وفضــائح الفســاد واالختالس والنهب والســرقة ،وبأرقــامـ تصــل إلى حـ ّد الخيــال،
يقوم بها مسؤولو هذه الدولة العربية أو تلك ،حتّى وصلت المسألة إلى مرحلـ ٍة أصــبحت فيهــا أخبــار الفســاد واإلفســاد
التزوير والبذخ واإلسراف الموثقة ج ّداً أموراً طبيعيّة للغاية .وك ّل ذلك يجري لألسف على مرأى ومسمع الشعب كلّه،
ومرأى ومسمع وزاراتـ العدل والداخلية والشرطة وهيئات الرقابة والتفتيش العربية وغيرهــا .وإذا كــان المــأمون قــد
ـف لفَّهم) من صرف على نفسه ك ّل هذا المبلغ الضخم من المال فــإن الكثــير من ح ّكامنــا ورؤســائناـ وحواشـيهم (و َم ْن لـ ّ
أصحاب الجاللة والفخامة والسيادة فاقوا وب ّزواـ المأمون ب ّزاً في هــذه المســألة اإلفســادية .وإذا كــانت أرقــامـ المــأمون ـ
وغيره من ح ّكام البيت العباسي ـ قد وصل إلى الح ّد المليونيـ فقط فإن أرقام هؤالء قد تجاوزت المئــات من المليــارات
بكثير ،ب َّددوها وأنفقوهــا على شــراء الضــمائر والـ ِّذ َمم ومواقـعـ النفــوذ والتــأثير ،أو وهبوهــا للمطــربين والمغنِّين على
ٍ
طريق األهواء والشهوات والعبث بمقدرات البالد والعباد ،أو سلَّموها إلى المســتعمرين ال ُجـ دُد؛ حفاظـا ً على كراســيهم
وعروشهمـ ونهبهم لبلدانهم.
َت فيها )(908تض ّخمت الثروات الهائلة عند بعض الناس ،خصوصا ً في بغداد عاصمة العالم اإلسالمي آنذاك ،فقد وجد ْ
طبقة غنية ومترفة في غناها كانت تملك الماليين .وكذلك البصرة؛ فقد ض َّمت طبقــة كبــيرة من أهــل الــثراء العــريض
والفاحش ،وكانت البصرة ثَ ْغ َر العراق ،والمركزـ التجاري الخطير الذي يصل بين الشرق والغــرب ،وتســتقبل متــاجر
الهند ،وجزرـ البحار الشرقية ،ومن أجل ذلك ُس ِّميت البصرة أرض الهند وأ ّم العراق.
)(909وثَّق المؤ ِّرخون وقائعـ وحوادث كثيرة من هذه المظالم ،نذكر منها :ما فرضه هؤالء الحكام من ضرائب باهظــة
حتّى على تركة األموات .وقيل في ذلك شعرٌ ،البن المعت ّز ،يصور فيه معانــاة النــاس من جـرّاء ذلـك( .راجـع كتــاب:
الحضارة اإلسالمية :1ـ .)199أما بالنسبة للقســوة في أخــذ الخــراج ــ ومــا تركــه ملــوك العباســيين من أمــوال طائلــة
ِّث عنه وال َح َرج( .راجع :الخراج 116 :ـ 118؛ اختلسوها من الشعوب (المسلمة) ،وأخذوها بقوة الحديد والنار ـ فحد ْ
المسعودي ،مروج الذهب 318 :3؛ البدء والتاريخ 92 :6؛ وغيرها).
)(910أرَّخ كثير من شعراء العصر العباسي لهذه المرحلة التاريخية .فها هو أبو العتاهية يحـدِّثنا ــ شــاكيا ً باكيـا ً ــ ع ّمــا
كانت عليه العا ّمة من البؤس والشقاء ،يقول:
)(911يح ّدثنا الدكتورـ أحمد صبحي ،في كتابه نظرية اإلمامة ،عن هذا األمر قــائالً« :ولكن ذلــك المثــل األعلى للعدالــة
والمساواة ،الذي انتظره الناس من العبّاسيين ،قــد أصــبح َو ْهمـا ً من األوهــام ،فشراســة المنصــورـ والرشــيد وجشــعهم،ـ
و َجوْ ر أوالد عل ّي بن عيسى و َعيْثهم بأموال المســلمين ،يــذ ِّكرناـ بالحجــاج وهشــامـ ويوسـفـ بن عمــرو الثقفي ،...إلخ».
(را ِجعْ :نظرية اإلمامة.)38 :
)(912انفجرت خالل هذه المرحلة ثورات وانتفاضاتـ شعبية مسلَّحة كثيرة ،كان من أبرزها ـ في عهــد اإلمــام الرضا×
(راجـ عْ :مقاتــل
ِ ـ :ثورة ابن طباطباـ في عام 199هــ .وقدـ س ّمى البعض هذه الثورة باسم قائدها العسكري أبي السـرايا.ـ
الطالبيين.)540 :
ي شــرعية، )(913نحن نعتقد أن الحكم الذي يقيم بنيانه النفسي والسلوكي والثقافيـ على قاعدة الحديد والنار ليســت لــه أ ّ
ألن صــفة الشــرعيّة ال تكــون صــلبة (في هــذا المجــال) ،إالّ عنــدما بالمعنى الــديني واألخالقي والوجــوديـ اإلنســاني؛ ّ
نظام ـ على شرعيّة الناس ،أي على القوّة الجماهيرية والشعبية في الجانب العمل ّي ،وعلى عناصــر ٍ ي يرتكز النظام ـ أ ّ
ي.ـ وأمــا على مســتوى النظريــة اإلســالمية في الحكم والممارســة فإننــا نعتقــد أن التكــوين الثقــافي في الجــانب النظــر ّ
الشرعية تقوم على قاعدة الفكر اإلسالمي األصيل (نظريّاً) ،والقوّة الشــعبية عمليّـاً ،أي الحكومــة اإلســالمية المنتَخَبــة
بطريق ٍة شعبيّة ُحرَّة.
