You are on page 1of 675

‫ناء الجِ ِ‬

‫يل‬ ‫وأَثُرها في ِب ِ‬
‫سَنةُ َ‬
‫القُْدوَُة الحَ َ‬
‫جمع وإعداد‬
‫الباحث في القرآن والسنة‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫‪0‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫احلمد هلل رب العاملني ‪ ،‬والصالة والسالم على سيد األنبياء واملرسلني ‪ ،‬وعلى آله وصحبه أمجعني ‪،‬‬
‫ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين ‪.‬‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن األمة اليوم بأس احلاجة إىل القدوة احلسنة ‪ ،‬الذين هم بناء اجليل ‪ ،‬وهداة الطريق ‪ ،‬ومنار السبيل‪.‬‬
‫فالقدوة احلسنة هو الذي يطابق قوله فعله ‪ ،‬وحاله مقاله ‪ ،‬ذلك ألن الدعوة إىل اهلل تعاىل حتتاج إىل‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ضى‬ ‫اه ُدوا اللَّهَ َعلَْيه فَ ِمْن ُه ْم َم ْن قَ َ‬‫ص َدقُوا َما َع َ‬ ‫ال َ‬ ‫ني ِر َج ٌ‬‫أناس صادقني ‪ ،‬كما قال تعاىل ‪ { :‬م َن الْ ُمْؤ من َ‬
‫حَنْبَهُ َو ِمْن ُه ْم َم ْن َيْنتَ ِظُر َو َما بَ َّدلُوا َتْب ِدياًل (‪[} )23‬األحزاب‪]23/‬‬
‫ذم اهلل تعاىل من يقول وال يفعل حيث قال ‪ { :‬يَا َأيُّ َها‬ ‫وحتتاج إىل رجال يقولون ويفعلون ‪ ،‬وقد َّ‬
‫ين آَ َمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما اَل َت ْف َعلُو َن (‪َ )2‬كُبَر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما اَل َت ْف َعلُو َن (‪[ } )3‬الصف‪/‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫‪]3-2‬‬
‫وقد اقتدى الناس باألنبياء واملرسلني ‪ ،‬ألهنم كانوا صادقني مع اهلل ومع الناس ‪ ،‬وثبتوا حىت النهاية ‪،‬‬
‫يم‬ ‫ات من نَ َشاء ِإ َّن ربَّ َ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫قال تعاىل عنهم ‪ {:‬وتِْلك ح َّجتنا آََتين ِإ ِ‬
‫ك َحك ٌ‬ ‫يم َعلَى َق ْومه َنْرفَ ُع َد َر َج َ ْ ُ َ‬ ‫اها ْبَراه َ‬ ‫َ َ ُ َُ ْ َ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يم (‪َ )83‬و َو َهْبنَا لَهُ ِإ ْس َح َ‬ ‫ِ‬
‫ود َو ُسلَْي َما َن‬ ‫وحا َه َد ْينَا م ْن َقْب ُل َوم ْن ذُِّريَّته َد ُاو َ‬‫وب ُكاًّل َه َد ْينَا َونُ ً‬ ‫اق َو َي ْع ُق َ‬ ‫َعل ٌ‬
‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫اس‬
‫يسى َو لْيَ َ‬ ‫ني (‪َ )84‬و َز َكريَّا َوحَيْىَي َوع َ‬ ‫ك جَنْ ِزي الْ ُم ْحسن َ‬ ‫وسى َو َه ُارو َن َو َك َذل َ‬ ‫ف َو ُم َ‬ ‫وس َ‬ ‫وب َويُ ُ‬‫َوَأيُّ َ‬
‫ني (‪َ )86‬و ِم ْن‬ ‫ِ‬ ‫س َولُوطًا َو ُكاًّل فَ َّ‬
‫ض ْلنَا َعلَى الْ َعالَم َ‬ ‫يل َوالْيَ َس َع َويُونُ َ‬
‫ِإ ِ‬
‫ني (‪َ )85‬و مْسَاع َ‬
‫ُكلٌّ ِمن َّ حِلِ‬
‫الصا َ‬ ‫َ‬
‫ك ه َدى اللَّ ِه يه ِدي بِهِ‬ ‫اط مست ِقي ٍم (‪َ )87‬ذلِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫اه ْم ِإىَل صَر ُ ْ َ‬
‫هِنِ‬ ‫هِتِ‬ ‫ِئ‬
‫َْ‬ ‫َ ُ‬ ‫اه ْم َو َه َد ْينَ ُ‬ ‫آَبَا ِه ْم َوذُِّريَّا ْم َوِإ ْخ َوا ْم َو ْ‬
‫اجتََبْينَ ُ‬
‫ِ‬ ‫ط عْنهم ما َكانُوا يعملُو َن (‪ُ )88‬أولَِئ َّ ِ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫اب‬
‫اه ُم الْكتَ َ‬ ‫ين آََتْينَ ُ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َم ْن يَ َشاءُ م ْن عبَاده َولَ ْو َأ ْشَر ُكوا حَلَبِ َ َ ُ ْ َ‬
‫ين َه َدى‬ ‫واحْل كْم والنُّب َّو َة فَِإ ْن ي ْك ُفر هِب ا ه اَل ِء َف َق ْد و َّك ْلنا هِب ا َقوما لَيسوا هِب ا بِ َكافِ ِرين (‪ُ )89‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ًْ ْ ُ َ‬ ‫َ ْ َ َُؤ‬ ‫َ ُ ََ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني (‪[ } )90‬األنعام‪]90-83/‬‬ ‫َأجًرا ِإ ْن ُه َو ِإاَّل ذ ْكَرى ل ْل َعالَم َ‬ ‫اللَّهُ فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَده قُ ْل اَل ْ‬
‫َأسَألُ ُك ْم َعلَْيه ْ‬
‫وأفضل هؤالء بال منازع سيد األنبياء واملرسلني صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬قال تعاىل عنه ‪ { :‬لََق ْد َكا َن‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن َي ْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل َ ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِ ًريا (‪} )21‬‬ ‫ِ ِ‬
‫لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫[األحزاب‪]21/‬‬
‫فهو قدوتنا يف كل شيء ‪ ،‬من متسك بغرزه جنا ‪ ،‬ومن تركه هلك ‪.‬‬
‫فال بد من القدوة يف البيت‪ ،‬ويف الطريق‪ ،‬ويف العمل ‪ ،‬ويف مجيع شئون احلياة‪ ،‬حىت تؤيت الدعوة‬
‫أكلها ‪ ،‬وتينع مثارها ‪ ،‬فالكالم إذا خرج من القلب دخل يف القلب ‪ ،‬وإذا خرج من اللسان مل‬
‫يتجاوز اآلذان ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫وانظروا يا رعاكم اهلل إىل القدوة السيئة وأثرها يف هالك اجملتمعات ‪ ،‬قال تعاىل ‪َ { :‬ولََق ْد َْأر َس ْلنَا‬
‫يد (‪)97‬‬ ‫ني (‪ِ )96‬إىَل فِرعو َن وملَِئ ِه فَاتَّبعوا َأمر فِرعو َن وما َأمر فِرعو َن بِر ِش ٍ‬ ‫موسى بَِآياتِنَا وس ْلطَ ٍ‬
‫ان ُمبِ ٍ‬
‫َ ُ َْ ْ َْ َ َ ُْ ْ َْ َ‬ ‫ْ َْ َ َ‬ ‫ُ َ َ َُ‬
‫ي ْق ُدم َقومه يوم الْ ِقيام ِة فََأوردهم النَّار وبِْئس الْ ِورد الْمورود (‪ )98‬وُأتْبِعوا يِف ه ِذ ِه لَعنَةً ويوم الْ ِقيامةِ‬
‫َ ْ َ َْ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ ُ ْ َ ُ َْ َ َ َ ْ َ َ ُ ُ َ َ َ ْ ُ َ ْ ُ ُ‬
‫ود (‪[ )99‬هود‪]99-96/‬‬ ‫الرفْ ُد الْ َم ْرفُ ُ‬
‫س ِّ‬ ‫ِ‬
‫بْئ َ‬
‫ويف هذا الكتاب جمموعة طيبة من البحوث املقاالت العلمية حول أمهية القدوة احلسنة وأثرها‬
‫وشروطها ‪ ،‬وجماالهتا املنوعة ‪ ،‬مجعتها من مواقع شىت ‪ ،‬والسيما من موقع املختار اإلسالمي ‪ ،‬وصيد‬
‫جل وعال أن تكون دافعاً لنا ‪،‬‬ ‫الفوائد ‪ ،‬واإلسالم اليوم ‪،‬والشبكة اإلسالمية ‪ ،‬وغريها ‪ ،‬سائال املوىل َّ‬
‫ألن نكون قدوة حسنة لغرينا ‪.‬‬
‫قال الشاعر ‪:‬‬
‫يا أيها الرجل املعلم غريه ‪ S...‬هال لنفسك كان ذا التعليم‬
‫تصف الدواء لذي السقام وذي الضىن ‪ .‬كيما يصح به وأنت سقيم‬
‫ونراك تصلح بالرشاد عقولنا ‪ S...‬أبدا وأنت من الرشاد عدمي‬
‫فابدأ بنفسك فاهنها عن غيها ‪ ...‬فإذا انتهت عنه فأنت حكيم‬
‫فهناك يقبل ما تقول ويهتدى ‪ S...‬بالقول منك وينفع التعليم‬
‫ال تنه عن خلق وتأيت مثله ‪ ...‬عار عليك إذا فعلت عظيم‬
‫هذا وأسأل اهلل تعاىل أن ينفع به كاتبه وناشره وقارئه والدال عليه يف الدارين ‪.‬‬
‫الباحث في القرآن والسنة‬
‫علي بن نايف الشحود‬
‫يف ‪ 5‬شوال ‪ 1429‬هـ املوافق ل ‪5/10/2008‬م‬

‫‪‬‬

‫‪2‬‬
‫القدوة قبل الدعوة‬

‫أمس َكت بيدي طبيبة من إحدى الدول اإلسالمية وأجلستين وسألتين وج ّدت يف السؤال!‪ ،‬ملاذا النّاس‬
‫نظرت إليها طالبةً الفهم واالستيضاح‪،‬‬ ‫أطرقت صامتة‪ ،‬مث‬ ‫ئت بِِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هنا منافقون؟!‪ ،‬هالين السؤال‪ ،‬فُوج ُ‬
‫جبمل متالحقة‪ ،‬ال أحد ميتثل تعاليم‬ ‫وأتبعتهُ ٍ‬
‫ت السؤال‪ْ ،‬‬ ‫فكرر ِ‬
‫حكم خطري لهُ ضوابطه‪َ َّ ،‬‬‫فالنفاق ٌ‬
‫صراعات وتزلّفات وعدم إخالص يف العمل‪ ،‬ملاذا‬ ‫ٍ‬ ‫رأيت يف قسمنا من‬ ‫اإلسالم ومساحته‪ ،‬هالين ما ُ‬
‫لينقض على اآلخر‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الزميل يضيّق على زميله و كأهنما يف حلبة صراع‪ ،‬ينتظر كل منهما الفرصة‬
‫أبدعت يف ال ّدفاع‪ ،‬و بيّنت هلا أن هذه حاالت‬ ‫ُ‬ ‫وسردت يل من املواقف والصور ما ضاقت ِبه نفسي‪،‬‬
‫وحس َن بني‬
‫وضربت هلا األمثلة بفالن وفالنة ممن طاب ذكرهم ُ‬ ‫ُ‬ ‫شاذّة‪ ،‬وال متثّل الدين وال البالد‪،‬‬
‫وح ّق هلا ذلك!‬‫الناس منهجهم وسريهتم و أمثرت إجنازاهتم وأثىن عليهم زمالءهم‪ ،‬ومل تقتنع!‪ُ ،‬‬
‫تطبيقه‪ S،‬تتوق أنفسهم لرفقتهم والتعلم منهم‪ ،‬فماذا‬ ‫ِ‬ ‫الكل يرى يف أبناء احلرمني صيانة الدين ومتثيله و‬‫ّ‬
‫ردة الفعل عندما ينصدم أحدهم بصور عجيبة ومؤملة متناقضة؟!‪ ،‬إذا كان هذا انطباع‬ ‫ستكون ّ‬
‫أخوة هلا مسلمني ونفورها منهم‪ ،‬فنفور الكافر من باب أوىل وارد جداً!‬ ‫مسلمة عن ٍ‬
‫قاعدتنا يف كل مكان وزمان أ ّن فاقد الشيء؛ ال يعطيه‪ ،‬وهل ننتظر ممن مل حُي ِسنوا ألنفسهم برتبيتها و‬
‫دعوهتا حملاسن األخالق ومجيل التعامل وسامي التواصل مع اآلخرين أن حُي سنوا لغريهم وأن يوصلوا‬
‫الدعوة هلذا الدين ملن حيتاجها يف أصقاع املعمورة فضالً عن زمالئهم امل َخالِ ِطني‪..‬؟!‪S‬‬
‫ُ‬
‫رأيت أخطر عليها‪ ،‬وال أش ّد تنفرياً من الدين؛ إال‬ ‫رأيت أخطر على األمة من فقراء األخالق‪ ،‬وال ُ‬ ‫ما ُ‬
‫منه ُم األخالق وهم حيسبون أهنم حُي سنون عمالً‪!..‬‬ ‫من ساءَت ُ‬
‫وصف التديّن واالستقامة‪ ،‬فهم يف التصنيف على طريف نقيض‪ ،‬و تع ّددت املفاهيم‬ ‫ِ‬ ‫تطرف البعض يف‬ ‫ّ‬
‫بلد إىل بلد‪ ،‬و وقع الصراع بني أنصار اجلوهر و املتمسكني بأمهيّة املظهر‪ ،‬واحلق أن‬ ‫واختلفت من ٍ‬
‫بكل منهما‪،‬‬
‫اهتم باجلانبني وأوىل كالً منهما عناية فائقة و ارتبطت أحكام شرعية أصيلة ٍّ‬ ‫اإلسالم ّ‬
‫ويقوم من‬
‫فالشخص املتديّن‪ ،‬شخص ميأل قلبه عقيدة صحيحة يعمل بأركاهنا‪ ،‬وميتثلها يف حياته‪ّ ،‬‬
‫أجلها هنجه‪ ،‬وتصدقها كلماتهُ ومظهره‪ ،‬تلتمس من كلماته عُمق احلماس واالعتزاز باإلسالم والغرية‬
‫على شعائر ال ّدين‪ ،‬داعية ميداين ال يرتك طرق أي باب خ ٍري أىّن ُو ِجد‪ ،‬وبني هذا وذاك‪ ،‬يتقلّب بني‬
‫وتقر عينه بالرسول‪! ..‬‬ ‫اخلوف والرجاء‪ .‬وال يهدأ له بال حىت يُبَ ّشر بالقبول‪ ،‬ويرى كتابه باليمني‪ّ ،‬‬
‫أمة اإلسالم يف مرحلة حتتاج فيها أن تصل للجميع صورة الشخص املسلم املتديّن كأحسن ما تكون‪،‬‬
‫كما أرادها له اإلسالم‪ ،‬الصورة اليت ستم ّكننا من نشر هذه الدعوة و هداية الناس و دعوهتم إىل‬
‫وقت‬
‫االستقامة‪ ،‬األمة يف مرحلة خطرية ومنعطفات أخطر‪ ،‬تقاسي اجلرح بعد اآلخر‪ ،‬مل يعد هناك ٌ‬

‫‪3‬‬
‫وخلُقاً‪ ،‬ومستاً‪ ،‬وتعامالً‪ ،‬وحديثاً‪.‬‬
‫إال لصادق الفعال‪ ،‬وحتقيق سامي املقال‪ ،‬وامتثال اإلسالم عقيد ًة‪ُ ،‬‬
‫هذا االلتزام اخلُلُقي هو الذي فتح الدنيا بفضل اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬وأوصل اإلسالم إىل أقاصي العامل‪.‬‬
‫فرد بنفسه‪ ،‬فهذهبا واستكمل فضائلها‪ ،‬ون ّقاها من رذائلها‬ ‫ولن يتأتّى لنا ذلك إال إذا بدأ كل ٍ‬
‫روضها يف رياض الطاعة‪ ،‬وهذا الدرب وال غريه هو ما‬ ‫وشوائبها‪ ،‬وربّاها كأحسن ما تكون الرتبية‪ّ ،‬‬
‫سيوصل األمة بفضل اهلل إىل القيادة والريادة‪ ،‬وينشر دعوة اإلسالم يف أصقاع األرض‪.‬‬
‫مؤدب أوالد هارون الرشيد فقال‪" :‬ليكن أول ما تبدأ به من إصالح أوالد أمري‬ ‫أرشد اإلمام الشافعي ِّ‬
‫املؤمنني إصالح نفسك‪ ،‬فإن أعنّتهم معقودة بيدك‪ ،‬فاحلسن عندهم ما استحسنته‪ ،‬والقبيح عندهم ما‬
‫تركته"‪ ،‬واألمجل قول أحدهم‪" :‬كونوا عبّ ًادا قبل أن تكونوا ّقو ًادا تصل بكم العبادة إىل أحسن‬
‫قيادة"‪.‬‬
‫الرسل السابقني‪ ،‬وكيف يبعث اهلل من القوم أحسنهم أخالقاً‪ ،‬ومن عُ ِرفوا بني قومهم‬ ‫تأملنا دعوة ُ‬ ‫ولو ّ‬
‫بالصدق واألمانة‪ ،‬فاملتل ّقي مىت شعر بالراحة واالطمئنان والثقة مبن يدعوه فسيقبِل عليه‪ ،‬ويف أقل‬
‫األحوال لن ين ُفر منه‪.‬‬
‫ورسول اهلل ‪ -  -‬هو املثل األعلى لكل هذا؛ فقد ّأدبه ربه فأحسن تأديبه‪ ،‬و اعتصم ‪-  -‬‬
‫باحللم‪ ،‬والصرب على األذى‪ ،‬وخفض اجلناح‪ ،‬والرفق‪ ،‬وحسن املعاملة ‪ -‬مع قوة الشخصية ‪ -‬واملهابة‬
‫العلمية‪ .‬فبلغت دعوته ما بلغت‪ ،‬وبلغت حمبته يف القلوب ما بلغت‪.‬‬
‫وهذا معاذ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قبل أن يبعثه ‪ -  -‬لدعوة الناس‪ ،‬ح ّدد له ما جيب أن تكون عليه‬
‫شخصيته‪ ،‬فأوصاه بتقوى اهلل‪ ،‬وصدق احلديث‪ ،‬والوفاء بالعهد‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وترك اخليانة‪ ،‬وحفظ‬
‫اجلار‪ ،‬ورمحة اليتيم‪ ،‬ولني الكالم‪ ،‬وبذل السالم‪ ،‬وحسن العمل‪ ،‬وقصر األمل‪ ،‬ولزوم اإلميان‪ ،‬والتفقه‬
‫حكيما‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫يف القرآن‪ ،‬وحب اآلخرة‪ ،‬واجلزع من احلساب‪ ،‬وخفض اجلناح‪ ،‬وهناه عن أن يسب‬
‫أرضا‪ ،‬وأوصاه باتقاء اهلل عند كل‬ ‫إماما عادالً‪ ،‬أو يفسد ً‬
‫يكذب صادقًا‪ ،‬أو يطيع آمثًا‪ ،‬أو يعصي ً‬
‫ور ِسل العقيدة بكل معاين تربية النفس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حجر وشجر ومدر‪ .‬أوصاهُ كما أوصى غريهُ من دعاة اخلري ُ‬
‫و معامل هتذيبها‪ ،‬واالرتقاء هبا‪.‬‬
‫و شخصية هلا هذه الصفات كيف يقابلها اآلخرون‪ ..‬؟!!‪ S،‬وما هو تأثريها ولو مل تتكلم‪ ..‬؟!!‪ S،‬ولو‬
‫مل تعتلي املنابر‪ ..‬؟!!‪ ،‬وتتحدث يف املؤمترات والقنوات‪ ..‬؟!!‪ .‬حقاً "إن هلل رجاالً أحيوا احلق بذكره‪،‬‬
‫وأماتوا الباطل هبجره"‪.‬‬
‫كان احلسن البصري إذا دخل السوق ترك املسلمون جتارهتم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وذكروا اهلل‬
‫كثريا‪ ،‬بل قال أحد تالمذته‪ :‬إن الرجل لينتفع برؤية احلسن البصري حىت لو مل يسمع كالمه ومل ير‬ ‫ً‬
‫عمله‪!! S..‬‬

‫‪4‬‬
‫واإلسالم من مبدأ دعوته‪ ،‬أرسى القواعد األساسية‪ ،‬واألحكام الشرعية‪ ،‬و اعتىن عناية خاصة جبانب‬
‫األخالق والعالقات اإلنسانية‪ ،‬فهو يشيع بني الناس أواصر الرمحة‪ ،‬واحلب والتسامح‪ ،‬والفضل‪،‬‬
‫والتعاون‪ ،‬ومراقبة الضمري‪ ،‬وخشية اهلل‪ ،‬إىل غري ذلك من املعاين الكرمية‪ ،‬ورتّب عليها األجر والثواب‬
‫والفضل واملنازل الرفيعة‪ ،‬وتلك هي أدوات الدعوة امليدانية الناجحة‪.‬‬
‫والشباب حيتاج لرؤية مناذج صادقة مع ربه‪ ،‬تتحلى باألخالق الكرمية‪ ،‬خيرجون إليهم ويتعاملون‬
‫معهم باألخالق احلسنة فيحببوهم يف االستقامة‪ ،‬ولسان احلال كما نعلم أبلغ من ألف ألف مقال‪!! ..‬‬
‫ليست العربة يف كم يسمعون من الكالم‪ ،‬أو كم يقرؤون من الكتب‪ ،‬إمّن ا العربة يف إتباع أحسن‬
‫الكالم وتطبيقه ولو كان قليالً‪{ ،‬أولئك الذين هداهم اهلل وأولئك هم أولوا األلباب}‪ ،‬وما أحوج‬
‫األمة ألمثاهلم‪.‬‬
‫يقول أبو األعلى املودودي‪ " S:‬إن رساليت إىل املسلمني هي أن يفهموا تلك املسؤوليات ويطلعوا هبا‪.‬‬
‫فما هي هذه املسؤوليات؟‪ ،‬ليس فقط اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬وليست هي‬
‫فقط أن تقيم الصالة وتصوم رمضان وتؤدي الشعائر‪ ،‬وليست هي أيضاً أن تقيم أصول اإلسالم فيما‬
‫يتعلق بالزواج والطالق واملرياث‪ ،‬بل هناك فوق كل هذا مسؤولية ضخمة ملقاة على عاتقك‪ ،‬وهي‬
‫أن تقف شاهد حق أمام الدنيا كلها {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيداً}‪ .‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪{ :-‬ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من اهلل}‪،‬‬
‫والشهادة املطلوبة من املسلم‪ ،‬قولية وعملية‪ ،‬أما الشهادة القولية فهي أن يقوم املسلمون بإيضاح احلق‬
‫واستعمال كافة الوسائل من أجل تثبيت هذا احلق يف القلوب‪ .‬وأما الشهادة العملية فهي أن نطبق‬
‫عملياً يف حياتنا األصول اليت أمرنا احلق به‪ ،‬فلن توافقنا الدنيا على احلق لو ذكرناه بألسنتنا‪ ،‬بل‬
‫يريدون أن يروا حماسن وبركات هذا احلق داخل حياتنا‪ ،‬يريدون أن يروا هذا بأعينهم‪ ،‬يريدون أن‬
‫يتذوقوا حالوة اإلميان اليت تظهر يف سلوكنا األخالقي‪ ،‬يريدون أن يروا كيف أن هداية الدين خلقت‬
‫إنساناً طيباً‪ ،‬وأقامت جمتمعاً صاحلاً‪ ،‬وحضارة طاهرة شفافة وشريفة‪ .‬وكيف أهنا طورت العلوم‬
‫واآلداب والفنون على خطوط صحيحة سليمة‪ ،‬وكيف ظهر التعاون االقتصادي بني الناس‪ ،‬وكيف‬
‫مست احلياة االجتماعية "‪ .‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬
‫وحب للخري لكم ولغريكم‪،‬‬ ‫وبر ّ‬ ‫دين و خلُق‪ ،‬تعاو ٌن ّ‬‫علم وعمل‪ٌ ،‬‬‫لذلك نريدكم يا أهل هذه امللّة؛ ٌ‬
‫متحركة يف أي مكان ُوجدمت‪ ،‬تنطق ألسنتكم وأعمالكم وعالقاتكم خبُلق‬ ‫نريدكم أدوات دعوة ّ‬
‫اإلسالم و خرييته‪ ،‬واهلل ال يضيع أجرمن أحسن عمالً‪.‬لنتذ ّكر دائماً {إن هذا القرآن يهدي لليت هي‬
‫معوجها ولنصل هبا ألعلى مراتب الكمال كما أراد لنا هذا الدين‪!..‬‬ ‫ولنقوم ّ‬
‫أقوم}‪ ،‬و لنقيّم أنفسنا ّ‬
‫‪ http://alislam4all.com- 2007/11/10‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪5‬‬
‫الكامالت من النساء‬
‫آسيا بنت مزاحم ‪1‬‬
‫جهالن إمساعيل‬
‫هي امرأة ليست كغريها من النساء‬
‫ضربت أروع املثل يف التضحية والفداء واحملبة هلل‪....‬‬
‫ثبتت على دينها ثبات اجلبال الرواسي‪...‬‬
‫صربت على أشد أنواع العذاب‬
‫تركت كل شيء‪ ،‬وكانت تنعم بكل شيء يف ملك زوجها‬
‫إهنا امرأة فرعون‪ ،‬اليت خلد اهلل ذكرها وأعلى من قدرها يف كتابه العزيز وأنزل فيها قرآنا يتلى على‬
‫مر العصور والدهور حىت يرث اهلل األرض ومن عليها‪ ،‬لتكون منارة يهتدي هبا أصحاب األرواح‬
‫املتطلعة من الرجال والنساء إىل اجلنة‪ ،‬وقدوة حيتذي هبا كل املسلمني واملسلمات يف الثبات على‬
‫الدين والتضحية من أجله‪.‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ند َك َبْيتاً‬‫ب ابْ ِن يِل ِع َ‬ ‫ت َر ِّ‬‫ين َآمنُوا ا ْمَرَأَة ف ْر َع ْو َن ِإ ْذ قَالَ ْ‬‫ب اللَّهُ َمثَالً لِّلَّذ َ‬
‫ضَر َ‬
‫{و َ‬‫يقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ :-‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني}التحرمي‪11‬‬ ‫يِف اجْلَنَّة َوجَنِّيِن من فْر َع ْو َن َو َع َمله َوجَنِّيِن م َن الْ َق ْوم الظَّالم َ‬
‫وقد شهد النيب ‪ -  -‬هلذه املرأة بالكمال بقوله‪ ":‬كمل من الرجال كثري ومل يكمل من النساء إال‬
‫آسية امرأة فرعون‪ ،‬ومرمي ابنة عمران‪ ،‬وخدجية بنت خويلد‪ ،‬وإن فضل عائشة على النساء كفضل‬
‫الثريد على سائر الطعام" رواه الشيخان‬
‫يف بيتها ترىب كليم اهلل‬
‫لقد أكرمها اهلل ومن عليها عندما ساق إليها تابوت موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬الذي ألقته أمه يف اليم‬
‫خوفا من فرعون وملئه فأحبته بكل جوارحها وأحاطته برعايتها وعنايتها ودافعت عنه ضد جربوت‬
‫زوجها الذي مأل الكفر قلبه فلم يعد فيه مكان للرمحة وال الشفقة على أي أحد خوفا على حياته‬
‫وملكه‪.‬‬
‫ت امر ِ‬ ‫ِ‬
‫ك اَل َت ْقُتلُوهُ َع َسى َأن يَن َف َعنَا َْأو‬‫ت َعنْي ٍ يِّل َولَ َ‬ ‫َأت فْر َع ْو َن ُقَّر ُ‬‫{وقَالَ ْ َ ُ‬ ‫يقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ :-‬‬
‫َّخ َذهُ َولَداً َو ُه ْم اَل يَ ْشعُُرو َن}القصص ‪9‬‬ ‫َنت ِ‬
‫ورد يف غلظة وجالفة "بل قرة عني لك"‪ ،‬وجنحت آسية يف احلفاظ على‬ ‫وافق فرعون على مضض َّ‬
‫حياة موسى‪ -‬عليه السالم ‪ -‬وقامت على تربيته خري قيام ومل تأل جهدا يف رعايته‪ ،‬فكان بركة عليه‬
‫وسببا لدخوهلا اجلنة‪ ،‬وأهلك اهلل على يديه الطاغية وجنوده‪.‬‬
‫بداية املعاناة‬

‫‪6‬‬
‫جاء يف تفسري القرطيب قال أبو العالية‪ :‬اطلع فرعون على إميان امرأته فخرج على املأل فقال هلم‪ :‬ما‬
‫تعلمون من آسية بنت مزاحم؟ فأثنوا عليها‪ .‬فقال هلم‪ :‬إهنا تعبد ربا غريي‪ ،‬فقالوا له‪ :‬اقتلها! فأوتد هلا‬
‫أوتادا وشد يديها ورجليها‪ ،‬فقالت‪ :‬رب ابن يل عندك بيتا يف اجلنة‪ ،‬ووافق ذلك حضور فرعون‬
‫فضحكت حني رأت بيتها يف اجلنة فقال فرعون أال تعجبون من جنوهنا إنا نعذهبا وهي تضحك‬
‫فقبض روحها‬
‫وقال سلمان الفارسي فيما روى عنه عثمان النهدي‪ :‬كانت تعذب بالشمس فإذا أذاها حر الشمس‬
‫أظلتها املالئكة بأجنحتها‬
‫وقيل‪ :‬مسر يديها ورجليها يف الشمس ووضع على ظهرها رحى فأطلعها اهلل حىت رأت مكاهنا يف‬
‫اجلنة‬
‫وقيل‪ :‬ملا قالت رب بن يل عندك بيتا يف اجلنة‪ ،‬أريت بيتها يف اجلنة يبىن وقيل إنه من درة‬
‫وملا قالت وجنين جناها اهلل أكرم جناة فرفعها إىل اجلنة فهي تأكل وتشرب وتتنعم‪.‬‬
‫ما عند اهلل خري وأبقى‬
‫جنحت آسية يف االمتحان الصعب الذي يرسب فيه الكثري من الرجال األشداء‪ ،‬وآثرت ما عند اهلل‬
‫من خري واستعلت بإمياهنا على زخارف الدنيا‪ ،‬وماذا تساوي كل هذه الدنيا مبا فيها من مباهج‬
‫وهبرج كاذب إذا خسر املرء نفسه يف اآلخرة؟!‪ S‬وهذا ما أشار إليه النيب ‪ –  -‬بقوله‪ " :‬يؤتى بأنعم‬
‫الناس يف الدنيا من الكفار فيقال‪ :‬اغمسوه يف النار غمسة مث يقال له‪ :‬هل رأيت نعيما قط؟ فيقول‪:‬‬
‫ال‪ ،‬ويؤتى بأشد الناس ضرا يف الدنيا فيقال‪ :‬اغمسوه يف اجلنة غمسة مث يقال له‪ :‬هل رأيت ضرا قط؟‬
‫فيقول‪ :‬ال"‬
‫حقاً‪ ....‬إن كل ما يلقاه املرء يف هذه الدنيا من عنت ومشقة ال يساوي شيئا إذا ُكتب له النجاة من‬
‫النار والفوز باجلنة‪.‬‬
‫حري بك أن تعلمي أن هذه الدنيا ال تساوي عند اهلل شيئا وأن تسمي بروحك إىل املأل‬ ‫أخيت املسلمة ٌ‬
‫األعلى وأن تعملي لدين اهلل ال ختشي شيئا‪ ،‬فإن أقصى ما يستطيع الطغاة فعله هو أخذ جسدك الفاين‬
‫منك ولتكن آسية بنت‬ ‫أما روحك املتطلعة إىل اجلنان ورضا الرمحن فلن يستطيع أحد أن يسلبها ِ‬
‫مزاحم قدوة لك يف حبها لرهبا وثباهتا على دينها‪ ،‬ومهما تكن لديك من عوائق فلن يكون لديك‬
‫فرعون كفرعوهنا!‬
‫‪ http://www.lahaonline.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪7‬‬
‫هل يجلس أبناؤنا حول النبي ‪ -  -‬يوم القيامة؟ـ‬

‫‪ 24‬ذو القعدة ‪1428‬هـ املوافق له ‪2007 -12 -3‬م‬


‫لقد كان وال يزال اإلسالم يهدف للوصول بالشخصية املسلمة إىل أعلى درجات اخللق احلسن من‬
‫خالل القدوة العملية يف احلياة اليومية للنيب ‪ ،-  -‬ولذلك فإن األزمة اليت يعاىن منها املربون جتاه‬
‫تنمية اخللق احلسن لدى أبنائهم إمنا ترجع إىل أزمة يف القدوة املباشرة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫عوامل اهلدم احمليطة املتمثلة يف وسائل اإلعالم اهلدامة‪ ،‬ولكن هل معىن ذلك أن الوصول بأبنائنا هلذا‬
‫النموذج اخللقي يعد أمراً صعباً؟‬
‫كال باالستعانة باهلل‪ ،‬والتزام هنج النيب ‪ ،-  -‬وفهم أمهية الرتبية اخللقية؛ يتحقق لنا ذلك ‪ -‬إن شاء‬
‫اهلل ‪.-‬‬
‫إننا عندما نرىب الطفل تربية أخالقية سليمة فإننا‪:‬‬
‫* نعوده األخالق احلسنة‪ ،‬ونبعده عن األخالق الرذيلة‪.‬‬
‫نطهر نفسه من األخالق السيئة‪ ،‬وحنليها باألخالق احلسنة‪.‬‬ ‫* ّ‬
‫* ننشه إنساناً متكامالً خلقياً‪ ،‬حبيث يصري مفتاحاً للخري‪ ،‬مغالقاً للشر‪.‬‬
‫* نعوده التمييز بني اخلري والشر‪.‬‬
‫ووسائلنا يف ذلك كثرية‪ ،‬يأيت على رأسها‪:‬‬
‫‪ -1‬التزام القدوة أمام الطفل فال نكذب‪ ،‬أو نسخر‪ ،‬أو نسب‪ ،‬أو نلعن أمامه فضالً عن أن يكون‬
‫ذلك خلقاً دائماً لنا‪.‬‬
‫‪ -2‬قص القصص واحلكايات اهلادفة املفيدة عليه‪.‬‬
‫‪ -3‬املمارسة العملية لألخالق احلسنة معه‪ :‬ففي اللعب مثالً ال يكون ‪ -‬املريب ‪ -‬أناين‪ ،‬وعلى املائدة‬
‫ال يكون طماعاً شرهاً‪ ،‬وعند االنفعال ال يكون بذيء األلفاظ ال ميلك نفسه أو يسيطر عليها‬
‫وهكذا‪.‬‬
‫‪ -4‬عمل ربط للطفل بني التلقني النظري عن األخالق احلسنة (أجر اخللق احلسن‪ ،‬مكانة صاحبه عند‬
‫اهلل‪ ،‬قربه من النيب ‪ -  -‬يوم القيامة‪ ،‬أثر هذه الفضيلة يف خدمة الدين والدعوة إىل اهلل ‪ -‬تعاىل‪،)-‬‬
‫وبني الواقع العملي الذي يعيشه يف حياته اليومية‪.‬‬
‫مناذج وأمثلة‪:‬‬
‫‪ -1‬التدريب والتعود على خلق الرمحة من خالل‪:‬‬
‫* القيام للكبري واملريض يف املواصالت العامة‪.‬‬
‫* مساعدة الكبري واملريض والضعيف يف عبور الطريق‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫* تقدمي الطعام للطيور واحليوانات املنزلية‪.‬‬
‫* عدم ضرب الصغري أو التكرب عليه‪.‬‬
‫* تقدمي الطعام أو التصدق من مصروفه على الفقراء من زمالئه وجريانه‪.‬‬
‫* مساعدة الصغري والضعيف الذي حيتاج إليه أو يستغيث به‪.‬‬
‫* ال لعب أو تعذيب للحيوانات أو احلشرات‪ ،‬أو الطيور أو أخذ بيضها أو صغارها منها‪.‬‬
‫* عدم ختويف أحد يف الظالم‪ ،‬أو هتديده بسالح ولو على سبيل املزاح‪.‬‬
‫‪ -2‬التعود على التعاون من خالل‪:‬‬
‫* اللعاب اجلماعية‪.‬‬
‫* الرحالت‪.‬‬
‫* الصالة يف مجاعة‪.‬‬
‫* توزيع األعمال املنزلية على مجيع األفراد‪ ،‬واالشرتاك يف تنفيذها من شراء الطعام‪ ،‬وغسله وإعداده‪،‬‬
‫وغسل األواين وغري ذلك من أعمال‪.‬‬
‫* تبادل الكتب اخلارجية املدرسية‪ ،‬والكتب الثقافية واألشرطة‪ ،‬والقصص مع زمالئهم وأصدقائهم‪.‬‬
‫‪ -3‬التعود على الشجاعة من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬ممارسة لعبة عنيفة (كاراتيه ‪ -‬تايكوندو ‪ -‬مصارعة)‪.‬‬
‫‪ -‬اجلرأة يف مواقف إنكار املنكر‪ ،‬أو إسداء النصيحة حمافظاً على األدب يف ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ممارسة السباحة واصطحابه يف رحالت صيد حبرية أو هنرية إن أمكن‪.‬‬
‫‪ -4‬التعود على الصدق من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬الصيام مع تعليمه فقه الصيام‪ ،‬وكيف أنه يرىب فيه التقوى واملراقبة هلل ‪ -‬تعاىل‪.-‬‬
‫‪ -‬عدم التهاون يف تقسيم الكذب إىل أنواع (أبيض ال شيء فيه‪ ،‬وأسود حيرم فعله)‪ ،‬فكل الكذب‬
‫ممنوع وحمرم‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تداول النكات املضحكة ألهنا من الكذب أيضاً‪.‬‬
‫‪ -‬االعرتاف باخلطأ لينجى نفسه من العقوبة‪ ،‬وتربيته على حديث النيب ‪( :-  -‬الصدق منجاة ولو‬
‫رأيتم فيه اهللكة)‪.‬‬
‫‪ -5‬التعود على األمانة من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬عدم إفشاء األسرار‪.‬‬
‫‪ -‬عدم الغش عند البيع والشراء أو االمتحانات‪.‬‬
‫‪ -‬رد األمانات ألصحاهبا‪ ،‬وعدم املساس هبا أثناء وجودها يف حوزته‪.‬‬
‫‪ -‬رد املال الزائد أو املشرتيات الزائدة للبائع عند اكتشافها بعد الشراء‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬عدم اإلطالع على ورقة أحد أو كتابه‪ ،‬أو األشياء اخلاصة به إال بإذنه‪.‬‬
‫‪ -6‬التعود على احلياء من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬عدم التلفظ بالسب أو البذاءة‬
‫‪ -‬عدم اإلخبار بشيء قبيح رآه أو مسعه‪.‬‬
‫‪ -‬عدم خلع مالبسه أمام أحد حىت ولو كان أخاه‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تربج البنت أو تعطرها أو دخوهلا على األجانب بعد سن السادسة تعويداً هلا على ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬عدم مصافحته للبنات والعكس‪.‬‬
‫‪ -‬تعويده على أن يغار على أخته‪ ،‬وخيرج معها لتوصيلها وال يرتكها وحدها‪.‬‬
‫‪ -‬االستئذان عند الدخول خاصة على الوالدين‪.‬‬
‫‪ -7‬التعويد على ضبط األلفاظ‪:‬‬
‫البد من إبعاد الطفل عن التعبريات الدارجة على ألسنة عامة الناس‪ ،‬واليت حتمل معاين سلبية مثل (كرب‬
‫دماغك ‪ -‬طنش ‪ -‬اخبط لك ركعتني)‪S.‬‬
‫كما جيب تعويده على األلفاظ املهذبة مثل‪( :‬من فضلك ‪ -‬حضرتك ‪ -‬لو مسحت ‪ -‬بعد إذنك ‪ -‬لو‬
‫تكرمت ‪ -‬أعتذر ‪ -‬جزاك اهلل خرياً ‪ -‬بارك اهلل فيك ‪ -‬ما شاء اهلل ‪ -‬إن شاء اهلل)‪.‬‬
‫أعزائي اآلباء واملربني‪ :‬إننا إذا بذلنا اجلهد يف تنشئة الطفل خلقياً فإننا يف احلقيقة ننفع أنفسنا‪ ،‬وخندم‬
‫ديننا‪ ،‬فالطفل َد ِمث األخالق‪ ،‬مهذب الطبع؛ منوذج مشرف لوالديه‪ ،‬وهو بشارة باخلري يف خدمة دينه‬
‫مستقبالً‪.‬‬
‫‪:http://www.islammemo.cc‬املصدر‬
‫ــــــــ‬

‫‪10‬‬
‫يا عالي ال ِهمة‬
‫بِقدر ما تتعىن تنال ما تتمىن‬
‫إن عايل اهلمة جيود بالنفس والنفيس يف سبيل حتصيل غايته‪ ،‬وحتقيق بغيته‪ ،‬ألنه يعلم أن املكارم منوطة‬
‫باملكاره‪ ،‬وأن املصاحل واخلريات‪ ،‬واللذات والكماالت كلها ال تنال إال حبظ من املشقة‪ ،‬وال يُعرب إليها‬
‫إال على جسر من التعب‪:‬‬
‫بصرت بالراحة الكربى فلم أراها * * * تُنال إال على جسر من التعب‪.‬‬
‫آخر‪:‬‬
‫رجوت احملاال‪.‬‬
‫َ‬ ‫فقل لِ ُمَر ِّجي معايل األمور * * * بغري اجتهاد‪:‬‬
‫آخر‪:‬‬
‫لوال املشقة ساد الناس كلهم * * * اجلود يُفقر‪ S،‬واإلقدام قتَّال‪.‬‬
‫آخر‪:‬‬
‫األهوال من بعِ ِد قُ َح ْم‪.‬‬
‫ِ‬ ‫حبرا سريى * * * قُ َح َم‬
‫والذي يركب ً‬
‫آخر‪:‬‬
‫الذل يف َد َعة النفوس وال أرى * * * ِعَّز املعيشة دون أن يُ ْش َقى هلا‪.‬‬
‫كان أبو موسى األشعري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يصوم حىت يعود كاخلالل العود الذي خيلل ِبه األسنان‬
‫ض َّمرة‪.‬‬
‫ت نفسك؟ "؛ أي‪ :‬تركتها تسرتيح فقال‪ " :‬هيهات! إمنا يسبق من اخليل امل َ‬
‫ُ‬ ‫فقيل له‪ " :‬لو َأمْج َ ْم َ‬
‫"‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬من طلب الراحة‪ ،‬ترك الراحة‪.‬‬
‫أبدا طريق‪.‬‬
‫فيا وصل احلبيب أما إليه بغري مشقة ً‬
‫قال اإلمام احملقق ابن القيم ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪( :-‬وقد أمجع عقالء كل األمة على أن النعيم ال يُدرك‬
‫بالنعي ِم‪ ،‬وأن من آثر الراحة‪ ،‬فاتته الراحة‪ ،‬وأن حبسب ركوب األهوال‪ ،‬واحتمال املشاق تكون‬
‫الفرحة واللذة‪ ،‬فال فرحة ملن ال َه َّم له‪ ،‬وال لذة ملن ال صرب له‪ ،‬وال نعيم ملن ال شقاء له‪ ،‬وال راحة‬
‫ملن ال تعب له‪ ،‬بل إذا تعب العبد قليالً‪ ،‬اسرتاح طويالً‪ ،‬وإذا حتمل مشقة الصرب ساعة قادة حلياة‬
‫األبد‪ ،‬وكل ما فيه أهل النعيم املقيم فهو صرب ساعة‪ ،‬واهلل املستعان‪ ،‬وال قوة إال باهلل) أهـ‪.‬‬
‫وكلما كانت النفوس أشرف‪ ،‬واهلمة أعلى‪ ،‬كان تعب البدن أوفر‪ ،‬وحظه من الراحة أقل‪ ،‬كما قال‬
‫املتنيب‪:‬‬
‫كبارا * * * تعبت يف مرادها األجسام‪.‬‬ ‫النفوس ُك َّن ً‬
‫ُ‬ ‫وإذا‬
‫وقال ابن الرومي‪:‬‬
‫ب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التع ُ‬
‫ونفس هلوها َ‬ ‫قلب يظل على أفكاره َويَ ٌد * * * مُت ضي األمور ٌ‬

‫‪11‬‬
‫صحيحه‪ " :‬قال حيىي بن أيب كثري‪ :‬ال يُنال العلم براحة البدن "‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وقال مسلم يف‬
‫وال ريب عند كل عاقل أن كمال الراحة حبسب التعب‪ ،‬وكمال النعيم حبسب حتمل املشاق يف‬
‫طريقه‪ ،‬وإمنا ختلص الراحة واللذة والنعيم يف دار السالم‪ ،‬فأما يف هذه الدار فكال وملا‪ .‬أهـ (‪.)1‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫ت فسهوت‪ ،‬وإين لعلى‬ ‫منت فحلمت‪ ،‬وال تومَّه ُ‬ ‫قال الصديق أبو بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬واهلل ما ُ‬
‫زغت "‪ ،‬أي‪ :‬شغلته حروب الردة والفتوح وإرساء جهاز دولة اخلالفة إىل َح ِّد أنه ال‬ ‫السبيل ما ُ‬
‫نومه‪ ،‬وال يتاح له أن حيلم "‪.‬‬‫يتسىن له أن يستغرق يف ِ‬
‫وقال فاطمة بنت عبد امللك يف أمري املؤمنني عمر بن عبد العزيز ‪ -‬رمحه اهلل ‪ " :-‬ما أعلم أنه اغتسل‬
‫من جنابة وال احتالم منذ استُخلِف "‪.‬‬
‫أعطيت اجملهود من نفسي "‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وقال اإلمام أمحد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬البنه يف احملنة‪ " :‬يا بين! لقد‬
‫أبدا يف نصب ال‬ ‫دوما يف عناء‪ ،‬وهو ً‬ ‫وقال الشيخ حممد اخلضر حسني ‪ -‬رمحه اهلل ‪ " :-‬كبري اهلمة ً‬
‫ينقضي‪ ،‬وتعب ال يفرغ‪ :‬ألن من علت مهته وكربت طلب العلوم كلها‪ ،‬ومل تقتصر مهته على بعضها‪،‬‬
‫وطلب من كل علم هنايته‪ ،‬وهذا ال حيتمله البدن‪ ،‬مث يرى أن املراد العمل فيجتهد يف قيام الليل‪،‬‬
‫وصيام النهار‪ ،‬واجلمع بني ذلك وبني العلم صعب‪ ،‬مث يرى ترك الدنيا‪ ،‬وحيتاج إىل ما ال بد منه‪،‬‬
‫عزة النفس من الكسب من وجوه‬ ‫الكرم البذل‪ ،‬ومتنعه َّ‬
‫وحيب اإلثار‪ ،‬وال يقدر على البخل‪ ،‬ويتقاضاه َ‬
‫التبذل‪ ،‬فإن هو جرى على طبعه من الكرم احتاج وافتقر‪ ،‬وتأثر بدنه وعائلته‪ ،‬وإن أمسك فطبعه يأىب‬
‫ذلك‪ ،‬ولكن تعب العايل اهلمة راحة يف املعىن‪ ،‬وراحة القصري اهلمة تعب وشني وإن كان مثة فهم "‬
‫أهـ‪.‬‬
‫ومصداقه يف قول عبد اهلل بن معاوية بن عبد اهلل بن جعفر‪:‬‬
‫أرى نفسي تتوق إىل أمور * * * ويقصر دون مبلغهن حايل‪.‬‬
‫فنفسي ال تطاوعين ببخل * * * ومايل ال يَُبلِّغُين فعايل‪.‬‬
‫وقيل للربيع بن خيثم‪( :‬لو أرحت نفسك؟ )‪ ،‬قال‪( :‬راحتَها أريد)‪.‬‬
‫سبب‪.‬‬
‫ورمبا كان مكروه النفوس إىل * * * حمبوهبا سببًا ما مثله ُ‬
‫قال أمحد بن داود أبو سعيد الواسطي‪- :‬‬
‫" دخلت على أمحد احلبس قبل الضرب‪ ،‬فقلت له يف بعض كالمي‪ :‬يا أبا عبد اهلل‪ :‬عليك عيال‪،‬‬
‫ُأسهل عليه اإلجابة فقال يل أمحد بن حنبل‪ " :‬إن كان هذا عقلك‬ ‫ولك صبيان‪ ،‬وأنت معذور " كأين ِّ‬
‫يا أبا سعيد‪ ،‬فقد اسرتحت "‪.‬‬
‫وقد قيل لإلمام أمحد ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪ " :-‬مىت جيد العبد طعم الراحة؟ "‪ ،‬فقال‪ " :‬عند أول قدم يف‬
‫اجلنة "‪.‬‬
‫أحزان قليب ال تزول * * * حىت أبشر بالقبول‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫وأرى كتايب باليمني * * * َوتُ َسَّر عيين بالرسول‪.‬‬
‫قال األمري مشس املعايل قابوس‪ " :‬ابتناء املناقب باحتمال املتاعب‪ ،‬وإحراز الذكر اجلميل بالسعي يف‬
‫اخلطب اجلليل "‪.‬‬
‫الصدر دون العاملني أو القربُ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وحنن أناس ال توسط عندنا * * * لنا‬
‫وسنا * * * ومن خطب احلسناء مل يُ ْغلِه املهر‪.‬‬ ‫هتون علينا يف املعايل ن ُف ُ‬
‫وقال أحدهم ملا عوتب لشدة اجتهاده‪ " :‬إن الدنيا كانت ومل أكن فيها‪ ،‬وستكون وال أكون فيها‪،‬‬
‫وال أحب أن ُأ ْغنَبَ أيامي "‪.‬‬
‫وهبُّوا للعال * * * فالعال وقف على من مل ينم‪.‬‬ ‫انفضوا النوم ُ‬
‫النوم‪ ،‬والتجلُّد خريٌ من التبلُّد‪ ،‬واملنية خريٌ من الدنية‪ ،‬ومن َّ‬
‫عز َّبز‪:‬‬ ‫فالصالةُ خري من ِ‬
‫ٌ‬
‫فثب وثبة فيها املنايا أو املىن * * * فكل حمب للحياة ذليل‪.‬‬
‫فرتى عايل اهلمة منطل ًقا بثقة وقوة وإقدام حنو غايته اليت حددها على بصرية وعلم‪ ،‬فيقتحم األهوال‪،‬‬
‫ويستهني بالصعاب‪S.‬‬
‫قال عمرو بن العاص ‪ -‬رضي اهلل عنه‪ " : -‬عليكم بكل أمر َم ْزلَقة َم ْهلَ َكة "‪ ،‬أي‪ :‬عليكم جبسام‬
‫األمور دون خسائسها‪.‬‬
‫ِ‬
‫بعظيمته "‪.‬‬ ‫عظيما‪ ،‬خاطر‬
‫وقال أمري املؤمنني معاوية ‪ -‬رضي اهلل عنه‪ " :-‬من طلب ً‬
‫ذريين وأهوال الزمان ُأعاهِن ا * * * فأهواهُل ا العظمى تليها رغائبه‪.‬‬
‫وقال كعب بن زهري‪:‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫اهلول بُ ْغيَةٌ * * * وليس لَر ْح ٍل َحطه اهلل َح ُ‬
‫امل‪.‬‬ ‫وليس ملن مل يركب َ‬
‫آخر‪:‬‬
‫ِ‬
‫السهل‪.‬‬ ‫والسهل يف‬ ‫ِ‬
‫الصعب‪،‬‬ ‫ذريين أنل ما ال يُنال من العُال * * * فصعب العال يف‬
‫ُ‬
‫النح ِل‪.‬‬ ‫إدراك املعايل رخيصة * * * والب َّد دون الش ِ ِ‬
‫َّهد من إبر ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫تريدين َ‬
‫وقال الشريف الرضي‪:‬‬
‫أبدا مُي انع عاش ًقا معشوق‪.‬‬
‫رمت املعايل فامتنعن ومل يزل * * * ً‬
‫ضجرا‪ :‬دواء الفارك (‪ )2‬التطليق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وصربت حىت ن ْلتُهن ومل أقل * * * ً‬ ‫ُ‬
‫طلب مبتغاه حيث الح له‪.‬‬ ‫وعايل اهلمة دائم الرتحال يف ِ‬
‫آخر‪:‬‬
‫تقاذفت اخلطوب هبا * * * فهرعن من ٍ‬
‫بلد إىل بلد‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫مِه َ ٌم‬
‫آخر‪:‬‬
‫إذا مل أجد يف بلدة ما أريده * * * فعندي ألخرى َع ْز َمةٌ و ِر ُ‬
‫كاب‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫الريْب‪:‬‬ ‫وقال مالك بن َّ‬
‫ت كبالدي‪.‬‬ ‫األرض عن دا ِر املذلة مذهب * * * ُّ ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫وكل بالد ُْأوطنَ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫ويف‬
‫وال يزال يطري إىل املعايل جبناح اهلمة‪ ،‬ال يلوي على شيء‪ ،‬وال يستفزه لوم الالئمني‪ ،‬وال تثبيط‬
‫القاعدين‪:‬‬
‫وعلو مِه َّ ْه‪.‬‬
‫سبقت العاملني إىل املعايل * * * بصائب فكر ٍة‪ِّ ،‬‬
‫ليال للضاللة ُم ْدهَلِ َّم ْه‪.‬‬ ‫والح حبكميت نور اهلدى * * * يف ٍ‬
‫يريد اجلاهلون ليطفئوه * * * ويأىب اهلل إال أ ْن يُتِ َّم ْه‪.‬‬
‫وقال الشماخ بن ضرار يف عرابة األوسي‪:‬‬
‫منقطع القري ِن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اخلريات‬ ‫األوسي يسمو * * * إىل‬ ‫رأيت َعرابةَ‬
‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬
‫ني‪.‬‬‫جملد * * * تلقَّاها عرابةُ باليم ِ‬ ‫إذا ما رايةٌ رفِعت ٍ‬
‫َُْ‬
‫وقال ابن نباتة السعدي‪:‬‬
‫روض السهاد‪.‬‬ ‫أعاذليت على إعتاب نفسي * * * ورعيي يف الدجى َ‬
‫يب الرقاد‪.‬‬ ‫ٍ ِ‬
‫برق املعايل * * * فأهو ُن فائت ط ُ‬ ‫إذا شام الفىت َ‬
‫ومن أراد اجلنة سلعةَ اهلل الغالية مل يلتفت إال لوم الئم‪ ،‬وال عذل عاذل‪ ،‬ومضى يكدح يف السعي هلا‪،‬‬
‫ورا}‬‫ك َكا َن َس ْعُي ُهم َّم ْش ُك ً‬ ‫اآلخَر َة َو َس َعى هَلَا َس ْعَي َها َو ُه َو ُمْؤ ِم ٌن فَُأولَِئ َ‬
‫قال اهلل ‪ -‬تعاىل ‪{ :-‬ومن َأراد ِ‬
‫ََ ْ َ َ‬
‫(‪ ،)3‬وقال ‪ " :-  -‬من خاف أدجل ومن أدجل بلغ املنزل أال إن سلعة اللّه غالية أال إن سلعة اللّه‬
‫اجلنة " (‪ ،)4‬وقدر السلعة يُعرف بقدر مشرتيها‪ ،‬والثم ِن املبذول فيها‪ ،‬واملنادي عليها‪ ،‬فإذا كان‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫خطريا‪ ،‬واملنادي جليالً؛ كانت السلعة نفيسة‪ِ{ :‬إ َّن اللّهَ ا ْشَتَرى م َن الْ ُمْؤ من َ‬
‫ني‬ ‫عظيما‪ ،‬والثمن ً‬ ‫املشرتي ً‬
‫َأن هَلُ ُم اجلَنَّةَ} (‪.)5‬‬‫َأن ُف َس ُه ْم َو َْأم َواهَلُم بِ َّ‬
‫ِ‬
‫املستهام‪.‬‬ ‫أنت يا مفتون ما تربح يف حبر املنام * * * فدع السهو وبادر مثل فعل‬
‫وسح الدمع على ما أسلفته * * * وابك وال تلو على عذل املالم‪.‬‬
‫أيها الالئم دعين لست أصغي للمالم * * * إنين أطلب مال ًكا نيله صعب املرام‪.‬‬
‫وعروسا فاقت الشمس مع بدر التمام‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يف جنان اخللد والفردوس يف دار السالم * * *‬
‫خد كنون حتت الم‪.‬‬ ‫طرفها يشرق باخلط مضيًا بالسهام * * * وهلا صدغ على ٍّ‬
‫أحسن األتراب قدًّا يف اعتدال وقوام * * *مهرها من قام ليالً وهو يبكي يف الظالم‪.‬‬
‫وقد ال يتسىن له إدارك بغيته‪ ،‬وحتقيق غايته ألمور خارجة عن إرادته‪ ،‬فال يفل ذلك من عزميته‪ ،‬وال‬
‫حيط من مهته‪ ،‬بل يعزي نفسه أنه َّأدى ما عليه‪ ،‬وأعذر إىل نفسه‪:‬‬
‫نفس عُ ْذ َرها ِمثْ ُل ُمْن َج ِح‬‫َو ُمْبلِ ُغ ٍ‬
‫قال الطائي‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫ِ‬
‫عرسوا * * * على مثلها‪ ،‬والليل تسطو غياهْبهُ‬
‫وركب كأطراف األسنة َّ‬
‫تتم عواقبه‬
‫صدوره * * * وليس عليهم أن َّ‬
‫ُ‬ ‫ألم ٍر عليهم أن تتم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫سأضرب يف طول البالد وعرضها * * * أنال مرادي أو أموت غريبًا‬
‫فإن تلفت نفسي ِ‬
‫فلله َد ُّرها * * * وإن سلمت كان الرجوع قريبًا‬
‫آخر‪:‬‬
‫ِ‬
‫الصعب‪S.‬‬ ‫متاديت يف املىن * * * ويف املثُ ِل العُليا‪ ،‬ويف املرتقى‬
‫َ‬ ‫ت هلم قالوا‪:‬‬
‫ُ‬ ‫َع ِجْب‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫باخلصب‪.‬‬ ‫فاقصر‪ ،‬وال جتهد يراعك إمنا * * * ستبذر حبًّا يف َثَرى ليس‬
‫الرب‪.‬‬
‫فقلت هلم‪ :‬مهالً‪ ،‬فما اليأس شيميت * * * سأبذر َحيب‪ ،‬والثمار من ِّ‬ ‫ُ‬
‫جاهدا * * * ومل أجد السمع اجمليب فما ذنيب؟ (‪.)6‬‬ ‫إذا أنا أبلغت الرسالة ً‬
‫ـــــ‬
‫(‪ )1‬مفتاح دار السعادة ص‪.367-366 :‬‬
‫الف ْرك‪ :‬هو بغض أحد الزوجني اآلخر‪.‬‬ ‫(‪ِ )2‬‬
‫(‪ )3‬اآلية‪ ،19 :‬سورة اإلسراء‪.‬‬
‫حسن غريب‪ ،‬واحلاكم‪ ،‬وصححه‪ ،‬وأقره الذهيب‪.‬‬ ‫(‪ )4‬الرتمذي (‪ )2567‬وقال‪ٌ :‬‬
‫(‪ )5‬اآلية‪ ،111 :‬سورة التوبة‪.‬‬
‫{م ْع ِذ َر ًة ِإىَل َربِّ ُك ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيَّت ُقو َن} (‪)164‬‬
‫دوما قول الصاحلني‪َ :‬‬ ‫(‪ )6‬فالداعية العايل اهلمة يتمثل ً‬
‫سورة األعراف‪ ،‬فإن مل يستطع الدعاة حتقيق كل غايتهم فحسبهم أهنم كانوا كما قال سيد قطب ‪-‬‬
‫رمحه اهلل تعاىل ‪( :-‬أجراء عند اهلل‪ ،‬أينما وحيثما وكيفما أرادهم أن يعملوا‪ :‬عملوا وقبضوا األجر‬
‫املعلوم! وليس هلم‪ ،‬وال عليهم أن تتجه الدعوة إىل أي مصري‪ ،‬فذلك شأن صاحب األمر‪ ،‬ال شأن‬
‫األجري)‪ ،‬وحسبهم أن من األنبياء من يأيت يوم القيامة ومعه‪ S‬الرجل والرجالن والثالثة‪ ،‬وقد يأيت نيب‬
‫ك ِإاَّل الْبَاَل غُ} (‬ ‫ِ‬
‫اك َعلَْي ِه ْم َحفيظًا ِإ ْن َعلَْي َ‬‫ضوا فَ َما َْأر َس ْلنَ َ‬ ‫وليس معه أحد‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪{ :-‬فَِإ ْن ْ‬
‫َأعَر ُ‬
‫ك ُه َد ُاه ْم} (‪ )272‬سورة البقرة‪.‬‬ ‫س َعلَْي َ‬ ‫َّ‬
‫‪ )48‬سورة الشورى‪ ،‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪{:-‬لْي َ‬
‫‪ http://www.m-ismail.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪15‬‬
‫االهتمام الزائد بالمظهر‬
‫السؤال‪:‬‬
‫بعض الناس يهتم مبظهره ومالبسه اهتماما مبالغا فيه‪ ،‬وينفق يف ذلك مبالغ كبرية‪ ،‬فهل هذا موافق‬
‫للشرع أم ال؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫احلمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نيب بعده وآله وصحبه‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن االهتمام املبالغ فيه باملظاهر هو من اإلفراط املذموم‪ ،‬واإلسراف املنهي‪ ،‬فاإلسالم دين الوسطية‪،‬‬
‫آد َم ُخ ُذوا ِزينَتَ ُك ْم ِعْن َد‬ ‫بني اإلفراط والتفريط بني الغلو واجلفاء‪ ،‬فقد قال ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪( :-‬يَا بَيِن َ‬
‫ِ‬ ‫ُك ِّل َم ْس ِج ٍد َو ُكلُوا َوا ْشَربُوا َوالَ تُ ْس ِرفُوا ِإنَّهُ ال حُيِ ُّ‬
‫ني) (األعراف ‪)31‬‬ ‫ب الْ ُم ْس ِرف َ‬
‫حذرنا من‬ ‫فأمرنا بأن نأخذ زينتنا عند إتيان املساجد وإرادة الصالة‪ ،‬وأباح لنا األكل والشرب‪ ،‬مث َّ‬
‫اإلسراف واملبالغة وأخربنا أنه ال حيب املسرفني‪.‬‬
‫ني و َكا َن الشَّْيطَا ُن لَِربِِّه‬ ‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪( :-‬والَ ُتب ِّذر َتب ِذيرا ِإ َّن الْمب ِّذ ِرين َكانُوا ِإخوا َن الشَّي ِ‬
‫اط ِ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ َ ْ ْ ً‬
‫ورا) (اإلسراء‪)27-26 :‬‬ ‫َك ُف ً‬
‫فاملبذر قرين الشيطان ومثيله يف خلقه‪ ،‬لتضييعه األموال وصرفها يف غري ما هو نافع‪ ،‬وضابط ذلك‬
‫كما قال العلماء‪ :‬أال يكون يف منفعة دينية وال دنيوية‪ ،‬أما املسلم‪ ،‬فإن خلقه كما وصفه‪ S‬اهلل ‪ -‬عز‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك َق َو ًاما? (الفرقان‪ ،)67 :‬فهم بني‬ ‫ين ِإ َذا َأْن َف ُقوا مَلْ يُ ْس ِرفُوا َومَلْ َي ْقُتُروا َو َكا َن َبنْي َ َذل َ‬
‫وجل ‪( :-‬والذ َ‬
‫اإلسراف والتقتري والتبذير والبخل يف اإلنفاق‪.‬‬
‫ف وخميلة‪ .‬وقد‬ ‫وقال ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ :-‬كل واشرب والبس ما أخطأتك خصلتان‪َ :‬سَر ٌ‬
‫صح مرفوعا‪.‬‬
‫وكثري من الناس حيرص على أن يكون ظاهره يف أكمل صورة وأنظفها وأمجلها وأطيبها مث ال يطهر‬
‫قلبه ونفسه من األمراض اليت حذرنا اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬منها‪ ،‬كالنفاق والكذب واحلقد واحلسد والكرب‬
‫والرياء والفخر والعجب بالنفس والظلم واجلهل والغل على املؤمنني أو الشهوات احملرمة اخلبيثة وغري‬
‫ذلك‪ ،‬وقد نبهنا اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬إىل أن لباس التقوى والتجمل به خري من اللباس الظاهر فقال ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َخْيٌر‬ ‫الت ْق َوى َذل َ‬ ‫اس َّ‬ ‫اس يُ َوا ِري َس ْوءَاتِ ُك ْم َو ِر ً‬
‫يشا َولبَ ُ‬ ‫سبحانه ‪ { :-‬يَا بَيِن َ‬
‫آد َم قَ ْد َأْنَزلْنَا َعلَْي ُك ْم لبَ ً‬
‫اهلل لَ َعلَّ ُه ْم يَ َذ َّكُرو َن } (األعراف‪.)26 :‬‬ ‫ات ِ‬ ‫ك ِمن آي ِ‬ ‫ِ‬
‫َذل َ ْ َ‬
‫وقد صاغ ذلك أحد الشعراء فقال‪:‬‬
‫إذا املرءُ مل يَلبس ثيابا من التقى * * * تقلب عريانا وإن كان كاسيا‬
‫وخري لباس املرء طاعةُ ربه * * * وال خري يف املرء إن كان عاصيا‬

‫‪16‬‬
‫وأخرب رسول اهلدى ‪ -  -‬العباد مبحل الفالح والنجاح من العبد‪ ،‬فقال‪(( :‬إن اهلل ال ينظر إىل‬
‫صوركم وأموالكم ولكن ينظر إىل قلوبكم وأعمالكم)) رواه مسلم من حديث أىب هريرة ‪ -‬رضي‬
‫اهلل عنه ‪.-‬‬
‫فالقلوب هي حمل التقوى ومعادن الرجال وكنوز املعرفة‪ ،‬واألعمال هي ميزان العباد عند اهلل ‪ -‬تعاىل‬
‫يم َخبِريٌ) (احلجرات‪،)13 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِإ‬
‫‪ ،-‬كما قال ‪ -‬سبحانه ‪َّ ( :-‬ن َأ ْكَر َم ُك ْم عْن َد اهلل َأْت َقا ُك ْم َّن اهللَ َعل ٌ‬
‫فعجباً ملن يهتم مبوضع نظر اخللق فيغسله وينظفه من القذر‪ ،‬ويزينه لئال يطلع فيه على عيب‪ ،‬مث ال‬
‫يهتم بقلبه الذي هو حمل نظر اخلالق فيطهره ويزينه‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن يصلح قلوبنا ويطهر ألسنتنا‪ ،‬ويستعمل جوارحنا يف طاعته‪S،،،‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫‪ http://www.al-athary.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪17‬‬
‫النجاح قدرك ‪ ..‬فانطلق‬
‫خالد املنيف‬
‫يقول الكاتب الشهري واملدرب املتميز (زيج زجيالر)‪ :‬كنت أظن أن أكثر األحداث مأساوية لإلنسان‬
‫هو أن يكتشف بئر نفط أو منجم ذهب يف أرضه بينما يرقد على فراش املوت‪ ،‬ولكن عرفت ما هو‬
‫أسوأ من هذا بكثري وهو عدم اكتشاف القدرة اهلائلة والثروة العظيمة داخله!!‬
‫أنت من أنت؟!‬
‫فضلك ربُّك وأكرمك‪ ،‬وقال عن غريك أولئك كاألنعام بل هم أضل سبيالً‪ ،‬ووصفهم بأهنم‬ ‫أنت َمن ّ‬‫َ‬
‫جنس‪ .‬أنت من أسجد ألبيك املالئكة واستخلفك يف األرض‪ ،‬وخلقك يف أكمل وأمجل صورة‪S،‬‬
‫وميّزك بعقل وبصرية‪ .‬سرية ذاتية راقية يُنتظر من صاحبها أن يغري جمرى التاريخ ويسطر أروع‬
‫اإلجنازات !!‬
‫مِه َ ٌم تتكلم‬
‫هل تعلم أخي احلبيب أنك تعيش يف زمان فيه من وسائل اإلعانة على النجاح وتيسري درب التفوق‬
‫مامل يكن لغريك يف أي وقت مضى؟‬
‫بع‬ ‫ِ‬ ‫إ ّن السالح مجيع الناس حتملُه * * * وليس ُّ ِ‬
‫الس ُ‬
‫كل ذوات املخلب ّ‬ ‫َ ُ َ‬
‫جتوب الكرة األرضية يف ساعات وتتواصل مع من شئت‪ ،‬ولو كان يف أقصى البالد‪ ،‬بال مشقة‪ ،‬ويف‬
‫ثوان ال حتمل هم رزقك‪ ،‬وال تسهر ليلك مكابداً؛ فال جماعات وال أوبئة‪ .‬نِعم ال تُع ّد ِ‬
‫ومنح ال‬ ‫ٍ‬
‫حُت صى‪ ،‬فما هو عذرك؟‬
‫عاجز‬
‫إذا وجد اإلنسان للخري فرصة * * * ومل يغتنمها فهو الشك ُ‬
‫هل تدرك أنك أفضل حاالً من اآلالف الذين حققوا إجنازات مازال الزمان يصفق هلا!‬
‫هل تصدق أن رجالً عرب حبر املانش وقد بُرتت إحدى قدميه‪ ..‬؟! هل تصدق أن عجوزاً جاوزت‬
‫السبعني تتسلق أعلى القمم؟! هل تصدق أن أعمى يصل إىل قمة (ايفرست)؟! هل تص ّدق أن كفيفة‬
‫صماء بكماء نالت أكثر من شهادة دكتوراه‪ ،‬وألّفت عشرات الكتب؟ هل تعرف املشلول الذي‬
‫ترأس أعظم دولة يف عصره؟!‪ S‬وهذا (بلزاك) أعظم الروائيني الفرنسيني كان مصاباً مبرض نفسي خطري‬
‫(الذهان الفكري) وغريهم كثري‪.‬‬
‫فحول‬
‫الرجال ُ‬ ‫ِ‬ ‫كل‬
‫هيهات ما ُّ‬
‫َ‬ ‫الشرف الذي ال يُ ّدعى * * *‬
‫ُ‬ ‫هذا هو‬
‫فما هو عذرك أخي احلبيب؟ إنك متلك من القدرات فاستثمرها‪ ،‬وال تغررك البدايات املتواضعة‬
‫فالعربة دائماً بكمال النهايات!‬
‫هل يا ترى هناك فرق بني ورقة الـ(‪ )500‬لاير والريال‪ ،‬وكالمها يف قعر احمليط؟!‬
‫وبني شخص ميلك قدرات عظيمة وإمكانات هائلة مل يستخدمها وبني آخر كسيح مقعد!‪S‬‬

‫‪18‬‬
‫نائم‬ ‫حياول نيل ِ‬
‫إدراك املىن وهو ُ‬
‫ويأمل َ‬
‫ُ‬ ‫مغمد * * *‬
‫والسيف ُ‬
‫ُ‬ ‫اجملد‬ ‫َ‬
‫وعند اليابانيات اخلرب اليقني‬
‫ت أماً أمريكية وسألتها عن سبب متيز أو ضعف أداء ابنها الدراسي لقالت مباشرة‪ :‬إن‬ ‫لو استوق ْف َ‬
‫ذلك يعود لضعف أو قوة قدراته الفطرية‪ ...‬ابين ذكي‪ S...‬ابين متوسط الذكاء‪ ،‬ولو سألت أماً يابانية‬
‫لوجدت عندها اخلرب اليقني؛ فاإلجابة وباالتفاق عند كل األمهات اليابانيات إن التميّز أو الضعف‬
‫يعود إىل حجم اجلهد املبذول؛ لذا فالقاعدة عند مجيع اليابانيني تقول‪ :‬إن اإلجناز ممكن لو بذل جهداً‬
‫إضافياً وصرب على املصاعب‪ ،‬ويف هذا يقول أعظم خمرتع يف التاريخ(‪ 1093‬اخرتاع)‪ :‬إن ما حققته‬
‫يعود إىل ‪ %1‬اهلام و‪ %99‬جهد‪...‬‬
‫سهل لباغي‬ ‫غري ٍ‬
‫واجملد ٌ‬‫طول ُمكثي ُ‬‫جمد مع صحيت وفراغي * * * ُ‬ ‫ُ‬
‫خمالب األسد‬
‫تنزعن َ‬‫ال ّ‬
‫أخي احلبيب ال تكن كالليث وقد ُسجن يف أقفاص السريك قد نُزعت خمالبه و ُكسرت أنيابه فغدا‬
‫كاملعزة ال رجع وال أثر!‬
‫لقصعة ِ‬
‫وثريد‬ ‫ٍ‬ ‫خلق اهللُ للحروب رجاالً * * * ورجاالً‬‫َ‬
‫واهجر كلمة ال أعرف‪ ،‬وطلّق كلمة مستحيل طالقاً بائناً‪ ،‬وال‬ ‫ْ‬ ‫أخي احلبيب اطّرح كلمة ال أقدر‪،‬‬
‫واهرب من‬
‫ْ‬ ‫التحق بقوافل الناجحني‪،‬‬
‫تنصت هلؤالء الكساىل الذين رضوا بأن يكونوا مع اخلوالف‪ْ .‬‬
‫كسر احلواجز املصطنعة‪ ،‬وانسف‬ ‫مستنقع اخليبات والكسل‪ .‬انطلق على بركة من اهلل حنو أهدافك‪ّ .‬‬
‫األفكار السلبية‪ ،‬وليكن سالحك اإلميان و الصرب واملثابرة‪ ،‬وستصل بإذن اهلل‪.‬‬
‫ومضة قلم‬
‫يف بيتنا جذعٌ حىن أيامه وما احنىن‪.‬‬
‫‪..‬فيه أنا‬
‫‪ http://www.almokhtsar.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪19‬‬
‫التربية عن طريق القدوة الصالحة‬
‫حممد بن سامل بن علي جابر‬
‫تظل تلك‬ ‫ويعمل هبا‪ ،‬وبدون ذلك ُّ‬ ‫دائمة إىل من يُطَِّب ُق َها‬ ‫حاجة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫والنظريات الرتبويةَ يف‬ ‫ِ‬ ‫املناهج‬ ‫إن‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫سلوك َع َملِ ٍّي‬ ‫املناهج والنظريات ِحرباً على ورق‪ ،‬ال تتحقق جدواها ما مل تتحول تلك املناهج إىل ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اع ِرهم وأفكا ِرهم[‪.]1‬‬ ‫هِتِ‬
‫يسري عليه األفراد يف تَصُّرفَا م وم َش ِ‬
‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫وجود ال ُق ْدوةِ‬ ‫ِ‬ ‫احلق ‪ -‬م ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫عتمداً على‬ ‫طريق ِ ُ‬ ‫إصالح البشريَّة وهدايتها إىل ِ‬ ‫ِ‬ ‫اإلهلي ‪ -‬يف‬ ‫املنهج ُّ‬‫ولذا كان ُ‬
‫واقعة أمام البشر مجيعاً؛ فكان رسول اهلل‬ ‫وحقيقة ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫عملي‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫تعاليم ومبادَئ الشريعة إىل سلوك ٍّ‬ ‫حتول َ‬ ‫اليت ِّ‬
‫‪ -  -‬هو القدو َة اليت ترتجم املنهج اإلسالمي إىل حقيقة وواقع‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪{ :-‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ} [األحزاب‪ ،]21 :‬وملا ُسِئلَت أم املؤمنني عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬عن‬ ‫ِ ِ‬
‫يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫ُخلُِق ِه ‪ -  -‬قالت‪(( :‬كان ُخلُ ُقهُ ال ُقرآ َن!))[‪.]2‬‬
‫وأثرها‪:‬‬
‫مواقف من السرية النبوية تبنِّي ُ أمهيةَ ال ُقدوة َ‬ ‫ُ‬
‫دواها الكبرية ‪ -‬اليت ال تتوافر جملرد الدعوة‬ ‫وج َ‬ ‫ولقد جتلَّى تأثريُ ال ُقدوة يف صحابة رسول اهلل ‪َ -  -‬‬
‫جمرد األمر والكالم‬ ‫ِ‬
‫اخلاصة؛ حيث ال جُي دي فيها ُ‬ ‫النظرية ‪ -‬يف كثري من املواقف اليت كان هلا ظروفُها َّ‬
‫أثرها يف النفوس‪ ،‬ومن ذلك ما يلي‪:‬‬ ‫النظري‪ S،‬بل ال بد فيها من التطبيق العملي؛ ليتعمق ُ‬
‫‪ -1‬الزواج من ِ‬
‫امرأة االب ِن بالتََّبيِّن ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫َأصلَةً بني العرب قبل اإلسالم‪ ،‬وكانوا يعاملون االبن بالتبين معاملةَ االبن من‬ ‫كانت عادةُ التََّبيِّن ُمتَ ِّ‬
‫الزواج من امرأتِِه‪ ،‬ويُعظِّمون هذا األمر ج ّداً‪ ،‬فلما جاء اإلسالم َو َحَّرم التََّبيِّن ‪،‬‬ ‫َ‬ ‫فيحرمون‬ ‫لب؛ ِّ‬ ‫الص ِ‬
‫ُّ‬
‫يكتف ‪ -‬يف ذلك ‪ -‬بالدعوة النظرية لتحرمي التبين‬ ‫اقتالع آثار اجلاهلية من نفوس املسلمني؛ مل ِ‬ ‫َ‬ ‫وأراد‬
‫فُأمر رسول اهلل ‪ -  -‬بالتزوج من‬ ‫وهدم آثاره؛ بل دعم تلك الدعو َة النظرية بالتطبيق العملي؛ ِ‬
‫َََ‬
‫الرسول ‪-‬‬
‫ُ‬ ‫لزيد بن حارثة‪ ،‬الذي َتَبنَّاه‬ ‫بنت جحش ‪ -‬رضوان اهلل عليها ‪ -‬اليت كانت زوجةً ِ‬ ‫زينب ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضى َزيْ ٌد مْن َها َوطًَرا َز َّو ْجنَا َك َها ل َكي الَ‬ ‫بن حممد؛ قال ‪ -‬تعاىل ‪َ { :-‬فلَ َّما قَ َ‬ ‫زيد َ‬ ‫‪ - ‬وكان يُ ْد َعى َ‬
‫ض ْوا ِمْن ُه َّن َوطًَرا َو َكا َن َْأمُر اللَّ ِه َم ْفعُوالً}‬ ‫ي ُكو َن علَى الْمْؤ ِمنِني حرج يِف َْأزو ِ ِ ِئ‬
‫اج َْأدعيَا ِه ْم ِإ َذا قَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ ََ ٌ‬ ‫َ‬
‫[األحزاب‪.]37 :‬‬
‫زيد بن‬ ‫اجلاهلية للتبيِّن "على يد النيب ‪ -  -‬ومواله ِ‬ ‫ِ‬ ‫إبطال اآلثار‬
‫وهكذا أجرى اهلل ‪ -‬عز وجل ‪َ -‬‬
‫ُ‬ ‫ِّ‬
‫وابنة عمته زينب بنت جحش؛ ليكون درساً عمليّاً قويّاً‪ ،‬يف حتقيق ما أمر اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬به‪،‬‬ ‫حارثة‪ِ ،‬‬
‫والنتائج‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اآلثار‬
‫الرغبةُ واهلوى‪ S،‬ومهما كانت ُ‬ ‫وتنفيذه؛ مهما كانت َّ‬
‫ت نفسه يف‬ ‫ِ‬ ‫اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬وأوام ِر ِه؛‬ ‫وهذا شأن املؤمن دائماً مع ِ‬
‫ويستجيب‪َ ،‬رغبَ ْ‬
‫ُ‬ ‫ويطيع‪ ،‬ويليب‬
‫ُ‬ ‫يسمع‬
‫ُ‬
‫وافق اجملتمع ‪ِ -‬من حولِه ‪ -‬أم مل يوافِق‪ ،‬رضي الناس عن فعله أم كرهوا!! فاألمر‬ ‫ب‪َ ،‬‬ ‫ذلك أم مل َتْر َغ ْ‬
‫أوالً وأخرياً هلل رب العاملني"[‪.]3‬‬

‫‪20‬‬
‫َّحُر واحلَْل ُق للتحلُّ ِل من عُ ْمَر ِة احلُ َديِبِيَ ِة‪:‬‬ ‫‪ -2‬الن ْ‬
‫الرسول ‪ -  -‬وأصحابَه عن البيت احلرام‪ ،‬حني أرادوا العمرة عام احلديبية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫صد املشركون‬ ‫ملا َّ‬
‫وبعد إبرام الصلح مع قريش؛ كان وقع ذلك عظيماً على صحابة رسول اهلل ‪ -  -‬فلما أمرهم ‪-‬‬
‫عليه السالم ‪ -‬بنحر ما معهم من اهلَْدي ليُ ِحلُّوا من إحرامهم؛ مل يستجب أحد من الصحابة هلذا‬
‫شدة حرصهم على طاعتِه‪.-  - ،‬‬ ‫األمر‪ ،‬مع ِ‬
‫األثر العظيم لل ُقدوة؛ إذ أشارت ُّأم َسلَ َمةَ ‪ -‬رضوان اهلل عليها ‪ -‬على رسول اهلل ‪-  -‬‬ ‫وهنا يتجلى ُ‬
‫شعره؛ ألن صحابته سيقتدون به عند ذلك ال حمالة‪ ،‬فقام رسول‬ ‫وحيلق َ‬ ‫فينحر بُ ْدنَهُ َ‬ ‫أن يقوم هو أوالً َ‬
‫اهلل ‪" -  -‬فخرج‪ ،‬فلم يكلم أحداً منهم حىت فعل ذلك‪ ،‬حَنََر بُ ْدنَهُ‪ ،‬ودعا حال َقه فحلقه‪ ،‬فلما رأى‬
‫غماً! "[‪.]4‬‬ ‫الناس ذلك قاموا َفنَ َحروا‪ ،‬وجعل بعضهم حيلق بعضاً‪ ،‬حىت كاد بعضهم يقتل بعضاً ّ‬
‫ففي هذه القصة داللة ظاهرة على التفاوت الكبري بني تأثري القول وتأثري الفعل؛ ففي حني مل يتغلب‬
‫ُّ ِ‬
‫القول على مهوم الصحابة وتألمهم مما حدث؛ فلم ينصاعوا لألمر؛ جندهم بادروا إىل التنفيذ؛ اقتداءً‬ ‫ُ‬
‫عملي؛ حىت كاد يقتل بعضهم بعضاً‪ .‬وهلذا يدعو‬ ‫تطبيق ٍّ‬‫حتول أمرهُ ال َقويل إىل ٍ‬
‫بالرسول ‪ -  -‬حني َّ ُ‬
‫مِل‬ ‫َّ ِ‬
‫ين َآمنُوا َ‬ ‫اإلسالم إىل دعم القول بالعمل‪ ،‬ومطابقة األفعال لألقوال‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪{ :-‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫َت ُقولُو َن َما الَ َت ْف َعلُو َن * َكُبَر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما الَ َت ْف َعلُو َن} [الصف‪.]3 ،2 :‬‬
‫ويطول بنا األمر ج ّداً؛ لو حاولنا استقصاء املواقف اليت كان فيها الرسول ‪ -  -‬قدو ًة ألصحابه‪،‬‬
‫وإمنا ميكن القول ‪ -‬إمجاالً ‪ -‬بأن رسول اهلل ‪ -  -‬كان قدوة ألصحابه يف كل شيء‪ ،‬ويف مجيع‬
‫اجملاالت‪..‬‬
‫ط احلجر‬ ‫يوجههم من مركز القيادة‪ ،‬وكان يف غزوة اخلندق يرب ُ‬ ‫الصحابةَ‪ ،‬أو ِّ‬ ‫يتقدم َّ‬
‫ففي الغزوات ُ‬
‫للمَريِّب القدوة‪ ،‬يتبعه‬ ‫على بطنه! وحيفر اخلندق مع الصحابة‪ ،‬ويرجتز مثل ما يرجتزون؛ فكان مثاالً ُ‬
‫الناس‪ ،‬ويعجبون بشجاعته وصربه‪.-  - ،‬‬
‫وحسن توجي ِه ِه َّن‪ ،‬فقال ‪َ :-  -‬‬
‫((خْيُر ُكم‬ ‫وكان قدو ًة يف حياته الزوجية‪ ،‬والص ِرب على أهله‪ُ ،‬‬
‫َألهلِي))[‪.]5‬‬ ‫ألهله‪َ ،‬وَأنا َخْيُر ُكم ْ‬
‫خير ُكم ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫َُْ‬
‫للصغار‪ ،‬وألصحابه‪ ،‬وجلريانه‪ ،‬وكان يسعى يف‬ ‫وكان قدو ًة يف حياته األبوية‪ ،‬ويف ُحسن معاملته ِّ‬
‫وأكثرهم ورعاً‬
‫حوائج املسلمني‪ ،‬وكان أوىف الناس بالوعد‪ ،‬وأشدَّهم ائتماناً على الودائع‪َ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫قضاء‬
‫وحذراً من أكل مال الصدقة‪ ،‬أو االقرتاب مما اسرتعاه اهلل من أموال املسلمني‪.‬‬
‫النامجة عن كيد أعداء اهلل وأعداء الفضيلة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الشدائد‬ ‫داعية إىل اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يصربُ على‬ ‫وكان أفضل ٍ‬
‫َ‬
‫وجَزعاً؛ ألن ملجَأهُ إىل اهلل ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫وهلَعاً َ‬
‫أشد املواقف هوالً َ‬‫حزمه يف ِّ‬ ‫وتواطئهم‪ ،‬وكان حازماً ال يفقد َ‬
‫الطائف ‪ -‬عندما ذهب لدعوهتم ‪ -‬خري‬ ‫ِ‬ ‫يست ْل ِهم منه القوةَ والصرب‪ ،‬وموق ُفهُ من ٍ‬
‫ثقيف يف‬ ‫سبحانه ‪ُ َ -‬‬
‫دليل على ذلك[‪.]6‬‬

‫‪21‬‬
‫الصاحلة يف األطفال‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدوة‬ ‫تأثريُ‬
‫يقتنع بتعالي ِم املريب وأوامره مبجرد مساعها‪ ،‬بل‬ ‫إدراك املعاين اجملردة؛ لذا فهو ال ُ‬ ‫الطفل ُ‬ ‫ال يَ ْس ُه ُل على ِ‬
‫املثال الواقعي املشاه ِد‪ ،‬الذي يدعم تلك التعاليم يف ِ‬
‫نفس ِه‪ ،‬وجيعله يُ ْقبِ ُل َعلَيها‬ ‫حيتاج مع ذلك إىل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ِّ‬
‫ويعمل هبا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ويَت َقَّبلُها‬
‫َ‬
‫عمرو بن عتبةَ‬ ‫ِ‬
‫وَأر َش ُدوا إليه املربني‪ ،‬فها هو ُ‬ ‫الصال ُح‪ ،‬بل َتنََّب ُهوا له‪ْ ،‬‬ ‫ف َّ‬ ‫السلَ ُ‬
‫أمر مل َي ْغ ُفل عنه َّ‬‫وهذا ٌ‬
‫لنفسك؛ فإن عيوهَن م معقودةٌ‪ S‬بعينك‪،‬‬ ‫ك لِبيِن إصالحك ِ‬ ‫ولده قائالً‪" :‬لِيَ ُك ْن َّ‬ ‫رشد معلِّم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫إصالح َ َ َّ‬ ‫ُ‬ ‫أول‬ ‫يُ ُ َ‬
‫يؤكد أنه ال سبيل إىل ِ‬
‫الرتبية‬ ‫تركت! "[‪]7‬؛ وهذا ُ‬ ‫والقبيح عندهم ما‬ ‫ت‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫صَن ْع َ‬
‫فاحلَ َس ُن عندهم ما َ‬
‫صاحلة تغدو منوذجاً عمليّاً لالمتثال لألوامر‪ ،‬واالستجابة هلا‪ ،‬واالنزجار عن‬ ‫ٍ‬ ‫السليمة إال بوجود قُ ٍ‬
‫دوة‬ ‫ِ‬
‫النواهي‪ ،‬واالمتناع عنها[‪.]8‬‬
‫ِ‬
‫وتقليد ِه‬ ‫ُّبو ِة حي ِرصون على االقتداء برسول اهلل ‪-  -‬‬ ‫شباب اإلسالم وناشئوه يف عصر الن َّ‬ ‫وقد كان ُ‬
‫وجهاد ِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫وكرم ِه‪S،‬‬
‫وجلوس ِه‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫وقيام ِه‪،‬‬
‫وحماكاتِِه يف مجيع أمو ِر ِه؛‪ S‬يف وضوِئِه‪ ،‬وصالتِِه‪ ،‬وقراءتِِه للقرآن‪ِ ،‬‬
‫َ‬ ‫ُ ُ‬
‫وزهد ِه‪ ،‬وصالبتِ ِه يف احلق‪ ،‬وأمانتِ ِه‪ ،‬ووفاِئِه‪ ،‬وص ِرب ِه‪ ...‬إخل[‪.]9‬‬ ‫ِ‬
‫البخاري عن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪:‬‬ ‫ُّ‬ ‫ومما يروى من ذلك‪ :‬ما أخرجه‬
‫النيب ‪ -  -‬فلما كان يف بعض الليل‪ ،‬قام رسول اهلل فتوضَّأ من‬ ‫فقام ُّ‬ ‫ت عند خاليت ميمونةَ ليلةً‪َ ،‬‬ ‫((بِ ُّ‬
‫فقمت عن‬ ‫ُ‬ ‫جئت‬
‫َّأت حنواً مما توضَأ‪ ،‬مث ُ‬ ‫فقمت فتوض ُ‬ ‫ُ‬ ‫َش ٍّن معلَّ ٍق[‪ُ ]10‬وضوءاً خفيفاً‪ ،‬مث قام يصلي‪،‬‬
‫فحولين فجعلين عن ميينِه‪ ،‬مث صلى ما شاء اهلل‪ )) ...‬احلديث[‪.]11‬‬ ‫يساره‪َّ ،‬‬
‫وكالمهما‪ ،‬ويتساءل‬ ‫يراقب سلو َكهما‬ ‫ِ‬
‫الوالدان؛ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫الطفل الناشَئ‬
‫َ‬ ‫ألن‬ ‫احلسنة مها‬ ‫بالقدوة‬ ‫وأول املطالَبني‬
‫ُ‬
‫طفل ‪ -‬أدعيةَ‬ ‫يراقب ‪ -‬وهو ٌ‬ ‫ُ‬ ‫عبد اهلل بن أيب بَكَْر َة‬ ‫عن سبب ذلك‪ ،‬فإن كان خرياً فخري‪ ..‬فهذا ُ‬
‫دليل فِ ْعلِه هذا‪:‬‬
‫والده عن ِ‬ ‫والد ِه‪ ،‬ويسألُه عن ذلك‪ ،‬وجييبُه ُ‬ ‫ِ‬
‫"اللهم‬
‫َّ‬ ‫كل َغ َد ٍاة‪:‬‬
‫أبت‪ ،‬أمسعُك تقول َّ‬ ‫عبد اهلل بن أيب بكْر َة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬قال‪( :‬قلت أليب‪ :‬يا ِ‬ ‫فعن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫تصبح‪ ،‬وثالثاً حني‬ ‫تكر ُرها ثالثاً حني ُ‬ ‫عافين يف مسعي‪ ،‬اللهم عافين يف بصري‪ ،‬ال إله إال أنت"‪ِّ ،‬‬
‫رسول اهلل ‪ -  -‬يدعو هبن‪ ،‬فأنا أحب أن َأسْنَت َّ بِ ُسنَّتِ ِه)[‪.]12‬‬ ‫َ‬ ‫مسعت‬
‫متسي؟! فقال‪ :‬يا بين‪ ،‬إين ُ‬
‫ِ‬
‫واالستزادة من‬ ‫وسنة رسوله ‪ -  -‬سلوكاً وعمالً‪،‬‬ ‫فالوالدان مطالبان بتطبيق أوام ِر اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ِ -‬‬
‫آن‪" ،‬فقدرةُ الطفل‬ ‫مستمر ٍة هلم‪ ،‬صباح مساء‪ ،‬ويف كل ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ألن أطفاهَل م يف ٍ‬
‫مراقبة‬ ‫ذلك ما َو ِس َعهم ذلك؛ َّ‬
‫َ َ‬
‫نظن عادةً‪ ،‬وحنن نراه كائناً صغرياً ال يد ِرك‬ ‫االلتقاط الواعي وغ ِري الواعي كبريةٌ ج ّداً‪ ،‬أكربُ مما ُّ‬ ‫ِ‬ ‫على‬
‫وال يَعي"[‪.]13‬‬
‫ِ‬
‫النشء‪:‬‬ ‫الصاحلة يف ِ‬
‫تربية‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القدوة‬ ‫فوائد‬
‫ُ‬
‫تنشئة الصغا ِر‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬ ‫فوائد تربويةً عظيمةً يف ِ‬ ‫تؤيت القدوةُ الصاحلةُ َ‬
‫السلوكي ِ‬
‫للطفل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والتوازن‬ ‫النفسي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫االنضباط‬ ‫حتقيق‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫• ُ‬

‫‪22‬‬
‫جانب من الكمال (اخلُلُِقي‪ ،‬والديين‪ ،‬والثقايف‪ ،‬والسياسي)؛‬ ‫ب يف ٍ‬ ‫النموذج املرَت َق ِ‬
‫ِ ُْ‬ ‫وجود املثَ ِل أو‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫َ‬
‫النفس قَ ْدراً كبرياً من االستحسان واإلعجاب والتقدير واحملبة‪.‬‬ ‫حيث يثريُ يف ِ‬
‫اجلميع يتساوى عند النظر بالعني؛‪ S‬فاملعاين تصل‬ ‫لكن‬
‫تتفاوت‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫للكالم عند الناس‬ ‫مستويات الفه ِم‬
‫ُ‬ ‫•‬
‫َ‬
‫دون شرح!‬
‫األمثل‬
‫ُ‬ ‫النموذج القدوةُ هو‬
‫ُ‬ ‫األوالد َقنَاعةً؛ َّ‬
‫بأن ما عليه‬ ‫َ‬ ‫• القدوةُ ‪ -‬وال سيما من الوالدين ‪ُ -‬ت ْع ِطي‬
‫األفضل الذي ينبغي أن حُي ت َذى‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫األطفال ينظرون إىل آبائهم وأمهاهتم نظرات دقيقةً فاحصةً‪ ،‬ويتأثَّرون بسلوكهم دون أن يدركوا!‬ ‫ُ‬
‫األم باالً ‪ -‬يكو ُن عند االب ِن عظيماً! [‪.]14‬‬ ‫األب أو ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ب ٍ‬
‫عمل ‪ -‬ال يُْلقي له ُ‬ ‫ور َّ‬
‫ُ‬
‫ــــــــ‬
‫ــــ‬
‫[‪ ]1‬الرتبية على منهج أهل السنة واجلماعة‪ ،‬مجع وترتيب‪ :‬أمحد فريد‪ ،‬الدار السلفية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫اإلسكندرية‪ ،‬ص (‪.)251‬‬
‫[‪ ]2‬أخرجه مسلم (‪ )513-1/512‬يف كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬باب‪ :‬جامع صالة الليل (‬
‫‪ ،)139/746‬والبخاري يف األدب املفرد رقم (‪ ،)308‬والنسائي يف الكربى (‪ )6/412‬كتاب‬
‫التفسري‪ ،‬باب‪ :‬تفسري سورة املؤمنون‪ ،‬وأمحد (‪ )6/112( ،)6/91‬من طريق آخر عن عائشة‪.‬‬
‫[‪ ]3‬دراسات يف التفسري‪ ،‬د‪ .‬حممد نبيل غنامي‪ ،‬دار اهلداية‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1995 ،1415 ،‬م‪ ،‬ص (‬
‫‪.)112‬‬
‫[‪ ]4‬الرحيق املختوم؛ صفي الرمحن املباركفوري‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ص (‪ .)314‬وهذا طرف من‬
‫حديث صلح احلديبية الطويل‪ ،‬أخرجه البخاري (‪ )679 ،5/675‬كتاب الشروط‪ ،‬باب‪ :‬الشروط‬
‫يف اجلهاد (‪ ،)2732 ،2731‬وأبو داود (‪ )94 ،2/93‬كتاب اجلهاد‪ ،‬باب‪ :‬يف صلح العدو (‬
‫‪.)2765‬‬
‫[‪ ]5‬أخرجه الرتمذي (‪ )6/188‬كتاب املناقب‪ ،‬باب‪ :‬فضل أزواج النيب ‪ -  -‬وأبو داود (‬
‫‪ )2/692‬كتاب األدب‪ ،‬باب‪ :‬يف النهي عن سب املوتى (‪ ،)4899‬وابن حبان (‪،3018‬‬
‫‪ ،)4177‬والطرباين يف األوسط (‪ )6/187‬رقم (‪ ،)6145‬والدارمي (‪ ،)2/159‬وأبو نعيم يف‬
‫احللية (‪ ،)7/138‬والبيهقي (‪ .)7/468‬وقال الرتمذي‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا‬
‫الوجه‪ .‬وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة (‪.)285‬‬
‫[‪ ]6‬أصول الرتبية اإلسالمية وأساليبها يف البيت واملدرسة واجملتمع‪ ،‬عبد الرمحن النحالوي‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬دمشق‪ ،‬الطبعة الثالثة‪1425 ،‬هـ ‪2004 -‬م‪ ،‬ص (‪.)206‬‬
‫[‪ ]7‬أخرجه ابن عساكر يف تاريخ دمشق (‪.)38/271‬‬

‫‪23‬‬
‫[‪ ]8‬مسؤولية األب املسلم يف تربية الولد يف مرحلة الطفولة‪ ،‬عدنان حسن باحارث‪ ،‬دار اجملتمع‬
‫للنشر والتوزيع‪ ،‬ص (‪ ،)68‬الرتبية على منهج أهل السنة واجلماعة‪ ،‬ص (‪.)255‬‬
‫[‪ ]9‬تربية (الن ِ‬
‫َّاشئة) يف ضوء السرية؛ الشيخ عبد اهلل بن إبراهيم األنصاري‪ S،‬ضمن كتاب املؤمتر العاملي‬
‫للسرية والسنة النبوية‪ ،‬واملؤمتر العاشر جملمع البحوث اإلسالمية‪ ،‬ص (‪.)252‬‬
‫[‪َ ]10‬ش ٍّن ُم َعلَّ ٍق‪ :‬أي‪ِّ :‬‬
‫الس َقاء البايل‪ .‬انظر‪ :‬املنتقى شرح املوطأ (‪.)1/217‬‬
‫[‪ ]11‬أخرجه البخاري (‪ )2/225‬كتاب األذان‪ ،‬باب‪ :‬إذا مل يَن ِو ُ‬
‫اإلمام أن َيُؤ َّم (‪ ،)699‬ومسلم (‬
‫‪ )1/532‬كتاب صالة املسافرين‪ ،‬باب‪ :‬الدعاء يف صالة الليل وقيامه (‪.)192/763‬‬
‫[‪ ]12‬أخرجه البخاري يف األدب املفرد (‪ ،)701‬وأبو داود (‪ )2/745‬كتاب األدب‪ ،‬باب‪ :‬ما‬
‫يقول إذا أصبح (‪ ،)5090‬والنسائي يف عمل اليوم والليلة‪ ،‬رقم (‪ ،)651 ،572 ،22‬وأمحد (‬
‫‪ ،)5/42‬وحسنه األلباين يف صحيح األدب املفرد له ص (‪.)260‬‬
‫[‪ ]13‬منهج الرتبية النبوية للطفل‪ ،‬مع مناذج تطبيقية من حياة السلف الصاحل وأقوال العلماء العاملني‪،‬‬
‫حممد نور بن عبد احلفيظ سويد‪ ،‬دار ابن كثري‪ ،‬دمشق‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة األوىل‪1419 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1998‬م‪ ،‬ص (‪.)91 ،90‬‬
‫[‪ ]14‬تربية الطفل يف اإلسالم‪ :‬النظرية والتطبيق‪ ،‬د‪ .‬حممد عبد السالم العجمي وآخرون‪ ،‬مكتبة‬
‫الرشد‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ ،‬الرياض‪ ،‬الطبعة األوىل‪1425 ،‬هـ ‪2004 -‬م‪ ،‬ص (‪.)95‬‬
‫‪ http://www.alukah.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪24‬‬
‫لماذا ال نكون عظماء ؟!‬
‫علي صاحل طمبل*‬
‫يف كل يوم نقابل كثرياً من الناس فال نلتفت إىل أغلبهم‪ ،‬وال نتذكر منهم إال القليل‪ ،‬وال تُنقش يف‬
‫ذاكرتنا إال مواقف بعينها يصنعها بعضهم‪.‬‬
‫وذاكرتنا عادة ما ترتبط باملواقف اخلارجة عن املعهود والروتني الذي صار مسة بارزة حلياتنا اليومية‪.‬‬
‫ولكن السؤال الذي يطفو على صفحة ذاكريت اآلن هو‪ :‬ما الذي مييِّز حياة أحدنا عن اآلخر‪ ،‬وملاذا‬
‫مير علينا يف حياتنا ماليني األشخاص وحنس بأن الغالبية العظمى منهم ال تعدو أن تكون نسخة‬ ‫ُّ‬
‫مكررة وممجوجة من بعضها‪..‬نفس‪ S‬الدورة احلياتية‪ :‬طفولة‪..‬شباب‪ ..‬زواج‪ ..‬إجناب‪ ..‬ووفاة دون أن‬
‫خيلِّف معظمهم ما يسرتعي االنتباه‪.‬‬
‫فهل كان للعظماء وذوي العزم يف هذه الدنيا مقدرات تفوق مقدراتنا أم كانت هلم أعضاء تزيد عن‬
‫كل من له‬
‫أعضائنا؟ بالطبع اخليار الثاين ال يستقيم‪ ..‬واخليار األول قد يكون صحيحاً‪ ،‬ولكن هل ُّ‬
‫مقدرات فائقة يصبح عظيما بالضرورة؟‪ S‬هذا أيضاً ال يستقيم؛ ألن كثرياً ممن كانت له مقدرات فائقة‬
‫مل يستحق أن يدرج يف مصاف العظماء‪ ..‬مع العلم بأن اإلنسان ال يستغل من مقدراته يف أغلب‬
‫األحيان ما يزيد عن ‪.%20‬‬
‫مرد ذلك يعود أوالً إىل توفيق اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬مث إىل العزمية اليت متيِّز العظماء عن‬ ‫يف رأيي أن َّ‬
‫غريهم‪ .‬وكما قال بعض احلكماء‪( :‬لو تعلق قلب ابن آدم بالثريا لناهلا)‪ .‬وقال املتنيب‪:‬‬
‫املكارم‬
‫ُ‬ ‫على قدر أهل العزم تأيت العزائم * * * وتأيت على قدر الكرام‬
‫العظائم‬
‫ُ‬ ‫وتكرب يف عني الصغري صغارها * * * وتصغر يف عني العظيم‬
‫وقال املتنيب أيضاً‪:‬‬
‫األجسام‬
‫ُ‬ ‫وإذا كانت النفوس كباراً * * * تعبت يف مرادها‬
‫وقال أيضاً‪:‬‬
‫ِ‬
‫النجوم‬ ‫غامرت يف شرف مروم * * * فال تقنع مبا دون‬ ‫إذا‬
‫َ‬
‫فطعم املوت يف أمر حق ٍري * * * كطعم املوت يف أمر عظيم‬
‫لكن البعض كان عظيماً يف احلق‪ ،‬وبعضهم كان عظيماً يف الباطل؛ وقد قال عمر بن اخلطاب ‪-‬‬ ‫َّ‬
‫رضي اهلل عنه ‪( :-‬اللهم إين أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة)‪.‬‬
‫فهل سألت أخي نفسك يوماً‪ :‬ملاذا ال تكون عظيماً يف احلق تذود عن الدين وحتمي حياضه مبا متلك‬
‫من مقدرات‪ ،‬يف أي جمال كان؛ لتفوز خبريي الدنيا واآلخرة؟! ملاذا ترضى أن تكون حياتك نسخة‬
‫مكررة من حياة اآلخرين ال طعم هلا وال لون وال رائحة‪ ،‬وال هدف هلا وال منهج وال ختطيط؟! وملاذا‬
‫حتصر نفسك يف األهداف الصغرية وتشغلها بتوافه األمور اليت حتجبك عن عظائمها ومعاليها؟! ملاذا‬

‫‪25‬‬
‫تركن إىل الدنيا وترضى بالفتات بدالً من أن تعلق قلبك باهلل ونصرة دينه بكل ما أوتيت من قوة‬
‫ومقدرة؟!‪S‬‬
‫إهنا خاطرة عجلى لنراجع حياتنا‪ :‬إىل أين تسري؟ ومب تنشغل؟‪ ..‬دعوة لننفض غبار التواكل والكسل‬
‫والروتني واجلمود ونستبدل كل ذلك بالتوكل والعمل والعزمية واملثابرة‪ ،‬وما التوفيق إال من عند اهلل‪.‬‬
‫‪ http://www.meshkat.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪26‬‬
‫الطفل والتناقض االجتماعي‬
‫عدنان باحارث‬
‫يتفق املربون على أمهية القدوة يف الرتبية‪ ،‬املتمثلة يف سلوك املريب وفق النهج الذي يدعو إليه‪ ،‬فإن من‬
‫الصعوبة مبكان إقناع املرتيب بسلوك هنج ما دون أن يكون الداعية إىل هذا النهج متمثالً ما يدعو إليه‪.‬‬
‫وفكرة القدوة مبنية يف الطبيعة اإلنسانية على مبدأ احملاكاة والتقليد املتأصلة يف الطبيعة اإلنسانية‪،‬‬
‫فالكل يقلد وحياكي‪ ،‬كباراً كانوا أو صغاراً‪ ،‬فأما الكبار فإهنم يقلدوا يف مالبسهم‪ ،‬وأثاثهم‪،‬‬
‫ومراكبهم‪ ،‬وأنواع طعامهم‪ ،‬ومناهج تفكريهم‪ ،‬ومذاهبهم‪ ،‬وتصوراهتم وحنوها‪ .‬وأما الصغار فإهنم‬
‫يقلدون يف حركاهتم‪ ،،‬وألعاهبم‪ ،‬وكلماهتم وحنوها‪ .‬وكل ذلك ال خيرج عن التقليد واحملاكاة‪ ،‬سواء‬
‫كان من الكبار أو الصغار‪ ،‬إال أننا العتيادنا‪ -‬نتعجب من تقليد الصغار وحماكاهتم اليت ختلو عادة من‬
‫املنطق‪ ،‬وال نتعجب من أنفسنا حني حياكي بعضنا بعضاً يف أنواع اختياراتنا املختلفة يف سلوكنا‬
‫وفكرنا وتوجهاتنا‪ ،‬واليت ختلو أحياناً بل رمبا يف كثري من األحيان من املنطق العقلي‪ ،‬والنظر الشرعي‬
‫الصحيح‪ -‬وإال فأي نظر شرعي‪ ،‬أو منطق عقلي يربر تقليد املسلمني للكفار يف مذهب فكري ضال‪،‬‬
‫أو سلوك خلقي شائن؟‪.‬‬
‫وملا كان تأثري القدوة مؤكداً يف ميدان الرتبية جاء التحذير الشديد من اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬للمؤمنني بأن‬
‫ين‬ ‫َّ ِ‬
‫حيذروا االزدواجية السلوكية يف خمالفة األعمال لألقوال؛ حيث يقول ‪ -‬تعاىل ‪ { :-‬يَا َُّأي َها الذ َ‬
‫ند اللَّ ِه َأن َت ُقولُوا َما ال َت ْف َعلُو َن } ‪ ،‬نعم كرب مقتاً أن يقول‬ ‫مِل‬
‫آَ َمنُوا َ َت ُقولُو َن َما ال َت ْف َعلُو َن‪َ ،‬كُبَر َم ْقتًا ِع َ‬
‫املريب ويدعي ماال يفعل؛ ألن هذا القول وهذا اإلدعاء الذي يكذبه الواقع العملي له تأثري سليب على‬
‫النشء من املرتبني‪ ،‬فهم ال يستطيعون أن يوفقوا بني أقوال املربني احلسنة‪ ،‬وبني أعماهلم القبيحة‪،‬‬
‫وقدراهتم العقلية لصغر أسناهنم وقلَّة خرباهتم‪ -‬ال تسمح هلم بقبول القول والتغاضي عن العمل‪ ،‬فهذا‬
‫صعب يف عامل الطفولة‪ ،‬يف حني‬
‫كم هو سهل يف عامل الكبار‪ ،‬فكلُّنا أو جلُّنا ال يتعجب من مسلك النفاق الذي استشرى يف احلياة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬فقد أصبح مقبوالً يف حياة الكبار أن جيمع الشخص يف وقت واحد بني املتناقضات‪ ،‬فال‬
‫مانع من املناداة باحلق مع العمل بالباطل‪ ،‬وال مانع من األمر بالتقوى واملناداة هبا مع التفريط يف‬
‫الواجبات‪ ،‬لقد أصبح مستساغاً مقبوالً عند مجهرة الناس أن أقوال الناس ال تطابق أعماهلم‪ ،‬وأهنم‬
‫يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬فال إنكار فيما بينهم‪ ،‬الكل قد تلبَّس هبذا املسلك املشني‪ ،‬وكما قال احلكيم‪" :‬‬
‫افتضحوا فاتفقوا "!!‬
‫إن سلوك املريب ملنهج النفاق يعرضه للعقوبة الشديدة يوم القيامة مع الفضيحة أمام اخلالئق؛ ففي‬
‫احلديث املتفق عليه يقول الرسول ‪ " :-  -‬يُؤتى بالرجل يوم القيامة فيُلقى يف النار‪ ،‬فتندلق أقتاب‬
‫بطنه يعين خترج أمعاء بطنه‪ -‬فيدور هبا كما يدور احلمار يف الرحى‪ ،‬فيجتمع إليه أهل النار‪ ،‬فيقولون‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫يا فالن ما لك؟ أمل تكن تأمر باملعروف وتنهى عن املنكر؟ فيقول‪ :‬بلى‪ ،‬كنت آمر باملعروف وال‬
‫آتيه‪ ،‬وأهنى عن املنكر وآتيه "‪.‬‬
‫إهنا ملصيبة كبرية أن يفقد النشء اجلديد حقه من القدوة الصاحلة يف اآلباء واملعلمني‪ ،‬فيحتاج إىل أن‬
‫يتدرب على منهج الفصل بني كالم املريب وسلوكه‪ ،‬فيتعود على أال يتأثر بالفعل إذا جاء خمالفاً للقول‬
‫عند املريب‪ ،‬ويتدرب على طريقة الفصل بني النظرية والتطبيق‪ ،‬حبيث يقبل النظرية ويؤمن هبا ويعمل‬
‫هبا‪ ،‬دون أن جيد أثرها يف املربني‪ ،‬وهذا يف احلقيقة تكليف مبا ال يطاق؛ فإىن للصغار أن يتمكنوا من‬
‫حسن من أقواهلم وأفعاهلم‪،‬‬
‫هذه القدرة الفائقة يف حسن االنتقاء عن املربني‪ ،‬فيأخذون بدقة‪ -‬ما ُ‬
‫ويرتكون بتفوق الشائن من أخالقهم وسلوكياهتم‪.‬‬
‫إن اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬وهو احلكيم اخلبري مل يكلف الكبار البالغني أن يؤمنوا بالكتب املنزلة إال حني تأيت‬
‫هبا القدوات الصاحلات من األنبياء والرسل الكرام عليهم الصالة والسالم‪ ،‬فيعيش الناس النص من‬
‫الوحي مع تطبيقه العملي يف سلوك الرسول أو النيب‪ ،‬بل إن البشر يف كثري من األحيان كما حكى لنا‬
‫القرآن يكفرون بنصوص الوحي مع وجود القدوة الصاحلة يف سلوك نبيهم‪ ،‬فكيف لو جاءت‬
‫النصوص جمردة عن القدوة الصاحلة‪ ،‬ماذا ترى الناس يصنعون بالنصوص النظرية جمردة عن‬
‫التطبيقات؟‬
‫إن مما جيب أن يستقر يف نفوس املربني‪ :‬أن النص من القرآن أو السنة ال يؤثر وحده يف النشء حىت‬
‫حتمله إليهم باألسلوب الصحيح القدوة الصادقة الصاحلة يف سلوك عملي واقعي‪ ،‬وما مل يتحقق ذلك‬
‫من املربني فلن نتوقع أن ينصاع النشء للنصوص وحدها‪ ،‬منسلخة عن القدوة الصاحلة‪.‬‬
‫‪ http://www.bahareth.org‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪28‬‬
‫القدوة وأثرها في المربين‬
‫عصام خضر‬
‫القدوة احلسنة هي من أفعل الوسائل وأقرهبا للنجاح وأكثرها فاعلية يف حياة املربني‪...‬وتظل كلمات‬
‫املربني جمرد كلمات ويظل املنهج جمرد حربا على ورق ‪ ..‬ويظل معلقا يف الفضاء‪ ..‬ما مل يتحول إىل‬
‫حقيقة واقعة تتحرك يف واقع األرض ‪ ..‬وما مل يرتجم إىل تصرفات وسلوك ومعايري ثابتة‪ ،‬عندئذ‬
‫يتحول هذا املنهج إىل حقيقة واقعة‪ ،‬وتتحول هذه الكلمات إىل سلوك وأخالق عندئذ فقط تؤيت‬
‫الكلمات مثارها يف حياة املربني‪.‬‬
‫ولقد علم اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وهو يضع ذلك املنهج العلوي املعجز أنه البد من قلب إنسان حيمل هذا‬
‫املنهج وحيوله إىل حقيقة‪ ،‬لكي يعرف الناس أنه حق‪ ..‬مث يتبعوه البد إذن من قدوة‪..‬‬
‫إن القدوة الصاحلة عنصر رئيس ذو أمهية بالغة يف البناء والرتبية‪ ..‬كما أهنا ليست وحدها الكفيلة يف‬
‫بناء األشخاص وتربيتهم فهناك جوانب أخرى جيب مراعتها يف العملية الرتبوية إال أن هذه اجلوانب‬
‫األخرى ال تؤيت مثارها أيضا بغري القدوة الصاحلة‪ ،‬بل قد تأيت بثمار عكسية إذا وجدت القدوة‬
‫السيئة‪ .‬فالقدوات اليت يغلب عليها اجلانب النظري أو الفكري ويضعف عندها اجلانب العملي‬
‫والروحي والدعوي هي فتنة للمتعلمني واملرتبني‪ ..‬وهلذه الشخصيات تأثريها السليب على املسرية‬
‫الرتبوية‪ ،‬حيث يصبح مألوفا أن نقرأ ونتعلم مث نتكلم أو نكتب‪ ،‬وال يهم بعد ذلك أن تكون أرواحنا‬
‫وقلوبنا وأعمالنا وبذلنا على نفس الدرجة اليت يوحي هبا كالمنا أو شهرتنا‪.‬‬
‫ومثل هذه الشخصيات ال تؤثر مواعظها يف القلوب كما قال مالك بن دينار ‪ -‬رمحه اهلل ‪( :-‬إن‬
‫العامل إذا مل يعمل بعمله زلت موعظته عن القلوب كما تزل القطرة عن الصفا)‪ .‬وعن عبد اهلل بن‬
‫املبارك قال‪ :‬قيل حلمدون بن أمحد‪ :‬ما بال كالم السلف أنفع من كالمنا؟ قال‪ :‬ألهنم تكلموا لعز‬
‫اإلسالم وجناة النفوس ورضا الرمحن‪ ،‬وحنن نتكلم لعز النفوس وطلب الدنيا ورضا اخللق‪.‬‬
‫ودعوة اإلسالم مل تعرف يف تارخيها املشرق وظيفة العامل أو املفكر الذي ال عالقة له مبتاعب العمل‬
‫والبذل والعطاء‪ ..‬فالذي حيرك األمة يف احلقيقة هم الدعاة واملربني الذين يفعلون ما يقولون‬
‫إن هؤالء القادة املربني البارزين يف علمهم وفكرهم مع قلة عبادهتم وبذهلم وتضحياهتم وضعف‬
‫سلوكهم ال ميكن أن تنمو يف ظلهم دعوة قوية تغري األمة‪ ،‬بل هم هبذه الرتكيبة اخلطرية يقتلون فيمن‬
‫حوهلم كثريا من املعاين السامية اجلميلة من صفاء القلوب وقوهتا وصدق احملبة واألخوة وحسن العبادة‬
‫واإلقبال عليها‪ ،‬واالستقامة والورع‪ ،‬والبذل والعطاء والتضحية واحلياة للدعوة‪ S..‬نعم يقتلون كل هذه‬
‫املعاين حني يراهم هؤالء وهم القادة املربون املشار إىل علومهم وأفكارهم‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫إن القدوة الصاحلة من أعظم املعينات على بناء العادات واألخالق والسلوكيات الطيبة لدى املرتىب‬
‫حىت إهنا لتيسر معظم اجلهد يف كثري من احلاالت‪ ،‬واإلسالم ال يعترب التحول احلقيقي قد مت سواء من‬
‫قبل املريِب أو املرتىب حىت يتحول إيل عمل ملموس يف واقع احلياة‪.‬‬
‫ولقد كان ‪ -  -‬قدوة للناس يف واقع األرض‪ ..‬يرونه وهو بشر منهم تتمثل فيه هذه الصفات‬
‫والطاقات كلها فيصدقون هذه املبادئ احلية ألهنم يروهنا رأي العني وال يقرأوهنا يف كتاب! يروهنا يف‬
‫بشر فتتحرك هلا نفوسهم وهتفو هلا مشاعرهم وحياولون أن ينهلوا منها‪ ..‬كل بقدر ما يطيق أن ينهل‬
‫وكل بقدر ما حيتمل كيانه الصعود‪ S.‬ال ييأسون وال ينصرفون وال يدعونه حلما مرتفاً لذيذاً يطوف‬
‫باألفهام‪ ..‬ألهنم يرونه واقعاً يتحرك يف واقع األرض كما يرونه سلوكا عمليا ال أماين يف اخليال‪.‬‬
‫لقد كان ‪ -  -‬أكرب قدوة للبشرية يف تارخيها الطويل‪ .‬وكان مربيا وهاديا بسلوكه الشخصي قبل‬
‫أن يكون بكالمه فعن طريقه ‪ -  -‬أنشأ اهلل هذه األمة اليت يقول فيها ‪ -‬سبحانه ‪ " -‬كنتم خري‬
‫أمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون باهلل " سورة آل عمران ‪110‬‬
‫لقد بعثه اهلل قدوة للعاملني‪ ..‬وهو أعلم حيث جيعل رسالته‪ .‬وأعلم مبن خلق وهو اللطيف اخلبري وقد‬
‫جعله اهلل القدوة الرائدة للبشرية يرتبون علي هديه ويرون يف شخصه الكرمي الرتمجة احلية للقرآن‪،‬‬
‫فيؤمنون هبذا الدين على واقع تراه أبصارهم حمققا يف واقع احلياة‪.‬‬
‫لقد كان ‪ -  -‬قدوة جعلها اهلل متجددة على مر األجيال واهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ال يعرض علينا هذه‬
‫القدوة لإلعجاب السليب والتأمل التجريدي يف سبحات اخليال إنه يعرضها علينا لنحققها يف ذوات‬
‫أنفسنا وذوات من نقوم على تربيتهم‪ ،‬ومن مث تظل حيويتها دافقة شاخصة وال تتحول إىل خيال‬
‫جمدد هتيم يف حبة األرواح دون تأثر واقعي ملموس وال اقتداء‪.‬‬
‫واإلسالم يرى أن القدوة معلم أساسي وقاعدة أساسية للرتبية ابتداءً من مرحلة الطفولة إىل أن حيملوا‬
‫أمانة هذا الدين‪.‬‬
‫فالبد إذن للمجتمع من قدوة يف مربيهم وقادهتم تتحقق فيهم املبادئ وينسج على منواله املربني‪.‬‬
‫نعم على املريب أن حيقق يف نفسه ما يريد أن حيققه يف اآلخرين‪ ،‬فيتعهد نفسه بالرعاية وميتاز‬
‫بالشفافية‪ ،‬ويتحرى الصدق يف املواقف‪ ،‬واإلخالص يف النية‪ ،‬ومامل يستمد قادة الدعوة ومربيها‬
‫نورهم من مشكاة النبوة وأخالقهم من أخالق النبوة‪ ،‬ويصبحوا كالصحابة جنوما يهتدى هبم يف‬
‫ظلمات هذه األيام فإن دعوهتم ستبقى ناقصة‪.‬‬
‫هذا املعلم أو هذا األساس ‪ -‬القدوة الذي هو من أهم أسس الرتبية والذي لن يفيدنا كثريا إال بعد أن‬
‫نراه مطبقا بالفعل ويفيدنا أكثر أن نراه مطبقا يف أعلى صوره ألن ذلك سوف يعطينا فكرة عملية عن‬
‫املدى الذي ميكن أن يبلغ إليه هذا العنصر لنقيس به جهدنا إليه يف كل مرة وحناول املزيد‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫وجانب القدوة املتمثل يف شخصه صلي اهلل عليه وسلم لن يتكرر يف أي جيل آخر لكن لدينا سرية‬
‫مفصلة حلياته ‪ -‬صلي اهلل عليه وسلم ‪ -‬كأنه حي بني ظهرانينا‪ .‬ولئن أثر رسول اهلل ‪ -‬صلي اهلل عليه‬
‫وسلم ‪ -‬بشخصه يف بناء هذا اجليل الفذ الفريد فإن سريته اليت بني أيدينا تفرض علينا أن نكون‬
‫كاجليل األول وهذا الذي حدث جليل التابعني فهو مل يشهد الرسول ‪ -  -‬وإمنا مسع سريته كما‬
‫نقرؤها أو نسمعها حنن‪.‬‬
‫يقول الشاطيب‪( :‬إذا وقع القول بيانا فالفعل شاهد له ومصدق) املوافقات ‪317 /3‬‬
‫صدق واهلل فكم من دعاة ومربني أشعلوا محاسا وأحيوا فينا حب العمل واملثابرة واجلد و الصرب مث ما‬
‫لبثوا أن سقطوا من أعيننا ومن أعني أتباعهم يف حلظات بسبب كلمة أو تصرف مل يكن متناسبا مع‬
‫مكانتهم كقدوات لآلخرين وما الذي جعل أمحد بن حنبل إماما للسنة إال بصربه يف احملنة وإحيائه‬
‫عقيدة السلف‪.‬‬
‫فها هو أبو جعفر األنباري صاحب اإلمام أمحد عندما أخرب حبمل اإلمام أمحد للمأمون يف األيام‬
‫األوىل للفتنة (فعرب الفرات فإذا هو جالس يف اخلان‪ ،‬فسلم عليه وقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬أنت اليوم رأس والناس‬
‫يقتدون بك‪ ،‬فواهلل لئن أجبت إىل خلق القرآن ليجيبنك بإجابتك خلق من خلق اهلل وإن أنت مل جتب‬
‫ليمتنعن خلق من الناس كثري‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل ‪ -‬يعين املأمون إن مل يقتلك فأنت متوت‪ ،‬والبد‬
‫من املوت فاتق اهلل وال جتبهم إىل شيء‪ .‬فجعل أمحد يبكي ويقول‪ :‬ما قلت فأعاد عليه فجعل يقول‪:‬‬
‫ما شاء اهلل‪ ،‬ما شاء اهلل) مناقب اإلمام أمحد ‪.314‬‬
‫ومتر األيام عصيبة على اإلمام أمحد‪ ،‬وميتحن فيها أشد االمتحان ومل ينس نصيحة األنباري فها هو‬
‫املروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام احملنة ويقول له (يا أستاذ قال اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ "-‬وال تقتلوا‬
‫أنفسكم " فقال أمحد‪ :‬يا مروزي‪ S‬اخرج‪ ،‬انظر أي شيء ترى‪ .‬قال فخرجت إىل رحبة دار اخلليفة‬
‫فرأيت خلقا من الناس ال حيصى عددهم إال اهلل والصحف يف أيديهم واألقالم واحملابر يف أذرعهم‬
‫فقال هلم املروزي‪ S:‬أي شيء تعملون؟ فقالوا‪ :‬ننظر ما يقول أمحد فنكتبه‪ ،‬قال املروزي‪ :‬مكانكم‬
‫فدخل إىل أمحد بن حنبل فقال له‪ :‬رأيت قوما بأيديهم الصحف واألقالم ينتظرون ما تقول فيكتبونه‬
‫فقال‪ :‬يا مروزي‪ S‬أضل هؤالء كلهم! أقتل نفسي وال أضل هؤالء) مناقب اإلمام أمحد ‪330‬‬
‫ونذكر هنا بعضا من أبرز اجلوانب لتفعيل القدوة يف حياة املرتىب وجعله من املستويات اجليدة الفعالة‬
‫يف الدعوة إيل اهلل‪.‬‬
‫‪ -1‬اإلميان بالفكرة‪ :‬إن إميان املريب بالفكرة اليت يتحرك من خالهلا ويؤمن هبا هلي من أهم األسباب‬
‫الستقرار املرتىب وسريه قدما يف طريق الدعوة فال ميكن حبال أن تثمر العملية الرتبوية إذا كانت من‬
‫أشخاص لديهم غبش أو تزعزع يف الفكرة اليت حيملوهنا أو عدم وضوح يف صحة الطريق الذي‬

‫‪31‬‬
‫يسلكونه وحنن هنا ال نتكلم عن صحة الفكرة أو صواب الطريق حنن نتكلم عن األصوب سواء فيم‬
‫يتعلق بالفكرة اليت حيملها املريب أو فيما يتعلق بصحة الطريق الذي يسلكه‪.‬‬
‫فمن يسري يف طريق يصل من خالله لرضا ربه وتعبيد الناس لرب العاملني ينبغي أن تكون رؤية هذا‬
‫الطريق واضحة متاما معاملها وأساليبها وأهدافها‪ ،‬ومن مث فعلى من يرى يف نفسه أهلية ملمارسة عملية‬
‫البناء الرتبوي لدى إخوانه أن يسعى حثيثا لفهم ووضوح الفكرة اليت ينطلق من خالهلا‪.‬‬
‫واإلميان بالفكرة اليت حيملها املريب والفهم اجليد لصحة الطريق الذي يسلكه ال تتكون يف نفس املرتىب‬
‫حىت يكون هو أو من يؤمن مبا يقول‪ ،‬مث يرتجم هذا إىل عمل‪ ..‬ومن ذلك يقول سيد قطب ‪ -‬رمحه‬
‫اهلل ‪ :-‬آمن أنت أوال بفكرتك‪ ،‬آمن هبا إىل حد االعتقاد اجلاد! عندئذ فقط يؤمن هبا اآلخرون وإال‬
‫فستبقى جمرد صياغة لفظية خالية من الروح واحلياة! ال حياة لفكرة مل تتقمص روح إنسان‪ ،‬ومل‬
‫تصبح كائنا حيا دب على وجه األرض يف صورة بشر‬
‫‪ -2‬تعلم العلم‪ :‬إذا كان العلم ضروريا لكل مسلم‪ ،‬فالداعية القدوة هو أكثر الناس حاجة لتعلم‬
‫العلم‪ ،‬قال عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪( :-‬تعلموا قبل أن تسودوا) فتح الباري ‪1/165‬‬
‫فالسيادة يف الدعوة حتتاج إىل علم يتأكد فيه القدوة من صحة خطواته‪ ،‬ويصحح فيه خطوات‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫إن املريب ينبغي أن تكون فيه صفات معينة تؤهله هلذه املهمة اخلطرية‪ ،‬فينبغي أن يشعر الشخص الذي‬
‫يتلقى الرتبية أن مربيه أعلى منه وأنه منه بالطبيعة يف موقف اآلخذ املتلقي‪ ،‬ال يف موقف الند وال يف‬
‫موقف أعلى من موقف املريب‪.‬‬
‫هذه حقيقة نفسية تعمل عملها تلقائيا يف النفوس! فأنت لكي تتلقى البد أن تقتنع أنك يف موقف‬
‫املتلقي‪ ،‬وإال فلو أحسست أنك يف املوقف األعلى أو املساوي فما الذي يدفعك أن تتلقى من شخص‬
‫بعينه من الناس والعلو أمر شامل يشمل مسائل كثرية فقد يكون علوا روحيا‪ ،‬أخالقيا أو يكون تفوقا‬
‫علميا وهو املعين هنا‪ ،‬فعلى املربني أن يهتموا ببناء أنفسهم بناءً علميا رصينا قويا حىت ال يقف املريب‬
‫عند حد معني ومن مث تقف الدعوة ككل وتعجز عن أن تعطي أفضل ما لديها أو هتتم بتنمية املواهب‬
‫والقدرات الفذة ألن ما عندها أصبح ال يكفي للكبار فتدور الدعوة يف حلقة مفرغة حول‬
‫موضوعات ال خيرجون منها ألن قادهتا ومربيها ليس لديهم ما يؤهلهم بالنهوض بالدعوة والتقدم هبا‬
‫قدما ومن مث فعلى أي حركة تريد أن يكتب هلا النجاح أن تكون من خطتها تربية كوادر علمية‬
‫تتسم بالفهم والعمق وإال فالفشل والسري يف احملل والواقع حيدثنا عن دعوات مر عليها سنني إال أن‬
‫أجياهلا تتآكل وصفوفها تتساقط ألن ليس لدى قادهتا ومربيها ما يؤهلهم للسري قدما يف طريق الدعوة‬
‫ويبدأ هؤالء القادة واملربني يف تربية جيل جديد هم على قناعة أهنم لن يستطيعوا أن يصلوا هبم إىل‬
‫مرحلة البناء الكامل للنهوض هبذه األمة‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫إن تربية الكبار هي من أشق وأدق األشياء يف العملية الرتبوية فجيل الكبار الذي أصبح على درجة‬
‫من الوعي والثقافة والعلم يف حاجة إىل قيادة وزعامة حيس الكبار أمامها أهنم أصغر من قادهتم‬
‫ومربيهم وأهنم يف موقف التلقي منهم ال يف موقف الند وال يف موقف التوجيه‪.‬‬
‫وليس يكفي أن تكون شخصية املريب أكرب من شخصية املتلقي ‪ -‬وهي البديهية األوىل يف الرتبية‪-‬‬
‫إمنا أن تكون عنده حصيلة علمية مبفهومها‪ S‬الشامل يعطيها لآلخرين من خالل علمه الذي ثابر على‬
‫حتصيله ومن خالل جتربته الواقعية ومن خالل حركته هبذا الدين‪.‬‬
‫‪ -3‬االبتعاد عن املباحات‪:‬‬
‫يقول اإلمام بن القيم‪ :‬قال يل يوماً شيخ اإلسالم ابن تيمية (قدس اهلل روحه) يف شيء من املباح‪ :‬هذا‬
‫ينايف املراتب العلية‪ ،‬وإن مل يكن تركه شرطا يف النجاة‪ .‬مث يقول ابن القيم (فالعارف يرتك كثريا من‬
‫املباح إبقاء على صيانته‪ ،‬وال سيما إذا كان ذلك املباح برزخا بني احلالل واحلرام) مدارك السالكني‬
‫‪.2/26‬‬
‫إهنا الصيانة اليت نريدها للداعية القدوة وهو يزاول عملية الصعود يف مدارك السالكني فحذار وأنت‬
‫تصعد أن تستهويك بعض مناظر األرض اجلذابة‪ ،‬فتقف برهة تلتفت للوراء إلشباع رغبة النظر‬
‫فتتأخر عن الصعود‪ ،‬ذلك إن مل هتو إىل األرض بعد أن صعدت منها‪.‬‬
‫وعملية الصعود هذه علم كيف يتقنها (حيى بن حيى) الذي أهداه اإلمام مالك جزاء على ذلك لقب‬
‫(عاقل أهل األندلس) وذلك أنه رحل إىل اإلمام مالك وهو صغري ومسع منه وتفقه (وكان مالك‬
‫يعجبه مسته وعقله‪ ،‬روى أنه كان يوما عند مالك يف مجلة أصحابه إذ قال قائل‪ :‬قد حضر الفيل‪،‬‬
‫فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غريه (أي وبقي حيىي مكانه) فقال له مالك‪ :‬مل خترج فرتى الفيل‪،‬‬
‫ألنه ال يكون باألندلس‪ ،‬فقال له حيىي‪ :‬إمنا جئت من بلدي ألنظر إليك وأتعلم من هديك و علمك‬
‫ومل أجئ ألنظر إىل الفيل فأعجب به مالك ومساه (عاقل أهل األندلس) طبقات الفقهاء ‪152‬‬

