You are on page 1of 511

‫االجتهاد والتجديد‬

‫فصليةٌ مختصة بقضـــايا االجتهاد والفقــه اإلسالمي‬


‫التحـرير‬
‫الخامسة عشرة‪،‬‬ ‫رئيـس‬
‫السـنة‬ ‫العددان السابع والثامن والخمسون‪،‬‬
‫عباسهـدهيني‬
‫محمد ـ ‪1442‬‬
‫شتاء وربيع ‪2021‬م‬

‫‪ ‬شروط النشر‪:‬‬
‫‪‬ترحِّب المجلّة بمساهمات الباحثين في‬
‫المدير المسؤول‬ ‫مج!!االت الفق!!ه اإلس!!المي وأص!!وله‪ ،‬وعلم‬
‫ربيع سويدان‬ ‫الح!!!ديث‪ ،‬والرج!!!ال‪ ،‬ومراجع!!!ات الكتب‪،‬‬
‫والمناقشات‪.‬‬
‫‪‬يشترط في المادّة المرس!!لة أن تل!!تزم‬
‫الهيئة االستشارية (أبجديا ً)‬
‫بأص!!!!ول البحث العلميّ على مختل!!!!ف‬
‫إيران الشيخ أحمد المبلِّغي‬
‫المس!!تويات‪ :‬المنهج‪ ،‬المنهجيّ!!ة‪ ،‬التوثي!!ق‪،‬‬
‫السعوديّة الشيخ حسن الصفّار الشيخ‬
‫وأن ال تكون قد نُشرت أو أرس!!لت للنش!!ر‬
‫د‪ .‬محمد‬ ‫عُمان خميس العدوي‬
‫في كتابٍ أو دَوْريّة عربيّة أخرى‪.‬‬
‫تركيا خير قيرباش أوغلو‬
‫‪‬تخضع المادّة المرسلة لمراجع!!ة هيئ!!ة‬
‫مصر د‪ .‬محمد سليم الع ّوا‬
‫التحرير‪ ،‬وال تُعاد إلى صاحبها‪ ،‬نُش!!رت أم‬
‫لم تنشر‪.‬‬
‫تنضيد وإخراج‬ ‫‪‬يح!!قّ لهيئ!!ة التحري!!ر إع!!ادة ص!!ياغة‬
‫‪papyrus‬‬
‫النص!!وص ال!!تي ت!!رِدُ إليه!!ا إذا اقتض!!ت‬
‫الضرورة ذل!!ك‪ ،‬ش!!رط أن ال ي!!ؤدّي إلى‬
‫تصميم الغالف‬ ‫اإلخالل بمقصود الكاتب‪.‬‬
‫‪Idea Creation‬‬
‫‪‬للمجلّ!!ة ح!!قّ إع!!ادة نش!!ر الم!!واد‬
‫المنشورة‪ ،‬منفصلةً أو ضمن كتاب‪.‬‬
‫‪‬ما تنشره المجلّة ال يعبِّ!!ر بالض!!رورة‬
‫فصليّة مخت ّ‬
‫صة بقضـــايا االجتهاد والفقــه اإلسالم ّي‬
‫تصدر عن مركز البحوث المعاصرة في بيروت‬

‫المراســالت‪:‬ـ‬ ‫التنفيذ الطباعي ومركز النشر‪:‬‬


‫مؤسسة دلت‪6‬ا للطباع‪6‬ة والنش‪6‬ر‪ ،‬لبن‪6‬ان ـ ب‪6‬يروت‪ ،‬الح‪6‬دث‪ ،‬ق‪6‬رب‬
‫باسم رئيس التحرير‪6‬‬
‫لبنان ــ بيروت ــ ص‪ .‬ب‪/ 327 :‬‬
‫كس‪6‬اب‪ ،‬خل‪66‬ف المرك‪66‬ز‬
‫مستشفى السان تريز‪ ،‬مفرق ملحم‪6‬ة ّ‬
‫‪25‬‬
‫‪6‬اكس‪:‬‬ ‫‪6‬‬‫تلف‬ ‫‪6‬ة‪،‬‬
‫‪6‬‬ ‫وعطي‬ ‫الثقافي اللبن‪66‬اني‪ ،‬بناي‪66‬ة عب‪66‬د الك‪66‬ريم‬
‫‪www.nosos.net‬‬ ‫‪009615464520‬‬
‫البريد اإللكتروني‬ ‫البريد اإللكتروني‪deltapress@terra.net.lb :‬‬
‫‪mdohayni@hotmail.com‬‬
‫التوزيع‪:‬‬ ‫‪ ‬وكالء‬
‫المحجة البيضاء للطباعة والنشر والتوزي‪66‬ع‪ ،‬ب‪66‬يروت‪ ،‬ال‪66‬رويس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫٭ لبنان‪ :‬دار‬
‫خلف محف‪66‬وظ س‪66‬تورز‪ ،‬بناي‪66‬ة ر ّم‪66‬ال‪ ،‬ص‪.‬ب‪ ،5479/14 :‬ه‪6‬اتف‪(541211 :‬‬
‫‪.)+9611‬‬
‫٭ مملكة البحرين‪ :‬شركة دار الوسط للنش‪66‬ر والتوزي‪66‬ع‪ ،‬ه‪66‬اتف‪(17596969 :‬‬
‫‪.)+973‬‬
‫٭ جمهورية مصر العربية‪ :‬مؤسسة األهرام‪ ،‬الق‪66‬اهرة‪ ،‬ش‪66‬ارع الجالء‪ ،‬ه‪66‬اتف‪:‬‬
‫‪.)+202(7704365‬‬
‫٭ اإلمارات العربية المتحدة‪ :‬دار الحكمة‪ ،‬دبي‪ ،‬هاتف‪.)+9714(2665394 :‬‬
‫٭ المغرب‪( :‬سبريس) الشركة العربية اإلفريقية للتوزي‪66‬ع والنش‪66‬ر والص‪66‬حافة‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ 70 ،‬زنقة سجلماسة‪.‬‬
‫٭‪ 6666‬الع‪6666‬راق‪1 :‬ـ دار الكت‪6666‬اب الع‪6666‬ربي‪ ،‬بغ‪6666‬داد‪ ،‬ش‪6666‬ارع المتن‪6666‬بي‪ ،‬ه‪6666‬اتف‪:‬‬
‫‪2 6.)+964(7901419375‬ـ مكتب‪6‬ة العين‪ ،‬بغ‪6‬داد‪ ،‬ش‪6‬ارع المتن‪66‬بي‪ ،‬ه‪6‬اتف‪:‬‬
‫‪3 6 .)+964(7700728816‬ـ مكتب‪66‬ة الق‪66‬ائم‪ ،‬الكاظمي‪66‬ة‪ ،‬ب‪66‬اب الم‪66‬راد‪ ،‬خل‪66‬ف‬
‫عم‪666‬ارة الن‪6666‬واب‪4 .‬ـ دار الغ‪6666‬دير‪ ،‬النج‪6666‬ف‪ ،‬س‪6666‬وق الح‪6666‬ويش‪ ،‬ه‪6666‬اتف‪:‬‬
‫سس‪66‬ة العطّ‪66‬ار الثقافي‪66‬ة‪ ،‬النج‪66‬ف‪ ،‬س‪66‬وق‬ ‫‪5 66.)+964(7801752581‬ـ مؤ ّ‬
‫الحويش‪ ،‬هاتف‪6 6 .)+964(7501608589 :‬ـ‪ ‬دار الكتب للطباع‪66‬ة والنش‪66‬ر‪،‬‬
‫كربالء‪ ،‬شارع قبلة اإلم‪6‬ام الحس‪66‬ين×‪ ،‬الف‪6‬رع المقاب‪66‬ل لمرق‪6‬د ابن فه‪66‬د الحلي‪،‬‬
‫هاتف‪.)+964(7811110341 :‬‬
‫٭‪ 66‬س‪66‬وريا‪ :‬مكتب‪66‬ة دار الحس‪66‬نين‪ ،‬دمش‪66‬ق‪ ،‬الس‪66‬يدة زينب‪ ،‬الش‪66‬ارع الع‪66‬ام‪ ،‬ه‪66‬اتف‪:‬‬
‫‪.)+963(932870435‬‬
‫٭ إيران‪1 :‬ـ مكتبة الهاشمي‪ ،‬قم‪ ،‬كذرخان‪ ،‬هاتف‪2 .)+98253(7743543 :‬ـ‬
‫سسة البالغ‪ ،‬قم‪ ،‬سوق القدس‪ ،‬الطابق األ ّول‪3 .‬ـ دفتر تبليغ‪66‬ات «بوس‪66‬تان‬ ‫مؤ ّ‬
‫كتاب»‪ ،‬قم‪ ،‬چهار راه شهدا‪ ،‬هاتف‪.)+98253(7742155 :‬‬
‫‪ ‬كلمة التحرير‬
‫األحكام الشرعيّة بين مسؤوليّتين‪ ،‬إثارةٌ معرفيّة من َوحْ ي الواقع‬ ‫‪‬‬
‫محمد عبّاس دهيني ‪5..................................................‬‬

‫‪ ‬دراسات‬
‫قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعي‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم‬ ‫‪‬‬
‫األوّل‬
‫الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمّي‪13........‬‬
‫منطقة الفـــراغ بين النفي واإلثبـــات‪ ،‬دراســـةٌ مقارنة بين النظريّة والنمـــوذج‬ ‫‪‬‬
‫العمل ّي‬
‫د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‪40............................................‬‬
‫قاعدة التسامح في أدلّة ال ُّسنَن‪ ،‬ودَوْ رهاـ في تسرُّ ب الموضوعات ‪ /‬القسم األوّل‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬الشيخ حسين الخشن ‪73.............................................‬‬
‫الهيمنة الذكوريّة‪ ،‬بين التشريع الدين ّي واألعراف االجتماعيّة‬ ‫‪‬‬
‫الشيخ حسن الصفّار ‪102..............................................‬‬
‫توبة المرت ّد الفطريـ‪ ،‬قراءةٌ فقهيّة جديدة‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬إبراهيم زارع ‪126...................................................‬‬
‫قاعــدة اشــتراك الرجــال والنســاء في األحكــام الشــرعيّة‪ ،‬المفــاد واألدلّــة عنــد‬ ‫‪‬‬
‫المذاهب اإلسالميّة‬
‫أ‪ .‬شروق فقيه‪152.....................................................‬‬
‫ي للمسلمين‪ ،‬عرضٌ وتحليل‬ ‫مفهوم الغنيمة في التراث الفكر ّ‬ ‫‪‬‬
‫أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‪185.......................................‬‬
‫«ال ُسنَّة» ودالالتهاـ في التراثين الدين ّي واألدب ّي في القرون الهجريّة األولى‬ ‫‪‬‬
‫الشيخ محمد عافي الخراساني‪221....................................‬‬
‫‪ ‬إنكــار قاعــدة قبح العقــاب بال بيــان‪ ،‬دراســةٌ مقارنــةٌ بين نظــريّت َْي الروحــانيـ‬
‫والصدرـ‬
‫الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محم!!دي هويه ‪ /‬الش!!يخ ســـپهر‬
‫كرد ‪243......................................................................‬‬
‫نظــرة اإلســالم إلى المــرأة العقيم‪ ،‬قـراءةٌ نقديّــة في النصـوص الدينيّة (الـزواج‬ ‫‪‬‬
‫والتشنيعـ نموذجاً)‬
‫الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‪260.........................‬‬
‫الوالية التكوينية للنب ّي وأهل البيت^‪ ،‬محاولةٌ للتوفيق بين النفي واإلثبات‬ ‫‪‬‬
‫الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي ‪294...........................‬‬
‫المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬محمد بنعمر ‪318...................................................‬‬
‫(انتصار الدم على السيف)‪ ،‬قراءةٌ نقديّة في المفهوم‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬الشيخ عصري الباني ‪339...........................................‬‬
‫تع ُّدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوحـ‪ ،‬دراسةٌ فقهيّة استدالليّة‬ ‫‪‬‬
‫الشيخ علي نذر ‪357....................................................‬‬
‫التوقيفيّة في ترتيب اآليات القرآنيّة‪ ،‬قراءةٌ نقديّة في نظريّة الطباطبائيـ‬ ‫‪‬‬
‫الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‪372.......‬‬
‫ي لإلمـــام الرضا×‪ ،‬مقاربـــةٌ فكريّـــة في التـــاريخ‬ ‫الحضـــور العلم ّي والـــتربو ّـ‬ ‫‪‬‬
‫والمعاصرة‬
‫أ‪ .‬نبيل علي صالح‪394.................................................‬‬
‫الملكيّة وأسبابهاـ في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬ ‫‪‬‬
‫د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني ‪427.................................‬‬

‫‪ ‬قراءات‬
‫(األسس المنطقيّة لالستقراء) في المــيزان‪ ،‬عــرضٌ ومناقشـةٌ لنقــد الشــيخ أيمن‬ ‫‪‬‬
‫المصريـ‬
‫أ‪ .‬حسين هشام يعقوب ‪446............................................‬‬
‫األحكام الشرعيّة بين مسؤوليّتين‬
‫إثارةٌ معرفيّة من َوحْ ي الواقع‬
‫محمد عباس دهيني‬

‫يقف الم!!رءُ ح!!ائراً أم!!ام ه!!ذا التفلُّت الجم!!اهيريّ من ض!!وابط‬


‫القانون اإللهيّ (الشريعة اإلس!!الميّة)‪ ،‬وه!!و م!!ا يتبع!!ه تحلُّ!!لٌ خُلُقيّ‪،‬‬
‫كفيلٌ بأن يقضي على كلّ إنجازٍ متص!!وَّرٍ لمجتم!!عٍ إيم!!انيّ هن!!ا أو‬
‫هناك‪.‬‬
‫فعلى الرغم من وجود منظومة أحكامٍ متكاملةٍ وتش!!ريعاتٍ ش!!املةٍ‬
‫لكلّ شؤون الحياة ومتطلَّباتها ـ القديمة منه!!ا والجدي!!دة‪ ،‬الثابت!!ة منه!!ا‬
‫والطارئة ـ مبثوثةٍ في كتب الفقه والرسائل العمليّة للفقه!!اء‪ ،‬وتص!!دح‬
‫بها حناجر العلماء والمبلِّغين في خُطَب الجمعة والعيد وغيرهم!!ا طيل!!ة‬
‫أيّام السنة‪ ،‬نجد جفاءً ملحوظاً وهَجْراً مقصوداً بينه!!ا وبين المكلَّفين‪،‬‬
‫ال!!ذين ال يفت!!ؤون يعلن!!ون إيم!!انهم باهلل‪ ،‬وحبَّهم ل!!ه‪ ،‬وارتب!!اطَهم ب!!ه‪،‬‬
‫وبأنبيائ!!ه ورُسُ! له (وأوص!!يائهم)‪ ،‬ب!!ل ت!!راهم على المس!!توى! النظ!!ريّ‬
‫يمدحون ويُقرُّون بالمصلحة الكامنة في هذه التش!!ريعات‪ ،‬ويَ!!دْعون إلى‬
‫االلتزام بها‪ ،‬ما يعني أنهم مؤمنون بها‪ ،‬ومعترفون بخيريّته!!ا‪ ،‬ومل!!تزمون‬
‫بها نظريّاً‪ ،‬لكنّ مانعاً حال دون التزامهم العمليّ‪ ،‬وهو وساوس الشيطان‬
‫وهوى النفس األمّارة بالسُّوء‪.‬‬
‫ولَسْتُ أريد الخَوْض في بي!ان دواعي وأس!باب ه!ذا التن!اقض بين‬
‫القول والعمل‪ ،‬وإنما أريد أن أعرض إث!!ارةً تتعلَّ!!ق بمعقوليّ!!ة أن يك!!ون‬
‫الشارع الحكيم قد ترك الحُرِّية ألمثال هؤالء ـ وهم كُثُ!!رٌ ـ في أن‬
‫يستجيبوا لشيطان الجنّ واإلنس أو لهوى النفس؛ فيخرِّب!!وا المجتمع!!ات‬
‫البشريّة‪ ،‬ويحرموها من أبسط حقوقه!!ا؛ حيث تتجلَّى المش!!كلة الك!!برى‬
‫هاهنا في آثار ونتائج مثل هذه المخالفات على واق!ع الحي!اة االجتماعيّ!!ة‬
‫للناس؛ إذ في أغلب التشريعات ـ إذا لم نقُ!!لْ‪ :‬كلِّه!!ا ـ م!!ا ه!!و ش!!ديدُ!‬
‫التماسّ مع المجتمع ومصالح أبنائه‪.‬‬
‫فق!!د نتص!!وَّر أن الص!!الة مثالً عم!!لٌ ف!!رديٌّ مَحْضٌ‪ ،‬وخ!!اصٌّ‬
‫بمريدها والملتَزِم به!!ا‪ ،‬ولكنْ ل!!و التفَتْن!!ا إلى أن وقت الص!!الة ـ رغم‬
‫سَعَته ـ قد يستوعب! ويترافق مع عملٍ أو سَفَرٍ‪ ،‬فيحتاج مري!!دُ الص!!الة‬
‫إلى مك!!انٍ خ!!اصّ يص!!لّي في!!ه (مس!!اجد أو مص!!لَّيات)‪ ،‬وإالّ فس!!يكون‬
‫مض!طرّاً للص!الة في أيّ مك!انٍ يخت!اره‪ ،‬م!ا ق!!د يعطِّ!!ل حي!!اة الن!اس‬
‫ومصالحهم‪ ،‬فحينئذٍ ال تعود الصالة فعالً فرديّاً بالمطلق‪ ،‬ب!!ل هي واجبٌ‬
‫شخصيٌّ‪ ،‬وله انعكاس!!اتٌ على اآلخ!!رين‪ ،‬فال بُ!!دَّ أن تك!!ون تحت س!!قف‬
‫قانونٍ ونظامٍ عامٍّ‪ ،‬يكفل الحقّ والراحة للجميع‪ :‬مريد الص!!الة؛ وغ!!يره‬
‫من أفراد المجتمع المحيطين به‪ .‬هذا‪ ،‬وقد اخْتَرْنا الص!!الة مث!!االً ألنه!!ا‬
‫أوضح األمثلة على الفرديّ!!ة؛ وإالّ ف!!إن أمثل!!ةً كث!!يرةً في الب!!ال‪ ،‬وق!!د‬
‫نذكرها ـ أو بعضها ـ في ما يأتي‪.‬‬
‫وال أريد هن!!ا نفي الخصوص!!يّة الشخص!!يّة والص!!فة الفرديّ!!ة عن‬
‫الصالة ـ أو غيرها من التشريعات ـ بالمطلق‪ ،‬وإنّما أروم تس!ليط الض!وء‬
‫والتركيز على الجانب االجتماعيّ للصالة‪ ،‬بل لجميع األفعال ال!!تي يق!!وم‬
‫بها المكلَّف‪ ،‬وتشملها أحكام الشريعة‪ ،‬وهو ما يجعل االلتزام به!!ا‪ ،‬وآليّ!!ة‬
‫مقاربتها‪ ،‬بنحوٍ مختلفٍ تماماً‪.‬‬
‫ولستُ أعني بذلك األحكام ذات الطابع االجتماعيّ الواض!!ح‪ ،‬وال!!تي‬
‫قد تكون محطَّ اهتمام الحاكم ووليّ األمر بشكلٍ تلقائيٍّ؛ إذ هي أبرزُ‬
‫مجاالت عمله وواليته‪ ،‬وإنّما أحاول إثارة ه!!ذه الفك!!رة بالتحدي!!د‪ !،‬وهي‪:‬‬
‫لزوم أن يحضر الحسّ والشعور الجَمْعيّ في جميع عباداتنا ومعامالتن!!ا؛‬
‫فإلى جانب الحسّ الفرديّ والمسؤوليّة الشخصيّة تجاه أيّ حكمٍ شرعيّ‬
‫ـ عبادةً كان أو معاملةً ـ ال مفرَّ؛ لكي تستقيم حياة المجتم!!ع‪ !،‬ويك!!ون‬
‫في حركة تقدُّمٍ مستمرٍّ‪ ،‬وتطوُّرٍ دائم‪ ،‬وأمانٍ عامٍّ ش!!املٍ‪ ،‬ال مف!!رَّ‬
‫من حضور الحسّ االجتماعيّ والمسؤوليّة العامّة‪ ،‬المسؤوليّة عن النظام‬
‫االجتماعيّ العامّ‪ ،‬في مختلف الميادين‪.‬‬

‫نظريّتان‪ 6‬في تحديد المسؤوليّة‬


‫وما نلحظه في هذا المجال وجود نظريّتين حول طبيعة المسؤوليّة‬
‫تجاه التكاليف واألحكام الشرعيّة‪:‬‬

‫‪1‬ـ نظريّة المسؤوليّة الفرديّة‬


‫فالمعروف بين المتشرِّعة ـ وتؤيِّده خطاباتُ الفقهاء ـ أنها أحكامٌ‬
‫فقهيّةٌ ومسؤوليّاتٌ فرديّةٌ‪ ،‬وجهودٌ شخصيّةٌ‪ ،‬ال تخض!!ع لنظ!!امٍ ع!!امٍّ‬
‫يحكمها‪.‬‬
‫فالزكاة واجبةٌ‪ ،‬وك!!ذلك الخُمْس‪ ،‬ولكنّهم!!ا بنظ!!ر المتش!!رِّعة‬
‫تكليفان فرديّان‪ ،‬يعتمد! االلتزام بهما على مدى رهاف!!ة حسِّ المس!!ؤوليّة‬
‫في صاحب المال؛ فقد يعجِّلهما وقد يؤجِّلهما؛ وقد يخرجهما وقد يغضّ‬
‫الطَّرْف عنهما ـ مؤقَّتاً أو نهائياً ـ‪ ،‬بعيداً عن أيّ قانونٍ عامٍّ مُلْ!!زِمٍ‬
‫له باإلخراج في الوقت المحدَّد‪ ،‬وبعيداً عن أيّ ضماناتٍ بأنه سيستفيد أو‬
‫ذرِّيته منهما ـ كعنوانين! للضريبة االجتماعيّة الضامنة والناظمة لحي!!اةٍ‬
‫كريمة لإلنسان الصالح والمُلتَزِم ـ‪.‬‬

‫‪2‬ـ نظريّة مسؤوليّة النظام العا ّم‬


‫بينما تذهب نظريّةٌ أخرى إلى أن هذه األحك!!ام ـ أو بعضَ! ها على‬
‫األقلّ ـ خاضعةٌ لسلطة النظام العامّ ـ ال!!ذي قد يت!!والّه الفقيه أو مطلق‬
‫الحاكم الخبير الحكيم العادل ـ‪ ،‬فيُجْبَ!!ر المكلَّ!!ف على االل!!تزام به!!ذه‬
‫األحكام والتشريعات‪ ،‬وال يُترَك له أيُّ مجالٍ للته!!رُّب منه!!ا‪ ،‬وتض!!ييع‬
‫منفعتها على نفسه والمجتمع‪.‬‬
‫ف!!إذا جُعلَتْ ض!!ريبةٌ على المواط!!نين؛ لغاي!!ةٍ وهَ!!دَفٍ معيَّن‪،‬‬
‫ككفالة الفقراء والمحتاجين مثالً‪ ،‬فال يُتْرَك للم!!واطن أن يتعام!!ل م!!ع‬
‫هذا التشريع بقريحته وأريحيّته‪ ،‬التي قد تكون ضعيفةً أو مفقودةً ل!!دى‬
‫بعض!!هم‪ .‬وإنّم!!ا تُؤخَ!!ذ منهم الض!!ريبة المق!!رَّرة ف!!وراً‪ ،‬وعلى س!!بيل‬
‫االقتطاع من الراتب؛ فإنها فريضةٌ واجبةٌ‪ ،‬وقد تعلَّق بها حقُّ اآلخ!!رين‪،‬‬
‫فال بُدَّ من أدائه أو يتولّى! ذلك الحاكم والسلطان والدول!!ة المس!!ؤولة‬
‫عن كافّة أفراد المجتمع‪.‬‬
‫وإذا نزل الوباءُ ببلدٍ وجب على الن!!اس أن ال ي!!دخلوا إلي!!ه؛ دَفْع!!اً‬
‫للخط!!ر عن أنفس!!هم‪ .‬وليس ذل!!ك اختي!!اراً لهم‪ ،‬ب!!ل تمنعهم الس!!لطات‬
‫يُكتَش!! ف‬
‫َ‬ ‫المسؤولة عن حفظ النظام العامّ من الدخول‪ .‬وكذلك عندما‬
‫عالجٌ لذلك الوباء فإن وظيفة الن!!اس أن تتلقّى ذل!!ك العالج‪ ،‬ويُجْبَ!!ر‬
‫الممتنع عليه من قِبَل حَفَظة النظام العامّ‪.‬‬

‫قراءةٌ عا ّمة في النظريّتين‪6‬‬


‫إذن هما نظريّتان تحدِّدان طبيعة المس!!ؤوليّة في تط!!بيق األحك!!ام‬
‫الشرعيّة‪ :‬نظريّة المسؤوليّة الفرديّة؛ ونظريّة مسؤوليّة النظام العامّ‪.‬‬
‫والمرتكِ!!ز في أذه!!ان جمه!!ور المس!!لمين‪ ،‬وعلي!!ه العم!!ل في أغلب‬
‫المجتمعات اإلسالميّة‪ ،‬هو النظريّة األولى‪.‬‬
‫فامرؤٌ وما اختار؛ يصلّي حيث يشاء؛ ويصوم إذا ش!!اء؛ وتتس!!تَّر إذا‬
‫رغبَتْ؛ ويسافر إلى حيث يريد‪ ،‬ولو إلى بلدٍ قد انتشر فيه الوباء؛ ويدفع‬
‫الضريبة (الزك!!اة والخُمْس والكفّ!!ارات و‪)..‬؛ ويتكفَّ!!ل المحت!!اجين إذا‬
‫حلَّ الج!!وع والقَحْ!ط والبالء‪ ،‬ك!لُّ ذل!!ك ب!!دافعٍ ف!رديٍّ شخص!يٍّ‪،‬‬
‫وواعظٍ ذاتيٍّ‪ ،‬وإلحاحٍ نفسيٍّ‪ ،‬قد يضعف ويَقْصُ! ر ويخب!!و في كث!!يرٍ‬
‫من األحيان‪ ،‬فنرى غياباً لكلّ ما تقدَّم‪ ،‬دون أن يكون ألح!!دٍ س!!لطةٌ على‬
‫المطالبة به‪ ،‬والمنع من تركه‪.‬‬
‫بل انطالقاً من هذه النظ!!رة والمقارب!!ة ك!!ان اإلص!!رار على بعض‬
‫األحكام التي رُبَما انتفى موضوعها اليوم‪ ،‬كما في تحريم سَ! فَر الم!!رأة‬
‫من دون مَحْرَمٍ له!!ا‪ .‬ففي الس!!فر خَطَ!!رٌ‪ ،‬وتع!!ريض النفس للخَطَ!!ر‬
‫حرامٌ‪ ،‬وعلى الم!!رأة أن تجه!!د شخص!!يّاً في ت!!أمين نفس!!ها؛ باص!!طحاب‬
‫مَحْرَمٍ لها‪ ،‬حتّى يكون سفرها مباحاً‪ .‬وهذا حكمٌ معروفٌ ق!ديماً‪ ،‬حيث‬
‫السفر شاقٌّ وطويلٌ‪ ،‬وفيه تُقطَع الفيافي والص!!حاري والقف!!ار‪ ،‬ويك!!ون‬
‫المس!!افر في مع!!رض الخَطَ!!ر من قِبَ!!ل قُطّ!!اع الطُّ!!رُق واللص!!وص!‬
‫واألشرار‪ ،‬أمّا اليوم ففي ظلّ النظام الع!!امّ‪ ،‬واألمن الع!!امّ المس!!تتبّ في‬
‫جميع مرافق السياحة والسَّفَر (مطارات و‪..‬؛ نقليّات [طائرات‪ ،‬قط!!ارات‪،‬‬
‫تاكسيّات]؛ وفنادق)‪ ،‬لم يعُ!!دْ لمث!!ل ه!!ذا الخَ!!وْف من م!!برِّرٍ‪ ،‬وانتفى‬
‫موضوع ذلك الحكم‪ ،‬وهو المرأة التي تخاف على نفسها‪ .‬إذن كان ذل!!ك‬
‫الحكم بلحاظ أن األمن ك!!ان ذاتيّ!!اً‪ ،‬يؤمِّن!!ه المس!!افر لنفس!!ه‪ ،‬والم!!رأة‬
‫عاجزةٌ عن ذلك بمفردها‪ ،‬أمّا الي!وم ف!األمن ع!امٌّ‪ ،‬في ظ!لّ مؤسّس!ات‬
‫الدولة والهيئات االجتماعيّة الناظمة‪ ،‬فالمرأة والرجل في ذلك سواءٌ‪.‬‬
‫وأخال أن هذه النظريّة أعاقَتْ كثيراً من المجتمع!!ات اإلس!!الميّة‬
‫عن االلتحاق برَكْب الحضارة الحديثة‪ ،‬واألخذ بأسباب الرقيّ واالزدهار؛‬
‫فالفردُ يسقط أمام المُغْرَيات‪ ،‬وتصرفه األطماع عن التزاماته‪ ،‬التي يؤمن‬
‫بها‪ ،‬ولكنّه يضعف عن أدائها؛ ألسبابٍ شتّى‪.‬‬
‫إن مثل هذه العقليّة في مقاربة هذه األحكام تقعد بالمجتمع!!ات عن‬
‫التقدُّم؛! فالمرأة ـ وهي نصف المجتمع ـ محرومةٌ من الس!!فر‪ ،‬وم!!ا ق!!د‬
‫يوفِّره من علمٍ وعملٍ؛ بسببٍ بسيطٍ كه!!ذا‪ .‬فإباح!!ة الس!!فر مرتبط!!ةٌ‬
‫بالمسؤوليّة الفرديّة والجهد الشخصيّ في تأمين السالمة؛ بينم!!ا ش!!كَّل‬
‫اإلحساس بالمسؤوليّة االجتماعيّة العامّة عن ت!!أمين الظ!!روف المناس!!بة‬
‫لسفرٍ آمِنٍ للم!!رأة ـ وغيرها من المستض!!عفين اجتماعيّ!!اً‪ ،‬كاألطف!!ال‬
‫والمجانين و‪ ...‬ـ حافزاً ودافعاً لتشكيل شبكة مرافق آمنةٍ‪ ،‬تتنقَّل بينه!!ا‬
‫المرأة‪ ،‬فتقطع المسافة من الشرق إلى الغرب دون أن تخاف على نفسها‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد استطاعَتْ دولٌ أخرى (إسالميّة وغيرها) ـ اس!!تناداً إلى‬
‫النظريّ!!ة الثاني!!ة ـ من ت!!أمين رفاهي!!ةٍ تامّ!!ةٍ‪ ،‬وعيشٍ ك!!ريمٍ‪ ،‬وأمنٍ‬
‫مستتبٍّ‪ ،‬وانتظامٍ دقيقٍ‪ ،‬لمواطنيها؛ حيث كان النظام الع!!امّ ه!!و ض!!ابط‬
‫اإليقاع لحركات المواطنين‪ ،‬فال ننتظر جُهْده الف!!رديّ‪ ،‬والحسّ ال!!ذاتيّ‬
‫الذي قد يتعطَّل! لسببٍ وآخر‪ ،‬وإنم!!ا ه!!و نظ!!امٌ ع!!امٌّ ش!!املٌ مُلْ!!زِمٌ‬
‫للجميع‪ ،‬وَفْق منظومةٍ قانونيّةٍ متكاملةٍ‪ ،‬تحفظ حقّ الص!!غير والكب!!ير‪،‬‬
‫والغنيّ والفقير‪ ،‬والحاكم والرعيّة‪...‬‬
‫وليست هذه النظريّة بِدْعاً من القول والعمل في اإلسالم‪ ،‬ب!!ل له!!ا‬
‫جذورها الضاربة فيه في أكثر من نطاقٍ‪.‬‬
‫فعلى سبيل المثال‪ :‬كانت فريضة الجهاد منوطةً بت!!أمين الح!!اكم‬
‫السالح والمراكب للمقاتلين‪ ،‬يق!!ول تع!!الى‪﴿ :‬لَيْسَ عَلَى الضُّ! عَفَاءِ‪...‬‬
‫حَرَجٌ‪ * ...‬وَالَ عَلَى الَّ!!ذِينَ إِذَا مَ!!ا أَتَ!!وْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ الَ‬
‫أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّ!!وا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنْ ال!!دَّمْعِ‬
‫حَزَناً أَالَّ يَجِدُوا مَا يُنفِقُونَ﴾ (التوبة‪ 91 :‬ـ ‪)92‬؛ فإن الجهاد ممّا‬
‫قد تضعف عنده العزائم‪ ،‬وتقصر النفوس؛ لما في!!ه من خَطَ!!رٍ ومش!!قّةٍ‪،‬‬
‫فلو تُرك للجُهْد الفرديّ لتعطَّل حَتْماً‪ ،‬فأُنيط أمرُه بتوفير الح!!اكم‬
‫لمستلزماته؛ قَطْعاً للعُذْر‪.‬‬
‫إذن لم يُغْلِق اإلسالمُ الباب أمام النظريّة الثاني!ة‪ ،‬ب!ل لم يجعَلْه!ا‬
‫في موارد االضطرار أو في موارد معيَّنة فقط ال غ!!ير‪ ،‬وإنم!!ا فتح الب!!اب‬
‫في تلك اللحظة التاريخيّة بالمُحت!!اج إلي!!ه والمق!!دور علي!!ه في ذل!!ك‬
‫الزمان؛ حيث تنتفي الحاجة إلى سلطة النظام العامّ ما دام عدد المس!!لمين‬
‫قليالً‪ ،‬وما يقدِّمه بعض!!هم من خُمْسٍ وزك!!اةٍ وص!!دقاتٍ يكفي جمي!!ع‬
‫المحتاجين؛ وحيث كان الناس حديثي عهدٍ باإلسالم‪ !،‬والقَهْ!!رُ والجَبْ!!رُ‬
‫ق!!د ي!!ؤثِّر فيهم‪ ،‬في!!تركوا اإلس!!الم‪ ،‬ويلتحق!!وا بالكفّ!!ار والمش!!ركين‪،‬‬
‫ويش!!كِّلوا ن!!واةَ تخ!!ريبٍ للمجتم!!ع اإلس!!الميّ؛ وحيث ك!!انت الدول!!ة‬
‫اإلسالميّة عاجزةً‪ ،‬كما في ص!!در اإلس!!الم‪ ،‬أو مُهمِل!!ةً‪ ،‬كم!!ا في عه!!د‬
‫الخالفات المتعاقبة (األمويّ!!ة والعبّاس!!يّة و‪)..‬؛ إذ ك!!ان الس!!لطان يهتمّ‬
‫بنفسه ونسائه وحاشيته وعسكره و‪ ،..‬متناسياً أفراد األمّة واحتياجاتهم‪...‬‬
‫إذن فتح اإلسالمُ الباب بمقدارٍ‪ ،‬ولم يغلقه عمّ!!ا ع!!دا ذل!!ك‪ ،‬وإنم!!ا‬
‫يحت!اج األم!ر إلى فَهْمٍ مقاص!ديٍّ ش!املٍ‪ ،‬وق!راءةٍ تاريخيّ!ةٍ دقيق!ةٍ‪،‬‬
‫وتجاوزٍ لعَقَبات عُرْفيّ!!ة واجتهاديّ!!ة مص!!طَنَعةٍ؛ للوص!!ول إلى نت!!ائج‬
‫مُرْضيةٍ ومحمودةٍ‪.‬‬
‫فمثالً‪ :‬بَدَل أن نق!!ف ط!!ويالً إلثب!!اتِ ش!!رعيّة وَقْ!!ف ال!!وقت(‪)1‬؛‬
‫التزاماً بالتعريفات الحَرْفيّة للوَقْف‪ ،‬وشروطه المس!!تَنْبَطة‪ ،‬وتفص!!يلِ‬
‫الكالم في المعوِّقات الفقهيّة التي تقف في مقابله‪ ،‬من قبيل‪ :‬المفارقة مع‬
‫حقيقة الوَقْف؛ والتنافي مع تأبيد الوق!!وف؛ والمفارق!!ة بنَقْض غَ!!رَض‬
‫الوقف؛ وأصالة عدم المشروعيّة(‪ ،)2‬نرى أن مجتمعاتٍ أخرى ق!!د أق!!رَّتْ‬
‫ذلك كلَّه‪ ،‬وبدأَتْ باالستفادة منه‪ ،‬بل تعدَّتْه إلى غيره ممّا ق!!د يف!!وق‬
‫خيالنا‪ ،‬حيث اتَّخذوا ما نسمِّيه (بنك الوقت والعمل)‪ ،‬حيث يعمل الرجل‬
‫أو المرأة مع اآلخرين ـ من ذوي االحتياجات وطالبي المعونة والمس!!اعدة‬
‫ـ ما يظنّ أنّه سيحتاج إلى مثله في المستقبل‪ !،‬يعمله تطوُّعاً وبال أَجْرٍ‪،‬‬
‫مع تسجيلٍ ورعايةٍ ورقابةٍ رسميّةٍ‪ ،‬فيُحفَظ له هذا العمل‪ ،‬ف!!إذا احت!!اج‬
‫إلى مثله في شيخوخته أو في مَرَضه أو‪ ..‬أرسلوا إليه مَنْ يعمل ل!!ه م!!ا‬
‫كان قد عمله لغيره؛ وفاءً لحقِّه‪ ،‬وسداداً لما ادَّخره من عملٍ سابقٍ في‬
‫نفس المضمار‪.‬‬
‫وه!!ذا من تجلِّي!!ات رهاف!ة الحسّ ويَقَظ!ة الش!!عور بالمس!ؤوليّة‬
‫االجتماعيّة العامّة‪ ،‬وأن المنافع ليست متوقِّفةً على مس!!ؤوليّة الفَ!!رْد؛‬
‫فمَنْ ال أرحام له‪ ،‬وال جيران‪ ،‬وال أصدقاء‪ !،‬يقومون بخدمته ومساعدته في‬
‫محنته ووقت حاجت!!ه‪ ،‬وق!!د يتخلَّف!!ون ل!!و وُج!!دوا‪ ،‬ال ي!!رى في ذل!!ك‬
‫غضاضةً؛ فإن مسؤوليّة النظام العامّ كفيلةٌ بحمايته؛ إذ هو فردٌ عام!!لٌ‬
‫قد خدم غيره‪ ،‬فإذن سيكون هذا الغير ـ ولو بأشخاصٍ آخرين ـ مس!!ؤوالً‬
‫عن خدمته ورعايته‪.‬‬
‫لَسْتُ في مقام الدعوة إلى اجته!!ادٍ في مقاب!!ل نصٍّ‪ ،‬وال إلى حكمٍ‬
‫بغير ما أنزل اهلل‪ ،‬ولكنّه!!ا إث!!ارةٌ معرفيّ!!ةٌ في فق!!هٍ تقلي!!ديٍّ راك!!دٍ‪،‬‬
‫ودعوةٌ صادقةٌ إلعادة ق!!راءةٍ وفَهْمٍ لم!!ا أن!!زل اهلل وم!!ا ورد في النصّ‬
‫المقدَّس (القرآن الكريم؛ والسنّة القطعيّة الشريفة)‪ ،‬وَفْق منهجٍ يلحظ‬
‫تاريخيّةَ الكثير من األحكام‪ ،‬ومراعاتَه!!ا لظ!!روفٍ خاصّ! ةٍ‪ ،‬ومالبس!!اتٍ‬
‫آنيّةٍ أحاطَتْ بها‪ ،‬ولم تُنْقَل إلينا في متن اآلي!!ة أو الرواي!!ة على وج!!هٍ‬
‫صريحٍ ودقيقٍ‪ ،‬فكان ال بُدَّ من اكتشافها بالسَّبْر والتحليل‪ ،‬وغيرها من‬
‫وسائل التحقيق‪ ،‬ال!!تي توص!!ل إلى االطمئن!!ان والوث!!وق‪ ،‬وتمثِّ!!ل حجّ!!ةً‬
‫شرعيّةً في مقام االستدالل واالستنباط‪.‬‬
‫كما أن كثيراً من المعامالت تق!!ع ض!!من منطق!!ة الف!!راغ‪ ،‬وفيه!!ا‬
‫متَّسَعٌ لرأيٍ عقالئيٍّ حكيمٍ‪ ،‬يلحظ المصلحة العامّة والنَّفْ!!ع الكب!!ير‪،‬‬
‫وال يعوزن !ا! س!!وى الجُ!!رْأة وتحمُّ!!ل مش!!اقّ وعن!!اء مث!!ل ه!!ذا البحث‬
‫والتحقيق‪ ،‬وهو ممّا نَذَر له الفقهاء والمجتهدون أنفسهم‪ ،‬فهل من ب!!اذلٍ‬
‫جُهْ!!ده وعقل!!ه وراحت!!ه و‪ ..‬في س!!بيل تجدي!!دٍ حقيقيٍّ واقعيٍّ ن!!افعٍ‬
‫ومفيدٍ؟!‬
‫هذا هو األَمَل والرجاء؛ عسى أن نشهد أمّةً إسالميّةً بحقٍّ‪ ،‬آخذةً‬
‫بأسباب التقدُّم والرقيّ‪ ،‬متدرِّجةً في سُلَّم الحضارة اإلنسانيّة‪ ،‬تستفيد‬
‫ممّا أنعم اهلل به على اإلنس!!ان من وقتٍ وق!!وّةٍ وص!!حّةٍ وفك!!رٍ ووَعْيٍ‬
‫ومواردَ طبيعيّةٍ وبشريّةٍ هائلةٍ‪.‬‬

‫الهوامش‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعي‬


‫وأثرها في علم أصول الفقه‬
‫ـ القسم األ ّول ـ‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ صادق الالريجاني‬
‫(‪)3‬‬
‫بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬
‫تمهي ٌد‬
‫اشتهر في لسان الفقهاء واألصوليين (أن الواقعة ال تخلو من حكمٍ)‪،‬‬
‫وأنّه ما من ظاهرةٍ من ظواهر الحياة إالّ ولها حكمٌ شرعي‪ .‬وقد أرس!!لها‬
‫بعضُهم إرسال المسلَّمات؛ بينما ناقش فيها بعضٌ آخ!!ر‪ .‬ولكنّهم ـ م!!ع‬
‫ذلك ـ لم يعقدوا لذلك بحثاً خاصّاً على حِدَةٍ‪ ،‬وإنّما تعرّضوا لها في‬
‫أثناء البحوث األصولية على وجه اإلشارة واالختصار‪ ،‬عدا مَنْ شذَّ منهم‪،‬‬
‫كالمحقِّق الخراساني& في فوائده‪ ،‬على ما يأتي ذكره إنْ شاء اهلل‪.‬‬
‫وال يخفى أنّ هذه المسألة من المبادئ التص!!ديقية األحكامي!!ة لعلم‬
‫األصول؛ إذ قد يُستعان بها في نطاق القياسات األصولية‪ ،‬ويعتمد! عليها في‬
‫استحصال قواعدها‪ ،‬وهذا ما يفرض علينا أن نفرد لها بحثاً مستقالًّ؛ لكي‬
‫ندرس من خالل ذلك ما يتّصل به!!ذه القاع!!دة من بح!!وثٍ‪ ،‬في مختل!!ف‬
‫الجوانب وشتّى الجهات‪ ،‬على ما هو حقُّها‪ ،‬فنقول‪ ،‬وباهلل االستعانة‪:‬‬
‫الكالم على هذه القاعدة يقع في مقامين‪:‬‬
‫المقام األوّل‪ :‬في بيان المراد بالقاعدة‪ ،‬وتحرير موضع النزاع فيها‪.‬‬
‫المقام الث!اني‪ :‬في تحقي!!ق المس!ألة‪ ،‬وبي!ان ال!!رأي الص!واب فيه!ا‪.‬‬
‫وتلحقهما‪:‬‬

‫*)(*) أحد الفقهاء البارزين‪ ،‬ومن أبرز أساتذة الفكر والفلسفة‪ .‬رئيس مجمع‬
‫تشخيص مصلحة النظام في إيران‪ .‬يُ َع ّد أحد أبرز نقّاد بعض التيّارات اإلصالحيّة‪.‬‬
‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪14‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫خاتمةٌ‪ :‬في استعراض بعض ما يتوقَّف على هذا المبدأ من المباحث‬


‫األصولية؛ لكي يتَّضح بذلك أثره في هذا العلم أكثر فأكثر‪.‬‬
‫وإليك تفصيل هذا اإلجمال‪:‬‬

‫المقام األ ّول‪ :‬بيان المراد بالقاعدة وتحرير موضع النزاع فيها‬
‫وينبغي من أجل ذلك استعراض األمور التالية‪:‬‬

‫ي في القاعدة‬
‫األمر األ ّول‪ :‬الحكم الشرع ّ‪6‬‬
‫والكالم على ذلك في جهتين‪:‬‬

‫الجهة األولى‪ :‬أقسام الحكم وأنواعه‬


‫وبما أنّ للحكم انقساماتٌ عديدة‪ ،‬فالكالم يقع ضمن عدّة نقاط‪:‬‬

‫ي والوضع ّي‬‫‪1‬ـ الحكم التكليف ّ‪6‬‬


‫أمّا األحك!!ام التكليفي!!ة فالظ!!اهر أنّ الم!!راد ب!!الحكم في موض!!وع‬
‫القاعدة مطلق أقسامها الخمسة‪ ،‬حتّى اإلباحة‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬إنّ الواقع!!ة‬
‫ال تخل!!و عن حكمٍ ش!!رعيّ‪ ،‬حتّى ل!!و ك!!ان ذل!!ك الحكم الش!!رعيّ ه!!و‬
‫اإلباحة‪.‬‬
‫والغرضُ أنّ النزاع في هذه القاعدة إنّما هو بعد الفراغ عن ك!!ون‬
‫اإلباحة حكماً مجعوالً؛ إذ ل!!و قي!!ل‪ :‬إنّ اإلباح!!ة بقس!!مَيْها‪ :‬االقتض!!ائية؛‬
‫والالاقتضائية‪ ،‬ليست إالّ عدم جعل األحكام األربعة لم يبْ!!قَ له!!ذا ال!!نزاع‬
‫معنىً محصَّلٌ؛ لوضوح إمكان خلوّ الواقعة حينئذٍ من الحكم‪ ،‬بل وقوعه؛‬
‫وذلك فيما إذا لم يكن هناك أيّ مصلحةٍ أو مفس!!دة ت!!دعو إلى البعث أو‬
‫الزجر‪ ،‬كما في اإلباحة الالاقتضائية؛ أو كانت المصلحة في إطالق العنان‬
‫والترخيص‪ ،‬كما في اإلباحة االقتضائية‪.‬‬
‫وكذلك األمر لو قي!!ل‪ :‬إن خص!!وص اإلباح!!ة الالاقتض!!ائية أم!!رٌ‬
‫ع!!دميّ‪ ،‬دون االقتض!!ائيّة‪ .‬اللهمّ إالّ أن يُب!!نى على م!!ا بنَيْن!!ا علي!!ه من‬

‫‪15‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫انحصار اإلباحة في االقتضائية‪ ،‬كما سيأتي قريباً؛ إذ ال مجال بناءً علي!!ه‬


‫لدعوى خلوّ الواقعة عن الحكم‪ ،‬فيما إذا لم يكن فيها أيّ اقتض!!اءٍ لل!!ترك‬
‫أو الفعل؛ إذ ال يوجد هناك واقعةٌ كهذه‪ ،‬وسيأتي الكالم عن هذه إنْ ش!!اء‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬
‫وأمّا األحكام الوضعية فال!!ذي يقتض!!يه التتبُّ!!ع في كلم!!اتهم‪ ،‬ب!!ل‬
‫الرؤية العابرة لعباراتهم‪ ،‬هو القطع بأنه!!ا أجنبيّ!!ة عن م!!رامهم من حيث‬
‫األساس‪ ،‬كما سيظهر ممّا يأتي من النصوص إنْ شاء اهلل تع!!الى‪ .‬غ!!ير أن‬
‫هذا المق!!دار ال يكفي لقص!!ر البحث على الحكم التكليفي‪ ،‬وإخ!!راج الحكم‬
‫الوضعي من موض!!وع القاع!!دة‪ ،‬كم!!ا ه!!و واض!!حٌ‪ ،‬فمن الج!!دير بن!!ا أن‬
‫نتساءل‪ :‬هل تخلو الواقعة من الحكم الوضعيّ أم ال؟‬
‫ورُبَما يس!بق! إلى ال!وَهْم أنّ!!ه ال مج!ال له!ذا البحث في األحك!!ام‬
‫الوض!!عيّة إذا افترض!!نا أن المقص!!ود بالواقع!!ة ه!!و الفع!!ل؛ ألن األحك!!ام‬
‫الوضعية كثيراً ما ال تتعلَّق باألفع!ال‪ ،‬ب!ل باألش!!ياء الخارجي!ة أو ذوات‬
‫المكلَّفين‪ ،‬كما هو واضحٌ‪ ،‬وحينئذٍ فمن الط!!بيعي أن تخل!!و منه!!ا بعض‬
‫األفعال‪ ،‬وال حاجة في ذلك إلى بحثٍ ونظر‪.‬‬
‫ولكنّك خبيرٌ بما فيه من الخَبْط الواض!ح‪ ،‬حتّى ل!و افترض!نا أن‬
‫المراد بالواقعة خصوص األفع!!ال؛ ف!!إن ج!!واز تعلُّ!!ق األحك!!ام الوض!!عية‬
‫بالذوات‪ ،‬وعدم انحصار متعلّقها باألفعال‪ ،‬ال يالزم خلوّ بعض األفع!!ال عن‬
‫الحكم الوضعيّ؛ بداهة أن باإلمكان أن ال يكون هناك فع!!لٌ إالّ ول!!ه حكمٌ‬
‫وضعيّ‪ ،‬ومع ذلك ال تكون األحكام الوضعيّة خاصّةً باألفعال‪ ،‬بل تتعلَّق‬
‫بغيرها من الذوات واألشياء أيضاً‪ ،‬وهذا يعني أنه باإلمك!!ان تعميم ال!!نزاع‬
‫بالنسبة إليها‪ ،‬بتقريب أنه‪ :‬هل يمكن أن تخلو الواقعة من حكمٍ وضعيّ أم‬
‫يجب أن يكون لكلّ فعلٍ وواقعة حكمٌ وضعيّ؟‬
‫وتوهُّمُ أن البحث عن األحكام التكليفية سوف يغنينا عن الكالم على‬
‫األحكام الوضعية‪ ،‬بعد العلم بأنّه ال مجال لحكمٍ وضعيّ إذا لم يكن هن!!اك‬
‫حكمٌ تكليفيّ‪ ،‬م!!دفوعٌ بأن!!ه س!!واءٌ بنَيْن!!ا على أنّ األحك!!ام الوض!!عيّة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪16‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫بأَسْرها منتزعةٌ عن األحكام التكليفية ـ كما عليه الشيخ األعظم & ومَنْ‬
‫تبعه ـ‪ ،‬أو قلنا‪ :‬إنها بأَسْرها مجعوالتٌ مستقلّة‪ ،‬أو قلنا بالتفصيل‪ ،‬وإنّها‬
‫قد تكون منتزعةً عنها؛ وقد تكون مجعوالتٍ مستقلةً تقع في موض!!وعها‪،‬‬
‫فلن نكون ـ على أيّ تقديرٍ ـ في غ!!نىً عن ه!!ذا البحث بش!!أن األحك!!ام‬
‫الوضعيّة خاصّةً؛ حتّى إذا افترضنا تماميّة القاعدة في الحكم التكليفيّ‪.‬‬
‫وهذا واضحٌ على الوجهين األخيرين‪ ،‬وال مج!!ال ـ بن!!اءً عليهم!!ا ـ‬
‫لتوهُّم المالزمة بينهما؛ ألنّ األحكام الوضعيّة حينئذٍ ـ إمّ!!ا كلّه!!ا أو‬
‫بعضها ـ بحاج!!ةٍ إلى جع!!لٍ مس!!تقلّ‪ ،‬وال يكفي مج!!رّد جع!!ل األحك!!ام‬
‫التكليفية لحدوثها‪ ،‬وهذا يعني أنه باإلمكان أن يكون هناك واقعةٌ بال حكمٍ‬
‫وضعيٍّ على الرغم من ثبوت حكمٍ تكليفيّ له!!ا‪ ،‬فال بُ!!دَّ من البحث عن‬
‫خلوّ الواقعة عن الحكم الوضعيّ أيضاً‪.‬‬
‫وأمّا على الوجه األوّل فكذلك؛ وذل!!ك ألنّ الحكم الوض!!عيّ وإنْ‬
‫كان ـ بناءً عليه ـ مالزِم!!اً للحكم التكليفيّ مالزم!!ة المن!!تزع لمنش!!أ‬
‫انتزاعه‪ ،‬إالّ أنَّ المالزمة من طرفٍ واحد‪ ،‬وليس الحكم التكليفي مالزماً‬
‫النتزاع الحكم الوضعيّ منه؛ إذ ليس كلّ حكمٍ تكليفيّ ينتزع من!!ه حكمٌ‬
‫وضعيّ‪ ،‬وإنْ كان ك!!لّ حكمٍ وض!!عيّ منتزع!!اً من حكمٍ تكليفي‪ ،‬وه!!ذا‬
‫واضحٌ بأدنى تأمُّلٍ‪.‬‬
‫وعليه فإثبات أنّ الواقعة ال تخلو من الحكم التكليفيّ ال يغنين!!ا عن‬
‫الكالم في خل!!وّ الواقع!!ة عن الحكم الوض!!عيّ‪ ،‬فال بُ!!دَّ من عق!!د بحثٍ‬
‫مستقلٍّ عن خصوص األحكام الوضعيّة‪.‬‬
‫إالّ أنّ وجه!!ة نظرن!!ا في ه!!ذه الرس!!الة مقص!!ورةٌ على األحك!!ام‬
‫التكليفية‪ ،‬وال نبحث عن خلوّ األفعال وعدم خلوّه!!ا من الحكم الوض!!عيّ؛‬
‫فإنّ ذلك ممّا يتطلّب مجاالً آخر من البحث‪ ،‬لعلّ التوفيق يساعدنا عليه‬
‫فيما بعد إنْ شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫وقد يُقال‪ :‬إنّه ال يبعد! القول بعدم الخلوّ فيه!!ا أيض!!اً‪ ،‬على أس!!اس‬
‫أنّ أفعال المكلَّفين كلّها مملوك!!ةٌ لهم بالمِلْكيّ!!ة الش!!رعية الذاتي!!ة‪.‬‬

‫‪17‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫والمِلْكيّة حكمٌ وضعيّ‪ ،‬وهذا يع!!ني‪ :‬ع!!دم خل!!وّ فع!!لٍ من األفع!!ال عن‬
‫الحكم الوضعيّ‪.‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فتحقيق القول في ذلك ـ إيجاباً وسلباً‪ ،‬وما ي!!ترتّب‬
‫عليه من الثمار األصولية أو الفقهية‪ ،‬موكولٌ إلى مجالٍ آخر‪.‬‬

‫ي‬
‫‪2‬ـ الحكم الواقع ّي والظاهر ّ‬
‫فإن من الواجب علينا أيضاً أن نتساءل عن موقعهما في هذا ال!!نزاع‪،‬‬
‫وأنه هل يشملهما معاً‪ ،‬أو يختصّ بأحدهما دون اآلخر؟‬
‫والجواب‪ :‬إنه باإلمكان في بادئ النظ!!ر دخ!!ول القس!!مين في مح!!لّ‬
‫النزاع‪ ،‬إالّ أن المصرَّح به في بعض الكلمات ـ على ما ي!!أتي إنْ ش!!اء اهلل‬
‫تعالى ـ اختصاص ما سيأتي من األدلّة ب!!الحكم ال!!واقعيّ‪ ،‬وخ!!روج الحكم‬
‫الظاهريّ عن موضوع! القاعدة‪ ،‬وهذا يعني إمكان خلوّ الواقع!!ة من الحكم‬
‫الظاهريّ‪.‬‬
‫وقد يُق!!ال‪ :‬إنَّ الظ!!اهر ممّ!!ا أف!!اده الش!!يخ األعظم& في مج!!اري‬
‫األصول العمليّة هو الحصر العقلي(‪ ،)4‬ومن الواضح أنّ معنى ذل!!ك حكم‬
‫العقل بعدم خلوّ الواقعة من الحكم الظاهريّ أيضاً‪.‬‬
‫والج!!واب‪ :‬إن المقص!!ود في المق!!ام ه!!و الحكم الش!!رعي‪ ،‬فال يعمّ‬
‫االحتياط والتخيير العقليّين المشتمل عليهما ما ذك!!ره الش!!يخ األعظم&‬
‫بذاك الصدد‪.‬‬
‫وكيف كان فالكالم في هذه الرسالة مقصورٌ على الحكم الواقعيّ‪،‬‬
‫ودراسة المس!!ألة في الحكم الظ!!اهريّ ـ إيجاب!!اً وس!!لباً‪ ،‬والبحث عمَّ!!ا‬
‫يترتَّب عليه من اآلثار ـ موكولٌ إلى مجالٍ آخر‪.‬‬

‫ي‬
‫ي واإلرشاد ّ‬‫‪3‬ـ الحكم المولو ّ‬
‫لق!!د قس!َّ! م المحقِّ!!ق الش!!عراني الحكم الش!!رعيّ إلى‪ :‬مول!!ويّ؛‬
‫وإرشاديّ‪ ،‬ثم ادَّعى دخول القسمين في موضوع! القاعدة‪ .‬وإليك نصّ ما‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪18‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫أفاده حول القاعدة‪:‬‬


‫ال يجوز خلوّ الواقع!!ة عن حكمٍ‪ ،‬وه!!ذا واض!!حٌ بع!!دما ثبت تبعيّ!!ة‬
‫األحكام للحُسْن والقُبْح الذاتيّين؛ وأما بناءً على مذهب األشاعرة فيجوز‬
‫أن ال يحكم الشارع في واقعةٍ بشيء أصالً‪ .‬وال بُدَّ أن يكون الحكم هاهنا‬
‫أعمّ من الحكم المولويّ واإلرشاديّ؛ فإن معرفة اهلل تعالى لها حكمٌ‪ ،‬وهو‬
‫الوجوب؛ لحُسْنها ال!!ذاتيّ‪ ،‬لكن ليس وجوب!!ه مولويّ!!اً‪ .‬وك!!ذلك مالزم‬
‫المحرَّم له حكمٌ ألبتّة‪ ،‬وليس حكمه الوجوب واالستحباب وغيرهم!!ا‪ ،‬إالّ‬
‫الحرمة‪ ،‬ولكنّ حرمت!!ه إرش!!اديةٌ‪ ،‬ومقدّم!!ة ال!!واجب واجب!!ةٌ ب!!الوجوب‬
‫اإلرشاديّ‪ ،‬وكذلك اإلطاعة واجبة إرشاداً(‪.)5‬‬
‫ويُالحَظ عليه‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬ما سيأتي من عدم ابتناء وتوقُّ!!ف ه!ذه القاع!دة على الق!ول‬
‫بالحُسْن والقُبْح الذاتيين لألشياء‪ ،‬وأعمّية البحث عن المصالح والمفاسد‬
‫والحُسْن والقُبْح‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬إنّ المقسَّم لما ذكره من اإلرشادي والمولوي ه!!و األم!!ر‪،‬‬
‫دون الحكم؛ وذلك ألنّ الحكم هو اإلنشاء بداعي جع!!ل ال!!داعي المنتَ!!زَع‬
‫عنه البعث والزجر‪ ،‬وهذا ـ كم!!ا ت!رى ـ ال يالئم إالّ المولويّ!!ة‪ ،‬وأم!ا‬
‫اإلرشاد فهو اإلنشاء بداعي اإلرشاد‪ ،‬وهذا ال ينتزع عن!!ه البعث وال الزج!!ر‪،‬‬
‫ومن ثَمَّ ال مجال للمولويّة فيه‪.‬‬
‫وبالجملة اإلنشاء في كلّ موردٍ مصداقٌ للداعي الذي ينشأ ألجل!!ه‪،‬‬
‫فإنْ كان بداعي البعث فهو بعثٌ‪ ،‬وإنْ كان بداعي الزجر فهو زجرٌ‪ ،‬وإنْ‬
‫كان بداعي اإلرشاد فهو إرشادٌ‪ ،‬وإنْ كان بداعي االمتحان أو الس!!خرة أو‬
‫التعجيز أو غيرها فهو مص!!داقٌ له!!ا‪ .‬وليس الحكم إالّ خص!!وص اإلنش!!اء‬
‫بداعي البعث والزجر‪.‬‬
‫وأمّا األمر فبما أنّه عبارةٌ عن الص!!يغة ال!!تي ينش!!أ به!!ا البعث‪ ،‬من‬
‫دون مالحظة ما يدعو إليه‪ ،‬صحّ انقسامه إلى‪ :‬مولويّ؛ وإرشاديّ‪ .‬فاألمر‬
‫المولويّ ما كان بداعي البعث‪ ،‬واألمر اإلرشاديّ ما كان بداعي اإلرش!!اد‪.‬‬

‫‪19‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫وهكذا الكالم في النهي‪.‬‬


‫نعم‪ ،‬لو قيل‪ :‬إن حقيقة اإلرشاد تشتمل على نوعٍ من اإلل!!زام‪ ،‬كم!!ا‬
‫هو المختار‪ ،‬صحّ ما ذكره في الجملة‪ ،‬والتفصيل في محلّه‪.‬‬

‫الجهة الثانية‪ 6:‬مراتب‪ 6‬الحكم ومراحله‬


‫فهل أن الحكم التكليفيّ داخلٌ في موضوع القاعدة بجميع مراتبه أم‬
‫ال؟‬
‫والتحقيقُ أنّ المراد بالحكم هاهنا ال يخل!!و ب!!ادئ النظ!!ر عن أح!!د‬
‫المراتب األربعة‪:‬‬
‫أوّلها‪ :‬أن يُراد به مرتب!!ة اإلرادة‪ ،‬ال!!تي هي روح الحكم وحقيقت!!ه؛‬
‫فإنّ العقل إنما يحكم من أجله!!ا بوج!!وب الطاع!!ة واالمتث!!ال‪ ،‬واس!!تحقاق‬
‫العقوبة بالتعدّي والعصيان‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬أن يُراد به مرتبة اإلنشاء بالمعنى المختار‪ ،‬أي اإلنشاء بداعي‬
‫جعل الداعي‪ ،‬ال بالمعنى الذي ذكره المحقِّق الخراساني&‪ ،‬الفاق!!د للبعث‬
‫والزجر؛ إذ قد تكرَّر منّا مراراً‪ ،‬تَبَعاً للمحقِّق األصفهاني &‪ ،‬أنّ اإلنشاء‬
‫الفاقد للبعث والزجر إمّا أن يكون مقترناً بداعٍ آخر غير البعث والزجر‬
‫فيكون مصداقاً لذلك الداعي‪ ،‬وأجنبياً عن الحكم الش!!رعيّ؛ وإمّ!!ا أنْ ال‬
‫يكون مقترناً بأيّ داعٍ مفروض‪ ،‬وهو محالٌ؛ ألن اإلنشاء فعلٌ اختي!!اريّ‪،‬‬
‫وال معنى للفعل االختياريّ إذا لم يكن هناك داعٍ يدعو إليه‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬المصطلحان مشتركان في مقابلتهما للفعليّة‪ ،‬إالّ أنّ المقصود‬
‫عندنا بالفعلية يختلف عمّا هو المقصود له&‪ ،‬كما يأتي‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬أن يُراد به مرتبة الفعلية‪ .‬والمقصود بها تلك المرتبة التي‬
‫تحصل للحكم بعد فعليّة الشرائط والقي!!ود الم!!أخوذة في!!ه؛ وهي كون!!ه‬
‫ثابتاً في ذمّة هذا المكلَّف أو ذاك بخصوصه‪ .‬فوج!!وب الحج ل!!ه فعليّ!!ةٌ‬
‫على ذمّة المكلَّف المستطيع زائدةٌ على وجوده قبلها في عالم التش!!ريع‪،‬‬
‫وهذا يع!!ني أنّ البعث والزج!!ر ق!!د يتعلَّق!!ان بالعن!!اوين والجه!!ات‪ ،‬لكنْ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪20‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫مشروطَين بأمور رُبَما ال تكون موجودة في نفس الحين‪ ،‬فتك!!ون فعليّ!!ة‬


‫البعث والزجر معلّقة على فعليّة تل!ك األم!ور‪ ،‬كم!ا تق!دَّم البحث عن‬
‫ذلك مشبعاً في موضعه‪ .‬فليس المقصود بالفعليّة م!!ا ذك!!ره المحقِّ!!ق‬
‫الخراساني&‪ ،‬من انقداح البعث والزجر في نفس المولى؛ فإنّ ذل!!ك ممّ!!ا‬
‫يتقوَّم به الحكم في مرحلة اإلنشاء‪ ،‬كما تبيَّن‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬أن يُراد به مرتب!!ة التنجُّ!!ز‪ .‬والمقص!!ود ب!!ه ك!!ون الحكم‬
‫بحيث يقع موضوعاً لحكم العقل باستحقاق العقاب على المخالف!!ة‪ .‬وه!!ذا‬
‫غير الفعليّة المتق!!دِّم ذكره!!ا؛ إذ رُبَم!!ا يك!!ون الحكم فعلي!!اً بفعليّ!!ة‬
‫موضوعه‪ ،‬ولكنّه غير منجّ!!ز بع!!دُ؛ لع!!دم علم المكلَّ!!ف ب!!ه‪ ،‬بن!!اءً على‬
‫اشتراط العلم في المنجّزيّة فقط؛ إمّ!!ا عقالً‪ ،‬كم!!ا ه!!و مف!!اد القض!!ية‬
‫القائلة بقُبْح العقاب بال بيان؛ أو شرعاً‪ ،‬كما هو مفاد حديث الرَّفْع وما‬
‫يشبهه‪.‬‬
‫وال شَكَّ أنّ هذه المرتب!!ة الرابع!!ة ال ت!!دخل في موض!!ع ال!!نزاع؛‬
‫بداهة أن كثيراً من األحكام الشرعية الفعليّة غير منجّ!!زة بالنس!!بة إلى‬
‫كثيرٍ من المكلَّفين؛ لعدم العلم بها‪ ،‬فال مجال بعد ذل!!ك ل!!دعوى ع!!دم‬
‫خلوّ الواقعة ـ أيّ واقعةٍ ـ عن الحكم التنجيزي‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬يمكن القول بذلك على س!!بيل الموجب!!ة الجزئيّ!!ة‪ ،‬بمع!!نى أن‬
‫الحكم المجعول ال بُدَّ أن يبلغ مرتبة التنجُّ!!ز‪ ،‬ول!!و في بعض األحي!!ان‪،‬‬
‫وبالنسبة إلى بعض المكلَّفين‪ ،‬وإالّ كان جَعْله لَغْواً‪ .‬أمّ!!ا أن!!ه ال بُ!!دَّ‬
‫في كلّ واقعةٍ من حكمٍ تنجيزيّ على سبيل الموجبة الكلّية فه!!ذا ممّ!!ا‬
‫لم يدلّ عليه دليلٌ‪ ،‬بل الدليل على عدمه‪ ،‬كما عرفْتَ‪.‬‬
‫كما ال شَكَّ أنّ المرتبة الثالثة خارجةٌ أيضاً عن مصبّ ال!!نزاع؛‬
‫لوضوح أنّ كثيراً من األحكام المجعول!!ة ليس!!ت بفعليّ!!ةٍ؛ تَبَع!!اً لع!!دم‬
‫فعليّة موضوعاتها‪ ،‬ولو في الجملة‪ ،‬كم!!ا إذا لم يكن المكلّ!!ف مس!!تطيعاً‪،‬‬
‫فإنّ وجوب الحجّ ليس فعليّاً بالنسبة إليه‪ ،‬وإنْ ك!!ان ثابت!اً في مرحل!ة‬
‫اإلنشاء‪ .‬وهذا المقدار ممّا ال رَيْبَ فيه‪ ،‬وال شَكَّ يعتريه‪.‬‬

‫‪21‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫وال يخفى أنّ المراد بالفعليّة في مصطلح المحقِّقَين الخراس!!انيّ‬


‫والعراقيّ نفس اإلنشاء مع انقداح البعث والزجر في نفس الم!!ولى؛ وأمّ!!ا‬
‫المحقِّق النائيني وأتباعه فالفعلية عندهم هي اإلنشاء المتحقِّق موضوعه‬
‫وقيوده‪.‬‬
‫وما ذكَرْنا من خروج الفعليّة عن موضع النزاع إنّما هي الثاني!!ة‪،‬‬
‫وأمّا الفعلي!!ة بالمص!!طلح األوّل ـ ال!!تي هي اإلنش!!اء‪ ،‬حَسْ! ب مص!!طلح‬
‫المحقِّق النائيني ـ فهي داخلةٌ في موضع النزاع بال رَيْبٍ؛ حيث ي!!دّعي‬
‫الشيخ اآلخوند& إمكانَ خلوّ الواقعة منها بقوله‪« :‬وعدم خلوّ الواقعة عن‬
‫الحكم فهو إنّما يكون بحسب الحكم ال!!واقعيّ‪ ،‬ال الفعلي»(‪ ،)6‬ب!!ل وقوعَ!!ه‬
‫في موارد الجهل وقيام األمارة على الخالف بقوله‪« :‬إنّ قض!!ية حجّيته!!ا‪،‬‬
‫أي األمارات‪ ،‬ليس إالّ تنجُّز مؤدّياتها عند إصابتها‪ ،‬والعذر عن!!د خطئه!!ا‪،‬‬
‫فال يكون حكمٌ أصالً! إالّ الحكم الواقعيّ‪ ،‬فيصير منجّزاً فيما ق!!ام علي!!ه‬
‫حجّةٌ من علمٍ أو طريقٍ معتبر‪ !،‬ويكون غير منجّزٍ‪ ،‬بل غير فعليٍّ‪ ،‬فيما‬
‫لم تكن هناك حجّةٌ مصيبة‪ ،‬فتأمَّلْ جيّداً»(‪ .)7‬بينما ينكره آخرون؛ إمّ!!ا‬
‫لكونه على خالف ظواهر األخبار المتواترة ومعاقد اإلجماعات من اشتراك‬
‫األحكام بين العالمين والجاهلين فحَسْ! ب‪ ،‬أو مض!!افاً إلى اس!!تلزامه أخ!!ذ‬
‫العلم بالحكم في موضوعه‪ !،‬وهو دَوْرٌ أو لَغْوٌ‪.‬‬
‫وقد عثَرْنا بعد ذلك على كالمٍ يُحكى عن القائ!!د الراحل& به!!ذا‬
‫الصدد في بعض تقارير بحثه؛ ففي (تنقيح األصول)‪« :‬وأمّ!!ا ـ ثاني!!اً ـ‬
‫فألنّا ال نسلِّم امتناع خلوّ الواقعة عن حكمٍ‪ ،‬ف!!إنّ الممتن!!ع خلوّه!!ا عن‬
‫الحكم واقع!!!اً‪ ،‬ال الحكم الفعليّ‪ ،‬فإنّ!!!ه ال يمتن!!!ع خلوّه!!!ا عن الحكم‬
‫الفعلي»(‪)8‬؛ وكذا في (معتمد! األصول) حيث قال‪« :‬ف!!إنّ ه!!ذا ل!!و س!!لِّم‬
‫فإنّما هو بحَسَب الحكم الواقعيّ‪ ،‬ال الفعلي»(‪.)9‬‬
‫وال يوجد عن ذلك شيءٌ في هذا الموض!!ع من (من!!اهج الوص!!ول)‪،‬‬
‫الذي كتبه هو بنفسه&‪ ،‬كما ال يوجد عنه شيءٌ في سائر التقارير‪.‬‬
‫وبهذا يتعيَّن أن يكون النزاع في إحدى! المرتبتين األوليّين‪ :‬مرتبة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪22‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫اإلرادة والكراهة؛ ومرتبة اإلنشاء بداعي جعل الداعي المنتَزَع عن!!ه البعث‬
‫والزجر‪ ،‬وينصبّ البحث عندئ!!ذٍ على أنّ الواقع!!ة ه!!ل تخل!!و عن اإلرادة‬
‫والكراهة أم ال؟ وعلى الثاني(‪ :)10‬هل تخلو عن اإلنشاء أم ال؟‬

‫األمر الثاني‪ 6:‬الوقائع‪ ،‬بين الكلِّية‪ 6‬والجزئيّة‬


‫أقول‪ !:‬الظاهر أنّ الم!راد به!ا الوق!ائع على ص!فة الكلّي!ة‪ ،‬من دون‬
‫االختصاص ب!!الموارد الخاصّ! ة‪ ،‬ككُلِّيّ الحجّ والص!!الة والع!!دل وص!!لة‬
‫األرحام و‪...‬؛ ألنّ الكالم في األحكام الشرعية المجعولة على نهج القض!!ايا‬
‫الحقيقية؛ لوضوح أنّ النزاع ليس في الحكم المجع!!ول على نهج القض!!ية‬
‫الخارجيّة‪ ،‬مثل‪ :‬وجوب صالة الليل على النبيّ األعظم|‪ ،‬وج!!واز ال!!تزويج‬
‫بأكثر من أربع زوجات له|‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫والوجهُ في ذلك خروجُ تلك الفئة من األحك!!ام عن نط!!اق البحث‬
‫الفقهيّ قطعاً‪ ،‬بعدما لم تكن لها شأنيّة لشمول نوع المكلّفين وع!!امّتهم‪،‬‬
‫ومن المعلوم! أنّ الكالم إنّما هو في األحكام الشرعية التي يحاول الفقي!!ه‬
‫استنباطها من األدلة‪ ،‬وال!!تي له!ا نح!!وٌ من الكلِّي!ة بالنس!بة إلى أص!!ناف‬
‫الخاص!! ة بش!!خصٍ أو‬
‫ّ‬ ‫المكلَّفين وش!!عوبهم‪ ،‬وأمّ!!ا األحك!!ام الخارجيّ!!ة‬
‫أش!!خاص مح!!دَّدين من المكلَّفين فال ص!!لة بينه!!ا وبين البحث الفقهيّ‪،‬‬
‫كما هو واضحٌ‪.‬‬
‫وبهذا يتّضح أنّه ال فرق بين الكلِّية والجزئية من حيث النتيجة؛ إذ‬
‫لو ادُّعي أنّ كلّ واقعةٍ جزئية ال تخلو من حكمٍ أيضاً كان الزمه عدم‬
‫خل!!وّ تل!!ك الواقع!!ة بكلِّيته!!ا وطبيعته!!ا من ذاك الحكم؛ لنفس النكت!!ة‪.‬‬
‫واألمر سهلٌ بعد الوضوح‪.‬‬

‫ي اإلثبات ّي‬
‫ي والنقل ّ‪6‬‬
‫األمر الثالث‪ 6:‬نفي الخل ّو‪ 6،‬بين العقل ّي الثبوت ّ‪6‬‬
‫فهل المسألة سنخ مسألةٍ عقليّة ثبوتيّة‪ ،‬يستند! فيها إلى المالزم!!ات‬
‫العقليّة التي تفيد عدم خلوّ الواقعة عن الحكم‪ ،‬بمع!!نى ع!!دم اإلمك!!ان؛ أو‬

‫‪23‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫سنخ مسألةٍ نقليّة إثباتيّة‪ ،‬يستند فيها إلى اآلي!!ات القرآنيّ!!ة والرواي!!ات‬
‫المأثورة عن أهل بيت العصمة والطهارة^؟(‪.)11‬‬
‫والمتصوَّر في بادئ النظر وجوه ثالثة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن تكون المسألة عقليّةً بَحْتة‪ ،‬وال يدلَّ عليه!!ا ش!!يءٌ من‬
‫الكتاب والسنّة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن تكون المسألة نقليّةً بَحْتة‪ ،‬وال ت!!دلّ عليه!!ا مالزم!!ةٌ‬
‫عقلية‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن تكون المسألة ممّا يدرك بالعق!!ل‪ ،‬ويؤيَّ!!د بالنق!!ل‪ ،‬أي‬
‫إنّهما متطابقان على عدم خلوّ الواقع!!ة من الحكم الش!!رعيّ‪ ،‬ولم يس!!كت‬
‫أحدهما عن ذلك‪ ،‬وهذا بخالف الوجهين المتقدِّمين‪ !،‬حيث إن الشرع ق!!د‬
‫سكت ـ على األوّل ـ عن إبداء الموقف تجاه هذه المسألة‪ ،‬كما أنّ العق!!ل‬
‫قد عجز ـ على الثاني ـ عن تحديد األم!!ر‪ ،‬وأنّ!!ه ه!!ل تخل!!و الواقع!!ة من‬
‫الحكم أو ال؟‬
‫وأيّاً ما كان فسوف يتَّضح من خالل البح!!وث اآلتي!!ة إنْ ش!!اء اهلل‬
‫تع!!الى أنّ الظ!!اهر من كلم!!ات األص!!حاب اختي!!ار واح!!د من ال!!وجهين‬
‫األخيرين‪ ،‬وأنّ المترائي من أكثرهم هو الثاني‪ .‬وأم!!ا الوج!!ه األوّل فلم‬
‫نجِدْ قائالً به بينهم‪ ،‬وإنْ كان قد يستظهر ذلك من كلم!!ات المحقِّ!!ق‬
‫الشعراني& المتقدِّمة‪ .‬وال يخلو من وجهٍ إذا بُني على عدم تماميّ!!ة م!!ا‬
‫سيأتي إنْ شاء اهلل تعالى من األدلّ!!ة النقلي!!ة‪ ،‬أع!!ني‪ :‬اإلجم!!اع واألخب!!ار‪،‬‬
‫للداللة على المطلوب‪.‬‬

‫قول الشهيد الثاني‪ 6‬في القاعدة‬


‫ويجدر بنا في الختام أن نستعرض! ما ذكره الشهيد الثاني& بص!!دد‬
‫هذه القاعدة في (تمهيد القواعد)‪ ،‬ممّا يتَّضح في ض!!وئه الظ!!روف ال!!تي‬
‫تربَّى فيها هذا النزاع‪ ،‬والتطوُّرات التي حصلت له إلى اليوم؛ ف!!إنّ ه!!ذا‬
‫قد يساعدنا! على أن نتعرَّف الحدود المرتسمة لهذا البحث عند األص!!حاب‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪24‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫حتّى نكون آخذين بعين االعتبار ـ عند تقييم األدلّة ـ داللتها على تل!!ك‬
‫الفكرة العامّة عن القاعدة‪ ،‬ال على تفسيرٍ نحن ندَّعيه اليوم‪.‬‬
‫قال الشهيد الثاني&‪ :‬فائدةٌ‪ ،‬وهي خاتمة القس!!م األوّل‪ :‬ليس ك!!لّ‬
‫مجتهدٍ في العقليات مصيباً‪ ،‬بل الحقّ فيه!!ا واح!!دٌ؛ فمَنْ أص!!ابه أص!!اب؛‬
‫ومَنْ فقده أخطأ وأثم إجماعاً‪ .‬وأمّا المجتهد في المسائل الفرعيّة ففيه‬
‫خالفٌ يبنى على أنّ كلّ صورةٍ هل لها حكمٌ معيّن أم ال؟‬
‫وقد لخَّص الرازي هذا الخالف فقال‪ :‬اختل!!ف العلم!!اء في الواقع!!ة‬
‫التي ال نصَّ فيها على قولين‪:‬‬
‫أحدهما ـ وبه قال األشعريّ وجمه!!ور المتكلِّمين ـ‪ :‬إن!!ه ليس هلل‬
‫تعالى فيها قبل االجتهاد حكمٌ معيّن‪ ،‬ب!!ل حكم!!ه تع!!الى فيه!!ا ت!!ابعٌ لظنّ‬
‫المجتهد‪ .‬وهؤالء هم القائلون بأنّ كلّ مجتهدٍ مص!!ي‪ .‬واختل!!ف ه!!ؤالء؛‬
‫فقال بعضهم‪ :‬ال بُدَّ أن يوجد في الواقع!!ة م!!ا ل!!و حكم اهلل تع!!الى فيه!!ا‬
‫بحكمٍ لم يحكم إالّ به؛ وقال بعضهم‪ ،‬ال يشترط ذلك‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬إنّ له تعالى في كلّ واقعة حكماً معيّناً‪.‬‬
‫وعلى هذا فثالثة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ ،‬وهو قولُ طائف!!ةٍ من الفقه!!اء والمتكلِّمين‪ :‬يحص!!ل الحكم‬
‫من غير داللةٍ وال أمارةٍ‪ ،‬بل هو كدفينٍ يعثر عليه الطالب اتّفاقاً‪ ،‬فمَنْ‬
‫وجده فله أجران‪ ،‬ومَنْ أخطأه فله أجرٌ‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬عليه أمارةٌ‪ ،‬أي دليلٌ ظنّي‪ .‬والقائلون ب!!ه اختلف!!وا؛‬
‫فقال بعضهم‪ :‬لم يكلَّف المجتهد بإصابته؛ لخفائه وغموضه؛! فلذلك كان‬
‫المخطئ فيه معذوراً مأجوراً‪ ،‬وه!!و ق!!ول جمه!!ور الفقه!!اء‪ ،‬وينس!!ب إلى‬
‫الشافعي وأبي حنيفة؛ وقال بعضهم‪ :‬إنّه مأمورٌ بطَلَبه أوّالً‪ ،‬فإنْ أخط!!أ‬
‫وغلب على ظنّ!ه ش!يءٌ آخ!ر‪ ،‬تغيَّ!ر التكلي!ف‪ ،‬وص!ار م!أموراً بالعم!ل‬
‫بمقتضى ظنِّه‪.‬‬
‫والقول الثالث ‪ :‬إنّ عليه دليالً قطعيّاً‪ .‬والقائلون به اتفقوا على أنّ‬
‫المجتهد مأمورٌ بطَلَبه‪ ،‬لكنْ اختلفوا؛ فقال الجمهور‪ :‬إن المخطئ في!!ه ال‬

‫‪25‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫ي!!أثم‪ ،‬وال يُنْقَض قض!!اؤه‪ ،‬وق!!ال البش!!ر المريس!!ي بالت!!أثيم‪ ،‬واألص!!مّ‬


‫بالنقض‪.‬‬
‫والذي نذهب إليه أن له تعالى في كلّ واقعةٍ حكم!!اً معين!!اً‪ ،‬علي!!ه‬
‫دلي!!!لٌ ظنّي‪ ،‬وأنّ المخطئ في!!!ه مع!!!ذورٌ‪ !،‬وأنّ القاض!!!ي ال يُنْقَض‬
‫قضاؤه(‪.)12‬‬

‫المقام الثاني‪ :‬مبادئ القاعدة وأدلّتها‬


‫وتفصيل الكالم عن ذلك يقع في‪ :‬مقدّمةٍ‪ ،‬وثالث مراحل‪:‬‬

‫مقدّمة‬
‫وفيه!!ا نس!!تعرض بعض م!!ا للمنك!!رين والمثب!!تين من النص!!وص‬
‫والعبارات؛ حتى يتبيَّن من خاللها االتجاهات المختلف!!ة في ه!!ذا المج!!ال‪،‬‬
‫فنقول‪:‬‬
‫من جمل!!ة المنك!!رين للقاع!!دة المحقِّ!!ق الخراس!!اني& في (فوائ!!د‬
‫األصول)‪ ،‬حيث قال‪...« :‬ظهر الحقّ في المقامين‪ ،‬وهو في المق!!ام األوّل‬
‫جواز خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعيّ‪ ،‬بحيث لم يكن فيها بعثٌ أو زج!!ر‪،‬‬
‫وال إرادةٌ أو كراهة ومولويّة‪ ،‬وال أمرٌ ونهي‪.)13(»...‬‬
‫وقد أشبع الكالم عن ذلك بتفصيلٍ‪ ،‬فشدّ النك!!ير على دع!!وى ع!!دم‬
‫الخلوّ بكلتا مرتبتي الحكم الداخلتين في مح!!لّ ال!!نزاع‪ ،‬على م!!ا تق!!دَّم‪،‬‬
‫وسيأتي إنْ شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫ومنهم القائد الراحل& في مسألة اقتض!!اء األم!!ر بالش!!يء للنهي عن‬
‫ضدّه العامّ‪ ،‬حيث ردَّ على المقدمة الثاني!!ة من مق!!دّمات وجهه!!ا الث!!اني‬
‫بقوله‪« :‬وثانياً‪ :‬لم يقُمْ دلي!!لٌ على ع!دم خل!وّ الواقع!!ة عن الحكم‪ ،‬ب!ل‬
‫الدليل على خالفه‪.)14(»...‬‬
‫ومنهم المحقِّق الرشتي&‪ ،‬في بدايع!ه‪ ،‬حيث ردَّ على م!ا حك!اه عن‬
‫صاحب (الفصول)‪ ،‬في ذي!!ل البحث من ج!!واز ك!!ون المتالزمين مختلفين‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪26‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫في الحكم‪ ،‬بتوقُّفه على مقدّمتين فاسدتين‪ :‬إحداهما‪ :‬ال تمتُّ إلى بحثنا‬
‫بصلةٍ؛ والثانية‪ :‬عدم جواز خلوّ الفع!!ل عن ش!!يءٍ من األحك!!ام الخمس!!ة‪.‬‬
‫وهي أيضاً واضحة الفساد‪ .‬ودعوى القطع بذلك ممّا ينبغي ص!!دوره من‬
‫مثله؛ إذ ال سبيل إلى القط!!ع ب!!ذلك‪ ،‬ال من ج!!انب العق!!ل‪ ،‬وال من ج!!انب‬
‫النقل‪ ،‬وأيُّ دليلٍ يفيد القطع؟ أمّا العقل فألنه ال يس!!تقلّ بثب!!وت الحكم‬
‫بكلّ واقعةٍ‪ ،‬وأمّا النقل فقد ورد أنّه ما من واقعةٍ إالّ وله!!ا حكمٌ مف!!رد‬
‫عند اهلل‪ .‬إالّ أنّ اعتماد مثله على مثله في أمثال المسألة كما ترى(‪.)15‬‬
‫وسوف يتّضح إنْ شاء اهلل تعالى من خالل األبح!!اث اآلتي!!ة تماميّ!!ة‬
‫الدليل العقلي والنقلي في المسألة‪ .‬لكننا لم نعثر على النصّ الذي ذكره‪،‬‬
‫ولعلّه نقل بالمضمون‪ .‬وكيف كان ففي ما ي!!أتي من الرواي!!ات كفاي!!ةٌ‬
‫عنه‪.‬‬
‫وال يبعد أن يكون قوله‪« :‬في مثله» إشارة إلى ضعف تلك الرواي!!ة‬
‫سنداً‪ .‬كما يحتمل أن يكون قوله‪« :‬في أمثال المسألة» إش!!ارة إلى ع!!دم‬
‫كفاية أخبار اآلحاد في المسألة‪ ،‬بناءً على أنّها مسألةٌ واقعيّ!!ة‪ ،‬وليس!!ت‬
‫تعبّديةً بَحْتة‪ .‬وسوف يأتي الكالم ذلك عند البحث اإلثباتي‪ ،‬فإنّ هذا لو‬
‫تمّ لعمّ اإلجماع والروايات إذا لم يثبت تواترها‪.‬‬
‫ومن جملة المثبتين للقاعدة‪ :‬صاحب (الحاشية على المع!!الم)‪ ،‬حيث‬
‫قال&‪ « :‬وأمّا على أصول اإلماميّة‪ ،‬على ما دلّت عليه نصوصهم المتواترة‬
‫بحَس!! ب الواق!!ع‪،‬‬
‫َ‬ ‫من أئمّتهم‪ ،‬من كون حكم اهلل تعالى في الواقعة واحداً‬
‫وأنّ له تعالى في كلّ واقعة حكماً مخزوناً عند أهله‪ ،‬أصابه مَنْ أص!!ابه‬
‫وأخطأه مَنْ أخطأه»(‪.)16‬‬
‫وظاهره‪ :‬االكتفاء باألخبار في مقام االستدالل‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬صاحب الفصول‪ ،‬حيث قال& في كالمٍ له‪« :‬ألنّا نقول‪ :‬هذا‬
‫االحتجاج مبنيٌّ على ما ثبت عندنا باألخبار واآلث!!ار من أن هلل تع!!الى في‬
‫كلّ واقعةٍ حكماً معيَّناً بيّنه لنبيّه ص!!لوات اهلل علي!!ه‪ ،‬وبيَّن!!ه الن!!بيُّ‬
‫ألوصيائه^‪ ،‬فاألحكام كلّها مق!!رّرة عن!!دهم‪ ،‬مخزون!!ة ل!!ديهم‪ ،‬وليس في‬

‫‪27‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫الواقع واقعةٌ خاليةٌ عن الحكم»(‪.)17‬‬


‫وفي كالمٍ آخر له‪« :‬ومنها‪ :‬ت!!واتر األخب!!ار المروي!!ة عن األئمّ!!ة‬
‫األطهار^‪ ،‬الدالّة على أنّ اهلل في كلّ واقعةٍ حكماً معيّناً‪ ،‬بيَّن!!ه لنبيِّه|‪،‬‬
‫وبيَّنه نبيُّه لوصيِّه‪ ،‬إلى أن ينتهي البي!!ان إلى آخ!!ر األوص!!ياء‪ .‬فجمي!!ع‬
‫األحكام محفوظة عنده‪ !،‬مخزونة لديه‪ ،‬حتّى مثل‪ :‬أرش الخدش‪ ،‬فما دونه‪.‬‬
‫وهذه األخبار وإنْ كانت واردةً بعباراتٍ مختلفة‪ ،‬وألف!!اظ متفاوت!!ة‪ ،‬إالّ‬
‫أنّها مشتركةُ الداللة على ما ذكرناه‪ ،‬فهي متواترةٌ بالمعنى»(‪.)18‬‬
‫وظاهرهما انحصار المستند في األدلّة النقلية‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬الش!!يخ األعظم األنص!!اري&‪ ،‬على م!!ا في تقري!!ر بحث!!ه في‬
‫األلفاظ‪« :‬نعم‪ ،‬لو انضمّ إلى ذل!!ك مقدّم!!ة خارجي!!ة أخ!!رى‪ ،‬كق!!ولهم‬
‫باللطف؛ أو قولهم بعدم جواز خلوّ الواقع من األحكام‪ ،‬كم!!ا يس!!تفاد من‬
‫جملة األخبار‪.)19(»...‬‬
‫وظاهره أيضاً االتّكاء عليها‪ ،‬من دون استنادٍ إلى دليل العقل‪.‬‬
‫كم!!ا ويظه!!ر من!!ه ذل!!ك عن!!دما حكى كالم!!اً عن المح!!دِّث‬
‫اإلسترآبادي&‪ ،‬في مسألة االحتياط‪ ،‬وهو قوله‪« :‬وقد تواتر عنهم^ وجوب‬
‫التوقُّف! فيما لم يعلم حكمه!!ا‪ ،‬معلّلين بأن!!ه بع!!د أن كملت الش!!ريعة ال‬
‫تخلو واقعةٌ عن حكمٍ قطعيّ واردٍ من اهلل تعالى»(‪)20‬؛ حيث لم يردّ عليه‬
‫في ذلك بشيءٍ‪ ،‬واكتفى بالقول‪ :‬إنَّ ذل!!ك ال يمتّ إلى بحثن!!ا بص!!لةٍ‪،‬‬
‫ممّا قد يعني ارتضاءه له‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬المحقِّق اآلشتياني&‪ ،‬في (بحر الفوائد)؛ إذ ق!!ال في كالمٍ‬
‫له‪« :‬وبالجملة‪ :‬الذي قام عليه الدليل(‪ ،)21‬ونطق به السنّة واإلجماع‪ ،‬عدم‬
‫جواز خلوّ الواقعة من الحكم الواقعي؛ وأمّا عدم جواز خلوّه!!ا من الحكم‬
‫الظاهري إذا لم يتوقَّف العمل عليه فلم يقُمْ به دليلٌ أصالً‪ ،‬كما اعترف‬
‫به دام ظلُّه في الجزء الثاني من الكتاب»(‪.)22‬‬
‫وقد تكرَّر هذا القول منه‪ ،‬ومن صاحب (األوثق)‪ ،‬من ع!!دم ال!!دليل‬
‫على عدم خلوّ الواقع!!ة عن الحكم الظ!!اهري‪ ،‬إذا لم يحتج إلي!!ه في مق!!ام‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪28‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫العمل‪ ،‬تَبَعاً لما أفاده الشيخ& بقوله‪« :‬وال دلي!!ل على ع!!دم ج!!واز خل!!وّ‬
‫الواقعة عن حكمٍ ظاهري إذا لم يحتج إليه في العمل‪ ،‬نظ!!ير‪ :‬م!!ا ل!!و دار‬
‫األمر بين الوجوب واالستحباب»(‪.)23‬‬
‫وكيف كان فعبارته غيرُ صريحةٍ في انحصار الدليل في األخب!!ار‬
‫واإلجماع‪.‬‬
‫ومنهم‪ :‬المحقِّق الخراساني&‪ ،‬في (الكفاية)‪ ،‬حيث قال‪« :‬فه!!و وإنْ‬
‫كان خطأ من جهة ت!!واتر األخب!!ار وإجم!!اع أص!!حابنا على أن هلل تب!!ارك‬
‫وتعالى في كلّ واقعةٍ حكماً يشترك فيه الكلّ»(‪.)24‬‬
‫وكذا قال في (درر الفوائد)‪« :‬كما يكون باإلجماع والض!!رورة من‬
‫المذهب في كلّ واقعةٍ حكمٌ يشترك فيه األمّة»(‪.)25‬‬
‫ومنهم‪ :‬المحقِّق العراقي&‪ ،‬على ما في (نهاية األفكار)‪ ،‬حيث ق!!ال‪:‬‬
‫«إالّ أنّه مع كونه خالف اإلجماع وم!ا ت!واتر علي!ه األخب!ار من أنّ ل!ه‬
‫سبحانه في كلّ واقعةٍ حكماً يشترك فيه العالم والجاهل»(‪.)26‬‬
‫ومنهم‪ :‬السيد الخوئي&‪ ،‬في مبحث االجته!!اد والتقلي!!د‪ ،‬فق!!د ق!!ال‪:‬‬
‫« مضافاً إلى اإلجماع واألخبار الكثيرة الدالّة على أنّ هلل حكماً في ك!!لّ‬
‫واقعةٍ يشترك فيه العالم والجاهل»(‪.)27‬‬
‫وكيف كان فالمشهورُ أنّه ما من واقعةٍ إالّ وله!!ا حكمٌ ش!!رعيّ‪.‬‬
‫واستدلّ على ذل!!ك بالعق!!ل والنق!!ل‪ .‬كم!!ا يمكن أن يس!!تدلّ! علي!!ه بم!!ا‬
‫يتركَّب منهما‪.‬‬
‫فالكالم في ثالث مراحل‪:‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬المبادئ العقليّة‪ 6‬للقاعدة‬


‫ال يخفى أنّ ه!ذه القاع!دة ق!د ابتنَتْ في كلم!ات األك!ثرين على‬
‫مسألة التحسين والتقبيح الذاتيين لألشياء؛ فق!!د عق!!دوا البحث في إثب!!ات‬
‫المالزمة بين تحسينها وتقبيحها وبين تعلُّق اإلرادة والكراهة بها‪ ،‬ف!!أنكر‬
‫المالزمة جمعٌ؛ وأثبتها آخرون‪.‬‬

‫‪29‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫والظاهر من كلماتهم في بادئ النظر هو انحص!!ار الطري!!ق العقلي‬


‫للبحث في تل!!ك المالزم!!ة‪ ،‬بحيث إذا ثبتت ثبتت ال!!دعوى عقالً‪ ،‬وإذا لم‬
‫تثبت لم يمكن إثبات الدعوى بوجهٍ عقليّ آخر‪ ،‬وإنْ ك!!ان هن!اك مج!الٌ‬
‫بعدُ للوجوه النقليّة‪.‬‬
‫ولكنّ الصحيح ـ كما تُشْعِر به بعضُ الكلم!!ات ـ أن باإلمك!!ان أن‬
‫نستدلّ على هذه القاعدة من طريقةٍ أخرى عقليّةٍ أيضاً‪ ،‬وهي‪ :‬المالزمة‬
‫بين المصالح والمفاس!!د الواقعيّ!!ة وبين اإلرادة والكراه!!ة‪ ،‬أو بينه!!ا وبين‬
‫الجَعْل الشرعي ـ بناءً على إنكار اإلرادة والكراهة في األحكام الش!!رعيّة‪،‬‬
‫كما تبنّاه المحقِّق األصفهاني& ـ‪ ،‬وهذا يعني تواجد طريقتين عقليّتين‬
‫بهذا الصدد‪ ،‬نسلكهما كالتالي‪:‬‬

‫‪1‬ـ طريقة التحسين والتقبيح العقليّين‬


‫وقد جرى البحث عن ذلك ضمن قاعدة (ك!!لّ م!!ا حكم ب!!ه العق!!ل‬
‫حكم به الشرع)‪ ،‬فإنّ هذه القاعدة قد يُراد بها إثبات أص!!ل ت!!وفُّر الحكم‬
‫الشرعي فيما إذا كان هناك حكمٌ عقليّ‪ ،‬من دون نظر أص!!الً إلى إثب!!ات‬
‫المطابقة بينهما؛ وقد يُراد بها إثب!!ات أنّ للش!!رع حكم!!اً مطابق!!اً للحكم‬
‫العقليّ‪ ،‬بمعنى أنّ العقل إذا كان حاكماً بحس!!ن ش!!يءٍ فللش!!رع أيض!!اً‬
‫حكمٌ مطابق له‪ ،‬س!!واء ك!!انت ه!!ذه المطابق!!ة في ن!!وع الحكم‪ ،‬من حيث‬
‫كونه إلزاميّاً أو غيرَ إلزاميٍّ‪ ،‬أو في المتعلَّق‪ ،‬بمع!!نى أن يك!!ون الحكم‬
‫الشرعيّ متعلّقاً بنفس ما تعلَّق به الحكم العقليّ‪.‬‬
‫قال المحقِّق الخراساني& به!!ذا الص!!دد‪« :‬فائ!!دةٌ‪ :‬ق!!د اش!!تهر بين‬
‫المتأخِّرين ال!!نزاع في المالزم!!ة بين حكم العق!!ل والش!!رع‪ ،‬بمع!!نى أن!!ه‬
‫كلّما يكون تمام مالك حكم العقل‪ ،‬بحيث ل!!و اطّل!!ع علي!!ه العق!!ل يحكم‬
‫بحُسْن الفعل به أو قبحه‪ ،‬يكون تمام مالك حكم الشرع‪ ،‬حتّى يكون العقل‬
‫في ما استقلّ ب!!ه دليالً علي!!ه وكاش!!فاً عن!!ه‪ ،‬أو ال؛ كي ال يك!!ون علي!!ه‬
‫دليالً؟ وهذه المالزمة هي التي تكون مفاد القضيّة المعروفة‪( :‬ك!!لّ م!!ا‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪30‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫حكم به العقل حكم به الشرع)‪.‬‬


‫وال يخفى أنّ هذه القضية قد تُقال في مقابل مَنْ يرى جواز خلوّ‬
‫الواقعة عن الحكم الشرعيّ‪ ،‬فيكون المقصود إثبات أصل الحكم الش!!رعيّ‪،‬‬
‫مقابل مَنْ ينفيه‪ .‬فإثبات المطابقة غير ملحوظةٍ أصالةً‪ .‬وق!!د يُق!!ال في‬
‫مقاب!!ل مَنْ ي!!رى ص!!حّة حكم الش!!رع على خالف حكم العق!!ل‪ ،‬فيك!!ون‬
‫المقصود به!!ا إثب!!ات المطابق!!ة بع!!د الف!!راغ عن ثب!!وت الحكم الش!!رعيّ‬
‫فيها(‪.)28‬‬
‫وال يخفى على الناقد البص!!ير أن التم!!ايز بين الجه!!تين إنّم!!ا ه!!و‬
‫بمجرد اللحاظ‪ ،‬بمعنى أنّ النظر مقصورٌ في الجهة األولى على إثبات أن‬
‫للشرع حكماً شرعيّاً في كلّ واقعةٍ‪ .‬ويستدلّ! على ذلك بالمالزمة بين‬
‫الحُسْن والقُبْح الذاتيين لألشياء وبين اإلرادة والكراهة‪ ،‬حيث إنّ الواقعة‬
‫ال تخلو من حكمٍ عقليّ‪ ،‬وهو الحُسْن أو القُبْح‪ ،‬فكذا من الشرعيّ‪ .‬ومن‬
‫الواضح أنّ هذه المالزمة إذا تمَّتْ فسوف تثبت بها المطابق!!ة بين الحكم‬
‫الش!!رعيّ والعقليّ أيض!!اً؛ ألنّ العق!!ل إنم!!ا ي!!درك ل!!زوم تعلُّ!!ق اإلرادة‬
‫الشرعية بنفس ما هو حَسَن عقالً‪ ،‬وتعلُّق الكراهة بنفس م!!ا ه!!و ق!!بيحٌ‬
‫عقالً‪ .‬إالّ أنّ هذه المطابق!!ة غ!!ير ملحوظ!!ةٍ في ه!!ذه الجه!!ة‪ ،‬وال ي!!راد‬
‫إثباتها فيها‪ ،‬وإنّما المقصود إثبات أنّ للشرع حكماً في كلّ موردٍ يك!!ون‬
‫للعقل فيه حكمٌ‪ .‬وهذا كلّه بخالف الجهة الثاني!!ة؛ ف!!إن المطل!!وب فيه!!ا‬
‫إثبات المطابقة‪.‬‬
‫والحاص!!لُ أن الطريق!!ة العقلي!!ة األولى إلثب!!ات القاع!!دة دع!!وى‬
‫المالزمة بين الحُسْن والقُبْح الذاتيين لألش!!ياء وبين تعلُّ!!ق اإلرادة به!!ا‬
‫والكراه!!ة؛ لوض!!وح أنّ العاق!!ل إذا التفت إلى م!!ا في الفع!!ل من حُسْ! نٍ‬
‫وفضيلةٍ فال محالةَ يشتاق إليه‪ ،‬كما أنّه إذا التفت إلى ما في!!ه من قُبْحٍ‬
‫ورذالةٍ ينزجر عنه ويكرهه‪ ،‬وهذا يعني أنّ الشارع‪ ،‬الذي هو عالمٌ بجميع‬
‫المحاسن والقبائح‪ ،‬ال يخلو إمّا أن يكون مريداً لتلك الوقائع‪ ،‬وهذا فيما‬
‫إذا كانت حَسَنةً؛ أو يكون كارهاً له!!ا‪ ،‬وه!!ذا فيم!!ا إذا ك!!انت قبيح!!ةً‪،‬‬

‫‪31‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫وبهذا يثبت أن الواقعة ال تخلو من اإلرادة أو الكراهة‪ ،‬وقد ع!!رفْتَ أنهم!!ا‬


‫روحُ الحكم ولُبُّه‪.‬‬

‫نقاشات وردو ٌد‬


‫ٌ‪6‬‬
‫وما قي!!ل أو يمكن أن يُق!!ال في ال!!ردّ على ه!!ذه الطريق!!ة وج!!وهٌ‬
‫ثالثة‪:‬‬

‫‪1‬ـ نقاش المحقِّق الخراساني‬


‫الوجه األوّل‪ :‬ما أفاده المحقِّق الخراس!!اني& به!!ذا الص!!دد‪ .‬ويمكن‬
‫تنسيق إفادته ضمن الفقرات التالية‪:‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬إن الحكم يُطْلَق ويُراد ب!!ه إمّ!!ا اإلرادة والكراه!!ة؛‬
‫وإمّا اإلنشاء من دون انقداح البعث والزجر؛ وإمّا الفعلي!!ة‪ ،‬وهي‪ :‬مرتب!!ة‬
‫انقداح البعث والزجر في نفس المولى؛ وإمّا التنجُّز‪.‬‬
‫وحقيقة الحكم هي‪ :‬اإلرادة؛ والكراهة‪ ،‬وبهما يقع الخطاب موضوعاً‬
‫لوجوب االمتثال‪ .‬والفاقد لهما صورةٌ للحكم مجرّدةٌ عن واقعه‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬إن مجرّد حُسْ! ن فع!!لٍ أو قُبْح!!ه عقالً ال يس!!تتبع!‬
‫إرادة العقالء إيّ!!اه أو ك!!راهتهم ل!!ه‪ ،‬بحيث يبعث!!ون إلي!!ه عبي!!دهم أو‬
‫يزج!!رونهم عن!!ه‪ ،‬ب!!ل ال بُ!!دَّ من انض!!مام دواعٍ وأغ!!راض أُخَ!!ر في‬
‫حصولهما‪.‬‬
‫والدليل على ذلك أمران‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬شهادة الوج!!دان؛ فإنّ!!ا ال نج!!د من أنفس!!نا حص!!ول اإلرادة‬
‫بمجرّد مالحظ!!ة حُسْ! ن فع!!ل اإلحس!!ان؛ فرُبَم!!ا ال نري!!د اإلحس!!ان إلى‬
‫شخصٍ‪ ،‬بل نكرهه‪ ،‬وإنْ كنّا مستحقّين للتحسين لو فعلنا ذلك‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬شيوع اختيار األفعال القبيحة وترك األفع!!ال الحَسَ! نة من‬
‫العقالء أنفس!!هم‪ ،‬ومن الواض!!ح أنّ الفع!!ل االختي!!اريّ مس!!بوقٌ ب!!اإلرادة‬
‫والشوق األكيد المحرِّك للعضالت‪ ،‬ولو تَبَعاً(‪ .)29‬وهذا دليلٌ على ع!!دم‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪32‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫المالزمة بين تحسين الفعل وإرادته‪ ،‬والسرُّ أن ال!!داعي‪ ،‬ال!!ذي ه!!و س!!بب‬
‫اإلرادة‪ ،‬يختلف باختالف األحوال واألشخاص‪ ،‬وغلب!!ة الش!!هوات‪ ،‬والتف!!اوت‬
‫في المَلَكات‪ ،‬ومالحظة نظام الكائنات‪.‬‬
‫الفقرة الثالثة‪ :‬في تكميل البحث ب!!ذكر اعتراض!!ين على المخت!!ار‪،‬‬
‫واإلجابة عنهما‪:‬‬
‫أمّا األوّل فهو أنّ الحُسْن والقُبْح إذا كانا ـ حَسْ! ب المخت!!ار ـ‬
‫عبارةً عن استعجاب العقل ورضاه بالفعل أو استغرابه وس!!خطه علي!!ه فال‬
‫معنى النفكاكهما عن اإلرادة والكراهة بعد مساوقتهما لهم!!ا‪ ،‬حَسْ! ب ه!!ذا‬
‫التقريب‪.‬‬
‫والجواب عنه واضحٌ بعد مالحظة ما سبق من شهادة الوجدان وعمل‬
‫العقالء‪.‬‬
‫ولعلّ الحلّ المقصود بهذا الج!!واب‪ :‬ه!!و أنّ إرادة المري!!د ورض!!اه‬
‫بالفعل ال تتأثَّر برضا العقل واستعجابه فحَسْب‪ ،‬حتّى تتكوَّن المالزم!!ة‬
‫بينهما‪ ،‬بل هناك مؤثِّرٌ لسائر الدواعي واألغراض النفسية‪.‬‬
‫وأمّ!!ا الث!!اني فه!!و أنّ ت!!أثُّر اإلرادة بتل!!ك األغ!!راض وال!!دواعي‬
‫المخالفة للحُسْ! ن العقلي ل!!و تمَّ فإنّم!!ا يتمّ في م!!ا س!!وى اهلل تب!!ارك‬
‫وتعالى‪ ،‬فال وج!!ه لتس!!رية ال!!دعوى من العقالء إلى اهلل تب!!ارك وتع!!الى؛‬
‫لوضوح أنّ اإلرادة والكراهة فيه تعالى ليست إالّ علم!!ه بمص!!لحة الفع!!ل‬
‫ومفسدته‪ ،‬وال حُسْن وال قُبْح إالّ بالمصلحة والمفسدة‪.‬‬
‫وقد أجاب عن ذلك بما محصَّله‪ :‬إنّ اإلرادة كسائر الص!!فات في!!ه‬
‫تعالى‪ ،‬وإنْ اتَّحدَتْ م!!ع العلم وج!!وداً ومص!!داقاً‪ ،‬إالّ أنّ مج!!رّد العلم‬
‫بالمصلحة كما أنّه ليس بإرادةٍ تكوينيّة موجبة لتحقُّق المراد‪ ،‬كذلك‬
‫ليس بحَسَب المصداق إرادةٌ تشريعية موجبة لبعث العباد نحو المراد‪.‬‬
‫والوجه في ذلك إمكان توفُّر م!!ا يمن!!ع عقالً عن البعث والزج!!ر‪،‬‬
‫كما في صورة مزاحمة ما فيه المصلحة الملزمة بما كان أهمّ منه؛ ألنّ‬
‫البعث إلى غير األهمّ أو إليهما معاً قبيحٌ‪ ،‬دون البعث إلى خصوص األهمّ‪،‬‬

‫‪33‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫كما ال يخفى‪ ،‬مع أنَّ المهمّ ب!!اقٍ على م!!ا ه!!و علي!!ه من المص!!لحة؛ أو‬
‫كعدم االستعداد في بعض العباد؛ لقُرْب عهدهم من اإلس!!الم‪ ،‬أو أيّ أم!!رٍ‬
‫آخر ال نعرفه وال يلزم معرفته‪ ،‬كم!!ا في الص!!بيّ ال!!ذي لطفت قريحت!!ه‬
‫وحسن ذكاؤه؛ فإنّ أفعاله ذات مصالح ومفاس!!د‪ ،‬وم!!ع ذل!!ك فه!!و غ!!ير‬
‫مكلَّفٍ باألحكام بالضرورة‪.‬‬
‫وبعبارةٍ أخ!!رى‪ :‬إنّ البعث والزج!!ر؛ باعتبارهم!!ا فعلين من أفع!!ال‬
‫المولى‪ !،‬ال بُدَّ من تبعيّتهما‪ ،‬إض!!افةً إلى مص!!الح متعلَّقهم!!ا ومفاس!!ده‪،‬‬
‫للمص!!الح والمفاس!!د الكامن!!ة في نفسَ! يْهما‪ ،‬فرُبَم!!ا يك!!ون المتعلَّ!!ق ذا‬
‫مصلحةٍ ملزم!ة في نفس!!ه‪ ،‬إالّ أنّ البعث إلي!ه يس!توجب! بعض المفاس!!د‪،‬‬
‫فمجرّد كون الفعل ذا مصلحةٍ أو مفسدةٍ ال يستتبع! البعث والزجر‪.‬‬
‫وقد استنتج& من جميع هذه الفقرات‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬جواز خلوّ الواقع عن الخطاب والجَعْ!!ل‪ ،‬أي مرتب!!ة اإلنش!!اء‬
‫والفعلية‪ ،‬حَسْب رأيه‪ ،‬ومرتبة اإلنشاء‪ ،‬حَسْب المختار‪.‬‬
‫وثانياً ‪ :‬جواز خلوّ الواقع عن روح الخطاب وحقيقته‪ ،‬أعني‪ :‬اإلرادة‬
‫والكراهة(‪.)30‬‬

‫تعليقات على النقاش‬


‫ٌ‪6‬‬
‫ولنا على إفادته& في المقام عدّة تعليقات‪:‬‬
‫التعليق!!ة األولى‪ :‬إن!!ه ال وج!!ه لتخص!!يص البحث أوّالً‪ :‬بمس!!ألة‬
‫الحُسْن والقُبْح؛ وثانياً‪ :‬باألسلوب العقليّ؛ إذ من الممكن دراسة القاع!!دة‬
‫في ضوء المصالح والمفاسد الواقعي!!ة‪ ،‬كم!!ا أنّ األس!!لوب النقلي‪ ،‬أع!!ني‪:‬‬
‫االستدالل بالروايات واألخبار‪ ،‬ممّا يعيننا كثيراً في هذا المجال‪.‬‬
‫وتوضيح ذلك‪ :‬أمّا أوّالً‪ :‬فقد تقدَّم في مس!!ألة الحُسْ! ن والقُبْح‬
‫العقليين عدم المالزمة بينهما وبين المصالح والمفاسد الواقعي!!ة‪ ،‬إالّ على‬
‫بعض المباني‪ .‬وقد عرَفْنا هن!!اك إنك!!ار المالزم!!ة بينهم!!ا من المحقِّ!!ق‬
‫األص!!فهاني& بالص!!راحة‪ ،‬على أس!!اس أنّ الحُسْ! ن والقُبْح ليس!!ا إالّ من‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪34‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫البناءات العقالئية على مدح طائفةٍ من األفعال وذمّ طائفةٍ أخ!!رى منه!!ا‪،‬‬
‫وهذا المدح والذم ينشآن من المالكات النوعية العقالئية‪ ،‬وأمّ!!ا األحك!!ام‬
‫الشرعيّة فقد تنشأ من المالكات الشخصيّة‪ .‬وأمّا بناءً على المخت!!ار من‬
‫كون الحُسْن والقُبْح وص!!فين واقعيّين فهم!!ا متقارب!!ان م!!ع المص!!لحة‬
‫والمفسدة في الموضوع‪ !.‬والتفصيل في محلّه‪.‬‬
‫وأمّا ثانياً‪ :‬فألنّ إثب!!ات الخل!!وّ وعدم!!ه‪ ،‬كم!!ا ق!!د يمكن باألدلّ!!ة‬
‫العقليّة‪ ،‬كذلك يمكن باألدلّة النقلية‪ ،‬وال ينحصر طريق إثباته بالعق!!ل‪،‬‬
‫فال وج!!ه لحص!!ر البحث في المس!!لك! العقلي‪ ،‬وع!!دم اس!!تعراض اآلي!!ات‬
‫والروايات التي ادُّعي في كلمات الكثيرين تواترها على المطلوب‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬يمكن تبرير ذلك بأنّ القوم حيث استعرض!!وا البحث عن ه!!ذه‬
‫القاع!!دة في خالل البحث عن قاع!!دة المالزم!!ة‪ ،‬وك!!ان موض!!وع! ه!!ذه‬
‫المالزمة‪ ،‬أي ما حكم به العقل‪ ،‬مساوقاً للحُسْن والقُبْح العقليّين ـ على‬
‫ما هو المشهور‪ ،‬ال على المختار من كون هذا العنوان ذا جهاتٍ عديدة ـ‪،‬‬
‫انصبّ النزاع في كالمهم على الحُسْن والقُبْح العقليّين‪ ،‬وال يعني ذلك‬
‫أنّهم يحصرون البحث بطريقه العقلي‪ .‬وكيف كان فال بُدَّ من توس!!يع‬
‫البحث من هذه الجهة‪ ،‬سواء تمّ التبرير المذكور أم ال‪.‬‬
‫والحاصلُ أنّ علينا البحث‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬عن المالزمة بين الحُسْن والقُبْح وبين اإلرادة والكراهة‪.‬‬
‫وثاني!!!اً‪ :‬عن المالزم!!!ة بين المص!!!لحة والمفس!!!دة وبين اإلرادة‬
‫والكراهة‪.‬‬
‫وثالثاً‪ :‬عن األدلة النقلية‪ ،‬كالضرورة واإلجم!!اع والرواي!!ات‪ ،‬ال!!تي‬
‫تدَّعى داللتها على عدم خلوّ الواقع عن الحكم‪.‬‬
‫التعليقة الثانية‪ :‬إنّ م!!ا أف!!اده كنقضٍ على المالزم!!ة‪ ،‬من ص!!دور‬
‫األفعال القبيحة من العقالء‪ ،‬يحتاج إلى ضمّ ما ب!!ه يتمّ االس!!تدالل‪ ،‬وه!!و‬
‫أنّه مهما أمكن تعليق اإلرادة التكويني!!ة بالفع!!ل الق!!بيح فال محال!!ة يمكن‬
‫تعلّق اإلرادة التش!!ريعية ب!!ه؛ ألنّ الف!!رق بينهم!!ا في المتعلَّ!!ق؛! حيث إنّ‬

‫‪35‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫التكوينية تتعلَّق بفعل النفس‪ ،‬والتشريعيّة بفعل الغير‪ .‬وهذا واضحٌ‪.‬‬


‫ويَ!!رِدُ عليه‪ :‬إنّ التق!!وى الفاعل!!ة في النفس اإلنس!!انية مختلف!!ة‪،‬‬
‫والقائلون بالمالزمة إنّم!!ا يري!!دون به!ا المالزم!!ة بين الحُسْ! ن والقُبْح‬
‫العقليّين واإلرادة والكراه!!ة العقليّين‪ .‬وم!!ا ذك!!ره& عليه!!ا خ!!ارجٌ عن‬
‫موضوعها من حيث األساس؛ ألنّ العاقل المرتكب للقبيح ليس ف!!اعالً بم!!ا‬
‫هو عاقلٌ‪ ،‬بل بما هو ظالمٌ أو شرٌّ أو متوهِّمٌ أو متخيّلٌ أو غير ذلك‪،‬‬
‫وال سيَّما إذا بنَيْنا على ما ذهب إليه نفسه& في حقيقة الحُسْن والقُبْح‪،‬‬
‫من أنّ لكلّ قوّةٍ من القوى اإلنسانية مالئم!!اتٍ ومن!!افراتٍ من األفع!!ال‪،‬‬
‫والحَسَن والقبيح فعالن‪ :‬أحدهما مالئمٌ للقوّة العاقل!!ة؛ واآلخ!!ر من!!افرٌ‬
‫له!!ا‪ ،‬بحيث يس!!تتبع! أح!!دهما رض!!اها واس!!تعجابها‪ ،‬واآلخ!!ر س!!خطها‬
‫واستغرابها‪.‬‬
‫واألوّل من النقاشين المتقدّمين منصبٌّ على نفس ه!!ذه النُّكْت!!ة؛‬
‫لوض!!وح أنّ الفع!!ل إذا ك!!ان مالئم!!اً للق!!وة العاقل!!ة فال محيص من أن‬
‫يستتبع ذلك رضاها واستعجابها به؛ وإذا كان منافراً له!!ا فال محيص من‬
‫أن يستتبع! ذلك سخطها واستغرابها منه‪ ،‬وليس القُبْح والحُسْن على م!!ا‬
‫تبنّاه إالّ االستعجاب واالستغراب‪.‬‬
‫وما أجاب عنه غيرُ تامٍّ‪ ،‬سواء في ذلك الوج!!دان أو النقض بعم!!ل‬
‫العقالء؛ إذ من المعلوم أنَّ العاقل بما هو عاقلٌ ال يجد من نفسه كراه!!ة‬
‫للحُسْن العقلي‪ ،‬كما أنه ال يرتكب القبيح العقلي بما هو عاق!!لٌ‪ ،‬ب!!ل بم!!ا‬
‫هو متخيّلٌ أو متوهّمٌ‪.‬‬
‫التعليقة الثالثة‪ :‬إنّ ما ذك!!ره من النق!!وض في الفق!!رة الثالث!!ة ال‬
‫يكفي مؤونة ما هو بصدده؛ وذلك للوجهين التاليين‪:‬‬
‫الوجه األوّل‪ :‬إنّ من الواضح أنّ القائل بالمالزمة ـ سواءٌ في ذلك‬
‫المالزمة بين حُسْن الفعل وإرادته‪ ،‬أو المالزمة بين المصالح واإلرادة ـ ال‬
‫يقصد إالّ المصالح والمفاس!!د المس!!تقرّة بع!!د الكس!!ر واالنكس!!ار‪ ،‬وأمّ!!ا‬
‫المصلحة الثابتة في الشيء قبل مالحظة العناوين والجه!!ات الثانوي!!ة فمن‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪36‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫الواضح أنّه ال مالزمة بينها وبين اإلرادة والكراهة‪ .‬وما ذكره المحقِّ!!ق‬
‫الخراس!!اني& من النق!!وض إنّم!!ا يتمّ دون ه!!ذا األس!!اس؛ لوض!!وح ع!!دم‬
‫المصلحة النهائية بع!!د مالحظ!ة تنفُّ!ر العب!اد‪ ،‬أو المص!!لحة المزاحِم!ة‬
‫األهمّ‪ ،‬أو مصلحة التسهيل في الصبيّ مثالً‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إن البحث ينص!!بّ ت!!ارةً على المالزم!!ة بين الحُسْ! ن‬
‫والقُبْح العقليّين وبين اإلرادة والكراهة‪ ،‬وأخ!!رى على المالزم!!ة بينهم!!ا‬
‫وبين البعث والزجر‪ ،‬أو الخطاب حَسْب تعب!!ير اآلخوند&‪ .‬ومن الواض!!ح‪:‬‬
‫أنّ الكالم هاهنا إنما هو في القسم األوّل‪ ،‬كما صرّح بذلك ه!!و نفسه&‪،‬‬
‫في تحرير محلّ النزاع‪ ،‬وفي مطاوي كلماته أيضاً‪ ،‬لكنّ!!ه ـ وللعجب ـ‬
‫قد ساق البحث في الفقرة الثالثة من كالمه إلى البعث والزج!!ر‪ ،‬ف!!ذكر‬
‫أنّ المصلحة في المتعلَّق ال تكفي بنفسها للبعث والزجر؛ الحتمال وجود‬
‫المانع‪ ،‬مع أنّ الكالم إنما هو في اإلرادة والكراهة‪ .‬وال وج!!ه للخل!!ط بين‬
‫المسألتين‪.‬‬
‫توضيح ذلك‪ :‬إنّ اإلرادة وإنْ كانت من األفعال النفسانية‪ ،‬إالّ أنّها‬
‫ليست فعالً خارجيّاً تابعاً ألغ!!راضٍ مس!!تقلّة‪ ،‬وال يعق!!ل التفكي!!ك بين‬
‫مالك المراد ومالك اإلرادة‪ ،‬بل هي تابعةٌ للمراد تَبَعيّة المعنى الح!!رفي‬
‫للمعنى االسميّ‪ ،‬وه!!ذا بخالف البعث والزج!!ر؛ فإنّهم!!ا فعالن خارجيّ!!ان‬
‫تابعان ألغراضٍ خاصّة بهما‪ ،‬فقد يتوفَّر المالك في فعلٍ وال يتوفَّر في‬
‫البعث إليه أو الزجر عنه‪.‬‬
‫والمحصَّل‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إن الكالم إنّما هو في المصالح والمفاسد بعد مرحل!!ة الكس!!ر‬
‫واالنكسار‪ !،‬وتقديم األهمّ على المهمّ‪ ،‬فال تتمّ النقوض المذكورة‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬إنّه لو افترضنا تماميّتها فسوف ال يثبت له!ا ش!يءٌ أك!!ثر‬
‫من عدم المالزمة بين الحُسْن والقُبْح وبين البعث والزجر‪ ،‬وأمّ!!ا اإلرادة‬
‫والكراهة‪ ،‬اللتان هما حقيقة الحكم وروحه‪ ،‬والبحث منصبٌّ عليهم!!ا‪ ،‬فال‪،‬‬
‫كما تبيَّن‪.‬‬

‫‪37‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫‪2‬ـ خل ّو بعض الوقائع عن اإلرادة‬


‫الوجه الث!!اني‪ :‬أنْ يُق!!ال‪ :‬إن الحَسَ! ن‪ ،‬كم!!ا ق!!د يك!!ون لزوميّ!!اً‪،‬‬
‫كذلك قد يكون ندبيّاً غير لزوميٍّ؛ وهكذا القبيح‪ .‬وهذا بخالف اإلرادة؛‬
‫فإنّها لزوميّةٌ دائماً فحَسْب‪ .‬ومن الواضح أنّ الحَسَن غير الل!!زوميّ ال‬
‫يصلح ألن تنقدح منه اإلرادة اللزوميّة في نفس اآلمر‪ ،‬فال بُدَّ من خل!!وّ‬
‫بعض الوقائع عن اإلرادة‪.‬‬
‫وتوضيح ذل!!ك‪ :‬إن اإلرادة التش!!ريعية موازن!!ةٌ لإلرادة التكويني!!ة‪.‬‬
‫والفارق بينهما أمران‪:‬‬
‫أح!!!دهما‪ :‬إنّ اإلرادة التكويني!!!ة تتعلَّ!!!ق بفع!!!ل النفس‪ ،‬واإلرادة‬
‫التشريعية تتعلَّق بفعل الغير‪.‬‬
‫واآلخر‪ :‬كما أنّ اإلرادة التكوينية هي الشوق المس!!تَتْبِع لحرك!!ة‬
‫العضالت نحو المطلوب‪ !،‬فكذلك اإلرادة التشريعية هي الشوق المس!!تَتْبِع‬
‫لحركة العض!!الت نح!!و المطل!!وب‪ ،‬إالّ أنّ المري!!د التش!!ريعيّ يس!!تخدم‬
‫عض!!الت المخ!!اطب كآل!!ةٍ للوص!!ول إلى المطل!!وب‪ !،‬والمري!!د التكوي!!ني‬
‫يستخدم عض!!الت نفس!!ه ل!!ذلك‪ .‬وه!!ذا القي!!د‪ ،‬أي (اس!!تتباعها لحرك!!ة‬
‫العضالت)‪ ،‬فصلٌ مقوِّم لحقيقة اإلرادة‪.‬‬
‫وهذا كلُّه يعني أنّه متى ما وُجدَتْ إرادةٌ تش!ريعية فال بُ!دَّ من‬
‫أن تكون على حدٍّ تستتبع حركة العبد‪ ،‬بمعنى أنّها لو وصلت إلى العب!!د‪،‬‬
‫وكان العبد منقاداً لحركته نحو المراد‪ ،‬وهذا كما ت!!رى ال يج!!امع إالّ‬
‫فرض كون اإلرادة لزوميّةً؛ ألنّ اإلرادة غير اللزومية ال يش!!ترك فيه!!ا‬
‫البلوغ إلى حدّ االستتباع! المذكور‪ !،‬وإذا كان األم!!ر ك!!ذلك فال مع!!نى‬
‫لكون الحَسَن غير اللزوميّ مستَتْبِعاً إلرادةٍ لزوميّة‪ ،‬كما هو واض!!حٌ‪،‬‬
‫وبالتالي سوف يكون هن!اك ح!االتٌ خالي!ة عن اإلرادة والكراه!ة‪ ،‬وتك!ون‬
‫القاعدة منتقضةً بها‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪38‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫اعتراض وجواب‬
‫ٌ‬
‫وقد يُجاب عن هذا الوجه‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬بالمنع عن الحُسْن والقُبْح غير اللزوميّ‪ ،‬كما ه!!و قض!!يّة‬
‫ما عليه المحقِّق األصفهاني&‪ ،‬من إرجاع المحاسن والقبايح العقليّ!!ة إلى‬
‫حكمٍ عقليّ واحد‪ ،‬وهو‪ :‬حُسْن العدل وقُبْح الظلم؛ إذ من الواضح أنّه ال‬
‫مجال للحُسْن غير اللزوميّ على هذا األساس‪.‬‬
‫ولكنّنا لم نخضَعْ دون القول بهذا االتّج!!اه فيم!!ا س!!بق‪ ،‬وقلن!!ا‪ :‬إن‬
‫الوجدان خير شاهدٍ على محاسن وقب!!ائح متكثِّ!!رة ال ترج!!ع إلى حُسْ! ن‬
‫العدل وقُبْح الظلم؛ فإن اإليثار حَسَ! نٌ‪ ،‬وطلب الكم!!ال حَسَ! نٌ‪ ،‬من دون‬
‫مالحظة عنوان العدالة ومدخليّتها فيهما‪ .‬وقد وافَقَنا على ذلك جماع!!ةٌ‬
‫من األصوليين‪ ،‬كالسيد الشهيد& وغيره‪ ،‬وهذا يع!!ني ت!!وفُّر محاس!!ن أو‬
‫قبائح غير لزوميّة‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬بأنّه ال وجه لحصر اإلرادة التكويني!!ة باللزومي!!ة؛ لوض!!وح‬
‫أنّ اقتضاءَها للتحرُّك ـ فيما إذا كانت مستَتْبِعةً له ـ مختلفةٌ بالشدّة‬
‫والضعف‪ ،‬بمعنى أن اقتضاءَها للتحرُّك قد تكون على درجةٍ توجب داعياً‬
‫غيرَ أكيدٍ في نفس العبد‪ ،‬وه!!ذه هي اإلرادة غ!!ير اللزومي!!ة‪ .‬فلزومي!!ة‬
‫اإلرادة وعدمها تابعةٌ لش!!دّتها وض!!عفها‪ ،‬وبم!!ا أنه!!ا تنقس!!م إلى ش!!ديدة‬
‫وضعيفة بال رَيْبٍ ـ خالفاً للمحقِّق النائيني&(‪ )31‬ـ فال محال!!ة تك!!ون‬
‫لزوميّةً عند الضعف‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬نفس التحرُّك الخارجي من العبد ال يتّصف بالش!!دة والض!!عف‬
‫دائماً‪ ،‬وإنْ اتّصف بهما غالباً ـ إمّا باعتبار دفع الموان!!ع؛! وإمّ!!ا باعتب!!ارٍ‬
‫حَس!! ب‬
‫ْ‬ ‫آخر ـ‪ ،‬إالّ أنّ اقتضاء التحرُّك مختلفةٌ دائماً ـ كما عرفْتَ ـ‪،‬‬
‫اختالف درجة شوق المولى إلى الفعل‪ ،‬الناتج من اختالف درج!!ة المص!!الح‬
‫الواقعية‪.‬‬
‫وثالثاً‪ :‬بأنه لو س!!لَّمنا ب!!أنّ الحُسْ! ن ق!!د يك!!ون غ!!ير ل!!زوميٍّ‪،‬‬
‫وسلَّمنا أن اإلرادة التكوينية ال تكون إالّ لزوميّةً‪ ،‬فإننا ال نس!!لِّم قي!!اس‬

‫‪39‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫التكوينيّة بالتشريعيّة‪ ،‬ومن ثمّ إسراء ما في أحدهما من الخصوصية إلى‬


‫األخرى‪.‬‬
‫توضيح ذلك‪ :‬إنّ تمامي!!ة االس!!تدالل موقوف!!ةٌ على الموازن!!ة بين‬
‫اإلرادتين‪ ،‬فيُقال عندئذٍ‪ :‬إنّه إذا ثبت ع!!دم المالزم!!ة بين حُسْ! ن الش!!يء‬
‫وإرادته تكويناً؛ وذلك لكون الحُسْ! ن غ!يرَ ل!زوميٍّ في بعض األحي!ان‪،‬‬
‫فسوف يثبت عدم المالزم!!ة بين حُسْ! ن الش!!يء وإرادت!!ه تش!!ريعاً؛ لنفس‬
‫النُّكْتة؛ فإن اإلرادتين من سنخٍ واحدٍ‪ ،‬وكلّ ما يمتنع في إحداهما يمتنع‬
‫في األخرى‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬إنّه ال دليل على ه!!ذه الموازن!!ة؛ لوض!!وح أنّ إرادة فع!!ل‬
‫الغير ال تكون محرِّكةً لعضالت اآلم!!ر نفس!!ه‪ ،‬وال لعض!!الت المخ!!اطب‪،‬‬
‫وإنما هي حقيقةٌ تكوينية نفسانية متعلِّقة بفعل الغير‪ ،‬لها مراتب عديدة‪،‬‬
‫بين شديدةٍ تستتبع عدم الرضا بالترك‪ ،‬وضعيفة ال تستتبع ذل!!ك‪ .‬وه!!ذا‬
‫بخالف اإلرادة التكوينية‪ ،‬فإنها؛ لكونها متعلِّقةً بفع!!ل النفس‪ ،‬محرِّك!!ةٌ‬
‫لعضالت المريد‪ ،‬وال معنى ـ على الفرض‪ ،‬ال على ما هو الحقّ‪ ،‬كما س!!بق‬
‫ـ للشدّة والضعف فيها‪ ،‬كما عليه عدّةٌ من األصوليين‪.‬‬
‫ورابعاً‪ :‬بأن!!ه ل!!و س!!لَّمنا ب!!األمور الثالث!!ة المتقدِّم!!ة‪ ،‬أي ك!!ون‬
‫الحُسْن غيرَ لزوميٍّ أحياناً‪ ،‬وكون اإلرادة التكويني!!ة لزوميّ!!ةً دائم!!اً‪،‬‬
‫وكون اإلرادة التشريعيّة تابعةً في الخصائص للتكوينيّة‪ !،‬فإننا ال نس!!لِّم‬
‫بأنّ الحُسْن غير اللزوميّ ال يس!تتبع! إرادةً لزوميّ!ة؛ وذل!ك ألنن!ا ل!و‬
‫افترضنا استتباع اإلرادة للتحرُّك يساوق كونها لزوميّةً أمكن القول مع‬
‫ذل!!ك بالمالزم!!ة بين الحُسْ! ن غ!!ير الل!!زوميّ وبين اإلرادة اللزوميّ!!ة؛‬
‫بالحُس!! ن والقُبْح غ!!ير‬
‫ْ‬ ‫وذل!!ك ألنّ العاق!!ل بم!!ا ه!!و عاق!!لٌ إذا علم‬
‫اللزوميّين‪ ،‬وعرف الرجحان الموج!!ود في الفع!!ل أو ال!!ترك‪ ،‬تح!!رَّك ال‬
‫محالةَ إلى إتيان الحَسَن وترك القبيح‪ .‬ول!!و اتف!!ق أحيان!!اً امتناع!!ه من‬
‫ذلك فليس ذلك إالّ لتدخُّل الوَهْم أو الخيال أو الحسّ‪ ،‬وإالّ فالعاق!!ل‬
‫بما هو عاقلٌ ال ي!!ترك ال!!راجح أخ!!ذاً ب!!المرجوح‪ ،‬وال ي!!أتي ب!!المرجوح‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪40‬‬
‫• قاعدة نفي خل ّو الوقائع من الحكم الشرعيّ‪ ،‬وأثرها في علم أصول الفقه ‪ /‬القسم األول‬

‫تَرْكاً للراجح‪.‬‬
‫إنْ قلتَ‪ :‬هذا في خصوص المزاحمة‪ ،‬قلتُ‪ :‬ما من مرج!!وحٍ ي!!ترك‬
‫إالّ وقد كان مزاحماً لألخذ براجحٍ‪ ،‬وما من راجحٍ يؤخذ إالّ وقد ك!!ان‬
‫مزاحماً بترك مرجوحٍ‪ ،‬فافهَمْ جيّداً‪ .‬هذا في اإلرادة التكوينيّة‪.‬‬
‫وتطبيقُها في التشريعيّة أنّ العاقل بما هو عاقلٌ إذا أدرك الحُسْن‬
‫غير اللزوميّ في فعل الغير اشتاق إليه‪ ،‬وتكوَّنت لدي!!ه إرادةٌ إلى ذل!!ك‬
‫الفعل؛ أداءً لما يقضي به العقل‪ ،‬وبالتالي تصدّى لتحصيله‪ ،‬والتسبّيب إلى‬
‫تحريكه‪ ،‬وجعل الداعي في نفسه‪ ،‬وذلك بالبعث نحو الفعل‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الحُسْن غ!!ير الل!!زوميّ ق!!د اس!!تتبع إرادةً لزوميّ!!ة ـ أي مؤدِّي!!ةً إلى‬
‫التحريك‪ ،‬كما يزعمه القائل ـ‪ ،‬فتأمَّلْ جيّداً‪.‬‬

‫سن‬
‫والح َ‬
‫َ‬ ‫‪3‬ـ بطالن انحصار األمور في القبيح‬
‫الوجه الثالث‪ :‬إن المالزمة المذكورة إنما تجدي في المقام إذا ثبت‬
‫انحصار األمور واألشياء في القبيح والحَسَن‪ ،‬بأن ال يكون هن!!اك واقع!!ةٌ‬
‫إالّ وهي إمّا حَسَنة أو قبيحة‪ ،‬ولكنّ التالي باطل؛ لعدم البرهان عليه‪ ،‬لو‬
‫أريد به عدم الخلوّ ولو بالعناوين الثانوية‪ ،‬وإنْ ك!!ان مظنون!!اً أو ممّ!!ا‬
‫يطمأنّ به؛ ولشهادة الوجدان على خالفه‪ ،‬لو أري!د! ب!!ه العن!!اوين األوليّ!!ة‬
‫وذوات األشياء‪.‬‬
‫ونس!!تخلص من جمي!!ع ذل!!ك قص!!ورَ الطريق!!ة األولى عن إثب!!ات‬
‫المطلوب‪ !،‬ال لعدم المالزمة بين الحَسَن والق!!بيح وبين اإلرادة والكراه!!ة؛‬
‫بل لعدم الدليل على حصر الوقائع في الحَسَن والق!!بيح‪ ،‬ول!!و بالعن!!اوين‬
‫الثانوية‪.‬‬
‫حُس!! ن‬
‫ْ‬ ‫هذا من جهة قصور هذه الطريقة عن إثب!!ات المالزم!!ة بين‬
‫الفعل وإِرادته‪.‬‬
‫وأمّا المالزمة بين حُسْنه وتوجُّه الخطاب إليه‪ ،‬أو فقُ!!لْ‪ :‬اإلنش!!اء‬
‫بداعي جعل الداعي‪ ،‬فهناك مانعٌ عامّ يعيق إثباتها‪ ،‬وهو أنّ الخط!!اب بم!!ا‬

‫‪41‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الشيخ صادق الالريجاني‪ ،‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد حسن القمي‬

‫أنّه فعلٌ خاصّ‪ ،‬وإنْ كان ناشئاً عن العلم ب!!المالك وت!!وفُّر اإلرادة‪ ،‬إالّ‬
‫أنه تابعٌ أيضاً لمصالح مستقلّةٍ فيه أو مفاسد ك!!ذلك‪ ،‬كم!!ا تق!!دَّمت‬
‫الحَس!! ن والق!!بيح أو اإلرادة‬
‫َ‬ ‫اإلشارة إلى ذلك فيما سبق‪ .‬فمجرّد إثب!!ات‬
‫والكراهة ال يكفي مؤنة إثبات الخطاب بعد إمكانية ابتالئه بالموانع‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬غاية ما يمكن أن يُقال عن ذلك هو اقتض!!اء اإلرادة والكراه!!ة‬
‫للبعث والزجر‪ ،‬وأمّا فعليّة هذا االقتضاء فمرهونةٌ ب!!إحراز ع!!دم الم!!انع‬
‫من البعث والزجر‪ ،‬وأنَّى! إلى ذلك من سبيلٍ قطعيّ؟‬

‫ـ يتبع ـ‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪42‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‬


‫دراسةٌ مقارنة بين النظريّة والنموذج العمل ّي‬
‫د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬
‫(*)*)‬

‫ترجمة‪ :‬حسن علي مطر‬

‫مقدّمةٌ‬
‫يمتاز الدين اإلسالمي من سائر األديان العالمية األخرى بأمور‪ ،‬ومن‬
‫بينها‪ :‬منظومة التقنين والتشريع اإلسالمي (الفق!!ه)‪ .‬إن اإلس!!الم يش!!تمل‬
‫على قوانين لجميع االحتياجات الفردية واالجتماعي!!ة في مختل!!ف األبع!!اد‬
‫السياسية واالقتصادية واالجتماعية والثقافية‪ ،‬ولم يترك لحظةً واحدة من‬
‫حياة اإلنسان إالّ وقد وضع لها حكماً وتعليماً‪.‬‬
‫سوف نعمل في هذا المقال على نقد ومناقشة هذه المس!!ألة الهامّ!!ة‪،‬‬
‫وهي‪ :‬هل يوجد في اإلسالم مسائل وموضوعاتٍ أوكل اهلل بيان حكمها في‬
‫عصر الغَيْبة إلى الحاكم؟ وبعبارةٍ أخرى‪ :‬هل هناك ف!!راغٌ ق!!انونيّ في‬
‫المنظومة التشريعية لإلسالم أم ال؟ وإذا كان هناك فراغٌ قانونيّ فما هو‬
‫المراد منه؟ وكيف يتمّ مَلْء هذا الفراغ؟ وما ه!!و دَوْر ال!!وليّ الفقي!!ه‬
‫(وليّ األمر) في هذه العملية؟‬
‫إن المسائل التي سنعمل على بحثه!!ا في ه!!ذا المق!!ال هي على نح!!و‬
‫اإلجمال عب!!ارة عن‪ :‬ج!!ذور كلم!!ة الق!!انون‪ ،‬ومع!!نى الق!!انون‪ ،‬وتعري!!ف‬
‫القانون اصطالحاً‪ ،‬والمراد من الف!!راغ الق!!انوني‪ ،‬ودراس!!ة ونق!!د نظري!!ة‬

‫*)(*) أستا ٌذ في الحوزة العلميّة في قم‪ ،‬وأستا ٌـذ مسا ِع ٌد ومديرـ قسم الفقه واألصولـ‬
‫في جامعة المصطفى| العالميّة في إيران‪.‬‬
‫‪43‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫المنكرين لوالية الفقيه‪ ،‬ودراسة وتحقيق نظرية حصر التقنين والتش!!ريع‬


‫باهلل‪ ،‬ودراسة نظرية جواز وضع القانون من قِبَل الحاكم‪.‬‬
‫مفهوم القانون‪ 6،‬لغةً واصطالحا ً‬
‫قال العالّمة علي أكبر دهخدا في كتابه (لغت نامه)‪« :‬إن الق!!انون‬
‫تعريب للكلمة اليونانية (كانون)‪ ،‬وهي مستعملةٌ في اللغة العربي!!ة به!!ذا‬
‫المعنى»(‪ . )32‬وهناك مَنْ احتمل أن تكون كلمة القانون مأخوذةً من اللغة‬
‫السريانية(‪ ،)33‬أو الرومية(‪ ،)34‬أو الفارسية(‪ .)35‬ومهما كان فهناك إجم!!اعٌ‬
‫على أن كلمة القانون ليست عربيّةً‪.‬‬
‫وقد ذكرت كتب اللغة معاني كثيرة لكلم!ة الق!!انون‪ ،‬ومن بينه!ا‪:‬‬
‫القاعدة‪ ،‬والدستور‪ ،‬والطريق!!ة‪ ،‬والمقي!!اس(‪ .)36‬ويب!!دو أن ه!!ذه المع!!اني‬
‫تشترك في تعيين الحدّ‪.‬‬
‫والذي نتعرَّض إلى نقده وبحثه في هذا المقال هو المعنى الثالث‪.‬‬
‫وقيل في التعريف االصطالحي للق!!انون‪« :‬أم!!رٌ كلّي ينطب!!ق على‬
‫جميع جزئيّاته التي تُتصرَّف أحكامها منه»(‪.)37‬‬
‫إن هذا التعريف يشمل األمور االعتباري!!ة واألم!!ور الحقيقي!!ة‪ .‬وفي‬
‫هذا المقال سوف نقتصر على بحث الق!!انون الوض!!عي واالعتب!!اري‪ ،‬ال!!ذي‬
‫يتمّ تقريره على يد علماء القانون والقضاة ورج!!ال السياس!!ة والفقه!!اء‪.‬‬
‫وأما البحث عن القوانين الحاكمة على غير االعتباريّات فله موضعٌ آخر‪.‬‬
‫وفي البحث نسعى إلى بيان مسألة دائرة الفراغ القانوني‪.‬‬

‫معنى الفراغ القانوني‬


‫ال شَكَّ في عدم وجود الفراغ الق!!انوني‪ ،‬بمع!!نى أن يك!!ون هن!!اك‬
‫موضوعٌ أو مسألةٌ لم يرِدْ بيانها في صريح الشرع‪ ،‬أو على نحو اإلطالق‬
‫وعموم الكلمة؛ إذ هناك الكث!!ير من اآلي!!ات والرواي!!ات ال!!تي ت!!بيِّن حكم‬
‫جميع الموضوعات والحوادث‪ ،‬حتّى ما كان من قبيل‪ :‬دية أرش الخ!!دش‪.‬‬
‫وأما الفراغ القانوني بمعنى أن اهلل سبحانه وتع!!الى ق!!د ت!!رك بي!!ان حكم‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪44‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫بعض الموضوعات إلى حاكم الشرع‪ ،‬بحيث يُعتَبَر حكم الشارع حكم اهلل‪،‬‬
‫فهو موضعُ بحثٍ وتحقيق‪ .‬ومن المناسب ذكر ص!!الحية وض!!ع الق!!انون‬
‫لوليّ األمر في إدارة الدولة بَدَالً من عنوان الفراغ القانوني‪.‬‬

‫‪1‬ـ نظريّة عدم الفراغ (لدى المنكرين لوالية الفقيه العا ّمة)‪6‬‬
‫هناك من الفقهاء مَنْ يرى أن حدود والي!!ة الح!!اكم اإلس!!المي في‬
‫عصر الغَيْبة ال تتجاوز أمور الحِسْبة‪ .‬وعليه ال يوجد لدينا شيءٌ باس!!م‬
‫الفراغ القانوني‪ ،‬الذي ترك الشارع بيان حكم!!ه ل!!وليّ األم!!ر‪ .‬وقي!!ل في‬
‫تعريف أمور الحِسْبة‪ :‬إن أمور الحِسْبة هي تلك األمور ال!!تي ال تحت!!اج‬
‫إلى تدخُّل الجهات الرسمية (الفقهاء في حال!!ة ع!!دم وج!!ود الع!!دول من‬
‫المؤمنين) في متابعة الدعاوى والشكاوى والخصومات‪ ،‬ب!!ل تباش!!ر ذل!!ك‬
‫الجهات ذات الصالحية‪ ،‬حيث تتعرَّض وتتصدّى لهذه األمور ارتجاالً‪.‬‬
‫إن الفقه!!اء ال!!ذين لم يرتض!!وا والي!!ة الفقي!!ه يجب أن يكون!!وا! من‬
‫أصحاب هذه الرؤية‪ .‬ومن المناسب هنا أن نذكر ـ على س!!بيل المث!!ال ـ‬
‫كالم أحد القائلين بهذه النظريّة(‪.)38‬‬
‫قال صاحب التنقيح‪« :‬إن الوالية لم تثبت للفقيه في عص!!ر الغَيْب!!ة‬
‫بدليلٍ‪ ،‬وإنما هي مختصّةٌ بالنبيّ واألئمة^‪ ،‬بل الثابت حَسْبَ ما يُس!!تفاد‬
‫من الروايات أمران‪ :‬نفوذ قضائه؛ وحجّية فتواه‪ .‬وليس له التص!!رُّف في‬
‫م!!ال القُص!َّ! ر أو غ!!يره ممّ!!ا ه!!و من ش!!ؤون الوالي!!ة‪ ،‬إالّ في األم!!ر‬
‫الحِسْبي»(‪.)39‬‬
‫وطبق!!اً له!!ذه الرؤي!!ة ال يمل!!ك وليّ األم!!ر أيّ ح!!قٍّ في وض!!ع‬
‫القوانين أو األحكام‪.‬‬
‫ونتيجة هذه الرؤية عب!!ارةٌ عن ع!!دم حاكمي!!ة ال!!دين والفق!!ه في‬
‫جميع أبعاد الحياة؛ خالفاً للقائلين بوالية الفقيه‪.‬‬
‫وعلى أساس هذه الرؤية ليس أليّ فقيهٍ حقّ التقدُّم على غيره في‬
‫تصريف أمور الحِسْبة‪ .‬ولكنْ طبقاً لرأي المؤمنين بوالي!!ة الفقي!!ه ف!!إن‬

‫‪45‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫وليّ األمر ـ وهو المسؤول عن إدارة المجتم!!ع ـ ل!!ه ح!!قّ التق!!دُّم في‬
‫التصدّي ألمور الحِسْبة على سائر الفقهاء‪.‬‬
‫وكذلك بناءً على ه!!ذه الرؤي!!ة ف!!إن مالك تص!!رُّف الفقي!!ه ه!!و‬
‫تحقُّق العنوان الثانويّ؛ خالفاً لرأي الق!!ائلين بوالي!!ة الفقي!!ه؛ ألن مالك‬
‫تصرُّف الفقيه يكمن في تشخيص مصلحة النظام وعامّة الناس‪.‬‬

‫مناقشةٌ واعتراض‪6‬‬
‫إن أصل ثبوت الوالية للفقيه هو ـ في الجمل!!ة ـ من األم!!ور ال!!تي‬
‫كانت وال تزال م!!ورد قب!!ول الكث!!ير من الفقه!!اء‪ .‬وال!!دليل على ذل!!ك‪،‬‬
‫مضافاً إلى داللة اآليات والرواي!!ات وكيفي!!ة وض!!ع الق!!وانين‪ ،‬أن العم!!ل‬
‫بالكثير من القوانين يحتاج إلى الوالية وممارسة السلطة من قِبَل الفقيه‪.‬‬
‫كما يحكم العقل بهذا األمر أيضاً‪ .‬وإن الجدير بالتحقيق والنقد هنا ه!!و‬
‫حدود صالحيات وشرائط وصفات ال!!وليّ الفقي!!ه‪ ،‬وم!!ا إذا ك!!ان تعيين!!ه‬
‫باالنتخاب أو التنصيب‪.‬‬

‫صر التشريع والتقنين‪ 6‬باهلل (مع القول بالوالية‪ 6‬العا ّمة للفقيه)‬
‫‪2‬ـ نظريّة َح ْ‬
‫النظرية األخرى في ما يرتبط بموضوع بحثنا هي أن الفقه!!اء‪ ،‬رغم‬
‫ثب!!وت الوالي!!ة لهم في عص!!ر الغَيْب!!ة‪ ،‬ال يح!!قّ لهم ممارس!!ة التق!!نين‬
‫والتشريع؛ وذلك ألن وضع القانون من مختصّ! ات اهلل س!!بحانه وتع!!الى‪.‬‬
‫وحيث تمّ بيان حكم جميع الموض!!وعات واألح!!داث الفعلي!!ة والقادم!!ة ال‬
‫يوجد هناك فراغٌ قانوني‪ ،‬حتّى يتصدّى! الفقيه لمَلْء هذا الفراغ‪.‬‬
‫طبقاً له!!ذه الرؤي!!ة إنم!!ا يك!!ون للفقه!!اء في عص!!ر الغَيْب!!ة ح!!قّ‬
‫تش!خيص الحكم اإللهيّ‪ ،‬ويجب في األح!داث االجتماعي!ة الواقع!ة أن يتمّ‬
‫العمل على بيان حكم اهلل‪ .‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إن حكم اهلل ق!!د تمَّ بيان!!ه في‬
‫جميع المسائل‪ ،‬حتّى في الح!وادث الواقع!ة‪ ،‬وإن وليّ األم!ر إنم!ا ي!بيِّن‬
‫أشكالها وقوالبها‪ ،‬وليس أحكامها‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪46‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫قال صاحب كتاب معالم الحكومة‪« :‬إن التشريع إنما هو من حق!!وق‬


‫اهلل حَصْراً‪ ،‬وال وجود لمشرِّع أو مقنِّن غ!!يره‪ ،‬فال يح!!قّ أليّ ف!!ردٍ ـ‬
‫مهما بلغ من العلم والثقافة والسلطة الفكريّة واالجتماعيّة ـ أن يق!!رِّر‬
‫حكماً‪ ،‬أو يحلّ حراماً أو يحرِّم حالالً»(‪.)40‬‬
‫وعلى أساس هذه النظرية‪ ،‬هناك ثالث مراحل لكلّ حكمٍ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ مرحلة التشريع والتقنين‪ .‬وهي المرحلة الخاصّة باهلل س!!بحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬
‫‪2‬ـ مرحلة التشخيص‪ .‬وهي المرحلة الخاصّة بالفقهاء‪.‬‬
‫‪3‬ـ مرحلة تحديد المسار‪ .‬وهذه المرحلة من مهامّ مجلس الشورى‬
‫اإلسالمي أو ما كان على شاكلته‪.‬‬
‫قال صاحب أنوار الفقاهة‪« :‬وأما أصحابنا اإلماميّة فقد ق!!الوا بأن!!ه‬
‫ليس هناك واقعةٌ ال نصّ فيها‪ ،‬وال يوجد أم!!رٌ خ!!الٍ عن حكمٍ ش!!رعيّ‪،‬‬
‫وإن الدين قد كملت أصوله وفروعه‪ ،‬بحيث لم يبْقَ محلٌّ لتشريع أحدٍ‬
‫أبداً‪ ...‬فعلى هذا ال وجود لـ (الفراغ القانوني) في مدرسة أه!!ل ال!!بيت^‪،‬‬
‫بل كلّ ما تحت!!اج إلي!!ه األم!!ة إلى ي!!وم القيام!!ة‪ ،‬في حي!!اتهم الفرديّ!!ة‬
‫واالجتماعي!!ة والمادّي!!ة والمعنوي!!ة‪ ،‬ق!!د ورد في!!ه حكمٌ إلهي وتش!!ريعٌ‬
‫إس!المي؛ فال ف!راغ وال خأل أص!الً‪ ،‬فال يبقى مح!لٌّ لتش!ريع الفقي!ه أو‬
‫غيره‪ .‬فالذي للفقهاء أمران‪ ،‬وهما‪ :‬الجهد واالجته!!اد في كش!!ف األحك!!ام‬
‫من المصادر األربعة؛ وتطبيق األحكام على مصاديقها‪ ،‬وتنفي!!ذها بم!!ا ه!!و‬
‫حقّها‪ .‬واألوّل هو اإلفتاء‪ ،‬والثاني هو الوالية والحكومة»(‪.)41‬‬
‫إن العلماء الذين رفضوا وج!!ود الف!!راغ الق!!انوني ق!!د اس!!تندوا في‬
‫رفضهم هذا إلى اآليات والروايات؛ إذ يُستفاد من هذه اآليات والروايات أن‬
‫التشريع منحصرٌ باهلل تعالى‪ ،‬وأنه ليس ألحدٍ غ!!يره ح!!قٌّ في التش!!ريع‪،‬‬
‫حتّى رسول اهلل واألئمة^؛ إذ هناك شرائط للتش!!ريع ال يمكن أن تت!!وفَّر‬
‫إالّ في اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وتل!!ك الش!!رائط هي‪ :‬العلم المطل!!ق‪ ،‬وع!!دم‬
‫النَّفْع والضَّرَر‪ ،‬وحقّ المولوية‪ ،‬وما إلى ذلك من الش!!رائط والص!!فات‬

‫‪47‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫األخرى‪.‬‬

‫نق ٌد ور ّد‬
‫يبدو أنه حيث لم يتّضح مورد النزاع فقد تمّ الخلط بين المس!!ائل؛‬
‫إذ لو كان مراد الذين أنكروا الفراغ الق!!انوني ه!!و المع!!نى األوّل ك!!ان‬
‫ذلك صحيحاً‪ ،‬فليس هناك موضوعٌ! أو واقعةٌ لم يتمّ بيان حكمها بشكلٍ‬
‫صريح‪ ،‬أو على نح!!و اإلطالق والعم!!وم‪ ،‬أو من طري!!ق األص!!ول العملي!!ة‪.‬‬
‫وليس هناك مَنْ يناقش في ذلك‪ .‬فحتّى أصحاب نظرية الفراغ القانوني‬
‫يؤمنون بهذا المعنى‪ ،‬وإالّ فإن!!ه س!!يَرِدُ التش!!كيك في جامعيّ!!ة اإلس!!الم‬
‫وشموليّته‪.‬‬
‫إن الفراغ القانوني المقبول من قِبَل بعض العلماء الكبار عبارةٌ عن‬
‫أن اهلل سبحانه وتعالى كم!!ا بيَّن أحك!!ام بعض الموض!!وعات بنفس!!ه على‬
‫نحوٍ صريح‪ ،‬أو على نحو اإلطالق أو العموم‪ !،‬فقد ت!!رك بي!!ان حكم بعض‬
‫الموضوعات األخرى ـ وال سيَّما الموضوعات المرتبطة ب!!إدارة المجتم!!ع‪،‬‬
‫والتي هي في معرض التغي!!ير ـ إلى ال!!وليّ الفقي!!ه‪ ،‬وق!!ال‪ :‬إن حكم!!ه‬
‫حكمي‪ .‬وعلى هذا األساس فإن حكم اهلل في هذه الموارد عب!!ارةٌ عن الحكم‬
‫الذي يبيِّنه وليّ األمر على أساس مص!الح عامّ!ة الن!اس‪ .‬وإن حكم وليّ‬
‫األمر غير تطبيق األحكام اإللهي!ة الكلّي!!ة على المص!!اديق‪ ،‬وغ!ير كش!!ف‬
‫األحكام الجزئية من المطلقات والعمومات‪ ،‬بل كما أن حكم اهلل ه!!و حكمٌ‬
‫بشكلٍ مستقلّ‪ ،‬ف!إن حكم وليّ األم!ر حكمٌ بش!كلٍ مس!!تقلّ‪ ،‬ولكنْ ب!إذن‬
‫وإمضاء اهلل في الموارد الخاصّة‪.‬‬
‫إن هذا التفسير للفراغ القانوني ـ وال!!ذي من األفض!!ل أن نس!!مّيه‬
‫(صالحية تشريع الحاكم) ـ ال يتنافى م!!ع أيٍّ من األدل!!ة المقام!!ة على‬
‫نَفْيه‪.‬‬
‫وأما الروايات الدالّة على بيان جميع األحكام من قِبَ!!ل اهلل س!بحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬حتّى األرش في الخدش‪ ،‬فهي ال تتنافى مع هذا المعنى من الفراغ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪48‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫القانوني؛ ألن نفوذ وحجّية حكم الحاكم في بعض الموارد إنم!!ا ه!!و في‬
‫الواقع بمنزلة بيان الحكم في تلك الموارد من قِبَل اهلل تع!!الى‪ ،‬وإن حكم‬
‫الحاكم إنم!!ا ه!!و ب!!إذن وإرادة اهلل‪ ،‬واعتب!!ار وحجّي!!ة حكم الح!اكم من‬
‫األحكام األوّلية اإللهية‪.‬‬
‫ق!!ال اإلم!!ام الخمي!!ني‪« :‬إن الحكوم!!ة ال!!تي هي ف!!رعٌ عن الوالي!!ة‬
‫المطلق!!ة لرس!!ول اهلل| واح!!دةٌ من األحك!!ام األوّلي!!ة في اإلس!!الم‪ ،‬وهي‬
‫مقدَّمةٌ على جمي!!ع األحك!!ام الفرعي!!ة‪ ،‬بم!!ا في ذل!!ك الص!!الة والص!!وم‬
‫والحجّ»(‪.)42‬‬
‫وكذلك الروايات الدالّة على أن حالل اهلل وحرامه ب!!اقٍ إلى ي!!وم‬
‫القيامة ال تتنافى مع هذا المعنى من الفراغ الق!!انوني؛ ألن ص!!الحية وليّ‬
‫األمر لجعل الحكم الوالئي هو من األحك!!ام المجعول!!ة من قِبَ!!ل الش!!ارع‬
‫أيضاً‪ ،‬وباقٍ إلى يوم القيامة‪ ،‬وال يتنافى مع خلود األحكام اإللهيّة أبداً‪.‬‬
‫وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إن بعض األحك!!ام اإللهي!!ة ثابت!!ة‪ ،‬وال يط!!رأ علي!!ه‬
‫التغيير والتبديل أبداً‪ ،‬ومن بين هذه األحكام الثابتة صالحيات وليّ األمر‬
‫في إدارة الحكم‪ .‬وأما الق!!ول ب!!أن المقنِّن والمش!!رِّع ل!!ه مواص!!فاتٌ ال‬
‫تتوفَّر في غير اهلل سبحانه وتع!!الى فه!!و كالمٌ ص!!حيح في م!!ا يتعلَّ!!ق‬
‫ب!!الموارد ال!!تي يعم!!ل فيه!!ا المقنِّن والمش!!رِّع على وض!!ع الق!!وانين‬
‫باالستقالل‪ ،‬وأما في مورد وليّ األمر فحيث يكون اهلل ق!!د أذن ل!!ه يك!!ون‬
‫قانونه حجّةً ومعتبراً‪ .‬وعليه فإن المقنِّن والمشرِّع في الواقع ه!!و اهلل‪،‬‬
‫وليس الحاكم‪.‬‬
‫وفي الختام من المناسب إليضاح المسألة أن نشير إلى جعل الوالي!!ة‬
‫من قِبَل اهلل لألب في بعض الم!!وارد‪ ،‬من قبي!!ل‪ :‬المباح!!ات والمس!!تحبّات‬
‫والمكروهات‪ .‬فكما ال يكون أمرُ وحكمُ الوال!!د منافي!!اً لألحك!!ام اإللهيّ!!ة‬
‫كذلك حكم الحاكم ال يكون منافياً لألحكام اإللهيّة أيضاً‪.‬‬
‫‪3‬ـ نظريّة وضع القانون‪ 6‬من قِبَل ول ّي األمر‬

‫‪49‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫إن النظرية الرابعة في ما يتعلَّ!!ق ب!!دَوْر وليّ األم!!ر تج!!اه مَلْء‬


‫نقاط الفراغ القانوني (المباحات) عبارةٌ عن أن!!ه كم!!ا أُذِن لرس!!ول اهلل‬
‫واألئمّة^ بوضع القوانين من قِبَل اهلل في إدارة الدولة والمجتمع كذلك‬
‫فإن ذات هذه الصالحيات تكون للفقيه الجامع للشرائط‪ ،‬الذي يتولّى إدارة‬
‫الحكومة والمجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫ش!! كَّ في أن رس!!ول اهلل واألئمّة^ ق!!د جعل!!وا في الكث!!ير من‬ ‫ال َ‬
‫الموارد أحكاماً والئيّة مؤقّتة‪ ،‬في ما يرتبط بحاجة ومصلحة المجتم!!ع‪،‬‬
‫وبم!!ا يتناس!!ب والش!!رائط الزماني!!ة والمكاني!!ة‪ .‬وق!!د تمّ إعط!!اء ه!!ذه‬
‫الصالحيات للفقيه الذي يتكفَّ!!ل ب!!إدارة المجتم!!ع؛! إذ ب!!دون ه!!ذا الح!!قّ‬
‫والصالحية سوف تكون إدارة المجتمع والدولة لَغْواً وبال فائدةٍ‪.‬‬
‫ويمكن إقامة الكثير من األدلّة على هذا األم!!ر‪ .‬ولكنّن!!ا س!!نكتفي ـ‬
‫خشية اإلطالة ـ ب!!ذكر دليلين رئيس!!ين‪ ،‬وهم!!ا‪ :‬الرواي!!ات؛ وبي!!ان بعض‬
‫األحكام الوالئية التي تع!!ود ص!!الحية جعله!!ا أو توس!!عتها وتض!!ييقها إلى‬
‫الفقهاء‪.‬‬
‫ولكي يتّض!!ح م!!ورد ال!!نزاع من الالزم قب!!ل ال!!دخول في ص!!لب‬
‫الموضوع! أن نشير إلى بعض األمور باختصارٍ‪ ،‬وذلك على النحو التالي‪:‬‬

‫أـ أنواع الحكم اإللهي‬


‫إن األحكام اإللهية على نوعين‪!:‬‬
‫النوع األوّل‪ :‬األحكام الثابتة ال!!تي ال تقب!!ل التغي!!ير في أيّ مك!!انٍ‬
‫وزمان‪ ،‬مثل‪ :‬ضروريات اإلسالم‪ ،‬من قبيل‪ :‬الص!الة والص!وم والحجّ‪ ،‬وم!ا‬
‫إلى ذلك ممّا ال يطاله التغيير ويبقى ثابت!!اً إلى األب!!د‪ ،‬رغم أن ش!!رائط‬
‫الزمان والمكان قد يكون لها تأثيرٌ في كيفيّة تطبيقاتها‪.‬‬
‫إن تشريع هذه القوانين من مختصّات الذات اإللهي!!ة المقدّس!!ة‪ ،‬وال‬
‫حقَّ لغيره في جعل هذه القوانين(‪.)43‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬األحكام التي تنبثق عن الوالية‪ ،‬ويتمّ وضعها وتطبيقها‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪50‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫بحَسَب المصلحة الراهنة‪ .‬وكما اتّضح بطبيعة الحال فإن هذا الن!!وع من‬
‫األحكام تابعٌ في بقائه وزواله لمقتضيات وموجبات المرحلة‪ ،‬وهي تتغيَّر‬
‫وتتحوَّل حَتْماً بتطوُّر المدنية وتغيير المصالح والمفاس!!د‪ .‬وإن أص!!ل‬
‫الوالية بما هو حكمٌ سماويّ يعتبر من م!!وادّ الش!!ريعة‪ ،‬ال يقب!!ل النس!!خ‬
‫والتغيير(‪.)44‬‬

‫ب ـ الحكم اإلسالمي بين التكليفي والوضعي‬


‫كما تنقسم األحكام اإلسالمية من ناحيةٍ أخرى إلى قسمين‪ !،‬وهم!!ا‪:‬‬
‫األحكام التكليفية؛ واألحكام الوضعية‪.‬‬
‫بحَس! ب المص!طلح‬
‫َ‬ ‫واألحكام التكليفية على خمسة أنواع‪ !،‬وتُعْ!!رَف‬
‫باألحك!!ام الخمس!!ة‪ ،‬أي‪ :‬الوج!!وب‪ ،‬والحرم!!ة‪ ،‬واالس!!تحباب‪ ،‬والكراه!!ة‪،‬‬
‫واإلباحة‪.‬‬
‫ومن هذه األحكام الخمسة ما هو إلزاميٌّ‪ ،‬مثل‪ :‬الوجوب‪ ،‬والحرم!!ة‪،‬‬
‫وهي التي تعرف في المصطلح الحقوقيّ بالقوانين واألحكام اآلمرة؛ ومنها‬
‫ما هو غير مُلْزِمٍ‪ ،‬من قبيل‪ :‬االستحباب‪ ،‬والكراهة‪ ،‬واإلباحة‪.‬‬
‫ورُبَما كان مراد العلماء الكبار الذين آمنوا بمنطقة الفراغ‪ ،‬وقالوا‬
‫بأن اهلل قد خَوَّل الحاكم اإلسالمي جعل القوانين فيها‪ ،‬هو دائرة األحكام‬
‫غير اإللزاميّة‪.‬‬
‫قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر في ه!!ذا الش!!أن‪« :‬إن الم!!ذهب‬
‫االقتصادي في اإلسالم يشتمل على ج!!انبين‪ :‬أح!!دهما‪ :‬ق!!د مُلئ من قِبَ!!ل‬
‫اإلسالم بصورةٍ منجزة‪ ،‬ال تقبل التغيير والتبديل؛! واآلخر‪ :‬يشكِّل منطقة‬
‫الفراغ في المذهب‪ ،‬قد ترك اإلس!!الم مهمّ!!ة مَلْئه!!ا إلى الدول!!ة أو وليّ‬
‫األمر»(‪ .)45‬ويُس!!تفاد من ه!!ذه العب!!ارة أن دائ!!رة ص!!الحيات الح!!اكم‬
‫اإلسالميّ تنحصر في غير األحكام اإللزاميّ!!ة؛ إذ ال تغي!!ير وال تب!!ديل في‬
‫األحكام اإللزاميّة‪.‬‬

‫‪51‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬
‫ج ـ معنى منطقة الفراغ‪6‬‬
‫ليس معنى منطق!!ة الف!!راغ أن اهلل ليس ل!!ه رأيٌ أو حكمٌ في بعض‬
‫الموضوعات‪ !،‬وإنما منطقة الفراغ تعني أن اهلل سبحانه وتع!!الى ق!!د جع!!ل‬
‫حُكْماً لجميع الموضوعات‪ !،‬ولم يترك أيّ موضوعٍ من دون حكمٍ‪ ،‬إالّ أنه‬
‫ترك تحديد حكم بعض الموضوعات إلى حاكم الشرع‪ .‬وتوض!!يح ذل!!ك‪،‬‬
‫على سبيل المثال‪ :‬لو عمدَتْ السلطة التشريعية في دولةٍ م!!ا إلى إص!!دار‬
‫قانون الض!!رائب‪ ،‬وت!!ركَتْ تحدي!!د مق!!دار ه!!ذه الض!!رائب إلى الس!!لطة‬
‫التنفيذيّة‪ ،‬فهذا ال يعني أن السلطة التشريعيّة ال تمتلك حكم!!اً بالنس!!بة‬
‫إلى هذه الموارد ومقدار الضرائب؛ إذ بعد المصادقة على اختي!!ار الس!!لطة‬
‫التنفيذيّة تكون قراراتها منسوبةً إلى السلطة التشريعيّة‪.‬‬
‫وعلى هذا األس!!اس ف!!إن حكم الح!!اكم في م!!وارد منطق!!ة الف!!راغ‬
‫(والقدر المتيقَّن منها دائرة المباحات) ه!!و حكم اهلل‪ ،‬وإن الح!!اكم إنم!!ا‬
‫يصدر الحكم من حيث إن اهلل هو ال!!ذي أعط!!اه ه!!ذه الص!!الحية‪ ،‬وإن منح‬
‫الصالحية للحاكم اإلسالمي للحكم في هذه الموارد إنما ه!!و من مص!!ادر‬
‫قوّة المنظومة التشريعيّة في اإلسالم‪ ،‬حيث يمكن اختيار القانون المناسب‬
‫لجميع الظروف والحاالت‪.‬‬

‫ب أو حرام‬
‫تحول المباح‪ 6‬إلى واج ٍ‬
‫د ـ ُّ‬
‫إن جعل الوجوب أو الحرمة في دائرة األم!!ور المباح!!ة‪ ،‬ب!!ل وحتّى‬
‫المستحبّات والمكروهات في بعض الموارد‪ ،‬أمرٌ ثابت ومقب!!ول من قِبَ!!ل‬
‫أكثر الفقهاء‪ .‬ومن ذلك‪:‬‬
‫المورد األوّل‪ :‬إن المكلَّف يمكنه أن يوجب على نفسه أمراً مباح!!اً‪،‬‬
‫أو يحرِّمه على نفسه‪ ،‬بالنَّذْر مثالً‪ .‬وال أتص!!وَّر فقيه!!اً يخ!!الف ه!!ذه‬
‫المسألة‪.‬‬
‫قال الشيخ الطوسي‪« :‬فمتى كان ما نذر علي!!ه وحص!!ل وجب علي!!ه‬
‫الوفاء بما نذر فيه‪ ،‬ولم يسُغْ له تركه»(‪ .)46‬إذن متعلَّق النذر إما مباحٌ‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪52‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫فيجب أو يحرم بالنَّذْر؛ أو مستحبٌّ‪ ،‬فيجب بالنَّذْر؛ أو مكروهٌ‪ ،‬فيحرم‬


‫بالنَّذْر‪.‬‬
‫المورد الثاني‪ :‬ومن بين األمور األخرى التي تؤدِّي إلى جعل الحكم‬
‫على اإلنسان هو القَسَم‪ .‬وهذا األمر ثابتٌ كما ه!!و الح!!ال بالنس!!بة إلى‬
‫النَّذْر‪ ،‬وهو مقبولٌ من الفقهاء‪ ،‬حيث يمكن لإلنسان بالقَسَم ـ على طبق‬
‫الشروط ـ أن يوجب على نفس!!ه أو يح!!رِّم م!!ا ك!!ان مباح!!اً‪ ،‬أو يجع!!ل‬
‫المستحبّ واجباً‪ ،‬أو يُحرِّم على نفسه مكروهاً‪.‬‬
‫المورد الثالث‪ :‬وكذلك العهد من األمور التي تسبِّب جعل الوجوب‬
‫أو الحرمة في ذمّة المكلَّف‪ .‬وهذا أيضاً‪ ،‬مثل الن!!ذر والقَسَ! م‪ ،‬متَّفَ!!قٌ‬
‫عليه من قِبَل الفقهاء‪ .‬فإذا تعهَّد المكلَّف بشيءٍ ـ على طب!!ق الش!!رائط‬
‫المذكورة! في أحكام العهد ـ وجب عليه ما تعهَّد به‪.‬‬
‫قال صاحب كتاب وسيلة النجاة‪« :‬يُعتَبَر فيه أن ال يكون مرجوحاً‬
‫دينيّاً أو دنيويّاً‪ ،‬وال يُعتبر فيه الرجحان‪ ،‬فضالً عن كونه طاعةً‪ ،‬كم!!ا‬
‫اعتبر ذلك في النَّذْر‪ ،‬فلو عاهد على فعلٍ مباح لزم»(‪.)47‬‬
‫يتّضح من هذه العبارة ـ المتَّفق عليها من قِبَل أكثر الفقهاء ـ أن‬
‫العهد يؤدّي إلى جعل الوجوب أو الحرمة‪.‬‬
‫المورد الرابع‪ :‬ومن بين األمور المتَّفق عليها من قِبَل الفقهاء ه!!و‬
‫الش!!رط في ض!!من العق!!د‪ ،‬حيث يمكن لك!!لٍّ من ط!!رفي العق!!د (الب!!ائع‬
‫والمشتري) أن يوجب على اآلخر كلّ شيءٍ‪ ،‬باستثناء ما خالف كتاب اهلل‬
‫وسنّة رسول اهلل|‪ ،‬أو خالف مقتضى العقد‪.‬‬
‫قال السيد الحكيم في هذا الشأن‪« :‬كما يجب الوف!!اء بالعق!!د الالزم‬
‫يجب الوفاء بالشرط المجعول في!!ه‪ ،‬كم!!ا إذا باع!!ه فَرَس!!اً بثمنٍ معين‪،‬‬
‫واشترط عليه أن يخيط ل!!ه ثوب!!ه‪ ،‬ف!!إن الب!!ائع يس!!تحقّ على المش!!تري‬
‫الخياطة بالشرط‪ ،‬فتجب عليه خياطة ثوب البائع»(‪.)48‬‬
‫الموردان الخامس والسادس‪ :‬ومن بين األم!!ور األخ!!رى ال!!تي يجب‬
‫بسببها حكمٌ على المكلَّف‪ ،‬رغم أن حكمها األوّلي ليس هو الوجوب‪ ،‬أم!!رُ‬

‫‪53‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫الوالد‪ .‬وهكذا أمرُ الزوج زوجته أيضاً‪ .‬فالزوج يمكنه ـ مثل األب واألم ـ‬
‫في بعض الموارد أن يُحرِّم مباحاً على زوجته‪.‬‬
‫قال صاحب العروة ال!!وثقى‪« :‬الخ!!امس من الش!!روط‪ :‬أن ال يك!!ون‬
‫السفر حراماً‪ ،‬وإالّ لم يقصر‪ ،‬سواءٌ ك!!ان نفس!!ه حرام!!اً‪ ،‬ك!!الفرار من‬
‫الزحف‪ ،‬وإباق العبد‪ !،‬وسفر الزوجة ب!!دون إذن ال!!زوج في غ!!ير ال!!واجب‪،‬‬
‫وسفر الولد مع نهي الوالدين في غير الواجب»(‪.)49‬‬
‫إن الغرض من نقل هذه الموارد هو أنه إذا قي!!ل ب!!أن اهلل س!!بحانه ـ‬
‫وهو الشارع الحقيقي واألصلي ـ قد ت!!رك جع!!ل حكم بعض الموض!!وعات‬
‫إلى حاكم الشرع‪ ،‬وعبَّر عن!!ه بمنطق!!ة الف!!راغ‪ ،‬ال يجب االس!!تغراب من‬
‫ذلك؛ إذ حتّى المكلف العادي يمكنه أن يوجب أو يحرِّم على نفسه ما لم‬
‫يوجبه اهلل أو يحرِّمه علي!!ه (كم!!ا في الم!!وارد األوّل والث!!اني والث!!الث‬
‫والرابع)‪ ،‬وفي بعض األحيان يمكن لآلخرين أن يوجبوا أو يحرِّم!!وا على‬
‫المكلَّف شيئاً لم يوجبه اهلل أو يحرِّم!!ه (كم!!ا في الم!!وردين الخ!!امس‬
‫والسادس)‪.‬‬
‫هـ ـ األدلّة النظريّة‪ 6‬والعمليّة على صالحية ول ّي األمر للتشريع‬
‫ولكي يتّضح البحث سوف نتناول البحث من زاويتين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪1‬ـ الروايات‪.‬‬
‫‪2‬ـ األحكام الوالئيّة للفقهاء‪.‬‬

‫‪1‬ـ الروايات‬
‫لق!!د فتح المح!!دِّثون الكب!!ار في كتبهم الروائي!!ة باب!!اً بعن!!وان‬
‫«التفويض»‪ ،‬ونقلوا فيه الكثير من الروايات‪ ،‬ومنها م!!ا ه!و ت!امّ الدالل!ة‬
‫والسند‪ !،‬وال س!!يَّما ب!!النظر إلى الق!!رائن والش!!واهد الموج!!ودة في ه!!ذه‬
‫الروايات‪ ،‬ومن ذلك أنه جاء في بعضها أحكامٌ وضعها شخصُ رسول اهلل|‪.‬‬
‫وفي ما يلي نشير إلى عددٍ منها على النحو التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـ عن زرارة قال‪ :‬سمعتُ أبا جعفر وأبا عبد اهلل’ يق!!والن‪« :‬إن اهلل‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪54‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫عزَّ وجلَّ فوّض إلى نبيِّه| أمرَ خلقه؛ لينظ!!ر كي!!ف ط!!اعتهم؟ ثمّ تال‬
‫هذه اآلية‪﴿ :‬مَ!!ا آَتَ!!اكُمُ الرَّسُ! ولُ فَخُ!!ذُوهُ وَمَ!!ا نَهَ!!اكُمْ عَنْ!!هُ‬
‫فَانْتَهُوا﴾ (الحشر‪.)50(»)7 :‬‬
‫كما ورد ذات هذا المضمون في الرواي!!ات األخ!!رى‪ ،‬م!!ع إض!!افة أن‬
‫جميع ما فُوِّض إلى رسول اهلل| ق!!د تمّ تفويض!!ه إلى األئمّ!!ة األطه!!ار^‬
‫أيضاً‪ ،‬ومن بينها‪ :‬الرواية الثالثة‪.‬‬
‫‪2‬ـ عن محمد بن الحسن الميثمي‪ ،‬عن أبي عبد اهلل×‪ ،‬ق!!ال‪ :‬س!!معتُه‬
‫يقول‪« :‬إن اهلل عزَّ وج!!لَّ أدَّب رس!!وله حتّى قوَّم!!ه على م!!ا أراد‪ ،‬ثمّ‬
‫فوّض إليه فقال عزَّ ذكره‪﴿ :‬مَا آَتَ!!اكُمُ الرَّسُ! ولُ فَخُ!!ذُوهُ وَمَ!!ا‬
‫نَهَاكُمْ عَنْ!!هُ فَ!!انْتَهُوا﴾‪ ،‬فم!!ا ف!!وَّض اهلل إلى رس!!وله| فق!!د فوَّض!!ه‬
‫إلينا»(‪.)51‬‬
‫‪3‬ـ عن عبد اهلل بن سنان‪ ،‬عن بعض أص!!حابنا‪ ،‬عن أبي جعفر× ق!!ال‪:‬‬
‫إن اهلل تبارك وتعالى أدَّب محمداً|‪ ،‬فلما تأدَّب فوَّض إليه‪ ،‬فق!!ال تب!!ارك‬
‫وتع!!الى‪﴿ :‬مَ!!ا آَتَ!!اكُمُ الرَّسُ! ولُ فَخُ!!ذُوهُ وَمَ!!ا نَهَ!!اكُمْ عَنْ!!هُ‬
‫فَانْتَهُوا﴾‪ ،‬وقال‪﴿ :‬مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اهللَ﴾ (النساء‪،)80 :‬‬
‫فكان في ما فرض في القرآن فرايض الصلب‪ ،‬وفرض رسول اهلل| ف!!رايض‬
‫الجدّ‪ ،‬فأجاز اهلل ذلك له»(‪.)52‬‬
‫إن هذه الروايات وأمثالها تدلّ على أنه في بعض الموارد تمّ إلق!!اء‬
‫أمر التقنين على ع!!اتق رس!!ول اهلل|‪ ،‬وأن رس!!ول اهلل ق!!د وض!!ع في بعض‬
‫الموارد أحكاماً لم يضَعْها اهلل‪ ،‬كما في الحديث األخير والحديث الراب!!ع‬
‫من الباب‪.‬‬

‫‪2‬ـ األحكام الوالئيّة للفقهاء‬


‫الدليل الثاني على ص!!الحية الفقه!!اء لجع!!ل بعض الق!!وانين وج!!ود‬
‫ش!! كَّ في أن‬
‫أحكام والئية لرسول اهلل| واألئمّة األطهار^ والفقه!!اء‪ .‬وال َ‬
‫هذه األحكام إنما هي من جهة أنهم كانوا قد تكفَّلوا بمس!!ؤولية ومهمّ!!ة‬

‫‪55‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫إدارة المجتمع والدولة‪ ،‬وليس من جه!!ة أنهم ي!!بيِّنون األحك!!ام اإللهي!!ة‪.‬‬


‫وحيث إن هذه المقالة معقودةٌ للبحث في صالحية الفقهاء فس!!وف نحجم‬
‫عن بيان األحكام الوالئيّة لرسول اهلل| واألئمّة األطهار^؛ خش!!ية اإلطال!!ة‪،‬‬
‫ونكتفي بذكر بعض األحكام الوالئية الصادرة عن الفقهاء‪:‬‬

‫أـ نماذج من األحكام الوالئيّة في العبادات‬


‫‪1‬ـ الحكم بثبوت الهالل‬
‫على الرغم من أن هذه المسألة كانت وال ت!!زال موض!!ع خالفٍ‪ ،‬إالّ‬
‫أن الكثير من الفقهاء قالوا بحجّية حكم الحاكم في رؤية وثبوت الهالل‪،‬‬
‫ومن بينهم‪ :‬الشيخ الصدوق‪ ،‬حيث قال‪« :‬مَنْ كان في بلدٍ في!!ه س!!لطانٌ‬
‫[الحاكم اإلسالمي]‪ ،‬فالصوم معه والفطر معه؛ ألن في خالفه دخ!!والً في‬
‫نهي اهلل عزَّ وجلَّ»(‪.)53‬‬
‫قال صاحب كتاب جواهر الكالم [ما مضمونه](‪« :)54‬إن أطالق أدلّة‬
‫نفوذ حكم الحاكم‪ ،‬وإطالق األدلة الدالة على أن ال!!ردّ على الح!!اكم ردٌّ‬
‫على األئمة^‪ ،‬يشمل حكم الحاكم في رؤية وثبوت الهالل»(‪.)55‬‬
‫وقال السيد اليزدي [ما مضمونه](‪« :)56‬مع حكم الحاكم ـ وع!!دم‬
‫إحراز خطأ حكمه ومستنده ـ تثبت رؤية الهالل»(‪.)57‬‬
‫ولم ينتقد هذه المسألة التي أثاره!!ا الس!!يد ال!!يزدي من بين األح!!د‬
‫عشر عالماً من أصحاب الحواشي على العروة الوثقى سوى واحدٍ فقط‪.‬‬
‫ومن هنا فإن حكم الح!!اكم في ثب!!وت الهالل إنم!!ا يك!!ون معت!!براً‬
‫ونافذاً من جهة أنه حكمٌ صادرٌ عن الحاكم اإلسالمي‪.‬‬

‫الحاج في ما يتعلَّق بيو َم ْي عرفة وعيد األضحى‬


‫ّ‪6‬‬ ‫‪2‬ـ حكم أمير‬
‫إن من بين مناصب الحاكم اإلسالميّ والقيام بإدارة ش!!ؤون حج!!اج‬
‫بيت اهلل الحرام منصب (أمير الحاجّ)‪ .‬وقد صرَّح الكثير من الفقهاء بهذه‬
‫المسألة‪ ،‬ومن بينهم شيخ الطائفة [الشيخ الطوسي]؛ إذ يقول‪« :‬ينبغي على‬
‫اإلمام (أمير الحاجّ) أن يصلّي ص!!الة الظه!!ر والعص!!ر في ي!!وم التروي!!ة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪56‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫[اليوم الثامن من ذي الحجة] في مِنَى»(‪.)58‬‬


‫وقال ابن إدريس [ما مضمونه](‪« :)59‬يستحبّ لإلمام [أمير الح!!اجّ]‬
‫في يوم عرفة أن يخرج بعد طلوع الشمس من مِنَى إلى عرفة»(‪.)60‬‬
‫وقال المحقِّق الحلّي [ما مضمونه]‪« :‬في الخروج من مكّة يس!!بق‬
‫اإلمام [أمير الحاج] اآلخرين؛ ليقيم صالة الظهر والعصر في مِنَى»(‪.)61‬‬
‫وقال صاحب الجواهر في هذا البحث‪« :‬والمراد باإلمام أمير الحاجّ‪،‬‬
‫كما صرّح به غيرُ واحدٍ [من الفقهاء]»(‪.)62‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن جمي!!ع أوام!!ر أم!!ير الح!!اجّ وتعليمات!!ه‪ ،‬في‬
‫توجيه الحجاج واإلجابة عن المسائل الش!!رعية الض!!رورية للحجّ!!اج‪ ،‬ذات‬
‫صبغةٍ والئية‪.‬‬

‫‪3‬ـ الحكم بدفع الزكاة إلى الفقيه‪6‬‬


‫هناك اختالفٌ بين الفقهاء حول ما إذا كان دفع الزكاة إلى الفقيه‬
‫واجباً أم ال؟ والمتَّفق علي!!ه بين الفقه!!اء ه!!و أفض!!لية واس!!تحباب دف!!ع‬
‫الزكاة إلى الفقيه دون مطالبت!!ه‪ ،‬وأم!!ا م!!ع المطالب!!ة فهن!!اك مَنْ ق!!ال‬
‫ب!!الوجوب‪ ،‬ومن بينهم‪ :‬الش!!يخ األعظم؛ إذ يق!!ول‪« :‬ول!!و طلبه!!ا الفقي!!ه‬
‫فمقتضى أدلّة النيابة العامّة وجوب الدفع؛ ألن منع!!ه ردٌّ علي!!ه‪ ،‬وال!!رادّ‬
‫عليه رادٌّ على اهلل تعالى‪ ،‬كما في مقبولة عمر بن حنظلة»(‪.)63‬‬
‫ويتَّضح من ذلك أن هذا الحكم من قِبَل الفقيه إنم!!ا يجب اتّباع!!ه‬
‫من جهة وجوب اتّباع الحاكم اإلسالميّ ونائب اإلمام المعصوم!×‪.‬‬

‫‪4‬ـ حكم الجهاد االبتدائي‬


‫هناك اختالفٌ بين الفقهاء حول ما إذا كان يمكن للفقيه في عص!!ر‬
‫الغَيْبة أن يُفتي بوجوب الجه!!اد االبت!!دائي أم ال‪ .‬ذهب بعض الفقه!!اء إلى‬
‫القول‪ :‬كما أنهم يتحمّلون مسؤولية ومهمّة ال!!دفاع عن ح!!ريم اإلس!!الم‬
‫ومقدّماته‪ ،‬يمكنهم كذلك اإلفتاء بالجه!!اد االبت!!دائي إنْ رأَوْا مص!!لحةً‬
‫ملزِمةً تترتَّب على ذلك‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬

‫‪57‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫ما جاء في كتاب الجواهر [ما مضمونه](‪« :)64‬لو ق!!ام إجم!!اعٌ على‬
‫عدم مشروعية الجهاد االبتدائي في عصر غَيْبة الق!!ائم فلن يك!!ون هن!!اك‬
‫دليلٌ على عدم مشروعيّته؛ إذ األدلة األخرى قابلةٌ للخدش‪ ،‬ب!!ل إن أدلّ!!ة‬
‫نياب!!ة الفقي!!ه‪ ،‬باإلض!!افة إلى عم!!وم أدل!!ة الجه!!اد‪ ،‬تثبت ج!!واز االجته!!اد‬
‫االبتدائي في عصر الغَيْبة»(‪.)65‬‬
‫وجاء في منهاج الصالحين‪« :‬الظاهر عدم سقوط وجوب الجه!!اد في‬
‫عصر الغَيْبة‪ ،‬وثبوته في كافّة األعصار‪ ،‬لدى توفُّر ش!!رائطه‪ .‬وه!!و في‬
‫زمن الغيبة منوطٌ بتشخيص المسلمين من ذوي الخبرة»(‪.)66‬‬
‫وجاء في كتاب والية الفقيه‪« :‬إن ما جاء في الروايات ه!!و وج!!وب‬
‫الجهاد االبتدائي مع اإلمام العادل‪ .‬واإلمام العادل في مقابل اإلمام الج!!ائر‪.‬‬
‫ومن هنا فإن اإلمام العادل يشمل اإلمام المعص!!وم× والح!!اكم اإلس!!الميّ‪.‬‬
‫وعلى ال!!رغم من أن مص!!داق اإلم!!ام الع!!ادل في عص!!ر الحض!!ور ه!!و‬
‫المعصوم!×‪ .‬وعليه ال يشترط حضور أو إذن اإلم!!ام المعص!!وم! في الجه!!اد‬
‫االبتدائي»(‪.)67‬‬
‫وعليه‪ ،‬بناءً على مشروعية الجهاد االبتدائي في عصر الغَيْب!!ة ف!!إن‬
‫األمر ب!ه س!يكون من األحك!ام الوالئيّ!ة‪ ،‬وال يك!ون ناف!ذاً إالّ من قِبَ!ل‬
‫الحاكم اإلسالمي‪.‬‬

‫‪5‬ـ الحكم في المرتبة الثالثة لألمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬


‫لقد ذكر الفقهاء عدداً من المراحل لألم!!ر ب!!المعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪ ،‬وقال الفقهاء‪ :‬إن مشروعية المرحلة الثالثة تحتاج إلى حكم وإذن‬
‫الحاكم اإلسالمي‪ .‬ومن ذلك مثالً‪:‬‬
‫قال الشيخ الطوسي‪« :‬األمر ب!!المعروف والنهي عن المنك!!ر يجب!!ان‬
‫بالقلب واللسان واليد‪ ،»...‬ثمّ قال‪« :‬قد يكون األمر بالمعروف باليد ب!!أن‬
‫يحمل الن!!اس على ذل!!ك بالت!!أديب وال!!ردع وقت!!ل النف!!وس وض!!رب من‬
‫الجراح!!ات‪ ،‬إالّ أن ه!!ذا الض!!رب ال يجب فعل!!ه إالّ ب!!إذن س!!لطان ال!!وقت‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪58‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫[الحاكم اإلسالمي] المنصوب للرياسة»(‪.)68‬‬


‫وقال القاضي ابن البرّاج‪« :‬قد يكون األمر بالمعروف بالي!!د أيض!!اً‬
‫على وجهٍ آخر‪ ،‬وهو أن يحمل الناس بالقتل وال!!ردع والت!!أديب والج!!راح‬
‫واآلالم على فعله‪ ،‬إالّ أن هذا الوجه ال يجوز للمكلَّ!!ف اإلق!!دام علي!!ه إالّ‬
‫بأمر اإلمام العادل وإذنه»(‪.)69‬‬
‫يُفْهَم من هذه العب!!ارة وأمثاله!!ا أن المرحل!!ة األخ!!يرة من األم!!ر‬
‫بالمعروف والنهي عن المنك!!ر مش!!روطةٌ بحكم الح!!اكم اإلس!!المي‪ .‬وال‬
‫شَكَّ في أن هذا الحكم هو من األحكام الوالئية‪ .‬فكلّم!!ا وج!!د الح!!اكم‬
‫مصلحة أذن؛ ومع عدم إذن الحاكم تنتفي المشروعية أيضاً‪.‬‬

‫الحج مؤقّتا ً‬
‫ّ‬ ‫‪6‬ـ الحكم بتعطيل‬
‫قال اإلمام الخميني&‪ ،‬بشأن صالحيات الحكوم!!ة اإلس!!المية‪« :‬يمكن‬
‫للحكومة اإلسالمية أن تمنع الحجّ ـ وهو من الفرائض اإللهيّة الهامّ!!ة ـ‬
‫مؤقَّتاً‪ ،‬وذلك عندما تجد أنه مخالفٌ لمصالح الدولة اإلسالميّة»(‪.)70‬‬
‫ش!! كَّ في أن تعطي!!ل الحجّ عن!!دما ي!!رى الح!!اكم اإلس!!المي‬ ‫ال َ‬
‫مصلحةَ المجتمع والدولة اإلسالمية في ذلك يُعَدّ من األحكام الوالئيّ!!ة‬
‫والمؤقَّتة‪.‬‬

‫‪7‬ـ الحكم بوجوب البراءة من المشركين‬


‫لقد أشار اإلمام الخميني إلى هذه المسألة في الكثير من المناسبات‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ ،‬على س!!بيل المث!!ال‪ ،‬أن!!ه ق!!ال في ندائ!!ه‪ ،‬ال!!ذي أص!!دره! س!!نة‬
‫‪1362‬هـ‪.‬ش (‪1983‬م)‪ ،‬بمناسبة حلول عي!!د األض!!حى المب!!ارك‪« :‬على‬
‫الجميع أن يتأسَّى بوالد التوحيد وأبي األنبياء العظام‪ .‬وفي سورة التوبة‪،‬‬
‫حيث ورد األمر بتالوتها على المأل في مكّة المكرَّمة‪ ،‬نقرأ قوله تع!!الى‪:‬‬
‫﴿ وَأَذَانٌ مِنَ اهللِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ األَكْبَ!!رِ أَنَّ‬
‫وَرَس!! ولُهُ﴾ (التوب!!ة‪ ،)3 :‬حيث تمثِّ!!ل‬
‫ُ‬ ‫اهللَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ‬
‫هذه اآلية صرخةَ البراءة من المشركين في موسم الحجّ‪ ،‬وهي الص!!رخة‬

‫‪59‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫السياسيّة العباديّة التي أمر بها رسول اهلل|»(‪.)71‬‬

‫ب ـ نماذج من األحكام الوالئيّة االقتصاديّة‬


‫‪1‬ـ الحكم ببيع األموال المحتَ َكرة‬
‫إن من بين األحك!!ام الوالئي!!ة إجب!!ار المحتكِ!!ر على بي!!ع البض!!اعة‬
‫المحتَكَرة‪ .‬وهذه المسألة مورد قبول من قِبَل الكثير من الفقه!!اء‪ .‬ومن‬
‫ذلك‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬أن الشيخ المفي!!د يق!!ول‪« :‬للس!!لطان أن يُكْ!!رِه‬
‫المحتكِر على إخراج غلّته وبيعها في أسواق المسلمين إذا كانت بالن!!اس‬
‫حاجةٌ ظاهرة إليها»(‪.)72‬‬
‫وقال المحقِّق الحلّي في شرائع اإلسالم‪« :‬ويُجْبَر المحتكِ!!ر [من‬
‫قِبَل الحاكم] على البيع»(‪.)73‬‬
‫وقال صاحب الجواهر‪« :‬وقد ادُّعي اإلجم!!اع على ذل!!ك من قِبَ!!ل‬
‫جماعةٍ»‪.‬‬
‫وقد ورد هذا المضمون في الكثير من الروايات‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما ج!!اء‬
‫في توحيد الص!!دوق؛ إذ يق!!ول‪« :‬م!!رَّ رس!!ول اهلل| ب!!المحتكِرين؛ ف!!أمر‬
‫بحِكْرَتهم أن يخرج إلى بطون األسواق‪ ،‬وحيث تنظر األبصار إليها»(‪.)74‬‬
‫إن أصل هذه المسألة‪ ،‬وهي أن الحاكم يح!!قّ ل!!ه إجب!!ار المحتكِ!!ر‬
‫على بيع بضاعته‪ ،‬مورد اتّفاق الفقهاء‪ .‬ولكنْ وق!!ع االختالف بينهم بش!!أن‬
‫تقييم البضاعة المحتكَرة‪ .‬واألمر اآلخر الذي وقع االختالف في!!ه م!!وارد‬
‫االحتكار‪ ،‬فهل هي محدودةٌ بعدد من األمور الخاصّة الواردة في الروايات‬
‫أم تشمل جميع البضائع التي يحتاج إليها المجتمع حاجةً ماسّة‪ ،‬ومن دون‬
‫عرضها في األسواق يعاني من ضائقةٍ خانقة؟‬

‫التصرف والحكم في الموقوفات العا ّمة‬


‫ُّ‬ ‫‪2‬ـ‬
‫(‪)75‬‬
‫‪« :‬ل!!و لم يعيِّن الواق!!ف‬ ‫ق!!ال الس!!يد ال!!يزدي& [م!!ا مض!!مونه]‬
‫متولّياً إلدارة الوقف هل تقع إدارة الوقف على عاتق الواقف؛ أو الموقوف‬
‫عليه؛ أو الحاكم؛ أو إذا كان الوقف خاصّاً تقع إدارة الوق!!ف على ع!!اتق‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪60‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫الموقوف! عليه؛ وإذا كان الوقف عامّاً تق!!ع إدارت!!ه على ع!!اتق الح!!اكم؟‬
‫هناك عدّة أقوال في هذه المسألة‪.‬‬
‫والقول القويّ من بين هذه األق!وال ه!و أن إدارة وح!قّ التص!رّف‬
‫يكون للحاكم‪ ،‬سواء قلنا‪ :‬إن الوقف باقٍ على ملكية الواق!!ف‪ ،‬أو قلن!!ا‪ :‬إن‬
‫الوقف ينتقل إلى ملك الموقوف عليه‪ ،‬أو قلن!!ا‪ :‬إن الوق!!ف يص!!بح ملك!!اً‬
‫هلل»(‪.)76‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن جميع تصرُّفات وأحك!!ام ح!!اكم الش!!رع في‬
‫الموقوفات العامّة تكون من األحك!!ام الوالئي!!ة‪ ،‬وهي تش!!مل بي!!ع الوق!!ف‪،‬‬
‫وقبض الوقف‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫‪3‬ـ الحكم في أمور المحجور عليهم‬
‫(‪)77‬‬
‫قال العالّمة الحلّي‪ ،‬في القواعد‪[ !،‬م!!ا مض!!مونه] ‪« :‬إن للح!!اكم‬
‫اإلسالمي ومَنْ يث!!ق بهم من ع!!دول المؤم!!نين الوالي!!ةَ على المحج!!ور؛‬
‫لصغرٍ أو جنونٍ أو إفالسٍ ماليّ أو سَفَهٍ»(‪.)78‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن جميع أحكام الحاكم في هذه الموارد ـ حيث‬
‫تنشأ من جهة كونه حاكماً ـ تعتبر من األحكام الوالئية‪.‬‬

‫‪4‬ـ الحكم بدفع نفقات اللقيط‪6‬‬


‫تقع نفقة اللقيط على ع!!اتق ح!!اكم الش!!رع‪ .‬وال شَ! كَّ في ه!!ذه‬
‫المسألة‪.‬‬
‫وفي ما يلي ننقل فتوى بعض الفقهاء‪ ،‬على سبيل المثال‪:‬‬
‫قال ابن حمزة‪ ،‬في الوسيلة‪« :‬إذا التقط حرّاً ص!!غيراً رف!!ع خ!!بره‬
‫إلى الحاكم؛ لينفق عليه»(‪.)79‬‬
‫ال شَكَّ في أن تصرُّفات وتعاليم الحاكم الشرعي في هذا الش!!أن‬
‫تندرج ضمن األحكام الوالئية‪.‬‬
‫وقال القاضي ابن البرّاج‪ ،‬في كتاب المهذَّب‪« :‬إذا وجد لقيطاً فهو‬
‫حُرّ‪ ،‬وجب على مَنْ وجده أن يرفع خ!!بره إلى س!!لطان اإلس!!الم؛ لينف!!ق‬
‫عليه من بيت المال»(‪.)80‬‬

‫‪61‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫الج ْزية‬
‫‪5‬ـ الحكم بالعفو أو تعيين مقدار ِ‬
‫يذهب الكثير من الفقهاء إلى الق!!ول ب!!أن العف!!و أو تع!!يين مق!!دار‬
‫الجِزْية أو نوعها من صالحيات اإلمام (الحاكم اإلسالميّ)(‪.)81‬‬
‫قال المحقِّ!!ق الحلّي‪« :‬في كمّي!!ة الجِزْي!!ة‪ :‬وال حَ!!دَّ له!!ا‪ ،‬ب!!ل‬
‫تقديرها إلى اإلمام (الحاكم اإلسالمي)‪ ،‬بحَسَب األصلح»(‪.)82‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن كلّ حكمٍ يصدر عن الحاكم اإلسالمي بشأن‬
‫العفو أو تعيين مقدار الجِزْية يندرج ضمن األحكام الوالئية‪.‬‬

‫‪6‬ـ الحكم بحبس ال َم ِدين‬


‫لو امتنع المَدِين عن دفع الدَّيْن أمكن للحاكم اإلسالمي أن يحكم‬
‫بحبسه‪.‬‬
‫قال الشيخ الطوسي‪« :‬مَنْ وجب عليه الدَّيْن ال يج!!وز ل!!ه مَطْل!!ه‬
‫ودفعه مع قدرته على قضائه‪ .‬فإنْ مطل ودفع كان على الح!!اكم حبس!!ه‬
‫وإلزامه الخروج ممّا وجب عليه»(‪.)83‬‬

‫‪7‬ـ الحكم بتقييم البضائع‪ 6‬المحتَ َكرة‬


‫على الرغم من اختالف الفقهاء في هذه المسألة‪ ،‬إالّ أن بعضهم أفتى‬
‫بمشروعيّة ذلك‪ ،‬ومنهم‪ :‬الشيخ المفيد؛ إذ قال في المقنعة‪« :‬للسلطان أن‬
‫يكره المحتكِر على إخراج غلّته وبيعها في أس!!واق المس!!لمين‪ ،‬إذا ك!!انت‬
‫بالناس حاجةٌ ظاهرة إليها‪ ،‬وله أن يسعِّرها على ما ي!!راه من المص!!لحة‪،‬‬
‫وال يسعِّرها بما يخسر أربابها فيها»(‪.)84‬‬
‫وقال صاحب الجواهر [ما مض!!مونه](‪« :)85‬إن للس!!لطان أن يس!!عِّر‬
‫البضاعة‪ ،‬إذا أجحف المالك»(‪.)86‬‬
‫وجاء في والية الفقيه‪« :‬يجوز للحاكم أن يُسعِّر البض!!اعة‪ ،‬إذا لم‬
‫تكن القيمة متوازنةً مع عَرْض البضاعة»(‪.)87‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪62‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫‪8‬ـ الحكم بتحجير األرض‬


‫إن من طرق امتالك األرض الميتة إحياءه!!ا‪ .‬والتحج!!ير في الفق!!ه‬
‫يكون سبباً في األولويّة؛ فإذا قام شخصٌ بتحجير أرضٍ‪ ،‬ولم يعم!!ل على‬
‫إحيائها‪ ،‬تخيَّر الح!!اكم اإلس!!المي بين إجب!!اره على إحيائه!!ا أو التخلّي‬
‫عنها‪.‬‬
‫ق!!ال المحقِّ!!ق الحلّي‪ ،‬في الش!!رائع‪« :‬ل!!و اقتص!!ر على التحج!!ير‪،‬‬
‫وأهمل العمارة‪ ،‬أجبره اإلمام على أحد أمرَيْن‪ :‬إما اإلحياء؛ وإم!ا التخلي!ة‬
‫بينها وبين غيره‪ .‬ولو امتنع أخرجها السلطان من يده؛ لئالّ يعطِّلها»(‪.)88‬‬
‫وقال صاحب الج!!واهر في ه!!ذا الش!!أن‪« :‬بالخالفٍ أج!!ده بين مَنْ‬
‫تعرَّض له‪ ،‬كالشيخ وابن حمزة والفاضلين والشهيدَيْن وغيرهم‪ ،‬على ما‬
‫حُكِيَ عن بعضهم»(‪.)89‬‬

‫‪9‬ـ الحكم بدفع الضرائب‬


‫قال الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري‪« :‬لو اقتضَتْ المصلحة العام!!ة‬
‫فرض ضرائب تصاعدية‪ ،‬وحتّى (إذا) اقتضَ! تْ الض!!رورة تع!!ديل ال!!ثروة‬
‫االجتماعية‪ ،‬ووضع الض!!رائب بحيث يُبقي م!!ا مق!!داره ‪ %5‬من مجم!!وع‬
‫األرباح بيد المالك األصلي‪ ،‬واستقطاع ما مقداره ‪ %95‬منه‪ ،‬وجب العمل‬
‫على طبق ذلك‪ ...‬وه!!ذه ك!!برى كُلِّي!!ة‪ .‬وال ي!!ذهب الظنّ بكم إلى أن‬
‫هناك مَنْ يشكّ في هذه الكبرى الكُلِّية؛ فليس هناك فقي!!هٌ يش!!كّ في‬
‫هذه الكبرى الكُلِّية؛ حيث يجب رفع اليد عن المصلحة الصغيرة من أج!!ل‬
‫الحفاظ على مصلحةٍ إسالميّة أكبر»(‪.)90‬‬

‫‪10‬ـ تحديد ال ِم ْلكيّة‪6‬‬


‫قال الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري في هذا الش!!أن‪« :‬ل!!و اقتضَ! تْ‬
‫مصلحة المجتمع اإلسالمي تجريد المال!!ك من مِلْكيّت!!ه بالكام!!ل‪ ،‬ورأى‬
‫(الحاكم اإلسالمي) أن المِلْكيّة بهذا الشكل تمثِّل غدّةً سرطانيّة‪ ،‬أمكنه‬
‫فعل ذلك‪ ،‬إنْ توقَّفَتْ المصلحة األكبر عليه»(‪.)91‬‬

‫‪63‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫وقال اإلمام الخميني‪ ،‬في حشدٍ من الطالب الجامعيين من محافظ!!ة‬


‫إصفهان‪ « :‬على الرغم من احترام الشارع المقدَّس للمِلْكيّة‪ ،‬إالّ أن وليّ‬
‫األم!!ر يمكن!!ه نقض ه!!ذه المِلْكيّ!!ة المح!!دودة‪ ،‬إنْ وَجَ!!دَها على خالف‬
‫مصلحة اإلسالم والمسلمين‪ !،‬وأن يعمل على مصادرة مق!!دارٍ معيَّنٍ منه!!ا‪،‬‬
‫بحكم الفقيه»(‪.)92‬‬

‫ج ـ نماذج من األحكام الوالئيّة الجزائيّة‪6‬‬


‫كما سبق أن ذكرنا فإن جميع التعزي!!رات ال!!تي تص!!در في عص!!ر‬
‫الغَيْبة تدخل ضمن األحكام الوالئيّة؛ ألن موضوعها ه!!و المص!!لحة ال!!تي‬
‫يراها الحاكم اإلسالمي‪.‬‬
‫وهي موارد كثيرةٌ‪ ،‬نعرض عن ذكرها‪.‬‬
‫وفي فقه غير هذه الموارد هناك أحكامٌ والئيّة أخرى‪ ،‬ومن بينها ما‬
‫يلي‪:‬‬

‫‪1‬ـ الحكم في أسرى الحرب‬


‫قال الفقهاء‪ :‬إن أمر أسرى الحرب في عص!!ر الغَيْب!!ة إلى الح!!اكم‬
‫اإلسالمي‪ .‬ومن بينهم‪ :‬الشيخ الطوسي‪ ،‬حيث قال‪« :‬كلُّ أسيرٍ أُخذ بع!!د‬
‫أن وضعَتْ الحرب أوزارها‪ ،‬فإنه يكون اإلم!!ام (الح!!اكم اإلس!!المي) في!!ه‬
‫مخيَّ!!راً‪ :‬إنْ ش!!اء مَنَّ علي!!ه فأطلق!!ه‪ ،‬وإنْ ش!!اء اس!!تعبده‪ ،‬وإنْ ش!!اء‬
‫فاداه»(‪.)93‬‬
‫وقال القاضي ابن البرّاج‪« :‬األسارى على ضربين‪ :‬أحدهما‪ :‬ما يجوز‬
‫استبقاؤه؛ واآلخر‪ :‬ال يُستبقى‪ .‬فالذي يجوز استبقاؤه ك!!لُّ أس!!يرٍ أُخ!!ذ‬
‫بعد تقضّي الحرب والفراغ منها؛ والذي ال يستبقى! هو كلُّ أسيرٍ أُخ!!ذ‬
‫قبل تقضّي الحرب والفراغ منها‪ .‬والضرب األوّل يكون اإلمام ومَنْ نصبه‬
‫اإلمام مخيَّ!!راً فيهم؛ إنْ ش!!اء قتلهم‪ ،‬وإنْ ش!!اء ف!!اداهم‪ ،‬وإنْ ش!!اء مَنَّ‬
‫عليهم‪ ،‬وإنْ شاء استرقَّهم‪ .‬ويفعل في ذلك ما يراه ص!!الحاً في الت!!دبير‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪64‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫والنفع للمسلمين»(‪.)94‬‬
‫وقال العالّمة الحلّي‪« :‬إنْ أُخذوا [األسرى] بع!!د انقض!!اء الح!!رب‬
‫ح!!رم قتلهم‪ ،‬ويتخيَّ!!ر اإلم!!ام (الح!!اكم اإلس!!المي) بين المنّ والف!!داء‬
‫واالسترقاق»(‪.)95‬‬
‫ويتبيَّن من هذه األقوال بوضوحٍ أن أم!!ر األس!!رى في الح!!رب إلى‬
‫الحاكم اإلسالمي‪ ،‬وأن أحكام وأوامر الحاكم اإلسالمي إنما تكون ناف!!ذةً‬
‫في هذا الشأن من جهة الحكم الوالئي؛ ألن!!ه يعم!!ل في ذل!!ك على أس!!اس‬
‫المصلحة التي يراها‪.‬‬

‫‪2‬ـ إجراء الحدود‬


‫هن!!اك من الفقه!!اء مَنْ ذهب إلى الق!!ول بع!!دم مش!!روعيّة تط!!بيق‬
‫الحدود في عصر الغَيْبة؛ وفي المقابل ذهب أغلب الفقهاء إلى القول ب!!أن‬
‫فحَس! ب‪ ،‬ب!ل ه!!و واجبٌ‬‫ْ‬ ‫تطبيق الحدود في عصر الغَيْبة ليس مش!!روعاً‬
‫أيضاً‪ ،‬ومن بينهم‪ :‬الشيخ المفيد؛ إذ يقول‪« :‬فأما إقامة الح!!دود فه!!و إلى‬
‫سلطان اإلسالم المنصوب من قِبَ!!ل اهلل تع!!الى‪ ،‬وهم أئمّ!!ة اله!!دى من آل‬
‫محمد|‪ ،‬ومَنْ نصبوه! لذلك من األمراء والحكّام‪ ،‬وقد فوَّضوا النظر فيه‬
‫إلى فقهاء شيعتهم‪ ،‬مع اإلمكان»(‪.)96‬‬
‫وقال القاضي ابن البرّاج‪« :‬وليس يقيم الحدود إالّ األئمّة^‪ ،‬أو مَنْ‬
‫ينصبونه لذلك‪ ،‬أو يأمرونه به»(‪.)97‬‬
‫وقال أبو الص!!الح الحل!!بي‪« :‬إذا أراد وليّ الح!!دّ إقامت!!ه فليُقِمْ!!ه‬
‫بمحضرٍ من جماعة أهل المصر من المسلمين»(‪.)98‬‬
‫ويتّضح من نقل هذه األقوال وغيرها أن تطبيق الح!!دود في عص!!ر‬
‫الغَيْبة أمرٌ متَّفق عليه من قِبَ!ل الكث!ير من الفقه!اء المتق!دِّمين‪ .‬وال‬
‫شَكَّ في أن تطبيقها هو من الحكم الوالئي؛ إذ ما لم تكن هناك حكومةٌ‪،‬‬
‫ولم يكن الفقي!!ه مبس!!وط الي!!د‪ ،‬ال يمكن تط!!بيق الح!!دود‪ ،‬وعن!!د إقام!!ة‬
‫الحكومة يكون تشخيص وتطبيق وبيان كيفية الحدود على عاتق الحاكم‬

‫‪65‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫اإلسالميّ‪.‬‬

‫سريّة‬‫د ـ نماذج من األحكام الوالئيّة األ َ‬


‫بصحة نكاح غير الرشيد‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬ـ الحكم‬
‫الحاكم اإلسالميّ هو ممَّنْ لهم الوالية على نك!اح األش!!خاص‪ .‬وال‬
‫شَكَّ في هذه المسألة‪ .‬غاية م!!ا هنال!!ك أن االختالف يكمن في مس!!احة‬
‫هذه الوالي!!ة؛ فهن!!اك مَنْ وس!َّ عَ ه!!ذه المس!!احة؛ وهن!!اك مَنْ ض!!يَّقها‬
‫وحصرها في م!!وارد خاصّ! ة‪ .‬ومن ه!!ؤالء‪ :‬المحقِّ!!ق الحلّي‪ ،‬حيث ق!!ال‪:‬‬
‫« ليس للحاكم والية في النكاح على مَنْ لم يبلغ‪ ،‬وال على ب!!الغٍ رش!!يد‪.‬‬
‫وتثبت واليته على مَنْ بلغ غير رشيدٍ»(‪.)99‬‬
‫وقال ص!!احب الج!!واهر في ه!!ذا الش!!أن‪« :‬تثبت واليت!!ه (الح!!اكم‬
‫اإلسالميّ) على مَنْ بلغ غير رشيدٍ‪...‬؛ بال خالفٍ أجده فيه‪ ،‬ب!!ل الظ!!اهر‬
‫كونه مجمعاً عليه؛ ألنه [أي الحاكم] وليُّ مَنْ ال وليَّ له»(‪.)100‬‬
‫وقال المحقِّق الكركي‪« :‬والي!!ة الح!!اكم تختصّ في النك!!اح على‬
‫البالغ فاسد العقل»(‪.)101‬‬

‫‪2‬ـ حكم تحديد النسل‬


‫قال السيّد الخميني‪ ،‬في الجواب عن حكم تحديد النسل‪« :‬إن تحديد‬
‫ذلك إلى الحكومة‪ ،‬وما تتَّخذه من القرارات في هذا الشأن»(‪.)102‬‬
‫وعليه لو أن الحاكم اإلسالمي رأى أن تحدي!!د النس!!ل من مص!!لحة‬
‫المجتمع اإلسالميّ فإنه يُصدر الحكم الوالئي في هذا الش!!أن‪ ،‬ويجب على‬
‫الجميع اتّباعه في ذلك‪.‬‬

‫‪3‬ـ الحكم بالطالق‬


‫إن من بين األحك!!ام الوالئيّ!!ة ال!!تي تع!!ود بج!!ذورها إلى تش!!خيص‬
‫المصلحة من قِبَل الحاكم اإلسالميّ طالق المرأة التي يمتنع زوجها من‬
‫اإلنفاق عليها‪ ،‬وال يطلِّقها‪.‬‬
‫قال الشيخ الطوس!!ي في ه!!ذا الش!!أن‪« :‬إنْ ك!!ان موس!!راً بالنفق!!ة‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪66‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫فمنعها مع القدرة‪ ،‬كلَّفه الحاكم اإلنفاق عليها‪ ،‬فإنْ لم يفعل أجبره على‬
‫ذلك‪ ،‬فإنْ أبى حبسه أبداً‪.)103(»...‬‬
‫وقال الشيخ حسين الحلّي‪« :‬لو لم يقُمْ [الزوج] بحق!!وق زوجت!!ه‪،‬‬
‫وأمره الحاكم الشرعي بالقيام بتل!!ك الحق!!وق‪ ،‬ف!!امتنع عن ذل!!ك‪ ،‬ولم‬
‫يتمكَّن الحاكم الشرعي من إجباره‪ ،...‬ينفتح بهذا باب الطالق اإلجباريّ‪،‬‬
‫ويكون األم!!ر دائ!!راً بين اث!!نين‪ :‬إم!!ا أن يج!!بره الح!!اكم الش!!رعي على‬
‫الطالق؛ ليُخلي سبيل الزوجة؛ أو يتولّى الحاكم الشرعي بنفس!!ه ذل!!ك‪،‬‬
‫ويجري الطالق جَبْراً عليه لو امتنع»(‪.)104‬‬
‫وقال الشهيد الشيخ مرتضى مطهَّري في ه!!ذا الش!!أن‪« :‬ص!!حيح أن‬
‫اإلسالم لم يعْطِ حقَّ الطالق للمرأة ـ وه!!ذا ق!!ائمٌ على أس!!اسٍ منطقيّ‬
‫عجيب ـ‪ ،‬ولكنْ هناك م!!وارد يُطْلَ!!ق عليه!!ا مص!!طلح الطالق القض!!ائيّ‪،‬‬
‫بمعنى أن الزواج لو أصبح بحيث يخلو من المص!!لحة األُسَ! ريّة‪ ،‬وأص!!رّ‬
‫الزوج على عدم الطالق‪ ،‬يمكن للحاكم الشرعيّ أن يطلِّق الزوجة»(‪.)105‬‬
‫وقال السيد ال!!يزدي في ه!!ذا الش!!أن‪« :‬في المفق!!ود ال!!ذي لم يعلم‬
‫خبره‪ ،‬وأنه حيٌّ أو ميتٌ‪...‬؛ وكذا المفق!!ود المعل!!وم! حيات!!ه‪ ،‬م!!ع ع!!دم‬
‫تمكُّن زوجته من الصبر؛ بل وفي غير المفقود‪ ،‬ممَّن علم أن!!ه محب!!وس‬
‫في مكانٍ ال يمكن مجيئ!!ه أب!!داً؛ وك!!ذا في الحاض!!ر المُعْسِ! ر ال!!ذي ال‬
‫يتمكَّن من اإلنفاق‪ ،‬مع عدم صبر زوجته على هذه الحالة‪ ،‬ففي جميع هذه‬
‫الصور وأشباهها‪ ،‬وإنْ كان ظاهر كلم!اتهم ع!دم ج!واز فكّه!ا وطالقه!ا‬
‫للحاكم‪ ،...‬إالّ أنه يمكن أن يُقال بجوازه»(‪.)106‬‬
‫ويتّضح من هذه العبارة وغيرها أن حكم الحاكم في بعض الم!!وارد‬
‫الخاصّة من األحكام الوالئية‪.‬‬

‫هـ ـ نماذج من األحكام الوالئيّة السياسيّة‪6‬‬


‫على مدى تاريخ الفقه الش!!يعي لم يكن الحكم بي!!د الفقه!!اء بش!!كلٍ‬
‫كامل‪ ،‬ولكنّهم كانوا ي!!رَوْن من ال!!واجب عليهم الت!!دخُّل في السياس!!ة‬

‫‪67‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫أحياناً‪ ،‬وأن يصدروا األحكام السياسيّة المنبثقة من جهة تصدّيهم لمنصب‬


‫الح!!اكم الش!!رعيّ‪ ،‬ويتنكَّ!!رون في ذل!!ك لبدع!!ة «فص!!ل ال!!دين عن‬
‫السياسة»‪ .‬وهذه األحكام كثيرةٌ في تاريخ الفقهاء الطويل‪ .‬وفي م!!ا يلي‬
‫نشير إلى نماذج من هذه األحكام‪:‬‬

‫‪1‬ـ الحكم بوجوب الدفاع عن المشروطة (ال َملَكيّة الدستوريّة)‬


‫لقد عمد كلٌّ من‪ :‬اآلخوند الخراس!!اني؛ والخليلي؛ والمازن!!دراني‪،‬‬
‫إلى إرسال رسالةٍ إلى الشاه محمد علي [القاجاري] ـ وذلك قبل ي!!ومين‬
‫من قصف البرلم!!ان بالمدفعيّ!!ة ـ‪ ،‬وط!!البوه ببعض األم!!ور‪ ،‬ومن بينه!!ا‬
‫الفقرة التالية‪... « :‬ال شَكَّ في أن حفظ الدين الحنيف واستقالل الدولة‬
‫االثني عشريّة ـ شيَّد اهلل تعالى أركانها ـ رَهْنٌ بع!!دم تج!!اوز ق!!وانين‬
‫المشروطة‪ ،‬وإن االلتزام بذلك واجبٌ على عموم المس!!لمين قاطب!!ةً‪ ،‬وال‬
‫سيَّما شخص صاحب الجاللة الملك المعظم»(‪.)107‬‬

‫‪2‬ـ تحريم القماش‪ 6‬والثياب‪ 6‬األجنبيّة‪6‬‬


‫يقول السيد محمد كاظم اليزدي‪« :‬يجدر بعموم المؤمنين وكافّة‬
‫المتدينين! ـ بجميع فئاتهم وطبقاتهم ـ أن يعم!!ل ك!!لُّ واح!!دٍ منهم م!!ا‬
‫أمكنه في تشييد هذا األمر والتأسيس له‪ ،‬وأن يبذل جهده وسَعْيه وهمّت!!ه‬
‫في تجنُّب األلبس!!ة واألقمش!!ة األجنبيّ!!ة‪ ،‬ب!!ل يج!!در بهم تجنُّب جمي!!ع‬
‫حرك!!ات وسَ! كَنات وكيفيّ!!ة وطريق!!ة الكفّ!!ار في الملبس والمأك!!ل‬
‫والمشرب والكالم والسلوك وما إلى ذلك»(‪.)108‬‬

‫‪3‬ـ حكم الجهاد ض ّد إيطاليا وروسيا وإنجلترا‬


‫قال السيد محمد كاظم ال!!يزدي‪ ،‬في مواجه!!ة الع!!دوان على إي!!ران‬
‫وليبي!!ا من ه!!ذه ال!!دول‪« :‬في المرحل!!ة الراهن!!ة؛ حيث ق!!امت ال!!دول‬
‫األوروبية‪ ،‬مثل‪ :‬إيطاليا في هجومها على طرابلس الغربيّة [ليبي!!ا]‪ ،‬ومن‬
‫ناحيةٍ أخرى الروس؛ حيث احتلّوا بقواتهم شمال إيران‪ ،‬واإلنجل!!يز؛ حيث‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪68‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫أنزلوا قواتهم في جنوب إيران‪ ،‬األمر الذي شكَّل تهدي!!داً لإلس!!الم‪ ،‬فيجب‬
‫على كافّة المسلمين من العرب واإليرانيين أن يُعِ!!دّوا أنفس!!هم ل!!دَحْر‬
‫الكفّ!!!ار من البل!!!دان اإلس!!!المية‪...‬؛ ألن ه!!!ذا من أهمّ الف!!!رائض‬
‫اإلسالمية»(‪.)109‬‬
‫‪4‬ـ حكم الجهاد والنفير‪ 6‬العام ض ّد اإلنجليز‪6‬‬
‫قال السيد عبد الحس!!ين الالري‪ ،‬في الح!!رب العالمي!!ة األولى‪ ،‬حيث‬
‫أنزلت القوات اإلنجليزية جنودها في مدينة بوش!!هر‪ ،‬وعم!!دوا إلى احتالل‬
‫المنطقة عسكريّاً‪« :‬إن ال!!واجب العي!!نيّ ف!!وريٌّ‪ ...‬إن الجه!!اد وال!!دفاع‬
‫واجبٌ‪ ،‬وكلُّ مَنْ يتخلَّف أو يتقاعس عن االلتح!!اق به!!ذا الجيش‪ ،‬وعن‬
‫هذا الجهاد األكبر والنهي عن المنكر‪ ،‬فكأنَّم!!ا تخلَّ!!ف عن جيش أس!!امة‬
‫وصاحب العصر والزمان»(‪.)110‬‬

‫‪5‬ـ حكم االعتراض‪ 6‬على السفور ونزع الحجاب‬


‫عندما سمع الحاج اآلغا حسين القمّي بالدستور! المَلَكيّ الصادر عن‬
‫رضا خان في خلع الحجاب صرَّح قائالً‪« :‬لو قضى عشرة آالف ش!!خص ـ‬
‫وأن!!ا واح!!دٌ منهم ـ قتالً؛ من أج!!ل الوق!!وف بوج!!ه ه!!ذا األم!!ر‪ ،‬ج!!از‬
‫ذلك»(‪.)111‬‬

‫‪6‬ـ فتوى تأميم النفط‪6‬‬


‫قال السيد محمد تقي الخوانساري في هذا الشأن‪...« :‬ل!!و تمّ رفض‬
‫هذا الحكم كان ذلك رفضاً لكالم رسول اهلل‪ ،‬وعليه ال يبقى هناك ع!!ذرٌ‬
‫ألحدٍ‪ ،‬وال سيَّما أن شخصاً مثل‪ :‬سماحة آية اهلل الكاشاني ـ دامت بركاته‬
‫ـ‪ ،‬وهو من المجتهدين العدول‪ ،‬باإلضافة إلى اتّصافه بالشجاعة واإلخالص‬
‫والتضحية في ما يتعلَّق بمصالح الناس في الدين والدنيا‪ ،‬قد بذل كلّ ما‬
‫بوسعه من أجل توعية الناس واس!!تنهاض هِمَمهم‪ ،‬وعلي!!ه ال يبقى هن!!اك‬
‫عذرٌ أليّ شخصٍ في ذلك»(‪.)112‬‬

‫‪69‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫‪7‬ـ الحكم بكفر الحزب الشيوع ّي‬


‫قال السيد محسن الحكيم في ه!!ذا الش!!أن‪« :‬ال يج!!وز االنتم!!اء إلى‬
‫الحزب الشيوعيّ‪ ،‬فإن ذلك كفرٌ وإلحادٌ‪ ،‬أو ترويجٌ للكفر»(‪.)113‬‬

‫‪8‬ـ تحريم االنتخابات في العراق‬


‫بعد فشل اإلنجليز في العراق اتّخذوا ق!!راراً بترش!!يح فيص!!ل؛ كي‬
‫يعقدوا معه عَقْداً يبسطون من خالله سيطرتهم على العراق‪ .‬ولذلك قام‬
‫الكثير من الفقهاء والمجته!!دين بال!!دعوة إلى مقاطع!!ة ه!!ذه االنتخاب!!ات‪،‬‬
‫وتحريم المشاركة فيها‪ ،‬وصدر الحكم بإبعادهم ونَفْيهم من الع!!راق إلى‬
‫إيران‪ ،‬ومن بينهم‪ :‬الخالصي؛ واإلصفهاني‪ .‬وقال الش!!يخ الن!!ائيني في ه!!ذا‬
‫الشأن‪« :‬لقد قُمْن!!ا بتح!!ريم االنتخاب!!ات‪ ،‬ودعَوْن!!ا الش!!عب الع!!راقي إلى‬
‫مقاطعتها‪ .‬وإن الذي يشارك في االنتخابات‪ ،‬أو يُقَدِّم أيَّ دعمٍ لها‪ ،‬يكون‬
‫منتهكاً ألمر اهلل ورسوله وأوليائه»(‪.)114‬‬

‫‪9‬ـ تحريم البضائع األجنبية‬


‫عندما راجع التجّار المسلمون المراج!!ع في عص!!رهم‪ ،‬واش!!تكوا من‬
‫استيراد البضائع األجنبيّة‪ ،‬وال سيَّما الثياب منها‪ ،‬بادر كبار الفقه!!اء‪ ،‬من‬
‫أمثال‪ :‬السيد إسماعيل الصدر‪ ،‬والحاج الميرزا الحسيني‪ ،‬والح!!اج الم!!يرزا‬
‫خليل‪ ،‬والسيد محمد كاظم الطباطبائي‪ ،‬والحاج الميرزا محم!!د الغ!!روي‬
‫الشربياني‪ ،‬والحاج الشيخ محمد حسن المق!!امي‪ ،‬والح!!اج الم!!يرزا حس!!ين‬
‫النوري‪ ،‬والميرزا فتح اهلل الشيرازي‪ ،‬المعروف بـ «شريعت اإلص!!فهاني»‪،‬‬
‫إلى اإلعالن عن مخالفتهم الستيراد هذه البضائع‪ .‬وفي ذلك قال اآلخون!!د‬
‫الخراساني‪« :‬يجب على جمي!!ع المواط!!نين والمس!!لمين قاطب!!ةً‪ ،‬وجوب!!اً‬
‫مؤكَّداً‪ ،...‬أن يتأسّوا ويتبع!!وا‪ !،‬وأن يخلع!!وا ثي!!اب ال!!ذلّ‪ ،‬وأن يرت!!دوا‬
‫بَدَالً منها ثياب العزّة اإلسالمية واإللهية‪ ،‬وأن يُ!!دخلوا الس!!عادة ب!!ذلك‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪70‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫على قلب صاحب الشريعة»(‪.)115‬‬

‫‪10‬ـ الفتوى بحرمة استعمال التبغ والتنباك [ثورة التنباك]‪6‬‬


‫وهي الثورة المعروفة؛ إذ أفتى! الميرزا الش!!يرازي بحرم!!ة التنب!!اك‬
‫والتبغ‪ !،‬قائالً‪« :‬يُعَدّ استعمال التبغ والتنباك ـ بأيّ نح!!وٍ من األنح!!اء ـ‬
‫في حكم محاربة إمام العصر صلوات اهلل وسالمه عليه»(‪.)116‬‬

‫‪11‬ـ أحكا ٌم كثيرة لإلمام الخميني‪6‬‬


‫إن األحكام الوالئية التي أصدرها اإلمام الخميني ـ سواءٌ منها تل!!ك‬
‫التي صدرت قبل انتصار الثورة اإلسالمية المباركة أو تلك التي ص!!درت‬
‫بعد انتصار الث!!ورة ـ من الك!!ثرة بحيث ال نس!!تطيع! اس!!تيعابها في ه!!ذه‬
‫المقالة بأجمعها‪ ،‬ولكنْ يمكن لنا أن نذكر بعض ه!!ذه األحك!!ام الوالئيّ!!ة‬
‫التي تحظى بأهمّيةٍ كبيرة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ الحكم بتشكيل شورى الثورة‪ :‬أصدر اإلم!!ام الخمي!!ني‪ ،‬بت!!اريخ‪!:‬‬
‫‪1357 ! / 10 ! / 22‬هـ‪.‬ش‪ ،‬بياناً خاطب فيه الشعب اإلي!!راني‪ ،‬ق!!ائالً‪:‬‬
‫«بموجب الح!!قّ الش!!رعيّ‪ ،‬وعلى أس!!اس الثق!!ة الممنوح!!ة لي من قِبَ!!ل‬
‫األغلبية الساحقة للش!!عب اإلي!!راني‪ ،‬قُمْن!!ا ـ من أج!!ل تحقي!!ق األه!!داف‬
‫اإلسالمية ـ بتأسيس شورى مؤقَّتة باسم شورى الثورة اإلسالمية‪ ،‬تتألَّف‬
‫من األفراد الصالحين والمسلمين والمخلصين الثقات»(‪.)117‬‬
‫‪2‬ـ حكم مدّعي عامّ الثورة‪ :‬أص!!در اإلم!!ام‪ ،‬بت!!اريخ‪/ 12 ! / 9 :‬‬
‫‪1357‬هـ‪.‬ش‪ ،‬حكماً خاطب فيه الشيخ مهدي هادوي‪ ،‬قائالً‪« :‬تمّ تنص!!يب‬
‫سماحتك بموجب هذا الحكم في منصب المدّعي العامّ في محكم!!ة ث!!ورة‬
‫الجمهوريّة اإلسالمية»(‪.)118‬‬
‫‪3‬ـ الحكم بمصادرة أموال أسرة البهلوي‪ :‬حيث قال اإلمام الخمي!!ني‪،‬‬
‫بتاريخ‪1357 ! / 12 ! / 9 !:‬هـ‪.‬ش‪« :‬تتولّى شورى الث!!ورة اإلس!!المية‬
‫بموجب هذا الحكم مهمّة مصادرة جميع األموال المنقولة وغير المنقول!!ة‬

‫‪71‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫لساللة البهلوي‪ ،‬وفروعها‪ ،‬وعمّالها‪ ،‬والمنتسبين إلى ه!!ذه الس!!اللة‪ ،‬ال!!تي‬


‫اختلسوها من بيت مال المسلمين طوال فترة حكمهم بشكلٍ غير مش!!روع‪،‬‬
‫والعمل على إنفاقها لمصلحة المحتاجين والعمّ!!ال والم!!وظَّفين من ذوي‬
‫الدَّخْل المحدود‪ ،‬وإيداع! [األموال] المنقولة في المص!!ارف ب!!رقمٍ باس!!م‬
‫شورى الثورة‪.)119(»...‬‬
‫‪4‬ـ الحكم إلى أمير الحاجّ‪ :‬أصدر اإلمام الخميني‪ ،‬بتاريخ‪12 !/ 2 :‬‬
‫‪1357 !/‬هـ‪.‬ش‪ ،‬حكماً خاطب فيه الحاج الش!!يخ مح!!يي ال!!دين األن!!واري‬
‫والحاج الشيخ فضل اهلل المحالتي‪ ،‬قائالً‪« :‬حيث نعيش أيّ!!ام إقام!!ة أح!!د‬
‫أكبر الفرائض اإلسالمية فقد عيّنتكما في منص!!ب إدارة حجّ!!اج بيت اهلل‬
‫الحرام»(‪.)120‬‬
‫‪5‬ـ حكم العفو‪ :‬خاطب اإلم!!ام الم!!دّعي الع!!ام في محكم!!ة الث!!ورة‪،‬‬
‫بتاريخ‪1358 !/ 8 !/ 18 !:‬هـ‪.‬ش‪ ،‬قائالً‪« :‬بمناسبة حلول عيد الغدير‬
‫السعيد! ـ الذي هو مبدأ تنصيب اإلمامة ـ يتمّ إص!!دار عف!!وٍ ع!!امّ بح!!قّ‬
‫أولئ!!ك ال!!ذين حكمت عليهم مح!!اكم الث!!ورة بالس!!جن ألق!!لّ من‬
‫سنتين»(‪.)121‬‬
‫‪6‬ـ الحكم بتأسيس لجنةٍ بشأن التعزيرات‪ :‬قال اإلم!!ام الخمي!!ني في‬
‫جواب رئيس لجنة الشؤون القضائية والحقوقية في المجلس‪ ،‬بتاريخ‪28 :‬‬
‫‪1364 !/ 8 !/‬هـ‪.‬ش‪« :‬في الوقت الراهن‪ ،‬حيث األكثري!!ة الكب!!يرة من‬
‫المتصدّين ألمر القضاء ال تتوفَّر فيهم الشرائط الشرعيّة للقضاء‪ ،‬وإنما‬
‫أجيزوا من باب الضرورة‪ ،‬ال يحقّ لهم تعيين حدود التعزير دون إذنٍ من‬
‫الفقيه الجامع للشرائط‪ .‬وعليه يجب تع!!يين لجن!!ةٍ‪ ...‬تعم!!ل على تع!!يين‬
‫حدود التعزيرات‪ ،‬حيث يُؤذَن لهم في هذا اإلط!!ار‪ ،‬وال يح!!قّ لهم تج!!اوز‬
‫ذلك‪ .‬وهذا بطبيعة الحال أمرٌ مؤقَّت‪ ،‬وعلى نحو االض!!طرار‪ ،‬حتّى يتمّ‬
‫ـ إنْ شاء اهلل ـ تعيين القضاة الجامعين للشرائط»(‪.)122‬‬
‫‪7‬ـ الحكم بشأن تشكيل مجمع تشخيص مصلحة النظام‪ :‬بتاريخ‪/ 7 !:‬‬
‫‪1366 !/ 11‬هـ‪.‬ش توجَّه اإلمام الخميني بالخطاب إلى المسؤولين في‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪72‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫الدولة‪ ،‬قائالً‪...« :‬رعايةً لغاي!!ة االحتي!!اط‪ ،‬ل!!و لم يحص!!ل التواف!!ق بين‬


‫مجلس الش!!ورى اإلس!!المي وش!!ورى الص!!يانة‪ ،‬على المس!!توى! الش!!رعيّ‬
‫والق!انونيّ‪ ،‬فق!د تمّ تش!كيل مجم!ع مؤلَّ!ف من‪...‬؛ من أج!ل تش!خيص‬
‫مصلحة النظام اإلسالميّ»(‪.)123‬‬
‫لقد ذكر اإلمام في ه!!ذا الج!!واب م!!ا يزي!!د على العش!!رين حكم!!اً‬
‫والئياً‪ ،‬نذكرها في ما يلي؛ بالنظر إلى أهمّيتها‪:‬‬
‫‪1‬ـ شقّ الطرقات في أمالك اآلخرين‪.‬‬
‫‪2‬ـ قانون الخدمة العسكريّة‪.‬‬
‫‪3‬ـ اإلرسال اإلجباريّ إلى جبهات القتال‪.‬‬
‫‪4‬ـ الحيلولة دون خروج ودخول العملة الصعبة‪.‬‬
‫‪5‬ـ الحيلولة دون خروج ودخول بعض البضائع‪.‬‬
‫‪6‬ـ المنع من احتكار جميع البضائع‪.‬‬
‫‪7‬ـ اإلجراءات الجمركيّة‪.‬‬
‫‪8‬ـ فرض الضرائب‪.‬‬
‫‪9‬ـ المنع من ارتفاع األسعار‪.‬‬
‫‪10‬ـ فرض األسعار على البضائع‪.‬‬
‫‪11‬ـ الحيلولة دون توزيع المخدِّرات ومحاربة اإلدمان‪.‬‬
‫‪12‬ـ حظر حمل األسلحة بجميع أنواعها‪.‬‬
‫‪13‬ـ إزالة المسجد من الطريق‪.‬‬
‫‪14‬ـ إزالة األبنية والمنازل الواقعة في الطرقات‪.‬‬
‫‪15‬ـ تعطيل المساجد‪.‬‬
‫‪16‬ـ إزالة المساجد التي يثبت أنها مساجدُ ضرارٍ‪.‬‬
‫‪17‬ـ إلغاء العقود المُبْرَمة مع الناس من طَرَفٍ واحد‪.‬‬
‫‪18‬ـ المنع من أيّ أم!!رٍ عب!!اديّ وغ!!ير عب!!اديّ يخ!!الف مص!!لحة‬
‫اإلسالم‪.‬‬
‫‪19‬ـ المنع من الحجّ بشكلٍ مؤقَّت‪.‬‬

‫‪73‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫‪20‬ـ إلغاء المزارعة‪.‬‬


‫‪21‬ـ إلغاء المضاربة‪.‬‬
‫ما تقدَّم كان نماذج من األحك!!ام الوالئيّ!!ة لرس!!ول اهلل| واألئمّ!!ة‬
‫الطاهرين^ والفقهاء العظام‪ ،‬في األمور العبادي!!ة واالقتص!!ادية والجزائي!!ة‬
‫واألُسَرية والسياس!!ية‪ .‬وفيم!!ا ل!!و دقَّقن!!ا النظ!!ر في الرواي!!ات وس!!يرة‬
‫األئمّة^ وتاريخ حياتهم وكتب الفقهاء فسوف نجد أض!!عافاً مض!!اعفة من‬
‫األحكام الوالئية‪.‬‬
‫إن هذا األمر يثبت هذه الحقيقة‪ ،‬وهي أن تركيبة الدين اإلسالمي ـ‬
‫وال سيَّما المذهب الشيعي االثني عشري الحقّ ـ قد تمّ التأسيس له!!ا من‬
‫قِبَل اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬بحيث تكون من دون الحكم ناقصةً؛ إذ إن الكثير‬
‫من قوانينه ممزوجةٌ بالوالية والحكومة‪ ،‬وإذا لم يتمّ التأسيس للحكوم!!ة‬
‫اإلسالمية يستحيل تطبيق هذه التعاليم الس!!ماوية‪ ،‬ال!!تي ته!!دف إلى بن!!اء‬
‫اإلنسان‪ .‬ومن هنا كانت مسؤولية ورسالة حَمَلة اإلس!!الم ـ وال س!!يَّما‬
‫الفقهاء‪ ،‬الذين ينفقون أعمارهم في االجتهاد واستنباط ق!!وانين اإلس!!الم ـ‬
‫تجاه الحف!اظ على الجمهوري!ة اإلس!المية‪ ،‬وص!يانة قِيَمه!ا‪ ،‬والمقاوم!ة‬
‫والصحوة في مواجهة االنحرافات‪ ،‬أكبر‪.‬‬