)(914الدينوري ،اإلمامة والسياسة .145 :2
)(915تاريخ الطبريـ .331 :6
)(916ابن األثير ،الكامل في التاريخ .173 :6
التلون والمجاملة .جاء في كتاب العقد الفريد البن عبد )(917عرف عن المأمون دهاؤه وحنكته السياسية ،وقدرته على ُّ
ربّه « :123 :1بيَّن المأمون للفضل بن سهل أن أخاه األمين كان يستطيع أن ينتصرـ عليه لو أنه أرسل إلى أهل البالد
وإن قبــل لم إن لم يقبل المأمون قامت الدنيا ض ّدهْ ، التي يحكمها يخبرهمـ أنه قد رفع عنهم الخراج إلى سن ٍة(…) فحينئ ٍذ ْ
ت بينهم الحــرب .فحمــد الفضــل ي ِج ْد ما يعطي الجند ،فيقومون ض ّده ،وفي كلتا الحالتين يكون النصــر لألمين ،لــو وق َع ْ
ربَّه على أنه لم ي ْهتَ ِد األمين وأتباعه إلى هذا الرأي».
ومنظار واحد ،بل من زوايا ومعــايير متع ـ ّددة؛ ٍ معيار
ٍ )(918نحن ال نريد أن ننظر إلى األمور من زاوي ٍة خاصة أو من
فالمأمون كانت لديه (إلى جانب امتالكه لتلك الصــفات الســلبية) مواصــفات إيجابيّــة ،منهــا :العــزم ،والعلم ،والحنكــة،
وحسن التدبير ،وظَّفها كلّها ـ لألسف ـ في اتجاه تكريس زعامته وسلطته الدنيوية.
ً ً
)(919أوك َل المأمون أمر تنفيذ هذه المه ّمة إلى جالوزته وجالّديه ،الذين أمعنوا قتال وتشريدا وتنكيال بالسادة العلــويّين.
ً
(را ِجـ ْع بهــذا الخصــوص :الرســالة الــتي بعثهــا الخــوارزمي إلى أهــالي نيشــابور،ـ والــتي تحـ َّدث فيهــا باستفاضــة عن
ضروب ال ِم َحن والباليا والشرور التي ألحقَ ْتها اإلدارة العبّاسية بالعلويين .ويمكن متابعــة نصّ هــذه الرســالة في الكتب
التاليــة :القرشــي ،حيــاة اإلمــام الرضا× :2ـ 209؛ البدايــة والنهايــة :10ـ 244؛ تــاريخ اليعقــوبي :3ـ 173ـ 174؛
المسعودي ،مروج الذهب 432 :3ـ .440
ُ )(920ربَما يستغرب الكثيرون هذا الحديث السلب ّي (عن المأمون) الذي يأتي هنا ،بعد أن تح َّدثنا في مواضع ســابقة عن
وتوسـعـ حركــة الترجمــة ُّ وتطورـ النشــاط الثقــافي واالنفتــاح الفكــري والحضــاري في عهــده، ُّ ازدهار الحركة العلمية،
والتعريب والنقل عن باقي األمم والحضارات .وإليضاح ذلك يمكننا أن نقول :إن أحد أسباب هذا االستغراب يمكن أن
يعود إلى طبيعة التأثيرات السلبية لألجــواء النفســية والطبــائع الفكريــة والتاريخيــة الضــاغطة ،الــتي قــد تجبرنـاـ ــ في
أحايين كثيرة ـ على أن نف ِّكر بالطريقة الح ّدية التقليدية ،التي تجعلنا نقيِّم األحداث واألفكارـ والقِيَم واألشخاص والتاريخ
من خالل اللونين األبيض واألسود فقط (إما نعم بالمطلق؛ أو ال بالمطلق) .فالمأمون كان حاكما ً مفروضـاًـ على صــدرـ
األمة اإلسالمية بق ّوة الغلبة وسيف القهر والغصب التــاريخي الالشــرعي .وقــد انطلــق إلى الواقــع اإلســالمي ،وحـرّك
الكثير من مفاصله السياسية والعلمية والفكرية ضمن الخطوطـ والتوجُّ هات التي رسمها لنفسه (أو رسمت لــه) في هــذا
الجانب أو ذاك .لذلك كان من الطبيعي ج ّداً أن تكــون لحركتــه تلــك ثمــار عمليــة ونتــائج ميدانيــة كثــيرة وواســعة على
النحويْن :اإليجابي؛ والسلبي .من هنا أرى ضرورة أن نتعامل مع تاريخنــا ــ كمـا ذكَرْ نا ـ بشـي ٍء من العقليـة المتـدبِّرة َ
الواعية ،التي تف ِّكر بطريقة الـدوائر الفعليــة المنتجـة ،وأن ال نختنــق في الـدهاليز الضـيِّقة ،من خالل تفكيرنـاـ بطريقـة
ق ومسؤوليّة ـ ـ التخلُّص من الزوايا الحا ّدة ،أو الخطوطـ المنحنية والمنكسرة .أي يجب علينا أن نحاول دائما ً ـ بك ّل صد ٍـ
أساليب التفكير القديمة ،التي تعتبر أن التاريخ مق َّدسٌ وإيجاب ٌّي بالمطلق. 921
باستمرار.ـ وكانت ٍ ً ّ
() لقد كانت عالقة اإلمام الرضا× بالمأمون ـ قبل وأثناء والية العهد ،وحّتى استشهاده ـ متوترة
وسـعْيه باتجــاه عقــد مجلس النظــر تتقلَّب ما بين م ٍّد و َج ْز ٍر،ـ بالرغم من محاوالت المأمون إظهار محبّته لــه ولألئ ّمة^َ ،
ً
والحوار التي كـان يجمــع فيهــا (المــأمون) المخــالفين ألهـل الــبيت^؛ ليكلِّمهم عن فضـائل اإلمــام عل ّي× ،مســتدال على
ّ
أحقِّيته بالخالفة ،وأفضليّته بالحكم والقيادة.