‫إنه من املباح مشاهدة حيوان غريب‪ ..‬ولكن وقت الداعية القدوة املريب أضيق من أن يشغل شيئا منه‬
‫يف مباح ال جيين من ورائه شيئا لقضيته اليت تشغله ليل هنار‪.‬‬
‫وإنه من املباح شراء سيارة مثينة ذات منظر جذاب بطوهلا وعرضها‪ ،‬ولكن‪ ..‬ال يدري ذلك املريب‬
‫القدوة أن وراءه أتباعا ينظرون إليه نظرة املناقض لكالمه الذي كان يقوله هلم ومازال‪ ،‬عن الزهد‬
‫وحقارة الدنيا وفتنتها فينخفض مستوى التلقي عند أولئك األتباع دون أن يشعر املريب‪ ,‬وأشياء كثرية‬
‫من املباح نقرتفها أمام من نربيهم‪ ،‬مث نشتكي من سلبية (غري أصلية) طرأت عليهم دون علمنا بأننا‬
‫من املتسببني يف نشؤ السلبية بسبب سهو عن حماسبة دائمة للنفس حىت تكون يف محى مما توشك أن‬
‫ترتع فيه من مزالق‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫فعلى املريب أن يعي أنه حتت رقابة دقيقة ممن يقوم برتبيتهم‪ ،‬فيحاسب نفسه على كل كلمة أو‬
‫تصرف صغر أم كرب‪ ،‬حىت يتجنبه يف مرات أخرى وحىت يكون على مستوى القدوة الذي ال حييد‬
‫عنه‪ ،‬وهذا ال يتأتى إال مبحاسبة دائمة مع شعور دائم بأنه موضع قدوة‪.‬‬
‫كما أننا ال نستغرب عندما يطلق (ابن احلاج) على اخلطورة اليت ترتتب على ذلك (السم القاتل)‬
‫و يعلل ذلك بأن (الغالب على النفوس االقتداء يف شهواهتا و ملذاهتا و عاداهتا أكثر مما تقتدي به يف‬
‫التعبد الذي ليس هلا فيه حظ ‪ .‬فإذا رأت ذلك من عامل و إن أيقنت أنه حمرم أو مكروه أو بدعة‪،‬‬
‫تقول لعل هلذا العامل‪ ،‬العلم جبواز ذلك مل نطلع عليه أو رخص فيه العلماء فإذا رأت من هو أفضل‬
‫منها يف العلم و اخلري يرتكب شيئا من ذلك‪ ،‬فأقل ما فيه من القبح (االستصغار و التهاون) مبعاصي‬
‫اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬املدخل البن احلاج ‪.1/107‬‬
‫و املربون يريدون أن يروا فيمن يقومون على تربيتهم املعاين السامية الذين يتكلمون عنها‪ ،‬هم ال‬
‫يريدون من يقول هلم خذوا قويل واتركوا فعلي‪ ،‬بل يريدون رؤية أفعال تطابق أقوال‪.‬‬
‫و يف سريته ‪ -  -‬مجلة من احلوادث و األمثلة ظهر فيها كيف استخدم ‪ -  -‬القدوة احلسنه يف‬
‫تربية أصحابه ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬كأسلوب متميز عن باقي األساليب الدعوية‪.‬‬
‫* ففي صلح احلديبية وبعد أن فرغ الرسول ‪ -  -‬من قضية الكتاب قال للصحابة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنهم ‪( -‬قوموا فاحنروا‪ ،‬مث احلقوا)‬
‫يقول الراوي‪( :‬فواهلل ما قام منهم رجل واحد حىت قال ذلك ثالث مرات‪ ،‬فلما مل يقم منهم أحد‪،‬‬
‫قام فدخل على أم سلمة‪ ،‬فذكر هلا ما لقي من الناس فقالت أم سلمة‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬أحتب ذلك؟‬
‫أخرج مث ال تكلم أحدا منهم حىت تنحر بدنتك‪ ،‬وتدعو حالقك فيحلق لك‪ ،‬فقام فخرج فلم يكلم‬
‫أحدا منهم حىت فعل ذلك‪ :‬حنر بدنته‪ ،‬ودعا حالقه فحلقه‪ ،‬فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا‪،‬‬
‫وجعل بعضهم حيلق بعضا‪ ،‬حىت كاد بعضهم يقتل بعضا غما) زاد املعاد البن القيم ‪.3/295‬‬
‫من هذا املثال يتبني لنا مدى فاعلية الرتبية الصامتة يف تربية األتباع‪.‬‬
‫* كذلك ينبغي للمريب أن يوضح بعض التصرفات اليت يقوم هبا‪ -‬السيما اليت حتمل التأويل السيء‪-‬‬
‫ملن يربيهم مع اهتمام املريب بتفعيل مبدأ حسن الظن يف اجملتمع املسلم مع من يقوم على تربيتهم‪.‬‬
‫فقد يضطر املريب أحيانا إىل أن يتكلم مع امرأة من حمارمه أمام املرتىب فإن مل يوضح له تلك‬
‫التصرفات‪ ،‬فإن ذلك سيجعله يطبق متاما ما رأى من قدوته ظانا أن ذلك هو الصواب‪.‬‬
‫ومل تفت على مريب الرعيل األول ‪ -  -‬أمهية هذا األمر فعندما جاءت صفية ‪ -‬رضي اهلل عنها‪-‬‬
‫زوج الرسول ‪ -  -‬إىل رسول اهلل ‪ -  -‬تزوره يف اعتكافه يف املسجد فتحدثت عنده ساعة مث‬
‫قامت تنقلب فقام النيب ‪ -  -‬معها يقلبها‪ ،‬حىت إذا بلغت باب املسجد عند باب أم سلمة مر‬
‫رجالن من األنصار فسلما على رسول اهلل ‪ -  -‬فقال هلما النيب ‪ " :-  -‬على رسلكما إمنا‬

‫‪34‬‬
‫هي صفية بنت حي " فقاال سبحان اهلل يا رسول اهلل‪ ،‬و كرب عليهما‪ ،‬فقال النيب ‪( :-  -‬إن‬
‫الشيطان يبلغ من ابن آدم مبلغ الدم‪ ،‬و إين خشيت أن يقذف يف قلوبكما شيئا) فتح الباري ‪.2035‬‬
‫يقول ابن دقيق العيد‪( :‬و هذا متأكد يف حق العلماء و من يقتدى به‪ ,‬فال جيوز أن يفعلوا فعال يوجب‬
‫سؤ الظن هبم و إن كان هلم فيه خملص؛ ألن ذلك سبب إىل إبطال االنتفاع بعلمهم‪ ،‬و من مث قال‬
‫بعض العلماء‪ :‬ينبغي للحاكم أن يبني للمحكوم عليه وجه احلكم إذا كان خافيا نفيا للتهمة) فتح‬
‫الباري ‪4/280‬‬
‫* ويف حنني‪ ،‬وجنود املسلمون يفرون واألعداء يرشقوهنم بالنبل هل كان قائدهم ومربيهم يكتفي‬
‫بوعظهم بالثبات يف مثل هذا املوقف؟ إن مئات الكلمات واملواعظ واخلطب الرنانة يف الثبات ال تفعل‬
‫فعله ‪ -  -‬ال سيما واجلنود يف حالة من اخلوف واهللع‪ .‬إهنم يف حاجة يف مثل هذا املوقف إيل‬
‫القائد املريب القدوة الذي يرجعهم إىل اجلادة اليت احنرفوا عنها‪.‬‬
‫فهذا هو العباس بن عبد املطلب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬شاهد عيان يروي ماذا فعل القائد القدوة املريب‬
‫يف ذلك املوقف احلرج قال‪ :‬شهدت مع رسول اهلل ‪ -  -‬يوم حنني‪ ،‬فلزمت أنا وأبو سفيان بن‬
‫احلارث بن عبد املطلب رسول اهلل ‪ -  -‬فلم نفارقه ورسول اهلل ‪ -  -‬على بغلة له بيضاء‬
‫أهداها له فروة بن نفاثة اجلذامي‪ ،‬فلما التقى املسلمون والكفار وىل املسلمون مدبرين فطفق رسول‬
‫اهلل ‪ -  -‬يركض بغلته قبل الكفار‪ ،‬قال عباس‪ :‬وأنا آخذ بلجام بغلة رسول اهلل ‪ -  -‬أكفها‬
‫إرادة آال تسرع وأبو سفيان آخذ بركاب رسول اهلل ‪ ،-  -‬فقال رسول اهلل ‪ -  -‬أي عباس‬
‫ناد أصحاب السمرة فقال عباس وكان رجال صيتا فقلت بأعلى صويت أين أصحاب السمرة‪ .‬ويف‬
‫رواية فنزل واستنصر وقال أنا النيب ال كذب أنا ابن عبد املطلب) مسلم ‪.1776 ،1775‬‬
‫وماذا كانت نتيجة هذا املوقف من النيب ‪ -  -‬القائد املريب‪ .‬يقول العباس‪ :‬فواهلل لكأن عطفتهم‬
‫حني مسعوا صويت عطفة البقر على أوالدها‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا لبيك يا لبيك)‪.‬‬
‫إن مسؤولية القائد املريب مسؤولية عظيمة أمام اهلل‪ -‬تبارك وتعاىل ‪-‬وأمام أتباعهم‪ ..‬فال ينبغي له أن‬
‫يتوارى يف املواقف اليت ينبغي أن يظهر فيها سواء يف حل املشاكل أو فيما يتعلق مبواجهة الناس يف أي‬
‫أمر من أمور الدعوة‪ ،‬فلقد كان ‪ -  -‬أشجع الناس سباقا يف شدائد األمور فعن أنس بن مالك ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ -  -‬أحسن الناس وكان أجود الناس وكان أشجع الناس‪،‬‬
‫ولقد فزع أهل املدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت‪ ،‬فتلقاهم رسول اهلل ‪ -  -‬راجعا وقد‬
‫سبقهم إىل الصوت وهو على فرس أليب طلحة عرى يف عنقه السيف وهو يقول (مل تراعوا مل تراعوا)‬
‫إن املرء ليقف مشدوها هلذه الشجاعة النادرة‪ ،‬ينطلق الناس قبل الصوت جمرد مساعهم له‪ ،‬فيجدون‬
‫القدوة املريب قد سبقهم بل وقد رجع وهم يف بداية االنطالق‪ ،‬إن هذه الدعوة الصامتة للشجاعة هي‬
‫اليت خرجت أعمى كابن مكتوم يصر على اجلهاد وحيمل الراية ويقاتل حىت يقتل‪ ،‬وهي اليت خرجت‬

‫‪35‬‬
‫أعرج كعمرو بن اجلموح يبكي ألنه أعفي من اجلهاد مث يطلب بإحلاح مشاركة اجملاهدين ويقول (إين‬
‫ألرجو أن أطأ بعرجيت هذه اجلنة ويقاتل حىت يقتل‪.‬‬
‫إن القدوة األوىل املتمثلة يف املريب األول حممد ‪ -  -‬هي اليت خرجت أجياال على مر العصور‬
‫عرفنا من خالهلا معىن الصرب والتحمل والشجاعة‪.‬‬
‫فهذا هو يوسف بن حيي البويطي‪ ،‬خليفة اإلمام الشافعي‪( ،‬وكانت الفتاوى ترد على البويطي من‬
‫السلطان‪ ،‬فمن دونه وهو متبوع يف صنائع املعروف كثري التالوة‪ ،‬ال مير يوم وليلة غالبا حىت خيتم‪،‬‬
‫فسعى به من حيسده وكتب فيه إىل ابن أيب دؤاد بالعراق فكتب إىل وايل مصر أن ميتحنه أي يسأله‬
‫هل القرآن خملوق أم غري خملوق وهي بدعة املعتزلة‪ ،‬وكان على رأسهم ابن أيب دؤاد فامتحنه فلم‬
‫جيب أي خبلق القرآن فقال له‪ :‬قل فيما بيين وبينك‪ ،‬قال‪( :‬إنه يقتدي يب مائة ألف وال يدرون املعىن)‬
‫وكان أمر أن حيمل إىل بغداد يف أربعني رطل حديد يقول الربيع صاحب الشافعي ولقد رأيته على‬
‫بغل ويف عنقه غل ويف رجليه قيد وبني الغل والقيد سلسلة حديد وهو يقول‪ :‬إمنا خلق اهلل اخللق بكن‬
‫فإذا كانت خملوقة فكأن خملوقا خلق مبخلوق‪ ،‬ولئن أدخلت عليه ألصدقنه وألموتن يف حديدي هذا‬
‫حىت يأيت قوم يعلمون أنه قد مات يف هذا الشأن قوم يف حديدهم) طبقات الشافعية ‪1/275‬‬
‫* بل إن التجرد من عبودية العبيد وعبودية املال واإلخالص هلل صفة الزمة للداعية املريب ومن دون‬
‫ذلك يصبح من املتعذر عليه أن ينشًَأ جيال من الدعاة إذ أن الناس جبلوا على اتباع املتجرد الذي ال‬
‫ينوي بعمله إال وجه اهلل‪.‬‬
‫جاء يف ترمجة اخلطيب البغدادي‪ S،‬أنه (دخل عليه بعض العلوية ويف كمه دنانري فقال للخطيب فالن‬
‫يسلم عليك ويقول لك اصرف هذا يف بعض مهماتك‪ ،‬فقال اخلطيب‪ :‬ال حاجة يل فيه‪ ،‬وقطب‬
‫وجهه‪ ،‬فقال العلوي‪ :‬كأنك تستقله ونفض كمه على سجادة اخلطيب وطرح الدنانري عليها فقال‪:‬‬
‫هذه ثلثمائة دينار‪ ،‬فقام اخلطيب حممرا وجهه وأخذ السجادة وصب الدنانري على األرض وخرج من‬
‫املسجد) طبقات الشافعية ‪.3/14‬‬
‫وحركة (نفض السجادة) اليت مل تستغرق دقيقة واحدة من اخلطيب‪ ،‬ربت أتباعه الذين كانوا يف‬
‫املسجد على معاين العزة وحقارة العبودية لغري اهلل‪ ،‬ظهرت يف قول أحدهم (ما أنس عز خروج‬
‫اخلطيب وذل ذلك العلوي وهو قاعد على األرض يلتقط الدنانري من شقوق احلصري وجيمعها) طبقات‬
‫الشافعية ‪3/14‬‬
‫ولنعلم أن نصر اهلل منوط باستقامة محلة الدعوة قادهتا ومربيها وتلك نقطة قد نغفل عنها أحيانا حيث‬
‫نركز على صحة أفكارنا وما نقدمه للناس مث تدور يف نفوسنا التساؤالت‪ :‬مل ال ننتصر إذن!‬
‫مع أننا لو تأملنا يف كتاب اهلل لوجدنا فيه إناطة النصر للمؤمنني مبا يتصفون به يف ذواهتم وما يفعلونه‬
‫ال جمرد ما يقولونه للناس‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫وبعد فما أردنا من هذا العرض إال إخراج بعض املعاين اليت غارت يف األرض‪ ،‬ليتذكر فيها من نسي‬
‫من مربينا ويعلم فيها من جهل أمهية القدوة يف عملية البناء الرتبوي‪.‬‬
‫‪ http://www.saaid.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪37‬‬
‫أال تخشى الفقر ؟!‬

‫كيف للمرء إحساناً يف سريه إن مل حيسن التوقف والتفتيش يف بضاعته‪ ،‬فلعلها تكون مزجاة‪ ..‬يسري‬
‫من اهلل عليه به من علم أو عمل وف ّقه اهلل إليه‪ ،‬فريكن‬ ‫أحدنا يف طريقه إىل اهلل وقلبه معتم ٌد على ما ّ‬
‫حاز‬ ‫ِ‬
‫ويظن أنَّه قد َ‬
‫ويستعظم نفسه اليت بني جنبيه‪ُّ ،‬‬ ‫فيسره ما يرى ‪..‬‬‫إىل ذلك العلم ّأو ذلك احلال‪ُّ ،‬‬
‫فبز أقرانهُ ‪ ..‬ويُعاود النظر يف تلك البضاعة واليت ال يعلم حقيقتها إال‬ ‫قصب ِ‬
‫السبق وكان يف السابقني َّ‬ ‫َ‬
‫َّ‬
‫فاستعد لسفره بالزاد‬ ‫اهلل فينظر إليها بعني العجب والفرح‪ ،‬فحالهُ كحال من سافر سفراً بعيداً‬
‫فسره ُما رأى‬
‫الصرة اليت واراها عن غريه و أحكم هلا إيثاقاً ّ‬ ‫والراحلة مثّ نظر يف متاعه إىل تلك َّ‬
‫واطمأنت نفسه للنجاة وبلوغ املنزل ‪..‬‬
‫قلبه خاطر الفقر واحلاجة‪ ،‬عاود النَّظر إليها فوجدها على أحسن حال ٍكما هي مل‬ ‫فكلّما هجم على ِ‬
‫َ‬
‫ينقص منها شيء‪ ،‬فأغراهُ ذلك املنظر مبواصلة السري والثقة يف الوصول!‬
‫كحال سائ ٍر قد مجع صفراً فظنّهُ ذهباً أو من رأى جبالً عظيماً‪ ،‬فاستحال‬ ‫ِ‬ ‫وما حال هذا أو ذاك إال‬
‫هباءً!!‬
‫عمل أو ٍ‬
‫حال أو‬ ‫عقل أو عل ٍم أو فه ٍم أو ٍ‬ ‫مثله يف السري‪ ،‬يركن إىل ٍ‬ ‫وهذه حال كل من كا َن كحاله ِأو ِ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫رزق وكلّها يف يده عوار ٍ والذي ميلكها هو اهلل رب العاملني‪ .‬وتراهُ راكناً إليها معتمداً عليها‪ ،‬فما‬ ‫ٍ‬
‫نفسه وال ثقالً جيدهُ يف ك ّفه ِ‪ ..‬فاألمور باحلقائق !!‬‫ني ِ‬ ‫ينفعهُ سرور منظ ٍر يف ع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يبلغ‬
‫عما يف يد ِاهلل‪ ..‬وأنّه ال ُ‬ ‫وليت كل سائ ٍر إىل اهلل ُ‬
‫يوقن أ ّن ما بيده وإن عظُم يف عينه ال يُغنيه ّ‬ ‫َ‬
‫عند اهلل ِأوثق ممّا يف ِ‬
‫يده‪..‬‬ ‫ِ‬
‫الصدق حىّت يكو ُن فيما َ‬ ‫حقيقةَ‬
‫ُ‬
‫إضاءة‪:‬‬
‫واليأس ممّا يف‬
‫ُ‬ ‫قيل أليب حازم الزاهد‪ :‬ما مالُك؟ قال‪ :‬يل ماالن ال أخشى معهما الفقر‪ :‬الثقةُ باهلل‪،‬‬
‫أيدي الناس "‬
‫ختاف الفقر؟ فقال‪:‬أنا أخاف الفقر وموالي له ما يف السموات وما يف األرض وما‬ ‫وقيل له‪ :‬أما ُ‬
‫بينهما وما حتت الثرى ؟! "‪.‬‬
‫‪ http://www.saaid.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪38‬‬
‫كن ‪ ..‬حتى يكون !!‬

‫البد من كلمات تقال لآلباء واألمهات واملربني واملربيات لتعم الفائدة‪ ،‬ومن أراد لولده أن يكون‪S...‬‬
‫فالبد أن يقال له أوالً‪ :‬كن أنت‪S...‬‬
‫* كن قدوة حسنة‪:‬‬
‫أيها األب العزيز‪ ..‬إن عني الولد بك معلقة‪ ،‬ونفسه بك مرتبطة‪ ،‬فأنت قدوته وإمامه‪ S،‬وحجته على‬
‫ما يفعل‪ ،‬فكن قدوة حسنة له يف إميانك باهلل وعبادتك له ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وكن قدوة يف أخالقك‬
‫معان‪ ،‬من خالل سلوكك العملي‬ ‫وآدابك وحسن تعاملك‪ ،‬كن قدوة بكل ما حتمله كلمة قدوة من ٍ‬
‫مع أوالدك‪ ،‬إمامك يف ذلك النيب ‪.-  -  -‬‬
‫* كن عادالً‪:‬‬
‫إنك لن تستطيع أن حتكم بني اثنني يف قضية عابرة إذا مل تكن عادالً‪ ،‬فما بالك مبن تشغلك قضيته‬
‫طوال حياتك؟! إنك لن تستطيع أن حتقق ما ترى إذا شعر الولد أنك تفضل أخاه عليه؛ فهذا هو‬
‫اجلور الذي ال يرضاه الطفل‪ ،‬كما مل يرضه رسول اهلل ‪.-  -‬‬
‫* كن له بعض أوقاته‪:‬‬
‫أيها األب وأيتها األم‪ ..‬ال عذر لكما عند اهلل‪ ،‬مث ال حجة لكما عند الطفل بعدم وجود الوقت‬
‫املخصص للجلوس معه؛‪ S‬فهذا حقه‪' :‬وأعط كل ذي حق حقه'‪ ،‬وهذه أمانة املسئولية‪ِ{ :‬إ َّن اللَّهَ‬
‫غدا على جتنيه؛ فلقد‬ ‫تبك ً‬‫ات ِإىَل َْأهلِها}‪ ،‬فيا من ترتك ولدك لغريك يربيه؛ ال ِ‬
‫يْأمر ُكم َأ ْن ُت ُّدوا اَأْلمانَ ِ‬
‫َ ُ ُ ْ َؤ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شيخا‪.‬‬
‫ولدا فأضاعك ً‬ ‫أضعته ً‬
‫* كن مساحمًا‪:‬‬
‫إن كثرة العتاب واللوم على كل صغرية وكبرية عما قليل سوف يأيت بنتائج عكسية‪ ،‬فال ينتصح‬
‫الولد وال يقلع‪ ،‬مث تسقط بعدها هيبتك ومكانتك عنده‪ ،‬مث يرتكك وال يسمع منك شيًئا‪ ،‬وهذا أنس‬
‫عشرا فما مسع منه أفًا‪ ،‬وكما قال الشاعر‪:‬‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬خيدم النيب ‪ً -  -‬‬
‫تلق الذي ال تعاتبه‬
‫إذا كنت يف كل األمور معاتباً صديقك مل َ‬
‫فما بالك بولدك؟!‬
‫* كن ذكيًا‪:‬‬
‫يف استغالل األوقات املناسبة‪ ،‬واألحداث اجلارية؛ لطبع ما تريد من قيم وأخالق يف نفس ولدك‪ ،‬كما‬
‫لو طرقت على احلديد وهو ساخن‪ ،‬فما تلقيه يف روع الفىت حينئذ ينطبع يف قلبه مباشرة‪ ،‬فال متحوه‬
‫األيام وال اآلالم‪ ،‬والرسول ‪ -  -‬يردف ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬خلفه على محار‪ ،‬وهو‬
‫مسرور لكونه خلف خري اخللق على دابة واحدة‪ ،‬فيعلمه كلمات ال ينساها قلب الفىت‪ ،‬وال تنساها‬

‫‪39‬‬
‫األمة بأسرها من بعده‪' ..‬يا غالم إين أعلمك كلمات؛ احفظ اهلل حيفظك‪ ،‬احفظ اهلل جتده جتاهك‪،‬‬
‫إذا سألت فاسأل اهلل‪ ،‬وإذا استعنت فاستعن باهلل‪ ،‬واعلم أن األمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء‬
‫فلن ينفعوك إال بشيء قد كتبه اهلل لك‪ ،‬وإن اجتمعوا على أن يضروك فلن يضروك إال بشيء قد‬
‫كتبه اهلل عليك‪ ،‬رفعت األقالم وجفت الصحف'‪.‬‬
‫وكذلك الرسول ‪ -  -‬يدرك الغالم قبل أن تنطبع العادات السيئة يف نفسه فيقول يف املوقف ذاته‬
‫سم اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬وكل بيمينك‪ ،‬وكل مما يليك'‪ ،‬فال‬ ‫الذي يرى فيه السلوك اخلاطئ‪' :‬يا غالم ّ‬
‫أبدا فيقول‪' :‬فما زالت تلك طعميت بعد'‪.‬‬ ‫ينساها الغالم ً‬
‫قصاصا‪:‬‬ ‫* كن ّ‬
‫للقصة سحر يف النفوس‪ ،‬فهي جتعل الطفل يغوص معها‪ ،‬ويعايش أبطاهلا‪ ،‬فعليك أيها األب وأنت‬
‫أيتها األم خاصة العناية برواية القصص لألوالد‪ .‬والقرآن الكرمي ثلثه من قصص األولني‪ ،‬والسنة‬
‫النبوية هبا الكثري من القصص النبوي الصحيح‪ ،‬واجعل هذه القصص للتدبر واالعتبار مث العمل‪،‬‬
‫ص ِهم ِعْبرةٌ ُأِلويِل اَأللْب ِ‬
‫اب}‪.‬‬ ‫وليست عند النوم فقط‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪{ :-‬لََق ْد َكا َن يِف قَ ِ‬
‫َ‬ ‫ص ْ َ‬ ‫َ‬
‫صبورا‪:‬‬
‫* كن ً‬
‫يف االستماع حلاجات ولدك ورغباته‪ ،‬واعلم أنك تتحدث مع طفل له حدود وقدرات عقلية حمدودة؛‬
‫فخاطبه على قدر عقله‪ ،‬وإمامك ‪ -  -‬حيتمل ويصرب على عائشة وهى متكئة على ظهره تنظر‬
‫للعب احلبشة‪ ،‬حىت قالت‪ :‬حىت أكون أنا الذي أسأمه‪ S،‬مث تعلّق ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬بقوهلا‪ :‬فاقدروا‬
‫قدر اجلارية احلديثة السن‪ ،‬احلريصة على اللهو‪.‬‬
‫* كن صاحبًا‪:‬‬
‫جدا يف نفس الولد‪،‬‬
‫أيها األب‪ ،‬أيتها األم‪ .‬فليكن كل منكما صاحبًا يكن ساحبًا‪ ،‬فللصحبة أثر عظيم ً‬
‫وجتعل قلبه كالصفحة البيضاء‪ :‬ينطبع عليها كل ما يريده األب واألم‪ ،‬وهذه الصحبة ليست منك‬
‫أيضا له؛ فأصدقاء السوء يهدمون ما تبنيه أنت أيها األب؛ فاشغل وقت‬ ‫للولد فقط‪ ،‬ولكن من غريك ً‬
‫ولدك بصحبتك له‪ ،‬واستيقظ قبل أن يُسرق طفلك وأنت عنه غافل‪ ،‬فصحبتك تدخل السرور على‬
‫قلبه‪ ،‬وجتعله حيكي لك كل أموره‪ S،‬وتصبح سريرته لك عالنية‪ ،‬فصاحبه وشجعه وامدحه‪ ،‬وأكثر من‬
‫الثناء عليه؛ فما ترك ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬صالة القيام بعدما مسع كلمة احلبيب ‪:-  -‬‬
‫'نعم الرجل عبد اهلل لو كان يصلى من الفجر'‪.‬‬
‫* كن مراقبًا‪:‬‬
‫تلق البذرة مث ترتكها وتذهب‪ ،‬وتقول‪ :‬ها أنا ذا زرعت‪ .‬ولكن انتظر احلصاد‪ ،‬فسوف‬ ‫أيها األب‪ ..‬ال ِ‬
‫تأيت من خلفك آفات الشر والفساد تأكل حمصولك قبل أن جتين مثاره‪ ،‬فكن مراقبًا يف أخالقه ‪-‬‬
‫وخاصة خلق الصدق ‪ -‬فالكذب أساس الرذائل‪ ،‬وملا أراد الرسول أن حيجب الرجل عن كل الشرور‬

‫‪40‬‬
‫قال‪' :‬ال تكذب'‪ .‬وكن مراقباً له يف أصدقائه ورفاقه‪ ،‬كن مراقبًا له يف تكوينه اجلسدي وخلواته‪ ،‬كن‬
‫على حذر أن يكون هناك من حياول هدم بنائك الذي بنيته يف سنني‪ ،‬مع دوام االستعانة باهلل ‪ -‬تعاىل‬
‫‪-‬أول وآخر األمر‪.‬‬
‫‪ http://www.islammemo.cc‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪41‬‬
‫الجليس الصالح‬
‫شوقي عبد الصادق‬
‫احلمد هلل الذي خلق فسوى وقدر فهدى‪ ،‬والصالة والسالم على النيب اجملتىب‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫فمجالسة الصاحلني فضيلة أمر اللَّه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬نبيه هبا‪ ،‬فقال ‪ -‬تعاىل ‪" :-‬واصرب نفسك مع الذين‬
‫يدعون رهبم بالغداة والعشي يريدون وجهه وال تعد عيناك عنهم تريد زينة احلياة الدنيا وال تطع من‬
‫أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطاً" [الكهف‪ ،]28 :‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪" :-‬وال تطرد‬
‫الذين يدعون رهبم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما‬
‫عليك من حساهبم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظاملني"‬
‫[األنعام‪.]52 :‬‬
‫فهذا أمر اللَّه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬لرسوله بأن يكون أوىل الناس باجملالسة هم الصاحلون‪ ،‬ومثل له أروع‬
‫األمثلة فقال فيما رواه أبو موسى األشعري‪« S:‬مثل اجلليس الصاحل واجلليس السوء كحامل املسك‬
‫ونافخ الكري فحامل املسك إما أن حيذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن جتد منه رحيًا طيبة»‪[ .‬اللؤلؤ‬
‫واملرحان ‪ ]1687‬وهذا احلديث يفيد أن اجلليس‬
‫الصاحل مجيع أحواله مع من جيالسه خري وبركة ونفع ومغنم‪ ،‬مثل حامل املسك الذي تنتفع مبا معه‪،‬‬
‫إما ٍ‬
‫هببة‪ ،‬أو بيع أو برائحة املسك اليت تنبعث منه‪.‬‬
‫مثار جمالسة الصاحلينأوالً‪ :‬ال يشقى هبم جليسهم‪:‬‬
‫فقد أخرج الشيخان من حديث أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪« :-  -‬إن هلل مالئكة يطوفون يف‬
‫قوما يذكرون تنادوا هلموا إىل حاجتكم»‪ .‬قال فيحفوهنم‬ ‫الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا ً‬
‫بأجنحتهم إىل السماء الدنيا‪ ،‬قال‪ :‬فيسأهلم رهبم وهو أعلم هبم ما يقول عبادي؟ قال‪ :‬يقولون‪:‬‬
‫يسبحونك ويكربونك وحيمدونك وميجدونك‪ .‬قال فيقول‪ :‬هل رأوين؟ قال‪ :‬فيقولون‪ :‬ال واهلل ما‬
‫متجيدا‬
‫وأشد لك ً‬ ‫رأوك‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬وكيف لو رأوين؟ قال‪ :‬يقولون‪ :‬لو رأوك كانوا أشد لك عبادة َّ‬
‫تسبيحا‪ ،‬قال‪ :‬فيقول‪ :‬فما يسألوين؟ قال‪ :‬يسألونك اجلنة‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬وهل رأوها؟ قال‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وأكثر لك‬
‫يقولون‪ :‬ال واهلل ما رأوها‪ ،‬قال‪ :‬يقول‪ :‬فكيف لو رأوها‪ ،‬قال‪ :‬يقولون لو أهنم رأوها كانوا أشد‬
‫حرصا وأشد هلا طلبًا وأعظم فيها رغبةً‪ ،‬قال‪ :‬فمم يتعوذون؟ قال‪ :‬يقولون من النار‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫عليها ً‬
‫يقول‪ :‬وهل رأوها‪ ،‬قال‪ :‬يقولون‪ :‬ال واهلل يا رب ما رأوها‪ ،‬قال‪ :‬يقول فكيف لو رأوها؟ قال‪:‬‬
‫فرارا وأش ّد هلا خمافةً‪ ،‬قال‪ :‬فيقول فأشهدكم أين قد غفرت هلم‪،‬‬ ‫يقولون‪ :‬لو رأوها كانوا أشد منها ً‬
‫قال‪ :‬يقول ملك من املالئكة‪ :‬فيهم فالن ليس منهم إمنا جاء حلاجة‪ .‬قال‪ :‬هم اجللساء ال يشقى هبم‬
‫جليسهم»‪[ .‬اللؤلؤ واملرجان ‪..]1722‬‬

‫‪42‬‬
‫قال القاضي عياض ‪ -‬رمحه اهلل ‪ِ :-‬ذ ْكُر اللَّه ضربان؛ ذكر بالقلب وذكر باللسان‪ ،‬وذكر القلب‬
‫نوعان‪:‬‬
‫أحدمها وهو أرفع األذكار وأجلها الفكر يف عظمة اللَّه وجالله وجربوته وملوكته وآياته يف مساواته‬
‫وأرضه‪.‬‬
‫والثاين ذكره بالقلب عند األمر والنهي؛ فيتمثل ما أمر به ويرتك ما هني عنه ويقف عما أشكل عليه‪،‬‬
‫جمردا فهو أضعف األذكار ولكن فيه فضل عظيم كما جاءت به األحاديث‪.‬‬ ‫وأما ذكر اللسان ً‬
‫انتهى‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حيشر املجالس للصاحلني معهم يف اآلخرة‪:‬‬
‫ُ‬
‫ففي الصحيحني من رواية أنس بن مالك أن رجالً من أهل البادية أتى النيب ‪ -  -‬فقال‪ :‬يا رسول‬
‫أحب اللَّه ورسوله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أعددت هلا إال أين ُ‬
‫ُ‬ ‫اللَّه مىت الساعة قائمة؟ قال‪« :‬وما أعددت هلا»‪ .‬قال‪ :‬ما‬
‫«إنك مع من أحببت»‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يستفاد من جمالسة الصاحلني علم وصالح وفقه‪ :‬فهذا موسى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬يقول للخضر‪:‬‬
‫"هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشداً" [الكهف‪ ،]66 :‬وهذا زكريا ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬يكفل‬
‫مرمي ويرتدد عليها يف احملراب فتثري فيه الرغبة يف الدعاء وطلب الولد من اللَّه ‪ -‬تعاىل ‪-‬الذي يعطي‬
‫بأسباب وبغري أسباب‪ ،‬ملا رأى عندها رزقًا يف غري ميعاده فسأهلا أىن لك هذا؟ قالت‪ :‬هو من اللَّه إن‬
‫اللَّه يرزق من يشاء بغري حساب‪.‬‬
‫فتوجه إىل ربه بالسؤال‪ :‬هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب يل من لدنك ذرية طيبة إنك مسيع‬
‫الدعاء [آل عمران‪:‬‬
‫‪.]38‬‬
‫رابعا‪ :‬اجلليس الصاحل يُذكر صاحبه باهلل‪:‬‬ ‫ً‬
‫وجيدد فيه َك َو ِام َن اإلميان ويوقظ التوكل واخلوف والرجاء وشاهد ذلك ما رواه الشيخان من حديث‬
‫أيب بكر رضي‬
‫اهلل عنه قال‪ :‬قلت للنيب ‪ -  -‬وأنا يف الغار‪ :‬لو أن أحدهم نظر حتت قدميه ألبصرنا‪ ،‬فقال‪« :‬ما‬
‫ظنك يا أبا بكر باثنني اللَّه ثالثهما؟ »‪.‬‬
‫وهؤالء أصحاب موسى عليه السالم يقولون له‪ :‬إنا ملدركون (‪ )61‬قال كال إن معي ريب سيهدين‬
‫[الشعراء‪.]62 ،61 :‬‬
‫خامسا‪ :‬اجلليس الصاحل رمبا كان سببًا يف خروجك من الدنيا على التوحيد واإلميان‪:‬‬ ‫ً‬
‫فقد أخرج البخاري عن أنس قال‪ :‬كان غالم يهودي خيدم النيب ‪ -  -‬فمرض فأتاه النيب ‪ -‬‬
‫‪ -‬يعوده فقعد عند رأسه‪ ،‬فقال له‪ :‬أسلم‪ ،‬فنظر إىل أبيه وهو عنده‪ ،‬فقال له‪ :‬أطع أبا القاسم ‪ -‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ ،-‬فأسلم‪ ،‬فخرج النيب ‪ -  -‬وهو يقول‪ :‬احلمد هلل الذي أنقذه من النار‪[ .‬فتح الباري‬
‫‪]3/136‬وذكره األلباين يف أحكام اجلنائز بزيادة قوله ‪ -‬عليه السالم ‪« :-‬فلما مات قال‪ :‬صلوا على‬
‫صاحبكم»‪[ .‬أحكام اجلنائز ص‪.]26‬‬
‫فأي فضل نال هذا الصيب اليهودي جبلوس النيب ‪ -  -‬عنده يف هذا الساعة احلرجة من عمره حىت‬
‫خرج من الدنيا باإلسالم وأنقذه اللَّه من النار‪.‬‬
‫واجلليس الصاحل قد يكون إنسانًا حيًا‪ ،‬وال يكون صاحلًا إال إذا كان ذا دين متمس ًكا بالكتاب والسنة‬
‫موحدا ربه كمال التوحيد‪.‬‬‫ً‬ ‫وبفهم سلف األمة‬
‫وإصالحا كتاب اللَّه ‪ -‬تعاىل ‪-‬وما صح عن نبينا ‪-‬‬
‫ً‬ ‫صالحا‬
‫ً‬ ‫وقد يكون كتابًا‪ ،‬وأمسى الكتب وأعالها‬
‫‪ - ‬من سنة قولية أو فعلية أو تقريرية أو تركية‪.‬‬
‫حسن‬
‫وقد يكون هذا اجلليس شيًئا معنويًا ال يرى وال يسمع ولكنه يؤثر يف جليسه ويظهر عليه ُ‬
‫اجملالسة وشاهد‬
‫ذلك حديث الصحيحني من رواية أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول اللَّه ‪« :-  -‬سبعة يظلهم اللَّه يف‬
‫ظله يوم ال ظل إال ظله‪ ،‬وكان آخرهم ورجل ذكر اللَّه خاليًا ففاضت عيناه»‪[ .‬اللؤلؤ واملرجان برقم‬
‫‪ ]61‬ولنا أن نتخيل من هو فليس الرجل السابع إنه ذكر اللَّه بالتفكر والقلب واللسان الذي عاش‬
‫معه فرتة من الوقت فأثر فيه حىت‬
‫فاضت عيناه شوقًا إىل مواله ورجاءً يف ثوابه ورضاه وخوفًا من عذابه وأذاه‪.‬‬
‫وصلى اللَّه وسلم على نبينا حممد‪.‬‬
‫‪ http://www.altawhed.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪44‬‬
‫تنمية الذات بمخالطة الصالحين‬
‫إمساعيل رفندي‬
‫ين يَ ْدعُو َن َربَّ ُهم بِالْغَ َد ِاة‬ ‫َّ ِ‬
‫ك َم َع الذ َ‬ ‫اصرِب ْ نَ ْف َس َ‬
‫{و ْ‬‫وحنسن حديثنا بقول اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪َ :-‬‬ ‫نبارك ٌ‬
‫يدو َن َو ْج َههُ} [سورة الكهف‪]28 :‬‬ ‫َوالْ َع ِش ِّي يُِر ُ‬
‫أمر من اخلالق ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬ملعية ومعايشة الذين يعبدونه وحيبونه يف مجيع األحوال‪ .‬ويف آية‬
‫ًأخرى يذكرنا القرآن اجمليد ويأمرنا أن نكون يف دائرة الصادقني وذلك بعد اإلميان والتقوى‪ S.‬هلذه‬
‫الضرورة بني اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬النتائج احلقيقية هلذه املخالطة والصداقة واملعايشة‪ِ .‬‬
‫{اَأْلخاَّل ء‬
‫ِ‬ ‫ض ُه ْم لَِب ْع ٍ‬ ‫ِئ ٍ‬
‫ني} وال شك يف إظهار وإعالن النتائج {يوم ال ينفع مال وال‬ ‫ض َع ُد ٌّو ِإاَّل الْ ُمتَّق َ‬ ‫َي ْو َم ذ َب ْع ُ‬
‫الرس ِ‬
‫ول‬ ‫ت َم َع َّ ُ‬ ‫ض الظَّامِلُ َعلَى يَ َديِْه َي ُق ُ‬
‫ول يَا لَْيتَيِن اخَّتَ ْذ ُ‬ ‫{و َي ْو َم َي َع ُّ‬
‫بنون الّ من أتى اهلل بقلب سليم}‪َ ,‬‬
‫ِإ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذ ْك ِر َب ْع َد ِإ ْذ َجاءيِن َو َكا َن الشَّْيطَا ُن‬ ‫َسبِيالً * يَا َو ْيلَىَت لَْيتَيِن مَلْ َأخَّت ْذ فُاَل ناً َخليالً * لََق ْد َ‬
‫َأضلَّيِن َع ِن ِّ‬
‫ان َخ ُذوالً}‪.‬‬ ‫لِِإْل نس ِ‬
‫َ‬
‫من هنا نعلم‪:‬‬
‫‪ -‬أن اإلنسان ال يستغين من غريه وال يستغين من صديق صادق صاحل‪ .‬إذاً يأيت دور اجملالسة الدائمة‬
‫واهلادفة‪,‬‬
‫و جيب علينا االختيار الصائب؛ ألن جمالسة الصاحلني من عباد اهلل سبيل إىل االلتزام ومن مث سبيل إىل‬
‫املكث حتت عرشه مث إىل اجلنة‪.‬‬
‫إن ما قاله النيب ‪ -  -‬يف حق اجلليس يعترب أوضح دليل على مسائل النفع والضرر املتعلقة بنوع‬
‫اجلليس؛ حيث يقول ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪( :-‬إمنا مثل اجلليس الصاحل وجليس السوء كحامل‬
‫املسك ونافخ الكري‪ ،‬فحامل املسك إما أن حيذيك‪ ،‬وإما أن تبتاع منه‪ ،‬وإما أن جتد منه رحياً طيبة‪،‬‬
‫قسم الرسول ‪ -  -‬نوعية اجلليس‬ ‫ونافخ الكري‪ ،‬إما أن حيرق ثيابك‪ ،‬وإما أن جتد منه رحياً خبيثة) ّ‬
‫إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬اجلليس الصاحل‪:‬‬
‫‪ -‬وهو كحامل املسك حيذيك و مينحك ملا عنده من علم ومعرفة وخلق حسن‪.‬‬
‫‪ -‬ويدلك على مواطن اخلري والصالح‪.‬‬
‫‪ -‬وال يؤذيك بشيء‪.‬‬
‫‪ -‬ويذكرك باهلل‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬اجلليس السوء‪:‬‬
‫‪ -‬وهو كنافخ الكري‪.‬‬
‫‪ -‬يعرضك للمخاطر واملخاوف‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ -‬يدفعك حنو الفساد والزالت‪.‬‬
‫‪ -‬فإنه يريد أن حيرقك كما حيرق نفسه‪.‬‬
‫يشوه مسعتك‪.‬‬
‫‪-‬و ّ‬
‫‪ -‬وباالستمرارية يؤثر يف السلوك حىت يطبع احنرافاته طبائع عندك‪.‬‬
‫واعلم أخي احلبيب أن « الطبع يسرق » كما قال ابن اجلوزي يف كتابه صيد اخلاطر‪ " :‬ما رأيت‬
‫أكثر أذى املؤمن من خمالطة من ال يصلح ‪ ،‬فإن الطبع يسرق ‪ ،‬فإن مل يتشبه هبم ومل يسرق منهم فرت‬
‫عن عمله " إذا من قال ال أتأثر مبخالطة الطاحلني وال أتطبع مبجالسة السيئني فقد أخطأ ؛ ألن الصحبة‬
‫السيئة باستمرارية ترتك على أغوار النفس وبنفخ من املثري أو من الشيطان يقع فيما وقع فيه الطاحل‬
‫نفسه‪ ،‬ومبقدار تأثره السليب السيء يبتعد عن جمالسة الصاحلني ونور احلقيقية‪.‬‬
‫ال شك أن اجلليس يستأنس جبليسه‪ ،‬ويرتاح برؤيته‪ ،‬ويتطبع بطبعه‪ ،‬ويبدأ مبسرية اخللة والصداقة معه؛‪S‬‬
‫لذا ال بد من احلذر اجلدي يف هذه املسألة بني اخلطني اإلجيايب والسليب ‪ ,‬أو بني جليس السوء‬
‫واجلليس الصاحل؛ ألن هذه املسألة كلها تصب يف مصب الصحبة وكيفية االستفادة منها‪.‬‬
‫لذا حذرنا الرسول ‪ -  -‬يف كيفية اختيار الصديق؛ ألن له احلظ األوفر يف صحبة املرء حني يقول‬
‫(املرء على دين خليله‪ ،‬فلينظر أحدكم من خيالل) يف هذا احلديث الشريف عدة فوائد وأحكام حول‬
‫مسألة اخللة وصحبة الصاحلني‪:‬‬
‫‪ -1‬ال بد للمرء املؤمن أن يبحث عن صاحب صاحل‪.‬‬
‫‪ -2‬بيان مدى التأثري املتبادل بني األصحاب‪.‬‬
‫‪ -3‬إمكانية حتول الصديق حنو صديقة‪.‬‬
‫‪ -4‬ويعترب اخللة من األسباب الرئيسية لرضى اهلل ‪ -‬سبحانه ‪.-‬‬
‫‪ -5‬ال بد من التقييم الشرعي للصديق حسب فهم احلديث (فلينظر أحدكم من خيالل)‪.‬‬
‫مثرات صحبة الصاحلني‪:‬‬
‫* كلما كان الصاحب أكثر استقامة ازدادت الثمرات والفوائد‪ ،‬لذا فالثمرات على قدر الصحبة‬
‫ووفق موازين الصالح منها‪:‬‬
‫‪ -1‬تأليف القلوب ‪.‬‬
‫وذلك وفق قول الرسول ‪( :-  -‬األرواح جنود جمندة فما تعارف منها ائتلف‪ ،‬وما تناكر منها‬
‫اختلف)‪.‬‬
‫يف)‪.‬‬
‫يف‪ ،‬واملتباذلني َّ‬
‫يف‪ ،‬واملتزاورين َّ‬
‫يف‪ ،‬واملتجالسني َّ‬
‫ويف احلديث القدسي‪( :‬وجببت حمبيت للمتحابني َّ‬
‫‪ -2‬التصحيح والتقومي املستمر ‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وذلك عن طريق التواصي والنصيحة وإرادة اخلري‪ ،‬ولذلك يقول الرسول ‪( :-  -‬املؤمن مرآة‬
‫يكف عنه ضيعته وحيوطه من ورائه)‪.‬‬ ‫أخيه‪ ،‬واملؤمن أخو املؤمن‪ُّ ،‬‬
‫‪ -3‬االقتداء ‪.‬‬
‫وهو أمر ضروري لكل إنسان يتخذ قدوة من الصاحلني‪ ،‬وعلى رأسهم رسول اهلل‪ -‬صلى عليه‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وسلم‪{ :-‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل خَر َوذَ َكَر اللَّهَ‬
‫َكثِرياً}‪ ،‬وأيضاً أن يصبح قدوة للغري يف الصالح وااللتزام واإلجيابية‪ ،‬وال تتحقق هذه املسألة إالّ‬
‫مبخالطة الصاحلني وجمالستهم‪.‬‬
‫آداب مع الصاحلني‪:‬‬
‫‪ -1‬االلتزام بآداب الشرع وما أكد عليه الشرع بني األخوة ويف جمالس الصاحلني‪.‬‬
‫‪ -2‬االلتزام باألخالق الفاضلة مثل‪:‬‬
‫‪ -‬خفض اجلناح‪.‬‬
‫‪ -‬االبتسامة الصادقة‪.‬‬
‫‪ -‬سعة صدر‪.‬‬
‫‪ -‬السيطرة على النفس‪.‬‬
‫‪ -‬اخلطاب الصادق‪.‬‬
‫‪ -‬االلتزام بالوعود‪.‬‬
‫‪ -3‬التماس األعذار‪ ،‬والتعامل مع أخطائهم بلطف‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم اإلصابة باحلساسية النفسية وجتنب سوء الظن‪.‬‬
‫‪ -5‬جتنب الغل واحلذر من احلسد‪.‬‬
‫‪ -6‬جتنب القطيعة معهم‪.‬‬
‫‪ -7‬الزم الصفح وكن من العافني عن الناس‪.‬‬
‫‪ -8‬جتنب عن كشف أسرارهم‪.‬‬
‫‪ -9‬مشاركتهم يف أفراحهم وأحزاهنم‪.‬‬
‫اللهم اجعلنا منهم‪S...‬‬
‫‪19-11-2005‬‬
‫‪ http://islameiat.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪47‬‬
‫تنبيه األذكياء بأهمية اإلقتداء‬
‫حممد حسن يوسف‬
‫تعاين األجيال الشابة من املسلمني اليت حتيا يف ظل الصحوة اإلسالمية املباركة من غياب القدوة‪ .‬فهذه‬
‫األجيال حتيا اآلن يف ظل الدروس النظرية لعظمة اإلسالم وريادة أجياله األوىل جملاالت احلياة املختلفة‪.‬‬
‫إال أهنا حينما تتجه بناظريها إىل الواقع املعاش‪ ،‬فال جتد من تقتدي أو تتأسى هبم‪ ،‬وال جتد إال حفنة‬
‫من أرباب املادية العلمانية الذين مت متجيدهم وتزيينهم للناس‪ ،‬وتقدميهم يف صورة النماذج اليت جيب‬
‫أن يسري الناس وفقا خلطاها‪.‬‬
‫فلماذا نرتك القدوات املعصومة من األنبياء واملرسلني الذين يزخر هبم كتاب اهلل العزيز؟ وملاذا نرتك‬
‫شبابنا يتخذ من املهرجني والعابثني واملغنني والالعبني قدوات هلم‪ ،‬ويرتكوا هذا املعني الضخم الذي‬
‫ال ينضب من القدوات الذين يزخر هبم تارخينا اإلسالمي‪ ،‬من صحابة الرسول ‪ -  -‬والتابعني؟!‬
‫أسباب تراجع القدوات اإلسالمية‪:‬‬
‫* عدم العلم هبذه الشخصيات‪ ،‬وجوانب عظمتها‪ ،‬وكيفية اإلقتداء هبا‪ .‬ذلك أن أجيال املسلمني‬
‫ُشغلت طوال سنوات الدراسة وهي طويلة مبا فيه الكفاية ‪ -‬باستذكار شخصيات بعينها منتقاة بعناية‬
‫وكأهنا هي الشخصيات اليت جيب عليها اإلقتداء هبا‪.‬‬
‫* الرتكيز اإلعالمي بوسائله املختلفة ‪ -‬سواء املشاهدة أم املقروءة أم املسموعة ‪ -‬بتسليط األضواء‬
‫على مثل هذه الشخصيات حاليا (اليت حتتل مكان الصدارة يف جماالت التمثيل والغناء والرياضة)‪،‬‬
‫وكأن ثوابت اجملتمع قد تغريت‪ .‬ففي بداية القرن املاضي وحينما بدأت تظهر السينما يف مصر‪ ،‬كان‬
‫البد من وجود ممثلني‪ .‬ويف ظل اجملتمع احملافظ يف ذلك الوقت‪ ،‬كان هؤالء يوصفون (باملشخصاتية)‪،‬‬
‫وترفض األسر الكرمية االرتباط هبم أو اإلقتداء هبم‪ .‬وكانوا يُنعتون بأخس الصفات وأقبحها‪ .‬ويف ظل‬
‫توايل عمليات التجهيل بأصول الدين‪ ،‬وبسري أعالم اإلسالم‪ ،‬تغريت نظرة اجملتمع هلذه الفئة لتحتل‬
‫مركز الصدارة‪ ،‬وتصبح حمط أنظار اجلميع يف اإلقتداء هبم والوصول إىل " مكانتهم " املزعومة‪.‬‬
‫وتبعتها يف ذلك الفئة اليت تعمل يف جمال الغناء والرياضة‪.‬‬
‫* يف ظل تغري الثوابت املادية للمجتمع‪ ،‬حبيث أصبح رجل الدين ال يتعدى راتبه العشرات من‬
‫اجلنيهات‪ ،‬يف حني حيظى صاحب املواهب الفذة " املزعومة " باآلالف من اجلنيهات‪ ،‬حتولت نظرة‬
‫اجملتمع حنو هذه الفئة‪ ،‬وأصبح اجلميع يتهافت على الدخول يف هذه اجملاالت " املرحبة " للغاية!!‬
‫القدوة يف القرآن والسنة‪:‬‬
‫أكثر القرآن الكرمي واحلديث النبوي من ضرب األمثلة املتكررة لنماذج من البطوالت‪ ،‬لكي تظل‬
‫منوذجا حيا يُطلب من املسلمني اإلقتداء هبم يف حياهتم‪ ،‬والسري على هنجهم‪ .‬ولنأخذ أمثلة على ذلك‪:‬‬
‫ين َه َدى اللَّهُ فَبِ ُه َد ُاه ْم ا ْقتَ ِد ِه "[ األنعام‪90 :‬‬ ‫فقد قال ‪ -‬تعاىل ‪-‬لرسوله الكرمي ‪ُ " :-  -‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬

‫‪48‬‬
‫]‪ .‬أي يطلب منه ‪ -  -‬أن يقتدي مبن سبقه من الرسل يف حتمل مشاق الدعوة إىل اهلل والصرب‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن‬ ‫ِ ِ‬
‫عليها‪ .‬كما قال ‪ -‬تعاىل ‪ -‬خماطبا املسلمني‪ " :‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫آلخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِ ًريا "[ األحزاب‪ .] 21 :‬فهنا يطلب اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬من املسلمني‬ ‫يرجو اللَّه والْيوم اْ ِ‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬
‫أن تظل سرية الرسول ‪ -  -‬حمط أنظارهم ال حييدون عنها ويقتدون هبا يف كافة جماالت حياهتم‪.‬‬
‫ِ ِ ِ ِإ‬ ‫ِإ‬ ‫وقال ‪ -‬تعاىل ‪ " :-‬قَ ْد َكانَت لَ ُكم ُأسوةٌ حسنةٌ يِف ِإبر ِاه َّ ِ‬
‫ين َم َعهُ ْذ قَالُوا ل َق ْومه ْم نَّا بَُرآءُ‬ ‫يم َوالذ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ ْ ْ َ َ ََ‬
‫ضاءُ َأبَ ًدا َحىَّت ُتْؤ ِمنُوا بِاللَّهِ‬ ‫ِمْن ُكم ومِم َّا َتعب ُدو َن ِمن د ِ ِ‬
‫ون اللَّه َك َف ْرنَا بِ ُك ْم َوبَ َدا َبْيَننَا َو َبْينَ ُك ْم الْ َع َد َاوةُ َوالَْب ْغ َ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ َ ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ ل َم ْن َكا َن َي ْر ُجوا اللَّهَ‬ ‫َو ْح َدهُ "[ املمتحنة‪ .] 4 :‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪ " :-‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم في ِه ْم ْ‬
‫آلخَر " [ املمتحنة‪ .] 6 :‬فيطلب اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬منا ضرورة اإلقتداء باألنبياء والفئات املؤمنة‬ ‫والْيوم اْ ِ‬
‫َ َْ َ‬
‫اليت كانت معهم‪ ،‬إذ إن النجاة يف هذا اإلتباع‪.‬‬
‫وجاء يف احلديث الشريف عن جرير بن عبد اهلل البجلي‪ - ،‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬‬
‫‪ :- ‬من سن يف اإلسالم سنة حسنة فله أجرها‪ ،‬وأجر من عمل هبا بعده‪ ،‬من غري أن ينقص من‬
‫أجورهم شيء‪ ،‬ومن سن يف اإلسالم سنة سيئة كان عليه وزرها‪ ،‬ووزر من عمل هبا من بعده‪ ،‬من‬
‫غري أن ينقص من أوزارهم شيء‪.‬‬
‫ويف رواية للرتمذي‪ :‬من سن سنة خري فاُتبع عليها‪ ،‬فله أجره‪ ،‬ومثل أجور من اتبعه‪ ،‬غري منقوص من‬
‫أجورهم شيئا‪ ،‬ومن سن سنة شر‪ ،‬فاُتبع عليها‪ ،‬كان عليه وزره ومثل وزر من تبعه‪ ،‬غري منقوص من‬
‫أوزارهم شيئا‪]1[ .‬‬
‫واحلديث هبذا السياق من األحاديث اليت وقع خطأ يف فهمها لدى كثري من الناس الذين ابتلوا‬
‫باألهواء والبدع‪ ،‬إذ أصبح ميثل السند الشرعي لكل من أراد أن يُدخل يف الدين ما ليس فيه‪ .‬فالسنة‬
‫احلسنة ليست بدعة يف الدين‪ ،‬وليست أمرا حمدثا يف اإلسالم‪ ،‬وليست إضافة على السنة‪ ،‬أو اخرتاعا‬
‫يف العبادة‪ ،‬وال فيما ال مَيُت للدين بصلة‪ ]2[ .‬ولعل الرواية اليت ساقها مسلم والنسائي تفسر لنا‬
‫سياق احلديث حىت ال خنطئ فهمه‪:‬‬
‫فعن جرير ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬قال‪ :‬كنا عند رسول اهلل ‪ ،-  -‬فجاءه قوم عراة جمتايب النمار‪ ،‬أو‬
‫العباء‪ ،‬متقلدي السيوف‪ ،‬عامتهم من مضر‪ S،‬بل كلهم من مضر فتمعر وجه الرسول ‪ -  -‬ملا رأى‬
‫َّاس‬
‫هبم من الفاقة‪ ،‬فدخل‪ ،‬مث خرج‪ ،‬فأمر بالالً‪ ،‬فأذن وأقام فصلى‪ ،‬مث خطب‪ ،‬فقال‪ " :‬يَا َأيُّ َها الن ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اح َد ٍة وخلَق ِمْنها زوجها وب َّ ِ‬ ‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ث مْن ُه َما ر َجاالً َكث ًريا َون َساءً‬ ‫َ َ َ َ َْ ََ ََ‬ ‫َّات ُقوا َربَّ ُك ْم الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫َألر َح َام ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا "[ النساء‪ .] 1 :‬واآلية اليت يف‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َو َّات ُقوا اللَّهَ الَّذي َتتَ َساءَلُو َن به َواْ ْ‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِريٌ مِب َا َت ْع َملُو َن‬ ‫َّم ْ‬
‫س َما قَد َ‬ ‫َّ‬
‫ين َآمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولَْتْنظُْر َن ْف ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫احلشر‪ " :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫"[ احلشر‪ .] 18 :‬تصدق رجل من ديناره‪ ،‬من درمهه‪ ،‬من ثوبه‪ ،‬من صاع بره‪ ،‬من صاع متره‪ ،‬حىت‬
‫قال‪ :‬ولو بشق مترة‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫بصرة‪ ،‬كادت كفه تعجز عنها‪ ،‬بل قد عجزت‪ .‬قال‪ :‬مث تتابع الناس‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فجاء رجل من األنصار ُ‬
‫حىت رأيت كومني من طعام وثياب‪ ،‬حىت رأيت وجه رسول اهلل ‪ -  -‬هتلل كأنه ُم ْدهنة‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل ‪ :-  -‬من سن يف اإلسالم‪....‬احلديث‪S.‬‬
‫قال النووي [‪ :]3‬قوله‪( :‬النمار)‪ :‬ثياب صوف‪ ،‬و(العباء)‪ :‬مجع عباءة‪ .‬وقوله‪( :‬جمتايب النمار)‪ :‬أي‪:‬‬
‫خرقوها وقوروا وسطها‪ .‬قوله‪( :‬فتمعر وجه رسول اهلل ‪ :)-  -‬أي‪ :‬تغري‪ .‬وقوله (مذهبة) ضبطوه‬
‫بوجهني‪ :‬أحدمها‪( :‬مذهبة)[‪ :]4‬أي‪ :‬فضة مذهبة‪ ،‬فهو أبلغ يف حسن الوجه وإشراقه‪ ،‬والثاين‪ :‬شبهه‬
‫يف حسنه ونوره باملذهبة من اجللود‪ ،‬ومجعها مذاهب‪ ،‬وهي شيء كانت العرب تصنعه من جلود‪،‬‬
‫وجتعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها أثر البعض‪ .‬والثاين‪( :‬مدهنة)‪ :‬املدهن‪ :‬اإلناء الذي يدهن فيه‪،‬‬
‫وهو أيضا اسم للنقرة يف اجلبل اليت يستجمع فيها ماء املطر; فشبه صفاء وجهه الكرمي بصفاء هذا‬
‫املاء‪ ،‬وبصفاء الدهن واملدهن‪ .‬وقوله‪( :‬من سن يف اإلسالم سنة حسنة فله أجرها) إىل آخره‪ ،‬فيه‪:‬‬
‫احلث على االبتداء باخلريات وسن السنن احلسنات‪ ،‬والتحذير من اخرتاع األباطيل واملستقبحات‪،‬‬
‫وسبب هذا الكالم يف هذا احلديث أنه قال يف أوله‪( :‬فجاء رجل بصرة كادت كفه تعجز عنها‪،‬‬
‫فتتابع الناس)‪ ،‬وكان الفضل العظيم للبادي هبذا اخلري‪ ،‬والفاتح لباب هذا اإلحسان‪.‬‬
‫أمهية وجود القدوة يف حياتنا‪:‬‬
‫وألمهية القدوة يف حياة البشر‪ ،‬حاول األعداء ‪ -‬أثناء فرتات استعمارهم [‪ ]5‬لبالدنا ‪ -‬ومن سار‬
‫على هنجهم طمس مجيع صور البطوالت الفذة يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬سواء يف صدره أو فيما بعد‪.‬‬
‫ودأب من سار على هنجهم على تشويه صور قادة اإلسالم العظام يف أعماهلم سواء املنشورة يف‬
‫الكتب أو اجملالت أو اجلرائد‪ ،‬أو املعروضة يف غريها من أجهزة اإلعالم األخرى‪ .‬وإال فلماذا يُصور‬
‫الصراع فيما بني الصحابة منذ وفاة الرسول ‪ -  -‬هبذا احلجم من الضخامة؟!! وما احلكمة من‬
‫تصوير الفتنة اليت وقعت بني رموز اإلسالم يف ذلك احلني وإبرازها على ما عداها من أعمال جليلة‬
‫متيزت هبا أعماهلم حينذاك؟!!‬
‫ولكي تكتمل حلقات املخطط‪ ،‬فقد مت فرض وجوه باهتة لتتصدر أجهزة اإلعالم املختلفة حبيث‬
‫تكون حمورا حلديث الناس عنها ليل هنار‪ .‬وحىت يكون لألمر قوته وتأثريه‪ ،‬مت إضفاء هاالت كبرية‬
‫حول شخصيات بعينها‪ ،‬حىت يصعب نقدها‪ ،‬ويتخذها الناس مثال عليا ال يستطيع أحد جترحيها أو‬
‫الطعن عليها‪ .‬فاُخرتعت أمساء كبرية‪ ،‬مثل‪ " :‬عميد األدب العريب "‪ ،‬و "كوكب الشرق "‪ ،‬و"‬
‫العندليب األمسر "‪ S...‬اخل‪.‬‬
‫على أنه ينبغي معرفة أن مركز القدوة حساس دقيق جدا‪ ،‬وجيب أال يوضع فيه إال من كان مستعدا‬
‫لألخذ بالعزمية‪ ،‬والبعد عن الرخص‪ ،‬وإال من كان يغلب عليه اجلد والزهد والتجرد‪ ،‬ويشتاق إىل‬
‫التعب والبذل‪ ،‬ألنه إمام ملن حوله يقلدونه‪ ،‬والبد أن يكون فعله أبلغ يف التعبري عن عقيدته ومعاين‬

‫‪50‬‬
‫هم إمام مصر‪ S،‬الليث بن سعد‪،‬‬ ‫دعوته من قوله‪ ،‬ألن املنظر أعظم تأثريا من القول‪ .‬ومن ها هنا ملا ّ‬
‫بفعل مفضول ينايف العزمية‪ ،‬قال له إمام املدينة‪ ،‬حييي بن سعيد األنصاري‪ " S:‬ال تفعل! فإنك إمام‬
‫منظور إليك "‪]6[ .‬‬
‫ومن هنا نفهم سر حكمة السيدة أم سلمة زوج رسول اهلل ‪ ،-  -‬ملا دخل إليها غاضبا من عدم‬
‫تنفيذ الصحابة ألمره بذبح هديهم وحلق شعورهم للتحلل من اإلحرام بعد إبرام صلح احلديبية مع‬
‫أحدا منهم حىت تنحر بدنك‪ ،‬وحتلق شعرك "‪.‬‬ ‫قريش‪ ،‬حيث قالت له‪ " :‬يا نيب اهلل! اخرج وال تكلم ً‬
‫غما‪ ]7[ .‬فهنا كان فعل‬‫بعضا ً‬‫ففعل‪ .‬فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا‪ ،‬حىت كاد بعضهم يقتل ً‬
‫النيب ‪ -  -‬له أكرب األثر يف تقليد الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ ،-‬وامتثاهلم ألمره‪.‬‬
‫سبل العالج‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلكثار من عرض مناذج للقدوات الفذة اليت يزخر هبا تارخينا‪ ،‬حىت تكون بطوالهتم وأعماهلم‬
‫نصب أعيننا‪ ،‬حناول اإلقتداء هبا والوصول إليها‪ .‬ونعرض فيما يلي بعض األمثلة لذلك‪]8[ :‬‬
‫* كان أبو إسحاق الشريازي العامل الفقيه يكرر كل درس مائة مرة‪ ،‬ويكرر السطر الواحد من القياس‬
‫ألف مرة‪.‬‬
‫علي كتاب‪ ،‬فكررته أربعني مرة‪.‬‬‫* قال الفارايب‪ :‬صعب ّ‬
‫* مكث الشيخ حممد األمني الشنقيطي املفسر يف مسألة واحدة من صالة العشاء إىل صالة الظهر من‬
‫اليوم الثاين يف جلسة واحدة‪.‬‬
‫* سافر جابر بن عبد اهلل شهرا كامال يف طلب حديث واحد‪.‬‬
‫* جرب مكتشف الكهرباء توماس أديسون مخسة آالف بطارية أخطأ فيها كلها‪ ،‬قبل أن يكتشف‬
‫التجربة الصحيحة‪.‬‬
‫* أقسم املعتصم ال يغشى رأسه ماء من جنابة حىت خيوض معركة عمورية‪.‬‬
‫* كان سعيد بن املسيب إذا انتصف الليل أقام الليل ال ينام حىت الصباح‪.‬‬
‫* كان ابن تيمية إذا صعبت عليه مسألة استغفر اهلل ألف مرة فيفتحها اهلل عليه‪.‬‬
‫* صلى سعيد بن املسيب ستني سنة ما فاتته تكبرية اإلحرام يف املسجد‪.‬‬
‫* مكث عطاء بن رباح ثالثني سنة ال ينام إال يف املسجد طلبا للعلم‪.‬‬
‫* ختم عبد اهلل بن إدريس القرآن يف زاوية بيته أربعة آالف مرة‪.‬‬
‫* كان خالد بن معدان يسبح اهلل كل يوم مائة ألف مرة‪.‬‬
‫* قال ابن اجلوزي‪ :‬طالعت يف شبايب أكثر من عشرين ألف جملد‪.‬‬
‫* قال ابن معني‪ S:‬لو مل نكتب احلديث مخسني مرة ما حفظناه‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫* ذكر الذهيب أن ابن عطية احمل ّدث األندلسي كرر يف حياته صحيح البخاري سبعمائة مرة‪ S،‬وقرأ‬
‫املزين الرسالة للشافعي مخسمائة مرة‪ ،‬وقرأ النيسابوري صحيح مسلم مائة مرة‪S.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إعداد الدعاة إعدادا سليما شامال لتحمل مسئولية الدعوة وقيادة األمة معا‪ ،‬حبيث أال يتبوأ عرش‬
‫الدعوة إال من تتوافر فيهم الصفات املثلى اإلسالمية‪ .‬ولننظر كيف كان حال الدعاة فيما مضى‪،‬‬
‫حينما كانت األمة يف عزها وقوهتا‪ :‬يف عهد السلطان (سليمان القانوين) ُأعلن عن وظيفة إمام مسجد‬
‫خالية‪ ...‬أتدرون ماذا كانت الشروط املطلوبة يف اختيار املرشح؟!‬
‫‪ -1‬أن جييد اللغة العربية والرتكية والفارسية والالتينية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون دارسا وفامها للقرآن الكرمي واإلجنيل والتوراة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون عاملا يف الشريعة والفقه والسرية النبوية وتاريخ اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون عاملا يف الرياضة والطبيعة‪.‬‬
‫‪ -5‬أن جييد ركوب اخليل واملبارزة بالسيف للجهاد‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يكون حسن املظهر‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يكون مجيل الصوت‪.‬‬
‫‪ -8‬قبل هذا وبعده‪ :‬أن يكون قدوة حسنة وأسوة صاحلة‪.‬‬
‫هذه هي الشروط املطلوب توافرها يف الداعية كما جاء ذلك يف اإلعالن الرتكي قبل أربعمائة سنة!!‬
‫[‪]9‬‬
‫ثالثا‪ :‬ويرتبط مبا سبق‪ ،‬ضرورة مطابقة العلم للعمل بالنسبة ملن يتصدى للعمل يف جمال الدعوة‪.‬‬
‫فالعمل متمم للعلم‪ ،‬فهو مثرة العلم‪ ،‬ودليل على صدق الداعية‪ .‬ولعل هذا هو السر يف عقم جهد‬
‫بعض الدعاة‪ .‬إنه طيلة حياته يتكلم دون أن يرى أثرا يذكر من تغري اجتماعي أو تغيري يف األفراد‪.‬‬
‫ين آَ َمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما َال‬ ‫َّ ِ‬
‫وخلطورة خمالفة القول الفعل‪ ،‬حذرنا اهلل منه‪ ،‬فقال ‪ -‬تعاىل ‪ " :-‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫َت ْف َعلُو َن * َكُبَر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما َال َت ْف َعلُو َن "[ الصف‪]10[ .] 3-2 :‬‬
‫رابعا‪ :‬تصميم برامج وأفالم ختاطب فئة األطفال واملراهقني يتم بثها على الفضائيات اإلسالمية‪.‬‬
‫فاألطفال واملراهقون هم أكثر الفئات العمرية احتياجا لوجود القدوة يف حياهتم‪ ،‬نظرا الحتياجهم‬
‫الشديد يف هذه املرحلة العمرية ملن يقلدونه‪ .‬كما أهنم أكثر املراحل العمرية تأثرا مبن يقتدون به‪.‬‬
‫وحيث إن الساحة تزخر حاليا بوجود أفالم الكارتون الغربية اليت تريب األطفال على عادات وقيم‬
‫الغرب‪ ،‬فإننا حباجة لوجود مثل هذه النماذج اإلسالمية يف حياتنا‪.‬‬
‫‪----------------‬‬
‫[‪ ]1‬صحيح‪ .‬رواه مسلم يف صحيحه (‪ )1017/69‬و(‪ )1017/70‬و(‪ ،)1017/71‬والنسائي يف‬
‫سننه (‪ .)2553‬والرواية األوىل هي رواية مسلم‪ ،‬ويف أخرى له‪ :‬قال‪ " :‬جاء ناس من األعراب إىل‬

‫‪52‬‬
‫رسول اهلل ‪ ،-  -‬عليهم الصوف‪ ،‬فرأى سوء حاهلم‪ S...‬فذكر مبعناه "‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬وأخرج‬
‫النسائي الرواية األوىل‪ ،‬وليس عنده‪ " :‬جُم تايب النمار‪ ،‬أو العباء "‪ ،‬وزاد " حفاة "‪ ،‬وقال‪ " :‬مذهبة "‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬جامع األصول يف أحاديث الرسول ‪ :-  -‬ح [‪ .544-6/543 ،]4663‬أما الرواية‬
‫الثانية فقد رواها الرتمذي يف سننه وصححها (‪ ،)2675‬وابن ماجه يف سننه (‪ ،)202‬وانظر جامع‬
‫األصول يف أحاديث الرسول ‪ :-  -‬ح [‪ .9/523 ،]7319‬واحلديث صححه األلباين يف‬
‫صحيح اجلامع الصغري وزيادته‪.6305 ،‬‬
‫[‪ ]2‬د‪ /‬عمر عبد العزيز‪ ،‬أحاديث مقلوبة بني تأويل اجلاهلني وانتحال املبطلني‪ ،‬ص‪.37 :‬‬
‫[‪ ]3‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.113-4/112 :‬‬
‫[‪ ]4‬قال السيوطي يف حاشيته على سنن النسائي (‪( :)5/79‬كأنه مذهبة)‪ :‬قال يف النهاية‪ :‬فإن‬
‫صحت الرواية‪ ،‬فهو من الشيء املذهب‪ ،‬وهو املموه بالذهب‪ ،‬ومن قوهلم‪ :‬فرس مذهب‪ ،‬إذا علت‬
‫محرته صفرة‪ S،‬واألنثى مذهبة‪ .‬وإمنا خص األنثى بالذكر‪ ،‬ألهنا أصفى لونا وأرق بشرة‪.‬‬
‫[‪ ]5‬واألدق‪ :‬استخراهبم!!‬
‫[‪ ]6‬حممد أمحد الراشد‪ ،‬املنطلق‪ ،‬ص‪.238 :‬‬
‫[‪ ]7‬ابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪.2/90 ،‬‬
‫[‪ ]8‬عائض القرين‪ ،‬مفتاح النجاح‪ ،‬ص ص‪.19-17 :‬‬
‫[‪ ]9‬د‪ /‬عبد الودود شليب‪ ،‬من شيخ أزهري إىل شيخ األزهر‪ :‬األزهر إىل أين؟‪ ،‬ص ص‪-133 :‬‬
‫‪.134‬‬
‫[‪ ]10‬د‪ /‬سعيد قابل‪ ،‬القدوة منهاج ومناذج‪ ،‬ص ص‪.180-178 :‬‬
‫‪ 6‬من مجادى األوىل عام ‪ 1425‬من اهلجرة‬
‫املوافق يف تقومي النصارى ‪ 13‬من يونيو عام ‪.2005‬‬
‫‪ http://www.saaid.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪53‬‬
‫القدوة ‪ ...‬القدوة !!‬
‫عبد اهلل البصري‬
‫ٍ‬
‫ستلزمات‬ ‫جديد‪ ،‬قَد هيَّأنا ألبناِئنا فيه ُك َّل ما حيتاجونه ِمن ُم‬ ‫عام دراسي ٍ‬ ‫قبال ٍ‬ ‫وحنن نَستَعِ ُّد الستِ ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َأذهان كث ٍري ِم َن اآلباء‪ :‬ملاذا‬ ‫وأقالم وحن ِوها‪ ،‬فَِإ َّن هاهنا تساؤالً قد ي ِرد على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ب ودفاتَِر‬ ‫راسية‪ِ ،‬من ُكتُ ٍ‬‫ِد ٍ‬
‫َُ‬ ‫ُ‬
‫النتائج‬
‫َ‬ ‫فاجُأ بِ َّ‬
‫َأن‬ ‫كل ما يَطلبون‪ ،‬مث نُ َ‬ ‫العام َّ‬ ‫وال ِ‬ ‫عام ونَب ُذ ُل ونُ ِنف ُق‪ ،‬ونُ َو ِّفُر ألبناِئنا طُ َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أول ِّ‬ ‫نَستَعِ ُّد يف ِ‬
‫يميَّةَ ِم َن املتفوقني‪ ،‬مث‬ ‫ِ‬
‫األبناء مسريتَه التَّعلِ ِ‬ ‫بدُأ َع َد ٌد ِم َن‬
‫َ ُ‬ ‫َأضعف ِم َن الذي قَبلَهُ؟ وملاذا يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫هناية ُك ِّل ٍ‬
‫فصل‬ ‫يف ِ‬
‫النجاح ِ‬
‫ِ‬
‫التفوق‬ ‫عد‬
‫خمف ًقا‪ ،‬وبَ َ‬ ‫ِ‬ ‫تفوقُهُ ويَِق ُّل نَ َشاطُهُ‪ ،‬حىت ِإنه قد يُصبِ ُح بَ َ‬
‫عد‬ ‫ص ُّ‬ ‫األعوام إال َوين ُق ُ‬‫ُ‬ ‫متر به‬
‫ال ُّ‬
‫الكالم عليها وتفصيلُها حبثًا طويالً ودراسة‬ ‫ُ‬ ‫حيتاج‬
‫َّد ًة‪ُ ،‬‬ ‫َأن هلذا األم ِر أسبابًا كثري ًة ُمعق َ‬ ‫صًرا؟ َو َم َع َّ‬ ‫ُم َق ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مفصلة‪ِ ،‬إالَّ َّ‬
‫جيب َأن يَعيَها اآلباءُ‬ ‫اهنا َمسَألَةً ُمه َّمةً يَنبغي التَّنَبُّهُ هلا‪ ،‬بل هي قاعدةٌ تربويةٌ ُ‬ ‫َأن َه ُ‬
‫وهم‪ ،‬والتِ َه ِام ما يَطَّلِعون عليه يف‬ ‫ِِ‬
‫ب َما يُلقيه عليهم ُمعلِّ ُم ُ‬ ‫واألولياء‪ ،‬قَبل َأن يطالِبوا َأبناءهم بِتَ َشُّر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُ ُ‬
‫النموذج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومستَقبَ ِل َأم ِرهم‪ ،‬تلكم هي َمسألةُ ُو ُجود ال ُقدوة احلسنة‪َ ،‬وَت َو ُّفُر‬ ‫ِ‬ ‫هِتِ‬ ‫ُكتُبِ ِهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والنجاح يف حيا م ُ‬ ‫ِ‬
‫احلي الذي حُي ت َذى‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وما َج ِام َد ًة ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫َّن املعلومات وال َق َواع َد اليت يتلقَّاها األبناءُ يف حماض ِن الرتبية َوَأماك ِن التعلي ِم‪ ،‬تَب َقى َر ُس ً‬
‫أب أو ٍ ٍ‬ ‫َّطبيق ِمن ٍ‬ ‫وح الت ِ‬ ‫ِ‬
‫مثارها‬
‫أخ كبري‪ ،‬آتَت َ‬ ‫َحيَا َة فيها وال حَر َاك‪ ،‬فإذا َهيََّأ اهللُ هلا َمن يَن ُف ُخ فيها ُر َ‬
‫الراسية‪َ ،‬و ََّأما ِإ َذا كان املعلمون‬ ‫ِ‬ ‫وخ ِ‬
‫اجلبال‬ ‫هِلِ‬ ‫ِ‬ ‫وظَهرت آثارها‪ ،‬ورسخت يف ِ‬
‫الطالب وعُ ُقو م ُر ُس َ‬ ‫أذهان‬ ‫ُ ََ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫املتعلم َعلَي ِهم من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َألف لَبِنَة مبا َيَراهُ‬
‫اجملتمع َ‬ ‫ُ‬ ‫ضعيفةٌ ـ مث يَهد ُم‬ ‫ولألسف َ‬ ‫يَبنُو َن ُك َّل يَوم لَبِنَةً ـ وهي‬
‫اب َأن‬ ‫واآلد ِ‬ ‫ِ‬
‫صرح اَألخالق َ‬ ‫كيف لِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قوم ويَرتَف َع؟ َو َ‬ ‫وما َأن يَ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫خمالفات ملا َت َعلَّ َمه‪ ،‬فََأىَّن لبُنيان العل ِم يَ ً‬
‫ٍ‬
‫ب ويَشتَدَّ؟‬ ‫يَصلُ َ‬
‫مىت يبلُغ البنيا ُن يوما مَتَامه *** ِإ َذا ُكنت تَبنِ ِيه و َغري َك ي ِ‬
‫هد ُم‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َُ َ ً َُ‬
‫َألف َه ِادِم‬ ‫ٍ‬ ‫ان ال َت ُق هِل ِ‬ ‫َأرى َألف ب ٍ‬
‫يف بِبَان َخل َفهُ ُ‬ ‫وم َادٍم *** فَ َك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫صالة الفج ِر مع اجلماعةِ‬ ‫ألداء ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الولد على الصالة َوَأبوهُ هلا م َن املهملني؟ كيف خي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ظ ُ‬ ‫يف حياف ُ‬ ‫َك َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول والوفَاء بِ ِ‬ ‫دق يف ال َق ِ‬ ‫وأبوه عنها ِم َن املتكاسلني؟ مىت َيَت َعلَّ ُم ِّ‬
‫الوعد ‪ ،‬وهو َيَرى َوال َدهُ يَكذ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫الص َ‬
‫الطالب الذي‬ ‫وشراِئِه ومعامالتِِه؟ َو َمن هذا‬ ‫ش يف بيعِ ِه ِ‬ ‫وخيلِف؟ مىت يعي حرمةَ الغِ ِّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ش َو َوال ُدهُ َيغُ ُّ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫الر ِح ِم‪،‬‬
‫ب َسيُطَبِّ ُق َما َت َعلَّ َمهُ َعن ِصلَ ِة َّ‬ ‫َأي طَالِ ٍ‬ ‫اصم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ؟ َو ُّ‬ ‫وجارهُ ُمتالحيَان ُمتَ َخ َ‬ ‫َسيُك ِر ُم َج َارهُ‪َ ،‬و َوال ُدهُ ُ‬
‫وق ِإخواهِنِم املسلمني‪ ،‬أو‬ ‫ف أبناُؤ نا ُح ُق َ‬ ‫قاط ٌع لِبَين َع ِّم ِه وأقاربِِه؟ وهل َسيَع ِر ُ‬ ‫َألخيه م ِ‬
‫ُ‬
‫وَأبوه مصا ِرم ِ‬
‫َ ُُ ٌ‬
‫َأضد ِاد ذلك؟!!‬ ‫حنن نُ َع ِّو ُد ُهم َعلى َ‬ ‫ٍ‬ ‫َأنظمةً ويعملُون بِتَعلِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫يمات‪ ،‬أو حيافظون على ُم َقدَّرات‪َ ،‬و ُ‬ ‫َ‬ ‫يقدرون َ َ َ‬
‫ات اليت يَصطَ ِد ُم هبا َأبناُؤ نا بَ َ‬
‫عد‬ ‫ِإنَّه َألمر يَت َقطَّع منه ال َقلب أسى‪َ ،‬أن نَكو َن ـ حنن اَألولياء ـ ََّأو َل الع َقب ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ ٌَ ُ‬
‫ظ‬‫كفي ُكم ِحف ُ‬ ‫سان حالِنا‪ :‬ي ِ‬ ‫ول هلم بِلِ ِ‬ ‫اسة‪ ،‬حىت لَ َكَأنَّنَا َن ُق ُ‬ ‫اه ِد الدِّر ِ‬
‫ات التعلي ِم ومع ِ‬ ‫وج ِهم ِمن م َّسس ِ‬ ‫خر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َُؤ َ‬ ‫ُُ‬

‫‪54‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما َتعلَّمتُموه يف ع ُقولِكم‪ ،‬مث تفريغُه على ِ‬
‫عد ذلك طَبَّقتُ ُموهُ‬ ‫يهمنا بَ َ‬‫االختبارات‪ ،‬وال ُّ‬ ‫اإلجابة يف‬ ‫أوراق‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ‬
‫َأم َأمهلتُ ُموهُ!!‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني َما َي ُقولُهُ يف املدرسة وما يَعملُهُ‬ ‫لحظُهُ طالبُهُ من فَرق بَ َ‬ ‫ني‪ S،‬مبا يَ َ‬ ‫املعلم هو ََّأو َل اهلادم َ‬ ‫ني يَكو ُن ُ‬ ‫َو ََّأما ح َ‬
‫ميشي‬ ‫اطنًا ِ‬ ‫الفصل‪ ،‬وتَصُّرفاتِِه املغايِر ِة مو ِ‬
‫ُ َ َُ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ني ََأو ِام ِر ِه املِثالِيَّ ِة ُم َعلِّ ًما يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خارجها‪ ،‬ومبا َيَرونَهُ من ُم َف َارقَات بَ َ‬ ‫َ‬
‫لك هي َأكرب خ ِطيئةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ف ممَّا كان يُلقيه يف ُد ُروسه َشيًئا‪ ،‬فَِإ َّن ت َ‬ ‫ِع أو يف السوق‪ ،‬وكأنه ال يَع ِر ُ‬ ‫يف الشَّار ِ‬
‫نب يَق ِرتفُهُ ويُ َه ِّو ُُن على طالبِِه اقرتافَهُ‪.‬‬ ‫رتكبُها يف َح ِّق جمتمعِ ِه‪ ،‬وَأعظَم َذ ٍ‬
‫َ ُ‬
‫ي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫ك كان َذا التَّعل ُ‬ ‫الر ُج ُل امل َعلِّ ُم َغ َريهُ *** َهالَّ لنَفس َ‬ ‫يا أيها َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫صف الدَّواء لِ ِذي ِّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫َأنت َسق ُ‬ ‫يما يَص َّح بِه َو َ‬ ‫الس َقام َوذي الضَّنَا *** َك َ‬ ‫تَ ُ َ َ‬
‫الرش ِاد ع ُقولَنا *** َأبداً وَأنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َشاد َعدميُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َو َنَر َاك تُصل ُح بِ َّ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫بدْأ بِنَ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫َأنت َحك ُ‬ ‫انت َهت َعنهُ فَ َ‬ ‫ك فَاهنََها َعن َغِّي َها *** فَِإ َذا َ‬ ‫فس َ‬ ‫اَ‬
‫ِ‬
‫يم‬
‫نك َويَن َف ُع التَّعل ُ‬ ‫ول َويُقتَ َدى *** بِالعِل ِم ِم َ‬ ‫اك يُقبَ ُل َما َت ُق ُ‬ ‫َف ُهنَ َ‬
‫ِ‬ ‫ال تَنهَ َعن ُخلُ ٍق َوتَأيتَ ِمثلَهُ *** َع ٌار َعلَ َ‬
‫يم‬
‫لت َعظ ُ‬ ‫يك ِإ َذا َف َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫العم ِل‪ ،‬وَتنَاغُ ٌم بَ َ ِ ِ‬ ‫اك َتوافُق ب ِ‬ ‫ِإ‬
‫املدرسة‬ ‫داخل‬
‫ني التَّنظري َوالتَّطبيق‪َ ،‬وبيَئةٌ َ‬ ‫ني العل ِم َو َ َ َ‬ ‫كن ُهنَ َ َ ٌ َ َ‬ ‫نَّهُ َما مل يَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِإ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زيدنَا‬
‫وسا‪َ ،‬فلَن يَ َ‬ ‫لم ً‬ ‫لمَت َعلِّ ِم فيها َش َواه ُد حيَّةٌ على مكانيَّة حتقُّق َما َت َعلَّ َمهُ َواق ًعا َم ُ‬ ‫وخارجها َيَت َهيَُّأ ل ُ‬‫َ‬
‫قول ـ ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ـ‪ " :‬يَا أيها الذين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التَّعلُّ ُم حينَ ذ الَّ َمقتًا َألن ُفسنَا‪َ ،‬شاه ُد ذلك يف كتاب َربِّنا‪ ،‬إذ يَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ٍ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫فعلُون " لََقد كان كثريٌ ِمن‬ ‫آمنوا مِل َت ُقولُو َن ما ال تَفعلُو َن‪َ .‬كبر مقتًا ِع َ ِ‬
‫ند اهلل َأن َت ُقولُوا َما ال تَ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وم‪ ،‬الذين ال‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليل‪َ ،‬كانوا َخ ًريا من َكث ٍري من َأبنا نا اليَ َ‬
‫ِ‬
‫ب م َن العل ِم قَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َأجد ِادنا وآبا نا و ُهم على َجان ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫فظ ِه‪َ ،‬و ِمن‬
‫اف املَتعلِّ ِمني‪ ،‬ألهنم اكتفوا ِمن العِل ِم حِبِ ِ‬ ‫نُس ِّمي ِهم متعلِّ ِمني‪ ،‬ولَ ِكن ِحي ُّق َأن نَ ِسمهم بَِأنص ِ‬
‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َُ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواق ِع م ُنهم بتَطبيق وحتقيق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأرض َ‬ ‫ظ ُ‬ ‫ظهار َها ‪ ،‬ومل حت َ‬ ‫َق َواعده باست َ‬
‫يق ملا َت َعلَّمتُم‪ ،‬فَِإ َّن‬
‫يق التَّطبِ َ‬ ‫دو َة‪َ ،‬ويَا أيها اَألبناءُ‪ ،‬التَّطبِ َ‬ ‫دو َة ال ُق َ‬ ‫َفيَا أيها اآلباءُ واألولياءُ واملعلمو َن‪ ،،‬ال ُق َ‬
‫لم ِإ ْذ‬ ‫ب‪ ،‬خري ِمن كث ٍري ِمن العِل ِم بِال عم ٍل‪ ،‬و ما َن َقص الي ِ‬ ‫اَألد ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هود ع ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫وحس ِن َ‬ ‫الع َم ِل ُ‬ ‫قليالً م َن العل ِم َم َع َ‬
‫عملُوا‪َ ،‬و َت َعلَّ ُموا َفلَم يُطَبِّقوا‪َ ،‬و َعَرفُوا َفلَم يَ َلز ُموا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِإ‬ ‫ِ‬
‫ب َعلَيهم‪َ ،‬و منا ألهنم َعل ُموا َفلَم يَ َ‬ ‫َم َقَت ُه ُم اهللُ و َغض َ‬
‫وهم يَعلَ ُمو َن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اقتَرفوا املََعاص َي ُ‬ ‫وارتكاب النواهي‪َ ،‬و َ‬ ‫ِ‬ ‫اَألو ِام ِر‬ ‫ِ‬
‫حتايلُوا على خمالََفة َ‬ ‫بل َ‬
‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫احلق جمبولُون‪،‬‬ ‫ِّباع ِّ‬ ‫ورو َن‪َ ،‬و َعلَى ات ِ‬ ‫أيها اآلباءُ واملعلمون‪َّ ،‬ن األبناءَ يُولَ ُدو َن َو ُهم على اخلري َمفطُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت تِ َ‬
‫لك‬ ‫ك تَثبِ َ‬ ‫الذين منل ُ‬‫وحنن َ‬
‫ِ ِ‬
‫وس ُهم على اخلري ُمقبلَةٌ‪ُ ،‬‬ ‫نش ِر َحةٌ‪َ ،‬ونُ ُف ُ‬ ‫ور ُهم ُم َ‬ ‫ص ُد ُ‬ ‫ُقلُوبُ ُهم طَاهَرةٌ ‪َ ،‬و ُ‬
‫صَرانِِه‬ ‫طر ِة‪ ،‬فَ ََأب َواهُ يُ َه ِّو َدانِِه َأو ميُ ِّج َسانِِه َأو يُنَ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طرةَ َأو تَغي َري َها‪ ،‬قال ـ ‪ ‬ـ‪ُ " :‬ك ُّل َمولُود يُولَ ُد على الف َ‬ ‫الف َ‬
‫دوةً هلم‬ ‫اهلل اليت فُ ِطر َأبنَاُؤ نا علَيها جب ِ ِ‬ ‫يت فِطر ِة ِ‬ ‫" فَماذَا حنن فاعلون؟! هل سنعمل على تَثبِ ِ‬
‫عل َأنفسنا قُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫ضلِّلَةَ َفَت َفَّر َق هبم عن‬ ‫السبُ َل املغ ِويَةَ امل َ‬ ‫اط املستَ ِقي ِم؟ َأم َسنرتُ ُك ُهم َيتَّبِعُو َن ُّ‬ ‫الصر ِ‬
‫َ‬ ‫يف اخل ِري وتَسي ِري ِهم على ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السبِ ِيل؟‬
‫َّ‬

‫‪55‬‬
‫لء بطُ ِ‬ ‫ِ مِب ِ‬ ‫وع تَ ِ‬
‫ون‬ ‫ني‪َ ،‬فتَكتَفي َ ُ‬ ‫سم ٍ‬ ‫شر ِ‬ ‫هبائم يف َم ُ‬ ‫َّك ال َتَت َع َام ُل َم َع َ‬ ‫الرحيم‪ِ ،‬إن َ‬
‫ُ‬ ‫والوالد‬
‫ُ‬ ‫األب الكرميُ‬ ‫أيها ُ‬
‫ِئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يك ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأبناِئك و ُك هِتِ‬
‫ب‬‫ص َّ‬ ‫اُألم حينَ َما تَعجُز َعن َأبنَا َها‪ ،‬لتَ ُ‬ ‫لجُأ ِإلَ َ‬ ‫لست َجالَّ ًدا تَ َ‬ ‫سو م وتَوف ِري املأوى هلم‪َ ،‬و َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّك مر ٍّ ِ‬ ‫جام َغضبِ َ ِ ِ‬
‫َأنت املعلِّ ُم‬
‫َّك َ‬ ‫ب َأن تَكو َن‪ ،‬بَل ِإن َ‬ ‫ب فَاض ٌل َو ُم َو ِّجهُ قَد ٌير‪َ ،‬أو َه َك َذا جي ُ‬ ‫ك َعلَيهم‪ ،‬لَكن َ ُ َ‬ ‫ََ َ‬
‫مخسةً أو ِستَّةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َألوالد َك وهم ال َيتَ َج َاو ُزو َن َ‬ ‫َأنت مل حُت س ِن الرَّت بيَةَ َوالتَّأد َ‬ ‫اس‪َ ،‬وِإ َذا َ‬ ‫اَألس ُ‬
‫اَألو ُل واملُريِّب َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫رات ِم َن‬ ‫الفصل ِعش ِرين طالبا أو ثالثِني‪ ،‬أو م ِديرا يف م ِ ِ‬
‫الطالب‪،‬‬ ‫درسته َع َش ٌ‬ ‫َ ُ ً َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫ِ‬ ‫س يف‬ ‫فَال َتلُ ْم ُم َعلِّ ًما يُ َد ِّر ُ‬
‫وابن ال َف ِق ِري‪،‬‬
‫ين ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج تَربِيَات ُمَتغَايَِر ٍة‪ ،‬في ِهم الكبريُ والصغريُ‪َ ،‬ومن بَين ِهم َولَ ُد الغَ ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ُهم من بُيُوت خمتلفة‪َ ،‬ونتَ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ك‪ُ ،‬كن بَِأبنَاِئ َ‬ ‫افه ْم ُم ِه َّمتَ َ‬
‫ور َك َو َ‬ ‫ف َد َ‬ ‫صاب‪ ،‬فَاع ِر ْ‬ ‫يض َأو املُ ُ‬
‫ِ‬
‫وفي ِهم َمن َف َق َد ًُّأما َأو َأبًا‪َ ،‬وم ُنهم املَِر ُ‬
‫بال اَألو ِ‬
‫اص ِر‬ ‫ك وب َينهم‪ ،‬و ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اشد ْد ح َ َ‬ ‫وشا‪َ ،‬ق ِّو العالقَةَ بَينَ َ َ ُ َ‬ ‫ودا بَ ُش ً‬ ‫ك َم َع ُهم َو ُد ً‬ ‫يما َشفي ًقا‪ ،‬ويف َت َع ُامل َ‬ ‫َرح ً‬
‫احْب ُهم َو َحافِ ْظ على‬ ‫ك قَبل َأن َتلُوم اآلخ ِرين‪ ،‬ص ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫فس َ َ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫ب َغ َري َك برَت بيَتهم‪ ،‬ومُلْ نَ َ‬
‫ِ‬
‫بل َأ ْن تُطال َ‬
‫ِ‬
‫هبم‪َ ،‬رهِّب م قَ َ‬
‫اب ال َف َس ِاد‪َ ،‬فُيغَِّيُروا فِطََر ُهم‬ ‫َأصدقاء ُّ ِ‬ ‫فِطَ ِر ِهم سلِيمةً وَأخال َقهم حسنةً‪ ،‬قَبل َأن يتلَ َّق َفهم ِ‬
‫َأصح ُ‬
‫السوء َو َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ َ َ ََ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قول اهللُ ـ ‪-‬‬ ‫بل املدرسة ومن فيها‪ ،‬يَ ُ‬ ‫اَألو ُل َع ُنهم قَ َ‬ ‫ول َّ‬ ‫َأنت املسُؤ ُ‬ ‫َ‬ ‫َويَعِيثُوا بَِأخالق ِهم‪ ،‬تَ َذ َّك ْر َأن َ‬
‫َّك‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َواحلِ َج َارةُ َعلَ َيها َمالِئ َك ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ود‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫َ ً َ ُ َُ‬ ‫ا‬‫ار‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َأهل‬ ‫و‬‫ين َآمنُوا قُوا ُ َ َ‬
‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫َأن‬ ‫سبحانه ‪ -‬ـ‪ " :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ك‬‫"وْأ ُم ْر َأهلَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ويقول ـ ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ـ‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ؤمُرو َن "‬ ‫فعلُو َن َما يُ َ‬ ‫عصو َن اهللَ َما ََأمَر ُهم َويَ َ‬ ‫غال ٌظ ش َد ٌاد ال يَ ُ‬
‫ويقول ـ ‪ -  -‬ـ‪ُ " :‬كلُّ ُكم‬ ‫ُ‬ ‫العاقِبَةُ لِ َّلت ْق َوى"‬
‫ك َو َ‬ ‫رزقُ َ‬‫ك ِرزقاً حَن ُن نَ ُ‬ ‫اصطَرِب ْ َعلَ َيها ال نَ ْسَألُ َ‬ ‫الصالة َو ْ‬
‫بِ َّ ِ‬
‫ويقول‪ِ" :‬إ َّن اهللَ َساِئ ٌل‬ ‫ِ‬ ‫سؤول َعن َر ِعيَّتِ ِه"‬
‫ُ‬ ‫ول"‬‫ضيِّ َع َمن َيعُ ُ‬ ‫ويقول‪َ " :‬ك َفى بِاملرء ِإمثًا َأن يُ َ‬ ‫ُ‬ ‫اع و ُكلُّ ُكم َم ٌ‬ ‫َر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُك َّل رج ٍل ع َّما اسرتعاه ِ‬
‫"مُروا َأوال َدكم‬ ‫ويقول‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫َأهل بَيتِ ِه"‬
‫الر ُج َل َعن ِ‬ ‫سَأل َّ‬‫ضَّي َعهُ حىت يَ َ‬ ‫ظ ذلك َأم َ‬ ‫أحف َ‬ ‫َُ‬ ‫َُ َ‬
‫وهم عليها لِ َعش ٍر"‪.‬‬ ‫الصالة ل َسب ٍع َواض ِربُ ُ‬
‫بِ َّ ِ ِ‬
‫الن َف َق ِة على َأبنَاِئكم‪ ،‬ال يف طَ َع ٍام وال كِ َس ٍاء‪ ،‬وال َم ًأوى وال‬ ‫ب َّ‬ ‫صروا يف و ِاج ِ‬
‫َ‬ ‫إنَّكم ـ أيها اآلباءُ ـ مل ُت َق ِّ ُ‬
‫االت‪َ ،‬وأنتُم على‬ ‫الري ِ‬ ‫ِ‬
‫وب ُهم ب ِّ َ‬ ‫يارات‪َ ،‬ومألمت ُجيُ َ‬
‫الس ِ‬
‫وه ُم َّ َ‬ ‫اَألجس َام‪َ ،‬أركبتُ ُم ُ‬
‫َ‬ ‫اَألجس َاد َومسَّنتُ ُم‬
‫َ‬ ‫َد َو ٍاء‪َ ،‬ربَّيتُ ُم‬
‫ينار‬ ‫ذلك ِإ َذا اقتصدمت وَتو َّسطتم مأجورو َن مثابون‪ ،‬قال ـ ‪ -  -‬ـ‪َ" :‬أفضل ِدينَا ٍر ي ِنف ُقه‪ِ َّ S‬‬
‫الر ُج ُل د ٌ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ََ ُ َ ُ ُ ُ‬
‫بيل ِ‬ ‫َأصحابِِه يف َس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل" رواه‬ ‫ينار يُنف ُقهُ‪ S‬على َ‬ ‫ينار يُنف ُقهُ‪ S‬على َدابَّته يف َسبِ ِيل اهلل‪َ ،‬ود ٌ‬ ‫يُنف ُقهُ على عيَاله‪ ،‬ود ٌ‬
‫ينار أنفقتَهُ يف‬ ‫يث أيب هرير َة ـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ـ‪ِ " :‬دينار َأنف َقته يف س ِ ِ ِ‬ ‫مسلم‪ ،‬ولَه ِمن ح ِد ِ‬
‫بيل اهلل‪ ،‬ود ٌ‬ ‫ٌ َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬
‫َأجرا الذي َأن َفقتَهُ على‬ ‫ِ‬ ‫سك ٍ ِ‬ ‫ودينار تَصدَّقت بِِه على ِم ِ‬ ‫ر َقب ٍة‪ِ ،‬‬
‫ك‪َ ،‬أعظَ ُمها ً‬ ‫ينار َأنفقتَهُ على َأهل َ‬ ‫ني‪ ،‬ود ٌ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ول َوِإ ِ‬
‫صالح‬ ‫ت واَألب َقى‪َ ،‬أهلل َأهلل يف تَربِي ِة الع ُق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫اَأله ِّم واَألمسى‪َ ،‬أهللَ َأهللَ يف اَألثبَ َ‬ ‫ك " فََأهللَ َأهللَ يف َ‬ ‫َأهل َ‬
‫اَألخالق َف َه ِّذبُوها‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اب‬‫اآلد َ‬ ‫َ‬ ‫اَألخالق‬
‫َ‬ ‫دوةَ َف َو ِّفُروها‪،‬‬ ‫دوةَ ال ُق َ‬ ‫اح َفَز ُّكوها‪ ،‬ال ُق َ‬ ‫اَألرو َ‬
‫اح َ‬ ‫اَألرو َ‬‫ال ُقلُوب‪َ ،‬‬
‫اب َف َعلِّ ُموها‪.‬‬ ‫اآلد َ‬
‫َ‬
‫سرا ُن‬ ‫يا خ ِادم اجلِس ِم َكم تَسعى خِلِدمتِ ِه *** َأتعبت نفسك فِ ِ ِ‬
‫يما فيه ُخ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫وح ال بِاجلِس ِم ِإنسا ُن‬ ‫الر ِ‬ ‫َأنت بِ ُّ‬
‫ضا لَ َها *** فَ َ‬
‫كمل فَ ِئ‬
‫وح فَاستَ ِ ْ َ‬ ‫الر ِ‬ ‫َأقبِ ْل َعلى ُّ‬

‫‪56‬‬
‫عد تَربِي ٍة حسنَ ٍة و ََأد ٍ‬ ‫الت َفق ُِّه‪ ،‬فَِإنَّهُ ال ِع ِإ‬ ‫ِ‬
‫ب َج ٍّم‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫لم الَّ بَ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫بل َّ‬‫وهم قَ َ‬ ‫بل التَّعلي ِم‪َ ،‬و َِّأدبُ ُ‬
‫َربُّوا َأبنَاءَ ُكم قَ َ‬
‫اط ِ‬ ‫ِ‬
‫يك‬
‫اخلَ ْع نَعلَ َ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫ول‪ِ " :‬إيِّن َأنَا َربُّ َ‬ ‫وسى ‪ -‬عليه السالم ‪َ -‬فَي ُق ُ‬ ‫يمهُ ُم َ‬
‫ب َكل َ‬ ‫َربُّ ُكم ـ ‪ -‬جل وعال ‪ -‬ـ خُي ُ‬
‫وحى‪ِ .‬إنَّين َأنَا اهللُ ال ِإلَهَ ِإال َأنَا فَاعبُ ْدين َوَأقِ ِم‬ ‫ِ ِ‬
‫ك فَاستَم ْع ل َما يُ َ‬ ‫َّس طًُوى‪َ .‬وَأنَا اخرَت تُ َ‬ ‫الو ِاد امل َقد ِ‬ ‫ِإن َ ِ‬
‫َّك ب َ‬
‫احلد ِ‬‫ان َف َق َال‪ " :‬اِخلَع نَعلَيك " وعلَّمه َأدب ِ‬ ‫الصال َة لِ ِذك ِري " لََقد علَّمه ‪ -‬سبحانه ‪َ -‬أدب امل َك ِ‬ ‫ُ‬
‫يث‬ ‫َ َ َ َُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬ ‫َّ‬
‫قه‪ S،‬وهو الت ِ‬ ‫َ‬
‫َف َق َال‪ " :‬فَاستَ ِمع ملا يوحى " مث َأوحى ِإلَ ِيه بَِأج ِّل ِعل ٍم وأفض ِل فِ ٍ‬
‫والش ِر َيعةُ َف َق َال‪" :‬‬
‫يد َّ‬ ‫َّوح ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ِأنس ـ رمحةُ اهلل عليه‬ ‫مام مالك بن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َة لذك ِري " و َهذه ُُّأم اِإل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإنَّين َأنَا اهللُ ال ِإلَهَ ِإالَّ َأنَا فَاعبُدين َوَأق ِم َّ‬
‫َ‬
‫رأس ِه‪،‬‬
‫اب‪ ،‬مث َأدنَته ِإلَيها ومسحت على ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫وعليها ـ ملا أرادت البنِها َأن يطلُب العِلم َألبستهُ َأحسن الثِّي ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫بل َأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقَالَت‪ :‬يا ب ِ‬
‫شمته قَ َ‬ ‫س يف جملسه‪َ ،‬و ُخ ْذ من ََأدبه َو َوقَاره َوح َ‬ ‫ب إىل جمالس َرب َيعةَ‪َ ،‬واجل ْ‬ ‫ذه ْ‬‫ين‪ ،‬ا َ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫س الطَّلَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ .‬وهكذا‬ ‫ب قَبل َأن جيلس يف جمل ِ‬
‫َ‬ ‫اَألد َ َ‬ ‫أخ َذ من علمه‪ - S..‬فَرمحها اهلل ‪َ -‬ما َأع َقلَ َها! َعلَّ َمتهُ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِجيب َأن يكو َن ِ ِ ِ‬
‫ني ذلك‬ ‫ب َم َع ُم َعلِّميه ويف مدرسته‪ ،‬ال َأن جيعال بَينَهُ وبَ َ‬ ‫الوال َدان البن ِه َما‪ ،‬يُ َعلِّ َمانه َ‬
‫اَألد َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫َسدًّا مبا يَسقيَانه من َم َسا ِو اَألخالق‪ ،‬أو يُقَّرانه عليه من َمرذُول الطِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَألدب‪.‬‬ ‫باع َوقَل ِيل َ‬
‫واحرتام‬
‫َ‬ ‫ب ُكتُبِ ِهم‬ ‫س يف ُقلُوهِبِم ُح َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب َم َع ُم َعلِّميهم‪َ ،‬وَأن نَغر َ‬ ‫ِإنَّنا ِإ َذا استَطَعنَا َأن نُ َعلِّ َم َأبنَاءَنَا َ‬
‫اَألد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صل هبم إىل مع ِرفَ ِة قِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِِ‬
‫ب‬
‫ذه َ‬‫السَرى‪َ ،‬وأالَّ تَ َ‬ ‫حتم ُدوا ُّ‬ ‫يل لكم بَأن َ‬ ‫يمة ُك ِّل ذلك‪ ،‬فإين َكف ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َم َدارسهم‪َ ،‬وأن نَ َ‬
‫لم َدا ِر ِس طالبًا بِال‬ ‫عف مستوى‪ََّ ،‬أما ِحني نُ َقد ِ‬ ‫جهو ُد ُكم س ًدى‪ ،‬وَأالَّ تَ ْش ُكوا ِمن تَ َديِّن َدرج ٍة َأو َ ِ‬
‫ِّم ل َ‬‫َ ُ‬ ‫ض ُ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫ِ‬ ‫قدمو َن‪ S،‬فَِإمنا نَضع ب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مجر فيه‪،‬‬ ‫ني َر َم ًادا ال َ‬ ‫ني َأيدي املَُعلِّم َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫يمةَ َما ُهم َعلَيه ُم ُ‬ ‫ََأدب‪ ،‬طالبًا ال يَع ِرفُو َن ق َ‬
‫ول‬
‫واهلل ـ َولَو َن َف َخ طُ َ‬ ‫الرم ِاد يوقِ ُد نَارا؟ ال ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫يف نُطالُب ُهم َأن يُوق ُدوا منهُ نَ ًارا؟ َو َهل َتَرو َن نَاف ًخا يف َّ َ ُ‬ ‫فَ َك َ‬
‫طالب بال أدب َك َح ِال َمن قَ َال‪:‬‬ ‫عُم ِر ِه‪ِ .‬إ َّن َح َال ُم َعلِّ ٍم َم َع ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت حيًّا *** َولَك ْن ال َحيَا َة ملن ُتنَادي‬
‫َ‬ ‫عت لَو نَ َاد َ‬ ‫لََقد َأمسَ َ‬
‫َأنت تَن ُف ُخ يف َر َم ِاد‬ ‫ِ‬
‫َأضاءَت *** َولَك ْن َ‬ ‫خت هبا َ‬ ‫َولَو نَ ًارا َن َف َ‬
‫نسأل اله ألبنائنا التوفيق والسداد‪ ،‬والنجاح يف حاضر أمرهم ومستقبله‪ ،‬إنه جواد كرمي‪.‬‬
‫‪ http://www.saaid.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪57‬‬
‫القدوة الحسنة‬
‫موسى حممد هجاد الزهراين‬
‫يم}‬ ‫ول ِمن َأْن ُف ِس ُكم ع ِزيز علَي ِه ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم بِالْمْؤ ِمنِني رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫ْ َ ٌ َْ َ َ ْ َ ٌ َْ ْ ُ َ َُ‬ ‫{لََق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ْ‬
‫ورةُ الت َّْوبِِة‪..]128 :‬‬
‫[س َ‬‫ُ‬
‫إن املتأمل يف سرية النيب ‪ -  -‬ليجد أهنا حوت مجيع مكارم األخالق اليت تواطئ عليها فضالء‬
‫وجنباء البشر ونبالؤهم‪ ،‬حىت إهنا لتجيب على كل ما خيتلج يف الفؤاد من أسئلة قد تبدو حمرية ملن مل‬
‫يذق طعم اإلميان باهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬من الذين كفروا‪ ،‬والغريب يف األمر أن بعض بين قومنا من املسلمني‬
‫هداهم اهلل ال حيفلون هبذه امليزة العظيمة اليت ميزنا اهلل هبا وهي كون النيب ‪ -  -‬قدوة وأسوة‬
‫حسنة رغم أهنا متثل الرادع الفعلي عن ارتكاب ما خيل خبلق املسلم‪ ،‬وهي احملرك األساس إىل االرتقاء‬
‫بالذات إيل معايل األمور وقممها السامقات‪.‬‬
‫إذ أن النيب ‪ -  -‬قرآ ٌن ميشي على األرض وكان خلقه القرآن‪ ،‬ولذلك جتد كثرياً من عامة‬
‫املسلمني اليوم إذا سألتهم ولو كان ذلك بطريقة عشوائية عن‪ :‬من هو قدوتك أو مثلك األعلى؟!‬
‫لسمعت اإلجابة‪ :‬النيب صلى اهلل عليه سلم!‪.‬‬
‫أتعرف شيئاً عن سريته؟‪S.‬‬
‫فسيحدثك ولو بالقدر القليل عن سريته ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬من والدته ونشأته وعبادته وشجاعته‬
‫وحسن خلقه وغزواته وغري ذلك إىل الوفاة‪.‬‬
‫وإنك لتسمع من البعض أيضاً عبارة‪ :‬هذا مل يفعله رسول اهلل ‪ ..-  -‬وما ذلك إالَّ داللة واضحة‬
‫على أن املسلمني عموماً لديهم الرجوع الذهين إىل القدوة املطلقة وهو النيب الكرمي ‪..-  -‬‬
‫فيفعلون ما فعل وينتهون عما هنى وخيجلون من فعل شيء مل يفعله‪.‬‬
‫***‬
‫أين هذا من الكثرة الكاثرة يف األرض اليوم بكل يف كل زمان من الكافرين على مجيع أصنافهم‬
‫وتنوع مذاهبهم وتنوع مذاهبهم ومشارهبم؟‪.‬‬
‫خذ مثالً‪ ..‬النصارى املوجودين اليوم‪ ..‬لو سألت أحدهم أو جمموعة منهم عن قدوته يف احلياة ملا حار‬
‫جواباً إالَّ بعد تفكري مضطرب قد تأيت اإلجابة بعده ليست كما تريد‪ ..‬وينسى (املسيح ‪ -‬عليه‬
‫السالم ‪ )-‬أو (يسوع كما حيلو هلم أن يعربوا) ألنه جيهل سريته متاماً وال يعلم منها إال اجلزء املظلم‬
‫يف نظرة النصرانية من أنه أحد األقانيم الثالثة‪ ..‬ثالثة يف واحد‪ ..‬وأنه ابن اإلله‪ ،‬وهو املصلوب إلنقاذ‬
‫اجلنس البشري من تبعات خطيئة أبيهم آدم‪ S..‬وهو الذي نزل باسم اإلله تارة أو ابنه تارة أو ما إىل‬
‫ذلك من خرافاهتم‪..‬‬

‫‪58‬‬
‫ِإ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{و َقوهِلِم ِإنَّا َقَت ْلنَا الْم ِسيح ِعيسى ابن مرمَي رس َ ِ‬
‫صلَبُوهُ َولَك ْن ُشبِّهَ هَلُ ْم َو َّن الذ َ‬
‫ين‬ ‫ول اهلل َو َما َقَتلُوهُ َو َما َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َْ َ َ ُ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك مْنهُ َما هَلُ ْم بِه م ْن ع ْل ٍم ِإالَّ اتِّبَ َ‬
‫اع الظَّ ِّن َو َما َقَتلُوهُ يَقينًا‪ ،‬بَ ْل َر َف َعهُ اهللُ ِإلَْيه َو َكا َن‬ ‫اخَتلَ ُفوا فيه لَفي َش ٍّ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّساء‪]158 :‬‬ ‫ورةُ الن َ‬ ‫[س َ‬‫يما} ُ‬ ‫اهللُ َع ِز ًيزا َحك ً‬
‫فإذا أردت منه شيئاً يسرياً عنه والدة عيسى ‪ -‬عليه السالم ‪ ..-‬لرمبا غضب منك ألنه يعلم أنك‬
‫يف‬
‫تريد تسفيه عقيدته يف ابن اإلله (حسب زعمهم)‪ S..‬وإذا أردت شيئاً من سريته مل تسمع من ّ‬
‫اخلاصة منهم إالَّ العبارة املشهورة عن املسيح عندهم " إذا صفعك‪ S‬أحدهم على اخلد األيسر فأدر له‬
‫اخلد األمين ومن جاءك يريد أخذ شيئاً من مالك فأعطه مالك كله " على أهنا ال سند هلا من شرع‬
‫وال عقل إالَّ إهنا ال متثل ما عليه واقع حال النصرانية احملرفة أبداً وال حيفل قسسهم وال باباوهتم‬
‫ورهباهنم وساستهم وبوش الظامل املعتدي على أفغانستان والعراق أكرب مثال ال حيفلون هبذا النص عن‬
‫املر يشهد بذلك‪.‬‬ ‫املسيح عندهم وال يُعملونه يف واقعهم‪ ،‬وواقعهم ّ‬
‫ول‬‫يسى ابْ ُن َم ْرمَيَ َر ُس ُ‬ ‫اهلل ِإالَّ احْل َّق ِإمَّنَا الْم ِس ِ‬‫اب الَ َت ْغلُوا يِف ِدينِ ُكم والَ َت ُقولُوا علَى ِ‬ ‫{يا َْأهل الْ ِكتَ ِ‬
‫يح ع َ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح مْنهُ فَآمنُوا بِاهلل َو ُر ُسله َوالَ َت ُقولُوا ثَالَثَةٌ ا ْنَت ُهوا َخْيًرا لَ ُك ْم ِإمَّنَا اهللُ ِإلَهٌ‬‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫اها ِإىَل َم ْرمَيَ َو ُر ٌ‬
‫اهلل َو َكل َمتُهُ َألْ َق َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫اح ٌد سبحانه َأ ْن ي ُكو َن لَه ولَ ٌد لَه ما يِف َّ ِ‬ ‫وِ‬
‫ورةُ‬
‫[س َ‬ ‫ض َو َك َفى باهلل َوكيالً} ُ‬ ‫الس َم َاوات َو َما يِف ْ‬
‫اَألر ِ‬ ‫َُ َُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ِّساء‪]171 :‬‬ ‫ِ‬
‫الن َ‬
‫***‬
‫أين املسلمون عن شكر نعمة القدوة املطلقة حممد ‪ -  -‬وأين العمل بسنته واالفتخار هبا؟‪.‬‬
‫اآلخَر َوذَ َكَر اهللَ َكثِ ًريا}‬ ‫اهلل ُأسوةٌ حسنَةٌ لِمن َكا َن يرجو اهلل والْيوم ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫{لََق ْد َكا َن لَ ُكم يِف رس ِ‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ‬ ‫ْ َُ‬
‫اب‪]21 :‬‬ ‫اَألحَز ِ‬
‫ورةُ ْ‬ ‫[س َ‬
‫ُ‬
‫وبقي أن نعلم أن القدوات ثالثة‪ ..‬القدوة املطلقة وهو احلبيب املصطفى ‪ -  -‬والقدوة الثانية‪ :‬من‬
‫مات على اإلسالم الصحيح من سلف األمة املخلصني ومن كانت سريته نرباساً ملن بعده كالصحابة‬
‫الكرام والتابعني هلم بإحسان‪ ..‬وعلماء األمة األربعة فمن بعدهم ومشسهم الوهاجة شيخ اإلسالم بن‬
‫تيميه‪ S..‬إىل آخر عا ٍمل مات منهم‪ ..‬بالشرط املتقدم‪.‬‬
‫القدوة الثالثة‪ :‬من يصلح االقتداء به يف هذا الزمان من األخيار‪ ،‬على أن احلي ال تؤمن عليه الفتنة‪..‬‬
‫وهلل در الشيخ الدكتور عائض القرين على روعة وصفة لقدوتنا حممد ‪ ،-  -‬يف رائعته‪ :‬تاج‬
‫املدائح‪:‬‬
‫مليمية جاءتك من ََأم ِم **** ُمدادها من معاين نون والقلم‍‬ ‫أنصت ٍ‬
‫اهلاطل العم ِم‍‬‫صب يف حمبتكم*** فيضاً تدفق مثل ِ‬ ‫سالت قرحيةُ ٍّ‬
‫كالسيل كالليل كالفجر اللحوح غدا * يطوي الروايب وال يلوي على األكم‍‬
‫أجش كالرعد يف ليل السعود وال *** يشابه الرعد يف بطش ويف غشم‍‬

‫‪59‬‬
‫كدمع عيين إذا ما عشت ذكركم *** أو خفق قلب بنار الشوق مضطرم‍‬
‫يزري بنابغة النعمان رونقها *** ومن زهري؟ وماذا قال يف َه ِرِم‍‬
‫يزن صفحاً ومادحه *** وتبّعاً وبين شداد يف إرم‍‬ ‫دع سيف ذي ٍ‬
‫أصيد أو ذي هالة ٍوكمي‍‬ ‫وال تعرج على كسرى ودولته *** وكل ْ‬
‫وانسخ مدائح أرباب املديح كما *** كانت شريعته نسخا لدينهم‍‬
‫رصع هبا هامة التأريخ رائعة *** كالتاج يف مفرق باجملد مرتسم‍‬ ‫ّ‬
‫فاهلجر والوصل والدنيا وما محلت **** وحب جمنون ليلى ضلة لعمي‍‬
‫دع املغاين وأطالل احلبيب وال*** تلمح بعينك برقا الح يف أضم‍‬
‫وأنس اخلمائل واألفنان مائلة *** وخيمة وشويهات بذي سلم‍‬
‫هنا ضياء هنا ري هنا أمل *** هنا رواء هنا الرضوان فاستلم‍‬
‫لو زينت المرء القيس انزوى خجال *** ولو رآها لبيد الشعر مل يقم‍‬
‫ميمية لو فىت بوصري أبصرها *** لعوذوه برب احلل واحلرم‍‬
‫سل شعر شوقي أيروي مثل قافييت *** أو أمحد بن حسني يف بين حكم‍‬
‫ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها*** هامت قلوب هبا من روعة النغم‍‬
‫أثين على من؟ أتدري من أجبله؟ *** أما علمت مبن أهديته كلمي‍‬
‫طرا غري متهم‍‬ ‫يف أشجع الناس قلبا غري منتقم *** وأصدق اخللق ّ‬
‫أهبى من البدر يف ليل التمام وقل *** أسخى من البحر بل أرسى من العلم‍‬
‫أصفى من الشمس يف نطق وموعظة *** أمضى من السيف يف حكم ويف حكم‍‬
‫أغر تشرق من عينيه ملحمة *** من الضياء لتجلو الظلم والظلم‍‬
‫يف مهة عصفت كالدهر واتقدت *** كم مزقت من أيب جهل ومن صنم‍‬
‫أتى اليتيم أبو األيتام يف قدر *** أهنى ألمته ما كان من يتم‍‬
‫حمرر العقل باين اجملد باعثنا *** من رقدة يف دثار الشرك واللمم‍‬
‫بنور هديك كحلنا حماجرنا *** ملا كتبنا حروفا صغتها بدم‍‬
‫من حنن قبلك إال نقطة غرقت **** يف اليم بل دمعة خرساء يف القدم‍‬
‫أكاد أقتلع اآلهات من ُحَرقي *** إذا ذكرتُك أو أرتاعُ من ندمي‍‬
‫ملا مدحتك خلت النجم حيملين *** وخاطري بالسنا كاجليش حمتدم‍‬
‫أقسمت باهلل أن يشدو بقافية *** من القريض كوجه الصبح مبتسم‍‬ ‫ُ‬
‫صه شكسبري من التهريج أسعدنا *** عن كل إلياذة ما جاء يف احلكم‍‬
‫الفرس والروم واليونان إن ذكروا *** فعند ذكراه أمسال على قزم‍‬

‫‪60‬‬
‫هم منقوا لوحة للرق هائمة *** وأنت لوحك حمفوظ من التهم‍‬
‫أهديتنا منرب الدنيا وغار حرا *** وليلة القدر واإلسراء للقمم‍‬
‫واحلوض والكوثر الرقراق جئت به *** أنت املزمل يف ثوب اهلدى فقم‍‬
‫الكون يسأل واألفالك ذاهلة *** واجلن واإلنس بني الالء والنعم‍‬
‫حمتفل واجلو مبتهج *** والبدر ينشق واأليام يف حلم‍‬
‫والدهر ٌ‬
‫سرب الشياطني ملا جئتنا احرتقت *** ونار فارس ختبو منك يف ندم‍‬
‫وص ّف َد الظلم واألوثان قد سقطت *** وماء ساوة ملا جئت كاحلمم‍‬ ‫ُ‬
‫قحطان عدنان حازوا منك عزهتم *** بك التشرف للتأريخ ال هبم‍‬
‫عقود نصرك يف بدر ويف أحد *** وعدال فيك ال يف هيئة األمم‍‬
‫شادوا بعلمك محراء وقرطبة *** لنهرك العذب هب اجليل وهو ظمي‍‬
‫ومن عمامتك البيضاء قد لبست *** دمشق تاج سناها غري منثلم‍‬
‫رداء بغداد من برديك تنسجه *** أيدي رشيد ومأمون ومعتصم‍‬
‫وسدرة املنتهى أولتك هبجتها *** على بساط من التبجيل حمرتم‍‬
‫دارست جربيل آيات الكتاب فلم*** ينس املعلم أو يسهو ومل يهم‍‬
‫اقرأ ودفرتك األيام ُخط به *** وثيقة العهد يا من بر يف القسم‍‬
‫قربت للعامل العلوي أنفسنا *** مسكتنا منت حبل غري منصرم‍‬
‫نصرت بالرعب شهرا قبل موقعة *** كأن خصمك قبل احلرب يف صمم‍‬
‫إذا رأوا طفال يف اجلو أذهلهم *** ظنوك بني بنود اجليش واحلشم‍‬
‫احلرى على األطم‍‬‫بك استفقنا على صبح يؤرقه *** بالل بالنغمة ّ‬
‫إن كان أحببت بعد اهلل مثلك يف **** بدو وحضر ومن عرب ومن عجم‍‬
‫فال اشتفى ناظري من منظر حسن ***وال تفوه بالقول السديد فمي‍‬
‫***‬
‫بعد‪ ،‬فهذه كلمات يسرية كتبتها على عجل‪ ،‬أثارها يف صدري ما قرأته عن مقارنه األديان [‪]1‬‬
‫وختبطاهتا حاشا اإلسالم‪.‬‬
‫أسأل اهلل أن جيعلنا من املهتدين املقتدين بالرسول الكرمي حممد ‪ -  -‬ويرزقنا أتباع سنته وشفاعته‬
‫يوم القيامة‪.‬‬
‫‪--------------------‬‬
‫[‪ ]1‬انظر كتاب أستاذنا الفاضل أ د ‪ /‬مصطفى حلمي (اإلسالم ومقارنة األديان)‪..‬‬
‫‪12/5/1425‬هـ‬