‫خاتمةٌ‬
‫وفي الختام من المناسب أن نجعل مسك الخت!!ام له!!ذا البحث نق!!ل‬
‫آراء عددٍ من كبار العلماء في هذه المسألة‪ ،‬وهي صالحية جعل الق!!وانين‬
‫في عصر الغَيْبة على عاتق وليّ األمر في الجملة‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـ قال الشهيد مرتضى مطهَّري‪ ،‬في الجواب عن الس!!ؤال القائ!!ل‪:‬‬
‫هل يحقّ لغير اهلل أن يسنّ الق!!وانين أم ال؟‪« :‬يجب ح!!لّ موض!!وعين! في‬
‫هذا البحث‪ ،‬وهما‪ :‬أوّالً‪ :‬مسألة وضع الق!!انون‪ ،‬وه!!ل يح!!ق لغ!!ير اهلل أن‬
‫يضع القوانين أم ال؟ وق!د ذكرن!ا أنكم إذا كنتم تقص!!دون ب!ذلك ح!!قّ‬
‫الوض!!ع في مقاب!!ل الق!!وانين اإللهي!!ة ف!!الجواب ه!!و‪ :‬كالّ؛ وإنْ كنتم‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪74‬‬
‫• منطقة الفراغ بين النفي واإلثبات‪ ،‬دراسة مقارنة بين النظرية والنموذج العملي‬

‫تقصدون وضع القوانين ـ باالس!!تفادة من الح!!قّ ال!!ذي فرض!!ه الق!!انون‬


‫اإللهيّ من وضع القوانين في األمور الجزئيّة ـ فليس هناك ما يمن!!ع من‬
‫ذلك»(‪.)124‬‬
‫‪2‬ـ وقال السيد الشهيد الصدر‪« :‬إن المذهب االقتصادي في اإلس!!الم‬
‫يشتمل على جانبين‪ !:‬أحدهما‪ :‬قد مُلئ من قِبَل اإلسالم بصورةٍ منجزة‪ ،‬ال‬
‫تقبل التغيير والتبديل؛! واآلخر‪ :‬يشكِّل منطق!!ة الف!!راغ في الم!!ذهب‪ ،‬ق!!د‬
‫ترك اإلس!!الم مهمّ!!ة مَلْئه!!ا إلى الدول!!ة أو وليّ األم!!ر‪ ،‬يملؤه!!ا وفق!!اً‬
‫لمتطلّبات األه!!داف العامّ!!ة لالقتص!!اد اإلس!!المي ومقتض!!ياتها في ك!!لّ‬
‫زمان»(‪.)125‬‬
‫وقال في موضعٍ آخر‪« :‬إن تقويم المذهب االقتصادي في اإلسالم ال‬
‫يمكن أن يتمّ بدون إدراج منطقة الفراغ ض!!من البحث‪ ،‬وتق!!دير إمكان!!ات‬
‫هذا الفراغ‪ ،‬ومدى ما يمكن أن تساهم عملية ملئه مع المنطقة ال!!تي مُلئت‬
‫من قِبَل الشريعة ابتداءً في تحقيق أهداف االقتصاد اإلسالمي»(‪.)126‬‬
‫‪3‬ـ وقال العالّمة الطباطبائي‪« :‬الق!رارات ال!!تي تص!!در من منص!!ب‬
‫الوالية‪ ،‬ويتمّ وضعها وتطبيقها بحَسَب مصلحة العصر‪ ،‬وكما اتّضح فإن‬
‫هذا النوع من الق!!رارات في بقائ!!ه وزوال!!ه رَهْنٌ بمقتض!!يات وموجب!!ات‬
‫المرحلة»(‪.)127‬‬
‫‪4‬ـ وقال السيد كاظم الحائري‪« :‬إن اإلس!!الم قسَّ! م األم!!ور ال!!تي‬
‫تدخل في مصلحة البشر إلى قسمين‪ !،‬وهما‪:‬‬
‫أـ القسم الثابت ‪ :‬إن هذا القسم يشمل القرارات والقوانين الثابتة من‬
‫الشريعة اإللهيّة‪ ،‬والتي ال يحقّ حتّى لوليّ األمر مخالفتها‪.‬‬
‫ب ـ القس!!م المتغيِّر‪ :‬وه!!و يش!!تمل على الق!!وانين ال!!تي تتغيَّ!!ر‬
‫بحَسَب الظروف الزمانية والمكانية والبيئية‪ .‬وقد ترك اإلسالم ما يندرج‬
‫تحت هذا القسم ل!وليّ األم!ر؛ كي يعم!ل على تغي!يره وفق!اً للش!رائط‬
‫والمقتض!!يات‪ ،‬آخ!!ذاً بنظ!!ر االعتب!!ار مص!!الح المجتم!!ع في إط!!ار‬
‫المباحات»(‪.)128‬‬

‫‪75‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ محمد رحماني‬

‫‪5‬ـ وقال الس!!يد محم!!ود الهاش!!مي‪ ،‬بش!!أن دَوْر الفقي!!ه في عملي!!ة‬


‫التقنين والتشريع‪« :‬إن الدَّوْر الث!!اني للفقي!!ه عب!!ارة عن مَلْء منطق!!ة‬
‫الفراغ‪ ،‬من جهة أن الفقيه هو وليّ األمر (ال من جهة كون!!ه مجته!!داً)‪،‬‬
‫طبقاً للرؤية السياسية التي يتبنّاها عددٌ كبير من الفقهاء‪ ،‬بمعنى ثب!!وت‬
‫الوالية الصغرى في عصر الغَيْبة للفقهاء العدول األتقياء»(‪.)129‬‬
‫‪6‬ـ وقال الشيخ محم!د م!ؤمن القمّي‪« :‬حيث تق!ع مس!ؤولية إدارة‬
‫شؤون الدولة اإلسالميّة ورعاية مصالح المسلمين على عاتق وليّ األم!!ر‪،‬‬
‫لذلك فإن رعاية مصالح األمة والحفاظ على حقوق األف!!راد يقتض!!ي في‬
‫بعض األحيان أن تتمّ إدارة البالد من خالل وضع القوانين‪ ،‬التي قد تؤدّي‬
‫أحيان!!!اً إلى التض!!!ييق على حق!!!وق المواط!!!نين‪ ،‬وتمنعهم من القي!!!ام‬
‫بأعمالهم»(‪.)130‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪76‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫قاعدة التسامح في أدلّة ال ُّسنَن‬


‫و َد ْورها في تسرُّ ب الموضوعات‬
‫ـ القسم األ ّول ـ‬
‫(*)*)‬
‫د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫من القواعد التي كثر االس!!تدالل به!!ا في الكتب الفقهي!!ة‪ :‬القاع!!دة‬


‫المعروفة بقاعدة التسامح في أدلّة السُّنَن‪.‬‬
‫وانطالق!!اً من أنّ القاع!!دة ش!!كَّلَتْ مظلّ!!ة لتس!!رُّب األخب!!ار‬
‫الموضوعة! إلى فضاء التداول الفقهيّ ينبغي أن نوقع البحث في المراح!!ل‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪1‬ـ المعنى اإلجمالي‪ 6‬للقاعدة‬


‫والمراد بالقاعدة‪ ،‬كما تفصح مفرداتها‪ ،‬أنّ الس!ُّ! نَن ال تحت!!اج إلى‬
‫تشدُّد في أسانيدها‪ ،‬ب!!ل يمكن أن يُتس!!امح ويُتس!!اهل فيه!!ا‪ ،‬ويُكتفى في‬
‫إثباتها بأخبار اآلحاد ضعيفة السند؛ وذل!!ك خالف!!اً لم!!ا علي!!ه الح!!ال في‬
‫األحكام اإللزاميّة‪ ،‬حيث يلتزم بضرورة توفُّر سندٍ صحيح للخ!!بر ال!!ذي‬
‫يُراد االستدالل به إلثباتها‪.‬‬

‫‪2‬ـ آراء الفقهاء في قاعدة التسامح‬

‫ٌ‬
‫باحث إسالم ّي‪ ،‬وأستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلميّة‪ .‬له أعما ٌل متعدِّدة‪.‬‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫من لبنان‪.‬‬
‫‪77‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫بالتتبُّع! في أقوال الفقهاء نج!!د أن ل!!ديهم اتج!!اهين أساس!!يّين في‬


‫قاعدة التسامح‪ .‬وفي ما يلي نستعرض آراء فقهاء الفريقين‪:‬‬
‫أ ّوالً‪ :‬فقهاء الشيعة‬
‫يُالحَظ أنّ المتقدِّمين من فقهاء الشيعة لم يتطرَّق!!وا إلى قاع!!دة‬
‫التسامح بنفيٍ وال إثباتٍ‪ ،‬فهم ساكتون عنها‪ ،‬وإنما ك!!ثر الح!!ديث عنه!!ا‬
‫وتداولها واالستشهاد فيها بين المتأخِّرين‪ .‬ونرصد لهم ـ أي للمتأخِّرين‬
‫ـ اتجاهين أساسيّين في الموقف منها‪:‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬ما ذهب إلي!!ه المش!!هور بينهم من القب!!ول بالقاع!!دة‪،‬‬
‫وبداللة األخبار عليه!!ا‪ ،‬واالس!!تناد إليه!!ا في الحكم باالس!!تحباب؛ لمج!!رد‬
‫وجود خبرٍ ضعيف في المسألة‪.‬‬
‫وسيأتي عدم صحّة هذا االتجاه‪.‬‬
‫االتجاه الثاني‪ :‬ما ذهب إليه جم!!عٌ من الفقه!!اء‪ ،‬من رفض القاع!!دة‪،‬‬
‫وعدم القبول بداللة أخبار «مَنْ بلغ» عليها‪ .‬ومن هؤالء‪ :‬الس!!يد محم!!د‬
‫العاملي في المدارك‪ ،‬حيث قال‪« :‬وما قيل من أنّ أدلة الس!ُّ! نَن يُتس!!امح‬
‫فيها بما ال يُتسامح في غيرها فمنظورٌ فيه؛ ألنّ االستحباب حكمٌ شرعي‪،‬‬
‫فيتوقَّف على الدليل الشرعي‪ ،‬كسائر األحكام»(‪.)131‬‬
‫وقال الشيخ يوسف البحراني‪« :‬والقول ب!!أن أدلّ!!ة االس!!تحباب مم!!ا‬
‫يُتسامح فيها ضعيفٌ»(‪.)132‬‬
‫وق!!ال الس!!يد محس!!ن الحكيم‪« :‬وأم!!ا قاع!!دة (التس!!امح في أدل!!ة‬
‫السُّنَن) فغيرُ ثابتةٍ‪ .‬ب!!ل الظ!!اهر من أخباره!!ا أن ت!!رتُّب الث!!واب على‬
‫مجرّد االنقياد‪ ،‬فال طريق إلثبات المشروعية»(‪.)133‬‬
‫ومن المت!!أخِّرين ال!!ذين ذهب!!وا إلى رفض ه!!ذه القاع!!دة‪ :‬الس!!يد‬
‫الخوئيّ‪ ،‬فهو يرى «أن قاعدة التسامح في أدل!!ة السُّ! نَن ممّ!!ا ال أس!!اس‬
‫لها»(‪.)134‬‬
‫وقد أشار السيد المجاهد‪ ،‬في مفاتيح األصول‪ ،‬إلى هذين االتج!!اهين‪،‬‬
‫فقال‪« :‬اختلف األصحاب في ذلك على قولين‪ :‬األوّل‪ :‬إنه ال يجوز إثب!!ات‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪78‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫االستحباب والكراه!ة بمج!!رّد الرواي!ة المفروض!ة‪ ،‬وه!!و لموض!عين من‬


‫المنتهى‪ ،‬وموض!!عٍ من الم!!دارك‪ ،‬فق!!اال‪ :‬إنّ االس!!تحباب حكمٌ ش!!رعي‪،‬‬
‫فيتوقَّف على الدليل الش!!رعي‪ ،‬كس!!ائر األحك!!ام الش!!رعية‪ ،‬وزاد الث!!اني‬
‫فقال‪ :‬وما قيل من أن أدلة السُّنَن يُتسامح فيها بما ال يُتسامح في غيرها‬
‫فمنظورٌ فيه؛ الث!اني‪ :‬إن!!ه يج!!وز ذل!!ك‪ ،‬وه!!و للش!!هيدين في ال!!ذكرى‬
‫والدراية‪ ،‬وابن فهد في عدّة الداعي‪ ،‬والمحقِّق الخوانساري في المش!!ارق‪،‬‬
‫والفاضل الخراساني في الذخيرة‪ ،‬والفاضل البهائي في الوجيزة‪ ،‬واألربعين‬
‫وجدّي ووالدي العالّمة»(‪.)135‬‬
‫وكيف كان‪ ،‬فاالتجاه الثاني ـ وبص!!رف النظ!!ر عمّ!!ا س!!يأتي من‬
‫تفسيرٍ مختلف لألخبار ـ هو األقرب‪ ،‬بل المتعين‪ .‬وأما التفسير المش!!هور‬
‫فال تساعد عليه األخبار‪ ،‬وال يخلو من إشكاالتٍ ومالحظاتٍ‪ ،‬وهذا ما سوف‬
‫نبيِّنه فيما يأتي‪.‬‬
‫ولكنْ قبل ذل!!ك ال ب!أس أن نش!ير إلى أنّ الس!يد هاش!!م مع!!روف‬
‫الحَسَني لم يكتَفِ برفض القاعدة فحَسْب‪ ،‬بل حكم ب!!أنّ رواي!!ات «مَنْ‬
‫بلغ» موضوعةٌ(‪.)136‬‬
‫ولكننا ال نوافقه على ذلك؛ إذ ال موجب للحكم بوضعها أو تك!!ذيبها‪،‬‬
‫وال تساعد عليه الشواهد؛ ال من ناحي!!ة الس!!ند‪ !،‬كي!!ف وبعض!!ها ص!!حيحة‬
‫اإلسناد‪ ،‬كما سنرى؟! وال من ناحية المضمون‪ ،‬وال سيَّما أنّ لها تفس!!يراً‬
‫معقوالً‪ ،‬وال تواجهه اعتراضاتٌ تُذْكَر‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬ثمّة مجالٌ للخدشة في إمكان االعتماد على هذه األخبار‪ ،‬حتّى‬
‫ل!!و ص!!حّ س!!ند بعض!!ها‪ ،‬من زاوي!!ةٍ أخ!!رى‪ ،‬وهي أن المس!!ألة المبحوث!!ة‬
‫أصوليّةٌ‪ ،‬والمسائل األصوليّة ال يعتمد! في إثباتها على أخبار اآلحاد‪.‬‬
‫وقد نوقش هذا الكالم كبروياً وصغروياً؛ أما النقاش في الك!!برى‬
‫فهو أن عدم االعتماد على أخبار اآلح!!اد إنم!!ا ه!!و في أص!!ول العقي!!دة‪ ،‬ال‬
‫أص!!ول الفق!!ه؛ وأم!!ا في الص!!غرى فألن أخب!!ار «مَنْ بلغ» يمكن دع!!وى‬

‫‪79‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫كونها «متواترةً أو محفوفةً بالقرينة»(‪.)137‬‬


‫ولكنّ المناقشتين المذكورتين محلُّ إشكالٍ‪.‬‬
‫أما ما ذكر في مناقشة الكبرى فيَرِدُ عليه أنّ ثمّ!!ة رأي!!اً ي!!ذهب‬
‫إلى كون المستفاد من رواي!!ات «مَنْ بلغ» ه!!و مس!!ألةٌ كالمي!!ة‪ ،‬كم!!ا‬
‫سيأتي‪.‬‬
‫وأما ما ذكر في النقاش الصغرويّ فيردّه أنّ دعوى الت!واتر غ!يرُ‬
‫تامّةٍ‪ ،‬فإنّ األخبار المشار إليها ال تبلغ مستوى التواتر‪.‬‬
‫أجل‪ ،‬إننا ال نحتاج ـ على المختار ـ إلى ثبوت تواتره!!ا أو حص!!ول‬
‫اليقين بصدورها‪ ،‬بل يكفي الوثوق بها‪ .‬وال شَكَّ أنّ هذه األخب!!ار ممّ!!ا‬
‫يحصل الوثوق بصدورها‪ ،‬وال سيَّما إذا أخ!ذنا بالتفس!!ير المخت!!ار واآلتي‬
‫لها‪ ،‬والذي يدفع أيّ إشكالٍ أو شبهةٍ عن مضمونها‪ ،‬ممّا قد يُعيق حصول‬
‫الوثوق واالطمئنان‪ .‬وهذا ما ألمح إليه المستش!!كِل بقول!!ه‪« :‬أو محفوف!!ة‬
‫بالقرينة»‪.‬‬
‫سنةّ‬
‫ثانياً‪ :‬فقهاء ال ُّ‬
‫وقاعدة التسامح في أدلة السُّنَن مطروحةٌ في مصادر أه!!ل الس!!نّة‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫واالتجاهان المطروحان عند فقهائنا نجدهما عند فقهاء السنّة‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬مَنْ اعتقد بالقاعدة‪ ،‬كاإلمام أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪« :‬وقد ثبت عن اإلمام أحمد وغ!!يره من األئمّ!!ة أنهم‬
‫ق!!الوا‪ :‬إذا روين!!ا في الحالل والح!!رام ش!!دّدنا‪ ،‬وإذا روين!!ا في الفض!!ائل‬
‫ونحوها تساهلنا»(‪ . )138‬والمقصود بالفضائل هي المستحبّات‪ ،‬كما يُستفاد‬
‫من كلمات الفقهاء من أهل الس!!نّة‪ ،‬وبعض الش!!يعة أيض!!اً‪ ،‬ممَّنْ عبَّ!!ر‬
‫بفضائل األعمال‪.‬‬
‫قال ابن عبد البرّ(‪463‬هـ)‪« :‬وأحاديث الفضائل ال يحتاج فيه!!ا إلى‬
‫مَنْ يحتجّ به»(‪.)139‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪80‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫وقال الخطيب البغدادي(‪463‬هـ)‪ ،‬تحت عن!!وان «ب!!اب التش!!دُّد في‬


‫أحاديث األحكام والتجوز في فضائل األعمال»‪« :‬قد ورد عن غ!!ير واح!!دٍ‬
‫من السَّلَف أنه ال يجوز حمل األحاديث المتعلِّقة بالتحليل والتحريم إالّ‬
‫عمَّنْ كان بريئاً من التُّهْمة‪ ،‬بعيداً من الظنّة‪ ،‬وأما أح!!اديث ال!!ترغيب‬
‫والمواع!!ظ ونح!!و ذل!!ك فإن!!ه يج!!وز كتبه!!ا [كتابته!!ا] عن س!!ائر‬
‫المشايخ!»(‪.)140‬‬
‫وقال ابن حجر‪« :‬اشتهر أنّ أهل العلم يتساهلون في إيراد األحاديث‬
‫في الفضائل‪ ،‬وإنْ كان فيها ضعفٌ‪ ،‬ما لم تكن موضوعة»(‪.)141‬‬
‫وقال النووي في س!!ياق بعض المس!!تحبّات‪« :‬إنّ أح!!اديث الفض!!ائل‬
‫يتسامح فيها‪ ،‬ويعمل على وفق ضعيفها»(‪.)142‬‬
‫هذا‪ ،‬ولكنّ اإلنصاف أن هذه الكلمات ـ باستثناء كالم الن!!ووي ـ ال‬
‫يستفاد منها تبنّي أصحابها لقاعدة التس!!امح‪ ،‬بمع!!نى اإلفت!!اء باالس!!تحباب‬
‫استناداً إلى الخ!!بر الض!!عيف‪ ،‬وإنم!!ا غايته!!ا أنّ!!ه يج!!وز رواي!!ة األخب!!ار‬
‫الضعيفة وكتابته!!ا إذا ك!!انت واردة في فض!!ائل األعم!!ال؛ ولع!!لّ ذل!!ك‬
‫بغرض الوعظ بها‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬قد نسب الشيخ األلباني في كالمه اآلتي إلى «كثيرٍ من أه!!ل‬
‫العلم» جواز العمل بالخبر الضعيف في فضائل األعمال‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬مَنْ رفض القاعدة صريحاً‪.‬‬
‫قال ناصر الدين األلباني‪ ،‬في قاعدةٍ ذكرها بعن!!وان «ت!!رك العم!!ل‬
‫بالحديث الضعيف في فضائل األعمال»‪« :‬اشتهر بين كثيرٍ من أهل العلم‬
‫وطالّبه أن الحديث الضعيف يجوز العمل به في فضائل األعمال‪ .‬ويظنّون‬
‫أنه ال خالف في ذلك‪ .‬كيف ال والنووي& نقل االتف!!اق علي!!ه في أك!!ثر‬
‫من كتابٍ واحد من كتبه؟! وفي م!!ا نقل!!ه نظ!!رٌ بيِّنٌ؛ ألن الخالف في‬
‫ذلك معروف؛ فإنّ بعض العلماء المحقِّقين على أنه ال يعمل به مطلق!!اً‪،‬‬
‫ال في األحك!!ام وال في الفض!!ائل‪ .‬ق!!ال الش!!يخ القاس!!مي& في « قواع!!د‬
‫التحديث»‪« :‬حكاه ابن سيّد الناس في «عيون األثر» عن يح!!يى بن معين‪،‬‬

‫‪81‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫ونس!!به في « فتح المغيث» ألبي بك!!ر بن الع!!ربيّ‪ ،‬والظ!!اهر أنّ م!!ذهب‬


‫البخ!!اري ومس!!لم ذل!ك أيض!اً‪ ،...‬وه!و م!ذهب ابن ح!زم‪ ،»...‬وأض!اف‬
‫األلباني‪« :‬قلتُ‪ :‬وهذا هو الحقّ‪ ،‬الذي ال شَكَّ فيه عندي‪.)143(»...‬‬
‫وابن تيمية هو من الرافضين للقاعدة أيضاً‪ ،‬مع إعطائها تفسيراً هو‬
‫أق!رب إلى المع!نى الخ!امس‪ ،‬اآلتي في الوج!وه الثبوتي!ة المطروح!ة في‬
‫تفسير أخبار «مَنْ بلغ»(‪.)144‬‬
‫وفي ضوء ما تقدَّم اتّضح أمران‪:‬‬
‫أوّالً ‪ :‬إن قاعدة التسامح هي قاعدةٌ خالفية‪ ،‬وال يوجد إجماعٌ عليها‪،‬‬
‫ال عند الشيعة وال عند السنّة‪ ،‬وسيأتي توضيح ذلك أكثر‪ .‬وكيف تك!!ون‬
‫إجماعيّةً والحال أننا لم نجِدْ لها ذِكْراً في كالم السابقين‪ ،‬بحَسَب ما‬
‫الحظنا في كتبهم األصولية أو الرجالية أو الفقهية‪ ،‬هذا مع كون أخب!!ار‬
‫«مَنْ بلغ» في متناول أيديهم؟! ما يعني أنّهم لم يستفيدوا منه!!ا قاع!!دة‬
‫التسامح‪ ،‬بل رُبَما نُسب! إلى الش!!يخ الص!!دوق وأس!!تاذه ابن الولي!!د ع!!دم‬
‫االعتقاد بهذه القاعدة؛ وذلك ألنّ الص!!دوق ق!!ال‪ ،‬في كت!!اب الص!!وم من‬
‫كتاب مَنْ ال يحضره الفقيه‪« :‬وأمّا خبر صالة يوم غدير خمّ‪ ،‬والث!!واب‬
‫المذكور! فيه لمَنْ صامه‪ ،‬فإنّ شيخنا محمد بن الحسن (رضي اهلل عن!!ه)‬
‫كان ال يصحِّحه‪ ،‬ويقول‪ :‬إن!!ه من طري!!ق محم!!د بن موس!!ى الهم!!داني‪،‬‬
‫وكان كذّاباً غير ثقةٍ‪ ،‬وكلُّ ما لم يصحِّحه ذلك الشيخ (ق!!دَّس اهلل‬
‫روح!!ه)‪ ،‬ولم يحكم بص!!حته من األخب!!ار‪ ،‬فه!!و عن!!دنا م!!تروكٌ غ!!ير‬
‫صحيح»(‪ .)145‬فلو أنهما كانا يريان التس!!امح لم يكن ثمّ!!ةَ داعٍ إلى ردِّ‬
‫الخبر المذكور(‪.)146‬‬
‫اللهمّ إالّ أن يُقال‪ :‬إنّ ردّ الخبر من قِبَلهما إنما هو بسبب كونه‬
‫موضوعاً بنظرهما‪ ،‬كما يبدو من الحكم بكذب راوي!!ه‪ ،‬ومع!!ه فال مح!!لّ‬
‫لقاعدة التسامح؛ النتفاء موضوعها‪ ،‬وهو البلوغ‪ ،‬فتأمَّلْ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إنها بصيغتها المشهورة‪ ،‬أعني صيغة «التسامح في السُّنَن أو‬
‫في فضائل األعمال»‪ ،‬مطروحةٌ في الفقه السنّي أيض!!اً‪ ،‬ورُبَم!!ا قب!!ل أن‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪82‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫تكون مطروحة في الفقه الشيعيّ‪ ،‬فقد عبَّر عنها اإلم!!ام أحم!!د بتعب!!ير‪:‬‬
‫التساهل في أخبار فضائل األعمال‪ ،‬في مقابل التشدُّد! في الحرام والحالل‪.‬‬
‫ومصطلح التسامح مطروح عندهم أيضاً‪ ،‬كما تق!!دَّم في كالم الن!!ووي(‬
‫‪676‬هـ)‪ ،‬وقال أيض!!اً‪« :‬وق!!د اتَّف!!ق العلم!!اء على أن الح!!ديث المرس!!ل‬
‫والض!!عيف والموق!!وف يُتس!!امح ب!!ه في فض!!ائل االعم!!ال‪ ،‬ويُعم!!ل‬
‫بمقتضاه»(‪ .)147‬وأمّا عند الشيعة فقد ظه!رت القاع!!دة به!ذه الص!!يغة في‬
‫كلمات المت!!أخِّرين‪ ،‬ب!!دءاً من الش!!هيد األول(‪786‬هـ)(‪ ،)148‬ومَنْ تاله‪،‬‬
‫ونُسب ذلك إلى العالّمة الحلّي في موضعين من المنتهى‪ ،‬كما في كالم‬
‫مفاتيح األصول المتقدِّم‪ ،‬ولم نعثَرْ عليهما‪.‬‬

‫‪3‬ـ مستند القاعدة‬


‫بمراجعة كلم!!ات األعالم نج!!د أنهم اس!!تدلّوا على القاع!!دة بع!!دّة‬
‫وجوهٍ‪:‬‬

‫أـ اإلجماع‪6‬‬
‫قال ابن فهد الحلّي‪ ،‬بعد أن أورد بعض أخبار القاعدة‪« :‬فص!ار ه!ذا‬
‫المعنى مجمعاً عليه عند الفريقين»(‪.)149‬‬
‫ويَرِدُ عليه‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إنّ دعوى كون القاعدة مجمعاً عليه!ا بين فقه!اء الف!ريقين‬
‫غير صحيحة‪ ،‬كما عرفْتَ‪ ،‬فال إجماع ش!!يعيّاً وال س!!نّياً على المس!!ألة‪.‬‬
‫وكيف تكون المسألة إجماعية وال نجد لها ذِكْراً في كلم!!ات فقهائن!!ا‪،‬‬
‫إالّ ب!دءاً من الش!هيد األوّل في الق!رن الث!امن الهج!ري؟! وق!د س!جَّل‬
‫بعضُهم كالم الشهيد األوّل‪ ،‬الذي جاء فيه‪« :‬أح!!اديث الفض!ائل يُتس!!امح‬
‫فيها عند أهل العلم»(‪ ،)150‬معتبراً أنّ هذه الجملة ت!!دلّ على أنّ التس!!امح‬
‫إجماعيّ(‪ ،)151‬والحال أنّ هذه العبارة ينقلها الشهيد األوّل ـ كما يصرِّح‬
‫في مستهلّ كالمه ـ عن صاحب الروضة‪ ،‬وهو النووي(‪ .)152‬وقد الحَظْنا‬

‫‪83‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫أنّ الشهيد الثاني أفاد أنّ األك!!ثر ج!!وَّزوا العم!!ل ب!!الخبر الض!!عيف في‬
‫فضائل األعم!!ال(‪ ،)153‬وس!!يأتي نق!!ل كالم!!ه الحق!!اً‪ .‬ولكنْ حتّى دع!!وى‬
‫األكثرية غير واضحةٍ؛ بلحاظ ما تقدَّم من س!كوت كث!يرٍ من الفقه!اء‬
‫عن هذه القاعدة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إنّ اإلجماع ـ على فرض تحقُّقه ـ ليس تعبُّدياً كاشفاً عن‬
‫رأي المعصوم‪ !،‬فمن المرجَّح أن القائلين بالتسامح قد استندوا إلى األخبار‬
‫المذكورة! في المسألة‪.‬‬

‫ب ـ الروايات‪6‬‬
‫وهي العمدة‪ ،‬من قبيل‪ :‬صحيحة هش!!ام بن س!!الم‪ ،‬عن أبي عب!!د اهلل×‬
‫قال‪ « :‬مَنْ سمع شيئاً من الثواب على شيءٍ فصنعه كان له‪ ،‬وإنْ لم يكُنْ‬
‫على ما بلغه»(‪)154‬؛ وغيرها من األخبار‪ ،‬التي سنذكرها الحقاً‪.‬‬
‫ويبدو أنّ تعب!!ير جم!!عٍ من الفقه!!اء عن القاع!!دة المبح!!وث عنه!!ا‬
‫بقاعدة «مَنْ بلغ» أكثر انسجاماً مع إنكار داللة األخب!!ار على التس!!امح‬
‫في أدلة السُّنَن‪ ،‬وأقرب إلى العنوان المأخوذ في األخبار‪.‬‬

‫‪4‬ـ هل القاعدة فقهيّةٌ أم كالميّةٌ أم أصوليّةٌ؟‪6‬‬


‫ال يخفى أنّ بعض الفقهاء صنَّفوا القاعدة‪ ،‬وبحثوا عنها‪ ،‬في ع!!داد‬
‫القواعد الفقهيّة(‪ ،)155‬بينما بحثها جمعٌ آخر في األص!!ول؛ إم!!ا في مبحث‬
‫حجّية الخبر؛ باعتبارها تمثِّل استثناءً ممّا دلّ على عدم حجّي!!ة الخ!!بر‬
‫الض!!عيف؛ وإم!!ا في مبحث ال!!براءة؛ لمناس!!بةٍ معيَّنة(‪)156‬؛ ورُبَم!!ا رأى‬
‫بعضهم أنها قاعدةٌ كالمية؛ ألنها تطرح مبدأً في نَيْل الثواب اإللهي‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬إذا كان مناط أصولية المسألة هو في كونها ممّا «يترقَّب‬
‫أن تكون دليالً وعنصراً مشتركاً في عملي!!ة اس!!تنباط الحكم الش!!رعيّ‪،‬‬
‫واالستدالل عليها‪ ،‬والبحث في كلّ مسألةٍ أصولية إنما يتناول شيئاً مم!!ا‬
‫يترقّب أن يكون كذلك‪ ،‬ويتَّجه إلى تحقيق دليليّته‪ ،‬واالستدالل عليه!!ا‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪84‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫إثباتاً ونَفْياً»(‪ )157‬فال ينبغي الشكّ‪ ،‬وال االختالف‪ ،‬في أن قاعدة التسامح‬
‫أص!!وليّةٌ؛ ألنّ البحث ي!!تركَّز على دليليّته!!ا؛ إذ مح!!لّ الكالم وم!!ورد‬
‫النقض واإلبرام في دليليّة وحجّية الخبر الضعيف في السُّنَن‪.‬‬
‫أما لو نظرنا إلى المس!ألة من زاوي!ة ال!رأي النه!ائيّ في القاع!دة‪،‬‬
‫ومدى داللة األخبار عليها‪ ،‬ال من زاوية ما يتوقَّع ويترقَّب منها‪ ،‬ف!!الرأي‬
‫سيكون مختلفاً فيها باختالف األنظار؛ فمَنْ اعتق!!د بدالل!!ة األخب!!ار على‬
‫التسامح‪ ،‬وجعل الحجّية للخبر الضعيف‪ ،‬فالقاع!!دة عن!!ده أص!!وليّةٌ(‪)158‬؛‬
‫ومَنْ رأى دالل!!ة الرواي!!ات على جع!!ل االس!!تحباب على عن!!وان البل!!وغ‬
‫فالمسألة عنده فقهيّةٌ(‪ .)159‬وقد نُوقش ذلك بعدم صحّة م!!ا ذُك!!ر في‬
‫توجيهه(‪)160‬؛ ومَنْ رأى أنّ مفاد الروايات هو‪« :‬ثبوت الثواب عن!!د خط!!أ‬
‫األم!!ارة للواق!!ع‪ ،‬ليس إالّ» فالمس!!ألة عن!!ده كالميّ!!ةٌ(‪ .)161‬وحيث إنن!!ا‬
‫نستقرب ـ كما سيأتي ـ أنّ األخبار ال تدلّ على جع!!ل الحجّي!!ة للخ!!بر‬
‫الضعيف‪ ،‬وال االستحباب على عنوان البلوغ‪ ،‬وإنما الوع!!د بإعط!!اء الث!!واب‪،‬‬
‫فتكون المسألة المستفادة منها كالميّةً‪.‬‬

‫‪5‬ـ مقتضى القاعدة األ ّوليّة‬


‫وقبل أن نذكر أدلّة قاعدة التسامح‪ ،‬ونتط!!رَّق ـ بإيج!!ازٍ ـ إلى‬
‫بعض المناقشات والمالحظات النقديّة‪ ،‬ال بُدَّ أن نبيِّن م!!ا ه!!و مقتض!!ى‬
‫القاعدة األوّلية في المسألة‪ ،‬أعني مسألة اعتماد الخبر الضعيف في إثب!!ات‬
‫المستحبات والسُّنَن‪.‬‬
‫وما يمكن أن يذكر هنا في بيان القاعدة‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إنّ المستفاد من الكتاب والسنّة أنّ األحكام الشرعية‪ ،‬ومنه!!ا‪:‬‬
‫االس!!تحباب‪ ،‬ال يج!!وز إثباته!!ا ب!!الظنون‪ .‬ق!!ال تع!!الى‪﴿ :‬وَمَ!!ا يَتَّبِ!!عُ‬
‫ش!! يْئاً﴾‬
‫أَكْثَ!!رُهُمْ إِالَّ ظَنّ!!اً إِنَّ الظَّنَّ الَ يُغْنِي مِنَ الْحَ!!قِّ َ‬
‫(يونس‪)36 :‬؛ بل ال يجوز الكالم في دين اهلل تعالى إالَّ بعلمٍ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿آهللُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اهللِ تَفْتَ!!رُونَ﴾ (ي!!ونس‪ ،)59 :‬وق!!ال ج!!لَّ‬

‫‪85‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫وعال‪﴿ :‬وَالَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِ!!هِ عِلْمٌ إِنَّ السَّ! مْعَ وَالْبَصَ! رَ‬
‫وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُوالً﴾ (اإلسراء‪.)36 :‬‬
‫أجل‪ ،‬ذهب مشهور الفقهاء واألصوليّين إلى خروج الخبر الصحيح‪،‬‬
‫مع كون!!ه ظنّيّ الس!!ند‪ ،‬عن عم!!وم! م!!ا دلّ على النهي عن اتّب!!اع الظنّ‪،‬‬
‫ومستندهم في ذلك أن أدلّة حجّية الخ!!بر ق!!د خصّص!!ت اإلطالق!!ات أو‬
‫العمومات المذكورة الناهية عن اتّباع الظنّ‪.‬‬
‫وفي المقام أيضاً يُدَّعَى! أننا نخرج عن مقتضى القاع!!دة األوّلي!!ة؛‬
‫لقيام الدليل أيضاً على ذلك‪ .‬والدليل هو األخبار التي تج!!يز اإلفت!!اء في‬
‫السُّنَن بالخبر الضعيف‪ .‬وهذه األخبار أخصُّ من أدل!!ة النهي عن اتّب!!اع‬
‫الظنّ‪ ،‬وعدم حجّية الخبر الضعيف‪ ،‬فتتقدَّم عليه!!ا تق!!دُّم الخ!!اصّ على‬
‫العامّ‪ .‬وعليه‪ ،‬فقاعدة التسامح؛ بداللتها على حجّي!!ة الخ!!بر الض!!عيف في‬
‫السُّنَن‪ ،‬تمثِّل استثناءً من القاعدة األوّليّة العامّ!!ة‪ ،‬أع!!ني قاع!!دة ع!!دم‬
‫حجّية الظنّ‪ .‬كما أنّ قاعدة حجّية الخ!!بر الص!!حيح في اإللزاميّ!!ات أو‬
‫السُّنَن هي استثناءٌ من تلك القاعدة أيضاً‪ .‬فال فرق بين استثناءٍ وآخر؛‬
‫فمَنْ قبل باالستثناء األوّل في الخبر الصحيح؛ لقيام الدليل عليه‪ ،‬عليه أن‬
‫يقبل باالستثناء الثاني في الخبر الضعيف الوارد في السُّنَن؛ للنكتة عينها‪،‬‬
‫أعني قيام الدليل عليه‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬ولكنْ ثمّة اتجاهٌ قريبٌ من الص!!واب ي!!رى أنّ قاع!!دة حرم!!ة‬
‫العمل بالظنّ لم تتعرّض لالس!!تثناء والتخص!!يص مطلق!!اً‪ ،‬حتّى بلح!!اظ‬
‫الخبر الصحيح الظنّي‪ ،‬فضالً عن الخبر الضعيف؛ فالخبر الصحيح الظنّي‬
‫ليس حجّةً‪ ،‬وإنما الحجّة هو الخبر الموثوق نوع!!اً‪ .‬وه!!ذا ليس خارج!!اً‬
‫على نحو التخصيص من تحت أدلّة عدم حجّية الظنّ‪ ،‬وإنما خ!!رج عنه!!ا‬
‫تخصُّصاً؛ ألن الوثوق علمٌ في نظر العُرْف‪ .‬ولو تغاضينا وتنزَّلنا وقلنا‬
‫بالتخصيص األوّل‪ ،‬أعني خ!!روج الخ!!بر الظنّي من تحت أدل!!ة النهي عن‬
‫اتّباع الظنّ‪ ،‬فمن الصعوبة بمكان أن نوافق على االستثناء الثاني؛ فهو أشدّ‬
‫مؤونة من االستثناء األوّل؛ ألنه قد يُقال ب!أن س!يرة العقالء ج!رَتْ على‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪86‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫االستثناء األوّل ـ أعني حجّية الخ!!بر الظنّي الص!!حيح ـ‪ ،‬أو أن!!ه ب!!دون‬
‫األخذ به يلزم انمحاء الدين(‪ ، )162‬وهذا ال يجري في االستثناء الثاني؛ إذ ال‬
‫حاجة تفرضه‪ ،‬بل إنه قد تترتَّب عليه الكثير من النت!ائج الس!لبيّة‪ ،‬كم!ا‬
‫سنرى‪.‬‬
‫وثمّة معضلةٌ(‪ )163‬ثانيةٌ تواجه االستثناء الثاني‪ ،‬وهو أن!!ه ين!!افي ـ‬
‫باإلضافة إلى عمومات النهي عن اتّباع الظنّ ـ منطوقَ قوله تع!!الى‪﴿ :‬يَ!!ا‬
‫فَاس! قٌ بِنَبَ!أٍ فَتَبَيَّنُ!وا أَنْ‬
‫ِ‬ ‫أَيُّهَ!ا الَّ!ذِينَ آَمَنُ!وا إِنْ جَ!اءَكُمْ‬
‫تُصِيبُوا قَوْم!!اً بِجَهَالَ!!ةٍ فَتُصْ! بِحُوا عَلَى مَ!!ا فَعَلْتُمْ نَ!!ادِمِينَ﴾‬
‫(الحجرات‪ ،)6 :‬واألمر ب!!التبين إرش!!ادٌ إلى ع!!دم حجّي!ة خ!!بر الفاس!!ق‪،‬‬
‫فيكون األخذ به في المستحبّات مستلزماً لتخصيصٍ آخر لع!!امٍّ ق!!رآني‪.‬‬
‫وهذا ما يجعل الوثوق بهذا التخصيص أش!!دّ مؤن!!ة من االس!!تثناء األوّل‪.‬‬
‫اللهمّ إالّ أن يُقال‪ :‬إن التعليل ال!!وارد في اآلي!!ة يؤشِّ! ر إلى نظره!!ا إلى‬
‫األحكام اإللزاميّة‪ ،‬دون المباحات بالمعنى األعمّ؛ ألنّ هذه ال يترتَّب على‬
‫تركها أو الخطأ فيها ندامةٌ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ذكر بعض العلماء أنّ القول باالستحباب‪ ،‬اس!!تناداً إلى أدلّ!!ة‬
‫«مَنْ بلغ» وقاعدة التسامح منافٍ لما دلّ على حرمة الكذب(‪ )164‬على اهلل‬
‫تعالى‪﴿ :‬آهللُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اهللِ تَفْتَرُونَ﴾ (يونس‪.)59 :‬‬
‫ويُالحَظ عليه‪ :‬إنه ـ إذا لم يكن ناظراً في كالمه إلى ما ذكرن!!اه‬
‫في الوجه األوّل ـ ال محلَّ للكذب في المقام؛ وذلك ألنّ الك!!ذب إمّ!!ا أن‬
‫يكون في الفتوى! التي تضمَّنها الخبر الضعيف؛ وإمّا في اإلفت!!اء اس!!تناداً‬
‫إلى الخبر الضعيف‪ ،‬أي في الطريق‪.‬‬
‫فإنْ أراد األوّل فيردّه أنّ الفقيه إنم!!ا يحكم باس!!تحباب العم!!ل في‬
‫المورد الذي جاء فيه خبرٌ محتمل الصدور والمطابقة للواقع‪ ،‬وعلي!!ه فال‬
‫يصحّ وصف الخبر الضعيف م!!ع كون!!ه محتم!!ل المطابق!!ة بالك!!ذب‪ ،‬إالّ‬
‫بضربٍ من التنزيل المحتاج إلى ال!دليل‪ ،‬كم!ا في اتّه!ام ال!ذين يرم!ون‬
‫المحْصَنات دون إقامة الشهود بأنّهم كاذبون‪ ،‬كم!!ا نصَّ علي!!ه ال!!ذكر‬

‫‪87‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫الحكيم(‪ ،)165‬مع أنّهم رُبْما كانوا صادقين وليس لهم شهود‪.‬‬


‫وإنْ أراد الثاني ف!!يردّه أنّ!!ه إذا اس!!تفَدْنا من رواي!!ات «مَنْ بلغ»‬
‫استحباب العمل الوارد في خبرٍ ضعيف‪ ،‬سواء أكان االستحباب على عنوان‬
‫البلوغ أو على العنوان الوارد في الخبر الضعيف‪ ،‬فهذا يعني أنّ اهلل تع!!الى‬
‫قد أذن بنسبة األمر إليه‪ ،‬فال يعود األمر من مصاديق الكذب والتقوُّل على‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪6‬ـ االحتماالت‪ 6‬الثبوتيّة في المراد بأخبار‪َ « 6‬منْ بلغ»‬


‫إنّ االحتماالت الثبوتيّ!!ة في أخب!!ار «مَنْ بلغ» هي ـ حَسْ! ب م!!ا‬
‫أنهاها بعض األعالم(‪ )166‬ـ خمسةٌ‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬أن تكون بصدد جعل الحجّية الظاهرية للخبر الضعيف غ!!ير‬
‫المشمول! ألدلة الحجّية‪ ،‬فيُستفاد من أخبار «مَنْ بلغ» إس!!قاط ش!!رائط‬
‫حجّية الخبر في باب المستحبّات‪ ،‬وأنه ال يعتبر فيها ما اعتبر في الخ!!بر‬
‫القائم على وجوب شيءٍ‪ ،‬من العدالة والوثاقة‪ .‬وهذا االحتمال هو المناسب‬
‫لقولهم بالتسامح في أدلة السُّنَن‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن تكون في مقام إنشاء استحبابٍ واقعيّ نفس!!يّ على طب!!ق‬
‫البلوغ بوصفه عنوانا ثانوياً‪ ،‬وعليه فال يُفتى في م!!ورد الخ!!بر الض!!عيف‬
‫باستحباب العنوان الوارد فيه‪ ،‬بل يُفتى باالستحباب؛ لكون ذلك ممّ!!ا ق!!د‬
‫بلغ عليه الثواب‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن تكون بصدد اإلرشاد إلى حكم العق!!ل بحُسْ! ن االحتي!!اط‪،‬‬
‫واستحقاق المحتاط للثواب؛ النبعاثه نحو فعل ما يُحتَمَل كونه مطلوباً‬
‫للمولى‪ ،‬فيكون ترغيباً صادراً عن المولى بما هو عاقلٌ‪ ،‬ال بما هو مولى‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن تكون إخباراً ووَعْداً مولوياً بالثواب؛ لمصلحةٍ في نفس‬
‫الوَعْد‪ ،‬ولو كانت ه!!ذه المص!!لحة هي ال!!ترغيب في االحتي!!اط؛ باعتب!!ار‬
‫حُسْنه عقالً‪ ،‬وبعد حصول الوعد نقطع بالوفاء ال محالة‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬إن أخبار «مَنْ بلغ» ته!!دف إلى حثّ المكلَّ!!ف على فع!!ل‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪88‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫الطاعات وأعمال الخير المف!!روغ من خيريّته!!ا‪ ،‬وال!!تي ق!!د تف!!تر همّ!!ة‬


‫المكلَّفين وعزيمتهم عن فعلها؛ لسببٍ أو آخ!!ر‪ ،‬ف!!إذا ورد بش!!أنها ث!!وابٌ‬
‫معين في بعض األخبار‪ ،‬وكان هذا القدر من الثواب ممّا لم يقُلْه النبيّ|‪،‬‬
‫فحثّاً للمكلَّف على عم!ل الخ!ير ذاك يُق!ال ل!ه‪ ،‬من خالل أخب!ار «مَنْ‬
‫بلغ»‪ :‬إنْ أتيْتَ به ألجل ذاك الثواب‪ ،‬أو رُبَم!!ا مطلق!!اً‪ ،‬ف!!إنّ اهلل تع!!الى‬
‫سيعطيك الثواب الوارد في الخبر الض!!عيف‪ ،‬ول!!و لم يكن األم!!ر على م!!ا‬
‫بلغك‪ .‬وال داللة لها على أنه يُعطى! الثواب الوارد في الخبر الضعيف على‬
‫العمل الذي لم تثبت خيريّته أصالً في المرتبة السابقة‪.‬‬
‫يقول السيد الشهيد في بي!!ان ه!!ذا االحتم!!ال‪« :‬أن يك!!ون المقص!!ود‬
‫تكميل محرّكية األوامر االس!تحبابيّة فيم!!ا إذا ف!!رض بل!وغ ث!!واب على‬
‫مستحبٍّ مفروغٍ عن استحبابه‪ ،‬ولكنْ حيث إنّ ذلك البلوغ ليس قطعيّاً‬
‫فتنقص وتضعف محرّكية األمر االستحبابيّ‪ ،‬الذي ال ضَ! يْرَ في ترك!!ه‬
‫بحَسَب طبعه‪ ،‬فمن أج!!ل حثِّ المكلَّفين على ع!!دم إهم!!ال المس!!تحبّات‪،‬‬
‫وطلبها‪ ،‬وعد بنفس الثواب‪ ،‬وأكمل محرّكية ذلك األم!!ر االس!!تحبابيّ‪.‬‬
‫وهذا الترغيب المولوي‪ ،‬وإنْ ك!!ان طريقيّ!!اً أيض!!اً‪ ،‬ولكنّ!!ه ال يس!!تبطن!‬
‫طلباً وأمراً‪ ،‬بل مجرّد ترغيب بالوَعْد المولوي على الثواب؛ لجبر ضعف‬
‫محرّكية االس!!تحباب والطلب النَّ!!دْبي‪ ،‬وعلى ه!!ذا ال يُس!!تفاد من ه!!ذه‬
‫األخبار استحباب عملٍ لم يثبت خيريّته واستحبابه في المرتب!!ة الس!!ابقة؛‬
‫ألن ذلك قد أُخذ في موضوعها‪ ،‬فيكون التمسُّك بها في م!!ورد الش!!كّ‬
‫في أصل االستحباب من التمسُّك! بالعامّ في الشبهة المصداقيّة‪ ،‬بل تك!ون‬
‫هذه الرواي!!ات من أدلّ!!ة ال!!ترغيب في الطاع!!ة والحثّ على ع!!دم إهم!!ال‬
‫المستحبّات الشرعيّة‪ ،‬من خالل جعل ثوابٍ ترغيبيّ تفض!!يليّ في ذل!!ك‬
‫المورد»(‪.)167‬‬

‫النقاش في هذه االحتماالت‪ 6،‬والترجيح بينها‬


‫وقد وقع الكالم بين األعالم في هذه االحتم!!االت‪ ،‬وم!!ا ه!!و األق!!رب‬

‫‪89‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫منها إلى مفاد األخبار‪ .‬واحتدم النق!!اش بينهم بطريق!!ةٍ عميق!!ةٍ تُظْهِ!!ر‬
‫قدرة العقل األصوليّ على التحقيق والبحث‪ ،‬وال سيَّما على يدَيْ الش!!يخ‬
‫األنصاري والمحقِّقين من بعده‪ ،‬ومنهم‪ :‬اآلخون!!د الخراس!!اني والن!!ائيني‬
‫واألصفهاني‪ .‬وطبيعيٌّ أنّ بحث هذه الوج!!وه‪ ،‬وم!!ا قي!!ل فيه!!ا‪ ،‬وبش!!أنها‪،‬‬
‫وبيان آراء هؤالء األعالم ونقاشاتهم‪ ،‬هو عملٌ وجهدٌ خ!!ارج عن موض!!وع‬
‫بحثنا‪ ،‬وهو موكولٌ إلى علم األصول‪ ،‬وإنم!!ا نكتفي في المق!!ام بإطالل!!ةٍ‬
‫إجمالية ومختص!!رةٍ على بعض النقاش!!ات المطروح!!ة في كالم العلمَيْن‬
‫الخوئي والصدر‪ ،‬مع ترجيح ما يمكن ترجيحه‪.‬‬
‫أما االحتمال األوّل‪ ،‬وهو أن تكون روايات «مَنْ بلغ» بص!!دد جع!!ل‬
‫الحجّية الظاهرية للخبر الضعيف في المستحبّات‪ ،‬فهو األساس في قاع!!دة‬
‫التسامح‪ ،‬وبانهياره تنهار‪.‬‬
‫وقد ردّه السيد الخوئي بأنه « بعيدٌ عن ظاهر الروايات غاية البُعْد؛‬
‫ألنّ لسان الحجّية إنما هو إلغاء احتمال الخالف‪ ،‬والبن!!اء على أنّ م!!ؤدّى‬
‫الطريق هو الواقع‪ ،‬كما في أدلّة الطرق واألمارات‪ ،‬ال فرض ع!!دم ثب!!وت‬
‫المؤدّى! في الواقع‪ ،‬كما هو لسان هذه األخبار‪ .‬فهو غ!!ير مناس!!بٍ لبي!!ان‬
‫حجّية الخبر الض!عيف في ب!اب المس!!تحبّات‪ ،‬وال أق!!لّ من ع!!دم داللته!ا‬
‫عليها»(‪.)168‬‬
‫وقريبٌ منه ما ذكره اإلمام الخمينيّ(‪.)169‬‬
‫وناقشه السيد الشهيد في البحوث(‪ )170‬بمناقشتين‪:‬‬
‫األولى‪« :‬إنّ األم!!ر الط!!ريقي الظ!!اهري ال ينحص!!ر في أن يك!!ون‬
‫بمعنى جعل الحجّية للخبر الضعيف‪ ،‬بل يُعْقَل ذلك على مس!!توى الحكم‬
‫باالحتياط‪ ،‬وهو ال ينافي مع التعبير المذكور»‪.‬‬
‫الثاني!!ة‪ :‬إنّ اعتراض!!ه إنم!!ا يتمّ بن!!اءً على «مص!!طلحات مدرس!!ة‬
‫الميرزا‪ ،‬من مالحظة ألسنة الجَعْل في األحكام الظاهرية الطريقية‪ ،‬وأنه!ا‬
‫في األمارات بلسان جَعْل الطريقيّة‪ ،‬وإالّ فقد عرفْتَ بما ال مزي!!دَ علي!!ه‬
‫أنّ حقيقة الحكم الظاهريّ وروحه واحدةٌ‪ ،‬س!!واء ك!ان به!ذا اللس!ان أو‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪90‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫بغيره»(‪.)171‬‬
‫وما طرحه السيد الشهيد في المناقشة األولى هو وجهٌ آخ!!ر لبي!!ان‬
‫طريقيّة أخب!!ار «مَنْ بلغ»‪ ،‬وق!!د م!!ال إلى تبنّي!!ه في تقري!!رات درس!!ه‪،‬‬
‫ومفادُه أن المقصود بها «جعل إيج!!اب االحتي!!اط االس!!تحبابيّ في م!!ورد‬
‫بلوغ الثواب‪ ،‬من دون جعل الحجّية للخبر الضعيف‪ ،‬وترتيب آث!!ار ذل!!ك‬
‫عليه»(‪ .)172‬وهذا ال ينافيه تعبير‪« :‬وإنْ كان الرسول| لم يقُلْه»‪.‬‬
‫أقول‪ !:‬ورُبَما يُالحَظ عليه‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬أمّا عدم منافاة التعبير المذكور! مع االحتياط فيَ!!رِدُ علي!!ه‬
‫أنّ االحتياط؛ حيث كان لمراعاة مصلحة الواقع وال!ترغيب بإدراك!ه‪ ،‬فال‬
‫يناسبه التعبير بقوله‪« :‬وإنْ لم يكن قد قاله»‪ ،‬بل يناسبه التعبير‪« !:‬افعَلْ‬
‫ذلك‪ ،‬فعسى! أن يكون قد قاله»‪ .‬فمنطلق االحتياط وغايته هو عدم فَ!!وْت‬
‫الواقع‪ ،‬ورجاء إدراكه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أمّا أن الحُجَج الظاهرية ال تحت!!اج إلى لس!!انٍ خ!!اصّ‪ ،‬وأن‬
‫األساس فيها قوّة االحتمال الكاشف عن الواق!ع‪ ،‬بص!رف النظ!ر عن لس!ان‬
‫جعل الحجّية‪ ،‬فهو أمرٌ ال نوافقه عليه‪ .‬والظ!!اهر أنّ الحُجَج الظاهري!!ة‬
‫الطريقية تعتمد على لسانٍ خاصّ‪ ،‬وتحتاج إليه‪ ،‬واعتماد اللسان هو أم!!رٌ‬
‫عقالئيّ‪ ،‬والشارع لم يخ!!رج عن س!!يرة العقالء في التعب!!ير عن أغراض!!ه‬
‫الشرعية‪ ،‬مضموناً وشكالً‪ ،‬ثمّ سلّمنا أنّ الحُجَج الظاهرية ال تحتاج إلى‬
‫لسانٍ خاصّ‪ ،‬ولكنْ شرط أن ال يُستخدم! لسانٌ ينافيها‪ ،‬كم!!ا ه!!و الح!ال‬
‫في المقام‪ ،‬حيث صرّحَتْ األخبار بأن الثواب محف!!وظٌ‪ ،‬حتّى م!!ع ك!!ون‬
‫الخبر مخالفاً للواقع‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬يرِدُ على أصل االحتمال األوّل ـ سواء بتفسير المش!!هور من‬
‫ظهور أخبار «مَنْ بلغ» في جَعْل الحجّية الظاهرية للخبر الض!!عيف‪ ،‬أو‬
‫بتفسير الشهيد الصدر من ظهورها في جَعْل االحتياط االستحبابيّ ـ أنّ‬
‫األخبار المذكورة ليست بصدد الجَعْل أصالً‪ ،‬س!!واء أك!!ان جَعْالً للحكم‬
‫الظاهري أو جَعْالً لالحتياط االستحبابي‪ ،‬وإنما هي في مق!!ام الوَعْ!!د أو‬

‫‪91‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫اإلرشاد‪ ،‬كما سيأتي‪.‬‬


‫وأما االحتمال الثاني فمعضلتُه ه!!و ص!!عوبة اس!!تظهاره من أخب!!ار‬
‫«مَنْ بلغ»‪ .‬قال السيد الخوئي‪ ،‬اعتراض!!اً على االحتم!!ال الم!!ذكور‪« !:‬ال‬
‫داللة‪ ،‬بل ال إشعار‪ ،‬لألخبار المذكورة على أنّ عنوان البلوغ مم!!ا ي!!وجب‬
‫حدوث مصلحةٍ في العمل‪ ،‬بها يصير مس!!تحبّاً‪ ،‬ف!!المتعين ه!!و االحتم!!ال‬
‫األوّل(‪)173‬؛ فإنّ مفادها مجرّد اإلخبار عن فضل اهلل تعالى‪ ،‬وأن!!ه س!!بحانه‬
‫بفضله ورحمته يعطي الثواب الذي بلغ العام!!ل‪ ،‬وإنْ ك!!ان غ!!ير مط!!ابقٍ‬
‫للواقع‪ ،‬فهي ـ كما ترى ـ غير ناظرةٍ إلى العمل‪ ،‬وأن!!ه يص!!ير مس!!تحبّاً‬
‫ألجل طروء عنوان البلوغ»(‪.)174‬‬
‫وأما الثالث‪ ،‬وهو الظاهر من الس!!يد الخ!!وئي‪ ،‬كم!!ا م!!رّ للت!!وّ في‬
‫كالمه‪ ،‬فال يصحّ االعتراض عليه ب!!أنّ الث!!واب على عم!!لٍ ف!!رعُ كون!!ه‬
‫مطلوباً؛ ألنّ ذلك مردودٌ «بأن!!ه يكفي حُسْ! ن االحتي!!اط عقالً مالك!!اً‬
‫للثواب»(‪ .)175‬أجل‪ ،‬قد اعترض عليه السيد الشهيد في البحوث ب!!اعتراضٍ‬
‫آخر‪ ،‬وهو أنه «خالف ظاهر ح!!ال الخط!!اب الص!!ادر من الم!!ولى في أن!!ه‬
‫صادرٌ عنه بما هو مولى‪ ،‬ال بما هو عاقلٌ‪ ،‬سواء كان بلسان األمر والطلب‬
‫أو بلسان الوَعْد على الثواب»(‪.)176‬‬
‫ولكنّه في محلٍّ آخر (أي الحلقات) رأى أن هذا االحتم!!ال الث!!الث‬
‫هو المتعين‪« !،‬ولكنْ مع تطعيمه باالحتمال الراب!!ع؛ ألن االحتم!!ال الث!!الث‬
‫بمفرده ال يفسِّر إعطاء العامل نفس الثواب الذي بلغ!!ه؛ ألنّ العق!!ل إنم!!ا‬
‫يحكم باستحقاق العام!!ل للث!!واب‪ ،‬ال ش!!خص ذل!!ك الث!!واب‪ ،‬فال بُ!!دَّ من‬
‫االلتزام بأن ه!!ذه الخصوص!!يّة مردُّه!!ا إلى وَعْ!!دٍ مول!!ويّ»(‪ .)177‬وم!!ا‬
‫تضمَّنه الخبر من وَعْدٍ مولويّ بالثواب هو ما يكفي لردّ ما اعترض به‬
‫السيد في البحوث على هذا الوجه‪ ،‬بمخالفته للظاهر من الحديث في كون‬
‫الخطاب صادراً عنه بصفته المولويّة‪ ،‬ال بصفته عاقالً‪ ،‬فإنّ المولوي!!ة هي‬
‫في هذا الوَعْد بالثواب المحدَّد؛ ألن العقل ال يضمن للعبد مقدار الث!!واب‬
‫على انقياده‪ ،‬وإنما الذي يعرف ذلك المقدار ويضمنه للعب!!د ه!!و الم!!ولى‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪92‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫عزَّ وجلَّ‪.‬‬
‫وأم!!ا الرابع فق!!د ردَّه الس!!يد الش!!هيد في البح!!وث بأنّ!!ه «خالف‬
‫ظهورها في أنه!!ا بص!!دد الحثّ وال!!ترغيب والطلب‪ ،‬ال مج!!رد اإلخب!!ار أو‬
‫الوَعْد الصِّرْف»(‪.)178‬‬
‫وقد عرفْتَ للتوّ أنّ هذا الوجه يصلح لتتميم الوجه الثالث؛ ليغ!!دو‬
‫المقصود بأخب!!ار «مَنْ بلغ» تق!!ديم وإعط!!اء وَعْ!!دٍ مول!!ويٍّ ب!!الثواب‬
‫لمصلحةٍ في نفس الوعد‪ !،‬ول!!و ك!!انت ه!!ذه المص!!لحة هي ال!!ترغيب في‬
‫االحتياط؛ باعتبار حُسْنه عقالً(‪.)179‬‬
‫والذي يب!!دو أن ه!!ذا االحتم!!ال ه!!و أق!!رب االحتم!!االت‪ ،‬إالّ إذا تمّ‬
‫االحتمال الخامس التالي‪.‬‬
‫وأما الخامس فعلَّق عليه السيد الشهيد بأن!!ه «وإنْ ك!!ان وارداً في‬
‫نفسه‪ ،‬وقد يُستشهد! عليه بما ورد في لس!!ان بعض الرواي!!ات‪« :‬مَنْ بلغ!!ه‬
‫ثوابٌ على شيءٍ من الخير» ‪ ،‬الظاهر في المفروغية عن خيريّة ورجحان‬
‫العمل الّذي بلغ عليه الثواب في المرتبة السابقة‪ ،‬إالّ أنّ حمل كلّ أخبار‬
‫الباب‪ ،‬حتّى المطلق منها‪ ،‬على ذلك ال موجب له»(‪.)180‬‬
‫وما يمكن أن نقول!!ه بش!!أن االحتم!!ال الخ!!امس‪ ،‬وم!!ا أورده الس!!يد‬
‫الشهيد عليه‪ ،‬عدّة أمور‪:‬‬
‫األمر األوّل‪ :‬إنّ غاية ما تدلّ علي!!ه أخب!!ار «مَنْ بلغ»‪ ،‬بن!!اءً على‬
‫هذا االحتمال‪ ،‬هو أنّ الثواب الذي يُعطاه المكلَّ!!ف ليس ه!!و على العم!!ل‬
‫الذي لم يقُلْه النبيّ| من األساس‪ ،‬بل على عمل الخ!!ير ال!!ذي قاله|‪ ،‬ولكنْ‬
‫لم ينقُلْه الراوي طبقاً لما قاله|‪ ،‬لجهة درجة الثواب ومقداره‪ .‬فاالش!!تباه‬
‫الذي رُبَما وقع فيه ناقلُ الخبر المتضمِّن لعمل الخير أو للث!!واب علي!!ه‬
‫ليس هو االشتباه في أصل ص!!دور عم!!ل الخ!!ير وثواب!!ه عنه|‪ ،‬وإنّم!!ا في‬
‫مرتبة الثواب‪ ،‬كيفيّةً وكمّي!!ةً‪ .‬فأص!!ل مرغوبيّ!!ة العم!!ل وخيريّت!!ه ـ‬
‫وبالتالي كونه مستوجباً للثواب ـ هو أمرٌ مفروغ منه‪ ،‬وإنم!!ا التفضُّ! ل‬
‫الذي أضافَتْه هذه الروايات هو أنّ اهلل تعالى يعطي العبد ثواب م!!ا بلغ!!ه‪،‬‬

‫‪93‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫ولو كان أزيد من ثواب العم!!ل عن!!ده واقع!!اً‪ .‬فل!!و فرض!!نا أنّ الرواي!!ة‬
‫الضعيفة المرويّ!!ة عنه| تق!!ول‪« :‬إنّ مَنْ تص!!دَّق رفع!!ه اهلل درج!!ةً في‬
‫الجنة»‪ ،‬فتصدَّق العبد طمعاً في هذه الدرجة‪ ،‬ولم يكن األمر كما بلغ!!ه‪،‬‬
‫أعطاه اهلل تلك الدرجة‪ .‬ولو فرض أن النبيّ| واقعاً كان قد ق!!ال‪« :‬مَنْ‬
‫تص!!دَّق ك!!ان ل!!ه درجة»‪ ،‬لكنّ الرواي!!ة الض!!عيفة نقلَتْ عنه|‪« :‬أنّ من‬
‫تصدَّق له درجتان»‪ ،‬وتصدَّق العبد؛ طمع!اً بال!درجتين‪ ،‬ف!إنّ اهلل تع!الى‬
‫سيكون عن!!د حُسْ! ن ظنّ عب!!ده! ب!!ه‪ ،‬ويعطي!!ه ال!!درجتين‪ .‬وفي المث!!الين‬
‫يُالحَظ أنّ أصل العمل ثابتُ المشروعيّة بدليلٍ آخ!!ر‪ ،‬وأن!!ه من أعم!!ال‬
‫الخير والبرّ والصدقة‪ .‬وبناءً على هذا التفسير ال ش!!مول له!!ذه األخب!!ار‬
‫لصورة الشكّ في صدور الحديث المتضمِّن للثواب‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬إنّ هذا الوجه فيما يبدو ليس مجرّد احتمالٍ مطروحٍ‬
‫حديثاً(‪ ، )181‬بل هو مطروحٌ في كلمات السابقين؛ فقد نقله الشيخ البهائي‬
‫عن بعض الفضالء‪ ،‬وأنه قال‪« :‬إن معنى ق!!ولهم‪ :‬يج!!وز العم!!ل بالح!!ديث‬
‫الضعيف في فض!!ائل األعم!!ال‪ ،‬دون مس!!ائل الحالل والح!!رام‪ ،‬أن!!ه إذا ورد‬
‫حديثٌ صحيحٌ أو حَسَنٌ في استحباب عملٍ‪ ،‬وورد حديثٌ ضعيفٌ في أن‬
‫ثوابه كذا وكذا‪ ،‬جاز العمل بذلك الح!!ديث الض!!عيف‪ ،‬والحكم ب!!ترتُّب‬
‫ذلك الثواب على ذلك الفعل»(‪.)182‬‬
‫ويبدو أيضاً من الشيخ الحُرّ العاملي المَيْ!!ل إلي!!ه‪ ،‬ق!!ال‪« :‬واعْلَمْ‬
‫أنّ هذه األحاديث ال تدلّ على إثبات االستحباب بالخبر الض!!عيف‪ ،‬وال على‬
‫إثبات اإلباحة به‪ ،‬بل ال بُدَّ من العلم باإلباحة والمش!!روعيّة واالس!!تحباب‬
‫من طريقٍ معتمد‪ !،‬وإنّما يثبت بالخبر الضعيف ترتُّب الثواب أو مق!!داره‪،‬‬
‫ال غير»(‪.)183‬‬
‫وقد حكاه الشيخ األنصاري(‪ )184‬عن جماعةٍ‪.‬‬
‫وذهب إليه بعض علماء السنّة ممَّنْ تقدَّمَتْ كلماتهم‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬إنّ ما يدلّ على ترجيح هذا الوجه هو بعض الروايات‪،‬‬
‫من قبيل‪ :‬ما رواه الصدوق‪ ،‬عن أبيه ق!!ال‪ :‬ح!!دَّثني عليّ بن موس!!ى‪ ،‬عن‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪94‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫أحمد بن محمد‪ ،‬عن عليّ بن الحكم‪ ،‬عن هاش!!م بن ص!!فوان‪ ،‬عن أبي عب!!د‬
‫اهلل× قال‪« :‬مَنْ بلغه شيءٌ من الثواب على شيءٍ من خيرٍ‪ ،‬فعمل!!ه‪ ،‬ك!!ان‬
‫له أجرُ ذلك‪ ،‬وإنْ كان رسول اهلل| لم يقُلْه»(‪.)185‬‬
‫وهي واضحةُ الداللة على أنّ خيريّة العمل ثابتةٌ بدليلٍ سابق على‬
‫البلوغ‪.‬‬
‫بَيْدَ أنّ الرواية ضعيفة السند بعليّ بن موسى‪.‬‬
‫والداللة عينها نجدها في ما رواه الصدوق‪ ،‬عن محم!!د بن يعق!!وب‪،‬‬
‫بطرقه إلى األئمّة^‪« :‬إنّ مَنْ بلغه شيءٌ من الخير‪ ،‬فعمل ب!!ه‪ ،‬ك!!ان ل!!ه‬
‫من الثواب ما بلغه‪ ،‬وإنْ لم يكن األمر كما نُقل إليه»(‪.)186‬‬
‫وهذه أيضاً ضعيفة السند باإلرسال‪ ،‬فتصلح لتأييد سابقتها‪.‬‬
‫وفي خبر محمد بن مروان قال‪ :‬س!!معتُ أب!!ا جعفر× يق!!ول‪« :‬مَنْ‬
‫بلغه ثوابٌ من اهلل على عملٍ‪ ،‬فعمل ذلك العم!!ل؛ التم!!اس ذل!!ك الث!!واب‪،‬‬
‫أوتيه‪ ،‬وإنْ لم يكن الحديث كما بلغه»(‪ ،)187‬فإنه؛ وبلحاظ ذَيْله‪ ،‬مُشْعِرٌ‬
‫ـ إنْ لم يكن ظاهراً ـ بأنّ الحديث حَتْماً صادرٌ عن!!ه|‪ ،‬لكنّ ال!!راوي لم‬
‫يبلغه كما هو‪ ،‬أي إنّ أصل بلوغ الحديث المتضمِّن للثواب ثابتٌ‪.‬‬
‫ولكنْ في المقابل يوجد طائفةٌ أخرى من األخبار ـ وفيها الص!!حيح‬
‫ـ مطلق!ةٌ من ه!ذه الجه!ة‪ ،‬وت!دلّ على أنّ العم!ل الب!الغ‪ ،‬س!واءٌ ك!ان‬
‫مفروغاً من خيريّته أم ال‪ ،‬يُ!!ؤجَر ص!!احبه ويُث!!اب على فعل!!ه ب!!الثواب‬
‫الوارد في الخبر الضعيف‪ .‬ومن هذه الطائفة‪ :‬صحيحة هشام‪ ،‬عن أبي عبد‬
‫اهلل× قال‪« :‬مَنْ بلغه عن النبيّ| شيءٌ من الثواب‪ ،‬فعمله‪ ،‬كان أجرُ ذلك‬
‫له‪ ،‬وإنْ كان رسول اهلل| لم يقُلْه»(‪)188‬؛ وفي صحيحةٍ أخ!!رى لهش!!ام بن‬
‫سالم‪ ،‬عن أبي عبد اهلل× ق!!ال‪« :‬مَنْ س!!مع ش!!يئاً من الث!!واب على ش!!يءٍ‪،‬‬
‫فصنعه‪ ،‬كان له‪ ،‬وإنْ لم يكن على ما بلغه»(‪.)189‬‬
‫والسؤال‪ :‬هل من تعارضٍ بين الطائفتين؟ وما هو وجه الجمع؟‬
‫ذهب الشيخ األنصاري والسيد الش!!هيد ـ وهم!!ا المعترف!!ان‪ ،‬بنظ!!ر‬
‫الطائفة األولى‪ ،‬إلى صورة المفروغيّة عن كون العمل خَيْراً في نفسه ـ‬

‫‪95‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬
‫(‪)190‬‬
‫ال‬ ‫إلى «أنّ حمل كلّ أخب!!ار الب!!اب‪ ،‬حتّى المطل!!ق منه!!ا‪ ،‬على ذلك‬
‫موجب له»(‪ )191‬و«في إطالق البواقي كفايةٌ»(‪.)192‬‬
‫وال مج!!الَ لالع!!تراض على كالمهم!!ا بأنّ!!ه م!!ا دامت طائف!!ة من‬
‫األخبار مطلقة واألخرى مقيّدة فيحمل المطلق على المقيّ!!د؛ ألن!!ه يمكن‬
‫أن يُجاب على ذلك‪ :‬إنّ «المقيّد هن!!ا ال يع!!ارض المطل!!ق حتّى يحم!!ل‬
‫المطل!!ق! عليه»(‪ .)193‬والوج!!ه في ع!!دم التع!!ارض والتن!!افي بينهم!!ا أن‬
‫الطائفتين في المقام مثبتتان‪.‬‬
‫ونالحظ على ذلك أنّ هذه األخب!!ار من الط!!ائفتين هي بمجموعه!!ا‬
‫تشير إلى معنىً واحدٍ‪ ،‬أو قُلْ‪ :‬هي بصدد بيان موضوعٍ! ومطلوبٍ واح!!د‪،‬‬
‫فال معنى للتفكيك بينها‪ ،‬وقراءتها به!!ذه الطريق!!ة التجزيئيّ!!ة‪ ،‬واعتب!!ار‬
‫بعض!!ها مطلق!!اً واآلخ!!ر مقيّ!!داً‪ ،‬ومن ثمّ دع!!وى أنّ المقيّ!!د ال ين!!افي‬
‫المطلق‪ !،‬بل يتعين قراءتها بطريق!!ةٍ مجموعي!!ة؛ ألنه!!ا تش!!ير إلى مع!!نىً‬
‫واحد‪ ،‬فيحمل المطلق على المقيّد‪.‬‬
‫على أنّ الطائف!!ة الثاني!!ة تحتم!!ل النظ!!ر إلى م!!ا ج!!اء في األولى؛‬
‫فصحيحة هشام الثانية رُبَما كان النظ!!ر في قوله× فيه!!ا‪« :‬وإنْ لم يكن‬
‫كم!!ا بلغه» ليس إلى الخط!!أ في أص!!ل نق!!ل الث!!واب‪ ،‬ب!!ل في درجت!!ه‪.‬‬
‫واالحتمال عينه ـ ولو بدرجةٍ أضعف ـ واردٌ في ص!!حيحة هش!!ام األولى؛‬
‫بلحاظ أن الشيء من الثواب في قوله‪« :‬مَنْ بلغه شيءٌ من الثواب» أقرب‬
‫إلى إرادة حصّةٍ من الثواب‪ ،‬وهي الحصة المجامعة لكون العمل خَيْراً في‬
‫نفسه‪ ،‬وإالّ لم يكن ثمّ!!ة داعٍ للتعب!!ير الم!!ذكور‪ ،‬واقتص!!ر على الق!!ول‪:‬‬
‫«بلغه ثوابٌ»‪ ،‬وأما الضمير في قوله‪« :‬وإنْ ك!!ان رس!!ول اهلل| لم يقُلْه»‬
‫فهو يعود إلى الشيء‪ ،‬ال إلى الثواب‪ ،‬فيُراد به ما أُريد بالشيء‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى أنّ األخذ ب!!اإلطالق ي!!ترتَّب علي!!ه بعض التَّبِع!!ات‬
‫اآلتية‪ ،‬فإن ذلك يدفعنا إلى التشكيك! في أصل داللة الطائفة الثاني!!ة على‬
‫اإلطالق‪.‬‬
‫األمر الرابع‪ :‬إذا اتّضح داللة األخبار على هذا المعنى فإيجاد تفسيرٍ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪96‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫ثبوتيّ له ليس عسيراً‪ ،‬فمن الممكن القول‪ :‬إن هذا الث!!واب ال!!ذي يُعط!!اه‬
‫العبد! هو تفضُّلٌ من اهلل تعالى‪ ،‬أي إنّ هذه األخبار تنبئ عن س!!عة ك!!رم‬
‫اهلل تعالى‪ ،‬وأنه عند حُسْن ظنِّ عبده به‪ ،‬وأنه يريد مكافأة العبد المنق!!اد‬
‫له‪ ،‬وهي ال تخلو من وَعْدٍ إلهيّ ب!!ذلك‪ .‬ومن الممكن الق!!ول أيض!!اً‪ :‬إن‬
‫الغرض من هذه األخب!!ار ـ كم!!ا ذك!!ر الس!!يد الش!!هيد ـ ه!!و تكمي!!ل‬
‫محرّكية األوامر االستحبابيّة‪.‬‬
‫وختام الكالم‪ !:‬إنّه في حال تمّ االحتمال الخامس يتعيَّن حمل أخبار‬
‫«مَنْ بلغ» عليه‪ .‬ونقطة الض!عف في!ه هي ض!عف األخب!ار الدالّ!ة علي!ه‬
‫سنداً‪ .‬لكنّه ـ رغم ذلك ـ يبقى محتَمَالً‪.‬‬
‫وأم!!ا إذا لم يتمّ ف!!األقرب عن!!دها حم!!ل أخب!!ار «مَنْ بلغ» على‬
‫االحتمال الثالث مطعَّماً بالرابع‪.‬‬
‫وأما الوجهان األوّل والثاني فال داللة لألخبار عليهما‪ ،‬كما سلف‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬تسقط قاعدة التسامح في أدلة السُّنَن عن االعتبار‪ ،‬ويت!!بين‬
‫أنه ال أصل لها‪.‬‬
‫ويؤيِّد ذلك أنّ هذه األخب!!ار‪ ،‬م!!ع كونه!!ا في متن!!اول األص!!حاب‬
‫والفقهاء‪ ،‬لم يحتمل أحدٌ منهم ـ باس!!تثناء المت!!أخِّرين ـ داللته!!ا على‬
‫التسامح في أدلة السُّنَن‪.‬‬
‫وأما االحتمال األول فال داللة لها عليه‪ ،‬ولو سلَّمنا بدالل!!ة بعض!!ها‬
‫عليه ففي كفايتها إلثبات المسألة األص!!وليّة المخالف!!ة للقاع!!دة تأمُّ!!لٌ‬
‫كبير‪.‬‬
‫ومع سقوط القاعدة‪ ،‬وانكشاف ض!!عفها‪ ،‬ال يبقى ثمّ!!ة حاج!!ة لبعض‬
‫البحوث التفصيلية‪ ،‬والفروع المرتبطة بها‪ ،‬باستثناء بعض النق!اط اآلتي!ة‪،‬‬
‫التي نرى أهمّية التطرُّق إليها؛ لصلتها ببحثنا ومقاربتنا للمسألة‪.‬‬

‫‪7‬ـ النتائج السلبيّة لألخذ بهذه القاعدة‬

‫‪97‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫باإلضافة إلى م!!ا تق!!دَّم ـ من ع!!دم تماميّ!!ة ال!!دليل على قاع!!دة‬


‫التسامح‪ ،‬بناءً على التفسير المشهور لها ـ فق!د ت!رتَّب على األخ!ذ به!ا‬
‫العديد! من النتائج الس!!لبيّة وغ!!ير المحم!!ودة‪ ،‬على الص!!عيدين النظ!!ريّ‬
‫والعملي‪ .‬وهذا في الواقع من المؤشِّرات على عدم إرادة التفسير المشهور‬
‫لها؛ ألن ما يترتَّب عليه مفاسد كثيرة ال يصدر عن المشرِّع الحكيم‪ ،‬أو‬
‫ال يكون مراداً له‪ .‬وهذه بعض النتائج التي أفرزها األخذ بهذه القاعدة‪:‬‬
‫أـ التهيئة لتق ُّبل األخبار الواهية‬
‫إنّ ه!!ذه القاع!!دة ق!!د هيَّ!!أَتْ النف!!وس لتقبُّ!!ل األخب!!ار الواهي!!ة‬
‫والخرافية‪ ،‬وخلقَتْ أرضيّةً مالئمة ل!!ذلك؛ حيث يُالحَ!!ظ أنّ األذه!!ان‬
‫المسكونة بهذه القاعدة تحاول جاهدةً إيجاد تبريرٍ لكلّ تراث الغلوّ‪ ،‬ب!!ل‬
‫لكلّ خبرٍ ضعيف ال أصل له‪ .‬وهذا م!!ا فتح الب!!اب واس!!عاً أم!!ام تس!!رُّب‬
‫األكاذيب والموضوعات‪ ،‬وال س!!يَّما ال!!تي تب!!الغ بالح!!ديث عن ث!!واب اهلل‬
‫تعالى العظيم والجزيل على بعض األعم!!ال السَّ! هْلة‪ ،‬بحجّ!!ة أنّ الخ!!بر‬
‫حتّى لو رواه الكذّابون فاحتمال صدقهم قائمٌ‪ ،‬ولذا يجوز نقله‪ ،‬بل يجوز‬
‫اإلفتاء على ضوئه باالستحباب‪ ،‬بناءً على المشهور‪.‬‬
‫وقد أسلَفْنا أن صالة الرغ!!ائب‪ ،‬م!!ع أنه!!ا ـ فيم!!ا يب!!دو من بعض‬
‫الشواهد ـ موضوعةٌ من قِبَل بعض الصوفيّة‪ ،‬تمّ إضفاء الشرعيّة عليه!!ا‬
‫بـ «بركة» قاعدة التسامح‪.‬‬
‫إنّ المتتبِّ!!ع لم!!وارد االستش!!هاد بالقاع!!دة في الف!!روع الفقهيّ!!ة‬
‫المختلفة سيكتشف! أنّه في ضوئها قد تمّ استنباط مئات الفتاوى‪ ،‬وأُدخلت‬
‫آالف األخبار الضعيفة‪ ،‬ورُبَما الموض!!وعة‪ !،‬إلى الفض!!اء ال!!ديني عموم!!اً‪،‬‬
‫والفقهي خصوصاً‪.‬‬
‫ولم يقتصر األمر في ما أدخلَتْه القاعدة وأضفَتْ علي!!ه نوع!!اً من‬
‫الشرعيّة على التراث الشيعي الضعيف‪ ،‬بل امت!!دّ ذل!!ك إلى ت!!راث الغالة‪،‬‬
‫وكذلك التراث السنّي‪ ،‬حتّى الذي حكم أهل السنّة بوَهْنه‪ .‬وكلُّ ه!!ذا‬
‫التراث كان من السهل رفضه؛ بسبب وَهْنه وعدم صحّته سنداً‪ ،‬بَيْ!!دَ أنّ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬ ‫‪98‬‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫القاعدة سمَحَتْ بإبقائه «حيّاً» وقيد التداول‪.‬‬

‫التصور السيّئ عن الدين والمؤمنين‬


‫ُّ‬ ‫بـ‬
‫إنّ قاع!!دة التس!!امح ـ وال س!!يَّما بلح!!اظ بعض التوس!ُّ عات ال!!تي‬
‫شهدَتْها‪ ،‬ومنه!ا‪ :‬تطبيقه!ا على العن!اوين أو األحك!ام ال!تي ين!تزع منه!ا‬
‫مفاهيم عامّة ـ ق!!د أعطَتْ تص!!وُّرات س!!يِّئة ومش!!وَّهة عن ال!!دين أو‬
‫الجماعة المؤمنة‪ ،‬وساهمَتْ ـ من خالل ما أتاحَتْ!!ه من س!!عةٍ في األخ!!ذ‬
‫باألخبار الضعيفة ـ في الترويج للكثير من المفاهيم القلقة والملتبسة‪ ،‬بل‬
‫األفكار المصادمة للتعاليم اإلسالمية الصحيحة‪ .‬وبيان ذل!!ك‪ :‬إنّ الكث!!ير‬
‫من األخبار الضعيفة تتضمَّن مف!!اهيم إس!!المية عامّ!!ة متّص!!لة بالحي!!اة‬
‫واإلنسان‪ ،‬وهذه المفاهيم ال مجال للتسامح في أدلّتها؛ ألنّ قاعدة التسامح‬
‫ـ لو تمَّتْ في نفسها ـ إنما يؤخَذ به!!ا في مج!!ال المس!!تحبّات‪ ،‬ورُبَم!!ا‬
‫المكروهات أيضاً‪ ،‬وأما تعميمها إلى المفاهيم فال وَجْ!!هَ ل!!ه إطالق!!اً‪ ،‬وال‬
‫سيَّما أنّ هذا التساهل في أدلّ!!ة المف!!اهيم اإلس!!المية العامّ!!ة س!!اهم في‬
‫تقديم صورةٍ مشوَّهة عن اإلسالم‪ !،‬وعن موقف!!ه ورؤيت!!ه في كث!!يرٍ من‬
‫القضايا‪.‬‬
‫إنّ المفاهيم اإلسالميّة‪ ،‬من قبيل‪ :‬الزهد‪ ،‬الحرّي!!ة‪ ،‬الع!!زّة‪ ،‬الق!!وّة‪،‬‬
‫النظرة إلى المرأة وموقعها في الحياة‪ ،‬وس!واها من المف!اهيم‪ ،‬ال يمكن أن‬
‫يتمّ إثباتها وبلورة الموقف اإلس!!المي منه!!ا اس!!تناداً إلى أخب!!ارٍ واهي!!ةٍ‬
‫وضعيفةِ السند‪ ،‬وال سيَّما أنّ أمثال هذه المفاهيم تعكس ص!!ورة اإلس!!الم‬
‫العامّة‪ ،‬ويتفاعل معها الناس‪ ،‬ولها تأثيرٌ ب!!الغ في نفوس!!هم‪ ،‬أك!!ثر ممّ!!ا‬
‫تعكسه بعض األحكام الش!!رعية الجزئيّ!!ة والتفص!!يلية(‪ ،)194‬ال!!تي ي!!رفض‬
‫الفقهاء التسامح في أدلّتها‪.‬‬
‫وكما أن تطبيق القاعدة على المفاهيم بشكلٍ مباشر غ!!ير م!!برَّر‪،‬‬
‫وي!!ترتَّب علي!!ه م!!ا ذكرن!!اه من الس!!لبيّة‪ ،‬ف!!إن تطبيقه!!ا على مجمل‬
‫المستحبّات والمكروهات المبثوث!!ة في الكتب الفقهي!!ة‪ ،‬وال!!تي تبل!!غ آالف‬

‫‪99‬‬ ‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫الفت!!اوى‪ ،‬ي!!ؤدّي إلى النتيج!!ة عينه!!ا؛ ألن ه!!ذا الع!!دد الكب!!ير ج!!دّاً من‬
‫المستحبّات والمكروهات هو بنفس!!ه يعطي ويعكس تص!!وُّراً خاصّ! اً عن‬
‫اإلس!!الم ورؤيت!!ه لألم!!ور‪ .‬فص!!ورة اإلس!!الم ال تُؤخَ!!ذ من الواجب!!ات‬
‫والمحرَّمات فحَسْب‪ ،‬بل ومن السُّنَن أيضاً‪ ،‬فالتساهل في أسانيدها سوف‬
‫ينعكس على صورة اإلسالم نفسه‪.‬‬

‫أمثلةٌ واقعيّة‬
‫وإليك بعض األمثلة على التسامح في األحكام المتّصلة بالمف!!اهيم‪،‬‬
‫وما تركه من انعكاساتٍ سلبيّة‪:‬‬
‫‪1‬ـ ذمّ بعض األعراق‪ :‬تضمّنت بعض الروايات الضعيفة ذمّاً لبعض‬
‫األقوام (ك!!األكراد مثالً)‪ ،‬أو الش!!رائح االجتماعي!!ة (ك!!ذوي العاه!!ات)‪،‬‬
‫ودعوة إلى مقاطعتهم اجتماعياً واقتصادياً‪ .‬وهذه األخبار(‪ ،)195‬مع ضعفها‬
‫السندي‪ !،‬قد أفتى بها بعض الفقهاء(‪)196‬؛ استناداً إلى قاع!!دة التس!!امح(‪.)197‬‬
‫وهذا ما تسبَّب بتق!!ديم نظ!!رةٍ س!!لبية عن التش!!ريع اإلس!!الميّ‪ ،‬وأوحى‬
‫بإقراره بهذه النظرة العنصريّة المقيتة تجاه هؤالء! مع أن اإلس!!الم إنم!!ا‬
‫جاء برفض كلّ أشكال العنصريّة‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإنّ الرواي!!ات ال!!واردة في ذمّ‬
‫المرأة‪ ،‬والمبيِّنة لنقصان عقله!!ا وحظّه!!ا وإيمانه!!ا‪ ،‬والداعي!!ة إلى ت!!رك‬
‫مشاورتها‪ ، )198(...‬إنّ هذه رواياتٌ ضعيفة‪ ،‬بَيْدَ أنّ بعضهم لم يَرَ مانعاً‬
‫من االلتزام بمفادها؛ ألنّها ال تتضمَّن أحكاماً إلزامية(‪ ،)199‬مع أنّها تعكس‬
‫صورة اإلسالم عن المرأة‪ ،‬وهي صورةٌ محلّ جَدَلٍ كبير‪ ،‬ورُبَما ي!!رى‬
‫البعض! أنها السبب وراء القمع الذي تتع!!رَّض ل!!ه الم!!رأة في الكث!!ير من‬
‫الدول العربيّة واإلسالمية‪.‬‬
‫‪2‬ـ النظ!!رة إلى الطبّ والم!!داواة‪ :‬نالح!!ظ أن العالّم!!ة المجلس!!ي‬
‫يع!!ترف أنّ كت!!اب طبّ األئمة^ «ليس في درج!!ة س!!ائر الكتب؛ لجهال!!ة‬
‫مؤلِّفه»‪ .‬ولكنه يعقِّب على ذلك قائالً‪« :‬وال يضرّ ذلك؛ إذ قلي!!ل من!!ه‬
‫يتعلَّق باألحكام الفرعية‪ ،‬وفي األدوي!!ة واألدعي!!ة ال نحت!!اج إلى األس!!انيد‬

‫‪ 100‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫القويّة»(‪ .)200‬مع أنّ الروايات الطبّية‪ ،‬وإنْ لم ترتبط بالعمل والس!!لوك‪،‬‬


‫لكنّها ترتبط بنظرة اإلس!!الم إلى الطبّ من جه!!ة‪ ،‬وهي نظ!!رةٌ إذا أُري!!د‬
‫أخذُها من خالل ما جاء في مثل هذا الكتاب فهي تعطي انطباعاً وتصوُّراً‬
‫بدائياً‪ ،‬وهي ترتبط بصحّة اإلنسان من جهةٍ أخرى‪ ،‬ممّا ال يصحّ التساهل‬
‫فيها وتعريضها للمخاطر‪ .‬فال يسوغ وضعُ األحاديث ذات الط!!ابع العالجيّ‬
‫ـ قبل توثيقها ـ في متناول عامّ!!ة الن!!اس‪ ،‬كوص!!فات وإرش!!ادات طبيّ!!ة‬
‫منصوصٍ عليها‪ ،‬خَوْفاً من آثارها السلبيّة المحتملة على صحّتهم‪.‬‬
‫‪3‬ـ شرعنة السلوكيات المشوِّهة لصورة المذهب‪ :‬فقد أف!!تى! بعضٌ‬
‫باستحباب ممارسة التطبير‪ ،‬والذي يُقْدِم بعضٌ عليه في أي!!ام عاش!!وراء؛‬
‫لورود خبرٍ مرس!!ل ينصّ على أنّ الس!!يدة زينب÷ نطحت رأس!!ها بمق!!دم‬
‫المحمل‪ ،‬حتّى سال الدم من تحت القناع(‪ .)201‬ومع كون الخ!!بر ض!!عيفاً‬
‫فإنّ البعض استند إليه في اإلفتاء باستحباب التطب!!ير؛ للتس!!امح في أدل!!ة‬
‫السُّنَن‪ ،‬مع أنّ هذه الممارسة العامّة تعطي انطباعاً سلبيّاً عن الم!!ذهب‪،‬‬
‫كما أوضَحْنا ذلك في كتاب (فقه الشعائر)‪.‬‬
‫‪4‬ـ نحوسة األيّام‪ :‬لو أننا أخذنا بعين االعتب!ار الفت!اوى المش!هورة‬
‫التي تقول بكراهة الزواج والقمر في برج العقرب‪ ،‬وكراهة إيقاع العق!!د‬
‫يوم األربعاء‪ ،‬أو إيقاعه في أحد األيّام المنحوسة في الشهر‪ ،‬وهي الث!!الث‪،‬‬
‫والخامس‪ ،‬والثالث عشر‪ ،‬والسادس عش!!ر‪ ،‬والح!!ادي والعش!!رون‪ ،‬والراب!!ع‬
‫والعشرون‪ ،‬والخامس والعشرون‪ ،‬أو كراهة إيقاعه في محاق الشهر‪ ،‬وهو‬
‫الليلتان أو الثالث من آخر الشهر(‪ ،)202‬وهي فتاوى تمّ بناؤها على قاع!!دة‬
‫التسامح‪ ،‬فإنّ ه!!ذا يعطي تص!!وُّراً حسّاس!!اً عن نظ!!رة اإلس!!الم لل!!زمن‪،‬‬
‫وانقسامه إلى‪ :‬أي!!ام س!!عد؛! وأي!!ام نحس‪ .‬أيعق!!ل أن نق!!دِّم تص!!وُّراً عن‬
‫نحوسة األيام استناداً إلى أخبارٍ ضعيفةٍ واهي!ة؟ إنّ ه!ذا أم!رٌ في غاي!ة‬
‫الغرابة! إننا نرفض فكرة نحوسة األيام‪ ،‬كما أوضحنا ذلك في بعض م!!ا‬
‫كتبناه(‪.)203‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪101‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬
‫ج ـ التزهيد بالواجبات‪6‬‬
‫إنّ االلتزام بقاعدة التسامح‪ ،‬وإضفاء الشرعيّة على العم!!ل العب!!اديّ‬
‫اس!!تناداً إليه!!ا‪ ،‬س!!وف ي!!ؤدّي إلى حال!!ةٍ من االرتخ!!اء ل!!دى الكث!!ير من‬
‫المؤم!!نين‪ ،‬فتض!!عف همّتهم عن ته!!ذيب النفس ومجاه!!دتها‪ ،‬وعن القي!!ام‬
‫بالمس!!ؤوليات الدينيّ!!ة األساس!!يّة والمه!!امّ الجهاديّ!!ة‪ ،‬على اعتب!!ار أنهم‬
‫ركنوا إلى روايةٍ هنا أو هناك قد جعلَتْ لهم ثواب!!اً عظيم!!اً على عم!!لٍ‬
‫صغير‪ ،‬وأعطَتْهم ضماناً بعدم دخول النار؛ بسبب ه!!ذا العم!!ل‪ ،‬كم!!ا ه!!و‬
‫الحال في ثواب صالة الرغائب‪ ،‬أو ثواب بعض الزي!!ارات‪ .‬إنّ ه!!ذا الث!!واب‬
‫العظيم س!!يدفع الكث!!يرين إلى الزه!!د باألعم!!ال الكب!!يرة‪ ،‬والمس!!ؤوليات‬
‫االجتماعية المهمّة‪ ،‬مكتفين بـ «االنتصارات» السَّهْلة ال!!تي تض!!منها لهم‬
‫قاعدة التسامح في أدلة الس!ُّ نَن‪ .‬والحقيق!ة أنّ التوس!ُّ ع ال!ذي عرفَتْ!ه‬
‫القاعدة‪ ،‬وأبواب التسامح الذي دخلَتْها‪ ،‬قد زاد المح!!اذير‪ ،‬وأدخ!!ل الكث!!ير‬
‫من تراث الوضّاعين إلى الفضاء الدينيّ‪ .‬وسوف نشير في النقطة الالحقة‬
‫إلى بعض األبواب التي توسَّعت القاعدة لتشملها‪.‬‬

‫س ضعيفة‬
‫د ـ بناء القِيَم األخالقية على أس ٍ‬
‫إنّ المجال األخالقي هو بنظر الفقهاء من المجاالت التي ت!!دخل في‬
‫نطاق السُّنَن‪ ،‬فيمكن التسامح فيها باالعتماد على األخبار الضعيفة‪ .‬وه!!ذا‬
‫األمر له تأثيرٌ سلبيّ بالغ على س!!لوكيات الف!!رد المس!!لم‪ ،‬كم!!ا س!!نرى‬
‫بعض أمثلته‪ .‬وما يزيد في الطين بِلّ!!ةً‪ ،‬وي!!دعو لالس!!تغراب‪ ،‬أنّ العق!!ل‬
‫الفقهيّ ال ي!!زال بعي!!داً إلى ح!!دٍّ كب!!ير عن التأص!!يل النظ!!ري للفق!!ه‬
‫التربويّ‪ ،‬ويتعامل مع الموضوع بش!!يءٍ من االس!!تخفاف؛ كون!!ه يتّص!!ل‬
‫باألخالقيات واآلداب المحكومة ـ لدى هذا العق!!ل ـ بقاع!!دة التس!!امح في‬
‫أدلّة السُّنَن‪ .‬ومضافاً إلى ذلك‪ ،‬فإنّ نمط االستنباط الفقهيّ الس!!ائد ال‬
‫يساعد على إنتاج فقهٍ من هذا القبي!!ل؛ ألنّ!!ه يعتم !د! منهج!!اً تفكيكي!!اً ذا‬
‫آليّاتٍ صناعية ال تُعنى كث!!يراً باالعتب!!ارات التربويّ!!ة واألخالقي!!ة‪ ،‬وال‬

‫‪ 102‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫تأخذ ذلك بعين االعتبار في الممارسة االجتهاديّة‪ .‬وهذا المنحى التفكيكي‬


‫في العملية االجتهادية ليس خافياً على هؤالء الفقهاء‪ ،‬ب!!ل إنهم يتبنَّوْن!!ه‬
‫عن وَعْيٍ تامّ؛ العتقادهم بأنّ ذلك ض!!روريٌّ من الناحي!!ة المنهجيّ!!ة؛‬
‫منعاً لتداخل العلوم المختلفة ذات اآلليّات المتنوِّع!!ة‪ .‬ول!!ذا كث!!يراً م!!ا‬
‫يواجهنا في كالم بعض الفقهاء اعتراضهم على داللة ح!!ديثٍ معيّن ب!!أنّ‬
‫مفاده ليس حكماً شرعياً إلزاميّ!!اً‪ ،‬وإنّم!!ا ه!!و حكمٌ أخالقيّ‪ ،‬أو يُق!!ال‪:‬‬
‫«إنّ ه!!ذه المس!!ألة أخالقيّ!!ة‪ ،‬وليس!!ت فقهية»(‪ !)204‬وه!!ذه الثنائي!!ة في‬
‫تصنيف الدِّين قد تعطيك انطباعاً مخادعاً بأنّ الفقه هو مجرّد تع!!اليم‬
‫جامدة‪ ،‬ال تمتّ إلى األخالق بصلةٍ‪ ،‬والحال أنّ األخالق هي روح الفقه‪.‬‬
‫إننا نسجِّل تحفُّظاً منهجيّاً سريعاً على هذا النَّمَط االجته!!اديّ‪،‬‬
‫وحاصله‪ :‬إنّ هذا التفكيك الصارم بين الفقه واألخالق غير دقي!!ق؛ ألنّ!!ه‬
‫عُمِلَ في ضوئه على عزل التق!!نين والتش!!ريع عن االعتب!!ارات التربويّ!!ة‬
‫واألخالقيّة‪ ،‬وكأنّ الفقيه يمارس مهمّته االجتهادية في جزيرةٍ معزولة‬
‫ال وجود لإلنسان فيها! أو كأنّ الفقه مجرّد قوالب جامدة ال عالق!!ة ل!!ه‬
‫باالعتبارات األخالقيّة والروحيّة‪ .‬م!!ع أنّ األخالق في الحقيق!!ة ينبغي أن‬
‫تكون روح القوانين‪ ،‬وال بُدَّ أن يستهديها المقنِّن؛ باعتبارها واح!!دةً من‬
‫أهمّ مقاصد الدِّين‪ ،‬وفقاً لقول رسول اهلل|‪« :‬إنم!!ا بُعثْتُ ألتمِّم مك!!ارم‬
‫األخالق»(‪.)205‬‬
‫وق!!د ك!!ان له!!ذا المنهج التفكيكي‪ ،‬ال!!ذي يغف!!ل مقاص!!د التش!!ريع‪،‬‬
‫ويتعام!!ل م!!ع النص!!وص بطريق!!ةٍ هندس!!يّة‪ ،‬نت!!ائج غ!!ير محم!!ودة على‬
‫المجالين الفقهيّ والتربويّ معاً‪ .‬إنّ ع!!زل الفق!!ه عن األخالق والتربي!!ة‬
‫س!!يجعلنا أم!!ام نت!!ائج فقهيّ!!ة تش!!كِّل فاجع!!ةً من الن!احيتين األخالقي!!ة‬
‫والتربوية(‪.)206‬‬
‫ومن ب!!اب المث!!ال‪ :‬ل!!ك أن تتس!!اءل‪ :‬عن!!د الح!!ديث الفقهيّ عن‬
‫مشروعية التورية اختياراً ـ دون ملزمٍ لها‪ ،‬كما في حاالت االض!!طرار ـ‬
‫إلى أيّ حدٍّ يراعي الفقيه البُعْد األخالقيّ والتربويّ‪ ،‬ويستهديه‪ ،‬م!!ع أن‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪103‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ حسين الخشن‬

‫التورية تربّي اإلنسان على قول خالف الحقيقة؟!‬


‫وإلى أي حدٍّ يراعي ذلك عند الحديث عن بعض الحِيَل الشرعيّة‪،‬‬
‫في الرِّبا أو غيره‪ ،‬والتي قد ال يكون لها ضرورةٌ ملحّة؟‬
‫صحيحٌ أنّ المسائل األخالقيّة قد تأتي في كلمات الفقه!!اء قس!!يماً‬
‫لألحكام اإللزاميّة(‪ .)207‬وبالتالي قد يُقال‪ :‬إن هذا اصطالحٌ‪ ،‬وال مش!!احّة‬
‫في المصطلحات‪ ،‬كما أنّ من الطبيعي أن من حقّ الفقي!!ه أن ال ي!!رى في‬
‫هذه اآلية أو في ذاك الحديث داللة إلزاميّة‪.‬‬
‫لكنْ أقول‪ :‬هذا صحيحٌ‪ ،‬وال نمانع من ذلك‪ .‬ولكنّ المشكلة هي أنّه‬
‫مع األخذ بعين االعتبار المبنى الفقهيّ القائل‪ :‬إنّ األحكام غير اإللزاميّ!!ة‬
‫(االستحباب‪ ،‬الكراهة‪ ،‬اإلباحة) ال يتعيَّن على المجتهد دراستها‪ ،‬واالجته!!اد‬
‫فيها(‪ ،)208‬فستكون النتيجة أنّ الفقيه غ!!يرُ مل!!زَمٍ ب!!البحث في القض!!ايا‬
‫األخالقية‪ ،‬وبالتالي ال يلزمه استحضار واستهداء كلّ هذا ال!!تراث ال!!وارد‬
‫في نطاق األخالق في عمله الفقهيّ‪ ،‬مع أنّ هذا التراث ه!!و ت!!راثٌ غ!!نيّ‪،‬‬
‫وقد أصابه ما أصاب غيره من الوَضْع أو التأويل والتحريف‪ ،‬فيحت!!اج إلى‬
‫دراسةٍ نقديّة موسَّعة‪ ،‬وال يَسَع الفقيه إهمال!!ه‪ ،‬كي!!ف وه!!و أق!!رب م!!ا‬
‫يكون إلى المقاصد الكلِّية التي ال بُ!!دَّ من اس!!تهدائها في العم!!ل الفقهي؛‬
‫كي ال نكون أمام فتاوى بعيدة عن روح األخالق؟!‬
‫وختاماً أقول‪ :‬إنّ هذه المحاذير ما ك!!انت لتغيب عن ذهن اإلم!!ام×‬
‫عن!!دما تكلَّم بمض!!مون األخب!!ار المتقدِّم!!ة‪ ،‬وعلي!!ه يمكن الق!!ول‪ :‬إنّ‬
‫المحاذير المذكورة هي من قبيل‪ :‬القرائن المحتفّة بالنصّ‪ ،‬ممّ!!ا يمن!!ع‬
‫من التوسُّع! في فهمه إلى الحدّ الذي يوقع في المح!!ذور؛ أو قُ!!لْ‪ :‬إنّ!!ه‬
‫سيكون شاهداً إضافيّاً على أن مراده× ليس هو ما فهمه القوم من روايات‬
‫«مَنْ بلغ»‪.‬‬

‫ـ يتبع ـ‬

‫‪ 104‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة التسامح في أدلة السنن‪ ،‬ودوْ رها في تسرب الموضوعات ‪ /‬القسم األول‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪105‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫الهيمنة الذكوريّة‬
‫بين التشريع الدين ّي واألعراف االجتماعيّة‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ حسن الصفار‬

‫تمهي ٌد‬
‫تُعَدّ العالق!!ة الزوجيّ!!ة إح!!دى أخصّ وأوث!!ق العالق!!ات بين ب!!ني‬
‫البشر‪ .‬فالعالق!!ة بين ال!!زوجين مفتوح!!ةٌ على ج!!انبي ال!!روح والجس!!د‪،‬‬
‫مضافاً إلى التداخل واالندماج النفسي بينهما‪ ،‬حتّى وصف القرآن الك!!ريم‬
‫هذه العالقة باعتبارها نوعاً من السَّكَن لنفس اإلنسان‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬وَمِنْ‬
‫آيَاتِهِ أَنْ خَلَ!!قَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِ! كُمْ أَزْوَاج!!اً لِّتَسْ! كُنُوا! إِلَيْهَا﴾‪،‬‬
‫فالزوج وفق التعبير القرآني سَكَنٌ لزوجته‪ ،‬والزوجة سَكَنٌ لزوجها‪.‬‬
‫وأشارَتْ آيةٌ قرآنية أخرى إلى وصف العالقة الزوجيّ!!ة باللب!!اس‪،‬‬
‫فالزوج بمنزلة اللباس للزوجة‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬هُنَّ لِبَاسٌ‬
‫لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ﴾‪ .‬ومن المعلوم! أنّ عالق!!ة اإلنس!!ان بلباس!!ه‬
‫تمتاز بااللتصاق في المقام األوّل‪ ،‬حيث يلتص !ق! اللب!!اس بالجس!!م تمام!!اً‪،‬‬
‫وحينما يصف القرآن الكريم العالقة الزوجية باللباس فإنّ ذلك من ب!!اب‬
‫التمثيل لحالة القُرْب الشديد! إلى حدِّ االلتصاق بين الزوجين‪ .‬كما يأتي‬
‫وصف العالقة الزوجيّة باللباس؛ لما في اللب!!اس من حماي!!ة للجس!!م‪ ،‬من‬
‫البرد والحَرّ والغبار وسائر العوامل الخارجية‪ ،‬التي يمكن أن تؤثِّر على‬

‫*)(*) كاتبٌ وباحث‪ ،‬ومن أبرز الشخصياتـ اإلسالميّة في المملكة العربية‬


‫السعوديّة‪ ،‬ومن الشخصيات الناشطة في مجال التوعية الدينيّة‪ ،‬وعلى صعيد‬
‫التقريب بين المذاهب اإلسالميّة‪.‬‬
‫‪ 106‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫اإلنسان‪ .‬ومضمون ذل!!ك أنّ العالق!!ة الزوجي!!ة يف!!ترض به!!ا أن ت!!وفِّر‬


‫الحماية المتبادلة بين الزوجين‪ .‬وإضافة إلى ذلك ي!!أتي وص!!ف العالق!!ة‬
‫الزوجية باللباس؛ لما في اللباس من س!!تر لع!!ورة اإلنس!!ان‪ ،‬حيث تمثِّ!!ل‬
‫العالقة الزوجية ستراً أخالقيّاً لإلنس!!ان‪ .‬وأخ!!يراً ج!!اء وص!!ف ال!!زواج‬
‫باللباس؛ لما في اللب!!اس من زين!!ةٍ‪ ،‬فكم!!ا يتجمَّ!!ل اإلنس!!ان بلباس!!ه ه!!و‬
‫يتجمَّل كذلك بالعالقة الزوجيّة في حياته االجتماعية‪ ،‬فالزوج بمنزلة‬
‫الزينة للزوجة‪ ،‬والعكس بالعكس‪.‬‬

‫ضرورة االختيار العقالن ّي في العالقة الزوجيّة‬


‫وعليه‪ ،‬ينبغي أن ال ي!!دخل اإلنس!!ان في العالق!!ة الزوجي!!ة إالّ بع!!د‬
‫دراسةٍ وتأنٍّ؛ ألنّها ليست كأيِّ عالقةٍ أخرى‪ .‬فالعالقة الزوجيّة ليست‬
‫محالًّ مستأجراً يختار اإلنسان أخالّءَه م!!تى ش!!اء‪ ،‬وإنّم!!ا ه!!و ش!!راكةٌ‬
‫مص!!يرية في الحي!!اة‪ ،‬حيث يتح!!وَّل ال!!زوج إلى ج!!زءٍ أس!!اس من حي!!اة‬
‫زوجته‪ ،‬والزوجة كذلك؛ نتيجة الشراكة العميقة والتداخل الق!!ائم بين‬
‫الطرفين‪.‬‬
‫لذلك ينبغي أن تؤسَّس ه!ذه العالق!!ة على أس!اسٍ ص!حيح س!ليم‪،‬‬
‫وإالَّ فإنّ التأثيرات السلبية ستكون كبيرةً على شخصية اإلنسان وحياته‪.‬‬
‫ومن أهمّ األس!!س في إنش!!اء العالق!!ة الزوجي!!ة حُسْ! ن االختي!!ار‪ ،‬بحيث‬
‫يُحْسِن كلٌّ من الطرفين اختيار شريكه‪ ،‬فال يكون االختيار منبعث!!اً من‬
‫حالةٍ عاطفي!!ة‪ ،‬أو على نح!!وٍ ارتج!!اليّ‪ ،‬وأن ال ي!!أتي نتيج!!ة ف!!رضٍ أو‬
‫إكراه‪ ،‬فال يصحّ أن يُفْرَض على رجلٍ قرار زواج!!ه من ام!!رأةٍ‪ ،‬وال أن‬
‫يُفْرَض على امرأةٍ زوجٌ بغير رضاها‪.‬‬

‫المرأة وقرار الزواج‪ ،‬بين الوالية واالستقاللية‪ 6‬والشراكة‬


‫يأتي السؤال هنا حول ما إذا كان للمرأة حقُّ اتّخاذ القرار في أمر‬
‫زواجها وحدها‪ ،‬أم يلزم اتّخاذ أحدٍ آخر قرار زواجها نيابةً عنها؟ وتنب!!ع‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪107‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫أهمّية السؤال انطالقاً من خطورة هذا الق!!رار على مس!!تقبلها‪ ،‬فهي ال!!تي‬
‫ستكون تحت قوامة الزوج؛ على النقيض من الرجل‪ ،‬الذي س!!يكون ص!!احب‬
‫السُّلْطة‪ ،‬وبيده قرار الطالق‪ .‬كما أنّ المرأة هي الطرف األكثر انفعاالً‬
‫وتأثُّراً في الحياة الزوجية‪ .‬وعليه‪ ،‬فهي معنيّةٌ مباش!!رة باتّخ!!اذ ق!!رار‬
‫الزواج‪ ،‬فهل لها حقُّ اتّخاذ القرار بالزواج أم ال؟‬
‫ينبغي القول‪ :‬إنّ ه!!ذا الموض!!وع لم يكن مح!!لَّ بحث في العص!!ور‬
‫الماضية‪ ،‬حين كانت المرأة تعاني التهميش الش!!ديد‪ !،‬والنظ!!رة الدُّوني!!ة‪،‬‬
‫نتيجة الهَيْمنة الذكورية المتفشِّية‪ ،‬لذلك لم يكن للمرأة رأيٌ يُذْكَر‬
‫في تحديد مصيرها‪ ،‬بل لم يكن يُنْظَر إلى الم!!رأة باعتباره!!ا في مرتب!ةٍ‬
‫موازي!!ة للرج!!ل‪ ،‬وإنّم!!ا هي في مرتب!!ةٍ دون الرج!!ل‪ ،‬كم!!ا في بعض‬
‫الحضارات والتنظيمات االجتماعية القديمة‪.‬‬
‫لقد ساهم ظه!!ور اإلس!!الم في ب!!روز تغي!!يرٍ جَ!!ذْريٍّ في نَمَ!!ط‬
‫التعامل مع المرأة‪ ،‬الجاري في األق!!وام الس!!ابقة‪ .‬ولكنْ م!!ا ال!!ذي أض!!افه‬
‫اإلسالم حيال امتالك المرأة قرارها في الزواج؟‬
‫حقيقة األمر أن هناك نقاش!!اً محت!!دماً بين فقه!!اء اإلس!!الم حي!!ال‬
‫موضوع حقّ المرأة في اتّخاذ قرار الزواج‪ .‬ولقد بلغ من اختالف الفقهاء‬
‫في مسألة تزويج المرأة نفسها حدّاً جع!!ل أح!!د العلم!!اء الكب!!ار؛ الش!!يخ‬
‫يوسف البحراني‪ ،‬يقول في كتابه الحدائق‪« :‬وق!!د عَ!!دَّها األص!!حاب من‬
‫أمّهات المسائل‪ ،‬ومعضالت المشاكل‪ ،‬وقد صُنِّفت فيها الرس!!ائل‪ ،‬وك!!ثر‬
‫السؤال عنها والسائل‪ ،‬وأطنب جملةٌ من األص!!حاب فيه!!ا االس!!تدالل له!!ذه‬
‫األقوال‪ ،‬وأكثروا فيها القي!!ل والق!!ال»(‪ .)209‬وه!!ذا م!!ا يش!!ير إلى م!!دى‬
‫التعقيد المحيط بهذه المسألة‪.‬‬
‫أمّا عن أهمّ األقوال في مسألة حقّ المرأة في تزويج نفسها فهن!!اك‬
‫ثالثة أقوال‪:‬‬

‫‪1‬ـ قرا ُرها بيد وليِّها‬

‫‪ 108‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫يحصر القول األوّل قرار التزويج بيد الوليّ فقط؛ إذ يرى جمل!!ةٌ‬
‫من الفقهاء ـ من مختلف المذاهب ـ أنّ ق!!رار ال!!زواج بالنس!!بة إلى البنت‬
‫البِكْر محصورٌ بيد وليِّها‪ ،‬الذي قد يكون األب أو الجدّ لألب‪ .‬وعلى رأي‬
‫المذاهب السنّية ينتقل القرار إلى العَصَبة‪ ،‬من أعمامٍ وأخ!!والٍ‪ ،‬في ح!!ال‬
‫وفاة األب والجدّ‪.‬‬
‫وبذلك ال قرار للبنت في أمر زواجها‪ ،‬وفقاً لهذا الرأي‪.‬‬
‫واستدلّ هذا الفريق من الفقهاء بجملةٍ من الرواي!!ات‪ ،‬ومن ذل!!ك‪:‬‬
‫صحيحة فضل بن عبد المل!!ك‪ ،‬عن أبي عب!د اهلل الص!ادق× أن!ه ق!ال‪« :‬ال‬
‫تُستأمَر الجارية التي بين أبوَيْها‪ ،‬إذا أراد أبوها أن يزوِّجه!!ا ه!!و أنظ!!ر‬
‫لها»(‪ ، )210‬أي إنّ البنت ال رَأْيَ لها إذا ما قرَّر والدها تزويجها‪.‬‬
‫واستدلّوا كذلك برواي!!ةٍ أخ!!رى عن اإلم!!ام الص!!ادق×‪ ،‬كم!!ا في‬
‫صحيحة الحلبيّ‪ ،‬في الجارية يزوِّجها أبوها بغير رضاً منها‪ ،‬أن!!ه ق!!ال×‪:‬‬
‫«ليس له!!ا م!!ع أبيه!!ا أم!!رٌ‪ ،‬إذا أنكحه!!ا ج!!از نكاحه!!ا‪ ،‬وإنْ ك!!انت‬
‫كارهةً»(‪.)211‬‬
‫وقد استند هذا الفريق من الفقهاء الشيعة على هذه الروايات‪ ،‬وقالوا‬
‫بأنّ القرار بيد الوليّ‪.‬‬
‫ويوافقهم في ذلك الش!!افعية والمالكي!!ة‪ ،‬حيث ق!الوا؛ تثبت الوالي!!ة‬
‫إجباريّاً لألب‪ ،‬وللج!!دّ عن!!د عدم!!ه‪ .‬فلألب ت!!زويج البِكْ!!ر‪ ،‬ص!!غيرةً أو‬
‫كبيرةً‪ ،‬بغير إذنها‪ ،‬ويستحبّ استئذانها‪.‬‬
‫وجماع الق!ول عن!د ه!ذا الفري!ق‪ :‬إنّ البنت ال ق!رار له!ا في أم!ر‬
‫زواجها‪ ،‬وإنّما يُتَّخذ بالنيابة عنها أخطرُ قرارٍ يتحدَّد بموجبه مصيرها‬
‫ومستقبلها‪.‬‬

‫‪2‬ـ القرار‪ 6‬بيد الفتاة‬


‫أمّا في القول الثاني فقد ذهب فريقٌ آخ!!ر من الفقه!!اء إلى الق!!ول‬
‫بأنّ قرار الزواج هو بيد البنت‪ ،‬وليس بيد الوليّ‪ ،‬ما دامت بالغ!!ةً عاقل!!ةً‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪109‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫رشيدةً‪.‬‬
‫وعلَّلوا ذلك بأنّ األصل في الشريعة هو سلطة اإلنسان على نفسه‪.‬‬
‫ولكون المرأة إنساناً فهي كذلك مسلَّطةٌ على نفس!!ها‪ ،‬وإالّ فم!!ا ال!!ذي‬
‫يجعل الرجل يمتلك قراره بيده فيما ينتزع ذلك الحقّ من المرأة؟‬
‫وهنا يمكن القول بوجود استثناءٍ في عدم منح المرأة ح!!قّ ت!!زويج‬
‫نفسها‪ ،‬لكنّ ذلك يستلزم دليالً واضحاً‪ ،‬وهو غير موج!!ودٍ‪ ،‬وفق!!اً له!!ذا‬
‫الفريق من الفقهاء‪.‬‬
‫ويستند! ه!!ؤالء الفقه!!اء أيض!!اً إلى جمل!!ةٍ من األدلّ!!ة والنص!!وص‬
‫الدينية الدالّة على أنّ الفتاة البِكْر تستقلّ بق!!رار ت!!زويج نفس!!ها‪ ،‬ومن‬
‫ذلك‪ :‬ما رُوي عن زرارة‪ ،‬عن اإلمام الباقر× أنه قال‪« :‬إذا ك!!انت ام!!رأةٌ‬
‫مالكةٌ أمرها‪ ،‬تبيع وتشتري وتعتق وتشهد وتعطي من مالها ما شاءت‪ ،‬فإنّ‬
‫أمرها جائزٌ‪ ،‬تزوج إنْ شاءَتْ بغير إذن وليِّها؛ وإنْ لم تكن ك!!ذلك فال‬
‫يجوز تزويجها إالّ بإذن وليِّها»(‪ .)212‬ومضمون ذلك ـ وفقاً للرواي!!ة ـ‬
‫أن ح!!قَّ الم!!رأة في ت!!زويج نفس!!ها‪ ،‬بغ!!ير إذنٍ من وليّه!!ا‪ ،‬يتقيَّ!!د‬
‫باستقالليّتها الماليّة‪ ،‬ورُشْدها العقلي‪.‬‬
‫وضمن هذا السياق نقل السيّد محسن الحكيم‪ ،‬في المستمسك‪ ،‬خ!بر‬
‫ابن عباس‪ ،‬أنّ جاريةً بِكْراً جاءَتْ إلى النبيّ|‪ ،‬فقالت‪ :‬إنّ أبي زوَّجَ!!ني‬
‫من ابن أخٍ له؛ ليرفع خسيسته‪ ،‬وأنا له كارهةٌ‪ ،‬فقال|‪« :‬أجيزي ما ص!!نع‬
‫أبوكِ»‪ ،‬فقالت‪ :‬ال رغبة لي في ما صنع أبي‪ ،‬قال|‪« :‬فاذهبي‪ ،‬ف!!انكحي مَنْ‬
‫شِئْتِ»(‪.)213‬‬
‫وقد ورد هذا الحديث عن ابن ماجة(‪.)214‬‬
‫وبناءً على هذه األدلّ!!ة وأمثاله!!ا ذهب إلى ه!!ذا ال!!رأي كث!!يرٌ من‬
‫العلماء‪ ،‬المتقدِّمين والمتأخّرين‪ ،‬وأصبح ه!!و ال!!رأي المش!!هور‪ ،‬حتّى أنّ‬
‫بعض الفقهاء ادّعى اإلجماع على هذا الرأي‪ ،‬كما عند الس!!يّد المرتض!!ى‪،‬‬
‫وصاحب الجواهر‪ ،‬والشهيدين في اللمعة والروضة‪ ،‬ومال إلى ه!!ذا ال!!رأي‬
‫السيّد الشيرازي في بحثه االستدالليّ‪ ،‬حيث قال‪« :‬واألقرب في النظر أنّ‬

‫‪ 110‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫الوالية بيدها وحدها؛ لألدلة التي تقدَّمَتْ‪ .‬وال تقاومها س!!ائر األدل!!ة؛ إذ‬
‫إنّ أدلة سائر األقوال‪ ،‬باإلضافة إلى منافاتها لألدلّة العامّة‪ ،‬مثل‪« :‬الن!!اس‬
‫مسلَّطون» ونحوه‪ ،‬ال بُ!!دَّ أن تُحْمَ!!ل على ن!!وعٍ من األدب»(‪ .)215‬فه!!و‬
‫يرى في بحثه االستدالليّ أنّ أخذ المرأة اإلذن من وليّها في الزواج يأتي‬
‫من باب التأدُّب وحَسْب‪ ،‬وإنْ قال في فتاواه العمليّة باالحتياط‪.‬‬

‫‪3‬ـ األمر إليهما معا ً‬


‫وذهب فريقٌ ثالث من الفقهاء إلى الجَمْع بين األم!رين‪ ،‬على نح!!وٍ‬
‫يفضي إلى االشتراك‪ ،‬في اتّخاذ قرار التزويج‪ ،‬بين موافقة ال!!وليّ ورض!!ا‬
‫البنت‪ ،‬على حدٍّ سواء‪ .‬وبهذا يشترط في صحة ال!!تزويج إح!!راز موافق!!ة‬
‫المرأة ووليّها‪ ،‬ف!إنْ تمّ إح!راز موافق!ة أح!دهما دون اآلخ!ر فال يص!حّ‬
‫الزواج‪.‬‬

‫تطور العصر وتغيُّر ظروف الحياة‬


‫ُّ‬
‫لقد كان هذا الجَدَل الفقهي سيّد الموق!ف في أوق!اتٍ س!الفة‪ ،‬في‬
‫حين بات الناس يعيشون اليوم في عصرٍ مختلف تماماً‪ .‬فقد انتزع البش!!ر‬
‫في العصر الراهن حُرِّياتهم‪ ،‬وبات اإلنسان‪ ،‬رجالً أو ام!!رأة‪ ،‬أح!!رص م!!ا‬
‫يكون على انتزاع حقِّه في اتّخاذ القرارات التي تحدِّد مصيره‪ .‬وساهمَتْ‬
‫في ذلك المواثيق الدولية لحقوق اإلنس!!ان‪ ،‬ال!!تي ج!!اءت مؤكِّ!!دةً على‬
‫الحقوق الفرديّة‪ .‬فإذا كانت هذه سِ! مَات العص!!ر ال!!راهن ال!!ذي يعيش!!ه‬
‫الناس فمن الصعوبة بمكانٍ أن نطبِّق رأياً فقهيّاً ينتزع ح!!قّ الفت!!اة في‬
‫إبداء رأيها في أهمّ شأنٍ من شؤونها‪ ،‬وهو ال!!زواج‪ ،‬وت!!رك ذل!!ك الح!!قّ‬
‫لوالدها أو وليِّها‪ ،‬أو أن تواجه الفت!!اة بـ «فيتو» من وليِّه!!ا يمنعه!!ا من‬
‫الزواج بمَنْ تختاره‪ ،‬مع ما يترتَّب على ذلك من عواقب وتداعيات‪.‬‬
‫وإض!!افةً إلى اختالف ظ!!روف العص!!ر‪ ،‬ي!!أتي تغيُّ!!ر الظ!!روف‬
‫االجتماعية عامالً ثانياً‪ ،‬يصبّ في ترجيح كفّة الفت!!اة في ح!!قّ اختي!!ار‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪111‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫وتحديد مصير حياتها الزوجيّة‪.‬‬


‫فق!!د يص!!دق الق!!ول‪ :‬إنّ أباه!!ا «ه!!و أنظ!!ر لها» ض!!من الظ!!روف‬
‫االجتماعيّة التي كانت سائدةً قديماً‪ ،‬حيث كانت المرأة تع!!اني التهميش‬
‫واألُمّية وعدم اإللمام بما يجري في مجتمعها‪ ،‬وبذلك قد تك!!ون فاق!!دةً‬
‫للقدرة على التشخيص‪ ،‬ومعرفة الناس‪ ،‬ومن ثم اتّخاذ القرار المناسب‪.‬‬
‫غير أنّ جميع ذلك قد تغيَّر تماماً؛ ف!!المرأة الي!!وم ليس!!ت كم!!ا‬
‫كانت نظيرتها باألمس‪ .‬فقد باتت المرأة أكثر تعليماً‪ ،‬وأك!!ثر اطّالع!!اً‬
‫ومعرفة بمجتمعها‪ ،‬ولم يَعُدْ مستساغاً‪ ،‬وال مقبوالً‪ ،‬النظ!!ر إليه!!ا الي!!وم‬
‫على نحو االستصغار والدُّونية‪ ،‬وكأنّه!!ا غائب!!ةٌ عن محيطه!!ا‪ ،‬وجاهل!!ةٌ‬
‫بمجتمعها‪ .‬وبعضُ بنات اليوم أعلمُ من آبائهنّ بأحوال المجتمع‪ ،‬وظروف‬
‫العصر‪ ،‬وال س!!يَّما م!!ع ت!!وفُّر الدراس!!ات والبح!!وث‪ ،‬ووس!!ائل التواص!!ل‬
‫االجتماعي‪ ،‬وشبكة العالقات واسعة االنتش!!ار‪ .‬وق!!د أثبتَتْ األح!!داث ه!!ذه‬
‫الحقيق!!ة‪ ،‬فلطالم!!ا روى آب!!اءٌ عن خ!!اطبين تق!!دَّموا لبن!!اتهم‪ ،‬فلمّ!!ا‬
‫كلَّم!!وهُنّ في ذل!!ك ذهبت البن!!ات للتنقيب بأنفس!!هنّ عن أولئ!!ك‬
‫الخاطبين‪ ،‬وتوفَّرْنَ على كمٍّ كبير من المعلوم!!ات والتفاص!!يل عنهم‪،‬‬
‫على نحوٍ لم يكن يخطر على بال اآلباء‪ .‬وهذا ما يشير إلى أنّ بنات اليوم‬
‫لسْنَ كبنات األمس‪.‬‬

‫األ ّمة والتحدّي الحضاري‪6‬‬


‫وقد باتت األمّة اليوم تعيش تحدّياً حض!!اريّاً جِ!!دِّياً‪ ،‬بل!!غ ح!!دَّ‬
‫اتّهام اإلس!!الم بأنّ!!ه ال يق!!رّ الحُرِّي!!ات‪ ،‬وال يع!!ترف بحق!!وق اإلنس!!ان‪،‬‬
‫ويض!!طهد الم!!رأة‪ .‬وم!!ا من ش!!كٍّ أنّ بعض اآلراء الفقهيّ!!ة تس!!اهم في‬
‫تعزيز تلك االتّهامات‪ ،‬وتفسح المجال واسعاً لتشويه سُمْعَة اإلسالم‪.‬‬
‫من هنا يغدو من الالزم أخذ ظروف العص!!ر ال!!راهن بعين االعتب!!ار‬
‫حين النظر في تل!!ك اآلراء الفقهيّ!!ة المتعلِّق!!ة ب!!المرأة؛ إذ ينبغي أن ال‬
‫نغفل واقع العصر الراهن عند بحث الشأن الخاصّ بالمرأة فقهيّاً؛ بغرض‬

‫‪ 112‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫ترجيح أحد اآلراء‪ ،‬مع أهمّية النظر في ت!!أثيرات اختي!!ار أو ت!!رجيح أيّ‬
‫حكمٍ شرعيٍّ على سمعة اإلسالم‪ ،‬وواقع المسلمين‪.‬‬
‫وال س!!يَّما أنن!!ا م!!ا ن!!زال نواج!!ه اس!!تغالالً لبعض اآلراء الفقهيّ!!ة‬
‫المتقادمة في تعزي!!ز بعض الع!!ادات واألع!!راف‪ ،‬وإمض!!ائها في المجتم!!ع‪،‬‬
‫ومنها‪ :‬تلك المتعلِّقة بمسألة تكافؤ النَّسَب بين ال!زوجين‪ ،‬ال!ذي يع!ني‬
‫أنّ أيّ شخصٍ تزوَّجت إحدى! أقاربه من شخصٍ يعتبره ه!!و من قبيل!!ةٍ‬
‫أو عائلةٍ أقلّ شأناً‪ ،‬وأدنى! مكان!!ةً من قبيلت!!ه‪ ،‬فل!!ه أن يرف!!ع قض!!يّة في‬
‫المحكمة؛ للتفريق بينهما‪ .‬وهذا ما حصل بالفعل في المملك!!ة‪ ،‬في ح!!االتٍ‬
‫متك!!رِّرة‪ ،‬حيث انش!!غلت الص!!حافة المحلِّي!!ة وال!!رأي الع!!امّ في اآلون!!ة‬
‫األخيرة بقضيّةٍ من هذا القبيل‪ ،‬كما ورد في صحيفة الحياة‪ ،‬بتاريخ ‪29‬‬
‫جمادى اآلخرة ‪1437‬هـ‪ ،‬بعنوان‪« :‬حكم قضائيّ بفسخ فتاةٍ س!!عودية من‬
‫زوجها»‪ ،‬علماً بأنّ زوجها يعمل جنديّاً في القوات المس!!لَّحة‪ ،‬وه!!و من‬
‫النَّس!! ب‪،‬‬
‫َ‬ ‫المقاتلين على الحدّ الجنوبي‪ ،‬وذلك تحت مبرِّر ع!!دم تك!!افؤ‬
‫ومردُّ ذلك إلى أنّ أعمام الزوجة رفعوا دعوى إلحدى محاكم الرياض‪،‬‬
‫وقد نظرَتْ المحكمة في الدَّعوى‪ !،‬فيما لجأَتْ الزوجة إلى بثِّ معاناته!!ا‬
‫من خالل مقطعٍ مصوَّر انتشر ع!!بر مواق!!ع التواص!!ل االجتم!!اعي‪ ،‬وق!!د‬
‫كانت تستغيث‪ ،‬وتأمل من الملك‪ ،‬ووليّ العه!!د‪ ،‬ووزارة الع!!دل‪ ،‬معالج!!ة‬
‫أمرها‪ ،‬وإعادة النظر في ق!!رار المحكم!!ة؛ لكونه!!ا ح!!امالً‪ ،‬ويش!!غل باله!!ا‬
‫كثيراً التفكير في مستقبلها ومصير وليدها الم!!رتقب‪ ،‬وال س!!يَّما أنّه!!ا‬
‫تتشبَّث بزوجها‪ ،‬وهو كذلك ال يريد التخلّي عنها‪ .‬وهذه ليست القضية‬
‫األولى وال الوحيدة التي تنظرها المحاكم في قضايا تكافؤ النَّسَب‪ ،‬فق!!د‬
‫نظرَتْ المحاكم السعودية في أكثر من ‪ 63‬دعوى لفس!!خ عق!!د نك!!احٍ؛‬
‫بمبرِّر عدم تكافؤ النَّسَب‪.‬‬

‫سب‬‫مشكلة تكافؤ النَّ َ‬


‫ينبغي اإلشارة إلى أنّ هناك نقاش!!اً فقهيّ!!اً يحي!!ط بمس!!ألة تك!!افؤ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪113‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫النَّس!! ب؛ إذ خالف!!اً لمس!!ألة التك!!افؤ في ال!!دِّين‪ ،‬المتَّف!!ق عليه!!ا بين‬‫َ‬


‫المسلمين؛! اس!!تناداً إلى الح!!ديث‪« !:‬المس!!لم كف!!ؤ للمس!!لمة»(‪ ،)216‬ظلّت‬
‫مسألة التكافؤ في النَّسَب محلّ خالفٍ بين فقهاء المسلمين‪ .‬وفي حين ال‬
‫اعتبار لمسألة تكافؤ النَّسَب عند فقهاء اإلماميّة‪ ،‬فال يش!!ترط عن!!دهم أن‬
‫يكون الزوج متكافئ النَّسَب م!!ع الزوج!!ة‪ ،‬خ!!الفهم في ذل!!ك الحنفيّ!!ة‬
‫والشافعيّة والحنابلة‪ ،‬الذين استدلُّوا على رأيهم بقول الخليف!!ة عم!!ر بن‬
‫الخطّاب‪« :‬ألمنعنَّ فروج ذوات األحساب إالَّ من األكف!!اء»‪ ،‬ق!!ال‪ :‬قلتُ‪!:‬‬
‫الحَس! ب»(‪ ،)217‬واالعتب!ار عن!دهم في النَّسَ! ب‬ ‫َ‬ ‫وما األكفاء؟ ق!!ال‪« :‬في‬
‫لآلباء‪ ،‬حيث قالوا‪ :‬إنّ األعجميَّ أب!!اً‪ ،‬وإنْ ك!!انت أمُّ!!ه عربيّ!!ةً‪ ،‬فليس‬
‫كفؤاً للعربيّة‪ ،‬وإنْ كانت أمُّها أعجميّةً‪.‬‬
‫وذهب المذهب الم!!الكي إلى ع!!دم اعتب!!ار النَّسَ! ب‪ ،‬كم!!ا الم!!ذهب‬
‫بعض!! هم أكف!!اء بعضٍ؛‬ ‫ُ‬ ‫اإلمامي‪ ،‬حيث قال مالك‪« :‬أهل اإلس!!الم كلُّهم‬
‫لقوله تع!الى‪﴿ :‬إِنَّ!ا خَلَقْنَ!اكُمْ مِنْ ذَكَ!رٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَ!اكُمْ‬
‫ش!!!! عُوباً وَقَبَائِ!!!!لَ لِتَعَ!!!!ارَفُوا إِنَّ أَكْ!!!!رَمَكُمْ عِنْ!!!!دَ اهلل‬
‫ُ‬
‫أَتْقَاكُمْ﴾»(‪.)218‬‬
‫وقال الحنفيّة‪« :‬العرب بعضهم أكفاءٌ لبعضٍ؛ ب!!النصّ‪ .‬وال تك!!ون‬
‫العرب كفؤاً لق!!ريش؛ لفض!!يلة ق!!ريش على س!!ائر الع!!رب‪ ...‬والم!!والي‬
‫بعضهم أكفاء لبعضٍ؛ بالنصّ‪ .‬وال تكون الموالي أكفاءً للع!!رب؛ لفض!!ل‬
‫العرب على العجم»(‪.)219‬‬
‫وكذلك قال الشافعية‪.‬‬
‫واألصحّ عند الحنفيّة أنّ العجمي ال يك!!ون كف!!ؤاً للع!!ربيّ‪ ،‬ول!!و‬
‫كان عالماً أو سلطاناً‪ ،‬فهو ليس كفؤاً للزواج من عربيّةٍ‪.‬‬
‫وذهب بعض الفقه!!اء إلى الق!!ول بالتك!!افؤ اس!!تناداً إلى الحِرْف!!ة‬
‫والمِهْنة؛ فقد ذهب جمه!!ور فقه!!اء أه!!ل الس!!نّة إلى الق!!ول‪ :‬إنّ الرج!!ل‬
‫صاحب الصناعة أو الحِرْفة الدنيئة أو الخسيسة ليس كفؤاً لبنت صاحب‬
‫الصناعة أو الحِرْفة الرفيعة أو الشريفة؛ ألنّ الن!!اس يتف!!اخرون بش!!رف‬

‫‪ 114‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫حِرَفهم‪ .‬وقال الحنفيّة‪« :‬تثبت الكفاءة بين الحرف!!تين في جنسٍ واح!!د‪،‬‬


‫كالبزّاز مع البزّاز‪ ،‬والحائك م!!ع الحائ!!ك؛ وتثبت عن!!د اختالف جنس‬
‫الحِرْفة إذا كان يقارب بعضها بعضاً‪ ،‬كالبزّاز مع الصائغ‪ ،‬والصائغ م!!ع‬
‫العطّار؛ وال تثبت فيما ال مقاربة بينهما‪ ،‬كالعطّار مع البيط!!ار‪ ،‬وال!!بزّاز‬
‫مع الخرّاز»(‪.)220‬‬
‫ولنا أن نتصوَّر مدى التعقيد ال!!ذي ال م!!برِّر ل!!ه في جمي!!ع ه!!ذه‬
‫األقوال‪.‬‬
‫واألغرب أنّ جميع ما سبق ه!!و من كالم الفقه!اء ال!!ذين يق!رؤون‬
‫ق!ول رس!ول اهلل|‪« :‬كلُّكم آلدم‪ ،‬وآدم من ت!رابٍ‪ ،‬ال فض!ل لع!ربيٍّ على‬
‫عجميٍّ‪ ،‬وال لعجميٍّ على ع!!!!!!!!ربيٍّ‪ ،‬وال ألبيض على أحمر»‪ ،‬لكنّهم‬
‫يجعلون ذلك في باب االستثناء‪.‬‬

‫لزوم اختيار اآلراء الفقهيّة المناسبة‬


‫من الواض!!ح أنّ اآلراء الفقهيّ!!ة ال!!تي ذهبَتْ إلى الق!!ول بتك!!افؤ‬
‫النَّسَب كانت متأثِّرةً بظروف البيئة االجتماعية والثقافية الس!!ائدة في‬
‫زمانهم‪ .‬ولكنْ ماذا عن العصر الراهن‪ ،‬بكلّ تحدِّياته‪ ،‬المختلف!!ة كلِّي!!اً‬
‫عن ظروف العصور القديمة؟ وهل يص!!حّ أن يبقى المس!!لمون! في العص!!ر‬
‫الحديث محكومين بهذه اآلراء المتقادمة؟ نحن وإنْ كنّ!!ا نح!!ترم تل!!ك‬
‫االجتهادات ضمن سياقاتها المغايرة‪ ،‬إالّ أنّن!!ا إذا انفتَحْن!!ا على النص!!وص‬
‫والمبادئ الدينية‪ ،‬وأخَذْنا بعين االعتبار التحدِّيات والظروف المعاص!!رة‪،‬‬
‫فإنّ ذلك يتطلَّب منا ترجيح اآلراء األكثر تسامحاً وانسجاماً مع مبادئ‬
‫الدين وروح العصر‪ ،‬وال سيَّما أنّ تط!!بيق مس!!ألة تك!!افؤ النَّسَ! ب غ!!يرُ‬
‫داخلٍ في باب اإللزام والوجوب‪ ،‬وإنّم!!ا غاي!!ةُ م!!ا يُق!!ال‪ :‬إنّ!!ه ح!!قٌّ من‬
‫الحقوق‪ ،‬التي يمكن التنازل عنها‪ ،‬إذا ما تعارضَتْ مع ما هو أهمّ وأَوْلى‪.‬‬
‫من هنا‪ ،‬وتَبَعاً لظروف العصر الراهن‪ ،‬ينبغي األخ!!ذ بعين االعتب!!ار‬
‫رأي الفتاة في مسألة الزواج‪ .‬وإذا ك!!انت تص!!رُّ على ال!!زواج من ش!!ابٍّ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪115‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫معيَّن فإنّ رأيه!!ا ينبغي أن يك!!ون مح!!لَّ اح!!ترامٍ‪ ،‬وذل!!ك ب!!النظر إلى‬
‫التداعيات الخطيرة المتوقَّعة في حال تمّ صرفها تحت ضغط العائل!!ة عن‬
‫الزواج ممَّنْ تريد‪ .‬وغاية ما هناك أن يج!ري الح!!ديث معه!!ا‪ ،‬ومحاول!ة‬
‫إقناعه!!ا بص!!رف النظ!!ر عن ذل!!ك ال!!زواج‪ ،‬إذا ك!!انت هن!!اك م!!برِّراتٌ‬
‫صحيحة‪ ،‬وإالّ فال جدوى من الضغط عليها إذا تش!!بَّثَتْ برأيه!!ا؛ لم!!ا في‬
‫ذلك من عواقب غير محمودةٍ إذا تزوَّجَتْ الحقاً بمَنْ ال ت!!رغب في!!ه؛‬
‫حيث ستفقد االستقرار في عالقتها الزوجيّة الجديدة؛ ب!!النظر النش!!دادها‬
‫وعواطفها المنشغلة بأحدٍ آخر‪.‬‬
‫والحال نفسه مع الشابّ ال!!ذي ج!!رى رفض ارتباط!!ه بالفت!!اة ال!!تي‬
‫يحبّ؛ إذ ستكون عالقته الزوجيّة المستقبليّة غ!!ير مس!!تقرّةٍ؛ النش!!داده‬
‫إلى فتاةٍ أخرى‪ .‬وجميع ذلك يقود إلى ب!!روز مش!!اكل جِدِّي!!ة‪ ،‬رُبَم!!ا‬
‫قادَتْ إلى انحرافاتٍ أخالقية‪ ،‬وتفكُّ!!كٍ أُسَ! رِيّ‪ .‬ل!!ذلك ينبغي إع!!ادة‬
‫النظر في هذا األمر‪ ،‬على نحوٍ يكون هنالك إقرارٌ بحقّ الفتاة في ق!!رار‬
‫الزواج بمَنْ تشاء‪ ،‬وعلى األسرة أن تمحضها الرأي‪ ،‬وتساعدها في ترش!!يد‬
‫قرارها‪ ،‬مع حفظ حقِّها في اتّخاذ القرار النهائي‪.‬‬

‫قوامة الرجل واستقاللية المرأة‪ ،‬تكام ٌل أم تضا ّد؟‪6‬‬


‫هن!!اك قِيَمٌ أس!!اس أراده!!ا اهلل س!!بحانه وتع!!الى أن تحكم مس!!ار‬
‫العالقات بين أبناء البشر‪ ،‬في مختل!!ف ال!!دوائر‪ .‬ولع!!لَّ من أب!!رز تل!!ك‬
‫القِيَم‪ :‬قيمة العَدْل‪ ،‬فهي قيمةٌ بالغة األهمّي!!ة؛ وقيم!!ة اح!!ترام إنس!!انية‬
‫اإلنسان‪ ،‬وحفظ كرامته‪.‬‬
‫إنّ هن!!اك دوائ!!ر مختلف!!ة للعالق!!ات اإلنس!!انية‪ ،‬تب!!دأ بالعائل!!ة ثمّ‬
‫المجتمع‪ !،‬ثمّ الوطن‪ ،‬ثمّ األمّة‪ ،‬وأخيراً الدائرة اإلنسانيّة‪.‬‬
‫ومن غير الخافي أنّ الدائرة األكثر التص!!اقاً باإلنس!!ان هي دائ!!رة‬
‫العائلة؛ فهي ال!!دائرة األولى ال!!تي ي!!رى الف!!رد الض!!وء فيه!!ا‪ ،‬وينش!!أ في‬
‫كَنَفها‪ ،‬ويتأثَّر بها‪ ،‬وضمن هذه الدائرة يبدأ في تلمُّس القِيَم العامّ!!ة‪،‬‬

‫‪ 116‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫وتعلُّم االل!!تزام به!!ا‪ .‬فم!!تى! م!!ا نش!!أ في عائل!!ةٍ تح!!ترم قِيَم العدال!!ة‬
‫والحُرِّية والكرامة وسائر حقوق اإلنسان فإنّه سيتربّى على هذه القِيَم‪،‬‬
‫وسيزعجه مخالفتها ضمن أيّ دائرةٍ أخرى‪ ،‬وسيكون له موقفٌ حاسم في‬
‫حال مواجهته أليِّ اعتداءٍ على ه!!ذه القِيَم ض!!من محيط!!ه االجتم!!اعيّ‪.‬‬
‫وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬إذا ما عاش الفرد أجواء القَمْع وانتهاك حقوق!!ه‬
‫اإلنسانية ضمن محيطه العائليّ فإنّه سيتقبَّل ذات االنتهاكات إذا مورست‬
‫بحقِّ!!ه ض!!من محيط!!ه االجتم!!اعيّ األوس!!ع‪ ،‬ولن يج!!د أدنى غراب!!ةٍ في‬
‫خضوعه للقَمْع في المدرسة أو الشارع أو مكان العمل‪.‬‬
‫فالعائلة هي الدائرة األس!!اس ال!!تي ينبغي أن تتك!!رَّس فيه!!ا القِيَم‪،‬‬
‫وتتعزَّز من خالله!!ا س!!لوكيّات االل!!تزام به!!ا‪ .‬ويمكن مالحظ!!ة ال!!تزام‬
‫المجتمعات المتحضِّرة بتعزيز ه!ذه القِيَم ض!من المحي!ط الع!ائليّ في‬
‫المقام األوّل؛ إلدراكها التامّ بأنّ انتهاك هذه القِيَم ضمن دائرة العائل!!ة‬
‫سيجعلها منتهكةً ومهدورةً في باقي الدوائر والساحات‪.‬‬

‫التزام القِيَم في البيت العائلي‬


‫وهذا ما يمكن تلمُّسه ضمن التعاليم الدينيّة؛ فال!دين حينم!ا ي!أمر‬
‫بالعدل فإنّه ال يأمر بذلك على مستوى! الحالة السياس!!يّة أو االجتماعي!!ة‬
‫فحَسْب‪ ،‬وإنّما ضمن المحيط الع!!ائلي بالدرج!!ة األولى‪ ،‬وحينم!!ا يق!!رِّر‬
‫احترام كرامة اإلنس!!ان فه!!و يقرِّره!!ا ب!!دءاً من العائل!!ة‪ .‬ونج!!د أب!!رز‬
‫تجلِّيات ذلك في تكرار التأكيد على رعاية حدود اهلل لس!!تّ م!!رّاتٍ في‬
‫آيتين قرآنيّتين‪ ،‬من سورة البقرة‪ ،‬تتناوالن الش!!أن الع!!ائلي‪ ،‬ق!!ال تع!!الى‪:‬‬
‫﴿ الطَّالقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْ! رِيحٌ بِإِحْسَ! انٍ وَال‬
‫ش!! يْئاً إِالَّ أَن يَخَافَ!!ا‬
‫يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُ!!وهُنَّ! َ‬
‫أَالَّ يُقِيمَ!!ا حُ!!دُودَ اهلل فَ!!إِنْ خِفْتُمْ أَالَّ يُقِيمَ!!ا حُ!!دُودَ اهلل فَال‬
‫جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِي مَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اهلل فَال تَعْتَ!!دُوهَا‬
‫وَمَنْ يَتَعَ!!دَّ حُ!!دُودَ اهلل فَأُولَـئِكَ هُمُ الظَّ!!الِمُونَ * فَ!!إِنْ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪117‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫طَلَّقَهَا فَال تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْ!!رَهُ فَ!!إِنْ‬
‫طَلَّقَهَا فَال جُنَ!!احَ عَلَيْهِمَ!!ا أَنْ يَتَرَاجَعَ!!ا إِنْ ظَنَّ!!ا أَنْ يُقِيمَ!!ا‬
‫حُدُودَ اهلل وَتِلْكَ حُدُودُ اهلل يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾‪ .‬وق!!د ج!!اء‬
‫التأكيد على ﴿حُدُودُ اهللِ﴾ لستّ مرّاتٍ؛ بغرض التدليل على ض!!رورة أن‬
‫تكون العائلة منطلقاً لرعاية الح!!دود‪ ،‬واح!!ترام القِيَم‪ ،‬س!!واء في دائ!!رة‬
‫المجتمع أم الوطن أم األمّة‪ ،‬وصوالً إلى دائرة األُسْرَة اإلنسانيّة‪.‬‬
‫فحين يش!!دِّد ال!!دين على تحقي!!ق العدال!!ة على ك!!لّ الص!ُّ! عُد‪!،‬‬
‫االجتماعي!!ة والسياس!!ية‪ ،‬وفي العالق!!ات الدولي!!ة‪ ،‬ف!!إنّ نقط!!ة االنطالق‬
‫لتحقيقه!!ا يب!!دأ! من العائل!!ة أيض!!اً‪ ،‬ق!!ال تع!!الى في م!!ا يرتب!!ط بتع!!دُّد‬
‫الزوجات‪﴿ :‬فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً﴾‪.‬‬
‫كما ينسحب ذلك على التزام العدالة بين األوالد‪ ،‬والمس!!اواة بينهم‬
‫في المعاملة؛ فقد ورد عن أمير المؤمنين× أنه قال‪« :‬أبصَ! رَ رس!!ول اهلل|‬
‫رَجُالً لَهُ وَلَدانِ‪ ،‬فَقَبَّلَ أحَدَهُما وتَ!!رَكَ اآلخَ!!رَ‪ ،‬فَق!!الَ|‪ :‬فَهَالَّ‬
‫واسَيْتَ بَينَهُما»(‪)221‬؛ وجاء في حديثٍ آخر عن رس!!ول اهلل| أنّ!!ه ق!!ال‪:‬‬
‫«اتَّقوا اهلل‪ ،‬واعدلوا بين أوالدكم»(‪ .)222‬إنّ معان!!اة األبن!!اء من التمي!!يز‬
‫داخل األس!رة س!يجعلهم يتقبَّل!ون التمي!يز على الص!عيدَيْن االجتم!اعي‬
‫والسياسي‪.‬‬
‫واستطراداً ينبغي الوقوف عند الفهم الملتَبِس لمسألة قوامة الرجل‬
‫على الزوج!!ة في المجتمع!!ات المس!!لمة؛ انطالق!!اً من اآلي!!ة الكريم!!ة‬
‫﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾‪ ،‬فهل تع!!ني القوام!!ة اإللغ!!اء الت!!امّ‬
‫لشخصيّة المرأة‪ ،‬كما قد يفهم بعضٌ؟ وهل معنى ذلك أن تتنازل المرأة‬
‫عن شخصيّتها وكيانها لص!!الح الرج!!ل‪ ،‬على نح!!وٍ تك!!ون في!!ه خاض!!عةً‬
‫للسلطة المطلقة للزوج في كلّ المجاالت؟‬
‫ينبغي أن نقول بوضوحٍ‪ :‬إنّ القوامة التي تفهم على ه!!ذا النح!!و ال‬
‫يُقِرُّها الدِّين‪ ،‬وال يقيم لها الفق!!ه اإلس!!المي وَزْن!!اً‪ .‬لكنّ مجتمعاتن!!ا‬
‫كانت وما تزال ترزح تحت هَيْمنة األعراف والتقاليد الذُّكوري!ة‪ ،‬ال!تي‬

‫‪ 118‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫ال يمتّ بعضُ! ها إلى ال!!دِّين بص!!لةٍ‪ ،‬وم!!ا ه!!و إالّ التكلُّ!!ف في تطوي!!ع‬
‫النصوص الدينية بغَرَض إسباغ الشرعيّة على تلك األعراف والتقاليد‪.‬‬

‫هل للرجل سلطةٌ على زوجته؟‬


‫فهل للرجل أدنى سيطرةٍ على معتقدات وأفكار زوجته؟ كالَّ؛ حيث‬
‫إنّ العالقة بين الزوجين على الصعيد الفك!ريّ كالعالق!ة بين أيّ اث!نين‬
‫من الناس؛ فقد تختلف الزوجة مع زوجها عَقْديّاً أو فكريّ!!اً‪ ،‬وال س!!بيل‬
‫له عليها‪ ،‬إالَّ محاولة اقناعها برأيه‪ ،‬أو االقتناع برأيها‪ ،‬من خالل النق!!اش‬
‫وتبادل اآلراء؛ فإنْ لم تقتنع الزوجة بوجهة نظ!!ر زوجه!!ا فال يح!!قّ ل!!ه‬
‫إجبارُها على النزول عند رأيه‪.‬‬
‫وعلى غرار ذلك‪ ،‬إذا كانت الزوجة كتابيّةً مثالً‪ ،‬بناءً على جواز‬
‫زواج المس!!لم من الكتابيّ!!ة؛ لقول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬وَطَعَ!!امُ الَّ!!ذِينَ أُوتُ!!وا‬
‫وَالْمُحْص!! نَاتُ مِنَ‬
‫َ‬ ‫الْكِتَ!!ابَ حِ!!لٌّ لَكُمْ وَطَعَ!!امُكُمْ حِ!!لٌّ لَهُمْ‬
‫الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾‪،‬‬
‫فال يحقّ للزوج أن يجبر زوجته الكتابيّة على اعتناق اإلسالم‪ !،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿الَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾‪.‬‬
‫إنّنا بإزاء تشريعٍ صارم يحمي حُرِّية اإلنسان الدينيّة والعَقْدي!!ة‪.‬‬
‫فكون الرجل زوجاً وقوّاماً عليها ال يعني تعطيل تل!!ك القيم!!ة األس!!اس؛‬
‫قيمة الحُرِّية الدينيّة والفكريّة‪ .‬وتَبَعاً لذلك ال يجوز لل!!زوج إجب!!ار‬
‫زوجته على اعتناق اإلسالم‪ ،‬تماماً كما ال يحقُّ له إجبار أيّ أحدٍ آخر‪.‬‬
‫وينسحب ذلك أيض!!اً على األزواج المختلفين م!!ذهبيّاً‪ ،‬بن!!اءً على‬
‫ج!!واز ال!!زواج بين المس!!لمين‪ !،‬على اختالف م!!ذاهبهم‪ .‬فل!!و ك!!ان أح!!د‬
‫الزوجين من أتباع م!!ذهبٍ معيَّن‪ ،‬واآلخ!!ر من أتب!!اع م!!ذهبٍ آخ!!ر‪ ،‬فال‬
‫يجوز للزوج أن يجبر زوجت!!ه على ت!!رك م!!ذهبها‪ ،‬واعتن!!اق مذهب!!ه‪ .‬إنّ‬
‫زواج الرجل من امرأةٍ مختلفة عنه مذهبيّاً ال يعطي!!ه الح!!قّ في تغي!!ير‬
‫مذهبها‪ ،‬أو فرض رأيه العَقْديّ عليه!ا‪ .‬وك!ذلك األم!ر حي!ال مختل!ف‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪119‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫التوجُّهات الفكريّة والميول الدينيّة‪ ،‬التي ال يج!!وز لل!!زوج أن يفرض!!ها‬


‫على زوجته‪ ،‬أو يكرهها على اعتناقها‪ ،‬بأيِّ حالٍ من األحوال‪ .‬وقد ش!!هدنا‬
‫في وقتٍ من األوقات محاوالتِ إجبارِ بعض األزواج زوجاتهم على تقلي!!د‬
‫مرجعٍ دينيّ‪ ،‬دون غيره‪ ،‬األمر الذي قاد بعضهم إلى االنفصال؛ نتيجة هذا‬
‫الجهل المركَّب بالدِّين‪.‬‬
‫وممّا يُذْكَر في هذا الش!أن أنّ اإلم!امين زين العاب!دين والب!اقر’‬
‫كانت لهما زوجتان خارجيّتان‪ ،‬وم!!ا طلَّقاهم!!ا إالّ إلظهارهم!!ا التنقُّص‬
‫من عليٍّ× وسبِّه‪ .‬وجاء في روايةٍ عن اإلمام الباقر× أنه كان له ام!!رأةٌ‪،‬‬
‫يقال لها‪ :‬أمّ عليّ‪ ،‬وكانت ترى رأي الخوارج‪ ،‬ق!ال‪ :‬فأدَرْتُه!ا ليل!ةً إلى‬
‫الصبح أن ترجع عن رأيها‪ ،‬وتولّى أمير المؤمنين×‪ ،‬فامتنعَتْ عليَّ‪ ،‬فلمّا‬
‫أصبحْتُ طلَّقْتُها(‪.)223‬‬
‫ورُوي عن مالك بن أعين أنه دخل على أبي جعفر×‪ ،‬وعليه ملحفةٌ‬
‫حمراء‪ ،‬فقال‪ :‬إن الثَّقَفيّة أكرهَتْني على لبسها‪ ،‬وأنا أُحبّه!!ا ـ إلى أن‬
‫قال ـ‪ :‬ثمّ دخلتُ عليه وقد طلَّقها‪ ،‬فق!!ال‪ :‬س!!معتُها ت!!برأ من عليٍّ‪ ،‬فلم‬
‫يسعني أن أُمْسِكَها وهي تبرأُ منه»(‪.)224‬‬
‫وعدا عن ذلك لم يكن ليأبه اإلمام بأنْ يكون المرأته رأيٌ مختلفٌ؛‬
‫فقد كانت جعدة بنت األشعث زوجةً لإلمام الحسن×‪ ،‬وك!!ان له!!ا انتم!!اءٌ‬
‫سياسيّ وعَقْديّ مغايرٌ لإلمام‪ ،‬ولم يكن اإلم!!ام× ليقس!!رها على ال!!نزول‬
‫عند رأيه‪.‬‬

‫استضعاف المرأة‪ ،‬وانتهاك‪ 6‬سلطتها الماليّة‪6‬‬


‫تمثّل س!!لطة اإلنس!!ان على أموال!!ه وممتلكات!!ه أح!!د أهمّ تجلِّي!!ات‬
‫الشعور بالذات وممارسة القدرة؛ ذلك ألنّ حبَّ التملُّك نزعةٌ فطريّة‬
‫في نفس اإلنسان‪ ،‬فإذا ما حاز شيئاً فإنّه يريد أن يشعر بالحُرِّية التامّ!!ة‬
‫في التصرُّف فيه‪ ،‬ومن ثمّ يعتبر أيّ تعوي!!قٍ له!!ذه الحُرِّي!!ة انتقاص!!اً‬
‫لذاته‪ ،‬وانتهاكاً لحقِّه‪ .‬وتقوم كلّ الشرائع واألديان والنظم االجتماعيّة‬

‫‪ 120‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫على احترام سلطة اإلنسان على ماله‪ ،‬يتصرَّف فيه كيف يش!!اء‪ ،‬وتج!!رِّم‬
‫التعدِّي على أموال الغير‪ ،‬أو تعويقهم عن التصرُّف في أموالهم‪.‬‬

‫الناس ـ ومنهم المرأة ـ ُمسلَّطون على أموالهم‬


‫إنّ هناك الكثير من النصوص الدينية التي تؤيِّد المفه!!وم القاض!!ي‬
‫بحقّ الفرد حَصْراً في التصرُّف بأموال!!ه وممتلكات!!ه‪ ،‬ومنه!!ا‪ :‬الح!!ديث‬
‫الوارد عن رسول اهلل| أن!!ه ق!!ال‪« :‬الن!!اس مس!!لَّطون على أم!!والهم»(‪.)225‬‬
‫ورغم أنّ هذا الحديث مرسَلٌ عند فقهاء الح!!ديث من ناحي!!ة الس!!ند‪ ،‬إالّ‬
‫أنّه لقي قبوالً عند العلماء والفقهاء‪ ،‬الذين عملوا ب!ه‪ ،‬واس!!تندوا إلي!!ه في‬
‫مختلف أبواب الفقه‪ ،‬بل ارتقى إلى أن يكون قاع!!دةً من القواع!!د الفقهي!!ة‬
‫التي تتفرَّع عنها المسائل واألحكام‪.‬‬
‫(‪)226‬‬
‫‪ .‬وفي‬ ‫وورد عنه| أنه قال‪« :‬حُرْمةُ مال المسلم كحُرْمة دمه»‬
‫ذلك إشارةٌ عميق!!ة إلى قُدْس!!ية الحق!!وق المالي!!ة الفردي!!ة‪ ،‬على نح!!وٍ‬
‫يساويها بحرمة الدماء؛ فكما أنّه ال يحقّ ألحدٍ التص!!رُّف ب!!دماء الن!!اس‪،‬‬
‫بأيّ صورةٍ من الصُّوَر‪ ،‬فكذلك الحال مع أموالهم وممتلكاتهم‪.‬‬
‫(‪)227‬‬
‫‪.‬‬ ‫وعنه|‪ « :‬ال يحلّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إالّ بطيب نفسٍ منه»‬
‫وجاء عن اإلمام جعفر الصادق× أنّ!!ه ق!!ال‪« :‬إنّ لص!!احب الم!!ال أن‬
‫يعمل بماله ما شاء‪ ،‬ما دام حيّاً؛ إنْ شاء وَهَبه؛ وإنْ شاء تصدَّق به؛ وإنْ‬
‫شاء تركه إلى أن يأتيه الموت»(‪ .)228‬ويؤكِّد ه!!ذا النصّ س!!لطة الف!!رد‬
‫وحقَّه في التصرُّف بماله ما دام على قيد الحياة‪ ،‬حتّى إذا ما توفي انتقل‬
‫ذلك الحقّ إلى ورثته‪.‬‬
‫وورد في روايةٍ أخرى عنه× أنه قال‪« :‬صاحب المال أحقُّ بماله ما‬
‫دام فيه شيءٌ من الروح‪ ،‬يضعه حيث شاء»(‪.)229‬‬
‫وبذلك تشكِّل سلطة الف!!رد على مال!!ه وممتلكات!!ه قاع!!دةً عامّ!!ة‪،‬‬
‫تجمع عليها الشرائع واألديان والقوانين‪.‬‬
‫وهنالك استثناءاتٌ يفقد فيها الفرد حقَّ التصرُّف في ما يمل!!ك؛‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪121‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫لتنتقل معها صالحية التصرُّف إلى غيره‪ .‬كما لو كان المالك ص!!غيراً‬
‫في السنّ‪ ،‬أو مجنوناً‪ ،‬أو غير راشدٍ‪ ،‬فإنه يفقد بذلك حقَّ التصرُّف في‬
‫ماله‪ ،‬بل إنّ من الظلم إعطاء حقّ التصرُّف لمَنْ كان ه!ذا حال!ه؛ ألنّ!ه‬
‫سيبدِّد أمواله هَدْراً‪.‬‬
‫ويعالج المشرِّعون هذه الحاالت بتعيين ال!!وليّ على أمث!!ال ه!!ؤالء‬
‫األشخاص‪ ،‬ليك!!ون لل!!وليّ ح!!قّ التص!!رُّف في الم!!ال‪ ،‬في م!!ا يص!!بّ في‬
‫مصلحة المولَّى عليه؛ فإذا ك!!بر الص!!غير‪ ،‬أو ش!!في المجن!!ون‪ ،‬أو ص!!لح‬
‫الفاقد للرشد‪ ،‬تنتقل له حينها صالحية التصرُّف كاملة؛ باعتباره صاحب‬
‫المال األصليّ‪.‬‬

‫أهليّة المرأة لواليتها على مالها‬


‫وإذا كان ه!ذا األم!ر يب!دو في غاي!ة الوض!وح حي!ال أم!ر األوالد‬
‫الذكور‪ !،‬فماذا عنه حيال الفتيات والنساء؟ وهل للبنت حقّ التص!!رُّف في‬
‫مالها حينم!!ا تك!!بر وتص!!بح بالغ!!ةً عاقل!!ةً راش!!دةً‪ ،‬أم أنّ هن!!اك والي!!ةً‬
‫مستمرّة عليها؟‬
‫هناك مجتمعاتٌ ال ت!!رى للم!!رأة ص!!الحية التص!!رُّف في أمواله!!ا‪،‬‬
‫وإنّما تكون محصورةً في الرجل القائم على شؤونها‪ ،‬أباً أو زوجاً‪.‬‬
‫ومردُّ ذلك إلى النظرة الدُّونية تجاه المرأة‪.‬‬
‫غير أنّ اإلسالم يرفض هذا التسلُّط‪ !،‬جملةً وتفصيالً‪.‬‬
‫إنّ الشريعة اإلسالمية تقرِّر على نحوٍ ق!!اطع ب!!أنّ للم!!رأة‪ ،‬كم!!ا‬
‫الرجل تماماً‪ ،‬أهليّة التملُّك! وحقّ التص!!رُّف في أمواله!!ا وممتلكاته!!ا؛‬
‫ذلك أنّ الحديث الشريف‪« :‬الناس مسلَّطون على أموالهم» يص!!دق على‬
‫المرأة تماماً‪ ،‬باعتبارها جزءاً من الناس؛ وك!!ذلك الح!!ال م!!ع الح!!ديث‬
‫اآلخر‪« :‬ال يحلّ مالُ أمرئٍ مسلمٍ إالّ بطيب نفسٍ منه»‪ .‬وبذلك تك!!ون‬
‫المرأة كالرجل‪ ،‬لها اس!!تقالليّتها التامّ!!ة في قراره!!ا الم!!اليّ‪ ،‬ووض!!عها‬
‫االقتصاديّ‪ .‬كما لها حقّ التملُّك عبر مختلف الوسائل المتاحة‪ .‬وم!!تى‬

‫‪ 122‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫تملَّكت أصبحت المتصرِّف الوحيد بماله!!ا وأمالكه!!ا‪ ،‬وال والي!!ة ألح!!دٍ‬


‫عليها‪ .‬فاألب ليس وليّاً على ابنته في تصرُّفاتها الماليّة إذا كانت بالغ!!ة‬
‫عاقلة راشدة‪ ،‬كما ال يحقّ له التصرُّف بشيءٍ من م!!ال ابنت!!ه إالّ بإذنه!!ا‬
‫وموافقتها؛ فإنْ أجازَتْ ألبيها التصرُّف‪ ،‬وإالّ فال يجوز له ذل!!ك‪ ،‬وه!!و‬
‫في هذا األمر كاألجنبيّ‪.‬‬
‫والحال نفسه ينطبق! على الزوج‪ ،‬فال قيمومة للرجل على زوجته في‬
‫الشأن الماليّ؛ فهي صاحبة الملك أنّى حازَتْ عليه‪ ،‬سواء من خالل اإلرث‬
‫أو المهر المُعْطَى لها‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً‬
‫فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْس!!اً فَكُلُ!!وهُ! هَنِيئ!!اً مَّرِيئ!!اً﴾‪.‬‬
‫والصداق الوارد في اآلية الكريمة جاء بمعنى المهر‪ ،‬ف!!إنْ أُعطِيَ للم!!رأة‬
‫﴿نِحْلَةً﴾‪ ،‬أي هبةً وعطيّةً‪ ،‬فقد أصبحَتْ صاحبة الحقّ المطل!!ق في!!ه‪ .‬إذا‬
‫أعطَتْ هي حقّ التصرُّف بمهرها أليِّ أحدٍ فله ذلك‪ ،‬وإالّ فال‪ .‬وهذا ما‬
‫ينطبق على سائر الممتلكات الواقعة تحت يد المرأة‪ ،‬من إرثٍ أو هديةٍ أو‬
‫تجارة‪ ،‬فهو ملكها‪ ،‬وتحت تصرُّفها وحدها‪ ،‬وال يصحّ للزوج أن يتص!!رَّف‬
‫في شيءٍ من أموال زوجته إالّ بإذنها ورضاها‪ .‬هذا ما أجمع عليه الفقه!!اء‬
‫في كلّ المذاهب اإلسالميّة‪.‬‬

‫ق المرأة في العمل واالكتساب‪6‬‬


‫ح ّ‬
‫للمرأة حقُّ العمل والكسب‪ ،‬كما للرجل تماماً‪ .‬وإذا كان هناك من‬
‫تفصيلٍ في هذا الشأن فهو ذاك المتعلِّق بعمل المرأة المتزوِّجة‪ ،‬وم!!ا إذا‬
‫كان ينبغي لها أخذ اإلذن من زوجها؟‬
‫والجواب عن ذلك أنّها ال تحتاج إلى إذن زوجها للعم!!ل والتكسُّ! ب‬
‫متى كان عملها من داخل بيتها‪ ،‬كأنْ يكون عمله!!ا من بُعْ!!دٍ باس!!تخدام‬
‫الحاسب اآلليّ‪ ،‬واالستفادة من شبكة اإلنترنت‪ ،‬كما بات معروفاً في س!!وق‬
‫العمل‪ ،‬أو من خالل الكتاب!ة ومراس!لة الص!ُّ حُف‪ ،‬أو خياط!ة المالبس‪ ،‬أو‬
‫النسيج‪ ،‬أو أعمال التجميل والمكياج‪ ،‬فال سبيل له عليها في جميع ذلك‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪123‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫ومردُّ ذلك إلى أنّ للزوج على زوجته حقَّين فق!!ط‪ ،‬هم!!ا‪ :‬ح!!قّ‬
‫االستمتاع؛! وحقّ المساكنة‪ .‬وما دام عملها ال يتعارض مع هذين الحقَّين‬
‫فال حاجة لها الستئذان زوجها في العمل‪.‬‬
‫أما إذا كان عمل الزوجة يستلزم خروجها من البيت فعن!!دها ينبغي‬
‫أن ال يتعارض مع حقّ المساكنة‪ ،‬وذلك بناءً على ال!!رأي الفقهي القائ!!ل‬
‫بع!!دم ص!!حّة خ!!روج الم!!رأة من بيت زوجه!!ا إالّ بإذن!!ه‪ ،‬على اختالفٍ‬
‫تفصيليّ بين الفقهاء حول ما إذا كان وج!!وب االس!!تئذان ب!!الخروج على‬
‫نحو اإلطالق أم أنّ الوجوب ال يقع إالّ في حال زاحم خروجها حقَّ!!ه في‬
‫االستمتاع؛! حيث يرى بعض الفقهاء بأنّ استئذان الم!!رأة في الخ!!روج من‬
‫الم!!نزل ليس واجب!!اً على نح!!و اإلطالق‪ ،‬م!!ا دام ال يتع!!ارض م!!ع ح!!قّ‬
‫االستمتاع؛! في حين يرى فقهاء آخرون عدم جواز خروج المرأة من البيت‬
‫مطلقاً إالّ بإذن زوجها‪.‬‬
‫وبناءً على الرأي األخير إذا أجاز لزوجته الخروج للعمل‪ ،‬أو ك!!ان‬
‫ذلك مشروطاً في عقد الزواج‪ ،‬فإنّ األَجْر الذي تحصل عليه لقاء عملها‬
‫يكون حقَّها وملكاً لها وَحْدها‪ ،‬وال يصحّ للزوج أن يتص!!رَّف في ش!!يءٍ‬
‫منه إالّ بإذنها ورضاها‪.‬‬

‫ق ثابت للزوجة‬
‫النفقة ح ٌّ‬
‫إنّ حقّ النفقة ثابتٌ للمرأة على الزوج في كلّ األحوال‪ ،‬حتّى ل!!و‬
‫كانت غنيّةً غير محتاجةٍ‪ .‬وذلك بخالف نفقة الرجل على والدَيْه‪ ،‬التي‬
‫ال تكون واجبةً عليه إالّ إذا كان الوالدان محت!!اجين‪ ،‬وليس!!ت واجب!!ةً في‬
‫حال كان الوالدان مقتدرَيْن ماليّاً‪ .‬وكذلك الحال بالنس!!بة إلى نفق!!ة‬
‫األب على األوالد‪ ،‬فهي غير واجبةٍ إذا ما ك!!ان األوالد مقت!!درين ماليّ!!اً‪.‬‬
‫لكنّ حقّ المرأة في النفقة ال يس!!قط أب!!داً‪ ،‬فه!!و ح!!قٌّ ث!!ابت في ك!!لّ‬
‫األحوال‪ ،‬س!!واء ك!!انت محتاج!!ةً لتل!!ك النفق!!ة أم ك!!انت ثريّ!!ةً غ!!ير‬

‫‪ 124‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫محتاجةٍ‪.‬‬
‫ابتزاز المرأة ماليّاً‪6‬‬
‫المرأة هي صاحبة الحقّ والمتصرِّف الوحيد في أموالها وأمالكها‪،‬‬
‫وليس من حقّ أحدٍ‪ ،‬ال أباً وال أخاً وال زوج!!اً‪ ،‬التص!!رُّف في ش!!يءٍ من‬
‫أموال المرأة إالّ بإذنها ورضاها‪ .‬وق!!د اس!!تخدم الق!!رآن الك!!ريم تعب!!يراً‬
‫ش!! يْءٍ مِنْ!!هُ‬
‫دقيقاً في هذا الصَّدد‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ َ‬
‫نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً﴾‪ ،‬ويعني ذلك أنّ االستثناء الوحي!!د ألخ!!ذ‬
‫شيءٍ من أموال المرأة إذا كان ذلك عن طيب نفسٍ منه!!ا‪ ،‬ال أن يج!!ري‬
‫االستحواذ على مالها باالبتزاز‪ ،‬وممارسة الضغوط عليها‪ ،‬كما بات يج!!ري‬
‫في كثيرٍ من القضايا والحاالت‪.‬‬
‫واالستحواذ على هذا النحو على مال المرأة‪ ،‬زوجةً أو بنتاً أو أختاً‪،‬‬
‫أمرٌ غير جائزٍ شرعاً‪ .‬ومن ذلك‪ :‬ما يفعله بعض اآلباء الذين يحرم!!ون‬
‫بناتهم العامالت من الزواج؛ طمعاً في دخلهنّ‪ .‬وقد نشرَتْ إحدى الصحف‬
‫السعوديّة قبل فترة عن امرأةٍ لم يتسنَّ لها الزواج إالّ بعد وف!!اة أبيه!!ا‪،‬‬
‫وقد بلغَتْ األربعين من العمر؛ وذلك ألنّ أباها درج على االستحواذ على‬
‫أجرها الشهريّ‪ ،‬وال يريد أن يخسر ذلك‪ .‬ولطالم!!ا تحجَّج بعض اآلب!!اء‬
‫في رفضهم لطالبي الزواج من بناتهم بأنّ الخاطب إنّم!!ا يطلب ي!!د ابنت!!ه‬
‫طَمَعاً في مالها‪ ،‬والصحيح أنّ هذا األب هو الط!!امع في أم!!وال ابنت!!ه‪ ،‬ال‬
‫ذاك الخاطب‪ ،‬ويُعَدّ تصرُّف األب هذا شكالً من أشكال الجَوْر المح!!رَّم‬
‫شرعاً‪.‬‬
‫وتعجّ الصحافة المحلّية بالتقارير والتحقيق!ات ال!!تي تتن!اول ه!ذا‬
‫النوع من القضايا‪ .‬فما يزال هنالك إخوةٌ يمنع!!ون أخ!!واتهم من اس!!تالم‬
‫نصيبهنّ من إرث أبيهم؛ استضعافاً لهنّ‪ .‬ومما يفاقم ذلك انتش!!ار ثقاف!!ة‬
‫العَيْب حيال رفع القضايا أمام المحاكم‪ ،‬ومطالبة النس!!اء بحق!!وقهنّ من‬
‫إخوانهنّ‪ ،‬على اعتبار أنّ الدخول في مشاكل قضائيّة م!!ع اإلخ!!وة؛ لق!!اء‬
‫حفنةٍ من المال‪ ،‬هو أمرٌ معيب! إضافة إلى األعراف والتقالي!!د المحلّي!!ة‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪125‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫حيث تبدو إجراءات التقاضي أمام المح!!اكم غ!!ير مش!!جِّعةٍ للم!!رأة في‬
‫كثيرٍ من األحيان‪ ،‬ما يؤدّي إلى ضياع وخسارة الحقوق‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد نشرت صحيفة المدينة‪ ،‬في عددها لي!!وم ‪ 6‬ف!!براير‬
‫‪2016‬م‪ ،‬تحقيقاً الفتاً بعنوان‪« :‬جاهلية القرن الحادي والعشرين‪ ،...‬وأد‬
‫ميراث النساء»‪ ،‬وتناولت الص!!حيفة ع!دداً من الدراس!!ات الجامعي!!ة ح!ول‬
‫الموضوع‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما أشارت له دراسة مص!!رية تق!!ول‪ :‬إنّ ‪ %95‬من‬
‫نساء الصعيد محروماتٌ من الميراث‪ .‬ولنا أن نتخيَّل هذه النسبة الهائل!!ة‬
‫في مجتمعٍ مسلم يعيش في هذا الق!!رن‪ .‬كم!!ا أثبتت الدراس!!ة أنّ ‪%38‬‬
‫من النساء ال يطالبن بحقهنّ في الميراث؛ لمعرفتهنّ باستحالة حص!!ولهنّ‬
‫على هذا الحقّ! في حين اعتبر ‪ %29‬من العيِّنة الخاص!!ة بالدراس!!ة أنّ‬
‫تقاليد وعادات العائلة تمنعهنّ من المطالبة بالميراث‪.‬‬
‫وتج!!در اإلش!!ارة هن!!ا إلى أنّ بعض األزواج يس!!تندون! إلى بعض‬
‫المرويّات في تخوي!ل أنفس!هم ح!قّ التص!رُّف ب!أموال زوج!اتهم‪ .‬ومن‬
‫ذلك‪ :‬ما ورد من «أنْ ليس للمرأة أن تتصرَّف في مالها‪ ،‬حتّى في أمور‬
‫البرّ‪ ،‬إالّ بإذن زوجها»‪.‬‬
‫إالّ أنّ هذه الرواية وأمثالها تتصادم وآياتٍ قرآنيّة واض!!حة؛ كم!!ا‬
‫تصادم نصوصاً قطعيّة من السنّة النبويّة‪ .‬ناهيك عن مصادمتها لقواع!!د‬
‫أساسيّة في الفقه‪ .‬لذلك ال يمكن القبول بها‪ .‬وق!!د حم!!ل بعض الفقه!!اء‬
‫الرواية على االستحباب‪ ،‬بحيث يستحبّ للم!!رأة‪ ،‬وف!!ق ه!!ذا ال!!رأي‪ ،‬أن ال‬
‫تنفق من أموالها في مختلف أوجه البرّ إالّ بإذن زوجها‪.‬‬

‫مساعدة الزوجة لزوجها‬


‫وحين ينصّ الحكم الشرعي على حقّ المرأة وح!!دها في التص!!رُّف‬
‫بأموالها فإنّ ذلك ال يعني نَأْيَه!!ا عن دعم أُسْ! رَتها‪ ،‬وخاصّ! ة إذا ك!!ان‬
‫الزوج من محدودي الدَّخْل‪ ،‬وذلك على قاعدة العِشْرة الحَسَنة والحياة‬
‫المشتركة بينهما‪ .‬وما عس!!ى أن تفع!!ل الم!!رأة بالم!!ال إذا لم تخ!!دم ب!!ه‬

‫‪ 126‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫يمارس! نَ حقَّهنّ في التص!رُّف‬‫ْ‬ ‫أُس! رَتَها‪ ،‬وال س!يَّما أنّ بعض النس!اء‬
‫ْ‬
‫بأموالهنّ بشكلٍ خاطئ؛ كما في تبديدها على التبضُّع ومالحقة صرعات‬
‫الموضة واقتناء الكماليات‪ ،‬في الوقت الذي يع!!وز م!!نزل أُسْ! رَتها أش!!ياء‬
‫أساس!يّة! وفي حين يمكن الق!!ول‪ :‬إنّ!!ه ال يجب على الم!رأة من الناحي!ة‬
‫الشرعيّة أن تنفق على أسرتها‪ ،‬ولكنْ ماذا عن الناحية األخالقي!!ة‪ ،‬وت!!أثير‬
‫ذلك على حياة األُسْ! رَة؟ وف!!ق ه!!ذه االعتب!!ارات ينبغي للم!!رأة ص!!احبة‬
‫الدَّخْل المالي أن تعين زوجها‪ ،‬وترفِّ!!ه عن أُسْ! رَتها؛ ألنّ قيم!!ة الم!!ال‬
‫تكمن في توفيره الراحة لإلنسان ولمَنْ حوله‪ .‬وهذا الخطاب يعني المرأة‬
‫المقتدرة‪ ،‬كم!!ا يع!!ني الرج!!ل المقت!!در؛ حيث ينبغي للم!!رأة أن تش!!ارك‬
‫مجتمعها‪ ،‬وتساعد أُسْرَتها‪ ،‬شريطة أن يكون جميع ذل!!ك عن طيب نفسٍ‬
‫منها‪ ،‬وليس فَرْضاً عليها‪ ،‬وال ابتزازاً لها‪.‬‬
‫إنّ الوَسَط النسائي بحاجةٍ إلى ثقاف!!ةٍ واعي!!ة‪ ،‬ت!!دفع الم!!رأة إلى‬
‫وضع األولويّات حي!!ال مس!!ألة اإلنف!!اق‪ ،‬على نح!!وٍ تأخ!!ذ بعين االعتب!!ار‬
‫الوضع العائليّ‪ ،‬وحاجة األرحام‪ ،‬ومساعدة المجتمع‪.‬‬

‫كيف نواجه العنف ض ّد المرأة؟‬


‫شاءت الحكمة اإللهيّة أن يتّصف كلٌّ من الرجل والمرأة بص!!فاتٍ‬
‫متفاوتة‪ ،‬وأن يضطلعا بأدوار مختلفة في هذه الحياة‪ .‬ومن ذلك أن تظهر‬
‫سمات القوّة والخشونة في شخصية الرجل‪ ،‬وأن يتجلَّى اللِّين والعط!!ف‬
‫والحنان في شخصية المرأة؛ ألن طبيعة دَوْر الرج!!ل في الحي!!اة تتطلَّب‬
‫جانباً من القوّة الجسدية‪ ،‬وطباعاً أقرب إلى الصالبة والخشونة‪.‬‬
‫أمّا طبيعة الدَّوْر اإلنسانيّ العظيم الذي تقوم به األنثى في الحياة‬
‫فيقتضى أن تكون شخصيتها ممتلئةً ب!!العطف والحن!!ان والنعوم!!ة‪ .‬وه!!ذا‬
‫الجانب العاطفي تحديداً هو ما يحتاج!!ه ال!!ذَّكَر من ش!!قِّه اآلخ!!ر‪ ،‬أي‬
‫األنثى‪ ،‬بدءاً من اللحظة التي يتكوَّن جنيناً في رحمها‪ ،‬لتتحمَّ!!ل عن!!دها‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪127‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫آالم الحمل‪ ،‬ثمّ مخاض الوالدة الخطير‪ ،‬ذلك المخاض الذي لو خُيِّرَتْ‬
‫أيُّ امرأة تكابده بين حياتها وحياة مولودها آلثرت معظم األمّه!!ات حي!!اة‬
‫وليدها على نفسها‪.‬‬
‫إنّ الحنان الذي يتغذَّى! منه اإلنسان م!!ع حليب أمّ!!ه‪ ،‬حين تحوط!!ه‬
‫بأحضانها‪ ،‬وتفديه بنفسها‪ ،‬وتغمره برعايتها‪ ،‬ليالً ونهاراً‪ ،‬هو ذات الحن!!ان‬
‫والعطف الذي يحتاجه الرجل من المرأة‪ ،‬حتّى يبنيا مع!!اً حي!!اةً زوجيّ!!ة‬
‫سعيدة‪ ،‬حيث تجتذبه بنعومتها وعطفها وحبِّها‪ ،‬وذلك بأجمع!!ه م!!ا ينبغي‬
‫أن يكون محلّ تقدير الرجل‪.‬‬
‫إالّ أن العكس قد يحصل‪ ،‬فتكون هذه الرقّة والحالة العاطفيّة عن!!د‬
‫المرأة في الكثير من األحيان دافعاً الستقواء الرجل عليه!!ا‪ .‬ولع!!لّ ذل!!ك‬
‫انعكاساً لطبيعة اإلنسان عند الشعور ب!القوّة تج!!اه مَنْ هم أض!!عف من!!ه؛‬
‫حيث يجد في ذلك إغراءً وتشجيعاً على االعتداء والتج!!اوز على حق!!وق‬
‫اآلخرين‪ .‬وهذا عين ما نجده من تعسُّف السلطات بحقّ الشعوب‪ ،‬وتجبُّر‬
‫األغنياء على الفق!!راء‪ ،‬وتعنُّت أرب!!اب العم!!ل على الع!!املين‪ ،‬في مص!!داقٍ‬
‫لآلية الكريمة‪ ﴿ :‬إِنَّ اإلِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى﴾‪.‬‬
‫المرأة تعاني من العنف إلى اليوم‬
‫ورغم التقدُّم الهائل الذي شهدَتْه البشرية‪ ،‬إالّ أنّ المرأة ال ت!!زال‬
‫هَدَفاً للعنف والعدوان الصادر عن الرجل‪ .‬مع تطوّر أوض!!اع الم!!رأة في‬
‫العصر الراهن‪ ،‬على نحوٍ مغ!!اير لمعظم ف!!ترات الت!!اريخ‪ ،‬بحيث لم تعُ!!دْ‬
‫المرأة اليوم كما كانت باألمس‪ ،‬وال سيَّما أنها ق!!د امتلكَتْ كث!!يراً من‬
‫مقوّمات القوّة التي كان ينفرد بها الرجل على مرّ العصور‪ !،‬فقد أص!!بح‬
‫بيدها المال والعلم والمكانة االجتماعية والوظيفي!!ة‪ ،‬وب!!الرغم من ك!!لِّ‬
‫ذلك لم تتجاوز المرأة بعدُ حالة المعاناة من العنف والعدوان الصادر عن‬
‫الرجل‪.‬‬
‫ولعلّ أبرز دليل على ذلك هو إعالن منظّم!!ة األمم المتح!!دة ي!!وم‬

‫‪ 128‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫‪ 25‬نوفمبر من كلّ عامٍ يوماً دوليّاً للقضاء على العن!!ف ض!!دّ الم!!رأة‪،‬‬
‫حيث ال ت!!زال تعت!!بر الم!!رأة ض!!حيّة العن!!ف والع!!دوان على شخص!!يّتها‬
‫وحقوقها في معظم دول العالم‪.‬‬
‫والالفت أنّ اإلحصاءات األُمَمية‪ ،‬بحَسَ! ب ش!!عبة الس!!كّان في األمم‬
‫المتحدة‪ ،‬تشير إلى أنّ النساء يمثلن ‪ %49,7‬من تعداد الس!!كان الع!!المي‪،‬‬
‫أي إنهنّ يمثِّلْنَ أقلّ من نصف البشريّة بنسبةٍ ضئيلة‪ ،‬لكنّهنّ مع ذلك‬
‫كنَّ وال زلْنَ يمثِّلْنَ النس!!بة العظمى من ض!!حايا العن!!ف‪ ،‬في ال!!دول‬
‫النامية والدول المتقدّمة على حدٍّ سواء‪.‬‬
‫فقد أشارَتْ اإلحصاءات الصادرة عن األمم المتحدة‪ ،‬بمناس!!بة الي!!وم‬
‫العالمي للقضاء على العنف ضدّ المرأة‪ ،‬إلى أرقام مزعجة؛ ففي الوالي!!ات‬
‫المتّحدة األمريكية وحدها تتعرّض ام!!رأةٌ للض!!رب على ي!!د زوجه!!ا أو‬
‫شريكها ك!!لّ ‪ 15‬ثاني!!ة؛ وفي روس!!يا تتع!!رّض ‪ 3600‬ام!!رأة للض!!رب‬
‫يوميّاً على أيدي أزواجهنّ‪.‬‬

‫لماذا تضطهد المرأة؟‬


‫هناك جملةٌ من األسباب تقف خلف تزايد ح!!االت االعت!!داء والعن!!ف‬
‫ضدّ المرأة‪ .‬فباإلضافة إلى تفشِّي حالة االستقواء الجس!!ديّ على الم!!رأة‬
‫عند الرجال عامّة‪ ،‬هناك أيضاً ثقافةٌ شائعة عن!!د كث!!ير من المجتمع!!ات‬
‫تبرِّر هَيْمَنة الرجل على المرأة‪ ،‬لمجرَّد كونها امرأةً وحَسْب‪.‬‬
‫واألنكى! من ذل!!ك حين تس!!بغ الص!!بغة الدينيّ!!ة لحال!!ة الهَيْمَن!!ة‬
‫الذُّكورية على المرأة في المجتمعات المحافظة‪ ،‬مع أنّ الدِّين ال يقب!!ل‬
‫بالظلم على أيِّ نحوٍ ك!!ان‪ .‬ب!!ل العكس ه!!و الص!!حيح؛ فال!!دِّين ي!!دعو‬
‫لتقدير المرأة واحترامها‪.‬‬
‫فقد أورد ابن عساكر عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي ط!!الب×‪ ،‬عن‬
‫رسول اهلل| أنه قال‪« :‬خيرُكم خيرُكم ألهله‪ ،‬وأن!!ا خ!!يرُكم ألهلي‪ ،‬م!!ا‬
‫أك!!رم النس!!اء إالّ ك!!ريمٌ‪ ،‬وم!!ا أه!!انهنّ إالّ ل!!ئيمٌ»(‪ .)230‬والالفت أنّ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪129‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫القناعات السائدة وسط النساء أنفسهنّ قد تشكِّل عامالً آخ!!ر من عوام!!ل‬


‫انتشار العنف ضدّ المرأة؛ فقد أشارت اإلحصاءات إلى أن ‪ %50‬من النساء‬
‫في العالم يعتقدْنَ أنّ العنف المرتكب ضدهنّ من قِبَل الرجل هو عن!!فٌ‬
‫مبرَّر‪ ،‬ما يعني القبول ضمناً بالوقوع ضحيّةً للعن!!ف الم!!رتكب بحقهنّ‪،‬‬
‫وذلك بالنظر إلى نَمَط التربية النفسية والمجتمعية التي درجْنَ عليها‪.‬‬

‫ضرورة التغيير الثقاف ّي‬


‫لقد آن األوان أنْ تتغيَّر ثقافة القبول بوقوع المرأة ضحية العن!!ف‪،‬‬
‫تحت غطاءٍ أو آخر‪ ،‬في مختلف المجتمع!!ات‪ .‬ولع!!لّ من وس!!ائل التغي!!ير‬
‫على هذا الصعيد أن يجري تص!!حيح الثقاف!!ة الدينيّ!!ة الش!!ائعة‪ ،‬من خالل‬
‫إثارة النصوص الدينيّة الصحيحة‪ ،‬التي تحترم كيان المرأة‪ ،‬وتوصي به!!ا‬
‫خَيْراً‪ .‬وكم في القرآن الكريم وفي السنّة الشريفة من النص!!وص ال!!تي‬
‫تشيد بمكانة المرأة‪ ،‬طفلةً وأختاً وزوجة وأمّاً؟ لكنّ النص!!وص األك!!ثر‬
‫انتشاراً هي التي تدعم المزيد من هَيْمَن!!ة الرج!!ل على الم!!رأة‪ ،‬م!!ع م!!ا‬
‫يصاحب تلك النصوص من ترجمةٍ متعسِّفة‪ ،‬وعلى النح!!و ال!!ذي يخ!!دم‬
‫حال!!ة االس!!تقواء على الم!!رأة‪ ،‬ومن ذل!!ك‪ :‬اآلي!!ة الكريم!!ة‪﴿ :‬الرِّجَ!!الُ‬
‫قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾ ‪ ،‬إلى جانب الروايات الواردة في هذا السياق‪ ،‬من‬
‫قبيل‪« :‬لو كنتُ آمر أح!!داً بالس!!جود ألح!!دٍ ألم!!رتُ الم!!رأة بالس!!جود‬
‫لزوجها»‪.‬‬
‫في مقابل ذلك يجري تجاهل كثيرٍ من النص!!وص األخ!!رى‪ ،‬ال!!تي‬
‫تؤكِّد مكانة المرأة‪ .‬ومن ذلك‪ :‬النصّ الوارد عن النبيّ|‪« :‬الجنّ!!ة تحت‬
‫أق!!دام! األمّه!!ات»(‪)231‬؛ و«تحت أق!!دام األمه!!ات روض!!ةٌ من ري!!اض‬
‫الجنّة»(‪)232‬؛ وفي رواية أخرى‪« :‬جاء رجلٌ إلى النبيّ| فقال‪ :‬ي!!ا رس!!ول‬
‫اهلل‪ ،‬مَنْ أبرّ؟ قال‪ :‬أمّك‪ !،‬ق!!ال‪ :‬ثمّ مَنْ؟ ق!!ال‪ :‬أمّ!!ك‪ ،‬ق!!ال‪ :‬ثمّ مَنْ؟‬
‫قال‪ :‬أمّك‪ ،‬قال‪ :‬ثمّ مَنْ؟ قال‪ :‬أب!!اك»(‪)233‬؛ وفي ص!!حيح مس!!لم‪« :‬ق!!ال‬
‫رجلٌ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬مَنْ أحقُّ الناس بحُسْن الصُّ! حْبة؟ ق!!ال‪ :‬أمُّ!!كَ‪،‬‬

‫‪ 130‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫ثمّ أمُّكَ‪ !،‬ثمّ أمُّكَ»(‪ .)234‬أوَلَيْسَتْ هذه األمّ هي نفسها المرأة التي‬
‫يجري تبرير الهَيْمَنة عليها بكلّ السُّبُل‪.‬‬
‫وقد ورد في السياق نصوصٌ كثيرة تحضّ على حُسْن التعامل مع‬
‫الزوجة‪ ،‬والنهي عن إيذائها؛ فقد ورد عن رس!!ول اهلل| أن!!ه ق!!ال‪« :‬أال وإنّ‬
‫اهلل ع!!زَّ وج!!لَّ ورس!!وله بريئ!!ان ممَّنْ أض!!رّ ب!!امرأةٍ حتّى تختل!!ع‬
‫منه»(‪ ، )235‬أي إنّ اهلل سبحانه ورسوله بريئان ممَّنْ يضرّ بامرأت!!ه حتّى‬
‫يلجئها إلى طلب الطالق منه؛ كما ورد عن النبيّ| أنه ق!!ال‪« :‬إني ألعجب‬
‫ممَّنْ يض!!رب امرأت!!ه وه!!و بالض!!رب أَوْلى منها»(‪)236‬؛ وق!!ال أم!!ير‬
‫المؤمنين×‪« :‬إنّ النس!!اء عن!!د الرج!!ال ال يملكْنَ ألنفس!!هنَّ خَيْ!!راً وال‬
‫نَفْعاً‪ ،‬وإنهنَّ أمانةُ اهلل عندكم‪ ،‬فال تضارّوهُنَّ وال تعضلوهُنَّ»(‪.)237‬‬
‫هنا يمكن القول‪ :‬إنّه ال عبرة للحاالت القليل!!ة الش!!اذّة ال!!تي تك!!ون‬
‫فيها المرأة هي المعتدية على الزوج‪ ،‬فال يمكن تبرير حاالت االعتداء على‬
‫المرأة بوجود نسبةٍ من حاالت االعت!!داء الص!!ادرة عن بعض النس!!اء ض!!دّ‬
‫أزواجهنّ‪ .‬إنّ مجتمعاتنا اإلس!!المية في أمسّ الحاج!!ة إلى الثقاف!!ة ال!!تي‬
‫تعي!!د للم!!رأة كرامته!!ا‪ ،‬وال س!!يَّما أن مظ!!اهر إي!!ذاء الم!!رأة‪ ،‬والعن!!ف‬
‫س! مْعة دينن!ا الح!نيف‪،‬‬ ‫األُسَريّ في مجتمعاتن!ا‪ ،‬ق!د أص!بحت تن!ال من ُ‬
‫وتُشوِّه صورته على مستوى! العالم‪.‬‬

‫حتّى نعرف قَدْرها‬


‫ولغرض إدراك قيمة المرأة واح!!ترام مكانته!!ا ينبغي فَهْم أدواره!!ا‬
‫العظيمة في الحياة‪ .‬ويُذْكَر في هذا السياق أنّ مستشفىً صينيّاً عرض‬
‫القيام بتجربةٍ مصطنعة على رج!!الٍ متط!!وعين‪ ،‬توض!ِّ ح م!!دى المعان!!اة‬
‫واآلالم التي تنتاب المرأة أثناء المخاض والوالدة‪ ،‬وقد اس!!تجاب للتجرب!!ة‬
‫نحو ‪ 100‬رجلٍ‪ ،‬وتمّ وضع أجه!!زة ف!!وق منطق!!ة البطن عن!!دهم‪ ،‬بحيث‬
‫تحدث األجهزة صدماتٍ كهربائية مشابهةٍ آلالم ال!!والدة‪ ،‬لم!!دّةٍ ت!تراوح‬
‫بين خمس وعشر دقائق‪ ،‬وكانت تلك كافية للتسبُّب بأوج!!اع مبرّح!!ة‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪131‬‬
‫• الشيخ حسن الصفار‬

‫تجعل المتطوِّع! يتلوّى ألم!!اً‪ ،‬ح!!تى أنّ أح!!د المتط!!وِّعين! لم يس!!تطِعْ‬


‫تحمُّل اآلالم ألكثر من دقيقةٍ إلى دقيقتين فقط‪ ،‬وانسحب من التجربة‪.‬‬
‫ويقول الق!!ائمون على التجرب!!ة‪ :‬إنّ أك!!ثر المتط!!وِّعين! لم يس!!تطيعوا!‬
‫تحمُّل آالم التجربة المصطنعة‪ ،‬مع أنّها ال يمكن أن تضاهي آالم ال!!والدة‬
‫الحقيقيّة(‪ . )238‬ينبغي للرجل أن يدرك حجم األلم الذي تكبَّدَتْه زوجت!!ه‬
‫لتنجب له أطفاالً‪ ،‬فهي بين الحمل والوالدة كانت في حقيق!!ة األم!!ر بين‬
‫الحياة والموت‪ ،‬هذا إنْ لم تكن شارفَتْ على الموت فعالً‪ ،‬فكيف للرجل أن‬
‫يكافئها على صنيعها هذا؟!‬
‫إنّ قسوة األزواج على زوجاتهم تترك أثره!!ا الس!!لبيّ وال!!دائم في‬
‫نفوس األبناء‪ .‬ويؤكِّد تقريرٌ علميّ نفس!!يّ أنّ عالق!!ة الرج!!ل بأبنائ!!ه‬
‫تتأثَّر إلى حدٍّ كبير بعالقته بزوجته أمّ أطفاله‪ .‬ويعلِّل التقري!!ر ب!!أن‬
‫انعكاسَ رؤية األوالد الصغار أباهم يسيء معاملة أمِّهم بالضرب واإلهان!!ة‬
‫يكون مدمِّراً على نفس!!يّتهم ومش!!اعرهم؛ لك!!ونهم ي!!رَوْن أمّهم‪ ،‬ال!!تي‬
‫يعتبرونها ملجأهم األخير‪ ،‬في تلك الحالة المزرية‪.‬‬
‫وتشير اإلحصاءات إلى أنّ نسبةً كبيرة من األبناء ال!!ذين يكره!!ون‬
‫آباءهم‪ ،‬وقد يُسيئون إليهم‪ ،‬إنما يفعلون ذلك نتيجةً لردّ فعلهم على م!!ا‬
‫رأَوْه من سوء معاملة اآلباء ألمّهاتهم‪ .‬وال تفس!!ير لتص!!رُّف األبن!!اء إالّ‬
‫بأنه نوعٌ من االنتقام الالواعي من تص!!رُّف األب بح!!قّ أمِّهم‪ .‬ويض!!يف‬
‫التقرير‪ :‬إنه‪ ،‬بالرغم من اعتقاد بعض اآلباء أنّ زوجاتهم هنَّ مَنْ يقمْنَ‬
‫بزرع كراهية األبناء لهم‪ ،‬إالّ أنّ ذلك االعتقاد خاطئٌ‪ ،‬جملةً وتفصيالً‪،‬‬
‫فما يلحظه األبناء من سوء معاملة األب ألمِّهم هو الذي ي!!زرع ش!!يئاً من‬
‫الكراهية في نفوسهم تجاه األب‪.‬‬
‫ولطالما سمعنا من األبن!!اء‪ ،‬حتّى العقالء والمت!!ديِّنين! منهم‪ ،‬ممَّنْ‬
‫يأتون على سيرة آبائهم الراحلين باإلشادة‪ ،‬إالّ أنّهم ال يملكون م!ع ذل!!ك‬
‫إالّ التصريح بمرارةٍ عن مآخ!!ذهم على قس!!وة األب على أمِّهم‪ ،‬وك!!أنَّ‬
‫ذلك الجرح النفسيّ ي!!أبى أن ين!!دمل في نفوس!!هم‪ .‬ل!!ذلك ينبغي لألب‪،‬‬

‫‪ 132‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الهيمنة الذكورية‪ ،‬بين التشريع الديني واألعراف االجتماعية‬

‫الذي يحبّ أبناءه ويريد إكرامهم‪ ،‬أن يض!!ع في اعتب!!اره أنّ تعامل!!ه م!!ع‬
‫زوجته أمّهم له دَوْرٌ كبير في إشعار األبناء بالكرامة والتقدير‪.‬‬
‫علين!!ا جميع!!اً أن نس!!تذكر جه!!ود أمّهاتن!!ا‪ ،‬وأن نس!!تمطر لهنّ‬
‫الرحمات‪ ،‬وأن نقابل جهود وأتعاب زوجاتنا بالتقدير‪ ،‬وأن نح!!ترم مش!!اعر‬
‫بناتنا‪ ،‬كما يعلِّمنا الدِّين‪ ،‬وتربِّينا تعاليم الن!!بيّ|‪ ،‬ال!!ذي ك!!ان مض!!رب‬
‫المثل في التعامل الحَسَن مع أزواجه وبناته‪ ،‬ذلك التعامل الذي ينبغي أن‬
‫نقتدي به‪ ،‬وهو القائل|‪« :‬خيرُكم خيرُكم ألهله‪ ،‬وأنا خيرُكم ألهلي»‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪133‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫توبة المرت ّد الفطري‬


‫قراءةٌ فقهيّة جديدة‬
‫د‪ .‬إبراهيم زارع‬
‫(*)*)‬

‫ترجمة‪ :‬حسن علي مطر‬

‫مقدّمةٌ‬
‫يحظى مفه!!وم التوب!!ة في الق!!رآن الك!!ريم باهتم!!امٍ خ!!اصّ‪ ،‬حتّى‬
‫تكرَّرَتْ مفردة التوبة ومشتقّاتها في القرآن ‪ 92‬م!!رّة‪ ،‬كم!!ا تك!!رّرت‬
‫كلمة االستغفار ومشتقّاتها ‪ 45‬مرّة‪ .‬وقد تمّ اعتبار التوبة في الحق!!وق‬
‫الجزائية لإلس!!الم إح!!دى م!!وارد س!قوط العق!!اب‪ ،‬ويتمّ بيانه!!ا بوص!!فها‬
‫تأسيساً حقوقيّاً‪ .‬وقد بحث الفقهاء آثاره!!ا الحقوقي!!ة في ض!!وء اآلي!!ات‬
‫والروايات‪.‬‬
‫والتوبة لغةً من مادة «تَوَبَ»‪ ،‬بمعنى العودة والرجوع‪ .‬قال صاحب‬
‫(مقاييس اللغة)‪« :‬توب ـ التاء والواو والباء ـ كلم!!ةٌ واح!!دة ت!!دلّ على‬
‫الرج!!وع‪ .‬يُق!!ال‪ :‬ت!!اب من ذنب!!ه‪ ،‬أي رج!!ع عن!!ه‪ ،‬يت!!وب إلى اهلل توب!!ة‬
‫ومتاب!!اً»(‪ .)239‬وق!!ال المحقِّ!!ق األردبيلي في كت!!اب (مجم!!ع الفائ!!دة‬
‫والبرهان)‪« :‬التوبة هي الندامة والع!!زم على ع!!دم الفع!!ل؛ لك!!ون ال!!ذنب‬
‫قبيحاً ممنوعاً‪ ،‬وامتثاالً ألمر اهلل‪ ،‬ولم يكن غير ذلك مقصوداً»(‪.)240‬‬
‫يُستفاد من هذا التعريف أمران‪:‬‬
‫‪1‬ـ الندم‪ !:‬توبة‪.‬‬

‫ٌ‬
‫باحث وأكاديم ّي‪،‬ـ حائ ٌز على دكتوراه في الحقوق والعقوبات والجرائمـ من‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫جامعة طهران ـ پرديس فارابي‪ ،‬من إيران‪.‬‬


‫‪ 134‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫‪2‬ـ عدم الفعل (ترك المعصية) يجب أن يكون بسبب قُبْحه الشرعي‪،‬‬
‫بمعنى أن عدم الفعل يجب أن ال يكون بسبب عدم القدرة عليه‪ ،‬وإنما ألن!!ه‬
‫ممنوعٌ؛ أو ألنه قبيحٌ‪.‬‬
‫ومن هنا فإن مجرّد عدم الفعل ال يُعَدّ توبةً‪.‬‬
‫وأما الشيخ البهائي فقد اشترط في تعريف التوب!ة ـ باإلض!افة إلى‬
‫النَّدَم وعدم الفعل؛ بسبب قبحه الشرعي ـ عقد العَزْم األبديّ على ت!!رك‬
‫العودة إلى الذنب والمعصية أيضاً(‪.)241‬‬
‫وعليه ف!!إن التوب!!ة تع!ني الع!!ودة من ال!ذنب واألعم!!ال اإلجرامي!!ة‪،‬‬
‫والنَّدَم عن األعمال الماضية‪ ،‬والسَّعْي إلى القي!!ام باألعم!!ال الص!!حيحة‬
‫والحَسَنة‪ ،‬وعدم تكرار األخطاء السابقة(‪.)242‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن التوبة تقوم على ثالثة عناصر‪ ،‬وهي‪ :‬النَّدَم‪،‬‬
‫واالعتذار‪ !،‬وعدم العَوْدة إلى الذنوب السابقة‪.‬‬
‫إن التوبة أمرٌ يستدعي مَحْو جمي!!ع اآلث!!ار المش!!ؤومة المترتِّب!!ة‬
‫على الذنوب والمعاصي‪ ،‬ويحلّ محلَّها ض!!ميرٌ ط!!اهر‪ ،‬ونفسٌ مطمئنّ!!ة‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول اهلل تعالى في الق!!رآن الك!!ريم‪﴿ :‬إِالَّ مَنْ تَ!!ابَ وَآمَنَ‬
‫س!!! يِّئَاتِهِمْ‬
‫ص!!! الِحاً فَأُولَئِ!!!كَ يُبَ!!!دِّلُ اهللُ َ‬
‫وَعَمِ!!!لَ عَمَالً َ‬
‫حَسَنَاتٍ‪( ﴾...‬الفرقان‪.)70 :‬‬
‫وقال رسول اهلل|‪« :‬النَّدَم على الذنب توبةٌ»(‪.)243‬‬
‫وبعبارةٍ أخرى‪ :‬يمكن الق!!ول‪ :‬إن التوب!ة الحقيقي!ة تس!تتبع ن!!دماً‬
‫خاصّاً يحول دون تكرار األعمال السابقة‪.‬‬
‫وفي المأثور عن اإلمام عليّ× ق!!ال‪« :‬الن!!دم على ال!!ذنب يمن!!ع عن‬
‫معاودته»(‪.)244‬‬
‫ونسعى! في هذه المقالة إلى بيان اإلجابة عن األسئلة التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما هي اآلثار الفقهيّة التي ترتفع عن المرتدّ بالتوبة؟‬
‫‪2‬ـ هل صحيحٌ ما قاله الكثير من الفقهاء بأن توبة المرتدّ ال تزيل‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪135‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫حتّى نجاسته؟ وأن توبته ال تُقْبَل حتّى من قِبَل اهلل؟‬


‫‪3‬ـ لو تاب المرتدّ الفطري قبل إقامة البيِّنة عليه‪ ،‬أو كان في دار‬
‫الكفر ولم يُجْرَ عليه الحدّ وتاب هناك‪ ،‬فهل تُقْبَل توبته في مث!!ل ه!!ذه‬
‫الحالة؟ وهل يرفع ذلك حكم القتل عنه؟‬
‫ّ‬
‫قبول التوبة من المرتدّ‪ ،‬آراء فقهاء المسلمين وأدلتهم‬
‫يتّفق الفقهاء في تعريف االرتداد ـ مع ش!!يءٍ من االختالف ـ على‬
‫هذا المعنى‪ !،‬وه!!و أن االرت!داد يع!!ني الخ!روج عن اإلس!!الم وال!!دخول في‬
‫الكفر(‪ . )245‬والتوبة بدَوْرها في هذه الموارد هي اعتناق اإلس!!الم والنط!!ق‬
‫بالشهادتين‪.‬‬
‫وهناك في قبول أو عدم قبول توب!!ة المرت!!دّ (الفط!!ري أو الملّي)‬
‫ثالثة آراء‪:‬‬

‫‪1‬ـ عدم القبول مطلقا ً‬


‫يرى بعض فقهاء العامّ!!ة أن عقوب!!ة االرت!!داد على ك!!لّ ح!!الٍ هي‬
‫القتل‪ ،‬سواء ت!!اب المرت!!د أم لم يتُبْ‪ .‬ق!!ال الحس!!ن البص!!ري‪« :‬المرت!!دّ‬
‫يُقْتَل بغير استتابةٍ»(‪.)246‬‬
‫وقد استدلّوا لهذا الرأي بجملةٍ من األدلة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أـ إطالق بعض الروايات‪ ،‬مثل‪ :‬الحديث المأثور عن النبيّ األك!!رم|‬
‫أنه قال‪« :‬مَنْ بدَّل دينه فاقتلوه!»(‪.)247‬‬
‫ب ـ عمل الصحابة‪ :‬دخل معاذ [ابن جبل] على أبي موسى األش!!عري‪،‬‬
‫وسأله عن شخصٍ كان عنده‪ ،‬فقال أبو موسى‪ !:‬إنه رج!!لٌ ك!!ان يهوديّ!!اً‬
‫ثمّ أسلم‪ ،‬ثمّ عاد إلى اليهوديّ!!ة‪ ،‬فق!!ال مع!!اذ‪ :‬ال أجلس حتّى تقيم علي!!ه‬
‫حكم اهلل ورسوله‪ ،‬فتقتله‪ .‬فك!!رَّر ذل!!ك ثالث!!اً‪ ،‬حتّى أم!!ر أب!!و موس!!ى‬
‫بقتله(‪ .)248‬إن هذا الكالم من معاذ‪ ،‬وتأييده على المستوى! العمليّ من قِبَل‬
‫أبي موسى األشعري ـ وكالهما صحابيٌّ ـ‪ ،‬م!!ع ع!!دم ذك!!ر التوب!!ة في‬
‫م!!ورد انتس!!اب حكم اهلل ورس!!وله‪ ،‬يثبت أن المرت!!دّ يجب قتل!!ه‪ ،‬دون‬

‫‪ 136‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫استتابته(‪.)249‬‬

‫‪2‬ـ القبول مطلقا ً‬


‫يذهب أكثر فقهاء أهل السنّة إلى االعتقاد بقبول توبة كلّ مرتدٍّ‪،‬‬
‫سواء أكان مرتدّاً عن فطرةٍ أو مرتدّاً عن ملّةٍ‪ .‬وعلي!!ه يجب اس!!تتابة‬
‫المرتدّ قبل تطبيق العقوبة عليه؛ فإذا لم يتُبْ أجري علي!!ه ح!!دّ القت!!ل‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪« :‬إنه [أي المرتدّ] ال يُقت!!ل ح!!تى يُس!!تتاب‪ ...‬ه!!ذا ق!!ول‬
‫أكثر أهل العلم»(‪.)250‬‬
‫وهذا هو رأي أبي حنيفة والش!!افعيّ ومال!!ك وعم!!وم فقه!!اء أه!!ل‬
‫السنّة‪.‬‬
‫وقد استدلّ لهذا الرأي بأدلّةٍ أيضاً‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫أـ سيرة النبيّ األكرم|‪ :‬عندما أرسل الن!بيّ| مع!اذاً إلى اليمن ق!ال‬
‫له‪« :‬أيّما رجلٍ ارتدّ عن اإلسالم فادْعُه‪ ،‬فإنْ ت!!اب فاقبَ!!لْ من!!ه‪ ،‬وإنْ لم‬
‫يتُبْ فاضرِبْ عنقه»(‪.)251‬‬
‫وكذلك في مورد امرأةٍ تُدْعَى «أمّ مروان» ارتدَّتْ عن اإلسالم‪،‬‬
‫فأمر [النبيّ] أن تُستتاب‪ ،‬فإنْ تابَتْ‪ ،‬وإالّ قُتلَتْ»(‪.)252‬‬
‫إن هاتين الروايتين ت!!دالّن ب!!دَوْرهما على وج!!وب االس!!تتابة قب!!ل‬
‫تطبيق حكم االرتداد‪.‬‬
‫ب ـ عمل الصحابة‪ :‬جاء شخصٌ من قِبَل أبي موس!!ى األش!!عري إلى‬
‫عمر‪ ،‬ونقل له خبر ارت!!داد ش!!خصٍ‪ ،‬فس!!أله عم!!ر‪ :‬م!!ا فعلتُم ب!!ه؟ ق!!ال‪:‬‬
‫قرَّبناه فضرَبْنا عنقه‪ ،‬فقال عم!!ر‪ :‬فهالّ حبس!!تموه! ثالث!!اً‪ ،‬ف!!أطعمتموه!‬
‫كلّ يومٍ رغيفاً‪ ،‬واستتبتموه؛ لعلّه يتوب‪ ،‬أو يُراجع أم!!ر اهلل؟ ثمّ ق!!ال‪:‬‬
‫« اللهمّ‪ ،‬إني لم أحضر‪ ،‬ولم آمُر‪ ،‬ولم أرْضَ إذ بلغني»(‪.)253‬‬

‫ي والمرت ّد الملّي‬
‫‪3‬ـ التفريق بين المرت ّد الفطر ّ‬
‫لقد ميَّ!ز أك!!ثر فقه!!اء اإلماميّ!ة بين المرت!دّ الفط!!ري والملّي‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪137‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫وقالوا‪ :‬المرأة المرتدّة عن ملّ!!ةٍ أو عن فط!!رةٍ تُس!!تتاب‪ ،‬فيجب ع!!رض‬


‫اإلسالم عليها‪ ،‬فإنْ تابت‪ ،‬وإالّ قتلت‪ .‬وإنْ كان المرت!!د عن فط!!رةٍ رجالً‬
‫فإنه يُقتل دون استتابةٍ‪ .‬وقد ادّعى صاحب (جواهر الكالم) اإلجم!!اع على‬
‫ذلك(‪ .)254‬وقد اختار «واصل بن عطاء» ـ من بين علماء الس!!نّة ـ ه!!ذا‬
‫الرأي‪ ،‬وقال بأن المرتدّ الفطري ال يُستتاب‪ ،‬وحكمه القتل(‪.)255‬‬
‫إن مب!!نى ه!!ذا التفص!!يل بين فقه!!اء اإلماميّ!!ة يس!!تند إلى رواي!!ات‬
‫المعصومين!^؛ وهي تنقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪1‬ـ هناك من الروايات ما يدلّ بشكلٍ مطلق على أن المرت!!د يُقت!!ل‪،‬‬
‫دون أن يُستتاب‪« :‬سألتُ أب!!ا جعفر× عن المرت!!دّ؟ فق!!ال‪ :‬مَنْ رغب عن‬
‫اإلسالم‪ !،‬وكفر بما أُنزل على محمد| بعد إسالمه‪ ،‬فال توبة له‪ ،‬وقد وجب‬
‫قتلُه‪ ،‬وبانَتْ منه امرأته‪ ،‬ويقسَّم ما ترك على وُلْدِه»(‪.)256‬‬
‫‪2‬ـ القسم الث!!اني من الرواي!!ات ي!!دلّ بش!!كلٍ مطل!!ق على أن توب!!ة‬
‫المسلم تُقْبَل بعد االرت!!داد‪ ،‬ف!!إنْ لم يتُبْ يُقْتَ!!ل‪ .‬فعن أبي جعفر× أن!!ه‬
‫قال‪« :‬مَنْ جحد نبيّاً مُرسَالً نبوَّت!!ه‪ ،‬وكذَّب!!ه‪ ،‬فدم!!ه مب!!احٌ»‪ ،‬ق!!ال‪:‬‬
‫فقلتُ له‪ :‬أرأيْتَ مَنْ جحد اإلم!ام منكم‪ ،‬م!ا حال!ه؟ فق!ال‪« :‬مَنْ جح!د‬
‫إماماً برئ من اهلل‪ ،‬وبرئ منه ومن دينه‪ ،‬فهو كافرٌ مرت!!دّ عن اإلس!!الم؛‬
‫ألن اإلمام من اهلل‪ ،‬ودين!!ه دين اهلل‪ ،‬ومَنْ ب!!رئ من دين اهلل فه!!و ك!!افرٌ‪،‬‬
‫ودمه مباحٌ في تلك الحال‪ ،‬إالّ أن يرجع ويتوب إلى اهلل ـ عزَّ وج!!لَّ ـ‬
‫ممّا قال»(‪.)257‬‬
‫‪3‬ـ القسم الثالث هو الروايات ال!!تي تف!!رِّق بين المرت!!دّ الفط!!ري‬
‫والمرتدّ الملّي‪ ،‬واعتبرت حكم المرتدّ الفطري إذا كان رجالً هو القتل‪،‬‬
‫دون أن يعرض الحاكم عليه التوبة؛ وأما المرتد الملّي فال يُقْتَل إالّ إذا‬
‫عُرضَتْ عليه التوبة‪ ،‬وامتن!!ع عن الرج!!وع إلى اإلس!!الم‪« !:‬عن أخي!!ه أبي‬
‫الحسن× قال‪ :‬سألتُه عن مسلمٍ تنصَّر؟ ق!!ال يُقت!!ل‪ ،‬وال يُس!!تتاب‪ .‬قلتُ‪:‬‬
‫فنصرانيٌّ أسلم ثمّ ارتدّ؟ قال‪ :‬يُستتاب‪ ،‬فإنْ رجع‪ ،‬وإالّ قُتل»(‪.)258‬‬
‫وقد ذهب الفقهاء ـ في مقام الجمع بين ه!!ذه الطوائ!!ف الثالث!!ة من‬

‫‪ 138‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫الروايات ـ إلى القول بالتفصيل‪ ،‬واعتبروا روايات الطائفة الثالثة مقيِّ!!دة‬


‫ومفس!ِّ رة لرواي!!ات الط!!ائفتين األولى والثاني!!ة‪ .‬وق!!الوا‪ :‬إن الم!!راد من‬
‫روايات الطائفة األولى ـ الروايات التي تعتبر عقوب!!ة المرت!!دّ هي القت!!ل‬
‫مطلقاً ـ هو المرتدّ الفطري؛ وإن المراد من رواي!!ات الطائف!!ة الثاني!!ة ـ‬
‫الروايات التي تقبل توبة المرتدّ بعد االرت!!داد ب!!المطلق ـ ه!!و المرت!!دّ‬
‫الملّي‪.‬‬
‫ولكنْ لو أمعنّا النظر في هذه الروايات سوف ندرك أن كلّ واحدٍ‬
‫من هذه الطوائف الثالثة من الروايات قد ذكرَتْ أحكاماً مختلف!!ة‪ ،‬بحيث‬
‫ال نستطيع أن نجعل روايات الطائفة الثالثة شارحةً ومفس!ِّ! رةً لرواي!!ات‬
‫الطائفة األولى والثانية‪.‬‬
‫إن ما ورد في روايات الطائفة الثالثة هو بحث االستتابة‪ ،‬وموضوعها‬
‫هو الحاكم الشرعيّ بوصفه منفِّذاً ومطبِّق!!اً لحكم االرت!!داد؛ وأم!!ا في‬
‫رواي!!ات الطائف!!ة األولى والثاني!!ة فق!!د ورد البحث عن مطل!!ق التوب!!ة‪،‬‬
‫وموضوعها هو الشخص المرتدّ‪ .‬وبعب!!ارةٍ أخ!!رى‪ :‬في رواي!!ات الطائف!!ة‬
‫الثالثة قيل للحاكم الشرعيّ‪ :‬إذا تمّ إثب!!ات تحقُّ!ق االرت!داد لن تُقْبَ!!ل‬
‫بعدها توبة المرتدّ الفطري‪ .‬يُضاف إلى ذلك‪ :‬ال يجب على الح!!اكم أن‬
‫يطلب التوب!!ة من المرت!!دّ الفط!!ري‪ .‬وأم!!ا في رواي!!ات الطائف!!ة األولى‬
‫والثانية فقد قيل لشخص المرتدّ‪ :‬إن توبتك ال تُقْبَل (كما في الطائفة‬
‫األولى)‪ ،‬أو إن توبتك مقبولةٌ (كما في الطائفة الثانية)‪ .‬وب!!ذلك يق!!ع‬
‫التعارض بين هاتين الط!!ائفتين من الرواي!!ات‪ .‬ويتمّ التع!!رُّض إلى ه!!ذا‬
‫الموضوع! في بحث اإلجابة عن أدلّة الفقهاء في م!!ورد ع!!دم قب!!ول توب!!ة‬
‫المرتدّ‪.‬‬
‫مذاهب فقهاء اإلماميّة في توبة المرت ّد الفطري‬
‫وبحثُنا هنا يدور حول ما قاله فقهاء اإلماميّة بشأن توب!!ة المرت!!دّ‬
‫الفطري‪ ،‬من أن المرتدّ الفطري إذا تاب ال تُقْبَل توبته ظاهراً‪ ،‬وتُجْرَى‬
‫في حقِّه األحكام الثالثة‪ ،‬من القتل‪ ،‬وانتفاء الزوجية‪ ،‬وتقسيم أمواله على‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪139‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫الورثة‪ .‬فهل هذا الحكم صحيحٌ أم ال؟ ولو تاب المرتد الفطري قبل إقامة‬
‫البيِّنة عليه (دون إكراهٍ أو إجبارٍ)‪ ،‬أو كان في دار الكف!!ر ولم يُجْ!!رَ‬
‫عليه الحدّ وتاب هناك‪ ،‬فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟ وهل يرفع‬
‫ذلك حكم القتل عنه؟‬
‫لقد ورد في تعريف المرتدّ الفطري‪ :‬هو الذي يكون أح!!د والدَيْ!!ه‬
‫مسلماً حين انعقاد نطفته‪ ،‬ويخت!!ار اإلس!!الم بع!!د بلوغ!!ه‪ ،‬ثمّ يخ!!رج من‬
‫اإلسالم بعد ذلك(‪.)259‬‬
‫وهناك بين فقهاء اإلمامية في ما يتعلَّق بعدم قبول توب!!ة المرت!!دّ‪،‬‬
‫واألحكام المرتبطة به‪ ،‬ثالثة آراء‪ ،‬على النحو التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـ ذهب مشهور الفقهاء إلى القول بأن توبة المرت!!دّ عن فط!!رةٍ ال‬
‫تقبل أبداً‪« :‬ينبغي أن يعلم أن اإلسالم يطهِّر عن نجاس!!ة الكف!!ر بجمي!!ع‬
‫أقسامه‪ ،‬إالّ االرتداد الفطريّ من الرجل خاصّةً‪ ،‬دون الم!!رأة‪...‬؛ لألص!!ل؛‬
‫بمعنى االستصحاب لموضوع الكفر نفسه‪ ،‬ولحكمه من النجاس!!ة ونحوه!!ا‪،‬‬
‫وإطالق م!!ا في م!!واريث كش!!ف اللث!!ام من اإلجم!!اع على ع!!دم قب!!ول‬
‫توبته»(‪ .)260‬وقال صاحب (شرائع اإلس!!الم)‪ :‬إن ه!!ذا الش!!خص (المرت!!دّ‬
‫الفط!!ري) إذا ع!!اد إلى اإلس!!الم ال يُقْبَ!!ل من!!ه‪ ،‬وتج!!ري علي!!ه األحك!!ام‬
‫الثالثة(‪.)261‬‬
‫‪2‬ـ هناك مَنْ قال بأن توبة المرت!!دّ تُقْبَ!!ل على كلت!!ا الح!!التين‬
‫(سواء أكان المرتدّ فطريّاً أو ملِّياً)‪ .‬وهذه ه!!و مخت!!ار ابن الجُنَيْ!!د؛‬
‫حيث رأى لالرتداد قسماً واحداً فقط‪ ،‬وأن المرت!!دّ يُس!!تتاب؛ ف!!إنْ ت!!اب؛‬
‫وإالّ فإنه يقتل(‪ . )262‬وقد مال الفيض الكاشاني إلى هذا الرأي‪ ،‬وق!!ال‪ :‬إن!!ه‬
‫يوافق االحتي!!اط(‪ .)263‬كم!!ا يُس!!تفاد ه!!ذا ال!!رأي من بعض كلم!!ات ابن‬
‫البرّاج أيضاً؛ وذلك إذ يقول‪« :‬وإذا ك!!ان المرت!!دّ مول!!وداً على فط!!رة‬
‫اإلس!!الم وجب قتل!!ه من غ!!ير اس!!تتابةٍ؛ ف!!إنْ ت!!اب لم يكن ألح!!دٍ علي!!ه‬
‫سبيلٌ»(‪.)264‬‬
‫وقد نبّّه الشهيد الثاني في (مسالك األفهام) إلى أن مشهور الفقهاء‬

‫‪ 140‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫يُنْكِر قبول توبة المرتدّ‪ ،‬إالّ أن لسان األدلّة المعتبرة في التوب!!ة لس!!انٌ‬
‫عامّ ومطلق‪ !،‬يشمل حتّى مورد بحث توبة المرتدّ أيضاً(‪ .)265‬وقد صرَّح‬
‫الشهيد الثاني في موضعٍ آخر ـ بعد تقرير رأي اإلسكافي ـ قائالً‪ :‬األقوى!‬
‫قبول توبة المرتدّ مطلقاً‪ .‬وقد ذهب صاحب (جواهر الكالم) إلى االعتقاد‬
‫بأن الشهيد الثاني يميل إلى رأي اإلسكافي(‪.)266‬‬
‫‪3‬ـ االختالف في اآلث!!ار المترتِّب!!ة على االرت!!داد‪ ،‬بمع!!نى أن توب!!ة‬
‫المرتدّ الفطري ال تأثير لها بالنسبة إلى عودة األموال‪ ،‬وحلِّية الزوج!!ة‪،‬‬
‫وعقوبة القتل (ال تُقْبَل ظ!!اهراً)‪ ،‬إالّ أنه!!ا م!!ؤثِّرة بالنس!!بة إلى س!!ائر‬
‫اآلثار األخرى‪ ،‬من قبيل‪ :‬صحّة العبادة‪ ،‬وحلِّية الذبيحة‪ ،‬وطه!!ارة الب!!دن‪،‬‬
‫وما إلى ذلك‪ ،‬وتُقْبَل توبته (تُقْبَل باطناً)(‪.)267‬‬
‫واآلن علينا أن نرى لو أن المرتدّ الفطري تاب قب!!ل إقام!!ة البيِّن!!ة‬
‫عليه (دون إك!!راهٍ أو إجب!!ارٍ)‪ ،‬أو ك!!ان في دار الكف!!ر ولم يكن إج!!راء‬
‫الحدّ عليه ممكناً وتاب هناك‪ ،‬فهل تُقْبَل توبته في مثل هذه الحالة؟‬

‫طرق إثبات‪ 6‬قبول التوبة‬


‫هناك طريقان إلثبات قبول توبة المرتدّ الفطري‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪1‬ـ البحث في آيات القرآن الكريم‪ ،‬والروايات الم!!أثورة عن األئمّ!!ة‬
‫المعص!!ومين!^‪ ،‬وكلم!!ات الفقه!!اء‪ ،‬والحص!!ول على األدلّ!!ة ال!!تي يمكن‬
‫بواسطتها قبول توبة المرتدّ الفطري‪ ،‬على ما سيأتي تفصيله‪.‬‬
‫‪2‬ـ لو قبلنا بأن أصل حكم االرت!داد ه!و حكمٌ حك!وميّ ـ على م!ا‬
‫أثبتناه في مقالةٍ سابقة لنا ـ‪ ،‬وكان يمكن للحاكم اإلسالميّ أن يق!!رِّر‬
‫الحكم بش!أن المرت!دّ على أس!اس ش!رائط ومقتض!يات الزم!ان والمك!ان‬
‫والظروف الثقافية والسياسية للمجتم!ع اإلس!المي‪ ،‬فعن!دها نحص!ل ـ ال‬
‫محالة ـ على نتيجةٍ مفادها‪ :‬إن شخص الحاكم اإلسالمي هو الذي ينبغي‬
‫عليه أن يتّخذ القرار المناسب بشأن توبة المرتدّ‪ ،‬وإذا اقتضَتْ الش!!رائط‬
‫الثقافية والسياسية في المجتمع أمكنه قبول توبته‪ ،‬كما يوجد على ذل!!ك‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪141‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫الكثير من الموارد والمصاديق‪ .‬وقبل كلّ ش!!يء ال بُ!!دَّ من إثب!!ات ه!!ذه‬


‫المسألة في ضوء اآليات والروايات‪ ،‬والعم!!ل بع!!د ذل!!ك على بحث قب!!ول‬
‫توبة المرتدّ في مقام التطبيق‪!.‬‬

‫‪1‬ـ األدلّة األ ّولية لرفع حكم القتل عن المرت ّد الفطري‬


‫هناك توافقٌ تقريباً بين جميع الفقهاء حول هذه المس!!ألة‪ ،‬وهي أن‬
‫هذه األحكام الثالثة ال ترتفع عن المرتدّ الفطري‪ .‬وقد اس!!تدلّوا ل!!ذلك‬
‫بما يلي‪:‬‬

‫أـ الروايات‬
‫«سألتُ أبا جعفر× عن المرتد؟ فقال‪ :‬مَنْ رغب عن اإلسالم‪ !،‬وكفر‬
‫بما أُنزل على محمدٍ|‪ ،‬بعد إسالمه‪ ،‬فال توبة له‪ ،‬وقد وجب قتل!!ه‪ ،‬وب!!انَتْ‬
‫منه امرأتُه‪ ،‬ويُقسَّم ما ترك على وُلْده»(‪ .)268‬إن التعبير بـ «فال توب!!ة‬
‫له» مطلقٌ‪ ،‬وبذلك فإنه يشمل التوبة بع!د قي!ام البيِّن!ة وقبله!ا أيض!اً‪.‬‬
‫وهذا التعبير يُخصِّص أدلّة التوبة بالنس!!بة إلى ه!!ذه األحك!!ام الثالث!!ة‪:‬‬
‫(القتل‪ ،‬والبينونة عن الزوج!ة‪ ،‬وتقس!يم الم!ال)؛ ألن!!ه ق!!د جع!!ل التوب!ة‬
‫بالنسبة إلى هذه األحكام من قبيل‪ :‬عدم التوبة(‪.)269‬‬

‫ب ـ اإلجماع‬
‫ذهب بعض الفقهاء إلى ادّعاء اإلجماع من قِبَل اإلماميّ!!ة على قت!!ل‬
‫المرتدّ‪ ،‬دون أن يخالف في ذلك أحدٌ(‪ .)270‬قال صاحب (جواهر الكالم) ـ‬
‫بع!!د نق!!ل كالم المحقِّ!!ق الحلي؛ إذ يق!!ول‪ :‬ال يُقْبَ!!ل إس!!الم المرت!!دّ‬
‫الفطري‪ ،‬وقتله واجبٌ‪ ،‬وتبين منه زوجته ‪ ...‬ـ‪ :‬لم أجِدْ خالفاً معتدّاً به‬
‫في ه!!ذه المس!!ألة‪ ،‬ب!!ل عليه!!ا كال الن!!وعين من اإلجم!!اع (المنق!!ول‬
‫والمحصَّل)(‪.)271‬‬

‫ج ـ االستصحاب‪6‬‬
‫يجري االستصحاب الموضوعي والحُكْمي في مورد المرت!!د الت!!ائب؛‬

‫‪ 142‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫إذ مع الشكّ في رفع موضوع! الكفر بالتوبة أو عدم رف!!ع ه!!ذه األحك!!ام‬
‫يبقى الكفر باستصحاب الموضوع‪ !،‬وفي حالة بقاء الكفر باستصحاب الحكم‬
‫يثبت بقاء أحكام الكفر أيضاً(‪ .)272‬وهناك مَنْ قال بجري!!ان االستص!!حاب‬
‫الحُكْمي في مورد المرتدّ الفطري بعد التوبة؛ إذ مع فرض قبول توبت!!ه‬
‫وإسالمه ال يوجد دليلٌ على طهارته؛ إذ ال يوجد عموم يدلّ على طه!!ارة‬
‫كلّ مسلمٍ‪ .‬وعليه فإن مقتضى االستصحاب هو بق!!اء حكم النجاس!!ة على‬
‫حاله(‪ ،)273‬وبطبيعة الحال لن ترتفع عنه األحكام األخرى أيضاً‪.‬‬

‫نق ٌد ونقاش‬
‫وفي مقام اإلجابة عن هذه األدلّة يمكن القول‪:‬‬
‫الجواب عن دليل اإلجماع‪ :‬هناك في تحلي!!ل اإلجم!!اع بعض النق!!اط‬
‫الجديرة بالتأمُّل‪ .‬فإن أصلَ تحقُّ!ق اإلجم!اع‪ ،‬م!ع وج!ود مخ!الفين من‬
‫أمثال‪ :‬ابن الجُنَيْد واإلسكافي‪ ،‬موضعُ تأمُّلٍ‪ .‬وعليه يُحتَمَ!!ل أن يك!!ون‬
‫المراد من اإلجماع هنا هو اتّفاق أك!!ثر اإلماميّ!!ة‪ ،‬وليس جميعهم‪ ،‬كم!!ا‬
‫ذُكر هذا االحتمال من قِبَل صاحب (الحدائق الناضرة)(‪.)274‬‬
‫النقطة األخرى أن هذا اإلجماع المدَّعى! لو تمّ إحرازه فإنه؛ بس!!بب‬
‫مدركيّته أو احتمال مدركيّته‪ ،‬ال يمكن أن يكون حجّةً‪ ،‬وال يُعَدّ دليالً‬
‫مستقالًّ‪ .‬فقد ورد التعبير بـ «ال يُس!!تتاب» في خمس!!ة م!!وارد أو س!!تّة‪،‬‬
‫كما ورد التعبير بـ «لن تُقْبَل توبته» في ستّة موارد أو سبعة‪ ،‬حيث إن‬
‫التعبير األوّل أعمّ من توب!!ة المرت!!دّ وع!!دمها‪ ،‬بمع!!نى أن!!ه ال يطلب من‬
‫المرتدّ أن يتوب‪ ،‬بَيْدَ أنه في حالة التوبة ال يكون لسان الروايات ن!!اظراً‬
‫إليها‪.‬‬
‫وفي الجواب عن دلي!!ل االستص!!حاب يمكن الق!!ول‪ :‬إن!!ه م!!ع تغيُّ!!ر‬
‫الموضوع! ال يمكن استصحاب بقاء الحكم‪ ،‬كم!!ا ذك!!ر ذل!!ك الكث!!ير من‬
‫الفقهاء؛ وذلك ألن الحكم بنجاسته كان يستند إلى موضوع الكفر‪ ،‬واآلن‬
‫قد انتفى هذا الموضوع‪ !،‬وال يصدق عنوان الكفر على هذا الش!!خص‪ .‬وعلى‬
‫هذا األساس ال يصحّ إجراء أصل االستصحاب مع تغيُّر الموض!!وع؛ إذ م!!ع‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪143‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫االلتفات إلى توبة الشخص المرت!!دّ يك!!ون ق!!د تغيَّ!ر عن!!وان الكف!!ر إلى‬
‫اإلسالم‪ .‬وعليه؛ حيث ال يصحّ التمسُّك! باالستصحاب‪ ،‬يجب االس!!تناد إلى‬
‫أصل الطهارة‪ ،‬واعتبار المرتدّ التائب طاهراً(‪.)275‬‬
‫وفي الجواب عن االستدالل برواية محمد بن مس!لم يجب الق!ول‪ :‬ال‬
‫يمكن إثبات بقاء تلك األحكام الثالثة في مورد الشخص الذي يت!!وب قب!!ل‬
‫إقامة البيِّنة عليه‪.‬‬
‫وال بُدَّ أوّالً من ذكر نصّ الرواية‪ ،‬ثمّ العمل على طرح األدلّة‪:‬‬
‫«س!!ألتُ أب!!ا جعفر× عن المرت!!دّ؟ فق!!ال‪ :‬مَنْ رغب عن اإلس!!الم‪،‬‬
‫وكفر بما أُنزل على محمّدٍ|‪ ،‬بعد إسالمه‪ ،‬فال توبة له‪ ،‬وقد وجب قتل!!ه‪،‬‬
‫وبانَتْ منه امرأته‪ ،‬ويقسَّم ما ترك على وُلْده»(‪.)276‬‬
‫بعد مالحظة هذا الكالم المطلق من قِبَ!!ل اإلم!ام× يمكن الق!!ول‪ :‬إن‬
‫هذه الرواية تشتمل على عمومٍ‪ !،‬وال يُعْلَم ما إذا كان هذا الحكم متعلِّقاً‬
‫بالمرتدّ الفطري أم المرتدّ الملّي‪.‬‬
‫فإنْ قلنا في الجواب‪ :‬إن مراد هذه الرواية ـ بعد مالحظة الرواي!!ات‬
‫األخرى التي تفصّل بين حكم المرتدّ الملّي وحكم المرتدّ الفطري ـ هو‬
‫المرتدّ الفطري‪ ،‬دون الملّي‪.‬‬
‫فسوف نقول‪ :‬مع االلتفات إلى هذه الروايات التي تبيِّن الم!!راد من‬
‫ه!!ذه الرواي!!ة يجب أن يك!!ون الم!!راد من عب!!ارة «فال توب!!ة له» ه!!و‬
‫«االستتابة‪ ،‬ويجب تفسير «فال توبة له» طبق!!اً لتل!!ك الرواي!!ة المبيّن!!ة‬
‫أيضاً‪ ،‬بمع!!نى أن!!ه ال يجب على الح!!اكم الش!!رعيّ أن يس!!تتيب! المرت!!دّ‬
‫الفطري كما يستتيب! المرتدّ الملّي أيضاً‪ .‬وعلى ه!!ذا األس!!اس؛ حيث تمّ‬
‫نفي االس!!تتابة في الرواي!!ات األخ!!رى‪ ،‬يتّض!!ح أن الم!!راد من التوب!!ة هي‬
‫االستتابة بعد إقامة البيِّنة؛ إذ ورد بعد هذه العبارة مباشرةً ذكر‪ :‬وجوب‬
‫القتل‪ ،‬وبينونة الزوجة‪ ،‬وتقسيم األموال‪ .‬وإن ه!!ذا البي!!ان يُفْهَم من!!ه أن‬
‫المراد هو نفي استحقاق التوبة‪ ،‬ببيان أن الحاكم الشرعي ال ينتظر توبته‪،‬‬
‫بل يمكنه أن يطبِّق عليه حكم القتل وغيره من األحكام‪ ،‬دون مناقش!!ة م!!ا‬

‫‪ 144‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫إذا كان سوف يتوب أم ال‪ ،‬ودون أن يُطالبه بالتوبة(‪.)277‬‬