)(922را ِجعْ :جرجي زيدان ،تاريخ التم ُّدن اإلسالمي .261 :4
)(923نقلت خالل هذه الفترة ـ والفترة التي سبقتها ـ كتب الفلسفة والمنطق وأصــول التفكــير والمعتقــدات المختلفــة عن
ت مــع الحضارتين اليونانية والفارسية إلى اللغة العربية .ونشأت إثر ذلك حركةٌ علمية وفكرية دؤوبة ونشيطة ،تــرافقَ ْ
ظهور اندفاعات عقائدية قشرية ،حاولت التستُّر بالمنطق والفلسفة؛ تو ِّخيا ً لتحقيق مصالحها في تعميــق روح التشــكيك
واإللحاد في المجتمع اإلسالمي.
ْ
ت األقوال واألفكار التي دعَت إليها ومارستهاـ تلك المذاهب والفِ َرقـ المنحرفة في حركة الواقع من خالل )(924تمظهَ َر ْ
األمور التالية:
1ـ انتشار الزندقة والتشكيك في العقائد اإلسالمية.
2ـ الدعوة إلى تبني عقائد الجبر والتفويض ،وفكرة التشبيه والتجسيم والغل ّو (وتأليه أئ ّمة أهل البيت).
3ـ اتّساع نطاق ظاهرة التحلُّل من الواجبات الشرعية.
4ـ توظيف النصوص المق َّدسة لخدمة غايات سياسية ،ومصالح وأجندات مرحليّة ضيّقة خاصّة.
5ـ اتّساع ظاهرة الوضع والدسّ في التاريخ اإلسالمي ،ومنها :ظاهرة اختالق أحاديث ،وشخصــيات ،وروايــاتـ غــير
راج ْع الكتب التالية :األميني ،الغدير 290 :5؛ مؤتمرـ اإلمام الصادق×282 :؛ اإلمام موسىـ الكاظم×، موجودة أصالًِ .
ألق الفكر وأصالة االنتماء 40 :ـ .42
َت في عصر اإلمام الرضا× أجواء الحوار المعرفي،ـ والســجال الفكــري والمحاججــات الثقافيــة بين مختلــف )(925شاع ْ
التيارات الفكرية والفلسفية ،وذلك في كثــير من المواضــيع العقائديــة والبحــوث الكالميــة والفلســفية .ويمكن ل َم ْن يريــد
التنوع والحوارـ الــتي متابعة هذا الموضوع الرجوع إلى العديد من الكتب الخاصّة بذلك العصر؛ للوقوف أمام مظاهر ُّ
اتّسم بها ذلك العصر.
)(926يروي المؤرِّ خون والرواة أن اإلمام الرضا× كان يكثر ليالً من تالوة القرآن ،حتّى وهو في فراشه ،فإذا م ّر بآي ـ ٍة
فيها ذكر الجنة أو النار بكى ،وسأل هللا الجنّة ،وتع َّوذ به من النار .را ِجعْ :عيون أخبار الرضاـ× .180 :2
)(927مسند اإلمام الرضا× 309 :1؛ عيون أخبار الرضا× .130 :2
ت إســالمية ي شخصـيّا ٍ ي خصوصــي ٍة يمكن أن تظهــر في أ ّ )(928امتلك أهل الــبيت^ خصوصـيّة ممــيزة ،تختلــف عن أ ّ
أخرى ،وهي خصوصيّة هذا االرتباط العضويـ المعنوي والمفــاهيمي المتجـدِّد بين القــرآن الكــريم وبينهمـ^ .وفي ذلــك
تمسـكتم بــه لن تضــلوا :كتــاب هللا؛ وعــترتي أهــل بيــتي » .بحــار يقول الرسول|« :أيّها النــاس ،إني تــركتم فيكم مــا إن ّ
األنوار 118 :23؛ كنـز الع ّمال في سنن األقوال واألفعالـ (قسم األقوال).106 :
)(929السيد محمد حسين فضل هللا ،في رحاب أهل البيت^.63 :
)(930عيون أخبار الرضا× .130 :2
بزمن مح َّدد فهذا ال يعني أن الواقعة ذاتهــا تمثِّل معــنى ٍ )(931من خالل أنه إذا نزل القرآنُ في واقع ٍة معيَّنة ومحصورة
اآلية ،بل تكون هذه (اآلية) النموذج الذي يشير إلى ك ّل النماذج المماثلة والمشابهة عبر كـ ّل التــاريخ .وكــذلك إذا نـزل
رمز معين فإن الشخص ال يمثِّل داللةً موضوعية لآلية فقط ،ولكنّه يمثِّل العنوان واإلطــار العــا ّم ٍ شخص أوٍ القرآن في
الذي يمكن أن ينفتح على ك ّل العناوين في حركة الحيــاة؛ ألن القــرآن كمــا قــال اإلمــام الرضا׫ :لم ينـــزله هللا لزمــا ٍن
اس ،﴾...وخــاطبـ المؤمــنين في كـ ّل س دون ناس» .وقدـ خاطب القرآن النــاس جميعـاً﴿ :يَ66ا َأيُّ َه66ا النَّ ُ دون زمان ،وال لنا ٍ
ومكان﴿ :يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا.﴾...
ٍ زما ٍن
)(932مسند اإلمام الرضا× .309 :1
)(933السيد محمد حسين فضل هللا ،كتاب الندوة .198 :4
)(934الشيخ الصدوق ،عيون أخبار الرضا× .121 :2
)(935المصدر السابق .123 :1
)(936المصدر السابق .114 :1
)(937الصدوق ،عيون أخبار الرضا× .144 :1
ت في الحديث عن أجوبة اإلمــام الرضا× ومناظراتــه، ض ْ
)(938يمكن مراجعة الكثير من المصادرـ التاريخية التي استفا َ
راجعْ :القرشي ،حيــاة في مجاالت المعرفة اإلنسانية المختلفة (القرآن ،التاريخ ،الفلسفة ،المنطق ،علم الكالم ،...إلخ)ِ .