‫‪61‬‬
‫‪ http://saaid.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪62‬‬
‫مواقف تربوية ‪ ..‬تحت المجهر‬
‫هاشم حمسن باصرة‬
‫يقول مدرس ملادة الرتبية اإلسالمية تعودت وضع الساعة يف يدي اليمىن خالفا لعادة الناس يف وضعها‬
‫على اليد اليسرى‪ ،‬وذلك حىت تأخذ اليد اليسرى راحتها يف احلركة‬
‫عندما أكتب هبا على السبورة ولئال ينشغل الطالب بالنظر إىل الساعة أثناء الكتابة‪ ،‬فجاءين طالب‬
‫بعد فرتة من بداية العام الدراسي وقال‪ :‬يا أستاذ حصل نقاش بيين وبني بعض الزمالء حول لبس‬
‫الساعة يف اليد اليمىن أو اليسرى فقلت هلم‪ :‬أن لبسها يف اليد اليمىن هو السنة‪ ،‬وقالوا‪ :‬ليس يف ذلك‬
‫سنة بل تلبس يف إحدى اليدين فرددت عليهم‪ :‬بأنك تلبس الساعة يف يدك اليمىن اتباعا للسنة‪،‬‬
‫ففوجئت باستدالله يب يف حجته على زمالئه‪ ،‬مث ابتسمت وبينت له سبب لبسي هلا يف اليد اليمىن مث‬
‫سألته مداعبا له‪ :‬الرسول ‪ -  -‬يلبس الساعة يف اليد اليمىن أم اليسرى؟ ففكر مث ابتسم وانصرف‪.‬‬
‫علما أن قاعدة الشرع املستمرة كما قال اإلمام النووي ‪ -‬يرمحه اهلل ‪ -‬أن ما كان من باب التكرمي‬
‫والتزيني استحب فيه التيامن وما كان بضد ذلك استحب فيه التياسر‪.‬‬
‫وبعد فرتة دار حديث بيين وبني أحد الزمالء وهو وكيل مدرسة حول هذه احلادثة فقال‪ :‬قد حصلت‬
‫يل حينما كنت مدرسا حادثة طريفة تبني دقة مراقبة الطالب ملدرسيهم حيث تعودت يف هناية كل‬
‫عام دراسي عمل استبيان للطالب عن طريقة تدريسي ومالحظاهتم حول شخصي الضعيف فتأتيين‬
‫مالحظات دقيقة جدا يف أمور مل أكن القي هلا باال ومن ذلك أن طالبا كتب إنك يا أستاذ تدخل‬
‫الفصل وغرتتك غري منظمة أمتىن أن تكون غرتتك منظمة فهذا أليق بك‪ .‬يقول‪ :‬فضحكت ألين فعال‬
‫كنت القي بطريف الغرتة فوق رأسي بدون عناية فترتاكم فوق رأسي كل مرة بأشكال خمتلفة‬
‫كأشكال السحاب يف السماء وملا كنت تعودت على هذه الطريقة فلم يكن خيطر ببايل أن عني هذا‬
‫الطالب مركزة على هذه الغرتة أثناء الدرس وأهنا ستكون جديرة بأن يسجلها مالحظة للمدرس‪.‬‬
‫والشك أن حسن السمت واملظهر من آداب اإلسالم فقد أورد اإلمام ابن حجر يف فتح الباري قول‬
‫النيب ‪(( :-  -‬أن حسن السمت والتؤدة جزءا من ست وأربعني جزءا من النبوة)) أو كما قال ‪-‬‬
‫‪.- ‬‬
‫مث ذكر مدير املدرسة وهو مريب فاضل‪ :‬قائال لقد كنت وأنا طالب أراقب مدرسا أنيقا يف مالبسه‬
‫معتنيا هبا حىت كنت أراقب جزمته اجلميلة وكنت أمتىن أن البس مثلها يف يوم ما‪.‬‬
‫وحدثت أيضا مدرسا متعينا هذا العام بقصة الساعة فأشار إىل يده وقال‪ :‬إين البسها أيضا يف يدي‬
‫اليمىن كما كان يلبسها أستاذي وأشار إىل الرجل اجلالس أمامه فابتسم الرجل وابرز يده اليمىن‬
‫فظهرت الساعة‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫فهل أدركت أيها املريب الفاضل إىل أي درجة أنت حتت جمهر أعني الطالب بل ورمبا سائر أفراد‬
‫اجملتمع‪.‬‬
‫‪ http://www.muslema.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪64‬‬
‫نبي احترف صناعة النجوم‬

‫يعد سيدنا حممد ‪ ، -  -‬أهم صانع جنوم ظهر يف احلياة‪.‬‬


‫ذلك الرجل الذي مل يكلف أحداً من أتباعه مبهمة إال وهو هلا كفء‪.‬‬
‫احرتف تفجري الطاقات واكتشاف املواهب وتوجيهها الوجهة الصحيحة‪.‬‬
‫فكان يقوم بثالث مهام‪ :‬تفجري الطاقات‪ ،‬اكتشاف املواهب‪ ،‬توجيه املواهب‪.‬‬
‫حيول الفىت املدلل مصعب بن عمري إىل سفري لإلسالم‪ ،‬تلك املهمة اليت ال ينتدب هلا اليوم إال الرجال‬
‫املخضرمون واحملنكون‪ ،‬الذين يستطيعون متثيل بالدهم خري متثيل‪.‬‬
‫وقد جنح فيها وباقتدار مصعب‪ S‬بن عمري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬كسفري مهد ألهم هجرة يف التاريخ‪.‬‬
‫داعية زرع اإلسالم يف موطن جديد غري موطنه الذي ظهر فيه‪.‬‬
‫انظروا إىل عبقرية القائد حممد ‪ -  -‬يف توجيه املواهب‪ ،‬يوجه زيد بن ثابت إىل الرتمجة مث الكتابة‬
‫مث كل املهام املتعلقة بالرجل ذي املهارات التحليلية‪.‬‬
‫ختيَّلوا معي ولو للحظة ماذا لو وجه النيب ‪ -  -‬زيد بن ثابت إىل القيادة العسكرية‪..‬رمبا فشل‬
‫وأصيب باإلحباط‪.‬‬
‫قال لنا أحد كبار املدربني‪ :‬إن هناك مؤامرة شائعة بني النجوم الكبار يف اجملاالت املختلفة‪ ..‬عندما‬
‫يرون جنماً صاعداً يشق طريقه بقوة فإن هم يئسوا من إحباطه كي ال ينافسهم فإهنم يستغلون حلمه‬
‫بأن يشجعوه ويهيئوا له فرصة أكرب من حجمه واستعداده حىت يفشل‪ ،‬فإذا فشل انزوى إىل األبد ومل‬
‫تقم له قائمة بعد ذلك‪.‬‬
‫انظروا كيف يتآمر املرتبعون يف القمم على الصاعدين‪ ،‬يف حني يعكف رسول اهلل ‪ -  -‬على‬
‫السماع ألصحابه ومشاورهتم حىت قال عنه املغرضون إنه أذن‪.‬‬
‫كان من بني أهدافه ‪ -  -‬أن يكتشف مكامن القوة يف كل شخص حىت يضعه يف مكانه الالئق‪.‬‬
‫حىت إنك لتجد الصحايب اجلليل ال تعرفه كتب التاريخ‪ ،‬إال من خالل مهمة كلفه النيب ‪ -  -‬هبا‪،‬‬
‫فنفذها على أكمل وجه‪.‬‬
‫ونتساءل‪ :‬كيف برع ‪ -  -‬يف أن خيتار ذلك املوهوب من بني آالف الصحابة ليقوم بتلك املهمة‬
‫وهو يعرف أنه سيقوم هبا على أكمل وجه؟‬
‫واهلل لو مل جند من صفات النيب ‪ -  -‬صفة غري صناعة األبطال والنجوم يف كل اجملاالت لكفت‬
‫دليالً على نبوة حممد ‪. -  -‬‬
‫فإبرازه للرموز دون غرية منهم‪ ..‬فيه معىن التسامي األخالقي املطلق وإنك لعلى خلق عظيم (‪)4‬‬
‫(القلم)‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫واالستماع لآلخرين والبحث يف مكامن قوهتم فيه أقصى معاين الرتفع عن الكرب‪.‬‬
‫كل يف جمال متيزه الفطري‪ ،‬يتضمن أفضل معاين نفع اآلخرين‬ ‫وتوجيهه ‪ -  -‬لصحابته الكرام ٍّ‬
‫تعرف اإلنسان ذاته وحتببه فيها؟‬
‫وهل توجد مساعدة على وجه األرض أفضل من أن ِّ‬
‫وكل ما فعله الرسول ‪ -  -‬ميثل حتدياً لكل مؤسسات تفعيل الطاقة البشرية‪ ،‬حيث بلغت نسبة‬
‫جناحه ‪ -  -‬يف توظيف الطاقات ‪ ،%100‬مع أنه ‪ -  -‬نشأ يف بيئة بدوية‪ ،‬فهل يستطيع‬
‫هؤالء أن يأتوا بنصف هذه النسبة مع ما يتوافر لديهم من إمكانيات مادية؟!!‪.‬‬
‫‪ http://muslema.com‬املصدر ‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪66‬‬
‫كيف نرغب أطفالنا في الصالة ؟‬

‫منذ البداية جيب أن يكون هناك اتفاق بني الوالدين ‪ -‬أو َمن يقوم برعاية الطفل ‪ -‬على سياسة‬
‫واضحة وحمددة وثابتة‪ ،‬حىت ال حيدث تشتت للطفل‪ ،‬وبالتايل ضياع كل اجلهود املبذولة هباء‪ ،‬فال‬
‫تكافئه األم مثالً على صالته فيعود األب هبدية أكرب مما أعطته أمه‪ ،‬ويعطيها له دون أن يفعل شيئاً‬
‫يستحق عليه املكافأة‪ ،‬فذلك جيعل املكافأة اليت أخذها على الصالة صغرية يف عينيه أو بال قيمة؛ أو أن‬
‫تقوم األم مبعاقبته على تقصريه‪ ،‬فيأيت األب ويسرتضيه بشىت الوسائل خشية عليه‪.‬‬
‫ويف حالة مكافأته جيب أن تكون املكافأة سريعة حىت يشعر الطفل بأن هناك نتيجة ألفعاله‪ ،‬ألن‬
‫الطفل ينسى بسرعة‪ ،‬فإذا أدى الصلوات اخلمس مثالً يف يوم ما‪ ،‬تكون املكافأة بعد صالة العشاء‬
‫مباشرة‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬مرحلة الطفولة املبكرة (ما بني الثالثة و اخلامسة)‪:‬‬
‫إن مرحلة الثالثة من العمر هي مرحلة بداية استقالل الطفل وإحساسه بكيانه وذاتيته‪ ،‬ولكنها يف نفس‬
‫الوقت مرحلة الرغبة يف التقليد؛ فمن اخلطأ أن نقول له إذا وقف جبوارنا ليقلدنا يف الصالة‪ " :‬ال يا‬
‫بين من حقك أن تلعب اآلن حىت تبلغ السابعة‪ ،‬فالصالة ليست مفروضة عليك اآلن "؛ فلندعه على‬
‫الفطرة يقلد كما يشاء‪ ،‬ويتصرف بتلقائية ليحقق استقالليته عنا من خالل فعل ما خيتاره ويرغب فيه‪،‬‬
‫وبدون تدخلنا (اللهم إال حني يدخل يف مرحلة اخلطر)‪ " ...‬فإذا وقف الطفل جبوار املصلي مث مل‬
‫يركع أو يسجد مث بدأ يصفق مثالً ويلعب‪ ،‬فلندعه وال نعلق على ذلك‪ ،‬ولنعلم مجيعاً أهنم يف هذه‬
‫املرحلة قد ميرون أمام املصلني‪ ،‬أو جيلسون أمامهم أو يعتلون ظهورهم‪ ،‬أو قد يبكون‪ ،‬ويف احلالة‬
‫األخرية ال حرج علينا أن حنملهم يف الصالة يف حالة اخلوف عليهم أو إذا مل يكن هناك بالبيت مثالً‬
‫من يهتم هبم‪ ،‬كما أننا ال جيب أن ننهرهم يف هذه املرحلة عما حيدث منهم من أخطاء بالنسبة‬
‫للمصلى‪..‬‬
‫ويف هذه املرحلة ميكن حتفيظ الطفل سور‪ :‬الفاحتة‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬واملعوذتني‪S.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مرحلة الطفولة املتوسطة (ما بني اخلامسة والسابعة)‪:‬‬
‫يف هذه املرحلة ميكن بالكالم البسيط اللطيف اهلادئ عن نعم اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬وفضله وكرمه (املدعم‬
‫بالعديد من األمثلة)‪ ،‬وعن حب اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬لعباده‪ ،‬ورمحته؛ جيعل الطفل من تلقاء نفسه يشتاق‬
‫إىل إرضاء اهلل‪ ،‬ففي هذه املرحلة يكون الرتكيز على كثرة الكالم عن اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬وقدرته وأمسائه‬
‫احلسىن وفضله‪ ،‬ويف املقابل‪ ،‬ضرورة طاعته ومجال الطاعة ويسرها وبساطتها وحالوهتا وأثرها على‬
‫حياة اإلنسان‪ ...‬ويف نفس الوقت البد من أن يكون هناك قدوة صاحلة يراها الصغري أمام عينيه‪،‬‬
‫ِّّّ‬
‫فمجرد رؤية األب واألم والتزامهما بالصالة مخس مرات يومياً‪ ،‬دون ضجر‪ ،‬أو ملل يؤثّر إجيابياً يف‬

‫‪67‬‬
‫نظرة الطفل هلذه الطاعة‪ ،‬فيحبها حلب احمليطني به هلا‪ ،‬ويلتزم هبا كما يلتزم بأي عادة وسلوك يومي‪.‬‬
‫ولكن حىت ال تتحول الصالة إىل عادة وتبقى يف إطار العبادة‪ ،‬البد من أن يصاحب ذلك شيء من‬
‫تدريس العقيدة‪ ،‬ومن املناسب هنا سرد قصة اإلسراء واملعراج‪ ،‬وفرض الصالة‪ ،‬أو سرد قصص‬
‫الصحابة الكرام وتعلقهم بالصالة‪...‬‬
‫نركز عليها دوما االبتعاد عن أسلوب املواعظ والنقد الشديد أو أسلوب الرتهيب‬ ‫ومن احملاذير اليت ِّ‬
‫والتهديد؛ وغين عن القول أن الضرب يف هذه السن غري مباح‪ ،‬فالبد من التعزيز اإلجيايب‪ ،‬مبعىن‬
‫التشجيع له حىت تصبح الصالة جزءاً أساسياً من حياته‪.‬‬
‫ويراعى وجود املاء الدافئ يف الشتاء‪ ،‬فقد يهرب الصغري من الصالة هلروبه من املاء البارد‪ ،‬هذا‬
‫بشكل عام؛ وبالنسبة للبنات‪ ،‬فنحببهم بأمور قد تبدو صغرية تافهة ولكن هلا أبعد األثر‪ ،‬مثل حياكة‬
‫طرحة صغرية مزركشة ملونة تشبه طرحة األم يف بيتها‪ ،‬وتوفري سجادة صغرية خاصة بالطفلة‪..‬‬
‫وميكن إذا الحظنا كسل الطفل أن نرتكه يصلي ركعتني مثال حىت يشعر فيما بعد حبالوة الصالة مث‬
‫نعلمه عدد ركعات الظهر والعصر فيتمها من تلقاء نفسه‪ ،‬كما ميكن تشجيع الطفل الذي يتكاسل‬
‫عن الوضوء بعمل طابور خاص بالوضوء يبدأ به الولد الكسول ويكون هو القائد ويضم الطابور كل‬
‫األفراد املوجودين باملنزل يف هذا الوقت‪.‬‬
‫ويالحظ أن تنفيذ سياسة التدريب على الصالة يكون بالتدريج‪ ،‬فيبدأ الطفل بصالة الصبح يومياً‪ ،‬مث‬
‫الصبح والظهر‪ ،‬وهكذا حىت يتعود بالتدريج إمتام الصلوات اخلمس‪ ،‬وذلك يف أي وقت‪ ،‬وعندما‬
‫كل‬
‫يتعود على ذلك يتم تدريبه على صالهتا يف أول الوقت‪ ،‬وبعد أن يتعود ذلك ندربه على السنن‪ٌ ،‬‬
‫حسب استطاعته وجتاوبه‪.‬‬
‫وميكن استخدام التحفيز لذلك‪ ،‬فنكافئه بشىت أنواع املكافآت‪ ،‬وليس بالضرورة‪ S‬أن تكون املكافأة‬
‫ماالً‪ ،‬بأن نعطيه مكافأة إذا صلى اخلمس فروض ولو قضاء‪ ،‬مث مكافأة على الفروض اخلمس إذا‬
‫صالها يف وقتها‪ ،‬مث مكافأة إذا صلى الفروض اخلمس يف أول الوقت‪)11( .‬‬
‫وجيب أن نعلمه أن السعي إىل الصالة سعي إىل اجلنة‪ ،‬وميكن استجالب اخلري املوجود بداخله‪ ،‬بأن‬
‫نقول له‪ " :‬أكاد أراك يا حبييب تطري جبناحني يف اجلنة‪ ،‬أو "أنا متيقنة من أن اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬راض‬
‫عنك و حيبك كثرياً ملا تبذله من جهد ألداء الصالة "‪ ،‬أو‪" :‬حلمت أنك تلعب مع الصبيان يف اجلنة‬
‫والرسول ‪ -  -‬يلعب معكم بعد أن صليتم مجاعة معه"‪ ...‬وهكذا‪)10( .‬‬
‫أما البنني‪ ،‬فتشجيعهم على مصاحبة والديهم (أو من يقوم مقامهم من الثقات) إىل املسجد‪ ،‬يكون‬
‫سبب سعادة هلم؛ أوالً الصطحاب والديهم‪ ،‬وثانياً للخروج من املنزل كثرياً‪ ،‬ويراعى البعد عن‬
‫األحذية ذات األربطة اليت حتتاج إىل وقت وجمهود وصرب من‬
‫الصغري لربطها أو خلعها‪...‬‬

‫‪68‬‬
‫ويراعى يف هذه املرحلة تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة مثل أمهية التحرز من النجاسة‬
‫كالبول وغريه‪ ،‬وكيفية االستنجاء‪ ،‬وآداب قضاء احلاجة‪ ،‬وضرورة‪ S‬احملافظة على نظافة اجلسم‬
‫واملالبس‪ ،‬مع شرح عالقة الطهارة بالصالة‪.‬‬
‫و جيب أيضاً تعليم الطفل الوضوء‪ ،‬وتدريبه على ذلك عملياً‪ ،‬كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع‬
‫أبنائهم‬
‫ثالثاً‪ :‬مرحلة الطفولة املتأخرة (ما بني السابعة والعاشرة)‪:‬‬
‫يف هذه املرحلة يلحظ بصورة عامة تغري سلوك األبناء جتاه الصالة‪ ،‬وعدم التزامهم هبا‪ ،‬حىت وإن‬
‫كانوا قد تعودوا عليها‪ ،‬فيلحظ التكاسل والتهرب وإبداء التربم‪ ،‬إهنا ببساطة طبيعة املرحلة اجلديدة‪:‬‬
‫مرحلة التمرد وصعوبة االنقياد‪ ،‬واالنصياع وهنا البد من التعامل حبنكة وحكمة معهم‪ ،‬فنبتعد عن‬
‫السؤال املباشر‪ :‬هل صليت العصر؟ ألهنم سوف مييلون إىل الكذب وادعاء الصالة للهروب منها‪،‬‬
‫فيكون رد الفعل إما الصياح يف وجهه لكذبه‪ ،‬أو إغفال األمر‪ ،‬بالرغم من إدراك كذبه‪ ،‬واألوىََل من‬
‫هذا وذاك هو التذكري بالصالة يف صيغة تنبيه ال سؤال‪ ،‬مثل العصر يا شباب‪ :‬مرة‪ ،‬مرتني ثالثة‪ ،‬وإن‬
‫قال مثالً أنه صلى يف حجرته‪ ،‬فقل لقد استأثرت حجرتك بالربكة‪ ،‬فتعال نصلي يف حجريت‬
‫لنباركها؛فاملالئكة هتبط بالرمحة والربكة يف أماكن الصالة!! وحتسب تلك الصالة نافلة‪ ،‬ولنقل ذلك‬
‫بتبسم وهدوء حىت ال يكذب مرة أخرى‪S.‬‬
‫يصل الطفل يقف األب أو األم جبواره‪-‬لإلحراج ‪-‬ويقول‪ " :‬أنا يف االنتظار لشيء ضروري‪S‬‬ ‫إن مل ِّ‬
‫البد أن حيدث قبل فوات األوان " (بطريقة حازمة ولكن غري قاسية بعيدة عن التهديد)‬
‫كما جيب تشجيعهم‪ ،‬ويكفي للبنات أن نقول‪" :‬هيا سوف أصلي ‪ -‬تعاىل ‪ -‬معي"‪ S،‬فالبنات ميلن إىل‬
‫صالة اجلماعة‪ ،‬ألهنا أيسر جمهوداً وفيها تشجيع‪ ،‬أما الذكور فيمكن تشجيعهم على الصالة باملسجد‬
‫و هي بالنسبة للطفل فرصة للرتويح بعد طول املذاكرة‪ ،‬ولضمان نزوله ميكن ربط النزول مبهمة ثانية‪،‬‬
‫مثل شراء اخلبز‪ ،‬أو السؤال عن اجلار‪ S...‬إخل‪.‬‬
‫ويف كال احلالتني‪ :‬الطفل أو الطفلة‪ ،‬جيب أن ال ننسى التشجيع والتعزيز واإلشارة إىل أن التزامه‬
‫بالصالة من أفضل ما يعجبنا يف شخصياهتم‪ ،‬وأهنا ميزة تطغى على باقي املشكالت والعيوب‪ ،‬ويف‬
‫هذه السن ميكن أن يتعلم الطفل أحكام الطهارة‪ ،‬وصفة النيب ‪ ،-  -‬وبعض األدعية اخلاصة‬
‫بالصالة‪ ،‬وميكن اعتبار يوم بلوغ الطفل السابعة حدث مهم يف حياة الطفل‪ ،‬بل وإقامة احتفال خاص‬
‫هبذه املناسبة‪ ،‬يدعى إليه املقربون ويزين املنزل بزينة خاصة‪ ،‬إهنا مرحلة بدء املواظبة على الصالة!!‬
‫والشك أن هذا يؤثر يف نفس الطفل باإلجياب‪ ،‬بل ميكن أيضاً اإلعالن عن هذه املناسبة داخل البيت‬
‫قبلها بفرتة كشهرين مثال‪ ،‬أو شهر حىت يظل الطفل مرتقباً جمليء هذا احلدث األكرب!!‬

‫‪69‬‬
‫ويف هذه املرحلة نبدأ بتعويده أداء اخلمس صلوات كل يوم‪ ،‬وإن فاتته إحداهن يقوم بقضائها‪ ،‬وحني‬
‫يلتزم بتأديتهن مجيعا على ميقاهتا‪ ،‬نبدأ بتعليمه الصالة فور مساع األذان وعدم تأخريها؛ وحني يتعود‬
‫أداءها بعد األذان مباشرة‪ ،‬جيب تعليمه سنن الصالة ونذكر له فضلها‪ ،‬وأنه خمرَّي بني أن يصليها اآلن‪،‬‬
‫أو حني يكرب‪.‬‬
‫وفيما يلي بعض األسباب املعينة للطفل يف هذه املرحلة على االلتزام بالصالة‪:‬‬
‫‪ .1‬جيب أن يرى االبن دائماً يف األب واألم يقظة احلس حنو الصالة‪ ،‬فمثال إذا أراد االبن أن يستأذن‬
‫للنوم قبل العشاء‪ ،‬فليسمع من الوالد‪ ،‬وبدون تفكري أو تردد‪" :‬مل يبق على صالة العشاء إال قليالً‬
‫نصلي معا مث تنام بإذن اهلل؛ وإذا طلب األوالد اخلروج للنادي مثالً‪ ،‬أو زيارة أحد األقارب‪ ،‬وقد‬
‫اقرتب وقت املغرب‪ ،‬فليسمعوا من الوالدين‪" :‬نصلي املغرب أوالً مث خنرج"؛ ومن وسائل إيقاظ احلس‬
‫بالصالة لدى األوالد أن يسمعوا ارتباط املواعيد بالصالة‪ ،‬فمثالً‪" :‬سنقابل فالناً يف صالة العصر"‪ ،‬و‬
‫"سيحضر فالن لزيارتنا بعد صالة املغرب"‪S.‬‬
‫‪ .2‬إن اإلسالم حيث على الرياضة اليت حتمي البدن وتقويه‪ ،‬فاملؤمن القوي خري وأحب إىل اهلل ‪-‬‬
‫تعاىل ‪ -‬من املؤمن الضعيف‪ ،‬ولكن جيب أال يأيت حب أو ممارسة الرياضة على حساب تأدية الصالة‬
‫يف وقتها‪ ،‬فهذا أمر مرفوض‪.‬‬
‫نعوده على أداء الصالة قدر استطاعته‪ ،‬حىت ينشأ ويعلم‬ ‫‪ .3‬إذا حدث ومرض الصغري‪ ،‬فيجب أن ِّ‬
‫ويتعود أنه ال عذر له يف ترك الصالة‪ ،‬حىت لو كان مريضاً‪ ،‬وإذا كنت يف سفر فيجب تعليمه رخصة‬
‫القصر واجلمع‪ ،‬ولفت نظره إىل نعمة اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬يف الرخصة‪ ،‬وأن اإلسالم تشريع مملوء بالرمحة‪.‬‬
‫‪ .4‬اغرس يف طفلك الشجاعة يف دعوة زمالئه للصالة‪ ،‬وعدم الشعور باحلرج من إهناء مكاملة تليفونية‬
‫أو حديث مع شخص‪ ،‬أو غري ذلك من أجل أن يلحق بالصالة مجاعة باملسجد‪ ،‬وأيضاً اغرس فيه أال‬
‫يسخر من زمالئه الذين يهملون أداء الصالة‪ ،‬بل يدعوهم إىل هذا اخلري‪ ،‬وحيمد اهلل الذي هداه هلذا‪.‬‬
‫‪ .5‬جيب أن نتدرج يف تعليم األوالد النوافل بعد ثباته على الفروض‪.‬‬
‫و لنستخدم كل الوسائل املباحة شرعاً لنغرس الصالة يف نفوسهم‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫* املسطرة املرسوم عليها كيفية الوضوء والصالة‪.‬‬
‫** تعليمهم احلساب وجدول الضرب بربطهما بالصالة‪ ،‬مثل‪ :‬رجل صلى ركعتني‪ ،‬مث صلى الظهر‬
‫أربع ركعات‪ ،‬فكم ركعة صالها؟‪ ...‬وهكذا‪ ،‬وإذا كان كبرياً‪ ،‬فمن األمثلة‪ " :‬رجل بني بيته‬
‫واملسجد ‪ 500‬مرت وهو يقطع يف اخلطوة الواحدة ‪ 40‬سنتيمرت‪ ،‬فكم خطوة خيطوها حىت يصل إىل‬
‫املسجد يف الذهاب والعودة؟ وإذا علمت أن اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬يعطي عشر حسنات على كل خطوة‪،‬‬
‫فكم حسنة حيصل عليها؟‬
‫*** أشرطة الفيديو والكاسيت اليت تعلِّم الوضوء والصالة‪ ،‬وغري ذلك مما أباحه اهلل ‪ -‬سبحانه ‪.-‬‬

‫‪70‬‬
‫أما مسألة الضرب عند بلوغه العاشرة وهو ال يصلي‪ ،‬ففي رأي كاتبة هذه السطور أننا إذا قمنا بأداء‬
‫دورنا كما ينبغي منذ مرحلة الطفولة املبكرة وبتعاون متكامل بني الوالدين‪ ،‬أو القائمني برعاية‬
‫مربح‪ ،‬وأال‬‫الطفل‪ ،‬فإهنم لن حيتاجوا إىل ضربه يف العاشرة‪ ،‬وإذ اضطروا إىل ذلك‪ ،‬فليكن ضرباً غري ِّ‬
‫يكون يف األماكن غري املباحة كالوجه؛ وأال نضربه أمام أحد‪ ،‬وأال نضربه وقت الغضب‪ ...‬وبشكل‬
‫عام‪ ،‬فإن الضرب(كما أمر به الرسول الكرمي يف هذه املرحلة) غرضه اإلصالح والعالج؛ وليس‬
‫العقاب واإلهانة وخلق املشاكل؛ وإذا رأى املريِّب أن الضرب سوف خيلق مشكلة‪ ،‬أو سوف يؤدي‬
‫إىل كره الصغري للصالة‪ ،‬فليتوقف عنه متاماً‪ ،‬وليحاول معه بالربنامج املتدرج الذي سيلي ذكره‪...‬‬
‫ولنتذكر أن املواظبة على الصالة ‪ -‬مثل أي سلوك نود أن نكسبه ألطفالنا ‪ -‬ولكننا نتعامل مع‬
‫الصالة حبساسية نتيجة لبعدها الديين‪ ،‬مع أن الرسول صلى اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عليه وسلم حني وجهنا‬
‫لتعليم أوالدنا الصالة راعى هذا املوضوع وقال "علموا أوالدكم الصالة لسبع‪ ،‬واضربوهم عليها‬
‫لعشر"‪ ،‬فكلمة علموهم تتحدث عن خطوات خمططة لفرتة زمنية قدرها ثالث سنوات‪ ،‬حىت يكتسب‬
‫الطفل هذه العادة‪ ،‬مث يبدأ احلساب عليها ويدخل العقاب كوسيلة من وسائل الرتبية يف نظام اكتساب‬
‫السلوك‪ ،‬فعامل الوقت مهم يف اكتساب السلوك‪ ،‬وال جيب أن نغفله حني حناول أن نكسبهم أي‬
‫سلوك‪ ،‬فمجرد التوجيه ال يكفي‪ ،‬واألمر حيتاج إىل ختطيط وخطوات وزمن كاف للوصول إىل‬
‫اهلدف‪ ،‬كما أن الدافع إىل إكساب السلوك من األمور اهلامة‪ ،‬وحىت يتكون‪ ،‬فإنه حيتاج إىل بداية‬
‫مبكرة وإىل تراكم القيم واملعاين اليت تصل إىل الطفل حىت يكون لديه الدافع النابع من داخله‪ ،‬حنو‬
‫تأخر الوالدان يف تعويده الصالة إىل سن العاشرة‪،‬‬ ‫اكتساب السلوك الذي نود أن نكسبه إياه‪ ،‬أما إذا َّ‬
‫فإهنما حيتاجان إىل وقت أطول مما لو بدءا مبكرين‪ ،‬حيث أن طبيعة التكوين النفسي والعقلي لطفل‬
‫العاشرة حيتاج إىل جمهود أكرب مما حيتاجه طفل السابعة‪ ،‬من أجل اكتساب السلوك نفسه‪ ،‬فاألمر يف‬
‫هذه احلالة حيتاج إىل صرب وهدوء وحكمة وليس عصبية وتوتر‪..‬‬
‫ففي هذه املرحلة حيتاج الطفل منا أن نتفهم مشاعره ونشعر مبشاكله ومهومه‪ ،‬ونعينه على حلها‪ ،‬فال‬
‫يرى منا أن كل اهتمامنا هو صالته وليس الطفل نفسه‪ ،‬فهو يفكر كثريا بالعامل حوله‪ ،‬وبالتغريات‬
‫اليت بدأ يسمع أهنا ستحدث له بعد عام أو عامني‪ ،‬ويكون للعب أمهيته الكبرية لديه‪ ،‬لذلك فهو‬
‫يسهو عن الصالة ويعاند ألهنا أمر مفروض عليه و يسبب له ضغطاً نفسياً‪ ...‬فال جيب أن نصل‬
‫بإحلاحنا عليه إىل أن يتوقع منا أن نسأله عن الصالة كلما وقعت عليه أعيننا!!‬
‫ولنتذكر أنه ال يزال حتت سن التكليف‪ ،‬وأن األمر بالصالة يف هذه السن للتدريب فقط‪ ،‬ولالعتياد ال‬
‫هم‪ ،‬أو خوف يصيبه سوف يقربنا إليه ويوثِّق عالقتنا‬ ‫غري!! لذلك فإن سؤالنا عن مشكلة حتزنه‪ ،‬أو ٍّ‬
‫به‪ ،‬فتزداد ثقته يف أننا سنده األمني‪ ،‬وصدره الواسع الداىفء‪ ...‬فإذا ما ركن إلينا ضمنَّا فيما بعد‬
‫استجابته التدرجيية للصالة‪ ،‬والعبادات األخرى‪ ،‬واحلجاب‬

‫‪71‬‬
‫رابعا‪ :‬مرحلة املراهقة‪:‬‬
‫يتسم األطفال يف هذه املرحلة بالعند والرفض‪ ،‬وصعوبة االنقياد‪ ،‬والرغبة يف إثبات الذات ‪ -‬حىت لو‬
‫كان ذلك باملخالفة جملرد املخالفة‪ -‬وتضخم الكرامة العمياء‪ ،‬اليت قد تدفع املراهق رغم إميانه بفداحة‬
‫ما يصنعه إىل االستمرار فيه‪ ،‬إذا حدث أن توقُّفه عن فعله سيشوبه شائبة‪ ،‬أو شبهة من أن يشار إىل‬
‫أن قراره بالتوقف عن اخلطأ ليس نابعاً من ذاته‪ ،‬وإمنا بتأثري أحد من قريب أو بعيد‪ .‬ولنعلم أن‬
‫أسلوب الدفع والضغط لن جيدي‪ ،‬بل سيؤدي للرفض والبعد‪ ،‬وكما يقولون "لكل فعل رد فعل مسا ٍو‬
‫له يف القوة ومضاد له يف االجتاه" لذا جيب أن نتفهم االبن ونستمع إليه إىل أن يتم حديثه ونعامله‬
‫برفق قدر اإلمكان‪.‬‬
‫‪ 17-4-1425‬هـ‬
‫‪ http://mynono.hawaaworld.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪72‬‬
‫كونوا قدوات‬
‫أ‪ .‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫• كيف تطالب أبناءك بأن يتحكموا يف أعصاهبم‪ ،‬وأنت عاجز عن ذلك حىت وأنت تناقش معهم‬
‫هذا املوضوع فقد تكون مغضباً‪.‬‬
‫• الرسائل غري املباشرة أمضى وأقوى من التوجيه املباشر‪ ،‬مع احلاجة إليهما‪ ،‬فمثالً‪ :‬حسن عالقتك‬
‫بزوجتك يؤدي دوراً عظيماً يف حياة أبنائك‪ ،‬هدوؤك وحسن تصرفك والقدرة على االستماع أوىل‬
‫من عشر حماضرات يف املوضوع‪ ،‬تنظيمك لوقتك‪ ،‬ودقة مواعيدك ومبادرتك إىل ما خيصك دون أن‬
‫تعتمد على األوامر أقوى من دروس وجدال‪ ،‬إذا أمرت ابنك بعمل فلم ينجزه أن تقوم بإجنازه دون‬
‫أن تنبذه بكلمة واحدة أش ّد تأثرياً من الضرب املربح‪ ...‬وهلم جرا‪ ..‬واحلاالت االستثنائية هلا‬
‫عالجها‪.‬‬
‫• قلل ما استطعت من قولك ألبنائك‪ :‬كنت وكنت وكان أيب‪ ،‬فاإلكثار من ذلك سيتحول إىل‬
‫سخرية بينهم‪ ،‬دع أعمالك احلاضرة تتحدث عن شخصيتك‪ ،‬فأبناؤك ال يهمهم كثرياً كيف كنت‪،‬‬
‫وكيف كان أبوك‪ ،‬وقد ال يصدقونك‪ ،‬ولكن يهمهم كيف أنت اآلن دون دعوى وضجيج‪.‬‬
‫• من أجنح وسائل الرتبية املثل والقدوة‪ ،‬واحملبة واإلعجاب أقصر وسيلة لالقتداء والتشبه‪ ،‬وقدوتنا هو‬
‫رسول اهلل ‪ ،-  -‬فامتالء قلوبنا مبحبته وقلوب أبنائنا مبحبته يدفعنا إىل التأسي به والصدور عن‬
‫هديه وأخالقه‪ ،‬مث مما يعني على ذلك حمبة صحابته‪ ،‬واختيارك أحد كبار الصحابة مثالً ألبيك‪ ،‬مما‬
‫ترى أن هناك توافقاً بني صفات ابنك وصفاته‪ ،‬فيقرأ سريته‪ ،‬ويتشبع بأخالقه‪ ،‬وجيعله مثالً له بعد‬
‫رسول اهلل ‪ -  -‬كل ذلك مؤثر يف تربيته وعلو مهته وتقومي سلوكه‪ ،‬وقل مثل ذلك يف كبار قادة‬
‫سلف األمة وعلمائها‪ ،‬وقد يكون االقتداء نسبياً يف صفة أو خلق أو علم‪.‬‬
‫• مهما كان للقول من تأثري فإن الفعل أقوى تأثرياً وأمضى سالحاً‪ ،‬وهناك من األفعال ما يكون‬
‫تأثريه سريعاً ومباشراً‪ ،‬وهناك ما يكون تأثريه متدرجاً وهو التأثري الرتاكمي‪ ،‬حيث إن جمموعة من‬
‫األفعال على مدى عدة أيام أو شهور أو أعوام يكون هلا من التأثري ما لسواها؛ فالكرم مثالً ال يكون‬
‫مبرة أو مرتني‪ ،‬وإمنا يعرف الكرمي بكرمه إذا تكرر منه الفعل وأصبح سجية له وطبعاً‪ ،‬والصدق ال‬
‫يوصف به من صدق يومني أو شهرين‪ ،‬بل يتوج به من مل يعرف بالكذب يف يسر أو عسر "وما يزال‬
‫الرجل يصدق ويتحرى الصدق حىت يكتب عند اهلل ص ّديقاً"‪.‬‬
‫• تريد من ابنك أن يكون منظماً ومرتباً‪ ،‬ودقيقاً يف مواعيده‪ ،‬وحازماً يف إجناز أموره‪ ،‬وأنت تعيش‬
‫َّ ِ‬ ‫الفوضى ومتارسها "َأتَْأمرو َن الن ِ رِب‬
‫َّاس بالْ ِّ َو َتْن َس ْو َن َأْن ُف َس ُك ْم" (البقرة‪ :‬من اآلية‪" ،)44‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ين‬ ‫َ‬ ‫ُُ‬
‫َآمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما ال َت ْف َعلُو َن" (الصف‪ .)2 :‬كن قدوة يف نفسك‪ ،‬مرتباً يف عملك‪ ،‬يرى منك ابنك‬

‫‪73‬‬
‫يف تعاملك معه ما تطالبه به‪ ،‬وجيدك يف تعاملك مع اآلخرين أسوة ومثالً‪ ،‬إذا كنت كذلك فسرتى ما‬
‫يسرك‪ ،‬وإال فعلى نفسها جنت براقش‪.‬‬
‫ال تنه عن خلق وتأيت مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم‬
‫‪15/8/1425‬هـ‬
‫‪ http://www.almoslim.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪74‬‬
‫كيف فهم الصحابة التأسي ‪ ( ..‬عمر نموذجا )‬
‫د‪ .‬بدران بن احلسن‬
‫‪-‬د‪ .‬فريدة صادق زوزو‬
‫التأسي برسول اهلل ‪:-  -‬‬ ‫أمهّية ّ‬
‫تأمل ونظر‬ ‫التأسي برسول اهلل ‪ -  -‬الذي درج عليه املسلمون منذ عصر الصحابة حيتاج إىل ّ‬ ‫إ ّن ّ‬
‫التأسي ّإما وقع فيه إفراط أخرجه عن غايته‪ ،‬وإما وقع فيه تفريط ّأدى إىل الطّعن‬ ‫وتدبّر‪ ،‬ذلك أ ّن هذا ّ‬
‫الرسالة ‪ ،-  -‬وذلك طبعاً بعد عصر الصحابة رضوان اهلل عليهم‪.‬‬ ‫يف صاحب ّ‬
‫الفقهي‪ ،‬وما يتعلّق بالعبادات‬ ‫التأسي‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫األعم على ّ‬ ‫التأسي منذ عصر التدوين قُصر يف الغالب ّ‬ ‫كما أ ّن ّ‬
‫التأسي‬
‫والشعائر‪ ،‬وال يكاد خيرج من دائرة احلالل واحلرام‪ ،‬ولست أدري ملاذا إذا ذكرت القدوة أو ّ‬
‫السنة باملفهوم الذي صاغه األصولّيون والفقهاء فيما يتعلق باجلانب‬ ‫يذهب ذهن املسلم إىل اتباع ّ‬
‫التأسي واالقتداء‪ .‬قال اهلل‬ ‫التشريعي‪ ،‬رغم أ ّن القرآن الكرمي جاءت فيه آيات كثرية تدعو إىل مطلق ّ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ ل َم ْن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل خَر‪S)...‬‬ ‫‪ -‬تعاىل ‪( :-‬ل َق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫ول فَ ُخ ُذوهُ َو َما َن َها ُك ْم َعْنهُ‬ ‫الر ُس ُ‬
‫[األحزاب‪ :‬من اآلية‪ ،]21‬وقال ‪ -‬عز وجل ‪َ ...( :-‬و َما آتَا ُك ُم َّ‬
‫ين خُيَالُِفو َن َع ْن َْأم ِر ِه‪) ...‬‬ ‫ِ َّ ِ‬
‫فَا ْنَت ُهوا‪[ )...‬احلشر‪ :‬من اآلية‪ ،]7‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪َ ...( :-‬ف ْليَ ْح َذر الذ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫[النور‪ :‬من اآلية‪ ،]63‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪( :-‬لََق ْد جاء ُكم رس ٌ ِ‬
‫ُّم َح ِر ٌ‬
‫يص‬ ‫ول م ْن َأْن ُفس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْيه َما َعنت ْ‬ ‫ََ َُْ‬
‫يم) [التوبة‪.]128 :‬‬ ‫علَي ُكم بِالْمْؤ ِمنِني رُؤ ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫َْ ْ ُ َ َ‬
‫ني َر ُسوالً ِمْن ُه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاتِِه َويَُز ِّكي ِه ْم َويُ َعلِّ ُم ُه ُم‬ ‫ِ‬
‫ث يِف ِّ‬
‫اُأْلميِّ َ‬ ‫(ه َو الَّذي َب َع َ‬
‫وقال ‪ -‬تعاىل ‪ُ :-‬‬
‫ْمةَ‪[ S)...‬اجلمعة‪ :‬من اآلية‪ ]2‬وغريها من اآليات القرآنيّة الكرمية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب َواحْل ك َ‬‫الْكتَ َ‬
‫واملعلوم أ ّن الرسول ‪ -  -‬جاء باإلسالم‪ ،‬واإلسالم ليس تشريعاً فحسب‪ ،‬بالرغم من مركزيّة‬
‫قضيّة التشريع‪ ،‬بل هو هداية لإلنسان يف كل أبعاد شخصيّته‪.‬‬
‫التأسي برسول اهلل ‪ ،-  -‬حيث يعمل هذا العلم على دراسة واستكناه‬ ‫هلذا ال بد من تأسيس علم ّ‬
‫التأسي‪ ،‬وكيفيّته‪ ،‬حىت يكون الرسول ‪ -  -‬منوذجاً لكل مسلم يف كل أبعاد‬ ‫الدوائر اليت يشملها ّ‬
‫ومرب‪ ،‬ومبلغ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫شخصيّته؛ يف رؤيته للحياة والكون‪ ،‬يف فعاليته‪ ،‬يف منهجيّته‪ ،‬يف دوره كحاكم‪،‬‬
‫وداعية‪ ،‬وجمتهد‪ ،‬وأب‪ ،‬و‪S...‬‬
‫التأسي‪:‬‬
‫دور الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم يف فهم ّ‬
‫التأسي‪ ،‬يقتضي معايشة الصحابة‬ ‫التأسي على أسس متينة من الفهم حلقيقة ّ‬ ‫وال شك أ ّن بناء هذا ّ‬
‫النبوي أثناء وجوده بني ظهرانيهم‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫رضوان اهلل عنهم‪ ،‬وهم مقبلون بكليّتهم على استلهام النموذج‬
‫وبعد وفاته ‪.-  -‬‬

‫‪75‬‬
‫التأسي تشكل قاعدة مركزيّة وأساساً يف سبيل بناء منهج‬ ‫وأمهية معرفة الكيفيّة اليت فهم هبا الصحابة ّ‬
‫التأسي‪ ،‬باعتبار أ ّن الصحابة شهدوا نزول الوحي‪ ،‬وعاصروا رسول اهلل ‪ -  -‬يس ّددهم ويصحح‬ ‫ّ‬
‫ويوجه بصائرهم إىل معاين اهلداية واالقتداء‪ ،‬فح ّققوا صفة اخلرييّة بشهادة اهلل‬
‫ُف ُهومهم وأعماهلم‪ّ ،‬‬
‫والتأسي‪ ،‬هذا من‬
‫ّ‬ ‫ورسوله؛ اخلرييّة يف حتقيق الوعي؛ وعي الرسالة‪ ،‬والعمل‪ ،‬واالتباع‪ ،‬والطاعة‪،‬‬
‫جهة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فقد حافظ كل صحايب على شخصيّته املتميزة‪ ،‬ومل يكن رسول اهلل ‪-  -‬‬
‫مكررة له‪ ،‬ومل يكونوا يريدون أ ْن يكونوا صوراً مستنسخة منه‪ ،‬رغم تقديرهم‬ ‫يشكلهم صوراً ّ‬
‫لقيمته‪ ،‬وتضحيتهم يف سبيله‪ ،‬وطاعتهم املطلقة له ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ ،-‬ورغم أنّه أعاد صياغة‬
‫شخصياهتم‪ ،‬أو بتعبري الصحابة رضوان اهلل عنهم‪" :‬كان رسول اهلل يفرغنا مث ميلؤنا"‪.‬‬
‫للتأسي الكلّي‪:‬‬
‫تأسي جمموع الصحابة يشكل منوذجاً ّ‬ ‫ّ‬
‫التأسيات إ ّن صح‬
‫للتأسي له جانب مرتبط بشخصيّة كل منهم‪ ،‬ومبجموع هذه ّ‬ ‫وفهم الصحابة ّ‬
‫علمي‬
‫للتأسي الذي صاغه الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عنهم ‪ -‬بشكل ّ‬ ‫التعبري‪-‬تشكل النموذج الكلّي ّ‬
‫توفّرت فيه املمارسة العملية واالحتكاك بالرسول ‪ -  -‬ومشاهدته وهو يبين النموذج لبنة لبنة‪.‬‬
‫التأسي الكلّي جليل الصحابة ‪-‬‬ ‫أي صحايب كمثال أو منوذج لوجدناه ميثل أحد جوانب ّ‬ ‫ولو أخذنا ّ‬
‫رضوان اهلل عنهم ‪.-‬‬
‫ويف مقالتنا هذه نريد أن نأخذ عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬منوذجاً حناول من خالله تبنّي‬
‫التأسي برسول اهلل ‪.-  -‬‬
‫كيف فهم الصحابة ّ‬
‫العمري‪:‬‬
‫ّ‬ ‫التأسي‬
‫منوذج ّ‬
‫واختيارنا لعمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يرجع ملواصفات وخصائص توفرت له تساعدنا أكثر على فهم‬
‫الصديق ‪ -‬رضي‬ ‫منوذجه يف االقتداء‪ ،‬ذلك أنّه كان أقرب الصحابة للرسول ‪ -  -‬بعد أيب بكر ّ‬
‫واألمة‪ ،‬وُأتيحت له فرصة االفتاء(‪ ،)1‬يف‬ ‫اهلل عنه ‪ ،-‬وأكثرهم حضوراً يف تشكل ال ّدعوة وال ّدولة ّ‬
‫عهد رسول اهلل ‪ ،-  -‬والوزارة يف عهد أيب بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬واخلالفة ملدة تزيد‬
‫على العقد من الزمن‪ ،‬وأنشأ من الدواوين وأحدث من العمال الكثري الكثري‪ ،‬وتوسعت يف عهده رقعة‬
‫بالد اإلسالم‪ ،‬وأول من مجع القرآن يف املصحف (‪ ،)2‬وموافقاته للقرآن أشهر من أ ْن تذكر‪.‬‬
‫التأمل؛ فهو‬ ‫تستحق ّ‬
‫ّ‬ ‫والدارس لسرية عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ، -‬واملطلع على مروياته‪ ،‬ينتبه إىل مفارقة‬
‫من جهة كثري احلضور والقرب من رسول اهلل ‪ ،-  -‬ومن جهة أخرى جند أ ّن مرويّاته من القلّة‬
‫حبيث تُع ّد على األصابع‪.‬‬
‫أمل يكن عمر يق ّدر رسول اهلل ‪-  -‬؟!‬
‫يهتم حبديث رسول اهلل ‪-  -‬؟!‬ ‫أمل يكن عمر ّ‬

‫‪76‬‬
‫أمل يكن يقتدي برسول اهلل ‪-  -‬؟!‬
‫إذا كان يتبعه فكيف جيادله ويناقشه يف كل أمر ال يستوعبه؟!‬
‫حمل اعتبار عمر؟!‬
‫وما ّ‬
‫وما معىن قوله ‪" :-  -‬إن اهلل جعل احلق على لسان عمر وقلبه‪ ،‬يقول به"؟!‬
‫التأسي رواية احلديث فقط ونقل أقوال الرسول‪ -  -‬ومالزمته دائما ملا وسع عمر أ ْن‬ ‫لو كان ّ‬
‫يتجاهل هذا‪ ،‬ولكان أكثر الصحابة حفظاً ورواية عن رسول اهلل ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪.-‬‬
‫تفهم ملا أوسع يف االجتهاد بعد وفاة‬
‫التأسي إعماال ملا ورد عن رسول اهلل ‪ -  -‬دون ّ‬ ‫ولو كان ّ‬
‫النيب ‪ -  -‬بل وحىت يف حياته كما سبق ذكره‪ -‬وملا أنشأ من املصاحل والدواوين ما مل يكن من‬
‫النبوة‪.‬‬
‫قبل يف مرحلة ّ‬
‫تفهم وتعليل وحماولة استيعاب‪ ،‬ملا كان من‬ ‫التأسي يقتضي اتباع الرسول ‪ -  -‬دون ّ‬ ‫ولو كان ّ‬
‫عمر أن جيادل ويناقش رسول اهلل ‪ -  -‬يف كثري من املواضع‪ ،‬مثل‪ :‬أسرى بدر‪ ،‬ويوم احلديبية‪،‬‬
‫والصالة على عبد اهلل بن أيب بن سلول‪ ،‬وملا كان منه أن يقرتح ويبدي رأيه لرسول اهلل يف مواضع‬
‫عديدة‪.‬‬
‫التأسي ظاهرياً ملا وسع عمر قطع شجرة احلديبية‪ ،‬أو أحجار مىن‪ ،‬أو إيقاف إعطاء سهم‬ ‫ولو كان ّ‬
‫املؤلّفة قلوهبم‪.‬‬
‫التأسي مناقشة كل ما يرد عن رسول اهلل ‪ -  -‬وتعقله‪ ،‬ملا كان من عمر أ ْن يقول‬ ‫ولو كان ّ‬
‫مقالته عن احلجر األسود وهو يُ َقِّبلُه‪ ،‬وهو يعلم أنّه يقبّله ألنّه رأى رسول اهلل ‪ -  -‬يقبله‪ ،‬ويعلم‬
‫يضر وال ينفع‪.‬‬ ‫أيضا أنّه حجر ال ّ‬
‫إ ّن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لو مل يكن متبعاً لرسول اهلل ومتأسياً به ملا قال فيه رسول اهلل ‪:-  -‬‬
‫"إ ّن احلق ينطق على لسانه"(‪ .)3‬كما أن السلف فهموا من حديث‪" :‬فعليكم بسنيت وسنة اخللفاء‬
‫الراشدين املهديني عضوا عليها بالنواجذ"(‪ )4‬اخللفاء األربعة‪ ،‬وباألخص الشيخان؛ أبو بكر وعمر‪،‬‬
‫كما جاء يف الطبقات البن سعد من حديث سفيان بن عيينة‪ :‬أ ّن النيب ‪ -  -‬قال‪" :‬اقتدوا بالذين‬
‫من بعدي أيب بكر وعمر"(‪.)5S‬‬
‫األمة منذ عهد الصحابة‪ ،‬وهذه الشهادة له من النيب ‪ -  -‬يف‬ ‫هذا القبول الذي القاه عمر من ّ‬
‫أكثر من موضع‪ ،‬جتعل منه من أقرب الناس إىل النيب وسنته‪ ،‬مع أنّه قليل الرواية‪ ،‬وكثري االجنازات اليت‬
‫األمة قبله‪.‬‬
‫مل تكن معروفة يف ّ‬
‫والتأسي برسول اهلل ‪ -  -‬واالقتداء به‬ ‫ّ‬ ‫من هنا نفهم أ ّن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬فهم اتباع السنة‬
‫على أنّه اتباع لطريقة ومنهج وعادة (‪ )6‬النيب ‪ -  -‬يف التعامل مع الوحي‪ ،‬وسريته اليت سلكها يف‬
‫تبليغ الرسالة وحتقيق النموذج األمثل لالقتداء‪ ،‬وحتقيق هداية القرآن يف الناس‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ورغم اشرتاك الصحابة ‪ -‬رضوان اهلل عنهم ‪ -‬يف أصل االتباع إال أ ّن كل صحايّب له ميزته يف اتباع‬
‫السنة‪ ،‬ش ّكلت شخصيّته‪ ،‬وتوافقت مع روحه‪ ،‬فإذا كان عبد اهلل بن عمر يتتبّع آثار رسول اهلل ‪ -‬‬
‫‪ -‬يف مشيه وجلوسه واستظالله‪ ،‬فإنّنا جند عمر بن اخلطاب له منهجه يف اتباع الرسول ‪-  -‬‬
‫التأسي يقوم على عدة قواعد‬‫والتأسي به‪ ،‬ميكن لنا أ ْن نعترب أ ّن منهج عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يف فهم ّ‬
‫ّ‬
‫ط عمر الذي صاغه فيما بعد من تأثروا به‪:‬‬ ‫مميّزة خل ّ‬
‫العمري برسول اهلل ‪:-  -‬‬
‫ّ‬ ‫التأسي‬
‫قواعد منهج ّ‬
‫أول هذه القواعد‪ :‬أ ّن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كان يعترب االقتداء األمثل يف حفظ كتاب اهلل‪،‬‬
‫واالنشغال به عما سواه‪ ،‬مستلهما ذلك من هني رسول اهلل عن كتابة السنة‪ ،‬وأ ّن السنة حتفظ حبفظ‬
‫القرآن والعناية به‪ ،‬والعيش يف رحاب القرآن كما فعل الرسول ‪.-  -‬‬

‫وثانيها‪ :‬أ ّن عمر يتوقف ويتّبع ما كان ليس له علّة مثل تقبيل احلجر األسود وغريها‪ ،‬فإنّه ملا رأى‬
‫رسول اهلل ‪ -  -‬يفعل ذلك فعله‪ ،‬ولو مل يعقله لتحققه من أ ّن رسول اهلل ‪ -  -‬ال يفعل إال‬
‫حقاً‪ ،‬وال يزيد عليه‪ ،‬وينهى عن الزيادة على ما اكتفى عنده رسول اهلل ‪.-  -‬‬
‫التأسي برسول اهلل ‪ -  -‬يف صورته االجتماعيّة املعروفة كسلوك‪،‬‬ ‫وثالثها‪ :‬كان عمر يفهم ّ‬
‫وتتداوهلا الناس بينهم‪ ،‬وهذا معروف عن سرية عمر وعدم تقبّله ملا كان شاذاً‪ ،‬واعتباره للنقل العام‬
‫فقهي يف‬
‫جتسد فيما بعد يف عمل أهل املدينة كمستند ّ‬ ‫وما يرتبط بكل الناس‪ ،‬وهذا املذهب هو ما ّ‬
‫األشعري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حبديث مل يكن‬‫ّ‬ ‫املالكي‪ ،‬حىت إ ّن عمر ملا جاءه أبو موسى‬
‫ّ‬ ‫املذهب‬
‫معروفاً لديه طالبه بالدليل والشاهد‪.‬‬
‫تأسي عمر وتشبّهه برسول اهلل ‪ -  -‬جعله يتش ّدد يف رواية احلديث‪ ،‬وكان من‬ ‫رابعها‪ :‬أ ّن ّ‬
‫أظن ذلك‬‫التقول على رسول اهلل ‪ ،-  -‬وما ّ‬ ‫أحرص الصحابة وأكثرهم متيّزاً يف احلرص على عدم ّ‬
‫إال نابعاً من وعي دقيق‪ ،‬وعميق من خمافة انشغال الناس برواية احلديث واالفرتاء أو عدم التثبّت‪،‬‬
‫وترك القرآن الكرمي الذي هو أصل ومستند للسنّة‪ ،‬وأحسب أ ّن عمر بتش ّدده يف رواية السنة مل يكن‬
‫العلمي ومنهج نقد الرواية‬
‫ّ‬ ‫يعين به عدم االهتمام بالسنة‪ ،‬بقدر ما كان يبذر البذور األوىل للتثبّت‬
‫حتول فيما بعد إىل علم احلديث رواية ودراية‪ ،‬وحافظ على السنة‪ ،‬ومحاها من‬ ‫واجلرح والتعديل الذي ّ‬
‫ال ّدخيل والزائف‪ ،‬وعمر كان يعي متاماً وجوب بقاء منوذج النيب ‪ -  -‬واضحاً يف أجيال املسلمني‬
‫القادمة‪ ،‬وال تتداخل سنته ‪ -  -‬وسريته مع آراء الرواة(‪.)7‬‬
‫خامسها‪ :‬أ ّن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬عايش رسول اهلل ‪ -  -‬يف حاالت متع ّددة؛ يف احلرب‬
‫ومشرعاً‪،‬‬
‫والسلم‪ ،‬قاضياً وحاكماً‪ ،‬ومبلغاً وداعياً‪ ،‬وجمتهداً وقاضياً‪ ،‬وأباً‪ ،‬وزوجاً البنته‪ ،‬وأخاً(‪ّ ،)8‬‬
‫التأسي الذي يقوم على التفريق بني‬
‫فامتلك الفهم الذي استطاع من خالله أ ْن يصوغ منهجه يف ّ‬

‫‪78‬‬
‫التأسي املختلفة؛ ما هو واجب االتباع‪ ،‬وما هو من العادة القابلة لعدم األخذ هبا‪ ،‬وما هو‬ ‫مستويات ّ‬
‫مرتبط بالزمان واملكان واألحوال‪.‬‬
‫التأسي اليت جعلت منه يراعي روح الشريعة ومقاصدها كما يراعي أفرادها‬ ‫كما أنّه امتلك روح ّ‬
‫اجلزئيّة‪ ،‬وظاهرها يف التعامل مع القرآن والسنة يف حضرة النيب ‪ -  -‬وبعد وفاته‪ ،‬كما جتلّى يف‬
‫نقاشاته لرسول اهلل ‪ -  -‬يف حياته‪ ،‬ويتجلّى أيضا يف اجتهاداته اليت أجنزها يف اقرتاح خالفة أيب‬
‫بكر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬ويف سهم املؤلّفة قلوهبم‪ ،‬ويف خراج أرض السواد‪ ،‬ويف توسعة احلرم‪ ،‬ويف‬
‫إقراره معاوية على لباسه واختاذه احلجب‪ S...،‬وغريها‪.‬‬
‫التأمل ال ّدقيق يف اجتهاداته يرى أهّن ا كانت صائبة‪،‬‬
‫فبالرغم من معارضته الظاهريّة للنصوص‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫وسارت مع روح النص حيث جيب مراعاة روحه‪ ،‬وتوقفت عند الظاهر حيث جيب التوقّف عند‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫التأسي العام برسول اهلل‪-  -‬‬‫نود أ ْن نؤ ّكد أ ّن منهج ّ‬
‫وختاماً‪ :‬ويف ختام مقالتنا املقتضبة هذه‪ّ ،‬‬
‫يتش ّكل من جمموع تأسيّات كل صحابته‪ ،‬ذلك أن ال أحد من الصحابة ّادعى أنّه استوعب كل ما‬
‫تأسي‬
‫النيب‪ .‬كما أ ّن ّ‬
‫جيب عن رسول اهلل ‪ -  -‬بشكل يغين عن االخرين‪ ،‬وإال صار هو يف مقام ّ‬
‫كل صحايّب مرتبط بشخصه إىل حد كبري(‪.)9‬‬
‫التأسي اجلماعي للصحابة يف حفظ الصورة‬ ‫ووجود الصحابة يف حد ذاته له داللة بالغة األمهيّة يف دور ّ‬
‫واضحة عن كيفيّة تعامل رسول اهلل ‪ -  -‬مع الوحي‪ ،‬وتنزيله على واقع الناس‪ ،‬وحتقيق اهلداية به‪،‬‬
‫وتبليغه‪ ،‬وحتقيق النموذج القرآين يف بناء الشخص‪ ،‬والشخصيّة املسلمة‪ ،‬واجملتمع املسلم‪ ،‬والدولة‬
‫واألمة املسلمة‪.‬‬
‫املسلمة‪ّ ،‬‬
‫العملي‬
‫ّ‬ ‫وانفراد بعض الصحابة باإلكثار من الرواية يقابله انفراد بعضهم يف جوانب أخرى من النقل‬
‫لشخصية حممد بن عبد اهلل الرسول‪ ،‬ومشائله‪ ،‬وطريقته‪ ،‬وعادته يف متثّل الوحي‪ ،‬واألخذ عنه يف كل‬
‫ما يتعلق به كمعلم للهداية‪.‬‬
‫التأسي الفقهي حيصر عمل رسول اهلل ‪ -  -‬يف دائرة احلالل واحلرام واحلكام‬ ‫واالقتصار على ّ‬
‫النيب اخلامت‬
‫التأسي دون بقية املستويات املطلوبة من ّ‬‫الفقهية العملية فقط‪ ،‬ويف مستوى واحد من ّ‬
‫للتأسي‪ ،‬وإال طعنّا يف‬
‫والرسالة اخلامتة‪ ،‬وهذا ما ال أظن أ ّن الصحابة يغيب عنهم هذا الوعي الكلّي ّ‬
‫يقل به عاقل فضالً‬ ‫الرسول ذاته ألنّه يكون قد اختار لصحبته والتبلغ عنه ناساً قاصرين‪ ،‬وهذا ما مل ْ‬
‫عن مسلم‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪ ،‬وصلى اهلل وسلم وبارك على سيدنا حممد وآله وصحبه ومن تبعه إىل يوم الدين‪.‬‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬طبقات ابن سعد‪ ،‬ج‪/2‬ص‪.334‬‬

‫‪79‬‬
‫(‪ )2‬مناقب عمر بن اخلطاب‪ ،‬ابن اجلوزي‪ S،‬ص‪.126‬‬
‫(‪ )3‬طبقات ابن سعد‪ ،‬ج‪ /2‬ص‪.335‬‬
‫وصححه‪ ،‬انظر حجية السنة‪ ،‬الشيخ‬ ‫وحسنه ّ‬ ‫(‪ )4‬احلديث رواه أمحد وأبو داود وابن ماجة والرّت مذي ّ‬
‫عبد الغين عبد اخلالق‪ ،‬ص‪.57‬‬
‫(‪ )5‬طبقات ابن سعد‪ ،‬ج‪ /2‬ص‪.234‬‬
‫(‪ )6‬من معاين السنة يف اللغة‪ :‬الطريقة والعادة والسرية‪ ،‬انظر‪ :‬القاموس احمليط للفريوزأبادي‪.‬‬
‫(‪ )7‬ذكر ذلك ابن عبد الرب يف جامع بيان العلم وفضله‪ ،‬ج‪ /2‬ص‪.120‬‬
‫(‪ )8‬جاء يف كتب السنة والسرية أ ّن الرسول ‪ -  -‬كان يدعوه أحياناً‪ :‬يا أخي‪.‬‬
‫التأسي‪،‬‬
‫(‪ )9‬وهذا ال يدل على أ ّن الصحايب يروي ما يوافق شخصيته ومنهجه‪ ،‬بل الرواية جزء من ّ‬
‫يتضمن معىن وعي نقل علم رسول اهلل ‪ -  -‬وهديه‪ ،‬وال تأثري لشخصية الصحايب بشكل يؤثر‬
‫املروي كما أثبتت ذلك كثري من الدالئل التارخييّة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫النص‬
‫على ّ‬
‫‪13/7/1425‬‬
‫‪29/08/2004‬‬
‫‪ http://www.islamtoday.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪80‬‬
‫الفجوة بين جيل اآلباء واألبناء ‪ ..‬من يردمها ؟‬
‫معمر اخلليل‬
‫فيما متر األيام‪ ،‬وتتسابق السنوات يف تغيري مالمح وأفكار الناس باستمرار‪ ،‬ينسى اآلباء يف كثري من‬
‫األحيان‪ ،‬أهنم كانوا يف يوم من األيام أطفاالً وأبناء‪ ،‬يتذمرون من طلبات وأوامر اآلباء‪ ،‬وجيدون ‪-‬‬
‫من وجهة نظرهم‪ -‬إجحافاً من اآلباء حبقهم‪ ،‬وتقليالً من شأهنم‪.‬‬
‫فيما يغيب عن أذهان معظم األبناء‪ ،‬أهنم سيقفون يوماً أمام أوالدهم‪ ،‬يفرضون عليهم ما يرونه ‪-‬‬
‫أنسب‪ -‬هلم يف كل شيء‪ ،‬وحيددون هلم اخلطأ والصواب‪ ،‬ويقسون عليهم أحياناً‪.‬‬
‫وبني نسيان اآلباء حمدودية فكر األبناء‪ ،‬تتجدد مشكلة مستمرة‪ ،‬طاملا بقيت احلياة تضج بالصخب‬
‫والتجدد‪ ،‬وهي الفجوة بني اآلباء واألبناء بكل أبعادها؛ العمرية والفكرية والثقافية وما يتعلق‬
‫بالعادات والتقاليد وما يرتبط بدخول تكنولوجيات جديدة وتطور على خمتلف األصعدة‪ S...‬وغريها‪.‬‬
‫وكل يرى أن عصره أكثر حساسية من غريه‪ ،‬فإننا نرى أن عصرنا‬ ‫ورغم أن لكل عصر خصائصه‪ٌ S،‬‬
‫كذلك‪ ،‬يتمتع خبصوصية فريدة‪ ،‬ساعدت يف تباعد الفجوة بني اجليلني‪ ،‬بسبب ما دخل يف عصرنا‬
‫احلديث من تطور متسارع مل تشهد له احلقبات املاضية مثيالً‪ ،‬وما شهده من تقارب يف الزمان‬
‫واملكان‪ ،‬وإلغاء حلواجز كثرية ارتبط أساساً بالتكنولوجية اليت حولت العامل إىل قرية‪.‬‬
‫الفجوة العمرية‪:‬‬
‫تعد الفجوة العمرية؛ أكثر الفجوات تأسيساً لالختالفات الالحقة‪ ،‬فبقدر ما يبتعد جيل اآلباء ‪-‬‬
‫زمنياً‪ -‬عن جيل األبناء‪ ،‬تتسع الفجوات األخرى‪ ،‬وتضيق مساحة االلتقاء الفكري والثقايف وحىت‬
‫اللغوي‪.‬‬
‫يف املاضي‪ ،‬كان الشبان يتزوجون يف سن مبكرة‪ ،‬تصاعدت مع مرور الزمن‪ ،‬إذ كانت األجيال‬
‫السابقة حترص على تزويج أبناءها عند سن البلوغ‪ ،‬مث يف أجيال الحقة بات الزواج يف سن أكرب‪،‬‬
‫بسبب اتساع املدن وتنوع املصاحل وتباعد املنازل‪.‬‬
‫كانت العائلة الواحدة قد تزوج مجيع أبناءها يف منزل األب‪ ،‬ومل يكن على االبن أن حيمل الكثري من‬
‫املسؤوليات كي يكون أباً‪.‬‬
‫ومع تعقد احلياة‪ ،‬أصبح لزاماً على الشاب أن يؤمن منزالً وعمالً‪ ،‬ما ساعد يف تقدم سن الزواج‪.‬‬
‫ويف جيلنا احلايل‪ ،‬بات على الشاب أن يكون متحصناً بالكثري من املسؤوليات والقدرات كي يقدم‬
‫أخر اإلجناب لوقت الحق ريثما تتحسن األمور املادية!‬ ‫تزوج ّ‬ ‫على الزواج‪ ،‬وإن ّ‬
‫هذا التقدم التدرجيي يف سن الزواج واإلجناب‪ ،‬أمثر عن فجوة كبرية مل تكن يف السابق موجودة بني‬
‫أعمار اآلباء واألبناء‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫فبدل أن يكون بني األب وابنه ‪ 20-15‬عاماً كحد أقصى‪ ،‬بات الكثري من اآلباء يبتعدون عن‬
‫أبناءهم مسافة ‪ 30‬سنة أو أزيد‪.‬‬
‫هذا االختالف الكبري يف األعمار‪ ،‬ولّد مسافات متباعدة من الثقافة والعادات والتقاليد واألفكار‬
‫ومدخالت العصر احلديث بني اجليلني‪ ،‬ما ساعد يف بروز أكرب للمشكلة‪.‬‬
‫الفجوات األخرى‪S:‬‬
‫تتبع العديد من املشاكل؛ الفجوة العمرية بني جيل اآلباء واألبناء‪ ،‬حيث تظهر فجوات أخرى‪S،‬‬
‫كمثل‪:‬‬
‫‪ -‬الفجوة الفكرية‪ :‬لكل عصر طريقة تفكريه وقناعاته وأسلوب دراسة ومعلومات متوافرة‪ ،‬ما يساعد‬
‫يف خلق حالة فكرية معينة لدى أبناء اجليل الواحد‪ ،‬ختتلف مع نظرياهتا يف األجيال األخرى‪.‬‬
‫‪ -‬العادات والتقاليد‪ :‬مع تغري احلياة بشكل دائم‪ ،‬وتبدهلا‪ ،‬ودخول معطيات جديدة وخروج أخرى‪S،‬‬
‫تتغري العادات والتقاليد بشكل مستمر وهادئ رمبا ال يلحظها الشخص خالل حياته‪ ،‬إال أن هذا‬
‫االختالف يظهر بشكل واضح يف اختالف العادات والتقاليد بني جيل اآلباء واألبناء‪.‬‬
‫‪ -‬أمناط احلياة‪ :‬كذلك تتغري أمناط احلياة وأسلوب العيش‪ ،‬االستيقاظ يف الصباح‪ ،‬السهر‪ ،‬أمهية‬
‫السيارة‪ ،‬لقاء األصدقاء‪ ،‬مشاهدة التلفاز‪ ،‬ألعاب التسلية‪ ،‬السياحة‪ S...‬إخل‪.‬‬
‫وغريها من االختالفات الكثرية والعديدة‪ ،‬واليت قد تتوالد مع مرور األيام‪.‬‬
‫توصيف املشكلة‪:‬‬
‫املشكلة األساسية اليت خيلقها وجود فجوات متعددة بني جيل اآلباء واألبناء‪ ،‬تتمحور يف موضوع‬
‫الرتبية على األغلب‪.‬‬
‫ذلك أن أكرب املهام اليت توجد على عاتق اآلباء‪ ،‬هي مهمة الرتبية يف كل شيء‪ ،‬الدينية واخللقية‬
‫والسلوكية والثقافية واالجتماعية‪ ..‬وغريها‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإن أي خلل يف هذه العالقة‪ ،‬يؤدي بالتايل إىل خلل يف املسألة الرتبوية‪.‬‬
‫لذلك ويف ظل هذه الفجوة‪ ،‬باتت العملية الرتبوية‪ ،‬تفتقر إىل العديد من معطيات النجاح‪.‬‬
‫الدكتور حمسن آل متيم (عضو جملس الشورى) يقول‪" :‬يف ظل املستجدات املعاصرة أصبح جيل‬
‫الشباب يواجه حبراً متالطماً من األفكار والرغبات والتحديات‪ ،‬وما يسببه ذلك من ضغط نفسي‬
‫كبري‪ ،‬ومع أن هذا يستلزم تكثيف اجلهود الرتبوية والتوعية واملزيد من التفهم ملعاناهتم‪.‬‬
‫كما أن ازدياد مستوى القلق والتوتر لدى اآلباء واملربيني أدى إىل افتقار احلوار اهلادئ واجملادلة باليت‬
‫هي أحسن‪ ،‬مما زاد يف اتساع الفجوة بني اآلباء واملربيني من جهة وبني الشباب من جهة أخرى"‪.‬‬
‫إن الفجوات املوجودة بني جيل اآلباء واألبناء تؤدي إىل مجلة كبرية من املشاكل‪ ،‬يذكر الشيخ فهد‬
‫العماري‪( ،‬القاضي يف حمكمة جدة) بعضاً منها‪:‬‬

‫‪82‬‬
‫‪ -‬مجود العواطف بني اآلباء واألبناء‪.‬‬
‫‪ -‬االنشغال عن اآلخر (كل مشغول بنفسه‪ ،‬ويفكر حبياته وجناحه)‪S.‬‬
‫‪ -‬عدم املباالة واالهتمام‪ ،‬وعدم وجود الثقة‪.‬‬
‫‪ -‬التحطيم بالنقد‪ ،‬وعدم وجود املديح املنضبط‪.‬‬
‫‪ -‬عدم وجود املزاح املنضبط‪.‬‬
‫‪ -‬الشعور لدى األبناء أن األبوين فاقدين حلسن الرتبية والفهم‪ ،‬وفاقد الشيء ال يعطيه‪.‬‬
‫‪ -‬التفكك األسري‪S.‬‬
‫‪ -‬عدم املشاركة يف املناسبات‪.‬‬
‫‪ -‬غياب االحرتام والتقدير‪.‬‬
‫‪ -‬اليأس من حالة األبناء وتربيتهم‪.‬‬
‫‪ -‬انعدام وجود القدوة من األبناء جتاه اآلباء‪.‬‬
‫وغريها من املشاكل الكثرية‪.‬‬
‫ردم الفجوة‪ ..‬مسؤولية من؟‬
‫من الضروري‪ S‬البحث عن طرق إليصال الرسالة الرتبوية من اآلباء ألبنائهم على أكمل وجه‪.‬‬
‫يرى األستاذ عبد اهلل اآلنسي من الطائف‪ ،‬أن على اآلباء التعامل بشكل مناسب مع األبناء‪ ،‬وبطريقة‬
‫حُي رتم فيها حق األبناء يف االختالف وإبداء الرأي‪ .‬ويضيف‪ " :‬وهذا يتطلب‪:‬‬
‫ـ تفعيل دور األسرة للقيام بدورها خاصة تنمية الوعي الديين‪.‬‬
‫‪ -‬توفري البيئة املدرسية املناسبة لتطوير الشخصية وإشباع احلاجات لتطوير الفكر واإلبداع‪.‬‬
‫ـ وضع رؤية واضحة ووسيلة جديدة لتأصيل مفهوم االنتماء والوطنية تتناسب مع ظروف العصر‪.‬‬
‫ـ التحضري لكل مرحلة من مراحل النمو بتعهد اجلوانب املختلفة هلذه التغريات بوضع برامج متابعة‬
‫لتعديل السلوك ولنشر الثقافة الرتبوية والصحية واالجتماعية‪.‬‬
‫ـ إقامة جلان حلماية األبناء الذين يتعرضون للعنف اجلسدي والنفسي واجلنسي داخل األسرة أو‬
‫خارجها"‪.‬‬
‫فيما تقول إحدى األخوات‪:‬‬
‫"احلل يف الصحوة‪ ،‬إن يصحو كل فرد مسؤول عاقل راشد بالغ من غفلته ويدرك مهمته وينجزها‬
‫بإخالص وأمانة‪ ،‬وليطرد التبعية والتخلف واالنقياد األعمى حنو اهلاوية‪.‬‬
‫فيدرك األب مسؤوليته ويلملم جراح الغفلة ويُصلح ما قد فسد ويشارك بكل جدية يف تربية أبنائه‬
‫وإنقاذهم من كبوهتم قبل أن يقعوا يف جحر الضب املناقدين إليه بال وعي وال تفكري‪ ،‬وليكن نِعم‬
‫ُ‬
‫قدوة لنعم خلف‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ولتدرك أالم عظم األمانة اليت يف عنقها ولتقبل على احتضان أبنائها وبناهتا ولرتعاهم ولتعلم أهنم‬
‫كسبها ورحبها يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فبعزهم عزها وبفوزهم فوزها‪ ،‬ولتخلع ربقة اجلاهلية احلديثة ولتكن‬
‫نِعم األم ألفضل بنت ونعم الزوجة لزوجها ونعم القلب الذي يسع أبناءها‪ ،‬ولتكن احلصن املنيع‬
‫والسور الواقي الذي يقف باملرصاد وبال هوادة ضد كل دخيل ومتسلل إىل بيتها اآلمن‪.‬‬
‫وليدرك االبن ولتدرك البنت مدى خطورة االحنراف عن املسار واجلادة‪ ،‬ولندع اللوم جانباً ولنكن‬
‫غرساً طيباً باراً نْعني آباءنا وأمهاتنا على برنا وحسن تربيتنا‪ ،‬ولنكن خري خلف خلري سلف وما‬
‫نزرعه اليوم حنصده غداً ولنعلم أن عزنا يف ماضينا ويف العلم والعمل واالستقامة ولننظر بعني ثاقبة إىل‬
‫ما وصل إليه الغرب من اهنيار أخالقي وتفكك أسري وأمراض ليس هلا عد وال حصر‪ ،‬فهل نسري حنو‬
‫اهلاوية أم نقود العامل كله حنو العلياء والسمو"‪.‬‬
‫أما أحد املختصني يف علم االجتماع‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫هناك ضرورة للتحلي حبسن االستماع من أجل احلفاظ على التواصل‪ ،‬وأحذر من الضغط واإلكراه‬
‫الذي يقطع العالقة‪ ،‬بل جيب وجود ثقافة حوار داخل األسرة‪ ،‬وهو ما قد يوجد هي احلل"‪.‬‬
‫ويتابع بالقول‪ " :‬إال أن كيفية إدارة احلوار هي اليت حتدد جناح هذا احلوار أو فشله‪ ،‬فغياب التحدث‬
‫''بطريقة الئقة'' مع اآلباء هو سبب األزمة الرئيس‪ ،‬كما أن طريقة رد االبن على سؤال أبيه حول‬
‫تأخره‪-‬مثال‪ -‬هي اليت ستدير احلوار فيما بعد"‪.‬‬
‫" وأدعو إىل اعتماد نظرية الثواب والعقاب‪ ،‬وتقدمي النموذج السليب واإلجيايب ألخذ العربة‪ ،‬كما‬
‫أعتقد أن أساس وجود الفجوة هو االبتعاد عن الدين‪ ،‬لذلك فالرجوع إىل تعاليم الدين اإلسالمي‬
‫ستساعد كثرياً اجليلني يف ردم الفجوة بينهما‪ ،‬واالتصال السليم مبا خيدم األسرة"‪S.‬‬
‫‪6/8/1425‬هـ‬
‫‪ http://www.almoslim.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪84‬‬
‫أطفالنا بين غياب القدوة وتفريط الراعي (وإهمال األمانة)‬

‫تأسرين رؤية طفل بكامل براءته اليت فطره اهلل عليها‪ ،‬ولكن هيهات أصبحت رؤية هؤالء نادرة أو‬
‫قليلة‪ ،‬فقد اغتلنا تلك الرباءة‪ ،‬وشوهنا معاملها بأمور كثرية قد يكون أقلها‪ :‬اهليئة‪ ،‬واللباس‪،‬‬
‫والتقليعات‪.‬‬
‫لذا نعرض هنا بعض النماذج إلمهالنا وتفريطنا يف تربية أطفالنا‪ ،‬وفهم عاملهم‪ ،‬والتعامل معه؛‪ S‬علَّنَا‬
‫نعاجل السبب واملسبب لالغتياالت املتكررة للراحلة براءة‪.‬‬
‫مناذج‪:‬‬
‫* أطفالنا ُجلهم إن مل نقل كلهم يكذبون!! كيف تعلموا الكذب‪ ،‬وكيف عرفوا تزييف احلقائق وقد‬
‫ُولِ ُدوا على الفطرة! بكل بساطة يا سادة إهنم يستمعون للتناقض والتزييف من والديهم أو أحدمها‬
‫فيثمر التعليم‪ ،‬والغرس ينتج‪.‬‬
‫* من األطفال من يتلفظ كثرياً بألفاظ نابية أو قذرة‪ ،‬وال جيدون من مينعهم أو يوجههم‪ ،‬بل يقابلون‬
‫باالبتسامة‪ ،‬واإلعجاب على الفصاحة وطالقة اللسان ولو بسيئ األلفاظ‪.‬‬
‫* البعض اآلخر من أطفالنا تعلقت نفوسهم بسماع الغناء‪ ،‬ومتابعة املسلسالت‪ ..‬من السبب؟ وكيف‬
‫تعودوا عليها! كان عندي طفلة تتأخر يف احلضور للحلقة‪ ،‬سألت أختها يوماً‪ :‬مل تتأخر أختك وال‬
‫حتضر معك!! قالت‪ :‬أتيت وهي تشاهد املسلسل‪ ،‬وستأيت بعد أن ينتهي!‬
‫من علمها؟ من عودها! من وجهها؟ من رباها؟ من أدهبا وحفظها عما خيدش براءهتا!‬
‫* يرتك األطفال بل قد يرغمون على البقاء أمام جهاز الرائي أو الفيديو ملشاهدة الرسوم املتحركة؛ مبا‬
‫يف بعضها من اغتيال لرباءهتم‪ ،‬وملا يف بعضها اآلخر من إعاقتهم عن مزاولة نشاطهم الطبيعي‬
‫وحركتهم وهلوهم الربئ الذي يكون أحياناً كثرية من أسباب قتل اإلبداع والنبوغ والتفكري‪.‬‬
‫* بعض األطفال قد ينعم اهلل عليهم يف مقابل فساد أهليهم أو إمهاهلم مبعلمني ومعلمات صاحلني‬
‫وصاحلات‪ ،‬ويؤدون أدوارهم الرتبوية والتعليمية على أكمل وجه‪ ،‬وبطبيعة األطفال وفطرهتم يتقبلون‬
‫ويتحمسون ملا يغرس يف نفوسهم وعقوهلم الغضة‪ ،‬ولكن املشكلة تكمن يف عودهتم ملنازهلم‪ ،‬ورؤيتهم‬
‫وتعد لكل ما‬ ‫املتناقضات بني ما تعلموه من خلق ودين وعلم‪ ،‬وبني ما يرونه من أهليهم من جتاوز ٍ‬
‫غرس معلميهم يف أنفسهم الوقوف عنده‪ ،‬وعدم جتاوزه‪ ،‬وطبعاً هم يرون والديهم قدوهتم ومثلهم‬
‫األعلى؛ فبهذه التناقضات يعيش الطفل يف دوامة ومتاهة ال أول هلا وال آخر‪ ،‬متذبذب حائر‪ ،‬ال‬
‫استقرار لتفكريه‪ ،‬وال ثقة وال اطمئنان ملن حوله‪ ،‬وقد واجهنا تساؤالت األطفال الربيئة عن‬
‫التناقضات اليت يعيشوهنا ما بني (املنزل) األسرة؛ واليت تناقض تصرفاهتا املدرسة‪ ،‬وما يتلقون فيها من‬

‫‪85‬‬
‫أخالق وآداب‪ ،‬فما ذنب هؤالء األطفال ليعيشوا االزدواجية‪ ،‬ويعانوا منها منذ صغرهم!‪ S‬ومل ال منثل‬
‫ألبنائنا قدوة صاحلة‪ ،‬ومثاالً حيتذى به أو على األقل نتجنب فعل السوء ولو أمامهم فقط‪.‬‬
‫تقول إحدى األخوات‪ :‬كانت تأتيهم ابنة جارهتم الصغرية ومتكث عندهم وقتاً من كل يوم‪ ،‬وملا‬
‫ّ‬
‫الحظت هذه الصغرية أن هذه األخت ال تشاهد الرائي سألتها مستنكرة عن السبب‪ ،‬فأخربهتا أهنا ال‬
‫تشاهده ألن اهلل ال يريد أن نشاهده ونسمع ما يكون فيه من موسيقى وغناء‪ ،‬وقد أع ّد لنا يف اجلنة‬
‫أفضل منها إذا تركناها‪ ،‬املهم أن الطفلة علقت مبخيلتها الكلمات‪ ،‬وتذكرت منزهلا والتناقض بني من‬
‫كانت تراهم قدوهتا وبني ما مسعت من هذه األخت!! عادت الطفلة ملنزهلا‪ ،‬ويف املساء كان أقارهبا‬
‫الشباب جمتمعني أمام الرائي‪ ،‬ويقلبون يف القنوات الفضائية بصخبها‪ ،‬وضجيجها‪ ،‬ومنكراهتا؛ فدخلت‬
‫عليهم الطفلة تصرخ فيهم‪ ،‬وتنادي بإغالق اجلهاز‪ ،‬حاولوا ثنيها ولكنها أحلت‪ ،‬وكانت تقول هلم‪:‬‬
‫حرام واهلل سيغضب منا‪ ،‬ولن ندخل اجلنة‪ ،‬وهم يهدئوهنا وحياولون إسكاهتا ودون فائدة استمرت يف‬
‫إزعاجها هلم‪ ،‬وتساءلوا عن املصدر الذي علمت منه أن الرائي واملوسيقى ال حيبها اهلل‪ ،‬فأخربهتم خبرب‬
‫جارهتم‪ ،‬فما كان من والدهتا إال أن اتصلت بوالدة هذه األخت‪ ،‬وطلبت منها أن تُسكت ابنتها‬
‫وتطلب منها أن تكف عن إخبار الطفلة مبا حيبه اهلل وما يبغضه‪ ،‬وأهنا أزعجتهم بإنكارها تصرفاهتم!!‬
‫تقول حمدثيت‪ :‬وبعد ذلك مل أرها إطالقاً‪ ،‬ومسعت عنها فيما بعد عندما كربت ما ال يسر مسلم غيور‪.‬‬
‫* طفلة مل تبلغ السادسة كل حديثها عن الزواج والعريس والعروسة بغض النظر عن كوهنا تردد ما ال‬
‫تدرك ماهيته‪ ،‬ولكن مل تشغل طفلة هبذه األمور الكبرية واليت تغتال براءهتا! وتسمع التعليقات عليها‬
‫مييناً ومشاالً من أقارهبا بأحد الشباب املراهقني‪ ،‬وكانت تستنكر‪ ،‬وعندما سافر الشاب تأسفت عليه‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬سافر قبل أن أتزوجه!!‬
‫هذا أمنوذج آخر الغتيال براءة أطفالنا‪ ،‬بل النتهاكها‪.‬‬
‫* العام املاضي قرأت يف منتدى احلصن النفسي موضوعاً ملعلمة تطلب فيه احلل والطريقة الصحيحة‬
‫للتعامل وإنقاذ طفلة يف الصف اخلامس االبتدائي تتعرض لتصرفات ال أخالقية من ابن عمها الصغري؛‬
‫والذي أظنها قالت‪ :‬تعلّم هذه التصرفات من اخلادمة‪ ،‬وهي ‪ -‬الطفلة ‪ -‬بدورها تنقلها لصديقاهتا!‬
‫أرأيتم أن براءة أطفالنا تغتال وتسلب منهم بسبب أقرب الناس هلم!‬
‫فأين الوالدين؟ كيف يغفل ويرتك األبناء لتغتال براءهتم هبذا الشكل املقزز!‬
‫* حيدث كثرياً شجار وخصام بني الوالدين على مرأى ومسمع من األطفال‪ ،‬والذين بدورهم هتتز‬
‫ثقتهم مبصدر األمان والثقة بالنسبة هلم‪ ،‬ويصبح األمر صعب على أذهاهنم كثرياً أن تستوعبه‪ ،‬فمن‬
‫املخطئ؟ والدهم الذي يسعى ألجلهم‪ ،‬ويوفر هلم كل شيء‪ ،،‬أم والدهتم اليت حتنو عليهم‪ ،‬وتطعمهم‬
‫وتلبسهم!!‬

‫‪86‬‬
‫بل ال نبالغ إذا قلنا أن أكثر املشاكل النفسية للطفل سببها الوالدين؛ وخاصة اخلوف والقلق الذي‬
‫يكون مصدره فقدان الطفل للشعور باألمن بني أبويه‪.‬‬
‫* عند حلظة غضب من أحد الوالدين ‪ -‬وغالباً األم ‪ -‬يسمع األبناء تفريغ شحنات هائلة من‬
‫الشتائم‪ ،‬وإنكار فضل األب ومجيله طوال العمر‪ ،‬ووصفه‪ S‬بكل قبيح وسيئ‪ ،‬وذلك أحياناً كثرية حلظة‬
‫هتو ٍر وغضب تزول سريعاً عن األم‪ ،‬ولكن آثارها ال تزول يف نفوس األطفال الذين تغريت نظرهتم‬
‫املثالية لوالدهم!!‬
‫* تطالعنا بني فينة وأخرى مالبس وتقليعات غريبة صارخة ال تناسب إطالقاً براءة أطفالنا‪ ،‬وتعاليم‬
‫ديننا الفطرية‪ ،‬ومع ذلك نصر على اغتيال براءهتم ومجاهلم بتكفينهم هبذه املالبس‪ ،‬وهنا أتساءل ما‬
‫اجلمال الذي يشاهده أولياء هؤالء األطفال هبذه التقليعات واملوضات اليت تغتال مجال األطفال‬
‫احلقيقي الذي يتجسد برباءهتم ولو كان لباسهم خيلو من الغرابة والتقليعات!‬
‫* اصطحاب كثري من األسر ألطفاهلا يف أماكن الفساد واللهو‪ ،‬وإطالعهم على الفساد‪ ،‬وتعويدهم‬
‫عليه منذ الصغر‪ ،‬كما أننا خنطئ كثرياً باصطحاب األطفال للمناسبات أو احلفالت االجتماعية اليت‬
‫ختالف تربيتنا ألطفالنا‪ ،‬واليت تولد بعقوهلم تناقضات بني ما يرون وما يغرس يف نفوسهم‪ ،‬فحفالت‬
‫غناء ورقص وعري وضياع وقت ماذا ستكون نتائجها وآثارها على األطفال؟‬
‫املصدر ‪http://www.riyadhedu.gov.sa/alan/fntok/dawh/0/0/047.ht :‬‬
‫‪m‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪87‬‬
‫القدوة غرس األخالق من المهد‬
‫أ‪ /‬مي حجازي‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فأنا لدي ابنة وحيدة عمرها ‪ 8‬أشهر‪ ،‬ولقد مسعت أن أول ‪ 7‬سنوات من عمر الطفل هي‬
‫أهم فرتة يتم فيها إكساب الطفل املبادئ والقيم واألخالق احلميدة‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬كيف أعلم ابنيت القيم واألخالق واملبادئ اإلسالمية وعمرها ‪ 8‬أشهر؟ وهل ميكن أن‬
‫ترشدوين إىل أمساء كتب أو مواقع على اإلنرتنت لقراءهتا ختص هذا املوضوع؟‬
‫والسؤال اآلخر بارك اهلل فيكم‪ :‬زوجيت حامل بالشهر الثالث وابنيت ترضع منها‪ ،‬فهل هذا يؤثر على‬
‫ابنيت أو على زوجيت أو على اجلنني؟ وبارك اهلل فيكم‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫وعليكم السالم ورمحة اهلل وبركاته أيها األب الفاضل‪ ،‬ومرحباً بأسرتك ‪ -‬بارك اهلل لك فيهم‪،‬‬
‫وأعانك وزوجتك على حتمل مسئولياتكما اجلسام ‪ ،-‬وال بد أن أذكرك وزوجتك بالدعاء املتواصل‬
‫جلنينكما يف تلك األيام املباركات؛ فمما ثبت من حديث النيب ‪ -  -‬أن اجلنني يكتب له رزقه‬
‫وأجله وعمله وشقي أم سعيد بعد الشهر الرابع من احلمل (‪ 120‬يوماً)؛ فعسى اهلل بدعائكما اجملاب‬
‫‪ -‬إن شاء اهلل ‪ -‬أن يكتب هذا اجلنني من السعداء‪ ،‬ومن أهل اجلنة‪.‬‬
‫وأبدأ ردي على سؤالك بقول ماري كوريللي؛ إذ تقول‪" :‬ما من جمتمع راق خري استطاع أن يصل‬
‫إىل حتقيق املثل العليا إال اشرتكت يف حتقيقه ورفع صرحه أم عظيمة"‪ ،‬ويقول جورج هربرت‪" :‬أم‬
‫صاحلة خري من مئة أستاذ"‪ ،‬ولعل تلك الكلمات متهد الطريق أمامي ألوجز إجابيت على سؤالك يف‬
‫مجلتني ‪ -‬يأيت تفصيلهما الحقاً ‪ -‬لتعلم أن تعليم طفلتك قواعد السلوك الطيب والقيم واألخالق‬
‫اإلسالمية يتم من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬العالقة الدافئة بني الطفلة وأسرهتا‪.‬‬
‫‪ -‬احلب غري املشروط الذي مينح للطفلة وباألخص من أمها‪.‬‬
‫لقد أصبت يا أخي حني أكدت على أن أهم ‪ 7‬سنوات يف حياة الطفل هي سنواته السبع األوىل اليت‬
‫يبىن فيها أساس هذا الصرح اإلنساين الذي يكتمل بناؤه بعد ذلك حبسب قوة أساسه الذي تأسس يف‬
‫تلك السنوات السبع‪ ،‬ولعل هذا ما أكد احلديث النبوي على سبل استثماره من خالل املالعبة‪ ،‬ولو‬
‫تأملت احلديث معي لوجدت األمر من النيب بأن يالعب املريب ابنه ‪ -‬أي يلعب معه ‪ -‬ليس أن يرتكه‬
‫يلعب وحسب‪ ،‬ففي املالعبة تقوية ألواصر احلب واملودة‪ ،‬واحلنان والصداقة‪ ،‬وسبيل لتشرب الطفل‬
‫الصفات األساسية‪ ،‬وأخالق من يالعبه؛ من خالل العشرة الطيبة يف حلظات اللعب املرحة املثمرة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫ومما ال شك فيه أن الطفل من سن ‪ 8‬شهور ورمبا أقل يكون لديه ما يشبه الرادار الذي يلتقط ما‬
‫حوله من مشاعر وانفعاالت‪ ،‬وحيسها ويتجاوب معها حىت قبل أن ينضج عقله‪ ،‬وهو ما يظهر يف‬
‫نظرات عينيه ملن حوله‪ ،‬واليت تنطق عنه قبل لسانه؛ إذن فدوركما أنت وأم الطفلة هو توطني احملبة يف‬
‫بيتكما‪ ،‬وغمر طفلتكما هبا وباحلنان والرفق‪ ،‬وبذلك متهدان الطريق لتلقي كل توجيهاتكما؛ فاحملب‬
‫ملن حيب مطيع‪ ،‬وكذلك فان إشعار الطفلة بكوهنا مرغوبة وحمبوبة وأن من حوهلا يسعون إلسعادها‬
‫جيعلها تبادهلم نفس الشعور‪ ،‬فتكون أذن خري هلم‪.‬‬
‫ولعل هناك نقطة مهمة ال بد من اقتحامها بشكل أو بآخر وهي وجود مسئوليات ستدامهكما أنت‬
‫وأم الطفلة يف غضون شهور‪ ،‬وقد تثقل على كاهل األم باألخص؛ وهو ما يعيق ما حتدثنا عنه من‬
‫دفء العالقة اليت جيب أن حتاول األم احلفاظ عليها بفصل مشكالهتا وإحباطاهتا‪ ،‬وكل ما يعوق‬
‫استمتاعها بأمومتها؛ عن تلك العالقة القوية‪ ،‬وقد حتتاج األم بالتنسيق معك لوضع خطة دقيقة‬
‫ملواجهة ما قد يواجهها من عقبات بسبب غرية الطفلة من املولود اجلديد‪ ،‬وستجد تفاصيل تعينكما‬
‫على رسم تلك اخلطة وتوزيع األدوار فيها على كليكما فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬عالج الغرية بإعادة ترتيب األولويات‪.‬‬
‫‪ -‬امحوا أبناءكم من الغرية‪.‬‬
‫ويبقى أمر مهم يف مسألة تربية الطفلة على اخللق القومي أال وهو‪ :‬القدوة‪ ،‬فعندما يكون الوالدان‬
‫منوذجاً لألخالق من احللم والعفو‪ ،‬والتعامالت الطيبة مع الناس فال شك أن هذه األخالقيات‬
‫والسلوكيات ستنطبع على الطفلة بشكل أو بآخر‪ ،‬كما أن حبها لكما ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬سيدفعها‬
‫دفعاً الستمثاهلا‪ ،‬وتقليد من حتبهم‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلرضاع الطفلة أثناء احلمل فاألمر حيتاج ملراجعة طبيبة أمراض النساء اليت تتابع محل‬
‫زوجتك وحالتها الصحية‪ ،‬كذلك ال بد من مراجعة طبيب األطفال لينصح باألمثل لفطام الطفلة‪.‬‬
‫وال شك أن اإلنرتنت حافلة مبقاالت ومواقع وكتب عن الرتبية ميكن أن تفيدك يف مزيد من األفكار‬
‫والتفاصيل ولتطبيقات للوصول إىل ما تبغي‪ ،‬وجتد بعضاً منها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬جملة ولدي‪.‬‬
‫‪ -‬واحات تربوية‪.‬‬
‫وأخرياً أخي الفاضل أرجو أن نكون قد أفدناك مبا يلزم‪ ،‬ويف انتظار متابعتك لنا مبزيد من‬
‫االستفسارات واألخبار‪ ،‬وشكراً جزيالً لك‪ ،‬وميكن لألم االطالع على ما يلي ملزيد من اخلربات عن‬
‫العناية بالطفل وحسن تربيته‪:‬‬
‫‪ -‬حسن الرتبية‪ ..‬سؤال كل أم جديدة‪.‬‬
‫‪ -‬دليلك إىل عامل الوالدية‪.‬‬

‫‪89‬‬
.‫ تساؤالت سنة أوىل تربية‬-
.‫ دعي فطرتك جتاه طفلك تنطلق‬-
http://www.islamonline.net/Tarbia/Arabic/display.asp? : ‫املصدر‬
hquestionID=4489
‫ــــــــ‬

90
‫القدوة الغائبة !!‬
‫أمحد بن خالد العبد القادر‬
‫اخلميس‪ 21‬ربيع اآلخر ‪1425‬هـ ‪10 -‬يونيو ‪ 2004‬م‬
‫لكل أمة رجاالت قدموا هلا وضحوا يف سبيلها الكثري‪ ،‬كل أمة ملكت أطيافاً قدموا أرواحهم فداءً يف‬
‫سبيل بقائها‪ ،‬كل أمة ظلت يف عزة ورفعة ومكانة بفضل رجاالت قضوا ُج َّل أوقاهتم يسعون يف‬
‫تطويرها‪ ،‬والعمل على جناحها‪ ،‬ودميومة بقائها‪ ،‬إهنم أولئك الرجال الذين سطروا بأفعاهلم فغريوا‬
‫بصنيعهم دوامة التاريخ‪ ،‬وحفروا هلم ذكرى يف صخورها الصلدة‪ ،‬وجعلوا سريهتم حية خالدة‪ ،‬مل‬
‫يزلزهلا تطور األيام‪ ،‬وغربلة التطور‪.‬‬
‫إهنم أولئك الرجال الذين باتوا حمالً لتطلعات الكثريين‪ ،‬ومثاالً يقتدي املتطلعون إليه يف تغيري آثار‬
‫التاريخ‪ ،‬وأن يكونوا فاعلني ومؤثرين يف جمتمعاهتم‪ ،‬عمالً مبا فعله أجماد السالفني‪ ،‬واليت بقيت آثارهم‬
‫حية نرقبها يف كل ساعة وحلظة‪.‬‬
‫خرجت رجاالت حيتلون رأس اهلرم يف القدوة واالتزان‪ ،‬والفداء يف خدمة‬ ‫وإن من أعظم األمم اليت َّ‬
‫دينهم والتفاين‪ ،‬رجال أثروا العامل بأسره؛ فسلبوا األلباب‪ ،‬وكثر يف عشق سريهم األحباب‪ ،‬وسارت‬
‫سريهم على األلسنة‪ ،‬وأخبارهم يف اجمللدات والكتاب‪ ،‬إهنم رجاالت األمة احملمدية‪ ،‬الذين فتحوا‬
‫الدنيا فأشاعوا فيها النور بعد الظالم‪ ،‬وسار من بعدهم على هنجهم من حتمل تلك الشعلة املضيئة‪،‬‬
‫وقد جعلوا من قبلهم أمثلة عليا كنجوم قد انتشرت يف أفق السماء‪ ،‬فأحالوها ضياءً من بعد ظلمة‬
‫قامتة‪ ،‬يكفي كل واحد منهم أن جنعله قدوة وأسوة نكتسب منه مقومات األمة احملمدية اخلالدة يف‬
‫ركائز التاريخ‪.‬‬
‫أين أولئك الرجال الذين تزامحت أمساؤهم يف صفحات التاريخ؟ ما يل أرى سريهتم قد انطفأت من‬
‫عقول الناشئة! وذهبوا مع مساري الرياح‪ ،‬وقد توطن حمل تلك الرجاالت مناذج سوداء قامتة‪ ،‬تزكم‬
‫من خبيث رحيها األنوف‪ ،‬وتصم لسريهم املعتمة األمساع‪.‬‬
‫مناذج سوداء زامحت مناذج حسنة مجيلة‪ ،‬وعملت جبد وحرص دون كلل وال ملل على توطني نفسها‬
‫يف العقول‪ ،‬وأن حتل نفسها حمل النماذج اخلالدة‪ ،‬والعمل على غرسها يف قلب القيم والنفس‪ ،‬فال تفتأ‬
‫النفس إىل تغيريها‪ ،‬والتطلع إىل شيء حيل حملها‪ ،‬مهما ظهر فارق احملاسن واملساوئ‪.‬‬
‫يف كل يوم خيرج لنا أحد تلك النماذج فيضاف إىل القائمة السوداء‪ ،‬واليت بات هلا مجهور غفري كبري‬
‫يتطلع إىل تلك النماذج املدرجة ضمن القائمة القامتة‪ ،‬دون أي تفكر أو متعن يف صحة املنهج‪ ،‬أو‬
‫مدى قوامته‪ ،‬والسبل الناجعة والناجحة يف تطبيقه‪ ،‬كلها أمور غابت عن املشاهد والقارئ واملتطلع‪،‬‬
‫فبات الالعب الفالين هو قدوة البعض‪ ،‬واملمثل اآلخر يهواه قلوب حمبيه فيفعلون ما يفعل حىت يف‬

‫‪91‬‬
‫أدق الدقائق هم حريصون على تطبيقها‪ ،‬وغابت النماذج املبدعة واليت تزخر هبم أمتنا اخلالدة على مر‬
‫السنني الطويلة واملمتدة‪.‬‬
‫وصدف أن حصل يل موقف مع أحد األشخاص عندما مل يعلم من هو الصحايب الذي اشتهر بلقب‬
‫الفاروق!! ولكين داريت تعجيب‪ ،‬وبدأت أسأله يف مناذج أخرى ختالف املنحى متام اخلالف‪ ،‬فوجدته‬
‫فيه بارعاً ومتقناً أشد اإلتقان‪ ،‬إىل درجة أنه أدهشين أن تستوعب ذاكرته كل تلك النماذج اهلزيلة‪،‬‬
‫وتغيب عن ذاكرته ( العبقرية ) ولو نتف من أولئك النماذج األطهار‪.‬‬
‫إن من األسباب املهمة يف هتاوي األمة وتصدع بنياهنا هو غياب القدوة الصاحلة املشبعة ملا يهوى يف‬
‫نفوس الشباب‪ ،‬والعجب أن األمة حتتفي بكثري من تلك النماذج وتفخر هبم يف مواطن كثرية‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من ذلك تغيب أمساء كثرية عنهم وذلك لتقصري منهم‪ ،‬واهتمامهم املفرط يف تقليد النماذج‬
‫األخرى املخالفة يف املنهج والطريقة‪ ،‬وذلك الختالل املفهوم الصحيح ملعىن القدوة‪ ،‬واليت ينبغي أن‬
‫تكون مغروسة يف قلب كل حريص ومثابر إىل الرقي والتطلع إىل األفضل واألمجل‪.‬‬
‫القدوة اجلميلة هي اليت تتشبث بكل تفاصيلها‪ ،‬فال تكاد تفارق مجيل فعل فيها‪ ،‬وال سلوك حسن‬
‫يصدر منها؛ إال وبادرت يف تطبيقه والعمل على التخلق بأمناط تلك السلوكيات‪.‬‬
‫وهلل در األئمة البارزين يف تصنيف كتب السري واألعالم‪ ،‬لينقلوا لنا حتفاً من النماذج املشرقة الزاهرة‪،‬‬
‫ومثُالً عليا وضاءة باهرة‪ ،‬األمر ال يتطلب منك سوى أن تفتح أي كتاب يف سري أحد البارزين فتشتم‬ ‫ُ‬
‫من أريج سريته العطرة ما جيربك على فعل ما كان يفعله‪ ،‬ولتجد من احلالوة واجلمال ما يدفعك دفعاً‬
‫إىل جعل أحد تلك النماذج الزاخرة قدوة تقوم على حماولة تقليده والتطبع جبميل فعاله‪.‬‬
‫املصدر ‪http://links.islammemo.cc/filz/one_news.asp? :‬‬
‫‪IDnews=474‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪92‬‬
‫القدوة الحسنة‬
‫* مفهوم القدوة احلسنة‪:‬‬
‫القدوة‪ :‬هي احلالة اليت يكون اإلنسان عليها يف اتباع غريه إن حسناً وإن قبحاً‪ ،‬وإن ساراً وإن ضاراً‪،‬‬
‫وهلذا قال تعاىل‪:‬‬
‫(( لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجوا اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثرياً ))‪.‬‬
‫واألسوة أو القدوة نوعان‪ :‬أسوة حسنة وأسوة سيئة‪ ،‬فاألسوة احلسنة األسوة بالرسول ‪،-  -‬‬
‫وأما األسوة بغريه إذا خالفه فهي أسوة سيئة‪ ،‬كقول املشركني حني دعتهم الرسل للتأسي هبم‪ (( :‬بل‬
‫قالوا إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على إثرهم مهتدون ))‪.‬‬
‫واملقصود‪ S‬هنا أن يكون الداعية املسلم قدوة صاحلة فيما يدعو إليه؛ فال يناقض قوله فعله‪ ،‬وال فعله‬
‫قوله‪.‬‬
‫* أمهية القدوة احلسنة‪:‬‬
‫وميكن إمجال أمهية القدوة احلسنة يف األمور التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن املثال احلي والقدوة الصاحلة يثري يف نفس البصري العاقل قدراً كبرياً من االستحسان‬
‫واإلعجاب‪ ،‬والتقدير واحملبة‪ ،‬فيميل إىل اخلري‪ ،‬ويتطلع إىل مراتب الكمال‪ ،‬ويأخذ حياول يعمل مثله‬
‫حىت حيتل درجة الكمال واالستقامة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن القدوة احلسنة املتحلية بالفضائل تعطي اآلخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل واألعمال‬
‫الصاحلة من األمور املمكنة اليت هي يف متناول القدرات اإلنسانية‪ ،‬وشاهد احلال أقوى من شاهد‬
‫املقال‪.‬‬
‫‪ -3‬إن األتباع واملدعوين الذين يربيهم ويدعوهم الداعية ينظرون إليه نظرة دقيقة دون أن يعلم هو‬
‫أنه حتت رقابة جمهرية‪ ،‬فرب عمل يقوم به من املخالفات ال يلقي له باالً يكون يف نظرهم من‬
‫الكبائر‪ ،‬ألهنم يعدونه قدوة هلم‪.‬‬
‫‪ -4‬الفعل أبلغ من القول‪ :‬إن مستويات الفهم للكالم عند الناس تتفاوت‪ ،‬ولكن اجلميع يستوون أمام‬
‫الرؤية بالعني اجملردة‪ ،‬وذلك أيسر يف إيصال املفاهيم اليت يريد الداعية إيصاهلا للناس املقتدين به‪ ،‬ويف‬
‫هذا أمثلة كثرية أذكر منها‪:‬‬
‫ملا أمر الرسول ‪ -  -‬الصحابة أذن يأذن هلم يف القتال وأن ينصروا فيكملوا عمرهتم‪ ،‬قالت له أم‬
‫سلمة‪ :‬أخرج إليهم واذبح واحلق!! ففعل فتابعوه مسرعني‪ ،‬فدل ذلك كله على أمهية القدوة‪ ،‬وعظيم‬
‫مكانتها‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫‪ -5‬إن النيب ‪ -  -‬قد حذر الدعاة من املخالفة ملا يقولون‪ ،‬فبني ‪ -  -‬يف احلديث الشريف‬
‫حال الدعاة الذين يأمرون الناس وينهوهنم وينسون أنفسهم قال‪ ( :‬أتيت ليلة أسري يب على قوم‬
‫تقرض‬
‫شفاههم مبقاريض من نار‪ ،‬كلما قرضت وفت‪ ،‬فقلت‪ :‬يا جربيل من هؤالء؟ قال‪ :‬خطباء أمتك‬
‫الذين يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬ويقرؤون كتاب اهلل وال يعملون به )‪.‬‬
‫وال يقتصر اخلطر على الداعية وعلى دينه؛ بل يتعدى إىل كل من يدعوهم‪ ،‬فليحتاط الداعية هلذا‬
‫األمر املهم‪ ،‬ويراقب أفعاله وأقواله‪ ،‬ولرُي ي اهلل ‪ -‬تعاىل‪ -‬من نفسه خرياً‪.‬‬
‫‪ -6‬إن مجله األنبياء واملرسلني ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ -‬من أوهلم إىل آخرهم كانوا قدوة حسنة‬
‫ألقوامهم‪ ،‬وهذا يدل على ِعطم وأمهية القدوة احلسنة‪ ،‬وهلذا قال شعيب ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬لقومه‪S:‬‬
‫(( وما أريد أن أخالفكم إىل ما أهناكم عنه إن أريد إال اإلصالح ما استطعت وما توفيقي إال باهلل‬
‫عليه توكلت وإليه أنيب ))‪S.‬‬
‫‪ -7‬إن الناس كما ينظرون إىل الداعية يف أعماله وتصرفاته ينظرون إىل أسرته وأهل بيته‪ ،‬وإىل مدى‬
‫تطبيقهم ملا يقول‪ ،‬وهذا يفيد ويبني أن الداعية كما جيب عليه أن يكون قدوة يف نفسه جيب عليه أن‬
‫يقوم أهل بيته وأسرته ويلزمهم مبا يأمر به الناس‪ ،‬ويدعوهم إليه‪ ،‬وهلذه األمهية كان عمر بن اخلطاب‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬إذا صعد املنرب فنهى الناس عن شيء مجع أهله فقال‪ " :‬إين هنيت الناس عن كذا‬
‫وكذا‪ ،‬وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطري إىل اللحم‪ ،‬وأقسم باهلل ال أجد أحداً منكم فعله إال‬
‫أضعفت عليه العقوبة "‪.‬‬
‫* وجوب القدوة احلسنة‪:‬‬
‫(‪ )1‬قال اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ (( :-‬يا أيها الذين ءامنوا مل تقولون ما ال تفعلون كرب مقتاً عند اهلل أن‬
‫تقولوا ما ال تفعلون ))‪ (( S،‬ومن أحسن قوالً ممن دعا إىل اهلل وعمل صاحلاً وقال إنين من املسلمني‬
‫))‪.‬‬
‫هذه اآلية العظيمة تبني لنا أنا الداعي إىل اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ينبغي أن يكون ذا عمل صاحل يدعو إىل‬
‫اهلل بلسانه‪ ،‬ويدعو إىل اهلل بأفعاله أيضاً‪ ،‬وهلذا قال بعده‪ (( :‬وعمل صاحلاً ))‪ ،‬فالداعي إىل اهلل ‪ -‬عز‬
‫وجل ‪ -‬يكون داعية من الناس‪ ،‬هم الدعاة إىل اهلل بأقواهلم الطيبة‪ ،‬وهم يوجهون الناس بأقواهلم‬
‫واألعمال؛ فصاروا قدوة صاحلة يف أقواهلم وأعماهلم وسريهتم‪.‬‬
‫فالداعي إىل اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬من أهم املهمات يف حقه أن يكون ذا سرية حسنة‪ ،‬وذا عمل صاحل‪،‬‬
‫وذا خلق فاضل؛ حىت يقتدى بفعاله وأقواله‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫أيضاً فإن هذه اآلية الكرمية تفيد أن الدعاة إىل اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬هم أحسن الناس قوالً إذا حققوا‬
‫قوهلم بالعمل الصاحل‪ ،‬والتزموا اإلسالم عن إميان وحمبة وفرح هبذه النعمة العظيمة‪ ،‬وبذلك يتأثر الناس‬
‫بدعوهتم‪ ،‬وينتفعون هبا‪ ،‬وحيبوهنم عليها‪.‬‬
‫(‪ )2‬قال اهلل موخباً اليهود‪ (( :‬أتأمرون الناس بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال تعقلون‬
‫))‪ ،‬فأرشد ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يف هذه اآلية إىل أن خمالفة الداعي ملا يقول أمر خيالف العقل كما أنه خيالف‬
‫الشرع‪ ،‬فكيف يرضى بذلك من له دين أو عقل‪.‬‬
‫(‪ )3‬صح عن النيب ‪ -  -‬أنه قال‪ ( :‬يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى يف النار؛ قتندلق أقتابه فيدور‬
‫فيها كما يدور احلمار بالرحى‪ ،‬فيجتمع عليه أهل النار؛ فيقولون له‪ :‬يا فالن أمل تكن تأمر باملعروف‪،‬‬
‫وتنهى عن املنكر؟ فيقول‪ :‬بلى كنت آمركم باملعروف وال آتيه‪ ،‬وأهناكم عن املنكر وآتيه )‪.‬‬
‫هذه حال من دعا إىل اهلل وأمر باملعروف وهنى عن املنكر مث خالف قوله فعله‪ ،‬وفعله قوله ‪ -‬نعوذ‬
‫باهلل من ذلك ‪ ،-‬فمن أهم األخالق ومن أعظمها يف حق الداعية أن يعمل مبا يدعوا إليه‪ ،‬وأن ينتهي‬
‫عما ينهى عنه‪.‬‬
‫فينبغي للدعاة إىل اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬أن يعنوا عناية تامة بالقرآن والسنة‪ ،‬فالعلم هو ما قاله اهلل يف كتابه‬
‫الكرمي‪ ،‬أو ما قاله الرسول ‪ -  -‬يف سنته الصحيحة‪ ،‬ليعرف ما أمر اهلل به وما هنى عنه‪ ،‬ويعرف‬
‫طريقة الرسول ‪ -  -‬يف دعوته إىل اهلل‪ ،‬وإنكاره املنكر‪ ،‬وطريقة أصحابه ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪.-‬‬
‫وهل هناك هدف للمؤمن أعظم من أن يكون على أهدى السبل وأقومها‪.‬‬
‫فعلى مجيع أهل العلم وطلبته أن يعنوا هبذا اخللق‪ ،‬وأن يقبلوا على كتاب اهلل قراءة وتدبراً‪ ،‬وتعقالً‬
‫وعمالً يقول ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ (( :-‬كتاب أنزلنه إليك مبارك ليدبروا ءايته وليتذكر ألوا األلباب‬
‫))‪.‬‬
‫بتصرف‪ :‬من كتاب مقومات الداعية الناجح يف ضوء الكتاب والسنة للشيخ سعيد بن وهف‬ ‫ُّ‬
‫القحطاين‬
‫املصدر ‪http://dawahwin.com/article.php?op=Print&sid=210 :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪95‬‬
‫القدوة الحاضرة الغائبة‬
‫أنوار أبو خالد‬
‫اخلميس‪ 2004 - 5 -13 :‬م‬
‫القدوة يف الرتبية هي أفضل الوسائل وأقرهبا إىل النجاح‪ ،‬ألن كل وسيلة تظل حرباً على ورق ما مل‬
‫تتحول إىل حقيقة واقعة تتحرك يف واقع األرض‪ ،‬وسلوك بارز يرتجم األفكار واملشاعر‪.‬‬
‫مرب برتبية من يعتين به ويرعاه وينشئه على اآلداب‬‫ومن هنا تتبني ضرورة اهتمام األبوين وكل ّ‬
‫اإلسالمية‪ ،‬على أن يكون األب واملريب قدوة حسنة‪ ،‬وأسوة صاحلة؛ فيما يغرسه من مبادئ وأخالق‬
‫يف نفس الطفل‪ ،‬وإال فإن جهودكم أيها اآلباء ستبوء بالفشل والندم‪ ،‬ففاقد الشيء ال يعطيه‪.‬‬
‫وغري واقعي أن نطلب من الطفل االلتزام بالصدق وحنن ال منارسه أمامه‪ S،‬أو قد جنيبه على ممارسته من‬
‫منزه له‬
‫أمامنا‪ ،‬فالطفل يف هذا السن الصغري يكون عجينة لينة سهلة التشكيل‪ ،‬فهو شديد التعلق بأبيه‪َّ ،‬‬
‫من الوقوع يف اخلطأ‪ ،‬أو ارتكاب أي مزلة‪ ،‬فهو يرى كل أفعاله سليمة وصحيحة‪ ،‬ويعتربه مثله‬
‫األعلى يف كل صغرية وكبرية‪.‬‬
‫فعلى األب أو املريب أن يتحلى مبكارم األخالق والعادات احلسنة‪ ،‬وأن يعلم الطفل منذ نعومة أظفاره‬
‫اآلداب اإلسالمية يف مجيع جوانب احلياة ابتداء من أداب إلقاء السالم عندما يدخل مكاناً أو خيرج‬
‫منه‪ ،‬واحرتام الكبري والعطف على الصغري‪ ،‬ويعوده على الصدق واألمانة‪ ،‬مث يرتقي معه تدرجيياً يف‬
‫هذه األخالق ويف زرع املبادئ اإلسالمية‪ ،‬مث تعليمه الفرائض واحلرص على االلتزام يف تطبيقها‪ ،‬على‬
‫أن يكون ذلك بالتشجيع والثواب‪ ،‬وأحياناً بالتخويف من العقاب‪ ،‬ويتابعه يف تنفيذها‪ ،‬فبهذا يكون‬
‫األب قد قدم للمجتمع بذرة طيبة صاحلة‪.‬‬
‫تنس أن من صميم العناية بالطفل وتنشئته على اآلداب اإلسالمية العناية بالصحة اجلسمية‬
‫وال َ‬
‫والنفسية‪ ،‬وما يتطلب ذلك من غذاء مناسب‪ ،‬وتربية بدنية‪ ،‬ووقاية من األمراض النفسية أو العضوية‪،‬‬
‫وذلك يكون بتوفري جو أسري مناسب ينشأ الطفل فيه بعيداً عن اخلالفات‪ ،‬فعلى األبوين أن يشيعا‬
‫يف البيت كل مظاهر االرتباط باهلل من احلرص على العبادات‪ ،‬واالعتزاز هبا‪ ،‬والسعادة باحلرص عليها‪،‬‬
‫والتعامل من خالهلا؛ سواء مع من هم أصغر أو أكرب منا سناً‪.‬‬
‫وهنا مهم جداً إشراك الطفل معهم يف ذلك‪ ،‬وحماولة تطبيق هذه املبادئ؛‪ S‬فمثالً‪ :‬مهم اصطحاب‬
‫األطفال إىل املسجد‪ ،‬وأن يعطى الطفل جزءاً من الصدقة ليقدمها إىل فقري حىت يشعروا بشعورهم‪،‬‬
‫ويعطفوا عليهم‪ ،‬وحيمدوا اهلل على النعمة اليت هم فيها‪ ،‬وهذا فيه تعليم تطبيقي للطفل على اتباع ما‬
‫أمر اهلل‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫الودي مع أطفاهلم عن النيب ‪ -  -‬وصحابته‪،‬‬ ‫وعلى األبوين أيضاً أن يكون جزء من حديثهم ّ‬
‫ويفرتض هنا أن يبينوا هلم بعض مواقفهم يف اإلخالص والتضحية‪ ،‬والصرب واملثابرة‪ ،‬وحب اآلخرين‪،‬‬
‫وعدم االعتداء على اآلمنني‪.‬‬
‫مشوق كان أفضل‪ ،‬وتأثريه أعمق يف نفسية الطفل‪،‬‬ ‫وهنا كلما قُ ّدمت هذه القصص بأسلوب قصصي ّ‬
‫ودوره يف تنمية اجلوانب الدينية فيه أكثر‪.‬‬
‫إن توعية الطفل وتصحيح سلوكياته‪ ،‬أو توضيح خطأ بعض سلوكيات اآلخرين مهم‪ ،‬وتعليم الطفل‬
‫ما له وما عليه من حقوق وواجبات من ضوء ما ورد يف كتاب اهلل‪ ،‬وسنّة رسوله ‪ -  -‬خاصة‬
‫إذا قُرنت مبوقف من مواقف سلوكه أو سلوك اآلخرين‪.‬‬
‫ال بد أن يفهم الطفل أنه عندما يعمل خرياً أو يقدم شيئاً ليس فقط لغرض الكسب مقابله؛ بل إنه‬
‫يفعل ذلك ألنه يفرتض أن يعمله‪ ،‬فإن أثابه عليه اآلخرون كان جيداً‪ ،‬وإن مل يثيبوه عليه فإن اهلل يراه‬
‫وهو يثيبه عليه‪.‬‬
‫كذلك على األبوين تصحيح نظرة أطفالنا هلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬وذلك من خالل ذكر أمساء اهلل‪،‬‬
‫ومعان‪ ،‬فالطفل ال يعلم إال ما حنن منليه عليه‪ ،‬ونظرة الطفل‬ ‫ٍ‬ ‫وتفسري كل اسم‪ ،‬وماذا حيمل من صفات‬
‫هلل تكون يف هذه احلدود‪ ،‬فهنا مهم أن نعلم الطفل كيف حيب اهلل‪ ،‬وأن يعمل ما يعمله لكسب رضا‬
‫اهلل‪ ،‬مث يتجنب عقابه‪ ،‬ومهم هنا أن نوضح أن اهلل أيضاً غفور رحيم لزلتنا وألخطائنا وغفالتنا‪ ،‬وإننا‬
‫ندخل اجلنة ‪ -‬إن شاء اهلل ‪ -‬برمحته وليس بأفعالنا فقط‪.‬‬
‫املصدر ‪http://writers.alriyadh.com.sa/kpage.php? :‬‬
‫‪art=18898&ka=84‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪97‬‬
‫القدوة‬
‫أوزجان بشار‬
‫يرن جرس اهلاتف‪ ،‬يلقي رب املنزل جبريدته جانباً‪ ..‬يهرع الصغري حنو اهلاتف ويرفع السماعة‪ ,‬بينما‬
‫يرفع أبوه إصبعه إىل شفتيه حمذراً و مشرياً إىل السماعة‪ ،‬االبن حيجب السماعة بيده وهو يهز رأسه‬
‫مستفسراً‪ ،‬األب يلوح بإصبعه مييناً ويساراً عالمة أنه غري موجود قطعياً‪.‬‬
‫وحيىن الصغري رأسه عالمة الفهم مث يصيح‪:‬‬
‫بابا غري متواجد‪.‬‬
‫مىت سيأيت؟‬
‫ال أعرف‪.‬‬
‫هل تعرف أين هو؟‬
‫ال أعرف‪.‬‬
‫األمر ضروري جداً‪..‬‬
‫هنا يدرك األب بأن املتصل رمبا ليس هو الشخص الغري مرغوب فيه‪ ،‬فيقفز ليقول للصغري وباإلشارة‬
‫أيضاً‪ :‬أنة قد وصل‪.‬‬
‫فيقول الصغري‪ :‬عمي الباب يطرق‪ ،‬أعتقد أنه أيب‪ ..‬األمر يبدو أمراً اعتيادياً جداً لذلك أتقنه الصغري‬
‫ومبهارة‪.‬‬
‫األمر هنا مرادف ألسلوب أحد أطباء علم النفس يف جامعه هارفارد وهو الربوفيسور "أريدا فيليبس"‪،‬‬
‫وقد اشتهر هذا احملاضر بإتقان واستغالل" السيكودراما" إىل أقصى حد ممكن يف حماضراته اليت حيرص‬
‫على أن تكون عمليه تطبيقيه أكثر من كوهنا حتليلية‪ ،‬أو سردية‪ ،‬أو تارخيية‪ ،‬وهذا احملاضر هو نفسه‬
‫الذي أحدث زلزاالً شديداً بأسلوب التحقيقات اجلنائية بالواليات املتحدة‪ ،‬وجعلها فوق منحنيات ما‬
‫بني اليقني والشك‪ ،‬فقد كان يتحدث إىل ستة عشر من طالبه عندما اقتحم باب القاعة رجل‪،‬‬
‫واخرج من جيبه مسدساً‪ ،‬وبدأ يطلق النار صوب الطالب؛ فارمتى من ارمتى على األرض‪ ،‬وزحف‬
‫البعض اآلخر على بطنه‪ ،‬و قفزت طالبة حتت الكرسي‪ ،‬وأخرى إىل أحضان زميلها و‪ ..‬و‪ ..‬مث‬
‫مضت مخس دقائق‪ ،‬مث دعا الربوفيسور "أريدا فيليبس" احملاضر طالبه للعودة إىل أماكنهم‪ ،‬وأن‬
‫يتمالكوا أنفسهم؛ حيث األمر جزء من احملاضرة‪ S,‬مث وزع عليهم ورقة حتتوي على جمموعة أسئلة‪:‬‬
‫‪ -1‬كم طلقه أطلقت؟‬
‫‪ -2‬من هو الذي أطلق الرصاص؟‬
‫‪ -3‬من أي جيب أخرج املسدس؟‬
‫‪ -4‬ماذا كان يرتدي صاحب املسدس؟ وما ألواهنا؟‬