‫ولذلك فإن اإلمام الخميني& رفض إطالق الرواية (بمعنى أن!!ه ق!!د‬
‫فسَّر عبارة «فال توبة له» بمعنى «ال يُستتاب»)‪ ،‬بل اعتبرها مثل س!!ائر‬
‫الروايات األخرى‪ ،‬التي ك!!انت ت!!دلّ على أن المرت!!دّ الملّي يُس!!تتاب وال‬
‫يُقْتَل‪ ،‬وأما المرتدّ الفطري فال يُستتاب‪ ،‬وأن على اإلم!!ام أن يقتل!!ه دون‬
‫استتابةٍ‪ .‬قال‪« :‬الظاهر أن الصحيحة نظير غيره!!ا من الرواي!!ات ال!!واردة‬
‫في الباب‪ ،‬الدالّة على أن المرتدّ الملّي يستتاب وال يُقْتَ!!ل‪ ،‬والفط!!ري ال‬
‫يستتاب‪ ‌،‬وعلى اإلمام أن يقتله بال استتابةٍ‪ .‬فال إطالق فيها»(‪.)278‬‬
‫وقد احتمل السيد الموسوي األردبيلي في تفسير عبارة‪« :‬فال توب!!ة‬
‫له» أن مثل هذا الشخص ال يحص!ل ل!ه إمك!!ان الرج!وع عن ارت!!داده‪ ،‬وال‬
‫يُوفَّق إلى ذلك؛ أو يحتمل أن تك!!ون ه!!ذه الرواي!!ة في مق!!ام التش!!ديد‬
‫والمبالغة في الكفر‪ .‬كما نجد ما يُش!!به ذل!!ك في الكث!!ير من الرواي!!ات‬
‫األخرى أيضاً(‪.)279‬‬

‫د ـ الدليل األصل لرفع حكم القتل‬


‫وباإلضافة إلى هذه األدلّة‪ ،‬فإن الدليل األص!!ليّ ال!!ذي يمكن لن!!ا أن‬
‫نذكره في مورد رفع حكم القتل عن المرتدّ الفطري الذي يتوب قب!ل أن‬
‫تطاله يد الحاكم الشرعي هو تعارض هذه الرواية مع بعض الروايات في‬
‫مورد المرتدّ‪ .‬ومن ذلك‪ ،‬على سبيل المثال‪ :‬ما جاء في رواية محم!!د بن‬
‫مرس!! الً‬
‫َ‬ ‫مسلم‪ ،‬عن اإلمام أبي جعفر الباقر× أنه قال‪« :‬مَنْ جح!!د نبيّ!!اً‬
‫نبوّته‪ ،‬وكذَّبه‪ ،‬فدمُه مباحٌ»‪ ،‬قال‪ :‬فقلتُ له‪ :‬أرأيْتَ مَنْ جح!!د اإلم!!ام‬
‫منكم‪ ،‬ما حاله؟ فقال‪« :‬مَنْ جحد إمام!!اً ب!!رئ من اهلل‪ ،‬وب!!رئ من!!ه ومن‬
‫دينه‪ ،‬فهو كافرٌ مرت!!دّ عن اإلس!!الم؛ ألن اإلم!!ام من اهلل‪ ،‬ودين!!ه دين اهلل‪،‬‬
‫ومَنْ برئ من دين اهلل فهو كافرٌ‪ ،‬ودمُه مباحٌ في تل!!ك الح!!ال‪ ،‬إالّ أن‬
‫يرجع ويتوب إلى اهلل ـ عزَّ وجلَّ ـ ممّا قال»(‪.)280‬‬
‫وعلى الرغم من اشتمال هذه الرواية على عمومٍ‪ ،‬إالّ أنه!!ا تع!!ارض‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪145‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫الرواية التي ورد التعبير فيه!!ا بـ «فال توب!!ة له»‪ ،‬بحيث لم يتمّ في أيٍّ‬
‫من الروايات ذكرُ ما إذا كان المرتدّ فطريّاً أو ملِّياً‪ ،‬وفي إحداها يتمّ‬
‫قبول توبة المرتدّ مطلقاً‪ ،‬وفي األخرى يتمّ رفض توبة المرتدّ مطلقاً‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬لو قيل‪ :‬إنه يجب الرجوع في هذا المورد إلى الروايات ال!!تي‬
‫تميِّز بين المرتدّ الفطري والمرتدّ الملّي فسوف نقول‪ :‬إنه لم يرِدْ في‬
‫تلك الروايات بحثٌ عن التوبة من قِبَل الشخص المرتدّ‪ ،‬وما إذا ك!!انت‬
‫تقبل توبته أم ال‪ ،‬بل إن البحث فيها عن االستتابة من قِبَ!!ل الح!!اكم‪ ،‬وإن‬
‫موضوع االستتابة يكون لما بعد إثبات االرت!!داد‪ .‬بَيْ!!دَ أن موض!!وع ه!!ذه‬
‫الرواية التي يستند! إليها الفقهاء في إثبات عدم قبول التوب!!ة من المرت!!دّ‬
‫عن فطرةٍ هو بحث مطلق التوبة من قِبَ!!ل الش!!خص المرت!!دّ‪ .‬وبعب!!ارةٍ‬
‫أخرى‪ :‬إن التوبة قبل إثبات االرتداد تدخل ضمن دائرة منطقة الف!!راغ من‬
‫الروايات‪ ،‬والتي ال يوجد فيها أيّ حكمٍ صريح في الروايات عليه!!ا‪ ،‬ويجب‬
‫اتّخاذ القرار في موردها على أساس إطالقات وعمومات اآليات والروايات‪.‬‬
‫وعليه إذا كانت الروايتان متعارضتين من جميع الجه!ات وجب البحث عن‬
‫وج!!هٍ ل!!ترجيح إح!!داهما على األخ!!رى‪ .‬وال!!ذي يمكن االس!!تفادة من!!ه‬
‫كمرجِّحٍ هو موافقة الروايات آليات القرآن الكريم‪ .‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬لو‬
‫فسَّرنا عبارة‪« :‬فال توبة له» بمعناها الحقيقي‪ ،‬واعتبرناها بشكلٍ مطل!!ق‪،‬‬
‫فسوف تتعارض مع آيات مطلق التوبة‪ ،‬وآي!!ات التوب!!ة في ب!!اب االرت!!داد‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن الرواية المتقدِّمة يجب أن تكون ناظرةً إلى التوبة‬
‫بعد إقامة البيِّنة عند الحاكم‪ ،‬وليس قبلها‪ ،‬وفي مثل هذه الحالة لو ت!!اب‬
‫المرتدّ الفطري قبل إقامة البيِّنة سوف يتمّ رفع الحدّ عنه‪.‬‬
‫هـ ـ آيات القرآن وقبول توبة المرتدّ‪ ،‬بين التصريح والتلويح‬
‫ق!!ال اهلل تع!!الى في الق!!رآن الك!!ريم‪﴿ :‬قُ!!لْ يَ!!ا عِبَ!!ادِيَ الَّ!!ذِينَ‬
‫أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ال تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اهللِ إِنَّ اهللَ يَغْفِرُ‬
‫الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾ (الزمر‪.)53 :‬‬

‫‪ 146‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫إن األدلّة النقلية والعقلية على قبول التوب!!ة الحقيقي!!ة‪ ،‬بالش!!رائط‬


‫المق!!رَّرة من قِبَ!!ل اهلل س!!بحانه وتع!!الى‪ ،‬بحيث ال يمكن تخصيص!!ها أو‬
‫تقييدها‪ .‬وإن المورد الوحيد الذي ال تنفع معه التوبة أن يشارف الش!!خص‬
‫على الموت ويحتضر؛ إذ يق!!ول تع!!الى‪﴿ :‬وَلَيْسَ! تِ التَّوْبَ!!ةُ لِلَّ!!ذِينَ‬
‫يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَ!!وْتُ قَ!!الَ إِنِّي‬
‫تُبْتُ اآلنَ‪( ﴾...‬النساء‪.)18 :‬‬
‫وباإلضافة إلى ذلك‪ ،‬هن!اك بعض اآلي!!ات األخ!رى ال!!تي ت!!دلّ على‬
‫قبول توبة المرتدّ تلويحاً‪ ،‬ومنها‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬وَمَنْ يَرْتَ!!دِدْ مِنْكُمْ‬
‫عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِ!كَ حَبِطَتْ أَعْمَ!الُهُمْ فِي‬
‫الدُّنْيَا وَاآلخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّ!!ارِ هُمْ فِيهَ!!ا خَالِ!!دُونَ﴾‬
‫(البقرة‪ ،)217 :‬بتقريب أن كلم!!ة «حَبِ!!طَ» ت!!دلّ على بطالن العم!!ل‬
‫وعدم تأثيره‪ ،‬ولم يُنْسَب هذا المعنى في القرآن إلى غير العمل(‪ .)281‬وال‬
‫يمكن تفسير معنى حبط األعمال في الدنيا على إجراء األحك!!ام وعقوب!!ات‬
‫المرتدّ‪ ،‬كما ذهب إلى ذلك بعض المفسِّرين(‪ .)282‬وقال الس!!يد ال!!يزدي‬
‫في العروة الوثقى‪ :‬إن ه!!ذه اآلي!!ة ت!!دلّ على قب!!ول التوب!!ة من المرت!!دّ‬
‫الفطري‪ .‬وعليه‪ ،‬ليس هناك وجهٌ لما ذكره البعض! من عدم قب!!ول توب!!ة‬
‫المرتدّ عن فط!!رةٍ(‪ .)283‬إن قي!!د «فيمُتْ وه!!و ك!!افرٌ» يُفْهَم من!ه أن‬
‫هؤالء األشخاص يمكن أن ال يكونوا كافرين أثناء الموت‪ ،‬وهذا األمر يدلّ‬
‫على أن باب التوبة مفتوحٌ‪.‬‬
‫وقال اهلل تعالى‪﴿ :‬وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ اإلِسْالمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَ!!لَ‬
‫مِنْهُ وَهُوَ فِي اآلخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ * كَيْفَ يَهْدِي اهللُ قَوْماً‬
‫كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَ!!انِهِمْ وَشَ! هِدُوا أَنَّ الرَّسُ! ولَ حَ!!قٌّ ‪ * ...‬إِالَّ‬
‫الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اهللَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾‬
‫(آل عمران‪ 85 :‬ـ ‪.)89‬‬
‫تشتمل هذه اآلي!!ة على اس!!تثناء تمّ منح!!ه للمرت!!دّين من الع!!ذاب‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن هذا يدلّ على إمكان قبول التوبة من المرتدّ‪ ،‬ولم ي!!رِدْ قي!!دٌ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪147‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫في مورد تخصيص هذه التوبة بالمرت!دّ الملّي‪ .‬وق!د ذهب بعض الفقه!اء‬
‫إلى القول في مورد هذه اآلية‪« :‬يُس!!تفاد من ه!!ذه اآلي!!ة األخ!!يرة أن اهلل‬
‫سبحانه وتعالى يقبل توبة المرتدّ ـ س!!واء أك!!ان مرت!!دّاً عن فط!!رةٍ أو‬
‫مرتدّاً عن ملّة ـ؛ وذلك إذ ورد في اآلية ‪ 86‬التعبير بـ «كف!!روا بع!!د‬
‫إيمانهم»‪ ،‬والكفر بعد اإليمان أعمّ من أن يكون مسبوقاً بالكفر (المرت!!دّ‬
‫الملّي) أو ال يكون مسبوقاً بالكفر (المرتدّ الفطري)»(‪.)284‬‬
‫وقال بعض المفسِّرين في تفسير هذه اآلية‪« :‬استش!!هدَتْ جماع!!ةٌ‬
‫بهذه اآلية إلثبات عدم قب!!ول توب!!ة المرت!!دّ‪ ،‬إالّ أن ه!!ذا الكالم مخ!!الفٌ‬
‫للتحقيق؛ وذلك ألن األدلّة األربعة‪ ،‬من الكتاب والسنّة واإلجماع والعقل‪،‬‬
‫قائمةٌ على قبول التوبة‪ .‬بل نقول‪ :‬لو لم تُقْبَل توبة المرتدّ فهل يك!!ون‬
‫مكلَّفاً بالتكاليف الشرعية‪ ،‬من قبيل‪ !:‬الص!!الة وس!!ائر العب!ادات‪ ،‬أم ال؟ إنْ‬
‫قلتُم‪ :‬إنه مكلَّف بها كان ه!!ذا من التكلي!!ف بم!!ا ال يُط!!اق؛ ألن اإليم!!ان‬
‫شرطٌ في صحّة جميع العبادات؛ وإنْ قلتُم‪ :‬إنه غير مكلَّف بها كان هذا‬
‫مخالفاً لضرورة اإلسالم‪ .‬ثمّ إن هذه اآلية ال تدلّ على عدم قب!!ول توب!!ة‬
‫المرتدّ»(‪.)285‬‬
‫وج!!اء في تفس!!ير ك!!نز ال!!دقائق‪ ،‬في تفس!!ير قول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬إِالَّ‬
‫الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اهللَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾‬
‫(آل عمران‪« :)89 :‬أي بعد االرتداد‪ ،‬و«أصلحوا» ما أفسدوا‪ ،‬أو دخلوا في‬
‫الصالح‪ !،‬فإن اهلل غفورٌ‪ :‬يقبل توبته‪ ،‬رحيمٌ‪ :‬يتفضَّل عليه»(‪.)286‬‬
‫وجاء في تفسير مجمع البيان‪ ،‬في شأن ن!!زول ه!!ذه اآلي!!ة‪« :‬قي!!ل‪:‬‬
‫نزلت اآليات في رجلٍ من األنصار يُقال له‪ :‬حارث بن سويد بن الص!!امت‪،‬‬
‫وكان قتل المحذّر بن زياد البلوي‪ ،‬غ!!دراً‪ ،‬وه!!رب‪ ،‬وارت!!دّ عن اإلس!!الم‪،‬‬
‫ولحق بمكّة‪ ،‬ثمّ ندم‪ ،‬فأرسل إلى قومه أن يسألوا رسول اهلل|‪ :‬ه!!ل لي من‬
‫توبة؟ فسألوا؛ فنزلت اآلية إلى قوله‪﴿ :‬إِالّ الَّذِينَ تَابُوا﴾؛ فحمله!!ا إلي!!ه‬
‫رجلٌ من قومه‪ ،‬فقال‪ :‬إني ألعلم أنك لصدوقٌ‪ ،‬ورسول اهلل أصدق منك‪،‬‬
‫وأن اهلل أصدق الثالثة‪ ،‬ورجع إلى المدينة‪ ،‬وتاب‪ ،‬وحسن إسالمه»(‪.)287‬‬

‫‪ 148‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫وقال تعالى‪﴿ :‬إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَ!!انِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا‬


‫كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ﴾ (آل عم!!ران‪:‬‬
‫‪.)90‬‬
‫إن هذه اآلية وإنْ كانت تدلّ على عدم قب!!ول التوب!!ة منهم بش!!كلٍ‬
‫دائم‪ ،‬ولكنْ حيث إن آي!!ات التوب!!ة ال تقب!!ل التخص!!يص أو التقيي!!د ق!!ال‬
‫المفسِّرون في تفسيرها وتقريبها‪:‬‬
‫‪1‬ـ إن سبب عدم قبول توبتهم أنها ال تقع منهم على وجه اإلخالص؛‬
‫والشاهد على ذلك ما ورد في نهاية ه!!ذه اآلي!!ة من الق!!ول‪« :‬أُولَئِ!!كَ‬
‫هُمُ الضَّالُّونَ»(‪.)288‬‬
‫‪2‬ـ هناك مَنْ فسَّر هذه التوبة بالتوبة التي تكون قبل الموت‪ ،‬وهي‬
‫ال تُقْبَل؛ طبقاً لقوله تعالى‪﴿ :‬وَلَيْسَتِ التَّوْبَ!!ةُ لِلَّ!!ذِينَ يَعْمَلُ!!ونَ‬
‫السَّ! يِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَ! رَ أَحَ!!دَهُمُ الْمَ!!وْتُ قَ!!الَ إِنِّي تُبْتُ‬
‫اآلنَ‪( ﴾...‬النساء‪.)289(»)18 :‬‬
‫‪3‬ـ هناك مَنْ يرى أن التوبة الحقيقي!!ة ال تص!!در عنهم‪ ،‬وإنم!!ا هي‬
‫مجرّد توب!!ة نف!!اقٍ‪ ،‬وليس!!ت توب!ةً حقيقي!ة‪ ،‬ومن هن!!ا فإنه!!ا ال تُقْبَ!!ل‬
‫منهم(‪.)290‬‬
‫وعلى أيّ حال لو أُخ!!ذَتْ ه!!ذه اآلي!!ة على إطالقه!!ا فإنه!!ا تش!!مل‬
‫المرتدّة عن فط!!رةٍ وملّ!!ةٍ أيض!!اً‪ ،‬في حين أن توبته!!ا تُقْبَ!!ل بإجم!!اع‬
‫الفريقين‪.‬‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَ!!رُوا ثُمَّ آمَنُ!!وا ثُمَّ‬
‫كَفَ!!!رُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْ!!!راً لَمْ يَكُنِ اهللُ لِيَغْفِ!!!رَ لَهُمْ وَال‬
‫لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيالً﴾ (النساء‪.)137 :‬‬
‫إن هذه اآلية وإنْ كانت تدلّ على عدم الغفران اإللهيّ للمرت!!دّين‪،‬‬
‫ولكنها تشتمل على بعض النقاط أيضاً‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ طبقاً لهذه اآلية كان هذا الشخص مؤمن!!اً في أوّل األم!!ر‪ ،‬ثمّ‬
‫يكفر‪ ،‬ثمّ يؤمن؛ األمر الذي يُثبت أن توبت!!ه األولى ق!!د قُبِلَت‪ !،‬وق!!د تمّ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪149‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫التعبير عنها بـ «ثمّ آمنوا»‪ .‬ولذلك ذهب بعض فقهاء أهل السنّة ـ في‬
‫ضوء هذه اآلية ـ إلى عدم قبول التوب!!ة من المرت!!دّ إذا تك!!رَّر ارت!!داده‪،‬‬
‫ولكنّ توبته تُقْبَل في المرّة األولى فقط(‪.)291‬‬
‫وقال بعض المفسِّرين في مورد هذه اآلية‪« :‬إن هذه اآلية قد نزلت‬
‫في المرتدّ؛ إما عن ملّةٍ‪ ،‬كما هو ظاهر عبارة‪« :‬إن الذين آمن!!وا»‪ ،‬أنهم‬
‫قد دخلوا إلى اإليم!!ان من الكف!!ر؛ أو األعمّ من الملّي والفط!!ري‪ ،‬بمع!!نى‬
‫األشخاص الذين يكون لهم إيمانٌ‪ ،‬ثمّ يرتدّون بالكفر‪ ،‬ولو بإنكار واح!!دٍ‬
‫من ضروريات الدين‪ ،‬أو بإدخ!!ال بدع!!ةٍ في ال!!دين‪ ،‬ثم ت!!ابوا وع!!ادوا إلى‬
‫اإليم!!ان (ثمّ آمن!!وا)؛ حيث يُس!!تفاد من ه!!ذه الجمل!!ة أن توب!!ة المرت!!دّ‬
‫مقبولةٌ‪ ،‬سواء أكان ملِّياً أم فطرياً‪ .‬وهذا ه!!و الح!!قّ‪ .‬وال يتمّ ت!!رتيب‬
‫أحكام المرتدّ عليه‪ ،‬فيمكنه العودة إلى زوجت!!ه‪ ،‬ويمتل!!ك مال!!ه‪ ،‬ويطه!!ر‬
‫بدنه‪ .‬وأما قتله؛ فإنْ كانت توبته قبل ثبوت ارت!!داده فيُرفَ!!عْ عن!!ه؛ وإنْ‬
‫كانت بعد ثبوت االرتداد فإن!!ه يُقْتَ!!ل إنْ ك!!ان فطريّ!!اً‪ .‬ول!!و أن ه!!ذا‬
‫المرتدّ كفر مرّتين بعد التوبة‪ ،‬وبقي على كف!!ره وارت!!داده حتّى م!ات‬
‫على ذلك ـ كما هو مفاد (ثمّ ازدادوا كُفْراً) ـ فلم يكن اهلل ليغفر له؛‬
‫ألنه مات كافراً‪ ،‬والكافر ال تشمله الرحمة والمغفرة‪ .‬ويُستفاد من ه!!ذه‬
‫العبارة أنه لو مات على اإليمان فسوف تشمله المغفرة»(‪.)292‬‬
‫وقد جاء في تفسير النور أن من أبرز مصاديق هذه اآلية أش!!خاصٌ‬
‫من أمثال‪« :‬شَ! بَث بن ربعي»‪ ،‬حيث ذك!!ر الت!!اريخ أن!!ه أس!!لم في زمن‬
‫النبيّ|‪ ،‬ثمّ ارتدّ بعد رحيل الن!!بيّ‪ ،‬ثمّ ت!!اب وص!!ار من أص!!حاب عليٍّ×‪،‬‬
‫وبعد ذلك قاد الخوارج وأثار حرب النهروان‪ ،‬وتاب بعد ذلك وص!!ار من‬
‫أصحاب اإلم!!امين الحس!!ن والحس!!ين’‪ ،‬وك!!ان من ال!!ذين ك!!اتبوا اإلم!!ام‬
‫الحسين×‪ ،‬ولكنّه غدر في الكوفة بمسلم بن عقي!!ل‪ ،‬وانض!!مّ في ك!!ربالء‬
‫إلى معس!!كر يزي!!د‪ ،‬وب!!نى مس!!جداً في الكوف!!ة احتف!!اءً بقت!!ل اإلم!!ام‬
‫الحسين×(‪.)293‬‬
‫وفي قوله تعالى‪﴿ :‬مَنْ كَفَ!!رَ بِاهللِ مِنْ بَعْ!!دِ إِيمَانِ!!هِ‪ ...‬ثُمَّ‬

‫‪ 150‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَ!!اجَرُوا مِنْ بَعْ!!دِ مَ!ا فُتِنُ!!وا ثُمَّ جَاهَ!دُوا‬
‫وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النح!!ل‪ 106 :‬ـ‬
‫‪ )110‬جاء ذكر المغفرة بعد بضع آياتٍ تتحدَّث عن الكفر بعد اإليم!!ان‪،‬‬
‫وأن التوبة تُقْبَل بعد مراحل‪.‬‬
‫وقد قال صاحب تفسير أطيب البيان‪ :‬إن ه!!ذه اآلي!!ات ص!!ريحةٌ في‬
‫قبول توب!!ة المرت!!دّ الملّي والفط!!ري‪ ،‬وفسَّ! ر «الفتنة» بمع!!نى الكف!!ر‬
‫والشرك واالرتداد(‪.)294‬‬

‫و ـ فتاوى فقهيّة مؤيِّدة‬


‫قال المحقِّق الحلّي في شرائع اإلسالم‪ ،‬في ش!!ارب الخم!!ر معتق!!داً‬
‫حلِّيته‪ :‬إنه يُستتاب‪ ،‬فإنْ تاب أُجري علي!!ه ح!!دّ ش!!ارب الخم!!ر‪ ،‬وإنْ لم‬
‫يتُبْ قُتل؛ لما قيل من أن حكمه هو حكم المرتدّ(‪.)295‬‬
‫كما نُسب القول باستتابة هذا الش!!خص ـ دون النظ!!ر إلى كون!!ه‬
‫مرتدّاً فطريّاً أو ملِّياً ـ إلى الش!!يخ المفيد(‪ ،)296‬والش!!يخ الطوسي(‪،)297‬‬
‫و[صاحب] الوسيلة(‪ ،)298‬وابن إدريس الحلّي(‪ .)299‬وقالوا بأن دلي!!ل ذل!!ك‬
‫هو إمكان عروض الش!!بهة‪ .‬وعلي!!ه‪ ،‬فإن!!ه بن!!اءً لـ «قاع!!دة دَرْء الح!!دود‬
‫بالشبهات» يُستتاب‪ !،‬فإنْ امتنع قُتل‪.‬‬
‫ومع وجود مثل هذه الفتاوى كيف يُحكم على المرتدّ الفط!!ريّ ـ‬
‫الذي يتوب قبل ثبوت ارتداده عند الحاكم ـ بالقتل وعدم قبول توبته؟ أال‬
‫يُحتَمَل إمكان عروض الشبهة في مورد هذا الشخص أيضاً؟ يبدو أن ه!!ذا‬
‫الشخص ـ بالنظر إلى وجود الشُّبْهة ـ يجب أن يك!!ون مش!!موالً لقاع!!دة‬
‫«دَرْء الحدود بالشُّبُهات» أيضاً‪ ،‬فإنْ امتنع قُتل‪.‬‬
‫ز ـ صدق عنوان المسلم على المرت ّد التائب‪6‬‬
‫ورد في المأثور عن اإلمام الباقر× أنه قال‪« :‬إنه مَنْ ك!!ان مؤمن!!اً‬
‫فحجَّ‪ ،‬وعمل في إيمانه‪ ،‬ثمَ أصابته في إيمانه فتنةٌ‪ ،‬فكفر‪ ،‬ثمّ تاب وآمن‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪151‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫يُحْسَب له كلّ عملٍ صالح عمله في إيمانه‪ ،‬و ال يبطل منه شيءٌ»(‪.)300‬‬
‫وعلى هذا األساس فإن الذي يتوب‪ ،‬ويعود إلى اإليمان بع!!د االرت!!داد‪،‬‬
‫ولم يُجْرَ عليه الح!!دّ؛ أليّ س!!ببٍ من األس!!باب‪ ،‬ال يمكن اعتب!!اره غ!!يرَ‬
‫مس!!لمٍ‪ .‬والمش!!هور بين الفقه!!اء أن الحجّ ال!!ذي ق!!ام ب!!ه ح!!ال االرت!!داد‬
‫صحيحٌ(‪.)301‬‬
‫وقال الشيخ األنصاري ـ استناداً إلى هذه الرواي!!ة ـ ب!!أن الش!!خص‬
‫الذي يغتسل‪ ،‬ثمّ يرتدّ‪ ،‬ثمّ يتوب بعد ال!!ردّة‪ ،‬فغس!!لُه ص!!حيحٌ‪ ،‬ويحص!!ل‬
‫على ثواب عمله أيضاً(‪.)302‬‬
‫كما ذُكِرَتْ هذه الرواية في بابٍ آخر‪ ،‬تحت عنوان‪« :‬باب صحّة‬
‫التوبة من المرتدّ»‪ ،‬دون أن يَرِدَ فيها الحديث عن الحجّ(‪ ،)303‬واعتبرَتْ‬
‫مطلق التوبة موجباً الحتساب أعماله الصالحة التي قام بها قبل الردّة‪.‬‬

‫ح ـ تكليف المرت ّد التائب بالعبادات‪6‬‬


‫ال شَكَّ في أن المرتدّ‪ ،‬بعد التوبة والع!!ودة إلى اإلس!!الم‪ ،‬يك!!ون ـ‬
‫مثل سائر المسلمين ـ مكلَّفاً بالقيام بجمي!!ع األحك!!ام اإلس!!الميّة‪ ،‬مث!!ل‪:‬‬
‫الصالة والصوم‪ ،‬ويرث المسلمين‪ !،‬ويجوز ل!!ه أن ينكح المس!!لمة‪ ،‬وم!!ا إلى‬
‫ذلك‪ .‬وإن إنكار هذه األمور إنكارٌ لضرورة الفقه(‪ .)304‬وفي هذه الحال!!ة‬
‫يجب االلتزام بإسالمه وطهارته‪ ،‬وهذا هو الذي ندَّعيه؛ أو نلتزم بنجاس!!ة‬
‫بدنه‪ ،‬وتطبيق سائر أحك!!ام الكفّ!!ار علي!!ه‪ ،‬وعن!!دها يك!!ون ص!!دور تل!!ك‬
‫التكاليف من!!ه مح!!االً؛ إذ كي!ف يمكن للمحك!وم بنجاس!!ته‪ ،‬وال يس!!تطيع‬
‫تطهير بدنه‪ ،‬أن يكون مكلَّفاً بالصالة وسائر األمور األخ!!رى المش!!روطة‬
‫بالطهارة؟! وكيف يمكن لمثل هذا الش!!خص أن ي!!تزوَّج من المس!!لمة؟!‬
‫وعلى هذا األساس ـ حيث إن أدلّة التكليف نصٌّ‪ !،‬وال يمكن إخراج المرتدّ‬
‫عنها ـ فإننا نحمل رواية عدم قبول التوبة من المرت!!دّ على ع!!دم قبوله!!ا‬
‫في المحكمة‪ ،‬ال أنها ال تُقْبَل مطلقاً(‪.)305‬‬
‫كما أن فتاوى الفقهاء ـ في بحث قض!!اء العب!!ادات‪ ،‬مث!!ل‪ :‬الص!!الة‬

‫‪ 152‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫والصوم ـ تؤيِّد بدَوْرها هذه المسألة أيضاً؛ إذ قالوا‪ :‬إن على المرتدّ إذا‬
‫تاب أن يقضي الصالة التي فاتَتْه ح!!ال االرت!!داد‪ ،‬حتّى إذا ك!!ان ارت!!داده‬
‫فطريّ!!اً‪ .‬وق!!د ادّعى بعض الفقه!!اء ـ من أمث!!ال‪ :‬الس!!يد المرتض!!ى في‬
‫المسائل الناصريّات ـ اإلجماع على هذه المسألة‪ .‬وهذا إنما يصحّ إذا كنّا‬
‫نق!!ول بقب!!ول توب!!ة المرت!!دّ الفط!!ري(‪ .)306‬ب!!ل ق!!ال المحقِّ!!ق الحلّي‪:‬‬
‫«المرتدّ ال يبطل تيمُّمه بردّته‪ ،‬ولو رجع إلى اإلس!!الم ص!!لّى بتيمُّم!!ه‬
‫األوّل‪...‬؛ ألن نقض الطه!!ارة موق!!وفٌ على الدالل!!ة‪ ،‬وحيث ال دالل!!ة فال‬
‫نقض»(‪ .)307‬وقال المحقِّق األردبيلي‪« :‬لم يثبت عدم قبول توبة المرت!!دّ‬
‫مطلقاً»(‪)308‬؛ إذ لم يرِدْ في كتب المتقدِّمين بحث مطلق توبة المرت!!دّ‪،‬‬
‫وإنما التوبة تعرض من الح!!اكم (االس!!تتابة)‪ .‬وق!!ال في موض!!عٍ آخ!!ر‪:‬‬
‫« يُحتَمَل أنه [المرتدّ الفطري] إنْ تاب في نفس األمر يرجع ماله إلي!!ه‪،‬‬
‫لو خرج‪ ،‬ولم يُقْتَل»(‪.)309‬‬
‫وباإلضافة إلى ما تقدَّم‪ ،‬يمكن التمسُّك لرفع حكم القتل بقاعدةٍ‬
‫عامّة‪ ،‬قَبِل بها جميع الفقهاء‪ .‬وعلى أساس هذه القاعدة لو ارتكب شخصٌ‬
‫عمالً محرَّماً يستوجب! الحدّ‪ ،‬وثبت أنه تاب قبل عَرْض!!ه على القاض!!ي‪،‬‬
‫رُفع ذلك الحدّ عنه‪.‬‬
‫وقد تمّ التمسُّك لذلك برواي!!اتٍ‪ ،‬منه!!ا‪ :‬الرواي!!ة المش!!هورة عن‬
‫النبيّ األكرم| أنه قال‪« :‬التائب من الذنب كمَنْ ال ذَنْبَ له»(‪.)310‬‬
‫وفي وسائل الشيعة‪ ،‬تحت عنوان‪« :‬إن مَنْ تاب قبل أن يُؤخَذ سقط‬
‫عنه الحدّ»‪ ،‬رواياتٌ‪ ،‬منها‪ :‬الرواية القائلة‪« :‬عن أحدهما’‪ :‬في رجلٍ سرق‬
‫أو شرب الخمر أو زنى ـ فلم يُعْلَم ذلك من!!ه‪ ،‬ولم يُؤخَ!!ذ‪ ،‬حتّى ت!!اب‬
‫وص!لح ـ‪ ،‬فق!ال‪ :‬إذا ص!لح وعُ!رِفَ من!ه أم!رٌ جمي!ل‪ ،‬لم يُقَمْ علي!ه‬
‫الحدّ»(‪ .)311‬وعلى ال!!رغم من ورود ه!!ذه الرواي!!ة في العن!!اوين الثالث!!ة‬
‫(السرقة‪ ،‬والزنا‪ ،‬وش!!رب الخم!ر)‪ ،‬بَيْ!!دَ أن الفقه!اء ق!د اس!تفادوا منه!ا‬
‫العموم‪ !،‬وقاموا بتسريتها إلى جمي!!ع الح!!دود‪ .‬ق!!ال المحقِّ!!ق الحلّي في‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪153‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫شرائع اإلسالم‪ :‬مَنْ تاب قبل قيام البيِّنة عليه س!!قط عن!!ه الح!!دّ‪ .‬وق!!ال‬
‫صاحب الجواهر‪ ،‬تعليقاً على هذا الكالم‪ !:‬لم أرَ مخالفاً في هذه المس!!ألة‪،‬‬
‫بل في كشف اللثام دعوى اتّفاق جميع الفقهاء عليها(‪.)312‬‬
‫واآلن‪ ،‬لو ت!!اب المرت!!دّ ه!!ل يجب علي!!ه رف!!ع أم!!ره إلى الح!!اكم‬
‫الشرعيّ؛ كي يعاقبه‪ ،‬أم وظيفته الكتمان‪ ،‬كما في سائر الذنوب؟‬
‫قال السيد محمد كاظم ال!!يزدي في ذل!!ك‪« :‬ال يجب على المرت!!دّ‬
‫الفطريّ بعد التوبة تعريض نفسه للقتل‪ ،‬بل يجوز له الممانعة منه»(‪.)313‬‬
‫ي‬
‫‪2‬ـ الدليل الثانوي لقبول توبة المرت ّد الفطر ّ‬
‫يجب القول‪ :‬حتّى ل!!و ثبتَتْ توب!!ة المرت!!دّ ل!!دى الح!!اكم فإن!!ه؛‬
‫بااللتفات إلى األدلّة التي سبق أن ذكرناها في مقالة «االرت!!داد الحُكْميّ‬
‫والحكوميّ»‪ ،‬يمكن للحاكم‪ ،‬فيما لو ت!!اب المرت!!دّ‪ ،‬وإذا ك!!ان في ذل!!ك‬
‫ص!!الحٌ‪ ،‬وت!!وفَّرَتْ الش!!رائط والمقتض!!يات في المجتم!!ع اإلس!!الميّ‬
‫والمجتمع العالميّ‪ ،‬أن يقبل توبته‪.‬‬
‫ويمكن العثور على دليل ذلك في حفظ النظام اإلسالميّ؛ فإذا أمكن‬
‫ضمان مصالح النظام اإلسالميّ بهذه الطريقة وجب على الحاكم الشرعيّ‬
‫أن يراعي هذه المصالح‪ .‬وعلي!!ه‪ ،‬يمكن في م!!ورد رعاي!!ة مص!!الح النظ!!ام‬
‫اإلسالميّ والمجتمع إلغاء أحكام المرتدّ‪ ،‬من قبيل‪ :‬القتل‪ ،‬وما إلى ذلك‪.‬‬
‫وهناك شواهد على هذه المسألة‪ ،‬من آيات القرآن الكريم والروايات‪،‬‬
‫يمكن لنا بيانها على النحو التالي‪:‬‬
‫‪1‬ـ قال تعالى بشأن ارتداد عددٍ من المسلمين‪﴿ !:‬الَ تَعْتَ!!ذِرُوا قَ!!دْ‬
‫كَفَرْتُمْ بَعْ!!دَ إِيمَ!!انِكُمْ إِنْ نَعْ!فُ عَنْ طَائِفَ!ةٍ مِنْكُمْ نُعَ!!ذِّبْ‬
‫طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ﴾ (التوبة‪.)66 :‬‬
‫وهناك بشأن هذه الجماعة من الذين ارتدّوا قوالن‪:‬‬
‫قال بعضٌ‪ :‬إن هؤالء كانوا من المنافقين‪ ،‬وقد خطَّطوا بعد واقع!ة‬
‫تبوك الغتيال النبيّ األكرم في بعض الطري!!ق‪ ،‬أو أنهم ك!!انوا من!!افقين‬
‫يسخرون من النبيّ األكرم| في تبوك‪ ،‬أو في طريق العودة منها(‪.)314‬‬

‫‪ 154‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫وإن عباراتٍ‪ ،‬من قبيل‪« :‬كفرتُمْ بعد إيمانكم»‪ ،‬و«لقد قالوا كلمة‬
‫الكفر»‪ ،‬و«كفروا بعد إسالمهم»‪ ،‬في اآلية ‪ 74‬من ه!!ذه الس!!ورة‪ ،‬ت!!دلّ‬
‫على كفرهم وارتدادهم عن اإلسالم‪.‬‬
‫ومع ذلك تمّ الحكم على بعضهم بالعقوبة؛ وعلى بعضهم بالعفو‪.‬‬
‫قال العالّمة الطباطبائي في تفسير هذه اآلي!!ة‪« :‬إن الم!!راد ب!!العفو‬
‫هو ترك العذاب؛ لمصلحةٍ من مصالح الدِّين‪ ،‬دون العفو بمعنى المغف!!رة‪،‬‬
‫المستندة! إلى التوبة؛ إذ ال وجه ـ ظ!!اهراً ـ لمث!!ل قولن!!ا‪« :‬إنْ غفرن!!ا‬
‫لطائفةٍ منكم؛ لتوبتهم‪ ،‬نعذِّب طائفةً؛ لجرمهم»‪ ،‬م!!ع أنهم [المن!!افقون]‬
‫لو تابوا جميعاً لم يعذَّبوا قطعاً»(‪.)315‬‬
‫وبعد نزول هذه اآلية قال رسول اهلل|‪« :‬لوال أنّي أك!!ره أن يُق!!ال‪:‬‬
‫«إن محم!!داً اس!!تعان بق!!ومٍ‪ ،‬حتّى إذا ظف!!ر بع!!دوِّه قتلهم» لض!!ربت‬
‫أعناقهم»(‪ .)316‬إن هذا الكالم من النبيّ األكرم| يثبت أن عدم مبادرته إلى‬
‫العقوبة كان بدافعٍ من مصلحة اإلسالم والنظام اإلسالمي الفتيّ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تشير اآليات المرتبطة بارتداد بني إس!!رائيل إلى اختالف أحك!!ام‬
‫المرتدّين في األمم السالفة‪ ،‬بمعنى أن حكم االرتداد لم يتمّ تطبيق!!ه على‬
‫جميع اإلسرائيليّين على ذات النَّسَق‪ .‬وإن السامريّ ال!!ذي ارت!!دّ‪ ،‬وص!!ار‬
‫سبباً الرتداد اآلخرين‪ ،‬عوقب بعقابٍ غير القتل؛ إذ قال له الن!!بيّ موسى×‪،‬‬
‫على ما حكاه القرآن الكريم‪ ﴿ :‬قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ‬
‫تَقُولَ ال مِسَاسَ وَإِنَّ لَ!!كَ مَوْعِ!!داً لَنْ تُخْلَفَ!!هُ وَانْظُ!!رْ إِلَى‬
‫إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّ!!هُ ثُمَّ لَنَنْسِ! فَنَّهُ‬
‫فِي الْيَمِّ نَسْفاً﴾ (طه‪ .)97 :‬وأما سائر الذين عب!!دوا لعج!!ل فق!!د حكم‬
‫عليهم بالقتل‪ ،‬وقال لهم النبيّ موسى×‪ ،‬على ما حكاه القرآن الكريم‪﴿ :‬يَ!!ا‬
‫قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُ!!وا إِلَى‬
‫بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ‬
‫عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة‪.)54 :‬‬
‫‪3‬ـ وفي المورد اآلخر ارتدّ الحارث بن سويد ـ وكان من أص!!حاب‬
‫النبيّ األكرم| ـ‪ ،‬مع أحد عشر شخص!!اً من أص!!حابه‪ ،‬وف!!رُّوا إلى مكّ!!ة‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪155‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫ولكنْ بعد فتح مكّة تاب بعضهم‪ ،‬وعاد إلى اإلسالم‪ ،‬وقُبِلَتْ توبتهم(‪.)317‬‬
‫‪4‬ـ ويمكن العث!ور على المث!ال األب!رز على المص!لحة في س!لوك‬
‫البُغ!!اة‪ ،‬فعلى ال!!رغم من أنهم ك!!انوا من بين المص!!اديق الب!!ارزة على‬
‫االرتداد‪ ،‬إالّ أن اإلم!!ام أبقى على ب!!اب التوب!!ة مفتوح!!اً أم!!امهم‪ ،‬وقَبِ!!ل‬
‫ت!!وبتهم‪ ،‬دون أن يس!!ألهم م!!ا إذا ك!!انوا ق!!د وُل!!دوا من مس!!لمين أو من‬
‫كافرين‪.‬‬
‫قال المحقِّق المجلسي في هذا الشأن‪« :‬لقد كان اإلمام× يقبل توبة‬
‫الخ!!وارج‪ ،‬رغم أنهم ك!!انوا من أس!!وأ! الكف!!ار وأخبثهم‪ ،‬ولم يكن اإلم!!ام‬
‫يسألهم عن أصولهم‪ ،‬وما إذا كانوا منح!!درين من مس!!لمين أو ك!!افرين‪،‬‬
‫ولم يكُنْ يلتفت إلى كَوْن ارتدادهم عن فط!!رةٍ أو عن ملّ!!ة‪ .‬ولرُبَم!!ا‬
‫قيل‪ :‬إن األوضاع في صدر اإلسالم كانت تختلف عن المراحل المتأخِّرة؛‬
‫وذلك ألن الناس في الصدر األوّل كانوا قد تعرَّفوا على اإلسالم حديثاً‪،‬‬
‫ولو تمّ التعامل معهم بهذه الشدّة لم يبْقَ منهم أحدٌ»(‪.)318‬‬
‫كما أن صاحب جواهر الكالم يُقِ!!رّ ب!!أن المتم!!رِّدين على اإلم!!ام‬
‫المعصوم!× مرتدّون‪ ،‬وإن الكثير منهم كانوا مرت!!دّين عن فط!!رةٍ‪ ،‬وه!!و‬
‫يقرّ بأن اإلمام× قد غضَّ الطرف عنهم‪ ،‬بل وقد اعت!!بر الش!ُّ بْهة عُ!!ذْراً‬
‫لهم(‪.)319‬‬
‫وقال الشهيد الثاني بشأن البُغاة‪« :‬أما البغاة ف!!إنهم عن!!دنا كفّ!!ارٌ‬
‫مرتدّون‪ ،‬فقد يطلب نقلهم إلى اإلسالم مع اإلمكان‪ .‬ف!!إنْ قيل‪ :‬إذا ك!!انوا‬
‫مرتدّين فارتدادهم فطريّ‪ ،‬فكيف يطلب إسالمهم‪ ،‬مع أن!!ه ال يقب!!ل توب!!ة‬
‫هذا القسم من المرتدّين عندنا؟! قلنا‪ :‬قد قبل عليٌّ× توب!!ة مَنْ ت!!اب من‬
‫الخوارج‪ ،‬وهو أكثرهم‪ ...‬وهذا يدلّ على أن له!!ذا الن!!وع من المرت!!دّين‬
‫حكماً خاصّاً‪ .‬وجاز أن يكون السبب ـ م!!ع النصّ ـ تمكُّن الشُّ! بْهة من‬
‫قلوبهم»(‪.)320‬‬
‫‪5‬ـ كما أن النبي األكرم| أصدر عَفْواً عامّاً‪ ،‬واس!!تثنى من ذل!!ك‬
‫ستّة أشخاص فقط‪ ،‬اعتبرهم مستحقّين للقتل‪ .‬ومن هؤالء الس!!تّة أس!!لم‬
‫عكرمة‪ ،‬وعفا عنه النبيّ؛ وأما عبد اهلل بن سعد فقد ارت!!دّ وأنك!!ر الكت!!اب‬

‫‪ 156‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫والوَحْي‪ ،‬والتحق بالمشركين‪ ،‬وحكم عليه النبيّ بالقتل‪ ،‬ولكنّ عثم!!ان ـ‬


‫وهو كان أخاه في الرضاعة ـ طلب له العفو من النبيّ‪ ،‬فعفا عنه الن!!بيّ‪،‬‬
‫عن غير رغبةٍ‪ ،‬ورعايةً للمصلحة(‪.)321‬‬
‫‪6‬ـ هناك من الفقهاء مَنْ ال يعتبر االرت!!داد الجم!!اعيّ‪ ،‬الناش!!ئ عن‬
‫تسمُّم األجواء الفكريّة للمجتمع‪ ،‬مش!!موالً لألحك!!ام الفقهيّ!!ة الخاصّ! ة‬
‫باالرتداد‪ ،‬ويقول في ذلك‪« :‬إذا كان ارتداد المرتدّ الفطريّ عن ش!!بهةٍ‪،‬‬
‫بحيث شكَّلَتْ عقبةً دون اعتقاده‪ ،‬فإنّ توبته تُقْبَل»(‪.)322‬‬
‫وقال الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ـ وهو من الفقهاء المعاصرين ـ‬
‫في هذا الشأن‪ :‬إن الروايات التي تذكر مسألة الدعوة إلى التوبة بالنس!!بة‬
‫إلى المرتدّ بشكلٍ مطلق ال تختصّ بالمرت!!د الملّي‪ ،‬بمع!!نى أنه!!ا تش!!مل‬
‫المرت!!دّ الفط!!ري أيض!!اً‪ .‬وفي مق!!ام الجم!!ع بين ه!!اتين الط!!ائفتين من‬
‫الروايات هناك احتماالتٌ مختلفة‪ ،‬بَيْ!!دَ أنن!!ا نحتم!!ل أن الطائف!!ة األولى‬
‫(عدم االستتابة) تخصّ األشخاص ال!!ذين يس!!لكون طري!!ق االنح!!راف عن‬
‫لش!! بْهةٍ أو‬
‫علمٍ‪ ،‬والطائف!!ة الثاني!!ة تخصّ أولئ!!ك ال!!ذين تعرَّض!!وا ُ‬
‫لتشويشٍ؛ بتأثير من اإلعالم المغرض‪ ،‬والصادر من طرفٍ واح!!د؛ حيث ال‬
‫يتمّ تط!!بيق الح!!دود في غ!!ير الم!!وارد القطعيّ!!ة؛ ألن الح!!دود تُ!!دْرَأ‬
‫بالشُّبُهات(‪.)323‬‬
‫‪7‬ـ كما يمكن لنا أن نقارن بين تعامل اإلمام الخميني& مع الجبه!!ة‬
‫الوطنية وتعامله مع سلمان رشدي‪ .‬لقد ذهبت الجبهة الوطنية إلى اعتب!!ار‬
‫حكم القصاص ـ الذي ورد في صريح نصّ القرآن الكريم ـ حكماً مخالفاً‬
‫للنزعة اإلنس!!انيّة‪ ،‬وأعلن!!وا عن اعتراض!!هم على ق!!انون القص!!اص‪ ،‬وأعلن‬
‫اإلمام عن ارتدادهم‪ ،‬حيث قال‪« :‬إنّه ليحزنني أن يحف!!ر ه!!ؤالء قب!!ورهم‬
‫بأيديهم‪ .‬وأنا لم أكُنْ أتمنّى ذلك لهم‪ .‬وأنا اآلن أقبل توبتهم‪ ،‬واإلسالم‬
‫يقبل التوبة منهم‪ ،‬فليذهبوا وليعلنوا عن توبتهم في اإلذاعة أو التلفزيون‪،‬‬
‫وليقولوا‪ :‬إنهم ك!انوا مخط!ئين‪ ...‬إن الجبه!ة الوطني!ة هي من!ذ الي!وم‬
‫محكومٌ عليها باالرتداد‪ ،...‬وحتى اليوم الذي تفتح فيه القبور ألجس!!ادكم‬
‫سوف تجدون باب التوبة مفتوحاً‪ .‬إن رحم!!ة اهلل واس!!عةٌ‪ ،‬وإني أدع!!وكم‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪157‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫إلى التوبة‪ ،...‬عودوا‪ ،‬وسوف تُقْبَل توبتكم جميعاً‪.)324(»...‬‬


‫إن الذي يمكن قوله‪ ،‬بضرسٍ قاطع‪ ،‬هو أن الكثير من أعضاء الجبه!ة‬
‫الوطنية كانوا مسلمين بالفطرة‪ ،‬إالّ أن اإلمام& قال ب!!أن اإلس!!الم يقب!!ل‬
‫توبتهم‪.‬‬
‫وفي مقابل هذا الموقف حكمُ اإلمام& على سلمان رشدي باالرت!!داد‪.‬‬
‫وفي جوابه عن اإلعالم األجن!!بيّ‪ ،‬ال!!ذي ادّعى أن س!!لمان رش!!دي إذا ت!!اب‬
‫فسوف يُدْرَأ عنه حكم اإلعدام‪ ،‬قال‪« :‬إننا نكذِّب هذا األمر بالمطلق؛ فإن‬
‫سلمان رشدي حتّى إذا تاب‪ ،‬وأصبح من أزهد أهل زمان!!ه‪ ،‬فإن!!ه يجب على‬
‫كلّ مسلمٍ أن يبذل روحه وماله‪ ،‬وأن يوظِّف جمي!!ع إمكانات!!ه من أج!!ل‬
‫القضاء عليه‪ .)325(»...‬ورُبَما لو لم يَحْظَ كتاب س!!لمان رش!!دي بمث!!ل‬
‫هذا االحتفاء من قِبَل األندية األدبية والفنّية في الغرب‪ ،‬ولم ينتش!!ر في‬
‫فترةٍ قياسية‪ ،‬ويُترْجَم إلى الكثير من اللغات الحيّة في العالم‪ ،‬لما جرح‬
‫مشاعر المجتمعات اإلسالميّة على تلك الش!!اكلة‪ .‬إالّ أن االحتف!!اء غ!!ير‬
‫الطبيعي بكتابٍ من هذا النمط‪ ،‬والذي يخاطب شريحةً غ!!يرَ عادي!!ةٍ‪ ،‬ه!!و‬
‫الذي أدّى باإلمام الخميني& إلى اتّخاذ هذا الموق!!ف الص!!لب من فح!!واه‪،‬‬
‫وأن يصدر عنه هذا الموق!ف تج!اه ه!ذه اإلهان!ة المس!تفزّة للمقدَّس!ات‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪)326‬‬
‫‪.‬‬ ‫لقد ذكر الفقهاء أن الحكمة من قتل المرتدّ هي حفظ ال!!دين‬
‫وعليه‪ ،‬لو تاب المرتدّ الفط!!ري قب!!ل أن يتمكَّن الح!!اكم من!!ه أال تقب!!ل‬
‫توبته؟ وهل الحكم بأنه حتّى إذا تاب ال يُقْبَ!!ل إس!!المه وعبادت!!ه‪ ،‬ويبقى‬
‫على نجاسته‪ ،‬وتطبَّق في حقِّه األحكام الثالث!!ة‪ ،‬ه!!ل يُس!!اعد! ذل!!ك على‬
‫حفظ الدِّين أم يوهنه؟ أليس من األفضل القول ـ بناءً على كالم اإلم!!ام‬
‫الخميني&؛ إذ قال‪« :‬إن الحكومة‪ ،‬التي هي شُ! عْبةٌ من الوالي!!ة المطلق!!ة‬
‫لرسول اهلل|‪ ،‬واحدةٌ من األحكام األوّلية لإلس!!الم‪ ،‬ومقدَّم!!ةٌ على جمي!!ع‬
‫األحكام الفرعيّة‪ ،‬بما في ذلك الص!!الة والص!!وم والحجّ» ـ ب!!أن اتّخ!!اذ‬
‫القرار في مورد توبة المرتدّ يكون بيد الح!!اكم اإلس!!الميّ؛ ليعم!!ل على‬
‫إصدار الحكم بش!!أنه على أس!!اس مقتض!!يات الزم!!ان والمك!!ان والظ!!روف‬

‫‪ 158‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• توبة المرتد الفطري‪ ،‬قراءة فقهية جديدة‬

‫الثقافية والسياسية؟‬

‫النتيجة‬
‫بااللتفات إلى ما تقدَّم‪ ،‬وبحث الروايات المرتبط!!ة بتوب!!ة المرت!!دّ‪،‬‬
‫وآراء الفقهاء حول أحكام المرتدّين‪ ،‬يمكن الوصول إلى نتيج!!ةٍ مفاده!!ا‪:‬‬
‫إن القول بعدم قبول توبة المرتدّ الفطري بالنسبة إلى أعماله المتعلِّق!!ة‬
‫باهلل‪ ،‬من قبيل‪ :‬صحّة عبادته‪ ،‬وعدم طهارت!!ه بع!!د التوب!!ة‪ ،‬ال يتَّف!!ق م!!ع‬
‫اآليات والروايات‪ ،‬كما ال يوافق آراء الفقه!!اء أيض!!اً‪ .‬وإن ه!!ذا الش!!خص‬
‫الذي تاب يكون أهالً حتّى للدخول إلى الجنّة‪.‬‬
‫وأما في ما يتعلَّق بتوبة هذا الشخص بالنسبة إلى رفع حكم القت!!ل‬
‫عنه‪ ،‬وتَبَعاً لذلك رفع سائر األحكام الظاهريّة األخرى؛ فيجب القول في‬
‫ضوء الروايات‪ :‬إن تلك الروايات المتعلِّقة بشخص المرتدّ ـ دون تل!!ك‬
‫الروايات التي تبيِّن وظيفة الحاكم بالنسبة إلى المرتدّ الفطري ـ على‬
‫طائفتين؛ الطائفة األولى تقبل توب!ة المرت!!دّ مطلق!!اً؛ والطائف!!ة الثاني!!ة‬
‫ترفض توبة المرتدّ بالمطلق‪ !،‬وهي التي يستند! إليه!!ا الفقه!!اء في ق!!ولهم‬
‫بعدم قبول توبة المرتدّ عن فطرةٍ‪.‬‬
‫إن هاتين الطائفتين من الروايات ـ حيث يقوم بينهما تعارضٌ تامّ ـ‬
‫يجب البحث عن وجهٍ يرجِّح تقديم إحدى الط!!ائفتين على األخ!!رى‪ .‬وإن‬
‫الذي يمكن بيانه كوجهٍ للترجيح هو موافق!!ة إح!!دى ه!!اتين الط!!ائفتين‬
‫آليات القرآن الكريم‪ .‬ولو عرَضْ! نا كلت!!ا الط!!ائفتين من الرواي!!ات على‬
‫القرآن فسوف نحصل على نتيجةٍ مفادُها‪ :‬قبول توبة المرتدّ‪ .‬ول!!و ت!!اب‬
‫هذا المرتدّ قبل إثبات ارتداده عند الحاكم رُفع عنه حكم القتل‪.‬‬
‫ومع االلتفات إلى ما ورد في سائر الرواي!!ات‪ ،‬ويُس!!تفاد من عب!!ارة‪:‬‬
‫«ال يُستتاب»‪ ،‬باإلضافة إلى وجود الكثير من الشُّبُهات في مورد الشخص‬
‫الذي يتوب قبل إثبات ارتداده‪ ،‬وكذلك وجود مسألةٍ هامّة‪ ،‬مث!!ل‪ :‬دم!!اء‬
‫الناس‪ ،‬يبدو أنه يجب التعامل في مورد المرت!!دّ ال!!ذي يت!!وب قب!!ل ظف!!ر‬
‫الحاكم ب!ه على أس!اس قاع!دة «االحتي!اط في ال!!دماء»‪ ،‬وقاع!!دة «دَرْء‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪159‬‬
‫• د‪ .‬إبراهيم زارع‬

‫الحدود بالشُّ! بُهات»‪ ،‬كم!!ا ق!!ال الن!!بيّ األك!!رم|‪« :‬ادرأوا الح!!دود عن‬
‫المسلمين! ما استطعتُم‪ !،‬فإنْ وجدتُم للمسلم مخرجاً فخَلُّوا سبيله؛ ف!!إن‬
‫اإلمام إنْ يخطئ في العفو خيرٌ له من أن يخطئ في العقوبة»(‪.)327‬‬
‫الهوامش‬

‫‪ 160‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام‬


‫الشرعيّة‬
‫المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالميّة‬
‫(*)*)‬
‫أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫خالصةٌ‬
‫تعتبر القاعدة عند اإلماميّة من القواعد الفرعي!!ة للقاع!!دة الكلِّي!!ة‬
‫المعروفة بـ (قاعدة االش!!تراك) العامّ!!ة؛ حيث يوج!د في الفق!ه اإلم!امي‬
‫قاعدةٌ كلّية حملَتْ عنوان قاع!!دة االش!!تراك‪ ،‬وق!!د تف!!رَّع عنه!!ا ع!!دّة‬
‫قواعد‪ ،‬منها‪ :‬قاعدة اشتراك األحكام بين العالم والجاه!!ل؛ ومنه!!ا‪ :‬قاع!!دة‬
‫اشتراك األحكام بين المسلم والكافر؛ ومنها ـ والتي هي مح!!لّ بحثن!!ا ـ‪:‬‬
‫قاعدة اشتراك األحكام بين الرجل والمرأة في التكليف‪.‬‬
‫وأمّا سائر المذاهب فقد عُنونت هذه القاعدة عندهم بعناوين متع!!دِّدة‪،‬‬
‫من قبيل‪( :‬النساء شقائق الرجال)‪.‬‬
‫وهذا العنوان‪ ،‬أي النساء شقائق الرجال‪ ،‬ال!!ذي يعت!!بر أص!!ل قاع!!دة‬
‫اشتراك األحكام بين الرجال والنساء‪ ،‬وموضوع المادّة العلمية لها عندهم‪،‬‬
‫هو نصُّ حديثٍ نبويّ شريف‪ ،‬رَوَتْه جوامع األحاديث‪ ،‬ثمّ جرى مج!!رى‬
‫القاعدة عند الفقهاء‪.‬‬
‫ومعنى شقائق الرجال نظ!!ائرهم وأمث!!الُهم في الخَلْ!!ق والطِّب!!اع‪،‬‬
‫فكأنهُنَّ شققْنَ من الرجال‪ .‬وفيه من الفقه إثبات القياس‪ ،‬وإلح!!اق حكم‬
‫النظير بالنظير‪ ،‬وأن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنس!!اء‪،‬‬

‫*)(*) أستاذةٌ وباحثةٌ في الحوزة العلميّة في قم‪ .‬من لبنان‪.‬‬


‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪161‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫إالّ في مواضع الخصوص التي قامَتْ أدلّةُ التخصيص فيها‪.‬‬


‫لذلك‪ ،‬ف!!إنّ ه!!ذه المقال!!ة تُعْنَى ببي!ان موق!!ف الفق!!ه اإلس!!الميّ‬
‫بمذاهبه من قاعدة اشتراك األحكام الشرعيّة بين الرجال والنساء‪.‬‬

‫‪1‬ـ مقدّمةٌ‬
‫تُعَدّ القواعد الفقهية من جملة البحوث التي يُعْنى بها علم الفق!!ه‪،‬‬
‫أو علم الفروع واألحكام الفقهية‪ .‬كما أنه!!ا تش!!كِّل عنص!!راً أساس!!ياً ال‬
‫يس!!تغني عن!!ه الفقي!!ه في عملي!!ة االجته!!اد الفقهي‪ ،‬واس!!تخراج األحك!!ام‬
‫الشرعية‪ .‬وهذا أم!!رٌ ال يخفى على ك!!لّ مَنْ م!!ارس عملي!!ة االس!!تنباط‬
‫لألحكام الشرعيّة‪ ،‬وخاض في غمرات النص!!وص واألدل!!ة والقواع!!د ال!!تي‬
‫تحتاجها تلك العملية الشاقّة‪ .‬ومن بين تلك القواع!!د‪( :‬قاع!!دة اش!!تراك‬
‫األحكام الشرعيّة بين النساء والرجال)‪ ،‬التي تُعَدّ من القواعد المفص!!ليّة‬
‫في تعميم األحكام الشرعيّة التي لم يثبت بالدليل اختصاصها بالرج!!ال أو‬
‫النساء‪ .‬ومن هنا عُ!!دَّتْ أص!!الً يرج!!ع إلي!!ه في ك!!لّ حكمٍ شُ! كَّ في‬
‫اختصاصه بالرجال أو النساء‪ .‬ومن هنا تعرَّض له!!ا الفقه!!اء من مختل!!ف‬
‫المذاهب‪ ،‬وبيَّنوا موارد الحاجة إليها‪.‬‬
‫وفي ه!!ذه المقال!!ة س!!وف نتع!!رَّض إلى مبحثٍ مهمٍّ من مب!!احث‬
‫القاعدة‪ ،‬والذي يثبت من خالله مشروعيّتها‪ ،‬وإمكان توظيفه!!ا في معرف!!ة‬
‫حكم الفروع الفقهيّة والجزئيّات المتناثرة؛ فإنها تش!!كِّل اإلط!!ار الكلِّي‬
‫والجامع للجزئيات والفروع الفقهية‪ .‬وهذا المبحث هو أدلّة القاع!!دة في‬
‫الفقه اإلسالميّ‪ ،‬مضافاً إلى بيان مفادها والمقص!!ود منه!!ا عن!!د الم!!ذاهب‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫تعريف القاعدة الفقهيّة‬


‫عُرِّفت القواعد الفقهي!!ة في كلم!!ات األعالم بتعريف!!اتٍ كث!!يرة؛‬
‫بعضُها نظر إليها على أساس أنها أغلبيّةٌ‪ ،‬فعرَّفَها بأنه!!ا «حكمٌ ش!!رعيّ‬

‫‪ 162‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫في قضيّةٍ أغلبيّة‪ ،‬يتعرَّف منه!!ا أحك!!ام م!!ا دخ!!ل تحتها»(‪)328‬؛ والبعض‬
‫اآلخر على أساس أنه!!ا كلِّي!!ة‪ ،‬فج!!اء تعريفه!!ا على «أنه!!ا أم!!رٌ كلِّي‬
‫منطبقٌ على جميع جزئيّاته عند تعرُّف أحكامه منه»(‪ ،)329‬أو أنها «حكمٌ‬
‫كلِّي ينطبق على موارده الجزئيّة الكثيرة في أبواب مختلفةٍ»(‪.)330‬‬
‫وهذا االختالف في كلِّية القاع!!دة أو أغلبيّته!!ا ناش!!ئٌ من اختالف‬
‫وجهات النظر إلى القاعدة؛ فمَنْ نظر إليها باعتبار وجود االستثناءات فيها‬
‫قال‪ :‬إن القاعدة الفقهية أغلبيّةٌ؛ ومَنْ نظر إلى أن االستثناءات ال ت!!ؤثِّر‬
‫في كلِّيتها قال‪ :‬هي كلِّيةٌ‪ .‬وبما أن االستثناءات من القاع!!دة ال تق!!دح‬
‫بكلِّيتها‪ ،‬وال تتنافى مع عموميّتها في ذاتها‪ ،‬كما ال يخفى‪ ،‬ف!!إن المعت!!بر‬
‫في عموم! القاعدة هو العموم العادي‪ ،‬ال العموم العقلي‪ .‬والعموم الع!!ادي ال‬
‫يقدح في كلِّيته تخلُّف بعض الجزئيّات‪ .‬فالبلوغ مثالً يكون عن!د س!نّ‬
‫الـ ‪ ،15‬فإذا وُجد مَنْ لم يبلغ عند الـ ‪ 15‬فإن ذلك ال يخ!!رم القاع!!دة‪.‬‬
‫أما العموم العقلي فتنقدح كلِّيته ولو تخلَّف فردٌ واحد‪ .‬ولو سُلِّم بأن‬
‫هذه المستثنيات قد توافَرَتْ فيها الشروط‪ ،‬وانتفَتْ عنه!!ا الموان!!ع‪ !،‬ف!!إن‬
‫وجودها ال يقدح في كلِّية القاعدة بعد ثبوتها؛ ألن «الغ!!الب األك!!ثريّ‬
‫معتبرٌ في الشريعة اعتب!!ار الع!!امّ القطعيّ؛ ألن المتخلّف!!ات الجزئيّ!!ة ال‬
‫ينتظم منها كُلِّي يعارض هذا الكُلِّي الثابت»(‪ .)331‬وعليه‪ ،‬فال بُ!!دَّ من‬
‫أخذ قيد الكلِّية في تعريف القاعدة الفقهية‪ ،‬فيُقال‪ :‬إنه!!ا تل!!ك القواع!!د‬
‫التـي تتض!!مَّن أحكام!!اً فقهيّ!!ة كلِّي!!ةً‪ ،‬تنطب!!ق على ص!!ورٍ وح!!االتٍ‬
‫مختلفةٍ‪ ،‬ليس لها جامعٌ إالّ دخولها تحت ضابط القاعدة‪.‬‬

‫تعريف االشتراك‬
‫المقصود من االشتراك هنا مش!اركة الرج!ال والنس!اء في األحك!ام‬
‫الشرعيّة التي تضمَّنَتْها الخطاب!!ات الش!!رعية الموجَّه!!ة للمكلَّفين‪ .‬وال‬
‫يُراد منه التساوي‪ ،‬كما يمكن أن يحلو لبعضٍ التعبير بالتساوي‪ ،‬اعتق!!اداً‬
‫منه أن ذلك ينسجم مع عدالة اإلسالم األصيل؛ ف!!إن التس!!اوي في كث!!يرٍ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪163‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫من الموارد يتنافى مع العدالة‪ ،‬وه!!و حَتْم!!اً ليس م!!راداً للش!!ارع‪ ،‬كم!!ا‬
‫سيتَّضح ذلك عند بيان مفاد ومضمون القاعدة‪.‬‬

‫‪2‬ـ الصيغ المتعدِّدة لقاعدة االشتراك‪6‬‬


‫ال يخفى أنّ صياغة عنوان أيّ قاعدةٍ فقهية يعتبر ذا أهمِّيةٍ بالغة‪.‬‬
‫لذلك ال بُدَّ أن تكون ص!!ياغةُ عن!!وان القاع!!دة ـ على ش!!اكلة الم!!ادّة‬
‫القانوني!!ة ـ بعب!!اراتٍ م!!وجَزة‪ ،‬وجم!!لٍ مص!!قولة‪ ،‬م!!ع عم!!وم المع!!نى‪،‬‬
‫واالستيعاب للفروع الجزئية ـ هذه الفروع الجزئيّة المشتَّتة‪ ،‬ال!!تي ق!!د‬
‫تتع!!ارض ظواهره!!ا ـ تحت راب!!طٍ واح!!دٍ‪ ،‬ف!!إذا جُعلَتْ ه!!ذه األحك!!ام‬
‫المتناظرة والمسائل المتشابهة في تراكيب عامّةٍ وشاملة يصبح الرج!!وع‬
‫إليها سَهْالً يسيراً‪.‬‬
‫وقد تختلف صياغة عنوان القواعد الفقهية من مذهبٍ إلى آخر‪ ،‬إالّ‬
‫أنّ المحتوى والمض!!مون يبقى واح!!داً‪ .‬فمثالً‪ :‬قاع!!دة (ال ضَ! رَر) عن!!د‬
‫اإلمامية يُرادفها‪( :‬الضَّرَر يُزال) عند جمهور الم!!ذاهب؛ وقاع!!دة (إنم!!ا‬
‫األعمال بالنيّات) عند اإلماميّة يُرادفها‪( :‬األمور بمقاصدها) عند جمه!!ور‬
‫المذاهب؛ وغيرهما من القواعد‪.‬‬
‫وهذا األمر ينطبق على قاعدة (اشتراك التكليف بين الرجال والنساء)‪.‬‬
‫فعنوان هذه القاعدة من مختصّات المذهب اإلماميّ‪ ،‬إضافةً إلى ت!!داول‬
‫عناوين أخرى لم تبتعد عن تعبير االشتراك عندهم‪.‬‬
‫إالّ أنها لم تَرِدْ بهذا العنوان في كتب المذاهب الفقهية األخ!!رى‪ ،‬ب!!ل‬
‫وردَتْ بعناوين مشابهةٍ‪ ،‬مندرجةٍ تحت عنوانٍ كلِّي بنصٍّ مختلف‪ ،‬إضافةً‬
‫إلى ورود صيغٍ أخرى تعود على القاعدة‪ ،‬وقواع!!د ذات عالق!!ةٍ وص!!لةٍ به!!ا‪،‬‬
‫تحاكي بمحتواها معنى اشتراك األحكام بين جميع المكلَّفين‪ ،‬ويتفرَّع عنها‬
‫قواعد تتحدَّث عن اشتراك األحكام بين الرجال والنساء‪.‬‬
‫ف!!العنوان الكلِّي لقاع!!دة االش!!تراك‪ ،‬ال!!ذي ورد في كتب الم!!ذاهب‬
‫الفقهيّة‪ ،‬وما له من صيغٍ أخ!رى‪ ،‬وال!تي تعت!بر نظ!ير‪ :‬قاع!دة اش!تراك‬

‫‪ 164‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫التكليف بين الرجال والنساء‪ ،‬كالتالي‪ :‬القاع!!دة الكلِّي!ة‪( :‬األص!!ل عم!وم‬


‫األحكام وتساوي الناس فيها)(‪.)332‬‬
‫وصيغة هذا المبدأ الكلِّي مأخوذةٌ بشقَّيْها ـ العم!!وم والتس!!اوي ـ من‬
‫مجمل الصِّيَغ األخرى المذكورة بعدها‪:‬‬
‫ـ (حكم اهلل على العباد واحدٌ)‪ .‬هذه العبارة للشافعي(‪.)333‬‬
‫ـ (أحكام الشريعة عامّةٌ‪ ،‬ال خاصّة)(‪.)334‬‬
‫ـ (األصل في الشرائع هو العموم في حقّ الناس كافّة)(‪.)335‬‬
‫ـ (الشريعة سوَّتْ بين الناس‪ ،‬إالّ م!!ا ق!ام ال!دليل على تخصيص!ه)‬
‫(‪.)336‬‬
‫ـ (األحكام عامّةٌ‪ ،‬إالّ حيث يَرِدُ التخصيص)(‪.)337‬‬
‫وقد تفرَّع عن قاعدة (األصل في الشرائع هو العموم! في حقّ الناس‬
‫كافّةً) عدّةٌ من القواعد الفقهية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫ـ (ما شرَّعه اهلل للرجال فالنساء مثله)(‪.)338‬‬
‫ـ (النساء شقائق الرجال‪ ،‬إالّ ما خصّ)(‪.)339‬‬
‫ـ (الكافر يدخل تحت خطاب الناس‪ ،‬وكلّ لفظٍ عامّ)(‪.)340‬‬
‫ـ (المساواة في سبب االس!!تحقاق ي!!وجب المس!!اواة في االس!!تحقاق)‬
‫(‪.)341‬‬
‫عند المقارنة بين العناوين التي وردَتْ عند جمهور المذاهب وال!!تي‬
‫وردَتْ عند اإلماميّة يُالحَظ التقارب الكب!!ير‪ ،‬وأن!!ه مج!!رّد اختالفٍ في‬
‫التعبير‪ .‬والذي يهمّنا من هذه العناوين ه!!و نصّ القاع!!دة ال!!ذي ي!!رادف‬
‫عنوان البحث‪ ،‬باعتباره مورد المقارنة‪ ،‬وهي العناوين التالية‪:‬‬
‫ـ (النساء شقائق الرجال)‪.‬‬
‫ـ (ما شرَّعه اهلل للرجال فالنساء مثله)‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬واستناداً إلى ما تق!!دَّم‪ ،‬يتّض!!ح أن ه!!ذين العن!!وانين للقاع!!دة‬
‫الفقهية عند جمهور المذاهب هو تعبيرٌ آخر عن قاعدة اش!!تراك التكلي!!ف‬
‫بين الرجال والنساء عند اإلماميّة‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪165‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫كما أن عنوان‪( :‬النساء شقائق الرجال)(‪ ،)342‬الذي يعتبر أصل قاعدة‬


‫اشتراك األحكام بين الرجال والنساء‪ ،‬وموضوع المادّة العلميّ!!ة له!!ا‪ ،‬ه!!و‬
‫نصُّ حديثٍ نبويٍّ شريف‪ ،‬رَوَتْه جوام!!ع األح!!اديث عن!!دهم‪ ،‬ثمّ ج!!رى‬
‫مجرى القاعدة عند الفقهاء‪ ،‬فتكون هذه القاعدة عند الجمهور من القواعد‬
‫التي هي من حيث ذاتُها نصوص األحاديث الشريفة‪.‬‬

‫‪2‬ـ مفاد القاعدة‬


‫بما أن القاع!!دة المبح!!وث عنه!!ا ف!!رعٌ من ف!!روع قاع!!دة اش!!تراك‬
‫التكليف العامّة‪ ،‬والتي تض!!مّ بص!!يغتها الكلِّي!!ة االش!!تراك بين الع!!المين‬
‫والجاهلين‪ ،‬وبين المس!لمين والكفّ!ار‪ ،‬وبين الحاض!رين والغ!!ائبين‪ ،‬وبين‬
‫الرجل والمرأة‪ ،...‬فمن المناسب اإلشارة إلى مفاد ومعنى قاعدة االش!!تراك‬
‫العامّة‪ ،‬وباختصارٍ شديد أوّالً‪ ،‬ثمّ بيان مفاد القاعدة الفرعيّة المبح!!وث‬
‫عنها ثانياً‪.‬‬
‫أما مفاد القاعدة العامّة ومضمونها فاشتراك المسلمين في األحك!!ام‬
‫التكليفية والوضعية‪ ،‬ال العقائد الديني!!ة؛ ألن القاع!!دة المبح!!وث عنه!!ا في‬
‫المقام هي من القواعد الفقهية‪ ،‬التي تفي!!د اش!!تراك جمي!!ع المكلَّفين من‬
‫المسلمين! في أصل التكليف‪ !،‬وتعمّ الحاضرين والغ!!ائبين‪ ،‬رج!!االً ونس!!اءً‪،‬‬
‫أحراراً وعبيداً‪ ،‬وجميع الطوائف والقبائل منهم إلى ي!!وم القيام!!ة‪ ،‬م!!ا لم‬
‫يثبت االختصاص بدليلٍ؛ التزاماً بمبدأ عالميّة الدِّين اإلسالميّ‪ ،‬وتعميماً‬
‫لجميع األحكام التي صدرَتْ في مناسباتٍ مختلفة في ص!!در اإلس!!الم على‬
‫جميع المكلَّفين‪ ،‬واستظهاراً للشمولية واالستمرارية من طبيعة التش!!ريع‬
‫اإللهيّ بلحاظ األزمنة والعصور واألمكن!!ة واألف!!راد‪ ،‬م!!ا لم يثبت خالف!!ه‬
‫بدليلٍ‪ ،‬أو أن يُؤْخَذ في الموضوع! خصوصيّةٌ وقَيْدٌ ال ينطب!!ق إالّ على‬
‫شخصٍ خاصّ‪ ،‬أو طائفةٍ خاصّة‪ ،‬أو في زم!انٍ خ!اصّ‪ ،‬كزم!ان حض!!ور‬
‫اإلمام×(‪.)343‬‬
‫ومن هنا صارَتْ هذه القاعدة أص!!الً يرج!!ع إلي!!ه عن!!د الش!!كّ في‬

‫‪ 166‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫االختصاص وعدمه‪ .‬ولذا قالوا‪ :‬إنّ األصل في األحكام الشرعية اشتراكها‪،‬‬


‫وعدم اختصاصها بزمانٍ دون زم!!انٍ‪ ،‬أو مك!!انٍ دون آخ!!ر‪ ،‬أو ص!!نفٍ من‬
‫الناس دون صنفٍ‪ ،‬ما لم يثبت االختصاص ب!!دليلٍ(‪ .)344‬ه!!ذا مف!!اد قاع!!دة‬
‫االشتراك العامّة‪.‬‬
‫أما مفاد قاع!!دة االش!!تراك بين الرج!!ال والنس!!اء ومض!!مونها فق!!د‬
‫بيَّنَتْه المذاهب اإلسالميّة‪ ،‬وبنَتْ عليه‪ ،‬على اختالفٍ في مق!!دار البي!!ان‪،‬‬
‫من حيث التعرُّض لمضمون القاع!!دة بالتص!!ريح أو التلميح‪ ،‬أو من خالل‬
‫التطبيق؛ فبعض المذاهب لم يتعرَّض للقاعدة إالّ على مس!!توى! التط!!بيق‪!،‬‬
‫دون بيان المفاد والمراد‪ ،‬إالّ أنه يمكن استفادته من خالل مقاربة التطبيق‬
‫وتحليله في موارد متعدِّدة‪.‬‬

‫أـ عند الشيعة اإلمامية‬


‫أما مفاد القاعدة والمراد منها عند اإلماميّ!!ة فاش!!تراك الم!!رأة م!!ع‬
‫الرجل في التكاليف اإلنشائيّة والفعليّة‪ ،‬وتساويهما فيها‪ .‬فإذا توجَّه حكمٌ‬
‫إلى رجلٍ أو رجال‪ ،‬بحيث كان المخاطَب ببيان الحكم وثبوته هو ذل!!ك‬
‫الشخص أو الطائف!!ة‪ ،‬وال يش!!مل دلي!!ل الحكم بحَسَ! ب الدالل!!ة اللفظي!!ة‬
‫غيرهما‪ ،‬فمع ذلك نرى الفقهاء متس!!المين على تعميم الحكم إلى جمي!!ع‬
‫المكلَّفين‪ ،‬رجاالً ونساءً‪ ،‬ولكلّ مَنْ كان متَّحد العن!!وان والص!!نف م!!ع‬
‫ذلك الشخص أو تلك الطائفة‪ ،‬من حيث كونه يمتلك أهليّة التكلي!!ف ـ‬
‫مثالً ـ‪ ،‬بم!!ا ألهليّ!!ة التكلي!!ف من مدخليّ!!ةٍ في ثب!!وت الحكم‪ ،‬وبعب!!ارةٍ‬
‫أخرى‪ :‬إثبات الحكم والتكليف لكلّ مكلَّف‪ ،‬سواء كان رجالً أم امرأة‪ ،‬بعد‬
‫أن كانوا واجدين للخصوصيّات الدخيلة في ثبوت الحكم(‪.)345‬‬
‫ب ـ عند سائر المذاهب اإلسالمية‬
‫أما بالنسبة لمف!اد القاع!دة عن!د جمه!ور الم!!ذاهب اإلس!الميّة فلم‬
‫يذكر صريحاً في مصادرهم كم!!ا ألمَحْن!!ا؛ حيث إنهم لم يبحث!!وا ه!!ذه‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪167‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫القاعدة بشكلٍ مستقلّ ومفصَّل‪ ،‬مما يجعل الباحث يب!!ذل جه!!داً كب!!يراً‬
‫للوصول إلى مرامهم‪ ،‬من خالل التتبُّع في كتبهم ومالحظ!!ة كلم!!اتهم‪.‬‬
‫ومن ثَمَّ أمكن تصيُّد مفاد القاعدة ومض!!مونها من خالل م!!ا أوردوه في‬
‫كتبهم‪ ،‬عند كالمهم عن أن األصل في الشريعة هو عموميّة األحكام لكلّ‬
‫المكلَّفين‪ .‬كم!!ا يمكن تص!!يُّده من خالل ح!!ديثٍ نس!!بوه إلى الن!!بيّ‬
‫األك!رم|‪( :‬النس!اء ش!قائق الرج!ال)(‪ ،)346‬وال!ذي ص!يغَتْ من!ه القاع!دة‬
‫عندهم(‪)347‬؛ فإنّ معنى كون النس!!اء ش!!قائق الرج!!ال أن الم!!رأة ش!!قيقة‬
‫الرجل‪ ،‬أي مساوية له‪ ،‬وتشترك معه في م!!ا فرض!!ه اهلل ع!!زَّ وج!!لَّ من‬
‫التكاليف اإللهيّة‪ ،‬فيما ل!!و لم يعلم االختص!!اص‪ .‬ه!!ذا م!!ا ص!!رَّحَتْ ب!!ه‬
‫الحنفية والمالكية والشافعية والحنابل!!ة‪ ،‬ب!!أن األص!!ل في خط!!اب الش!!رع‬
‫عندهم العموم؛! فهو موجَّهٌ إلى الرجال والنساء‪ ،‬من دون وجود فرقٍ فيه‬
‫بينهما‪ ،‬إالّ فيما دلَّ دليلٌ على تخصيصه بأحدهما؛ فقد قال رسول اهلل[|]‪:‬‬
‫(إنما النساء شقائق الرجال)(‪ ،)348‬وأنه (ال حاجة إلى التنصيص على الحكم‬
‫في المرأة؛ فإن من المعلوم أن كلّ حكمٍ ثبت للرجال ثبت للنساء؛ ألنهنّ‬
‫شقائق الرجال‪ ،‬إالّ ما نُصَّ)(‪.)349‬‬

‫‪3‬ـ أدلّة القاعدة ومستنداتها في الفقه اإلسالم ّي‬


‫إن أهمّي!!ة البحث في أدلّ!!ة القاع!!دة إنم!!ا يكمن في الوق!!وف على‬
‫أدلّتها عند جمهور الم!!ذاهب اإلس!!الميّة؛ من أج!!ل المقارن!!ة بينهم وبين‬
‫اإلماميّة‪ ،‬وبيان كيفيّة استدالل كلّ مذهبٍ على حِدَة؛ ومعرفة المباني‬
‫األصولية التي بنى عليها العلماء‪ ،‬وكشف اللثام عن المسائل اللغويّة التي‬
‫لها عالقة باالستدالل‪ ،‬وك!!ذلك اإلش!!ارة إلى م!!واطن االتف!اق واالختالف‬
‫عند المذاهب إنْ وُجدا‪.‬‬
‫وسوف يتمّ عرض أدلّة اإلمامية‪ ،‬وعرض أدلّة سائر المذاهب بشكلٍ‬
‫عامّ‪ ،‬من دون اإلشارة إلى المذهب الذي يتبنّى الدليل‪ ،‬من باب االختصار‪.‬‬

‫أ ّوالً‪ :‬أدلّة اإلماميّة‬

‫‪ 168‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫استدلّ فقهاء اإلمامية على اشتراك األحك!!ام بين المكلَّفين‪ ،‬رج!!االً‬


‫كانوا أم نساءً‪ ،‬بعدّة أص!!ناف من األدلّ!!ة؛ بعض!!ها يرج!!ع إلى النص!!وص‬
‫الشرعية‪ ،‬من اآليات والروايات‪ ،‬بوجوهٍ مختلفة؛ وبعضها يرجع إلى قواعد‬
‫أصوليّة؛ وبعضها يرجع إلى دعوى الض!رورة الفقهيّ!ة واالتّف!اق؛ وغ!ير‬
‫ذلك من األصناف‪ .‬ونذكر أهمّها‪:‬‬

‫‪1‬ـ األدلة اللفظيّة‪6‬‬


‫من األدلة على قاعدة االشتراك بين الرجل والمرأة اآليات القرآني!!ة‬
‫والروايات الشريفة‪:‬‬

‫أـ آيات الكتاب‪ 6‬الكريم‬


‫استدلّ علماء اإلماميّ!!ة على اعتب!!ار قاع!!دة االش!!تراك بم!!ا دلّ من‬
‫اآليات القرآنية على تعلُّق التكليف بعموم المؤمنين في كثيرٍ من أب!!واب‬
‫الفقه وغيره‪ .‬ومن هذه اآليات‪:‬‬
‫األولى‪ :‬ما صُدِّر بأداة النداء‪ ،‬كقوله‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا النَّاسُ﴾ (البقرة‪:‬‬
‫‪ ،)21‬و﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُ!!وا﴾ (البق!!رة‪ ،)153 :‬ف!!إن الخطاب!!ات في‬
‫تلك القضايا بإطالقها وعمومها تش!!مل جمي!!ع المكلَّفين‪ ،‬فيس!!تفاد منه!!ا‬
‫اشتراك جميع المكلَّفين‪ ،‬من الرجال والنس!!اء‪ ،‬في الحكم؛ ألنّه!!ا ظ!!اهرةٌ‬
‫في العموم والشمول؛ إمّا بداللةٍ لفظيّة عامّة؛ أو مطلقة‪ ،‬فإنه ال إش!!كال‬
‫في استفادة االشتراك والعموم منها بين جميع المؤم!!نين‪ ،‬رج!!االً ونس!!اءً‪،‬‬
‫وإنْ كان الخطاب للذين آمنوا بالتذكير‪ ،‬إالّ أن!!ه من ب!!اب تغليب ج!!انب‬
‫الذكور!(‪.)350‬‬
‫الثانية‪ :‬ما ورد بلفظٍ مطلق‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِالّ‬
‫كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾ (سبأ‪)28 :‬؛ فإن هذه اآلي!!ة ت!!دلّ بوض!!وحٍ على ع!!دم‬
‫اختصاص ما جاء به النبيّ| من األحكام والتكاليف بشخصٍ أو قومٍ خ!!اصّ‬
‫أو جنسٍ‪ ،‬بل يشترك فيه الرجال والنساء‪ ،‬كما ال يخفى‪ ،‬فتدلّ هذه اآلية‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪169‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫وأمثاله!ا من اآلي!ات على اش!تراك األحك!ام بين الرج!ال والنس!اء‪ ،‬وإرادة‬


‫مخص!!! صٍ‬
‫ِّ‬ ‫أح!!!دهما على نح!!!و التخص!!!يص والتقيي!!!د بحاج!!!ةٍ إلى‬
‫ومقيِّد(‪.)351‬‬

‫ب ـ الروايات‪ 6‬الشريفة‪6‬‬
‫وقد استدلّ على قاعدة االش!تراك بالرواي!ات ال!واردة عن أئمّ!ة أه!ل‬
‫البيت^ في موارد مختلفة‪ ،‬ونذكر منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما رواه الكليني بإسناده عن أبي عم!!رو الزب!!يري‪ ،‬عن أبي عب!!د‬
‫اهلل× ـ في حديثٍ ـ أنه قال‪« :‬حكم اهلل عزَّ وجلَّ في األوّلين واآلخرين‬
‫وفرائضه عليهم سواءٌ‪ ،‬إالّ من علّةٍ أو حادثٍ يكون‪ .‬واألوّلون واآلخرون‬
‫أيضاً في منع الحوادث شركاء‪ ،‬والفرائض عليهم واحدةٌ‪ ،‬يسأل اآلخ!!رون‬
‫عن أداء الفرائض كما يسأل عنه األوّلون‪ ،‬ويحاسبون به كم!!ا يحاس!!بون‬
‫به»(‪.)352‬‬
‫وداللةُ ه!!ذه الرواي!!ة على اش!!تراك التكلي!!ف بين الجمي!!ع‪ ،‬رج!!االً‬
‫ونساءً‪ ،‬واضحةٌ؛ حيث يُراد من (األوّلون واآلخرون) العموم واالستغراق‪،‬‬
‫فيكون داالًّ على اشتراك كلّ فردٍ من األول مع ك!!لّ ف!!ردٍ من اآلخ!!ر‪،‬‬
‫سواء كانوا من الرجال أو النساء‪ ،‬وهذا يستلزم اشتراك األوّلين بعض!!هم‬
‫مع بعضٍ أيض!!اً؛ ألن الف!!رد من األوّلين يش!!اركه ك!!لٌّ من اآلخ!!رين‪،‬‬
‫وكلٌّ من األوّلين يشاركهم في ذلك‪ ،‬فيشترك الكلّ(‪.)353‬‬
‫‪2‬ـ النب!!ويّ المش!!هور‪ ،‬ق!!ال |‪« :‬حكمي على الواح!!د حكمي على‬
‫الجماعة»(‪.)354‬‬
‫فإنّ ظاهر هذه الجملة أنّ حكمي‪ ،‬الذي ه!!و حكم اهلل‪ ،‬على أح!!دكم‬
‫حكمي على الجميع‪ ،‬نساءً ورجاالً‪ ،‬أي إن!!ني ال أخصّ أح!!داً ب!!الحكم‪ ،‬ب!!ل‬
‫كلُّكم‪ ،‬أيها الرجال والنساء‪ ،‬في حكمي سواءٌ‪.‬‬
‫هذا هو المتفاهم العُرْفي والظاهر من ه!!ذا الح!!ديث الش!!ريف‪ .‬وال‬
‫شَكَّ في حجّية ظواهر األلفاظ والجُمَل‪ ،‬فيدلّ هذا الح!!ديث المب!!ارك‬

‫‪ 170‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫على المطلوب‪ ،‬وهو المطلوب(‪.)355‬‬

‫صة‪ ،‬وداللتها على االشتراك‪6‬‬


‫ج ـ األدلة اللفظيّة الصادرة في موارد خا ّ‬
‫بحَسَب المتفاهم العُرْفي والظهور العقالئي المعتبر في باب داللة‬
‫األلف!!اظ إذا س!!أل س!!ائلٌ عن حكم رج!!لٍ ش!!كَّ في الص!!الة بين األولى‬
‫والثانية‪ ،‬كما في خبر عبد اهلل بن الفضل الهاشمي‪ ،‬عن أبي عبد اهلل×‪ ،‬أن!!ه‬
‫سئل عن رج!!لٍ لم يَ!!دْرِ أواح!!دة ص!!لّى أو اثن!!تين؟ فق!!ال ل!!ه‪« :‬يعي!!د‬
‫الصالة»‪ ،‬فقال له‪ :‬فأين ما رُوي أن الفقيه ال يعيد الص!!الة؟ ق!!ال‪« :‬إنم!!ا‬
‫ذلك في الثالث واألربع»(‪ ،)356‬فال يس!!بق إلى أذه!!ان العُ!!رْف إالّ ك!!ون‬
‫مورد السؤال نفس الشكّ بين األولى والثانية‪ ،‬من دون خصوصيّة للرجل‬
‫أو المرأة‪ ،‬والصبيّ أو الصبيّة‪ ،‬ل!!ذا يج!!ري الج!!واب لبي!!ان الحكم‪ ،‬س!!واء‬
‫أكان الخطاب ونحوه لألوّل أم للثاني‪ ،‬مع حف!!ظ القي!!ود والش!!روط في‬
‫الموض!!وع‪ ،‬وع!!دم ك!!ون الخصوص!!يّة دخيل!!ةً بنظ!!ر العُ!!رْف والعقالء‬
‫أصالً(‪.)357‬‬
‫ولذا لم يشكّ الفقهاء‪ ،‬قديماً وحديثاً‪ ،‬في أنّ قوله×‪« :‬انظروا إلى‬
‫مَنْ معكم من الصبيان»(‪ )358‬يشمل البنات أيضاً‪.‬‬
‫ومرجع هذا الدليل إلى االرتكاز اآلتي ذكرُه‪ ،‬وليس دليالً مستقالًّ‬
‫في مقابله‪.‬‬

‫‪2‬ـ األدلة غير اللفظيّة‬


‫استدلّ علماء اإلمامية على قاع!!دة االش!!تراك بين الرج!!ل والم!!رأة‬
‫بعدّة أدلّةٍ غير لفظيّة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫أـ الضرورة‪ ،‬واالتّفاق القطع ّي‬


‫من أهمّ الوجوه المستدَلّ بها على اعتب!!ار ه!!ذه القاع!!دة ض!!رورة‬
‫الشرع‪ ،‬وتسالم الفقهاء(‪ ، )359‬بل اتّفاق المسلمين كافّةً عليها‪ .‬فقد ادُّعي‬
‫أن األص!!حاب اتّفق!!وا على قاع!!دة االش!!تراك في التكلي!!ف بين جمي!!ع‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪171‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫المكلَّفين‪ ،‬رجاالً ونساءً‪ .‬ويشهد به استداللهم بالخطابات الخاصّة في إثبات‬


‫عموم الحكم لكلّ المكلَّفين‪ ،‬من الرج!!ال والنس!!اء‪ ،‬خَلَف!!اً عن سَ! لَف(‪.)360‬‬
‫وثبوت االتّفاق غير قابلٍ لإلنك!!ار؛ حيث إن االص!!حاب يس!!تدلّون من ق!!ديم‬
‫األيام بالخطابات الخاصّة المتوجِّه!!ة إلى ش!!خصٍ أو أش!!خاص على ثب!!وت‬
‫الحكم الشرعيّ لكلّ واحدٍ من آحاد المكلَّفين‪ ،‬رجالً أم امرأة‪ ،‬في أيّ زمانٍ‬
‫كانوا‪ ،‬وفي أيّ مك!انٍ‪ ،‬وه!ذا يكش!ف كش!فاً قطعيّ!اً عن اش!تراك جمي!ع‬
‫المكلَّفين في األحكام الشرعية الصادرة من الشارع‪ ،‬إالّ في موردٍ ثبت دَخْل‬
‫خصوصيّة خاصّة في موضوع الحكم(‪.)361‬‬

‫المختص بآحاد المكلَّفين‪ 6،‬وداللته على االشتراك‪6‬‬


‫ّ‬ ‫ب ـ الحكم‬
‫لقد اتَّفق األص!!حاب بنح!!وٍ قطعيّ على اش!!تراك الجمي!!ع‪ ،‬رج!!االً‬
‫ونس!!اءً‪ ،‬في الحكم المتوجِّ!!ه الى بعض آح!!اد المكلَّفين‪ .‬ويش!!هد ب!!ه‬
‫استداللهم ـ خَلَفاً بعد سَلَف ـ بالخطاب!!ات الخاصّ! ة في إثب!!ات عم!!وم‬
‫الحكم‪ .‬وكان هذا هو المتداول من الصدر األوّل إلى يومنا‪.‬‬
‫لكنْ يمكن أن يُقال برجوع ه!ذا ال!دليل إلى ال!دليل األوّل‪ ،‬الق!ائم‬
‫على دعوى تسالم الفقهاء واتّفاقهم على اش!!تراك األحك!!ام بين المكلَّفين‪،‬‬
‫سواء كانوا رجاالً أم نساء‪ ،‬شرط االتحاد في الصنف والش!!رائط الدخيل!!ة‬
‫في ثبوت الحكم الشرعي‪.‬‬

‫المتشرعة‪6‬‬
‫ِّ‬ ‫ج ـ ارتكاز‬
‫إن االشتراك في التكاليف بين جميع المكلَّفين‪ ،‬رجاالً ونس!!اءً‪ ،‬ه!!و‬
‫المرتَكَز عند أهل الشرع وعامّة المس!!لمين‪ ،‬من دون أن يك!!ون مختصّ! اً‬
‫بالمخاطَب‪ .‬وهذا االرتكاز ال محالة قد نش!!أ من مب!!دأ ال!!وحي والرس!!الة‪،‬‬
‫وقد انتق!!ل ي!!داً بي!!دٍ من الس!َّ لَف إلى الخَلَ!!ف‪ .‬ول!!ذا ل!!و س!!أل أح!!دُ‬
‫المقلِّدين مقلَّده واستفتاه في حكمِ موضوعٍ استفاد منه المقلِّد اآلخ!!ر‪،‬‬
‫سواء كان رجالً أم امرأة‪ ،‬وتعيَّنَتْ وظيفته أيض!!اً‪ ،‬من دون حاج!!ةٍ إلى‬

‫‪ 172‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫استفتاءٍ جديد‪ .‬والسؤال في الروايات إنّما كان على ه!!ذا المن!!وال‪ .‬ف!!اذا‬
‫قال اإلمام× ـ مثالً ـ في جواب زرارة‪ ،‬الذي سأله عن إص!!ابة ال!!دم ثوب!!ه‪،‬‬
‫وقد نسيه‪ ،‬فصلّى فيه؟‪ :‬أعِدْ صالتك‪ !،‬يكون المرتكز في ذهن المتشرِّعة‬
‫ثبوت هذا الحكم بالنسبة إلى جمي!!ع مَنْ ك!!ان منطبق!!اً علي!!ه مف!!روض‬
‫الس!!ؤال‪ ،‬بال ف!!رق بين أن يك!!ون رجالً أو ام!!رأةً‪ ،‬وإنْ ك!!ان المخ!!اطَب‬
‫بحَسَب اللفظ والبيان هو زرارة(‪.)362‬‬

‫د ـ عدم خل ّو الوقائع من األحكام‬


‫ويمكن التمسُّك إلثبات قاعدة اشتراك الرجل والمرأة في األحك!!ام‬
‫الشرعيّة بالمسألة المعروفة عند األصوليّين والفقه!!اء‪ ،‬وهي ع!!دم خل!!وّ‬
‫الواقعة من الحكم‪ ،‬ببيان أنه إذا ثبت حكم ألح!!دٍ‪ ،‬مث!!ل‪ :‬زرارة في المث!!ال‬
‫المتقدِّم‪ !،‬فالالزم الحكم بثبوته لغيره ممَّنْ هو مثله في الجهات الراجعة‬
‫إلى الحكم‪ ،‬سواء كان رجالً أو امرأةً؛ إذ مع عدم ثبوت!!ه لغ!!يره ال بُ!!دَّ‬
‫إمّا من االلتزام بخلوّ نفس ه!!ذه الواقع!!ة بالنس!!بة إلى غ!!يره عن الحكم‪،‬‬
‫فينافي أدلّة الشريعة التي التزم بها؛ وإمّا أن نلتزم ب!!ورود جع!!لٍ جدي!!د‬
‫في قضيّةٍ مماثلة لمكلَّفٍ آخر‪ ،‬أو ورود جعلٍ آخ!!ر بنح!!و العم!!وم‪ ،‬إالّ‬
‫أنّه ال دليل على ه!!ذين الجَعْلَين؛ إذ المف!!روض أن ال!!دليل في المس!!ألة‬
‫منحصرٌ بما ورد في قضيّة زرارة المتقدِّمة‪ .‬إذن‪ ،‬فال بُدَّ من االشتراك‪،‬‬
‫وإالّ لخلَتْ الواقع!!ة من الحكم‪ ،‬ب!!ل ادّع!!اء الض!!رورة ـ حتّى ال تخل!!و‬
‫الواقعة من الحكم ـ على اشتراك النساء مع الرج!!ال في الحكم ال!!ذي ورد‬
‫جواباً على سؤال زرارة‪ ،‬الذي هو رجلٌ في المقام‪ ،‬ال بُعْ!!دَ في!!ه‪ ،‬بل‌ ه!!و‬
‫كذلك (‪.)363‬‬

‫هـ ـ تنقيح المالك‪ 6‬القطع ّي‬


‫من األدلّة التي يمكن التمسُّك بها إلثبات قاعدة اش!!تراك الرج!!ل‬
‫والمرأة في األحكام هي فكرة تنقيح المالك؛ فإن المالك والمص!!لحة ال!!تي‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪173‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫اقتضَتْ تشريع حكم تطهير ثوب زرارة الذي أصابه البول هي نفسها التي‬
‫تقتضي ذلك بالنسبة إلى المرأة؛ فإن األحكام التابعة للمص!!الح والمفاس!د‬
‫نفس األمريّة ـ عند العَدْلية ـ ال تختلف بحَسَب أفراد المكلَّفين‪ ،‬س!!واء‬
‫في ذلك الرجل والمرأة؛ للزوم دفع المضرّة وجلب المنفع!!ة الالزم على‬
‫الكلّ(‪.)364‬‬
‫لكنْ ال يخفى أن تمامي!!ة ه!!ذا ال!!دليل موق!!وفٌ على العلم بمن!!اط‬
‫الحكم في المسألة‪ ،‬فما لم يَرِدْ ما يص!لح أن يك!ون مناط!اً للحكم‪ ،‬وعلم‬
‫بكونه هو المناط‪ ،‬فال يمكن تعميم الحكم إلى كلٍّ من الرج!!ل والم!!رأة‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فهذا الدليل أخصّ من المدَّعى‪!.‬‬

‫ثانياً‪ :‬أدلّة جمهور المذاهب الفقهيّة‬


‫استدلّ لقاع!!دة اش!!تراك األحك!!ام بين الرج!!ل والم!!رأة (أو النس!!اء‬
‫شقائق الرجال) عند جمهور المذاهب الفقهيّة بعدّة أدلّةٍ‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪1‬ـ األدلة اللفظيّة‪6‬‬


‫أـ الخطاب‪ 6‬القرآني‪6‬‬
‫من األدلّة التي يمكن استفادة اشتراك الم!!رأة والرج!!ل في األحك!!ام‬
‫عند س!!ائر علم!!اء المس!!لمين ـ على نح!!و القاع!!دة الفقهيّ!!ة ـ اآلي!!ات‬
‫والخطابات القرآنية‪ ،‬وهي على أصناف‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬اآليات العامّة‪ ،‬مثل‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬قُ!!لْ يَ!!ا أَيُّهَ!!ا النَّ!!اسُ‬
‫إِنِّي رَسُولُ اهللِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً‪ ...‬فَآمِنُوا بِاهللِ وَرَسُ! ولِهِ النَّبِيِّ‬
‫األُمِّيِّ‪...‬وَاتَّبِعُوهُ! لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ (األعراف‪.)158 :‬‬
‫بتقريب أنه ال إشكال في أن جمي!!ع الن!!اس م!!دعوّون لإليم!!ان باهلل‬
‫والرسول‪ ،‬ومأمورون بااللتزام باألحكام الش!!رعية؛ ألن الن!!بيّ[|] بعث إلى‬
‫الناس كافّةً‪ ،‬دون اس!!تثناءٍ؛ لي!!دعوهم إلى اإليم!!ان‪ ،‬وأم!!رهم اهلل تع!!الى‬
‫باتّباع النبيّ في ما جاء ب!!ه من الش!!رائع واألحك!!ام‪ .‬والنس!!اء من الن!!اس‬
‫حَتْماً‪ ،‬فيدخلْنَ في الخطاب العامّ بوضعه لغ!!ةً‪ ،‬ويكلّفْنَ كم!!ا يكلَّ!!ف‬

‫‪ 174‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫الرجال‪ .‬وعليه‪ ،‬فالخطاب في ه!!ذه اآلي!!ة وأمثاله!!ا ع!!امٌّ ش!!امل لجمي!!ع‬


‫المكلَّفين‪ ،‬سواء كانوا رجاالً أو نساءً‪ ،‬أحراراً أو عبيداً‪ ،‬فتك!!ون الم!!رأة‬
‫والرجل سواءً من ناحية شمول العمومات المثبتة للتكاليف‪ ،‬وتشترك معه‬
‫في ذلك(‪.)365‬‬
‫المختص!! ة بالرس!!ول|‪ ،‬حيث اس!!تدلّ بعض فقه!!اء‬‫ّ‬ ‫الث!!اني‪ :‬اآلي!!ات‬
‫المذاهب على اش!!تراك الرج!!ال والنس!!اء في األحك!!ام والتك!!اليف باآلي!!ات‬
‫والخطابات القرآنية الموجَّهة إلى النبيّ خاصّةً‪ ،‬ب!!دعوى ش!!مولها لك!!لّ‬
‫األمّة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إذا وردَتْ صيغةٌ مختصّة في وضع اللس!!ان برس!!ول اهلل[|]‪،‬‬
‫مثل‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ ولَتَكُونَنَّ مِنَ‬
‫الخَاسِرِينَ﴾ (الزمر‪ ،)65 :‬فإن األمّة معه في ذلك سواءٌ؛ مس!!تدلّين على‬
‫ذلك بأنه ورد األمر بخصوص!!ه‪ ،‬لكنّ!!ه يش!!مل األمّ!!ة عُرْف!!اً‪ ،‬ال من خالل‬
‫المدلول الوضعيّ للفظ؛ فإن العُرْف ال يفهم الخصوصيّة في الخط!!اب‪ ،‬ب!!ل‬
‫يرى أن جميع المكلَّفين معنيّون بذلك الخطاب‪ ،‬رجاالً ونس!!اءً‪ ،‬إالّ إذا دلَّ‬
‫دليلٌ على عدم مشاركة غير النبيّ[|] في الخطاب والحكم(‪.)366‬‬

‫سنَّة الشريفة‪6‬‬
‫ب ـ ال ُّ‬
‫استند علماء جمهور المذاهب الفقهي!!ة إلى مجموع!!ةٍ من األح!!اديث‬
‫والروايات؛ إلثبات أن أحكام الشريعة للناس كافّةً‪ ،‬ويشترك فيه!!ا جمي!!ع‬
‫األمّة‪ ،‬من الرجال والنساء‪ .‬ومن هذه األحاديث‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما رواه أنس بن مالك‪ ،‬عن رسول اهلل[|] أنه ق!!ال‪« :‬أُم!!رْتُ أن‬
‫أقات!!ل الن!!اس حتّى يش!!هدوا أن ال إل!!ه إال اهلل‪ ،‬وأن محم!!داً رس!!ول اهلل‪،‬‬
‫واستقبلوا قبلتنا‪ ،‬وأكلوا ذبيحتنا‪ ،‬وصلّوا ص!!التنا‪ ،‬فق!!د ح!!رُمَتْ علين!!ا‬
‫دماؤهم وأموالهم إالّ بحقِّها‪ ،‬لهم ما للمسلمين‪ !،‬وعليهم ما عليهم»(‪.)367‬‬
‫فالمستفاد من هذا الحديث أنه[|] مأمورٌ بنشر دين اإلسالم‪ ،‬وتعميم‬
‫األحكام على جميع الناس‪ ،‬دون فرقٍ بين النساء والرجال‪ ،‬فتك!!ون الم!!رأة‬
‫مشاركةً للرجل في التكليف‪ ،‬وتلك هي حقيقة الدين وغايته‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪175‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫‪2‬ـ ما رواه سعيد بن المرزبان‪ ،‬عن أنس بن مالك‪ ،‬عن عائش!!ة أنه!!ا‬
‫قالت‪ :‬سُئل رسول اهلل[|] عن الرجل يجِدُ البَلَ!!ل‪ ،‬وال ي!!ذكر احتالم!!اً؟‬
‫قال‪« :‬يغتسل»؛ وعن الرجل يرى أنه قد احتلم وال يجد بَلَالً؟ ق!!ال‪« :‬ال‬
‫غسل عليه»‪ ،‬قالت أمّ سليم‪ :‬هل على المرأة ترى ذلك غسلٌ؟ قال‪« :‬نعم؛‬
‫إن النساء شقائق الرجال»(‪.)368‬‬
‫ووجه االستدالل‪( :‬إن النساء) ـ وهو استئنافٌ في مع!!نى التعلي!!ل ـ‬
‫(شقائق الرجال)‪ ،‬أي نظائرهم في الخَلْ!!ق والطب!!ائع‪ ،‬ك!!أنهُنَّ ش!!ققْنَ‬
‫منهم؛ فما ثبت للرجال من أحك!!ام وتك!!اليف فه!!و ث!!ابتٌ للنس!!اء‪ ،‬إالّ م!!ا‬
‫أخرجه النصّ‪ .‬وعليه يجب الغسل على المرأة برؤية البَلَ!!ل بع!!د الن!!وم‪،‬‬
‫كالرجل‪ .‬وه!!ذا االش!!تراك بين الرج!ال والنس!!اء أش!!به بإلح!!اق النظ!!ير‬
‫بالنظير‪ ،‬ومن باب أن الخطاب إذا ورد بلفظ الذكور كان خطاباً للنساء‪،‬‬
‫إالّ في مواضع مخصوصة(‪.)369‬‬
‫فهذا الحديث يعت!!بر من األح!!اديث المهمّ!!ة ال!!تي اس!!تدلّ به!!ا على‬
‫اشتراك األحكام بين الرجال والنساء؛ باعتبار أنه موجَّ!!هٌ لهم!!ا مع!!اً‪ ،‬وال‬
‫فرق فيه بينهما‪ ،‬إالّ في ما دلَّ دليلٌ على تخصيص!!ه بأح!!دهما‪ .‬كم!!ا أن‬
‫عنوان القاعدة مأخوذٌ منها‪.‬‬

‫‪2‬ـ األدلة غير اللفظيّة‬


‫كما أنهم استدلّوا على قاعدة اشتراك التكليف بين الرجل والم!!رأة‪،‬‬
‫وعمومه لجميع المكلَّفين‪ ،‬بعدّة أدلّةٍ غير لفظية‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫أـ الضرورة‬
‫لقد عُلِمَ من دين النبيّ الكريم[|]‪ ،‬والشريعة السمحة التي جاء بها‬
‫وأُمر بتبليغها‪ ،‬بالضرورة‪ ،‬أن األحكام والتكاليف للناس كافّ!!ة‪ ،‬ذك!!رهم‬
‫وأنثاهم‪ ،‬إلى يوم القيامة(‪.)370‬‬

‫ب ـ اإلجماع‬

‫‪ 176‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫واستدلّ أيضاً على قاع!!دة اش!!تراك التكلي!!ف بين الرج!!ل والم!!رأة‬


‫وعمومه باإلجماع؛ فإنه منعقِدٌ على أن تك!!اليف الش!!رع عامّ!!ة‪ ،‬متناول!!ة‬
‫لجميع المكلَّفين‪ ،‬من الرجال والنساء‪ .‬ونحن مكلَّفون باعتق!!اد تعميمه!!ا‬
‫وشمولها للجميع‪ ،‬من دون فرقٍ‪ .‬والحاجةُ ماسّةٌ إلى ما يدلّ فيها بصفة‬
‫التعميم‪ ،‬لعموم التكليف؛ لذلك فإن الص!!حابة والعلم!!اء في ك!!لّ عص!!رٍ‬
‫يتمسّكون باآليات واألخبار الواردة «إليهم» شفاهاً في إثبات األحكام على‬
‫مَنْ وُج!!!د في زم!!!انهم‪ ،‬رجالً أو ام!!!رأة‪ ،‬وإنْ لم يكن موج!!!وداً وقت‬
‫نزولها(‪.)371‬‬

‫ج ـ حكاية الفعل من الصحاب ّي تقتضي العموم‬


‫ذهب بعض الفقهاء إلى أن قول الص!!حابيّ‪« :‬نهى رس!!ول اهلل[|] عن‬
‫المزابنة»(‪)372‬؛ و«قض!!ى بالش!!فعة فيم!!ا لم يقس!!م‪ ،‬ف!!إذا وقعت الح!!دود‪،‬‬
‫وصرفت الطرق‪ ،‬فال شفعة»(‪ ،)373‬يقتضي العموم‪ !،‬أي يصحّ التمس!ُّ ك! ب!ه‬
‫في العم!!وم في أمث!!ال تل!!ك القض!!ية المَحْكِيّ!!ة‪ ،‬نح!!و‪« :‬نهى عن بي!!ع‬
‫الغَرَر»‪ ،‬و«حكم بالشاهد واليمين»‪ .‬وك!!ذا ل!!و نقل!!وا حكم!!اً عام!!اً في‬
‫واقعةٍ معيَّنة من قِبَل سائلٍ معين؛ فإن نقلهم هذا يفيد العموم والشمول‬
‫لكلّ مكلَّفٍ‪ ،‬من دون فرقٍ بين الرجل والم!!رأة‪ ،‬ولك!!لّ واقع!!ةٍ مش!!ابهة‬
‫لتلك القضية(‪.)374‬‬

‫ي‬‫د ـ الدليل العقل ّ‪6‬‬


‫استدلّوا على عموم األحك!!ام واش!!تراكها بين جمي!!ع المكلَّفين‪ ،‬من‬
‫الرج!!ال والنس!!اء‪ ،‬ب!!دليلٍ عقليّ‪ ،‬مف!!ادُه‪ :‬إن الن!!بيّ[|] ك!!ان إذا أراد‬
‫التخصيص ببعض األمّة‪ ،‬أو بالرجال دون النس!!اء‪ ،‬نَصَّ علي!!ه‪ .‬ول!!وال أن‬
‫الخطاب المطلق! العامّ يكون خطاباً للكلّ لم!!ا احت!!اج إلى التخص!!يص؛ إذ‬
‫التخص!!يص ف!!رعُ ك!!ون الخط!!اب عامّ!!اً لجمي!!ع المكلَّفين‪ .‬وبم!!ا أن‬
‫التخصيص هو المحتاج إلى دليلٍ‪ ،‬إذن‪ ،‬فاألصل في الخط!!اب العم!!وم!(‪.)375‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪177‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫وعليه‪ ،‬فالدليل العقلي يقتضي اش!!تراك األحك!!ام والتك!!اليف بين الرج!!ال‬


‫والنساء‪.‬‬

‫‪4‬ـ األصل األ َّولي عند الش ّك في االشتراك‬


‫من خالل ما تقدَّم‪ ،‬من بيان األدلّة والمستندات التي س!!اقها فقه!!اء‬
‫المذاهب اإلسالميّة‪ ،‬والتي يثبت من خاللها أنّ األحكام الشرعية مشتركةٌ‬
‫بين الرجال والنساء‪ ،‬من دون فرقٍ في طبيعة هذا التكلي!!ف‪ ،‬م!!ا لم ي!!دلّ‬
‫دليلٌ على اختصاصها ببعضٍ دون بعضٍ‪ ،‬يتّضح أنّ األص!!ل في التك!!اليف‬
‫الشرعية هو اشتراك الرجال والنس!اء فيه!ا‪ .‬وه!!ذا يع!ني أنّ!!ه إذا لم يكن‬
‫دلي!!لٌ على اختص!!اص الحكم بالرج!!ل أو الم!!رأة‪ ،‬ك!!أنْ ك!!ان الخط!!اب‬
‫متوجِّهاً إلى الرجل بشكلٍ صِرْفٍ‪ ،‬أو إلى المرأة كذلك‪ ،‬وش!!كَكْنا في‬
‫اشتراك المرأة معه أو اشتراك الرجل معه!!ا في الحكم؛ باعتب!!ار أنّ أغلب‬
‫األحكام لم تَرِدْ بنحو القضيّة الكلِّية‪ ،‬بل أكثرها جاءَتْ بص!!يغة جم!!ع‬
‫المذكَّر أو متوجِّهةً إلى الرجل‪ ،‬وقليالً ما جاءت بص!!يغة الم!!ؤنَّث أو‬
‫متوجِّهةً إلى المرأة‪ ،‬إضافةً إلى عدم وجود قَيْ!!دٍ أو وص!!فٍ يش!!ير إلى‬
‫اختصاص الحكم بالرجل او المرأة‪ ،‬وإنْ وُجدَتْ بعض الق!!رائن إالّ أنه!!ا‬
‫غيرُ تامّةٍ لكي يتمسَّك! بها على اختصاص الحكم به أو به!!ا‪ ،‬عندئ!!ذٍ ال‬
‫يبقى مانعٌ من تعميم ج!!واز الحكم للم!!رأة أو للرج!!ل؛ بمقتض!!ى قاع!!دة‬
‫اشتراك األحكام بين الرجل والمرأة‪ ،‬ولو من خالل المطلقات الدالّ!!ة على‬
‫االشتراك‪ .‬ولذا يقال‪ :‬إن األصل عند الش!!كّ في االختص!!اص ه!!و قاع!!دة‬
‫االشتراك‪.‬‬

‫‪5‬ـ خروج بعض الموارد عن القاعدة‪ 6،‬ومالكه‬


‫ال شَكَّ في أن خروج بعض الموارد عن القاعدة ال ين!!افي كونه!!ا‬
‫قاع!!دةً كلِّي!!ة‪ ،‬وقانون!!اً عام!!اً يُرْجَ!!ع إلي!!ه في الم!!وارد مش!!كوكة‬
‫االختصاص‪.‬‬

‫‪ 178‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫ومن هنا كان من المناسب اإلشارة إلى بعض الموارد ال!!تي خ!!رجت‬
‫عن القاعدة‪ ،‬مع بيان مالك هذا الخروج‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬مناط الخروج‬


‫ال خالف في أن األصل في الشريعة هو اشتراك التكليف والحكم بين‬
‫الرجال والنساء‪ .‬والخ!!روج عن ه!!ذا األص!!ل يحت!!اج إلى دلي!!لٍ‪ .‬وه!!ذا ال‬
‫كالمَ فيه‪ .‬إنما الكالم فيما هو المن!!اط في الخ!!روج عن القاع!!دة‪ .‬وه!!ذا‬
‫يحتاج إلى القيام بمقارب!!ةٍ من خالل المعطي!!ات ال!!تي ق!!دَّمتها الم!!ذاهب‬
‫اإلسالميّة في هذا المجال‪:‬‬

‫‪1‬ـ مناط الخروج بنظر اإلماميّة‬


‫المستفاد من كلمات علماء اإلماميّة أن المن!!اط للخ!!روج عن ه!!ذه‬
‫القاعدة واألصل‪ ،‬بأن يخصَّص الحكم بأحدهما دون اآلخر‪ ،‬ه!!و الخض!!وع‬
‫لمص!!لحةٍ يراه!!ا الش!!ارع الحكيم؛ وذل!!ك إمّ!!ا الختالف التك!!وين بين‬
‫الجنسين‪ ،‬أو اختالف األدوار المنوطة بك!!لٍّ منهم!!ا‪ ،‬أو مراع!!اة الظ!!روف‬
‫والعناوين الطارئة‪.‬‬

‫‪2‬ـ مناط الخروج بنظر المذاهب األخرى‬


‫ذكروا في هذا المجال أن التسوية والعم!!وم يقوم!!ان على الفط!!رة‬
‫والعدال!!ة‪ ،‬فك!!ذلك االس!!تثناء واختالف األحك!!ام‪ ،‬ق!!د تقتض!!يها الفط!!رة‬
‫والعدالة‪ .‬ول!!ذلك فاس!!تثناءات ه!!ذه القاع!!دة مرجعُه!!ا إم!!ا إلى اختالف‬
‫الوظائف الفطريّة التي تتأسَّس عليها األحك!!ام‪ ،‬كم!!ا في األحك!!ام ال!!تي‬
‫يختلف فيها الذكور واإلناث‪ ،‬ويختلف فيها الب!!الغون والقاص!!رون؛ وإمّ!!ا‬
‫إلى اختالف األسباب والص!!فات الموجب!!ة للحق!!وق والواجب!!ات‪ ،‬بن!اءً على‬
‫قاعدة (المساواة في سبب االستحقاق يوجب المساواة في االستحقاق)‪ ،‬كما‬
‫في بعض االختالفات التشريعية بين المسلمين وغير المسلمين(‪.)376‬‬
‫فكلٌّ من الرجل والمرأة مكلَّفٌ استقالالً بتكاليف الشريعة‪ ،‬إالّ م!ا‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪179‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫استُثني فيه أحدهما‪ .‬وفي ذلك يقول ابن القيِّم‪« :‬فإنّ مصلحةَ العبادات‬
‫البدنيّة ومصلحةَ العقوبات الرجالُ والنس!!اء مش!!تركون فيه!!ا‪ ،‬وحاج!!ةُ‬
‫أحد الصِّنفين إليها كحاجة الصِّنف اآلخر‪ ،‬فال يلي!!ق التفري!!ق بينهم!!ا‪.‬‬
‫نعم؛ فرَّقَت بينهما في أليق المواضع بالتفريق‪ ،‬وهو الجمع!!ة والجماع!!ة‪،‬‬
‫لَس!! نَ من أه!!ل ال!!بروز‬
‫فخُصَّ وجوبُهما بالرجال دون النساء؛ ألنهُنَّ ْ‬
‫ومخالطة الرجال‪ .‬وكذلك فرَّقَتْ بينهما في عبادة الجه!!اد‪ ،‬ال!!تي ليس‬
‫اإلناثُ من أهلها‪ ،‬وسوَّتْ بينهما في وجوب الحجِّ؛ الحتياج الن!!وعين إلى‬
‫مصلحته‪ ،‬وفي وجوب الزكاة والصيام والطهارة»(‪.)377‬‬

‫ثانياً‪ :‬الموارد الخارجة‪ 6‬عن قاعدة االشتراك‬


‫وفي ما يلي بعض األمثل!!ة التطبيقيّ!!ة الخارج!!ة عن القاع!!دة‪ ،‬عن!!د‬
‫المذاهب الفقهيّة الخمسة‪:‬‬

‫‪1‬ـ لبس المخيط والخفَّ ْين حال اإلحرام‬


‫من المسائل ال!!تي خ!!رجَتْ من تحت قاع!!دة اش!!تراك التكلي!!ف بين‬
‫الرجل والمرأة مسألة لبس المخيط والخفَّين ح!!ال اإلح!!رام‪ ،‬فق!!د قي!!ل‬
‫بحرمة ذلك على الرجل‪ ،‬دون المرأة(‪)378‬؛ والدليل على ذلك‪:‬‬
‫أـ األدلّة عند اإلماميّة‪ :‬استدلَّت اإلماميّ!!ة على ه!!ذا التفكي!!ك في‬
‫الحرمة بين الرجل والمرأة بأدلّةٍ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬إجماع العلم!!اء كافّ!!ةً على تح!!ريم لبس المخي!!ط للرج!!ل‬
‫المُحْرِم‪ ،‬فإذا أراد اإلحرام وجب عليه نَزْع ثياب!ه‪ ،‬ولبس ث!وبَيْ اإلح!رام‪،‬‬
‫يأتزر بأحدهما و يرتدي باآلخر‪ .‬وكذا أجمعوا على ج!!واز ذل!!ك للم!!رأة‬
‫المُحْرِمة(‪.)379‬‬
‫الثاني‪ :‬األخبار‪ ،‬من قبيل‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما رواه الشيخ الطوسي‪ ،‬بإسناده عن معاوية بن عمار‪ ،‬عن أبي عب!!د‬
‫اهلل×‪« :‬ال تلبس وأنت تري!!د اإلح!!رام ثوب!!اً ت!!زرّه‪ ،‬وال تدّرع!!ه‪ ،‬وال تلبس‬
‫س!!راويل‪ ،‬إالّ أن ال يك!!ون ل!!ك إزارٌ‪ ،‬وال خفَّين إالّ أن ال يك!!ون ل!!ك‬

‫‪ 180‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫نعالن»(‪.)380‬‬
‫ووجه الداللة على المطلوب واضحةٌ؛ فإنها ظ!!اهرةٌ في أن!!ه يح!!رم‬
‫على الرجل لبس المخيط والثوب والخفَّين اختياراً‪.‬‬
‫‪2‬ـ ما رواه الشيخ الطوسي أيضاً‪ ،‬بإسناده عن يعقوب بن ش!!عيب‪ ،‬عن‬
‫أبي عبد اهلل×‪ ،‬قال‪ :‬الم!!رأة تلبس القميص ت!!زرّه عليه!!ا وتلبس الحري!!ر‬
‫والخزّ والديباج؟ فقال‪« :‬نعم‪ ،‬ال بأس به»(‪.)381‬‬
‫‪3‬ـ ما رواه الصدوق‪ ،‬بإسناده عن حريز‪ ،‬عن أبي عبد اهلل× قال‪« :‬كلّ‬
‫ثوبٍ تصلّي فيه فال بأس أن تحرم فيه»(‪.)382‬‬
‫بتقريب أن للمرأة المُحْرِمة أن تلبس ما شاءَتْ من أن!!واع! الثي!!اب‬
‫التي يجوز لها لبسها قبل اإلحرام‪ ،‬مخيطاً أو منسوجاً أو خالف ذلك‪.‬‬
‫ب ـ أدلّة جمهور المذاهب‪ :‬واستدلّ علماء سائر المذاهب اإلسالميّة‬
‫على حرمة لبس المخيط والخفَّين للرج!!ل‪ ،‬وعلى ج!!واز لبس المخي!!ط‬
‫للمرأة‪ ،‬بأدلّةٍ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ اإلجماع‪ :‬أجمع أه!!ل العلم على أنّ المُحْ!!رِم ممن!!وعٌ من لبس‬
‫القمص‪ ،‬والعمائم‪ ،‬والسراويالت‪ ،‬والخف!!اف‪ ،‬وال!!برانس؛ وأجمع!!وا! على أن‬
‫للم!!رأة المُحْرِم!!ة لبس القميص‪ ،‬وال!!دروع‪ ،‬والس!!راويل‪ ،‬والخُمُ!!ر‪،‬‬
‫والخِفاف(‪.)383‬‬
‫‪2‬ـ األخبار‪ ،‬كالذي رُوي عن عبد اهلل بن عمر‪ ،‬عن أبيه قال‪« :‬سأل‬
‫رجلٌ النبيّ[|] عمّا يجتنب المُحْرِم من الثياب؟ قال‪« :‬ال يلبس القميص‪،‬‬
‫وال الس!!راويل‪ ،‬وال ال!!برنس‪ ،‬وال العمام!!ة‪ ،‬وال ثوب!!اً مسّ! ه ال!!ورس‪ ،‬وال‬
‫الزعف!!!ران‪ .‬ويلبس إزاراً ورداءً ونعلين‪ ،‬وال يلبس الخفَّين‪ ،‬إالّ لمَنْ ال‬
‫يج!!!د النعلين‪ ،‬فليلبس الخفَّين‪ ،‬وليقطعهم!!!ا حتّى يكون!!!ا أس!!!فل من‬
‫الكعبين»(‪.)384‬‬
‫ووجهُ الداللة أنّ النبيّ[|] نهى عن خمسة أنواعٍ من اللب!!اس تش!!مل‬
‫جميع ما يحرم؛ وذلك أنّ اللباس إما أن يصنع للبدن فق!!ط‪ ،‬فه!!و القميص‬
‫وما في معناه؛ أو للرأس فقط‪ ،‬وهو العمامة وما في معناها؛ أو لهما‪ ،‬وه!!و‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪181‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫البُرْنس وما في معناه؛ أو للفخذين والساق‪ ،‬وهو السراويل وما في معناها؛‬


‫أو للرجلين‪ ،‬وهو الخفّ ونحوه‪.‬‬
‫وقالت المذاهب في ذلك‪ :‬ال ب!!أس أن تغطي الم!!رأة س!!ائر جس!!دها‬
‫وهي مُحْرِم!!ةٌ بم!!ا ش!!اءَتْ من الثي!!اب‪ ،‬المخيط!!ة وغيره!!ا‪ ،‬وأن تلبس‬
‫الخفَّين‪ ،‬غير أنها ال تغطي وجهه!!ا‪ .‬أم!!ا س!!تر س!!ائر ب!!دنها فألنّ ب!!دنها‬
‫عورةٌ؛ وستر العورة بما ليس بمخيطٍ متع!!ذِّرٌ‪ !،‬ف!!دَعَتْ الض!!رورة إلى‬
‫لبس المخيط(‪.)385‬‬
‫والدليل على ذلك‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما رُوي عن عبد اهلل بن عم!!ر أن!!ه س!!مع رس!!ول اهلل[|] يق!!ول‪:‬‬
‫«نهى النس!!اء في إح!!رامهنَّ عن القف!!ازَيْن والنق!!اب‪ ،‬وم!!ا مسّ ال!!ورس‬
‫والزعفران من الثياب‪ .‬ولتلبس بعد ذل!!ك م!!ا أحبَّتْ من أل!!وان الثي!!اب‪،‬‬
‫معصفراً أو خزّاً أو حلياً أو سراويل أو قميصاً أو خفّاً»(‪.)386‬‬
‫‪2‬ـ ما رُوي عن عائشة أنها قالت‪« :‬المُحْرِمةُ تلبس من الثياب م!!ا‬
‫شاءَتْ‪ ،‬إال ثوباً مسّه ورسٌ أو زعف!!رانٌ‪ ،‬وال تت!!برقع وال تلثم‪ ،‬وتس!!دل‬
‫الثوب على وجهها إنْ شاءَتْ»(‪.)387‬‬
‫وداللةُ هذه الروايات على أن للم!!رأة المُحْرِم!!ة أن تغطي جس!!مها‬
‫بما شاءَتْ من أنواع! الثياب‪ ،‬التي يجوز لها لبسها قبل اإلحرام‪ ،‬مخيطاً أو‬
‫منسوجاً أو خالف ذلك‪.‬‬

‫‪2‬ـ األحكام واألحوال الشخصيّة‪6‬‬


‫ذكرت في باب األحكام واألحوال الشخصية ع!!دّة مس!!ائل خُ!!رمَتْ‬
‫فيها قاعدة اشتراك المرأة والرج!!ل في التكلي!!ف‪ ،‬ب!!أن ثبت للرج!!ل حكمٌ‬
‫مغايرٌ للمرأة في موردٍ واحد‪ .‬ومن هذه المسائل‪:‬‬
‫أـ ميراث المرأة والرجل‪ :‬ذهبت جمي!!ع الم!!ذاهب اإلس!!المية إلى أن‬
‫ميراث المرأة أقلّ من ميراث الرجل في الغالب‪ .‬وق!د يك!ون على النص!ف‬
‫منه بش!!روطٍ معين!!ة‪ .‬والمفاض!!لة في اإلس!!الم بين الرج!!ل والم!!رأة في‬

‫‪ 182‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫الميراث لها شروطٌ‪ ،‬وهي(‪:)388‬‬


‫الشرط األوّل‪ :‬أن يكونا في درجةٍ واحدة (ابن وبنت مثالً)‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن يكونا من جهةٍ واحدة (جهة البنوّة أو األخوّة)‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يستويا في القوّة‪ ،‬ف!!األخ ألبٍ ال يس!!اوي نص!!يبه‬
‫ضعف نصيب األخت الشقيقة؛ ألنها أقوى صلةً منه بالشقيق‪.‬‬
‫فإذا توفَّرَتْ هذه الشروط‪ ،‬وكان ال!!وارث ذك!!راً وأن!!ثى‪ ،‬وك!!ان‬
‫اإلرث من األبوَيْن‪ ،‬فللذكر حصّتان‪ ،‬ولألنثى حصّة(‪.)389‬‬
‫يُوص!!! يكُمُ اهللُ فِي‬
‫ِ‬ ‫ويُس!!!تَدَلّ! على ذل!!!ك بقول!!!ه تع!!!الى‪﴿ :‬‬
‫أَوْالَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ األُنثَيَيْنِ﴾ (النساء‪.)11 :‬‬
‫وأما إذا كان اإلرث من الزوجين فالزوج له النصف عندما ال يك!!ون‬
‫للمرأة ولدٌ‪ ،‬وإرث الزوجة لها الربع عندما ال يكون لل!!زوج ول!!دٌ وارث‪.‬‬
‫وهكذا ينزل إلى الرب!!ع إذا ك!!ان له!!ا ول!!دٌ وارث‪ ،‬وت!!نزل هي إلى الثمن‬
‫عندما يكون له ولدٌ وارث‪.‬‬
‫ويدلّ عليه قوله تعالى‪ ﴿ :‬وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ‬
‫لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُ!!عُ مِمَّ!!ا‬
‫تَرَكْنَ‪ ...‬وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَ!!دٌ‬
‫فَإِنْ كَ!!انَ لَكُمْ وَلَ!!دٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّ!!ا تَ!!رَكْتُمْ﴾ (النس!!اء‪:‬‬
‫‪.)12‬‬
‫وافترق جمهور المذاهب عن اإلماميّة في بعض الحاالت بالنسبة إلى‬
‫ميراث البنت‪ .‬ولكنْ ال يؤثِّر ذل!!ك في أص!!ل التفاض!!ل بين إرث الرج!!ل‬
‫والمرأة؛ وذلك كما إذا لم يكن لها أخٌ يرث معها األقربون‪ ،‬فقالوا‪ :‬تأخذ‬
‫نصف حصّة الذكر إذا اجتمع معها ذك!!رٌ مس!!اوٍ له!!ا وص!!فاً ودرج!!ةً‪،‬‬
‫وورث المال بالتعصيب‪ ،‬والذكر المساوي يكون على الترتيب‪ ،‬األقرب ثمّ‬
‫األبع!!!!د‪ ،‬ابن األخ أو ابن األخت‪ ،‬ثمّ األخ ألبٍ وأمّ ثمّ ابن األخ ألبٍ وأمّ‬
‫ثمّ ابن األخ ألبٍ‪ .‬هذا على فرض لم يكن مع األقربين إناثٌ؛ أما إذا ك!!ان‬
‫معهم أخواتٌ فيرثْنَ مع البنات أيضاً (‪.)390‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪183‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫واستدلّوا عليه بقوله تع!!الى‪﴿ :‬يَسْ! تَفْتُونَكَ قُ!!لِ اهللُ يُفْتِيكُمْ‬


‫فِي الْكَاللَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَ!!هُ وَلَ!!دٌ وَلَ!!هُ أُخْتٌ فَلَهَ!!ا‬
‫نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَ!!ا‬
‫اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَ!!انُوا إِخْ!!وَةً رِجَ!!االً‬
‫وَنِس!! اءً فَلِل!!ذَّكَرِ مِثْ!!لُ حَ!!ظِّ األُنثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اهللُ لَكُمْ أَن‬
‫َ‬
‫تَضِلُّوا وَاهللُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النساء‪.)176 :‬‬

‫والتخصص‬
‫ُّ‬ ‫‪6‬ـ الخروج عن االشتراك‪ ،‬بين التخصيص‬
‫بعد ثبوت أن هناك موارد قد خرجَتْ عن القاعدة‪ ،‬وق!!ع الكالم بين‬
‫األعالم ـ حتّى داخل المذهب الواحد ـ في كيفيّة هذا الخروج وطبيعت!!ه‪،‬‬
‫وأنه بنحو التخصيص أو بنحو التخصُّص‪ .‬وبيان ذلك كما يلي‪:‬‬

‫أ ّوالً‪ :‬عند اإلماميّة‬


‫لقد اختلف فقهاء اإلمامية في نوعيّة وكيفيّة خروج تلك الموارد‬
‫المتقدِّمة عن القاعدة على قولين‪:‬‬
‫الق!!ول األوّل‪ :‬وه!!و أن الخ!!روج تخصيص!!يٌّ‪ .‬وه!!و م!!ا ذهب إليه‬
‫صاحب العناوين‪ ،‬على الظ!!اهر‪ ،‬حيث ق!!ال‪ :‬إن خ!!روج تل!!ك الم!!وارد عن‬
‫قاعدة اش!!تراك التكلي!!ف بين الرج!!ال والنس!!اء ه!!و من ب!!اب التخص!!يص‬
‫والخروج الحُكْميّ‪ .‬واعتبر ذلك موجباً النخرام القاعدة وعدم اطّرادها‪،‬‬
‫ممّا يؤثر على عمومها‪ ،‬حيث ق!ال‪« :‬إن ه!ذه القاع!دة ق!د انخ!رمَتْ في‬
‫مواض!!ع‪ ،‬كبطن الي!!د والظه!!ر في الوض!!وء للرج!!ل والم!!رأة‪ ،‬والجه!!ر‬
‫واإلخفات في الصالة‪ ،‬وكيفيّات قيامها وقعودها‪ ،‬وما يجب س!!ترها فيه!!ا‪،‬‬
‫وجواز لبس الحرير‪.)391(»...‬‬
‫القول الثاني‪ :‬وهو أن الخروج تخصُّصيٌّ‪ .‬وهو ما ذهب إليه جمعٌ‬
‫من األعالم‪ ،‬ك!!البجنوردي واللنك!!راني وغيرهم!!ا‪ ،‬من أنّ خ!!روج تل!!ك‬
‫الموارد عن القاعدة من باب التخصُّص والخ!!روج الموض!!وعيّ‪ ،‬ال!!ذي ال‬

‫‪ 184‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫يؤثِّر على عمومية القاعدة‪.‬‬


‫وبيان ذلك في أمرَيْن‪:‬‬
‫أـ إن خروج الم!وارد المتقدِّم!ة عن قاع!دة االش!تراك ليس بنح!و‬
‫التخصيص‪ ،‬حتّى يكون موجباً لعدم اطّراد القاعدة‪ ،‬بل بنحو التخص!ُّ! ص‪،‬‬
‫الذي مرجعه إلى عدم كون!ه داخالً في القاع!دة من األص!ل؛ ض!رورة أن‬
‫موردها ـ كما تقدَّم ـ إذا ورد حكمٌ في موردٍ أو خطاب إلى ش!!خصٍ أو‬
‫طائفة‪ ،‬ولم يقُمْ دليلٌ على االختصاص وال على عدمه‪ ،‬وكان غير ذل!!ك‬
‫المورد أو غ!!ير ذل!!ك الش!!خص أو الطائف!!ة متَّح!!داً مع!!ه في الجه!!ات‬
‫والخصوصيات‪ ،‬فمقتضى قاعدة االشتراك هو العموم والشمول‪.‬‬
‫ب ـ إذا دلّ الدليل على بعض الفروقات في األحك!!ام‪ ،‬ك!!الفرق بين‬
‫الرجل والمرأة في ما تقدَّم من مس!!ألة لبس المخي!!ط والخفين‪ ،‬وهن!!اك‬
‫فروقاتٌ أخرى لم ن!ذكُرْها‪ ،‬كمس!ألة الجَهْ!!ر واإلخف!ات‪ ،‬وفي الس!!تر‬
‫الواجب نَفْساً أو شَرْطاً‪ ،‬وك!!ذا في ب!!اب الوض!!وء‪ !،‬وب!!اب الحجّ‪ ،‬وب!!اب‬
‫الجهاد‪ ،‬وأمثال ذلك‪ ،‬فال يكون مثله مورداً للقاعدة حتّى يك!!ون خارج!!اً‬
‫عنها؛ ألن الدليل بنفسه دالٌّ على االختصاص؛ حيث ال يمكن أن يُق!!ال‪ :‬إن‬
‫المسافر والحاضر خارجان عن القاع!!دة تخصيص!!اً؛ ك!!ذلك المس!!تطيع‬
‫وغير المستطيع! في باب الحجّ‪ ،‬أو العناوين التسعة المرفوع!!ة في ح!!ديث‬
‫الرفع‌ ؛ ألن رفع الحرمة عن شرب الخمر الواقع إكراهاً ال يعتبر خروجاً‬
‫عن القاعدة؛ فمن الواضح أن المسألة خالف ذلك؛ كم!!ا أن قي!!ام ال!!دليل‬
‫على اختصاص حكمٍ بعنوانٍ‪ ،‬واعتبار القيود المأخوذة في ج!!انب موض!!وع‬
‫الحكم‪ ،‬يوجب عدم اتّح!!اد الص!!نف‪ ،‬ويك!!ون خارج!!اً عن مج!!رى القاع!!دة‬
‫موضوعاً وتخصُّص!!اً(‪ .)392‬وعلى ح!!دّ تعب!!ير البجن!!وردي‪ :‬إن «القي!!ود‬
‫المأخوذة في جانب موضوع! الحكم ي!!وجب ع!!دم اتّح!!اد الص!!نف‪ ،‬ويك!!ون‬
‫خارجاً عن موضوع قاعدة االش!!تراك بالتخص!ُّ ص‪ !،‬ال بالتخص!!يص»(‪.)393‬‬
‫والمفروض أن من شرائط جريان القاعدة اتح!!اد الص!!نف‪ ،‬وم!!ع عدم!!ه ـ‬
‫الذي قد ينشأ من القيود واألوصاف الملحوظ!!ة في موض!!وع الحكم ـ ال‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪185‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫يكون المورد من موارد القاعدة أصالً‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬عند جمهور المذاهب‬


‫إنّ وجود استثناءاتٍ كثيرة للقاعدة الفقهيّة بش!!كلٍ ع!!امّ مس!!ألةٌ‬
‫أثارت الجَدَل في وس!!ط علم!!اء م!!ذاهب العامّ!!ة‪ ،‬واعتُ!!برت من أع!!وص‬
‫المشاكل التي تشكِّل خَطَراً على أيّ قاع!!دةٍ فقهي!!ة؛ ألن!!ه ي!!ؤثِّر على‬
‫عموميّتها واطّرادها‪ .‬فالفقيه كلّما حدثَتْ له حادث!!ةٌ‪ ،‬وأراد أن يخ!!رج‬
‫حكمها على قاعدةٍ فقهية‪ ،‬خشي أن تكون تلك المس!!ألة خارج!!ةً عن حكم‬
‫القاعدة‪ ،‬وداخلةً في جملة المستثنيات‪ .‬ول!!ذلك‪ ،‬وبن!!اء على رأي العلم!!اء‬
‫الذين اعتبروا االستثناءات تشكِّل خَطَ!!راً على القواع!!د الفقهي!!ة‪ ،‬تعت!!بر‬
‫قاعدة اشتراك التكليف بين الرج!!ل والم!!رأة‪ ،‬أو النس!!اء ش!!قائق الرج!!ال‪،‬‬
‫ص! فْوِها اس!تثناءاتٌ‬
‫قياساً على غيره!ا من القواع!د‪ ،‬ق!د عكَّ!رَتْ على َ‬
‫كثيرة‪ ،‬وبالتالي ال تصلح لالحتجاج في الموارد المشكوكة‪ ،‬فهذا األمر له‬
‫ارتباطٌ وثيق بتقييم القاعدة‪ ،‬والحكم عليها‪ ،‬وهو ش!!اهدٌ على رتبته!!ا من‬
‫االعتبار‪ ،‬ويؤدّي إلى عدم قاعديَّتِها أصالً‪.‬‬
‫لذلك عالج بعض المحقِّقين المسألة من األصل؛ حيث رجَّحوا في‬
‫مقام بيان حقيقة القاعدة الفقهيّة أنّها حكمٌ أغلبيّ وأكثريّ‪ ،‬ال كلِّيّ‪.‬‬
‫وحينما أرجعوا المسائل الفقهية عن طريق االستقراء إلى قواع!!د كلِّي!!ة‪،‬‬
‫كلٌّ منها ضابطٌ وجامعٌ لمسائل كثيرة‪ ،‬واتّخذوها أدلّةً إلثبات أحكام‬
‫تل!!ك المس!!ائل‪ ،‬رأَوْا أن بعض ف!!روع تل!!ك القواع!!د يعارض!!ه أث!!رٌ أو‬
‫ضرورةٌ أو قَيْدٌ أو علّةٌ مؤثِّرة‪ ،‬تخرجها عن االطّراد‪ ،‬فتكون مس!!تثناةً‬
‫من تلك القاعدة‪ ،‬ومعدوالً بها عن سنن القياس‪ ،‬فحكموا عليها باألغلبيّة‪،‬‬
‫ال باالطّراد(‪ . )394‬وبالتالي سيكون نظر هؤالء إلى أن الموارد الخارجة من‬
‫تحت القاعدة على أنها خارجةٌ بالخروج االس!!تثنائيّ المتَّص!!ل‪ ،‬المعبَّ!!ر‬
‫عنه بالخروج التخصيصيّ الحُكْميّ‪.‬‬
‫إالّ أنّ الشاطبي في حديثه عن الجزئيّ الذي يخرج عن القاعدة ق!د‬

‫‪ 186‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫يكون حَلَّ مشكلة االستثناءات التي تشكِّل عائقاً أمام عمومها واطّراده!!ا؛‬
‫حيث قال‪« :‬فالجزئيات المتخلِّفة ق!!د يك!!ون تخلُّفه!!ا لحكمٍ خ!!ارجٍ عن‬
‫مقتضى الكلِّي‪ ،‬فال تكون داخلةً تحت!!ه أص!!الً؛ أو تك!!ون داخل!!ةً‪ ،‬لكنْ لم‬
‫يظهر لنا دخولها؛ أو داخلة عندنا‪ ،‬لكنْ عارضها على الخصوص ما هي ب!!ه‬
‫أَوْلى»(‪ .)395‬فعلى كلّ تقديرٍ ال اعتبار بمعارضة الجزئيّ!!ات في ص!!حّة‬
‫وضع الكلِّيات للمصالح‪.‬‬
‫فتعبير الشاطبي بقوله‪( :‬فال تكون داخلةً تحته أصالً) هو نفسه م!!ا‬
‫اصطلحَتْ عليه بعض علماء االماميّة بـ (الخروج التخصُّص!!ي)‪ ،‬فيك!!ون‬
‫من القائلين بأن خروج الموارد المتقدِّمة إنم!!ا ه!!و من م!!وارد الخ!!روج‬
‫التخصُّصي الموضوعيّ‪ !،‬ال التخصيصي الحُكْمي‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬المذاهب اإلس!!الميّة األخ!!رى مختلف!!ةٌ في ه!!ذه المس!!ألة على‬
‫قولين‪ ،‬كاإلماميّة‪.‬‬

‫صلة‪6‬‬
‫النتيجة المتح ِّ‬
‫اتّضح من خالل ما تقدَّم الفَرْق األساسي بين الخروج التخصُّصي‬
‫والتخصيصيّ‪ ،‬وهو أن اإلخ!!راج في التخص!!يص عن الحكم ليس إخراج!!اً‬
‫حقيقيّ!!اً‪ ،‬فل!!وال وج!!ود القرين!!ة المُخْرِج!!ة ل!!ه‪ ،‬وال!!تي يعبَّ!!ر عنه!!ا‬
‫(بالمخصِّص)‪ ،‬لم يخرج عن موض!!وع الحكم؛ خالف!!اً للتخصُّ! ص؛! ف!!إن‬
‫خروج المخصِّص خروجٌ حقيقيٌّ عن الموضوع‪ !،‬بال حاج!!ةٍ إلى وج!!ود‬
‫قرينةٍ تُخْرِجُه؛ ألن المس!!افر مثالً غ!!ير الحاض!!ر حقيق!!ةً‪ .‬ف!!اذا ق!!ال‬
‫الشارع‪« :‬يجب على المسافر التقص!!ير في ص!!الته» يخ!!رج الحاض!!ر عن‬
‫الحكم تخصُّصاً‪ ،‬من دون حاجةٍ إلى قرين!!ةٍ أو دلي!!لٍ آخ!!ر‪ ،‬أي من دون‬
‫حاجةٍ إلى (مخصِّص) خارجيّ‪ .‬وهذا ال يُعَدّ انخراماً لقاعدة‪.‬‬
‫وهكذا الحال في قاعدة اش!!تراك الرج!!ل والم!!رأة في التكلي!!ف؛ ف!!إن‬
‫اختالف الرجل مع المرأة في أحكامٍ كثيرة ال يؤثِّر على كلِّي!!ة القاع!!دة‪،‬‬
‫وال يكون نقضاً لعمومها؛ ألن موارد النقض ه!!ذه لم ت!!دخل في القاع!!دة من‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪187‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫األصل‪.‬‬

‫‪7‬ـ تطبيقاتٌ حول القاعدة‬


‫وبعد اتّض!!اح أن األص!!ل عن!!د الش!!كّ في االختص!!اص ه!!و قاع!!دة‬
‫االشتراك‪ ،‬فقد تمّ رَصْدُ كثيرٍ من النم!!اذج التطبيقيّ!!ة؛ ليظه!!ر م!!دى‬
‫نفوذ قاعدة اشتراك األحك!!ام بين الرج!!ال والنس!!اء في الش!!ريعة‪ ،‬وم!!دى‬
‫الحاجة إليها‪ .‬ولكنْ ال يَسَع المجال لذكرها جميع!!اً‪ ،‬غ!!ير أنّن!!ا س!!وف‬
‫نذكر ثالثة نماذج فقط؛ من أجل توضيح الصورة‪.‬‬

‫صنات‪6‬‬‫أـ آية رمي ال ُم ْح َ‬


‫وهي قول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬وَالَّ!!ذِينَ يَرْمُ!!ونَ الْمُحْصَ! نَاتِ ثُمَّ لَمْ‬
‫يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْ!!دَةً وَال تَقْبَلُ!!وا‬
‫لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور‪.)4 :‬‬
‫‪1‬ـ عند اإلماميّة‪ :‬إنّ لفظ الرَّمْي مع!!روفٌ‪ ،‬ثمّ اس!!تُعير لنس!!بة‬
‫أمرٍ غير مرضيٍّ إلى اإلنسان‪ ،‬كالزِّنى والسرقة‪ ،‬وهو القذف‪ .‬والس!!ياق‬
‫يشهد أن المراد به نسبة الزِّنى إلى المرأة المُحْصَنة العفيف!!ة‪ .‬والم!!راد‬
‫باإلتيان بأربعة شهداء‪ ،‬وهم شهود الزِّنى‪ ،‬إقامة الشهادة إلثب!!ات م!!ا ق!ذف‬
‫به‪ .‬وقد أمر اهلل تعالى بإقامة الحدّ عليهم إنْ لم يقيم!!وا الش!!هادة‪ ،‬وحكم‬
‫بفسقهم وعدم قبول شهادتهم أبداً‪.‬‬
‫والمعنى‪ :‬والذين يقذفون المُحْصَنات من النس!!اء ب!!الزِّنى‪ ،‬ثمّ لم‬
‫يقيموا أربعةً من الشهود على صدقهم في قذفهم‪ ،‬فاجلدوهم ثمانين جلدة‬
‫على قذفهم‪ ،‬وهم فاسقون‪ ،‬ال تقبلوا شهادتهم على شيءٍ أبداً (‪.)396‬‬
‫تقريب االشتراك‪ :‬كما هو ظاهرٌ من اآلية أنّه يحرم رَمْي النس!!اء‬
‫المُحْصَنات واته!!امهنّ ب!!الزِّنى‪ ،‬إالّ أنّ!!ه يح!!رم ال!!رَّمْي‪ ،‬س!!واء ك!!ان‬
‫المقذوف رجالً أو امرأة‪ ،‬أي إن الحرمة ال تختصّ بالنس!!اء المُحْصَ! نات‪،‬‬
‫كما ورد في اآلية‪ ،‬بل تشمل الرجال أيضاً‪ .‬وكذلك تعبير ذَيْ!!ل اآلي!!ة‪:‬‬

‫‪ 188‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫«وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ» غير مختصٍّ بالرج!ال‪ ،‬ب!ل يعمّ النس!اء‬


‫أيضاً‪ .‬لذلك يحرم على المكلَّف قذف اآلخرين‪ ،‬سواء كان القاذف رجالً‬
‫او امرأة‪ ،‬لكنّ الشمول والعموم ال يُستفاد من الوض!!ع اللغ!!ويّ للص!!يغة؛‬
‫ألنها وردَتْ في شأن النس!!اء خاصّ! ةً‪ ،‬ب!!ل من دلي!!لٍ آخ!!ر‪ ،‬وه!!و قاع!!دة‬
‫االش!!تراك؛ باعتب!!ار ت!!وفُّر الش!!روط‪ ،‬ال!!تي هي اتّح!!اد الص!!نف وإلغ!!اء‬
‫الخصوصيّة‪.‬‬
‫‪2‬ـ عند جمهور المذاهب‪ :‬ذك!!روا في ش!!أنها أنه!!ا وردَتْ في بي!!ان‬
‫حكم جلد القاذف للمُحْصَنة‪ ،‬وهي الحُرّة البالغ!!ة العفيف!!ة‪ .‬وكم!!ا ه!!و‬
‫واضحٌ علّق الحكم فيها بالنساء‪ .‬ومن المعلوم! أن حكم حرمة الق!ذف يعمّ‬
‫الرجال‪ ،‬أي كما يحرم قذف النساء كذلك يحرم ق!!ذف الرج!!ال أيض!!اً‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فمَنْ قذف المُحْصَنين‪ ،‬ولم ي!!أتِ بأربع!!ة ش!!هداء؛ فإن!!ه يُجْلَ!!د‬
‫ثمانين جلدة‪ ،‬وال تُقْبَل له شهادةٌ أبداً‪ .‬وكذلك لفظ «الفاسقين» ورد‬
‫في اآلية بصيغة المذكَّر‪ ،‬لكنّ!!ه يش!!مل النس!!اء أيض!!اً‪ .‬ويك!!ون المع!!نى‬
‫المتحصِّل‪ :‬مَنْ رمى المُحْصَنين أو المُحْصَنات فه!!و من الفاس!!قين أو‬
‫الفاسقات(‪ . )397‬وما ذاك إالّ تمسُّكاً بقاعدة (النساء شقائق الرجال)‪.‬‬

‫ب ـ حكم االحتكار‪6‬‬
‫‪1‬ـ عند اإلماميّة‪ :‬ذهب بعض الفقهاء إلى تح!!ريم احتك!!ار الس!ِّ لَع؛‬
‫لما فيه من هالك الناس‪ ،‬فيجب البيع؛ لوجوب حفظ الناس‪ ،‬كما قي!!ل‪ ،‬في‬
‫المخمصة‪.‬‬
‫واس!!تدلّوا على التح!!ريم برواي!!اتٍ ت!!وجَّهَتْ إلى بعض األف!!راد‬
‫بالخصوص‪ !،‬كما في الرواية التي رواها الكليني‪ ،‬بإس!!ناده عن أبي الفض!!ل‬
‫سالم الحنّاط قال‪ :‬ق!!ال لي أب!!و عب!!د اهلل×‪ :‬م!!ا عمل!!ك؟ قلتُ‪ !:‬حنّ!!اطٌ‪،‬‬
‫ورُبَما قدمْتُ على نفاق‪ ،‬ورُبَما قدمْتُ على كسادٍ فحبسْتُ‪ ،‬قال ×‪ :‬فما‬
‫يقول مَنْ قِبَلك في!!ه؟ قلتُ‪ :‬يقول!ون‪ :‬محتكِ!!رٌ‪ ،‬فق!!ال×‪ :‬يبيع!!ه أح!!دٌ‬
‫غيرك؟ قلتُ‪ :‬ما أبيع أنا من ألف جزءٍ جزءاً‪ ،‬قال×‪« :‬ال بأس‪ ،‬إنّما ك!!ان‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪189‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫ذلك رجلٌ من قريش‪ ،‬يُقال له‪ :‬حكيم بن حزام‪ ،‬وكان إذا دخ!!ل الطع!!ام‬
‫المدينة اشتراه كلَّه‪ ،‬فمَرَّ عليه النبيّ|‪ ،‬فقال‪ :‬يا حكيم بن حزام‪ ،‬إيّ!!اك‬
‫أن تحتكر»(‪.)398‬‬
‫وهذه الرواية وإنْ وردَتْ في موردٍ خاصّ‪ ،‬في شأن حكيم بن حزام‬
‫تنهاه عن االحتكار‪ ،‬إالّ أنّه لمّ!!ا ك!!ان االحتك!!ار س!!بباً في هالك األنفس‬
‫واإلفساد في المجتم!!ع فمن غ!!ير المعق!!ول أن ه!!ذا الفع!!ل إذا ص!!در من‬
‫مكلَّفٍ يكون مفسدةً‪ ،‬وإذا صدر من مكلَّفٍ آخر ال يكون كذلك‪ .‬وليس‬
‫النهي عن االحتكار الذي ورد في الرواية خاصّاً بحزامٍ؛ ألنّه ال دليل على‬
‫الخصوصية‪ ،‬بل الدليل على إلغائها‪ ،‬كم!!ا تق!!دَّم من أنّ األحك!!ام عامّ!!ةٌ‬
‫بأدلّة االشتراك(‪.)399‬‬
‫وبناءً على ما تقدَّم‪ ،‬ال يمكن أن تظهر داللة الرواية على المطل!!وب‬
‫الذي هو تسرية الحكم من حزامٍ إلى غيره من الرج!!ال والنس!!اء‪ ،‬إالّ من‬
‫خالل قاعدة االشتراك‪ ،‬ولو بنكتة تنقيح المناط‪.‬‬
‫‪2‬ـ عن!!د جمه!!ور الم!!ذاهب‪ :‬أجم!!ع جمه!!ور الم!!ذاهب على حرم!!ة‬
‫االحتكار(‪.)400‬‬
‫واستدلّوا على حرمته بما رُوي عن أحد بني عديّ بن كعب قال‪ :‬قال‬
‫رسول اهلل[|]‪« :‬ال يحتكر إالّ خاطئٌ»‪ ،‬فقلتُ لسعيد‪ :‬فإن!!ك تحتك!!ر‪ ،‬ق!!ال‪:‬‬
‫ومعمر كان يحتكر(‪.)401‬‬
‫ومن المالحَظ أن الظاهر من روايات االحتكار عند المذاهب األخرى‬
‫أنها وردَتْ متوجِّهةً في الخطاب إلى الرجل‪ ،‬كما عند اإلماميّة؛ ولع!!لّ‬
‫ذلك من باب أن السائد فيما سبق من األزمنة أنّ الرجل مَنْ يقوم بفع!!ل‬
‫االحتكار؛ نظراً لتصدّيه ألمر التج!!ارة وإج!!راء المع!!امالت‪ .‬إالّ أنّ حكم‬
‫الحرمة الذي ورد في الروايات ال يختصّ بالرجال‪ ،‬بل يسري إلى النس!!اء؛‬
‫ألنّ العموم والمساواة يكون في الحاالت والمناطات المتساوية والمتماثلة‪،‬‬
‫التي يُعبَّر عنها باتحاد الصنف‪ ،‬ومع عدم وج!!ود قرين!!ةٍ على اختص!!اص‬
‫الحكم بالرجال فتشترك النساء فيه؛ ألنهُنَّ شقائق الرجال‪.‬‬

‫‪ 190‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫حاربة‬
‫ج ـ حكم ال ُم َ‬
‫‪1‬ـ عن!!د اإلماميّة‪ :‬المقص!ود من المح!ارب ه!!و ك!لّ مَنْ ج!رّد‬
‫السالح؛! لإلخافة في برٍّ أو بحرٍ‪ ،‬ليالً أو نهاراً(‪.)402‬‬
‫وقد أفتى علماء اإلماميّة بوجوب إقام!ة الح!دّ على المُح!ارِب‪ ،‬من‬
‫دون فرقٍ بين الرجال والنساء(‪.)403‬‬
‫واستدلّوا على ذلك بصحيح محم!!د بن مس!!لم‪ ،‬عن اإلم!!ام الب!!اقر×‪،‬‬
‫حيث قال‪« :‬مَنْ شهر السالح في مص!رٍ من األمص!ار‪ ،‬فعق!ر‪ ،‬اقتصّ من!ه‪،‬‬
‫ونُفي من تلك البلد‪ .‬ومَنْ شهر السالح في مص!!رٍ من األمص!!ار‪ ،‬وض!!رب‬
‫وعقر وأخذ المال‪ ،‬ولم يقتل‪ ،‬فهو محارِبٌ‪ ،‬فجزاؤه جزاء المحارِب‪ ،‬وأمره‬
‫إلى اإلمام؛ إنْ شاء قتله وصلبه؛ وإنْ شاء قط!!ع ي!!ده ورجل!!ه‪ .‬وإنْ ض!!رب‬
‫وقتل وأخذ المال فعلى اإلمام أن يقطع يده اليمنى بالسرقة‪ ،‬ثمّ يدفعه إلى‬
‫أولياء المقتول فيتبعونه بالمال‪ ،‬ثم يقتلونه»‪ .‬فقال له أب!!و عبي!!دة‪ :‬أرأيتَ‬
‫إنْ عفا عنه أولياء المقتول؟ فقال أبو جعفر×‪« :‬إنْ عفَوْا عن!!ه ك!!ان على‬
‫اإلمام أن يقتله؛ ألنه قد حارب وقتل وسرق»(‪.)404‬‬
‫ومن الواضح أنّ ألفاظ الروايات ج!!اءَتْ مطلق!!ةً‪ ،‬وغ!!ير مقيَّ!!دةٍ‬
‫بالرجل أو المرأة‪ ،‬إالّ أنّه قد يُقال بانص!!رافها إلى الرج!!ال؛ باعتب!!ار أنّ‬
‫عادة قطع الطريق‪ ،‬وإشهار السالح؛ إلخاف!!ة الن!!اس‪ ،‬غالب!!اً م!!ا تص!!در من‬
‫الرجال‪ ،‬وقد يفهم العُرْف أنّ الحكم ورد بخصوص الرج!!ال؛ لم!!ا ذك!!ر‪،‬‬
‫لذلك ال بُدَّ من دليلٍ آخ!!ر ي!دعم الرواي!ة على س!!راية الحكم للنس!اء‪،‬‬
‫ويمكن أن يُقال حينئذٍ أنّ المبرِّر للقول بالشمولية هو قاع!!دة اش!!تراك‬
‫األحكام بين الرجال والنساء‪.‬‬
‫‪2‬ـ عند جمهور المذاهب‪ :‬من المس!!ائل ال!!تي وق!!ع الكالم فيه!!ا بين‬
‫األعالم‪ ،‬والتي يمكن عدُّها تطبيقاً لقاع!دة (النس!اء ش!قائق الرج!ال)‪ ،‬أو‬
‫قاعدة االشتراك‪ ،‬مسألة الحرابة‪ ،‬وقطع الطريق التي لها ح!!دٌّ معل!!وم في‬
‫الشريعة؛ حيث اش!!ترط بعض!!هم في إقام!!ة الح!!دّ على الق!!اطع أن يك!!ون‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪191‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫ذَكَراً‪ ،‬فحتّى لو كانت في القطّاع امرأةٌ فوليَتْ القتال وأخ!!ذ الم!!ال‪،‬‬


‫دون الرجال‪ ،‬ال يُقام الحَدّ عليها في الرواية المشهورة؛ ووجهها أن ركن‬
‫القط!!ع‪ ،‬وه!!و الخ!!روج على الم!!ارة على وج!ه المحارَب!!ة والمغالَب!!ة‪ ،‬ال‬
‫يتحقَّق من النساء عادةً؛ لرقّة قلوبهنَّ‪ ،‬وضعف بُنْيَتهنَّ‪ ،‬فال يكُنَّ من‬
‫أهل الحراب‪ ،‬ولهذا ال يقتلْنَ في دار الحرب‪ .‬بخالف السرقة؛ ألنه!!ا أخ!!ذ‬
‫المال على وجه االستخفاء‪ ،‬ومسارقة األعين‪ ،‬واألنوثة ال تمنع من ذلك‪.‬‬
‫وفي المقابل ذهب آخرون إلى أن حدّ قط!!ع الطري!!ق يس!!توي في!!ه‬
‫الرجل والمرأة؛ فإن الحدّ مهما كان‪ ،‬قطعاً أو قتالً‪ !،‬تشترك في!!ه الم!!رأة‬
‫مع الرجل؛ إذ كلٌّ من القطع والقتل ال يشترط فيه الذكورة واألنوث!!ة‪.‬‬
‫فمقتضى قاعدة (النساء شقائق الرجال) أو قاعدة اشتراك الرجل والم!!رأة‬
‫في التكلي!!ف ع!!دم الفَ!!رْق في ذل!!ك‪ ،‬م!!ا لم يقُمْ دلي!!لٌ على اش!!تراط‬
‫الذكورة(‪.)405‬‬

‫‪8‬ـ الخاتمة‬
‫‪1‬ـ لقد اختلف الفريقان في عن!!وان القاع!!دة المبح!!وث عنه!!ا‪ ،‬حيث‬
‫عُنونَتْ عند‪!:‬‬
‫أـ اإلمامية بـ (قاع!!دة اش!!تراك األحك!!ام الش!!رعية بين الرج!!ال‬
‫والنساء)‪ .‬وهو ينطبق على مضمون القاعدة‪ ،‬وما يُراد إثباته منه!!ا‪ ،‬بحيث‬
‫ال يَرِدُ عليه إشكالٌ يزعزع كلِّيتها وعمومها وقاعديّتها‪.‬‬
‫ب ـ جمهور المذاهب بـ (النساء شقائق الرجال)‪ ،‬الذي معناه النظير‪،‬‬
‫أي المساوي من جميع الجهات‪ .‬وإن هذا ال ينطبق مع مضامين القاعدة‪.‬‬
‫‪2‬ـ إنّ مفاد قاعدة اشتراك األحكام بين الرجال والنساء عن!د جمي!ع‬
‫المذاهب الفقهيّة تتكفَّل إثبات االشتراك في األحكام الفرعيّ!ة‪ ،‬التكليفي!ة‬
‫والوضعيّة‪ ،‬ال العقائد الدينيّة‪ ،‬فكان تعبيرهم كالتالي‪:‬‬
‫أـ اإلماميّة‪ :‬إنّ مفاد قاعدة اشتراك األحكام بين الرجال والنس!!اء ـ‬
‫الفرع ـ عند اإلمامية هو أنّ الحكم إذا توجَّ!!ه إلى رج!!لٍ أو طائف!!ةٍ من‬

‫‪ 192‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• قاعدة اشتراك الرجال والنساء في األحكام الشرعية‪ ،‬المفاد واألدلّة عند المذاهب اإلسالمية‬

‫دون قَيْدٍ فإنّ المتسالم عند الفقه!!اء ش!!موله للرج!!ال والنس!!اء مع!!اً‪ ،‬أو‬
‫فقُلْ‪ :‬هو إلحاق النساء بالرجال ـ أو ب!!العكس ـ في األحك!!ام الموجَّه!!ة‬
‫إليهم‪ ،‬المخاطَبين بها‪.‬‬
‫ب ـ جمهور المذاهب‪ :‬ذكروا أنّ األصل في الشريعة شموليّة األحك!!ام‬
‫للنساء والرجال‪ ،‬إالّ ما خصّ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إن تمامي!!ة األدلّ!!ة ال!!تي س!!اقها العلم!!اء من مختل!!ف الم!!ذاهب‬
‫اإلسالميّة على قاعدة اشتراك األحكام بين الرج!!ل والم!!رأة تص!!يِّر ه!!ذه‬
‫القاعدة ص!الحةً ألن تك!ون قاع!دةً مس!تقلّة قائم!ةً برأس!ها؛ حيث إنه!ا‬
‫تتكفَّل بعنوانها الخاصّ إثبات التكلي!!ف لعم!!وم الرج!!ال والنس!!اء‪ ،‬بغضّ‬
‫النظر عن الزمان والمكان‪ .‬ويترتَّب عليها فروع كثيرة في جميع أب!!واب‬
‫الفقه اإلسالمي‪.‬‬
‫ويكفي دليالً قيام ضرورة الشرع والفق!!ه‪ ،‬واالتّف!!اق القطعيّ‪ ،‬على‬
‫اعتبار قاعدة اشتراك األحك!ام بين الرج!ل والم!رأة‪ ،‬حتّى ل!و ن!وقش في‬
‫سائر األدلّة‪.‬‬
‫‪4‬ـ وعلى هذا األساس يكون األصل األوّلي عند الشكّ في اش!!تراك‬
‫التكليف بين الرجل والمرأة‪ ،‬وعند انع!!دام القرين!!ة على التخص!!يص‪ ،‬ه!!و‬
‫االشتراك وعموم التكليف لكلٍّ منهما‪ ،‬فيس!!ري الحكم من أح!!د الط!!رفين‬
‫إلى اآلخر بمعونة قاعدة االشتراك‪ ،‬ما لم يدلّ دليلٌ على العَدَم‪.‬‬
‫وطبعاً هذا االشتراك الذي تثبته القاعدة عند مختلف المذاهب إنم!!ا‬
‫ه!!و االش!!تراك في األحك!!ام الفرعيّ!!ة‪ ،‬التكليفي!!ة والوض!!عيّة‪ ،‬ال العقائ!!د‬
‫الدينية‪.‬‬
‫‪5‬ـ هناك موارد عديدة! خرجَتْ عن القاعدة عن!!د جمي!!ع الم!!ذاهب‪.‬‬
‫وتقاربَتْ تعبيراتهم حول مناط الخروج‪ ،‬فكانت كالتالي‪:‬‬
‫أـ عند اإلماميّة‪ :‬مناط الخروج يرجع إلى مص!لحةٍ يراه!ا الش!ارع‬
‫الحكيم؛ إمّا الختالف التكوين بين الجنس!!ين؛ أو اختالف األدوار المنوط!!ة‬
‫بكلٍّ منهما؛ أو مراعاة الظروف والعناوين الطارئة؛ وما شاكل ذلك‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪193‬‬
‫• أ‪ .‬شروق فقيه‬

‫ب ـ عند جمهور المذاهب ‪ :‬إن التسوية والعموم يقومان على الفطرة‬


‫والعدال!!ة‪ ،‬فك!!ذلك االس!!تثناء واختالف األحك!!ام ق!!د تقتض!!يها الفط!!رة‬
‫والعدالة‪.‬‬
‫‪6‬ـ اختلفَتْ التعب!!يرات في كيفيّ!!ة وطبيع!!ة خ!!روج الم!!وارد عن‬
‫القاعدة عند المذاهب كما يلي‪:‬‬
‫أـ عند اإلماميّة‪ :‬من باب التخصُّص والخ!!روج الموض!!وعي‪ !،‬كم!!ا‬
‫ذهب إلي!!ه بعض األعالم؛! خالف!!اً لمَنْ اعت!!بر أن ه!!ذا الخ!!روج من ب!!اب‬
‫التخصيص والخروج الحُكْميّ‪ ،‬الذي تبنّاه بعضٌ‪.‬‬
‫ب ـ عند جمهور المذاهب‪ :‬الجزئيات المتخلِّفة قد يك!!ون تخلُّفه!!ا‬
‫لحِكَمٍ خارجةٍ عن مقتضى الكلِّي‪ ،‬فال تكون داخلةً تحته أصالً؛ أو تكون‬
‫داخلةً‪ ،‬لكنْ لم يظهر لن!!ا دخوله!!ا؛ أو داخل!!ةً عن!!دنا‪ ،‬لكنْ عارض!!ها على‬
‫الخصوص ما هي به أَوْلى‪.‬‬
‫‪7‬ـ اتّضح من خالل ذكر بعض الم!وارد عن!د الم!ذاهب اإلس!!الميّة‬
‫الخمسة أن بعض األحكام الشرعيّة التي يُ!!راد تعميمه!!ا لك!!لِّ المكلَّفين‪،‬‬
‫من الرجال والنساء‪ ،‬بحاجةٍ إلعمال قاعدة اش!!تراك األحك!!ام بين الرج!!ال‬
‫والنساء محلّ البحث‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫‪ 194‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫مفهوم الغنيمة في التراث الفكر ّ‬


‫ي للمسلمين‬
‫عرضٌ وتحليلـ‬
‫(*)*)‬
‫أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫مقدّمةٌ‬
‫ي!!تركَّز البحث على م!!ادّة «الغنم»‪ ،‬وتص!!ريفاتها‪ ،‬واس!!تعماالتها‪،‬‬
‫وتجلِّياتها الجَدَلية حول مفهوم الغنيمة في التراث الفكريّ للمسلمين‪.‬‬
‫ويرصد النواحي الداللية لهذه المادّة في المعهود اللغويّ الت!!داولي‪،‬‬
‫وانعكاساتها في مجالَيْ التفسير والفقه‪.‬‬
‫وال يتطرَّق إلى األمور المتّصلة بالتاريخ السياسيّ‪ ،‬ال!!تي لم يعُ!!دْ‬
‫لها وجودٌ موضوعيّ في التاريخ الحديث‪.‬‬
‫ونعني بالتراث الفكريّ ما تركه علماء العرب والمسلمين من آث!ارٍ‬
‫واجتهاداتٍ في المجاالت الفكريّة واألدبيّ!!ة‪ ،‬كاللغ!!ة والتفس!!ير والفق!!ه‬
‫والبحوث الروائيّة‪.‬‬

‫تشريع الخمس‬
‫إن أصل تشريع الخمس ثابتٌ بنصّ القرآن الكريم‪ ،‬في قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ هللِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ‬
‫وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ‬
‫آمَنْتُمْ بِاهللِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَ!!وْمَ الْتَقَى‬
‫الْجَمْعَانِ وَاهللُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ (األنفال‪.)41 :‬‬

‫ٌ‬
‫باحث مهت ٌّم بالفكر العرب ّي اإلسالم ّي‪ .‬من سلطنة ُع َمان‪.‬‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪195‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫وبمراجعة تفسير «الكشّاف»‪ ،‬للزمخش!!ري(‪538‬هـ) ـ وه!!و من‬


‫أئمّة اللغة‪ ،‬ويمتاز تفسيره بالتركيز على الجوانب اللغوية والبالغية ـ‪،‬‬
‫نجده يقول‪( :‬أن ما غنمتم) ما موصولةٌ‪( .‬من شيء) قيل‪ :‬من شيءٍ حتّى‬
‫الخَيْط والمخيط‪( .‬فأن هلل) مبتدأٌ‪ !،‬خ!!بره مح!!ذوف تق!!ديره فح!!قٌّ أو‬
‫فواجبٌ أن هلل خمسه‪ ...‬كأنّه قيل‪ :‬فال بُ!!دَّ من ثب!!ات الخمس في!!ه‪ .‬وال‬
‫سبيل الى اإلخالل به والتفريط فيه؛ من حيث إذا ح!!ذف الخ!!بر‪ ،‬واحتم!!ل‬
‫غير واحد من المقدّرات‪ ،‬كقولك‪ :‬ثابت واجب حقّ الزم وما أشبه‪ ،‬كان‬
‫أقوى؛ إليجابه من النصّ على واحد‪ .‬وأضاف‪ :‬وإنْ قلتَ‪ :‬بِمَ تعلَّق قوله‪:‬‬
‫(إنْ كنتم آمنتم باهلل)؟ قلتُ‪ :‬بمحذوفٍ يدلّ عليه‪( .‬واعلموا) والمع!!نى‪:‬‬
‫إنْ كنتم آمنتم باهلل اعلم!!وا أن الخمس من الغنيم!!ة يجب التق!!رُّب ب!!ه‪،‬‬
‫فاقطعوا عنه أطماعكم‪ ،‬واقتنعوا! باألخماس األربعة(‪.)406‬‬
‫وقد آثرْتُ نقل تفسيره لآلية؛ لمقابلة ما ذكره قلمداران‪ ،‬بأن اآلية‬
‫صدِّرَتْ بصيغة «واعلموا»‪ ،‬وأن التأمُّل في لَحْنها ولهجتها يفي!!د أنه!!ا‬
‫ليست لهجةَ أمرٍ أو مطالبةٍ بأخذٍ‪ ،‬بل لهجتها لهجة إعالمٍ وإرشادٍ‪ ،‬وأنها‬
‫لم تأتِ على النحو الذي جاءَتْ به آيات األمر بالصالة والزكاة‪ .‬وأضاف‪:‬‬
‫إنه ال يخفى على أهل األدب والعارفين بلغة العرب ما في اآلية من لط!!فٍ‬
‫واختالفٍ عن تلك األوام!!ر؛ وذل!!ك ألن المس!!ألة هن!!ا مس!!ألةٌ علميّ!!ة‪،‬‬
‫وليست عمليّة‪ .‬ولذا ب!!دأ بعب!!ارة‪« :‬واعلم!!وا»‪ ،‬وليس بعب!!ارة‪« :‬آت!!وا أو‬
‫أدّوا»(‪.)407‬‬
‫وافقه الحيدري على هذه الخصوصية لآلية ـ حَسْب تعبيره ـ‪ ،‬غ!!ير‬
‫أنه استدرك بأن الجزاء في ذيل اآلية نصٌّ على أن أداء ذلك كاشفٌ عن‬
‫اإليمان باهلل وبما أُنزل على النبي|(‪.)408‬‬
‫وي!!رى قلم!!داران ب!أن كلم!ة «غنمتم» ج!اءت بص!!يغة المخ!اطَب‬
‫للماضي‪ ،‬ممّا ي!دلّ على أن الكالم عن أم!رٍ ق!د وق!ع‪ ،‬وعن ش!يءٍ ك!ان‬
‫حاضراً في حينها‪ ،‬فال يصح إذن أن يقص!!د به!!ا غن!!ائم لم يتمّ الحص!!ول‬
‫عليها بعدُ‪ ،‬وأنها ستختصّ برسول اهلل وآله فيما بعدُ(‪.)409‬‬

‫‪ 196‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫وقد أوضحَتْ دراسات النظم البيانيّ في القرآن الكريم ب!!أن ذل!!ك‬


‫من بين األساليب البالغيّة القرآنية‪ ،‬حيث يعبِّر بالمض!!ارع عن الماض!!ي‪،‬‬
‫ويعبِّر بالماضي عن المضارع‪ ،‬وبالماضي عن األمر‪ ،‬كما يعبِّر عن األمر‬
‫بالمضارع‪ ،‬وبالماضي عن األمر‪ .‬ومن وجوه التعبير بالماضي إفادته الحال‬
‫واالستمرار ولما يتحقَّق في المستقبل(‪.)410‬‬
‫وال يخفى أن هناك جَدَالً بين أهل اللغة والتفس!!ير والفق!!ه ح!!ول‬
‫بعض مفاهيم اآلية‪ .‬ونكتفي في المقام بهذه اإلطاللة العامّة عليها‪.‬‬
‫وسنتناول القضية المبحوثة من خالل المحاور التالية‪:‬‬

‫أ ّوالً‪ :‬اتجاهات‪ 6‬اللغويّين‪6‬‬


‫وقع نقاشٌ بين الفقهاء والمفسِّرين في بعض المس!!ائل المتعلِّق!!ة‬
‫باآلية الكريمة‪ ،‬من قبيل‪ :‬داللة م!ادّة «غنم» وتص!ريفاتها‪ ،‬وه!!ل تختصّ‬
‫بغنائم دار الحرب أم تعمّ مختلف المكاسب والفوائد؟‬
‫وبتعبيرٍ أدقّ‪ :‬ما هو المعنى الذي وضع ل!!ه لف!!ظ «الغنيمة»؟ وم!!ا‬
‫هي استعماالته المعهودة في المجال التداولي في تراث المسلمين؟‬
‫اختلفت تعريف!ات أئمّ!ة اللغ!ة وعلم!اء مف!ردات الق!رآن وغريب!ه‪،‬‬
‫وكذلك غريب الحديث‪ ،‬حول ذلك‪.‬‬
‫ففي «العين»‪ ،‬للخليل بن أحمد(‪170‬هـ)‪ :‬والغنم هو الفوز بالشيء‬
‫في غير مشقّةٍ‪ .‬واالغتنام‪ :‬انتهاب الغنم‪ .‬والغنيمة‪ :‬الفَيْء(‪.)411‬‬
‫وفي «مقاييس اللغة»‪ ،‬البن فارس(‪395‬هـ)‪ :‬الغين والن!!ون والميم‬
‫أصلٌ صحيح واحد‪ ،‬يدلّ على إفادة شيء لم يمل!!ك من قب!!لُ‪ ،‬ثمّ يختص‬
‫ما أخذ من مال المشركين بقهرٍ وغلبة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬وَاعْلَمُ!!وا أَنَّ مَ!!ا‬
‫غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾(‪.)412‬‬
‫وفي «لسان العرب»‪ ،‬البن منظور(‪711‬هـ)‪ :‬الغنم الف!!وز بالش!!يء‬
‫من غير مشقّةٍ‪ .‬واالغتنام انتهاز الغنم‪ .‬وفي الحديث‪ :‬الرهن لمَنْ رهن!!ه‪،‬‬
‫له غنمه‪ ،‬وعليه غرمه‪ .‬غنمه زيادته ونماؤه وفاضل قيمته‪...‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪197‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫وقال األزهري(‪370‬هـ)‪ :‬الغنيمة ما أوجف عليه المسلمون بخَيْلهم‬


‫ورك!!ابهم من أم!!وال المش!!ركين‪ ...‬وفي الح!!ديث‪ :‬الص!!وم في الش!!تاء‬
‫الغنيمة الباردة‪ ،‬سمّاه غنيمة لما فيه من األجر والثواب(‪.)413‬‬
‫ولم تبتعد مصادر مفردات القرآن الكريم عمّا ذكره اللغويّون‪.‬‬
‫وقال الراغب(‪502‬هـ)‪ :‬والغنم إصابته والظفر به‪ .‬ثم اس!!تعمل في‬
‫كلّ مظفورٍ به من جه!!ة العِ!!دى وغ!!يرهم‪ .‬ق!!ال‪﴿ :‬وَاعْلَمُ!!وا أَنَّ مَ!!ا‬
‫غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾‪ .‬والمغنم ما يغنم‪ ،‬وجمعه‪ :‬مغانم‪ ،‬قال‪﴿ :‬فَعِنْدَ اهللِ‬
‫مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ﴾(‪.)414‬‬
‫وحَسْ! ب الط!!ريحي(‪1085‬هـ)‪ :‬الغنيم!!ة في األص!!ل هي الفائ!!دة‬
‫المكتسبة‪ .‬ولكنْ اصطلح جماعةٌ على م!!ا أخ!!ذ من الكفّ!!ار‪ ،‬إنْ ك!!ان من‬
‫غير قتالٍ فهو الفَيْء‪ ،‬وإنْ كان مع القتال فهو غنيمةٌ(‪.)415‬‬
‫ومثل ذلك جاء في المصادر المختصّة بغريب الحديث‪.‬‬
‫ذكر ابن قتيبة(‪276‬هـ) أن الغنيمة ما غنم!!ه المس!!لمون من أرض‬
‫العدوّ‪ !،‬وعن حربٍ تك!!ون بينهم‪ ،‬فهي لمَنْ غنمه!!ا‪ ،‬إالّ الخمس‪ .‬وأض!!اف‪:‬‬
‫وأصل الغنيمة والغنم في اللغة الربح والفضل‪ ،‬ومنه قيل في ال!!رهن‪ :‬ل!!ه‬
‫غنمه‪ ،‬وعليه غرمه‪ ،‬أي‪ :‬فضله للراهن‪ ،‬ونقصانه عليه(‪.)416‬‬
‫وحَسْب ابن األث!!ير(‪606‬هـ)‪ :‬الغنيم!!ة والغنم والمغنم والغن!!ائم‪،‬‬
‫وهو ما أصيب من أموال أهل الحرب‪ ،‬وأوج!!ف علي!!ه المس!!لمون بالخي!!ل‬
‫والركاب‪ .‬يُقال‪ :‬غنمت أغنم غنماً وغنيم!!ة‪ ،‬والغن!!ائم جمعه!!ا‪ ،‬والمغ!!انم‬
‫جمع مغنم‪ ...‬ومنه الحديث‪« !:‬الصوم في الشتاء الغنيم!!ة الب!!اردة» وإنم!!ا‬
‫سمّاه غنيمة لما فيه من األجر والث!!واب‪ .‬ومن!!ه الح!!ديث‪« !:‬ال!!رهن لمَنْ‬
‫رهن!!ه‪ ،‬ل!!ه غنم!!ه‪ ،‬وعلي!!ه غرمه»‪ ،‬ق!!ال‪ :‬غنم!!ه زيادت!!ه ونم!!اؤه وفاض!!ل‬
‫قيمته(‪.)417‬‬
‫وإذا تأمَّلنا في كلمات اللغويين والمتخصِّصين في مفردات القرآن‬
‫والحديث السابقة حول مفهوم مادة الغنم نجدهم طرحوا معاني متفاوت!!ةً‬
‫بين العامّ والخاصّ‪.‬‬

‫‪ 198‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫وإذا مايَزْن!!ا في كلم!!اتهم بين المع!!اني اللغوي!!ة وبين تطبيقاته!!ا‬


‫ومصاديقها نجد أن تعريف!!اتهم على مس!!توى! الدالل!!ة اللغوي!!ة أق!!رب إلى‬
‫بعض المعاني العامّة لم!!ادة الغنم‪ ،‬من قبي!!ل‪ :‬الف!!وز بالش!يء بال مش!!قّة‪،‬‬
‫وإفادة شيءٍ لم يملك من قبلُ‪ ،‬والزيادة والنماء وفاضل القيمة‪ ،‬وال!!ربح‬
‫والفضل‪ ،‬والفائدة المُكتَسَبة‪.‬‬
‫أما على المستوى! التطبيقي فنجدهم اتَّجهوا نحو تطبيقات الت!!اريخ‬
‫السياسي والفقه الشرعيّ‪ ،‬فربطوا الغنيمة بغنائم دار الحرب‪.‬‬
‫وتداخل مفهوم الغنيمة بالفَيْء في بعض التعريفات‪ ،‬ومع ذل!!ك لم‬
‫يقصروا مدلولها على ما يظفر ب!!ه في الح!!رب فق!!ط‪ ،‬ب!!ل طبَّق!!وه على‬
‫الثواب اآلتي من الصوم في الشتاء‪ ،‬وعلى عوائد الرهن‪ ،‬ومغانم اآلخرة‪.‬‬
‫وثمّة مدخلٌ لتفسير الفوز بالش!!يء والظف!!ر ب!!ه بالغلب!!ة؛ ألن من‬
‫معاني الظفر الفوز بالمطلوب‪ !،‬وكذا الفلج بما خاصمت(‪.)418‬‬
‫والظف!!ر يس!!تبطن! مع!!نى الغلبة(‪ ،)419‬وال يقتص!!ر على الغلب!!ة في‬
‫الحرب‪.‬‬
‫ويفهم من كالم كلٍّ من‪ :‬ابن فارس؛ وال!!راغب‪ ،‬أن ثمّ!!ة تط!!وّراً‬
‫حصل في استعمال الكلمة في المجال التداولي في مرحلةٍ تاريخية تالي!!ة‪،‬‬
‫بحيث صارت تختصّ بغنائم الحرب‪.‬‬
‫وحَس!! ب الط!!ريحي ف!!إن االختص!!اص بغن!!ائم دار الح!!رب مع!!نى‬ ‫ْ‬
‫اصطالحيّ متأخِّر‪.‬‬

‫مناقشة الحيدري‬
‫وفي ضوء م!!ا س!بق يمكن مناقش!!ة م!ا ذك!!ره الحي!!دري ‪ ،‬من أن!!ه‬
‫بمراجعة المصادر اللغوية األصليّة‪ ،‬ب!!ل الثانوي!!ة أيض!!اً‪ ،‬ال نج!!د وص!!فاً‬
‫للغنيمة بأنها مطلق الفائدة المكتَسَبة‪ ،‬بل ينصّون على أن الغنم هو الفوز‬
‫بالشيء بال مشقّةٍ‪ ،‬وأن المحصَّلة المستفادة من كلم!!اتهم التفري!!ق بين‬
‫الغنم والغنيمة‪ ،‬وأن الغنم واشتقاقاتها موضوعٌ للفوز بالشيء بال مش!!قّة‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪199‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫وأما الغنيم!!ة فهي م!!ا أوج!!ف علي!!ه المس!!لمون! بخَيْلهم ورك!!ابهم(‪،)420‬‬


‫واختار تعريف الخليل(‪170‬هـ) ومَنْ وافق!!ه‪ ،‬ك!!أبي عبي!!دة(‪224‬هـ)‬
‫واألزهري(‪370‬هـ) والصاحب بن عبّاد(‪385‬هـ)؛ ألن آراءهم ـ في نظره‬
‫ـ اس!!تندَتْ إلى المع!!اني المس!!تعملة‪ ،‬وإلى ال!!رواة والش!!عر والق!!رآن‬
‫والحديث؛ أما ما عداها فاعتبرها مخالفةً لالستعماالت العربية‪ ،‬ومعتم!!دة‬
‫على الحَدْس واالجتهاد(‪ ،)421‬واستبعد مَنْ خالف هؤالء‪ ،‬كابن قتيب!!ة(‪27‬‬
‫‪6‬هـ) وابن ف!!ارس(‪395‬هـ) وغ!!يرهم‪ ،‬معت!!براً تعريف!!اتهم اجتهادي!!ة‪،‬‬
‫ومخالفة لما ك!ان مس!!تعمالً ل!!دى الع!رب‪ ،‬وك!ذا الس!!تعماالت الق!رآن‬
‫والحديث والشعر‪.‬‬
‫والواقع أن اللغويين دَرَجوا على ذكر المعاني اللغوية‪ ،‬وتطبيقاتها‪،‬‬
‫واستعماالتها التاريخيّة‪ .‬والخليل ـ كما الحَظْنا ـ لم يقصر معنى الغنم‬
‫بما يظفر به في ساحة الحرب‪ .‬ب!!ل طبَّق!!ه على الفَيْء‪ ،‬وه!و ـ حَسْ! ب‬
‫المشهور ـ مقابلٌ للغنيم!!ة ب!!المعنى األخصّ‪ ،‬أي ممّ!!ا لم يوج!!ف علي!!ه‬
‫بخَيْلٍ أو ركاب‪.‬‬
‫وذكر ابن منظور ـ من المتأخِّرين ـ نفس التعري!!ف‪ ،‬ونقل!!ه عن‬
‫األزهريّ‪ ،‬وطبقه على المعنى االصطالحي‪.‬‬
‫وليس ابن فارس وح!ده ال!ذي لم يف!رِّق بين الغنم والغنيم!ة‪ ،‬ب!ل‬
‫كذلك األزهري وابن قتيبة وابن األثير‪.‬‬
‫كما أن ابن قتيبة وأبا عبيدة كان!!ا متق!!اربين زمان!!اً‪ ،‬وابن ف!!ارس‬
‫كان معاصراً أو مقارباً زماناً لألزهري‪ ،‬وللصاحب بن عبّاد‪.‬‬
‫وصرَّح ابن فارس بأن كتاب الخليل وغريبَيْ أبي عبي!!دة هم!!ا من‬
‫بين مصادره‪ ،‬وأنه اعتمد عليهما‪ ،‬وعلى غيرها من المصادر األصليّة ألئمّة‬
‫اللغ!!ة المع!!روفين‪ ،‬مث!!ل‪ :‬كت!!اب «المنطق»‪ ،‬البن الس!!كِّيت(‪244‬هـ)؛‬
‫وكتاب «الجمهرة»‪ ،‬البن دريد(‪321‬هـ)‪.‬‬
‫وق!!ال ابن ف!!ارس‪ ،‬بع!!د أن ع!!دَّد مص!!ادره‪ :‬وه!!ذه الكتب الخمس!!ة‬
‫معتمدُنا! في ما استنبطناه من مقاييس اللغة‪ ،‬وما بعد هذه الكتب محم!!ولٌ‬

‫‪ 200‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫عليها‪ ،‬وراجعٌ إليها(‪.)422‬‬

‫الخليل ومدرسة البصرة‬


‫وال نغفل أن الخليل كان ينتمي إلى مدرسة البصرة‪ ،‬ال!!تي ع!!رفَتْ‬
‫باستخدام القياس واالجتهاد والمنطق‪ ،‬إلى جانب اعتماد الرواية في اللغ!!ة‪،‬‬
‫وأن كتابه اشتمل على كلم!!ات مولّ!!دة ومس!!تحدَثة ومص!!طنعة‪ ،‬مث!!ل‪:‬‬
‫دهداق‪ ،‬ده!!دق(‪ .)423‬وثمّ!!ة دع!!وى! ح!!ول اعتم!!اده على اإلمك!!ان ال!!ذهني‪،‬‬
‫وإسرافه في االعتماد على المسلك المنطقي والرياضي‪ ،‬البعيد عن الواق!!ع‬
‫التداولي واالجتماعي(‪.)424‬‬
‫وهناك مَنْ ش!!كَّك في نس!!بة معجم العين الى الخلي!!ل‪ ،‬مث!!ل‪ :‬أبي‬
‫حاتم السجستاني واألزهري‪ ،‬الذي كان يزعم أنه لليث‪ ،‬وأن الخليل نحله!‬
‫مقابل مَنْ أثبت نسبته إليه‪ ،‬مثل‪ :‬ابن دريد‪.‬‬
‫(‪)425‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهو الذي استقرَّتْ عليه شهرته‪ ،‬ويؤكِّده بعض المحقِّقين‬
‫ويبدو أن التفريق في كلمات بعض اللغ!!ويّين بين الغنم والغنيم!!ة‬
‫يرجع الى أنهم يذكرون المعنى اللغويّ أوّالً‪ ،‬ثمّ يطبِّقون!!ه ـ حَسْ! ب‬
‫اجتهادهم ـ على مجاالت االستعمال والتداول الفقهي‪.‬‬
‫وقد يقدِّم بعضهم المصداق‪ ،‬بينما يبدأ! بعضهم بالتعريف‪ ،‬ثمّ يردفه‬
‫بالمصداق‪ .‬وقد يطبِّق بعضهم المعنى على آية الغنيمة‪ ،‬أو يستش!!هد به!!ا؛‬
‫لكون موضوعها مصداقاً بارزاً له!ا‪ ،‬وإالّ ف!إن الغنيم!ة مص!در غنم‪ ،‬ومن‬
‫مشتقّاتها‪ ،‬وليست أجنبيّةً عنها‪.‬‬
‫ومع األهمّية المرجعي!!ة للغ!!ة واس!!تعماالتها المعه!!ودة في تحدي!!د‬
‫دالالت النصوص‪ ،‬إالّ أنها كظاهرةٍ اجتماعية تخض!!ع لم!!وازين التط!!وُّر‬
‫والتغيُّر‪ ،‬وإنْ كان تطوُّرها بطيئاً‪ ،‬ومن ثَمَّ فإنه!!ا تت!!أثَّر بالس!!ياقات‬
‫الثقافية والتاريخية‪ .‬وفي ه!!ذا الص!!دد ي!!رى بعض العلم!!اء أن اللغ!!ويين‬
‫أنفسهم‪ ،‬وباألخصّ في موارد التطبيق‪ !،‬قد تأثَّروا باالستعماالت التاريخية‬
‫الرسميّة‪ ،‬وباالجتهادات الفقهية والتفسيرية السائدة‪ .‬ويُالحَظ أن بعضهم‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪201‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫يذكر المعنى اللغويّ‪ ،‬ويردفه بم!!ا انتهى إلي!!ه االس!!تعمال االص!!طالحيّ؛‬


‫ويصرِّح بعضهم‪ :‬ثمّ اختصّ أو استعمل في كذا‪ ،‬أو اص!!طلح على ك!!ذا‪.‬‬
‫وتطبيق بعضهم أو استشهادهم بـ «آية الخمس» من س!!ورة األنف!!ال أدّى‬
‫إلى تبادل التأثير بينهم وبين المفسِّرين والفقهاء‪ ،‬كما سيتّضح الحقاً‪.‬‬
‫ويرى السيستاني ـ حَسْب بعض مقرِّري درس!!ه ـ أن كتب اللغ!!ة‬
‫متأثِّرةٌ بمذاهب أهلها غالباً‪ ،‬ولذا فسَّر كلٌّ منهم ما فيه نحو إجم!!الٍ‬
‫وإبهامٍ على مرامه‪ ،‬متأثِّراً بمذهبه الفقهيّ‪ .‬فمثالً‪ :‬نرى أنهم يفسِّرون‬
‫الغنيمة بغنائم دار الحرب؛ وذل!ك لت!أثُّرهم ب!أن الخمس إنم!ا يجب في‬
‫غنائم الحرب‪ .‬والحال أن الغنيمة ـ كما يرى ـ هي الظف!!ر بالش!!يء‪ ،‬ب!!ل‬
‫هي كلّ عوضٍ مادّي(‪ .)426‬وقد أشار غيرُ واحدٍ من العلماء إلى ذلك‪.‬‬
‫إن ه!!ذا الت!!داخل في المع!!اني وال!!دالالت اللغويّ!!ة‪ ،‬والت!!أثُّر‬
‫باالستعماالت التاريخية الرسميّة واالصطالحية الفقهية المتداولة‪ ،‬زاد من‬
‫صعوبات البحث؛ للوصول إلى تحديد معنىً مح!!دَّدٍ‪ ،‬اس!!تعمل في!!ه لف!!ظ‬
‫الغنم والغنيمة‪ ،‬فضالً عن المعنى الذي وُضع له‪.‬‬

‫استعماالتٌ عا ّمة لمادّة «غنم»‬


‫درس الخرسان اس!!تعماالت م!!ادة «غنم» وتص!!ريفاتها اللغويّ!!ة في‬
‫الكتاب والس!!نّة واألدب‪ ،‬وانتهى إلى س!!عة المفه!!وم‪ ،‬وع!!دم اقتص!!اره على‬
‫غنائم الحرب وحدها‪.‬‬
‫ومن الش!!واهد ال!!تي س!!اقها من الق!!رآن الك!!ريم والح!!ديث واألدب‬
‫العربيّ‪:‬‬
‫‪1‬ـ قوله تع!!الى‪﴿ :‬يَ!!ا أَيُّهَ!!ا الَّ!!ذِينَ آمَنُ!!وا إِذَا ضَ! رَبْتُمْ فِي‬
‫س!! بِيلِ اهللِ فَتَبَيَّنُ!!وا وَالَ تَقُولُ!!وا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ الس!َّ! الَمَ‬
‫َ‬
‫لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْ!!دَ اهللِ مَغَ!انِمُ‬
‫كَثِيرَةٌ﴾ (النساء‪ ،)94 :‬وواضحٌ أنها ال تشير الى غنائم الحرب‪ ،‬ب!!ل إلى‬
‫مغانم اآلخرة‪.‬‬

‫‪ 202‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫‪2‬ـ ومن الحديث الشريف‪ ،‬عن النبيّ المصطفى|‪« :‬س!!افروا تغنم!!وا‪،‬‬


‫وصوموا تصحّوا»‪.‬‬
‫‪3‬ـ وفي نهاية ابن األثير‪ ،‬عن النبيّ|‪« :‬الرهن لمَنْ رهنه‪ ،‬له غنم!!ه‪،‬‬
‫وعلي!!ه غرمه»‪ .‬والغنم بمع!!نى الزي!!ادة والنم!!اء وفاض!!ل القيمة(‪.)427‬‬
‫واالستعمال هنا في سياق معاملةٍ تجارية‪.‬‬
‫‪4‬ـ وفي سنن ابن ماج!!ة‪ :‬يُق!!ال عن!!د إخ!!راج الزك!!اة م!!ا ورد عن‬
‫النبيّﷺ‪« :‬اللهمّ‪ ،‬اجعَلْها مغنماً‪ ،‬وال تجعلها مغرماً»‪.‬‬
‫‪5‬ـ ووردَتْ في كلمات اإلمام عليّ×‪ ،‬في نهج البالغة‪ ،‬في ع!!ددٍ من‬
‫الموارد غير الحربيّة‪ ،‬ومنها‪ :‬في كتابه لواليه على البص!!رة‪« :‬فواهلل م!!ا‬
‫كنَزْتُ من دنياكم تبراً‪ ،‬وال ادَّخَرْتُ من غنائمها وفراً»‪ .‬وهو واضحٌ‬
‫في المعنى الواسع الشامل لمختلف اإلفادات المادّية والغنائم الدنيويّة‪.‬‬
‫‪6‬ـ وجاء في دعاء اإلمام زين العاب!!دين×‪ ،‬في الص!!حيفة الس!!جّادية‪:‬‬
‫« اللهمّ‪ ،...‬مَنْ تهده يعلم‪ ،‬ومَنْ تقرِّبه إليك يغنم»‪.‬‬
‫وفي دعاءٍ آخر‪« :‬أسألك الغنيمة من كلّ برٍّ»‪.‬‬
‫‪7‬ـ وعن اإلمام جعفر الصادق×‪« :‬قرض الم!!ؤمن غنيم!!ةٌ وتعجي!!لُ‬
‫أجرٍ»‪.‬‬
‫‪8‬ـ وقال عنترة العبسي‪!:‬‬
‫وينظر غداً يلْقَ الذي كان‬ ‫فقلتُ لها مَنْ يغنم اليوم‬
‫القيا‬ ‫نفسه‬

‫‪9‬ـ وقال أبو العتاهية‪:‬‬


‫ومَنْ فاته يوم فليس‬ ‫ومَنْ يغتنم يوماً يجده‬
‫(‪)428‬‬
‫بعائدِ‬ ‫غنيمةً‬

‫وانتهى إلى أن الوضع اللغويّ واالستعمال اللغ!!ويّ المتك!!رِّر ي!!أبى‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪203‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫تخصيص مفهوم الغنيمة بمصداقها الحربيّ وحده(‪.)429‬‬


‫وتتبَّع الهمداني استعمال مادة «غنم»‪ ،‬ومختلف تص!!ريفاتها‪ ،‬اس!!ماً‬
‫وفعالً‪ ،‬مصدراً ومشتقّاً‪ ،‬في مصادر األخبار لمختلف تيّ!!ارات المس!!لمين‪.‬‬
‫وأورد ‪ 63‬رواية في التص!!ريفات اآلتي!!ة‪ :‬غنم‪ ،‬غنمت‪ ،‬يغنم‪ ،‬تغنم‪ ،‬المغنم‪،‬‬
‫الغنم‪ ،‬الغانم‪ ،‬الغ!!انمون‪ ،‬الغنيم!!ة‪ ،‬تغنم!!وا‪ ،‬اغتنم!!وا‪ ،‬اغتنم‪ .‬وانتهى إلى أن‬
‫داللتها ليست مختصّةً بالغنائم الحربية‪ ،‬وأن لهذه المادّة مع!!نىً واح!!داً‬
‫سارياً في جميع هذه الموارد‪ ،‬ومشتركاً بينها‪ ،‬ولهذا المعنى سعةٌ تش!!مل‬
‫كلّ فائدةٍ‪ ،‬وال اختصاص له بالغنائم الحربيّة؛ فإن استعمال الغنيم!!ة في‬
‫مقابل الغرام‪ ،‬واس!!تعمال المغنم في مقاب!!ل المغ!!رم‪ ،‬واس!!تعمال الغنم في‬
‫مقابل الغرم‪ ،‬في عشرات األحاديث واآلث!!ار وغيره!!ا من الق!!رائن‪ ،‬يكش!!ف‬
‫كشفاً قاطعاً عن سَعَة المع!!نى‪ !،‬وع!!دم اختصاص!!ه بغن!!ائم الح!!رب‪ .‬وإن‬
‫استعمال هذه المادّة أحيان!!اً في الغنيم!!ة الحربيّ!!ة ليس من جه!!ة ض!!يق‬
‫المعنى ذاتاً‪ ،‬واختصاصه بغنيمة الحرب لغةً‪ ،‬بل هو من جه!!ة كونه!!ا من‬
‫مصاديق هذا المعنى العامّ(‪.)430‬‬

‫قَ ْيد الفوز «بدون مشقّ ٍة»‬


‫الحَظْنا أن بعض علماء اللغة عرف الغنم بأنه الفوز بالشيء «بدون‬
‫مشقّةٍ»‪.‬‬
‫وقد أثير جَدَلٌ حول هذا القَيْد؛ إذ كيف يك!!ون الف!!وز بالغنيم!!ة‬
‫بدون مشقّةٍ أو تعبٍ‪ ،‬على الرغم من أنّهم اتَّفقوا على أن ما يظف!!ر ب!!ه‬
‫في الحرب أبرز مصداقٍ لها‪.‬‬
‫إن العمل بهذ القَيْد يلزم منه إخراج ما يستفاد من غنائم الح!!روب‪،‬‬
‫وهو أمرٌ يخالف م!!ا أطب!!ق علي!!ه اللغويّ!!ون وم!!ا ج!!رى علي!!ه الت!!داول‬
‫واالستعمال‪ .‬بل يمكن القول‪ :‬إن جُلَّ ما يحقِّقه الف!!رد أو الجماع!!ة من‬
‫فوائد ومكاس!!ب في مختل!!ف المج!!االت ال يتحقَّ!!ق بال جه!!دٍ أو تعبٍ أو‬

‫‪ 204‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫مشقّةٍ وعناءٍ‪ ،‬وإنْ على تفاوتٍ‪.‬‬


‫واعترض رشيد رضا(‪1354‬هـ) على القَيْد المذكور‪ !.‬وفي نظ!!ره‬
‫هو مستندٌ إلى ذوق اللغة‪ ،‬أو يشتم منه ما يقارب!!ه‪ ،‬ولكن!!ه غ!!يرُ دقي!!قٍ‪.‬‬
‫وذكر أن العرب سمّوا ما يؤخذ من الع!!دوّ في الح!!رب غنيم!!ةً‪ ،‬وه!و ال‬
‫يخلو من مشقّةٍ(‪.)431‬‬
‫ونقده الخوئي أيضاً‪ ،‬ورأى أن هذا القَيْد ينافيه مورد اآلية؛ لما في‬
‫الحرب من مشقّةٍ(‪.)432‬‬

‫القَ ْيد نتاج ُّ‬


‫تطور المفهوم‬
‫درس العسكريّ مالبسات ظهور ه!!ذا القَيْ!!د‪ ،‬ف!!انتهى إلى أن لفظ!!ة‬
‫الغنيمة تطوَّرت استعماالتها‪ ،‬وكانت ألفاظ الس!!لب والنهب في الجاهلي!!ة‬
‫تساوق الغنيمة والمغنم في عصرنا‪ .‬وك!!ان الن!!بيّ| من!!ع النهب والس!!لب‪،‬‬
‫كما ورد في صحيح البخاري‪ ،‬عن عبادة‪« :‬بايعنا النبيّ على أن ال ننهب»‪.‬‬
‫وفي نظره إن الخلفية التاريخية لعدّ الغنيمة من غ!!ير مش!!قّةٍ تكمن في‬
‫أنها جُعلَتْ بيد النبيّ|‪ ،‬يقسِّمها حَسْب المصلحة‪ ،‬بع!!د تن!!ازع المق!!اتلين‬
‫ومَنْ كُلِّف بحماية النبيِّ حول أحقِّيتها بعد معركة بدر‪ .‬وقد أعطى‬
‫النبيُّ لبعض مَنْ لم يحضر بعض الغزوات‪ ،‬مثل‪ :‬عثم!!ان بن عف!!ان وأبي‬
‫موسى األشعري وجعفر بن أبي طالب ومَنْ هاجر معه إلى الحبشة‪ ،‬كم!!ا‬
‫أعطى للمؤلَّفة قلوبهم في ح!!نين‪ ،‬أض!!عاف س!!هم الم!!ؤمن المجاهد(‪.)433‬‬
‫ولهذا نُظر إليها وكأنّها أصيبَتْ بال مش!!قّةٍ؛ ألنه!!ا بمثاب!!ة منح!!ةٍ من‬
‫رسول اهلل‪ ،‬وليس من الح!!رب‪ .‬وفي عص!!ر انتش!!ار الفتوح!!ات‪ ،‬على عه!!د‬
‫الخليفة عمر وما بعده‪ ،‬كثر استعمال مادّة «غنم» على ما ظف!!ر ب!!ه من‬
‫جه!!ة العِ!!دَى خاصّ! ة‪ .‬وعن!!دما ق!!ام علم!!اء اللغ!!ة بت!!دوينها‪ ،‬والحظ!!وا‬
‫االستخدامات المختلف!!ة‪ ،‬لم ينتبه!!وا إلى تط!!وُّر تطبيق!!ات م!!ادّة «غنم»‬
‫تاريخيّاً‪ ،‬مما جعل بعضهم يخل!!ط في معانيها(‪ .)434‬وال يواف!!ق الهم!!داني‬
‫على وقوع تطوُّرٍ في استعمال الكلمة واختصاص!!ها بغن!!ائم الح!!رب‪ ،‬على‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪205‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫الرغم من استعمالها فيها‪ ،‬مع وجود القرينة الحاليّ!!ة والمقاليّ!!ة‪ .‬وي!!رى‬


‫عدم وجود أثرٍ لهذه الدعوى في اآلثار(‪.)435‬‬
‫ويرى البوطي أن ملكية المقاتل للغنيمة تتحقَّق بعد قسمة الن!!بيّ|‪،‬‬
‫وليس قبلها‪ .‬واستدلّ بقول النبيّ| لوفد هوازن‪« :‬لقد استأنَيْتُ بكم»‪ ،‬أي‬
‫أخَّرْتُ قسمة الغن!!ائم؛ آمالً في إس!!المكم‪ ،‬على أن الجن!!د إنم!!ا يملك!!ون‬
‫الغنائم بعد تقسيم اإلمام لها‪ .‬فمهما دامَتْ قبل القسمة فهي ال تعتبر ملكاً‬
‫للمقاتلين(‪.)436‬‬

‫نظرةٌ في تحليل العسكر ّ‬


‫ي‬
‫يَرِدُ على التحليل السابق بأنه لم يبين إنْ كانت الس!!يرة الس!!ائدة‬
‫في عهد النبيّ| هي تقسيم الغن!!ائم على المق!!اتلين وغ!!ير المق!!اتلين دون‬
‫فرقٍ‪ ،‬أم أن إعطاء غير المقاتلين كان في ح!!االتٍ مح!!دودة؟ وأنّ جع!!ل‬
‫توزيعها بيد النبيّ هل كان بمعنى أنه ه!و مالكه!ا والمتص!رِّف فيه!ا أو‬
‫بصفته الحاكم والقائد‪ ،‬وبالتالي فهو شأنٌ تنظيميّ تدبيريّ‪ ،‬يحول دون‬
‫وقوع النزاع بين المقاتلين أو المستحقين لها؟‬
‫وحتّى لو قيل‪ :‬إن ملكيّتها كانت للن!!بيّ|‪ ،‬وإن!!ه ك!!ان المتص!!رِّف‬
‫فيها حَسْب ما ي!!راه من المص!!لحة‪ ،‬فإن!!ه ال ينفي المش!!قّة ال!!تي يعانيه!!ا‬
‫المقاتلون والمشاركون في الحرب‪.‬‬
‫والتأمُّل في االعتراضات التي وقعَتْ على أثر منح الن!!بيّ| الغن!!ائم‬
‫للقرشيّين والمؤلَّفة قلوبهم والطلقاء‪ ،‬دون األنصار‪ ،‬في «ح!!نين» ي!!دلّ‬
‫على أن المركوز في أذهان المسلمين آنذاك كان أنه!!ا ح!!قٌّ للمق!!اتلين‬
‫والمش!!!اركين في المعرك!!!ة‪ .‬كم!!!ا أن الموق!!!ف الفقهي انب!!!نى على‬
‫ذلك(‪ .)437‬ثم إن مستحقّ الغنيمة ـ حَسْب هذا المنظور ـ وإنْ ك!!ان ال‬
‫يمتلكها إالّ بعد القسمة‪ ،‬إالّ أن مفاد اآلية ـ كما بيَّن الزمخشري ـ ه!!و‬
‫اعلموا أن الخمس من الغنيمة يجب التقرُّب به‪ ،‬ف!!اقطعوا عن!!ه أطم!!اعكم‪،‬‬
‫واقتنعوا باألخماس األربع!!ة‪ ،‬إنْ كنتُمْ آمنتم باهلل‪ .‬وكأنّه!!ا بمثاب!!ة ردٍّ‬

‫‪ 206‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫على المعترض!!ين‪ !،‬أو على مَنْ يختلج في ص!!دره ب!!أن ش!!يئاً من حقوق!!ه‬
‫مُنِحَتْ لغير المس!!تحقّ‪ .‬وال ي!!ؤثِّر ذل!!ك في الحكم التش!!ريعي ال!!ذي‬
‫أكَّد عليه القرآن‪ ،‬كما ظنّ بعض الكتّاب(‪.)438‬‬

‫س ْع ٍي‬
‫الغنيمة ما يُنال ب َ‬
‫يبدو أن بعض المفسِّرين المتأخِّرين التفت!وا إلى إش!كالية القَيْ!د‬
‫المذكور! (بدون مشقّةٍ)‪ ،‬وعدم انطباق!!ه على الواق!!ع‪ ،‬فق!!دَّموا تعريف!!اً‬
‫مغايراً ومقابالً للفظ الغنيمة‪ .‬وقرَّروا أنه ما يناله الرج!!ل أو الجماع!!ة‬
‫بس!! عْيٍ‪ .‬ودعم!!وا كالمهم بأمثل!!ةٍ من الش!!عر الع!!ربي‪ .‬ومن ه!!ؤالء‪:‬‬ ‫َ‬
‫القرطبي(‪671‬هـ)؛ وأب!!و حيّ!!ان(‪745‬هـ)؛ والش!!وكاني(‪1250‬هـ)؛‬
‫وأطفيش(‪1332‬هـ)(‪.)439‬‬
‫بل انتهى بعض الباحثين بأن من مع!!اني الغنيم!!ة م!!ا يحص!!ل علي!!ه‬
‫الفرد أو المجموعة بالسَّعْي والتجوال‪ ،‬وفي ذلك يقول الشاعر‪:‬‬
‫رضيتُ من الغنيمة‬ ‫وقد طوَّفْتُ في اآلفاق حتّى‬
‫(‪)440‬‬
‫باإليابِ‬

‫تخصيص المفهوم العا ّم بال ُع ْرف الفقه ّي‬


‫ويُستفاد من كلمات بعض المفسِّرين أن المفهوم اللغوي للغنيم!!ة‬
‫أوسع من المعنى السائد‪ ،‬غير أنهم ضيَّقوا مفهومها التفسيري طبقاً لم!!ا‬
‫استقرّ في بعض النظرات الفقهية الشرعية‪.‬‬
‫قال الرازي(‪606‬هـ)‪ :‬إن الغنم هو الفوز بالشيء؛ يق!!ال‪ :‬غنم يغنم‬
‫غنماً فهو غ!!انمٌ‪ .‬وأض!!اف‪ :‬والغنيم!!ة في الش!!ريعة م!!ا دخلَتْ في أي!!دي‬
‫المسلمين! من أموال المشركين على سبيل القَهْر بالخيل والركاب(‪.)441‬‬
‫أما القرطبي(‪ )661‬فقد كان أكثر وضوحاً‪ ،‬حيث ق!!ال‪ :‬الغنيم!!ة‬
‫في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسَعْيٍ‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪207‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫رضيتُ من الغنيمة باإليابِ‬ ‫وقد طوَّفْتُ في اآلفاق حتّى‬

‫غير أنه قال بعده‪ !:‬واعلم أن االتّفاق حاصلٌ على أن الم!!راد بقول!!ه‬
‫تعالى‪﴿ :‬غَنِمْتُمْ مِّنْ شَيْءٍ﴾ مالُ الكفّ!!ار إذا ظف!!ر ب!!ه المس!!لمون على‬
‫وجه الغلبة والقَهْر‪.‬‬
‫وصرَّح بالقول‪ :‬وال تقتضي اللغة هذا التخصيص‪ !،‬على م!!ا بيَّن!!اه‪.‬‬
‫ولكنْ عُرْفُ الشرع قيَّد اللفظ بهذا النوع(‪.)442‬‬
‫وكالمُ!!ه واض!!حٌ في أن مفه!!وم الغنيم!!ة في اللغ!!ة واس!!عٌ‪ ،‬وأن‬
‫التخصيص جاء من جهة اتّفاق الفقهاء‪ ،‬وما عبَّر عنه بعُرْف الشرع‪ ،‬وهو‬
‫تعبيرٌ عن النظرة الفقهية السائدة المتبنّاة في هذا الشأن‪.‬‬
‫وبهذا فقد مايزا بين المعنى اللغويّ واالصطالحي الشرعي‪.‬‬
‫كما صرَّح األلوسي(‪1270‬هـ) بقوله‪ :‬وغنم في األصل من الغنم‪،‬‬
‫بمعنى الربح‪ ...‬وفي القاموس‪ :‬المغنم والغ!!نيم والغنيم!!ة والغنم بالض!!مّ‬
‫الفَيْء‪ .‬والمشهور تغاير الغنيمة والفَيْء‪ .‬ثمّ قال‪ :‬وفسَّروها بم!!ا أخ!!ذ‬
‫من الكفار قهراً بقتالٍ أو إيجافٍ(‪.)443‬‬
‫وقد صرّح بعض الباحثين المعاص!!رين ب!!أن التعري!!ف الس!!ائد ه!!و‬
‫فقهيٌّ اصطالحيّ‪.‬‬
‫قال القاسمي‪ :‬ف!!رّق الش!!رع بين الغنيم!!ة والفَيْء‪ ،‬وال حاج!!ة بن!!ا‬
‫للرجوع إلى األصل اللغوي‪ ،‬فهو متش!!عِّبٌ وطوي!!ل‪ .‬ونكتفي هن!!ا بال!!ذي‬
‫اعتمده الفقهاء‪ ،‬ولم يختلفوا فيه‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن الغنيمة م!!ا أُخ!!ذ من أم!!وال‬
‫أهل الحرب عنوةً بطريق القَهْر والغَلَبة(‪.)444‬‬
‫وقال الصالح‪ :‬الغنيمة مالٌ من أموال الكفّ!!ار‪ ،‬ظف!ر المؤمن!ون ب!ه‬
‫على وجه الغَلَبة والقَهْر‪ .‬وأضاف‪ :‬ومعناه االصطالحيّ هذا م!!أخوذٌ من‬
‫المعنى اللغوي للغنيمة‪ :‬الفوز بالشيء(‪.)445‬‬
‫وهكذا نجد أن جملةً من المفسِّرين ذكروا بعض المعاني اللغويّ!!ة‬

‫‪ 208‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫العامّة للفظ الغنيمة‪ ،‬غير أنهم اختاروا في النتيجة ما غلب على استعماله‬
‫التاريخيّ‪ ،‬واستقرّ عليه العُرْف الفقهي السائد‪.‬‬
‫ولهذا يرى الخرسان أن تخصيص مفهوم الغنيمة بمصداقها الحربيّ‪،‬‬
‫دون غيره‪ ،‬هو نتيجة الت!!أثُّر باتّج!!اه الفق!!ه الرس!!ميّ في ظ!!لّ األُنْس‬
‫الذهنيّ بكونه من المسلَّمات(‪.)446‬‬
‫وهو ما أكَّد عليه بعض الفقهاء‪ ،‬كالنراقي والسيستاني‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬اتجاهات التفسير‪6‬‬
‫بعد أن عرَضْنا آراء اللغ!!ويّين ح!!ول دالالت الكلم!!ة‪ ،‬واس!!تعماالتها‬
‫المعهودة؛ وتطرَّقنا إلى التحليالت التي ترى تأثُّر بعض اآلراء باتّجاهات‬
‫الفق!ه الت!اريخيّ الرس!ميّ‪ ،‬نش!ير إلى انعكاس!اتها في تش!كُّل اتّجاه!ات‬
‫التفسير لمفهوم الغنيمة‪:‬‬

‫االتجاه المضيّق‬
‫يقصر العديد من المفسِّرين مفهوم الغنيمة على المع!!نى الض!!يِّق‪،‬‬
‫وهو‪ :‬ما يظفر به المسلمون! في الحرب مع المشركين‪.‬‬
‫فقد نقل الطبري(‪310‬هـ) عن عطاء بن السائب‪ :‬ما أخذوه من مالٍ‬
‫ظهروا عليه فهو غنيمةٌ‪.‬‬
‫وعن سفيان الثوري‪ :‬الغنيمة ما أصاب المسلمون عنوةً بقتالٍ‪.‬‬
‫وقال الطبري‪ :‬الغنيمة هي م!!ا أف!!اء اهلل على المس!!لمين من أم!!وال‬
‫المشركين بغَلَبةٍ وقَهْرٍ‪.‬‬
‫وقال في موردٍ آخر‪ :‬وقد بيَّنا فيما مض!!ى مع!!نى الغنيم!!ة‪ ،‬وأنه!!ا‬
‫المال يوصل إليه من مال مَنْ خوّل اهلل مال!ه أه!!ل دين!!ه‪ ،‬بغَلَب!!ةٍ علي!!ه‪،‬‬
‫وقهرٍ بقتال(‪.)447‬‬
‫وذكر البيضاوي(‪685‬هـ) أن الغنيمة في الش!!ريعة م!!ا دخلَتْ في‬
‫أي!!دي المس!!لمين من أم!!وال المش!!ركين‪ ،‬على س!!بيل القَهْ!!ر بالخَيْ!!ل‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪209‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫والرِّكاب(‪.)448‬‬
‫وحَسْب ابن كثير(‪774‬هـ)‪ :‬الغنيمة هي المال المأخوذ من الكفّار‬
‫بإيجاف الخيل والرِّكاب(‪.)449‬‬
‫وصرَّح األردبيلي(‪933‬هـ) بقوله‪ :‬وال!ذي ينبغي أن يُ!ذْكَر هن!ا‬
‫مضمون اآلية‪ ،‬فهي تدلّ على وجوبه في غنائم دار الح!!رب‪ ،‬ممّ!!ا يص!!دق‬
‫عليه شيء‪ ،‬وأيَّ شيءٍ كان‪ ،‬منقوالً وغير منقول(‪ .)450‬وق!!د احتمل!!ه في‬
‫«مجمع الفائدة»‪ ،‬ولم يجزم في!!ه على دالل!!ة اآلي!!ة حَصْ! راً على غن!!ائم‬
‫الحرب‪.‬‬
‫وانتهى رشيد رضا إلى القول‪ :‬والتحقيق أن الغنيمة في الش!!رع م!!ا‬
‫أخذه المسلمون! من المنقوالت في حرب الكفّار عنوةً(‪.)451‬‬
‫سع‬‫االتجاه المو ّ‬
‫وفي المقابل ذكر بعض المفسِّرين كال المفهومين للغنيمة‪ ،‬سواء‬
‫الضيِّق أو الواسع‪ .‬ومع كون المعنى الضيِّق ـ على األق!!لّ ـ مص!!داقاً‬
‫بارزاً غير أنهم مالوا إلى المفهوم األوسع؛ اتّساقاً م!!ع الموق!!ف ال!!روائي‬
‫والفقهي لديهم‪ .‬وفي الوقت نفسه صرَّحوا بأنه يتّفق مع الداللة اللغوية‪.‬‬
‫عرّف الطوسي(‪460‬هـ) الغنيمة بالمعنى اللغوي السائد‪ ،‬وه!!و‪ :‬م!!ا‬
‫أخذ من أموال أهل الحرب من الكفّار بقت!!الٍ‪ .‬وتط!!رَّق إلى بعض اآلراء‬
‫حول الفرق بين الغنيمة والفَيْء‪ .‬وقال‪ :‬وعند أص!!حابنا الخمس يجب في‬
‫كلّ فائ!!دةٍ تحص!!ل لإلنس!!ان من المكاس!!ب وأرب!!اح التج!!ارات والكن!!وز‬
‫والمعادن والغوص وغير ذل!!ك‪ ،‬ممّ!!ا ذكرن!!اه في كتب الفق!!ه‪ .‬وعلَّ!!ل‬
‫ذلك بقوله‪ :‬ويمكن االستدالل على ذلك [المعنى الواسع] بهذه اآلية؛ ألن‬
‫جميع ذلك يُسمّى! غنيمةً(‪.)452‬‬
‫ففي نظره إن داللة اآلية أوس!!ع من مج!!رّد م!!ا يُؤخَ!!ذ من أم!!وال‬
‫الكفّار في الحرب؛ ألن داللة الغنيمة تشمل كلّ فائدةٍ تحصل لإلنسان‪.‬‬
‫ويبدو أنه حاول الجمع بين الداللة اللغويّة وموقفه الفقهيّ‪.‬‬

‫‪ 210‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫ووافقه الطبرسي(‪548‬هـ) بقول!ه‪ :‬ويمكن أن يس!تدلّ على ذل!ك‬


‫بهذه اآلية؛ ألن جميع ذلك يُسمّى! غنيمةً(‪.)453‬‬
‫ويتّضح من كالمهما أنه مع كون ما يُؤخَذ من أموال الع!!دوّ في‬
‫الحرب هو المفهوم السائد والمصداق البارز للغنيمة‪ ،‬إالّ أن داللة الكلم!!ة‬
‫ليست منحصرةً فيه‪.‬‬
‫وقريب منه رأي الراوندي(‪573‬هـ)‪ ،‬الذي قال‪ :‬الغنيمة ما أُخذ من‬
‫أم!!وال أه!!ل الح!!رب من الكفّ!!ار بقت!!الٍ‪ ،‬وهي هب!!ة من اهلل للمس!!لمين‪.‬‬
‫وأض!!اف‪ :‬والخمس يجب فيه!!ا‪ ،‬وفي ك!!لّ فائ!!دةٍ تحص!!ل لإلنس!!ان من‬
‫المكاسب وأرباح التجارات‪ ،‬وفي الكنوز والمعادن والغ!!وص وغ!!ير ذل!!ك‪.‬‬
‫وهي خمسة وعشرون جنساً‪ ،‬وكلّ واحد منها غنيمةٌ‪ .‬فإذا كان كذلك‬
‫فاالستدالل يمكن عليها كلّها بهذه اآلية‪ .‬ويدلّ عليها جملةُ قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾(‪.)454‬‬
‫فنجده‪ ،‬مع تعريفه بالمصداق السائد‪ ،‬يؤكِّد! ان!!دراج مجموع!!ةٍ من‬
‫الموارد تحت مفهوم الغنيمة‪ .‬ويظهر من تعقيبه بالصيغة الشرطية‪« :‬فإذا‬
‫كان كذلك فاالس!!تدالل يمكن عليه!!ا كلّه!!ا به!!ذه اآلية» ع!!دم جزم!!ه‬
‫بالمفهوم الواسع‪ .‬ولهذا عضده بقوله‪ :‬ويدلّ علي!!ه جمل!!ةُ قول!!ه تع!!الى‪:‬‬
‫﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ ال!!ذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّ!!اسِ مَ!!ا نُ!!زِّلَ إِلَيْهِمْ﴾‪.‬‬
‫وكأنّه أراد من ذلك اإلشارة الضمنية إلى أن اآلي!!ة وَحْ!!دَها تش!!ير إلى‬
‫المفهوم الضيِّق‪ ،‬غير أن لفظ الغنيمة يشمل الم!!وارد األخ!!رى ب!!المفهوم‬
‫اللغويّ الواسع‪ ،‬وبداللة السنّة‪ ،‬التي هي المبين للقرآن الكريم‪ ،‬حَسْبَ ما‬
‫تقرِّره اآلية الكريمة‪.‬‬
‫المفس!!! رون المعاص!!!رون‪ ،‬فنش!!!ير إلى رأيين‪ :‬أح!!!دهما‪:‬‬ ‫ِّ‬ ‫أم!!!ا‬
‫للطباطبائي(‪1981‬م)؛ واآلخر‪ :‬لفضل اهلل(‪2010‬م)‪.‬‬
‫رأى الطباطبائي أن اآلية تشتمل على تشريعٍ مؤبَّد‪ ،‬كما هو ظاهر‬
‫التشريعات القرآنية‪ ،‬وأن الحكم متعلِّقٌ بما يُسمّى! غنماً وغنيمةً‪ ،‬س!!واء‬
‫كان غنيمةً حربية مأخوذة من الكفّار أو غيرها ممّا يطلق! عليه الغنيمة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪211‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫لغ!!ةً‪ ،‬كأرب!!اح المكاس!!ب والغ!!وص والمالح!!ة والمس!!تخرج من الكن!!وز‬


‫والمعادن(‪.)455‬‬
‫وتطرَّق فضل اهلل(‪2010‬م) إلى أبرز اتجاهَيْ التفسير لآلية عن!!د‬
‫المسلمين‪ !،‬مقرِّراً أنها تعني كلّ الغنائم والفوائد واألرباح‪ ،‬من التج!!ارة‬
‫والصناعة والزراعة والغوص والكنز والمع!!ادن وغيره!!ا‪ ،‬في م!!ا ج!!اء في‬
‫التفسير عن أئمّة أهل البيت‪ .‬وأضاف‪ :‬وكلمة الغنيمة مطلقةٌ في اآلي!!ة‪،‬‬
‫وعلى هذا كان مذهب أهل البيت في وج!!وب الخمس بش!!كلٍ ش!!امل لك!!لّ‬
‫الفوائد واألرباح‪ ،‬من كلّ المداخيل المالية(‪.)456‬‬

‫ثالثاً‪ :‬االتّجاهات‪ 6‬الفقهيّة‬


‫تتميَّ!!ز اآلراء الفقهي!!ة في أنه!!ا تعكس تطبيق!!اتٍ تاريخي!!ة على‬
‫المستوى الرسميّ والش!!عبيّ‪ ،‬وبعضُ اجتهاداته!!ا ال ت!!زال مطبَّق!!ةً حتّى‬
‫اليوم‪.‬‬
‫ويمكننا أن نجملها في االتجاهات التالية‪:‬‬

‫االتجاه المضيّق‬
‫ذهب جملةٌ من الفقهاء إلى تضييق المفهوم‪ .‬ونش!!ير هن!!ا إلى بعض‬
‫كلماتهم وآرائهم‪:‬‬
‫ي!!رى أب!!و يوسف(‪182‬هـ) أن الغنيم!!ة م!!ا أص!!اب المس!!لمون من‬
‫عساكر أهل الشرك‪ ،‬وما أجلبوا به من المتاع والسالح والك!!راع‪ ،‬ف!!إن في‬
‫ذلك الخمس(‪.)457‬‬
‫وحَسْب يحيى بن آدم(‪203‬هـ)‪ ،‬عن الحس!!ن بن ص!!الح‪ :‬س!!معنا أن‬
‫الغنيمة ما غلب عليه المسلمون! بالقتال‪ ،‬حتّى يأخذوه عنوةً(‪.)458‬‬
‫وصرَّح البيساني(القرن ‪4‬هـ)‪ :‬إنما سُمِّي غنيمةً ألنهم ربحوه من‬
‫مال المش!!ركين؛ ألن ال!!ربح يس!!مّى! غنم!!اً‪ .‬والغنيم!!ة هي ال!!ربح؛ ألنهم‬
‫غنموه في ح!!رب الع!!دوّ حالالً‪ .‬وأض!!اف‪ :‬وأم!!ا م!!ا غنم!!وا في الح!!رب‪،‬‬

‫‪ 212‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫وقسَّموه بينهم من الغن!!ائم‪ ،‬فإن!!ه يخ!رج من!ه خُمْس!!ه ال!!ذي جعل!!ه اهلل‬
‫فيه(‪ . )459‬ويتَّضح من كالمه بأنه يرى أن الربح هو غنيمةٌ‪ ،‬وأن الغنيم!!ة‬
‫هي ربحٌ‪ .‬وقد يُستفاد من كالمه أن غنائم الح!!رب من مص!!اديق ال!!ربح‬
‫والغنم‪.‬‬
‫واعت!!بر الم!!اوردي(‪450‬هـ) م!!ال الغنيم!!ة م!!أخوذاً من الكفّ!!ار‬
‫قَهْراً(‪.)460‬‬
‫وفي نظر ابن تيمي!!ة(‪728‬هـ)‪ :‬الغنيم!!ة هي الم!!الُ الم!!أخوذ من‬
‫الكفّار بالقتال‪ ،‬ذكره!!ا اهلل في س!!ورة األنف!!ال‪ ،‬ال!!تي أنزله!!ا في غ!!زوة‬
‫بدر(‪.)461‬‬
‫وذهب محم!!د الع!!املي(‪1009‬هـ) إلى أن المتب!!ادر من الغنيم!!ة‬
‫الواقعة فيها (في اآلية) غنيمة دار الحرب‪ ،‬كما يدل علي!!ه سَ! وْق اآلي!!ات‬
‫السابقة والالحقة‪ ،‬فال يمكن التجوُّز بها في غ!!يره‪ ،‬إال م!!ع قي!!ام الدالل!ة‬
‫عليه(‪.)462‬‬
‫وهو نفس ما قرَّره السبزواري(‪1090‬هـ)‪ ،‬وه!!و أن المتب!!ادر من‬
‫الغنيمة الواقعة في اآلية غنيمة دار الحرب‪ ،‬كما يدل عليه سَ! وْق اآلي!!ات‬
‫السابقة والالحقة(‪.)463‬‬
‫أما عليّ الطباطب!!ائي(‪1231‬هـ) ف!!ذكر م!!ا علي!!ه بعض الفقه!!اء‬
‫والمفسِّرين من عموم اآلية؛ لجملةٍ من الم!!وارد ال!!تي عليه!!ا األص!!حاب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬وإثباته حقيقة لغةً أو عُرْفاً مشكلٌ‪ ،‬بل ظاهرُ األص!!حاب وجمل!!ةٌ‬
‫من الرواي!!ات العَ!!دَم؛! حيث قوب!!ل فيه!!ا وفي كالمهم المع!!ادن ونحوه!!ا‬
‫بالغنيمة‪ ،‬بحيث يظهر المغ!!ايرة بحَسَ! ب الحقيق!!ة الوض!!عيّة‪ .‬كم!!ا هي‬
‫ظاهر جماعة من أهل اللغة‪ ،‬بل عامّتهم‪ ،‬والعُ!!رْف أيض!!اً‪ ،‬كم!!ا ص!!رَّح‬
‫بعض األجلّة‪ .‬ثمّ قال‪ :‬وحينئذٍ فتعميم األصحاب الغنيمة للجمي!!ع كم!!ا‬
‫فيه‪ ،‬لعلّه من جهة النصوص المفسِّرة للغنيمة(‪.)464‬‬
‫وهكذا فق!د ذهب فري!قٌ من الفقه!اء إلى أن م!دلول «غنمتُمْ» في‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪213‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫اآلية يعني ما ظفرتُمْ به في حربٍ‪ ،‬بالقَهْر والغَلَبة‪.‬‬


‫سع جزئيّا ً‬
‫االتّجاه المو ّ‬
‫يُستفاد من آراء بعض الفقهاء منذ القرون األولى أنهم لم يقص!!روا‬
‫مفهوم الغنيمة على م!ا يُظْفَ!ر ب!ه على نح!و الغَلَب!ة في الح!رب‪ ،‬وإنْ‬
‫كانت هذه اآلراء لم تتوسَّع في مفهومه ليشمل جميع األرباح والفوائ!!د‪،‬‬
‫غير أنها في النتيجة العملية أمْيَل إلى االتج!!اه الث!!اني‪ ،‬في ع!!دم قَصْ! ر‬
‫مفهوم الغنيمة على الحرب‪.‬‬
‫فحَسْب سيد سابق(‪2000‬م)‪ :‬إن الركاز ال!!ذي يجب في!!ه الخُمْس‬
‫هو كلّ ما كان ماالً‪ ،‬كالذهب والفضّة والحدي!!د والرص!!اص والص!!فر‬
‫واآلنية وما أشبه‪ .‬وأضاف‪ :‬هو مذهب األحن!!اف والحنابل!!ة وإس!!حاق وابن‬
‫المنذر‪ ،‬ورواية عن مالك‪ ،‬وأحد قولَيْ الشافعي(‪.)465‬‬
‫وذكر البخاري في صحيحه‪ ،‬في باب ما يُستَخْرَج من البح!!ر‪ :‬عن‬
‫الحسن‪ :‬في العنبر واللؤلؤ الخمس؛ وفي ب!!اب في الرك!!از الخمس‪ :‬ق!!ال‬
‫مالك وابن إدريس‪ :‬الركاز دفن الجاهلية‪ ،‬في قليله وكثيره الخمس‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن مس!!تند! الخمس فيه!!ا ليس!!ت اآلي!!ة الكريم!!ة‬
‫المتعلّقة بالخمس‪ ،‬التي ورد فيها لفظ «غنمتُم»‪ ،‬بل أدلّة حديثيّة أخرى‬
‫خاصّة‪ ،‬من قبيل‪ :‬ما روى البخاري‪ ،‬عن أبي هريرة‪ ،‬عن الن!!بي|‪ :‬العجم!!اء‬
‫جبار‪ ،‬والبئر جبار‪ ،‬والمعدن جبار‪ ،‬وفي الرِّكاز الخمس(‪.)466‬‬
‫وبالنظر إلى بعض اآلراء الفقهيّة نجد أنها تضعها مواضع الغنيم!!ة‪،‬‬
‫أو تجعلها في حكمه!!ا‪ ،‬ويظه!!ر من بعض!!ها أنه!!ا ت!!درجها ض!!من مفه!!وم‬
‫الغنيمة‪.‬‬
‫فأبو يوسف(‪182‬هـ) ـ وعلى الرغم من أنه قصر مفه!!وم الغنيم!!ة‬
‫في اآلية على غنائم الحرب ـ قد أدرج الرِّكاز والمعادن وما يُس!!تَخْرَج‬
‫من البحر تحت مفهوم الغنيمة‪ ،‬وطبَّق عليها حكم آية الخمس‪ .‬قال‪ :‬فعلى‬
‫هذا تقسم الغنيمة؛ فما أصاب المس!لمون من عس!اكر أه!ل الش!رك‪ ،‬وم!ا‬
‫جلبوا به من المتاع والس!!الح والك!!راع وغ!!ير ذل!!ك‪ .‬وأض!!اف‪ :‬وفي م!!ا‬

‫‪ 214‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫يُستَخْرَج من البحر‪ ،‬من حليةٍ وعنبر‪ .‬فالخمس يوضع مواض!!ع الغن!!ائم‬


‫على ما قال اهلل عزَّ وجلَّ في كتابه‪﴿ :‬وَاعْلَمُوا أَنَّ مَ!!ا غَنِمْتُمْ مِنْ‬
‫شَيْءٍ فَأَنَّ هللِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُ! ولِ وَلِ!!ذِي الْقُ!!رْبَى وَالْيَتَ!!امَى‬
‫وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾‪ .‬وقال‪ :‬في كلّ ما أص!!يب من المع!!ادن‪،‬‬
‫من قليلٍ أو كثيرٍ‪ ،‬الخمس‪ ...‬ليس هذا على موضع الزكاة‪ ،‬إنما هو على‬
‫موضع الغنائم‪ .‬وليس في ت!!راب ذل!!ك ش!!يءٌ‪ ،‬إنم!!ا في ال!!ذهب الخ!الص‬
‫والفضّة الخالصة والحديد والنحاس والرصاص‪ ،...‬إلخ(‪ .)467‬ويت!!بين من‬
‫كالمه أنه يرى تخميس ما ظفر ب!!ه في غ!!ير الح!!رب‪ ،‬ووض!!عه موض!!ع‬
‫الغنيمة‪ ،‬مؤكِّداً أنه ليس على موضع الزكاة‪ ،‬إنما على موضع الغن!!ائم‪.‬‬
‫و يستدلّ عليه بآية الخمس بوضوحٍ‪.‬‬
‫كم!!ا ص!!رَّح الجزي!!ري(‪1941‬م) أن الحنفيّ!!ة ق!!الوا‪ :‬المع!!دن‬
‫والركاز بمعنىً واحد‪ ،‬وهو شرعاً مالٌ وُجد تحت األرض‪ ،‬س!!واء ك!!ان‬
‫معدناً خلقيّاً خلقه اهلل تعالى‪ ،‬بدون أن يضعه أحد فيها‪ ،‬أو ك!!ان ك!!نزاً‬
‫دفنه الكفار‪ .‬وأضاف‪ :‬وال يُسمّى ما يخرج من المع!!دن والرك!!از زك!!اة‬
‫على الحقيقة‪ .‬وقال‪ :‬وتنقس!!م المع!!ادن الى أقس!!ام! ثالث!!ة‪...‬؛ فأم!!ا ال!!ذي‬
‫ينطبع بالنار فيجب فيه إخراج الخمس‪ ،‬ومصرفه مص!!رف خمس الغنيم!!ة‬
‫الم!!!ذكورة! في قول!!!ه تع!!!الى‪﴿ :‬وَاعْلَمُ!!!وا أَنَّ مَ!!!ا غَنِمْتُمْ مِنْ‬
‫شَيْءٍ‪...‬اآلية ﴾(‪.)468‬‬
‫فنجده يؤكِّد بأن ما يخرج من المع!!دن والرك!!از ال يطل!!ق علي!!ه‬
‫زكاة على الحقيقة‪ ،‬وأن مصرفها هو نفس مصرف الخمس‪ ،‬كما ج!!اء في‬
‫آية الخمس‪ ،‬وإنْ لم يصرِّح بكونها في حكم الغنيمة‪.‬‬
‫وهناك كلماتٌ فقهيّة صريحةٌ في توسيع مفهوم الغنيمة‪ ،‬وشموله‬
‫لغير الغنائم الحربيّة‪.‬‬
‫يصرِّح ابن المرتضى(‪840‬هـ) بوجوب إخ!!راج الخمس على ك!!لّ‬
‫غانمٍ‪ ،‬مستدالًّ بالكتاب والس!!نّة واإلجم!!اع‪ .‬ويق!!رِّر بوض!!وحٍ مفهوم!!اً‬
‫واسعاً للغنيمة‪ :‬وإنم!!ا يجب الخمس في الغن!!ائم فق!!ط‪ .‬والغن!!ائم ثالث!!ة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪215‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫أصناف‪ :‬األوّل‪ :‬صيد ال!!برّ والبح!!ر وم!!ا اس!!تخرج منهم!!ا‪ ،‬أي من ال!!برّ‬
‫والبحر‪ ،‬أو أُخذ من ظاهرهما‪ ،‬كمعدنٍ‪ ،‬فإنه يجب في!!ه الخمس؛ وك!!نزٍ‪،‬‬
‫إذا كان ذلك الك!!نز ليس لقط!!ةً‪ ،‬فإن!!ه يجب في!!ه الخمس‪ .‬وأم!!ا ال!!ذي‬
‫يُستَخْرَج من البحر فهو نحو‪ :‬درّة وعنبر‪ ،‬ف!!إن فيهم!!ا الخمس‪ .‬ويجب‬
‫الخمس في عسلٍ مباح‪ .‬والثاني من الغنائم التي يجب فيها الخمس‪ :‬هو ما‬
‫يُغْنَم في الحرب‪ ...‬و ال خالف في وجوب الخمس في غنائم أهل الحرب‪.‬‬
‫والثالث من األم!!وال ال!!تي يجب فيه!!ا الخمس‪ :‬ثالث!!ة أش!!ياء‪ ،‬وهي‪ :‬م!!ال‬
‫الخراج؛ ومال المعاملة؛ وما يُؤخَذ من أه!!ل الذمّ!!ة‪ .‬والمعامل!!ة وض!!عها‬
‫رسول اهلل| في بعض أراضي خي!!بر(‪ .)469‬ونق!!ل عن!!ه من كتاب!!ه «البح!!ر‬
‫الزخّ!!ار»‪ :‬يجب الخمس في الص!!يود‪ ،‬بحريّ!!ةً ك!!انت أم برّي!!ةً؛ إذ هي‬
‫مغنمٌ‪ ،‬فعمَّتْها اآلية‪ .‬وأضاف‪ :‬قالوا‪ :‬الغنيمة اس!!م م!!ا أُخ!!ذ من الكفّ!!ار‬
‫فقط‪ ،‬قلنا‪ :‬بل كلّ ما اغتنم(‪ .)470‬وكالمه واضحٌ في توسيع المفهوم‪.‬‬
‫ويُستفاد من بعض هذه األقوال الفقهيّة أنها ت!!درج بعض م!!ا يُن!!ال‬
‫عبر الغوص والكنز ضمن الغن!!ائم‪ ،‬وإنْ ك!!انت محصّ! لة البحث في فق!!ه‬
‫الجمهور ـ حَسْب الهمداني ـ تفيد بأن الخمس المقصود هو غ!!ير الخمس‬
‫المصطلح‪ !،‬ومستحقّه هو غ!!ير م!!ا ص!!رَّحت ب!!ه آي!!ة الخمس في س!!ورة‬
‫األنف!!!ال‪ ،‬وه!!!و قول!!!ه تع!!!الى‪﴿ :‬وَاعْلَمُ!!!وا أَنَّ مَ!!!ا غَنِمْتُمْ مِنْ‬
‫شَيْءٍ‪...‬اآلية﴾(‪.)471‬‬
‫وبص!!رف النظ!!ر عن طبيع!!ة الخمس ومس!!تحقّه يظه!!ر من بعض‬
‫الكلمات اآلنفة توسيع مفهوم الغنيمة‪.‬‬
‫وفصّل الهاش!!مي(‪2018‬م) الق!!ول في مفه!!وم الغنيم!!ة‪ ،‬ف!!رأى أن‬
‫المفاد األصليّ لمادّة الغنم إما هو خصوص المال الذي يفوز به اإلنس!!ان‪،‬‬
‫ويظفر به من العدوّ‪ ،‬بالغَلَبة والقوّة‪ ،‬وهو ما يختصّ بغنائم الحرب؛ أو‬
‫هو الفائ!!دة المطلق!!ة الحاص!!لة مجّان!!اً بال ت!!رقُّبٍ وال بَ!!ذْلِ م!!الٍ أو‬
‫جُهْدٍ(‪ .)472‬وهذا المفهوم أوسع من األوّل؛ حيث يش!!مل الك!!نز والمع!!دن‬