اإلمام الرضا× 102 :1؛ عيون أخبار الرضا× 100 :2؛ وغيرها. 939
() وال يخفى على أحد أنه كانت للمــأمون ــ من وراء عقــد تلــك النــدوات والمنــاظراتـ الفكريــة بين كبــار العلمــاء
ـداف سياســية مبيَّتــة؛ فقــد أراد أن يظه ـرـ حبَّه للعلم والعلمــاء؛ ليميِّز نفســه عن ســائر خلفــاء والفقهــاء والمثقفين ـ ـ أهـ ٌ
ت؛ من أجــل أن ً
العباسيين؛ وفيـ الوقت نفسه كان يعمل دائما على اإليقاع باإلمام الرضا× ،وحشــره في هكــذا منــاظرا ٍ
يزيل تلك المنـزلة الرفيعة ،والنظرة العالية التي كان الناس ينظرون بها ألهل البيت^ ،بشأن امتالكهم للعلم ،والمعرفة
المنفتحة .وفي هذا الصدد يقول الشيخ الصدوق« :كان المأمون يجمع لإلمام الرضا× أهل المقاالت ،من أهــل اإلســالم
والديانات ،من اليهودـ والنصارىـ والمجوس والصابئين؛ عسى أن يعجز عن اإلجابة عن أحد أسئلتهم ،فيحطّـ من قدره
ولكن لم يقُ ْم منهم أح ٌد إالّ وقدـ ألزمه ح ّجةً كأنّه ألقم حجراً» .را ِجـ عْ: ْ في أعينهم؛ َح َسداً منه لإلمام ومنـزلته االجتماعية.
عيون أخبار الرضا× .152 :1
ً
)(940نتمنّى من القارئ الكريم أن يعذرنا لعدم إمكانيــة ســرد بعض هــذه المنــاظرات والحــوارات القيِّمــة؛ توخيـا لعــدم
إطالة البحث ،م ّما قد يعرِّضه للخلــل المنهج ّي والفنّي .ويمكن بهــذا الشــأن مراجعــة المصــادر األساســية ال ُمشــار إليهــا
ق واسع. ت عن تلك المناظرات ،وهي كثيرةٌ ومتداولة ومعروفة على نطا ٍـ سابقاً ،التي تح َّدثَ ْ
ّ
)(941عامر الكفيشي ،منهج أهل البيت وخطتهمـ في حفظ السنة النبوية الشريفة ،مجلة المنهاج ،العدد .106 :11
)(942الطبرسي ،االحتجاج .410 :2
)(943المصدر السابق 241 :3؛ السيد محمد جواد فضل هللا ،حياة الرضا×.222 :
)(944الطبرسي ،االحتجاج.410 :
)(945يقصد اإلمام أنه لو كان األمر كما يذهب إليه الزنادقة ،من إنكار وجود هللا تعالى ،فما الذي يضــ ّر الموحِّ دين من
صالتهم وصومهم .وإذا انكشف األمــر لهم (للزنادقــة) ــ من وجــودـ الخــالق العظيم المــدبِّر لهــذه األكــوان ــ فقــد هلــك
الملحدون ،وباؤواـ بال ِخ ْزي والعذاب األليم ،وفازـ المؤمنون والمتّقون.
)(946السحماء :السوداء.
)(947القرشي ،حياة اإلمام الرضا× .125 :1
َت االنتساب أن اإلمام الرضا× واجه في حياته فِ َرقا ً كالمية وعقائدية باطلة ومزيفة كثيرة ،ا َّدع ْ )(948ال يخفى على أح ٍد ّ
إلى أهل البيت^ ،وص َّدقـ بعضٌ دعواها ،واستغ ّل الذين في قلوبهم مرض هــذه األفكــار والمفــاهيم المنحرفــة ،وراحــوا
ويشوهون وجــه وحقيقــة المنهج الــذي ســار عليـه أهــل الــبيت^ ،مـ َّدعين أن هــذه ِّ ينشرونهاـ في طول البالد وعرضها،
العقائد واألفكار هي مبادئ من أهل البيت وأتباعهمـ المخلصين .ويبدوـ أن ذلك قد انطلى على الكثــيرين من النــاس إلى
ق تاريخ هذه الفِ َرق ،وظروفـ (ودوافع) نشأتها وتكوينهــا في تاريخنــا لكن الذي يدرس ويراجعـ ب َو ْع ٍي وعم ٍ يومنا هذاّ .
ـوحـ تــا ّمين عنصــر الكــذب اإلسالمي ـ ويحلِّل تكوينها الفكري والمعرفيـ العقائدي ـــ ،يمكن أن يكتشــف بســهول ٍة ووضـ ٍ
ـخص مــدى الفــارق والنفاق والتضليل والزيفـ والبهتان في داخلها ،ويعرّي الــدوافع السياســية المخفيــة وراءهــا ،ويشـ ِّ
بينها وبين تعاليم وقِيَمـ أهل البيت^ ،ومدىـ بُعْدها عن خطِّهم ونهجهم األصيل ،الذي هو نهج اإلســالم ذاتــه ،في دعوتــه
ق والخيرـ والمحبّة والسالم االجتماعي. للح ّ
ويتّضح لنا الموقفـ الصريح والحقيقي إلمامنا الرضا× ـ كما كان موقفـ اإلمامين الكاظم والصادق’ من قبـ ُل ــ بقولـه،
سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َم66ا نَ َه66ا ُك ْم حين سئل عن التفويض والغلوّ« :إن هللا تعالى ف َّوض إلى نبيه| أمر دينه ،فقالَ ﴿ :و َما آتَا ُك ْم ال َّر ُ
ش ْ 6ي ٍء﴾ (الرعد: َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا﴾ (الحشر ،)7 :فأما الخلق والرزقـ فال» .ث ّم قال« :إن هللا ع َّز وج َّل يقول﴿ :هللاُ َخ 6ا ِ ُ ِّ َ
ل 6 كُ ق ل
شْ 66ي ٍء شَ 66ر َكاِئ ُك ْم َمنْ يَ ْف َعُ 66ل ِمنْ َذلِ ُك ْم ِمنْ َ ،)16وهــو يقــول﴿ :هللاُ الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم ثُ َّم َر َزقَ ُك ْم ثُ َّم يُ ِميتُ ُك ْم ثُ َّم يُ ْحيِي ُك ْم هَْ 66ل ِمنْ ُ
ش ِر ُكونَ ﴾ (الروم:ـ .)40والغالة كفّارٌ ،والمف ِّوضة مشركونَ .م ْن جالسهم ،أو خــالطهم ،أو آكلهم، س ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْ
ُ
ّ
أو شاربهم،ـ أو واصلهم ،أو ز َّوجهم ،أو آمنهم ،أو ائتمنهمـ على أمان ٍة ،أو صدق حديثهم ،أو أعانهم بشطر كلم ٍة ،خــرج
من والية هللا ع َّز وجلَّ ،ووالية رسول هللا| ،ووالية أهل البيت^» .را ِجعْ :عيون أخبار الرضا× 202 :1ـ .203
)(949يمكن الوقوفـ على تفاصيل دقيق ٍة ووافي ٍة عن هذه الفِرْ قة في كتاب الواقفية ،للشيخ رياض الناصــري ،طبعــة قم ـ
إيران1988 ،م.