‫‪98‬‬
‫‪ -5‬مباذا تفوه من كلمات؟‬
‫‪ -6‬هل كان له شارب أم حليق الشارب؟‬
‫‪ -7‬هل كان غزير الشعر؟ أم كان بدون شعر؟ ما لون شعره إن كان له شعر؟‬
‫‪ -8‬ما صفاته التقريبية؟ هل كان حنيالً أم كان بديناً؟‬
‫‪ -9‬هل يوجد بوجهه عالمات مميزة؟‬
‫وأسئلة أخرى وصلت إىل عشرين سؤاالً‪ ،‬ولكن املهم أن مجيع اإلجابات تفاوتت واختلفت اختالفاً‬
‫يثري الدهشة‪ ،‬فاحلادثة واحدة ووقعت أمام الستة عشر طالباً وطالبة يف حلظة واحدة من الزمن‪,‬‬
‫مجيعهم شاهدوها مشاهدة ترتقي لدرجة املعايشة ومع ذلك تناقضت الشهادات‪ ،‬قال البعض‪ :‬بأن‬
‫الذي أطلق النار عربياً ملتحياً‪ ،‬وقال البعض‪ :‬بل زجنياً طويل القامة‪ ,‬وقال آخرون‪ :‬أنة كان صينياً‬
‫قصري القامة‪ ،‬بل وقالت طالبة‪ :‬أهنا رأت أكثر من شخص واحد يطلق الرصاص‪ ،‬وهكذا فقد اعتمد‬
‫احملامون األمريكيون على هذا املشهد كمرجع كالسيكي علمي إذا ما أرادوا تفنيد وتزييف شهادة‬
‫أحد شهود العيان‪.‬‬
‫املشهد األمريكي هو نفسه املشهد العريب عندما يقوم الطفل الصغري بالرد على املكاملة‪ ،‬ويقوم بالتمثيل‬
‫مثل الطالب األمريكي الذي تطوع بأن يقوم بدور مطلق الرصاص‪ ،‬الدراما هي الدراما‪ ،‬واحملاضر هو‬
‫األب الذي درب أبنه علي الرد على املكاملات مبهارة‪.‬‬
‫مأساة البحث عن القدوة تستمر حيث أن البعض من األباء واألمهات يعلمون أبنائهم الكذب‪،‬‬
‫وحيرضوهنم عليه باستمرار‪ ،‬مث يغضبون فجأة عندما يكتشفوا أن أحد هؤالء الصغار قد كذب عليهم‬
‫ليمارسوا بكل تناقض دور الواعظ عن حترمي الكذب‪.‬‬
‫مثل هذا األب ما هو سوى مثل للقدوة السيئة بال جدال‪ ،‬فأحذر ما تزرع‪ ،‬فما تزرعه ستحصده‬
‫يوماً ما‪.‬‬
‫املصدر ‪http://www.arabrenewal.com/index.php? :‬‬
‫‪rd=AI&AI0=2645‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪99‬‬
‫الشخصية المؤثرة‬
‫د‪ .‬علي بن عمر بادحدح‬
‫إن جناح الداعية مرتبط بقدرته التأثريية يف املدعوين‪ ،‬وال شك أن التأثري ال يأيت عفواً وال عرضاً‪ ،‬كما‬
‫أنه قطعاً ال يفرض فرضاً‪ ،‬بل هو مرتبط مبؤهالت ومواصفات البد للداعية منها لتكون له شخصيته‬
‫املؤثرة ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬التميز اإلمياين والتفوق الروحاين الذي يكون الداعية به عظيم اإلميان باهلل‪ ،‬شديد اخلوف منه‪،‬‬
‫صادق التوكل عليه‪ ،‬دائم املراقبة له‪ ،‬كثري اإلنابة إليه‪ ،‬لسانه رطب بذكر اهلل‪ ،‬وعقله مفكر يف‬
‫ملكوت اهلل‪ ،‬وقلبه مستحضر للقاء اهلل‪ ،‬جمتهد يف الطاعات‪ ،‬مسابق إىل اخلريات‪ ،‬صواّم بالنهار‪ ،‬قواّم‬
‫بالليل ‪ -‬مع حتري اإلخالص التام‪ ،‬وحسن الظن باهلل ‪ ،-‬وهذا عنوان الفرح‪ ،‬ومست الصالح‪،‬‬
‫ومفتاح النجاح‪ ،‬إذ هو حتقيق ملعىن العبودية اخلالصة هلل‪ ،‬وهي اليت جتلب التوفيق من اهلل فإذا بالداعية‬
‫مسدد؛ أن عمل أجاد‪ ،‬وأن حكم أصاب‪ ،‬وأن تكلم أفاد‪ ،‬ومثل هذا ينطبق عليه وصف السلف بأنه‪:‬‬
‫" من تذكرك باهلل رؤيته "‪.‬‬
‫‪ -2‬الزاد العلمي‪ ،‬والرصيد الثقايف‪ ،‬حىت جيد الناس عند الداعية إجابة التساؤالت‪ ،‬وحلول‬
‫املشكالت‪ ،‬إضافة إىل أن ذلك هو العدة اليت هبا يعلّم الداعية الناس أحكام الشرع‪ ،‬ويبصرهم حبقائق‬
‫الواقع‪ ،‬وبه أيضاً يكون الداعية قادر على اإلقناع‪ ،‬وتفنيد الشبهات‪ ،‬متقناً يف العرض‪ ،‬ومبدعاً يف‬
‫التوعية والتوجيه‪.‬‬
‫‪ -3‬رجاحة العقل‪ ،‬وحسن التدبري‪ ،‬فال سذاجة تضيع هبا معاين القيادة‪ ،‬وال غضب يشوه صورة‬
‫القدوة‪ ،‬وال طيش وال خفة تطمس معامل اهليبة‪ ،‬وللداعية يف األوزاعي مثل حيتذى عندما بنَّي ضريبة‬
‫القدوة بقوله‪ " :‬كنا نضحك ومنزح‪ ،‬وملا صرنا يقتدى بنا خشينا أن ال يسعنا التبسم "‪ ،‬فالبد للداعية‬
‫من االتزان واهليبة‪ ،‬وأن يكون صاحب عقل يرجح إذا اختلفت اآلراء‪ ،‬وحيلل ويدلل إذا فقد اإلدراك‬
‫وغاب التصور‪ ،‬ويتقن به ترتيب األولويات‪ ،‬واختيار األوقات‪ ،‬واستغالل الفرص واملناسبات‪ ،‬وحسن‬
‫التخلص من املشكالت‪ ،‬والقدرة على التكيف مع األزمات‪.‬‬
‫‪ -4‬رحابة الصدر‪ ،‬وسعة اخللق؛ وذلك ليستوعب الداعية من حوله من الناس‪ ،‬فإنه كما أثر‪ ( :‬لن‬
‫تسعوا بأموالكم ولكن تسعوهم بأخالقكم )‪.‬‬
‫وللناس مطالب كثرية‪ ،‬وتساؤالت عديدة‪ ،‬حتتاج من الداعية إىل االحتمال‪ ،‬ألن االحتمال ‪ -‬كما‬
‫قيل ‪ -‬قرب املعايب‪ ،‬وألن سعة األخالق رابط للناس ومؤثر فيهم‪ ،‬فهذا رجل جاء إىل أيب إسحاق‬
‫الشريازي فجالسه مث قال‪ .." :‬فشاهدت من حسن أخالقه ولطافته وزهده‪ ،‬ما حبب إىل لزوم‬
‫صحبته فصحبته إىل أن مات "‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫والناس يلتفون حول من يعني حمتاجهم‪ ،‬ويغيث ملهوفهم‪ ،‬ويتفقد غائبهم‪ ،‬ويؤثروهم على نفسه‪،‬‬
‫ويفيض عليهم من حبه‪ ،‬ويقوي صلته هبم باألخوة‪ ،‬ويعمق االمتنان باإلحسان‪.‬‬
‫أحسن إىل الناس تستعبد قلوهبم فطاملا استعبد اإلنسان إحسان‬
‫‪ -5‬اجلرأة الواعية والثبات الراسخ‪ ،‬فالناس يف امللمات حيجمون‪ ،‬وتتقدم بالداعية جرأته يف احلق‬
‫مصحوبة حبكمته يف التصرف‪ ،‬فإذا هو املقدم الذي تشخص إليه األبصار‪ ،‬وتتعلق به القلوب‪ ،‬ويصفه‬
‫الناس بالشجاعة واإلقدام‪ ،‬وعند املصائب يتخاذل البعض‪ ،‬ويتخلف آخرون‪ ،‬ويتلون فريق ثالث‪،‬‬
‫ويبقى الداعية كالطود الشامخ‪ ،‬وحسبك يف ذلك موقف الرسول الكرمي ‪ -  -‬يف يوم حنني‪،‬‬
‫ثبت فكان بؤرة التجمع‪ ،‬ونقطة االنطالق حنو االنتصار يف يوم حنني‪.‬‬
‫‪ -6‬االستمرار واالبتكار‪ ،‬فالعمل املنقطع يتبدد أثره‪ ،‬والعمل املتكرر يبعث امللل ويفقد احلماس‪،‬‬
‫وتنويع األساليب باعث على التشويق‪ ،‬ودليل على اإلثراء وكثرة العطاء‪.‬‬
‫هذه بعض املالمح‪ ،‬فهل يعي الدعاة أن الضعف يف التأثري والتغيري يكون يف بعض األحيان عائداً إىل‬
‫قصورهم‪ ،‬وعدم استكماهلم ملعامل الشخصية املؤثرة!!‪S.‬‬
‫املصدر ‪http://www.dawahwin.com/article.php?sid=154 :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪101‬‬
‫التربية قدوة‬
‫د‪.‬علي بن حممد التوجيري‬
‫ملا كان األب يف البيت يستطيع أن حيقق مع األم جو احملبة واألمن الذي حيتاجه الطفل لينمو‪ ،‬والذي‬
‫يسبب احلرمان منه كل أمراض الطفولة‪ ،‬واملراهقة‪ ،‬والشباب اليت نعرفها‪ ,‬فلنسأل أنفسنا‪ :‬كيف‬
‫يعامل األب أهل بيته؟ وكيف يناقشهم؟ وكيف جيدد أفكارهم ومعلوماهتم؟ وكيف يقضي وقت‬
‫فراغه؟ ومن جيالس؟ وفيم يتحدث؟ وكيف يغضب أو يثور؟‬
‫نعرف كيف ينشأ الطفل ألن سلوك األب وفكره واهتماماته هي العامل األول واألساس فيما يرتىب‬
‫عليه الطفل من قيم ومبادئ‪ ,‬وهذا السلوك هو ما حياكيه الطفل أو يثور عليه ويكرهه‪ S،‬ويريد بكل‬
‫الصور أن يكونه أو أن يتخلص منه‪ ,‬وما أكثر الدراسات النفسية اليت تكشف لنا عن أثر هذا السلوك‬
‫األبوي يف نفسية الطفل وأخالقه‪ ،‬بل ويف قدراته العقلية والنفسية‪ ،‬واحتماالت جناحه أو فشله يف‬
‫احلياة‪ ،‬وما أكثر ما نعرف عن صور العنف واالحنراف اليت كان سببها ومصدرها األول هو جو‬
‫البيت‪ ،‬وسلوك األب املريب‪ ,‬فالنصف إذن سلوك اآلباء يف البيت ومع العائلة نعرف نوع الرتبية اليت‬
‫يتلقاها الطفل وقيمتها‪.‬وهذه القدوة يف املنزل حتتاج إىل قدوة أخرى يف املدرسة‪ ,‬فاملدرسة مهما‬
‫كانت ليست بناء أو منهجاً أو مادة تعليمية‪ ،‬ولكنها أساساً وقبل كل شيء معلم‪.‬‬
‫كيف يفكر املعلم؟ ما هي طريقته يف املعرفة‪ ،‬وطريقته يف تعليم نفسه‪ ،‬ووسائله يف نقل هذه املعرفة‬
‫والعلم إىل األطفال؟ وعلى ما يكون املعلم سيكون الطفل‪ ،‬ألنه مع الطعام وضرورات النمو البدين؛‬
‫يتلقى ويتغذى مبا يتعرف عليه من قدوة‪ ,‬فاألسلوب األمثل للرتبية يبدأ أوالً باألسلوب األمثل إلعداد‬
‫املعلم‪ ،‬ولتوفري كل ظروف ووسائل الراحة املادية والعقلية والنفسية الالزمة ألداء وظيفته‪.‬‬
‫ويبقى بعد القدوة يف البيت‪ ،‬والقدوة يف املدرسة‪ ،‬القدوة يف اجملتمع‪ ,‬فلنسأل أنفسنا‪ :‬ماذا يقدم اجملتمع‬
‫ألطفالنا من قدوة‪ ،‬نعرف بالضبط ما هي تربية أطفالنا؟ وكيف سينشؤون؟ والقدوة يف اجملتمع ناشئة‬
‫ومتمثلة يف كل مؤسساته حىت مؤسساته االقتصادية والسياسية واالجتماعية إىل جانب مؤسساته‬
‫اإلعالمية والتثقيفية بالطبع‪.‬‬
‫لست أريد بالطبع أن اعدد العيوب أو النواقص يف هذه القدوات الثالث بالنسبة ألطفالنا وأجيالنا‬
‫الناشئة‪ ،‬فنحن نعرف عنها الكثري‪ ،‬وحيتاج كل منها إىل حديث مستقل‪ ،‬ولكن أردت فقط أن أوجه‬
‫النظر إىل أننا عندما نسأل عن الرتبية جيب أن نسأل عن (القدوة يف البيت واملدرسة واجملتمع)‪ ،‬وإذا‬
‫أردنا أن نعرف األسلوب األمثل للرتبية وجب علينا أن نعرف خصائص هذه القدوات وحماسنها أو‬
‫عيوهبا‪- .‬نسأل اهلل أن مينحنا نعمة الرتبية الصاحلة ألبنائنا وبناتنا‪ ،‬والسعادة هبا!!‪.‬‬
‫املصدر ‪http://www.suhuf.net.sa/1999jaz/oct/19/ar1.htm :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪102‬‬
‫من أجل تربية أفضل‬
‫إبراهيم بن صاحل الدحيم‬
‫‪ -‬بني يدي احلديث‪:‬‬
‫احلديث عن الرتبية حديث مهم حتتاج إليه مجيع طبقات اجملتمع بال استثناء‪ ،‬فالرتبية اإلسالمية‪ :‬جهد‬
‫يقوم على تطبيق منهاج اهلل يف األرض‪ ،‬وحتقيق الدينونة له‪ ،‬وهذا األمر جيب على اجلميع السعي فيه‪.‬‬
‫ولقد كان أنبياء اهلل ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ -‬يقومون يف أممهم بالدعوة إىل اهلل‪ ،‬وإلزامهم منهج‬
‫عاجلت بين إسرائيل أشد‬
‫ُ‬ ‫اهلل‪ ،‬ومعاجلتهم على ذلك‪ ،‬كما قال موسى ‪ -‬عليه السالم ‪« :-‬لقد‬
‫الق ْدح املعلى يف ذلك‪ ،‬وقد أخرج جيالً فريداً صار معجز ًة من‬ ‫املعاجلة»(‪ ،)1‬مث كان لنبينا ‪ِ -  -‬‬
‫معجزاته‪ ،‬كما قال القرايف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ " :-‬لو مل يكن لرسول اهلل ‪ -  -‬معجزة إال أصحابه‬
‫لكفوه يف إثبات نبوته‪.)2S("..‬‬
‫لقد كان الرجل من أصحاب النيب ‪ -  -‬يسلم فما يلبث إال وحيسن إسالمه‪ ،‬ويعظم أمره؛ مما‬
‫يلقى من حسن الرعاية‪ ،‬وعظيم الرتبية‪.‬‬
‫مث تتابع الناس بعد ذلك جيالً بعد جيل يعنون بالرتبية‪ ،‬فاآلباء على مر العصور يُلزمون أبناءهم جمالس‬
‫العلماء وحلق الذكر‪ ،‬ورمبا طلبوا هلم مؤدباً ومربياً تُوكل إليه مهمة العناية هبم‪ ،‬ورعاية أدهبم‪،‬‬
‫وتكميل جوانب النقص فيهم‪.‬‬
‫حىت إذا أقبل علينا هذا الزمن مبا فيه‪ ،‬وفُتحت علينا فيه الثقافات‪ ،‬وغزتنا األفكار من كل جانب‪،‬‬
‫وهاجت أعاصري العوملة‪ ،‬واهتزت القيم واملبادئ‪ ،‬واضطربت الثوابت؛ صار احلديث عن الرتبية أشد‬
‫إحلاحاً من ذي قبل؛ بغية حتصني اجملتمع‪ ،‬وتثبيت ثوابته‪ ،‬وحفظ مبادئه وقيمه‪.‬‬
‫ولئن كان الناس يسعون دائماً إىل طلب األفضل يف مآكلهم ومشارهبم ومالبسهم ومراكبهم‬
‫جتمل احلياة وتزين‪ ،‬وتصلح‬‫وأوىل؛ إذ هبا ُ‬
‫ومساكنهم؛ فإن طلب األفضل يف جانب الرتبية أحق ْ‬
‫وتستقيم‪ ،‬وبدوهنا ختتفي قيمة املظاهر وتذبل‪ ،‬وتنقلب نقمة ال نعمة‪ ،‬ألجل هذا كله كان احلديث‪:‬‬
‫ملحة‪ ،‬وألفت النظر فيه إىل جوانب مهمة‪ ،‬وال أزعم هبذا‬ ‫(من أجل تربية أفضل)‪ُ ،‬أثري فيه قضايا ّ‬
‫احلديث أين استوفيت مجيع اجلوانب‪ ،‬ولكن حسيب أهنا مراجعات لبعض جوانب الرتبية يف جمتمعنا‪،‬‬
‫تُذ ّكر الناسي‪ ،‬وتنبه الغافل‪ ،‬وتُرشد اجلاهل‪ ،‬وتدعو الراغب إىل زيادة البحث‪ ،‬وتعميق النظر‪،‬‬
‫والسعي إىل األفضل‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬ما الرتبية؟‬
‫إن معرفتنا ملفهوم‪ S‬الرتبية على الوجه الصحيح سيساعدنا يف القيام هبا‪ ،‬وسيجنبنا تبعات تصرفات غري‬
‫مسؤولة مُت َارس باسم الرتبية‪ ،‬وما هي من الرتبية بسبيل!‬
‫فما الرتبية؟‬

‫‪103‬‬
‫بالنظر إىل أهداف الرتبية اإلسالمية وجوانبها ميكن أن نقول إن الرتبية هي‪( :‬تنمية الشخصية عرب‬
‫مراحل العمر املختلفة؛ هبدف تكوين املسلم احلق الذي يعيش زمانه‪ ،‬وحيقق حياة طيبة يف جمتمعه على‬
‫ضوء العقيدة واملبادئ اإلسالمية اليت يؤمن هبا)‪.‬‬
‫حول التعريف‪ :‬حني نتأمل يف تعريف الرتبية تتبني لنا أمور جيب العناية هبا‪:‬‬
‫ـ فالرتبية اليت نريد؛ تكون بتنمية الشخصية جبميع جوانبها‪ ،‬العقلية منها واجلسمية والروحية‪ ،‬والنفسية‬
‫واالجتماعية؛ حبيث نعطي كل جانب من هذه اجلوانب حقه يف الرعاية والتوجيه‪ ،‬فال نشطط جبانب‬
‫دون آخر‪.‬‬
‫دخل ثالثة رهط على بعض أزواج النيب ‪ -  -‬يسألون عن عبادة النيب ‪ ،-  -‬فكأهنم تقالُّوها‪،‬‬
‫فقال أحدهم‪« :‬أما أنا فأصوم وال أفطر‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬وأما أنا فأقوم وال أرقد‪ ،‬وقال الثالث‪ :‬وأما أنا‬
‫فال أتزوج النساء»‪ ،‬فرد عليهم النيب ‪ -  -‬ذلك‪ ،‬وأرشد إىل ضرورة العناية جبميع اجلوانب‪،‬‬
‫فقال‪« :‬ولكين أصوم وأفطر‪ ،‬وأقوم وأرقد‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنيت فليس مين»(‪.)3‬‬
‫ـ والرتبية اليت نريد هي اليت تستمر وتتطور‪ ،‬مراعيةً مراحل العمر املختلفة‪ ،‬ال تقف عند سن معيّنة‪،‬‬
‫وال تعمم جلميع املراحل أسلوباً تربوياً واحداً‪ ،‬بل تعرف لكل مرحلة خصائصها اليت متيزها عن‬
‫غريها‪ ،‬واليت جيب مراعاهتا من أجل تربية أفضل‪ ،‬وهذا حيتم علينا مزيداً من التعرف على خصائص‬
‫املرحلة اليت نريد توجيه الرتبية إليها‪ ،‬وهو الشيء الذي جيعل الرتبية أكثر سالسة‪ ،‬وأسرع كسباً‪،‬‬
‫وأنضج مثاراً‪ ،‬وأيضاً فإن معرفتنا خبصائص املرحلة سيجنبنا الصدام النكد مع الطباع والفطر الكامنة‬
‫يف النفوس مما قد جيعل خسائرنا يف الرتبية أضعاف مكاسبنا‪.‬‬
‫ـ والرتبية اليت نريد هي اليت يُرسم هلا أهداف يتم العمل على حتقيقها؛ إذ إن العمل دون هدف حمدد‬
‫مدعاة إىل التخبط واالضطراب‪ ،‬وحتويل ميدان الرتبية إىل معمل تكثر فيه الضحايا وسط جتارب‬
‫ألنواع من الثروات الدعوية دون عائد كبري‪ ،‬وقد قيل‪« :‬إذا‬ ‫ٍ‬ ‫مرجتلة‪ ،‬مث إن العمل دون أهداف إهدار‬
‫خرجت من منزلك دون هدف؛ فكل الطرق توصلك إىل املكان الذي تريد‪ S،»..‬واملعىن‪ :‬إن أي‬
‫مكان تذهب إليه فهو ما تريد؛ ألنك مل تقصد شيئاً بعينه تريد الذهاب إليه‪.‬‬
‫إننا حني نطالب بوضع أهداف للرتبية؛ فإن ذلك ال يعين بالضرورة أن تتحول الرتبية إىل آلة جتعل‬
‫كل كلمة ال بد أن تصدر عن هدف‪ ،‬وكل تصرف كذلك‪ ،‬إنه أحياناً قد يكون من العقل واحلكمة‬
‫وحسن التدبري عمل شيء زائد عن هدف حمدد مرسوم‪ ،‬حني مير عليك مثالً حدث يستدعي التنفري‬
‫من العقوق‪ ،‬أو الرمحة باملسكني‪ ،‬أو التذكري حبسن اخلامتة أو سوئها؛ ََأو ليس من العقل واحلكمة‬
‫استغالل احلدث يف التأثري‪ ،‬وإن مل يكن نوع احلدث من أهدافك املرحلية احلاضرة؟!‪S‬‬
‫ـ والرتبية اليت نريد هي اليت تساعد الفرد على أن يعيش يف زمانه ال خارج زمانه‪ ،‬وال بعيداً عن‬
‫واد والناس يف ٍ‬
‫واد وشأن آخر‪.‬‬ ‫جمتمعه معزوالً عن واقعه‪ ،‬يقبع يف ٍ‬

‫‪104‬‬
‫لقد كان النيب ‪ -  -‬يعيش زمانه‪ ،‬ويتعامل معه تعامل اخلبري الفاحص‪ ،‬مل يكن جيهل حتركات‬
‫األعداء‪ ،‬أو ختفى عليه مكائدهم‪ ،‬ولذا كانت استعدادته ‪ -  -‬مبكرة‪ ،‬وغزواته أكرب شاهد‬
‫بذلك‪ ،‬وقد أكد النيب ‪ -  -‬ذلك على الصحابة‪ ،‬ودعاهم إىل ضرورة خمالطة الناس والعيش معهم‬
‫الناس ويصرب على أذاهم؛ خري من املسلم الذي ال خيالط‬ ‫فقال ‪« :-  -‬املسلم إذا كان خمالطاً َ‬
‫الناس وال يصرب على أذاهم»(‪.)4‬‬
‫ـ والرتبية اليت نريد هي اليت نسعى من خالهلا إىل حتقيق حياة طيبة يف اجملتمع‪ ،‬من خالل ترسيخ روح‬
‫العمل اجلماعي يف الفرد‪ ،‬والقضاء على كل أنانية مقيتة جتعل الشخص نفعياً‪ ،‬يعيش ملصلحة نفسه‬
‫فحسب‪ ،‬إمنا نريد أن نعد املسلم احلق الذي ينفع أمته وجمتمعه‪ ،‬فيكون بذلك عضواً نافعاً يطيب مبثله‬
‫اجملتمع‪ ،‬ال أن يكون غصة على جمتمعه‪ ،‬ونكاالً عليه‪ ،‬نريدها تربية تفاعلية‪ ،‬يتفاعل فيها الفرد مع من‬
‫حوله‪ ،‬ويتفاعل من حوله معه‪.‬‬
‫ـ والرتبية اليت نريد هي اليت تُصاغ على ضوء العقيدة اإلسالمية واملبادئ اليت يؤمن هبا املسلم‪ ،‬فتكون‬
‫بذلك تطبيقاً عملياً العتقاد املسلم ومبادئه‪ ،‬وعلى هذا؛ فحني نستفيد من الدراسات الغربية وغريها‬
‫يف هذا اجملال؛ فال بد أن نعرضها على عقيدتنا ومبادئنا‪ ،‬فما وافق منها العقيدة قبلناه‪ ،‬وما خالفها‬
‫رددناه وال كرامة‪.‬‬
‫تلك هي الرتبية ‪ -‬باملعىن العام ‪ -‬اليت نصبو إىل حتقيقها‪ ،‬وهذا ما نريده من املربني عموماً‪.‬‬
‫شخص ما؛ فال بد أن‬ ‫ٍ‬ ‫ـ لكن يبقى أن أشري إىل أمر مهم هو‪ :‬أننا حني نريد تنزيل هذه الرتبية على‬
‫نراعي قدراته وإمكاناته وميوله الشخصية حىت حنقق بذلك تربية أفضل‪ ،‬وهذا ما يُعرّب عنه مبراعاة‬
‫الفروق الفردية؛ إذ جتد بعض املربني خيطئ حني يريد أن جيعل من املرتيب نسخة طبق األصل منه‪ ،‬أو‬
‫من قدوة يرتسمها‪ ،‬أو يريد أن جيعل األشخاص الذين يقوم على تربيتهم نسخة واحدة متماثلة!!‪،‬‬
‫وحني يسري املريب على هذه الطريقة؛ فإنه سيحكم على املرتيب باإلخفاق جملرد أنه مل يصل إىل احلد‬
‫الذي قدَّره له؟! مع أن املرتيب قد يكون قد خطا خطوات كبرية لكنها يف عني املريب غري ملحوظة؛‬
‫ولذا ميكن أن نقول‪ :‬إن الرتبية يف حق الشخص املعنَّي هي‪ :‬إيصال الفرد إىل كماله هو (ال إىل كمال‬
‫غريه)‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬االرتقاء املعريف بالفرد‪:‬‬
‫احلقيقة أننا نعيش أزمة معرفية يشرتك فيها عامة طبقات اجملتمع بال استثناء‪ ،‬حىت إنه جاء يف إحصائية‬
‫علمية ُأجريت على خرجيي جامعة عربية كان من نتائجها‪« :‬أن ‪%72‬من اخلرجيني مل يستعريوا كتاباً‬
‫واحداً من مكتبة اجلامعة طَوال حياهتم اجلامعية»(‪)5‬؛ فإذا كان هذا يف الطبقة اليت يُفرتض أن تكون‬
‫الكتَاب أكرب؛ فما الظن بغريهم؟ لذا فإن من الضروري لرفع مستوى الرتبية تركيز العناية‬ ‫عالقتها مع ِ‬
‫هبذا اجلانب‪ ،‬فكم حنن حباجة إىل رفع مستوى العلم والثقافة واملعرفة عند املريب‪ ،‬وكذا عند املرتيب‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ال بد أن يكون عند املريب أرضية معرفية كافية يستطيع من خالهلا إدارة الرتبية على شكل صحيح‪،‬‬
‫وبوضع صحيح‪ ،‬إن من املقررات البديهية أننا حني نريد أن نرتقي بإنسان إىل مستوى أرفع؛ فال بد‬
‫أن نكون حنن يف موضع أرفع منه حىت نستطيع أن نناوله أيدينا فريتقي‪ ،‬وحني يكون املريب أقل معرفة‬
‫من املستوى املطلوب فإنه ال ميلك أن يعطي شيئاً؛ إذ فاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬إنه ال بد من خمزون‬
‫معريف ٍ‬
‫كاف ميتلكه املريب‪ ،‬يكون به قادراً على تغذية الرتبية معرفياً ورعايتها‪.‬‬
‫ـ وهذا يدعونا إىل القول بأن من األمانة حني يرى املريب أن املرتيب ال يستفيد منه كثرياً‪ ،‬أو أنه قد نفد‬
‫ما عنده ‪ -‬ليس يف كل جوانب املعرفة فحسب ‪-‬؛ فمن األمانة أن يدفع باملرتيب ويوجهه إىل من قد‬
‫يكون أكثر منه نفعاً‪ ،‬وأقدر على العطاء‪ ،‬وسيكون ذلك حسنة من حسنات املريب األول‪ ،‬وداللة‬
‫على النصح والتجرد؛ مما سيكون له أعظم األثر يف نفس املرتيب‪ ،‬بل إنه سيحس مبدى العناية اليت تُقدَّم‬
‫من أجله‪ ،‬وهو الشيء الذي سيدفع به إىل مزيد من االجتهاد والتقدم والرقي‪.‬‬
‫أما العناية باالرتقاء املعريف لدى الفرد فهي أيضاً مسؤولية عظيمة‪ ،‬جيب أن تُصرف العناية هلا من سن‬
‫مبكرة‪ ،‬تبدأ من سين العمر األوىل‪ ،‬وأن يستدرك ما فات بعد ذلك يقول أحد الباحثني‪( :‬إن تعليم‬
‫القراءة لألطفال يبدأ من سن ستة أشهر‪.)6S()..‬‬
‫وجه ميوله‪ ،‬وتقع عنده‬ ‫قد حنكم على هذا الكالم بأنه جمازفة‪ ،‬لكن حني يُنظر إىل أن الطفل ميكن أن تُ َّ‬
‫الرغبة والولع يف القراءة من سن مبكرة جداً؛ فإن هذا الكالم قد يكون أكثر مصداقية‪.‬‬
‫ـ حني هتيأ للطفل فرصة املعرفة من الصغر‪ ،‬ويرى أدواهتا معروضة بني عينيه‪ ،‬يف صورة مكتبة منزلية‪،‬‬
‫أو عن طريق اهتمام أفراد األسرة بالكتاب؛ فإن ذلك سيوجه ميول الطفل وال بد‪ ،‬وسيولد عنده‬
‫الرغبة شيئاً فشيئاً‪.‬‬
‫عوده أبوه‬
‫وينشأ ناشئ الفتيان منّا على ما كان َّ‬
‫لقد رأينا وحنن نطالع ِسرَي العلماء أن بيوت العلم قد أثَّرت يف الغالب يف أبنائها‪ ،‬فأخرجت علماء‬
‫معريف ضخم‪ ،‬إن هذا التوجه املعريف يف البيت‪ ،‬وتوافر أدواته فيه‪ ،‬سيساعد يف‬ ‫خمزون ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫أصحاب‬
‫اكتشاف موهويب القراءة على أقل تقدير‪ ،‬فضالً عن تولُّد الرغبة يف نفسه‪«( ،‬مايكل فاراداي» عامل‬
‫فيزيائي شهري‪ ،‬كان أبوه فقرياً‪ ،‬وكانت األسرة من شدة الفقر تسكن فوق حظرية لعربات اخليل؛ مما‬
‫اضطر «مايكل» إىل االنقطاع عن الدراسة ليعمل مبحل لتجليد الكتب‪ ،‬ولعل هذه املهنة املرتبطة‬
‫كون‬
‫باملعرفة كانت أحد أسباب عشقه للعلم؛ فقد كان ينكب على الكتب اليت يراد جتليدها؛ مما َّ‬
‫لديه حصيلة معرفية جيدة)(‪.)7S‬‬
‫ـ مث قد ال يكفي هتيئة اجلو وإجياد الرغبة‪ ،‬بل ال بد من تشجيع القراءة عند األطفال من سن مبكرة؛‬
‫شجعوا مع ذلك على‬ ‫بأن تبذل هلم املكافآت وغريها من احلوافز اليت تدفعهم إىل املواصلة‪ ،‬وأن يُ َّ‬
‫املشاركة أثناء القراءة (ونقصد باملشاركة‪ :‬التعليق على املقروء‪ ،‬وذكر شواهد مماثلة له من الواقع‪،‬‬

‫‪106‬‬
‫ونقد املواقف‪)..‬؛‪ S‬فإن هذا يريب يف نفس الطفل الشوق إىل القراءة واالستمتاع هبا‪ ،‬ونستطيع من‬
‫خالهلا أن نوصل إليهم املبادئ والقيم املهمة اليت حيتاجون إليها‪ ،‬وتلك هي املهمة األوىل للقراءة‪.‬‬
‫ـ وكذا من فاته قطار املعرفة يف الصغر؛ فإنه حيتاج إىل تشجي ٍع أكرب وبعث للهمة‪ ،‬من أجل استدراك‬
‫ما فات‪ ،‬ولن يكون األمر صعباً حني توجد الرغبة وتنبعث العزمية‪.‬‬
‫وإذا كانت النفوس كباراً تعبت يف مرادها األجسام‬
‫مث إن مما يبعث النفس إىل القراءة واملعرفة االطالع على ِسرَي السلف‪ ،‬وشدة شغفهم بالعلم واملعرفة(‬
‫‪.)8‬‬
‫وال بد مع التشجيع من توجيه قراءة املرتيب‪ ،‬ومساعدته على اختيار األنسب واألنفع‪ ،‬فال يقرأ كل ما‬
‫تدفع به أرحام املطابع دون متييز؛ ألن قراءة ما هو نافع ‪ -‬فضالً عما ال نفع فيه أو فيه ضرر ‪-‬‬
‫سيفوت قراءة ما هو أنفع‪ ،‬وهذا التوجيه وهذه املساعدة للمرتيب تؤكد ما سبق ذكره؛ من ضرورة‬ ‫ّ‬
‫وجود حظوة معرفية كافية لدى املريب ‪ -‬ولو للمرحلة العمرية اليت يقوم عليها ‪.-‬‬
‫ـ كما يلزم املريب وهو يوجه القراءة أن يكون لديه معرفةً مبستوى املرتيب وقدراته‪ ،‬وحاجاته املعرفية؛‬
‫ألن الكتاب اجليد كالدواء ال يفيد كل الناس‪ ،‬وإىل هذا املعىن أشار الغزايل ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬بقوله‪« :‬أن‬
‫يقتصر باملتعلم على قدر فهمه‪ ،‬فال يلقي إليه ما ال يبلغه عقله فينفره‪ ،‬أو خيبط عليه عقله‪ ،‬ولذلك‬
‫قيل‪ :‬كِل ل ُكل ٍ‬
‫عبد مبعيار عقله‪ ،‬و ِز ْن له مبيزان فهمه؛ حىت تسلم منه‪ ،‬وينتفع بك‪ ،‬وإال وقع اإلنكار‬ ‫ْ‬
‫لتفاوت املعيار»(‪.)9‬‬
‫ـ مث على املريب أن يُشعر املرتيب أن االرتقاء املعريف ال يأيت دون مثن‪ ،‬بل حيتاج إىل جد واجتهاد‪ ،‬وصرب‬
‫ومثابرة؛ حىت تتهيأ النفس لذلك‪ ،‬وقدمياً قال السلف‪ " :‬ال يُنال العلم براحة اجلسم "‪ ،‬وملا ُسئل‬
‫(أديسون) عن العبقرية قال‪" :‬إهنا ‪ %1‬إهلام‪ ،‬و ‪%99‬عرق جبني(‪ ،)10‬ومما حيسن التنبيه عليه يف‬
‫هذا املقام هو توجه كثري من الناس إىل الكتب السهلة والقصص واحلكايات‪ ،‬وعزوفهم عن الكتب‬
‫الصعبة والكتابات الرفيعة‪ ،‬واليت من طبيعتها استنفار القوى العقلية لدى القارئ ملزيد الفهم والتأمل‬
‫والتفكري‪ ،‬إن التوجه للكتب السهلة قد يكون مقبوالً لوقت معني‪ S،‬لكن ال يصح أبداً االستمرار‬
‫تأسن أو ٍ‬
‫ركود يف املعاين واملفهومات‪S‬‬ ‫عليها؛ ألن ذلك يعوق عملية االرتقاء‪ ،‬ويسبب للذهن نوع ُّ‬
‫واملدارك‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الرقابة الذاتية‪:‬‬
‫يهتم كثري من املربني مبتابعة سلوك املرتيب‪ ،‬ومالحظة التغري الذي يطرأ عليه‪ ،‬واالرتقاء به‪ ،‬ومعاجلة‬
‫الظواهر السيئة والسعي يف وضع محايات تقيه بعض املخاطر‪ ،‬وهذا الفعل حسن ال غبار عليه‪ ،‬بل هو‬
‫املطلوب‪ ،‬لكن حني يسري يف وضعيته الصحيحة اليت تُصلح وال تُفسد‪ ،‬ولكننا أحياناً كثرية نغفل عن‬

‫‪107‬‬
‫غرس الرقابة الذاتية يف نفس املرتيب‪ ،‬واليت بدورها تساعد يف تعميق الرتبية بشكل أقوى؛ فتكون أدعى‬
‫للثبات‪ ،‬ومتنحنا شيئاً من الوقت ميكن صرفه آلخرين ابتغاء توسيع العمل‪.‬‬
‫أهون من املتابعة‪ ،‬بل هي جانب مهم يف جناح العملية الرتبوية‪ ،‬ولكين أقول إنه ال بد من بذل‬ ‫ـ لست ّ‬
‫جهد قوي وكبري يف سبيل تقوية احلصون الداخلية لدى املرتيب؛ حىت يشعر دائماً برقابة اهلل له‪ ،‬وقربه‬
‫منه‪ ،‬واطالعه عليه‪ ،‬فيشعر باملسؤولية جتاه نفسه بضرورة لزوم الصدق مع اهلل ومع النفس؛ فكم حنن‬
‫حباجة إىل أن نعيد قراءة قصة يوسف مع امرأة العزيز يوم واجه اإلغراء بقول‪(( :‬معاذ‪ S‬اهلل!!))‪ ،‬وقصة‬
‫الراعي مع ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حني أعلنها الراعي مدوية تنساب يف أودية مكة (فأين اهلل؟)‪،‬‬
‫وكذا قصة املرأة األعرابية يوم صرخت بصوت جلجل يف األفق (فأين ُم َك ْوكِبُها؟)‪ ،‬وغري ذلك كثري‬
‫مما جاء عن السلف الصاحل ومن بعدهم‪.‬‬
‫ـ ال بد أن يرسخ عند املرتيب الشعور باملسؤولية جتاه نفسه‪ ،‬وأنه هو املطالب بتزكيتها وتكميلها‪ ،‬وأن‬
‫اب َمن‬‫اها * َوقَ ْد َخ َ‬‫دور املريب معه ما هو إال إعانة له على تزكيته هو لنفسه‪ (( :‬قَ ْد َأْفلَ َح َمن َز َّك َ‬
‫ت لِغَ ٍد ))‬
‫َّم ْ‬
‫س َّما قَد َ‬ ‫َّ‬
‫ين َآمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولْتَنظُْر َن ْف ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫اها ))[الشمس‪(( ،]10 - 9 :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬ ‫َد َّس َ‬
‫((و ُكلُّ ُه ْم آتِ ِيه َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة َفْرداً ))[مرمي‪.]95 :‬‬
‫[احلشر‪َ ،]18 :‬‬
‫إن ضمور هذا املعىن يف النفوس ‪ -‬الرقابة الذاتية ‪ -‬أحدث ضعفاً واضحاً يف صفوف املرتبني من‬
‫خالل التقصري يف بعض الواجبات ‪ -‬كالصالة‪ ،‬وبر الوالدين‪ ،‬وصلة األرحام ‪ -‬أو الوقوع يف شيء‬
‫من احملرمات ‪ -‬كإطالق البصر واللسان‪ ،‬وما جيري بعده من ويالت‪ - S..‬كل ذلك حيصل نتاج‬
‫ضعف املراقبة يف النفوس‪.‬‬
‫ـ لقد فهم السلف هذا املعىن‪ ،‬ونادوا بإصالح النفس وحماسبتها‪ ،‬والقيام عليها باملتابعة والرقابة؛ فهذا‬
‫عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقول‪« :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن حُت اسبوا‪ ،‬و ِزنوها قبل أن‬
‫توزنوا‪ ،)11(»..‬ويقول احلسن البصري ‪ -‬رمحه اهلل ‪« :-‬املؤمن َّقوام على نفسه حياسبها هلل»(‪،)12‬‬
‫وهذا ابن القيم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬حيذر من إمهال النفس وعدم القيام عليها فيقول‪( :‬أضر ما على املكلف‬
‫اإلمهال وترك احملاسبة‪ ،‬واالسرتسال وتسهيل األمور ومتشيتها؛ فإن هذا يؤول إىل اهلالك‪ ،‬وهذا حال‬
‫وميشي احلال‪ ،‬ويتكل على العفو‪ ،‬وإذا فعل ذلك َس ُهل عليه‬ ‫أهل الغرور‪ ،‬يغمض عينيه عن العواقب ّ‬
‫مواقعة الذنوب‪ ،‬وأنس هبا‪ ،‬وعسر عليه فطامها‪ ..‬إخل)(‪.)13‬‬
‫إن تنمية الشعور باملسؤولية جتاه النفس والرقابة الذاتية عليها وحماسبتها؛ سيساعدنا كثرياً يف الرتبية‪،‬‬
‫وجيعلنا جنين نتائج أفضل‪ ،‬وحنس بنوع من األمن جتاه املرتيب‪.‬‬
‫ـ وعلى املريب وهو يغرس الرقابة الذاتية يف نفس املرتيب؛ أن يعلم أهنا ال تنمو إال على قسط من احلرية‪،‬‬
‫وترك الفرصة لالختيار‪ ،‬وال بد من غرس نوع من الثقة يف نفس املرتيب‪ ،‬فالتنقيب عن أخطائه‪ ،‬وتتبع‬
‫عوراته‪ ،‬والبحث عن سقطاته‪ ،‬والسري معه بنظام اجلاسوسية؛ كفيل بإفساد النتائج على عكس ما يراد‬

‫‪108‬‬
‫هلا من صالح‪ ،‬ويف حديث معاوية بن أيب سفيان ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪-  -‬‬
‫يقول‪« :‬إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدهتم أو كدت أن تفسدهم»(‪.)14‬‬
‫إنه ليس من أحد إال لديه عيوب ونقائص‪ ،‬وحني نتوجه للبحث عن اخلبايا وكشف املستور؛ فإننا‬
‫نساهم ‪ -‬شعرنا أو مل نشعر ‪ -‬يف إعطاء اجلرأة للمخطئ يف التبجح باخلطأ وإظهاره دومنا استحياء‪،‬‬
‫حيث حيس أن أوراقه قد احرتقت فال يبايل مبا صنع‪ ،‬بل يصل احلال أحياناً عند بعضهم إىل قصد‬
‫املخالفة والعناد‪ ،‬وهبذا خيرج من حيز املعافاة‪ ،‬ويعم الضرر به من بعد ما كان األمر مقصوراً على‬
‫املخطئ ذاته‪( ..‬كل أميت معاىف إال اجملاهرين)(‪.)15‬‬
‫وعيب؛ لذا ينبغي على املريب أن يعلم‬ ‫عيب ٍ‬ ‫إن أحداً منا لو ُسلطت عليه األضواء النكشف منه ألف ٍ‬
‫أنه يريب بشراً من عادته اخلطأ والتقصري؛ فاملرء ال يولَد كامالً بل يتطور ويرتقي‪ ،‬ويكتسب‬
‫الكماالت شيئاً فشيئاً‪( ،‬إننا حني نرسم للناس صورة مثالية فسوف حناسبهم على ضوئها‪ ،‬فنرى أن‬
‫النقص عنها يُ َع ُّد قصوراً يف تربيتهم‪ ،‬فتأخذ مساحة األخطاء أكثر من مداها الطبيعي الواقعي‪ ،‬وقد‬
‫أخرب النيب ‪ -  -‬أصحابه أهنم لن يصلوا إىل منزلة ال يواقعون فيها ذنباً‪ ،‬فقال‪ ( :‬والذي نفسي‬
‫بيده! لو مل تذنبوا لذهب اهلل بكم‪ ،‬وجلاء بقوم يذنبون فيستغفرون اهلل فيغفر هلم)(‪ ،)17()16‬وملا‬
‫ض يف‬ ‫ِ‬
‫أسره النيب ‪ -  -‬هلا أطلعه اهلل على ذلك فلم يُف َ‬ ‫أفشت حفصة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬ما َّ‬
‫ض))‬‫ض َع ْن َب ْع ٍ‬
‫َأعَر َ‬
‫ضهُ َو ْ‬
‫ف َب ْع َ‬
‫((عَّر َ‬
‫املناقشة أو يستقصي‪ ،‬بل كان ‪ -  -‬كما قال ‪ -‬تعاىل‪َ :-‬‬
‫[التحرمي‪ ،]3 :‬كل ذلك كرماً منه ‪ -  -‬وحسن إدارة ورعاية‪ ،‬قال احلسن‪« :‬ما استقصى كرمي‬
‫قط»‪ ،‬وقال سفيان الثوري‪« :‬ما زال التغافل من شيم الكرام»(‪.)18‬‬
‫لكن سيد قومه املتغايب‬ ‫ليس الغيب ٍ‬
‫بسيد يف قومه َّ‬
‫وحني ندعو إىل نوع من اإلغضاء فلسنا نريد اإلمهال وترك احلبل على الغارب‪ ،‬واالنقطاع عن‬
‫املتابعة؛ كال‪ ،‬بل إن‪ ..« :‬الشخص الذي ال جيد يف نفسه الطاقة على املتابعة والتوجيه املستمر‬
‫مجيل من اخلصال !‪.)19(»...‬‬ ‫شخص ال يصلح للرتبية‪ ،‬ولو كان فيه كل ٍ‬
‫رابعاً‪ :‬إطالق اإلبداع‪:‬‬
‫(دماغ اإلنسان مظهر من مظاهر قدرة اهلل وإتقانه ومننه وعظيم إحسانه؛ فالدماغ قادر على معاجلة‬
‫ما يصل إىل ‪ 30‬بليون معلومة يف الثانية‪ ،‬وفيه حنو ستة آالف ميل من األسالك‪ ،‬وحيوي اجلهاز‬
‫العصيب لإلنسان عادة حوايل ‪ 28‬بليون عصبون‪ ،‬وكل عصبون من هذه العصبونات عبارة عن‬
‫حاسب آيل ضئيل احلجم له استقالله الذايت‪ ،‬وهو قادر على معاجلة حوايل مليون معلومة‪،)20(»..‬‬
‫اطالً سبحانَ ِ‬
‫اب النَّا ِر))[آل عمران‪.]191 :‬‬
‫ك فَقنَا َع َذ َ‬‫ت َه َذا بَ ِ ُ ْ َ َ‬
‫((ربَّنَا َما َخلَ ْق َ‬
‫َ‬
‫زود اهلل هبا بين آدم يقتلها الناس وهم ال يشعرون؛ من خالل‬ ‫إذا علمنا هذا؛ فإن قدرات هائلة مما َّ‬
‫ممارستهم السيئة جتاه اإلبداع واملبدعني‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫ـ لقد دلت بعض الدراسات أن الطفل يولد وهو على درجة عالية من القدرة على اإلبداع‪( ،‬إن‬
‫األطفال حني تكون أعمارهم بني سنتني وأربع سنوات يكون ‪ %95‬منهم إبداعيني‪ ،‬وإمكاناهتم يف‬
‫ارتقاء مستمر‪ ،‬يف حني تقل النسبة تدرجيياً كلما تقدم السن حىت ال يبقى سوى ‪)21()%2‬؛ فأي‬
‫فرصة تضيع وأي إبداعات هتدر؟!‬
‫ـ إننا خنطئ كثرياً يف التعرف على اإلبداع‪ ،‬حني حنس أنه مرادف للذكاء والتفوق‪ ،‬وليس هذا‬
‫بالضروري‪ S،‬بل إننا هبذه النظرة القاصرة نفقد صوراً من اإلبداع ال تراها العيون‪ ،‬فقد دلَّت‬
‫الدراسات على أن لدى كل واحد منا جانباً إبداعياً يف شخصيته‪ ،‬وسيظهر ذلك حني حنسن‬
‫استخراج اإلبداع‪ ،‬ونفتح اجملال له‪ ،‬وقد قيل‪( :‬العقل كمظالت الطيارين ال تنفع حىت تُفتح)‪ ،‬وهكذا‬
‫اإلبداع ال يشرق حىت يُطلق‪.‬‬
‫‪ -‬وحني ال نتعامل مع اإلبداع بطريقة صحيحة؛ فإننا لسنا خنسر إبداعه فقط‪ ،‬بل إن جمرد إغفال‬
‫راع ليس له مرعى)؛‬ ‫اإلبداع سيسبب لألمة أزمات‪ ،‬وخيلق هلا مشكالت هي عنها بغناء‪( ،‬والغنم بال ٍ‬
‫يعين‪ :‬أهنا ستتجاوز مرعاها فتفسد زروع اآلخرين‪ ،‬أو تقع يف فم الذئب الضاري! يقول أحد‬
‫املشتغلني بقضايا اإلبداع‪ :‬إن عقل الطفل ابن اخلامسة يشبه بركاناً له فوهتان‪ :‬واحدة هدامة‪،‬‬
‫نوسع مدى الفوهة املبدعة؛ نوقف الفوهة اهلادمة‪ .‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬ ‫واألخرى مبدعة‪ ،‬وحنن بقدر ما ّ‬
‫‪ -‬وإذا فرض عدم وجود آثار سلبية إلمهال اإلبداع؛ فإن اإلبداع قد يتوجه ‪ -‬إن مل يوجه ‪ -‬إىل ما‬
‫ال نفع فيه‪ ،‬فنقع يف مشكلة (هدر الطاقات) دون أي عائد يذكر!! ذُكَِر أن رجالً جاء إىل أحد‬
‫اخللفاء العباسيني فعرض عليه لعبة بارعة بأن يثبت إبرة يف األرض‪ ،‬مث يرمي وهو واقف إبرة أخرى‬
‫فتدخل يف مُسِّها‪ ،‬مث يرمي الثالثة والرابعة‪ ..‬إىل املئة كل إبرة تدخل يف ُس ّم اُألخرى‪ S،‬فلما انتهى ََأمَر له‬
‫اخلليفة مبئة دينار ومئة جلدة‪ ،‬فعجب الرجل!! فقال اخلليفة‪ :‬مئة دينار لرباعتك‪ ،‬ومئة جلدة‬
‫النشغالك فيما ال طائل من ورائه!‬
‫تنميه‪،‬‬
‫إن علينا مسؤولية عظيمة يف توجيه اإلبداع ورعايته‪ ،‬والسعي اجلاد يف هتيئة املواقع اليت ّ‬
‫واحملاضن اليت تغ ّذيه وحتسن توجيهه‪ ،‬ومن مث تنعم باالستفادة منه‪.‬‬
‫وينبغي من أجل رعاية اإلبداع التنبه إىل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬إن اإلبداع من أجل أن ينمو ويزهر حيتاج إىل بيئة آمنة داخلية وخارجية تضمن له االستمرار يف‬
‫اإلبداع‪ ،‬وزيادة العطاء‪ ،‬وروعة اإلنتاج؛ فحني يسمع االبن يف البيت عبارات االستهزاء‪ ،‬وألفاظ‬
‫االزدراء والتنقُّص تنهال عليه من أبويه أحدمها أو كالمها‪ ،‬أو من إخوته وأقاربه وجريانه؛ فإن ذلك‬
‫بأسداس قبل أن يقدم على فعل شيء‪ :‬ماذا تفعل؟ هذا‬ ‫ٍ‬ ‫سيقيد حركته‪ ،‬وجيعله يضرب أمخاساً‬
‫جنون!! دعنا من عبثك!! ال تكلف نفسك عناءً ال طائل منه‪ ...‬وغريها من الكلمات اليت نقوهلا‬
‫نطفئ هبا ثورة يف نفوسنا دون أن نعرف عواقبها‪ ،‬فهل سينمو اإلبداع يف مثل هذه األرضية؟!‬

‫‪110‬‬
‫يوجه إليه من معلميه أو من زمالئه؛ فإن ذلك‬ ‫وحني جيد مثل هذا التندُّر والتنقيص يف حميط مدرسته َّ‬
‫تفوق‬
‫وخبو ذهنه‪ ،‬ومن مث التفاته عن إبصار كل نقطة ّ‬ ‫سيؤدي إىل ضمور اهتماماته‪ ،‬وفتور عزميته‪ّ ،‬‬
‫لديه‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد من أجل منو اإلبداع من التشجيع وتقدمي احلوافز‪ ،‬وإعطاء نوع من األمن الذي جيرئ املرتيب‬
‫على مزيد من اإلبداعات‪ ،‬وال بد أن تُثار يف نفسه روح املغامرة والتحدي من أجل إثبات الذات‬
‫دون غرور أو جنوح‪ ،‬كان ابن شهاب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يشجع األوالد الصغار ويقول هلم‪( :‬ال حتتقروا‬
‫أنفسكم حلداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬كان إذا نزل به األمر املعضل دعا‬
‫الفتيان فاستشارهم‪ ،‬يتبع ِحدَّة عقوهلم)(‪( ،)22‬ويف مسابقة أجرهتا جملة إجنليزية شهرية وجهت فيه‬
‫سؤاالً لألدباء عن األمر الذي يتوقف عليه منو العلوم‪ ،‬وازدهار األدب؛ فكانت اإلجابة الفائزة لكاتبة‬
‫مشهورة قالت‪« :‬إنه التشجيع!!»‪ ،‬وقالت‪« :‬إهنا يف تلك السن بعد تلك الشهرة واملكانة‪ ،‬تدفعها‬
‫كلمة التشجيع حىت متضي إىل األمام‪ ،‬وتقعد هبا كلمة التثبيط عن املسري!!»(‪.)23S‬‬
‫ـ مث إن مما جيعل بعض جوانب اإلبداع ختتفي لدى املرتيب هو أن املريب قد يكون يعيش ميوالً معرفية‬
‫حمددة‪ ،‬وأمناطاً حياتية معينة جتعله ال يبصر احلياة إال من جهة ميوله ورغباته اخلاصة؛ فهو يبصر كل‬
‫إبداع يتوافق مع ميوله‪ ،‬يف حني تغيب عنه صور من اإلبداع كثرية جتري من بني يديه ومن خلفه‬
‫دون أن يراها؟! لذا فإن على املريب أن يقيس األعمال والتصرفات ال من جهة توافقها مع أمناطه‪،‬‬
‫وميوله‪ ،‬ورغباته الشخصية؛ بل جيب أن يقيسها بنظرة مشولية واسعة جتعله أقدر على اكتشاف صور‬
‫أكثر من اإلبداع املختفي حول حواجز الرؤية احملدودة‪ ،‬والنظرة احملجمة الضيقة اليت يعيش فيها‬
‫املريب‪.‬‬
‫ـ وحني خيفق املبدع مرة؛ فإن من الواجب أال يُ َعَّيَر بإخفاقه‪ ،‬وحُيَ َّمل مسؤولية ذلك وحده‪ ،‬ويُتخلى‬
‫عنه‪ ،‬على حد قول القائل‪( :‬يداك أوكتا وفوك نفخ)‪ ،‬بل جيب أن يواسى‪ ،‬ويُشد من أزره‪ ،‬ويثىن‬
‫على مبادرته وخطوات العمل اليت قام هبا؛ إذ هي يف حد ذاهتا جهد حيتاج إىل شكر‪ ،‬مث بعد ذلك‬
‫يعلم أن يف العامل ناجحني ُكثراً أخفقوا يف حماوالت كثرية؛ لكنهم مل يقنطوا‪ ،‬ومل يرضوا أن حيكموا‬
‫على أنفسهم باإلخفاق الدائم‪ ،‬بل إهنم رأوا أن كل حالة إخفاق فإهنا ال بد ستدهلم على اكتشاف‬
‫مسدود قد غاب عنهم‪ ،‬أو أسلوب غري صحيح يتم تالفيه يف جتربة أخرى جديدة‪ ،‬ال بد أن‬ ‫ٍ‬ ‫طريق‬
‫يقال له وبوضوح‪ " :‬إنك لن تعدم الفائدة حىت يف إخفاقاتك"‪.‬‬
‫إن علينا ‪ -‬معاشر املربني ‪ -‬وحنن نطلب مزيداً من إطالق اإلبداع؛ أن منتلك حاسة شم قوية تنفذ‬
‫إىل مواطن اإلبداع يف شخصية املرتيب‪ ،‬وجتيد توظيفها والتعامل معها‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬الرسائل اخلفية‪:‬‬
‫ُأخالَِف ُك ْم إىَل َما َأْن َها ُك ْم َعْنهُ ))[هود‪.)24(]88 :‬‬ ‫((و َما ُأِر ُ‬
‫يد َأ ْن َ‬ ‫أو ما يُطلق عليها لغة اإلحياء َ‬

‫‪111‬‬
‫كم تصنع الرسائل اخلفية من أث ٍر بال ٍغ يف شخصية املرتيب دون أن نشعر؟! وهذا األثر قد يكون إجيابياً‬
‫نافعاً‪ ،‬وقد يكون سلبياً يهدم ما قد بين‪ ،‬ويفسد ما مت إصالحه؛ فحني تكون سرية املريب حسنة‪،‬‬
‫واستقامته جيدة‪ ،‬ومراقبته لنفسه مستمرة؛ فإن رسائل حسنةً منه ستظهر دون أن يشعر تؤثر يف‬
‫املرتيب‪ ،‬وتساهم يف صياغة شخصيته دون كثري نصح‪ ،‬أو توجيه مباشر‪.‬‬
‫ذكر ابن حجر يف ترمجة (اجلُلندي ملك عُمان) عن ابن إسحاق‪ :‬أن النيب ‪ -  -‬بعث إليه عمرو‬
‫بن العاص ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يدعوه إىل اإلسالم‪ ،‬فقال‪« :‬لقد دلين على هذا النيب األمي‪ :‬أنه ال يأمر‬
‫خبري إال كان أول آخذ به‪ ،‬وال ينهى عن شر إال كان أول تارك له‪ ،)25(»..‬وقال يونس بن عبيد ‪-‬‬
‫رمحه اهلل ‪« :-‬كان الرجل إذا نظر إىل احلسن انتفع به وإن مل ير عمله‪ ،‬ويسمع كالمه»(‪ ،)26‬وقال‬
‫عبد الواحد بن زيد‪« :‬ما بلغ احلسن إىل ما بلغ إال لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه‪،‬‬
‫وإذا هناهم عن شيء يكون أبعدهم منه»‪.‬‬
‫وصافاً‪.‬‬
‫إن «الواو والراء والدال» ال يُ َش ُّم منها رائحة الورد؛ فكن باخلري موصوفاً‪ ،‬وال تكن للخري ّ‬
‫ٍ‬
‫المعات متأل العني زهرة ورواءَا‬ ‫إن يف الناس أوجهاً‬
‫ويراها البصري صورة زه ٍر مل هتبها احلياة عطراً وماءَا‬
‫ولقد ترى الناس يتأثرون بسمت العامل والداعية‪ ،‬وحسن دلّه‪ ،‬وعظيم مواقفه؛‪ S‬أبلغ مما يتأثرون‬
‫بكالمه‪ ،‬بل رمبا نسوا الكالم وبقيت املواقف واملثل اليت انطبعت يف النفوس‪ ،‬وقد قيل‪« :‬من ال‬
‫ُ‬
‫ينفعك حلظه؛ ال ينفعك لفظه»‪.‬‬
‫إن القدوة احلسنة عملية تربوية مستمرة ال تعرف املالل وال االنقطاع‪ ،‬تساعد املرتيب على االرتقاء‬
‫وبلوغ الكماالت‪ ،‬وختتصر الوقت‪ ،‬وتعطي قناعة تامة بإمكانية بلوغ الفضائل والكماالت‪.‬‬
‫«إن األسوة هي علم احلياة» كما قال مصطفى الرافعي(‪ - )27‬رمحه اهلل ‪( :-‬لو أقام الناس عشر‬
‫سنني يتناظرون يف معاين الفضائل ووسائلها‪ ،‬ووضعوا يف ذلك مئة كتاب‪ ،‬مث رأوا رجالً فاضالً‬
‫بأصدق معاين الفضيلة‪ ،‬وخالطوه وصاحبوه؛ لكان الرجل وحده أكرب فائدة من تلك املناظرة‪،‬‬
‫وأجدى على الناس منها‪ ،‬وأدل على الفضيلة من مئة كتاب‪ ،‬ومن ألف كتاب‪ S...‬إخل)(‪ ،)28‬وذكر‬
‫صاحب كتاب (من وحي األسرة)(‪ )29S‬أن أحد علماء الشام قال له‪« :‬التقيت بسبعة إخوة حفظة‬
‫كتاب اهلل‪ ،‬وكان أكربهم على مشيخة القراء‪ ،‬فلما مات استلم املشيخة الثاين مث الثالث وهكذا‪..‬‬
‫فقلت ألحدهم يوماً‪ :‬كيف حفظتم هبذا اإلتقان واإلجادة وأبوكم يعمل يف صبغ الثياب من الصباح‬
‫إىل املساء؟! فقال‪ُُّ :‬أمنا حافظة لكتاب اهلل‪ S،»...‬لقد كانت أمهم أسوة ترتدد يف جنبات البيت‪ ،‬تبين‬
‫قناعات يف نفوس أبنائها‪ ،‬وترسل رسائل خفية حسنة مفادها‪( :‬أن باإلمكان فعل ما كان‪ ،‬وأفضل مما‬
‫كان)‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫وعلى هذا فحني خيتلف احلال‪ ،‬ويظهر التقصري من املريب ‪ -‬ولو تكلف إظهار نفسه باملظهر احلسن ‪-‬‬
‫فإن لغة اإلحياء أو الرسائل اخلفية ستوصل غري ما يقال‪ ،‬وتؤكد غري ما يُنفى (كيف نطمع يف دعوة‬
‫الناس إذا كنا حنن ‪ -‬الدعاة ‪ -‬غري مطبقني له يف ذواتنا؟ كيف ندعو الناس إىل أخالقيات ال إله إال‬
‫اهلل إذا كنا حنن أنفسنا غري متخلقني هبا؟ كيف ندعوهم إىل الثبات إذا كنا حنن ال نثبت؟ وكيف‬
‫ندعوهم إىل الصدق إذا سوغنا ألنفسنا أن نكذب؟ كيف ندعوهم إىل التجرد هلل إذا كانت ذواتنا‬
‫ين َآمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن‬ ‫َّ ِ‬
‫هي حمور حتركنا؟ ومصاحلنا الذاتية هي اليت حتدد مواقفنا وأعمالنا؟ (( يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ند اللَّ ِه َأن َت ُقولُوا َما ال َت ْف َعلُو َن ))[الصف‪ ]3 - 2 S:‬كرب مقتاً ألنه يكون‬ ‫َما ال َت ْف َعلُو َن * َكُبَر َم ْقتاً ِع َ‬
‫ص ّداً عن سبيل اهلل؛ بدالً من أن يكون دعوة إىل اهلل! والشاعر يقول‪:‬‬
‫ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خاهلا ختفى على الناس تُعل ِم!‬
‫نستطيع أن خنفي حقيقة أنفسنا يف خطبة محاسية بليغة‪ ،‬أو موعظة مؤثرة‪ ،‬أو حماضرة قيمة‪ ،‬أو كتاب‬
‫نؤلفه؛ ولكن الدعوة ليست خطباً وال مواعظ‪ ،‬وال حماضرات وال كتباً ‪ -‬وإن كانت كلها أدوات‬
‫نافعة مطلوبة للدعوة ‪ ،-‬إمنا الدعوة قدوة وصحبة وتربية‪ ،‬هكذا علمنا رسول اهلل ‪ ،-  -‬وهكذا‬
‫ينبغي أن يكون فهمنا حلقيقة الدعوة‪.‬‬
‫ويف الصحبة الطويلة اليت تقتضيها عملية الدعوة ‪ -‬أي تقتضيها عملية الرتبية ‪ -‬يستحيل علينا أن‬
‫خنفي حقيقة أنفسنا‪ ،‬وال بد أن «ننكشف» أمام الذين يتلقون منا؛ فكيف إذا اكتشفوا ذات يوم أننا‬
‫مبعان نفتقدها حنن‪ ،‬أو نشتمل على أضدادها؟! كيف تكون‬ ‫كنا «خندعهم»؟! أننا كنا حندثهم ٍ‬
‫الصدمة؟! وكيف تكون النتيجة؟! وحنن هبذا لسنا نشرتط بلوغ الكمال يف شخصية املريب ‪ -‬وإن‬
‫مزيد من االجتهاد يف متابعة النفس وإلزامها منهج‬ ‫كان الرتقّي فيه مطلوب ‪ -‬بل نقصد احلث إىل ٍ‬
‫الصدق واإلخالص واملراقبة‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬لغة احلوار‪:‬‬
‫(احلوار املنهجي مفيد يف إيصال الفكرة لآلخرين‪ ،‬وحني منارس احلوار على وجهه الصحيح؛ فإننا ال‬
‫نفيد املرتيب وحده بل حنن نستفيد منه أكثر؛ فمن خالل احلوار والنقاش تنضج أفكارنا‪ ،‬ويرتقي‬
‫تفكرينا‪ ،‬وتتزن نظرتنا‪ ،‬إننا حني نعرض أفكارنا للتشذيب والتهذيب‪ ،‬واإلضافة والنقد؛ نكون أكثر‬
‫معرفةً للواقع‪ ،‬وأقدر على التعامل معه‪S.‬‬
‫ـ احلوار يزيد من قبول املرتيب للمريب؛ حيث يشعر أن املريب ال ميارس معهم نوعاً من إلغاء الشخصية‪.‬‬
‫ِ‬
‫فاملناظر‬ ‫املناظر؛ فهناك فرق كبري بينهما؛‬ ‫وحني نطالب باحلوار؛ فإننا نقصد القيام بدور املحاور ال ِ‬
‫ُ‬
‫يبغي إقناع صاحبه برأيه ليتبناه‪ ،‬بينما احملاور يقوم بإضاءة نقطة مظلمة‪ ،‬وتوضيح قضية غامضة ال‬
‫يراها املحاور اآلخر على الوجه الصحيح‪ ،‬وهبذا يكون احلوار هادئاً ومنتجاً؛ ألنه يستهدف النفع‬
‫ُ‬
‫املتبادل وليس االستحواذ واالستيالء‪.)30()..‬‬

‫‪113‬‬
‫ـ إن من املهم جداً أن جنعل احلوار أساساً يف حياتنا‪ ،‬ال سيما يف اجملال الرتبوي‪ ،‬فال نفرض األمور‬
‫فرضاً جازماً ال يقبل املناقشة‪ ،‬لقد كانت النساء من أصحاب النيب ‪ -  -‬ال جيدن حرجاً يف‬
‫مراجعته املرة تلو األخرى يف أي شأن من شؤوهنن‪ ،‬فضالً عن الرجال ((قَ ْد مَسِ َع اللَّهُ َق ْو َل الَّيِت‬
‫ك يِف َز ْو ِج َها َوتَ ْشتَ ِكي إىَل اللَّ ِه ))[اجملادلة‪ ،]1 :‬إنه الشعور باألمن بني املريب الرحيم ‪-  -‬‬ ‫ِ‬
‫جُتَادلُ َ‬
‫وبني األمة‪ ،‬والذي ينظر يف سريته ‪ -  -‬جيد ما يشفي ويكفي يف هذا الباب‪.‬‬
‫هذا ضمام بن ثعلبة وافد بين سعد إىل النيب ‪ -  -‬يأيت إىل النيب ‪ -  -‬فيقول له‪« :‬إين سائلك‬
‫علي يف نفسك!! فقال ‪ :-  -‬سل عما بدا لك!! فقال‪ :‬يا‬ ‫فمشدد عليك يف املسألة فال جتد ّ‬
‫حممد! أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن اهلل أرسلك! قال‪ :‬صدق‪ ،‬فلم يزل يسأل والنيب ‪-  -‬‬
‫جييبه على ما سأل حىت رجع ضمام إىل قومه مسلماً»(‪ ،)31‬إنك لتعجب وأنت تطالع مثل هذا‬
‫املثال؛ فمع اجلفاف يف أسلوب ضمام ‪ -‬زعم‪ ،‬وتزعم ‪ -‬إال أن النيب ‪ -  -‬يقابل ذلك كله هبدوء‬
‫نفس‪ ،‬وحسن إجابة‪.‬‬
‫بعد‪ ،‬فيبدأ النيب ‪ -  -‬معه حواراً‬ ‫(وهذا حصني بن عبيد يأيت إىل النيب ‪ -  -‬ولَ َّما يسلم ُ‬
‫منطقياً‪« :‬كم تعبد يا حصني؟! قال‪ :‬سبعة‪ :‬واحداً يف السماء‪ ،‬وستة يف األرض!! قال‪ :‬يا حصني من‬
‫تعد من هؤالء السبعة لرغبتك ورهبتك؟! قال‪ :‬الذي يف السماء‪ ،)32S(»..‬ومبثل هذا احلوار تُزال‬
‫الشبهة‪ ،‬ويُصحح التصور!‬
‫ويذكر الشيخ عمر األشقر يف كتابه (مواقف ذات عرب)(‪ )33‬ما جرى يف إحدى البالد‪ :‬أن فتا ًة‬
‫واهلم بادية على نفسها‪ ،‬فالحظت أمها ذلك‬ ‫صغرية جاءت من املدرسة يوماً وعالمات احلزن ّ‬
‫فسألتها‪ :‬ما السبب يا بنييت؟‬
‫مدرسيت هددتين بالطرد إن أنا عدت هبذه املالبس الطويلة غداً‪ ،‬قالت األم املربية‪:‬‬ ‫قالت الطفلة‪ :‬إن ّ‬
‫املدرسة ال تريد ذلك‪،‬‬ ‫ولكنها املالبس اليت يريدها اهلل يا بنييت! قالت الطفلة‪ :‬نعم يا أماه! ولكن ّ‬
‫املدرسة ال تريد واهلل يريد؛ فمن‬ ‫عندها قالت األم بعبارة حانية وحوار هادئ‪ :‬حسناً يا بنييت! ّ‬
‫وصورك وأنعم عليك‪ ،‬أم خملوقة ال متلك لنفسها ضراً وال نفعاً؟‬ ‫تطيعني؟! أفتطيعني الذي أوجدك َّ‬
‫فقالت الطفلة‪ :‬بل أطيع اهلل‪ ،‬قالت األم‪ :‬أحسنت يا بنييت وأصبت‪.‬‬
‫هبذه الطريقة‪ ،‬وهبذا األسلوب املقنع الذي يؤكد الثوابت‪ ،‬ويقيم القيم؛ جرى احلوار اهلادئ بني األم‬
‫والطفلة؛ فماذا كانت النتيجة؟‬
‫يف اليوم التايل‪ :‬جاءت البنت إىل املدرسة بالثوب الطويل‪ ،‬فانفجرت املعلمة غاضبة مؤنبة للفتاة أمام‬
‫فهرعت بالبكاء الذي ال ينقطع‪ ،‬وعندها هدأت املعلمة‪ ،‬وخ ّفضت‬ ‫زميالهتا‪ ،‬حىت ثَ ُق َل األمر بالطفلة ُ‬
‫من صوهتا‪ ،‬وقطعت صراخها‪ ،‬مث توجهت إىل الطفلة قائلةً‪ :‬مِلَ ال تستجيبني ملا أمرتك به؟!‬

‫‪114‬‬
‫فنطقت الطفلة بكلمة احلق اليت صارت كالقذيفة على هذه املعلمة‪ :‬واهلل! ما أدري من أطيع‪ :‬أنت‪،‬‬
‫أم هو؟! قالت املعلمة‪ :‬ومن هو؟ قالت الطفلة‪ :‬اهلل‪ ..‬أأطيعك فألبس ما تريدين‪ ،‬أم أطيعه وأغضبك؟!‬
‫مث قالت بكل ثبات‪ :‬سأطيعه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬وليكن ما يكون‪ ،‬فسكتت املعلمة‪ ،‬ويف اليوم التايل‪ :‬دعت‬
‫املعلمة األم لتقول هلا‪ :‬لقد وعظتين ابنتك أعظم موعظة مسعتها يف حيايت!‬
‫لقد كان هذا الثبات من هذه الطفلة نتاج القناعات اليت رسخت يف نفسها من جراء هذا احلوار املثري‬
‫الذي قامت به األم؛ فهل حناور أبناءنا وطالبنا ومن نقوم على تربيتهم من أجل أن نبين يف نفوسهم‬
‫قناعات ال تتزعزع‪ ،‬وثوابت ال تتغري تكون أكثر صموداً يف زمن املتغريات والفنت؟‬
‫مث إن احلاجة تعظم إىل احلوار واملراجعة حال معاجلة األخطاء؛ إذ ال بد منه ألجل التعرف على‬
‫مالبسات اخلطأ وأسبابه قبل إصدار األحكام؛ وذلك من أجل جتنب ردود األفعال السريعة اليت تفسد‬
‫أكثر مما تصلح‪ ،‬وتزيد من اتساع اهلوة بدالً من تضييقها‪.‬‬
‫جاء إىل النيب ‪ -  -‬شاب ممتلئ شباباً وقو ًة وشهو ًة يستأذن يف الزنا؛ فهل رمجه النيب ‪ -  -‬أو‬
‫ضربه؟ ال؛ فاألمر حيتاج إىل نوع إقناع‪ ،‬وفتح لعني املخطئ إىل جوانب قد غفل عنها‪ ،‬وهذا هو ما‬
‫فعله النيب ‪ -  -‬مع هذا الشاب؛ حيث قال له‪ :‬اد ُن مين (إشعاراً له باألمن)‪ ،‬فلما دنا قال له‪:‬‬
‫أترضاه ألمك‪..‬؟!‪ S‬ألختك‪..‬؟!‪ S‬البنتك‪..‬؟!‪ S‬والشاب يقول‪ :‬ال‪ ..‬ال‪ ..‬والنيب ‪ -  -‬يرد عليه بقوله‪:‬‬
‫(وكذلك الناس ال يرضونه‪ ،)34()..‬فيا له من حوار هادئ‪ ،‬وإقناع منطقي آتى أكله‪ ،‬وأعطى مثاره!‬
‫وكذا كان األمر مع حاطب بن أيب بلتعة يف القصة املشهورة يف أحداث غزوة الفتح؛ فهل حنن نفتح‬
‫حلقات للحوار عند معاجلة أخطاء أبنائنا وطالبنا؟‬
‫حني تكتشف أن ابنك يدخن مثالً‪ ،‬أو يسمع الغناء‪ ،‬أو جيلس مع رفقة سيئة؛ فإنك قد ترفع العصا‬
‫عليه فتوجع يده‪ ،‬أو تضرب هامته‪ ،‬وتتبع ذلك بصيحات الوعيد‪ ،‬وزجمرات التهديد‪ ،‬وتظن أنك قد‬
‫قضيت على املشكلة‪ ،‬لكنها يف احلقيقة تزداد جتذراً يف نفسه‪ ،‬ورسوخاً قد حيمله على التحدي‬
‫والعناد‪ ،‬بينما لو فتحت عينيه باحلوار اهلادئ إىل شيء مل يدركه؛ فإنك على أقل تقدير إن مل تقض‬
‫على املشكلة فستوقف مدها‪ ،‬أو جتعله يتعامل حبذر قد يسهم باستيقاظه فيما بعد‪ ،‬وتنبعث يف نفسه‬
‫أسئلة حتتاج إىل إجابة‪ ،‬وحني نقول ذلك فلسنا نعارض العقوبة ومننع منها؛ لكنّا حناول حصرها يف‬
‫مكاهنا الصحيح الذي تفيد منه‪.‬‬
‫أما حني نفرض األمور فرضاً جازماً‪ ،‬ونلغي مساحة احلوار والنقاش املفيد؛ فإننا قد نوجه الظاهر من‬
‫شخصية املرتيب حبكم السلطة والنفوذ‪ ،‬لكننا سنكون بعيدين كل البعد عن الشعور الداخلي وتغيري‬
‫القناعات؛ مما قد يسبب مترداً ‪ -‬إن صح التعبري ‪ -‬يف املستقبل القريب أو البعيد مىت ما وجدت‬
‫الفرصة مواتية لذلك‪ ،‬وكما يف املثال اإلجنليزي‪( :‬من السهل قيادة احلصان إىل نبع املاء‪ ،‬ولكن من‬
‫الصعب إجباره على أن يشرب)(‪.)35‬‬

‫‪115‬‬
‫سابعاً‪ :‬التدريب‪:‬‬
‫كفرصة للتدرب على سياسة الناس والصرب واجللد‪ ،‬إضافةً‬‫ٍ‬ ‫لقد كتب اهلل ألنبيائه رعي الغنم قبل البعثة‬
‫إىل ما تورثه برعيها من الرمحة واللني؛ فعن أيب هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪ -‬‬
‫‪( :-‬ما بعث اهلل نبياً إال رعى الغنم!! قالوا‪ :‬وأنت يا رسول اهلل؟ قال‪ :‬نعم! كنت أرعاها على‬
‫قراريط ألهل مكة)(‪ ،)36‬قال ابن حجر معلقاً‪« :‬قال العلماء‪ :‬احلكمة يف إهلام األنبياء من رعي الغنم‬
‫قبل النبوة أن حيصل هلم التمرن برعيتها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم‪ ،‬وألن يف خمالطتها ما‬
‫حيصل هلم من احللم والشفقة؛ ألهنم إذا صربوا على رعيها ومجعها بعد تفرقها يف املرعى‪ ،‬ونقلها من‬
‫مسرح إىل مسرح‪ ،‬ودفع عدوها من سبع وغريه كالسارق‪ ،‬وعلموا اختالف طباعها‪ ،‬وشدة تفرقها‬
‫مع ضعفها‪ S،‬واحتياجها إىل املعاهدة؛ ألفوا من ذلك الصرب على األمة‪ ،‬وعرفوا اختالف طباعها‪،‬‬
‫وتفاوت عقوهلا‪ ،‬فجربوا كسرها‪ ،‬ورفقوا بضعيفها‪ ،‬وأحسنوا التعاهد هلا‪ ،‬فيكون حتملهم ملشقة ذلك‬
‫أسهل مما لو كلفوا القيام بذلك ألول وهلة‪ ،‬ملا حيصل هلم من التدريج على ذلك برعي الغنم‪.‬‬
‫صت الغنم بذلك لكوهنا أضعف من غريها‪ ،‬وألن تفرقها أكثر من تفرق اإلبل والبقر؛ إلمكان‬ ‫وخ ّ‬
‫ُ‬
‫ضبط اإلبل والبقر بالرباط دوهنا ‪ -‬أي الغنم ‪ -‬يف العادة املألوفة‪ ،‬ومع أكثريتها فهي أسرع انقياداً من‬
‫غريها‪ ،)37(»..‬فإذا كان األنبياء ‪ -‬عليهم الصالة والسالم ‪ -‬حيتاجون إىل نوع مترين وتدريب‬
‫ألجل رعاية اخللق ومعاجلتهم؛ فغريهم ممن يسري على طريقتهم من باب ْأوىل وأحرى‪.‬‬
‫والتدريب هو‪« :‬عبارة عن نشاط منظم يركز على الفرد لتحقيق تغري يف معارفه ومهاراته وقدراته‬
‫ملقابلة احتياجات حمددة يف الوضع احلاضر أو املستقبلي‪ ،‬يف ضوء متطلبات العمل الذي يقوم به املرء‪،‬‬
‫ويف ضوء تطلعاته املستقبلية للوظيفة اليت يقوم هبا يف اجملتمع»(‪.)38‬‬
‫ومن هنا نعلم أن التدريب ارتقاء دائم‪ ،‬وتطور مستمر‪ ،‬يسهم يف حتسني األداء‪ ،‬وتصحيح األفكار‪،‬‬
‫وزيادة البصرية‪.‬‬
‫إن الدورات الرتبوية التدريبية جتمع إليك جتارب مركز ًة لناجحني اختريت بعناية‪ ،‬جتعل املريب يقوم‬
‫بأداء أفضل‪ ،‬ومن مث مثرات أفضل‪ ،‬فإذا كان هذا ما سنحصل عليه من خالل الدورات التدريبية‬
‫الرتبوية فال ينبغي االستنكاف عن االستفادة منها حىت لو كلفنا ذلك بعض املال‪.‬‬
‫إن رجال اإلدارة واالقتصاد وغريهم ليسوا أحق هبذه الدورات والربامج التدريبية من رجال الرتبية‬
‫والتعليم والدعوة الذين يقومون على بناء األجيال‪ ،‬ورعاية الناشئة‪ ،‬وصياغة األمة وصناعتها‪ ،‬إننا‬
‫حباجة ملن يعلمنا فن احلوار‪ ،‬وفن الصمت‪ ،‬ومن يعلمنا الكف عن اإلدمان على بعض األشياء وبعض‬
‫التصرفات‪ ،‬كما ( أننا حباجة إىل من يدربنا على إدارة الوقت‪ ،‬وإدارة أعمالنا عن طريق اهلاتف‪ ،‬وعن‬
‫طريق األهداف‪ ،‬وطريق التفويض‪ ،‬ومن يدربنا على رسم األهداف‪ ،‬وعلى التخلي عن النزعات‬
‫العدوانية‪ ،‬ومن يدربنا على حل مشكالتنا عن طريق التفاوض‪ ،‬ومقايضة املصاحل‪ ،‬ومن يدربنا على‬

‫‪116‬‬
‫القراءة املثمرة‪ ،‬والتفكري املبدع‪ ،‬وحني حنرز تقدماً على هذه األصعدة؛ فإننا سنجد أن معامل حياتنا‬
‫كلها قد تغريت‪ ،‬وصارت فرص النجاح واالرتقاء أفضل بكثري مما هي عليه اليوم)(‪.)39‬‬
‫وحيث إن األمر هنا جمرد إثارة للموضوع ال غري؛ فإين أشري إىل بعض مواضيع الدورات اليت حيتاج‬
‫إليها املريب من أجل تربية أفضل فمن ذلك‪:‬‬
‫صياغة األهداف ‪ -‬إدارة العمل ‪ -‬حتسني األداء ‪ -‬أمناط الشخصية ‪ -‬فن التعامل والقدرة على التأثري‬
‫‪ -‬رعاية اإلبداع ‪ -‬أدبيات احلوار ‪ -‬حل املشكالت وغريها كثري‪.‬‬
‫وختاماً‪ :‬فإن صياغة النفس البشرية على الفضائل‪ ،‬وتربيتها على الكماالت؛ عملية ضخمة كبرية ال‬
‫يصح أن تُصرف هلا فضول األوقات‪ ،‬إهنا ليست عملية يوم أو شه ٍر أو سنة‪ ،‬بل هي جهد دائم‪،‬‬
‫وسعي مستمر وكما قال الرافعي‪( :‬إننا لسنا على غارة نُغريها‪ ،‬بل على نفوس نُغرّي ها)(‪ )40‬فكم هي‬
‫مهمة عظيمة جليلة!‬
‫__________________________‬
‫(‪ )1‬رواه البخاري ضمن حديث اإلسراء الطويل‪ ،‬رقم (‪.)3207‬‬
‫(‪ )2‬الفروق‪.170 /4 ،‬‬
‫(‪ )3‬البخاري‪ ،‬رقم (‪.)5063‬‬
‫(‪ )4‬رواه الرتمذي‪ S،‬رقم (‪ ،)2507‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )5‬الطرق اجلامعة للقراءة النافعة‪ ،‬حملمد موسى الشريف‪ ،‬ص ‪.20‬‬
‫(‪ )6‬بناء األجيال‪ ،‬د‪ .‬عبد الكرمي بكار‪ ،‬ص ‪ ،99‬وفيه مزيد ٍ‬
‫كالم حيسن مراجعته‪.‬‬
‫(‪ )7‬وأد مقومات اإلبداع‪ ،‬إبراهيم البليهي‪ ،‬ص ‪ ،81‬كتاب املعرفة‪.‬‬
‫(‪ )8‬انظر‪ :‬املشوق إىل القراءة وطلب العلم‪ ،‬علي العمران؛ فقد مجع من عجيب أحوال السلف مع‬
‫القراءة والطلب‪.‬‬
‫(‪ )9‬مسافر يف قطار الدعوة‪ .‬الشويخ‪ ،‬ص ‪ ،312‬نقالً عن إحياء علوم الدين‪.‬‬
‫(‪ )10‬القراءة املثمرة‪ ،‬بكار‪ ،‬ص ‪.54‬‬
‫(‪ )11‬إغاثة اللهفان‪ ،‬ص ‪.86‬‬
‫(‪ )12‬إغاثة اللهفان‪ ،‬ص ‪.87‬‬
‫(‪ )13‬إغاثة اللهفان‪ ،‬ص ‪.91‬‬
‫(‪ )14‬أبو داود‪ ،‬رقم (‪.)4888‬‬
‫(‪ )15‬البخاري‪ ،‬رقم (‪.)6069‬‬
‫(‪ )16‬مسلم‪ ،‬رقم (‪.)2749‬‬
‫(‪ )17‬مقاالت يف الرتبية‪ ،‬الدويش‪ ،‬ص ‪.71‬‬

‫‪117‬‬
‫(‪ )18‬حماسن التأويل‪ ،‬للقامسي‪ ،‬يف تفسري آية التحرمي ‪.3‬‬
‫(‪ )19‬منهج الرتبية اإلسالمية‪ ،‬حممد قطب‪.47 /2 ،‬‬
‫(‪ )20‬اكتشاف الذات‪ ،‬بكار‪ ،‬ص (‪.)109‬‬
‫(‪ )21‬اكتشاف الذات‪ ،‬بكار‪ ،‬ص (‪ 109‬ـ ‪.)110‬‬
‫(‪ )22‬جامع بيان العلم وفضله‪.85 /1 ،‬‬
‫(‪ )23‬علو اهلمة‪ .‬حممد إمساعيل املقدم‪.399 ،‬‬
‫(‪ )24‬اإلصابة‪.)538 /1( ،‬‬
‫(‪ )25‬سري أعالم التابعني‪ ،‬صربي شاهني‪ ،‬ص (‪.)15‬‬
‫(‪ )26‬وحي القلم‪.)111 /2( ،‬‬
‫(‪ )27‬وحي القلم‪.)46 /3 ( ،‬‬
‫(‪ )28‬عبد اهلل البوسعيد‪ ،‬ص ‪.210‬‬
‫(‪ )29‬رؤية إسالمية ألحوال العامل املعاصر‪ ،‬حممد قطب‪ ،‬ص ‪.230‬‬
‫(‪ )30‬بناء األجيال‪ ،‬لعبد الكرمي بكار‪ ،‬ص ‪( ،29‬بتصرف)‪S.‬‬
‫(‪ )31‬البخاري‪ ،‬حديث‪ ،‬رقم ‪.63‬‬
‫(‪ )32‬الرتمذي‪ ،‬رقم ‪ ،3483‬وضعفه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )33‬ص ‪.99‬‬
‫(‪ )34‬رواه أمحد‪ ،)5/256( ،‬واهليثمي يف اجملمع‪.)129 /1( ،‬‬
‫للحمادي‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫(‪ 200 )35‬حكمة قيادية ووصية إدارية‪ّ ،‬‬
‫(‪ )36‬البخاري‪ ،‬رقم (‪.)2262‬‬
‫(‪ )37‬فتح الباري‪.)558 /4( S،‬‬
‫(‪ )38‬حول الرتبية والتعليم‪ ،‬عبد الكرمي بكار‪ ،‬ص ‪.389‬‬
‫(‪ )39‬حول الرتبية والتعليم‪ ،‬د‪ .‬عبد الكرمي بكار‪ ،‬ص ‪.403‬‬
‫(‪ )40‬وحي القلم‪.)23 /1( ،‬‬
‫املصدر ‪http://albayan-magazine.com/bayan-202/bayan-05.htm :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪118‬‬
‫مصعب بن عمير من الترف إلى الشظف‬

‫كان مصعب بن عمري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬أول سفري يبعث من قبل الرسول ‪ -  -‬إىل املدينة‬
‫املنورة ليعلم أهلها اإلسالم‪ ،‬ويدعوهم إىل اإلميان‪.‬‬
‫يروي ابن إسحاق أنه بعد بيعة العقبة األوىل وانصراف األنصار؛ بعث الرسول ‪ -  -‬معهم‬
‫مصعب بن عمري‪ ،‬وأمره أن يقرئهم القرآن‪ ،‬ويعلمهم اإلسالم‪ ،‬ويفقههم يف الدين فعن الرباء بن‬
‫عازب ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪" :‬أول من قدم علينا مصعب‪ S‬بن عمري‪ ،‬وابن أم مكتوم‪ ،‬وكانوا‬
‫يقرُئون الناس‪ ،‬فقدم علينا بالل وسعد وعمار بن ياسر‪ ،‬مث قدم عمر ابن اخلطاب يف عشرين من‬
‫أصحاب الرسول ‪ ،-  -‬مث قدم الرسول ‪ ،-  -‬فما رأيت أهل املدينة فرحوا بشيء فرحهم‬
‫بالرسول ‪ -  -‬حىت جعل اإلماء يقلن‪ :‬قدم الرسول ‪ ،-  -‬فما قدم حىت قرأت‪" :‬سبح اسم‬
‫ربك األعلى" ‪ ..‬يف سور من املفصل (‪.)1‬‬
‫ونزل مصعب على أسعد بن زرارة‪ ،‬فكان يُسمى باملدينة املقريء‪ ،‬وكان يصلي هبم‪ ،‬وذلك أن‬
‫يؤموا بعضاً ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬أمجعني‪.‬‬ ‫األوس واخلزرج كره بعضهم أن ّ‬
‫منوذج لصدق الداعية وحكمته‪:‬‬
‫عن ابن إسحاق أن أسعد بن زرارة خرج مبصعب‪ S‬بن عمري ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يريد به دار بين عبد‬
‫األشهل ودار بين ظفر‪ ،‬وكان سعد بن معاذ ابن خالة أسعد بن زرارة‪ ،‬فدخل به حائطاً من حوائط‬
‫بين ظفر على بئر يقال له‪ :‬بئر مرق‪ ،‬فجلسا يف احلائط‪ ،‬واجتمع إليهما رجال ممن أسلموا‪ ،‬وسعد بن‬
‫معاذ وأسيد بن حضري يومئذ سيدا قومهما من بين عبد األشهل‪ ،‬وكالمها مشرك على دين قومه‪ ،‬فلما‬
‫مسعا به قال سعد ألسيد‪ :‬ال أبا لك انطلق إىل هذين الرجلني اللذين قد أتيا دارينا؛ ليسفها ضعفاءنا‬
‫فازجرمها‪ ،‬واهنهما أن يأتيا دارينا‪ ،‬فإنه لوال أسعد بن زرارة مين حيث قد علمت كفيتك ذلك هو‬
‫ابن خاليت‪ ،‬وال أجد عليه مقدماً‪.‬‬
‫قال فأخذ أسيد بن حضري حربته‪ ،‬مث أقبل إليهما‪ ،‬فلما رآه أسعد بن زرارة قال ملصعب‪ S:‬هذا سيد‬
‫قومه‪ ،‬وقد جاءك فاصدق اهلل فيه‪ ،‬قال مصعب‪ :‬إن جيلس أكلمه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فوقف عليهما متشتماً‪ ،‬فقال‪ :‬ما جاء بكما إلينا تسفهان ضعفاءنا؟ اعتزالنا إن كانت لكما‬
‫بأنفسكما حاجة‪.‬‬
‫وقال موسى بن عقبة‪ :‬فقال له غالم‪ :‬أتيتنا يف دارنا هبذا الرعيد الغريب الطريد‪ ،‬ليتسفه ضعفاءنا‬
‫بالباطل‪ ،‬ويدعوهم إليه؟‬
‫ف عنك ما تكره؟‬ ‫فقال له مصعب‪ :‬أو جتلس فتسمع‪ ،‬فإن رضيت أمراً قبلته‪ ،‬وإن كرهته ُك ّ‬

‫‪119‬‬
‫قال‪ :‬أنصفت‪ S،‬قال‪ :‬مث ركز حربته‪ ،‬وجلس إليهما‪ ،‬فكلمه مصعب‪ S‬باإلسالم‪ ،‬وقرأ عليه القرآن‪ ،‬قاال‬
‫فيما يذكر عنهما‪ :‬واهلل لعرفنا يف وجهه اإلسالم قبل أن يتكلم يف إشراقه وتسهله‪ ،‬مث قال‪ :‬ما أحسن‬
‫هذا وأمجله‪ ،‬كيف تصنعون إذا أردمت أن تدخلوا يف هذا الدين؟‬
‫قاال له‪ :‬تغتسل فتطهر وتطهر ثوبيك‪ ،‬مث تشهد شهادة احلق‪ ،‬مث تصلي‪ ،‬فقام فاغتسل‪ ،‬وطهر ثوبيه‪،‬‬
‫وتشهد شهادة احلق‪ ،‬مث قام فركع ركعتني‪ ،‬مث قال هلما‪ :‬إن ورائي رجالً إن اتبعكما مل يتخلف عنه‬
‫أحد من قومه‪ ،‬وسأرسله إليكما اآلن سعد بن معاذ‪.‬‬
‫مث أخذ حربته وانصرف إىل سعد وقومه‪ ،‬وهم جلوس يف ناديهم‪ ،‬فلما نظر إليه سعد ابن معاذ مقبالً‪،‬‬
‫قال‪ :‬أحلف باهلل لقد جاءكم أسيد بغري الوجه الذي ذهب به من عندكم‪ ،‬فلما وقف على النادي‬
‫قال له سعد‪ :‬ما فعلت؟ قال‪ :‬كلمت الرجلني‪ ،‬فواهلل ما رأيت هبما بأساً وقد هنيتهما فقاال‪ :‬نفعل ما‬
‫أحببت‪ ،‬وقد حدثت أن بين حارثة خرجوا إىل أسعد بن زرارة ليقتلوه‪ ،‬وذلك أهنم عرفوا أنه ابن‬
‫خالتك ليحقروك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فقام سعد بن معاذ مغضباً مبادراً خموفاً للذي ذكر له من بين حارثة‪ ،‬وأخذ احلربة يف يده‪ ،‬مث‬
‫قال‪ :‬واهلل ما أراك أغنيت شيئاً‪ ،‬مث خرج إليهما سعد‪ ،‬فلما رآمها مطمئنني‪ ،‬عرف أن أسيداً إمنا أراد‬
‫أن يسمع منهما‪ ،‬فوقف متشتماً‪ ،‬مث قال ألسعد بن زرارة‪ :‬واهلل يا أبا أمامة لوال ما بيين وبينك من‬
‫القرابة ما رمت "بلغت" هذا مين‪ ،‬أتغشانا يف دارنا مبا نكره؟‬
‫قال‪ :‬وقد قال أسعد ملصعب‪ S:‬جاءك واهلل سيد من ورائه قومه‪ ،‬إن يتبعك ال يتخلف عنك منهم‬
‫اثنان‪ ،‬قال‪ :‬فقال له مصعب‪ :‬أو تقعد فتسمع‪ ،‬فإن رضيت أمراً رغبت فيه قبلته‪ ،‬وإن كرهته عزلنا‬
‫عنك ما تكره؟‬
‫قال سعد‪ :‬أنصفت‪ S،‬مث ركز احلربة‪ ،‬وجلس فعرض عليه اإلسالم‪ ،‬وقرأ عليه القرآن‪.‬‬
‫وذكر موسى بن عقبة‪ :‬أنه قرأ عليه أول الزخرف‪ ،‬قال‪ :‬فعرفنا واهلل يف وجهه اإلسالم‪ ،‬قبل أن يتكلم‬
‫يف إشراقه وتسهله‪ ،‬مث قال هلما‪ :‬كيف تصنعون إذا أنتم أسلمتم‪ ،‬ودخلتم يف هذا الدين؟ قاال‪ :‬تغتسل‬
‫فتطهر‪ ،‬وتطهر ثوبيك‪ ،‬مث تشهد شهادة احلق‪ ،‬مث تصلي ركعتني‪ ،‬قال‪ :‬فقام فاغتسل‪ ،‬وطهر ثوبيه‪،‬‬
‫وشهد شهادة احلق‪ ،‬مث ركع ركعتني مث أخذ حربته‪ ،‬فأقبل عائداً إىل نادي قومه‪ ،‬ومعه أسيد بن‬
‫حضري‪.‬‬
‫فلما رآه قومه مقبالً قالوا‪ :‬حنلف باهلل لقد رجع إليكم سعد بغري الوجه الذي ذهب به من عندكم‪،‬‬
‫فلما وقف عليهم قال‪ :‬يا بين عبد األشهل كيف تعلمون أمري فيكم‪ ،‬قالوا‪ :‬سيدنا وأفضلنا رأياً‪،‬‬
‫وأميننا نقيبة‪ ،‬قال‪ :‬فإن كالم رجالكم ونسائكم علي حرام‪ ،‬حىت تؤمنوا باهلل ورسوله‪.‬‬
‫قال‪ :‬فواهلل ما أمسى يف دار بين عبد األشهل رجل وال إمرأة إال مسلماً أو مسلمة‪ ،‬ورجع سعد‬
‫ومصعب إىل منزل أسعد بن زرارة‪ ،‬فأقاما عنده يدعوان الناس إىل اإلسالم‪ ،‬حىت مل تبق دار من دور‬

‫‪120‬‬
‫األنصار‪ ،‬إال وفيها رجال ونساء مسلمون‪ ،‬إال ما كان من دار بين أمية بن زيد‪ ،‬وخطمة‪ ،‬ووائل‪،‬‬
‫وواقف‪ ،‬وتلك أوس وهم من األوس بن حارثة‪ ،‬وذلك أهنم كان فيهم أبو قيس بن األسلت وكان‬
‫شاعراً قائداً هلم‪ ،‬يستمعون منه ويطيعونه‪ ،‬فوقف هبم عن اإلسالم حىت كان بعد اخلندق(‪.)2‬‬
‫الدروس والعرب‪:‬‬
‫مصعب بن عمري منوذج للداعية املخلص الصادق الذي تفتقر إليه جمتمعاتنا اليت ملئت بدعاة فقراء من‬
‫كل مقومات الداعية الناجح‪ ،‬ومن حياته نستخلص بعض الدروس والعرب ويف مقدمتها‪:‬‬
‫‪ -1‬باإلخالص والتضحية تنتشر الدعوات‪:‬‬
‫إن إخالص الداعية وصدقه‪ ،‬وحبه لدعوته‪ ،‬وشغفه هبا‪ ،‬وتضحيته العزيزة الغالية يف سبيلها هلما من‬
‫أهم عوامل النجاح‪ ،‬وإقبال الناس على دعوته‪ ،‬وما أقبل الناس على اإلسالم يف صدره األول‪ ،‬ودخلوا‬
‫فيه أفواجاً؛ إال لتضحيات الصحابة والتابعني بكل غال ورخيص يف سبيل تبليغ دعوهتم‪.‬‬
‫وما انصرف الناس عن اإلسالم‪ ،‬وما ضعف ووهن يف قلوب معتنقيه؛ إال بإخالد دعاته إىل الراحة‬
‫والدعة‪ ،‬واإلقبال على الرتف الزائد‪ ،‬والنعيم املرتف‪ ،‬الذي أقعدهم عن حتمل الصعاب‪ ،‬وحال بينهم‬
‫وبني تكبد املشاق‪ ،‬وأفقدهم صدق كلماهتم عن اجلهاد والتضحية‪ ،‬فلم جتد آذاناً صاغية‪ ،‬وال قلوباً‬
‫واعية‪.‬‬
‫ولعل هذا هو السر يف إقبال الناس على كل داعية خملص يف عصرنا وكل عصر‪ ،‬وكيف ال وليس هلم‬
‫من زاد يف دعوهتم اليت ينطلقون هبا إال اإلخالص والوفاء‪ ،‬والصدق والتضحية الغالية اليت ال تقف‬
‫عند حد‪.‬‬
‫إن صدى الكلمات املخلصة الصادقة جيوب األرجاء‪ ،‬ويعم األحناء‪ ،‬حىت إنه ليصل إىل كل مكان‬
‫على سطح املعمورة قال تعاىل‪ (( :‬ويأىب اهلل إال أن يتم نوره ولو كره الكافرون ))(التوبة‪.)32:‬‬
‫‪ -2‬نبع القلب يفيض على القلوب‪:‬‬
‫إن الدعوة النابعة من القلب جتد طريقها إىل قلوب الناس ميسرة‪ ،‬وقد قال ابن عطاء‪" :‬كل كالم يربز‬
‫وعليه كسوة القلب الذي منه برز"‪.‬‬
‫إن هلذه اجلملة من حكم ابن عطاء لدالالت جيب أن يفطن هلا الدعاة إىل اهلل الذين يرشدون اخللق‬
‫إىل خالقهم‪ ،‬ويعرفوهنم على طريق اهلدى الذي جاءنا به الرسول ‪ ،-  -‬وليعلم هؤالء الدعاة أهنم‬
‫بقدر ما يتمكن اإلميان يف قلوهبم بقدر ما يكون تأثري حديثهم يف هداية الناس وإرشادهم‪ ،‬ولقد جاء‬
‫يف احلكم أيضاً‪" :‬تسبق أنوار احلكماء أقواهلم‪ ،‬فحيثما صار التنوير وصل التعبري"‪.‬‬
‫وعالمة الكالم الذي يسبقه التنوير تأثريه يف القلوب‪ ،‬وهتييجه األرواح‪ ،‬وتشويقه األسرار‪ ،‬فإذا مسعه‬
‫الغافل تنبه‪ ،‬وإذا مسعه العاصي انزجر‪ ،‬وإذا مسعه الطائع زاد نشاطه‪ ،‬وعظم شوقه‪ ،‬وإذا مسعه السائر‬
‫طوى عنه تعب سريه‪ ،‬وإذا مسعه الواصل متكن من حاله‪ ،‬فالكالم صفة املتكلم‪ ،‬فإذا كان املتكلم ذا‬

‫‪121‬‬
‫تنوير وقع يف قلوب السامعني‪ ،‬وإذا كان ذا تكدير فَ َح ُّد كالمه آذان املستمعني‪ ،‬فكل كالم يربز‬
‫وعليه كسوة القلب الذي منه برز‪ ،‬لذلك قال سيدنا علي ‪ -‬كرم اهلل وجهه ‪" :-‬من تكلم عرفناه من‬
‫ساعته‪ ،‬ومن مل يتكلم عرفناه من يومه"‪S.‬‬
‫‪ -3‬احللم والصفح‪:‬‬
‫على الداعية أن يقابل السيئة باإلحسان‪ ،‬وأن يكون متصفاً باحللم والصفح‪ ،‬وأن يعلم أن الطريق‬
‫لكسب القلوب املعادية للدعوة إمنا يكون باإلحسان إىل من أساء‪ُّ ،‬‬
‫وتذكر قول اهلل ‪ -‬تعاىل‪ -‬دائماً‪:‬‬
‫(( وال تستوي احلسنة وال السيئة ادفع باليت هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ويل محيم‬
‫))(فصلت‪.)34:‬‬
‫أال ترى إىل مصعب وقد جاءه أسيد‪ ،‬مث سعد‪ ،‬وكل منهما وقف عليه متشتماً‪ ،‬فما غضب وال ثار‬
‫وال تأثر‪ ،‬ولكنه رد عليهم الرد اجلميل‪ ،‬وهدأ من غضبهم‪ ،‬حىت أجلسهم لالستماع للحق الذي يغزو‬
‫القلوب‪ ،‬ويأسرها حني تتجرد‪ ،‬وتسمعه من قلب صادق متجرد‪ ،‬أال تسمع لقول أسعد ملصعب‪S:‬‬
‫"هذا سيد قومه وقد جاءك فاصدق اهلل فيه"؟‬
‫‪ -4‬إشراقة اإلميان تظهر يف الوجه‪:‬‬
‫اإلميان حني يتسرب إىل القلوب‪ ،‬وتتشربه األفئدة؛ تبدو آثاره منذ اللحظة األوىل على حميا صاحبه؛‬
‫أال تتأمل يف قوله‪" :‬واهلل لعرفنا يف وجهه اإلسالم قبل أن يتكلم يف إشراقه وتسهله"‪ S،‬وحني نظر سعد‬
‫بن معاذ إىل أسيد وقد أقبل يكسو نور اإلميان وجهه فقال سعد‪ " :‬أحلف باهلل لقد جاءكم أسيد بغري‬
‫الوجه الذي ذهب به من عندكم "‪.‬‬
‫وهذا األمر نفسه يتكرر مع سعد بن معاذ حني يؤمن‪ ،‬نعم شتان بني وجه مظلم بظلمة قلب صاحبه‬
‫لكفره أو الستغراقه يف املعاصي‪ ،‬ووجه مضيء منري بقلب صاحبه الذي ُمليء بنور اإلميان والطاعة‪،‬‬
‫فالوجه مرآة‪ S:‬إما أن تعكس نور القلب وسناه‪ ،‬وإما أن تعكس ظلمته وقسوته‪.‬‬
‫وما أمجل قول الشاعر‪:‬‬
‫سرها النظر‬ ‫يؤدي َّ‬
‫تريك أعينهم ما يف صدورهم إن العيون ّ‬
‫وقال احلكماء‪ :‬العينان أمنّ من اللسان‪ ،‬وقال بعض البلغاء‪ :‬الوجوه مرايا تريك أسرار الربايا (‪.)4‬‬
‫‪ -5‬أثر السيد يف قومه عظيم‪:‬‬
‫إن الرجل الذي يكون سيداً يف قومه تتطلع إليه األنظار‪ ،‬ويكون قدوة ملن خلفه من األتباع‪ ،‬ومن مث‬
‫تكون كلمته فيهم مسموعة‪ ،‬وأثره فيهم كبرياً‪ ،‬وهو إما أن يقودهم إىل احلق‪ ،‬ويرشدهم إىل اخلري‪ ،‬أو‬
‫حيول بينهم وبني اهلداية‪ ،‬فسعد بن معاذ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬حني يشرق اإلميان على فؤاده‪ ،‬وحيل نور‬
‫اإلسالم يف قلبه؛ يتوجه إىل قومه فما أمسى يف دار بين عبد األشهل رجل وال امرأة إال مسلماً‬
‫ومسلمة‪ ،‬بينما أبو قيس بن األسلت حيول بني قومه وبني نور اهلداية سنني‪ ،‬وهلل يف خلقه شؤون‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫إن هذا جيعل املسلم الداعية حيرص على أن يتوجه بدعوته أيضاً إىل كبار القوم‪ ،‬وال ييأس من أن‬
‫يهدي اهلل منهم رجالً واحداً فيهدي اهلل به خلقاً كثرياً‪ ،‬فيعظم األجر‪ ،‬ويعم النفع واخلري‪.‬‬
‫_______________________‬
‫(‪ )1‬فتح الباري ‪3925-260-7‬‬
‫(‪ )2‬سرية ابن هشام ‪58-2‬‬
‫(‪ )3‬إيقاظ اهلمم يف شرح احلكم ‪.321‬‬
‫(‪ )4‬أدب الدنيا والدين ‪.256-‬‬
‫املصدر ‪http://www.almujtamaa-mag.com/Detail.asp? :‬‬
‫‪InSectionID=78&InNewsItemID=38317‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪123‬‬
‫‪‬‬
‫سلمان بن فهد العودة‬
‫‪ 19/12/1423‬املوافق له‪03/03/2002 :‬‬
‫ألحد من البشر من األثر واخللود والعظمة ما كتب لصاحب النسب الشريف ‪.-  -‬‬ ‫مل يكتب ٍ‬
‫ولقد دونت يف سريته الكتب‪ ،‬ودجبت يف مدحيه القصائد‪ ،‬وعمرت بذكره اجملالس‪ ،‬وبقيت عظمته‬
‫قمة سامقة ال تطاهلا الظنون‪.‬‬
‫تقلبت به صروف احلياة من قوة وضعف‪ ،‬وغىن وفقر‪ ،‬وكثرة وقلة‪ ،‬ونصر وهزمية‪ ،‬وظعن وإقامة‪،‬‬
‫وجوع وشبع‪ ،‬وحزن وسرور‪ ،‬فكان قدوة يف ذلك كله‪ ،‬وحقق عبودية املوقف لربه كما ينبغي له‪.‬‬
‫تذمر وال ضجر‪ ،‬وجاءه أصحابه يشتكون‬ ‫ظل يف مكة ثالث عشرة سنة‪ ،‬وما آمن معه إال قليل؛ فما ّ‬
‫إليه ويسألونه الدعاء واالستنصار؛ فحلف على نصر الدين‪ ،‬ومتام األمر‪ ،‬وأنكر عليهم أهنم‬
‫يستعجلون‪ ،‬فكان األمر كما وعد علماً من أعالم نبوته‪ ،‬ونصراً ألمر اهلل ال لألشخاص‪.‬‬
‫وكان من نصره أن تأتيه وفود العرب من كل ناحية مبايعة على اإلسالم والطاعة‪ ،‬فما تغري وال تكرّب ‪،‬‬
‫وال انتصر لنفسه من قوم حاربوه وآذوه وعاندوا دينه‪.‬‬
‫كما كان يقول أبو سفيان بن احلارث‪:‬‬
‫لعمرك إين يوم أمحل راية لتغلب خيل الالت خيل ِ‬
‫حممد‬
‫لكاملدجل احلريان أظلم ليله فهذا أواين حني أهدى وأهتدي‬
‫هاد غري نفسي ودلين على اهلل من طردته كل مطرد‬ ‫هداين ٍ‬
‫وما محلت من ناقة فوق ظهرها أبر وأوىف ذمة من حممد‬
‫عدوه قبل صديقه أهنا النبوة‪،‬‬‫فاستل العداوات‪ ،‬وحما السخائم‪ ،‬وألّف القلوب‪ ،‬وأعاد اللُّحمة‪ ،‬وعرف ُّ‬
‫وأنه مل يكن صاحب طموح شخصي‪ ،‬وال باين جمد ذايت‪ ،‬وإن كان الطموح واجملد لبعض جنوده‪.‬‬
‫تعجب من عفويته وقلة تكلفه يف سائر أمره‪ ،‬واحتفاظ شخصيته هبدوئها وطبيعتها وتوازهنا مهما‬
‫تقلبت عليها األحوال‪ ،‬واختلفت عليها الطرائق‪.‬‬
‫قل إنسان إال وله طبعه اخلاص الذي يبني يف بعض احلال ويسترت يف بعض‪ ،‬ويرتتب عليه اسرتواح‬
‫لقوم دون آخرين‪ ،‬وحيكم العديد من مواقفه وتصرفاته حاشاه ‪.-  -‬‬
‫فهو يُ ْقبِل بوجهه على كل جليس‪ ،‬وخياطب كل قوم بلغتهم‪ ،‬وحيدثهم مبا يعرفون‪ ،‬ويعاملهم بغاية‬
‫اللطف والرمحة واإلشفاق‪ ،‬إال أن يكونوا حماربني محلوا السالح يف وجه احلق‪ ،‬وأجلبوا إلطفاء نوره‬
‫وحجب ضيائه‪.‬‬
‫كل طعام تيسر من احلالل فهو طعامه‪ ،‬وكل فراش أتيح فهو وطاؤه‪ ،‬وكل فرد أقبل فهو جليسه‪.‬‬

‫‪124‬‬
‫ما تكلف مفقوداً‪ ،‬وال رد موجوداً‪ ،‬وال عاب طعاماً‪ ،‬وال جتنب شيئاً قط لطيبه‪ ،‬ال طعاماً وال شراباً‬
‫وال فراشاً وال كساءً‪ ،‬بل كان حيب الطيب ولكن ال يتكلفه‪.‬‬
‫سريته صفحة مكشوفة يعرفها حمبوه وشانئوه‪ ،‬ولقد نقل لنا الرواة دقيق وصف بدنه‪ ،‬وقسمات‬
‫وجهه‪ ،‬وصفة شعره‪ ،‬وكم شيبة يف رأسه وحليته‪ ،‬وطريقة حديثه‪ ،‬وحركة يده‪ ،‬كما نقلوا تفصيل‬
‫شأنه يف مأكله ومشربه‪ ،‬ومركبه وسفره‪ ،‬وإقامته وعبادته‪ ،‬ورضاه وغضبه‪ ،‬حىت دخلوا يف ذكر حاله‬
‫مع أزواجه أمهات املؤمنني يف املعاشرة والغسل‪ ،‬والقسم والنفقة‪ ،‬واملداعبة واملغاضبة‪ ،‬واجلد واملزاح‪،‬‬
‫وفصلوا يف خصوصيات احلياة وضروراهتا‪.‬‬
‫ولعمر اهلل إن القارئ لسريته اليوم ليعرف من تفصيل أمره ما ال يعرفه الناس عن متبوعيهم من‬
‫األحياء‪ ،‬وما ال يعرفه الصديق عن صديقه‪ ،‬وال الزوج عن زوجه‪ ،‬وال كان أهل الكتاب يعرفونه‬
‫شيئاً يقاربه أو يدانيه عن أنبيائهم وهم أحياء؛ وذلك لتكون سريته موضع القدوة واألسوة يف كل‬
‫األحوال‪ ،‬ولكل الناس‪.‬‬
‫فالرئيس واملدير‪ ،‬والعامل والتاجر‪ ،‬والزوج واألب واملعلم‪ ،‬والغين والفقري؛ كلهم جيدون يف سريته‬
‫اهلداية التامة على تنوع أحواهلم‪ ،‬وتفاوت طرائقهم‪.‬‬
‫والفرد الواحد ال خيرج عن حمل القدوة به ‪ -  -‬مهما تقلبت به احلال‪ ،‬ومهما ركب من األطوار‪،‬‬
‫فهو القدوة واألسوة يف ذلك كله‪.‬‬
‫وإنك لتقرأ سرية علم من األعالم فتندهش من جوانب العظمة يف شخصيته‪ ،‬فإذا تأملت صالحيتها‬
‫لألسوة علمت أهنا تصلح هلذا العلم يف صفته وطبعه وتكوينه‪ ،‬ولكنها قد ال تصلح لغريه‪ ،‬ولقد يرى‬
‫اإلنسان يف أحوال السالفني من اجللد على العبادة‪ ،‬أو على العلم‪ ،‬أو على الزهد ما يشعر أنه أبعد ما‬
‫يكون عن حتقيقه حىت يقول لنفسه‪:‬‬
‫ِ‬
‫كاملقعد‬ ‫ال تعرضن لذكرنا مع ذكرهم ليس الصحيح إذا مشى‬
‫فإذا قرأ سرية رسول اهلل ‪ -  -‬أحس بقرب التناول‪ ،‬وسهولة املأخذ‪ ،‬وواقعية االتباع‪ ،‬حىت لقد‬
‫وقع من بعض أصحابه ما وقع فقال هلم‪ ( :‬أنا أخشاكم هلل‪ ،‬وأتقاكم له‪ ،‬وأعلمكم مبا أتقي)‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫الدين أح ٌد إال غلبه‪،‬‬
‫يشاد َ‬‫( اكلفوا من العمل ما تطيقون )‪ ،‬وقال‪ ( :‬إن هذا الدين يسر‪ ،‬ولن َّ‬
‫القصد تبلغوا )‪.‬‬
‫َ‬ ‫والقصد‬
‫َ‬ ‫فسددوا وقاربوا وأبشروا‪ ،‬واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدجلة‪،‬‬
‫وهلذا كان خري ما يرىب عليه السالكون مدارسة سريته وهديه‪ ،‬وتقليب النظر فيها‪ ،‬وإدمان مطالعتها‪،‬‬
‫واستحضار معناها وسرها‪ ،‬وأخذها بكليتها دون اجتزاء أو اعتساف‪.‬‬
‫إن اهلل ‪ -‬عز وتعاىل ‪ -‬مل جيعل ألحد وراء رسول اهلل ‪ -  -‬هذا املنصب الشريف‪ :‬منصب القدوة‬
‫واألسوة؛ ألنه مجع هدى السابقني الذين أمر أن يقتدي هبم (( فبهداهم اقتده )) إىل ما خصه اهلل ‪-‬‬

‫‪125‬‬
‫تعاىل‪ -‬وخرَّي ه به من صفات الكمال ونعوت اجلمال‪ ،‬وهلذا قال ‪ -‬سبحانه ‪ (( :-‬لقد كان لكم يف‬
‫رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثرياً ))‪.‬‬
‫إن حياته ‪ -  -‬وحياة خلفائه الراشدين هي املذكرة التفسريية‪ ،‬والرتمجة العلمية؛ لنصوص‬
‫الشريعة‪،‬‬
‫ومن اخلري أن تظل هذه السرية بواقعيتها وصدقها حمفوظة من تزيد الرواة‪ ،‬ومبالغات النقلة اليت رمبا‬
‫حولتها إىل ملحمة أسطورية تعتمد على اخلوارق واملعجزات‪ ،‬وهبذا يتخفف الناس من مقاربتها‬
‫هز الرؤوس‪ ،‬وسكب الدموع‪ ،‬وقشعريرة البدن‪.‬‬ ‫واتباعها ليكتفوا بقراءهتا مع ِّ‬
‫إن اآليات اليت تأيت مع األنبياء حق‪ ،‬لكنها االستثناء الذي يؤكد القاعدة‪ ،‬والقاعدة هي اجلريان مع‬
‫السنن الكونية كما هي‪ .‬وكثريون من املسلمني ‪ -‬ورمبا من خاصتهم ‪ -‬يستهويهم التأسي باألحوال‬
‫العملية الظاهرة يف السلوك والعبادة وغريها‪ ،‬فيقتدون به ‪ -  -‬يف صالته ( صلوا كما رأيتموين‬
‫وحجه ( خذوا عين مناسككم )‪ ،‬وسنن اللباس والدخول واخلروج؛ وهذا جزء من االتباع‬ ‫أصلي )‪ّ ،‬‬
‫املشروع بيد أنه ليس كله‪ ،‬وال أهم ما فيه‪ ،‬فإن اتباع اهلدي النبوي يف املعاملة مع اهلل ‪ -‬تعاىل‪،-‬‬
‫والتجرد واإلخالص‪ ،‬ومراقبة النفس‪ ،‬وحتقيق املعاين املشروعة من احلب واخلوف والرجاء أوىل‬
‫بالعناية‪ ،‬وأحق بالرعاية‪ ،‬وإن كان ميدان التنافس يف هذا ضعيفاً؛ ألن الناس يتنافسون ‪ -‬عادة ‪ -‬فيما‬
‫يكون مكسبة للحمد والثناء من األمور الظاهرة اليت يراها الناس‪ ،‬وال جيدون الشيء ذاته يف األمور‬
‫اخلفية اليت ال يطلع عليها إال اهلل‪ ،‬ورمبا حترى امرؤ صفة نبوية يف عبادة أو عمل واعتىن هبا‪ ،‬وتكلف‬
‫متثلها فوق املشروع؛ دون أن يكلف نفسه عناء التأمل يف سر هذه الصفة‪ ،‬وحكمتها وأثرها يف‬
‫النفس‪ .‬وهذه املسائل حىت التعبدية منها؛ ما شرعت إال ملنافع الناس ومصاحلهم العاجلة واآلجلة‪،‬‬
‫وليست قيمتها يف ذاهتا فحسب بل يف األثر الذي ينتج عنها فرياه صاحبه ويراه اآلخرون‪.‬‬
‫وإنه خلليق بكل مسلم أن جيعل له ورداً من سرية املصطفى ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬إن كان ناشئاً فمثل‬
‫( بطل األبطال ) لعزام‪ ،‬وإن كان شاباً فمثل ( الشمائل احملمدية ) البن كثري أو الرتمذي‪S،‬‬
‫و( الفصول ) البن كثري أو ( خمتصر السرية ) أو ( الرحيق املختوم ) أو ( هتذيب سرية ابن هشام )‪،‬‬
‫وإن كان شيخاً فمثل ( سرية ابن هشام ) أو ( ابن كثري )‪ ،‬وإن كان متضلعاً باملطوالت فمثل ( سبل‬
‫اهلدى والرشاد ) وكتاب ( نضرة النعيم )‪ .‬رزقنا اهلل حب نبيه‪ ،‬وحسن اتباعه ظاهراً وباطناً‪،‬‬
‫وحشرنا يف زمرته مع الذين أنعم عليهم من النبيني والصديقني والشهداء والصاحلني وحسن أولئك‬
‫رفيقاً‪.‬‬
‫?‪http://www.islamtoday.net/articles/show_articles_content.cfm‬‬
‫‪artid=635&catid=38‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪126‬‬
‫حتى تكون القدوة صالحة ال ب ّد من‪...‬‬
‫صفات القدوة الصاحلة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اقرتان القول والعمل‪:‬‬
‫فالقدوة الصاحلة تقول خرياً وتعمل خرياً‪ ،‬فال جتد تناقضاً بني منطقها وسلوكها‪ ،‬ولذلك كان األنبياء‬
‫‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬واألولياء قدوات صاحلة ألنّك جتد انسجاماً واضحاً بني ما يقولون وبني ما‬
‫جيسدون من تلك األقوال‪ ،‬وهذا ما دعا القرآن الكرمي إىل اعتبار التناقض أمراً ممقوتاً عند اهلل‪(( :‬يا‬ ‫ّ‬
‫مِل‬
‫أيُّها الذين آمنوا َ تقولون ما ال تفعلون * كرُب مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون ))‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حيازة مؤهالت وصفات مؤثرة‪:‬‬
‫شخص قدوة لغريه ال ب ّد أن ميتاز عليه بسمة أو مسات عديدة يفتقدها املقتدي أو‬ ‫ٌ‬ ‫فلكي يكون‬
‫بعضها‪ ،‬فيسعى للسري على منوال القدوة من أجل اكتساب مثل ما لديه من مؤهالت وصفات‬
‫محيدة‪.‬‬
‫وكلّما كانت القدوة حائزة على مؤهالت أكرب كانت ّقوة الدفع أكرب‪ ،‬ولذا يُنصح الشبان والفتيات‬
‫بعدم حصر قدواهتم يف النماذج احملدودة‪ ،‬وإمّن ا االنطالق حنو القمم‪ ،‬ولذلك قال الشاعر‪:‬‬
‫أبد ال ّده ِر َ‬
‫بني احلفر‬ ‫صعود اجلبال يعش َ‬
‫َ‬ ‫وم ْن يتهيّب‬
‫َ‬
‫‪ 3‬ـ الثبات على املبادئ‪:‬‬
‫القدوة الصاحلة ليست قدوة مومسية تؤثر لبعض الوقت‪ ،‬أو يف أماكن حم ّددة‪ ،‬إمّن ا هي ذات تأثري‬
‫وجاذبية أينما حلّت وارحتلت ((وجعلين مباركاً أينما كنت ))‪ S،‬فالثبات يعطي االنطباع عن الصدق‬
‫والصرب‪ ،‬والتحدي واإلميان العميق باملبادئ اليت حيملها القدوة‪ ،‬بعكس التذبذب أو الرتدد‪ ،‬أو الرتاجع‬
‫أو التساقط‪.‬‬
‫إ ّن اإلنسان الشاب أو الفتاة قد ينهار حتت الضغوطات لكنّه إذا تذ ّكر الثابتني الصامدين‪ ،‬املقاومني يف‬
‫عناد؛ خجل من نفسه‪ ،‬واتّكأ على جراحه‪ ،‬وواصل املسري‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ العمل على السجيّة وعدم التكلّف‪:‬‬
‫تتصرف بوحي من ثقتها بنفسها وإمياهنا‪ ،‬وعلى سجيّتها دومنا تصنّع وال تكلّف‬ ‫كلّما كانت القدوة ّ‬
‫وال متثيل؛ ش ّد ذلك األنظار إليها‪ ،‬فالقول احلسن لدى القدوة يطفح كما املاء من الينبوع بعفوية‬
‫وتلقائية‪ ،‬والفعل احلسن يصدر عنها كما يصدر الشعاع عن الشمس‪ ،‬والعطر من الوردة ذاهتا‪.‬‬
‫إ ّن الوردة لو أرادت أن تتعطّر بعطر غري عطرها فلرمّب ا فاح ذلك العطر مؤقتاً لكنّه ال ميثل أنفاس‬
‫الوردة العاطرة‪ ،‬وإمّن ا هو شيء طارئ ودخيل عليها‪ ،‬وكذلك القدوة ففعلها وقوهلا ليس طارئاً وإمّن ا‬
‫هو من مشائلها‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫يتصرف بنقاء‬ ‫والنفس اإلنسانية ميّالة بطبعها إىل اإلنسان الصادق مع نفسه ومع اآلخرين‪ ،‬والذي ّ‬
‫شبيه بنقاء املاء والشعاع والعطر‪ ،‬وهذا هو السبب الذي جيعل بعض الناس يؤثر فيك من غري أن‬
‫يتكلّم معك‪ S،‬فسلوكه وحده قدوة‪ ،‬وهو نفسه الذي جيعل بعض الصاحلني يقول‪« :‬كونوا دعا ًة للناس‬
‫بغري ألسنتكم‪ ،‬حىت يروا منكم الصدق والصالح والورع‪ ،‬فذلك داعية»‪ ،‬وقد ثبت تربوياً أ ّن (الرتبية‬
‫غري املباشرة) العملية أكثر تأثرياً من (الرتبية غري املباشرة) القولية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ آمرة مؤمترة‪ S،‬ناهية منتهية‪:‬‬
‫وهذا هو التطابق بني اإلميان وبني العمل‪ ،‬فحىت تؤيت القدوة تأثريها ال ب ّد أن تعمل مبا تأمر به‪ ،‬حىت‬
‫عما تنهى عنه من‬ ‫إذا رأى املؤمترون فعلها مبا تأمر ص ّدقوها‪ ،‬وأخذوا بأوامرها‪ ،‬كما ال ب ّد أن تنتهي ّ‬
‫شر أو منكر‪ ،‬أو سوء أو خبث أو بذاءة‪ ،‬فإذا مل يلحظ املنتهون ذلك‪ ،‬أو رأوا عكسه وخبالفه؛‬
‫عابوها وانتقصوا من قدرها‪ ،‬وسخروا منها‪ ،‬ويف ذلك يقول الشاعر‪:‬‬
‫عظيم‬
‫فعلت ُ‬ ‫عار عليك إذا َ‬ ‫ال تنهَ عن خلق وتأيت مثله ٌ‬
‫ولو راجعت قصص القدوات الصاحلة لرأيت هذا الشرط واضحاً يف سلوكهم‪ ،‬فقد كانوا ال يأمرون‬
‫بشيء حىت يسبقوا الناس إىل العمل به‪ ،‬وال ينهون عن شيء إالّ ويسبقون الناس أيضاً باالمتناع عنه‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تعرتف باخلطأ وتسعى لتصحيحه‪:‬‬
‫يتطرق اخلطأ إىل أقواهلا وأفعاهلا‪ ،‬كما هم األنبياء ‪ -‬عليهم السالم‬ ‫القدوة قدوتان‪ :‬قدوة معصومة ال ّ‬
‫‪ -‬الذين يشبههم البعض بالشموس الساطعة اليت كلّها نور‪ ،‬وأل ّن املراد منها أن تنري عقول الناس‬
‫يصح أن يكون هناك شيء من الظلمة ولو قليالً‪.‬‬ ‫وقلوهبم وحياهتم‪ ،‬فال ّ‬
‫وهناك قدوة غري معصومة‪ S،‬قد يصدر عنها اخلطأ لكنّها تسارع إىل معاجلته وتفاديه‪ ،‬واالعرتاف به‪،‬‬
‫وعدم اإلصرار عليه‪ ،‬أو تكراره مستقبالً‪ ،‬وبذلك تكون قدوة حىت يف صراحتها وشفافيتها‪ ،‬ويف‬
‫سعيها إىل تصحيح ما تقع به من أخطاء‪.‬‬
‫لكن ميزهتم عن سواهم أن سواهم تأخذه‬ ‫إ ّن املتقني ‪ -‬وهم قدوات صاحلة ‪ -‬يقعون يف اخلطأ أحياناً‪ّ ،‬‬
‫العزة باإلمث فيكابر وحياور ويناور لئالّ يقال عنه أ نّه أخطأ‪ ،‬فيما يؤوب املتقي إىل ربّه‪ ،‬ويثوب سريعاً‬ ‫ّ‬
‫مسهم طائف من الشيطان تذ ّكروا فإذا هم مبصرون ))‪S.‬‬ ‫إىل رشده (( إ ّن الذين اتّقوا إذا ّ‬
‫و"طائف الشيطان" هو اخلواطر اخلبيثة والشريرة اليت ختطر على بال اإلنسان‪ ،‬لكنّه مبا أويت من قدرة‬
‫إميانية تصحيحية يعمل على طرد تلك الوساوس والتسويالت واخلواطر‪ ،‬ليعود إىل سابق عهده‬
‫ونقائه‪ ،‬كالنهر تتساقط بعض الشوائب لتلوثه لكنّه سرعان ما يعود إىل صفائه من جديد‪.‬‬
‫بتصرف يسري عن ‪http://www.balagh.com/youth/3k0rb8jq.htm :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪128‬‬
‫المربية القدوة‬
‫خولة درويش‬
‫أكد املربون على أمهية مرحلة الطفولة بقوهلم‪" :‬إن الطفولة صانعة املستقبل"‪.‬‬
‫وقد سبقهم اإلسالم إىل تقرير هذا املبدأ الرتبوي‪ ،‬فقد قال رسول اهلل ‪( :-  -‬كل مولود على‬
‫الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه)‪.‬‬
‫هلذا كان واجبنا مجيعاً أن نوفر ألطفالنا كل ما يؤهلهم حلياهتم املقبلة‪ ،‬فنعمل جاهدات على إحياء‬
‫قلوهبم مبحبة اهلل‪ ،‬وإيقاظ عقوهلم ومداركهم‪ ،‬ومترين حواسهم‪ ،‬كما نرعى منو أجسادهم‪.‬‬
‫وباختصار‪ ..‬نربيهم على طريقة اإلسالم اليت تعاجل الكائن البشري كله معاجلة شاملة ال ترتك منه‬
‫شيئاً‪ ،‬وال تغفل عن شيء‪ ،‬جسمه وعقله وروحه‪.‬‬
‫فال تستهيين ‪ -‬أخيت املربية ‪ -‬مبهمتك فأنت تربني رجال املستقبل الذين سريفعون من شأن األمة‪،‬‬
‫ويبنون هلا جمدها ‪ -‬بإذن اهلل ‪ ،-‬وأنت يف عملك هذا يف عبادة تؤجرين عليها ‪ -‬إن شاء اهلل ‪ -‬إن‬
‫أحسنت القصد‪ ،‬وما تربية األجيال إال إعدادهم حلمل رسالة األمة‪ ،‬ونشر عقيدهتا‪.‬‬
‫إنك تعدين النساء الفاضالت الاليت يتمثلن مبادئ اإلسالم‪ ،‬ويعملن هبا بعزة وفخار‪ ،‬ويضحني‬
‫برغباهتن يف سبيل اهلل‪ ،‬وملا كان للمربية األثر الكبري يف الناشئة‪ ،‬حيث إهنا املثل األعلى الذي جيتذب‬
‫األطفال؛ فيقلدوهنا‪ ،‬وتنطبع أقواهلا وأفعاهلا يف أذهاهنم؛ لذا فالبد للمربية املسلمة أن تراقب اهلل ‪-‬‬
‫تعاىل‪ -‬يف حركاهتا وسكناهتا‪ ،‬وتتعاهد نفسها بالتقوى‪ ،‬وحتاول أن تصعد إىل القمة السامقة يف‬
‫متسكها بكل ما يدعو إليه دينها‪ ،‬وتأخذ بيد غريها إىل اخلري الذي تسعى إليه‪ ،‬فذلك من صميم ما‬
‫يدعو إليه ديننا‪.‬‬
‫إهنا قدوة ألطفالنا فال يناقض قوهلا عملها‪ ،‬إن دعتهم ملبدأ فهي أحرص الناس على القيام به؛ ألهنا‬
‫ند اللَّ ِه َأن َت ُقولُوا َما ال َت ْف َعلُو َن ))[الصف‪.]3:‬‬
‫املسلمة اليت تقرأ قوله تعاىل‪َ (( :‬كُبَر َم ْقتًا ِع َ‬
‫وإذا دعت إىل االلتزام باآلداب اإلسالمية فال هتملها أو تغفلها‪:‬‬
‫‪ -‬فهي تلتزم بتحية اإلسالم‪ ،‬وترد على أطفاهلا حتيتهم بأحسن منها‪.‬‬
‫‪ -‬تلزم نفسها بآداب الطعام والشراب‪ ،‬وتعلمها أطفاهلا‪ ،‬وتذكرهم هبا‪.‬‬
‫‪ -‬تدعوهم إىل شكر صاحب املعروف‪ ،‬وهي أحرص الناس على تطبيق املبدأ حىت يف معاملتها‬
‫ألطفاهلا‪.‬‬
‫‪ -‬تعاملهم بأدب واحرتام؛ ليستطيعوا احرتام غريهم يف املستقبل اقتداء بسلوك مربيتهم‪.‬‬
‫‪ -‬تبتعد عن الظلم‪ ،‬وتسعى جاهدة إلشاعة العدل بني أطفاهلا قال ‪ ( :-  -‬اتقوا اهلل واعدلوا يف‬
‫أوالدكم )‪ ،‬وقد كان سلفنا الصاحل يستحبون التسوية بني األطفال حىت يف ال ُقبَل‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ -‬تعاملهم بالرمحة والرفق؛ ليكونوا يف املستقبل متكافلني متعاطفني كاجلسد إذا اشتكى منه عضو‬
‫تداعى له سائر اجلسد بالسهر واحلمى‪ ،‬وعلى قدر ما تعطي األطفال من التشجيع والثقة بالنفس‬
‫والعاطفة الصادقة تستطيع النهوض هبم‪.‬‬
‫‪ -‬ال تتلفظ بكلمة نابية حتاسب عليها‪ ،‬وال تتكلم بكلمة جارحة قد تبقى عالقة يف عقل الطفل وقلبه‪،‬‬
‫وقد ال تزيلها األيام واألعوام‪.‬‬
‫‪ -‬تضبط نفسها ما أمكن‪ ،‬فكما يسوؤها أن تسمع األطفال يتلفظون الكلمات اليت ال تليق كذلك‬
‫جيب أن متسك لساهنا وحتبسه عن قول ما ال ينبغي وما ال حتب أن يقلدها فيه صغارها‪.‬‬
‫‪ -‬إهنا تلتزم مبا تدعو إليه؛ ألهنا تسمع قول الرسول ‪ -  -‬يف الذي يقول وال يفعل‪ S..( :‬وجياء‬
‫بالرجل يوم القيامة فيلقى يف النار فتندلق أقتابه فيدور هبا كما يدور احلمار برحاه‪ ،‬فيجتمع أهل النار‬
‫عليه‪ ،‬فيقولون‪ :‬فالن ما شأنك؟ ألست كنت تأمر باملعروف وتنهي عق املنكر؟ فيقول‪ :‬كنت آمركم‬
‫باملعروف وال آتيه‪ ،‬وأهناكم عن الشر وآتيه)(رواه البخاري ومسلم)‪.‬‬
‫إننا إذ نريد أجياالً ختلص نفسها هلل‪ ،‬وتعمل جاهدة لرضاه؛ فيجب أن نكون هلا القدوة الصادقة يف‬
‫ذلك بعملنا املخلص الدؤوب‪ ،‬وبعد ذلك فإن شفافية األطفال سرعان ما تلتقط الصورة وتنفذها‬
‫بالقدوة الطيبة اليت تعرف قيمة الوقت‪ ،‬وال تضيعه‪ S،‬والذي طاملا ملسوه من مربيتهم‪.‬‬
‫مث تركز املربية يف توجيهها على ما حيبه اهلل ويرضاه‪ ،‬إن ذلك هو اهلدف احلقيقي من الرتبية‪ ،‬فال‬
‫يصح أن تركز على املصلحة أثناء حثهم على العمل؛ ذلك ألن التعلق باملصاحل الذاتية خيرج أجياالً‬
‫أنانية بعيدة عن حتمل املسؤولية‪ ،‬ومحل الرسالة بأمانة‪.‬‬
‫وال مانع أثناء توجيهها من اإلشارة إىل فوائد هذا العمل الذي تدعو له‪ ،‬لكن الرتكيز الفعلي يركز‬
‫على مرضاة اهلل ‪ -‬تعاىل‪،-‬‬
‫فاملربية الناجحة ال هتمل التشجيع‪ ،‬لكن التشجيع الذي ال يفسد عليها هدفها‪ ،‬حبيث ال يكون‬
‫التشجيع املادي هو األساس‪ ،‬وإمنا تثين عليهم‪ ،‬وتغرس الثقة يف نفوسهم‪ ،‬وحتفزهم إىل كل عمل‬
‫طيب‪.‬‬
‫‪ -‬إهنا املربية القدوة يف حسن مظهرها‪ :‬تعتين به؛ لتظهر دائماً مبظهر جذاب يسر الطفل‪ ،‬على أن ال‬
‫يكون يف ذلك سرف ومبالغة‪.‬‬
‫وهذا األمر الذي تدعو له الرتبية املعاصرة قد سبق إليه اإلسالم؛ فقد دعا الرسول الكرمي ‪ -  -‬إىل‬
‫حسن املظهر بقوله‪( :‬كلوا واشربوا‪ ،‬وتصدقوا والبسوا؛ يف غري إسراف وال خميلة)‪ ،‬والتوسط يف‬
‫امللبس كما بني ابن عمر ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬هو‪" :‬ما ال يزدريك به السفهاء‪ ،‬وال يعتبك عليه‬
‫احللماء"‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫‪ -‬إن املربية القدوة يف حسن إعدادها لألجيال‪ :‬تعمل على تربية الطفل على طرائق التفكري املنظم‪،‬‬
‫يالحظ الظاهرة فيدرسها بالطريقة العلمية السليمة ليصل إىل النتائج‪ ،‬وهي طريقة اإلسالم الذي ميتدح‬
‫العقل والنظر والفكر‪.‬‬
‫تعوده على التفكري املنطقي السليم بكوهنا قدوة خرية يف ذلك‪ ،‬تبتعد عن أحاديث اخلرافة‪ ،‬تثري تفكريه‬
‫وتربط األسباب مبسبباهتا‪.‬‬
‫وأخرياً‪ :‬البد من صدق النية‪ ،‬وسالمة الطريقة‪ ،‬خنلص هلل يف نياتنا‪ ،‬ونلتمس الصواب يف أعمالنا‪،‬‬
‫فالغاية اليت نسعى إليها تستحق أن يبذل يف سعيها كل جهد‪ ،‬إنه عمل يبقى ملا بعد املوت‪ ،‬فلنتق اهلل‬
‫يف األمانة اليت بني أيدينا‪ ،‬وما علينا إال أن نسأل أنفسنا قبل أي تصرف‪ :‬ما أثر ذلك على سلوك‬
‫الطفل يف املستقبل؟ فإن كان أثره إجيابياً يتناسب مع مبادئ اإلسالم وغايته فلنقدم‪ ،‬وإال فلنراقب اهلل‬
‫‪ -‬تعاىل‪ -‬ومنتنع عنه‪.‬‬
‫ولتكن كل واحدة منا مربية قدوة يف التزامها الشرعي لواجباهتا الدينية‪:‬‬
‫‪ -‬قدوة يف كالمها العفيف‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف عدهلا ورمحتها‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف إتقان علمها‪ ،‬وتقدير قيمة وقتها‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف التفكري املنطقي السليم‪ ،‬والبعد عن اخلرافة‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف البعد عن االزدواجية والتناقض بني القول والعمل‪.‬‬
‫ولعل حاجة املسلمني تكمن يف تربية جادة عقدية لألجيال الناشئة‪ ،‬شباب املستقبل الذي خيطط له‬
‫الطريق ليسري على هنج السلف‪ ،‬سلف هذه األمة الذين رفعوا لواء اإلميان واألخالق بالدعوة إىل اهلل‪،‬‬
‫واجلهاد يف سبيله؛ فكانت هلم العزة يف الدنيا‪ ،‬والفالح يف اآلخرة‪ ،‬وأرجو أال يكون ذلك عنا ببعيد!‬
‫املصدر ‪http://www.dawahwin.com/article.php?sid=568 :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪131‬‬
‫القدوة وأثرها في الدعوة النسائية‬
‫أمهيتها ـ مقوماهتا ـ ميادينها‬
‫أمساء بنت راشد الرويشد‬
‫ِ ِئ‬
‫صَبُروا َو َكانُوا‬ ‫رب العاملني القائل يف كتابه املبني‪َ (( :‬و َج َع ْلنَا مْن ُه ْم َأ َّمةً َي ْه ُدو َن بِ َْأم ِرنَا لَ َّما َ‬ ‫احلمد هلل ّ‬
‫بِآيَاتِنَا يُوقِنُو َن ))‪.‬‬
‫ول اللَّ ِه‬‫والصالة والسالم على النيب األمني الذي جعله اهلل قدوة للمؤمنني‪ (( :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم يِف رس ِ‬
‫ْ َُ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِرياً )) ‪ ‬وعلى آله وأصحابه أئمة‬ ‫ْ‬
‫اهلدى‪ ،‬ومصابيح الدجى‪ ،‬وعلى كل من اتبع آثارهم واقتفى‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫تشتد حاجة املسلمني اليوم إىل مثل أعلى يقتدون به‪ ،‬ويقتفون أثره‪ ،‬وحيذون حذوه؛ وذلك بسبب‬
‫ضعف فهم الناس للدين‪ ،‬وقلة تطبيقهم هلم‪ ،‬ولغلبة األهواء‪ ،‬وإيثار املصاحل العاجلة‪ ،‬مع قلة العلماء‬
‫العاملني‪ ،‬والدعاة الصادقني‪ ،‬فنحن يف هذه املرحلة من الزمن؛ وقد بدت آثار الصحوة احلقة تبهت يف‬
‫جمتمعنا املسلم‪ ،‬قد تضاعفت حاجة املسلمني يف خمتلف أوساطهم وطبقاهتم إىل قدوات وريادات‬
‫تكون أمنوذجاً واقعياً‪ ،‬ومثاالً حياً؛ يرون الناس فيهم معاين الدين الصحيح علماً وعمالً‪ ،‬قوالً وفعالً‪،‬‬
‫ألن التأثري باألفعال واألحوال أبلغ وأش ّد من التأثري بالكالم وحده‪،‬‬ ‫فيقبلون عليهم‪ ،‬وينجذبون إليهم؛ َّ‬
‫وقد قيل‪ :‬شاهد احلال أقوى من شاهد املقال‪.‬‬
‫جل وعال ‪ -‬جعل نبيه ‪ -  -‬أسوة ملن بعده‪ (( :‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف‬ ‫أن اهلل ‪َّ -‬‬ ‫ويشهد ألمهية ذلك َّ‬
‫ول اللَّ ِه ُأسوةٌ حسنةٌ‪ ،)) ..‬كما أمره أن يقتدي مبن سبق من األنبياء‪ُ (( :‬أولَِئ َّ ِ‬ ‫رس ِ‬
‫ين َه َدى اللّهُ‬ ‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ ََ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني ))(األنعام ‪.)90/‬‬ ‫َأجراً ِإ ْن ُه َو ِإالَّ ذ ْكَرى ل ْل َعالَم َ‬ ‫فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَد ْه قُل الَّ ْ‬
‫َأسَألُ ُك ْم َعلَْيه ْ‬
‫ورأس األمر يف القدوة واألسوة احلسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا‪ ،‬يقول عبدالواحد بن زياد‪:‬‬
‫"ما بلغ احلسن البصري إىل ما بلغ إال لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه‪ ،‬وإذا هناهم عن‬
‫شيء يكون أبعدهم عنه"‪ S،‬وملا نبذ رسول اهلل ‪ -  -‬خامته وقال‪( :‬إين اختذت خامتاً من ذهب)‬
‫أن الفعل أبلغ من القول‪.‬‬ ‫فدل ذلك على َّ‬ ‫فنبذه وقال‪( :‬إين لن ألبسه أبداً) فنبذ الناس خوامتهم َّ‬
‫وحنن ‪ -‬كما أسلفت ‪ -‬يف هذه الفرتة العصيبة اليت متر على األمة من الضعف واهلزمية حنتاج أن حنقق‬
‫يف أنفسنا أمنوذج التطبيق الصحيح هلذا الدين؛ لكي حيقق اهلل لنا النصر والتمكني‪ ،‬ونسد على‬
‫املرتبصني أعداء الذين منافذ تسلطهم وسطوهتم باسم اإلصالح‪ ،‬وحفظ احلقوق‪ ،‬فهذا خليل اهلل‬
‫إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ملا جعله اهلل إماماً للناس يقتدى به قال‪(( :‬ومن ذرييت)) أخربه اهلل ‪ -‬تعاىل‪-‬‬
‫أن فيهم عاص وظامل ال يستحق اإلمامة‪ ،‬فقال‪(( :‬ال ينال عهدي الظاملني))‪ S،‬فإذا أردنا أن حيفظ اهلل‬ ‫َّ‬
‫ونرد كيد أعدائنا؛ فلنقم هذا الدين علماً وعمالً ومنهجاً حلياتنا وسلوكنا‪،‬‬
‫لنا ديننا‪ ،‬ويستتب أمننا‪ّ ،‬‬
‫إذ إن املسلم القدوة أشد على أعداء الدين من كل عدة‪ ،‬ولذلك ملا متىن الناس ذهباً ينفقونه يف سبيل‬