‫‪ 216‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫والغَوْص والمال المطروح في الصحراء‪ ،‬بل يش!!مل ك!!لّ م!!ا يستحص!!له‬


‫اإلنسان مجّاناً من غير توقُّعٍ له بحَسَب الطريقة المتعارفة الستحص!!ال‬
‫الم!!ال‪ .‬ومن ثمّ فه!!و ال يش!!مل أرب!!اح المكاس!!ب وم!!ا يُس!!تفاد ب!!الطرق‬
‫المتعارفة والمتوقَّعة(‪ .)473‬وأكَّد على أن تتبُّ!!ع اس!!تعماالت م!!ادة الغنم‬
‫في الكتاب الكريم واألحاديث يدلّ على شيوعها في المعنيين الم!!ذكورين‬
‫أعاله‪ ،‬ولهذا ال نحرز كون المع!!نى الع!!امّ ه!!و المع!!نى الحقيقي للف!!ظ‪،‬‬
‫وبالتالي ال يص!!حّ التمسُّ! ك ب!!اإلطالق الم!!ذكور(‪ .)474‬وحَسْ! ب رأي!!ه‪،‬‬
‫لوكان المعنى العامّ هو معنى اللفظ لظهر في ص!!در اإلس!!الم وفي زمن‬
‫النبيّ|‪ ،‬ولتمسَّك! به الخلفاء بعده؛ لفَرْض الخُمْس على مطلق الفوائ!!د‪،‬‬
‫وجبايته!!ا لمص!!لحتهم(‪ .)475‬فكي!!ف لم يلتفت أح!!دٌ منهم إلى ذل!!ك‪ ،‬ولم‬
‫ينعكس في الت!!اريخ‪ ،‬وال كتب الفق!!ه‪ ،‬ب!!ل وال كتب الح!!ديث‪ ،‬للعامّ!!ة‬
‫والخاصة؟!(‪.)476‬‬
‫وهو رأيٌ يتوسَّط بين رأيين؛ فهو يتّف!!ق م!!ع االتّج!!اه األوّل في‬
‫تضييق مفهوم الغنيمة في اآلية‪ ،‬غير أنه يوسِّع مصاديقه‪ ،‬لتش!!مل أم!!وراً‬
‫أخرى‪ ،‬ال تقتصر على ما يظفر به في الحرب‪.‬‬
‫سع‬
‫االتجاه المو ّ‬
‫أما الموقف الفقهيّ حَسْ! ب ه!!ذا االتّج!!اه فق!!د ص!!رَّح جم!!عٌ من‬
‫الفقهاء منذ القِدَم بعموم الغنيمة‪ ،‬وعدم اختصاصها بغنائم دار الحرب‪.‬‬
‫قال الصدوق(‪381‬هـ)‪ :‬كلّ شيءٍ تبلغ قيمته ديناراً ففي!!ه الخمس‬
‫هلل ولرسوله ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن الس!!بيل(‪ .)477‬ولكنّ‬
‫في عبارته نوعَ إجمالٍ‪.‬‬
‫وقال المفيد(‪413‬هـ)‪ :‬والخمس واجبٌ في ك!!لّ مغنمٍ‪ ،‬ق!!ال اهلل‬
‫خُمُس!! هُ‬
‫َ‬ ‫عزَّ وجلَّ‪ ﴿ :‬وَاعْلَمُوا أَنَّ مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ هللِ‬
‫وَالْمَس!! اكِينِ وَابْنِ‬
‫َ‬ ‫وَلِلرَّس!! ولِ وَلِ!!ذِي الْقُ!!رْبَى وَالْيَتَ!!امَى‬
‫ُ‬
‫السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاهللِ وَمَا أَنزَلْنَ!!ا عَلَى عَبْ!!دِنَا يَ!!وْمَ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪217‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫ش! يْءٍ قَ!!دِيرٌ﴾‪.‬‬‫الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاهللُ عَلَى كُ!لِّ َ‬


‫وأضاف‪ :‬والغن!!ائم م!!ا اس!!تُفيد ب!!الحرب من األم!!وال والس!!الح والثي!!اب‬
‫والرقيق‪ ،‬وما استفيد من المعادن والغوص والكن!!وز والعن!!بر‪ ،‬وك!!لّ م!!ا‬
‫فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات من المؤن!!ة والكفاي!!ة في‬
‫طول السنة على االقتصاد(‪.)478‬‬
‫وعَدَّه المرتضى(‪436‬هـ) ممّ!!ا انف!!ردَتْ ب!!ه اإلمامي!!ة‪ ،‬وص!!رَّح‬
‫بوجوبه في جميع المغانم والمكاسب‪ ،‬وممّا استخرج من المعادن والغوص‬
‫والكنوز‪ ،‬وممّا فضل من أرباح التجارات والزراعات والصناعات بعد المؤنة‬
‫والكفاية في طول السنة على االقتصاد(‪.)479‬‬
‫وقال الطوس!!ي(‪460‬هـ)‪ :‬ك!!لّ م!!ا يُؤخَ!!ذ بالس!!يف قَهْ!!راً من‬
‫المشركين يُسمّى! غنيمةً‪ ،‬بال خالفٍ‪ .‬وأضاف‪ :‬وعن!!دنا أن م!!ا يس!!تفيده‬
‫اإلنسان من أرباح التجارات والمكاسب والصنايع يدخل أيضاً فيه‪ .‬وخ!!الف‬
‫جميع الفقهاء في ذلك‪ .‬واستدلّ على هذا الرأي بإجم!!اع الفرق!!ة‪ ،‬وبآي!!ة‬
‫الخمس‪ ،‬مص!!رِّحاً بأن!!ه ع!!امٌّ في جمي!!ع ذل!!ك‪ ،‬فمَنْ خصَّص!!ه فعلي!!ه‬
‫الداللة(‪.)480‬‬
‫وذكر في الخالف‪ ،‬في المسألتين ‪ 138‬و‪ ،139‬أدلّ!!ةً أخ!!رى على‬
‫رأيه من السنّة والمعقول‪.‬‬
‫واستدلّ نجم الدين الحلّي(‪676‬هـ) على ش!!مول الخمس لمختل!!ف‬
‫األرباح والفوائد بآية الخمس‪ .‬وعدَّ الغنيمة اسم الفائدة‪ ،‬فكما يتناول هذا‬
‫اللفظ غنيمة دار الحرب؛ بإطالقه‪ ،‬يتناول غيرها من الفوائد(‪.)481‬‬
‫وحَسْب ابن المطهَّ!!ر الحلّي(‪726‬هـ)‪ :‬يجب الخمس على أرب!!اح‬
‫التجارات والزراعات والصنائع وس!!ائر االكتس!!ابات بع!!د إخ!!راج مؤون!!ة‬
‫السنة‪ ،‬عند علمائنا كافّةً؛ خالفاً للجمهور؛ لعم!!وم ﴿وَاعْلَمُ!!وا أَنَّ مَ!!ا‬
‫غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ﴾‪ ،‬وقول!!ه‪﴿ :‬أَنفِقُ!!وا مِنْ طَيِّبَ!!اتِ مَ!!ا كَسَ! بْتُمْ‬
‫وَمِمَّ!!!ا أَخْرَجْنَ!!!ا لَكُمْ مِنْ األَرْضِ﴾؛ وللت!!!واتر المس!!!تفاد من‬
‫األئمّة^(‪ . )482‬وفي نصٍّ آخر له ذكر أن وجه االستدالل بآية الخمس أنها‬

‫‪ 218‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫أوجبت الخمس في كلّ ما يُغْنَم‪ ،‬وهو يتناول غنيمة دار الحرب ويتناول‬
‫غيرها‪ ،‬فالتخصيصُ من غير دليلٍ باطلٌ(‪.)483‬‬
‫وإليه ذهب زين الدين العاملي(‪965‬هـ)‪ ،‬وقال‪ :‬خالفاً للعامّة‪ ،‬حيث‬
‫خصّوها بالمعنى الثاني‪ ،‬ونقلوه!!ا عن موض!!وعها اللغ!!ويّ إلى غن!!ائم دار‬
‫الحرب خاصّة‪ ،‬أو خصّوها به(‪.)484‬‬
‫وأكَّد أحمد النراقي(‪1245‬هـ) على أن األصل في وجوب الخمس‬
‫في جميع ما يستفيده! اإلنسان ويكسبه ويغنمه اآلي!!ة الش!!ريفة واألخب!!ار‪.‬‬
‫والغنيمة في أص!!ل اللغ!!ة الفائ!!دة المكتَسَ! بة‪ !،‬كم!!ا ص!!رَّح بعض أه!!ل‬
‫اللغة(‪ .)485‬ويرى أن تصريح بعض الفقهاء بأن المتبادر من الغنيمة في آية‬
‫الخمس هو ما يُؤخَذ من دار الحرب؛ بداللة السياق‪ ،‬ما ه!!و إالّ انعك!!اسٌ‬
‫لما اشتهر في الفقه التاريخيّ الرسميّ والتفسير غير اإلماميّين(‪.)486‬‬
‫ومض!!ى على ه!!ذا التفس!!ير الع!!امّ للغنيم!!ة جماع!!ةٌ من الفقه!!اء‬
‫المعاصرين‪.‬‬
‫فحَسْب الخوئي‪ :‬إن كلمة غنم بالصيغة الواردة في اآلية المباركة‬
‫ترادف ربح واستفاد وما شاكل ذل!!ك‪ ،‬فتعمّ مطل!!ق الفائ!!دة‪ ...‬وأض!!اف‪:‬‬
‫ولعلّ في التعبير بالشيء ـ الذي فيه من السعة والشمول ما ترى ـ إيعازاً‬
‫إلى هذا التعميم‪ .‬وإن الخمس ثابتٌ في مطلق ما ص!!دق علي!!ه الش!!يء من‬
‫الربح‪ ،‬وإنٍ كان يسيراً جدّاً‪ ،‬كالدرهم‪ ،‬غير المناسب لغنائم دار الحرب‪،‬‬
‫كما ال يخفى‪ ...‬وانتهى إلى الق!!ول‪ :‬وال ينبغي التأمُّ!!ل في إطالق اآلي!!ة‬
‫المباركة في حدّ ذاتها‪ ،‬وشمولها لعامّة األرباح والغنائم(‪.)487‬‬

‫القرائن‪ 6‬والمؤيِّدات لدى الفقهاء‪6‬‬


‫‪1‬ـ قرينة السياق والمورد‬
‫اعتم!!د االتّج!!اه األوّل‪ ،‬في تض!!ييق مفه!!وم الغنيم!!ة وقص!!ره على‬
‫المجال الحربيّ‪ ،‬على المعنى الذي ساد استخدامه وتداوله‪ ،‬بل رأى بعضهم‬
‫أنه المعنى الذي وُضِع له اللفظ‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪219‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫وفي ما يتعلَّق بآي!!ة الخمس ركَّ!!ز بعض!!هم على قرين!!ة الس!!ياق‪،‬‬


‫ومورد نزول اآلية‪ .‬وقد ذكرنا فيما سبق كلماتهم حول ذلك‪.‬‬
‫وتمسَّك أصحاب االتجاه الثاني بإطالق اﻵية وكلم!!ات اللغ!!ويّين‪.‬‬
‫ورأَوْا أن السياق ال يفيد االختصاص‪.‬‬
‫قال المنتظ!!ري‪ :‬إن وق!!وع اآلي!!ة في س!!ياق غ!!زوة ب!!در ال ي!!وجب‬
‫التخصيص؛ إذ الم!!ورد غ!!ير مخصِّ! صٍ‪ ،‬وإالّ ل!!وجب اختص!!اص الخمس‬
‫لغنائم بدر فقط‪ .‬وال مانع من أن يصير موردٌ خاصّ موجباً لنزول حكمٍ‬
‫كلِّي‪ ،‬يش!!مله بعموم!!ه وإطالق!!ه‪ !،‬ب!!ل ه!!و المتع!!ارَف في آي!!ات الكت!!اب‬
‫العزيز(‪.)488‬‬
‫وال بُدَّ هن!!ا من مراع!!اة التفري!!ق بين الس!!ياق ومناس!!بة ال!!نزول؛‬
‫فاألوّل هو وقوع آية الخمس في سياق آيات القتال؛ والث!!اني نزوله!!ا في‬
‫واقعة بدر‪ ،‬حَسْب بعض المفسِّرين‪ .‬وحَسْب هذا المنظور‪ :‬إن السياق في‬
‫الم!!ورد‪ ،‬م!!ع إطالق اللف!!ظ أو عموم!!ه‪ ،‬ال يش!!كِّل قرين!!ةً‪ ،‬وال يص!!لح‬
‫لتخصيص العمومات اللفظيّة‪ .‬والواقعة التي نزل به!!ا ال تع!!دو أن تك!!ون‬
‫المناسبة التي نزل فيها التشريع‪ ،‬فال يقتصر عليها‪ ،‬وال يتجمَّد عندها‪.‬‬
‫وفي المقابل يرى الهاشمي بأن ما ذُكر أعاله ال يتمّ على إطالق!!ه‪،‬‬
‫فإذا فرض أن المعنى األخصّ‪ ،‬وهو غنائم الحرب‪ ،‬كان بخصوصيّته مم!!ا‬
‫يُستَعْمَل فيه لفظ الغنيمة كمعنىً استعماليّ‪ ،‬ولو مجازاً‪ ،‬أصبح السياق‬
‫المذكور! صالحاً للقرينيّة على تعيين المعنى المستَعْمَل فيه اللف!!ظ في‬
‫المعنى الخاصّ‪ ،‬ال العامّ(‪.)489‬‬

‫‪2‬ـ الغنائم‪ 6‬في الكتب النبويّة‬


‫يؤيِّد بعض الباحثين موقف االتّجاه الموسّع‪ ،‬القائل بع!!دم اقتص!!ار‬
‫مفهوم الغنيمة على ما يُؤخَذ من الكفّار في الحرب‪ ،‬ببعض الفقرات التي‬
‫تضمَّنَتْها بعض عهود النبيّ| وكتبه‪ ،‬والتي تفيد ـ حَسْ! ب رأيهم ـ أن‬
‫النبيّ كان يفرض الخمس في غير الغنائم الحربيّة‪.‬‬

‫‪ 220‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫ومن نماذج الكتب‪ :‬ما رواه البخاري‪ ،‬عن ابن عباس قال‪ :‬ق!!دم وف!!دُ‬
‫عبد القيس‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إنا هذا الحيّ من ربيعة‪ ،‬بينن!!ا وبين!!ك‬
‫كفّار مضر‪ ،‬فلسنا نصل إليك إالّ في الشهر الحرام‪ ،‬فمُرْنا بأمرٍ نأخ!!ذ‬
‫به‪ ،‬وندعو! إليه مَنْ وراءن!ا‪ ،‬ق!ال‪ :‬آم!ركم ب!أربع‪ ،‬وأنه!اكم عن أرب!ع‪:‬‬
‫اإليمان باهلل‪ :‬شهادة أن ال إله إال اهلل ـ وعقد بيده ـ؛ وإقام الصالة؛ وإيت!!اء‬
‫الزكاة؛ وصيام رمضان؛ وأن تؤدّوا هلل خمس ما غنمتم‪ ،...‬إلخ(‪.)490‬‬
‫ومن الجليّ ـ في نظرهم ـ أنه ال يمكن أن يكون الخُمْس هن!!ا على‬
‫غنائم حربيّة مع هذا الحيّ المستَضْ! عَف‪ ،‬ال!!ذي ال يق!!وى على الخ!!روج‬
‫للقاء النبيّ إالّ بمناسبة السِّلْم في األشهر الحُرُم‪.‬‬
‫وقد جاء مثل هذا التأكي!!د على أداء خمس المغ!!انم في جمل!!ةٍ من‬
‫كتب الرسول| إلى مختلف القبائل التي انض!!مَّتْ إلى المس!!لمين‪ !،‬حَسْ! ب‬
‫بعض المصادر‪ ،‬مثل‪ :‬كتاب!ه أله!!ل اليمن م!!ع عم!!رو بن ح!زم‪ ،‬وكتاب!!ه‬
‫للفجيع‪ ،‬ولجنادة األزدي وقومه‪ .‬وكتب لجهينة بن زي!!د‪ :‬إنّ لكم بط!!ون‬
‫األرض وسهولها‪ ،‬وتالع األودية وظهورها‪ ،‬على أن ترعوا نباتها‪ ،‬وتش!!ربوا‬
‫ماءها‪ ،‬على أن تؤدّوا الخمس‪ .‬والرس!!الة األخ!!يرة ظ!!اهرةٌ في أن!!ه طلب‬
‫منهم أن يدفعوا! خمس ما يستفيدونه من خَيْرات األرض(‪.)491‬‬
‫ويُالحَ!!ظ في بعض كتب الرس!!ول| أن!!ه رب!!ط فيه!!ا بين الص!!الة‬
‫والزكاة والصيام والخمس وغيرها من األمور‪ !،‬التي اعتُبِرَت ش!!رطاً في‬
‫قبول إس!!المهم‪ ،‬ودخ!!ولهم في ذمّ!!ة اهلل ورس!!وله|‪ ،‬وفي م!!ا دَخَ!!ل في!!ه‬
‫المسلمون‪ ،‬ممّا يؤكِّد على أهمِّيته الدينيّة‪ ،‬وليس السياسية فقط‪ .‬وقد‬
‫بين فيها الوظائف الفرديّة‪ ،‬التي يجب على كل مسلم أن يؤديها‪.‬‬
‫ويرى هذا الفريق أن الن!!بيّ| لم يكن يطلب منهم في تل!!ك العه!!ود‬
‫والكتب أن ي!!!دفعوا الخمس من غن!!!ائم الح!!!رب؛ ألن بعض!!!هم ك!!!انوا‬
‫مستَضْعَفين‪ ،‬كما تبين من وضع وفد عبد القيس‪ ،‬باإلض!!افة إلى أنهم لم‬
‫يكونوا مخوَّلين ليعلنوا حَرْباً؛ ألنه كان من شؤون النبيّ|‪ .‬ول!!و ك!!ان‬
‫المقصود من دفع الغنائم بعد وقوع حربٍ أو قتالٍ مع المشركين لناسب‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪221‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫أن يُذْكَر في تلك الرسائل والعهود الجهاد في ع!!داد الص!!الة والزك!!اة‬


‫والصيام والخُمْس(‪.)492‬‬

‫ي|‬
‫مناقشة االستشهاد بكتب النب ّ‪6‬‬
‫وبالنظر في نصوص! الكتب النبويّة يُطْرَح تس!!اؤلٌ مف!!ادُه‪ :‬إذا لم‬
‫حَس!! ب الكتب‬
‫ْ‬ ‫يكن الم!!رادُ من الخمس المطل!!وب دفع!!ه إلى الن!!بيّ| ـ‬
‫المذكورة! ـ خمسَ غنائم الحرب فمن أيِّ الغنائم يكون؟‬
‫قد يحتمل أنها من الكنوز والمعادن والركاز وممّا يُس!!تَخْرَج من‬
‫البحر لمَنْ كان قريباً منه‪.‬‬
‫ولكنْ هل كانت ه!!ذه الم!!وارد من الك!!ثرة وال!!وفرة ل!!ديهم بحيث‬
‫استدعى كلّ هذا التأكيد في الكتب النبويّة؟!‬
‫ومن جه!!ةٍ أخ!!رى ال يوج!!د م!!انعٌ من أن ي!!بين لهم الن!!بيّ| ه!!ذا‬
‫التشريع المالي السياسيّ‪ ،‬رغم كونهم غير مخوَّلين بإعالن الحرب‪.‬‬
‫ثمّ إنهم إنْ لم يكونوا مخوَّلين بإعالن أيّ ح!!ربٍ ابت!!داء‪ ،‬فإن!!ه ال‬
‫رَيْبَ في أنّ من حقِّهم أن ي!!دافعوا عن أنفس!!هم إذا م!!ا تعرَّض!!وا أليّ‬
‫هجومٍ من القبائل المعادية لهم‪ ،‬ومن ثمّ فإنه اش!!ترطه عليهم بن!!اءً على‬
‫هذا االفتراض‪.‬‬
‫وحقّ ال!!دفاع عن النَّفْس والعِ!!رْض والم!!ال مش!!روعٌ‪ ،‬ومق!!رَّرٌ‬
‫عقالئيّاً ودينيّاً‪ ،‬وال يحتاج بطبيعة الحال إلى إذنٍ‪ .‬وإنْ وق!!ع ش!!يءٌ من‬
‫ذلك‪ ،‬وغنموا في تلك الحرب الدفاعية‪ ،‬فإن عليهم دفع أخماس!!ها‪ ،‬وفاق!!اً‬
‫لبعض النصوص الفقهية(‪.)493‬‬
‫وهناك مَنْ يرى أن مطالبةَ النبيّ لتلك الوف!!ود والقبائ!!ل تق!!ديم‬
‫الخمس له كان بسبب عدم حضور الن!!بيّ بنفس!!ه تل!!ك المع!!ارك‪ ،‬فك!!ان‬
‫يطالب أؤلئك القادة‪ ،‬ال!!ذين ك!!انوا نوّاب!!اً عن!!ه‪ ،‬أن ي!!ؤدّوا إلي!!ه خمس‬
‫غنائمها(‪.)494‬‬
‫وهذا افتراضٌ لم يستند! إلى أيّ دليلٍ أو مصدرٍ تاريخي‪ .‬فالرسائل‬

‫‪ 222‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫لم تكن لقادةٍ بعثهم النبيّ بالنيابة عنه لمهمّاتٍ قتالي!!ة ض!!دّ فئ!!اتٍ من‬
‫المشركين‪ .‬إن الرسائل التي بعثها الن!!بيّ بع!!د الحديبي!!ة‪ ،‬وتحدي!!داً في‬
‫السنتين السادسة أو السابعة‪ ،‬كانت للملوك واألمراء‪ ،‬ولناسٍ من الع!!رب‪.‬‬
‫أما الرسائل التي كتبها للقبائل التي وفدَتْ إليه فكانت في ع!!ام الوف!!ود‪،‬‬
‫في السنة التاسعة‪ .‬وبدراسة نصوص!!ها ومالحظ!!ة س!!ياقاتها التاريخي!!ة ال‬
‫نجدها تدلّ على ذلك‪ .‬ولم يَرِدْ في مصادر التاريخ أنها كانت موجَّهةً‬
‫لسرايا أو بعوثٍ أرسلت لمهمّاتٍ قتالية‪.‬‬
‫إن السرايا التي بعثها النبيّ| ـ حَسْب ابن سعد(‪230‬هـ) ـ ك!!ان‬
‫مجموعه!!ا ح!!والي ‪ 56‬س!!ريّة‪ ،‬ومعظمه!!ا ك!!انت في الس!!نوات الثاني!!ة‬
‫والخامسة والسادسة والسابعة والثامنة والتاسعة للهجرة‪ .‬والس!!رايا ال!!تي‬
‫رجعَتْ بغنائم كانت حوالي ‪ 12‬سريّة(‪.)495‬‬
‫إن مهمّات السرايا كانت أمنيّةً وتأديبيّة‪ ،‬وبعضها سياس!!يّة دينيّ!!ة‬
‫محدودة‪ .‬وحَسْ! ب تعب!!ير بعض م!!ؤلِّفي الس!!يرة‪ :‬إنه!!ا مهمّ!!ات فِ!!رَق‬
‫الشرطة في زماننا(‪ .)496‬وفي جميع األحوال فإن ه!دف الرس!ائل والعه!!ود‬
‫كان مختلفاً عن غرض السرايا األمنيّة والقتاليّة‪.‬‬
‫وق!د يَ!رِدُ على دع!وى ك!ون المقص!ود من الخمس في الرس!ائل‬
‫ص! فْو‬
‫النبويّة هو خمس المكاس!ب واألرب!اح بأن!ه ورد في بعض!ها حكمُ َ‬
‫المال‪ ،‬ممّا يؤيِّد أنها ك!!انت أق!!رب إلى الس!!ياق الح!!ربيّ‪ .‬ب!!ل ج!!اء في‬
‫كتاب!!ه لعب!!د يغ!!وث بن وعل!!ة الح!!ارثي‪« :‬وأعطى! خمس المغ!!انم في‬
‫الغَ!!!زْو»(‪ .)497‬وخلَتْ جمل!!ةٌ من الكتب من أيّ إش!!!ارةٍ إلى أخم!!اس‬
‫المغانم(‪.)498‬‬
‫وتض!!مَّنَتْ بعض الكتب أم!!وراً إداري!!ة وأمني!!ة وسياس!!ية مهمّ!!ة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى الفرائض‪ .‬وفي بعضها نصّ على خمس المغانم؛ وفي بعض!!ها‬
‫لم يَرِدْ له ذكرٌ‪.‬‬
‫ففي كتابه لمَنْ أسلم من حدس من لخم‪ :‬وأعطى حظّ اهلل وح!!ظّ‬
‫رسوله‪ ،‬وفارق المشركين‪ ،‬فإنه آمن بذمّة اهلل ورس!!وله؛ ومَنْ رج!!ع عن‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪223‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫دينه فإن ذمّة اهلل وذمّة محمد رسوله بريئة‪.‬‬


‫وفي كتابه لربيعة بن ذي مرحب الحضرمي وإخوت!!ه وأعمام!!ه‪ :‬إن‬
‫لهم أموالهم ونحلهم ورقيقهم وآبارهم وشجرهم ومي!!اههم‪ ...‬وإن نص!!ر‬
‫آل ذي مرحب على جماعة المسلمين‪.‬‬
‫وفي كتابه لخالد بن ضماد األزدي‪ :‬إن له ما أسلم عليه من أرض!!ه‪،‬‬
‫على أن يؤمن باهلل وال يشرك به شيئاً‪ ...‬وال يؤوي مُحْدِثاً‪ ،‬وال يرت!!اب‪،‬‬
‫وعلى أن ينصح هلل ولرسوله‪ ...‬وعلى محمد النبيّ أن يمنع!!ه ممّ!!ا يمن!!ع‬
‫منه نفسه وماله وأهله‪.‬‬
‫وكتب لبني مَعْن الطائيّين‪ :‬إن لهم م!!ا أس!!لموا علي!!ه‪ ،‬من بالدهم‬
‫ومياههم وغدوة الغنم‪ ،‬م!!ا أق!!اموا الص!!الة وآت!!وا الزك!!اة‪ ،‬وأط!!اعوا اهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬وفارقوا المشركين‪ ،‬وأشهدوا على إسالمهم‪ ،‬وأمنوا السبل‪.‬‬
‫وهذه الكتب أيضاً لم يَرِدْ فيها ذكر الغنائم(‪.)499‬‬
‫ثمّ إن هذه الكتب إنْ سلمَتْ سَنَداً‪ ،‬وتأكَّد صدور بعضها ـ على‬
‫األقلّ ـ‪ ،‬وظهرت داللة بعضها على الدعوى‪ ،‬فإن التساؤل ال!!ذي يَ!!رِدُ في‬
‫المقام‪ :‬إنْ كان الخمس على المكاسب التجارية مفروضاً على المس!!لمين‬
‫بالفعل في تلك المرحلة‪ ،‬وكان ه!!ذا الحكم الش!!رعي مفعَّالً ومطبَّق!!اً‬
‫زمن الن!!بيّ|‪ ،‬فلِمَ لم يظه!!ر ذك!!رُه في أح!!اديث الن!!بيّ| وتوجيهات!!ه‬
‫للمسلمين؟! كما لم يَرِدْ في استفساراتهم أيضاً(‪.)500‬‬
‫وأيّاً ما كان ف!!إن الطبيع!!ة الب!!ارزة لتل!!ك العه!!ود والكتب تب!!دو‬
‫إداريّةً وسياسيّة وأمنيّة‪ .‬وداللته!!ا أبل!!غ على دخ!!ول تل!!ك القبائ!!ل في‬
‫جماعة المسلمين‪ !،‬وإذعانها لسيادة الن!!بيّ في السِّ! لْم والح!!رب‪ ،‬وقبوله!!ا‬
‫باألحك!!ام والمب!!ادئ العامّ!!ة‪ ،‬وال!!دخول في ذمّ!!ة المس!!لمين‪ .‬إن س!!ياقها‬
‫التاريخي هو ظهور قوّة االسالم والمسلمين بعد الحديبية‪ ،‬وما تبعه!!ا من‬
‫فتح مكّة وغزوة حنين‪ ،‬ثمّ تبوك‪ ،‬حيث ج!!اءت الوف!!ود والقبائ!!ل معلن!!ةً‬
‫إسالمها‪ ،‬ودخولها في جماعة المسلمين‪.‬‬

‫‪ 224‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫المواءمة بين اللغة والفقه‬


‫حاول المنتظري المواءمة بين بعض التعريف!!ات اللغويّ!!ة وموقف!!ه‬
‫الفقهيّ‪ ،‬فرأى أن الظاهر من كلماتهم ـ وهو أن الغنيمة هي ما يفوز ب!!ه‬
‫اإلنسان من غير مشقّةٍ ـ يش!!ير إلى خصوص!!يّةٍ أُش!!ربَتْ في المفه!!وم‬
‫جعلَتْه يصدق على الغنيمة بشكلٍ عامّ‪ ،‬وال يقتص!!ر على غن!!ائم الح!!رب‪.‬‬
‫وهذه الخصوصيّة هي المجّانية وع!!دم ال!!ترقُّب‪ .‬ويك!!ون إطالق الكلم!!ة‬
‫على غنائم الحرب من باب إطالق المطلق على أظهر أفراده‪ .‬وطبَّ!!ق ه!!ذا‬
‫المفهوم على بعض الموارد‪ ،‬فرأى أن هَدَف المقاتل في الحرب هو خذالن‬
‫العدوّ والغلبة عليه‪ ،‬ال اغتنام األم!!وال‪ ،‬فهي نعم!!ةٌ غ!!ير مترقَّب!!ة‪ .‬وم!!ا‬
‫يُظْفَر به من الك!!نز والمع!!دن نِعَمٌ غ!!ير مترقَّب!!ة في الع!!ادة‪ .‬وه!!دف‬
‫اإلنسان من كسبه وحرفته اليوميّة هو الحصول على ما يعيش به‪ ،‬ويرفع‬
‫به حاجاته اليومية‪ ،‬فالزائد عليه نعمةٌ غير مترقَّبة‪ .‬ول!!ذا عُ!!دَّ مق!!دار‬
‫المؤونة اليومية في أرباح المكاسب خارجاً تخصُّصاً‪ ،‬ال تخصيصاً(‪.)501‬‬
‫بينما يرى الهاشمي أن المجّاني!!ة وع!!دم ال!!ترقُّب وع!!دم التوقُّ!!ع‬
‫الستحصال المال ال تنطب!!ق على عملي!!ات الكَسْ! ب والتج!!ارة‪ ،‬وهي غ!!ير‬
‫داخلةٍ في مفهوم الغنيمة في آية الخمس(‪.)502‬‬
‫وهو ما استقربه ـ من قبلُ ـ رشيد رضا؛ حيث رأى أن المتب!!ادر من‬
‫االستعمال أن الغنيمة والغنم ما يناله اإلنسان ويظفر به من غ!!ير مقاب!!لٍ‬
‫مادّي يبذله في سبيله‪ .‬غير أنه نَقَد قَيْد اللغويّين بعدم المشقّة(‪.)503‬‬
‫وفصَّل السبحاني في الخصوصيات المتعلِّقة بقَيْ!!د (بال مش!!قّةٍ)‪،‬‬
‫ويرى أنها تكمن في أحد األمور التالي!ة‪ :‬الظف!!ر ب!ه بيس!!رٍ وس!!هولة‪ ،‬أو‬
‫الظفر بال بَذْل مقابلٍ‪ ،‬أوالظفر بدون ترقُّبٍ وتوقُّعٍ(‪.)504‬‬

‫تا ُّمالتٌ في محاوالت المواءمة‬


‫يبدو أنها استنتاجاتٌ تحليلي!!ة؛ للمواءم!!ة بين معطي!!ات التعريف!!ات‬
‫المعجمية والروايات الحديثية والمواق!!ف الفقهية‪ .‬والظ!!اهر أن اس!!تنتاج‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪225‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫عدم الترقُّب ـ في نظرهم ـ يرجع إلى أن الفوز بشيءٍ م!!ا يتحقَّ!!ق في‬
‫حالة عدم ترقُّبه‪ ،‬أو بقولٍ آخر‪ :‬عند مصاحبته لعنصر المفاجأة‪.‬‬
‫أما مفهوم عدم المش!!قّة فه!!و أق!!رب إلى ع!!دم التعب‪ ،‬وع!!دم ب!!ذل‬
‫المجهود المتعارف‪ ،‬ومن ثمّ يعني الحصول على الشيء بيُسْرٍ وسهولةٍ‪.‬‬
‫ويَرِدُ عليه أنه ال يتبادر من الف!!وز مع!!نى ع!!دم ال!!ترقُّب الت!!امّ‪.‬‬
‫فالذين يش!!اركون في مس!!ابقاتٍ أو يق!!دِّمون اختب!!اراتٍ‪ ،‬وإنْ ك!!ان ال‬
‫يمكنهم الجَزْم بالفوز فيها‪ ،‬بعضُهم ـ على األقلّ ـ يتوقَّع فرص الف!!وز‬
‫بنسبٍ عالي!!ة معت!!دٍّ به!!ا‪ .‬وبعب!!ارةٍ أخ!!رى‪ :‬إن مثلهم ليس مث!!ل مَنْ ال‬
‫يحتسب وال يتوقَّع الفوز نهائيّاً‪ .‬وإالّ ـ أي بناءً علي!!ه ـ ف!!إن األرب!!اح‬
‫والمكاسب التجاريّة هي األخرى ال تكون محتسبةً؛ ألن التاجر كثيراً م!!ا‬
‫يدخل في مخاطرات ويحتمل الربح أو الخس!!ارة بنس!!بٍ متفاوت!ة‪ .‬ثمّ إن‬
‫هناك من األعمال التجارية ما قد يجزم أصحابها سَلَفاً بتحقُّ!!ق أرب!!احٍ‬
‫منها‪ ،‬فهل تخرج من موارد الخمس؟!‬
‫كما أن عمليات استخراج المعادن من ب!اطن األرض‪ ،‬وص!يد اللؤل!ؤ‬
‫من البحار‪ ،‬لم تعُدْ متوقِّفةً على األساليب التقليديّة‪ ،‬بحيث يطبق عليها‬
‫مفهوم عدم الترقُّب‪.‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة لمفهوم المجّانية وعدم وجود مقابلٍ‪ ،‬فإنه‬
‫ليس المعنى المتبادر من قَيد «بدون مش!!قّةٍ»‪ ،‬ب!!ل ق!!د يُس!!تَفَاد ذل!!ك‬
‫بضربٍ من العناية اإلضافية‪.‬‬
‫ويبدو أن بعض الدارسين استنتجوا هذه األم!!ور من بعض المواق!!ف‬
‫الروائيّة والفقهية‪ ،‬ال!!تي أدرجَتْ الك!!نز والرك!!از والمع!!دن وم!!ا ين!!ال‬
‫بالغَوْص ض!!من مفه!!وم الغنيم!!ة‪ ،‬وق!!رَّرَتْ عليه!!ا الخمس‪ .‬وهي ممّ!!ا‬
‫يُظْفَر به اتّفاقاً‪ ،‬وبدون توقُّعٍ سابق‪.‬‬
‫وحَس!!! ب بعض اآلراء الفقهي!!!ة‪ :‬ال يجب دف!!!ع الخمس على بعض‬ ‫ْ‬
‫الفوائد المتوقَّعة‪ ،‬كالمواريث المترقَّبة؛ بينما يجب إخ!!راج الخمس من‬
‫المواريث غير المحتَسَبة أو غير المتوقَّعة‪.‬‬

‫‪ 226‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫وبناءً على هذه اآلراء تمّ تفسير ق!!ول اللغ!!ويّ الف!!وز بالش!!يء بال‬
‫مشقّةٍ‪ .‬ولو لم تُؤخَذ الروايات الحديثية واآلراء الفقهي!!ة بعين االعتب!!ار‬
‫في التحليالت السابقة العتبر الميراث بأنواعه‪ ،‬والهب!!ات بأش!!كالها‪ ،‬وبعض‬
‫أشكال المركوزات‪ ،‬من األمور التي يفوز بها بال مشقّةٍ وال عناءٍ‪.‬‬
‫ويُالحَظ أن بعض تحليالت المنتظري حول أغ!!راض المس!!تثمرين‬
‫والتجّار عن المكاسب والفوائد التجارية ال تصدق على األنشطة التجاري!!ة‬
‫في مختلف األزمنة واألمكن!!ة؛ إذ يظه!!ر أن!!ه ركَّ!!ز نظ!!ره على أعم!!ال‬
‫تجاريّة محدودة‪ ،‬ألفرادٍ هدفهم منها الحصول على لقمة العيش اليومي!!ة‪.‬‬
‫إن أغراض التج!!ارة متع!!دِّدةٌ‪ !،‬وال تقتص!!ر فق!!ط على توف!!ير الحاج!!ات‬
‫المعيشيّة األساس‪.‬‬
‫وكذلك الحال بالنسبة إلى الحرب؛ فإنّ ما ذكره قد يص!!دق على‬
‫الناحية النفسية للمقاتلين لحظة القتال‪ ،‬بأن هدفهم حينها يك!!ون منص!!بّاً‬
‫صوب تحقيق الغَلَبة والنصر وحَسْم المعركة لصالحهم‪ ،‬وإالّ فقد تكون‬
‫للح!!روب أه!!دافٌ مركَّب!!ة‪ ،‬عس!!كرية وسياس!!ية وأمني!!ة واقتص!!ادية‬
‫واستراتيجية‪ ،‬وال تكون لمجرّد الغَلَبة العسكرية في الميدان‪.‬‬

‫حافز الغنائم في الحروب التاريخية‪6‬‬


‫يرى بنحميدة أن الغنائم كانت من أهمّ األسباب التي ك!!انت ت!!دفع‬
‫كثيراً من المق!اتلين من المس!!لمين األوائ!ل لالش!!تراك في القت!!ال‪ ،‬وأن‬
‫إغراء الغنائم كان ال يُقاوَم‪ ،‬إلى درج!!ة أن أع!!داد المق!!اتلين تض!!اعفَتْ‪،‬‬
‫حتّى تكوَّنت للمسلمين قوّةٌ ضاربة‪ ،‬بلغَتْ في وقتٍ وجيزٍ ثالثين أل!!ف‬
‫محاربٍ‪ ،‬بع!!د أن ك!!ان ع!!ددهم ال يتج!!اوز بض!!ع مئ!!ات من الرج!!ال في‬
‫معركة بدر(‪.)505‬‬
‫ويق!!رِّر الج!!ابري أن الغالبي!!ة العظمى من جمه!!ور المس!!لمين ـ‬
‫باستثناء قلّةٍ من السابقين األوّلين ـ‪ ،‬وتتك!!وَّن أساس!!اً من «المس!!لمين‬
‫الجُدُد» من قريش واألعراب‪ ،‬مضافاً إلى المن!!افقين‪ ،‬ك!!ان إس!!هامها في‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪227‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫حركة الفتح بدافع الغنيمة أساساً‪ .‬وحَسْب قراءته فإن الغنيمة والخ!!راج‬
‫كانا يشكِّالن موردَيْن وحيدَيْن للدول!!ة الرَّيْعيّ!!ة في ص!!در اإلس!!الم‬
‫والعصر األموي(‪.)506‬‬
‫وفي هذا الصدد يذكر البالذري(‪279‬هـ) أن الخليفة أبا بك!!ر لم!!ا‬
‫فرغ من قتال الردّة رأى توجيه الجيوش إلى الشام‪ ،‬فكتب إلى أه!!ل مكّ!!ة‬
‫والطائف واليمن وجمي!!ع الع!!رب بنَجْ!!د والحج!!از يس!!تنفرهم للجه!!اد‪،‬‬
‫وي!!رغِّبهم في!!ه وفي غن!!ائم ال!!روم‪ ،‬فس!!ارع الن!!اس إلي!!ه بين محتس!!بٍ‬
‫وطامع(‪.)507‬‬
‫وثمة شواهد تاريخي!ة تؤيِّ!!د كالم!!ه‪ ،‬فق!!د ك!!ان س!!بب الهزيم!!ة‬
‫المُنْكَرة التي لحقَتْ بالمسلمين في غ!!زوة أُحُ!!د ه!!و مخالف!!ة الرم!!اة‬
‫تعليمات النبيّ|‪ ،‬وتركهم مواقعهم‪ ،‬وركضهم وراء جمع الغن!!ائم؛ خوف!!اً‬
‫من أن تفوتهم‪.‬‬
‫كما تطاول بعض!!هم على الن!!بيّ| في غ!!زوة ح!!نين؛ بس!!بب قس!!مة‬
‫الغنائم‪.‬‬
‫إن التأمُّل في اآليات القرآنية التي رافقَتْ حركة الجهاد في تاريخ‬
‫المسلمين! يفيدنا بوضوحٍ أن نَيْل المغانم كان من بين الح!!وافز القويّ!!ة‬
‫رَض!! يَ‬
‫ِ‬ ‫التي طرحها القرآن لتشجيعهم على القتال‪ .‬يقول تعالى‪﴿ :‬لَقَ!!دْ‬
‫اهللُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي‬
‫قُلُوبِهِمْ فَ!!أَنْزَلَ الس!َّ كِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَ!!ابَهُمْ فَتْح!!اً قَرِيب!!اً *‬
‫وَمَغَ!!انِمَ كَثِ!!يرَةً يَأْخُ!!ذُونَهَا وَكَ!!انَ اهللُ عَزِي!!زاً حَكِيم!!اً *‬
‫وَعَدَكُمْ اهللُ مَغَانِمَ كَثِ!!يرَةً تَأْخُ!!ذُونَهَا فَعَجَّ!!لَ لَكُمْ هَ!!ذِهِ‬
‫وَكَ!!فَّ أَيْ!!دِيَ النَّ!!اسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُ!!ونَ آيَ!!ةً لِلْمُ!!ؤْمِنِينَ‬
‫وَيَهْدِيَكُمْ صِ! رَاطاً مُسْ! تَقِيماً﴾ (الفتح‪ 18 :‬ـ ‪ .)20‬ك!!ان الق!!رآن‬
‫الكريم يرشِّد تحرّكاتهم‪ ،‬ويهذِّب اندفاعاتهم‪ ،‬ويق!!وِّم اعوج!!اجهم‪ ،‬في‬
‫ض!! رَبْتُمْ فِي‬ ‫هذا السياق‪ .‬يقول سبحانه‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا َ‬
‫س!! بِيلِ اهللِ فَتَبَيَّنُ!!وا وَالَ تَقُولُ!!وا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمْ الس!َّ! الَمَ‬
‫َ‬

‫‪ 228‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْ!!دَ اهللِ مَغَ!انِمُ‬


‫كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْ!!لُ فَمَنَّ اهللُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُ!!وا‬
‫إِنَّ اهللَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً﴾ (النساء‪.)94 :‬‬
‫وكيفما ك!!ان ف!!إن اإلرب!!اك الحاص!!ل بين الدارس!!ين ح!!ول قَيْ!!د‬
‫اللغويين! (بدون مشقّةٍ) منش!!ؤه اختالف المعطي!!ات اللغويّ!!ة والروائي!!ة‬
‫والفقهية‪ ،‬ولهذا حاولوا التوفيق بينها‪.‬‬

‫منظوران رئيسان‪6‬‬
‫ومحصّلة البحث أن هن!اك منظ!!ورين رئيس!ين في تحدي!د مفه!!وم‬
‫الغنيمة في اآلية‪ ،‬هما‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬يقصر مدلول الغنيمة على غنائم الحرب وَحْدَها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬يوسِّع المفهوم‪ ،‬ليشمل كلّ ما يفوز به المرء‪ ،‬في الح!!رب‬
‫أو السلم‪ ،‬من كسبٍ أو تجارةٍ أو كنزٍ أو ركازٍ أو غوصٍ وما شاكل‪.‬‬
‫وهناك منظورٌ يتوسط بينهما من بعض الوجوه‪.‬‬
‫وقد أشار الطوسي(‪460‬هـ) إلى كال المنظورين‪ ،‬عن!!د جمع!!ه بين‬
‫بعض األخبار المختلفة حول الغنيمة‪ ،‬وما اذا كانت ب!!المعنى الخ!!اصّ أو‬
‫العامّ‪ .‬قال‪« :‬الوجه فيه أحد شيئين‪!:‬‬
‫أح!!دهما‪ :‬أن يك!!ون المع!!نى في!!ه أن!!ه ليس الخمس إالّ في الغن!!ائم‬
‫خاصّة؛ بظاهر القرآن؛ ألن ما عدا الغنائم إنما علم وجوب الخمس فيه في‬
‫السنّة‪ ،‬ولم يَعْنِ أنه ليس في ذلك خمسٌ أصالً‪.‬‬
‫والوجه الثاني‪ :‬أن تكون هذه المكاسب والفوائد التي تحصل لإلنسان‬
‫هي من جملة الغنائم التي ذكرها اهلل تعالى في القرآن‪ ،‬وقد بيَّن× ذل!!ك‬
‫في الرواية التي ذكرناها في أوّل الباب»(‪.)508‬‬

‫خمس األرباح‪ 6‬التجاريّة‬


‫اختلفت آراء الفقهاء القائلين بثبوت تشريع خمس األرباح في أمورٍ‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪229‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫منها‪ :‬مستند هذا القول ودليله‪.‬‬


‫فرأى بعض أنه الكتاب والس!!نّة؛ بينم!!ا ق!!رَّر آخ!!رون أن مس!!تنده!‬
‫السنّة الواردة عن أئمّة أهل البيت^‪.‬‬
‫ي!!رى الهاش!!مي أن االس!!تدالل بالس!!نّة على ثب!!وت الخمس في ه!!ذا‬
‫الصنف (أرباح المكاسب)‪ .‬فهي رواياتٌ عديدة مستفيضة‪ ،‬ال يبعد! تواتره!!ا‬
‫إجماالً(‪ .)509‬واس!!تعرض جمل!!ةً منه!!ا‪ ،‬بلغَتْ عش!!رين رواي!!ةً؛ معظمه!!ا‬
‫صحيحة ومعتبرة؛ وبعضها واضحة الداللة ـ في نظره ـ على المطل!!وب‪.‬‬
‫وانتهى إلى القول‪ :‬هذه عمدة الرواي!!ات ال!!تي يمكن أن يس!!تدلّ به!!ا على‬
‫أصل ثبوت الخمس في أرباح المكاسب والفوائد‪ ،‬وما تمَّتْ داللته منها قد‬
‫يكفي لحصول الجزم بثبوت تش!!ريع ه!!ذا الخمس‪ ،‬على األق!!لّ في عص!!ر‬
‫األئمّة المتأخِّرين^‪ ،‬خصوصاً بعد ضم اإلجماع والسيرة إلى ذلك(‪.)510‬‬
‫وي!!ذهب جم!!عٌ من الفقه!!اء بأن!!ه ثبت بالكت!!اب والس!!نّة‪ ،‬ومنهم‪:‬‬
‫المنتظري؛ حيث أكَّد! ثبوته بالسنّة أيضاً‪ .‬وبعد ع!!رض بعض الرواي!!ات‬
‫قال‪ :‬إلى غير ذلك من الروايات‪ ،‬المستفاد منها ثبوت الخمس في الفوائ!!د‬
‫اليوميّة‪ ،‬بعد إخراج المؤونة له ولعياله‪ .‬وهي كثيرةٌ‪ ،‬وظ!!اهر أكثره!!ا‬
‫أو صريحها كونها في مقام بيان الوظيفة الفعليّة(‪.)511‬‬
‫وأكَّد الخوئي على إطالق اآلي!!ة وش!!مولها لعامّ!!ة األرب!!اح‪ ،‬ق!!ال‪:‬‬
‫وتشهد لذلك أخبارٌ كثيرةٌ‪ ،‬دلَّتْ على أنّها اإلفادة يوماً فيوماً(‪.)512‬‬
‫وأرجع جواد مغنية االختالف بين المنظ!!ورَيْن الرئيس!!ين في فق!!ه‬
‫المسلمين! إلى ما استفاده كلٌّ منهما من داللة اآلية؛ بين مَنْ وقف عن!!د‬
‫عمومها؛ ومَنْ رأى تخصيصها‪ .‬ولو ثبت التخصيص عن!!د الموسّ! ع لعم!!ل‬
‫به‪ ،‬ولو ثبت العموم! عند المضيّق ألخذ به‪ .‬ومع ما في!!ه من تبس!!يطٍ‪ ،‬إالّ‬
‫أنه خيرُ ما نختم به البحث(‪.)513‬‬

‫خالصاتٌ ونتائج‬
‫لقد اتّضح من البحث أن الفقهاء والمفسِّرين تن!!اولوا القض!!يّة من‬

‫‪ 230‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• مفهوم الغنيمة في التراث الفكري للمسلمين‪ ،‬عرض وتحليل‬

‫مختلف جوانبها‪ ،‬وقدَّم كلُّ اتّجاهٍ منهم مستنداته‪ ،‬وما يؤيِّد رأيه‪.‬‬
‫تمَّتْ محاكمة اآلراء ونقد المباني المختلفة في أجواء اجتهاديّ!!ةٍ‬
‫فكريّة‪ ،‬ممّا يدحض المقوالت التي تتردَّد في بعض الكتابات‪ ،‬والتي ترجع‬
‫االختالف الفقهي والتفسيري فيها إلى عوامل سياسيّة‪ ،‬ومصالح شخص!!يّة‬
‫وفئويّة معيَّنة‪.‬‬
‫إن اإلرب!!اك الحاص!!ل ح!!ول تحدي!!د مفه!!وم الغنيم!!ة يرج!!ع إلى‬
‫االختالف بين أئمّ!!ة اللغ!!ة والتفس!!ير والفق!!ه‪ .‬وق!!د ت!!داخلت مختل!!ف‬
‫المعطيات اللغويّة والروائيّة والفقهيّة‪ ،‬وتطبيقات التاريخ السياس!!يّ‪ ،‬في‬
‫اتجاهات البحث في هذا الموضوع‪.‬‬
‫كما تبين أن استعمال مادّة الغنم وتص!!ريفاتها لم يقتص!!ر على م!!ا‬
‫يظفر به في الحروب‪ ،‬واختلف حول مَ!!دَيات االس!!تعمال‪ ،‬وم!!ا إذا ك!!انت‬
‫موارد الكَسْب تشكِّل ظاهرةً لغويّة دالليّة اجتماعيّة‪.‬‬
‫وقد تبين أن القضية جَدَلي!!ةٌ‪ ،‬ومرجعي!!ات البحث فيه!!ا متع!!دِّدةٌ‬
‫ومتداخلةٌ‪ .‬والمرجعية اللغوية لم تحسم الجَدَل‪ .‬ومع وجود مرجعيّ!!اتٍ‬
‫نصّية‪ ،‬تواصل االختالف الفقهيّ حتّى في االتّج!!اه الواح!!د‪ .‬وهن!!ا ي!!برز‬
‫سؤال اللحظة التاريخية ومقتضيات الواقع في االجتماع اإلنسانيّ‪ ،‬وم!!دى‬
‫مساهمتها في عملية الحَسْم؟‬
‫والمفارقة التي ظهرت جليّةً في المقام أن!ه في ال!وقت ال!ذي رأى‬
‫بعضهم أن المفهوم اللغوي للكلمة أعمّ‪ ،‬قيَّدوه بالمعنى االصطالحيّ الذي‬
‫استقرّ لديهم في الفقه‪ .‬وفي المقابل رأى بعضٌ أن المفهوم الس!!ائد ه!!و‬
‫أضيق‪ ،‬ومع ذل!!ك تبنّى االتّج!!اه الفقهيّ المش!!هور في نظ!!رهم‪ ،‬وفاق!!اً‬
‫للموقف الروائيّ والفقهيّ القائل بالمفهوم الواسع‪.‬‬
‫وتبين أن القول ب!!المفهوم الض!!يِّق للغنيم!!ة في آي!!ة الخمس ليس‬
‫مقتصراً على اتّجاهٍ فقهيّ مذهبيّ وتفس!!يريّ معين‪ ،‬وإنْ ك!!ان موض!!ع‬
‫اتّفاقٍ لدى أحد االتّجاهين الفقهيّين الرئيسين للمسلمين‪ !،‬ومح!!لّ خالف‬
‫لدى االتّجاه اآلخر‪ ،‬وإنْ على مستوىً محدودٍ‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪231‬‬
‫• أ‪ .‬مشتاق بن موسى اللواتي‬

‫وفي الوقت نفسه هن!!اك مَنْ خ!!الف الموق!!ف الفقهي المش!!هور في‬
‫مدرسته‪ ،‬وتمسَّك بما قاده إليه البحث العلميّ‪ ،‬حَسْب قناعته المستقلّة‪.‬‬
‫وأسفر البحث عن وجود آراء من!!ذ القِ!!دَم‪ ،‬ل!!دى مختل!!ف م!!ذاهب‬
‫الكَس! ب غ!ير الحربيّ!ة‪ ،‬م!ع‬
‫ْ‬ ‫فرض! تْ الخمس على بعض م!وارد‬ ‫َ‬ ‫الفق!ه‪،‬‬
‫تكييفاتٍ فقهيّة معيَّنة‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫‪ 232‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫«ال ُسنَّة» ودالالتها‬


‫في التراثين الدين ّي واألدب ّي في القرون الهجريّة األولى‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫المقدّمة‬
‫إن أحد األدلّ!!ة الهامّ!!ة في حجّي!!ة الس!!نّة النبوي!!ة‪ ،‬مس!!تقلّةً عن‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬هو عددٌ من أحاديث النبيّ األكرم|‪ ،‬التي ت!!أمر المس!!لمين‬
‫باتّب!!اع «سُ! نَّته» الش!!ريفة(‪ .)514‬لكنْ هن!!اك اختالف بين اللغ!!ويّين في‬
‫معنى كلمة «السُّنَّة»‪.‬‬
‫ويعتقد بعضٌ أن الكلمة تع!!ني «الطريقة»‪ ،‬س!!واءٌ ك!!انت طريق!!ةً‬
‫جيّدةً أو طريقةً سيّئةً؛ وعلى العكس من ذلك‪ ،‬يعتقد بعضٌ أن للكلم!!ة‬
‫داللةً إيجابيّةً‪ ،‬وإنّما تدلّ على الطريقة الحَسَنة فقط‪.‬‬
‫وفي مثل هذه الحال يمكن للقرآنيّين أن يُشكِّكوا في حجّية السنّة‬
‫النبويّة؛ بدعوى أن الخالف الموجود في آراء اللغويّين يجعلنا في ش!!كٍّ‬
‫في دائرة دالل!!ة لف!!ظ «السُّ! نَّة»‪ ،‬وحينئ!!ذٍ يجب أن نتمسَّ! ك! بالق!!در‬
‫المتيقَّن من داللته‪ ،‬وهي الطريقة الحَسَنة‪ .‬وإذَنْ ليس هناك دليلٌ على‬
‫أن األحاديث النبويّة تدلّ على وجوب اتّباع كلّ طريقةٍ للنبيّ|‪ ،‬بل إنم!!ا‬
‫تدلّ على وجوب اتّباع طريقته التي ثبت حُسْنُها بدليلٍ آخ!!ر‪ .‬ونتيج!!ة‬
‫هذا اإلشكال أن السنّة النبويّة ليست حجّةً مس!!تقلّةً إلى ج!!انب الق!!رآن‬

‫صصٌ في مجال علوم الحديث والتراث‪ .‬له‬ ‫ٌ‬


‫باحث في حوزة قم العلميّة‪ ،‬متخ ِّ‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫تحقيق (أحاديث أميرالمؤمنين×‪ ،‬برواية السيد عبد العظيم الحسني‪ ،‬وإمالء القاضي‬
‫جعفر البهلولي)‪ ،‬من مخطوطات الزيدية‪ .‬من مدينة بيرجند ـ إيران‪.‬‬
‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪233‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫الكريم(‪.)515‬‬
‫وفي هذه المقالة‪ ،‬بصرف النظ!!ر عن األجوب!!ة األخ!!رى ال!!تي يمكن‬
‫طرحها في جواب هذا اإلشكال‪ ،‬نق!!دِّم دراس!!ةً في االس!!تعماالت العربيّ!!ة‬
‫لكلمة «السُّنَّة» في مصداقٍ قبيحٍ من الطريقة‪ .‬ويتّض!!ح لن!!ا من خالل‬
‫ذلك أن معنى الكلمة عامٌّ يشمل المصاديق الحَسَنة والسيّئة معاً‪ ،‬وليس‬
‫هناك معنىً إيجابيٌّ فيها نفس!!ها‪ ،‬وبالت!!الي نس!!تطيع أن نق!!ول‪ :‬إن ه!!ذا‬
‫اإلشكال مردودٌ‪ ،‬وليس هناك أيّ شبهةٍ في حجّية السنّة النبويّة من هذه‬
‫الجهة‪ ،‬وال عبرة بآراء اللغويّين بعد إثبات عموميّ!!ة مع!!نى الكلم!!ة‪ ،‬ع!!بر‬
‫االستشهاد باالستعماالت مباشرةً‪.‬‬
‫ويجب أن أش!!ير إلى أنّ دراس!!ة االس!!تعماالت في الق!!رآن الك!!ريم‬
‫واألحاديث النبوية قد تقدَّمَتْ في مقالةٍ أخرى مستقلّة(‪ .)516‬وأركِّ!!ز‬
‫في هذه المقال!!ة على االس!!تعماالت في كلم!!ات أه!!ل ال!!بيت^ والص!!حابة‬
‫واألش!!عار في الق!!رن األول الهج!!ري؛ إلثب!!ات المع!!نى الع!!امّ لمف!!ردة‬
‫«السُّنَّة» في العصر النبويّ‪ ،‬ثمّ أركِّز على االس!!تعماالت في الق!!رون‬
‫التالية؛ إلثبات المعنى العامّ للكلمة في العصور المتأخِّرة‪.‬‬
‫وإن الذي يدعو! إلى هذا التقسيم أن مفردة «السُّنَّة»‪ ،‬التي ورَدَتْ‬
‫في األحاديث النبوية اآلمرة باتّباع الس!!نّة النبويّ!!ة‪ ،‬ال تخل!!و من إح!!دى‬
‫الحالتين‪ :‬إم!!ا أن تك!!ون كلم!!ة «الس!ُّ نَّة» فيه!!ا هي عين الكلم!!ة ال!!تي‬
‫خرجَتْ من شَفَتَيْ رسول اهلل|‪ ،‬وبعب!!ارةٍ أخ!!رى‪ :‬هي منقول!!ة باللف!!ظ؛‬
‫وإما أن تكون هذه الكلمة منقول!!ةً ب!!المعنى‪ ،‬ولم تكن عينَ الكلم!!ة ال!!تي‬
‫قالها النبيّ|‪ .‬واالس!!تعماالت في الق!!رن األوّل الهج!!ريّ تس!!اعدنا في فهم‬
‫معنى الكلمة في حالة النق!!ل باللف!!ظ‪ ،‬واالس!!تعماالت في الق!!رون التالي!!ة‬
‫تساعدنا في فهم معناها في حالة النقل بالمعنى‪.‬‬
‫ويجب أن أنبِّه القراء الكرّام إلى أنني؛ حيث ق!!دَّمْتُ في المقال!!ة‬
‫السابقة المختصّة باالستعماالت في القرآن والح!!ديث النب!!ويّ تفص!!يالتٍ‬
‫كثيرةً حول جوانب أهمّية هذه الدراسة‪ ،‬ومنهجي فيها‪ ،‬ال أري!!د إعادته!!ا‬

‫‪ 234‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫هن!ا‪ ،‬فللمزي!!د من االطّالع بإمك!!انكم أن تراجع!!وا تل!!ك المقال!ة‪ ،‬وإنم!!ا‬


‫أكتفي هنا بنقطةٍ واحدة قبل الخوض في البحث‪:‬‬

‫سنَن»‪ 6،‬التحدّي في االستشهاد ببعض االستعماالت‬


‫سنَن»‪ 6‬و«ال ُّ‬
‫التردُّد بين «ال َّ‬
‫هناك كلمةٌ يجب أن ال نلتفت إليها في إطار االستشهاد باستعماالت‬
‫«السُّنَّة» ومشتقّاتها‪ ،‬وهي كلمة «السَّنَن»‪ .‬إن ه!!ذه الكلم!!ة مف!!ردةٌ‪،‬‬
‫وتعني الطريق والس!!بيل‪ ،‬وهي تختل!!ف عن «السُّ! نَن»‪ ،‬ال!!تي هي جم!!عُ‬
‫«السُّنَّة»‪ ،‬وهي التي تفي!!دنا في ه!!ذه الدراس!!ة‪ .‬يجب االنتب!!اه إلى أنن!!ا‬
‫الس!! نن»‪ ،‬وحيث لم يكن‬ ‫نواجه في عددٍ من الشواهد أن ما ورد فيها هو « ّ‬
‫هناك تشكيلٌ في كثيرٍ من المص!!ادر‪ ،‬وكلم!!ة «السّ! نن» متس!!اويةٌ في‬
‫هيئتها بالنسبة إلى كلمتَيْ «السُّنَن» و«السَّنَن»‪ ،‬فال يمكن أن نميِّ!!ز‬
‫بين الكلمتين في مث!!ل ه!ذه الح!ال‪ ،‬وبالت!!الي ال يص!حّ االستش!هاد به!!ذه‬
‫الشواهد‪ !،‬وخصوصاً لالقتراب المعنوي بين الكلم!!تين(‪)517‬؛ وألج!!ل وج!!ود‬
‫عدّةٍ من أوجه التشابه بينهما(‪ .)518‬نعم‪ ،‬رغم هذه اإلش!!كالية أيض!!اً يمكن‬
‫استخدام هذه الشواهد على مس!!توى قرين!!ةٍ مؤيّ!!دةٍ‪ ،‬إلى ج!!انب ش!!واهد‬
‫أخرى‪.‬‬
‫وعلى أيّ ح!!الٍ إن ه!!ذه النقط!!ة هامّ!!ةٌ‪ ،‬ويجب أن تُؤخَ!!ذ بعين‬
‫االعتبار في كلّ ه!ذه المقال!ة‪ ،‬ورُبَم!ا ال أكرِّره!ا في ك!لّ الم!وارد‬
‫التالية‪.‬‬
‫وفي ختام المقدّمة ينبغي أن أشير إلى هذه النقطة أيض!!اً‪ ،‬وهي أن‬
‫محلّ االستشهاد في أك!!ثر الش!!واهد في ه!!ذه المقال!!ة جَلِيٌّ وواض!!حٌ‪،‬‬
‫وألجل ذلك رأيْتُ أن أتجنَّب التوضيح‪ ،‬إالّ في بعض الموارد التي كانت‬
‫بحاجةٍ إلى بعض التعليقات‪.‬‬

‫سنَّة» في النصوص‪ 6‬العربيّة األصيلة‬ ‫«ال ُّ‬


‫ي‬
‫‪1‬ـ إلى أواسط القرن األ ّول الهجر ّ‬
‫(‪)519‬‬
‫أـ في أحاديث أهل البيت‪^6‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪235‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫‪1‬ـ من خطب!!ةٍ منقول!!ة عن أم!!ير المؤم!!نين عليّ×‪« :‬وذهل!!وا في‬


‫السكرة على سُنّةٍ من آل فرعون‪ ،‬من منقطع إلى الدنيا راكن؛ أو مفارق‬
‫للدين مباين»(‪.)520‬‬
‫س!! نّةٍ من آل‬ ‫‪2‬ـ وورد في خطبةٍ أخرى له× أيضاً‪« :‬ك!!انوا على ُ‬
‫فرعون‪ ،‬أهل جنّاتٍ وعيونٍ وزروعٍ و‪.)521(»...‬‬
‫‪3‬ـ وفي خطب!!ةٍ أخ!!رى أيض!!اً‪« :‬فإنّ!!ا وأش!!ياعنا ي!!وم خل!!ق [اهلل]‬
‫السماوات واألرض على سنّة موسى وأشياعه‪ ،‬وإن عدوَّنا [وأشياعه] ي!!وم‬
‫خلق [اهلل] السماوات واألرض على سنّة فرعون وأشياعه»(‪.)522‬‬
‫‪4‬ـ ومن خطبةٍ له×‪« :‬أما إنكم ستلقون بعدي ذُالًّ شامالً‪ ،‬وسَ! يْفاً‬
‫قاطعاً‪ ،‬وأَثَرَةً يتَّخذها الظالمون فيكم سُنّةً»(‪.)523‬‬
‫نعم‪ ،‬رُبَما تكون «السُّنّة» في هذا الحديث بمعنى سيرةٍ حسنةٍ في‬
‫رؤية الظالمين ـ كما يؤيِّد! هذا االحتمالَ وجودُ «يتّخذها» في العبارة‬
‫ـ‪ ،‬وحينئذٍ ال يمكن استخدامها إلثبات المعنى العامّ في لف!!ظ «الس!ُّ! نّة»‪،‬‬
‫إالّ على مستوى التأييد‪.‬‬
‫‪5‬ـ ومن كالمٍ له×‪« :‬أين أصحابُ م!!دائنِ ال!!رَّسِّ‪ ،‬ال!!ذين قتل!!وا‬
‫النبيِّين‪ ،‬وأطفأوا سنن المرسلين‪ ،‬وأحيوا سنن الجبّارين؟!»(‪.)524‬‬
‫‪6‬ـ وفي رسالته إلى مالك األشتر‪« :‬وال تنقض سُنّةً صالحةً عمل‬
‫بها صدورُ هذه األُمّة‪ ،‬واجتمعت بها األلفة‪ ،‬وصلحت عليه!!ا الرعيّ!!ة‪ ،‬وال‬
‫تُحْدِثَنَّ سُنّةً تضرُّ بشيءٍ من ماضي تلك السنن‪ ،‬فيكون األج!!ر لمَن‬
‫سَنَّها‪ ،‬والوِزْر عليك بما نقَضتَ منها»(‪.)525‬‬
‫‪7‬ـ ومن خطبةٍ له×‪« :‬واليقين على أرب!!ع ش!!عب‪ :‬تبص!!رة الفطن!!ة‪،‬‬
‫وتأوُّل الحكمة‪ ،‬ومعرفة العبرة‪ ،‬وس!!نّة األولين‪ ...‬ومَنْ ع!!رف العِبْ!!رة‬
‫عرف السُّنَّة‪ ،‬ومَنْ عرف السُّنَّة فكأنّما كان مع األوّلين‪ ،‬واهتدى إلى‬
‫التي هي أقوم‪ ،‬ونظر إلى مَنْ نجا بما نجا‪ ،‬ومَنْ هلك بما هلك‪ ،‬وإنّم!!ا‬
‫أهلك اهلل مَنْ أهلك بمعصيته‪ ،‬وأنجى مَنْ أنجى بطاعته»‪.‬‬
‫ورد الحديث األخير في مصادر كثيرة(‪ ،)526‬منه!!ا‪ :‬كت!!اب الك!!افي‪،‬‬

‫‪ 236‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫وهو أهمّ المصادر الحديثية اعتباراً عند اإلماميّة‪ .‬لكنْ مع ذلك قد ورد‬
‫في أك!!ثر المص!!ادر‪« :‬ومَنْ ع!!رف العِبْ!!رة» ب!!دل «ومَنْ ع!!رف‬
‫السُّنَّة»(‪ .)527‬فحينئذٍ كلمة «السُّ! نَّة» ال توج!!د في الح!!ديث إالّ في‬
‫تعبير «سنّة األوّلين» في صدر الرواي!!ة‪ ،‬وه!!ذا التعب!!ير غ!!ير دالٍّ على‬
‫المعنى العامّ ضرورةً؛ ألنه رُبَما يش!ير إلى تعب!ير «س!!نّة األوّلين» في‬
‫القرآن الكريم(‪ .)528‬وقد تق!دَّم في المقال!ة الس!!ابقة ح!ول االس!تعماالت‬
‫القرآنية عدم وضوح هذا التعبير في المعنى العامّ؛ الحتمال كونه بمعنى‬
‫سنّة اهلل في عذابهم‪ ،‬فهي س!!نّة اهلل‪ ،‬وال يمكن أن تك!!ون طريق!!ةً س!!يّئةً‬
‫حتّى تُثبت المعنى العامّ للكلمة(‪ .)529‬وعلى أيّ حالٍ لم يح!رز أن تك!!ون‬
‫«السُّنَّة» في الحديث من المصاديق السيّئة للطريقة‪ ،‬لكنّه رُبَما يصلح‬
‫لالستدالل كقرينةٍ‪ ،‬إلى جانب سائر القرائن‪.‬‬
‫‪8‬ـ ورُوي عنه×‪« :‬أظلم الناس مَنْ سَنَّ سُنَنَ الجَ!!وْر‪ ،‬ومح!!ا‬
‫سُنَنَ العدل»(‪.)530‬‬
‫‪9‬ـ ورُوي عن الصادق× أن أمير المؤمنين× أحيى شخصاً بعد موته‪،‬‬
‫« فخرج من قبره‪ ،‬وهو يقول بلسان الفرس‪ ،‬فقال أم!!ير المؤم!!نين×‪ :‬ألَمْ‬
‫تَمُتْ وأنتَ رجلٌ من العرب؟! قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكنّ!!ا متن!!ا على سُ! نَّة فالنٍ‬
‫وفالنٍ‪ ،‬فانقلبَتْ ألسنتنا»(‪.)531‬‬
‫إن هذا الحديث ال يُ!!روَى عن أم !ير المؤمنين× مباش!!رةً‪ ،‬ب!!ل ه!!و‬
‫مرويٌّ عن اإلمام الص!!ادق×‪ ،‬عنه×‪ .‬وال يبع!!د أن يتكلَّم اإلم!!ام الص!!ادق×‬
‫وِف!!قَ لغ!!ة عص!!ره ومخاطَبي!!ه‪ ،‬ويحكي كالم أم!!ير المؤم!!نين× وِف!!قَ‬
‫العربيّة في القرن الثاني الهجري‪ .‬فإذَنْ يبدو أن االستدالل بهذا الح!!ديث‬
‫على معنى الكلمة في عصر النبيّ× ال يخل!!و من اإلش!!كال‪ .‬والظ!!اهر أن!!ه‬
‫صالحٌ لالستدالل على معنى الكلمة في العصور المت!!أخِّرة‪ ،‬خصوص!!اً أن‬
‫سياقه ال يتطابق بشكلٍ جليٍّ مع ما ورد من النصوص المختلفة من عصر‬
‫أمير المؤمنين×‪ ،‬كخطب نهج البالغة وغيرها‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬يحتمل أن يكون باقي كلمات أمير المؤمنين×‪ ،‬التي رواها غيرُ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪237‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫الصادق×‪ ،‬أيضاً من قبيل‪ !:‬النقل بالمعنى‪ ،‬لكنّ أكثر ما ذكرن!!ا عن أم !ير‬


‫المؤمنين× في هذه المقالة كان من خطب!!ه‪ ،‬وال!!داعي للنق!!ل باللف!!ظ في‬
‫الخُطَب وأمثاله!!ا ـ كم!!ا يُالحَ!!ظ في الخطب المرويّ!!ة عنه× في نهج‬
‫البالغة ـ أكثر بمراتب من هذا الحديث‪ ،‬ال!!ذي ال يب!!دو أن تك!!ون دواعي‬
‫النقل باللفظ فيه بارزةً‪.‬‬
‫ومن جهةٍ أخرى إنني أريد أن أوضِّح هذه النقطة‪ ،‬وهي أن رواي!!ة‬
‫اإلمام الصادق× عن آبائه الطاهرين^ ال تع!ني بالض!رورة أنه!ا ك!!انت من‬
‫قبيل‪ :‬النقل باللفظ‪ .‬فهناك أس!!بابٌ كث!!يرة‪ ،‬كظ!!روف المخ!!اطَبين في‬
‫عصره×‪ ،‬تدعو إلى النقل ب!!المعنى‪ .‬وال ين!!افي ه!!ذا االحتم!!ال أن األئمّة^‬
‫أمراءُ الكالم‪ ،‬وفي قمّة البالغة‪ ،‬فرُبَما كانوا مضطرّين إلى أن يتكلَّموا‬
‫وفق اللغة المألوفة للمخاطَبين في عصرهم‪.‬‬
‫وباختصارٍ من األفضل أن يستخدم هذا الشاهد إلثبات معنى الكلم!!ة‬
‫في العصور المتأخِّرة‪ ،‬ال العصر النبويّ|‪.‬‬
‫‪10‬ـ وفي الخطبة الفَدَكية للزهراء÷‪« :‬أنا فاطمة‪ ،‬وأبي محمدٌ‪...‬‬
‫إنْ تعزوه(‪ )532‬تجدوه أبي‪ ،‬دون نسائكم‪ ،‬وأخا ابن عمّي‪ ،‬دون رجالكم‪ ،‬بلغ‬
‫الن!!ذارة(‪ ...)533‬ناكب!!اً(‪ )534‬عن س!!نن المش!!ركين»‪ .‬ورد الح!!ديث هك!!ذا‬
‫باختالفٍ يسير في عدّةٍ من المصادر(‪ .)535‬ويبدو من ألفاظه أنه ينس!!جم‬
‫مع العربية األصيلة‪ .‬إذَنْ هو يصلح لالستدالل على إثبات معنى الكلمة في‬
‫عصر النبيّ|‪ .‬لكنْ مع ذلك هناك شيئان يقلِّالن من قيم!!ة ه!!ذا الش!!اهد‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬اضطرابُ عبارت!!ه‪ ،‬حيث ورد في بعض المص!!ادر «مدرجة» ب!!دل‬
‫«سنن»(‪ ،)536‬والثاني‪ :‬احتمالُ ك!!ون «السّ! نن» بفتح الس!!ين‪ ،‬ال ض!!مّها‪،‬‬
‫كما تقدَّم في بداية المقال‪.‬‬

‫ب ـ في كلمات الصحابة‪6‬‬
‫‪1‬ـ وعن سلمان الفارسي رضي اهلل عنه‪« :‬أصبْتُم س!!نّةَ مَنْ ك!!ان‬
‫قبلكم من الفرقة واالختالف‪ ،‬وأخطأتم سُنّةَ نبيِّكم»(‪.)537‬‬

‫‪ 238‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫‪2‬ـ وعنه رضي اهلل عنه أيضاً‪« :‬لكنّكم أخَذَتْكم سُنّة بني إسرائيل‪،‬‬
‫فأخط!!أتُم الح!!قَّ»(‪ .)538‬ورُوي بش!!كلٍ آخ!!ر‪« :‬ولكنّكم أص!!بتُم سُ! نّة‬
‫األوّلين‪ ،‬وأخطأتُم سبيلكم»(‪.)539‬‬
‫لكنْ مع ذلك رُبَما يخط!!ر بالب!!ال أن س!لمان لم يكن عربيّ!!اً‪ ،‬فال‬
‫يصحّ االستشهادُ بكالمه على المعنى اللغويّ األصيل‪ .‬ومع ذلك قد يمكن‬
‫االستشهاد به في صورة النقل ب!!المعنى؛ حيث يحتم!!ل قويّ!!اً أنّ ال!!رواةَ‬
‫نقلوا كالمه وِفْقَ لغتهم‪.‬‬
‫‪3‬ـ وفي كالم ابن عبّاس رضي اهلل عنه‪« :‬كان أصحاب األَيْكة‪ ،‬مع‬
‫ما كانوا فيه من الشِّرْك‪ ،‬استنّوا سُنّة أصحاب مَدْيَن‪ ،‬فقال لهم شعيب‪:‬‬
‫﴿إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ‪( ﴾...‬الشعراء‪.)540(»)178 :‬‬
‫‪4‬ـ وقال في قصّة قوم لوط‪...« :‬فأقبل بعضهم على بعضٍ‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫اجعل!!وا سُ! نّتكم فيه!!ا‪ :‬مَنْ وج!!دتموه في بالدكم غريب!!اً‪ ،‬ال تعرف!!وه‪،‬‬
‫فاسلبوه وانكحوه واسحبوه‪.)541(»...‬‬
‫النَّس!! يء عم!!رو بن‬
‫ِ‬ ‫‪5‬ـ وق!!ال أيض!!اً‪« :‬إنّ أوّل مَنْ س!!نَّ‬
‫لحيّ‪ .)542(»...‬وحيث إن النَّسِيء طريقةٌ س!!يّئة‪ ،‬بتص!!ريحٍ من الق!!رآن‬
‫الكريم(‪،)543‬يتّضح أنّ استعمالَ «السُّنَّة» في هذا الش!!اهد اس!!تعمالٌ في‬
‫مص!!داقٍ ق!!بيحٍ من الطريق!!ة‪ .‬لكنْ ورد في بعض المص!!ادر «نسأ» ب!!دل‬
‫«سنّ»(‪.)544‬‬
‫‪6‬ـ وقال أبو بكر بن أبي قحافة‪ ،‬حينما أُتِي ل!!ه ب!!رأس ك!!افرٍ من‬
‫بالد الشام‪« :‬إنه قدم علينا برأس نياق البطريق‪ !،‬ولم يكن لن!ا ب!ه حاج!ةٌ‪،‬‬
‫إنّما هذه سُنَّة العَجَم»(‪.)545‬‬
‫‪7‬ـ وهناك شاهدٌ آخ!!ر من كالم أبي عبي!!دة لعُمَ!!ر بن الخطّ!!اب‪،‬‬
‫حيث حُكي‪« :‬فبينما عُمَر يس!ير إذ لقي!ه المُقلِّس!ون من أه!ل أذرع!ات‬
‫بالسيوف والريحان‪ ،‬فقال عمر‪ :‬مه‪ ،‬ردُّوهم وامنعوهم‪ ،‬فقال أبو عبي!!دة‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين‪ ،‬هذه سُنَّة العَجَم ـ أو كلم!!ة نحوه!!ا ـ‪ ،‬وإنّ!ك! إنْ‬
‫تمنَعْهم منها يرَوْا أنّ في نفسك نقضاً لعهدهم»(‪ .)546‬وصرَّح ال!!راوي‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪239‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫بترديدها في كون لفظ «السُّنّة» في كالم أبي عبيدة الجرّاح‪ .‬وعلي!!ه‬


‫فمن األفضل استخدام هذا الشاهد إلثبات عموميّ!!ة مع!!نى «السُّ! نَّة» في‬
‫حالة النقل بالمعنى فقط‪.‬‬
‫‪8‬ـ وفي رسالة عثمان بن عفّ!ان إلى مال!!ك األش!!تر‪« :‬ف!!أنتم أوّل‬
‫مَنْ بدأ بالعصيان‪ ،‬وسَنَنْتُم سُنّة الفرقة»(‪.)547‬‬
‫‪9‬ـ وقال رجلٌ لعثمان حينما دعاه للقصاص منه‪« :‬أما أنا فال أفع!!ل‬
‫ذلك؛ فإنّي أدَعُه هلل تعالى‪ ،‬وال أك!!ونُ! أوّل مَنْ سَ! نَّ االقتص!!اص من‬
‫األئمّة»(‪.)548‬‬
‫‪10‬ـ وسأل رجلٌ عبد اهلل بن عمر‪« :‬أطوف ب!!البيت وق!!د أح!!رمْتُ‬
‫بالحج؟ فقال‪ :‬ما يمنعك؟ ق!!ال‪ :‬إنّي رأيتُ ابن فالن يكره!!ه‪ ،‬وأنت أحبُّ‬
‫إلينا منه‪ .‬رأيناه قد فتنَتْه الدنيا فقال‪ :‬وأيُّنا أو أيُّكم لم تفتِنْه الدنيا؟!‬
‫ثمّ قال‪ :‬رأَيْنا رسول اهلل| أحرم بالحجّ‪ ،‬وطاف بالبيت‪ ،‬وسعى بين الص!!فا‬
‫س!! نّة‬
‫وس!! نّة رس!!وله| أح!!قُّ أن تُتَّب!!ع من ُ‬
‫فس!! نّة اهلل ُ‬
‫والم!!روة‪ُ ،‬‬
‫فالن‪.)549(»...‬‬
‫‪11‬ـ وأيضاً عن ابن عمر‪« :‬خالفوا سُنَن المشركين»(‪.)550‬‬
‫‪12‬ـ ويُحكى أيضاً‪« :‬لما بايع معاوي!!ة البن!!ه يزي!!د ق!!ال م!!روان‪:‬‬
‫سُنَّة أبي بكر وعمر! فق!!ال عب!!د ال!!رحمن بن أبي بك!!ر‪ :‬سُ! نَّة هرق!!ل‬
‫وقيصر!‪.)551(»...‬‬
‫‪13‬ـ وعن ابن مسعود‪« :‬اجتمعوا على غسل اليد في طستٍ واحدة‪ ،‬و‬
‫ال تستنّوا بسُنَّة األعاجم»(‪.)552‬‬
‫‪14‬ـ كالمٌ لألحنف بن قيس(‪« :)553‬شهدتُ األحنفَ بن قيس‪ ،‬وق!!د‬
‫جاء إلى قومٍ في دَمٍ‪ ،‬فتكلَّم فيه‪ ،‬فقال‪ :‬احكم!!وا‪ ،‬فق!!الوا‪ :‬نحكم دِيَتَين‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ذاك لكم‪ .‬فلمّا سكتوا قال‪ :‬أنا أعطيكم ما س!!ألتُم‪ ،‬غ!!ير أنّي قائ!!لٌ‬
‫لكم شيئاً‪ :‬إن اهلل عزَّ وجلَّ قضى بِدِيَةٍ واح!!دةٍ‪ ،‬وإنّ الن!!بيّﷺ قض!!ى‬
‫بدِيَةٍ واحدةٍ‪ ،‬وإن العرب تعاطي بينها ديةً واحدةً‪ ،‬وأنتم اليوم تط!البون‪،‬‬

‫‪ 240‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫وأخشى أن تكونوا غداً مطلوبين‪ ،‬فال يرضى الناس منكم إالّ بمث!!ل ال!!ذي‬
‫(‪)554‬‬
‫سَنَنْتُم على أنفسكم‪ ،‬قالوا‪ :‬فردَّها إلى دِيَةٍ واحدةٍ»‪.‬‬
‫وعلى أيّ حال‪ ،‬في ظنّي القاصر أن األغلبيّة الس!!احقة من الكلم!!ات‬
‫المرويّة عن الصحابة‪ ،‬التي تقدَّم ذكرُها‪ ،‬تختلف عن العربيّة في عصر‬
‫النبيّ|‪ ،‬والجيل التالي بع!!ده‪ .‬ويب!!دو أنه!!ا ال تخل!!و من النق!!ل ب!!المعنى‪.‬‬
‫وحينئ!!ذٍ من األفض!!ل االستش!!هاد به!!ا على المع!!نى الع!!امّ في العص!!ور‬
‫المتأخِّرة‪ ،‬كما تقدَّمت اإلشارة إلى هذا األمر في بعض الموارد‪.‬‬
‫ي‬‫‪2‬ـ في النصف الثاني للقرن‪ 6‬األ ّول الهجر ّ‬
‫ي‬
‫أـ في التراثين‪ 6‬الدين ّي والسياس ّ‪6‬‬
‫يمكن االستدالل باالستعماالت في هذا العصر أيضاً إلثبات المعنى في‬
‫العصر النبويّ‪ ،‬لكنها في الرتبة التالية من األهمِّية؛ ألنها أبعد من عص!!ر‬
‫النبيّ|‪ ،‬وقد تغيَّرت العربي!!ة فيه!!ا‪ ،‬حتّى األح!!اديث المرويّ!!ة عن اإلم!!ام‬
‫السجّاد× أيضاً ـ كما هو واضحٌ من مقارنة الصحيفة السجّادية(‪ )555‬م!!ع‬
‫كلمات أمير المؤمنين× في نهج البالغة ـ‪ ،‬فال يستبعد! أنه تحدَّث × باللغة‬
‫العربية الشائعة في زمانه‪ ،‬والتي تختلف عن اللغ!!ة في العص!!ر الج!!اهليّ‬
‫وصدر اإلسالم‪ ،‬كما تقدَّمَت اإلشارةُ إلى مثل هذا األمر‪.‬‬
‫‪1‬ـ وأبدأ بالكلمات المرويّة عن اإلمام السجاد×‪« :‬إن األمور الواردة‬
‫عليكم في كلّ يومٍ وليلة من مظلمات الفتن‪ ،‬وح!!وادث البِ!!دَع‪ ،‬وسُ! نَن‬
‫الجَوْر‪.)556(»...‬‬
‫وهناك قرينةٌ على أن ألفاظ هذه الرواية من نفس اإلم!!ام‪ ،‬وليس!!ت‬
‫من قبيل‪ :‬النقل بالمعنى‪ :‬يقول الراوي لهذا الحديث أبو حمزة الثمالي في‬
‫صدر هذه الرواية‪« :‬قرأتُ صحيفةً فيه!!ا كالم زه!!دٍ من كالم عليّ بن‬
‫الحسين×‪ ،‬وكتبتُ ما فيها‪ ،‬ثمّ أتيتُ عليّ بن الحسين×‪ ،‬فعرضْتُ ما فيها‬
‫عليه‪ ،‬فعرفه وصحَّحَه»‪ .‬ومن جهةٍ أخرى هناك كتابٌ ألبي حمزة اسمه‬
‫كتاب الزهد(‪ ، )557‬فيحتمل جدّاً أن هذه الرواية أيضاً كانت موجودةً في‬
‫كتابه الزهد‪ ،‬فتؤيِّدُ! هذه القرينة أن هذه الرواية عين ألفاظ اإلمام×‪ ،‬أو‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪241‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫قريبةٌ منها جدّاً‪ ،‬وليست من قبيل‪ :‬النقل بالمعنى(‪.)558‬‬


‫‪2‬ـ وعن السجّاد× أيضاً‪« :‬بل ملكْتَ ـ يا إلهي ـ أم!!رَهم قب!!ل أن‬
‫يملكوا عبادتك‪ ،‬وأعدَدْتَ ثوابهم قبل أن يفيضوا في طاعتك؛ وذل!!ك أن‬
‫سُنَّتك اإلفضال‪ ،‬وعادتك اإلحسان‪ ،‬وسبيلك العفو»(‪.)559‬‬
‫ورغم أن «السُّنَّة» هنا ليس!!ت من المص!!اديق الس!!يِّئة للطريق!!ة‪،‬‬
‫لكنّها وردَتْ بجانب «العادة» و«السبيل» في السياق‪ ،‬األمر ال!!ذي يؤيِّ!!د‬
‫أنها بمعنى مطلق الطريقة هنا‪.‬‬
‫وجَديرٌ بالذكر أن هذا الشاهد من الصحيفة الس!!جّادية‪ ،‬فاحتم!!ال‬
‫النقل باللفظ فيها أكثر من كثيرٍ من الشواهد‪ ،‬حيث يب!!دو من روايته!!ا‬
‫أنها كانت بإمالء اإلمام السجّاد×(‪.)560‬‬
‫‪3‬ـ ورد في حكايةٍ ح!!ول مخاطب!!ة رج!!لٍ لعب!!د اهلل بن الزب!!ير بن‬
‫العوّام‪ « !:‬فدنا منه ابن األزرق‪ ،‬فقال له‪ :‬يا ابن الزبير‪ ،‬اتَّ!!قِ اهلل ربَّ!!ك‪،‬‬
‫س!! نَّ الض!!اللة‪ ،‬وأح!!دث‬ ‫وأبغض الخ!!ائن المس!!تَأْثِر‪ ،‬وع!!ادِ أوّل مَنْ َ‬
‫األحداث‪ ،‬وخالف حكم الكتاب‪.)561(»...‬‬
‫‪4‬ـ وورد في حكايةٍ ح!!ول أح!!د ال!!وُالة المنص!!وبين من قِبَ!!ل ابن‬
‫الزب!!ير‪« :‬وع!!زل عب!!د اهلل بن الزب!!ير عم!!ر بن عبي!!د اهلل بن معم!!ر عن‬
‫البصرة‪ ،‬ووالّها القباع‪ ،‬فحبس عمر بن عبيد اهلل بن معمر‪ ،‬وطالبه بم!!الٍ‪،‬‬
‫فجزع من الحبس‪ ،‬فقال له القباع‪ :‬يا أب!!ا حفص‪ ،‬ال تج!!زع؛ فإنّ!!ك أوَّل‬
‫مَنْ سَنَّ هذا‪ ،‬حبَسْتَ عبد اهلل بن الحارث»(‪.)562‬‬
‫والظاهر أن فيه إشارةً إلى شعر خالد الهذلي‪ ،‬الذي س!!يأتي ذك!!رُه‬
‫إنْ شاء اهلل‪.‬‬
‫‪4‬ـ وفي خطبة الحجّاج بن يوسف الثقفي‪« :‬اضطجعتُم في مراق!!د‬
‫الضالل‪ ،‬وسَنَنْتُم سنن الغيّ»(‪.)563‬‬
‫وهذه الخطبة مذكورةٌ في عددٍ من المصادر‪ ،‬وتب!!دو أص!!التها من‬
‫ألفاظها وصيغتها‪.‬‬
‫‪5‬ـ ومن رس!!الةٍ ل!!ه أيض!!اً‪ ،‬في عت!!اب ش!!خصٍ‪« :‬أقبلتَ مُس!!تَنّاً‬

‫‪ 242‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫بحريم الحرّة‪ ،‬وتستوقد! الفتنة لتصلي بحرّها»(‪.)564‬‬


‫يريد أن يقول‪ :‬إنك تقتدي بأه!!ل الح!!رّة‪ ،‬وتتّخ!!ذ ط!!ريقتهم في‬
‫الخروج على الخليفة‪ ،‬فعاقبتُك مثل عاقبتهم‪.‬‬
‫وال يض!!رّ باالس!!تدالل وج!!ود «االس!!تنان» في كالم!!ه؛ ألن!!ه من‬
‫مشتقّات «السُّنَّة» وقريبٌ منها‪ ،‬كما هو واضحٌ‪ .‬وسياق كالمه أيض!!اً‬
‫واضحٌ في مصداقٍ سيِّئٍ للطريقة‪.‬‬

‫ب ـ في التراث‪ 6‬األدب ّي‪ ،‬الشعر نموذجا ً‬


‫ومن الجدير بالذكر هنا أنّني رأيتُ أن أذكر األشعار منفص!!لةً ـ‬
‫وإنْ كان تقسيمها بحَسَب ترتيبها التاريخي أيضاً ممكنٌ ـ؛ ف!!إن أك!!ثر‬
‫األشعار تُرْوَى بشكلٍ دقيقٍ‪ ،‬وال تتعرَّض للنقل بالمعنى‪ ،‬وحينئذٍ تصلح‬
‫إلثبات المعنى المضبوط للكلمة في حالة النقل باللفظ‪ ،‬بخالف الح!!ال في‬
‫كثيرٍ من الشواهد الموجودة من أحاديث النبيّ| وأهل البيت^ وغيرهما‪.‬‬

‫‪1‬ـ شع ٌر البن ال ّز َ‬
‫بعرى‬
‫راتق ما فتقت إذ أنا بورُ‬ ‫«يا رسـول الملـيك إنّ‬
‫لساني‬

‫ومَنْ مال مَيْلَه‬ ‫إذ أجاري الشيطان في سنن‬


‫(‪)565‬‬
‫مثـبورُ»‬ ‫الغيّ‬

‫إن شاعرَ هذه األبيات كان يهجو النبيّ| ـ والعياذ باهلل ـ‪ ،‬لكنه أسلم‬
‫في فتح مكّة‪ ،‬ومدح النبيّ|‪ ،‬واعتذر إليه‪ .‬وهذه األبي!!ات ك!!انت في مق!!ام‬
‫اعتذاره‪.‬‬
‫لكنْ هناك روايةٌ أخرى لهذا الشعر أيضاً‪« :‬إذ أت!!اني الش!!يطانُ في‬
‫سَنَة النوم»(‪ .)566‬ومع هذا االضطراب في روايته ال يمكن االستش!!هاد ب!!ه؛‬
‫ألن «سنة» في «سَنَة النوم» بمعنى النُّعاس‪ ،‬وبفتح الس!!ين والن!!ون‪ ،‬وال‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪243‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫ربط لها بـ «السُّنَّة»‪ ،‬التي نحن بصددها في هذه الدراسة‪.‬‬

‫ي‪ ،‬في رثائه لعثمان بن عفان وذ ّم قاتليه‪6‬‬


‫‪2‬ـ شع ٌر أليمن بن خريم األسد ّ‬
‫«تفاقد الذابحو عثـــــمان ضاحـــية‬

‫أيّ قتيـــل حــــرام ذبّــحوا‬


‫ذبـحوا‬

‫ضحّوا بعثمان في الشهر الحرام ولم‬

‫يخشوا على مطمح الكفّ الذي طمحوا‬

‫فـأيّ سنّة جَوْرٍ سنّ أوّلُـهم‬

‫وباب جَوْرٍ على ســلطانهم فتحوا‬

‫ماذا أرادوا أضــلَّ اهلل سعـيهم‬

‫من سفح ذاك الدم الزاكي الذي‬


‫(‪)567‬‬
‫سفحوا»‬

‫إن المع!!نى الس!!لبي واض!!حٌ من ه!!ذا الس!!ياق‪ ،‬وبالت!!الي يتّض!!ح أن‬


‫«السُّنَّة» هنا أيضاً استُعملَتْ في مصداقٍ قبيح للطريقة‪.‬‬

‫‪3‬ـ شع ٌر لخالد الهذلي‬


‫فأوّلُ راضٍ سُنَّةً مَنْ‬ ‫«فال تجزَعَنَّ من سُنَّةٍ‬
‫يسيرها»‬ ‫أنتَ سِرْتَها‬

‫‪ 244‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫(‪)568‬‬
‫ورد ه!!!ذا الش!!!عر في ع!!!ددٍ كب!!!يرٍ من المع!!!اجم اللغويّة‬
‫وغيرها(‪ . )569‬وله قصةٌ يجب أن يُشار إليها؛ ألنها تُبيِّن بشكلٍ واضح أن‬
‫الكلمة في هذا السياق بالمعنى الع!!امّ‪ ،‬واس!!تُعملَتْ مص!!داقاً في طريق!!ةٍ‬
‫سيّئةٍ‪:‬‬
‫قيل‪ :‬إن أبا ذؤيب الهذلي أرسل خال!!داً؛ ليك!!ون رس!!وله إلى ام!!رأةٍ‪،‬‬
‫فعشقَتْه المرأة‪ ،‬وتركَتْ أبا ذؤيب‪ ،‬فعاتب أب!!و ذؤيب خال!داً على ذل!ك‪،‬‬
‫فأجاب خالدٌ بهذه األبيات‪ ،‬وأشار إلى خيانة أبي ذؤيب‪ ،‬حيث ك!!ان هن!!اك‬
‫شخصٌ آخر قد أرسل أبا ذؤيب كرسولٍ إلى نفس تلك الم!!رأة‪ ،‬فخان!!ه‬
‫أبو ذؤيب‪ ،‬فيقول خال!!دٌ اله!!ذلي خطاب!!اً ل!!ه‪ :‬أنت أوّل مَنْ سَ! نَّ ه!!ذه‬
‫الس!!يرة‪ ،‬فال ت!!نزعج من طريق!!ةٍ أنتَ اتّخَ!!ذْتَها أو جعلتَه!!ا ذائع!!ةً في‬
‫الناس؛ ألن الشخص الذي يتّخذ طريق!ةً فه!!و أوّل مَنْ يرض!ى به!ا‪ ،‬فال‬
‫ينبغي له أن يكون منزعجاً منها حينما يتّخذها شخصٌ آخر‪.‬‬
‫فاستعمال «السُّنَّة» بالمعنى العامّ في هذا البيت واض!!حٌ من ه!!ذه‬
‫القصّة‪.‬‬
‫ومن جهةٍ أخرى تمثَّ!!ل به!!ذا الش!!عر كث!!يرون في مق!!ام اللَّ!!وْم‬
‫والتأنيب‪ ،‬كعمر بن الخطّاب(‪ ،)570‬وابن الزبير األسدي في عتاب عب!!د اهلل‬
‫بن الزبير(‪ ،)571‬وس!ليمان العباس!ي (عمّ الس!فاح الخليف!ة العباس!ي)(‪،)572‬‬
‫وآخرين(‪ .)573‬فيبدو أن البيت مَثَلٌ ـ كم!!ا ق!!د ورد في كُتُب! األمث!!ال‬
‫أيضاً(‪ )574‬ـ‪ .‬ونفسُ استخدام هذا الشعر في مقام اللوم أيضاً مبيِّن!!ةٌ أن‬
‫الكلمة تُستَعمل! في مصداقٍ قبيحٍ للطريقة‪.‬‬
‫ويبدو من هذه القرائن أن ه!!ذا الش!!عر من أهمّ الش!!واهد في ه!!ذه‬
‫الدراسة؛ فقد اجتمع فيه عديدٌ من القرائن التي تصلح لالس!!تدالل‪ ،‬منه!!ا‪:‬‬
‫وضوحُ المعنى السلبيّ في السياق‪ ،‬وع!!دمُ احتم!!ال النق!!ل ب!!المعنى في!!ه‪،‬‬
‫وعدمُ وجود كلمة «السّنن» فيه‪ ،‬حتّى يحتمل أن تكون «السَّنَن» ب!!دل‬
‫«السُّنَن»‪ ،‬وذكرُه في مصادر كثيرة ومتنوّعة‪ ،‬بحيث يحصل االطمئنان‬
‫بأصالته‪ ،‬وكونُ هذا االستعمال في أفض!!ل الف!!ترات الزمنيّ!!ة لالستش!!هاد‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪245‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫على معنى الكلمة في حالة النقل باللفظ؛ ألنه من ش!!اعرٍ أدرك الجاهلي!!ة‬
‫واإلسالم‪ .‬ومن الميِّزات الهامّة التي يمتاز هذا الشعر بها‪ ،‬خالف!!اً لس!!ائر‬
‫الشواهد‪ !،‬أن صاحبه من قبيلة هُ!!ذَيْل؛ وهن!!اك حكاي!!اتٌ مختلف!!ة ت!!بيِّن‬
‫مكانتَهم العليا في اللغة العربيّ!!ة؛ كم!!ا حُكي أن «ه!!ذيالً أش!!عر قبائ!!ل‬
‫العرب»(‪)575‬؛ وقد قال عثمان بن عف!!ان لمّ!!ا رأى الخَلَ!!ل الموج!!ودة في‬
‫كتابة المصحف‪« :‬لو كان المُمْلِي من هُ!!ذَيْل والك!!اتب من ثقي!!ف لم‬
‫يوجد فيه هذا»(‪ )576‬؛ وحُكي أيضاً أن ابن عبّاس بحث عن رجلٍ من ه!!ذه‬
‫القبيلة ليعرف معنى مفردةٍ من الق!!رآن الك!!ريم‪ ،‬وعن!!دما س!!مع معناه!!ا‬
‫عندهم قال‪« :‬فهو كذلك»(‪ . )577‬فيظهر أن هذه القبيلة كانت في مكانةٍ‬
‫عالية من الفصاحة‪ .‬ونتيجةً لذلك ستكون الشواهد من كلم!!اتهم أك!!ثر‬
‫قيمةً‪.‬‬
‫اضطراب في رواية هذا الشعر؟‪6‬‬
‫ٌ‪6‬‬ ‫هل هناك‬
‫وجديرٌ بالذكر أن هناك رواي!!ةً أخ!!رى لل!!بيت‪ ،‬وورد فيه!!ا لف!!ظ‬
‫«السِّيرة» بدل «السُّنّة» في المصراعين(‪ .)578‬وعليه رُبَما يُشْكَل على‬
‫االستدالل به‪.‬‬
‫لكنّ الظاهر ـ في ظنّي القاص!!ر ـ أن «السِّ! يرة» تص!!حيفٌ من‬
‫«السُّنَّة» في هذه الرواية للشعر؛ لقرائن‪ ،‬منها‪:‬‬
‫األولى‪ :‬تعرَّضَتْ أربعٌ من المصادر(‪ )579‬الختالف الرواية في ه!!ذا‬
‫الشعر‪ ،‬ولم يذكر واحدٌ منها «السِّيرة» في كال المصراعين‪ ،‬وإنما ورد‬
‫الس!! نَّة» في المص!!راع األوّل‬
‫الس!! يرة» في بعض المص!!ادر ب!!دل « ُّ‬ ‫« ِّ‬
‫(‪)580‬‬
‫‪ ،‬خصوصاً إذا الحظنا أنّ كلَّ واحدٍ من ه!!ذه المص!!ادر ذك!!ر‬ ‫فقط‬
‫اختالفاً‪ ،‬غير االختالف الذي ذكره اآلخر‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬هناك كثيرٌ من اللغويين استشهدوا به!!ذا ال!!بيت في مع!!نى‬
‫«السُّ! نَّة»‪ ،‬فال يمكن أن تك!!ون «الس!ِّ! يرة» ب!!دل «السُّ! نَّة» في كال‬
‫المص!!راعين في روايتهم لل!!بيت‪ .‬وحتّى مَنْ استش!!هد ب!!ه في مع!!نى‬
‫الس!!! نَّة» في ال!!!بيت‪ ،‬واستش!!!هد بـ‬
‫الس!!! يرة» أيض!!!اً ذك!!!ر « ُّ‬ ‫« ِّ‬
‫«سِرْتَها»(‪ .)581‬وهذا مما يجب أن نلفت النظر إليه‪.‬‬

‫‪ 246‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫الثالثة‪ :‬قد تكرَّرت مادّة (س ي ر) عدّة مرّاتٍ في هذا البيت(‪،)582‬‬


‫األمر الذي يُعِدُّ ذهن النسّاخ أو الرواة ليأنس ـ بطريقةٍ عفوية ـ بكلمة‬
‫«السِّ! يرة»‪ ،‬وحينئ!!ذٍ ال يبع!!د أنهم كتب!!وا أو نقل!!وا «السِّ! يرة» ب!!دل‬
‫«السُّنَّة» تلقائيّاً؛ ألجل أُنْسهم الذهنيّ بمشتقّات كلم!!ة «الس!ِّ! يرة»‪،‬‬
‫خصوصاً في كتاب جمهرة اللغة؛ حيث إن ابن دريد ذكره في باب م!!ادّة‬
‫(س ي ر)‪ ،‬وواضحٌ أن هذه المادّة تتكرَّر كثيراً في ه!!ذا الب!!اب‪ ،‬وه!!ذا‬
‫التكرار يُمهِّد الطريق لكاتب المخطوط ليص!!بح مأنوس!!اً ذهنيّ!!اً بكلم!!ة‬
‫«السِّيرة»‪ ،‬وقد تقرَّر في محلِّه أن أحد األس!!باب الرئيس!!ة للتص!!حيف‬
‫تغيير غير المأنوس بالمأنوس(‪.)583‬‬
‫وعلى أيّ حالٍ يبدو من مجموع ه!!ذه الق!!رائن أن!!ه يمكن الوث!!وق‬
‫بأصالة كلمة «الس!ُّ نَّة»‪ ،‬وتص!!حيفها بـ «الس!ِّ يرة» في ه!!ذه الرواي!!ة‬
‫للبيت‪.‬‬

‫‪3‬ـ في القرون التالية‬


‫أشَرْتُ إلى أنه ال يمكن الجَزْم‪ ،‬مع ظاهرة النقل ب!!المعنى‪ !،‬بوج!!ود‬
‫كلمة «السُّنَّة» في كالم رسول اهلل| ومعاصريه في كثير من الشواهد‬
‫التي تقدَّم ذِكْرُها‪ ،‬بل كان السياق في كثيرٍ منها بشكلٍ ال ينسجم مع‬
‫العربيّة األصيلة‪ .‬فالظاهر عدم كونها في كالم النبيّ|‪ ،‬ومن ثَمَّ تص!!لح‬
‫هذه االستعماالت إلثبات المعنى العامّ للكلمة في حالة النقل بالمعنى‪ ،‬وفي‬
‫العربية السائدة في العصور الالحقة المتأخِّرة عن عصر النبيّ|‪.‬‬
‫لكنْ رأيْتُ أن أذكر ـ إض!!افةً إلى ذل!!ك ـ ع!!دداً من الش!!واهد‬
‫األخرى من هذه القرون التالية أيضاً ـ خصوصاً القرنين الثاني والث!!الث‬
‫الهجريّين ـ؛ ليكون المشهد أكثر وضوحاً‪:‬‬
‫‪1‬ـ قال وهب بن منبه(‪110‬هـ)‪« :‬لم!!ا دن!!ا الم!!وت من لقم!!ان بن‬
‫عاد(‪ )584‬قال‪ :‬يا ق!!وم‪ !،‬دع!!وني من سُ! نَن الجبّ!!ارين‪ ،‬واس!!لكوا بي س!!بيل‬
‫الصالحين‪ .‬احفروا لي ضريحاً‪ ،‬وواروني فيه تراباً‪.)585(»...‬‬
‫‪2‬ـ الحسن البصري(‪110‬هـ)‪« :‬إن أشدّ! الناس صراخاً يوم القيامة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪247‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫رجلٌ سَنَّ سُنَّة ضاللةٍ فاتُّبِعَ عليها‪.)586(»...‬‬


‫‪3‬ـ في خبر الكُمَيْت وهشام بن عبد الملك األموي‪ :‬قال له هش!!ام‪:‬‬
‫«ومَنْ سَنَّ لك الغيَّ وأورطك فيه؟»(‪.)587‬‬
‫‪4‬ـ عن اإلمام الصادق×‪« :‬على المسلم أن يمنع نفس!!ه‪ ،‬ويقات!!ل على‬
‫حكم اهلل وحكم رسوله؛ وأما أن يقاتل الكفّار على حكم الجَوْر وسُ! نَّتهم‬
‫فال يحلّ له ذلك»(‪.)588‬‬
‫‪5‬ـ وعنه× قال‪...« :‬ما نزل به كتابٌ‪ ،‬وال جَ!!رَتْ ب!!ه سُ! نَّةٌ‪ ،‬إالّ‬
‫سُنَّة آل زياد بقتل الحسين بن عليّ صلوات اهلل عليهما»(‪.)589‬‬
‫ويبدو أن «السُّنَّة» األولى في الحديث بمع!!نى السُّ! نَّة النبوي!!ة؛‬
‫بقرينة مقابلتها للكتاب؛ في مقابل «السُّنَّة» الثاني!!ة‪ ،‬ال!!تي هي ب!!المعنى‬
‫اللغويّ‪ !،‬يعني الطريقة‪.‬‬
‫‪6‬ـ ومن خطب!ةٍ لزي!د بن عليّ بن الحس!!ين رض!ي اهلل عن!!ه‪« :‬وال‬
‫س!! نَّة ب!!ني إس!!رائيل‪ ،‬ك!!ذَّبوا أنبي!!اءهم‪ ،‬وقتل!!وا أه!!ل بيت‬ ‫تأخ!!ذوا ُ‬
‫(‪)590‬‬
‫‪.‬‬ ‫نبيِّهم»‬
‫س!! نَّة اهلل‬
‫‪7‬ـ ومن كالمٍ لزرارة بن أعين‪ ،‬من أصحاب الصادق×‪ُ « :‬‬
‫وسُنَّة رسوله أو سُنَّة الشيطان وأوليائه؟»(‪.)591‬‬
‫‪8‬ـ في كت!اب م!روان بن محم!د (الخليف!ة األم!ويّ األخ!ير) إلى‬
‫بعضهم‪ « :‬وقد بلغني أن قوماً من سفهاء أهل بيتك قد استنُّوا أم!!راً‪ ،‬إنْ‬
‫تمَّتْ لهم رويّتهم فيه على ما أجمعوا علي!!ه من نقض بيعتهم اس!!تفتحوا‬
‫باباً لن يغلقه اهلل عنهم‪ ،‬حتّى تسفك دماءٌ كثيرة منهم»(‪.)592‬‬
‫‪9‬ـ ومن خطبةٍ ألحد خطباء مكّة الح!!اذقين(‪ ،)593‬في أواخ!!ر عص!!ر‬
‫بني أميّة‪ « :‬لشتّان بين مَنْ يدعوكم إلى الرحمن وبيع!!ة الق!!رآن‪ ،‬وبين‬
‫مَنْ يدعو! إلى سُنَّة الشيطان وبيعة مروان»(‪.)594‬‬
‫‪10‬ـ ومن خطبةٍ للسفّاح‪ ،‬الخليف!!ة العبّاس!!يّ األوّل‪« :‬تبّ!!اً لب!!ني‬
‫حرب بن أمية وبني مروان!‪ ...‬ظلموا األن!ام‪ ،‬وانتهك!!وا المح!ارم‪ ،‬وغش!وا‬
‫الجرائم‪ ،‬وجاروا في سيرتهم في العباد‪ ،‬وسُنَّتهم في البالد‪.)595(»...‬‬
‫‪11‬ـ وقال ابن حبيب(‪245‬هـ) في المح!!بر‪« :‬ومن سُ! نَنهم أنّهم‬

‫‪ 248‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫كانوا يكسبون بفروج إمائهم‪.)596(»...‬‬


‫‪12‬ـ وفي كتاب البالذري(‪279‬هـ)(‪« :)597‬وق!!ال أب!!و يوس!!ف‪ :‬إذا‬
‫كانت في البالد سُنَّةٌ أعجميّة قديمة‪ ،‬لم يغيِّرها اإلس!!الم ولم يبطله!!ا‪،‬‬
‫فشكاها قومٌ إلى اإلمام؛ لما ينالهم من مض!!رّتها‪ ،‬فليس ل!!ه أن يغيِّره!!ا‪.‬‬
‫وقال مالك والشافعي‪ :‬يغيِّرها وإنْ قدمَتْ؛ ألن عليه نفي ك!!لّ سُ! نَّةٍ‬
‫جائرة سنَّها أحدٌ من المسلمين‪ !،‬فضالً عمّا(‪ )598‬سَنَّ أهل الكفر»(‪.)599‬‬
‫‪13‬ـ وقال الطبري‪ ،‬في تفس!!يره قول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬إِنَّ الْمُبَ!!ذِّرِينَ‬
‫كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ﴾ (اإلسراء‪« ! :)27 :‬تقول العرب لك!!لّ مالزمٍ‬
‫سُنَّة قومٍ‪ ،‬وتابعٍ أَثَرهم‪ :‬هو أخوهم»(‪ .)600‬فاستعمل الطبري هنا لف!!ظ‬
‫«السُّنَّة» في طريقة الشياطين مصداقاً‪.‬‬
‫‪14‬ـ وقال ابن خزيمة(‪311‬هـ)‪ ،‬في عنوان فصلٍ من كتابه‪« :‬باب‬
‫وقت الدَّفْعَة من عرفة‪ ،‬خالف سُنَّة أهل الكفر واألوثان التي كانت في‬
‫الجاهليّة»(‪.)601‬‬
‫س!! نَّتهم أش!!ياء‪،‬‬
‫‪15‬ـ وقال الهمداني(‪334‬هـ)‪ :‬وكان قد بقي من ُ‬
‫أبطلها اإلسالم‪ !،‬مثل‪ :‬الميسر و‪.)602(»...‬‬
‫‪16‬ـ وقال ابن عبد ربّه(‪328‬هـ)‪« :‬وكان رس!!ول اهللﷺ يكتب إلى‬
‫أصحابه وأمراء جنوده‪ :‬من محمد رسول اهلل إلى فالنٍ‪ .‬وكذلك ك!!انوا‬
‫يكتبون إليه‪ ...‬ثمّ لم تَزَلْ حتّى وُلِّي الولي!!د بن عب!!د المل!!ك‪ ،‬فعظم‬
‫الكتاب‪ ،‬وأمر أن ال يكاتبه الناس بمثل ما يكاتب به بعضهم بعضاً‪ ،‬فجَ!!رَتْ‬
‫به سُنَّة الوليد إلى يومنا ه!ذا‪ ،‬إالّ م!ا ك!ان من عم!!ر بن عب!!د العزي!ز‬
‫ويزيد الكامل؛ فإنهما عمال بسُنَّة رسول اهللﷺ‪ ،‬ثمّ رج!ع األم!ر إلى رأي‬
‫الوليد‪.)603(»...‬‬
‫‪17‬ـ وق!!ال ابن الفقي !ه(‪365‬هـ)‪...« :‬وك!!انت سُ! نَّتهم إذا هُمْ‬
‫(‪)604‬‬
‫وافوه أن يسجدوا للصَّنَم األكبر»‪.‬‬
‫‪18‬ـ وقال ابن النديم(‪385‬هـ)‪...« :‬هم عبّاد القم!!ر‪ ،‬يقول!!ون‪ :‬إن‬
‫القمر من المالئكة‪ ،‬يستحقّ التعظيم والعبادة‪ .‬ومن سُنَّتهم أن يتَّخ!!ذوا‬
‫له صَنَماً‪.)605(»...‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪249‬‬
‫• الشيخ محمد عافي الخراساني‬

‫‪19‬ـ ش!!عرٌ أنش!!ده! عب!!دُ اهلل بن عليّ‌‪ ،‬عمّ أبي جعف!!ر المنص!!ور‪،‬‬
‫يخاطب امرأةً من بني أميّة‪:‬‬
‫سَنَنْتُم علينا القتلَ ال تُنْكِرونه‬

‫فذوقوا كما ذُقْنا على سالف‬


‫(‪)606‬‬
‫الدَّهْرِ‬

‫‪20‬ـ وفي كتاب عيسى بن موسى إلى المنصور الدوانيقي‪:‬‬


‫سَنَنْتَ انتقاض العهد فاصبرْ‬
‫لمثله‬

‫بنقضك من عهدي الذي كان‬


‫(‪)607‬‬
‫أُبْرِما‬

‫‪21‬ـ وفي شعر محمد بن أبان الالحقي(‪245‬هـ)‪:‬‬


‫وأنْتَ سَنَنْتَها للناس‬ ‫تلوم على القطيعة مَنْ أتاها‬
‫(‪)608‬‬
‫قبلي‬

‫س!! نَنْتها»‪ ،‬وهي‬


‫لكنْ في بعض المصادر والنُّسَخ‪« :‬شببتها» بدل « َ‬
‫بمعنى االرتفاع والنموّ‪.‬‬
‫‪22‬ـ وفي شعر ابن الرومي(‪280‬هـ)‪:‬‬
‫(‪)609‬‬
‫لسُنِّةِ الشيطان تبديال‬ ‫لو رامَتْ التوبة لم تستطِع‬

‫‪23‬ـ شعرٌ للمتنبّي(‪354‬هـ)‪:‬‬


‫وعلَّمَكُمْ مفارقة‬ ‫أبوكم آدم سَنَّ المعاصي‬
‫(‪)610‬‬
‫الجنان‬

‫‪ 250‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• «السنة» ودالالتها في التراثين الديني واألدبي في القرون الهجرية األولى‬

‫وبعض هذه األشعار يحتمل أنه!!ا لم تكُنْ من إنش!!اء ه!!ؤالء‪ ،‬وإنّم!!ا‬


‫نقلوها وتمثَّلوا بها‪ .‬وعليه يعود عصر هذه االستعماالت الشعريّة إلى م!!ا‬
‫قبلهم‪ ،‬لكنْ ال يمكن تحديد زمنها بالضبط‪.‬‬
‫‪24‬ـ وحكى المس!!عودي! عن بعض الم!!ؤرِّخين المالزمين للق!!اهر‬
‫الخليفة العبّاسي(‪« :)611‬أما أبو العبّاس السفّاح فكان س!!ريعاً إلى س!!فك‬
‫واس!! تَنُّوا‬
‫ْ‬ ‫ال!!دماء و اتّبع!!ه عمّال!!ه في الش!!رق والغ!!رب في فعل!!ه‪،‬‬
‫بسيرته»(‪.)612‬‬

‫النتيجة‬
‫استعرَضْنا االستعماالت لكلمة «السُّنَّة» في محورين‪ :‬االستعماالت‬
‫في القرن األوّل الهجريّ؛ واالستعماالت فيما بعده‪.‬‬
‫وقدَّمْنا في كلٍّ من المحورَيْن شواهد متنوِّعة‪:‬‬
‫فقد تق!!دَّم في المح!!ور األوّل ش!!واهد مختلف!!ة من أح!!اديث أه!!ل‬
‫البيت^ وكلمات الصحابة واألشعار القديمة وغيرها‪.‬‬
‫وتقدَّم في المحور الثاني أيضاً شواهد متنوِّعة في لسان الطبق!!ات‬
‫المختلفة من الناس‪ ،‬كالفقهاء والمؤرِّخين واألمراء والشعراء وغيرهم‪.‬‬
‫واتَّضح من جميع ذلك أن المعنى اللغويّ العامّ لكلمة «السُّنَّة»‪،‬‬
‫وشمولها للطريقة السيِّئة والحَسَنة معاً‪ ،‬ثابتٌ في كال الحالتين‪ :‬النقل‬
‫باللفظ؛ والنقل بالمعنى‪.‬‬
‫وبالتالي يتبيَّن من خالل ذلك أن األم!!ر النب!!ويّ باتّب!!اع سُ! نَّته‬
‫عامّ‪ ،‬يشمل كلّ طريقةٍ ل!ه‪ .‬ويثبت من ه!!ذه الجه!!ة أن حجِّي!!ة الس!!نّة‬
‫النبويّة عامٌّ‪ ،‬وهذا اإلشكال من القرآنيّين غيرُ واردٍ‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪251‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‬


‫دراسةٌ مقارنةٌ بين نظريّتَ ْي الروحاني والصدر‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار‬
‫(**)*)‬
‫أ‪ .‬علي محمدي هويه‬
‫(***)*)‬
‫الشيخ سپهر كرد‬
‫ترجمة‪ :‬حسن علي مطر الهاشمي‬

‫توطئةٌ‬
‫لقد عم!!د المنك!!رون لقاع!!دة قبح العق!!اب بال بي!!انٍ إلى التمسّ! ك‬
‫بأدلّةٍ في إطار إنكارهم له!!ذه القاع!!دة‪ .‬ومن بين الفقه!!اء يُعَ!!دّ الس!!يد‬
‫الشهيد محمد باقر الصدر والسيد الروحاني من المنكرين له!!ذه القاع!!دة‪.‬‬
‫بَيْدَ أن الشَّبَه الشديد! في األدلّة التي يقيمها هذان الفقيهان دفع البعض‬
‫ـ خطأً ـ إلى اعتبار هاتين النظريتين نظريّةً واحدة‪ ،‬دون أن يلتفتوا إلى‬
‫نقاط االختالف والتمايز‪ ،‬في طريقة استداللهما‪ ،‬والنتيج!!ة ال!!تي يص!!الن‬
‫إليها من خالل ذلك‪.‬‬
‫وسوف نسعى في هذه المقالة إلى بيان اختالف رؤية السيّد الش!!هيد‬
‫الصدر عن رؤية الس!!يّد الروح!!اني في ه!!ذا الش!!أن‪ ،‬ابت!!داءً من المب!!اني‬
‫االستداللية التي يعتمدانها‪ !،‬وصوالً إلى النتائج المختلف!!ة المترتِّب!!ة على‬
‫أدلّتهما؛ حيث قام السيد الروحاني بنفي وإبطال هذه القاعدة طبقاً لبعض‬
‫*)(*) أستا ُذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية في قم‪ ،‬وأستا ٌـذ مساعد في قسم الفقه‬
‫ومبادئ الشريعة اإلسالمية في جامعة اإلمام الصادقـ× في طهران‪.‬‬
‫*)(**) أستا ٌذ في جامعة اإلمام الصادق× في طهران‪ ،‬متخصِّ صٌ في الفقه والقانون‪.‬‬
‫باحث في الحوزة العلمية في قم‪ ،‬وطالبٌ في مرحلة الماجستير في جامعة‬ ‫ٌ‬ ‫(***)‬
‫*)‬

‫اإلمام الصادق× في طهران‪.‬‬


‫‪ 252‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫االستدالالت‪ ،‬دون أن يبدي رأياً على المستوى اإلثباتيّ؛ في حين أن السيد‬


‫الشهيد الصدر ـ باإلضافة إلى ردّ قاعدة قبح العقاب بال بي!!ان ـ ذهب من‬
‫خالل االستدالل إلى القول بتنجُّز التكليف‪ ،‬واستحقاق العب!!د للعق!!اب في‬
‫ظرف الشكّ أيضاً‪ .‬وهذا ما سوف نبيِّنه في هذه المقالة بالتفصيل‪.‬‬

‫المقدّمة‬
‫إن كلّ علمٍ من العلوم يشتمل على سلسلةٍ من المقدمات والمب!ادئ‬
‫التي يُصطلح عليها بمبادئ ذلك العلم‪ .‬وعلم أصول الفقه بدَوْره يشتمل‬
‫على سلسلةٍ من المبادئ‪ ،‬تظهر ثمارها المباشرة في مس!!ائل علم األص!!ول‪،‬‬
‫من قبيل‪ :‬المبادئ اللغوي!!ة ال!!تي تبحث عن الوض!!ع واالس!!تعمال واإلرادة‪.‬‬
‫وتظهر ثمار ذلك في مب!!احث األلف!!اظ‪ .‬ومن بين المب!!ادئ الهامّ!!ة لعلم‬
‫األصول المبادئُ الكالمي!!ة‪ .‬وتظه!!ر ثم!!رة ذل!!ك في أك!!ثر مس!!ائل علم‬
‫األصول‪.‬‬
‫إن أحد هذه المب!!ادئ الكالميّ!!ة‪ ،‬ال!!تي ظه!!رت من!!ذ عص!!ر الوحي!!د‬
‫البهبهاني&‪ ،‬وتوجَّهت إليها األنظار في علم األصول من قِبَ!!ل المحقِّقين‬
‫وكبار العلماء‪ ،‬وظهرَتْ حولها مختل!!ف اآلراء؛ ه!!و اتج!!اه المكلَّ!!ف في‬
‫مقابل الشريعة‪ ،‬واحتمال التكليف م!!ع ع!!دم تحقُّ!!ق القط!!ع ب!!التكليف أو‬
‫الظنّ المعتبر بالنسبة إليه‪.‬‬
‫وفي مثل هذه الحالة ذهب الكثير من المحقِّقين إلى اإلذعان بأن أمّ‬
‫القضايا ـ العقليّة بحكم العقل العمليّ ـ عبارةٌ عن ال!!ترخيص واإلباح!!ة‪.‬‬
‫وبعب!!ارةٍ أدقّ‪ :‬ع!!دم اس!!تحقاق العق!!اب األخ!!رويّ عن!!د مخالف!!ة الحكم‬
‫الواقعيّ‪ ،‬أي إنه كلّما لم يقط!!ع المكلَّ!!ف بالع!!دم؛ لع!!دم وج!!ود دلي!!لٍ‬
‫معتبر‪ ،‬وفقدان القطع‪ ،‬بل احتمل مج!!رَّد اإلل!!زام‪ ،‬ال يك!!ون المكلَّ!!ف في‬
‫مقام ثبوت التكليف ـ بحكم األدلّة المتع!!دِّدة! عن!!د العق!!ل ـ مس!!توجباً‬
‫الستحقاق العقوبة‪ .‬وهو ما يُعبَّر عن!ه في لس!ان المحقِّقين بـ «قاع!دة‬
‫قُبْح العقاب بال بيانٍ»‪ .‬وهو القول المنسوب لمشهور األصوليّين‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪253‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫وفي مقابل هذا القول هناك نظريّتان أخريان‪ ،‬في مقام النقد والردّ‬
‫على هذه القاعدة‪.‬‬
‫النظرية األولى‪ :‬وهي للسيد الروحاني في منتقى األص!!ول‪ .‬وهي أن‬
‫قاعدة قُبْح العقاب بال بيانٍ ـ التي تسعى إلى إثبات عدم اس!!تحقاق العب!!د‬
‫في ظرف فقدان ال!!دليل للعقوب!!ة األخرويّ!!ة ـ ال تش!!تمل على توجي!!هٍ‬
‫بالنسبة إلى العقوبة األخروية‪ ،‬وال يمكن العثور لها على مب!!نىً ص!!حيح‪.‬‬
‫وخالصة كالمه‪ :‬إن نسبة العقوبة األخروي!!ة إلى أفع!!ال البش!!ر بحيث ال‬
‫يمكن لعقول البشر أن تستوعبها وتفهمها؛ وذلك ألن العقوبة عند الموالي‬
‫العرفيّين تكون إما للتشفّي أو للتأديب‪ .‬ومن الواضح والبديهيّ أن ه!ذين‬
‫المنشأين ال معنى لهما‪ ،‬وال يمكن تصوُّرهما‪ ،‬بالنس!!بة إلى اهلل تع!!الى في‬
‫العقاب األخروي بحقّ العباد‪ ،‬وإنما توجيه العقوبة يكون من ب!!اب الوعي!!د‬
‫بالعق!!اب‪ .‬ال شَ! كَّ في أن مالك وع!!د اهلل تع!!الى بالعقوب!!ة (في ظ!!رف‬
‫المخالفة) ليس بأيدينا‪ ،‬ومع االفتقار إلى فهم المالك في ترتُّب العقوب!!ة‬
‫األخرويّة ال يمكن الجَزْم بثبوت العقاب في فرضٍ دون فرضٍ آخر‪.‬‬
‫والنظرية الثانية‪ ،‬في مقاب!!ل مب!!نى المش!!هور‪ ،‬هي نظريّ!!ة الش!!هيد‬
‫محمد باقر الصدر؛ إذ يرى أن اتجاه المكلَّف في ظرف احتم!!ال التكلي!!ف‪،‬‬
‫ثبوتاً وسقوطاً‪ ،‬ـ عند العقل ـ هو االحتياط‪ ،‬دون الترخيص واإلباحة‪ ،‬أي‬
‫إن الشهيد الصدر ـ على أساس التحليل العقلي ـ ي!!رى أن المنجِّ!!ز ه!!و‬
‫مجرَّد احتمال التكليف‪ ،‬سواءٌ في مرحلة احتم!!ال ثب!!وت التكلي!!ف أو في‬
‫مرحلة احتمال سقوط التكليف وتحصيل فراغ الذمّة‪.‬‬
‫يكتفي السيد الروحاني في نظريّته بمجرّد الس!!عي إلى نفي قاع!!دة‬
‫قبح العقاب بال بيانٍ‪ ،‬دون أن يبيِّن رأياً من الناحية اإلثباتية؛ وأما السيد‬
‫الشهيد الصدر فإن!!ه‪ ،‬باإلض!!افة إلى ردّ ه!!ذه القاع!!دة في ض!!وء المب!!اني‬
‫الكالمية ـ االختالف بين الم!!والي الع!!رفيّين وذاتيّ!!ة دائ!!رة الطاع!!ة لهم‬
‫بالنسبة إلى حقوقهم المتعلِّقة في ذمم وأعناق العبيد ـ‪ ،‬ق!!د رأى بطالن‬
‫قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ .‬وطبقاً لهذا المبنى منه قال بـ «حقّ الطاعة»‬

‫‪ 254‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫في ظرف الشكّ‪ ،‬أي إنه حتّى في ظ!!رف احتم!!ال التكلي!!ف يجب العم!!ل‬
‫بمضمون ما يثبته االحتمال أيضاً‪.‬‬
‫وسوف نعمل في هذه المقالة على دراسة ومناقشة أق!!وال وكلم!!ات‬
‫السيد الشهيد الصدر وكلمات السيد الروحاني‪ ،‬بشكلٍ مستقلٍّ‪ ،‬ثمّ نذكر‬
‫بعد ذلك التمايز النظريّ بينهما‪ .‬وبذلك سيتّضح بطالن تصوُّر بعضٍ‪،‬‬
‫القائل بعدم وجود اختالف جوهريّ بين هاتين النظريّ!!تين؛ إذ س!!نثبت أن‬
‫هاتين النظريّ!!تين مختلفت!!ان عن بعض!!هما‪ ،‬في طريق!!ة االس!!تدالل‪ ،‬وفي‬
‫استخالص النتائج والثمار أيضاً‪.‬‬
‫أ ّوالً‪ :‬نظريّة السيد الروحاني‪6‬‬
‫لقد أشار السيد الروحاني ـ قبل بيان رأيه في صحّة أو عدم صحّة‬
‫قاعدة «قبح العقاب بال بيانٍ» ـ إلى مسلكَين في مفهوم الحُسْن والقُبْح‪،‬‬
‫على سبيل المقدّمة‪.‬‬
‫قال‪ :‬هناك مسلكان في الحُسْن والقُبْح‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫المسلك األوّل‪ :‬يذهب الق!!ائلون به!!ذا المس!!لك إلى االعتق!!اد ب!!أن‬
‫الشأنية المتصوَّرة للعقل هي ش!!أنية اإلدراك‪ .‬وبعب!!ارةٍ أخ!!رى‪ :‬ال يمكن‬
‫تصوُّر حكم العقل على شيءٍ‪ ،‬بل إن شأن العقل هو مجرَّد إدراك األشياء‬
‫بما يتطابق مع واقعيّتها‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن األحكام العقلي!!ة تع!!ود إلى األحك!!ام‬
‫العقالئيّة‪ ،‬التي أجم!ع عليه!ا العقالء‪ ،‬واتّفقَتْ عليه!ا كلمتهم؛ من أج!ل‬
‫الحفاظ على النوع من الفساد‪.‬‬
‫وعلى هذا المس!!لك ليس لحكم العق!!ل بقُبْح العق!!اب بال بي!!ان من‬
‫حقيقةٍ غير اتّف!اق رأي العقالء على ذل!!ك‪ ،‬وأن الش!!ارع؛ بوص!!فه رئيس‬
‫العقالء‪ ،‬يوافقهم على هذا االتّفاق‪.‬‬
‫المسلك الثاني‪ :‬يعمل القائلون بالمس!لك الث!اني على تحلي!ل حكم‬
‫العقل بالحُسْن والقُبْح من طريق مالءمته وتنافره م!!ع الق!!وّة العاقل!!ة‪،‬‬
‫ببيان قولهم‪ :‬إن الم!!راد من حكم العق!!ل بالحُسْ! ن والقُبْح ه!!و مالءم!!ة‬
‫الشيء مع القوّة العاقلة‪ ،‬ونفرته من القوّة العاقلة أيضاً‪ ،‬بمعنى أن الشيء‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪255‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫إذا كان متالئماً مع القوّة العاقلة فإن العق!!ل يحكم بحُسْ! نه‪ ،‬وإنْ ك!!ان‬
‫متنافراً مع القوّة العاقل!!ة حكم العق!!ل بقُبْح!!ه؛ وال!!دليل على ذل!!ك أن‬
‫الفرد يمتلك العديد من القِ!وَى‪ ،‬من قبي!ل‪ :‬الق!وّة الباص!رة‪ ،‬والذائق!ة‪،‬‬
‫والالمسة‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬وإن من بين هذه الموارد القوّة العاقلة‪ .‬وعلي!!ه‪،‬‬
‫كما توجد لكلّ واحدٍ من هذه القوى والحواس ما يالئمه!!ا وم!!ا يتن!!افر‬
‫معها ـ كما في النعومة التي تالئم اللمس‪ ،‬والخشونة التي تتنافر معه!!ا ـ‬
‫كذلك هناك للقوّة العاقلة ما يالئمها وما يتنافر معها أيض!!اً‪ ،‬فك!!لّ م!!ا‬
‫يتالئم مع القوّة العاقلة حَسَنٌ‪ ،‬وكلُّ ما يتنافر معها قبيحٌ‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن حكم العقل بقُبْح العق!اب بال بي!انٍ في ه!ذا‬
‫المسلك! يعود إلى منافرة العقاب بال حجّةٍ م!!ع الق!!وّة العاقل!!ة‪ ،‬أي حين‬
‫يكون العقاب على مخالفة أمرٍ لم تقُمْ عليه الحجّ!ة يك!ون ه!ذا العق!اب‬
‫متنافراً مع القوّة العاقلة‪ ،‬فالعقل ال يرتضيه؛ فيكون هذا العقاب قبيحاً‪.‬‬
‫واآلن يظهر االختالف بين هذين المسلكين‪ ،‬حيث نشكّ في شيءٍ ما‬
‫إذا كان مصداقاً للظلم أم ال؟‬
‫بناءً على المسلك األوّل يجب الرج!!وع إلى البن!!اء العمليّ للعقالء‬
‫من أجل رفع الشكّ؛ لنرى ما إذا ك!!ان يعت!!بر ه!!ذه الم!!وارد من م!!وارد‬
‫الظلم أم ال‪.‬‬
‫وأما بناء على المسلك الثاني فإن المرجع في تحديد هذا األمر ه!!و‬
‫وجدان الفرد‪ ،‬وليس هناك من طري!!قٍ آخ!!ر‪ ،‬غ!!ير الوج!!دان‪ .‬وعلى ه!!ذا‬
‫األساس حيث يقع الفرد في مقام الشكّ‪ ،‬وال يوج!!د حكمٌ ل!!ه في ال!!بين‪،‬‬
‫فإن المسألة سوف تبقى على حالة الشكّ(‪.)613‬‬
‫وبعد ذكر هذه المقدّمة‪ ،‬ي!!دخل س!!ماحته في تحلي!!ل قاع!!دة قُبْح‬
‫العقاب بال بيانٍ العقليّة؛ ليبيِّن أنه إذا بقي المكلَّ!!ف في ظ!!رف الش!!كّ‬
‫فهل يكون العقاب على مخالفة التكليف صحيحاً أم ال؟‬
‫لقد قام سماحته بدراسة هذا البحث ض!!من ثالث!!ة مقام!!ات‪ .‬وال!!ذي‬
‫نحتاج إليه في هذه المقالة‪ ،‬في مقابل قاع!!دة قُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ من‬

‫‪ 256‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫وجهة نظر المشهور‪ ،‬هو المقام الثالث‪ ،‬الذي هو في مورد صحّة أو ع!!دم‬
‫صحّة عقاب المولى الشرعيّ في اآلخرة في ظرف الشكّ؛ وذل!!ك أوّالً‪:‬‬
‫إن محلّ البحث في قاعدة قُبْح العقاب بال بيانٍ العقلي!!ة ه!!و العق!!اب من‬
‫قِبَل المولى الشرعيّ؛ وثانياً‪ :‬إن المطروح في هذه القاعدة ه!!و العق!!اب‬
‫األخروي‪ ،‬وليس الدنيوي‪ .‬ولكنْ في إطار تكميل نظريته‪ ،‬وكذلك الفهم‬
‫األدقّ للتفاوت والتم!!ايز بين الح!!االت الثالث!!ة المطروح!!ة في نظريّت!!ه‪،‬‬
‫سوف نشير إلى المقامين األوّل والثاني من نظريّته أيضاً‪.‬‬

‫صحة مؤاخذة المولى ال ُع ْرفي‬


‫‪1‬ـ ّ‬
‫لقد صوَّر السيد الروحاني ثالث حاالت في هذا المقام‪:‬‬
‫أـ أن تكون مخالفة العبد للتكليف مقرونةً بالعلم‪ :‬في هذه الحال!!ة‬
‫ال يكون العقاب على المخالفة ـ بناءً على كال المسلكَين المذكورين! في‬
‫باب حكم العقل ـ قبيحاً؛ وذلك ألن المخالفة ق!!د اق!!ترنَتْ هن!!ا ب!!العلم‬
‫والعَمْد‪.‬‬
‫ب ـ أن تكون مخالفة العبد بسبب الغفلة أو الجه!!ل الم!!ركَّب‪ :‬في‬
‫مثل هذه الحالة إذا لم يكن الجاهل مقصِّراً يكون العق!!اب على المخالف!!ة‬
‫قبيحاً‪.‬‬
‫ج ـ أن تكون مخالفة العبد في ظ!!رف الش!!كّ في التكليف‪ :‬فيُق!!ال‬
‫في هذا القسم‪ :‬أم!!ا في م!ورد العق!اب في حال!ة الش!كّ فال يمكن إب!!داء‬
‫الرأي‪ ،‬والقول بالقُبْح أو عدم القُبْح‪ ،‬على كال المسلكين‪ .‬بل تكون ه!!ذه‬
‫المسألة مسكوتاً عنها؛ إذ بناءً على المس!لك الث!اني ال نعلم م!ا إذا ك!ان‬
‫العقاب في هذه الحالة متنافراً مع القوّة العاقل!!ة أم ال‪ ،‬وبالت!!الي ال يمكن‬
‫القول ب!!القُبْح أو الحُسْ! ن؛ وبن!!اءً على المس!!لك! األوّل ك!!ذلك‪ ،‬حيث‬
‫يكون بناء العقالء على عدم العقاب؛ وذلك من أجل حفظ النظام‪ ،‬كذلك‬
‫ال يكون لدينا علمٌ في البين؛ إذ ال نعلم ما إذا كان العقاب مخالًّ بالنظام‬
‫أم ال‪ ،‬وليس لدينا أيّ طريقٍ إلحراز هذه المسألة‪ .‬وعليه ال يمكن الق!!ول‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪257‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫ـ في مث!!ل ه!!ذه الحال!!ة ـ بقُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ‪ ،‬وال الق!!ول بع!!دم‬
‫القُبْح(‪.)614‬‬

‫صحة مؤاخذة المولى الشرع ّي في الدنيا‬


‫‪2‬ـ ّ‬
‫لو سلَّمنا القول بقُبْح العقاب من المولى العُرْفي؛ بس!!بب مخالف!!ة‬
‫العبد! في حالة الشكّ‪ ،‬نقول‪ :‬هل يص!!حّ عق!!اب العب!!د على المخالف!!ة في‬
‫ظرف الشكّ‪ ،‬من قِبَل المولى الشرعيّ في الحياة الدنيا‪ ،‬أم ال؟‬
‫كذلك هنا ال يوجد ـ بن!!اءً على كال المس!!لكَين الم!!ذكورين في‬
‫باب الحُسْن والقُبْح ـ من طريقٍ إلى الجَزْم بحكم العقل القائ!!ل بمث!!ل‬
‫هذا العقاب من قِبَل المولى الش!!رعيّ الحقيقيّ خ!!الق العب!!اد؛ إذ يحص!!ل‬
‫كث!!يراً أن يُبْتَلى! المؤمن!!ون والمطيع!!ون ب!األمراض الدنيوي!!ة‪ ،‬دون أن‬
‫يكون في ذلك قُبْحٌ أصالً‪ !،‬ناهيك عن أن يكون ذلك في حقّ المخالف‪.‬‬
‫إن الوجه الرئيس في نفي حكم العقل بقبح العق!!اب في ه!!ذا المق!!ام‬
‫الحُس!! ن والقُبْح‪ ،‬بن!!اءً على كال المس!!لكين الم!!ذكورين! في‬ ‫ْ‬ ‫ه!!و أن‬
‫المقدّم!!ة‪ ،‬يق!!وم على مح!!ور تحقُّ!!ق الظلم والع!!دل‪ .‬وإن أس!!اس الظلم‬
‫والعدل يق!!وم على ف!رض الحق!!وق والح!دود بين ط!!رفين‪ ،‬بحيث يُعَ!دّ!‬
‫تجاوزه ظلماً‪ ،‬وعدم تجاوزه عدالً‪ .‬وه!!ذه المس!!ألة موج!!ودةٌ بين العب!!د‬
‫والمولى العُرْفي‪ ،‬وبين األب والولد‪ ،‬وأم!!ا بين العب!!د والم!!ولى الحقيقيّ‬
‫فال يمكن تصوُّر مثل هذا الحقّ؛ إذ لو تصوَّرنا العالقة بين العبد ومواله‬
‫الحقيقي‪ ،‬وتدبَّرنا في ماهيّة هذه العالقة‪ ،‬سوف ندرك أن العبد ليس ل!!ه‬
‫من حقٍّ خاصّ على م!!واله الحقيقي؛ وذل!!ك ألن الم!!ولى الحقيقي ه!!و‬
‫مالكٌ وخالق للعبد‪ !،‬ولذلك يحقّ له القيام بكلّ فعلٍ وتص!!رُّفٍ تج!!اه‬
‫هذا العبد‪ !،‬كأنْ يبتليه بالمرض أو الفقر وما إلى ذلك‪ ،‬سواء أكان العبد!‬
‫في ما يتعلَّق بالمخالفة عالماً أو جاهالً‪ .‬فحتّى إذا ك!!ان العب!!د مطيع!!اً‬
‫لن يكون في قيام المولى بهذه األمور إشكالٌ‪ .‬وهذه المسألة ال تتنافى مع‬
‫بناء العقالء‪ ،‬وال تتنافر مع القوّة العاقلة أيضاً(‪.)615‬‬

‫‪ 258‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫صحة العقاب في اآلخرة على مخالفة العبد في ظرف الش ّك‬


‫‪3‬ـ ّ‬
‫كما سبق أن ذكرنا في المقدّمة فإن ال!!ذي يحظى باألهمّي!!ة قب!!ل‬
‫غيره في هذه النظرية هو القسم الثالث‪ .‬ومن الج!!دير ذك!!رُه أن هن!!اك‬
‫نظريّاتٍ متعدِّدةً بشأن ماهية الثواب والعقاب األخروي‪ .‬ويرى س!!ماحته‬
‫أن هذا االختالف في المباني يؤثِّر في هذا البحث‪ .‬ولذلك س!!وف نعم!!ل‬
‫في البداية على ذكر هذه المباني بشكلٍ مختصر‪:‬‬
‫قال س!!ماحته بوج!!ود ثالث!!ة اتجاه!!ات في ماهي!!ة الث!!واب والعق!!اب‬
‫األخروي‪:‬‬
‫‪1‬ـ نظرية تجسُّم األعمال‪ :‬هناك مَنْ يعت!!بر الث!!واب والعق!!اب من‬
‫باب تجسُّم األعمال‪ ،‬بمعنى أن العمل والثواب والعقاب ليسا شيئين‪ ،‬وإنم!!ا‬
‫هما حقيقةٌ واحدة‪ .‬فإن حقيقة العم!!ل الق!!بيح ه!!و ذات العق!!اب واله!!وان‬
‫والبؤس والخسران؛ حيث ستظهر لنا هذه الحقيقة ماثلةً في عالم اآلخرة؛‬
‫ولذلك نتعرَّض للعق!اب‪ .‬كم!ا أن حقيق!ة العم!ل الص!الح ه!و الجنّ!ة‬
‫والسعادة والثواب؛ حيث ستظهر لنا هذه الحقيقة بدَوْرها في عالم اآلخرة‬
‫أيضاً‪ .‬وفي الحقيقة فإننا سوف نواجه أعمالنا وأفعالن!!ا‪ .‬ومن ذل!!ك‪ ،‬على‬
‫سبيل المثال‪ ،‬أن المعصية سوف تظهر لن!!ا في مق!!ام التجسُّ! م على ش!!كل‬
‫عقربٍ‪ ،‬وتظهر الطاعة في مقام التجسُّم على هيئة شجرةٍ طيّبة‪.‬‬
‫‪2‬ـ نظرية األثر الوضعيّ‪ :‬يُعَدّ الثواب والعقاب في هذه النظريّ!!ة‬
‫من قبيل‪ :‬األثر الوضعيّ للفعل‪ ،‬كما في حال تن!!اول الس!!مّ؛ حيث األث!!ر‬
‫الوضعيّ ل!!ه ه!!و الم!!وت‪ .‬وفي م!!ا نحن في!!ه نق!!ول ك!!ذلك‪ !:‬إن األث!!ر‬
‫الوضعيّ للمعصية هو العقاب‪.‬‬
‫‪3‬ـ نظرية العالق!!ة االعتباريّة‪ :‬وفي ه!!ذه النظريّ!!ة يك!!ون الث!!واب‬
‫والعقاب شيئاً آخر غير عملنا وفعلنا‪ ،‬وإن العالق!!ة الوحي!!دة القائم!!ة في‬
‫البين هي العالقة االعتباريّة والعقدي!!ة؛ حيث تتح!!دَّد في ض!!وء الوَعْ!!د‬
‫والوعيد الصادر عن المولى الشرعيّ‪ ،‬بحيث لو خالف العب!!د ف!!إن الم!!ولى‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪259‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫يتوعَّده بالعقاب‪ ،‬وإنْ أطاع يَعِدُه! بالثواب(‪.)616‬‬


‫واآلن‪ ،‬بعد بيان هذه المباني الثالثة الموجودة حول ماهيّ!!ة الث!!واب‬
‫والعقاب‪ ،‬ننتقل إلى بيان صحّة أو عدم صحّة قُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ‪ ،‬في‬
‫ضوء هذه االتّجاهات الثالثة‪:‬‬
‫أما بناءً على المسلكين األوّل والثاني فال يكون القول بقُبْح العقاب‬
‫بال بيانٍ ص!!حيحاً؛ وذل!!ك ألن العق!!اب في ه!!ذين المس!!لكَين ليس فعالً‬
‫اختياريّاً‪ ،‬ليتّصف بالحُسْن والقُبْح‪ ،‬بل ه!!و أم!!رٌ قه!!ريّ ي!!ترتَّب على‬
‫فعل المكلَّف بشكلٍ تلقائيّ‪ ،‬سواءٌ أكان ذلك من باب تجسُّم األعمال أو‬
‫بوصفه أثراً وضعيّاً‪ .‬وال دَوْر للعلم والجهل في هذا الترتُّب‪ ،‬كما ه!!و‬
‫الحال في بقية موارد اآلث!!ار الوض!!عيّة لتجسُّ! م األعم!!ال أيض!!اً(‪)617‬؛ إذ‬
‫بمجرَّد أن يصدر عنه العمل تظهر نتيجته وأثره‪ ،‬سواءٌ أك!!ان عالم!!اً أو‬
‫جاهالً‪ ،‬من قبيل‪ :‬الشخص الذي يتناول السمّ‪ ،‬فإنه بمجرّد تن!!اول الس!!مّ‬
‫يظهر عليه تأثيره‪ ،‬المتمثِّل بالموت‪ ،‬سواءٌ أكان عالم!اً ب!أن م!ا تناول!ه‬
‫سمٌّ أم لم يكن عالماً بذلك‪.‬‬
‫وبناءً على مسلك تجسُّم األعم!!ال؛ حيث ال يك!!ون هن!!اك اختالفٌ‬
‫ماهوّي بين العمل والثواب والعقاب‪ ،‬فإنه بمجرَّد صدور الفعل يك!!ون في‬
‫الحقيقة قد عمل على إيجاد النار والعقاب أو الجنّة والثواب والسعادة‪ ،‬وال‬
‫تأثير في هذه المسألة للعلم والجه!!ل أيض!!اً‪ .‬وعلى ه!!ذا األس!!اس عن!!دما‬
‫نفترض أن ذات الفعل عندما تتحقَّق ـ سواء في حال!!ة العلم أو الجه!!ل ـ‬
‫يترتَّب على ذلك الزمه‪ ،‬المتمثِّل في العقاب‪ ،‬ال يكون ترتُّب العقاب هنا‬
‫قبيحاً‪ .‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬ال يعود من الصحيح بيان قاعدة قُبْح العق!!اب بال‬
‫بيانٍ في هذين المسلكين! أصالً؛! فهي خارجةٌ عن مح!!لّ البحث؛ إذ يك!!ون‬
‫جَرَيان العقاب في مثل هذه الحالة أمراً قهريّاً ومالزماً لفعل المكلَّف‪.‬‬
‫وعليه ال يكون هناك وجهٌ للقول بقُبْح العقاب في هذه الحالة‪.‬‬
‫وأما بن!!اءً على المس!!لك الث!!الث فال يوج!!د طري!!قٌ أيض!!اً للحكم‬
‫بصحّة القول بقُبْح العقاب بال بيانٍ؛ أي إنه ال يمكن الق!ول بقُبْح!ه‪ ،‬وال‬

‫‪ 260‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫يمكن القول بعدم قُبْحه؛ وذلك لعدم علمنا بالمالك الذي بموجبه يق!!وم‬
‫الش!!ارع بالتوعُّ!!د على العق!!اب؛ بس!!بب المخالف!!ة‪ .‬وحيث ال نعلم مالك‬
‫الشارع في ترتُّب العقاب ال نستطيع! القول هنا بأن العقاب قبيحٌ أم ال‪.‬‬
‫وتوضيح ذل!!ك‪ :‬إن س!!ماحته يق!!ول‪ :‬إن المالك في م!!ورد العق!!اب‬
‫والثواب األخروي واضحٌ ومعلوم‪ ،‬فه!!و ال يخ!!رج من إح!!دى ح!!التين؛ إن‬
‫مالك العقوبة الدنيوية يكون إما من أجل تح!!ذير الم!!ذنب نفس!!ه؛ كي ال‬
‫يعود إلى تكرار المعصية مجدَّداً؛ أو من ب!!اب ت!!أديب اآلخ!!رين وردعهم؛‬
‫كي ال يرتكبوا هذه المعصية‪ .‬إن هذا المالك إنم!!ا يمكن بيان!!ه وتفس!!يره‬
‫بلحاظ عالم ال!!دنيا‪ ،‬دون ع!!الم اآلخ!!رة؛ إذ إن ع!!الم اآلخ!!رة ليس ع!!المَ‬
‫تكليفٍ وفعلٍ؛ لتكون هذه الموارد مطروحةً في ذلك الع!!الم‪ .‬وعلى ه!!ذا‬
‫األساس يجب أن يقوم العقاب األخرويّ على أس!!اس مالكٍ آخ!!ر‪ ،‬وال علم‬
‫لنا بهذا المالك‪ .‬وحيث ال يك!!ون ل!!دينا طري!!قٌ إلى معرف!!ة ه!!ذا المالك‪،‬‬
‫وبيان حدوده وأبعاده‪ ،‬ال نستطيع الق!!ول بقُبْح العق!!اب‪ ،‬والبحث عن!!ه في‬
‫موضعٍ دون موضعٍ آخر(‪ .)618‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إن البحث في ه!!ذا الش!!أن‬
‫خاطئٌ من رأسٍ؛ إذ ال علمَ لدينا بمالك ال!!ترتُّب أب!!داً‪ .‬وحيث ال يك!!ون‬
‫لدينا علم بمالك الترتُّب ال نستطيع! القول بأن العقاب في ظرف الش!!كّ‬
‫قبيحٌ أو غيرُ قبيحٍ؛ إذ قد يكون مالك العق!!اب ثابت!!اً في ظ!!رف الش!!كّ‬
‫والجهل‪ .‬وعليه‪ ،‬كيف يمكن لنا القول بأن العقاب في مثل ه!!ذه الحال!!ة ـ‬
‫أي في حالة شكِّنا في التكليف ـ يتنافى مع القوّة العاقلة أو يتن!!افى م!!ع‬
‫بناء العقالء؟! وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إن دخول المكلَّف في تحليل هذه المس!!ألة‬
‫خاطئٌ من األساس؛ وذلك ألن هذه المسألة تدور حول مدار بيان الشارع‬
‫بالنسبة إلى موضوع العقاب‪ ،‬وتحديد مساحته وحدوده‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس يمكن القول‪ ،‬كنتيجةٍ عامّة‪ :‬إن العق!!ل ليس ل!!ه‬
‫طريقٌ إلى الحكم بقبح العقاب بال بيانٍ‪ .‬ومن هنا‪ ،‬ال تقوم ه!!ذه القاع!!دة‬
‫المشهورة ـ «قُبْح العقاب بال بيانٍ» ـ على أيّ أساسٍ(‪.)619‬‬
‫لقد اتّضح ـ في ضوء ما ذكره السيّد الروح!!اني ـ أن موقف!!ه من‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪261‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫قاعدة قُبْح العقاب بال بيانٍ العقلية هو نفي ه!!ذه القاع!!دة‪ .‬ولكنّ!!ه ليس‬
‫بصدد إثبات ما يقابلها‪ ،‬الذي هو عبارةٌ عن ع!!دم قُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ‪،‬‬
‫وإنما هو يكتفي بمجرّد نفي هذه القاعدة‪ ،‬أي إن!!ه يق!!ول‪ :‬إن قاع!!دة قبح‬
‫العقاب بال بيانٍ ليست صحيحةً‪ ،‬وال يمكن القول بقبح العق!!اب في مح!!لّ‬
‫البحث‪ ،‬وال القول بحُسْن العقاب‪ .‬وبعبارةٍ أخ!!رى‪ :‬إن ه!!ذه المس!!ألة من‬
‫وجهة نظره مسكوتٌ عنها‪ ،‬وليس لدينا طريقٌ إلى معرفة كُنْهها‪.‬‬
‫وفي ختام بيان هذه النظريّة ال بُدَّ من التذكير بأن هذه النظرية‬
‫قد تواجه الكثير من اإلش!!كاالت‪ .‬ولكنْ حيث إنن!!ا لس!!نا في ه!!ذه المقال!!ة‬
‫بصدد بحث صحّة وسقم هذه النظريّة‪ ،‬ال نرى مناسبةً للخوض في بي!!ان‬
‫هذه اإلشكاالت‪ .‬وكلُّ الذي نروم!!ه في ه!!ذه المقال!!ة ه!!و إيض!!اح ه!!ذه‬
‫النظرية‪ ،‬وبيان نتيجتها النهائية‪ ،‬بحيث نتمكَّن بع!!د ذل!!ك من مقارنته!!ا‬
‫بنظريّة ح!!قّ الطاع!!ة‪ ،‬للس!!يد الش!!هيد محم!!د ب!!اقر الص!!در‪ ،‬م!!ع بي!!ان‬
‫االختالفات األساسيّة بين هاتين النظريتين‪.‬‬
‫وبعد االنتهاء من بيان نظريّ!!ة الس!!يد الروح!!اني ننتق!!ل إلى بي!!ان‬
‫نظريّة السيد الشهيد الصدر‪ ،‬ومقارنته!!ا بقاع!!دة قُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ‪،‬‬
‫وتقييمها بالنسبة إلى نظرية السيد الروحانيّ أيضاً‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬نظريّة السيد الشهيد محمد باقر الصدر‬


‫إن السيد الشهيد الص!در؛ بااللتف!ات إلى ع!دم فص!له بين الحجِّي!ة‬
‫والمولوية‪ ،‬وإنما يعمل على تحليلهما في عَرْض بعضهما‪ ،‬عم!!د في بي!!انٍ‬
‫له ـ بعد ذكر خصيصتين ذاتيّتين للقط!!ع‪ ،‬وهم!!ا عب!ارةٌ عن‪ :‬الكاش!فية؛‬
‫والمحرِّكية ـ إلى التأمُّل في خصيصةٍ ثالثة للقطع ـ والتي هي عبارةٌ‬
‫عن الحجِّية ـ من حيث ذاتيّة أو عدم ذاتيّة هذه الخصيص!ة بالنس!!بة إلى‬
‫القطع‪.‬‬
‫يذهب المشهور من األصوليين إلى القول ب!!أن ه!!ذه الخصيص!!ة من‬
‫اللوازم الذاتيّة للقطع‪ ،‬كما أن الحرارة من اللوازم الذاتيّة للنار‪ .‬وعلي!!ه‪،‬‬

‫‪ 262‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫في القطع يستلزم الحجِّية والمنجِّزية في حدّ ذاته‪ ،‬بمع!!نى أن!!ه حيثم!!ا‬
‫وُجد القطع كانت الحجِّي!ة والمنجِّزي!ة موج!ودةً أيض!اً؛ وذل!ك ألن‬
‫الالزم الذاتيّ للش!!يء ال ينف!!كّ عنه(‪ .)620‬وعلي!!ه؛ حيث إنهم ق!!الوا ب!!أن‬
‫الحجِّية من اللوازم الذاتيّة للقطع‪ ،‬فقد ذهب!!وا إلى انتف!!اء الحجِّي!!ة في‬
‫حالة عدم وجود القطع‪ .‬وعلى هذا األساس قالوا بقاع!!دة قُبْح العق!!اب بال‬
‫بيانٍ(‪.)621‬‬
‫يقول السيد الشهيد الصدر هن!!ا‪ :‬علين!!ا أن نبحث في ه!!ذه المس!!ألة‪،‬‬
‫وهي القطع بأمر أيّ شخصٍ يكون هو المنجِّز؟ فهل القطع ب!!أمر ك!!لّ‬
‫شخصٍ هو المنجِّز أم أن المنجِّز هو القطع بخصوص أمر الم!!ولى؟ من‬
‫الواضح جدّاً أن المنجِّز ليس هو القطع بأمر كلّ ش!!خصٍ‪ ،‬ب!!ل القط!!ع‬
‫المنجِّز هو القطع بأمر المولى‪ .‬فحيث تك!!ون المنجِّزي!!ة دائ!!رةً م!!دار‬
‫حكم العقل فإن العقل ال يرى المنجِّزية ألمر كلّ شخصٍ‪ ،‬بل إن العق!!ل‬
‫إنما يحكم بتنجيز ووجوب أمثال أمر الشخص الذي أثبت ل!!ه المولويّ!!ة‪،‬‬
‫وأوجب له حقّ الطاعة‪ .‬فتك!!ون النتيج!!ة هي أن المنجِّزي!!ة إنم!!ا تك!!ون‬
‫تابعةً للقطع بأمر المولى‪ ،‬وليس مطلق القطع‪ .‬ف!إذا قلن!ا ذل!ك س!تكون‬
‫النتيجة أن الحجّية والمنجِّزية تدور مدار المولويّة‪ ،‬وبعب!!ارةٍ أخ!!رى‪:‬‬
‫إن الحجِّية والمنجِّزية من شؤون المولويّة‪ ،‬وليست من شؤون القط!!ع‪.‬‬
‫وأضاف سماحته بعد ذلك‪ ،‬قائالً‪ :‬ثمّ نسأل ذات هذا العقل ـ ال!!ذي ق!!ال‬
‫بوجوب االمتثال ألمر المولى ـ‪ :‬هل وجوب االمتثال هذا‪ ،‬وبعبارةٍ أخرى‪:‬‬
‫الحجِّية والمنجِّزية‪ ،‬منحصرٌ بظ!!رف القط!!ع ب!!أمر الم!!ولى أو يش!!مل‬
‫حاالت الظنّ والشكّ أيضاً؟ وبعبارةٍ أخرى‪ :‬ه!!ل ح!!قّ الطاع!!ة للم!!ولى‬
‫منحصرٌ بالتكاليف المعلومة فق!!ط أم ه!!و ش!!املٌ للتك!!اليف المش!!كوكة‬
‫والمظنونة أيضاً؟ وعلى هذا األساس‪ ،‬ف!!إن البحث هن!!ا يق!!ع ح!!ول دائ!!رة‬
‫مولويّة المولى(‪.)622‬‬
‫يقول السيد الشهيد الصدر‪ :‬نحن ن!!رى أن العق!!ل في ه!!ذه المس!!ألة‬
‫يذهب إلى القول بالتوسعة؛ بمعنى أن مقتضى حكم العقل هو ثب!!وت ح!!قّ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪263‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫الطاعة هلل تبارك وتعالى في ك!!لّ أوام!!ره المنكش!!فة للمكلَّفين‪ ،‬س!!واءٌ‬


‫أكان هذا االنكشاف على مس!!توى القط!!ع أم ال‪ ،‬ولكنْ ه!!ذا إنم!!ا يك!!ون ـ‬
‫بطبيعة الحال ـ ما لم يصدر إذنٌ من المولى نفسه بالترك‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫المهمّ في تنجُّز التكليف هو انكشاف أمر المولى‪ ،‬وأم!!ا القط!!ع بم!!ا ه!!و‬
‫قطعٌ فال تأثير له في هذه المسألة‪ ،‬بل حتّى إذا كان للقطع بأمر المولى‬
‫منجِّزية فمردّ ذلك إنّما هو إلى حيثيّة االنكشاف الموج!ود في القط!ع‪،‬‬
‫وليس إلى حيثيّة القطع بما هو قطعٌ‪ .‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إن المنجِّزية لم‬
‫تتعلَّق بالقطع بما هو قطعٌ‪ ،‬بل تعلَّقَتْ بالقطع بما هو انكش!!افٌ‪ .‬غاي!!ة‬
‫ما هنالك أن لهذا االنكشاف مراتب‪ ،‬وهي ـ بشكلٍ عامّ ـ عبارةٌ عن القطع‬
‫واالحتمال (بمعنى الظنّ والشكّ والوَهْم)‪ .‬وإن العقل يثبت حقّ الطاعة‬
‫للمولى في جميع م!!راتب االنكش!!اف‪ ،‬م!!ا لم يص!!در ت!!رخيصٌ من قِبَ!!ل‬
‫الشارع بطبيعة الحال(‪.)623‬‬

‫‪1‬ـ الدليل والمستند‬


‫قد يَرِدُ هذا السؤال القائل‪ :‬ما ه!!و بره!!ان ودلي!!ل الس!!يد الش!!هيد‬
‫الصدر على هذه المسألة؟‬
‫يقول سماحته‪ :‬إن الدليل على هذه المسألة ه!!و الوج!!دان‪ ،‬ببي!!ان أن‬
‫أساس المشكلة قد نشأ من قياس المولى الحقيقيّ إلى الموالي الع!!رفيّين‪،‬‬
‫وتسرية الحكم الثابت لدى العُرْف بحقّ الموالي العُرْف!!يين إلى الم!!ولى‬
‫الحقيقي‪ .‬في حين أن هذا قي!!اسٌ باط!!ل؛ فل!!و تمّ االلتف!!ات إلى الم!!ولى‬
‫الحقيقي بما له من الخصائص واألوصاف فإن العقل في م!ا يتعلَّ!ق! به!ذا‬
‫المولى س!!يحكم قطع!!اً بتنجُّ!!ز التكلي!!ف‪ ،‬حتّى في األم!!ور المش!!كوكة‬
‫أيضاً(‪.)624‬‬
‫بيان المسألة‪ :‬إن المشهور في اس!!تناده إلى قاع!!دة قُبْح العق!!اب بال‬
‫بي!!انٍ ـ وال!!تي تقتض!!ي في الحقيق!!ة تض!!ييق دائ!!رة المولويّ!!ة وح!!قّ‬
‫الطاعة(‪ )625‬ـ يستشهد بعُرْف العقالء(‪ ،)626‬ببيان أن الموجود بين الم!!والي‬

‫‪ 264‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫العُرْفيين هو استقباح معاقبة العبد على ترك التكاليف المشكوكة‪ ،‬أي إن‬
‫العبد! إذا كان جاهالً بأمر مواله‪ ،‬وخالفه؛ بسبب جهله‪ ،‬تكون معاقبت!!ه من‬
‫قِبَل المولى في مثل هذه الحالة قبيحةٌ‪ .‬فهكذا األمر بالنس!بة إلى مح!لّ‬
‫بحثنا؛ بمعنى أن العبد إذا لم يكن عالماً بتك!!اليف الش!!ارع‪ ،‬وبس!!بب ع!!دم‬
‫علمه ال يبادر إلى امتثالها‪ ،‬لن يكون العبد في مثل هذه الحال!!ة مس!!تحقّاً‬
‫للعقاب‪ ،‬وإن معاقبته من قِبَل الشارع قبيحةٌ‪ .‬في حين أن هذا االس!!تدالل‬
‫خاطئٌ من األساس(‪ )627‬؛ وذلك ألنه يقوم على أساس تفكيرٍ باطل‪ ،‬يساوي‬
‫بين المولويات‪ ،‬ويرى له!!ا مع!!نى واح!!داً‪ ،‬وال ي!!رى فَرْق!!اً بين الم!!ولى‬
‫الحقيقيّ والم!!ولى العُ!!رْفي‪ .‬ومن هن!!ا تمّ قي!!اس مقتض!!يات الم!!والي‬
‫العُرْفيين‪ ،‬وتعميمها على المولى الحقيقي‪ ،‬في حين أن مولوية اهلل تعالى‪،‬‬
‫الثابتة بمالك المالكية والمنعمية المطلقة‪ ،‬تختلف عن المولوية المجعولة‬
‫بجع!!ل جاع!!لٍ‪ ،‬من قبي!!ل‪ :‬المولوي!!ة بالنس!!بة إلى الم!!والي العُرْف!!يين‪،‬‬
‫المجعول!!ة لهم من قِبَ!!ل العُ!!رْف‪ .‬وعلي!!ه‪ ،‬يجب التفري!!ق بين ه!!اتين‬
‫المولويتين‪ !.‬ومن هن!!ا نق!!ول‪ :‬إن المولوي!!ة العُرْفي!!ة تج!!ري في ظ!!رف‬
‫التكاليف المقطوعة فقط؛ وأما المولوي!ة غ!ير المجعول!ة فيتمّ تعريفه!ا‬
‫على أساس اختالف حدود ودائرة حقّ المولى تجاه العبد‪ ،‬بلحاظ منعميّته‬
‫ومالكيّته‪ .‬وعلى هذا األساس‪ ،‬فإن تحديد وضيق مولويّ!!ةٍ هن!!ا ال ي!!ؤدّي‬
‫بالضرورة إلى تحديد وتضييق مولويّةٍ هناك(‪.)628‬‬

‫‪2‬ـ أقسام المولويّة‬


‫وللمزي!!د من التوض!!يح ال بُ!!دَّ هن!!ا من بي!!ان أقس!!ام المولويّ!!ة‪،‬‬
‫واالختالفات فيما بينها‪.‬‬
‫(‪)629‬‬
‫‪،‬‬ ‫لقد قسَّم السيد الش!!هيد الص!!در المولوي!!ة إلى ثالث!!ة أقس!!ام‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ المولوية الذاتيّة‪ :‬والمراد منها هو المولويّة التي تثبت دون أيّ‬
‫جعلٍ واعتبار؛ فهي في الحقيقة أمرٌ واقعي‪ ،‬وتقع على مستوى! واقعيّ!!ات‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪265‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫اللوح‪ .‬وه!!ذا الن!!وع من المولوي!!ة ـ بحكم مالكيّ!!ة اهلل لجمي!!ع الع!!الم‪،‬‬


‫والثابتة له بمالك خالقيّت!!ه ـ تختصّ باهلل س!!بحانه وتع!!الى‪ .‬وبعب!!ارةٍ‬
‫أخرى‪ :‬حيث إن اهلل تعالى؛ بحكم خالقيّته‪ ،‬مال!!ك لجمي!!ع الع!!الم تك!!ون‬
‫مولويّته على العالم مولويّة ذاتية‪.‬‬
‫وهذا األم!!ر يثبت‪ ،‬ويمكن إدراك!!ه‪ ،‬دون أخ!!ذ مالك ش!!كر المنعم ـ‬
‫الذي هو أحد المالكات‪ ،‬التي أثبت الحكم!!اء بواس!!طتها ثب!!وت المولويّ!!ة‬
‫وحقّ الطاعة هلل س!!بحانه وتع!!الى ـ بنظ!!ر االعتب!!ار؛ وذل!!ك ألن مالك‬
‫الخالقية والمالكيّة مب!!نى‪ !،‬وثب!!وت ح!!قّ الطاع!!ة هلل بمالك ش!!كر المنعم‬
‫مبنىً آخر‪ ،‬فهما أمران مختلفان(‪.)630‬‬
‫وبعبارةٍ أخرى‪ :‬هناك مالكان ومبنيان في ثب!!وت المالكيّ!!ة وح!!قّ‬
‫الطاعة هلل سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫أـ إن مولوية اهلل ثابتةٌ على أساس منعميّته‪ .‬وحيث تكون منعميّ!!ة‬
‫اهلل تعالى مطلقةً‪ ،‬وال يح!!دّها ح!!دٌّ؛ تك!!ون مولويّت!!ه الناش!!ئة من ه!!ذه‬
‫المنعميّة بدَوْرها مطلقةً‪ ،‬وليس لها حدٌّ‪.‬‬
‫ب ـ إن مولوية اهلل ثابتةٌ على أساس مالكيّته‪ .‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إنها‬
‫تنشأ من مالكي!ة اهلل‪ .‬وحيث يك!ون اهلل مالك!اً لإلنس!ان وجوارح!ه يك!ون‬
‫تصرُّف اإلنسان في نفسه وجوارحه تصرُّفاً في مال غيره‪ .‬وعلي!!ه يجب‬
‫على اإلنسان في ظرف الشكّ أن يحرز قبول مالكه الحقيقيّ‪ ،‬ال!!ذي ه!!و‬
‫اهلل سبحانه وتعالى(‪.)631‬‬
‫وعليه‪ ،‬يقول السيد الشهيد الصدر‪ :‬إن المولويّ!!ة وح!!قّ الطاع!!ة هلل‬
‫سبحانه وتعالى ثابت!!ة ب!!المالك الث!!اني‪ ،‬أي بمالك مالكيّ!!ة وخالقيّ!!ة اهلل‬
‫تعالى‪ .‬وال حاجة إلى المالك األوّل في إثبات ذلك‪.‬‬
‫‪2‬ـ المولوية الجَعْليّة‪ :‬وهذا النوع من المولويّ!!ة ينقس!!م ب!!دَوْره‬
‫إلى قسمين‪!:‬‬
‫أـ المولوي!ة الجَعْليّ!!ة المجعول!!ة من قِبَ!ل الم!!ولى الحقيقي‪ ،‬من‬
‫قبيل‪ :‬المولوية المجعولة للنبي األكرم| واألئمّة األطهار^‪ .‬وه!!ذا الن!!وع‬

‫‪ 266‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫من المولوية تابعٌ ـ في سعة وض!!يق دائ!!رة المولويّ!!ة وح!!قّ الطاع!!ة ـ‬


‫للجَعْل المجعول من قِبَل المولى الحقيقي‪.‬‬
‫ب ـ المولوية التي يجعلها العقالء لبعضهم في إط!!ار التواف!!ق فيم!!ا‬
‫بينهم‪ ،‬من قبيل‪ :‬المولوية للحكّام والموالي االجتماعيّين‪.‬‬
‫وهذا النوع من المولوية ت!ابعٌ في س!عة وض!يق المولوي!ة ول!زوم‬
‫الطاعة لذلك الجَعْل والتوافق العقالئي(‪.)632‬‬
‫وعليه‪ ،‬ال يمكن البحث في الحجِّية ـ من وجهة نظر السيد الش!!هيد‬
‫الصدر ـ دون النظر إلى آفاق وأبعاد المولويّة‪ .‬وكذلك لو بدأنا تحليلنا‬
‫في مورد ما يقتضيه حكم العقل في الشبهات البَدْوية‪ ،‬دون النظر إلى هذا‬
‫البُعْد‪ !،‬فسوف نصل إلى نتائج خاطئ!!ةٍ؛ وذل!!ك ألنن!!ا ل!!و دقَّقن!!ا النظ!!ر‬
‫فسوف ندرك أن البحث عن الحجِّية والمنجِّزي!ة يع!ود إلى دائ!رة ح!قّ‬
‫الطاعة‪ ،‬وحيث إن حقّ الطاعة تعبيرٌ آخ!!ر عن المولوية(‪ )633‬ف!!إن البحث‬
‫عن الحجِّية والمنجِّزية يعود في الحقيقة إلى مولوية الم!!ولى‪ .‬وإن م!!ا‬
‫هو الحجّة والمنجِّز يرتبط ارتباط!!اً مباش!راً ب!دائرة المولوي!!ة وح!!قّ‬
‫الطاعة للمولى‪ .‬فلو افترَضْنا المورد داخالً ضمن دائرة مولوي!!ة الم!!ولى‬
‫فإن العقل س!!يحكم قطع!!اً بتنج!!يزه‪ ،‬وقُبْح مخالفت!!ه‪ ،‬واس!!تحقاق فاعل!!ه‬
‫للعقاب‪ .‬وأما إذا افترضنا المورد خارجاً عن دائرة المولويّة وحقّ الطاعة‬
‫فإن العقل ال يحكم هنا بالتنجُّز‪ .‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬يمكن القول في األساس‬
‫بأن موضوع الحكم بالتنجيز يكمن في تحقُّق مولويّة المولى‪ .‬وعليه ل!!و‬
‫لم يكن هناك وجودٌ لهذه المولوية يكون موضوع حكم العق!!ل ب!!التنجُّز‬
‫منتفياً‪ ،‬وبالتالي يكون الحكم بالتنجيز منتفياً أيضاً‪.‬‬
‫وعلي!!ه‪ ،‬يتّض!!ح طبق!!اً له!!ذا التفص!!يل المتق!!دِّم أن البحث في‬
‫المنجِّزية يعود إلى المولوية؛ بحيث يُعَدّ كلّ نوعٍ من أنواع التفص!!يل‬
‫العقليّ في الحجِّية في الحقيق!!ة تفص!!يالً في المولوية(‪ .)634‬وال يص!!حّ‬
‫الفصل بين دائرة «المولويّة وحقّ الطاعة» ودائرة «الحجِّية والتنج!!يز‬
‫العقلي»‪ ،‬بل هناك ارتباطٌ وثيق بين هاتين الدائرتين‪ .‬ول!!ذلك يجب من‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪267‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫الناحية المنهجية أن نبحث أوّالً في دائرة مولوية وحقّ الطاعة للمولى‪.‬‬


‫وعليه تكون خالصة المدَّعى إلى هنا هي أن مولوية المولى تش!!مل‬
‫حتّى موارد عدم حصول القطع بالتكليف‪ .‬وعليه‪ ،‬حتّى لو توهَّم المكلَّف‬
‫التكليف ثبتَتْ في حقِّه مولوية الم!!ولى وح!!قّ الطاع!!ة‪ .‬ومن هن!!ا ف!!إن‬
‫جميع هذه الحاالت تكون مشمولةً للتنجُّز العقلي‪ ،‬باستثناء حالة القط!!ع‬
‫بعدم التكليف‪ .‬ولذلك يتمّ على هذا األساس إنكار قاعدة قُبْح العقاب بال‬
‫بيان‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإنه طبقاً لما تق!!دَّم من بي!!ان آراء الس!!يد الش!!هيد الص!!در‬
‫ضمن هذه المقدّمات الثالثة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إن الحجِّية والمنجِّزية من شؤون المولوية ـ دون القطع ـ‪،‬‬
‫وإن الفصل بين هاتين الدائرتين خاطئٌ‪ ،‬على ما تقدَّم إثباته‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ال موضوعية للقطع بما هو قطعٌ‪ ،‬بل ال!!ذي ل!!ه الموض!!وعية‬
‫هو ذات االنكشاف‪ ،‬سواءٌ أك!!ان على نح!!و القط!!ع أو االحتم!!ال (الش!!امل‬
‫للظنّ والشكّ والوَهْم)‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬التفكيك بين دائرة الطاعة للموالي العُرْفيين ودائرة الطاعة‬
‫للمولى الحقيقي؛ حيث لكلتا الدائرتين مقتض!!ياتٌ مختلف!!ة‪ ،‬وإن مولوي!!ة‬
‫اهلل سبحانه وتعالى مولوية ذاتية‪.‬‬
‫يثبت طبقاً لهذه المقدّمات الثالثة أن هذه المالكيّة والمنعميّ!!ة هلل‬
‫تعالى تقتضي منّا وجوب امتث!!ال الحكم‪ ،‬وثب!!وت ح!!قّ الطاع!!ة‪ ،‬حتّى في‬
‫ظرف الشكّ بالحكم الش!!رعي‪ .‬وعلي!!ه‪ ،‬ال يبقى هن!!اك موض!!عٌ لجري!!ان‬
‫البراءة‪ ،‬التي تستند إلى قاعدة قُبْح العقاب بال بيانٍ‪.‬‬
‫وأرى أنه‪ ،‬بعد االلتفات إلى م!!ا تق!!دَّم من األبح!!اث‪ ،‬ال يبقى هن!!اك‬
‫شخصٌ ال يقول بس!!عة دائ!!رة المولويّ!!ة بالنس!!بة إلى الم!!ولى الحقيقي‪،‬‬
‫وذلك بالنحو الشامل حتّى للتكاليف الموهومة أيضاً(‪.)635‬‬

‫النتيجة‬

‫‪ 268‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫نظريتي الروحاني والصدر‬
‫ْ‬ ‫• إنكار قاعدة قبح العقاب بال بيان‪ ،‬دراسة مقارنة بين‬

‫نص!!ل من خالل الت!!دقيق في نظ!!ريّتَيْ الس!!يد الروح!!اني والس!!يد‬


‫الشهيد الصدر إلى هذه النتيجة‪ ،‬وهي أن!!ه على ال!!رغم من أن كال ه!!ذين‬
‫العَلَمين قد أنكر القاعدة العقلية القائلة بقُبْح العق!!اب بال بي!!انٍ‪ ،‬إالّ أن‬
‫الطريق الذي سلكاه في إنكار هذه القاعدة ك!ان مختلف!اً تم!ام االختالف‪،‬‬
‫وبالتالي فإن النتائج التي توصَّال إليها من خالل ذل!!ك ك!!انت مختلف!!ةً‬
‫أيضاً‪.‬‬
‫وباختصارٍ‪ ،‬فإن السيد الروحاني سعى إلى إبطال قاعدة قُبْح العقاب‬
‫بال بي!!انٍ‪ ،‬من خالل مناقش!!ة األق!!وال الثالث!!ة في بي!!ان ماهيّ!!ة العق!!اب‬
‫والثواب‪ .‬والنتيجة التي توصَّل إليها هي مجرّد الخَدْش في قاع!!دة قُبْح‬
‫العقاب وإبطالها‪ ،‬دون أن يكون ل!!ه رأيٌ من الناحي!!ة اإلثباتي!!ة‪ .‬وبعب!!ارةٍ‬
‫أخرى‪ :‬إنه لم يقُلْ بتنجُّز التكليف واس!!تحقاق العب!!د للعق!!اب حتّى في‬
‫ظرف الشك أيضاً؛ العتقاده بعدم العلم بمالك ترتُّب العق!!اب األخ!!روي‪.‬‬
‫وعليه؛ حيث ال نعلم ما هو المالك في ترتُّب العقاب األخروي‪ ،‬ال نستطيع‬
‫س!! كَتَ‬
‫القول بقُبْح أو عدم قُبْح العقاب في ظرف الشكّ‪ .‬ولذلك فقد َ‬
‫عن بيان هذه المسالة‪.‬‬
‫وأما السيد الشهيد الصدر فإنه‪ ،‬من خالل بحث وتنقيح االختالف بين‬
‫المولى الحقيقي والم!!والي العُرْف!!يين‪ ،‬ق!!ال ببطالن القي!!اس بين ه!!ذين‬
‫النوعين من المولوية‪ .‬وبعد ذل!!ك س!!عى ـ من خالل بحث س!!عة دائ!!رة‬
‫مولوية المولى الحقيقي من جه!ةٍ‪ ،‬وع!!دم ص!حّة الفص!ل بين المولوي!ة‬
‫والحجِّية من جهةٍ أخرى ـ إلى إبطال نظريّة المشهور‪ .‬وبن!!اءً على م!!ا‬
‫قدَّمه سماحته من البيان في هذا الشأن ق!!ال‪ :‬أوّالً‪ :‬ببطالن قاع!!دة قُبْح‬
‫العقاب بال بيانٍ؛ وثاني!!اً‪ :‬بتنجُّ!!ز التكلي!!ف في ظ!!رف الش!!كّ ب!!الحكم‬
‫الشرعي‪ ،‬واستحقاق العبد للعقاب في ظرف الش!!كّ في حال!!ة المخالف!!ة‪.‬‬
‫وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إنه يرى أن القاعدة األوّلية والعقليّة في ظ!!رف الش!!كّ‬
‫في التكليف واحتماله هي االحتياط‪ ،‬وليس الترخيص أو اإلباحة‪.‬‬
‫وبطبيعة الحال ال بُدَّ من التذكير في نهاية المط!!اف ب!!أن الس!!يد‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪269‬‬
‫• الشيخ محمد حسن ُگلي شير دار ‪ /‬أ‪ .‬علي محمدي هويه ‪ /‬الشيخ سپهر كرد‬

‫الشهيد ي!!رى أن له!!ذا الحكم العقليّ ماهيّ!ةً تعليقيّ!!ة؛ بمع!!نى أن الحكم‬


‫العقليّ بوجوب االمتثال معلَّ!!قٌ على ع!!دم ورود ال!!ترخيص ب!!الترك من‬
‫قِبَل المولى الحقيقي‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫‪ 270‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‬


‫قراءةٌ نقديّة في النصوص الدينيّةـ‬
‫(‪)636‬‬
‫(الزواج والتشنيع نموذجاً)‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ سعيد نورا‬
‫(**)*)‬
‫الشيخ مهدي قاسمي‬

‫المدخل‬
‫نحن اليوم نواجه منعطفاً تاريخياً في المب!!احث الفقهي!!ة‪ ،‬حيث إنّ‬
‫الفقه في هذه العقود األخيرة واجه الكثير من التساؤالت‪ ،‬وال تك!اد توج!!د‬
‫مسألةٌ فقهية إالّ وعليها الكثير من اإلشكاليات والتساؤالت الج!!ادّة‪ ،‬حتّى‬
‫بِتْنا مع األسف في موقف الدفاع أكثر منّا في موقف الهجوم‪.‬‬
‫وهذا يتطلّب منّا أن نهتمّ بالمباحث الفقهي!!ة اإلش!!كالية أك!!ثر من‬
‫اهتمامتنا بالمباحث الفقهية المكرَّرة والواضحة‪ ،‬بل علينا أن نأخذ بزمام‬
‫األمور‪ ،‬ونحاول اكتشاف رؤي!!ة الش!!ريعة تج!!اه الموض!!وعات المختلف!!ة‪،‬‬
‫مقدَّماً على التحدّيات التي من المتوقَّع أن تطرح في الساحة الثقافيّ!!ة‬
‫والعلميّة‪ ،‬ال أن نقف مكتوفي األيدي حتّى تط!!رح المس!!ائل واإلش!!كاليات‪،‬‬
‫ثمّ نحاول وضع الحلول‪ ،‬بعد أن تكون هذه اإلشكاليّات قد أخ!!ذت ض!!حايا‬
‫كثيرةً من شبابنا وفتياتنا‪.‬‬
‫ومن المواضيع التي أثارت جَدَالً واسعاً في العقود األخيرة مس!!ألة‬
‫ٌ‬
‫باحث في الحوزة العلميّة في قم‪ ،‬وطالبٌ في مرحلة الدكتوراه في قسم‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫«الكالم اإلمامي» في جامعة طهران ـ پرديس فارابي‪.‬‬


‫ٌ‬
‫باحث في الحوزة العلميّة في قم‪ ،‬وطالبٌ في مرحلة الدكتوراه في قسم‬ ‫(**)‬
‫*)‬

‫«العلوم االجتماعية» في جامعة طهران ـ پرديس فارابي‪.‬ـ‬


‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪271‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫حقوق المرأة‪ ،‬التي بلغت ذَرْوته!!ا بع!!د أن ط!!رحت م!!دارس فكريّ!!ة‪ ،‬من‬
‫قبيل‪ :‬الفمينيسم ((‪ Feminism‬واألومانيس!م (‪ ،)Humanism‬في الع!الم‪ ،‬حيث‬
‫اعتبر بعضٌ األحكام الدينية معارضةً لحقوق اإلنسان وما شابه ذلك‪.‬‬
‫ومن هذه الموضوعات التي ترتبط بحقوق المرأة كراه!!ةُ ال!!زواج‬
‫من المرأة العقيم‪ ،‬التي طُرحت في الكثير من الكتب الفقهية‪ ،‬األمر ال!!ذي‬
‫اعتبر دليالً على عدم عدالة الشريعة اإلسالميّة؛ ألنّه!ا اتّخ!!ذت المع!ايير‬
‫الخَلْقية للحكم على النساء‪ ،‬بينما المع!!ايير الخُلُقي!!ة هي ال!!تي يمكن أن‬
‫تكون معياراً للتفضيل بين النساء‪ .‬فما هو ذنب هذه المرأة ال!!تي وُل!!دَتْ‬
‫عقيماً؛ لتأتي الش!!ريعة اإلس!!الميّة وتتعام!!ل معه!!ا كأنّه!!ا مص!!داقٌ من‬
‫مصاديق الشرّ‪ ،‬أو تصفها بأن حصيراً في ناحية البيت أفضل منها؟!‬
‫ال نريد أن نبحث هنا في إطار فلسفة األحكام‪ ،‬وتوجي!!ه ه!!ذا الحكم‪،‬‬
‫وإنّما نريد أن نركِّز على أصل ثبوت هذا الحكم في الشريعة اإلسالمية؛‬
‫لنرى مدى صحّة انتساب هذا الحكم إلى الش!!ريعة اإلس!!المية؛ إذ ال يص!!ل‬
‫الدَّوْر إلى تبرير هذا الحكم وفلسفته إنْ لم يثبت كونه من الشريعة‪.‬‬
‫سوف نقدِّم البحث القرآني على البحث الروائي؛ إيماناً منّا بتقديم‬
‫الكتاب على الحديث في فهم ال!!دِّين‪ ،‬كم!!ا ورد في النص!!وص الحديثي!!ة‬
‫نفسها‪ ،‬النصوص التي عُرفَتْ بنصوص العَرْض على الكتاب؛ حيث ال نرى‬
‫اختصاص!ها بمج!ال معارض!ة األح!اديث فق!ط‪ ،‬ب!ل هي معي!ارٌ لحجِّي!ة‬
‫النصوص الحديثية نفسها‪ .‬فالخبر المخالف للقرآن الكريم ليس بحجّ!!ةٍ‪،‬‬
‫ال أنّها حجّةٌ في نفسها‪ ،‬لكنّها في مجال التعارض تس!!قط عن الحجِّي!!ة‪.‬‬
‫فالبحث القرآني يمثِّل البِنْية التحتيّة لالجتهاد الفقهيّ عموماً‪.‬‬
‫وبما أنّ مثل اإلجماع والشهرة ليس!!ت دليالً مس!!تقالًّ في االجته!!اد‬
‫اإلمامي‪ ،‬وإنّما هي كاش!!فةٌ عن السُّ! نَّة‪ ،‬وال ن!!رى كاش!!فيّة اإلجم!!اع‬
‫والشهرة في مثل هذه المسألة‪ ،‬فال نخوض في البحث فيهما‪.‬‬
‫فتكون محاور البحث ـ بعد المقدِّمة ـ محوران‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫المحور األوّل‪ :‬موقف القرآن الكريم من المرأة العقيم‪.‬‬

‫‪ 272‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫المحور الثاني‪ :‬موقف النصوص الحديثيّة من المرأة العقيم‪.‬‬


‫المقدّمة‪ :‬تحرير مح ّل النزاع‬
‫يظهر من كلمات الكث!!ير من الفقه!!اء الق!!ول بكراه!!ة ال!!زواج من‬
‫المرأة العقيم(‪)637‬؛ وبعضهم عبَّر باستحباب الزواج من المرأة الولود(‪)638‬؛‬
‫والمحقِّق الكركي يفسِّرها بـ «ما من شأنها ذلك‪ ،‬بأن تك!!ون في س!!نّ‬
‫الوالدة‪ ،‬والغالب على قراباته!!ا ذل!!ك‪ ،‬ولم ت!!دلّ العالم!!ات الظنِّي!!ة على‬
‫عقمها»(‪)639‬؛ ألنّ العلم لم يكن متطوِّراً في ذلك الزمان؛ ليعرفوا س!!بب‬
‫العقم‪.‬‬
‫والظاهر من هذه الفتاوى أنّ الكراهة هنا مولويّ!!ة‪ ،‬أو س!!اكتة عن‬
‫هذا الموضوع!‪.‬‬
‫ولكنّ السيد الخوانس!!اري يص!!رِّح في كالم!!ه ب!!أنّ الكراه!!ة هن!!ا‬
‫إرشاديةٌ‪ ،‬كإرشادات الطبيب‪ ،‬حيث ق!!ال‪« :‬النص!!وص ال!!واردة في ص!!فات‬
‫الزوجة ليست مولويةً تكليفيةً‪ ،‬إنم!!ا هي إرش!!ادية‪ ،‬كإرش!!ادات الط!!بيب‪،‬‬
‫يعني تريد أن تقول‪ :‬في مثل المرأة العقيم أو الثيِّب قد تكثر المشاكل‪.‬‬
‫فليس فيها ش!أن المولوي!ة‪ ،‬فيلغى! خصوص!ية المولوية»(‪ .)640‬وعلي!ه‪ ،‬لن‬
‫تك!!ون ه!!ذه القض!!ية دينيّ!ةً وإنّم!!ا قض!!يّة عقالئيّ!!ة‪ ،‬يفهمه!!ا اإلنس!!ان‪،‬‬
‫ويصدِّقها في تجربة حياته‪.‬‬
‫بعد مالحظة النصوص في المق!!ام‪ ،‬وهي عم!!دة ال!!دليل على الق!!ول‬
‫بكراه!!ة ال!!زواج من الم!!رأة العقيم‪ ،‬س!!نجد أنّ هن!!اك أم!!رَيْن تجب‬
‫مالحظتهما‪ ،‬ومحاولة اكتشاف رؤية الشريعة اإلسالمية فيهما‪:‬‬
‫األمر األوّل‪ :‬كراهة الزواج من المرأة العقيم كراهةً قانونيّة‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬تشنيع كرامة المرأة العقيم‪.‬‬
‫رُبَما ال يستفاد من بعض النصوص اآلتية الكراهة القانونية‪ ،‬ولكنّها‬
‫قد تتضمّن تشنيعاً في حقّ الم!!رأة العقيم‪ ،‬مش!!تملةً على تع!!ابير رُبَم!!ا‬
‫تبدو غير منسجمةٍ مع عدالة الش!!ريعة اإلس!!المية‪ .‬فيجب أن نأخ!!ذ بعين‬
‫االعتبار هذين األمرَيْن معاً؛ لنرى مدى صحّة انتساب ك!!لٍّ منهم!!ا إلى‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪273‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫الشريعة اإلسالمية‪.‬‬

‫النص القرآني‬
‫ّ‬ ‫المحور األ ّول‪ :‬المرأة العقيم في‬
‫يُعتبر! القرآن الكريم المصدر األساس في استنباط القضايا الفقهية؛‬
‫فنبدأ الحديث عن رؤية القرآن الكريم تجاه الزواج من الم!!رأة العقيم من‬
‫ناحيةٍ‪ ،‬وتجاه التشنيع في حقّه!!ا من ناحي!!ةٍ أخ!!رى؛ فنقس!!م البحث إلى‬
‫مرحلتين‪:‬‬
‫المرحل!!ة األولى‪ :‬موق!!ف الق!!رآن الك!!ريم من ال!!زواج من الم!!رأة‬
‫العقيم‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬توصيف القرآن الكريم للمرأة العقيم‪.‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬موقف القرآن‪ 6‬من الزواج بالمرأة العقيم‬


‫ال نجد في القرآن الكريم آيةً صريحة تتحدَّث عن حكم الزواج من‬
‫المرأة العقيم‪ ،‬مع أنّنا نجد القرآن الكريم تناول موضوع! صفات الزوج!!ة‬
‫في بعض آياته الشريفة‪ .‬فنستعرض هنا اآليات ال!تي تتح!دَّث عن ص!فات‬
‫الزوجة؛ لنرى هل نستطيع! الوصول إلى شيءٍ من ذلك؟ أو هل نس!!تطيع‬
‫أن نستدلّ باإلطالق المقامي في هذه اآليات لنفي الحكم بكراه!!ة ال!!زواج‬
‫من المرأة العقيم‪ ،‬قرآنيّاً‪ ،‬أو ال؟‬
‫إذا راجَعْنا القرآن الكريم؛ لنستخرج اآليات التي تتحدَّث عن صفات‬
‫الزوجة‪ ،‬سنجد ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ الص!!الح‪﴿ :‬وَأَنكحُ!!وا األَيَ!!امَى مِنْكُمْ والص!َّ! الِحِينَ مِنْ‬
‫عِبَادِكُمْ وإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُ!!وا! فُقَ!!رَاءَ يُغْنِهِمُ اهللُ مِنْ فَضْ! لِهِ‬
‫واهللُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (النور‪ .)32 :‬وقد دعا القرآن إلى ت!!زويج األي!!امى‬
‫مطلقاً‪ ،‬وقيّد تزويج العباد واإلماء بالصالح‪.‬‬
‫يَس! تَطِعْ مِنْكُمْ طَ!وْالً أَنْ‬
‫‪2‬ـ اإلحص!!ان واإليم!!ان‪﴿ :‬وَمَنْ لَمْ ْ‬
‫يَنْكِحَ الْمُحْصَ! نَاتِ الْمُؤْمِنَ!!اتِ فَمِنْ مَ!!ا مَلَكَتْ أَيْمَ!!انُكُمْ مِنْ‬

‫‪ 274‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫بَعْض!! كُمْ مِنْ بَعْضٍ‬‫ُ‬ ‫فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ واهللُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ‬


‫فَانْكِحُوهُنَّ بِ!!إِذْنِ أَهْلِهِنَّ وآتُ!!وهُنَّ أُجُ!!ورَهُنَّ بِ!!الْمَعْرُوفِ‬
‫أُحْص!! نَّ‬
‫ِ‬ ‫مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ والَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا‬
‫فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَ!!ا عَلَى الْمُحْصَ! نَاتِ مِنَ‬
‫الْعَذَابِ ذلِ!!كَ لِمَنْ خَشِ! يَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وأَنْ تَصْ! بِرُوا خَيْ!!رٌ‬
‫لَكُمْ واهللُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (النساء‪.)25 :‬‬
‫‪3‬ـ العف!!اف واإليم!!ان‪﴿ :‬ال!!زَّانِي الَ يَنْكِحُ إِالَّ زَانِيَ!!ةً أَوْ‬
‫مُش! رِكٌ وحُ!رِّمَ‬ ‫ْ‬ ‫مُشْرِكَةً والزَّانِيَ!ةُ الَ يَنْكِحُهَ!ا إِالَّ زَانٍ أَوْ‬
‫ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النور‪.)3 :‬‬
‫‪4‬ـ اإليمان‪ ﴿ :‬وَالَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ولَأَمَةٌ‬
‫مُش!! رِكَةٍ ولَ!!وْ أَعْجَبَتْكُمْ والَ تُنْكِحُ!!وا‬ ‫ْ‬ ‫مُؤْمِنَ!!ةٌ خَيْ!!رٌ مِنْ‬
‫مُش!! رِكٍ‬
‫ْ‬ ‫الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا ولَعَبْدٌ مُ!!ؤْمِنٌ خَيْ!!رٌ مِنْ‬
‫ولَ!!وْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِ!!كَ يَ!!دْعُونَ إِلَى النَّ!!ارِ واهللُ يَ!!دْعُو إِلَى‬
‫الْجَنَّ!!ةِ والْمَغْفِ!!رَةِ بِإِذْنِ!!هِ ويُبَيِّنُ آيَاتِ!!هِ لِلنَّ!!اسِ لَعَلَّهُمْ‬
‫يَتَذَكَّرُونَ﴾ (البقرة‪)221 :‬؛ وكذلك ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُ!!وا إِذَا‬
‫جَ!!!اءَكُمُ الْمُؤْمِنَ!!!اتُ مُهَ!!!اجِرَاتٍ فَ!!!امْتَحِنُوهُنَّ اهللُ أَعْلَمُ‬
‫بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُ!!وهُنَّ مُؤْمِنَ!!اتٍ فَالَ تَرْجِعُ!!وهُنَّ إِلَى‬
‫الْكُفَّارِ الَ هُنَّ حِ!!لٌّ لَهُمْ والَ هُمْ يَحِلُّ!!ونَ لَهُنَّ وآتُ!!وهُمْ مَ!!ا‬
‫أَنْفَقُ!!وا والَ جُنَ!!احَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُ!!وهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُ!!وهُنَّ‬
‫واس! أَلُوا مَ!ا أَنْفَقْتُمْ‬
‫ْ‬ ‫بِعِص! مِ الْكَ!وَافِرِ‬
‫َ‬ ‫أُجُورَهُنَّ والَ تُمْسِكُوا‬
‫ولْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُ!!وا ذلِكُمْ حُكْمُ اهللِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ واهللُ عَلِيمٌ‬
‫حَكِيمٌ﴾ (الممتحنة‪.)10 :‬‬
‫عَس!! ى رَبُّ!!هُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَ!!هُ‬ ‫‪5‬ـ القن!!وت و‪َ ﴿ :...‬‬
‫مُس!! لِمَاتٍ مُؤْمِنَ!!اتٍ قَانِتَ!!اتٍ تَائِبَ!!اتٍ‬ ‫ْ‬ ‫أَزْوَاج!!اً خَيْ!!راً مِنْكُنَّ‬
‫عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً﴾ (التحريم‪ .)5 :‬وقد يس!!تفاد من‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪275‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫هذه اآلية أن هذه الصفات التي ذُك!!رت؛ بقرين!!ة «خَيْ!!راً مِنْكُنَّ»‪ ،‬هي‬
‫صفاتٌ راجحة ومطلوبة في الزوجات‪.‬‬
‫وال نجد في اآليات القرآنية ما يش!!ير إلى مس!!ألة ال!!والدة أو العقم‬
‫كمعيارٍ للزواج‪ ،‬ال للرجل‪ ،‬وال للمرأة‪ .‬كما ال نجد إش!!ارةً إلى الص!فات‬
‫الخَلْقية في ذلك‪ ،‬وإنمّا ركَّز القرآن الكريم على الص!!فات الخُلُقيّ!!ة‪،‬‬
‫كاإليمان‪ ،‬والصالح‪ .‬فال نستطيع أن نستدلّ! بالقرآن الكريم على كراه!!ة‬
‫الزواج من المرأة العقيم‪ ،‬بل ق!!د يُس!!تدلّ ب!!اإلطالق المق!!امي على ع!!دم‬
‫كراهة الزواج منها‪ ،‬حيث لم نجِدْ في الق!!رآن الك!!ريم‪ ،‬م!ع أنّ!!ه تن!اول‬
‫صفات الزوجة‪ ،‬إشارةً إلى شيءٍ من ذل!!ك‪ ،‬فيثبت ب!!ذلك أن ال!!زواج من‬
‫المرأة العقيم ليس مكروهاً‪ .‬وهذا مبنيٌّ على أنّ القرآن في مق!!ام بي!!ان‬
‫تمام الصفات المعتَبَرة شَرْعاً للزوجة‪.‬‬
‫وكذلك يمكن االستشهاد باآلي!!ات القرآني!!ة ال!!تي تتن!!اول مع!!ايير‬
‫التفضيل بين العباد‪ ،‬حيث يركِّز كثيراً على الص!!فات الخُلُقي!!ة‪ ،‬مث!!ل‪:‬‬
‫التقوى‪ !،‬الجهاد‪ ،‬األمر بالعدل والعلم واإلنفاق و‪.)641(..‬‬
‫وقد يستدلّ كذلك باإلطالق في قوله تعالى ﴿وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ‬
‫النِّس!! اءِ مَثْنَى‬
‫َ‬ ‫تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ‬
‫وثُالَثَ ورُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ‬
‫أَيْمَانُكُمْ ذلِ!!كَ أَدْنَى أَنْ الَ تَعُولُ!!وا!﴾ (النس!!اء‪)3 :‬؛ حيث لم يقيّ!!د‬
‫النكاح بأن تكون المرأة ولوداً أو ما شابه ذلك‪.‬‬
‫ولكنّها ال تبدو في مقام بيان تمام الصفات المعتبرة للزوج!!ة؛ كي‬
‫نتمسّك! بإطالقها‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ 6:‬توصيف القرآن‪ 6‬للمرأة العقيم‬


‫قد طرح العقم مرّةً واحدة في القرآن الك!!ريم‪ ،‬ونس!!به اهلل تب!!ارك‬
‫وتعالى إلى نفسه‪ ،‬حيث قال‪ ﴿ :‬هللِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَاألَرْضِ يَخْلُ!!قُ‬
‫مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً ويَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ‬

‫‪ 276‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وإِنَاثاً ويَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ‬


‫قَدِيرٌ﴾ (الشورى‪ 50 !:‬ـ ‪ ،)49‬فنستفيد من هذه اآلية الش!!ريفة أن العقم‬
‫من الصفات الخَلْقية‪ ،‬التي جعلها اهلل تبارك وتعالى في اإلنسان‪ .‬وكذلك‬
‫لم يفصِّل بين الرجال والنساء في ه!!ذه القض!!ية‪ .‬فال نجِ!!دُ في الق!!رآن‬
‫الكريم شيئاً من التشنيع في حقّ المرأة العقيم‪ ،‬ب!!ل أس!!ند ذل!!ك إلى اهلل‬
‫سبحانه‪ ،‬بال فرق بين الرجل والمرأة في ذلك‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ 6:‬المرأة العقيم في النصوص الحديثية‬


‫كما قلنا سابقاً نحن أمام إشكالين أساسين‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫‪1‬ـ الكراهة القانونية للزواج من المرأة العقيم (أو استحباب الزواج‬
‫من المرأة الولود)‪.‬‬
‫‪2‬ـ التشنيع على المرأة العقيم؛ بسبب عقمها‪.‬‬
‫وسوف نحاول أن نرصد النصوص الحديثية من ه!!اتين الزاوي!!تين؛‬
‫لنستكشف رؤية الشريعة اإلسالمية تجاه ه!!ذَيْن األم!!رَيْن؛ فنقس!!م ه!!ذه‬
‫النصوص إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم األوّل‪ :‬النصوص القانونية الدالّ!!ة على كراه!!ة ال!!زواج من‬
‫المرأة العقيم‪ ،‬أو استحباب ال!!زواج من الم!!رأة الول!!ود‪ .‬وه!!ذه الرواي!!ات‬
‫تشتمل على تعابير قانونية‪ ،‬مثل‪ :‬صيغة األمر أو النهي‪ ،‬ولهذا تكون أكثر‬
‫داللةً على مسألة الكراهة القانونيّة للزواج من المرأة العقيم‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬النصوص التوصيفيّة الدالّة على التشنيع على الم!!رأة‬
‫العقيم‪ .‬فهناك رواي!!ات ال تش!!تمل على تع!!ابير قانوني!!ة‪ ،‬وإنم!!ا تس!!تخدم‬
‫توصيفاتٍ معيَّنة بالنسبة إلى المرأة العقيم‪ ،‬والزواج منه!!ا‪ ،‬ال!!تي ق!!د ال‬
‫يُستفاد منها الكراهة القانونية‪ !،‬ولكنّها من حيث استخدامها تعابير معيَّنة‬
‫بالنسبة إلى المرأة العقيم جديرةٌ باالهتمام‪.‬‬
‫ثمّ يستمرّ البحث في كلّ قسمٍ من خالل مرحلتين‪:‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪277‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫المرحلة األولى‪ :‬الدراسة التفصيلية للروايات‪ .‬وفي ه!!ذه المرحل!!ة‬


‫نحاول أن نجمع جميع الروايات المتَّص!لة به!ذا الموض!وع! من المص!ادر‬
‫الحديثية‪ ،‬اإلمامية والسنّية‪ ،‬وندرسها دراسةً سندية وداللية‪.‬‬
‫دَرَس! نا‬
‫ْ‬ ‫المرحلة الثانية‪ :‬الدراس!ة االجماليّ!ة للرواي!ات‪ .‬فبع!د أن‬
‫جميع الروايات مستقلّةً سوف نحاول أن ندرسها جميعاً إلى جانب بعضها‬
‫البعض؛! لنخرج بنتيجةٍ شاملة عن رؤية السُّنَّة الش!!ريفة تج!!اهَ الم!!رأة‬
‫العقيم‪ ،‬والزواج منها‪.‬‬

‫أ ّوالً‪ :‬النصوص القانونية في كراهة الزواج بالمرأة العقيم أو استحباب‪ 6‬ال‪66‬زواج ب‪66‬المرأة‬
‫الولود‪ ،‬رص ٌد تفصيل ّي‬
‫سوف ندرس هنا الروايات‪ ،‬التي وجَدْناها في التراث اإلماميّ‪ ،‬ال!!تي‬
‫تشتمل على تعابير قانونية (األوامر والنواهي) تتّصل بكراهة ال!!زواج من‬
‫المرأة العقيم‪ ،‬أو استحباب الزواج من المرأة الول!!ود‪ .‬وس!!نبدأ! بالرواي!!ات‬
‫التي تتحدَّث مباش!!رةً عن العقيم‪ ،‬وس!!نختم بالرواي!!ات ال!!تي تحثّ على‬
‫الزواج بالوَلُود‪.‬‬
‫وبما أن هذه الروايات تشتمل على الصيغ القانونية‪ ،‬كاألمر والنهي‪،‬‬
‫تكون داللتها على الكراه!!ة القانوني!!ة أو االس!!تحباب الق!!انوني أق!!وى من‬
‫غيرها‪ ،‬وكذلك يكون حملها على اإلرشاديّة أصعب‪.‬‬
‫وسوف نركِّز في هذا الفصل على هذه الروايات‪ ،‬ونؤجِّل الحديث‬
‫عن الروايات التوصيفية‪ ،‬التي تتضمَّن تعابير قد يب!!دو فيه!!ا تش!!نيعٌ في‬
‫حقّ المرأة العقيمة إلى القس!!م الث!!اني من البحث؛ حيث خصَّص!!نا بحث!!اً‬
‫مستقالًّ في هذا الموضوع‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬قد يُس!!تفاد من تل!!ك األح!!اديث كراه!!ة ال!!زواج من الم!!رأة‬
‫العقيمة بالداللة االلتزامية‪ ،‬فلذلك نعقد بحثاً صغيراً عن مَ!!دَى ص!!حّة‬
‫هذه المالزمة‪ ،‬بعد االنته!!اء من دراس!!ة الرواي!!ات القانوني!!ة في التحلي!!ل‬
‫اإلجماليّ لها‪.‬‬

‫‪ 278‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫‪1‬ـ «تز َّو ْج سوءاء ولوداً»‬


‫وهي صحيحة عبد اهلل بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد اهلل× قال‪« :‬جاء رج!!لٌ‬
‫إلى رسول اهلل|‪ ،‬فقال‪ :‬يا ن!!بيّ اهلل‪ ،‬إنّ لي ابن!!ة عمّ ق!!د رض!!يتُ جماله!!ا‬
‫وحُسْنها ودينها‪ ،‬ولكنّها عاقرٌ‪ ،‬فقال‪ :‬ال تزوّجها؛ إنّ يوس!!ف بن يعق!!وب‬
‫لقي أخاه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أخي‪ ،‬كيف استطعْتَ أن تتزوَّج النساء بعدي؟! فقال‪:‬‬
‫إنّ أبي أمَرَني‪ ،‬وقال‪ :‬إن استطعْتَ أن تكون ل!!ك ذرّي!!ةٌ تُثق!!ل األرض‬
‫بالتسبيح فافْعَلْ‪ .‬قال‪ :‬فجاء رجلٌ من الغ!!د إلى الن!!بيّ|‪ ،‬فق!!ال ل!!ه مث!!ل‬
‫ذلك‪ ،‬فقال له‪ :‬تزوَّج سوءاء ولوداً؛ فإنّي مكاثرٌ بكم األمم يوم القيامة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقلتُ ألبي عبد اهلل×‪ :‬ما السوءاء؟ قال‪ :‬القبيحة»(‪.)642‬‬
‫وقد ورد ما يشبه ذلك في المصادر السنّية‪ ،‬بما لفظه‪ :‬عَنْ عَبْ!!دِ‬
‫وَعَاص!!! مِ ابْنِ بَهْدَلَ!!!ةَ‪ ،‬أَنَّ رَجُالً أَتَى‬
‫ِ‬ ‫الْمَلِ!!!كِ بْنِ عُمَيْ!!!رٍ‬
‫النَّبِيَّﷺ‪ ،‬فَقَالَ‪ :‬ابْنَةُ عَمٍّ لِي ذَاتَ مِيسِمٍ وَمَ!!الٍ‪ ،‬وَهِيَ عَ!!اقِرٌ‪،‬‬
‫أَفَأَتَزَوَّجُهَ!!ا؟ فَنَهَ!!اهُ عَنْهَ!!ا مَ!!رَّتَيْنِ أَوْ ثَالث!!اً‪ ،‬ثُمَّ قَ!!الَ‪:‬‬
‫«المْ!!رَأَةٌ سَ! وْدَاءُ وَلُ!!ودٌ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْهَ!!ا؛ أَمَّ!!ا عَلِمْتَ أَنِّي‬
‫مُكَاثِرٌ بِكُمُ األُمَمَ‪ ،‬وَأَنَّ أَطْفَالَ األُمَمِ الْمُسْلِمِينَ يُقَ!!الُ لَهُمْ‬
‫يَوْمَ الْقِيَامَةِ‪ :‬ادْخُلُوا الْجَنَّ!!ةَ‪ ،‬فَيَتَعَلَّقُ!!ونَ بِأَحْقَ!!اءِ آبَ!!ائِهِمْ‬
‫وَأُمَّهَاتِهِمْ‪ ،‬فَيَقُولُونَ‪ :‬رَبَّنَا آبَاؤُنَا وَأَمَّهَاتُنَ!!ا‪ ،‬قَ!!الَ‪ :‬فَيُقَ!!الُ‬
‫لَهُمُ‪ :‬ادْخُلُوا الْجَنَّةَ‪ ،‬أَنْتُمْ وَآبَ!!اؤُكُمْ وَأُمَّهَ!!اتُكُمْ‪ ،‬قَ!!الَ‪ :‬ثُمَّ‬
‫يَجِيءُ الس!ِّ! قْطُ‪ ،‬فَيُقَ!!الُ لَ!!هُ‪ :‬ادْخُ!!لِ الْجَنَّ!!ةَ‪ ،‬قَ!!الَ‪ :‬فَيَظَ!!لُّ‬
‫مُحْبَنْطِئاً‪ ،‬أَيْ مُتَقَعِّس!!اً‪ ،‬فَيَقُ!!ولُ‪ :‬أَيْ رَبِّ‪ ،‬أَبِي وَأُمِّي‪ ،‬حَتَّى‬
‫يَلْحَقَ بِهِ أَبُوهُ»(‪.)643‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬يشتمل س!!ند ه!!ذه الرواي!!ة في الحقيق!!ة على‬
‫طريقين‪:‬‬
‫الطري!!ق األوّل‪ :‬ع!!دّة من أص!!حابنا‪ ،‬عن أحم!!د بن محم!!د‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن عبد اهلل بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد اهلل×‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪279‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫الطري!!ق الث!!اني‪ :‬ع!!دّة من أص!!حابنا‪ ،‬عن س!!هل بن زي!!اد‪ ،‬عن ابن‬


‫محبوب‪ ،‬عن عبد اهلل بن سنان‪ ،‬عن أبي عبد اهلل×‪.‬‬
‫والسند الثاني ضعيفٌ؛ بسبب اشتماله على سهل بن زياد‪.‬‬
‫لكنّ السند األول صحيحٌ ال غبار عليه‪.‬‬
‫فهذه الرواية من الناحية السندية تامّةٌ‪ .‬وبناءً على حجِّية الخ!!بر‬
‫الواحد الثقة يمكن االعتماد عليها‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬هذه الرواية وإنْ كانت صادرةً في الج!!واب‬
‫عن سؤال ش!!خصٍ معين‪ ،‬وه!!ذا يق!!وى في!!ه احتم!!ال الخصوص!!ية‪ ،‬ولكنّ‬
‫التعليل بأمرٍ عامّ‪ ،‬وهو اإلكثار من ذرّيةٍ تُثقل األرض بالتسبيح‪ ،‬يُبع!!د‬
‫احتمال الخصوصية‪ .‬فتكون الرواية عامّةً حينئذٍ‪ ،‬مع األخذ بعين االعتبار‬
‫التعليل الوارد فيه‪ .‬وتربط هذه الرواية بين كراهة ال!!تزويج من الم!!رأة‬
‫العقيم ومسألة النس!!ل‪ ،‬وس!!يأتي الح!!ديث عن ه!!ذه النقط!!ة في التحلي!!ل‬
‫اإلجماليّ للنصوص‪.‬‬
‫وتشتمل هذه الرواية على صيغة النهي‪ .‬وهناك خالفٌ في داللة هذه‬
‫الصيغة على الحرمة؛ حيث ذهب الكث!!ير من علم!!اء األص!!ول إلى كونه!!ا‬
‫موضوعةً للداللة على الحرمة‪ .‬وسوف ندرس في التحليل اإلجم!!اليّ ه!ل‬
‫يمكن القول بالحرمة استناداً إلى مثل هذه الرواية أو ال؟‬

‫‪2‬ـ «تز َّوجوا‪...‬ولوداً‪ ،‬وال تز َّوجوا‪...‬عاقراً»‬


‫وهي صحيحة محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر× ق!!ال‪« :‬ق!!ال رس!!ول‬
‫اهلل|‪ :‬تزوَّجوا بِكْراً ولوداً‪ ،‬وال تزوَّجوا حس!!ناءَ جميل!!ة ع!!اقراً؛ ف!!إنّي‬
‫أباهي بكم األمم يوم القيامة»(‪.)644‬‬
‫وكذلك ورد في المصادر السنِّية ما يشبه هذا الحديث‪ ،‬بما لفظه‪:‬‬
‫عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ‪ :‬قَالَ رَسُولُ اهللِ|‪« :‬دَعُوا الْحَسْ! نَاءَ‬
‫الْعَاقِرَ‪ ،‬وَتَزَوَّجُوا السَّوْدَاءَ الْوَلُودَ؛ فَإِنِّي أُكَاثِرُ بِكُمُ األُمَمَ‬
‫يَوْمَ الْقِيَامَةِ‪ ،‬حَتَّى السِّقْطِ يَظَ!!لُّ مُحْبَنْطِي!!اً‪ ،‬أَيْ مُتَغَضِّ! باً‪،‬‬

‫‪ 280‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫فَيُقَ!!الُ لَ!!هُ‪ :‬ادْخُ!!لِ الْجَنَّ!!ةَ‪ ،‬فَيَقُ!!ولُ‪ !:‬حَتَّى يَ!!دْخُلَ أَبَ!!وَايَ‪،‬‬


‫فَيُقَالُ‪ :‬ادْخُلْ أَنْتَ وَأَبَوَاكَ»(‪.)645‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬تعتبر ه!!ذه الرواي!!ة من الرواي!!ات المعلَّق!!ة؛‬
‫حيث علَّق الكليني سندها على الرواية التي قبلها‪ ،‬وهي صحيحة عب!!د اهلل‬
‫بن سنان‪ ،‬التي نقلناها قبل قليلٍ‪.‬‬
‫وهذه الرواية أيضاً تشتمل على طريقين‪:‬‬
‫الطريق األوّل‪ :‬عدّة من أصحابنا‪ ،‬عن أحمد بن محم!!د‪ ،‬عن الحس!!ن‬
‫بن محبوب‪ ،‬عن العالء بن رزين‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر×‪.‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬عدّة من أصحابنا‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن الحس!!ن بن‬
‫محبوب‪ ،‬عن العالء بن رزين‪ ،‬عن محمد بن مسلم‪ ،‬عن أبي جعفر×‪.‬‬
‫والسند الث!!اني ض!!عيفٌ؛ بس!!بب اش!!تماله على س!!هل بن زي!!اد‪ ،‬حيث‬
‫اعتبره النجاشي ضعيفاً في الحديث‪ ،‬غير معتمد! فيه(‪.)646‬‬
‫ولكنّ السند األوّل ال إشكال فيه‪.‬‬
‫فهذه الرواية أيضاً من الناحية السندية صحيحةٌ‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬إن هذه الرواي!!ة‪ ،‬خالف!!اً للرواي!!ة الس!!ابقة‪،‬‬
‫تتضمّن لساناً عامّاً‪ ،‬حيث لم يَرِدْ في جواب سؤال ش!!خصٍ معيَّن‪ ،‬وفي‬
‫قضيّةٍ معيَّنة‪ ،‬فيمكن استفادة حكمٍ عامّ منها‪ .‬ولكنّها أيضاً‪ ،‬كس!!ابقتها‪،‬‬
‫وردَتْ في سياق تحديد النس!!ل‪ ،‬وك!!ثرة المس!!لمين في الع!!الم‪ ،‬وس!!يأتي‬
‫الكالم عنه‪.‬‬
‫والظاهر من السياق أن زيادة صفة جميلة ليست لتقيي!د الحكم به!ا‪،‬‬
‫بأن يكون المنهيّ عنه الزواج من المرأة الجميلة العقيم!!ة‪ ،‬ب!!ل المقص!!ود‬
‫منه المبالغة في النهي من الزواج من العقيمة‪ ،‬وإنْ كانت حسناء جميلة‪.‬‬

‫‪3‬ـ «تز َّو ْجها‪...‬ولوداً‪ ،‬وال تز َّو ْجها‪...‬عاقراً»‬


‫وهي خبر سليمان بن جعفر الجعفريّ‪ ،‬عن أبي الحسن الرضا× قال‪:‬‬
‫«قال رسول اهلل| لرجلٍ‪ :‬تزوَّجْها س!!وءاء ول!!وداً‪ ،‬وال تزوَّجْه!!ا حس!!ناء‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪281‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫عاقراً؛ فإنّي مباهٍ بكم األمم يوم القيامة‪ ،‬أَوَما علمْتَ أنّ الول!!دان تحت‬
‫العرش يستغفرون آلبائهم‪ ،‬يحضنهم إبراهيم‪ ،‬وت!!ربِّيهم س!!ارة‪ ،‬في جب!!لٍ‬
‫من مسكٍ وعنبر وزعفران»(‪.)647‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬إنّ ه!!ذه الرواي!!ة ـ من الناحي!!ة الس!!نديّة ـ‬
‫ضعيفةٌ؛ ألنّ سندها يشتمل على سهل بن زياد‪ ،‬ال!!ذي اعتُ!!بر ض!!عيفاً في‬
‫الحديث‪ ،‬غير معتمد فيه‪ .‬وكذلك يش!!تمل على عليّ بن س!!عيد ال!!رقّي‪،‬‬
‫وهو مهملٌ تماماً في المصادر الرجاليّة اإلماميّة‪.‬‬
‫وقد نقل ما يشبه هذه الرواية مرسلةً‪ ،‬في كتاب النوادر‪ ،‬للراوندي‪،‬‬
‫مع اختالفٍ سيأتي ذكره‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬قد يُقال بأنّ هذه الرواية وردَتْ في قضيّةٍ‬
‫معيَّنة‪ ،‬حيث جاء فيها‪( :‬قال رسول اهلل| لرجلٍ‪ ،)...‬فاستفادة التعميم منها‬
‫يحتاج إلى تأمُّلٍ‪ .‬وقد يسهل األمر؛ ألنّ الحديث يشتمل على تعليلٍ ع!!امّ‬
‫بالنسبة إلى جميع المكلَّفين‪ ،‬وهي مباهاة الن!!بيّ| بأمّت!!ه األمم األخ!!رى‪،‬‬
‫التي تشير إلى مسألة النسل‪.‬‬
‫ولكنْ تبدو هذه المباهاة غيرُ واضحةٍ؛ إذ ما ه!!و ت!!أثير ك!!ثرة أو‬
‫قلّة األمّة المسلمة عند النبيّ|؟! وما هو دَوْر هذه الكثرة في أداء رسالته‬
‫أو في رضوانه إلى اهلل تبارك وتعالى؟ وخاصّ! ة الك!!ثرة ال!!تي نش!!أَتْ من‬
‫الوالدة‪ ،‬ال الهداية‪ .‬وإذا كان المقصود الهداي!!ة وتثقي!!ل األرض ب!!ذكر ال‬
‫إله إالّ اهلل فرُبَما كان السعي وراء هداي!!ة الكفّ!!ار والمش!!ركين أس!!هل‬
‫وأسرع بكثيرٍ من إنجاب األطفال‪ ،‬فتأمَّلْ‪.‬‬
‫إالّ أن يُقال‪ :‬إنّ األمّة اإلسالمية كانت تحتاج آن!!ذاك إلى البس!!ط‬
‫والتمدُّد‪ ،‬وكانت بحاجةٍ إلى المجاهدين يدافعون عن األمّة ال!!تي أخ!!ذت‬
‫بالظهور للتوّ‪ ،‬وكانت تواجه األعداء من الجهات المختلفة‪ ،‬كالمشركين‬
‫وأهل الكتاب‪.‬‬
‫وهو األمر الذي يقوّي احتمال الفهم التاريخي لهذه النصوص؛ حيث‬
‫نعرف جميعاً أنّ موض!!وع! النس!!ل وتحدي!!ده في الع!!الم يتب!!ع الظ!!روف‬

‫‪ 282‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫الزمكانية؛ فالنموّ السكاني يكون مطلوباً في بعض األزمنة واألمكنة؛ بينما‬


‫يكون مضرّاً في األزمنة واألمكن!!ة األخ!!رى‪ .‬وه!!ذا م!!ا نج!!ده الي!!وم في‬
‫العالم؛ فبعض البلدان التي تعاني من كثرة السكّان‪ ،‬كالص!!ين‪ ،‬يح!!اولون‬
‫التحكُّم بالسكّان؛ بغية تقليلهم؛ بينما البلدان ال!!تي تع!!اني من ش!!يخوخة‬
‫السكّان تحاول زيادة عدد السكّان عبر أساليب مختلفة‪.‬‬
‫أما ذيل هذه الرواي!!ة‪( :‬أَوَم!ا علمْتَ أن الول!!دان تحت الع!!رش‪)...‬‬
‫فغير واضحٍ؛ إذ ما هو المقصود من أن الول!!دان تحت الع!!رش؟! وم!!ا هي‬
‫عالقة هذا بالمباهاة يوم القيامة؟! وهل هذا معقول؟!‬

‫‪4‬ـ «تز َّوجوا‪...‬الولود‪ ،‬وال تتز َّوجوا‪...‬العاقر»‬


‫وهي مُرْسَلة نوادر الراوندي‪ ،‬ق!!ال‪ :‬ق!!ال رس!!ول اهلل|‪« :‬تزوَّج!!وا‬
‫السوداء الولود الودود‪ ،‬وال تتزوّجوا الحسناء الجميلة العاقر؛ فإنّي أب!!اهي‬
‫بكم األمم ي!وم القيام!ة‪ ،‬أَوَم!ا علمْتَ أن الول!دان تحت ع!رش ال!رحمن‬
‫يستغفرون آلبائهم‪ ،‬ويحضنهم إبراهيم×‪ ،‬وتربِّيهم س!!ارة÷‪ ،‬في جب!!لٍ من‬
‫مسكٍ وعنبر وزعفران»(‪.)648‬‬
‫ونجد في هذه الرواية تعبير «سوداء»‪ .‬ورُبَما كان األصل؛ بقرينة‬
‫سائر الرواي!!ات‪ ،‬وانس!!جامها م!!ع المض!!مون‪« ،‬الس!!وءاء»‪ ،‬بمع!!نى قبيح!!ة‬
‫المنظر‪ .‬وهذا التصحيف متوقَّعٌ جدّاً؛ إذ تشبه هاتان الكلمت!!ان بعض!!هما‬
‫بعضاً‪.‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬هذه الرواية مرسَلةٌ‪ ،‬ال سند لها في مص!!ادرنا‬
‫اإلماميّة‪ ،‬فهي روايةٌ ضعيفة من الناحية السنديّة‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬إنّ هذه الرواية تشبه الرواية السابقة تماماً‪،‬‬
‫مع اختالفٍ مهمّ؛ ففي الرواية السابقة كان النبيّ| يخاطب رجالً‪ ،‬وه!!ذا‬
‫يقوّي من احتمال الخصوصية‪ ،‬وإنْ أبعدنا هذا االحتم!!ال؛ بس!!بب التعلي!!ل‬
‫الموجود في الرواية‪ ،‬ولكنّ هذه الرواية من األصل روايةٌ عامّة‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪283‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬
‫‪5‬ـ « َذ ُروا‪...‬العقيم‪ ،‬وعليكم بـ‪...‬الولود»‬
‫وهي مُرْسَلة صاحب الري!!اض‪ :‬ق!!ال رس!!ول اهلل|‪« :‬ذَرُوا الحس!!ناء‬
‫العقيم‪ ،‬وعليكم بالس!!!وداء الول!!!ود؛ ف!!!إنّي مُك!!!اثِرٌ بكم األمم‪ ،‬حتّى‬
‫بالسقط»(‪.)649‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬إنّ هذه الرواية مرسَلةٌ‪ ،‬ال سند لها‪ ،‬نقلها لن!!ا‬
‫الطبرسي في كتابه «مكارم األخالق»‪ ،‬عن كتاب الري!!اض‪ ،‬ورُبَم!!ا نق!!ل‬
‫صاحب الرياض مضمون الروايات السابقة‪ ،‬فال يمكن إحراز اس!!تقالل ه!!ذه‬
‫الرواية‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬تحتوي هذه الرواية على المضمون المشترك‬
‫في الروايات السابقة‪ ،‬والتي سبق أن تحدَّثنا عنه‪.‬‬

‫‪6‬ـ «تز َّو ْج‪...‬سوءاء‪...‬؛ فإن ُهنَّ أكثر أوالداً»‬


‫وهي مُرْسَلة إسماعيل بن عبد الخالق‪ ،‬عمَّنْ حدَّثه‪ ،‬قال‪ :‬شكَوْتُ‬
‫إلى أبي عبد اهلل× قلّة ولدي‪ ،‬وأنّه ال ولد لي‪ ،‬فقال لي‪« :‬إذا أتيْتَ العراق‬
‫فتزوَّجْ امرأةً‪ ،‬وال عليك أن تك!!ون س!!وءاء»‪ ،‬قلتُ‪ :‬جُعلتُ ف!!داك‪ ،‬وم!!ا‬
‫السوءاء؟ قال‪« :‬امرأةٌ فيها قُبْحٌ؛ فإنهُنَّ أكثر أوالداً»(‪.)650‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬إنّ هذه الرواية من الناحية السنديّة ض!!عيفةٌ؛‬
‫بسبب اشتمال السند على أحمد بن عبد ال!!رحمن‪ ،‬فه!!و رج!!لٌ مهمَ!!لٌ في‬
‫المصادر الرجاليّة اإلماميّة‪ ،‬ورواياته قليلة‪.‬‬
‫وكذلك هذه الرواية مرسَلةٌ؛ حيث نقلها إسماعيل بن عبد الخالق‬
‫عمَّنْ حدَّثه‪ ،‬ولم يسمِّه‪.‬‬
‫هذا بغضّ النظر عن الخالف في إبراهيم بن هاشم‪ ،‬ال!!ذي وق!!ع في‬
‫هذا السند‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬قد وردت هذه الرواية في قض!!يّةٍ شخص!!ية؛‬
‫حيث يشتكي السائل إلى اإلمام× قلّة ولده‪ ،‬واإلمام× يرشده إلى الزواج من‬
‫المرأة السوءاء‪ ،‬مستدالًّ بأنّ الم!رأة ال!تي فيه!ا قُبْحٌ أك!ثر أوالداً‪ .‬فال‬

‫‪ 284‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫نستطيع أن نس!!تفيد! من ه!!ذه الرواي!!ة حكم!!اً عامّ!!اً‪ ،‬يتعلَّ!!ق ب!!الجميع‪.‬‬


‫والتعليل الوارد في هذا النصّ ال يُستفاد منه أكثر من قض!!يّةٍ واقعيّ!!ة‪،‬‬
‫يخبر اإلمام× فيها عن الواقع الخارجيّ‪ .‬فليست هذه الرواي!!ة ن!!اظرةً إلى‬
‫قضيّةٍ تشريعيّة لزوماً‪.‬‬

‫عرض ونقد‬
‫ٌ‬ ‫ثانياً‪ :6‬النصوص التوصيفيّة في التشنيع على المرأة العقيم‪،‬‬
‫سوف نقوم هنا بدراسة القسم الثاني من الروايات التي تتح!!دَّث عن‬
‫المرأة العقيم‪ ،‬والتي قد ال تشتمل على صيغ وتعابير قانونية‪ ،‬ولكنّه!!ا من‬
‫حيث استخدامها تعابير معيَّنة في حقّ المرأة العقيم ج!!ديرةٌ باالهتم!!ام‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪1‬ـ «شرار نسائكم‪...‬العقيم»‬


‫وهي صحيحة جابر بن عبد اهلل‪ :‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن ج!!ابر بن عب!!د‬
‫اهلل‪ ،‬قال‪ :‬سمعتُه يقول‪ :‬قال رسول اهلل|‪« :‬أَالَ أخبركم بش!!رار نس!!ائكم؟‬
‫الذليلة في أهلها‪ ،‬العزيزة مع بعلها‪ ،‬العقيم‪ ،‬الحق!!ود‪ ،‬ال!!تي ال ت!!ورَّع من‬
‫قبيحٍ‪ ،‬المتبرِّجة إذا غاب عنها بعله!!ا‪ ،‬الحص!!ان مع!!ه إذا حض!!ر‪ ،‬ال تس!!مع‬
‫قوله‪ ،‬وال تطيع أمره‪ ،‬وإذا خال بها بعلها تمنَّعَتْ منه كما تمنَّع الصعبة‬
‫عن ركوبها‪ ،‬ال تقبل منه عُذْراً‪ ،‬وال تغفر له ذَنْباً»(‪.)651‬‬
‫هذه من الروايات النبويّة الشيعيّة الصحيحة‪ ،‬ال!!تي ال يُمَ!!رُّ فيه!!ا‬
‫باإلمام×‪ ،‬وتعتبر من النوادر في األحاديث اإلمامية‪ .‬هذا الح!!ديث ق!!د ورد‬
‫في التهذيب أيضاً‪ ،‬وهن!!اك تكمل!!ةٌ(‪ ،)652‬عن أبي حَم!!زَةَ قَ!!الَ‪ :‬سَ! معتُ‬
‫جَابراً األَنصَاريَّ يُحَ!!دِّثُ قَ!!الَ‪« :‬كنَّ!!ا جُلوس!!اً م!!ع رس!!ول اهلل|‪،‬‬
‫فذكرنا النِّس!!اءَ وفض!!لَ بعض!!هنَّ على بعضٍ‪ ،‬فق!!ال رسُ! ولُ اهلل|‪ :‬أَالَ‬
‫أُخ!!برُكُم؟ فقُلن!!ا‪ :‬بلى ي!!ا رسُ! ول اهلل‪ ،‬فأخبرن!!ا‪ ،‬فق!!ال‪ :‬إنّ من خ!!ير‬
‫نسائكُمُ الوَلُود الوَدُود الستّيرة‪ ،‬العزيزة في أهلها‪ ،‬الذليل!!ة م!!ع بعله!!ا‪،‬‬
‫المُتبرِّجة مع زوجها‪ ،‬الحصان عن غ!!يره‪ ،‬ال!!تي تس!!معُ قول!!هُ‪ ،‬وتُطي!!عُ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪285‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫أمرهُ‪ ،‬وإذا خال بها بذلت لهُ ما أراد منها‪ ،‬ولم تبذَّل لهُ تبذُّل الرَّجُ!!ل‪،‬‬
‫ثمّ قال‪ :‬أَالَ أُخبرُكُم بش!!رّ نس!!ائكُم؟ ق!!الُوا‪ :‬بلى‪ ،‬ق!!ال‪ :‬إنّ من ش!!رّ‬
‫نسائكُمُ الذّليلة في أهلها‪ ،‬العزيزة م!!ع بعله!!ا‪ ،‬العقيم‪ ،‬الحقُ!!ود‪ ،‬ال!!تي ال‬
‫تتورَّعُ من قبيحٍ‪ ،‬المُتبرِّجة إذا غاب عنها بعلُها‪ ،‬الحصان معهُ إذا حضر‪،‬‬
‫التي ال تسمعُ قولهُ‪ ،‬وال تُطيعُ أمرهُ‪ ،‬وإذا خال به!!ا بعلُه!!ا تمنَّعت من!!هُ‬
‫تمنُّع الصعبة عند رُكُوبها‪ ،‬وال تقبلُ لهُ عُذراً‪ ،‬وال تغفرُ لهُ ذَنْباً‪ ،‬ثمّ‬
‫ق!ال‪ :‬أفال أُخ!برُكُم بخ!!ير رج!الكُم؟ فقُلن!ا‪ :‬بلى‪ ،‬ق!!ال‪ :‬إنّ من خ!!ير‬
‫الس!! مِح الكفَّين‪ ،‬الس!!ليم الطَّ!!رَفين‪ ،‬ال!!برّ‬
‫رج!!الكُمُ التقيّ‪ ،‬النقيّ‪َّ ،‬‬
‫بوالدَيْه‪ ،‬وال يُلجئُ عيالهُ إلى غ!!يره‪ ،‬ثمّ ق!!ال‪ :‬أَفَال أُخ!!برُكُم بش!!رّ‬
‫رجالكُم؟ فقُلنا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬إنّ من شرّ رجالكُمُ البهّات‪ ،‬الفاحش‪ ،‬اآلك!!ل‬
‫وحدهُ‪ ،‬المانع رفدهُ‪ ،‬الضارب أهلهُ وعبدهُ‪ !،‬البخي!!ل‪ ،‬المُلْجِئ عيال!!هُ إلى‬
‫غيره‪ ،‬العاقّ بوالدَيْه»(‪.)653‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬قد يُقال بأن اتّصال هذا الس!!ند غ!!ير معل!!ومٍ؛‬
‫حيث ال ندري هل (سمعْتُه يقول) ه!و مق!ول أبي حم!زة‪ ،‬فيك!ون الس!ند‬
‫متّصالً؛ أو مقول جابر بن عب!!د اهلل‪ ،‬فيك!!ون الس!!ند غ!!ير متّص!!لٍ؟ إذ ال‬
‫ندري مرجع الضمير في «سمعتُه»‪ ،‬فتكون الرواية مضمرةً‪.‬‬
‫ولكنْ بعد الرجوع إلى الرواية في التهذيب يرتفع هذا اإلشكال‪.‬‬
‫فقد ورد هذا الحديث في الكتاب الك!!افي للكلي!!ني‪ ،‬وك!!ذلك نقله!!ا‬
‫الشيخ الطوسي بطريقٍ صحيح في التهذيب‪ ،‬والشيخ الصدوق أيضاً نقله!!ا‬
‫في كتابه مرسَالً‪ .‬فهذا الحديث ورد في الكتب األربعة‪ ،‬عدا االستبصار‪.‬‬
‫ويشتمل سند هذه الرواية في الكافي على ثالثة طرق‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الطري!!ق األوّل‪ :‬ع!!دّة من أص!!حابنا‪ ،‬عن س!!هل بن زي!!اد‪ ،‬عن ابن‬
‫محب!!وب‪ ،‬عن عليّ بن رئ!!اب‪ ،‬عن أبي حم!!زة‪ ،‬عن ج!!ابر بن عب!!د اهلل‪ ،‬عن‬
‫رسول اهلل|‪.‬‬
‫وهذا الطريق ضعيفٌ؛ بسبب وجود سهل بن زياد في السند‪.‬‬
‫الطري!!ق الث!!اني‪ :‬محم!!د بن يح!!يى‪ ،‬عن أحم!!د بن محم!!د‪ ،‬عن ابن‬

‫‪ 286‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫محب!!وب‪ ،‬عن عليّ بن رئ!!اب‪ ،‬عن أبي حم!!زة‪ ،‬عن ج!!ابر بن عب!!د اهلل‪ ،‬عن‬
‫رسول اهلل|‪.‬‬
‫وهذا الطريق صحيحٌ ال غبار عليه‪.‬‬
‫الطريق الثالث‪ :‬عليّ بن إبراهيم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن ابن محبوب‪ ،‬عن عليّ‬
‫بن رئاب‪ ،‬عن أبي حمزة‪ ،‬عن جابر بن عبد اهلل‪ ،‬عن رسول اهلل|‪.‬‬
‫وهذا الطريق مختلفٌ فيه؛ بسبب اشتماله على إبراهيم بن هاشم‪.‬‬
‫وثمّة خالفٌ في توثيق أبي حمزة الثمالي؛ وبعضهم ـ ك!!البهبودي‬
‫والكثير من أهل السنّة ـ أنك!!ر وثاقت!!ه؛ لم!!ا ورد من ش!!ربه النبيذ(‪.)654‬‬
‫وهذا‪ ،‬إضافةً إلى عدم الوثوق بثبوته في حقّ الثماليّ‪ ،‬لن يضرّ بوثاقت!!ه‬
‫في الحديث‪ ،‬إالّ في ما يتعلَّق بالنبيذ‪ .‬وقد يرجع ه!!ذا إلى خالفٍ فقهيّ؛‬
‫حيث نجد بعض الفقهاء في التاريخ كانوا يجيزون ش!!رب النبي!!ذ‪ ،‬فلعلّ!!ه‬
‫كان ممَّنْ يجيز شربه؛ انطالقاً من مقاربةٍ فقهي!!ة‪ .‬فال يمكن تض!!عيف‬
‫الثمالي بعد ثبوت وثاقته بتصريح النصوص الرجالية؛ استناداً لما ورد من‬
‫شربه النبيذ‪ .‬فتكون الرواية من الناحية السنديّة تامّةً‪ ،‬ال غبار عليها‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬السؤال الذي يفرض نفسه هنا‪ :‬ه!!ل أن ه!!ذه‬
‫الصفات أُخذَتْ على النحو المجموعي أو الجميعي؟ هل يفهم العُ!!رْف أن‬
‫عنوان شرار النساء يصدق على التي تتّصف بجميع هذه الصفات أو يصدق‬
‫على التي تتّصف ولو بواحدةٍ من هذه الصفات؟‬
‫اإلنصاف أنّ الفهم العُرْفي لمثل هذا النصّ يرى لك!!لّ خصوص!!يّةٍ‬
‫من الخصوصيات جانباً من الش!!رّ‪ ،‬والتقاؤه!!ا ه!!و ال!!ذي جعلهُنَّ ش!!رار‬
‫النساء‪ .‬ولكنّ الكالم في مفهوم الشرّ ه!!ذا‪ ،‬ه!!ل في!!ه ج!!انبٌ ق!!انونيّ أو‬
‫تشنيعٌ في حقّ المرأة العقيم أو ال؟‬
‫لو تأمَّلْنا قليالً سنرى أنّ هذا الحديث ليس في مقام بيان األحك!!ام‬
‫القانونيّة‪ ،‬وإنّما هو قضيّةٌ إرشاديّة‪ .‬وعلى األقلّ ال يمكن إحراز كونها‬
‫في مقام بيان األحكام القانونيّة‪ ،‬ولسنا ممَّنْ يقبل بأص!!الة القانوني!!ة أو‬
‫المولوية في النصوص الدينيّة‪ ،‬فال تدلّ هذه الرواي!ة على االس!تحباب أو‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪287‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫الكراهة‪ .‬فه!!ذه الرواي!!ة تب!!دو إرش!!اديّةً‪ ،‬أو على األق!!لّ ال يمكن إح!!راز‬
‫المولويّة فيها‪.‬‬
‫وأما من جهة التشنيع في حقّ المرأة بجهة توصيفها بالش!!رّ‪ ،‬وه!!ذا‬
‫تعبيرٌ نجده في كثيرٍ من روايات هذا الب!!اب‪ ،‬فس!!وف ن!!درس ذل!!ك في‬
‫التحليل اإلجماليّ حول كلمة الشرّ‪ ،‬ومدى داللتها على التشنيع‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬هذه الرواية من حيث السند تامّةٌ؛ ومن حيث الداللة غير دالّةٍ‬
‫على الكراهة‪ ،‬ولكنّها قد تدلّ على نوعٍ من التش!!نيع والت!!وهين في ح!!قّ‬
‫المرأة العقيم‪.‬‬