)(950الصدوق ،عيون أخبار الرضا× 113 :1ـ .114
)(951الشيخ الطوسي ،كتاب ال َغيْبة.45 :
وراج ْع أيضاً :الخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد :7ـ ،252والذي ذكــر فيــه المؤلــف روايـةً ِ )(952المصدر السابق.45 :
مه ّمة توضِّ ح بعض الصفات النفسية والشخصية السيِّئة لهذا الرجل ،الذي عُرف بالغدر والخيانة في األموال.
)(953ذكرت الروايات أن اإلمام الكاظم× كانت تأتيه األموال من أتباعــه وأنصــاره ومحبِّيــه ،وكــان؛ بســبب المطــاردة
والمراقبة والمالحقة والتفتيش ،ي َّدخرها عند بعض أصحابه؛ لنشــر الــدعوة وإدارة شــؤون عملــه ونشــاطه اإلســالمي.
حيُ ،شـبِّه ت ،وأنـه ٌّ لكن بعضهم أراد ـ بعد استشهاده× ـ أن يحتفظ لنفسـه بهـذا المـال ،فـا ّدعى أن اإلمـام موسى× لم ي ُم ْ ّ
راجعْ :تعليقة الشيخ الصدوقـ على هذه األحداث ،وتفســيره لهــا ،في عيــون األخبــار :1 للناس موته ،وأنه هو المرشدِ .
114؛ ورجالـ الك ّشي 488 :ـ .494
ي )(954جاء في كتاب نثر الدرر أن المأمون قال للرضا× :يــا أبــا الحســن ،أخــبرني عن جـدِّك عل ّي بن أبي طــالب ،بــأ ّ
وج ٍه هو قسيمـ الجنّة والنار؟ فقال الرضا׫ :يا أمير المؤمنين ،ألم تَرْ ِو عن أبيك ،عن آبائه ،عن عبد هللا بن عبّاس أنــه
إيمان ،وبغضه كفـ ٌر» ،قــال :بلى ،قــال الرضا׫ :بــذلك كــان قســيمـ الجنّــة ٌ علي
ٍّ سمعت رسول هللا| يقول« :حبُّ ُ قال« :
راجـ عْ :هاشــم معــروفـ والنار» ،قال له المأمون :ال أبقاني هللا بعدك يا أبا الحسن ،أشــهد أنــك وارث علم رســول هللا|ِ .
الحسني ،سيرة األئ ّمة االثني عشر .402 :2
)(955نحن ال نقصد من خالل استخدامنا هنا لكلمة «الشخص ّي» أن اإلمام الرضا× كان يهــدف من وراء عملــه العلم ّي
ولكن نريد بذلك أن نؤ ِّكد أن هذه المناظرات والندوات ـ ـ الــتي ْ إلى بناء مج ٍد شخص ّي على حساب اإلسالم والمسلمين،
ي كبـير، ونهج علم ّي وثقـاف ّـ ٍ مشـروعـ
ٍ َّ
كانت تعقد باستمرار خالل واليته للعهد أيّام المأمون ـ قد قدمته× بصـفة صـاحب
يرتكز على مبادئ وقواعد اإليمان الدين ّي اإلسالم ّي ،وأبر َز ْته كقائ ٍد رسالي ف ٍّذ ،استطاع أن ينفع الناس باإلسالمـ (أكثر
لكن األمــر كولي للعهد ،بالرغم من رفضه المطلق لهذه الوالية (الشكلية)ّ . ٍّ مما انتفع هو) ،من خالل وجوده الشخص ّي
باستمرار ـ نحن أبناء هذا العصـر ــ هـو أن اإلمـام الرضا× قـد طـرح على نفسـه أكـثر من سـؤا ٍل، ٍ الذي يبقى يالحقنا
وأصـل ثوابتـه وأركانـه في ذهنيّـة األمـة ،بـالرغم من وجـودـ َّ ب ،ودعا إلى اإلسالم الصحيح، ٍ جوا من ووضع له أكثر
واقع آخر جديـد يفــرض نفسـه علينـا بقـ ّو ٍة، ٍ ت سياسية واجتماعية عاشها الرضا× آنذاك .ونحن نعيش هنا في ظ ّل أزما ٍ
باستمرار أن نستجيب لتح ّدياته ومتغيّراته ومختلفـ تعقيداته ،لذلك علينا أن نطــرح على أنفســنا الكثــير من ٍ ويطلب منا
األسئلة العمليّة الواعية؛ لنحدِّد من خاللها حجم مشكالتنا ومصاعبنا،ـ بما يســاعدنا على اختيــار المنــاهج (واإلجابــات)
األفضل ،التي تساعدنا على تحقيــق وجودنــا وذاتنــا الحضــارية اإلســالمية ،الــتي ربطوهـاـ بــالعنف والقتــل والتطــرُّ فـ
كثير من مواقعـ وأبناء هذه األ ّمة ،لألسف الشديد. ٍ واإلرهاب ،بمساعدة
)(956را ِجعْ :الحسني ،سيرة األئ ّمة االثني عشر .460 :2
ي زمان ومكــان ــ لم يكن يعــني ي شرعي ٍة ألنظمة االستبداد والظلمـ في أ ّ )(957هذا المنطق ـ الرافض بالمطلق إعطاء أ ّ
بالضرورة عدم وجود استثناءات أو بدائل واقعيّة لكيفيّة التعامل مع أولئك الظلمة ،بما يضمن المحافظة على الخطوطـ
اإلسالمية األساسية.