‫‪132‬‬
‫اهلل كانت مقولة عمر بن اخلطاب‪" :‬ولكين أمتىن رجاالً مثل أيب عبيدة بن اجلراح‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪،‬‬
‫وسامل موىل أيب حذيفة‪ ،‬فأستعني هبم على إعالء كلمة اهلل"‪ ،‬فعسى إن كنا على مستوى حسن‬
‫األسوة والتأسي أن ميكن لنا يف األرض‪ ،‬وأن جيعلنا أئمة وجيعلنا الوارثني‪.‬‬
‫أمهية القدوة يف حياة املسلمني وواقعهم‪:‬‬
‫إن القدوة هي ذلك التأثري الغامض اخلفي الذي ميثله أفعال وأقوال ومواقف املثال احلي املرتقى يف‬ ‫‪1‬ـ َّ‬
‫درجات الكمال‪ ،‬مما يثري يف نفس اآلخرين اإلعجاب واحملبة اليت تتهيج معها دوافع الغرية‪ ،‬والتنافس‬
‫احملمود‪ ،‬ويتولَّد لديهم حوافز قوية حتفزهم؛ ألن يعملوا مثله‪ ،‬وقد يكون ذلك دون توجيه مباشر‪.‬‬
‫‪2‬ـ القدوة احلسنة املتحلية بالفضائل واالستقامة تعطي اآلخرين قناعة َّ‬
‫بأن بلوغ هذا املستوى من‬
‫األمور ممكن‪ ،‬وأهنا يف متناول قدرات اإلنسان وال سيما يف زمن الفنت وكثرة الصوارف‪.‬‬
‫فإن واقعهم ال يزال يشكو القصور‬ ‫‪3‬ـ مهما توسعت دائرة املعارف‪ ،‬وانتشر العلم بني النَّاس؛ َّ‬
‫واالحنراف؛ ما مل يقم بذلك العلم عاملون خملصون‪ ،‬يكونون قدوات يف جمتمعاهتم وطبقاهتم‪ ،‬ميتثلون‬
‫أمره‪ ،‬وخيطون على منهجه‪ ،‬يرتمجون ذلك العلم إىل واقع عملي للحياة يفهمه اجلميع؛ إذ إن‬
‫مستويات فهم العلم والقول عند الناس تتفاوت‪ ،‬لكن اجلميع يتساوى أمام الرؤية بالعني ملثال حي‪،‬‬
‫يكون أيسر وأقوى يف إيصال املعاين وإحداث التغيري‪ ،‬ومن ذلك ما كان من تزويج النيب ‪-  -‬‬
‫زينب بنت جحش ابنة عمته من زيد بن حارثة مواله الذي أعتقه؛‪ S‬لكي يكون قدوة ومثاالً حياً‬
‫للناس ملا تأصل يف نفوسهم من الفوارق الطبقية اليت جاء اإلسالم بإلغائها‪ ،‬وأنه ال فضل لعريب على‬
‫أعجمي إال بالتقوى‪.‬‬
‫إن غياب القدوة يف حياة املسلمني عامل رئيس يف فشو اجلهل‪ ،‬وانتشار املنكرات واستفحاهلا؛‬ ‫‪ 4‬ـ َّ‬
‫وذلك َّ‬
‫ألن العاملني بالعلم والقائمني بدين اهلل هم يف احلقيقة دعاة يعلنون احلق بأفعاهلم‪ ،‬وينشرون‬
‫الدين احلق حني ينتشرون بني الناس‪ ،‬فيظهر أمره يف الناس‪ ،‬وتنحسر أمامهم املنكرات بتواجدهم‬
‫الفعال املؤثر يف اآلخرين‪ ،‬وهكذا فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم‪ ،‬واختفت املنكرات‪ ،‬وقد نقل‬
‫عن إبراهيم ابن أدهم أنه قال يوماً ألصحابه‪" :‬ادعوا الناس وأنتم صامتون‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف ذلك؟ قال‪:‬‬
‫ادعوا الناس بأفعالكم"‪.‬‬
‫فرب خطأ‬ ‫‪5‬ـ الناس ينظرون إىل املتعلم العلم الشرعي والصاحل نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم‪ّ ،‬‬
‫يقوم به ال يلقي له باالً يكون يف حساهبم من الكبائر؛ وذلك ألنه حمسوب يف جمتمعه قدوة هلم‪ ،‬وهنا‬
‫تشكل مصدر‬ ‫تكمن أمهية القدوة وخطورهتا‪ ،‬إذ إن كل مفارقة بني أقوال القدوة وسلوكه واهتماماته ِّ‬
‫حرية وإحباط لدى عامة الناس‪ ،‬وخصوصاً املبتدئني يف االلتزام‪ ،‬ويكون مصدر فتنة للناس‪،‬‬
‫واستخفاف بالعلم الذي تلقاه‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫فالذين يعرفهم الناس بالصالح والتدين؛ وهم يف احلقيقة مجعوا مع تلك السمعة تناقضاً يف الواقع‪،‬‬
‫وخمالفة ملا يفرتض أن يكونوا عليه؛ هؤالء ال يقال فيه‪ :‬إهنم ال يصلحون أن يكونوا قدوات‪ ،‬بل إهنم‬
‫ميارسون دوراً ختريبياً؛ إذ هم يشوهون صورة الصاحلني والفضالء يف أذهان العامة‪ ،‬ويعطوهنم صورة‬
‫خمالفة حلقيقة الدين اليت قد ال يعرفوهنا إال من خالهلم‪ ،‬كما أهنهم يشجعون الناس بطريقة خفية على‬
‫التميع واهلشاشة الدينية‪ ،‬ويتسببون يف تبخري ما بقي من هيبة واحرتام للصاحلني‪ ،‬ويكونون سبباً يف‬
‫فقد ثقة الناس هبم‪.‬‬
‫فإن املسؤولية عظيمة وكبرية على العلماء والدعاة والصاحلني وذويهم وأهل بيوهتم بشكل‬ ‫ولذلك َّ‬
‫بد أن يؤهلوا تأهيالً خاصاً إلكمال وظيفتهم الدعوية يف اجملتمع؛ عن طريق االهتمام‬ ‫خاص‪ ،‬إذ ال َّ‬
‫بتحقيق القدوة واألمنوذج الواقعي للصالح واالستقامة‪ ،‬وهذا يلقي عليهم مسؤولية عامة جتاه الناس‪،‬‬
‫فضالً عن مسؤوليتهم اخلاصة جتاه أنفسهم فيما بينهم وبني اهلل ‪ -‬تعاىل‪.-‬‬
‫فإن على كل مسلم ومسلمة عرف طريق احلق وسلكه أن جياهد نفسه ليقرتب ما‬ ‫وعلى ذلك َّ‬
‫استطاع من ذلك األمنوذج اإلنساين الراقي‪ ،‬نعين به القدوة‪ ،‬وإذا نظرنا يف تاريخ العلماء والصاحلني‬
‫حتث املسلم على التميز واحلرص على العمل بالعلم‪ ،‬إذ يقول سفيان بن عيينة‪:‬‬ ‫وجدنا أدبيات كثرية ّ‬
‫"إذا كان هناري هنار سفيه‪ ،‬وليلي ليل جاهل؛ فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟!"‪ S،‬وقال احلسن‪" :‬ال‬
‫تكن ممَّن جيمع علم العلماء‪ ،‬وطرائف احلكماء‪ ،‬وجيري يف العمل جمرى السفهاء"‪ ،‬وقال أيضاً‪" :‬كان‬
‫الرجل يطلب العلم‪ ،‬فال يلبث أن يرى ذلك يف ختشعه وهديه‪ ،‬ولسانه وبصره ويده"‪.‬‬
‫بد أن يسري يف طريق اجملاهدة‪ ،‬ومنابذة الشهوات‪ ،‬وال يرتضي لنفسه أن يكون من‬ ‫فالرأس يف اخلري ال َّ‬
‫اخللوف الذين وصفهم رسول اهلل ‪ -  -‬بأهنم‪( :‬يقولون ما ال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ال يؤمرون)‪S،‬‬
‫وإمنا حيرص على أن يكون من أتباع املصطفى ‪ -  -‬الذين وصفوا بأهنم‪( :‬يأخذون بسنته‪،‬‬
‫"إن العامل إذا مل يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب‬ ‫ويقتدون بأمره)‪ ،‬وكما يقول مالك بن دينار‪َّ :‬‬
‫كما يزل القطر عن الصخرة الصماء"‪.‬‬
‫مقومات القدوة‪:‬‬
‫‪1‬ـ اإلخالص‪ ،‬وهو من أعظم املطالب؛ إذ جيب أن يفتش عنه اإلنسان املقتدى به‪ ،‬فيكون املقصود‬
‫عز وجل ‪ -‬بعيداً عن أغراض النفس‪ ،‬ونظر الناس‪ ،‬فيفعل األمر‪،‬‬ ‫بالقول والعلم والعمل وجه اهلل ‪َّ -‬‬
‫ويرتك النهي‪ ،‬مع متام اخلضوع هلل‪ ،‬والتسليم له‪.‬‬
‫‪2‬ـ االستقامة على اإلميان والعمل الصاحل‪ ،‬إذ إن هناك الكثري من الصاحلني‪ ،‬ولكن قليل من يستقيم‬
‫ويتمسك به يف كل أحيانه وظروفه‪ ،‬ويف كل زمان ومكان‪ ،‬فال يتغرَّي وال يتلون وال‬ ‫َّ‬ ‫على ذلك‪،‬‬
‫حيايب‪ ،‬فللقدوة يف نفسه شغالً بني إقامتها وجماهدهتا وسياستها‪ ،‬وهذا هو املطلوب األعلى‪ ،‬والنهج‬

‫‪134‬‬
‫األمسى‪ ،‬وقد جاء رجل إىل النيب ‪ -  -‬وقال له‪ :‬قل يل يف اإلسالم قوالً ال أسأل عنه أحداً بعدك‪،‬‬
‫قال‪" :‬قل آمنت باهلل مث استقم"‪.‬‬
‫‪3‬ـ حسن اخللق‪ :‬إذا كانت االستقامة والصالح يتوجهان إىل ذات املقتدى به ليكون صاحلاً يف نفسه‪،‬‬
‫فإن حسن اخللق يتوجه إىل عالقته بالناس‪ ،‬وأصول تعامله معهم‪ ،‬وجُي مل‬ ‫قومياً يف عالقته مع ربه‪َّ ،‬‬
‫ذلك املنهج الدعوة النبوية يف قوله ‪( :-  -‬وخالق الناس خبلق حسن)‪.‬‬
‫والكالم يف حسن اخللق واسع ومتشعب‪ ،‬ولكن جنعله يف أمور وكليات منها‪:‬‬
‫* الصدق‪ :‬فيحذر القدوة اخلداع والكذب والتحايل‪ ،‬وكل خلق يضاد صفة الصدق؛ َّ‬
‫ألن املؤمن‬
‫بد أن يطمئن إليه الناس ويثقوا به‪ ،‬وال يكون ذلك إال لصادق‪.‬‬‫القدوة ال َّ‬
‫* الصرب‪ ،‬وحتمل األذى‪ ،‬والصفح عن املسيء‪ ،‬وسعة الصدر‪ :‬إذ إن الناس يكتشفون معدن اإلنسان‪،‬‬
‫ومينحونه احرتامهم وثقتهم عن طريق رؤيتهم لتصرفاته وتعامله‪ ،‬وأخالقياته الراقية اليت تنشأ عن الصرب‬
‫واالتزان‪.‬‬
‫ومن أعظم أنواع التعامل احلسن أيضاً‪:‬‬
‫* التواضع‪ ،‬وإنكار الذات‪ ،‬وأن يألف ويؤلف‪ ،‬وكذلك العفو والتسامح‪ ،‬وغض الطرف عن‬
‫اهلفوات‪.‬‬
‫ومن مكارم األخالق اليت هي مقومات القدوة‪:‬‬
‫* عفة اللسان‪ ،‬والرتفع عن القيل والقال‪ ،‬وترك االنشغال بسفاسف األمور‪ ،‬وجتنب اخلوض مع‬
‫اخلائضني‪.‬‬
‫ومن صفات القدوات‪:‬‬
‫* الكرم‪ ،‬والرمحة‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬ووفاء الوعد‪ ،‬والقناعة‪ ،‬والعفة‪ ،‬والرضا بالقليل‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫األخالق والصفات اليت جتسدت يف قدوتنا وأسوتنا النيب الكرمي األكرم سيد اخللق وقدوهتم نبينا حممد‬
‫‪.-  -‬‬
‫‪4‬ـ استقالل الشخصية‪ :‬وذلك ركن رئيس يف مسات القدوة‪ ،‬فيتحرر القدوة من التبعية والتقليد‬
‫الساذج‪ ،‬فيكون مؤثراً ال متأثراً‪ ،‬ما مل يكن متأسياً هبدي الصاحلني واملصلحني‪ ،‬فال يليق مبن هو يف‬
‫موقع القدوة أن يكون إمعة خيضع لضغط اجلهال والسفهاء‪ ،‬مييل معهم حيث مالوا‪ ،‬وقد ورد عن ابن‬
‫مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قوله‪" :‬وطنوا أنفسكم‪ :‬إن أحسن الناس أن حتسنوا‪ ،‬وإذا أساؤوا أن‬
‫تتجنبوا إساءهتم"‪ ،‬ولكي ال يفتنت به إمعة من رعاع الناس ال يرى الدين إال من خالل تصرفاته‪،‬‬
‫فكما تكون اإلمامة واألسوة يف اخلري؛ فهناك قدوة الضاللة ينظرون الناس إليه على أنه مثلهم األعلى‪،‬‬
‫زل زلوا معه‪ ،‬وإن عاد إىل الصواب بعد ذلك قد ال يعودون‪.‬‬ ‫فإن َّ‬

‫‪135‬‬
‫‪ 5‬ـ من مقومات القدوة‪ :‬االعتدال يف أمور احلياة‪ ،‬وهنج منهج التوسط واالقتصاد‪ ،‬ومراعاة آداب‬
‫الشريعة وتوجيهاهتا يف أمور احلياة واملعيشة‪ ،‬وال سيما يف اللباس واملظهر‪ ،‬ومها االمتداد املادي حلقيقة‬
‫الذات‪ ،‬والعاكس املهم لكثري من كوامن الشخصية وخصائصها‪ ،‬فمن املهم أن ينسجم مظهر القدوة‬
‫مع منهج التدين الذي ينسب إليه‪ ،‬واحلذر من املفارقات والتناقض الذي يضعف أثر القدوة يف نفوس‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تنظيم الوقت وحفظه من مقومات‪ S‬شخصية القدوة‪ ،‬حبيث يعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬وال يطغى‬
‫جانب يف حياته على جانب آخر‪ ،‬فتضيع الواجبات واألولويات على حساب االشتغال بالتوافه‬
‫والثانويات‪.‬‬
‫ميادين القدوة‪:‬‬
‫‪1‬ـ العبادة والطاعات احملضة‪ ،‬وذلك باحملافظة على الفرائض والواجبات‪ ،‬والتزود باإلكثار من النوافل‬
‫والقربات‪ ،‬فذلك ميدان مهم من ميادين الدعوة بالقدوة‪ S،‬كما كان التأثري بذلك قوياً يف هدي‬
‫املصطفى ‪ -  -‬يف عبادته وقيامه حبق ربه‪ ،‬ومن ذلك أيضاً أمره لنسائه بقيام الليل حينما رأي‬
‫تنزل الفنت واخلزائن على أمته ليقتدي هبن النساء‪ ،‬خاصة والناس عامة يف كل زمان‪ ،‬والسيما زمن‬
‫كثرة الفنت‪.‬‬
‫‪2‬ـ عالقة القدوة بالناس وتعامله معهم وكسبه حلبهن واحرتامهم وثقتهم من خالل حسن تصرفه‬
‫وحتليه مبكارم األخالق والسماحة والكرم والعدل وطيب العشرة وطالقة الوجه وحسن القول‪ ،‬إىل‬
‫غري ذلك من جماالت الدعوة بالقدوة يف التعامل‪ ،‬ولنا يف رسول اهلل ‪ -  -‬يف هذا امليدان أعظم‬
‫أسوة وأرقاها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تكوين النفس وتربيتها علماً وأدباً ومستاً ومظهراً‪ ،‬وهذا ـ كما أشرنا سابقاً ـ ال تتحقق القدوة إال‬
‫به‪ ،‬وهو يف الوقت ذاته جمال من جماالت الدعوة وأسلوب مؤثر من أساليبها‪ .‬فيقع التأثر يف نفوس‬
‫الناس مبظهر القدوة ومسته ووقاره موقعاً بليغاً يفوق أحياناً االستفادة من أقواله وعلمه‪ .‬وقد ورد َّ‬
‫أن‬
‫أن الذي يطلب عليه‬ ‫الذين كانوا جيلسون على اإلمام أمحد بن حنبل يف جملس درسه يبلغ املئات‪ ،‬مع َّ‬
‫ويدون علمه عدد قليل من ذلك احلشد الكبري الذي إمنا حضر انتفاعاً هبدي الشيخ وإقتداء بسمته‬
‫وأدبه‪.‬‬
‫أمهية القدوة يف أوساط النساء‪:‬‬
‫إننا يف ظل الظروف احلالية واملرحلة اخلطرية املقبلة حباجة ماسة إىل قدوات من نساء فقهن دينهن‬
‫ووعني دورهن يف اجملتمع‪ ،‬إذ إن هناك جماالت وميادين نسائية كثرية تفتقر إىل التوجيه القيادي‬
‫العملي‪ ،‬والسيما يف جمايل الرتبية يف البيوت والتعليم يف املدارس واجلامعات‪ S.‬ومع ذلك فهناك من‬

‫‪136‬‬
‫النساء الرائدات كان هلن التأثري الكبري بفضل اهلل على أزواجهن وأسرهن وطالباهتن من خالل‬
‫الفعال‪.‬‬
‫أسلوب القدوة َّ‬
‫أن الصحوة العلمية واحلركة الدعوية يف أوساط النساء قد بلغت يف وقتنا احلاضر من القوة‬ ‫ومع َّ‬
‫والنشاط ما مل يسبق له مثيل فيما مضى‪ ،‬إال إنه ال يزال األمر حمصوراً يف طبقة املتدينات والراغبات‬
‫يف اخلري إمجاالً‪ ،‬بينما هناك يف أوساط النساء مجاعات كثرية وشرحية ضخمة ال يبلغهن ذلك اخلري وال‬
‫تصلهن الدعوة‪ ،‬وذلك يف الغالب بسبب الغفلة واالنشغال بأمور الدنيا‪.‬‬
‫فكيف ميكن إيصال الدعوة إليهن والتأثري عليهن؟‬
‫بد أن تكون موجودة بني صفوف‬ ‫إنه عن طريق القدوة الصاحلة لتلك املرأة الواعية الفاضلة اليت ال َّ‬
‫أولئك النسوة‪.‬‬
‫عندها يفهم اجلميع هذا الدين ويدركون املطلوب منهم واحملذور عليهم‪ ،‬من خالل النساء الصاحلات‬
‫القدوات‪.‬‬
‫نصائح وتوجيهات لكل موفقة اصطفاها اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬لتكون أسوة حتتذى ومنارة للهدى‪:‬‬
‫إن الذي ينحدر للتهافت على امللذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً يف القاع‪ ،‬وأما من‬ ‫َّ‬
‫يرقى يف سلم الطاعات وجماهدة امللذات؛ فذلك صاحب اإلمامة يف الدين وقدوة املتقني ومضرب‪S‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ب اللَّهُ َمثَاًل لِّلَّذ َ‬
‫ين َآمنُوا ا ْمَرَأَة فْر َع ْو َن}‪ ..‬وكذلك { ََم ْرمَيَ‬ ‫ضَر َ‬
‫{و َ‬
‫األمثال للعاملني‪ ،‬وإن كانت امرأة َ‬
‫ابنَ ِ‬
‫ت َف ْر َج َها‪.}..‬‬
‫صنَ ْ‬ ‫ت ع ْمَرا َن الَّيِت ْ‬
‫َأح َ‬ ‫ْ َ‬
‫فلذلك أيتها املوفقة‪ ،‬يا من هداك إىل طاعته وبنَّي لك سبيله‪ ،‬يا طالبة العلم الشرعي‪ ،‬يا من نشأت يف‬
‫بيوت الصالح والدعوة‪ ،‬يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية‪ ،‬يا نساء بيوت العلم والصحوة‪.‬‬
‫إىل املثل اليت حيتذي هبا غريها من النساء‪ ،‬إىل القدوة الصاحلة لغريها من املؤمنات‪ ،‬إىل املثال احلي‬
‫أن بلوغ ذلك املستوى من تكوين‬ ‫ظن بعض املفتونات َّ‬ ‫الواقعي حلياة مألهتا املغريات وامللهيات؛ حىت َّ‬
‫الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من األمور املستحيلة‪.‬‬
‫وإليك ـ أخيت القدوة الداعية بأفعالك ـ هذه التوصيات والتنبيهات‪:‬‬
‫‪1‬ـ احلذر من التساهل الذي يفنت العامة ويلبس عليهم‪ ،‬مثل األخذ بالرخص وبعض أقوال أهل العلم‬
‫الشاذة أو املرجوحة‪ .‬وملا هنى عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه – عبد الرمحن بن عوف عن لبس اخلفني يف احلج‬
‫يتوسع الناس يف ذلك‪ ،‬قال له‪":‬عزمت‪ S‬عليك إال نزعتهما‪،‬‬ ‫ـ أخذاً بالرخصة يف ذلك ـ؛ خلشية عمر أن َّ‬
‫فإين أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك"‪ .‬ومن ذلك يف الوقت احلاضر‪ :‬تساهل كثرياً من‬
‫اخلريات‪ ،‬بل وبعض طالبات العلم الشرعي يف ركوب السيارة مع السائق لوحدها وحصول اخللوة‬
‫بذلك؛ أخذاً بقول بعض من رخص‪ ،‬وكذلك التساهل يف الوقوع يف بعض األمور املستحدثة اليت‬

‫‪137‬‬
‫ترجح حترميها‪ ،‬كما يف مسألة تشقري احلاجبني ليبدوا أدق قريباً من وصف النمص‪ ،‬وذلك مما أفتت‬
‫اللجنة الدائمة لإلفتاء بعدم جوازه‪.‬‬
‫بل إن صاحبه األسوة احلسنة قد حتتاج إىل ترك بعض املباحات أو التقليل منها؛ احتياطاً ألمر دينها‬
‫ألن ذلك ينفر الناس من االقتداء هبا‪.‬‬ ‫وبعداً عن الشبهات وصيانة لنفسها عن مواطن سوء الظن؛ َّ‬
‫ككثرة املزاح والضحك وكثرة اخلروج والزيارات وامتدادها الساعات الطويلة بغري حاجة وال مربر‬
‫شرعي‪.‬‬
‫إن مما يساعد املرأة املسلمة على االرتقاء بذاهتا إىل درجة القدوة‪ :‬أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها‬ ‫‪ 2‬ـ َّ‬
‫بد وأن‬ ‫وسلفها الصاحل ـ من بعض من تلقاه من الصاحلات العاملات بدينهن مثالً تقتدي به؛ ألهَّن ا ال َّ‬
‫جتد فيمن عاشرته وتلقت عنه مستا وهديا فائقا جيذهبا إليه‪ ،‬فتستطيع من خالل التأمل أن تقف على‬
‫أفضل ما حيمله من حوهلا من الصاحلني والصاحلات من صفات‪ ،‬مث تستلهم من ذلك الدافع القوي‬
‫لرتبية ذاهتا‪ ،‬فقد جتد عند البعض حسن التعامل مع اآلخرين‪ ..‬كالصفح عن املسيء وحسن الظن‬
‫ولطف اخلطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات‪ ،‬وقد تلمح عند أخريات اإلسراع إىل فعل‬
‫الطاعات وبذل الصدقات‪ ،‬مث قد جيذهبا عند األخرى حسن مظهرها املتالئم مع تعاليم دينها مع‬
‫احتفاظها ببهائها ومجاهلا ونظافتها‪ ،‬كل ذلك من غري إسراف وال خميلة‪.‬‬
‫وهلذا التوجيه أصل عظيم يف كتاب اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬حيث قال اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬آمراً نبيه بالنظر يف‬
‫أحوال وأوصاف األنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له‪ ،‬فقال ‪ -‬تعاىل ‪ُ{ :-‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ين َه َدى اللّهُ‬‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬
‫فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَ ِد ْه‪.}..‬‬
‫بد وأن تكوين واضحة وصادقة مع نفسك الكتشاف نوعية التصرف واخلطأ الذي ال يصلح‬ ‫‪ 3‬ـ ال َّ‬
‫معه أن تكوين قدوة ويسقط هيبتك الدينية‪ ،‬ومن مث انتفاعهم بكالمك‪ ،‬بل قد يكون ذلك سبباً يف‬
‫فتنة اآلخرين وضالهلم تأسياً خبطاك‪ ،‬وذلك األمر يتطلب الوقوف على النفس باحملاسبة ومراجعة‬
‫شق عليها‪.‬‬
‫الذات مث العمل على هتذيبها وجماهدة ما ّ‬
‫‪4‬ـ احلذر من بعض األمور الدارجة يف هذا العصر‪ ،‬واليت هتافت عليها الكثري من النساء لقصورهم‬
‫العلمي ونقص ديانتهم‪ ،‬فأصبحت يف بعض اجملتمعات واألسر من املشاهد والظواهر املألوفة‪ ،‬مع‬
‫خمالفتها الصرحية للدين وبيان حكم حترميها‪ ،‬ولكن لغلبة ممارستها وكثرة الوقوع فيها استسهلها وتأثر‬
‫هبا كثري من الصاحلات والقدوات‪ ،‬وشاكلن اجلاهالت يف ذلك؛ فاختلط األمر على العامة وتلبس‬
‫الباطل واملنكر بلبوس احلق واملعروف‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫أ ـ ما يتعلق باملظهر واللباس‪ ،‬سواء يف لبس احلجاب عند اخلروج‪ ،‬أو لبس الثياب والزينة عند النساء‪،‬‬
‫فأما مظاهر القصور واخللل يف احلجاب متنوعة‪ ،‬منها‪ :‬التساهل يف لبس النقاب الواسع والربقع‪،‬‬

‫‪138‬‬
‫وانتشار ذلك‪ ،‬ولبس العباءة على الكتف واجللباب‪ ،‬والتساهل يف سرت القدمني والساق باجلوارب‪،‬‬
‫ولنا يف عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬أسوة حسنة عندما كانت تش ّد مخارها حياء من عمر بن اخلطاب‬
‫وأما التساهل يف‬
‫‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وهو ميت يف قربه عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه‪َّ .‬‬
‫عمت به البلوى يف أوساط بيوت الصاحلني‪ ،‬وتقلَّد محلها‬ ‫املظهر واللباس والزينة بشكل عام‪ ،‬فقد َّ‬
‫ووزرها كثري ممَّن هم مظنة القدوات لغريهن‪ ..‬فلبسن املالبس الضيقة احملجمة ألجسادهن بشكل تأباه‬
‫صح يف حديث الكاسيات العاريات‪ .‬وكذلك املالبس شبه‬ ‫الفطر السليمة وحيرمه الدين القومي كما َّ‬
‫العارية اليت تكشف عن أجزاء من اجلسم شأهنا أن تُسرت‪ ،‬ولألسف‪ ..‬لقد عظم اخلطب‪ ،‬وقد كان‬
‫النكري من قبل على عامة النساء اللوايت وقعن يف هذه املظاهر اخلداعة من التقليد الساذج للغرب‪،‬‬
‫ولكن ـ لألسف ـ جند هذه املظاهر انتقلت إىل كثري من الصاحلات وتساهلن هبا يف أنفسهن ويف‬
‫أهليهن‪.‬‬
‫ب ـ كثرة اخلروج لألسواق والتجوال هبا‪ ،‬وكذلك املالهي واملطاعم اليت يكثر فيها املنكرات وجتمع‬
‫الفساق‪ .‬واألصل قرار املرأة يف بيتها لغري حاجة شرعية {وقرن يف بيوتكن}‪.‬‬
‫ج ـ السفر بغري حمرم‪ ،‬ويف احلديث املتفق عليه‪":‬ال حيل المرأة أن تسافر يوما وليلة إال مع ذي حمرم"‪.‬‬
‫د ـ اخللوة مع الرجل األجنيب‪ ،‬كالبائع يف احملل والطبيب يف العيادة والسائق يف السيارة؛ حلديث"ال‬
‫خيلون رجل بامرأة إال وكان الشيطان ثالثهما"‪.‬‬
‫هـ ـ التعطر عند اخلروج من املنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقدمي العطر والبخور هلن‬
‫ومنهن من سرتكب سيارهتا مع سائق أجنيب جيد رحيها‪ ،‬ونسيت قول الرسول ‪":-  -‬أميا امرأة‬
‫فمرت على قوم ليجدوا من رحيها فهي زانية"‪.‬‬ ‫استعطرت َّ‬
‫و ـ االختالط بالرجال يف البيوت باجللسات األسرية‪ ،‬أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم‪ ،‬والسماح‬
‫للبنات مبخالطة الشباب الذكور من األسر القريبة‪ ،‬مع غياب الغرية على األعراض وعدم مراقبة املوىل‬
‫‪ -‬جل وعال ‪.-‬‬
‫ز ـ اإلسراف العام يف شؤون احلياة‪ ،‬واملبالغة يف االهتمام بالتوافه من أمر الدنيا‪ ،‬كتزيني املنازل واقتناء‬
‫احملرم والذي غرق فيه‬
‫األواين واإلسراف يف املالبس واحللي والوالئم‪ ،‬على وجه التفاخر والتكاثر َّ‬
‫أرباب الدنيا ـ نسأل اهلل العافية ـ‪.‬‬
‫كن مجيعاً قدوات بعضهن‬ ‫أن املسلمات َّ‬ ‫إن الفرق الذي بيننا وبني أسالفنا وقدواتنا الصاحلة َّ‬ ‫‪ 5‬ـ َّ‬
‫ض‪}..‬؛ وذلك بسبب قوة عالقتهن باهلل ‪ -‬تعاىل‬ ‫ض ُه ْم َْأولِيَاء َب ْع ٍ‬
‫ات َب ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{والْ ُمْؤ منُو َن َوالْ ُمْؤ منَ ُ‬
‫لبعض َ‬
‫‪"،-‬ومن كان باهلل أعرف كان منه أخوف"‪ S..‬كانت القلوب باهلل متصلة وحريصة على تأدية أمانة‬
‫هذا الدين‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫قل أن جند هذه البواعث فينا إال من رمحه اهلل؛ لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواهتا‪ ،‬وكلما‬ ‫واآلن َّ‬
‫وقل التأثر وتساهل الناس يف أداء األمانة‬
‫بعد الزمن عن زمن املصطفى ‪ -  -‬ازداد هذا اجلهل َّ‬
‫وغابت قيادة القدوة‪.‬‬
‫قال ‪" :-  -‬وإذا وسد األمر إىل غري أهله فانتظر الساعة"‪.‬‬
‫ويف اخلتام أخاطب أخيت املسلمة فأقول‪:‬‬
‫انظري إىل نفسك‪ :‬هل تريدين الدنيا أم اآلخرة؟‬
‫حب اآلخرة‪ ،‬وجاهديها على االستعداد هلا وأكثري الدعاء‪.‬‬ ‫فروضيها على ّ‬ ‫فإن كانت تريد الدنيا ّ‬
‫وإن كانت تريد اآلخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصاحل واضريب أروع األمثلة وأرقى‬
‫النماذج للمسلمات من بنات عصرك‪.‬‬
‫تأملي سرية نبيك حممد ‪ ‬القدوة‪ ،‬ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إىل اهلل والدار اآلخرة‪ ،‬وكذلك سري‬
‫أسالفك من الصاحلني العابدين العاملني من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ مهتك ودفعاً لنفسك للتأسي‬
‫هبم‪.‬‬
‫سائلني ربنا وموالنا ‪ -‬جل وعال ‪ -‬أن يتوالنا فيمن توىل من عباده الصاحلني‪ ،‬ويدخلنا برمحته يف‬
‫زمره أوليائه أئمة اهلدى‪ ،‬ونسأله ‪ -‬جل وعال ‪ -‬أن جيعلنا للمتقني إماماً‪.‬‬
‫املصدر ‪http://www.lahaonline.com/Daawa/Fiqh/13-17-11- :‬‬
‫‪2003.doc_cvt.htm‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪140‬‬
‫القدوة وأثرها في التربية‬
‫د‪.‬رقية احملارب‬
‫احلمد هلل الذي جعل لنا قدوة وأسوة حسنة‪ ،‬وسن لنا أحسن السنن‪ ،‬وبني لنا طريق السالمة من‬
‫الفنت فجعلنا على احملجة البيضاء ليلها كنهارها ال يزيغ عنها إال هالك‪ ،‬وصلى اهلل على قدوة اخللق‬
‫أمجعني وعلى أله وصحبه أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫القدوة يف اللغة‪:‬‬
‫القدوة هي االسم من االقتداء‪ ،‬وكالمها مأخوذ من مادة (ق د و) اليت تدل على اقتياس بالشيء‬
‫واهتداء‪ ،‬قال اجلوهري‪ :‬القدوة بالكسر‪ :‬األسوة‪ ،‬يقال‪ :‬فالن قدوة يقتدى به‪ ،‬وقد يضم فيقال‪ :‬يل‬
‫بك قدوة وقدوة وقدة‪.‬‬
‫والقدو‪ :‬أصل البناء الذي يتشعب منه تصريف االقتداء‪ ،‬يقال‪ :‬قدوة ملن يقتدى به‪ ،‬قال ابن األعرايب‪:‬‬
‫القدوة التقدم‪ ،‬يقال‪ :‬فالن ال يقاديه أحد‪ ،‬وال مياديه أحد‪ ،‬وال يباريه أحد‪ ،‬وال جياريه أحد‪ ،‬وذلك‬
‫إذا برز يف اخلالل كلها (‪.)1‬‬
‫القدوة يف االصطالح‪:‬‬
‫قال املناوي‪ S:‬القدوة هي االقتداء بالغري ومتابعته والتأسي به‪.‬‬
‫وقال الشنقيطي يف أضواء البيان‪ :‬األسوة كالقدوة‪ ،‬وهي اتباع الغري على احلالة اليت يكون عليها‬
‫حسنة أو قبيحة‪.‬‬
‫إذن القدوة احلسنة هو‪ :‬ذلك الشخص الذي اجتمعت لديه الصفات احلسنة كلها‪ ،‬لكن هذا ال مينع‬
‫من القول أن فالناً قدوة يف صفة معينة ويكون ممن ينقص حظه يف أمور أخرى‪ S،‬فيقال ‪ -‬مثالً ‪:-‬‬
‫فالن قدوة يف البذل والتضحية ولكنه ال يتصف بالعلم مثالً‪ ،‬ويقال‪ :‬إن فالناً قدوة يف طلب العلم‬
‫دون الشجاعة يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬كما يقال‪ :‬إن هذه األخت قدوة يف األدب‬
‫واللباقة ولكنها ليست على قدر من العلم الشرعي‪ ،‬واملوفق من ضرب من كل خري بسهم فيكون له‬
‫باع يف كل فضيلة‪ ،‬وذلك فضل اهلل يؤتيه من يشاء‪ ،‬وبضد ذلك القدوة السيئة اليت تزين للناس الباطل‬
‫ويتخذ مثالً‪ ،‬وأشهر القدوات السيئة الشيطان (‪.)2‬‬
‫أمهية القدوة يف الرتبية‪:‬‬
‫ال خيلو كتاب يف الرتبية من إيراد القدوة كإحدى الوسائل املهمة لفعاليتها‪ ،‬ففي دراسة أجريت على‬
‫‪ 446‬شاباً و ‪ 94‬فتا ًة تبني أن ‪ %75‬يرون أن وجود القدوة مهم جداً‪ ،‬وهي من أكثر الوسائل‬
‫تأثرياً‪ ،‬وهذا ال شك يعود إىل رؤية الناس للنموذج الواقعي الذي يشاهدونه‪ ،‬وبدون هذا التطبيق‬
‫الواقعي تكون التوجيهات كتابة على املاء ال أثر هلا يف قلوب املتلقني وعقوهلم‪ ،‬فتلك اليت تدعو إىل‬
‫الصدق وتكذب ينقلب التقدير الواجب هلا إىل استهجان واستغراب ممن يدعو إىل شيء وخيالفه‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫ولعظيم أمهيتها ورد احلث على االقتداء باألنبياء ‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬يف كل األمور‪ ،‬ولذلك قال اهلل ‪-‬‬
‫ين َه َدى اللّهُ فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَ ِد ْه )) األنعام‪ ،90:‬فهم مضرب املثل يف الصفات‬ ‫عز وجل ‪ُ(( :-‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬
‫املتميزة؛ وذلك ألهنم هنضوا بأعظم وأخطر مهمة وهي إصالح الناس‪ ،‬وألن إصالح الناس يتطلب‬
‫مستويات عليا من األخالق كان هلم منها النصيب الكامل إعانة هلم للقيام باملهام الشاقة‪ ،‬ويف هذا‬
‫َّك لَ َعلى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم )) القلم‪ ،4:‬ويقول‬ ‫((وِإن َ‬
‫يقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ممتناً على نبينا حممد ‪َ :-  -‬‬
‫ِ ِ‬
‫ابن كثري عند قوله ‪ -‬عز وجل ‪(( :-‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ‬
‫َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِرياً )) األحزاب‪ ،21:‬هذه اآلية أصل كبري يف التأسي برسول اهلل ‪-  -‬‬
‫يف أقواله وأفعاله وأحواله‪ ،‬وهلذا أمر اهلل ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬الناس بالتأسي بالنيب ‪ -  -‬يوم‬
‫األحزاب يف صربه ومصابرته ومرابطته وجماهدته‪ ،‬وانتظاره الفرج من ربه ‪ -‬عز وجل ‪.)3(-‬‬
‫ومما يدل على أمهيتها وجود تلك الغريزة الفطرية امللحة يف كيان اإلنسان اليت تدفعه حنو التقليد‬
‫واحملاكاة‪ ،‬وخاصة األطفال فهم أكثر تأثراً بالقدوة‪ ،‬إذ يعتقدون أن كل ما يفعله الكبار صحيحاً (‬
‫‪ .)4‬ورد يف موسوعة العناية بالطفل‪" :‬يبدأ الطفل يف سن الثالثة يدرك بوضوح أكثر أنه من الذكور‪،‬‬
‫وأنه سيصبح يوماً ما رجالً كأبيه‪ ،‬وهذا ما حيمله على الشعور بإعجاب خاص بأبيه وبغريه من‬
‫الرجال والصبيان‪ ،‬إنه يراقبهم بدقة‪ ،‬ويسعى جاهداً للتشبه هبم يف مظهره وسلوكه ورغباته‪ ،‬بينما‬
‫تدرك الطفلة بنت الثالثة أهنا ستصبح امرأة فتندفع إىل التشبه بأمها وباقي النساء‪ ،‬إهنا تركز اهتمامها‬
‫على األعمال املنزلية‪ ،‬والعناية بالدمى على هيئة عناية أمها باملواليد‪ ،‬وتقتفي أسلوهبا بالتحدث‬
‫إليهم…" (‪.)5‬‬
‫ووجود القدوة احلسنة دعم النتشار اخلري؛ ألن الناس بفطرهتم حيبون حماسن األخالق‪ ،‬ودرجات‬
‫الكمال‪ ،‬وتعطيهم أمالً يف الوصول للفضائل؛ ولذا كان من رمحة اهلل أن يوجد يف الناس على مر‬
‫العصور ‪ -‬حىت يف أوقات ضعف األمة ‪ -‬مناذج تبقى صامدة جماهدة‪ ،‬تتمثل اإلسالم يف أقواهلا‬
‫وأعماهلا واعتقاداهتا‪ ،‬ولكن قد يقل العدد أو يكثر حبسب قوة األمة‪ ،‬ولكن ال ختلو األرض من قائم‬
‫هلل حبجة‪ ،‬وكثرية هي القصص عن اهتداء كثري من الناس مبجرد رؤية صالة خاشعة‪ ،‬أو تصرف لبق‬
‫يف موقف صعب‪ ،‬وهذا كله بدون أن يشعر املقتدى به‪.‬‬
‫يقول "حممد أمني املصري"‪ - S‬رمحه اهلل ‪" :-‬وليس للمسلمني من سبيل إال هذا السبيل‪ ،‬طليعة تتأسى‬
‫خطوات حممد ‪ -  -‬وأصحابه شرباً بشرب‪ ،‬وذراعاً بذراع يف كل ظاهرة وخفية‪ ،‬ويف كل دقيقة‬
‫((و َّ‬
‫َأن َه َذا‬ ‫وجليلة‪ ،‬يف العبادة والتفكري‪ ،‬واحلرب والتدبري‪ ،‬والسياسة والدعوة‪ ،‬واجلرأة واحلكمة‪َ :‬‬
‫السبُ َل َفَت َفَّر َق بِ ُك ْم َعن َسبِيلِ ِه )) األنعام‪ ،153:‬وال يصلح آخر‬ ‫اطي ُم ْستَ ِقيماً فَاتَّبِعُوهُ َوالَ َتتَّبِعُواْ ُّ‬
‫ِصر ِ‬
‫َ‬
‫هذه األمة إال مبا صلح به أوهلا‪ ،‬رجل العقيدة هو السبيل الوحيد لعالج أنواع االحنرافات‪ ،‬ورجل‬
‫العقيدة أعظم ذخر نقدمه للعقيدة‪ ،‬وأكرب رصيد نعده يف سبيل نصرهتا" (‪.)6‬‬

‫‪142‬‬
‫صفات القدوة احلسنة‪:‬‬
‫وإذا كنا مقتنعني بأمهية وجود القدوة الصاحلة فما هي يا ترى مواصفاهتا‪ ،‬وما هو احمليط الذي تنشأ‬
‫فيه؟‬
‫للقدوة احلسنة صفات كثرية‪ ،‬نتطرق إىل أمهها‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص‪ :‬وال ميكن للقدوة أن يؤثر يف الناس ما مل يكن خملصاً هلل ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وذلك مرده‬
‫إىل وضع القبول له يف األرض كما يف احلديث الذي يف الصحيحني عن النيب ‪( :-  -‬إذا أحب‬
‫اهلل العبد دعا جربيل‪ ،‬فقال‪ :‬إين أحب فالناً فأحبه‪ ،‬فيحبه جربيل‪ ،‬مث ينادى يف السماء‪ ،‬فيقول‪ :‬إن‬
‫اهلل حيب فالناً فأحبوه‪ ،‬فيحبه أهل السماء‪ ،‬مث يوضع له القبول يف األرض)‪ ،‬وهذا القبول مفتاح‬
‫للقلوب‪ ،‬وهو دواء وعصمة من كثري من األمراض النفسية‪ ،‬ويف احلديث الذي رواه البخاري ومسلم‬
‫عن عمر مرفوعاً‪ ( :‬إمنا األعمال بالنيات ) تقرير لضرورة اإلخالص يف األعمال‪ ،‬وهذا اإلخالص‬
‫يقود إىل أعمال أخرى‪ ،‬وصفات كرمية؛ ألن النفس املخلصة حتب ما حيب اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فتعمل‬
‫على بذل الوسع يف ما يرضيه سبحانه‪ ،‬يقول ابن القيم ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪" :-‬العمل بال إخالص وال‬
‫اقتداء كاملسافر ميأل جرابه رمالً يثقله وال ينفعه"(‪.)7‬‬
‫‪ -2‬العلم‪ :‬وكيف تكون قدوة صاحلة بال علم‪ ،‬إن صاحب العلم ذو مكانة كبرية يف الناس‪ ،‬ومن‬
‫هذا شأنه فهو حري أن يؤخذ منه ويهتدى هبديه‪.‬‬
‫تعلم فليس املرء يولد عاملاً وليس أخو جهل كمن هو عامل‬
‫وإن كبري القوم ال علم عنده صغري إذا التفت عليه احملافل‬
‫وللعلم تأثري على اكتساب املعايل من الصفات‪ ،‬ويف هتذيب األخالق‪ ،‬وال جتد أحداً رزق اإلخالص‬
‫والعلم إال جتده كرمي اخلصال‪ ،‬عظيم الفعال‪ ،‬حممود السرية‪ ،‬مرضي اخلليقة‪ ،‬والعلم بال عمل كما‬
‫قيل‪:‬‬
‫والعلم ليس بنافع أربابه ما مل يفد عمالً وحسن تبصر‬
‫وكان السلف ‪ -‬رمحهم اهلل ‪ -‬ال يأخذون العلم إال ممن يعمل بعلمه‪ ،‬قال إبراهيم النخعي‪ " :‬كانوا‬
‫إذا أتوا الرجل ليأخذوا عنه نظروا إىل مسته‪ ،‬وإىل صالته‪ ،‬وإىل حاله‪ ،‬مث يأخذون عنه "‪ ،‬وقال اإلمام‬
‫أمحد‪ " :‬يكتب احلديث عن الناس كلهم إال عن ثالثة‪ :‬صاحب هوى يدعو إليه‪ ،‬أو كذاب‪ ،‬أو رجل‬
‫يغلط يف احلديث "‪ ،‬ونقل قريب من هذا القول عن اإلمام مالك ‪ -‬رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫‪ -3‬حسن اخللق‪ :‬وهذا باب عظيم من أبواب اخلري‪ ،‬واخللق احلسن أكثر ما يدخل اجلنة؛ ولذلك كان‬
‫األنبياء والصاحلون من أكثر الناس اتصافاً هبا‪ ،‬وال ميكن أن يتأثر الناس بسيئ اخللق؛ ألن الناس‬
‫جمبولون على حب من أحسن إليهم‪ ،‬ومما حيزن له اإلنسان أنك ترى فظاظة وغلظة من بعض الدعاة‬
‫إىل اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬وترى من بعض دعاة الباطل االبتسامة الدائمة‪ ،‬والسؤال املستمر عن‬

‫‪143‬‬
‫أصحابه‪ ،‬وزيارهتم والتودد إليهم‪ ،‬ورسولنا ‪ -  -‬كان على خلق عظيم‪ ،‬وكان هذا اخللق هو‬
‫القرآن‪ ،‬ووصف أحد الصاحلني بأنه قرآن ميشي على األرض‪.‬‬
‫وتعد تربية األبناء بالقدوة من أقوى الوسائل يف تعويدهم فعل اخلري؛ ألن الناشئ يتعلم من األعمال‬
‫أكثر من األقوال‪ ،‬بل إن التلقني ال يكاد يثمر الثمرة املطلوبة يف وجود الفعل املخالف‪ ،‬وهلذا كان‬
‫بعض اآلباء يرسلون أبناءهم ملن يظنون فيه الصالح لرتبيته‪ ،‬وليستفيد الولد من منوذج حي يعمل مبا‬
‫يقول‪ ،‬قال عمرو بن عتبة ملعلم ولده‪" :‬ليكن أول إصالحك لولدي إصالحك لنفسك‪ ،‬فإن عيوهنم‬
‫معقودة بعينك‪ ،‬فاحلسن عندهم ما صنعت‪ ،‬والقبيح عندهم ما تركت" (‪ ،)8‬وكان كثري من السلف‬
‫يذهبون إىل حلق بعض العلماء ال ليطلبوا العلم وإمنا ليستفيدوا األخالق والسمت‪.‬‬
‫وحسن اخللق يشمل أموراً كثرية‪ ،‬من أمهها‪ :‬الصدق واللني‪ ،‬وحسن االستماع‪ ،‬والبشاشة عند‬
‫اللقاء‪ ،‬والتودد والكرم والشجاعة‪ ،‬ولكل صفة من هذه الصفات تطبيقاهتا سواء يف تربية األوالد يف‬
‫البيت أو املدرسة‪ ،‬وسواء كان التعامل مع الصغار أو الكبار‪.‬‬
‫بني التقليد واالقتداء‪:‬‬
‫التأسي مطلب شرعي‪ ،‬وحممدة لصاحبه إذا كان من يقتدى به أهل لذلك كاألنبياء والصاحلني‪ ،‬وكل‬
‫من سن يف اإلسالم سنة حسنة‪ ،‬ولكن اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ذم من يقتدي بأهل الضاللة قال ‪ -‬تعاىل‪:-‬‬
‫وها ِإنَّا َو َج ْدنَا آبَاءنَا َعلَى َُّأم ٍة َوِإنَّا َعلَى‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َما َْأر َس ْلنَا ِمن َقْبل َ‬
‫ك يِف َقْريَة ِّمن نَّذي ٍر ِإاَّل قَ َال ُمْتَرفُ َ‬ ‫((و َك َذل َ‬
‫َ‬
‫آثَا ِرهم ُّم ْقتَ ُدو َن )) الزخرف آية ‪ ،23‬وقال النيب ‪( :-  -‬ال تقتل نفس ظلماً إال كان على ابن‬ ‫ِ‬
‫آدم األول كفل من دمها‪ ،‬ألنه أول من سن القتل ) رواه البخاري‪.‬‬
‫ومن يقلد أهل الضاللة يف طريقة معيشتهم يقوده إىل تقليدهم يف كل اعتقاداهتم ونظرهتم لألمور‪ S،‬قال‬
‫شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ -‬رمحه اهلل ‪" :-‬وقد بعث اهلل حممداً باحلكمة اليت هي سنته‪ ،‬وهي الشرعة‬
‫واملنهاج الذي شرعه له‪ ،‬فكان له من هذه احلكمة أن شرع له من األقوال واألعمال ما يباين سبيل‬
‫املغضوب عليهم والضالني‪ ،‬فأمر مبخالفتهم يف اهلدي الظاهر‪ ،‬وإن مل يظهر لكثري من اخللق مفسدة‬
‫ذلك؛ ألمور منها‪:‬‬
‫أن املشاركة يف اهلدي الظاهر تورث تناسباً وتشاكالً بني املتشاهبني‪ ،‬يقود إىل موافقة ما يف األخالق‬
‫واألعمال‪ ،‬وهذا أمر حمسوس‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن املخالفة يف اهلدي الظاهر توجب مباينة ومفارقة توجب االنقطاع عن موجبات الغضب‬
‫وأسباب الضالل واالنعطاف على أهل اهلدى والرضوان‪ ،‬وحتقق ما قطع اهلل من املواالة بني جنده‬
‫املفلحني وأوليائه اخلاسرين‪ ،‬وكلما كان القلب أمت حياة‪ ،‬وأعرف باإلسالم؛ كان إحساسه مبفارقة‬
‫اليهود والنصارى باطناً وظاهراً أمت‪ ،‬وبعده عن أخالقهم املوجودة يف بعض املسلمني أشد‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫ومنها‪ :‬أن مشاركتهم يف اهلدي الظاهر توجب االختالط حىت يرتفع التمييز ظاهراً بني املهديني‬
‫املرضيني وبني املغضوب عليهم والضالني" (‪.)9‬‬
‫اإلمامة يف الدين وحب الرياسة‪:‬‬
‫بعض الناس حيب أن يكون قدوة يقتدى به يف اخلري؛ ملا يعلم من عظيم األجر والثواب الذي يصله‬
‫من تأثر الناس بفعله وقوله كما قال تعاىل‪(( :‬وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا )) قال احلسن‪" :‬من‬
‫استطاع منكم أن يكون إماماً ألهله‪ ،‬إماماً حليه‪ ،‬إماماً ملن وراء ذلك‪ ،‬فإنه ليس شيء يؤخذ عنك إال‬
‫كان لك منه نصيب "‪ ،‬ومن دعاء الصاحلني‪ (( :‬واجعلنا للمتقني إماماً )) قال البخاري‪ " :‬أئمة‬
‫نقتدي مبن قبلنا‪ ،‬ويقتدي بنا من بعدنا "‪ ،‬وبعض الناس يريد أن يكون رأساً يف الدين ليشار إليه‬
‫بالبنان‪ ،‬ويعبد القلوب إليه‪ ،‬ولينال بذلك حظوظاً دنيوية ‪ -‬والعياذ باهلل ‪ ،-‬فهذه رياسة يف الدين‬
‫مذمومة؛ خبالف الرياسة احملمودة اليت ال تريد شيئاً مما يف أيدي الناس‪ ،‬وإمنا تتمىن االزدياد من األجر‬
‫بقدر استفادة الناس منها‪ ،‬وكون اإلنسان قدوة يتطلب منه أن يتخلق بأخالق األنبياء‪ ،‬وهذه حتتاج‬
‫جماهدة عظيمة‪ ،‬ومن صدق اهلل وفقه وأعانه‪ ،‬وبلغه مقصوده‪.‬‬
‫مناذج من القدوات‪:‬‬
‫كثرية حبمد اهلل الصفحات املضيئة يف تارخينا وحاضرنا‪ ،‬وذكر طرف من األخبار فيه تقوية للهمم‪،‬‬
‫وتنشيط للعزائم؛ لتكون قدوات يستفيد منها املسلم يف نفسه‪ ،‬ويتعدى نفعها إىل من حوله‪.‬‬
‫عن أنس ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ ( :‬كان النيب ‪ -  -‬أحسن الناس‪ ،‬وأشجع الناس‪ ،‬وأجود الناس‪،‬‬
‫ولقد فزع أهل املدينة ذات ليلة‪ ،‬فانطلق الناس قبل الصوت‪ ،‬فتلقاهم رسول اهلل ‪ -  -‬راجعاً وقد‬
‫سبقهم إىل الصوت‪ ،‬وهو على فرس أليب طلحة عري‪ ،‬ويف عنقه السيف‪ ،‬وهو يقول‪" :‬مل تراعوا‪ ،‬مل‬
‫تراعوا") متفق عليه‪.‬‬
‫قال أبو العباس الرقي ‪ -‬وكان من حفاظ احلديث ‪ :-‬إهنم دخلوا على أمحد بالرقة وهو حمبوس‪،‬‬
‫فجعلوا يذكرونه ما يروى يف التقية من األحاديث‪ ،‬فقال أمحد‪ :‬فكيف تصنعون حبديث خباب‪( :‬إن‬
‫من كان قبلكم كان ينشر أحدهم باملنشار مث ال يصده ذلك عن دينه)؟‬
‫قيل لنافع‪ :‬ما كان ابن عمر يصنع يف منزله؟ قال‪ :‬الوضوء لكل صالة‪ ،‬واملصحف فيما بينهما‪.‬‬
‫كيف أصبح قدوة؟‬
‫سؤال يطرحه كل جاد وجادة؛ ألنه يعرف أن كون اإلنسان قدوة هو رفعة يف الدنيا واآلخرة؛ ولذا‬
‫فإنين أشري إىل بعض اخلطوط العامة‪:‬‬
‫* صحح النية يف هذه الرغبة‪.‬‬
‫* ألزم نفسك دعاء اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬أن جيعلك إماماً للمتقني‪.‬‬
‫* خذ من العبادة بقدر ما تستطيع‪ ،‬وداوم عليها‪ ،‬واحرص على الشمولية فيها‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫* اقرأ يف سري العلماء والقادة املؤثرين يف جمتمعاهتم‪.‬‬
‫* حتول عن الكساىل‪ ،‬وصاحب أهل اهلمم العالية‪.‬‬
‫* داوم على األعمال اليت تؤديها‪ ،‬وال تدع التسويف يقتل طموحاتك ويقلل من إنتاجك‪.‬‬
‫* احضر بعض الدورات اليت تعلم تنظيم الوقت‪ ،‬وإدارة النفس‪.‬‬
‫* اجعل طموحك أن تسبق الناس كلهم إىل اخلري وأبواب املعروف‪.‬‬
‫* محل نفسك مسؤوليات معينة‪ ،‬وراقب أداءك فيها‪.‬‬
‫* ال حتقر نفسك‪ ،‬وال تغرت يف الوقت ذاته‪.‬‬
‫خامتة‪:‬‬
‫وبعد‪ :‬فنحن هذا الوقت يف أمس احلاجة إىل قدوات يف العبادة‪ ،‬والدعوة‪ ،‬واألخالق‪ ،‬وإىل أمس‬
‫احلاجة إىل البحث يف أسباب قلة النماذج اليت يقتدى هبا‪.‬‬
‫وإذا كان التوجيه الرباين للرسول ‪ -  -‬بأن يقتدى هبدى األنبياء‪ ،‬فنحن نتأسى به ‪،-  -‬‬
‫ونسري على خطاه‪ ،‬مع استحضار أن وجود القدوة يف هذا الوقت عنوان على مشوخ اإلميان‪ ،‬وعزة‬
‫اإلسالم‪ ،‬فيا هلا من قلوب مؤمنة تلك اليت اختارت طريق اجلنة‪ ،‬وصربت‪ ،‬وجاهدت‪.‬‬
‫نسأل اهلل أن جيعلنا هداة مهتدين‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫______________________‬
‫‪1‬ـ لسان العرب ‪.15/171‬‬
‫‪2‬ـ نضرة النعيم ‪.11/5300‬‬
‫‪3‬ـ تفسري القرآن العظيم ‪.3/483‬‬
‫‪4‬ـ مسؤولية األب املسلم ص‪.66‬‬
‫‪5‬ـ موسوعة العناية بالطفل‪.‬‬
‫‪6‬ـ املسؤولية‪ ،‬فصل رجل العقيدة‪.‬‬
‫‪7‬ـ الفوائد ص‪.67‬‬
‫‪8‬ـ اآلداب املرعية ‪.2/159‬‬
‫‪9‬ـ اقتضاء الصراط املستقيم ‪.1/79‬‬
‫بتصرف يسري عن ‪http://www.lahaonline.com/Daawa/DaawaObsta/a3 :‬‬
‫‪-17-10-2004.doc_cvt.htm‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪146‬‬
‫أثر القدوة في إصالح النفوس‬
‫الدكتور حممد راتب النابلسي‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬احلمد هلل الذي خلق السماوات واألرض‪ ،‬وجعل الظلمات والنور‪ ،‬احلمد هلل‬
‫الذي أنزل على عبده الكتاب‪ ،‬ومل جيعل له عوجاً‪ ،‬احلمد هلل الذي هدانا هلذا وما كنا لنهتدي لوال أن‬
‫هدانا اهلل‪.‬‬
‫يا رب هذا ذلنا ظاهر بني يديك‪ ،‬وهذا ضعفنا ال خيفى عليك‪ ،‬فعاملنا باإلحسان إذ الفضل منك‬
‫وإليك‪ ،‬نطلب منك الوصول إليك‪ ،‬ونستدل بك عليك‪ ،‬اهدنا بنورك إليك‪ ،‬وأقمنا بصدق العبودية‬
‫بني يديك‪.‬‬
‫يا رب علمنا من علمك املخزون‪ ،‬واحفظنا بسر امسك املصون‪ ،‬وحققنا حبقائق أهل القرب‪ ،‬واسلك‬
‫بنا مسالك أهل احلب‪ ،‬وأغننا بتدبريك عن تدبرينا‪ ،‬وباختيارك عن اختيارنا‪ ،‬وأخرجنا من ذل‬
‫معصيتك إىل عز طاعتك‪ ،‬وطهرنا من الشرك‪ ،‬اللهم بك نستنصر فانصرنا‪ ،‬وعليك نتوكل فال تكلنا‪،‬‬
‫وإياك نسأل فال ختيبنا‪ ،‬ومن فضلك نرغب فال حترمنا‪ ،‬وجلنابك ننتسب فال تبعدنا‪ ،‬وببابك نقف فال‬
‫تطردنا‪.‬‬
‫يا رب لقد خاب من رضي من دونك بديالً‪ ،‬ولقد خسر من ابتغى عنك متحوالً‪.‬‬
‫يا رب ال يطيب الليل إال مبناجاتك‪ ،‬وال يطيب النهار إال خبدمة عبادك‪ ،‬وال تطيب الدنيا إال بذكرك‪،‬‬
‫وال تطيب اآلخرة إال بربك‪ ،‬يا ذا العزة واجلربوت‪ ،‬ويا مالك امللك وامللكوت‪ ،‬ويا من أمنت يونس‬
‫يف بطن احلوت‪ ،‬وجنيت موسى يف التابوت‪ ،‬وحفظت احلبيب حممداً بنسيج العنكبوت‪ ،‬سبحانك‬
‫أنت احلي الذي ال ميوت‪.‬‬
‫مصل يصلي‪ ،‬إمنا‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬يقول يف احلديث القدسي‪(( :‬ليس كل ٍ‬
‫أتقبل الصالة ممن تواضع لعظميت‪ ،‬وكف شهواته عن حمارمي‪ ،‬ومل يصر على معصييت‪ ،‬وأطعم اجلائع‪،‬‬
‫وكسا العريان‪ ،‬ورحم املصاب‪ ،‬وآوى الغريب؛ كل ذلك يل‪ ،‬وعزيت وجاليل إن نور وجهه ألضوأ‬
‫عندي من نور الشمس‪ ،‬على أن أجعل له اجلهالة حلماً‪ ،‬والظلمة نوراً‪ ،‬يدعوين فألبيه‪ ،‬ويسألين‬
‫علي فأبره‪ ،‬أكأله بقريب‪ ،‬وأستحفظه مالئكيت‪ ،‬مثله عندي كمثل الفردوس‪ ،‬ال مُي س‬ ‫فأعطيه‪ ،‬ويقسم َّ‬
‫مثرها‪ ،‬وال يتغري حاهلا))‪.‬‬
‫زكى اهلل عقله فقال‪:‬‬ ‫وأشهد أن سيدنا حممداً رسول اهلل ‪ ،-  -‬خري ن ٍيب اجتباه‪ ،‬وللعاملني أرسله‪َّ ،‬‬
‫((و َما َيْن ِط ُق َع ِن اهْلََوى))(لنجم‪،)3:‬‬
‫صاحبُ ُك ْم َو َما َغ َوى))(لنجم‪ ،)2:‬وزكى لسانه فقال‪َ :‬‬
‫((ما ض َّل ِ‬
‫َ َ َ‬
‫((علَّ َمهُ َش ِد ُ‬
‫يد‬ ‫وحى))(لنجم‪ ،)4:‬وزكى جليسه فقال‪َ :‬‬ ‫ِإ‬ ‫ِإ‬
‫وزكى شرعه فقال‪ْ (( :‬ن ُه َو اَّل َو ْح ٌي يُ َ‬
‫ب الْ ُفَؤ ُاد َما َرَأى))(لنجم‪ ،)11:‬وزكى بصره‬ ‫((ما َك َذ َ‬
‫الْ ُق َوى))(لنجم‪ ،)5:‬وزكى فؤاده فقال‪َ :‬‬

‫‪147‬‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم))(القلم‪:‬‬ ‫((وِإن َ‬‫صُر َو َما طَغَى))(لنجم‪ ،)17:‬وزكاه كله فقال‪َ :‬‬ ‫غ الْبَ َ‬ ‫((ما َزا َ‬ ‫فقال‪َ :‬‬
‫‪.)4‬‬
‫رب نفس طاعمة ناعمة يف الدنيا جائعة عارية يوم القيامة‪ ،‬أال يا‬ ‫قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪( :‬أال يا َّ‬
‫رب نفس جائعة عارية يف الدنيا طاعمة ناعمة يوم القيامة‪ ،‬أال يا رب مكرم لنفسه وهو هلا مهني‪ S،‬أال‬
‫يا رب مهني لنفسه وهو هلا مكرم‪ ،‬أال يا رب متخوض ومتنعم فيما أفاء اهلل على رسوله‪ ،‬ما له عند‬
‫اهلل من خالق‪ ،‬أال وإن عمل اجلنة َح ْزن بربوة‪ ،‬أال وإن عمل النار سهل بسهوة‪ ،‬أال يا رب شهوة‬
‫ساعة أورثت حزناً طويالً)‪.‬‬
‫اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا حممد‪ ،‬وعلى آله وأصحابه الطيبني الطاهرين‪ ،‬اهلداة املهديني‪،‬‬
‫الذين هم كالنجوم بأيهم اقتدينا اهتدينا‪ ،‬يقول اإلمام علي ‪ -‬كرم اهلل وجهه ‪" :-‬إنه ليس شيء شر‬
‫من الشر إال العقاب‪ ،‬وإنه ليس شيء خري من اخلري إال الثواب‪ ،‬وكل شيء من الدنيا مساعه أعظم من‬
‫عيانه‪ ،‬وكل شيء من اآلخرة عيانه أعظم من مساعه‪ ،‬فليكفكم من العيان السماع‪ ،‬ومن الغيب اخلرب‪،‬‬
‫واعلموا أن ما نقص من الدنيا وزاد يف اآلخرة‪ ،‬خري مما نقص يف اآلخرة وزاد يف الدنيا‪ ،‬فكم من‬
‫منقوص رابح‪ ،‬وكم من مزيد خاسر‪.‬‬
‫واعلموا أن الذي أمرمت به أوسع من الذي هُن يتم عنه‪ ،‬وما أحل لكم أكثر مما حرم عليكم‪ ،‬فذروا ما‬
‫قل ملا كثر‪ ،‬وما ضاق ملا اتسع‪ ،‬وقد تُكفِّل لكم بالرزق‪ ،‬وأمرمت بالعمل‪ ،‬فال يكن املضمون لكم طلبه‬
‫أوىل بكم من املفروض عليكم‪ ،‬فبادروا بالعمل وخافوا بغتة األجل"‪.‬‬
‫عباد اهلل أوصيكم ونفسي بتقوى اهلل‪ ،‬وأحثكم على طاعته‪ ،‬وأستفتح بالذي هو خري‪.‬‬
‫السماو ِ‬
‫ات‬ ‫أيها اإلخوة املؤمنون يف كل مكان يقول اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬يف سورة احلجر‪َ (( :‬و َما َخلَ ْقنَا َّ َ َ‬
‫يل))(احلجر‪.)85S:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َو َما َبْيَن ُه َما ِإاَّل بِاحْلَ ِّق َوِإ َّن َّ‬
‫الص ْف َح اجْلَم َ‬
‫اص َف ِح َّ‬
‫اعةَ آَل تيَةٌ فَ ْ‬
‫الس َ‬ ‫اَأْلر َ‬
‫َو ْ‬
‫فالسماوات واألرض تعبري قرآين يطابق مفهوم‪ S‬الكون‪ ،‬والذي يبدو لعلماء الفلك من خالل املراصد‬
‫العمالقة أن هذا الكون ال‬
‫جمرة جديدة‪ ،‬وجنوم بعيدة‪ ،‬فهناك مئات ألوف‬ ‫حتدُّه هناية‪ ،‬وال حتيط به دراية‪ ،‬ففي كل يوم تُكتشف َّ‬
‫املاليني من اجملرات‪ ،‬ويف اجملرة الواحدة مئات ألوف املاليني من النجوم والكواكب‪ ،‬ويكفي أن نذكر‬
‫أنه مت اكتشاف جمرة بعدها عن أرضنا يزيد عن ستة عشر ألف مليون سنة ضوئية‪ ،‬علماً بأن الضوء‬
‫يقطع ما يقارب ثالمثائة ألف كيلومرت يف الثانية الواحدة‪ ،‬قال تعاىل‪(( :‬فَال ُأقْ ِسم مِب واقِ ِع الن ِ‬
‫ُّجوم َوِإنَّهُ‬
‫ُ‬ ‫ُ ََ‬
‫يم))(الواقعة‪.) 76 - 75:‬‬ ‫ِ‬
‫لََق َس ٌم لَ ْو َت ْعلَ ُمو َن َعظ ٌ‬
‫فال يعرف ما تعنيه مواقع النجوم إال العلماء‪ ،‬ومن عرف ما تعنيه مواقع النجوم خشع قلبه‪ ،‬وخشعت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫)و ِم َن الن ِ‬
‫ك ِإمَّنَا‬ ‫اب َواَأْلْن َع ِام خُمْتَل ٌ‬
‫ف َألْ َوانُهُ َك َذل َ‬ ‫َّو ِّ‬
‫َّاس َوالد َ‬ ‫جوارحه‪ ،‬وخر هلل ساجداً‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫ِإ‬ ‫ِ ِ ِِ‬
‫ور) (فاطر‪)28:‬‬ ‫خَي ْ َشى اللَّهَ م ْن عبَاده الْعُلَ َماءُ َّن اللَّهَ َع ِز ٌيز َغ ُف ٌ‬

‫‪148‬‬
‫يقول اإلمام الشافعي رضي اهلل عنه‪" :‬إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم‪ ،‬وإذا أردت اآلخرة فعليك‬
‫بالعلم‪ ،‬وإذا أردهتما معاً فعليك بالعلم "‪.‬‬
‫اعةَ آَل تِيَةٌ‬ ‫ض َو َما َبْيَن ُه َما ِإاَّل بِاحْلَ ِّق َوِإ َّن َّ‬ ‫نعود إىل اآلية الكرمية‪ (( :‬وما خلَ ْقنَا َّ ِ‬
‫الس َ‬ ‫اَأْلر َ‬
‫الس َم َاوات َو ْ‬ ‫ََ َ‬
‫س خلق السماوات واألرض‪ ،‬فماذا تعين كلمة " احلق‬ ‫ِ‬
‫يل))(احلجر‪ )85S:‬فاحلق البَ َ‬ ‫الص ْف َح اجْلَم َ‬
‫اص َف ِح َّ‬ ‫فَ ْ‬
‫"؟‬
‫اطالً‬‫السماء واَأْلرض وما بيَنهما ب ِ‬
‫يا لروعة القرآن إنه يفسر بعضه بعضاً قال اهلل تعاىل‪َ (( :‬و َما َخلَ ْقنَا َّ َ َ َ ْ َ َ َ َْ ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫))(ص‪ ،)27:‬فاحلق إذاً مناقض للباطل‪ ،‬وقال‬ ‫ين َك َفُروا م َن النَّا ِر ّ‬ ‫ين َك َفُروا َف َويْ ٌل للَّذ َ‬‫ك ظَ ُّن الذ َ‬ ‫َذل َ‬
‫ِ‬
‫ني))(االنبياء‪ )16:‬فاحلق إذاً مناقض للّعب‪،‬‬ ‫ض َو َما َبْيَن ُه َما العبِ َ‬ ‫اَأْلر َ‬
‫الس َماءَ َو ْ‬ ‫((و َما َخلَ ْقنَا َّ‬
‫تعاىل‪َ :‬‬
‫واحلق إذاً ليس باطالً وليس لعباً‪ ،‬وإذا كان الباطل هو الشيء الزائل والزاهق فاحلق هو الثابت املستقر‬
‫األبدي‪.‬‬
‫وإذا كان اللعب هو الشيء العابث غري اهلادف؛ فاحلق هو الذي ينطوي على هدف كبري‪ ،‬وهو‬
‫االستقرار اهلادف‪ ،‬أو احلكمة الثابتة‪ ،‬فما اهلدف واحلكمة من خلق السماوات واألرض؟‬
‫قال بعض العلماء يف تفسري اآلية الكرمية‪ ..(( :‬خلق اهلل السماوات واألرض َمظهراً ألمسائه احلسىن‬
‫وصفاته الفضلى‪ ،‬وخلقنا كي نتعرف إليه من خالل خلق السماوات واألرض‪ ،‬فإذا عرفناه عبدناه‪،‬‬
‫تعرف إىل اهلل وعبده حق العبادة‪،‬‬ ‫وإذا عبدناه حق العبادة سعدنا بعبادته يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬فمن َّ‬
‫وسعد بقربه؛ فقد حقق اهلدف من خلق السماوات واألرض‪ ،‬وحقق اهلدف من خلقه‪ ،‬وقد ورد يف‬
‫األثر القدسي‪(( :‬ابن آدم اطلبين جتدين فإذا وجدتين وجدت كل شيء‪ ،‬وإن فتُّك فاتك كل شيء‪،‬‬
‫أحب إليك من كل شيء‪S.))...‬‬ ‫وأنا ُّ‬
‫يا رب ماذا وجد من فقدك‪ ،‬وماذا َف َق َد من وجدك‪.‬‬
‫فمعرفة اهلل أمر مصريي يف حياة اإلنسان‪ ،‬فمن مل يعرف ربه‪ ،‬ومن مل يهتد هبداه؛ ضل عقله‪ ،‬وشقيت‬
‫نفسه‪ ،‬وحزن على ما فاته‪ ،‬وخاف مما هو آت‪ ،‬وكان هلوعاً جزوعاً منوعاً قال تعاىل‪ (( :‬قَ َال ْاهبِطَا‬
‫ض ع ُد ٌّو فَِإ َّما يْأتِينَّ ُكم ِميِّن هدى فَم ِن اتَّبع ه َداي فَال ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُّل َوال يَ ْش َقى))(طه‪S:‬‬ ‫َ َ ْ ُ ً َ ََ ُ َ َ‬ ‫ض ُك ْم لَب ْع ٍ َ‬ ‫مْن َها مَجِ يعاً َب ْع ُ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوال ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِإ ِ‬
‫اي فَال َخ ْو ٌ‬ ‫دى فَ َم ْن تَب َع ُه َد َ‬ ‫‪ُ (( )123‬قْلنَا ْاهبطُوا مْن َها مَج يعاً فَ َّما يَْأتَينَّ ُك ْم ميِّن ُه ً‬
‫حَيَْزنُو َن))(البقرة‪ِ (( )38:‬إ َّن اِأْل نْ َسا َن ُخلِ َق َهلُوعاً ))(املعارج‪.)19:‬‬
‫فهذا اهلدي الرباين كيف نقنع الناس به؟ وكيف حنملهم على اتباعه؟ وملاذا دخل الناس يف دين اهلل‬
‫ناس كثريون من دين اهلل‬ ‫أفواجاً يف عهد النيب ‪ ،-  -‬ويف عهد صحابته الراشدين؟ وملاذا خرج ٌ‬
‫أفواجاً يف عهود الحقة؟ وملاذا كان الواحد من أصحاب رسول اهلل ‪ -  -‬كألف؟ وملاذا صار‬
‫كأف؟ وملاذا جنح األنبياء يف تزكية نفوس أتباعهم والسمو هبا‪ ،‬ومل ينجح‬ ‫األلف من بعض املسلمني ٍّ‬
‫غريهم من دعاة اإلصالح وأدعياء الدين؟‬

‫‪149‬‬
‫يقول أحد املفكرين‪ :‬إن مثالً واحداً أنفع للناس من عشرة جملدات‪ ،‬ألن األحياء ال تصدق إال املثل‬
‫احلي‪ ،‬هلذا كان النيب الواحد مبثله اخللقي احلي وجهاده أهدى للبشرية من آالف الكتَّاب الذين ملؤوا‬
‫بالفضائل واحلكم بطون اجمللدات‪ ،‬وإن أكثر الناس يستطيعون الكالم عن املثل العليا‪ ،‬ولكنهم ال‬
‫يعيشوهنا‪ ،‬هلذا كانت حياة األنبياء إعجازاً‪ ،‬وكانت نتائج دعوهتم إعجازاً‪ ،‬بينما ال تلقى دعوة‬
‫الداعني غري املخلصني من أتباعهم إال االستخفاف والسخرية‪ ،‬فاإلسالم ال حيييه إال املثل األعلى‪،‬‬
‫والقدوة احلسنة‪ ،‬والسلوك املستقيم‪ ،‬واالنضباط الذايت‪ ،‬والعفة عن املطامع واحملارم‪ ،‬والعمل الصاحل‪،‬‬
‫والتضحية واإليثار قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪(:-‬ليس اإلميان بالتمين وال بالتحلي‪ ،‬ولكن ما وقر يف‬
‫القلب‪ ،‬وصدقه العمل)‪ ،‬وقال أيضاً‪(:‬ركعتان من ورِع خريٌ من ألف ركعة من خملط)‪ S،‬واملخلط هو‬
‫الذي خلط عمالً صاحلاً وآخر سيئاً‪ ،‬وقال ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪( :-‬من مل يكن له ورع يصده‬
‫عن حمارم اهلل إذا خال مل يعبأ اهلل بشيء من عمله)‪S.‬‬
‫روي أن سيدنا عمر رأى راعياً يرعى شياهاً‪ ،‬فقال له‪ :‬بعين هذه الشاة وخذ مثنها‪ ،‬فقال الراعي‪:‬‬
‫ليست يل‪ ،‬قال عمر‪ :‬قل لصاحبها ماتت أو أكلها الذئب ‪ -‬وهو هبذا ميتحنه ‪ ،-‬فقال الراعي‪ :‬ليست‬
‫يل‪ ،‬قال عمر‪ :‬خذ مثنها!! عندها قال الراعي‪ :‬واهلل إنين بأشد احلاجة إىل مثنها‪ ،‬ولو قلت لصاحبها‬
‫ماتت أو أكلها الذئب لصدقين فإين عنده صادق أمني‪ ،‬ولكن أين اهلل؟‬
‫لقد وضع هذا الراعي يده على جوهر الدين‪ ،‬ولو أن حظه من الثقافة الدينية حمدود‪ ،‬فكفى باملرء‬
‫علماً أن خيشى اهلل‪ ،‬وكفى به جهالً أن يعصيه‪.‬‬
‫نفسه أن يأخذ ما ليس له حبق‪ ،‬وليس عليه رقيب أو شهيد؛ فقال يف نفسه كما‬ ‫أحدنا ُ‬ ‫فإذا حدثت َ‬
‫قال هذا الراعي‪ :‬ولكن أين اهلل؟ فهو قد عرف اهلل‪ ،‬وصحت عباداته‪ ،‬أما إذا أخذ ما ليس له حبق أن‬
‫يأخذه فلن تنفعه ثقافته الدينية مهما اتسعت‪ ،‬وقد ال يقبل اهلل منه عباداته وأعماله مهما كثرت‪.‬‬
‫لرتك درهم من حرام خري من مثانني حجة بعد حجة‬ ‫واهلل ُ‬ ‫قال سهل التسرتي ‪ -‬رمحه اهلل تعاىل ‪ِ " :-‬‬
‫اإلسالم‪ ،‬وقيل‪ :‬ليس الويل من يفعل خوارق العادات‪ ،‬ولكنه من جتده عند األمر والنهي يف امللمات"‪،‬‬
‫وقال سيدنا عمر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ألويس القرين ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ " :-‬عظين يا أويس!!‪ ،‬فقال‬
‫أويس‪" :‬ابتغ رمحة اهلل عند طاعته‪ ،‬واحذر نقمته عند معصيته‪ ،‬وال تقطع رجاءك فيما بينهما "‪.‬‬
‫ويف القرآن الكرمي إشارات دقيقة إىل الصفات الرفيعة اليت جيب أن يتحلى هبا كل من دعا إىل اهلل‪،‬‬
‫وتصدى هلذه املهمة املقدسة‪ ،‬فال بد من الرتفع عن الدنيا وما فيها‪ ،‬وال ينبغي أن يُتخذ الدين مطية‬
‫للدنيا‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬تعاىل‪:-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني اتَّبِعُوا َم ْن ال يَ ْسَألُ ُك ْم ْ‬
‫َأجراً َو ُه ْم‬ ‫صى الْ َمدينَة َر ُج ٌل يَ ْس َعى قَ َال يَا َق ْوم اتَّبِعُوا الْ ُم ْر َسل َ‬
‫((و َجاءَ م ْن َأقْ َ‬
‫َ‬
‫ُم ْهتَ ُدو َن))(يّس‪ ،)21 -20S:‬وال بد من العمل الصاحل فهو دليل صدق الداعية‪ ،‬وسبب جناح الدعوة‬

‫‪150‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫قال ‪ -‬تعاىل‪ (( :-‬ومن َأحسن َقوالً مِم َّن دعا ِإىَل اللَّ ِه وع ِمل حِل‬
‫ني))‬‫صا اً َوقَ َال ِإنَّيِن م َن الْ ُم ْسلم َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ْ ْ ََ‬
‫(فصلت‪.)33:‬‬
‫وال بد من الصرب على الطاعة وعن املعصية‪ ،‬وعلى من تدعوه فهو عالمة الصدق يف طلب اجلنة‪،‬‬
‫ِ ِئ‬
‫((و َج َع ْلنَا مْن ُه ْم َأ َّمةً َي ْه ُدو َن بِ َْأم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫صَبُروا‬ ‫واإلصرار على الفوز برضوان اهلل‪ ،‬قال اهلل ‪ -‬تعاىل‪َ :-‬‬
‫َو َكانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُو َن))(السجدة‪.)24:‬‬
‫وال بد من االنقياد التام ألوامر اهلل كلها يف املنشط واملكره‪ ،‬وما عُرفت حكمته وما مل تُعرف‪،‬‬
‫فالرضا مبكروه القضاء أرفع درجات اليقني قال اهلل ‪ -‬تعاىل‪ (( :-‬وِإ ِذ ابَتلَى ِإبر ِاهيم ربُّه بِ َكلِم ٍ‬
‫ات‬ ‫َ ْ َْ َ َ ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫َّاس ِإماماً قَ َال و ِمن ذُِّريَّيِت قَ َال ال ين ُ ِ‬ ‫اعلُ ِ‬
‫فََأمَتَُّه َّن قَ َال ِإيِّن َج ِ َ‬
‫ني))(البقرة‪.)124:‬‬ ‫ال َع ْهدي الظَّالم َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ْ‬ ‫ك للن ِ َ‬
‫وال بد أن تكون اخلشية هلل وحده قال اهلل ‪ -‬تعاىل‪ (( :-‬الَّ ِذين يبلِّغُو َن ِرس ِ‬
‫االت اللَّ ِه َوخَي ْ َش ْونَهُ َوال‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫َأحداً ِإاَّل اللَّهَ َو َك َفى بِاللَّ ِه َح ِسيباً))(األحزاب‪.)39:‬‬
‫خَي ْ َش ْو َن َ‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬كان النيب ‪ -  -‬مثالً أعلى ألصحابه األطهار‪ ،‬وأسو ًة حسنةً للمؤمنني‬
‫األخيار‪ ،‬وقدوة صاحلة ألتباعه األبرار‪ ،‬فقد اتسمت دعوته باتساع رقعتها‪ ،‬وامتداد أمدها‪ ،‬وعمق‬
‫تأثريها‪ ،‬ألنه طبق بسلوكه ما قاله بلسانه‪ ،‬فقد كان ‪ -  -‬على خلق عظيم‪ ،‬وكان خلقه القرآن‪،‬‬
‫وأحبه أصحابه إىل درجة فاقت حد التصور‪ ،‬وأطاعوه طاعةً جاوزت حدود اخليال‪ ،‬قال أبو سفيان‬
‫يوم كان مشركاً‪" :‬ما رأيت أحداً حيب أحداً كحب أصحاب حممد حممداً "‪.‬‬
‫فالسر يف قوة تأثري النيب ‪ -  -‬يف أصحابه أنه كان هلم أسوة حسنة‪ ،‬وقدوة صاحلة‪ ،‬ومثالً حُي تذى‪،‬‬
‫النيب العدنان‪ ":‬واهلل لقد دلين على هذا النيب األمي أنه كان ال يأمر خبري إال‬ ‫قال ملك عمان وقد التقى َّ‬
‫كان أول آخذ به‪ ،‬وال ينهى عن شيء إال كان أول تارك له‪ ،‬وأنه يغلب فال يبطر‪ ،‬ويُغلب فال‬
‫يضجر‪ ،‬ويفي بالعهد‪ ،‬وينجز الوعد"‪.‬‬
‫لقد كان ‪ -  -‬جم التواضع‪ ،‬وافر األدب‪ ،‬يبدأ الناس بالسالم‪ ،‬وينصرف بكله إىل حمدثه صغرياً‬
‫كان أو كبرياً‪ ،‬ويكون آخر من يسحب يده إذا صافح‪ ،‬وإذا تصدق وضع الصدقة بيده يف يد‬
‫ماداً رجليه قط‪ ،‬ومل يكن يأنف من عمل‬ ‫جلس جلس حيث ينتهي به اجمللس‪ ،‬مل يُر َّ‬ ‫املسكني‪ ،‬وإذا َ‬
‫لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو جار‪ ،‬وكان يذهب إىل السوق وحيمل بضاعته ويقول‪ :‬أنا أوىل‬
‫حبملها‪ ،‬وكان جييب دعوة احلر والعبد واملسكني‪ ،‬ويقبل عذر املعتذر‪.‬‬
‫وكان يرفو ثوبه‪ ،‬وخيصف نعله‪ ،‬وخيدم نفسه‪ ،‬ويعقل بعريه‪ ،‬ويكنس داره‪ ،‬وكان يف مهنة أهله‪،‬‬
‫وكان يأكل مع اخلادم‪ ،‬ويقضي حاجة الضعيف والبائس‪ ،‬و ميشي هوناً‪ ،‬خافض الطرف‪ ،‬متواصل‬
‫تكلم تكلم جبوامع الكلم‪.‬‬ ‫األحزان‪ ،‬دائم الفكرة‪ ،‬ال ينطق من غري حاجة‪ ،‬طويل السكوت‪ ،‬إذا َ‬
‫وكان دمثاً‪ ،‬ليس باجلاحف وال املهني‪ ،‬يعظم النعم وإن دقت‪ ،‬وال يذم منها شيئاً‪ ،‬وال يذم مذاقاً وال‬
‫ميدحه‪ ،‬وال تغضبه الدنيا وال ما كان هلا‪ ،‬وال يغضب لنفسه وال ينتصر هلا‪.‬‬

‫‪151‬‬
‫إذا غضب أعرض وأشاح‪ ،‬وإذا فرح غض طرفه‪ ،‬وكان يؤلف وال يفرق‪ ،‬ويقرب وال ينفر‪ ،‬ويكرم‬
‫كرمي كل قوم ويوليه عليهم‪ ،‬ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما يف الناس‪ ،‬وحُيَ ِّسن احلسن ويصوبه‪،‬‬
‫ويقبح القبيح ويوهنه‪ ،‬و ال يقصر عن حق وال جياوزه‪ ،‬وال حيسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه‪،‬‬
‫من سأله حاجة مل يرده إال هبا‪ ،‬أو ما يسره من القول‪.‬‬
‫فحاش‪ ،‬وال عيَّاب‬ ‫صخاب وال َّ‬ ‫كان دائم البشر‪ ،‬سهل اخللق‪ ،‬لني اجلانب‪ ،‬ليس بفظ وال غليظ‪ ،‬وال َّ‬
‫مزاح‪ ،‬يتغافل عما ال يشتهي‪.‬‬‫وال َّ‬
‫وال خييب فيه مؤمله‪ ،‬وكان ال يذم أحداً وال يعرِّي ه وال يطلب عورته‪ ،‬وال يتكلم إال فيما يُرجى‬
‫ثوابه‪ ،‬يضحك مما يضحك منه أصحابه‪ ،‬ويتعجب مما يتعجبون‪ ،‬ويصرب على الغريب وعلى جفوته يف‬
‫مسألته ومنطقه‪ ،‬وال يقطع على أحد حديثه حىت جيوزه‪.‬‬
‫احلديث عن مشائله ‪ -  -‬ال تتسع له اجمللدات‪ ،‬وال خطب يف سنوات‪ ،‬ولكن اهلل ‪ -‬جل يف عاله‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم))(القلم‪.)4:‬‬
‫((وِإن َ‬
‫‪ -‬خلصها بكلمات فقال‪َ :‬‬
‫واملثل األعلى الذي ضربه النيب ‪ -  -‬بسريته وخلقه محل أصحابه الكرام على أن يهتدوا هبديه‪،‬‬
‫ويتبعوا سنته‪ ،‬ويقتفوا أثره‪ ،‬فهذا عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يقتدي برسول اهلل ‪-  -‬‬
‫فيجعل من سلوكه ومواقفه مثالً أعلى حُي تذى‪ ،‬فكان إذا أراد إنفاذ أم ٍر مجع أهله وخاصته وقال هلم‪":‬‬
‫إين أمرت الناس بكذا‪ ،‬وهنيتهم عن كذا‪ ،‬والناس كالطري إن رأوكم وقعتم وقعوا‪ ،‬واميُ اهلل ال أوتني‬
‫بواحد وقع فيما هنيت الناس عنه إال ضاعفت له العقوبة ملكانته مين" فصارت القرابة من عمر ‪-‬‬
‫رضي اهلل عنه ‪ -‬مصيبة‪.‬‬
‫وقد جسد هذا اخلليفة الراشد ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬بسلوكه قيم احلق واخلري يف أهبى صورها‪ ،‬جسدها‬
‫مبواقفه وأحكامه فكان حبق بطل مبدأ مضى حنو حتقيقه من دون أن ينظر إىل الثمن‪.‬‬
‫ويف خالفة سيدنا عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬جاءه إىل املدينة جبلة بن األيهم آخر ملوك‬
‫الغساسنة معلناً إسالمه‪ ،‬وقد رحب به عمر‪ ،‬لكن بدوياً من فزارة داس على طرف ردائه‪ ،‬فغضب‬
‫امللك والتفت إىل هذا البدوي وضربه‪ ،‬وهشم أنفه‪ ،‬فشكاه الفزاري إىل عمر بن اخلطاب ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنه ‪ ،-‬واستدعي عمر امللك الغساين إىل جملسه‪ ،‬ودار بينهما حوار صيغ على الشكل التايل‪:‬‬
‫قال عمر‪ :‬يا ابن أيهم جاءين هذا الصباح مشهد يبعث يف النفس املرارة‪ ،‬بدوي من فزارة ٍ‬
‫بدماء‬
‫تتظلم‪ ،‬جبراج تتكلم‪ ،‬مقلةٌ غارت‪ ،‬وأنف قد هتشم‪ ،‬وسألناه فألقى فادح الوزر عليك بيديك‪،‬‬
‫أصحيح ما ادعى هذا الفزاري اجلريح؟‬
‫قال جبلة‪ :‬لست ممن ينكر أو يكتم شيئاً‪ ،‬أنا أدبت الفىت‪ ،‬أدركت حقي بيدي‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫قال عمر‪ :‬أي حق يا ابن أيهم‪ ،‬عند غريي يقهر املستضعف العايف ويظلم‪ ،‬عند غريي جبهةٌ باإلمث‬
‫بالباطل تلطم‪ ،‬نزوات اجلاهلية ورياح العنجهية قد دفناها‪ ،‬وأقمنا فوقها صرحاً جديداً‪ ،‬وتساوى‬
‫الناس أحراراً لدينا وعبيداً‪.‬‬
‫أرض الفىت‪ ،‬البد من إرضائه‪ ،‬ما زال ظفرك عالقاً بدمائه‪ ،‬أو يهشمن اآلن أنفك‪ ،‬وتنال ما فعلته‬‫ِ‬
‫كفك‪.‬‬
‫خير النجم أرضاً‪،‬‬ ‫فقال جبلة‪ :‬كيف ذاك يا أمري املؤمنني هو سوقة وأنا صاحب تاج‪ ،‬كيف ترضى أن َّ‬
‫وأعز‪ ،‬أنا مرت ٌد إذا أكرهتين‪.‬‬ ‫كان ومهاً ما جرى يف خلدي أنين عندك أقوى ّ‬
‫فقال عمر‪ :‬عامَل نبنيه كل صدع فيه بشبا السيف يداوى‪ ،‬وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى‪.‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬كلكم يعلم ماذا فعل جبلة بعد موقف عمر هذا ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪.-‬‬
‫لقد أدرك أعالم العلماء من السلف الصاحل أثر القدوة احلسنة يف هتذيب النفوس والسمو هبا‪ ،‬ومحلها‬
‫على عظائم األعمال‪ ،‬فوعظوا أنفسهم قبل أن يعظوا غريهم‪ ،‬لذلك كان تأثريهم يف معاصريهم‬
‫شديداً‪ ،‬وهيبتهم عند أويل األمر عظيمة‪ ،‬قال اإلمام الغزايل‪" :‬الوعظ زكاة االتعاظ‪ ،‬ومن ال نصاب له‬
‫كيف خيرج الزكاة‪ ،‬وقد قال النيب ‪( :-  -‬تركت فيكم واعظني‪ :‬ناطقاً وصامتاً‪ ،‬فالناطق هو‬
‫القرآن‪ ،‬والصامت هو املوت‪ ،‬وفيهما كفاية لكل متعظ)‪.‬‬
‫أنت فمصدقةٌ بأن القرآن هو الواعظ الناطق‪ ،‬فإن اهلل ‪-‬‬ ‫فقلت لنفسي ( هذا قول اإلمام الغزايل )‪ :‬أما ِ‬
‫تعاىل‪ -‬يقول فيه‪:‬‬
‫َأع َماهَلُ ْم فِ َيها َو ُه ْم فِ َيها ال يُْب َخ ُسو َن ))(هود‪،)15S:‬‬
‫ف ِإلَْي ِه ْم ْ‬
‫الد ْنيَا َو ِزينََت َها نُ َو ِّ‬ ‫(( َم ْن َكا َن يُِر ُ‬
‫يد احْلَيَا َة ُّ‬
‫فقد وعدك ( خياطب نفسه ) اهلل ‪ -‬تعاىل‪ -‬بالنار على إرادة الدنيا وحبها‪ ،‬وكل ما ال يصحبك بعد‬
‫ألذ األكالت لتحاشيتها واتقيتها‪،‬‬ ‫املوت فهو من الدنيا‪ ،‬ولو أن طبيباً وعدك باملرض على تناول ِّ‬
‫أيكون الطبيب عندك أصدق من اهلل ‪ -‬تعاىل‪ ،-‬فإن كان كذلك فما أكفرك‪ ،‬وإن كان املرض أشد‬
‫عندك من النار فما أجهلك‪ ،‬مث وعظنا بالواعظ الصامت وهو املوت‪ ،‬فقلت قد أخرب الواعظ الناطق‬
‫وع ُدو َن‬ ‫عن الواعظ الصامت‪ ،‬حيت قال اهلل تعاىل‪َ (( :‬أَفرَأيت ِإ ْن متَّعنَ ِ ِ‬
‫ني مُثَّ َجاءَ ُه ْم َما َكانُوا يُ َ‬
‫اه ْم سن َ‬
‫ََْ َْ ُ‬
‫َما َأ ْغىَن َعْن ُه ْم َما َكانُوا مُيَتَّعُو َن))(الشعراء‪)207 - 205:‬‬
‫وهكذا جند كيف أن القدوة تفعل فعل السحر يف النفوس‪ ،‬ألن الناس ال يتعلمون بآذاهنم بل يتعلمون‬
‫بعيوهنم‪ ،‬ولغة العمل أبلغ من لغة القول‪ ،‬لذلك ال تستطيع أن تقنع الناس بشيء إال إذا كنت قانعاً‬
‫به‪ ،‬وال تستطيع أن حتملهم على اتباعه إال إذا سبقتهم إليه‪ ،‬عندئذ تكون أنت أيها الداعية قدوة‬
‫حسنة‪.‬‬
‫والقدوة احلسنة هي حقيقة مع الربهان عليها‪ ،‬فمىت يستقيم الظل والعود أعوج‪ ،‬فأنت أيها املسلم‬
‫على ثغرة من ثغر اإلسالم فال يؤتني من قبلك‪ ،‬وال يصلح آخر هذه األمة إال مبا صلح به أوهلا ورد‬

‫‪153‬‬
‫يف األثر القدسي‪(:‬إن هذا الدين قد ارتضيته لنفسي‪ ،‬وال يصلحه إال السخاء وحسن اخللق‪ ،‬فأكرموه‬
‫هبما ما صحبتموه)‪S.‬‬
‫أيها اإلنسان‪ :‬صانك اهلل فال تبتذل‪ ،‬وأعزك فال تَذل‪ ،‬وأعالك فال تسفل‪ ،‬ونقَّاك فال تتلطخ‪ ،‬هو يسر‬
‫لك فال تتعسر‪ ،‬وقربك فال تتباعد‪ ،‬وأحبك فال تتبغض‪ ،‬جد بك فال تكسل‪ ،‬واستخلفك فال تتكل‪،‬‬
‫وأعتقك فال تتعبد لغريه‪ ،‬وأقالك فال تتعثر‪ ،‬ونسبك فال جتحد‪ ،‬وجربك فال تنكسر‪ ،‬وأنبتك فال تذ ِو‪،‬‬
‫وحسنك فال تقبح‪ ،‬وحالك فال تسمج‪ ،‬وعلمك فال جتهل‪ ،‬ونوه بك فال ختمل‪ ،‬وقواك فال تضعف‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ولطفك فال تكثف‪ ،‬وأسرك فال تنكشف‪ ،‬وانتظرك فال تتوقف‪ ،‬وأمنك فال تتخوف‪ ،‬وقومك فال‬
‫تتقصف‪ ،‬وندَّاك فال تنشف‪.‬‬
‫أيها اإلخوة املؤمنون‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن حتاسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم‪،‬‬
‫واعلموا أن ملك املوت قد ختطانا إىل غرينا‪ ،‬وسيتخطى غرينا إلينا‪ ،‬فلنتخذ حذرنا‪ ،‬الكيس من دان‬
‫نفسه وعمل ملا بعد املوت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها ومتىن على اهلل األماين‪.‬‬
‫كل خملوق ميوت‪ ،‬وال يبقى إال ذو العزة واجلربوت‪ ،‬والليل مهما طال فال بد من طلوع الفجر‪،‬‬
‫والعمر مهما طال فال بد من نزول القرب‪ ،‬إذا رجع العبد العاصي إىل اهلل سطع نور بني السماء‬
‫مناد ِمن قِبَ ِل اهلل ‪ -‬جل وعال ‪ :-‬أيتها اخلالئق هنئوا فالناً فقد اصطلح مع اهلل‪،‬‬ ‫واألرض‪ ،‬ونادى ٍ‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‪.‬‬
‫اخلطبة الثانية‪:‬‬
‫أيها اإلخوة الكرام‪ :‬قلت يف اخلطبة األوىل إن جوهر الدين أن يعرف اإلنسان ربه‪ ،‬وإن الكون كله‬
‫مظهر ألمساء اهلل احلسىن‪ ،‬وإن التفكر يف خملوقات اهلل باب واسع من أبواب معرفة اهلل‪ ،‬وإن اإلنسان‬
‫إذا تفكر يف خلق اهلل عرفه‪ ،‬وإذا عرفه عبده وعبده سعد يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقد وصف اهلل ‪ -‬تعاىل‪-‬‬
‫املؤمنني بأهنم يتفكرون يف خلق السماوات واألرض‪ ،‬وقد حضنا اهلل على التف ّكر يف بعض آياته‪،‬‬
‫ِ‬
‫ت ))(الغاشية‪.)17:‬‬ ‫ف ُخل َق ْ‬‫ومنها اإلبل فقال‪َ (( :‬أفَال َيْنظُُرو َن ِإىَل اِأْل بِ ِل َكْي َ‬
‫فلو أمعن املرء النظر إىل اجلمل لرآه من أبدع املخلوقات‪ ،‬إنه أعجوبة يف اهلندسة التشرحيية‪ ،‬فاجلمل‬
‫عد وسيلة ال تُقدر بثمن يف املناطق الصحراوية واليت تغطي سدس مساحة اليابسة‪ ،‬واليت تستعصي‬ ‫يُ ُّ‬
‫حىت على أقوى املركبات‪ ،‬ويف العامل ما يزيد عن مخسة عشر مليوناً من اجلمال تزداد باستمرار‪ ،‬فكل‬
‫ما يف اجلمل متقن التصميم للتكيف مع بيئته القاسية‪.‬‬
‫فعينه هلا أهداب كثيفة‪ ،‬ومزدوجة‪ ،‬حتجب عنها الرمال املتطايرة‪ ،‬وتتميز العني بقدرهتا على التكبري‬
‫والتقريب‪ ،‬فهي تريه البعيد قريباً‪ ،‬والصغري كبرياً‪ ،‬وهذا سر انقياده لطفل صغري‪ ،‬أو لدابة قميئة قال‬
‫اها هَلُ ْم فَ ِمْن َها َر ُكوبُ ُه ْم َو ِمْن َها يَْأ ُكلُو َن ))(يّس‪)72:‬‬
‫تعاىل‪َ (( :‬وذَلَّْلنَ َ‬

‫‪154‬‬
‫سهل له احلركة‬ ‫ويف إمكان اجلمل إغالق أذنيه ومنخريه حفظاً من الغبار‪ ،‬أما أخفافه الضخمة فهي تُ ِّ‬
‫على الرمال من دون أن يغرز فيها‪ ،‬وشفتا اجلمل مطاطيتان قاسيتان‪ ،‬تلتهمان األشواك احلادة‪ ،‬ومها‬
‫فعالتان يف جتميع الطعام واألشواك حيث ال يفقد اجلمل أية رطوبة مبد لسانه إىل اخلارج (( َأفَال‬ ‫َّ‬
‫ت ))(الغاشية‪.)17:‬‬ ‫يْنظُرو َن ِإىَل اِأْل بِ ِل َكي ِ‬
‫ف ُخل َق ْ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ُ‬
‫ومن أبرز مزايا اجلمل قلة حاجته إىل املاء ومع أنه ميكنه أن يشرب ما ميأل حوض استحمام‪ ،‬لكنه‬
‫يستطيع أن يستغين عن املاء كلياً عشرات األيام بل بضعة أشهر‪ ،‬حيث يستطيع يف احلاالت الطارئة‬
‫أن يأخذ ما حيتاج إليه من ماء من أنسجة جسمه‪ ،‬فيخسر ربع وزنه من غري أن يضعف عن احلركة‪.‬‬
‫ويف السنام خيزن اجلمل من الشحم ما يعادل مخس وزنه‪ ،‬ومنه يسحب اجلمل ما حيتاج إليه من غذاء‬
‫إن مل جيد طعاماً‪ ،‬ومتوسط عمر اجلمل يزيد عن أربعني عاماً‪.‬‬
‫وال يسلس قياد اجلمل إال إذا عومل باحرتام ومودة وعطف‪ ،‬ويف هذا عربة لبين البشر (( َأفَال َيْنظُُرو َن‬
‫ت ))(الغاشية‪.)17:‬‬ ‫ِإىَل اِأْل بِ ِل َكي ِ‬
‫ف ُخل َق ْ‬
‫ْ َ‬
‫عرفتك يا رب يف حبث ويف فطرة فجئتك صباً طاهر القلب خاليا‬
‫لك يف اآلفاق آيات لعل أقلَّها نوراً بدا إليه هداك‬
‫فإن رأيت النبت يف الصحراء يربو وحده فاسأله من أرباك‬
‫وإن رأيت البدر يسري ناشراً أنواره فاسأله من ذا الذي أسراك‬
‫وإن رأيت النهر بالعذب قد جرى فاسأله من ذا الذي أجراك‬
‫وإن رأيت البحر يف امللح قد طغى فاسأله من ذا الذي أطغاك‬
‫وإن رأيت الليل يغشاك داجياً فاسأله من يا ليل حاك دجاك‬
‫وإن رأيت الصبح يسفر ضاحياً فاسأله من يا صبح حاك ضحاك‬
‫ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم‪ ،‬وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم‪ ،‬وال تؤاخذنا إن نسينا أو‬
‫أخطأنا‪ ،‬إنك أنت العفو الكرمي‪ ،‬وال تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا‪ ،‬وهب لنا من لدنك رمحة إنك أنت‬
‫الوهاب‪.‬‬
‫اللهم صن وجوهنا باليسار‪ ،‬وال تبذهلا باإلقتار‪ ،‬فنسرتزق من دونك‪ ،‬ونسأل شر خلقك‪ ،‬ونبتلى‬
‫حبمد من أعطى وذم من منع وأنت من فوقهم ويل العطاء‪ ،‬وبيدك وحدك خزائن األرض والسماء‪.‬‬
‫اللهم إنا نعوذ بك من اخلوف إال منك‪ ،‬ومن الذل إال لك‪ ،‬ومن الفقر إال إليك‪ ،‬و نعوذ بك من‬
‫عضال الداء‪ ،‬ومن السلب بعد العطاء‪ ،‬ومن مشاتة األعداء‪.‬‬
‫اللهم إنا نربأ من الثقة إال بك‪ ،‬ومن األمل إال فيك‪ ،‬ومن التسليم إال لك‪ ،‬ومن التفويض إال إليك‪،‬‬
‫ومن التوكل إال عليك‪ ،‬ومن الطلب إال منك‪ ،‬ومن الرضى إال عنك‪ ،‬ومن الصرب إال على بالئك‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫اللهم إنا نسألك خفايا لطفك‪ ،‬وفواتح توفيقك‪ ،‬ومألوف ّبرك‪ ،‬وعوائد إحسانك‪ ،‬ومجيل سرتك‪،‬‬
‫وروح قربك‪ ،‬وجفوة عدوك‪.‬‬
‫اللهم احرسنا عند الغىن من البطر‪ ،‬وعند الفقر من الضجر‪ ،‬وعند الكفاية من الغفلة‪ ،‬وعند احلاجة من‬
‫احلسرة‪ ،‬وعند الطلب من اخليبة‪ ،‬وعند املنازلة من الطغيان‪ ،‬فإنه ال عز إال يف الذل لك‪ ،‬وال غىن إال‬
‫يف الفقر إليك‪ ،‬وال أمن إال يف اخلوف منك‪.‬‬
‫اللهم اسقنا الغيث وال جتعلنا من القانطني‪ ،‬وال هتلكنا بالسنني‪ ،‬وال تؤاخذنا بفعل املسيئني يا أرحم‬
‫الرامحني‪.‬‬
‫اللهم اغفر للمؤمنني واملؤمنات‪ ،‬واملسلمني واملسلمات‪ ،‬األحياء منهم واألموات‪ ،‬إنك يا موالنا مسيع‬
‫جميب للدعوات‪.‬‬
‫اللهم أعز كلمة احلق والدين‪ ،‬وانصر اإلسالم وأعز املسلمني‪.‬‬
‫اللهم من أراد باإلسالم واملسلمني خرياً فوفقه لكل خري‪ ،‬ومن أراد هبم غري ذلك فخذه أخذ عزيز‬
‫مقتدر‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني‬
‫املصدر ‪http://www.nabulsi2.com/text/01friday/izai/friday-03.htm :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪156‬‬
‫اإلمام القدوة مسروق بن األجدع‬
‫جمدي عرفات‬
‫امسه ونسبه‪ :‬هو مسروق بني األجدع بن مالك بن أمية بن عبد اهلل بن مرة بن سلمان بن معمر‬
‫ويقال‪ :‬سالمان بن معمر بن احلارث بن سعد بن عبد اهلل بن وادعة بن عمر بن عامر اهلمداين‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫إنه ُس ِر َق وهو صغري مث ُوجد فسمي مسروقًا‪ ،‬وعداده يف كبار التابعني ويف املخضرمني الذين أسلموا‬
‫يف حياة النيب ‪.-  -‬‬
‫شيوخه‪ :‬حدث عن أيب بن كعب وعمر‪ ،‬وروى عن أم رومان ومعاذ بن جبل‪ ،‬وخباب وعائشة وابن‬
‫مسعود وعثمان وعلي وعبد اهلل بن عمرو وابن عمر ومعقل بن سنان واملغرية بن شعبة وغريهم‪.‬‬
‫الرواة عنه‪ :‬روى عنه الشعيب وإبراهيم النخعي وحيىي بن وثاب‪ ،‬وعبد اهلل بن مرة‪ ،‬وأبو وائل‪ ،‬وأبو‬
‫الضحى‪ ،‬وأبو إسحاق‪ ،‬وأبو األحوص اجلشمي‪ ،‬وأنس بن سريين‪ ،‬وأبو الشعثاء احملاريب وآخرون‪.‬‬
‫ثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫قال مرة اهلمداين وأبو السفر‪ :‬ما ولدت مهدانية مثل مسروق‪.‬‬
‫وقال‪ :‬كان مسروق أعلم بالفتوى من شريح وكان شريح أعلم بالقضاء من مسروق‪ ،‬وكان شريح‬
‫يستشري مسروقًا‪ ،‬وكان مسروق ال يستشري شرحيًا‪.‬‬
‫قال إبراهيم‪ :‬كان أصحاب عبد اهلل الذين يقرئون الناس ويعلموهنم السنة‪ :‬علقمة واألسود وعبيدة‬
‫ومسروقًا واحلارث بن قيس وعمرو بن شرحبيل‪.‬‬
‫أحدا‪.‬‬
‫قال ابن املديين‪ :‬أنا ما أقدم على مسروق ً‬
‫قال ابن عيينة‪ :‬بقي مسروق بعد علقمة ال يفضل عليه أحد‪.‬‬
‫قال حيىي بن معني‪ S:‬مسروق ثقة ال يُسأل عن مثله‪.‬‬
‫قال العجلي‪ :‬تابعي ثقة كان أحد أصحاب عبد اهلل الذين يُقرئون ويُفتون وكان يصلي حىت ترم‬
‫قدماه‪.‬‬
‫قال ابن سعد‪ :‬كان ثقة له أحاديث صاحلة‪.‬‬
‫قال أبو نعيم‪ :‬ومنهم العامل بربه‪ ،‬اهلائم حببه‪ ،‬الذاكر لذنبه‪ ،‬يف العلم معروف‪ ،‬وبالضمان موثوق‪،‬‬
‫ولعباد اهلل معشوق‪ ،‬أبو عائشة املسمى مبسروق‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬ثقة فقيه عابد خمضرم‪S.‬‬
‫من أحواله وأقواله‪:‬‬
‫علما‪ ،‬فأخرب عن‬
‫قال الشعيب‪ :‬خرج مسروق إىل البصرة إىل رجل يسأله عن آية فلم جيد عنده فيها ً‬
‫رجل من أهل الشام‪ ،‬فقدم علينا هاهنا مث خرج إىل الشام إىل ذلك الرجل يف طلبها‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫قال أبو الضحى‪ :‬كان مسروق يقوم فيصلي كأنه راهب‪ ،‬وكان يقول ألهله‪ :‬هاتوا كل حاجة لكم‬
‫فاذكروها يل قبل أن أقوم إىل الصالة‪.‬‬
‫قال إبراهيم بن املنتشر‪ :‬كان مسروق يرخي السرت بينه وبني أهله ويقبل على صالته وخيليهم‬
‫ودنياهم‪.‬‬
‫ساجدا على وجهه حىت رجع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫قال أبو إسحاق‪ :‬حج مسروق فلم ينم إال‬
‫تورم قدماه‪ ،‬فرمبا جلست أبكي مما أراه يصنع بنفسه‪.‬‬ ‫وعن امرأته قالت‪ :‬كان مسروق يصلي حىت َّ‬
‫إيل‪ ،‬فهل لك علم بامل ْخ َدج(‬
‫عن مسروق قالت عائشة‪ :‬يا مسروق‪ ،‬إنك من ولدي وإنك ملن أحبهم َّ‬
‫ُ‬
‫‪.)1‬‬
‫قال إبراهيم بن املنتشر‪ :‬أهدى خالد بن عبد اهلل بن أسيد عامل البصرة إىل عمي مسروق ثالثني أل ًفا‬
‫وهو يومئذ حمتاج فلم يقبلها‪.‬‬
‫قال أبو إسحاق السبيعي‪ :‬زوج مسروق بنته بالسائب بن األقرع على عشرة آالف لنفسه جيعلها يف‬
‫اجملاهدين واملساكني‪.‬‬
‫فأسا‪،‬‬
‫قال أبو الضحى‪ :‬غاب مسروق عامالً على السلسلة سنتني مث قدم فنظر أهله يف خرجه فأصابوا ً‬
‫فقالوا‪ :‬غبت مث جئتنا بفأس بال عود‪ ،‬قال‪ :‬إنا هلل استعرناها نسينا نردها‪.‬‬
‫وقال الكليب‪ :‬شلت يد مسروق يوم القادسية وأصابته ّآمة‪.‬‬
‫قال الشعيب‪ :‬غشي على مسروق يف يوم صائف وكانت عائشة قد تبنته فَ َس ّمى بنته عائشة‪ ،‬وكان ال‬
‫يعصى ابنته شيًئا‪ ،‬قال‪ :‬فنزلت إليه فقالت‪ :‬يا أبتاه أفطر واشرب‪ ،‬قال‪ :‬ما أردت يب يا بنية؟ قالت‪:‬‬
‫الرفق‪ ،‬قال‪ :‬يا بنية‪ ،‬إمنا طلبت الرفق لنفسي يف يوم كان مقدراه مخسني ألف سنة‪.‬‬

‫أجرا‪ ،‬ويتأول هذه اآلية‪" :‬إن اهلل اشرتى‬


‫قال إبراهيم بن املنتشر‪ :‬كان مسروق ال يأخذ على القضاء ً‬
‫من املؤمنني أنفسهم وأمواهلم"‪.‬‬
‫شعرا‪.‬‬
‫وقال أبو الضحى‪ُ :‬سئل مسروق عن بيت شعر‪ ،‬فقال‪ :‬أكره أن أجد يف صحيفيت ً‬
‫إيل من أن أغزو سنة‪.‬‬‫يوما بعدل وحق‪ ،‬أحب َّ‬ ‫قال مسروق‪ :‬ألن أفيت ً‬
‫قال‪ :‬ما بقي شيء يُرغب فيه إال أن نعفر وجوهنا يف الرتاب‪ ،‬وما آسى على شيء إال السجود هلل ‪-‬‬
‫تعاىل ‪.-‬‬
‫علما أن خيشى اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬وكفى باملرء جهالً أن يعجب بعمله‪.‬‬ ‫قال‪ :‬كفى باملرء ً‬
‫قال‪ :‬من سره أن يعلم علم األولني واألخرين وعلم الدنيا واآلخرة فليقرأ سورة الواقعة‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬هذا قاله مسروق على املبالغة لعظم ما يف السورة من مُج ل أمور الدارين‪ ،‬ومعىن قوله‪:‬‬
‫أسفارا‪.‬‬
‫فليقرأ الواقعة أي يقرأها بتدبر وتفكر وحضور وال يكن كمثل احلمار حيمل ً‬

‫‪158‬‬
‫صف بعضكم لبعض فنزل ملك‬ ‫علي وعن مشاهده‪ ،‬قال‪ :‬أرأيتم لو أنه حني ّ‬ ‫قيل له‪ :‬أبطأت عن ٍّ‬
‫حاجزا لكم؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فواهلل‬‫فقال‪ :‬وال تقتلوا أنفسكم إن اهلل كان بكم رحيما أكان ذلك ً‬
‫لقد نزل هبا ملك كرمي على لسان نبيكم وإهنا حملكمة ما نسخها شيء‪.‬‬
‫أخذ بيد ابن أخ له فارتقى به على كناسة بالكوفة قال‪ :‬أال أريك الدنيا‪ ،‬هذه الدنيا أكلوها فأفنوها‪،‬‬
‫لبسوها فأبلوها‪ ،‬ركبوها فأمضوها (أخلفوها وأبلوها) واستحلوا فيها حمارم وقطعوا فيها أرحامهم‪.‬‬
‫قال ‪ -‬رمحه اهلل ‪ :-‬ما من شيء خري للمؤمن من حلد قد اسرتاح من مهوم الدنيا‪.‬‬
‫كان يتمثل‪:‬‬
‫ويكفيك مما أغلق الباب دونه‬
‫وُأرخي عليه السرت ملح وجردق‬
‫ماء فرات بارد مث تغتدي‬
‫تعارض أصحاب الثريد امللبق‬
‫جتشأ إذا ما جتشوا كأمنا‬
‫غذيت بألوان الطعام املفتق‬
‫قال‪ :‬إين أحسن ما أكون ظنًا حني يقول يل اخلادم‪ :‬ليس يف البيت قفيز وال درهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬إن املرء حلقيق أن يكون له جمالس خيلو فيها يتذكر ذنونه ويستغفر منها‪.‬‬
‫يوما‪.‬‬
‫قال‪ :‬لقد اختلفت إىل عبد اهلل بن مسعود من رمضان إىل رمضان ما أغبه ً‬
‫قال أبو األحوص‪ :‬مسعت ابن مسعود يقول ملسروق‪ :‬يا مسروق‪ ،‬أصبح يوم صومك دهينًا كحيالً‬
‫وإياك وعبوس الصائمني‪ ،‬وأجب دعوة من دعاك من أهل ملتك ما مل يظهر لك منه معزاف أو‬
‫وص ّل على من مات منهم‪ ،‬وال تقطع عليه الشهادة‪ ،‬واعلم أنك لو تلقى اهلل بأمثال اجلبال‬ ‫مزمار‪َ ،‬‬
‫وصل عليه وإن‬
‫ذنوبًا خري لك من أن تلقاه‪ -‬كلمة ذكرها‪ -‬وأن تقطع عليه الشهادة‪ ،‬يا مسروق ّ‬
‫أحلت على النيب ‪.-  -‬‬ ‫سئلت ُ‬‫علي وإن ُ‬ ‫سئلت فأحل َّ‬
‫مرجوما فإن َ‬ ‫ً‬ ‫رأيته مصلوبًا أو‬
‫قال الشعيب‪ :‬ما كان مسروق يشري على شريح بشيء إال أطاعه‪.‬‬
‫قال مسروق‪ :‬ال تنشر ّبزك إال عند من يبغيه‪ ،‬أي ال تنشر علمك إال عند من ينتفع به‪.‬‬
‫قال أبو وائل‪ :‬ملا احتضر مسروق قال‪ :‬أموت على أمر مل يسنه رسول اهلل ‪ -  -‬وال أبو بكر وال‬
‫عمر‪ ،‬أما إين لست أدع صفراء وال بيضاء إال ما يف سيفي هذا فبيعوه وكفنوين به‪.‬‬
‫قال مسروق‪ :‬ما عملت عمالً أخوف عندي أن يدخلين النار من عملكم هذا‪ ،‬وما يب أن أكون‬
‫دينارا وال درمهًا ولكن يب هذا احلبل الذي مل يسنه رسول اهلل ‪ -  -‬وال‬ ‫ومعاهدا ً‬
‫ً‬ ‫مسلما‬
‫ظلمت ً‬
‫أبو بكر وال عمر‪ ،‬فقيل له‪ :‬ما محلك على الدخول فيه؟ قال‪ :‬مل يدعين شريح وزياد والشيطان حىت‬
‫أدخلوين فيه‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫وفاته‪ :‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬سنة اثنتني وستني‪ ،‬وقيل ثالث وستني‪.‬‬
‫املراجع‪:‬‬
‫‪ -‬تاريخ دمشق البن عساكر‪.‬‬
‫حلية األولياء‪ - .‬سري أعالم النبالء‪.‬‬
‫تقريب التهذيب‪.‬‬
‫___________________‬
‫هامش‪:‬‬
‫(‪ )1‬املخدج اليد‪ :‬أي يده ناقصة اخللق قصرية‪.‬‬
‫‪ http://www.altawhed.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪160‬‬
‫عام جديد والقدوة المفقودة‬
‫صالح عبد املعبود‬
‫احلمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نيب بعده‪ ...‬وبعد‪:‬‬
‫فإن من يتصفح تاريخ أمتنا اإلسالمية جيد صفحاته النرية متتلئ بذكر صفات الفرد املسلم وحسن‬
‫ومن‬
‫تصرفاته وأهنا موافقة ملا يأمر به اإلسالم‪ ،‬فلقد كان اهلل ورسوله أحب إىل هذا الفرد مما سوامها‪َ ،‬‬
‫أحب شيًئا أطاعه وأكثر من ذكره‪ ،‬فكانت طاعة اهلل ورسوله سبيله يف هذه احلياة الدنيا‪ :‬ومن يطع‬
‫اهلل ورسوله وخيش اهلل ويتقه فأولئك هم الفائزون {النور‪.}52 :‬‬
‫كما كان لتمسك الفرد املسلم بدينه أثره البارز يف معاملة اآلخرين‪ ،‬فكان أحدهم إذا مشى يف طريقه‬
‫فكأمنا سار اإلسالم يف ذلك الطريق‪ ،‬فهناك ارتباط تام بني اإلميان والسلوك والعلم والعمل‪ ،‬فديننا‬
‫ليس جمموعة من الطقوس اليت تؤدى يف أوقات معينة‪ ،‬مث بعد ذلك يفعل اإلنسان ما يريد‪ ،‬ويطلق‬
‫لنفسه العنان لتفعل ما تشاء‪ ،‬بل العبادة وسيلة لرتشيد سلوك العبد مع ربه ومع نفسه ومع الناس‬
‫أمجعني‪ ،‬ولذلك عندما ذكروا لرسول اهلل ‪ -  -‬امرأة وذكروا من صالهتا وصيامها وصدقتها‬
‫وكانت تأخذ شيًئا من الليل غري أهنا تؤذي جرياهنا بلساهنا‪ ،‬فقال‪" :‬هي يف النار‪ ،" S...‬وذلك أن‬
‫العبادة مل تصبغ سلوك املرأة بصبغة اإلميان ولباس التقوى‪ S،‬فاإلميان ما وقر يف القلب وصدقه العمل‪.‬‬
‫أثرا وأعظم شأنًا من الدعوة الناطقة‪ ،‬وكان لسلوك النيب ‪-‬‬ ‫إن القدوة الصاحلة دعوة صامتة وهي أبلغ ً‬
‫‪ - ‬وأصحابه أثر يف دخول الناس يف دين اهلل فرادى ومجاعات‪ ،‬فإن الناس ينظرون يف سلوك‬
‫ورعا عامالً بعلمه وقَّافًا عند حدود ربه‪،‬‬
‫الداعي قبل االستماع إىل وعظه وكالمه‪ ،‬فإن كان تقيًا ً‬
‫قبلوا كالمه وكان فيه األثر‪ ،‬وكانت من ورائه الثمرة الطيبة‪ ،‬وإن كان األمر على النقيض من ذلك‬
‫أجوف ال ينبض‬
‫َ‬ ‫كالما‬
‫فإهنم ينظرون إليه بأعينهم وال تلتفت إليه قلوهبم‪ ،‬ومن هنا يصبح الوعظ ً‬
‫باحلياة وال حيرك يف الناس ساكنًا وال يأيت من ورائه نتيجة وال مثرة‪.‬‬
‫إن العامة وسواد األمة ليقعون يف حرج شديد عندما يرون قدوهتم وأسوهتم من الدعاة والعلماء‬
‫واملصلحني خيالفون بأعماهلم أقواهلم‪ ،‬وتلك آفة خطرية وداهية عظمى تثمر فقدان الثقة بني األمة‬
‫وقادهتا من العلماء وأهل الصدارة والقدوة‪.‬‬
‫والناظر يف سرية نيب األمة والداعي األول ‪ -  -‬جيد أنه قد لُقب قبل البعثة بالصادق األمني‪ ،‬فهل‬
‫بعد الصدق واألمانة إذا توفرتا يف شخص أن يكذب على اهلل أو خيون قومه ويدلس عليهم؟ فكان‬
‫من دواعي الثقة عند ذوي الفطر السليمة والعقول الناضجة صدق الداعي وأمانته وسلوكه وخلقه‬
‫العظيم الذي حتلى به وكان طبيعة فيه وميزة يف أحواله ومعامالته كلها مع العام واخلاص‪ ،‬وصح عنه‬
‫‪ -  -‬أنه قال‪" :‬جُي اءُ بالرجل يوم القيامة فيلقى يف النار فتندلق أقتابه يف النار ‪ -‬أي خترج أمعاؤه‬
‫من بطنه ‪ -‬فيدور كما يدور احلمار برحاه فيجتمع أهل النار عليه‪ ،‬فيقولون أي فالن ما شأنك كنت‬