‫‪2‬ـ «امرأةٌ عقيمة‪...‬ال تعين زوجها على خيرٍ»‬


‫وهي خبر إبراهيم الكَرْخي قال‪ :‬قلتُ ألبي عبد اهلل×‪ :‬إنّ ص!!احبتي‬
‫هلكَتْ‪ ،‬وكانت لي موافقة‪ ،‬وقد همَمْتُ أن أتزوَّج‪ ،‬فقال لي‪« :‬انظر أين‬
‫تضع نفسك‪ !،‬ومَنْ تُشركه في مالك‪ ،‬وتطلعه على دينك وسرّك؛ فإنْ‬
‫كنتَ ال بُدَّ فاعالً فبِكْراً‪ ،‬تنسب إلى الخير‪ ،‬وإلى حُسْن الخلق‪ ،‬واعلَمْ‬
‫أنهُنَّ كما قال‪:‬‬
‫فمنهُنَّ الغنيمة والغرامُ‬ ‫أال إن النِّساء خُلقْنَ شتّى‬

‫لصاحبه ومنهُنَّ الظالمُ‬ ‫ومنهُنَّ الهالل إذا تجلّى‬

‫ومَنْ يغبن فليس له انتقامُ‬ ‫فمَنْ يظفر بصالحهِنَّ‬


‫يسعد!‬

‫وهُنَّ ثالث‪ :‬فامرأةٌ ولود‪ ،‬ودود‪ ،‬تعين زوجه!!ا على ده!!ره‪ ،‬ل!!دنياه‬
‫وآخرته‪ ،‬وال تعين الدهر عليه؛ وامرأةٌ عقيمة‪ ،‬ال ذات جم!!الٍ وال خُلُ!!قٍ‪،‬‬
‫وال تعين زوجها على خيرٍ؛ وام!!رأةٌ ص!!خّابة‪ ،‬والّج!!ة‪ ،‬همّ!!ازة‪ ،‬تس!!تقلّ‬
‫الكثير‪ ،‬وال تقبل اليسير»(‪.)655‬‬

‫‪ 288‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬يشتمل سند هذه الرواية على طريقين‪:‬‬


‫الطري!!ق األوّل‪ :‬ع!!دّة من أص!!حابنا‪ ،‬عن س!!هل بن زي!!اد‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن إبراهيم الكرخي‪.‬‬
‫وهذا الطريق ضعيفٌ؛ بسبب اشتماله على سهل بن زياد‪.‬‬
‫الطريق الث!!اني‪ :‬ع!!دّة من أص!!حابنا‪ ،‬عن أحم!!د بن محم!!د‪ ،‬عن ابن‬
‫محبوب‪ ،‬عن إبراهيم الكرخي‪.‬‬
‫وأحمد بن محمد عنوانٌ مش!!ترك بين أحم!!د بن محم!!د بن عيس!!ى‬
‫األشعري وأحمد بن محمد بن خالد البرقي‪ ،‬وكالهما ثق!!ةٌ‪ .‬لكن ال نج!!د‬
‫توثيقاً ص!!ريحاً بالنس!!بة إلى إب!!راهيم الك!!رخي‪ ،‬وبعض!!هم وثَّق!!ه ع!!بر‬
‫التوثيقات العامّة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬اعتبار السند مبنيٌّ على وثاقة إبراهيم الكرخي‪ ،‬ال!!ذي اختُل!!ف‬
‫فيه‪.‬‬
‫ب ـ الدراس!!ة الدالليّة‪ :‬ال نج!!د في ه!!ذه الرواي!!ة نَهْي!!اً مباش!!راً‬
‫للزواج من المرأة العقيم‪ ،‬وإنّما السائل جاء ليستشير اإلمام× في ال!!زواج‪،‬‬
‫واإلمامُ يصنِّف النساء إلى ثالثة أقسام‪ ،‬ويجعل المرأة العقيم‪ ،‬التي ال ذات‬
‫جم!!ال وال خُلُ!!ق‪ ،‬وال تعين زوجه!!ا‪ ،‬في المرتب!!ة الثاني!!ة‪ .‬فال يمكن أن‬
‫نستفيد من هذه الرواية أيَّ نهيٍ تشريعيّ بخصوص ال!!زواج من الم!!رأة‬
‫العقيم أو الوَلود‪ .‬وك!!ذلك ال نج!!د اس!!تخدامَ تعب!!يرٍ ش!!نيعٍ في ح!!قّ‬
‫المرأة‪ .‬وكلّ ما في األمر أصل التمييز بين العقيم والولود‪ ،‬الذي س!!وف‬
‫نتحدَّث عنه الحقاً‪ ،‬إنْ شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪3‬ـ «شرار نسائكم المعقَرة»‬
‫وهي رواية ابن سنان‪ :‬عن ملحان‪ ،‬عن عبد اهلل بن س!!نان ق!!ال‪ :‬ق!!ال‬
‫رسول اهلل|‪« :‬شرار نسائكم المعقَرة‪ ،‬الدنسة‪ ،‬اللجوجة‪ ،‬العاص!!ية‪ ،‬الذليل!!ة‬
‫في قومه!!ا‪ ،‬العزي!!زة في نفس!!ها‪ ،‬الحص!!ان على زوجه!!ا‪ ،‬الهل!!وك على‬
‫غيره»(‪.)656‬‬
‫ثمّ!!ة اختالفٌ في النس!!خ في نق!!ل «المعق!!رة»‪ .‬ويعلّ!!ق الفيض‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪289‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫الكاشاني‪ ،‬في الوافي‪ ،‬على هذا الحديث قائالً‪«« :‬العقرة» التي ال تلد‪ .‬وفي‬
‫بعض النسخ «القف!!رة»‪ ،‬بالق!!اف ثم الف!!اء‪ ،‬أي قليل!!ة اللحم؛ وفي بعض!!ها‬
‫«المقفرة»‪ ،‬أي الخالي!!ة من الطع!!ام‪ .‬وكأنّهم!!ا من المص!!حَّفات»(‪.)657‬‬
‫ولكنّه لم يوضِّح وجه اختياره للعقرة على س!!ائر االحتم!!االت‪ .‬وعلى أيّ‬
‫حال هناك أربعة احتماالت في هذه الكلمة‪ ،‬حَسْب النسخ المختلفة‪:‬‬
‫‪1‬ـ المُعقَرة‪ :‬وهذا هو المتوافق مع النُّسَخ المطبوعة للكافي‪.‬‬
‫‪2‬ـ العَقِرة‪ :‬نقلها الفيض في كتابه «الوافي»‪.‬‬
‫‪3‬ـ القَفِ!!رة‪ :‬نقله!!ا العالّم!!ة المجلس!!ي في كتاب!!ه «م!!رآة‬
‫العقول»(‪ ،)658‬بمعنى قليلة اللحم‪.‬‬
‫نُس!! خ! الك!!افي‪ ،‬طب!!ع دار‬
‫‪4‬ـ المقف!!رة‪ :‬ورد في ه!!امش بعض َ‬
‫الحديث(‪.)659‬‬
‫ويب!!دو أنّ ه!!ذه االحتم!!االت كلّه!!ا محتمل!!ةٌ‪ .‬والبتُّ في ه!!ذا‬
‫الموضوع! يحتاج إلى دراسةٍ مستقلّة في النُّسَخ المخطوطة‪.‬‬
‫فلنفرض أنّها المعقرة أو العقرة‪ ،‬فتدخل الرواية في محلّ البحث‪.‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬يعاني سند هذه الرواية من اإلرس!!ال؛ إذ نقل!!ه‬
‫أحمد بن محمد بن خالد عن بعض أصحابه؛ إضافةً إلى أنّ السند يش!!تمل‬
‫على ملحان‪ ،‬وهو رجلٌ مهمَلٌ جدّاً في المصادر الرجاليّة اإلماميّة‪ .‬فهذا‬
‫السند ضعيفٌ من الناحية السنديّة‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬ال نجد في هذه الرواي!!ة نَهْي!!اً مباش!!راً عن‬
‫الزواج من المرأة العقيم‪ .‬وكلُّ ما في األمر توصيف المرأة العقيم بأنها‬
‫من شرار النساء‪ ،‬ويحتمل أن يكون هذا تعبيراً لبيان التمي!!يز بين الم!!رأة‬
‫العقيم والوَلود‪ ،‬ال تشنيعاً في حقِّها‪.‬‬

‫‪4‬ـ «شؤم‪/‬سوء المرأة‪ُ ...‬ع ْقم َر ِح ِمها»‬


‫وهي خبر خالد بن نجيح‪ ،‬عن أبي عبد اهلل× ق!!ال‪ :‬ت!!ذاكروا الش!!ؤم‬
‫عند أبي عبد اهلل×‪ ،‬فقال‪« :‬الشؤم في ثالث‪ :‬في المرأة؛ والدابّ!!ة؛ وال!!دار‪.‬‬

‫‪ 290‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫فأمّا شؤم المرأة فكثرة مَهْرها وعُقْم رَحِمِها»(‪.)660‬‬


‫ونجد ما يشبه ذلك في المعجم الكب!!ير‪ ،‬للط!!براني‪ ،‬ممّ!!ا رُوي عن‬
‫رسول اهلل| ‪ ،‬حيث جاء فيه‪ :‬عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ‪ ،‬عَنْ أَسْمَاءَ قَ!!الَتْ‪:‬‬
‫قَالَ رَسُولُ اهللِﷺ‪« !:‬إِنَّ مِنْ شَقَاءِ الْمَ!!رْءِ فِي ال!!دُّنْيَا ثَالثَ!!ةً‪:‬‬
‫رَس!! ولَ‬
‫ُ‬ ‫سُوءَ الدَّارِ‪ ،‬وَسُوءَ الْمَرْأَةِ‪ ،‬وَسُوءَ الدَّابَّةِ»‪ ،‬قَالَتْ‪ :‬يَ!!ا‬
‫اهللِ‪ ،‬مَا سُوءُ ال!!دَّارِ؟ قَ!!الَ‪« :‬ضِ! يقُ سَ! احَتِهَا‪ ،‬وَخُبْثُ جِيرَانِهَا»‪،‬‬
‫قِيلَ‪ :‬فَمَا سُوءُ الدَّابَّةِ؟ قَالَ‪« :‬مَنْعُهَا ظَهْرَهَا‪ ،‬وَسُوءُ ضَلْعِهَا»‪،‬‬
‫وَس!! وءُ‬
‫ُ‬ ‫س!! وءُ الْمَ!!رْأَةِ؟ قَ!!الَ‪« :‬عُقْمُ رَحِمِهَ!!ا‪،‬‬ ‫قِي!!لَ‪ :‬فَمَ!!ا ُ‬
‫خُلُقِهَا»(‪.)661‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬سند هذه الرواية يش!!تمل على خال!!د بن نجيح‪،‬‬
‫وال دليلَ على توثيقه‪ .‬وما ورد في رجال الكشّي ال يدلّ إالّ على كون!!ه‬
‫صحيح المذهب‪ ،‬على أبع!!د التق!!ادير‪ ،‬وه!!ذا ال ي!!دلّ على وثاقت!!ه‪ .‬ولكنْ‬
‫وثَّقه بعضهم‪.‬‬
‫وكذلك يشتمل على عثمان بن عيسى‪ ،‬الذي لم يَ!!رِدْ ل!!ه توثي!!قٌ‬
‫صريح في الكتب الرجالية‪ ،‬وإنْ وثَّق!!ه بعضٌ‪ .‬وق!!د يك!!ون أح!!د وج!!وه‬
‫توثيقه كونه من أصحاب اإلجماع على قولٍ‪ ،‬كما نقل الكشّي في رجاله‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬في النقل الشيعي لهذه الرواية نج!!د تعب!!ير‪:‬‬
‫«الشؤم»؛ وفي النقل السنّي لها نجد تعبير‪« :‬السوء»‪ .‬والفيّومي اعت!!بر‬
‫الشؤم بمعنى الشرّ(‪ .)662‬واعتبره ابن منظور خالف اليمن(‪ .)663‬ويبدو أنّ‬
‫التخصيص هنا بسبب إبطال التطيُّر بالسوانح والبوارح من الطير والظباء‬
‫و‪ ...‬في اإلسالم‪ .‬ويبدو أن المقصود من الش!!ؤم هن!!ا م!!ا تُكْ!!رَه عاقبت!!ه‪،‬‬
‫ويُخاف منها‪ ،‬كما ذكر ابن منظور(‪ .)664‬فعلى أيّ حالٍ ال نجد في ه!!ذه‬
‫الرواية أيضاً تعبيراً قانونيّاً‪ .‬وإذا ك!انت الرواي!ة الراجح!ة «الش!ؤم»‪،‬‬
‫وكان المقصود من الشؤم الخوف من العاقب!!ة‪ ،‬فال نج!!د تعب!!يراً ش!!نيعاً‬
‫أيضاً في حقّ المرأة‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪291‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬
‫سر والدتها»‬
‫س ُر والدتها‪ ،‬وبركة المرأة‪...‬يُ ْ‬
‫‪5‬ـ «شؤم المرأة‪ُ ...‬ع ْ‬
‫وهي خبر عبد اهلل بن ميمون‪ .‬روى الصدوق‪ ،‬عن أبيه& قال‪ :‬حدَّثنا‬
‫عليّ بن إبراهيم بن هاشم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عبد اهلل بن ميم!!ون‪ ،‬عن أبي عب!!د‬
‫اهلل× قال‪« :‬قال رسول اهلل|‪ :‬الشؤم في ثالثة أشياء‪ :‬في الدابّ!!ة؛ والم!!رأة؛‬
‫والدار‪ .‬فأما المرأة فشؤمُها غالءُ مَهْرها وعُسْرُ والدته!!ا؛ وأم!!ا الدابّ!!ة‬
‫فشؤمُها كثرةُ عِلَلها وسوءُ خُلُقها؛ وأما الدار فشؤمُها ض!!يقُها وخبثُ‬
‫جيرانها»‪ .‬وقال‪« :‬من برك!!ة الم!!رأة خفّ!!ة مؤونته!!ا‪ ،‬ويُسْ! ر والدته!!ا؛‬
‫و[من] شؤمها شدّة مؤونتها‪ ،‬وتعسُّر والدتها»(‪.)665‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬سند هذه الرواية‪ ،‬بغضّ النظر عن إبراهيم بن‬
‫هاشم‪ ،‬سندٌ معتبر‪ .‬وإنْ اعتبرنا عبد اهلل بن ميم!!ون إماميّ!!اً(‪ )666‬فيك!!ون‬
‫السند حينئذٍ صحيحاً‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬تش!!به ه!!ذه الرواي!!ة الرواي!!ة الس!!ابقة‪ ،‬م!!ع‬
‫اختالفاتٍ فيهما‪ .‬لكنّ هذا الحديث تحدَّث عن تعسُّر ال!!والدة‪ ،‬واعتبره!!ا‬
‫شؤماً للمرأة‪ .‬وقد يُق!!ال بش!!مول الح!!ديث للعقيم أيض!!اً؛ إم!!ا بالدالل!!ة‬
‫المطابقية‪ ،‬بأن نق!!ول‪ :‬التعس!ُّ ر يش!!مل ع!!دم اإلمك!!ان أيض!!اً؛ أو بقي!!اس‬
‫األولويّة‪ .‬وعلى أيّ حالٍ ال نجد في ه!!ذا الح!!ديث أيض!!اً س!!وى مفه!!وم‬
‫«الش!!ؤم»‪ ،‬ال!!ذي تح!!دَّثنا عن!!ه‪ ،‬وك!!ذلك معض!!لة التمي!!يز ب!!األمور‬
‫التكوينيّة‪ !،‬الذي سوف يأتي الحديث عنه‪.‬‬

‫‪6‬ـ «المرأة‪...‬إذا كانت ولوداً ّ‬


‫أحب إل َّي من‪...‬العاقر»‬
‫وهي مرسلة الصدوق‪ :‬قال×‪« :‬اعلموا أن المرأة الس!!وداء إذا ك!!انت‬
‫ولوداً أحبّ إليَّ من الحسناء العاقر»(‪.)667‬‬
‫أـ الدراسة الس!!نديّة‪ :‬من الواض!!ح أن ه!!ذه الرواي!!ة من مرسَ! الت‬
‫الشيخ الصدوق‪ ،‬وال سند له!!ا‪ .‬فمَنْ يب!!ني على ص!!حّة مرسَ! الت الش!!يخ‬
‫الصدوق‪ ،‬أو يفصِّل فيها بأن يعتبر ما نقله الشيخ الص!!دوق مباش!!رةً عن‬
‫اإلمام×‪ ،‬فهذه الرواية تكون معتبرةً‪ ،‬وإالّ فال‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬ال يمكن استفادة الكراه!!ة من ه!!ذه الرواي!!ة‪،‬‬

‫‪ 292‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫إالّ إذا قلن!!ا‪ :‬يُس!!تفاد من ه!!ذه الرواي!!ة اس!!تحباب ال!!زواج من الوَل!!ود‪،‬‬


‫وكذلك قلنا‪ :‬إن ترك المستحبّ مكروهٌ‪.‬‬
‫وإنْ قبلنا باألول فال نستطيع القبول بالثاني‪ ،‬فال تدلّ الرواية ه!!ذه‬
‫إلى الكراهة‪ ،‬بل ال تدلّ على تشنيعٍ في حقّها أيضاً‪ ،‬وإنّما ك!!لُّ م!!ا في‬
‫األمر تمييزٌ بين المرأة الولود والعقيم‪ ،‬وسوف نتحدَّث عن هذه النقط!!ة‬
‫في التحليل االجماليّ‪.‬‬

‫‪7‬ـ «حصي ٌر في ناحية البيت خي ٌر من امرأ ٍة ال تلد»‬


‫وهي خبر أبي سعيد الخدري‪ :‬ح!!دَّثنا الش!!يخ الجلي!!ل أب!!و جعف!!ر‬
‫محمد بن عليّ بن الحسين بن موس!!ى بن بابوي!!ه القمّي& ق!!ال‪ :‬ح!!دَّثنا‬
‫محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضوان اهلل علي!!ه ق!!ال‪ :‬ح!!دَّثنا أب!!و س!!عيد‬
‫الحسن بن عليّ العدوي قال‪ :‬ح!!دَّثنا يوس!!ف بن يح!!يى األص!!بهاني أب!!و‬
‫يعقوب قال‪ :‬حدَّثني أبو عليّ إسماعيل بن حاتم قال‪ :‬حدَّثنا أب!!و جعف!!ر‬
‫أحمد بن صالح بن سعيد المكّي قال‪ :‬حدَّثنا عمرو بن حفص‪ ،‬عن إسحاق‬
‫بن نجيح‪ ،‬عن حصيب‪ ،‬عن مجاه!!د‪ ،‬عن أبي س!!عيد الخ!!دري ق!!ال‪ :‬أوص!!ى‬
‫رس!!ول اهلل| عليّ بن أبي ط!!الب×‪ ،‬فق!!ال‪« :‬ي!!ا عليّ‪ ،‬إذا دخلَتْ الع!!روس‬
‫بيت!!ك‪ ...‬وامن!!ع الع!!روس في أس!!بوعها من األلب!!ان والخَ!!لّ والكزب!!رة‬
‫والتفاح الحامض‪ ،‬من هذه األربعة أشياء»‪ ،‬فق!!ال عليٌّ×‪ :‬ي!!ا رس!!ول اهلل|‪،‬‬
‫وأليّ شيءٍ أمنعها من هذه األش!!ياء األربع!!ة؟ ق!!ال‪« :‬ألنّ ال!!رَّحِم تعقم‬
‫وتبرد من هذه األربعة أشياء عن الولد‪ .‬ولحصيرٌ في ناحية ال!!بيت خ!!يرٌ‬
‫من امرأةٍ ال تلد‪.)668(»...‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬قد ورد هذا الحديث في أمالي الشيخ الصدوق‪.‬‬
‫ويبدو أنّه أخذه من المصادر السنّية؛ إذ يش!!تمل س!!ند ه!!ذا الح!!ديث على‬
‫أسماء ال نعرفها في المصادر اإلماميّة كثيراً‪ ،‬وإنّما نجدها في الغالب في‬
‫المصادر السنّية‪ .‬وكما نعرف فإنّ الش!!يخ الص!!دوق والطوس!!ي والمفي!!د‬
‫كانوا يلقُون أماليهم في المأل العامّ‪ ،‬ورُبَما ألجل ذل!!ك ك!!انوا ي!!أتون‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪293‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫بأحاديث سنّية؛ كي يكون لها وقعٌ عند عامّ!!ة الن!!اس من غ!!ير الش!!يعة‪،‬‬
‫أكثر من استخدام األسانيد المختصّة بالشيعة‪ .‬ورُبَما يكون ه!!ذا أق!!ربَ‬
‫تفسيرٍ لوجود أسماء غير مألوف!!ة إماميّ!!اً في كتب األم!!الي ه!!ذه‪ .‬وإنْ‬
‫كان بعض المعاص!!رين(‪ )669‬يش!!كِّك في نس!!بة بعض كتب األم!!الي إلى‬
‫أصحابها‪ .‬وتفصيلُ ذلك يراجع في محلّه‪.‬‬
‫إنّ رسول اهلل| يوصي في هذه الرواي!!ة عليّ!!اً× بمنع!!ه عروس!!ه من‬
‫أربعة أشياء في أسبوعها‪ ،‬ويعلِّلها بأنّه!!ا ت!!برِّد ال!!رَّحِم وتعقِّمه!!ا‪ ،‬ثمّ‬
‫يأتي بجملةٍ هي محلّ الشاهد؛ إذ قد يُستفاد منه تشنيعٌ في ح!!قّ الم!!رأة‬
‫العقيم؛ إذ جاء في الحديث‪« :‬ولحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ ال‬
‫تلد‪.»...‬‬
‫لكنّ هذا المقطع ورد في المصادر السنّية على أنّ!!ه ق!!ول عم!!ر بن‬
‫الخطّاب‪ ،‬فاعتبروه من الموقوفات(‪ .)670‬وفي بعض المصادر منس!!وبٌ إلى‬
‫ابن عمر(‪ .)671‬ولكنْ في المصدر الشيعي نُسِب ه!!ذا المقط!!ع إلى رس!!ول‬
‫اهلل|‪ .‬نعم‪ ،‬ذكر ابن الج!!وزي ه!!ذه الرواي!!ة‪ ،‬مس!!ندةً إلى رس!!ول اهلل|‪ ،‬في‬
‫كتابه «الموضوعات»؛ حيث يذكر الرواية ه!!ذه بس!!ندٍ ش!!بيهٍ‪ ،‬معت!!براً‬
‫إيّاها من الموضوعات‪ .‬وكما نعرف من منهج ابن الجوزي‪ ،‬كلّم!!ا ك!!ان‬
‫في سند الحديث رجلٌ وضّاع(‪ )672‬يصف الحديث بالموضوع‪ !،‬مع أنّ ه!!ذا‬
‫المنهج ليس بصحيحٍ‪ ،‬ومن الخط!!أ في االص!!طالح؛! إذ ال تالزم بين وج!!ود‬
‫رجلٍ وضّاعٍ في السند والقط!!ع بك!!ون الح!!ديث موض!!وعاً‪ ،‬غاي!!ة األم!!ر‬
‫التشكيك! بالصدور‪ .‬وكذلك نجد هذا المقطع منس!!وباً إلى رس!!ول اهلل|‬
‫في بعض الكتب غ!!ير الحديثيّ!!ة أله!!ل الس!!نّة‪ ،‬مث!!ل‪ :‬أبي ط!!الب المكّي‬
‫والغزالي‪ ،‬حيث نقال هذا المقطع مرسَالً‪ ،‬بال سندٍ‪ ،‬عن رسول اهلل|(‪.)673‬‬
‫وعلى أيّ حالٍ ه!!ذا الح!!ديث في جمي!!ع المص!!ادر ال!!تي ورد فيه!!ا‬
‫حديثٌ ضعيفٌ‪ ،‬بل في بعض المصادر ال سند له‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬ه!!ذا التعب!!ير ال!!وارد هن!!ا‪« :‬ولحص!!يرٌ في‬
‫ناحية البيت خيرٌ من امرأةٍ ال تلد» هو التعب!!ير األك!!ثر إث!!ارةً؛ إذ ق!!د‬

‫‪ 294‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫يُقال بأنه صريحٌ في التشنيع في ح!!قّ الم!!رأة العقيم‪ .‬فم!!ا ذنب الم!!رأة‬
‫العقيم التي جعلها اهلل عقيماً أن تُعامَل هكذا؟ ولكنْ قلنا‪ :‬إن صدور ه!!ذا‬
‫التعبير عن رسول اهلل| غير مُحْرَزٍ‪ ،‬فال يمكن االعتماد عليه‪.‬‬

‫الولود»‬
‫‪8‬ـ «إنّ هللا بارك‪ 6‬في َ‬
‫وهي خبر أبي المق!!دام‪ ،‬عن أبي عب!!د اهلل× ق!!ال‪ :‬دخ!!ل رس!!ول اهلل|‬
‫منزله‪ ،‬فإذا عائشة مقبلةٌ على فاطمة تصايحها‪ ،‬وهي تقول‪ :‬واهللِ‪ ،‬ي!!ا بنت‬
‫خديجة‪ ،‬ما ترين إالّ أن ألمِّك علينا فضالً‪ ،‬وأيُّ فضلٍ كان لها علينا؟!‬
‫ما هي إالّ كبعضنا‪ .‬فسمع مقالتها لفاطمة‪ ،‬فلما رأَتْ فاطمة رس!!ول اهلل|‬
‫بكَتْ‪ ،‬فقال لها‪« :‬م!!ا يبكي!!كِ‪ ،‬ي!!ا بنت محم!!د؟»‪ ،‬ق!!الت‪ :‬ذك!!رَتْ أمّي‪،‬‬
‫فتنقَّصتها‪ ،‬فبكيتُ‪ !،‬فغضب رسول اهلل|‪ ،‬ثمّ قال‪« :‬مَهْ‪ ،‬يا حميراء‪ ،‬فإنّ اهلل‬
‫تبارك وتعالى بارك في الوَلود الوَدود‪ .‬وإنّ خديجة رحمه!!ا اهلل ول!!دَتْ‬
‫منّي طاهراً‪ ،‬وهو عبد اهلل‪ ،‬وهو المطهَّر‪ ،‬وولدَتْ منّي القاس!!م وفاطم!!ة‬
‫ورقيّ!!ة وأمّ كلث!!وم وزينب؛ وأنتِ ممَّنْ أعقم اهلل رَحِمَ!!ه‪ ،‬فلم تل!!دي‬
‫شيئاً»(‪.)674‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬إنّ هذه الرواية من متفرِّدات الشيخ الصدوق‪،‬‬
‫نقلها في كتاب الخصال‪ .‬ومن الناحية الرجالية سندُها ضعيفٌ؛ إذ يشتمل‬
‫على أبي عليّ الواسطي‪ ،‬وهو رجلٌ مجهول‪ ،‬ال نجد له توثيقاً أو تضعيفاً‬
‫في المصادر الرجاليّة اإلماميّة‪ ،‬ورواياته قليلةٌ جدّاً‪ .‬وك!!ذلك يش!!تمل‬
‫على عبد اهلل بن عصمة‪ ،‬وهو أيضاً رجلٌ مجهولٌ في المص!ادر اإلماميّ!ة‪،‬‬
‫ورواياته في اإلمامية قليلةٌ‪ ،‬ال تتج!!اوز أص!!ابع الي!!دين؛ ولكنْ نج!!د ل!!ه‬
‫روايات في المص!!ادر الس!!نّية‪ ،‬وتناول!!ه علم!!اء الرج!!ال من أه!!ل الس!!نّة‪،‬‬
‫وضعَّفه غيرُ واحدٍ من علماء أه!!ل الس!!نّة(‪ .)675‬وك!!ذلك يش!!تمل على‬
‫عمرو بن أبي المقدام‪ ،‬الذي لم تثبت وثاقته‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬يؤكِّد رسول اهلل| في هذه الرواي!!ة على أنّ‬
‫اهلل تبارك وتعالى ب!!ارك في الول!!ود ال!!ودود‪ .‬وه!!ذا يب!!دو من!!ه التمي!!يز‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪295‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫التكويني للمرأة العقيم‪ .‬والقياس بين خديجة وعائش!!ة في ه!!ذه النقط!!ة‬


‫يدلّ على امتياز الوَلود على العقيم‪ .‬ولكنْ ال نجد في ه!!ذه الرواي!!ة أيَّ‬
‫تعبيرٍ قانونيّ للنهي عن الزواج من العقيم‪ ،‬بل يدلّ على فعل رس!!ول اهلل|‬
‫للزواج من العقيم‪ ،‬أو البقاء في زواجها؛ إذ قد يُقال ب!!أنّ عائش!!ة ك!!انت‬
‫طفلةً عندما تزوَّجَتْ من رسول اهلل|‪ ،‬فلم تكن حالُه!!ا معلوم!!ةً حينئ!!ذٍ‬
‫ولكنْ على أيّ حالٍ لم يطلِّقْها رسول اهلل| بسبب عقم رحمها‪ ،‬وهذا يدلّ‬
‫على األقلّ على جواز الزواج من المرأة العقيم‪ .‬وكذلك ال تشتمل ه!!ذه‬
‫الرواية على تعبيرٍ شنيع في حقّ المرأة العقيم‪ ،‬وإنّما كلُّ ما في األمر‬
‫التمييز بين العقيم والولود‪ ،‬الذي سيأتي الكالم عنه‪.‬‬
‫واللطيف أنّ القرآن الكريم أيض!!اً تن!!اول اختالف!!اً بين رس!ول اهلل|‬
‫وزوجتين له في سورة التح!!ريم‪ ،‬حيث ق!!ال‪﴿ :‬وَإِذْ أَسَ! رَّ النَّبِيُّ إِلَى‬
‫بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّ!!ا نَبَّ!!أَتْ بِ!!هِ وأَظْهَ!!رَهُ اهللُ عَلَيْ!!هِ‬
‫عَرَّفَ بَعْضَهُ وأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِ!!هِ قَ!!الَتْ مَنْ‬
‫أَنْبَأَكَ هذَا قَالَ نَبَّ!!أَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِ!!يرُ * إِنْ تَتُوبَ!!ا إِلَى اهللِ‬
‫فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اهللَ هُ!!وَ مَ!!وْالَهُ‬
‫وجِبْرِيلُ وصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ والْمَالَئِكَةُ بَعْ!!دَ ذلِ!!كَ ظَهِ!!يرٌ *‬
‫عَس!! ى رَبُّ!!هُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَ!!هُ أَزْوَاج!!اً خَيْ!!راً مِنْكُنَّ‬
‫َ‬
‫س!! ائِحَاتٍ ثَيِّبَ!!اتٍ‬‫مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِ!!دَاتٍ َ‬
‫وأَبْكَاراً﴾ (التحريم‪ 3 :‬ـ ‪ .)5‬ففي خت!!ام ه!!ذه اآلي!!ات عن!!دما يري!!د اهلل‬
‫س!!بحانه أن يص!!ف األزواج الل!!واتي هُنَّ خ!!يرٌ لرس!!ول اهلل| يص!!فهنَّ‬
‫بمسلماتٍ مؤمناتٍ‪ ،...‬وهي صفاتٌ ترجع إلى األخالق والفضيلة‪ ،‬وعن!!دما‬
‫يأتي إلى مسألة الثيبوبة والبكارة يذكرهما معاً‪ ،‬وكأن الصفات الخَلْقية‬
‫ال تهمّ‪ .‬بل قد يُقال بأنّ اآلية هذه شاهدٌ على ع!!دم مانعيّ!!ة ال!!زواج من‬
‫العقيم؛ إذ المرأة الثيِّب عقيمٌ ال محالة‪.‬‬
‫ويتوقَّف شيخنا األس!!تاذ(‪ )676‬بالنس!!بة إلى تعي!!ير الن!!بي| لزوجت!!ه‬
‫عائشة في هذه الرواية بأمرٍ خلقها اهلل عليه‪ ،‬معتبراً إيّاه غ!!ير منس!!جمٍ‬

‫‪ 296‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫مع أخالق النبيّ|‪ ،‬وغير منسجم مع اآليات القرآني!!ة‪ ،‬ومنه!!ا ه!!ذه اآلي!!ات‬
‫التي ذكرناها‪ ،‬واآليات التي تركِّز على الصفات التي ترج!!ع إلى األخالق‬
‫والفضيلة والدين و‪ ...‬في التفضيل بين العباد‪.‬‬

‫‪9‬ـ «خير النساء‪...‬الولود»‬


‫وهي مرسَلة دعائم اإلسالم‪ :‬عن رسول اهلل| أنّه قال‪« :‬أيّها الن!!اس‪،‬‬
‫تزوَّجوا؛ فإنّي مك!!اثرٌ بكم األمم ي!!وم القيام!!ة‪ .‬وخ!!ير النس!!اء ال!!ودود‬
‫الولود‪ ،‬وال تنكحوا الحمقاء؛ فإنّ صحبتها بالء‪ ،‬وولدها ضياع»(‪.)677‬‬
‫مرس!! لةٌ‪،‬‬
‫َ‬ ‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬إنّ هذه الرواية من الناحية السندية‬
‫ال سند لها‪ .‬وهي من كتاب دعائم اإلسالم‪ ،‬ال!ذي ألّف!ه القاض!ي النعم!ان‪،‬‬
‫ويُقال بأنّه ألَّفه كقانونٍ للدولة الفاطميّ!!ة‪ ،‬ورُبَم!!ا ل!!ذلك لم ي!!أتِ‬
‫بذكر األسانيد‪.‬‬
‫ب ـ الدراس!!ة الدالليّة‪ :‬ال تش!!تمل ه!!ذه الرواي!!ة على أيّ نهيٍ أو‬
‫تشنيعٍ في حقّ المرأة العقيم‪ ،‬وإنّما يعتبر الولود ال!!ودود خ!!ير النس!!اء‪.‬‬
‫وغاية ما فيها أص!!ل التمي!!يز بين الم!!رأة العقيم والول!!ود‪ ،‬وس!!وف ي!!أتي‬
‫الحديث عنه‪.‬‬

‫‪10‬ـ «خير نسائكم‪...‬الولود»‬


‫وهي مرسلة القطب الراوندي‪ ،‬في لبّ اللباب‪ :‬عن النبيّ| أنّ!!ه ق!!ال‪:‬‬
‫« خير نسائكم الودود‪ ،‬الولود‪ ،‬المؤاتية؛ وشرُّها اللجوج»(‪.)678‬‬
‫أـ الدراسة السنديّة‪ :‬هذه الرواية‪ ،‬التي ذكرها المحدِّث النوري في‬
‫مستدرك الوسائل‪ ،‬ال نجد لها سنداً‪ .‬فهي حديثٌ ضعيف‪.‬‬
‫ب ـ الدراسة الدالليّة‪ :‬هذه الرواية أيضاً تش!!به الرواي!!ات الس!!ابقة‪،‬‬
‫وال تشتمل على حثٍّ مباشر على الزواج من المرأة الول!!ود‪ .‬فال يمكن أن‬
‫نس!!تفيد! منه!!ا حكم!!اً قانونيّ!!اً يتعلَّ!!ق بكراه!!ة ال!!زواج من العقيم‪ ،‬أو‬
‫باستحباب الزواج من الولود‪ .‬وال نجد فيها سوى أصل التمييز بين المرأة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪297‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫الولود والعاقر‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬التحليل االجمال ّي للنصوص‬


‫بعد أن انتهَيْنا من دراسة الروايات من الناحية الس!!ندية والداللي!!ة‪،‬‬
‫كلٌّ منها على حِدَة‪ ،‬ينبغي أن نتوقَّف في عدّة نقاطٍ تتعلَّق بالتحلي!!ل‬
‫اإلجماليّ له!!ا‪ .‬وبعض ه!!ذه النق!!اط يتعلَّ!!ق بالج!!انب الص!!دوري له!!ذه‬
‫الروايات؛ وبعضها اآلخر يتعلَّق بمضمونها‪ ،‬واإلش!!كاليّات ال!!تي تواجهه!!ا‪.‬‬
‫وهي‪:‬‬

‫‪1‬ـ األغلبيّة‪ 6‬الساحقة‪ 6‬من هذه الروايات‪ 6‬نبويّةٌ‬


‫لو راجَعْنا هذه الروايات لوجَدْنا أنّ أغلبيّتها الساحقة مرويّةٌ عن‬
‫رسول اهلل|‪ .‬وهذا من األمور الالفتة‪ ،‬وخاص!!ةً عن!!د الش!!يعة اإلماميّ!!ة؛ إذ‬
‫قلَّما نجد موضوعاً في التراث اإلمامي يكون أغلب الروايات في!!ه نبويّ!!اً‪.‬‬
‫هذا قلي!لٌ أو ن!ادرٌ في ال!تراث اإلم!امي؛ إذ نج!!د ع!ادةً‪ ،‬في كث!يرٍ من‬
‫خاص!! ة‪ ،‬أو إلى ج!!انب‬
‫ّ‬ ‫الموضوعات‪ !،‬أنّ األحاديث مرويّةٌ عن أهل البيت^‬
‫األحاديث النبويّة‪ .‬وهذا أمرٌ جديرٌ باالهتمام‪.‬‬

‫‪2‬ـ النَّ ْهي‪ ،‬ومدى داللته على الحرمة أو الكراهة‬


‫كما قلنا في بداية الكالم‪ :‬بعض هذه النصوص يشتمل على األوام!!ر‬
‫والنواهي‪ ،‬ممّا يساعد على استنتاج األحك!!ام الش!!رعيّة والقانوني!!ة منه!!ا‪.‬‬
‫وذكرنا هناك سبع روايات في هذا القسم؛ اثنت!!ان منه!!ا ص!!حيحة الس!!ند‪،‬‬
‫تستخدم تعبير النهي‪ .‬والسؤال هنا‪ :‬ما هو الموجب لحمل هذا النَّهْي على‬
‫الكراهة‪ ،‬مع أنه ال معارض ل!!ه؟ ليس هن!!اك رواي!!اتٌ ت!!أمر ب!!الزواج من‬
‫الم!!رأة العقيم؛ لكي نحم!!ل النَّهْي على الكراه!!ة‪ ،‬وإنّم!!ا المع!!ارض ه!!و‬
‫العمومات‪ ،‬فينبغي تخصيصها‪.‬‬
‫قد يكون المستند! في ذلك التعليل الوارد فيها‪ ،‬حيث ال يتناسب م!!ع‬
‫اإللزام‪ .‬إنّ هذه الروايات تعلِّل ه!!ذا الحكم في الغ!!الب بمس!!ألة النَّسْ! ل‪،‬‬

‫‪ 298‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫ونحن نعلم من الخ!!ارج أنّ تكث!!ير النس!!ل ليس واجب!!اً في نفس!!ه على‬
‫الجميع‪ ،‬وإالّ كان أصل الزواج واجباً عينيّاً‪ .‬فهذه قرينةٌ على عدم إرادة‬
‫الحرمة من النَّهْي هنا‪ ،‬وكذلك عدم إرادة الوجوب من األم!!ر ب!!الزواج‬
‫من المرأة الولود‪.‬‬
‫ولعلّ الفقهاء استندوا في ذلك لقيام س!!يرة المتش!!رِّعة على ع!!دم‬
‫الزواج من المرأة العاقر‪ ،‬فاعتبروا أن تلك قرينةٌ على اس!!تفادة الكراه!!ة‬
‫واالستحباب من هذا النوع من الروايات‪.‬‬
‫ولعلّ المس!!تند في ذل!!ك بعض الق!!رائن الموج!!ودة في نفس ه!!ذه‬
‫الروايات‪ ،‬مثل‪ :‬صحيحة محم!!د بن مس!!لم‪ ،‬حيث ج!!اء فيه!!ا‪« :‬تزوَّج!!وا‬
‫بِكْراً وَلُوداً»‪ ،‬مع أنه ال يجب الزواج من البِكْر الوَل!!ود‪ .‬وه!!ذا رس!!ول‬
‫ض!! يْرٍ في‬‫اهلل| قد تزوَّج من الثيِّبات أيضاً‪ ،‬وال يجد القرآن الكريم أيّ َ‬
‫عَس!! ى رَبُّ!!هُ إِنْ‬
‫ال!!زواج من الثيِّب!!ات‪ ،‬م!!ع أنهُنَّ من الع!!اقرات‪َ ﴿ :‬‬
‫طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْ! لِمَاتٍ مُؤْمِنَ!!اتٍ‬
‫قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَ!!اتٍ وَأَبْكَ!!اراً﴾ (التح!!ريم‪:‬‬
‫‪.)5‬‬

‫‪3‬ـ العالقة بين النَّ ْهي عن الزواج من العقيم ومسألة النَّ ْ‬


‫سل‬
‫بعض هذه الروايات‪ ،‬ومنها ما ه!!و ص!!حيح الس!!ند‪ ،‬يرب!!ط المس!!ألة‬
‫بقضيّة تكثير النسل‪ .‬وه!!ذه المس!!ألة وقعَت محالًّ للجَ!!دَل في كونه!!ا‬
‫قضيّةً تاريخية ترتبط ببدايات الدعوة‪ ،‬والحاجة إلى كثرة المسلمين؛ أو‬
‫أنها قضيّةٌ أبديّة إلهيّة‪ .‬والبتّ في ه!!ذا الموض!!وع يحت!!اج إلى دراس!!ةٍ‬
‫مستقلّة‪ .‬لكنْ الترك!!يز على ه!!ذا الموض!!وع! في العص!!ر النب!!ويّ‪ ،‬حيث‬
‫رأَيْنا أنّ األغلبية الس!!احقة له!!ذه الرواي!!ات نبويّ!!ةٌ‪ !،‬ومناس!!بة انطالق!!ة‬
‫الدعوة اإلسالميّة مع لزوم أو رجحان ازدي!!اد النَّسْ! ل‪ ،‬يق!!وّي احتمالي!!ة‬
‫التاريخية في مثل هذه الروايات؛ حيث ك!!ان المس!!لمون يعيش!!ون وس!!ط‬
‫إمبراطوريتين مليئتين بالس!!كّان‪ :‬إمبراطوري!!ة فارس!!يّة؛ وإمبراطوري!!ة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪299‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫رومانيّة‪ ،‬وعدد المسلمين في بداية الدعوة لم يكن يتجاوز بض!!ع عش!!رات‬


‫من اآلالف‪ .‬هذا كلُّه كان يدعو المسلمين لزيادة عددهم السكّاني‪.‬‬

‫‪4‬ـ عدم تناول العقم في الرجل‬


‫إنّ هذه الروايات تركِّز على المرأة الع!!اقر‪ ،‬وال إش!!ارة فيه!!ا إلى‬
‫الرجل العاقر‪ ،‬مع أنّ خصوصية اإلنجاب وإكثار النَّسْ! ل مش!!تركةٌ بين‬
‫الرجل والم!!رأة‪ ،‬ب!!ل عقم الرج!!ل م!!انعٌ من إنج!!اب الزوج!!ة‪ ،‬فيم!!ا عقم‬
‫الزوجة ليس مانعاً من إنجابه؛ إذ يمكنه الزواج ثانياً‪ ،‬وخاصّةً في العصر‬
‫النبويّ؛ حيث كان هذا عُرْفاً سائداً‪ ،‬بل ك!!ان بإمك!انهم اس!تيالد اإلم!اء‬
‫أيضاً في ذلك الزمان‪.‬‬
‫فإذا كانت القضية مرتبطةً باالستيالد لم!!اذا لم نجِ!!دْ أيَّ إش!!ارةٍ‬
‫إلى عقم الرجل؟! وكيف يمكن فهم هذه الخصوص!!ية‪ ،‬م!!ع أنن!!ا لم نج!!د‬
‫عَيْناً وأَثَراً لذلك في النصوص؟! وكلُّ ما وجدناه عن الرج!!ل العقيم‬
‫هو ما ورد بعض المصادر الس!!نّية‪ ،‬حيث ج!!اء فيه!!ا‪ :‬عَنِ ابْنِ سِ! يرِينَ‬
‫قَ!!الَ‪ :‬بَعَثَ عُمَ!!رُ بْنُ الْخَطَّ!!ابِ رَجُالً عَلَى السِّ! عَايَةِ‪ ،‬فَأَتَ!!اهُ‪،‬‬
‫فَقَ!الَ‪ :‬تَ!زَوَّجْتُ امْ!رَأَةً‪ ،‬فَقَ!الَ‪« :‬أَخْبَرْتَهَ!ا أَنَّ!كَ عَقِيمٌ ال‬
‫يُولَدُ لَكَ»‪ ،‬قَالَ‪ :‬ال‪ ،‬قَالَ‪« :‬فَأَخْبِرْهَا‪ ،‬وَخَيِّرْهَا»(‪ .)679‬فال نج!!د‬
‫أيّ نَهْيٍ عن الزواج من المرأة العقيم‪ ،‬أو أيّ تعبيرٍ تش!!مّ من!!ه رائح!!ة‬
‫وخاص!! ةً إذا‬
‫ّ‬ ‫التعيير في حقّ الرجل العقيم‪ .‬وهذا أمرٌ يستحقّ التأمُّ!!ل‪،‬‬
‫كانت المسألة مرتبطةً بازدياد النَّسْل‪.‬‬

‫‪5‬ـ الروايات والتشنيع‪ 6‬على المرأة العقيم‬


‫ألمَحْنا قبل قليلٍ إلى أنّ لسان بعض هذه الرواي!!ات ب!!الغُ الحِ!!دّة‬
‫على المرأة‪ ،‬مع أنّه ال ذنب لها في عُقْمها‪ ،‬واهلل عزَّ وج!!لَّ يق!!ول‪﴿ :‬هللِ‬
‫مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَاألَرْضِ يَخْلُ!قُ مَ!!ا يَشَ! اءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَ! اءُ‬
‫يَش!! اءُ ال!!ذُّكُورَ أَوْ يُ!!زَوِّجُهُمْ ذُكْرَان!!اً‬
‫إِنَاث!!اً وَيَهَبُ لِمَنْ َ‬

‫‪ 300‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَ!!دِيرٌ﴾ (الش!!ورى‪!:‬‬


‫‪ 49‬ـ ‪.)50‬‬
‫فما معنى هذه التوصيفات الحادّة في مثل هذا الم!!ورد‪ ،‬وه!!و أم!!رٌ‬
‫تكوينيّ‪ ،‬خلقها اهلل عليه‪ ،‬في الكثير من موارده؟‬
‫بعد هذه الجولة المفصَّلة مع الرواي!!ات في ه!!ذا الب!!اب رأَيْن!!ا أنّ‬
‫التعبير األكثر إثارة هو‪« :‬ولحصيرٌ في ناحية البيت خيرٌ من ام!!رأةٍ ال‬
‫تلد‪ . »...‬وهذا التعبير منقولٌ في المصادر اإلماميّة عن رسول اهلل|‪ ،‬ولكن‬
‫في حديثٍ متفرِّدٍ ضعيفٍ‪ ،‬فال يمكن االعتماد عليه‪ .‬وفي المصادر السنّية‬
‫هذا التعبير منسوبٌ في الغ!!الب إلى عم!!ر بن الخطّ!!اب‪ ،‬فال نس!!تطيع أن‬
‫ننسب هذا التعبير إلى اإلسالم أساساً‪.‬‬
‫والتعابير األخرى‪ ،‬كالشؤم‪ ،‬قلنا‪ :‬يمكن أن يكون بمعنى م!!ا تُكْ!!رَه‬
‫عاقبته‪ ،‬ويُخاف منها‪ .‬وهذا ال يحمل أيّ معنىً سلبيّ تجاه المرأة الع!!اقر‬
‫نفسها‪ ،‬أكثر من كونه تنبيهاً لعاقبة مثل هذا الزواج‪ .‬وكذلك تعب!!ير‪:‬‬
‫(شرّ) و(شرار)‪ ،‬قد يكون لبيان التمي!!يز والمفاض!!لة بين الم!!رأة الول!!ود‬
‫والعاقر‪.‬‬

‫‪6‬ـ مقتضى التعليل تخصيص النَّ ْهي بالزواج الذي يُراد منه اإلنجاب‪6‬‬
‫كما رأينا في بعض هذه الروايات ـ ومنها ص!!حيح الس!!ند ـ نج!!د‬
‫عالقةً وطي!!دة بين النهي عن ال!!زواج من الم!!رأة العقيم ومس!!ألة ازدي!!اد‬
‫النَّسْل‪ .‬وهذا يدعو لتقييد الكراهة ـ لو ثبتَتْ ـ بالمورد ال!!ذي يُ!!راد أو‬
‫يمكن اإلنجاب‪ ،‬وإالّ إذا لم يمكن اإلنجاب ـ من جه!!ة عقم الرج!!ل مثالً ـ‬
‫فال موجب لهذا النَّهْي‪.‬‬
‫وال نستطيع! أن نحصر غايات الزواج في اإلنجاب؛ فإنّ المرأة العاقر‪،‬‬
‫وخاصّةً في ظّل ثقافة تعدُّد الزوجات‪ ،‬وفي ظلّ ثقاف!!ة اإلم!!اء ومل!!ك‬
‫اليمين أيض!!اً‪ ،‬حتّى ل!!و لم تنجب‪ ،‬ك!!انت تنف!!ع في تربي!!ة أوالده‪ ،‬وفي‬
‫العطف واإلحسان على الزوج‪ ،‬وما شابه ذلك‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪301‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫على أن الرجل الكبير‪ ،‬الذي توفِّيت زوجته‪ ،‬ق!!د يحت!!اج الم!!رأةٍ ال‬
‫تنجب‪ .‬وهذا شائعٌ كثيراً‪ ،‬حيث يبحث الرجال الكب!!ار‪ ،‬ال!!ذين لهم أوالدٌ‪،‬‬
‫وتوفِّيت زوجاتهم‪ ،‬عن ام!رأةٍ أخ!!رى ع!!اقرٍ‪ ،‬فلم!!اذا النهي عن ال!!تزويج‬
‫بالمرأة العاقر بالمطلق‪ ،‬مع أن له!!ذه الم!!رأة ح!!قّ ال!!زواج‪ ،‬وه!!و ش!!يءٌ‬
‫فُطرَتْ عليه‪ ،‬وتحتاج!!ه؟! وإذا فس!!دت ه!!ذه الم!!رأة فهي أش!!دُّ إفس!!اداً‬
‫للمجتمع من المرأة التي تنجب؛ إذ ليس هناك قلقٌ من حَمْلها‪.‬‬

‫‪7‬ـ مآالت تطبيق هذا الحكم في المجتمع‪ ،‬قراءةٌ ميدانية‬


‫يوجِّه النبيُّ المسلمين إلى الزواج من الول!!ود‪ ،‬وينهى عن ال!!زواج‬
‫من المرأة العقيم‪ .‬وهذا يث!!ير تس!!اؤالً ح!!ول مص!!ير الم!!رأة الع!!اقر في‬
‫المجتمع؟ ما هي قراءة المقنِّن اإلس!!المي‪ ،‬عن!!دما يحثّ على ال!!زواج من‬
‫المرأة الولود‪ ،‬وفي المقابل ينهى عن الزواج من الم!!رأة الع!!اقر‪ ،‬لمص!!ير‬
‫المرأة العاقر في المجتمع؟‬
‫لنفرض أنّ الناس التزمَتْ بهذه التوجيهات فما هو مص!!ير الم!!رأة‬
‫العاقر في المجتمع؟ هل تريدها الشريعة محروم!!ةً من ال!!زوج والحي!!اة‬
‫األُسَرية‪ ،‬مع أنّ اهلل تبارك وتع!!الى فطره!!ا على الرغب!!ة في النك!!اح؟ أال‬
‫يمكن للشريعة توجيه المسلمين لكي يكون زواجهم المتعدِّد! يشمل امرأةً‬
‫غير ولودٍ‪ ،‬في حين كان الزواج المتعدِّد! سائداً في تلك الفترة؟ وم!!اذا‬
‫عن التأثيرات السلبيّة التي سوف يتركها في المجتمع النَّهْيُ عن الزواج‬
‫من المرأة العقيم؟‬
‫هذه األسئلة كلّها تقوِّي احتمال التاريخانيّة في ه!!ذه النص!!وص‪،‬‬
‫وخاصّة أنه!!ا منقول!!ةٌ في األعمّ األغلب عن رس!!ول اهلل|‪ ،‬ومتناس!!بةٌ م!!ع‬
‫ظروف المسلمين في بداية ال!!دعوة‪ ،‬حيث ك!!ان ع!!دد المس!!لمين قليالً ال‬
‫يتجاوز بضعة آالف‪ .‬هذه فرضيّةٌ محتملة‪.‬‬
‫وإنْ قلنا بأنّه حكمٌ إلهيّ ث!!ابت فال بُ!!دَّ أن نأخ!!ذ بعين االعتب!!ار‬
‫سائر األحكام األوّلية والعناوين الثانويّة في المقام؛ حيث يمكن أن يصبح‬

‫‪ 302‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫الزواج منها واجباً أو مستحبّاً في بعض الفروض‪.‬‬

‫‪8‬ـ احتماليّة الوحدة في الروايات‪6‬‬


‫تتشابه الكثير من الروايات السابقة في المضمون‪ ،‬وأكثرها رُويَتْ‬
‫عن رس!!ول اهلل|‪ ،‬األم!!ر ال!!ذي يق!!وّي احتماليّ!!ة الوح!!دة في بعض ه!!ذه‬
‫الروايات‪ ،‬وخاصّة الروايات المرسَلة التي تشبه الرواي!!ات المس!!ندة؛ حيث‬
‫يمكن أن مصنِّف الكتاب نقل مضمون الروايات المسندة؛! لتحقُّق غرض!!ه‪،‬‬
‫من دون أن يذكر سَنَداً له‪ ,‬فال نستطيع القول بأنّنا أم!!ام س!!بع عش!!رة‬
‫روايةً مستقلّة في هذا الباب‪.‬‬

‫ي لهذه الروايات‬
‫‪9‬ـ االعتبار الصدور ّ‬
‫تحتوي المجموعة األولى من الروايات س!!تّ رواي!!ات‪ ،‬اثنت!!ان منه!!ا‬
‫صحيحتان؛ وتحتوي المجموعة الثانية عشر روايات؛ رواي!!ة واح!!دة منه!!ا‬
‫صحيحة‪ .‬ففي مجموع هذه الروايات إنّم!!ا نج!!د ثالث رواي!!ات ص!!حيحة؛‬
‫وكثيرٌ منها مرسَلة‪ ،‬بل ال سَنَد لها أساس!!اً‪ .‬فعلى مب!!نى حجِّي!!ة خ!!بر‬
‫الثقة النَّهْي عن الزواج من المرأة العقيم أمرٌ ثابت‪ .‬وإنْ لم يفهم فهماً‬
‫تاريخياً فيمكن استنباط كراه!!ة ال!!زواج من الم!!رأة العقيم‪ ،‬بع!!د ط!!رد‬
‫احتمال االرشاديّة في هذه الروايات‪.‬‬
‫ولكنْ على مبنى حجِّي!!ة الخ!!بر الموث!!وق يبع!!د حص!!ول االطمئن!!ان‬
‫بصدور هذه الروايات كحكمٍ تكليفيّ أَبَ!!ديّ؛ إذ يحتم!!ل فيه!!ا اإلرش!!اديّة‬
‫والتاريخيّة احتماالً معتدّاً به‪.‬‬

‫‪10‬ـ العالقة بين الكراهة واالستحباب‬


‫وكما رأينا ف!!إن بعض ه!!ذه الرواي!!ات إنّم!!ا تتح!!دَّث عن الم!!رأة‬
‫العقيم؛ وبعض اآلخر إنّما يتحدَّث عن المرأة الولود؛ والقسم الثالث منها‬
‫يجمع بينهما‪ .‬وبما أنّ هناك عالقة وطيدة بين األمرَيْن حاولنا أن نجمع‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪303‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫بينهما في هذه الدراسة‪ .‬والسؤال الذي يطرح نفسه هن!!ا‪ :‬م!!ا هي العالق!!ة‬
‫القانونية بين االستحباب والكراهة في هذا الموضوع؟ هل يمكن أن ننتق!!ل‬
‫من كراهة الزواج من المرأة العقيم ـ لو ثبت ـ إلى استحباب الزواج من‬
‫الولود‪ ،‬والعكس كذلك‪ ،‬أو ال؟‬
‫إذا لم نقب!!ل بكلِّي!!ة اس!!تحباب ت!!رك المك!!روه‪ ،‬أو كراه!!ة ت!!رك‬
‫المستحبّ‪ ،‬ال نستطيع أن نقبل بهذه المالزمة هنا أيضاً‪ .‬وبما أنّنا ال نقبل‬
‫بهاتين القضيّتين ككبرى كلِّية فال نستطيع! أن ندَّعي ذلك هنا أيض!!اً؛‬
‫إذ ال نجد خصوصيّةً زائدة في هذا الموضوع‪.‬‬

‫‪11‬ـ النصوص الذا ّمة للمرأة العاقر‪ ،‬وداللتها على الكراهة القانونيّة‬
‫وكما رأَيْنا فإن الكثير من الروايات المتعلِّق!!ة ب!!المرأة العقيم ال‬
‫يشتمل على األمر والنَّهْي‪ ،‬وإنّما تصف المرأة العقيم بتعابير مرجوحةٍ‪.‬‬
‫والسؤال هنا‪ :‬هل نستطيع أن نس!!تفيد! من مث!!ل ه!!ذه النص!!وص الكراه!!ة‬
‫القانونيّة للزواج من المرأة العقيم أو ال؟‬
‫قد يُقال بأنّ توصيف المرأة العقيم بـ «شرار النس!!اء»‪ ،‬أو اعتب!!ار‬
‫عقم الم!!رأة ش!!ؤماً له!!ا‪ ،‬وإنْ لم ي!!دلّ بالمطابق!!ة على النَّهْي‪ ،‬ولكنّ!!ه‬
‫بالداللة االلتزامية يدلّ على النَّهْي التنزيهيّ على األق!!لّ‪ ،‬فت!!دخل ه!!ذه‬
‫الروايات في مجموع الشواهد ال!!تي تؤكِّ!!د على النَّهْي عن ال!!زواج من‬
‫المرأة العقيم‪.‬‬
‫ولكنّ هذه المالزمة غير مفهومةٍ من قِبَلن!!ا؛ إذ ال نج!!د مالزم!!ةً‬
‫دائميّة بين المرجوحية في الخارج والكراه!!ة القانوني!!ة؛ كي ننتق!!ل من‬
‫بيان المرجوحيّة هذه إلى الكراهة الشرعيّة‪ .‬وكذلك في االستحباب‪.‬‬

‫ق المرأة العقيم‬
‫‪12‬ـ النصوص القانونيّة‪ 6‬االستحبابيّة‪ 6،‬وداللتها على التشنيع بح ّ‬
‫لقد استحضَرْنا في هذه الدراسة النصوص ال!!تي تحثّ على ال!!زواج‬
‫من المرأة الولود‪ ،‬وتمدحها؛ إذ قد يقال بأنّ هذا االستحباب يالزم كراهة‬

‫‪ 304‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫الزواج من المرأة العقيم‪ .‬وك!!ذلك ه!!ذا بنفس!!ه مؤشِّ! رٌ للتمي!!يز بين‬


‫المرأة العقيم والوَلود في النصوص الدينية‪ ،‬وهو األمر الذي سنتناوله في‬
‫النقطة األخيرة‪ .‬ولكنّنا ال نفهم من هذه النص!!وص أيّ تعي!!يرٍ في ح!!قّ‬
‫المرأة العقيم‪ ،‬وإنّما كلُّ ما في األمر مسألة التمييز والتفضيل‪.‬‬
‫‪13‬ـ إشكاليّة التمييز‪ 6‬بين المرأة العقيم والولود تشريعاً‪ ،‬بل تكوينا ً‬
‫إنّ الكث!!ير من اإلش!!كاليّات ال!!تي يس!!جِّلونها الي!!وم على األحك!!ام‬
‫الشرعيّة‪ ،‬بل األفعال اإللهيّة التكوينيّ!!ة‪ ،‬يرج!!ع إلى مس!!ألة التمي!!يز بين‬
‫العباد‪ ،‬األمر الذي اعتبر مصداقاً للظلم‪ .‬وكذلك في المق!!ام‪ ،‬ق!!د اعت!!بر‬
‫الحكم بكراه!!ة ال!!زواج من الم!!رأة العقيم من مص!!اديق التمي!!يز والظلم‪،‬‬
‫وخاصّةً أنّ القرآن يصرِّح بأن العقم أمرٌ تكوينيّ يرجع إلى اهلل نفس!!ه‪،‬‬
‫فلماذا ميَّ!!ز اهلل س!!بحانه بين عب!!اده‪ ،‬وجع!!ل ال!!زواج من الم!!رأة العقيم‬
‫مكروهاً‪ ،‬والزواج ب!!الوَلود مس!!تحبّاً؟ ب!!ل لم!!اذا جع!!ل بعض!!هم عقيم!!اً‪،‬‬
‫واآلخر وَلوداً‪ ،‬تكويناً؟ أليس هذا مخالفاً للعدل اإللهيّ؟!‬
‫وبصرف النظر عن ثبوت الكراهة أو عدم ثبوتها ال بُدَّ من الجواب‬
‫عن هذه اإلشكاليّة؛ ألن التمييز التشريعي وإنْ لم يكن ثابتاً‪ ،‬فإنّ التمييز‬
‫التكويني أمرٌ ثابت‪ ،‬وصرَّح القرآن الكريم بأنّ اهلل هو الذي جعل بعض!!اً‬
‫عقيماً‪.‬‬
‫يمكن الجواب عن ذلك بأنّ العدل ال يعني التساوي في كلّ ش!!يءٍ؛‬
‫فإنّ العدل حتّى في مفهومه العُرْفي ال يعني إالّ إعط!!اء ك!!لّ ذي ح!!قٍّ‬
‫حقَّه‪ .‬فال بُدَّ من إثبات الحقّ في مرحلةٍ سابقة‪ .‬وإنّ اإلنسان‪ ،‬بل جميع‬
‫المخلوقات‪ ،‬ال يملكون حقّاً في مقابل مَنْ أعطى لهم الوج!!ود‪ ،‬وه!!و اهلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬ورُبَما من هنا نجد الترك!!يز على مقول!!ة «الفضل» في‬
‫النصوص الدينيّة‪ ،‬كقوله عزَّ وجلَّ‪﴿ :‬وَالَ تَتَمَنَّ!!وْا مَ!!ا فَض!َّ لَ اهللُ‬
‫اكْتَس!! بُوا‬
‫َ‬ ‫نَص!! يبٌ مِمَّ!!ا‬
‫ِ‬ ‫بَعْض!! كُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَ!!الِ‬
‫َ‬ ‫بِ!!هِ‬
‫ولِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ واسْأَلُوا اهللَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اهللَ‬
‫كَانَ بِكُلِّ شَ! يْ‌ءٍ عَلِيم!!اً﴾ (النس!!اء‪ .)32 :‬وك!!ذلك قول!!ه س!!بحانه‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪305‬‬
‫• الشيخ سعيد نورا ‪ /‬الشيخ مهدي قاسمي‬

‫وتعالى‪﴿ :‬أَمْ يَحْسُ! دُونَ النَّ!!اسَ عَلَى مَ!!ا آتَ!!اهُمُ اهللُ مِنْ فَضْ! لِهِ‬
‫فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْ!!رَاهِيمَ الْكِتَ!!ابَ وَالْحِكْمَ!!ةَ وَآتَيْنَ!!اهُمْ مُلْك!!اً‬
‫عَظِيماً﴾ (النساء‪.)54 :‬‬
‫فما نراه من التمييز واالفتراق بين البشر‪ ،‬بل في جميع المخلوقات‪،‬‬
‫ليس إالّ من فضل اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬فال يُسْأَل س!!بحانه عن ش!!يءٍ من‬
‫ذلك؛ إذ ال حقَّ لآلخرين في مقابله تعالى‪ .‬فالتمييز ليس ظلماً‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬إضافةً إلى أنّنا ال نستطيع! أن نثبت أنّ اإلنجاب أمرٌ مطل!!وبٌ‬
‫للجميع؛ فرُبَما إنجاب الولد يجلب الشرّ والمفاس!!د لبعضٍ‪ ،‬فال نس!!تطيع‬
‫اعتبار العقم شرّاً مطلقاً‪.‬‬
‫وثمّة جوابٌ نَمَطِيّ يبرِّر الشرور في العالم ع!!بر فك!!رة النظ!!ام‬
‫األحسن‪ .‬ويمكن توظيف هذا الجواب هن!!ا أيض!!اً‪ ،‬ب!!أن نق!!ول‪ :‬إنّ النظ!!ام‬
‫األحسن‪ ،‬الذي يريده اهلل سبحانه‪ ،‬يقتضي بأن يك!!ون بعض الن!!اس عقيم!!اً؛‬
‫فإنْ كان العقم في ذاته شرّاً ـ لو ثبت ذلك ـ فهو حَسَ! نٌ ب!!النظر إلى‬
‫النظام األحسن‪ .‬إذاً ال بُدَّ من وجوده لتحقُّق النظام األحسن‪.‬‬

‫الخاتمة‬
‫لقد حاوَلْنا في هذا المقال أن نتناول موضوعاً نجد أنه يحت!!اج إلى‬
‫إعادة نظرٍ فقهيّ‪ ،‬وهو «كراهة الزواج من المرأة العقيم‪ ،‬والتشنيع به!!ا‬
‫في النصوص الدينيّة»‪ .‬وبدأنا بعَرْض قراءة القرآن عن ه!!ذا الموض!!وع‪!،‬‬
‫ثمّ انتقلنا إلى الح!!ديث الش!ريف‪ ،‬ال!ذي يعت!!بر األس!اس في ه!!ذا الحكم‪.‬‬
‫ووجدنا قرابة ستّ عشرة رواية في هذا الموضوع! في المصادر الحديثية‪.‬‬
‫وحاوَلْنا دراسة أسانيدها‪ ،‬ومداليلها‪ ،‬كلٌّ على حِدَة‪ ،‬لننتقل بع!!د ذل!!ك‬
‫أش!! رْنا‬
‫في التحليل اإلجماليّ إلى مقارنة النتائج‪ ،‬وبعض المالحظات التي َ‬
‫إليها‪ .‬ووصلنا إلى عدم ثبوت كراه!ة ال!!زواج من الم!!رأة العقيم كحكمٍ‬
‫ق!انونيّ كلِّي يعمّ جمي!ع األزمن!ة واألمكن!ة في الع!الم‪ ،‬إالّ بن!اءً على‬
‫أصولٍ اجتهاديّة ال نقبل بها‪ ،‬كأصالة المولويّة في النص!!وص‪ ،‬وحجِّي!!ة‬

‫‪ 306‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• نظرة اإلسالم إلى المرأة العقيم‪ ،‬قراءة نقدية في النصوص الدينية (الزواج والتشنيع نموذجاً)‬

‫خبر الثق!!ة‪ ،‬وأص!!الة الخل!!ود أو اإلطالق األزم!!انيّ في جمي!!ع النص!!وص‬


‫الدينيّة‪ .‬نرجو من اهلل سبحانه أن يوفِّقنا للعمل الصالح في ه!!ذه ال!!دنيا‪،‬‬
‫ويرزقنا مقام األبرار في عالم اآلخرة‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪307‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫البيت^‬ ‫الوالية التكوينية للنب ّي وأهل‬


‫محاولةٌ للتوفيق بين النفي واإلثبات‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫يتمّ تصوير الوالية التكوينية ـ بمعنى الوساطة في الفَيْض اإللهيّ‬


‫ـ على نحوين‪:‬‬

‫النحو األ ّول‪ :‬الوساطة بالتفويض‪6‬‬


‫وبيانه يتوقَّف على عدّة نقاط‪:‬‬
‫النقط!!ة األولى‪ :‬إنّ المتكلِّمين ال يؤمن!!ون بوج!!ود العق!!ل بمع!!نى‬
‫الموجود المفارق عن المادّة ذاتاً وفعالً؛ لعدم قيام دليلٍ عليه‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬إنّ المعتزلة من المتكلِّمين ق!!د ذهب!!وا إلى أنّ اهلل‬
‫قد فوَّض العباد في أفعالهم إلى إرادتهم على نحو االس!!تقالل‪ ،‬بال دَخْ!!لٍ‬
‫إلرادة الغير فيها‪ .‬وقد استدلّوا على هذه النظرية بأنّ الممكن يحت!!اج في‬
‫حدوثه إلى العلّة؛ ألنّ مالك الحاجة هو الحدوث‪ ،‬فيستغني في بقائ!!ه عن‬
‫المؤثِّر‪ .‬وعليه‪ ،‬فاإلنسان بعد خلقه من قِبَل اهلل ال يحت!!اج في بقائ!ه إلى‬
‫إفاضة الوجود منه‪ ،‬فإذن يستند! صدور األفعال إلي!!ه اس!!تناداً مس!!تقالًّ‪ ،‬ال‬
‫إلى العلّة المُحْدِثة‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬التفويض هو إرجاع األمر إلى الغير‪.‬‬
‫وبناءً على ما تقدَّم من نقاطٍ لو فرضنا أنّ اهلل خلق نفس الن!!بيّ‬

‫*)(*) أستاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية في لبنان (المعهد الشرعي‬


‫اإلسالمي)‪ .‬من أفغانستان‪.‬‬
‫‪ 308‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫والوليّ قادرةً على إفاضة الوجود على المخلوق!!ات فعلى أس!!اس النقط!!ة‬
‫األولى ال توجد السلسلة المجرَّدة بين عالم الطبيعة والخالق‪ ،‬فتكون هذه‬
‫النفوس القُدْس!!ية موج!!ودةً بإيج!!اد اهلل لحدوث!!ه؛ وعلى أس!!اس النقط!!ة‬
‫الثانية الممكن في حدوثه يحتاج إلى الخالق‪ ،‬وفي بقائ!!ه ال يحت!!اج إلي!!ه‪،‬‬
‫فتكون هذه النفوس القُدْسية موجودةً بإيجاد اهلل‪ ،‬بحيث تكون قادرةً على‬
‫إفاضة الوجود على المخلوقات وإدارتها‪ ،‬فهم يعملون! ما يشاؤون‪ ،‬ويفعلون‬
‫ما يريدون‪ ،‬واهلل ال دَخْلَ ل!!ه في إفاض!!ة الوج!!ود للمخلوق!!ات‪ ،‬فينطب!!ق‬
‫عليهم التفويض‪ ،‬وهو إرجاع أمر التدبير إليهم‪.‬‬

‫نق ٌد ور ّد‬
‫وهذا التصوير للتوسيط في اإلفاضة اإللهيّة ثبوتاً ممنوعٌ؛ وذل!!ك‬
‫ألسباب‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إنّ النقطة األولى ممنوعةٌ؛ فهناك وج!!وداتٌ مج!!رّدة تامّ!!ة‬
‫وناقصة بين الخالق وعالم الطبيعة على أساس قاعدة إمكان األشرف‪ ،‬كما‬
‫يؤمن بها الفالسفة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬النقطة الثانية ـ أيضاً ـ ممنوعةٌ؛ ألنّ اإليجاد فرع الوج!!ود؛‬
‫إذ الفاعل وأثره هو الوجود‪ .‬فبالنظر إلى أنّ أصل وج!!ود الفاع!!ل وج!!هٌ‬
‫للخالق تعالى‪ ،‬كما أنّ أصل وجود األثر وج!!هٌ ل!!ه‪ ،‬فإيج!!اده إيج!!ادُ اهلل‪،‬‬
‫فيكون اهلل فاعالً بمعنى ما منه الوجود‪ .‬وب!!النظر إلى أنّ وج!!ود الفاع!!ل‬
‫محدودٌ مرتبةً‪ ،‬وحدُّه هو فقدانيّته للمراتب األخرى من الوج!!ود‪ ،‬كم!!ا‬
‫أنّ وجود األثر محدودٌ بحدٍّ‪ ،‬فاإليجاد من الفاعل المحدود يُضاف إلي!!ه‪،‬‬
‫فيكون الفاعل فاعالً بمعنى ما به الوجود‪ .‬فاإليجاد من العبد باعتبار أصل‬
‫وجود األَثَر إيجاد اهلل‪ ،‬وباعتبار محدوديّة وجود األَثَر إيجاد العبد‪ .‬وال‬
‫يُعقل عزل الخالق من التأثير‪.‬‬
‫ثالث!!اً‪ :‬إن!!ه يس!!تلزم الش!!رك في الربوبي!!ة‪ ،‬والربوبي!!ة من ش!!ؤون‬
‫األلوهيّة‪ ،‬فكيف يمكن الفصل بين كونه تع!!الى إله!!اً ـ بمع!!نى الخ!!الق‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪309‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫للكَوْن ـ وليس بربٍّ ـ بمعنى المدبِّر لنظام الكَوْن ـ؟!‬


‫وإضافةً إلى هذه الردود الثبوتية هناك ردٌّ إثب!!اتي‪ ،‬بأنّ!!ه ال دلي!!ل‬
‫على أنّ اهلل خلق هذه النفوس قادرةً على إفاضة الوجود على المخلوقات‪.‬‬
‫وهذه الوجوه ردٌّ على هذا التصوير‪.‬‬

‫النحو الثاني‪ :‬الوساطة بالفَ ْيض‬


‫وبيانه يتوقَّف على عدّة نقاط أيضاً‪:‬‬
‫النقطة األولى‪ :‬لعوالم الوجود بنظر الفالسفة مراتب‪:‬‬
‫األولى‪ :‬عالم الج!!بروت‪ .‬وه!!و ع!!الم العق!!ول المج!!رَّدة الكلِّيّ!!ة‪.‬‬
‫والكلِّيّة هنا ليست ب!!المعنى المنطقي‪ ،‬ال!!ذي ه!!و وص!!فٌ للمفه!!وم‪ ،‬ب!!ل‬
‫بالمعنى العرف!اني‪ ،‬وه!و س!عة الوج!ود‪ ،‬بحيث يك!ون محيط!اً باإلحاط!ة‬
‫القيّوميّة لما دونه من العوالم الدنيا‪ .‬ويسمِّيه أهل الشرع بـ (المالئك!!ة‬
‫المقرَّبين)‪ ،‬و(المالئكة الكرّوبيّين)‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬عالم الملكوت‪ .‬وهو عالم المثال‪ .‬ويس!!مّيه أه!!ل الش!!رع بـ‬
‫(المالئكة البرزخيّين)‪ ،‬و(المدبِّرات أمراً)‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬عالم الناسوت‪ .‬وهو عالم الطبيعة‪ .‬ويسمِّيه أهل الش!!رع بـ‬
‫(عالم الشهادة)‪ .‬والموجودات في هذا الع!!الم م!!راتب متع!!دِّدة‪ ،‬فتب!!دأ! من‬
‫الهي!!ولى األولى‪ ،‬ثمّ الص!!ورة الجس!!مية‪ ،‬ثمّ الص!!ورة النوعي!!ة للعناص!!ر‬
‫البسيطة‪ !،‬ثمّ الصورة النوعية للمواليد الثالثة ـ وهي‪ :‬المعادن والنبات!!ات‬
‫والحيوانات ـ‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬إنّ للنفس اإلنسانية بنظ!!ر العرف!!اء م!!راتب س!!بعة‪.‬‬
‫ونحن نقتصر على بيان خمسٍ من تلك المراتب‪:‬‬
‫األولى‪ :‬الطبع‪ .‬والنفس اإلنسانية من حيث تدبيرها للب!!دن تُس!!مَّى‬
‫بالطبع‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬النفس‪ .‬والنفس اإلنسانية من حيث كونه!!ا نفس!!اً حيواني!!ة‬
‫تُسمَّى بالنفس‪.‬‬

‫‪ 310‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫الثالثة‪ :‬القلب‪ .‬والنفس اإلنس!!انية من حيث إدراكه!!ا للجزئيّ!!ات‬


‫والكلِّيّات تُسمّى بالقلب‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬ال!!روح‪ .‬والنفس اإلنس!!انية من حيث إدراكه!!ا للكلِّيّ!!ات‬
‫تُسمّى بالروح‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬السرّ‪ .‬والنفس اإلنس!!انية من حيث اتّحاده!!ا م!ع العق!ول‬
‫المجرَّدة الكلِّيّة تُسمّى بالسرّ‪.‬‬
‫وق!!د بقيَتْ مرتبت!!ان‪ :‬الخفيّ؛ واألخفى‪ .‬والحرك!!ة االس!!تكمالية‬
‫للنفس تكون على نحو اللبس بع!!د اللبس‪ ،‬بمع!!نى تحص!ُّ ل ص!!ورةٍ ف!!وق‬
‫صورة‪ ،‬ال على نحو اللبس بعد الخلع‪ ،‬بمعنى تحصُّ! ل ص!!ورةٍ بع!!د زوال‬
‫صورةٍ‪ ،‬مثل‪ :‬تحصّل صورة التراب لبدن اإلنسان بع!!د الم!!وت‪ .‬فالص!!ورة‬
‫الترابية ال تحصل لبدن اإلنسان إالّ بعد خلع وزوال الصورة البدنية لجسم‬
‫اإلنسان‪.‬‬
‫النقطة الثالثة‪ :‬هناك قاعدةٌ باسم قاعدة إمكان األش!!رف‪ ،‬ومفاده!!ا‪:‬‬
‫إنّه إذا أمكن وجود أشرف يجب أن يوج!!د حتّى يوج!!د الوج!!ود األخسّ‪.‬‬
‫وعلى أساس هذه القاع!!دة لع!!الم الوج!!ود ن!!زوالً ق!!وسٌ يب!!دأ من ع!!الم‬
‫الجبروت‪ ،‬ثمّ المَلَكوت‪ ،‬ثمّ الناسوت؛ وفي المقابل تكون قاع!!دةٌ أخ!!رى‪،‬‬
‫وهي قاعدة إمكان األخسّ‪ ،‬ومفادُها‪ :‬إنّ!!ه إذا أمكن وج!!ود أخسٍّ يجب أن‬
‫يوجد حتّى يوج!!د األش!رف‪ .‬وعلى أس!اس ه!ذه القاع!دة لع!الم الوج!ود‬
‫صعوداً قوسٌ يبدأ! من الهيولى األولى‪ ،‬ثمّ الصورة الجسمية‪ ،‬ثمّ الص!!ورة‬
‫النوعي!!ة للبس!!ائط‪ ،‬ثمّ الص!!ورة النوعي!!ة للمركَّب!!ات‪ ،‬حتّى النفس‬
‫اإلنسانيّة‪ ،‬التي لها مراتب خمسة‪ ،‬كما تقدَّمَتْ‪.‬‬
‫النقطة الرابعة‪ :‬عندهم قاعدةٌ بأنّ العالي ال يطلب السافل؛ ول!!ذلك‬
‫الوجود من العالي ال يحصل للسافل‪ ،‬إالّ بغ!!رض الص!!عود إلي!!ه؛ ول!!ذلك‬
‫الوجود من عالم الجبروت ال يحصل لعالم الملكوت‪ ،‬إالّ لصعوده إلى عالم‬
‫الجبروت؛ وال يحصل الوجود من عالم الملك!!وت إلى ع!!الم الناس!!وت‪ ،‬إالّ‬
‫بغرض صعوده إلى ع!!الم الملك!وت‪ .‬وعلى ذل!!ك‪ ،‬فك!لّ فاع!!لٍ في ق!وس‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪311‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫النزول له غايةٌ في مرتبته في قوس الصعود؛ فغاي!!ة ع!!الم الج!!بروت في‬


‫قوس النزول هو النفس اإلنسانيّة في مرتبة السرّ‪ ،‬وغاية عالم المَلَك!!وت‬
‫في قوس النزول هو النفس اإلنسانيّة في مرتبة الرُّوح‪.‬‬
‫النقطة الخامسة‪ :‬إنّ الفاعل يأتي بمعنيين‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬فاعل ما منه الوجود‪ .‬وهذا المعنى يختصّ بالب!!اري تب!!ارك‬
‫وتعالى؛ ألنّه هو المفيض للوجود؛ فلذلك العلّة الحقيقية للمخلوقات هو‬
‫اهلل‪ ،‬على أساس قاعدة (ال مؤثِّر في الوجود إالّ اهلل)‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬فاعل ما به الوجود‪ .‬وهذا المعنى يختصّ بالفواعل اإلمكانية‪،‬‬
‫فتك!!ون تل!!ك الفواع!!ل من العِلَ!!ل المُعِ!!دَّة‪ ،‬ب!!المعنى اللغ!!ويّ‪ ،‬وه!!و‬
‫المهيِّىء‪ .‬فالجبروت يهيِّئ المَلَكوت إلفاض!!ة الوج!!ود إلي!!ه من الب!!اري‬
‫تبارك وتعالى‪ .‬وليس بالمعنى االصطالحي الذي يكون عدمه بع!!د وج!!وده‬
‫موقوفاً عليه للمعلول‪.‬‬
‫وبعد هذه النقاط تتبيَّن الوالية التكوينية للنبيّ وآله المعصومين^؛‬
‫فقد رُوي‪« :‬إنّ أوّل ما خلق اهلل نور نبيّ!!ك‪ !،‬ي!!ا ج!!ابر»(‪)680‬؛ وأيض!!اً‪:‬‬
‫«إنّ أوّل م!!ا خل!!ق اهلل العقل»(‪)681‬؛ وأيض!!اً‪« :‬إنّ أوّل م!!ا خل!!ق اهلل‬
‫القلم»(‪ .)682‬ووجه الجمع بين هذه األحاديث أنّ المعل!!ول األول من حيث‬
‫إنّه مجرّدٌ يعقل ذاته ومبدأه يُس!!مّى! عقالً‪ ،‬ومن حيث إنّ!!ه واس!!طةٌ في‬
‫صدور سائر الموجودات يُسمّى! قلماً‪ ،‬ومن حيث توسّطه في إفاضة أنوار‬
‫األنبياء واألئمّة^ في هذا العالم يُسمّى! نوراً محمّدياً‪ .‬وبن!!اءً على ه!!ذه‬
‫األحاديث يكون العقل األوّل هو النور المحمّدي‪ .‬ف!!النور المحمّ!!دي ه!!و‬
‫من عالم الجبروت‪ .‬وعلى أساس النقطتين األولى والثالثة ق!!وس ال!!نزول‬
‫يبدأ من عالم الجبروت‪ ،‬وينتهي إلى عالم الناسوت‪ .‬وعلى أس!!اس النقط!!ة‬
‫الثالثة نهاية قوس الصعود هي النفس اإلنسانيّة في مرتب!!ة الس!!رّ‪ .‬وعلى‬
‫أساس النقطة الرابعة كلّ فاعلٍ في ق!!وس ال!!نزول ل!!ه غاي!!ةٌ في ق!!وس‬
‫الصعود‪ !،‬ويتّحد ذو الغاية بالغاية عند انتهاء دائرة الوج!!ود‪ .‬وعلى أس!!اس‬
‫النقطة الخامسة المراتب العالية في قوس النزول لها فاعليّةٌ بمع!!نى م!!ا‬

‫‪ 312‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫به الوجود‪ ،‬فيسري هذا الحكم للغاي!!ة من جه!!ة اتّحاده!!ا م!!ع ذي الغاي!!ة‪،‬‬
‫فتكون تلك النف!وس القُدْس!ية في ق!وس الص!عود من جه!ة روحانيته!ا‬
‫ونورانيتها واسطةً في اإلفاضة واإليجاد‪ .‬فمَنْ يلتزم بعدم هذه الواس!!طة‬
‫يلتزم بعدم ما يُبتدأ! به عالم الوجود نزوالً‪ ،‬وهذا إنكارٌ للعوالم ال!!تي هي‬
‫في طول هذا العالم‪ .‬وقد ثبتت هذه العوالم بقاعدة إمكان األش!!رف‪ ،‬كم!!ا‬
‫تقدَّم في النقطة الثانية‪.‬‬
‫وعلى ضوء ما تقدَّم قال المحقِّ!!ق األص!!فهاني&؛ إلثب!!ات ك!!ونهم‬
‫علالً فاعليّة‪« :‬فاإلنسان الكام!!ل المحمّ!!دي| في ه!!ذه ال!!دائرة العظيم!!ة‪،‬‬
‫وغيره من النفوس القُدْسية في سائر الدوائر؛ بلحاظ اتّح!!اده بالفواع!!ل‬
‫العالية‪ ،‬واسطةٌ في اإلفاضة بروحانيّتها ونورانيّتها‪ .‬ف!!االلتزام بع!!دم م!!ا‬
‫ينتهي إليه الدائرة التزامٌ بعدم ما تبتدئ به‪ ،‬وااللتزام بعدمه التزامٌ بعدم‬
‫فاعل ما به الوجود‪ ،‬فيوجب االلتزام بعدم سائر العوالم التي هي في ط!!ول‬
‫هذا العالم»(‪.)683‬‬

‫مناقشاتٌ واعتراض‪6‬‬
‫وقد نُوقش هذا المعنى للوالية التكوينية بعدّة وجوهٍ‪:‬‬
‫الوجه األوّل‪ :‬إنّها تستلزم التفويض‪ ،‬والتفويض يوجب الش!!رك في‬
‫الربوبية‪ ،‬كما تقدَّم في التصوير األوّل للوالية التكوينية‪.‬‬
‫وهذا الردّ مخدوشٌ؛ ألنّ التفويض ه!!و إرج!!اع األم!!ر إلى الغ!!ير‪،‬‬
‫وهذه الوالية ال تكون إرجاعاً ألم!!ر الت!!دبير إلى الغ!!ير من وجه!ة نظ!!ر‬
‫الفالسفة؛ ألنّ عالم الجبروت بنظرهم الزمُ وجود الباري تبارك وتع!!الى‪،‬‬
‫فموجودٌ بوجوده‪ ،‬فيكون من الصقع الربوبيّ‪ ،‬فال يكون موجوداً بخلقه ـ‬
‫أي إيجاده من العدم ـ حتّى يكون توسيطه لإلفاضة من قبيل‪ :‬تسليم أم!!ر‬
‫التدبير إلى الغير‪ ،‬ويستلزم ذلك إذا كان الشيء موج!!وداً بخلق!!ه كم!!ا‬
‫كان هذا المعنى وارداً على تصوير الوالية القائم على ق!!ول المتكلِّمين؛‬
‫ألنّ النبيّ واألئمّة^ حادثٌ‪ ،‬على قولهم‪ ،‬فيكون وجودهم بإيجاد اهلل تبارك‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪313‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫وتعالى من العدم‪ .‬فإرجاع تدبير الخلق إليهم تفويضٌ ألم!!ر الت!!دبير إلى‬
‫الغير‪ ،‬وهذا شركٌ في الربوبية‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬وهو للشيخ السبحاني(‪ ،)684‬وحاصله‪ :‬إنّ هذه النفوس‬
‫القُدْسيّة لو كانت في مرتبة العلّة الفاعليّة لعالم الطبيعة للزم تق!!دُّم‬
‫الشيء على نفسه؛ ألنّ هذه النفوس في مرتبة المعل!!ول للعل!!ل الطبيعي!!ة‪،‬‬
‫فإنّ حياتهم تتوقَّف على الهواء والماء والطعام والدواء‪ ،‬فتتوقَّف! حياتهم‬
‫على هذه األسباب‪ .‬فلو كانت هذه الذوات في مرتبة العلّة له!!ذه األس!!باب‬
‫يستلزم تقدُّم الشيء على نفسه‪ ،‬وهو محالٌ‪.‬‬
‫وال يمكن المساعدة على هذه المناقشة؛ ألنّ لهذه الذوات القُدْس!!يّة‬
‫في هذا العالم جهتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬الجهة الجسمانية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬الجهة الروحانية‪ ،‬ولهذه الجهة مراتب‪ ،‬وهي‪ :‬مرتبة الطب!!ع‬
‫إلى مرتبة السرّ‪ ،‬على قول العرفاء‪ ،‬فإذا وصلت نفوسهم إلى مرتبة الس!!رّ‬
‫فال تحتاج إلى البدن‪ ،‬على قول العرفاء‪ ،‬فيك!!ون البَ!!دَن بمثاب!!ة الجلب!!اب‪،‬‬
‫متى شاء يدخل فيه‪ ،‬ومتى شاء يخرج منه‪ .‬فيكون احتي!!اجهم إلى األس!!باب‬
‫الطبيعية في حياتهم من الجانب الجس!!ماني؛ فأجس!!امهم من حيث كونه!!ا‬
‫تتغذّى وتنمو وتولد ـ ومنشأ هذه األمور هو النفس النباتية ـ‪ ،‬ومن حيث‬
‫كونها تحسّ وتتحرّك باإلرادة ـ ومنش!!ؤهما ه!!و النفس الحيواني!!ة ـ‪،‬‬
‫تحتاج إلى تلك األس!!باب‪ .‬وأمّ!!ا من ج!!انب النفس الناطق!!ة في الم!!راتب‬
‫الدنيا‪ ،‬مثل‪ :‬مرتبة الطبع والنفس‪ ،‬فيحتاج ـ أيضاً ـ إلى تل!!ك األس!!باب‪.‬‬
‫وأمّا النفس الناطق!!ة في الم!!راتب العلي!!ا‪ ،‬مث!!ل‪ :‬مرتب!!ة ال!!روح والس!!رّ‬
‫والخفيّ واألخفى‪ ،‬فال تحت!!اج إلى تل!!ك األس!!باب‪ .‬والوالي!!ة التكويني!!ة‬
‫لل!!ذوات القُدْس!!يّة تك!!ون من جه!!ة النفس الناطق!!ة بمراتبه!!ا العلي!!ا‪ ،‬ال‬
‫بمراتبها الدنيا‪ ،‬فال يَرِدُ عليها ما تقدَّم من الشيخ السبحاني‪.‬‬
‫اإلشكال على مذهب الوساطة بالفَ ْيض‪6‬‬

‫‪ 314‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫ولكنْ ال يمكن أن نقبل هذا التصوير للوالية التكوينية؛ وذلك ألجل‬


‫عدم اتّحاد ذي الغاية بالغاية عن!!دما تك!!ون النف!!وس القُدْس!!ية متعلِّق!!ة‬
‫باألب!!دان الناس!!وتية‪ .‬ويتوقَّ!!ف توض!!يح ذل!!ك على مقدّم!!ةٍ‪ ،‬وهي‪ :‬إنّ‬
‫لالتحاد سبعة معانٍ؛ ثالثة منها معانٍ مجازيّة‪:‬‬
‫‪1‬ـ صيرورة شيءٍ ما شيئاً آخر باالستحالة‪ ،‬سواءٌ ك!!انت دفعيّ!!ةً‪،‬‬
‫مثل‪ :‬صيرورة الماء هواءً‪ ،‬فالصورة المائية تزول عن الهيولى األولى فيه‬
‫دفعةً‪ ،‬وتعرض عليها الصورة الهوائية‪ ،‬وهذا المعنى لالتّحاد مجازي؛ ألنّ‬
‫الماء بنفسه ما صار هواءً‪ ،‬بل بجزئه صار هواءً ـ وهو الهيولى األولى ـ‪،‬‬
‫فاتَّحدت الهي!!ولى م!!ع الص!!ورة الهوائي!!ة؛ أو ك!!انت تدريجيّ!!ةً‪ ،‬مث!!ل‪:‬‬
‫صيرورة الطعام في المعدة كيموساً‪ ،‬وبعد ذلك كيلوس!!اً‪ ،‬وه!!و س!!ائلٌ‬
‫أبيض مستخلص من الكيموس‪ ،‬وهذه الصيرورة تدريجيّةٌ‪ ،‬فزالت ص!!ورة‬
‫الطعام عن الهيولى‪ ،‬وعرضَتْ عليها الكيموس والكيلوس‪.‬‬
‫‪2‬ـ صيرورة شيءٍ ما شيئاً آخر بالتركيب‪ ،‬مثل‪ :‬صيرورة ال!!تراب‬
‫طيناً؛ فإنّ التراب تحوَّل إلى الطين بانضمام الماء إليه‪ .‬وهذه الصيرورة‬
‫ـ أيضاً ـ معنىً مجازيٌّ لالتّحاد؛ ألنّ التراب ما صار بنفسه طين!!اً‪ ،‬ب!!ل‬
‫صار طيناً بانضمام الماء إليه‪ ،‬فإنّه مركَّبٌ من التراب والماء‪.‬‬
‫‪3‬ـ صيرورة شيءٍ ما شيئاً آخر بالفناء في!!ه‪ ،‬كص!!يرورة القط!!رة‬
‫بحراً؛ فإنّ القطرة تفقد حدَّها‪ ،‬وهذا يع!!ني فناءه!!ا‪ ،‬وموج!!ودةٌ بوج!!ود‬
‫البحر‪ ،‬وكفناء الضوء الخفيف في الضوء القويّ‪ ،‬مثل‪ :‬ضوء الش!!معة في‬
‫ضوء الشمس؛ فإنّ ضوء الشمعة يفنى‪ ،‬بمعنى يفقد حدَّه‪ ،‬ويوجد بوج!!ود‬
‫ضوء الشمس‪ .‬وهذا المعنى لالتّحاد أيضاً مجازيٌّ؛ ألنّ الض!!عيف بنفس!!ه‬
‫ما صار قويّاً‪ ،‬بل فقد حَدَّه‪ .‬وهذا النحو من االتّحاد يتحقَّ!!ق فيم!!ا ل!!و‬
‫كان وجود شيءٍ مرتبةً من وجود ش!!يءٍ آخ!!ر‪ ،‬فيفق!!د رتبت!!ه‪ ،‬ويوج!!د‬
‫بوجود القويّ‪ .‬وهذه المعاني المجازية ممكنةُ الوجود‪.‬‬
‫وأمّا المعنى الحقيقيّ لالتّحاد فه!!و ص!يرورة ش!!يءٍ بعين!ه ش!!يئاً‬
‫آخر‪ ،‬و«بعينه» الذي هو قيد الشيء يعني أنّ الشيء بدون زوال شيءٍ عنه‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪315‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫وال زيادة شيء عليه ـ أي بال زيادةٍ ونقيصةٍ ـ ص!!ار ش!!يئاً آخ!!ر‪ ،‬وله!!ذا‬
‫المعنى الحقيقيّ ثالث صور‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬صيرورة شيءٍ ما شيئاً آخ!!ر‪ ،‬م!!ع بق!اء وجودهم!!ا‬
‫معاً بعد االتّحاد‪ .‬وه!!ذه الص!!ورة مح!!الٌ؛ الس!!تلزامها وح!!دة المتع!!دِّد‪،‬‬
‫ووحدة المتعدِّد محالٌ‪.‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬صيرورة شيءٍ ما ش!!يئاً آخ!!ر م!!ع انع!!دام الش!!يء‬
‫الصائر بالمرّة‪ ،‬وبقاء الشيء الثاني‪ .‬وهذه الصورة ـ أيضاً ـ محالٌ؛ ألنّها‬
‫تستلزم اجتماع النقيضين؛ إذ االتّحاد بمعنى الصيرورة يقتض!!ي أن يك!!ون‬
‫الشيء الصائر موجوداً‪ ،‬وفرضنا أنّه انع!!دم‪ !،‬فحص!!ل اجتم!!اع النقيض!!ين‪،‬‬
‫واجتماع النقيضين محالٌ‪.‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬صيرورة شيءٍ ما شيئاً متأخِّراً عن الشيء األوّل‪.‬‬
‫ولهذه الصورة فرضان‪:‬‬
‫الفرض األوّل‪ :‬أن يكون الش!!يء المت!!أخِّر كم!!االً للش!!يء األوّل‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الحرك!ة الجوهري!ة للم!ادّة إلى النفس النباتي!ة‪ ،‬وحرك!ة النفس‬
‫النباتي!!ة إلى النفس الحيواني!!ة‪ ،‬وحرك!!ة النفس الحيواني!!ة إلى النفس‬
‫الناطقة‪ .‬فالمادّة صارت نفساً نباتيةً‪ ،‬والنفس النباتية المتأخِّرة كم!!الٌ‬
‫لتل!!ك الم!!ادّة‪ .‬وهك!!ذا النفس الحيواني!!ة بالنس!!بة إلى النفس النباتي!!ة؛‬
‫والنفس الناطق!!ة بالنس!!بة إلى النفس الحيواني!!ة‪ .‬وه!!ذا الف!!رض ممكنُ‬
‫الوجود‪ ،‬ومتحقِّقٌ في عالم الطبيعة‪.‬‬
‫الفرض الثاني‪ :‬أن ال يكون الشيء المتأخِّر كم!!االً للش!!يء األوّل‪.‬‬
‫وهذا الفرض محالٌ؛ ألنّ الشيء المت!!أخِّر ل!!و ص!!ار عين الش!!يء األوّل‬
‫الستلزم تقدُّم الشيء على نفسه‪ ،‬وتقدُّم الشيء على نفسه محالٌ‪.‬‬
‫وعلى ضوء هذه المعاني لالتّح!!اد ف!!إنّ ف!رض اتّح!اد نفس الن!!بيّ‬
‫والوليّ في نهايات قوس الصعود مع ب!!دايات ق!!وس ال!!نزول ال يخل!!و من‬
‫احتماالت ثالثة‪:‬‬

‫‪ 316‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫‪1‬ـ بطالن االتّحاد مع العقل األ ّول‪ ،‬على فرض الغيريّة‬


‫االحتمال األوّل‪ :‬إنّ نفس النبيّ وال!!وليّ تص!!ل إلى مرتب!!ة العق!!ل‬
‫األوّل‪ ،‬بحيث تكسب فَيْض الوجود من الباري ـ تبارك وتعالى ـ مباشرةً‪،‬‬
‫في مقابل العقل األوّل‪ ،‬وتتَّحد معه‪.‬‬
‫ويَرِدُ عليه‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إنّ أصل الفرض في هذا االحتمال باط!!لٌ؛ ألنّ العق!!ل األوّل‬
‫واحدٌ ال يتعدَّد‪ ،‬بنظر الفالسفة‪ ،‬من جه!!تين‪ :‬األولى‪ :‬من جه!!ة أنّ ن!!وع‬
‫كلّ عقلٍ منحصرٌ في شخصه‪ ،‬والثانية‪ :‬من جهة قاع!!دة «أنّ الواح!!د ال‬
‫يصدر عنه إالّ الواحد»‪.‬‬
‫وثانياً‪ :‬االتّحاد بينهما محالٌ؛ ألنّه إمّا أن يكون االتّحاد من قبي!!ل‪:‬‬
‫االتّحاد في الصورة األولى من االتّحاد الحقيقي‪ ،‬فيستلزم وحدة المتعدِّد؛!‬
‫وإمّا من قبيل‪ :‬االتّحاد في الصورة الثانية من االتّحاد الحقيقيّ‪ ،‬فيستلزم‬
‫اجتماع النقيضين‪.‬‬

‫‪2‬ـ بطالن االتّحاد مع العقل األ ّول‪ ،‬على فرض العينيّة‬


‫االحتمال الثاني‪ :‬إن نفس النبيّ وال!!وليّ ص!!ار نفس العق!!ل األوّل‪.‬‬
‫وهذا االحتمال يُستفاد من العالّمة الطباطبائي‪ ،‬في الش!!مس الس!!اطعة‪ ،‬في‬
‫بحث «أول ما خلقه اهلل تبارك وتعالى»‪ .‬واالتحاد في ه!!ذا االحتم!!ال ه!!و‬
‫الفرض الثاني من الصورة الثالثة لالتّحاد الحقيقيّ‪.‬‬
‫ويَرِدُ عليه‪ :‬إنّ هذا النحو من االتّحاد مح!!الٌ؛ ألنّ وج!!ود العق!!ل‬
‫األوّل محدودٌ؛ لفقدانه ذات واجب الوجود‪ ،‬فيك!!ون ل!!ه ماهيّ!!ةٌ‪ ،‬ول!!ذلك‬
‫تكون وحدته وحدةً عددية(‪ ،)685‬أي يمكن فرض ثانٍ ل!!ه‪ ،‬وه!!ذا الموج!!ود‬
‫المحدود يوجد قبل العوالم األخرى التي هي أدنى! من!!ه؛ ف!!إذا فرض!!نا أنّ‬
‫المادة في جسم النبيّ والوليّ بحركته الجَوْهرية ص!!ارت العق!!ل األوّل‬
‫في بداية قوس النزول فإنّه يستلزم تقدُّم الشيء على نفس!!ه؛ ألنّ العق!!ل‬
‫األوّل بحدّه كان موجوداً قبل العوالم الدنيا‪ ،‬فصار موجوداً بحدِّه بع!!د‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪317‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫تلك العوالم‪ ،‬وهذا تقدُّم الشيء على نفس!!ه‪ ،‬وه!!و مح!!الٌ‪ ،‬فيس!!تحيل أن‬
‫يكون ذو الغاية عينَ الغاية‪.‬‬
‫وأمّا ما قاله بعض أهل المعقول‪ ،‬المتشرِّب بالعرفان‪ ،‬من أنّ كلّ‬
‫فاعلٍ في قوس النزول له غايةٌ في ق!!وس الص!!عود‪ ،‬فغ!!يرُ مقب!!ولٍ؛ ألنّ‬
‫الغاية إمّا أن تكون بمعنى ما ينتهي إليه الفعل‪ ،‬فهذا ال ينطب!!ق في ق!!وس‬
‫النزول؛ إذ الفاعل في هذا القوس‪ ،‬مثل‪ :‬عالم الملكوت‪ ،‬ينزل فيض الوجود‬
‫منه إلى الهيولى األولى في عالم الناسوت‪ ،‬ويصعد إلى الصورة الجس!!مية‪،‬‬
‫ثم إلى صورة العناصر البسيطة‪ ،‬وال ينتهي إلى النفس اإلنس!!انية بمرتب!!ة‬
‫الروح‪ ،‬بل يتجاوزها إلى النفس اإلنسانية بمرتب!!ة الس!!رّ‪ ،‬فال يص!!دق أنّ‬
‫النفس اإلنسانية بمرتبة الروح هي ما ينتهي إليها فعل عالم المَلَك!!وت؛ أو‬
‫تكون ـ أي الغاية ـ بمعنى ما ألجله أقدم الفاعل على فعل!!ه‪ ،‬وه!!ذه الغاي!!ة‬
‫تكون للفاعل المختار‪ ،‬والفواعل المجرّدة في قوس ال!!نزول‪ ،‬مث!!ل‪ :‬ع!!الم‬
‫الجبروت‪ ،‬وعالم الملكوت‪ ،‬ليست فواعل مختارة‪ ،‬بل هي فواعل بالتس!!خير‪،‬‬
‫ولو أنّ الفالسفة تخيّلوا أنّ النفوس الفَلَكيّة التي هي من عالم الملكوت‬
‫األعلى فواعل مختارة(‪ .)686‬وبناءً عليه‪ ،‬إنّنا نرى أنّ الغاية هي م!!ا ينتهي‬
‫إليه الشيء‪ .‬فاهلل هو الغاية بهذا المعنى؛! ألنّ ك!!لّ ش!!يءٍ ينتهي إلي!!ه في‬
‫القيامة الك!!برى؛ إذ يف!!نى ك!!لّ ش!!يءٍ في!!ه ب!!المعنى الث!!الث المج!!ازيّ‬
‫لالتّحاد‪ .‬فوجوده تبارك وتعالى ليس محدوداً بحدٍّ‪ ،‬فيكون واجداً لك!!لّ‬
‫شيءٍ بنحوٍ أعلى وأشرف‪ .‬وتكون وحدته وحدةً حقّ!!ة حقيقيّ!!ة‪ ،‬فيفيض‬
‫الوجود إلى المخلوقات على نحو الطولية‪ ،‬من ع!!الم الج!!بروت إلى ع!!الم‬
‫الناسوت‪ ،‬ثمّ يرتقي من عالم الناسوت إلى ع!!الم الملك!!وت‪ ،‬دون أن يك!!ون‬
‫في مرتبة ذلك العالم بحيث يتّحد معه؛ ألنّ!!ه من تجلِّيات!!ه وإش!!راقاته‪.‬‬
‫وهك!!ذا فيض الوج!!ود ي!!رتقي من ع!!الم الملك!!وت إلى ع!!الم الج!!بروت‪،‬‬
‫باستكمال النفس اإلنسانيّة بالعقل المستفاد‪ ،‬دون أن تكون في مرتبة ذلك‬
‫العالم بحيث يتّحد معه؛ ألنّها من تجلِّياته وإشراقاته‪ .‬فال تتّحد ب!!ذلك‬
‫العالم‪ ،‬كما قال به العرفاء‪ ،‬بل يتّصل بتلك العوالم‪ ،‬وتستمرّ بالسير إلى‬

‫‪ 318‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫اهلل بالقيامة الصغرى‪ !،‬بحيث تستغني من القيام الحلولي بالبَ!!دَن‪ ،‬وتك!!ون‬


‫قائمةً بعالم الملكوت‪ ،‬ثمّ بالقيامة الكبرى تفنى بح!!دّه‪ ،‬وأص!!ل وجوده!!ا‬
‫يكتفي بالقيام الصدوري بالحقّ تبارك وتعالى‪ ،‬تَبَعاً لعالم الجبروت‪ ،‬فال‬
‫يكون لكلّ فاعلٍ في الب!!دايات غاي!!ةٌ في النهاي!!ات‪ ،‬حتّى إذا أنكرن!!ا ه!!ذه‬
‫الغايات ننكر الفواعل في البدايات‪ .‬فإذن ذو الغاي!!ة ه!!و اهلل‪ ،‬ال!!ذي أف!!اض‬
‫الوجود لكلّ العوالم النزوليّة والصعوديّة‪ ،‬والغاية هي اهلل أيضاً؛ النته!!اء‬
‫كلّ هذه العوالم إليه‪ .‬وهذا معنى قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ!!ا هللِ وَإِنَّ!!ا إِلَيْ!!هِ‬
‫رَاجِعُونَ﴾‪ ،‬وليس معن!اه اكتم!ال دائ!رة الوج!ود في ح!ال وج!ود ه!ذه‬
‫العوالم‪ ،‬بحيث يبدأ النصف األوّل لهذه الدائرة نزوالً من عالم الج!!بروت‪،‬‬
‫وينتهي إلى عالم الناسوت‪ ،‬وه!!ذا (إنّ!!ا هلل)‪ ،‬ويب!!دأ النص!!ف الث!!اني له!!ذه‬
‫الدائرة صعوداً من عالم الناسوت‪ ،‬وينتهي إلى عالم الجبروت‪ ،‬وه!!ذا (إنّ!!ا‬
‫إليه راجعون)‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬عالم الجبروت؛ بما أنّه موج!!ودٌ بوج!!ود اهلل‪ ،‬يك!!ون ق!!ديماً ـ‬
‫بمعنى غير مسبوق بالعَدَم المقابل ـ‪ ،‬ولكنّه حادثٌ بالحدوث الذاتي‪ ،‬كما‬
‫يقول به الفالسفة‪ ،‬أو بالحدوث السَّرْمَديّ‪ ،‬كم!!ا يق!!ول ب!!ه المحقِّ!!ق‬
‫الداماد&‪ .‬وبما أنّه بسيطٌ‪ ،‬ليس بهالكٍ‪ ،‬فيكون أَبَ!!ديّاً ـ بمع!!نى غ!!ير‬
‫ملحوقٍ بالعَدَم المقابل ـ‪ .‬وعلي!!ه‪ ،‬ع!!الم الج!!بروت ث!!ابتٌ بثب!!وت ذات!!ه‬
‫المقدَّسة‪ ،‬هذا من جهةٍ؛ ومن جهةٍ أخرى وجهُ الشيء هو واجهت!!ه ال!!تي‬
‫يظه!!ر من خالله!!ا‪ ،‬فتُعت!!بر المغ!!ايرة بين الش!!يء ووجه!!ه‪ .‬فمن ه!!اتين‬
‫ش! يْءٍ هَالِ!كٌ إِالَّ‬ ‫الجهتين فُسِّر وجه اهلل في اآلية الكريمة‪﴿ :‬كُ!لُّ َ‬
‫وَجْهَهُ﴾ بعالم الجبروت‪ ،‬ال بالذات المقدَّسة اإللهيّة‪ .‬وبناءً علي!!ه يك!!ون‬
‫عالم الجبروت ذا الغاية‪ ،‬وفي نفس الوقت الغاي!!ة‪ ،‬بمع!!نى م!!ا تنتهي إلي!!ه‬
‫العوالم األخرى‪ ،‬وذلك في القيامة الكبرى؛ بفناء تلك العوالم فيه‪.‬‬
‫وال يَرِدُ على هذا النحو من الغائيّة لعالم الجبروت ما تق!!دَّم من‬
‫اإلشكال على غائيّته على قول بعضٍ؛ ألنّ هذه الغائيّة تك!!ون بمع!!نى م!!ا‬
‫تنتهي إليه العوالم الدنيا منه في القيامة الكبرى‪ .‬وال مشكلة في أن يك!!ون‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪319‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫مفيضاً للوجود لتلك العوالم‪ ،‬وفي نفس الوقت يكون ما تنتهي إليه تلك‬
‫العوالم في القيامة الكبرى بالفناء فيه‪ .‬وأمّا بحَسَ! ب الغائيّ!!ة على ق!!ول‬
‫بعضٍ يكون عالم الج!!بروت مفيض!اً للوج!!ود لتل!!ك الع!!والم‪ ،‬وفي نفس‬
‫الوقت يكون غايةً لوجوداتها في سَيْرها التكاملي‪ ،‬وه!!ذا يس!!تلزم تق!!دُّم‬
‫الشيء على نفسه‪.‬‬

‫‪3‬ـ بطالن االتّحاد مع العقل األ ّول‪ ،‬على فرض الفناء‬


‫االحتمال الثالث‪ :‬أن يف!!نى نفس الن!!بيّ وال!!وليّ في العق!!ل األوّل‪،‬‬
‫بمعنى فناء حدّه‪ ،‬وبقاء وجوده بوجود العق!!ل األوّل‪ .‬وه!!ذا االتح!!اد ه!!و‬
‫المعنى الثالث المجازيّ‪.‬‬
‫وتوضيح الردّ على هذا االحتمال يتوقَّف على بيان عدّة نقاط‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إنّ للعقل األوّل وجوداً في نفس!ه‪ ،‬ووج!وداً لغ!يره؛ فأمّ!ا‬
‫وجوده في نفسه فهو وجوده لذاته؛ وأما وجوده لغيره فهو وج!!ودُه عن!!د‬
‫تجلِّيه في مادّةٍ‪ ،‬ويُسمّى هذا الوجود بالوجود ال!!رابطي‪ .‬وه!!ذا الوج!!ود‬
‫لغيره شديدٌ وضعيف؛ بحَسَب المرتبة الوجودية ل!!ذلك التجلّي‪ .‬كلّم!!ا‬
‫كان التجلّي قويّاً كان وجوده الرابطي شديداً؛ وكلّم!!ا ك!!ان ض!!عيفاً‬
‫كان وجوده الرابطي ضعيفاً‪ .‬ومن باب تشبيه المعقول بالمحسوس يك!!ون‬
‫الوجود الرابطي كالكهرباء في األشرطة الكهربائية؛ كلّما كان الشريط‬
‫ثخيناً كانت الكهرباء فيه قويّةً؛ وكلّما ك!!ان نحيالً ك!!انت الكهرب!!اء‬
‫ضعيفةً‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬إنّ نفس النبيّ والوليّ هي تجلٍّ من العقل األوّل‪ ،‬والعق!!ل‬
‫األوّل يكون متجلِّياً‪ ،‬والتجلّي يكون مرتبةً نازلة من وجود المتجلِّي‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬المع!!نى الث!!الث المج!!ازيّ لالتّح!!اد ال يحص!!ل إالّ بفن!!اء‬
‫المرتبة النازلة في المتجلّي بوجوده في نفسه‪ ،‬مثل‪ :‬فناء النور الض!!عيف‬
‫في النور القويّ‪.‬‬
‫بعد أن عرفْتَ هذه النقاط نقول‪ :‬إنّ فناء نفس النبيّ وال!!وليّ في‬

‫‪ 320‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫العقل األوّل محالٌ؛ ألنّ فناءه في العقل األوّل بوجوده في نفسه ال يخلو‬
‫من فرضين‪ :‬إمّا أن يكون العقل األوّل أثن!!اء الفن!!اء متجلِّي!!اً في بَ!!دَن‬
‫النبيّ أو الوليّ؛ أو ال‪.‬‬
‫فإن لم يكن متجلِّياً فيه فالنفس؛ من حيث إنّها مرتب!!ةٌ نازل!!ة من‬
‫العقل األوّل‪ ،‬قد فنيَتْ في العقل األوّل‪ ،‬حتّى تك!!ون نفس العق!!ل األوّل‪،‬‬
‫فتفنى تلك المرتبة‪ ،‬وبالتالي تف!!نى النفس في مرتب!!ة الطب!!ع وال!!روح‪.‬‬
‫وبفنائها تفنى النفس النباتية والحيوانية؛ ألنّهما موجودتان بوجود النفس‬
‫الناطق!!ة‪ .‬وبفن!!اء ه!!ذه النف!!وس الثالث تنتفي الحي!!اة من بَ!!دَن الن!!بيّ‬
‫والوليّ؛ ألنّها تنشأ من النفوس‪ .‬فباالتحاد به!!ذا المع!!نى يتح!!وَّل بَ!!دَن‬
‫النبيّ والوليّ إلى جثّةٍ هامدة‪ ،‬وبطالن ذلك من الواضحات‪.‬‬
‫وإنْ كان متجليّاً فيه يستلزم الخُلْف؛ فما فرضناه فاني!!اً بح!!دِّه‬
‫في وجود العقل األوّل في نفسه لم يكن فانياً كذلك‪ ،‬بل يك!!ون حافظ!!اً‬
‫لحدِّه‪.‬‬
‫وممّا تقدَّم يظهر وجه حَصْر االحتماالت في االتّحاد باالحتم!!االت‬
‫الثالثة؛ إذ نفس النبيّ والوليّ إمّا تص!!ل إلى مرتب!!ة العق!!ل األوّل أو ال‪.‬‬
‫وعلى فرض الوصول ال يخل!!و من فرض!!ين؛ إمّ!!ا غ!!يره؛ أو نفس!!ه‪ .‬وفي‬
‫الفرض األوّل يأتي االحتمال األوّل لالتّحاد؛ وفي الف!!رض الث!!اني ي!!أتي‬
‫االحتمال الثاني‪ .‬وعلى فرض عدم الوصول يأتي االحتمال الثالث؛ إذ تكون‬
‫نفس النبيّ وال!!وليّ تجلِّي!!اً وظه!!وراً ل!!ه‪ .‬وثبت بطالن االتّح!!اد بك!!لّ‬
‫احتماالته‪.‬‬
‫ومقصود بعض أه!ل المعق!ول‪ ،‬من علم!اء الش!يعة‪ ،‬ال!ذين يؤمن!ون‬
‫بالوالية التكوينية للنبيّ والوليّ‪ ،‬هو االحتم!!ال الث!!اني لالتّح!!اد من بين‬
‫تلك االحتماالت الثالثة‪ .‬فمن خالل هذا االتّح!!اد بين ذي الغاي!!ة والغاي!!ة‬
‫يسري حكم ذي الغاية إلى الغاية‪ .‬وه!ذا يع!ني الوالي!ة التكويني!ة بمع!نى‬
‫الواسطة في الفَيْض‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪321‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬
‫االتصال بين النفوس القُدْسية والعقل األ ّول‬
‫وبعد بطالن االتّحاد بكلّ احتماالته نرى أنّ الصحيح هو االتّص!!ال‪.‬‬
‫ويتوقَّف على اإليمان بنقطتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن نفسِّر الفناء ب!!المعنى العرف!!اني‪ ،‬ال ب!!المعنى الفلس!!في‪،‬‬
‫وهو فقدان الشيء حدَّه‪ ،‬كما تقدم في المعنى الثالث المجازي لالتّح!!اد‪.‬‬
‫والفناء بالمعنى العرفاني هو عدم ش!!عور الش!!خص بنفس!!ه‪ ،‬وال ش!!يء من‬
‫لوازم نفسه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن نفسِّ! ر االتص!!ال ب!!المعنى العرف!!اني‪ ،‬وه!!و الش!!هود‪ ،‬ال‬
‫بالمعنى اللغوي‪ !،‬وهو اتّصال الذات بالذات؛ ألنّ هذا المعنى ال يُعْقَ!!ل في‬
‫مقام البحث؛ إذ ذلك ال يكون إالّ بين الجسمين‪ .‬وبحَسَب ه!!ذا التفس!!ير‬
‫للفناء فنفس النبيّ والوليّ تكون فانيةً في العقل األوّل بوجوده الرابطي‪،‬‬
‫وبالتالي يشهد الوجود الرابطي للعقل األوّل‪ .‬وهذا المع!!نى للفن!!اء ي!!أتي‬
‫على أساس أنّ نفوسهم تكون من تجلِّياته وإشراقاته في ع!!الم الناس!!وت‪.‬‬
‫ومراتب التجليّ مختلفةٌ؛ إذ تجلِّيه في نفس النبيّ أعظم من تجلِّيه في‬
‫نفس الوليّ‪ ،‬على أساس أنّ الن!!بيّ| أفض!!ل من جمي!!ع األئمّة^‪ .‬فوج!!وده‬
‫الرابطي في نفس النبيّ أقوى من وجوده الرابطي في نفس الوليّ‪ .‬وه!!ذا‬
‫المعنى للفناء معقولٌ‪ ،‬إالّ أنّه ال ي!!وجب سَ! رَيان حكم العق!!ل األوّل إلى‬
‫الجانب ال!روحي لوج!ودهم الناس!!وتيّ‪ ،‬وه!و إفاض!!ة الوج!ود إلى س!!ائر‬
‫المخلوقات؛ إذ الفناء حصل في الوجود الرابطيّ للعقل األوّل‪ ،‬وهو فن!!اءٌ‬
‫عرفانيّ؛ فإذا كانت النفس فانيةً في العقل األوّل ـ بمعنى ع!!دم الش!!عور‬
‫بإنّيتها ـ فتشهد العقل األوّل‪ ،‬وبالتالي تش!!هد اهلل تب!!ارك وتع!!الى؛ ألنّ!!ه‬
‫باطنٌ للعقل األوّل‪ ،‬فاهلل صار باطناً لباطن نفس الن!!بيّ وال!!وليّ‪ .‬وه!!ذا‬
‫الشهود يكون بمقدار مقوِّمية العقل األوّل لهذه النفوس‪ .‬كما أنّ ش!!هود‬
‫اهلل ـ أيضاً ـ يكون بمقدار مقوِّميّة اهلل لهذه النف!!وس‪ .‬وبالنتيج!!ة نفس‬
‫النبيّ والوليّ تتّصل بعالم الجبروت‪ ،‬ومن ثمّ باهلل تبارك وتعالى‪ ،‬ال أنّها‬
‫تتَّحد مع عالم الجبروت‪ ،‬كما يؤمن القائل بالوالي!!ة التكوينيّ!!ة بمع!!نى‬

‫‪ 322‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫الوساطة في الفَيْض‪.‬‬

‫ي والول ّي ونفوس البشر‪6‬‬


‫الفرق بين نفس النب ّ‪6‬‬
‫وبناءً على االتصال بين النفوس القُدْسية والعقل األوّل تكون نفس‬
‫النبيّ والوليّ كباقي نفوس البشر‪ .‬والفرق بينهما بأمرين‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬إنّ نفوس بقية البشر تجلِّيات العقل الفعّال‪ ،‬الذي يس!!مِّيه‬
‫أهل الشرع بـ (جبرائيل)؛ ونفس النبيّ والوليّ تجلّي العقل األوّل‪ ،‬الذي‬
‫يسمِّيه أهل الشرع بـ (النور المحمّدي|)‪ ،‬بحَسَ! ب م!!ا رُوي أنّ!!ه ق!!ال‪:‬‬
‫«أوّل ما خلق اهلل نور نبيِّك‪ ،‬يا جابر»؛ وفي رواي!!ةٍ أخ!!رى‪« :‬أوّل م!!ا‬
‫خلق اهلل العقل»‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬إنّ نفوس بقيّة البشر تص!!ل إلى مرتب!!ة الفن!!اء واالتّص!!ال‬
‫بالمجاهدة العلميّة والعملية؛ بينما نفس النبيّ والوليّ تص!!ل إلى مرتب!!ة‬
‫الفناء واالتّصال بالعناية اإللهيّة‪.‬‬
‫والنفوس القُدْسيّة‪ ،‬التي لها قدرة االتصال بالعالم العلويّ‪ ،‬يحص!!ل‬
‫لها كمالٌ في القوى الثالث‪1 :‬ـ القوّة المُدْرِكة للكلِّيات‪2 ،‬ـ الق!!وّة‬
‫المُدْرِكة للجزئيّات‪3 ،‬ـ القوّة العمّالة‪.‬‬
‫فأمّا كمال القوّة المُدْرِك!!ة للكلِّي!!ات فبحص!!ول ص!!ور حق!!ائق‬
‫األشياء في نفوسهم بالحَدْس‪ ،‬ال بالفكر المكوَّن من حرك!!تين‪ :‬حرك!!ة‬
‫من المجهول إلى المب!!ادىء؛ وحرك!!ة من المب!!ادىء إلى المطل!!وب‪ .‬وفي‬
‫الحَ!دْس تحص!ل المب!ادىء دفع!ةً واح!دة‪ ،‬وب!ذلك ينكش!ف المجه!ول‪.‬‬
‫وحصول الحَدْس لديهم ليس اكتسابياً‪ ،‬فيكون علمهم لَدُنيّاً‪ ،‬فيقف على‬
‫كلّ ما يريد معرفته‪ ،‬وذلك من خالل االتّصال بالعالم العل!!وي‪ ،‬فيك!!ون‬
‫علمه إراديّاً‪ ،‬ال علم ما كان وما يك!!ون حض!!وريّاً؛ ألنّ ه!!ذا النح!!و من‬
‫العلم يتوقَّف على االتّحاد بالعالم العلويّ‪ ،‬وقد ثبت بطالنه‪.‬‬
‫وأمّا كمال القوّة المُدْرِكة للجزئيّات فإنّها إمّ!!ا ق!!وّة باطني!!ة‪،‬‬
‫مثل‪ :‬المتخيّلة‪ ،‬وكمالها قوّة تصوير األشياء بالمتخيّلة‪ .‬فمَنْ ي!!رى في‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪323‬‬
‫• الشيخ محمد رضا األحمدي البهسودي‬

‫المنام الخضرة يصوِّرها بالحبّ‪ ،‬ومن يرى الحيّ!!ة يص!!وِّرها بالع!!داوة‪،‬‬


‫ومَنْ رأى سبع بقرات عجاف يصوِّرها بسبع سنوات القحط؛ وإمّ!!ا ق!!وّة‬
‫ظاهريّة‪ ،‬مثل‪ :‬الحواسّ الخمسة‪ ،‬وكمالها بقوّة اإلحس!!اس‪ ،‬بحيث تحسّ‬
‫بعض األشياء التي ال يحسّها اإلنسان العادي‪ ،‬كما رُوي عن النبيّ|‪« :‬إنّي‬
‫ألجد نفس الرحمن من قِبَ!!ل اليمن»(‪ ،)687‬و«زُويت لي األرض‪ ،‬ف!!أُرِيتُ‬
‫مشارقها ومغاربها‪ ،‬وسيبلغ مُلْكُ أمّتي م!!ا زُوي لي منها»(‪)688‬؛ وكم!!ا‬
‫قال النبيّ يعقوب×‪﴿ :‬إِنِّي ألَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ! لَ!!وْالَ أَنْ تُفَنِّ!!دُون﴾‬
‫(يوس!!ف‪ .)94 :‬والنف!!وس القُدْس!!ية ت!!رى األش!!ياء المج!!رَّدة‪ ،‬وتس!!مع‬
‫كالمهم‪ .‬وهذه األمور ال يمكن رؤيتها وسماعها للنفوس العادية؛ فالوجود‬
‫الرابطي للعقل المجرّد ي!!نزل من الب!!اطن إلى الخي!!ال‪ ،‬ومن الخي!!ال إلى‬
‫الباصرة‪ ،‬كما أنّ رسول اهلل| كان يرى جبرائيل بصورة دِحْيَ!!ة الكل!!بي‪،‬‬
‫وكانت مريم÷ ترى جبرائيل بصورة شابٍّ أمرد(‪.)689‬‬
‫وأمّا كمال القوّة العمّال!!ة فب!!أن تك!!ون الهي!!ولى األولى في ع!!الم‬
‫الناسوت تحت إرادتهم‪ ،‬بحيث ينفي صورةً منها أو يفيض صورةً عليها في‬
‫مقام إثبات حقٍّ‪ ،‬مثل‪ :‬المعجزات؛ أو تث!!بيت موق!!ع في النف!!وس‪ ،‬وإغاث!!ة‬
‫الملهوف‪ ،‬مثل‪ :‬الكرامات‪ .‬كما في النبيّ عيسى× الذي كان يحيي الموتى‪،‬‬
‫ويبرئ األكمه؛ والنبيّ موسى× في العصا واليد البيضاء؛ والنبيّ إبراهيم×‬
‫في قضيّة الطيور‪ .‬فتكون في حالة الفناء واالتصال باهلل إرادتهم إرادة اهلل‪،‬‬
‫وقدرتهم قدرة اهلل؛ الندكاكهم في اهلل‪.‬‬
‫وأمّا بقيّة النفوس فليس لهم هذه القدرة واإلرادة؛ الندكاكهم في‬
‫األنانيّة واإلنِّية‪.‬‬

‫النتيجة‬
‫وهذه القدرة على التصرُّف في األمور التكوينية ـ أثن!!اء االتّص!!ال‬
‫بالعق!!ل األوّل‪ ،‬وبالت!!الي االتّص!!ال بحقيقتهم النوريّ!!ة في الحض!!رة‬
‫األَحَديّة‪ ،‬التي هي التعيُّن األوّل لذات الحقّ ـ هي الوالي!!ة التكويني!!ة‪،‬‬

‫‪ 324‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الوالية التكوينية للنبي وأهل البيت^‪ ،‬محاولة للتوفيق بين النفي واإلثبات‬

‫التي تنشأ من االتّصال بالعالم العلويّ‪ .‬والوالية التكوينية بمعنى الق!!درة‬


‫على التصرُّف هي ما نؤمن به(‪ ،)690‬ال الوالية التكوينية ـ بمعنى الواسطة‬
‫في الفَيْض اإللهي ـ بالجانب الروحاني لوج!!ودهم الناس!!وتي الجس!!ماني‪.‬‬
‫وأمّا وجودهم الدهري الروحاني‪ ،‬ال!!ذي يك!!ون قب!!ل ع!!الم الناس!!وت‪ ،‬فال‬
‫مشكلة أن يكون له الوالية التكوينية بمعنى الواسطة في الفَيْض‪ .‬وبذلك‬
‫يمكن المصالحة بين المثبتين والنافين للوالية التكوينية ـ بمعنى الواسطة‬
‫في الفيض اإللهيّ ـ؛ ف!!المثبتون قص!!دوا من الوالي!!ة التكويني!!ة واليتهم‬
‫بوجودهم الدهري الروح!!اني‪ ،‬والن!!افون قص!!دوا منه!!ا واليتهم بالج!!انب‬
‫الروحاني لوجودهم الناسوتي الجسماني‪ .‬وهذا هو التوفي!!ق الص!!حيح بين‬
‫المتنازعين‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪325‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫المعنى ومستوياته‬
‫في علم أصول الفقه‬
‫(*)*)‬
‫د‪ .‬محمد بنعمر‬
‫الخالصة‬
‫نسعى! من وراء هذا البحث إلى إبراز جهود األصوليّين في اشتغالهم‬
‫على استمداد المعنى من النصّ الشرعي؛ ذل!!ك أن الموض!!وع األس!!اس في‬
‫الدرس األصولي هو تحص!!يل واس!!تمداد! المع!!نى من النصّ؛ ليك!!ون ه!!ذا‬
‫المعنى طريقاً وسبيالً إلى تفهُّم النصوص الشرعيّة‪ ،‬واستنباط األحك!!ام‬
‫الشرعيّة منها‪ ،‬وإلى تمثُّل القصد المحمول في ذلك المعنى‪.‬‬
‫ولعلّ هذا البُعْ!!د المع!!رفي في االش!!تغال على المع!!نى في ال!!درس‬
‫األصولي هو الذي جعل المب!!احث األص!!ولية حامل!!ةً لكث!!يرٍ من القض!!ايا‬
‫المنتمية إلى مجال اللغة والداللة والمعجم والس!!ياق‪ .‬فالن!!اظر في كتب‬
‫علم أصول الفقه‪ ،‬وال سيَّما األمّهات منها‪ ،‬يُالحِظ أنها حاملةٌ لكثير من‬
‫البحوث والدراسات التي تنتمي إلى علم اللغة‪ ،‬وهذا مؤشِّ! رٌ واض!!حٌ على‬
‫توجُّه علم أصول الفقه نحو الوجهة البياني!!ة والتفس!!يرية‪ .‬وه!!ذا البحث‬
‫هو إبرازٌ وإظهار لمنهج علماء األصول في اشتغالهم على المعنى‪ ،‬وتع!!يين‬
‫ط!!رائقهم ومس!!الكهم في اس!!تمداد! ه!!ذا المع!!نى من النصّ؛ حتّى يك!!ون‬
‫مقدّمةً في االستدالل على األحكام الشرعية من النصّ‪.‬‬

‫تمهي ٌد‬
‫يُعَدّ مشكل تفسير النصّ الشرعي‪ ،‬وبيان داللت!!ه اللغوي!!ة ومعاني!!ه‬

‫باحث في الفكر اإلسالم ّي‪ ،‬وحائ ٌز على دكتوراه في علم أصول الفقه‪ ،‬وأستا ٌذ‬
‫ٌ‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫مسا ِع ٌد في كلِّية اآلداب في وجدة ـ المغرب‪.‬‬


‫‪ 326‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫الشرعية‪ ،‬وتمثُّل القصد منه‪ ،‬من أبرز القضايا المعرفيّة والمنهجية التي‬
‫خاص!! ة‪ .‬فعلم أص!!ول‬
‫ّ‬ ‫أثارها علماء اإلسالم عامّةً‪ ،‬وعلماء األصول بصفةٍ‬
‫الفقه من أبرز العلوم استحض!!اراً وإث!!ارةً له!!ذا اإلش!!كال؛ فه!!و من أهمّ‬
‫العل!!وم اإلس!!المية اش!!تغاالً على الفَهْم‪ ،‬واستحض!!اراً لقض!!ايا البي!!ان في‬
‫التراث العربيّ اإلسالميّ‪ ،‬إلى درجة أن هناك مَنْ سمّى ونعت علم أصول‬
‫الفقه بـ (علم نقد النصّ)‪ ،‬أو (علم فهم النصّ)(‪.)691‬‬
‫بحيث أراد له مؤسِّسه اإلمام الشافعي(‪204‬هـ) أن يكون علم أصول‬
‫الفقه علماً مسدّداً في تفهُّم النصّ‪ ،‬ومساعداً على االستنباط‪ ،‬وموجّه!!اً‬
‫لالستدالل على األحكام الشرعيّة؛ ألن تحصيل المعنى هو الطريق األمث!!ل‬
‫إلدراك القصد في مضامين النصوص الشرعية‪.‬‬
‫ولما كان الوَحْي هو مركز المعرفة في التراث العربيّ اإلسالميّ‬
‫ومدارها فقد نشأَتْ مجموع!!ةٌ من العل!!وم والمع!!ارف انطالق!!اً من ه!!ذا‬
‫المركز‪ ،‬الذي هو القرآن الكريم‪ .‬ومن ه!!ذه العل!!وم علمُ أص!!ول الفق!!ه‪،‬‬
‫الذي يشتغل على صناعة واستمداد! المعنى من النصّ الشرعي؛ ليكون ه!!ذا‬
‫المعنى طريقاً إلى االستنباط‪ ،‬وسبيالً إلى االستدالل‪ ،‬وكذا البرهن!!ة على‬
‫القض!!ايا والن!!وازل غ!!ير المنص!!وص عليه!!ا‪ ،‬أو غ!!ير المص!!رَّح به!ا‪ ،‬في‬
‫النصوص الشرعيّة‪.‬‬
‫فالحضارة العربية اإلسالمية تُنْعَت بين الباحثين عادةً بـ (حض!!ارة‬
‫النصّ)‪ ،‬وبـ (حض!!ارة التأوي!!ل)؛ ذل!!ك أن التأوي!!ل ه!!و الوج!!ه اآلخ!!ر‬
‫والمقابل للنصّ‪.‬‬
‫في ه!!ذا اإلط!!ار ك!!ان البحث عن المع!!نى‪ ،‬والعم!!ل على مقاربت!!ه‪،‬‬
‫وتأمين الطريق والسبيل للوصول إلي!!ه‪ ،‬من أهمّ المح!!اور الك!!برى ال!!تي‬
‫حضرَتْ في بناء العلوم اإلسالميّة‪ .‬ومن العلوم ال!!تي ن!!الت الص!!دارة في‬
‫االشتغال على المعنى علم أصول الفقه(‪.)692‬‬

‫الفهم والتفسير في الدرس األصولي‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪327‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫إن تفسير النصّ وفهمه‪ ،‬واستمداد معناه‪ ،‬جزئيّاً أو كلِّياً‪ ،‬ش!!كَّل‬


‫قطاعاً مشتركاً بين كثير من النُّظُم والمعارف والعلوم! ال!!تي أسّس!!ت‬
‫المحاور واألنساق المعرفيّة الكبرى في التراث العربيّ اإلسالميّ‪ .‬لكنّ ما‬
‫قدَّمه علم أصول الفقه في محور صناعة المعنى‪ ،‬وبشهادة الكثير‪ ،‬يتميَّز‬
‫بخصوصيّةٍ عمّا قدَّمته النُّظُم المعرفيّة األخرى في مح!!ور التفس!!ير‬
‫والبيان والتأويل‪.‬‬
‫وقد ظهرت عدّة دراسات‪ ،‬وبرزت مجموعةٌ من األبحاث األكاديمية‪،‬‬
‫حاول فيها أصحابها تشخيص مكوّنات المنهج التفسيري‪ ،‬وإظهار أُسُس!!ه‪،‬‬
‫وبيان عناص!!ره‪ ،‬وإج!!راء مقارن!!ةٍ بين ه!!ذا المنهج والمن!!اهج المعاص!!رة‬
‫المهتمّة‪ ،‬وخاصة بمشاكل القراءة‪ ،‬وبتحليل الخطاب‪ ،‬وبقض!!ايا التفس!!ير‬
‫والتأوي!!ل‪ .‬وهي مقارن!!ةٌ ت!!وخّى الق!!ائمون به!!ا إدراك نق!!اط التق!!اطع‪،‬‬
‫ومح!!اور التالقي‪ ،‬وعناص!!ر االش!!تراك واالجتم!!اع‪ ،‬بين المنهج األص!!ولي‬
‫والمناهج المعاصرة‪ ،‬التي تشتغل على ر القراءة والبيان وتحلي!!ل الخط!!اب‬
‫والتفسير والتأويل(‪.)693‬‬
‫وقد أسفرت أغلب النتائج عن المستوى العلميّ الكب!!ير ال!!ذي بلغ!!ه‬
‫ووصل إليه منهج علماء األصول في التعامل مع النصوص الشرعيّة بصفةٍ‬
‫عامّة‪.‬‬
‫فالغاية من هذه الدراسات والبح!!وث ه!!و المقارن!!ة والموازن!!ة بين‬
‫المناهج التفسيرية والبيانية؛ ألجل الكشف عن المع!!ايير الض!!ابطة للفهم‪،‬‬
‫والقوانين الصانعة للمعنى‪ ،‬وإظه!!ار اآلليّ!!ات المعين!!ة على اس!!تمداد! ه!!ذا‬
‫المعنى‪.‬‬
‫وما يظهر للناظر والباحث أن وجهة العلوم اإلسالميّة كانت تنح!!و‬
‫نحو الوجهة اللغويّة والبيانيّة التفسيريّة‪ .‬وهذا محلّ اتفاق كث!!يرٍ من‬
‫الب!!احثين والدارس!!ين‪ ،‬ال!!ذين اش!!تغلوا على النَّسَ! ق والبن!!اء الم!!ركَّب‬
‫والمشكل للعلوم اإلسالميّة(‪.)694‬‬

‫‪ 328‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫علم أصول الفقه‪ 6،‬الحقيقة والداللة‬


‫يُعَدّ علم أصول الفق!!ه من أهمّ العل!!وم ال!!تي أنتجَتْه!!ا الحض!!ارة‬
‫العربية اإلسالمية‪ .‬فق!!د عبَّ!!ر ه!!ذا العلم عن أهمّ المش!!اغل التش!!ريعية‬
‫والتأويلية التي شغلَتْ الحضارة العربية اإلسالمية في مسارها الت!!اريخيّ‬
‫الطويل‪ .‬وقد تحدَّث ابن خل!!دون في «المقدّمة» عن علم أص!!ول الفق!!ه‪،‬‬
‫وأهمّيته في التشريع واالستنباط‪ ،‬فقال‪« :‬اعلَمْ أن أصول الفقه من أعظم‬
‫العلوم! الشرعيّة‪ ،‬وأجلّها قَدْراً‪ ،‬وأكثرها فائدةً‪ ،‬وهو النظ!!ر في األدلّ!!ة‬
‫الشرعية‪ ،‬من حيث تؤخذ منها األحكام»(‪.)695‬‬
‫واعتبر ابن خلدون علم أص!!ول الفق!!ه من العل!!وم المس!!تَحدَثة في‬
‫الملّة؛ حيث لم يكن المتقدِّمون في حاجةٍ إليه‪ ،‬وإنما نشأَتْ الحاجة إليه‬
‫بعد فساد األلسنة‪ ،‬واختالط المسلمين! بغيرهم من أهل الديانات األخرى‪.‬‬
‫وعلم أصول الفقه هو من علوم المن!!اهج‪ ،‬ي!!درج في علم المن!!اهج‪،‬‬
‫فهو كاشفٌ لحضور المس!!ألة المنهجيّ!!ة في ال!!تراث الع!!ربي اإلس!!المي‪،‬‬
‫بحيث يعكس مدى اشتغال علماء اإلسالم على المسألة المنهجيّة‪ ،‬وعنايتهم‬
‫البالغة بالعلوم ذات الوجهة التفسيرية البيانيّة؛ حيث ك!!ان لك!!لّ علمٍ في‬
‫التراث منهجه الخاصّ به‪ ،‬والمميِّز له(‪.)696‬‬
‫ولعلّ هذا البُعْد المنهجيّ المركّب لعلم أصول الفق!ه ه!و ال!ذي‬
‫دفع بعض الدارسين إلى نعت هذا العلم بالمنهجيّة التشريعيّة؛ ألن!!ه علمٌ‬
‫يض!!ع بين ي!!دَيْ المس!!تدلّ! والمش!!تغل على فهم النص!!وص الش!!رعيّة‬
‫مجموعةً من القواعد واآلليّات الكلِّية والضوابط‪ ،‬ال!!تي تعين!!ه وتس!!اعده‬
‫على تفهُّم النصّ‪ ،‬وعلى استمداد معناه(‪.)697‬‬
‫ومن جهةٍ أخرى فهو يجسِّد مبدأ الت!!داخل والتواص!!ل بين العل!!وم‬
‫الحاضرة في اإلس!الم؛! ذل!!ك أن علم أص!ول الفق!ه ه!و في بنائ!ه الع!امّ‬
‫«يظهر بمظهر نسقٍ من العلوم‪ !،‬لم ت!!دخل في!!ه ش!!عب العل!!وم! اإلس!!المية‬
‫وَحدَها‪ ،‬بل دخَلَتْ فيه أيضاً العل!!وم العقلي!!ة المنقول!!ة والدخيل!!ة على‬
‫الثقافة العربية اإلسالمية‪ ،‬والوافدة عليها من ثقافاتٍ أخرى»(‪.)698‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪329‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫ولقد ردّ الدكتور طه عبد الرحمان بقوّةٍ على مَنْ استص!!غر ه!!ذا‬
‫العلم‪ ،‬أو قلَّل من ش!!أنه‪ ،‬أومن قيمت!!ه العلميّ!!ة؛ ألن القض!!ايا والمب!!احث‬
‫واإلشكاليّات الكبرى التي استحضرها وأثارها علماء هذا العلم قديماً ليس‬
‫باإلمكان أن يستحضرها الباحثون المعاصرون اليوم‪.‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬اعتبر الدكتور! مهدي فضل اهلل «أن علم أصول الفق!!ه‬
‫منهجٌ دقي!!ق‪ ،‬وأن!!ه منهجٌ ال يعادل!!ه منهجٌ آخ!!ر‪ ،‬في دقّت!!ه‪ ،‬وتماس!!كه‪،‬‬
‫ومرونته‪ ،‬وقدرته على الخوض في مختلف موضوعات الشريعة‪ ،‬والوصول‬
‫فيها إلى حلولٍ اجتماعيّة إنسانيّة»(‪.)699‬‬
‫وهذا يدلّ أن علم أصول الفقه من أهمّ العلوم التي استطاعَتْ أن‬
‫تحمل نظريةً متكاملة في تفسير النصّ‪ ،‬وقراءت!ه وتأويل!!ه‪ .‬فعلم أص!!ول‬
‫الفقه علمٌ يختصّ بمنهج االستنباط‪ ،‬ويتعلّ !ق! بتق!!ويم عملي!!ة االجته!!اد‪،‬‬
‫ويعمل على تسديد الفهم‪ ،‬ويتّصل مباشرةً بتسديد النظ!ر في الفهم وف!ق‬
‫قانونٍ علميّ ضابط؛ ألن مسعى! األصولي كان دائم!!اً ه!!و تقعي!!د قواع!!د‬
‫الفهم‪ ،‬وإرساء شروط التفسير‪ ،‬وعَرْض مقتضيات البيان وأصول التأويل‪.‬‬
‫قصده من هذا تحصيل المعنى المحمول في الخطاب القرآني؛ ليك!ون ه!ذا‬
‫المعنى مدخالً الستنباط الحكم الشرعي(‪.)700‬‬
‫فهو منهجٌ باإلمكان استثمارُه في تفقُّه النصوص المدوَّن!!ة باللغ!!ة‬
‫العربية‪ ،‬بم!!ا في ذل!!ك النص!!وص القانوني!!ة؛ ألنه!!ا مُص!!اغةٌ ومركّب!!ة‬
‫بأسلوبٍ عربيّ(‪.)701‬‬
‫فهذه المهمّة‪ ،‬التي أُنيط بها علم أصول لفقه‪ ،‬هي التي كشف عنه!!ا‬
‫اإلم!!ام الغ!!زالي بقول!!ه‪« :‬أص!!ول الفق!!ه يرج!!ع إلى ض!!بط ق!!وانين‬
‫االستدالل»(‪.)702‬‬
‫ولمّا كانت معظم التكاليف الشرعية لها استمدادٌ من اللغة العربية‬
‫وعلومها أَوْلى علم!!اء ه!!ذه الش!!ريعة العناي!!ة البالغ!!ة باللغ!!ة العربيّ!!ة‪،‬‬
‫واستعانوا بقواعد اللغة العربية في فهمهم للشريعة اإلسالميّة(‪.)703‬‬
‫وقد انطوى ه!!ذا العلم على نظريّ!!اتٍ علميّ!!ة ال تق!!لّ أهمّي!!ةً عن‬

‫‪ 330‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫النظريات التي تتعرَّض لدراسة النصوص‪ ،‬وتغ!!وص في أعماقه!!ا؛ إلدراك‬


‫المعنى وحمولته والقصد المتضمّن فيه‪.‬‬
‫وعلى العموم ف!!إن علم أص!!ول الفق!!ه عب!!ارةٌ عن قواع!!د منهجيّ!!ة‬
‫استدالليّة؛ لضبط الفهم‪ ،‬وتنظيم االستنباط‪ ،‬وتسديد! االستدالل‪ ،‬و تحصيل‬
‫المعنى‪ !،‬والوصول إلى القصد‪.‬‬

‫النص‪ ،‬الشروط والمقتضيات في علم أصول الفقه‬


‫ّ‬ ‫تلقّي المعنى في‬
‫انطالقاً من هذا المبدأ العامّ‪ ،‬وهو أن علم أص!!ول الفق!!ه يُعَ!!دّ من‬
‫أبرز العلوم ال!!تي اش!!تغلت على المع!!نى في النصّ‪ ،‬في جمي!!ع مس!!توياته‪،‬‬
‫وكان هذا االشتغال من أجل تفهُّم النصّ‪ ،‬واستيعاب مضامينه‪ ،‬والوق!!وف‬
‫على معانيه‪ ،‬كلِّي!!ة أم جزئيّ!!ة؛ إلدراك مقاص!!ده ومرامي!!ه‪ ،‬ف!!إن علم!!اء‬
‫األصول استحضروا كثيراً من المباحث اللغويّة والدالليّة ال!!تي تش!!تغل‬
‫على المع!!نى؛ ألن التلقّي الس!!ليم للمع!!نى المحم!!ول في النصّ الش!!رعي‬
‫يتأسَّس على ض!!وء القواع!!د والكلِّي!!ات واألص!!ول المس!!تمدّة! من اللغ!!ة‬
‫العربية‪ ،‬ومن طبيعتها في األداء‪ ،‬وقوانينها في التخاطب‪.‬‬
‫ومن شأن التقيُّد بهذه القواعد والكلِّيات أن يساعد ويعين المتلقّي‬
‫على التلقّي الس!!ليم للنصّ الق!!رآني‪ ،‬ويجع!!ل الفهم س!!ديداً وس!!ليماً‪،‬‬
‫محافظاً على مقاصده العليا التي من أجلها نزل القرآن‪ .‬مع العلم أن هذه‬
‫القواع!!د‪ ،‬ذات الوجه!!ة التفس!!يرية‪ ،‬هي في ح!!دّ ذاته!!ا آليّ!!اتٌ مس!!اعِدة‪،‬‬
‫وأصولٌ معينة على تحصيل المعنى من النصّ؛ حتّى يك!!ون ه!!ذا المع!!نى‬
‫طريقاً إلى االستدالل‪ .‬وه!!ذه القواع!!د التفس!!يرية هي في غالبه!ا قواع!!د‬
‫مستمدّة من اللغة العربية‪ .‬وهذا يعود إلى أن القرآن الك!!ريم ه!!و كالمٌ‬
‫عربيّ‪ ،‬جرى فيه التخاطب على معهود العرب في كالمها‪ ،‬فك!!انت قواع!!د!‬
‫اللغة العربية طريقاً إلى فهم المعاني القرآنية‪.‬‬
‫وممّا يدلّ على أهمّية هذه القواعد ذات المنزع األص!!ولي في الفهم‬
‫والتفسير تصريح المفسِّر األندلسي ابن جزي الكلبي(‪741‬هـ)‪ ،‬الذي قال‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪331‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫في شأن هذه القواعد‪...« :‬فإنه من أدوات تفسير القرآن‪ ،‬وإنه لنعم العَوْن‬
‫على فهم المعاني‪ ،‬وت!رجيح األق!!وال‪ .‬وم!ا أح!وج المفس!ِّ ر إلى معرف!ة‪:‬‬
‫النصّ‪ ،‬والظ!!اهر‪ ،‬والمجم!!ل‪ ،‬والم!!بين‪ ،‬والع!!امّ‪ ،‬والخ!!اصّ‪ ،‬والمطل!!ق‪!،‬‬
‫والمقيّد‪ ،‬وفح!وى الخط!اب‪ ،‬ولحن الخط!اب‪ ،‬ودلي!ل الخط!اب‪ ،‬وش!روط‬
‫النسخ‪ ،‬ووج!!!وه التع!!!ارض‪ ،‬وأس!!!باب الخالف‪ ،‬وغ!!!ير ذل!!!ك‪ ،‬من علم‬
‫األصول!‪.)704(»...‬‬

‫ي في علم أصول الفقه‬


‫المرجع اللغو ّ‬
‫وهو المعنى الذي أكَّده اإلمام القرافي‪ ،‬في مقدّمة فروقه‪ ،‬عن!!دما‬
‫قال‪ « :‬خصّ اهلل تعالى اللسان العربيّ بالبيان؛ إذ استمدَّتْ اللغة العربي!!ة‬
‫شرفها وقدسيّتها من انتسابها وانتمائها إلى الوَحْي‪ .‬قال ابن فارس‪« :‬لمّا‬
‫خصّ اهلل جلَّ ثناؤه اللسان العربي بالبيان علم أن سائر اللغ!!ات قاص!!رةٌ‬
‫(‪)705‬‬
‫‪.‬‬ ‫عنه»‬
‫أما اإلمام عليّ فقد قال في شأن العربية‪« :‬كالم العرب ك!!الميزان‬
‫الذي يعرف به الزيادة والنقصان‪ ،‬وهو أعذب من الم!!اء‪ ،‬وأرقّ من اله!!واء؛‬
‫فإنْ فسَّرته بذاته استصعب‪ ،‬وإنْ فسَّرته بغير معن!!اه اس!!تحال‪ .‬ف!!العرب‬
‫أشجارٌ‪ ،‬وكالمهم ثمارٌ‪.)706(»...‬‬
‫وهذا ما جعل الترابط حاضراً وقائماً بين الق!!رآن الك!!ريم واللغ!!ة‬
‫العربية‪.‬‬
‫ويعتبر علماء األصول من أوائل العلماء ال!!ذين احتض!!نوا الدراس!!ات‬
‫اللغوية والداللية؛ فأغلب المصادر األصولية احتض!!نَتْ المب!!احث اللغوي!!ة‬
‫والداللية‪ ،‬بحيث ال نجد تراث!!اً أص!!وليّاً ال يحم!!ل المب!!احث ذات الص!!لة‬
‫بالمباحث اللغوية(‪.)707‬‬
‫وفي هذا المعنى قال إم!!ام الح!!رمين‪ ،‬ص!!احب البره!!ان‪« :‬اعلَمْ أن‬
‫معظم الكالم في أصول الفقه يتعلَّق! باأللفاظ والمعاني»‪.‬‬

‫‪ 332‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫اللغة في كتب علم أصول الفقه‬


‫بحكم عربيّة الشريعة اإلس!!المية‪ ،‬وبحكم نزوله!!ا وف!!ق مقتض!!يات‬
‫اللغة العربيّة‪ ،‬وأساليبها في التعبير‪ ،‬كان ضروريّاً والزماً على المف!!تي‬
‫ومتفهِّم النصّ والمس!!تدلّ! ومس!!تنبط األحك!!ام الش!!رعية من النصّ أن‬
‫يتمكَّن من اللغ!!ة العربي!ة‪ ،‬ومن جمي!ع مكوّناته!ا وأدواته!ا‪ ،‬وعناص!رها‬
‫ومستوياتها(‪.)708‬‬
‫والسبب في حضور اللغة في مدوّنات علم أص!!ول الفق!!ه يع!!ود إلى‬
‫«أن الشريعة جاءَتْ بلغ!!ة الع!!رب‪ .‬وك!!لّ ش!!ريعةٍ ال تظه!!ر إالّ بلغ!!ةٍ‪،‬‬
‫«فيصير تعلُّم تلك اللغ!!ة من الض!!روريات»(‪)709‬؛ إذ إن الق!!رآن الك!!ريم‬
‫والس!!نّة النبوي!!ة «لمّ!!ا كان!!ا ع!!ربيّين لم يكن لينظ!!ر فيهم!!ا إالّ‬
‫عربيّ»(‪ .)710‬وه!!و م!!ا جع!!ل م!!دوّنات علم أص!!ول الفق!!ه تحت!!وي على‬
‫مقدّمات نفيسة في علم اللغة بفروعها المتع!!دِّدة‪ .‬ق!!ال اإلم!!ام الغ!!زالي‪:‬‬
‫«إن المقدّمات اللغوية‪ ،‬كعلم اللغة والنحو‪ ،‬فإنه!!ا آل!!ةٌ لعلم كت!!اب اهلل‪،‬‬
‫وسنّة نبيِّهﷺ»(‪.)711‬‬
‫هذه الخصائص التي في اللغة العربية هي التي أهَّلَت العربي!!ة ألن‬
‫تُحْصَى بموقعٍ كبير‪ ،‬ومن ثمّ فال مَحيص عن اللغة العربي!!ة وعلومه!!ا‬
‫لمَنْ أراد الفهم لكتاب اهلل؛ ألن القرآن الكريم أنزله اهلل بلسان العرب‪.‬‬
‫واللغة هي التي تكف!!ل للمفسِّ! ر وتعين!!ه على أن يس!!تمدّ المع!!نى‪،‬‬
‫ويحقِّق الداللة في النصّ‪ ،‬بجميع الطرق الموصلة إليها‪ ،‬وبجميع الس!!بل‬
‫المؤدّية‪ ،‬س!!واءٌ ك!!ان ه!!ذا االس!!تمداد والتحص!!يل بطري!!ق المنط!!وق أو‬
‫المفهوم أو المعقول‪.)712(...‬‬
‫وممّا يدلّ على نزوع علم أصول الفقه نحو تفسير النصّ وقراءته‬
‫هو استحضار علماء األص!!ول لكث!!يرٍ من المب!!احث ذات المنحى اللغ!!ويّ‪.‬‬
‫فأغلب المب!!احث ال!!تي دُوِّنَتْ في ه!!ذا العلم هي مب!!احث تنتمي إلى علم‬
‫اللغة‪ ،‬والداللة‪ ،‬والتركيب‪ ،‬وعلم المعجم‪ .‬فهي مباحث في أص!!لها ك!!انت‬
‫تنزع إلى وضع القواعد واألصول والضوابط‪ ،‬التي تنزع إلى تحقيق الفهم‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪333‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫السليم والسديد! للنصّ الشرعي‪ ،‬انطالقاً من علوم اللغ!!ة العربي!!ة‪ .‬وه!!ذا‬


‫المعطى! يعود إلى أن «الحقّ سبحانه خاطب العرب بلسانها‪ ،‬على ما تع!!رف‬
‫من معانيها»(‪ .)713‬وقد أدّى هذا التراب!!ط الوثي!!ق بين علم أص!!ول الفق!!ه‬
‫واللغة العربية‪ ،‬وتوقُّف استمداد المعنى على اللغ!!ة العربيّ!!ة‪ ،‬إلى ظه!!ور‬
‫شبكةٍ متكاملة ومنسجمة من العلوم اللغويّة والدالليّة والشرعيّة‪ ،‬تعم!!ل‬
‫موحّدةً‪ ،‬وبطريقةٍ منسجمةٍ؛ من أجل استمداد! المع!!نى من النصّ؛ ألج!!ل‬
‫تفهُّمه واستخالص مقاصده‪...‬‬
‫إن هذا التعلُّق باللغة بين األصوليّين هو الذي جعل جزءاً كب!!يراً‬
‫من مب!!احث علم أص!!ول الفق!!ه ت!!دور وتتّج!!ه نح!!و المب!!احث اللغويّ!!ة‬
‫والدالليّة‪...‬‬
‫فأغلب ومعظم مباحث علم أصول الفقه تنتظمها البحوث المُدْرَجة‬
‫في العالقة الرابطة والجامعة بين األلفاظ والمعاني‪.‬‬
‫قال الدكتور محمد عابد الجابري‪ :‬إن «السلطة المرجعيّة في علم‬
‫أصول الفقه كانت للبحوث اللغويّة‪ ،‬والمحور الرئيس ال!!ذي ينتظم ه!!ذه‬
‫البحوث هو عالقة اللفظ بالمعنى»(‪.)714‬‬
‫وما يدلّ على نزوع علم أصول الفقه نحو تفسير النصّ؛ الس!!تمداد‬
‫واستخالص المعنى منه‪ ،‬هو استحضار علماء األصول لكثيرٍ من المب!!احث‬
‫اللغوية‪ ،‬والدالليّة‪ .‬فأغلب المباحث المركّب!!ة لعلم أص!!ول الفق!!ه‪ ،‬ال!!تي‬
‫دوِّنت في ه!!ذا العلم‪ ،‬مب!!احث تنتمي لعلم اللغ!!ة بجمي!!ع مس!!توياته‪:‬‬
‫التركيب‪ ،‬والمعجم‪ ،‬والداللة‪ .‬فهي علومٌ ت!!نزع نح!!و التفس!!ير والبي!!ان‪.‬‬
‫وهذا يعود إلى أن «الحقّ سبحانه خاطب العرب بلسانها‪ ،‬على ما تعرف من‬
‫معانيها»(‪.)715‬‬
‫فالمرجع في التفس!!ير والبي!!ان والفهم ه!!و قواع!!د اللغ!!ة العربي!!ة‪،‬‬
‫وأعرافها في األداء‪ ،‬ومعهودها في التخاطب‪ ،‬ومقتضياتها في صرف ونق!!ل‬
‫المعنى‪ !،‬وما يتبع من تحوُّل المعنى من المواضعة اللغويّة إلى الش!!رعيّة‬
‫أو المواضعة العُرْفية‪ ،‬بحيث ال تظهر ثم!!رة االس!!تدالل إالّ بفهم النصّ‪،‬‬

‫‪ 334‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫كما صرّح بذلك اإلمام الشاطبي(‪790‬هـ)‪ ،‬عن!!دما ق!!ال في الموافق!!ات‪:‬‬


‫«ال تظهر ثمرة الفهم إالّ في االستنباط»(‪.)716‬‬
‫فتوجُّه علم أصول الفقه نحو اللغ!!ة يع!!ود إلى اش!!تغاله بالتفس!!ير‬
‫والقراءة‪ .‬وهو توجُّهٌ يجد مبرِّره وسنده في توقُّف االستدالل على فهم‬
‫النصّ‪ ،‬وإدراك حمولته اللغويّة‪ ،‬ومعاني!!ه الش!!رعية؛ ألن الفهم لمحت!!وى!‬
‫النصّ في داللته‪ ،‬وفي معانيه ومقاص!!ده‪ ،‬ه!!و الم!!دخل األوّلي الس!!تنباط‬
‫األحكام الشرعية؛ باعتبار أنه «ال استنباط بدون فق!!هٍ للنصّ الش!!رعيّ»‪،‬‬
‫كما يقول علماء األصول‪.‬‬
‫هذا االعتبار جعل من مصنّفات ومدوّنات علم أصول الفقه حامل!!ةً‬
‫لكثيرٍ من المباحث اللغوية والمباحث البالغية‪ ،‬وجامعةً للقضايا الداللي!!ة‪،‬‬
‫والمس!!ائل المعجمي!!ة‪ .‬وهي مب!!احث من أه!!دافها وغاياته!!ا فَهْم النصّ‬
‫القرآني فَهْماً منسجماً مع طبيعة اللغة العربية‪ ،‬ومتوافقاً م!!ع معهوده!!ا‬
‫في التخاطب‪ ،‬وواقعاً على أصولها في التفسير‪ ،‬ومنطقها ومقتض!!ياتها في‬
‫البيان والتأويل‪ .‬لقد كان طبيعي!اً‪ ،‬والعربي!ة لس!!ان ش!!ريعة اإلس!الم‪ ،‬أن‬
‫توضع قواعد التفسير في ظ!!لّ ه!!ذه الحقيق!!ة‪« .‬وهك!!ذا وُض!!عت تل!!ك‬
‫القواعد بعد استقراءٍ لألساليب العربي!!ة‪ ،‬وإدراكٍ لطبيعته!!ا في الخط!!اب‪،‬‬
‫ومعرفة م!!ا يمكن أن تؤدّي!!ه تل!!ك األلف!!اظ وال!!تراكيب من م!!دلوالتٍ‬
‫ومعانٍ»(‪)717‬؛ وألن مقصد البيان ه!!و أوّل مقاص!!د الش!!ريعة اإلس!!الميّة‪،‬‬
‫وهو المقصد الذي عبَّر عنه اإلم!!ام الش!!اطبي بقص!!د الش!!ارع في وض!!ع‬
‫التشريع لإلفهام(‪.)718‬‬

‫المنهج األصول ّي في صناعة‪ 6‬المعنى‪ 6،‬الغاية والقصد‬


‫لقد تقدَّم أن من أبرز ما اعتنَتْ به العلوم اإلنس!!انية ه!!و تأس!!يس‬
‫البيان المؤدّي إلى فهم النصّ بقسمَيْه‪ :‬القرآني؛ والح!!ديثي‪ .‬ومن أب!!رز‬
‫العلوم! التي اختارَتْ االشتغال بهذا الموضوع! علمُ أصول الفقه‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإن عناي!ة علم!!اء األص!!ول‪ ،‬على اختالف تخصُّص!!اتهم‪ ،‬ه!!و‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪335‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫تأسيس البيان المؤدّي إلى فهم القرآن الكريم‪ ،‬ووضع الض!!وابط العلمي!!ة‪،‬‬
‫والشروط المنهجيّة المتّصلة بالفهم والبيان‪ ،‬من خالل استدرار المع!!اني‬
‫من مف!!ردات النصّ‪ ،‬وتحص!!يلها من منطوق!!ه‪ !،‬واس!!تمدادها من مفهوم!!ه‪،‬‬
‫واستكشافها من معقوله‪ ،‬مع االلتف!!ات إلى العِلَ!!ل‪ ،‬واألم!!ارات‪ ،‬والق!!رائن‪،‬‬
‫والسياقات‪ ،‬والمقتضيات المحيطة بالنصّ‪ .‬لق!!د ك!!ان األص!!ولي من!!دفعاً‬
‫برغبةٍ أكبر‪  ‬وتوجُّهٍ قويّ في صيانة النصّ‪ ،‬وحمايته وتحصينه من أن‬
‫يصير مجاالً للزيادة‪ ،‬وممرّاً إلقحام ال!!ذات‪ ،‬ومع!!براً من أج!!ل تص!!ريف‬
‫اآلراء الشخصيّة‪ ،‬وتمرير الرغبات الذاتي!!ة‪ ،‬لق!!ارئ النصّ‪ ،‬وال س!!يَّما إذا‬
‫كانت هذه الرغبات ال تحكمها المع!!ايير العلميّ!!ة‪ ،‬وال تح!!ترم الض!!وابط‬
‫المنهجيّة‪ ،‬وتنأى بطبيعتها عن الحياد‪ ،‬وتنتصر للتحيُّز الذاتي‪ ،‬وال تأخ!!ذ‬
‫بالموضوعية التي يقتضيها البحث العلمي(‪.)719‬‬
‫فال أحد يشكّ في أن علم أصول الفق!!ه من أهمّ العل!!وم المنهجي!!ة‬
‫والتأويلية التي قدَّمَتْ نظريّةً متكاملةً تخصّ تفسير وفقه النصّ‪.‬‬
‫وفي هذا الس!!ياق ع!!اتب المفسِّ! ر ابن ج!!زي الكل!!بي‪ ،‬في مقدّم!!ة‬
‫تغاض! وْا واغفل!وا مب!احث علم أص!ول‬ ‫َ‬ ‫تفسيره‪ ،‬بعض المفس!ِّ رين؛ ألنهم‬
‫الفقه‪ ،‬و تجاهلوا جه!!ود األص!!وليّين في التفس!!ير‪ ،‬ولم يستحض!!روها في‬
‫سياق تفسيرهم للقرآن الكريم‪ ،‬وال س!!يَّما م!!ا تعلَّ!!ق بالقواع!!د اللغوي!!ة‬
‫المخصّصة للتفسير عامّة‪ ،‬وتفسير النصّ القرآنيّ خاصّة‪.)720(...‬‬
‫وهذا العتاب يجد اعتباره أن مقصد البيان يُعَدّ من أب!!رز المقاص!!د‬
‫التي جاء بها اإلسالم‪ !،‬وحملتها الشريعة اإلسالمية‪ ،‬وأصَّ! لتها في خطابه!!ا‪،‬‬
‫وبيَّنتها في آياتها‪ ،‬وقعَّ!!دتها في نصوص!!ها‪ ،‬وكش!!فت عنه!!ا في نقوله!!ا‬
‫وشواهدها‪ ،‬وقعَّدتها في قواع!!دها‪ ،‬ال!!تي منه!!ا‪ :‬إن «األص!!ل في الخط!!اب‬
‫البيان وتحقيق الفهم»‪ ،‬وبعبارة اإلمام أبي الحس!!ين البص!!ري(‪436‬هـ)‪:‬‬
‫« إن الغرض من إرسال الخطاب هو تحقيق التفاهم‪.)721(»...‬‬

‫الصلة المشتركة بين عل َم ْي أصول الفقه والتفسير‬

‫‪ 336‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫ممّ!!ا ي!!دلّ على الص!!لة القويّ!!ة القائم!!ة بين علم أص!!ول الفق!!ه‬
‫والتفسير أن كلَيْهما يشتغل! على محور التفسير والبي!!ان‪ ،‬وعلى تمثُّ!!ل‬
‫المعاني‪ ،‬واستمداد الدالالت اللغويّ!!ة المحمول!!ة في النصّ الق!!رآني(‪.)722‬‬
‫ومن هنا فإن الضرورة المنهجية والعلمية ملزمةٌ للمفسِّ! ر والق!!ارئ في‬
‫أن يستعين بجهود األصوليّين‪ ،‬ويستحضر بحوثهم‪ ،‬ويستأنس باجتهاداتهم‬
‫وآرائهم في قراءة النصّ الش!!رعي‪ ،‬وأن ال يتغاض!!ى عن ه!!ذه الجه!!ود في‬
‫كلّ عملٍ اتّصل بقراءة النصّ‪.‬‬
‫وتَبَعاً لهذا االعتبار العملي‪ ،‬وهذا المعطى المنهجي المحدّد ألهمّية‬
‫المنهج‪ ،‬فق!!د أدركَتْ الثقاف!!ة العربي!!ة اإلس!!المية في بداي!!ة نش!!أتها أن‬
‫ماس!! ةٌ وض!!روريّةٌ إلى تأس!!يس منهجٍ يض!!بط عملي!!ة الفهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الحاج!!ة‬
‫ويسدِّد عملية البيان‪ ،‬ويقوِّم االستمداد‪ ،‬وينظِّم ويقنِّن عملية التأوي!!ل‪،‬‬
‫وخاصّة في تحقي!!ق دالل!!ة األلف!!اظ‪ ،‬وفي تح!!وُّل المع!!نى وانتقال!!ه من‬
‫الداللة األصلية إلى الداللة التَّبَعية‪ ،‬تَبَعاً للس!!ياقات والمقتض!!يات ال!!تي‬
‫تَرِدُ فيها تلك الداللة‪ ،‬من خالل ما تمّ إرس!!اؤه من الض!!وابط‪ ،‬وم!!ا تمّ‬
‫إنتاجه وتقنين!ه من المقتض!يات‪ ،‬وم!ا تمّ تعيين!ه من الش!روط الخادم!ة‬
‫والمشتغلة على الفهم‪ ،‬والمنظِّمة للتأويل‪.‬‬
‫والمنهج عند المفسِّرين هو تلك الطرق والمسالك التي ينبغي أن‬
‫يتّبعها ويسلكها ويتقيَّد بها المفسِّ! ر في تفس!!يره لكت!!اب اهلل؛ تحص!!يناً‬
‫لكتاب اهلل من التحريف‪.)723(...‬‬
‫وممّا يؤكِّ!د! حض!!ور المنهج بش!!كلٍ ب!!ارز في العل!!وم اإلس!!المية‬
‫حضور مب!!احث علم أص!!ول الفق!!ه وعلم أص!!ول التفس!!ير وعلم المعجم؛‬
‫باعتبارها من أبرز علوم من!!اهج الفَهْم‪ .‬ف!!وظيفتهم تتَّح!!د في تحص!!ين‬
‫وضبط عمل المفسِّر من أن ال يخرج عن السبيل في التماسه للمعنى‪.‬‬

‫الجهات اللغويّة الصانعة‪ 6‬للمعنى‬


‫‪1‬ـ جهة اللفظ‪6‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪337‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫إن من أبرز الجهات اللغويّة التي ك!!انت موض!!وع بحث واس!!تقراء‬


‫وتتبُّع علماء أصول الفقه هي جه!!ة األلف!!اظ في عالقته!!ا بالمع!!اني؛ ألن‬
‫اللفظ هو أداةٌ ووسيلةٌ إلى تمثُّل المعنى‪ !،‬فال «سبيل إلى معرفة حق!!ائق‬
‫األشياء إالّ بتوسُّطٍ»(‪.)724‬‬
‫ومن جهةٍ أخرى يُعَدّ اللفظ طريق البي!!ان‪ ،‬ووس!!يلةً لفهم النصّ؛‬
‫إذ إن األصل «أنه ال بيان إالّ باأللفاظ المعبِّرة عن المع!!اني ال!!تي أوقعت‬
‫عليها في اللغة‪.)725(»...‬‬
‫والتحقُّق من األلفاظ من شأنه أن يبعد! االلتباس‪ ،‬ويرفع الخفاء في‬
‫النصّ؛ «ألن األصل في كلّ بالءٍ وعماءٍ وتخلي!!طٍ وفس!!ادٍ ه!!و اختالط‬
‫األسماء‪ ،‬ووقوع اسمٍ واحدٍ على معاني كثيرةٍ‪.)726(»...‬‬
‫لهذا االعتبار رص!!د «علم!!اء األص!!ول دالالت األلف!!اظ من مختل!!ف‬
‫الزوايا والجهات‪ .‬وحتّى تتوفَّر لهم تلك المعرفة باللفظ رص!!دوها من‬
‫زاوية ما وُضِعَتْ له األلفاظ من حقائق‪ ،‬فوجدوها ال تخ!!رج في داللته!!ا‬
‫عن العموم والخصوص واالشتراك؛ كما رصدوها من زاوية ما تُسْتَعْمَل‬
‫فيه فوجدوها ال تخرج في داللتها عن الحقيقة والمجاز»(‪ .)727‬وقد تميَّز‬
‫حديثهم حول اللفظ بالسَّعَة والشمولية‪ ،‬وحقَّقوا بحوثاً نفيس!!ةً ت!!دور‬
‫في محور اللفظ في عالقته بالمعنى(‪ .)728‬وهذا الرصد والمتابعة يعود إلى‬
‫أن اللفظ هو العم!!دة في اس!!تنباط األحك!!ام الش!!رعيّة‪ ،‬فتتبع!!وه مف!!رداً‬
‫ومركّباً‪ ،‬خاصّاً وعامّاً‪ ،‬مطلقاً ومقيّ!!داً‪ ،‬حقيق!!ةً ومج!!ازاً‪ ،‬وفصَّ! لوا‬
‫القول في عالقته بالمعنى‪ ،‬ومراتب هذا المعنى‪ .‬كما بحث!!وا م!!دى ت!!أثير‬
‫السياق والقرائن في توجيه المعنى‪ ،‬فثنائيّة اللفظ والمعنى شكَّلت سلطةً‬
‫معرفيّة‪ ،‬حاضرةً بقوّةٍ في الدرس األصولي‪ ،‬بجميع مدارس!!ه واتجاهات!!ه‪،‬‬
‫بحيث اعت!!نى به!!ذه الثنائي!!ة جمي!!ع األص!!وليّين‪ ،‬على اختالف مدارس!!هم‬
‫واتّجاهاتهم المذهبية(‪ .)729‬وقد كانت لهم في مدارسة اللف!!ظ اجته!!اداتٌ‬
‫قيِّمة ونفيسة‪ ،‬بحيث كان يجمعهم في اشتغالهم بثنائيّة اللفظ والمعنى‪،‬‬

‫‪ 338‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫وهما مشتركٌ واحد؛ الس!تمداد المع!نى من النصّ الش!رعي؛ ليك!ون ه!ذا‬


‫المعنى مقدّمةً في استنباط وتحصيل الحكم الشرعي‪.‬‬
‫وممّا شدّ األصوليّين في اشتغالهم على اللفظ ه!!و أن األخط!!ر في‬
‫سوء الفَهْم للنصّ بصفةٍ عامّة هو عدم التحقُّق من األلفاظ المركّب!!ة‬
‫لذلك النصّ‪.‬‬
‫ومن مبادئهم في هذا الباب أن األصل في تداول اللفظ ه!!و تحقي!!ق‬
‫البيان والفَهْم(‪ ،)730‬وأن «لكلّ اسمٍ مسمّىً يختصّ به‪ ،‬ويتبين به المراد؛‬
‫ليقع به التفاهم والبيان‪ ،‬ولو لم يكن ذلك لما كان تفاهمٌ أبداً‪ ،‬ولبط!!ل‬
‫خطاب اهلل تعالى لنا»(‪ .)731‬وهذا الحض!!ور للبحث اللغ!!ويّ وال!!دالليّ في‬
‫الدرس األصوليّ هو ما يجعلنا ندرك أن علم أصول الفق!!ه ه!!و في أص!!له‬
‫بحثٌ في دالل!!ة اللف!!ظ في النصّ الش!!رعيّ؛ من أج!!ل رس!!م الض!!وابط‪،‬‬
‫وإرساء المعايير الحاكمة لفهم النصّ‪ ،‬وتحصيل القواعد‪ ،‬وهو م!!ا ك!!ان‬
‫دافعاً لألصوليّين إلى استقراء جميع أنواع وأشكال العالقات واألنساق التي‬
‫تقوم بين اللفظ والمعنى في النصّ الشرعي(‪.)732‬‬
‫بل إن البحث عن المعنى الذي يحمله اللفظ في التركيب كان ه!!و‬
‫األص!!!ل والقص!!!د في عم!!!ل األص!!!وليين وهم يش!!!تغلون على اللغ!!!ة‪،‬‬
‫ويستحضرون مباحثها‪ ،‬ويناقشون قضاياها‪ .‬وه!!ذا م!!ا ص!!رَّح ب!!ه اإلم!!ام‬
‫الشاطبي عندما ق!!ال‪« :‬إن االعتن!!اء بالمع!!اني المبثوث!!ة في الخط!!اب ه!!و‬
‫المقصود األعظم‪ ،‬بناءً على أن العرب إنما كانت عنايتها بالمع!!اني‪ .‬وه!!ذا‬
‫األصل معلومٌ! عند أهل العربية»(‪.)733‬‬
‫فاللفظ ما هو إالّ وسيلةٌ لتحصيل المعنى من النصّ‪.‬‬
‫ولقد أفصح إمام الحرمين الجويني(‪478‬هـ) عن ه!!ذا التوجُّ!!ه في‬
‫«البرهان» فقال‪« :‬اعلَمْ أن معظم الكالم في األص!!ول يتعلَّ !ق! باأللف!!اظ‬
‫والمعاني؛ أما المعاني فستأتي في كتاب القياس‪ ،‬إنْ شاء اهلل؛ وأما األلفاظ‬
‫فال بُدَّ من االعتن!!اء به!ا؛ ف!!إنّ الش!!ريعة عربيّ!ةٌ»(‪ .)734‬ويُعَ!!دّ مبحث‬
‫اللفظ من المداخل األساسية لفهم الخطاب الشرعيّ‪ ،‬فهو من أهمّ اآلليّات‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪339‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫المساعدة والمعينة على الفهم والتلقّي‪.‬‬


‫والمنطل!!ق المنهجي ه!!و التحقُّ!!ق من اللف!!ظ في ح!!التَيْ اإلف!!راد‬
‫والتركيب‪ .‬فالفَهْم يب!!دأ‪ ،‬كم!!ا ق!!الت ال!!دكتورة عائش!!ة بنت الش!!اطئ‪،‬‬
‫بالخدمة اللغوية أللفاظ النصّ‪ ،‬بمعرفة الداللة المعجمية والسياقية للفظ‬
‫في عالقته بالمعنى(‪ .)735‬وإدراكاً لهذا البُعْد المنحي‪ ،‬فق!!د عُ!!ني علم!!اء‬
‫باللفظ العربي‪ ،‬من حيث معانيه ودالالته‪ ،‬عنايةً بالغة‪ ،‬وقاموا بمتابعته في‬
‫جمي!!ع األح!!وال والمواق!!ع‪ .‬ولم يفُتْهُم استحض!!ار الس!!ياق؛ بحكم أث!!ره‬
‫وقوّته في توجيه المعنى؛ ألن األصل في تحليل الخطاب الشرعيّ يجب أن‬
‫تكون البداية فيه بالخدمة اللغويّة أللفاظه‪ ،‬بمعرف!!ة الدالل!!ة المعجميّ!!ة‬
‫أوّالً‪ ،‬والداللة االستعماليّة ثانياً‪ ،‬لهذه األلف!!اظ والمقتض!!يات واألح!!وال‬
‫المحيطة ب!!النصّ‪ .‬فال بُ!!دَّ في التفس!!ير من التحقُّ!!ق من األلف!!اظ في‬
‫التركيب‪ .‬فأوّل ما يحت!!اج إلي!!ه مفسِّ! ر الخط!!اب أن يحقِّ!!ق األلف!!اظ‬
‫المفردة‪ .‬فتحصيل معنى مفردات ألف!!اظ الق!!رآن من أوّل المع!!اون لمَنْ‬
‫أراد أن يدرك معاني القرآن»(‪.)736‬‬

‫‪2‬ـ جهة الداللة‪ 6،‬ومراتبها‬


‫بناءً على هذا الثابت‪ ،‬وهو أن التلقّي السليم للنصّ الشرعي وفهمه‪،‬‬
‫والوصول إلى مقاصده‪ !،‬ال يتيسَّ! ر إالّ بتجمي!!ع مجموع!!ةٍ من الض!!وابط‬
‫والشروط‪ ،‬والتقيُّد بعددٍ من القواعد‪ !،‬فإن وجهة علم!!اء األص!!ول اتّجهت‬
‫إلى الدالالت‪ .‬ومن ثمّ فمن أهمّ الجوانب اللغوية‪ ،‬ال!!تي ك!!انت موض!!وع‬
‫دراسة األصوليين‪ !،‬الجانب الدالليّ‪ .‬والذي حدا باألصوليّين للعناي!!ة به!!ذا‬
‫الجانب هو توقُّف التفسير والتأويل واالستنباط على معرفة داللة اللف!!ظ‬
‫على المعنى‪ !،‬من جميع الجهات والزوايا والمستويات‪.‬‬
‫فالدالالت هي التي تُعين الفقيه على استخراج واستنباط األحكام من‬
‫المنطوق‪ ،‬وهي القضيّة المصرَّح بها‪ .‬كما تُعينه على اس!!تنباط األحك!!ام‬
‫من غير المصرَّح به‪ ،‬أي من النصّ غير المصرَّح ب!!ه‪ .‬وه!!ذا الش!!كل في‬

‫‪ 340‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫االستدالل يُعْرَف عند المناطقة بـ (قواعد التوليد واالس!!تدالل)(‪)737‬؛ وبـ‬


‫(تحصيل المسكوت من المنطوق)‪ .‬ومن هنا عُدَّتْ جه!!ة ال!!دالالت عم!!دة‬
‫علم األصول‪.‬‬
‫فال بُدَّ في التفس!!ير من إدراكٍ س!!ليم ومعرف!!ةٍ عميق!!ة ب!!دالالت‬
‫األلفاظ على المعاني‪ ،‬وبالتغيُّر الذي يط!!رأ على دالل!!ة الخط!!اب‪ ،‬تَبَع!!اً‬
‫للسياق المحيط بالخطاب‪ .‬ولهذا الغ!!رض نظ!!ر علم!!اء أص!!ول الفق!!ه في‬
‫األلفاظ في عالقتها بالمعاني في جميع الجهات‪ ،‬كما انص!!رَفَتْ عن!!ايتهم‬
‫إلى اإللمام بالمقتضيات المحيط!!ة بالخط!!اب؛ ألن الكالم الواح!!د تختل!!ف‬
‫داللتُه تَبَعاً للمقتضيات المحيطة به‪.‬‬
‫فداللة األلفاظ تابعةٌ لقصد المتكلِّم وإرادته‪ ،‬ومن ثمّ ال بُ!!دَّ من‬
‫معرفة القص!!د واإلرادة في التخ!!اطب؛ بتحكيم الس!!ياق‪ ،‬وإعم!!ال الق!!رائن‬
‫المحيطة بالنصّ؛ ألن السياق حاكمٌ‪ ،‬كما صرَّح بذلك علماء األصول‪.‬‬
‫ويُعَدّ مبحث الداللة عند األصوليّين األساس الذي يتأس!َّ! س علي!!ه‬
‫بناء علم أصول الفقه‪ .‬وقد كشف عن هذا اإلمام الغزالي(‪505‬هـ)‪ ،‬عندما‬
‫قال في «المستصفى!»‪« :‬اعلَمْ أن هذا القطب هو عمدة علم األصول؛ ألن!!ه‬
‫ميدانُ سَعْي المجتهدين‪ !،‬في اقتباس األحك!!ام من أص!!ولها‪ ،‬واجتنائه!!ا من‬
‫أغصانها»(‪.)738‬‬
‫التوس!! ع في المب!!احث اللغويّ!!ة‬
‫ُّ‬ ‫وممّ!!ا حفّ!!ز األص!!وليّين على‬
‫والدالليّة هو درجة التفاوت الحاصل في األلفاظ‪ ،‬من حيث درجة الوضوح‬
‫والخفاء‪ .‬فاأللفاظ التي جاءَتْ في الخطاب الش!!رعيّ ليس!!ت في مس!!توىً‬
‫واحدٍ‪ ،‬من حيث الوضوح واإلبانة والخفاء‪ .‬بل إن اللفظ الواحد قد «يدلّ‬
‫على الحكم بص!!!يغته ومنظوم!!!ه‪ ،‬أو بفح!!!واه ومفهوم!!!ه‪ ،‬أو بمعن!!!اه‬
‫ومعقوله»(‪ . )739‬إضافةً إلى أن البيان مقصورٌ على الداللة اللفظية‪ .‬وه!!و‬
‫ما أكَّده األصوليّون في نقولهم؛ حيث ذك!روا «أن البي!ان ال يك!ون إالّ‬
‫باأللفاظ المعبِّرة عن المعاني التي أوقعت عليها في اللغة»(‪ .)740‬والسبيل‬
‫والطريق في هذه المعرف!!ة هي وجه!!ة اللس!!ان الع!!ربيّ‪ ،‬وه!!و المقص!!ود‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪341‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫بالمواضعة اللغويّة(‪.)741‬‬
‫وممّا يؤكِّد! أهمّي!!ة الدالل!!ة في الفهم واس!!تمداد المع!!نى ك!!ون‬
‫النصّ الشرعيّ يدلّ على أكثر من داللةٍ‪ ،‬بطرقٍ مختلفة‪ .‬فق!!د أض!!حى‬
‫ضروريّاً البحث في داللة النص!!وص على معانيه!!ا‪ ،‬وال!!تي تعت!!بر قواع!!د‬
‫أصوليّة لغويّة ترسم منهج االجتهاد في استثمار كافّة طاق!!ات النصّ في‬
‫الداللة على معانيه‪ .‬وه!!و من أهمّ البح!!وث ال!!تي يق!!وم عليه!!ا اس!!تنباط‬
‫األحكام(‪.)742‬‬
‫ومن أهداف النظرة األصولية للبحث ال!!داللي الس!َّ عْيُ إلى تحدي!!د‬
‫معالم البي!!ان والتفس!!ير والتأوي!!ل؛ وذل!!ك بوض!!ع المع!!ايير المنض!!بطة‬
‫والضوابط الحاكمة التي توزن بها النصوص والمتون اللغوي!!ة فيم!!ا ل!!و‬
‫شابَها لَبْسٌ‪ ،‬أو مسّها غم!!وضٌ‪ !،‬أو اعترض!!ها إبه!!امٌ‪ ،‬أو أص!!ابها خف!!اءٌ‬
‫والتباسٌ‪ .‬كلّ هذا العمل كان من أجل الوصول إلى تحقيق ه!!ذا اله!!دف‬
‫النبيل‪ ،‬الذي يتحدَّد في ضبط عمليّ!!تي الق!راءة والتأوي!!ل‪ .‬وعلم أص!!ول‬
‫الفقه في مجمله إنما هو بحثٌ في الدالالت‪ ،‬لفظاً ومعنى‪ ،‬ونصّاً وسياقاً‪،‬‬
‫وذلك عن طريق مبدأ! التالزم القائم بين قوانين اللغ!!ة في فهم الخط!!اب‪،‬‬
‫وض!!وابط الس!!ياق في تحدي!!د المع!!نى المتع!!دِّد‪ !،‬والمحتم!!ل على نح!!وٍ‬
‫مخصوص»(‪.)743‬‬
‫واالهتمام بال!!دالالت‪ ،‬بجمي!!ع أقس!!امها وفروعه!!ا وأنواعه!!ا‪ ،‬جعلَتْ‬
‫علماء األصول يتّجه!!ون إلى البحث في الس!!ياق؛ باعتب!!ار أن الس!!ياق أداةٌ‬
‫إجرائيّ!!ة لتحدي!!د المع!!نى‪ ،‬وس!!ببٌ مُعين في ال!!ترجيح بين ال!!دالالت‬
‫المحتَمَلة‪ ،‬واألقوال المتعدِّدة التي يحتملها المعنى المحم!!ول في النصّ‬
‫الشرعي(‪ .)744‬هذه األهمِّية التي اكتسبَتْها ال!!دالالت في التفس!!ير جعلت‬
‫بعض الب!!احثين يستحض!!رون مبحث ال!!دالالت ليك!!ون قانون!!اً عامّ!!اً في‬
‫التفسير والبيان‪.‬‬
‫وتنقسم الداللة إلى عدّة أقسامٍ‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪1‬ـ الداللة األصليّة‪ :‬وهي داللةٌ لفظيّ!!ة تابع!!ةٌ لقص!!د المتكلِّم‪،‬‬

‫‪ 342‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫حيث يجد العقل بين الدالّ والمدلول مناسبةً‪ .‬وقوامها أن تأخ!!ذ األلف!!اظ‬
‫من وضعها األصليّ‪ ،‬بحيث تكون داللتها وف!!ق م!!ا وُض!!عَتْ ل!!ه بالقص!!د‬
‫األوّل الم!!أخوذ من الوض!!ع‪ .‬فهي دالل!!ةٌ تش!!ترك فيه!!ا جمي!!ع الفه!!وم‬
‫واأللسنة(‪.)745‬‬
‫‪2‬ـ الدالل!!ة التابعة‪ :‬وهي دالل!!ة مس!!تمدّةٌ من الدالل!!ة األص!!لية‪،‬‬
‫وخادمةٌ له!!ا‪ ،‬وراجع!!ةٌ إليه!!ا‪ .‬ويتطلّب النظ!!ر في معرفته!!ا النظ!!ر في‬
‫المقتضيات العامّة المحيطة بالخطاب‪ ،‬أعني السياق(‪.)746‬‬
‫وتحصيل الداللة التَّبَعية من األصليّة متوقِّفٌ على مدى المعرفة‬
‫بالسياق المحيط بالخطاب‪ .‬وهو ما يتفاوت فيه المتلقِّين له!!ذا الخط!!اب‪.‬‬
‫وهو ما يعني أن المتلقِّين يتفاوتون في اكتساب هذه الداللة‪...‬‬
‫فمراع!!!اة المقتض!!!يات التداولي!!!ة للخط!!!اب‪ ،‬من حيث الظ!!!روف‬
‫والمالبس!!ات المحيط!!ة بالخط!!اب‪ ،‬مطلبٌ منهجيّ في تمثُّ!!ل الدالل!!ة في‬
‫الخطاب‪ ،‬بأقسامها المتعدِّدة‪ !،‬وبفروعها وأشكالها المتنوِّعة‪.‬‬
‫والداللة بهذا التقسيم والتفري!!ع هي من اختي!!ار اإلم!!ام الش!!اطبي(‬
‫‪790‬هـ)‪ ،‬في الموافقات‪ ،‬فقد قسَّم الدالل!!ة ال!!تي ترج!!ع إلى المواض!!عة‬
‫اللغويّة إلى‪:‬‬
‫داللة أصليّة؛ « ‪...‬من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مفيدة دالّة على‬
‫معانٍ مطلقة‪.»...‬‬
‫وداللة تابعة‪ « ،‬وهي من جهة كونها ألفاظاً وعبارات مقيّدة دالّ!!ةٌ‬
‫على معانٍ خادمةٍ للداللة التابعة‪.)747(»...‬‬
‫ويندرج في هذه المقتضيات الحاكمة والموجِّه!!ة للمع!!نى الس!!ياق‬
‫والقرائن والمقام؛ باعتبارها من العالم!!ات الدالّ!!ة والمُرْشِ! دة إلى م!!راد‬
‫المُرْش!! دة إلى بي!!ان المحتَمَالت‬
‫ِ‬ ‫المتكلِّم من كالمه‪ .‬وهي من الوسائل‬
‫من الخطاب‪.)748(...‬‬
‫أما اإلم!!ام األص!!ولي ابن القيِّم الجوزي!!ة(‪751‬هـ) فل!!ه اختي!!ارٌ‬
‫واجتهادٌ خاصّ في توصيف وتفريع وتقسيم الداللة(‪ .)749‬فهي تأخذ عنده‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪343‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫قسمين أساسيين‪:‬‬
‫‪1‬ـ الداللة الحقيقية‪ :‬وهي الداللة التابعة لقصد المتكلِّم‪ .‬وه!!ذه‬
‫الداللة ال تختلف باختالف المتكلِّمين؛ فالمتكلم أدرى من غ!!يره بكالم!!ه‪،‬‬
‫وهو أعلم به من غيره‪.‬‬
‫‪2‬ـ الداللة التابعة‪ :‬وهي التابعة لفهم السامع‪ .‬وهذه الداللة تختلف‬
‫باختالف مدارك ومستويات السامعين‪ ،‬حَسْ! ب المقتض!!يات الثقافي!!ة ال!!تي‬
‫يتميَّزون بها(‪.)750‬‬

‫‪3‬ـ جهة السياق‬


‫في مسعى! األصوليّين في الفصل بين األلفاظ من جهة المعجم ومن‬
‫جهة االستعمال اشتغلوا بالسياق؛ للفصل بين الجهتين؛ ألن اللف!!ظ تتغيَّ!!ر‬
‫داللته ومعناه تَبَعاً للسياق الذي يَرِدُ فيه‪.‬‬
‫فالسياق هو اإلطار الذي تنتظم فيه العناصر المركّبة للنصّ‪ .‬وقد‬
‫اعتمده المفسِّرون في تفسيرهم للنصّ‪ ،‬ووظَّفوه في تعيين داللة النصّ‬
‫القرآني‪ ،‬فهو من أهمّ القرائن الدالّة على مراد المتكلِّم‪.‬‬
‫لق!!د فطن األص!!وليّون إلى الس!!ياق وعناص!!ره وأث!!ره في تحدي!!د‬
‫المعنى‪ .‬وقد وضع علماء األصول عدّة ضوابط في إعمالهم للسياق‪.‬‬
‫ويُراد بالسياق عند علماء األصول مجم!!وعُ م!!ا انتظم من الق!!رائن‬
‫الدالّة على المقصود من الخطاب‪ ،‬سواءٌ أكانت تلك الق!!رائن حاليّ!!ةً أم‬
‫مقاميّةً‪ ،‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬السياق هو مجم!!وعُ الق!رائن ال!تي تُس!اهم في‬
‫عملي!!ة الفَهْم واإلفه!!ام؛ للفص!!ل بين المع!!اني‪ ،‬لغويّ!!ةً ك!!انت أم غ!!يرَ‬
‫لغويّةٍ‪.)751(»...‬‬
‫وعليه‪ ،‬ف!!إن عناي!!ة علم!!اء األص!!ول باأللف!!اظ لم تكن مس!!تقلّةً أو‬
‫منفصلةً عن السياق‪ ،‬بل كانت داخلةً ومرتبطةً بمبدأ مراعاة المقتض!!يات‬
‫والمقامات؛ ألن اللفظ خارج التركيب ال قيمة له‪.‬‬
‫ق!!ال اإلم!!ام الش!!اطبي‪« :‬ل!!و اعت!!بر اللف!!ظ بمج!!رّده لم يكن ل!!ه‬

‫‪ 344‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫معنىً»(‪ .)752‬ومن ثمّ فمن الجه!!ات المهمّ!!ة ال!!تي اش!!تغل عليه!!ا علم!!اء‬
‫األصول‪ ،‬وكان لها األثر الكبير في استمداد المعنى‪ !،‬جهة الس!!ياق‪ ،‬وقص!!د‬
‫المتكلِّم من الخطاب‪ .‬ومن قواعدهم في هذا الباب‪ :‬الس!!ياق ح!!اكمٌ‪ ،‬وإن‬
‫األصل المنهجي هو إعمال الداللة الحقيقية للفظ‪ .‬وال يُلْجَأ إلى الس!!ياق‬
‫إالّ عند عدم قدرة الوضع على الوف!!اء ب!!المعنى‪ .‬وإن ان!!تزاع المع!!نى من‬
‫النصّ يحكمه السياق‪ .‬وإن األصل في الخطاب ه!!و تحقي!!ق الفهم والبي!!ان‬
‫واإلبالغ‪ .‬قال الشيخ ابن دقيق العيد‪« :‬أما السياق فه!!و يرش!!د إلى تب!!يين‬
‫المجمالت‪ ،‬وترجيح المحتمالت‪ ،‬وتقرير الواضحات‪ .‬وكلُّ ذلك يُعْرَف‬
‫باالستعمال»(‪ .)753‬والسياق في الدرس األصولي يُعَ!!دّ من أب!!رز الجه!!ات‬
‫الضابطة للمعنى‪ !،‬بل هو الموجِّه للمعنى في النصّ(‪.)754‬‬
‫واعت!!بر علم!!اء األص!!ول مب!!دأ مراع!!اة وتحكيم الس!!ياق في الفهم‬
‫وتحصيل المعنى المنهجَ األمثل‪ ،‬والطري!!قَ الس!!ديد المُعين في تحص!!يل‬
‫المعنى من النصّ الشرعيّ(‪ .)755‬وإن الناظر في كتب األص!!ول يُالحِ!!ظ‬
‫مدى اهتمام علماء األصول بالسياق‪ ،‬وبقص!!د المتكلِّم من الخط!!اب‪ ،‬ممّ!!ا‬
‫جعلهم يخصِّصون له مباحث واسعةً في ثنايا كتبهم ومؤلَّفاتهم‪.‬‬
‫كما أن الس!!ياق ه!!و آليّ!!ةٌ مس!!اعدة‪ ،‬وأداة موجِّه!!ة‪ ،‬على توجي!!ه‬
‫المعنى في الخطاب(‪ ،)756‬بناءً على أن مقص!!ود الخط!!اب ليس التفقُّ!!ه في‬
‫العبارة‪ ،‬بل التفقُّه في المعبِّر‪.)757(...‬‬
‫ومن اجتهاداتهم في ه!!ذا المج!!ال أن الخط!!اب الص!!ادر عن الش!!ارع‬
‫يحمل على المعنى الشرعيّ؛ فإذا تعذَّر حُمِل على المع!!نى العُ!!رْفي‪ ،‬ثمّ‬
‫أخيراً يحمل على المعنى الشرعيّ(‪.)758‬‬
‫والمبدأ في هذا االشتغال أن اللف!!ظ قب!!ل االس!!تعمال ال يكتس !ب! أيّ‬
‫معنىً‪ ،‬وإنما معناه الحقيقيّ يتحدّد في اس!!تعماله‪ ،‬تَبَع!!اً للس!!ياق ال!!ذي‬
‫يَرِدُ فيه‪ ،‬ممّا يدلِّل ويعني أن السياق ه!!و الن!!اظم ال!!ذي يعطي للكلم!!ة‬
‫داللتها الحقيقية في التركيب‪.‬‬
‫والسياق يتفرَّع إلى عدّة أنواع‪ ،‬منه!!ا‪ :‬الس!!ياق اللغ!!وي والمق!!الي؛‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪345‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫والسياق غير اللغوي‪ ،‬وهو المقامي(‪ .)759‬فهو أداةٌ إجرائية لتحديد المعنى‬
‫في النصّ‪ .‬وإعمالُه يساعد ويُعين على حسن الفَهْم والتلقّي‪ .‬ويؤكِّ!!ده‬
‫أنّ الجهل بالسياق‪ ،‬وعدم إعماله أو استحضاره‪ ،‬يُعَدّ ضَرْباً من تحري!!ف‬
‫المعنى‪ !،‬وإبعاده عن أص!!له‪ ،‬وعن قص!!ده؛! إذ حض!!ور القص!!د في التخ!!اطب‬
‫ضروريٌّ‪ ،‬وإنه ال كالم إالّ بوجود القصد‪ .‬ومن قواعد! علم!!اء األص!!ول‪:‬‬
‫األصل في الكالم القَصْد(‪.)760‬‬
‫هذه االعتب!!ارات مؤشِّ! رٌ على أن علم أص!!ول الفق!!ه يبقى من أهمّ‬
‫أدوات الفهم واالس!!تمداد‪ .‬وم!!ا أح!!وج المفسِّ! ر لالطالع واالنفت!!اح على‬
‫قواع!!د ه!!ذا العلم المُس!!اعِدة على الفهم والتلقّي لمع!!اني النص!!وص‬
‫الشرعية!‬

‫خاتمةٌ‬
‫ما نستنتجه في هذا البحث أن علوم الفهم والتفسير والبي!!ان تحظى‬
‫بموقعٍ متميِّز ومكانةٍ خاصّة في ال!!تراث الع!!ربيّ اإلس!!المي‪ .‬وإن ه!!ذه‬
‫العلوم‪ !،‬رغم اختالف أنواعها‪ ،‬وتعدُّد أشكالها‪ ،‬وتنوُّع فروعه!!ا وأقس!!امها‪،‬‬
‫قد اختارَتْ االشتغال على جهة البي!!ان وتفهُّم النص!!وص‪ !،‬وه!!و مؤشِّ! رٌ‬
‫داعم لمدى حضور منهج الفَهْم في التراث العربي اإلسالمي‪.‬‬
‫ويأتي علم األصول في صدارة العلوم اإلسالميّة التي اش!!تغلَتْ على‬
‫جهة الفهم والبيان واالستمداد‪.‬‬
‫ه!!ذه االعتب!!ارات والمواص!!فات اعتب!!اراتٌ ومؤشِّ! رات على أن علم‬
‫أصول الفق!ه يبقى من أهمّ أدوات الفهم وعناص!ر االس!!تمداد للمع!نى في‬
‫النصوص الشرعيّة خاصّةً‪ ،‬والنصوص المدوَّنة باللغ!!ة العربي!!ة بص!!فةٍ‬
‫عامّة‪.‬‬
‫فعناية علماء األصول كانت متّجهةً إلى االهتمام بالداللة‪ ،‬وبط!!رق‬
‫استخالص المعنى؛ بقصد ض!!بط فهم النصّ من نص!!وص! الق!!رآن الك!!ريم‬
‫والسُّنَّة النبوية‪ ،‬واالشتغال بالمنهج األصوليّ في ق!!راءة وتأوي!!ل النصّ‬

‫‪ 346‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫الش!!رعي‪ .‬وواض!!حٌ أن علم أص!!ول يحم!!ل في مباحث!!ه نظريّ!!ةً دالليّ!!ةً‬


‫متماسكة‪ ،‬ومنسجمة‪ ،‬ومتناسقة‪ ،‬وتكش!!ف عن مس!!تويات اش!!تغال الدالل!!ة‪،‬‬
‫وحضور المع!!نى‪ !،‬وأش!!كال تلقّي ه!!ذا المع!!نى في النصّ عامّ!!ةً‪ ،‬والنصّ‬
‫الشرعيّ خاصّةً‪ ،‬لغاية جعل هذا المعنى مقدّم!!ةً أساس!!يّة في االس!!تمداد‬
‫واالستنباط من جهةٍ‪ ،‬ولحماية هذا المعنى من التحريف من جهةٍ أخ!!رى‪.‬‬
‫ولهذا لقي اهتماماً متزايداً بين الدارسين والباحثين في اآلونة األخيرة‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫(انتصار الدم على السيف)‬


‫قراءةٌ نقديّة في المفهوم‬
‫(*)*)‬
‫د‪ .‬الشيخ عصري الباني‬

‫تمهي ٌد‬
‫مَنْ يُراجِع ما كُتُب! عن اإلم!!ام الحس!!ين× من الكُتُب‪ !،‬واألش!!عار‬
‫التي نُظمَتْ‪ ،‬إلى فترة ما قبل الخمسينيّات من الق!!رن الماض!!ي‪ ،‬ال ي!!رى‬
‫تصريحاً أو تلميحاً يتح!!دّث عن أنَّ االم!!ام الحس!!ين× انتص!!ر بحَسَ! ب‬
‫الفَهْم الشائع والمعروف لدى عم!!وم الش!!يعة الي!!وم‪ ،‬في أنّ!!ه تغلَّب على‬
‫خَصْمه‪.‬‬
‫فالكتابات واألشعار قبل هذه المرحلة كانت تتح!!دَّث عن ش!!جاعته‪،‬‬
‫وعن عُلُوّ هِمَّته‪ ،‬وجُرأته‪ ،‬ووضوحه‪ ،‬وإقدامه‪ ،‬وعزِّه‪ ،‬وشموخه‪ ،‬وأنّ!!هُ‬
‫بنى لنفسه ولقومه مَجْداً عظيماً عبر التأريخ‪ !،‬في سُوح القتال؛ باعتب!!ار‬
‫*)(*) أستا ُذ التاريخ في مجمع اإلمام الخمين ّي للدراسات العليا في قم‪ .‬من العراق‪.‬‬
‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪347‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫هذه المفاخر من المفاخر اإللهيّة والدينيّة‪.‬‬


‫فاذا راجعنا الكُتُب التي سبقَتْ هذا التأريخ فهي أبعدُ ما تك!!ون عن‬
‫الحديث في مثل هذا الموضوع‪ ،‬ككتاب (الخص!!ائص الحس!!ينيّة)‪ ،‬للش!!يخ‬
‫جعفر التُّستري‪ ،‬وه!!و لخطيبٍ حُس!!ينيٍّ ومرج!!عٍ مع!!روف‪ ،‬فال نج!!ده‬
‫يتحدَّث عن هذا الموضوع‪ .‬وكذلك الحال مع الذين ج!!اؤوا مِن بع!!ده‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الشيخ مهدي المازن!!دراني؛ ف!!إن كُتُبهم خالي!!ةٌ من ه!!ذا المع!!نى‪.‬‬
‫وكذا سائر الكُتُب التي جمعَتْ المجالس الحسينيّة لكبار العلماء وكبار‬
‫الخطباء ما قبل الخمسينيّات من القرن الماضي‪.‬‬
‫فهذا القول انتشر في الثقافة الشيعيّة من بعد الخمس!!ينيّات‪ .‬وأوّل‬
‫ظهوره كان في تفسير س!!يّد قُطب (في ظالل الق!!رآن)‪ ،‬في ذي!!ل قول!!ه‬
‫تعالى‪﴿ :‬إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّ!ذِينَ آمَنُ!وا فِي الْحَيَ!اةِ ال!دُّنْيَا‬
‫وَيَوْمَ يَقُومُ األَشْهَادُ﴾ (غافر‪.)51 :‬‬
‫يقول سيّد قُطب‪« :‬والحسين ـ رضوان اهلل عليه ـ وه!!و يُستش!!هَد‬
‫في تلك الصورة‪ ،‬العظيمة من جانبٍ‪ ،‬المُفْجِعة من جانبٍ‪ ،‬أَكانَتْ هذه‬
‫نَصْراً أم هزيمةً؟ في الص!!ورة الظ!!اهرة‪ ،‬وبالمقي!!اس الص!!غير‪ ،‬ك!!انَتْ‬
‫هزيمةً؛ وأمّا في الحقيق!!ة الخالص!!ة‪ ،‬وبالمقي!!اس الكب!!ير‪ ،‬فق!!د ك!!انَتْ‬
‫نَصْراً‪ .‬فما من شهيدٍ في األرض تهتزُّ ل!!ه الج!!وانح ب!!الحبّ والعط!!ف‪،‬‬
‫وتهفو له القلوب‪ ،‬وتجيشُ بالغَيْرة والفداء‪ ،‬كالحسين رضوان اهلل عليه‪.‬‬
‫يستوي في هذا المتشيِّعون! وغير المتشيِّعين من المسلمين‪ ،‬وكث!!ير من‬
‫غير المسلمين‪.»...‬‬
‫فخالصةُ كالمه أن الحس!!ين× قُت!!ل‪ ،‬ولكن!!ه انتص!!ر؛ ألن!!ه يق!!ول‪:‬‬
‫« والناس كذلك يقصرون معنى النصر على صورٍ معيَّنة معه!!ودةٍ لهم‪،‬‬
‫قريبةِ الرؤية ألعينهم‪ .‬ولكنّ صور النصر شتّى‪.)761(»...‬‬
‫وشاع هذا الفكر في الوَسَط العراقي‪ ،‬وفي الوَسَ! ط اإلي!!راني‪ ،‬وفي‬
‫الوَسَ! ط الباكس!!تاني‪ !،‬وفي الوَسَ! ط الخليجي‪ ،‬وفي الوَسَ! ط اللبن!!اني‪.‬‬
‫وصار هذا الفكر هو الفكر الم!!تزعِّم في اإلعالم‪ ،‬وفي الفض!!ائيات‪ ،‬وعلى‬

‫‪ 348‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫اإلنترنت‪ !،‬من أن اإلمام الحسين× ق!!د قُت!!ل‪ ،‬وأن!ه انتص!ر بع!د قتل!ه‪ ،‬وأن‬
‫أهدافه قد تحقَّقَتْ‪ ،‬وانتهى الموضوع‪ !.‬فصارت مجالس اإلم!!ام الحس!!ين×‬
‫متمسّكةً به!!ذا الط!!رح‪ .‬وهك!!ذا ب!!دأ الش!!عراء ينظم!!ون(‪ ،)762‬والروادي!!د‬
‫يقرؤون‪ ،‬وتؤلَّف الكتب‪ ،‬فانتشرَتْ هذه الفكرة‪.‬‬
‫فهم يستعملون النصر بالمعنى المح!!رَّف‪ ،‬ال!ذي ح!رِّف عن أص!!له‬
‫الموجود في كتب اللّغة واألدب‪ .‬ثمّ يطبِّقونه على المشروع الحسيني‪.‬‬

‫ثمرة البحث‪6‬‬
‫هنا يأتي السؤال عن الثمرة التي ستترتَّب على كال الفهمين؟‬
‫فنقول‪ :‬إننا حينما نفهم مشروع اإلمام الحسين× بالفَهْم األوّل‪ ،‬من‬
‫أن المشروع حقَّق بعضاً من أهدافه‪ ،‬أما األه!!داف العظمى فلم يحقِّقه!!ا‬
‫حتّى اآلن‪ ،‬فهذا سيجعل الشيعة تتحرَّك باتّجاهه!!ا‪ ،‬وس!!تتبرمج عق!!ولهم‬
‫باتّجاه أن يتحرّكوا ويعملوا وينشطوا‪.‬‬
‫بخالف ما لو قلنا‪ :‬إن الحسين× قد انتص!!ر‪ ،‬وحقَّ!!ق أهداف!!ه‪ ،‬وتمّ‬
‫اإلصالح‪ !،‬وأُصلحت أوضاع األمّة‪ ،‬فيقتص!!ر الش!!يعة على إقام!!ة الش!!عائر‬
‫الحسينيّة‪ ،‬ويتصوّرون أنهم يفتحون الفتوح‪.‬‬
‫فاإلشكال ليس الشعائر الحسينية‪ ،‬ولكنّنا نقول‪ :‬إن هذه الش!!عائر ال‬
‫قيمة لها من دون المعرفة‪ .‬ول!!ذا حين تح!!دَّث أئمّتن!!ا عن أهمّ ش!!عيرةٍ‪،‬‬
‫(‪)763‬‬
‫عتيبة بيّاع القصب‪ ،‬عن أبي عبد اهلل×‬ ‫وهي الزيارة‪ ،‬كما في صحيحة‬
‫ق!!ال‪« :‬مَنْ أتى ق!!بر الحس!!ين× عارف!!اً بحقِّ!!ه كتب!!ه اهلل في أعلى‬
‫عليّين»(‪ .)764‬فعلى الن!!اس أن يقيم!!وا الش!!عائر‪ ،‬ولكنْ ب!!وعيٍ ومعرف!!ةٍ‪.‬‬
‫فهؤالء الذين يقولون‪ :‬إن الحسين انتصر‪ ،‬وإن الحسين حقَّق أهدافه‪ ،‬وإن‬
‫األمة قد أصلحت‪ ،‬يفرِّغون مشروع اإلمام الحسين× من مضمونه‪.‬‬
‫ونحن في هذا المق!!ال س!!نناقش ه!!ذه الفك!!رة‪ ،‬من خالل اللغ!!ة في‬
‫أص!!لها‪ ،‬واالس!!تعمال الق!!رآنيّ‪ ،‬وح!!ديث أه!!ل ال!!بيت^‪ ،‬وبحَسَ! ب الواق!!ع‬
‫التأريخي‪ ،‬من خالل بعض األمثلة‪ ،‬وبعض النص!!وص‪ !،‬ال!!تي تركِّ!!ز ه!!ذا‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪349‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫الموضوع! وتوضِّحه‪.‬‬

‫النص القرآني‪6‬‬
‫ّ‬ ‫أ ّوالً‪ :‬في‬
‫‪1‬ـ في صحيحة جميل‪ ،‬عن أبي عبد اهلل×‪ ،‬قال‪ :‬قلتُ قول اهلل تبارك‬
‫وتعالى‪﴿ :‬إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَ!!اةِ ال!!دُّنْيَا‬
‫وَيَوْمَ يَقُومُ األَشْهَادُ﴾؟ قال‪« :‬ذلك واهلل في الرَّجْعة‪ .‬أم!!ا علمْتَ أن‬
‫أنبياء كثيرة لم يُنْصَروا في الدنيا‪ ،‬وقُتلوا‪ .‬واألئمّة بعدهم‪ ،‬قُتلوا‪ ،‬ولم‬
‫يُنْصَروا‪ .‬ذلك في الرجعة»(‪.)765‬‬
‫فاإلمام× لم يقُلْ‪ :‬إنهم بعد قتلهم انتصروا؛ إذ كيف ينتصرون وقد‬
‫قُتلوا؟!‬
‫نعم‪ ،‬يمكنننا أن نقول‪ :‬إن أه!!دافهم تحقَّقَتْ ل!!و ك!!ان هن!اك مَنْ‬
‫يسعى في تحقيق أهدافهم‪ ،‬ولكنّ تحقيق األهداف ش!!يءٌ وه!!ذا المص!!طلح‬
‫(النصر) شيءٌ آخر‪.‬‬
‫فهذا هو مفهوم األئمّة للنصر‪ ،‬ال النصر السياسي‪ ،‬أو اإلعالمي‪ ،‬أو‪...‬‬
‫وهذا هو معنى النصر في اللغة‪ ،‬وفي القرآن‪.‬‬
‫أما االستعمال بالمعنى الثاني فهو لغةٌ محرَّفة‪ ،‬حرَّفتها الحكومات‬
‫التي تسلَّطت على مقادير األمّة بعد النبيّ|‪ ،‬ومَنْ جاء بع!!دهم‪ ،‬وت!!ابعهم‬
‫بعضُ الشيعة‪ ،‬فنشأَتْ هذه الثقافة‪ ،‬فكتب الكت!!اب‪ ،‬ونظم الش!!عراء‪ ،‬وأنش!!د‬
‫الرواديد‪.‬‬
‫(‪)766‬‬
‫أبي بصير‪ ،‬عن أبي جعفر×‪ ،‬قال‪ :‬تال هذه اآلية‪:‬‬ ‫‪2‬ـ في موثَّقة‬
‫﴿ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَ!!اةِ ال!!دُّنْيَا وَيَ!!وْمَ‬
‫األَش!! هَادُ﴾ (غ!!افر‪ ،)51 :‬ق!!ال‪« :‬الحس!!ين بن عليٍّ منهم‪ ،‬ولم‬ ‫ْ‬ ‫يَقُ!!ومُ‬
‫يُنْصَر بعدُ»‪ ،‬ثمّ قال‪« :‬واهلل‪ ،‬لقد قتل قتلة الحسين×‪ ،‬ولم يُطْلَب بدمه‬
‫بعدُ»(‪.)767‬‬
‫فقتل قتلة اإلمام الحسين× هذا ليس نص!!راً للحس!!ين×‪ ،‬ب!!ل النص!!ر‬
‫يتحقَّق عند غلبة المظلوم على الظالم‪ ،‬بشكلٍ حسّيٍّ وظاهرٍ ومباشرٍ‪.‬‬

‫‪ 350‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫ثانياً‪ :‬في أدعية أهل البيت^‬


‫اهلل|‬ ‫‪1‬ـ عن عم!!رو بن خال!!د‪ ،‬عن أبي جعفر× ق!!ال‪« :‬ك!!ان رس!!ول‬
‫يصوم شعبان ورمضان‪ ،‬يَصِ! لُهما‪ ،‬وك!!ان يق!!ول‪ :‬هم!!ا ش!!هرا اهلل‪ ،‬وهم!!ا‬
‫كفّارةٌ لما قبلهما وما بعدهما من الذنوب‪ .‬اليوم الثالث فيه وُلد الحسين‬
‫بن عليّ’‪ .‬خرج إلى القاس!!م بن العالء الهم!!داني‪ ،‬وكي!!ل أبي محمد×‪ ،‬أن‬
‫موالنا الحسين× وُل!!د ي!!وم الخميس لثالث خَلَ!!وْن من ش!!عبان‪ ،‬فصُ! مْه‪،‬‬
‫وادْعُ فيه بهذا الدعاء‪( :‬اللهمّ‪ ،‬إني أسألك بحقّ المولود في ه!!ذا الي!!وم‪،‬‬
‫الموعود! بشهادته قبل استهالله ووالدته‪ ،‬بَكَتْه السماء ومَنْ فيها‪ ،‬واألرض‬
‫ومَنْ عليها‪ ،‬ولمّا يطأ البتَيْها‪ ،‬قتي!!ل الع!!برة‪ ،‬وس!!يّد األس!!رة‪ ،‬المم!!دود‬
‫بالنصرة يوم الكرّة‪ ،‬المعوض من قتله أن األئمّ!!ة من نس!!له‪ ،‬والش!!فاء في‬
‫تربته‪ ،‬والفوز معه في أوبته‪ ،‬واألوصياء من عترته‪ ،‬بعد ق!!ائمهم وغيبت!!ه‪،‬‬
‫حتّى يُدركوا! األوتار‪ ،‬ويثأروا الث!!ار‪ ،‬ويرض!!وا الجبّ!!ار‪ ،‬ويكون!!وا خ!!ير‬
‫أنص!!ار (ص!!لى اهلل عليهم)‪ ،‬م!!ع اختالف اللي!!ل والنه!!ار‪ .‬اللهمّ‪ ،‬فبحقِّهم‬
‫إليك أتوسَّل‪ ،‬وأسأل‪ ،‬سؤال مقترفٍ معترفٍ‪ ،‬مسيءٍ إلى نفسه ممّا فرط‬
‫في يومه وأمسه‪ ،‬يسألك العص!!مة إلى مح!!لّ رمس!!ه‪ .‬اللهمّ‪ ،‬فص!!لِّ على‬
‫محمد وعترته‪ ،‬واحشُرْنا في زمرته‪ ،‬وبوِّئنا مع!!ه دار الكرام!!ة‪ ،‬ومح!!لّ‬
‫اإلقامة‪ .‬اللهمّ‪ ،‬وكم!!ا أكرمتن!!ا بمعرفت!!ه فأكرِمْن!!ا بزلفت!!ه‪ ،‬وارزقن!!ا‬
‫مرافقته وسابقته‪ ،‬واجعَلْنا ممَّنْ يسلِّم ألمره‪ ،‬ويكثر الصالة علي!!ه عن!!د‬
‫ذكره‪ ،‬وعلى جميع أوصيائه‪ ،‬وأهل أص!!فيائه‪ ،‬المم!!دودين من!!ك بالع!!دد‬
‫االثني عشر‪ ،‬النجوم الزهر‪ ،‬والحجج على جميع البش!!ر‪ .‬اللهمّ‪ ،‬وهَبْ لن!!ا‬
‫في هذا اليوم خيرَ موهبةٍ‪ ،‬وأنجح لن!!ا في!!ه ك!!لّ طلب!!ةٍ‪ ،‬كم!!ا وهَبْتَ‬
‫الحسين لمحمّدٍ جدَّه‪ ،‬وعاذ فطرس بمَهْ!!ده‪ ،‬فنحن عائ!!ذون بق!!بره من‬
‫بعده‪ ،‬نشهد تربته‪ ،‬وننتظر أوبته‪ ،‬آمين ربّ العالمين»(‪.)768‬‬
‫ونجد أن المعاني التي ذُكرَتْ في ه!!ذه العب!!ارات تنطب!!ق انطباق!!اً‬
‫كامالً على الذي ذكرناه آنفاً؛ فالدعاء كأنّه خالصةٌ كاملةٌ لكلّ الذي‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪351‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫مرَّ وتقرَّر‪ .‬ونضيف إلى ذلك أننا لم نجِدْ في كلّ الزيارات واألدعية‬
‫والتوسُّالت! والمناجيات لإلمام الحس!!ين× أنهم تح!!دَّثوا عن نص!!رٍ قب!!ل‬
‫الرَّجْعة‪ .‬فمشروع اإلمام الحسين× يتحرَّك باتّجاه االنتصار‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬في الواقع التأريخي‬


‫عند استعراض النصوص التي تحدِّثنا عن واقع األمّة بعد عاش!!وراء‬
‫واستشهاد اإلمام الحسين× نالحظ أنه ينطبق! على منطق آل محمد^‪ .‬وه!!و‬
‫مخالفٌ للرأي الثاني بشكلٍ واضح‪:‬‬
‫‪1‬ـ وصف وحلَّل اإلمام المه!!دي‪ #‬م!!ا ج!!رى بع!!د استش!!هاد اإلم!!ام‬
‫الحسين× بقوله‪... « :‬فالويل للعُصاة الفُسّاق؛ لقد قتلوا بقتلك اإلس!!الم‪،‬‬
‫وعطَّلوا الصالة والصيام‪ ،‬ونقضوا السنن واألحكام‪ ،‬وهدموا قواعد اإليمان‪،‬‬
‫وحرَّفوا آيات القرآن‪ ،‬وهم لجّوا في البَغْي والعدوان‪ .‬لقد أصبح رس!!ول‬
‫اهلل| موتوراً‪ ،‬وع!!اد كت!اب اهلل ع!زَّ وج!!لَّ مهج!!وراً‪ ،‬وغ!!ودر الح!!قّ إذ‬
‫قُهِرْتَ مقهوراً‪ ،‬وفُقِدَ بفقدك التكبير والتهليل‪ ،‬والتح!!ريم والتحلي!!ل‪،‬‬
‫والتنزيل والتأويل‪ ،‬وظهر بعدك التغي!!ير والتب!!ديل‪ !،‬واإللح!اد والتعطي!!ل‪!،‬‬
‫واألهواء واألضاليل‪ ،‬والفتن واألباطيل‪.)769(»...‬‬
‫فهذا هو حال األمّة بعد عاشوراء‪ .‬فأيُّ إصالحٍ هذا الذي يتحدَّثون‬
‫عنه‪ ،‬واإلمام الحجة يقول‪( :‬لقد قتلوا بقتلك اإلسالم)؟! فمشروع اإلم!!ام‬
‫الحسين× ال زال يتحرَّك‪ .‬وهؤالء قتلوا اإلسالم من حيث إن عامّة األمّ!!ة‬
‫ركضَتْ وراءهم‪ .‬واإلمام الحسين× فضح مشروع السقيفة بكلّ تفاصيله‪،‬‬
‫ووضع خطّاً مائزاً بين النهج العلويّ ونهج السقيفة‪.‬‬
‫فالهدف األوّل لمشروع اإلم!!ام الحس!!ين× تحقَّ!!ق‪ ،‬ولكنّ مش!!روع‬
‫اإلمام الحسين× لم يحقِّق النصر إلى هذه اللحظة‪ .‬إنه يتح!!رَّك‪ ،‬وعلين!ا‬
‫أن نتحرَّك معه‪ ،‬ال أن نذعن لما يريده الشيطان‪ ،‬عبر القول‪ :‬إن مش!!روع‬
‫اإلمام الحسين× حقَّق النصر‪ ،‬واألمّة أصلحت‪.‬‬
‫وأما قوله‪« :#‬وظهر بعدك التغيير والتب!!ديل‪ !،‬واإللح!!اد والتعطيل»‬

‫‪ 352‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫فهو ليس ما يطلق عليه اإللحاد في أيّامن!!ا ه!!ذه‪ ،‬وه!!و إنك!!ار وج!!ود اهلل‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬بل المراد من اإللحاد هنا هو اإللحاد ال!!ذي تح!!دَّث عن!!ه‬
‫القرآن واألحاديث‪ ،‬وهو اإللحاد بحقّ محمّدٍ وآل محمد^‪.‬‬
‫‪2‬ـ عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب× أنه قال يوم!!اً لحذيف!!ة‬
‫بن اليمان‪« :‬يا حذيفة‪ ،...‬فوالذي نفسُ عليٍّ بيده‪ ،‬ال ت!!زال ه!!ذه األمّ!!ة‬
‫بعد قتل الحسين ابني في ضاللٍ وظلم!!ة‪ ،‬وعس!!ف وجَ!!وْرٍ‪ ،‬واختالفٍ في‬
‫الدين‪ ،‬وتغييرٍ وتبديل لما أنزل اهلل في كتابه‪ ،‬وإظه!ار البِ!دَع‪ ،‬وإبط!ال‬
‫السُّنَن‪ ،‬واختالل وقياس مش!!تبهات‪ ،‬وت!!رك محكم!!اتٍ‪ ،‬ح!!تى تنس!!لخ من‬
‫اإلسالم‪ !،‬وتدخل في العمى والتلدُّد! والتسكُّع‪.)770(»...‬‬
‫فهذا هو حال األمّة بعد استش!!هاد االم!!ام الحس!!ين×‪ ،‬بحَسَ! ب أم!!ير‬
‫المؤمنين×‪.‬‬
‫‪3‬ـ عن رزين قال‪ :‬قال أب!!و عب!!د اهلل×‪« :‬لمّ!!ا ضُ! رب الحس!!ين بن‬
‫عليّ’ بالسيف‪ ،‬فسقط رأسه‪ ،‬ثم ابتدر ليقطع رأسه‪ ،‬نادى منادٍ من بطن!!ان‬
‫العرش‪ :‬أال أيتها األمّ!ة المتحيِّ!رة‪ ،‬الض!الّة بع!د نبيِّه!ا‪ ،‬ال وفَّقكم اهلل‬
‫ألضحىً وال لفطرٍ»‪ .‬قال‪ :‬ثم ّقال أبو عبد اهلل×‪« :‬فال جَ!!رَم‪ ،‬واهللِ‪ ،‬م!!ا‬
‫وُفِّقوا وال يوفَّقون حتّى يثأر ثائرُ الحسين×»(‪.)771‬‬
‫واإلمام× بقوله‪« :‬لما ضُرب الحسين بن عليّ بالس!يف‪ ،‬فس!!قط‪ ،‬ثمّ‬
‫ابتدر ليقطع رأسه» يتحدَّث عن ه!!ذه الحادث!!ة ال!!تي يرويه!!ا الط!!بري‪:‬‬
‫«وحَمَل عليه في تلك الحال س!!نان بن أنس بن عم!!رو النخعيّ‪ ،‬فطعن!!ه‬
‫بالرمح‪ ،‬فوقع»(‪.)772‬‬
‫وأما قوله‪« :‬ال وفَّقكم اهلل ألضحىٍ وال لفطرٍ» فاألض!!حى إش!!ارةٌ‬
‫إلى الحجّ‪ ،‬والفطر إشارةٌ إلى الصيام‪ ،‬وكالهما يشيران إلى الصالة‪ ،‬وإلى‬
‫طقوس وتفاصيل الدِّين‪ .‬وهذا هو الواقع حتّى يومنا هذا‪ ،‬فال الحج حجٌّ‬
‫في مواعيده‪ !،‬وال الصيام صيامٌ في أيّامه‪ ،‬وال العيد عيدٌ‪.‬‬
‫‪4‬ـ قال محمد بن أبي قرّة‪ :‬نقلتُ من كتاب أبي جعف!!ر محم!!د بن‬
‫الحسين بن سفيان البزوفري(رضي اهلل عنه) هذا الدعاء‪ ،‬وذكر في!!ه أن!!ه‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪353‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫دعاءٌ لصاحب الزم!!ان (ص!!لوات اهلل علي!!ه وعجَّ!!ل فرج!!ه وفرجن!!ا ب!!ه)‪،‬‬
‫ويستحبّ أن يُدْعَى به في األعياد األربعة‪...« :‬أين المُعَ!!دّ لقط!!ع داب!!ر‬
‫الظلمة؟ أين المنتظر إلقامة األَمْت والعوج؟ أين المرتجى إلزالة الجَ!!وْر‬
‫والعدوان؟ أين المدَّخر لتجديد الفرائض والسُّنَن؟ أين المتخيَّر إلعادة‬
‫الملّة والشريعة؟ أين المؤمَّل إلحياء الكتاب وحدوده؟ أين مح!!يي مع!!الم‬
‫الدِّين وأهل!!ه؟ أين قاص!!م ش!!وكة المعت!!دين؟! أين ه!!ادم أبني!!ة الش!!رك‬
‫والنِّف!!اق؟ أين مبي!!د أه!!ل الفس!!ق والعص!!يان؟ أين حاص!!د ف!!روع الغيّ‬
‫والشقاق؟ أين طامس آث!!ار الزَّيْ!!غ واأله!!واء؟ أين ق!!اطع حبائ!!ل الك!!ذب‬
‫واالفتراء؟ أين مبي!!د أه!!ل العن!!اد والمَ!!رَدة؟ أين مع!!زّ األولي!!اء وم!!ذلّ‬
‫األعداء؟ أين جامع الكلمة على التقوى؟ أين باب اهلل الذي من!!ه ي!!ؤتى؟ أين‬
‫وجه اهلل الذي إلي!!ه تتوجَّ!!ه األولي!!اء؟ أين الس!!بب المتَّص!!ل بين األرض‬
‫والسماء؟ أين صاحب يوم الفتح وناش!!ر راي!!ة اله!!دى؟ أين مؤلِّ!!ف ش!!مل‬
‫الصالح والرضا؟ أين الطالب بذحول األنبياء وأبناء األنبي!!اء؟ أين الط!!الب‬
‫(‪)773‬‬
‫بدم المقتول بكربالء‪»...‬‬
‫فهذه الجُمَل ترسم لنا صورةً واض!!حةً عن الواق!!ع الس!!يِّئ‪ .‬وهي‬
‫منذ زمن استشهاد اإلمام الحسين×‪ ،‬واستمر الحال السيِّئ‪ ،‬وال زال الح!!ال‬
‫هو الحال‪ .‬فأين اإلصالح الذي يتحدَّث عن أن االمام الحسين× قد انتص!!ر‪،‬‬
‫وقد حقَّق النصر‪ ،‬وتحقَّقت أهدافه‪ ،‬وأن األمّة قد أصلح حالها؟!‬
‫‪5‬ـ من حديثٍ دار بين إمامنا السجّاد× وعمّته زينب÷‪ ،‬وهي تحدِّث‬
‫عن أم!!ير المؤم!!نين×‪ ،‬وأم!!ير المؤم!!نين× يح!!دِّث عن رس!!ول اهلل|‪ ،‬في‬
‫اللحظات األخيرة من حياته‪ ،‬يقول×‪...« :‬ولقد ق!!ال لن!!ا رس!ول اهلل|‪ ،‬حين‬
‫أخبرنا بهذا الخبر‪ :‬إن إبليس في ذلك اليوم يطير فرحاً‪ ،‬فيجول األرض‬
‫كلَّها في شياطينه وعفاريته‪ ،‬فيقول‪ :‬يا معشر الشياطين‪ ،‬قد أدرَكْنا من‬
‫ذرِّية آدم الطلبة‪ ،‬وبلغنا في هالكهم الغاي!!ة‪ ،‬وأورثن!!اهم الس!!وء إالّ مَن‬
‫ْاعتصم بهذه العصابة‪ ،‬فاجْعَلوا شغلكم بتشكيك الناس فيهم‪ ،‬وحملهم على‬
‫ع!!داوتهم‪ ،‬وإغ!!رائهم بهم وبأولي!!ائهم؛ حتّى تس!!تحكم ض!!اللة الخل!!ق‬

‫‪ 354‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫ص!! دَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ‬


‫وكف!!رهم‪ ،‬وال ينج!!و منهم ن!!اجٍ‪﴿ .‬وَلَقَ!!دْ َ‬
‫ظَنَّهُ﴾ ‪ ،‬وهو كذوبٌ‪ .‬إنه ال ينفع مع عداوتكم عملٌ صالح‪ ،‬وال يضرّ مع‬
‫محبتكم وم!!واالتكم ذنبٌ غ!!ير الكب!!ائر»‪ .‬ق!!ال زائ!!دة‪ :‬ثمّ ق!!ال عليّ بن‬
‫الحسين’‪ ،‬بعد أن حدَّثني بهذا الحديث‪« :‬خُذْه إليك‪ .‬أما لو ضُربَتْ في‬
‫طلبه آباط اإلبل حَوْالً لكان قليالً‪.)774(»...‬‬
‫وقوله‪ « :‬أما لو ضربت في طلبه آباط اإلبل حَوْالً لكان قليالً» أي‬
‫إنك لو ضرَبْتَ آباط اإلبل حَوْالً كامالً؛ كي تسرع ب!!ك لطلب ه!!ذا‬
‫الحديث‪ ،‬لكان ذلك قليالً‪.‬‬
‫وق!!ول إبليس‪« :‬إالّ مَنْ اعتص!!م به!!ذه العص!!ابة» ه!!ؤالء ال!!ذين‬
‫سيكونون في سفينة اإلمام الحسين×‪ ،‬والذين اس!!تُنْقِذوا بمش!!روع اإلم!ام‬
‫الحسين× من الض!!اللة وحَيْ!!رة الجهال!!ة‪ ،‬فاعتص!!موا ب!!العِتْرة؛ ألن مَنْ‬
‫اعتصم بهم فقد اعتصم باهلل عزَّ وجلَّ‪ .‬والعص!!ابة مجموع!!ةٌ من الن!!اس‬
‫تتَّفق في آرائها‪ ،‬وتتَّحد في همومها وأفراحها وأتراحه!!ا‪ ،‬وتض!!رب بي!!دٍ‬
‫واحدة‪.‬‬
‫وقول إبليس‪« :‬فاجعلوا شغلكم بتشكيك الن!!اس فيهم‪ ،‬وحملهم على‬
‫عداوتهم»‪ ،‬أي بتشكيك الناس في هذه المجموعة‪ ،‬التي تك!!ون في س!!فينة‬
‫اإلمام الحسين×‪.‬‬
‫‪6‬ـ عن زرارة‪ ،‬عن أبي جعفر× ق!!ال‪ :‬كتب الحس!!ين بن عليٍّ من‬
‫مكّة إلى محم!!د بن عليّ‪« :‬بس!!م اهلل ال!!رحمن ال!!رحيم‪ ،‬من الحس!!ين بن‬
‫عليٍّ إلى محمد بن عليٍّ ومَنْ قِبَله من بني هاشم‪ ،‬أم!!ا بع!!دُ ف!!إن مَنْ‬
‫لحق بي استشهد‪ ،‬ومَنْ لم يلحق بي لم يُدْرِك الفتح‪ ،‬والسالم»(‪.)775‬‬
‫والرس!!الة واض!!حةٌ‪ ،‬فهي تق!!ول‪ :‬إن مَنْ لح!!ق باإلم!!ام الحس!!ين×‬
‫يُستشهد‪ !،‬وال يبقى على وجه األرض؛ وإنّ مَنْ لم يلحق باإلمام الحسين×‬
‫لم يدرك الفتح‪ .‬فهناك فتحٌ‪ ،‬ولكنّ هذا الفتح يتحقَّ!!ق بع!!د االستش!!هاد‪.‬‬
‫وهذا الفتح هو الفتح في عص!!ر اإلم!!ام المه!!ديّ‪#‬؛ ف!!إن الفتح إنْ لم يكن‬
‫بمعنى النصر فهو أعلى رتبةً من النص!!ر‪ .‬ق!!د يُطل!!ق الفتح على النص!!ر‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪355‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫ولكنْ ال يطلق النصر على الفتح؛ ألن الفتح أعلى رتبةً من النصر‪.‬‬
‫فاالستشهاد مع االمام الحسين× مقدّمةٌ للفتح‪ .‬واإلم!!ام هن!!ا ذك!!ر‬
‫كلمة «الفتح» معرَّفةً باأللف والالم‪ ،‬فهي عهديّةٌ‪ ،‬يع!!ني هن!!اك ش!!يءٌ‬
‫معهود في أذهان الذين اطَّلعوا على مبادئ وفكر أتباع مدرسة أهل البيت^‪،‬‬
‫وهذا الفتح هو الفتح الذي يتحقَّق عمليّاً في ظهور اإلمام المهديّ‪.#‬‬
‫وقد يقول قائلٌ‪ :‬إن الفتح هنا يُراد منه الفتح المعنوي‪.‬‬
‫وجوابه‪ :‬إن الفتح ليس معنويّاً‪ ،‬وإنما ت!!أتي المعنويّ!!ات م!!ع الفتح‬
‫الواقعيّ الحسّي الملموس المرئيّ المسموع‪ .‬فكم!!ا أن النص!!ر ه!!و أم!!رٌ‬
‫واقعي ملموسٌ محسوسٌ مسموعٌ مرئيّ كذلك الفتح؛ فهو أعلى درجةً‬
‫ورتبةً من النصر‪.‬‬
‫وسورة النصر واضحةٌ صريحةٌ في هذا المع!!نى؛ إذ يق!!ول تع!!الى‪:‬‬
‫﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اهللِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ‬
‫اهللِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْ!!دِ رَبِّ!!كَ وَاسْ! تَغْفِرْهُ إِنَّ!!هُ كَ!!انَ‬
‫تَوَّاباً﴾ (النصر‪ 1 :‬ـ ‪ .)3‬فالنص!!ر ذُكِ!!رَ قب!!ل الفتح‪ .‬وه!!ذا ال!!ترتيب‬
‫يُشْعِر بأن الفتح أعلى رتبةً‪.‬‬
‫مع اإلشارة إلى أنه ليس من الضروريّ دائماً أن يكون في ال!!ترتيب‬
‫في الذكر في الكالم داللةٌ على أن الذي ذُكِر أوّالً هو أدنى! رتبةً؛ فقد‬
‫يكون بالعكس‪ .‬ولكنْ هنا إذا نظَرْنا إلى بنية سورة النصر بالكام!!ل ف!!إنّ‬
‫ه!!ذا ال!!ترتيب يُشْ! عِرُنا به!!ذه الحقيق!!ة‪ ،‬وهي أن الفتح أعلى رتب!!ةً من‬
‫النصر‪.‬‬
‫وقول!!ه‪﴿ :‬وَرَأَيْتَ النَّ!!اسَ يَ!!دْخُلُونَ فِي دِينِ اهللِ أَفْوَاج!!اً﴾‬
‫يعني‪ :‬وأنت حيٌّ ترزق رأيت الناس يدخلون في دين اهلل أفواج!!اً‪ .‬فهن!!اك‬
‫أمرٌ محسوسٌ ملموسٌ مسموعٌ! م!!رئيٌ متجسّ! دٌ! في الواق!!ع الخ!!ارجي‪،‬‬
‫والذي يترتَّب على هذا‪ ﴿ :‬فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ﴾‪.‬‬
‫فهذه عمليّةٌ محسوسةٌ ملموسةٌ‪ ،‬يختل!!ط فيه!!ا الج!!انب المعن!!وي‬
‫والمحسوس‪ .‬ومن خالل كلّ هذه التفاصيل فإن النصر يكون أدنى! رتب!!ةً‬