)(958ال ُح ّر العاملي ،وسائل الشيعة .138 :6
)(959انظـر :الطوسـي ،االستبصـار :6ـ .333والـذي يجـدر ذكـره هنـا هـو أن هـذا الحـديث نفسـه ينسـب إلى اإلمـام
الكاظم×.
)(960عيون األخبار .66 :2
)(961جاء في رواية العيون ،عن محمد بن يزيد النحوي ،عن أبيه أنه قال :إن المأمون وهب جرم زيد بن موســى إلى
أخيه الرضا× ،وقال له :يا أبا الحسن ،لئن خرج أخوك ،وفعل ما فعل ،فلقد خرج قبله زيد بن عل ّي وقتل ،ولوال مكانك
بصغير ،فقال اإلمــام الرضاـ׫ :يــا أمــير المؤمــنين ،ال تقِسْ أخي زيــداً إلى زيــد بن عل ّي بن ٍ منّي لقتلتك ،فليس ما أتاه
ّ َّ
الحسين؛ فإنه من علماء آل محمد| ،غضب هلل عز وجلَّ ،فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله .ولقد ح َّدثني أبي موسىـ بن
جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول« :رحم هللا ع ّمي زيداً ،إنه دعا إلى الرضا من آل محمد ،ولو ظفر لــوفى بمــا
فقلت له :يا ع ّم ،إن رضيتَ أن تكون المقتــول بالكناســة فشــأنك ،فلمــا ولي قــال ُ دعا إليه .ولقد استشارنيـ في خروجه،
جعفر بن محمد :وي ٌل ل َم ْن سمع داعيته فلم يُ ِجبْه» ،فقال له المأمون :يا أبــا الحســن ،أليس قــد جــاء في َم ْن ا ّدعى اإلمامــة
ع ما ليس له بحقٍّ ،وأنه كان أتقى هلل من ذلك ،إنه قال: بغير حقّها ما جاء ،فقال اإلمام الرضا׫ :إن زيد بن عل ّي لم ي ّد ِ
ق ِج َه6ا ِد ِه ُهِ 6و
س6بِي ِل هللاِ َحَّ 6
«أدعوكم إلى الضامن من آل محمد ،وكان زيد وهللا م َّمن خطب بهذه اآليةَ ﴿ :و َجا ِه6دُوا ِفي َ
جعْ :الحسني ،سيرة األئ ّمة االثني عشر :2ـ .)401ونالحظ بعد دراسة هذه الرواية أن اإلمــام الرضا× اجتَبَا ُك ْم﴾»( .را ِ
ْ
يركز على معنى الثورة الواعية المستنيرة ،التي تقوم على أساس وجودـ أهداف رســالية إســالمية واضــحة ،وتمــارس ِّ
أعماالً شرعيّة منظمة (نموذج ثورة زيد بن عل ّي) ،ويدافعـ× عنها بق ّو ٍة ،ويعتبرهاـ ثورة تقوى هلل.
)(962الحسني ،سيرة األئ ّمة االثني عشر .398 :2
)(963لقد كانت معظم تلك الثورات انفعاليةً ساذجة ،ومليئةً بالتناقضات الذاتية ،حتّى من قبل قواعدها الشعبية الملتزمة
ي خدمـ ٍة للمجتمــع .وبطبيعــة ت إليها هذه الثورات ســلبيّةً ،وأحيانـاًـ كارثيــة ،ولم تقـدِّم أ ّ بها .ولذلك كانت النتائج التي أ َّد ْ
ـو ْعي الموضــوعيـ الحال يعود سبب إخفاق معظم تلك الثورات ـ في َو ْعيها وسلوكهاـ ـ إلى انعــدام اإلدراك الكامــل والـ َ
الواقعي بأهداف وغايات الدولة اإلسالمية ،واإليمان بواقعيّتهاـ وأه ّميتها التاريخية.
)(964يمكن مراجعــة بعض أعمالــه وتجاوزاتــه ،وروايــاتـ أخــرى عنــه ،في كتب كثــيرة ،منهــا :كتــاب ســيرة األئ ّمــة
(للحسني) .396 :2
)(965قلنا بأن أئ ّمة أهل البيت^ كانوا ـ من جه ٍة أولى ـ ينهَوْ ن بش ّد ٍة عن التعاون والتقارب مع الجهاز السياســي (وغــير
السياسي) الحاكم لبني أميّة وبني العبّاس؛ بينما كانوا ـ من جه ٍة ثانية ـ يعطون رُخَصا ً شرعية لبعض األفراد ،تقضــي
باإلمضاء والموافقة على انخراطهم في جهاز هذه الدولة أو تلك؛ من أجل تحقيق بعض المصالح واألهداف اإلسالمية
العليا المتّصلة بمصير وجود األ ّمة ،ومحاولة تخفيف بعض المظالم والشرورـ عن كاهــل المجتمــع اإلســالمي .ونــذكرـ
هنا ـ على سبيل المثال ،ال الحصر ـ عل ّي بن يقطين ،أو إسماعيل بن بزيع؛ حيث توجــد روايــات وأقــوال كثــيرة تثــني
وتمــدح هــذين العــاملين في خــطّ هللا ،وأمثالهمــا ،من قبيــل :إن هــؤالء «من أوليــاء هللا األول» .لزيــادة االطّالع على
موضوعة «والية الجائر» يمكن مراجعة :األنصاري ،كتاب المكاسب.