‫‪161‬‬
‫آمركم باملعروف وال آتيه وأهناكم عن املنكر وآتيه"‪.‬‬ ‫تأمرنا باملعروف وتنهانا عن املنكر؟ قال‪ :‬كنت ُ‬
‫رواه البخاري‪.‬‬
‫فكانت عقوبته شديدة وعاقبته مريرة ألنه دل الناس على اخلري‪ ،‬فمنهم من استقام وفاز باجلنة‪ ،‬ورغم‬
‫أنه كان سببًا يف جناة غريه إال أنه مل ينتفع هو بعلمه‪ ،‬فكان مبثابة النار اليت تأكل نفسها لتضيء‬
‫لغريها‪ ،‬وتلك هي خسارة الدنيا واآلخرة‪ ،‬أن خيرج اإلنسان بغري زاد رغم معرفته وعلمه الذي آتاه‬
‫اهلل إياه‪ ،‬وما أمجل ما ذكره ابن القيم ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬يف كتابه الفوائد ‪ -‬وهو يصف هذا الصنف‬
‫اخلبيث من الدعاة‪ ،‬حيث قال‪" :‬علماء السوء جلسوا على أبواب اجلنة يدعون إليها بأقواهلم ويدعون‬
‫هلموا قالت أفعاهلم ال تسمعوا منهم‪ ،‬فلو كان ما دعوا‬ ‫إىل النار بأفعاهلم‪ ،‬فكلما قالت أقواهلم للناس َّ‬
‫إليه ح ًقا كانوا أول املستجيبني له‪ ،‬فهم يف الصورة أدالء ويف احلقيقة قطاع طرق"‪ .‬اه‪ .‬إهنم صنف‬
‫خبيث من الدعاة من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا يفتون الناس بغري احلق ويصدون عن سبيل اهلل‬
‫عوجا‪.‬‬
‫ويبغوهنا ً‬
‫افتقاد القدوة الصاحلة وأثره على األمة‬
‫واملالحظ يف هذه األيام هو افتقاد القدوة الصاحلة من بعض من تصدروا للدعوة فكانوا حجر عثرة يف‬
‫سبيل السالكني واجملدين‪ ،‬وأمثر ذلك خطرين شديدين‪:‬‬
‫أ‪ -‬االنفصال اخلطري يف عقول العامة بني العلم املطبوع يف الكتب واملسموع من ألسنة العلماء وبني‬
‫العمل والتطبيق يف واقع احلياة ودنيا الناس‪ ،‬فقد حدثت فجوة هائلة بني العلم والعمل‪.‬‬
‫ب‪ -‬فقدان الثقة بأهل الصدارة والعلماء نتيجة لزالت بعضهم الفاضحة‪ ،‬وزلة العامل بالء متعد ضرره‬
‫إىل األمة بأسرها‪ ،‬ومركز السالمة يف دائرة األمن بالنسبة لألمة هي ثقتها بعلمائها فهم قادهتا وأولوا‬
‫األمر فيها‪.‬‬
‫فكثري من الدعاة ‪ -‬إال من رحم ريب ‪ -‬يدعو الناس إىل احتقار الدنيا والزهد فيها وهم أول الناس‬
‫وحرصا عليها‪ ،‬ومنهم من ينهى عن الغيبة والنميمة وجتريح األشخاص وغض الطرف‬ ‫ً‬ ‫مسارعة إليها‬
‫عن مساوئهم والنظر إىل حماسنهم مث هم يرتصدون األخطاء لبعضهم ويتصيدون الزالت ويفضحوهنا‬
‫حرصا على وحدة املسلمني واجتماع كلمتهم‪ ،‬هذا فضالً عن إظهار الشماتة مبن ابتلي‬ ‫وال يسرتوهنا ً‬
‫أو أصابه الضر يف نفسه أو ماله أو ولده‪ ،‬ومنهم من يرغبون الناس يف الورع والبعد عن الشبهات‬
‫والزهد يف فضول احلالل خشية الوقوع يف احلرام‪ ،‬مث هم حيومون حول الشبهات وحيرصون على‬
‫املنصب واجلاه بأي وسيلة وأي طريق‪ ،‬وتلك الصور املؤسفة وكثري غريها هي أعراض ملرض القلب‬
‫ونقص اإلميان وقلة التقوى‪ ،‬وأصحاهبا أنفسهم يف حاجة إىل عالج كي يربءوا منها‪ ،‬فإن صورهتم‬
‫تدعو إىل السخرية من أناس يدعون إىل الفضيلة والزهد وهم يعانون من التخمة وجيمعون األموال‬
‫ويشيدون البنيان‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫جيل القدوة‬
‫ورحم اهلل سلف األمة حيث قل كالمهم وكثرت أعماهلم‪ ،‬وكانت طرائقهم وسريهم غرة يف جبني‬
‫الدهر لكل سالك طريق اآلخرة‪ ،‬فكانوا كالنجوم اليت يقتدى هبا يف دياجري الظالم وأستار الليل‪.‬‬
‫إن لسان احلال أبلغ وأصدق من لسان املقال‪ ،‬والصحابة مل يكونوا على معرفة كاملة بلغة البالد اليت‬
‫فتحوها‪ ،‬ولكنهم خرجوا إليها بلغة العمل‪ ،‬وهذه اللغة يفهمها مجيع الناس وهي أقصر طريق إىل‬
‫اإلقناع والتصديق‪ ،‬فرأى الناس منهم الصدق واألمانة يف املعاملة واهلمة العالية والنشاط يف العبادة‬
‫أفواجا‪.‬‬
‫والطاعة‪ ،‬فتأثرت قلوهبم ودخلوا يف دين اهلل ً‬
‫واحدا‬
‫فاسدا ً‬ ‫يستطيع فرد أن يغري أمة منحلة بالدعوة والقدوة‪ ،‬وال تستطيع أمة كاملة عابدة أن تغري ً‬
‫مبجرد العبادة‪ ،‬فمناط التغيري هو الدعوة‪ ،‬والبد للداعي أن يكون قدوة صاحلة‪ ،‬فالناس ينظرون إىل‬
‫املنهج الذي يدعو إليه هل هو واقع حي مطبق يف حياته أم هو جمرد دعوى يدعيها باللسان‪ ،‬فإذا رأوه‬
‫يصدق قوله فعله انقادوا إليه حبب ووالء‪ ،‬وآمنوا عن يقني صادق مبا يدعو إليه بل وأصبحوا هم‬
‫كذلك دعاة إىل منهج احلق‪ ،‬فال يكتفون بتطبيق املنهج على أنفسهم وإمنا يصبحون دعاة لغريهم‪،‬‬
‫وبذلك ينتشر احلق واخلري‪ ،‬والبداية كانت هي القدوة احلسنة اليت صلحت يف نفسها واجتهدت‬
‫إلصالح غريها‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪ " :-‬أتأمرون الناس بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال‬
‫تعقلون"‪ .‬البقرة (‪)44‬‬
‫إن غياب القدوة الصاحلة يفتح باب الشيطان ليشكك يف صدق املنهج كله‪ ،‬ويسمح بالدخول إىل‬
‫العقول ليفسدها ويغرس فيها الوهم والظن والشك ويسقيها بالسم الرعاف ويقلب فيها مجيع القيم‬
‫كالما يُقال وحقائق مسطورة يف‬ ‫واملوازين لتخرج من كل هذا التخبط بنتيجة واحدة وهي أن هناك ً‬
‫واقعا خيتلف مع هذه احلقائق وتلك القيم‪ ،‬وتلك النتيجة املرة متوت يف مهدها‬ ‫بطون الكتب‪ ،‬وهناك ً‬
‫بوجود القدوة الصاحلة‪.‬‬
‫ومع إشراقة عام جديد‪ ،‬هل نعود إىل كتاب ربنا وسنة نبينا ‪ ،-  -‬نتمسك هبما ونسري على‬
‫هديهما فتطابق أقوالنا أفعالنا‪ ،‬ونكون دعاة إىل ديننا بعقيدتنا وسلوكنا‪ ،‬ولن يصلح آخر هذه األمة‬
‫إال مبا صلح به أوهلا‪.‬‬
‫واحلمد هلل أوالً وآخراً‬
‫‪ http://www.altawhed.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪163‬‬
‫أين أثرك أيها الملتزم القدوة‬
‫ماجد املسعود‬
‫كل من سار على األرض ترك أثرا وعالمة تدل على مروره على هذه األرض!فإن سرت على الرمال‬
‫بدت آثار قدمك‪،‬وإن جتولت يف حديقة ظهرت عالمات طريقك!‪.‬‬
‫ولنا اليوم أن نتساءل‪:‬لك سنوات تتعلم العلم فأين أثر علمك؟ولك سنوات تصلي وتصوم فأين األثر‬
‫يف النفس واجلوارح؟!ولقد قرأت كثريا وحفظت كثريا عن بر الوالدين وحسن املعاملة فأين النتيجة؟!‬
‫دعين أنقلك إىل واقع موظف صغري يف أحد املستشفيات لرتى كيف نفع اإلسالم واملسلمني‪S..‬‬
‫*موظف صغري يف املرتبة واملكان ولكنه موفق مسدد استثمر مكانه يف األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر وذلك بتطبيق عملي‪،‬فهو يعمل يف قسم املواعيد‪.‬فإذا أتته امرأة أحاهلا إىل الطبيبة مباشرة‪،‬‬
‫وإذا تقدم له رجل أحاله إىل الطبيب‪.‬مث يف حالة وجود عجز وضغط على الطبيبة فإنه حيول النساء‬
‫الكبريات يف السن إىل الطبيب‪.‬‬
‫وهو هبذا حفظ نساء املسلمني وحفظ رجاهلم ومنع وقوع احملظور الشرعي من رؤية الرجل للمرأة‬
‫واملرأة للرجل!‬
‫أليس هذا املوظف الصغري قدم خدمة عظيمة لإلسالم‪.‬‬
‫أخي يف اهلل وهناك مواقف كثرية مل أذكرها ولكن حنن ال نقرأ ونسمع لنستمتع جبهودهم ونفرح‬
‫بأعماهلم فحسب! بل لنقتدي ونتأسى‪،‬وإال فقد قامت احلجة علينا فال تأخذنا الغفلة وتلهينا األماين‪.‬‬
‫فالدعوة حتتاج إىل قيام وجهد وتعب ونصب ولكن عندما تعلم ما تثمره من هذا لتحمست أكثر إذا‬
‫اهتدى أحد على يديك يأتيك كل شيء يعمله من خري يأتيك أجره حىت بعد املوت بعد املوت بعد‬
‫املوت بعد املوت‪.‬‬
‫‪ http://go2top.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪164‬‬
‫التعليم بالقدوة القولية والعملية‬

‫طرائق النيب ‪ -  -‬يف تعليم أصحابه ‪ -‬رضوان اهلل عليهم ‪-‬‬


‫د‪ .‬أمحد حممد العليمي‬
‫احلاجة إىل قدوة‪:‬‬
‫" مهما يكن من أمر إجياد منهج تربوي متكامل‪ ،‬ورسم خطة حمكمة لنمو اإلنسان‪ ،‬وتنظيم مواهبه‬
‫وحياته النفسية واالنفعالية والوجدانية والسلوكية‪ ،‬واستنفاد طاقاته على أكمل وجه‪..‬‬
‫مرب؛‪ S‬حيقق بسلوكه‬‫مهما يكن من ذلك كله‪ ،‬فإنه ال يُغين عن وجود واقع تربوي ميثّله إنسان ٍّ‬
‫وأسلوبه الرتبوي كل األسس واألساليب واألهداف اليت يراد إقامة املنهج الرتبوي عليها "‪1.‬‬
‫القدوة املثلي للمسلمني هو حممد ‪ -  -‬حيث أمرنا اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬باالقتداء به‪ ،‬والتأسي بطريقه‬
‫ومنهجه‪.‬‬
‫قال اهلل – تعاىل ‪ " :-‬لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر‬
‫وذكر اهلل كثرياً "‪( .‬األحزاب‪ :‬اآلية ‪.)21‬‬
‫لقد كان رسول اهلل ‪ -  -‬يف أعلى درجات القدوة‪ ،‬فقوله وعمله وتقريره سنة مأمورون بالسري‬
‫على هداها‪ ،‬واالقتداء هبا‪ ،‬وتطبيقها يف واقع احلياة‪.‬‬
‫" واإلسالم ال يعرض هذه القدوة لإلعجاب السالب‪ ،‬والتأمل التجريدي يف سبحات اخليال‪ .‬إنه‬
‫يعرضها عليهم ليحققوها يف ذوات أنفسهم‪ ،‬كلٌّ بقدر ما يستطيع أن يقتبس‪ ،‬وكل بقدر ما يصرب‬
‫على الصعود‪.‬‬
‫جمرد هتيم‬
‫وهكذا تظل القدوة يف اإلسالم شاخصة ماثلة للعيان تتدفّق حيويتها وال تتحول إىل خيال ّ‬
‫ولعل احلكمة يف ذلك ما أودعه اهلل يف طبيعة النفس اإلنسانية من‬ ‫يف حبّه األرواح‪ ،‬دون تأثري واقعي‪ّ ،‬‬
‫استعداد للمحاكاة "‪2.‬‬
‫وقد أكد النيب ‪ -  -‬على االقتداء به‪ ،‬والتمسك هبديه وااللتزام بطريقه‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫عن مالك بن احلُويرث ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬أتينا النيب ‪ -  -‬وحنن شببةٌ متقاربون‪ ،‬فأقمنا‬
‫فظن أنا اشتقنا أهلنا‪.‬‬
‫عنده عشرين ليلةً ّ‬
‫عمن تر ْكنَا يف أهلنا‪ ،‬فأخربناه‪ ،‬وكان رفيقاً رحيماً فقال‪ " :‬ارجعوا إىل أهليكم فعلموهم‪،‬‬ ‫وسألنا ّ‬
‫ليؤمكم أكربكم‬
‫ومروهم‪ ،‬وصلوا كما رأيتموين أصلّي‪ ،‬وإذا حضرت الصالة فليؤذّ ْن لكم أحدكم مث ّ‬
‫"‪3.‬‬
‫وعن جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬رأيت النيب ‪ -  -‬يرمي على راحلته يوم النحر‪ ،‬ويقول‪" :‬‬
‫حجيت هذه "‪4.‬‬ ‫أحج بعد ّ‬ ‫لعلي ال ّ‬‫لتأخذوا مناسككم‪ ،‬فإين ال أدري ّ‬

‫‪165‬‬
‫وعن العرباض بن سارية ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬وعظنا رسول اهلل ‪ -  -‬يوماً بعد صالة الغداة‬
‫مودع‪ ،‬فماذا‬‫موعظة بليغة ذرفت منها العيون‪ ،‬ووجلت منها القلوب‪ .‬فقال رجل‪ :‬إن هذه موعظة ّ‬
‫تعهد إلينا يا رسول اهلل ؟‬
‫يعش منكم يرى اختالفاً‬‫قال‪ " :‬أوصيكم بتقوى اهلل والسمع والطاعة‪ ،‬وإن عب ٌد حبشي فإنه َم ْن ْ‬
‫فم ْن أدرك ذلك منكم فعليه بسنيت وسنّة اخللفاء‬
‫كثرياً‪ ،‬وإياكم وحمدثات األمور فإهنا ضاللة‪َ ،‬‬
‫الراشدين املهتدين‪ ،‬عضوا عليها بالنواجذ "‪5.‬‬
‫" وهكذا علّمنا رسول اهلل ‪ -  -‬رائد الرتبية اإلسالمية أن يقصد املريب إىل تعليم طالبه بأفعاله‪،‬‬
‫وأن يلفت نظرهم إىل االقتداء به‪ ،‬ألنه إمنا يُقتدى برسول ‪ ،-  -‬وأن حيسن صالته وعبادته‬
‫سن سنة حسنة إىل يوم القيامة "‪6.‬‬
‫وسلوكه هبذا القصد فيكسب ثواب َمن َ‬
‫وعندما تتأمل شخصية حممد ‪ ‬جتد‪:‬‬
‫" لقد كان حممد ‪ -  -‬عجيبة من العجائب‪ ،‬عظمات‪ ...‬ال حُت د‪.‬‬
‫شخوص كثرية جمتمعة يف شخص واحد‪ ،‬كل واحد منها متكامل يف ذاته كأنه متخصص يف جانبه‬
‫منقطع له‪ ..‬مث جتتمع الشخوص كلها ‪ -‬على تكامل كل منها ‪ -‬فتتكامل على نطاق أوسع وتتناسق‬
‫يف حميطها الشامل‪ ،‬وتتألف منها نفس واحدة جتمع كل النفوس‪ ،‬وجتمعها يف توازن واتّساق‪.‬‬
‫روح ش ّفافة عظيمة‪ .‬وقوة حيوية فيّاضة تعدل وحدها أش ّد الناس حيوية لو كان متخصصاً فيها بال‬
‫زيادة!‬
‫ورجل سياسة يُشيّد أمة من الفتات املتناثر‪ ،‬فإذا هي بناء ضخم ال يطاوله شيء يف التاريخ‪ .‬ومينح هذا‬
‫البناء من وقته وفكره وروحه وجهده ومشاعره ما يشغل‪ -‬وحده ‪ -‬حياة كاملة بل حيوات‪.‬‬
‫ورجل حرب يضع اخلطط ويقود اجليوش وحيارب وينتصر‪ S..‬كقائد متخصص كل مهّه القتال متفرغاً‬
‫عن كل ما عداه‪.‬‬
‫وأب وزوج ورب أسرة كبرية كثرية النفقات‪ S..‬نفقات النفس والفكر والشعور فضالً عن نفقات‬
‫املال‪ ..‬كرجل متخصص لألبوة على أعلى نسق شهدته األرض‪ ،‬ومتخصص لألسرة ال يشغله عنها‬
‫شاغل من احلياة‪.‬‬
‫وعابد متحنث لربه‪ ،‬كرجل منقطع للعبادة‪ ،‬متخصص ألدائها‪ ،‬ال تصله باألرض رابطة‪ ،‬وال يشغله‬
‫هم من اهلموم‪ ،‬وال جتيش يف نفسه نوازع‪ ،‬وال تتحرك يف كيانه رغبات‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ومع ذلك كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدهتا األرض‪ ،‬الدعوة اليت حققت لإلنسان وجوده‬
‫الكامل‪ ،‬وتغلغلت يف كيانه‪ ،‬فم ّدته على أقصى اتساع‪.‬‬
‫عظمات‪ S..‬ال حُت د‪.‬‬

‫‪166‬‬
‫كل هذه الشخوص املتفرقة جمموعة يف شخصه‪ ،‬جمموعة على تناسق وتوافق واتزان‪ ،‬كل منها يأخذ‬
‫نصيبه كامالً من نفسه ومع ذلك ال مييل‪ ،‬ألن طاقات أخرى عظيمة توازنه يف كل اجتاه‪.‬‬
‫ذلك هو حممد بن عبد اهلل ‪ ،-  -‬النور الكوين الذي هبر العاملني‪.‬‬
‫وحق للناس أن حيبوه كل ذلك احلب‪ ،‬ويعجبوا به ويتبعوه‪.‬‬
‫ولقد كانت حكمة اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬من بعثه على هذه الصورة املتكاملة الشاملة العظيمة‪ ،‬كحكمته‬
‫يف إنزال القرآن على هذا النهج الشامل املعجز العظيم‪ ،‬فكان حممد‪ -‬يف كونه آية كونية ‪ -‬كفءً‬
‫هلذا القرآن‪ ..‬وكان ُخلقه القرآن‪.‬‬
‫وكان قدوة للناس يف واقع األرض‪..‬يرونه‪ S،‬وهو بشر منهم تتمثّل فيه هذه الصفات كلها وهذه‬
‫الطاقات‪ ،‬فيص ّدقون هذه املبادئ احلية ألهنم يروهنا رأي العني‪ ،‬وال يقرؤوهنا يف كتاب! ويروهنا يف‬
‫بشر‪ ،‬فتتحرك هلا نفوسهم‪ ،‬وهتفو هلا مشاعرهم وحياولون أن يقبسوا قبسات من الرسول‪ ..‬كل بقدر‬
‫ما يطيق أن يقبس‪ ،‬وكل بقدر ما حيتمل كيانه الصعود‪ S..‬ال ييأسون وال ينصرفون‪ ..‬وال يدعونه‬
‫حلماً مرتفاً لذيذاً يطوف باألفهام‪ ..‬ألهنم يرونه واقعاً يتحرك يف واقع األرض‪ ..‬ويرونه سلوكاً عمليّاً‬
‫ال أماين يف اخليال‪.‬‬
‫لذلك كان رسول اهلل ‪ -  -‬أكرب قدوة للبشرية يف تارخيها الطويل‪ .‬وكان مربياً وهادياً بسلوكه‬
‫الشخصي قبل أن يكون بالكالم الذي ينطق به سواء يف ذلك القرآن املنزل‪ ،‬أو حديث الرسول ‪ -‬‬
‫‪-.7‬‬
‫قلت‪ " :‬وإذا قصر بصرك أن ترى قدوة يف واقعك‪ ،‬فارفع بصرك قليالً لرتى القدوة العظمى حممد‬
‫رسول اهلل ‪."-  -‬‬
‫جتزئة القدوة‬
‫كمال القدوة نادر إال يف حممد ‪ ،-  -‬وال تعىن ندرته عدم وجوده‪ ،‬أو عدم انتصاب قدوات‬
‫جزئية تتكامل من خالل األداء اجلماعي‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫قدوة يف حتصيل العلم ومعرفة طرائقه حتصيالً وأداءً‪.‬‬
‫قدوة يف التضحية واإلنفاق يف سبيل اهلل‪.‬‬
‫قدوة يف احلركة الدؤوبة واحلرص على مصاحل الدعوة واألمة‪.‬‬
‫قدوة يف الصرب على متطلبات الطريق‪ ،‬ومشقات األداء‪.‬‬
‫ينفك بعضها عن بعض‪ ،‬واهلل املستعان‪.‬‬‫وبانتظام القدوات يف طريق الدعوة تتكامل الصورة‪ ،‬وال ُّ‬
‫الفصام النكد‪:‬‬

‫‪167‬‬
‫وقد ح ّذر اهلل من الفصام النكد الذي قد حيدث بني القول والعمل‪ ،‬حيث ال بد من التوافق والتطبيق‬
‫بني القول والعمل‪.‬‬
‫قال – تعاىل ‪ " :-‬يأيها الذين أمنوا مِلَ تقولون ما ال تفعلون كرب مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون‬
‫"‪( .‬الصف‪ :‬اآلية ‪.)3-2‬‬
‫وورد يف السنة ما يؤكد ذلك‪ ،‬ومنه‪:‬‬
‫يوم‬ ‫ِ‬
‫بالرجل َ‬ ‫عن أسامة بن زيد ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أنه مسع رسول اهلل ‪ -  -‬يقول‪ " :‬جُي اء‬
‫فيجتمع أهل النار عليه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫احلمار برحاه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فندلق أقتابه يف النار‪ ،‬فيَ ُدور كما يَدور‬
‫القيامة فيُلقى يف النار‪ُ ،‬‬
‫نت آمركم‬ ‫ِ‬
‫كنت تأمرنا باملعروف‪ ،‬وتنهانا عن املنكر؟ قال‪ُ :‬ك ُ‬ ‫أي فالن ما شأنك؟ أليس َ‬ ‫فيقولون‪ْ :‬‬
‫وف وال آتيه‪ ،‬وأهناكم ع ِن املنكر وآتيه "‪8.‬‬ ‫باملعر ِ‬
‫ُ‬
‫ُأسري يب‬
‫َ‬ ‫مررت ليلةَ‬
‫ُ‬ ‫وعن أنس بن مالك ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :-  -‬‬
‫قلت‪َ :‬م ْن هؤالء؟ قالوا‪ :‬خطباءُ ِم ْن أهل الدنيا‪،‬‬
‫قرض شفافههم مبقاريض من نار‪ ،‬قال‪ُ :‬‬ ‫على قوم تُ ُ‬
‫كانوا يأمرون الناس بالرب‪ ،‬وينسون أنفسهم‪ ،‬وهم يتلون الكتاب أفال يعقلون "‪9.‬‬
‫وال يعين هذا أن َم ْن مل ينفذ األمر ال يدعو إليه‪.‬‬
‫قال سعيد بن جبري ‪ -‬رمحه اهلل ‪ " :-‬لو كان املرء ال يأمر مبعروف‪ ،‬وال ينهى عن منكر حىت ال‬
‫يكون فيه شيء‪ ،‬ما أمر أحد مبعروف‪ ،‬وال هنى عن منكر‪.‬‬
‫ومن هذا الذي ليس فيه شيء"‪.‬؟‪10‬‬ ‫وعندما مسع اإلمام مالك ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬هذا القول قال‪ :‬صدق‪َ ،‬‬
‫يقول أبو عبد الرمحن السلمي‪ " :‬حدثنا الذين كانوا يُقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان‪ ،‬وعبد اهلل بن‬
‫مسعود وغريمها‪ ،‬أهنم كانوا إذا تعلّموا من النيب ‪ -  -‬عشر آيات‪ ،‬مل يتجاوزوها حىت يتعلّموا ما‬
‫فيها من العلم والعمل‪ ..‬قالوا‪ :‬فتعلّمنا القرآن والعلم والعمل مجيعاً "‪11.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ " :‬كان الرجل منا إذا تعلّم عشر آيات مل يتجاوزهن حىت‬
‫يعرف معانيها والعمل هبن "‪12.‬‬
‫____________________________‬
‫‪ 1‬أصول الرتبية اإلسالمية‪ 254 /‬ط‪ /‬دار الفكر الثانية‪.‬‬
‫‪ 2‬املرجع السابق‪ 257 /‬ط‪ /‬دار الفكر الثانية‪.‬‬
‫‪ 3‬أخرجه البخاري ‪( 2238 /5‬ح‪ )5662 /‬ومسلم ‪( 466 -1/465‬ح‪.)674 /‬‬
‫‪ 4‬أخرجه مسلم ‪( 943 /2‬ح‪.)1297 /‬‬
‫‪ 5‬ورد عند البخاري " امسعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي " ‪( 6/2612‬ح‪)6723/‬‬
‫ومسلم ‪( 1467 /4‬ح‪ )1837 /‬وأخرجه الرتمذي ‪( 45 -5/44‬ح‪ )2676/‬وقال‪ :‬هذا حديث‬
‫حسن صحيح‪ ،‬وذكرته بلفظ الرتمذي لكمال نص احلديث عنده‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫‪ 6‬أصول الرتبية اإلسالمية‪ 262 /‬ط‪ /‬دار الفكر الثانية‪.‬‬
‫‪ 7‬منهج الرتبية اإلسالمية‪183-182 /‬‬
‫‪ 8‬أخرجه البخاري ‪( 1191 /3‬ح‪ )3094/‬وقوله‪ " :‬فتندلق " خترج وتنصب بسرعة‪ .‬وقوله‪" :‬‬
‫أقتابه" مجع قتب وهي األمعاء واألحشاء‪ .‬أفاده د‪ :‬البغا مبوضعه‪.‬‬
‫‪ 9‬أخرجه أمحد ( ح‪.)11766 /‬‬
‫‪ 10‬رسالة املسرتشدين‪.61 ،‬‬
‫‪ 11‬مقدمة يف أصول التفسري ‪.6‬‬
‫‪ 12‬مقدمة يف أصول التفسري ‪.44‬‬
‫‪ http://www.tarbawi.com‬بتصرف من ‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪169‬‬
‫القدوة الحقيقية‬
‫الشيخ حممود املصري‬
‫إننا نعيش زماناً قد اجتمعت فيه كل أنواع الغربة وكثرت فيه الفنت وعمت فيه الباليا واحملن وأصبح‬
‫املعروف منكراً واملنكر معروفاً كما أخرب بذلك الصادق الذي ال ينطق عن اهلوى ‪ -  -‬حيث‬
‫قال « سيأيت على الناس سنوات خداعات يصدق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق ويؤمتن فيها‬
‫اخلائن وخيون فيها األمني‪( » S...‬صحيح اجلامع‪)3650 :‬‬
‫فكان البد للمؤمن أن يتمسك بدينه وأن يعرف وجهته احلقيقية ليثبت أمام تلك الفنت‪...‬‬
‫وخباصة عندما نعلم أن النيب ‪ -  -‬قد أخرب أن هذه األمة امليمونة ستفرتق على ثالث وسبعني فرقة‬
‫كلها يف النار إال واحدة فلما سأله الصحابة عن صفات تلك الفرقة الناجية قال هلم‪ « :‬الذين هم‬
‫على مثل ما أنا عليه اليوم أنا وأصحايب » فكان الزماً يا أخي أال يلتفت قلبك إىل غريهم بل عليك‬
‫أن تتشبه بالنيب ‪ -  -‬وأصحابه ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ « -‬فاملرء مع من أحب » (متفق عليه)‬
‫أخي احلبيب إن األسوة والقدوة مل تكتمل إال يف النيب وأصحابه الذين رياهم وعلمهم وعدهلم فكانوا‬
‫أبطاالً يف كل ميادين احلياة وقدوة ملن أراد القدوة احلقيقية‪.‬‬
‫فإذا أردت القدوة يف الزهد فهذا حبيبك ‪ -  -‬الذي خري بني أن يكون ملكاً رسوال ً أو عبداً‬
‫رسوالً فاختار أن يكون عبداً رسوالً بل عرضت عليه جبال الدنيا أن تصري له ذهباً فأىب بل ينام على‬
‫احلصري ويؤثر احلصري يف جنبه الشريف ومير عليه اهلالل تلو اهلالل وال يوقد يف بيوته نار وكان أكثر‬
‫حممد قوتاً » ومات ودرعه مرهونة عند رجل ٍ يهودي على ثالثني‬ ‫دعائه « اللهم اجعل رزق آل ٍ‬
‫صاعاً من شعري بل قاهلا صرحية « إن عبداً خري بني مفاتيح األرض وبني ما عند اهلل فاختار ما عند‬
‫اهلل » وكل ذلك ثابت يف أحاديث صحيحة وكان أصحابه ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬يأكلون ورق‬
‫الشجر وال جيدون قوت يومهم ومع ذلك فتحوا الدنيا كلها ونصروا دين اهلل وبلغوا تلك الرسالة‬
‫العظيمة على حلومهم ودمائهم وأشالئهم‪.‬‬
‫وإن كنت تريد قدوة يف العزة فهذا حبيبك ‪ -  -‬يعرض عليه املشركون املال واجلاه والنساء‬
‫فريفض كل ذلك بكل عزة ويأىب إال أن يعبّدهم هلل رب العاملني وتعلم أصحابه هذا الدرس جيداً فلم‬
‫يكن عندهم أغلى من هذا الدين حىت قاهلا عمر بن اخلطاب بكل عزة وهو ذاهب الستالم مفاتيح‬
‫بيت املقدس وكان يلبس ثياباً قدمية وخيوض برجليه يف املاء قاهلا بكل عزة لقد كنا أذل قوم ٍ فأعزنا‬
‫اهلل باإلسالم فمهما ابتغينا العزة يف غرية أذلنا اهلل‪..‬‬
‫بل قاهلا ((ربيع بن عامر))‪ S‬عندما سأله من أنتم وما الذي جاء بكم إىل هنا؟ قال له حنن قوم ابتعثنا‬
‫اهلل لنخرج العباد من عبادة العباد إىل عبادة رب العباد ومن جور األديان إىل عدل اإلسالم ومن ضيق‬

‫‪170‬‬
‫الدنيا إىل سعة الدنيا واآلخرة إهنا العزة املفقودة يف أيامنا بسبب الوهن و حب الدنيا وبسبب اهلزمية‬
‫النفسية اليت نعاىن منها‪.‬‬
‫ولو استطردنا يف األمثلة فإننا سنحتاج إىل جملدات ولكن حسبنا أن نعرف أن األسوة والقدوة مل ولن‬
‫تكتمل إال يف النيب ‪ -  -‬وأصحابه فعلينا أن نقتفى أثرهم وهنتدي هبديهم‪.‬‬
‫فيا من انشغل قلبك بالدنيا وزهرهتا الفانية ماذا تريد؟‬
‫إن كنت تريد املال فاعلم أنك إذا اتبعت النيب ‪ -  -‬ستدخل اجلنة اليت فيها ما ال عني رأت وال‬
‫أذن مسعت وال خطر على قلب بشر ويكفيك أن تعرف أن أدىن أهل اجلنة سيظفر مبثل مخسني ملك‬
‫ملك من ملوك الدنيا وأن آخر أهل اجلنة دخوالً اجلنة سيأخذ الدنيا ومثلها معها (روامها مسلم)‬ ‫ٍ‬
‫وإن كنت تريد الشهرة فأنا أدلك على خري إذا فعلته كنت معروفاً يف السموات السبع وذلك بأن‬
‫تداوم على النوافل حىت حيبك اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فإذا أحبك فإنه ينادى على جربيل ‪ -‬عليه السالم ‪-‬‬
‫ليحبك فيحبك جربيل وينادى يف مالئكة السماوات السبع فيحبونك مث يوضع لك القبول يف األرض‬
‫وإن كنت تريد اجلاه فاعلم أنك ستكون يف اجلنة أعظم من كل ملوك الدنيا فاخلدم من حولك‬
‫واحلور العني بني يديك واألهنار جترى حتت رجليك وسقف بيتك عرش الرمحن ‪ -‬جل وعال ‪-‬‬
‫بشرط أن حتقق التوحيد هلل ‪ -‬جل وعال ‪ -‬وأن تتبع رسول اهلل ‪ -  -‬وأن جتعل‬ ‫ولكن كل ذلك ٍ‬
‫ذلك كله ابتغاء وجه اهلل وأن حتب النيب وأصحابه من كل قلبك فاملرء مع من أحب‪.‬‬
‫‪ http://www.islamway.com‬املصدر ‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪171‬‬
‫القدوة واالقتداء‬
‫يوسف بن عبداهلل العلوي‬
‫يقال‪ :‬فالن قَُِدوة‪ ،‬أو قِ َدة‪ :‬إذا كان ممن يقتدى به‪ ،‬أي‪ :‬يفعل مثل فعله تشبهاً به‪ ،‬ويف القرآن‪:‬‬
‫(أولئك الذين هدى اهلل فبهداهم اقتده) [األنعام‪ ،]90/‬قال ابن فارس يف املقاييس‪" :‬القاف والدال‬
‫واحلرف املعتل أصل صحيح يدل على اقتباس بالشيء واهتداء…"‪ .‬ويف لسان العرب‪" :‬يقال‪ :‬قِ ْدوة‪،‬‬
‫والقدوة ما تسننت به…والقدى مجع قدوة‪ ،‬يكتب بالياء‪.‬‬ ‫وقُ ْدوة ملا يقتدى به‪ .‬ابن سيده‪ :‬ال ُقدوة‪ِ ،‬‬
‫والقدوة‪ :‬األسوة…"‪.‬‬‫والق َدة كالقدوة‪ ،‬يقال‪ :‬يل بك قِدوة وقُدوة وقِ َدة… وال ُقدوة ِ‬ ‫ِ‬
‫أمهية القدوة‪:‬‬
‫وتعد القدوة من أهم الوسائل املؤثرة يف الرتبية‪ ،‬ألمور عدة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن القدوة وسيلة من الوسائل اليت ترىب عليها النيب الكرمي‪ -  -‬لسلوك منهج الدعوة الذي‬
‫سلكه األنبياء من قبله‪ ،‬حيث عرضت عليه حياة األنبياء يف قصص القرآن ليقتدي هبم يف إبالغ‬
‫الرسالة‪ ،‬والثبات على احلق‪ ،‬والصرب على األذى‪ ،‬ومواجهة املأل‪ ،‬والتوكل على اهلل عز وجل‪ ،‬وقد‬
‫قال اهلل عز وجل آمراً نبيه ‪ ‬باإلقتداء مبن سبقه من األنبياء ‪" :‬أولئك الذين هدى اهلل فبهداهم‬
‫اقتده…" [األنعام‪.]90/‬‬
‫وإذا كان النيب ‪ ‬يرىب على القدوة‪ ،‬فإن هذا يدل على أن القدوة ليست ضرورة لألطفال وحدهم‪،‬‬
‫وال للطالب والتالميذ‪ ،‬وال للعامة‪ ،‬وإمنا أيضاً للعلماء واملعلمني والدعاة والقادة‪.‬‬
‫‪ -2‬أن اإلنسان جبل على احملاكاة والتأثر‪ ،‬ويف الوقت نفسه حيب البطولة والكمال‪ ،‬فإذا رأى من‬
‫ذلك شيئاً كان أوقع يف نفسه من احلديث اجملرد عن تلك الكماالت والبطوالت‪ ،‬خاصة يف مرحلة‬
‫املراهقة والشباب؛ فإهنا تشهد قابلية شديدة لالستهواء‪ ،‬وإعجاباً شديداً بالبطولة‪ ،‬ورغبة يف اإلقتداء‬
‫هبا‪ ،‬وهذا باب من الرتبية والدعوة عظيم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن القدوة تقنع اآلخرين بإمكانية بلوغ الفضائل؛ فرمبا يتحدث املتحدث عن الفضائل اليت ينبغي‬
‫أن يُتحلى هبا‪ ،‬أو املواقف اليت ينبغي أن تُوقف‪ ،‬فيسمع الناس‪-‬أياً كانت طبقتهم‪ -‬حديثاً يظنونه من‬
‫عامل اخليال‪ ،‬وال ميكن تطبيقه على أرض الواقع‪ ،‬فإذا رأوه واقعاً‪ ،‬أو عرض عليهم القدوات وقد بلغوا‬
‫تلك الفضائل ووقفوا تلك املواقف أدركوا إمكانية بلوغها‪ ،‬وأهنا يف أرض الواقع ال يف مساء اخليال‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الفعل أبلغ يف إفهام املتلقني من القول اجملرد عنه؛ فإن املتحدث يتحدث على الناس وهم‬
‫خمتلفة عقوهلم يف مدى استيعاب الكالم وفهمه‪ ،‬فيخرج السامعون وهم يعربون عن الكالم حسب ما‬
‫أدركته عقوهلم فيتفاوت معىن الكالم لتفاوت األفهام‪ ،‬ورمبا انقلب مقصود‪ S‬املتكلم إىل النقيض‪ ،‬ولكن‬
‫ماذا لو كانوا يرون أمامهم مواقف وأفعاالً؟ أتراهم خيطئون يف فهم ما يرونه بأبصارهم‪ ،‬ويف نقله؟‬
‫وهذا ما فعله النيب ‪ -  -‬حينما اختذ خامتاً من ذهب فاختذ الناس مثله‪ ،‬فقال النيب ‪( :-  -‬إين‬

‫‪172‬‬
‫اختذت خامتاً من ذهب‪ ،‬فنبذه وقال‪ :‬إين لن ألبسه أبداً‪ ،‬فنبذ الناس خواتيمهم) [أخرجه البخاري]‪،‬‬
‫ومن ذلك ما حصل يف احلديبية حينما أمر النيب ‪ -  -‬الصحابة ثالثاً أن حيلقوا وينحروا‪ ،‬فلم‬
‫يفعلوا‪ ،‬فغضب النيب ‪ ،-  -‬فأشارت عليه أم سلمة ‪ -‬رضي اهلل عنها‪ -‬أن خيرج إليهم وينحر‬
‫وحيلق‪ ،‬ففعل النيب ‪ ،-  -‬فلما رأى الصحابة ‪-‬رضي اهلل عنهم‪ -‬ما فعله النيب ‪ -  -‬بادروا إىل‬
‫فعل ما أمرهم به‪[ .‬أخرجه البخاري]‪ S،‬ويف غزوة الفتح ملا شق على الناس الصوم‪ ،‬قيل للنيب ‪:-  -‬‬
‫إن الناس قد شق عليهم الصيام‪ ،‬وإمنا ينظرون فيما فعلت‪ ،‬فدعا بقدح من ماء‪ ،‬فرفعه‪ ،‬حىت نظر‬
‫الناس إليه‪ ،‬مث شرب‪ ،‬فأفطر الناس‪[ .‬متفق عليه]‪S.‬‬
‫القدوة يف القرآن والسنة‪:‬‬
‫وقد وردت القدوة يف القرآن بصور متنوعة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أمر اهلل نبيه ‪ -  -‬أن يقتدي هبدي األنبياء والرسل من قبله‪ ،‬بعد أن ذكر قصصهم وأحواهلم‪،‬‬
‫فقال ‪-‬سبحانه وتعاىل‪( :-‬أولئك الذين هدى اهلل فبهداهم اقتده) [األنعام‪ ،]90/‬وقال –سبحانه‪:-‬‬
‫(فاصرب كما صرب أولو العزم من الرسل) [األحقاف‪.]35/‬‬
‫‪ -2‬وحث اهلل ‪-‬عز وجل‪ -‬األمة على االقتداء بنبيها ‪ ،-  -‬فقال‪( :‬لقد كان لكم يف رسول اهلل‬
‫أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثريا) [األحزاب‪.]33/‬‬
‫‪ -3‬كما حثها على االقتداء مبواقف األنبياء والرسل وأتباعهم يف الثبات على احلق والرباءة من الكفر‬
‫وأهله‪ ،‬فقال –سبحانه‪( :-‬قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا‬
‫برآء منكم ومما تعبدون من دون اهلل‪ )...‬اآلية [املمتحنة‪ ،]4/‬مث أكد اهلل عز وجل احلث على االقتداء‬
‫بعد ذلك فقال‪( :‬لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة‪[ S)...‬املمتحنة‪.]6/‬‬
‫‪ -4‬وذكر سبحانه عن بعض أنبيائه التزامهم هذه الصفة يف سلوكهم ودعوهتم‪ ،‬كما ذكر عن شعيب‬
‫قوله لقومه‪( :‬وما أريد أن أخالفكم إىل ما أهناكم عنه) [هود‪.]88S/‬‬
‫‪ -5‬وعلم سبحانه عباده أن يدعوه ليكونوا قدوة يف التقوى‪ S،‬فقال سبحانه عن عباد الرمحن‪( :‬والذين‬
‫يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعني واجعلنا للمتقني إماما) [الفرقان‪ ]74/‬قال جماهد‪:‬‬
‫(اجعلنا أئمة يف التقوى‪ ،‬حىت نأمت مبن كان قبلنا‪ ،‬ويأمت بنا من بعدنا) أخرجه الطربي وابن أيب حامت‬
‫بإسنادين صحيحني كما قال ابن حجر‪.‬‬
‫‪ -6‬وأنكر سبحانه على من خيالف فعلُه قولَه‪ ،‬فقال سبحانه عن بين إسرائيل‪( :‬أ تأمرون الناس بالرب‬
‫وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال تعقلون) [البقرة‪ ،]44S/‬وقال للمؤمنني‪( :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا مل تقولون ما ال تفعلون ‪ .‬كرب مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون) [الصف‪.]3-2/‬‬
‫‪ -7‬كما ذم سبحانه وتعاىل املقتدين يف الباطل‪ ،‬فقال سبحانه‪( :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك يف قرية‬
‫من نذير إال قال مرتفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون ‪ .‬قال أولو جئتكم‬

‫‪173‬‬
‫بأهدى مما وجدمت عليه آباءكم قالوا إنا مبا أرسلتم به كافرون‪ .‬فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة‬
‫املكذبني) [الزخرف‪.]25-23/‬‬
‫وأما يف السنة فقد وردت أيضاً يف صور خمتلفة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬األمر باالقتداء بالنيب ‪ -  -‬يف هديه وعبادته‪ ،‬كما قال ‪( :-  -‬صلوا كما رأيتموين أصلي)‬
‫[أخرجه البخاري]‪ ،‬وقال‪( :‬لتأخذوا عين مناسككم) [أخرجه مسلم]‪.‬‬
‫‪ -2‬وكان ‪ -  -‬حيث على املبادرة إىل اخلريات ليكون املرء قدوة لغريه‪ ،‬زيادة يف األجور ورفعة يف‬
‫الدرجات‪ ،‬كما قال ‪( :-  -‬من سن يف اإلسالم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل هبا من‬
‫بعده) وكان مناسبة هذا القول أن ناساً من األعراب جاؤوا إىل رسول اهلل ‪ ،-  -‬فرأى سوء‬
‫حاهلم‪ ،‬فحث الناس على الصدقة‪ ،‬فأبطؤوا عنه‪ ،‬حىت جاء رجل من األنصار بصرة من ورق‪ ،‬كادت‬
‫كفه أن تعجز عنها‪ ،‬بل قد عجزت‪ ،‬مث تتابع الناس من بعده يتصدقون‪ ،‬فتهلل وجه الرسول ‪،-  -‬‬
‫وقال هذا القول [أخرجه مسلم]‪ ،‬وقال ‪( :-  -‬من دل على خري فله مثل أجر فاعله) [أخرجه‬
‫مسلم]‪.‬‬
‫‪ -3‬كما كان ‪ -  -‬يعرض القدوات ألصحابه‪ ،‬وحيثهم على االقتداء هبم‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪:-  -‬‬
‫(اقتدوا بالذين من بعدي‪ :‬أبو بكر وعمر) [أخرجه أمحد والرتمذي]‪ ،‬وكان يقص القصص ألصحابه‬
‫وأمته ليقتدوا بأصحاهبا يف الثبات على احلق وطلب اخلري‪ ،‬ومن ذلك حديث خباب ‪-‬رضي اهلل عنه‬
‫‪ -‬حني شكا الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم‪ -‬إىل النيب ‪ -  -‬قبل اهلجرة ما يلقونه من قريش‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬أال تستنصر لنا؟ أال تدعو اهلل لنا؟ فقال النيب ‪( :-  -‬كان الرجل فيمن قبلكم حيفر له يف‬
‫األرض‪ ،‬فيجعل فيه‪ ،‬فيجاء باملنشار‪ ،‬فيوضع على رأسه‪ ،‬فيشق باثنتني‪ ،‬وما يصده ذلك عن دينه‪،‬‬
‫وميشط بأمشاط احلديد ما دون حلمه من عظم أو عصب‪ S،‬وما يصده ذلك عن دينه‪ .‬واهلل ليتمن هذا‬
‫األمر حىت يسري الراكب من صنعاء إىل حضرموت ال خياف إال اهلل أو الذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم‬
‫تستعجلون) [أخرجه البخاري]‪.‬‬
‫معامل يف القدوة واإلقتداء‬
‫‪ -1‬إن أساس القدوة أن يكون فعلُه موافقاً لقوله‪ ،‬بل يكون سره خرياً من عالنيته‪ ،‬وإذا خالف هذا‬
‫األساس فال قدوة حينئذ‪ ،‬وال اقتداء‪ ،‬وقد قال شعيب ‪-‬عليه السالم‪ -‬لقومه‪( S:‬وما أريد أن أخالفكم‬
‫إىل ما أهناكم عنه) [هود‪ ،]88/‬وأنكر اهلل تعاىل على من ال يستقيم على قوله‪ ،‬فقال سبحانه عن بين‬
‫إسرائيل‪( :‬أ تأمرون الناس بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال تعقلون) [البقرة‪،]44/‬‬
‫وقال للمؤمنني‪( :‬يا أيها الذين آمنوا مل تقولون ما ال تفعلون ‪ .‬كرب مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال‬
‫تفعلون) [الصف‪ ،]3-2/‬ويف احلديث املتفق عليه عن أسامة ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬أن النيب ‪ -  -‬قال‪:‬‬
‫(يؤتى بالرجل يوم القيامة‪ ،‬فيلقى يف النار‪ ،‬فتندلق أقتاب بطنه‪ ،‬فيدور هبا كما يدور احلمار بالرحى‪،‬‬

‫‪174‬‬
‫فيجتمع إليه أهل النار‪ ،‬فيقولون‪ :‬يافالن‪ ،‬مالك؟ أمل تكن تأمر باملعروف وتنهى عن املنكر؟ فيقول‪:‬‬
‫بلى‪ ،‬قد كنت آمر باملعروف وال آتيه‪ ،‬أهنى عن املنكر وآتيه)‪.‬‬
‫‪ -2‬القدوة مؤثر هبديه وسلوكه تأثرياً طبعياً عفوياً ال يتكلفه؛ إال أنه حيسن أحيانا يف مقام التعليم‬
‫والدعوة إىل اخلري أن يقصد املريب التأثري ال رغبة يف الرياء والسمعة؛ فيظهر العمل ليقتدي الناس به‪،‬‬
‫كما صلى النيب ‪ -  -‬مرة على املنرب‪ ،‬وقال‪( :‬إمنا صنعت هذا لتأمتوا يب ولتعلموا صاليت) [متفق‬
‫عليه]‪ ،‬ولعل من هذا حث النيب ‪ -  -‬املؤمن أن جيعل لبيته نصيباً من صالته النافلة‪ ،‬وقال‪( :‬فإن اهلل‬
‫جاعل يف بيته من صالته خرياً) [أخرجه مسلم]‪ ،‬ومن اخلري اقتداء األهل واألوالد به‪.‬‬
‫‪ -3‬من منهاج النيب ‪ ‬يف تربية أصحابه –مع كونه هو القدوة‪ -‬أن يعرض هلم القدوات ليعتربوا‬
‫هبم ويقتدوا‪ ،‬كما سبق يف حديث خباب ‪-‬رضي اهلل عنه ‪ ،-‬وكالقصص اليت كان النيب ‪-  -‬‬
‫يقصها على أصحابه ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬وأمته‪.‬‬
‫فعلى املريب أن يُعىن بعرض قصص القرآن وسرية النيب ‪ -  -‬وقصصه وسري الصحابة ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنهم‪ -‬ومن تبعهم بإحسان‪ ،‬وهذا باب يف االقتداء عظيم قد يكون له من التأثري على النفوس ما هو‬
‫أعظم من تأثري املريب بقوله وفعله‪ ،‬كما أنه وسيلة يتجاوز هبا املريب يف تربيته بعض ما ينقصه‪ S،‬ألن‬
‫القدوة مهما سعى إىل الكمال فلن يصل إليه‪ ،‬وسيبقى بشراً يعرتيه النقص ويغالبه الشيطان وتنازعه‬
‫النفس األمارة بالسوء‪ ،‬كما أن من أعمال السر ما ال ينبغي للقدوة أن يظهرها للناس حفاظاً على‬
‫اإلخالص‪ ،‬وبعداً عن الرياء أن يطرأ على النفس‪ ،‬وسداً للباب الذي يفضي العتقاد الناس أنه مرائي‪.‬‬
‫‪ -4‬ينبغي للمريب أن يبتعد عن مواطن الشبهة والريبة‪ ،‬ولو مل يكن يقصد سوءاً‪ ،‬لئال يرتاب الناس يف‬
‫أمره‪ ،‬وهي مواطن يتسلل منها الشيطان إىل قلوب الناس فيزين هلم الشك وسوء الظن يف مرتاديها‪،‬‬
‫ومن وضع نفسه يف مواطن الشبهة فال يلومن إال نفسه‪ ،‬ويدل على ذلك احلديث املتفق عليه عن أم‬
‫املؤمنني صفية ‪ -‬رضي اهلل عنها ‪ -‬حني جاءت إىل ‪ -‬النيب ‪ - ‬وهو معتكف يف املسجد فلما‬
‫أرادت الرجوع قام ‪ -‬النيب ‪ - ‬ليقلبها‪ ،‬فرآه رجالن من الصحابة فأسرعا‪ ،‬فقال النيب ‪ -  -‬هلما‪:‬‬
‫على رسلكما‪ ،‬إمنا هي صفية بنت حيي‪ ،‬فقاال‪ :‬سبحان اهلل يا رسول اهلل – ويف رواية‪ :‬هل نظن بك‬
‫إال خرياً ‪ -‬فقال النيب ‪( :-  -‬إن الشيطان جيري من ابن آدم جمرى الدم‪ ،‬وإين خشيت أن يقذف‬
‫يف قلوبكما شيئاً أو قال‪ :‬شراً)‪ ،‬قال ابن حجر يف الفتح‪ 4/280‬معدداً فوائد احلديث‪( :‬وفيه‪ :‬التحرز‬
‫من التعرض لسوء الظن واالحتفاظ من كيد الشيطان واالعتذار‪ ،‬قال ابن دقيق العيد‪ :‬وهذا متأكد يف‬
‫حق العلماء ومن يقتدى به؛ فال جيوز هلم أن يفعلوا فعالً يوجب سوء الظن هبم وإن كان هلم فيه‬
‫خملص؛ ألن ذلك سبب إلبطال االنتفاع بعلمهم)‪ .‬وقد أدرك عمر ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬هذا األمر حني‬
‫رأى على طلحة بن عبيد اهلل ‪-‬رضي اهلل عنه‪ -‬ثوباً مصبوغاً وهو حمرم‪ ،‬فقال عمر‪ :‬ما هذا الثوب‬
‫املصبوغ ياطلحة؟ فقال طلحة‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إمنا هو مدر‪ ،‬فقال عمر‪ :‬إنكم أيها الرهط أئمة‬

‫‪175‬‬
‫يقتدي بكم الناس‪ ،‬فلو أن رجالً جاهالً رأى هذا الثوب لقال‪ :‬إن طلحة بن عبيد اهلل كان يلبس‬
‫الثياب املصبغة يف اإلحرام‪ ،‬فال تلبسوا أيها الرهط شيئاً من هذه الثياب املصبغة‪ .‬أخرجه مالك [احلج‪/‬‬
‫‪.]10‬‬
‫‪ -5‬على من وضع نفسه يف مقام الرتبية أن ال يتكلف القدوة حني خيفي تقصريه عند املرتبني بإظهار‬
‫الطاعات واجتناب املكروهات‪ ،‬أو يومههم بذلك يف كالمه وفعله‪ ،‬لئال ينتقدوه وهو شيخهم‪ ،‬أو‬
‫يفت يف عزميتهم‪ ،‬وإن فعل هذا عن حسن نية فإنه من نقصه وضعفه‪ S‬يف تربية نفسه أوالً‪ ،‬وهو ثانياً‬
‫من الرياء املذموم الذي يأمث به‪ ،‬وليعلم ثالثاً أن حبل الكذب كما يقال قصري‪ ،‬وكما قال زهري‪:‬‬
‫ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خاهلا ختفى على الناس تعلم‬
‫واملرتيب مراقب لشيخه ويف الوقت نفسه جيله ويعظمه‪ ،‬فإن أدرك سوء صنيع شيخه وهو ال حمالة‬
‫مدرك فسيكون األثر السليب على نفسه حينئذ أشد مما لو علم قبل ذلك‪ ،‬سواء أدرك املتمشيخ معرفة‬
‫املرتيب به أو مل يدرك‪ ،‬وإذا فاحت رائحة الرياء واخلداع فكيف سيكون حاله‪.‬‬
‫‪ -6‬القدوة يف أعني الناس؛ ترقبه وتقتدي به‪ ،‬وزلته زلة هلم‪ ،‬أو زلة له هو من أعينهم‪ ،‬والناس ال‬
‫يغتفرون خطأ القدوة‪ ،‬وهذا سلوك غري شرعي‪ ،‬ولكن على القدوات أن يتعاملوا مع هذا الواقع بدقة‬
‫وحساسية‪ ،‬مع السعي لتصحيح هذا اخلطأ بالتأكيد على بشرية القدوة وعدم عصمته‪ ،‬وأن الوقوع يف‬
‫اخلطأ ال يسلم منه أولياء اهلل املتقون إال أهنم يستغفرون اهلل ويرجعون إليه‪ ،‬كما قال تعاىل يف وصف‬
‫املتقني‪( :‬والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اهلل فاستغفروا لذنوهبم ومن يغفر الذنوب‬
‫إال اهلل ومل يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون‪ .‬أولئك جزاؤهم مغفرة‪ S‬من رهبم وجنات جتري من‬
‫حتتها األهنار خالدين فيها ونعم أجر العاملني) [آل عمران‪ ،]136-135/‬ويعرض أيضاً ما حصل‬
‫لألنبياء والرسل الذين هم خري القدوات عليهم الصالة والسالم من أمو ٍر عاتبهم اهلل جل وعال عليها‬
‫وغضب موسى ‪-‬عليه‬ ‫ِ‬ ‫فاستغفروا اهلل منها‪ ،‬كإغواء الشيطان آلدم عليه السالم بأكل من الشجرة ‪،‬‬
‫السالم‪ -‬وإلقائه األلواح ‪ ،‬وأخذه برأس أخيه جيره إليه‪ ،‬وعبوس النيب ‪ -  -‬وتوليه عن األعمى ‪،‬‬
‫وغري ذلك مما حصل لبعض الصحابة والتابعني والصاحلني من عباد اهلل ‪-‬عز وجل‪.-‬‬
‫أسأل اهلل عز وجل أن حيبب إلينا اإلميان ويزينه يف قلوبنا ! ويكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان وأن‬
‫جيعلنا من الراشدين!‪ ،‬وأئمة للمتقني!‪.‬‬
‫وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‪S.‬‬
‫املصدر ‪http://www.almurabbi.com :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪176‬‬
‫القدوة الحسنة والتحلي بخلق اإلسالم أهم ما يمتلكه الداعية‬

‫فتاوى الشبكة اإلسالمية معدلة ‪( -‬ج ‪ / 3‬ص ‪- )5518‬رقم الفتوى ‪ 19186‬القدوة احلسنة‬
‫والتحلي خبلق اإلسالم أهم ما ميتلكه الداعية‬
‫تاريخ الفتوى ‪ 06 :‬مجادي األوىل ‪1423‬‬
‫السؤال‬
‫أنا طالب يف جامعة فلسطينية كيف أستطيع أن أدعو الطالب أثناء الدراسة إىل دين اهلل وما هي‬
‫الوسائل اليت متكنين من ذلك؟‬
‫والسالم عليكم‪.‬‬
‫الفتوى‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه أما بعد‪:‬‬
‫فإن املسلم يتشرف بالدعوة إىل اهلل تعاىل‪ ،‬وإىل هذا الدين العظيم الذي شرفه اهلل تعاىل باالنتساب إليه‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫والدعوة له‪ .‬قال تعاىل‪( :‬ومن َأحسن َقوالً مِم َّن دعا ِإىَل اللَّ ِه وع ِمل حِل‬
‫صا اً َوقَ َال ِإنَّيِن م َن الْ ُم ْسلم َ‬
‫ني)‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ْ ْ ََ‬
‫[فصلت‪.]33:‬‬
‫وقد أمر اهلل تعاىل نبيه ‪ ‬وكل من اتبع الرسول ‪ ‬أن يدعو إىل اهلل تعاىل على بصرية‪ ،‬فقال تعاىل‪:‬‬
‫ص َري ٍة َأنَا َو َم ِن اتََّب َعيِن ) [يوسف‪.]108:‬‬‫(قُل ه ِذ ِه سبِيلِي َْأدعو ِإىَل اللَّ ِه علَى ب ِ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ َ َ‬
‫فكل من اتبع الرسول ‪ ‬جيب عليه أن يدعو إىل اهلل تعاىل على بصرية‪ ،‬فعن علي رضي اهلل عنه أن‬
‫رسول اهلل ‪ ‬قال‪" :‬ألن يهدي اهلل بك رجالً واحداً خري لك من محر النعم" رواه البخاري‪.‬‬
‫والدعوة إىل اهلل تعاىل تكون بكل أسلوب شرعه اهلل تعاىل‪ :‬من تعليم الناس ما فرض اهلل عليهم من‬
‫أمر دينهم‪ ،‬ومن توجيههم ونصحهم مبا ينفع يف دينهم ودنياهم‪ ،‬وبيان حماسن اإلسالم وإصالحه‬
‫للفرد واجملتمع‪ ،‬وأنه سبب لسعادة املسلم يف الدارين‪.‬‬
‫ومن أهم وسائل الدعوة أن يتحلى الداعية بأخالق اإلسالم‪ ،‬ويكون منوذجاً وقدوة لغريه فلسان‬
‫احلال أصدق من لسان املقال‪.‬‬
‫وقد انتشر اإلسالم يف كثري من البالد اإلسالمية وغري اإلسالمية على أيدي الدعاة املخلصني من‬
‫التجار واملهاجرين‪ ،‬كما حدث يف شرق آسيا وأفريقيا‪.‬‬
‫والدعوة اليوم حتتاج إىل شباب خملصني من الذين وهبوا أنفسهم هلل تعاىل‪ ،‬وضحوا يف سبيلها بكل‬
‫غال‪ ،‬وبذلوا جهدهم لبيان ما جاء اإلسالم به لينقذوا األمة مما تتخبط فيه من اجلهل بالدين والتبعية‬
‫ألعداء اهلل تعاىل‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫واحلاصل أن عليك أن تدعو إىل اهلل باحلكمة واملوعظة احلسنة‪ ،‬وجتادل باليت هي أحسن‪ ،‬وتعلم‬
‫الشباب ما فرض اهلل عليهم جتاه دينهم وأمتهم‪ ،‬وتبني هلم حماسن اإلسالم وما يسعدهم يف الدنيا‬
‫واآلخرة‪.‬‬
‫واهلل أعلم‪.‬‬
‫املفيت‪ :‬مركز الفتوى بإشراف د‪.‬عبداهلل الفقيه‬
‫ــــــــ‬

‫‪178‬‬
‫القدوة الحسنة !‬
‫موسى حممد هجاد الزهراين‬
‫يم }‬ ‫ول ِمن َأْن ُف ِس ُكم ع ِزيز علَي ِه ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم بِالْمْؤ ِمنِني رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫ْ َ ٌ َْ َ َ ْ َ ٌ َْ ْ ُ َ َُ‬ ‫{ لََق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ْ‬
‫ورةُ الت َّْوبِِة ‪.. ] 128 :‬‬
‫[ ُس َ‬
‫إن املتأمل يف سرية النيب ‪ ‬ليجد أهنا حوت مجيع مكارم األخالق اليت تواطئ عليها فضالء وجنباء‬
‫البشر ونبالؤهم ‪ ،‬حىت إهنا لتجيب على كل ما خيتلج يف الفؤاد من أسئلة قد تبدو حمرية ملن مل يذق‬
‫طعم اإلميان باهلل تعاىل من الذين كفروا ‪ ،‬والغريب يف األمر أن بعض بين قومنا من املسلمني هداهم‬
‫اهلل ال حيفلون هبذه امليزة العظيمة اليت ميزنا اهلل هبا وهي كون النيب ‪ ‬قدوة وأسوة حسنة رغم أهنا‬
‫متثل الرادع الفعلي عن ارتكاب ما خيل خبلق املسلم ‪ ،‬وهي احملرك األساس إىل االرتقاء بالذات إيل‬
‫معايل األمور وقممها السامقات ‪.‬‬
‫إذ أن النيب ‪ ‬قرآ ٌن ميشي على األرض وكان خلقه القرآن ‪ ،‬ولذلك جتد كثرياً من عامة املسلمني‬
‫اليوم إذا سألتهم ولو كان ذلك بطريقة عشوائية عن ‪ :‬من هو قدوتك أو مثلك األعلى ؟!‬
‫لسمعت اإلجابة ‪ _:‬النيب صلى اهلل عليه سلم ! ‪.‬‬
‫أتعرف شيئاً عن سريته ؟ ‪.‬‬
‫فسيحدثك ولو بالقدر القليل عن سريته عليه السالم من والدته ونشأته وعبادته وشجاعته وحسن‬
‫خلقه وغزواته وغري ذلك إىل الوفاة ‪.‬‬
‫وإنك لتسمع من البعض أيضاً عبارة ‪ :‬هذا مل يفعله رسول اهلل ‪ .. ‬وما ذلك إالَّ داللة واضحة‬
‫على أن املسلمني عموماً لديهم الرجوع الذهين إىل القدوة املطلقة وهو النيب الكرمي ‪ .. ‬فيفعلون‬
‫ما فعل وينتهون عما هنى وخيجلون من فعل شيء مل يفعله‪.‬‬
‫***‬
‫أين هذا من الكثرة الكاثرة يف األرض اليوم بكل يف كل زمان من الكافرين على مجيع أصنافهم‬
‫وتنوع مذاهبهم وتنوع مذاهبهم ومشارهبم ؟ ‪.‬‬
‫خذ مثالً ‪ ..‬النصارى املوجودين اليوم ‪ ..‬لو سألت أحدهم أو جمموعة منهم عن قدوته يف احلياة ملا‬
‫حار جواباً إالَّ بعد تفكري مضطرب قد تأيت اإلجابة بعده ليست كما تريد ‪ ..‬وينسى ( املسيح عليه‬
‫السالم ) أو ( يسوع كما حيلو هلم أن يعربوا ) ألنه جيهل سريته متاماً وال يعلم منها إال اجلزء املظلم‬
‫يف نظرة النصرانية من أنه أحد األقانيم الثالثة ‪ ..‬ثالثة يف واحد ‪ ..‬وأنه ابن اإلله ‪ ،‬وهو املصلوب‬
‫إلنقاذ اجلنس البشري من تبعات خطيئة أبيهم آدم ‪ ..‬وهو الذي نزل باسم اإلله تارة أو ابنه تارة أو‬
‫ما إىل ذلك من خرافاهتم ‪..‬‬

‫‪179‬‬
‫ِإ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫{ و َقوهِلِم ِإنَّا َقَت ْلنَا الْم ِسيح ِعيسى ابن مرمَي رس َ ِ‬
‫صلَبُوهُ َولَك ْن ُشبِّهَ هَلُ ْم َو َّن الذ َ‬
‫ين‬ ‫ول اهلل َو َما َقَتلُوهُ َو َما َ‬ ‫َ َ َ ْ َ َْ َ َ ُ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اخَتلَ ُفوا فِيه لَفي َش ٍّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اع الظَّ ِّن َو َما َقَتلُوهُ يَقينًا ‪ ،‬بَ ْل َر َف َعهُ اهللُ ِإلَْيه َو َكا َن‬‫ك مْنهُ َما هَلُ ْم بِه م ْن ع ْل ٍم ِإالَّ اتِّبَ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّساء ‪] 158 :‬‬ ‫ورةُ الن َ‬ ‫يما } [ ُس َ‬ ‫اهللُ َع ِز ًيزا َحك ً‬
‫فإذا أردت منه شيئاً يسرياً عنه والدة عيسى عليه السالم ‪ ..‬لرمبا غضب منك ألنه يعلم أنك تريد‬
‫يف اخلاصة‬ ‫تسفيه عقيدته يف ابن اإلله ( حسب زعمهم ) ‪ ..‬وإذا أردت شيئاً من سريته مل تسمع من ّ‬
‫منهم إالَّ العبارة املشهورة عن املسيح عندهم " إذا صفعك أحدهم على اخلد األيسر فأدر له اخلد‬
‫األمين ومن جاءك يريد أخذ شيئاً من مالك فأعطه مالك كله " على أهنا ال سند هلا من شرع وال‬
‫عقل إالَّ إهنا ال متثل ما عليه واقع حال النصرانية احملرفة أبداً وال حيفل قسسهم وال باباوهتم ورهباهنم‬
‫وساستهم ‪ -‬وبوش الظامل املعتدي على أفغانستان والعراق أكرب مثال ‪ -‬ال حيفلون هبذا النص عن‬
‫املر يشهد بذلك ‪.‬‬ ‫املسيح عندهم وال يُعملونه يف واقعهم‪ ،‬وواقعهم ّ‬
‫ول‬
‫يسى ابْ ُن َم ْرمَيَ َر ُس ُ‬ ‫اب الَ َت ْغلُوا يِف ِدينِ ُكم والَ َت ُقولُوا علَى ِ‬
‫اهلل ِإالَّ احْل َّق ِإمَّنَا الْم ِس ِ‬ ‫{ يا َْأهل الْ ِكتَ ِ‬
‫يح ع َ‬‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح مْنهُ فَآمنُوا بِاهلل َو ُر ُسله َوالَ َت ُقولُوا ثَالَثَةٌ ا ْنَت ُهوا َخْيًرا لَ ُك ْم ِإمَّنَا اهللُ ِإلَهٌ‬ ‫ِ ِ‬
‫اها ِإىَل َم ْرمَيَ َو ُر ٌ‬
‫اهلل َو َكل َمتُهُ َألْ َق َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫اح ٌد سبحانَه َأ ْن ي ُكو َن لَه ولَ ٌد لَه ما يِف َّ ِ‬ ‫وِ‬
‫ورةُ‬
‫ض َو َك َفى باهلل َوكيالً } [ ُس َ‬ ‫الس َم َاوات َو َما يِف ْ‬
‫اَألر ِ‬ ‫َُ َُ‬ ‫ُْ َ ُ َ‬ ‫َ‬
‫ِّساء ‪] 171 :‬‬ ‫ِ‬
‫الن َ‬
‫***‬
‫أين املسلمون عن شكر نعمة القدوة املطلقة حممد ‪ ‬وأين العمل بسنته واالفتخار هبا ؟ ‪.‬‬
‫اآلخَر َوذَ َكَر اهللَ َكثِ ًريا }‬ ‫اهلل ُأسوةٌ حسنَةٌ لِمن َكا َن يرجو اهلل والْيوم ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫{ لََق ْد َكا َن لَ ُكم يِف رس ِ‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ‬ ‫ْ َُ‬
‫اب ‪] 21 :‬‬ ‫اَألحَز ِ‬
‫ورةُ ْ‬ ‫[ ُس َ‬
‫وبقي أن نعلم أن القدوات ثالثة ‪ ..‬القدوة املطلقة وهو احلبيب املصطفى ‪ ‬والقدوة الثانية ‪ :‬من‬
‫مات على اإلسالم الصحيح من سلف األمة املخلصني ومن كانت سريته نرباساً ملن بعده كالصحابة‬
‫الكرام والتابعني هلم بإحسان ‪ ..‬وعلماء األمة األربعة فمن بعدهم ومشسهم الوهاجة شيخ اإلسالم بن‬
‫تيميه ‪ ..‬إىل آخر عا ٍمل مات منهم ‪ ..‬بالشرط املتقدم ‪.‬‬
‫القدوة الثالثة ‪ :‬من يصلح االقتداء به يف هذا الزمان من األخيار ‪ ،‬على أن احلي ال تؤمن عليه الفتنة ‪..‬‬
‫وهلل در الشيخ الدكتور عائض القرين على روعة وصفة لقدوتنا حممد ‪ ، ‬يف رائعته ‪ :‬تاج املدائح ‪:‬‬
‫مليمية جاءتك من ََأم ِم **** ُمدادها من معاين نون والقلم‍‬ ‫أنصت ٍ‬
‫اهلاطل العم ِم‍‬
‫صب يف حمبتكم***** فيضاً تدفق مثل ِ‬ ‫سالت قرحيةُ ٍّ‬
‫كالسيل كالليل كالفجر اللحوح غدا * يطوي الروايب وال يلوي على األكم‍‬
‫أجش كالرعد يف ليل السعود وال *** يشابه الرعد يف بطش ويف غشم‍‬
‫كدمع عيين إذا ما عشت ذكركم *** أو خفق قلب بنار الشوق مضطرم‍‬

‫‪180‬‬
‫يزري بنابغة النعمان رونقها ***** ومن زهري ؟ وماذا قال يف َه ِرِم‍‬
‫يزن صفحاً ومادحه ***** وتبّعاً وبين شداد يف إرم‍‬ ‫دع سيف ذي ٍ‬
‫أصيد أو ذي هالة ٍوكمي‍‬ ‫وال تعرج على كسرى ودولته ***** وكل ْ‬
‫وانسخ مدائح أرباب املديح كما ***** كانت شريعته نسخا لدينهم‍‬
‫رصع هبا هامة التأريخ رائعة ***** كالتاج يف مفرق باجملد مرتسم‍‬ ‫ّ‬
‫فاهلجر والوصل والدنيا وما محلت **** وحب جمنون ليلى ضلة لعمي‍‬
‫دع املغاين وأطالل احلبيب وال***** تلمح بعينك برقا الح يف أضم‍‬
‫وأنس اخلمائل واألفنان مائلة ***** وخيمة وشويهات بذي سلم‍‬
‫هنا ضياء هنا ري هنا أمل ***** هنا رواء هنا الرضوان فاستلم‍‬
‫لو زينت المرء القيس انزوى خجال ***** ولو رآها لبيد الشعر مل يقم‍‬
‫ميمية لو فىت بوصري أبصرها ***** لعوذوه برب احلل واحلرم‍‬
‫سل شعر شوقي أيروي مثل قافييت *** أو أمحد بن حسني يف بين حكم‍‬
‫ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها***** هامت قلوب هبا من روعة النغم‍‬
‫أثين على من ؟ أتدري من أجبله ؟ ***** أما علمت مبن أهديته كلمي‍‬
‫طرا غري متهم‍‬ ‫يف أشجع الناس قلبا غري منتقم ***** وأصدق اخللق ّ‬
‫أهبى من البدر يف ليل التمام وقل * أسخى من البحر بل أرسى من العلم‍‬
‫أصفى من الشمس يف نطق وموعظة ** *أمضى من السيف يف حكم ويف حكم‍‬
‫أغر تشرق من عينيه ملحمة ***** من الضياء لتجلو الظلم والظلم‍‬
‫يف مهة عصفت كالدهر واتقدت *** كم مزقت من أيب جهل ومن صنم‍‬
‫أتى اليتيم أبو األيتام يف قدر ***** أهنى ألمته ما كان من يتم‍‬
‫حمرر العقل باين اجملد باعثنا ***** من رقدة يف دثار الشرك واللمم‍‬
‫بنور هديك كحلنا حماجرنا ***** ملا كتبنا حروفا صغتها بدم‍‬
‫من حنن قبلك إال نقطة غرقت **** يف اليم بل دمعة خرساء يف القدم‍‬
‫أكاد أقتلع اآلهات من ُحَرقي ***** إذا ذكرتُك أو أرتاعُ من ندمي‍‬
‫ملا مدحتك خلت النجم حيملين ***** وخاطري بالسنا كاجليش حمتدم‍‬
‫أقسمت باهلل أن يشدو بقافية ***** من القريض كوجه الصبح مبتسم‍‬ ‫ُ‬
‫صه شكسبري من التهريج أسعدنا **** عن كل إلياذة ما جاء يف احلكم‍‬
‫الفرس والروم واليونان إن ذكروا ***** فعند ذكراه أمسال على قزم‍‬
‫هم منقوا لوحة للرق هائمة ***** وأنت لوحك حمفوظ من التهم‍‬

‫‪181‬‬
‫أهديتنا منرب الدنيا وغار حرا ***** وليلة القدر واإلسراء للقمم‍‬
‫واحلوض والكوثر الرقراق جئت به*** أنت املزمل يف ثوب اهلدى فقم‍‬
‫الكون يسأل واألفالك ذاهلة ***** واجلن واإلنس بني الالء والنعم‍‬
‫حمتفل واجلو مبتهج ***** والبدر ينشق واأليام يف حلم‍‬
‫والدهر ٌ‬
‫سرب الشياطني ملا جئتنا احرتقت **** ونار فارس ختبو منك يف ندم‍‬
‫وص ّف َد الظلم واألوثان قد سقطت ***** وماء ساوة ملا جئت كاحلمم‍‬ ‫ُ‬
‫قحطان عدنان حازوا منك عزهتم ***** بك التشرف للتأريخ ال هبم‍‬
‫عقود نصرك يف بدر ويف أحد ***** وعدال فيك ال يف هيئة األمم‍‬
‫شادوا بعلمك محراء وقرطبة ***** لنهرك العذب هب اجليل وهو ظمي‍‬
‫ومن عمامتك البيضاء قد لبست ***** دمشق تاج سناها غري منثلم‍‬
‫رداء بغداد من برديك تنسجه ***** أيدي رشيد ومأمون ومعتصم‍‬
‫وسدرة املنتهى أولتك هبجتها ***** على بساط من التبجيل حمرتم‍‬
‫دارست جربيل آيات الكتاب فلم***** ينس املعلم أو يسهو ومل يهم‍‬
‫اقرأ ودفرتك األيام ُخط به ***** وثيقة العهد يا من بر يف القسم‍‬
‫قربت للعامل العلوي أنفسنا ***** مسكتنا منت حبل غري منصرم‍‬
‫نصرت بالرعب شهرا قبل موقعة *** كأن خصمك قبل احلرب يف صمم‍‬
‫إذا رأوا طفال يف اجلو أذهلهم ***** ظنوك بني بنود اجليش واحلشم‍‬
‫احلرى على األطم‍‬‫بك استفقنا على صبح يؤرقه ***** بالل بالنغمة ّ‬
‫إن كان أحببت بعد اهلل مثلك يف **** بدو وحضر ومن عرب ومن عجم‍‬
‫فال اشتفى ناظري من منظر حسن *****وال تفوه بالقول السديد فمي‍‬
‫بعد ‪ ،‬فهذه كلمات يسرية كتبتها على عجل ‪ ،‬أثارها يف صدري ما قرأته عن مقارنه األديان [‪]1‬‬
‫وختبطاهتا حاشا اإلسالم ‪ .‬أسأل اهلل أن جيعلنا من املهتدين املقتدين بالرسول الكرمي حممد ‪ ‬ويرزقنا‬
‫أتباع سنته وشفاعته يوم القيامة ‪.‬‬
‫القاهرة ‪ -‬يف ‪12/5/1425‬هـ‬
‫‪----------‬‬
‫[‪ ]1‬انظر كتاب أستاذنا الفاضل أ د ‪ /‬مصطفى حلمي ( اإلسالم ومقارنة األديان ) ‪..‬‬
‫ــــــــ‬
‫الوقفة األولى‪ :‬القدوة الحسنة‬

‫‪182‬‬
‫هاهنا أمور كثرية‪ ،‬فإننا مجيعاً نقدم فلذات أكبادنا إىل املدارس يقضون فيها اثين عشر عاماً‪ ،‬يكونون‬
‫فيها مع املعلمني واملعلمات يف كل يوم حنو ست ساعات إىل مثان ساعات‪ ،‬يشاهدهم املعلمون‬
‫واملعلمات أكثر مما نشاهدهم يف بيوتنا‪ ،‬حنن نعول على دورهم‪ ،‬حنن جند أن هناك مهمة كربى‬
‫حنتاجها منهم‪.‬‬
‫أوهلا‪ :‬أن يكونوا قدوات حسنة‪ ،‬فليس أضر يف التعليم من أن يكون املعلم قدوة سيئة‪ ،‬فيقول ما ال‬
‫يفعل ويفعل ما ال يقول‪ ،‬وقد ذم اهلل جل وعال ذلك لنا ‪-‬معاشر املؤمنني‪ -‬فقال تعاىل‪ { :‬يَا َأيُّ َها‬
‫ين آَ َمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما ال َت ْف َعلُو َن * َكُبَر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما ال َت ْف َعلُو َن } [الصف‪.]3-2:‬‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫وحذرنا اهلل عز وجل من ذلك‪ ،‬وضرب لنا املثل السيئ القبيح ملن كان هلم هذا السلوك‪ ،‬كما بني‬
‫وها َك َمثَ ِل احْلِ َما ِر حَيْ ِم ُل‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين مُحِّلُوا الت َّْو َرا َة مُثَّ مَلْ حَيْملُ َ‬
‫احلق سبحانه وتعاىل ذلك يف قوله‪َ { :‬مثَ ُل الذ َ‬
‫َأس َف ًارا } [اجلمعة‪ ،]5:‬فهو محار حيمل علوماً وكتباً فوق ظهره وال يعقل منها شيئاً‪ ،‬وال يفهم منها‬ ‫ْ‬
‫علماً‪ ،‬وال يأخذ منها سلوكاً‪ ،‬فما أقبح هذا املثل!‬
‫الوقفة الثانية‪ :‬الرتكيز على اهلدف والغاية من التعليم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وأمر آخر‪ :‬تركيزهم على املهمة اليت ذكرناها { َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاتِ َ‬
‫ْمةَ‬
‫اب َواحْل ك َ‬ ‫ك َويُ َعلِّ ُم ُه ُم الْكتَ َ‬
‫َويَُز ِّكي ِه ْم } [البقرة‪ ،]129:‬وليس جمرد سرد للمعلومات‪.‬‬
‫الوقفة الثالثة‪ :‬القرب من الطالب والرأفة هبم‬
‫وثالثة مهمة‪ ،‬وهي قرهبم من الطالب والطالبات ورأفتهم هبم وشفقتهم عليهم‪ ،‬وإبداؤهم كامل‬
‫احلب هلم‪ ،‬فإن التعليم ال جيد طريقه إىل العقول‪ ،‬وإن الفهم ال جيد طريقه إىل القلوب إال عندما يقبل‬
‫ذلك الطالب أستاذه وحيبه من قلبه‪ ،‬وتتعلق به نفسه‪.‬‬
‫تأمل كيف كان تعليم سيد اخللق ‪ ، ‬بل كيف وصفه‪ S‬اهلل عز وجل وبني صفته العظمى يف تعليمه؟‬
‫يم }‬ ‫ول ِمن َأن ُف ِس ُكم ع ِزيز علَي ِه ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم بِالْمْؤ ِمنِني رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫ْ َ ٌ َْ َ َ ْ َ ٌ َْ ْ ُ َ َُ‬ ‫{ لََق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ْ‬
‫كب ِ‬
‫اخ ٌع‬ ‫[التوبة‪ ،]128:‬ووصفه اهلل جل وعال يف حاله مع من يدعوهم ويعرضون فقال‪َ { :‬فلَ َعلَّ َ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ هِب‬ ‫ِ ِإ‬
‫َأس ًفا } [الكهف‪ ،]6:‬ووصف النيب ‪ ‬نفسه فقال‪:‬‬ ‫ك َعلَى آثَا ِره ْم ْن مَلْ يُْؤ منُوا َ َذا احْلَديث َ‬
‫َن ْف َس َ‬
‫( إمنا مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد ناراً فجعل الفراش واهلوام يقعن فيها‪ ،‬وجعل يذهبن عنها‪،‬‬
‫فأنا آخذ حبجزكم من النار ) ذلك هو الشفيق الرحيم‪.‬‬
‫ال ميكن أن تعلم أحداً وأنت دائم القسوة عليه‪ ،‬وأنت دائم النفرة منه‪ ،‬وأنت دائم العبوس يف وجهه‪،‬‬
‫ولن تصل كلماتك إىل عقله وقلبه‪.‬‬
‫ومن هنا نقول‪ :‬كيف علم النيب ‪ ‬؟ خذ ذلك احلديث الرقيق األديب العجيب الذي قال فيه سيد‬
‫اخللق عليه الصالة والسالم‪ ( :‬يا معاذ ! واهلل إين ألحبك ) مث شرع يعلمه احلقيقة العظمى‪ ،‬ففرح‬

‫‪183‬‬
‫معاذ بتلك املقدمة‪ ،‬وانشرح صدره‪ ،‬وهتيأ قلبه‪ ،‬وانفرجت أساريره‪ ،‬وتلهفت نفسه‪ ،‬فكل كلمة‬
‫حينئذ تقع موقعها‪ ،‬وتقبل وتؤثر بإذن اهلل عز وجل‪.‬‬
‫وكان رديفه ابن عباس ‪-‬كما يف احلديث املشهور‪ -‬وهو غالم صغري‪ ،‬فيلتفت إليه سيد اخللق ‪‬‬
‫فيقول‪ ( :‬يا غالم! إين أعلمك كلمات ) كلها مقدمات‪.‬‬
‫والقرآن يعلمنا يف قصة لقمان { يَا بُيَنَّ } [لقمان‪ ]16:‬مما يبني أن هذا التلطف والشفقة والرمحة‬
‫مهمة يف غاية األمهية‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪184‬‬
‫القدوة الحسنة والقدوة السيئة‬
‫جملة البحوث اإلسالمية ‪( -‬ج ‪ / 53‬ص ‪)149‬‬
‫املعتاد والغالب أن األبناء والذرية يقتدون باآلباء واملربني واملعلمني ‪ ،‬كما حكى اهلل ذلك عن أهل‬
‫ني } (‪َ { )1‬ف ُه ْم َعلَى آثَا ِر ِه ْم يُ ْهَرعُو َن } (‬ ‫ضالِّ َ‬ ‫اجلاهلية يف مثل قوله تعاىل‪ِ { :‬إن َُّه ْم َألْ َف ْوا آبَاءَ ُه ْم َ‬
‫وها ِإنَّا َو َج ْدنَا آبَاءَنَا َعلَى َُّأم ٍة‬ ‫ٍِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ك يِف َقْريَة م ْن نَذي ٍر ِإاَّل قَ َال ُمْتَرفُ َ‬ ‫‪ . )2‬وقال تعاىل‪َ { :‬ما َْأر َس ْلنَا ِم ْن َقْبل َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك َي ْف َعلُو َن‬ ‫َوِإنَّا َعلَى آثَا ِره ْم ُم ْقتَ ُدو َن } (‪ . )3‬وقال تعاىل عن قوم إبراهيم‪ { :‬بَ ْل َو َج ْدنَا آبَاءَنَا َك َذل َ‬
‫} (‪ . )4‬وقال تعاىل عن قوم هود‪ { :‬قَالُوا َِأجْئَتنَا لَِن ْعبُ َد اللَّهَ َو ْح َدهُ َونَ َذ َر َما َكا َن َي ْعبُ ُد آبَاُؤ نَا } (‬
‫‪ . )5‬وغري ذلك من اآليات ‪.‬‬
‫فاآلباء قدوة حسنة أو سيئة ألوالدهم ‪ ،‬واالقتداء هو التقليد واالتباع ‪ ،‬والتمسك مبا عليه األسالف‬
‫من عقيدة أو عمل ‪ .‬فاملعتاد أن األبناء حيسنون الظن بآبائهم ‪ ،‬ويتمسكون مبا كانوا عليه ‪،‬‬
‫ويعتقدونه سفينة النجاة ‪ ،‬ففي قصة موت أيب طالب ملا قال له النيب ‪ « :-  -‬قل‪ :‬ال إله إال اهلل ‪.‬‬
‫كلمة أحاج لك هبا عند اهلل » (‪ )6‬قال له احلاضرون من املشركني‪ :‬أترغب عن‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬سورة الصافات اآلية ‪69‬‬
‫(‪ )2‬سورة الصافات اآلية ‪70‬‬
‫(‪ )3‬سورة الزخرف اآلية ‪23‬‬
‫(‪ )4‬سورة الشعراء اآلية ‪74‬‬
‫(‪ )5‬سورة األعراف اآلية ‪70‬‬
‫(‪ )6‬صحيح البخاري املناقب (‪,)3671‬صحيح مسلم اإلميان (‪,)24‬سنن النسائي اجلنائز (‬
‫‪,)2035‬مسند أمحد بن حنبل (‪.)5/433‬‬
‫ملة عبد املطلب ؟ فكان آخر ما قال‪ :‬هو على ملة عبد املطلب (‪. )1‬‬
‫ني } (‪ . )2‬وذلك دليل شدة متسك اخللف‬ ‫وقد قال عن قوم نوح‪ { :‬ما ِ عنا هِب َذا يِف آباِئنا َّ ِ‬
‫اَأْلول َ‬ ‫ََ‬ ‫َ مَس َْ َ‬
‫يد َأ ْن‬ ‫بسنة من سبقهم ‪ ،‬وتصلبهم يف ما تلقوه عنهم ‪ ،‬كما قال عن املشركني‪َ { :‬ما َه َذا ِإاَّل َر ُج ٌل يُِر ُ‬
‫ص َّد ُك ْم َع َّما َكا َن َي ْعبُ ُد آبَاُؤ ُك ْم } (‪. )3‬‬
‫يَ ُ‬
‫مث إن هناك أخص من التقليد يف العقائد أال وهو تأسي الذرية واألطفال مبا عليه املربون وأولياء‬
‫األمور ‪ ،‬واتباعهم يف أفعاهلم وأقوآله م ‪ ،‬دون تفكري يف احلسن والقبيح ‪ ،‬والضار والنافع ‪ ،‬واخلري‬
‫والشر ‪ ،‬فمىت كان املريب أو الويل مستقيما متبعا للحق ‪ ،‬فإن من حتت يده غالبا يقتدون به ‪ ،‬فرتاهم‬
‫حيافظون على الصلوات يف اجلماعة ‪ ،‬ويتقربون بالنوافل ‪ ،‬ويسابقون إىل املساجد ‪ ،‬ويواظبون على‬
‫األذكار واألدعية عقب الصلوات املكتوبة ‪ ،‬ويكثرون من ذكر اهلل تعاىل وتالوة كتابه وتدبره ‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫وحيبون اخلري وأهله ‪ ،‬مقتدين يف ذلك مبن يربيهم ويعلمهم ‪ ،‬ويرون أن ذلك هو سبيل النجاة ‪ ،‬وإن‬
‫مل يكن الويل أو املريب يعلمهم ويلقنهم هذه الفضائل والفوائد ‪ ،‬فأما إن أضاف إىل أفعاله احلسنة‬
‫النصح واإلرشاد ‪ ،‬وتوجيه من حتت يده ‪ ،‬وترغيبهم يف فعل اخلريات ‪ ،‬وحثهم على اإلكثار من‬
‫القربات ‪ ،‬فحدث وال حرج عن تأثرهم وتقبلهم وتلقيهم لنصائحه وإرشاداته ‪ ،‬واطمئناهنم إىل صحة‬
‫ما يهديهم إىل فعله ‪ ،‬وتطبيقهم لكل صغرية وكبرية يدعوهم إليها غالبا ‪.‬‬
‫وبضد ذلك نرى أن اآلباء وأولياء األمور واملربني واملعلمني مىت كانوا منحرفني زائغني ‪ ،‬ظهر الفساد‬
‫غالبا فيمن حتت أيديهم من األطفال والذراري ‪ ،‬فينشئون على استعمال السباب والشتم واللعن‬
‫والقذف والعيب والثلب وسيئ املقال أو على الوقاحة والرذالة والرعونة واجلفاء وخشونة الطباع ‪،‬‬
‫أو على االحنراف يف األخالق والطبائع ‪ ،‬أو على احلسد والظلم والكذب واخليانة والسرقة‬
‫واالختالس والفجور وقول الزور ‪ ،‬أو على املعاصي الظاهرة ولو كانت منكرة يف العقل والفطرة ‪،‬‬
‫فرتاهم يقلدون أكابرهم ومشاخيهم يف شرب الدخان ‪ ،‬وحلق اللحى ‪ ،‬وتعاطي املسكرات‬
‫واملخدرات ‪ ،‬والعكوف على مساع األغاين واملالهي ‪ ،‬والنظر يف الصور الفاتنة ‪ ،‬والصحف املاجنة ‪،‬‬
‫واألفالم اهلابطة ‪ ،‬وحنو ذلك ‪.‬‬
‫وال شك أن إظهار أمثال هذه املعاصي أمام النشء الصغري غري املميز ‪ ،‬مما يدفعه إىل التلوث هبا ‪ ،‬أو‬
‫ببعضها ‪ ،‬سواء هتاون والده به بادئ ذي بدء أو حذر منها ‪ ،‬فإذا أعلن فعلها أمام األطفال واجلهال ‪،‬‬
‫حىت نشبوا يف تلك احلبائل ‪ ،‬مث حاول ختليصهم وإنقاذهم منها تعب يف ذلك ومل يستطع ‪ ،‬فيندم حني‬
‫ال ينفع الندم ‪ .‬فال تسأل عما حيدث من جراء التخلق مبثل هذه األخالق الرذيلة ‪ ،‬حيث يتحلى الولد‬
‫بالعقوق والعصيان ‪ ،‬واملخالفة الظاهرة لويل أمره ‪ ،‬ويصبح كال على أبويه ‪ ،‬يذيقهما مرارة احلياة ‪،‬‬
‫وجيرعهما غصص األذى ‪ ،‬حيثما مل يرتب على معرفة حق اهلل تعاىل ‪ ،‬وما أمر به يف حق األبوين ‪،‬‬
‫وإمنا يسعى يف نيل شهوته البهيمية ‪ ،‬واتباع غريزته الدنية ‪ ،‬ونيل ما يهواه ‪ ،‬دون مباالة حبل أو حرمة‬
‫أو حق هلل أو للوالدين ‪ ،‬حيث ال يعرف من العلم والدين ما يردعه أو مينعه عن العبث حبق ربه وأهله‬
‫‪ ،‬كما يعبث الطفل بلعبته ‪.‬‬
‫ولقد كثر هذا الضرب يف شباب املسلمني ‪ ،‬فرتاهم يتسكعون يف األسواق والطرق ‪ ،‬يعاكسون ‪،‬‬
‫وميارسون املنكر ‪ ،‬وجتدهم طوال الليل على األرصفة وأطراف الطرق املتطرفة ‪ ،‬ويف الصحاري‬
‫وخارج املدن ‪ ،‬يلعبون وميرحون ‪ ،‬ونرى أحدهم يف جلسائه وقد أشعل سيجارته ‪ ،‬وتفيهق يف مشيته‬
‫‪ ،‬وحتلى كما تتحلى اإلناث بالتختم بالذهب أو الضيق من اللباس ‪ ،‬مما يسبب التأنث واالحنراف عن‬
‫شيم الرجال وشهامتهم ‪ ،‬فنهاية أحد أولئك الكسل والبطالة ‪ ،‬فرتاه عاطال خامال ‪ ،‬فال جناح يف‬
‫الدراسة ‪ ،‬وال لزوم لعمل مفيد ‪ ،‬وال حرفة وال صناعة ‪ ،‬حىت إن الكثري من آبائهم يتمنون هلم املوت‬
‫سريعا ‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫وكم حاول بعض األولياء القضاء على هؤالء‪ -‬ولو كانوا أبناءهم‪ -‬وإعدامهم من الوجود؟ ملا‬
‫يالقونه من األذى وسوء املقال ‪ ،‬وتكبد اخلسارة ‪ ،‬وإنفاق األموال الطائلة عليهم ‪ ،‬وهذا هو نتيجة‬
‫اإلمهال يف زمن اإلمهال ‪ ،‬أو هو أثر الرتبية السيئة ‪ ،‬والتنشئة على اللهو والباطل ‪ ،‬حىت متكن فيهم‬
‫الفساد ‪ ،‬فحاول الويل إقامتهم والت حني مناص ‪.‬‬
‫__________‬
‫(‪ )1‬أخرجه البخاري يف اجلنائز برقم ‪ 1360‬ويف تفسري التوبة‪ ،‬ورواه مسلم يف اإلميان برقم ‪.39‬‬
‫(‪ )2‬سورة املؤمنون اآلية ‪24‬‬
‫(‪ )3‬سورة سبأ اآلية ‪43‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪187‬‬
‫القدوة الحسنة‬

‫يتناول الدرس معىن القدوة وأمهية القدوة احلسنة والشوط الواجب توفرها يف الشخص حىت يكون‬
‫أهال لئن يقتدى به‪ ،‬وماهي األمور اليت خترج الشخص عن صالحية االقتداء به‪ ،‬مث بني كيف تتم‬
‫الرتبية بالقدوة مع بيان مناذج من القدوات عرب التاريخ ‪.‬‬
‫أوالً التعريف ‪:‬‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن َي ْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم‬ ‫ِ ِ‬
‫يقول اهلل سبحانه وتعاىل ‪ ' :‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِ ًريا[‪ ' ]21‬سورة األحزاب ‪ ,‬قال القرطيب يف تفسريه ‪ [ :‬األسوة القدوة ‪,‬‬
‫واألسوة ما يتأسى به أي يتعزى به فيقتدي به يف مجيع أحواله ] ‪ ,‬ويقول الشيخ عبد الرمحن السعدي‬
‫‪ [ :‬األسوة نوعان؛ أسوة حسنة‪ ،‬وأسوة سيئة ] ‪ ،‬خنلص من هذا أن القدوة احلسنة تنطبق على من‬
‫متبوعا يف كالمه وأفعاله‪.‬‬ ‫يتبع ما جاء به حممد ‪ , ‬فيكون ً‬
‫ثانياً ‪ :‬أمهية القدوة‬
‫وتكمن أمهية القدوة يف العملية الرتبوية يف األسباب التالية‪:‬‬
‫كبريا من االستحسان ‪ ,‬فتتهيج دوافع الغرية لديه‪،‬‬ ‫قدرا ً‬‫‪ -1‬إن القدوة احلسنة يثري يف نفس العاقل ً‬
‫وحياول تقليد ما استحسنه وأعجب به‪.‬‬
‫‪ -2‬إن القدوة احلسنة تعطي اآلخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من األمور املمكنة‪.‬‬
‫‪ -3‬إن مستويات الفهم لكالم عند الناس تتفاوت ‪ ،‬ولكن اجلميع يتساوى أمام الرؤية بالعني اجملردة‬
‫ملثال حي ؛ فإن ذلك أيسر يف إيصال املفاهيم اليت يريد املريب إيصاهلا للمقتدي‪.‬‬
‫‪ -4‬إن االتباع ينظرون إىل القدوة نظرة دقيقة دون أن يعلم ‪ ،‬فرب عمل يقوم به ال يلقي له باالً‬
‫يكون يف حساهبم من الكبائر‬
‫هفوة العامل مستعظمة إن هفا أصبح يف اخللق مثل‬
‫وعلى زلته عمد تسهم فبها يتحج من أخطأ وزل‬
‫ال تقل يسىت علمي زليت بل هبا يصل يف العلم اخللل‬
‫إن تكن عندك مستحقرة فهي عند اهلل والناس جبل‬
‫فإذا الشمس بدت كاسفة وجل اخللق هلا كل الوجل‬
‫وتراقت حنوها أبصارهم يف انزعاج واضطراب وزجل‬
‫وسرى النقص هلم من نقصها فغدت مظلمة منها السبل‬
‫حرا ويضل‬ ‫وكذا العامل يف زلته يفنت العامل ً‬
‫يقتدي منه مبا فيه هفا ال مبا استعصم فيه واستقل‬

‫‪188‬‬
‫فهو ملح األرض ما يصلح إن بدا فيه فساد وخلل‬
‫وهذا أبو جعفر األنباري صاحب اإلمام أمحد عندما أخرب حبمل اإلمام أمحد للمأموم يف األيام األوىل‬
‫للفتنة عرب الفرات ‪ ,‬فإذا أمحد جالس يف اخلان فسلم عليه ‪ ,‬وقال‪[ :‬‬
‫يا هذا؛ أنت اليوم رأس والناس يقتدون بك فواهلل لئن أجبت إىل خلق القرآن ليجينب بإجابتك خلق‬
‫ليمتنعن خلق من الناس كثري‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل ـ يعين املأمون ـ إن‬
‫ّ‬ ‫من خلق اهلل‪ ،‬وإن أنت مل جتب‬
‫مل يقتلك فإنك متوت وال بد من املوت؛ فاتّ ِق اهلل وال جتبهم إىل شيء ‪ ,‬فجعل أمحد يبكي ‪ ,‬ويقول‪:‬‬
‫ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل يقول‪ :‬ما شاء اهلل‪ ،‬ما شاء اهلل ]‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬شروط القدوة‬
‫‪ -1‬اإلميان بالفكرة‪ :‬ال تتكون القدوة يف نفس الداعية حىت يكون هو أول من يؤمن مبا يقول ‪ ،‬مث‬
‫ينقل هذا اإلميان إىل عمل‪.‬‬
‫‪ -2‬تعلم العلم‪ :‬قال عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه‪ [ :‬تعلموا قبل أن تسودوا ]‪ ،‬فالسيادة يف الدعوة‬
‫حتتاج إىل علم يتأكد فيه القدوة من صحة خطواته‪ ،‬ويصحح فيه خطوات اآلخرين‪.‬‬
‫دائما ‪ ،‬وبغريها يصبح من املتعذر عليه‬
‫‪ -3‬حسن اخللق‪ :‬هناك أخالق بارزة حيتاجها الداعية القدوة ً‬
‫النجاح يف دعوة الناس‪ ،‬ومن أمهها الصرب والرمحن والرفق والتواضع واملخالطة‪.‬‬
‫‪ -4‬موافقة العمل القول‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم االنقطاع عن األعمال‪ :‬عدم االنقطاع عن عمل ما دون أي مربر شرعي أو نسيان‪ ,‬وترجع‬
‫خطورة هذا االنقطاع إىل أمرين ؛ األول ‪ :‬هو دخوله يف دائرة الذين يقولون ما ال يفعلون ‪ ،‬و الثاين‪:‬‬
‫هو إحساس املرتيب بعدم جدية ذلك األمر وأمهيته‪.‬‬
‫‪ -6‬التثبت من صحة النقول‪ :‬سواء كانت أحاديث للرسول صلى اهلل عيه وسلم أو كلمات‬
‫للصاحلني؛ فإذا كان القدوة ال يتثبت من صحة النقول يكون املقتدون كذلك‪.‬‬
‫كثريا من املباح إبقاء على صيانته‪ ،‬وال‬
‫‪ -7‬االبتعاد عن املباحات‪ :‬يقول ابن القيم‪ [ :‬فالعارف يرتك ً‬
‫برزخا ين احلالل واحلرام ]‪.‬‬
‫سيما إذا كان ذلك املباح ً‬
‫يوما عند مالك يف مجلة أصحابه؛ إذ قال قائل‪ :‬قد حضر الفيل‬ ‫وهذه أتقنها حيىي بن حيىي فقد كان ً‬
‫فخرج أصحاب مالك لينظروا إليه غريه [أي وبقي حيىي مكانه] فقال له مالك‪ :‬مل خترج فرتى الفيل‬
‫‪ -‬ألنه ال يكون باألندلس ‪ ،-‬قال حيىي ‪ :‬إمنا جئت من بلدي ألنظر إليك ‪ ,‬وأتعلم من هديك‬
‫وعلمك ‪ ,‬ومل أجئ ألنظر إىل الفيل ‪ ,‬فأعجب به مالك ‪ ,‬ومسّاه عاقل أهل األندلس‪.‬‬
‫‪ -8‬احملاسب الدائمة‪ :‬فعلى الداعية القدوة أن يعي أنه حتت رقابة دقيقة ممن يتخذونه قدوة هلم‬
‫فيحاسب نفسه على كل كلمة أو تصرف صغر أم كرب حىت يتجنّبه يف مرات أخرى‪S.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬مبطالت القدوة‬

‫‪189‬‬
‫‪ -1‬خمالفة العمل للقول‪ :‬وال نستغرب عندما يطلق ابن احلاج على اخلطورة اليت ترتتب على ذلك‬
‫السم القاتل ‪ ،‬ويعلل ذلك بأن الغالب على النفوس االقتداء يف شهواهتا وملذاهتا وعاداهتا أكثر مما‬
‫تقتدري به يف التعبد الذي ليس هلا فيه حظ‪ ،‬فإذا رأت ذلك من عامل؛ وإن أيقنت أنه حمرم أو مكروه‬
‫أو بدعة تعذر نفسها يف ارتكاهبا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫عن أسامة بن زيد قال ‪ :‬قال الرسول ‪[ : ‬يُْؤ تَى بِ َّ‬
‫الر ُج ِل َي ْو َم الْقيَ َامة َفُي ْل َقى يِف النَّا ِر َفَتْن َدل ُق َأْقتَ ُ‬
‫اب‬
‫بطْنِ ِه َفي ُد هِب‬
‫ك َأمَلْ تَ ُك ْن‬‫الر َحى َفيَ ْجتَ ِم ُع ِإلَْي ِه َْأه ُل النَّا ِر َفَي ُقولُو َن يَا فُاَل ُن َما لَ َ‬‫ور احْلِ َم ُار بِ َّ‬ ‫ور َا َك َما يَ ُد ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آمُر بِالْ َم ْعُروف َواَل آتيه َوَأْن َهى َع ْن الْ ُمْن َك ِر‬ ‫ِ‬
‫تَْأ ُمُر بِالْ َم ْعُروف َوَتْن َهى َع ْن الْ ُمْن َك ِر َفَي ُق ُ‬
‫ت ُ‬ ‫ول َبلَى قَ ْد ُكْن ُ‬
‫َوآتِ ِيه] رواه البخاري ومسلم وأمحد‪.‬‬
‫متعمدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫‪ -2‬عدم االلتزام بالقول‪ :‬وختتلف عن سابقتها بأن هذه ال تكون فيمن خيالف عمله قوله‬
‫وإمنا تكون فيمن ال يطبق ما يقول‪ ،‬وليس على صفة الدوام‪ ،‬وذلك ألسباب منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عدم تقدير حجم العمل املرتتب على قوله‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم معرفة نوع العمل املرتتب على قوله‪.‬‬
‫ج‪ -‬احلماسة غري الواعية‪.‬‬
‫د‪ -‬عدم تقدير القوة اليت ميتلكها ألداء ذلك العمل ‪ ,‬ومن مث يواجه بذلك العمل؛ فال يستطيع أن‬
‫يطبق ما قاله‪ ،‬ودعا إليه‪ ،‬ويتضح ذلك يف قول ابن عباس رضي اهلل عنه‪[ :‬كان ناس من املؤمنني قبل‬
‫وجل دلّنا على أحب األعمال إليه‪ ،‬فنعمل به فأخرب نبيه‬ ‫أن يفرض اجلهاد يقولون‪ :‬لوددنا أن اهلل عز ّ‬
‫‪ ‬أن أحب األعمال إليه إميان به ال شك فيه‪ ،‬وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا اإلميان ومل يقروا به‬
‫‪ ,‬فلما نزل اجلهاد كره ذلك ناس من املؤمنني ‪ ,‬وشق عليهم أمره‪ ،‬فقال اهلل تعاىل‪ ] :‬يأيها الذين‬
‫آمنوا مل تقولون ما ال تفعلون [‪.‬‬
‫‪ -3‬الزلل جبميع صورة القولية والفعلية‪.‬‬
‫معان سامية‪,‬‬ ‫‪ -4‬االنتصار للنفس ‪ :‬واالنتصار للنفس ظاهرة تنبئ عن عدم إخالصه ملا حيمل من ٍ‬
‫مسا لكرامته ومكانته بني‬ ‫حماوالً إخفاء احلقيقة يف سبيل عدم الوقوع يف دائرة اإلحراج اليت يعتربها ً‬
‫صنَ ُع هَُؤ اَل ِء ]‬ ‫[ما يَ ْ‬‫مجيعا ـ مير بقوم على رؤوس النخل فيقول‪َ :‬‬ ‫متّبعيه ‪ ,‬وهذا رسول اهلل ‪ ‬ـ قدوتنا ً‬
‫ِ‬
‫ك َشْيًئا ] ‪,‬‬ ‫ول اللَّ ِه ‪َ [ : ‬ما َأظُ ُّن يُ ْغيِن ذَل َ‬ ‫الذ َكَر يِف اُأْلْنثَى َفَي ْل َق ُح َف َق َال َر ُس ُ‬ ‫ِّحونَهُ جَيْ َعلُو َن َّ‬
‫َف َقالُوا يُلَق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صَنعُوهُ‬ ‫ك َفْليَ ْ‬‫ك َف َق َال ‪ِ[ :‬إ ْن َكا َن َيْن َفعُ ُه ْم ذَل َ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ‬بِ َذل َ‬ ‫ُأخرِب َ َر ُس ُ‬‫ك َفَتَر ُكوهُ فَ ْ‬ ‫ُأخرِب ُوا بِ َذل َ‬
‫قَ َال فَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫ت ظَنًّا فَاَل ُتَؤ اخ ُذويِن بالظَّ ِّن َولَك ْن ِإذَا َح َّد ْثتُ ُك ْم َع ْن اللَّه َشْيًئا فَ ُخ ُذوا به فَِإيِّن لَ ْن َأ ْكذ َ‬ ‫فَِإيِّن ِإمَّنَا ظََنْن ُ‬
‫َعلَى اللَّ ِه َعَّز َو َج َّل ] أخرجه مسلم وابن ماجة وأمحد ‪ ,‬فبهذا التجرد اخلالص له وحده يكون القدوة‬
‫ناجحا يف دعوته‪ ،‬وكيف ال يتبع قوم قدوهتم وهو على هذا املستوى من التجرد البنّي للحق‪.‬‬ ‫ً‬
‫خامساً ‪ :‬كيف تتم الرتبية بالقدرة‬

‫‪190‬‬
‫نقتطف هنا بعض الزهور من الروضة النبوية لنرى كيف استخدم الرسول ‪ ‬القدوة احلسنة يف تربية‬
‫أصحابه رضي اهلل عنهم كأسلوب متميز عن باقي األساليب يف الدعوة‪.‬‬
‫‪ -1‬أمهية الرتبية الصامتة لألتباع ‪ :‬يف صلح احلديبية‪ ،‬وبعد أن فرغ الرسول ‪ ‬من قضية الكتاب‬
‫احلِ ُقوا ] قَ َال َف َواللَّ ِه َما قَ َام ِمْن ُه ْم َر ُج ٌل َحىَّت قَ َال‬ ‫وموا فَاحْنَُروا مُثَّ ْ‬ ‫قال للصحابة رضي اهلل عنهم ‪ [ :‬قُ ُ‬
‫ت ُُّأم‬ ‫َأح ٌد َد َخل َعلَى ُِّأم َسلَ َمةَ فَ َذ َكَر هَلَا َما لَِقي ِم ْن الن ِ‬
‫َّاس َف َقالَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ك ثَاَل َ ٍ‬
‫ث َمَّرات َفلَ َّما مَلْ َي ُق ْم مْن ُه ْم َ‬
‫ِ‬
‫َذل َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫سلَمةَ يا نَيِب اللَّ ِه َأحُتِ ُّ ِ‬
‫ك‬
‫ك َوتَ ْدعُ َو َحال َق َ‬ ‫َأح ًدا ِمْن ُه ْم َكل َمةً َحىَّت َتْن َحَر بُ ْدنَ َ‬ ‫اخُر ْج مُثَّ اَل تُ َكلِّ ْم َ‬
‫ك ْ‬ ‫ب َذل َ‬ ‫َ َ َ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬
‫ك حَنََر بُ ْدنَهُ َو َد َعا َحال َقهُ فَ َحلَ َقهُ َفلَ َّما َر َْأوا َذل َ‬ ‫َأح ًدا ِمْن ُه ْم َحىَّت َف َع َل َذل َ‬
‫ك فَ َخَر َج َفلَ ْم يُ َكلِّ ْم َ‬‫َفيَ ْحل َق َ‬
‫ضا َغ ًّما‪ .‬رواه البخاري والنسائي‬ ‫ِ‬
‫ض ُه ْم َي ْقتُ ُل َب ْع ً‬‫ضا َحىَّت َك َاد َب ْع ُ‬ ‫ض ُه ْم حَيْل ُق َب ْع ً‬
‫قَ ُاموا َفنَ َحُروا َو َج َع َل َب ْع ُ‬
‫وأبو داود وابن ماجة وأمحد ‪-2 .‬ال بد للقدوة أن يوضح بعض التصرفات اليت يقوم هبا لألتباع‬
‫خاصة تلك اليت حتتمل التأويل السيء ‪ ,‬ومثاالً على ذلك جاءت صفية زوج النيب ‪ ‬رضي اهلل عنها‬
‫إىل الرسول ‪ ‬تزوره يف اعتكافه يف املسجد يف العشر األواخر من رمضان فتحدثت عنده ساعة‪ ,‬مث‬
‫قامت تنقلب ‪ ,‬فقام النيب ‪ ‬ليقلبها ؛ حىت إذا بلغت باب املسجد عند باب أم سلمة مر رجالن من‬
‫األنصار فسلما على رسول اهلل ‪ ‬فقال هلما النيب ‪[ : ‬علَى ِرسلِ ُكما ِإمَّنَا ِهي ِ‬
‫ت ُحيَ ٍّي]‬ ‫صفيَّةُ بِْن ُ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫ول اللَّ ِه و َكبر علَي ِهما َف َق َال النَّيِب ‪ِ [ : ‬إ َّن الشَّيطَا َن يبلُ ُغ ِمن اِإْل نْس ِ‬ ‫ِ‬
‫ان َمْبلَ َغ‬ ‫ْ َْ ْ َ‬ ‫ُّ‬ ‫َف َقااَل ُسْب َحا َن اللَّه يَا َر ُس َ َ ُ َ َ ْ َ‬
‫ف يِف ُقلُوبِ ُك َما َشْيًئا] خرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجة وأمحد‬ ‫يت َأ ْن َي ْق ِذ َ‬ ‫ِ‬
‫الدَِّم َوِإيِّن َخش ُ‬
‫كلهم عن احلسني بن علي ‪ ,‬يقول ابن حجر‪ :‬وفيه التحرز من التعرض لسوء الظن واالحتفاظ من‬
‫كيد الشيطان واالعتزار‪ ،‬ويقول ابن دقيق العيد‪ :‬وهذا متأكد يف حق العلماء ومن يقتدى به‪ ،‬فال‬
‫الظن هبم‪ ،‬وإن كان هلم فيه خملص؛ ألن ذلك سبب إىل إبطال‬ ‫جيوز هلم أن يفعلوا فعالً يوجب سوء ّ‬
‫االنتفاع بعلمهم‪.‬‬
‫‪-3‬عن أنس بن مالك قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬أحسن الناس‪ ،‬وكان أجود الناس‪ ،‬وكان أشجع‬
‫راجعا وقد‬ ‫ً‬ ‫الناس‪ ،‬ولقد فزع أهل املدينة ذات ليلة فانطلق ناس قِبَل الصوت؛ فتلقاهم رسول اهلل ‪‬‬
‫سبقهم إىل الصوت وهو على فرس أليب طلحة عُْري يف عنقه السيف وهو يقول‪ [ :‬مَلْ ُتَراعُوا مَلْ‬
‫ُتَراعُوا] أخرجه السبعة ماعدا النسائي ‪ ,‬فهذه الدعوة الصادقة للشجاعة هي اليت أخرجت أعمى‬
‫كابن أم مكتوم يصر على اجلهاد ‪ ،‬وحيمل الراية ويقاتل حىت يقتل ‪ ،‬وهي اليت أخرجت أعرج كعمرو‬
‫بن اجلموح يبكي ألنه أعفي من اجلهاد‪ ،‬مث يطلب بإحلاح مشاركة اجملاهدين‪ ،‬ويقول‪ :‬إين ألرجو أن‬
‫أطأ بعرجيت هذه اجلنة‪ ،‬ويقاتل حىت يقتل‪.‬‬
‫‪-4‬روى البخاري يف صحيحه عن عقبة قال‪ :‬صليت وراء النيب ‪ ‬باملدينة العصر فسلم ‪ ,‬مث قام‬
‫مسرعا ‪ ,‬فتخطى رقاب الناس إىل بعض حجر نسائه‪ ،‬ففزع الناس من سرعته‪ ،‬فخرج عليهم ‪ ,‬فرأى‬ ‫ً‬

‫‪191‬‬
‫ت بِِق ْس َمتِ ِه]‬
‫ت َأ ْن حَيْبِ َسيِن فَ ََأم ْر ُ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ت َشْيًئا م ْن ترْبٍ عْن َدنَا فَ َك ِر ْه ُ‬
‫أهنم عجبوا من سرعته ‪ ,‬فقال‪ [ :‬ذَ َك ْر ُ‬
‫رواه مسلم والنسائي وأمحد‪.‬‬
‫ولكم ألقى الشطان يف نفوس بعض املربني أن اإلنفاق أمام املرتبني من الرياء ‪ ,‬فيحجم عن أصل من‬
‫الشح على من يربيهم مع أنه‬ ‫أصول العملية الرتبوية‪ ،‬وبالتايل يفاجأ هذا األخ بظهور عالمات ّ‬
‫واقعا عمليًا لإلنفاق من مربيهم؟‬ ‫دروسا كثرية عن اإلنفاق‪ ،‬وينسى حقيقة وهي هل رأوا ً‬ ‫أعطاهم ً‬
‫صفحات مملوءة بالقدوات‬
‫يوما يف املسجد اجلامع ‪ ,‬فوقعت حية ‪ ,‬فسقطت‬ ‫‪-1‬القدوة يف الشجاعة ‪ :‬قال ابن املبارك‪ :‬لقد كنّا ً‬
‫يف حجر أيب حنيفة ‪ ,‬فهرب الناس غريه ‪ ,‬ما رأيته زاد على أن نفض احلية وجلس‪.‬‬
‫‪-2‬القدوة يف التضحية للمبدأ والعقيدة ‪:‬يوسف بن حيىي البويطي خليفة اإلمام الشافعي كانت‬
‫الفتاوى ترد عليه من السلطان فمن دونه‪ ،‬وهو مقتدى به أعمال املعروف كثري التالوة ال مير يوم وال‬
‫ليلة غالبًا ما خيتم‪ ،‬فسعى به من حيسده‪ ،‬وكتب فيه إىل ابن أيب دؤاد بالعراق‪ ،‬فكتب إىل وايل مصر‬
‫ميتحنه؛ أي يسأله هل القرآن خملوق أم غري خملوق ؟ فامتحنه فلم جيب ـ أي خبلق القرآن ـ فقال له‪ :‬قل‬
‫فُأمر أن حيمل إىل بغداد يف‬ ‫فيما بيين وبينك ‪ ,‬قال‪ :‬إنه يقتدي يب مائة ألف ‪ ,‬وال يدرون املعىن ‪ِ ،‬‬
‫غل‪,‬ويف‬ ‫أربعني رطل حديد ‪ -‬يقول الربيع صاحب الشافعي ‪ -‬ولقد رأيته على بغل ‪ ,‬ويف عنقه ّ‬
‫الغل و القيد سلسلة حديد ‪ ,‬وهو يقول‪ :‬إمنا خلق اهلل اخللق بكن‪ ،‬فإذا كانت‬ ‫رجليه قيد ‪ ,‬وبني ّ‬
‫خملوقة فكأن خملوقًا خلق مبخلوق‪ ،‬ولئن أدخلت عليه ألصدقنه ‪ ,‬وألموتن يف حديدي هذا ؛ حىت يأيت‬
‫قوم يعلمون أنه قد مات يف هذا الشأن قوم يف حديدهم‪.‬‬
‫‪-3‬القدوة يف العزة‪ :‬جاء يف ترمجة اخلطيب البغدادي أنه دخل عليه بعض العلوية ويف كمه دنانري‪،‬‬
‫فقال للخطيب ‪ :‬فالن يسلم عليك ‪ ,‬ويقول لك اصرف هذا يف بعض مهماتك ‪ ,‬فقال اخلطيب‪ :‬ال‬
‫حاجة يل فيه ‪ ،‬وقطب وجهه ‪ ،‬فقال العلوي‪ :‬كأنك تستقله ‪ ,‬ونفض كمه على سجادة اخلطيب‬
‫حممرا وجه‪ ،‬وأخذ السجادة ‪ ,‬وصب‬ ‫وطرح الدنانري عليها فقال‪ :‬هذه ثلثمائة دينار‪ ،‬فقام اخلطيب ً‬
‫الدنانري على األرض وخرج من املسجد‪.‬‬
‫وحركة نقض السجادة اليت مل تستغرق دقيقة واحدة من اخلطيب ربت أتباعه الذين كانوا يف املسجد‬
‫على معاين العزة وحقارة العبودية لغري اهلل ؛ ظهرت يف قول أحدهم ‪ :‬ما أنسى عز خروج اخلطيب ‪,‬‬
‫وذلك ذلك العلوي وهو قاعد على األرض يلتقط الدنانري من شقوق احلصري وجيمعها ‪.‬‬
‫‪-4‬القدوة يف الورع‪ :‬هذا هو احلافظ عبد العظيم املنذري صاحب [خمتصر صحيح مسلم] يعطي‬
‫درسا عمليًا يف الورع لصاحبه احلافظ الدمياطي ‪ ,‬فقد خرج من احلمام وقد أخذ منه حرها فما‬ ‫ً‬
‫أمكنه املشي فاستلقى على الطريق إىل جانب حانوت فقال له الدمياطي‪ :‬يا سيدي أنا أقعدك مسطبة‬

‫‪192‬‬
‫احلانوت ـ وكان احلانوت معل ًقا ـ فقال وهو يف تلك الشدة‪ :‬بغري إذن صاحبها كيف يكون ‪ ,‬وما‬
‫رضي‪.‬‬
‫اسم الكتاب‪ :‬املصفى من صفات الدعاة …… املؤلف‪ :‬عبد احلميد الباليل‬
‫ــــــــ‬

‫‪193‬‬
‫القدوة مبادئ ونماذج‬

‫يتناول الدرس معىن القدوة وأمهية القدوة احلسنة والشوط الواجب توفرها يف الشخص حىت يكون‬
‫أهال لئن يقتدى به‪ ،‬وماهي األمور اليت خترج الشخص عن صالحية االقتداء به‪ ،‬مث بني كيف تتم‬
‫الرتبية بالقدوة مع بيان مناذج من القدوات عرب التاريخ ‪.‬‬
‫حممدا عبده ورسوله صلى اهلل عليه‬ ‫احلمد هلل‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن ً‬
‫كثريا‪ ،‬أما بعد ‪،‬‬
‫تسليما ً‬
‫وآله وصحبه وسلم ً‬
‫فإن الدعوة إىل اهلل أمر جليل ودعامة عظيمة؛ من دعائم ترسيخ املبادئ احلقة يف اجملتمع املسلم‪ ،‬ومن‬
‫أهم طرق الدعوة إىل اهلل واليت يكون مردودها أوقع وأقوى يف النفوس‪ ':‬القدوة الصاحلة' واليت يرى‬
‫معاشا للمبادئ اليت يدعو إليها‪ ،‬القول فيها صنو العمل ‪ .‬وألمهية هذا األمر أردت أن‬ ‫واقعا ً‬‫فيها الناس ً‬
‫أنبه على بعض إشارات تعني على أداء تلكم املهمة العظيمة والرسالة الشريفة‪.‬‬
‫مقصود القدوة ومعناها‪:‬‬
‫األسوة والقدوة مبعىن واحد‪ ،‬ويقصد هبا السري واالتباع على طريق املقتدى به‪ ،‬وهي نوعان ‪ :‬حسنة‬
‫وسيئة ‪.‬‬
‫األول‪ :‬األسوة احلسنة‪ :‬االقتداء بأهل اخلري والفضل والصالح يف كل ما يتعلق مبعايل األمور‬
‫وفضائلها‪ ،‬من القوة واحلق والعدل‪.‬‬
‫ول اللَّ ِه‬‫وقدوة املسلمني األول رسولنا حممد ‪ ، ‬ويف ذلك يقول عز وجل‪ }:‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم يِف رس ِ‬
‫ْ َُ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِ ًريا[‪[{ ]21‬سورة األحزاب]‪.‬ومن دقيق‬ ‫ْ‬
‫املعىن يف هذه اآلية الكرمية‪ :‬أن اهلل سبحانه جعل األسوة يف رسول اهلل ‪ ، ‬ومل حيصرها يف وصف‬
‫خاص من أوصاف‪ ،‬أو خلق من أخالقه‪ ،‬أو عمل من أعماله الكرمية‪ ،‬وما ذلك إال من أجل أن‬
‫يشمل االقتداء أقواله عليه الصالة والسالم وأفعاله وسريته كلها فيقتدي به ‪ ، ‬بامتثال أوامره‬
‫واجتناب نواهيه‪ ،‬ويقتدى بأفعاله وسلوكه من الصرب الشجاعة والثبات واألدب وسائر أخالقه‪ ،‬كما‬
‫يشمل االقتداء بأنواع درجات االقتداء من الواجب‪ ،‬واملستحب‪ ،‬وغري ذلك مما هو حمل االقتداء‪.‬‬
‫والنوع الثاين‪ :‬األسوة السيئة‪ :‬ويعين السري يف املسالك املذمومة‪ ،‬واتباع أهل السوء واالقتداء من غري‬
‫حجة أو برهان‪ ،‬ومن ذلك قول املشركني‪ِ }:‬إنَّا َو َج ْدنَا ءَابَاءَنَا َعلَى َُّأم ٍة َوِإنَّا َعلَى ءَاثَا ِر ِه ْم ُم ْقتَ ُدو َن[‬
‫َأه َدى مِم َّا َو َجدْمُتْ َعلَْي ِه‬ ‫ِ‬
‫‪[ { ]23‬سورة الزخرف]‪ .‬وهلذا رد عليه القرآن بقول‪ }:‬قَ َال ََأولَ ْو جْئتُ ُك ْم بِ ْ‬
‫ءَابَاءَ ُك ْم ‪[{ ]24S[...‬سورة الزخرف]‪.‬‬
‫أمهية القدوة احلسنة ‪:‬‬

‫‪194‬‬
‫جدا يف تبليغ الدعوة‪ ،‬وجذب الناس إىل اإلسالم‪ ،‬وامتثال أوامره واجتناب‬ ‫إن من الوسائل املهمة ً‬
‫نواهيه؛ القدوة الطيبة للداعي‪ ،‬وأفعاله احلميدة‪ ،‬وأخالقه الزاكية مما جيعله أسوة حسنة لغريه؛ فيقبلون‬
‫عليه‪ ،‬ألن التأثر باألفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكالم وحده‪.‬‬
‫فالقدوة احلسنة اليت حيققها الداعي بسريته الطيبة هي يف احلقيقة دعوة عملية لإلسالم‪ ،‬يستدل هبا‬
‫سليم الفطرة راجح العقل من غري املسلمني على أن اإلسالم حق من عند اهلل ‪ .‬وتكمن أمهية القدوة‬
‫احلسنة يف األمور اآلتية ‪:‬‬
‫كبريا من اإلعجاب والتقدير‬ ‫قدرا ً‬ ‫املثال احلي املرتقي يف درجات الكمال‪ :‬يثري يف نفس البصري العاقل ً‬
‫واحملبة‪ ،‬فإن كان عنده ميل إىل اخلري‪ ،‬تطلع إىل مراتب الكمال‪ ،‬وأخذ حياول تقليد ما استحسنه‬
‫وأعجب به‪ ،‬مبا تولد لديه من حوافز قوية حتفزه ألن يعمل مثله‪ ،‬حىت حيتل درجة الكمال اليت رآها‬
‫يف املقتدى به‪.‬‬
‫القدوة احلسنة املتحلية بالفضائل العالية ‪ :‬تعطي اآلخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من األمور‬
‫املمكنة‪ ،‬اليت هي يف متناول القدرات اإلنسانية‪ ،‬وشاهد احلال أقوى من شاهد املقال‪.‬‬
‫مستويات فهم الكالم عند الناس تتفاوت‪ :‬ولكن اجلميع يتساوى أمام الرؤية بالعني اجملردة ملثال حي‪.‬‬
‫فإن ذلك أيسر يف إيصال املعاين اليت يريد الداعية إيصاهلا للمقتدى‪َ ،‬ف َع ْن ابْ ِن عُ َمَر َر ِض َي اللَّهُ َعْن ُه َما‬
‫ت َخامَتًا‬ ‫ب فَاخَّتَ َذ النَّاس َخواتِيم ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫ب َف َق َال النَّيِب ُّ ‪ِ [ : ‬إيِّن اخَّتَ ْذ ُ‬ ‫قَ َال‪ :‬اخَّتَ َذ النَّيِب ُّ ‪َ ‬خامَتًا ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫ُ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫يم ُه ْم‪ .‬رواه البخاري ومسلم والرتمذي‬ ‫م ْن َذ َهب ‪َ -‬فنَبَ َذهُ َوقَ َال‪ -:‬يِّن لَ ْن َألْبَ َسهُ َأبَ ًدا] َفنَبَ َذ الن ُ‬
‫َّاس َخ َوات َ‬
‫والنسائي ومالك وأمحد‪ .‬قال العلماء ‪':‬فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من القول'‪.‬‬
‫األتباع ينظرون إىل الداعية نظرة دقيقة فاصحة ‪ :‬دون أن يعلم‪ ،‬فرب عمل يقوم به ال يلقي له باالً‬
‫يكون يف حساهبم من الكبائر‪ ،‬وذلك أهنم يعدونه قدوة هلم‪ ،‬ولكي ندرك خطورة ذلك األمر؛‬
‫فلنتأمل هذه القصة‪:‬‬
‫يروي أن أبا جعفر األنباري صاحب اإلمام أمحد عندما أخرب حبمل اإلمام أمحد للمأمون يف األيام‬
‫األوىل للفتنة؛ عرب الفرات إليه فإذا هو جالس يف اخلان‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬قال‪ :‬يا هذا أنت اليوم رأس‬
‫والناس يقتدون بك‪ ،‬فواهلل لئن أجبت إىل خلق القرآن ليجينب بإجابتك خلق من خلق اهلل‪ ،‬وإن أنت‬
‫مل جتب ليمتنعن خلق من الناس كثري‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل ـ يعين املأمون ـ إن مل يقتلك فأنت متوت‪،‬‬
‫والبد من املوت فاتق اهلل وال جتبهم إىل شيء‪ .‬فجعل أمحد يبكي ويقول ‪ :‬ما قلت ؟ فأعاد عليه‬
‫فجعل يقول ‪ :‬ما شاء اهلل‪ ،‬ما شاء اهلل ‪.‬‬
‫ومتر األيام عصيبة على اإلمام أمحد‪ ،‬وميتحن فيها أشد االمتحان ومل ينس نصيحة األنباري‪ ،‬فها هو‬
‫املروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام احملنة ويقول له‪' :‬يا أستاذ قال اهلل تعاىل‪َ }:‬واَل َت ْقُتلُوا َأْن ُف َس ُك ْم‬
‫أي شيء ترى !! قال‪:‬‬ ‫‪[{]29[...‬سورة النساء‪ .]29 :‬فقال أمحد ‪ :‬يا مروزي اخرج‪ ،‬انظر ّ‬