‫‪ 356‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫من الفتح إذا ما فهمنا السورة بهذا الفهم‪ ،‬وتعاملنا معه!!ا بالطريق!!ة ال!!تي‬
‫تعاملت بها مع السورة‪.‬‬
‫ويؤيِّد ذلك ما جاء عن أمير المؤمنين×‪« :‬وأم!!ا م!!ا تأويل!!ه بع!!د‬
‫تنزيله فاألمور التي حدثَتْ في عصر النبيّ| وبعده من غصبِ آل محمّدٍ‬
‫حقَّهم‪ ،‬وما وعدهم اهلل به من النصر على أعدائهم‪ ،‬وما أخ!!بر اهلل ب!!ه من‬
‫أخبار القائم وخروج!!ه‪ ،‬وأخب!!ار الرَّجْع!!ة والس!!اعة‪ ،‬في قول!!ه ﴿وَلَقَ!!دْ‬
‫كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ األَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي‬
‫الصَّالِحُونَ﴾ (المائدة‪)6 :‬؛ وقوله‪﴿ :‬وَعَدَ اهللُ الَّ!!ذِينَ آمَنُ!!وا مِنْكُمْ‬
‫اس!! تَخْلَفَ‬
‫وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي األَرْضِ كَمَا ْ‬
‫الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَ! ى لَهُمْ‬
‫وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي الَ يُشْرِكُونَ‬
‫ش!! يْئاً﴾ (الن!!ور‪ ،)55 :‬ن!!زلت في الق!!ائم من آل محمد|‪ ،‬وقول!!ه‪:‬‬ ‫بِي َ‬
‫اسْتُض!!!! عِفُوا فِي األَرْضِ‬
‫ْ‬ ‫﴿وَنُرِي!!!!دُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّ!!!!ذِينَ‬
‫وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ﴾ (القصص‪« !!.)5 !:‬ومثلُ!!ه‬
‫كثيرٌ‪ ،‬ممّا تأويله بعد تنزيله»(‪.)776‬‬
‫فرسالة النبيّ االعظم| هي لجميع الناس كافّةً‪ ،‬وقول!!ه‪﴿ :‬وَرَأَيْتَ‬
‫النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اهللِ أَفْوَاجاً﴾ يعني جميع الناس يدخلون في‬
‫دين اهلل أفواجاً‪ ،‬من دون نفاقٍ‪ .‬وهذا األمر لم يتحقَّق في زم!!ان رس!!ول‬
‫اهلل|‪ ،‬وال في األزمنة التي تلَتْ زمانه‪.‬‬
‫وعن محمد بن عمر بن عليّ‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جدّه× قال‪« :‬لمّا ن!!زلت‬
‫على النبيّ|‪﴿ :‬إِذَا جَاءَ نَصْرُ اهللِ وَالْفَتْحُ﴾ قال لي‪ :‬يا عليّ‪ ،‬إنه قد جاء‬
‫نصر اهلل والفتح‪ ،‬فإذا رأيْتَ الناس ي!!دخلون في دين اهلل أفواج!!اً فس!!بِّح‬
‫بحمد ربِّك واستغفِرْه إنّه كان توّاباً‪ .‬ي!!ا عليّ‪ ،‬إن اهلل ق!!د كتب على‬
‫المؤمنين الجهاد في الفتنة من بعدي‪ ،‬كما كتب عليهم جهاد المش!!ركين‬
‫معي‪ ،‬فقلتُ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬وما الفتنة التي كُتِبَ علينا فيها الجهاد؟ قال‪:‬‬
‫فتنةُ ق!!ومٍ يش!!هدون أن ال إل!!ه إالّ اهلل‪ ،‬وأني رس!!ول اهلل‪ ،‬وهم مخ!!الفون‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪357‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫لسُنَّتي‪ ،‬وطاعنون في ديني‪ .‬فقلتُ‪ :‬فعالمَ نق!!اتلهم‪ ،‬ي!!ا رس!!ول اهلل‪ ،‬وهم‬
‫يشهدون أن ال إل!!ه إالّ اهلل وأن!!ك رس!!ولُ اهلل؟ فق!!ال‪ :‬على إح!!داثهم في‬
‫دينهم‪ ،‬وفراقهم ألمري‪ ،‬واستحاللهم دماء عترتي‪ ،‬قال‪ :‬فقلتُ‪ :‬ي!!ا رس!!ول‬
‫اهلل‪ ،‬إنك كنْتَ وعَ!!دْتَني الش!!هادة‪ ،‬فسَ! لْ اهلل تع!!الى أن يعجِّلَه!!ا لي‪،‬‬
‫فقال‪ :‬أجل‪ ،‬قد كنْتُ وعَدْتُك الشهادة‪ ،‬فكيف صبرك إذا خضبت هذه من‬
‫هذا‪ ،‬وأومى إلى رأسي ولحيتي؟ فقلتُ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أما إذا بيَّنت لي م!!ا‬
‫بيَّنت فليس بموطن صبرٍ‪ ،‬ولكنّه م!!وطن بش!!رى وش!!كرٍ‪ ،‬فق!!ال‪ :‬أج!!ل‪،‬‬
‫فأعِدَّ للخصومة‪ ،‬فإنك مخاصِ! مٌ أم!تي‪ ،‬قلتُ‪ :‬ي!ا رس!!ول اهلل‪ ،‬أرش!!دني‬
‫الفَلَج‪ ،‬قال‪ :‬إذا رأيْتَ قوماً قد عدلوا عن الهدى إلى الضالل فخاص!!مهم؛‬
‫فإن الهدى من اهلل‪ ،‬والضالل من الشيطان‪ .‬يا عليّ‪ ،‬إن الهدى هو اتّباع أمر‬
‫اهلل‪ ،‬دون الهوى والرأي‪ .‬وكأنّك بق!!ومٍ ق!!د ت!!أوَّلوا الق!!رآن‪ ،‬وأخ!!ذوا‬
‫بالشبهات‪ ،‬واستحلّوا الخمر بالنبيذ‪ ،‬والبخس بالزكاة‪ ،‬والسُّحْت بالهديّة‪،‬‬
‫قلتُ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬فما هم إذا فعلوا ذلك‪ ،‬أهُمْ أهل ردّةٍ أم أهل فتن!!ةٍ؟‬
‫قال‪ :‬هم أهل فتنةٍ‪ ،‬يعمهون فيها إلى أن يدركهم العدل‪ ،‬فقلتُ‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل‪ ،‬العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال‪ :‬بل منّا‪ ،‬بنا يفتح اهلل‪ ،‬وبنا يختم‪ ،‬وبن!!ا‬
‫ألَّف اهلل بين القلوب بعد الشرك‪ ،‬وبنا يؤلِّف اهلل بين القلوب بعد الفتن!!ة‪،‬‬
‫فقلتُ‪ :‬الحمد هلل على ما وَهَبَ لنا من فضله»(‪.)777‬‬
‫فالحديث عن عصر اإلمام المهديّ‪.#‬‬
‫وقال×‪ ﴿« :‬بِسْمِ اهللِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِذَا جَ!!اءَ نَصْ! رُ اهللِ‬
‫وَالْفَتْحُ﴾ قال‪ :‬نزلت بمِنَى في حجّة ال!!وداع إذا ج!!اء نص!!ر اهلل والفتح‪،‬‬
‫فلمّا نزلت قال رسول اهلل|‪ :‬نُعِيَتْ إليَّ نفسي‪ ،‬فجاء إلى مسجد الخي!!ف‪،‬‬
‫فجمع الناس‪ ،‬ثمّ قال‪ :‬نصر اهلل امرأً سمع مقالتي فوعاه!!ا‪ ،‬وبلَّغه!!ا مَنْ‬
‫لم يسمعها؛ فرُبَّ حامل فقهٍ غير فقيهٍ‪ ،‬ورُبَّ حاملِ فقهٍ إلى مَنْ ه!!و‬
‫أفق!!ه من!!ه‪ .‬ثالث ال يغ!!لّ علي!!ه قلب ام!!رئٍ مس!!لمٍ‪ ،‬إخالص! العم!!ل هلل؛‬
‫والنصيحة ألئمّة المسلمين؛! واللزوم لجماعتهم؛ فإن دعوتهم محيط!!ةٌ من‬
‫ورائهم‪ .‬أيّها الناس‪ ،‬إني ت!!اركٌ فيكم ثقلين‪ ،‬م!!ا إنْ تمسَّ! كْتُم بهم!!ا لن‬

‫‪ 358‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫تضلّوا‪ ،‬ولن تزلّوا‪ :‬كتاب اهلل؛ وعترتي أهل بيتي؛ فإنه قد نبّأني اللطيف‬
‫الخبير أنهما لن يتفرَّقا حتّى يَرِدَا عليَّ الحَوْض‪ ،‬كإص!!بعَيّ ه!!اتين‪،‬‬
‫وجمع بين سبّابتَيْه‪ ،‬وال أقول‪ :‬كهاتين‪ ،‬وجم!!ع بين س!!بّابته والوس!!طى‪،‬‬
‫فيفضل هذه على هذه»(‪.)778‬‬
‫فالسورة نزلَتْ في آخر أيّام حي!!اة رس!!ول اهلل|‪ ،‬في حجّ!!ة ال!!وداع‪،‬‬
‫ولم يكن هن!!اك قت!!الٌ وال ح!!ربٌ‪ .‬إذن فالس!!ورة تتح!!دَّث عن مرحل!!ةٍ‬
‫مستقبليّة‪.‬‬
‫فالن!!اس لم ي!!دخلوا جميع!!اً في دين محمّ!!دٍ|‪ ،‬وهن!!اك الكث!!ير من‬
‫الرَّس!! ولُ‬
‫ُ‬ ‫المنافقين‪ .‬ويحدِّثنا عن هذه الحقيقة قوله تعالى‪﴿ :‬يَا أَيُّهَا‬
‫بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّ!!كَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَ!!لْ فَمَ!!ا بَلَّغْتَ‬
‫رِسَالَتَهُ وَاهللُ يَعْصِ! مُكَ مِنْ النَّ!اسِ إِنَّ اهللَ الَ يَهْ!دِي الْقَ!!وْمَ‬
‫الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة‪)67 :‬؛ وما ذلك إالّ لكثرة المن!!افقين‪ .‬فالمن!!افقون‬
‫الكُثُر‪ ،‬الذين لم يذعنوا لبيع!!ة الغ!!دير‪ ،‬وإنم!!ا ب!!ايعوا ظ!!اهراً‪ ،‬وك!!انوا‬
‫يخطِّطون لقتل رسول اهلل|‪ ،‬ولقتل عليٍّ أمير المؤم!!نين×‪ ،‬كم!!ا ص!!رَّح‬
‫ب!!ذلك الق!!رآن الك!!ريم(‪ ،)779‬والتفاص!!يل ذكَرَتْه!!ا لن!!ا الرواي!!ات‬
‫واألحاديث(‪.)780‬‬
‫وأدلّ دليلٍ على ذلك ما حدث بعد وفاة رسول اهلل|‪ ،‬وكيف خالفت‬
‫األمّة نبيَّها؛ فإن هذا األمر لم يكن هكذا ابتداءً بعد وفاة رس!!ول اهلل|‪ ،‬ب!!ل‬
‫كان له مقدّماتٌ كانت موجودةً في أيّام رسول اهلل|‪ ،‬وجاء هذا البرنامج‬
‫تطبيقاً لصحيفةٍ كُتبَتْ أيّ!!ام الن!!بيّ|‪ .‬فعن أبي عب!!د اهلل× في ق!!ول اهلل‬
‫عزَّ وجلَّ‪﴿ :‬مَا يَكُونُ مِنْ نَجْ!!وَى ثَالَثَ!!ةٍ إِالَّ هُ!!وَ رَابِعُهُمْ وَالَ‬
‫خَمْسَةٍ إِالَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَالَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَالَ أَكْثَ!!رَ إِالَّ‬
‫هُ!!وَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَ!!ا كَ!!انُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَ!!ا عَمِلُ!!وا يَ!!وْمَ‬
‫الْقِيَامَةِ إِنَّ اهللَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (المجادل!!ة‪ !،)7 :‬ق!!ال‪« :‬ن!!زلت‬
‫هذه اآلية في فالن وفالن وأبي عبيدة الج!!رّاح وعب!!د ال!!رحمن بن ع!!وف‬
‫وسالم مولى أبي حذيفة والمغيرة بن ش!!عبة؛ حيث كتب!!وا الكت!!اب بينهم‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪359‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫وتعاهدوا وتوافقوا‪ :‬لئن مضى محمّدٌ ال تكون الخالفة في بني هاشم‪ ،‬وال‬
‫النبوّة أبداً‪ ،‬فأنزل اهلل عزَّ وجلَّ فيهم هذه اآلية‪ .‬قال‪ :‬قلتُ‪ !:‬قوله ع!!زَّ‬
‫يَحْس! بُونَ أَنَّ!ا الَ‬
‫َ‬ ‫وجلَّ‪﴿ :‬أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ‬
‫نَسْ! مَعُ سِ! رَّهُمْ وَنَجْ!!وَاهُمْ بَلَى وَرُسُ! لُنَا لَ!!دَيْهِمْ يَكْتُبُ!!ونَ﴾‬
‫(الزخرف‪ 79 :‬ـ ‪)80‬؟ قال‪ :‬وهاتان اآليتان نزلتا فيهم ذلك اليوم‪ .‬ق!!ال‬
‫أبو عبد اهلل×‪ :‬لعلّك ترى أنه كان يومٌ يشبه يوم كُتب الكتاب‪ ،‬إالّ يوم‬
‫قتل الحسين×‪ .‬وهكذا كان في س!ابق علم اهلل ع!زَّ وج!لَّ‪ ،‬ال!ذي أعلم!ه‬
‫رسول اهلل|‪ ،‬أن إذا كُتب الكتاب قتل الحس!!ين‪ ،‬وخ!!رج المُلْ!!كُ من ب!!ني‬
‫هاشم‪ ،‬فقد كان ذلك كلّه»(‪.)781‬‬
‫فنحن إذا دقَّقْنا النظر في ألفاظ السورة ـ ح!!تى من دون الرج!!وع‬
‫إلى األحاديث ـ نجد أن السورة ليس لها من تطبيقٍ على أرض الواق!!ع‪ ،‬ال‬
‫في زمان رسول اهلل|‪ ،‬وال في الزمن الذي جاء بعد رسول اهلل|‪ ،‬وإلى يومن!!ا‬
‫هذا‪ .‬وليس باإلمكان أن يتحقَّق هذا‪ ،‬بحَسَ! ب المعطي!!ات الموج!!ودة على‬
‫األرض‪ ،‬إالّ في عصر ظهور اإلمام المهديّ‪ #‬وما بعده‪.‬‬
‫فسورة النصر ترتبط بعصر ظهور اإلمام المهديّ‪#‬؛ فهن!!اك س!!يكون‬
‫الفتح األعظم‪ ،‬س!!يكون في الرجع!!ة‪ ،‬ول!!ذا س!!يكون لقب اإلم!!ام الحس!!ين×‬
‫«المنتصر»‪ ،‬وهو ما تشير إلي!!ه رواي!!ة ج!!ابر الجعفي ق!!ال‪ :‬س!!معتُ أب!!ا‬
‫جعفر× يقول‪« :‬واهللِ‪ ،‬ليملكَنَّ أهل البيت رجلٌ بعد موته ثالثمائة س!!نةٍ‬
‫ويزداد تسعاً‪ ،‬قلتُ‪ :‬متى يكون ذلك؟ قال‪ :‬بعد القائم×‪ ،‬قلتُ‪ :‬وكم يقوم‬
‫القائم في عالمه؟ قال‪ :‬تسع عشرة س!!نة‪ ،‬ثم يخ!!رج المنتص!!ر إلى ال!!دنيا‪،‬‬
‫وهو الحسين×‪ ،‬فيطلب بدمه ودم أصحابه‪ ،...‬الخبر»(‪.)782‬‬
‫وإلى هذا يُشير رسول اهلل| في كالمه ألمير المؤمنين×‪ ،‬حين س!!أله‬
‫أمير المؤمنين×‪ « ،‬فقلتُ‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬العدل منّا أم من غيرنا؟ فقال‪ :‬بل‬
‫منّا‪ ،‬بنا يفتح اهلل‪ ،‬وبنا يختم‪ ،‬وبنا ألَّف اهلل بين القلوب بعد الشرك‪ ،‬وبن!!ا‬
‫يؤلِّف اهلل بين القلوب بعد الفتنة‪ ،‬فقلتُ‪ :‬الحمد هلل على ما وَهَبَ لنا من‬
‫فضله»(‪.)783‬‬

‫‪ 360‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫فالظنّ بأن السورة في فتح مكّة ضعيفٌ جداً‪ .‬نعم‪ ،‬فتح مكّ!!ة في!!ه‬
‫داللةٌ سياسيةٌ عميقة‪ ،‬وفيه داللةٌ اجتماعيةٌ عظيمةٌ في وقتها‪ ،‬وفي!!ه م!!ا‬
‫فيه من الحَشْد الوجداني‪ ،‬وفيه ما فيه من الواقع المعنويّ الدينيّ‪ .‬هناك‬
‫مجموعةٌ كب!!يرة من المعطي!ات تحقَّقت وترس!َّ خت وظه!رَتْ في فتح‬
‫مكّة‪ .‬ولكنّه فتحٌ محدود‪ ،‬كما تشير إلى ذلك جمل!!ةٌ من آي!!ات الكت!!اب‬
‫الكريم‪ ،‬وعلى سبيل المثال‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬وَأُخْ!!رَى تُحِبُّونَهَ!!ا نَصْ! رٌ‬
‫مِنَ اهللِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ (الصف‪.)13 :‬‬
‫فنالحظ عدّة أمور‪!:‬‬
‫‪1‬ـ هناك فارقٌ في التعبير‪ ،‬وعنايةٌ بالغي!!ةٌ في التمي!!يز بين ه!!ذه‬
‫اآلية وبين ما جاء في سورة النصر؛ ففي ه!!ذه اآلي!!ة ج!!اء ه!!ذا التعب!!ير‪!:‬‬
‫﴿نَصْرٌ مِنَ اهللِ﴾ ‪ ،‬يعني عطاءٌ من عطاء اهلل؛ بينما في سورة النصر جاءت‬
‫هذه الصيغة‪﴿ :‬نَصْرُ اهللِ﴾‪ ،‬فالنصر هنا بالكامل منسوبٌ إلى اهلل‪.‬‬
‫‪2‬ـ إن الفتح في س!!ورة الص!فّ ج!اءَت منكَّ!رة‪ ،‬من دون تعري!!فٍ‪،‬‬
‫ومنوَّنة‪ ،‬وموصوفة بصفة القرب‪ .‬وهذا القرب قد يكون زمانيّاً؛ قد يكون‬
‫مكانيّاً‪ .‬قد يكون في ظروفٍ ومالبساتٍ بسببها يُوصَف بهذا الوصف‪.‬‬
‫فهناك فارقٌ كبير ما بين ما جاء في سورة النصر وبين ما جاء في‬
‫سورة الصفّ؛ ففي سورة النصر هناك قضيّةٌ عميقةٌ واسعةٌ قويّةٌ جدّاً؛‬
‫أما التعبير في سورة الصفّ فهو في مرتبةٍ أدنى‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬يمكننا أن نطبِّق! الصيغة التي جاءَتْ في سورة الصفّ‪﴿ :‬نَصْرٌ‬
‫مِنَ اهللِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ على زمان ظهور اإلمام المه!!ديّ‪#‬؛ ف!!إن ظه!!ور‬
‫اإلمام قريبٌ بمنظار أهل البيت^؛ ألننا حين نتعبَّد! بانتظ!!ار الف!!رج فه!!ذا‬
‫يعني أن الفرج قريبٌ‪ .‬وهذا هو مع!نى انتظ!ار الف!رج؛ إذ رُبَم!ا ن!رى ـ‬
‫وجدانيّاً ونفسيّاً ـ أن الفَرَج بعيدٌ‪ ،‬ولكنّ القلوب المخلصة‪ ،‬التي تك!!ون‬
‫عندها الغَيْبة بمنزلة المشاهدة‪ ،‬فإنها ترى الفَرَج قريباً‪ .‬وأعظم الفَرَج‬
‫انتظار الفَرَج؛ «فإن النبيّ| أوصى عليّاً×‪ ،‬فقال‪ :‬يا عليّ‪ ،‬علي!!ك بص!!الة‬
‫الليل (ثالث م!رّات)‪ .‬ومَنْ اس!تخفّ بص!الة اللي!ل فليس منّ!ا‪ .‬فاعمَ!لْ‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪361‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫بوصيّتي‪ ،‬وَأْمُرْ جمي!!ع ش!!يعتي حتّى يعمل!!وا علي!!ه‪ .‬وعلي!!ك بالص!!بر‬


‫وانتظار الفَرَج؛ فإن النبيّ| قال‪ :‬أفضل أعمال أمّتي انتظ!!ار الفَ!!رَج‪ ،‬وال‬
‫يزال شيعتنا في حزنٍ حتّى يظهر ولدي‪ ،‬الذي بشَّر به الن!!بيّ| أن!!ه يمأل‬
‫األرض عدالً وقسطاً‪ ،‬كما مُلئَتْ ظلماً وجَوْراً»(‪.)784‬‬
‫وتشير إلى ذلك رواية أبي الجارود‪ ،‬عن أبي جعفر×‪ ،‬في قوله‪﴿ :‬يَا‬
‫أَيُّهَ!!ا الَّ!!ذِينَ آَمَنُ!!وا هَ!!لْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَ!!ارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ‬
‫عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾‪ ،‬فق!!الوا‪ :‬ل!!و نعلم م!!ا هي لب!!ذلنا فيه!!ا األم!!وال واألنفس‬
‫وَرَس!! ولِهِ وَتُجَاهِ!!دُونَ فِي‬
‫ُ‬ ‫واألوالد‪ ،‬فق!!ال اهلل‪﴿ :‬تُؤْمِنُ!!ونَ بِاهللِ‬
‫وَأَنفُس!! كُمْ ذَلِكُمْ خَيْ!!رٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ‬
‫ِ‬ ‫سَبِيلِ اهللِ بِ!!أَمْوَالِكُمْ‬
‫تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّ!!اتٍ تَجْ!!رِي مِنْ‬
‫تَحْتِهَ!!ا األَنْهَ!!ارُ وَمَسَ! اكِنَ طَيِّبَ!!ةً فِي جَنَّ!!اتِ عَ!!دْنٍ ذَلِ!!كَ‬
‫نَص!! رٌ مِنَ اهللِ وَفَتْحٌ‬
‫ْ‬ ‫الْفَ!!وْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْ!!رَى تُحِبُّونَهَ!!ا‬
‫قَرِيبٌ﴾ (الصفّ‪ 11 :‬ـ ‪ ،)13‬يعني في الدنيا بفتح القائم»(‪.)785‬‬
‫فاآلية تتحدَّث عن نصرٍ وفتحٍ من اهلل بنحوٍ عامّ‪ ،‬ال بخصوص!!يّةٍ‬
‫يتميَّز بها النصر والفتح‪ ،‬كالذي تح!!دَّثَتْ عن!!ه س!!ورة النص!!ر‪ .‬فك!!لُّ‬
‫نصرٍ هو من اهلل‪ ،‬وكلُّ فتحٍ هو من اهلل‪.‬‬
‫فما كان في بدرٍ هو نصرٌ وفتحٌ‪ ،‬وما كان في خي!!بر ه!!و نص!!رٌ‬
‫وفتحٌ‪ ،‬وما كان في فتح مكّة هو نصرٌ وفتحٌ‪ ،‬ولكنْ بحيثيات وبلحاظات‬
‫وبدرجات‪ .‬وما سيكون عند ظهور اإلمام المه!!ديّ‪ #‬ه!!و ﴿نَصْ! رٌ مِنَ اهللِ‬
‫وَفَتْحٌ قَرِيبٌ﴾ أيضاً‪ ،‬ولكنْ إذا تكاملت المعاني فهن!!اك يتكام!!ل النص!!ر‪،‬‬
‫ويتكامل الفتح‪ ،‬في كلّ مراتبه‪ .‬وهذا الفتح هو الذي يتحدَّث عنه اإلم!!ام‬
‫الحسين× حين يقول‪« :‬أما بع!!دُ‪ ،‬ف!!إنّ مَنْ لح!!ق بي استُش!!هد‪ !،‬ومَنْ لم‬
‫يلحق بي لم يدرك الفتح»‪.‬‬
‫فليس هن!!اك من نص!!رٍ على أرض الواق!!ع‪ ،‬وإنّم!!ا هي ب!!داياتٌ‬
‫ومقدّماتٌ لتحقيق أهدافٍ قريبةٍ ومتوسطةٍ‪ !،‬حتّى يتحقَّق الهدف البعيد‬
‫بنصرٍ وفتحٍ‪ ،‬وحتّى تتكامل المراحل بكلّها‪.‬‬

‫‪ 362‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫‪7‬ـ عن ميسر بن عبد العزيز‪ ،‬عن أبي جعفر× قال‪« :‬كتب الحس!!ين‬
‫بن عليٍّ’ إلى محمد بن عليٍّ×‪ ،‬من كربالء‪ :‬بسم اهلل ال!!رحمن ال!!رحيم‪،‬‬
‫من الحسين بن عليٍّ’ إلى محمد بن عليٍّ ومَنْ قِبَله من بني هاشم‪ ،‬أم!!ا‬
‫بعدُ‪ ،‬فكأنَّ الدنيا لم تكُنْ‪ ،‬وكأنَّ اآلخرة لم تَزَلْ‪ ،‬والسالم»(‪.)786‬‬
‫الكتاب السابق كان من مكّة؛ النها تمثِّل بداية عصر ظه!!ور اإلم!!ام‬
‫المهديّ‪ .#‬وكربالء نقطةٌ محوريةٌ في مراحل الظهور‪ .‬فه!!ذه الكتب لم‬
‫تكتب هكذا من دون دقّةٍ‪ .‬فنحن نتح!!دَّث عن اإلم!!ام الحس!!ين×‪ ،‬ص!!احب‬
‫المشروع اإللهيّ األعظم‪ ،‬وعليه ف!!إن اختي!!ار األزمن!!ة واألمكن!!ة لم يكُنْ‬
‫جزافاً‪.‬‬
‫فاإلمام الحسين× في هذا المقطع الزماني يق!!ول‪ :‬إنن!!ا لم نخطِّ!!ط‬
‫لدنيا باقيةٍ‪ ،‬فال الواق!!ع السياس!!ي‪ ،‬وال االجتم!!اعي‪ ،‬وال ال!!ديني‪ ،‬يعين على‬
‫ذلك‪ .‬وعليه‪ ،‬فإنّ هدفنا هو الهدف األعظم لرسول اهلل|‪ ،‬وال!!ذي يتحقَّ!!ق‬
‫في حصول مشروع اإلم!!ام المه!!ديّ‪ #‬األعظم‪ ،‬وال بُ!!دَّ أن تك!!ون ل!!ذلك‬
‫مقدّمةٌ‪ ،‬وهي ما عبَّر عنها اإلمام الحسين× في هذه الرواي!!ة‪ ،‬فبرنامج!!ه‬
‫هو برنامج الشهادة‪ ،‬فهو ومَنْ لحق به راحلون عن هذه الدنيا‪.‬‬
‫فنصرُ اإلمام الحسين× لم يتحقَّق إلى اآلن‪ ،‬وإنما مشروع الحس!!ين‬
‫يتحرَّك باتّجاه النصر‪ ،‬وطالئعُ نصره تكون عند ظهور اإلمام المه!ديّ‪#‬؛‬
‫اذ المنتصر هو الذي يستردّ حقَّه وظالمته‪ .‬علماً أننا هنا ال نتحدَّث عن‬
‫ح!!قٍّ شخص!!يّ‪ ،‬رغم وج!!وده‪ .‬وال نتح!!دَّث عن ظالم!!ةٍ شخص!!يّةٍ‪ ،‬م!!ع‬
‫وجودها‪ .‬إننا نتحدَّث عن مشروع اهلل‪ .‬اهلل سبحانه وتعالى ل!!ه مش!!روعٌ‪،‬‬
‫وهو مشروع الخالفة اإللهيّة على األرض‪ .‬وهذا المشروع أُني!!ط باإلم!!ام‬
‫المهديّ‪ ،#‬بعدما انح!!رفت األمّ!!ة‪ ،‬فص!!ار المش!!روع األوّل واألخ!!ير ه!!و‬
‫مشروع اإلمام المهديّ‪ .#‬ولكنن!!ا ال نس!!تطيع! تحقيق!!ه إالّ من خالل ه!!ذا‬
‫المش!!روع العمالق‪ ،‬وه!!و مش!!روع اإلم!!ام الحس!!ين×‪ .‬فمش!!روع اإلم!!ام‬
‫الحسين× له هَدَفٌ قريب‪ ،‬وه!!دفٌ متوسِّ! ط‪ ،‬وه!!دفٌ بعي!!د‪ .‬واله!!دفُ‬
‫البعيد! هو الهدف األصل‪ ،‬وهو تحقيق مشروع اإلمام المه!!ديّ‪ #‬على أرض‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪363‬‬
‫• د‪ .‬محمد بنعمر‬

‫الواقع‪.‬‬

‫خالصةٌ واستنتاج‬
‫إن ما يطرح في أج!!واء الثقاف!!ة الحس!!ينيّة المعاص!!رة‪ ،‬من ش!!عار‪:‬‬
‫«انتصار الدم على السيف»؛ أو «يظلم اإلنس!!ان كي ينتصر»‪ ،‬ه!!ذا الكالم‬
‫إنْ أُريد منه المعنى الحقيقي التامّ الكام!!ل فال ص!!حّة ل!!ه‪ ،‬ال على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬وال يتطابق وال يتوافق مع منطق الكتاب والعترة في فهم مش!!روع‬
‫اإلمام الحسين×‪.‬‬
‫لكنْ إنْ أُريد من شعار «إن الدم ينتصر على السيف» تحقُّق بعض‬
‫األهداف‪ ،‬ال كلّ األهداف التي ألجلها سُ! فكت ال!!دماء؛ أو أن الش!!خص أو‬
‫المجتمع حين يتَّخذ المظلومية سبيالً لتحقيق أهدافه فإن!!ه س!!ينجح في‬
‫بعضها أو في كلّها‪ ،‬فتتحقَّق األه!!داف بنح!!وٍ ج!!زئيّ أو بنح!!وٍ كلِّي‪،‬‬
‫ويطلق على هذا النصر واالنتصار‪ ،‬ويك!!ون اإلطالق مجازيّ!!اً‪ ،‬فحينئ!!ذٍ ال‬
‫إشكال في األمر‪.‬‬
‫وتأريخ البشرية حافلٌ بهذه الحقيقة‪ ،‬قبل اإلس!!الم وبع!!د اإلس!!الم‪.‬‬
‫فلطالما تسفك الدماء في أيّ اتجاهٍ من االتّجاهات‪ .‬ولطالما تكون هن!!اك‬
‫مظلوميّاتٌ‪ .‬وبسبب تلك الدماء أو بسبب تلك المظلوميّات قد تتحقَّ!!ق‬
‫س! فكَتْ دم!!اؤهم‪ ،‬كالًّ أو ج!زءاً‪ ،‬ولكنْ قَطْع!اً من دون‬ ‫أهداف ال!ذين ُ‬
‫وجودهم‪ .‬ولو كانوا موج!!ودين ف!!إنّ إدارتهم لتحقي!!ق األه!!داف قَطْع!!اً‬
‫ستكون مختلفةً عن إدارة الذين يحقِّقون األهداف بع!!د ذل!!ك‪ .‬وحينئ!!ذٍ‬
‫فإن النصر ب!المعنى الحقيقي لم يتحقَّ!ق لهم‪ .‬وك!ذلك إدارة األه!داف‬
‫مثلما رسموا‪ ،‬ومثلما خطَّطوا‪ ،‬لم تتحقَّق‪ .‬هي تحقَّقت بنحوٍ وبطريقةٍ‬
‫أخرى‪ ،‬تنسجم مع الذي كانوا يتح!!دَّثون عن!!ه‪ ،‬أو م!!ع ش!!عاراتهم ال!!تي‬
‫رفعوها بحَسَب فَهْم الذين يحقِّقون أهدافهم على أرض الواقع‪.‬‬
‫فه!!ذا المض!!مون الموج!!ود في ه!!ذه المقول!!ة‪« :‬انتص!!ار ال!!دم على‬
‫السيف» إذا كان المراد منه ه!!ذا الفهم‪ ،‬وه!!و تحقي!!ق بعض األه!!داف أو‬

‫‪ 364‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• المعنى ومستوياته في علم أصول الفقه‬

‫كلّ األهداف‪ ،‬وإطالق النصر واالنتصار من هذه الحيثي!!ة المجازيّ!!ة‪ ،‬فال‬


‫إشكال في ذلك‪ .‬وهذا الكالم يكون صحيحاً‪ ،‬وقد يك!!ون أيض!!اً في جمل!!ة‬
‫آثار مشروع اإلمام الحس!!ين× على الواق!!ع اإلنس!!انيّ بش!!كلٍ ع!!امّ‪ ،‬بغضّ‬
‫النظ!!ر عن االنتم!!اء ال!!ديني أو الق!!ومي أو العِ!!رْقي‪ ،‬أو غ!!ير ذل!!ك من‬
‫العناوين التي يختلف فيها وحولها وعليها الناس‪.‬‬
‫قطع!!اً مش!!روع اإلم!!ام الحس!!ين× ك!!انت ل!!ه العدي !د! من اآلث!!ار‬
‫والتأثيرات والترددات الكبيرة التي سبَّبها‪ .‬فهن!!اك ت!!ردُّداتٌ وانعكاس!!اتٌ‬
‫كثيرة‪ .‬لكنّ هذا الكالم سيبقى في الحاشية‪ .‬أما متن الحقيقة فهو ال!!ذي‬
‫ذكَرْناه‪ ،‬وبيَّنته آيات القرآن الكريم واألحاديث الشريفة‪ ،‬بتلك الحقيقة‬
‫الناصعة البيِّنة‪ ،‬التي تقدَّم ذِكْرُها‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪365‬‬
‫• الشيخ علي نذر‬

‫تع ُّدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح‬


‫والمرجوح‬
‫دراسةٌ فقهيّة استدالليّة‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ علي نذر‬

‫مقدّمةٌ‬
‫ال شَكَّ أن أصل التزويج والزواج مستحبٌّ في اإلسالم؛ حتّى ورد‬
‫عن رسول اهلل|‪« :‬مَنْ تزوَّج فقد أحرز نصف دينه»؛ وق!!د وردت العدي!د!‬
‫من الروايات الحاثّة على ذلك‪ .‬وهو أمرٌ ال خالف فيه‪ ،‬ال بل إن اإلس!!الم‬
‫أجاز وأمضى تعدُّد الزوجات‪ ،‬حيث كان عُرْفاً موجوداً في جاهليّ!!ة م!!ا‬
‫قبل اإلسالم‪ ،‬وقد قال تعالى‪﴿ :‬فَ!!انْكِحُوا مَ!!ا طَ!!ابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَ! اءِ‬
‫مَثْنَى وَثُالَثَ وَرُبَاعَ﴾‪.‬‬
‫إالّ أنه وقع خالفٌ بين الفقهاء في مرجوحية التع!!دُّد ورجحان!!ه‪،‬‬
‫حتّى كثر األخذ وال!!ردّ في المس!!ألة بعنوانَيْه!!ا‪ :‬األوّلي‪ ،‬المس!!تفاد من‬
‫نفس الدليل؛ والثانوي‪ ،‬المتأثِّر بالظروف والبيئة المحيطة‪.‬‬
‫وكالمنا في هذا المقال يتناول الحكم األوّلي ألصل مس!!ألة تع!!دُّد‬
‫الزوجات‪ ،‬دون مالحظ!ة العن!اوين الثانوي!ة‪ ،‬ال!تي يمكن أن تط!رأ بس!بب‬
‫الظروف والبيئة‪.‬‬
‫وللبحث في ذلك ال بُدَّ من مراجعة التراث الموجود في المس!!ألة‪،‬‬
‫من اآليات والروايات‪ ،‬مروراً باألبحاث المطروحة‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أنه سيتمّ معالجتها ضمن العناوين التالية‪:‬‬

‫باحث وأستا ٌـذ في الحوزة العلميّة‪ .‬من لبنان‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫‪ 366‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح‪ ،‬دراسة فقهية استداللية‬

‫‪1‬ـ االطّالع على أهمّ اآلراء الموجودة في المقام‪.‬‬


‫‪2‬ـ معالجة اآليات محلّ الداللة على التعدُّد‪.‬‬
‫‪3‬ـ معالجة الروايات محلّ الداللة على التعدُّد‪!.‬‬
‫أ ّوالً‪ :‬اآلراء الفقهيّة‬
‫‪1‬ـ القول باالستحباب‪6‬‬
‫(‪)787‬‬
‫ـ تبعاً للسيد اليزدي‪ ،‬في كتابه الع!!روة‬ ‫ذهب جمعٌ من الفقهاء‬
‫الوثقى(‪ )788‬ـ إلى القول بـ «أن االستحباب ال يزول بالواحدة»‪.‬‬

‫‪2‬ـ القول بالكراهة‬


‫بحَس! ب م!ا يظه!ر من اس!تفتاءٍ ل!ه في‬‫َ‬ ‫ذهب الس!يد الخ!امنئي ـ‬
‫الموقع(‪ )789‬ـ إلى القول بالمرجوحيّة‪ ،‬في عبارته‪« :‬اهلل واحدٌ‪ ،‬والمحبّ!!ة‬
‫واحدةٌ وشريك الحياة واحدٌ‪.‬‬
‫وقد نُسب(‪ )790‬إلى الشيخ الطوسي القول بالكراهة‪ ،‬ولم أجِدْ لذلك‬
‫عبارةً واضحة‪ ،‬إنما وجدْتُ قوالً له باستحباب عدم الزيادة‪ ،‬حيث ق!!ال في‬
‫كتابه المبسوط‪ « !:‬يجوز للرجل أن يتزوَّج أربعاً بال خالفٍ‪ ،‬والمستحبّ‬
‫أن يقتصر على واحدةٍ»(‪.)791‬‬
‫نعم‪ ،‬الشيخ االش!!تهاردي‪ ،‬في كتاب!!ه م!!دارك الع!!روة‪ ،‬رغم انتق!!اده‬
‫لتعدُّد الزوجات‪ ،‬تردَّد في القول بالكراهة‪ ،‬قائالً‪« :‬يمكن دعوى كراه!!ة‬
‫التعدُّد!»(‪.)792‬‬

‫ٍ‬ ‫واحدة‬
‫(‪)793‬‬
‫‪3‬ـ القول باستحباب عدم الزيادة‪ ،‬أو البقاء‪ 6‬على‬
‫ذهب بعض الفقهاء إلى القول باستحباب االقتصار على واحدةٍ‪ ،‬كما‬
‫ذكر الشيخ الطوسي(‪ ،)794‬وكذلك القاض!!ي ابن ال!!برّاج(‪ )795‬في كتاب!!ه‬
‫المهذَّب‪.‬‬

‫األخص‬
‫ّ‬ ‫‪4‬ـ القول باإلباحة‪ 6‬بالمعنى‪6‬‬
‫ذهب بعض الفقه!!اء إلى الق!!ول بإباح!!ة التع!!دُّد‪ !،‬ومنهم‪ :‬الس!!يد‬
‫السيستاني(‪ ،)796‬حيث اعتبر أنه لم يثبت استحباب تعدُّد الزواج‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪367‬‬
‫• الشيخ علي نذر‬

‫وفي الخالصة يتّضح وجود آراء عديدة‪ ،‬متفاوت!!ة م!!ا بين الكراه!!ة‬
‫واالستحباب‪ ،‬في مسألة تعدُّد الزوج!!ات‪ .‬ول!!ذا يج!!در البحث في حقيق!!ة‬
‫الحكم في المسألة‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬اآليات‪ 6‬القرآنية‪ 6‬وداللتها‬


‫ع﴾‬ ‫سا ِ‪6‬ء َم ْثنَى َوثُالَ َ‬
‫ث َو ُربَا َ‪6‬‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫‪1‬ـ ﴿فَان ِك ُحوا َما طَ َ‬
‫اب لَ ُكم ِّمنَ‬
‫﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ‬
‫النِّس!!! اءِ مَثْنَى وَثُالَثَ وَرُبَ!!!اعَ فَ!!!إِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ‬
‫َ‬ ‫لَكُمْ مِنَ‬
‫تَعْ!!دِلُوا فَوَاحِ!!دَةً أَوْ مَ!!ا مَلَكَتْ أَيْمَ!!انُكُمْ ذَلِ!!كَ أَدْنَى أَنْ الَ‬
‫تَعُولُوا﴾ (النساء‪.)3 :‬‬
‫وقد يستفاد الوجوب من صيغة األمر في فع!!ل «انكح!!وا»‪ .‬إالّ أن!!ه؛‬
‫بدخولها على قوله‪« :‬ما ط!!اب لكم»‪ ،‬يمكن أن يُس!!تفاد منه!!ا االس!!تحباب؛‬
‫حيث قال الشيخ الطوسي في خالفه‪« :‬فعلَّق النكاح باستطابتنا‪ ،‬وم!!ا ه!!ذه‬
‫صورته فهو غير واجبٍ»(‪.)797‬‬
‫ولعلّه من هنا ذهب صاحب العروة ال!!وثقى وغ!!يره(‪ )798‬إلى الق!!ول‬
‫باالستحباب‪ ،‬حيث ذكر أن «االستحباب ال ي!!زول بالواح!!دة‪ ،‬ب!!ل التع!!دُّد‬
‫مستحبٌّ أيضاً؛ قال تع!!الى ﴿فَ!!انْكِحُوا مَ!!ا طَ!!ابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَ! اءِ‬
‫مَثْنَى وَثُالَثَ وَرُبَاعَ﴾»(‪.)799‬‬

‫التحقيق‬
‫إن اآلية ليست في مقام الترغيب إلى الزواج المتعدِّد‪ !،‬بل في مق!!امٍ‬
‫آخر‪ ،‬كما يشير السيد الخوئي‪ ،‬حيث يقول في كتاب!!ه الع!!روة ال!!وثقى‪:‬‬
‫«تكفَّلت اآلية الكريمة بي!!ان الح!!دّ للحكم باإلباحة»(‪ ،)800‬وال س!!يَّما إذا‬
‫لوحظ صدرها‪ ،‬وهو قول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ تُقْسِ! طُوا فِي‬
‫الْيَتَامَى فَانْكِحُوا ما طَابَ‪ ،﴾...‬والمعنى حينئذٍ‪ :‬إنْ خفتم أن ال تعدلوا‬
‫في يتامى النساء إذا تزوَّجتم بهنّ‪ ،‬فانكحوا ما طاب لكم من غ!!يرهنّ من‬
‫النساء‪.‬‬

‫‪ 368‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح‪ ،‬دراسة فقهية استداللية‬

‫وقد ذكر الشيخ الجواهري في كتابه جواهر الكالم‪ !:‬نعم‪ ،‬م!!ا وق!!ع‬
‫من غير واحدٍ من االستدالل علي!!ه بقول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬وَإِنْ خِفْتُمْ أَنْ الَ‬
‫النِّس!! اءِ مَثْنَى‬
‫َ‬ ‫تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ‬
‫وَثُالَثَ وَرُبَاعَ﴾ باعتبار اشتماله على األمر‪ ،‬والذي أقرب المج!!ازات إلى‬
‫معناه الحقيقي‪ ،‬بعد تعذُّره‪ ،‬النَّدْب‪ .‬وهو ال يخلو من نظرٍ؛ ضرورة عدم‬
‫استفادة أكثر من اإلباحة منه؛ باعتبار تعليق!!ه على خ!!وف ت!!رك القس!!ط‬
‫والعدل‪ ،‬المشعر بكون األمر النتفائه في المأمور به وسالمته عنه‪ .‬وذلك‬
‫قرينةٌ واضحة على إرادة الرخص!!ة من!!ه‪ ،‬من غ!!ير التف!!اتٍ إلى الوج!!وب‬
‫والندب‪ .‬والمع!!نى حينئ!!ذٍ‪ :‬إنْ خفتم أن ال تع!!دلوا في يت!!امى النس!!اء إذا‬
‫تزوَّجتم بهنّ فانكحوا ما طاب لكم من النساء من غيرهنّ؛ ف!!إنهم‪ ،‬كم!!ا‬
‫قيل‪ ،‬كانوا يتزوَّجون اليتامى الالتي في حجورهم؛ طمع!!اً في الم!!ال أو‬
‫رغبةً في الجمال‪ ،‬فيجتمع عند الواحد منهم منهنّ ما ال يقدر على القي!!ام‬
‫بحقِّه‪ .‬أو إنْ خفتم أن تج!!وروا على مَنْ لكم الوالي!!ة عليهم من يت!!امى‬
‫النساء؛ بأخذ أموالهنّ وصرفها في مؤن تزويجكم‪ ،‬فانكحوا م!!ا ط!!اب لكم‬
‫من النساء مثنى وثالث ورباع‪ ،‬وال تزي!!دوا حتّى ال يح!!وجكم إلى ذل!!ك؛‬
‫فقد قيل‪ :‬إن الرجل من قريش كان يتزوَّج العش!!ر من النس!!اء وأك!!ثر‪،‬‬
‫فإذا أعدم تناول من أموال اليتامى المولّى عليهم‪ ،‬فنزلَتْ ه!!ذه اآلي!!ة‪ .‬أو‬
‫غير ذلك ممّا قيل في اآلية‪ ،‬ممّا هو مشترك في م!!ا ذكرن!!اه‪ ،‬من ع!!دم‬
‫االلتفات فيه إلى الوج!!وب والن!!دب‪ ،‬وأن!!ه ال يُ!!راد من!!ه س!!وى الرخص!!ة‬
‫واإلباحة‪ ،‬نحو قول القائل‪« :‬إنْ خفْتَ من ض!!رر ه!!ذا الطع!!ام فكُ!!لْ من‬
‫ذلك»؛ فإن المفهوم أن الطعام المأمور به خالٍ من الض!َّ! رَر م!!رخَّصٌ‬
‫في أكله‪ ،‬وأما أن أكله مطلوبٌ ومرادٌ فال يُفْهَم منه»(‪.)801‬‬
‫ثمّ يكمل الشيخ الجواهري؛ ليشير إلى أمرٍ آخر في اآلية يؤيِّد ما‬
‫ذكره‪« :‬على أن المفهوم من اآلية المنع عمّ!!ا زاد على األرب!!ع‪ ،‬ومن ثمّ‬
‫استدلّوا بها على حَصْر الجواز في ذلك‪ ،‬بل أمر النبيّ| عند نزولها مَنْ‬
‫كان عنده أزيد من أربع بإمساك األربع وتس!!ريح الب!!واقي‪ ،‬وذل!!ك إنم!!ا‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪369‬‬
‫• الشيخ علي نذر‬

‫يصح لو كان األمر لإلباحة؛ فإن مفه!وم الع!دد حينئ!ذٍ يقتض!ي تح!ريم‬
‫الزيادة‪ .‬بخالف ما ل!!و ك!ان األم!!ر للن!دب؛ فإن!!ه يقتض!ي حينئ!ذٍ ع!!دم‬
‫استحبابها‪ ،‬وهو أعمّ من تحريمها‪ .‬واألمر سهلٌ بع!!د تع!!دُّد األدلّ!!ة على‬
‫المطلوب»(‪.)802‬‬
‫وهذا البيان‪ ،‬رغم تعقيده‪ ،‬كافٍ للقول بأن اآلية ال تفيد سوى إباحة‬
‫التعدُّد‪ ،‬وهي تشير إلى العدد المسموح به من الزوجات‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬الروايات‪ 6‬وداللتها‪ ،‬بين القبول والرفض‬


‫يمكن االستفادة من رواياتٍ عديدة في المقام‪ .‬وسنعمد إلى تصنيفها؛‬
‫من أجل تسهيل عملية التحقيق فيها‪.‬‬

‫حب النساء‬ ‫ّ‬


‫الحث على ّ‬ ‫‪1‬ـ روايات‬
‫وهي عديدةٌ‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ خبر إس!حاق بن عمّ!!ار ق!ال‪ :‬ق!ال أب!و عب!د اهلل×‪« :‬من أخالق‬
‫األنبياء صلّى اهلل عليهم حبّ النساء»(‪.)803‬‬
‫‪2‬ـ خبر عم!!ر بن يزي!!د‪ ،‬عن أبي عب!!د اهلل× ق!!ال‪« :‬م!!ا أظنّ رجالً‬
‫يزداد في اإليمان خيراً إالّ ازداد حبّاً للنساء»(‪.)804‬‬
‫‪3‬ـ خبر سكين النخعي‪ ،‬وكان تعبَّد وترك النساء والطيب والطعام‪،‬‬
‫فكتب إلى أبي عبد اهلل× يس!!أله عن ذل!!ك؟ فكتب إلي!!ه‪« :‬أم!!ا قول!!ك في‬
‫النساء فقد علمْتَ ما كان لرسول اهلل| من النساء؛ وأما قولك في الطعام‬
‫فكان رسول اهلل| يأكل اللحم والعسل»(‪.)805‬‬
‫‪4‬ـ خبر حفص بن البختري‪ ،‬عن أبي عبد اهلل× قال‪ :‬قال رسول اهلل|‪:‬‬
‫«ما أحبّ من دنياكم إالّ النساء والطِّيب»(‪.)806‬‬
‫‪5‬ـ محمد بن أبي عمير‪ ،‬عن بكّار بن كردم وغ!!ير واح!!دٍ‪ ،‬عن أبي‬
‫عبد اهلل× قال‪ :‬قال رسول اهلل|‪« :‬جعل قرّة عيني في الص!!الة‪ ،‬ول!!ذّتي في‬
‫النساء»(‪.)807‬‬

‫‪ 370‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح‪ ،‬دراسة فقهية استداللية‬

‫‪6‬ـ عليّ بن حسان‪ ،‬عن بعض أصحابنا قال‪ :‬سَأَلَنا أب!!و عب!!د اهلل×‪:‬‬
‫أيّ األشياء ألذّ؟ قال‪ :‬فقلنا غير شيءٍ‪ ،‬فقال هو×‪« :‬ألذّ األش!ياء مباض!عة‬
‫النساء»(‪.)808‬‬
‫‪7‬ـ خبر عمر بن يزي!!د‪ ،‬عن أبي عب!!د اهلل× ق!!ال‪ :‬ق!!ال رس!!ول اهلل|‪:‬‬
‫« جعل قرّة عيني في الصالة‪ ،‬ولذّتي في الدنيا النساء‪ ،‬وريحانتَيّ الحس!!ن‬
‫والحسين»(‪.)809‬‬
‫‪8‬ـ خبر جميل بن درّاج قال‪ :‬قال أبو عبد اهلل×‪« :‬ما تل!!ذَّذ الن!!اس‬
‫في الدنيا واآلخرة بلذّةٍ أكثر لهم من لذّة النساء‪ ،‬وه!!و ق!!ول اهلل ع!!زَّ‬
‫وجلَّ‪﴿ :‬زُيِّن لِلنَّاسِ حُبُّ الش!َّ هَوَاتِ مِنَ النِّسَ! اءِ وَالْبَنِين‪...‬إلى‬
‫آخر اآلية﴾ ‪ ،‬ثمّ قال‪ :‬وإن أهل الجنّة ما يتلذَّذون بشيءٍ من الجنّة أشهى‬
‫عندهم من النكاح‪ ،‬ال طعام‪ ،‬وال شراب»(‪.)810‬‬

‫تقريب االستدالل بالروايات‬


‫يمكن أن يُقال بإمكانية االستفادة من كلم!!ة «النس!!اء» ال!!واردة في‬
‫الرواي!!ات؛ للدالل!!ة على الجم!!ع والك!!ثرة العَدَدي!!ة‪ ،‬فتك!!ون إش!!ارةً إلى‬
‫محبوبيّة كثرة النساء‪.‬‬

‫مناقشةٌ ور ّد‬
‫يُستخدم! الجمع في اللغة العربية أحياناً الستفادة الجنس‪ ،‬ويُعْرَف‬
‫ذلك من سياق استخدام اللفظ‪ .‬والذي يظهر هنا أن المقص!!ود ه!!و جنس‬
‫النساء‪ ،‬ال جمعهنّ‪ .‬وهو مح!!لّ اتّف!!اق ل!!دى الفقه!!اء‪ .‬وبالت!!الي ال يمكن‬
‫االستفادة من الروايات في المقام‪ ،‬فال داعي للبحث في سندها‪.‬‬
‫ولعلّه لذلك قال الشيخ االش!!تهاردي‪ ،‬في كتاب!!ه م!!دارك الع!!روة‪،‬‬
‫تعليقاً على استفادة بعض الفقهاء التعدُّد! من الروايات‪« :‬وأم!!ا اس!!تحبابه‬
‫فلم أعثر على خبرٍ ي!!دلّ علي!!ه‪ ،‬وإنْ عن!!ون في الوس!!ائل «ب!!اب ك!!ثرة‬
‫استحباب الزوجات والمنكوحات وكثرة إتيانهنّ بغير إفراطٍ»‪ ،‬وأورد فيه‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪371‬‬
‫• الشيخ علي نذر‬

‫اثني عشر حديثاً‪ ،‬ال داللة لواحدٍ منها على أوّل عنوان الب!!اب‪ ،‬أي ك!!ثرة‬
‫استحباب الزوجات‪ .‬نعم‪ ،‬كثيرٌ منها دالٌّ على العنوان الثاني‪ ،‬أي اإلتي!ان‪.‬‬
‫مع ما يعارض!!ها‪ .‬وتع!!دُّد زوج!!ات وس!!ريّات س!!ليمان بن داوود وتع!!دُّد‬
‫زوجات النبيّ| غيرُ دالٍّ على استحبابها‪ ،‬كم!!ا ال يخفى‪ ،‬فراجِ!!عْ ج ‪،14‬‬
‫ص ‪ ،179‬باب ‪.)811(»140‬‬
‫إالّ أن هذا الكالم ال يمكن أخذه على إطالقه‪ ،‬وسيبين ذلك‪.‬‬

‫‪2‬ـ روايات كثرة الطروقة‬


‫‪1‬ـ رواي!!ة معم!!ر بن خالد ق!!ال‪ :‬س!!معتُ عليّ بن موس!!ى الرضا×‬
‫يق!!ول‪« :‬ثالث من س!!نن المرس!!لين‪ :‬العط!!ر؛ وأخ!!ذ الش!!عر؛ وك!!ثرة‬
‫الطروقة»(‪.)812‬‬
‫ورواه الصدوق‪ ،‬بإسناده عن معم!!ر بن خالد‪ ،‬إال أن!!ه ق!!ال‪« :‬إحف!!اء‬
‫الشعر»(‪.)813‬‬
‫‪2‬ـ خبر محمد بن عليّ بن الحسين قال‪ :‬قال الص!!ادق×‪« :‬تعلَّم!!وا‬
‫من ال!!ديك خمس خص!!ال‪ :‬محافظت!!ه على أوق!!ات الص!!لوات‪ ،‬والغ!!يرة‪،‬‬
‫والسخاء‪ ،‬والشجاعة‪ ،‬وكثرة الطروقة»(‪.)814‬‬
‫‪3‬ـ خبر أبي شعيب المح!!املي‪ ،‬عن أبي الحسن× ق!!ال‪« :‬في ال!!ديك‬
‫خمس خصال من خصال األنبي!!اء‪ :‬الس!!خاء‪ ،‬والقناع!!ة‪ ،‬والمعرف!!ة بأوق!!ات‬
‫الصالة‪ ،‬وكثرة الطروقة‪ ،‬والغيرة»(‪.)815‬‬
‫‪4‬ـ وفي (الخصال) و(عيون األخبار)‪ :‬عن أبيه‪ ،‬عن أحمد بن إدريس‪،‬‬
‫عن أحمد بن أحمد بن يحيى‪ ،‬عن إبراهيم بن حمويه‪ ،‬عن محمد بن عيسى‬
‫قال‪ :‬قال الرضا×‪« :‬في الديك األبيض خمس خصال من خصال األنبي!!اء^‪:‬‬
‫معرفت!!ه بأوق!!ات الص!!الة‪ ،‬والغ!!يرة‪ ،‬والس!!خاء‪ ،‬والش!!جاعة‪ ،‬وك!!ثرة‬
‫الطروقة»(‪.)816‬‬
‫‪5‬ـ خبر الحسن بن الجهم قال‪ :‬رأيتُ أب!!ا الحسن× اختض!!ب‪ ،‬فقلتُ‪:‬‬
‫جُعلتُ فداك‪ ،‬اختض!!بْتَ؟ فق!!ال‪« :‬نعم‪ ،‬إن التهيئ!!ة مم!!ا يزي!!د في عفّ!!ة‬

‫‪ 372‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح‪ ،‬دراسة فقهية استداللية‬

‫النساء‪ .‬ولق!!د ت!!رك النس!!اء العفّ!!ة ب!!ترك أزواجهنّ التهيئة»‪ ،‬ثمّ ق!!ال‪:‬‬
‫«أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئ!!ةٍ؟»‪ ،‬قلتُ‪:‬‬
‫ال‪ ،‬قال‪« :‬فه!!و ذاك»‪ ،‬ثمّ ق!!ال‪« :‬من أخالق األنبي!!اء التنظُّ!!ف والتطيُّب‬
‫وحلق الشعر وكثرة الطروقة‪ ،...‬الحديث»‪.‬‬
‫أقول‪ !:‬وتقدّم ما يدلّ على ذلك هنا وفي الطهارة(‪.)817‬‬

‫مناقشة سند الروايات‪ 6،‬ودالالتها‬


‫الرواية األولى صحيحة‪ .‬ويمكن استفادة االستحباب من خالل عبارة‪:‬‬
‫«من سنن المرسلين»‪.‬‬
‫والرواية الثانية هي من مراسيل الص!!دوق؛ فعلى مب!!نى مَنْ وثَّ!!ق‬
‫مراسيل الصدوق‪ ،‬كما هو رأي السيد الخميني‪ ،‬تكون الرواي!!ة ص!!حيحةً‪.‬‬
‫وحينها يُستفاد االستحباب منها بصيغة األمر في فعل «تعلَّموا»‪.‬‬
‫والروايتان الثالثة والرابع!!ة بنفس المض!!مون‪ .‬والس!!ند في الثالث!!ة‬
‫صحيحٌ عند مَنْ قال بتصحيح العِدَد؛ وأما في الرابع!!ة فالس!!ند ص!!حيحٌ‬
‫عند مَنْ قال بصحّة قاعدة «إن كلّ مَنْ لم يستَثْنِه محمد بن أحمد بن‬
‫يحيى ثقة»‪ ،‬فيكون «إبراهيم بن حمويه» ثقةً‪.‬‬
‫والرواية الخامسة تدلّ على المطلوب‪ ،‬مع القول بصحّة العِدَد‪.‬‬
‫وإلى هنا فالنتيجة من هذه الروايات هو استحباب كثرة الطروق!!ة؛‬
‫بروايةٍ ص!!حيحة؛ وأخ!!رى مختل!!فٍ به!!ا‪ ،‬ويمكن تص!!حيحها وف!!ق بعض‬
‫المباني‪.‬‬

‫معنى الطروقة‬
‫أـ في لسان الفقهاء‬
‫يظهر وجود اختالفٍ بين الفقهاء في معنى كلمة الطروق!!ة‪ ،‬وممّ!!ا‬
‫ذكروه من المعاني‪:‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪373‬‬
‫• الشيخ علي نذر‬

‫‪1‬ـ كثرة النكاح‪ :‬وهو ما ذهب إلي!!ه ع!!ددٌ من الفقه!!اء(‪ ،)818‬مث!!ل‪:‬‬


‫الشيخ محمد تقي المجلسي‪ ،‬حيث قال‪ ،‬في كتابه روضة المتقين في شرح‬
‫مَنْ ال يحضره الفقيه‪« :‬وكثرة الطروقة أي الجماع»(‪.)819‬‬
‫‪2‬ـ الحوامل‪ :‬وهو ما ذهب إليه الش!!هيد الث!!اني‪ ،‬في كتاب!!ه حاش!!ية‬
‫المختصر النافع‪ ،‬حيث قال‪« :‬طَرُوقَة الفَحْل أي حوامل»(‪.)820‬‬
‫‪3‬ـ البالغة ضراب الفحل‪ ،‬أي الزوجة بالنس!!بة إلى الرجل(‪ ،)821‬حيث‬
‫قال ابن فهد الحلّي‪ ،‬في كتابه المهذَّب الب!!ارع‪« :‬والطروق!!ة‪ :‬الزوج!!ة‪.‬‬
‫وكلّ امرأةٍ طروقة زوجها‪ .‬وكلّ ناقةٍ طروقة فحلها»(‪.)822‬‬
‫ومنهم مَنْ ذهب إلى أن الطُّرُوقة‪ ،‬بالضمّ‪ ،‬معناها أن يعلو الفح!!ل‬
‫أنثاه؛ وبالفتح (الطَّروقة)‪ :‬أنثاه(‪.)823‬‬
‫إالّ أن هذا التفصيل ليس له أساسٌ في المعاجم‪ ،‬كما سيبين‪.‬‬
‫وتردَّد بعض الفقهاء ما بين البالغة ض!!راب الفح!!ل؛ أو م!!ا طرقه!!ا‬
‫الفح!!ل فحملَتْ(‪ ،)824‬كم!!ا ذهب اإلم!!ام الخمي!!ني والس!!يد عب!!د األعلى!‬
‫السبزواري وغيرهما؛ حيث ذكر السيد اإلمام‪ ،‬في كتابه تحرير الوسيلة‪:‬‬
‫« طروقة أي البالغة ضراب الفحل؛ أو ما طرقها الفحل فحملَتْ»(‪.)825‬‬

‫ب ـ في كتب اللغة‬
‫‪1‬ـ ق!!ال ال!!راغب اإلص!!فهاني‪ ،‬في المف!!ردات في غ!!ريب الق!!رآن‪:‬‬
‫وباعتبار الضرب قيل‪ :‬طَرَقَ الفحلُ الناقةَ‪ ،‬وأَطْرَقْتُهَا‪ ،‬واسْتَطْرَقْتُ‬
‫فالناً فحالً‪ ،‬كقولك‪ :‬ض!!ربها الفح!!ل‪ ،‬وأض!!ربتها‪ ،‬واستض!!ربته فحالً‪.‬‬
‫ويقال للنّاقة‪ :‬طَرُوقَةٌ‪ ،‬وكُنِّي بالطَّرُوقَةِ عن المرأة(‪.)826‬‬
‫‪2‬ـ وقال الجوهري‪ ،‬في الصحاح‪ :‬وطروق!!ة الفح!!ل‪ :‬أنث!!اه‪ .‬يُق!!ال‪:‬‬
‫ناقةٌ طروقة الفحل للتي بلغت أن يضربها الفحل(‪.)827‬‬
‫‪3‬ـ وقال الخليل في العين‪ :‬وكلّ امرأةٍ طروق!!ة زوجه!!ا‪ .‬ويُق!!ال‬
‫للمتزوِّج‪ :‬كيف طروقتك؟ وكلّ ناقةٍ طروقة فحلها‪ ،‬نعت لها من غير‬
‫فعلٍ‪ .‬والعالي من الكالم أن الطروقة للقلوص التي بلغت الض!!راب‪ ،‬وال!!تي‬

‫‪ 374‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح‪ ،‬دراسة فقهية استداللية‬

‫يرب بها الفحل فيختارها من الشول فهي طروقته(‪.)828‬‬


‫‪4‬ـ وق!!ال الفيروزآب!!ادي في الق!!اموس المحي!!ط‪ :‬وناق!!ة طروق!!ة‬
‫الفحل‪ :‬بلغَتْ أن يضربها الفحل‪ .‬وكذا المرأة(‪.)829‬‬
‫‪5‬ـ وق!!ال ابن ف!!ارس في مق!!اييس اللغ!!ة‪ :‬وطَروق!!ة‪ ‬الفَح!!ل‪:‬‬
‫أُنثاه(‪.)830‬‬
‫ج ـ زبدة المقال‬
‫والذي يستظهر‪ ،‬بحَسَب المعاجم‪ ،‬وس!!ياق اس!!تخدام الع!!رب لكلم!!ة‬
‫«الطروقة» ‪ ،‬أنها تعني المرأة البالغة‪ ،‬القادرة على النكاح‪ ،‬وذلك كناي!!ةً‬
‫أو لفظاً منقوالً عن طروقة الفحل‪ ،‬التي هي أنثاه البالغة ح!!دّ الض!!راب‪.‬‬
‫وحدّ الضراب القادرة على النكاح‪ ،‬على ما يظه!!ر من اس!!تخدام المص!!طلح‬
‫في أنثى الفحل‪ .‬وبذلك يرجّح القول الثالث‪.‬‬
‫ويمكن االستشهاد على المراد برواية الحس!!ن بن الجهم‪ ،‬على مب!!نى‬
‫مَنْ قال بص!!حّة العِ!!دَد‪ ،‬حيث ذك!!ر أن «من أخالق األنبي!!اء‪ :‬التنظي!!ف‬
‫والتطيّب وحلق الشعر وكثرة الطروقة»‪ ،‬ثمّ ق!!ال «ك!!ان لس!!ليمان بن‬
‫داوود ألف امرأةٍ في قص!!ر واح!!د؛ ثالثمائ!ة مه!!يرة؛ وس!!بعمائة س!ريّة‪،‬‬
‫وكان رسول اهلل| له بضع أربعين رجالً‪ ،‬وكان عنده تسع نس!!وةٍ‪ ،‬وك!!ان‬
‫يطوف عليهنّ في كلّ يومٍ وليلة»(‪.)831‬‬
‫ومحلّ الشاهد فيها هو ذكره لنساء سليمان× ونساء رسول اهلل|‪ ،‬بعد‬
‫أن ذكر كون كثرة الطروقة من أخالق األنبياء‪.‬‬

‫د ـ هل تختلف الطروقة عن المتمتَّع بها؟‬


‫روى محمد بن محمد بن النعمان المفيد‪ ،‬في (رس!!الة المتع!!ة)‪ ،‬عن‬
‫جعفر بن محمد بن قولويه‪ ،‬عن سعد بن عبد اهلل‪ ،‬عن أحمد بن محمد‪ ،‬عن‬
‫ابن أشيم‪ ،‬عن مروان بن مسلم‪ ،‬عن إسماعيل بن الفضل الهاشمي قال‪ :‬ق!!ال‬
‫لي أبو عبد اهلل×‪« :‬تمتّعْتَ منذ خرجْتَ من أهلك؟»‪ ،‬فقلتُ‪ :‬لكثرة مَنْ‬
‫معي من الطروقة أغن!!اني اهلل عنه!!ا‪ ،‬ق!!ال‪« :‬وإنْ كنْتَ مس!!تغنياً؛ ف!!إني‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪375‬‬
‫• الشيخ علي نذر‬

‫أحبّ أن تحيي سُنَّة رسول اهلل|»(‪.)832‬‬


‫فالذي يظهر من متن الرواية ـ إذا ما تمّ التسليم بص!!حّة الرواي!!ة؛‬
‫حيث إن ابن أشيم مجهول الحال فيها ـ تمي!!يزهم في ذل!!ك الزم!!ان بين‬
‫التمتُّع! والطروقة(‪.)833‬‬
‫لكنْ يُمكن الق!!ول‪ :‬إن!!ه ال مفه!!وم للجم!!ل الوص!!فية‪ ،‬وبالت!!الي ال‬
‫يُستفاد منها ما ذُكر‪.‬‬
‫هذا خالصةُ ما يمكن أن يُقال في معنى الطروقة‪.‬‬
‫والغريب أن!!ه رغم التف!!ات بعض الفقه!!اء إلى مع!!نى الطروق!!ة لم‬
‫يستفيدوا منها في االستدالل على تعدُّد الزوجات أو النساء المنكوحات‪.‬‬
‫وخالصةُ ما يمكن قوله في هذا العنوان‪ :‬إن الروايات ال!!واردة تفي!!د‬
‫استحباب كثرة الطروقة‪ ،‬بغضّ النظر عن الطريق الشرعيّ إلى ذلك‪.‬‬

‫‪3‬ـ رواية نفي اإلسراف في التعدُّد‬


‫وهي خبر يونس بن عبد الرحمن‪ ،‬عمَّنْ أخ!!بره‪ ،‬عن أبي عب!!د اهلل×‬
‫قال‪« :‬في كلّ شيءٍ إسرافٌ إالَّ في النساء»(‪)834‬؛ ق!!ال اهلل‪﴿ :‬فَ!!انْكِحُوا‬
‫مَا طَ!!ابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَ! اءِ مَثْنَى وَثُالَثَ وَرُبَ!!اعَ﴾ (النس!!اء‪)3 :‬؛‬
‫وقال‪﴿ :‬وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ﴾ (النساء‪.)24 :‬‬

‫تقريب االستدالل‬
‫تشير الرواية إلى أنه ال يوجد إس!!رافٌ في النس!!اء‪ .‬واإلس!!راف ه!!و‬
‫التب!!ذير‪ .‬وق!!د ورد مث!!ل ه!!ذا التعب!!ير في الطِّيب‪« :‬ال إس!!راف في‬
‫الطيب»(‪ .)835‬وق!!د اس!!تخدمه الفقه!!اء «ال إس!!راف في اإلس!!راج»‪« ،‬وال‬
‫إسراف في الف!!رش»‪ ...‬والم!!راد أن اإلكث!!ار في ه!!ذه األم!!ور مطل!!وبٌ‬
‫ومرغوبٌ‪.‬‬
‫ومن هنا يُستفاد أن اإلكثار من النساء محبَّبٌ‪.‬‬

‫‪ 376‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح‪ ،‬دراسة فقهية استداللية‬

‫إشكاالت الشيخ اإلشتهاردي‪ ،‬وجوابها‬


‫يذكر الش!!يخ اإلش!!تهاردي‪ ،‬في كتاب!!ه م!!دارك الع!!روة‪ ،‬إش!!كاالتٍ‬
‫عديدةً‪« :‬ففيه‪ :‬أوّالً‪ :‬ضعف سنده من وج!!وهٍ؛ وثاني!!اً‪ :‬كون!!ه حَصْ! راً‬
‫إضافيّاً؛ وثالثاً‪ :‬إمكان حمله على الجواز في مقابل عدم الجواز‪ ،‬فتأمَّلْ‪.‬‬
‫فيكون المعنى أنّ اإلسراف حرامٌ في كلّ شيء إالّ في النكاح‪ ،‬فال حرمة‪.‬‬
‫ومن المعلوم! أنّ ع!!دم الحرم!!ة غ!!ير مالزم!!ةٍ لالس!!تحباب‪ ،‬ال عقالً‪ ،‬وال‬
‫شرعاً‪ ،‬وال عادةً»(‪.)836‬‬
‫والجواب‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إن سند الرواية ضعيفٌ؛ بسبب إرس!!الها‪ ،‬إالّ على مب!!نى مَنْ‬
‫صحَّح الروايات الواردة في تفسير العياشي‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬حيث ال قرينة على ذلك يبقى الحَصْر حقيقيّاً؛ ألن األص!!ل‬
‫فيه كونه حقيقيّاً حين الشكّ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إنّ التحليل الذي قدَّمه الشيخ اإلشتهاردي غير عُرْفي‪ ،‬بل‬
‫ه!!و دِقِّيٌّ‪ .‬فمثالً‪ :‬عن!!دما نق!!ول‪ :‬ال إس!!راف في إطع!!ام الض!!يف يفهم‬
‫العُرْف حينها أنني مهتمٌّ بإطعام الضيف اهتماماً كب!!يراً‪ ،‬وأحثّ علي!!ه‪،‬‬
‫لدرجة أنّ ما أحرِّمه ـ وهو اإلسراف ـ أراه معه حالالً‪ .‬وق!!د ورد مث!!ل‬
‫هذا التعب!!ير في الطِّيب‪« :‬ال إس!!راف في الطِّيب»(‪ ،)837‬والم!!راد ه!!و أن‬
‫نفس اإلكثار في هذه األمور مطل!وبٌ‪ ،‬والتج!اوز عن الح!دّ في الجمل!ة‬
‫فيه!!ا معف!!وٌّ‪ ،‬كم!!ا أف!!اد المحقِّ!!ق ال!!نراقي‪ ،‬في كتاب!!ه عوائ!!د األي!!ام‬
‫وغيره(‪.)838‬‬

‫‪4‬ـ رواية األمر بالتزويج ثالثا ً‬


‫وهي خبر إسحاق بن عمّ!!ار ق!!ال‪ :‬قلتُ ألبي عب!!د اهلل×‪« :‬الح!!ديث‬
‫الذي يرويه الناس حقٌّ‪ ،‬أن رجالً أتى النبيّ| فشكا إلي!!ه الحاج!!ة‪ ،‬ف!!أمره‬
‫بالتزويج‪ ،‬ففعل‪ ،‬ثمّ أتاه فشكا إليه الحاجة‪ ،‬فأمره ب!!التزويج‪ ،‬حتّى أم!!ره‬
‫ثالث مرّات؟ فقال أبو عبد اهلل×‪[ :‬نعم]‪ ،‬هو ح!!قٌّ‪ ،‬ثمّ ق!!ال‪ :‬ال!!رزق م!!ع‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪377‬‬
‫• الشيخ علي نذر‬

‫النساء والعيال»(‪.)839‬‬

‫نقاش في السند والمتن‬


‫ٌ‬
‫وهذه الرواية تشوبها عدّة مشاكل سَنَديّة‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬االختالف في مسألة العِدَد‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬هي ضعيفةٌ؛ بأبي عبد اهلل الجاموراني‪ ،‬والحسن بن عليّ بن‬
‫أبي حمزة‪.‬‬
‫كم!!ا أن متنه!!ا ال يفي!!دنا في المق!!ام؛ ألنه!!ا ال ت!!دلّ على مطل!!ق‬
‫االستحباب‪ ،‬بل مقيّدة بمَنْ له عَ!!وَزٌ‪ .‬ف!!الغني ص!!احب ال!!رزق والقن!!وع‬
‫وغيرهم ال تشمله الرواية الواردة‪.‬‬

‫خاتمةٌ‬
‫بحثنا في ه!!ذا المق!!ال رجح!!ان ومرجوحيّ!!ة تع!!دُّد الزوج!!ات في‬
‫اإلسالم‪ .‬وقد توصَّلنا في خت!!ام البحث إلى اس!!تحبابيّة التع!!دُّد؛! وذل!!ك‬
‫اعتماداً على طريقين‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬روايات استحباب ك!!ثرة الطروق!!ة‪ ،‬بع!!د أن نقَّحن!!ا مع!!نى‬
‫الطروقة‪ ،‬وناقَشْنا الروايات الواردة في استحبابها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الرواية الواردة في نفي اإلس!!راف‪ ،‬وال!!تي يمكن أن يُس!!تفاد‬
‫منها وفق بعض المباني السنديّة‪.‬‬
‫ويشير بعض الباحثين إلى أنه يمكن استفادة اس!!تحباب التع!!دُّد من‬
‫إطالق استحباب أصل الزواج‪.‬‬
‫لكنْ يجدر السؤال قَبْالً‪ :‬هل هي في مقام بيان عدد الزوجات (وهو‬
‫من شروط انعقاد اإلطالق) أو هي في مقام بيان أصل ال!!زواج في مقاب!!ل‬
‫عدمه؟ وهو بحثٌ يحتاج مقاالً آخر‪.‬‬

‫‪ 378‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• تعدد الزوجات في اإلسالم بين الراجح والمرجوح‪ ،‬دراسة فقهية استداللية‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪379‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫التوقيفيّة في ترتيب اآليات القرآنيّة‬


‫قراءةٌ نقديّة في نظريّة الطباطبائي‬
‫(*)*)‬
‫الشيخ عيسى محسني‬
‫(**)*)‬
‫د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬
‫مقدمةٌ‬
‫إنّ من الواقع الذي ال غبار عليه اهتمامَ المسلمين ب!!القرآن الكريم‪،‬‬
‫تدوي ناً وقراءةً وحفظاً في الصدور‪ ،‬وبحثاً وتحليالً‪ ،‬وتعلُّماً وتعليم!!اً‪،‬‬
‫فهو كتاب اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬الذي ال يأتيه الباطل من بين يدي!ه وال من‬
‫خلفه‪ ،‬وقد تكفّ!!ل اهلل س!!بحانه وتع!!الى ب!!ذلك‪ ،‬حيث ق!!ال‪﴿ :‬إِنَّ!!ا نَحْنُ‬
‫نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وإِنَّا لَهُ لَحافِظُون﴾ (الحجر‪ ،)9 :‬وهو ذك!!ر وهدى‬
‫ونور‪ ،‬فمَنْ تمسك به وبعِدْله آل محمد| لن يضلّ أبداً‪.‬‬
‫ومن هذا المنطل !ق! ي !أتي بحثن!!ا في ه!!ذه المس!!ألة القرآني !ة‪ ،‬وهي‬
‫توقيفي!ة ترتيب اآليات الكريمة أو عدم توقيفيّتها‪.‬‬
‫والمعروف بين المحدِّثين والمفسِّرين اإلماميّة‪ ،‬كالشيخ الصدوق‬
‫والسيد المرتضى والشيخ الطوسي والشيخ الطبرسي والسيد ابن ط!!اووس‬
‫والسيد الخوئي‪ ،‬أنّ ترتيب اآليات توقيفيٌّ‪ ،‬قام به النبيّ|‪ ،‬بأمرٍ وتوجي!!هٍ‬
‫من اهلل تعالى‪ ،‬فبقي ذلك الترتيب‪ ،‬وتداولت!!ه األجي!!ال المتعاقب!!ة‪ ،‬إلى أن‬
‫وصل إلينا‪ .‬وكانت اآليات وال زالت تطبع وتستنسخ! بالترتيب الذي رتّب!!ه‬

‫ٌ‬
‫باحث في الحوزة العلميّة‪ ،‬وحائ ٌـز على الماجستير في علوم القرآن والحديث‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫في جامعة المعارف اإلسالمية‪ ،‬في قم‪ .‬من إيران‪.‬‬


‫*)(**) أستا ٌذ مسا ِع ٌد في قسم علوم القرآن والحديث‪ ،‬وعضو الهيئة العلميّة‪ ،‬في‬
‫جامعة المعارف اإلسالمية في قم‪ .‬من إيران‪.‬‬
‫‪ 380‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫النبيّ|‪ ،‬ولم يتدخّل أحدٌ من األصحاب في ذلك‪.‬‬


‫قال الس!يد المرتض!ى في ال!!ذخيرة‪« :‬إنّ الق!!رآن ك!!ان على عه!!د‬
‫النبيّ| مجموعاً مؤلَّفاً على ما هو عليه‪ ...‬وإنّ مَنْ يخ!!الف ه!!ذا الب!!اب‬
‫من اإلمامية والحَشْوية ال يُعتَدّ بخالفهم»(‪.)840‬‬
‫وصرَّح الزركشي والسيوطي‪ ،‬من العامّة‪ ،‬بعدم وج!!ود الخالف في‬
‫ذلك‪ .‬قال السيوطي في اإلتقان‪« :‬اإلجماع والنصوص المترادف!!ة على أنّ‬
‫ترتيب اآليات توقيفيٌّ‪ ،‬ال شبهة في ذلك»(‪.)841‬‬
‫وخالف في ذلك العالّمة الطباطبائي ـ وبعض مَنْ س!!بقه‪ ،‬كعليّ‬
‫بن إبراهيم القمّي والفيض الكاشاني والمحدِّث البحراني ـ ف!!ذهب إلى‬
‫عدم توقيفيّة ترتيب اآليات‪ ،‬وق!!ال&‪« :‬إنّ وق!!وع بعض اآلي!ات القرآني!ة‬
‫التي نزلت متفرّقة موقعها الذي هي فيه اآلن لم يَخْ!!لُ عن مداخل!!ةٍ من‬
‫الص!!حابة باالجته!!اد‪ ،‬كم!!ا ه!!و ظ!!اهر رواي!!ات الجم!!ع األوّل‪ ،‬وق!!د‬
‫تقدَّمَتْ»(‪ .)842‬وقد أص!!رّ في تفس!يره على ه!!ذا الق!!ول‪ ،‬واس!!تدلّ على‬
‫تضعيف القول اآلخر باألدلة والشواهد الروائية والتاريخية‪.‬‬
‫وما نريده في هذا المقال هو اس!!تعراض ومناقش!!ة م!!ا اس!!تدلّ ب!!ه‬
‫العالّمة على عدم توقيفية ترتيب اآليات القرآني!!ة أوّالً؛ وذك!!ر األدلّ!!ة‬
‫التي يمكن أن يستدلّ بها على توقيفية ترتيب اآليات القرآنية ثانياً‪.‬‬
‫وعلى هذا تكون دراستنا لهذا الموضوع في محورَيْن‪:‬‬

‫المحور األ ّول‪ :‬عدم التوقيفيّة‪ ،‬األدلّة والمناقشات‬


‫الدليل األ ّول‪ :‬الروايات‬
‫ي‪ )843‬بثالث طوائف من الرواي!ات؛ إلثب!ات‬
‫(‬
‫استدلّ العالّمة الطباطبائ‬
‫عدم توقيفية اآليات القرآنية‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪1‬ـ روايات جمع القرآن‬


‫قال‪ :‬جاء في تاريخ اليعقوبي‪ :‬قال عمر بن الخطّاب ألبي بك!!ر‪ :‬ي!!ا‬
‫خليفة رسول اهلل‪ ،‬إن حَمَلة القرآن قد قُتل أكثرهم ي!!وم اليمام!!ة‪ ،‬فل!!و‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪381‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫جمعْتَ القرآن؛ فإني أخاف عليه أن يذهب حَمَلته‪ ،‬فقال له أبو بكر‪ :‬أفعل‬
‫ما لم يفعله رس!!ول اهلل؟! فلم يَ!!زَلْ ب!!ه عم!!ر حتّى جمع!!ه وكتب!!ه في‬
‫صحفٍ‪ ،‬وكان مفرَّقاً في الجريد وغيرها(‪.)844‬‬
‫وفي تاريخ أبي الفداء‪ :‬وقتل في قتال مسيلمة جماع!!ةٌ من الق!!رّاء‪،‬‬
‫من المهاجرين واألنصار‪ .‬ولما رأى أبو بكر كثرة مَنْ قُتِل أم!!ر بجم!!ع‬
‫القرآن من أفواه الرجال وجريد النخل والجلود‪ ،‬وت!!رك ذل!!ك المكت!!وب‬
‫عند حفصة بنت عمر‪ ،‬زوج النبيّﷺ‪ .‬انتهى(‪.)845‬‬
‫وعن ابن أبي داوود‪ ،‬من طريق يحيى بن عب!!د ال!!رحمن بن ح!!اطب‪،‬‬
‫قال‪« :‬قدم عمر فقال‪ :‬مَنْ كان تلقّى من رسول اهللﷺ شيئاً من الق!!رآن‬
‫فليأْتِ به‪ ،‬وكانوا يكتبون! ذلك في الصحف واأللواح والعسب‪ .‬وك!!ان ال‬
‫يقبل من أحدٍ شيئاً حتّى يشهد شهيدان»(‪.)846‬‬
‫وعنه أيضاً‪ ،‬من طريق هشام بن ع!!روة‪ ،‬عن أبي!!ه ـ وفي الطري!!ق‬
‫انقطاعٌ ـ‪ ،‬أن أبا بكرٍ قال لعمر ولزيد‪« :‬اقعدوا على ب!!اب المس!!جد! فمَنْ‬
‫جاءكما بشاهدَيْن على شيءٍ من كتاب اهلل فاكتباه»(‪.)847‬‬
‫وفي اإلتقان عن ابن أشتة‪ ،‬في المص!!احف‪ ،‬عن الليث بن س!!عد ق!!ال‪:‬‬
‫« أوّل مَنْ جمع القرآن أبو بكر‪ ،‬وكتبه زيد‪ .‬وكان الناس يأتون زيد بن‬
‫ثابت فكان ال يكتب آيةً إالّ بش!!اهدَيْ ع!!دلٍ‪ .‬وإن آخ!!ر س!!ورة ب!!راءة لم‬
‫يوجد إالّ مع أبي خزيمة بن زيد بن ثابت فق!!ال‪ :‬اكتبوه!!ا؛ ف!!إن رس!!ول‬
‫اهللﷺ جعل شهادته بشهادة رجلين‪ ،‬فكتب‪ .‬وإنّ عمر أتى بآي!!ة ال!!رجم فلم‬
‫يكتبها؛ ألنه كان وحده»(‪.)848‬‬
‫وعن ابن أبي داوود‪ ،‬في المصاحف‪ ،‬من طريق محمد بن إسحاق‪ ،‬عن‬
‫يحيى بن عبّاد بن عبد اهلل بن الزبير‪ ،‬عن أبيه ق!!ال‪« :‬أت!!اني الح!!ارث بن‬
‫خزيمة بهاتين اآليتين من آخر سورة براءة‪ ،‬فق!!ال‪ :‬أش!!هد أنّي س!!معتُهما‬
‫من رسول اهللﷺ‪ ،‬ووعَيْتهما‪ ،‬فقال عمر‪ :‬وأن!!ا أش!!هد لق!!د س!!معتُهما‪ ،‬ثمّ‬
‫قال‪ :‬لو كانت ثالث آي!!ات لجعلتُه!!ا س!!ورةً على حِ!!دَةٍ‪ ،‬ف!!انظروا آخ!!ر‬

‫‪ 382‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫سورةٍ من القرآن فألحقوها في آخرها»(‪.)849‬‬


‫وغيرها من الروايات‪ ،‬التي سمّاها العالمة بروايات الجمع األوّل‪.‬‬
‫وهي صريحةٌ في أنّ جمع القرآن كان في زمن الصحابة‪ ،‬ول!!ذلك‬
‫استدلّ بها على عدم توقيفيّة ترتيب آيات القرآن(‪.)850‬‬
‫وسنذكر المالحظات التي تَرِدُ على هذه الروايات واالستدالل به!!ا‬
‫فيما بعد‪.‬‬
‫مناقشةٌ ور ّد‬
‫ي‬
‫أـ الضعف السند ّ‬
‫إنّ هذه الطائفة من الروايات غير تامّةٍ سنداً؛ وال تفي!!د علم!!اً؛ إذ‬
‫إنها ليست متواترةً‪ ،‬ال لفظاً وال معنى‪ ،‬بل هي أخبار آحادٍ(‪.)851‬‬

‫ب ـ التناقض‪ 6‬الداخلي‬
‫فإنّها من حيث المتن أخبارٌ متناقضة‪ ،‬ال يمكن االعتماد عليها‪:‬‬
‫فبعضها ظاهرة في أنّ الجمع ك!!ان في زمن عثم!!ان‪ ،‬كرواي!!ة ابن‬
‫شهاب أنّ أنس بن مالك حدَّثه فق!!ال‪ :‬إنّ حذيف!!ة بن اليم!!ان ق!!دم على‬
‫عثمان‪ ،‬وكان يغازي أه!!ل الش!!ام في فتح أرميني!!ة وأذربيج!!ان م!!ع أه!!ل‬
‫العراق‪ ،‬فأفزع حذيفة اختالفهم في القراءة‪ ،‬فقال حذيفة لعثمان‪ :‬يا أم!!ير‬
‫المؤمنين‪ ،‬أدرك هذه األم!!ة قب!!ل أن يختلف!!وا في الكت!!اب اختالف اليه!!ود‬
‫والنصارى‪ ،‬فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ننس!!خها في‬
‫المصاحف‪ ،‬ثمّ نردّها إليك‪ ،‬فأرسلَتْ بها حفصة إلى عثمان‪ ،‬فأمر زيد بن‬
‫ثابت‪ ،‬وعبد اهلل بن الزبير‪ ،‬وسعيد بن العاص‪ ،‬وعبد الرحمن بن الحرث بن‬
‫هشام‪ ،‬فنسخوها في المصاحف‪ ،‬وقال عثمان للرهط القرشيين الثالث!!ة‪ :‬إذا‬
‫اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيءٍ من القرآن فاكتبوه! بلسان ق!!ريش؛‬
‫فإنما نزل بلسانهم‪ ،‬ففعل!!وا حتّى إذا نس!!خوا الص!!حف في المص!!احف ردّ‬
‫عثمان الصحف إلى حفصة‪ ،‬فأرسل إلى كلّ أفقٍ بمص!!حف ممّ!!ا نس!!خوا‪،‬‬
‫وأمر بما سواه من القرآن في كلّ صحيفةٍ أو مصحفٍ أن يحرق(‪.)852‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪383‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫وبعضها اآلخر صريحةٌ في أنّه حصل في عهد أبي بكر‪ ،‬بعدما أش!!ار‬
‫إليه عمر بن الخطّاب من قتل كثيرٍ من الق!!رّاء وحَمَل!!ة الق!!رآن ي !وم‬
‫اليمامة‪ .‬وقد مرّ ذكر بعض تلك األخبار‪.‬‬
‫وبعضها ذكرَتْ أنّه حصل ذلك في زمن عم!!ر بن الخطّ!!اب‪ ،‬فق!!د‬
‫كتب مص!!احف أربع!!ة‪ ،‬فأرس!!ل واح!!داً إلى البص!!رة والث!!اني إلى الش!!ام‬
‫والثالث إلى الكوفة والرابع إلى الحج!!از‪ .‬وق!!د ج!!اء عن أبي إس!!حاق‪ ،‬عن‬
‫بعض الصحابة قال‪ :‬لما جمع عمر بن الخطّاب المصحف سأل‪ :‬مَنْ أعرب‬
‫الناس؟ قيل‪ :‬سعيد بن العاص‪ ،‬فق!!ال‪ :‬مَنْ أكتب الن!اس؟ فقي!!ل‪ :‬زي!!د بن‬
‫ثابت‪ ،‬قال‪ :‬فليُمْلِ سعيد‪ ،‬وليكتب زي!!دٌ‪ ،‬فكتب!!وا! مص!!احف أربع!!ة‪ ،‬فأنف!!ذ‬
‫مصحفاً منها إلى الكوفة‪ ،‬ومص!!حفاً إلى البص!!رة‪ ،‬ومص!!حفاً إلى الش!!ام‪،‬‬
‫ومصحفاً إلى الحجاز(‪.)853‬‬
‫وعلى هذا األساس ال يمكن االعتم!!اد واألخ!!ذ به!!ذه الرواي!ات؛ ف!!إنّ‬
‫التعارض القائم بينها يسقطها عن االعتبار واالحتجاج بها(‪.)854‬‬

‫ج ـ وجود المعا ِرض‪6‬‬


‫وه!و م!ا ج!اء عن أه!ل بي!ت العص!مة^‪ ،‬ب!ل الرواي!ات المستفيض!ة‬
‫األخرى‪ ،‬التي وردت عن طريق العامّة‪ ،‬تؤكِّد أنّ القرآن كُتب في عه!!د‬
‫النبيّ|‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما رواه عليّ بن إبراهيم‪ ،‬بسنده إلى أبي بكر الحضرمي‪ ،‬عن أبي‬
‫عب!د اهلل× ق!!ال‪ :‬إنّ رس!!ول اهلل| ق!ال لعليٍّ×‪ :‬الق!رآن خل!!ف فراش!!ي في‬
‫الصحف والحرير والقراطيس‪ ،‬فخذوه واجمعوه‪ ،‬وال تضيِّعوه كما ضيَّع‬
‫اليهود التوراة»(‪.)855‬‬
‫‪2‬ـ ما رواه أبو رافع‪ ،‬من أنّ النبيّ| ـ في مرضه الذي ت!وفي في!ه ـ‬
‫قال لعليٍّ‪ :‬يا عليّ‪ ،‬هذا كتاب اهلل خُذْه إليك‪ ،‬فجمع!!ه عليٌّ في ث!!وبٍ‪،‬‬
‫ومضى إلى منزله‪ .‬فلمّا قبض النبيّ| جلس عليٌّ‪ ،‬فألَّفَه كما أن!!زل اهلل‪،‬‬
‫وكان به عالماً(‪.)856‬‬

‫‪ 384‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫‪3‬ـ ما رواه زيد بن ثابت قال‪« :‬كنّا عند رسول اهلل| نؤلِّف القرآن‬
‫من الرقاع»(‪.)857‬‬
‫ق!!ال الح!!اكم‪« :‬ه!!ذا ح!!ديثٌ ص!!حيح على ش!!رط الش!!يخين‪ ،‬ولم‬
‫يخرِّجاه»‪ .‬والرقاع جمع رقعة‪ ،‬فقد تكون من جل!!دٍ أو ورقٍ أو كاغ!!ذٍ‪،‬‬
‫وهي تشعرنا بوجود نوعٍ من أدوات الكتابة المتيسِّرة لكتّاب الوَحْي عند‬
‫رسول اهلل|‪ ،‬ومعنى ذل!!ك أنّ ت!!رتيب اآلي!!ات ك!!ان وف!!ق إش!!ارة الن!!بيّ|‪،‬‬
‫وبإرشادٍ من أمين الوَحْي جبريل×(‪.)858‬‬
‫‪4‬ـ ما رُوي عن ابن عبّاس‪ ،‬من أن الرجل المسلم كان يأتي بالورق‬
‫إلى النبيّ|‪ ،‬فيأمر النبيّ الصحابة فينس!!خوا ل!!ه الق!!رآن‪ .‬فعن جعف!!ر بن‬
‫محمد بن عليّ‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عليّ بن الحسين‪ ،‬عن ابن عبّاس قال‪ :‬كانت‬
‫المصاحف ال تُباع‪ ،‬كان الرجل يأتي بورقه عند النبيّﷺ‪ ،‬فيق!!وم الرج!!ل‪،‬‬
‫فيحتسب‪ !،‬فيكتب‪ !،‬ثمّ يقوم آخر فيكتب‪ !،‬حتّى يفرغ من المصحف(‪.)859‬‬
‫‪5‬ـ ما رُوي عن زيد بن ثابت أنه ق!!ال‪ :‬كنتُ أكتب ال!!وَحْي عن!!د‬
‫رسول اهللﷺ‪ ،‬وهو يملي عليَّ‪ ...‬فإذا فرغْتُ قال‪ :‬اقرأ‪ ،‬فأقرأه‪ ،‬فإذا ك!!ان‬
‫فيه سقط أقامه‪ ،‬ثمّ أخرج به إلى الناس(‪.)860‬‬
‫وفي هذه الروايات ونحوها داللةٌ واض!!حة على أنّ كتاب!!ة الق!!رآن‬
‫كانت قد تمَّت في عهد النبيّ األكرم‪ ،‬وأنّه| قد أمر عليّاً× بجمع السور‬
‫واآليات التي كتبت على الحرير والخشب والقراطيس في مصحفٍ واحد‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬رُبَما يقال‪ :‬إنّه وإنْ كان جمع الق!!رآن الذي ق!!ام ب!!ه عليٌّ×‬
‫كان حَسْب ترتيب نزول اآليات‪ ،‬ممّا يع!!ني أنّ الق!!رآن ال!!ذي كُتب في‬
‫زمن النبيّ أيضاً كان حَسْب ترتيب ال!!نزول؛ ألنّ عليّ!!اً ال يخ!!الف م!!ا‬
‫كتبه النبيّ|‪.‬‬
‫إالَّ أنّ هذا مجرّد احتمالٍ ال دليل عليه‪ .‬وسيأتي أنّ ترتيب القرآن‬
‫الذي كتبه عليٌّ× ال يختلف عن القرآن الموجود فيما بيننا‪.‬‬

‫د ـ (جمع القرآن)‪ 6‬في معانيه المختلفة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪385‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫إنّ مصطلح جمع القرآن يطلق على معانٍ أربعة‪:‬‬


‫‪1‬ـ يُراد به جمعه في صدور المسلمين‪ ،‬بمعنى حفظهم له‪.‬‬
‫‪2‬ـ يُراد به مطلق كتابتهم له‪ ،‬سواء كان المكتوب علي!!ه مص!!حفاً‬
‫محاطاً بدفّتين أو جلداً أو خشباً أو غير ذلك‪.‬‬
‫‪3‬ـ يُراد به جمعه ضمن مصحفٍ واحد‪.‬‬
‫‪4‬ـ المقصود بجمع القرآن توحيد المصاحف‪ ،‬وجعل تلك المصاحف‬
‫المتعدِّدة! في مصحفٍ واحد(‪.)861‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬لو قبلنا صدور تلك الروايات التي اس!!تند إليه!!ا‬
‫العالّمة للقول بعدم توقيفية ترتيب اآليات فهي ال تن!افي الق!ول بت!دوين‬
‫القرآن في عهد النبيّ|؛ ألننا ال نري !د بجم!!ع الق!!رآن في زمن الن!!بيّ إالّ‬
‫كتابته وتدوين!!ه على األخش!!اب والق!!راطيس والجل!!ود وغيره!!ا‪ ،‬ونري!د‬
‫بجمعه في زمن الخلفاء جعل تلك اآليات والسور المكتوبة على األخش!!اب‬
‫والقراطيس والجلود في مصحفٍ محفوفٍ بدفّتين‪ ،‬كما حص!!ل في زمن‬
‫أبي بكر؛ أو توحيد المصاحف المتعدِّدة‪ !،‬كما حصل في زمن عثمان‪ ،‬فق!!د‬
‫قام بتوحيد المصاحف‪ ،‬وجَمَع الناس على ق!!راءةٍ واح!!دةٍ‪ ،‬وهي الق!!راءة‬
‫المشهورة التي تلقّوها عن النبيّ|‪ ،‬ومنع القراءات األخرى؛ كي ال ت!!ؤدّي‬
‫إلى االختالف بين المسلمين‪ ،‬وتمزيق صفوفهم‪ ،‬وتفريق وح!!دتهم‪ .‬وه!!ذا‬
‫غير ما يدَّعيه القائلون بجمع القرآن في عهد الخلفاء‪ ،‬ف!!إنّهم يعتق!!دون‬
‫أنّ القرآن كُتِبَ في عهد الصحابة‪ ،‬ولم يكن مكتوباً من قَبْلُ؛ اس!!تناداً‬
‫إلى هذه الروايات‪ .‬وقد ظهر ممّا بيَّنّا أنّ ما قام به عثم!!ان ه!!و توحي!د‬
‫القراءة والمصاحف التي كانت مكتوبةً آنذاك‪ !،‬فال يصحّ االستدالل به!!ذه‬
‫الروايات لرأي العالّمة‪.‬‬

‫هـ ـ شوائب جمع القرآن‬


‫ورد في بعض تلك األخبار أنّ كثيراً من اآليات القرآني !ة ق!!د تمّ‬
‫جمعها وكتابتها بشهادة شاهدَيْن‪ ،‬بل بشاهدٍ واحدٍ‪ ،‬ولم يحص!!ل اتّف!!اقٌ‬

‫‪ 386‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫على أنّ تلك اآليات من القرآن‪ ،‬وقد مرَّ ذِكْرُها‪ ،‬ومنه!ا‪ :‬إنّ أب!!ا بك!!ر‬
‫قال لعمر ولزيد‪« :‬اقعدوا على باب المسجد فمَنْ جاءكما بشاهدَيْن على‬
‫شيءٍ من كتاب اهلل فاكتب!!اه»؛ وأيض!!اً حديث ليث بن س!!عد‪ ،‬حيث ق!!ال‪:‬‬
‫« أوّل مَنْ جمع القرآن أبو بكر‪ ،‬وكتبه زيد‪ ،‬وكان الناس يأتون زيد بن‬
‫ثابت‪ ،‬فكان ال يكتب آيةً إالّ بشاهدَيْ عَدْلٍ‪ ،‬وإنّ آخ!!ر س!!ورة ب!!راءة لم‬
‫يوجد إالّ مع أبي خزيمة بن زيد بن ثابت‪ ،‬فقال‪ :‬اكتبوه!!ا؛ ف!!إن رس!!ول‬
‫اهللﷺ جعل شهادته بشهادة رجلين‪ ،‬فكتب‪ ،‬وإن عم!!ر أتى بآي!!ة ال!!رجم فلم‬
‫يكتبها؛ ألنه كان وحده»(‪.)862‬‬
‫فنري في هاتين الروايتين أنّ أكثر اآليات الكريم!!ة‪ ،‬ب!!ل جميعه!!ا‪،‬‬
‫على حدّ تعبير الرواية الثانية‪ ،‬ثبتت في الق!!رآن بش!!اهدَيْن‪ ،‬ب!!ل بش!!اهدٍ‬
‫واحد‪ .‬والزم ذلك أنّ القرآن لم يصل إلينا بالتواتر‪ ،‬وإنّم!!ا وص!!ل إلين!!ا‬
‫بخبر الواحد؛ أو البيِّنة‪ ،‬التي ال تفضل كثيراً عن خبر الواحد‪ .‬وفي هذا‬
‫مخالفةٌ إلجماع المسلمين على أنّ الق!!رآن الكريم ال طري !ق إلثبات!!ه إالّ‬
‫بالتواتر‪ .‬ولستُ أدري كيف يعتمد! على هذه الرواي !ات مَنْ يعتق!!د ب!!أنّ‬
‫القرآن وصل إلينا بالتواتر؟! أال يلزمن!!ا الق!!ول بت!!واتر الق!!رآن أن نلقي‬
‫بهذه الروايات‪ ،‬ونقطع بكذبها؟(‪.)863‬‬
‫أض!! فْ إلى ذل!!ك أنّ اإلتي!!ان بش!!اهدَيْن ال يُعَ!!دّ أم!!راً ص!!عباً‬
‫ِ‬
‫للدسّاسين والمنافقين الذين يتربَّصون باإلس!!الم ك!!لّ حينٍ‪ ،‬ويري !دون‬
‫هدمه والقضاء عليه‪ ،‬بل هو في غاية السهولة لهم؛ وقد كذبوا على رسول‬
‫اهلل| في حياته‪ ،‬حتّى قام وق!!ال‪ :‬ك!!ثرَتْ عليَّ الكذّاب!!ة‪ ،‬وس!!تكثر‪ ،‬فمَنْ‬
‫كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ! مقعده من النار‪.‬‬
‫فإذا كان في حياته هكذا يُكْذَب عليه| فما بالك بالكذب علي !ه بع!!د‬
‫وفاته‪ ،‬خصوصاً في ما يتعلَّق بالقرآن‪ ،‬الذي يعتبر المصدر األوّل والثقل‬
‫األكبر في اإلسالم!‬
‫وهل يعقل أن يكون كالم اهلل‪ ،‬ذلك ال!!وَحْي اإللهي ال!!ذي ال يأتي !ه‬
‫الباطل من بين يدي!ه وال من خلفه‪ ،‬أن يكون قد جُم!!ع بش!!هادة ش!!اهدَيْن‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪387‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫من األعراب‪ ،‬وتقبل شهادتهم في ه‪ ،‬حتّى لو كانوا على ظاهر اإلسالم؟!‬


‫ولنفترض أنّ هناك آيات نزلَتْ على النبيّ|‪ ،‬وقد قرأه!!ا على ع!!ددٍ‬
‫ممَّنْ كان حوله‪ ،‬ولكنْ عندما قام الخلفاء بجمع الق!!رآن لم ي!أتِ أح!!دٌ‬
‫من أولئك بتلك اآليات‪ ،‬أو جاء بها ولم يأتِ بشاهدَين‪ ،‬فه!!ل من الممكن‬
‫أن نقول‪ :‬إنّ تلك اآليات تلفَتْ‪ ،‬وال نعلم منها ش!!يء؟! أال يعت!!بر ذل!!ك‬
‫مخالفةً صريحة لقوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَ!!هُ‬
‫لَحَافِظُونَ﴾ (الحجر‪.)9 :‬‬
‫وبالتالي ال نبالغ إنْ قلنا‪ :‬إنّ فكرة جمع الق!!رآن في عه!!د الخلف!!اء‬
‫تؤدّي بنا إلى القول بتحريف القرآن‪ ،‬كما ظهر ممّا تقدَّم‪.‬‬

‫و ـ التوقيفية مقتضى اإلعجاز‪6‬‬


‫قد ثبت في محلِّه أنّ الق!!ران معج!!زةٌ إلهي!ة‪ ،‬وق!!د تبل!!ور ذل!!ك‬
‫اإلعجاز في ترتيب ونسج آياته بعضها مع بعضٍ‪ ،‬وعليه ال بُ!!دَّ أن يك!!ون‬
‫ت!!رتيب ونظم آيات!!ه توقيفيّ!!اً ص!!ادراً من اهلل تع!!الى‪ ،‬حتّى يثبت أنّ!!ه‬
‫معجزةٌ‪ .‬أمّا إذا قلنا‪ :‬إنّ ترتيب اآليات كان باجتهادٍ من الصحابة‪ ،‬كم!!ا‬
‫ق!!ال العالّم!!ة الطباطب!!ائي‪ ،‬فال يبقى للق!!رآن ش!!يءٌ من اإلعج!!از؛ ألنّ‬
‫المعجزة أمرٌ خارجٌ عن طاقة وقدرة البشر العادي‪.‬‬

‫ي|‬
‫ز ـ كتابة الصحابة للقرآن‪ 6،‬وعرضه عى النب ّ‬
‫من األمور الثابتة تاريخي !اً أنّ هن!!اك ع!!دداً من الص!!حابة ك!!انوا‬
‫يمارسون الكتابة‪ ،‬حتّى عُرفوا بـ (كُتّاب الوَحْي)‪ .‬وممّا يؤيِّ!!د ذل!!ك‬
‫روايات جمع القرآن‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ ما رُوي من أنّه جمع القرآن على عهد رسول اهللﷺ خمسةٌ من‬
‫األنصار‪ :‬معاذ بن جبل‪ ،‬وعبادة بن الصامت‪ ،‬وأبيّ بن كعب‪ ،‬وأبو ال!!درداء‪،‬‬
‫وأبو أيّوب األنصاريّ(‪.)864‬‬
‫‪2‬ـ رواي ة عبد اهلل بن عمر قال‪ :‬وجمعتُ القرآن‪ ،‬فقرأتُ ب!!ه ك!!لَّ‬

‫‪ 388‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫ليلةٍ‪ ،‬فبلغ النبيّﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬اقرأه في شهرٍ»(‪.)865‬‬


‫وغيرها من الروايات‪.‬‬
‫وتفسير جمع القرآن في هذه الروايات بحفظه بعيدٌ جدّاً؛ إذ كيف‬
‫يمكن أن يكون عدد الحفّاظ بهذا المقدار المحدود‪ ،‬وقد ك!!ان المس!!لمون‬
‫يهتمّون بشأن القرآن وحفظه حتّى ع!!دّوا ب!!أكثر من أربعمائ!!ة رج!!لٍ‪،‬‬
‫كما في رواية ابن سيرين‪ ،‬عن الزهري قال‪« :‬لمّا أسرع القتل في ق!!رّاء‬
‫القرآن يوم اليمامة‪ ،‬قتل منهم يومئذٍ! أربعمائة رجلٍ‪.)866(»...‬‬
‫وق!!د قُت!!ل منهم في عه!!د رس!!ول اهلل| في ب!!ئر معون!!ة س!!بعون‬
‫رجالً(‪.)867‬‬
‫وعليه فال يعقل أن يكون عدد الحفّاظ بهذا العدد المح!!دود‪ ،‬الذي ال‬
‫يتجاوز عدد األصابع‪.‬‬
‫أضِف إلى ذلك أنّ عدداً من الصحابة كانوا يعرضون م!!ا كتب!!وه!‬
‫من اآليات القرآنية على النبيّ|؛ حتّى يتأكَّ!!دوا من ص!!حّة م!!ا كتب!!وه‪!،‬‬
‫وتزول عندهم األخطاء التي قد نشأت من االستنساخ‪ .‬وق!د وردَتْ أخب!ارٌ‬
‫في ذلك‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ما نقله الراغب اإلصفهاني عن أُبيّ بن كعب قال‪ :‬إنّه أخ!!ذ الن!!اس‬
‫بقراءته؛ لكونه كان آخر مَنْ يقرأ على رسول اهلل(‪.)868‬‬
‫قال الذهبي‪ :‬إنّ الذين عرضوا القرآن على النبيّ| سبعةٌ‪ :‬عثم!!ان بن‬
‫عفّان‪ ،‬وعليّ×‪ ،‬وأبيّ‪ ،‬وابن مسعود‪ !،‬وزيد‪ ،‬وأبو موسى‪ ،‬وأبو الدرداء(‪.)869‬‬

‫س َور بالبسملة‬
‫‪2‬ـ روايات انقضاء‪ 6‬ال ُّ‬
‫عن ابن عبّاس قال‪ :‬كان المسلمون ال يعلمون انقضاء السورة حتّى‬
‫تنزل «بسم اهلل الرحمن الرحيم»‪ ،‬فإذا نزلت «بسم اهلل الرحمن ال!!رحيم»‬
‫علموا أنّ السورة قد انقضت‪ .‬ق!ال الح!اكم‪ :‬ه!ذا الح!ديث ص!حيحٌ على‬
‫شرط الشيخين(‪.)870‬‬
‫رُوي عن ابن عباس رضي اهلل عن!!ه أنّ!!ه ق!!ال‪« :‬ك!!ان الن!!بيّﷺ ال‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪389‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫يعرف خاتمة السورة حتّى تنزل «بسم اهلل الرحمن الرحيم»‪ ،‬ف!!إذا ن!!زلت‬
‫«بسم اهلل الرحمن الرحيم» عرف أنّ السورة قد خُتِمَتْ(‪.)871‬‬
‫قال سعيد بن جب!!ير‪ :‬في عه!!د الن!!بيّ| ك!!انوا ال يعرف!!ون انقض!!اء‬
‫السورة حتّى تنزل‪« :‬بِسْمِ اهللِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ»‪ ،‬فإذا نزلت علم!!وا‬
‫أنْ قد انقضت السورة‪ ،‬ونزلت أخرى(‪.)872‬‬
‫حَس!! ب ال!!نزول‬
‫ْ‬ ‫وغيرها من الروايات‪ ،‬التي تدلّ على ترتيب اآليات‬
‫في زمن النبيّ‪ .‬وهو يقتضي أن تكون اآليات المكّي!!ة دُوِّنَتْ في الس!!ور‬
‫المكّية‪ ،‬واآليات المدنية في السور المدن!ية‪ .‬ولكنّ ما ن!!راه في المص!!حف‬
‫الذي بين أيدينا خالفُ ذلك؛ حيث توجد آياتٌ مكّية في سور مَدَنية‪ ،‬أو‬
‫آيات مدنية في سور مكّية‪ .‬وهكذا نالحظ آي !اتٍ نازل!!ةً في أواخ!!ر عه!!د‬
‫النبيّ| وهي واقعةٌ في سورٍ نازلةٍ في أوائل الهجرة‪ ،‬ممّ!!ا ي !دلّ على أنّ‬
‫القران الموجود عندنا غير ما كان في عهد النبيّ|‪.‬‬

‫اعتراض وإشكال‬
‫ٌ‬
‫أوّالً‪ :‬إنّ هذه الروايات قد ذكرت االبتداء واالنتهاء البدويّ للسور‪،‬‬
‫وأنّ السورة يجب أن تختتم بالبسملة‪ ،‬كما يجب أن تب!!دأ بالبس!!ملة‪ .‬ولم‬
‫تمنع من ضمّ آيةٍ أو آيات يقوم بها رسول اهلل| إلى آيات سورةٍ مكتمل!!ة‪.‬‬
‫وقد جاء في عددٍ من الروايات أنّ النبيّ| ك!!ان ي !أمر بعض الص!!حابة أن‬
‫يضع اآليات التي كانت تنزل عليه متأخِّراً في سور ق!!د انتهت واختتمت‬
‫كتابتها‪:‬‬
‫فقد رُوي عن ابن عبّاس‪ ،‬عن عثمان أنّه قال‪ :‬إنّ رسول اهلل| ك!!ان‬
‫ممّا يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذوات العَدَد‪ ،‬فكان إذا أن!!زل‬
‫عليه الشيء دعا بعض مَنْ يكتب‪ ،‬فيقول‪ :‬ضعوا هؤالء اآلي!!ات في الس!!ورة‬
‫التي يذكر فيها كذا وكذا‪ ،‬فإذا نزلت عليه اآلي!!ة فيق!!ول‪ :‬ض!!عوا ه!!ذه‬
‫اآلية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا(‪.)873‬‬
‫وفي لفظٍ آخر قال‪ :‬كان النبيّ| ممّا ت!!نزل علي!!ه اآلي!!ات‪ ،‬في!!دعو‬

‫‪ 390‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫بعض مَنْ كان يكتب له‪ ،‬ويقول له‪« :‬ضع ه!!ذه اآلي!!ة في الس!!ورة ال!!تي‬
‫يذكر فيها كذا وكذا»‪ ،‬وتنزل عليه اآلية واآليتان فيقول مثل ذلك‪.‬‬
‫والرواية صحيحةٌ‪ ،‬كما صرَّح الحاكم النيسابوري(‪.)874‬‬
‫وهذه الرواي !ات وغيره!!ا ت!!دلّ على أنّ النبيّ| دائم!!اً ك!!ان ي !أمر‬
‫بإضافة آياتٍ في سورٍ قد انقض!ي ت!!دوينها حَسْ! ب الظ!!اهر‪ .‬ومن ذل!!ك‬
‫ي تّضح لنا عدم صحّة قول العالّمة الطباطبائي‪ ،‬حيث ذهب إلى أنّ روايات‬
‫البسملة تدلّ على ترتيب اآليات حَسْب النزول في زمن النبيّ|‪ ،‬خالفاً لما‬
‫نراه في المصحف الذي بين أيدينا‪ ،‬من وجود آيات مكّية في سور مدني!!ة‪،‬‬
‫أو آيات مدنية في سور مكّية‪ ،‬أو وجود آيات نازلة في أواخر عهد الن!!بيّ|‬
‫وهي واقعةٌ في سور نازلة في أوائل الهجرة‪ ،‬ممّا ي!!دلّ على أنّ الق!!رآن‬
‫الموجود عندنا غير ال!!ذي ك!!ان في عه!!د الن!!بيّ|؛ ف!!إنّ جمي!ع ذل!!ك ال‬
‫يعارض قولنا بأنّ اآليات المكّية والمدنية المتداخلة إنّما حص!!لَتْ ب!!أمرٍ‬
‫من رسول اهلل|‪.‬‬
‫كما أنّها تنقض قول العالّمة؛ فإنّه بعدما نقل رواية عثمان بن أبي‬
‫العاص‪ ،‬الدالّة على وضع الرسول قوله تعالى‪﴿ :‬إِنَ اهللَ يَأْمُرُ بِالْعَ!!دْلِ‬
‫وَاإلِحْسَانِ﴾ في موضعٍ مغاير لترتيب نزولها‪ ،‬قال‪ :‬ال تدلّ هذه الرواي !ة‬
‫على أزي!!د من فعله| في بعض اآلي!!ات في الجمل!!ة‪ ،‬ال بالجملة(‪ .)875‬ف!!إنّ‬
‫الروايات التي مرَّ ذِكْرُها صريحةٌ في أنّ النبيّ| كثيراً ما كان يأمر‬
‫بوضع آيةٍ‪ ،‬بل آياتٍ‪ ،‬بل سورٍ بكاملها‪ ،‬في موض!!عٍ يغاير الموض!!ع ال!!ذي‬
‫نزلت فيه تلك اآلية أو اآليات‪.‬‬
‫يقول القرطبي‪ :‬ذكر أبو بك!!ر األنب!!اري‪ ،‬في كت!!اب ال!!ردّ‪ ،‬أنّ اهلل‬
‫تعالى أنزل القرآن جملةً إلى س!!ماء ال!!دنيا‪ ،‬ثمّ ف!!رّق على الن!!بيّﷺ في‬
‫عشرين س!!نة‪ .‬وك!!انت الس!!ورة ت!!نزل في أم!!رٍ يح!!دث‪ ،‬واآلي!!ة جواب!!اً‬
‫لمستخبرٍ يسأل‪ ،‬يوقف جبريل رسول اهللﷺ على موضع الس!!ورة واآلي!!ة‪.‬‬
‫فاتّساق السور كاتّساق اآليات والحروف‪ ،‬فكلّه عن محمد خاتم النبيّين×‪،‬‬
‫عن ربّ العالمين‪ .‬فمَنْ أخَّر سورةً مقدَّمة أو ق!!دَّم أخ!!رى م!!ؤخَّرة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪391‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫فهو كمَنْ أفسد نظم اآليات‪ ،‬وغيَّر الحروف والكلمات(‪.)876‬‬


‫كما أنّ إصرار أئمّة أه!!ل البيت^ على ص!!حّة جمي !ع م!!ا في ه!!ذا‬
‫القرآن‪ ،‬وأنّه من اهلل‪ ،‬نزل به على رسوله|‪ ،‬يوحي بأنّ ال!!ترتيب الموج!!ود‬
‫في هذا القرآن من النبيّ األكرم|‪ ،‬ولم يتدخل فيه أحدٌ وإالّ الختلَّ نظم‬
‫اآليات‪ ،‬وبه يختلّ السياق القرآني‪ ،‬الذي دلّت عليه اآليات‪ .‬وسنأتي بمزي !د‬
‫توضيحٍ لذلك في ذكر أدلّة توقيفية ترتيب اآليات‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ورد عن ابن عبّاس أنّه قال‪ :‬كان القرآن ي !نزل مفرَّق!!اً‪ ،‬ال‬
‫ي نزل سورة سورة‪ .‬فما نزل أوّلها بمكّة أثبتناها بمكّة‪ ،‬وإنْ كان تمامه!!ا‬
‫بالمدينة؛ وكذلك ما نزل بالمدينة؛ وأنّ!!ه ك!!ان يع!!رف فص!!ل م!!ا بين‬
‫السورة والسورة إذا نزل بسم اهلل الرحمان ال!!رحيم‪ ،‬فيعلم!!ون أنّ األولى‬
‫قد انقضت‪ ،‬وابتدأت سورةٌ أخرى(‪.)877‬‬
‫يظهر من هذه الرواية أنّه ال يشترط في تسمية السور بالمكّي!!ة أن‬
‫تكون جميع آيات السورة أو أكثره!!ا مكّي!ة‪ ،‬كم!!ا ال يش!!ترط أن تك!!ون‬
‫جميع أو أغلب آيات السورة مدنية حتّى يقال لها‪ :‬سورة مدنية‪ ،‬بل ينظ!!ر‬
‫إلى اآليات األولى من تلك السورة‪ ،‬فإذا كانت تلك اآليات نازلة في مكّة‬
‫تسمّى السورة مكّية‪ ،‬وإن نزلت سائر آياتها في المدينة؛ وهك!!ذا بالنس!!بة‬
‫إلى السور المدنية‪ ،‬فإنّه يكفي في تسميتها بالمدنية أن تكون آياتها األولى‬
‫نازلةً في المدينة‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس‪ ،‬ال يصحّ ما استدلّ به العالّمة الطباطبائي لع!!دم‬
‫توقيفية ترتيب اآليات من وجود آياتٍ كثيرة في سور مدني!ة ق!د ن!زلت‬
‫بمكّة‪ ،‬أو وجود آيات في سور مكّية قد نزلت في المدينة؛ إذ من المحتمل‬
‫(كما جاء في الرواية) أن تسمّى السورة مكّية وقد اجتمعت فيه!!ا آي!!اتٌ‬
‫مدني!ة أيضاً‪ ،‬أو مدنية وقد اجتمعت فيها آيات نزلت في مكّة‪.‬‬

‫ي×‬
‫‪3‬ـ روايات مصحف اإلمام عل ّ‬
‫روى سُلَيْم بن قيس الهاللي‪ ،‬عن سلمان الفارسي رضوان اهلل علي!!ه‬

‫‪ 392‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫قال‪ :‬لمّا رأى أمير المؤمنين صلوات اهلل عليه غدر الناس ب!!ه ل!!زم بيت!!ه‪،‬‬
‫وأقبل على القرآن يؤلِّفه ويجمعه(‪.)878‬‬
‫وروى عنه×‪ ،‬قال‪ :‬آلى على نفسه أن ال يض!!ع رداءه على عاتق!!ه‪ ،‬إالّ‬
‫للص!!الة؛ حتّى يؤلِّ!!ف الق!!رآن ويجمع!!ه‪ ،‬ف!!انقطع عنهم م!!دّةً إلى أن‬
‫جمعه(‪.)879‬‬
‫وقال ابن النديم ـ بسندٍ ي!!ذكره ـ ‪ :‬إنّ عليّ!!اً× رأى من الن!!اس‬
‫طِيَرةً عند وفاة النبيّ|‪ ،‬فأقس!!م أن ال يض!!ع رداءه حتّى يجم!!ع الق!!رآن‪،‬‬
‫فجلس في بيته ثالثة أيّام حتّى جمع القرآن(‪.)880‬‬
‫وعن اإلمام الباقر× قال‪ :‬ما من أحدٍ من الن!!اس يق!!ول‪ :‬إنّ!!ه جم!!ع‬
‫القرآن كلّه كما أنزل اهلل إالّ كذّابٌ‪ .‬وما جمعه وما حفظه كما أنزل‬
‫اهلل إالّ عليّ بن أبي طالب(‪.)881‬‬
‫وعنه× قال‪ :‬ما ن!!زلت آي!!ةٌ على رس!!ول اهلل| إالّ أقرأنيه!!ا وأماله!!ا‬
‫عليَّ‪ ،‬فأكتبها بخطّي‪ .‬وعلَّمني تأويلها وتفسيرها‪ ،‬وناسخها ومنسوخها‪،‬‬
‫ومحكمها ومتشابهها‪ ،‬ودعا اهلل لي أن يعلِّمني فهمها وحفظها‪ .‬فما نس!!يتُ‬
‫آيةً من كتاب اهلل‪ ،‬وال علماً أماله عليَّ فكتبته‪ ،‬منذ دعا لي ما دعا(‪.)882‬‬
‫وتقريب االستدالل‪ :‬إنّ جمع القرآن عقب موت الن!!بيّ| على ت!!رتيب‬
‫النزول يدّل على أنّ اإلمام× لم يرضَ بالجمع والترتيب الموجود في هذا‬
‫القرآن‪ ،‬فلو كان ترتيب آيات القرآن بأمرٍ من النبيّ لما خالف اإلمام هذا‬
‫الترتيب‪.‬‬
‫وضمُّ هذه الطوائف الثالثة من الروايات إلى بعض!ها ي!دلّ على أنّ‬
‫اآليات القرآنية في عهد النبيّ ك!!انت مرتب!!ةً بحَسَ! ب ت!!رتيب ال!!نزول‪،‬‬
‫فكانت المكّيات في السور المكّية‪ ،‬والمدنيات في الس!!ور المدني !ة‪ .‬خالف!!اً‬
‫لما نراه في القرآن الذي بين أيدينا‪ ،‬من وج!!ود آي!ات مدني!ة وض!!عت في‬
‫سور مكّية‪ ،‬ووجود آيات مكّية وضعت في س!!ور مدني !ة؛ أو ك!!ون آي !ات‬
‫نازلة في أواخر عهد الن!!بي| واقع!!ةً في س!!ور نازل!!ة في أوائ!!ل الهج!!رة‪،‬‬
‫كآيات الرِّبا‪ ،‬التي تُعَدّ من آخ!!ر م!!ا ن!!زل على النبي|‪ ،‬وهي واقع!!ةٌ في‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪393‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫سورة البقرة‪ ،‬وغيرها من اآليات‪ .‬فكلّ ذلك يورث الجَزْم لنا أنّ ت!!رتيب‬
‫بعض اآلي!!ات القرآني!!ة على م!!ا ه!!و علي!!ه اآلن ليس إالّ باجته!!ادٍ من‬
‫الصحابة(‪.)883‬‬

‫تساؤالتٌ مشروعة‬
‫وممّا استدلّ ب!!ه العالّم!!ة الطباطب!!ائي على وج!!ود التع!!ارض بين‬
‫المصحف العثماني الموجود بين أيدينا والمصحف الذي قام النبيّ| بجمعه‬
‫وترتيبه‪ ،‬ومنه إلى القول بعدم توقيفية ترتيب آي!ات الق!!رآن الكريم‪ ،‬ه!!و‬
‫الخاص!! ة‬
‫ّ‬ ‫المصحف المعروف بـ (مصحف عليٍّ×)‪ .‬فق!!د ورد عن طري!!ق‬
‫والعامّة أنّ عليّاً× جمع القرآن على ت!رتيب ال!نزول عقب الن!بيّ|‪ ،‬وه!و‬
‫يختلف عن ترتيب اآليات الموجودة في المصحف العثماني‪ .‬ممّا يؤيِّد أنّ‬
‫الترتيب الموجود في هذا المصحف لم يكن بأمرٍ من النبيّ|‪ ،‬وإنّما ك!!ان‬
‫برأيٍ واجتهاد من الصحابة‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬ممّا ال شَكَّ فيه أنّ اإلم!!ام أم !ير المؤمنين× ك!!ان من أوّل‬
‫األصحاب الذين جمعوا القرآن‪ .‬وقد ثبت متواتراً أنّه ك!!ان ل!ه مص!!حفٌ‬
‫يسمّى بـ (مصحف عليّ×)‪ .‬ولكنْ ه!!ل ه!!ذا المص!!حف كُتب بع!!د وف!!اة‬
‫النبيّ|؟ وهل ترتيب آياته يختلف عن ت!!رتيب آي !ات المص!!حف العثم!!اني؟‬
‫وبعبارةٍ أخرى‪ :‬هل جمع اإلمام آيات هذا المصحف حَسْب ت!!رتيب ن!!زول‬
‫اآليات؟ وما الذي يميِّز هذا المصحف عن المص!!حف العثم!!اني المت!!داول‬
‫بيننا؟‬
‫المشهور بين المؤرِّخين أنّ اإلم!!ام عليّ!!اً×‪ ،‬بع!!دما ت!!وفي الن!!بيّ|‪،‬‬
‫وبعدما أبعدوه عن الخالفة‪ ،‬جلس في داره‪ ،‬ولم يخ!!رج منه!!ا حتّى جم!!ع‬
‫القرآن‪.‬‬
‫يقول ابن شهرآش!!وب‪ :‬إنّه× آلى على نفس!!ه أن ال يض!!ع رداءه على‬
‫عاتقه‪ ،‬إالّ للصالة‪ ،‬حتّى يؤلِّف القرآن ويجمعه‪ ،‬فانقطع عنهم م!!دّةً إلى‬
‫أن جمعه(‪.)884‬‬

‫‪ 394‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫وقال ابن النديم ـ بسندٍ ي!!ذكره ـ ‪ :‬إنّ عليّ!!اً× رأى من الن!!اس‬


‫طيرة عند وف!!اة الن!!بيّ|‪ ،‬فأقس!!م أن ال يض!!ع رداءه حتّى يجم!!ع الق!!رآن‪،‬‬
‫فجلس في بيته ثالثة أيام حتّى جمع القرآن(‪.)885‬‬
‫هذا هو المعروف بين العلماء‪ .‬إالّ أنّ البحث والتحقيق يورث عندنا‬
‫الشكّ في كثيرٍ من هذه الروايات؛ إذ كيف يقوم اإلمام× بجمع الق!!رآن‬
‫بعد وفاة النبيّ|‪ ،‬وهو الذي ك!!ان مالزم!!اً للن!!بيّ|‪ ،‬ويكتب جمي!ع اآلي!ات‬
‫النازلة عليه|‪ ،‬مع تأويلها وتفس !يرها‪ ،‬وبي !ان ناس!!خها ومنس!!وخها‪ ،‬وغ !ير‬
‫ذلك؟!‬
‫وكيف جمع القرآن بعد النبيّ| وقد ورد عنه× أنّه قال‪ :‬فما نزلَتْ‬
‫على رس!!ول اهلل آي!!ةٌ من الق!!رآن إالّ أقرأنيه!!ا‪ ،‬وأماله!!ا عليَّ‪ ،‬فكتبتُه!!ا‬
‫بخطّي‪ ،‬وعلّم!!ني تأويله!!ا وتفس!!يرها‪ ،‬وناس!!خها ومنس!!وخها‪ ،‬ومحكمه!!ا‬
‫ومتشابهها‪ ،‬وخاصّها وعامّها‪ ،‬ودعا اهلل أن يعطي!!ني فهمه!!ا وحفظه!!ا‪ ،‬فم!!ا‬
‫نسيت آيةً من كتاب اهلل‪ ،‬وال علماً أماله عليَّ وكتبتُه‪ ،‬منذ دع!!ا اهلل لي‬
‫بما دعا(‪)886‬؟!‬
‫وفي احتجاجه على جماعةٍ من األنصار والمهاجرين قال‪ :‬يا طلح!!ة‪،‬‬
‫إنّ كل آية أنزلها اهلل تعالى على محمدٍ| عندي‪ ،‬بإمالء رسول اهلل وخ!!طّ‬
‫يدي‪ ،‬وتأويل كلّ آية أنزله!!ا اهلل تع!!الى على محم!!دٍ|‪ ،‬وك!!لّ حاللٍ أو‬
‫حرامٍ‪ ،‬أو حدٍّ أو حكمٍ‪ ،‬أو شيءٍ تحتاج إليه األمّة إلى يوم القيامة‪ ،‬فه!!و‬
‫عندي مكتوبٌ‪ ،‬بإمالء رسول اهلل وخطّ يدي‪ ،‬حتّى أرش الخدش(‪.)887‬‬
‫إنّ هذه الروايات تبين بشكلٍ واضح أنّ جمع اإلمام× لآلي!!ات ك!!ان‬
‫بإمالءٍ من رسول اهلل|‪ ،‬ومعنى ذلك أنّ اإلمام× كان قد جمع الق!!رآن في‬
‫حياة النبيّ|‪ ،‬خصوصاً إذا تأمَّلنا في ه!!ذه الفق!!رة من قوله×‪« :‬إنّ ك!!لّ‬
‫آيةٍ أنزلها اهلل تعالى على محمدٍ| عندي‪ ،‬بإمالء رسول اهلل وخطّ يدي»‪.‬‬
‫ومع هذا‪ ،‬كيف يُقال‪ :‬كتب القرآن بعد وفاة النبيّ|؟!‬
‫وهَبْ أنّ اإلمام× كتب القرآن للمرّة األخيرة بعد وفاة النبيّ|‪ ،‬فما‬
‫هي الفائدة من هذه الكتابة‪ ،‬بعدما كان قد كَتَبَه من قَبْلُ؟!‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪395‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫بحَس!! ب الظ!!رف الطبيعي‪ ،‬أن يكتب‬‫َ‬ ‫وأساس!!اً ه!!ل يمكن لإلم!!ام×‪،‬‬


‫القرآن‪ ،‬مع تفسيره وتأويله‪ ،‬وبيان ناسخه ومنسوخه‪ ،‬ومحكمه ومتش!!ابهه‪،‬‬
‫في أيامٍ قليلة ال تتجاوز الثالثة؟!‬
‫ومن هنا يتّضح لنا أنّ المصحف الذي كتب!!ه ك!!ان ق!!د كتب!!ه في‬
‫حياة النبيّ|‪ ،‬كغيره من المصاحف التي كُتبَتْ في زمن الن!!بيّ| على ي!د‬
‫بعض الص!حابة‪ ،‬مث!ل‪ :‬ابن مس!عود؛! وأُبيّ بن كعب؛ وغ!يرهم‪ ،‬م!ع ه!ذا‬
‫الفارق‪ ،‬وهو أنّ مصحف اإلمام× تض!!مَّن ش!!رح اآلي!ات وتأويله!!ا‪ ،‬وبي!ان‬
‫ناسخها ومنسوخها‪ ،‬ومحكمه!!ا ومتش!!ابهها‪ ،‬أمّ!!ا غ!يره من المص!!احف فال‬
‫تحتوي إالّ اآليات اإللهية‪.‬‬
‫أمّا الروايات التي ذكرت أنّ اإلمام× تصدّى لجمع القرآن بعد وفاة‬
‫النبيّ| فهي روايات ال يمكن قبولها‪ ،‬بل القرائن والشواهد دالّةٌ على أنّه!!ا‬
‫رواياتٌ موض!!وعة‪ ،‬ق!!ام الوضّ! اعون بوض!!عها؛ ليش!!وِّهوا موق!!ف اإلم!!ام‬
‫المعارِض للسلطة‪ ،‬وليظهروا للناس أنّ س!!بب غي !اب اإلم!!ام عن الس!!احة‪،‬‬
‫وعدم تواجده ومساندته للسلطة الحاكمة‪ ،‬كان النشغاله بجم!!ع وت!!ألي!ف‬
‫القرآن‪ ،‬ال كما يزعم الشيعة‪ ،‬أنّ ذلك كان لرفض اإلمام وع!!دم قبول!!ه‬
‫لخالفة الخلفاء‪ .‬وقد تنبَّه إلى ذلك السيد البروجردي في تقرير أبحاثه‬
‫األصولية(‪.)888‬‬
‫ثمّ كيف اختصّت كتابة اآليات حَسْب نزولها باإلم!!ام عليّ×‪ ،‬م!!ع‬
‫أنّ عدداً كبيراً من كُتّاب الوَحْي كتبوا اآلي!ات القرآني!ة حَسْ! ب م!!ا‬
‫سمعوه من الرسول‪ ،‬وطبقاً لما أماله عليهم؟! فكلَّم!!ا ك!!انت ت!!نزل آي!ة‬
‫على النبيّ| كان يدعو أحد أصحابه الذين يمارس!!ون الكتاب!!ة‪ ،‬ثمّ ي!!أمره‬
‫بكتابة ما نزل عليه من اآليات‪ ،‬وقد تقدَّم ذكر بعض تلك األخبار‪.‬‬
‫ومن هنا يتّضح لنا معنى الحديث المرويّ عن اإلم!!ام الب!!اقر×‪ :‬م!!ا‬
‫ادَّعى أحدٌ من النّاس أنّه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إالّ كذّابٌ‪ ،‬وما‬
‫جمعه وحفظه كما نزَّله اهلل تعالى إالّ عليّ بن أبي ط!!الب واألئمّة^ من‬
‫بعده(‪.)889‬‬

‫‪ 396‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫فإنّ ما أراده اإلمام في هذا الرواي !ة لم يكن جم!!ع الق!!رآن حَسْ! ب‬


‫نزول اآليات؛ إذ ما من صحابيٍّ جمع الق!!رآن إالّ وك!!ان جمع!!ه حَسْ! ب‬
‫نزول اآليات؛ فإنّ الصحابة لم يكتبوا شيئاً من اآليات إالّ بعد سماعها من‬
‫النبيّ|‪ ،‬فقد ك!!ان يملي عليهم م!!ا ي!نزل علي!ه من اآلي !ات‪ .‬وإنّم!!ا أراد×‬
‫كتابة اآليات مع ما له!!ا من تفس!يرٍ وتأوي!ل‪ ،‬ومحكم ومتش!!ابه‪ ،‬وناس!!خ‬
‫ومنسوخ‪ ،‬وما يهدف إليه من تعاليم وأغراض‪ ،‬وغير ذل!!ك‪ .‬ول!!ذلك ورد‬
‫في الروايات أنّ طول مصحف اإلم!ام عليّ× س!!بعون ذراع!اً‪ .‬ق!ال اإلم!ام‬
‫الصادق×‪« :‬إنَّ عِنْ!!دَنَا صَ! حِيفَةً طُولُهَ!!ا سَ! بْعُونَ ذِرَاع!!اً‪ ،‬إِمْالءُ‬
‫رَسُولِ اهللِ| ‪ ،‬وخَطَّهُ عَلِيٌّ بِيَدِهِ‪ .‬وإِنَّ فِيهَا لَجَمِيعَ مَا يَحْتَ!!اجُ‬
‫إِلَيْ!!هِ النَّ!!اسُ‪ ،‬حَتَّى أَرْشُ الْخَ!!دْشِ»(‪ .)890‬وإنّم!!ا ص!!ار المص!!حف‬
‫سبعون ذراعاً لما يحتوي من تفس !يرٍ وتاوي !لٍ وتع!!اليم لم تُ!!ذْكَر في‬
‫ظاهر اآليات‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فما ذهب إلي!ه أك!!ثر الكتّ!!اب والمحقِّقين‪ ،‬من أنّ اإلم!!ام×‬
‫جمع ودوَّن اآليات القرآنية حَسْ! ب ت!!رتيب نزوله!!ا‪ ،‬غ !يرُ صحيحٍ؛ ألنّ‬
‫ذلك ال يُعَدّ من مختصّات مصحف اإلمام عليّ×‪ ،‬بل ما اختصّ به اإلمام‪،‬‬
‫كم!!ا قلن!!ا‪ ،‬ه!!و معرف!!ة تفس!ير وتأوي!ل اآلي!ات‪ ،‬وتمييز محكماته!!ا عن‬
‫متشابهاتها‪ ،‬وناسخها عن منسوخها‪ ،‬العلم الذي خصَّ به النبيّ| عليّاً‪ ،‬ولم‬
‫يعلِّمْه ألحدٍ من أصحابه‪.‬‬
‫وأمّا قولهم‪ :‬إنّ ترتيب آيات مص!!حف اإلم!!ام× يختل!!ف عن ت!!رتيب‬
‫آيات المصحف العثماني فهو كالمٌ غير دقيق؛ إذ من الواضح أنه لم يعتمد‬
‫على دراسة مصحف اإلمام× مباشرةً؛ ألنّ!!ه لم يصِ! لْ إلين!!ا؛ ف!!إنّ اإلم!!ام‬
‫بعدما خرج بالمصحف إلى القوم أنكروا عليه‪ ،‬وق!!الوا ل!ه‪ :‬إن يكن عن!دك‬
‫قرآن فعندنا مثله‪ ،‬فال حاجة لنا فيه‪ ،‬فقال لهم‪ :‬إذن لن يراه أحدٌ بعد هذا‪،‬‬
‫حتى يظهر ولدي القائم‪ ،‬فيحم!!ل الن!!اس على تالوت!!ه‪ ،‬والعم!!ل بأحكام!!ه‪،‬‬
‫وي رفع اهلل هذا المصحف إلى السماء‪ ،‬ثمّ عاد به‪ ،‬ولم يظهره ألح!!دٍ حتّى‬
‫توارثه أئمّة أهل البيت واحداً تلو اآلخر‪ ،‬إلى أن وصل إلى اإلمام الحجّ!!ة‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪397‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫بن الحسن‪.#‬‬
‫وإنّما ذهبوا إلى ذل!!ك؛ لم!!ا فهم!!وه من األخب!!ار والرواي !ات ال!!تي‬
‫وصفَتْ هذا المصحف الشريف بأنّه مكتوبٌ حَسْب ما أنزله اهلل‪ ،‬أو كما‬
‫أُنزل على النبيّ‪ ،‬كرواية اإلمام الصادق× قال‪ :‬أما واهللِ لو قُرئ الق!!رآن‬
‫كما أُنزل أللفيتمونا فيه مسمَّين‪ ،‬كما سُمِّي مَنْ كان قبلنا(‪.)891‬‬
‫إالّ أنّ هذا الفهم والتفسير غير تامٍّ‪ ،‬ب!ل الم!!راد أنّ ذك!!ر أس!!ماء‬
‫األئمّة لم يكن في ألفاظ اآليات‪ ،‬وإنّما هي م!!ذكورةٌ م!!ا وراء الس!!طور‪،‬‬
‫وفي باطن اآليات‪ .‬وهذا ما أراده اإلمام‪.‬‬
‫وقد ورد أنّ ثلث القرآن نزل فيهم؛ حيث رُوي عن األصبغ بن نباتة‬
‫أنه قال‪ :‬سمعتُ أمير المؤمنين× يقول‪ :‬ن!!زل الق!!رآن أثالث!!اً‪ :‬ثلثٌ فين!!ا‬
‫وفي عدوّنا‪ ،‬وثلثٌ سنن وأمثال‪ ،‬وثلثٌ فرائض وأحكام(‪ ،)892‬فال معنى ألن‬
‫يكون هذا العدد الكبير من اآليات قد صرّح بأسماء األئمّة^!‬
‫وعليه‪ ،‬يتبين أنّ مقصود اإلمام أنّه ن!!زل في ش!!أنهم ومقام!!اتهم‪ ،‬ال‬
‫في ذكر أسمائهم‪.‬‬
‫وهكذا في الحديث المذكور آنفاً‪« :‬لو قرئ القرآن كم!!ا أُن!!زل»‪،‬‬
‫يع!!ني ل!!و ق!!رئ بتفس!ي!ره وبم!!ا تحتوي!ه اآلي!ات من مع!!نىً في داخله!!ا‬
‫لوجدتمونا مذكور!ين في القرآن؛ ألنّ ثلث القرآن نزل فينا‪.‬‬
‫كانت هذه أهمّ األدلّة التي استند إليه!!ا العالّم!!ة الطباطب!!ائي على‬
‫عدم توقيفية ترتيب اآليات‪ ،‬وقد رأيْتَ أنّها غير صامدةٍ أمام النقد‪.‬‬

‫المحور الثاني‪ 6:‬التوقيفية بالدليل والبرهان‪6‬‬


‫استدلّ المشهور على توقيفية ترتيب اآليات القرآنية بع!!دّة أدلّ!!ةٍ‪،‬‬
‫نشير إلى بعضها‪:‬‬

‫األ ّول‪ :‬تأكيد القرآن‪ 6‬على توقيفية ترتيب اآليات‬


‫لقد صرَّح الق!!رآن الكريم في عش!!رات اآلي!ات أنّ جمي!ع كلمات!!ه‬

‫‪ 398‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫وآياته‪ ،‬مع ما تحتوي من نظمٍ وترتيب فيما بينه!!ا‪ ،‬هي من اهلل س!!بحانه‪.‬‬
‫ومن تلك اآليات‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اهللِ نُ!!ورٌ وَكِتَ!!ابٌ‬
‫مُبِينٌ﴾ (المائدة‪)15 :‬؛ وقول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬إِنَّ!!ا نَحْنُ نَزَّلْنَ!!ا عَلَيْ!!كَ‬
‫الْقُرْآنَ تَنْزِيالً﴾ (اإلنس!!ان‪)23 :‬؛ وقول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬وَإِنَّ!!كَ لَتُلَقَّى‬
‫الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ﴾ (النمل‪ ،)6 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬وَنَزَّلْنَا‬
‫عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَ! يْءٍ وَهُ!!دىً وَرَحْمَ!!ةً وَبُشْ! رَى‬
‫لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (النحل‪.)89 :‬‬
‫وهذه اآليات صريحةٌ في أنّ ه!!ذا الكت!!اب منس!!وبٌ إلى اهلل تع!!الى‪،‬‬
‫وأنّه نزل من عنده سبحانه‪ ،‬ونحن نعلم أنّه ال تص!!حّ نس!!بة كت!!ابٍ إلى‬
‫أحدٍ إالّ إذا ثبت أنّ ألفاظ الكتاب وعباراته المنس!!جمة فيم!!ا بينه!!ا من!!ه‪.‬‬
‫وهكذا بالنسبة إلى هذا الكتاب السماويّ‪ ،‬ال تصحّ نسبته إلى اهلل تعالى إالّ‬
‫إذا كانت جميع ألفاظه وآياته والترتيب القائم بينها من اهلل تع!!الى‪ .‬وق!!د‬
‫أثبت القرآن الكريم ذلك في قول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬وَقَ!!الَ الَّ!!ذِينَ كَفَ!!رُوا‬
‫لَوْالَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِ!!هِ‬
‫فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيالً﴾ (الفرقان‪ .)32 :‬والترتيل بمعنى التنس!!يق‬
‫والتنضيد‪ .‬يقول العالّمة المصطفوي‪ :‬رتَّ!!ل الكالم أي إذا أحس!!ن تأليف!!ه‬
‫وتنسيقه وأبانه ونظَّمه(‪ .)893‬ويقول الزمخشري‪ :‬رتَّل الق!!رآن ت!!رتيالً‪:‬‬
‫إذا ترسَّل في تالوته وأحس!!ن ت!!آليف حروفه(‪ .)894‬وب!!ذلك يتَّض!!ح أنّ‬
‫ترتيب آيات القرآن الكريم وتأليفها من اهلل تعالى‪.‬‬
‫وفي هذه اآليات أيضاً ردٌّ على بعض الرواي !ات ال!!تي اس!!تند إليه!!ا‬
‫العالّمة الطباطبائي‪ ،‬كرواية زيد بن ث!!ابت ق!!ال‪ :‬قبض الن!!بيّ| ولم يكن‬
‫القرآن جُمع في شيءٍ؛ فإنّ عدم جمع القرآن ال ينسجم مع تعابير اآليات‬
‫التي عبَّرَتْ عن القرآن بالكتاب؛ فإنّ التعبير بالكتاب ال يطلق على آياتٍ‬
‫وجملٍ متناثرة على خشبٍ وعسبٍ وقراطيس وغيرها‪.‬‬
‫أضِفْ إلى ذلك أنّنا نجد التناقض الواضح في كالم العالّمة؛ فه!!و‬
‫من جهةٍ يذكر أنّ اآليات كانت مرتّبةً عن!!د الن!!بيّ| بحَسَ! ب نزوله!!ا‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪399‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫فكانت المكّيات في السور المكّي !ة والم!!دنيات في الس!!ور المدنيّ !ة؛ ومن‬


‫جهةٍ أخرى نرى أنّه يستند إلى رواياتٍ وأخب!!ار صريحة في أنّ الق!!رآن‬
‫حَس!! ب ال!!نزول وهي‬
‫ْ‬ ‫لم يجمع في عهد النبيّ|‪ ،‬فكيف يكون ترتيب اآليات‬
‫لم تُجْمَع بعد؟!‬

‫الثاني‪ 6:‬إطالق لفظ السورة في اآليات‪6‬‬


‫لقد جاء في عدّةٍ من اآليات القرآنية التعبير بالسورة والسور‪ ،‬ق!!ال‬
‫تعالى‪﴿ :‬أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُ!!وا مَنِ‬
‫اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اهللِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينََ﴾ (يونس‪ ،)38 :‬وق!!ال‬
‫سبحانه‪﴿ :‬أَمْ يَقُولُونَ افْتَ!!رَاهُ قُ!!لْ فَ!!أْتُوا بِعَشْ! رِ سُ! وَرٍ مِثْلِ!!هِ‬
‫اس!!! تَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اهللِ إِنْ كُنْتُمْ‬ ‫مُفْتَرَيَ!!!اتٍ وَادْعُ!!!وا مَنِ ْ‬
‫صَادِقِينَ﴾ (هود‪.)13 :‬‬
‫فقد تحدّى اهلل سبحانه الكفّار والمشركين أن يأتوا بعشر سورٍ أو‬
‫بس!!ورةٍ مث!!ل س!!ور الق!!رآن‪ ،‬ولي!دعوا ويس!!تعينوا بمَنْ يري!دون‪ ،‬ولكنْ‬
‫فليعلموا أنّهم ال يستطيعون أن يأتوا بسورةٍ مثل سور القرآن‪ ،‬ولو ك!!ان‬
‫بعض!!هم لبعضٍ ظه!!يراً‪ .‬وليس معنى الس!!ورة في ه!!ذه اآلي!!ات مج!!رّد‬
‫الحروف والكلمات واآليات المتناثرة في القرآن‪ ،‬وإنّما المراد من الس!!ورة‬
‫هو ما يفهمه الجميع عن!!د س!!ماعهم (س!!ورة قرآني !ة)‪ ،‬وهي الطائف!!ة من‬
‫اآليات الكريمة المحاطة ببسملتين‪ ،‬سُ! مِّيَتْ ب!!ذلك تشبيهاً له!!ا بسُ! ور‬
‫المدينة‪ ،‬وهو البناء المحيط بها(‪)895‬؛ فإنّ الترتيب والتنس!!يق الرائ!!ع بين‬
‫آيات سور القرآن هو الذي جعل اهلل تعالى يتحدّى المشركين ب!!أن ي !أتوا‬
‫بسورةٍ‪.‬‬
‫إذن المقصود بالسورة والسور في هذه اآلي !ات هي الس!!ور ال!!تي في‬
‫الق!رآن‪ ،‬س!واء ك!انت تل!!ك الس!ورة من الس!ور الط!!وال أو من الس!!ور‬
‫القصيرة‪ ،‬وليس المراد بها هو مجرد آيات أو كلمات القرآن‪ ،‬وإالّ لعبَّ!!ر‬
‫عنها باآلية أو اآليات‪ ،‬كما عبَّر في قوله تعالى‪﴿ :‬أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ‬

‫‪ 400‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• التوقيفية في ترتيب اآليات القرآنية‪ ،‬قراءة نقدية في نظرية الطباطبائي‬

‫بَلْ الَ يُؤْمِنُونَ فَلْيَأْتُوا بِحَ!!دِيثٍ مِثْلِ!!هِ إِنْ كَ!!انُوا صَ! ادِقِينَ﴾‬
‫(الطور‪ .)34 :‬إذن المقصود من سورةٍ واحدة أو عشر س!!ورٍ هي الس!!ور‬
‫القرآنية التي ال يستطيع أن يأتي بمثلها أحدٌ إالّ اهلل تعالى‪ .‬وعليه‪ ،‬فكيف‬
‫يُقال‪ :‬إنّ ترتيب آيات السور القرآنية كان باجته!!ادٍ من الص!!حابة‪ ،‬وهم‬
‫الذين جمعوا اآليات المتناثرة في موضعٍ واح!!د‪ ،‬وص!نعوا منه!ا س!ورةً؟!‬
‫أليس هذا يخالف قوله تعالى ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ‬
‫ص!! ادِقِينَ﴾‬
‫مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اهللِ إِنْ كُنْتُمْ َ‬
‫(يونس‪.)38 :‬‬

‫النتيجة‬
‫وبهذه الدراسة المختصرة يتَّضح لنا أنّ ما استدلّ به العالّم!!ة من‬
‫الروايات غيرُ تامٍّ‪:‬‬
‫فأمّا روايات الجم!!ع األوّل فهي‪ ،‬م!!ع إرس!!الها وتناقض!!ها‪ ،‬تع!!ارض‬
‫مسألة إعج!!از الق!!رآن‪ ،‬كم!!ا أنّه!!ا تع!!ارض أيض!!اً الرواي!ات المت!!واترة‬
‫المرويّة عن أهل البيت^ في أنّ القرآن جمع في زمن النبيّ|‪.‬‬
‫وأمّا رواي ات البسملة فهي‪ ،‬باإلضافة إلى تعارضها مع روايات أخرى‪،‬‬
‫فإنّها ذكرت االبتداء واالنتهاء البَدْويّ للسور‪ ،‬وأنّ السورة يجب أن تبدأ‬
‫وتنتهي بالبسملة‪ ،‬ولم تمنع من ض!!مّ آي !اتٍ أخرى إلى الس!!ور المكتمل!!ة‬
‫بالبسملتين‪ ،‬وقد نصّ في بعض األخبار على ذلك‪.‬‬
‫وأمّا روايات مصحف عليّ× فهي‪ ،‬وإنْ دلَّتْ على أنّ اإلمام كان له‬
‫مصحفٌ‪ ،‬إالّ أنّ ذلك المصحف ال يختلف عن المصحف ال!!ذي كتب!!ه في‬
‫زمن النبيّ|‪ ،‬والذي تتوارثه األجيال إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫كما اتّضح لنا في المحور الثاني‪ ،‬من خالل بعض اآلي !ات الكريم!!ة‪،‬‬
‫أنّ الترتيب القائم بين اآليات القرآنية من اهلل تعالى‪.‬‬
‫وبذلك تتّضح لن!!ا نتيج!!ة البحث‪ ،‬وهي أنّ الصحيح ه!!و توقيفي !ة‬
‫ترتيب اآليات القرآنية‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪401‬‬
‫• الشيخ عيسى محسني ‪ /‬د‪ .‬الشيخ محمد هادي المنصوري‬

‫الهوامش‬

‫‪ 402‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫الرضا×‬ ‫الحضور العلم ّي والتربو ّ‬


‫ي لإلمام‬
‫مقاربةٌ فكريّة في التاريخـ والمعاصرة‬
‫(*)*)‬
‫أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫نحتاجُ دائماً إلى إعادة قراءة تراثنا ال!!ديني‪ ،‬ومراجع!!ة كث!!ير من‬
‫تحوُّالت تاريخنا العربيّ واإلسالميّ(‪ ،)896‬والتمعُّن في مختل!!ف أحداث!!ه‬
‫ووقائعه الكثيرة‪ ،‬التي امتدّت لق!!رون عدي!!دة‪ ،‬وخاص!!ة ت!!اريخ أه!!ل بيت‬
‫النبوّة^‪ ،‬ممَّنْ كانتْ لهم تعاليمهم السامية‪ ،‬وأساليبهم العملي!!ة الرائ!!دة‬
‫في الدعوة إلى اإلس!!الم‪ ،‬ومح!!اولتهم ترك!!يزه في واق!!ع األمّ!!ة وَعْي!!اً‬
‫ومسؤوليات فردي!!ة وجماعي!!ة‪ ،‬ال ب!!القول فق!!ط‪ ،‬ب!!ل بالق!!دوة واألس!!وة‬
‫الحَسَنة‪ ،‬في انخراطهم الميداني التربوي والعلمي م!!ع الن!!اس في مواق!!ع‬
‫الحياة والمسؤوليّات العملية‪.‬‬
‫ونحن هنا نتابع هذه القراءات مع أحد أئمّتنا العظام^‪ ،‬وه!!و اإلم!!ام‬
‫عليّ الرضا×‪ .‬ولكنْ ال بُدَّ لنا قب!!ل الب!!دء بتحلي!!ل ه!!ذا الج!!انب العلمي‬
‫والتربوي الهامّ من حيات!!ه المبارك!!ة‪ ،‬من الوق!!وف مليّ!!اً أم!!ام حقيق!!ة‬
‫المالبسات السياسية واألوضاع االجتماعية العامة التي عايش!!ها× في ذل!!ك‬
‫العصر من تاريخ األمّة‪ ،‬ومحاولة استيعاب معالمها الرئيسة‪ ،‬ومتغيِّراته!!ا‬
‫التاريخية في سياق وَعْيه× لها‪ ،‬ولتمثُّالتها الواقعية‪ ،‬وامتالك!!ه لرؤي!!ةٍ‬
‫إسالمية موضوعية في مواجهتها‪ ،‬والتكيُّ!!ف اإليج!!ابي الفاع!!ل م!!ع بعض‬
‫عناصرها الضاغطة التي فرضَتْ نفسها عليه في هذا الموقع أو ذاك‪ .‬فم!!ا‬
‫هي ه!!ذه التغيُّ!!رات؟‍‍! وم!!ا هي األج!!واء الفكري!!ة والثقافي!!ة الجدي!!دة‬
‫ٌ‬
‫باحث وكاتبٌ في الفكر العرب ّي واإلسالم ّي‪.‬ـ من سوريا‪.‬‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪403‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫المترافقة مع اتّساع تلك الظروف والمتغيّرات التي يمكن أن نعتبره!!ا ـ‬


‫بشكلٍ أو بآخر ـ امت!داداً تاريخيّ!اً وسياس!يّاً للمرحل!ة الزمنيّ!ة ال!تي‬
‫سبقَتْها‪ ،‬مع بعض االختالف في المالمح العامّة؟!‬
‫صة‪ 6‬بعصر اإلمام الرضا×‬
‫المبحث األ ّول‪ :‬الظروف واألوضاع التاريخية‪ 6‬الخا ّ‬
‫‪1‬ـ ازدهار الحياة العلميّة‬
‫يصفُ المؤرِّخون وكُتّاب السِّيَر والتراجم العصرَ ال!!ذي ع!!اش‬
‫فيه اإلمام الرضا× بالعصر الذهبيّ(‪)897‬؛ وذلك بالنظر إلى ازدهار نش!!اطه‬
‫العلمي‪ ،‬وتوسُّع دوائر حركيّته الفكري!!ة والمعرفي!!ة‪ ،‬وتط!!وّر عمران!!ه‬
‫االجتماعي واالقتصادي‪ ...‬فقد نشطت في ذلك العص!!ر حرك!!ةٌ كب!!يرة‬
‫إلنشاء المعاه!!د والم!!دارس التعليمي!!ة اإلس!!المية وغ!!ير اإلس!!المية(‪،)898‬‬
‫وبُنِيَتْ المكتبات العامّة(‪ ،)899‬وانطلقت حركة الترجمة والتعريب(‪...)900‬‬
‫وكان من مظاهر التقدُّم العلميّ في ذلك العصر أيضاً إنشاء المراص!!د‪،‬‬
‫ورسم الخرائط الجغرافية(‪ ،)901‬واالهتمام بعلوم التفسير والفقه والحديث‬
‫والكالم والفلسفة(‪ ،)902‬وعل!!وم النح!و واللغ!!ة واألص!!ول‪ ،‬وانتش!!ار عل!!وم‬
‫الطبّ والكيمياء والفلك(‪.)903‬‬

‫‪2‬ـ سوء الحالة‪ 6‬االقتصاديّة وتدنّي مستوى المعيشة‬


‫لقد كانت الحالة االقتصادية العامّة للبالد في ذل!!ك العص!!ر غ!!ير‬
‫مس!!تقرّةٍ‪ ،‬وذل!!ك ب!!الرغم من اإلمكان!!ات الهائل!!ة ال!!تي ت!!وفّرت أم!!ام‬
‫الدولة(‪ ، )904‬من خيرات األرض والسماء‪ ،‬وعمل اإلنسان‪ ،‬وسعة مال الخراج‪،‬‬
‫الذي بلغَتْ وَفْرَته ذات مرّةٍ حدّاً أنهم كانوا يضطرّون فيه إلى القيام‬
‫بعمليات وزن المال؛ بسبب عدم القدرة على عدِّه‪ ،‬فك!!انوا يقول!!ون مثالً‪:‬‬
‫إن!!ه س!!تّة آالف قنط!!ار من ال!!ذهب(‪ .)905‬لكنّ تل!!ك األم!!وال الض!!خمة‬
‫والثروات الهائل!!ة لم تكن موض!!وعةً في خدم!!ة عامّ!!ة الن!!اس؛ من أج!!ل‬
‫تطوير حياتهم‪ ،‬وتحسين مستوى! معيشتهم‪ ،‬بل كان الحكّ!!ام والس!!الطين‬
‫بحَس!! ب أم!!زجتهم(‪ ،)906‬وينفقونه!!ا على حواش!!يهم‬ ‫َ‬ ‫يتص!!رّفون فيه!!ا‬
‫(‪)907‬‬
‫ولي!اليهم الحم!راء‪ ،‬أو على بن!اء‬ ‫ومحاس!يبهم وأه!وائهم وش!هواتهم‬

‫‪ 404‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫القص!!ور والعم!!ارات الفارهة(‪ ،)908‬وتمكين الجي!!وش من الس!!يطرة على‬


‫المجتمع‪ .‬ومن المؤسف أنّ هذه األموال الوفيرة لم تُنْفَقْ على تحس!!ين‬
‫أوضاع المسلمين‪ ،‬وتطوير حياتهم‪ ،‬وإنّما كان الكثير منه!!ا يص!!رف على‬
‫الشهوات والملذّات الشخصيّة للحكّ!!ام ومَنْ ل!!فَّ لفيفهم‪ .‬وق!!د عكس!!ت‬
‫تلك اإلنفاقات الهائلة حالة جنون البَذْخ والتَّرَف‪ ،‬الذي عاشته بغداد في‬
‫ذلك العصر‪ ،‬وروَتْه حكايا وقصص (ألف ليلة وليلة)‪ ،‬ال!!تي مثَّلت حي!!اة‬
‫اللَّهْو والغَرَق في الشهوات‪.‬‬
‫لقد كان من الطبيعيّ جدّاً أن توجد هذه السياس!!ات الظالمة(‪ )909‬ـ‬
‫(‪)910‬‬
‫ـ حال!!ةً ض!!اغطة من الب!!ؤس‬ ‫التي انتهجها حُكّ!!ام العص!!ر العبّاسي‬
‫والحرم!!ان والفق!!ر والج!!وع على الف!!رد والمجتم!!ع كك!!لٍّ‪ ،‬أدَّتْ في‬
‫محصِّلتها النهائية (المأساوية) إلى هَدْر طاقات األمّة وثرواتها وقدراتها‬
‫وذخائرها المعنويّ!!ة والمادّيّ!!ة‪ ،‬وإس!!اءة اس!!تخدام وس!!ائل الحكم وإدارة‬
‫شؤون الناس في داخل األمّة وخارجها‪.‬‬

‫‪3‬ـ انتشار‪ 6‬الثورات‪ 6‬واالنتفاضات‪( 6‬من مظاهر التفرقة والتنابذ والصراع السياسي)‪6‬‬
‫اس!!تمرّ العبّاس!!يون في اعتم!!اد الوس!!ائل والط!!رق السياس!!ية‬
‫واالجتماعية القاسية والظالمة نفسها التي اتَّبعها أسالفهم األمويّون(‪)911‬؛‬
‫من أجل تثبيت مُلْكهم العضوض وزعامتهم على رأس الس!!لطة والحكم‪ ،‬ال‬
‫بل يمكن القول‪ :‬إنهم (أي بني العبّاس) تفوَّقوا على األمويين ـ في اتّباع‬
‫مختلف أساليب وصنوف العذاب والظلم ـ أض!!عافاً مض!!اعفة‪ ،‬حتّى وص!!ل‬
‫األمر بالناس إلى أنهم كانوا يتمنّون عودة الحكم األمويّ على ما فيه من‬
‫ويالتٍ ومآسٍ!‬
‫ومن المعروف ـ بالنسبة إلى الجميع ـ أن تلك السياس!!ات الفوقي!!ة‬
‫الظالمة قد أدَّتْ إلى إحداث فتن اجتماعية‪ ،‬وت!!وتُّرات ديني!!ة وسياس!!ية‪،‬‬
‫أسَّسَتْ (بحكم قوّة مراكزها‪ ،‬واتّساع نفوذ أقطابها) مواق!!عَ تنظيميّ!!ة‬
‫لحركة العنف والصراع والتنابذ السياس!!ي في األمّ!!ة‪ .‬وبالت!!الي أج!!برت‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪405‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫الناس ودفعَتْهم إلى حمل السالح‪ ،‬وسلوك طري!!ق ال!!دم والعن!!ف‪ ،‬وإعالن‬
‫الثورات‪ ،‬والدفاع عن الحقّ ض!!دّ النظ!!ام الح!!اكم(‪ )912‬بش!!رعيّة الق!!وّة‬
‫والنار(‪ . )913‬ولعلّ ما ورد من كالمٍ على لسان ابن أبي ذؤيب ـ في إجابته‬
‫عن سؤال المنصور الدوانيقي‪ :‬أيُّ الرجال أنا؟‍ ـ يمكن أن يك!!ون كافي!!اً‬
‫لتصوير حالة التوتُّر والضغط الذي كان يرزح تحتها أبناء المجتمع في‬
‫العهد العبّاسي‪ .‬فها هو يقول للمنصور‪« :‬أنتَ واهلل عندي ش!!رُّ الرج!!ال‪،‬‬
‫استأثَرْتَ بمال اهلل ورسوله‪ ،‬وسَهْم ذوي القربى واليت!!امى والمس!!اكين‪،‬‬
‫وأهلكْتَ الضعيفَ‪ ،‬واتّبعْتَ القويّ‪ ،‬وأمسكْتَ أموالهم»(‪ .)914‬وق!!د س!!بق‬
‫لهذا «المنصور» أن ادّعى لنفسه حقّ التصرُّف المطل!!ق بالعب!!اد والبالد‪،‬‬
‫واعتبر نفسه ظالًّ هلل على األرض‪ .‬يقول‪« :‬أيها الناس‪ ،‬إنّم!!ا أن!!ا س!!لطان‬
‫اهلل في أرضه‪ ،‬أسوسكم بتوفيقه وتسديده‪ ،‬وأنا خازن!!ه على فَيْئ!!ه‪ ،‬أعم!!لُ‬
‫بمشيئته‪ ،‬وأقسمه بإرادته‪ ،‬وأعطيه بإذنه‪ ،‬قد جعلني اهلل عليه قفالً‪ ،‬إذا ش!!اء‬
‫أن يفتحني فتحني‪ ،‬وإذا شاء أن يقفلني قفلني»(‪.)915‬‬

‫‪ 406‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫وعلى المنوال نفسه سار الهادي وهارون (الرشيد)‪ ،‬وعهد في حيات!!ه‬


‫لوالية العه!!د‪ ،‬وتقس!!يم الس!!لطنة والمل!!ك بين أوالده األمين والم!!أمون‬
‫والقاسم‪ ،‬وجعل الخالفة بينهم الواحد تلو اآلخر‪ ،‬وحدَّد لكلٍّ منهم دائرة‬
‫نشاطه وحكمه الراهن والمستقبلي‪ ،‬فأعطى األمين والي!!ة الع!!راق والش!!ام‬
‫والمغرب‪ ،‬وأعطى! المأمون من همدان حتّى آخر المشرق‪ ،‬أما القاسم فكان‬
‫نصيبه الجزيرة والثغور والعواصم(‪.)916‬‬
‫أما المأمون(‪ )917‬ـ الذي عاصره إمامنا الرضا× بشكلٍ أساس ـ فق!!د‬
‫اجتمعَتْ فيه صفات نفسيّة وسلوكية س!!لبيّة ال حَصْ! ر له!!ا‪ ،‬من الغ!!در‬
‫والخيانة والقسوة وانعدام الرحمة(‪ .)918‬ويكفيه ـ في هذا المج!!ال ـ م!!ا‬
‫فعله بأخيه األمين‪ ،‬الذي انتهت حياته بالقتل على يد الم!!أمون نفس!!ه‪ ،‬إلى‬
‫جانب اغتياله لإلمام الرضا×‪ ،‬ومقابلت!!ه للس!!ادة العل!!ويّين بمنتهى الش!!دّة‬
‫والقس!وة(‪ .)919‬ناهي!ك عمّ!ا ارتكب!ه من فظ!ائع وويالت كث!يرة بح!قّ‬
‫المجتمع واألمة ككلٍّ(‪.)920‬‬
‫نعم‪ ،‬فقد اعتاد المأمون على اتباع مختلف وسائل وأساليب التص!!فية‬
‫والقتل المنظَّم ضدّ كلّ شخصٍ يشعر (الم!!أمون طبع!!اً) بأن!!ه يش!!كِّل‬
‫خطراً على مصالحه وعرشه‪ .‬وقد رأَيْنا كيف قتل الفض!!ل‪ ،‬وبكى علي!!ه‪.‬‬
‫ثمّ قتل أخاه األمين‪ ،‬كما قلنا آنف!!اً‪ ،‬ومن ثمّ اغت!!ال اإلم!!ام الرضا×(‪،)921‬‬
‫ثمّ تظاهر بالبكاء بكاءً شديداً‪ !،‬ممّا يدلّ على دهائه ومَكْ!!ره الش!!ديدين‪!.‬‬
‫وبالرغم من كلّ ذلك فقد كان يطلب من الفض!ل باس!تمرارٍ أن يش!!يع‬
‫عنه الزهد والتقوى والورع‪ ،‬فيفعل على الدوام(‪.)922‬‬

‫‪4‬ـ ش‪66‬يوع االنحراف‪66‬ات‪ 6‬الفكريّ‪66‬ة والعقائديّ‪66‬ة (انتش‪66‬ار مظ‪66‬اهر التحري‪66‬ف في المض‪66‬امين‪6‬‬


‫الموضوعية الحيّة للتجربة‪ 6‬اإلسالمية الصحيحة)‬
‫تحدَّثنا سابقاً عن بعض معالم عصر اإلمام عليّ الرضا×‪ ،‬وذكَرْنا‬
‫بأنه قد تميَّ!!ز باالنفت!!اح العلمي والتواص!!ل الحض!!اري(‪ )923‬بين مختل!!ف‬
‫الثقافات والحضارات‪ ،‬األمر الذي ساعد على نموّ حركة الفكر والمعرفة‪،‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪407‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫خصوصاً بعد اعتماد أسلوب الترجمة ونقل سائر العلوم والمعارف‪.‬‬

‫‪ 408‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫لكنّ هذا التفاعل والتبادل الحضاري الذي حدث بين تلك المع!!ارف‬
‫والفلسفات والطروح!!ات الثقافي!!ة‪ ،‬وأنم!!اط التفك!!ير‪ ،‬وال!!رؤى الفكري!!ة‬
‫والعقائدية المختلفة‪ ،‬لم يكن ليمرّ دون أن يترك آثاراً جانبيّ!!ة خط!!يرة‬
‫على مستوى نش!!وء ردود أفع!!ال معيَّن!!ة (ش!!اذّة وخالف م!!ا ه!!و س!!ائد)‬
‫ان!!دفعَتْ إلى س!!طح الواق!!ع‪ ،‬وتمثَّلت بظه!!ور مجموع!!ةٍ من التش!!كيالت‬
‫العقائدية‪ ،‬والتيارات الفكرية‪ ،‬والفِرَق الكالمية والفلسفية‪ ،‬ال!!تي ح!!اولت‬
‫أن تبني لنفسها شرعيّةً قانونيةً‪ ،‬دينيةً واجتماعية؛ من أج!!ل بثّ آرائه!!ا‬
‫(واجتهاداتها) بين صفوف أبناء المجتمع‪.‬‬
‫لقد كان من الطبيعيّ أن تطفو تلك الحركات الفكرية على سطح‬
‫الواقع التاريخي اإلسالميّ آنذاك‪ ،‬وتمارس عملها الدعوتي التشكيكي ـ إذا‬
‫صحّ التعبير ـ؛ وذلك بالنظر إلى طبيعة األجواء والظروف الموض!!وعية‪،‬‬
‫الداخلية والخارجي!!ة‪ ،‬ال!!تي س!!ادَتْ هن!!اك‪ ،‬وتحكَّمَتْ بمس!!يرة احتك!!اك‬
‫وانفتاح حضارتنا وثقافتنا اإلس!!الميّة على الحض!!ارات األخ!!رى؛ حيث لم‬
‫تكن حضارتنا جاهزةً ومهيّأةً بمقدار الكفاية ـ على صعيد الفكر الموجود‬
‫والق!!ادة الم!!تزعِّمين للحكم والتجرب!!ة ـ للسَّ! يْر في مج!!ال التب!!ادل‬
‫والتواصل مع باقي ثقافات وحض!!ارات الع!!الم‪ ،‬وخصوص!!اً بع!!د أن ج!!رى‬
‫تعطيل مدرسة أهل البيت^‪ ،‬وإقصاء روّاده!!ا ورموزه!!ا الكب!!ار عن س!!احة‬
‫العمل الجماهيريّ‪ ،‬واإلمعان في مالحقتهم (وقتلهم) من قِبَ!!ل الس!!لطات‬
‫الزمنيّة الحاكمة؛ خوفاً وطمعاً‪.‬‬
‫لقد تسبَّب هذا االنفتاح الحضاري غير المت!!وازن في ب!!روز قض!!ايا‬
‫ووقائع فكريّة وسياسية واجتماعية وحضارية كثيرة جدّاً‪ ،‬كان ال بُ!!دَّ‬
‫من تبيان رأي الشريعة والفقه اإلسالميّ األصيل حولها‪ .‬ويبدو أن ظه!!ور‬
‫المذاهب الفكرية‪ ،‬واآلراء الفقهية اإلسالمية‪ ،‬كان هو المحصّلة اإلجمالية‬
‫العامّة التي تمخّضت عن اتّساع ونموّ حركة تلك التط!!وّرات الكب!!يرة‬
‫والسريعة التي شهدَتْها أمّتنا خالل ذلك العصر‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪409‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫ض!!من ه!!ذه األج!!واء المعقَّ!!دة والخط!!يرة ع!!اش اإلم!!ام الرضا×‪،‬‬


‫وانطلقت حركيّته العلمية الرائدة والواس!!عة وَسْ! ط أم!!واجٍ عاتي!!ة من‬
‫التيارات والمذاهب والحركات العلميّة والثقافية المقيمة والوافدة(‪.)924‬‬
‫لقد قام الرضا× بمسؤولياته الرسالية العقائدية والعلمي!!ة‪ ،‬وم!!ارس‬
‫مهامّه وواجباته كإمامٍ معصوم‪ !،‬وقائدٍ ربّاني‪ ،‬وعالمٍ فذّ‪ ،‬رفيع المنزلة‪،‬‬
‫وعظيم الشأن؛ من أجل مواجهة االنحرافات‪ ،‬ومظاهر التحري!!ف الخط!!يرة‬
‫التي أطبقت على الواقع اإلسالميّ آن!!ذاك‪ !،‬وعملت على إس!!قاطه‪ ،‬وإفراغ!!ه‬
‫من أهدافه وقِيَمه اإلسالمية األصيلة‪.‬‬
‫لذلك تحرّك اإلمام الرضا× ـ على هذا الصعيد ـ متّخ!!ذاً لنفس!!ه‬
‫جانب الحوار العلمي الموضوعي مع تلك التيّ!!ارات والفِ!!رَق‪ ،‬وممارس!!ة‬
‫النقد اإلسالمي الصريح والواضح لكلّ األفكار والمقوالت واآلراء الثقافي!!ة‬
‫الضالّة والفاسدة(‪.)925‬‬

‫المبحث الثاني‪ 6:‬د َْور اإلمام الرضا× في مواجهة الواقع المنحرف لعصره‬
‫إنّ الذي يتابع أسلوبَ وطريق!ةَ أداء اإلم!ام عليّ الرضا× في وَعْي‬
‫(ودراسة ومواجهة) تلك المظاهر السلبيّة العامّة التي انطبع بها عص!!ره‬
‫يمكن أن يمنهج عمل وحركة اإلمام× على مستوى! التواصل اإليجابيّ م!!ع‬
‫الفكر اإلسالميّ‪ ،‬وحماية العقيدة الدينية‪ ،‬وتحصين األمّة من الوقوع بين‬
‫براثن التخلُّف والسقوط واالنهيار‪ ،‬من خالل ما يلي‪:‬‬

‫‪1‬ـ التركيز‪ 6‬الدائم على العمل بكتاب‪ 6‬هللا تعالى‪6‬‬


‫(‪)926‬‬

‫وذل!!ك باعتب!!اره المرجعيّ!!ة العقائديّ!!ة والفكريّ!!ة اإلس!!الميّة‬


‫األساسيّة‪ ،‬التي ال بُدَّ من وَعْيها‪ ،‬وااللتزام بها‪ ،‬والسير بهَدْيها‪ ،‬في مدى‬
‫الزمن كلِّه‪.‬‬
‫جاء عن الرضا×‪ ،‬في إجابت!!ه عن س!!ؤالٍ وجَّه!!ه إلي!!ه «الري!!ان بن‬
‫الصّلت»‪ ،‬قولُه في القرآن‪« :‬كالم اهلل ال تتج!!اوزوه‪ ،‬وال تطلب!!وا اله!!دى‬

‫‪ 410‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫في غيره فتضلّوا‪ .‬هو حبلُ اهلل المتين‪ ،‬وعروته الوثقى‪ ،‬وطريقته المثلى‪،‬‬
‫المودي إلى الجنّة‪ ،‬والمنجي من الن!!ار‪ .‬ال يخل!!ق على األزمن!!ة‪ ،‬وال يغثّ‬
‫على األلسنة؛ ألنه لم يُجْعَلٍ لزمانٍ دون زمانٍ‪ ،‬بل جُعل دلي!!ل البره!!ان‪،‬‬
‫والحجّة على كلّ إنسانٍ‪﴿ !:‬الَ يَأْتِيهِ الْبَاطِ!!لُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ!!هِ وَالَ‬
‫مِنْ خَلْفِ!!هِ تَنزِي!!لٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِي!!دٍ﴾‪ .‬ف!!القرآن حيٌّ ال يط!!رؤه‬
‫الموت والبوار‪ ،‬كما أنه حقٌّ ال يقرب!!ه البطالن؛! ألن!!ه المظه!!ر الت!!امّ هلل‬
‫سبحانه‪ ،‬الذي هو حياةٌ ال موت فيها‪ ،‬وحقٌّ ال يحوم حوله البطالن؛! ألن!!ه‬
‫تعالى لم ينزله لزمانٍ دون زمان‪ ،‬وال ألناسٍ دون أن!!اسٍ‪ ،‬فه!!و في ك!!لّ‬
‫زمنٍ جديد‪ ،‬وعند كلّ قومٍ غضٌّ إلى يوم القيامة»(‪.)927‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪411‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫إنّ اإلمام الرضا× ـ الذي نطق ب!!القرآن‪ ،‬وتمثَّ!!ل معاني!!ه وقِيَم!!ه‪،‬‬


‫وبيَّن مفاهيمه(‪ ،)928‬واستخرج حالله وحرامه‪ ،‬واستوحى آيات!!ه‪ ،‬وأوض!!ح‬
‫تعابيره العامّة في حركة الحياة ـ يريد منّا أن نعم!!ق ص!!لتنا الروحي!!ة‬
‫والفكري!!ة م!!ع الق!!رآن الك!!ريم؛ باعتب!!اره يؤس!ِّ! س القاع!!دة الثقافي!!ة‬
‫والحضارية المعصومة التي ينطلق منها كلّ فكرٍ إس!!المي‪ ،‬وك!!لّ حكمٍ‬
‫شرعيّ‪ ،‬في أيّ مفهومٍ من المفاهيم اإلسالمية‪ ،‬وفي أيّ حرك!!ةٍ ينطل!!ق‬
‫منها الواقع اإلسالميّ(‪ .)929‬يقول×‪« :‬هو حبل اهلل المتين‪ ،‬وعروته الوثقى‪،‬‬
‫غضٌّ إلى يوم القيامة»(‪.)930‬‬

‫‪ 412‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫وهناك مسألةٌ مهمّة أثارها اإلمام الرضا× في حديثه الس!!ابق‪ ،‬أرى‬


‫في طرحها ـ ضمن هذا السياق ـ ضرورةً قصوى‪ !،‬وهي تتعلَّق بحركيّ!!ة‬
‫القرآن‪ ،‬وحيويّته‪ ،‬وع!!دم جم!!وده عن!!د ه!!ذه الحادث!!ة أو تل!!ك الواقع!!ة‬
‫المرتبطة بهذا الشخص أو ذاك‪ ،‬وبالتالي امتداد آثار ونتائج وَعْي القرآن‬
‫وفهمه إلى ساحات الحياة كلّها‪ ،‬وفي مدى الزمان كلّ!!ه‪ ،‬أي امت!!داده إلى‬
‫كلّ النماذج اإليجابية أو السلبيّة التي تحرّكَتْ ويمكن أن تتحرَّك في‬
‫مرحل!!ة نزوله!!ا‪ ،‬وفي األبع!!اد الزمني!!ة الممت!!دة في رح!!اب الحي!!اة(‪.)931‬‬
‫يقول×‪« :‬ف!!القرآن ال يط!!رؤه الم!!وت والب!!وار‪ ...‬لم ي!!نزل لزم!!انٍ دون‬
‫زمانٍ»(‪ .)932‬ومن خالل هذا الفهم المتحرِّك الواسع يمكننا أن نس!!توحي‬
‫القرآن في كلّ مواقع الحياة الراهنة التي يتحرَّك فيها ـ أو من خالله!!ا‬
‫ـ إنساننا المعاصر‪ ،‬من دون أن يقف هذا االستيحاء اإليجابيّ الفعّال عن!!د‬
‫موقعٍ أو زمنٍ محدَّدَيْن‪ ،‬إالّ عندما يكون هذا الوقوف محطّةً لل!!تزوُّد‬
‫بالخبرة والتجربة‪ ،‬وتراكم المعرفة والوَعْي‪ ،‬أي ال بُدَّ لنا من استيحاء‬
‫القرآن في كلّ ما يس!!تجدّ في حياتن!!ا؛ لنوسّ! ع آفاق!!ه حتّى تنفتح على‬
‫آفاقنا‪ ،‬فال نقرأ القرآن في األحداث التي عاشَتْ في عهد الرس!!الة األولى‪،‬‬
‫بل نقرؤه من خالل تلك األح!!داث‪ ،‬على أس!!اس أن تك!!ون ه!!ذه األح!!داث‬
‫أحداث الحياة‪ ،‬وليست أحداث زمنٍ معين أو موقعٍ معين‪ .‬وبه!!ذا نس!!تطيع‬
‫أن نتحرَّك بالقرآن‪ ،‬وأن يحرِّكنا القرآن‪ ،‬وأن نحرِّك القرآن في كلّ‬
‫واقعنا(‪.)933‬‬
‫إننا نعيش في واقعٍ متغيِّر ومعقَّد‪ ،‬أصبح عنصر التغيُّر فيه ه!!و‬
‫الثابت األوحد‪ ،‬لذلك ال بُدَّ أن نعمل بوَعْيٍ وانفتاح على تأصيل عالقتنا‬
‫بكتاب اهلل‪ ،‬وعدم السقوط النفسيّ أم!!ام تح!!دّيات الواق!!ع‪ ،‬ال!!تي يمكن أن‬
‫تضغط علينا‪ ،‬من خالل استهزاء أصحابها بقِيَمنا وأص!!التنا‪ ،‬وبعض ط!!رق‬
‫وأساليب وتعابير هذه العالقة مع القرآن الكريم واألئمّة األطهار‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪413‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫إننا نعتق!د! أن قي!ام تل!!ك العالق!ة على أس!!سٍ متين!ة من ال!وَعْي‬


‫والدّقة والموضوعية‪ !،‬المنطلقة من التركيز الن!!وعي المكثَّ!!ف والغ!!نيّ‬
‫على القرآن الكريم‪ ،‬في حقائقه وثوابته العقيديّة والشرعيّة واألخالقيّة‪،‬‬
‫هو الذي يمكن أن يفتح لنا الطريق‪ ،‬وينير لنا الدرب؛ من أجل تقديم فكرٍ‬
‫إسالميّ نقيّ وأص!!يل‪ ،‬ينطل!!ق من ثوابت!!ه الفكريّ!!ة المقدَّس!!ة (الق!!رآن‬
‫الكريم والحديث الشريف)‪ ،‬منفتحاً على اإلنسان والحياة واهلل تع!!الى‪ ،‬في‬
‫عملية بحثٍ وتنقيبٍ مستمرّين‪ ،‬ونقدٍ دائمٍ للواقع المنحرف‪ ،‬البعي!!د في‬
‫الخطوط الخاصّة والعامّة عن األصول والمبادئ اإلسالمية الحقيقية‪.‬‬

‫‪ 414‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫ض!!من ه!!ذا الس!!ياق تك!!ون االس!!تفادة المُثلى من فاعلي!!ة العالق!!ة‬


‫المفتوحة مع كتاب اهلل (عالقة أنه غضٌّ إلى يوم القيام!!ة‪ ،‬كم!!ا يق!!ول‬
‫اإلم!!ام الرضا×)‪ .‬إنه!!ا اس!!تفادتنا العملي!!ة من التوظي!!ف الحَ!!رَكيّ‪،‬‬
‫االجتماعيّ والحياتي‪ ،‬لقِيَم القرآن وأفكاره وأحداث!!ه التاريخي!!ة؛ خدم!!ةً‬
‫لإلنسان المتحرِّك في الحياة حاليّ!!اً‪ ،‬في عالقت!!ه م!!ع نفس!!ه ومجتمع!!ه‬
‫ومحيطه‪ .‬فمثالً‪ :‬عندما يطرح القرآن على مسامعنا القص!!ص التاريخي!!ة‬
‫المختلفة‪ ،‬كقصّة أهل الكهف‪ ،‬أو قصّة النبي موسى× وفرع!!ون‪ ،‬وموسى×‬
‫والخضر‪ ،...‬إلخ‪ ،‬إنه يريد أن يثير تفكيرنا ح!!ول المض!!امين والمعطي!!ات‬
‫التاريخية الحَرَكية‪ ،‬من خالل إجراء مقارناتٍ عملية واسعة بين الواق!!ع‬
‫الذي تحرّكت فيه تلك القصص وبين الواقع الذي عاشَتْ فيه الرس!!الة‪،‬‬
‫ويمكن أن تعيشها في م!!دى الزم!!ان والحي!!اة؛ من أج!!ل أن تك!!ون (تل!!ك‬
‫القص!!ص) وس!!يلةً من وس!!ائل التوعي!!ة الروحي!!ة والثقافي!!ة والعملي!!ة‪،‬‬
‫وأسلوباً حضاريّاً واقعيّاً في استلهام قِيَم التاريخ ـ الحاض!!ر بق!!وّة في‬
‫داخل روح اإلنسان ـ في واقع اإلنسان في الحاض!!ر والمس!!تقبل‪ ،‬في إط!!ار‬
‫عمليّة تواصلٍ وتفاعلٍ‪ ،‬ودراسةٍ علمي!!ة وموض!!وعية ش!!املة‪ ،‬ليتحس!َّ س‬
‫كلُّ إنسانٍ موقعه في حركة التاريخ‪ !،‬وليعي دَوْره فيه!!ا‪ ،‬ومس!!ؤوليّته‬
‫في خطواته الخيِّرة والشريرة في خطّ االس!!تقامة واالنح!!راف؛ ليح!!دِّد‬
‫لنفسه أهدافها وطريقها في قضايا المصير؛ ليكون م!!ع الص!!الحين‪ ،‬ال م!!ع‬
‫الفاسدين‪ ،‬ومع المحقّين‪ ،‬ال مع المبطلين‪ .‬وعلى ضوء ذل!ك يتمّ اختي!ار‬
‫الواقعة أو الحادثة التاريخية ـ على مستوى! استلهام الفكرة القرآنيّ!!ة في‬
‫الحياة كلّها ـ من خالل عالقتها بهذا الخطّ‪ ،‬وارتباطها بالفكرة واإلنسان‬
‫والحياة‪ ،‬وفي دائرة القصص الح!!قّ‪ ،‬ال!!ذي ينطل!!ق من عم!!ق الص!!دق في‬
‫الواقع؛ ليصحِّح الكث!!ير ممّ!!ا اختل!!ف في!!ه الن!!اس بين أقاص!!يص الح!!قّ‬
‫والباطل بقوله تعالى‪﴿ :‬إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَ!!قُّ﴾ (آل عم!!ران‪:‬‬
‫‪)62‬؛ و﴿ لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ ألُوْلِي األَلْبَابِ﴾ (يوس!!ف‪:‬‬
‫‪.)111‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪415‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫‪2‬ـ التصدّي لتيّارات‪ 6‬الزندقة واإللحاد والتشكيك‪6‬‬


‫انطلق اإلمامُ الرضا× في هذا المجال بكلّ ق!!وّةٍ وعزيم!!ة وإص!!رار‬
‫على مواجهة واقع االنح!راف والتحري!ف والتض!ليل الفك!ري والمع!رفي‪،‬‬
‫وذلك في رصده الدقيق وتقديره الواعي لك!!لّ أج!واء وتعقي!!دات الواق!ع‬
‫الفكري والعقائدي والثقافي الذي عاش فيه؛ ليس!!اهم من خالل ذل!!ك في‬
‫تصحيح الكث!!ير من المف!!اهيم‪ ،‬والت!!دقيق في ك!!لّ الطروح!!ات الفكري!!ة‬
‫والعملية المتداولة والشائعة آنذاك‪ ،‬والتي حاولت تيارات الزندقة واإللحاد‬
‫إثارتها إعالميّاً وواقعيّاً في واقع األمّة‪ ،‬في ما يتّصل بحركة المفاهيم‬
‫األصيلة والمضامين النقيّة للرسالة اإلسالمية‪ ،‬وضرورة تحري!!ك األمّ!!ة‬
‫باتجاهها‪ ،‬ومواجهة األفكار التي يمكن أن تتحدّاها‪ ،‬أو مَنْ يحاول زعزعة‬
‫إيمان الناس والمجتمع بها؛ من أجل إع!!ادة حرك!!ة المس!!يرة إلى الخ!!طّ‬
‫عندما تنحرف في هذا الموقع أو ذاك‪.‬‬
‫وقد اتّبع الرضا× في ذل!!ك أس!!لوب المن!!اظرة والح!!وار والجَ!!دَل‬
‫بالتي هي أحسن مع كلّ الناس والشخصيّات‪ ،‬ومن دون ش!روطٍ مس!بقة‪،‬‬
‫وعلى مرأى ومسمع الجميع‪.‬‬
‫لق!!د دافع× ـ من خالل حوارات!!ه ومناظرات!!ه المش!!هورة في كتب‬
‫التاريخ عن اإلسالم ـ عن قِيَم اإلس!!الم؛ من أج!!ل تث!!بيت مع!!الم ال!!دين‪،‬‬
‫وأماط اللثام عن كثيرٍ من كلِّياته وأصوله الخاصّة والعامّ!!ة‪ ،‬وذل!!ك‬
‫في سياق سَعْيه الحثيث إلعادة بناء صِيَغ جديدة حقيقيّة لمعنى المعارف‬
‫الدينية‪ ،‬وتعميق صلة األمّة بدينها وفكرها اإلسالميّ‪ ،‬وذاتها الحض!!اريّة‪.‬‬
‫وهذا ما يتّضح لنا من خالل األمور التالية‪:‬‬

‫أـ إعادة التأكي‪66‬د على أص‪6‬ول العقي‪66‬دة اإلس‪6‬الميّة‪ ،‬وش‪6‬رحها‪ ،‬وتث‪6‬بيت‪ُ 6‬أ ُ‬
‫سس‪66‬ها العام‪6‬ة في‬
‫ذهنيّة األ ّمة‬
‫‪1‬ـ نموذج التوحيد‬

‫‪ 416‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫التوحيد أصلٌ من أصول الدين‪ ،‬وثابتٌ مركزيّ من ثوابت العقيدة‬


‫اإلسالمية‪ ،‬بل هو جَوْهرها‪ ،‬ومنطلقٌ أساسٌ للمعرفة والسلوك اإلنس!!انيّ‬
‫في تجلِّياته وأبعاده الواقعيّة‪ .‬لذلك حاول اإلمام الرضا× ـ بع!!د أن رأى‬
‫وعاين مباشرةً وجود كثير من األفك!!ار المنحرف!!ة عن المع!!نى الحقيقي‬
‫للتوحيد ـ أن يوضِّح جزئيات وتفاصيل هذه العقيدة‪ ،‬ويعرِّف بصفات اهلل‬
‫وأسمائه الحسنى‪ ،‬وعالقت!ه بخلق!!ه‪ ،‬وم!ا يص!!حّ أن يوص!!ف ب!ه س!!بحانه‪،‬‬
‫ويُنْسَب إليه‪ ،‬وما ال يصحّ وال تج!!وز نس!بته! إلى اهلل تع!الى‪ ،‬كالتش!!بيه‪،‬‬
‫والتجسيم‪ ،‬والمماثلة‪ ،...‬إلخ‪ .‬يقول الرضا×‪« :‬إن مَحْضَ اإلس!!الم ش!!هادة‬
‫أن ال إله إالّ اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬إلهاً واحداً‪ ،‬فَرْداً صَمَداً‪ ،‬قيّوم!!اً‪،‬‬
‫سميعاً‪ ،‬بصيراً‪ ،‬قديراً‪ ،‬قديماً‪ ،‬قائم!!اً‪ ،‬باقي!!اً‪ ،‬عالم!!اً ال يجه!!ل‪ ،‬ق!!ادراً ال‬
‫يعجز‪ ،‬غنيّاً ال يحتاج‪ ،‬عادالً ال يجور‪ ،‬وأنه خالق كلّ شيءٍ‪ ،‬ال شبيه ل!!ه‪،‬‬
‫وال ضدّ له‪ ،‬وال ندّ له‪ ،‬وال كُفْءَ له‪ ،‬وأنه المقص!!ود بالعب!!ادة وال!!دعاء‬
‫والرغبة والرهبة؛ وأن محمداً عبده ورسوله وأمينه وصفيّه وصفوته من‬
‫خلقه‪ ،‬وسيّد المرسلين‪ ،‬وخاتم النبيّين‪ ،‬وأفضل الع!!المين‪ ،‬ال ن!!بيَّ بع!!ده‪،‬‬
‫وال تبديل لملَّته‪ ،‬وال تغيير لشريعته‪ ،‬وأن جميع ما جاء به محمد بن عبد‬
‫اهلل| هو الحقّ المبين‪ ،‬والتصديق! به وبجميع مَنْ مضى قبله من رس!!ل اهلل‬
‫وأنبيائه وحُجَجِه‪ ،‬والتصديق بكتابه الص!!ادق العزي!ز‪ ،‬ال!!ذي ﴿الَ يَأْتِي!!هِ‬
‫الْبَاطِ!!لُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْ!!هِ وَالَ مِنْ خَلْفِ!!هِ تَنزِي!!لٌ مِنْ حَكِيمٍ‬
‫حَمِيدٍ﴾ (فصِّلت‪.)934(»)42 :‬‬
‫وسئل× عن تفس!!ير قول!!ه تع!!الى‪﴿ :‬وَتَ!!رَكَهُمْ فِي ظُلُمَ!!اتٍ الَ‬
‫يُبْصِرُونَ﴾؟ فقال×‪« :‬إن اهلل تب!!ارك وتع!!الى ال يُوصَ! ف ب!!الترك كم!!ا‬
‫يوصف خلقه‪ ،‬ولكنّه متى علم أنهم ال يرجعون عن الكفر والضالل منعهم‬
‫المعاونة واللطف‪ ،‬وخلّى بينهم وبين اختيارهم»(‪.)935‬‬
‫وورد في روايةٍ له×‪« :‬مَنْ شبَّه اهلل بخلق!!ه فه!!و مش!!ركٌ‪ ،‬ومَنْ‬
‫نسب إليه ما نهى عنه فهو كافرٌ»(‪.)936‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪417‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬
‫الج ْبر واالختيار‬
‫‪2‬ـ نموذج َ‬

‫‪ 418‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫تصدّى إمامنا× لكثيرٍ من األفكار والمق!!والت الكالمي!!ة والفلس!!فية‬


‫المنحرفة عن عقي!!دة التوحي!!د‪ ،‬وأس!!قط حُجَجه!!ا الواهي!!ة المص!!طنعة‪،‬‬
‫وكشف بطالنها وزَيْفها‪ ،‬مصحِّحاً بذلك المع!!نى الج!!وهريّ ألرك!!ان‬
‫االعتقاد باهلل تعالى‪ ،‬ومثبتاً نقاوت!!ه وأص!!الته‪ .‬وك!!انت قض!!ية «الجَبْ!!ر‬
‫والتف!!ويض» من بين القض!!ايا العقائدي!!ة ال!!تي انش!!غل به!!ا العلم!!اء‬
‫والمتكلِّمون! لفترةٍ زمنية طويلة‪ ،‬وال تزال آثارها باقيةً حتّى اآلن‪.‬‬
‫لقد ظهرَتْ في التاريخ ـ من!!ذ أيّ!!ام الرضا× ـ مدرس!!ةٌ جَبْري!!ة‬
‫تنادي بانعدام االختيار اإلنسانيّ‪ ،‬وترى اإلنسان غير مخيَّرٍ في أفعاله‪ ،‬بل‬
‫هو مجبورٌ ـ بحكم العقل والفطرة ـ على س!!لوكه وفعل!!ه‪ ،‬وأن اإلنس!!ان‬
‫ليس إالّ المحلّ الذي تجري عليه أفعال اهلل تعالى بإرادته‪ ،‬كما يجري الماء‬
‫في النهر‪ ،‬وليس ل!ه دَوْرٌ وال ت!أثيرٌ وال أيّ فعالي!ةٍ في مج!رى األح!داث‬
‫واألفعال‪ .‬كما نادَتْ مدرسةٌ أخرى ـ وقف المعتزلةُ على رأسها ـ ب!!القول‬
‫المناقض والمعاكس تمام!!اً ل!!رأي الجَبْري!!ة‪ ،‬فق!!الت بتف!!ويض األم!!ر إلى‬
‫اإلنسان‪ ،‬وأن اهلل خلق العبادَ وفوَّضَ أمرَ أفع!!الهم إليهم‪ ،‬دون أن يس!!تطيع‬
‫التدخُّل في أفعالهم‪ ،‬ومَنْعَهم أو إرغامَهم على شيءٍ‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪419‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫وفي ردّه الحاسم على تلك الطروحات المض!!لِّلة‪ ،‬ال!!تي ج!!اء به!!ا‬
‫علماء األشاعرة والمعتزل!!ة‪ ،‬رفض اإلم!!ام الرضا× رفض!!اً قاطع!!اً القب!!ول‬
‫باألفكار والحُجَج والبراهين التي أورده!!ا الفريق!!ان‪ .‬فأوضح× المف!!اهيم‬
‫الملتبسة‪ !،‬وصحَّح التفسير الخاطئ للعالقة بين اهلل تع!!الى وإرادة العب!!اد‪.‬‬
‫وه!!ا ه!!و يجيب عن س!!ؤالٍ ورده ح!!ول الج!!بر والتف!!ويض بقول!!ه‪« :‬أال‬
‫أعطيكم في هذا أص!!الً ال تختلف!ون في!!ه‪ ،‬وال يخاص!!مكم علي!ه أح!!دٌ إالّ‬
‫كسرتموه؟!»‪ ،‬قلن!!ا‪ :‬إنْ رأيْتَ ذل!!ك‪ ،‬فق!!ال‪« :‬إن اهلل تع!!الى لم يُطَ!!عْ‬
‫بإكراهٍ‪ ،‬ولم يُعْصَ بغَلَبةٍ‪ ،‬ولم يهمل العباد في ملكه‪ .‬هو المال!!ك لم!!ا‬
‫ملَّكهم‪ ،‬والقادر على ما أقدرهم عليه؛ فإنْ ائتم!!ر العب!!اد بطاعت!!ه لم يكن‬
‫اهلل عنها صادّاً‪ ،‬وال منها مانعاً؛ وإنْ ائتم!!روا بمعص!!يته فش!!اء أن يح!!ول‬
‫بينهم وبين ذلك فعل‪ ،‬وإنْ لم يحُلْ ففعلوا فليس هو الذي أدخلهم فيه »‪،‬‬
‫ثمّ قال×‪« :‬مَنْ يضبط حدود هذا الكالم فقد خصم مَنْ خالفه»(‪.)937‬‬

‫ب ـ االستفادة من المناظرات الحواريّة في مواجهة المفاهيم‪ 6‬المضلِّلة وإس‪66‬قاط الثقاف‪66‬ات‪6‬‬


‫المنحرفة‬
‫كان الرضا× معلِّماً‪ ،‬وموجِّهاً‪ ،‬ورائ!!داً كب!!يراً من روّاد الفك!!ر‬
‫والحضارة اإلسالمية‪ .‬وقد برهن على ذلك في ثبات!!ه‪ ،‬ورس!!وخه الفك!!ري‬
‫والعقائدي‪ ،‬في أجوبته ومناظراته الحوارية(‪ ،)938‬التي دافع من خاللها عن‬
‫العقيدة اإلسالمية الصافية‪ ،‬التي حاول أن ينال منها الكثير من المتفلسفين‬
‫والمتكلِّمين‪ !،‬كعم!!ران الص!!ابئ‪ ،‬وأبي ق!!رّة‪ ،‬ورأس الج!!الوت‪ ،‬والهرن!!د‬
‫األكبر‪ .‬وغيرُهم كثيرٌ‪.‬‬
‫لقد كانت الوفود التي تحضر تلك الندوات والمناظرات والمجالس‬
‫المتعدِّدة! تخرج منها وهي مرتاحةٌ‪ ،‬ومليئةٌ باإلعجاب واإلكبار والثن!!اء‬
‫وخاص!! ة‬
‫ّ‬ ‫على إمامنا الرضا×‪ ،‬األمر الذي سبَّب للمأمون مشاكل كثيرة‪،‬‬
‫أن تلك الحوارات كانت تج!!ري في بالط!!ه ومجلس!!ه‪ ،‬حيث ب!!دأ الن!!اس‬
‫يُقْبِل!!ون على اإلم!!ام×‪ ،‬ويقول!!ون بإمامت!!ه‪ .‬ل!!ذلك انطل!!ق الم!!أمون في‬

‫‪ 420‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫حركةٍ معاكسة‪ ،‬فبدأ بحَجْب وإخفاء اإلمام عن الناس والعلم!!اء؛ خوف!!اً‬


‫من أن يُفْتَنوا به‪ ،‬لكنّ اإلمام الرضا× كان يقدِّم فكره اإلس!!المي العلمي‬
‫األصيل غير مكترثٍ وال عابئٍ كثيراً بم!!ا يج!!ول في ذهن الم!!أمون على‬
‫صعيده كشخصٍ؛ ألن!!ه ك!!ان يعلم مس!!بقاً بطبيع!!ة ال!!دوافع والمص!!الح‬
‫والغايات الشخصية الحقيقية التي كان المأمون يسعى باتجاه تحقيقها هنا‬
‫وهن!!اك(‪ .)939‬ل!!ذلك ح!!اول أن يس!!تفيد من ه!!ذه األج!!واء والمناخ!!ات‬
‫الحواريّة فقط من باب أن يقدِّم فكره الصافي‪ ،‬ويط!!رح مب!!ادئ اإلس!!الم‬
‫الصحيح من نبعه األصيل‪ ،‬نبع أهل البيت^‪ ،‬وليواج!!ه ك!!لّ مَنْ يري!!د أن‬
‫يفكِّر بتهديد العقيدة والمفاهيم اإلسالمية الصحيحة‪.‬‬
‫لقد كان الشيء األساس والوحيد ال!!ذي ش!!غل ب!!ال اإلم!!ام الرضا×‪،‬‬
‫(‪)940‬‬
‫ال!!ذي خ!!اض×‬ ‫ومَحْوَر له حياته كلّها ـ في كلّ حرك!!ة الح!!وار‬
‫غماره من أقصاه إلى أقصاه ـ هو إنق!!اذ وج!!ود األمّ!!ة في المس!!تقبل من‬
‫براثن الظلم واالنحراف‪ ،‬وضمان عدم تشرذمها وانهزامها وس!!قوطها أم!!ام‬
‫التحدّيات واألهوال‪ ،‬وحماية وجودها المعن!!ويّ وال!!روحيّ (على األق!!لّ)‬
‫من الذوبان والتماهي مع االنح!!راف والغَلَ!!ط‪ ،‬ومحاول!!ة إكس!!ابها بعض‬
‫المعالم والسِّمات الفكري!!ة واالجتماعي!!ة الخاصّ! ة والعامّ!!ة‪ ،‬وذل!!ك من‬
‫خالل عمل!!ه ال!!دؤوب والص!!ادق والمخلص بإعط!!اء التحص!!ين الكام!!ل‬
‫والممانعة المستمرّة لهذه األمّة‪ ،‬على الصعيدين الروحيّ والمفاهيميّ‪.‬‬

‫‪3‬ـ محاربة البِدَع والضالالت‪ ،‬وفضحها‬


‫خاض اإلمام الرضا× معارك فكرية وص!!راعات عملي!!ة م!!ع مختل!!ف‬
‫التيارات المنحرف!!ة‪ ،‬وش!!هد ل!!ه الت!!اريخ بسلس!!لةٍ من مواق!!ف االحتج!!اج‬
‫والمجادلة و«الحوار بالتي هي أحسن»؛ لفض!!ح األفك!!ار والش!!بهات ال!!تي‬
‫كان يُعْم!!ل على ترويجه!!ا داخ!!ل المجتم!!ع اإلس!!الميّ‪ ،‬من قِبَ!!ل بعض‬
‫الشخصيات والفئات المنغلقة والمنطوية‪.‬‬
‫(‪)941‬‬
‫‪:‬‬ ‫وقد واجه× تلك الضالالت والبدع على مستويين‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪421‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫أـ مع اآلراء واألفكار المنحرفة لبعض المسلمين‪6‬‬


‫انتشرَتْ داخل الوسط اإلسالمي آنذاك مجموعاتٌ وفِرَقٌ منحرفةٌ‪،‬‬
‫تشكَّلَتْ داخ!!ل المجتم!!ع اإلس!!الميّ؛ بس!!بب بعض الظ!!روف واألوض!!اع‬
‫الفكريّة والنفس!!يّة‪ .‬وق!!د ن!!ادى أص!!حاب تل!!ك الفِ!!رَق ببعض العقائ!!د‬
‫والمقوالت النظرية والعملية المنحرف!!ة عن العقي!!دة اإلس!!المية والفك!!ر‬
‫اإلسالمي الصحيح‪.‬‬
‫لقد ظهرت تلك االنحرافات في عهد اإلم!!ام الرضا× بش!!كلٍ واض!!ح‬
‫تماماً‪ ،‬لذلك عم!!ل على التص!!دّي له!!ا‪ ،‬ومعالجته!!ا‪ ،‬وتفني!!دها‪ ،‬وإبط!!ال‬
‫مزامعها ومرتكزاتها‪.‬‬
‫فقد روى الحسين بن خالد قال‪ :‬قلتُ للرضا×‪ :‬يا بن رس!!ول اهلل‪ ،‬إن‬
‫الناس يروون أن رسول اهلل| قال‪ :‬إن اهلل عزَّ وجلَّ خلق آدم على صورته‪،‬‬
‫فقال×‪ « :‬قاتلهم اهلل‪ ،‬لقد حذفوا أوّل الحديث‪ .‬إن رسول اهلل مرَّ ب!!رجلين‬
‫يتسابّان‪ ،‬فسمع أح!!دهما يق!!ول لص!!احبه‪ :‬قبَّح اهلل وجه!!ك ووج!!ه مَنْ‬
‫يشبهك‪ ،‬فقال| له‪ :‬يا عبد اهلل‪ ،‬ال تقُلْ هذا ألخيك؛ فإن اهلل ع!!زَّ وج!!لَّ‬
‫خلق آدم على صورته»(‪.)942‬‬
‫فالنبيّ الكريم| ينهى الرجل عن السباب بهذا األسلوب؛ ألن في ذل!!ك‬
‫مسبّةً آلدم أبي البشر‪ ،‬والضمير في صورته (الهاء) يرجع للرج!!ل ال!!ذي‬
‫وُجِّه إليه السباب‪ ،‬ال أنه يرجع هلل‪ ،‬حتّى يك!!ون المع!!نى أن اهلل خل!!ق آدم‬
‫على صورته هو عزَّ وجلَّ‪ .‬ويؤكِّد اإلمام ذل!!ك بم!!ا روى عن رس!!ول‬
‫اهلل| في حديثٍ قدسي‪« :‬ما عرفني مَنْ شبَّهني بخلقي»(‪.)943‬‬
‫وهكذا ن!رى أن اإلم!!ام× يم!!ارس دَوْره الفعّ!!ال في تص!حيح س!نّة‬
‫رس!!ول اهلل|‪ ،‬وتنقيته!!ا من الت!!دنيس‪ ،‬ووض!!عها في س!!ياقها الط!!بيعيّ‬
‫والمتوازن‪.‬‬
‫ومن مواقفه×‪ :‬عن إبراهيم بن أبي محمود قال‪ :‬قلتُ للرضا×‪ :‬يا بن‬
‫رسول اهلل| ‪ ،‬ما تقول في الحديث الذي يرويه الناس عن رسول اهلل|‪ :‬إن اهلل‬

‫‪ 422‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫تبارك وتعالى ينزل ك!!لّ ليل!!ةٍ إلى الس!!ماء ال!!دنيا؟! فق!!ال×‪« :‬لعن اهلل‬
‫المحرِّفين الكَلِم عن مواضعه‪ .‬واهللِ‪ ،‬ما قال× كذلك‪ ،‬إنما ق!!ال‪ :‬إن اهلل‬
‫تبارك وتعالى يُنْزِل مَلَكاً إلى السماء كلّ ليلةٍ في الثلث األخير‪ ،‬وليلة‬
‫الجمعة في أوّل الليل‪ ،‬فيأمره فينادي‪ :‬أَهَل من سائلٍ فأعطيه؟! ه!!ل من‬
‫تائبٍ فأتوب عليه؟! هل من مستغفرٍ فأغفر له؟! يا طالب الخير فأقبل‪ ،‬يا‬
‫طالب الشرّ أقصر‪ .‬فال يزال ينادي به!!ذا حتّى يطل!!ع الفج!!ر‪ ،‬ف!!إذا طل!!ع‬
‫الفجر عاد إلى محلّه من ملكوت السماء‪ .‬حدَّثني ب!!ذلك أبي‪ ،‬عن ج!!دّي‪،‬‬
‫عن آبائه‪ ،‬عن رسول اهلل|»(‪.)944‬‬

‫ب ـ مع اآلراء واألفكار الضالّة للزنادقة والملحدين‪ 6‬والواقفيّة‬


‫سعى اإلمام الرضا× ـ إلى ج!!انب تص!!حيحه لعقائ!!د بعض الفِ!!رَق‬
‫والمذاهب اإلسالميّة ـ إلى مواجهة الكثير من البِ!دَع والش!بهات الض!الة‪،‬‬
‫التي جاء بها بعض اليهود والنصارى والصائبة والمجوس‪ ،‬ومَنْ تأثَّر بها‬
‫من بعض المسلمين‪ .‬وقد تصدّى× لهم بقوّةٍ وج!!رأةٍ‪ ،‬وفنَّ!!د م!!زاعمهم‪،‬‬
‫وأسقط انحرافاتهم‪:‬‬
‫خفّ زنديقٌ (متمرِّسٌ في الزندقة واإللح!!اد) إلى اإلم!!ام الرضا×‪،‬‬
‫وكان في مجلسه جماعةٌ‪ ،‬فالتفت اإلمام قائالً‪« :‬أرأيْتَ إنْ كان الق!!ول‬
‫قولكم ـ من إنكار اهلل تعالى ـ‪ ،‬وليس هو كما تقولون‪ ،‬أَلَسْ! نا وإيّ!!اكم‬
‫شرعاً سواء‪ ،‬وال يضرّنا ما صلَّيْنا‪ ،‬وصمنا‪ ،‬وزكَّيْنا‪ ،‬وأقرَرْنا؟ وإنْ لم‬
‫يكن القول قولكم‪ ،‬وهو كما نقول‪ ،‬أَلَسْتم قد هلكتُم‪ ،‬ونجَوْنا‪.)945(»...‬‬
‫وقدَّم الزنديق! إلى اإلمام× األسئلة التالية‪:‬‬
‫س‪1‬ـ رحمك اهلل‪ ،‬أوجدني كيف هو ـ يعني اهلل ـ؟ وأين هو؟‬
‫ج‪1‬ـ « ويلك‪ ،‬إنّ الذي ذهبْتَ إليه غلطٌ‪ ،‬وهو أين األين‪ ،‬وكان وال‬
‫أين‪ ،‬وه!!و كي!!ف الكي!!ف‪ ،‬وك!!ان وال كي!!ف‪ ،‬وال يع!!رف بكيفوفت!!ه‪ ،‬وال‬
‫بأينونته‪ !،‬وال يدرك بحاسّةٍ‪ ،‬وال يُقاس بشيءٍ‪.»...‬‬
‫س‪2‬ـ إذن إنه ال شيء؛ إذ لم يدرك بحاسّةٍ من الحواس؟‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪423‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫ج‪2‬ـ «ويلك‪ ،‬لمّا عجزَتْ حواسك عن إدراكه أنك!!رت ربوبيّت!!ه‪،‬‬


‫ونحن إذا عجزت حواسّنا عن إدراكه أيقنّا أنه ربُّنا‪ ،‬وأنه ش!!يءٌ بخالف‬
‫األشياء»‪.‬‬
‫س‪3‬ـ أخبرني متى كان؟‬
‫ج‪3‬ـ « أخبرني متى لم يكن‪ ،‬فأخبرك متى كان»‪.‬‬
‫س‪4‬ـ ما الدليل عليه؟‬
‫ج‪4‬ـ «إنّي ل!!و نظ!!رْتُ إلى جس!!دي‪ ،‬فلم يمكن!!ني في!!ه زي!!ادةٌ وال‬
‫نقصان في العَرْض والطول‪ ،‬ودف!!ع المك!!اره عن!!ه‪ ،‬وج!!رّ المنفع!!ة إلي!!ه‪،‬‬
‫علمْتُ أن لهذا البنيان بانياً‪ ،‬فأقرَرْتُ به‪ ،‬مع م!!ا أرى من دوران الفل!!ك‬
‫بقدرته‪ ،‬وإنشاء السَّحاب‪ ،‬وتصريف الرِّياح‪ ،‬ومج!!رى الش!!مس‪ ،‬والقم!!ر‪،‬‬
‫والنجوم‪ ،‬وغ!!ير ذل!!ك من اآلي!!ات العجيب!!ات المتقن!!ات‪ ،‬علمْتُ أن له!!ذا‬
‫مقدّراً ومنشئاً»‪.‬‬
‫س‪5‬ـ لِمَ ال تدركه األبصار؟‬
‫ج‪5‬ـ « للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسّة األبصار‪ ،‬منهم‬
‫ومن غيرهم‪ ،‬ثم هو أجلُّ من أن يدركه بصرٌ‪ ،‬أو يحي!!ط ب!!ه وَهْمٌ‪ ،‬أو‬
‫يضبطه عقلٌ»‪.‬‬
‫س‪6‬ـ حدَّه ـ أي اهلل تعالى ـ لي‪.‬‬
‫ج‪6‬ـ « ال حَدَّ له»‬
‫س‪7‬ـ لِمَ ـ أي لماذا ال يُحَدّ ـ؟‬
‫ج‪7‬ـ «ألنّ ك!!لّ مح!!دودٍ متن!!اهٍ إلى ح!!دٍّ‪ ،‬وإذا احتم!!ل التحدي!!د‬
‫احتمل الزيادة‪ ،‬وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان‪ .‬فهو غير مح!!دودٍ‪ ،‬وال‬
‫متزايدٍ‪ ،‬وال متناقصٍ‪ !،‬وال متجزّئٍ‪ ،‬وال متوهّم»‪.‬‬
‫س‪ 8‬ـ أخبرني عن ق!ولكم‪ :‬إن!ه لطي!فٌ‪ ،‬وس!ميع‪ ،‬وبص!ير‪ ،‬وعليم‪،‬‬
‫وحكيم‪ ،‬أيكون السميع إالّ باألذن‪ ،‬البصير إالّ بالعين‪ ،‬واللطي!!ف إالّ بعم!!ل‬
‫اليدين‪ ،‬والحكيم إالّ بالصنعة؟‬
‫ج‪ 8‬ـ «إن اللطيف منّا ـ أي من المخلوق!!ات ـ على ح!!دّ اتّخ!!اذ‬

‫‪ 424‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫الصنعة‪ ،‬أَوَما رأيْتَ أن الرجل اتّخذ شيئاً فليلطف في اتّخاذه؟ فيقال‪ :‬ما‬
‫ألطف فالناً‪ ،‬فكيف ال يقال للخالق الجليل‪( :‬لطيف) إذا خلق خلقاً لطيفاً‬
‫وجليالً‪ ،‬وركب في الحيوان منه أرواحها‪ ،‬وخلق كلّ جنسٍ متباين!!اً عن‬
‫جنسه في الصورة‪ ،‬وال يشبه بعضه بعض!!اً‪ ،‬فك!!لٌّ ب!!ه لط!!فٌ من الخ!!الق‬
‫اللطيف الخبير في ت!!ركيب ص!!ورته‪ .‬ثمّ نظرن!!ا إلى األش!!جار‪ ،‬وحمله!!ا‬
‫أطايبها‪ ،‬المأكولة منها وغير المأكول!!ة‪ ،‬فقلن!!ا عن!!د ذل!!ك‪ :‬إن خالقن!!ا‬
‫لطيفٌ ال كلطف خلقه‪ .‬وقلنا‪ :‬إنه س!!ميعٌ؛ ألن!!ه ال يخفى علي!!ه أص!!وات‬
‫خلقه ما بين العرش إلى الثرى‪ ،‬من ال!!ذرّة إلى م!!ا ه!!و أك!!بر منه!!ا‪ ،‬في‬
‫برّها وبحرها‪ ،‬وال يشتبه عليه لغاتنا‪ ،‬فقلنا‪ :‬إنه سميعٌ ال ب!!أُذُن‪ .‬وقلن!!ا‪:‬‬
‫إنه بصيرٌ ال ببصرٍ؛ ألنه يرى أثر الذرة السحماء(‪ )946‬في الليل!ة الظلم!!اء‬
‫على الص!!خرة الس!!وداء‪ ،‬وي!!رى دبيب النم!!ل في الليل!!ة الدجيّ!!ة‪ ،‬وي!!رى‬
‫مضارّها ومنافعها‪ ،‬وفراخها ونسلها‪ ،‬فقلنا عند ذلك‪ :‬إنه بصيرٌ ال كبصر‬
‫خلقه»(‪.)947‬‬
‫أما مواجهته× للواقفية(‪ )948‬ـ وهي فرقةٌ كالميّة منحرف!!ة‪ ،‬ادَّعت‬
‫أن اإلم!ام موس!!ى بن جعفر× لم يمُتْ‪ ،‬ب!ل رُف!ع كم!ا رُف!ع عيس!!ى بن‬
‫مريم×‪ ،‬وأنه هو المهديّ‪ ،‬وسيعود إلى عالم الدنيا مرّةً أخ!!رى‪ ،‬وال يمكن‬
‫أن يك!!ون من بع!!ده أيّ إم!!امٍ‪ ،‬ورفض!!وا إمام!!ة عليّ بن موس!!ى الرضا×‬
‫وخالفته ألبيه(‪ .)949‬فقد كاتب الرضا× ـ بعد شهادة أبيه الكاظم× ـ بعض‬
‫أقطاب ورموز هذه الفرقة فلم يستجيبوا لرسالته‪ ،‬التي كشفَتْ بوض!!وحٍ‬
‫تامّ عن الغايات والمصالح المادّية المنحطّ!!ة الكامن!!ة وراء أج!!وبتهم‪ ،‬من‬
‫العصيان‪ ،‬وتصنيع األعذار‪ ،‬والطَّمَع بالمال(‪.)950‬‬
‫ولإلمام الرضا× رأيٌ واضح بشأن تل!!ك الفرق!!ة‪ ،‬وبزعاماته!!ا‪ .‬فعن‬
‫إبراهيم بن أبي يحيى بن أبي البالد قال‪ :‬قال الرض!!ا‪« :‬م!!ا فع!!ل الش!!قيّ‬
‫حمزة بن بزيع؟»‪ ،‬قلتُ‪ :‬هو ذا قدم‪ ،‬فقال‪« :‬يزعم أن أبي حيٌّ‪ ،‬هم الي!!وم‬
‫شكّاكٌ‪ ،‬وال يموتون غ!!داً إالّ على الزندقة»‪ ،‬ق!!ال ص!!فوان‪ :‬فقلتُ بي!!ني‬
‫وبين نفسي‪ :‬شكّاك قد عرفْتُهم‪ ،‬فكيف يموتون على الزندقة؟! فما لبثن!!ا‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪425‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫إالّ قليالً حتّى بلغنا عن رجلٍ منهم أنه قال عند موته‪ :‬هو كافرٌ ب!!ربٍّ‬
‫أماته‪ ،‬قال صفوان‪ :‬فقلتُ هذا تصديقُ الحديث»(‪.)951‬‬
‫وفي إحدى! رسائل اإلمام× إلى البزنطيّ يكشف لنا واقع دعوة هؤالء‪،‬‬
‫ودوافعها؛ فقد جاء في الرسالة‪« :‬أما ابن السرّاج فإنما دعاه إلى مخالفتنا‪،‬‬
‫والخروج من أمرنا‪ ،‬أنه عدا على مالٍ ألبي الحسن ـ موس!!ى بن جعف!!ر ـ‬
‫عظيمٍ‪ ،‬فاقتطعه في حياة أبي الحسن×‪ ،‬وك!!ابرني علي!!ه‪ ،‬وأبى أن يدفع!!ه‪!،‬‬
‫والناس كلُّهم مسلِّمون مجتمعون على تس!!ليمهم األش!!ياء كلّه!!ا إليَّ‪.‬‬
‫فلما حدث ما حدث من هالك أبي الحسن × اغتنم فراق عليّ بن أبي حمزة‬
‫وأصحابه إيّاي‪ ،‬وتعلَّل‪ ،‬ولعم!!ري م!!ا ب!!ه من علّ!!ةٍ إالّ اقتطاع!!ه الم!!ال‪،‬‬
‫وذهابه به‪ .‬وأما ابن أبي حمزة فإنه رجلٌ تأوَّل تأويالً لم يُحْسِنْه‪ ،‬ولم‬
‫يُؤْتَ علمه‪ ،‬فألقاه إلى الناس‪ ،‬فلجَّّ فيه‪ ،‬وكره إكذاب نفسه في إبط!!ال‬
‫قوله‪ ،‬بأحاديث تأوَّلها‪ ،‬ولم يحسن تأويلها‪ ،‬ولم يُؤْتَ علمها‪ ،‬ورأى أنه إذا‬
‫لم يصدق آبائي بذلك لم يَدْرِ لعلّ ما خبر عنه‪ ،‬مثل‪ :‬السفياني وغ!!يره‪،‬‬
‫أنه كائنٌ ال يكون منه شيءٌ‪ ،‬وقال لهم‪ :‬ليس يسقط ق!!ول آبائ!!ه بش!!يء‪،‬‬
‫ولعمري ما يسقط قول آبائي شيء‪ ،‬ولكنْ قص!!ر علم!!ه عن غاي!!ات ذل!!ك‬
‫وحقائقه‪ ،‬فصار فتنةً له‪ ،‬وشُبِّه عليه‪ ،‬وفَرَّ من أمرٍ فوقع فيه»(‪.)952‬‬
‫وهكذا يبدو للجميع أن الطم!!ع بالم!!ال والج!!اه(‪ ،)953‬وخبث النواي!!ا‪،‬‬
‫وضعف العقيدة واإليمان‪ ،‬وتخلخل الشخصية‪ ،‬واضطراب األفكار في نفوس‬
‫هؤالء‪ ،‬هو الس!!بب األهمّ واألعم!!ق خل!!ف ه!!ذه اآلراء الباطل!!ة وال!!دعاوى‬
‫المنحرفة‪.‬‬

‫‪4‬ـ استثمار‪ 6‬والية العهد في التثقيف والتعليم‬


‫لقد قام الرضا× ـ خالل المدّة الزمنية التي قضاها في والية العه!!د‬
‫ـ بالكثير من المهامّ واألعمال العلمية والثقافي!!ة‪ ،‬واإلنج!!ازات السياس!!يّة‬
‫(غير المباشرة)‪ .‬واستطاع ـ في الوقت نفسه ـ أن يهيّئ األجواء المناس!!بة‬
‫إلظهار دقائق الفكر اإلسالميّ األصيل‪ ،‬وذخائر مبادئه الص!!افية في الفق!!ه‬

‫‪ 426‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫والشريعة والكالم والفلسفة والتفسير‪ .‬وقد ركَّز× في حركته الفكرية‬


‫العملية ـ بعد استالمه والي!ة العه!د ـ على رهان!اتٍ أخالقيّ!ة وعلميّ!ة‪،‬‬
‫وحتّى سياسية‪ ،‬يمكن مالحظتها ومتابعتها من خالل ما يلي‪:‬‬

‫أـ الرهان‪ 6‬العلم ّي واألخالق ّي‬


‫وجد اإلمام الرضا× ـ بحَسَب ما نعتقد ـ أن قبول!!ه بوالي!!ة العه!!د‬
‫يمكن أن يساهم في تحقي!!ق بعض المكاس!!ب اإليجابي!!ة للخ!!طّ اإلس!!المي‬
‫المستنير‪ !،‬المتمثِّل بأهل البيت^‪ ،‬ويعطيه دَفْعاً ثقافي!!اً ونش!!اطاً علمي!!اً‬
‫قوياً وواسعاً‪ ،‬كان بأمسّ الحاجة إليه‪ ،‬في ظلّ ظروفٍ صعبة ومعقَّ!!دة‪،‬‬
‫ومناخ!!ات سياس!!ية واجتماعي!!ة ض!!اغطة‪ ،‬ك!!انت تعم!!ل وتتح!!رّك عكس‬
‫األهداف والتوجُّهات التي سعى إليها هذا الخطّ األصيل‪ ،‬الذي يمثِّله×‪.‬‬
‫فعلى المستوى! االجتماعي العامّ كان× يعمل ـ كما ذكَرْنا س!!ابقاً‬
‫ـ على تعليم الناس وتثقيفهم‪ ،‬وربطهم ـ عقائدياً وعاطفي!!اً ـ بالمب!!ادئ‬
‫والقِيَم اإلسالمية األساسية الواعية (خصوصاً قضيّة أهل البيت‪ ،‬ال!!تي هي‬
‫قضيّة اإلسالم كله)‪ ،‬التي التزم بها وعبَّ!!ر عنه!!ا أه!!ل بيت النب!!وة^ في‬
‫كلّ مواقفهم‪ ،‬ومختلف نشاطاتهم وس!!لوكياتهم االجتماعي!!ة والسياس!!ية‬
‫والثقافية‪ .‬وقد الحَظْنا سالمة هذا التوجُّه من خالل اإلم!!ام× نفسه(‪،)954‬‬
‫وكذلك من خالل أصحابه وأتباعه وشيعته‪ ،‬الذين أصبحوا ـ فيما بعدُ ـ‬
‫أكثر قدرة ووَعْياً فى التعام!!ل م!!ع قض!!ايا الواق!!ع والحي!!اة واإلنس!!ان‪،‬‬
‫والقي!!ام بالمن!!اظرات والح!!وارات العلمي!!ة الواس!!عة م!!ع جمي!!ع الق!!وى‬
‫والتيارات‪.‬‬
‫(‪)955‬‬
‫فقد رأَيْن!!ا كي!!ف اس!!تفاد‬ ‫أما على المستوى! الشخصيّ (العامّ)‬
‫اإلمام× استفادةً قصوى! في إبراز شخصيته العلمي!!ة الغنيّ!!ة والمعياريّ!!ة‪،‬‬
‫التي قدَّمت أفض!ل وأعظم الخ!دمات لإلس!الم الرس!الي‪ ،‬من خالل تل!ك‬
‫المناظرات والندوات والجلس!!ات الحواري!!ة ال!!تي ك!!انت تج!!ري برعاي!!ة‬
‫المأمون‪ ،‬وبمشاركة لفيفٍ كب!!ير من العلم!!اء والمفكِّ!!رين‪ ،‬المنتس!!بين!‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪427‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫لمختلف التيارات والعقائد الدينيّة والدهريّة (العلمانيّة بتعبير عصرنا)‪.‬‬


‫فقد روى الطبرسي‪ ،‬في احتجاجه‪ ،‬في تفسير اإلمام× لقول!!ه تع!!الى‪:‬‬
‫﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِ! رَةٌ * إِلَى رَبِّهَ!!ا نَ!!اظِرَةٌ﴾ (القيام!!ة‪ 22 :‬ـ‬
‫‪ ،)23‬أنه قال‪« :‬مشرقةٌ تنتظر ثواب ربِّها»‪ .‬وأضاف إلى ذلك أن النبيّ|‬
‫كان يقول‪« :‬قال اهلل جلَّ جاللُه‪« :‬ما آمن بي من فسَّر كالمي برأي!!ه‪،‬‬
‫وما عرفني مَنْ شبَّهني بخلقي‪ ،‬وما على ديني مَنْ اس!!تعمل القي!!اس في‬
‫ديني‪ ،‬ومَنْ ردَّ متشابه القرآن إلى محكمه هُدِيَ إلى صراطٍ مستقيم»‪.‬‬
‫ومضى اإلمام× يقول‪ « :‬مَنْ شبَّه اهلل بخلقه فهو مشركٌ‪ ،‬ومَنْ نسب إليه‬
‫ما نهى عنه فهو كافرٌ»(‪.)956‬‬

‫ي السياس ّي‬
‫ب ـ الرهان‪ 6‬التربو ّ‬
‫كان اإلمام الرضا× إنساناً واعياً ومدركاً تماماً لخلفي!!ات وخباي!!ا‬
‫واقع أمّته الحضاري في ذلك العص!!ر‪ ،‬ل!!ذلك لم يس!!تطِعْ ه!!ذا الواق!!ع‬
‫الضاغط ـ بكلّ رموزه وشخصيّاته ـ أن يخضع فكره وروح!!ه وعقل!!ه‪ ،‬أو‬
‫يه!!زم قوّت!!ه وإرادت!!ه وق!!راره‪ .‬ولم تتمكَّن القِيَم الس!!كونية (حبّ‬
‫االسترخاء والراح!!ة والدَّع!!ة) من ال!!دخول إلى ج!!وِّه وطبع!!ه النفس!!يّ‬
‫الخاصّ‪.‬‬
‫لقد وجد× نفسه في واقعٍ تربويّ سياسيّ معقَّد ومرتبك وش!!ديد‬
‫التلوُّن والزخرف (بالمعنى السلبيّ طبعاً)‪ ،‬فح!!اول أن يفهم!!ه ويحلِّل!!ه‬
‫ويحياه من موقع وَعْيه هو‪ ،‬ال من موقع سلبيّات الواقع ذاته‪.‬‬
‫وكان من الطبيعيّ جدّاً أن يعمل الرضا× على مواجهة هذا الواق!!ع‬
‫التربويّ السياسي المنحرف عن خ!!طّ اإلس!!الم‪ ،‬والمف!!روض على األمّ!!ة‬
‫بطريقةٍ حركية غير مباشرة‪ ،‬تقوم على معيارَيْن أساسيّين في رفض أو‬
‫قبول الحكم السياسي القائم‪:‬‬
‫‪1‬ـ المعيار األوّل‪ :‬يتعلَّ!!ق بالج!!انب التثقيفي العقائ!!دي في رفض‬
‫التعاون مع أيّ نظ!!امٍ ح!!اكمٍ ظ!!المٍ‪ ،‬ال يس!!تمدّ! ش!!رعيّته من اإلس!!الم‬

‫‪ 428‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫(رفض والية الحاكم الجائر بالمطلق)‪.‬‬


‫‪2‬ـ المعيار الثاني‪ :‬يتعلَّق بالجانب الحركي والواقعي في التع!!اون‬
‫مع النظام الحاكم؛ تحقيقاً للمصلحة اإلسالميّة العليا (القبول الم!!ؤقَّت‬
‫بوالية الجائر)‪.‬‬
‫فعلى صعيد المعيار األوّل ثبَّت الرضا× في أذهان أصحابه وش!!يعته‬
‫فكرة ع!!دم ج!!واز معاون!!ة الظ!!المين‪ ،‬ورفض مس!!اعدة الس!!لطان الج!!ائر‬
‫المنحرف‪ ،‬وعدم االرتباط ب!!ه وبرم!!وزه‪ ،‬مهم!!ا ك!!انت التح!!دِّيات(‪.)957‬‬
‫يقول× لسليمان الجعفري ـ وقد سأله عن أعمال السلطان؟ ـ‪« :‬يا سليمان‪،‬‬
‫الدخول في أعماله‪ ،‬والعَوْن له‪ ،‬والسعي في حوائجه‪ ،‬عديلُ الكُفْر»(‪.)958‬‬
‫ويقول× ألحد أصحابه‪« :‬يا زي!!اد‪ ،‬لئن أس!!قط من ح!!القٍ ف!!أتقطَّع‬
‫قطعةً قطعةً أحبّ إليَّ من أن أقدِّم ألح!!دٍ منهم عمالً‪ ،‬أو أط!!أ بس!!اطَ‬
‫رجلٍ منهم»(‪.)959‬‬
‫ويروي×‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن رسول اهلل|‪« :‬مَنْ أرضى سلطاناً بما يسخط‬
‫اهلل خرج من دين اهلل عزَّ وجلَّ»(‪.)960‬‬
‫ويتأكَّد هذا الموقف المبدئيّ الص!!حيح أك!!ثر ف!!أكثر من خالل‬
‫استعراضنا لموقف ورأي الرضا× من انتفاض!!ات وث!!ورات العل!!ويّين ض!!دّ‬
‫الحكم السياس!!!ي الظ!!!الم؛ حيث لم ينظر× نظ!!!رةً س!!!لبيّة إلى تل!!!ك‬
‫التحرُّكات الثورية من حيث طبيعة المبدأ الثوريّ ذاته‪ ،‬وما يختزنه في‬
‫داخله من مناهضة للظلم‪ ،‬ورفض العدوان والطغيان والجَوْر والباطل‪ ،‬بل‬
‫كان× ـ كغيره من أئمّة أهل البيت^ ـ يب!!ارك ك!!لّ ث!!ائرٍ على الظلم‬
‫والظالمين (حتّى ولو لم ينجح عس!!كرياً) إذا ك!!انت ثورت!!ه ـ طبع!!اً ـ‬
‫ضمن الحدود المش!!روعة لص!!الح األمّة(‪)961‬؛ ألن الث!!ورة النزيه!!ة ـ في‬
‫الغ!!الب ـ تكش!!ف للش!!عوب زَيْ!!ف الحكّ!!ام‪ ،‬وتفض!!ح واقعهم الكَرِي!!ه‪،‬‬
‫وممارساتهم الظالمة بحقّ األمّ!!ة والن!!اس‪ ،‬وت!!ترك وراءه!!ا فئ!!ةً تحسّ‬
‫ب!الظلم والتج!!اوزات‪ ،‬وتحاس!ب عليهم!!ا‪ ،‬وأحيان!!اً تض!!طرّ الح!اكم إلى‬
‫تصحيح سلوكه ووسائل حكمه إلى حدٍّ ما(‪.)962‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪429‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫إن االع!!تراض الوحي!!د ال!!ذي وجَّه!!ه اإلم!!ام× إلى بعض الث!!ائرين‬


‫العلويين! هو احتجاجه وإدانته لسلوكهم الناريّ أحيان!!اً ض!!دّ المجتم!!ع‪،‬‬
‫والنخداعهم ببعض األصوات التي كانت تهتف باسمهم‪ ،‬فيدَّعون م!!ا ليس‬
‫لهم‪ ،‬ويخرجون للثورة بدون تخطيطٍ وتنظيم‪ ،‬ومن دون وج!!ود هَ!!دَفٍ‬
‫أو مصلحةٍ عليا لألمّة(‪ .)963‬وبالت!!الي يك!!ون نص!!يبهم القت!!ل والتش!!ريد‪،‬‬
‫ووضع المجتمع في مواجهةٍ خاسرة مع نفسه‪.‬‬
‫وقد الحَظْنا كيف عبَّر اإلم!!ام الرضا× عن رفض!!ه الحاس!!م لك!!لّ‬
‫تجاوزات أخيه زي!د‪ ،‬الملقَّب بـ «زي!د الن!ار»؛ حيث وق!ف من!ه ـ ومن‬
‫عدوانه على المجتمع(‪ )964‬ـ موقفاً سلبيّاً متصلّباً‪.‬‬
‫إننا نعتقد أن تحريم الرضا× اللج!وء إلى الظ!المين‪ ،‬والتع!اون م!ع‬
‫مختلف السلطات واألنظمة الجائرة‪ ،‬لم ينطلق من حالةٍ نفسيّة مزاجي!!ة‪،‬‬
‫ارتبطَتْ بطبيعة األجواء المتشنِّجة التي عاشَتْها أمَّتنا اإلس!!المية خالل‬
‫ذلك التاريخ‪ .‬ولكنّه انطلق في إطار ص!!يغةٍ تربويّ!!ة سياس!!يّة عمليّ!!ة‪،‬‬
‫كانت تهدف إلى تأكيد وتجذير حالة الرفض النفسيّ والعمليّ للكيانات‬
‫الظالمة الالشرعيّة‪ ،‬من خالل العمل المتواصل على توعية األمّة وتثقيفها‬
‫سياس!!يّاً وعقائ!!ديّاً على مع!!نى الحكم الع!!ادل‪ ،‬ومع!!نى الحكم الظ!!الم‪،‬‬
‫وكيفيّة تربية األمّة وتثقيفها على اإلسالم األصيل‪.‬‬
‫وأما بالنسبة إلى المعيار الثاني (التعاون المؤقَّت مع والية الجائر)‬
‫(‪ )965‬فقد انطلق إمامُنا× على ه!!ذا المس!!توى بك!!لّ م!!ا لدي!!ه من طاق!!اتٍ‬
‫وقُدُرات؛ حيثُ سلك طريق الدعوة إلى اإلسالم‪ !،‬وترسيخ أبعاده المعرفية‬
‫والعقائدية في ذهنيّة األمّة‪ ،‬بما في ذلك التوعي!!ة العقائدي!!ة والتثقي!!ف‬
‫السياسي باإلسالم (بصورةٍ غير مباشرة طبعاً)‪ ،‬من دون أن يسمح لنفس!!ه‬
‫(ولغيره من األصحاب والشيعة) ب!!أنْ يك!!ون ج!!زءاً من الواق!!ع السياس!!ي‬
‫القائم ـ في نظر اإلمام× ـ على ضوابط وأسس غير شرعيّة‪.‬‬
‫وقد اعترض بعضٌ على قبول اإلمام× بالوالية‪ ،‬ورضاه بالتعاون م!!ع‬
‫نظام المأمون (بالرغم من أنه لم يفعَلْ ذلك مطلق!اً)‪ ،‬ق!ائلين‪ :‬يكفي أن‬

‫‪ 430‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫اسمك قد ذُكِرَ معهم حتّى تصبح جزءاً منهم! فقال×‪« :‬األنبياء أفض!!ل‬
‫أم األوص!!ياء؟»‪ ،‬ق!!الوا‪ :‬األنبي!!اء‪ ،‬ق!!ال×‪« :‬الس!!لطانُ المش!!ركُ أس!!وأ! أم‬
‫السلطانُ المسلمُ الفاسقُ؟»‪ ،‬ق!!الوا‪ :‬الس!!لطان المش!!رك‪ ،‬ق!!ال×‪« :‬أيُّهم!!ا‬
‫أشدُّ‪ ،‬الذي يتعاونُ طالباً ذلك أم الذي يفرض عليه ذلك؟»‪ ،‬قالوا‪ :‬الذي‬
‫يطلبه‪ ،‬فقال×‪« :‬كان يوسف الصدِّيق نبيّاً‪ ،‬وعزيز مصر ك!!ان ك!!افراً‬
‫مشركاً‪ ،‬ويوسف طلب بنفسه‪﴿ :‬قَ!!الَ اجْعَلْنِي عَلَى خَ!!زَائِنِ األَرْضِ‬
‫إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ﴾ (يوسف‪)55 :‬؛ فق!!د أرادَ أنْ يأخ!!ذ موقع!!اً بحيث‬
‫يحسن االستفادة من ذل!!ك الموق!!ع‪ .‬إض!!افةً إلى أن عزي!!ز مص!!ر ك!!ان‬
‫كافراً‪ ،‬والمأمون مسلمٌ فاسق‪ .‬لقد كان يوسف نبيّاً‪ ،‬وأنا وص!!يّ ن!!بيّ‪.‬‬
‫هو طلب ذلك‪ ،‬وأنا أُجْبِرْتُ على ذلك(‪.)966‬‬

‫خالصات واستنتاجاتٌ معاصرة‬


‫ٌ‪6‬‬ ‫المبحث الثالث‪:‬‬
‫أدّى اإلمام الرضا× هذا الدَّوْر الرسالي الكبير على الص!!عيد العلمي‬
‫والتربوي‪ ،‬الذي ال يمكن فصلُه في العمق عن الجانب والمج!!ال السياس!!يّ‬
‫العمليّ‪ ،‬الذي لم يمارسه اإلمام بشكلٍ مباش!!ر‪ .‬واس!!تطاع ـ ب!!الرغم من‬
‫التحدِّيات القاسية التي واجهَتْه ـ إجالءَ الغم!!وض واللَّبْس عن كث!!يرٍ‬
‫من المفاهيم والتصوُّرات اإلسالميّة األصليّة‪ ،‬وعرض!!ها ب!!أروع الص!!ور‪،‬‬
‫وأنقى المضامين‪ ،‬وأنصع! البيانات؛ وذلك بهَ!!دَف الحف!!اظ على طهارته!!ا‬
‫وأصالتها ونضارتها في ذهنيّة المجتمع وذاكرة األمّة‪ .‬وحتّى على صعيد!‬
‫قبوله× بوالي!!ة العه!!د‪ ،‬ونزوله(‪ )967‬إلى أرض الواق!!ع المليء باألش!!واك‬
‫والحُفَ!!ر‪ ،‬فه!!و أم!!رٌ لم ي!!أتِ إالّ في إط!!ار تمـسُّكه × بإس!!الم األمّ!!ة‬
‫والجماهير‪ ،‬وسَعْيه لخدمة مبادئه الرسـالية وأنظمتها الفكرية والعملية‪.‬‬
‫وهو درسٌ عمليّ يمكن أن يقدِّم لنا (نحن أبناء الجبل الحاض!!ر) درس!!اً‬
‫عمليّاً مفيداً في ما يتعلَّق! بكيفية استلهام حركيّة اإلمام× في كيفيّ!!ة‬
‫تعامله مع الواقع والظروف التاريخية والسياسية واالجتماعية‪.‬‬
‫ونستطيع! أن نعبِّر عن ذلك في النقاط التالية‪:‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪431‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫‪1‬ـ العملُ على تحديد مشكالت واقعنا العربي واإلسالمي المعاص!!ر‪،‬‬