)(966الشهيد مرتضى مطهري،ـ سيرة األئ ّمة.187 :
)(967إننا نعتقد أنه من الضــروريـ والمفيــد جـ ّداً لحركيّــة اإلســالم أن ينفتح الفقيــه المســلم على شــؤون المجتمــع كلّــه،
ويتّصل بك ّل قضاياه الخاصة والعامة؛ ألن ذلك هــو الــذي يمكن لــه أن يحمي المبــادئ والقضــايا األساســية العا ّمــة من
الذاتية والتفرُّ د ،ويعطي للفقيه مساحةً واسعة ،ورؤيةً شــاملة للواقــع ،ويحميــه من الوقــوعـ في الخطــأ .كمــا أنــه يحمــل
األ ّمة مسؤولية قراراتهاـ المرتبطة بالفقيه والمرجع ،من خالل مشاركتهاـ معه في صنع هذه القرارات.
يظن بعضٌ أن هــذا الحــديث )(968را ِجعْ :أصــول الكـافيـ :2ـ 203؛ والشـيخ المفيـد ،االختصـاص ،51 :البــاب .4قــد ّ
مختصّ بالجانب العاطفي الوجداني (النفسي) من حياة اإلنسان؛ ألنه يحضّه على التزام النقد والمحاســبة على صــعيده
الذاتي فقط ،ولكنّنا نؤ ِّكد ـ بالرغم من اعتقادنـا بعـدم صـحّة االسـتنتاج القائـل بـأن الـدين اإلسـالمي هـو مجـرّد عالقـة
روحية بين العبد وخالقه ،وال عالقة له بالحياة والواقع ـ على أن المراد منه أيضـا ً ممارســة اإلعــداد الــروحيـ والبنــاء
األخالقي اإلسالمي المتين ،وتوعية اإلنسان المسلم ،كجز ٍء أساس من مسيرته التكاملية نحو تمثُّل قِيَم اإلسالم العــادل،
وتحقيق تشــريعاته ومبادئــه في الحيــاة كلِّهــا ،في السياســة واالجتمــاعـ واالقتصــاد ،...إلخ .فبنــاء النفس وتنميــة الــروح
(واألخالق المعنوية الذاتية) هو أساس بناء وتنمية الواقع الخارجي؛ ليكون بالتالي تغيير ما بالنفس هو األساس لتغيير
ما بالواقع .من هنا جاء تركيز اإلسالم على ضرورة تعميق منهج وخطّ اإلعداد الروحي عند اإلنسان المســلم (الجهــاد
األكبر)؛ ليكون ذلك مق ّدمةً الزمة حيوية لتغيير الحياة والواقعـ في االتجاه الذي يحقِّق كرامة اإلنسان وعدالة الوجود.
مقال مستقلّ.
ٍ )(969سيأتي البحث حول ِم ْلكيّة اإلنسان لنفسه وأعماله في
)(970الميرزا علي اإليروانيـ ،حاشية كتاب المكاسب .20 :2
)(971انظر :اإليرواني ،حاشية كتاب المكاسب .20 :2
ّ
)(972انظــر :الطوســي ،المبســوط في فقــه اإلماميــة :4ـ 271؛ ابن إدريس الحلي ،الســرائرـ :2ـ 575ـ 576؛ العالّمــة
الحلّي ،تحرير األحكام الشرعية 545 :3ـ .546
)(973انظر :فخر المحقّقين ،إيضاح الفوائد :3ـ 196؛ وانظر أيضا234 :؛ وانظر كذلك :الشهيد الثاني ،مسالك األفهامـ
ً
187 :8؛ أحمد األردبيلي ،زبدة البيان 644 :ـ 646؛ بهاء الدين مح ّمد بن الحسن الفاضل اإلصبهاني ،كشف اللثام :7
.473
)(974انظر :المقداد بن عبد هللا السيوري ،التنقيح الرائع لمختصر الشرائع :1ـ 314؛ المحقِّق الكركي ،جامع المقاصــد
203 :13ـ .204
)(975انظر :الطوسي ،المبسوطـ في فقه اإلمامية .307 :3
)(976انظر :الشهيد الثاني ،مسالك األفهام .187 :8
)(977انظر :المصدر نفسه.
)(978انظر :الفاضل اإلصبهاني،ـ كشف اللثام .473 :7
)(979انظر :الطوسي ،المبسوطـ في فقه اإلمامية .307 :3
)(980اإليرواني ،حاشية كتاب المكاسب .16 :2
إن النكاح فيــه شــائبة المعاوضــة .انظــر :المحقِّق الكــركي ،جــامع المقاصــد :9ـ 212؛ـ :11 )(981عبَّر بعض الفقهاءّ :
116؛ 204 ،143 :13؛ الشهيد الثاني ،مسالك األفهام 57 :8؛ األردبيلي ،مجمع الفائدة والبرهان .262 :9
وعبَّر آخرون :إنّه في معنى المعاوضــة .انظــر :المحقِّق الكــركي:4 ،ـ 303؛ الشــهيد الثــاني ،غايـة المــراد :3ـ 115؛
الشهيد الثاني ،الروضة البهية .369 :5
)(982انظر :مح ّمد باقر الصدر ،محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد محمد بــاقر الصــدر) :21
.215
)(983انظر :المصدرـ السابق.211 :
)(984انظر :المصدرـ السابق.212 :
)(985انظر :اإليرواني ،حاشية كتاب المكاسب .21 ،20 :2
)(986انظر :الصدر ،محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) .212 :21
إشكال واحد ،ونحن ف َّككناه إلى إشكالين اثــنين ،مــع ٍ إن اإلشكالين السابع والثامن وردا في عبارة الشهيد بصورة أقولّ :
ف في المضمون أيضاً. تصرُّ ٍ
)(987انظر :المصدرـ السابق 211 :ـ .212
)(988المصدرـ السابق.212 :
)(989انظر :المصدرـ السابق.213 :
)(990اإليرواني ،حاشية كتاب المكاسب .13 :2
)(991المصدر السابق .13 :2
)(992المصدر السابق .16 :2
)(993سليم رستم بار اللبناني ،شرح المجلّة ،679 :الكتاب العاشر ،الباب الرابع ،الفصل الثاني ،الما ّدة .1248
بأن شركة الملك قسمان :اختياري؛ وجبري .انظر :ســليم رســتم بــار )(994لقد عبَّر في المجلّة العدلية في بيانه للشركة ّ
اللبناني ،شرح المجلّة ،598 :الكتاب العاشر ،الباب األوّل ،الفصل األوّل ،الما ّدة .1062
أن ُمراده بـ (االتّفاقية) التوافقية ،أي ما يحصل بتوافقـ الطرفين أو األطراف.ـ )(995أقول :الظاهر ّ
ً ّ
)(996انظر :محمد حسين كاشف الغطاء ،تحرير المجلة 323 :3وما بعدها ،وانظر أيضا.432 :
إن ُأريد استفادة األسباب من هذا التنويع فسوفـ يكون ما ُذ ِكر من مناقشات وارداًـ عليه ،وإالّ فال يَ ِر ُد عليه )(997أقولْ :
بعضها.