‫‪195‬‬
‫فخرجت على رحبة دار اخلليفة فرأيت خل ًقا من الناس ال حيصى عددهم إال اهلل والصحف يف أيديهم‬
‫واألقالم واحملابر يف أذرعتهم‪ ،‬فقال هلم املروزي‪ S:‬أي شيء تعملون؟ فقالوا‪ :‬ننظر ما يقول أمحد‬
‫قوما بأيدهم الصحف‬ ‫فنكتبه‪ ،‬قال املروزي‪ S:‬مكانكم ‪ .‬فدخل إىل أمحد بن حنبل فقال له‪ :‬رأيت ً‬
‫واألقالم ينتظرون ما تقول فيكتبونه فقال‪ :‬يا مروزي‪ S‬أضل هؤالء كلهم !! أقتل نفسي وال أضل‬
‫هؤالء'‪ .‬فمن أبرز أسباب أمهية القدوة أهنا تساعد على تكوين احلافز يف املرتيب دومنا توجيه خارجي‬
‫وهذا بالتايل يساعد املرتيب على أن يكون من املستويات اجليدة يف حسن السرية والصرب والتحمل‬
‫وغري ذلك‪.‬‬
‫أصول القدوة ‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬الصالح‪ ،‬وهذا يتحقق بثالثة أركان‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬اإلميان‪ :‬وحتقيق معىن التوحيد ومقتضياته من معرفة الشهادتني والعمل مبقتضامها‪.‬‬
‫الركن الثاين ‪ :‬العبادة‪ :‬فيستقيم القدوة على أمر اهلل من الصالة‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والصيام‪ ،‬وسائر أركان‬
‫اإلسالم العملية‪ ،‬ويهتم بالفرائض واملستحبات‪ ،‬وجَيِ ّد يف اجتناب املنهيات واملكروهات‪S.‬‬
‫ت َعلَْي ِه َو َما‬ ‫ويتمثل القدوة احلديث القدسي‪ S...[ :‬وما تقرب ِإيَل عب ِدي بِشي ٍء َأح َّ مِم‬
‫ضُ‬ ‫ب ِإيَلَّ َّا ا ْفَتَر ْ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ َّ َْ‬
‫ُأحبَّه فَِإ َذا َأحببتُه ُكْنت مَسْعه الَّ ِذي يسمع بِِه وبصره الَّ ِذي يب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صُر‬ ‫ُْ‬ ‫َ ْ َ ُ َ َ ََ ُ‬ ‫ْ َْ ُ ُ َ ُ‬ ‫ب ِإيَلَّ بِالن ََّواف ِل َحىَّت ُ‬ ‫َيَز ُال َعْبدي َيَت َقَّر ُ‬
‫ُأَلع ِطينَّه ولَِئن اسَتعا َذيِن ِ‬ ‫ِ هِب‬ ‫بِِه وي َده الَّيِت يب ِط هِب‬
‫ُأَلعي َذنَّهُ‪ S]...‬رواه‬ ‫ش َا َو ِر ْجلَهُ الَّيِت مَيْشي َا َوِإ ْن َسَألَيِن ْ َ ُ َ ْ ْ َ‬ ‫َ َ ُ َْ ُ‬
‫البخاري ‪.‬‬
‫بعيدا عن أغراض النفس‬ ‫الركن الثالث‪ :‬اإلخالص ‪ :‬فيكون املقصود بالقول والعلم والعمل وجه اهلل‪ً ،‬‬
‫وقصدا‪ .‬وإن النصح‬ ‫ً‬ ‫ونظرا‬
‫أمرا وهنيًا ً‬ ‫وأغراض املخلوقني بل عبودية خاضعة متام اخلضوع هلل‪ً ،‬‬
‫واإلخالص يرقى بالعبد الضعيف العاجز إىل رتبة القادر العامل ففي غزوة العسرة من تبوك سجل‬
‫ُّع َف ِاء َواَل َعلَى‬ ‫س َعلَى الض َ‬ ‫القرآن الكرمي هؤالء الضعفاء الناصحني املخلصني يف قوله سبحانه}لَْي َ‬
‫ني ِم ْن‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ص ُحوا للَّه َو َر ُسوله َما َعلَى الْ ُم ْحسن َ‬ ‫ين اَل جَي ُدو َن َما يُْنف ُقو َن َحَر ٌج ِإ َذا نَ َ‬
‫ضى َواَل َعلَى الذ َ‬ ‫الْ َم ْر َ‬
‫ت اَل َِأج ُد َما َأمْحِ لُ ُك ْم َعلَْي ِه َت َولَّْوا‬ ‫ِ ِ‬
‫ين ِإ َذا َما َأَت ْو َك لتَ ْحملَ ُه ْم ُق ْل َ‬
‫َّ ِ‬
‫]واَل َعلَى الذ َ‬ ‫يم[‪َ 91‬‬
‫سبِ ٍيل واللَّه َغ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫َ َ ُ ٌ‬
‫يض ِم َن الد َّْم ِع َحَزنًا َأاَّل جَيِ ُدوا َما يُْن ِف ُقو َن[‪.{]92‬‬ ‫ِ‬
‫َأعُيُن ُه ْم تَف ُ‬
‫َو ْ‬
‫وسجل هلم الرسول ‪ ‬هذا املوقف حني خاطب جنده الغازين يف سبيل اهلل خبري هذه الطائفة بقوله‪:‬‬
‫[ ِإ َّن َأْق َو ًاما بِالْ َم ِدينَ ِة َخ ْل َفنَا َما َسلَكْنَا ِش ْعبًا َواَل َو ِاديًا ِإاَّل َو ُه ْم َم َعنَا فِ ِيه َحبَ َس ُه ْم الْعُ ْذ ُر]رواه البخاري‪-‬‬
‫واللفظ له‪ -‬وأبوداود وابن ماجه وأمحد ‪.‬‬
‫و أما ضعف اإلخالص عند كثري من ذوي املواهب واملواقع القيادية؛ جعل تابعيهم واملعجبني هبم‬
‫يَ ْش َق ْو َن مبواهبهم ويرجعون هبا القهقري‪ .‬يتبني من كل ذلك أن اإلسالم يلحظ يف أعمال الناس ما‬
‫يقارهنا من نيات وما يصاحبها من دواعي وبواعث ‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫األصل الثاين ‪ :‬حسن اخللق‪:‬إذا كان الصالح يتوجه إىل ذات املقتدى به ليكون صاحلًا يف نفسه قوميًا‬
‫يف مسلكه؛ فإن حسن اخللق يتوجه إىل طبيعة عالقته مع الناس‪ ،‬وأصول تعامله معهم‪ ،‬وإليه الدعوة‬
‫َّاس خِب ُلُ ٍق َح َس ٍن] رواه الرتمذي والدارمي وأمحد‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫‪...‬و َخالق الن َ‬ ‫النبوية يف قوله ‪َ [ : ‬‬
‫الل مخس‪S:‬‬ ‫والكالم يف حسن اخللق واسع متشعب وحتاول أن حنصر عناصره الكربى يف ِخ ٍ‬
‫الص ْد َق َي ْه ِدي ِإىَل الْرِب ِّ‬
‫الصدق ‪ :‬تربز أمهية الصدق وعظم أثره يف مسلك القدوة يف قوله ‪ِ [ : ‬إ َّن ِّ‬
‫َوِإ َّن الْرِب َّ َي ْه ِدي ِإىَل اجْلَن َِّة ‪ ]...‬رواه البخاري ومسلم والرتمذي وأبوداود وابن ماجه وأمحد ‪.‬‬
‫ول َما‬ ‫ب َقْب َل َأ ْن َي ُق َ‬‫وقد سأل هرقل أبا سفيان عن سرية النيب ‪ ‬قائالً ‪َ ' :‬هل ُكْنتُم َتتَّ ِهمونَهُ بِالْ َك ِذ ِ‬
‫ْ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَى اللَّه' ‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ب َعلَى الن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأع ِر ُ‬
‫َّاس َويَكْذ َ‬ ‫ف َأنَّهُ مَلْ يَ ُك ْن ليَ َذ َر الْ َكذ َ‬ ‫ت َأ ْن اَل َف َق ْد ْ‬
‫قَ َال فَ َذ َك ْر َ‬

‫وما أجنى الثالثة الذين ُخلفوا يف غزوة تبوك إال صدقهم مع اهلل ومع رسوله‪ ،‬حني ظنوا أال ملجأ من‬
‫ين ءَ َامنُوا َّات ُقوا‬ ‫َّ ِ‬
‫اهلل إال إليه‪ ،‬ولقد نادى اهلل سبحانه عباده املؤمنني يف ختام قصتهم بقوله‪ }:‬يَاَأيُّ َها الذ َ‬
‫ني[‪[{ ]119‬سورة التوبة]‪ .‬وهل رأيت سوأة أزري ممن يتسنم مواقع القيادة‬ ‫اللَّه و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬
‫والقدوة بينما ترمقه األحلاظ‪ ،‬وتشري إليه األصابع باخليانة والكذب‪ .‬وما كان للتهريج واالدعاء‪،‬‬
‫واهلزل أن يغين فتيالً عن أصحابه‪ .‬ويف احلديث‪ [ :‬يُطْبَ ُع الْ ُمْؤ ِم ُن َعلَى اخْلِاَل ِل ُكلِّ َها ِإاَّل اخْلِيَانَةَ‬
‫ب] رواه أمحد‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َوالْ َكذ َ‬
‫الصرب ‪ :‬األزمات إذا استحكمت والضوائق إذا ترادفت ال دفع هلا وال توقّي ـ بإذن اهلل ـ إال بالصرب‬
‫وم ْن َْأوىَل من الرجل األسوة بتوطني نفسه على‬ ‫َّ ِ‬
‫‪...‬الصْبُر ضيَاءٌ‪ ]...‬رواه مسلم ‪َ .‬‬ ‫ذلك أن ‪[ :‬‬
‫احتمال املكاره من غري ضجر‪ ،‬والتأين يف انتظار النتائج مهما بعُدت‪ .‬والصرب من معامل العظمة‬
‫احملمودة وشارات الكمال العايل ودالئل التحكم يف النفس وهواها وهو عنصر من عناصر الرجولة‬
‫الناضجة‪ .‬فأثقال احلياة وأعباؤها ال يطيقها الضعاف املهازيل واحلياة ال ينهض بأعبائها ورسالتها إال‬
‫األكفاء الصبارون‪ ،‬وقد استحقت فتنة من بين إسرائيل اإلمامة والريادة بصربهم وحسن بالئهم‪}:‬‬
‫صَبُروا َو َكانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُو َن[‪[{ ]24‬سورة السجدة]‪.‬‬ ‫ِ ِئ‬
‫َو َج َع ْلنَا مْن ُه ْم َأ َّمةً َي ْه ُدو َن بِ َْأم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫وأدركت بين إسرائيل حالة استحقوا هبا مرياث األرض املباركة‪ ،‬وكان درعهم يف ذلك الصرب‪}:‬‬
‫ض ومغَا ِربها الَّيِت بار ْكنا فِيها ومَتَّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ك‬
‫ت َكل َمةُ َربِّ َ‬ ‫ََ َ َ َ ْ‬ ‫اَأْلر ِ َ َ َ َ‬ ‫ض َع ُفو َن َم َشا ِر َق ْ‬
‫ين َكانُوا يُ ْستَ ْ‬ ‫َو َْأو َر ْثنَا الْ َق ْو َم الذ َ‬
‫صَبُروا ‪[{ ]137[...‬سورة األعراف]‪ .‬وهلذا فإن نصيب ذوي القدوة‬ ‫احْل س علَى بيِن ِإسراِئ مِب‬
‫يل َا َ‬ ‫ُ ْ ىَن َ َ ْ َ َ‬
‫واألسوة من العناء والبالء مكافًئا ملا أوتوا من مواهب وما حتملوا من مشاق‪ ،‬جيسد هذا قول رسول‬
‫اَأْلمثَل] رواه الرتمذي وابن ماجة والدارمي‪.‬‬ ‫َأش ّد النَّاس بَاَل ء اَأْلنْبِيَاء مُثَّ ْ‬
‫اَأْلمثَل فَ ْ‬ ‫اهلل ‪َ [ : ‬‬
‫الرمحة ‪ :‬الرمحة عاطفة حية نابضة باحلب للناس‪ ،‬والرأفة هبم‪ ،‬والشفقة عليهم ‪ .‬والرمحة املذكورة هنا‬
‫يقصد هبا‪ :‬الرمحة العامة لكل اخللق‪ ،‬فيلقى املسلم الناس قاطبة وقلبه هلم بالعطف مملوء‪ ،‬إن الرمحة‬

‫‪197‬‬
‫ويهش ألصدقائه حني جيالسهم‪ ،‬ولكن‬ ‫ّ‬ ‫فريق ألوالده حني يلقاهم‬ ‫اخلاصة قد تتوفر يف بعض الناس ّ‬
‫الس َم ِاء‬
‫ض َيْرمَحْ ُك ْم َم ْن يِف َّ‬ ‫[‪...‬ارمَحُوا َم ْن يِف ْ‬
‫اَأْلر ِ‬ ‫ْ‬ ‫الرمحة املطلوبة من القدوة أوسع من ذلك وأرحب‪:‬‬
‫‪ ]...‬رواه الرتمذي وأبو داود وأمحد‪.‬‬
‫بل إن الرحيم تنال رمحته احليوان من غري البشر‪ ،‬واهلل يثيب على هذه الرمحة‪ ،‬ويغفر هبا الذنوب‪.‬‬
‫فالذي سقى الكلب ملا رآه يأكل الثرى من العطش؛ شكر اهلل له فغفر له‪ ،‬املرأة البغي من بين إسرائيل‬
‫سقت كلبًا كان يطيف حول بئر يف يوم حار قد دلع لسانه من العطش فنزعت له خفها وسقته؛‬
‫فغفر هلا‪ .‬ولئن كانت الرمحة بكلب تغفر ذنوب البغايا‪ ،‬فإن الرمحة بالبشر تصنع العجائب ‪.‬‬
‫التواضع ‪ :‬جبلت النفوس على كره من يستطيل عليها ويستصغرها‪ ،‬كما جبلت على النفرة ممن يتكرب‬
‫عليها ويتعاىل عنها‪ ،‬حىت ولو كان ما يقوله ح ًقا وصدقًا‪ .‬إن قلوهبم دون كالمه مغلقة‪ ،‬وصدورهم‬
‫وم ْن أحق‬ ‫عن إرشاده ووعظه موصدة ‪ .‬إن التواضع خلق يكسب صاحبه رضا أهل الفضل ومودهتم‪َ ،‬‬
‫هبذا اخللق من رجل القدوة‪ ،‬فهو أجنح وسيلة على االئتالف‪ ..‬إن ابتغاء الرفعة‪ ،‬وحسن اإلفادة من‬
‫طريق التواضع هو أيسر الطريق وأوثقها؛ ذلك أن التواضع يف حمله يورث املودة‪ ،‬فمن عمر فؤاده‬
‫باملودة امتألت عينه باملهابة‪.‬‬
‫ويلتحق هبذا األمر ويلتصق به‪ :‬حديث املرء عن نفسه‪ ،‬وكثرة الثناء عليها‪ ،‬فذلك شيء ممقوت‪S،‬‬
‫يتناىف مع خلق التواضع وإنكار الذات‪ ،‬فينبغي لرجل الدعوة وحمل القدوة أال يدَّعى شيًئا يدل على‬
‫حمض فضل اهلل عليه‬ ‫تعاليه‪ .‬بل إن حق عليه أن يعرف أن كل ما عنده من علم أو مرتبة هو ُ‬
‫فليتحدث بفضل اهلل ال بفضل نفسه‪ ،‬فإذا أدرك الناس منه ذلك؛ فتحوا له قلوهبم‪ ،‬وحتلّقت حوله‬
‫نفوسهم قبل أجسادهم‪ ،‬ووقع وعظّه وتوجيهه منهم موقع القبول والرضا‪ ،‬ونال من احلظوة على قدر‬ ‫ُ‬
‫إحسانه وقصده‪.‬‬
‫الرفق ‪ :‬والرفق صفة املصطفى ‪ ‬اليت رحم اهلل العباد هبا؛ فاصطفاه هلا‪ ،‬يقول اهلل عز وجل‪ }:‬فَبِ َما‬
‫ِ‬ ‫ت فَظًّا َغلِي َ‬ ‫ٍِ ِِ‬
‫ك [‪[ {]159‬سورة آل‬ ‫ب اَل ْن َفضُّوا ِم ْن َح ْول َ‬
‫ظ الْ َق ْل ِ‬ ‫َرمْح َة م َن اللَّه لْن َ‬
‫ت هَلُ ْم َولَ ْو ُكْن َ‬
‫عمران]‪ .‬نعم لقد أدرك اهلل برمحته أن مينن على العامل برجل ميسح آالمه‪ ،‬وخيفف أحزانه‪ ،‬ويستميت‬
‫حممدا ‪ ، ‬وسكب يف قلبه من العلم والعمل‪ ،‬ويف خلقه من اإلحسان والرب‪ ،‬ويف‬ ‫يف هدايته‪ ،‬فأرسل ً‬
‫طبعه من اللني والرفق‪ ،‬ويف يده من الكرم والندى ما جعله أزكى عباد اهلل قلبًا‪ ،‬وأوسعهم عط ًفا‪،‬‬
‫صدرا‪ ،‬والينهم عريكة ‪ .‬هذا بعض نعت حممد ‪ ، ‬اجملتزأ من قوله تعاىل‪َ }:‬وِإن َ‬
‫َّك لَ َعلى‬ ‫وأرحبهم ً‬
‫ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم[‪[ {]4‬سورة القلم]‪ .‬وهذا إيراد من قبس النبوة يف باب الرفق‪ ،‬وبيان أثره‪:‬‬
‫الرفْ ِق ما اَل ي ْع ِطي َعلَى الْعْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫يق حُيِ ُّ‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ُ‬ ‫الرفْ َق َويُ ْعطي َعلَى ِّ َ ُ‬ ‫ب ِّ‬ ‫يقول عليه الصالة والسالم ‪ِ[ :‬إ َّن اللَّهَ َرف ٌ‬
‫َو َما اَل يُ ْع ِطي َعلَى َما ِس َواهُ] رواه مسلم‪-‬واللفظ له‪ -‬والرتمذي وأمحد ‪ .‬وقال خماطبًا عائشة رضي اهلل‬
‫الرفْ َق اَل يَ ُكو ُن يِف َش ْي ٍء ِإاَّل َزانَهُ َواَل يُْنَزعُ ِم ْن َش ْي ٍء ِإاَّل َشانَهُ] رواه مسلم‪.‬‬ ‫[علَي ِ‬
‫ك بِ ِّ‬
‫الرفْ ِق فَِإ َّن ِّ‬ ‫عنها‪ْ َ :‬‬

‫‪198‬‬
‫خنص الدعاة املقتدى هبم خبطاب عن الرفق أخ ًذا من هنج السلف؛ إذ أن هذا امليدان‪-‬‬ ‫وقد حيسن أن ّ‬
‫وحنن نعيش الصحوة اإلسالمية وأجواءها املباركة‪ -‬حنتاج فيه إىل مزيد عناية‪ ،‬وفقه‪ ،‬وترفق‪:‬‬
‫يقول عمر ـ رضي اهلل عنه ـ وهو على املنرب ‪' :‬يا أيها الناس ال تُبغّضوا اهلل إىل عباده‪ ،‬فقيل كيف ذلك‬
‫قاصا‪ -‬أي‪ :‬واعظاً‪ -‬فيقول على الناس حىت يبغض إليهم ما هم‬ ‫أصلحك اهلل؟ قال‪ :‬جيلس أحدكم ًّ‬
‫إماما فيطول على الناس حىت يبغض إليهم ما هم فيه'‪.‬‬ ‫فيه‪ ،‬ويقوم أحدكم ً‬
‫َّك ذَ َّك ْر َتنَا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّاس يِف ُك ِّل مَخِ ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ت َأن َ‬ ‫يس َف َق َال لَهُ َر ُج ٌل‪ ':‬يَا َأبَا َعْبد الرَّمْح َ ِن لََود ْد ُ‬ ‫َو َكا َن ابْ ُن َم ْسعُود يُ َذ ِّكُر الن َ‬
‫ك َأيِّن َأ ْكَرهُ َأ ْن ُِأملَّ ُك ْم َوِإيِّن َأخَتََّولُ ُك ْم بِالْ َم ْو ِعظَِة َك َما َكا َن النَّيِب ُّ ‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُك َّل َي ْوم' قَ َال‪ََ ' :‬أما ِإنَّهُ مَيَْنعُيِن ِم ْن َذل َ‬
‫آم ِة َعلَْينَا' رواه البخاري ومسلم والرتمذي وأمحد‪.‬‬ ‫الس َ‬ ‫َيتَ َخ َّولُنَا هِبَا خَمَافَةَ َّ‬
‫يعلق على هذا احلافظ بن حجر يف الفتح بقوله‪َ ' :‬ويُ ْسَت َفاد ِم ْن احْلَ ِديث اِ ْستِ ْحبَاب َتْرك الْ ُم َد َاو َمة يِف‬
‫َّها َعلَى قِ ْس َمنْي ِ ‪ِ :‬إ َّما ُك ّل َي ْوم‬ ‫ِ‬
‫ت الْ ُم َواظَبَة َمطْلُوبَة لَكن َ‬ ‫الصالح َخ ْشيَة الْ َماَل ل ‪َ ,‬وِإ ْن َكانَ ْ‬
‫اجْلِ ّد يِف الْعمل َّ ِ‬
‫ََ‬
‫ٍ‬
‫احة لُي ْقبِل َعلَى الثَّايِن بِنَ َشاط ‪َ ,‬وِإ َّما‬ ‫ِ‬
‫َم َع َع َدم التَّ َكلُّف ‪َ .‬وِإ َّما َي ْو ًما َب ْعد َي ْوم َفيَ ُكون َي ْوم الت َّْرك ْ‬
‫َأِلج ِل َّ‬
‫الر َ‬
‫اعاة ُو ُجود‬ ‫ِ‬ ‫يوما يِف اجْل معة ‪ ,‬وخَي ْتلِف بِ ِ ِ‬
‫اجة َم َع ُمَر َ‬ ‫اَأْلح َوال َواَأْل ْش َخاص ‪َ ,‬والضَّابط احْلَ َ‬ ‫اختاَل ف ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُُ َ َ َ‬ ‫َْ ً‬
‫َّشاط '‪.‬‬ ‫الن َ‬
‫والرفق ذو ميادين فسيحة وجماالت عريضة‪ ،‬فرفق مع اجلهال‪ :‬إما جهل علم‪ ،‬أو جهل حتضر‪ ،‬ولقد‬
‫رفق النيب ‪ ‬باألعرايب الذي بال يف املسجد‪ ،‬وتركه حىت فرغ من بوله وأمر أصحابه بالكف عنه‬
‫وأال يقطعوا عليه بوله فلما فرغ دعاه النيب ‪ ، ‬وأخربه أن املساجد مل تنب هلذا وإمنا هي لذكر اهلل‬
‫والصالة ‪.‬‬
‫ومن الذين خيصون مبزيد من الرتفق‪ :‬املتبدئون يف اإلسالم والعلم وطريق االهتداء‪ .‬والغفلة يف هذا‬
‫اجلانب قد تؤدي إىل فتنة وانعكاس يف املقصود‪ ،‬وقد قال عليه الصالة والسالم ملعاذ وأيب موسى ملا‬
‫بعثهما إىل اليمن ‪ [ :‬يَ ِّسَرا َواَل ُت َع ِّسَرا َوبَشَِّرا َواَل ُتَنفَِّرا َوتَطَ َاو َعا‪ S]...‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫يقول ابن حجر‪':‬واملراد تأليف من قرب إسالمه‪ ،‬وترك التشديد عليه يف االبتداء‪ ،‬وكذلك الزجر عن‬
‫املعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليُقبل‪ ،‬وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ ألن الشيء إذا‬
‫كان يف ابتدائه سهالً ُحبب على من يدخل فيه وتلقاه بانبساط وكانت عاقبته غالبًا االزدياد خبالف‬
‫ضده'‪.‬‬
‫وينبغي أن يتمثل القدوة يف هذا الباب الرفق مبجالسيه‪ ،‬فيتحمل من كان منهم ذا فهم بطيء‪،‬ويسع‬
‫حبلمه جفاء ذا اجلهالة‪ ،‬ال يعنف السائل بالتوبيخ القبيح فيخجله‪ ،‬وال يزجر فيضع من قدره‪.‬‬
‫ين ءَ َامنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما اَل‬ ‫َّ ِ‬
‫األصل الثالث ‪ :‬موافقة القول العمل ‪ :‬يقول اهلل عز وجل‪ }:‬يَاَأيُّ َها الذ َ‬
‫َت ْف َعلُو َن[‪َ ]2‬كُبَر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما اَل َت ْف َعلُو َن[‪[{ ]3‬سورة الصف]‪ .‬الصدق ليس لفظة خترج‬

‫‪199‬‬
‫من اللسان فحسب‪ ،‬ولكنه صدق يف اللهجة واستقامة يف املسلك‪ ،‬الباطن فيه كالظاهر‪ ،‬والقول فيه‬
‫صنو العمل ‪ ..‬هذا جانب‪.‬‬
‫وجانب آخر‪ :‬أن الناس والنفوس جمبولة على عدم االنتفاع مبن علمت أنه يقول وال يعمل‪ ،‬أو يعلم مث‬
‫ُأخالَِف ُك ْم ِإىَل َما َأْن َها ُك ْم َعْنهُ ِإ ْن ُأِر ُ‬
‫يد ِإاَّل‬ ‫ال يعمل‪ ،‬وهلذا قال شعيب عليه السالم‪َ } :‬و َما ُأِر ُ‬
‫يد َأ ْن َ‬
‫يب[‪[{ ]88‬سورة هود]‪.‬‬ ‫اِإْل صاَل ح ما استَطَعت وما َتوفِ ِيقي ِإاَّل بِاللَّ ِه علَي ِه َتو َّك ْل ِإ ِ ِ‬
‫ت َو لَْيه ُأن ُ‬ ‫َْ َ ُ‬ ‫ْ َ َ ْ ْ ُ ََ ْ‬
‫وأمنوذجا مطب ًقا‬ ‫ً‬ ‫واقعا ماثالً‪،‬‬ ‫كثريا من الناس ال يتوجه حنو العمل حىت يرى ً‬ ‫وجانب ثالث‪ :‬هو أن ً‬
‫يتخذه أسوة‪ ،‬ويدرك به أن هذا املطلوب أمر يف مقدور كل أحد‪ .‬بل مىت يكون املرء قدوة صاحلة‪،‬‬
‫وأسوة حسنة ما مل يسابق إىل فعل ما يأمر به من خري‪ ،‬وترك ما ينهى عنه من سوء؟! وقد جاء يف‬
‫الر ُج ِل َي ْو َم الْ ِقيَ َام ِة‬
‫الصحيحني وغريمها عن أسامة بن زيد رضي اهلل عنهما أن النيب ‪ ‬قال‪ [ :‬جُيَاءُ بِ َّ‬
‫ور احْلِ َم ُار بَِر َحاهُ َفيَ ْجتَ ِم ُع َْأه ُل النَّا ِر َعلَْي ِه َفَي ُقولُو َن‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َفُي ْل َقى يِف النَّار َفَتْن َدل ُق َأْقتَابُهُ يِف النَّار َفيَ ُد ُ‬
‫ور َك َما يَ ُد ُ‬
‫وف وَتْنهانَا عن الْمْن َك ِر قَ َال ُكْنت آمر ُكم بِالْمعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف‬ ‫ُ ُُ ْ َ ُْ‬ ‫ت تَْأ ُمُرنَا بالْ َم ْعُر َ َ َ ْ ُ‬ ‫س ُكْن َ‬ ‫ك َألَْي َ‬‫َأي فُاَل ُن َما َشْأنُ َ‬‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َواَل آتيه َوَأْن َها ُك ْم َع ْن الْ ُمْن َك ِر َوآتيه]‬
‫يأمر الناس بالتقى طبيب يداوي الناس وهو عليل‬ ‫وغري تقي ُ‬
‫وهنا مسألة هامة حيسن التنبيه إليها‪ :‬وهي أن املسلم حىت ولو كان قدوة مرتقيًا يف مدارج الكمال قد‬
‫يغلبه هوى‪ ،‬أو شهوة‪ ،‬أو تدفعه نفس أمارة بالسوء‪ ،‬أو ينزغه الشيطان‪ ،‬فتصدر منه زلة‪ ،‬أو حيصل‬
‫منه تقصري ‪.‬فإذا حدث ذلك فليبادر بالتوبة والرجوع‪ ،‬وليعلم أن هذا ليس مبانع من التأسي به‬
‫واالقتداء ‪ .‬وقد ح ّدث مالك عن ربيعة قال‪ :‬مسعت سعيد بن جبري يقول‪':‬لو كان املرء ال يأمر‬
‫باملعروف وال ينهى عن املنكر حىت ال يكون فيه شيء ما أمر أحد مبعروف‪ ،‬وال هنى عن منكر' قال‪:‬‬
‫وصدق من ذا الذي ليس فيه شيء'‪ .‬وقد قال احلسن البصري ملطرف بن عبد اهلل بن الشخري‪' :‬يا‬
‫مطرف عظ أصحابك‪ ،‬فقال مطرف ‪ :‬إين أخاف أن أقول ما ال أفعل؛ فقال احلسن ‪ :‬يرمحك اهلل‬
‫لود الشيطان أنه ظفر هبذه منكم‪ ،‬فلم يأمر أحد مبعروف ومل ينه عن منكر'‪.‬‬ ‫وأيُّنا يفعل ما يقول؟ َّ‬
‫أيضا‪ ':‬أيها الناس إين أعظكم ولست خبريكم وال أصلحكم‪ ،‬وإين لكثري اإلسراف على‬ ‫وقال احلسن ً‬
‫نفسي‪ ،‬غري حمكم هلا وال حاملها على الواجب يف طاعة رهبا‪ ،‬ولو كان املؤمن ال يعظ أخاه إال بعد‬
‫وقل املذكرون‪ ،‬وملا ُوجد من يدعو إىل اهلل جل ثناؤه‪ ،‬وير ّغب يف‬ ‫إحكام أمر نفسه؛ لعُدم الواعظون‪ّ ،‬‬
‫بعضا حياة‬ ‫طاعته‪ ،‬وينهى عن معصيته‪ ،‬ولكن يف اجتماع أهل البصائر ومذاكرة املؤمنني بعضهم ً‬
‫فرب‬
‫لقلوب املتقني‪ ،‬وإذكار من الغفلة‪ ،‬وأمن من النسيان‪ ،‬فالزموا ـ عافاكم اهلل ـ جمالس الذكر‪ّ ،‬‬
‫كلمة مسموعة وحمتق ٍر نافع'‪.‬‬
‫شواهد حية يف مواقف القدوة ‪:‬‬

‫‪200‬‬
‫يف صلح احلديبية‪ :‬وبعد أن فرغ الرسول ‪ ، ‬من كتابة الصلح مع قريش‪ ،‬أمر عليه الصالة والسالم‬
‫الصحابة أن ينحروا‪ ،‬مث حيلقوا من أجل أن يتحللوا من عمرهتم؛ ألهنم قد حصروا ومنعوا من البيت‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ك ثَاَل َ ٍ‬ ‫ِ‬
‫َأح ٌد َد َخ َل‬ ‫ث َمَّرات َفلَ َّما مَلْ َي ُق ْم مْن ُه ْم َ‬ ‫يقول الراوي‪َ ' :‬ف َواللَّ ِه َما قَ َام ِمْن ُه ْم َر ُج ٌل َحىَّت قَ َال َذل َ‬
‫اخُر ْج مُثَّ اَل تُ َكلِّ ْم‬ ‫َّاس َف َقالَت ُُّأم سلَمةَ‪ :‬يا نَيِب اللَّ ِه َأحُتِ ُّ ِ‬ ‫َعلَى ُِّأم َسلَ َمةَ فَ َذ َكَر هَلَا َما لَِقي ِم ْن الن ِ‬
‫ك ْ‬ ‫ب َذل َ‬ ‫ْ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأح ًدا مْن ُه ْم َحىَّت َف َع َل‬ ‫ك فَ َخَر َج َفلَ ْم يُ َكلِّ ْم َ‬ ‫ك َفيَ ْحل َق َ‬
‫ك َوتَ ْدعُ َو َحال َق َ‬ ‫َأح ًدا ِمْن ُه ْم َكل َمةً َحىَّت َتْن َحَر بُ ْدنَ َ‬ ‫َ‬
‫ضا َحىَّت َك َاد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض ُه ْم حَيْل ُق َب ْع ً‬
‫ك قَ ُاموا َفنَ َحُروا َو َج َع َل َب ْع ُ‬ ‫ك حَنََر بُ ْدنَهُ َو َد َعا َحال َقهُ فَ َحلَ َقهُ َفلَ َّما َر َْأوا َذل َ‬ ‫َذل َ‬
‫ضا َغ ًّما' رواه البخاري ‪.‬‬ ‫ض ُه ْم َي ْقتُ ُل َب ْع ً‬
‫َب ْع ُ‬
‫توضيح موقف وتفسري تصرف ‪ :‬حيسن بالقدوة أن يكون على درجة من الشفافية والتحسس؛ ليبقى‬
‫ص ِفيَّةَ َز ْو َج‬ ‫َأن َ‬ ‫بعيدا عن موارد الظنون‪ ،‬ومواقع التأويالت ‪َ .‬ع ْن َعلِ ِّي بْ ِن احْلُ َسنْي ِ َر ِضي اللَّهُ َعْن ُه َما َّ‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫ول اللَّ ِه ‪َ ‬تزوره يِف ْاعتِ َكافِ ِه يِف الْمس ِج ِد يِف الْع ْش ِر اَأْلو ِ‬
‫اخ ِر‬ ‫ت ِإىَل رس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ ُُ‬ ‫َأخَبَرتْهُ َأن ََّها‪َ :‬جاءَ ْ َ ُ‬ ‫النَّيِب ِّ ‪ْ ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمن رمضا َن َفتَح َّدثَ ِ‬
‫اب‬
‫ت بَ َ‬ ‫ب َف َق َام النَّيِب ُّ ‪َ ‬م َع َها َي ْقلُب َها َحىَّت ِإ َذا َبلَغَ ْ‬
‫ت َتْن َقل ُ‬‫اعةً مُثَّ قَ َام ْ‬
‫ت عْن َدهُ َس َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ََ َ‬
‫ول اللَّ ِه ‪َ ‬ف َق َال هَلَُما النَّيِب ُّ ‪: ‬‬ ‫اب ُِّأم سلَمةَ مَّر رجاَل ِن ِمن اَأْلنْصا ِر فَسلَّما َعلَى رس ِ‬ ‫الْمس ِج ِد ِعْن َد ب ِ‬
‫َُ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫ََ َ َُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اللَّه َو َكُبَر َعلَْي ِه َما َف َق َال النَّيِب ُّ ‪‬‬ ‫ت ُحيَ ٍّي] َف َقااَل ُسْب َحا َن اللَّه يَا َر ُس َ‬ ‫صفيَّةُ بْن ُ‬ ‫[علَى ِر ْسل ُك َما ِإمَّنَا ه َي َ‬ ‫َ‬
‫ف يِف ُقلُوبِ ُك َما َشْيًئا] رواه البخاري‬ ‫يت َأ ْن َي ْق ِذ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ِ [ :‬إ َّن الشَّْيطَا َن َيْبلُ ُغ م ْن اِإْل نْ َسان َمْبلَ َغ الدَِّم َوِإيِّن َخش ُ‬
‫ومسلم وأبوداود وابن ماجة والدارمي وأمحد‪ .‬قال احلافظ يف الفتح‪':‬وفيه التحرز من التعرض لسوء‬
‫الظن واالحتياط من كيد الشيطان واالعتذار'‪ .‬ويقول ابن دقيق العيد‪ ':‬وهذا متأكد يف حق العلماء‪،‬‬
‫ومن يقتدى هبم‪ ،‬فال جيوز هلم أن يفعلوا فعالً يوجب سوء الظن هبم‪ ،‬وإن كان هلم فيه خملص ألن‬
‫سبب إىل إبطال االنتفاع بعلمهم'‪.‬‬ ‫ذلك ُ‬
‫آمنة للصحب الكرام ‪ :‬فزع أهل املدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت فتلقاهم رسول اهلل ‪‬‬
‫راجعا‪ ،‬وقد سبقهم إىل الصوت‪ ،‬وهو على فرس أليب طلحة عري يف عنقه السيف وهو يقول مهدًئا‬ ‫ً‬
‫من روعهم‪ [ :‬مَلْ ُتَراعُوا مَلْ ُتَراعُوا] رواه البخاري ومسلم ‪ .‬عليه الصالة والسالم لقد كان أحسن‬
‫الناس وأجود الناس وأشجع الناس قوالً وعمالً ‪.‬إن املتأمل ليقف متعجبًا هلذه الشجاعة احملمدية‪،‬‬
‫ينطلق الناس قبل الصوت فيجدون إمامهم قد سبقهم بل قد رجع وهم يف بداية االنطالق‪ ،‬إن هذه‬
‫الدعوة الصامتة للشجاعة مع قوارع القرآن هي اليت استنهضت مهة األعمى كابن أم مكتوم ليصر‬
‫على اجلهاد وحيمل الراية‪ ،‬واألعرج كعمرو بن اجلموح ليطلب اجلهاد بإحلاح قائالً‪':‬إين ألرجو أن أطأ‬
‫بعرجيت هذه اجلنة' فيقاتل حىت يقتل ‪.‬‬
‫كرهت أن حيبسين ‪:‬هذا مثال من غري الشجاعة ولكنه منظوم يف مسلك السرية العملية اليت ترسم‬
‫لألتباع‪ ،‬تقطع دابر الوسواس لدى بعض املتفيهقة ليميزوا ما كان رياءً مما ليس كذلك‪َ ،‬ف َع ْن عُ ْقبَةَ‬

‫‪201‬‬
‫ِ ِ‬
‫َّاس ِإىَل َب ْع ِ‬
‫ض ُح َج ِر‬ ‫اب الن ِ‬ ‫صَر فَ َسلَّ َم مُثَّ قَ َام ُم ْس ِر ًعا َفتَ َخطَّى ِرقَ َ‬ ‫ت َو َراءَ النَّيِب ِّ ‪ ‬بِالْ َمدينَة الْ َع ْ‬ ‫صلَّْي ُ‬
‫قَ َال‪َ :‬‬
‫َّاس ِم ْن ُس ْر َعتِ ِه فَ َخَر َج َعلَْي ِه ْم َفَرَأى َأن َُّه ْم َع ِجبُوا ِم ْن ُس ْر َعتِ ِه َف َق َال‪:‬‬
‫ِع الن ُ‬
‫ِ ِئِ‬
‫ن َسا ه َف َفز َ‬
‫ت بِِق ْس َمتِ ِه] رواه البخاري والنسائي وأمحد‪.‬‬ ‫ت َأ ْن حَيْبِ َسيِن فَ ََأم ْر ُ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫ت َشْيًئا م ْن ترْبٍ عْن َدنَا فَ َك ِر ْه ُ‬ ‫[ ذَ َك ْر ُ‬
‫وصلى اهلل على خري خلقه نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫من رسالة‪ ':‬القدوة مباديء ومناذج' للشيخ‪ /‬صاحل بن محيد‬
‫ــــــــ‬

‫‪202‬‬
‫أبو حنيفة النعمان السيرة العطرة والشخصية القدوة‬
‫عبد العزيز بن سعد الدغيثر‬
‫سام يتمناه كل إنسان‪ ،‬ولذا فإن اهلل تعاىل وجه هذه الغريزة اإلنسانية والفطرة البشرية‬ ‫النجاح طموح ٍ‬
‫ألن تكون ضمن إطارها الصحيح‪.‬‬
‫وجتد ذلك جليا يف دعاء عباد الرمحن الذين نالوا رضاه تعاىل ومن مث النعيم الدائم يف جنان اخللد‪،‬‬
‫ني ِإ َماماً" (الفرقان‪ :‬من اآلية‪.)74‬‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َع ْلنَا ل ْل ُمتَّق َ‬
‫"و ْ‬
‫ومن دعائهم‪َ :‬‬
‫وإمامة املتقني ال تكون إال ملن نال قدراً كبرياً من التقوى والعلم‪ ،‬ولكن العلم ال يستطاع براحة‬
‫اجلسد‪ ،‬بل ال بد من بذل اجلهد العظيم والوقت الكثري لتحصيل ذلك العلم‪.‬‬
‫ِ‬
‫ت‬ ‫فإن العلم بالوحيني من إرادة اهلل اخلري للعبد كما يف قوله تعاىل‪" :‬يُْؤ يِت احْل ك َ‬
‫ْمةَ َم ْن يَ َشاءُ َو َم ْن يُْؤ َ‬
‫ْمةَ َف َق ْد ُأويِت َ خَرْي اً َكثِرياً" (البقرة‪ :‬من اآلية‪ ،)269‬وكما يف قول رسول اهلل ‪ " :-  -‬من يرد‬ ‫ِ‬
‫احْل ك َ‬
‫اهلل به خريا يفقهه يف الدين"‪.‬أخرجه البخاري ومسلم من حديث معاوية‪.‬‬
‫والعلم بالشرع طريق إىل اجلنة كما يف قول رسول اهلل ‪" :-  -‬من سلك طريقا يطلب فيه علما‬
‫رضى لطالب العلم‪ ،‬وإن العامل‬ ‫سلك اهلل به طريقا من طرق اجلنة‪ ،‬وإن املالئكة لتضع أجنحتها ً‬
‫ليستغفر له من يف السماوات ومن يف األرض‪ ،‬واحليتان يف جوف املاء‪ ،‬وإن فضل العامل على العابد‬
‫كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب‪ ،‬وإن العلماء ورثة األنبياء‪ ،‬وإن األنبياء مل يورثوا دينارا‬
‫وال درمها‪ ،‬إمنا ورثوا العلم فمن أخذه أخذ حبظ وافر" رواه أبو داود والرتمذي وحسنه األرناؤؤط‪،‬‬
‫وحيث إن أصحاب املذاهب املتبوعة قد وصلوا إىل درجة عليا من اإلمامة يف الدين‪ ،‬فقد بدأت‬
‫بأوهلم زمنا وأكثرهم أتباعا وهو اإلمام أبو حنيفة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬تعاىل‪.‬‬
‫نبذة عن التعريف باإلمام‪:‬‬
‫هو اإلمام اجلليل أبو حنيفة النعمان بن ثابت بن زوطى‪ ،‬ولد ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة ‪ 80‬هـ‪ ،‬كان أبو‬
‫حنيفة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬خزازاً يبيع اخلز واألقمشة‪ ،‬وعن أيب يوسف قال‪ :‬كان أبو حنيفة ربعة من‬
‫أحسن الناس صورة وأبلغهم نطقا وأعذهبم نغمة وأبينهم عما يف نفسه‪.‬‬
‫ويعد أبو حنيفة من صغار التابعني الذين يشملهم حديث ابن مسعود رضي اهلل عنه أن النيب ‪-  -‬‬
‫قال‪" :‬خري الناس قرين مث الذين يلوهنم"رواه البخاري ومسلم‪.‬‬
‫وقد روى عن خلق كثري منهم‪ :‬عطاء بن أيب رباح وهو أكرب شيخ له وأفضلهم على ما قال وعن‬
‫الشعيب وعن جبلة بن سحيم وعدي بن ثابت وعبد الرمحن بن هرمز األعرج وعمرو بن دينار وأيب‬
‫سفيان طلحة بن نافع ونافع موىل ابن عمر وقتادة وقيس بن مسلم وعون بن عبد اهلل بن عتبة‬
‫والقاسم بن عبد الرمحن بن عبد اهلل بن مسعود وآخرين‪.‬‬

‫‪203‬‬
‫أما أكرب شيوخه يف الفقه فهو هو محاد بن أيب سليمان‪ ،‬لدرجة أن الذهيب قال عن محاد‪ :‬وبه تفقه‪ ،‬مما‬
‫يدل على أنه الزمه مالزمة كبرية حبيث عرف به‪ .‬وسبب املالزمة الطويلة حلماد قصة ذكرها من‬
‫ترجم له‪ ،‬فقد رووا عن أيب حنيفة أنه قال‪ :‬قدمت البصرة فظننت أين ال أسأل عن شيء إال أجبت‬
‫فيه فسألوين عن أشياء مل يكن عندي فيها جواب فجعلت علي نفسي أال أفارق محاداً حىت ميوت‬
‫فصحبته مثاين عشرة سنة‪.‬‬
‫منزلته العلمية‪:‬‬
‫الثناء على أيب حنيفة يف فقهه وتدينه وورعه وصدقه مبثوث يف كتب اجلرح والتعديل‪ ،‬قال حممد بن‬
‫سعد العويف مسعت حيىي بن معني يقول كان أبو حنيفة ثقة ال حيدث باحلديث إال مبا حيفظه وال حيدث‬
‫مبا ال حيفظ‪.‬‬
‫وقال صاحل بن حممد مسعت حيىي بن معني يقول كان أبو حنيفة ثقة يف احلديث وروى أمحد بن حممد‬
‫بن القاسم بن حمرز عن ابن معني كان أبو حنيفة ال بأس به وقال مرة هو عندنا من أهل الصدق ومل‬
‫يتهم بالكذب ولقد ضربه ابن هبرية على القضاء فأىب أن يكون قاضيا‪ ،‬وذكره ابن حبان يف معرفة‬
‫الثقات‪ ،‬إال أنه ال بد من التنبيه إىل أن أبا حنيفة مل يكن من املتخصصني يف رواية احلديث مع جاللته‪،‬‬
‫ولذا طعن عليه مجع من أهل احلديث لوجود اخلطأ يف رواياته‪..‬‬
‫أما يف الفقه‪ S:‬فقد قال الذهيب‪ :‬وأما الفقه والتدقيق يف الرأي وغوامضه فإليه املنتهى والناس عليه عيال‬
‫يف ذلك‪ .‬قال ضرار بن صرد سئل يزيد بن هارون أميا أفقه الثوري أو أبو حنيفة فقال أبو حنيفة أفقه‬
‫وسفيان أحفظ للحديث‪ .‬ويف ترمجته من هتذيب الكمال عن روح بن عبادة قال‪ :‬كنت عند بن‬
‫جريج سنة مخسني يعين ومئة وأتاه موت أيب حنيفة فاسرتجع وتوجع وقال‪ :‬أي علم ذهب؟‬
‫وأما يف العقيدة‪ :‬فلم يغفل اإلمام أبو حنيفة جانب العقيدة‪ ،‬فقد كان له مع املبتدعة صوالت‬
‫وجوالت‪ ،‬فله مناظرات معهم تدل على فهم سلفي وبعد عن البدع يف اجلملة‪.‬‬
‫روى اخلطيب بسنده‪ ،‬عن حيىي بن نصر‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو حنيفة يفضل أبا بكر وعمر‪ ،‬وحيب علياً‬
‫وعثمان‪ ،‬وكان يؤمن باألقدار‪ ،‬وال يتكلم يف القدر‪ ،‬وكان ميسح على اخلفني‪ ،‬وكان من أعلم الناس‬
‫يف زمانه وأتقاهم‪.‬‬
‫وعن أيب يوسف‪ ،‬عن أيب حنيفة‪ ،‬أنه قال‪ :‬من قال‪ :‬القرآن خملوق فهو مبتدع‪ ،‬فال يقولن أح ٌد بقوله‪،‬‬
‫وال يصلني أح ٌد خلفه‪.‬‬
‫وأما تعظيمه للنصوص‪ :‬فقد كان أبو حنيفة من أشد املعظمني للنصوص‪ ،‬وقد جعل منهجه وملن تبعه‬
‫أن يقدم النص على كل قول‪ ،‬فقد روى نوح اجلامع عن أيب حنيفة أنه قال ما جاء عن الرسول ‪ -‬‬
‫‪ -‬فعلى الرأس والعني وما جاء عن الصحابة اخرتنا وما كان من غري ذلك فهم رجال وحنن رجال‪.‬‬
‫وقال وكيع‪ :‬مسعت أبا حنيفة يقول‪ :‬البول يف املسجد أحسن من بعض القياس‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫وقال أبو يوسف‪ :‬قال أبو حنيفة‪ :‬ال ينبغي للرجل أن حيدث إال مبا حيفظه من وقت ما مسعه‪.‬‬
‫طالبه‪:‬‬
‫ولإلمام أيب حنيفة طالب مالزمون‪ ،‬أخذوا عنه الفقه وطريقة االستنباط‪ ،‬كما أن له طالباً أخذوا عنه‬
‫الرواية‪ ،‬فممن تفقه عليه زفر بن اهلذيل وداود الطائي والقاضي أبو يوسف وحممد بن احلسن وأسد‬
‫بن عمرو واحلسن بن زياد اللؤلؤي ونوح اجلامع وأبو مطيع البلخي وغريهم كثري جداً‪.‬‬
‫مكانته يف نظر معاصريه‪:‬‬
‫وأليب حنيفة ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬تأثري كبري فيمن عاصره‪ ،‬وجند ذلك منثورا يف طيات كالمهم عنه‪ ،‬فنجد‬
‫عبد اهلل بن املبارك يقول‪ :‬لوال أن اهلل أعانين بأيب حنيفة وسفيان كنت كسائر الناس‪ .‬وعنه قال‪ :‬ما‬
‫رأيت رجال أوقر يف جملسه وال أحسن مستا وحلما من أيب حنيفة‪ .‬وقال أيضاً كما يف (هتذيب‬
‫الكمال)‪ :‬أفقه الناس أبو حنيفة مث قال‪ :‬ما رأيت يف الفقه مثله‬
‫وقال أبو نعيم‪ :‬كان أبو حنيفة صاحب غوص يف املسائل‪.‬‬
‫وقال عبداهلل بن داود احلريب ينبغي للناس أن يدعوا يف صالهتم أليب حنيفة حلفظه الفقه والسنة عليهم‬
‫وقال سفيان الثوري وابن املبارك كان أبو حنيفة أفقه أهل األرض يف زمانه‪ ،‬وقال أبو نعيم‪ :‬كان‬
‫صاحب غوص يف املسائل وقال مكي بن إبراهيم‪ :‬كان أعلم أهل األرض‪.‬‬
‫وملا انتقد بعض املثبطني القاسم بن معن يف جلوسه مع صغار الطلبة بني يدي أيب حنيفة‪ ،‬بطريقة‬
‫استفزازية‪ ،‬جند الرد املليء باحلب واإلعجاب هبذا العامل املريب‪ ،‬فقد قيل للقاسم بن معن ترضى أن‬
‫تكون من غلمان أيب حنيفة قال ما جلس الناس إىل أحد أنفع من جمالسة أيب حنيفة وقال له القاسم‬
‫تعال معي إليه فلما جاء إليه لزمه وقال ما رأيت مثل هذا‪.‬‬
‫وقال مكي بن إبراهيم كان أعلم أهل زمانه وما رأيت يف الكوفيني أورع منه‪.‬‬
‫وقيل ملالك‪ :‬هل رأيت أبا حنيفة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬رأيت رجال لو كلمك يف هذه السارية أن جيعلها ذهباً‬
‫لقام حبجته‪.‬‬
‫وروى حيان بن موسى املروزي قال‪ :‬سئل ابن املبارك‪ ،‬مالك أفقه أو أبو حنيفة قال‪ :‬أبو حنيفة‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬الناس يف الفقه عيال على أيب حنيفة‪.‬‬
‫عالقته باحلكام‪:‬‬
‫ابتلي أبو حنيفة بالسلطة السياسية يف وقته فقد جربوا معه فتنة املال وفتنة السجن فلم يهتز أو يتأثر‪،‬‬
‫قال عبد اهلل بن املبارك‪ :‬ما رأيت أحداً أورع من أيب حنيفة وقد جرب بالسياط واألموال‪.‬‬
‫وفد كان أليب حنيفة مصادمات‪ S‬مع الوالة‪ ،‬فقد كان يرفض األوامر اخلاصة كتوليته القضاء‪ ،‬وقد‬
‫روي من غري وجه أن اإلمام أبا حنيفة ضرب غري مرة على أن يلي القضاء فلم جيب‪ ،‬فقد كان ابن‬

‫‪205‬‬
‫هبرية قد أراده على القضاء يف الكوفة أيام مروان اجلعدي فأىب وضربه مئة سوط وعشرة أسواط كل‬
‫يوم عشرة وأصر على االمتناع فخلى سبيله‪ ،‬وكان اإلمام أمحد إذا ذكر ذلك ترحم عليه‪.‬‬
‫وعن مغيث بن بديل قال دعا املنصور أبا حنيفة إىل القضاء فامتنع فقال‪ :‬أترغب عما حنن فيه فقال‪:‬‬
‫ال أصلح‪ ،‬قال‪ :‬كذبت‪ .‬قال‪ :‬فقد حكم أمري املؤمنني علي أين ال أصلح فإن كنت كاذباً فال أصلح‬
‫وإن كنت صادقاً فقد أخربتكم أين ال أصلح فحبسه‪.‬‬
‫حمفزات لالستمرار‪:‬‬
‫من توفيق اهلل تعاىل أن هتيأت له أسباب لطلب العلم واالستمرار فيه‪ ،‬فمن تلك األسباب‪:‬‬
‫فقد وفقه اهلل تعاىل للتعلم على يد محاد الفقيه ومالزمته السنوات الطوال‪.‬‬
‫ومن ذلك استغناؤه بالتجارة عن احلاجة للوالة ومنتهم‪ ،‬قال الذهيب عنه‪ :‬كان ال يقبل جوائز السلطان‬
‫بل يتجر ويتكسب‪ ،‬ويف شذرات الذهب‪ :‬وكان ال يقبل جوائز الدولة بل ينفق ويؤثر من كسبه له‬
‫دار كبرية لعمل اخلز وعنده صناع وأجراء ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬تعاىل‪ .‬وهذا يدل على أنه مل تشغله التجارة‬
‫عن العلم‪ ،‬بل يشرف على عملهم ويستعني بالثقات يف إدارة جتارته‪.‬‬
‫ويف الرؤى مبشرات للمؤمنني‪ ،‬فقد جاء عنه أنه قال‪ :‬رأيت رؤيا أفزعتين رأيت كأين أنبش قرب النيب‬
‫‪ -  -‬فأتيت البصرة فأمرت رجال يسأل حممد بن سريين فسأله فقال‪ :‬هذا رجل ينبش أخبار‬
‫رسول اهلل ‪.-  -‬‬
‫مظاهر القدوة يف شخصية أيب حنيفة‪:‬‬
‫احرتامه وتقديره ملن علمه الفقه‪ ،‬فقد ورد عن ابن مساعة‪ ،‬أنه قال‪ :‬مسعت أبا حنيفة يقول‪ :‬ما صليت‬
‫صالة ُمذ مات محاد إال استغفرت له مع والدي‪ ،‬وإين ألستغفر ملن تعلمت منه علماً‪ ،‬أو علمته علما‪.‬‬
‫ومن السمات املميزة أليب حنيفة سخاؤه يف إنفاقه على الطالب واحملتاجني وحسن تعامله معهم‪،‬‬
‫وتعاهدهم مما غرس حمبته يف قلوهبم حىت نشروا أقواله وفقهه‪ ،‬ولك أن تتخيل ماليني الدعوات له‬
‫بالرمحة عند ذكره يف دروس العلم يف كل أرض‪ .‬نسأل اهلل من فضله‪ ،‬ونسأل اهلل إلمامنا أن يتغمده‬
‫بواسع رمحته‪ ،‬ومن عجائب ما ورد عنه أنه كان يبعث بالبضائع إىل بغداد‪ ،‬يشرتي هبا األمتعة‪،‬‬
‫وحيملها إىل الكوفة‪ ،‬وجيمع األرباح عنده من سنة إىل سنة‪ ،‬فيشرتي هبا حوائج األشياخ احملدثني‬
‫وأقواهتم‪ ،‬وكسوهتم‪ ،‬ومجيع حوائجهم‪ ،‬مث يدفع باقي الدنانري من األرباح إليهم‪ ،‬فيقول‪ :‬أنفقوا يف‬
‫علي فيكم‪،‬‬
‫حوائجكم‪ ،‬وال حتمدوا إال اهلل؛ فإين ما أعطيتكم من مايل شيئا‪ ،‬ولكن من فضل اهلل َّ‬
‫وهذه أرباح بضاعتكم؛ فإنه هو واهلل مما جيريه اهلل لكم على يدي فما يف رزق اهلل حول لغريه‪.‬‬
‫وحدث حجر بن عبد اجلبار‪ ،‬قال‪ :‬ما أرى الناس أكرم جمالسة من أيب حنيفة‪ ،‬وال أكثر إكراماً‬
‫ألصحابه‪ .‬وقال حفص بن محزة القرشي‪ :‬كان أبو حنيفة رمبا مر به الرجل فيجلس إليه لغري قصد وال‬
‫جمالسة‪ ،‬فإذا قام سأل عنه‪ ،‬فإن كانت به فاقة وصله‪ ،‬وإن مرض عاده‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫ومن أشد مظاهر القدوة يف شخصيته تصحيحه ملفاهيم خمالفيه باحلوار اهلادئ وقد كان التعليم باحلوار‬
‫مسة بارزة أليب حنيفة‪ ،‬وبه يقنع اخلصوم واملخالفني‬
‫حرصه على هيبة العلم يف جمالسه‪ ،‬فقد ورد عن شريك قال كان أبو حنيفة طويل الصمت كثري‬
‫العقل‪.‬‬
‫االهتمام باملظهر واهليئة‪ ،‬مبا يضفي عليه املهابة‪ ،‬فقد جاء عن محاد بن أيب حنيفة أنه قال‪ :‬كان أيب‬
‫مجيال تعلوه مسرة حسن اهليئة‪ ،‬كثري التعطر هيوباً ال يتكلم إال جواباً وال خيوض ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬فيما‬
‫ال يعنيه‪ .‬وعن ابن املبارك قال‪ :‬ما رأيت رجال أوقر يف جملسه وال أحسن مستاً وحلماً من أيب حنيفة‪.‬‬
‫كثرة عبادته وتنسكه ‪ -‬رمحه اهلل ‪ ،-‬فقد قال أبو عاصم النبيل كان أبو حنيفة يسمى الوتد لكثرة‬
‫صالته‪ ،‬واشتهر عنه أنه كان حيىي الليل صالة ودعاء وتضرعا‪ .‬وذكروا أن أبا حنيفة ‪ -‬رمحه اهلل ‪-‬‬
‫صلى العشاء والصبح بوضوء أربعني سنة‪ .‬وروى بشر بن الوليد عن القاضي أيب يوسف قال بينما أنا‬
‫أمشي مع أيب حنيفة إذ مسعت رجالً يقول آلخر هذا أبو حنيفة ال ينام الليل فقال أبو حنفية واهلل ال‬
‫يتحدث عين مبا مل أفعل فكان حيىي الليل صالة وتضرعا ودعاء‪ ،‬ومثل هذه الروايات عن األئمة‬
‫موجودة بكثرة‪ ،‬والتشكيك يف ثبوهتا له وجه‪ ،‬الشتهار النهي عن إحياء الليل كله‪ ،‬وأبو حنيفة ‪-‬‬
‫رمحه اهلل ‪ -‬قد مأل هناره بالتعليم مع معاجلة جتارته‪ ،‬فيبعد أن يواصل الليل كله‪ .‬ولكن عبادة أيب‬
‫حنيفة وطول قراءته أمر ال ينكر‪ ،‬بل هو مشهور عنه ‪ -‬رمحه اهلل ‪ .-‬فقد روي من وجهني أن أبا‬
‫حنيفة قرأ القرآن كله يف ركعة‪.‬‬
‫خوفه من اهلل تعاىل‪ ،‬فقد روى لنا القاسم بن معن أن أبا حنيفة قام ليلة يردد قوله تعاىل " بل الساعة‬
‫موعدهم والساعة أدهى وأمر " القمر ‪ 46‬ويبكي ويتضرع إىل الفجر‪.‬‬
‫ومن مظاهر القدوة شدة ورعة‪ ،‬وخصوصا يف األمور املالية‪ ،‬فقد جاء عنه أنه كان شريكاً حلفص بن‬
‫عبد الرمحن‪ ،‬وكان أبو حنيفة جُي هز إليه األمتعة‪ ،‬وهو يبيع‪ ،‬فبعث إليه يف رقعة مبتاع‪ ،‬وأعلمه أن يف‬
‫ثوب كذا وكذا عيباً‪ ،‬فإذا بعته‪ ،‬فبني‪ .‬فباع حفص املتاع‪ ،‬ونسى أن يبني‪ ،‬ومل يعلم ممن باعه‪ ،‬فلما‬
‫علم أبو حنيفة تصدق بثمن املتاع كله‪.‬‬
‫تربيته لنفسه على الفضائل كالصدقة‪ ،‬فقد ورد عن املثىن بن رجاء أنه قال جعل أبو حنيفة على نفسه‬
‫إن حلف باهلل صادقا أن يتصدق بدينار وكان إذا أنفق على عياله نفقة تصدق مبثلها‪.‬‬
‫وله ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬حلم عجيب مع العوام‪ ،‬ألن من تصدى للناس ال بد وأن يأتيه بعض األذى من‬
‫جاهل أو مغرر به‪ ،‬ومن عجيب قصصه ما حكاه اخلرييب قال‪ :‬كنا عند أيب حنيفة فقال رجل‪ :‬إين‬
‫وضعت كتابا على خطك إىل فالن فوهب يل أربعة آالف درهم فقال أبو حنيفة إن كنتم تنتفعون‬
‫هبذا فافعلوه‪ .‬وقد شهد حبلمه من رآه‪ S،‬قال يزيد بن هارون ما رأيت أحدا أحلم من أيب حنيفة‪،‬‬
‫وكان ينظر بإجيابية إىل املواقف اليت ظاهرها السوء‪ ،‬فقد قال رجل أليب حنيفة اتق اهلل فانتفض واصفر‬

‫‪207‬‬
‫وأطرق وقال جزاك اهلل خريا ما أحوج الناس كل وقت إىل من يقول هلم مثل هذا‪ ،‬وجاء إليه رجل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا أبا حنيفة‪ ،‬قد احتجت إىل ثوب خز‪ ،‬فقال‪ :‬ما لونه؟ قال‪ :‬كذا‪ ،‬وكذا‪ ،‬فقال له‪ :‬اصرب حىت‬
‫يقع‪ ،‬وآخذه لك‪ ،‬إن شاء اهلل تعاىل‪ ،‬فما دارت اجلمعة حىت وقع‪ ،‬فمر به الرجل‪ ،‬فقال‪ :‬قد وقعت‬
‫حاجتك‪ ،‬وأخرج إليه الثوب‪ ،‬فأعجبه‪ ،‬فقال‪ :‬يا أبا حنيفة‪ ،‬كم أزن؟ قال‪ :‬درمهاً‪ ،‬فقال الرجل‪ :‬يا أبا‬
‫حنيفة ما كنت أظنك هتزأ‪ ،‬قال‪ :‬ما هزأت‪ ،‬إين اشرتيت ثوبني بعشرين ديناراً ودرهم‪ ،‬وإين بعت‬
‫أحدمها بعشرين ديناراً‪ ،‬وبقي هذا بدرهم‪ ،‬وما كنت ألربح على صديق‪.‬‬
‫اجلدية واالستمرار وحتديد اهلدف‪ ،‬فقد وضع نصب عينيه أن ينفع األمة يف الفقه واالستنباط‪ ،‬وأن‬
‫يصنع رجاال قادرين على محل تلك امللكة‪.‬‬
‫ترك الغيبة و اخلوض يف الناس فعن ابن املبارك‪ :‬قلت لسفيان الثوري‪ ،‬يا أبا عبد اهلل‪ ،‬ما أبعد أبا‬
‫حنيفة من الغيبة‪ ،‬وما مسعته يغتاب عدوا له قط‪ .‬قال‪ :‬هو واهلل أعقل من أن يسلط على حسناته ما‬
‫يذهب هبا‪ .‬بل بلغ من طهارة قلبه على املسلمني شيئا عجيبا‪ ،‬ففي تاريخ بغداد عن سهل بن مزاحم‬
‫قال مسعت أبا حنيفة يقول‪" :‬فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" قال‪ :‬كان أبو حنيفة‬
‫يكثر من قول‪ :‬اللهم من ضاق بنا صدره فإن قلوبنا قد اتسعت له‪.‬‬
‫ومن أهم مظاهر القدوة يف شخصيته حرصه على بناء شخصيات فقهية حتمل عنه علمه‪ ،‬وقد جنح أميا‬
‫جناح‪ .‬ومن طريف قصصه مع تالميذه اليت تبني لنا حرصه على تربيتهم على التواضع يف التعلم وعدم‬
‫العجلة‪ ،‬كما يف (شذرات الذهب)‪ S:‬ملا جلس أبو يوسف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬للتدريس من غري إعالم أيب‬
‫حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجال فسأله عن مخس مسائل وقال له‪ :‬إن أجابك بكذا فقل له‪:‬‬
‫أخطأت‪ ،‬وإن أجابك بضده فقل له‪ :‬أخطأت فعلم أبو يوسف تقصريه فعاد إىل أيب حنيفة فقال‬
‫"تزبيت قبل أن حتصرم" يعىن تصدرت للفتيا قبل أن تستعد هلا فجعلت نفسك زبيبا وأنت الزلت‬
‫حصرما‪.‬‬
‫ومن أشد مظاهر القدوة يف شخصيته تصحيحه ملفاهيم خمالفيه باحلوار اهلادئ وقد كان التعليم باحلوار‬
‫مسة بارزة أليب حنيفة‪ ،‬وبه يقنع اخلصوم واملخالفني‪ ،‬وروى أيضا عن عبد الرزاق قال‪ :‬شهدت أبا‬
‫حنيفة يف مسجد اخليف فسأله رجل عن شيء فأجابه فقال رجل‪ :‬إن احلسن يقول كذا وكذا قال‬
‫أبو حنيفة أخطأ احلسن قال‪ :‬فجاء رجل مغطى الوجه قد عصب على وجهه فقال‪ :‬أنت تقول أخطأ‬
‫احلسن مث سبه بأمه مث مضى فما تغري وجهه وال تلون مث قال‪ :‬إي واهلل أخطأ احلسن وأصاب بن‬
‫مسعود‪.‬‬
‫ومن مظاهر القدوة عدم اعتقاده أنه ميلك احلقيقة املطلقة‪ ،‬وأن غريه من العلماء على خطأ‪ ،‬فقد جاء‬
‫يف ترمجته يف تاريخ بغداد عن احلسن بن زياد اللؤلؤي يقول‪ :‬مسعت أبا حنيفة يقول قولنا هذا رأي‪،‬‬
‫وهو أحسن ما قدرنا عليه فمن جاءنا بأحسن من قولنا فهو أوىل بالصواب منا‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬تويف شهيداً يف سنة مخسني ومئة وله سبعون سنة‪ ،‬وقال الفقيه أبو عبد اهلل الصيمري مل‬
‫يقبل العهد بالقضاء فضرب وحبس ومات يف السجن ‪ -‬رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫‪---------------------------------------------‬‬
‫أهم مراجع املوضوع‪:‬‬
‫سري أعالم النبالء للذهيب‬
‫شذرات الذهب البن العماد‬
‫تذكرة احلفاظ ‪ -‬للذهيب‬
‫املنتظم ‪ -‬البن اجلوزي‬
‫البداية والنهاية البن كثري‬
‫وفيات األعيان ‪ -‬البن خلكان‬
‫الطبقات السنية يف تراجم احلنفية ‪ -‬للغزي‬
‫‪19/2/1427 2‬هـ‬
‫‪12/2/1427‬هـ‬
‫‪ http://www.almoslim.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪209‬‬
‫أسلوب القدوة‬
‫دكتورة ‪ /‬فاطمة با جابر‬
‫االقتداء الصحيح طريق االهتداء‬
‫عن‬
‫كان النيب‪ -  -‬قدوة لكل مسلم فهو إذا أراد أن يأمر أصحابه بأمر يبدأ بتطبيقه على نفسه‪ْ ،‬‬
‫اع الْغَ ِمي ِم‬ ‫جابِ ٍر قَال‪( :‬خرج رس ُ ِ‬
‫ص َام َحىَّت َبلَ َغ ُكَر َ‬ ‫ضا َن‪ ،‬فَ َ‬ ‫ول اللَّه ‪ِ -  -‬إىَل َم َّكةَ َع َام الْ َفْت ِح‪ ،‬يِف َر َم َ‬ ‫ََ َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّاس‬
‫ب َوالن ُ‬ ‫الصيَ ُام‪ ،‬فَ َد َعا بَِق َد ٍح م َن الْ َماء َب ْع َد الْ َع ْ‬
‫ص ِر فَ َش ِر َ‬ ‫َّاس قَ ْد َش َّق َعلَْي ِه ُم ِّ‬
‫َأن الن َ‬ ‫َّاس‪َ ،‬فَبلَغَهُ‪َّ :‬‬‫ص َام الن ُ‬ ‫فَ َ‬
‫صاةُ) إن معلم‬ ‫ك الْعُ َ‬ ‫ص ُاموا َف َق َال‪ُ" :‬أولَِئ َ‬ ‫اسا َ‬ ‫ض‪َ ،‬فَبلَغَهُ َّ‬
‫َأن نَ ً‬ ‫ص َام َب ْع ٌ‬ ‫ض الن ِ‬
‫َّاس‪َ ،‬و َ‬ ‫َيْنظُُرو َن‪ ،‬فََأفْطََر َب ْع ُ‬
‫البشرية يرى أن االقتداء الفعلي أكثر تأثرياً يف النفوس والعقول‪ ،‬والنصح والوعظ وإن كان البد‬
‫منهما إال أنه البد من جتسيد تطبيقي هلما‪ ،‬فمن سار على هنجه فقد اهتدى‪ ،‬ومن خالفه فقد عصى‪،‬‬
‫واحلديث يبني أنه عندما علم عن حال الناس من التعب وهم على سفر أراد ‪ -  -‬أن يؤكد للناس‬
‫تعسروا)‪ ،‬وكان من ُخلقه إذا خُرّي بني أمرين اختار أيسرمها‪،‬‬ ‫(يسروا وال ّ‬ ‫أن الدين يسر‪ ،‬فأخذ مببدأ ّ‬
‫فبدأ بنفسه وشرب املاء‪ ،‬فاقتدى به بعض أصحابه‪ ،‬أما اآلخرين الذين أرادوا إمتام الصيام خمالفني‬
‫قدوته فقد وصفهم ‪ -  -‬بأهنم عصاة‪ .‬ألن االقتداء بالنيب أمر واجب على كل مسلم‪ ،‬قال ‪-‬‬
‫تعاىل‪(:-‬وما آتاكم الرسول فخذوه‪ ،‬وما هناكم عنه فانتهوا‪ ،‬واتقوا اهلل إن اهلل شديد العقاب) (احلشر‬
‫آية ‪.)7‬‬
‫كان الصحابة رضي اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عنهم يقتدون بكل أفعال الرسول ‪ -  -‬حىت وإن مل يعرفوا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأن َأباه ح َّدثَهُ قَ َال‪َ ( :‬قبَّل عُمر بْن اخْلَطَّ ِ‬ ‫مِل‬
‫ت َأن َ‬
‫َّك‬ ‫اب احْلَ َجَر‪ ،‬مُثَّ قَ َال‪ََ :‬أم َواللَّه! لََق ْد َعل ْم ُ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫العلة‪َ ،‬ع ْن َسا ٍ َّ َ ُ َ‬
‫ك) يبني احلديث حرص الصحابة على‬ ‫ك َما َقَّب ْلتُ َ‬ ‫ول اللَّه ‪ -  -‬يُ َقِّبلُ َ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫َح َجٌر‪َ ،‬ولَ ْواَل َأيِّن َرَأيْ ُ‬
‫االقتداء حىت بدقائق األمور‪ ،‬فكل أفعاله ‪ -  -‬كانت قدوة لألمة اإلسالمية‪.‬وقد بني احلديث أن‬
‫عمر أعلن طاعته واتباعه الرسول ‪ -  -‬يف تقبيل احلجر‪ ،‬وأنه فعل ذلك اقتداء بالنيب ‪،-  -‬‬
‫ويف هذا أن إعالن بعض األعمال يكون أفضل من إخفائها إذا كان فيها قدوة؛ ألن من األعمال ما‬
‫يقتدى هبا ويستمر أجرها ملن سنها‪.‬ومن حياول إظهار العمل للقدوة‪ ،‬عليه أن يكون عاملاً عارفاً مبا‬
‫يفعل ويظهره لالقتداء به‪ ،‬وأن يراقب قلبه فال يدع للرياء فيه جماالً‪ .‬وهذه صفة املقربني من الرسول‬
‫ول اللَّ ِه ‪ِ " :-  -‬إيِّن اَل َْأد ِري َما قَ ْد ُر‬ ‫‪ -  -‬وقد شهد هلم أهنم قدوة ويقتدى هبم‪ .‬قَ َال َر ُس ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأش َار ِإىَل َأيِب بَ ْك ٍر َوعُ َمَر) يشري احلديث إىل إن اإلسالم هو‬ ‫َب َقاِئي في ُك ْم فَا ْقتَ ُدوا بِاللَّ َذيْ ِن ِم ْن َب ْعدي َو َ‬
‫دين القدوة احلسنة‪ ،‬وإن أكثر الناس قدوة هو أعلمهم وأصلحهم‪ ،‬وكان يف زمن الرسول ‪-  -‬‬
‫أبو بكر وعمر‪ ،‬ممن طلب ‪ -  -‬االقتداء هبم‪ ،‬وإن كان يف احلديث ختصيص هلما‪ ،‬إال أنه يفيد‬
‫العموم‪ ،‬فكل من كانت صفاته موافقة ملنهج املصطفى ‪ -  -‬فهو قدوة لآلخرين‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫ومنهجه ‪ -  -‬توافق الفعل مع القول ألنه أعمق وأقوى يف التأثري على النفس‪ ،‬وما أعظم موقف‬
‫عمر‪ -‬رضي اهلل عنه‪ -‬حني كان جيمع أهل بيته ليقول هلم‪ :‬إين سأدعو الناس إىل كذا وكذا‪ ،‬وأهناهم‬
‫عن كذا وكذا‪ ،‬وإين أقسم باهلل العظيم ال أجد واحداً منكم أنه فعل ما هنيت الناس عنه‪ ،‬أو ترك ما‬
‫أمرت الناس به إال نكلت به نكاالً شديداً‪ ،‬مث خيرج رضي اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عنه ويدعو الناس إىل اخلري‪،‬‬
‫فلم يتأخر أحد عن السمع والطاعة‪ ،‬إلعطائهم القدوة بفعله‪ ،‬قبل إعطائهم إياها بقوله‪.‬‬
‫فالصحابة رضي اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ -‬عنهم كانوا أبر"هذه األمة قلوباً‪ ،‬وأعمقهاً علماً‪ ،‬وأقلها تكلفاً‪،‬‬
‫وأقومها هدياً‪ ،‬وأحسنها حاالً‪ ،‬اختارهم اهلل لصحبة نبيه ‪ -  -‬وإقامة دينه‪ ،‬وعلى األمة اإلسالمية‬
‫أن تعرف فضلهم‪ ،‬وتتبع آثارهم‪ ،‬فإهنم كانوا على اهلدى املستقيم [‪ ."]1‬قال ‪ -‬تعاىل ‪( :-‬أولئك‬
‫الذين هدى اهلل‪ ،‬فبهدهم اقتده) (األنعام آية ‪)90‬‬
‫وقد ورد كثري من األحاديث اليت تشري إىل أن الصحابة كانوا قدوة لبعضهم‪ ،‬فهم‬
‫يؤيدون ما ورد عنه ‪ ،-  -‬وينكرون ما خالف السنة حىت ولو كان من العبادات‪ ،‬وسار على‬
‫اص ِم بْ ِن عُمر بْ ِن اخْلَطَّ ِ‬ ‫ص ب ِن ع ِ‬
‫اب رضي اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬عنهم‪ ،‬قَ َال‪:‬‬ ‫ََ‬ ‫هنجهم التابعون‪َ .‬فع ْن َح ْف ِ ْ َ‬
‫صنَ ُع هَُؤ اَل ِء؟‬ ‫(ص ِحبت ابن عمر يِف طَ ِر ٍيق قَ َال‪ :‬فَصلَّى بِنا ر ْكعت ِ مُثَّ َأْقبل َفرَأى نَ ِ‬
‫اسا قيَ ًاما َف َق َال‪َ :‬ما يَ ْ‬ ‫ً‬ ‫ََ َ‬ ‫َ َ َ ََ نْي‬ ‫َ ْ ُ ْ َ ُ ََ‬
‫ول اللَّه ‪-  -‬‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫َأخي! ِإيِّن ِ‬ ‫ُقْلت‪ :‬يسبِّحو َن قَ َال‪ :‬لَو ُكْنت مسبِّحا َأمْتَمت صاَل يِت ‪ ،‬يا ابن ِ‬
‫صحْب ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ْ ُ َُ ً ْ ُ َ‬ ‫ُ َُ ُ‬
‫ت َأبَا بَ ْك ٍر َفلَ ْم يَِز ْد َعلَى‬ ‫الس َف ِر َفلَم ي ِز ْد علَى ر ْكعَت ِ حىَّت َقبضه اللَّهُ ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬و ِ‬ ‫يِف َّ‬
‫صحْب ُ‬‫َ َ‬ ‫ْ َ َ َ َ نْي َ َ َ ُ ُ‬
‫ر ْكعَت ِ حىَّت َقبضه اللَّه ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬و ِ‬
‫ضهُ اللَّهُ ‪ -‬تعاىل‬ ‫ت عُ َمَر َفلَ ْم يَِز ْد َعلَى َر ْك َعَتنْي ِ َحىَّت َقبَ َ‬ ‫صحْب ُ‬‫َ َ‬ ‫َ َ نْي َ َ َ ُ ُ‬
‫‪ ،-‬و ِ‬
‫ضهُ اللَّهُ ‪ -‬تعاىل ‪َ .-‬وقَ ْد قَ َال اللَّهُ ‪ -‬عز وجل ‪:-‬‬ ‫ت عُثْ َما َن َفلَ ْم يَِز ْد َعلَى َر ْك َعَتنْي ِ َحىَّت َقبَ َ‬
‫صحْب ُ‬
‫َ َ‬
‫(لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة) احلديث يشري إىل أن ابن عمر أنكر فعل الناس كيف‬
‫يقصرون الصالة ويكملون النافلة‪ ،‬فذكر‪" :‬لو اخرتت التنفل؛ لكان إمتام فريضيت أربعاً أحب إيل‪،‬‬
‫ولكين ال أرى واحداً منهما‪ ،‬بل السنة القصر وترك التنفل‪ ،‬ومراده النافلة الراتبة مع الفرائض كسنة‬
‫الظهر والعصر وغريها من املكتوبات)‪ .‬ويفيد احلديث بأن تقدمي األولويات أفضل من تقدمي‬
‫املكمالت‪ .‬وقياساً عليه فإنه ينبغي على من بيده زمام األمور تقدمي األولويات يف األعمال‪ ،‬يف مجيع‬
‫األحوال‪ ،‬وخاصة من حبوزته أعمال خاصة باآلخرين‪ ،‬ولكن الواقع مغاير ملا ينبغي‪ ،‬فقد قُدمت‬
‫املصاحل الشخصية وُأعطيت األولويات اخلاصة اهتماماً أكثر ووضعت يف مقدمة األعمال دون مباالة‬
‫مبصاحل اآلخرين‪ .‬وهذه املعاناة املعاصرة تفشت يف اجملتمعات اإلسالمية‪ ،‬وما ذلك إال لفقد القدوة‪،‬‬
‫والبعد عن السرية النبوية‪ ،‬ألن قدوته ‪ -  -‬سراج ينري القلوب والعقول ملن متسك هبا‪ .‬فهو قدوة‬
‫حية على مر العصور ملن اتبعها ومتسك هبا‪.‬‬
‫‪ http://www.propheteducation.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪211‬‬
‫الرسول ‪ ‬وأصحابه والسلف الصالح هم القدوة في الدين‬
‫د‪ .‬ناصر عبد الكرمي العقل‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اللَّه وعلى آله وصحبه ومن وااله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫الرسول ‪ -  -‬هو القدوة يف الدين‪ ،‬مث أصحابه ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬أمجعني ‪ -‬ألن اللَّه – تعاىل‪-‬‬
‫علما وعمالً‪ ،‬فقد‬‫راض‪ ،‬وهم محلة الدين ً‬ ‫زكاهم؛ وألن الرسول ‪ -  -‬رباهم‪ ،‬وتويف وهو عنهم ٍ‬
‫نقلوا لنا القرآن وسنة النيب ‪ -  -‬وعملوا مبقتضامها‪ ،‬ومل تظهر فيهم األهواء والبدع واحملدثات يف‬
‫الدين‪.‬‬
‫فإن احلق واهلدى يدوران معهم حيث داروا‪ ،‬ومل جيمعوا إال على حق‪ ،‬خبالف غريهم من الطوائف‬
‫واملنتسبني لألشخاص والشعارات والفرق فإهنم قد جيتمعون على الضاللة‪.‬‬
‫مث السلف الصاحل من‪ :‬التابعني وتابعيهم‪ ،‬وأئمة اهلدى يف القرون الثالثة الفاضلة‪ ،‬هم القدوة بعد‬
‫الصحابة؛ ألهنم كانوا على منهاج النبوة وسبيل الصحابة مل يغريوا ومل يبدلوا‪.‬‬
‫وعلى هذا املنهج سار أئمة الدين‪ ،‬وأهل السنة إىل يومنا‪ ،‬وإىل أن تقوم الساعة‪ ،‬ملتزمني مبا جاء يف‬
‫الكتاب والسنة‪ ،‬ومقتفني ألثر النيب ‪ ،-  -‬والسلف الصاحل ‪ -‬واحلمد هلل‪ ،-‬وسبيل هؤالء‬
‫(السلف الصاحل من الصحابة والتابعني وأئمة الدين)‪ ،‬هو سبيل املؤمنني الذي توعد اللَّه من يتبع غريه‪،‬‬
‫وجعل اتباع غريه مشاقَّة للرسول ‪ -  -‬ومن موجبات النار‪ ،‬نسأل اللَّه العافية‪ ،‬قال اللَّه ‪ -‬تعاىل‬
‫‪ :-‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبني له اهلدى ويتبع غري سبيل املؤمنني نوله ما توىل ونصله جهنم‬
‫وساءت مصريا [النساء‪.]115 :‬‬
‫طعن يف الدين الذي جاء به النيب ‪-‬‬ ‫والطعن فيهم‪ٌ ،‬‬
‫َ‬ ‫سب الصحابة والسلف الصاحل‬
‫وبذلك يتقرر أن َّ‬
‫‪ ،- ‬كما أنه خيانة لألمة وعامة املسلمني؛ ألنه طعن يف خيارها وقدوهتا؛ ولذلك عمد أهل األهواء‬
‫والبدع واالفرتاق إىل الطعن يف الصحابة والتابعني والسلف الصاحل أو بعضهم كما سيأيت بيانه‪.‬‬
‫مصادر الدين هي‪ :‬الكتاب والسنة (الوحي فحسب)‪:‬‬
‫املنهج احلق‪ ،‬منهج السلف الصاحل‪ ،‬أهل السنة واجلماعة يقوم على‪ :‬أن مصادر الدين‪ :‬الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬واإلمجاع (هو مبين عليهما)‪ ،‬وما عدا ذلك فهو باطل؛ ألنه مبوت النيب ‪ -  -‬انقطع‬
‫الوحي‪ ،‬وقد أكمل اللَّه ‪ -‬تعاىل ‪ -‬الدين‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪ :-‬اليوم أكملت لكم دينكم وأمتمت عليكم‬
‫نعميت ورضيت لكم اإلسالم دينا [املائدة‪ ،]3 :‬والرسول ‪ -  -‬قد أدى الرسالة وبلغ األمانة‪،‬‬
‫علي‬ ‫َّ‬
‫وقال ‪« :-  -‬تركت فيكم شيئني لن تضلوا بعدمها‪ :‬كتاب الله وسنيت‪ ،‬ولن يتفرقا حىت يردا ّ‬
‫احلوض»‪[ .‬صحيح اجلامع الصغري‪]2934 :‬‬
‫والدين احلق يقوم على التسليم هلل تعاىل؛ والتسليم يرتكز على‪ :‬التصديق واالمتثال‪ ،‬واالتباع لرسول‬
‫اللَّه ‪ -  -‬وهو دين اللَّه ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬أنزله على رسوله ‪ -  -‬بالوحي وأكمله فليس ألحد أن‬

‫‪212‬‬
‫زاعما أنه من الدين ألن النيب ‪ -  -‬قال‪« :‬من أحدث يف أمرنا هذا ما ليس منه فهو‬ ‫حُيْدث شيًئا ً‬
‫رد»‪[ .‬متفق عليه]‬
‫فالدين كله عقيدة وشريعة‪ ،‬ال جيوز استمداده إال من الوحي‪.‬‬
‫والعقيدة هي أصول الدين وثوابته وقواطعه‪ ،‬وعليه فإن‪ :‬مصادر تلقي العقيدة احلق‪ ،‬هي‪ :‬الكتاب‪،‬‬
‫والسنة وإمجاع السلف‪ ،‬وهذه هي مصادر الدين‪ ،‬ويتفرع من هذه القاعدة العظيمة األصول التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬إذا اختلفت فهوم الناس لنصوص الدين‪َّ ،‬‬
‫فإن َف ْه َم السلف (الصحابة والتابعني ومن سلك‬
‫سبيلهم) هو احلجة‪ ،‬وهو القول الفصل يف مسائل االعتقاد وغريها ألهنم خيار األمة‪ ،‬وأعلمها وأنقاها‬
‫وقد أمرنا اللَّه وأمرنا رسوله ‪ -  -‬باالقتداء هبم‪ ،‬والرجوع إليهم‪ ،‬وتوعد من اتبع غري سبيلهم‪،‬‬
‫وعليه فإن‪:‬‬
‫‪ -2‬منهج السلف يف تقرير العقيدة يعتمد على الكتاب والسنة‪ ،‬ولذلك كان هو األعلم واألسلم‬
‫واألحكم‪ ،‬ويتمثل ذلك بآثارهم املبثوثة يف مصنفاهتم‪ ،‬ويف كتب السنة واآلثار‪.‬‬
‫‪ -3‬العقيدة توقيفية ال جيوز تلقيها من غري الوحي؛ ألهنا غيب ال حتيط هبا مدارك البشر‪ ،‬وال عقوهلم‬
‫وال علومهم‪.‬‬
‫‪ -4‬العقيدة غيبية يف تفاصيلها‪ ،‬فال تدركها العقول استقالالً‪ ،‬وال حتيط هبا األوهام‪ ،‬وال تدرك‬
‫باحلواس والعلوم اإلنسانية وال غريها‪.‬‬
‫‪ -5‬كل من حاول تقرير العقيدة واستمدادها من غري مصادرها الشرعية فقد افرتى على اللَّه كذبًا‪،‬‬
‫وقال على اللَّه بغري علم‪.‬‬
‫‪ -6‬كما أن العقيدة مبناها على التسليم واالتباع‪ :‬التسليم هلل ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬واالتباع لرسوله ‪.-  -‬‬
‫«م َن اللَّه ‪ -‬عز وجل ‪ -‬الرسالة‪ ،‬وعلى الرسول ‪ -  -‬البالغ‪ ،‬وعلينا التسليم»‪.‬‬ ‫قال الزهري‪ِ :‬‬
‫[البخاري ‪]13/508‬‬
‫وأعالم السنة ‪ -‬السلف الصاحل ‪ -‬كانوا‬
‫ُ‬ ‫‪ -7‬الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬وأئمة التابعني وتابعيهم‬
‫على هدي رسول اهلل ‪ ،-  -‬وسبيلهم هو سبيل املؤمنني‪ ،‬وآثارهم هي السنة والطريق املستقيم‪.‬‬
‫قال األوزاعي‪« :‬عليك بآثار َم ْن سلف‪ ،‬وإن رفضك الناس‪ ،‬وإياك وآراء الرجال‪ ،‬وإن زخرفوه لك‬
‫بالقول‪ ،‬فإن األمر ينجلي وأنت على طريق مستقيم»‪[ .‬رواه ابن عبد الرب يف جامع بيان العلم وفضله‬
‫(‪])2078 ،2077‬‬
‫مصادر التلقي عند أهل األهواء‪:‬‬
‫أما أهل األهواء فقد تفرقت هبم السبل يف مصادر تلقي الدين والعقيدة‪ ،‬وتنوعت مشارهبم‬
‫ومصادرهم‪ ،‬فجعلوا من مصادر الدين وتلقي العقيدة‪:‬‬

‫‪213‬‬
‫‪ -1‬العقليات واألهواء واآلراء الشخصية‪ ،‬واألوهام والظنون وهي من وساوس الشياطني وأوليائهم‪،‬‬
‫ومن اتباع الظن وما هتوى األنفس‪.‬‬
‫‪ -2‬الفلسفة وتقوم على أفكار املالحدة واملشركني من الصابئة واليونان واهلنود والدهريني وحنوهم‪،‬‬
‫والفلسفة أوهام وخترصات ورجم بالغيب‪.‬‬
‫‪ -3‬عقائد األمم األخرى ومصادرها‪ ،‬مثل كتب أهل الكتاب وأقواهلم‪ ،‬واجملوس والصابئة‪ ،‬والديانات‬
‫الوضعية الوثنية‪.‬‬
‫‪ -4‬الوضع والكذب (لدى الرافضة والصوفية وغالب الفرق)‪ ،‬ومصدره‪ S‬الزنادقة ورؤوس أهل البدع‪،‬‬
‫فإهنم يكذبون على النيب ‪ ،-  -‬وعلى الصحابة والتابعني وأئمة اهلدى وسائر الناس‪ ،‬ويضعون‬
‫األحاديث والروايات بأسانيد ومهية وخمتلقة‪.‬‬
‫‪ -5‬الرؤى واألحالم والكشف والذوق (لدى الصوفية والرافضة وحنوهم)‪ ،‬ومصدرها األهواء وإحياء‬
‫الشياطني‪.‬‬
‫‪ -6‬املتشابه والغريب والشاذ من األدلة الشرعية واللغة وأقوال الناس‪.‬‬
‫‪ -7‬االعتماد على آراء الرجال دون عرضها على الشرع أو القول بعصمتهم وتقديسهم‪.‬‬
‫وللحديث بقية إن شاء اهلل‪.‬‬
‫‪ http://www.altawhed.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪214‬‬
‫القدوة قبل الدعوة ‪ ..‬عندما سألتني ‪ :‬لماذا هم منافقون ؟!!‬
‫د‪ .‬ندى بنت عبد العزيز اليوسفي‬
‫أمس َكت بيدي طبيبة من إحدى الدول اإلسالمية وأجلستين وسألتين وج ّدت يف السؤال!‪ ،‬ملاذا النّاس‬
‫نظرت إليها طالبةً الفهم‬ ‫أطرقت صامتة‪ ،‬مث‬ ‫ئت بِِه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫هنا منافقون؟!!!‪ ،‬هالين السؤال‪ ،‬فُوج ُ‬
‫جبمل متالحقة‪ ،‬ال أحد‬ ‫وأتبعتهُ ٍ‬‫ت السؤال‪ْ ،‬‬ ‫فكرر ِ‬
‫حكم خطري لهُ ضوابطه‪َ َّ ،‬‬ ‫واالستيضاح‪ ،‬فالنفاق ٌ‬
‫صراعات وتزلّفات و عدم إخالص يف‬ ‫ٍ‬ ‫رأيت يف قسمنا من‬‫ميتثل تعاليم اإلسالم ومساحته‪ ،‬هالين ما ُ‬
‫لينقض على‬
‫ّ‬ ‫العمل‪ ،‬ملاذا الزميل يضيّق على زميله و كأهنما يف حلبة صراع‪ ،‬ينتظر كل منهما الفرصة‬
‫أبدعت يف ال ّدفاع‪ ،‬و بيّنت هلا أن هذه‬ ‫ُ‬ ‫اآلخر‪ ،‬وسردت يل من املواقف والصور ما ضاقت ِبه نفسي‪،‬‬
‫وحس َن‬
‫وضربت هلا األمثلة بفالن وفالنة ممن طاب ذكرهم ُ‬ ‫ُ‬ ‫حاالت شاذّة‪ ،‬وال متثّل الدين وال البالد‪،‬‬
‫وح ّق هلا ذلك!‬
‫بني الناس منهجهم وسريهتم و أمثرت إجنازاهتم وأثىن عليهم زمالءهم‪ ،‬ومل تقتنع!‪ُ ،‬‬
‫تطبيقه‪ S،‬تتوق أنفسهم لرفقتهم والتعلم منهم‪ ،‬فماذا‬ ‫ِ‬ ‫الكل يرى يف أبناء احلرمني صيانة الدين ومتثيله و‬
‫ّ‬
‫ردة الفعل عندما ينصدم أحدهم بصور عجيبة ومؤملة متناقضة ؟!‪ ،‬إذا كان هذا انطباع‬ ‫ستكون ّ‬
‫أخوة هلا مسلمني ونفورها منهم‪ ،‬فنفور الكافر من باب أوىل وارد جداً!‬ ‫مسلمة عن ٍ‬
‫قاعدتنا يف كل مكان وزمان أ ّن فاقد الشيء؛ ال يعطيه‪ ،‬وهل ننتظر ممن مل حُي ِسنوا ألنفسهم برتبيتها و‬
‫دعوهتا حملاسن األخالق ومجيل التعامل وسامي التواصل مع اآلخرين أن حُي سنوا لغريهم وأن يوصلوا‬
‫الدعوة هلذا الدين ملن حيتاجها يف أصقاع املعمورة فضالً عن زمالئهم امل َخالِ ِطني‪ ..‬؟!‬
‫ُ‬
‫رأيت أخطر عليها‪ ،‬وال أش ّد تنفرياً من الدين؛ إال‬ ‫رأيت أخطر على األمة من فقراء األخالق‪ ،‬وال ُ‬ ‫ما ُ‬
‫منه ُم األخالق وهم حيسبون أهنم حُي سنون عمالً‪! ..‬‬ ‫من ساءَت ُ‬
‫وصف التديّن واالستقامة‪ ،‬فهم يف التصنيف على طريف نقيض‪ ،‬و تع ّددت املفاهيم‬ ‫ِ‬ ‫تطرف البعض يف‬
‫ّ‬
‫واختلفت من بلد إىل بلد‪ ،‬و وقع الصراع بني أنصار اجلوهر و املتمسكني بأمهيّة املظهر‪ ،‬واحلق أن‬‫ٍ‬
‫بكل منهما‪،‬‬
‫اهتم باجلانبني وأوىل كالً منهما عناية فائقة و ارتبطت أحكام شرعية أصيلة ٍّ‬ ‫اإلسالم ّ‬
‫ويقوم من‬
‫فالشخص املتديّن‪ ،‬شخص ميأل قلبه عقيدة صحيحة يعمل بأركاهنا‪ ،‬وميتثلها يف حياته‪ّ ،‬‬
‫أجلها هنجه‪ ،‬وتصدقها كلماتهُ ومظهره‪ ،‬تلتمس من كلماته عُمق احلماس واالعتزاز باإلسالم والغرية‬
‫على شعائر ال ّدين‪ ،‬داعية ميداين ال يرتك طرق أي باب خ ٍري أىّن ُو ِجد‪ ،‬وبني هذا وذاك‪ ،‬يتقلّب بني‬
‫وتقر عينه بالرسول‪! ..‬‬ ‫اخلوف والرجاء‪ .‬وال يهدأ له بال حىت يُبَ ّشر بالقبول‪ ،‬ويرى كتابه باليمني‪ّ ،‬‬
‫أمة اإلسالم يف مرحلة حتتاج فيها أن تصل للجميع صورة الشخص املسلم املتديّن كأحسن ما تكون‪،‬‬
‫كما أرادها له اإلسالم‪ ،‬الصورة اليت ستم ّكننا من نشر هذه الدعوة و هداية الناس و دعوهتم إىل‬
‫وقت‬
‫االستقامة‪ ،‬األمة يف مرحلة خطرية ومنعطفات أخطر‪ ،‬تقاسي اجلرح بعد اآلخر‪ ،‬مل يعد هناك ٌ‬

‫‪215‬‬
‫وخلُقاً‪ ،‬ومستاً‪ ،‬وتعامالً‪ ،‬وحديثاً‪.‬‬
‫إال لصادق الفعال‪ ،‬وحتقيق سامي املقال‪ ،‬وامتثال اإلسالم عقيد ًة‪ُ ،‬‬
‫هذا االلتزام اخلُلُقي هو الذي فتح الدنيا بفضل اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬وأوصل اإلسالم إىل أقاصي العامل‪.‬‬
‫فرد بنفسه‪ ،‬فهذهبا واستكمل فضائلها‪ ،‬ون ّقاها من رذائلها‬ ‫ولن يتأتّى لنا ذلك إال إذا بدأ كل ٍ‬
‫روضها يف رياض الطاعة‪ ،‬وهذا الدرب وال غريه هو ما‬ ‫وشوائبها‪ ،‬وربّاها كأحسن ما تكون الرتبية‪ّ ،‬‬
‫سيوصل األمة بفضل اهلل إىل القيادة والريادة‪ ،‬وينشر دعوة اإلسالم يف أصقاع األرض‪.‬‬
‫مؤدب أوالد هارون الرشيد فقال‪" :‬ليكن أول ما تبدأ به من إصالح أوالد أمري‬ ‫أرشد اإلمام الشافعي ِّ‬
‫املؤمنني إصالح نفسك‪ ،‬فإن أعنّتهم معقودة بيدك‪ ،‬فاحلسن عندهم ما استحسنته‪ ،‬والقبيح عندهم ما‬
‫تركته"‪ ،‬واألمجل قول أحدهم‪" :‬كونوا عبّ ًادا قبل أن تكونوا ّقو ًادا تصل بكم العبادة إىل أحسن‬
‫قيادة"‪.‬‬
‫الرسل السابقني‪ ،‬وكيف يبعث اهلل من القوم أحسنهم أخالقاً‪ ،‬ومن عُ ِرفوا بني قومهم‬ ‫تأملنا دعوة ُ‬‫ولو ّ‬
‫بالصدق واألمانة‪ ،‬فاملتل ّقي مىت شعر بالراحة واالطمئنان والثقة مبن يدعوه فسيقبِل عليه‪ ،‬ويف أقل‬
‫األحوال لن ين ُفر منه‪.‬‬
‫ورسول اهلل ‪ -  -‬هو املثل األعلى لكل هذا؛ فقد ّأدبه ربه فأحسن تأديبه‪ ،‬و اعتصم ‪-  -‬‬
‫باحللم‪ ،‬والصرب على األذى‪ ،‬وخفض اجلناح‪ ،‬والرفق‪ ،‬وحسن املعاملة ‪ -‬مع قوة الشخصية ‪ -‬واملهابة‬
‫العلمية‪ .‬فبلغت دعوته ما بلغت‪ ،‬وبلغت حمبته يف القلوب ما بلغت‪.‬‬
‫وهذا معاذ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قبل أن يبعثه ‪ -  -‬لدعوة الناس‪ ،‬ح ّدد له ما جيب أن تكون عليه‬
‫شخصيته‪ ،‬فأوصاه بتقوى اهلل‪ ،‬وصدق احلديث‪ ،‬والوفاء بالعهد‪ ،‬وأداء األمانة‪ ،‬وترك اخليانة‪ ،‬وحفظ‬
‫اجلار‪ ،‬ورمحة اليتيم‪ ،‬ولني الكالم‪ ،‬وبذل السالم‪ ،‬وحسن العمل‪ ،‬وقصر األمل‪ ،‬ولزوم اإلميان‪ ،‬والتفقه‬
‫حكيما‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫يف القرآن‪ ،‬وحب اآلخرة‪ ،‬واجلزع من احلساب‪ ،‬وخفض اجلناح‪ ،‬وهناه عن أن يسب‬
‫أرضا‪ ،‬وأوصاه باتقاء اهلل عند كل‬ ‫إماما عادالً‪ ،‬أو يفسد ً‬
‫يكذب صادقًا‪ ،‬أو يطيع آمثًا‪ ،‬أو يعصي ً‬
‫ور ِسل العقيدة بكل معاين تربية النفس‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حجر وشجر ومدر‪ .‬أوصاهُ كما أوصى غريهُ من دعاة اخلري ُ‬
‫و معامل هتذيبها‪ ،‬واالرتقاء هبا‪.‬‬
‫و شخصية هلا هذه الصفات كيف يقابلها اآلخرون‪ ..‬؟!!!‪ ،‬وما هو تأثريها ولو مل تتكلم‪ ..‬؟!!!‪S،‬‬
‫ولو مل تعتلي املنابر‪ ..‬؟!!‪ ،‬وتتحدث يف املؤمترات والقنوات‪ ..‬؟!!!‪ .‬حقاً "إن هلل رجاالً أحيوا احلق‬
‫بذكره‪ ،‬وأماتوا الباطل هبجره"‪.‬‬
‫كان احلسن البصري إذا دخل السوق ترك املسلمون جتارهتم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬وذكروا اهلل‬
‫كثريا‪ ،‬بل قال أحد تالمذته‪ :‬إن الرجل لينتفع برؤية احلسن البصرى حىت لو مل يسمع كالمه ومل ير‬ ‫ً‬
‫عمله‪!!!!!! S..‬‬

‫‪216‬‬
‫واإلسالم من مبدأ دعوته‪ ،‬أرسى القواعد األساسية‪ ،‬واألحكام الشرعية‪ ،‬و اعتىن عناية خاصة جبانب‬
‫األخالق والعالقات اإلنسانية‪ ،‬فهو يشيع بني الناس أواصر الرمحة‪ ،‬واحلب والتسامح‪ ،‬والفضل‪،‬‬
‫والتعاون‪ ،‬ومراقبة الضمري‪ ،‬وخشية اهلل‪ ،‬إىل غري ذلك من املعاين الكرمية‪ ،‬ورتّب عليها األجر والثواب‬
‫والفضل واملنازل الرفيعة‪ ،‬وتلك هي أدوات الدعوة امليدانية الناجحة‪.‬‬
‫والشباب حيتاج لرؤية مناذج صادقة مع ربه‪ ،‬تتحلى باألخالق الكرمية‪ ،‬خيرجون إليهم ويتعاملون‬
‫معهم باألخالق احلسنة فيحببوهم يف االستقامة‪ ،‬ولسان احلال كما نعلم أبلغ من ألف ألف‬
‫مقال‪S!!!! ..‬‬
‫ليست العربة يف كم يسمعون من الكالم‪ ،‬أو كم يقرؤون من الكتب‪ ،‬إمّن ا العربة يف إتباع أحسن‬
‫الكالم وتطبيقه ولو كان قليالً‪(( ،‬أولئك الذين هداهم اهلل وأولئك هم أولوا األلباب))‪ ،‬وما أحوج‬
‫األمة ألمثاهلم‪.‬‬
‫يقول أبو األعلى املودودي‪(( S:‬إن رساليت إىل املسلمني هي أن يفهموا تلك املسؤوليات ويطلعوا هبا‪.‬‬
‫فما هي هذه املسؤوليات؟‪ ،‬ليس فقط اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬وليست هي‬
‫فقط أن تقيم الصالة وتصوم رمضان وتؤدي الشعائر‪ ،‬وليست هي أيضاً أن تقيم أصول اإلسالم فيما‬
‫يتعلق بالزواج والطالق واملرياث‪ ،‬بل هناك فوق كل هذا مسؤولية ضخمة ملقاة على عاتقك‪ ،‬وهي‬
‫أن تقف شاهد حق أمام الدنيا كلها ?وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس‬
‫ويكون الرسول عليكم شهيداً?‪ .‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪ ? :-‬ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من اهلل?‪،‬‬
‫والشهادة املطلوبة من املسلم‪ ،‬قولية وعملية‪ ،‬أما الشهادة القولية فهي أن يقوم املسلمون بإيضاح احلق‬
‫واستعمال كافة الوسائل من أجل تثبيت هذا احلق يف القلوب‪ .‬وأما الشهادة العملية فهي أن نطبق‬
‫عملياً يف حياتنا األصول اليت أمرنا احلق به‪ ،‬فلن توافقنا الدنيا على احلق لو ذكرناه بألسنتنا‪ ،‬بل‬
‫يريدون أن يروا حماسن وبركات هذا احلق داخل حياتنا‪ ،‬يريدون أن يروا هذا بأعينهم‪ ،‬يريدون أن‬
‫يتذوقوا حالوة اإلميان اليت تظهر يف سلوكنا األخالقي‪ ،‬يريدون أن يروا كيف أن هداية الدين خلقت‬
‫إنساناً طيباً‪ ،‬وأقامت جمتمعاً صاحلاً‪ ،‬وحضارة طاهرة شفافة وشريفة‪ .‬وكيف أهنا طورت العلوم‬
‫واآلداب والفنون على خطوط صحيحة سليمة‪ ،‬وكيف ظهر التعاون االقتصادي بني الناس‪ ،‬وكيف‬
‫مست احلياة االجتماعية‪ S.)) .‬ا‪ .‬هـ‪.‬‬
‫وحب للخري لكم ولغريكم‪،‬‬ ‫وبر ّ‬ ‫دين و خلُق‪ ،‬تعاو ٌن ّ‬‫علم وعمل‪ٌ ،‬‬‫لذلك نريدكم يا أهل هذه امللّة؛ ٌ‬
‫متحركة يف أي مكان ُوجدمت‪ ،‬تنطق ألسنتكم وأعمالكم وعالقاتكم خبُلق‬ ‫نريدكم أدوات دعوة ّ‬
‫اإلسالم و خرييته‪ ،‬واهلل ال يضيع أجرمن أحسن عمالً‪ .‬لنتذ ّكر دائماً ((إن هذا الدين يهدي لليت هي‬
‫معوجها ولنصل هبا ألعلى مراتب الكمال كما أراد لنا هذا الدين‪S!..‬‬ ‫ولنقوم ّ‬‫أقوم))‪ ،‬و لنقيّم أنفسنا ّ‬
‫‪ http://www.lahaonline.com‬املصدر‪:‬‬

‫‪217‬‬
‫ــــــــ‬
‫مقصود القدوة ومعناهاـ‬

‫األسوة والقدوة مبعىن واحد‪ ،‬ويقصد هبا السري واإلتباع على طريق املقتدى به‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬حسنة‬
‫وسيئة‪.‬‬
‫األول‪ :‬األسوة احلسنة‪ :‬اإلقتداء بأهل اخلري والفضل والصالح يف كل ما يتعلق مبعايل األمور‬
‫وفضائلها‪ ،‬من القوة واحلق والعدل‪.‬‬
‫وقدوة املسلمني األول رسولنا حممد‪ ، -  -‬ويف ذلك يقول ‪ -‬عز وجل‪{:-‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِرياً[‪[ }]21‬سورة‬ ‫ِ ِ‬
‫َر ُسول اللَّه ْ‬
‫األحزاب]‪.‬ومن دقيق املعىن يف هذه اآلية الكرمية‪ :‬أن اهلل – سبحانه‪ -‬جعل األسوة يف رسول اهلل‪ -‬‬
‫‪ -‬ومل حيصرها يف وصف خاص من أوصاف‪ ،‬أو خلق من أخالقه‪ ،‬أو عمل من أعماله الكرمية‪ ،‬وما‬
‫ذلك إال من أجل أن يشمل اإلقتداء أقواله ‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬وأفعاله وسريته كلها‪ ،‬فيقتدي‬
‫به‪ -  -‬بامتثال أوامره‪ S،‬واجتناب نواهيه‪ ،‬ويقتدى بأفعاله وسلوكه من الصرب‪ ،‬والشجاعة والثبات‪،‬‬
‫واألدب وسائر أخالقه‪ ،‬كما يشمل اإلقتداء بأنواع درجات اإلقتداء من الواجب‪ ،‬واملستحب‪ ،‬وغري‬
‫ذلك مما هو حمل اإلقتداء‪.‬‬
‫والنوع الثاين‪ :‬األسوة السيئة‪ :‬ويعين السري يف املسالك املذمومة‪ ،‬وإتباع أهل السوء واإلقتداء من غري‬
‫حجة أو برهان‪ ،‬ومن ذلك قول املشركني‪ِ }:‬إنَّا َو َج ْدنَا ءَابَاءَنَا َعلَى َُّأم ٍة َوِإنَّا َعلَى ءَاثَا ِر ِه ْم ُم ْقتَ ُدو َن[‬
‫َأه َدى مِم َّا َو َجدْمُتْ َعلَْي ِه‬ ‫ِ‬
‫‪[ {]23‬سورة الزخرف]‪ .‬وهلذا رد عليه القرآن بقول‪{:‬قَ َال ََأولَ ْو جْئتُ ُك ْم بِ ْ‬
‫ءَابَاءَ ُك ْم‪[ }]24S[...‬سورة الزخرف]‪.‬‬
‫أمهية القدوة احلسنة‪:‬‬
‫إن من الوسائل املهمة جداً يف تبليغ الدعوة‪ ،‬وجذب الناس إىل اإلسالم‪ ،‬وامتثال أوامره واجتناب‬
‫نواهيه؛ القدوة الطيبة للداعي‪ ،‬وأفعاله احلميدة‪ ،‬وأخالقه الزاكية مما جيعله أسوة حسنة لغريه؛ فيقبلون‬
‫عليه‪ ،‬ألن التأثر باألفعال والسلوك أبلغ وأكثر من التأثر بالكالم وحده‪.‬‬
‫فالقدوة احلسنة اليت حيققها الداعي بسريته الطيبة هي يف احلقيقة دعوة عملية لإلسالم‪ ،‬يستدل هبا‬
‫سليم الفطرة راجح العقل من غري املسلمني على أن اإلسالم حق من عند اهلل‪.‬‬
‫وتكمن أمهية القدوة احلسنة يف األمور اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬املثال احلي املرتقي يف درجات الكمال‪ :‬يثري يف نفس البصري العاقل قدراً كبرياً من اإلعجاب‬
‫والتقدير واحملبة‪ ،‬فإن كان عنده ميل إىل اخلري‪ ،‬تطلع إىل مراتب الكمال‪ ،‬وأخذ حياول تقليد ما‬

‫‪218‬‬
‫استحسنه وأعجب به‪ ،‬مبا تولد لديه من حوافز قوية حتفزه ألن يعمل مثله‪ ،‬حىت حيتل درجة الكمال‬
‫اليت رآها يف املقتدى به‪.‬‬
‫‪ -2‬القدوة احلسنة املتحلية بالفضائل العالية‪ :‬تعطي اآلخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من األمور‬
‫املمكنة‪ ،‬اليت هي يف متناول القدرات اإلنسانية‪ ،‬وشاهد احلال أقوى من شاهد املقال‪.‬‬
‫‪ -3‬مستويات فهم الكالم عند الناس تتفاوت‪ :‬ولكن اجلميع يتساوى أمام الرؤية بالعني اجملردة ملثال‬
‫ِ‬
‫حي‪ .‬فإن ذلك أيسر يف إيصال املعاين اليت يريد الداعية إيصاهلا للمقتدى‪َ ،‬ف َع ْن ابْ ِن عُ َمَر ‪َ -‬رض َي اللَّهُ‬
‫ب َف َق َال النَّيِب ُّ‪:-  -‬‬ ‫ب فَاخَّتَ َذ النَّاس َخواتِيم ِم ْن َذ َه ٍ‬ ‫َعْن ُهما ‪ -‬قَ َال‪ :‬اخَّتَ َذ النَّيِب ُّ‪َ -  -‬خامَت اً ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ُه ْم‪ .‬رواه‬ ‫ِإ‬ ‫ٍ‬
‫ت َخامَت اً م ْن َذ َهب ‪َ -‬فنَبَ َذهُ َوقَ َال‪ -:‬يِّن لَ ْن َألْبَ َسهُ َأبَداً] َفنَبَ َذ الن ُ‬
‫َّاس َخ َوات َ‬ ‫[ِإيِّن اخَّتَ ْذ ُ‬
‫البخاري ومسلم والرتمذي والنسائي ومالك وأمحد‪ .‬قال العلماء‪':‬فدل ذلك على أن الفعل أبلغ من‬
‫القول'‪.‬‬
‫‪ -4‬األتباع ينظرون إىل الداعية نظرة دقيقة فاحصة‪ :‬دون أن يعلم‪ ،‬فرب عمل يقوم به ال يلقي له‬
‫باالً يكون يف حساهبم من الكبائر‪ ،‬وذلك أهنم يعدونه قدوة هلم‪ ،‬ولكي ندرك خطورة ذلك األمر؛‬
‫فلنتأمل هذه القصة‪:‬‬
‫يروي أن أبا جعفر األنباري صاحب اإلمام أمحد عندما أخرب حبمل اإلمام أمحد للمأمون يف األيام‬
‫األوىل للفتنة؛ عرب الفرات إليه فإذا هو جالس يف اخلان‪ ،‬فسلم عليه‪ ،‬قال‪ :‬يا هذا أنت اليوم رأس‪،‬‬
‫والناس يقتدون بك‪ ،‬فواهلل لئن أجبت إىل خلق القرآن ليجينب بإجابتك خلق من خلق اهلل‪ ،‬وإن أنت‬
‫مل جتب ليمتنعن خلق من الناس كثري‪ ،‬ومع هذا فإن الرجل ـ يعين املأمون ـ إن مل يقتلك فأنت متوت‪،‬‬
‫والبد من املوت‪ .‬فاتق اهلل وال جتبهم إىل شيء‪ .‬فجعل أمحد يبكي ويقول‪ :‬ما قلت؟ فأعاد عليه فجعل‬
‫يقول‪ :‬ما شاء اهلل‪ ،‬ما شاء اهلل‪.‬‬
‫ومتر األيام عصيبة على اإلمام أمحد‪ ،‬وميتحن فيها أشد االمتحان‪ ،‬ومل ينس نصيحة األنباري‪ ،‬فها هو‬
‫تعاىل‪{:-‬واَل َت ْقُتلُوا‬
‫َ‬ ‫املروزي أحد أصحابه يدخل عليه أيام احملنة‪ ،‬ويقول له‪' :‬يا أستاذ قال اهلل –‬
‫أي شيء ترى!! قال‪:‬‬ ‫َأْن ُف َس ُك ْم‪[ }...‬سورة النساء‪ .]29 :‬فقال أمحد‪ :‬يا مروزي اخرج‪ ،‬انظر ّ‬
‫فخرجت على رحبة دار اخلليفة فرأيت خلقاً من الناس ال حيصى عددهم إال اهلل‪ ،‬والصحف يف‬
‫أيديهم‪ ،‬واألقالم واحملابر يف أذرعتهم‪ ،‬فقال هلم املروزي‪ :‬أي شيء تعملون؟ فقالوا‪ :‬ننظر ما يقول‬
‫أمحد فنكتبه‪ ،‬قال املروزي‪ :‬مكانكم‪ .‬فدخل إىل أمحد بن حنبل فقال له‪ :‬رأيت قوماً بأيدهم الصحف‬
‫واألقالم ينتظرون ما تقول فيكتبونه‪ .‬فقال‪ :‬يا مروزي أضل هؤالء كلهم!! أقتل نفسي وال أضل‬
‫هؤالء'‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫فمن أبرز أسباب أمهية القدوة أهنا تساعد على تكوين احلافز يف املرتيب دومنا توجيه خارجي‪ ،‬وهذا‬
‫بالتايل يساعد املرتيب على أن يكون من املستويات اجليدة يف حسن السرية والصرب والتحمل وغري‬
‫ذلك‪ http://muslema.com .‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬
‫اإلمام القدوة محمد بن المنكدر‬
‫جمدي عرفات‬
‫امسه ونسبه‪ :‬هو حممد بن املنكدر بن عبد اهلل بن اهلدير بن عبد العزى‪ S،‬ينتهي نسبه إىل تيم بن مرة بن‬
‫كعب بن لؤي أبو عبد اهلل القرشي التيمي املدين‪.‬‬
‫مولده‪ :‬ولد سنة بضع وثالثني‪.‬‬
‫شيوخه‪ :‬روى عن عائشة وأيب هريرة وابن عمر وجابر وابن عباس وابن الزبري وأنس بن مالك وأيب‬
‫أمامة وغريهم من الصحابة ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬ومن التابعني سعيد بن املسيب وعروة بن الزبري وأىب‬
‫صاحل ذكوان السمان‪.‬‬
‫تالمذته والرواة عنه‪ :‬عمرو بن دينار والزهري وهشام بن عروة وأبو حازم األعرج وموسى بن عقبة‬
‫وحيىي بن سعيد األنصاري وابن جريج ومعمر ومالك وشعبة والسفيانان واألوزاعي وابن أيب ذئب‬
‫وأبو حنيفة وأمم سواهم‪.‬‬
‫ثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫قال سفيان‪ :‬كان من معادن الصدق وجيتمع إليه الصاحلون ومل يُ ْد َر ْك أح ٌد أجدر أن يقبل الناس منه‬
‫إذا قال قال رسول اللَّه ‪ -  -‬منه‪.‬‬
‫قال احلميدي‪ :‬هو حافظ‪ ،‬وقال ابن معني وأبو حامت‪ :‬ثقة‪.‬‬
‫قال أبو حامت البسيت‪ :‬كان من سادات القراء ال يتملك البكاء إذا قرأت حديث رسول اللَّه ‪،-  -‬‬
‫وكان يصفر حليته ورأسه باحلناء‪ ،‬قال مالك‪ :‬كان ابن املنكدر سيد القراء‪ .‬وقال أبو معشر‪ :‬كان‬
‫سيدا يطعم الطعام وجيتمع عنده القراء‪ .‬قال يعقوب الفسوي‪ :‬هو غاية يف اإلتقان واحلفظ والزهد‬ ‫ً‬
‫حجة‪.‬‬
‫قال ابن املاجشون‪ :‬إن رؤية حممد بن املنكدر لتنفعين يف ديين‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬اإلمام احلافظ القدوة شيخ اإلسالم‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬ثقة فاضل‪.‬‬
‫من أحواله وأقواله‪ :‬قال أبو القاسم الاللكائي‪ :‬كان املنكدر خال عائشة فشكا إليها احلاجة‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫إن يل شيًئا يأتيين أبعث به إليك‪ ،‬فجاءهتا عشرة آالف‪ ،‬فبعثت هبا إليه‪ ،‬فاشرتى جارية فولدت له‬
‫حممدا وأبا بكر وعمر‪.‬‬
‫ً‬

‫‪220‬‬
‫قلت‪ :‬فهو ابن خال عائشة‪ ،‬ولذلك سأل الرتمذي البخاري عن مساعه من عائشة‪ ،‬فقال‪ :‬نعم يقول‬
‫يف حديثه‪ :‬مسعت عائشة‪.‬‬
‫قال الذهيب‪ :‬إن ثبت اإلسناد إىل ابن املنكدر هبذا فجيد‪ .‬وذلك ممكن ألنه قرابتها وخصيص هبا‬
‫وحلقها وهو ابن نيف وعشرين سنة‪.‬‬
‫قال عكرمة بن إبراهيم عن ابن املنكدر أنه جزع عند املوت‪ ،‬فقيل له‪ :‬مل جتزع؟ قال‪ :‬أخشى آية من‬
‫كتاب اهلل‪ :‬وبدا هلم من اهلل ما مل يكونوا حيتسبون‪ ،‬فأنا أخشى أن يبدو يل من اهلل ما مل أكن‬
‫أحتسب‪.‬‬
‫قال ابن عيينة‪ :‬كان حملمد بن املنكدر جار مبتلى فكان يرفع صوته بالبالء‪ ،‬وكان حمم ٌد يرفع صوته‬
‫باحلمد‪.‬‬
‫قال مالك كان حممد بن املنكدر ال يكاد أحد يسأله عن حديث إال كان يبكي‪.‬‬
‫روى جعفر بن سليمان عن حممد بن املنكدر أنه كان يضع خده على األرض مث يقول ألمه قومي‬
‫ضعي قدمك على خدي‪.‬‬
‫روى أبو نعيم بسنده إىل ابن املنكدر قال‪ :‬إين َللَيلة مواجه هذا املنرب يف جوف الليل أدعو إذا إنسان‬
‫عند أسطوانة ُم َقنِّع رأسه فأمسعه يقول‪ :‬أي رب إن القحط قد اشتد على عبادك وإين مقسم عليك يا‬
‫عزيزا على ابن‬
‫رب إال سقيتهم‪ ،‬قال‪ :‬فما كان إال ساعة إذا سحابة قد أقبلت مث أرسلها اهلل وكان ً‬
‫املنكدر أن خيفى عليه أحد من أهل اخلري‪ ،‬فقال‪ :‬هذا باملدينة وال أعرفه‪ ،‬فلما سلم اإلمام تقنع‬
‫موضعا ففتح ودخل قال‪ :‬ورجعت فلما سبحت‬ ‫ً‬ ‫وانصرف واتبعه ومل جيلس حىت أتى دار أنس فدخل‬
‫أقداحا‪ ،‬فقلت‪ :‬كيف أصبحت أصلحك اهلل‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫أتيته فقلت‪ :‬أدخل؟ قال‪ :‬أدخل‪ ،‬فإذا هو ينجر ً‬
‫فاستشهرها وأعظمها مين‪ ،‬فلما رأيت ذلك قلت‪ :‬إين مسعت إقسامك البارحة على اهلل يا أخي هل‬
‫لك يف نفقة تغنيك عن هذا وتفرغك ملا تريد من اآلخرة؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ولكن غري ذلك ال تذكرين ألحد‬
‫وال تذكر هذا ألحد حىت أموت وال تأيت يا ابن املنكدر فإنك إن تأيت شهرتين للناس فقلت‪ :‬إين‬
‫أحب أن ألقاك قال‪ :‬ألقين يف املسجد قال‪ :‬وكان فارسيًا فما ذكر ذلك ابن املنكدر ألحد حىت مات‪.‬‬
‫قال ابن وهب‪ :‬بلغين أنه انتقل من تلك الدار فلم يُر ومل يدر أين ذهب‪ ،‬فقال أهل تلك الدار اهلل بيننا‬
‫وبني ابن املنكدر‪ ،‬أخرج عنا الرجل الصاحل‪.‬‬
‫قال سفيان‪ :‬كان ابن املنكدر يقول‪ :‬كم من عني ساهرة يف رزقي يف ظلمات الرب والبحر‪ ،‬وكان إذا‬
‫موضعا مسته الدموع‪.‬‬ ‫ً‬ ‫بكى مسح وجهه وحليته من دموعه‪ S‬ويقول‪ :‬بلغين أن النار ال تأكل‬
‫قال ابن املنكدر‪ :‬بات أخي عمر يصلي وبت أغمز قدمي أمي وما أحب أن ليليت بليلته‪.‬‬
‫قال ابن عيينة‪ :‬تبع ابن املنكدر جنازة سفيه فعوتب فقال‪ :‬واهلل إين ألستحي من اهلل أن أرى رمحته‬
‫عجزت عن أحد‪.‬‬

‫‪221‬‬
‫قلت‪ :‬األصل أال تتبع جنائز هؤالء السفهاء والفسقة واملبتدعة‪ ،‬ولذلك أنكروا عليه وعاتبوه على‬
‫صنيعه‪ ،‬لكن جيوز ذلك عند ظن املصلحة‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫قال ابن املنكدر‪ :‬كابدت نفسي أربعني سنة حىت استضاقت‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬إن اهلل حيفظ العبد املؤمن يف ولده وولد ولده وحيفظه يف دويرته ودويرات حوله فما‬ ‫وقال ً‬
‫يزالون يف حفظ أو يف عافية ما كان بني ظهرانيهم‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬نعم العون على تقوى اهلل الغىن‪.‬‬‫وقال ً‬
‫دينارا‪ ،‬مث قال لبنيه‪ :‬يا بين ما‬
‫قال أبو معشر السندي‪ :‬بعث ابن املنكدر إىل صفوان بن سليم بأربعني ً‬
‫ظنكم مبن فرغ صفوان بن سليم لعبادة ربه؟ قلت‪ :‬صفوان بن سليم املدين أبو عبد اهلل الزهري عابد‬
‫من العباد ثقة مفيت‪.‬‬
‫قيل البن املنكدر‪ :‬أي الدنيا أحب إليك؟ قال‪ :‬اإلفضال على اإلخوان‪.‬‬
‫عن عمر بن حممد بن املنكدر قال‪ :‬كنت أمسك على أيب املصحف‪ ،‬قال‪ :‬فمرت موالة له فكلمها‬
‫فضحك إليها مث أقبل يقول‪ :‬إنا هلل إنا هلل‪ ،‬حىت ظننت أنه قد حدث شيء‪ ،‬فقلت‪ :‬مالك؟ فقال‪ :‬أما‬
‫كان يل يف القرآن شغل حىت مرت هذه فكلمتها‪.‬‬
‫قال عمر بن حممد بن املنكدر‪ :‬بينا أنا جالس مع أيب يف املسجد مسجد رسول اللَّه ‪ -  -‬إذ مر‬
‫بنا رجل حيدث الناس ويفتيهم ويقضي‪ ،‬قال‪ :‬فدعاه أيب‪ ،‬فقال له‪ :‬يا أبا فالن إن املتكلم خياف مقت‬
‫اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬وإن املستمع يرجو رمحة اهلل ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫قال ابن املنكدر‪ :‬ليأتني على الناس زمان ال خيلص فيه إال من دعا كدعاء الغريق‪.‬‬
‫وقال‪ :‬الفقيه يدخل بني اهلل وبني عباده فلينظر كيف يدخل‪.‬‬
‫قال بشر بن املغفل‪ :‬جلست إىل حممد بن املنكدر فلما أراد أن يقوم قال‪ :‬أتأذن‪ ،‬قلت‪ :‬هذا هو أدب‬
‫اجملالسة ينتهي باالستئذان‪.‬‬
‫أتى صفوان بن سليم إىل حممد بن املنكدر وهو يف املوت فقال‪ :‬يا أبا عبد اهلل كأين أراك قد شق‬
‫عليك املوت‪ ،‬قال‪ :‬فما زال يهون عليه األمر حىت إن وجهه لكأنه املصابيح مث قال له حممد‪ :‬لو ترى‬
‫ما أنا فيه لقرت عينك مث قضى ‪ -‬رمحه اهلل ‪.-‬‬
‫وفاته‪ :‬تويف ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬سنة ثالثني ومائة أو بعدها‪.‬‬
‫______________________‬
‫املراجع‪:‬‬
‫حلية األولياء‪.‬سري أعالم النبالء‪.‬‬
‫هتذيب التهذيب‪.‬تقريب التهذيب‪.‬‬
‫‪ http://www.altawhed.com‬املصدر‪:‬‬