‫ال!!ذي يعجّ بالس!!لبيّات واالنقس!!امات‪ ،‬أي محاول!!ة فهم أس!!باب األزم!!ة‬
‫الحضاريّة المستمرّة لمجتمعاتنا العربيّة اإلس!!الميّة‪ ،‬كم!!ا ح!!دَّد وفهم‬
‫الرضا× أزمة مجتمعه‪ ،‬وظروف عصره‪ ،‬الذي عايشه بكلِّ قسوته وقلقه‪.‬‬
‫‪2‬ـ التركيزُ المكثَّف والغنيّ على أهمّي!!ة ودَوْر منظوم!!ة القِيَم‬
‫المتبص!! رة والمنفتح!!ة على الحي!!اة في قي!!ادة‬
‫ِّ‬ ‫األخالقي!!ة اإلس!!المية‬
‫مجتمعاتن!!ا إلى ش!!اطئ وب!!رّ األم!!ان‪ ،‬وإنقاذه!!ا من أزماته!!ا المتوالي!!ة‬
‫والمستمرّة منذ زمنٍ طوي!!ل‪ ،‬وإيقاظه!!ا من س!!باتها العمي!!ق ال!!ذي ط!!ال‬
‫أَمَدُه‪ ،‬ومحاول!!ة إرجاعه!!ا إلى الس!!احة العالميّ!!ة؛ لكي تم!!ارس دَوْره!!ا‬
‫الحضاري الرائد‪ ،‬إلى جانب باقي حضارات وثقاف!!ات الع!!الم‪ .‬وه!!ذا األم!!ر‬
‫مرتبطٌ ـ إلى حدٍّ كبير ـ بمسألة األخالق نفسها‪ ،‬وإيماننا بأنها ال يمكن‬
‫أن تُفْرَض من فوقٍ بقوّة األدوات السياسية (وغير السياسية) المعروفة‪،‬‬
‫وال بقَهْر القوانين اإلداريّة والمراسيم الحقوقيّة‪ ،‬ولكنها تأتي إلى حيِّز‬
‫التطبيق! من خالل توعية الناس والمجتمع‪ ،‬والعمل المس!!تمرّ على تعمي!!ق‬
‫صلتهم الروحية باهلل تعالى‪ ،‬وبقِيَمهم الدينية المعنوية العملي!!ة‪ ،‬ومنحهم‬
‫حق!!وقهم‪ ،‬واالس!!تجابة لمتطلَّب!!اتهم ومقتض!!يات وج!!ودهم؛ باعتب!!ار أن‬
‫لألخالق والمعنويات اإلسالميّة ثمـاراً حقيقي!!ة يمكن أن تبل!!ور ال!!وَعْي‬
‫الجمالي بالحياة واإلنسان‪ ،‬وتع!!زِّز حـسّ االنش!!داد! في داخل!!ه (المَيْ!!ل‬
‫الروحي والمفاهيمي) نح!!و المب!!دأ والمَثَ!!ل األعلى (اهلل تع!!الى)‪ ،‬مطل!!ق‬
‫الك!!ون والوج!!ود والحي!!اة‪ .‬وه!!ذه مس!!ألةٌ مهمّ!!ة ج!!دّاً ينبغي تحدي!!د‬
‫مسؤولياتنا تجاهها‪ ،‬وخصوصاً في ظلّ وج!!ود تيّ!!اراتٍ وق!!وىً ثقافيّ!!ةٍ‬
‫وسياس!!يّة «دَهْريّة» راهن!!ة‪ ،‬ي!!دّعي معظمه!!ا امتالك أفك!!ار ومع!!ارف‬
‫ومعطيات ثقافية (غير إسالمية)‪ ،‬قادرة وح!!دها ـ كم!!ا ت!!دّعي ـ على‬
‫استالم زمام المبادرة الفعّالة الخاصّ! ة‪ ،‬بتمثُّ!!ل وتحقي!!ق قِيَم النه!!وض‬
‫والتنمية في مجالنا السياسي واالجتماعي اإلسالميّ‪ ،‬وذلك من خالل زرع‬
‫قِيَم ثقافية وسياسية (مرتبطة كلِّياً بالمشاريع الحضارية الغربية) في‬

‫‪ 432‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫واقعنا الحضاريّ اإلسالمي‪.‬‬


‫‪3‬ـ تعزيز النقد البنّاء في حركة المجتمعات العربيّ!!ة اإلس!!المية‪:‬‬
‫يقول اإلمام الرضا×‪ « :‬ليس منّا مَنْ لم يحاسب نفسه في كلّ يومٍ؛ فإنْ‬
‫عمل حَسَناً استزاد اهلل‪ ،‬وإنْ عمل سيّئاً استغفر اهلل وت!!اب إليه»(‪ .)968‬إن‬
‫دراسة هذا النصّ تفيدنا في تحديد رؤية اإلمام× لمسألة النقد‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل التأكيد على ضرورة تعميق الروح النقدية على المستويين‪ !:‬ال!!ذاتي‬
‫الداخلي؛ والموضوعي الخارجي‪ ،‬في مفاصل اجتماعن!!ا السياس!!ي والم!!دني‬
‫اإلسالمي الحالي‪ ،‬وإعالء كلمة العقل‪ ،‬وترسيخ مبدأ العقالني!!ة الواقعي!!ة‪،‬‬
‫والعمل على إيجاد تربته المناسبة؛ وذل!!ك من أج!!ل الكش!!ف عن حقيق!!ة‬
‫أزمات الواقع المعاصر الذي نحياه ونعايشه‪ ،‬بإيجابيّاته وسلبيّاته‪ ،‬وتحليل‬
‫ظروفه وأحواله المختلفة‪ ،‬وأخ!!ذ العِبَ!!ر وال!!دروس من!!ه‪ ،‬بحيث يقودن!!ا‬
‫ذلك إلى ضرورة تجديد الروح اإلسالمية‪ ،‬والعق!!ل اإلس!!المي‪ ،‬واالنفت!!اح‬
‫على العالم والحياة‪ ،‬واعتماد مب!!دأ االجته!!اد والتجدي!!د‪ !،‬وال!روح العلمي!!ة‬
‫المجرَّدة‪ ،‬والرؤية الموضوعية! للذات واإلنسان وللعالم بشكلٍ دائم‪.‬‬
‫ولعلّ من أكبر وأهمّ تلك األزمات سيطرةَ العقليّة القَبَليّة على‬
‫قطاعاتٍ واسعة من أجهزة الحكم السياسي العربي واإلسالمي‪ ،‬بكلّ أجوائه‬
‫وامتداداته‪ ،‬والتي تشكِّل إحدى أهمّ المسبِّبات الرئيس!!ة ألزم!!ات واقعن!!ا‬
‫المتالحقة‪ ،‬التي تكبِّله وتمنعه من االنطالق نحو مواقع العم!!ل واإلنت!!اج‪،‬‬
‫وترهن وجوده لصالح نَزَعات طغيانيّ!!ة ذاتيّ!ة‪ ،‬ليس ألص!حابها من هَمٍّ‬
‫سوى تكريس مصالحهم وأهوائهم‪ ،‬على حساب الدولة واألمّة ككلٍّ‪.‬‬
‫إن امتداد جذور هذه األزمة ـ ال!!تي تعص!!ف بمجتمعاتن!!ا اإلس!!المية‬
‫الي!!وم ـ ق!!د أدّى إلى بن!!اء حداث!ةٍ غربي!ة مش!!وّهة وغ!!ير نظيف!!ة في‬
‫مجتمعاتنا‪ .‬لذلك ليس هناك من أملٍ للخروج من هذه األزم!!ة العميق!!ة‬
‫(وحداثتها المزيَّفة الكسيحة) إالّ بتوجي!!ه س!!هام النق!!د الموض!!وعي إلى‬
‫الجذور النفسيّة والفكريّة التي أنتجَتْ وولَّدَتْ هذه الحداث!!ة‪ ،‬وتهيئ!!ة‬
‫شروط جديدة؛ لتجاوزه!!ا‪ ،‬والخ!!روج من أخطاره!!ا العقيم!!ة‪ .‬وال!!واجب‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪433‬‬
‫• أ‪ .‬نبيل علي صالح‬

‫يقتضي منّا ـ في هذا المجال ـ العمل على إنجاز ما يلي‪:‬‬


‫‪1‬ـ نقد الدولة الوطني!!ة الحديث!!ة بال!!ذات‪ ،‬في مفهومه!!ا‪ ،‬ومص!!در‬
‫قِيَمها‪.‬‬
‫‪2‬ـ نقد عقيدة ارتباط التقدُّم التاريخي بالدولة‪.‬‬
‫‪3‬ـ نق!!د فك!!رة تعظيم دَوْر الطليع!!ة الحزبيّ!!ة المغلق!!ة‪ ،‬واإلدارات‬
‫القائم!!ة‪ ،‬وفض!!ح تض!!خيمها ألجه!!زة القم!!ع والض!!بط وال!!ردع والكَبْت‪،‬‬
‫بوسائلها الخاصّة والعامة‪ ،‬ال!!تي أص!!بحت اس!!تراتيجية سياس!!ية وثقافي!!ة‬
‫عامّة للدولة الوطنية (والقومية) العربية الحديثة‪ ،‬بحيث بات معدّل بناء‬
‫الس!!جون والمعتقالت‪ ،‬والمن!!افي الص!!حراوية‪ ،‬ومعس!!كرات المراقب!!ة‬
‫والتجميع‪ ،‬ونقاط التفتيش‪ ،‬وأجهزة األمن والشرطة والمخ!!ابرات‪ ،‬أك!!بر‬
‫بكث!!يرٍ من مع!!دّل بن!!اء المستش!!فيات والم!!دارس ومراف!!ق الخ!!دمات‬
‫االجتماعيّة األخرى‪.‬‬
‫هذا كلُّه أفضى إلى صناعة إنسانٍ ع!!ربيّ مس!!لم مش!!وَّه‪ !،‬نفس!!ياً‬
‫وتربوياً‪ .‬نعم‪ ،‬باتَتْ شخصيّتنا العربية تتَّسم اليوم ب!!الخوف والتس!!رُّع‬
‫واالنفعال والعنف واإلقصاء والتكفير والتعصُّب‪ .‬وه!!ذا كلُّ!!ه ج!!اء على‬
‫خلفيّة ذلك الواقع‪ ،‬واق!!ع سياس!!ي واجتم!!اعي‪ ،‬وحتّى ترب!!ويّ‪ ،‬ع!!ربيٍّ‪،‬‬
‫متداخلٍ ومعقّدٍ‪ ،‬ال قيمة فيه للفرد كفردٍ له حقوقه وكرامته ووجوده‬
‫الحقيقيّ‪ ،‬ابتداءً من األسرة وانتهاءً بأوسع الدوائر االجتماعية والمواق!!ع‬
‫السياسية‪ .‬وهو جاء أيضاً كمحصّلة لواقع منع الحقوق‪ ،‬وأش!!اع الهيمن!!ة‬
‫والتسلُّط‪ ،‬ودفع الستمرار سياس!!ات اإلقص!!اء ولي!!الي الكَبْت واالس!!تفراد‬
‫«السياسي ـ التربوي»‪ ،‬مع اس!!تحكامٍ كام!!ل ألج!!واء القَهْ!!ر والحرم!!ان‬
‫«البطري!!ركي» «اإلكليروسي» (إذا ص!!حّ التعب!!ير) ب!!المعنى السياس!!ي‬
‫واالجتماعي العملي‪ ،‬من بداية والدة الطفل وسيرورته التربوية األولى في‬
‫األسرة ومسيره المدرسيّ‪ ،‬إلى أعلى مراحل الهَرَم االجتم!!اعي والحي!!اتي‬
‫العامّ‪ .‬أَوَليسَتْ التربية والثقافة معنيّةً بهذه النتيج!!ة المأس!!اوية ال!!تي‬
‫يواجهها االجتماع الع!!ربي اإلس!!المي والتربي!!ة العربي!!ة اإلس!!المية‪ ،‬وهي‬

‫‪ 434‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الجانب العلمي والتربوي في حياة اإلمام علي بن موسى الرضا×‪ ،‬مقاربة فكرية في التاريخ والمعاصرة‬

‫المفترض أن تدفع المعنيّين بعلم االجتماع العربيّ اإلس!!الميّ الي!!وم إلى‬


‫بحث واستقصاء أس!!باب تش!!وُّه الشخص!!ية العربي!!ة المس!!لمة‪ ،‬أم أن ه!!ذا‬
‫الموضوع! ال عالقة لهم به‪ ،‬وأن دَوْر علم!!اء اجتماعن!!ا الع!!ربيّ ينحص!!ر‬
‫فقط في التنظير الفكريّ‪ ،‬والسَّرْد التاريخي‪ ،‬وتكديس الكتب والمراج!!ع‬
‫و(الكراريس) الجامعية؟!‬
‫إن الغاية من التربية ـ تربي!!ة الف!!رد واإلنس!!ان الع!!ربيّ المس!!لم ـ‬
‫تكمن أساساً في تمكينه على األرض؛ ليكون خليفةً هلل الخ!!الق العظيم‪ ،‬أي‬
‫بناء إنسان سليم عقالً وروحاً‪ ،‬قويّ الشخصية ومقتدر‪ ،‬يمتلك! مه!!اراتٍ‬
‫عملية‪ ،‬متمكّن من ذاته‪ ،‬ومندمج ومنخرط في واقعه ومجتمع!!ه وعص!!ره‪،‬‬
‫منفتح على اآلخر‪ ،‬فاع!!ل الحض!!ور‪ ،‬ق!!ادر على اإلنت!!اج والبن!!اء والعط!!اء‬
‫واإلبداع‪.‬‬
‫وحتّى تتحرّك التربية (العربي!!ة) الي!!وم على ه!!ذا الطري!!ق (رغم‬
‫وعورته وأشواكه ومعاناتنا ومآسينا وأزماتنا الكبرى فيها‪ ،‬ومنها‪ :‬أزم!!ات‬
‫التربية‪ ،‬كما ذكَرْنا آنفاً) ال بُدَّ أن يُعاد بن!!اء التربي!!ة ذاته!!ا؛ لتك!!ون‬
‫تربيةً واعية واقعية وعقالنية متج!!دِّدة‪ ،‬ق!!ادرة على بن!!اء ه!!ذا اإلنس!!ان‪،‬‬
‫وإنهاء معاناته‪ ،‬واالنتقال به ما أمكن إلى عالمٍ عربيّ تسوده قِيَم العدال!!ة‬
‫والحقّ والمساواة‪ ،‬يحتلّ فيه الفرد رأس األولوية واالهتمام‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪435‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‬


‫عرْ ضٌ وتحليلـ‬
‫ـ القسم الثاني ـ‬
‫(*)*)‬
‫د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫دراسة وتقويم ونقد اآلراء واالتّجاهات الفقهيّة المطروحة حول أسباب‪ 6‬ال ِم ْلكيّة‬
‫لقد أشَرْنا الى أنّ المتعارف في الفقه الوضعيّ هو إطالق مصطلح‬
‫(أسباب المِلْكيّة)‪ ،‬وأمّا في فقهنا اإلسالميّ فالمتعارف‪:‬‬
‫‪1‬ـ بيان مصاديق األسباب‪ ،‬أي أسباب المِلْكيّة بالمعنى الشائع‪ .‬ومنها‬
‫يُمكن انتزاع أسباب المِلْكيّة‪.‬‬
‫‪2‬ـ وندرَ مَنْ تعرَّض إلى حَصْر أسباب المِلْكيّة‪.‬‬
‫ومهما يكن من أم!!رٍ فق!د ورد في الفق!ه اإلس!!المي التع!رُّض إلى‬
‫مص!!ادر المِلْكيّ!!ة‪ ،‬على اختالفٍ في اآلراء؛ فال!!ذين تعرَّض!!وا ألس!!باب‬
‫المِلْكيّة وأسبابها يذكرون عادة أسباباً عديدة لمِلْكيّة اإلنس!!ان ألموال!!ه‬
‫المنفص!!لة عنه(‪ .)969‬أج!!ل‪ ،‬احتم!!ل بعضٌ انحص!!ارها في س!!ببٍ واح!!د‪.‬‬
‫ولنذكر هذه اآلراء أو الوجوه‪:‬‬

‫صراً‬
‫االتجاه األ ّول‪ :‬الحيازة َح ْ‬
‫حصر المِلْكيّة في سببٍ واح!!د‪ ،‬وه!!و الحي!!ازة‪ ،‬ال!!ذي ه!!و الس!!بب‬
‫الوحيد للمِلْك أوّالً وآخراً‪ ،‬وال سبب س!!واه‪ .‬وأمّ!!ا م!!ا يُظَنّ أنّ!!ه من‬

‫المصطفى|‬ ‫*)(*) أستا ٌذ في الحوزة العلميّة‪ ،‬وعضو الهيئة العلميّة في جامعة‬


‫العالميّة‪ ،‬ومدير تحرير مجلّة االستنباط‪.‬ـ من العراق‪.‬‬
‫‪ 436‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫األسباب‪ ،‬كالنواقل‪ ،‬مثل‪ :‬البيع وس!!ائر المع!!امالت‪ ،‬فحقيقته!!ا اإلع!!راض‪،‬‬


‫الذي هو مقابلٌ للحيازة؛ إذ إنّ البائع والمشتري يتواط!!آن على أن يرف!!ع‬
‫كلٌّ منهما يده عمّا يملكه؛ ليحوزه اآلخر‪ ،‬فال تمليك‪ ،‬وال نقل‪ ،‬بل ه!!و‬
‫إعراضٌ بإزاء إعراضٍ‪ .‬واإلعراض أيضاً جهتيٌّ‪ ،‬فك!!لُّ مُعْ!!رِضٍ راف!!عٌ‬
‫لليد من جهة صاحبه‪ ،‬ال من كلّ الجهات‪ .‬فلو أراد غير صاحبه االس!!تيالء‬
‫على العين لمنعه وزاحمه‪ .‬فكلٌّ رافعٌ لليد ألجل صاحبه‪ ،‬وغ!!ير م!!زاحمٍ‬
‫لصاحبه‪ ،‬بإزاء رفع صاحبه لليد‪ ،‬وتركه لمزاحمت!!ه‪ .‬ثمّ ك!!لٌّ يس!!تولي‬
‫على العين‪ ،‬ويملك العين بحيازته‪ ،‬فال سبب مملِّك!!اً س!!وى الحي!!ازة‪ ،‬بال‬
‫قبول المِلْك للنقل من مالكٍ إلى آخر‪.‬‬
‫وهذا الوجه احتمله المحقِّق اإليرواني على بُعْدٍ‪ ،‬قال&‪« :‬ويُحتمل‬
‫بعيداً أن تكون حقيقة البيع وسائر المعامالت هو اإلعراض‪ ،‬ثمّ المش!!تري‬
‫يملك المبيع بالحيازة‪ .‬فالسبب الوحيد للملك هو الحيازة أوّالً وآخراً‪،‬‬
‫ال سبب سواه‪ .‬فالبائع والمشتري يتواطآن على أن يرفع كلٌّ منهم!!ا ي!!ده‬
‫عمّا ملكه؛ ليحوزه اآلخر‪ ،‬ال تملي!!ك‪ ،‬وال نق!!ل‪ ،‬ب!!ل ه!!و إع!!راضٌ ب!!إزاء‬
‫إعراضٍ‪ ،‬واإلعراض أيضاً جهتيّ‪ ،‬فك!!لُّ مُع!!رِضٍ راف!!عٌ للي!!د من جه!!ة‬
‫صاحبه‪ ،‬ال من كلّ الجهات‪ .‬فل!و أراد غ!ير ص!احبه االس!تيالء على العين‬
‫لمنعه وزاحمه‪ ،‬فكلٌّ رافع لليد ألجل صاحبه‪ ،‬وغير مزاحم لصاحبه‪ ،‬بإزاء‬
‫رف!!ع ص!!احبه للي!!د‪ ،‬وترك!!ه لمزاحمت!!ه ثمّ ك!!لٌّ يس!!تولي على العين‪،‬‬
‫ويملك العين بحيازته‪ ،‬فال سبب مملِّكاً سوى الحيازة‪ ،‬بال قبول المِلْك‬
‫للنقل من مالكٍ إلى آخر»(‪.)970‬‬

‫أجوبةٌ وشواهد‬
‫‪1‬ـ قد أُجيب بأنّ الظاهر من حال المتعاملين في المعامالت خالفه؛‬
‫فإنّ كالًّ منهما يملِّك اآلخر‪ ،‬ال أنّه يرفع اليد عمّ!!ا يملك!!ه بالحي!!ازة‬
‫واالستيالء‪ !،‬بعد أن التحق المال بالمُباحات‪ ،‬بإعراض المال!!ك األوّل عن!!ه‪،‬‬
‫ورفعه لليد عنه(‪.)971‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪437‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫أق!!ول‪ :‬الظ!!اهر أنّ الملح!!وظ في ه!!ذا الج!!واب ك!!ون م!!ا قص!!ده‬


‫المتعامالن كشخصين خارجاً هو التمليك‪ ،‬ال اإلعراض‪.‬‬
‫‪2‬ـ إنّ فرضية إرجاع المعامالت إلى الحيازة‪ ،‬على الرغم من كونها‬
‫معقولةً ثبوتاً‪ ،‬إال أنّها خالف االرتك!!از العقالئي الع!!امّ؛ فإنّ!!ه ق!!ائمٌ في‬
‫المعامالت على المبادلة بين األموال واألعراض‪ ،‬ال المبادل!!ة بين إع!!راضٍ‬
‫وإعراضٍ‪ .‬وهذا أمرٌ ندركه بوجداننا العُرْفي‪.‬‬
‫ويشهد له‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬تخصيص العقالء كلّ معاملةٍ باس!!مٍ وعن!!وانٍ خ!!اصّ به!!ا‪.‬‬
‫وفيما لو أرادوا أحياناً المعامل!!ة على اإلع!!راض ف!!إنّهم يُنش!!ئون! إنش!!اءً‬
‫خاصّاً يُفيدها‪ ،‬ولما اكتفوا بأسامي المعامالت المتعارفة والمتداولة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬كما يشهد له أيضاً قياس المعامالت المالية بغيره!!ا‪ ،‬كعق!!د‬
‫الهُدْنة الذي هو عقدٌ سياسيّ‪ ،‬وعقد الص!!لح ال!!ذي ه!!و عق!!دٌ اجتم!!اعي‪،‬‬
‫وعقد االستئمان الذي هو عق!دٌ أم!ني‪ ،‬وكعق!د النك!اح ال!ذي ه!و عق!دٌ‬
‫اجتماعي وإنساني‪ ،‬وليس معاوضة على البضع ـ أي االس!!تمتاع الجنس!!ي ـ‬
‫في مقابل الصداق‪ ،‬كما يُقال عادةً؛ إذ إنّ االنتفاع هنا من الط!!رفين(‪،)972‬‬
‫ال من طرف الزوج فقط؛ كما أنّه ال يُشترط ذكر المهر في العقد‪ ،‬فلو‬
‫انعقد من دون ذكر مهرٍ صحّ(‪ ،)973‬ومن هنا عبَّر بعض!هم بأنّه!!ا ليس!!ت‬
‫معاوضةً مالية مَحْضة(‪)974‬؛ وأيضاً لو تلف المهر بفعل ال!!زوج أو بغ!!ير‬
‫فعل أحدٍ كان الضمان في!!ه ض!!مان ي!!دٍ‪ ،‬ال ض!!مان عق!!دٍ(‪ ،)975‬فال يفس!!د‬
‫النكاح بتلفه بعد ذلك‪ ،‬وال بردِّه‪ ،‬وال يضمن الزوج مهر المثل‪ ،‬بل قيم!!ة‬
‫المهر التالف(‪ ،)976‬وال يس!!قط بمنعه!!ا نفس!!ها إلى موتها(‪ ،)977‬ول!!و ك!!ان‬
‫الطالق فَسْخاً لرجع الزوج بتمام المَهْر(‪ ،)978‬وقد عبَّر القرآن الك!!ريم‬
‫عن الصداق بأنّه نِحلةٌ وهديّة وعطيّة وهبةٌ(‪ ،)979‬ق!!ال تع!!الى‪﴿ :‬وَآتُ!!وا‬
‫النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً‬
‫فَكُلُوهُ! هَنِيئاً مَرِيئاً﴾ (النساء‪ ،)4 :‬فهو ليس معاوضةً‪ ،‬وال عقداً مالياً‪،‬‬
‫ال من حيث الماهية‪ ،‬كما هو واضح عقالئيّاً كارتكازٍ نظري‪ ،‬وأيضاً هو‬

‫‪ 438‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫واضحٌ من قصد الزوجين عند إيقاع العقد خارجاً؛ فإنّ الزوجين يقصدان‬
‫الحياة المشتركة‪.‬‬
‫وكذلك هو ليس معاوض!!ةً‪ ،‬وال عق!!داً ماليّ!!اً‪ ،‬من حيث األحك!!ام‪،‬‬
‫ومن حيث اآلثار المترتِّبة عليه‪ ،‬كما يتَّضح ه!!ذا من خالل إج!!راء أدنى!‬
‫مقارنةٍ بينه وبين سائر المعاوضات والعقود المالية‪.‬‬
‫وعليه‪ ،‬فإنّ مثل هذه العقود غير المالية كي!!ف يمكن إرجاعه!!ا إلى‬
‫اإلعراض؟! فإنّ العقود مش!!تركةٌ في مع!!نىً واح!!د‪ ،‬وه!!و االل!!تزام من‬
‫الطرفين بإيجاد األثر المترتِّب عليه‪ ،‬وتحقيق الغرض‪.‬‬
‫وأمّا ما ورد في بعض النصوص الشريفة‪ ،‬قرآناً وسنّةً‪ ،‬من التعبير‬
‫باألجر ونح!!وه فال يُ!!راد ب!!ه المع!!نى الحقيقي‪ .‬ومن هن!!ا احت!!اط بعض‬
‫الفقهاء بالتعبير بأنّ النكاح فيه معنى المعاوضة‪ ،‬أو فيه شائبة المعاوض!!ة‪،‬‬
‫ولم يجرؤ على التعبير بأنّه معاوضةٌ‪.‬‬
‫ومن الغريب أنّ المحقِّق اإليرواني قد صرَّح بإرج!!اع النك!!اح إلى‬
‫المعاوضة‪ ،‬بل إلى اإلجارة‪ ،‬قال‪...« :‬وممّا ذكرنا يس!!هل ل!!ك األم!!ر في‬
‫بقية المعامالت؛ فإنّها يرجع كثير منها إلى ما ذكَرْنا؛ فإنّ مآل النك!!اح‬
‫إلى اإلجارة‪ ،‬وتسليط الغير على منفع النفس منفعةً خاصّة‪ ،‬وهي منفع!!ة‬
‫البضع‪ .‬وك!!ذا المزارع!!ة والمس!!اقاة‪ ،‬وهم!!ا من جزئي!!ات اإلج!!ارة‪ ،‬وق!!د‬
‫تخصَّصتا بالتعلُّق بمتعلَّق خاصّ»(‪.)980‬‬
‫فمع التسليم بكونه معاوضةً كيف يُدَّعى! أنّه إجارةٌ؟!‬
‫أجل‪ ،‬رُبَما يكون لهذه الدعوى وجهٌ بالنسبة إلى النك!!اح الم!!ؤقَّت‪،‬‬
‫وإنْ كنّا نرفضها أيضاً‪.‬‬
‫وعلى أيّ حالٍ فمع فرض التسليم بكون النكاح معاوضةً أو إج!!ارةً‬
‫كيف يتمّ تصويره طبقاً لفرضيّة اإلعراض؟!‬
‫هذا‪ ،‬وقد عثرتُ أخيراً على بيانٍ للشهيد الصدر في ه!!ذا المض!!مار‪،‬‬
‫بمناسبة البحث عن التملي!ك المجّ!اني‪ ،‬ق!ال‪« :‬ولع!لّ من ه!!ذا القبي!!ل‪:‬‬
‫المَهْر‪ ،‬وإنْ قال الفقهاء بأنّه مُطعَّمٌ بالمعاوضة(‪ ،)981‬لكنّ المقصود من‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪439‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫ذلك وجود الداعي على نحو الحيثي!!ة التعليليّ!!ة‪ ،‬ال التقييدي!!ة‪ ،‬فليس في‬
‫البَين معاوض!!ةٌ بحَسَ! ب ق!!انون المعامل!!ة‪ ،‬وال بحَسَ! ب المُنْشَ! أ فيه!!ا‪،‬‬
‫فالزواج ليس معاملةً أو معاوضةً أو مبادلةً‪ ،‬وإنّما هو إكرامٌ وإحس!!انٌ‬
‫وإنعامٌ للمرأة من قِبَل الزوج‪ ،‬وتمليكٌ شبه مجّ!!انيّ‪ ،‬ال يُش!!ترط في!!ه‬
‫القبض خارجاً»(‪.)982‬‬
‫‪3‬ـ ثمّ ما هو حال سائر النواقل‪ ،‬كاإلرث؟! فهل يتمّ التمليك في!!ه‬
‫على أساس الحيازة؟! فإنّه من المستَبْعَد جدّاً إرجاعه إليها‪ .‬ولنا رؤي!!ةٌ‬
‫خاصّة حول اإلرث‪ ،‬عسى أن نُوفَّق! لبحثها الحقاً‪ ،‬إنْ شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪4‬ـ ولستُ أدري ماذا يقول هذا المحقِّق الكبير بالنسبة إلى مِلْكيّة‬
‫اإلنسان لنفسه ومنافعه وأعماله‪ ،‬بناءً على ثبوت المِلْكيّة االعتبارية له!!ا‪،‬‬
‫كما هو الصحيح عندنا؟! فهل يملكها بالحيازة؟!‬
‫‪5‬ـ وأيضاً م!!ا ه!!و الس!!بب في حص!!ول مِلْكيّ!!ة النم!!اء؟ فه!!ل هي‬
‫الحيازة؟!‬
‫‪6‬ـ كما أنّ هذا االف!!تراض مبتنٍ على ك!!ون اإلع!!راض مُسْ! قِطاً‬
‫للمِلْكيّة ومُزيالً لها‪ ،‬فلو رفضنا المبنى ـ كما رفضه المش!!هور ـ لم!!ا‬
‫استقام هذا البناء‪.‬‬
‫‪7‬ـ ثمّ ما معنى اإلعراض الجهتيّ؟! ف!!إنّ المال!!ك إذا أع!!رض عن‬
‫ماله أصبح مباحاً لجميع الناس؛ نظراً النقطاع علقته ب!!ه‪ ،‬وال مع!!نى ألن‬
‫يكون مباحاً لشخصٍ‪ ،‬دون غيره؛ النتهاء سلطنته عليه‪.‬‬
‫وأمّا دعوى! كون المالك إنّما قصد بهذا اإلع!!راض وقوع!!ه ب!!إزاء‬
‫إعراض الطرف اآلخر‪ ،‬ال مطلقاً‪ ،‬فال يجوز لطرفٍ ثالث اغتن!!ام الفرص!!ة‬
‫بعد اإلعراض والقيام بالحيازة؛ ت!!ذرُّعاً ب!!أنّ اإلع!!راض االس!!تطراقيّ ال‬
‫يفسح المجال إالّ للمستطرَق إليه أن يمارس الحيازة‪ ،‬طبق!!اً للمرتك!!زات‬
‫العقالئية(‪ ،)983‬فغير صحيحةٍ؛ فإنّ هذا القصد مجرّد داعٍ ال أثر له فيم!!ا‬
‫لو بقي موضوعٌ للتأثير؛ إذ بإعراضه رف!!ع موض!!وع الت!!أثير على الم!!ال‪،‬‬
‫فاإلعراض معناه التخلّي عن الشيء ورفع اليد عنه‪ ،‬وبعد رفع يد المال!!ك‬

‫‪ 440‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫ال سلطان له على المال حتّى يمنع غير ص!!احبه من حيازت!!ه‪ ،‬ال من خالل‬
‫الداعي‪ ،‬وال من خالل القيد‪.‬‬
‫‪8‬ـ إنّ ه!!ذا االف!!تراض ال يتمّ في بعض ح!!االت ال!!بيع‪ ،‬مث!!ل‪ :‬بي!!ع‬
‫الكُلِّي بالذمّة‪ ،‬كبيع السَّلَف‪ ،‬فهنا ال مِلْكيّة بالحي!!ازة‪ ،‬لكنّ المِلْكيّ!!ة‬
‫واقعةٌ بالبيع(‪.)984‬‬
‫‪9‬ـ ب!!ل بن!!اءً على مب!!نى المحقِّ!!ق اإلي!!رواني من ص!!حّة بي!!ع‬
‫المنافع(‪ ،)985‬مثل‪ :‬بيع العمل‪ ،‬ال يتمّ هذا االفتراض أيض!!اً‪ ،‬فهن!!ا أيض!!اً ال‬
‫حيازة‪.‬‬
‫وعلي!!ه ال بُ!!دَّ من اإلق!!رار بع!!دم رج!!وع التملي!!ك ال!!بيعيّ إلى‬
‫التملُّك! بالحيازة‪ ،‬وإالّ فلن يُتصوَّر في ما ال يُمْلَك بها(‪.)986‬‬
‫‪10‬ـ إنّ ال!!بيع غ!!ير محت!!اجٍ إلى القبض بحَسَ! ب الخ!!ارج؛ ف!!إنّ‬
‫المرتكز عقالئيّاً في تأثير البيع أنّه يؤثِّر حتّى قبل القبض واإلقب!!اض‬
‫الخارجيّين‪.‬‬
‫وعلى أيّ حالٍ لو صحّ ما يُستشمّ من كلمات الفقهاء ال!!واردة في‬
‫موارد مختلفة‪ ،‬من أنّ االرتكاز العقالئي يقتضي أن تكون أف!!راد المعامل!!ة‬
‫تامّ!!ةً بمج!!رّد المعامل!!ة‪ ،‬وبال حاج!!ةٍ إلى حي!!ازةٍ خارجي!!ة من قِبَ!!ل‬
‫المشتري‪ ،‬فال إشكال في أنّ ه!!ذا االرتك!!از ال يمكن تفس!!يرُه وفق!!اً له!!ذا‬
‫االفتراض؛ ألنّه يس!!تدعي حي!!ازة المش!!تري للعين‪ ،‬والمف!!روضُ ع!!دمُها‪،‬‬
‫فقبل الحيازة والقبض يكون النقل واالنتقال ت!!امَّيْن‪ ،‬ومع!!ه ال بُ!!دَّ من‬
‫فرضِ مِالكٍ آخر لتماميّتها(‪.)987‬‬

‫محاولةٌ فنّية لتكييف إرجاع البيع إلى الحيازة البقائيّة‪6‬‬


‫لقد طرح الشهيد الصدر& افتراضاً آخر لتفسير الحيازة في ال!!بيع‪،‬‬
‫وذلك « أن يُقال‪ :‬إنّ مرجع البيع إلى أنّ البائع يحوز بقاءً للمشتري‪ ،‬ال‬
‫لنفسه‪.‬‬
‫وتوضيح ذلك‪ :‬إنّ الحيازة ـ وهي من المملِّكات ـ ت!!ارةً تق!!ع من‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪441‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫الشخص نفسه‪ ،‬فيقصد الحيازة لنفسه؛ وأُخرى يقص!!دها لغ!!يره‪ ،‬فيمل!!ك‬


‫ذلك الغير المُحَاز له‪ ،‬سواءٌ أكان هو الح!!ائز نفس!!ه أم ش!!خص آخ!!ر‪.‬‬
‫فالبائع يُبدِّل هذه الحيازة لنفس!!ه‪ ،‬وال!!تي اقتضَ! تْ مِلْكيّت!!ه للعين‪ ،‬إلى‬
‫الحيازة للمشتري‪ ،‬فيصبح األخير مالكاً؛ ألنّه هو المُحَاز له‪.‬‬
‫وه!!ذا االف!!تراض يُمثِّ!!ل محاول!!ةً تس!!تهدف إرج!!اع المِلْكيّ!!ة‬
‫المعاوضية إلى الحي!!ازة‪ ،‬وأنّ التملُّ!!ك يك!!ون به!!ا‪ ،‬غايت!!ه به!!ذا النح!!و‬
‫الخاصّ» (‪.)988‬‬
‫ثمّ إنّ الشهيد الصدر‪ ،‬بعد ذكره لهذا االفتراض‪ ،‬تص!!دّى لتقييم!!ه‬
‫ومناقش!!ته وردِّه‪ .‬وأف!!اد به!!ذا الش!!أن‪ :‬إنّ ه!!ذا االف!!تراض يختل!!ف عن‬
‫االفتراض السابق في أنّه ال ي!!أتي علي!!ه اإلش!!كال األخ!!ير ـ أي اإلش!!كال‬
‫العاشر بحَسَب ترقيمنا ـ‪ ،‬لكنّه ما زال يُواجه اإلشكالين الثامن والتاسع ـ‬
‫بحَسَب ترقيمنا وكيفيّة عرضنا ـ؛ ألنّ جملةً من األشياء ال!!تي تُنْقَ!!ل‬
‫بالبيع ال تُمْلَك بالحيازة‪ ،‬كالعمل والكُلِّي في الذمّة‪ ،‬وبهذا يكون ه!!ذا‬
‫االفتراض مخالفاً لالرتكاز العقالئي(‪.)989‬‬

‫إشكا ٌل وإيراد‬
‫في البدء أُنبِّه على أنّني شخص!يّاً أش!عر بوج!ود خَلَ!لٍ في ه!ذا‬
‫البيان‪ .‬والظاهر أنّ المُراد أنّ الش!!خص كم!!ا يمكن!!ه ابت!!داءً أن يح!!وز‬
‫لنفسه‪ ،‬ويحوز لغيره‪ ،‬يمكنه بع!!د حيازت!!ه للعين بق!!اءً أن يح!!وز لغ!!يره‬
‫أيضاً‪ ،‬فلو حاز عَيْناً لنفسه أوّالً صار مالكاً لها‪ ،‬وبحكم مِلْكيّت!!ه ال!!تي‬
‫ثبتت له يستطيع بعد ذلك أن يحوز هذه العين مرّةً أخرى لغيره‪ .‬وهذه‬
‫الفكرة نُطبِّقها على البائع؛ فإنّه ابتداءً ملك عَيْناً بحيازتها لنفسه‪ ،‬ثمّ‬
‫يحوز هذه العين مرّةً أخرى بقصد أن تكون للمشتري‪ .‬فإنْ كان هذا هو‬
‫المُراد فإنّه ـ مُضافاً إلى اإلشكال الذي سجَّله الشهيد الص!!در على ه!!ذا‬
‫االفتراض (والذي فكَّكناه إلى اإلشكالين الثامن والتاسع) ـ يَرِدُ عليه‪:‬‬
‫‪1‬ـ نظير ما أورَدْناه في بعض اإلشكاالت السابقة أيض!!اً‪ ،‬من قبي!!ل‪:‬‬

‫‪ 442‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫اإلشكال األوّل؛ فإنّ البائع ال يقصد الحيازة للمشتري‪ ،‬كما هو واضحٌ في‬
‫البيوع الواقعة خارجاً‪.‬‬
‫وكذا نظير م!ا ج!اء في اإلش!كال الث!اني‪ ،‬من ع!دم قي!ام االرتك!از‬
‫العقالئي على كون البيع‪ ،‬وال غيره من العقود الناقلة‪ ،‬حيازةً‪ ،‬ال ح!!دوثاً‬
‫وال بقاءً‪ ،‬ولذا خصَّصوا لكلّ عقدٍ اسماً وعنواناً خاصّاً به‪.‬‬
‫وأيضاً يأتي عليه نظير ما ذكرناه في اإلشكال الرابع‪.‬‬
‫‪2‬ـ وأمّا اإلشكال الثالث فيَرِدُ عليه هنا بش!!دّةٍ‪ ،‬ف!!إنّ الحي!!ازة من‬
‫قِبَل الميّت للوارث غير معقولةٍ‪ ،‬وليست مُستَبْعَدةً فحَسْب‪.‬‬
‫‪3‬ـ إنّ هذا االفتراض مبتنٍ على إمكانية النياب!!ة في الحي!!ازة‪ ،‬فل!!و‬
‫رفضنا المبنى ـ كما رفضه المشهور ـ لما استقام هذا البناء‪.‬‬
‫‪4‬ـ إنّ الحيازة حينم!!ا تتحقَّ!!ق تك!!ون نتيجته!!ا المِلْكيّ!!ة‪ ،‬وه!!ذه‬
‫النتيجة الحادثة تكون باقيةً‪ ،‬وال تحتاج إلى علّةٍ أخرى للبقاء‪.‬‬
‫‪5‬ـ إنّ الحيازة إنّما تكون مملِّكةً فيما لو تعلَّقَتْ بالشيء المباح‪،‬‬
‫وأمّ!!ا الممل!!وك فال يك!!ون موض!!وعاً للحي!!ازة‪ .‬والمف!!روض أنّ الش!!يء‬
‫المُحَاز كان قد حازه البائع ومَلَكه مُسْبَقاً‪ ،‬فال معنى لعروض الحيازة‬
‫عليه مرّةً ثانية‪ ،‬سواء صدرت من الح!!ائز األوّل أو من المش!!تري أم من‬
‫شخصٍ ثالث‪.‬‬
‫‪6‬ـ ويترتَّب على هذا اإلشكال الخ!!امس أنّ!!ه لوأرَدْن!!ا إنق!!اذ ه!!ذه‬
‫الفرض!يّة فال محيصَ لن!!ا من االحتي!!ال بس!بيلٍ آخ!!ر‪ ،‬وه!و اإلع!!راض‪،‬‬
‫وافتراض كون اإلعراض جهتيّاً‪ ،‬وهذا ما التفت إليه المحقِّق اإليرواني‪،‬‬
‫وحينئذٍ تُحيى بعضُ اإلش!!كاالت ال!!تي أورَدْناه!!ا على دع!!وى اإلع!!راض‪،‬‬
‫واإلعراض الجهتيّ‪ ،‬من جديدٍ‪ ،‬كاإلشكالين السادس والسابع‪.‬‬

‫ع عن المحقِّق اإليرواني‪6‬‬
‫دفا ٌ‬
‫قد يُق!!ال‪ :‬إنّ المحقِّ!!ق اإلي!!رواني لم يكن بص!!دد حَصْ! ر أس!!باب‬
‫المِلْكيّة كافّةً‪ ،‬وإنّما كان بصدد حَصْر أس!!باب المِلْكيّ!!ة في األعي!!ان‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪443‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫فقط‪ ،‬كما يظهر من بعض كلماته‪.‬‬

‫ق وبيان‬
‫تعلي ٌ‬
‫‪1‬ـ إنّه إنْ لم يكن& بصدد االس!!تيعاب فه!!ذا م!!ا يؤكِّ !د! ادّعاءن!!ا‪،‬‬
‫ويزيد عليه‪ ،‬وهو عدم تصدّي الفقه!!اء لحَصْ! ر أس!!باب المِلْكيّ!!ة‪ .‬ومَنْ‬
‫ظَنَنَّا تصدِّيه لبيانها فإنّما تصدّى لذلك بنحو الموجبة الجزئيّ!!ة‪ .‬إذن‬
‫فلم يبْقَ أيُّ عصفورٍ على الشجرة‪ ،‬كما يُقال في المَثَل‪.‬‬
‫‪2‬ـ لو فرَضْنا كونه في مقام حَصْر أسباب المِلْكيّ!!ة في األعي!!ان‬
‫فقط‪ ،‬ال مطلقاً‪ ،‬فال يتزعزع شيءٌ ممّا أورَدْناه عليه من مناقشاتٍ‪.‬‬

‫االتجاه الثاني‪ :‬الحيازة ث ّم غيرها‪6‬‬


‫وهذا الرأي يمكن اقتناصُ! ه ممّ!!ا طرح!!ه المحقِّ!!ق اإلي!!رواني‪ ،‬من‬
‫تقسيمه المِلْكيّة إلى‪ :‬مِلْكيّة أصليّة مبتدَأة؛ ومِلْكيّة فرعي!!ة وثانوي!!ة‬
‫مسبوقة‪ .‬وهو تقسيمٌ ثنائيّ‪ .‬وبيانه‪:‬‬
‫القسم األوّل‪ :‬السبب األصليّ‪ ،‬وهو منحصرٌ بالحي!!ازة‪ .‬وق!!د نعته!!ا‬
‫صاحب هذا االتجاه بأنّها أُمُّ المملِّكات‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬األسباب الثانوية‪ .‬وتتمثَّل بسائر األسباب‪.‬‬
‫وقد اختاره المحقِّق اإليرواني مُصرِّحاً ب!!ذلك‪ ،‬ق!!ال‪« :‬اعلَمْ أنّ‬
‫أُمَّ األسباب المملِّكة هي الحيازات‪ ،‬وك!!لُّ م!!ا ع!!داها من األس!!باب فهي‬
‫متفرِّعةٌ عليها‪ ،‬واردةٌ في موضوعها‪ ،‬ال أنّها أسبابٌ في عَرْض!!ها‪ .‬فك!!لّ‬
‫األموال كانت أجنبيّةً عن األشخاص‪ ،‬وك!!انت نس!!بتها إلى الك!!لّ نس!!بةً‬
‫واحدة‪ ،‬وبالحي!!ازة ص!!ارت مرتبط!!ةً باألش!!خاص‪ ،‬وورَدَتْ في س!!لطانها‪،‬‬
‫وصارت مملوكةً لها‪ .‬فالحيازة هي السبب الوحيد في ح!!دوث المل!ك‪ ،‬ال‬
‫سبب سواها؛ وأمّا سائر األسباب فهي في المرتبة الالحقة»(‪ .)990‬ثمّ ق!!ال‪:‬‬
‫«كما تحدث السلطنة بالحي!!ازة تنتق!!ل الس!!لطنة من ش!!خصٍ إلى آخ!!ر‬
‫بالمعامالت االختياريّة‪ ،‬وكذا بالنواقل القهرية‪ ،‬كاإلرث‪ .‬فكلّ المعامالت‬

‫‪ 444‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫مع!!امالتٌ موجب!!ةٌ لنق!!ل الرب!!ط‪ ،‬وتحوي!!ل الس!!لطان من ش!!خصٍ إلى‬


‫آخر»(‪ .)991‬وقال في موضعٍ آخر‪« :‬وقد ع!!رفْتَ أنّ أُمَّ المملِّك!!ات هي‬
‫الحيازات‪ ،‬وكلّ ما عداها من النواقل فهي تنتهي إلى الحيازات ال محال!!ة؛‬
‫فإنْ ملَكْنا شيئاً بالشراء فقد ملَكْناه بحيازتن!ا للثمن‪ ،‬ول!!و بوس!!ائط؛ أو‬
‫ملَكْنا شيئاً بالهبة أو باإلرث فقد ملَكْناه بحيازة مَنْ انتق!!ل الم!!ال من!!ه‬
‫إلينا‪ ،‬بما أنّ حيازت!!ه حيازتن!!ا‪ ،‬كم!!ا في اإلرث‪ ،‬أو بتف!!ويضٍ من!!ه ح!!قّ‬
‫حيازته إلينا‪ ،‬كما في الهبة»(‪.)992‬‬

‫نق ٌد وتحقيق‬
‫‪1‬ـ إنّ كون الحيازة سبباً للمِلْكيّة عقالئيّاً أم!!رٌ ال رَيْبَ في!!ه‪،‬‬
‫إالّ أنّ جعلها السبب الرئيس فقط هو أمرٌ غير صحيح؛ فإنّ هناك س!!بباً‬
‫أصليّاً آخر‪ ،‬وهو الصنع والعالج‪ ،‬بل ال يمكن إرجاع كلِّ المُملِّكات إلى‬
‫هذين السببين‪ ،‬كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫‪2‬ـ وأمّا ما ذكَرَه من تصوير لكيفيّة إرج!!اع س!!ائر األس!!باب إلى‬
‫الحيازة‪ ،‬واألمثلة التي أوردها‪ ،‬من قبيل‪ :‬كون مِلْكيّة شيءٍ بالشراء إنّما‬
‫تتحقَّق بحيازة الثمن‪ ،‬ولو بوس!!ائط‪ ،‬فه!!ذا ممّ!!ا يث!!ير العجب‪ ،‬وممّ!!ا ال‬
‫ينبغي صدوره من مثله؛ إذ إنّ مِلْكيّة الثمن لم تحص!!ل بس!!بب الحي!!ازة‪،‬‬
‫وإنّما بسبب النقل والتبادل‪ ،‬وهذه سببيّةٌ مستقلّةٌ عن س!!ببيّة الحي!!ازة‪،‬‬
‫وإنْ كان يُمكن أن يكون المنقول أمراً مُحَازاً‪.‬‬
‫فإنْ كان المراد بهذا البيان إلغاء سببيّة النقل وغيره فهذا رج!!وعٌ‬
‫إلى النظرية السابقة‪ ،‬التي ترى أحادية األسباب‪ ،‬وانحصارها في الحيازة‪.‬‬
‫وإنْ كان الم!!راد ك!!ون الحي!!ازة هي الس!!بب األص!!ليّ‪ ،‬ثمّ ح!!دث‬
‫توسُّعٌ من قِبَل العقالء‪ ،‬فأضافوا أسباباً ثانويّة أخ!!رى‪ ،‬فه!!ذا التص!!وير‬
‫قاص!!رٌ‪ ،‬وال ينهض بإف!!ادة ذل!!ك‪ ،‬مُض!!افاً إلى ع!!دم انحص!!ار المِلْكيّ!!ة‬
‫األصليّة بالحيازة‪ ،‬حتّى تكون األسباب الثانوية كلّها راجعةً إليها‪.‬‬
‫وإنْ كان المراد التقدُّم الزماني للمملوك بالحيازة على الممل!!وك‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪445‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫بغير حيازةٍ فهذا البيان لو ك!!ان ل!!ه قيم!!ةٌ علميّ!!ة فال يُفي!!د في بي!!ان‬
‫السببيّة؛ لع!!دم ك!!ون البحث فيه!!ا بحث!!اً تاريخي!!اً‪ ،‬أو تحليالً لظ!!اهرةٍ‬
‫اجتماعية تحليالً عقليّاً‪ ،‬بل المرتبط بالبحث الفقهي التحليل على أساسٍ‬
‫عقالئيّ واعتب!!ارٍ عقالئيّ‪ .‬ثمّ إنّ!!ه ال مالزم!!ة بين التق!!دُّم الرت!!بيّ‬
‫والتقدُّم الزماني‪ ،‬كما سوف نُشير إليه الحقاً‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬فالصحيح هو تعدُّد أسباب المِلْكيّة ـ الرئيسة منها والثانوي!!ة‬
‫ـ‪ ،‬وعدم وحدانيتها‪ ،‬وعدم صحّة إرجاع األسباب الثانوية طُرّاً إلى س!!ببٍ‬
‫واحد‪ ،‬وهو الحيازة‪.‬‬
‫فالمهمّ إذن هو بحث االتجاهات التعدُّدية األخرى‪.‬‬

‫أسباب متف ِّرقة‬


‫ٌ‪6‬‬ ‫االتجاه الثالث‪6:‬‬
‫وهو ال يحصر المِلْكيّة األصليّة بالحيازة فق!!ط‪ ،‬ب!!ل ي!!رى تع!!دُّد‬
‫األسباب‪ ،‬ومغايرتها للحيازة‪ .‬وتندرج تحته عدّة مسالك‪:‬‬

‫المسلك األ ّول‪ :‬األسباب الثالثة‬


‫وهو يذهب إلى تثليث األسباب‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫السبب األوّل‪ :‬الناقل للملك من مالكٍ إلى مالكٍ آخ!!ر‪ ،‬ك!!البيع‬
‫والهبة‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬أن يخلِّف واحدٌ آلخر‪ ،‬كاإلرث‪.‬‬
‫السبب الثالث‪ :‬إحراز شيءٍ مُباحٍ ال مالك له‪ .‬وه!!ذا إمّ!!ا حقيقيّ‪،‬‬
‫وهو وضع اليد حقيقةً على ش!!يء؛ وإمّ!!ا حكميّ‪ ،‬وذل!!ك بتهيئ!!ة س!!ببه‪،‬‬
‫كوضع إناءٍ لجمع ماء المطر‪ ،‬أو نصب شبكةٍ ألجل الصيد‪.‬‬
‫وهذا المسلك قد صُرِّح به في مجلّة األحكام العدليّة(‪.)993‬‬

‫تنبيهٌ واعتراض‪6‬‬
‫يتَّضح ممّا مرَّ ويأتي عدم جامعيّ!!ة ه!!ذا التقس!!يم؛ نظ!!راً لع!!دم‬
‫انحصار األسباب في ما ذُكِ!!ر؛ فإنّ!!ه ممّ!!ا ال رَيْبَ في!!ه ك!!ون العم!!ل‬

‫‪ 446‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫والضمان والتَّبَعيّة من جملة أسباب المِلْكيّة‪.‬‬

‫المسلك الثاني‪ 6:‬األسباب االختياريّة‪ 6‬والقَ ْهريّة ومتف ِّرعاتها‬


‫وهو متصيَّدٌ ممّا هو مذكورٌ في كتاب الشركة وأسبابها‪ ،‬وإنّما‬
‫قلنا متصيَّدٌ ألنّه قد ذُكِر بما هو تنويعٌ وبيانٌ ألن!!واع! المِلْكيّ!!ة‪ ،‬من‬
‫ناحية كونها قهريّةً أو اختياريّةً‪ ،‬وال يُعْلَم كونه بصدد بيان األس!!باب‬
‫كافّةً‪ ،‬وحَصْرها ضمن عناوين كُلِّية‪ ،‬حيث ذُكر تثنية األسباب أوّالً‪،‬‬
‫ثمّ تقسيم كلّ نوعٍ منهم!!ا إلى أص!!ناف‪ ،‬فينتج تع!!دُّد األس!!باب‪ .‬وبي!!ان‬
‫ذلك‪:‬‬
‫(‪)994‬‬
‫؛ واختياريّة‪.‬‬ ‫إنّ أسباب الملك نوعان‪ :‬قَهْرية [= جَبْرية]‬
‫الن!!وع األوّل‪ :‬األس!!باب االختياريّ!!ة‪ .‬وهي على أص!!ناف‪ ،‬منه!!ا‪:‬‬
‫االكتساب‪ ،‬والبيع‪ ،‬والشراء‪ ،‬والصيد‪ ،‬والحيازة‪ ،‬وإحي!!اء الم!!وات‪ ،‬وم!!ا إلى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬األسباب القهريّة‪ .‬وهي صنفان‪ :‬إمّا أن يك!!ون بجَعْ!!ل‬
‫الشارع؛ وإمّا أن يكون بأسباب اتّفاقيّة أخرى(‪.)995‬‬
‫فمن الصنف األوّل‪ :‬الميراث‪ ،‬الجناي!!ات‪ ،‬األُروش‪ ،‬الن!!ذور‪ ،‬وم!!ا إلى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ومن الصنف الثاني‪ :‬اختالط الم!الين قَهْ!راً‪ ،‬بحيث ال يمكن تمي!يز‬
‫أحدهما عن اآلخر عادةً‪ ...‬والوصيّة بالثلث‪ ...‬أو وَقْف ملكٍ‪.)996(...‬‬

‫تساؤ ٌل وإيراد‬
‫على ال!!رغم من أنّ ه!!ذا التقس!!يم أفض!!ل بكث!!يرٍ ممّ!!ا س!!بقه من‬
‫التقسيمات‪ ،‬إالّ أنّه مُبتلىً ببعض اإليرادات(‪ ،)997‬ومنها‪:‬‬
‫‪1‬ـ تداخل األقسام‪ ،‬من قبيل‪ :‬م!ا أورده في الن!وع األوّل من عط!!ف‬
‫(البيع) على (الشراء)‪ .‬فيا تُرى هل هما سببان متباين!!ان‪ ،‬أح!!دُهما غ!!يرُ‬
‫اآلخر؟! وكذا الحال بالنسبة إلى عط!!ف (الحي!!ازة) على (الص!!يد)؛ ومن‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪447‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫قبيل‪ :‬ما أورده في النوع الثاني‪ ،‬من إتباع (األُروش) للـ (الجنايات)‪.‬‬
‫‪2‬ـ عدم جامعيّة التقسيم باعتراف صاحبه؛ حيث استفاد من عب!!ارة‪:‬‬
‫(وما إلى ذلك)‪ .‬وال نعلم مُراده من هذه العب!!ارة‪ ،‬وإلى أيّ ش!!يءٍ ك!!ان‬
‫نظره فيها‪.‬‬
‫‪3‬ـ إنّ ذكره (النذور) في الصنف األوّل ليس فنّياً؛ فإنّه ليس من‬
‫التمليك! القَهْري؛ إذ إنّ التمليك بالنَّ!!ذْر إنْ ك!!ان النَّ!!ذْر على نح!!و‬
‫شرط النتيجة ـ والظاهر هو الملحوظ في المقام ـ ال يصحّ؛ ألنّ!!ه غ!!ير‬
‫مقدورٍ للناذر(‪)998‬؛ وإنْ كان بنحو شرط الفعل فهو تملي!كٌ اختي!اريّ؛‬
‫لتوقُّفه على قبول المنذور له‪.‬‬
‫‪4‬ـ إنْ قي!!ل‪ :‬إنّ المُ!!راد بالتملي!!ك في النَّ!!ذْر ه!!و التملي!!ك هلل‬
‫تعالى؛ باعتبار أنّ حرف (الالم) ال!!وارد في ص!!يغة النَّ!!ذْر (هلل عليَّ‪،)...‬‬
‫فيكون الفعل المنذور مملوكاً هلل؛ بسبب ذلك‪ ،‬ويترتَّب عليه أنّ الم!!ال‬
‫المنذور يُمْلَك قَهْراً‪.‬‬
‫فإنّه يُقال‪ :‬إنّ التعهُّ!!د الموج!!ود في النَّ!!ذْر يجب أن ال يُخْلَ!!ط‬
‫بباب المِلْكيّ!!ة والتملي!!ك؛! ففي ق!!ول‪( :‬هلل عليَّ أن أتص!!دَّق ب!!درهمٍ)‬
‫تعهُّدٌ والتزامٌ بحَسَب االرتكاز العقالئي‪ ،‬وال يُوجد أيّ تمليكٍ‪ .‬فالناذر‬
‫بهذا الق!!ول ال يري!!د أن يُملِّ !ك! اهلل فعالً من أفعال!!ه‪ ،‬وإنّم!!ا يري!!د أن‬
‫يتعهَّد له سبحانه بالتصدُّق بدرهم‪ .‬فبابه باب العُهْدة‪ ،‬ال باب التملي!!ك‪،‬‬
‫و(الالم) في قوله (هلل) الم اإلضافة في المتعهَّد له؛ حيث إنّ المتعهَّد به‬
‫يُضاف إلى المتعهَّد له‪ ،‬فكما يُضاف المملوك إلى المالك‪ ،‬فيُقال‪( :‬ه!!ذا‬
‫ملك فالن)‪ ،‬كذا يُقال‪( :‬ه!!ذا متعهَّ!!د ب!!ه لفالن)‪ .‬فـ (الالم) هن!!ا الم‬
‫التعهُّد‪ !،‬ال المِلْك(‪.)999‬‬
‫‪5‬ـ ما ذكره من تقسيمٍ للنوع الث!!اني إلى ص!!نفين؛ ف!!إنّ الص!!نف‬
‫الثاني ال يكون من األسباب القَهْرية بنحوٍ مطلق‪ ،‬بل ق!!د يك!!ون في بعض‬
‫الحاالت من األسباب االختياريّة؛ إذ ما لم يقب!!ل الط!!رف اآلخ!!ر ـ وه!!و‬
‫الموصى! له ـ ال ي!!دخل الموص!ى! ب!!ه في مِلْك!!ه‪ ،‬بخالف الص!!نف األوّل‪،‬‬

‫‪ 448‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫كاإلرث‪ ،‬الذي ال يتوقَّف دخول!!ه في مل!!ك ال!!وارث على رض!!اه وقبول!!ه‬


‫مطلقاً‪ ،‬كما هو واضحٌ‪.‬‬

‫المسلك الثالث‪ :‬ال ِم ْلكيّات الذاتيّة وال َع َرضيّة‬


‫وليُعْلَم أنّ هذا المسلك لم يُصرَّح به بعن!!وان أس!!باب المِلْكيّ!!ة‪،‬‬
‫كما لم يُصرَّح بأنّه مطروحٌ على سبيل الحَصْر‪ .‬وإنّما انتزَعْن!!اه من‬
‫التقسيم الذي ذك!!ره المحقِّ!!ق الخ!!وئي& ألن!!واع المِلْكيّ!!ة وأقس!!امها‪،‬‬
‫وتلفيقه مع مجمل كلماته‪ .‬ل!ذا فم!!ا ن!ذكره هن!ا يك!!ون من ب!اب أح!د‬
‫الوجوه المتصوَّرة‪ ،‬وال نريد تحميله للمحقِّق الخوئي&‪:‬‬
‫القسم األوّل‪ :‬المِلْكيّة الذاتيّة‪ .‬وقد صرَّح هو وغيره في مواض!!ع‬
‫عديدة أنّها ليست اعتباريّةً(‪.)1000‬‬
‫القسم الثاني ‪ :‬المِلْكيّة العَرَضية‪ ،‬أي مِلْكيّة األشياء المنفصلة عن‬
‫اإلنسان‪ .‬وهي بدَوْرها تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬المِلْكيّة االبتدائية االس!!تقاللية [= األص!!ليّة = األوّلي!!ة]‪.‬‬
‫وهي منحصرةٌ بسببين‪ ،‬وهما‪ :‬إمّا الحيازة؛ وإمّا الصنع وما يُلحق به من‬
‫األعمال‪ ،‬كالنقل أو الحفظ‪.‬‬
‫واألوّل‪ :‬كما في حيازة اإلنسان للمباح!!ات األص!!ليّة‪ ،‬ف!!إنّ العقالء‬
‫يرَوْن هذا سبباً للمِلْكيّة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬كما إذا أخذ أحدٌ ما ال ماليّة له وحازه‪ ،‬كالطين‪ ،‬فص!!نعه‬
‫كوزاً‪ ،‬فيكون ماالً‪ .‬فيكون هذا الصنع منشأً لدى العقالء لمِلْكيّة الكوز‪.‬‬
‫هذا في الصنع‪.‬‬
‫وأمّا ما يُلْحَق به من األعمال فكما إذا أتى أحدٌ بالم!!اء من النه!!ر‪،‬‬
‫فهذا الماء حينما كان عند النهر ال ماليّة له‪ .‬فصنع المالية في!!ه يُ!!وجب‬
‫ملكيّته عقالئيّاً‪ .‬وكما لو حفظ الثلج من الش!!تاء إلى الص!!يف‪ ،‬فإنّ!!ه ال‬
‫ماليّة له في الشتاء‪ ،‬لكنّه يكون ماالً في الصيف‪ .‬وبذلك يصبح مملوكاً‬
‫لهذا المحتفِظ به في نظر العقالء‪.‬‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪449‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫وإذا اتّضح ذلك نط!!رح الس!!ؤال الت!!الي‪ :‬ه!!ل أنّ ه!!ذَيْن الس!!ببين‬
‫للمِلْكيّة يكونان بنحو مانعة الخلوّ أو بنحو مانعة الجمع؟‬
‫يرى أصحاب هذا الرأي أنّهما على نحو مانعة الخلوّ(‪ ،)1001‬وال مانع‬
‫من اجتماعهما في شيءٍ واحد‪ ،‬كما إذا حاز أحدٌ الخشب‪ ،‬وصنعه س!!ريراً‪،‬‬
‫فمِلْكيّت!!ه له!!ذا الس!!رير بلح!!اظ الم!!ادّة نتجَتْ من الحي!!ازة‪ ،‬وبلح!!اظ‬
‫الصورة نتجَتْ من الصنع(‪.)1002‬‬
‫ثانياً‪ :‬المِلْكيّة االبتدائية التَّبّعية‪ ،‬التي تحصل بسبب كون الم!!ال‬
‫ثمرةً لما يملكه اإلنسان‪ ،‬ك!!بيض ال!!دجاج وص!!وف الغنم وثم!!ر الش!!جر؛‬
‫فإنّها تُمْلَك بتَبَع مِلْكيّة األصل‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المِلْكيّة الثانويّة‪ ،‬التي تكون في طول المِلْكيّ!!ة من‬
‫القسم األوّل‪ .‬وتتمثَّل بسائر األسباب‪ .‬وتنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬المِلْكيّة االختياريّة‪ ،‬كالعقود‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬المِلْكيّة القَهْريّة كاإلرث والوصيّة ـ بن!!اءً على أنّه!!ا من‬
‫اإليقاعات ـ أو الوَقْف(‪.)1003‬‬

‫نقاش وتعليق‬
‫ٌ‬
‫‪1‬ـ ناقش ذلك الشهيد الصدر& ـ على ما حُكي عنه ـ بأنّ سريريّة‬
‫السرير تُمْلَك في نظر العقالء تَبَعاً لتملُّ!!ك مادّت!!ه‪ .‬ول!!ذا ل!!و ح!!از‬
‫خشباً‪ ،‬ثمّ صنع شخصٌ آخر منه‪ ،‬بدون إذنه‪ ،‬سريراً‪ ،‬كان األمر كما لو‬
‫صنع هو منه سريراً‪ ،‬بل إنّ مِلْكيّة السريريّة تندكّ في مِلْكيّة الم!!ادّة‪،‬‬
‫وال تُرى عُرْفاً ملكيّةً خاصّة للسريريّة(‪.)1004‬‬
‫وشَرَحه السيد الحائريّ‪ ،‬فأفاد‪ :‬إنّ نفس ه!!ذا اإلش!!كال يَ!!رِدُ على‬
‫السيد الخوئي في مثل مث!!ال ص!!نع الك!!وز من الطين‪ ،‬أو إبع!!اد الم!!اء من‬
‫النه!!ر‪ ،‬أو حف!!ظ الثلج إلى الص!!يف‪ ،‬وم!!ا ش!!ابه ذل!!ك؛ ف!!إنّ المِلْكيّ!!ة‬
‫العقالئيّة للكوز مثالً إنّما تكون في نظر العقالء بلحاظ مِلْكيّة مادّت!!ه‪،‬‬
‫وهو الطين‪ ،‬فلو صنع الكوز من طينٍ كان في حي!!ازة ش!!خصٍ آخ!!ر‪ ،‬بال‬

‫‪ 450‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫إذنه‪ ،‬كان الكوز مِلْكاً لذاك الشخص‪ ،‬ال لصانع الكوز‪ .‬وكذا لو أبعد ماءً‬
‫كان في حيازة شخصٍ آخر من النهر‪ ،‬أو حف!!ظ م!!ا ح!!ازه من الثلج من‬
‫دون تملُّكه بإذنه‪ ،‬كان في مِلْك الشخص األوّل‪.‬‬
‫وكأنّ السيد الخوئي وقع هن!!ا في الخط!!أ على أس!!اس تخيُّ!!ل أنّ‬
‫المِلْكيّة فرع الماليّة(‪)1005‬؛ عِلْماً بأنّه قد فرَّق بينهم!ا في أوّل بحث!ه‪،‬‬
‫الذي عنونه بـ (ما هي حقيقة المال؟ وما هو الفارق بينه وبين المِلْك؟)‪،‬‬
‫وأوضح ثمّة أنّ النسبة بين المال والمِلْك نسبة العموم! والخص!!وص من‬
‫وجهٍ‪ ،‬ولم يكن يعتقد بوجود مالزمةٍ بينهما(‪.)1006‬‬
‫‪2‬ـ اتَّضح من هذه المناقشة أنّ سببيّة الحيازة والصنع إنّم!!ا هم!!ا‬
‫على سبيل مانعة الجمع‪ .‬وسيأتي أنّ االتّجاه الرابع يرى أنّ الحيازة تكون‬
‫مملِّكةً في خصوص المنقوالت؛ وأمّا الصنع فهو مملِّ!!كٌ في خص!!وص‬
‫غير المنقول‪.‬‬
‫‪3‬ـ إنّ العقالء إنّم!!ا ي!!رَوْن في مث!!ال الس!!رير ان!!دكاك مِلْكيّ!!ة‬
‫السريريّة م!!ع مِلْكيّ!!ة الخش!!ب؛ بس!!بب انع!!دام! الحاج!!ة إلى التفكي!!ك‪،‬‬
‫وصعوبة التفكيك في مقام التعامل؛ فإنّ الفصل بين الهيئة والمادّة فصلٌ‬
‫عقليّ دقّي‪ ،‬وتحليلٌ فلسفيّ‪ ،‬وليس تحليالً عُرْفياً‪.‬‬
‫‪4‬ـ إنّ جعل المِلْكيّة في الوصيّة من القَهْرية‪ ،‬بن!!اءً على كونه!!ا‬
‫إيقاعاً‪ ،‬غيرُ دقيقٍ؛ وذلك ألنّ الوصيّة وإنْ كانت ال تحت!!اج إلى قب!!ولٍ‬
‫غير أنّ للموصى له الردّ‪ ،‬ومع ثبوت حقّ الردّ ال تصدق القَهْرية‪.‬‬
‫‪5‬ـ كما أنّ ذكر الوَقْف كأحد مصاديق المِلْكيّة القَهْري!!ة ليس‬
‫دقيقاً؛ وذلك ألنّه ال مِلْكيّ!!ة في الوَقْ!!ف‪ ،‬ال للعين‪ ،‬وال للمنفع!!ة؛ ف!!إنّ‬
‫الوقف تحبيس العين وإطالق المنفعة(‪ ،)1007‬والواقف يقوم بف!!كّ مِلْك!!ه‪،‬‬
‫ويثبت للموقوف عليه حقّ االنتفاع من العين الموقوفة‪ ،‬ال أكثر‪.‬‬

‫االتجاه الرابع‪ 6:‬ال ِم ْلكيّة األصليّة والثانويّة‬


‫(‪)1008‬‬
‫‪ .‬والبيان الذي قدَّمه أك!!ثر‬ ‫وهو محكيٌّ عن الشهيد الصدر&‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪451‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫دقّةً وفنّيةً من االتّجاهين الس!!ابقين؛ حيث قس!َّ م أس!باب المِلْكيّ!!ة إلى‬


‫قسمين‪ :‬أصلية؛ وثانوية‪ ،‬وإنْ لم يُعبِّر بهذا التعبير‪ ،‬ولم يس!!تعمل! ه!!ذه‬
‫االص!!طالحات‪ .‬ونُك!!رِّر م!!ا ذكرن!!اه في المس!!لك! الث!!الث من أنّ ه!!ذا‬
‫المسلك! لم يُصرَّح بأنّه مطروحٌ على سبيل الحَصْر‪ .‬لذا فم!!ا ن!!ذكره‬
‫هنا يكون من باب أحد الوج!!وه المتص!!وَّرة‪ !،‬وال نُري !د! تحميل!!ه للش!!هيد‬
‫الصدر&‪:‬‬
‫القسم األوّل‪ :‬المِلْكيّة األوّليّة االستقالليّة‪ ،‬فبحَسَب هذا االتج!!اه‬
‫إنّ المنشأ في مِلْكيّة اإلنسان ألمواله المنفصلة عنه بحَسَ! ب االرتك!!ازات‬
‫العقالئيّة أحد أمرَيْن‪:‬‬
‫األوّل‪ :‬الحيازة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الصنع‪.‬‬
‫وهذا االتّجاه يفترق عن االتّجاه السابق ب!!أنّ ه!!ذَيْن الس!!ببين! على‬
‫نحو مانعة الجمع؛ فإنّ لكلٍّ من الحيازة والصنع مورده الخاصّ به‪ .‬بيان‬
‫ذلك‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إنّ الحيازة تكون سبباً للمِلْكيّة في خصوص المنقوالت‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إنّ العالج يكون سبباً للمِلْكيّة في خصوص غير المنق!!والت‪،‬‬
‫كاألرض التي تُمْلَك بالزراعة أو العمارة(‪.)1009‬‬
‫أقول ‪ :‬إنّ بيان هذا الفارق الدقيق بين مجالَيْ هذَيْن السببين يُعَدّ‬
‫من جملة إبداعات الشهيد الصدر&‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المِلْكيّة الثانوية‪ ،‬وهي ناشئةٌ في طول األولى؛ فق!!د‬
‫حصل عند العقالء توسُّعاتٌ في باب الحيازة من جهاتٍ شتّى‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪1‬ـ من جهة الشخص الحائز‪.‬‬
‫‪2‬ـ من جهة المال المُحَاز‪.‬‬
‫‪3‬ـ من جهة ضمان بَدَل المال المُحَاز عند إتالفه‪.‬‬
‫‪4‬ـ من جهة ورود حيازةٍ جديدة على الحيازة األولى(‪.)1010‬‬

‫‪ 452‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫وقد تمخَّض عن هذا التوسُّع العقالئي في الحيازة عدّة أسباب‪:‬‬


‫فالتوسّع األوّل أنتج سببيّة اإلرث للمِلْكيّة‪.‬‬
‫والتوسّع الثاني أنتج سببيّة مِلْكيّة النماء‪.‬‬
‫والتوسّع الثالث أنتج سببيّة ضمان الغرامة للمِلْكيّة‪.‬‬
‫والتوسّع الرابع أنتج سببيّة العقود للمِلْكيّة‪.‬‬
‫وقد تمّ بيان مفاصل هذه الرؤية بشكلٍ مبسوط‪ ،‬وك!!ذلك نق!!دها‪،‬‬
‫في دراستين مستقلّتين‪ ،‬تمّ نشرهما سابقاً‪ ،‬فراجِعْ إنْ شئتَ(‪.)1011‬‬
‫أه ّم نتائج القسم األ ّول من البحث‪6‬‬
‫أوّالً ‪ :‬في ما يتعلَّق ببيان حقيقة المِلْكيّة المبحوث عنها في عالَم‬
‫التشريع والتقنين‪:‬‬
‫‪1‬ـ إنّها من األمور االعتباريّ!!ة‪ ،‬وال غم!!وض في تص!!وُّرهما ل!!دى‬
‫الذهن العُرْفي والعقالئيّ‪ .‬وأمّا نوع اعتبارها فهو بالجَعْ!!ل االس!!تقاللي‪،‬‬
‫ال باالنتزاع من الحكم التكليفيّ؛ فإنّ فرضية االنتزاع يَرِدُ عليها جمل!!ةٌ‬
‫من اإليرادات‪ ،‬وال يصحّ النقض عليه بإمكان افتراض انتزاع المِلْكيّ!!ة من‬
‫جواز التصرُّف المشروط بالبلوغ ونحوه‪.‬‬
‫‪2‬ـ إنّ المِلْكيّة االعتباريّ!!ة مجعول!!ةٌ ب!!إزاء المِلْكيّ!!ة والس!!لطنة‬
‫التكوينيّ!!ة‪ ،‬كس!لطنة اإلنس!ان على جوارح!ه وأفعال!ه‪ .‬وه!!ذه المِلْكيّ!ة‬
‫االعتباريّة لها عَرْضٌ عريض‪ ،‬فكما تتعلَّق باألعيان الخارجيّ!!ة تتعلَّ!!ق‬
‫بالمنافع‪ ،‬وأيضاً تتعلَّق ب!األموال الكُلِّي!ة ال!تي تك!ون في الذمّ!ة‪ .‬وهي‬
‫ليست أمراً أسَّسه الشارع‪ ،‬وإنّما هي من األمور اإلمضائيّة‪.‬‬
‫‪3‬ـ إنّ ما طرحه فقهاؤنا‪ ،‬بالرغم من دقّته ورَوْعت!!ه‪ ،‬ليس ل!!ه أيّ‬
‫عالقةٍ بتحديد مفهوم المِلْكيّة‪ ،‬وبيان ماهيّتها‪ ،‬بل هو بحثٌ في كيفيّ!!ة‬
‫وجودها االعتباريّ‪ ،‬وتصوير ذلك في ضوء القواعد المنطقية والفلسفية‪.‬‬
‫كما أنّهم لم يتصدُّوا! لتحديد ماهي!!ة المِلْكيّ!!ة وتحدي!!د مفهومه!!ا في‬
‫البُعْ!!د الحق!!وقيّ‪ ،‬وبِمَ تمت!!از عن غيره!!ا من المف!!اهيم القريب!!ة منه!!ا‬
‫واللصيقة به!!ا؟ وعلي!!ه‪ ،‬فنحن نط!!الب الفق!!ه اإلس!!المي بتق!!ديم تعري!!ف‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪453‬‬
‫• د‪ .‬الشيخ خالد الغفوري الحسني‬

‫للمِلْكيّة‪ ،‬وتحديد مفهومها‪ .‬وهذه مؤاخذةٌ منهجي!!ة ج!!ادّة تُؤْخَ!!ذ على‬


‫الفقه اإلسالمي‪ ،‬وينبغي له أن يمأل نقطة الفراغ المنهجية هذه‪ ،‬وأن يس!!دّ‬
‫هذه الثغرة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬وأمّا في ما يتعلَّق! بمس!!ألة تع!!يين أس!!باب المِلْكيّ!!ة‪ ،‬فبع!!د‬
‫تتبُّع واستقصاء آراء الفقهاء تمّ تصنيفها في أربعة اتّجاهات‪ ،‬وتص!!دَّيْنا‬
‫لعَرْضها‪ ،‬وتحليلها‪ ،‬ثمّ نقدها وتقويمها‪ .‬وقد اتَّضح ما يلي‪:‬‬
‫‪1‬ـ إنّ الصحيح هو تعدُّد األس!!باب‪ ،‬وع!!دم ص!!حّة االتّج!!اه األوّل‪،‬‬
‫الذي يرى وحدتها‪ ،‬وأنّ السبب األوحد للمِلْكيّة هو الحيازة‪ ،‬ال غير‪.‬‬
‫‪2‬ـ إنّنا نرفض االتّجاه الثاني‪ ،‬الذي يرى حَصْ! ر أس!!باب المِلْكيّ!!ة‬
‫في نوعين‪ !:‬سبب أص!!ليّ؛ وس!!بب ث!!انوي‪ ،‬وأنّ الس!!بب األص!!ليّ ينحص!!ر‬
‫بالحيازة‪ ،‬وأمّا سائر األسباب فهي أسبابٌ ثانوية‪ ،‬ترجع إلى الحيازة‪.‬‬
‫‪3‬ـ كما نرفض المسلك! األوّل ـ من االتّج!!اه الث!!الث ـ‪ ،‬القائ!!ل‬
‫بتثليث األسباب‪ ،‬وهي‪ :‬السبب الناقل للملك من مالكٍ إلى مال!!كٍ آخ!!ر‪،‬‬
‫كالبيع والهبة؛ وأن يُخلِّف واحدٌ آلخر‪ ،‬كاإلرث؛ وإحراز شيءٍ مُباح ال‬
‫مالك له‪ ،‬وهذا إمّا حقيقيّ‪ ،‬وهو وض!!ع الي!!د حقيق!!ة على ش!!يء‪ ،‬وإمّ!!ا‬
‫حكميّ‪ ،‬وذلك بتهيئة سببه‪ ،‬كوضع إناءٍ لجمع ماء المطر أو نصب شبكة‬
‫ألجل الصيد‪.‬‬
‫‪4‬ـ وأيضاً نحن نرفض المسلك الث!!اني ـ من االتّج!!اه الث!!الث ـ‪،‬‬
‫القائل بأنّ أسباب الملك نوعان‪ !:‬أوّلهما‪ :‬أسباب قهريّة [= جَبْرية] ـ‪،‬‬
‫وهي على أصناف‪ ،‬منها‪ :‬االكتساب‪ ،‬والبيع‪ ،‬والش!!راء‪ ،‬والص!!يد‪ ،‬والحي!!ازة‪،‬‬
‫وإحياء الموات‪ ،‬وما إلى ذلك ـ؛ وثانيهما‪ :‬أسباب اختياريّة‪ ،‬وهي ص!!نفان‪:‬‬
‫إمّا أن يكون بجعل الشارع (كالميراث‪ ،‬الجنايات‪ ،‬األُروش‪ ،‬الن!!ذور‪ ،‬وم!!ا‬
‫إلى ذلك)؛ وإمّا أن يكون بأسباب اتّفاقيّ!!ة أخ!!رى (ك!!اختالط الم!!الين‬
‫قَهْ!!راً‪ ،‬بحيث ال يمكن تمي!!يز أح!!دهما عن اآلخ!!ر ع!!ادةً‪ ،...‬والوص!!يّة‬
‫بالثلث‪ ،...‬أو وَقْف مِلْكٍ‪.)...‬‬
‫‪5‬ـ وكذلك نرفض المسلك الثالث ـ من االتّجاه الثالث ـ‪ ،‬ال!!ذي‬

‫‪ 454‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• الملكيّة وأسبابها في الفقه اإلسالم ّي‪ ،‬عرْ ضٌ وتحليل ‪ /‬القسم الثاني‬

‫يذهب إلى تقسيم أسباب المِلْكيّة إلى قسمين رئيس!!ين‪ :‬األوّل‪ :‬المِلْكيّ!!ة‬
‫الذاتية؛ والثاني‪ :‬المِلْكيّ!!ة العَرَض!!ية‪ ،‬أي ملكي!!ة األش!!ياء المنفص!!لة عن‬
‫اإلنسان‪ ،‬وهي بدَوْرها تنقسم إلى قس!!مين‪ :‬أوّلهما‪ :‬المِلْكيّ!!ة االبتدائي!!ة‬
‫االستقالليّة [= األصلية = األوّلية]‪ ،‬وهي منحصرةٌ بسببين‪ ،‬وهما‪ :‬إمّ!!ا‬
‫الحيازة (كحيازة المباحات األصلية)؛ وإمّ!!ا الص!!نع (كص!!نع الك!!وز من‬
‫الطين المحاز) وما يُلحق ب!ه من األعم!!ال‪ ،‬كالنق!!ل (كم!ا إذا أتى أح!د‬
‫بالماء من النهر) أو الحفظ (كحفظ الثلج من الشتاء إلى الصيف)‪ .‬كما‬
‫أن هذا المسلك يذهب إلى أنّه ال مانع من اجتماع الحيازة والص!!نع مع!!اً‬
‫في شيءٍ واحد‪.‬‬
‫‪6‬ـ تصدَّيْنا لعرْضٍ موجزٍ لالتّجاه الراب!!ع‪ ،‬ال!!ذي قسَّ! م أس!!باب‬
‫المِلْكيّة إلى قسمين‪ :‬أصلية؛ وثانوية‪.‬‬
‫فاألولى ـ وهي المِلْكيّة األوّلية االستقالليّة ـ فإنّه!!ا المنش!!أ في‬
‫مِلْكيّة اإلنسان ألمواله المنفصلة عنه‪ ،‬وتتمثَّ!!ل بأح!!د أم!!رين‪ :‬الحي!!ازة‬
‫(المختصّة بالمنقوالت)‪ ،‬والصنع (المختصّ بغ!!ير المنق!!والت‪ ،‬ك!!األرض‬
‫التي تُمْلَك بالزراعة أو العمارة)‪ .‬وإنّ الحيازة والصنع ال يجتمع!!ان في‬
‫شيءٍ واحد‪ .‬ويرى هذا االتّجاه أنّ العقالء توسَّعوا في الحيازة‪.‬‬
‫وأمّا الثانية ـ وهي المِلْكيّة الثانوي!!ة ـ فإنّه!!ا ناش!!ئةٌ في ط!!ول‬
‫األولى؛ فقد حصل عند العقالء توسُّعات في باب الحيازة من جهاتٍ شتّى‪.‬‬
‫ولم نتصَ! دَّ! لتحليل!!ه‪ ،‬وال لمناقش!!ة وتق!!ويم ه!!ذا االتّج!!اه هن!!ا؛ ألنّن!!ا‬
‫خصَّصنا له مقالين مستقلَّين‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪455‬‬
‫• أ‪ .‬حسين هشام يعقوب‬

‫(األسس المنطقيّة لالستقراء) في الميزان‬


‫عرضٌ ومناقشةٌ لنقد الشيخـ أيمن المصري‬
‫(*)*)‬
‫أ‪ .‬حسين هشام يعقوب‬

‫ما زال كتاب األسس المنطقيّة لالستقراء‪ ،‬للس!!يّد الش!!هيد محم!!د‬


‫باقر الصّدر‪ ،‬في طيّ اإلهمال‪ ،‬ولم يسلَّط الضوء عليه كما ينبغي‪ .‬فمنذ‬
‫صدوره‪ ،‬قبل خمسة عقود تقريباً(‪ ،)1012‬وإلى يومنا هذا‪ ،‬الدراس!!ات حول!!ه‬
‫معدودة محدودة؛ وكذلك لم يأخذ حقّه في التدريس والتداول والشرح؛‬
‫فاألكثريّة من طالّب العلوم الدينيّ!!ة بعي!!دةٌ عن!!ه‪ ،‬فض!!الً عن غ!!يرهم‪.‬‬
‫وتكمن أهمِّية كتابٍ ككتاب األسس في أنّه ال يمكن تجاهله ثبوتاً‪ ،‬وإنْ‬
‫وقع إثباتاً؛ إذ ال بُدَّ من موقفٍ بشأنه؛ فإمّا أن نتّف!!ق م!!ع م!!ا ق!!رَّره؛‬
‫وإمّا نردّ ما سجّله من نقوض ومناقشات جادّة‪ ،‬وإالّ فنحن أمام مع!!ارف‬
‫متزلزلة‪ .‬فمَنْ يعتمد المبدأ! األرسطيّ‪ ،‬القائل‪« :‬االتّفاق ال يكون دائميّاً‪،‬‬
‫وال أكثريّاً‪ ،‬بعقليّته وأوّليّته»‪ ،‬كيف يصحّ له أن يتجاهل نقد ص!!احب‬
‫األسس؟ وكيف له أن يثق بنتائجه؟ فإذن «ليس أمام الفقي!!ه ـ المجته!!د‬
‫بحقٍّ ـ [وغيره] أيّ حقٍّ في إهم!!ال م!!ا طرح!!ه الصّ! در؛ حيث إمّ!!ا أن‬
‫يجته!!د في اتخ!!اذ موق!!فٍ مح!!دَّد مم!!ا طرح!!ه الصّ! در‪ ،‬فيحص!!ل على‬
‫كُبْرَيات البحث األصوليّ على أساس اجتهادٍ وبص!!يرة؛ وإمّ!!ا أن يقلِّ!!د‬
‫ويتبنّى رأياً ألحد الباحثين دون معاناةٍ وتحقيق‪ ،‬وهذا يعني أنّ!!ه س!!وف‬
‫ينتهي إلى كُبْرَيات البحث األصوليّ على أساس تقلي!!دٍ في ال!!رأي‪ ،‬وهم‬
‫يقولون‪ :‬النتيجة تتبع أخسّ المقدّمات»(‪.)1013‬‬

‫ٌ‬
‫باحث وكاتبٌ في الحوزة العلميّة‪ .‬من العراق‪.‬‬ ‫(*)‬
‫*)‬

‫‪ 456‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان‪ ،‬عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري‬

‫نحاول في هذه الوقفة مناقشة ما سجَّله الشيخ الدكتور أيمن عبد‬


‫الخ!الق المص!ريّ من ردودٍ على م!ا أث!اره ص!احب األس!س على المب!دأ‬
‫األرسطيّ سالف الذكر من نقدٍ ونقضٍ؛ إذ تطرّق الش!!يخ المص!!ريّ إلى‬
‫ذلك في أربعٍ من كتبه‪ !:‬دستور الحكماء في شرح بره!!ان الش!!فاء(‪)1014‬؛‬
‫وأص!!ول المعرف!!ة والمنهج العقليّ(‪)1015‬؛ وأنف!!ع التقري!!رات في ش!!رح‬
‫اإلشارات والتنبيهات(‪)1016‬؛ ومنتهى المراد في علم أصول االعتقاد‪.‬‬
‫وسننقل نصّ سماحته من الكت!!اب األخ!!ير؛ الختص!!اره‪ ،‬ثمّ نس!!جِّل‬
‫مالحظاتنا ومناقشاتنا عليه‪.‬‬

‫ي‬
‫نقود الشيخ المصر ّ‬
‫قال الشيخ المصريّ‪ ،‬بعد أن ناقش التجربة كأحد مصادر المعرف!!ة‬
‫البشريّة‪ ،‬وتحت عنوان‪( :‬وَهْمٌ وتنبيهٌ)‪« :‬هن!!اك(‪ )1017‬مَنْ ش!!كَّك في‬
‫بداهة كبرى القياس االقتراني األوّل‪ ،‬بتشكيكه في قضية أن «االتفاقيّ ال‬
‫يتكرَّر دائميّاً‪ ،‬وال أكثريّاً»‪ ،‬وادّعى أنها خاضعةٌ لحس!!اب االحتم!!االت؛‬
‫ظنّاً منه أن تكرار المشاهدات مج!!رَّد تك!!رارٍ كمِّيّ‪ ،‬يتض!!اءل احتم!!ال‬
‫الصدفة بتكرُّره‪ ،‬إلى أن نصل إلى احتمالٍ ضئيل ج!!دّاً‪ ،‬ال يع!!يره العق!!ل‬
‫اهتماماً‪ ،‬فيسقطه عن اعتب!!اره واحتمال!!ه‪ ،‬فينعق!!د اليقين ال!!ذاتيّ‪ .‬ونحن‬
‫نقول فيه‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬إن بداهة هذه القضية يمكن أن ينبّه عليها بوجهين‪:‬‬
‫الوج!!ه األوّل‪ :‬بعكس النقيض ألص!!لٍ ب!!ديهيّ‪ ،‬وه!!و «ك!!لُّ أث!!رٍ‬
‫يتكرَّر دائميّاً أو أكثريّ!!اً فه!!و لعلّ!!ةٍ ذاتية»‪ ،‬وينعكس بعكس النقيض‬
‫إلى «كلّ ما ليس لعلّةٍ ذاتيّة ـ أي اتفاقيّة ـ فهو ال يتك!!رَّر دائميّ!!اً‪،‬‬
‫وال أكثريّاً»‪.‬‬
‫وبيان األصل أن العلّة لو كانت تامّةً فال ينفكّ عنها معلولها على‬
‫الدوام‪ ،‬وهو ضروريّ؛ وإنْ كانت ناقصةً فيصدر عنها معلولها في أكثر‬
‫األحيان؛ لوجود المقتضي المرجِّح لصدوره دائماً‪ ،‬لوال الم!!انع الع!!ارض؛‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪457‬‬
‫• أ‪ .‬حسين هشام يعقوب‬

‫ألن المانع لو كان الزماً للمؤثِّر لكان ذاتيّاً‪ ،‬وهو خالف ف!!رض وج!!ود‬
‫المقتضي لألثر‪ ،‬فيلزم اجتماع النقيضين؛ لكونه مقتضياً وغير مقتضٍ‪.‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬إن قولنا‪« :‬األثر االتف!!اقيّ ال يتك!!رَّر» ه!!و قض!!يّةٌ‬
‫أوّليّة تحليليّة‪ ،‬يُصدِّق العقل بها بمجرّد التصوُّر الصحيح لموض!!وعها‬
‫ومحمولها‪ .‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫إن معنى األثر االتفاقيّ هو األثر الحاصل لسببٍ أخصّ من طبيع!!ة‬
‫المؤثِّر‪ ،‬ومعنى ال يتكرّر أي إنه ال يحصل مع ارتف!!اع الخصوص!!يّة؛ ألن‬
‫التكرار يهدف إلى رفع مدخليّة الظروف الخاصّة للمؤثِّر ـ كما س!!بق‬
‫أن أشَرْنا ـ‪ ،‬فتكون القضية بهذا النحو‪« :‬األثر الحاص!!ل من خصوص!!يّة‬
‫المؤثِّر ال يحصل مع ارتفاع الخصوصيّة»‪ ،‬وهي ضروريّةٌ أوّليّة‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إن الواقع على خالف ما ظنّ من رجوع هذه القضية لحس!!اب‬
‫االحتماالت‪ .‬بل األم!!ر على العكس‪ ،‬وه!!و رج!!وع حس!!اب االحتم!!االت إلى‬
‫التسليم بهذه القضية‪ ،‬وإالّ لسقط عن االعتبار‪ .‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫إن صدور األثر االتفاقيّ لو امتنع أن يكون دائميّ!!اً أو أكثريّ!!اً ـ‬
‫كما ذهب الحكماء بحكم العقل األوّليّ‪ ،‬كما أشَرْنا ـ فه!!و المطل!!وب؛‬
‫وإنْ أمكن أن يكون األثر االتفاقيّ أكثريّاً في بادئ األم!!ر‪ ،‬بحَسَ! ب م!!ا‬
‫افترض المدَّعي‪ ،‬فال يمكن أن تتضاءل نسبة احتمال الص!!دفة م!!ع تك!!رُّر‬
‫بحَس!! ب‬
‫َ‬ ‫صدور األثر عن المؤثِّر؛ ألن الصدفة يمكن أن تكون أكثريّ!!ةً‬
‫الفرض عنده‪ ،‬أو بعبارةٍ أخرى‪ :‬ال يمكن مع إنك!!ار بداه!!ة ه!!ذه القاع!!دة‬
‫العقليّة إثبات ذاتيّة المؤثِّر لألثر؛ لتكرار لزوم!!ه ل!!ه؛ الحتم!!ال وج!!ود‬
‫سببٍ عَرَضيّ الزم للمؤثِّر‪ ،‬يؤثِّر في صدور األثر عنه»(‪.)1018‬‬

‫مناقشاتٌ ومالحظات‪6‬‬
‫ونسجِّل عليه المناقشات التالية‪:‬‬
‫المناقشة األولى‪ :‬نحن ال نسلِّم باألصل في الجملة؛ إذ نحن نس!!لِّم‬
‫بأن أثر العلّة التامّة دائميٌّ بالضرورة‪ ،‬لكنْ ال نس!!لِّم ب!!أن أث!!ر العلّ!!ة‬

‫‪ 458‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان‪ ،‬عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري‬

‫الناقصة أكثريٌّ بالضرورة؛ حيث إن المحذور هو اجتماع النقيض!!ين من‬


‫خالل اجتماع المقتضي وعدمه‪ ،‬وهذا المحذور يستوجب ض!!رورة ص!!دور‬
‫األثر عن علّته‪ ،‬وهذا يتحقَّق ولو لمرّةٍ واحدة‪ .‬وعليه فالعلّ!!ة الناقص!!ة‬
‫بالضرورة يصدر عنها مرّةً واحدة‪ ،‬وما عداه فهو ممكنٌ؛ قد يصدر؛! وق!!د‬
‫ال يصدر‪ .‬ومن هذا يكون األصل كالتالي‪« :‬كلّ أثرٍ يص!!در دائميّ!!اً‪ ،‬أو‬
‫مرّةً واحدة على األقلّ‪ ،‬فهو لعلّةٍ تامّة أو ناقصة»‪ ،‬ويكون عكس!!ه بعكس‬
‫النقيض الموافق‪ « !:‬كلّ ما ليس بعلّةٍ تامّة أو ناقصة ال يصدر األثر عنه‬
‫دائميّاً‪ ،‬أو لمرّةٍ واحدة على األقلّ»‪ .‬وهذا ال يثبت استحالة صدور األثر‬
‫االتفاقيّ أكثريّ!!اً‪ ،‬وإنّم!!ا يثبت ع!!دم ض!!رورة ص!!دور األث!!ر االتف!!اقيّ‬
‫أكثريّاً‪ ،‬أيّ إنّ أكثريّة االتفاقيّ ممكنةٌ‪ ،‬ال ضروريّةٌ‪ .‬وهذا ما ادّع!!اه‬
‫صاحب األسس‪.‬‬
‫المناقش!!ة الثانية‪ :‬مرك!!ز النق!!اش ه!!و في النس!!بة بين المحم!!ول‬
‫والموضوع! في القضية‪« :‬الذاتيّ يكون دائميّ!!اً أو أكثريّ!!اً»؛ إذ النس!!بة‬
‫هنا إمّا التس!!اوي أو األعمّ‪ .‬وم!!دَّعى الش!!يخ المص!!ريّ يتمّ إذا ثبت أنّ‬
‫النسبة هي التساوي‪ .‬وهذا غير ثابتٍ؛ ألن قضية «الذاتيّ يكون دائميّاً أو‬
‫أكثريّاً» إذا عكسناها بعكس النقيض الموافق تنتج‪« :‬ما ال يكون دائميّ!!اً‬
‫وال أكثريّاً ال يكون ذاتيّاً»‪ ،‬وه!!ذه القض!!ية المعكوس!!ة تثبت ب!!أن رف!!ع‬
‫الموضوع! (الدوام) يرفع المحمول (الذاتيّ) فقط‪ ،‬وه!!ذا يتحقَّ!!ق س!!واء‬
‫كانت النسبة بينهما التساوي أو األعمِّية‪ ،‬فهي من قبيل‪ :‬القضية التالي!!ة‪:‬‬
‫«كلّ إنسان حيوان»‪ ،‬إذا عكس!!ناها بعكس النقيض المواف!!ق تك!!ون هك!!ذا‪:‬‬
‫«كلّ ال حيوان ال إنسان»‪ ،‬فهذا ال يثبت بأن النسبة بينهم!!ا هي التس!!اوي‬
‫بالضرورة‪ ،‬بل تثبت بأن رفع الحيوان يستلزم رفع اإلنسان‪ ،‬وهذا يتحقَّ!!ق‬
‫سواء كان الحيوان أعمّ من اإلنسان ـ كما هو الحال هنا ـ أو يساويه‪.‬‬
‫ويدلّ على كالمنا أيضاً بأنّن!!ا إذا عكس!!نا األص!!ل «ال!!ذاتي يك!!ون‬
‫دائميّاً أو أكثريّاً» بالعكس المستوي لنتج‪« :‬بعض الدائميّ واألكثريّ‬
‫يكون ذاتيّاً»؛ ألن المحمول في األصل قد يكون أعمّ من الموضوع‪ ،‬ولهذا‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪459‬‬
‫• أ‪ .‬حسين هشام يعقوب‬

‫تنعكس الموجب!!ة الكلِّي!!ة موجب!!ةً جزئيّ!!ة‪ ،‬كم!!ا ذك!!ر المناطقة(‪.)1019‬‬


‫وعليه فاالتفاقيّ ممكنٌ أن يتكرَّر دائميّ!!اً‪ ،‬فض!!الً عن أكثريّت!!ه؛ بحكم‬
‫العقل‪.‬‬
‫المناقشة الثالثة‪ :‬فسَّر الدكتور المص!!ريّ ـ في الوج!!ه الث!!اني ـ‬
‫األثر االتّفاقيّ بكونه األثر الحاصل عن سببٍ أخصّ من طبيعة الم!!ؤثِّر‪.‬‬
‫وهذا غيرُ تامٍّ؛ ألن معنى االتّفاقيّ المبحوث هنا لم يؤخذ فيه األخصّيّة‪،‬‬
‫وإنما هي مورد البحث والنق!!اش؛ إذ االتف!!اقيّ ه!!و م!!ا يك!!ون في مقاب!!ل‬
‫اللزوم المنطقيّ والواقعيّ‪ .‬فلنالحظ ما ذك!!ره الس!!يّد الش!!هيد الصّ! در‬
‫به!!ذا الص!!دد في األس!!س‪ ،‬حيث يق!!ول‪« :‬إنّ االتف!!اق بمع!!نى (الص!!دفة)‪،‬‬
‫والصدفة تعتبر نقطة مقابلة للّزوم‪ ،‬فإذا استطَعْنا أن نفهم معنى الل!!زوم‬
‫أمكننا أن نحدِّد معنى الصدفة‪ ،‬بوصفه المفهوم المقابل للّزوم‪ ،‬والنقيض‬
‫له‪.‬‬
‫اللزوم على نحوين‪ :‬اللزوم المنطقيّ؛ واللزوم الواقعيّ‪.‬‬
‫واللزوم المنطقيّ لونٌ من االرتب!اط بين قض!!يّتين أو مجموع!!تين‬
‫من القض!!ايا‪ ،‬يجع!!ل أيّ اف!!تراضٍ لالنفك!!اك بينهم!!ا يس!!تبطن! تناقض!!اً‪،‬‬
‫كاللزوم المنطقيّ الق!!ائم بين مص!!ادرات هندس!!ة أقلي!!دس ونظريّاته!!ا؛‬
‫نتيجة الستيطان التفكيك بين هذه النظريات وتلك المصادرات للتناقض‪.‬‬
‫واللزوم الواقعيّ عب!ارةٌ عن عالق!ة الس!ببيّة القائم!ة بين ش!يئين‪،‬‬
‫كالنار والحرارة‪ ،‬أو الح!!رارة والغلي!!ان‪ ،‬أو اس!!تعمال األفي!!ون والم!!وت‪.‬‬
‫وهذه الس!!ببيّة ال تس!!تبطن أيّ ل!!زومٍ منطقيّ ب!!المعنى المتق!!دِّم؛ ألنّ‬
‫افتراض أنّ النار ليست ح!!ارّةً‪ ،‬أو أن الح!!رارة ال ت!!ؤدّي إلى الغلي!!ان‪ ،‬ال‬
‫يستبطن! بذاته تناقضاً»(‪.)1020‬‬
‫ثم يعرِّج للص!دفة‪ ،‬فيق!ول&‪ :‬والص!دفة قس!مان‪ :‬ص!دفة مطلق!ة؛‬
‫وصدفة نسبيّة‪.‬‬
‫فالصدفة المطلقة هي أن يوجد شيءٌ بدون سبب إطالق!!اً‪ ،‬كغلي!!ان‬
‫الماء إذا حصل دون أيّ سببٍ‪.‬‬

‫‪ 460‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان‪ ،‬عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري‬

‫والصدفة النسبيّة هي أن توجد حادثةٌ معينّة نتيجةً لتوفُّر سببها‪،‬‬


‫ويتّفق اقترانها بحادثةٍ أخرى صدفةً‪ ،‬كما إذا تعرَّض ماءٌ معيّن لحراةٍ‬
‫بدرجة مئةٍ‪ ،‬فحدث في!!ه الغلي!!ان‪ ،‬وتع!!رَّض م!!اءٌ آخ!!ر في نفس ال!!وقت‬
‫النخفاض في درجة الحرارة إلى الص!!فر‪ ،‬فح!!دث في!!ه االنجم!!اد في نفس‬
‫اللحظة التي بدأ فيها غليان الماء األوّل(‪.)1021‬‬
‫وهكذا نرى بأنّ االتّفاق (الصدفة) لم يُالحَظ فيه شرط األخصّيّة‬
‫عن طبيعة المؤثِّر‪ ،‬وإنّما هذا هو محلّ البحث والنزاع‪ ،‬وبالت!!الي ليس!!ت‬
‫«األثر االتفاقيّ ال يتكرَّر» قض!!يّةً أوّليّ!!ة تحليليّ!!ة‪ ،‬كم!!ا ذهب إلي!!ه‬
‫صاحب اإلشكال‪ ،‬وإنما هي قضيّةٌ ممكنةٌ؛ قد يتك!!رَّر االتف!!اقيّ؛ وق!!د ال‬
‫يتكرَّر‪.‬‬
‫المناقشة الرابعة‪ :‬يقول الشيخ المصريّ ـ في ثانياً ـ ب!!أنّ ص!!دور‬
‫األثر االتفاقيّ لو لم يكن ممتنعاً أن يكون دائميّاً أو أكثريّ!!اً فال يمكن‬
‫أن يتضاءل احتمال الصدفة‪ .‬وبعبارةٍ ثانية‪ :‬حين يق!!ترن ظه!!ور (ب) م!!ع‬
‫(أ)‪ ،‬ويتكرَّر هذا االقتران كثيراً‪ ،‬ال يمكن االستنتاج ب!!أنّ ه!!ذا االق!!تران‬
‫هو سببُ وجود رابطةٍ س!!ببيّة‪ ،‬م!!ا دام ف!!رض ك!!ون الص!!دفة أن تك!!ون‬
‫أكثريّة ممكناً‪ ،‬بل يمكن هذا االستنتاج إذا كانت تلك القضية مستحيلةً‬
‫لدينا‪ ،‬أي يستحيل صدوره دائميّاً أو أكثريّاً‪.‬‬
‫وفيه‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬لو تمّ هذا فهو يَرِدُ على القائ!!ل بعقليّ!!ة المب!!دأ! األرس!!طي‬
‫«االتّفاقي ال يكون دائميّاً وال أكثريّاً» أيضاً؛ ألنه مهما تكرَّر ص!!دور‬
‫األثر عن المؤثِّر ال يمكن استنتاج السببيّة منها؛ ألنّنا لم نحرز بع!!دُ أن‬
‫هذا المقدار من التكرار هل يمثِّل األكثريّة التي يمتنع ص!!دورها أو ال؟‬
‫ألن المبدأ األرسطيّ ال يملك صياغةً واضحة مح!!دَّدة‪ ،‬يمكن أن نح!!رز‬
‫بها مفاده‪ ،‬من حيث الدائميّة واألكثريّة‪ .‬وه!ذا م!ا أث!اره علي!ه ص!احب‬
‫األسس تحت عنوان‪ :‬حاجة المبدأ! إلى صيغةٍ محدَّدة‪ ،‬حيث يقول‪« :‬ورغم‬
‫كلّ هذه اإليضاحات السابقة ظلّت نقطةٌ جوهريّة بحاج!!ةٍ إلى اإليض!!اح‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪461‬‬
‫• أ‪ .‬حسين هشام يعقوب‬

‫والتحديد في المبدأ األرسطيّ لالستقراء‪ ،‬وهي أنّ المبدأ األرس!!طيّ ينفي‬


‫تكرار الصدفة النسبيّة‪ ،‬أي تتابع صدف نسبيّة متماثل!!ة‪ ،‬ولكنْ ال يح!!دِّد‬
‫درجة التكرار والتتابع الذي ينفي!!ه‪ .‬فه!!ل ينفي تك!!رار الص!!دفة النس!!بيّة‬
‫بالقَدْر الذي يستوعب! كلّ عمر الطبيعة‪ ،‬بم!!ا يض!!مّ من زم!!انٍ حاض!!ر‬
‫وماضٍ ومستقبل‪ ،‬أو ينفي تك!!رار الص!!دفة النس!!بيّة في مج!!الٍ مح!!دَّد‪،‬‬
‫كمجال التجارب التي يقوم بها شخص‪ ،‬أو التي تقع خالل ف!!ترةٍ زمنيّ!!ة‬
‫معيَّن!!ة؟»(‪ .)1022‬ومن دون تحدي!!د ص!!ياغةٍ معيَّن!!ة يبقى ه!!ذا اإلش!!كال‬
‫وارداً‪ .‬نعم‪ ،‬ذك!!ر الش!!يخ المص!!ريّ ردّاً على إش!!كال حاج!!ة المب!!دأ! إلى‬
‫صيغةٍ محدَّدة‪ ،‬وسنتعرَّض إليه الحقاً‪ ،‬فانتظِرْ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬ما دام االتفاقيّ (الصدفة) ثبوتاً قابالً أن يتك!!رَّر أكثريّ!!اً‬
‫ودائميّاً فإن كلّ تجرب!!ةٍ نق!!وم به!!ا تكش!!ف لن!!ا عن ج!!زء عن الواق!!ع‪،‬‬
‫وكلّما تتعدَّد التجارب تزداد درجة الكش!!ف‪ ،‬حيث تك!!ون ك!!لّ تجرب!!ةٍ‬
‫يظهر فيها اقتران (أ) مع (ب) مثالً هي بمثابة ترجيحٍ جزئيٍّ لطرف من‬
‫أطراف القضية الممكنة‪ ،‬وفق حس!!اب االحتم!!ال‪ ،‬حتّى نص!!ل إلى مرحل!!ةٍ‬
‫تكون درجة الكشف المنكشفة بحساب االحتمال ت!!برِّر االعتق!!اد بنتيجته!!ا‬
‫اعتقاداً منطقياً‪ .‬وبعبارةٍ أخرى‪ :‬إذا اقترن في التجرب!!ة ظه!!ور (ب) م!!ع‬
‫(أ)‪ ،‬ونحتمل أن هناك سبباً آخر هو سبب ظهور (ب) نرمز ل!!ه بــ (ت)‪،‬‬
‫فعند تكرار التجربة مرّةً أخرى‪ ،‬واقترن (أ) مع (ب) أيضاً‪ ،‬م!!ع احتم!!ال‬
‫وجود (ت)‪ ،‬يتكوَّن علمٌ إجماليّ من أربع حاالت لـ (ت)‪ ،‬هي‪:‬‬
‫‪1‬ـ إنّ (ت) لم يوجد مع كلتا التجربتين‪.‬‬
‫‪2‬ـ إنّه وجد مع التجربة األولى فقط‪.‬‬
‫‪3‬ـ إنّه وجد مع التجربة الثانية فقط‪.‬‬
‫‪4‬ـ إنّه وجد مع التجربتين‪.‬‬
‫ومن الحاالت األربعة نجد ثالثة حاالت ونصف لصالح سببيّة (أ) لـ‬
‫(ب)‪ ،‬حيث الرابعة حياديّة للسببيّتين‪ !،‬فيكون احتمال س!!ببيّة (أ) لـ (ب)‬
‫يساوي ‪ ،7/8‬واحتمال سببيّة (ت) لـ (ب) يساوي ‪ .1/8‬وبعد ضرب ه!!ذا‬

‫‪ 462‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان‪ ،‬عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري‬

‫العلم اإلجماليّ البَعْديّ ب!!العلم اإلجم!!اليّ القَبْليّ تك!!ون س!!ببيّة األوّل‬


‫تساوي ‪ ،4/5‬والثاني تساوي ‪ .1/5‬وهك!!ذا يق!!وى احتم!!ال س!!ببيّة (أ) لـ‬
‫(ب)‪ ،‬وفي مقابله يضعف سببيّة (ت) (الذي يحتمل كونه الس!!بب الخفيّ)‬
‫لـ (ب) كلّما ازدادت التجارب‪ ،‬كما هو مفصَّ! لٌ في التط!!بيق! األوّل في‬
‫األسس المنطقيّة لالستقراء(‪ .)1023‬وهذا يعني أنّ هذه االحتماالت والنتائج‬
‫تمنح المبرِّر المنطقيّ لالعتقاد بسببيّة (أ) لـ (ب) ب!!أكبر احتماليّ!!ةٍ‬
‫ممكنة في المرحلة االس!!تنباطيّة‪ ،‬لكنْ «ه!!ذا ال يع!!ني أن النتيج!!ة ال!!تي‬
‫يبرهن االستقراء على قيمةٍ احتماليّة كبيرة لها يجب أن تك!!ون ص!!ادقةً‬
‫دائماً من الناحية المنطقيّة‪ ،‬وإنّما يعني أن القيم!!ة االحتماليّ!!ة الكب!!يرة‬
‫التي يعطيها الدليل االستقرائيّ للنتيجة قيمةٌ منطقيّة»(‪.)1024‬‬
‫وقد تعرَّض الشيخ الدكتور‪ !،‬في كتابه أنفع التقري!!رات‪ ،‬إلش!!كالٍ‬
‫آخر‪ ،‬لم يذكره في بقية كتبه التي تط!!رَّق فيه!!ا إلى الموض!!وع‪ !،‬وه!!و‬
‫اإلشكال الذي وعَدْنا به القارئ العزيز‪.‬‬
‫يقول اإلشكال‪« :‬أشكل السيّد الش!!هيد& على ص!!غرى ه!!ذه القاع!!دة‬
‫أيضاً‪ ،‬ومحصَّل إشكاله‪ :‬إنّه كيف لن!!ا أن نحكم ب!!أن ه!!ذا أك!!ثريٌّ أو‬
‫دائميٌّ‪ ،‬مع أنّن!!ا ال نك!!رِّر المش!!اهدة إالّ لف!!ترةٍ مح!!دودة من ال!!زمن؟‬
‫والحال أنّ هذا الحكم يحتاج إلى تكرُّر المش!!اهدة من!!ذ األزل إلى األب!!د‪،‬‬
‫ثمّ إنّ الحكماء لم يحدِّدوا حدّاً معيّناً م!تى وص!!لناه حكمن!!ا ب!أن ه!!ذا‬
‫أكثريٌّ أو دائميٌّ‪.‬‬
‫وهذا اإلشكال أيضاً غ!!يرُ واردٍ؛ ألنّ الحكم ب!!أن ه!!ذا أك!!ثريٌّ ال‬
‫يحتاج إلى المشاهدة منذ األزل إل األبد‪ ،‬بل يكفي في معنى الدائميّ ع!!دم‬
‫تخلُّفه في مشاهداتنا‪ ،‬أيّاً كان ع!ددها‪ .‬تمام!اً كم!ا نعتق!د أن الحج!ر‬
‫كلّما ارتفع إلى األعلى! وتُرِك فإنّه يسقط إلى األرض‪ ،‬فنحن نحكم بهذا‬
‫حكماً دائميّاً‪ ،‬مع أننا لم نشاهد ذلك من!!ذ األزل وإلى األب!!د‪ .‬وك!!ذلك‬
‫معنى األكثريّ فإنّه يكفي فيه عدم تخلُّفه في أكثر مشاهداتنا‪.‬‬
‫فمسألة األكثريّ هي أمرٌ نسبيّ؛ إذ إننا ال نقول‪ :‬إنّ االتّف!!اقيّ ال‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪463‬‬
‫• أ‪ .‬حسين هشام يعقوب‬

‫يكون كثيراً‪ ،‬بل نقول‪ :‬ال يكون أكثريّاً‪ ،‬بمعنى أنّه في أكثر الح!!االت‬
‫ال يتخلَّف األثر عن المؤثِّر‪ ،‬فنحكم بأن هذا ال يكون اتّفاقيّاً»(‪.)1025‬‬
‫ونالحظ عليه ما يلي‪:‬‬
‫أوّالً‪ :‬القول بأنّ الدائميّ يكفي فيه عدم تخلُّفه في مشاهداتنا‪ ،‬أيّاً‬
‫كان عددها‪ ،‬ال يرفع اإلشكال؛ ألن المطلوب تحديد حدٍّ أو ضابطٍ نحدِّد‬
‫به الدائميّ عمليّاً‪ ،‬بحيث إن المجرّب عندما يتحقَّ!!ق عن!!ده ه!!ذا الح!!دّ‬
‫يستنتج كونه علّةً‪ ،‬ال صدفة‪ .‬وهذا ما ال يفي فيه (مشاهداتنا أيّ!!اً ك!!ان‬
‫عددها)؛ ألنه بنفسه يحتاج إلى تحديدٍ وتعيين‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬القول بأنّ األكثريّ أمرٌ نسبيّ‪ !،‬يكفي فيه عدم تخلُّف!!ه في‬
‫أكثر الحاالت‪ ،‬يَرِدُ علي!!ه م!!ا ورد في أوّالً؛ ألن تحدي!!ده بكون!!ه أم!!راً‬
‫نسبيّاً يعني كونه يختلف من حالةٍ إلى أخرى‪ ،‬ومن تجربةٍ إلى أخ!!رى‪.‬‬
‫لكنّ هذا ال يكفي؛ ألنه ال بُدَّ لألمر النسبيّ من ضابطٍ يح!!دِّد انطباق!!ه‬
‫على الحاالت والتجارب المختلفة‪ .‬وهذا ال يتحقَّق بكونه يكفي في!!ه ع!!دم‬
‫التخلُّف في أكثر المشاهدات؛ ألن أكثر المش!!اهدات ال يص!!لح أن يك!!ون‬
‫حدّاً وضابطاً؛ فهل تتحقَّق أكثر المشاهدات بمشاهدات مجرِّبٍ واح!!د‪،‬‬
‫أم يشترط مجموعة مجرِّبين؟ ومشاهدات الواحد هل يعني أنه إذا أج!!رى‬
‫عشر تجارب فيكفي في تحقُّ!!ق األك!!ثريّ أن يك!!ون أك!!ثر من النص!!ف‬
‫لصالح اقتران (أ) بـ (ب)‪ ،‬حتى نستنتج السببيّة‪ ،‬ونستبعد! الصدفة؟‬
‫وهكذا نالحظ أنّ هذه التحديدات ال يمكنها تقديم ص!!يغةٍ مح!!دَّدة‬
‫للمبدأ األرسطي‪ ،‬يمكِّنه من الجريان عمليّاً بشكلٍ مبرَّر موضوعيّ‪.‬‬
‫لكنْ باإلمكان ترميم هذه المحاولة في ما يتعلَّق ب!!األكثريّ وف!!ق‬
‫المنطق األرسطي‪ ،‬بأن نقول‪ :‬إنّ الضابط هو ما ذكره المنطق األرس!!طيّ‬
‫في تحقُّق المتوترات وغيرها(‪ ،)1026‬وهو أن تسكن النفس سكوناً تامّ!!اً ـ‬
‫يزول معه الشكّ ـ بأنّ هذا الع!!دد من التج!!ارب ال!!تي أُجْ!!ري‪ ،‬وال!!ذي‬
‫اقترن فيه (أ) بـ (ب)‪ ،‬هو اق!!ترانٌ س!!ببيّ‪ ،‬ال اتّف!!اقيّ‪ .‬وبعب!!ارةٍ ثاني!!ة‪:‬‬
‫سكون النفس إلى أن هذا العدد من االقترانات يمثِّل األكثريّ النسبيّ‪.‬‬

‫‪ 464‬االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ‬
‫• (األسس المنطقية لالستقراء) في الميزان‪ ،‬عرض ومناقشةـ لنقد الشيخ أيمن المصري‬

‫لكنْ يُالحَظ عليه أنه ضابطٌ ذاتيٌّ ينفع الشخص المجرِّب‪ ،‬لكنّ!!ه‬
‫ال يمكن أن يكون ضابطاً معياريّاً موضوعيّاً بيني وبين اآلخرين‪ ،‬بخالف‬
‫حساب االحتماالت‪ ،‬فهو يتميَّز بهذا األمر‪.‬‬

‫الهوامش‬

‫االجتهاد والتجديد ـ العـددان ‪ 57‬ـ ‪ ،58‬السـنة الخامسة عشرة‪ ،‬شتاء وربيع ‪2021‬م ـ ‪1442‬هـ ‪465‬‬
‫قسيمة االشتراك‬
‫مجلة االجتهاد والتجديد‬
‫ّ‬

‫‪ ‬مؤسسات‬ ‫‪ ‬أفراد‬
‫اســــم المشترك‪.............................................................................. :‬‬
‫العنوان الكامل‪................................................................................ :‬‬
‫‪...................................................................................................‬‬
‫الهاتــــف‪.................:‬فاكــــس‪......................................................... :‬‬
‫مدة االشتراك‪ .......................:‬ابتــدا ًء مـــن‪......................................... :‬‬
‫المبلغ‪......................:‬عـــدد النســـــخ‪................................................ :‬‬
‫نقـداً إلى‪ ............................:‬شيك مصرفي‪........................................ :‬‬
‫التــــاريــخ‪.......................:‬التوقيــــع‪................................................ :‬‬

‫االشتراك السنوي‬

‫(خالصة أجور البريد)‬ ‫‪‬للمؤسسات ‪ 200‬دوالر‬ ‫سائر الدول‪ :‬لألفراد ‪ 100‬دوالر‬

‫ثمن النسخة‬
‫‪‬لبنان ‪ 3,5‬دوالر ‪‬سوريا ‪ 6000‬ل!!يرة ‪‬األردن ‪ 2,5‬دين!!ار ‪‬‬
‫الك!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!ويت ‪ 3‬دن!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!انير‬
‫‪‬العراق ‪ 3000‬دينار ‪‬اإلمارات العربية ‪ 30‬درهماً ‪‬البحرين ‪3‬‬
‫دنانير ‪‬قطر ‪ 30‬رياالً ‪‬السعودية ‪ 30‬رياالً ‪‬عمان ‪ 3‬رياالت‬
‫‪‬اليمن ‪ 400‬ريال ‪‬مصر ‪ 7‬جنيهات ‪‬الس!!ودان ‪ 200‬دين!!ار ‪‬‬
‫الصومال ‪ 150‬شلناً ‪‬ليبي!ا ‪ 5‬دن!انير ‪‬الجزائ!ر ‪ 30‬دين!اراً ‪‬‬
‫تونس ‪ 3‬دنانير ‪‬المغرب ‪ 30‬درهماً ‪‬موريتانيا ‪ 500‬أوقي!!ة ‪‬‬
‫أمريك!!ا وأوروب!ا‬ ‫ جنيه!!ات‬5 ‫ق!!برص‬ ‫ ل!يرة‬20000 ‫تركي!!ا‬
.‫ دوالرات‬10 ‫وسائر الدول األخرى‬

Al-Ijtihad & Al-Tajdeed

Winter & Spring 2021 - 1442 15 th Year – No. 57 - 58

Editor in chief
Mohamad Dohaini

Responsible Director
Rabie Sowaidan

Correspondence:
To the office of the Editor in chief
Lebanon – Beirut. P.O.Box: 327 / 25
E-mail: mdohayni@hotmail.com
‫ي لخدمــة‬ ‫والتطوع ّـ‬
‫ُّ‬ ‫ع من تقديم اإلنسان لوقته في سبيل العمل الخير ّ‬
‫ي‬ ‫الو ْقفـ المعاصرة‪ .‬و«هو نو ٌ‬ ‫() وهو أحد أشكال َ‬
‫‪1‬‬

‫ي والدين»‪( .‬را ِجعْ‪ :‬الشــيخ حيــدر حبّ هللا‪ ،‬مقالـةٌ بعنــوان‪« :‬وقــف الــوقت‪ ،‬مطالعـةٌ‬ ‫اإلنسان اآلخر وخدمة القِيَم والرُّ ق ّـ‬
‫التطوعي»‪ ،‬في مجلة االجتهاد والتجديد‪ ،‬العدد ‪:44‬ـ ‪،235‬ـ السنة الحادية عشرة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ُّ‬ ‫فقهيّةٌ أوّليّةٌ في وقفـ المنفعة والعمل‬
‫خريف ‪2017‬م ـ ‪1439‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )(2‬را ِجعْ‪ :‬المصدر السابق‪.‬‬
‫هــذا‪ ،‬مــع اإلشــارة إلى أننــا قــد نكــون مضــطرِّ ين لــذلك في بعض األحيــان؛ توضــيحاًـ لبعض الخافيــات‪ ،‬أو تأكيــداً‬
‫للواضحات‪ ،‬إالّ أن اإلشكال في اإلطالة واإلسهاب‪.‬‬
‫‪ )(3‬يمثِّل هذا البحث تقريراً لمحاضرات الشيخ األستاذ صادقـ الالريجاني(حفظـه هللا)‪ ،‬في دَوْ رتــه األصـولية الثانيـة‪،‬‬
‫عندما كان يبحث في مبادئ علم األصول عن المبادئـ المتعلِّقة بالحكم الشرع ّي‪ .‬وقد استغرقـ البحث عن هــذه المســألة‬
‫تسعة مجالس تقريباً‪ ،‬لم ّدة أسبوعين أو أكثر من السنة الدراسيّة (‪ 1426‬ـ ‪1427‬هـ)‪.‬‬
‫ت‬
‫ت أو تقـديما ٍ‬ ‫ت أو زيـادا ٍ‬ ‫وقد أل َح ْقنا بها مـا أفـاده سـماحته بعـدها‪ ،‬أو مـا كـان لـه د َْخـ ٌل في إغنـاء البحث‪ ،‬من تنسـيقا ٍ‬
‫ـطر‪.‬ـ وقــد أثبتنــا في الهــامش بعض‬ ‫طراً بعــد سـ ٍ‬ ‫ت‪ ،‬م ّما قد صحَّحه سماحته بالكامل‪ ،‬بعد المالحظة النهائيــة َسـ ْ‬ ‫وتأخيرا ٍ‬
‫وتر ْكنا بعضا ً آخر عسى أن يتيسَّر الكالم‬ ‫َ‬ ‫ـ‪،‬‬ ‫الغالب‬ ‫في‬ ‫َّدة‬ ‫ي‬‫ومؤ‬ ‫‪،‬‬‫ً‬ ‫ا‬ ‫أيض‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫الح‬
‫ُ َ‬ ‫م‬ ‫وهي‬ ‫ـ‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫فائد‬ ‫من‬ ‫يخلو‬ ‫ال‬ ‫قد‬ ‫ا‬ ‫م‬‫األمور م ّ‬
‫ً‬
‫أن مقتضى طبيعة هــذه المســائل‪ ،‬الــتي لم يشــبع البحث عنهــا مســتقالّ لــدى‬ ‫إن شاء هللا‪ .‬وزعمي ّ‬ ‫مجال أوسع ْ‬‫ٍ‬ ‫عنها في‬
‫ُ‬
‫األصحاب‪ ،‬أن تكون بحاج ٍة أكثر إلى تضارب الحجج واآلراء فيها‪ ،‬والعصمة عند أهلها‪ ،‬وهللا المستعان‪.‬‬
‫‪ )(4‬الشيخ مرتضى األنصاري‪ ،‬فرائد األصول ‪1425 ،25 :1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(5‬أبو الحسن الشعراني‪ ،‬المدخل الى عذب المنهل‪1373 ،325 :‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(6‬المحقِّق الخراساني‪،‬ـ درر الفوائد‪1417 ،132 :‬هـ‪.‬‬
‫أن عدم الخل ّو إنّما هــو في‬ ‫وفي حاشية المشكينيـ على الكفاية ‪ :2‬ـ ‪( 28‬منشورات دار الحكمة)‪« :‬ويشهدـ لما ذكرنا من ّ‬
‫األحكام الواقعية‪ ،‬ال الفعلية‪ ،‬ما نقل عن سيِّد الموحِّدينﷺ‪ :‬إن هللا تعالى سكت عن أشــياء‪ ،‬ولم يســكت عنهــا نســياناً‪،...‬‬
‫الخبر‪( .‬وسائل الشيعة ‪ 129 :18‬الباب ‪ 12‬من أبواب صفات القاضي‪ ،‬ح‪ ،)61‬فإن نسيانها كنايةٌ عن عدم بلوغها الى‬
‫المرتبة الفعلية»‪ .‬والصحيح‪« :‬عدم نسيانها» وإالّ كانت دالّةً على العكس‪ ،‬كما ال يخفى‪.‬‬
‫‪ )(7‬المحقِّق الخراساني‪،‬ـ درر الفوائد‪.249 :‬‬
‫‪ )(8‬التقوي االشتهاردي‪ ،‬تنقيح األصول (تقريــر بحث القائــد) ‪:2‬ـ ‪ ،115‬مؤسَّســة تنظيم ونشــر آثــار اإلمــام الخميــني‪،‬‬
‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(9‬الفاضل اللنكراني‪ ،‬معتمد األصول ‪1423 ،123 :1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(10‬هذا على المشهور؛ وأما على ما ذهب إليه المحقِّق األصــفهاني&‪ ،‬من المنــع عن اإلرادة والكراهــة في أحكــام هللا‬
‫أن خلـ ّو الواقــع منهمــا ال يعــني خلـوّه من البعث والزجــر؛ فإنهمــا منبعثــان عنــده عن المصــالح‬ ‫تعــالى‪ ،‬فمن الواضــح ّ‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫والمفاسد‪ ،‬ال عن اإلرادة والكراهة‪ ،‬فيتجه البحث عندئ ٍذ حتى على القول بخل ّو الواقع عنهما‪.‬‬
‫ممكن وال ينافيــه عــدم‬ ‫ٌ‬ ‫أن عدم الخل ّو ال ينافيـ إمكانه‪ ،‬حيث قال‪« :‬وهــذا أيضـا ً‬ ‫‪ )(11‬وفي حاشية المشكيني على الكفاية ّ‬
‫خلـ ّو الواقعـة عن الحكم؛ ألنـه ال ينـافي دعـوى اإلمكـان»‪( .‬أبـو الحسـن المشـكيني‪ ،‬الحاشـية على الكفاية ‪:2‬ـ ‪ ،72‬قم‬
‫المق َّدسة‪ ،‬انتشاراتـ لقمان‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ )(12‬زين الدين العاملي (الشهيد الثاني)‪ ،‬تمهيد القواعد‪ ،321 :‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪1214 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(13‬المحقِّق الخراساني‪،‬ـ فوائد األصول‪1407 ،313 :‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(14‬السيد روح هللا الموسوي الخميني‪ ،‬مناهج األصول إلى علم األصول ‪:2‬ـ ‪ ،18‬مؤسّسـة تنظيم ونشـر آثـار اإلمـام‬
‫الخميني‪ ،‬قم‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(15‬الميرزار حبيب هللا الرشتي‪ ،‬بدايع األفكار‪:‬ـ ‪ ،386‬الطبعة الحجرية‪.‬‬
‫‪ )(16‬الشيخ محمد حسين األصفهاني‪ ،‬الفصول في األصول‪1420 ،85 :‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(17‬الشيخ محمد تقي األصفهاني‪ ،‬هداية المسترشدين‪ ،341 :‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪ ،‬قم المق ّدسة‪.‬‬
‫‪ )(18‬المصدر السابق‪.254 :‬‬
‫‪ )(19‬الكالنتري‪ ،‬مطارح األنظار ‪1425 ،339 :2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(20‬الشيخ مرتضى األنصاري‪ ،‬فرائد األصول ‪1425 ،185 :2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(21‬ال يبعد أن يكون مراده بالدليل هو الدليل العقلي؛ نظراً إلى المقابلة بينه وبين السنّة واإلجماع‪.‬‬
‫‪ )(22‬محمد حسين األشتياني‪ ،‬بحر الفوائد ‪ ،86 :1‬الطبعة الحجرية‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(23‬الشيخ مرتضى األنصاري‪ ،‬فرائد األصول ‪.145 :2‬‬
‫‪ )(24‬اآلخوند الخراساني‪ ،‬كفاية األصول‪ ،469 :‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪ ،‬قم‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(25‬المحقِّق الخراساني‪،‬ـ درر الفوائد‪1410 ،71 :‬هـ‪.‬‬
‫ولع ّل ال َج ْمع بين هذا وبين ما سبق نقله من فوائد األصول هو المنع من الدليل العقلي‪ ،‬وإثبات القاعدة بالدليل النقلي‪.‬‬
‫أن اإلجمــاع والضــرورة‬ ‫فحسْب‪ ،‬بمعــنى ّ‬ ‫كما يحتمل بمالحظة السياق أن يكون كالمه هذا ناظراً إلى مسألة االشتراكـ َ‬
‫قاضيان باشتراك األحكام الواقعية بين العــالم والجاهــل‪ .‬ويضـعِّفه مــا ســبق منــه من اختصــاص القاعــدة بــالحكم غــير‬
‫الفعل ّي‪.‬‬
‫ّ‬
‫أن األكثر من هذه اإلجماعات المحكيّة والتواترات المـ ّدعاة ليسـت إال لجهـة اشـتراك األحكـام‬ ‫ّ‬
‫ولكن الغالب على ظني ّ‬ ‫ّ‬
‫بين العالم والجاهل‪ ،‬دون مسألة الخل ّو وعدمه‪.‬‬
‫كما يحتمل أن يكون ذلك كلّه بنا ًء على مسلك القوم‪ ،‬ال على مختاره؛ أو يكون من التب ُّدل في الرأي‪.‬‬
‫حكم‪ ،‬كمــا هــو مــذهبنا‪ ،‬وقــد‬‫ويض ِّعفـ الك َّل تصريحه في المصدرـ األول (الفوائد) ـ بعد قلي ٍل ـ بأن الواقعة ال تخلو من ٍ‬
‫فراجـ عْ‪ :‬الشــيخ محمــد رضــا األصــفهاني‪ ،‬وقايــة‬‫ِ‬ ‫عاتب صاحب (وقاية األذهان) صــاحب الكفايــة على هــذا التهــافت‪،‬‬
‫األذهان‪ ،595 ،348 :‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪ ،‬قم المق ّدسة‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫وكيف كان فتواترـ األخبار وقيام اإلجماع على ذلك ليس بتلك الدرجة التي ال يختلف فيها اثنــان‪ ،‬ولــذلك نــرى الشــيخ‪،‬‬
‫على ما في (المطارح)‪ ،‬يقول‪« :‬كما يُستفاد من جمل ٍة من األخبار»‪ .‬وكذا في الهداية في األصـولـ (تقريـر بحث السـيّد‬
‫أن لـه تبـارك وتعـالىـ في كـ ّل واقعـة حكمـا ً يشـترك فيـه العـالم بـه‬ ‫الخوئي&)‪« :‬وا ّدعى بعضـهمـ تـواتر األخبـار على ّ‬
‫والجاهل»‪ .‬وهذا ظاه ٌر أيضا ً في مسألة االشتراك‪ ،‬ال في الخل ّو وعدمه‪ .‬كما يتَّضح بالمراجعة‪ .‬وللتحقيق مجالٌ‪.‬‬
‫‪ )(26‬الشيخ محمد تقي البروجردي‪ ،‬نهاية األفكار ‪( 4‬ق‪1422 ،30 :)2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(27‬السيد محمد الواعظ البهسودي‪ ،‬مصباح األصول‪ ،445 ،3 :‬مكتبة الداوري‪ ،‬قم‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(28‬المحقِّق الخراساني‪،‬ـ فوائد األصول‪1407 ،312 :‬هـ‪.‬‬
‫أن الشوق حالةٌ نفسيّة وجدانيّة‪ ،‬وتوفُّرهاـ في بعض ما يُ ْكره عليـه اإلنســان قـد ال يســاعده الوجـدان؛ فـإن‬ ‫‪ )(29‬ال يخفى ّ‬
‫وإن أص ّر على ذلــك‬ ‫مجرّد كون الفعل المكروه مق ّدمة لدفع ما هو أش ّد كراهةً منه قد ال يكفي سببا ً لتلك الحالة النفسيّة‪ْ ،‬‬
‫شيخنا األستاذ (حفظه هللا)‪.‬‬
‫‪ )(30‬المحقِّق الخراساني‪،‬ـ فوائد األصول‪.312 :‬‬
‫‪ )(31‬الشيخ محمد علي الكاظميني‪ ،‬فوائدـ األصول (تقرير بحث الشيخ النائيني) ‪ 135 :1‬ـ ‪1402 ،134‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(32‬انظر‪ :‬علي أكبر دهخدا‪ ،‬لغت نامه ‪ ،121 :41‬مفردة قانون‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(33‬شرح المطالع وحاشية المالّ عبد هللا في مبحث تعريف المنطق‪.‬‬
‫‪ )(34‬تاج العروس‪ ،‬كلمة القانون‪.‬‬
‫‪ )(35‬المعجم الوسيط‪ ،‬كلمة القانون‪.‬‬
‫‪ )(36‬انظر‪ :‬برهان قاطع؛ فرهنگ نفيسي؛ لغت نامه؛ المعجم الوسيط‪ ،‬مادة كلمة (قانون)‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬ـ‬
‫‪ )(37‬المعجم الوسيط‪763 :‬؛ فرهنگ معين ‪.2627 :2‬‬
‫‪ )(38‬انظــر‪ :‬محمــد جعفــر الجعفــري‪ ،‬ترمينولــوژي حقــوق (المصــطلحات الحقوقيــة)‪ ،83 :‬طبعــة مكتبــة گنج ودانش‪.‬‬
‫(مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(39‬السيد أبو القاسم الخوئي‪ ،‬التنقيح في شرح العروة الوثقى ‪ ،424 :1‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪.‬‬
‫‪ )(40‬الشيخ جعفر السبحاني‪ ،‬معالم الحكومة‪ ،301 :‬مكتبة اإلمام أمير المؤمنين×‪ ،‬إصفهان‪.‬‬
‫‪ )(41‬الشيخ ناصر مكارمـ الشيرازي‪ ،‬أنوار الفقاهة ‪ ،553 :1‬منشورات مدرسة اإلمام أمير المؤمنين×‪.‬‬
‫‪ )(42‬اإلمام روح هللا الخميني‪ ،‬صحيفه نور (صحيفة النور) ‪( .170 :20‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(43‬انظر‪ :‬السيد محمد حسين الطباطبائي‪ ،‬بحثي درباره مرجعيت وروحــانيت‪ ،‬مقالــه واليت وزعــامت (بحث حــول‬
‫المرجعية والمؤسسة الدينية‪ ،‬مقالة الوالية والزعامة)‪ ،84 :‬شركة سهاميـ انتشار‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(44‬انظر‪ :‬الشيخ مرتضىـ مطهَّري‪ ،‬إسالم ومقتضياتـ زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ‪( .77 :2‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(45‬السيد الشهيد محمد باقرـ الصدر‪ ،‬اقتصادنا ‪ ،362 :2‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ )(46‬الشيخ الطوسي‪ ،‬النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ ‪ ،577 :2‬طبعة جامعة طهران‪.‬‬
‫‪ )(47‬السيد أبو الحسن اإلصفهاني‪ ،‬وسيلة النجاة ‪ ،251 :2‬دار التعارف للمطبوعات‪.‬‬
‫‪ )(48‬السيد محسن الحكيم‪ ،‬منهاج الصالحين ‪ ،58 :2‬المسألة رقم ‪ ،63‬دار التعارف للمطبوعات‪.‬‬
‫‪ )(49‬السيد محمد كاظمـ اليزدي‪ ،‬العروة الوثقى ‪ ،122 :2‬المكتبة العلمية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(50‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬أصول الكافي ‪ ،267 :1‬باب التفويض‪ ،‬ح‪ ،5‬دار الكتب اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(51‬المصدر السابق ‪.268 :9‬‬
‫‪ )(52‬أبو جعفر محمد بن الحســن بن فــروخـ الصـفّار‪ ،‬بصــائرـ الــدرجات ‪:8‬ـ ‪ ،382‬البــاب الرابــع (بــاب التفــويض إلى‬
‫رسول هللا)‪ ،‬ح‪.16‬‬
‫‪ )(53‬الشيخ الصدوق‪َ ،‬م ْن ال يحضره الفقيه ‪ ،79 :2‬دار الكتب اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(54‬لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة‪ .‬المعرّب‪.‬‬
‫‪ )(55‬محمد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم ‪.359 :16‬‬
‫‪ )(56‬لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة‪ .‬المعرّب‪.‬‬
‫‪ )(57‬السيد محمد كاظمـ اليزدي‪ ،‬العروة الوثقى مع تعليقاتها ‪ ،231 :7‬طبعة الدار اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(58‬الشيخ الطوسي‪ ،‬الجمل والعقود (سلسلة الينابيع الفقهية) ‪ ،231 :7‬طبعة الدار اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(59‬لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة‪ .‬المعرّب‪.‬‬
‫‪ )(60‬ابن إدريس‪ ،‬كتاب السرائر ‪.585 :1‬‬
‫‪ )(61‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬المختصر النافع (سلسلة الينابيع الفقهية) ‪.671 :8‬‬
‫‪ )(62‬الشيخ محمد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم ‪.700 :19‬‬
‫‪ )(63‬الشيخ األنصاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪.512 :‬‬
‫‪ )(64‬لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة‪ .‬المعرّب‪.‬‬
‫‪ )(65‬الشيخ محمد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم ‪.14 :21‬‬
‫‪ )(66‬منهاج الصالحين ‪ ،366 :1‬نشر مدينة العلم‪.‬‬
‫‪ )(67‬دراسات في والية الفقيه ‪ ،118 :1‬المركز العالمي للدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(68‬الشيخ الطوسي‪ ،‬النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ ‪ ،302 :1‬طبعة جامعة طهران‪.‬‬
‫المهذب ‪ ،341 :1‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ )(69‬ابن البرّاج‪،‬‬
‫‪ )(70‬اإلمام روح هللا الخميني‪ ،‬صحيفه نور (صحيفة النور) ‪( .171 :2‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(71‬الح ّج (مجموع كلمات ونداءات اإلمام الخميني)‪ ،177 :‬مركزـ تحقيقات وانتشارات الحجّ‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(72‬انظر‪ :‬الشيخ المفيد‪ ،‬المقنعة‪.‬‬
‫‪ )(73‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬شرائع اإلسالم ‪ ،21 :2‬منشورات األعلمي‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪ )(74‬الشيخ الصدوق‪ ،‬التوحيد‪:‬ـ ‪ ،388‬دار المعرفة‪.‬‬
‫‪ )(75‬لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة‪ .‬المعرّب‪.‬‬
‫‪ )(76‬السيد محمد كاظمـ اليزدي‪ ،‬ملحقات العروة الوثقى ‪ ،227 :1‬المسألة ‪ ،2‬مكتبة الداوري‪.‬‬
‫‪ )(77‬لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة‪ .‬المعرّب‪.‬‬
‫‪ )(78‬العالّمة الحلّي‪ ،‬مفتاح الكرامة ‪.213 :4‬‬
‫‪ )(79‬ابن حمزة‪ ،‬الوسيلة‪ ،277 :‬منشورات مكتبة المرعشي النجفي‪.‬‬
‫المهذب ‪ ،569 :2‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ )(80‬ابن البرّاج‪،‬‬
‫‪ )(81‬انظر‪ :‬الشيخ الطوسي‪ ،‬المبسوطـ ‪ ،38 :2‬منشورات األعلمي‪.‬‬
‫‪ )(82‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬شرائع اإلسالم ‪ ،328 :1‬منشورات األعلمي‪.‬‬
‫‪ )(83‬الشيخ الطوسي‪ ،‬النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ ‪ ،308 :1‬طبعة جامعة طهران‪.‬‬
‫‪ )(84‬الشيخ المفيد‪ ،‬المقنعة‪.616 :‬‬
‫‪ )(85‬لم نعثر على النصّ في موضع اإلحالة‪ .‬المعرّب‪.‬‬
‫‪ )(86‬الشيخ محمد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم ‪.484 :22‬‬
‫‪ )(87‬دراسات في والية الفقيه ‪ ،118 :1‬المركز العالمي للدراسات اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(88‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬شرائع اإلسالم ‪.275 :3‬‬
‫‪ )(89‬الشيخ محمد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم ‪.59 :38‬‬
‫‪ )(90‬الشيخ مرتضىـ مطهَّري‪ ،‬إسالم ومقتضيات زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ‪( .86 :2‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(91‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(92‬اإلمام روح هللا الخميني‪ ،‬صحيفه نور (صحيفة النور) ‪( .138 :10‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(93‬الشيخ الطوسي‪ ،‬النهاية في مجرّد الفقه والفتاويـ ‪.298 :1‬‬
‫َّ‬
‫المهذب ‪.216 :1‬‬ ‫‪ )(94‬القاضي ابن البرّاج‪،‬‬
‫‪ )(95‬العالّمة الحلّي‪ ،‬قواعد األحكام ‪ ،104 :1‬كتاب الجهاد‪ ،‬منشوراتـ الشريف الرضي‪.‬‬
‫‪ )(96‬الشيخ المفيد‪ ،‬المقنعة‪ ،81 :‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪.‬‬
‫المهذب ‪ ،518 :2‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ )(97‬ابن البرّاج‪،‬‬
‫‪ )(98‬أبو الصالح الحلبي‪ ،‬الكافيـ في الفقه‪ ،406 :‬منشورات مكتبة أمير المؤمنين×‪.‬‬
‫‪ )(99‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬شرائع اإلسالم ‪.276 :2‬‬
‫‪ )(100‬الشيخ محمد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم ‪.189 :29‬‬
‫‪ )(101‬المحقِّق الكركي‪ ،‬جامع المقاصد ‪ ،96 :12‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪.‬‬
‫‪ )(102‬اإلمام روح هللا الخميني‪ ،‬صحيفه نور (صحيفة النور) ‪( .39 :4‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(103‬الشيخ الطوسي‪ ،‬المبسوطـ ‪.31 :6‬‬
‫‪ )(104‬الشيخ حسين الحلّي‪ ،‬بحوث فقهية‪ ،210 :‬مؤسّسة المنار‪.‬‬
‫‪ )(105‬الشيخ مرتضىـ مطهَّري‪ ،‬إسالم ومقتضيات زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ‪( .59 :2‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(106‬السيد اليزدي‪ ،‬ملحقات العروة الوثقى ‪ ،75 :1‬المسألة ‪.33‬‬
‫‪ )(107‬أحمد كسروي‪ ،‬تاريخ مشروطه إيران (تاريخ الحركة الدســتورية في إيــران) ‪:2‬ـ ‪ ،617‬انتشــاراتـ أمــير كبــير‪.‬‬
‫(مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(108‬رضا أستادي‪ ،‬ده فتواي مذهبي وسياسيـ (عشر فتاوىـ دينية وسياسية)‪ ،‬مجلة نــور علم‪ ،‬العــدد ‪:5‬ـ ‪ ،18‬الــدورة‬
‫الثانية‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(109‬علي دواني‪ ،‬نهضت روحانيون إيران (ثورة علماء الدين في إيران) ‪( .209 :1‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(110‬مجلة نور علم‪ ،‬العدد ‪ ،6‬ال َّدوْ رة الثالثة‪( .‬مصدرـ فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(111‬المصدر السابق‪ ،‬العدد ‪.84 :1‬‬
‫‪ )(112‬روحانيت وملّي شدن صنعت نفط (علماء الدين وتأميم النفط)‪( .56 :‬مصدر فارسي)‪.‬ـ‬
‫‪ )(113‬موسوعة الموسم (الشيعة والشيوعية‪ ،‬مساجالت في الدين والماركسية ‪ /‬القسم األوّل)‪ ،‬العدد ‪:89‬ـ ‪ ،101‬تصدر‬
‫في هولندا‪ ،‬صاحبهاـ ورئيس تحريرها‪ :‬محمد سعيد الطريحي‪ ،‬السنة ‪.2011 ،23‬‬
‫‪ )(114‬تشيُّع ومشروطيت در إيران (التشيُّع والدستورية ال َملَكيّة في إيران)‪( .174 :‬مصدر فارسي)‪.‬ـ‬
‫‪ )(115‬مجلة نور علم‪ ،‬العدد ‪ ،21 :5‬ال َّدوْ رة الثانية‪.‬‬
‫‪ )(116‬إبراهيم تيموري‪ ،‬تحــريمـ تنبــاكو‪ ،‬أوّلين مقــاومت منفي در إيــران (حرمــة التنبــاك‪ ،‬المقاومــة الســلبية األولى في‬
‫إيران)‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(117‬اإلمام روح هللا الخميني‪ ،‬صحيفه نور (صحيفة النور) ‪:4‬ـ ‪ ،207‬مركزـ مدارك فرهنگي انقالب إسالمي‪( .‬مصدر‬
‫فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(118‬المصدر السابق ‪.27 :5‬‬
‫‪ )(119‬المصدر السابق ‪.123 :5‬‬
‫‪ )(120‬المصدر السابق ‪.124 :5‬‬
‫‪ )(121‬المصدر السابق ‪.253 :8‬‬
‫‪ )(122‬المصدر السابق ‪.176 :9‬‬
‫‪ )(123‬المصدر السابق ‪172 :10‬؛ وانظر أيضاً‪( .170 :20 :‬مصدر فارسي)‪.‬ـ‬
‫‪ )(124‬الشيخ مرتضىـ مطهَّري‪ ،‬إسالم ومقتضيات زمان (اإلسالم ومتطلّبات العصر) ‪( .179 :1‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(125‬السيد الشهيد محمد باقرـ الصدر‪ ،‬اقتصادنا ‪ ،362 :2‬دار الفكر‪.‬‬
‫‪ )(126‬المصدر السابق‪.363 :‬‬
‫‪ )(127‬بحــثي دربــاره مــرجعيت وروحــانيت‪ ،‬مقالــه واليت وزعــامت (بحث في المرجعيــة والواليــة‪ ،‬مقالــة الواليــة‬
‫والزعامة)‪( .85 :‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(128‬السيد كاظم الحائري‪ ،‬حكومت وإسالم‪ ،‬مقاله قانونگذاري در نظامـ هاي بشري ونظامـ آسماني (الحكومة واإلســالم‪،‬‬
‫مقالة التقنين في األنظمة البشرية والنظامـ السماوي)‪ ،116 :‬نشر سازمان تبليغات إسالمي‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(129‬السيد محمود الهاشمي‪ ،‬مصدر التشريع ونظامـ الحكم في اإلسالم‪.70 :‬‬
‫‪ )(130‬الشــيخ محمــد مــؤمن الق ّمي‪ ،‬حكــومت در إســالم‪ ،‬مقالــة نحــوه قانونگــذاري در حكــومت إســالمي‪( .343 :‬مصــدر‬
‫فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(131‬مدارك األحكام ‪.13 :1‬‬
‫‪ )(132‬الحدائق الناضرة ‪.198 :4‬‬
‫‪ )(133‬مستمسك العروة الوثقى ‪.171 :7‬‬
‫‪ )(134‬مصباح األصول ‪.320 :2‬‬
‫‪ )(135‬مفاتيح األصول‪.345 :‬‬
‫‪ )(136‬انظُرْ ‪ :‬كتابه الموضوعات‪ 220 :‬ـ ‪.222‬‬
‫‪ )(137‬أوثق المسائل في شرح الرسائل‪.300 :‬‬
‫‪ )(138‬القول المس َّدد في مسند أحمد‪.20 :‬‬
‫‪ )(139‬التمهيد ‪.39 :6‬‬
‫‪ )(140‬الكفاية في علم الرواية‪.126 :‬‬
‫‪ )(141‬نقله عنه األلباني في تمام المنّة‪.36 :‬‬
‫‪ )(142‬المجموع ‪.43 :5‬‬
‫‪ )(143‬تمام المنّة‪.34 :‬‬
‫‪ )(144‬قال‪« :‬قَوْ ُل َأحْ َمد ب ِْن َح ْنبَ ٍل‪ :‬إ َذا َجا َء ْال َحال ُل َو ْال َح َرا ُم َش َّد ْدنَا فِي اَأل َسانِي ِد؛ َوِإ َذا َجا َء التَّرْ ِغيبُ َوالتَّرْ ِهيبُ تَ َساه َْلنَا فِي‬
‫االسـتِحْ بَا ِ‬
‫ب‬ ‫ْس َم ْعنَــاهُ ْإثبَـات ْ‬ ‫ضـاِئ ِـل اَأل ْع َمــا ِل‪ :‬لَي َ‬ ‫يف فِي فَ َ‬ ‫الضـ ِع ِ‬‫ث َّ‬ ‫ـل بِ ْال َحـ ِدي ِ‬‫اَأل َسانِي ِد؛ َو َك َذلِكَ َما َعلَيْـ ِه ْال ُعلَ َمـا ُء ِمن ال َع َمـ ِ‬
‫يل شَرْ ِع ٍّي‪َ ،‬و َم ْن َأ ْخبَ َر ع َْن هللاِ َأنَّهُ يُ ِحبُّ َع َمالً‬ ‫اب ُح ْك ٌم شَرْ ِع ٌّي‪ ،‬فَال يَ ْثب ُ‬
‫ُت ِإالَّ بِ َدلِ ِ‬ ‫ث الَّ ِذي ال يُحْ تَجُّ بِ ِه؛ فَِإ َّن اال ْستِحْ بَ َ‬ ‫بِ ْال َح ِدي ِ‬
‫اب وْ التَّحْـ ِري َم‪.‬ـ َولِهَـ َذا‬‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ْأ‬
‫ِّين َمـا لَ ْم يَـ َذ ْن بِـ ِه هللاُ‪َ ،‬ك َمــا لَــوْ ثبَتَ اِإل َ‬ ‫ِمن اَأل ْع َم ِ‬
‫يجـ َ‬ ‫ال ِم ْن َغي ِْر َدلِي ٍل شَرْ ِع ٍّي فَقَ ْد َشـ َر َع ِمن الـد ِ‬
‫ـرا ُدهُ ْم بِـ َذلِكَ ‪َ :‬أ ْن يَ ُكــونَ‬‫ُوع‪َ ،‬وِإنَّ َمــا ُمـ َ‬ ‫ِّين ْال َم ْشـر ِ‬ ‫ب‪َ ،‬ك َما يَ ْختَلِفُونَ فِي َغي ِْر ِه‪ ،‬بَلْ هُ َو َأصْ ُل الد ِ‬ ‫يَ ْختَلِفُ ْال ُعلَ َما ُء فِي اال ْستِحْ بَا ِ‬
‫ص َدقَ ِة؛‬‫يح؛ َوال ُّدعَا ِء؛ َوال َّ‬ ‫الو ِة ْالقُرْ آ ِن؛ َوالتَّ ْسبِ ِ‬ ‫اع‪َ ،‬كتِ َ‬ ‫ْال َع َم ُل ِم َّما قَ ْد ثَبَتَ َأنَّهُ ِم َّما يُ ِحبُّهُ هللاُ‪َ ،‬أوْ ِم َّما يَ ْك َرهُهُ هللاُ‪ ،‬بِنَصٍّ َأوْ إجْ َم ٍ‬
‫ْض اَأل ْع َمــا ِل‬
‫ضـ ِل بَع ِ‬ ‫يث فِي فَ ْ‬ ‫ي َحـ ِد ٌ‬ ‫ب؛ َو ْال ِخيَانَـ ِة؛ َونَحْـ ِـو َذلِـكَ ‪ .‬فَـِإ َذا ر ُِو َ‬ ‫اس؛ َو َك َراهَـ ِة ْال َكـ ِذ ِ‬ ‫ق؛ َواِإل حْ َسـا ِن ِإلَى النَّ ِ‬ ‫َو ْال ِع ْت ِ‬
‫َأ‬ ‫ٌ‬
‫ي فِيهَا َحــ ِديث ال نَ ْعلَ ُم نَّهُ‬ ‫ب َو ن َوا ُعهُ إ َذا ر ُِو َـ‬‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬
‫ب َوال ِعقَا ِ‬ ‫َّ‬
‫ْض ا ْع َما ِل َو ِعقَابِهَا‪ ،‬فَ َمقَا ِدي ُـر الث َوا ِ‬‫َأل‬ ‫ْال ُم ْستَ َحبَّ ِة َوثَ َوابِهَا‪،‬ـ َو َك َراهَ ِة بَع ِ‬
‫اب»‪ .‬الفتاوى ‪.65 :12‬‬ ‫اب َأوْ تَخَافُ َذلِكَ ْال ِعقَ َ‬ ‫ك الثَّ َو َ‬ ‫س تَرْ جُو َذلِ َ‬ ‫ت ِر َوايَتُهُ‪َ ،‬و ْال َع َم ُل بِ ِه‪ ،‬بِ َم ْعنَى َأ َّن النَّ ْف َ‬ ‫ع َجازَ ْ‬ ‫َموْ ضُو ٌـ‬
‫‪َ )(145‬م ْن ال يحضره الفقيه ‪.91 :2‬‬
‫‪ )(146‬بحر الفوائد في شرح الفرائد ‪.66 :2‬‬
‫‪ )(147‬المجموع ‪:2‬ـ ‪ .94‬وقال أيضاً‪« :‬إن العلماء متَّفقون على التســامح في األحــاديث الضــعيفة في فضــائل األعمــال‬
‫ونحوها م ّما ليس من األحكام»‪ .‬المجموع ‪ .262 :8‬ومقصودُه باألحكامـ ما فيه إلزا ٌم ب َح َسب سياق كالمه‪.‬‬
‫‪ )(148‬بتتبُّعنا لم ن ِج ْدها مذكورةً قبل الشهيد‪ .‬والشيخ األنصاريـ ـ عنــد التطــرُّ ق لكلمــات الفقهــاء ــ نقــل أوّل األمــر كالم‬
‫الشهيد‪ ،‬ولم ينقُلْ كالما ً للسابقين عليه‪ .‬انظُرْ ‪ :‬رسائل فقهيّة‪.137 :‬‬
‫‪ )(149‬ع ّدة الداعي ونجاح الساعي‪.10 :‬‬
‫‪ )(150‬ذكرى الشيعة ‪.34 :2‬‬
‫‪ )(151‬هداية المسترشدين ‪.466 :3‬‬
‫‪ )(152‬را ِجعْ‪ :‬روضة الطالبين ‪.655 :1‬‬
‫‪ )(153‬الرعاية‪.94 :‬‬
‫‪ )(154‬الكافي ‪.87 :2‬‬
‫‪ )(155‬العناوين الفقهية ‪420 :1‬؛ ‪325 :3‬؛ ورجَّح البجنوردي أنها فقهيّة‪ ،‬انظُرْ ‪ :‬القواعد الفقهية ‪.334 :3‬‬
‫ـر؛ حيث ذهب‬ ‫() وذلك أنهم طرحواـ في تنبيهات مبحث البراءة مسألة االحتياط في العبادة‪ ،‬وحاجتــه إلى وجــود أمـ ٍ‬
‫‪156‬‬

‫للتمسـك بأخبـارـ االحتيـاط‪ ،‬ويكفي‬ ‫ُّ‬ ‫الشيخ األنصاريـ إلى أن منشأ احتمال الوجوب إذا كان خـبراً ضـعيفا ً فال ضـرورة‬
‫التمسُّك بأخبار « َم ْن بلغ»‪ .‬فرائد األصول ‪:2‬ـ ‪ .153‬وقدـ تبعه القوم على تناول المســألة في هــذا المبحث‪ .‬وطــبيع ّي أن‬
‫بحثه في باب حجّية الخبر هو األنسب‪.‬‬
‫‪ )(157‬دروس في علم األصول‪ ،‬الحلقة الثانية‪.144 :‬‬
‫‪ )(158‬وهذا ما أص ّر عليه الشيخ األنصاري‪،‬ـ رسائل فقهية‪.133 :‬‬
‫‪ )(159‬وهذا ما ذهب إليه السيد البجنوردي‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.334 :3‬‬
‫إن مصــبّ الكالم هــو في اســتحباب كـ ّل فعـ ٍل بلــغ الثــواب عليــه‪ ،‬فال يكــون الخــبر‬ ‫‪ )(160‬قيل في توجيه كونهــا فقهيّــة‪ّ :‬‬
‫ق لموضوعه‪.‬‬ ‫الضعيف دليالً على الحكم‪ ،‬وإنّما هو محقِّ ٌ‬
‫مخالف لعنوان المسألة‪ ،‬ومعقد إجماعهم‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫و ُر َّد بأنه‬
‫ألن «مــا ذكــر في‬ ‫محصـل لـه؛ وذلـك ّ‬ ‫ّ‬ ‫على أن ما ُذكر في توجيه إرجـاع الكالم فيهـا إلى المسـألة الفقهيّـة هــو كال ٌم ال‬
‫التعبــير عن المســألة باســتحباب ك ـ ّل فع ـ ٍل د ّل على اســتحبابه خــب ٌر ضــعيف عبــارةٌ أخــرى عن حجّيــة الضــعيف في‬
‫فعل د ّل الخــبر‬ ‫المستحبّات‪ ،‬ويجوز مثل هذا التعبير في حجّية الخبر الصحيح أيضا ً بأن يُقال الكالم فيه في وجوب ك ّل ٍ‬
‫راجـ عْ‪ :‬أوثــق‬ ‫ـل دل ّالخــبر باســتحبابه‪ ،‬وكــذا الحرمــة والكراهــة واإلباحة»‪ِ .‬‬ ‫الصحيح على وجوبه‪ ،‬واستحباب كـ ّل فعـ ٍ‬
‫الوسائل في شرح الرسائل‪.301 :‬‬
‫‪ )(161‬طرحه المحقِّق النائيني احتماالً‪ .‬أجود التقريرات ‪207 :2‬؛ وفوائدـ األصول ‪.409 :3‬‬
‫إن بعضــهمـ قــال هــذا الكالم في مواجهــة التقســيم‬ ‫‪ )(162‬حيث ي َروْ ن أنه إذا لم نعمل بأخبار اآلحاد يلزم َمحْ و الدين‪ ،‬بل ّ‬
‫الرباعي للحديث‪.‬‬
‫تهويل‪ ،‬فال يصغى إليها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ولكن هذه الدعوى في المجالين هي مجرد‬ ‫ّ‬
‫بأن إثبات أحد‬ ‫وإن اشت َّد ضعفُها‪ ،‬ولم ينجبر‪ .‬واإليرا ُد ّ‬ ‫ضعاف في ال ُّسنَن‪ْ ،‬‬ ‫‪ )(163‬قال الشيخ البهائي‪« :‬وقد شاع العمل بال ِّ‬
‫مخالف لما ثبت في محلِّه مشهورٌ‪ .‬والعا ّمة ُمضْ طَ ِربون في التفصّي عن ذلــك‪ .‬وأ ّمــا نحنُ‬ ‫ٌ‬ ‫األحكام الخمسة بما هذا حاله‬
‫ْ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ـ معاش َر الخاصّة ـ فالعم ُل عنـدنا ليس بهـا في الحقيقـة‪ ،‬بـل ب َح َسـنَة‪َ « :‬من َسـ ِم َع شـيئا من الثـواب»‪ ،‬وهي م ّمـا تف َّردنـا‬
‫بروايته»‪ .‬الوجيزة‪ ،‬مدرجةٌ ضمن رسائل في دراية الحديث ‪.542 :1‬‬
‫‪ )(164‬يظهر ذلك من السيد هاشم معروف ال َح َسني في كتاب الموضوعات‪.221 :‬‬
‫ش َهدَا ِء فَُأولَِئكَ ِع ْن َد هللاِ ُه ُم ا ْل َكا ِذبُونَ ﴾ (النور‪.)13 :‬‬‫ش َهدَا َء فَِإ ْذ لَ ْم يَْأتُوا بِال ُّ‬‫‪ )(165‬قال تعالى‪﴿ :‬لَ ْوال َجاُؤوا َعلَ ْي ِه بَِأ ْربَ َع ِة ُ‬
‫‪ )(166‬أنهاها السيد الخوئي إلى ثالثة‪ .‬انظُرْ ‪ :‬مصباح األصول ‪:2‬ـ ‪319‬؛ بينما أنهاها الســيد الشــهيد إلى خمســة‪ .‬انظُــرْ ‪:‬‬
‫بحوث في علم األصول ‪.122 :5‬‬
‫‪ )(167‬بحوث في علم األصول ‪.122 :5‬‬
‫إن هذا االحتمال بعيد غايته عن مساق األخبــار؛ فــإن لســان‬ ‫‪ )(168‬مصباح األصول ‪:2‬ـ ‪ .319‬وقال اإلمام الخميني‪ّ « :‬‬
‫إعطاء الحجّية هو إلقاء احتمال الخالف‪ ،‬وكون المؤ ّدى هو الواقع‪ ،‬وهو ينافي فرض عدم كون الحديث كمـا بلغـه‪ ،‬أو‬
‫فرض عدم صدوره عن رسول هللا|»‪ .‬أنوار الهداية ‪.135 :2‬‬
‫‪ )(169‬المصدر السابق ‪.136 :2‬‬
‫مخالف للظاهر‪ .‬انظُـرْ ‪ :‬الحلقـة الثانيــة‪262 :‬؛ والحلقــة الثالثـة ‪:2‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ )(170‬لكنّه في الحلقات أشار إلى أن االحتمال األوّل‬
‫‪.157‬‬
‫‪ )(171‬بحوث في علم األصول ‪.122 :5‬‬
‫‪ )(172‬المصدر السابق ‪.126 :5‬‬
‫أن «مفادها اإلرشادـ إلى حكم العقل بحسن االنقياد‪ ،‬وترتُّب الثواب على اإلتيان بالعمل‬ ‫‪ )(173‬االحتمال األوّل عنده هو ّ‬
‫بح َسـب‬ ‫وإن لم يكن األمر كمــا بلغه»‪ .‬مصـباح األصــول ‪:2‬ـ ‪ .319‬وهـذا هــو االحتمــال الثــالث َ‬ ‫الذي بلغ عليه الثواب ْ‬
‫تصنيفنا‪.‬‬
‫‪ )(174‬المصدر السابق ‪.319 :2‬‬
‫‪ )(175‬الحلقة الثانية‪.262 :‬‬
‫‪ )(176‬بحوث في علم األصول ‪.122 :5‬‬
‫‪ )(177‬الحلقة الثانية‪.262 :‬‬
‫‪ )(178‬بحوث في علم األصول ‪.122 :5‬‬
‫‪ )(179‬الحلقة الثانية‪262 :‬؛ والحلقة الثالثة‪.155 :‬‬
‫‪ )(180‬بحوث في علم األصول ‪ 122 :5‬ـ ‪.123‬‬
‫أن‬‫ت ّ‬ ‫وخ ْلتُه حينها غير مسبو ٍ‬
‫ق‪،‬ـ بَ ْي َد أنّي وج ـ ْد ُ‬ ‫كنت أثناء التدريس بعض المتون األصوليّة أرجِّ ح هذا الوجه‪ِ ،‬‬ ‫‪ )(181‬قد ُ‬
‫بعض كلمات الفقهاء غير بعيد ٍة عنه‪.‬‬
‫‪ )(182‬األربعون حديثاً‪.204 :‬‬
‫ر بذلك أيضاً‪ ،‬فقد أورد رواياتـ « َم ْن بلغ»‬ ‫‪ )(183‬الفصول المهمة إلى أصول األئ ّمة ‪ .617 :1‬وكالمه في الوسائل ُم ْش ِع ٌ‬
‫في باب «استحباب اإلتيان بك ّل عم ٍل مشروعـ رُوي له ثوابٌ عنهم^»‪ .‬وسائل الشيعة ‪.80 :1‬‬
‫‪ )(184‬رسائل فقهية‪.150 :‬‬
‫‪ )(185‬ثواب األعمال‪132 :‬؛ وعنه‪ :‬وسائل الشيعة ‪ ،80 :1‬الباب ‪ 18‬من أبواب مق ّدمة العبادات‪ ،‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(186‬ع ّدة الداعي ونجاح الساعي‪9 :‬؛ وعنه‪ :‬وسائل الشيعة ‪ ،82 :1‬الباب ‪ 18‬من أبواب مق ّدمة العبادات‪ ،‬ح‪.8‬‬
‫‪ )(187‬الكافي ‪.87 :2‬‬
‫‪ )(188‬المحاسن ‪.25 :1‬‬
‫‪ )(189‬الكافي ‪.87 :2‬‬
‫‪ )(190‬صورة المفروغيّة عن خيريّة العمل‪.‬‬
‫‪ )(191‬بحوث في علم األصول ‪ 122 :5‬ـ ‪.123‬‬
‫‪ )(192‬رسائل فقهية‪.150 :‬‬
‫‪ )(193‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫ق في الفتوى بين الواجب أو المحرَّم أو المستحب أو المكروه أو المفهــوم؛‬ ‫‪ )(194‬يقول السيد فضل هللا‪« :‬ليس هناك فر ٌـ‬
‫فقد يكون المفهوم اإلسالمي الذي يطرح على الناس بمثابة الفتوى التي تحرِّك واقعا ً معيَّناً‪ ،‬م ّمــا يش ـ ِّكل خطــورة أكــبر‬
‫حكم شرعي فرع ّي»‪ .‬كتاب النكاح ‪.161 :1‬‬ ‫من خطورة الخطأ في ٍ‬
‫‪ )(195‬من قبيل‪ :‬ما رواه الكليني‪ ،‬بسنده عن علي بن الحكم‪ ،‬ع َّم ْن ح َّدثه عن أبي الربيع الشامي قال‪« :‬سـ ُ‬
‫ـألت أبــا عبــد‬
‫إن عندنا قوما ً من األكراد‪ ،‬وإنّهم ال يزالون يجيئون بالبيع‪ ،‬فنخــالطهم ونبــايعهم؟ فقــال‪ :‬يــا أبــا الربيــع‪ ،‬ال‬ ‫ُ‬
‫فقلت‪ّ :‬‬ ‫هللا×‪،‬‬
‫حي من أحيــاء الجن‪ ،‬كشــف هللا عنهم الغطــاء‪ ،‬فال تخــالطوهم»‪ .‬الكــافي ‪ :5‬ـ ‪ .158‬وقــال‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫تخــالطوهم؛ فــإن األكــراد ٌّ‬
‫الجن‪ ،‬فكــأنّهم منهم‪ ،‬كشــف عنهم‬ ‫ّ‬ ‫الجن بأنهم؛ لسوء أخالقهم‪ ،‬وكثرة ِحيَلهم‪ ،‬أشــباه‬ ‫ّ‬ ‫المجلسي‪« :‬و ُربَماـ يؤ َّول كونهم من‬
‫الغطاء»‪ .‬مرآة العقول ‪.145 :19‬‬
‫ّ‬
‫وروىـ الكليني‪ ،‬بسن ٍد فيه إرسالٌ‪ ،‬عن أبي عبد هللا×‪« :‬ال تعامل ذا عاه ٍة؛ فإنهم أظلم شي ٍء»‪ .‬الكافي ‪ ،158 :5‬وعنه×‪:‬‬
‫«احذرواـ معاملة أصحاب العاهات؛ فإنّهمـ أظلم شي ٍء»‪َ .‬م ْن ال يحضره الفقيه ‪:3‬ـ ‪ .164‬وكراهة معاملة ذوي العاهــات‬
‫ال تزال يُفتى بها إلى يومنا هذا‪ .‬را ِجعْ‪ :‬منهاج الصالحين ‪:2‬ـ ‪ .12‬وقدـ سجَّلنا عليها في كتاب «من حقــوق اإلنســان في‬
‫إن هذا الحديث‪ ،‬لو ص ّح ســنداً ــ وهــو غــير صــحيح ــ‪ ،‬نــاظ ٌر ــ بمقتضــى التعليــل‬ ‫اإلسالم» المالحظات التالية‪ :‬أ ّوالً‪ّ :‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫الوارد فيه ـ إلى المعوّقينـ الذين لم يعمل المجتمع على تهذيبهم وتربيتهم نفسيّا وخلقيّا بما يشعرهمـ بإنســانيّتهم الكاملــة‪،‬‬
‫بل أبقاهم معزولين عن سائرـ الناس‪ ،‬كأنّهم وحوش مفترسة أو مصابون بأمراض ُمعْدية‪ ،‬ولذا من الطــبيعي أن يكــون‬
‫إن الفتـوى المـذكورة‪ ،‬وباإلضـافة إلى افتقارهـا إلى‬ ‫لهم ر ّدة فع ٍل ناقمة على المجتمع‪ ،‬وأن يكونـوا أظلم شـي ٍء‪ .‬ثاني‪6‬ا ً‪ّ :‬‬
‫المستند الصحيح‪ ،‬تساهم في َخ ْلق مشكل ٍة إنسانية‪ ،‬وتع ِّمق من عزلة المعاق‪ ،‬وتزيده َحنَقا على اآلخرين‪ .‬وهي من هــذه‬
‫ً‬
‫الجهة أشبه بفتوى كراهة معاملـة األكــراد ومخـالطتهم وتــزويجهم؛ لجهـة مخالفتهــا لـروح القـرآن الكــريم‪ ،‬ومقاصــده‬
‫أن هذه الفتاوى هي من نتائج االعتماد على قاعدة التسامح في أدلّة ال ُّسنَن‪ ،‬مع أنهــا‬ ‫الداعية إلى تكريم اإلنسان‪ .‬وأعتقد ّ‬
‫إن أمثــال هــذه الفتــاوى تســتغ ّل ضـ ّد الــدين؛ لتشــويه‬ ‫ت فال مجــال لهــا في المقــام‪ .‬ثالث‪6‬ا ً‪ّ :‬‬ ‫قاعدةٌ غير صــحيحة‪ ،‬ولــو ت َّم ْ‬
‫أن لها تأثيراً سلبيّا ً على المعوّق نفسه‪ ،‬وهي تجعله يسيء‬ ‫ْب ّ‬‫صورته‪ .‬وهي تدفع البعض إلى التشكيك باإلسالم‪ .‬وال َري َ‬
‫الظن باهلل تعالى‪ ،‬ويعتقد أنه تعالى ظَلَمه ظلما ً تشريعياً‪ ،‬باإلضافة إلى ما قد يعتقد أنّه ظل ٌم تكويــن ّي‪ ،‬كمــا أنّهــا تثــير في‬ ‫ّ‬
‫نفسه ال َحنَق على المجتمع‪ ،‬و ُربَما دفعه ذلك إلى االنتقام بطريق ٍة أو بأخرى‪.‬‬
‫والسـفلة واألدنين والمحــارفين وذويـ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫‪ )(196‬يقول العالّمة الحلّي في بيان المعــامالت المكروهــة‪« :‬ومعاملــة الظــالمين‬
‫العاهات واألكراد‪ ،‬ومجالستهم‪ ،‬ومناكحتهم‪،‬ـ وأهــل الذمة»‪ .‬قواعــد األحكــام ‪:2‬ـ ‪6‬؛ وقــال‪« :‬وكــذا تكــره معاملــة ذوي‬
‫الجن»‪ .‬تذكرة الفقهاء ‪.138 :12‬‬ ‫ّ‬ ‫حي من‬‫العاهات واألكراد‪ ،‬ومجالستهم‪ ،‬ومناكحتهم؛ـ لما رُوي من أنّهم ٌّ‬
‫‪ )(197‬أشار إلى ضعف أسانيدها‪ ،‬وإمكان اإلفتاء بمضمونها؛ استناداً إلى قاعدة التســامح‪ ،‬في كتــاب مــا وراء الفقــه ‪:6‬‬
‫فراجعْ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫‪ .226‬لكنّه رفض ذلك بوجهين‪،‬‬
‫بشكل مفصَّل في كتاب «المرأة في النصّ الدين ّي‪ ،‬قراءة نقدية في روايات ذ ّم المرأة»‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫أوضحْ نا الكالم حول ذلك‬ ‫َ‬ ‫‪)(198‬‬
‫‪ )(199‬وهذا ما رأى فيه البعض سببا ً إلقدام الشريف الرضيـ على حــذف أســانيد كتابــه‪ .‬قــال الســيد األمين&‪« :‬ولم يكن‬
‫قصده ـ أي الشريف الرضــي ــ أن تُؤخَــذ منــه األحكــام ومســائل الحالل والحــرام‪ ،‬ليــذكر أســانيده‪ ،‬وإنّمــا قصــد جمــع‬
‫كالم له حظٌّ في الفصاحة والبالغة والمضامين العالية؛ لينتفــع قـرّاؤه بــذلك»‪ .‬انظــر‪ :‬أعيــان الشــيعة ‪:1‬‬ ‫ت من ٍ‬ ‫مختارا ٍ‬
‫‪.540‬‬
‫‪ )(200‬بحار األنوار ‪.30 :1‬‬
‫‪ )(201‬استد ّل به الفاضل الدربندي(‪1285‬هـ) في إكسير العبادات في أسرار الشهادات ‪:3‬ـ ‪248‬؛ـ وأشــارـ إليــه فيــه ‪:1‬‬
‫‪.141‬ـ واستشهدـ بـه على نحــو االســتئناس الشــيخ عبــد هللا المامقــاني في المــواكب الحســينية‪ .‬انظُــرْ ‪ :‬رســائل الشــعائر‬
‫ـظ‪ :‬فتــاوىـ العلمــاء‬‫والحـ ْ‬
‫ِ‬ ‫الحسينية‪ 231 :‬ـ ‪ .232‬واستد ّل به السيد حسن الشيرازي‪ .،‬انظر‪ :‬الشــعائر الحســينية‪.127 :‬‬
‫في الشعائر الحسينية‪.141 ،100 :‬‬
‫‪ )(202‬العروة الوثقى ‪.678 :2‬‬
‫‪ )(203‬را ِجعْ‪ :‬كتاب «مفاهيم ومعتقدات»‪.69 :‬‬
‫‪ )(204‬تعليقا ً على الحديث التالي‪َ « :‬م ْن استدان َديْنا ً فلم ي ْن ِو قضاءه كان بمنـزلة السارق» يقول بعض الفقهاء‪« :‬فال يبعد‬
‫كون نيّة الوفاء كنيّة أداء سائر الواجبات من الواجبات األخالقية»‪ .‬انظُرْ ‪ :‬السيد الحكيم‪ ،‬مستمس ـكـ العــروة الــوثقى ‪:5‬‬
‫وف﴾ (النسـاء ‪ :)20‬إنـه‬ ‫‪ .296‬مثا ٌل آخر‪ :‬يقول الســيد الحكيم& أيضـاً‪ ،‬تعليقـا ً على قولــه تعــالى‪َ ﴿ :‬وع ِ‬
‫َاش‪ُ 6‬روهُنَّ بِ‪66‬ال َم ْع ُر ِ‬
‫«ناظ ٌر إلى الجهات األخالقيــة‪ ،‬ال غيرها»‪ .‬المصــدرـ الســابق ‪:12‬ـ ‪ .302‬ويعلّــق الســيد الخــوئي& على روايـ ٍة معيَّنــة‬
‫بالقول‪« :‬إنها ناظرةٌ إلى الجهة األخالقية‪ ،‬فال تكون مدركاًـ في األحكام الفرعيّة»‪ .‬انظُرْ ‪ :‬مصــباح الفقاهـة ‪ .256‬مثــا ٌل‬
‫آخر‪ :‬يذكر الســيد الخــوئي دليالً على حرمــة ال ِغيبــة‪ ،‬وهــو‪« :‬مــا د ّل على أن َم ْن اغتــاب مســلما ً أو مســلمةً لم يقبــل هللا‬
‫صالته وال صيامه أربعين يوما ً وليلة‪ ،‬إالّ أن يغفر له صاحبه»‪ ،‬ث ّم يعلِّق على الرواية قائالً‪« :‬وفيه‪ :‬أ ّوالً‪ :‬إنه ضــعيف‬
‫السند؛ وثانيا ً‪ :‬إنه ال بُ َّد من حمل نظائرـ هذه األخبار على األحكام األخالقية؛ فإنه لم يتف َّوه أح ٌد ببطالن عبادة المغتاب ـ‬
‫بالكسر ـ‪ ،‬ووجوب القضاء عليهم بعد التوبة»‪ .‬مصباح الفقاهة ‪:1‬ـ ‪518‬؛ وانظُرْ ‪ :‬كتــاب الح ّج (تقريــرات درس الســيد‬
‫الخوئي) ‪.375 :1‬‬
‫‪ )(205‬الطبرسي‪ ،‬مكارمـ األخالق‪.8 :‬‬
‫‪ )(206‬من قبيل‪ :‬فتوىـ الرضاع من الكبــيرة‪ .‬وال يبتعــد عن ذلــك الفتــوى الــتي تســمح بــالتمتُّع‪ ،‬ولــو في حــدو ٍد معيَّنــة‪،‬‬
‫بالزوجة الرضيعة!‬
‫ً‬
‫‪ )(207‬يقول السيد الخوئي&‪ ،‬تعليقا على بعض الروايات‪« :‬راجعة إلى الجهــات األخالقيــة‪ ،‬فتحمــل على االســتحباب»‪.‬‬
‫انظُرْ ‪ :‬مصباح الفقاهة ‪:1‬ـ ‪544‬؛ ويقول في مور ٍد آخر‪ :‬إن جميع مــا وردـ في حقــوق اإلخــوان محمــو ٌل على الجهــات‬
‫األخالقية‪ ،‬فيحمل على االستحباب إالّ ما ثبت وجوبه في الشريعة‪ .‬انظُرْ ‪ :‬المصدر نفسه ‪.545 :1‬‬
‫‪ )(208‬يقــول الســيد الخــوئي‪ ،‬تعليقـا ً على قــول الســيد الــيزدي في العــروة‪( :‬يجب التقليــد في المســتحبّات والمكروهــات‬
‫والمباحات)‪« :‬إذا احتمل معها (المستحبّات والمكروهات والمباحات) حكما ً إلزاميّا ً أيضاً‪ ،‬كما إذا احتمل أن يكــون مــا‬
‫هو المستحب واجبا ً واقعاً‪ ،‬أو يكون المكروه أو المباح حرامـا ً كــذلك‪ ،‬فإنــه عنــد احتمــال ٍ‬
‫حكم إلــزام ّي معهــا ال بُـ َّد من‬
‫تحصــيل المــؤ ِّمن على تــرك مــا يحتمــل وجوبــه أو ارتكــاب مــا يحتمــل حرمتــه‪ ،‬وال مــؤ ِّمن ســوى االجتهــاد والتقليــد‬
‫وإن لم يعلم بأنــه مبــا ٌح أو مســتحبّ أو مكــروه‪ ،‬فال حاجــة فيــه إلى التقليــد‪ ،‬وال إلى‬ ‫واالحتياط‪.‬ـ وأما لو جزم بالجواز‪ْ ،‬‬
‫قرينَيْه»‪ ،‬أي االحتياطـ واالجتهاد‪ .‬انظُرْ ‪ :‬التنقيح في شرح العروة الوثقى (التقليد)‪.256 :‬‬
‫‪ )(209‬البحراني‪ ،‬الحدائق الناضرة في أحكام العترة الطاهرة ‪.212 :23‬‬
‫‪ )(210‬الكليني‪ ،‬الكافيـ ‪ ،394 :5‬ح‪.5‬‬
‫‪ )(211‬الح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪ 285 :20‬ـ ‪ ،2٨٦‬ح‪.25٦43‬‬
‫‪ )(212‬الطوسي‪ ،‬االستبصار ‪ ،234 :3‬ح‪.٨42‬‬
‫‪ )(213‬السيد محسن الطباطبائيـ الحكيم‪ ،‬مستمسكـ العروة الوثقى ‪.442 :14‬‬
‫‪214‬‬
‫ت يسير)‪.‬‬ ‫() محمد بن يزيد القزويني‪ ،‬سنن ابن ماجة ‪ ،٦٠٢ :1‬ح‪( 1٨74‬بتفاو ٍ‬
‫‪ )(215‬السيد محمد الشيرازي‪ ،‬الفقه كتاب النكاح ‪.27 :64‬‬
‫‪ )(216‬الكافي ‪.34١ :5‬‬
‫‪ )(217‬ابن قدامة‪ ،‬المغني ‪.392 :9‬‬
‫‪ )(218‬الموسوعة الفقهية ‪.273 :34‬‬
‫‪ )(219‬المصدر السابق ‪.274 :34‬‬
‫‪ )(220‬المصدر السابق ‪.277 :34‬‬
‫‪ )(221‬المصدر السابق ‪.84 :71‬‬
‫‪ )(222‬كنـز العمال ‪ ،445 :16‬ح‪.4534٨‬‬
‫‪ )(223‬وسائل الشيعة ‪ ،552 :20‬ح‪.2٦325‬‬
‫‪ )(224‬المصدر السابق ‪ 551 :20‬ـ ‪ ،552‬ح‪.26324‬‬
‫‪ )(225‬بحار األنوار ‪ ،٢٧٢ :٢‬ح‪.7‬‬
‫‪ )(226‬كنـز العمال ‪ ،93 :1‬ح‪.4٠4‬‬
‫‪ )(227‬مسند اإلمام أحمد بن حنبل ‪ ،903 :6‬ح‪.20٩71‬‬
‫‪ )(228‬الكافي ‪ ،8 :7‬ح‪.10‬‬
‫‪ )(229‬المصدر السابق ‪ ،7 :7‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(230‬كنـز العمال‪ ،‬ج‪ ،371 :16‬ح‪.44943‬‬
‫‪ )(231‬المصدر السابق ‪ ،٤٦١ :١٦‬ح‪.4543٩‬‬
‫‪ )(232‬الميرزا النوري‪ ،‬مستدركـ الوسائل ‪ ،١٨١ :١٥‬باب ‪ ،7٠‬ح‪.4‬‬
‫‪ )(233‬وسائل الشيعة ‪ ،٤٩١ :٢١‬ح‪.27٦7٠‬‬
‫صلة واآلداب‪ ،‬ح‪.254٨‬‬ ‫‪ )(234‬صحيح مسلم‪ ،‬كتاب البِ ّر وال ِّ‬
‫‪ )(235‬الصدوق‪ ،‬ثواب األعمال‪.٢٨٧ :‬‬
‫‪ )(236‬المجلسي‪ ،‬بحار األنوار ‪ ،٢٤٩ :١٠٠‬ح‪.37‬‬
‫‪ )(237‬جامع أحاديث الشيعة ‪.٣٢٦ :٢٠‬‬
‫‪ )(238‬صحيفة الرياض‪ ،‬االثنين ‪ 17‬محرّم ‪143٦‬هـ‪ ،‬الموافق ‪ 10‬نوفمبر ‪2٠14‬م‪ ،‬العدد ‪.1٦٩4٠‬‬
‫‪ )(239‬ابن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،357 :1‬دار الكتب العلميّة‪ ،‬قم‪.‬‬
‫‪ )(240‬المق ّدس األردبيلي‪ ،‬مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد األذهان ‪:12‬ـ ‪ ،321‬مؤسّسة النشر اإلسالمي التابعة‬
‫لجماعة المد ِّرسين في الحوزة العلمية بقم‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدسة‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(241‬انظر‪ :‬الشيخ البهائي‪ ،‬األربعون حديثاً‪ ،458 :‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ )(242‬الراغب اإلصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪.76 :‬‬
‫‪ )(243‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ‪ :15‬ـ ‪ ،336‬مؤسّسة آل البيت^ إلحيــاء الــتراث‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫قم المق ّدسة‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(244‬الميرزا حسين النوري‪ ،‬مستدركـ الوسائل ومستنبطـ المسائل ‪ .118 :12‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫بيروت‪1408 ،‬هـ‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ )(245‬انظر‪ :‬اإلمام الخميني‪ ،‬تحريرـ الوسيلة ‪ ،366 :2‬مؤسّسة مطبوعات دار العلم‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدسة؛ المحقق الحلي‪،‬‬
‫شرائع اإلسالم في مســائل الحالل والحــرامـ ‪:4‬ـ ‪ ،170‬مؤسّســة إســماعيليان‪ ،‬ط‪ ،2‬قم‪1408 ،‬هـــ؛ عبــد القــادر عــودة‪،‬‬
‫التشريع الجنائي اإلسالمي ‪ ،706 :2‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(246‬الشيخ الطوسي‪ ،‬الخالف ‪ ،353 :5‬المسألة ‪.3‬‬
‫‪ )(247‬سليمان بن األشعث‪ ،‬سنن أبي داوود ‪:4‬ـ ‪ ،126‬دار إحياء السنّة النبوية؛ علي أصــغر مرواريــد‪ ،‬سلســلة الينـابيع‬
‫الفقهية ‪ ،168 :31‬مؤسّسة فقه الشيعة والدار اإلسالمية‪ ،‬بيروت‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(248‬انظر‪ :‬ابن قدامة المقدسي‪ ،‬المغني ‪ ،76 :19‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(249‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(250‬المصدر السابق ‪.76 :10‬‬
‫‪ )(251‬المتّقي الهندي‪ ،‬كنـز العمال ‪ ،19 :10‬مؤسّسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(252‬ابن قدامة المقدسي‪ ،‬المغني ‪.76 :10‬‬
‫‪ )(253‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(254‬انظر‪ :‬محمد حسن النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪:41‬ـ ‪ ،605‬دار إحياء التراث العــربي‪ ،‬ط‪،7‬‬
‫بيروت‪.‬‬
‫‪ )(255‬انظر‪ :‬ابن قدامة المقدسي‪ ،‬المغني ‪.78 :10‬‬
‫‪ )(256‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪ ،323 :28‬الباب األول من أبواب المرتد‪ ،‬ح‪.2‬‬
‫‪ )(257‬المصدر السابق‪ ،324 :‬ح‪.5‬‬
‫‪ )(258‬المصدر السابق‪ ،323 :‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(259‬انظر‪ :‬اإلمام الخميني‪ ،‬تحريرـ الوسيلة ‪.366 :2‬‬
‫‪ )(260‬انظر‪ :‬النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪605 :41‬؛ ‪.293 :6‬‬
‫‪ )(261‬انظر‪ :‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬شرائع اإلسالم في مسائل الحالل والحرامـ ‪.170 :4‬‬
‫‪ )(262‬انظر‪ :‬النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪.608 :41‬‬
‫‪ )(263‬انظر‪ :‬الفيض الكاشاني‪ ،‬مفاتيح الشرائع ‪ ،104 :2‬مكتبة السيد المرعشي النجفي‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدسة‪.‬‬
‫‪ )(264‬القاضي ابن البرّاج الطرابلسي‪ ،‬المه َّذب البارع ‪ ،552 :2‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدسة‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(265‬انظر‪ :‬الشهيد الثاني‪ ،‬مسالك األفهام إلى تنقيح شرائع اإلسالم ‪ ،2‬کتاب القضاء‪ ،‬مؤسّسة المعارف اإلسالمية‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬قم المق ّدسة‪1413 ،‬هـ؛ يوسفـ البحــراني‪ ،‬الحــدائق النــاظرة في أحكــام العــترة الطــاهرة ‪:11‬ـ ‪ ،17‬مؤسّســة النشــر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المقدسة‪1405 ،‬هـ‪..‬‬
‫‪ )(266‬انظر‪ :‬النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪.608 :41‬‬
‫‪ )(267‬انظر‪ :‬الشهيد الثاني‪ ،‬الروضة البهيــة في شــرح اللمعـة الدمشــقية ‪:9‬ـ ‪ ،338‬مكتبــة الــداوري‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدســة‪،‬‬
‫‪1410‬هـ؛ البحراني‪ ،‬الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة ‪ ،17 :11‬أبو القاسم الخوئي‪ ،‬التنقيح في شرح العروة‬
‫الوثقى ‪ ،224 :3‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث؛ اإلمام الخميني‪ ،‬تحريرـ الوسيلة ‪.366 :2‬‬
‫‪ )(268‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪ ،324 :28‬الباب األول من أبواب المرتد‪.‬‬
‫‪ )(269‬انظر‪ :‬الخوئي‪ ،‬التنقيح في شرح العروة الوثقى ‪.228 :3‬‬
‫‪ )(270‬انظــر‪ :‬الشــيخ الطوســي‪ ،‬الخالف ‪ :2‬ـ ‪ ،434‬مؤسّســة النشــر اإلســالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدســة‪1407 ،‬هـــ‪.‬؛ الشــيخ‬
‫الطوسي‪ ،‬المبسوط في فقه اإلمامية ‪:7‬ـ ‪ ،281‬المكتبة المرتضوية إلحياء آثار الجعفرية‪ ،‬ط‪ ،3‬طهران‪1377 ،‬هـ‪.‬ش؛‬
‫الشهيد الثاني‪ ،‬الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ‪337 :9‬؛ النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪:6‬‬
‫‪45‬؛ ‪.608 :41‬‬
‫‪ )(271‬انظر‪ :‬النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪.605 :41‬‬
‫‪ )(272‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.45 :6‬‬
‫‪ )(273‬انظــر‪ :‬الســيد محســن الحكيم‪ ،‬المستمس ـكـ في شــرح العــروة الــوثقى ‪ :2‬ـ ‪ ،119‬مؤسّســة دار التفســير‪ ،‬ط‪ ،1‬قم‬
‫المق ّدسة‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(274‬انظر‪ :‬البحراني‪ ،‬الحدائق الناظرة في أحكام العترة الطاهرة ‪.15 :11‬‬
‫‪ )(275‬انظر‪ :‬الشيخ مرتضـیـ األنصــاري‪ ،‬كتــاب الطهــارة ‪:5‬ـ ‪ ،322‬المــؤتمر العــالمي إلحيــاء ذكــرى الشــيخ األعظم‬
‫األنصاري‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدسة‪1415 ،‬هـ؛‌ العالّمة الحلّي‪ ،‬تحرير األحكام الشرعية على مذهب اإلماميــة‪ ،25 :‬مؤسّســة‬
‫اإلمام الصادق×‪ ،‬قم المق ّدسة‪1420 ،‬هـ؛ القاضي ابن الــبرّاج الطرابلســي‪ ،‬المهـ َّذب البــارع ‪:2‬ـ ‪551‬؛ الشــهيد الثــاني‪،‬‬
‫الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية ‪:9‬ـ ‪338‬؛ السيد مهدي الطباطبائي (بحــر العلــوم)‪ ،‬الــدرّة النجفيــة‪ ،54 :‬دار‬
‫الزهراء‪ ،‬ط‪ ،2‬قم المق ّدسة‪1406 ،‬هـ؛ الميرزا أبو القاسم الجيالني الق ّمي‪‌،‬جامع الشتات في أجوبة الســؤاالت ‪:1‬ـ ‪،55‬‬
‫مؤسّسة كيهان‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدسة‪1412 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(276‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪ ،324 :28‬الباب األول من أبواب المرت ّد‪.‬‬
‫‪ )(277‬انظر‪ :‬سيف هللا صـرامي‪ ،‬أحكــام مرتـ ّد أز ديــدگاه إســالم وحقـوق بشــر (أحكــام المرتـ ّد من وجهـة نظـر اإلســالم‬
‫وحقوق اإلنسان)‪ ،360 :‬مركز التحقيقات االستراتيجية في رئاسة الجمهورية‪ ،‬طهران‪1376 ،‬هـ‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(278‬انظر‪ :‬اإلمام الخميني‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،633 :3‬مؤسّسة تنظيم ونشر آثار اإلمام الخميني‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪ )(279‬انظر‪ :‬السيد عبد الكريم األردبيلي‪ ،‬فقه الحدود والتعزيرات ‪ 151 :4‬ـ ‪ ،152‬مؤسّسة النشر لجامعة المفيد‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫قم المقدسة‪1427 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(280‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪ ،323 :28‬الباب األول من أبواب المرت ّد‪ ،‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(281‬انظــر‪ :‬العالّمــة الطباطبــائي‪ ،‬المــيزان في تفســير القــرآن ‪ :2‬ـ ‪ ،168‬مؤسّســة األعلمي للمطبوعــات‪ ،‬بــيروت‪،‬‬
‫‪1391‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(282‬انظر‪ :‬السيد محمود اآللوســي‪ ،‬روح المعــاني في تفســير القــرآن العظيم ‪:1‬ـ ‪ ،335‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬بــيروت‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(283‬انظر‪ :‬السيد محمد كاظم الــيزدي‪ ،‬العـروة الـوثقى ‪:2‬ـ ‪ ،466‬المسـألة ‪ ،76‬مؤسّســة األعلمي للمطبوعــات‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫بيروت‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(284‬انظر‪ :‬السيد محمد حسن المرعشــي الشوشــتري‪ ،‬ديــدگاه‌ هــاي نــو در حقــوق (آراء جديــدة في الحقــوق) ‪:1‬ـ ‪،84‬‬
‫منشورات الميزان‪ ،‬ط‪ ،2‬طهران‪1427 ،‬هـ‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(285‬انظـــر‪ :‬عبـــد الحســـين طيّب‪ ،‬أطيب البيـــان في تفســـير القـــرآن ‪:3‬ـــ ‪ ،278‬انتشـــارات إســـالم‪ ،‬ط‪ ،2‬طهـــران‪،‬‬
‫‪1387‬هـ‪.‬ش‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(286‬محمد بن محمد رضا الق ّمي المشهدي‪ ،‬كنـز الدقائقـ وبحر الغرائب ‪.157 :3‬‬
‫‪ )(287‬الفضل بن الحسن الطبرسي‪ ،‬مجمع البيان في تفسير القرآن ‪ ،259 :2‬دار األميرة للطباعة والنشرـ والتوزيع‪ ،‬ط‬
‫‪ ،1‬بيروت‪2009 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(288‬انظر‪ :‬العالّمة الطباطبائي‪ ،‬الميزان في تفسير القرآن ‪.341 :3‬‬
‫‪ )(289‬انظر‪ :‬السيدة نصرت أمين بانو إصفهاني‪ ،‬مخزن العرفان في تفسير القرآن ‪ :3‬ـ ‪ ،180‬منشورات نهضة النســاء‬
‫المسلمات‪ ،‬طهران‪1361 ،‬هـ‪.‬ش‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬ـ‬
‫‪ )(290‬انظر‪ :‬القمي المشهدي‪ ،‬كنـز الدقائق وبحرـ الغرائب ‪.158 :3‬‬
‫‪ )(291‬انظـر‪ :‬عبـد الـرحمن الجزيـري‪ ،‬الفقـه على المـذاهب األربعـة ‪:5‬ـ ‪ ،438‬دار إحيـاء الـتراث العـربي‪ ،‬بـيروت؛‬
‫الشافعي‪ ،‬األ ّم ‪ ،158 :6‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(292‬انظر‪ :‬عبد الحسين طيّب‪ ،‬أطيب البيان في تفسير القرآن ‪.239 :4‬‬
‫‪ )(293‬انظــر‪ :‬محســن قــراءتي‪ ،‬تفســير نــور (تفســير النــور) ‪:2‬ــ ‪ ،410‬مركــز فـــرهنگي درســهاييـ أز قــرآن‪ ،‬ط‪،11‬‬
‫‪1383‬هـ‪.‬ش‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(294‬انظر‪ :‬عبد الحسين طيّب‪ ،‬أطيب البيان في تفسير القرآن ‪.196 :8‬‬
‫‪ )(295‬انظر‪ :‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬شرائع األسالم في مسائل الحالل والحرامـ ‪.157 :4‬‬
‫‪ )(296‬انظر‪ :‬الشيخ المفيد‪ ،‬المقنعة‪ ،801 :‬المؤتمرـ العالمي إلحياء ذكرى الشيخ المفيد‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المق ّدسة‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(297‬انظر‪ :‬الشيخ الطوسي‪ ،‬النهاية‪ ،711 :‬دار الكتاب العربي‪ ،‬ط‪ ،2‬بيروت‪1400 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(298‬انظر‪ :‬ابن حمزة الطوسي‪ ،‬الوسيلة‪ ،416 :‬مكتبة السيد المرعشي النجفي‪ ،‬ط‪ ،1‬قم‪1208 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(299‬انظــر‪ :‬ابن إدريس الحلّي‪ ،‬الســرائر الحــاوي لتحريــر الفتــاوي ‪:3‬ــ ‪ ،476‬مؤسســة النشــر اإلســالمي‪ ،‬ط‪ ،1‬قم‬
‫المق ّدسة‪1410 ،‬هـ‪..‬‬
‫‪ )(300‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪.125 :1‬‬
‫‪ )(301‬انظر‪ :‬المحقِّق السبزواري‪ ،‬ذخيرة المعاد في شرح اإلرشاد ‪:2‬ـ ‪ ،564‬مؤسّسة آل البيت^ إلحيــاء الــتراث‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫قم المق ّدسة‪1427 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(302‬انظر‪ :‬الشيخ مرتضیـ األنصاري‪ ،‬كتاب الطهارة ‪.579 :2‬‬
‫‪ )(303‬انظر‪ :‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪.105 :16‬‬
‫‪ )(304‬انظر‪ :‬الخوئي‪ ،‬التنقيح في شرح العروة الوثقى ‪.228 :3‬‬
‫‪ )(305‬انظر‪ :‬األنصاري‪ ،‬كتاب الطهارة ‪.324 :5‬‬
‫‪ )(306‬انظــر‪ :‬الســيد المرتضــى‪ ،‬المســائل الناصــريات‪ ،252 :‬رابطــة الثقافــة والعالقــات اإلســالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬طهــران‪،‬‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ )(307‬المحقق الحلي‪ ،‬المعتبر في شرح المختصرـ ‪ ،408 :1‬مؤسّسة سيد الشهداء×‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المقدسة‪1407 ،‬هـ‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫‪ )(308‬انظر‪ :‬المق َّدس األردبيلي‪ ،‬مجمع الفائدة والبرهان في شرح إرشاد األذهان ‪.327 :13‬‬
‫‪ )(309‬المصدر السابق ‪.328 :13‬‬
‫‪ )(310‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪.74 :16‬‬
‫‪ )(311‬المصدر السابق ‪.37 :28‬‬
‫‪ )(312‬انظر‪ :‬النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪.308 41‬‬
‫‪ )(313‬اليزدي‪ ،‬العروة الوثقى ‪.142 :1‬‬
‫‪ )(314‬انظر‪ :‬الطبرســي‪ ،‬مجمــع البيــان في تفســير القــرآن ‪:5‬ـ ‪70‬؛ جالل الــدين الســيوطي‪،‬ـ الــد ّر المنثــورـ في التفســير‬
‫بالمأثورـ ‪ 254 :3‬ـ ‪ ،255‬دار المعرفة‪ ،‬ط‪ ،1‬ج ّدة‪1365 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(315‬العالّمة الطباطبائي‪،‬ـ الميزان في تفسير القرآن ‪.335 :9‬‬
‫‪ )(316‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪.333 :28‬‬
‫‪ )(317‬انظر‪ :‬الطبرسي‪ ،‬مجمع البيان في تفسير القرآن ‪.790 :2‬‬
‫‪ )(318‬انظر‪ :‬محمد تقي المجلسي‪ ،‬روضة المتّقين في شرح َم ْن ال يحضره الفقيه ‪ :6‬ـ ‪ ،328‬نشر‪ :‬بنياد فرهنگ إســالمي‬
‫كوشانپور‪ ،‬قم المق ّدسة‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(319‬انظر‪ :‬النجفي‪ ،‬جواهر الكالم في شرح شرائع اإلسالم ‪.47 :21‬‬
‫‪ )(320‬الشهيد الثاني‪ ،‬مسالك األفهامـ إلى تنقيح شرائع اإلسالم ‪.21 :3‬‬
‫‪ )(321‬سيرة ابن هشام ‪ ،52 :4‬انتشاراتـ إيران‪ ،‬قم‪1363 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(322‬انظـر‪ :‬جعفـر السـبحاني‪ ،‬مفـاهيم القـرآن في معـالم الحكومـة ‪:2‬ـ ‪ ،451‬إعـداد‪ :‬جعفـر الهـادي‪ ،‬مؤسسـة النشـر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ط‪ ،3‬قم المق ّدسة‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(323‬انظر‪ :‬مجلّة مكتب إسالم‪ ،17 :‬بتاريخ‪ :‬مرداد‪1363 ،‬هـ‪.‬ش‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬‬
‫‪ )(324‬اإلمام الخميني‪ ،‬صــحيفه إمــام (صــحيفة اإلمــام) ‪:14‬ـ ‪ ،461‬مؤسّســة تنظيمـ ونشــر آثــار اإلمــام الخميــني‪ ،‬ط‪،4‬‬
‫طهران‪1386 ،‬هـ‪.‬ش‪( .‬مصدر فارسي)‪.‬ـ‬
‫‪ )(325‬المصدر السابق ‪.268 :21‬‬
‫‪ )(326‬انظر‪ :‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬معارج األصول‪ ،221 :‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء الــتراث‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المقدســة‪1403 ،‬هـــ؛‬
‫محمد بن م ّكي (الشهيد األول)‪ ،‬القواعد والفوائدـ ‪ ،38 :1‬مكتبة المفيد‪ ،‬ط‪ ،1‬قم المقدسة‪.‬‬
‫‪ )(327‬السيوطي‪ ،‬األشباه والنظائر‪ ،122 :‬بيروت‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(328‬علي الندوي‪ ،‬القواعد الفقهية‪.43 :‬‬
‫كشـاف‬ ‫‪ )(329‬انظر‪ :‬مسـعودـ بن عمــر التفتــازاني‪ ،‬شـرح التلـويح على التوضــيح ‪:1‬ـ ‪34‬؛ ومحمـدـ بن علي التهــانوي‪ّ ،‬‬
‫اصطالحات الفنون ‪ 1176 :5‬ـ ‪ .1177‬وانظر أيضاً‪ :‬علي بن محمد الجرجاني‪،‬ـ التعريفات‪.171 :‬‬
‫‪ )(330‬محمد حسن البجنوردي‪ ،‬القواعد الفقهيّة ‪5 :1‬؛ وانظر‪:‬ـ ناصر مكارم الشيرازي‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.11 :2‬‬
‫‪ )(331‬انظر‪ :‬إبراهيم بن موسى الشاطبي‪ ،‬الموافقات (شرح درّاز) ‪.53 :2‬‬
‫‪ )(332‬مجمع الفقه اإلسالميـ الدولي‪ ،‬معلمة زايد للقواعد الفقهية ‪.255 :3‬‬
‫‪ )(333‬انظر‪ :‬عبد الوهاب بن علي السبكي‪ ،‬األشباه والنظــائرـ ‪:2‬ـ ‪ 102‬ـ ‪103‬؛ وعبــد الواحــد بن إســماعيل الرويــاني‪،‬‬
‫بحر المذهب ‪.239 :10‬‬
‫‪ )(334‬إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.543 :1‬‬
‫‪ )(335‬انظر‪ :‬أبو بكر بن مسعود الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع ‪.311 :2‬‬
‫‪ )(336‬انظر‪ :‬محمد بن أشرفـ بن أمير العظيم آبادي‪ ،‬عون المعبودـ في شرح سنن أبي داوود ‪.107 :12‬‬
‫ق من علم األصول ‪.322 :1‬‬ ‫‪ )(337‬انظر‪ :‬محمد بن علي الشوكاني‪،‬ـ إرشاد الفحول إلى تحقيق الح ّ‬
‫‪ )(338‬انظر‪ :‬أحمد بن محمد الطحطاويـ الحنفي‪ ،‬حاشية الطحطاوي على مراقيـ الفالح (شرح نور اإليضــاح)‪620 :‬؛‬
‫ومحمد بن علي الشوكاني‪ ،‬السيل الجرّار المتدفقـ على حدائق األزهـار‪141 :‬؛ ومحمـدـ بن الطيب البـاقالني المـالكي‪،‬‬
‫التقريب واإلرشادـ (الصغير) ‪.177 :2‬‬
‫‪ )(339‬عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي‪ ،‬فتح الباري في شرح صحيح البخاريـ ‪.341 :1‬‬
‫‪ )(340‬انظر‪ :‬محمد بن محمد الغزالي‪ ،‬المستصفى في علم األصول‪.241 :‬‬
‫‪ )(341‬انظر‪ :‬محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي‪ ،‬المبسوط ‪172 :29‬؛ ومحمدـ صدقي آل بورنو‪،‬ـ موسوعة القواعد‬
‫الفقهية ‪.295 :1‬‬
‫‪ )(342‬محمد بن عيسى الترمذي‪ ،‬سنن الترمذي ‪.189 :1‬‬
‫‪ )(343‬انظر‪ :‬مير عبد الفتاح الحسيني المراغي‪ ،‬العناوين ‪ ۲۰ :۱‬ـ ‪۲۱‬؛ ومحمد حسن الموســوي البجنــوردي‪ ،‬القواعــد‬
‫الفقهية ‪53 :2‬؛ ومحمد فاضل اللنكراني‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.295 :1‬‬
‫‪ )(344‬انظر‪ :‬المصادر نفسها‪.‬‬
‫‪ )(345‬انظر‪ :‬علي أكــبر الســيفي المازنــدراني‪ ،‬مبــاني الفقــه الف ّعــال ‪:3‬ـ ‪ 34‬ـ ‪35‬؛ ومحمـدـ فاضــل اللنكــراني‪ ،‬القواعــد‬
‫الفقهية‪.‬‬
‫‪ )(346‬عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي‪ ،‬فتح الباري شرح صحيح البخاري ‪.341 :1‬‬
‫‪ )(347‬مجمع الفقه اإلسالميـ الدولي‪ ،‬معلمة زايد للقواعد الفقهية واألصولية ‪.292 :18‬‬
‫‪ )(348‬محمد بن محمد بن أمير الحاج‪ ،‬التقرير والتحبيرـ ‪.211 :1‬‬
‫‪ )(349‬زين الدين بن إبراهيم بن نجيم المصري الحنفي‪ ،‬البحر الرائـق في شـرح كنــز الـدقائق ‪:1‬ـ ‪45‬؛ وانظـر‪ :‬محمـد بن‬
‫محمد الغزالي‪ ،‬المستصفى في علم األصـول‪ 241 :‬ـ ‪242‬؛ ومحمـد بن عبـد هللا بن بهـادر الزركشـي‪ ،‬البحـر المحيـط في‬
‫أصول الفقه ‪ 240 :4‬ـ ‪.245‬‬
‫‪ )(350‬انظر‪ :‬علي أكبر السيفي المازندراني‪ ،‬مباني الفقه الفعّال ‪ 42 :3‬ـ ‪.43‬‬
‫‪ )(351‬انظر‪ :‬عباس علي الزارعي السبزواري‪ ،‬القواعد الفقهية في فقه اإلمامية ‪.144 :9‬‬
‫‪ )(352‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكافيـ ‪ ،18 :5‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(353‬انظر‪ :‬مير عبد الفتاح الحسيني المراغي‪ ،‬العناوين ‪.26 :1‬‬
‫‪ )(354‬محمد باقر المجلسي‪ ،‬بحار األنوار ‪ ،271 :2‬ح‪.4‬‬
‫‪ )(355‬انظر‪ :‬محمد حسن الموسويـ البجنوردي‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.59 :2‬‬
‫‪ )(356‬محمد بن عل ّي بن بابويه الصدوق‪ ،‬معاني األخبار‪ ،162 :‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(357‬انظر‪ :‬محمد فاضل اللنكراني‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.300 :1‬‬
‫‪ )(358‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكافيـ ‪ ،304 :4‬ح‪.4‬‬
‫‪ )(359‬انظر‪ :‬محمد إسحاق الفيــاض‪ ،‬محاضــرات في أصــول الفقــه (تقريــرات أبحــاث الســيد الخــوئي) ‪:4‬ـ ‪26‬؛ وعبــد‬
‫الصاحب الحكيم‪ ،‬منتقى األصول (تقريرات أبحاث السيد الروحاني) ‪.215 :3‬‬
‫‪ )(360‬انظر‪ :‬مير عبد الفتاح الحسيني المراغي‪ ،‬العناوين ‪.23 :1‬‬
‫‪ )(361‬انظر‪:‬عباس علي الزارعي السبزواري‪ ،‬القواعد الفقهية في فقه اإلمامية ‪.153 :9‬‬
‫‪ )(362‬انظر‪ :‬محمد فاضل اللنكراني‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.299 :1‬‬
‫‪ )(363‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪ 299 :1‬ـ ‪.300‬‬
‫‪ )(364‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪ 300 :1‬ـ ‪.301‬‬
‫‪ )(365‬انظر‪ :‬محمد بن أحمد السرخسي‪ ،‬أصول السرخسي ‪:1‬ـ ‪73‬؛ وإبراهيمـ بن موسىـ بن محمد الشاطبي‪ ،‬الموافقات‬
‫‪407 :2‬؛ وأحمدـ بن عبد الحليم بن تيمية‪ ،‬مجموع الفتاوىـ ‪.59 :27‬‬
‫‪ )(366‬انظر‪ :‬محمد بن محمد بن أمير حاج الحنفي‪ ،‬التقرير والتحبير ‪ :1‬ـ ‪225‬؛ ومحمــد بن الطيب البــاقالني المــالكي‪،‬‬
‫التقريب واإلرشادـ ‪:2‬ـ ‪ .182‬ومحمد بن أحمد بن النجار الحنبلي‪ ،‬مختصر التحرير شــرح الكــوكب المنــير ‪:3‬ـ ‪ 218‬ـ‬
‫‪.221‬‬
‫‪ )(367‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬صحيح البخاري ‪:1‬ـ ‪ ،14‬ح‪25‬؛ وعبد هللا بن المبارك المروزي‪ ،‬مسند اإلمام عبد‬
‫هللا بن المبارك‪ ،147 :‬ح‪240‬؛ محمد علي فركوس‪ ،‬اإلنارة شــرح كتــاب اإلشــارة‪76 :‬؛ وعبــد الــرحمن بن أحمــد بن‬
‫رجب الحنبلي‪ ،‬جامع العلوم والحكم ‪ 228 :1‬ـ ‪.230‬‬
‫‪ )(368‬محمد بن عيسى الترمذي‪ ،‬سنن الترمذي ‪ ،189 :1‬ح‪113‬؛ ومحمد بن الحسن الشيباني‪ ،‬المبسوط ‪.49 :1‬‬
‫‪ )(369‬انظر‪ :‬محمد بن أشرفـ بن أمير العظيم آبادي‪ ،‬عون المعبودـ في شرح سنن أبي داوودـ ‪275 :1‬؛ وعمر بن عل ّي‬
‫بن الملقن الشافعي‪ ،‬التوضيح لشرح الجامع الصحيح ‪ :4‬ـ ‪640‬؛ ومحمدـ بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية‪ ،‬إعالم المــوقعين‬
‫‪.154 :1‬‬
‫‪ )(370‬انظر‪ :‬محمد بن أحمد بن النجار الحنبلي‪ ،‬مختصرـ التحرير شرح الكوكب المنير ‪ 250 :3‬ـ ‪.251‬‬
‫‪ )(371‬انظر‪ :‬محمد بن محمد بن أمير حاج‪ ،‬التقرير والتحبير ‪:1‬ـ ‪189‬؛ ومحمد بن عبد الرحيمـ الهندي‪ ،‬نهاية الوصول‬
‫في دراية األصول ‪285 :1‬؛ وانظر‪ :‬عبد الرحمن اإليجي‪ ،‬شرح مختصر المنتهى األصوليـ ‪.102 :2‬‬
‫‪ )(372‬مالك بن أنس األصبحيـ المدني‪ ،‬الموطّأـ ‪:2‬ـ ‪ ،624‬ح‪23‬؛ ومحمدـ بن إســماعيل البخــاري‪ ،‬صــحيح البخــاري ‪:3‬‬
‫‪ ،73‬ح‪2171‬؛ ومسلم بن الحجّاج النيسابوري‪ ،‬صحيح مسلم ‪ ،1171 :3‬ح‪.1542‬‬
‫والمزابنــة‪ :‬بيــع التمــر بــالرطب َك ْيالً‪ ،‬وبيــع الكــرم بــالزبيب َك ْيالً‪ .‬انظــر‪ :‬محمــود عبــد الــرحمن عبــد المنعم‪ ،‬معجم‬
‫المصطلحات واأللفاظ الفقهية ‪.265 :3‬‬
‫‪ )(373‬محمد بن إسماعيل البخــاري‪ ،‬صــحيح البخــاري ‪:3‬ـ ‪ ،140‬ح‪2496‬؛ ومســلم بن الح ّجــاج النيســابوري‪ ،‬صــحيح‬
‫مسلم ‪ ،1229 :3‬ح‪.1608‬‬
‫‪ )(374‬انظر‪ :‬عبد هللا بن أحمد بن قدامة الحنبلي‪ ،‬روضة الناظر وجنّة المناظرـ ‪ 42 :2‬ـ ‪.44‬‬
‫‪ )(375‬انظر‪ :‬إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪411 :2‬؛ وعلي بن أبي علي بن محمد اآلمدي‪ ،‬اإلحكام‬
‫في أصول األحكام ‪.260 :2‬‬
‫‪ )(376‬انظر‪ :‬مجمع الفقه اإلسالمي الدولي‪ ،‬معلمة زايد ‪.266 :3‬‬
‫‪ )(377‬محمد بن أبي بكر بن قيِّم الجوزية‪ ،‬أعالم الموقعين عن ربّ العالمين ‪.114 :2‬‬
‫‪ )(378‬انظـر‪ :‬السـيد عبـد األعلى الموسـوي السـبزواري‪ ،‬مهـ َّذب األحكـام ‪:13‬ـ ‪121‬؛ والشـهيد الثـاني زين الـدين بن ّ‬
‫علي‬
‫العاملي‪ ،‬مسالك األفهام ‪257 :2‬؛ ومحمد أمين بن عابدين الحنفي‪ ،‬ر ّد المختار على الدرّ المختار ‪.481 :2‬‬
‫‪ )(379‬انظر‪ :‬العالّمة الحسن بن يوسفـ الحلّي‪ ،‬منتهى المطلب في تحقيق المذهب ‪:10‬ـ ‪259‬؛ ‪ .19 :12‬والشهيد الثاني‬
‫زين الدين بن عل ّي العاملي‪ ،‬مسالك األفهام ‪.270 :2‬‬
‫‪ )(380‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬تهذيب األحكام ‪:5‬ـ ‪ ،69‬ح‪227‬؛ ومحمـدـ بن الحســن ال ُحـ ّر العــاملي‪ ،‬وســائل الشــيعة‬
‫‪ ،500 :12‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(381‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬تهذيب األحكام ‪:5‬ـ ‪ ،74‬ح‪246‬؛ ومحمـدـ بن الحســن ال ُحـ ّر العــاملي‪ ،‬وســائل الشــيعة‬
‫‪ ،366 :12‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(382‬محمد بن عل ّي بن بابويه الصدوق‪َ ،‬م ْن ال يحضره الفقيه ‪:2‬ـ ‪ ،334‬ح‪2595‬؛ ومحمد بن الحسن ال ُحـ ّر العــاملي‪،‬‬
‫وسائل الشيعة ‪ ،359 :12‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(383‬انظر‪ :‬محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري‪ ،‬اإلجماع‪53 :‬؛ ويحيىـ بن شــرف النــووي‪ ،‬المجمــوعـ ‪:7‬ـ ‪261‬؛‬
‫وأحمد بن محمد بن قدامة‪ ،‬المغني ‪.303 :3‬‬
‫‪ )(384‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬صحيح البخاري ‪ :1‬ـ ‪ ،39‬ح‪134‬؛ ومسلمـ بن الحجّاج النيســابوري‪ ،‬صــحيح مســلم‬
‫‪ ،835 :2‬ح‪.1177‬‬
‫‪ )(385‬انظر‪ :‬أبو بكر بن مسعود الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع ‪.186 :2‬‬
‫‪ )(386‬سليمان بن األشعث السجستاني‪ ،‬سنن أبي داوود ‪ ،166 :2‬ح‪.1827‬‬
‫‪ )(387‬أحمد بن الحسين البيهقي‪ ،‬السنن الكبرى ‪ ،75 :5‬ح‪.9050‬‬
‫‪ )(388‬انظر‪ :‬منى خالد محمد عل ّي م ّكي‪ ،‬ميراث المرأة في اإلسالم والشبهات المثارة حوله والر ّد عليها‪.166 :‬‬
‫‪ )(389‬انظر‪ :‬الشيخ محمد الجواهري‪ ،‬معجم طبقات اإلرث ‪:1‬ـ ‪54‬؛ وعثمان بن علي الــزيعلي الحنفي‪ ،‬تبــيين الحقــائق‬
‫في شرح كنـز الدقائق وحاشية ال ِّش ْلبي ‪.234 :6‬‬
‫‪ )(390‬انظر‪ :‬عثمان بن علي الزيعلي الحنفي‪ ،‬تبيين الحقائق في شرح كنـز الدقائقـ ‪.238 :6‬‬
‫‪ )(391‬مير عبد الفتاح الحسيني المراغي‪ ،‬العناوين الفقهية ‪.29 :1‬‬
‫‪ )(392‬انظر‪ :‬محمد فاضل اللنكراني‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.308 :1‬‬
‫‪ )(393‬انظر‪ :‬محمد حسن الموسويـ البجنوردي‪ ،‬القواعد الفقهية ‪.62 :2‬‬
‫‪ )(394‬انظر‪ :‬محمد صدقي آل بورنو‪،‬ـ موسوعة القواعد الفقهية ‪.22 :1‬‬
‫‪ )(395‬إبراهيم بن موسى بن محمد الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.84 :2‬‬
‫‪ )(396‬انظر‪ :‬محمد حسين الطباطبائي‪،‬ـ الميزان في تفسير القرآن ‪.81 :15‬‬
‫‪ )(397‬انظر‪ :‬أبو بكر بن مسعود الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ‪:7‬ـ ‪40‬؛ وإسـماعيل بن عمـرو بن كثـير‬
‫القرشي‪ ،‬تفسير القرآن العظيم (تفسير ابن كثير) ‪.10 :6‬‬
‫‪ )(398‬محمد بن يعقوب الكليني‪ ،‬الكافيـ ‪ ،١٦٥ :٥‬ح‪4‬؛ ومحمدـ بن الحسن ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪ ،428 :17‬ح‬
‫‪.3‬‬
‫‪399‬‬
‫() انظر‪ :‬أحمد بن محمد األردبيلي‪ ،‬مجمع الفائدة والبرهان ‪.38 :8‬‬
‫‪ )(400‬عبدهللا بن أحمد بن قدامة الحنبلي‪ ،‬المغني ‪.166 :4‬‬
‫‪ )(401‬سليمان بن األشعث السجستاني‪ ،‬سنن أبي داوود ‪ ،217 :3‬ح‪.3447‬‬
‫‪ )(402‬انظر‪ :‬علي المشكيني األردبيلي‪ ،‬مصطلحاتـ الفقه‪.475 :‬‬
‫‪ )(403‬انظر‪ :‬محمد صادق الروحاني‪ ،‬فقه الصادق ‪.530 :25‬‬
‫‪ )(404‬محمد بن الحسن الطوسي‪ ،‬تهذيب األحكام ‪ ،132 :10‬ح‪.141‬‬
‫‪ )(405‬انظر‪ :‬أبو بكر بن مسعود الكاساني‪ ،‬بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ‪.91 :7‬‬
‫‪ )(406‬جار هللا الزمخشري‪ ،‬الك ّشاف عن حقائق التنـزيل ‪:2‬ـ ‪ ،158‬مكتبــة ومطبعــة مصــطفى البــابي الحلــب ّي وأوالده‪،‬‬
‫بمصر‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(407‬حيدر علي قلمداران‪ ،‬الخمس في الكتاب والسنّة‪ ،‬ترجمة‪ :‬سعد رستم‪ ،‬نسخة إلكترونية‪ ،‬بدون ترقيم الصفحات‪.‬‬
‫‪ )(408‬كمال الحيدري‪ ،‬هل لخمس أرباح المكاسب أص ٌل قرآني؟‪:‬ـ ‪ ،39‬بقلم‪ :‬ميثاق العسر‪1433 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(409‬قلمداران‪ ،‬الخمس في الكتاب والسنّة‪ ،‬بدون ترقيم الصفحات‪.‬‬
‫‪ )(410‬علي عبد السالم بالنور‪ ،‬من لطائفـ عدول الفعل الماضــي في القــرآن الكــريم‪ ،‬مجلّــة الجامعــة األســمرية‪ ،‬العــدد‬
‫‪:28‬ـ ‪ ،265‬السنة ‪ ،14‬ليبيا؛ وظافر العمري‪ ،‬بالغــة القــرآن الكــريم‪ ،‬دراســة في أســرار العــدول في اســتعمال صــيغ‬
‫الفعل‪ ،‬مكتبة وهبة‪ ،‬القاهرة‪1429 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(411‬الخليل بن أحمد‪ ،‬العين ‪:4‬ـ ‪ ،426‬مق ّدمة المحقِّق‪ ،‬تحقيق‪ :‬مهدي المخزوميـ وإبراهيم الســامرائي‪ ،‬ط‪ ،2‬مؤسّســة‬
‫دار الهجرة‪ ،‬إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(412‬أحمد بن فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪ ،397 :4‬تحقيق‪ :‬عبد السالم محمد هارون‪ ،‬دار الفكر‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(413‬جمال الدين بن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،446 ،445 :12‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ )(414‬الحسن بن محمد الراغب اإلصفهاني‪ ،‬المفردات‪ ،366 :‬ط‪1404 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(415‬فخر الدين الطريحي‪ ،‬مجمع البحرين ‪ ،129 :6‬تحقيق‪ :‬أحمد الحسيني‪ ،‬المكتبة المرتضوية‪ ،‬طهران‪.‬‬
‫‪ )(416‬ابن قتيبة‪ ،‬غريب الحديث ‪ 228 :1‬ـ ‪ ،229‬تحقيق‪ :‬عبد هللا الجبوري‪ ،‬مطبعة العاني‪ ،‬بغداد‪ ،‬ط‪1977 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(417‬ابن األثير‪ ،‬النهاية في غريب الحديث ‪ 389 :3‬ـ ‪ ،390‬ط‪1963 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(418‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪.519 :4‬‬
‫‪ )(419‬لويس معلوف‪ ،‬المنجد‪ ،480 :‬طهران‪ ،‬ط‪1379 ،35‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(420‬كمال الحيدري‪ ،‬هل لخمس أرباح المكاسب أصل قرآني؟‪.50 :‬‬
‫‪ )(421‬المصدر السابق‪.47 ، :‬‬
‫‪ )(422‬ابن فارس‪ ،‬مقاييس اللغة‪ 3 :‬ـ ‪.5‬‬
‫‪ )(423‬الخليل بن أحمد الفراهيدي‪ ،‬كتاب العين ‪( 12 :1‬مق ّدمة المحقِّق)‪.‬‬
‫‪ )(424‬جورج طرابيشي‪ ،‬إشكاليات العقل العربي‪ 217 :‬ـ ‪ ،220‬دار الساقي‪ ،‬ط‪.1998 ،1‬‬
‫‪ )(425‬الخليل بن أحمد‪ ،‬كتاب العين ‪( 19 :1‬مقدمة المحقِّق)‪.‬‬
‫‪ )(426‬محمد علي الرباني‪ ،‬االجتهاد والتقليد واالحتياط (تقريرات درس السيد علي السيســتاني)‪ ،28 :‬موقـعـ تقريــرات‬
‫السيستاني‪.‬‬
‫‪ )(427‬ابن األثير‪ ،‬النهاية في غريب الحديث ‪.390 :3‬‬
‫‪ )(428‬محمد صادق الخرسان‪ ،‬الخمس‪ 96 :‬ـ ‪ ،100‬الشؤون الفكرية في العتبة العبّاسية‪ ،‬ط‪2012 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ )(429‬المصدر السابق‪.45 :‬‬
‫‪ )(430‬حســين النــوري الهمــداني‪ ،‬الخمس في ضــوء مدرســة أهــل الــبيت‪ 25 :‬ـ ‪ ،38‬مكتب اإلعالم اإلســالمي‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪1419‬هـ‪ ،‬قم ـ إيران‪.‬‬
‫‪ )(431‬محمد رشيد رضا‪ ،‬تفسير المنار ‪ ،3 :10‬دار المنار‪ ،‬ط‪1368 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(432‬مرتضى البروجردي‪ ،‬المستند في شرح العــروة الــوثقى‪ ،‬كتــاب الخمس (تقريــراً ألبحــاث الســيد الخــوئي) ‪:15‬‬
‫‪ ،212‬مطبعة نينوى‪ ،‬ط‪2009 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ )(433‬مرتضى العسكري‪ ،‬معالم المدرستين ‪ 95 :2‬ـ ‪ ،102‬مؤسّسة البعثة‪ ،‬طهران‪1406 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(434‬المصدر السابق ‪.104 :2‬‬
‫‪ )(435‬نوري الهمداني‪ ،‬الخمس‪.23 :‬‬
‫‪ )(436‬محمد رمضان البوطي‪ ،‬فقه السيرة‪ ،396 :‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1980 ،8‬م‪.‬‬
‫‪ )(437‬نجم الدين الحلّي‪ ،‬شرائع اإلسالم ‪ ،245 :1‬تعليق‪ :‬صادق الشيرازي‪ ،‬مؤسّسة الوفاء‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1983 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(438‬قلمداران‪ ،‬الخمس‪ ،‬بدون بيانات‪.‬‬
‫‪ )(439‬محمد بن أحمد‪ ،‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكــام القـرآن ‪:8‬ـ ‪ ،1‬مطبعـة دار الكتب المصـريّة‪ ،‬القــاهرة‪1939 ،‬م؛ أبــو‬
‫حيّان األندلسي‪ ،‬البحــر المحيــط ‪:5‬ـ ‪ ،323‬دار الفكــر‪2010 ،‬م؛ محمــد عل ّي الشــوكاني‪ ،‬فتح القــدير‪ ،539 :‬مراجعــة‪:‬‬
‫يوسف الغوش‪ ،‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،4‬ـ ‪2007‬م؛ ومحمـدـ يوســف أطفيش‪ ،‬هيميــان الــزاد إلى دار المعــاد‪ ،‬نســخة‬
‫إلكترونية‪ ،‬موقع التفاسير‪ ،‬بدون بيانات‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ )(440‬كريم فليح حسن‪ ،‬آراء اإلمام الماورديـ في الغنيمة‪ ،‬دراسةٌ تاريخية مقارنة‪ ،‬مجلــة الدراســات التاريخيــة‪ ،‬العــدد‬
‫‪2012 ،14‬م‪.‬‬
‫‪ )(441‬الفخر الرازي‪ ،‬تفسير مفاتيح الغيب ‪ ،164 :15‬ط‪.3‬‬
‫‪ )(442‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن ‪.1 :8‬‬
‫‪ )(443‬محمود اآللوسي‪ ،‬روح المعاني ‪ ،2 :10‬نسخة إلكترونية‪ ،‬بدون بيانات‪.‬‬
‫‪ )(444‬ظافر القاسمي‪ ،‬الجهاد‪ ،531 :‬دار العلم للماليين‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪1982 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(445‬صبحي الصالح‪ ،‬النظم اإلسالمية‪ ،366 :‬دار العلم للماليين‪ ،‬ط‪1982 ،6‬م‪.‬‬
‫‪ )(446‬محمد صادق الخرسان‪ ،‬الخمس‪.45 :‬‬
‫‪ )(447‬أبو جعفر الطبري‪ ،‬جامع البيان ‪ 171 :6‬ـ ‪ ،248‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروتـ ‪ ،‬ط‪1992 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(448‬القاضي البيضاوي‪ ،‬تفسير البيضاويـ (مع حاشية زاده) ‪ ،408 :2‬المطبعة العثمانية‪.‬‬
‫‪ )(449‬ابن كثير‪ ،‬تفسير ابن كثير ‪ ،310 :2‬مكتبة دار التراث‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ )(450‬أحمد بن محمد األردبيلي‪ ،‬زبدة البيان في أحكام القرآن‪ ،209 :‬تحقيق‪ :‬محمد باقر البهبودي‪.‬ـ‬
‫‪ )(451‬رشيد رضا‪ ،‬المنار ‪.3 :10‬‬
‫‪ )(452‬أبو جعفر الطوسي‪ ،‬التبيان ‪ ،123 :5‬تحقيق‪ :‬أحمد حبيب العاملي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(453‬أبــو عل ّي الطبرســي‪ ،‬مجمــع البيــان ‪:4‬ـ ‪ ،836‬تحقيــق‪ :‬هاشــم المحالّتي وزميلــه‪ ،‬دار المعرفــة‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ )(454‬سعيد بن هبة الراوندي‪ ،‬فقه القرآن ‪ ،242 :1‬تحقيق‪ :‬أحمد الحسيني‪ ،‬ط‪ ،2‬قم ـ إيران‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(455‬محمد حسين الطباطبائيـ الميزان ‪ ،91 :10‬مؤسّسة األعلمي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪1983 ،5‬م‪.‬‬
‫‪ )(456‬محمد حسين فضل هللا‪ ،‬من وحي القرآن ‪ ،296 :10‬دار الزهراء‪ ،‬ط‪1984 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(457‬أبو يوسف‪،‬ـ موسوعة الخراج‪ ،‬الخراج (‪ ،18 :)1‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(458‬يحيى بن آدم‪ ،‬موسوعة الخراج‪ ،‬الخراج (‪ ،19 :)2‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(459‬عل ّي بن محمد البيساني‪ ،‬مختصرـ البسيوي‪ ،90 :‬تقديم‪ :‬الشيخ أحمد الخليلي‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬لندن‪2007 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(460‬أبو الحسن الماوردي‪ ،‬األحكام السلطانية‪ ،126 :‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(461‬تق ّي الدين بن تيمية‪ ،‬السياسة الشرعيّة‪ ،32 :‬دار المعرفة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1969 ،4‬م‪.‬‬
‫‪ )(462‬محمد الموسوي العاملي‪ ،‬مدارك األحكام ‪ ،381 :5‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪ ،‬ط‪ ،1‬مشهد‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(463‬محمد باقر السبزواري‪ ،‬ذخيرة المعاد في شرح اإلرشاد ‪:1‬ـ ‪( 480‬القســم الثــالث)‪ ،‬مؤسّســة آل الــبيت^ إلحيــاء‬
‫التراث‪.‬‬
‫‪ )(464‬علي الطباطبائي‪ ،‬رياض المسائل ‪ 227 :5‬تحقيق‪ :‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪.‬‬
‫‪ )(465‬المصدر السابق ‪.15 :1‬‬
‫‪ )(466‬محمود الهاشمي‪ ،‬الخمس ‪ ،10 :2‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(467‬المصدر السابق ‪.11 :2‬‬
‫‪ )(468‬المصدر السابق ‪.15 :1‬‬
‫‪ )(469‬المصدر السابق ‪.16 :2‬‬
‫‪ )(470‬سيد سابق‪ ،‬فقه السنّة ‪ ،329 :1‬دار الكتاب العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1987 ،8‬م‪.‬‬
‫‪ )(471‬محمد بن إسماعيل البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،292 :‬ح‪ ،1499‬بيت األفكار الدولية‪ ،‬الرياض‪1998 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(472‬أبو يوسف‪،‬ـ موسوعة الخراج‪ ،‬الخراج (‪.21 :)1‬‬
‫‪ )(473‬عبد الحمن الجزيري‪ ،‬الفقه على المذاهب األربعة ‪ ،555 :1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(474‬أحمد بن يحيى بن المرتضى‪ ،‬شرح األزهار ‪ 263 :1‬ـ ‪ ،267‬بدون بيانات‪.‬‬
‫‪ )(475‬حسن القزويني‪ ،‬الخمس في الشريعة االسالمية‪ ،39 :‬دار الزهراء‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(476‬نوري الهمداني‪ ،‬الخمس‪.82 :‬‬
‫‪ )(477‬محمد بن بابويه الصدوق‪ ،‬الهداية‪ ،177 :‬مؤسّسة اإلمام الهادي‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(478‬محمد بن محمد بن النعمان المفيد‪ ،‬المقنعة‪ ،276 :‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم ـ إيران‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(479‬عل ّي بن الحسين المرتضى‪ ،‬االنتصار‪ ،225 :‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪1415 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(480‬أبو جعفر الطوسي‪ ،‬الخالف ‪ ،181 :4‬تحقيق‪ :‬عل ّي الخراسانيـ وآخرين‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(481‬المحقِّق الحلّي‪ ،‬المعتبر ‪:2‬ـ ‪ ،623‬تحقيق‪ :‬بإشرافـ ناصر مكارم‪ ،‬مؤسّسة ســيد الشــهداء‪1364 ،‬هـــ‪.‬ش؛ وكــذا‪:‬‬
‫المحقِّق الحلّي‪ ،‬شرائع اإلسالم‪ ،‬كتاب الجهاد (تعليقات صادق الشيرازي) ‪ ،242 :1‬مؤسّسة الوفاء‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫وراجـ عْ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫‪ )(482‬الحسن بن يوسف الحلّي‪ ،‬تذكرة الفقهاء ‪:5‬ـ ‪ ،421‬مؤسّسة آل البيت اإلسالمية‪ ،‬قم ـ إيران‪1414 ،‬هـــ‪.‬‬
‫الحسن بن يوسف الحلّي‪ ،‬مختلف الشيعة ‪ ،313 :3‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(483‬الحسن بن يوسف الحلّي‪ ،‬منتهى المطلب ‪ ،548 :1‬الطبعة القديمة‪ ،‬بدون بيانات‪.‬‬
‫‪ )(484‬زين الدين العاملي‪ ،‬مسالك األفهامـ ‪ ،50 :3‬مؤسّسة المعارفـ اإلسالمية‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(485‬أحمد محمد مهدي النراقي‪ ،‬مستند الشيعة في أحكام الشريعة ‪ ،9 :10‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪.‬‬
‫‪ )(486‬المصدر السابق ‪.11 :10‬‬
‫‪ )(487‬مرتضى البروجردي‪ ،‬المستند في شرح العروة الوثقى‪ ،‬الخمس (تقريراً ألبحاث السيد الخوئي) ‪.196 :15‬‬
‫‪ )(488‬حسين علي المنتظري‪ ،‬دراسات في والية الفقيه ‪ ،47 :3‬مطبعة المقدس‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(489‬محمود الهاشمي‪ ،‬الخمس ‪ ،12 :2‬مكتب اإلعالم اإلسالمي‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(490‬البخاري‪ ،‬صحيح البخاري‪ ،593 :‬ح‪.3095‬‬
‫‪ )(491‬مرتضى العسكري‪ ،‬معالم المدرستين ‪ 112 :2‬ـ ‪.118‬‬
‫‪ )(492‬مرتضىـ العسكري‪ ،‬معالم المدرستين ‪:2‬ـ ‪117‬؛ ونوري الهمداني‪ ،‬الخمس‪95 :‬؛ وجعفر العاملي‪ ،‬الصحيح من‬
‫سيرة المصطفى ‪ ،309 :3‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪1402 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(493‬كاظم اليزدي‪ ،‬العروة الوثقى ‪ 232 :4‬ـ ‪( 233‬تعليقات الفقهاء) ‪ ،‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(494‬قلمداران‪ ،‬الخمس‪ ،‬نسخة إلكترونية‪ ،‬بدون صفحات‪.‬‬
‫‪ )(495‬محمد بن سعد‪ ،‬الطبقات الكبرى ‪ 292 :2‬ـ ‪ ،334‬أع ّد الفهارس‪ :‬رياض عبد الهادي‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪.‬‬
‫‪ )(496‬محمــد الغــزالي‪ ،‬فقــه الســيرة‪ ،382 :‬خـرَّج أحاديثــه‪ :‬ناصــر الــدين األلبــاني‪ ،‬دار الكتب الحديثــة‪ ،‬مصــر‪ ،‬ط‪،7‬‬
‫‪1976‬م‪.‬‬
‫‪ )(497‬محمد بن سعد‪ ،‬الطبقات الكبرى ‪.130 :1‬‬
‫‪ )(498‬علي حسينعلي األحمدي‪ ،‬مكاتيب الرسولـ ‪:2‬ـ ‪،301‬ـ ‪،306‬ـ ‪،308‬ـ ‪،313‬ـ ‪،316‬ـ ‪،317‬ـ ‪،353‬ـ ‪،364‬ـ ‪ ،385‬دار‬
‫صعب‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(499‬محمد بن سعد‪ ،‬الطبقات الكبرى ‪.130 ،129 :1‬‬
‫‪ )(500‬محمود الهاشمي‪ ،‬الخمس ‪.17 :2‬‬
‫‪ )(501‬المنتظري‪ ،‬دراسات في والية الفقيه ‪ 44 :3‬ـ ‪.46‬‬
‫‪ )(502‬محمود الهاشمي‪ ،‬كتاب الخمس ‪.10 ، :2‬‬
‫‪ )(503‬تفسير المنار ‪.3 :10‬‬
‫‪ )(504‬جعفر السبحاني‪ ،‬الخمس في الشريعة اإلسالمية‪ ،20 :‬الموقع اإللكتروني للمؤلِّف‪.‬‬
‫‪ )(505‬عبد الكريم بنحميدة‪ ،‬الغنيمة في حروب اإلسالم المب ِّكرة‪ ،5 :‬موقع مؤمنون بال حدود‪.‬ـ‬
‫‪ )(506‬محمد عابد الجابري‪ ،‬نقد العقل السياسي العربي‪ 169 :‬ـ ‪ ،256‬مركزـ دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،10‬‬
‫‪1017‬م‪.‬‬
‫‪ )(507‬أحمد بن يحيى البالذري‪ ،‬فتوح البلدان‪ ،115 :‬دار الكتب العلميّة‪1987 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(508‬محمــد بن الحســن الطوســي‪،‬ـ االستبصــارـ ‪ :2‬ـ ‪ ،56‬تحقيــق وتعليــق‪ :‬حســن الموســويـ الخرســان‪ ،‬دار صــعب‬
‫والتعارف‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(509‬محمود الهاشمي‪ ،‬كتاب الخمس ‪.29 :2‬‬
‫‪ )(510‬المصدر السابق ‪.43 :2‬‬
‫‪ )(511‬المنتظري‪ ،‬دراسات في والية الفقيه ‪.70 :3‬‬
‫‪ )(512‬مرتضى البروجردي‪ ،‬المستند في شرح العروة الوثقى‪ ،‬الخمس (تقريراً ألبحاث السيد الخوئي) ‪.197 :15‬‬
‫‪ )(513‬محمد جواد مغنية‪ ،‬التفسير المبين‪ ،183 :‬دار التيار الجديد‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪2007 ،3‬م‪.‬‬
‫‪ )(514‬انظر على سبيل المثـال‪ :‬جـامع الترمـذي ‪:2‬ـ ‪ ،555‬تحقيـق‪ :‬أحمـد محمـد شـاكر وآخـرون ‪ ،‬دار إحيـاء الـتراث‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1‬؛ الكليني‪ ،‬الكافي ‪:3‬ـ ‪ ، 317‬دار الحديث‪ ،‬قم‪1429 ،‬هـ؛ صــحيح ابن ِحبّــان ‪:13‬ـ ‪،60‬ـ تحقيــق‪:‬‬
‫شعيب األرنـؤوط ‪ ،‬مؤسّسـة الرسـالة‪ ،‬بـيروت‪ ،‬ط‪2‬؛ الحـاكم النيسـابوري‪ ،‬المسـتدركـ على الصـحيحين ‪:1‬ـ ‪ ،36‬دار‬
‫الســنَّة‪ 139 :‬ـ ‪ ،142‬مؤسّســة‬ ‫الكتب العلمية‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪ .1‬وللمزيــدـ من الروايــات انظــر‪ :‬حيــدر حبّ هللا‪ ،‬حجِّيــة ُّ‬
‫االنتشار العربي‪ ،‬بيروت ‪ ،‬ط‪2011 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(515‬حيدر حبّ هللا‪ ،‬حجّية السنّة‪.142 :‬‬
‫ت في مجلّة االجتهاد والتجديد‪ ،‬العدد ‪.56‬‬ ‫‪ )(516‬تق َّد َم ْ‬
‫‪ )(517‬فإن «ال َّسنَن» بمعنى «الطريق»‪ ،‬و«ال ُّسنَن» ـ جمع ال ُّسنّة ــ بمعــنى «الطريقة»‪ ،‬وقـدـ يُــراد بــ «الطريقـ» معــنى‬
‫َت في بعض المعاجم بمعنى «الجهة» و«النهج» أيضـاً‪ ،‬وهــو‬ ‫«الطريقة والمنهج»‪ .‬ومن جه ٍة أخرى إن «السَّنن» ورد ْ‬
‫أيضا ً قريب من معنى «الطريقة»‪ .‬انظر‪ :‬الجوهري‪ ،‬الصحاح ‪ :5‬ـ ‪ ،2139‬تحقيق‪ :‬عبد الغفور عطّار‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1376‬هـ؛ ابن سيدة‪ ،‬المحكم والمحيط األعظم ‪ :8‬ـ ‪ ،417‬تحقيق‪ :‬عبد المجيد هنداوي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‬
‫‪1421 ،1‬هـ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫تفصيالت حول هذا األمر‪ ،‬وأكتفي هنا بهذا المقدار‪.‬‬ ‫ت في المقالة السابقة‬ ‫‪ )(518‬قد تق َّد َم ْ‬
‫‪ )(519‬أقصد من أهل البيت^ هنا خصوص أهل الكساء^؛ ليكون ذكر الشواهد وفق ـا ً لترتيبهــا التــاريخ ّي وفي المنتصــف‬
‫ي‪.‬ـ وسأذكر االستعماالتـ في كالم اإلمام السجّاد× في المجموعة التالية‪ْ ،‬‬
‫إن شاء هللا‪.‬‬ ‫األوّل من القرن األول الهجر ّ‬
‫‪ )(520‬نهج البالغة‪209 :‬‬
‫‪ )(521‬الكليني‪ ،‬الكافي ‪162 :15‬؛ المفيد‪ ،‬اإلرشادـ ‪ ،292 :1‬مؤتمرـ الشيخ المفيد‪ ،‬قم ‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(522‬تفسير فرات الكوفي‪:‬ـ ‪،314‬ـ مؤسّسة الطبـع والنشـرـ في وزارة اإلرشــاد اإلســالمي‪ ،‬طهــران‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1410‬هــ؛‬
‫يسير في‪ :‬شواهد التنـــزيل لقواعــد التفضــيل ‪:1‬ـ ‪،557‬ـ مجمــع إحيــاء الثقافــة اإلســالميّة في وزارة الثقافــة‬ ‫ٍـ‬ ‫وباختالف‬
‫ٍ‬
‫واإلرشادـ اإلسالمي‪ ،‬طهران ‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(523‬الثقفي‪ ،‬الغارات ‪:2‬ـ ‪483‬؛ نهج البالغــة‪93 :‬؛ الطوســي‪ ،‬األمــالي‪ ،181 :‬دار الثقافــة‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1414‬هـــ؛ ابن‬
‫شهرآشوب‪ ،‬مناقب آل أبي طالب ‪ ،272 :2‬عالّمه‪ ،‬قم ‪ ،‬ط‪1379 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(524‬ابن حمدون‪ ،‬التذكرة الحمدونية ‪ ،243 :6‬تحقيق‪ :‬إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1996 ،1‬م‪.‬‬
‫يسير في‪ :‬ابن شـعبة الحـرّاني‪ ،‬تحـف العقـول‪130 :‬؛ دعـائم اإلسـالم ‪:1‬ـ ‪،356‬‬ ‫ٍ‬ ‫وباختالف‬
‫ٍـ‬ ‫‪ )(525‬نهج البالغة‪431 :‬؛‬
‫تحقيق‪ :‬آصف الفيضي‪ ،‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1427 ،2‬هـ؛ التذكرة الحمدونية ‪319 :1‬؛ النويري‪،‬‬
‫نهاية اَأل َرب في فنون األدب ‪ ،22 :6‬دار الكتاب والوثائقـ القومية‪ ،‬القاهرة‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(526‬الكليني‪ ،‬الكافي ‪:3‬ـ ‪131‬؛ الصدوق‪ ،‬الخصال ‪:1‬ـ ‪231‬؛ تحف العقول‪165 :‬؛ المفيــد‪ ،‬األمــالي‪ ،277 :‬تحقيــق‪:‬‬
‫علي أكبر الغفاري‪ ،‬مؤتمر الشــيخ المفيــد‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1413‬هـــ؛ أبــو نعيم اإلصــفهانيـ‪ ،‬حليــة األوليــاء ‪:1‬ـ ‪ ،74‬دار أ ّم‬
‫القرى‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1‬؛ الطوسي‪ ،‬األمالي‪38 :‬؛ المرشدـ باهلل الشجري الجرجاني‪،‬ـ األمالي الخميسية ‪:1‬ـ ‪ ،104‬تحقيــق‪:‬‬
‫محمد حسن إسماعيل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1422 ،‬هـ؛ وانظــر أيضـاً‪ :‬كتــاب ُسـلَيْم بن قيس ‪:2‬ـ ‪ ،614‬تحقيــق‪:‬‬
‫األنصاريـ الزنجاني‪ ،‬انتشارات الهادي‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1405‬هـ؛ محمد بن الحسن الغسّاني(‪315‬هـ)‪ ،‬أخبار وحكايات‪:‬ـ ‪1‬‬
‫‪ ،5‬تحقيق‪ :‬إبراهيم صالح‪ ،‬دار البشائر‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(527‬و ُربَما وقع سقطٌ في هذه الصيغة من الحديث‪.‬‬
‫‪ )(528‬الحجر‪13 :‬؛ الكهف‪.55 :‬‬
‫لكن الظاهر أن « ُسنَّة األوّلين» هنا بمعنى طريقة األوّلين‪ ،‬وليست كتعبير « ُس ـنَّة األوّلين» الــذي وردـ في بعض‬ ‫‪ّ )(529‬‬
‫السـنَّة فكأنّمـاـ كـان مـع‬
‫اآليات القرآنية؛ والدليل على هذه المغايرة أنه في عبـارة الحـديث يوجـد تعبـير‪« :‬و َم ْن عـرف ُّ‬
‫األوّلين»‪ ،‬وكأنّ اإلمام× يقول‪َ :‬م ْن عرف طرائق األ ّولين ومسالكهم فهو كالشخص الذي عاش في أوساطهم‪ ،‬فيستطيع‬
‫مختلف عن السياق الذي ورد فيــه تعبــير « ُس ـنَّة‬
‫ٌ‬ ‫أن يعرفـ سبب نجاة َم ْن نجا منهم‪ ،‬وسبب هالك َم ْن هلك منهم‪ .‬وهذا‬
‫األوّلين» في اآليات القرآنية‪.‬‬
‫‪ )(530‬اآلمدي‪ ،‬غرر الحكم ودرر الكلم‪ ،217 :‬قم‪ ،‬ط‪1410 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(531‬الكليني‪ ،‬الكافي ‪486 :2‬؛ ابن شهرآشوب‪ ،‬مناقب آل أبي طالب ‪340 :2‬‬
‫إن َذكَرْ تُمـ نَ َسبه‪.‬‬‫‪ )(532‬أي ْ‬
‫‪ )(533‬أي اإلنذار‪.‬‬
‫‪ )(534‬أي مائالً‪.‬‬
‫‪ )(535‬الجــوهري‪ ،‬الســقيفة وفــدك‪:‬ـ ‪ ،140‬تحقيــق‪ :‬محمــد هــادي األميــني‪ ،‬مكتبــة نينــوىـ الحديثــة‪ ،‬طهــران؛ الطــبري‬
‫(المنســوب)‪ ،‬دالئــل اإلمامــة‪ ،114 :‬مؤسّســة البعثــة‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1413‬هـــ؛ اآلبي‪ ،‬نــثر الــد ّر في المحاضــرات ‪:4‬ـ ‪5‬؛‬
‫يسير في‪ :‬اإلربلي كشف‪ ،‬الغ ّمة ‪:2‬ـ ‪ ،208‬تحقيق‪ :‬علي آل كوثر وعلي الفاضــلي‪ ،‬المجمــع العــالم ّي ألهــل‬ ‫ٍـ‬ ‫وباختالف‬
‫ٍ‬
‫البيت^ ـ دار التعارف‪ ،‬بيروت‪1433 ،‬هـ‪.‬‬
‫ي‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1‬؛ القاضي النعمان‪ ،‬شرح األخبار ‪،35 :3‬‬ ‫‪ )(536‬ابن طيفور‪ ،‬بالغات النساء‪ ،24 :‬انتشارات الشريف الرض ّـ‬
‫تحقيق‪ :‬محمد حسين الحسينيـ الجاللي‪ ،‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(537‬كتاب ُسلَيْم بن قيس ‪595 :2‬‬
‫‪ )(538‬الطبرسي‪ ،‬االحتجاج ‪111 :1‬‬
‫‪ )(539‬رجال الك ّشي‪ ،21 :‬تحقيق‪ :‬المصطفوي‪ ،‬نشر دانشگاه مشهد‪ ،‬مشهد‪ ،‬ط‪1409 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(540‬تاريخ مدينة دمشق ‪.75 :23‬‬
‫‪ )(541‬الحاكم النيسابوري‪ ،‬المستدركـ على الصحيحين ‪.562 :2‬‬
‫‪ )(542‬البغوي‪ ،‬معالم التنـزيل في تفسير القرآن ‪ ،347 :2‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(543‬التوبة‪.37 :‬‬
‫‪ )(544‬الكشف والبيان عن تفسير القرآن (تفسير الثعلبي) ‪:5‬ـ ‪ ،45‬تحقيق‪ :‬ابن عاشور‪ ،‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1422‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(545‬ابن عبد الحكم‪ ،‬فتوح مصر والمغرب‪ ،120 :‬مكتبة الثقافة الدينية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ؛ الصدفي‪ ،‬تاريخ ابن‬
‫يـونس المصــري ‪:1‬ـ ‪ ،345‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1421‬هــ؛ تــاريخ مدينــة دمشق ‪:59‬ـ ‪22‬؛ ابن حجــر‬
‫العسقالني‪ ،‬اإلصابة في تمييز الصحابة ‪ ،101 :5‬منشورات محمد علي بيضون‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(546‬أبو عبيد‪ ،‬األموال‪ ،200 :‬تحقيق‪ :‬محمد خليل هراس‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1408 ،‬هـ؛ ابن زنجويه‪ ،‬األمــوال‪1 :‬‬
‫‪ ،62‬تحقيــق‪ :‬األســيوطي‪،‬ـ دار الكتب العلميــة‪ ،‬بــيروت‪1427 ،‬هـــ؛ البالذري‪ ،‬فتــوح البلــدان‪ ،141 :‬مكتبــه الهالل‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1988 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(547‬ابن أعثم‪ ،‬الفتوح ‪:2‬ـ ‪ ،399‬تحقيق‪ :‬على شيري‪ ،‬دار األضــواء‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1411‬هــ؛ وانظــر‪ :‬البالذري‪،‬‬
‫أنساب األشرافـ ‪ ،158 :6‬تحقيق‪ :‬سهيل ز ّكار ورياض الزركلي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1417 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(548‬ابن أعثم‪ ،‬الفتوح ‪.394 :2‬‬
‫‪ )(549‬صحيح مسلم ‪218 :8‬؛ مسند أحمد بن حنبل ‪.541 :4‬‬
‫‪ )(550‬ابن أبي شيبة‪ ،‬المصنَّف ‪.177 :8‬‬
‫‪ )(551‬النيسابوري‪ ،‬المستدركـ على الصحيحين ‪.475 :4‬‬
‫‪ )(552‬الزمخشري‪ ،‬ربيع األبرار ‪ ،257 :3‬تحقيق‪ :‬عبد األمير مهنّا‪ ،‬مؤسّسة األعلمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(554‬إنه أدرك عصر النب ّي|‪ ،‬لكنه لم ْيلت ِ‬
‫َق به‪.‬‬ ‫‪553‬‬