)(998انظر :محمد تقي اآلملي ،المكاسب والبيع 101 :1ـ .102
)(999انظر :الصدر ،محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) .194 :21
)(1000انظر :محمد علي التوحيدي ،مصباح الفقاهة :2ـ ،7ـ 20؛ـ :4ـ 124؛ـ :6ـ ،110ـ 207؛ علي الغروي ،موسوعة
اإلمام الخوئي ،التنقيح في شرح المكاسب 27 :36ـ 28؛ وانظر أيضاً :محمد حسين اإلصفهاني ،حاشية المكاسب :1
.40
)(1001انظر :الغروي ،موسوعة اإلمام الخوئي ،التنقيح في شرح المكاسب .4 :36
)(1002انظر :التوحيدي،ـ مصباح الفقاهة 8 :2ـ 9؛ الغروي،ـ موسوعة اإلمام الخوئي ،التنقيح في شرح المكاسب :36
4؛ علي الحسينيـ الشاهرودي ،محاضرات في الفقه الجعفري .10 :3
)(1003انظر :المصدرـ السابق :2ـ 6ـ 9؛ الغروي ،موسوعة اإلمام الخــوئي ،التنقيح في شــرح المكاســب :36ـ 4ـ 6؛
الحسيني الشاهرودي،ـ محاضرات في الفقه الجعفري 9 :3ـ .10
)(1004انظر :كاظم الحائري ،فقه العقود .30 :1
)(1005انظر :المصدرـ نفسه.
)(1006انظر :التوحيدي،ـ مصباح الفقاهة 5 :2ـ .6
)(1007انظر :الطباطبائي اليزدي ،مح ّمد كاظم ،العروة الوثقى .279 :6
)(1008انظر :الصدر ،محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) .195 :21
)(1009انظر :الحائري ،فقه العقـود :1ـ 40؛ وانظـر:ـ الصـدر ،محاضـرات تأسيسـية (ضـمن موسـوعة اإلمـام الشـهيد
السعيد مح ّمد باقرـ الصدر) 199 :21ـ .200
)(1010الصدر ،محاضراتـ تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) 196 :21ـ .201
راج ْع مقاالً تحت عنوان :نظرية التوسُّع العقالئي في الحيازة عند الشهيد محمد باقرـ الصدر تحليل ونقــد ،مجلّــة
ِ )(1011
االستنباط ،العدد ،1ـ 1439هـ ـ 2018م؛ ورا ِج ْع أيضا ً مقاالً تحت عنوان :رؤية الشهيد الصــدر حــول حقيقــة العقــود،
َعرْ ضٌ ونق ٌد وتقويم ،مجلّة االستنباط ،العدد 1439 :2هـ ـ 2018م.
)(1012أحمد أبو زيد العاملي ،السيرة والمسيرة .436 :2
)(1013ع ّمار أبو رغيف ،منطق االستقراء.7 :
)(1014أيمن عبد الخالق ،دستور الحكماء في شرح برهان الشفاء 468 :ـ .479
)(1015أيمن عبد الخالق ،أصول المعرفة والمنهج العقل ّي 232 :2ـ .240
)(1016أيمن عبد الخالق ،أنفع التقريرات في شرح اإلشارات والتنبيهات 63 :ـ .67
)(1017في كتبه المذكورة أعاله يصرِّ ح باسم السيّد الشهيد محمد باقر الصّدر.
)(1018أيمن عبد الخالق ،منتهى المراد في علم أصول االعتقاد 43 :ـ .44
شرح ْـي الطوسي والقطب الرازي) :1ـ 204؛ محمــد رضــا َ )(1019الشيخ الرئيس ابن سينا ،اإلشارات والتنبيهاتـ (مع
المظفَّر ،المنطق.229 :
)(1020محمد باقر الصّدر ،األسس المنطقيّة لالستقراء 56 :ـ .57
)(1021المصدرـ السابق 57 :ـ .58
)(1022المصدرـ السابق.62 :
)(1023المصدرـ السابق 312 :وما بعدها ،التطبيق األوّل من التطبيقات األربعة.
)(1024المصدرـ السابق.403 :
)(1025أيمن عبد الخالق ،أنفع التقريرات في شرح اإلشارات والتنبيهات ،239 :بقلم :الشيخ محمد العلي.
)(1026الشيخ الرئيس ابن سينا ،اإلشــارات والتنبيهــاتـ (مــع شــر َح ْي الطوسـيـ والقطب الــرازي) ،218 :محمــد رضــا
المظفَّر ،المنطق.274 :