‫() تاريخ مدينة دمشق ‪333 :24‬؛ ابن عديم‪ ،‬بغية الطلب في تاريخ حلب ‪ ،1316 :3‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ )(555‬حتّى في األدعية؛ فإنها ُربَما كانت تعليميّةً‪ ،‬كما هي رؤيــة بعض العلمــاء‪ ،‬بصــرف النظــر عن صـحّتها‪ .‬وعليــه‬
‫لكن يشكل عليه أن الصحيفة السجّادية كانت إمالء اإلمام الســجّاد× على‬ ‫ُربَما يضط ّر اإلمام أن يتكلَّم وفقـ المخاطَبين‪ْ .‬‬
‫بح َسـبها‪ ،‬فألفــاظ اإلمــام في‬ ‫اإلمام البــاقر×‪ ،‬فمخاطَبــه أيضـا ً كــان إمامـاً‪ .‬ويمكن أن نقــول‪ :‬إن البالغــة في كـ ّل عصـ ٍ‬
‫ـر َ‬
‫الصحيفة كانت في عل ّو البالغة بالنسبة إلى البالغة في عصره×‪.‬‬
‫‪ )(556‬الكليني‪ ،‬الكافي ‪50 :15‬؛ ابن شعبة الحرّاني‪ ،‬تحف العقول‪.253 :‬‬
‫‪ )(557‬راجع‪ :‬الطوسي‪ ،‬الفهرست‪105 :‬؛ تحقيق‪ :‬السيد عبدالعزيز الطباطبائي‪ ،‬مكتبة المحقِّق الطباطبائي‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1 ،1‬‬
‫‪420‬هـ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ )(558‬نعم‪ ،‬يحتمل أيضا أنها من كلمات الرواة الذين كتبوا هذه الصحيفة‪ ،‬يعني نقلوا كلمات اإلمام بالمعنى‪ ،‬ث ّم كتبوهــا‬
‫في الصحيفة؛ لكنّه احتما ٌل ضئيلٌ‪.‬‬
‫‪ )(559‬الصحيفة السجّادية‪ ،162 :‬منشورات الهادي‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1376 ،1‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(560‬انظر‪ :‬رواية المتو ِّكل بن هارون في بداية الصحيفة حول كيفيّة نقلها‪ .‬الصحيفة السجّادية‪.14 :‬‬
‫‪ )(561‬تاريخ الطبري ‪:5‬ـ ‪565‬؛ الذهبي‪ ،‬تاريخ اإلسالم ‪:5‬ـ ‪ ،43‬تحقيق‪ :‬عمر عبد السالم تدمري‪ ،‬دار الكتاب العربي‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪1413 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(562‬البالذري‪ ،‬أنساب األشرافـ ‪.12 :7‬‬
‫‪ )(563‬الجاحظ‪ ،‬البيان والتبــيين ‪:2‬ـ ‪ ،211‬تحقيــق‪ :‬علي أبــو ملحم‪ ،‬مكتبــة الهالل‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪2002‬م؛ ومثلــه في‪:‬‬
‫الزبير بن ب ّكار‪ ،‬األخبار الموفّقيات ‪ ،92 :1‬تحقيق‪ :‬سامي م ّكي العاني‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1416 ،2‬هـ؛ ابن عبد‬
‫ربّه‪ ،‬العقد الفريد ‪:4‬ـ ‪209‬؛ أبو هالل العسكري‪ ،‬األوائــل‪ ،325 :‬دار البشــير‪ ،‬مصــر ــ طنطــا‪1408 ،‬هـــ؛ النــويري‪،‬‬
‫نهايــة األرب في فنــون األدب ‪ :21‬ـ ‪209‬؛ القلقشــندي‪ ،‬صــبح األعشــى ‪ :1‬ـ ‪ ، 263‬دار الكتب العلميــة ـ ـ منشــوراتـ‬
‫بيضون‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ )(564‬ابن قتيبة الدينوريـ (المنسوب)‪ ،‬اإلمامة والسياسة ‪:2‬ـ ‪ ،48‬تحقيــق‪ :‬علي شــيري‪ ،‬دار األضــواء‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1410‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(565‬ابن هشام‪ ،‬السيرة النبوية ‪:2‬ـ ‪419‬؛ ابن سالم‪ ،‬طبقات فحولـ الشعراء ‪:1‬ـ ‪ ،242‬تحقيق‪ :‬محمــود محمــد شــاكر‪،‬‬
‫دار المدني‪ ،‬السعودية ـ ج ّدة‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1400‬هـ؛ تاريخ الطبريـ ‪:3‬ـ ‪64‬؛ أبو نعيم‪ ،‬معرفة الصــحابة ‪:3‬ـ ‪155‬؛ ابن عبــد‬
‫البرّ‪ ،‬االستيعاب ‪ ،902 :3‬دار الجيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ؛ عبد هللا بن عبد العزيز البكري(‪487‬هـ)‪ ،‬سمط الآللي‬
‫‪:2‬ـ ‪ ،833‬تحقيق‪ :‬عبد العزيز الميمــني‪ ،‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬بــيروت؛ ابن األثــير‪ ،‬أســد الغابــة ‪:3‬ـ ‪135‬؛ ابن األثــير‪،‬‬
‫الكامل ‪250 :2‬؛ ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية ‪ ،308 :4‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(566‬غريب القرآن في شعر العرب‪ ،‬سؤاالت نافع إلى عبد هللا بن العبّاس‪ ،38 :‬مؤسّســة الكتب الثقافية‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‬
‫‪1413 ،1‬هـ؛ السيوطي‪ ،‬الد ّر المنثور فى التفسير بالمأثورـ ‪ ،205 :4‬مكتبة المرعشي‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪1404 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(567‬المبرّد‪ ،‬الكامل في اللغة واألدب ‪:2‬ـ ‪ ،46‬تحقيق‪ :‬تغاريد بيضون ونعيم زرزور‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بــيروت‪1 ،‬‬
‫‪409‬هـ‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ )(568‬األزهري‪ ،‬تهذيب اللغة ‪:13‬ـ ‪34‬؛ أبو عبيد قاسمـ بن سالم‪ ،‬الغريب المصنفـ ‪:2‬ـ ‪ ،593‬تحقيق‪ :‬محمـد العبيـدي‪،‬‬
‫بيت الحكمــة‪ ،‬تــونس‪ ،‬ط‪ ،1‬ـ ‪1990‬م؛ ابن دريــد‪ ،‬جمهــرة اللغــة ‪ :2‬ـ ‪ ،725‬تحقيــق‪ :‬رمــزي منــير بعلبكي‪ ،‬دار العلم‬
‫للماليين‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1988‬م؛ الصاحب بن عبّاد‪ ،‬المحيط في اللغة ‪:8‬ـ ‪376‬؛ الصحاح ‪:2‬ـ ‪691‬؛ـ ‪:5‬ـ ‪2139‬؛ ابن‬
‫فارس‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪:3‬ـ ‪،61‬ـ ‪121‬؛ـ ابن سيدة‪ ،‬المحكم والمحيطـ ‪:8‬ـ ‪572‬؛ ابن سيدة‪ ،‬المخصّص ‪:14‬ـ ‪،241‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروتـ‪ ،‬ط‪1‬؛ الزمخشري‪ ،‬أساس البالغة‪317 :‬؛ الزبيدي‪ ،‬تاج العــروس ‪:6‬ـ ‪ ،559‬تحقيــق‪ :‬علي‬
‫الهاللي وسيري علي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1414 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(569‬اإلصفهاني‪ ،‬األغــاني ‪:6‬ـ ‪ ،478‬دار إحيــاء الــتراث العــربي‪ ،‬بــيروت‪1415 ،‬هـــ؛ أبــو هالل العســكري‪ ،‬ديــوان‬
‫المعاني ‪ :1‬ـ ‪ ،343‬تحقيق‪ :‬أحمد سليم غانم‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروتـ‪ ،‬ط‪ ،1‬ـ ‪1424‬هـ؛ تيســير المطــالب‪،469 :‬‬
‫تحقيق‪ :‬عبدهللا بن حمود العزي‪ ،‬مؤسّسة زيد بن عل ّي الثقافية‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1422‬هـ؛ ابن عبد الب ّر القرطبي‪ ،‬بهجة‬
‫المجـالس ‪:2‬ـ ‪ ،788‬تحقيـق‪ :‬محمــد مرســي الخــولي‪ ،‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬بــيروت‪ ،‬ط‪،2‬ـ ‪1981‬م؛ ابن قتيبـة‪ ،‬الشــعر‬
‫والشعراء ‪:2‬ـ ‪ ،640‬تحقيق‪ :‬أحمد محمد شاكر‪ ،‬دار الحديث‪ ،‬القاهرة‪1423 ،‬هـ؛ ابن قتيبة‪ ،‬عيون األخبــار ‪:4‬ـ ‪،107‬‬
‫تحقيق‪ :‬يوسفـ علي الطويل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1418 ،‬هـ؛ ابن الشيخ‪ ،‬ألف بــاء في أنــواع اآلداب ‪:2‬ـ ‪581‬؛‬
‫ديوان الهذليّين ‪ ،157 :1‬تحقيق‪ :‬أحمد الزين‪ ،‬الدار القومية للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪1385 ،‬هـ‪.‬‬
‫َّ‬
‫ق ولده وجفاه‪ ،‬فحينما قال ابن الرجل‪ :‬إن أبي أيضا ً قد عق أباه‪ ،‬تمثل عمر‬
‫َّ‬ ‫رجل شكا إليه عقو َ‬
‫ٍ‬ ‫‪ )(570‬تمثَّل به في عتاب‬
‫بهذا البيت؛ لعتاب األب‪ .‬ابن الجوزي‪ ،‬الب ّر والصلة ‪:1‬ـ ‪،100‬ـ ‪،101‬ـ تحقيق‪ :‬عــادل عبــد الموجــود وعلي معــوض‪،‬‬
‫الكتب الثقافية‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪1416 ،2‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(571‬اقتبس من المصرع األوّل قوله‪:‬‬
‫ق أخيــك‪ .‬أبــو‬‫وذلك حينما قتل عب ُد هللا بن الزبير أخاه عمرو‪ ،‬يح ِّذره بأن توقَّ ْع أن ينـزل بك هذا الظلم الذي ارت َك ْبتَه بح ّ‬
‫الفرج اإلصفهاني‪ ،‬األغاني ‪ ،413 :14‬دار إحياء التراث العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(572‬تمثَّل به في عتاب امرأ ٍة من بني أميّة حينما طالبَ ْته العدل فيهم‪ .‬ابن أبي الحديد‪ ،‬شرح نهج البالغة ‪.150 :7‬‬
‫‪ )(573‬تمثَّل به الواثـق الخليفـة العباسـي‪ .‬الـراغب اإلصـفهاني‪ ،‬محاضـرات األدبـاء ومحـاوراتـ الشـعراء والبلغـاء ‪:1‬‬
‫‪ ،301‬تحقيق‪ :‬عمر فاروق الطبّاع‪ ،‬دار األرقمـ بن أبي األرقم‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1420‬هـ؛ وتمثَّل بــه ابن منــارة الكــاتب‬
‫أيضا ً في عتاب عاملــه‪ .‬الخفــاجي‪ ،‬سـ ّر الفصــاحة‪226 :‬؛ أبــو هالل العســكري‪ ،‬الصــناعتين‪ ،‬الكتابــة والشــعر‪:‬ـ ‪،343‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد أبو الفضل إبراهيم وعلي محمد البجاوي‪ ،‬المكتبة العصرية‪ ،‬بــيروت‪1419 ،‬هـــ؛ الخــوارزمي‪،‬ـ مفــاتيح‬
‫العلوم‪ ،82 :‬دار المناهل‪ ،‬بيروت‪1428 ،‬هـ؛ وتمثَّل به المعتمد بن عبــاد اللخمي‪ ،‬صــاحب مدينــة إشــبيلية من جزيــرة‬
‫األندلس‪ .‬الخزرجي‪،‬ـ العقد الفاخر ال َح َسن في طبقات أكابر أهل اليمن ‪ :3‬ـ ‪ ،1326‬مكتبة الجيل الجديد‪ ،‬صــنعاء‪143 ،‬‬
‫‪0‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(574‬الميداني‪ ،‬مجمع األمثـال ‪:2‬ـ ‪ ،198‬العتبـة الرضــوية‪ ،‬مشـهد‪1366 ،‬هــ‪.‬ش؛ يوسـفـ بن طـاهر الخــويي‪ ،‬فرائــد‬
‫الخرائــد في األمثــال‪ ،488 :‬تحقيــق‪ :‬عبــد الــر ّزاق حســين‪ ،‬دار النفــائس‪ ،‬األردن‪1415 ،‬هـــ؛ الخــوارزمي‪ ،‬األمثــال‬
‫المولّــدة‪ ،71 :‬المجمــع الثقــافي‪ ،‬أبوظــبي‪2003 ،‬م؛ وال يــد ّل عنــوان «المولّــدة» في كتابــه على أن هــذا المثــل لم يكن‬
‫أصيالً؛ ألن الخوارزميـ يذكر كثيراً من أصحاب األبيات التي صارت مثالً‪ .‬وذكر هنا أيضا ً أن الــبيت لخالــد الهــذلي‪.‬‬
‫وذكره المدني الشيرازي أيضا ً في كتابه ضمن األمثال‪ :‬الطراز األوّل والكناز لما عليه من لغة العرب المعوّل ‪14 :8‬‬
‫‪ ،7‬مؤسّسة آل البيت^ إلحياء التراث‪ ،‬مشهد‪ ،‬ط‪،1‬ـ ‪1384‬هـ‪.‬ش‪ .‬وقد اتّضــح ممـا تقـ َّدم أن الــبيت يُتمثَّل بـه في عتــاب‬
‫شخص يتّخذ سلوكا ً ال يحبّها بنفسه من قِبَل اآلخرين‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫‪ )(575‬الثعالبي‪ ،‬اإلعجاز واإليجاز‪ ،138 :‬تحقيق‪ :‬محمد إبراهيم سليم‪ ،‬مكتبة القرآن‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ )(576‬أبو بكر السجستاني‪ ،‬كتاب المصاحف‪:‬ـ ‪ ،127‬الفاروقـ الحديثة للطباعة والنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪1423 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(577‬تفسير الطبري ‪.143 :17‬‬
‫‪ )(578‬جمهرة اللغة ‪ ،725 :2‬وخصوصا ً أن ابن دريد لم يذكر البيت في معنى «السنّة»‪ ،‬فيؤيّد هذا عد َم وجودـ «السنّة»‬
‫في روايته من البيت؛ ابن جنّي‪ ،‬الخصائص ‪:2‬ـ ‪ ،16‬تحقيق‪ :‬الهنــداوي‪ ،‬دار الكتب العلميــة‪ ،‬بــيروت‪1429 ،‬هـــ؛ ابن‬
‫لكن هذا الكتاب حقِّق مع نسخ ٍة‬ ‫الشيخ‪ ،‬كتاب ألف باء في أنواع اآلداب ‪581 :2‬؛ الخوارزمي‪ ،‬األمثال المولّدة‪ّ .412 :‬‬
‫السـنّة»‬‫فريدة‪ .‬ومن جه ٍة أخرى الظاهر أن الخوارزمي أخذه من أستاذه الميــداني من مجمـع األمثـال‪ .‬وقـد وردـ فيـه « ُّ‬
‫تصحيف من «ال ُّسنَّة»‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بدل «السِّيرة»‪ ،‬فيبدو أنها‬
‫‪ )(579‬أبــو الفــرج اإلصــفهاني‪ ،‬األغــاني ‪:6‬ـ ‪478‬؛ التوحيــدي‪ ،‬البصــائرـ والــذخائرـ‪ ،144 :‬تحقيــق‪ :‬وداد القاضي‪ ،‬دار‬
‫صادر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1419 ،4‬هـ؛ التذكرة الحمدونية ‪212 :7‬؛ شمس العلوم ‪.2903 :5‬‬
‫‪ )(580‬وهو ابن حمدون‪ ،‬في التذكرة الحمدونية ‪.212 :7‬‬
‫لكن ال يشكل أن استشــهاده بهــذا الــبيت في معــنى مــا ّدة‬‫‪ )(581‬إالّ ابن دريد فهو ذكر البيت ضمن معنى «سار سيرةً»‪ْ .‬‬
‫السـيرة» ـ على فرضــهاـ وجودهــا ـ‬ ‫السـنَّة»؛ ألن « ِّ‬
‫«السير» دليل على أن الموجود في روايته للشعر «السِّيرة» بدل « ُّ‬
‫ليست هي الكلمة الوحيدة من ما ّدة (س ي ر) في هذا البيت‪ ،‬فال يبعد أن ابن دريد استشهد بـ « ِسرْ تَهاـ» في البيت‪ ،‬وأن‬
‫تكون «السيرة» في كتابه تصحيفا ً من «ال ُّسنَّة»‪ .‬أقصدـ أن استشهاده به في معنى السِّيرة صحيحٌ‪ ،‬حتّى مع عدم وجــود‬
‫«السِّيرة» بدل «ال ُّسنَّة» في البيت‪.‬‬
‫‪ِ « )(582‬سـرْ تَهاـ» و«يســيرها»‪ ،‬و ُربَمــا كــان «من ســير ٍة» بــدل «من ُسـنّ ٍة» في المصــراع األوّل‪ ،‬كمــا ورد في بعض‬
‫ت واحد‪.‬‬
‫الروايات لهذا البيت‪ .‬فيصلـ رقم تكرار مادة (س ي ر) إلى ثالث مرّات‪ .‬وهذا رق ٌم كبير بالنسبة إلى بي ٍ‬
‫‪ )(583‬انظر على سبيل المثال‪ :‬الشبيريـ الزنجاني‪ ،‬كتاب النكاح ‪ ،‌1178 :‌4‬رأي‌ پرداز‪ ،‬قم‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫عاش قبل ميالد المسيح× وكان طويل العمر حتى ضــربت بــه العــرب المثــل في‬ ‫َ‬ ‫‪ )(584‬لقمان بن شمس بن عاد‪ ،‬رج ٌل‬
‫طول العمر بقولهم «طال األبد على لبد»‪ .‬فإن كانت هــذه الكلمــات عين ألفــاظ لقمــان بن عــاد فهي شــاهدةٌ على معــنى‬
‫الكلمة في العصور الجاهلية‪.‬‬
‫‪ )(585‬الهمداني‪ ،‬اإلكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير ‪ ،202 :8‬وزارة الثقافة والسياحة‪ ،‬صنعاء‪ ،‬ط‪1425 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(586‬الزمخشري‪ ،‬ربيع األبرار ونصوص األخيار ‪401 :3‬؛ ابن حمدون‪ ،‬التذكرة الحمدونية ‪.۱۰۲ :۸‬‬
‫‪ )(587‬أبو الفرج اإلصفهاني‪ ،‬األغاني ‪.18 :17‬‬
‫‪ )(588‬الطوسي‪،‬ـ تهذيب األحكام ‪.136 :6‬‬
‫‪ )(589‬الكافي ‪.592 :7‬‬
‫‪ )(590‬تفسير فرات الكوفي‪:‬ـ ‪.136‬‬
‫‪ )(591‬الكافي ‪.578 :7‬‬
‫‪ )(592‬تاريخ الطبري ‪.238 :7‬‬
‫‪ )(593‬وهو أبو حمزة الشاري‪ .‬وذكر الفاكهي‪ ،‬بعد ذكر خطبته هنا‪« :‬ث ّم نزل‪ ،‬فما رُؤيـ على منبر م ّكة أح ٌد كان أحسن‬
‫خطبةً منه»‪.‬‬
‫‪ )(594‬الفاكهي‪ ،‬أخبار م ّكة في قديمـ الدهر وحديثه ‪ ،144 :3‬مكتبه األسدي‪ ،‬م ّكة المكرّمة‪ ،‬ط‪1424 ،4‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(595‬تاريخ الطبري ‪425 :7‬؛ ابن األثير‪ ،‬الكامل ‪.414 :5‬‬
‫‪ )(596‬ابن حبيب‪ ،‬المحبر‪ ،340 :‬دار اآلفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫وإن كان ما نقله عنهم هو عين عباراتهم فهذه استعماالت قبل عصر البالذري‪.‬ـ‬ ‫‪ْ )(597‬‬
‫‪ )(598‬هكذا في المصدر‪.‬ـ والموافقـ للقواعد أن يكون‪« :‬ع ّما»‪.‬‬
‫‪ )(599‬فتوح البلدان‪.431 :‬‬
‫‪ )(600‬الطبري‪ ،‬جامع البيان في تفسير القرآن ‪.54 :15‬‬
‫‪ )(601‬صحيح ابن خزيمة ‪ ،263 :4‬تحقيق‪ :‬محمد مصطفى األعظمي‪ ،‬المكتب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ )(602‬اإلكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير ‪.112 :1‬‬
‫‪ )(603‬العقد الفريد ‪.240 :4‬‬
‫‪ )(604‬ابن الفقيه‪ ،‬البلدان ‪ ،618 :1‬تحقيق‪ :‬يوسف الهادي‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪1416 ،1‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(605‬ابن النديم‪ ،‬الفهرست‪.488 :‬‬
‫‪ )(606‬الصولي‪ ،‬كتاب األوراق ‪ ،305 :3‬الهيئة العامة لقصور الثقافة‪ ،‬القاهرة‪2004 ،‬م؛ نثر الد ّر في المحاضرات ‪:1‬‬
‫‪305‬؛ التذكرة الحمدونية ‪.134 :2‬‬
‫‪ )(607‬الصولي‪ ،‬كتاب األوراقـ ‪.316 :3‬‬
‫‪ )(608‬ابن قتيبة‪ ،‬عيون األخبار ‪۱۲۳ :۳‬؛ أبو حيّان التوحيدي‪ ،‬الصــداقة والصــديق‪ ،۲4۱ :‬تحقيــق‪ :‬إبــراهيم الكيالني‪،‬‬
‫دار الفكر‪ ،‬دمشقـ‪1421 ،‬هـ؛ ابن عبد البرّ‪ ،‬بهجة المجالس وأنس المجالس ‪:1‬ـ ‪787‬؛ـ اإلبشيهي‪ ،‬المستطرفـ في كـ ّل‬
‫فن مستظرف‪:‬ـ ‪ ،4۰‬تحقيق‪ :‬سعيد محمد اللحّام‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬بــيروت‪1419 ،‬هــ‪ .‬وفيـ بعض هـذه المصـادرـ لم ينســب‬ ‫ّ‬
‫البيت إلى أح ٍد‪ ،‬فال يمكن تحديد الفترة الزمنية لهذا الشعر بالضبط‪.‬‬
‫‪ )(609‬أبو هالل العسكري‪،‬ـ ديوان المعاني ‪.428 :1‬‬
‫‪ )(610‬ديوان المتنبّي‪ ،542 :‬دار بيروت‪ ،‬بيروت‪1403 ،‬هـ؛ السمعاني‪ ،‬األنساب ‪347 :2‬؛ ابن خلّكان‪ ،‬وفياتـ األعيان‬
‫وأنبـاء أبنـاء الزمـان ‪:4‬ـ ‪ ،52‬تحقيـق‪ :‬إحسـان عبّـاس‪ ،‬دار الفكـر‪ ،‬بـيروت‪ ،‬ط‪1‬؛ لسـان العـرب ‪:13‬ـ ‪62‬؛ ابن ّ‬
‫بسـام‬
‫الشنتريني‪ ،‬الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة ‪ ،677 :2‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بيروت‪2000 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(611‬كانت م ّدة خالفته سنتَيْن‪ 320 :‬ـ ‪322‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬تاريخ بغداد ‪:1‬ـ ‪،356‬ـ تحقيق‪ :‬مصطفىـ عبد القــادر عطــا‪ ،‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بيروت‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(612‬المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ومعادن الجوهر ‪ ،222 :4‬تحقيق‪ :‬أسعد داغر‪ ،‬دار الهجرة‪ ،‬قم‪1409 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(613‬انظر‪ :‬محمد الروحاني‪ ،‬منتقى األصول ‪:4‬ـ ‪ 438‬ـ ‪ ،439‬تصـحيح‪ :‬عبـد الصـاحب الحكيم‪ ،‬مكتب السـيد محمـد‬
‫الحسيني الروحاني‪ ،‬إيران ـ قم‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(614‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.440 :4‬‬
‫‪ )(615‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(616‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.441 :4‬‬
‫‪ )(617‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(618‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(619‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(620‬انظر‪ :‬محمد باقر الصدر‪ ،‬دروس في علم األصول ‪ ،22 :2‬دار المنتظر‪ ،‬بيروت‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(621‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.35 :3‬‬
‫‪ )(622‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪ 22 :2‬ـ ‪.23‬‬
‫‪ )(623‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.23 :2‬‬
‫‪ )(624‬انظر‪ :‬السيد محمود الهاشمي الشاهرودي‪ ،‬بحوث في علم األصول (تقريــراً ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر‬
‫الصــدر) ‪:5‬ـ ‪ ،25‬دائــرة معــارف الفقـه اإلســالمي طبقـا ً لمــذهب أهــل الــبيت^‪ ،‬مركــز الغــدير للدراســات اإلســالمية‪،‬‬
‫‪1417‬هـ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ )(625‬انظر‪ :‬الشيخ حسن عبد الساتر‪ ،‬بحوث في علم األصول (تقريرا ألبحاث السيد الشهيد محمد بــاقر الصــدر) ‪:11‬‬
‫‪ ،58‬الدار اإلسالمية‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ )(626‬انظر‪ :‬الشيخ مرتضىـ األنصاري‪ ،‬فرائد األصــول ‪:2‬ـ ‪ ،58‬تحقيـق‪ :‬لجنـة تحقيــق تـراث الشــيخ األعظم‪ ،‬مجمــع‬
‫الفكر اإلسالمي‪ ،‬قم ـ إيران‪1428 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(627‬انظر‪ :‬الشيخ حسن عبد الساتر‪ ،‬بحوث في علم األصول (تقريراً ألبحاث السيد الشهيد محمد بــاقر الصــدر) ‪:11‬‬
‫‪.58‬‬
‫‪ )(628‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.58 :11‬‬
‫‪ )(629‬سيتّضــح أنــه لم يتّم تقســيم المولويــة إالّ لقســمين فقــط‪ ،‬وهمــا‪ :‬المولويــة الذاتيّــة (الحقيقيــة)؛ والمولويــة َ‬
‫الجعْليــة‬
‫ظ‪( .‬المعرِّ ب)‪.‬‬‫فالح ْ‬
‫ِ‬ ‫آخريْن؛‬
‫(االعتبارية)‪ .‬نعم‪ ،‬تنقسم المولوية الجعلية بدَوْ رهاـ إلى قسمين َ‬
‫ً‬
‫‪ )(630‬انظر‪ :‬السيد محمود الهاشمي الشاهرودي‪ ،‬بحوث في علم األصول (تقريــرا ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر‬
‫الصدر) ‪ 28 :4‬ـ ‪.29‬‬
‫‪ )(631‬انظر‪ :‬الشيخ حسن عبد الساتر‪ ،‬بحوث في علم األصول (تقريراً ألبحاث السيد الشهيد محمد بــاقر الصــدر) ‪:11‬‬
‫‪.58‬‬
‫‪ )(632‬انظر‪ :‬السيد محمود الهاشمي الشاهرودي‪ ،‬بحوث في علم األصول (تقريــراً ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر‬
‫الصدر) ‪.29 :4‬‬
‫ق الطاعة‪ ،‬الذي هو من مدركات العقل العملي»‪ .‬انظر‪ :‬الشيخ حسن عبــد الســاتر‪،‬‬ ‫‪« )(633‬إن جوهر المولوية معناه ح ّ‬
‫بحوث في علم األصول (تقريراً ألبحاث السيد الشهيد محمد باقر الصدر) ‪.10 :9‬‬
‫‪ )(634‬انظر‪ :‬السيد محمود الهاشمي الشاهرودي‪ ،‬بحوث في علم األصول (تقريــراً ألبحــاث الســيد الشــهيد محمــد بــاقر‬
‫الصدر) ‪.30 :4‬‬
‫‪ )(635‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪.24 :5‬‬
‫‪ )(636‬أتو َّجه بالشكر الجزيل إلى شيخنا األستاذ الدكتور حيدر حبّ هللا؛ حيث استفدنا من دروسـه الصـوتية وإرشــاداته في‬
‫كتابة هذا المقال‪.‬‬
‫‪ )(637‬انظر‪ :‬النهاية في مجرّد الفقه والفتــاوى‪463 :‬؛ المختصــر النــافع في فقــه اإلماميــة ‪:‌1‬ـ ‪171‬؛ نزهــة النــاظر في‬
‫الجمع بين األشباه والنظائر‪98 :‬؛ تبصرة المتعلِّمين في أحكام الدين‪133 :‬؛ القواعد والفوائد ‪:‌1‬ـ ‪381‬؛ مسالك األفهامـ‬
‫إلى تنقيح شرائع اإلسالم ‪:‌7‬ـ ‪15‬؛ والعروة الوثقى (للسيد اليزدي) ‪:‌2‬ـ ‪799‬؛ منهــاج الصــالحين (للخــوئي) ‪:‌2‬ـ ‪259‬؛‬
‫منهاج الصالحين (للتبريزي) ‪332 :‌2‬؛ منهاج الصالحين (للوحيد الخراساني) ‪294 :‌3‬؛ وغيرها من الکتب‪.‬‬
‫‪211‬؛ الســرائرـ‬ ‫‌‬ ‫‪ )(638‬انظر‪ :‬النهاية في مجرّد الفقه والفتاوى‪463 :‬؛ شــرائع اإلســالم في مســائل الحالل والحــرام ‪:‌2‬ـ‬
‫الحاوي لتحرير الفتاوى ‪ :‌2‬ـ ‪560‬؛ إرشاد األذهان إلى أحكام اإليمان ‪ :‌2‬ـ ‪4‬؛ اللمعة الدمشقية في فقــه اإلماميــة‪173 :‬؛‬
‫مسالك األفهـام إلى تنقيح شـرائع اإلسـالم ‪:‌7‬ـ ‪17‬؛ جـواهرـ الكالم في شـرح شـرائع اإلسـالم ‪:‌29‬ـ ‪38‬؛ كتـاب النكـاح‬
‫(للشيخ األنصاري)‪32 :‬؛ العروة الوثقى (للسيد اليزدي) ‪799 :‌2‬؛ تحريرـ الوسيلة ‪237 :‌2‬؛ وغيرها من الکتب‪.‬‬
‫‪ )(639‬جامع المقاصد في شرح القواعد ‪.13 :‌12‬‬
‫‪ )(640‬جامع المدارك في شرح مختصر النافع ‪ :‌4‬ـ ‪ :131‬أ ّما كراهة تزويج العقيم فلما في الخبر الراجــع إلى اســتحباب‬
‫اختيار العفيفة المذكور؛ ولما في بعض األخبار‪« :‬الحصير في ناحية الــبيت خــي ٌر من امــرأ ٍة ال تلد»‪ .‬ويمكن أن يُقــال‪:‬‬
‫استفادة االستحباب الشرع ّي أو الكراهة ال تخلو عن اإلشكال بالنسبة إلى بعض األخبار الــواردة‪ ،‬بــل الظــاهر أنّــه من‬
‫قبيل‪ :‬اإلرشاد‪ ،‬كأوامرـ الطبيب ونواهيه‪.‬‬
‫َ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬
‫ش ُعوبا ً وقبَاِئ َل لِتَ َعا َرفوا ِإنَّ ك َر َم ُك ْم ِعن‪َ 6‬د هللاِ ْتق‪66‬ا ُك ْم ِإنَّ‬ ‫َ‬ ‫وج َعلنا ُك ْم ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُأ‬ ‫َ‬
‫اس ِإنَّا َخلَ ْقنَا ُك ْم ِمنْ ذ َك ٍر و نثى َ‬
‫ْ‬ ‫() التقوى‪﴿ :‬يَا َأيُّ َها النَّ ُ‬
‫‪641‬‬

‫يل‬ ‫س ‪6‬ب ِ ِ‬ ‫ض َر ِر وا ْل ُم َجا ِه‪6‬دُونَ فِي َ‬ ‫ستَ ِوي ا ْلقَا ِعدُونَ ِمنَ ا ْل ُمْؤ ِمنِينَ َغ ْي ُر ُأولِي ال َّ‬ ‫هللاَ َعلِي ٌم َخبِي ٌر﴾ (الحجرات‪)13 :‬؛ـ الجهاد‪﴿ :‬الَ َي ْ‬
‫ض‪َ 6‬ل هللاُ‬ ‫س‪6‬نَى وفَ َّ‬ ‫ً‬
‫س‪ِ 6‬ه ْم َعلَى ا ْلقَا ِع‪ِ 6‬دينَ َد َر َج‪ 6‬ةً و ُكالّ َو َع‪َ 6‬د هللاُ ا ْل ُح ْ‬ ‫ض َل هللاُ ا ْل ُم َجا ِه ِدينَ بَِأ ْم َوالِ ِه ْم و ْنفُ ِ‬
‫َأ‬ ‫س ِه ْم فَ َّ‬ ‫هللاِ ِبَأ ْم َوالِ ِه ْم وَأ ْنفُ ِ‬
‫ث‬‫ب ولَ ْو َأع َْجبَ‪َ 6‬ك َك ْث‪َ 6‬رةُ ا ْل َخبِي ِ‬ ‫يث والطَّيِّ ُ‬ ‫ستَ ِوي ا ْل َخبِ ُ‬ ‫ا ْل ُم َجا ِه ِدينَ َعلَى ا ْلقَا ِع ِدينَ َأ ْجراً ع َِظيما ً﴾ (النساء‪)95 :‬؛ـ الطيبة‪﴿ :‬قُ ْل الَ يَ ْ‬
‫ب هللاُ َمثَالً‬ ‫ض‪َ 6‬ر َ‬ ‫‪6‬راط مس‪66‬تقيم‪َ ﴿ :‬و َ‬ ‫والس‪ْ 6‬ير على ص‪ٍ 6‬‬ ‫َّ‬ ‫ب لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحونَ ﴾ (المائدة‪)100 :‬؛ـ األمر بالعدل‬ ‫فَاتَّقُوا هللاَ يَا ُأولِي اَأل ْلبَا ِ‬
‫ْأ‬
‫س‪6‬تَ ِوي ُه‪َ 6‬و و َمنْ يَ‪ُ 6‬م ُر بِا ْل َع‪6‬د ِْل‬ ‫ت بِ َخ ْي ٍر َه ْل يَ ْ‬ ‫ْأ‬
‫َي‌ ٍء و ُه َو َك ٌّل َعلَى َم ْوالَهُ َأ ْينَ َما يُ َو ِّج ْههُ الَ َي ِ‬ ‫َر ُجلَ ْي ِن َأ َح ُد ُه َما َأ ْب َك ُم الَ يَ ْق ِد ُر َعلَى ش ْ‬
‫َأ‬
‫ش‪6‬ا ُء و َم‪66‬ا ْنتَ‬ ‫س‪ِ 6‬م ُع َمنْ يَ َ‬ ‫َأل‬
‫س‪6‬تَ ِوي ا ْحيَ‪66‬ا ُء والَ ا ْم‪َ 6‬واتُ ِإنَّ هللاَ يُ ْ‬ ‫َأل‬ ‫يم﴾ (النحل‪)76 :‬؛ـ الحي‪66‬اة‪َ ﴿ :‬و َم‪66‬ا يَ ْ‬ ‫ستَقِ ٍ‬ ‫اط ُم ْ‬ ‫ص َر ٍ‬ ‫و ُه َو َعلَى ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫اآلخ َرة َويَ ْر ُج‪ 6‬و َر ْح َم‪ 6‬ة َربِّ ِه ق‪ْ 6‬ل‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫اجدا َوقاِئما يَ ْحذ ُر ِ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫س ِ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬
‫س ِم ٍع َمنْ فِي القبُو ِر﴾ (فاطر‪)22 :‬؛ـ العلم‪َّ ﴿ :‬منْ ُه َو قانِتٌ آنا َء الل ْي ِل َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫بِ ُم ْ‬
‫ستَ ِوي‬ ‫ي‬
‫َ َ َ ْ‬‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬ ‫الصالح‬ ‫والعمل‬ ‫اإليمان‬ ‫ـ‬
‫؛‬ ‫)‬ ‫‪9‬‬ ‫(الزمر‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫ب‬
‫َ ِ‬ ‫ا‬ ‫ب‬‫ل‬‫ْ‬ ‫َأل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ُأ‬ ‫ر‬ ‫َّ‬
‫ك‬ ‫ذ‬‫َ‬
‫َ ْ ُ ِإ َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫َّ‬ ‫ن‬ ‫ونَ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ال‬ ‫ينَ‬ ‫ذ‬ ‫َّ‬
‫َ ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫و‬ ‫ونَ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬
‫ِ َْ ُ‬‫ع‬ ‫ي‬ ‫ينَ‬ ‫ذ‬ ‫َّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫َ‬
‫َه ْل َ ْ ِ‬
‫ت‬ ‫س‬ ‫ي‬
‫سي‌ ُء قَلِيالً َم‪66‬ا تَتَ‪6‬ذ َّكرُونَ ﴾ (غــافر‪)58 :‬؛ـ اإلنف‪66‬اق والجه‪66‬اد قب‪66‬ل‬ ‫َ‬ ‫ت والَ ا ْل ُم ِ‬ ‫صالِ َحا ِ‬ ‫صي ُر والَّ ِذينَ آ َمنُوا و َع ِملُوا ال َّ‬ ‫اَأل ْع َمى وا ْلبَ ِ‬
‫ق‬‫ستَ ِوي ِم ْن ُك ْم َمنْ َأ ْنفَ َ‬ ‫ض الَ يَ ْ‬ ‫ت َواَأل ْر ِ‬ ‫س َما َوا ِ‬ ‫اث ال َّ‬ ‫يل هللاِ َوهللِ ِمي َر ُ‬ ‫سب ِ ِ‬ ‫الفتح (في ظروف المحنة)‪َ ﴿ :‬و َما لَ ُك ْم َأنْ الَ تُ ْنفِقُوا فِي َ‬
‫س‪6‬نَى َوهللاُ ِب َم‪66‬ا تَ ْع َملُ‪66‬ونَ َخبِ‪66‬ي ٌر﴾‬ ‫ح َوقَاتَ َل ُأولِئ َك َأ ْعظَ ُم َد َر َجةً ِمنَ الَّ ِذينَ َأ ْنفَقُوا ِمنْ َب ْع ُد َوقَاتَلُوا َو ُكالًّ َو َع َد هللاُ ا ْل ُح ْ‬ ‫ِمنْ قَ ْب ِل ا ْلفَ ْت ِ‬
‫(الحديد‪.)10 :‬‬
‫‪ )(642‬الكافي ‪ ،333 :5‬طبعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(643‬عبد الر ّزاق الصنعاني‪ ،‬المصـنَّف ‪:6‬ـ ‪ .160‬كــذلك ورد في ســنن النســائي ‪:6‬ـ ‪ 65‬مــا يشــبه ذلــك‪َ :‬أ ْخبَ َرنَــا َع ْبـ ُد‬
‫اويَةَ ب ِْن قُ َّرةَ‪،‬‬ ‫ُور ب ِْن زَا َذانَ ‪ ،‬ع َْن ُم َع ِ‬ ‫ال‪َ :‬ح َّدثَنَا يَ ِزي ُد بْنُ هَارُونَ قَا َل‪َ :‬أ ْنبََأنَا ْال ُم ْستَلِ ُم بْنُ َس ِعي ٍد‪ ،‬ع َْن َم ْنص ِـ‬ ‫الرَّحْ َم ِن بْنُ خَالِ ٍد قَ َ‬
‫ب‪ِ ،‬إال نَّهَــا ال تَلِـدُ‪،‬‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬ ‫صـ ٍ‬ ‫ْ‬
‫ب َو َمن ِ‬ ‫ـر ةً َذاتَ َح َسـ ٍ‬ ‫َأ‬ ‫ْت ا ْمـ َ‬ ‫صـب ُ‬ ‫َأ‬
‫ال‪ِ :‬إنِّي َ‬ ‫ُول هللاِﷺ‪ ،‬فَقَ َ‬ ‫ال‪َ :‬جا َء َر ُج ٌل ِإلَى َرس ِ‬ ‫ار قَ َ‬ ‫ع َْن َم ْعقِ ِل ْب ِن يَ َس ٍ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬
‫ال‪« :‬تَ َز َّوجُوا ال َولو َد ال َودُودَ؛ فِإنيـ ُمكاثِ ٌر بِك ْم»‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأفََأتَ َز َّو ُجهَا؟ فَنَهَاهُ‪ ،‬ث َّم تَاهُ الثانِيَة‪ ،‬فنَهَاهُ‪ ،‬ث َّم تَاهُ الثالِثة‪ ،‬فنَهَاهُ‪ ،‬فق َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َأ‬ ‫ُ‬
‫‪ )(644‬الكافي ‪ ،333 :5‬طبعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(645‬عبد الرزاق الصنعاني‪ ،‬المصنَّف ‪.160 :6‬‬
‫‪ )(646‬رجال النجاشي‪:‬ـ ‪.185‬‬
‫‪ )(647‬الكافي ‪ ،334 :5‬طبعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(648‬الراوندي‪ ،‬النوادر‪:‬ـ ‪.13‬‬
‫‪ )(649‬مكارم األخالق‪.202 :‬‬
‫‪ )(650‬الكافي ‪ ،333 :5‬طبعة الدار اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(651‬المصدر السابق ‪.325 :5‬‬
‫ث مســتقلّ‪ ،‬في الكــافي ‪:2‬ـ ‪ ،57‬بســنده ع َْن َأبِي َح ْمــزَ ةَ‪ ،‬ع َْن‬ ‫ولكن في حــدي ٍ‬ ‫ْ‬ ‫‪ )(652‬الشيخ الكليني أيضا ً نقل هذه التكملة‪،‬‬
‫ـر ِر َجــالِ ُك ُم‬ ‫ال َرسُو ُل هللاِ|‪َ« :‬أال ُأ ْخبِ ُر ُك ْم بِ َخي ِْر ِر َجالِ ُك ْم؟ قُ ْلنَا‪ :‬بَلَى يَــا َر ُسـو َل هللاِ‪ ،‬قَـ َ‬
‫ـال‪ِ :‬إ َّن ِم ْن َخ ْيـ ِ‬ ‫ال‪ :‬قَ َ‬‫َجابِ ِر ب ِْن َع ْب ِد هللاِ قَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ي الط َرفَ ْي ِن‪ ،‬البَ َّر بِ َوالِ َد ْي ِه‪َ ،‬وال يُل ِجُئ ِعيَالهُ ِإلى َغي ِْر ِه»‪ .‬كما نقل الكليني صــدر الروايــة‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫ي‪ ،‬ال َّس ْم َح ال َكفي ِْن‪ ،‬النقِ َّ‬ ‫ي‪ ،‬النَّقِ َّ‬‫التَّقِ َّ‬
‫في باب خير النساء‪ .‬والظاهر؛ بقرينة نقل الطوسي‪ ،‬ووحدة السياق‪ ،‬أنّها كلّها رواية واحدة‪ ،‬نقل لنا الطوس ـيـ بعضــها‬
‫بعض‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫إلى جانب‬
‫‪ )(653‬تهذيب األحكام ‪.400 :‌7‬‬
‫‪ )(654‬الک ّشي‪ ،‬اختيار معرفة الرجال‪.201 :‬‬
‫‪ )(655‬الكافي ‪ ،323 :5‬طبعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(656‬المصدر السابق ‪.325 :5‬‬
‫‪ )(657‬الوافي ‪ 61 :21‬ـ ‪.62‬‬
‫‪ )(658‬مرآة العقول ‪.13 :20‬‬
‫‪ )(659‬الكافي ‪ ،575 :10‬دارالحديث‪.‬‬
‫‪ )(660‬الكافي ‪ ،567 :5‬طبعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(661‬الطبراني‪ ،‬المعجم الكبير ‪.153 :24‬‬
‫‪ )(662‬المصباح المنير ‪.328 :2‬‬
‫‪ )(663‬لسان العرب ‪.314 :12‬‬
‫‪ )(664‬لسان العرب ‪ 314 :12‬ـ ‪.315‬‬
‫‪ )(665‬معاني األخبار ‪.152 :2‬‬
‫خالف في كونه إسماعيليا ً أو إمامياً‪ ،‬وال نريد الخوض فيه هنا‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫‪ )(666‬ث ّمة‬
‫‪َ )(667‬م ْن ال يحضره الفقيه ‪392 :3‬‬
‫‪ )(668‬الصدوق‪ ،‬األمالي‪.566 :‬‬
‫صلْ إلى أح ٍد‬ ‫‪ )(669‬وهو الشيخ آصف محسني‪ ،‬حيث يش ِّكك في نسبة كتاب األمالي للشيخ الطوسي‪ ،‬مستنداً إلى أنّه لم ي ِ‬
‫من كبار المحدِّثين المتأ ِّخرين بسن ٍد صــحيح‪ .‬وكــذلك كتــاب األمــالي‪ ،‬للشــيخ المفيــد‪ ،‬حيث يقولــه عنـه المحســني‪:‬ـ «في‬
‫االعتماد عنه َو َج ٌل»‪ .‬انظر‪ :‬حيدر حبّ هللا‪ ،‬نظرية السنّة‪ ،583 :‬نقالً عن مشرعة بحار األنوار ‪ :1‬ـ ‪15‬؛ وبحــوثـ في‬
‫علم الرجال‪.511 :‬‬
‫‪ )(670‬انظر‪ ،‬على سبيل المثال‪ :‬سنن أبي داوودـ ‪19 :4‬؛ ابن أبي الدنيا‪ ،‬العمر والشيب‪.77 :‬‬
‫‪ )(671‬أبو بكر البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد ‪.353 :13‬‬
‫‪ )(672‬وفي سند هذه الرواية‪ ،‬بالطريقـ الذي ذكره ابن الجوزي‪،‬ـ نجد عبد هللا بن وهب‪ .‬ويذكرـ في حقّــه‪َ « :‬كـ َذا قَـ َ‬
‫ـال ابْنُ‬
‫يل ْال َجــرْ ِ‬
‫ح‬ ‫ِحبَّانَ ‪ ،‬قَا َل‪َ :‬وعبد هللا بْن َو ْهب شي ٌخ دجّال‪ ،‬يضع ال َح ِديث على الثقات‪ ،‬ال يح ّل ذكــره فِي ْالكتب ِإالَّ َعلَى َس ـبِ ِ‬
‫فِي ِه»‪ .‬ابن الجوزي‪ ،‬الموضوعات ‪.268 :2‬‬
‫‪ )(673‬انظر‪ :‬أبو طالب الم ّكي‪ ،‬قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصفـ طريـقـ المريــد إلى مقــام التوحيــد ‪:2‬ـ ‪403‬؛‬
‫الغزالي‪ ،‬إحياء علوم الدين ‪.26 :2‬‬
‫‪ )(674‬الخصال ‪.404 :2‬‬
‫‪ )(675‬لمزي ٍد من االطالع انظر‪ :‬العيني‪ ،‬شرح سنن أبي داوودـ ‪ :1‬ـ ‪550‬؛ المظفَّر‪ ،‬اإلفصاحـ عن أحوال رواة الصــحاح‬
‫‪.437 :2‬‬
‫ٌ‬
‫‪ )(676‬وهذا في دروسه الصوتية المنشورة في موقعه الرسمي‪ :‬بحوث فقهية‪ ،‬زواج العقيم وتنظيمـ األسرة‪.3 :‬‬
‫‪ )(677‬دعائم اإلسالم ‪.191 :2‬‬
‫‪ )(678‬مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ‪162 :14‬‬
‫‪ )(679‬عبد الر ّزاق الصنعاني‪ ،‬المصنَّفـ ‪162 :6‬؛ السيوطي‪ ،‬الجامع الكبير ‪.87 :15‬‬
‫قلت لرسول هللا|‪ :‬أوّل شي ٍء خلقه هللا تعالى ما هو؟ فقال‪ :‬نور نبيِّك‪ ،‬يا جابر‪ ،‬خلقه هللا‪،‬‬ ‫‪ )(680‬عن جابر بن عبدهللا قال‪ُ :‬‬
‫ث ّم خلق منه ك ّل خير‪( .‬بحار األنوار ‪.)24 :15‬‬
‫‪ )(681‬بحار األنوار ‪.97 :1‬‬
‫‪ )(682‬بحار األنوار ‪.309 :54‬‬
‫‪ )(683‬نهاية الدراية ‪.418 :3‬‬
‫وقد صدر مثل هذا الكالم من السيد الخميني&‪ ،‬في التعليقة على الفوائد الرضوية‪ 56 :‬ـ ‪ ،57‬حيث قال‪« :‬فمقام واليــة‬
‫هللا المطلقة مظهر اسم هللا األعظم‪ ،‬مفتتح سلسلة الوجود ومختتمهــا‪ ،‬وأوّلهـاـ وآخرهــا‪ ،‬فهي كنقطـ ٍة سـيّالة في مراحــل‬
‫وإن كان يفيد الغاية؛ لمكان الالم‪،‬‬ ‫الوجود‪ ،‬منها البدوّ‪ ،‬وإليها الرجوع‪ .‬وقوله×‪« :‬نحن صنائع هللا‪ ،‬والخلق صنائع لنا» ْ‬
‫أن الغاية والفاعل متّحدان‪ ،‬خصوصا ً في الفواعل المق ّدسة عن كدورة الما ّدة ولواحقهــا‪ ،‬كمــا هــو المــبيَّن في محلِّه‪،‬‬ ‫إالّ ّ‬
‫والمحقق عند أصحاب الحكمة المتعاليــة‪ .‬فــإذا كـان لهم× مقــام المشــيئة المطلقـة‪ ،‬وســائر النــاس كتعيُّنـاتهم‪ ،‬كـانت لهم‬ ‫َّ‬
‫القيّوميّة على الناس»‪.‬‬
‫والسيد& استفاد من الرواية الشريفة الوالية المطلقة لألئ ّمة^ على أساس نقطتين‪:‬‬
‫إن «صنائع» جمع صنيع‪ ،‬وهو مصدر صـنَع بمعــنى عمــل‪ .‬وهــذا المصــدر يكــون بــالمعنى المفعــولي‪ ،‬وهــو‬ ‫األولى‪ّ :‬‬
‫المصنوع‪ ،‬وعليه يكـون معـنى كالم اإلمـام×‪ :‬نحن مصـنوعون هلل‪ ،‬والخلـق ــ وهـو عـالم الخلـق‪ ،‬أي عـالم الشـهادة ـ‬
‫ع لنا‪.‬‬ ‫مصنو ٌ‬
‫إن «لنا»؛ لمكان الالم‪ ،‬تد ّل على أنّهم علّةٌ غائية للخلق‪ ،‬ال علّةٌ فاعلية‪ ،‬فال يثبت أنّهم علّة فاعلية لعالم الخلــق‪.‬‬ ‫الثانية‪ّ :‬‬
‫إن العلّة الغائية هي عين العلّة الفاعلية؛ ولذلك قــال صــدرـ المتــألِّهين&‪« :‬إنّــك لــو‬ ‫فيقول السيد&‪ ،‬ر ّداً على هذا الكالم‪ّ :‬‬
‫بح َسـب االعتبــار »‪.‬‬ ‫وجـ ْدتَها في الحقيقــة عين العلّــة الفاعليــة دائمـاً‪ ،‬إنّمــا التغــاير َ‬
‫ق النظر إلى العلّــة الغائيــة َ‬ ‫نظرْ تَ ح ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫(األسفار ‪ .)270 :2‬وبذلك استفاد السيد& من هذا النصّ أنّهم^ علةٌ فاعلية لعالم الخلق‪ ،‬كما أنّهم علةٌ غائيّة له‪.‬‬
‫الصـنع»‬ ‫أن « ُّ‬ ‫ألن «صــنائع» جمــع صــنيع أو صــنيعة‪ ،‬والصــنيع مصــدر «صــنع»‪ ،‬كمــا ّ‬ ‫وال يمكن قبول هذا الــدليل؛ ّ‬
‫مصد ٌر له‪ .‬وكالهما يأتيان بالمعنى المفعولي‪ ،‬والصُّ نع بالمعنى المفعــولي هــو كــلُّ مــا ُخلــق من شــي ٍء‪ ،‬كقولــه تعــالى‪:‬‬
‫َي ٍء﴾ (النمل‪ .)88 :‬وهذا المعنى المفعولي لهذا المصدرـ يثبت دعوى السيد&؛ ألنّه على هـذا‬ ‫ص ْن َع هللاِ الَّ ِذي َأ ْتقَنَ ُك َّل ش ْ‬ ‫﴿ ُ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫المعــنى يكــون مفــاد الروايــة‪« :‬نحن مخلوقــون هلل‪ ،‬والخلــق مخلــوق لنا»‪ .‬إال أن جمــع هــذا المصــدر يكــون «أصــناع‬
‫وصُنوعـ»‪ ،‬والرواية لم تقُلْ ‪« :‬نحن أصـناع هللا أو صـنوعه»‪ ،‬بـل قـالت‪« :‬نحن صـنائع هللا»‪ ،‬وصـنائعـ جمـع صـنيع‪،‬‬
‫خير وجميل‪ ،‬كقولك‪« :‬ال أنسى صــنيعك»‪ ،‬أي جميلــك‪ .‬وهــذا المعــنى‬ ‫والصنيع بالمعنى المفعولي هو ك ّل ما عُمل من ٍ‬
‫فيما إذا كان الشيء صنيعاًـ للفاعل المختار؛ وأ ّما إذا كان الشخص صنيعا ً للفاعل المختــار فمعنــاه المــؤ ّدب بأدبــه‪ ،‬كمــا‬
‫موضع آخــر قــال‪« :‬اصــطنع‬ ‫ٍ‬ ‫قال صاحب محيط المحيط‪« :‬وهو صنيعي‪ ،‬أي الذي اصطنعته وربيَّته وخرَّجته»‪ ،‬وفي‬
‫فالن‪ :‬ثمــرة‬
‫ٍ‬ ‫عنــده صــنيعة أي أحســن إليــه وأ َّدبــه وربَّاه وخرَّجه»‪ .‬و ُذكـرـ في المعجم الوســيط‪« :‬ويُقــال‪ :‬فالن صــنيع‬
‫ٌ‬
‫أن فالنا ً صنيع فال ٍن يعني المؤ ّدب بأدبه‪ ،‬والمربّى بتربيتــه‪ .‬وعلى ضــوء هــذا‬ ‫تربيته‪ ،‬وربيب نعمته»‪ .‬ومن هنا يظهرـ ّ‬
‫ّ‬
‫المعنى عندما قال اإلمام×‪« :‬نحن صــنائع هللا» يقصــد أنهم مؤ ّدبــون بأدبــه تعــالى‪ ،‬و ُمربَّون بتربيتــه‪ .‬ولــذلك رُوي عن‬
‫النب ّي| أنّه قال‪« :‬أ َّدبني ربّي فأحسن تأديبيـ»‪( .‬بحار األنوار ‪:16‬ـ ‪ .)212‬وعندما قال‪« :‬والخلق صنائع لنا» يقصد من‬
‫الخلق الناس؛ فإنّهمـ مؤ َّدبون بأدبهم ومربَّون بتربيتهم‪ .‬والرواية بهــذا المعــنى ال عالقــة لهــا بالواليــة المطلقـة‪ ،‬ب َح َسـب‬
‫تعبير السيد الخميني&‪ ،‬بل تد ّل على دَوْ رهم التهذيبيـ للنفوس‪ ،‬وتربيتهمـ لها‪ ،‬وذلك بهدايتهم إلى الطريقـ الموصــل إلى‬
‫هللا تبارك وتعالى‪ .‬هذا هو المعنى الظاهر من النصّ فيما لو كان كما نُقل‪ .‬وأ ّما النصّ الموجـودـ في نهج البالغـة فهـو‪:‬‬
‫«فإنّا صنائع ربّنا‪ ،‬والناس بعد صنائع لنا»‪ .‬وفيـ هذا النصّ ال يُحتَ َمل الوالية المطلقــة؛ ألنّــه ال يعقــل أن تكــون ذواتهمـ‬
‫ألن الوساطة تكون من جهة كونهمـ في مرتبــة‬ ‫المق ّدسة واسطةً في صنع الناس‪ ،‬دون بقية الموجودات في عالم الخلق؛ ّ‬
‫العلّة لوجودـ هذا العالم‪ ،‬وهذه الجهة ال تقتصر على الناس‪ ،‬بل تكون بالنسبة إلى ك ّل الموجودات في عالم الخلق‪ .‬ومن‬
‫أن هذه الرواية ليست بصددـ إثبات كونهم علالً فاعليّــة للنــاس‪ ،‬بــل بصــدد بيــان‬ ‫قصر الصنائع لهم على الناس نكتشف ّ‬
‫ك في مــا اســتظهرناه من‬ ‫أمر آخر يقتصر عليهم‪ ،‬وهو كونهم مؤ َّدبين بأدبهم‪ ،‬فحينئ ٍذ ال يبقى في هذا النصّ مجــا ٌل للشـ ّ‬ ‫ٍ‬
‫النصّ السابق‪.‬‬
‫وإضافةً إلى المعنى المتقدِّم‪ ،‬هناك معن ًى آخر للصنيع‪ ،‬قد م ّر في كالم صاحب محيط المحيط‪« :‬اصطنع عنده صــنيعةً‬
‫أن الشــيخ الطــريحي في‬ ‫أن المعجم الوسيطـ قال‪« :‬اصطنع عند فال ٍن صنيعةً‪ :‬أحســن إليه»‪ .‬كمــا ّ‬ ‫أي أحسن إليه»‪ .‬كما ّ‬
‫فالن صنيعة‪ :‬أحسنت إليه»‪ .‬وعلى ضوء هذا المعنى يمكن استفادة معنى آخــر‬ ‫ُ‬ ‫ً‬ ‫ٍ‬ ‫مجمع البحرين قال‪« :‬واصطنعت عند‬
‫للنصّ المتقدِّم‪ .‬ويتوقَّفـ بيانه على ع ّدة أمور‪:‬‬
‫إن الواسطة في الثبوت تأتي بمعنيين‪:‬‬ ‫األمر األ ّول‪ّ :‬‬
‫المعنى األ ّول‪ :‬ما هو علّة لثبوت الوصفـ للموصوفـ في الواقع‪ ،‬كالنار بالنسبة للحــرارة؛ فإنّهــا علّـةٌ لثبــوت الحــرارة‬
‫للماء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫المعنى الثاني‪ :‬ما يتصف بالوصف باألصالة‪ ،‬وبواسطته يتصـفـ الشــيء اآلخــر بــه بــالتبَع‪ ،‬كالقــدر على النــار‪ ،‬فإنــه‬ ‫ّ‬
‫يتّصف بــالحرارة باألصــالة‪ ،‬ويكــون واسـطةً في اتّصـاف الطعــام بهــا بــالتَّبَع‪ .‬والفــرق بين المعـنى األوّل والثـاني ّ‬
‫أن‬
‫الوصف في المعنى األوّل قائ ٌـم بالواسطة قياما ً صدورياً‪،‬ـ فتكون الواسطة علّةً له؛ بينما الوصفـ في المعنى الثاني قــائ ٌم‬
‫أن الواســطة تكــون موصــلةً الوصــف إلى‬ ‫بالواسطة قياما ً حلوليّاً‪ ،‬كما أنّه قائ ٌم بذي الواسطة قياما ً حلوليّاً‪ ،‬غاية األمــر ّ‬
‫ذي الواسطة‪ ،‬فتتّصفـ به باألصالة‪ ،‬وذو الواسطة يتّصف به بالتَّبَع‪.‬‬
‫سي﴾ (طه‪ ،)41 :‬أي اخترتُك لنفسي؛ للقيــام‬ ‫اصطَنَ ْعتُ َك ِلنَ ْف ِ‬
‫ق موسى×‪ْ ﴿ :‬‬ ‫إن هللا ـ تبارك وتعالىـ ـ قال في ح ّ‬ ‫األمر الثاني‪ّ :‬‬
‫بمه ّمة هداية الناس‪.‬‬
‫إن الالم تأتي بمعنى التعليل كقولك‪« :‬اعتراني الحزن لفراقك»‪ .‬وعليه‪ ،‬الالم في قــول اإلمــام×‪« :‬النــاس‬ ‫األمر الثالث‪ّ :‬‬
‫صنائع لنا» يعني بواسطتنا‪.‬ـ‬
‫ي للصنيع ـ وهو َم ْن يُحسن إليه ـ‪ ،‬يظهر المعنى اآلخر لقول اإلمــام×‪:‬‬ ‫وبعد هذه األمور‪ ،‬مع االلتفات إلى المعنى اللغو ّ‬
‫َّ‬
‫ويتفض ـل‬ ‫أن هللا اصطنعهمـ لنفسه ألداء الرسالة اإللهيّة‪ ،‬فيُحسن إليهم برفع قَ ْدرهمـ ومنـزلتهم‪،‬‬ ‫«فإنّا صنائع هللا»‪ ،‬يعني ّ‬
‫إن هللا يتفضَّل عليهم باإلحســان إليهم برفــع منـــزلتهم‪،‬‬ ‫عليهم بالكماالت المعنوية والفضائل‪ ،‬و«الناس صنائع لنا»‪ ،‬أي ّ‬
‫ّ‬
‫ألن النــاس بواســطتهمـ تصــل إلى الخــيرات‪ ،‬وأن طــاعتهم يــؤول إلى‬ ‫ويتفضَّل عليهم بالكماالت والفضائل بواسطتهم؛ـ ّ‬
‫بح َسب هــذه الواليــة لألئ ّمة× تكــون‬ ‫فعلها‪ .‬وهذا المعنى يوافقـ الوالية المعنوية‪ ،‬التي آمن بها العالّمة الطباطبائي&؛ إذ َ‬
‫لهم السلطة على الجهة ال َملَكوتية في النفوس؛ من أجل اتّصالهم بعالم األمر‪ ،‬فيُوصلون النفــوس المســتع ّدة إلى غاياتهــا‬
‫التكوينية من الدرجات المعنوية‪ .‬وبالنتيجة يكون النب ّي| وآلــه األطهــار^ واســطةً بــالمعنى الثــاني للواســطة في الثبــوت‬
‫بالنسبة إلى الكماالت والفضائل لأل ّمة‪ ،‬ال الواسطة بالمعنىـ األوّل بالنسبة إلى وجــود عــالم الخلــق‪ ،‬حتّى تكــون ذواتهم‬
‫المطهَّرة علالً فاعليّة‪ ،‬وبالتالي تكون واسطة في الثبوت للفيض‪ ،‬كما ذهب إليها السيد&‪ .‬وعليه‪ ،‬فهذه المقولة ال تشــير‬
‫إلى وساطتهم الثبوتيــة لوجــود هــذا العــالم‪ ،‬بــل تــد ّل على القــدر والمنـــزلة لهم عنــد هللا‪ ،‬وتمتُّعهمـ بالكمــاالت المعنويــة‬
‫والفضائل‪ ،‬كما يُنبئ عن ذلك السياق؛ إذ قال×‪« :‬ولوال ما نهى هللا عنه‪ ،‬من تزكيــة المــرء نفســه‪ ،‬لــذكر ذاكـ ٌر فضــائلـ‬
‫ج ّمة‪ ،‬تعرفهاـ قلوب المؤمنين»‪ ،‬ث ّم قال× هذه المقولة المشهورة‪.‬‬
‫هذا كالمنا بالنسبة إلى النقطة األولى من بيان السيد الخميني&‪.‬‬
‫ـحيح؛ إذ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأ ّما كالمنا بالنسبة للنقطة الثانية فما قاله صدر المتألِّهين& من عينيّة العلة الغائيّة للعلة الفاعليّة دائما غي ُر صـ ٍ‬
‫ً‬
‫هذه العينيّة ثابتة في الفاعل غير المستكمل بفعله‪ ،‬وسيأتي توضيحهاـ في الهامش الالحق‪.‬‬
‫‪ )(684‬كلِّيات علم الرجال‪.420 :‬‬
‫أن الواحد ينقسم إلى قسمين‪:‬‬ ‫‪ )(685‬ال بُ َّد من اإلشارة إلى ّ‬
‫القس‪66‬م األ ّول‪ :‬الواحــد الحقيقي‪ ،‬وهــو مـا اتّصـف بالوحــدة لذاتـه من دون واســط ٍة في العــروض‪ ،‬كزيـ ٍد‪ ،‬فإنّــه اتّصــف‬
‫بالوحدة لذاته‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الواحــد غـير الحقيقي‪ ،‬وهــو مــا اتّصــف بالوحــدة بواســط ٍة في العــروض‪ ،‬كزيـ ٍد وعمــرو المتحــدين في‬
‫اإلنسان‪ ،‬الذي هو واح ٌد نوع ّي‪ ،‬وهما اتّصفا بالوحدة ألجل وحدة نوعهما‪ ،‬فصاراـ واحداً بــالنوع‪.‬ـ والوحــدة في الواحــد‬
‫الحقيقي إ ّما تكون صفةً للوجودـ أو صفةً للمفهوم‪.‬‬
‫ـان لــه‪ ،‬كــالواجب تعــالى‪ ،‬فتكــون وحدتــه‬ ‫ً‬
‫أ ّما الوحدة التي هي صفة الوجودـ فإ ّما أن تكون صفة لوجو ٍـد يمتنــع فــرض ثـ ٍ‬
‫ً‬
‫ثان له كبقيّة الموجودات‪ ،‬فتكون وحدته وحــدة حقيقيّــة عدديــة‪ .‬والواحــد بالوحــدة‬ ‫وحدةً حقيقية حقّة؛ وإ ّما يمكن فرض ٍ‬
‫العدديـة إ ّمـا يمتنـع انقسـامه‪ ،‬بحيث ال يمكن تب ُّدلـه إلى الكثـير‪ ،‬كمـا في المجـرَّدات‪ ،‬فيمكن تسـميتها بالوحـدة الحقيقيـة‬
‫وإن كـانت هـذه‬ ‫الظلِّية‪ ،‬في مقابل الوحدة الحقيقيـة األصـلية للـواجب تعـالى‪ ،‬الـذي تكـون وحدتـه وحـدةً حقيقيّـة حقَّة‪ْ ،‬‬
‫أن الوجود المنبسط هــو الواحــد بالوحــدة الحقيقيــة الظلّيــة؛ وإ ّمــا ال‬ ‫التسمية على خالف مصطلح العرفاء؛ فإنّهم ي َروْ ن ّ‬
‫يمتنع انقسامه‪ ،‬بل يمكن تب ُّدله إلى الكثير‪ ،‬كما في الما ّديات‪ ،‬فتس ّمىـ بالوحدة الحقيقية االتصالية‪.‬‬
‫فإن كانت تا ّمـ ةً‪ ،‬بحيث تمثِّل تمــام الــذات ألفرادهــا‪،‬‬ ‫وأ ّما الوحدة التي هي صفةٌ للمفهوم فإ ّما أن يكون المفهوم ماهويّاً‪ْ ،‬‬
‫تُس ّمى بالوحدة النوعية؛ وإذا كانت غي َر تا ّم ٍة‪ ،‬بحيث تمثِّل جزء الذات ألفرادها‪ ،‬تُسمى بالوحدة الجنسيّة‪ .‬وأ ّمــا الوحــدة‬
‫الفصلية فهي مالزمةٌ للوحدة النوعية‪ ،‬ولذلك ال تُعتبر قسما ً برأسها‪.‬ـ وإ ّما أن يكون المفهــوم عنوانيـاً‪ ،‬كمفهــوم الوجــود‬
‫واإلمكان‪ ،‬فتُس ّمىـ بالوحدة العنوانية‪.‬‬
‫أن عــالم‬ ‫إن تلك العوالم العلوية فواعل بالتســخير‪،‬ـ على قــول المشــائيين؛ وأ ّمــا العرفــاء فــإنّهم يـ َروْ ن ّ‬ ‫‪ُ )(686‬ربَما يُقال‪ّ :‬‬
‫أن عالم الجبروتـ في بداية قوس النـزول لــه‬ ‫الجبروت فاع ٌل بالتجلّي‪ .‬وعلى أساس هذه الرؤية ذهبوا إلى ما تق َّدم‪ ،‬من ّ‬
‫غاية في نهاية قوس الصعود‪ ،‬وهي النفس اإلنسانية في مرتبة السرّ‪ ،‬فيتّحد ذو الغاية بالغاية عند انتهاء دائرة الوجود؛ـ‬
‫ممكن له‪ ،‬فال تُتص َّور له غايةٌ زائدة على ذاته‪ ،‬فتكون الغايــة عينُ‬ ‫ٍ‬ ‫كمال‬
‫ٍ‬ ‫ي‬‫ألن عالم الجبروت مج ّر ٌد تا ّم‪ ،‬ليس فاقداًـ أل ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن الغاية الزائدة على ذات الفاعل تُتص َّورـ في الفاعل المستكمل بفعله‪ ،‬كالنفس الناطقة المتعلِّقة باألبدان‪.‬‬ ‫ذاته؛ ّ‬
‫وقبل الر ّد على هذه المقولة ال بُ َّد من ذكر مق ّدمتين‪:‬‬
‫إن الفعل االختياريـ يصدر من اإلنسـان بمبـادىء ثالثــة في القــوى النفســانيّة‪ ،‬وهي‪ :‬القـوّة المدركـة‪،‬‬ ‫المقدّمة األولى‪ّ :‬‬
‫والقوّة الباعثة‪ ،‬والقوّة الفاعلة‪.‬‬
‫تصورـ الفعل والتصديقـ بفائدته‪ .‬وهذا هو المبدأ البعيد‪.‬‬ ‫ُّ‬ ‫األ ّول‪ :‬المبدأ المتعلِّق بالقوّة المدركة هو العلم‪ ،‬من‬
‫الثاني‪ :‬المبدأ المتعلِّق بالقوّة الباعثة هو الشوقـ واإلرادة‪ .‬وهذا هو المبدأ المتوسِّط‪.‬ـ‬
‫الثالث‪ :‬المبدأ المتعلِّق بالق ّوة الفاعلة هو القوّة المنبثَّة في العضالت‪ .‬وهذا هو المبدأ القريب‪.‬‬
‫ألن النفس اإلنســانية فاقــدةٌ‬ ‫وإضافةً إلى هذه المبادىء الثالثة في القوى النفســانية ال بُـ َّد من فائــد ٍة تــترتَّب على الفعــل؛ ّ‬
‫ق إلى الفعل؛ لنيل ذلك الكمال المترتِّب عليه‪.‬‬ ‫للكمال المتمثِّل بتلك الفائدة‪ ،‬فيحبّه‪ ،‬وبحبّه للكمال يحصل له شو ٌ‬
‫أن الفعل االختياري‪ ،‬إضافةً إلى المبادىء الثالثة‪ ،‬يتق َّوم بالغاية التي تدعو الفاعل إلى الفعل‪ .‬وفي الحقيقة‬ ‫وبهذا يظهرـ ّ‬
‫ّ‬
‫ـأخرـ ال يمكن أن يكــون علـةً‬ ‫الغاية ليست علةً للفعل االختياري؛ ألنّهــا بوجودهـاـ الخــارجي مترتِّبـةٌ على الفعــل‪ ،‬والمتـ ِّ‬ ‫ّ‬
‫للمتقدِّم؛ وبوجودها الذهن ّي تؤثِّر في الفعل على نحو الشــرطيّة‪ ،‬ال على نحــو العلّــة المــؤثِّرة؛ فالعلــة المــؤثرة هي حبّ‬
‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫ي أربعــة‪ :‬األ ّول‪:‬‬ ‫الكمال المتمثِّل بالغاية‪ .‬وبالنتيجة العلّة الغائيــة هي حبّ الكمــال‪ .‬فصــارت المبــادىء للفعــل االختيــار ّ‬
‫العلم‪ ،‬الثاني‪ :‬الشوق واإلرادة‪ ،‬الث‪66‬الث‪ :‬القـوّة‪ ،‬الرابع‪ :‬الحبّ للكمــال المتمثِّل بالغايــة‪ ،‬الــذي يســريـ إلى الفعــل‪ .‬وهــذه‬
‫بعض‪ ،‬ويفــترق جميعهــا عن الفاعــل في الفاعــل المســتكمل بفعلــه‪ ،‬مثــل‪ :‬النفس الناطقــة‬ ‫ٍ‬ ‫بعضـها عن‬
‫ُ‬ ‫المبادىء يفترق‬
‫المتعلِّقة بالبدن‪ ،‬ويتّحد الجميع مع الفاعل في الفاعل المجرّد التا ّم؛ لمكان بساطة وجوده‪.‬‬
‫وال بُ َّد من معن ًى جامع لهذه المبادىء‪ ،‬غير ما هو موجو ٌـد في الفاعل المستكمل بفعله؛ حتّى تتحقَّق في الفاعل المجرّد‪.‬‬
‫فالعلم هو حضور الفعل لدى الفاعل‪ ،‬أع ّم من أن يكون بصورته أو بنفسه‪ .‬وهــذا المعــنى للعلم يشــمل العلم الحصــوليـ‬
‫والعلم الحضــوري‪ ،‬فيتحقَّقـ في الفاعــل المســتكمل بفعلـه‪ ،‬كــالنفس الناطقــة‪ ،‬وغــير المســتكمل بفعلــه‪ ،‬كــالمجرّد التــام‪.‬‬
‫والشوقـ هو حبّ الفاعل لفعله‪ ،‬فيتحقَّق في الفـاعلين‪ .‬واإلرادة هي اقتضـاء الفاعـل بمـا هـو عـال ٌم بفعلـه المالئم لذاتـه‪،‬‬
‫ي فاع ٍل تكــون لــه هــذه‬ ‫فتتحقَّق في الفاعلين أيضاً‪ .‬والقوّة هي المبدئيّة للفعل‪ ،‬فتتحقَّقـ في الفاعلين؛ إذ من الواضح ّ‬
‫أن أ ّ‬
‫َّ‬ ‫ً‬
‫المبدئيّة‪ ،‬وإالّ لما صدر منه الفعل‪ .‬وهذه المبدئية ال بُ َّد أن تكون عن إراد ٍة حتّى يكون الفعل اختياريّــا‪.‬ـ واإلرادة تتوقف‬
‫على وصفين‪ ،‬هما‪ :‬العلم؛ والحبّ ‪ .‬فالعلم في الفاعل المستكمل بفعله حصــول ّي‪ ،‬ويكــون زائــداً على ذاتـه‪ ،‬وفي الفاعــل‬
‫غير المستكمل حضوريّ‪ ،‬ويكون عين ذاته‪ .‬والحبّ في الفاعل األوّل يتمثَّل بالشوق‪ ،‬والحبّ المتمثِّل بــه يكــون زائــداً‬
‫على ذات الفاعل؛ وفي الفاعل الثاني ال يتمثَّل به‪ ،‬بل بنفســه يــوجب اقتضــاء الفاعــل لفعلــه‪ .‬والحبّ يكــون عين ذاتــه‪،‬‬
‫واإلرادة في الفاعل األوّل تتمثَّل بالشوقـ المؤ َّكد أو القصد‪ ،‬واإلرادة المتمثِّلة بأحـدهما تكـون زائـدةً على ذات الفاعـل؛‬
‫وفي الفاعل الثاني ال تتمثَّل بذلك‪ ،‬بل بنفسها توجب صدورـ الفعل‪ .‬وهذه اإلرادة تكون عين ذات الفاعل‪ ،‬وبذلك يكــون‬
‫الفاعل مريداً باإلرادة الذاتية‪ .‬وبوصف العلم والحب تت ّم اإلرادة ــ وهي اقتضـاء الفعـل ــ‪ ،‬وبهـا يصـدرـ الفعـل‪ .‬وبهـذا‬
‫البيان يظهر الفرق بين الفاعلين في مبادىء االختيار‪.‬ـ‬
‫فإن العلّة الغائية للفعل هي حبّ الفاعل لما يراه كماالً له‪ ،‬ســوا ٌء أكــان كمــاالً حاصـالً‬ ‫المقدمة الثانية‪ :‬ونتيجةً لما تق َّدم ّ‬
‫ّ‬
‫قبل الفعل‪ ،‬مثل‪ :‬الفاعل العلمي غير المستكمل بفعله؛ فليس له غايةٌ زائدة على ذاته‪ ،‬والعلة الغائية له هي حبُّه للكمال‪،‬‬
‫الذي هو عين ذاته‪ ،‬فيحبّ الفعل بتَبَع حبّه لذاته؛ لكونه أثراً له؛ أو كان كماالً حاصالً بعد الفعــل‪ ،‬مثــل‪ :‬الفاعــل العلمي‬
‫فإن له غايةً زائدةً تُعتبرـ كماالً له‪ ،‬والذي يحصل بفعله‪ ،‬والعلّة الغائيــة هي حبُّه لــذلك الكمــال‪ ،‬ويحبّ‬ ‫المستكمل بفعله‪ّ ،‬‬
‫الفعل ألجل الوصول إلى ذلك الكمال‪ .‬فالفعل في الصورتين مقصو ٌد بالتَّبَع‪ ،‬والمقصود بالذات هو كمال الفاعل‪.‬‬
‫بأن عالم الجبروت فاع ٌل بالتجلّي‪ ،‬فال تكون له غايةٌ إالّ ذاتــه‪ ،‬فال‬ ‫وعلى أساس هذه المق ّدمة نر ّد على المقولة السابقة ـ ّ‬
‫ّ‬
‫إن العلــة الغائيّــة‬ ‫بُ َّد أن تكون نهاية قوس الصعودـ هي ذات عالم الجبروت‪ ،‬حتّى تتّحد الغاية مع ذي الغاية ـــ‪ ،‬ونقــول‪ّ :‬‬
‫هي حبّ الكمال في المجرّد التا ّم‪ ،‬فإنّه عندما يعقل ذاته تكون ذاته حاضرةً لديه‪ ،‬وليست بغائبـ ٍة عنـه‪ ،‬وهـذا يعـني أنـه‬
‫ّ‬
‫وإن حبّ الشــيء يســتلزمـ حبّ لوازمــه وآثــاره‪ ،‬فيحب الفعــل بتَبَــع حبّ ذاتــه‪ ،‬وبــذلك حبّــه لذاتــه‬ ‫يعلم بذاتــه ويحبّهــا‪ّ .‬‬
‫أن كــون‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫باألصالة حبٌّ لفعله بالتَّبَع‪ ،‬فيقتضيـ صدوره من حيث كونه عالما به ومحبّـا لــه‪ ،‬فيصــدرـ منــه‪ .‬وهكــذا يثبت ّ‬
‫إن هــذه الغايــة هي ذاتهــا بعــد‬ ‫الفاعل المجرّد فاعالً لغاي ٍة ال يقتضي أن تكون تلك الغاية بعد صدور الفعل‪ ،‬حتّى يُقال‪ّ :‬‬
‫ّ‬
‫الحركة االستكمالية للنفس اإلنسانيّة‪ ،‬وبالتاليـ تتَّحد الغاية مع ذي الغاية؛ إذ الغاية ليست علةً لصــدورـ الفعــل‪ ،‬بــل حبّ‬
‫الغاية هو العلّة لصدورـ الفعل؛ ألنّه يسري منها إلى الفعل‪ ،‬وهذه العلّة موجودةٌ في الفاعل غير المســتكمل بالنســبة إلى‬
‫أوضحْ نا‪.‬ـ‬
‫َ‬ ‫فعله في مرتبة ذاته‪ ،‬كما‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫وبالنتيجة إ ّما يكون عالم الجبروت فاعالً بالتسخير‪ ،‬كما يقول بـه المشـاء؛ وتـد ّل عليـه اآليـات الكريمـة أيضـا‪ ،‬كقولـه‬
‫‪6‬ر ُه ْم﴾ (التحــريم‪ ،)6 :‬إذ يُســتفاد من‬ ‫ص ‪6‬ونَ هللاَ َم‪66‬ا َأ َم‪َ 6‬‬
‫تعالى‪َ ﴿ :‬و ُه ْم بَِأ ْم ِر ِه يَ ْع َملُونَ ﴾ (األنبياء‪ ،)27 :‬وكقوله تعالى‪﴿ :‬الَ يَ ْع ُ‬
‫ق‪ ،‬وال يمكن له مخالفته أصالً ـ‪،‬‬ ‫هاتين اآليتين أنّهم فواعل بالتسخيرـ ـ بمعنى الفاعل الذي يريد ما يريده الح ّ‬
‫‪ )(687‬الحديث المشهورـ في ألسنة العرفاء‪ .‬مسند أحمد ‪.154 :2‬‬
‫‪ )(688‬بحار األنوار ‪.136 :18‬‬
‫َت‬ ‫ت عاد ْ‬ ‫ت منها‪ ،‬وأقامت في بيت زكريّا حتّى إذا طه َُر ْ‬ ‫ت خر َج ْ‬ ‫حاض ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ )(689‬وقيل‪ :‬إنّها كانت تقيم في المسجد حتّى إذا‬
‫ت بينها وبين أهلهــا حجابـاً؛ لتغتســل‪ ،‬إذ دخــل عليهــا‬ ‫إلى المسجد‪ .‬فبينما هي في مشرف ٍة لها في ناحية الدار‪ ،‬وقد ضربَ ْ‬
‫ت باهلل منه‪( .‬الميزان في تفسير القرآن ‪.)35 :14‬‬ ‫ي ال َخ ْلق‪ ،‬فاستعا َذ ْ‬
‫جبرائيل في صورة شابٍّ أمرد‪ ،‬سو ّـ‬
‫إن المعجزات الصــادرة من األنبيــاء^ هي من الواليــة التكوينيــة بــالمعنى المتقـدِّم‪ .‬وتوضــيح ذلــك‪ :‬يت ّم من خالل‬ ‫‪ّ )(690‬‬
‫مرحلتين‪:‬‬
‫أن إذن هللا هو بمعنى إرادة هللا ـ تبارك وتعالى ـ‪ .‬ويثبت ذلك بعد بيان نقطتين‪:‬‬ ‫المرحلة األولى‪ّ :‬‬
‫إن للعلّة التا ّمة المر َّكبة ثالثة أجزاء‪:‬‬ ‫النقطة األولى‪ّ :‬‬
‫َّ‬
‫ألن اإلحراق يتولد منها‪.‬‬ ‫مقتض لإلحراق؛ ّ‬ ‫ٍ‬ ‫األ ّول‪ :‬المقتضي‪ ،‬وهو ما يقتضي الوجود للمعلول‪ .‬فمثالً‪ :‬النار‬
‫ّ‬
‫بالمماس ـة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫ِّ‬ ‫ّ‬
‫الثاني‪ :‬الشرط‪ ،‬وهو مت ِّمم فاعلية الفاعل‪ ،‬الذي هو المقتضي‪ ،‬كالمماسّة للنار؛ فإن النار ال تؤثرـ بالفعــل إال‬
‫فتكون مت ِّممةً لفاعلية النار‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عدم المانع‪ ،‬هو العدم المت ِّمم لقابليّة القابل؛ إذ وجود المانع يمنع عن تأثير المقتضــي في القابــل‪ .‬مثــل‪ :‬رطوبــة‬
‫أن هذه القابليّة الذاتيّة ال بُ َّد أن ينض ّـم إليها أم ٌر آخــر؛ حتّى‬ ‫وإن كان في ح ّد ذاته قابالً لالحتراق‪ ،‬إالّ ّ‬ ‫الحطب‪ ،‬فالحطب ْ‬
‫يتأثَّر الحطب بالفعل‪ ،‬ويقبل اإلحراق‪ ،‬وهو عدم الرطوبة‪.‬‬
‫ومن هنا يظهرـ أن تأثير ك ّل جــز ٍء من أجــزاء العلّــة في المعلــول يختلــف عن تــأثير الجــزء اآلخــر؛ فالمقتضـيـ يفيض‬
‫الوجود‪ ،‬ويكون فاعالً بمعنى ما به الوجود؛ والشرطـ يؤثِّر في فعليـة التـأثير للمقتضــي؛ وعــدم المـانع يـؤثِّر في فعليــة‬
‫القبول‪ .‬فالشرطـ وعدم المانع يكونان مص ِّححين لفاعليّة الفاعــل‪ ،‬فال بُـ َّد من افـتراض المقتضـي في رتبـ ٍة سـابقة؛ حتّى‬
‫يكون الشرط وعدم المانع مص ِّححين لفاعليته‪.‬‬
‫النقطة الثانية‪ :‬اإلذن هو الترخيص‪ .‬وينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ّ‬
‫‪1‬ـ إذن تشريعي‪ :‬وهو ترخيصٌ ناشئ من عدم المنع الشرعي‪ ،‬كإذن الشارع بشـرب التتن‪ ،‬بمعـنى أنـه رخص بفعلـه‪.‬‬
‫وهذا الترخيص نشأ من عدم الحكم بحرمته‪ .‬وهذا اإلذن تشريع ٌّي‪.‬‬
‫‪2‬ـ إذن تكويني‪ :‬وهو ترخيص في تأثير السبب في المسبَّب‪ ،‬وذلك بعدم المانع التكويني‪ ،‬مثل‪ :‬تأثير النار في اإلحراقـ‬
‫إذن تكويــن ّي لتأثيرهــا‪ .‬وهــذا المعــنى يُســتفاد من العالّمــة‬ ‫من جهــة عــدم المــانع من تأثيرهــا في اإلحــراق‪ .‬وهــذا ٌ‬
‫الطباطبائيـ& في (الميزان في تفسير القرآن ‪:1‬ـ ‪ ،)79‬حيث قال‪« :‬فاألسبابـ تملكت السببيّة بتمليكه تعالى‪ ،‬وهي غــير‬
‫أن اإلذن إنّمــا‬ ‫مستقلّ ٍة في عين أنّها مالكةٌ‪ .‬وهــذا المعــنى هــو الــذي يعبِّر ســبحانه عنــه بالشــفاعة واإلذن‪ .‬فمن المعلــوم ّ‬
‫مقتض موجو ٌد يمنع‬ ‫ٍ‬ ‫يستقيم معناه إذا كان هناك مان ٌع من تصرُّ فـ المأذون فيه‪ .‬والمانع ـ أيضا ً ـ يُتص َّورـ فيما كان هناك‬
‫ب مبــدًأ مــؤثِّرا يقتضــي التــأثير في‬ ‫ً‬ ‫إن في ك ّل ســب ٍ‬ ‫المانع عن تأثيره‪ ،‬ويحول بينه وبين تصرُّ فه»‪ .‬وتوضيح هذا الكالم‪ّ :‬‬
‫ك‬‫ٍ‬ ‫ـ‬ ‫بتملي‬ ‫لـه‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫مالك‬ ‫كونه‬ ‫رغم‬ ‫التأثير‪،‬‬ ‫في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫مستق‬ ‫يكون‬ ‫مسبَّبه‪ .‬وهذا التأثير أعطاه هللا ـ تبارك وتعالى ـ إيّاه‪ ،‬ومع ذلك ال‬
‫مانع يمنع عن هذا التأثير‪ ،‬وبالتالي يحول بين السبب وحصول المسبَّب‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫من هللا؛ إذ يتوقَّفـ على إذ ٍن منه بعدم حصول‬
‫وعليه‪ ،‬المسبَّب في حصوله يحتاج إلى أمرين‪ :‬أ ّوالً‪ :‬إلى إرادة هللا ـ تبارك وتعــالىـ ــ لتــأثير الســبب فيــه؛ وثاني ‪6‬ا ً‪ :‬إلى‬
‫اإلذن في هذا التأثير‪ .‬وعلى ضوء ذلك حمل العالّمة الطباطبائيـ& اإلذن في اآلية الكريمة‪﴿ :‬فَ ‪َ6‬أ ْنفُ ُخ فِي ‪ِ 6‬ه فَيَ ُك‪66‬ونُ طَ ْي‪66‬راً‬
‫ص َوُأ ْحيِي ال َم ْوتَى بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾ على اإلذن التكويني‪.‬‬ ‫بِِإ ْذ ِن هللاِ َوُأ ْب ِرُئ اَأل ْك َمهَ َواَأل ْب َر َ‬
‫وإنّنا ال نوافقه على هذا التفسير؛ إذ القرآن الكريم يستخدمـ اإلذن بمعنى اإلرادة في حصــول األمــور التكوينيــة‪ .‬وأذكــر‬
‫‪6‬ان فَبِ‪ِ6‬إ ْذ ِن هللاِ﴾ (آل عمــران‪:‬‬ ‫‪6‬و َم ا ْلتَقَى ا ْل َج ْم َع‪ِ 6‬‬ ‫نماذج من اآليات الكريمة في هذا المجال‪ ،‬كقوله تعــالى‪َ ﴿ :‬و َم‪66‬ا َأ َ‬
‫ص‪6‬ابَ ُك ْم يَ‪ْ 6‬‬
‫يح ُغ‪ 66‬د ُُّوهَا‬ ‫سلَ ْي َمانَ ال ِّر َ‬ ‫‪ .)166‬وهذه اآلية تتح َّدث عن إصابة المسلمين في ُأحُد بإذن هللا‪ ،‬أي بإرادته؛ وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬ولِ ُ‬
‫س ْلنَا لَهُ َعيْنَ ا ْلقِ ْط ِر َو ِمنْ ا ْل ِجنِّ َمنْ يَ ْع َم ُل بَيْنَ يَ َد ْي ِه بِ ‪ِ6‬إ ْذ ِن َربِّ ِه﴾ (ســبأ‪ .)12 :‬هــذه اآليــة تتحـ َّدث‬ ‫ش ْه ٌر َوَأ َ‬ ‫اح َها َ‬ ‫ش ْه ٌر َو َر َو ُ‬
‫َ‬
‫س نْ تَ ُم‪66‬وتَ ِإال بِ‪ِ6‬إذ ِن هللاِ﴾ (آل عمــران‪.)145 :‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ع ّما ُسخر لسليمان بإذن ربّه‪ ،‬أي بإرادته؛ وقوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َما َكانَ لِنف ٍ‬ ‫ِّ‬
‫س ال تمــوت إالّ بــإذن هللا‪ ،‬أي بإرادتــه؛ وقولــه تعــالى‪َ ﴿ :‬وُأد ِْخ‪َ 6‬ل الَّ ِذينَ آ َمنُ‪66‬وا َو َع ِملُ‪66‬وا‬ ‫ي نف ٍ‬ ‫أن أ ّ‬ ‫وهذه اآلية تتح َّدث عن ّ‬
‫ْ‬
‫ت ت َْج ِري ِمنْ ت َْحتِ َها ا ْن َها ُر َخالِ ِدينَ فِي َها بِِإذ ِن َربِّ ِه ْم﴾ (إبراهيم‪ .)23 :‬وهذه اآلية تتح َّدث عن نعيم الجنّـة‬ ‫َأل‬ ‫ت َجنَّا ٍ‬ ‫صالِ َحا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫ٌ‬
‫للصالحين بأنه خالد بإذن ربّهم‪ ،‬أي بإرادته‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ألن هذه اآليات ليست‬ ‫واآليات التي تتح َّدث عن حصول الوقائعـ بإذن هللا كثيرةٌ‪ .‬واإلذن في هذه اآليات بمعنى اإلرادة؛ ّ‬
‫ناظرةً إلى أسباب هذه الوقائع؛ حتى يُفسَّر اإلذن بالترخيص في التأثير من جهة عدم المانع التكويني‪.‬‬
‫ص ‪6‬فّا ً الَ يَتَ َكلَّ ُم‪66‬ونَ ِإالَّ‬ ‫وح َوا ْل َمالَِئ َك‪ 6‬ةُ َ‬ ‫وأحيانا ً يُستخدمـ اإلذن بمعنى األمر في القرآن الكريم‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬يَ ْو َم يَقُو ُم ُّ‬
‫الر ُ‬
‫ص َوابا ً﴾ (النبأ‪ .)38 :‬وهذه اآلية تتح َّدث عن المالئكة بأنّهم يقومون بطاعة أمــر هللا ـ ـ تبــارك‬ ‫َمنْ َأ ِذنَ لَهُ ال َّر ْح َمنُ َوقَا َل َ‬
‫وتعالى ـ‪ ،‬كما هو حالهم قبل قيام القيامة‪ ،‬فهم بأمره يعملون‪ .‬فاإلذن يكون بمعنى األمر‪.‬‬
‫وأحيانا ً يُستخدمـ اإلذن بمعنى الترخيص فيه‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬قُ ْل َأهللاُ َأ ِذنَ لَ ُك ْم َأ ْم َعلَى هللاِ تَ ْفتَ ‪6‬رُونَ ﴾ (يونس‪ .)59 :‬وهــذه‬
‫أن هللا أذن لكم بــذلك ــ أي ر ّخصــكم في التحليــل‬ ‫اآلية تتحـ َّدث عن التحليــل والتحــريمـ لــرزق هللا ــ تبــارك وتعــالى ـــ‪ّ ،‬‬
‫والتحريمـ ـ‪ ،‬أم على هللا تفترون؟‬
‫هذه هي المعاني الثالثة لإلذن في القرآن الكريم‪ .‬وبعد هذه المعاني نأتي إلى األمورـ التي يتح َّدث عنها القرآن باعتبــار‬
‫ض ‪6‬ا ِّرينَ بِ ‪ِ 6‬ه ِمنْ‬ ‫حصولها من أسبابها‪ .‬وهذه اآليات كثيرةٌ‪ ،‬ونحن نقتصر على آي ٍة واحدة‪ ،‬وهي قوله تعالى‪َ ﴿ :‬و َم‪66‬ا ُه ْم بِ َ‬
‫إن السحر ال يض ّر أحداً إالّ بإذن هللا‪ .‬والسحرـ ســببٌ خــارق للعــادة‬ ‫َأ َح ٍد ِإالَّ بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾ (البقرة‪ .)102 :‬وهذه اآلية تقول‪ّ :‬‬
‫ض َررـ للناس؛ ولذلك المقطع السابق على هذا المقطـع يتحـ َّدث عن تـأثير السـحر بقولـه تعـالى‪﴿ :‬فَيَتَ َعلَّ ُم‪66‬ونَ‬ ‫فيؤثِّرـ في ال َّ‬
‫أن هللا ر َّخص في تــأثير‬ ‫‪6‬ر ِء َوز َْو ِج‪ِ 6‬ه﴾‪ .‬فــإذنُ هللا في هــذه اآليــة يمكن أن يكــون باعتبــار ّ‬ ‫ْ‬ ‫ِم ْن ُه َما َما يُفَ ِّرقُ‪66‬ونَ بِ‪ِ 6‬ه بَيْنَ ا ْل َم‪ْ 6‬‬
‫مانع تكوينيـ يمنع من تــأثيره‪ ،‬وبهــذا االعتبــار يكــون تــأثير الســحر بــإذن هللا ــ تبــارك‬ ‫ٍ‬ ‫ض َرر؛ بعدم َجعْل‬ ‫السحر في ال َّ‬
‫ي‬ ‫أن تــأثير أ ّ‬ ‫وتعالى ـ‪ .‬وهذا هو المعنى الذي ذكره العالّمة الطباطبــائي& في تفســير اِإل ْذن‪ .‬ويمكن أن يكــون باعتبــار ّ‬
‫ص لألشــياء إنّمــا هي لمبــادىء‬ ‫ألن ك ّل ما نراه من آثار وخوا ٍ‬ ‫شي ٍء في شي ٍء ال يكون إالّ بإرادة هللا ـ تبارك وتعالى ـ؛ ّ‬
‫أو َدعَها هللا ـ تباركـ وتعالى ـ في باطن األشياء‪ ،‬م ّما يساهم في حدوث الظواهرـ في حركة الوجود في ال َكوْ ن؛ فالنــارـ إذ‬
‫بالحـ َّدة الــتي أو َدعَهــا هللا فيهــا‪ .‬وهــذه‬ ‫تحرق إنّما تحرقـ بالحرارة التي أو َدعَها هللا فيها‪ ،‬والسـ ِّكين إذ تقطــع إنّمــا تقطــع ِ‬
‫المبادئ تؤثِّر في المسبَّب بإراد ٍة منه ـ تبارك وتعالى ـ‪ .‬ولوال هذه اإلرادة لما كانت مؤثرة في المس ـبَّب‪ .‬والشــاهد على‬
‫ً‬ ‫ِّ‬
‫ذلك‪ :‬نار إبراهيم×؛ فإنّها لم تؤثِّرـ في إحراقه؛ لعدم إرادة هللا ذلك؛ والسـكين في يـده×؛ فإنّهـاـ لم تـؤثِّرـ في القطــع؛ لعـدم‬
‫إرادة هللا ذلك‪ .‬هذا بالنسـبة إلى األسـباب الطبيعيــة الجاريــة على وفــق العـادة‪ .‬ونفس الكالم يجـري في األسـباب غـير‬
‫الطبيعية الخارجة عن العادة‪ ،‬سوا ٌء كانت من الشرور‪ ،‬كالسحر والكهانة‪ ،‬أو من الخيرات‪ ،‬كالكرامــات والمعجــزات‪.‬‬
‫ففي هذه األسباب ـ أيضا ً ـ مبدٌأ في نفوس َم ْن صدرت منهم هذه الخوارق للعادة؛ فمبــدأ تــأثير الســحر في الشـ ّر يكــون‬
‫ضا ِّرينَ بِ ِه ِمنْ َأ َح ٍد ِإالَّ بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾؛ ومبدأـ المعجزات والكرامــات‬ ‫في نفس الساحر‪ ،‬ولذلك قالت اآلية الكريمة‪َ ﴿ :‬و َما ُه ْم بِ َ‬
‫ب في مسبَّبه يكــون بــإذن هللا‪ ،‬أي بإرادتــه‪ .‬ومن بين‬ ‫ٍ‬ ‫سب‬ ‫ّ‬
‫ي‬ ‫أ‬ ‫تأثير‬ ‫يكون في نفوس األنبياء واألولياء‪ .‬ومجمل القول‪ّ :‬‬
‫إن‬
‫ألن اآلية تنظر إلى حصول الض ََّررـ من حيث‬ ‫هذين االحتمالين نحن نستظهرـ االحتمال الثاني لِإل ْذن في اآلية الكريمة؛ ّ‬
‫مقتض‬
‫ٍ‬ ‫بنظر تفصــيل ّي‪ ،‬حــتى يُف َّكك تــأثير الســبب إلى تــأثير‬ ‫ٍ‬ ‫بنظر إجمال ّي‪ ،‬ال‬ ‫ٍ‬ ‫تأثير السحر فيه‪ ،‬فيكون التأثير ملحوظا ً‬
‫مانع في فعلية تأثير المقتضي ـ الذي اعتبر ترخيصاًـ لتــأثيره ـــ‪ .‬فــإذا كــان النظــر إلى‬ ‫ٍ‬ ‫لوجود المسبَّب‪ ،‬وإلى تأثير عدم‬
‫التأثير من حيث حصول المسبَّب منه فيكون المنظورـ هو التأثير الفعل ّي الحاصل باجتماعـ جميع عناصر السبب‪ .‬وهــذا‬
‫الضـ َرر بــإرادة هللا تبــارك‬ ‫التأثير الفعل ّي يكون بإذنه تبارك وتعالى‪ ،‬أي بإرادتــه ومشــيئته‪ ،‬وبالتـاليـ يـؤثِّر الســحر في َّ‬
‫ْ‬
‫أن عمل األنبياء يؤثِّر في حصول المعجــزة بــإذن هللا‪ ،‬أي بإرادتـه‪ ،‬ولـذلك يُحْ َمــل اِإل ذن في قولـه تعـالى‪:‬‬ ‫وتعالى‪ ،‬كما ّ‬
‫ول نْ يَ تِ َي بِآيَ ٍة ِإال بِِإذ ِن هللاِ﴾ (الرعد‪ )38 :‬على نفس المعنى‪ .‬ويتبيَّن ذلك في المرحلة التالية‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْأ‬ ‫َأ‬ ‫س ٍ‬ ‫﴿ َو َما َكانَ لِ َر ُ‬
‫أن ِإذن هللا عادةً يعني إرادة هللا تبارك وتعالى‪ ،‬سوا ٌء كان بالنسبة إلى حصول الوقائعـ أو بالنسبة إلى‬ ‫ْ‬ ‫فتحصَّل مما تق َّدم ّ‬
‫تأثير السبب‪.‬‬
‫فـإن اآليـة الكريمـة‬ ‫إن لألنبياء الوالية التكوينية بمعنى القـدرة على التصـرُّ ف في األمـور التكوينيـة؛ ّ‬ ‫المرحلة الثانية‪ّ :‬‬
‫‪66‬وتَى‬ ‫ص َوُأ ْح ِي ا ْل َم ْ‬ ‫ين َك َهيَْئ ِة الطَّ ْي ِر فََأنفُ ُخ فِي ِه فَيَ ُكونُ طَ ْيراً بِِإ ْذ ِن هللاِ َوُأ ْب ِرُئ اَأل ْك َمهَ َواَأل ْب َر َ‬ ‫ق لَ ُك ْم ِمنْ الطِّ ِ‬ ‫قالت‪َ﴿ :‬أنِّي َأ ْخلُ ُ‬
‫بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾‪ .‬وقدـ استُعمل في هذه اآلية أفعالٌ‪ ،‬مثل‪« :‬أبرئ» و«أحيي»‪ ،‬بضمير المتكلِّم‪ ،‬واألفعــالـ بضــميرـ المتكلِّم تــد ّل‬
‫على أنّها من عمل األنبياء أنفسهم‪ .‬وهنا يُطرح سؤالٌ‪ :‬كيــف تكــون تلــك األفعــال الخارقــة عمالً لهم؟‪ ،‬فقــد بيَّنت اآليــة‬
‫بمقطعها األ ّول ذلك‪ ،‬حيث قال‪﴿ :‬فََأنفُ ُخ فِي ِه فَيَ ُكونُ طَ ْيراً بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾‪ .‬ففي هذا المقطع كون الطين طيراً ترتَّب على النفخ‬
‫بقصد أن يكون طيراً‪ ،‬وهذا الترتُّب يد ّل على تأثير النفخ بذلك القصــد في صــيرورته طــيراً‪ .‬والكالم نفســه يجــري في‬
‫إبراء األكمه‪ ،‬مس ُح عيسى× يده على عين َْي األكمه بقصد اإلبراء يُبرئ األكمه‪ ،‬وترتُّب اإلبراء على مسح اليــد بقصــده‬
‫يعني أنّه مؤثِّ ٌـر فيه‪ .‬وهكذا إبراء األبرص‪ ،‬وض ُع عيسى× يده على جلد األبرص بقصد اإلبراء يُبرئه‪ ،‬وترتُّب اإلبــراء‬
‫س ‪ْ 6‬عيا ً﴾‬ ‫على وضع اليد بقصده يعني أنّه مؤثِّ ٌر فيه‪ .‬وهكذا في قصّة إبراهيمـ×‪ ،‬فاآلية الكريمة تقــول‪﴿ :‬ثُ َّم ا ْد ُع ُهنَّ يَْأتِينَ‪66‬كَ َ‬
‫أن الدعاء بهذا القصد‬ ‫دعائهن بقصد اإلحياء‪ ،‬وهذا يد ّل على ّ‬ ‫ّ‬ ‫(البقرة‪ ،)260 :‬ففي هذا المقطع اإلتيان سعيا ً ترتَّب على‬
‫مؤثِّ ٌر في اإلحياء‪ .‬وباعتبارـ ترتُّب هذه األفعال الخارقة للعادة على أعمالهم المقترنة بالقصــودـ صــارت تلــك الخــوارق‬
‫عمالً لهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫وأ ّما ما قيل في تفسير اآلية السابقة بأن النب ّي عيسى× اسـتخدمـ في هــذه المعــاجز كــأدا ٍة ووســيل ٍة لتنفيــذ اإلرادة اإللهيــة‬ ‫ّ‬
‫مقبول؛ أ ّوالً‪ :‬ألنّه على خالف ظاهر اآلية؛ وثاني‪6‬ا ً‪ :‬ألنّــه لــو كــانت المعجــزة حاصــلةً بــإرادة هللا تبــارك وتعــالىـ‬ ‫ٍ‬ ‫فغي ُر‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫تأثير في حصولهاـ للزم أن يكون فيه سبحانه جهة وجهة؛ فمن جه ٍة يكون‬ ‫ٍ‬ ‫مباشرة‪ ،‬والنب ّي يكون مجرّد أدا ٍة له من دون‬ ‫ً‬
‫علّةً لهذه المعجزة‪ ،‬ومن جه ٍة أخرى يكون علّةً لتلك المعجزة؛ للسنخية بين العلّة والمعلول‪ ،‬والحال أنّه تبارك وتعــالى‬
‫اعتبار‪ ،‬كما ثبت في محلّه‪ ،‬فرا ِجعْ‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫بسيطٌ‪ ،‬من دون تكثُّر جه ٍة‪ ،‬وال تع ُّدد‬
‫أن النفخ بقصــد صــيرورة الطين طــيراً يــؤثِّر فيهــا‪ ،‬والمســح بقصــد‬ ‫وفي المحصّلة‪ ،‬من خالل اآليات الكريمــة ع َر ْفنــا ّ‬
‫أن النفس اإلنسانية بتلــك القصــود المقترنــة باألعمــال في حـ ّد‬ ‫اإلبراء يؤثِّرـ فيه‪ ،‬والدعاء بقصد اإلحياء يؤثِّر فيه‪ .‬وبما ّ‬
‫خاصـية‪ ،‬بحيث مــتى نفخ في‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ـأن هللا أودع في نفس عيسى×‬ ‫ذاتها لم تكن مبدًأ للتأثير في تلك اآلثار فال بُـ َّد من القــول بـ ّ‬
‫الطين بقصد أن يكون طيراً كان نفخه بهذا القصد موجبا ً لصيرورته طيراً؛ وهكـذا مـتى مسـح يـده على عين َْي األكمـه‬
‫بقصد اإلبراء كان مسحه بهذا القصد موجبا ً ألن يبرأ؛ وهكذا إبراهيم× قد أودع هللا في نفسه خاصّيةً‪ ،‬بحيث مــتى دعــا‬
‫الخاصـية بالكمــال الـذي‬ ‫ّ‬ ‫ال َميْت المقطوع بقصد اإلحياء كان دعاؤه بهذا القصد موجبا ً لصيرورته حيّاً‪ .‬وقدـ فُسِّرت هذه‬
‫منحه هللا تبارك وتعــالىـ لنفــوس األنبيــاء^‪ ،‬بحيث تصــدرـ منهم كثــي ٌر من الخــوارق‪.‬ـ وهــذا التفســير يُســتفاد من الشــهيد‬
‫مطهَّري& في (والء وواليتها‪:‬ـ ‪ .)84‬وعليه‪ ،‬تكون نفس النب ّي× تتوفَّر على المقتضي ـ وهو القــدرة ــ‪ ،‬وعلى الشــرط ـ‬
‫بإذن من هللا بالمعنى الذي تق َّدم من العالّمة‬ ‫وهو اإلرادة المقترنة ببعض األعمال ـ‪ ،‬وحينئ ٍـذ يكون صدورـ المعجزة منه ٍ‬
‫َّ‬
‫أن الشــخص المــأذون يتــوفرـ على المقتضــي والشــرط إلتيــان‬ ‫ضـنا ّ‬ ‫يتحصـل لـه معــن ًى إالّ إذا افت َر ْ‬ ‫َّ‬ ‫الطباطبائيـ&؛ إذ ال‬
‫ق سوىـ اإلذن اإلله ّي‪.‬‬ ‫المعجزة‪ ،‬ولم ي ْب َ‬
‫ولكنّنا ال نوافقـ على هذا التفسير للخاصّية؛ أ ّوالً‪ :‬من جهة تفسير اإلذن بالترخيص التكويني‪ .‬وقد تق َّدم الر ّد عليـه آنفـا؛ً‬
‫إن المقصود من الكمال الممنوح لنفــوس األنبيــاء^ هــو القــدرة الخارقــة للعــادة الــتي َوهَبهــا هللا تبــارك وتعــالى‬ ‫وثانيا ً‪ّ :‬‬
‫ي شي ٍء آخر في الوجودـ له قدرةٌ مستم ّدة من عند هللا؛ فتكون مؤثِّرة في تلك الخوارق بإذنه تعــالى‪ ،‬أي‬ ‫لنفوسهم‪ ،‬مثل أ ّ‬
‫أن هللا تبـارك وتعـالىـ منحهم‬ ‫أن هذه اآلثار الخارقة المعدودة في اآليات الكريمة ال تد ّل على ّ‬ ‫بإرادته‪ .‬فحينئ ٍـذ يَ ِر ُد عليه ّ‬
‫القدرة الخارقة‪ ،‬بحيث يستطيعون أن يُ ْن ِجزوا بها مــا يريــدون إذا اقتضــى األمــر‪ ،‬حتّى تثبت لهم الواليــة التكوينيــة؛ إذ‬
‫إن هللا َوهَبهم القدرة الخارقــة على هــذه األمــورـ المعــدودة فقــط؛ لتقـوّي واقــع الرســالة‪ ،‬كمــا في إحيــاء‬ ‫يمكن أن يُقال‪ّ :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الموتى وإبراء األكمه واألبرص لدى عيسى×؛ أو لترد كيد الكفار وتهدم كيانهم‪ ،‬كما في فلق البحر بعصا موسى ×؛ أو‬
‫لتؤ ّدي إلى االطمئنان‪ ،‬كما في إحياء دعاء إبراهيم× للطيور المقطَّعة‪ ،‬فتنتهي القدرة إلى هذا الح ّد‪ ،‬فتكون بمثابة قضيّ ٍة‬
‫في واقعة‪ .‬ومع هذا االحتمال ال تثبت القدرة على تغيير ما يريدونه في الكون‪ ،‬التي هي الوالية التكوينية‪.‬‬
‫فإن هللا ســبحانه وتعــالى أودع‬ ‫وأ ّما من وجهة نظرنا فهذه الخاصّية في نفوس األنبياء^ هي حالة االتّصال بعالَم األمر؛ ّ‬
‫ُأ‬
‫‪6‬والَ ن‪ِ 6‬ز َل‬‫في نفوس ُرسُله قابليّة االتّصال بذلك العالَم؛ والدلي ُل على ذلك اآليةُ الكريمة‪َ ﴿ :‬وقَا َل الَّ ِذينَ الَ يَ ْر ُجونَ لِقَا َءنَ‪66‬ا لَ‪ْ 6‬‬
‫س ِه ْ‪6‬م َو َعت َْوا ُعتُ ّواً َكبِ‪66‬يراً﴾ (الفرقـان‪)21 :‬؛ إذ هـذه اآليـة تـد ّل مطابقـةً‬ ‫ستَ ْكبَ ُروا فِي َأنفُ ِ‬ ‫َعلَ ْينَا ا ْل َمالَِئ َكةُ َأ ْو نَ َرى َربَّنَا لَقَ ْد ا ْ‬
‫أن المنكرين للمعاد ـ وهم المشركون ـ يتذرَّعون بأنّـه لمـاذا النـب ّي وحـده تنــزل عليـه المالئكـة أو يـرى هللا‪ ،‬وال‬ ‫على ّ‬
‫ك وال‬ ‫ّ‬
‫ـبي؛ أو أن نــرى ربَّنــا بأعيننــا حتى ال يبقى شـ ٌّ‬ ‫ً‬ ‫تنـزل علينا المالئكة؛ لنراهم رأي العين؛ ليخبرونا بـ ّ‬
‫ـأن مح ّمــدا| نـ ٌّ‬
‫أن نزول المالئكة ورؤيتهم‪ ،‬أو رؤيــة هللا تعــالى بــالمعنى الــذي ي َّدعيــه األنبيــاء^ ـ‬ ‫شبهةٌ في وجوده؟ وتدل إشارةً على ّ‬
‫ى واحـ ٍد‪ ،‬بــل توجـدـ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وهو الرؤية القلبية التي هي الشهود ـ‪ ،‬ال يتأتّى إال لبعض األفراد؛ إذ النفــوس ليســت كلهــا بمســتو ً‬
‫نفوسٌ خاصّة‪ ،‬أهّلها هللا تعالى لهذه الدرجة الرفيعة‪ ،‬بحيث ترى هللا‪ ،‬وتتّصل بالمالئكــة المقــربين وعــالم األمــر‪ ،‬وهي‬
‫َ‬
‫أن لهم أهليّة االتّصال بعالَم األمر‪ .‬وهذا العالَم كما كان مصدراً للقوّة في «قـوّتهمـ ال ُم ْد ِركة»‪ ،‬كمــا‬ ‫نفوس األنبياء‪ .‬فثبت ّ‬
‫َّ‬
‫تق َّدم في المتن‪ ،‬كذلك يكون مصدرا للقوّة في «قوّتهمـ العاملة»‪ ،‬بحيث إذا اقتضى األمــر أن يتــدخلواـ في عــالم الطبيعــة‬ ‫ً‬
‫ي نحـ ٍو شــاؤوا‪ ،‬وهـذا يعــني الواليــة التكوينيــة‪ .‬وفي حـال االتصـال قصــودهمـ المقترنـة بتلــك‬ ‫يمكنهم التصرُّ ف فيه بـأ ّ‬
‫ِّ‬
‫أن نفوسهم الق ْدسيّة ليست مــؤثرةً‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫األعمال تُحْ ِدث ما يُعتَبَر خارقا للقوانين الطبيعية‪ ،‬باالستعانة بعالَم األمر‪ .‬وهذا يعني ّ‬
‫أن تـأثيره يكـون بـإرادتهمـ المقترنـة ببعض‬ ‫بتأثير من عـالَم األمـر‪ ،‬فتكـون نفوسـهمـ مجـرى تـأثير ذلـك العـالَم‪ ،‬إال ّ‬ ‫ٍ‬ ‫إالّ‬
‫األعمال‪ ،‬فيتوقَّفـ حصول األمور الخارقــة على إرادتهم‪ ،‬المقترنــة ببعض األعمــال‪ .‬كمــا أنّــه يتوقَّفـ على قــدرة عــالَم‬
‫بإذن من هللا‪ ،‬كمــا كــان‬ ‫األمر‪ .‬وبالنتيجة ال تكون نفوسهم القُ ْدسيّة بالقدرة المعطاة لهم مؤثِّرةً في األمور الخارقة للعادة ٍ‬
‫بعض كلمــة‬ ‫ٍ‬ ‫بح َسـب تفســير‬ ‫على التفسير األوّل للخاصّية‪ ،‬بــل تــؤثِّرـ فيهــا بعــو ٍن من عــالَم األمــر‪ ،‬الــذي هــو أمــر هللا‪َ ،‬‬
‫ش ْيئا ً َأنْ يَقُ‪66‬و َل لَ‪6‬هُ ُكنْ فَيَ ُك‪66‬ونُ ﴾ (يس‪ .)82 :‬وأمــره هــو إرادتــه الفعليــة‪.‬‬ ‫(األمر) به في قوله تعالى‪ِ﴿ :‬إنَّ َما َأ ْم ُرهُ ِإ َذا َأ َرا َد َ‬
‫ـأن المعجــزة من‬ ‫وهذا معنى قوله تعالى‪﴿ :‬فََأنفُ ُخ فِي ِه فَيَ ُكونُ طَ ْيراً بِِإ ْذ ِن هللاِ﴾‪ ،‬أي بــأمره وإرادتــه‪ .‬وبــذلك يمكن القــول بـ ّ‬
‫عمل األنبياء؛ لقيامها بإرادتهمـ المقترنة ببعض األعمال‪ ،‬كما هي من عمل هللا تبارك وتعالى؛ ألنّها تت ّم بأمره وإرادتــه‬
‫الخاصـية باالتّصــال ـــ‪ ،‬على مــا‬ ‫ِّ‬ ‫أن إضافة النقطة األخيرة ـ وهي تفسير‬ ‫الفعلية‪ ،‬التي هي عالَم األمر‪ .‬ومن هنا يظهر ّ‬
‫استفَ ْدناه من اآليات الكريمة‪ ،‬ضروريّةٌ؛ إلثبات الوالية التكوينية لألنبياء‪ .‬وهذه الخاصِّية موجــودةٌ في نفــوس األوليــاء‬
‫اإلن‪ ،‬وهو الكرامات الصادرة منهم‪ .‬وبالنتيجة‪ :‬كرامات األولياء ومعجزات األنبياء تكون من هذا العالَم‪.‬‬ ‫أيضاً؛ بدليل ّ‬
‫‪ )(691‬دروس الكراســي العلميّــة في علم أصــول الفقــه‪ ،‬الــدرس رقم ‪ ،1‬بتــاريخ‪ 28 :‬ـ ‪ 06‬ـ ‪ :2012‬األســتاذ مصــطفى‬
‫بنحمزة‪ ،‬علم أصول الفقه‪ ،‬الموضوع ـ األهمية ـ الوظيفة‪.‬‬
‫‪ )(692‬د‪ .‬شكري الطاوشي‪ ،‬المقام في البالغة العربية‪ ،‬مجلّة عالم الفكر الكويتية‪ ،‬المجلّد ‪2013 ،182 :42‬م‪.‬‬
‫‪ )(693‬من قبيل‪ :‬هذه الدراسات والبحوث‪:‬‬
‫‪1‬ـ محمد يـونس‪ ،‬علم التخــاطب اللسـاني‪ ،‬دراسـة لسـانية لمنـاهج علمـاء األصــول في فهم النصّ ‪ ،123 :‬دار المـدار‪،‬‬
‫‪2009‬م‪.‬‬
‫‪2‬ـ محمد يونس‪ ،‬المعنى وظالل المعنى‪.26 :‬‬
‫‪3‬ـ محمد يونس‪ ،‬مق ّدمة في عل َم ْي الداللة والتخاطب‪.12 :‬‬
‫‪4‬ـ نعمان بوقرة‪ ،‬تفسير النصوص وحدود التأويل عند ابن حزم‪ ،‬قراءة في أعراف الفَهْم الظاهري للخطــاب القــرآني‪:‬‬
‫‪.234‬‬
‫التصور اللساني عند الغزالي في ضوء النظريّة األصولية‪.11 :‬‬ ‫ُّ‬ ‫بوقرة‪،‬‬ ‫نعمان‬ ‫‪5‬ـ‬
‫‪6‬ـ يحيى رمضان‪ ،‬القراءة عند األصوليّين‪.23 :‬‬
‫‪7‬ـ السيد عبد الغفّار‪ ،‬النصّ القرآني بين التفسير والتأويل‪ ،11 :‬دار النهضة العربية‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫ق المغربيــة‪ ،‬العــدد ‪:364‬ـ ‪،231‬‬ ‫‪ )(694‬د‪ .‬محمد وقيدي‪ ،‬الفارابي ونسقـ العلوم في الثقافة اإلسالمية‪ ،‬مجلّـة دعــوة الحـ ّ‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ )(695‬ابن خلدون‪ ،‬المق ّدمة‪.583 :‬‬
‫‪ )(696‬عبد الرزاق عكيوي‪ ،‬نظرية االعتبار في العلوم اإلسالمية‪ ،9 :‬منشورات المعهد العالمي للفكر اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ )(697‬أبــو الوليــد البــاجي‪ ،‬أحكم الفصــول في إحكــام األصــول‪( 33 :‬مقدمــة المحقِّق عبــد المجيــد تــركي)‪ ،‬دار الغــرب‬
‫اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ )(698‬طه عبد الرحمان‪ ،‬تجديد المنهج في تقويم التراث‪.23 :‬‬
‫‪ )(699‬مهدي فضل هللا‪ ،‬العقل والشريعة‪.13 :‬‬
‫‪ )(700‬عبد الكريم مجاهد‪ ،‬الداللة اللغوية عند العرب‪.9 :‬‬
‫‪ )(701‬أبو الحسين البصري‪ ،‬التحقيق المعتمد ‪( 11 :1‬مق ّدمة د‪ .‬محمد حميد هلل)‪.‬‬
‫‪ )(702‬اإلمام الغزالي‪ ،‬جواهر القرآن‪.23 :‬‬
‫‪ )(703‬د‪ .‬عبد الحميد العلمي‪ ،‬المقاصد اللغوية بين التقصيد الداللي وفهم الخطاب الشرعي‪.67 :‬‬
‫‪ )(704‬ابن جزي‪ ،‬تفسير التسهيل لعلوم التنـزيل (المق ّدمة) ‪.11 :1‬‬
‫‪ )(705‬محمد بن زكريّاـ الــرازي‪ ،‬في فقــه اللغــة وســنن العــرب وكالمهــا‪ ،16 :‬تحقيــق‪ :‬أحمــد صــقر‪ ،‬دار إحيــاء الكتب‬
‫العربيّة‪.‬‬
‫‪ )(706‬أبو حاتم الرازي‪ ،‬الزينة في األلفاظ العربية اإلسالمية ‪ ،61 :1‬القاهرة‪1957 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(707‬رقية جابر العلواني‪ ،‬أثر العُرْ ف في فهم النصوص‪.112 :‬‬
‫‪ )(708‬د‪ .‬أحمد حدادي‪ ،‬حاجة المفتي إلى اللغة العربية‪.22 :‬‬
‫‪ )(709‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(710‬اإلمام الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.31 :3‬‬
‫‪ )(711‬الغزالي‪ ،‬فاتحة العلوم ‪.22 :1‬‬
‫منهج أمثل لتفسير القرآن الكريم‪ ،10 :‬دار طيبة‪2008 ،‬م‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫‪ )(712‬أحمد بن محمد الشرقاوي‪ ،‬نحو‬
‫‪ )(713‬اإلمام الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.62 :2‬‬
‫‪ )(714‬محمد عابد الجابري‪ ،‬بنية العقل العربي‪.57 :‬‬
‫‪ )(715‬اإلمام الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.62 :2‬‬
‫‪ )(716‬المصدر السابق ‪.117 :4‬‬
‫‪ )(717‬أديب صالح‪ ،‬تفسير النصوص ‪.9 :1‬‬
‫‪ )(718‬د‪ .‬بزا عبد النور‪ ،‬مصالح اإلنسان‪ ،‬مقاربة مقاصدية‪.87 :‬‬
‫‪ )(719‬د‪ .‬مصطفى بنحمزة‪ ،‬إسهام األصوليين في دراسة صلة اللفظ بالمعنى‪.12 :‬‬
‫‪ )(720‬تفسير ابن جزي الكلب ّي‪ ،‬المس ّمى التسهيل (المق ّدمة) ‪.3 :1‬‬
‫‪ )(721‬أبو الحسين البصري‪ ،‬المعتمد ‪:2‬ـ ‪ ،910‬اعتنى بتحقيقه‪ :‬محمد حميد هللا وحســن حنفي‪ ،‬إصــدار‪ :‬المعهــد العلمي‬
‫الفرنسي‪ ،‬دمشق‪.1964 ،‬‬
‫‪ )(722‬يراجع أطروحة د‪ .‬فهد الوهبي (المسائل المشتركة بين علوم القرآن وعلم أصول الفقه)‪ ،‬وهي رسالة جامعية‪.‬‬
‫‪ )(723‬د‪ .‬محمد السيد جبريل‪ ،‬مدخل إلى مناهج المفسِّرين‪.98 :‬‬
‫‪ )(724‬ابن حزم األندلسي‪ ،‬التقريب لح ّد المنطق‪.122 :‬‬
‫‪ )(725‬المصدر السابق‪.282 :‬‬
‫‪ )(726‬ابن حزم األندلســي‪ ،‬اإلحكــام في أصــول األحكــام ‪:8‬ـ ‪ ،101‬تحقيــق‪ :‬أحمــد محمــد شــاكر‪ ،‬دار اآلفــاقـ الجديــدة‪،‬‬
‫‪1980‬م‪.‬‬
‫‪ )(727‬الخطاب الشرعي وطرقـ استثماره‪.476 :‬‬
‫‪ )(728‬د‪ .‬عبد الحميد العلمي‪ ،‬مصطلح اللفظ عند األصوليين‪.36 :‬‬
‫‪ )(729‬يرا َجعْ‪:‬‬
‫‪1‬ـ مليكة جفان‪ ،‬من قضايا اللفظ والمعنى بين اللغويين والبالغيين‪ ،‬موقع ديوان العرب على الشبكة العنكبوتية‪.‬‬
‫‪2‬ـ مفهوم المعنى‪ ،‬دراسةٌ تحليلية‪.29 :‬‬
‫‪3‬ـ دراسة المعنى عند األصوليّين‪ 87 :‬ـ ‪.88‬‬
‫‪ )(730‬د‪ .‬محمد عابد الجابري‪ ،‬اللفظ والمعنىـ في البيان العربي‪.31 :‬‬
‫‪ )(731‬ابن حزم‪ ،‬اإلحكام في أصول األحكام ‪.20 :8‬‬
‫‪ )(732‬محمد عابد الجابري‪ ،‬بنية العقل العربي‪.56 :‬‬
‫‪ )(733‬اإلمام الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.114 :4‬‬
‫‪ )(734‬إمام الحرمين‪ ،‬البرهان في علم أصول الفقه ‪.169 :1‬‬
‫‪ )(735‬عائشة بنت الشاطئ‪ ،‬مق ّدمة في المنهج‪.123 :‬‬
‫‪ )(736‬التفسير الكبير لفحر الدين الرازي‪23 :1 :‬‬
‫‪ )(737‬د‪ .‬حمو النقاري‪ ،‬المنهجية األصولية والمنطق اليوناني‪:‬ـ ‪.42‬‬
‫‪ )(738‬الغزالي‪ ،‬المستصفى ‪.72 :2‬‬
‫‪ )(739‬المصدر السابق ‪.73 :1‬‬
‫‪ )(740‬الدرس الداللي عند اإلمام الشاطبيـ ‪.33 :1‬‬
‫‪ )(741‬أبو الحسين البصري‪ ،‬المعتمد ‪.910 :2‬‬
‫‪ )(742‬فتحي الدريني‪ ،‬المناهج األصولية في االجتهاد بالرأي في التشريع اإلسالم ّي‪.268 :‬‬
‫ويُراجع كذلك‪:‬‬
‫‪1‬ـ أحمد الكبيسي‪ ،‬الداللة وتفسير النصّ ‪ ،‬مجلة كلِّية الشريعة العراقية‪ ،‬العدد ‪1986 ،6‬م‪.‬‬
‫‪2‬ـ حبلص محمد يوسف‪ ،‬البحث الداللي عند األصوليين‪ ،‬مكتبة عام الكتب‪ ،‬مصر‪1991 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(743‬محمد سالم أبو عاصي‪ ،‬الدالالت وأثرها في تفسير القرآن‪ ،‬دار علي للطباعة والنشر‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(744‬يُرا َجـ ع‪ :‬عمـ ٌل مشــترك‪ ،‬أه ّميــة اعتبــار الســياق في المجالت التشــريعية‪ ،‬إصــدار‪ :‬الرابطــة المحمديــة للعلمــاء‪،‬‬
‫المغرب‪.2007 ،‬‬
‫‪ )(745‬اإلمام الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.62 :2‬‬
‫‪ )(746‬المصدر السابق ‪.67 :2‬‬
‫‪ )(747‬المصدر السابق ‪.66 :2‬‬
‫‪ )(748‬ابن دقيق العيد‪ ،‬إحكام األحكام في شرح عمدة الح ّكام ‪.19 :2‬‬
‫‪ )(749‬للوقــوفـ على اجتهــادات ابن القيِّم في الداللــة يُرا َجــ ع‪ :‬د‪ .‬إدريس بن خويــا‪ ،‬الداللــة‪ ‬النحويــة في مؤلَّفــات‪ ‬ابن‬
‫قيِّم‪ ‬الجوزية‪ ،‬دار الكتاب العربي‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ط‪2016 ،1‬م‪.‬‬
‫‪ )(750‬ابن القيِّم‪ ،‬إعالم الموقعين ‪.351 :1‬‬
‫يُرا َجع‪ :‬د‪.‬إدريسـ بن خويا‪ ،‬كتاب علم الداللة في التراث العربي والدرسـ اللساني الحديث‪ ،44 :‬عالم الكتاب الحــديث‪،‬‬
‫األردن‪2016 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(751‬الخطاب الشرعي وطرقـ استثماره‪.146 :‬‬
‫‪ )(752‬اإلمام الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.116 :3‬‬
‫‪ )(753‬إحكام األحكام في شرح عمدة األحكام ‪.19 :2‬‬
‫‪ )(754‬السياق عند األصوليين‪ ،120 :‬مجلة اإلحياء المغربيّة‪ ،‬العدد ‪2007 ،26‬م‪.‬‬
‫‪ )(755‬النصّ القرآني ومنهج السياق‪.123 :‬‬
‫‪ )(756‬نجم الدين قادر كريم‪ ،‬نظرية السياق‪ ،‬دراسةٌ أصولية‪ ،78 :‬دار الكتب العلمية‪2006 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(757‬اإلمام الشاطبي‪ ،‬الموافقات ‪.410 :4‬‬
‫‪ )(758‬د‪ .‬حميد الكبيسي‪ ،‬الداللة وتفسير النصّ ‪ ،‬مجلة كلِّية الشريعة العراقية‪ ،‬العدد ‪1986 ،23 :8‬م‪.‬‬
‫() السياق عند األصوليّين‪.54 :‬‬ ‫‪759‬‬

‫() نظرية السياق‪ ،‬دراسةٌ أصولية‪.45 :‬‬ ‫‪760‬‬

‫‪ )(761‬سيد قطب‪ ،‬في ظالل القرآن ‪ 262 :6‬ـ ‪ ،263‬موقع التفاسير‪:‬‬


‫‪http://www.altafsir.com‬‬
‫‪ )(762‬يقول المرحومـ الدكتور الشيخ أحمد الوائلي‪ ،‬مؤ ِّكداً على هذا الفهم‪:‬‬

‫‪https://forums.alkafeel.net/showthread.php?t=80081‬‬
‫وقال األستاذ عبد الجليل الرفاعي‪:‬‬
‫‪http://arabic.irib.ir/programs/item/10227‬‬
‫ويقول الشاعر المسيحي بولس سالمة‪:‬‬

‫‪http://www.alwasatnews.com/news/455651.html‬‬
‫‪ )(763‬حمزة بن محمد العلوي (إمامي ثقة)‪ ،‬عن عل ّي بن إبراهيم (إمــامي ثقــة)‪ ،‬عن أبيــه (إمــامي ثقــة)‪ ،‬عن محمــد بن‬
‫أبي عمير (إمامي ثقة)‪ ،‬عن عتيبة بيّاع القصب (إمامي ثقة)‪.‬‬
‫‪ )(764‬جعفر بن محمد بن قولويه‪ ،‬كامل الزيارات‪ ،279 :‬تحقيــق‪ :‬الشــيخ جــواد القيــومي‪ ،‬مؤسّســة النشــر اإلســالمي ـ‬
‫مؤسّسة نشر الفقاهة‪ ،‬ط‪ ،1‬عيد الغدير ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(765‬تفسير عل ّي بن إبــراهيمـ الق ّمي ‪:2‬ـ ‪ ،259‬تحقيــق وتصــحيح وتعليـقـ وتقــديم‪ :‬الســيد طيب الموســويـ الجزائــري‪،‬‬
‫منشورات مكتبة الهدى‪.1387 ،‬‬
‫‪ )(766‬سعد بن عبد هللا (إمامي ثقة)‪ ،‬عن أحمد بن محمد بن عيسى (إمامي ثقة)‪ ،‬عن محمد بن سنان (إمامي ثقــة)‪ ،‬عن‬
‫عل ّي بن أبي حمزة (واقفي ثقة)‪ ،‬عن أبي بصير (إمامي ثقة)‪.‬‬
‫‪ )(767‬كامل الزيارات‪.134 :‬‬
‫‪ )(768‬الشيخ الطوسي‪ ،‬مصباح المتهجِّ د‪ ،827 :‬مؤسّسة فقه الشيعة‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ ـ ‪1991‬م‪.‬‬
‫‪ )(769‬محمد بن جعفر المشهدي‪ ،‬المزار‪ ،505 :‬تحقيق‪ :‬جواد القيّومي اإلصــفهاني‪ ،‬مؤسّســة النشــر اإلســالمي ــ نشــر‬
‫القيوم‪ ،‬قم ـ إيران‪ ،‬ط‪ ،1‬رمضان المبارك ‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(770‬ابن أبي زينب النعماني‪ ،‬الغيبة‪ ،146 :‬تحقيق‪ :‬فارس حسّون كريم‪ ،‬منشورات أنوار الهدى‪ ،‬قم‪ ،‬ط‪.1422 ،1‬‬
‫‪ )(771‬الشيخ الكليني‪ ،‬الكــافي ‪:4‬ـ ‪ ،170‬تصــحيح وتعليــق‪ :‬علي أكــبر الغفــاري‪ ،‬دار الكتب اإلســالمية‪ ،‬طهــران‪ ،‬ط‪،3‬‬
‫‪1367‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(772‬محمــد بن جريـرـ الطــبري‪ ،‬تــاريخ الطــبري ‪:4‬ـ ‪ ،346‬مراجعــة وتصــحيح وضــبط‪ :‬نخبــة من العلمــاء األجالء‪،‬‬
‫مؤسّسة األعلمي للمطبوعات‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪.‬‬
‫‪ )(773‬محمد بن جعفر المشهدي‪ ،‬المزار‪.579 :‬‬
‫‪ )(774‬كامل الزيارات‪.444 :‬‬
‫‪ )(775‬المصدر السابق‪.158 :‬‬
‫‪ )(776‬تفسير الق ّمي ‪.15 :1‬‬
‫‪ )(777‬الشيخ المفيــد‪ ،‬األمــالي‪ ،290 :‬تحقيــق‪ :‬حســين األســتاد ولي وعلي أكــبر الغفــاري‪ ،‬دار المفيــد للطباعــة والنشـرـ‬
‫والتوزيع‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪ ،‬ط‪1414 ،2‬هـ ـ ‪1993‬م‪.،‬‬
‫‪ )(778‬تفسير الق ّمي ‪.447 :2‬‬
‫‪ )(779‬قوله تعالى‪﴿ :‬يَ ْحلِفُونَ بِاهللِ َما قَالُوا َولَقَ ْد قَالُوا َكلِ َمةَ ا ْل ُك ْف ِر َو َكفَ ُروا بَ ْع َد ِإ ْ‬
‫سالَ ِم ِه ْم َو َه ُّموا بِ َما لَ ْم يَنَ‪66‬الُوا َو َم‪66‬ا نَقَ ُم‪66‬وا‬
‫ضلِ ِه فَِإنْ يَتُوبُوا يَ ُك َخ ْيراً لَ ُه ْم وَِإنْ يَت ََولَّ ْوا يُ َع ِّذ ْب ُه ُم هللاُ َع َذابا ً َألِيم‪6‬ا ً فِي ال‪ُّ 6‬د ْنيَا َو ِ‬
‫اآلخ‪َ 6‬ر ِة‬ ‫سولُهُ ِمنْ فَ ْ‬ ‫ِإالَّ َأنْ َأ ْغنَا ُه ُم هللاُ َو َر ُ‬
‫صي ٍر﴾ (التوبة‪.)74 :‬‬ ‫ض ِمنْ َولِ ٍّي َوالَ نَ ِ‬ ‫َو َما لَ ُه ْم فِي اَأل ْر ِ‬
‫‪ )(780‬عن مجاهد‪ :‬كلمـة الكفـر قـال أحـدهم‪ :‬لئن كـان مـا يقـول محمـد حقّـا ً لنحن شـرٌّ من الحمـير‪ ،‬فقـال لـه رجـ ٌل من‬
‫حمار‪ ،‬قال‪ :‬فهَ َّم المنافقون بقتله‪ ،‬فذلك قولــه‪َ ﴿ :‬و َه ُّموا بِ َم‪66‬ا لَ ْم يَنَ‪66‬الُوا﴾‪ .‬محمــد‬ ‫ٍ‬ ‫ق‪ ،‬وألنت ش ٌّر من‬ ‫المؤمنين‪ :‬إن ما قال لح ٌّ‬
‫بن جرير الطبري‪ ،‬جامع البيان عن تأويل آي القرآن ‪:10‬ـ ‪ ،236‬تقديم‪ :‬الشيخ خليل الميس‪ ،‬ضبط وتوثيـقـ وتخــريج‪:‬‬
‫صدقي جميل العطار‪ ،‬دار الفكر للطباعة والنشرـ والتوزيع‪ ،‬بيروت ـ لبنان‪1415 ،‬هـ ـ ‪1995‬م‪.،‬‬
‫‪ )(781‬الكافي ‪.180 :8‬‬
‫‪ )(782‬حسن بن سليمان الحلّي‪ ،‬مختصرـ بصائر الدرجات‪ ،49 :‬منشورات المطبعة الحيدريــة‪ ،‬النجــف األشــرف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪1370‬هـ ـ ‪1950‬م‪.‬‬
‫‪ )(783‬الشيخ المفيد‪ ،‬األمالي‪.290 :‬‬
‫ي×‪ ،‬قم المق ّدســة‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫‪ )(784‬علي ابن بابويــه الق ّمي‪ ،‬اإلمامــة والتبصــرة‪ ،21 :‬تحقيــق ونشــر‪ :‬مدرســة اإلمــام المهــد ّ‬
‫‪1404‬هـ ـ ‪1363‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(785‬تفسير الق ّمي ‪.366 :2‬‬
‫‪ )(786‬كامل الزيارات‪.158 :‬‬
‫‪ )(787‬الشيخ الجواهري‪ ،‬جواهر الكالم ‪:29‬ـ ‪5‬؛ السيد محســن الحكيم‪ ،‬مستمســك العــروة‪ ،‬ج‪14‬؛ محمــد تقي الخــوئي‪،‬‬
‫شرح العــروة الــوثقى (النكــاح) ــ تقريــر بحث السـيد الخــوئي (موســوعة اإلمــام الخـوئي)‪ ،‬ج ‪32‬؛ الســيد عبــد األعلى‬
‫مهذب األحكام في بيان الحالل والحرامـ ‪9 :24‬؛ السيد محمد صادق الروحاني‪ ،‬العروة الوثقى ‪.456 :2‬‬ ‫السبزواري‪،‬ـ ّ‬
‫‪ )(788‬اليزدي‪ ،‬العروة الوثقى ‪ ،750 :2‬دار األعلمي؛ ‪ ،670 :2‬الدار اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ )(789‬توضيح مكتب حفظ ونشرـ آثار اإلمام الخامنئيـ بشأن قضيّة تع ُّدد الزوجات‪ ،‬بتــاريخ ‪ 13‬ـ ‪ 3‬ـ ‪ ،2020‬في موقــع‬
‫االجتهاد‪:‬‬
‫‪http://ijtihadnet.net/‬‬
‫‪ )(790‬الشيخ الجواهري وغيره‪.‬‬
‫‪ )(791‬الشيخ الطوسي‪ ،‬المبسوطـ ‪.4 :6‬‬
‫‪)(792‬الشيخ علي پناه اإلشتهاردي‪ ،‬مدارك العروة ‪.19 :29‬‬
‫‪ )(793‬مختصــر المــزني‪230 :‬؛ والمجمــوعـ ‪:16‬ـ ‪137‬؛ والجــامع ألحكــام القــرآن ‪:5‬ـ ‪ ،20‬نقالً عن الشــيخ الطوســي‪،‬‬
‫الخالف ‪.111 :5‬‬
‫‪ )(794‬الشيخ الطوسي‪ ،‬المبسوطـ ‪.4 :6‬‬
‫َّ‬
‫المهذب ‪.342 :2‬‬ ‫‪ )(795‬القاضي ابن البرّاج‪،‬‬
‫‪ )(796‬أسئلة وردود‪ ،‬شبكة رافد للتنمية الثقافية (ت َّمت مراجعته بتاريخ ‪ 13‬ـ ‪ 3‬ـ ‪:)2020‬‬
‫‪https://research.rafed.net/‬‬
‫ورد سؤال للسيّد السيستاني‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫ّج يريد الزواج م ّرة أخری بدون عل ٍة أو سب ٍ‬
‫ب؟‬ ‫السؤال‪ :‬هل يجوز الزواج لمتزو ٍ‬
‫وإن كان األنسب رعاية مشاعر الزوجة واألطفال‪.‬‬ ‫الجواب‪ :‬ال مانع منه‪ْ ،‬‬
‫وف َّسرـ أحد الخطباء معنى قول السيّد أنّه يقصد األنسب ترك الــزواج والتعـ ُّددـ مراعــاة للزوجــة واألوالد‪ ،‬وأضــافـ في‬
‫أن السيّد يقصد عدم التع ُّدد في حال عدم الداعي إليه‪ ،‬كما في الفتوى‪.‬‬ ‫قوله‪ ،‬أمام اآلالف‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫فهل تفسير هذا الخطيب صحيحٌ؟! وإن كان صحيحا فكيف يترك مستحبٌّ ألجــل غــيرة الزوجــة؟! وهــذه الغــيرة الــتي‬
‫تمنع الزوج من التع ّدد وصفها السيّد في أحد فتاواه بأنّها ال تجوز!‬
‫السؤال‪ :‬ما حكم غيرة المرأة على زوجها؟ـ وما حكم غيرة الرجل على زوجته؟‬
‫الجواب‪ :‬األولى ال تجوز‪ ،‬إذا كانت غيرتها في ما يح ّل له‪ ،‬كزواجه بغيرهــا‪ .‬والثانيــة تجــوز‪ ،‬إذا كــانت في موضــعها‬
‫المشروع‪ ،‬كما إذا منعها من األمورـ التي يخاف عليها من االبتالء بالحرام فيها‪ ،‬أو من نظر األجانب إليها نظر شــهوة‬
‫وريبة»‪.‬‬
‫َأل‬ ‫َأل‬ ‫ّ‬
‫فعل غير جائز؟! كما أنه في كثير من فتاوىـ السيّد يــذكر ا وْ لى الــترك‪ ،‬وهنــا ذكــر ا وْ لى‬ ‫كيف يترك مستحبّ ألجل ٍ‬
‫مراعاة‪ ،‬فلماذا لم يذكر اَألوْ لى الترك؟!‬
‫الجواب‪:‬‬
‫أ ّوالً‪ :‬لم يثبت استحباب تع ُّدد الزواج‪ ،‬بل أصل الزواج من المستحبّات األكيدة‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬هناك عناوين أخرى مستحبّة قد تكون أه ّم من استحباب الزواج الثاني ـ على تقدير استحبابه ـــ‪ ،‬وهــو المعاشــرة‬
‫وإن كــان يكــره أو يحــرم على الزوجــة‬ ‫فإن هــذا العنــوان مســتحبٌّ من قِبَــل الــزوج‪ْ ،‬‬ ‫بالمعروفـ مع الزوجة واألوالد؛ ّ‬
‫الغيرة‪ ،‬وإظهارها‪.‬ـ‬
‫وال ينبغي الخلط بين وظيفة الزوجة ووظيفة الزوج‪.‬‬
‫أن األنســب مراعــاة مشـاعر الزوجـة‪ ،‬وليس معــنى ذلــك االســتحباب الشـرع ّي‪ ،‬بـل هــو‬ ‫وثالثا ً‪ :‬ذكر السيّد حفظــه هللا ّ‬
‫مستحسن أخالقا ً وعُرْ فاًـ و َع ْقالً‪.‬‬
‫ٌ‬
‫إن هــذا اللفــظ ال يعــني االســتحباب الشــرع ّي‪ ،‬واألولويّــة الشــرعيّة‪ ،‬بــل يــد ّل على‬ ‫ظهر وجه التعبير بالمناسب‪ ،‬حيث ّ‬
‫ـراع مشــاعر الزوجــة األولى واألوالد‪.‬‬ ‫ً‬
‫ال ُحسْن العقلي أو العُرْ في‪ .‬فإذا أراد أن يعيش حياة رغيدة‪ ،‬ال إزعــاج فيهــا‪ ،‬فليُـ ِ‬
‫ومن المعلوم أن فعل المستحبّ ليس واجبا ً وضروريّاً‪،‬ـ على تقدير استحبابه‪.‬‬
‫‪ )(797‬الشيخ الطوسي‪ ،‬الخالف ‪.246 :4‬‬
‫‪ )(798‬السيد محسن الحكيم‪ ،‬مستمسكـ العروة ‪.5 :14‬‬
‫‪ )(799‬السيد اليزدي (مع تعليقات عدد من الفقهاء)‪ ،‬العروة الوثقى ‪.475 :5‬‬
‫‪ )(800‬محمد تقي الخوئي‪ ،‬شرح العروة الوثقى (النكاح) ـ تقرير بحث السيد الخوئي (موسوعة اإلمام الخوئي)‪ ،‬ج‪.32‬‬
‫‪ )(801‬الشيخ الجواهري‪ ،‬جواهر الكالم ‪.10 :29‬‬
‫‪ )(802‬المصدر السابق ‪.7 :30‬‬
‫‪ )(803‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة (طبعة آل البيت)‪ ،‬ج‪ ،20‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ‪ 3‬من أبواب مق ّدمات النكاح‪ ،‬ح‪.2‬‬
‫‪ )(804‬المصدر نفسه‪ ،‬ح‪.1‬‬
‫‪ )(805‬المصدر نفسه‪ ،‬باب ‪ 1‬من أبواب مق ّدمات النكاح‪ ،‬ح‪.8‬‬
‫‪ )(806‬المصدر السابق‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب ‪ 3‬من أبواب مق ّدمات النكاح‪ ،‬ح‪.4‬‬
‫‪ )(807‬المصدر نفسه‪ ،‬ح‪.5‬‬
‫‪ )(808‬المصدر نفسه‪ ،‬ح‪.6‬‬
‫‪ )(809‬المصدر نفسه‪ ،‬ح‪.7‬‬
‫‪ )(810‬المصدر نفسه‪ ،‬ح‪.8‬‬
‫‪ )(811‬الشيخ علي پناه اإلشتهاردي‪،‬ـ مدارك العروة ‪.17 :29‬‬
‫‪ )(812‬الح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪.103 :2‬‬
‫‪ )(813‬المصدر السابق ‪.15 :20‬‬
‫‪ )(814‬المصدر السابق ‪.110 :4‬‬
‫‪ )(815‬المصدر السابق ‪.524 :11‬‬
‫‪ )(816‬المصدر السابق ‪.15 :20‬‬
‫‪ )(817‬المصدر السابق ‪.246 :20‬‬
‫‪ )(818‬الشيخ ياسين عيسى العاملي‪ ،‬االصطالحاتـ الفقية في الرسائل العملية‪.130 :‬‬
‫‪ )(819‬محمد تقي المجلسـي‪ ،‬روضــة المتقين في شــرح َم ْن ال يحضــره الفقيـه ‪:1‬ـ ‪337‬؛ الســيد أحمـد بن زين العابـدين‬
‫العلوي العاملي‪ ،‬مناهج األخيار في شرح االستبصارـ ‪37 :2‬؛ الشيخ علي پناه اإلشتهاردي‪ ،‬مدارك العروة ‪.57 :29‬‬
‫‪ )( 820‬الشهيد الثاني‪ ،‬حاشية المختصر النافع‪.711 :‬‬
‫‪ )(821‬الفيض الكاشاني‪ ،‬الوافيـ ‪.871 :22‬‬
‫المهذب البارع ‪147 :3‬؛ الشيخ الجواهري‪ ،‬جواهر الكالم ‪.123 :15‬‬ ‫َّ‬ ‫‪ )(822‬ابن فهد الحلّي‬
‫‪ )(823‬العالّمة المجلسي‪ ،‬بحار األنوارـ ‪.23 :80‬‬
‫‪ )(824‬الشيخ فاضل اللنكـراني‪ ،‬تفصــيل الشــريعة في شــرح تحريــر الوســيلة (كتـاب الـديات)‪27 :‬؛ الســيد عبــد األعلى‬
‫السبزواري‪،‬ـ مه َّذب األحكام في بيان الحالل والحرامـ ‪.83 :29‬‬
‫‪ )(825‬السيد الخميني‪ ،‬تحريرـ الوسيلة ‪.557 :2‬‬
‫‪ )(826‬الراغب األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪.518 :‬‬
‫‪ )(827‬الجوهري‪ ،‬الصحاح‪.4 :‬‬
‫‪ )(828‬الخليل الفراهيدي‪ ،‬العين ‪.98 :5‬‬
‫‪ )(829‬الفيروزآبادي‪،‬ـ القاموس المحيط ‪.757 :3‬‬
‫‪ )(830‬أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا‪ ،‬معجم مقاييس اللغة ‪.451 :٣‬‬
‫‪ )(831‬الكافي ‪.567 :5‬‬
‫‪ )(832‬بحار األنوار ‪:103‬ـ ‪306‬؛ وسائل الشيعة ‪:21‬ـ ‪ 15‬ح‪ ،26400‬مســتدرك الوســائلـ ‪:14‬ـ ‪ ،452‬نقالً عن رســالة‬
‫المتعة للمفيد‪.‬‬
‫ِّ‬
‫‪ )(833‬وقد قيل‪ :‬إن النكاح المحكوم عليه باالستحباب هو العقد المحلل للوطء؛ ألن لفظ النكاح حقيقة فيه‪.‬‬
‫ـير من النصــوص بــالوجوه المشــتركة‬ ‫قلتُ ‪ :‬قد يحتمل قويّا ً كون المراد منه ما يتناوله والتسرّي؛ لوقوعـ التعليــل في كثـ ٍ‬
‫بينــه وبين الــتزويج‪ ،‬كحصــول النســل‪ ،‬وتكثــير األ ّمــة‪ ،‬وإبقــاء النــوع‪ ،‬والخالص من الوحــدة‪ ،‬وطلب الــرزق والولــد‬
‫الصالح‪ ،‬فيكون األمر بالتزويجـ في اآليات واألخبار لكونه أحد الفر َديْن اللــذين يتــأتّى بهمــا االســتحباب‪ ،‬ال ألنــه مــرا ٌد‬
‫ومطلوبٌ بخصوصه‪ .‬ويؤيِّده خبر عبد هللا بن المغيرة‪ ،‬عن أبي الحسن×‪« :‬إنه جاء رج ٌل إلى أبي عبد هللا×‪ ،‬فقال‪ :‬هـل‬
‫ت لي زوجــة‪ ،‬ث ّم قــال‪ :‬الركعتــان‬ ‫وليسـ ْ‬
‫َ‬ ‫ت ليلةً‬‫لك من زوج ٍة؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬إنّي ما أحبّ أن لي الدنيا وما فيها وأني بِ ُّ‬
‫ُعلت فـداك‪ ،‬فأنـا ليس‬ ‫يصلِّيهما رج ٌل متز ِّو ٌج أفضل من رجل أعزب يقوم ليله ويصوم نهاره‪ ،‬فقـال محمـد بن عبيـد‪ :‬ج ُ‬
‫ب»‪ .‬وهللا العالم‪.‬‬
‫لي أهلٌ‪ ،‬فقال‪ :‬أليس لك جواري‪ ،‬أو قال‪ :‬أ ّمهات أوالد؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فأنت لست بعز ٍ‬
‫ت ع ّدة‪.‬‬‫إالّ أن هذا الكالم ال يفيد في المقام؛ باعتبارا ٍ‬
‫‪ )(834‬الح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة (طبعة الدار اإلسالمية) ‪ ،179 :14‬باب ‪.140‬‬
‫‪ )(835‬قال الكليني‪« :‬وعن ع ّد ٍة من أصحابنا‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن‪ ‬محمد بن عيسى‪ ،‬عن‪ ‬زكريا المؤمن‪ ،‬رفعه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بسرف»‪ .‬الكافي ‪ ،٥١٢ :٦‬ح‪.16‬‬ ‫ٍ‬ ‫ما أنفقت في الطِّيب فليس‬
‫‪ )(836‬الشيخ علي پناه اإلشتهاردي‪ ،‬مدارك العروة ‪.21 :29‬‬
‫‪ )(837‬قال الكليني‪« :‬وعن ع ّد ٍة من أصحابنا‪ ،‬عن سهل بن زياد‪ ،‬عن محمد بن عيسى‪ ،‬عن زكريا المؤمن‪ ،‬رفعه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫بسرف»‪ .‬الكافي ‪ ،٥١٢ :٦‬ح‪.16‬‬ ‫ٍ‬ ‫ما أنفقت في الطِّيب فليس‬
‫‪ )(838‬أحمد بن محمد مهدي النراقي‪ ،‬عوائد األيام‪ ٦٣٦ :‬ـ ‪.٦٣٧‬‬
‫‪ )(839‬الكليني‪ ،‬الكافي ‪.330 :5‬‬
‫‪ )(840‬السيد المرتضى‪ ،‬الذخيرة‪.364 :‬‬
‫‪ )(841‬السيوطي‪ ،‬اإلتقان في علوم القرآن ‪ ،214 :1‬دار الكتب العربي‪ ،‬بيروت‪1421 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(842‬الطباطبائي‪ ،‬الميزان في تفسير القرآن ‪ ،125 :12‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪1417 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(843‬في الجزء ‪ 12‬من الميزان‪.‬‬
‫‪ )(844‬تاريخ اليعقوبي‪ ،135 :2 ،‬المكتبة الحيدرية‪ ،‬قم‪1425 ،‬هـ؛ الميزان في تفسير القرآن ‪.118 :12‬‬
‫‪ )(845‬تاريخ أبي الفداء ‪157 :1‬؛ الميزان في تفسير القرآن ‪.118 :12‬‬
‫‪ )(846‬الميزان في تفسير القرآن ‪.119 :12‬‬
‫‪ )(847‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(848‬اإلتقان في علوم القرآن ‪210 :1‬؛ الميزان في تفسير القرآن ‪.119 :12‬‬
‫‪ )(849‬المسند ‪240 :3‬؛ الميزان في تفسير القرآن ‪.120 :12‬‬
‫‪ )(850‬الميزان في تفسير القرآن ‪.118 :12‬‬
‫‪ )(851‬الخوئي‪ ،‬البيان في تفسير القرآن‪ ،245 :‬مؤسّسة إحياء آثار اإلمام الخوئي‪ ،‬بيروت‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(852‬النووي‪ ،‬فتح الباري في شرح صحيح البخاريـ ‪:8‬ـ ‪ .226‬فتح الباري في شرح صــحيح البخــاري‪ ،‬دار الريــان‪،‬‬
‫بيروت‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(853‬المتقي الهندي‪ ،‬كنـز العمال ‪ ،364 :2‬مؤسّسة الرسالة‪ ،‬بيروت‪1401 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(854‬البيان في تفسير القرآن‪.245 :‬‬
‫‪ )(855‬تفسير عل ّي بن إبراهيمـ الق ّمي ‪ ،451 :2‬دار الكتاب‪ ،‬قم‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(856‬مناقب آل أبي طالب ‪.41 :2‬‬
‫‪ )(857‬سنن الترمذي ‪735 :5‬؛ المسند ‪.144 :8‬‬
‫‪ )(858‬أديب العالّف‪ ،‬البرهان في علوم القرآن ‪ ،119 :1‬مكتبة الفارابي‪ ،‬دمشق‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(859‬علي الكوراني‪ ،‬تدوين القرآن‪ ،238 :‬دار القرآن‪ ،‬قم‪1418 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(860‬المعجم الكبير ‪.142 :5‬‬
‫‪ )(861‬علوم القرآن‪.175 :‬‬
‫‪ )(862‬اإلتقان في علوم القرآن ‪.210 :1‬‬
‫‪ )(863‬البيان في تفسير القرآن‪.254 :‬‬
‫‪ )(864‬اإلتقان في علوم القرآن ‪.72 :1‬‬
‫‪ )(865‬النسائي‪ ،‬السنن الكبرى ‪.214 :4‬‬
‫‪ )(866‬كنـز العمال ‪.364 :2‬‬
‫‪ )(867‬اإلتقان في علوم القرآن ‪.122 :2‬‬
‫‪ )(868‬محاضرات األدباء ‪.438 :4‬‬
‫‪ )(869‬جعفر مرتضى العاملي‪ ،‬حقائق ها ّمة حول القرآن الكريم‪ ، 42 :‬مؤسّسة النشر اإلسالمي‪ ،‬قم‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(870‬الواحدي‪ ،‬أسباب نزول القـرآن‪ ،17 :‬دار الكتب العلميـة‪ ،‬بـيروت‪1411 ،‬هــ؛ الحـاكم النيسـابوري‪ ،‬المسـتدرك‬
‫على الصحيحين ‪231 :1‬؛ الميزان في تفسير القرآن ‪.127 :12‬‬
‫‪ )(871‬المستدرك على الصحيحين ‪:1‬ـ ‪231‬؛ النسائي‪ ،‬السنن الكــبرى ‪:2‬ـ ‪ ،42‬مؤسّســة الرســالة‪ ،‬بــيروت‪1421 ،‬هـــ؛‬
‫الميزان في تفسير القرآن ‪.127 :12‬‬
‫‪ )(872‬تفسير القــرآن العظيم ‪:1‬ـ ‪16‬؛ أســباب نــزول القــرآن‪17 :‬؛ المســتدركـ على الصــحيحين ‪:1‬ـ ‪231‬؛ المــيزان في‬
‫تفسير القرآن ‪.128 :12‬‬
‫‪ )(873‬مرتضىـ العسكري‪ ،‬القرآن وروايات المدرستين ‪ ،211 :1‬المجمع العلمي اإلسالمي‪ ،‬طهران‪1416 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(874‬سنن أبي داوود ‪354 :1‬؛ المستدرك على الصحيحين ‪.221 :2‬‬
‫‪ )(875‬الميزان في تفسير القرآن ‪.127 :12‬‬
‫‪ )(876‬القرطبي‪ ،‬الجامع ألحكام القرآن ‪ ،60 :1‬انتشارات ناصر خسرو‪ ،‬طهران‪1364 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(877‬تاريخ اليعقوبي ‪.34 :2‬‬
‫‪ )(878‬كتاب ُسلَيْم بن قيس الهاللي‪ ،72 :‬منشورات الهادي‪ ،‬قم‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(879‬ابن شهرآشوب‪ ،‬مناقب آل أبي طالب ‪ ،50 :2‬انتشارات ذوي القربى‪ ،‬قم ‪1427 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(880‬ابن النديم‪ ،‬الفهرست‪.48 :‬‬
‫‪ )(881‬المجلسي‪ ،‬بحار األنوار ‪ ،88 :92‬مؤسّسة الوفاء‪ ،‬بيروت‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(882‬الكليني‪ ،‬الكافيـ ‪ ،64 :1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬طهران‪1407 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(883‬الميزان في تفسير القرآن ‪.128 :12‬‬
‫‪ )(884‬مناقب آل أبي طالب ‪.51 :2‬‬
‫‪ )(885‬الفهرست‪ 47 :‬ـ ‪.48‬‬
‫‪ )(886‬الكافي ‪.64 :1‬‬
‫‪ )(887‬هاشم البحراني‪ ،‬البرهان في تفسير القرآن ‪:1‬ـ ‪ ،38‬مؤسّسة البعثة‪ ،‬طهران‪1416 ،‬هـ؛ الطبرسي‪ ،‬االحتجاج ‪:1‬‬
‫‪ ،153‬نشر المرتضى‪،‬ـ مشهد‪1403 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(888‬محمد علي مهدويـ راد‪ ،‬آفاق تفسير‪ ،102 :‬هستي نما‪ ،‬طهران‪1382 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(889‬الكافي ‪.228 :1‬‬
‫‪ )(890‬الصفّار‪ ،‬مختصرـ بصائر الدرجات ‪ ،143 :1‬مكتبة المرعشي النجفي‪ ،‬قم‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(891‬المفيد‪،‬المسائل السروية ‪ ، 79 :7‬المؤتمرـ العالمي أللفيّة الشيخ المفيد‪ ،‬قم‪1413 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ )(892‬تفسير العيّاشي ‪ ،24 :1‬المطبعة العلمية‪ ،‬طهران‪1380 ،‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫‪ )(893‬حســن المصــطفوي‪ ،‬التحقيــق في كلمــات القــرآن الكــريم ‪ :4‬ـ ‪ 46‬وزارة الثقافــة واإلرشــادـ اإلســالمي‪ ،‬تهــران‪،‬‬
‫‪1368‬هـ‪.‬ش‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ )(894‬الزمخشري‪ ،‬الكشاف‪ ، 220 :‬دار صادر‪ ،‬بيروت‪1979 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(895‬الفيومي‪ ،‬المصباح المنير ‪ ،295 :2‬مؤسّسة دار الهجرة‪ ،‬قم‪1414 ،‬هـ؛ المصطفوي‪ ،‬التحقيق في كلمات القرآن‬
‫الكريم ‪.358 :5‬‬
‫‪ )(896‬ما نقصده من التراث التاريخيـ لأل ّمة هنا هو ك ّل الرأسمال الرمزيـ لها‪ ،‬ك ّل ما أنتجته من ثقافة عا ّمــة في الــدين‬
‫والفن‪ ،...‬إلخ‪ .‬هــذا هــو الــتراث بكـ ّل مــا فيــه من قصـ ٍ‬
‫ـور‬ ‫ّ‬ ‫والفكر والفلسفة والفقــه والتفســير والتأويــل واألدب والشــعرـ‬
‫الغث والسمين‪ ،‬وفيه السيّئ والجيّد؛ حيث إن الشروحات‬ ‫ّ‬ ‫ولكن في ما يخص التراث الديني بالذات نجد أن فيه‬ ‫ْ‬ ‫وإبداع‪.‬‬
‫ً‬ ‫ْ‬
‫ض َّخمت هذا التراث‪ ،‬وباتَت أكبر من نصوصه األولى‪ ،‬بل جعلت الشرح متنا‪ ،‬لألسف‪.‬‬
‫‪ )(897‬راجع‪ :‬الشيخ باقر القرشي‪ ،‬حياة اإلمام الرضا× ‪ .181 :2‬عصر المأمون ‪ 330 :1‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ )(898‬أنشئت في بغداد وحدها حوالي ثالثين مدرسة‪ ،‬كان من أكثرها شــهرة المدرســة النظاميــة‪ ،‬الــتي ذاع صــيتها في‬
‫اآلفاق‪.‬‬
‫(راجـ عْ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫الخاصـة إليهــا‪.‬‬ ‫‪ )(899‬كان من أبرزها مكتبة بيت الحكمــة‪ ،‬الــتي قيــل بــأن هــارون الرشــيدـ أمــر بنقــل مكتبتــه‬
‫القرشي‪ ،‬حياة اإلمام الرضا× ‪182 :2‬؛ رحلة ابن جبير‪208 :‬؛ القرشي‪ ،‬حياة اإلمام الجواد×‪.)197 :‬‬
‫‪ )(900‬انظر كتاب الفهرست‪ ،‬البن النديم‪ ،‬الذي يــذكر فيــه أســماء كثــيرة من الكتب والمصـنَّفات المترجمــة عن اللغــات‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫‪ )(901‬تاريخ الفلسفة في اإلسالم‪.329 :‬‬
‫‪ )(902‬لقد كان لهذه العلوم مراكز أساسية لالنطالقـ واالنتشار‪ ،‬نذكر منها‪ :‬بغداد والكوفة والبصرة‪ ،‬التي كانت مدرسـةً‬
‫ها ّمةً في علم النحو‪ ،‬الذي أنشأه أبو األسودـ الدؤلي (تلميذ أمير المؤمنين اإلمام عل ّي)‪.‬‬
‫‪ )(903‬را ِجعْ‪ :‬عصر المأمون ‪.375 :1‬‬
‫(راجـ عْ‪ :‬القرشــي‪،‬‬
‫ِ‬ ‫‪ )(904‬قُدِّرت واردات الدولة في عهد اإلمام الرضا× من الخراج وحده بحوالي ‪ 400‬مليــون درهم‪.‬‬
‫حياة اإلمام الرضا× ‪ 179 :2‬ـ ‪ .)180‬والرقمـ ‪ 400‬مليون درهم ذكره ابن خلدون في مق ّدمته‪.180 :‬‬
‫‪ )(905‬القرشي‪ ،‬حياة اإلمام الرضا× ‪.190 :2‬‬
‫‪ )(906‬يذكر ابن األثير في تاريخه ‪ :6‬ـ ‪ ،434‬أن المأمون كان في دمشق‪ ،‬فأصابته ضائقة مادية اقتصــادية فحملت إليــه‬
‫كمية من الماء قدرت بحوالي ثالثين مليون درهم من مال الخراج‪ ،‬فأمرـ المــأمون بإنفــاق ‪ 24‬مليــون درهم منهــا على‬
‫أصحابه‪ ،‬والباقيـ أنفقه على جنده‪.‬‬
‫‪ )(907‬كان اإلسراف والتبذيرـ ظاهرة طبيعية سائدة عند ملــوك بـني العبّـاس‪ .‬فقـد بـنى المهــدي منتزهـا ً أنفـق عليــه ‪50‬‬
‫مليون درهم‪ ،‬وصرفـ المتو ِّكل على قصره المعروف بالماحوزة ‪ 50‬مليون درهم‪ ،‬وعلى قصره المعروف بالعروس‬
‫‪ 30‬مليون‪ ،‬وعلى البَهْو ‪ 25‬مليون درهم‪ .‬ومن األلوان واألشكال األخرى للبذخ واإلسراف الكبير الذي تفنَّن فيه حكام‬
‫الدولة العباسية‪ ،‬والمذكور في بطون الكتب التاريخية‪ ،‬قصة زواج المأمون ببوران‪ ،‬حيث بلغت تكــاليف ونفقــات هــذا‬
‫العرس أكثر من ‪ 48‬مليون درهم‪ .‬وقد قيل في ذلك الشــيء الكثــير (راجــع‪ :‬تــاريخ ابن األثــير ‪:6‬ـ ‪364‬؛ ابن الســاعي‬
‫البغدادي‪ ،‬نساء الخلفاء‪68 :‬؛ حميد بن احمــد المحلي‪ ،‬الحــدائق الورديــة ‪:2‬ـ ‪220‬؛ داوودـ بن عمــر األنطــاكي‪ ،‬تــزيين‬
‫األسواق‪ 3 :‬ـ ‪ .)17‬ويبدو أن هذا اإلسرافـ والهدر الكبير الذي جرى في ثروات األمة ومقـدراتهاـ ومواردهـاـ الجبـارة‬
‫والهائلة من قِبَل فئ ٍة مفسدة وظالم ٍة من الحكام والفراعنة والحواشيـ والتابعين لهم ما زال يجري‪ ،‬ويفعـل فعلـه تمزيقـا ً‬
‫وتفتيتا ً في طاقات أ ّمتنا العربية اإلسالمية حتّى يومنا هذا؛ إذ ال يكاد يمـ ّر يــوم إالّ ونســمع فيــه ــ في إعالمنــا المقــروء‬
‫والمسموعـ واإللكتروني ـ عن قضاياـ وفضــائح الفســاد واالختالس والنهب والســرقة‪ ،‬وبأرقــامـ تصــل إلى حـ ّد الخيــال‪،‬‬
‫يقوم بها مسؤولو هذه الدولة العربية أو تلك‪ ،‬حتّى وصلت المسألة إلى مرحلـ ٍة أصــبحت فيهــا أخبــار الفســاد واإلفســاد‬
‫التزوير والبذخ واإلسراف الموثقة ج ّداً أموراً طبيعيّة للغاية‪ .‬وك ّل ذلك يجري لألسف على مرأى ومسمع الشعب كلّه‪،‬‬
‫ومرأى ومسمع وزاراتـ العدل والداخلية والشرطة وهيئات الرقابة والتفتيش العربية وغيرهــا‪ .‬وإذا كــان المــأمون قــد‬
‫ـف لفَّهم) من‬ ‫صرف على نفسه ك ّل هذا المبلغ الضخم من المال فــإن الكثــير من ح ّكامنــا ورؤســائناـ وحواشـيهم (و َم ْن لـ ّ‬
‫أصحاب الجاللة والفخامة والسيادة فاقوا وب ّزواـ المأمون ب ّزاً في هــذه المســألة اإلفســادية‪ .‬وإذا كــانت أرقــامـ المــأمون ـ‬
‫وغيره من ح ّكام البيت العباسي ـ قد وصل إلى الح ّد المليونيـ فقط فإن أرقام هؤالء قد تجاوزت المئــات من المليــارات‬
‫بكثير‪ ،‬ب َّددوها وأنفقوهــا على شــراء الضــمائر والـ ِّذ َمم ومواقـعـ النفــوذ والتــأثير‪ ،‬أو وهبوهــا للمطــربين والمغنِّين على‬
‫ٍ‬
‫طريق األهواء والشهوات والعبث بمقدرات البالد والعباد‪ ،‬أو سلَّموها إلى المســتعمرين ال ُجـ دُد؛ حفاظـا ً على كراســيهم‬
‫وعروشهمـ ونهبهم لبلدانهم‪.‬‬
‫َت فيها‬ ‫‪ )(908‬تض ّخمت الثروات الهائلة عند بعض الناس‪ ،‬خصوصا ً في بغداد‪ ‬عاصمة العالم اإلسالمي آنذاك‪ ،‬فقد وجد ْ‬
‫طبقة غنية ومترفة في غناها كانت تملك الماليين‪ .‬وكذلك البصرة؛ فقد ض َّمت طبقــة كبــيرة من أهــل الــثراء العــريض‬
‫والفاحش‪ ،‬وكانت البصرة ثَ ْغ َر العراق‪ ،‬والمركزـ التجاري الخطير الذي يصل بين الشرق والغــرب‪ ،‬وتســتقبل متــاجر‬
‫الهند‪ ،‬وجزرـ البحار الشرقية‪ ،‬ومن أجل ذلك ُس ِّميت البصرة أرض الهند وأ ّم العراق‪.‬‬
‫‪ )(909‬وثَّق المؤ ِّرخون وقائعـ وحوادث كثيرة من هذه المظالم‪ ،‬نذكر منها‪ :‬ما فرضه هؤالء الحكام من ضرائب باهظــة‬
‫حتّى على تركة األموات‪ .‬وقيل في ذلك شعرٌ‪ ،‬البن المعت ّز‪ ،‬يصور فيه معانــاة النــاس من جـرّاء ذلـك‪( .‬راجـع كتــاب‪:‬‬
‫الحضارة اإلسالمية ‪:1‬ـ ‪ .)199‬أما بالنسبة للقســوة في أخــذ الخــراج ــ ومــا تركــه ملــوك العباســيين من أمــوال طائلــة‬
‫ِّث عنه وال َح َرج‪( .‬راجع‪ :‬الخراج‪ 116 :‬ـ ‪118‬؛‬ ‫اختلسوها من الشعوب (المسلمة)‪ ،‬وأخذوها بقوة الحديد والنار ـ فحد ْ‬
‫المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪318 :3‬؛ البدء والتاريخ ‪92 :6‬؛ وغيرها)‪.‬‬
‫‪ )(910‬أرَّخ كثير من شعراء العصر العباسي لهذه المرحلة التاريخية‪ .‬فها هو أبو العتاهية يحـدِّثنا ــ شــاكيا ً باكيـا ً ــ ع ّمــا‬
‫كانت عليه العا ّمة من البؤس والشقاء‪ ،‬يقول‪:‬‬

‫‪ )(911‬يح ّدثنا الدكتورـ أحمد صبحي‪ ،‬في كتابه نظرية اإلمامة‪ ،‬عن هذا األمر قــائالً‪« :‬ولكن ذلــك المثــل األعلى للعدالــة‬
‫والمساواة‪ ،‬الذي انتظره الناس من العبّاسيين‪ ،‬قــد أصــبح َو ْهمـا ً من األوهــام‪ ،‬فشراســة المنصــورـ والرشــيد وجشــعهم‪،‬ـ‬
‫و َجوْ ر أوالد عل ّي بن عيسى و َعيْثهم بأموال المســلمين‪ ،‬يــذ ِّكرناـ بالحجــاج وهشــامـ ويوسـفـ بن عمــرو الثقفي‪ ،...‬إلخ»‪.‬‬
‫(را ِجعْ‪ :‬نظرية اإلمامة‪.)38 :‬‬
‫‪ )(912‬انفجرت خالل هذه المرحلة ثورات وانتفاضاتـ شعبية مسلَّحة كثيرة‪ ،‬كان من أبرزها ـ في عهــد اإلمــام الرضا×‬
‫(راجـ عْ‪ :‬مقاتــل‬
‫ِ‬ ‫ـ‪ :‬ثورة ابن طباطباـ في عام ‪199‬هــ‪ .‬وقدـ س ّمى البعض هذه الثورة باسم قائدها العسكري أبي السـرايا‪.‬ـ‬
‫الطالبيين‪.)540 :‬‬
‫ي شــرعية‪،‬‬ ‫‪ )(913‬نحن نعتقد أن الحكم الذي يقيم بنيانه النفسي والسلوكي والثقافيـ على قاعدة الحديد والنار ليســت لــه أ ّ‬
‫ألن صــفة الشــرعيّة ال تكــون صــلبة (في هــذا المجــال)‪ ،‬إالّ عنــدما‬ ‫بالمعنى الــديني واألخالقي والوجــوديـ اإلنســاني؛ ّ‬
‫نظام ـ على شرعيّة الناس‪ ،‬أي على القوّة الجماهيرية والشعبية في الجانب العمل ّي‪ ،‬وعلى عناصــر‬ ‫ٍ‬ ‫ي‬ ‫يرتكز النظام ـ أ ّ‬
‫ي‪.‬ـ وأمــا على مســتوى النظريــة اإلســالمية في الحكم والممارســة فإننــا نعتقــد أن‬ ‫التكــوين الثقــافي في الجــانب النظــر ّ‬
‫الشرعية تقوم على قاعدة الفكر اإلسالمي األصيل (نظريّاً)‪ ،‬والقوّة الشــعبية عمليّـاً‪ ،‬أي الحكومــة اإلســالمية المنتَخَبــة‬
‫بطريق ٍة شعبيّة ُحرَّة‪.‬‬
‫‪ )(914‬الدينوري‪ ،‬اإلمامة والسياسة ‪.145 :2‬‬
‫‪ )(915‬تاريخ الطبريـ ‪.331 :6‬‬
‫‪ )(916‬ابن األثير‪ ،‬الكامل في التاريخ ‪.173 :6‬‬
‫التلون والمجاملة‪ .‬جاء في كتاب العقد الفريد البن عبد‬ ‫‪ )(917‬عرف عن المأمون دهاؤه وحنكته السياسية‪ ،‬وقدرته على ُّ‬
‫ربّه ‪« :123 :1‬بيَّن المأمون للفضل بن سهل أن أخاه األمين كان يستطيع أن ينتصرـ عليه لو أنه أرسل إلى أهل البالد‬
‫وإن قبــل لم‬ ‫إن لم يقبل المأمون قامت الدنيا ض ّده‪ْ ،‬‬ ‫التي يحكمها يخبرهمـ أنه قد رفع عنهم الخراج إلى سن ٍة(…) فحينئ ٍذ ْ‬
‫ت بينهم الحــرب‪ .‬فحمــد الفضــل‬ ‫ي ِج ْد ما يعطي الجند‪ ،‬فيقومون ض ّده‪ ،‬وفي كلتا الحالتين يكون النصــر لألمين‪ ،‬لــو وق َع ْ‬
‫ربَّه على أنه لم ي ْهتَ ِد األمين وأتباعه إلى هذا الرأي»‪.‬‬
‫ومنظار واحد‪ ،‬بل من زوايا ومعــايير متع ـ ّددة؛‬ ‫ٍ‬ ‫معيار‬
‫ٍ‬ ‫‪ )(918‬نحن ال نريد أن ننظر إلى األمور من زاوي ٍة خاصة أو من‬
‫فالمأمون كانت لديه (إلى جانب امتالكه لتلك الصــفات الســلبية) مواصــفات إيجابيّــة‪ ،‬منهــا‪ :‬العــزم‪ ،‬والعلم‪ ،‬والحنكــة‪،‬‬
‫وحسن التدبير‪ ،‬وظَّفها كلّها ـ لألسف ـ في اتجاه تكريس زعامته وسلطته الدنيوية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ )(919‬أوك َل المأمون أمر تنفيذ هذه المه ّمة إلى جالوزته وجالّديه‪ ،‬الذين أمعنوا قتال وتشريدا وتنكيال بالسادة العلــويّين‪.‬‬
‫ً‬
‫(را ِجـ ْع بهــذا الخصــوص‪ :‬الرســالة الــتي بعثهــا الخــوارزمي إلى أهــالي نيشــابور‪،‬ـ والــتي تحـ َّدث فيهــا باستفاضــة عن‬
‫ضروب ال ِم َحن والباليا والشرور التي ألحقَ ْتها اإلدارة العبّاسية بالعلويين‪ .‬ويمكن متابعــة نصّ هــذه الرســالة في الكتب‬
‫التاليــة‪ :‬القرشــي‪ ،‬حيــاة اإلمــام الرضا× ‪ :2‬ـ ‪209‬؛ البدايــة والنهايــة ‪ :10‬ـ ‪244‬؛ تــاريخ اليعقــوبي ‪ :3‬ـ ‪ 173‬ـ ‪174‬؛‬
‫المسعودي‪ ،‬مروج الذهب ‪ 432 :3‬ـ ‪.440‬‬
‫‪ُ )(920‬ربَما يستغرب الكثيرون هذا الحديث السلب ّي (عن المأمون) الذي يأتي هنا‪ ،‬بعد أن تح َّدثنا في مواضع ســابقة عن‬
‫وتوسـعـ حركــة الترجمــة‬ ‫ُّ‬ ‫وتطورـ النشــاط الثقــافي واالنفتــاح الفكــري والحضــاري في عهــده‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫ازدهار الحركة العلمية‪،‬‬
‫والتعريب والنقل عن باقي األمم والحضارات‪ .‬وإليضاح ذلك يمكننا أن نقول‪ :‬إن أحد أسباب هذا االستغراب يمكن أن‬
‫يعود إلى طبيعة التأثيرات السلبية لألجــواء النفســية والطبــائع الفكريــة والتاريخيــة الضــاغطة‪ ،‬الــتي قــد تجبرنـاـ ــ في‬
‫أحايين كثيرة ـ على أن نف ِّكر بالطريقة الح ّدية التقليدية‪ ،‬التي تجعلنا نقيِّم األحداث واألفكارـ والقِيَم واألشخاص والتاريخ‬
‫من خالل اللونين األبيض واألسود فقط (إما نعم بالمطلق؛ أو ال بالمطلق)‪ .‬فالمأمون كان حاكما ً مفروضـاًـ على صــدرـ‬
‫األمة اإلسالمية بق ّوة الغلبة وسيف القهر والغصب التــاريخي الالشــرعي‪ .‬وقــد انطلــق إلى الواقــع اإلســالمي‪ ،‬وحـرّك‬
‫الكثير من مفاصله السياسية والعلمية والفكرية ضمن الخطوطـ والتوجُّ هات التي رسمها لنفسه (أو رسمت لــه) في هــذا‬
‫الجانب أو ذاك‪ .‬لذلك كان من الطبيعي ج ّداً أن تكــون لحركتــه تلــك ثمــار عمليــة ونتــائج ميدانيــة كثــيرة وواســعة على‬
‫النحويْن‪ :‬اإليجابي؛ والسلبي‪ .‬من هنا أرى ضرورة أن نتعامل مع تاريخنــا ــ كمـا ذكَرْ نا ـ بشـي ٍء من العقليـة المتـدبِّرة‬ ‫َ‬
‫الواعية‪ ،‬التي تف ِّكر بطريقة الـدوائر الفعليــة المنتجـة‪ ،‬وأن ال نختنــق في الـدهاليز الضـيِّقة‪ ،‬من خالل تفكيرنـاـ بطريقـة‬
‫ق ومسؤوليّة ـ ـ التخلُّص من‬ ‫الزوايا الحا ّدة‪ ،‬أو الخطوطـ المنحنية والمنكسرة‪ .‬أي يجب علينا أن نحاول دائما ً ـ بك ّل صد ٍـ‬
‫أساليب التفكير القديمة‪ ،‬التي تعتبر أن التاريخ مق َّدسٌ وإيجاب ٌّي بالمطلق‪.‬‬ ‫‪921‬‬
‫باستمرار‪.‬ـ وكانت‬ ‫ٍ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫() لقد كانت عالقة اإلمام الرضا× بالمأمون ـ قبل وأثناء والية العهد‪ ،‬وحّتى استشهاده ـ متوترة‬
‫وسـعْيه باتجــاه عقــد مجلس النظــر‬ ‫تتقلَّب ما بين م ٍّد و َج ْز ٍر‪،‬ـ بالرغم من محاوالت المأمون إظهار محبّته لــه ولألئ ّمة^‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫والحوار التي كـان يجمــع فيهــا (المــأمون) المخــالفين ألهـل الــبيت^؛ ليكلِّمهم عن فضـائل اإلمــام عل ّي×‪ ،‬مســتدال على‬
‫ّ‬
‫أحقِّيته بالخالفة‪ ،‬وأفضليّته بالحكم والقيادة‪.‬‬
‫‪ )(922‬را ِجعْ‪ :‬جرجي زيدان‪ ،‬تاريخ التم ُّدن اإلسالمي ‪.261 :4‬‬
‫‪ )(923‬نقلت خالل هذه الفترة ـ والفترة التي سبقتها ـ كتب الفلسفة والمنطق وأصــول التفكــير والمعتقــدات المختلفــة عن‬
‫ت مــع‬ ‫الحضارتين اليونانية والفارسية إلى اللغة العربية‪ .‬ونشأت إثر ذلك حركةٌ علمية وفكرية دؤوبة ونشيطة‪ ،‬تــرافقَ ْ‬
‫ظهور اندفاعات عقائدية قشرية‪ ،‬حاولت التستُّر بالمنطق والفلسفة؛ تو ِّخيا ً لتحقيق مصالحها في تعميــق روح التشــكيك‬
‫واإللحاد في المجتمع اإلسالمي‪.‬‬
‫ْ‬
‫ت األقوال واألفكار التي دعَت إليها ومارستهاـ تلك المذاهب والفِ َرقـ المنحرفة في حركة الواقع من خالل‬ ‫‪ )(924‬تمظهَ َر ْ‬
‫األمور التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ انتشار الزندقة والتشكيك في العقائد اإلسالمية‪.‬‬
‫‪2‬ـ الدعوة إلى تبني عقائد الجبر والتفويض‪ ،‬وفكرة التشبيه والتجسيم والغل ّو (وتأليه أئ ّمة أهل البيت)‪.‬‬
‫‪3‬ـ اتّساع نطاق ظاهرة التحلُّل من الواجبات الشرعية‪.‬‬
‫‪4‬ـ توظيف النصوص المق َّدسة لخدمة غايات سياسية‪ ،‬ومصالح وأجندات مرحليّة ضيّقة خاصّة‪.‬‬
‫‪5‬ـ اتّساع ظاهرة الوضع والدسّ في التاريخ اإلسالمي‪ ،‬ومنها‪ :‬ظاهرة اختالق أحاديث‪ ،‬وشخصــيات‪ ،‬وروايــاتـ غــير‬
‫راج ْع الكتب التالية‪ :‬األميني‪ ،‬الغدير ‪290 :5‬؛ مؤتمرـ اإلمام الصادق×‪282 :‬؛ اإلمام موسىـ الكاظم×‪،‬‬ ‫موجودة أصالً‪ِ .‬‬
‫ألق الفكر وأصالة االنتماء‪ 40 :‬ـ ‪.42‬‬
‫َت في عصر اإلمام الرضا× أجواء الحوار المعرفي‪،‬ـ والســجال الفكــري والمحاججــات الثقافيــة بين مختلــف‬ ‫‪ )(925‬شاع ْ‬
‫التيارات الفكرية والفلسفية‪ ،‬وذلك في كثــير من المواضــيع العقائديــة والبحــوث الكالميــة والفلســفية‪ .‬ويمكن ل َم ْن يريــد‬
‫التنوع والحوارـ الــتي‬ ‫متابعة هذا الموضوع الرجوع إلى العديد من الكتب الخاصّة بذلك العصر؛ للوقوف أمام مظاهر ُّ‬
‫اتّسم بها ذلك العصر‪.‬‬
‫‪ )(926‬يروي المؤرِّ خون والرواة أن اإلمام الرضا× كان يكثر ليالً من تالوة القرآن‪ ،‬حتّى وهو في فراشه‪ ،‬فإذا م ّر بآي ـ ٍة‬
‫فيها ذكر الجنة أو النار بكى‪ ،‬وسأل هللا الجنّة‪ ،‬وتع َّوذ به من النار‪ .‬را ِجعْ‪ :‬عيون أخبار الرضاـ× ‪.180 :2‬‬
‫‪ )(927‬مسند اإلمام الرضا× ‪309 :1‬؛ عيون أخبار الرضا× ‪.130 :2‬‬
‫ت إســالمية‬ ‫ي شخصـيّا ٍ‬ ‫ي خصوصــي ٍة يمكن أن تظهــر في أ ّ‬ ‫‪ )(928‬امتلك أهل الــبيت^ خصوصـيّة ممــيزة‪ ،‬تختلــف عن أ ّ‬
‫أخرى‪ ،‬وهي خصوصيّة هذا االرتباط العضويـ المعنوي والمفــاهيمي المتجـدِّد بين القــرآن الكــريم وبينهمـ^‪ .‬وفي ذلــك‬
‫تمسـكتم بــه لن تضــلوا‪ :‬كتــاب هللا؛ وعــترتي أهــل بيــتي »‪ .‬بحــار‬ ‫يقول الرسول|‪« :‬أيّها النــاس‪ ،‬إني تــركتم فيكم مــا إن ّ‬
‫األنوار ‪118 :23‬؛ كنـز الع ّمال في سنن األقوال واألفعالـ (قسم األقوال)‪.106 :‬‬
‫‪ )(929‬السيد محمد حسين فضل هللا‪ ،‬في رحاب أهل البيت^‪.63 :‬‬
‫‪ )(930‬عيون أخبار الرضا× ‪.130 :2‬‬
‫بزمن مح َّدد فهذا ال يعني أن الواقعة ذاتهــا تمثِّل معــنى‬ ‫ٍ‬ ‫‪ )(931‬من خالل أنه إذا نزل القرآنُ في واقع ٍة معيَّنة ومحصورة‬
‫اآلية‪ ،‬بل تكون هذه (اآلية) النموذج الذي يشير إلى ك ّل النماذج المماثلة والمشابهة عبر كـ ّل التــاريخ‪ .‬وكــذلك إذا نـزل‬
‫رمز معين فإن الشخص ال يمثِّل داللةً موضوعية لآلية فقط‪ ،‬ولكنّه يمثِّل العنوان واإلطــار العــا ّم‬ ‫ٍ‬ ‫شخص أو‬‫ٍ‬ ‫القرآن في‬
‫الذي يمكن أن ينفتح على ك ّل العناوين في حركة الحيــاة؛ ألن القــرآن كمــا قــال اإلمــام الرضا×‪« :‬لم ينـــزله هللا لزمــا ٍن‬
‫اس‪ ،﴾...‬وخــاطبـ المؤمــنين في كـ ّل‬ ‫س دون ناس»‪ .‬وقدـ خاطب القرآن النــاس جميعـاً‪﴿ :‬يَ‪66‬ا َأيُّ َه‪66‬ا النَّ ُ‬ ‫دون زمان‪ ،‬وال لنا ٍ‬
‫ومكان‪﴿ :‬يَا َأيُّ َها الَّ ِذينَ آ َمنُوا‪.﴾...‬‬
‫ٍ‬ ‫زما ٍن‬
‫‪ )(932‬مسند اإلمام الرضا× ‪.309 :1‬‬
‫‪ )(933‬السيد محمد حسين فضل هللا‪ ،‬كتاب الندوة ‪.198 :4‬‬
‫‪ )(934‬الشيخ الصدوق‪ ،‬عيون أخبار الرضا× ‪.121 :2‬‬
‫‪ )(935‬المصدر السابق ‪.123 :1‬‬
‫‪ )(936‬المصدر السابق ‪.114 :1‬‬
‫‪ )(937‬الصدوق‪ ،‬عيون أخبار الرضا× ‪.144 :1‬‬
‫ت في الحديث عن أجوبة اإلمــام الرضا× ومناظراتــه‪،‬‬ ‫ض ْ‬
‫‪ )(938‬يمكن مراجعة الكثير من المصادرـ التاريخية التي استفا َ‬
‫راجعْ‪ :‬القرشي‪ ،‬حيــاة‬ ‫في مجاالت المعرفة اإلنسانية المختلفة (القرآن‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الفلسفة‪ ،‬المنطق‪ ،‬علم الكالم‪ ،...‬إلخ)‪ِ .‬‬
‫اإلمام الرضا× ‪102 :1‬؛ عيون أخبار الرضا× ‪100 :2‬؛ وغيرها‪.‬‬ ‫‪939‬‬
‫() وال يخفى على أحد أنه كانت للمــأمون ــ من وراء عقــد تلــك النــدوات والمنــاظراتـ الفكريــة بين كبــار العلمــاء‬
‫ـداف سياســية مبيَّتــة؛ فقــد أراد أن يظه ـرـ حبَّه للعلم والعلمــاء؛ ليميِّز نفســه عن ســائر خلفــاء‬ ‫والفقهــاء والمثقفين ـ ـ أهـ ٌ‬
‫ت؛ من أجــل أن‬ ‫ً‬
‫العباسيين؛ وفيـ الوقت نفسه كان يعمل دائما على اإليقاع باإلمام الرضا×‪ ،‬وحشــره في هكــذا منــاظرا ٍ‬
‫يزيل تلك المنـزلة الرفيعة‪ ،‬والنظرة العالية التي كان الناس ينظرون بها ألهل البيت^‪ ،‬بشأن امتالكهم للعلم‪ ،‬والمعرفة‬
‫المنفتحة‪ .‬وفي هذا الصدد يقول الشيخ الصدوق‪« :‬كان المأمون يجمع لإلمام الرضا× أهل المقاالت‪ ،‬من أهــل اإلســالم‬
‫والديانات‪ ،‬من اليهودـ والنصارىـ والمجوس والصابئين؛ عسى أن يعجز عن اإلجابة عن أحد أسئلتهم‪ ،‬فيحطّـ من قدره‬
‫ولكن لم يقُ ْم منهم أح ٌد إالّ وقدـ ألزمه ح ّجةً كأنّه ألقم حجراً»‪ .‬را ِجـ عْ‪:‬‬ ‫ْ‬ ‫في أعينهم؛ َح َسداً منه لإلمام ومنـزلته االجتماعية‪.‬‬
‫عيون أخبار الرضا× ‪.152 :1‬‬
‫ً‬
‫‪ )(940‬نتمنّى من القارئ الكريم أن يعذرنا لعدم إمكانيــة ســرد بعض هــذه المنــاظرات والحــوارات القيِّمــة؛ توخيـا لعــدم‬
‫إطالة البحث‪ ،‬م ّما قد يعرِّضه للخلــل المنهج ّي والفنّي‪ .‬ويمكن بهــذا الشــأن مراجعــة المصــادر األساســية ال ُمشــار إليهــا‬
‫ق واسع‪.‬‬ ‫ت عن تلك المناظرات‪ ،‬وهي كثيرةٌ ومتداولة ومعروفة على نطا ٍـ‬ ‫سابقاً‪ ،‬التي تح َّدثَ ْ‬
‫ّ‬
‫‪ )(941‬عامر الكفيشي‪ ،‬منهج أهل البيت وخطتهمـ في حفظ السنة النبوية الشريفة‪ ،‬مجلة المنهاج‪ ،‬العدد ‪.106 :11‬‬
‫‪ )(942‬الطبرسي‪ ،‬االحتجاج ‪.410 :2‬‬
‫‪ )(943‬المصدر السابق ‪241 :3‬؛ السيد محمد جواد فضل هللا‪ ،‬حياة الرضا×‪.222 :‬‬
‫‪ )(944‬الطبرسي‪ ،‬االحتجاج‪.410 :‬‬
‫‪ )(945‬يقصد اإلمام أنه لو كان األمر كما يذهب إليه الزنادقة‪ ،‬من إنكار وجود هللا تعالى‪ ،‬فما الذي يضــ ّر الموحِّ دين من‬
‫صالتهم وصومهم‪ .‬وإذا انكشف األمــر لهم (للزنادقــة) ــ من وجــودـ الخــالق العظيم المــدبِّر لهــذه األكــوان ــ فقــد هلــك‬
‫الملحدون‪ ،‬وباؤواـ بال ِخ ْزي والعذاب األليم‪ ،‬وفازـ المؤمنون والمتّقون‪.‬‬
‫‪ )(946‬السحماء‪ :‬السوداء‪.‬‬
‫‪ )(947‬القرشي‪ ،‬حياة اإلمام الرضا× ‪.125 :1‬‬
‫َت االنتساب‬ ‫أن اإلمام الرضا× واجه في حياته فِ َرقا ً كالمية وعقائدية باطلة ومزيفة كثيرة‪ ،‬ا َّدع ْ‬ ‫‪ )(948‬ال يخفى على أح ٍد ّ‬
‫إلى أهل البيت^‪ ،‬وص َّدقـ بعضٌ دعواها‪ ،‬واستغ ّل الذين في قلوبهم مرض هــذه األفكــار والمفــاهيم المنحرفــة‪ ،‬وراحــوا‬
‫ويشوهون وجــه وحقيقــة المنهج الــذي ســار عليـه أهــل الــبيت^‪ ،‬مـ َّدعين أن هــذه‬ ‫ِّ‬ ‫ينشرونهاـ في طول البالد وعرضها‪،‬‬
‫العقائد واألفكار هي مبادئ من أهل البيت وأتباعهمـ المخلصين‪ .‬ويبدوـ أن ذلك قد انطلى على الكثــيرين من النــاس إلى‬
‫ق تاريخ هذه الفِ َرق‪ ،‬وظروفـ (ودوافع) نشأتها وتكوينهــا في تاريخنــا‬ ‫لكن الذي يدرس ويراجعـ ب َو ْع ٍي وعم ٍ‬ ‫يومنا هذا‪ّ .‬‬
‫ـوحـ تــا ّمين عنصــر الكــذب‬ ‫اإلسالمي ـ ويحلِّل تكوينها الفكري والمعرفيـ العقائدي ـــ‪ ،‬يمكن أن يكتشــف بســهول ٍة ووضـ ٍ‬
‫ـخص مــدى الفــارق‬ ‫والنفاق والتضليل والزيفـ والبهتان في داخلها‪ ،‬ويعرّي الــدوافع السياســية المخفيــة وراءهــا‪ ،‬ويشـ ِّ‬
‫بينها وبين تعاليم وقِيَمـ أهل البيت^‪ ،‬ومدىـ بُعْدها عن خطِّهم ونهجهم األصيل‪ ،‬الذي هو نهج اإلســالم ذاتــه‪ ،‬في دعوتــه‬
‫ق والخيرـ والمحبّة والسالم االجتماعي‪.‬‬ ‫للح ّ‬
‫ويتّضح لنا الموقفـ الصريح والحقيقي إلمامنا الرضا× ـ كما كان موقفـ اإلمامين الكاظم والصادق’ من قبـ ُل ــ بقولـه‪،‬‬
‫سو ُل فَ ُخ ُذوهُ َو َم‪66‬ا نَ َه‪66‬ا ُك ْم‬ ‫حين سئل عن التفويض والغلوّ‪« :‬إن هللا تعالى ف َّوض إلى نبيه| أمر دينه‪ ،‬فقال‪َ ﴿ :‬و َما آتَا ُك ْم ال َّر ُ‬
‫ش ‪ْ 6‬ي ٍء﴾ (الرعد‪:‬‬ ‫َع ْنهُ فَا ْنتَ ُهوا﴾ (الحشر‪ ،)7 :‬فأما الخلق والرزقـ فال»‪ .‬ث ّم قال‪« :‬إن هللا ع َّز وج َّل يقول‪﴿ :‬هللاُ َخ‪ 6‬ا ِ ُ ِّ َ‬
‫ل‬ ‫‪6‬‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ل‬
‫ش‪ْ 66‬ي ٍء‬ ‫ش‪َ 66‬ر َكاِئ ُك ْم َمنْ يَ ْف َع‪ُ 66‬ل ِمنْ َذلِ ُك ْم ِمنْ َ‬ ‫‪ ،)16‬وهــو يقــول‪﴿ :‬هللاُ الَّ ِذي َخلَقَ ُك ْم ثُ َّم َر َزقَ ُك ْم ثُ َّم يُ ِميتُ ُك ْم ثُ َّم يُ ْحيِي ُك ْم هَ‪ْ 66‬ل ِمنْ ُ‬
‫ش ِر ُكونَ ﴾ (الروم‪:‬ـ ‪ .)40‬والغالة كفّارٌ‪ ،‬والمف ِّوضة مشركون‪َ .‬م ْن جالسهم‪ ،‬أو خــالطهم‪ ،‬أو آكلهم‪،‬‬ ‫س ْب َحانَهُ َوتَ َعالَى َع َّما يُ ْ‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫أو شاربهم‪،‬ـ أو واصلهم‪ ،‬أو ز َّوجهم‪ ،‬أو آمنهم‪ ،‬أو ائتمنهمـ على أمان ٍة‪ ،‬أو صدق حديثهم‪ ،‬أو أعانهم بشطر كلم ٍة‪ ،‬خــرج‬
‫من والية هللا ع َّز وجلَّ‪ ،‬ووالية رسول هللا|‪ ،‬ووالية أهل البيت^»‪ .‬را ِجعْ‪ :‬عيون أخبار الرضا× ‪ 202 :1‬ـ ‪.203‬‬
‫‪ )(949‬يمكن الوقوفـ على تفاصيل دقيق ٍة ووافي ٍة عن هذه الفِرْ قة في كتاب الواقفية‪ ،‬للشيخ رياض الناصــري‪ ،‬طبعــة قم ـ‬
‫إيران‪1988 ،‬م‪.‬‬
‫‪ )(950‬الصدوق‪ ،‬عيون أخبار الرضا× ‪ 113 :1‬ـ ‪.114‬‬
‫‪ )(951‬الشيخ الطوسي‪ ،‬كتاب ال َغيْبة‪.45 :‬‬
‫وراج ْع أيضاً‪ :‬الخطيب البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد ‪:7‬ـ ‪ ،252‬والذي ذكــر فيــه المؤلــف روايـةً‬ ‫ِ‬ ‫‪ )(952‬المصدر السابق‪.45 :‬‬
‫مه ّمة توضِّ ح بعض الصفات النفسية والشخصية السيِّئة لهذا الرجل‪ ،‬الذي عُرف بالغدر والخيانة في األموال‪.‬‬
‫‪ )(953‬ذكرت الروايات أن اإلمام الكاظم× كانت تأتيه األموال من أتباعــه وأنصــاره ومحبِّيــه‪ ،‬وكــان؛ بســبب المطــاردة‬
‫والمراقبة والمالحقة والتفتيش‪ ،‬ي َّدخرها عند بعض أصحابه؛ لنشــر الــدعوة وإدارة شــؤون عملــه ونشــاطه اإلســالمي‪.‬‬
‫حي‪ُ ،‬شـبِّه‬ ‫ت‪ ،‬وأنـه ٌّ‬ ‫لكن بعضهم أراد ـ بعد استشهاده× ـ أن يحتفظ لنفسـه بهـذا المـال‪ ،‬فـا ّدعى أن اإلمـام موسى× لم ي ُم ْ‬ ‫ّ‬
‫راجعْ‪ :‬تعليقة الشيخ الصدوقـ على هذه األحداث‪ ،‬وتفســيره لهــا‪ ،‬في عيــون األخبــار ‪:1‬‬ ‫للناس موته‪ ،‬وأنه هو المرشد‪ِ .‬‬
‫‪114‬؛ ورجالـ الك ّشي‪ 488 :‬ـ ‪.494‬‬
‫ي‬‫‪ )(954‬جاء في كتاب نثر الدرر أن المأمون قال للرضا×‪ :‬يــا أبــا الحســن‪ ،‬أخــبرني عن جـدِّك عل ّي بن أبي طــالب‪ ،‬بــأ ّ‬
‫وج ٍه هو قسيمـ الجنّة والنار؟ فقال الرضا×‪« :‬يا أمير المؤمنين‪ ،‬ألم تَرْ ِو عن أبيك‪ ،‬عن آبائه‪ ،‬عن عبد هللا بن عبّاس أنــه‬
‫إيمان‪ ،‬وبغضه كفـ ٌر»‪ ،‬قــال‪ :‬بلى‪ ،‬قــال الرضا×‪« :‬بــذلك كــان قســيمـ الجنّــة‬ ‫ٌ‬ ‫علي‬
‫ٍّ‬ ‫سمعت رسول هللا| يقول‪« :‬حبُّ‬ ‫ُ‬ ‫قال‪« :‬‬
‫راجـ عْ‪ :‬هاشــم معــروفـ‬ ‫والنار»‪ ،‬قال له المأمون‪ :‬ال أبقاني هللا بعدك يا أبا الحسن‪ ،‬أشــهد أنــك وارث علم رســول هللا|‪ِ .‬‬
‫الحسني‪ ،‬سيرة األئ ّمة االثني عشر ‪.402 :2‬‬
‫‪ )(955‬نحن ال نقصد من خالل استخدامنا هنا لكلمة «الشخص ّي» أن اإلمام الرضا× كان يهــدف من وراء عملــه العلم ّي‬
‫ولكن نريد بذلك أن نؤ ِّكد أن هذه المناظرات والندوات ـ ـ الــتي‬ ‫ْ‬ ‫إلى بناء مج ٍد شخص ّي على حساب اإلسالم والمسلمين‪،‬‬
‫ي كبـير‪،‬‬ ‫ونهج علم ّي وثقـاف ّـ‬ ‫ٍ‬ ‫مشـروعـ‬
‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫كانت تعقد باستمرار خالل واليته للعهد أيّام المأمون ـ قد قدمته× بصـفة صـاحب‬
‫يرتكز على مبادئ وقواعد اإليمان الدين ّي اإلسالم ّي‪ ،‬وأبر َز ْته كقائ ٍد رسالي ف ٍّذ‪ ،‬استطاع أن ينفع الناس باإلسالمـ (أكثر‬
‫لكن األمــر‬ ‫كولي للعهد‪ ،‬بالرغم من رفضه المطلق لهذه الوالية (الشكلية)‪ّ .‬‬ ‫ٍّ‬ ‫مما انتفع هو)‪ ،‬من خالل وجوده الشخص ّي‬
‫باستمرار ـ نحن أبناء هذا العصـر ــ هـو أن اإلمـام الرضا× قـد طـرح على نفسـه أكـثر من سـؤا ٍل‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫الذي يبقى يالحقنا‬
‫وأصـل ثوابتـه وأركانـه في ذهنيّـة األمـة‪ ،‬بـالرغم من وجـودـ‬ ‫َّ‬ ‫ب‪ ،‬ودعا إلى اإلسالم الصحيح‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫جوا‬ ‫من‬ ‫ووضع له أكثر‬
‫واقع آخر جديـد يفــرض نفسـه علينـا بقـ ّو ٍة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ت سياسية واجتماعية عاشها الرضا× آنذاك‪ .‬ونحن نعيش هنا في ظ ّل‬ ‫أزما ٍ‬
‫باستمرار أن نستجيب لتح ّدياته ومتغيّراته ومختلفـ تعقيداته‪ ،‬لذلك علينا أن نطــرح على أنفســنا الكثــير من‬ ‫ٍ‬ ‫ويطلب منا‬
‫األسئلة العمليّة الواعية؛ لنحدِّد من خاللها حجم مشكالتنا ومصاعبنا‪،‬ـ بما يســاعدنا على اختيــار المنــاهج (واإلجابــات)‬
‫األفضل‪ ،‬التي تساعدنا على تحقيــق وجودنــا وذاتنــا الحضــارية اإلســالمية‪ ،‬الــتي ربطوهـاـ بــالعنف والقتــل والتطــرُّ فـ‬
‫كثير من مواقعـ وأبناء هذه األ ّمة‪ ،‬لألسف الشديد‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫واإلرهاب‪ ،‬بمساعدة‬
‫‪ )(956‬را ِجعْ‪ :‬الحسني‪ ،‬سيرة األئ ّمة االثني عشر ‪.460 :2‬‬
‫ي زمان ومكــان ــ لم يكن يعــني‬ ‫ي شرعي ٍة ألنظمة االستبداد والظلمـ في أ ّ‬ ‫‪ )(957‬هذا المنطق ـ الرافض بالمطلق إعطاء أ ّ‬
‫بالضرورة عدم وجود استثناءات أو بدائل واقعيّة لكيفيّة التعامل مع أولئك الظلمة‪ ،‬بما يضمن المحافظة على الخطوطـ‬
‫اإلسالمية األساسية‪.‬‬
‫‪ )(958‬ال ُح ّر العاملي‪ ،‬وسائل الشيعة ‪.138 :6‬‬
‫‪ )(959‬انظـر‪ :‬الطوسـي‪ ،‬االستبصـار ‪:6‬ـ ‪ .333‬والـذي يجـدر ذكـره هنـا هـو أن هـذا الحـديث نفسـه ينسـب إلى اإلمـام‬
‫الكاظم×‪.‬‬
‫‪ )(960‬عيون األخبار ‪.66 :2‬‬
‫‪ )(961‬جاء في رواية العيون‪ ،‬عن محمد بن يزيد النحوي‪ ،‬عن أبيه أنه قال‪ :‬إن المأمون وهب جرم زيد بن موســى إلى‬
‫أخيه الرضا×‪ ،‬وقال له‪ :‬يا أبا الحسن‪ ،‬لئن خرج أخوك‪ ،‬وفعل ما فعل‪ ،‬فلقد خرج قبله زيد بن عل ّي وقتل‪ ،‬ولوال مكانك‬
‫بصغير‪ ،‬فقال اإلمــام الرضاـ×‪« :‬يــا أمــير المؤمــنين‪ ،‬ال تقِسْ أخي زيــداً إلى زيــد بن عل ّي بن‬ ‫ٍ‬ ‫منّي لقتلتك‪ ،‬فليس ما أتاه‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫الحسين؛ فإنه من علماء آل محمد|‪ ،‬غضب هلل عز وجلَّ‪ ،‬فجاهد أعداءه حتى قتل في سبيله‪ .‬ولقد ح َّدثني أبي موسىـ بن‬
‫جعفر أنه سمع أباه جعفر بن محمد يقول‪« :‬رحم هللا ع ّمي زيداً‪ ،‬إنه دعا إلى الرضا من آل محمد‪ ،‬ولو ظفر لــوفى بمــا‬
‫فقلت له‪ :‬يا ع ّم‪ ،‬إن رضيتَ أن تكون المقتــول بالكناســة فشــأنك‪ ،‬فلمــا ولي قــال‬ ‫ُ‬ ‫دعا إليه‪ .‬ولقد استشارنيـ في خروجه‪،‬‬
‫جعفر بن محمد‪ :‬وي ٌل ل َم ْن سمع داعيته فلم يُ ِجبْه»‪ ،‬فقال له المأمون‪ :‬يا أبــا الحســن‪ ،‬أليس قــد جــاء في َم ْن ا ّدعى اإلمامــة‬
‫ع ما ليس له بحقٍّ‪ ،‬وأنه كان أتقى هلل من ذلك‪ ،‬إنه قال‪:‬‬ ‫بغير حقّها ما جاء‪ ،‬فقال اإلمام الرضا×‪« :‬إن زيد بن عل ّي لم ي ّد ِ‬
‫ق ِج َه‪6‬ا ِد ِه ُه‪ِ 6‬و‬
‫س‪6‬بِي ِل هللاِ َح‪َّ 6‬‬
‫«أدعوكم إلى الضامن من آل محمد‪ ،‬وكان زيد وهللا م َّمن خطب بهذه اآلية‪َ ﴿ :‬و َجا ِه‪6‬دُوا ِفي َ‬
‫جعْ‪ :‬الحسني‪ ،‬سيرة األئ ّمة االثني عشر ‪ :2‬ـ ‪ .)401‬ونالحظ بعد دراسة هذه الرواية أن اإلمــام الرضا×‬ ‫اجتَبَا ُك ْم﴾»‪( .‬را ِ‬
‫ْ‬
‫يركز على معنى الثورة الواعية المستنيرة‪ ،‬التي تقوم على أساس وجودـ أهداف رســالية إســالمية واضــحة‪ ،‬وتمــارس‬ ‫ِّ‬
‫أعماالً شرعيّة منظمة (نموذج ثورة زيد بن عل ّي)‪ ،‬ويدافعـ× عنها بق ّو ٍة‪ ،‬ويعتبرهاـ ثورة تقوى هلل‪.‬‬
‫‪ )(962‬الحسني‪ ،‬سيرة األئ ّمة االثني عشر ‪.398 :2‬‬
‫‪ )(963‬لقد كانت معظم تلك الثورات انفعاليةً ساذجة‪ ،‬ومليئةً بالتناقضات الذاتية‪ ،‬حتّى من قبل قواعدها الشعبية الملتزمة‬
‫ي خدمـ ٍة للمجتمــع‪ .‬وبطبيعــة‬ ‫ت إليها هذه الثورات ســلبيّةً‪ ،‬وأحيانـاًـ كارثيــة‪ ،‬ولم تقـدِّم أ ّ‬ ‫بها‪ .‬ولذلك كانت النتائج التي أ َّد ْ‬
‫ـو ْعي الموضــوعيـ‬ ‫الحال يعود سبب إخفاق معظم تلك الثورات ـ في َو ْعيها وسلوكهاـ ـ إلى انعــدام اإلدراك الكامــل والـ َ‬
‫الواقعي بأهداف وغايات الدولة اإلسالمية‪ ،‬واإليمان بواقعيّتهاـ وأه ّميتها التاريخية‪.‬‬
‫‪ )(964‬يمكن مراجعــة بعض أعمالــه وتجاوزاتــه‪ ،‬وروايــاتـ أخــرى عنــه‪ ،‬في كتب كثــيرة‪ ،‬منهــا‪ :‬كتــاب ســيرة األئ ّمــة‬
‫(للحسني) ‪.396 :2‬‬
‫‪ )(965‬قلنا بأن أئ ّمة أهل البيت^ كانوا ـ من جه ٍة أولى ـ ينهَوْ ن بش ّد ٍة عن التعاون والتقارب مع الجهاز السياســي (وغــير‬
‫السياسي) الحاكم لبني أميّة وبني العبّاس؛ بينما كانوا ـ من جه ٍة ثانية ـ يعطون رُخَصا ً شرعية لبعض األفراد‪ ،‬تقضــي‬
‫باإلمضاء والموافقة على انخراطهم في جهاز هذه الدولة أو تلك؛ من أجل تحقيق بعض المصالح واألهداف اإلسالمية‬
‫العليا المتّصلة بمصير وجود األ ّمة‪ ،‬ومحاولة تخفيف بعض المظالم والشرورـ عن كاهــل المجتمــع اإلســالمي‪ .‬ونــذكرـ‬
‫هنا ـ على سبيل المثال‪ ،‬ال الحصر ـ عل ّي بن يقطين‪ ،‬أو إسماعيل بن بزيع؛ حيث توجــد روايــات وأقــوال كثــيرة تثــني‬
‫وتمــدح هــذين العــاملين في خــطّ هللا‪ ،‬وأمثالهمــا‪ ،‬من قبيــل‪ :‬إن هــؤالء «من أوليــاء هللا األول»‪ .‬لزيــادة االطّالع على‬
‫موضوعة «والية الجائر» يمكن مراجعة‪ :‬األنصاري‪ ،‬كتاب المكاسب‪.‬‬
‫‪ )(966‬الشهيد مرتضى مطهري‪،‬ـ سيرة األئ ّمة‪.187 :‬‬
‫‪ )(967‬إننا نعتقد أنه من الضــروريـ والمفيــد جـ ّداً لحركيّــة اإلســالم أن ينفتح الفقيــه المســلم على شــؤون المجتمــع كلّــه‪،‬‬
‫ويتّصل بك ّل قضاياه الخاصة والعامة؛ ألن ذلك هــو الــذي يمكن لــه أن يحمي المبــادئ والقضــايا األساســية العا ّمــة من‬
‫الذاتية والتفرُّ د‪ ،‬ويعطي للفقيه مساحةً واسعة‪ ،‬ورؤيةً شــاملة للواقــع‪ ،‬ويحميــه من الوقــوعـ في الخطــأ‪ .‬كمــا أنــه يحمــل‬
‫األ ّمة مسؤولية قراراتهاـ المرتبطة بالفقيه والمرجع‪ ،‬من خالل مشاركتهاـ معه في صنع هذه القرارات‪.‬‬
‫يظن بعضٌ أن هــذا الحــديث‬ ‫‪ )(968‬را ِجعْ‪ :‬أصــول الكـافيـ ‪:2‬ـ ‪203‬؛ والشـيخ المفيـد‪ ،‬االختصـاص‪ ،51 :‬البــاب ‪ .4‬قــد ّ‬
‫مختصّ بالجانب العاطفي الوجداني (النفسي) من حياة اإلنسان؛ ألنه يحضّه على التزام النقد والمحاســبة على صــعيده‬
‫الذاتي فقط‪ ،‬ولكنّنا نؤ ِّكد ـ بالرغم من اعتقادنـا بعـدم صـحّة االسـتنتاج القائـل بـأن الـدين اإلسـالمي هـو مجـرّد عالقـة‬
‫روحية بين العبد وخالقه‪ ،‬وال عالقة له بالحياة والواقع ـ على أن المراد منه أيضـا ً ممارســة اإلعــداد الــروحيـ والبنــاء‬
‫األخالقي اإلسالمي المتين‪ ،‬وتوعية اإلنسان المسلم‪ ،‬كجز ٍء أساس من مسيرته التكاملية نحو تمثُّل قِيَم اإلسالم العــادل‪،‬‬
‫وتحقيق تشــريعاته ومبادئــه في الحيــاة كلِّهــا‪ ،‬في السياســة واالجتمــاعـ واالقتصــاد‪ ،...‬إلخ‪ .‬فبنــاء النفس وتنميــة الــروح‬
‫(واألخالق المعنوية الذاتية) هو أساس بناء وتنمية الواقع الخارجي؛ ليكون بالتالي تغيير ما بالنفس هو األساس لتغيير‬
‫ما بالواقع‪ .‬من هنا جاء تركيز اإلسالم على ضرورة تعميق منهج وخطّ اإلعداد الروحي عند اإلنسان المســلم (الجهــاد‬
‫األكبر)؛ ليكون ذلك مق ّدمةً الزمة حيوية لتغيير الحياة والواقعـ في االتجاه الذي يحقِّق كرامة اإلنسان وعدالة الوجود‪.‬‬
‫مقال مستقلّ‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫‪ )(969‬سيأتي البحث حول ِم ْلكيّة اإلنسان لنفسه وأعماله في‬
‫‪ )(970‬الميرزا علي اإليروانيـ‪ ،‬حاشية كتاب المكاسب ‪.20 :2‬‬
‫‪ )(971‬انظر‪ :‬اإليرواني‪ ،‬حاشية كتاب المكاسب ‪.20 :2‬‬
‫ّ‬
‫‪ )(972‬انظــر‪ :‬الطوســي‪ ،‬المبســوط في فقــه اإلماميــة ‪:4‬ـ ‪271‬؛ ابن إدريس الحلي‪ ،‬الســرائرـ ‪:2‬ـ ‪ 575‬ـ ‪576‬؛ العالّمــة‬
‫الحلّي‪ ،‬تحرير األحكام الشرعية ‪ 545 :3‬ـ ‪.546‬‬
‫‪ )(973‬انظر‪ :‬فخر المحقّقين‪ ،‬إيضاح الفوائد ‪:3‬ـ ‪196‬؛ وانظر أيضا‪234 :‬؛ وانظر كذلك‪ :‬الشهيد الثاني‪ ،‬مسالك األفهامـ‬
‫ً‬
‫‪187 :8‬؛ أحمد األردبيلي‪ ،‬زبدة البيان‪ 644 :‬ـ ‪646‬؛ بهاء الدين مح ّمد بن الحسن الفاضل اإلصبهاني‪ ،‬كشف اللثام ‪:7‬‬
‫‪.473‬‬
‫‪ )(974‬انظر‪ :‬المقداد بن عبد هللا السيوري‪ ،‬التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ‪:1‬ـ ‪314‬؛ المحقِّق الكركي‪ ،‬جامع المقاصــد‬
‫‪ 203 :13‬ـ ‪.204‬‬
‫‪ )(975‬انظر‪ :‬الطوسي‪ ،‬المبسوطـ في فقه اإلمامية ‪.307 :3‬‬
‫‪ )(976‬انظر‪ :‬الشهيد الثاني‪ ،‬مسالك األفهام ‪.187 :8‬‬
‫‪ )(977‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪ )(978‬انظر‪ :‬الفاضل اإلصبهاني‪،‬ـ كشف اللثام ‪.473 :7‬‬
‫‪ )(979‬انظر‪ :‬الطوسي‪ ،‬المبسوطـ في فقه اإلمامية ‪.307 :3‬‬
‫‪ )(980‬اإليرواني‪ ،‬حاشية كتاب المكاسب ‪.16 :2‬‬
‫إن النكاح فيــه شــائبة المعاوضــة‪ .‬انظــر‪ :‬المحقِّق الكــركي‪ ،‬جــامع المقاصــد ‪:9‬ـ ‪212‬؛ـ ‪:11‬‬ ‫‪ )(981‬عبَّر بعض الفقهاء‪ّ :‬‬
‫‪116‬؛ ‪204 ،143 :13‬؛ الشهيد الثاني‪ ،‬مسالك األفهام ‪57 :8‬؛ األردبيلي‪ ،‬مجمع الفائدة والبرهان ‪.262 :9‬‬
‫وعبَّر آخرون‪ :‬إنّه في معنى المعاوضــة‪ .‬انظــر‪ :‬المحقِّق الكــركي‪:4 ،‬ـ ‪303‬؛ الشــهيد الثــاني‪ ،‬غايـة المــراد ‪:3‬ـ ‪115‬؛‬
‫الشهيد الثاني‪ ،‬الروضة البهية ‪.369 :5‬‬
‫‪ )(982‬انظر‪ :‬مح ّمد باقر الصدر‪ ،‬محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد محمد بــاقر الصــدر) ‪:21‬‬
‫‪.215‬‬
‫‪ )(983‬انظر‪ :‬المصدرـ السابق‪.211 :‬‬
‫‪ )(984‬انظر‪ :‬المصدرـ السابق‪.212 :‬‬
‫‪ )(985‬انظر‪ :‬اإليرواني‪ ،‬حاشية كتاب المكاسب ‪.21 ،20 :2‬‬
‫‪ )(986‬انظر‪ :‬الصدر‪ ،‬محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) ‪.212 :21‬‬
‫إشكال واحد‪ ،‬ونحن ف َّككناه إلى إشكالين اثــنين‪ ،‬مــع‬ ‫ٍ‬ ‫إن اإلشكالين السابع والثامن وردا في عبارة الشهيد بصورة‬ ‫أقول‪ّ :‬‬
‫ف في المضمون أيضا‪ً.‬‬ ‫تصرُّ ٍ‬
‫‪ )(987‬انظر‪ :‬المصدرـ السابق‪ 211 :‬ـ ‪.212‬‬
‫‪ )(988‬المصدرـ السابق‪.212 :‬‬
‫‪ )(989‬انظر‪ :‬المصدرـ السابق‪.213 :‬‬
‫‪ )(990‬اإليرواني‪ ،‬حاشية كتاب المكاسب ‪.13 :2‬‬
‫‪ )(991‬المصدر السابق ‪.13 :2‬‬
‫‪ )(992‬المصدر السابق ‪.16 :2‬‬
‫‪ )(993‬سليم رستم بار اللبناني‪ ،‬شرح المجلّة‪ ،679 :‬الكتاب العاشر‪ ،‬الباب الرابع‪ ،‬الفصل الثاني‪ ،‬الما ّدة ‪.1248‬‬
‫بأن شركة الملك قسمان‪ :‬اختياري؛ وجبري‪ .‬انظر‪ :‬ســليم رســتم بــار‬ ‫‪ )(994‬لقد عبَّر في المجلّة العدلية في بيانه للشركة ّ‬
‫اللبناني‪ ،‬شرح المجلّة‪ ،598 :‬الكتاب العاشر‪ ،‬الباب األوّل‪ ،‬الفصل األوّل‪ ،‬الما ّدة ‪.1062‬‬
‫أن ُمراده بـ (االتّفاقية) التوافقية‪ ،‬أي ما يحصل بتوافقـ الطرفين أو األطراف‪.‬ـ‬ ‫‪ )(995‬أقول‪ :‬الظاهر ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫‪ )(996‬انظر‪ :‬محمد حسين كاشف الغطاء‪ ،‬تحرير المجلة ‪ 323 :3‬وما بعدها‪ ،‬وانظر أيضا‪.432 :‬‬
‫إن ُأريد استفادة األسباب من هذا التنويع فسوفـ يكون ما ُذ ِكر من مناقشات وارداًـ عليه‪ ،‬وإالّ فال يَ ِر ُد عليه‬ ‫‪ )(997‬أقول‪ْ :‬‬
‫بعضها‪.‬‬
‫‪ )(998‬انظر‪ :‬محمد تقي اآلملي‪ ،‬المكاسب والبيع ‪ 101 :1‬ـ ‪.102‬‬
‫‪ )(999‬انظر‪ :‬الصدر‪ ،‬محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) ‪.194 :21‬‬
‫‪ )(1000‬انظر‪ :‬محمد علي التوحيدي‪ ،‬مصباح الفقاهة ‪:2‬ـ ‪،7‬ـ ‪20‬؛ـ ‪:4‬ـ ‪124‬؛ـ ‪:6‬ـ ‪،110‬ـ ‪207‬؛ علي الغروي‪ ،‬موسوعة‬
‫اإلمام الخوئي‪ ،‬التنقيح في شرح المكاسب ‪ 27 :36‬ـ ‪28‬؛ وانظر أيضاً‪ :‬محمد حسين اإلصفهاني‪ ،‬حاشية المكاسب ‪:1‬‬
‫‪.40‬‬
‫‪ )(1001‬انظر‪ :‬الغروي‪ ،‬موسوعة اإلمام الخوئي‪ ،‬التنقيح في شرح المكاسب ‪.4 :36‬‬
‫‪ )(1002‬انظر‪ :‬التوحيدي‪،‬ـ مصباح الفقاهة ‪ 8 :2‬ـ ‪9‬؛ الغروي‪،‬ـ موسوعة اإلمام الخوئي‪ ،‬التنقيح في شرح المكاسب ‪:36‬‬
‫‪4‬؛ علي الحسينيـ الشاهرودي‪ ،‬محاضرات في الفقه الجعفري ‪.10 :3‬‬
‫‪ )(1003‬انظر‪ :‬المصدرـ السابق ‪:2‬ـ ‪ 6‬ـ ‪9‬؛ الغروي‪ ،‬موسوعة اإلمام الخــوئي‪ ،‬التنقيح في شــرح المكاســب ‪:36‬ـ ‪ 4‬ـ ‪6‬؛‬
‫الحسيني الشاهرودي‪،‬ـ محاضرات في الفقه الجعفري ‪ 9 :3‬ـ ‪.10‬‬
‫‪ )(1004‬انظر‪ :‬كاظم الحائري‪ ،‬فقه العقود ‪.30 :1‬‬
‫‪ )(1005‬انظر‪ :‬المصدرـ نفسه‪.‬‬
‫‪ )(1006‬انظر‪ :‬التوحيدي‪،‬ـ مصباح الفقاهة ‪ 5 :2‬ـ ‪.6‬‬
‫‪ )(1007‬انظر‪ :‬الطباطبائي اليزدي‪ ،‬مح ّمد كاظم‪ ،‬العروة الوثقى ‪.279 :6‬‬
‫‪ )(1008‬انظر‪ :‬الصدر‪ ،‬محاضرات تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) ‪.195 :21‬‬
‫‪ )(1009‬انظر‪ :‬الحائري‪ ،‬فقه العقـود ‪:1‬ـ ‪40‬؛ وانظـر‪:‬ـ الصـدر‪ ،‬محاضـرات تأسيسـية (ضـمن موسـوعة اإلمـام الشـهيد‬
‫السعيد مح ّمد باقرـ الصدر) ‪ 199 :21‬ـ ‪.200‬‬
‫‪ )(1010‬الصدر‪ ،‬محاضراتـ تأسيسية (ضمن موسوعة اإلمام الشهيد السعيد مح ّمد باقر الصدر) ‪ 196 :21‬ـ ‪.201‬‬
‫راج ْع مقاالً تحت عنوان‪ :‬نظرية التوسُّع العقالئي في الحيازة عند الشهيد محمد باقرـ الصدر تحليل ونقــد‪ ،‬مجلّــة‬
‫‪ِ )(1011‬‬
‫االستنباط‪ ،‬العدد ‪،1‬ـ ‪1439‬هـ ـ ‪2018‬م؛ ورا ِج ْع أيضا ً مقاالً تحت عنوان‪ :‬رؤية الشهيد الصــدر حــول حقيقــة العقــود‪،‬‬
‫َعرْ ضٌ ونق ٌد وتقويم‪ ،‬مجلّة االستنباط‪ ،‬العدد ‪1439 :2‬هـ ـ ‪2018‬م‪.‬‬
‫‪ )(1012‬أحمد أبو زيد العاملي‪ ،‬السيرة والمسيرة ‪.436 :2‬‬
‫‪ )(1013‬ع ّمار أبو رغيف‪ ،‬منطق االستقراء‪.7 :‬‬
‫‪ )(1014‬أيمن عبد الخالق‪ ،‬دستور الحكماء في شرح برهان الشفاء ‪ 468 :‬ـ ‪.479‬‬
‫‪ )(1015‬أيمن عبد الخالق‪ ،‬أصول المعرفة والمنهج العقل ّي ‪ 232 :2‬ـ ‪.240‬‬
‫‪ )(1016‬أيمن عبد الخالق‪ ،‬أنفع التقريرات في شرح اإلشارات والتنبيهات‪ 63 :‬ـ ‪.67‬‬
‫‪ )(1017‬في كتبه المذكورة أعاله يصرِّ ح باسم السيّد الشهيد محمد باقر الصّدر‪.‬‬
‫‪ )(1018‬أيمن عبد الخالق‪ ،‬منتهى المراد في علم أصول االعتقاد‪ 43 :‬ـ ‪.44‬‬
‫شرح ْـي الطوسي والقطب الرازي) ‪:1‬ـ ‪204‬؛ محمــد رضــا‬ ‫َ‬ ‫‪ )(1019‬الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬اإلشارات والتنبيهاتـ (مع‬
‫المظفَّر‪ ،‬المنطق‪.229 :‬‬
‫‪ )(1020‬محمد باقر الصّدر‪ ،‬األسس المنطقيّة لالستقراء‪ 56 :‬ـ ‪.57‬‬
‫‪ )(1021‬المصدرـ السابق‪ 57 :‬ـ ‪.58‬‬
‫‪ )(1022‬المصدرـ السابق‪.62 :‬‬
‫‪ )(1023‬المصدرـ السابق‪ 312 :‬وما بعدها‪ ،‬التطبيق األوّل من التطبيقات األربعة‪.‬‬
‫‪ )(1024‬المصدرـ السابق‪.403 :‬‬
‫‪ )(1025‬أيمن عبد الخالق‪ ،‬أنفع التقريرات في شرح اإلشارات والتنبيهات‪ ،239 :‬بقلم‪ :‬الشيخ محمد العلي‪.‬‬
‫‪ )(1026‬الشيخ الرئيس ابن سينا‪ ،‬اإلشــارات والتنبيهــاتـ (مــع شــر َح ْي الطوسـيـ والقطب الــرازي)‪ ،218 :‬محمــد رضــا‬
‫المظفَّر‪ ،‬المنطق‪.274 :‬‬

You might also like