‫‪222‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪223‬‬
‫حتى تكون القدوة صالحة ال ب ّد من‪...‬‬
‫صفات القدوة الصاحلة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اقرتان القول والعمل‪:‬‬
‫فالقدوة الصاحلة تقول خرياً وتعمل خرياً‪ ،‬فال جتد تناقضاً بني منطقها وسلوكها‪ ،‬ولذلك كان األنبياء‬
‫‪ -‬عليهم السالم ‪ -‬واألولياء قدوات صاحلة ألنّك جتد انسجاماً واضحاً بني ما يقولون وبني ما‬
‫جيسدون من تلك األقوال‪ ،‬وهذا ما دعا القرآن الكرمي إىل اعتبار التناقض أمراً ممقوتاً عند اهلل‪(( :‬يا‬ ‫ّ‬
‫مِل‬
‫أيُّها الذين آمنوا َ تقولون ما ال تفعلون * كرُب مقتاً عند اهلل أن تقولوا ما ال تفعلون ))‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حيازة مؤهالت وصفات مؤثرة‪:‬‬
‫شخص قدوة لغريه ال ب ّد أن ميتاز عليه بسمة أو مسات عديدة يفتقدها املقتدي أو‬ ‫ٌ‬ ‫فلكي يكون‬
‫بعضها‪ ،‬فيسعى للسري على منوال القدوة من أجل اكتساب مثل ما لديه من مؤهالت وصفات‬
‫محيدة‪.‬‬
‫وكلّما كانت القدوة حائزة على مؤهالت أكرب كانت ّقوة الدفع أكرب‪ ،‬ولذا يُنصح الشبان والفتيات‬
‫بعدم حصر قدواهتم يف النماذج احملدودة‪ ،‬وإمّن ا االنطالق حنو القمم‪ ،‬ولذلك قال الشاعر‪:‬‬
‫أبد ال ّده ِر َ‬
‫بني احلفر‬ ‫صعود اجلبال يعش َ‬
‫َ‬ ‫وم ْن يتهيّب‬
‫َ‬
‫‪ 3‬ـ الثبات على املبادئ‪:‬‬
‫القدوة الصاحلة ليست قدوة مومسية تؤثر لبعض الوقت‪ ،‬أو يف أماكن حم ّددة‪ ،‬إمّن ا هي ذات تأثري‬
‫وجاذبية أينما حلّت وارحتلت ((وجعلين مباركاً أينما كنت ))‪ S،‬فالثبات يعطي االنطباع عن الصدق‬
‫والصرب‪ ،‬والتحدي واإلميان العميق باملبادئ اليت حيملها القدوة‪ ،‬بعكس التذبذب أو الرتدد‪ ،‬أو الرتاجع‬
‫أو التساقط‪.‬‬
‫إ ّن اإلنسان الشاب أو الفتاة قد ينهار حتت الضغوطات لكنّه إذا تذ ّكر الثابتني الصامدين‪ ،‬املقاومني يف‬
‫عناد؛ خجل من نفسه‪ ،‬واتّكأ على جراحه‪ ،‬وواصل املسري‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ العمل على السجيّة وعدم التكلّف‪:‬‬
‫تتصرف بوحي من ثقتها بنفسها وإمياهنا‪ ،‬وعلى سجيّتها دومنا تصنّع وال تكلّف‬ ‫كلّما كانت القدوة ّ‬
‫وال متثيل؛ ش ّد ذلك األنظار إليها‪ ،‬فالقول احلسن لدى القدوة يطفح كما املاء من الينبوع بعفوية‬
‫وتلقائية‪ ،‬والفعل احلسن يصدر عنها كما يصدر الشعاع عن الشمس‪ ،‬والعطر من الوردة ذاهتا‪.‬‬
‫إ ّن الوردة لو أرادت أن تتعطّر بعطر غري عطرها فلرمّب ا فاح ذلك العطر مؤقتاً لكنّه ال ميثل أنفاس‬
‫الوردة العاطرة‪ ،‬وإمّن ا هو شيء طارئ ودخيل عليها‪ ،‬وكذلك القدوة ففعلها وقوهلا ليس طارئاً وإمّن ا‬
‫هو من مشائلها‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫يتصرف بنقاء‬ ‫والنفس اإلنسانية ميّالة بطبعها إىل اإلنسان الصادق مع نفسه ومع اآلخرين‪ ،‬والذي ّ‬
‫شبيه بنقاء املاء والشعاع والعطر‪ ،‬وهذا هو السبب الذي جيعل بعض الناس يؤثر فيك من غري أن‬
‫يتكلّم معك‪ S،‬فسلوكه وحده قدوة‪ ،‬وهو نفسه الذي جيعل بعض الصاحلني يقول‪« :‬كونوا دعا ًة للناس‬
‫بغري ألسنتكم‪ ،‬حىت يروا منكم الصدق والصالح والورع‪ ،‬فذلك داعية»‪ ،‬وقد ثبت تربوياً أ ّن (الرتبية‬
‫غري املباشرة) العملية أكثر تأثرياً من (الرتبية غري املباشرة) القولية‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ آمرة مؤمترة‪ S،‬ناهية منتهية‪:‬‬
‫وهذا هو التطابق بني اإلميان وبني العمل‪ ،‬فحىت تؤيت القدوة تأثريها ال ب ّد أن تعمل مبا تأمر به‪ ،‬حىت‬
‫عما تنهى عنه من‬ ‫إذا رأى املؤمترون فعلها مبا تأمر ص ّدقوها‪ ،‬وأخذوا بأوامرها‪ ،‬كما ال ب ّد أن تنتهي ّ‬
‫شر أو منكر‪ ،‬أو سوء أو خبث أو بذاءة‪ ،‬فإذا مل يلحظ املنتهون ذلك‪ ،‬أو رأوا عكسه وخبالفه؛‬
‫عابوها وانتقصوا من قدرها‪ ،‬وسخروا منها‪ ،‬ويف ذلك يقول الشاعر‪:‬‬
‫عظيم‬
‫فعلت ُ‬ ‫عار عليك إذا َ‬ ‫ال تنهَ عن خلق وتأيت مثله ٌ‬
‫ولو راجعت قصص القدوات الصاحلة لرأيت هذا الشرط واضحاً يف سلوكهم‪ ،‬فقد كانوا ال يأمرون‬
‫بشيء حىت يسبقوا الناس إىل العمل به‪ ،‬وال ينهون عن شيء إالّ ويسبقون الناس أيضاً باالمتناع عنه‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تعرتف باخلطأ وتسعى لتصحيحه‪:‬‬
‫يتطرق اخلطأ إىل أقواهلا وأفعاهلا‪ ،‬كما هم األنبياء ‪ -‬عليهم السالم‬ ‫القدوة قدوتان‪ :‬قدوة معصومة ال ّ‬
‫‪ -‬الذين يشبههم البعض بالشموس الساطعة اليت كلّها نور‪ ،‬وأل ّن املراد منها أن تنري عقول الناس‬
‫يصح أن يكون هناك شيء من الظلمة ولو قليالً‪.‬‬ ‫وقلوهبم وحياهتم‪ ،‬فال ّ‬
‫وهناك قدوة غري معصومة‪ S،‬قد يصدر عنها اخلطأ لكنّها تسارع إىل معاجلته وتفاديه‪ ،‬واالعرتاف به‪،‬‬
‫وعدم اإلصرار عليه‪ ،‬أو تكراره مستقبالً‪ ،‬وبذلك تكون قدوة حىت يف صراحتها وشفافيتها‪ ،‬ويف‬
‫سعيها إىل تصحيح ما تقع به من أخطاء‪.‬‬
‫لكن ميزهتم عن سواهم أن سواهم تأخذه‬ ‫إ ّن املتقني ‪ -‬وهم قدوات صاحلة ‪ -‬يقعون يف اخلطأ أحياناً‪ّ ،‬‬
‫العزة باإلمث فيكابر وحياور ويناور لئالّ يقال عنه أ نّه أخطأ‪ ،‬فيما يؤوب املتقي إىل ربّه‪ ،‬ويثوب سريعاً‬ ‫ّ‬
‫مسهم طائف من الشيطان تذ ّكروا فإذا هم مبصرون ))‪S.‬‬ ‫إىل رشده (( إ ّن الذين اتّقوا إذا ّ‬
‫و"طائف الشيطان" هو اخلواطر اخلبيثة والشريرة اليت ختطر على بال اإلنسان‪ ،‬لكنّه مبا أويت من قدرة‬
‫إميانية تصحيحية يعمل على طرد تلك الوساوس والتسويالت واخلواطر‪ ،‬ليعود إىل سابق عهده‬
‫ونقائه‪ ،‬كالنهر تتساقط بعض الشوائب لتلوثه لكنّه سرعان ما يعود إىل صفائه من جديد‪.‬‬

‫بتصرف يسري عن ‪http://www.balagh.com/youth/3k0rb8jq.htm :‬‬


‫ــــــــ‬

‫‪225‬‬
‫القدوة غرس األخالق من المهد‬
‫أ‪ /‬مي حجازي‬
‫السؤال‪:‬‬
‫أما بعد‪ :‬فأنا لدي ابنة وحيدة عمرها ‪ 8‬أشهر‪ ،‬ولقد مسعت أن أول ‪ 7‬سنوات من عمر الطفل هي‬
‫أهم فرتة يتم فيها إكساب الطفل املبادئ والقيم واألخالق احلميدة‪.‬‬
‫والسؤال‪ :‬كيف أعلم ابنيت القيم واألخالق واملبادئ اإلسالمية وعمرها ‪ 8‬أشهر؟ وهل ميكن أن‬
‫ترشدوين إىل أمساء كتب أو مواقع على اإلنرتنت لقراءهتا ختص هذا املوضوع؟‬
‫والسؤال اآلخر بارك اهلل فيكم‪ :‬زوجيت حامل بالشهر الثالث وابنيت ترضع منها‪ ،‬فهل هذا يؤثر على‬
‫ابنيت أو على زوجيت أو على اجلنني؟ وبارك اهلل فيكم‪.‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫وعليكم السالم ورمحة اهلل وبركاته أيها األب الفاضل‪ ،‬ومرحباً بأسرتك ‪ -‬بارك اهلل لك فيهم‪،‬‬
‫وأعانك وزوجتك على حتمل مسئولياتكما اجلسام ‪ ،-‬وال بد أن أذكرك وزوجتك بالدعاء املتواصل‬
‫جلنينكما يف تلك األيام املباركات؛ فمما ثبت من حديث النيب ‪ -  -‬أن اجلنني يكتب له رزقه‬
‫وأجله وعمله وشقي أم سعيد بعد الشهر الرابع من احلمل (‪ 120‬يوماً)؛ فعسى اهلل بدعائكما اجملاب‬
‫‪ -‬إن شاء اهلل ‪ -‬أن يكتب هذا اجلنني من السعداء‪ ،‬ومن أهل اجلنة‪.‬‬
‫وأبدأ ردي على سؤالك بقول ماري كوريللي؛ إذ تقول‪" :‬ما من جمتمع راق خري استطاع أن يصل‬
‫إىل حتقيق املثل العليا إال اشرتكت يف حتقيقه ورفع صرحه أم عظيمة"‪ ،‬ويقول جورج هربرت‪" :‬أم‬
‫صاحلة خري من مئة أستاذ"‪ ،‬ولعل تلك الكلمات متهد الطريق أمامي ألوجز إجابيت على سؤالك يف‬
‫مجلتني ‪ -‬يأيت تفصيلهما الحقاً ‪ -‬لتعلم أن تعليم طفلتك قواعد السلوك الطيب والقيم واألخالق‬
‫اإلسالمية يتم من خالل‪:‬‬
‫‪ -‬العالقة الدافئة بني الطفلة وأسرهتا‪.‬‬
‫‪ -‬احلب غري املشروط الذي مينح للطفلة وباألخص من أمها‪.‬‬
‫لقد أصبت يا أخي حني أكدت على أن أهم ‪ 7‬سنوات يف حياة الطفل هي سنواته السبع األوىل اليت‬
‫يبىن فيها أساس هذا الصرح اإلنساين الذي يكتمل بناؤه بعد ذلك حبسب قوة أساسه الذي تأسس يف‬
‫تلك السنوات السبع‪ ،‬ولعل هذا ما أكد احلديث النبوي على سبل استثماره من خالل املالعبة‪ ،‬ولو‬
‫تأملت احلديث معي لوجدت األمر من النيب بأن يالعب املريب ابنه ‪ -‬أي يلعب معه ‪ -‬ليس أن يرتكه‬
‫يلعب وحسب‪ ،‬ففي املالعبة تقوية ألواصر احلب واملودة‪ ،‬واحلنان والصداقة‪ ،‬وسبيل لتشرب الطفل‬
‫الصفات األساسية‪ ،‬وأخالق من يالعبه؛ من خالل العشرة الطيبة يف حلظات اللعب املرحة املثمرة‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫ومما ال شك فيه أن الطفل من سن ‪ 8‬شهور ورمبا أقل يكون لديه ما يشبه الرادار الذي يلتقط ما‬
‫حوله من مشاعر وانفعاالت‪ ،‬وحيسها ويتجاوب معها حىت قبل أن ينضج عقله‪ ،‬وهو ما يظهر يف‬
‫نظرات عينيه ملن حوله‪ ،‬واليت تنطق عنه قبل لسانه؛ إذن فدوركما أنت وأم الطفلة هو توطني احملبة يف‬
‫بيتكما‪ ،‬وغمر طفلتكما هبا وباحلنان والرفق‪ ،‬وبذلك متهدان الطريق لتلقي كل توجيهاتكما؛ فاحملب‬
‫ملن حيب مطيع‪ ،‬وكذلك فان إشعار الطفلة بكوهنا مرغوبة وحمبوبة وأن من حوهلا يسعون إلسعادها‬
‫جيعلها تبادهلم نفس الشعور‪ ،‬فتكون أذن خري هلم‪.‬‬
‫ولعل هناك نقطة مهمة ال بد من اقتحامها بشكل أو بآخر وهي وجود مسئوليات ستدامهكما أنت‬
‫وأم الطفلة يف غضون شهور‪ ،‬وقد تثقل على كاهل األم باألخص؛ وهو ما يعيق ما حتدثنا عنه من‬
‫دفء العالقة اليت جيب أن حتاول األم احلفاظ عليها بفصل مشكالهتا وإحباطاهتا‪ ،‬وكل ما يعوق‬
‫استمتاعها بأمومتها؛ عن تلك العالقة القوية‪ ،‬وقد حتتاج األم بالتنسيق معك لوضع خطة دقيقة‬
‫ملواجهة ما قد يواجهها من عقبات بسبب غرية الطفلة من املولود اجلديد‪ ،‬وستجد تفاصيل تعينكما‬
‫على رسم تلك اخلطة وتوزيع األدوار فيها على كليكما فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬عالج الغرية بإعادة ترتيب األولويات‪.‬‬
‫‪ -‬امحوا أبناءكم من الغرية‪.‬‬
‫ويبقى أمر مهم يف مسألة تربية الطفلة على اخللق القومي أال وهو‪ :‬القدوة‪ ،‬فعندما يكون الوالدان‬
‫منوذجاً لألخالق من احللم والعفو‪ ،‬والتعامالت الطيبة مع الناس فال شك أن هذه األخالقيات‬
‫والسلوكيات ستنطبع على الطفلة بشكل أو بآخر‪ ،‬كما أن حبها لكما ‪ -‬كما أسلفنا ‪ -‬سيدفعها‬
‫دفعاً الستمثاهلا‪ ،‬وتقليد من حتبهم‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلرضاع الطفلة أثناء احلمل فاألمر حيتاج ملراجعة طبيبة أمراض النساء اليت تتابع محل‬
‫زوجتك وحالتها الصحية‪ ،‬كذلك ال بد من مراجعة طبيب األطفال لينصح باألمثل لفطام الطفلة‪.‬‬
‫وال شك أن اإلنرتنت حافلة مبقاالت ومواقع وكتب عن الرتبية ميكن أن تفيدك يف مزيد من األفكار‬
‫والتفاصيل ولتطبيقات للوصول إىل ما تبغي‪ ،‬وجتد بعضاً منها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬جملة ولدي‪.‬‬
‫‪ -‬واحات تربوية‪.‬‬
‫وأخرياً أخي الفاضل أرجو أن نكون قد أفدناك مبا يلزم‪ ،‬ويف انتظار متابعتك لنا مبزيد من‬
‫االستفسارات واألخبار‪ ،‬وشكراً جزيالً لك‪ ،‬وميكن لألم االطالع على ما يلي ملزيد من اخلربات عن‬
‫العناية بالطفل وحسن تربيته‪:‬‬
‫‪ -‬حسن الرتبية‪ ..‬سؤال كل أم جديدة‪.‬‬
‫‪ -‬دليلك إىل عامل الوالدية‪.‬‬

‫‪227‬‬
.‫ تساؤالت سنة أوىل تربية‬-
.‫ دعي فطرتك جتاه طفلك تنطلق‬-
http://www.islamonline.net/Tarbia/Arabic/display.asp? : ‫املصدر‬
hquestionID=4489
‫ــــــــ‬

228
‫أطفالنا بين غياب القدوة وتفريط الراعي (وإهمال األمانة)‬

‫تأسرين رؤية طفل بكامل براءته اليت فطره اهلل عليها‪ ،‬ولكن هيهات أصبحت رؤية هؤالء نادرة أو‬
‫قليلة‪ ،‬فقد اغتلنا تلك الرباءة‪ ،‬وشوهنا معاملها بأمور كثرية قد يكون أقلها‪ :‬اهليئة‪ ،‬واللباس‪،‬‬
‫والتقليعات‪.‬‬
‫لذا نعرض هنا بعض النماذج إلمهالنا وتفريطنا يف تربية أطفالنا‪ ،‬وفهم عاملهم‪ ،‬والتعامل معه؛‪ S‬علَّنَا‬
‫نعاجل السبب واملسبب لالغتياالت املتكررة للراحلة براءة‪.‬‬
‫مناذج‪:‬‬
‫* أطفالنا ُجلهم إن مل نقل كلهم يكذبون!! كيف تعلموا الكذب‪ ،‬وكيف عرفوا تزييف احلقائق وقد‬
‫ُولِ ُدوا على الفطرة! بكل بساطة يا سادة إهنم يستمعون للتناقض والتزييف من والديهم أو أحدمها‬
‫فيثمر التعليم‪ ،‬والغرس ينتج‪.‬‬
‫* من األطفال من يتلفظ كثرياً بألفاظ نابية أو قذرة‪ ،‬وال جيدون من مينعهم أو يوجههم‪ ،‬بل يقابلون‬
‫باالبتسامة‪ ،‬واإلعجاب على الفصاحة وطالقة اللسان ولو بسيئ األلفاظ‪.‬‬
‫* البعض اآلخر من أطفالنا تعلقت نفوسهم بسماع الغناء‪ ،‬ومتابعة املسلسالت‪ ..‬من السبب؟ وكيف‬
‫تعودوا عليها! كان عندي طفلة تتأخر يف احلضور للحلقة‪ ،‬سألت أختها يوماً‪ :‬مل تتأخر أختك وال‬
‫حتضر معك!! قالت‪ :‬أتيت وهي تشاهد املسلسل‪ ،‬وستأيت بعد أن ينتهي!‬
‫من علمها؟ من عودها! من وجهها؟ من رباها؟ من أدهبا وحفظها عما خيدش براءهتا!‬
‫* يرتك األطفال بل قد يرغمون على البقاء أمام جهاز الرائي أو الفيديو ملشاهدة الرسوم املتحركة؛ مبا‬
‫يف بعضها من اغتيال لرباءهتم‪ ،‬وملا يف بعضها اآلخر من إعاقتهم عن مزاولة نشاطهم الطبيعي‬
‫وحركتهم وهلوهم الربئ الذي يكون أحياناً كثرية من أسباب قتل اإلبداع والنبوغ والتفكري‪.‬‬
‫* بعض األطفال قد ينعم اهلل عليهم يف مقابل فساد أهليهم أو إمهاهلم مبعلمني ومعلمات صاحلني‬
‫وصاحلات‪ ،‬ويؤدون أدوارهم الرتبوية والتعليمية على أكمل وجه‪ ،‬وبطبيعة األطفال وفطرهتم يتقبلون‬
‫ويتحمسون ملا يغرس يف نفوسهم وعقوهلم الغضة‪ ،‬ولكن املشكلة تكمن يف عودهتم ملنازهلم‪ ،‬ورؤيتهم‬
‫وتعد لكل ما‬ ‫املتناقضات بني ما تعلموه من خلق ودين وعلم‪ ،‬وبني ما يرونه من أهليهم من جتاوز ٍ‬
‫غرس معلميهم يف أنفسهم الوقوف عنده‪ ،‬وعدم جتاوزه‪ ،‬وطبعاً هم يرون والديهم قدوهتم ومثلهم‬
‫األعلى؛ فبهذه التناقضات يعيش الطفل يف دوامة ومتاهة ال أول هلا وال آخر‪ ،‬متذبذب حائر‪ ،‬ال‬
‫استقرار لتفكريه‪ ،‬وال ثقة وال اطمئنان ملن حوله‪ ،‬وقد واجهنا تساؤالت األطفال الربيئة عن‬
‫التناقضات اليت يعيشوهنا ما بني (املنزل) األسرة؛ واليت تناقض تصرفاهتا املدرسة‪ ،‬وما يتلقون فيها من‬

‫‪229‬‬
‫أخالق وآداب‪ ،‬فما ذنب هؤالء األطفال ليعيشوا االزدواجية‪ ،‬ويعانوا منها منذ صغرهم!‪ S‬ومل ال منثل‬
‫ألبنائنا قدوة صاحلة‪ ،‬ومثاالً حيتذى به أو على األقل نتجنب فعل السوء ولو أمامهم فقط‪.‬‬
‫تقول إحدى األخوات‪ :‬كانت تأتيهم ابنة جارهتم الصغرية ومتكث عندهم وقتاً من كل يوم‪ ،‬وملا‬
‫ّ‬
‫الحظت هذه الصغرية أن هذه األخت ال تشاهد الرائي سألتها مستنكرة عن السبب‪ ،‬فأخربهتا أهنا ال‬
‫تشاهده ألن اهلل ال يريد أن نشاهده ونسمع ما يكون فيه من موسيقى وغناء‪ ،‬وقد أع ّد لنا يف اجلنة‬
‫أفضل منها إذا تركناها‪ ،‬املهم أن الطفلة علقت مبخيلتها الكلمات‪ ،‬وتذكرت منزهلا والتناقض بني من‬
‫كانت تراهم قدوهتا وبني ما مسعت من هذه األخت!! عادت الطفلة ملنزهلا‪ ،‬ويف املساء كان أقارهبا‬
‫الشباب جمتمعني أمام الرائي‪ ،‬ويقلبون يف القنوات الفضائية بصخبها‪ ،‬وضجيجها‪ ،‬ومنكراهتا؛ فدخلت‬
‫عليهم الطفلة تصرخ فيهم‪ ،‬وتنادي بإغالق اجلهاز‪ ،‬حاولوا ثنيها ولكنها أحلت‪ ،‬وكانت تقول هلم‪:‬‬
‫حرام واهلل سيغضب منا‪ ،‬ولن ندخل اجلنة‪ ،‬وهم يهدئوهنا وحياولون إسكاهتا ودون فائدة استمرت يف‬
‫إزعاجها هلم‪ ،‬وتساءلوا عن املصدر الذي علمت منه أن الرائي واملوسيقى ال حيبها اهلل‪ ،‬فأخربهتم خبرب‬
‫جارهتم‪ ،‬فما كان من والدهتا إال أن اتصلت بوالدة هذه األخت‪ ،‬وطلبت منها أن تُسكت ابنتها‬
‫وتطلب منها أن تكف عن إخبار الطفلة مبا حيبه اهلل وما يبغضه‪ ،‬وأهنا أزعجتهم بإنكارها تصرفاهتم!!‬
‫تقول حمدثيت‪ :‬وبعد ذلك مل أرها إطالقاً‪ ،‬ومسعت عنها فيما بعد عندما كربت ما ال يسر مسلم غيور‪.‬‬
‫* طفلة مل تبلغ السادسة كل حديثها عن الزواج والعريس والعروسة بغض النظر عن كوهنا تردد ما ال‬
‫تدرك ماهيته‪ ،‬ولكن مل تشغل طفلة هبذه األمور الكبرية واليت تغتال براءهتا! وتسمع التعليقات عليها‬
‫مييناً ومشاالً من أقارهبا بأحد الشباب املراهقني‪ ،‬وكانت تستنكر‪ ،‬وعندما سافر الشاب تأسفت عليه‪،‬‬
‫وقالت‪ :‬سافر قبل أن أتزوجه!!‬
‫هذا أمنوذج آخر الغتيال براءة أطفالنا‪ ،‬بل النتهاكها‪.‬‬
‫* العام املاضي قرأت يف منتدى احلصن النفسي موضوعاً ملعلمة تطلب فيه احلل والطريقة الصحيحة‬
‫للتعامل وإنقاذ طفلة يف الصف اخلامس االبتدائي تتعرض لتصرفات ال أخالقية من ابن عمها الصغري؛‬
‫والذي أظنها قالت‪ :‬تعلّم هذه التصرفات من اخلادمة‪ ،‬وهي ‪ -‬الطفلة ‪ -‬بدورها تنقلها لصديقاهتا!‬
‫أرأيتم أن براءة أطفالنا تغتال وتسلب منهم بسبب أقرب الناس هلم!‬
‫فأين الوالدين؟ كيف يغفل ويرتك األبناء لتغتال براءهتم هبذا الشكل املقزز!‬
‫* حيدث كثرياً شجار وخصام بني الوالدين على مرأى ومسمع من األطفال‪ ،‬والذين بدورهم هتتز‬
‫ثقتهم مبصدر األمان والثقة بالنسبة هلم‪ ،‬ويصبح األمر صعب على أذهاهنم كثرياً أن تستوعبه‪ ،‬فمن‬
‫املخطئ؟ والدهم الذي يسعى ألجلهم‪ ،‬ويوفر هلم كل شيء‪ ،،‬أم والدهتم اليت حتنو عليهم‪ ،‬وتطعمهم‬
‫وتلبسهم!!‬

‫‪230‬‬
‫بل ال نبالغ إذا قلنا أن أكثر املشاكل النفسية للطفل سببها الوالدين؛ وخاصة اخلوف والقلق الذي‬
‫يكون مصدره فقدان الطفل للشعور باألمن بني أبويه‪.‬‬
‫* عند حلظة غضب من أحد الوالدين ‪ -‬وغالباً األم ‪ -‬يسمع األبناء تفريغ شحنات هائلة من‬
‫الشتائم‪ ،‬وإنكار فضل األب ومجيله طوال العمر‪ ،‬ووصفه‪ S‬بكل قبيح وسيئ‪ ،‬وذلك أحياناً كثرية حلظة‬
‫هتو ٍر وغضب تزول سريعاً عن األم‪ ،‬ولكن آثارها ال تزول يف نفوس األطفال الذين تغريت نظرهتم‬
‫املثالية لوالدهم!!‬
‫* تطالعنا بني فينة وأخرى مالبس وتقليعات غريبة صارخة ال تناسب إطالقاً براءة أطفالنا‪ ،‬وتعاليم‬
‫ديننا الفطرية‪ ،‬ومع ذلك نصر على اغتيال براءهتم ومجاهلم بتكفينهم هبذه املالبس‪ ،‬وهنا أتساءل ما‬
‫اجلمال الذي يشاهده أولياء هؤالء األطفال هبذه التقليعات واملوضات اليت تغتال مجال األطفال‬
‫احلقيقي الذي يتجسد برباءهتم ولو كان لباسهم خيلو من الغرابة والتقليعات!‬
‫* اصطحاب كثري من األسر ألطفاهلا يف أماكن الفساد واللهو‪ ،‬وإطالعهم على الفساد‪ ،‬وتعويدهم‬
‫عليه منذ الصغر‪ ،‬كما أننا خنطئ كثرياً باصطحاب األطفال للمناسبات أو احلفالت االجتماعية اليت‬
‫ختالف تربيتنا ألطفالنا‪ ،‬واليت تولد بعقوهلم تناقضات بني ما يرون وما يغرس يف نفوسهم‪ ،‬فحفالت‬
‫غناء ورقص وعري وضياع وقت ماذا ستكون نتائجها وآثارها على األطفال؟‬
‫املصدر ‪http://www.riyadhedu.gov.sa/alan/fntok/dawh/0/0/047.ht :‬‬
‫‪m‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪231‬‬
‫القدوة ‪ ..‬وبكاء حكيم‬
‫حممد سعد‬
‫للقدوة الصاحلة دور كبري يف توجيه الناس وبناء اجملتمع‪ ،‬فصفات الشخص القدوة يراها الناس‬
‫فيتأثرون هبا‪ ،‬ويتبعونه فيها؛ ألهنم رأوها صفات صاحلة متميزة‪ ،‬وتظل صفات الشخص القدوة مؤثرة‬
‫كلما استحضرها الناس بني احلني واحلني‪ ،‬وتكون حافزاً هلم إىل الصالح والعمل والنجاح‪.‬‬
‫وقد حرص اإلسالم على استثمار هذه الوسيلة‪ ،‬ورفع من شأن من يستحقون أن يكونوا قدوة‬
‫للمجتمع‪ ،‬ليهتدي الناس هبداهم‪ ،‬ويسريون بسريهتم‪ ،‬فجاءت آيات وأحاديث حتث على االقتداء‬
‫بأهل القدوة الصاحلة‪.‬‬
‫وألن أمر القدوة خطري وعظيم‪ ،‬ملا له من تأثري كبري يف اجملتمع‪ ،‬ويف الكبري والصغري والرجال والنساء‪،‬‬
‫وال سيما النشء والشباب؛ وضع اإلسالم لنا صورة واضحة ملن يستحق أن يُرفع إىل مقام القدوة يف‬
‫الناس‪ ،‬ويستحق أن يهتدي الناس هبداهم‪ ،‬وبني لنا الصفات اليت جيب أن تتوافر فيمن يتخذه الناس‬
‫قدوة‪.‬‬
‫وأساس الصفات للشخص القدوة هو اإلميان واهلدى والصالح‪ ،‬وأوىل الناس بتلك املكانة هم األنبياء‬
‫َأجراً ِإ ْن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ -‬عليهم السالم ‪ ،-‬قال تعاىل‪ُ" :‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ين َه َدى اللّهُ فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَد ْه قُل الَّ ْ‬
‫َأسَألُ ُك ْم َعلَْيه ْ‬ ‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني" (األنعام‪.)90 :‬‬ ‫ُه َو ِإالَّ ذ ْكَرى ل ْل َعالَم َ‬
‫ك)‪ :‬هؤالء القوم األنبياء املذكورون قبل هذه اآلية ‪ -‬الذين‬ ‫قال الطربي‪" :‬يقول تعاىل ذكره‪ُ( :‬أولَِئ َ‬
‫وح ْفظ ما ُو ِّكلوا حبفظه من آيات‬ ‫وكلنا بآياتنا وليسوا هبا بكافرين‪ ،‬هم الذين هداهم اهلل لدينه احلق‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫كتابه‪ ،‬والقيام حبدوده واتباع حالله وحرامه‪ ،‬والعمل مبا فيه من أمر اهلل‪ ،‬واالنتهاء عما فيه من هنيه‪،‬‬
‫جل ثناؤه لذلك‪.‬‬ ‫فوفقهم ّ‬
‫"فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَ ِد ْه"‪ :‬يقول ‪ -‬تعاىل ‪-‬ذكره ‪ :-‬فبالعمل الذي عملوا‪ ،‬واملنهاج الذي سلكوا‪ ،‬وباهلدى‬
‫عمل للَّه‬
‫الذي هديناهم‪ ،‬والتوفيق الذي وفقناهم؛ اقتده يا حممد‪ :‬أي فاعمل وخذ به واسلكه‪ ،‬فإنه ٌ‬
‫ومنهاج من سلكه اهتدى‪( " S...‬تفسري الطربي‪ ،‬سورة األنعام)‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫فيه رضا‪،‬‬

‫ين َه َدى اللّهُ"؛ أي‪ :‬هداهم اهلل‪" ،‬فَبِ ُه َد ُاه ُم"؛ فبسنتهم وسريهتم "ا ْقتَ ِد ْه"‬ ‫وقال البغوي‪ُ"( S:‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬
‫‪.)-‬‬
‫وقال ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يرشدنا إىل قدوتنا وأسوتنا لكي نسري على هنجه وهنتدي هبداه‪" :‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِرياً" (األحزاب‪.)21 :‬‬ ‫ِ ِ‬
‫َر ُسول اللَّه ْ‬
‫وأرشدنا الرسول ‪ -  -‬إىل مناذج من القدوة الصاحلة يف الدين‪ ،‬من الصحابة الكرام‪ ،‬لنتبع هنجهم‬
‫ونسنت بسنتهم‪ ،‬كما يف حديث‪" :‬عليكم بسنيت وسنة اخللفاء الراشدين املهديني عضوا عليها‬

‫‪232‬‬
‫بالنواجذ" رواه أبو داود والرتمذي‪ ،‬فوصفهم الرسول ‪ -  -‬بالراشدين املهديني إبرازاً ألساس‬
‫القدوة فيهم‪ ،‬وهو أهنم أفضل الناس رشداً وهدى يف الدين‪ ،‬ولذلك حث على االقتداء هبم‪.‬‬
‫يب ‪َ -  -‬ف َق َال‪ :‬إيّن الَ ْأد ِري َما قَ ْد ُر َب َقاِئي‬ ‫ِ‬
‫وأخرج الرتمذي َعن ُح َذ ْي َفة قَ َال‪ُ " :‬كنّا ُجلُوساً عْن َد النّ ّ‬
‫ٍ‬ ‫هِب‬ ‫فِي ُكم فَا ْقتَ ُدوا باللّ َذيْ ِن ِمن ب ْع ِدي‪ .‬و ِإ‬
‫َأشار ىل أيب ب ْك ٍر َوعُ َمَر‪َ ،‬و ْاهتَ ُدوا َ ْد ِي َع ّمار‪َ .‬و َما َح ّدثَ ُكم ُ‬
‫ابن‬ ‫َ َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ‬
‫ص ّدقُوهُ"‪( S،‬سنن الرتمذي‪ S،‬حديث رقم ‪ ،3959‬ورقم ‪ 1233‬يف السلسلة الصحيحة‪ ،‬اجمللد‬ ‫ٍ‬
‫َم ْسعُود فَ َ‬
‫الثالث)‪.‬‬
‫قال املباركفوري‪ S‬يف شرح احلديث‪( :‬قوله‪( :‬اقتدوا باللذين من بعدي)؛ أي باخلليفتني اللذين يقومان‬
‫من بعدي (أيب بكر وعمر)‪ S...‬أي حلسن سريهتما وصدق سريرهتما‪( S...‬واهتدوا هبدي عمار)؛ أي‬
‫ابن ياسر‪ .‬واهلدي ‪ -‬بفتح اهلاء وسكون الدال‪ -‬السرية والطريقة‪ ،‬واملعىن أي سريوا سريته‪ ،‬واختاروا‬
‫طريقته‪ ،‬وكأن االقتداء أعم من االهتداء حيث يتعلق به القول والفعل‪ ،‬خبالف االهتداء فإنه خيتص‬
‫بالفعل)‪.‬‬
‫املرضية‪...‬‬ ‫قال املناوي‪( S:‬وسبب احلث على االقتداء بالسابقني األولني ما فُطروا عليه من األخالق ْ‬
‫فلذلك كانوا أفضل الناس بعد األنبياء)‪.‬‬
‫القدوة يف جمتمعاتنا املعاصرة‪:‬‬
‫وعلى الرغم من خطورة شأن القدوة‪ ،‬وأنه ال يصح أن يوضع يف مقام القدوة إال أهل اهلدى‬
‫والصالح؛ جتد يف جمتمعات املسلمني فئات من العلمانيني أو املتأثرين باملنهج العلماين‪ ،‬يزيفون للناس‬
‫رموزاً يعظموهنا ويرفعوهنا إىل مكان القدوة‪ ،‬وهي من أكرب الشخصيات هدماً للدين‪ ،‬فريفعون‬
‫شخصيات‪ ،‬مثل‪ :‬قاسم أمني الذي كان سبباً من أسباب تدهور أخالق اجملتمع حينما نادى بتحرير‬
‫املرأة‪ ،‬أو زعامات مزيفة‪ ،‬مثل‪ :‬كمال أتاتورك أكرب علماين يف القرن العشرين سعى يف هدم الدين‬
‫وحموه‪ ،‬ومع هذا جتد الفئات العلمانية املتسلطة يف تركيا جتعله رمز احلرية واالنتصار والشجاعة‬
‫والقدوة‪.‬‬
‫وجتد كثرياً من املستشرقني خصوصاً ‪ -‬والغرب عموماً ‪ -‬يرفعون من شأن شخصيات ضالة أو ذات‬
‫منهج منحرف‪ ،‬سواء من املاضي أو احلاضر‪ ،‬ويعيدون نشر تراثها ليفتحوا هبا باب فتنة على‬
‫املسلمني‪ ،‬وتصري هي القدوة يف حياهتم وثقافتهم‪ ،‬وجيعلون منها العالمات البارزة يف تاريخ األمة‬
‫الثقايف أو األديب وغريه‪ ،‬فتجدهم يرفعون مثالً من شأن احلالج‪ ،‬ومجاعة إخوان الصفا‪ ،‬واملعتزلة‪ ،‬وابن‬
‫عريب‪ ،‬والسهروردي‪ ،‬ويصوروهنم كأهنم أعالم األمة‪ ،‬ويتجاهلون يف الوقت نفسه أعالم األمة من‬
‫أهل الفضل والعلم والصالح‪ ،‬وقد يتعمدون تشويه صورهتم وإثارة الشبه حوهلم‪.‬‬
‫وقد تأثر باملستشرقني عدد من الباحثني واألدباء العرب وغريهم‪ ،‬فساروا على هنج املستشرقني يف‬
‫تعظيم تلك الشخصيات واجلماعات‪ ،‬ومل يتخذوا منهجاً علمياً منصفاً يف وزن تلك الشخصيات‬

‫‪233‬‬
‫والتيارات‪ ،‬مييز اخلبيث من الطيب للناس‪ ،‬بل عملوا برأي املستشرقني مباشرة‪ ،‬فتجد مثال كاتباً أديباً‬
‫يؤلف مسرحية لتخليد ذكرى احلالج احلسني بن املنصور الذي قتل بسبب قوله‪" :‬أنا احلق" يقصد‬
‫اهلل‪ ،‬ويُظهره فيها مبظهر املظلوم املقهور‪ ،‬وعرضت هذه املسرحية عدة مرات‪ .‬وكما حاول بعضهم‬
‫إبراز ابن رشد الفيلسوف يف فيلم‪ ،‬مسقطاً قصته مع العلماء على الواقع‪ ،‬ومصوراً علماء الدين يف‬
‫صورة املتحجر املتعصب الذي يكره انطالق الفكر وحترير العقل‪.‬‬
‫ويف جانب آخر‪ ،‬وهو جانب الثقافة الشعبية االجتماعية‪ ،‬جتد اليوم أهل الغناء والتمثيل والتهريج‪ ،‬هم‬
‫الذين يوضعون رغماً عن الناس يف مكان القدوة‪ ،‬فحياة املمثل ومأكله ومشربه وملبسه وأول أخباره‬
‫وآخر أخباره‪ ،‬وعالقاته الغرامية‪ ..‬حىت موته‪ ،‬هي األمور اليت ترفع يف مكان القدوة للناس يف كثري‬
‫من وسائل اإلعالم‪ .‬وصار السؤال الذي يوجه يف اجملالت ووسائل اإلعالم يف ختام برامج احلوار‪ :‬من‬
‫هو ممثلك املفضل؟ من هو املغين أو املغنية املفضلة عندك؟ ومل يقف العبث عند هذا احلد بل جتد لدى‬
‫بعض الشباب القدوة شخصاً من فسقة الكفار وماجنيهم‪.‬‬
‫واخلطري يف ذلك ليس جمرد تشبه الشباب هبذا املمثل أو ذاك املغين أو تلك املغنية يف امللبس والشكل‪،‬‬
‫بل هو وضع هؤالء يف مكان ذي الرأي واملشورة فيؤخذ برأيه أو رأيها يف كل شيء حىت يف‬
‫األحكام الشرعية‪.‬‬
‫صناعة‪ ..‬القدوة‪:‬‬
‫كان الناس يف املاضي يعرفون القدوة الصاحلة بعلمه أو صالحه أو حسن مسته وأخالقه‪ ،‬وكان هذا‬
‫قل اخنداع الناس بالقدوات املزيفة واملزورة يف‬
‫هو املعيار وامليزان يف معرفة القدوة من غريه‪ ،‬ولذلك ّ‬
‫املاضي‪.‬‬
‫وأما بعد التقدم الذي أحرزته البشرية يف وسائل االتصال واإلعالم‪ ،‬فقد تغريت األحوال كثرياً‪ ،‬وصار‬
‫عدد غري قليل من وسائل اإلعالم بربيقها ومؤثراهتا الكثرية القوية تزيف احلقائق‪ ،‬وتصنع من الرموز‬
‫ما تريد‪ ،‬عن طريق التلميع اإلعالمي اخلادع‪ ،‬فرتفع من ترغب يف رفعه ولو كان فاسقاً من أرذل‬
‫الناس‪ ،‬وتضع من ترغب يف وضعه ولو كان تقياً من أفاضل الناس‪.‬‬
‫وهذه ورطة كبرية لألجيال الناشئة‪ ،‬حيث يقفون حائرين بني تلميع اإلعالم لشخصيات فاسدة‪ ،‬وبني‬
‫ما يسمعونه من حقيقة تلك الشخصيات‪ ،‬وال جيدون من يدهلم على املعايري الصحيحة للقدوة‪ ،‬ومييز‬
‫هلم الصاحل من الطاحل من بني هذا الكم العظيم من الركام اإلعالمي من النجوم واملشاهري‪.‬‬
‫محاية منزلة القدوة‪S..‬‬
‫القدوة تؤثر يف قطاع كبري من الناس‪ ،‬فهي حمرك نفسي عظيم يف اجملتمع‪ ،‬ال يقل دوره عن باقي‬
‫العوامل املشاركة يف بنية اجملتمع وتقدمه‪ ،‬فحينما نضع أمام اجملتمع الشخصيات الصاحلة والناجحة‬
‫ليقتدي هبا الناس‪ ،‬فسيعود ذلك على اجملتمع بتأثري إجيايب كبري‪ ،‬فيكثر الصاحلون والعلماء والناجحون‬

‫‪234‬‬
‫ويقوى اجملتمع ويتقدم؛ وحينما تكون القدوة من أهل الفساد والسفهاء والفساق وأهل اجملون؛‬
‫فسيكثر الفساد‪ ،‬وترتىب األجيال على شاكلة النماذج اليت اختذوها قدوة‪ ،‬فيزداد اجملتمع ضعفاً‪S،‬‬
‫وتتسارع إليه عوامل االهنيار‪.‬‬
‫ولذا فمسؤولية اجملتمع كبرية يف محاية مكانة القدوة‪ ،‬وقصرها على أهلها من الصاحلني‪ ،‬ورفض كل‬
‫قدوة سيئة ومحاية األجيال منها‪ ،‬فال ينبغي إذن أن نرتك تلك املكانة الشريفة واملنزلة الرفيعة ألهل‬
‫الفساد يعبثون هبا كما يشاؤون‪ ،‬واملوقف اإلجيايب إزاء ما نراه من عبث هبذه املنزلة هو تفعيل عملية‬
‫اإلحياء ملكانة القدوة الصاحلة‪ ،‬وبذل مزيد من اجلهد يف إبراز قدوات األمة احلقيقيني‪ ،‬من األنبياء‬
‫والصاحلني‪ ،‬ومن أهل الصالح والتقوى‪ S،‬ومن أهل اخلري والنفع وتقدمي اخلدمات اجلليلة لألمة‪ ،‬ومن‬
‫أهل العلم يف كل جمال من دين وطبيعة وطب‪ ،‬وإبرازه صفاهتم ومميزاهتم وهديهم‪ ،‬بشىت وسائل‬
‫املعرفة واالتصال بالناس من كتب وصحف وبرامج وغريها‪ ،‬وال سيما املوجهة إىل النشء‪.‬‬
‫ويف الوقت نفسه جنتهد يف التحذير من تلك اجلهات اليت ترفع من شأن املنحرفني‪ ،‬من صحف‬
‫وجمالت وقنوات‪ ،‬حىت ال يتمكن أهل الفساد من الوصول إىل منزلة القدوة يف اجملتمع‪ ،‬كما تشري‬
‫ك‬ ‫بذلك اآلية الكرمية يف قوله ‪ -‬تعاىل ‪" :-‬وِإ ِذ ابَتلَى ِإبر ِاهيم ربُّه بِ َكلِم ٍ‬
‫ات فََأمَتَّه َّن قَ َال ِإيِّن ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ َْ َ َ ُ َ‬
‫ِِ‬ ‫َّاس ِإماماً قَ َال و ِمن ذُِّريَّيِت قَ َال الَ ين ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ني" (البقرة‪.)124 :‬‬ ‫ال َع ْهدي الظَّالم َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫للن ِ َ‬
‫ِِ‬ ‫قال ابن جرير‪" :‬قَ َال الَ ين ُ ِ‬
‫ني"‪ S:‬هذا خرب من اهلل جل ثناؤه عن أن الظامل ال يكون‬ ‫ال َع ْهدي الظَّالم َ‬ ‫ََ‬
‫إماماً يقتدي به أهل اخلري؛ ألن اإلمامة إمنا هي ألوليائه وأهل طاعته دون أعدائه والكافرين به‪،" S...‬‬
‫(تفسري الطربي‪ ،‬سورة البقرة)‪S.‬‬
‫حكيم بن حزام ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يبكي بسبب القدوة الفاسدة‪:‬‬
‫إن أثر القدوة الفاسدة خطري‪ ،‬فقد يضل من يتبع القدوة الفاسدة ويقلدها‪ ،‬أو تؤدي به إىل التأخر أو‬
‫التخلف عما فيه خريي الدنيا واآلخرة‪ ،‬وضياع العمر والوقت‪ ،‬قال عبد اهلل بن عمر ‪ -‬رضي اهلل‬
‫عنهما ‪" :-‬ال يزال الناس خبري ما َأخذوا العلم عن َأكابرهم‪ ،‬فِإذا َأتاهم من َأصاغرهم فقد هلكوا"‪،‬‬
‫قيل‪" :‬اَألكابر َأهل السنّة‪ ،‬واَألصاغر َأهل البدع‪ .‬قال َأبو عبيد‪ :‬وال ُأرى عبد اهلل َأراد ِإال هذا"‪.‬‬
‫وقد بكى حكيم حزام ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬يوماً على أنه اتبع قدوات سيئة كانت يف جمتمعه‪،‬‬
‫وأضاعت عليه خرياً كبرياً‪ ،‬وفاتته فرصة عظيمة‪ ،‬وهي شرف اإلسالم مع من أسلم مبكراً‪ ،‬قال ابن‬
‫اجلوزي يف صفة الصفوة‪" :‬إن حكيم بن حزام بكى يوماً‪ ،‬فقال له ابنه‪ :‬ما يبكيك؟ قال‪ :‬خصال‬
‫كلها أبكاين‪ ،‬أما أوهلا‪ :‬فبطء إسالمي حىت ُسبقت يف مواطن كلها صاحلة‪ ...‬وذلك أين أنظر إىل بقايا‬
‫من قريش هلم أسنان رجال كبار السن ‪ -‬متمسكني مبا هم عليه من أمر اجلاهلية؛ فأقتدي هبم‪ ،‬ويا‬
‫ليت أين مل أقتد هبم‪ ،‬فما أهلكنا إال االقتداء بآبائنا وكربائنا‪ ،‬فلما غزا النيب ‪ -  -‬مكة جعلت‬
‫أفكر‪...‬فجئته فأسلمت يعين أسلمت متأخراً " (صفحة‪.)162 :‬‬

‫‪235‬‬
‫هـ‬15/3/1426
:‫ املصدر‬http://www.almoslim.net
‫ــــــــ‬

236
‫القدوة ‪ ...‬القدوة !!‬
‫عبد اهلل البصري‬
‫ٍ‬
‫ستلزمات‬ ‫جديد‪ ،‬قَد هيَّأنا ألبناِئنا فيه ُك َّل ما حيتاجونه ِمن ُم‬ ‫عام دراسي ٍ‬ ‫قبال ٍ‬ ‫وحنن نَستَعِ ُّد الستِ ِ‬
‫ٍّ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫َأذهان كث ٍري ِم َن اآلباء‪ :‬ملاذا‬ ‫وأقالم وحن ِوها‪ ،‬فَِإ َّن هاهنا تساؤالً قد ي ِرد على ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ب ودفاتَِر‬ ‫راسية‪ِ ،‬من ُكتُ ٍ‬‫ِد ٍ‬
‫َُ‬ ‫ُ‬
‫النتائج‬
‫َ‬ ‫فاجُأ بِ َّ‬
‫َأن‬ ‫كل ما يَطلبون‪ ،‬مث نُ َ‬ ‫العام َّ‬ ‫وال ِ‬ ‫عام ونَب ُذ ُل ونُ ِنف ُق‪ ،‬ونُ َو ِّفُر ألبناِئنا طُ َ‬ ‫كل ٍ‬ ‫أول ِّ‬ ‫نَستَعِ ُّد يف ِ‬
‫يميَّةَ ِم َن املتفوقني‪ ،‬مث‬ ‫ِ‬
‫األبناء مسريتَه التَّعلِ ِ‬ ‫بدُأ َع َد ٌد ِم َن‬
‫َ ُ‬ ‫َأضعف ِم َن الذي قَبلَهُ؟ وملاذا يَ َ‬ ‫ُ‬ ‫هناية ُك ِّل ٍ‬
‫فصل‬ ‫يف ِ‬
‫النجاح ِ‬
‫ِ‬
‫التفوق‬ ‫عد‬
‫خمف ًقا‪ ،‬وبَ َ‬ ‫ِ‬ ‫تفوقُهُ ويَِق ُّل نَ َشاطُهُ‪ ،‬حىت ِإنه قد يُصبِ ُح بَ َ‬
‫عد‬ ‫ص ُّ‬ ‫األعوام إال َوين ُق ُ‬‫ُ‬ ‫متر به‬
‫ال ُّ‬
‫الكالم عليها وتفصيلُها حبثًا طويالً ودراسة‬ ‫ُ‬ ‫حيتاج‬
‫َّد ًة‪ُ ،‬‬ ‫َأن هلذا األم ِر أسبابًا كثري ًة ُمعق َ‬ ‫صًرا؟ َو َم َع َّ‬ ‫ُم َق ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫مفصلة‪ِ ،‬إالَّ َّ‬
‫جيب َأن يَعيَها اآلباءُ‬ ‫اهنا َمسَألَةً ُمه َّمةً يَنبغي التَّنَبُّهُ هلا‪ ،‬بل هي قاعدةٌ تربويةٌ ُ‬ ‫َأن َه ُ‬
‫وهم‪ ،‬والتِ َه ِام ما يَطَّلِعون عليه يف‬ ‫ِِ‬
‫ب َما يُلقيه عليهم ُمعلِّ ُم ُ‬ ‫واألولياء‪ ،‬قَبل َأن يطالِبوا َأبناءهم بِتَ َشُّر ِ‬
‫َ‬ ‫ُ َ ُ ُ‬
‫النموذج‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ومستَقبَ ِل َأم ِرهم‪ ،‬تلكم هي َمسألةُ ُو ُجود ال ُقدوة احلسنة‪َ ،‬وَت َو ُّفُر‬ ‫ِ‬ ‫هِتِ‬ ‫ُكتُبِ ِهم‪،‬‬
‫ِ‬ ‫والنجاح يف حيا م ُ‬ ‫ِ‬
‫احلي الذي حُي ت َذى‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫وما َج ِام َد ًة ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫َّن املعلومات وال َق َواع َد اليت يتلقَّاها األبناءُ يف حماض ِن الرتبية َوَأماك ِن التعلي ِم‪ ،‬تَب َقى َر ُس ً‬
‫أب أو ٍ ٍ‬ ‫َّطبيق ِمن ٍ‬ ‫وح الت ِ‬ ‫ِ‬
‫مثارها‬
‫أخ كبري‪ ،‬آتَت َ‬ ‫َحيَا َة فيها وال حَر َاك‪ ،‬فإذا َهيََّأ اهللُ هلا َمن يَن ُف ُخ فيها ُر َ‬
‫الراسية‪َ ،‬و ََّأما ِإ َذا كان املعلمون‬ ‫ِ‬ ‫وخ ِ‬
‫اجلبال‬ ‫هِلِ‬ ‫ِ‬ ‫وظَهرت آثارها‪ ،‬ورسخت يف ِ‬
‫الطالب وعُ ُقو م ُر ُس َ‬ ‫أذهان‬ ‫ُ ََ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫املتعلم َعلَي ِهم من‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫َألف لَبِنَة مبا َيَراهُ‬
‫اجملتمع َ‬ ‫ُ‬ ‫ضعيفةٌ ـ مث يَهد ُم‬ ‫ولألسف َ‬ ‫يَبنُو َن ُك َّل يَوم لَبِنَةً ـ وهي‬
‫اب َأن‬ ‫واآلد ِ‬ ‫ِ‬
‫صرح اَألخالق َ‬ ‫كيف لِ ِ‬ ‫ِ‬
‫قوم ويَرتَف َع؟ َو َ‬ ‫وما َأن يَ َ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫خمالفات ملا َت َعلَّ َمه‪ ،‬فََأىَّن لبُنيان العل ِم يَ ً‬
‫ٍ‬
‫ب ويَشتَدَّ؟‬ ‫يَصلُ َ‬
‫مىت يبلُغ البنيا ُن يوما مَتَامه *** ِإ َذا ُكنت تَبنِ ِيه و َغري َك ي ِ‬
‫هد ُم‬ ‫َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َُ َ ً َُ‬
‫َألف َه ِادِم‬ ‫ٍ‬ ‫ان ال َت ُق هِل ِ‬ ‫َأرى َألف ب ٍ‬
‫يف بِبَان َخل َفهُ ُ‬ ‫وم َادٍم *** فَ َك َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫صالة الفج ِر مع اجلماعةِ‬ ‫ألداء ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الولد على الصالة َوَأبوهُ هلا م َن املهملني؟ كيف خي ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََ‬ ‫ظ ُ‬ ‫يف حياف ُ‬ ‫َك َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول والوفَاء بِ ِ‬ ‫دق يف ال َق ِ‬ ‫وأبوه عنها ِم َن املتكاسلني؟ مىت َيَت َعلَّ ُم ِّ‬
‫الوعد ‪ ،‬وهو َيَرى َوال َدهُ يَكذ ُ‬ ‫َ َ َ‬ ‫الص َ‬
‫الطالب الذي‬ ‫وشراِئِه ومعامالتِِه؟ َو َمن هذا‬ ‫ش يف بيعِ ِه ِ‬ ‫وخيلِف؟ مىت يعي حرمةَ الغِ ِّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ش َو َوال ُدهُ َيغُ ُّ َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ ُ‬
‫الر ِح ِم‪،‬‬
‫ب َسيُطَبِّ ُق َما َت َعلَّ َمهُ َعن ِصلَ ِة َّ‬ ‫َأي طَالِ ٍ‬ ‫اصم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ان ؟ َو ُّ‬ ‫وجارهُ ُمتالحيَان ُمتَ َخ َ‬ ‫َسيُك ِر ُم َج َارهُ‪َ ،‬و َوال ُدهُ ُ‬
‫وق ِإخواهِنِم املسلمني‪ ،‬أو‬ ‫ف أبناُؤ نا ُح ُق َ‬ ‫قاط ٌع لِبَين َع ِّم ِه وأقاربِِه؟ وهل َسيَع ِر ُ‬ ‫َألخيه م ِ‬
‫ُ‬
‫وَأبوه مصا ِرم ِ‬
‫َ ُُ ٌ‬
‫َأضد ِاد ذلك؟!!‬ ‫حنن نُ َع ِّو ُد ُهم َعلى َ‬ ‫ٍ‬ ‫َأنظمةً ويعملُون بِتَعلِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫يمات‪ ،‬أو حيافظون على ُم َقدَّرات‪َ ،‬و ُ‬ ‫َ‬ ‫يقدرون َ َ َ‬
‫ات اليت يَصطَ ِد ُم هبا َأبناُؤ نا بَ َ‬
‫عد‬ ‫ِإنَّه َألمر يَت َقطَّع منه ال َقلب أسى‪َ ،‬أن نَكو َن ـ حنن اَألولياء ـ ََّأو َل الع َقب ِ‬
‫ََ‬ ‫ُ ََ‬ ‫ُ ً‬ ‫ُ ٌَ ُ‬
‫ظ‬‫كفي ُكم ِحف ُ‬ ‫سان حالِنا‪ :‬ي ِ‬ ‫ول هلم بِلِ ِ‬ ‫اسة‪ ،‬حىت لَ َكَأنَّنَا َن ُق ُ‬ ‫اه ِد الدِّر ِ‬
‫ات التعلي ِم ومع ِ‬ ‫وج ِهم ِمن م َّسس ِ‬ ‫خر ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ََ‬ ‫َُؤ َ‬ ‫ُُ‬

‫‪237‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ما َتعلَّمتُموه يف ع ُقولِكم‪ ،‬مث تفريغُه على ِ‬
‫عد ذلك طَبَّقتُ ُموهُ‬ ‫يهمنا بَ َ‬‫االختبارات‪ ،‬وال ُّ‬ ‫اإلجابة يف‬ ‫أوراق‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ ُ ُ‬
‫َأم َأمهلتُ ُموهُ!!‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني َما َي ُقولُهُ يف املدرسة وما يَعملُهُ‬ ‫لحظُهُ طالبُهُ من فَرق بَ َ‬ ‫ني‪ S،‬مبا يَ َ‬ ‫املعلم هو ََّأو َل اهلادم َ‬ ‫ني يَكو ُن ُ‬ ‫َو ََّأما ح َ‬
‫ميشي‬ ‫اطنًا ِ‬ ‫الفصل‪ ،‬وتَصُّرفاتِِه املغايِر ِة مو ِ‬
‫ُ َ َُ‬ ‫ِ َ َ‬ ‫ني ََأو ِام ِر ِه املِثالِيَّ ِة ُم َعلِّ ًما يف‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫خارجها‪ ،‬ومبا َيَرونَهُ من ُم َف َارقَات بَ َ‬ ‫َ‬
‫لك هي َأكرب خ ِطيئةٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ َ‬ ‫ف ممَّا كان يُلقيه يف ُد ُروسه َشيًئا‪ ،‬فَِإ َّن ت َ‬ ‫ِع أو يف السوق‪ ،‬وكأنه ال يَع ِر ُ‬ ‫يف الشَّار ِ‬
‫نب يَق ِرتفُهُ ويُ َه ِّو ُُن على طالبِِه اقرتافَهُ‪.‬‬ ‫رتكبُها يف َح ِّق جمتمعِ ِه‪ ،‬وَأعظَم َذ ٍ‬
‫َ ُ‬
‫ي ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫ك كان َذا التَّعل ُ‬ ‫الر ُج ُل امل َعلِّ ُم َغ َريهُ *** َهالَّ لنَفس َ‬ ‫يا أيها َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫صف الدَّواء لِ ِذي ِّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫َأنت َسق ُ‬ ‫يما يَص َّح بِه َو َ‬ ‫الس َقام َوذي الضَّنَا *** َك َ‬ ‫تَ ُ َ َ‬
‫الرش ِاد ع ُقولَنا *** َأبداً وَأنت ِمن َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الر َشاد َعدميُ‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫َو َنَر َاك تُصل ُح بِ َّ َ ُ َ‬
‫ِ‬ ‫بدْأ بِنَ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم‬
‫َأنت َحك ُ‬ ‫انت َهت َعنهُ فَ َ‬ ‫ك فَاهنََها َعن َغِّي َها *** فَِإ َذا َ‬ ‫فس َ‬ ‫اَ‬
‫ِ‬
‫يم‬
‫نك َويَن َف ُع التَّعل ُ‬ ‫ول َويُقتَ َدى *** بِالعِل ِم ِم َ‬ ‫اك يُقبَ ُل َما َت ُق ُ‬ ‫َف ُهنَ َ‬
‫ِ‬ ‫ال تَنهَ َعن ُخلُ ٍق َوتَأيتَ ِمثلَهُ *** َع ٌار َعلَ َ‬
‫يم‬
‫لت َعظ ُ‬ ‫يك ِإ َذا َف َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫العم ِل‪ ،‬وَتنَاغُ ٌم بَ َ ِ ِ‬ ‫اك َتوافُق ب ِ‬ ‫ِإ‬
‫املدرسة‬ ‫داخل‬
‫ني التَّنظري َوالتَّطبيق‪َ ،‬وبيَئةٌ َ‬ ‫ني العل ِم َو َ َ َ‬ ‫كن ُهنَ َ َ ٌ َ َ‬ ‫نَّهُ َما مل يَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِإ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫زيدنَا‬
‫وسا‪َ ،‬فلَن يَ َ‬ ‫لم ً‬ ‫لمَت َعلِّ ِم فيها َش َواه ُد حيَّةٌ على مكانيَّة حتقُّق َما َت َعلَّ َمهُ َواق ًعا َم ُ‬ ‫وخارجها َيَت َهيَُّأ ل ُ‬‫َ‬
‫قول ـ ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ـ‪ " :‬يَا أيها الذين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التَّعلُّ ُم حينَ ذ الَّ َمقتًا َألن ُفسنَا‪َ ،‬شاه ُد ذلك يف كتاب َربِّنا‪ ،‬إذ يَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ٍ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫فعلُون " لََقد كان كثريٌ ِمن‬ ‫آمنوا مِل َت ُقولُو َن ما ال تَفعلُو َن‪َ .‬كبر مقتًا ِع َ ِ‬
‫ند اهلل َأن َت ُقولُوا َما ال تَ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وم‪ ،‬الذين ال‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ليل‪َ ،‬كانوا َخ ًريا من َكث ٍري من َأبنا نا اليَ َ‬
‫ِ‬
‫ب م َن العل ِم قَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َأجد ِادنا وآبا نا و ُهم على َجان ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫فظ ِه‪َ ،‬و ِمن‬
‫اف املَتعلِّ ِمني‪ ،‬ألهنم اكتفوا ِمن العِل ِم حِبِ ِ‬ ‫نُس ِّمي ِهم متعلِّ ِمني‪ ،‬ولَ ِكن ِحي ُّق َأن نَ ِسمهم بَِأنص ِ‬
‫َ‬ ‫َُ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫َُ َ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الواق ِع م ُنهم بتَطبيق وحتقيق‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأرض َ‬ ‫ظ ُ‬ ‫ظهار َها ‪ ،‬ومل حت َ‬ ‫َق َواعده باست َ‬
‫يق ملا َت َعلَّمتُم‪ ،‬فَِإ َّن‬
‫يق التَّطبِ َ‬ ‫دو َة‪َ ،‬ويَا أيها اَألبناءُ‪ ،‬التَّطبِ َ‬ ‫دو َة ال ُق َ‬ ‫َفيَا أيها اآلباءُ واألولياءُ واملعلمو َن‪ ،،‬ال ُق َ‬
‫لم ِإ ْذ‬ ‫ب‪ ،‬خري ِمن كث ٍري ِمن العِل ِم بِال عم ٍل‪ ،‬و ما َن َقص الي ِ‬ ‫اَألد ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫هود ع ٌ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫وحس ِن َ‬ ‫الع َم ِل ُ‬ ‫قليالً م َن العل ِم َم َع َ‬
‫عملُوا‪َ ،‬و َت َعلَّ ُموا َفلَم يُطَبِّقوا‪َ ،‬و َعَرفُوا َفلَم يَ َلز ُموا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِإ‬ ‫ِ‬
‫ب َعلَيهم‪َ ،‬و منا ألهنم َعل ُموا َفلَم يَ َ‬ ‫َم َقَت ُه ُم اهللُ و َغض َ‬
‫وهم يَعلَ ُمو َن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اقتَرفوا املََعاص َي ُ‬ ‫وارتكاب النواهي‪َ ،‬و َ‬ ‫ِ‬ ‫اَألو ِام ِر‬ ‫ِ‬
‫حتايلُوا على خمالََفة َ‬ ‫بل َ‬
‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫احلق جمبولُون‪،‬‬ ‫ِّباع ِّ‬ ‫ورو َن‪َ ،‬و َعلَى ات ِ‬ ‫أيها اآلباءُ واملعلمون‪َّ ،‬ن األبناءَ يُولَ ُدو َن َو ُهم على اخلري َمفطُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت تِ َ‬
‫لك‬ ‫ك تَثبِ َ‬ ‫الذين منل ُ‬‫وحنن َ‬
‫ِ ِ‬
‫وس ُهم على اخلري ُمقبلَةٌ‪ُ ،‬‬ ‫نش ِر َحةٌ‪َ ،‬ونُ ُف ُ‬ ‫ور ُهم ُم َ‬ ‫ص ُد ُ‬ ‫ُقلُوبُ ُهم طَاهَرةٌ ‪َ ،‬و ُ‬
‫صَرانِِه‬ ‫طر ِة‪ ،‬فَ ََأب َواهُ يُ َه ِّو َدانِِه َأو ميُ ِّج َسانِِه َأو يُنَ ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫طرةَ َأو تَغي َري َها‪ ،‬قال ـ ‪ ‬ـ‪ُ " :‬ك ُّل َمولُود يُولَ ُد على الف َ‬ ‫الف َ‬
‫دوةً هلم‬ ‫اهلل اليت فُ ِطر َأبنَاُؤ نا علَيها جب ِ ِ‬ ‫يت فِطر ِة ِ‬ ‫" فَماذَا حنن فاعلون؟! هل سنعمل على تَثبِ ِ‬
‫عل َأنفسنا قُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ‬
‫ضلِّلَةَ َفَت َفَّر َق هبم عن‬ ‫السبُ َل املغ ِويَةَ امل َ‬ ‫اط املستَ ِقي ِم؟ َأم َسنرتُ ُك ُهم َيتَّبِعُو َن ُّ‬ ‫الصر ِ‬
‫َ‬ ‫يف اخل ِري وتَسي ِري ِهم على ِّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫السبِ ِيل؟‬
‫َّ‬

‫‪238‬‬
‫لء بطُ ِ‬ ‫ِ مِب ِ‬ ‫وع تَ ِ‬
‫ون‬ ‫ني‪َ ،‬فتَكتَفي َ ُ‬ ‫سم ٍ‬ ‫شر ِ‬ ‫هبائم يف َم ُ‬ ‫َّك ال َتَت َع َام ُل َم َع َ‬ ‫الرحيم‪ِ ،‬إن َ‬
‫ُ‬ ‫والوالد‬
‫ُ‬ ‫األب الكرميُ‬ ‫أيها ُ‬
‫ِئ ِ‬ ‫ِ‬ ‫يك ُّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫َأبناِئك و ُك هِتِ‬
‫ب‬‫ص َّ‬ ‫اُألم حينَ َما تَعجُز َعن َأبنَا َها‪ ،‬لتَ ُ‬ ‫لجُأ ِإلَ َ‬ ‫لست َجالَّ ًدا تَ َ‬ ‫سو م وتَوف ِري املأوى هلم‪َ ،‬و َ‬ ‫َ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّك مر ٍّ ِ‬ ‫جام َغضبِ َ ِ ِ‬
‫َأنت املعلِّ ُم‬
‫َّك َ‬ ‫ب َأن تَكو َن‪ ،‬بَل ِإن َ‬ ‫ب فَاض ٌل َو ُم َو ِّجهُ قَد ٌير‪َ ،‬أو َه َك َذا جي ُ‬ ‫ك َعلَيهم‪ ،‬لَكن َ ُ َ‬ ‫ََ َ‬
‫مخسةً أو ِستَّةً‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يب َألوالد َك وهم ال َيتَ َج َاو ُزو َن َ‬ ‫َأنت مل حُت س ِن الرَّت بيَةَ َوالتَّأد َ‬ ‫اس‪َ ،‬وِإ َذا َ‬ ‫اَألس ُ‬
‫اَألو ُل واملُريِّب َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫رات ِم َن‬ ‫الفصل ِعش ِرين طالبا أو ثالثِني‪ ،‬أو م ِديرا يف م ِ ِ‬
‫الطالب‪،‬‬ ‫درسته َع َش ٌ‬ ‫َ ُ ً َ َ‬ ‫َ ً‬ ‫ِ‬ ‫س يف‬ ‫فَال َتلُ ْم ُم َعلِّ ًما يُ َد ِّر ُ‬
‫وابن ال َف ِق ِري‪،‬‬
‫ين ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اج تَربِيَات ُمَتغَايَِر ٍة‪ ،‬في ِهم الكبريُ والصغريُ‪َ ،‬ومن بَين ِهم َولَ ُد الغَ ِّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ُهم من بُيُوت خمتلفة‪َ ،‬ونتَ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ك‪ُ ،‬كن بَِأبنَاِئ َ‬ ‫افه ْم ُم ِه َّمتَ َ‬
‫ور َك َو َ‬ ‫ف َد َ‬ ‫صاب‪ ،‬فَاع ِر ْ‬ ‫يض َأو املُ ُ‬
‫ِ‬
‫وفي ِهم َمن َف َق َد ًُّأما َأو َأبًا‪َ ،‬وم ُنهم املَِر ُ‬
‫بال اَألو ِ‬
‫اص ِر‬ ‫ك وب َينهم‪ ،‬و ُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اشد ْد ح َ َ‬ ‫وشا‪َ ،‬ق ِّو العالقَةَ بَينَ َ َ ُ َ‬ ‫ودا بَ ُش ً‬ ‫ك َم َع ُهم َو ُد ً‬ ‫يما َشفي ًقا‪ ،‬ويف َت َع ُامل َ‬ ‫َرح ً‬
‫احْب ُهم َو َحافِ ْظ على‬ ‫ك قَبل َأن َتلُوم اآلخ ِرين‪ ،‬ص ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫فس َ َ‬
‫ِ ِ ِِ‬
‫ب َغ َري َك برَت بيَتهم‪ ،‬ومُلْ نَ َ‬
‫ِ‬
‫بل َأ ْن تُطال َ‬
‫ِ‬
‫هبم‪َ ،‬رهِّب م قَ َ‬
‫اب ال َف َس ِاد‪َ ،‬فُيغَِّيُروا فِطََر ُهم‬ ‫َأصدقاء ُّ ِ‬ ‫فِطَ ِر ِهم سلِيمةً وَأخال َقهم حسنةً‪ ،‬قَبل َأن يتلَ َّق َفهم ِ‬
‫َأصح ُ‬
‫السوء َو َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ َ َ َ ََ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قول اهللُ ـ ‪-‬‬ ‫بل املدرسة ومن فيها‪ ،‬يَ ُ‬ ‫اَألو ُل َع ُنهم قَ َ‬ ‫ول َّ‬ ‫َأنت املسُؤ ُ‬ ‫َ‬ ‫َويَعِيثُوا بَِأخالق ِهم‪ ،‬تَ َذ َّك ْر َأن َ‬
‫َّك‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َواحلِ َج َارةُ َعلَ َيها َمالِئ َك ٌة‬ ‫ُ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ود‬ ‫ق‬ ‫و‬
‫َ ً َ ُ َُ‬ ‫ا‬‫ار‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫َأهل‬ ‫و‬‫ين َآمنُوا قُوا ُ َ َ‬
‫م‬ ‫ك‬
‫ُ‬ ‫س‬ ‫ف‬ ‫َأن‬ ‫سبحانه ‪ -‬ـ‪ " :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ك‬‫"وْأ ُم ْر َأهلَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫ويقول ـ ‪ -‬سبحانه ‪ -‬ـ‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ؤمُرو َن "‬ ‫فعلُو َن َما يُ َ‬ ‫عصو َن اهللَ َما ََأمَر ُهم َويَ َ‬ ‫غال ٌظ ش َد ٌاد ال يَ ُ‬
‫ويقول ـ ‪ -  -‬ـ‪ُ " :‬كلُّ ُكم‬ ‫ُ‬ ‫العاقِبَةُ لِ َّلت ْق َوى"‬
‫ك َو َ‬ ‫رزقُ َ‬‫ك ِرزقاً حَن ُن نَ ُ‬ ‫اصطَرِب ْ َعلَ َيها ال نَ ْسَألُ َ‬ ‫الصالة َو ْ‬
‫بِ َّ ِ‬
‫ويقول‪ِ" :‬إ َّن اهللَ َساِئ ٌل‬ ‫ِ‬ ‫سؤول َعن َر ِعيَّتِ ِه"‬
‫ُ‬ ‫ول"‬‫ضيِّ َع َمن َيعُ ُ‬ ‫ويقول‪َ " :‬ك َفى بِاملرء ِإمثًا َأن يُ َ‬ ‫ُ‬ ‫اع و ُكلُّ ُكم َم ٌ‬ ‫َر ٍ‬
‫َ‬ ‫ُك َّل رج ٍل ع َّما اسرتعاه ِ‬
‫"مُروا َأوال َدكم‬ ‫ويقول‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫َأهل بَيتِ ِه"‬
‫الر ُج َل َعن ِ‬ ‫سَأل َّ‬‫ضَّي َعهُ حىت يَ َ‬ ‫ظ ذلك َأم َ‬ ‫أحف َ‬ ‫َُ‬ ‫َُ َ‬
‫وهم عليها لِ َعش ٍر"‪.‬‬ ‫الصالة ل َسب ٍع َواض ِربُ ُ‬
‫بِ َّ ِ ِ‬
‫الن َف َق ِة على َأبنَاِئكم‪ ،‬ال يف طَ َع ٍام وال كِ َس ٍاء‪ ،‬وال َم ًأوى وال‬ ‫ب َّ‬ ‫صروا يف و ِاج ِ‬
‫َ‬ ‫إنَّكم ـ أيها اآلباءُ ـ مل ُت َق ِّ ُ‬
‫االت‪َ ،‬وأنتُم على‬ ‫الري ِ‬ ‫ِ‬
‫وب ُهم ب ِّ َ‬ ‫يارات‪َ ،‬ومألمت ُجيُ َ‬
‫الس ِ‬
‫وه ُم َّ َ‬ ‫اَألجس َام‪َ ،‬أركبتُ ُم ُ‬
‫َ‬ ‫اَألجس َاد َومسَّنتُ ُم‬
‫َ‬ ‫َد َو ٍاء‪َ ،‬ربَّيتُ ُم‬
‫ينار‬ ‫ذلك ِإ َذا اقتصدمت وَتو َّسطتم مأجورو َن مثابون‪ ،‬قال ـ ‪ -  -‬ـ‪َ" :‬أفضل ِدينَا ٍر ي ِنف ُقه‪ِ َّ S‬‬
‫الر ُج ُل د ٌ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َُ‬ ‫ََ ُ َ ُ ُ ُ‬
‫بيل ِ‬ ‫َأصحابِِه يف َس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اهلل" رواه‬ ‫ينار يُنف ُقهُ‪ S‬على َ‬ ‫ينار يُنف ُقهُ‪ S‬على َدابَّته يف َسبِ ِيل اهلل‪َ ،‬ود ٌ‬ ‫يُنف ُقهُ على عيَاله‪ ،‬ود ٌ‬
‫ينار أنفقتَهُ يف‬ ‫يث أيب هرير َة ـ ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬ـ‪ِ " :‬دينار َأنف َقته يف س ِ ِ ِ‬ ‫مسلم‪ ،‬ولَه ِمن ح ِد ِ‬
‫بيل اهلل‪ ،‬ود ٌ‬ ‫ٌ َُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ َ‬
‫َأجرا الذي َأن َفقتَهُ على‬ ‫ِ‬ ‫سك ٍ ِ‬ ‫ودينار تَصدَّقت بِِه على ِم ِ‬ ‫ر َقب ٍة‪ِ ،‬‬
‫ك‪َ ،‬أعظَ ُمها ً‬ ‫ينار َأنفقتَهُ على َأهل َ‬ ‫ني‪ ،‬ود ٌ‬ ‫ٌ َ َ‬ ‫ََ‬
‫ول َوِإ ِ‬
‫صالح‬ ‫ت واَألب َقى‪َ ،‬أهلل َأهلل يف تَربِي ِة الع ُق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫اَأله ِّم واَألمسى‪َ ،‬أهللَ َأهللَ يف اَألثبَ َ‬ ‫ك " فََأهللَ َأهللَ يف َ‬ ‫َأهل َ‬
‫اَألخالق َف َه ِّذبُوها‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫اب‬‫اآلد َ‬ ‫َ‬ ‫اَألخالق‬
‫َ‬ ‫دوةَ َف َو ِّفُروها‪،‬‬ ‫دوةَ ال ُق َ‬ ‫اح َفَز ُّكوها‪ ،‬ال ُق َ‬ ‫اَألرو َ‬
‫اح َ‬ ‫اَألرو َ‬‫ال ُقلُوب‪َ ،‬‬
‫اب َف َعلِّ ُموها‪.‬‬ ‫اآلد َ‬
‫َ‬
‫سرا ُن‬ ‫يا خ ِادم اجلِس ِم َكم تَسعى خِلِدمتِ ِه *** َأتعبت نفسك فِ ِ ِ‬
‫يما فيه ُخ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ‬
‫وح ال بِاجلِس ِم ِإنسا ُن‬ ‫الر ِ‬ ‫َأنت بِ ُّ‬
‫ضا لَ َها *** فَ َ‬
‫كمل فَ ِئ‬
‫وح فَاستَ ِ ْ َ‬ ‫الر ِ‬ ‫َأقبِ ْل َعلى ُّ‬

‫‪239‬‬
‫عد تَربِي ٍة حسنَ ٍة و ََأد ٍ‬ ‫الت َفق ُِّه‪ ،‬فَِإنَّهُ ال ِع ِإ‬ ‫ِ‬
‫ب َج ٍّم‪َ ،‬و َه َذا‬ ‫لم الَّ بَ َ َ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫بل َّ‬‫وهم قَ َ‬ ‫بل التَّعلي ِم‪َ ،‬و َِّأدبُ ُ‬
‫َربُّوا َأبنَاءَ ُكم قَ َ‬
‫اط ِ‬ ‫ِ‬
‫يك‬
‫اخلَ ْع نَعلَ َ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫ول‪ِ " :‬إيِّن َأنَا َربُّ َ‬ ‫وسى ‪ -‬عليه السالم ‪َ -‬فَي ُق ُ‬ ‫يمهُ ُم َ‬
‫ب َكل َ‬ ‫َربُّ ُكم ـ ‪ -‬جل وعال ‪ -‬ـ خُي ُ‬
‫وحى‪ِ .‬إنَّين َأنَا اهللُ ال ِإلَهَ ِإال َأنَا فَاعبُ ْدين َوَأقِ ِم‬ ‫ِ ِ‬
‫ك فَاستَم ْع ل َما يُ َ‬ ‫َّس طًُوى‪َ .‬وَأنَا اخرَت تُ َ‬ ‫الو ِاد امل َقد ِ‬ ‫ِإن َ ِ‬
‫َّك ب َ‬
‫احلد ِ‬‫ان َف َق َال‪ " :‬اِخلَع نَعلَيك " وعلَّمه َأدب ِ‬ ‫الصال َة لِ ِذك ِري " لََقد علَّمه ‪ -‬سبحانه ‪َ -‬أدب امل َك ِ‬ ‫ُ‬
‫يث‬ ‫َ َ َ َُ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬ ‫َّ‬
‫قه‪ S،‬وهو الت ِ‬ ‫َ‬
‫َف َق َال‪ " :‬فَاستَ ِمع ملا يوحى " مث َأوحى ِإلَ ِيه بَِأج ِّل ِعل ٍم وأفض ِل فِ ٍ‬
‫والش ِر َيعةُ َف َق َال‪" :‬‬
‫يد َّ‬ ‫َّوح ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُ َ‬
‫ِ‬
‫ِأنس ـ رمحةُ اهلل عليه‬ ‫مام مالك بن ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصال َة لذك ِري " و َهذه ُُّأم اِإل ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِإنَّين َأنَا اهللُ ال ِإلَهَ ِإالَّ َأنَا فَاعبُدين َوَأق ِم َّ‬
‫َ‬
‫رأس ِه‪،‬‬
‫اب‪ ،‬مث َأدنَته ِإلَيها ومسحت على ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫وعليها ـ ملا أرادت البنِها َأن يطلُب العِلم َألبستهُ َأحسن الثِّي ِ‬
‫ََ َ‬ ‫َ َ َ ََ‬
‫بل َأن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫وقَالَت‪ :‬يا ب ِ‬
‫شمته قَ َ‬ ‫س يف جملسه‪َ ،‬و ُخ ْذ من ََأدبه َو َوقَاره َوح َ‬ ‫ب إىل جمالس َرب َيعةَ‪َ ،‬واجل ْ‬ ‫ذه ْ‬‫ين‪ ،‬ا َ‬ ‫َ ُ َّ‬ ‫َ‬
‫س الطَّلَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ .‬وهكذا‬ ‫ب قَبل َأن جيلس يف جمل ِ‬
‫َ‬ ‫اَألد َ َ‬ ‫أخ َذ من علمه‪ - S..‬فَرمحها اهلل ‪َ -‬ما َأع َقلَ َها! َعلَّ َمتهُ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِجيب َأن يكو َن ِ ِ ِ‬
‫ني ذلك‬ ‫ب َم َع ُم َعلِّميه ويف مدرسته‪ ،‬ال َأن جيعال بَينَهُ وبَ َ‬ ‫الوال َدان البن ِه َما‪ ،‬يُ َعلِّ َمانه َ‬
‫اَألد َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫َسدًّا مبا يَسقيَانه من َم َسا ِو اَألخالق‪ ،‬أو يُقَّرانه عليه من َمرذُول الطِّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اَألدب‪.‬‬ ‫باع َوقَل ِيل َ‬
‫واحرتام‬
‫َ‬ ‫ب ُكتُبِ ِهم‬ ‫س يف ُقلُوهِبِم ُح َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ب َم َع ُم َعلِّميهم‪َ ،‬وَأن نَغر َ‬ ‫ِإنَّنا ِإ َذا استَطَعنَا َأن نُ َعلِّ َم َأبنَاءَنَا َ‬
‫اَألد َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صل هبم إىل مع ِرفَ ِة قِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِِ‬
‫ب‬
‫ذه َ‬‫السَرى‪َ ،‬وأالَّ تَ َ‬ ‫حتم ُدوا ُّ‬ ‫يل لكم بَأن َ‬ ‫يمة ُك ِّل ذلك‪ ،‬فإين َكف ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َم َدارسهم‪َ ،‬وأن نَ َ‬
‫لم َدا ِر ِس طالبًا بِال‬ ‫عف مستوى‪ََّ ،‬أما ِحني نُ َقد ِ‬ ‫جهو ُد ُكم س ًدى‪ ،‬وَأالَّ تَ ْش ُكوا ِمن تَ َديِّن َدرج ٍة َأو َ ِ‬
‫ِّم ل َ‬‫َ ُ‬ ‫ض ُ ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُُ‬
‫ِ‬ ‫قدمو َن‪ S،‬فَِإمنا نَضع ب ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مجر فيه‪،‬‬ ‫ني َر َم ًادا ال َ‬ ‫ني َأيدي املَُعلِّم َ‬ ‫َُ َ َ‬ ‫يمةَ َما ُهم َعلَيه ُم ُ‬ ‫ََأدب‪ ،‬طالبًا ال يَع ِرفُو َن ق َ‬
‫ول‬
‫واهلل ـ َولَو َن َف َخ طُ َ‬ ‫الرم ِاد يوقِ ُد نَارا؟ ال ـ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ً‬ ‫يف نُطالُب ُهم َأن يُوق ُدوا منهُ نَ ًارا؟ َو َهل َتَرو َن نَاف ًخا يف َّ َ ُ‬ ‫فَ َك َ‬
‫طالب بال أدب َك َح ِال َمن قَ َال‪:‬‬ ‫عُم ِر ِه‪ِ .‬إ َّن َح َال ُم َعلِّ ٍم َم َع ٍ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت حيًّا *** َولَك ْن ال َحيَا َة ملن ُتنَادي‬
‫َ‬ ‫عت لَو نَ َاد َ‬ ‫لََقد َأمسَ َ‬
‫َأنت تَن ُف ُخ يف َر َم ِاد‬ ‫ِ‬
‫َأضاءَت *** َولَك ْن َ‬ ‫خت هبا َ‬ ‫َولَو نَ ًارا َن َف َ‬
‫نسأل اله ألبنائنا التوفيق والسداد‪ ،‬والنجاح يف حاضر أمرهم ومستقبله‪ ،‬إنه جواد كرمي‪.‬‬
‫‪ http://www.saaid.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪240‬‬
‫الرسول ‪ -  -‬القدوة‬
‫د‪ .‬عبد اللطيف بن إبراهيم احلسني‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا حممد وعلى آله وصحبه‬
‫أمجعني‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫فنحن ننتمي إىل اإلسالم‪ ،‬وهذا االنتماء هو الذي شرفنا اهلل ‪ -‬تبارك وتعاىل‪ -‬به ومسانا به‪ .‬ورسولنا‬
‫‪ -  -‬هو إمام الدعاة‪ ،‬وهو القدوة واألسوة والداعية املعلم الذي أمر اهلل‪ -‬تبارك وتعاىل ‪-‬باقتفاء‬
‫هنجه‪ ،‬وأن نقتدي به يف عبادتنا ودعوتنا وخلقنا ومعامالتنا ومجيع أمور حياتنا‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪" :-‬قُ ْل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫ني" [يوسف‪:‬‬ ‫َهذه َسبِيلي َْأدعُو ِإىَل اللَّه َعلَى بَص َرية َأنَا َو َم ِن اتََّب َعيِن َو ُسْب َحا َن اللَّه َو َما َأنَا م َن الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن َي ْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ ،]108‬وقال ‪ -‬تعاىل ‪" :-‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِرياً" [األحزاب‪]21 :‬‬
‫أوال‪ :‬أمهية املوضوع‪:‬‬
‫وتتضح أمهية موضوع الرسول ‪ -  -‬القدوة يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬إن الناظر يف األوساط الرتبوية اليوم ليلحظ قلة القدوة الصاحلة املؤثرة يف اجملتمعات اإلسالمية‪،‬‬
‫رغم كثرة أهل العلم والتقوى والصالح‪.‬‬
‫‪ -2‬إن املتأمل يف خضم احلياة املعاصرة جيد األمور قد اختلطت‪ ،‬والشرور قد سادت‪ ،‬وأصبح النشء‬
‫والشباب يُرددون‪( S:‬حنن ال جند القدوة الصاحلة‪..‬فلماذا؟)‪.‬‬
‫‪ -3‬إن كثرياً من الناس اليوم بدالً من أن يتخذوا سرية نبيهم وقدوهتم حممد ‪ ،-  -‬تراهم قد‬
‫انشغلوا باملشاهري من املمثلني أو الالعبني‪ ،‬وما تراهم إال استبدلوا‬
‫الذي هو أدىن بالذي هو خري‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وجوب االقتداء بالرسول ‪:-  -‬‬
‫جيب على كل مسلم ومسلمة االقتداء والتأسي برسول اهلل ‪ ;-  -‬فاالقتداء أساس االهتداء‪ ،‬قال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ ل َم ْن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل خَر َوذَ َكَر اللَّهَ‬ ‫‪ -‬تعاىل ‪" :-‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫َكثِرياً" [األحزاب‪ ]21 :‬قال ابن كثري‪" :‬هذه اآلية أصل كبري يف التأسي برسول اهلل ‪ -  -‬يف‬
‫الناس بالتأسي بالنيب ‪ -  -‬يوم األحزاب يف صربه ومصابرته‬ ‫ِ‬
‫أقواله وأفعاله وأحواله‪ ،‬وهلذا ُأمَر ُ‬
‫ومرابطته وجماهدته وانتظاره الفرج من ربه ‪ -‬عز وجل ‪.)1( "-‬‬
‫فيحوله إىل واقع عملي حمسوس‬ ‫فمنهج اإلسالم حيتاج إىل بشر حيمله ويرتمجه بسلوكه وتصرفاته‪ِّ ،‬‬
‫وملموس‪ ،‬ولذلك بعثه ‪ -  -‬بعد أن وضع يف شخصيته الصورة الكاملة للمنهج‪ -‬ليرتجم هذا‬
‫املنهج ويكون خري قدوة للبشرية مجعاء‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫لقد كان الصاحلون إذا ذكر اسم نبينا حممد ‪ ;-  -‬يبكون شوقا وإجالال وحمبة لَهُ‪ ،‬وكيف ال‬
‫احلسن إذا‬
‫ُ‬ ‫حتول النيب ‪ ;-  -‬عنه إىل املنرب‪ ،‬وكان‬ ‫يبكون؟ وقد بكى جذع النخلة شوقا وحنينا ملا َّ‬
‫نني اجلذع وبكاءه‪ ،‬يقول‪" :‬يا معشر املسلمني‪ ،‬اخلشبة حتن إىل رسول اهلل ‪-  -‬‬ ‫ذَ َكَر حديث َح َ‬
‫شوقا إىل لقائه؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه" (‪.)2‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ -‬رمحه اهلل ‪" :-‬وإمنا ينفع العبد احلب هلل ملا حيبه اهلل من خلقه كاألنبياء والصاحلني؛‬
‫لكون حبهم يقرب إىل اهلل وحمبته‪ ،‬وهؤالء هم الذين يستحقون حمبة اهلل هلم" (‪.)3‬‬
‫وال بد من حتقيق احملبة احلقيقية لنبينا حممد ‪ ;-  -‬وتقدمي حمبته وأقواله وأوامره على من سواه‬
‫ب إليه مما سوامها‪ ) ..‬احلديث‬ ‫َأح َّ‬
‫(ثالث من كن فيه وجد هبن حالوة اإلميان‪ :‬أن يكون اهللُ ورسولُهُ َ‬
‫(‪.)4‬‬
‫إن واجبنا االقتداء بسرية النيب ‪ ;-  -‬وجعلها املثل األعلى لإلنسان الكامل يف مجيع جوانب‬
‫احلياة‪ ،‬واتباع النيب ‪ ;-  -‬دليل على حمبة العبد ربه‪ ،‬وسينال حمبة اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬لَهُ‪ ،‬ويف هذا يقول‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ " -‬قُ ْل ْن ُكْنتُ ْم حُت بُّو َن اللَّهَ فَاتَّبِعُويِن حُيْبِْب ُك ُم اللَّهُ َو َي ْغف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َواللَّهُ َغ ُف ٌ‬
‫ور‬
‫يم" [آل عمران‪ .]31 :‬فسرية الرسول ‪ -  -‬كانت سرية حية أمام أصحابه يف حياته وأمام‬ ‫ِ‬
‫َرح ٌ‬
‫أتباعه بعد وفاته‪ ،‬وكانت منوذجاً بشرياً متكامالً يف مجيع املراحل ويف مجيع جوانب احلياة العملية‪،‬‬
‫يعرف من خالل أقوالِِه وأفعالِِه فيتبع رسولَهُ حممداً‬ ‫مشاهد ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ومنوذجاً عملياً يف صياغة اإلسالم إىل واقع‬
‫اعه دليال على صدق حمبته‪ -‬سبحانه ‪.-‬‬ ‫‪ ،-  -‬وجيعل اتِّبَ َ‬
‫كما أن حمبة الرسول ‪ -  -‬أصل من أصول اإلميان الذي ال يتم إال به‪ ،‬عن عمر رضي اهلل عنه‪-‬‬
‫أحب إليه من والده‬ ‫قال رسول اهلل ‪(( :-  -‬والذي نفسي بيده ال يؤمن أح ُدكم حىت أكون َّ‬
‫وولده والناس أمجعني)) (‪.)5‬‬
‫ولقد كان الصحابة مجيعا ‪ -‬رضي اهلل عنهم ‪ -‬حيبون النيب ‪ -  -‬حبا صادقا محلهم على التأسي‬
‫"و َم ْن‬
‫به واالقتداء واتباع أمره واجتناب هنيه؛ رغبة يف صحبته ومرافقته يف اجلنة‪ ،‬قال ‪ -‬تعاىل ‪َ :-‬‬
‫ني‬‫ِّيقني والشُّه َد ِاء و َّ حِلِ‬ ‫ول فَُأولَِئك مع الَّ ِذين َأْنعم اللَّه علَي ِهم ِمن النَّبِيِّني و ِّ ِ‬ ‫يُ ِط ِع اللَّهَ َو َّ‬
‫الصا َ‬ ‫الصد َ َ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫َ ََ َ ََ ُ َ ْ ْ َ‬ ‫الر ُس َ‬
‫ك َرفِيقاً" [النساء‪ ]69 :‬ويف احلديث "املرء مع من أحب" (‪.)6‬‬ ‫َو َح ُس َن ُأولَِئ َ‬
‫وجاء يف حديث أنس رضي اهلل عنه‪ ;-‬بلفظ قال‪" :‬شهدت يوم دخل النيب ‪ -  -‬املدينة فلم ََأر‬
‫دخل املدينةَ فما رأيت يوماً قَط كان‬ ‫يوم َ‬ ‫أحسن وال أضوََأ منه" (‪ ،)7‬ويف رواية‪" :‬فشهدتُه َ‬ ‫َ‬ ‫يوماً‬
‫أظلم من‬ ‫أقبح وال َ‬ ‫أحسن وال أضوَأ من يوم دخل علينا فيه‪ ،‬وشهدته يوم مات فما رأيت يوماً كان َ‬ ‫َ‬
‫يوم مات فيه ‪. -" (8) -‬‬
‫ثالثا‪ :‬أمور مهمة يف االقتداء بالنيب ‪:-  -‬‬

‫‪242‬‬
‫‪ -‬ومن اجلوانب املهمة يف االقتداء بالنيب ‪-  -‬؛ أن سريته ‪ -  -‬يف إميانه وعبادته وخلقه‬
‫وتعامله مع غريه‪ ،‬ويف مجيع أحواله كانت سرية مثالية يف الواقع‪ ،‬ومؤثرة يف النفوس؛ فقد اجتمعت‬
‫فيها صفات الكمال وإحياءات التأثري البشري‪ ،‬واقرتن فيها القول بالعمل؛ وال ريب أن اإلحياء العملي‬
‫أقوى تأثرياً يف النفوس من االقتصار‪.‬‬
‫الناس ويقتدوا هبداهم‪ ،‬وأرسل‬ ‫على اإلحياء النظري؛ هلذه العلة أرسل اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬الرسل ليخالطهم ُ‬
‫الرسول ‪ -  -‬ليكون للناس أسوة حسنة يقتدون به‪ ،‬ويتأسون بسريته‪ ،‬قال املوىل‬ ‫َ‬ ‫اهلل ‪ -‬سبحانه ‪-‬‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِ َم ْن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر‬ ‫ِ ِ‬
‫‪ -‬عز وجل ‪ " -‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫اللَّهَ َكثِرياً" [األحزاب‪ ،]21 :‬وقد أمرهم ‪ -  -‬بالتأسي به فقال‪" :‬صلوا كما رأيتموين أصلي" (‬
‫مناس َك ُكم" (‪.)10‬‬ ‫‪ ،)9‬وقال ‪" :-  -‬لتأخ ُذوا ِ‬
‫ُ‬
‫وقال بعضهم يف االقتداء بالنيب ‪ -  -‬والتأسي به‪:‬‬
‫كراك حاديا‬ ‫يب ِذ َ‬ ‫ِ‬
‫إذا حنن أدجلنا وأنت َإم ُامنا *** كفى باملطايا ط ُ‬
‫ك َهاديا (‪)11‬‬ ‫ور َو ْج ِه َ‬
‫الطريق ومل جن ْد*** دليال ك َفانَا نُ ُ‬ ‫َ‬ ‫وإن حنن أضلَْلنَا‬
‫ومن األمور اليت جيدر التنبيه عليها أيضا يف االقتداء بالنيب ‪ -  -‬والتأسي به‪:‬‬
‫‪ -‬العمل بسنته باطنا وظاهرا‪ :‬مثل سنن االعتقاد وجمانبة البدعة وأهلها‪ .‬والسنن املؤكدة‪ :‬مثل سنن‬
‫األكل واللباس والوتر وركعيت الضحى‪ ،‬وسنن املناسك يف احلج والعمرة‪S..‬‬
‫‪ -‬تطبيق السنن املكانية‪ :‬الذهاب إىل مدينة رسول اهلل ‪ ،-  -‬والصالة يف مسجده‪ ،‬والصالة يف‬
‫مسجد قباء‪ ،‬والصالة يف الروضة الشريفة‪ ،‬وهي من رياض اجلنة اليت ينبغي التنعم فيها واالعتناء هبا‪،‬‬
‫قال ‪(( :-  -‬ما بني بييت ومنربي روضة من رياض اجلنة‪ ،‬ومنربي على حوضي)) (‪.)12‬‬
‫‪ -‬اإلكثار من الصالة عليه ‪ ;-  -‬كما يف قوله‪(( :‬من صلى علي صالة صلى اهلل عليه هبا عشرا))‬
‫(‪.)13‬‬
‫رابعا‪ :‬حاجة األمة إىل القدوات دوما بعد الرسول ‪:-  -‬‬
‫إن االقتداء بالرسول ‪ -  -‬يف الدعوة إىل اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬ليس باملوضوع اهلني‪ ،‬فإنه أمر جلل‪،‬‬
‫واألمة اإلسالمية اليوم‪ ،‬وهي تشهد صحوة وتوبة وأوبة إىل اهلل ‪ -‬تعاىل ‪ ،-‬وتشهد ‪-‬يف الوقت‬
‫نفسه‪ -‬مناهج وطرقاً خمتلفة يف الدعوة إىل اهلل‪ ..‬هي أحوج ما تكون إىل معرفة منهج النيب ‪،-  -‬‬
‫ومنهج األنبياء الكرام يف الدعوة إىل اهلل؛ فليس هناك منهج يقتدى به يف الدعوة والعلم والعمل إال‬
‫منهج النيب ‪ ،-  -‬ومن تبعه من الصحابة الكرام والسلف الصاحل‪.‬‬
‫فمنذ عهد الصحابة رضوان اهلل عنهم‪ -‬ومن تبعهم من الصاحلني والعلماء والدعاة وأهل الفضل‬
‫والتقى على مر العصور خلفوا سرية الرسول ‪ -  -‬يف عطائها وإحيائها وتأثريها؛ ألهنم ورثة‬

‫‪243‬‬
‫األنبياء‪ ،‬يقتدي هبم الناس يف اتباع هدي الرسول ‪ -  -‬والعمل بسنته‪ ،‬وبقيت سريهم بعد وفاهتم‬
‫نرباساً يضيء طريق حمبيهم إىل اخلري‪ ،‬ويرغبهم يف السري على منهج احلق واهلدى‪.‬‬
‫وعلى الرغم من اختفاء تلكم الشخصيات عن العيون إال أن سريها العطرة املدونة ال تزال بقراءهتا‬
‫تفوح مسكاً وطيباً‪ ،‬وتؤثر يف صياغة النفوس واستقامتها على اهلدى والصالح‪ ،‬قال بشر بن احلارث‪:‬‬
‫"حبسبك أقوام حتي القلوب بذكرهم‪ ،‬وحبسبك أقوام متوت القلوب بذكرهم"‪.‬‬
‫ذلك أن القدوة ال تزال مؤثرة وستبقى مؤثرة يف النفس اإلنسانية‪ ،‬وهي من أقوى الوسائل الرتبوية‬
‫تأثرياً يف النفس اإلنسانية‪ ،‬لشغفها باإلعجاب مبن هو أعلى منها كماالً‪ ،‬ومهيأة للتأثر بشخصيته‬
‫وحماولة حماكاته‪ ،‬وال شك أن الدعوة بالقدوة أجنح أسلوب لبث القيم واملبادئ اليت يعتنقها الداعية‪.‬‬
‫ويف التأكيد على أمهية القدوة احلسنة يف الداعية أو األستاذ وأثر ذلك يف تالميذه‪ ،‬نقل الذهيب‪" :‬كان‬
‫جيتمع يف جملس أمحد ُزهاء مخسة آالف أو يزيدون‪ ،‬حنو مخس مئة يكتبون‪ ،‬والباقون يتعلّمون منه‬
‫والسمت" (‪.)14‬‬‫ُح ْس َن األدب َّ‬
‫وقبل أن خنتم موضوعنا جيدر بنا أن نطرح تساؤال مهما كثريا ما يرد‪ :‬ما السبب يف قلة القدوة املؤثرة‬
‫إجيابياً يف الوسط الرتبوي؟‬
‫وتكون اإلجابة على هذا السؤال باألمور التالية (‪:)15‬‬
‫‪ -1‬عدم توافر مجيع الصفات التالية يف كثري من األشخاص الذين هم حمل لالقتداء‪:‬‬
‫أ‪ -‬االستعداد الذايت املتمثل يف طهارة القلب وسالمة العقل واستقامة اجلوارح‪.‬‬
‫ب‪ -‬التكامل يف الشخصية أو يف جانب منها حبيث يكون الشخص حمالً لإلعجاب وتقدير اآلخرين‬
‫ورضاهم‪ ،‬مع سالمة يف الدِّين وحسن اخللق‪.‬‬
‫ت‪ -‬حب اخلري لآلخرين والشفقة عليهم واحلرص على بذل املعروف وفعله والدعوة إليه‪ ،‬فمن كان‬
‫على هذه الصفة أحبه الناس وقدروه وتأسوا به‪ ،‬ومن فقد هذه الصفة مل يلتفتوا إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬عدم تسديد النقص أو القصور الذي قد يعرتي من هم حمل لالقتداء كاآلباء واملعلمني وأهل‬
‫العلم يف صفة من تلك الصفات مما يصرف الناس عن التأسي هبم‪ ،‬وهذا يرجع إىل عدم إدراك هؤالء‬
‫للواجب‪ ،‬أو عدم تصورهم ألثر القدوة يف الرتبية واإلصالح‪ ،‬أو لضعف شخصي ناتج عن استجابة‬
‫لضغط اجملتمع‪ ،‬أو لسلبية عندهم حنو املشاركة يف تربية الناشئة وإصالح أفراد اجملتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬مزامحة القدوات املزيفة املصطنعة للتلبيس على الناس وإضالهلم عن اهلدى وتزيني السوء يف‬
‫أعينهم‪ ،‬وصرفهم عن أهل اخلري وخاصة اهلل‪ ،‬فقد أسهم اإلعالم املنحرف واملشوب يف صناعة قدوات‬
‫فاسدة أو تافهة‪ ،‬وسلط عليها األضواء ومنحها من األلقاب والصفات واملكانة االجتماعية ما جعلها‬
‫تستهوي البسطاء من الناس أو ضعاف النفوس والذين يف قلوهبم مرض‪ ،‬وتوحي بزخرف القول الذي‬
‫يزين هلؤالء تقليدهم وحماكاهتم‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫‪" -4‬العناصر اخلرية قليلة يف سائر اجملتمعات‪ ،‬فما يكاد العامة يرون منوذجا جيداً حىت يسارعوا إىل‬
‫االلتفاف حوله والتعلق به" (‪.)16‬‬
‫ومن هنا تأيت احلاجة ملحة ألن نعيد إىل الناس بيان حياة الرسول ‪ -  -‬القدوة واألسوة احلسنة‬
‫للناس مجيعا‪ ،‬ونعىن برتبية األبناء والشباب‪ ،‬وإعطائهم الصورة الصحيحة للقدوة الصاحلة‪ ،‬وإبرازهم‬
‫الشخصية املستحقة لالتباع واالحتذاء‪.‬‬
‫وخنتم موضوعنا؛ يف الرسول ‪ -  -‬القدوة‪ ،‬بأن املسلم إذا راقب اهلل ‪ -‬تعاىل ‪-‬يف عباداته‬
‫وَأجَراها َوفْ َق ما أمر اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ;-‬وما أمر رسوله ‪ -  -‬كان مقتديا‬
‫ومعامالته ودعوته ْ‬
‫برسول اهلل ‪.-  -‬‬
‫صل على حممد وأزواجه وذريته‪ ،‬كما صليت على آل إبراهيم‪ ،‬وبارك على حممد وأزواجه‬ ‫اللهم ِّ‬
‫وذريته‪ ،‬كما باركت على آل إبراهيم‪ ،‬إنك محيد جميد‪.‬‬
‫‪----------------------------------------‬‬
‫(‪ )1‬تفسري القرآن العظيم‪ ،‬حتقيق‪ :‬سامي السالمة (‪.)6/391‬‬
‫(‪ )2‬سري أعالم النبالء (‪ ،)4/570‬وفتح الباري (‪.)6/602‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى (‪.)10/610‬‬
‫(‪ )4‬البخاري ح‪ ،16‬ومسلم ح‪.3‬‬
‫(‪ )5‬البخاري ج‪ 14‬و‪ ،15‬ومسلم ‪ 69‬و‪.70‬‬
‫(‪ )6‬رواه البخاري (‪.)6168‬‬
‫(‪ )7‬رواه احلاكم يف كتاب اهلجرة‪ ،‬رقم (‪ ،)4338‬وقال‪ :‬حديث صحيح على شرط مسلم‪ ،‬ومل‬
‫خيرجه‪.‬‬
‫(‪ )8‬رواه أمحد (‪.)3/287‬‬
‫(‪ )9‬البخاري (‪ ،)631‬ومسلم (‪.)674‬‬
‫(‪ )10‬مسلم (‪.)1297‬‬
‫(‪ )11‬الفوائد البن القيم‪( ،‬ص‪.)56 :‬‬
‫(‪ )12‬البخاري ح (‪ ،)1196‬ومسلم ح (‪.)1391‬‬
‫(‪ )13‬مسلم ح (‪.)284‬‬
‫(‪ )14‬سري أعالم النبالء (‪.)11/316‬‬
‫(‪ )15‬النقاط ‪ 3-1‬يراجع‪ :‬إجابة سؤال (قلة القدوة املؤثرة)‪ ،‬فضيلة شيخنا الدكتور أمحد بن عبد‬
‫العزيز احللييب‪ ،‬موقع اإلسالم اليوم على اإلنرتنت‪ ،‬تاريخ ‪17/6/1423‬هـ‬
‫(‪ )16‬الدعوة اإلسالمية حملمد يوسف‪ ،‬ص‪.73 :‬‬

‫‪245‬‬
7/10/1426
09/11/2005
:‫ املصدر‬http://www.islamtoday.net
‫ــــــــ‬

246
‫" القدوة " ذلك المربي الفاضل !‬
‫خالد عبد اللطيف‬
‫مشّاعة التقليد‪!..‬‬
‫الرتبية بالقدوة‪..‬استثمار عظيم!!‬
‫تعاين من عادة التقليد (احملاكاة) لدى صغارها أشد املعاناة‪ ،‬وتعزو إليها كل تصرف خاطئ غريب‬
‫لدى صغارها؛ فهم ‪ -‬يف رأيها ‪ -‬يرون األوالد اآلخرين فيتأثرون هبم‪ ،‬وحياكوهنم ‪! ..‬‬
‫أخرى تستثمر عادة احملاكاة لدى أطفاهلا خري استثمار؛ فلها خريها‪ ،‬وتستعني برهبا يف جتنيبهم تقليد‬
‫مر السنني جنت من " الرتبية بالقدوة " العديد من الصفات واألخالق‬ ‫التصرفات اخلاطئة‪ .‬وعلى ّ‬
‫الرائعة‪ ..‬يف حني مازالت األوىل تتش ّكى؛ وتعلّق قصور الرتبية‪ ،‬وغياب القدوة‪ ،‬على مشاعة التقليد!‬
‫شيمة أهل البيت!‬
‫سره ما رآه على ابن صديقه من السمت اهلادئ واألدب الظاهر‪ ،‬فابتدأ بالدعاء‬ ‫* يف زيارة أخوية‪ّ ..‬‬
‫له بالربكة واحلفظ‪ ،‬مث جتاذبا أطراف احلديث حول أسباب هذا اخلري‪ ،‬فلم جيد لديه كثري كالم‪" ..‬هو‬
‫فضل اهلل وتوفيقه؛‪ S‬مث احلرص على السمت نفسه داخل البيت‪ ،‬والتواصي به مع أمه يف كل أحاديثنا‬
‫وخلُقاً ألهل البيت كلهم‪ ،‬وهلل احلمد واملنة"!‬ ‫وشؤوننا؛ حىت ألفنا ذلك؛ فصار سجية ُ‬
‫بار بالسجيّة!‬ ‫ّ‬
‫خرج الصغري من املسجد بعد الصالة أمام والده‪ ،‬يسبقه إىل نعله ليضعه أمام قدميه! صورة من الرب‬
‫مليئة باملعاين؛ فلعلها بعض جزاء ّبر الوالد بأبيه لقيه يف ذريته (وجزاء اآلخرة خري وأبقى)‪ ،‬وهي‬
‫صورة من الرتبية على تعظيم حق الوالدين‪ ،‬وغرس بعض األفعال العملية فيهم مما يعينهم على إدمان‬
‫الرب؛ حىت تتشربه نفوسهم فيتحول ‪ -‬بدوره ‪ -‬إىل سجية ال عناء فيها!‬
‫حروف اخلتام‪..‬‬
‫قال التابعي اجلليل سعيد بن املسيب ‪ -‬رمحه اهلل ‪ -‬لولده‪ " :‬يا بين‪ ..‬إين ألطيل يف صاليت رجاء أن‬
‫صاحِلًا} يف سورة الكهف يف قصة الغالمني‬ ‫{و َكا َن َأبُومُهَا َ‬
‫ُأحفظ فيك "! وذكر قوله ‪ -‬تعاىل ‪َ : -‬‬ ‫ْ‬
‫اليتيمني صاحيب اجلدار‪:‬‬
‫ك َأ ْن‬ ‫{و ََّأما اجْلِ َدار فَ َكا َن لِغُالم ِ يتِيم ِ يِف الْم ِدين ِة و َكا َن حَت ته َكنز هَّل ما و َكا َن َأبومُه ا حِل‬
‫صا ًا فَ ََأر َاد َربُّ َ‬‫ُ َ َ‬ ‫َْ ُ ٌ َُ َ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ نْي َ َ نْي‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫َأش َّدمُهَا َويَ ْستَ ْخ ِر َجا َك َنزمُهَا‪ } ..‬اآلية (الكهف‪.)82/‬‬ ‫َيْبلُغَا ُ‬
‫‪ http://www.asyeh.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪247‬‬
‫أبطال الكرتون ‪ ..‬القدوة الحسنة في حياة أبنائنا !!‬
‫معمر اخلليل‬
‫يف معظم اجملتمعات البشرية‪ ،‬واحلضارات املختلفة‪ ،‬توجد أمثلة معينة ألناس على درجة عالية من‬
‫األمهية والرفعة‪ ،‬قدموا الكثري يف سبيل شعوهبم‪ ،‬وسامهوا إجيابياً يف جماالت كثرية‪ ،‬حىت استحقوا أن‬
‫يطلق عليهم اسم "القدوة احلسنة"‪.‬‬
‫ويف جمتمعاتنا اإلسالمية‪ ،‬وتارخينا العريق‪ ،‬حظيت أمساء كثرية وكبرية هبذه الصفة‪ ،‬اليت جعلت منهم‬
‫نرباساً يقتدي هبم الناس‪ ،‬ويسريوا على خطاهم‪ ،‬أمالً يف أن يصلوا إىل مركزهم‪ ،‬أو حيظوا بشرف‬
‫منزلتهم‪.‬‬
‫ومع تعقيدات احلياة اليومية‪ ،‬وتطور النواحي التكنولوجية يف املدنية احلديثة‪ ،‬دخلت العديد من وسائل‬
‫اإلعالم املؤثرة إىل منازلنا‪ ،‬وبات تأثريها أقوى ‪ -‬يف كثري من األحيان‪ -‬من تأثرينا على أبناءنا‬
‫وأخوتنا الصغار من اجليل اجلديد‪ ،‬الذي رمبا مل يعد منبهراً بالتكنولوجيا كمثلنا‪ ،‬بقدر ما هو متمكن‬
‫منها‪ ،‬ومؤمن هبا‪.‬‬
‫وأمام الكم املتزايد من الربامج املوجهة لألطفال‪ ،‬ضمن مقتضيات املنافسة اإلعالمية واجلري خلف‬
‫الربح املادي‪ S،‬بات أطفالنا أمام أعداد كبرية من األمثلة الكرتونية واخليالية والبشرية‪ ،‬ممن يتكرر‬
‫ظهورهم يف اإلعالم املرئي واملقروء‪ S،‬فضالً عن األلعاب التلفزيونية أو الدمى أو الصور اليت تنتشر‬
‫على حقائب األطفال املدرسية‪ ،‬وكراساهتم وأقالمهم وثياهبم‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫الظاهرة تبدو من بعيد كمنهج خمطط له‪ ،‬ومرسوم بدقة‪ ،‬لنشر هذه الصورة النمطية ألبطال خياليني‪،‬‬
‫إال أنه يف طبيعة احلال ال يعدو أن يكون ظاهرة‪ ،‬تتشارك فيها مجيع شعوب األرض‪ ،‬وال تقتصر على‬
‫الشعوب العربية أو املسلمة‪ .‬وبالتايل فإن هذه الظاهرة قد ال هتدد شعوبنا فقط‪ ،‬بل هتدد شعوب‬
‫العامل‪ ،‬إن ق ّدر هلا أن حتدث تأثرياً عميقاً يف نفوس األطفال‪ ،‬أو تؤثر على طريقة تفكري وتعامل اجليل‬
‫اجلديد‪ ،‬وهو ما حيتاج من املختصني والرتبويني وقفة طويلة‪ ،‬ودراسات عميقة‪ ،‬إلثبات ذلك أو نفيه‪.‬‬
‫صورة القدوة يف عيون أطفالنا‪:‬‬
‫ينشأ األطفال يف سنواهتم األوىل وهم ينظرون ويشاهدون أكثر بكثري مما يقولون أو يفكرون‪ ،‬وهذا‬
‫ما يساهم يف طبع الصور والشخصيات يف عقلهم الباطن‪ ،‬كقدوة يرغبون بتقليدها‪ .‬وما أن يبدأ‬
‫األطفال بالقدرة على احلركة أو الكالم أو التصرف‪ ،‬حىت جند تلك الصور العالقة يف ذهنهم‪ ،‬وقد‬
‫طفت على السطح‪ ،‬وباتت تؤثر يف تصرفاهتم‪ .‬لذلك فإننا جند أن الدراسات النفسية والرتبوية حترص‬
‫كثرياً على توصيه األهل بإجياد بيئة مالئمة لنمو األطفال‪ ،‬من هدوء وسكينة‪ ،‬لئال يصابوا بالعصبية‪.‬‬
‫وأن يبعدوهنم عن مشاهد العنف‪ ،‬لئال يتأثروا هبا فيقلدوهنا‪ ،‬ما قد يتسبب هلم بأذى كبري‪.‬‬

‫‪248‬‬
‫إن الصغار يبدؤون التقليد من السنة الثانية أو قبلها بقليل‪ ،‬وهم يتعلمون بالقدوة واملشاهدة أكثر مما‬
‫نتصوره‪ ،‬فالطفل حياكي أفعال والده‪ ،‬والطفلة حتاكي أفعال أمها‪.‬‬
‫تقول الباحثة ليلى الصفدي‪" S:‬إن برامج األطفال هي يف أغلبها ليست إال مصدراً للعنف‪ ،‬ألن ما‬
‫مييزها التمحور حول الصراع واحلرب والشر والتهديد وتغليب مفاهيم القوة على مفاهيم الضعف‪،‬‬
‫بالنتيجة سيطرة السلوك العدائي على سلوك أطفالنا‪ ،‬وخاصة أطفالنا يف عمر السنتني وما فوق ففي‬
‫هذا اجليل حياول الطفل التقليد ويتعلم قواعد السلوك ومييل إىل عالقات احملبة واملودة‪ S،‬فاجلدير بنا‬
‫كأهل تأكيد ودعم الصفات اخلاصة باحلب"‪S.‬‬
‫ولو حاولنا رسم خطوط عريضة للقدوة املوجودة اليوم يف عيون أطفالنا الستطعنا حتديدها يف عدة‬
‫نقاط‪ ،‬أمهها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن القدوة احلسنة لديهم ال يبدو كبرياً يف العمر‪ ،‬وهو أقرب إىل أعمارهم‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه شخصية كرتونية يف الغالب‪ ،‬أو شخصية بشرية خيالية‪.‬‬
‫‪ -3‬تتمتع هذه الشخصية بالقدرة على التعامل مع التكنولوجيا بتم ّكن‪ ،‬من خالل السيطرة على‬
‫جمريات األمور‪ ،‬أو اخرتاق احلاجز الزماين‪ ،‬أو املكاين‪ ،‬أو الدخول إىل عوامل خيالية إلكرتونية‪...‬‬
‫‪ -4‬هذه الشخصية تتمتع بقوة خارقة‪ ،‬كأن تستطيع القفز مسافات طويلة‪ ،‬أو االختفاء‪ ،‬أو الطريان‪،‬‬
‫وغريها‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تتمتع هذه الشخصية بقوة هائلة‪ ،‬عرب القوة العضلية‪ ،‬أو محلها ألسلحة فتاكة‪.‬‬
‫‪ -6‬ويف حاالت أخرى‪ ،‬تكون هذه الشخصية املرسومة يف ذهن األطفال‪ ،‬رقيقة ومساملة وهادئة‪.‬‬
‫وعن صورة البطل أو القدوة الكرتونية يف عيون أطفالنا‪ ،‬تقول األستاذ الصفدي‪ " S:‬الصفة العامة هلذه‬
‫الربامج أهنا تقدم أشكال مشوهة غري طبيعية وخيالية أكثر من اللزوم‪ ،‬ومضموهنا باعتقادي ضحل‬
‫جدا‪ ،‬سطحي‪ ،‬ويف غالب األحيان غري إنساين‪ S،...‬طبقي‪ ،‬عنصري‪ ،‬وعنيف‪ .‬واالهم من هذا كله‬
‫أهنا ختلق منطاً متماثالً من الشخصيات بدون تفرد أو متايز"‪S.‬‬
‫ويف دراسة حتليلية حملتوى برامج األطفال يف تليفزيون الكويت‪ ،‬يشري الكاتب إىل أن برامج األطفال‬
‫يف تليفزيون الكويت مليئة بالقيم السلبية اليت كان من أبرزها قيم العنف والعدوانية‪ ،‬كما تشري إىل أن‬
‫الربامج املنوعة هي األكثر إجيابية يف عرضها للقيم مقارنة مع باقي األنواع من الربامج اخلاصة‬
‫باألطفال‪ ،‬ويف املقابل فإن (أفالم) الكرتون باللغة اإلجنليزية هي األكثر يف عرضه للقيم العكسية‬
‫والسلبية يف تلك الربامج‪..‬‬
‫وتقول صحيفة (الراشد) اليمنية‪ ،‬يف دراسة هلا حول األفالم الكرتونية‪ ،‬وصورة القدوة فيها‪" :‬إن جيب‬
‫على اجلهات احلكومية تبين القدوة واملثل األعلى للرموز الفكرية‪ ،‬والدينية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬وهي األجدر‬
‫بأن نقتدي هبا وحناكيها يف عطائها ونبوغها‪ ،‬بدالً من تقليد الدمية اليابانية "يب كاتشو" أو‬

‫‪249‬‬
‫"جراندايزر" رمز القوة والسيطرة اخليالية‪ ،‬واليت استغلت نفسياً يف حب الطفل هلما‪ ،‬حيث سوقت‬
‫جتارياً يف شكل منتجات سلعية‪ ،‬دمى وألعاب‪ ،‬ال نعلم إىل ما ترمز إليه"‪.‬‬
‫األمثلة على هذه الشخصيات يف األفالم الكرتونية املوجهة لألطفال‪ ،‬كثرية وعديدة‪ .‬لدرجة أن املتابع‬
‫هلا يفقد أحياناً القدرة على التفريق بينها‪ ،‬بسبب التقاطع يف أكثر من حمور بني الشخصيات البطلة‪.‬‬
‫من يرسخ هذه الثقافة‪:‬‬
‫يأيت اإلعالم املوجه لألطفال يف الدرجة األوىل يف التأثري على اجليل اجلديد‪ .‬فهو يرسم اخلطوط‬
‫العريضة للقدوة اليت حيلم هبا األطفال‪ ،‬ويساعدهم يف ذلك بعض املنتجات الغذائية اليت باتت تستغل‬
‫هذا االنتشار الكبري للشخصيات الكرتونية‪ ،‬يف اإلعالن والرتويج ملنتجاهتا‪ ،‬من أجل سرعة تقبل‬
‫الطفل هلا‪ ،‬ملعرفته املسبقة بالشخصية اليت تروج هلا‪.‬‬
‫ومل يستطع اإلعالم العريب حىت اآلن‪ ،‬أن يتمدد خارج احليز اإلعالمي الغريب‪ ،‬الذي تسيطر شركاته‬
‫اإلنتاجية على الغالبية العظمى من األفالم الكرتونية‪.‬‬
‫وهذه الشركات استطاعت أن حتتكر سوق األفالم الكرتونية املوجهة للطفل‪ ،‬يف العامل بأسره‪ ،‬فيما‬
‫تظهر األفالم الكرتونية العربية واإلسالمية هزيلة وجامدة أمام حيوية تلك األفالم‪.‬‬
‫من أهم الشركات الغربية اليت تسيطر على سوق إنتاج الربامج املوجهة لألطفال‪ ،‬والت ديزين (‪The‬‬
‫‪ ،)Walt Disney‬اليت أنتجت عشرات املسلسالت الكرتونية‪ ،‬واليت القت رواجاً كبرياً لدى‬
‫أطفال العامل‪ ،‬منها (توم آند جريي‪ ،‬وسباديرمان‪ ،‬وميكي ماوس‪ ،‬وسوبرمان‪ ،‬ودينون وبومبا‪،‬‬
‫املشتقان من فلم األسد امللك‪ ،‬وغريها)‪.‬‬
‫باإلضافة إىل شركات اإلنتاج اليابانية اليت بدأت تعزو الشاشات العاملية‪ ،‬عرب منتجات جديدة‪ ،‬من‬
‫نوع (البوكيمون‪ ،‬وأبطال الدجييتال‪ ،‬ويوغي‪ ،‬والكابنت ماجد‪ ،‬وغريها)‪.‬‬
‫يقول الباحث الدكتور حممد عبد الغفور (احلاصل على دكتوراة يف الرتبية اخلاصة من اململكة‬
‫املتحدة)‪" :‬إن إنتاج هذه األفالم الكرتونية مصدرها دول غري عربية وغري إسالمية (يف الغالب اليابان)‬
‫األمر الذي جيعلها مليئة بالقيم اليت ال تتناسب مع قيمنا العربية اإلسالمية‪ ،‬مما جيعل فائدهتا ألطفالنا‬
‫حمدودة أو يف كثري من األحيان عكسية"‪.‬‬
‫تقول األستاذة إميان الشيخ (الكاتبة واملرتمجة اإلسالمية)‪" :‬جند أطفالنا يف مجيع أحناء دولنا العربية‬
‫يتخذون قدوهتم من شخصيات الكرتون اخليالية الومهية!! واليت دست إليهم عن طريق قنوات‬
‫الكرتون املعروفة!! فأطفالنا حيدث هلم عملية "غسيل مخ"!!‪ S‬علي أيدي أباطرة أفالم الكرتون الشهرية‬
‫بوالت ديزين "‪ ."walt disny‬والذي حيدث أن هذه املؤسسة وغريها يصدرون ألطفالنا أفكارهم‬
‫السامة‪ ،‬من حترر وانفالت!! عن طريق تقدميهم لشخصيات كرتونية‪ ،‬كشخصيات "سوبر مان"‬
‫و"بات مان" و"توم وجريي"‪ ..‬اخل‪ .‬هذه األفالم اليت تقدم هذه الشخصيات واليت تبدوا لنا للوهلة‬

‫‪250‬‬
‫األويل أهنا بريئة!! تدس ألطفالنا "السم يف العسل"!! عن طريق أفكارهم اخلاطئة عن الكون واحلياة‬
‫عموما"‪.‬‬
‫وفيما ميكن مراقبة بعض األفالم الكرتونية اليت تبث عرب حمطات حكومية‪ ،‬جاءت احملطات اخلاصة‪،‬‬
‫لتنشر كل ما يقع حتت يدها من أفالم كرتونية‪ ،‬بدون رقابة أو تدخل‪ ،‬ما ساعد يف انتشار الكم‬
‫األكرب من هذه األفالم بني اجليل اجلديد‪ .‬كقناة (سبيس تون ‪ ،spacetoon‬و‪ ،MBC3‬و‬
‫‪ ،ARTeens‬وغريها)‪.‬‬
‫وهو ما ساعد يف ترسيخ الشخصيات الكرتونية (البطلة!) اليت بات يتكرر ظهورها على الشاشة أكثر‬
‫من ترديد اسم أي من القدوات احلسنة يف تارخينا اإلسالمي‪ ،‬ورمبا أكثر من ظهور األب على ساحة‬
‫احلياة لدى أطفالنا‪ ،‬ما جيعلهم ينقادون باجتاه تبين أفكار وتصرفات أبطال الكرتون‪ ،‬على حساب‬
‫تقليد األب أو أخذ النصح منه‪.‬‬
‫ماذا يتعلم أطفالنا من أبطال الكرتون‪:‬‬
‫الرسوم املتحركة هي من أوائل العناصر اليت يتعلم الطفل من خالهلا خاصة انه وىف ظل كثرة القنوات‬
‫التلفزيونية وزخم بثها لربامج األطفال أصبحت ساعات البث تقريبا على مدار الساعة وأصبح من‬
‫الصعوبة مبكان إقناع األطفال باجللوس لساعات حمددة أمام التلفاز‪.‬‬
‫املتابع لبعض أفالم الرسوم املتحركة‪ ،‬جيد أن هذه األفالم ال ترتقي إىل املستوى املطلوب من حيث‬
‫اللغة والتصرفات واألخالق اليت نطالب أطفالنا بامتالكها‪ ،‬أو امتالك احلد األدىن منها‪ ،‬بل جندها‬
‫أفالماً تكرس العديد من العادات السلبية واأللفاظ السوقية‪ ،‬واألخالقيات املنافية لتعاليم يدننا‬
‫اإلسالمي وعاداتنا وتقاليدنا العربية‪.‬‬
‫على سبيل املثال‪ ،‬تؤكد روضة اهلدهد (األديبة املتخصصة يف أدب األطفال) على ضرورة استبدال‬
‫بعض األلفاظ املسيئة الواردة يف بعض األفالم الكرتونية مثل "حقري‪ ،‬تافه‪ ،‬غيب"‪ .‬داعية إىل إجياد‬
‫البدائل اليت تتناسب وتربيتنا وثقافتنا وديننا احلنيف‪.‬‬
‫كما أكدت دراسة أصدرها اجمللس العريب للطفولة والتنمية يف ديسمرب ‪2004‬م‪ ،‬أن برامج الرسوم‬
‫املتحركة املستوردة يف معظمها تؤثر سلباً على األطفال‪ ،‬لكوهنا ال تعكس الواقع وال القيم العربية‪،‬‬
‫وال حىت تعاليم الدين اإلسالمي‪ ،‬على اعتبار أن هذه الربامج تأتى حاملة لقيم البالد اليت أنتجتها‪،‬‬
‫وتعكس ثقافتها‪.‬‬
‫وأشارت يف ذلك إىل ترديد األطفال لأللفاظ والعبارات اليت يسمعوهنا‪ ،‬وكذلك تقليد احلركات‬
‫واألصوات اليت تصور شخصيات أو حيوانات‪ ،‬إضافة إىل تقليد بعض اللهجات والشخصيات يف‬
‫سلوكها وىف أزيائها‪.‬‬

‫‪251‬‬
‫الباحث جمدي عبدالعزيز‪ ،‬يضيف حول األفكار اليت يتعلم منها األطفال من أفالم الكرتون‪ ،‬بالقول‪" :‬‬
‫إن الكثري من الرسوم املتحركة ال يتفق والعقيدة اإلسالمية؛ حيث فكرة القوة اخلارقة والقدرات‬
‫املستحيلة لدى سوبرمان‪ ،‬أو ميكى ماوس‪ ،‬أو األخطاء الواضحة مثل السجود لغري اهلل‪ ،‬مثلما حدث‬
‫ىف الفيلم الكرتوىن "األسد امللك"‪ ،‬عندما قامت كل احليوانات بالسجود لـ "مسبا" عند والدته‪ ،‬وقام‬
‫بعدها القرد بعرض "مسبا" على ضوء الشمس‪ ،‬وكأنه يستمد قوته منها‪ ،‬كما ظهر "اخلنزير" يف هذا‬
‫الفيلم كحيوان طيب رقيق القلب قام برتبية مسبا واحتوائه بعد قتل أبيه"‪S.‬‬
‫وهذه األفكار اليت يتشرهبا الطفل يف صغره‪ S،‬ستوجد لديه حالة من عدم االتزان عندما يبدأ والداه أو‬
‫معلميه بتعليمه بعض األمور اليت ختتلف متاماً عما تعلّمه لسنوات طويلة من شاشات التلفاز‪.‬‬
‫فمثالً عندما خترب ابنك أن السجود ال ينبغي لغري اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬ستحدثه ذاكرته عن سجود‬
‫احليوانات لألسد امللك يف الفلم الكرتوين‪ ،‬واحنناء بعض الشخصيات الكرتونية لشخصيات أخرى‬
‫أكرب منها أو أقوى‪ ،‬ما جيعل االبن يقلل من شأن هذه التوجيهات الدينية‪ ،‬ويعتربها أمراً يعاكس ما‬
‫تعلمه لسنوات‪.‬‬
‫وكون املشكلة مل تقتصر على الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬فإن دوالً أخرى تساءلت كثرياً عن الدروس‬
‫اليت تقدمها بعض األفالم الكرتونية املوجهة لألطفال‪.‬‬
‫وقد تص ّدى لإلجابة على هذا السؤال باحثان من أمريكا الالتينية‪ ،‬منذ أكثر من ربع قرن؛ مها آريل‬
‫دروفمان‪ ،‬وأرماند ماتيالرت‪ ،‬بعد أن قاما بتحليل القصص املضحكة أو اهلزلية لشركة ديزين؛‬
‫فاكتشفا أن العنصرية واإلمربيالية واجلشع والعجرفة ختللت اهلزليات اليت تقدمها شركات والت ديزين‬
‫وتوزعها يف مجيع أحناء العامل‪ .‬حيث أكدت الدراسة أن أكثر من ثالثة أرباع القصص اليت يقدمها‬
‫والت ديزين تصور رحلة تستهدف البحث عن الذهب‪ ،‬أما الربع الباقي فتتنافس فيه الشخصيات على‬
‫املال والشهرة‪.‬‬
‫ووفق البحث الذي مت على أعمال ديزين وشركاته لإلنتاج الفين‪ ،‬فإن نصف القصص تدور أحداثها‬
‫أراض أجنبية حيث يعيش بشر‬ ‫خارج كوكب األرض‪ ،‬بينما تقع األحداث يف النصف اآلخر يف ٍ‬
‫يتصفون بالبدائية‪ ،‬وكلهم من غري البيض!!‬
‫استخدم ديزين هذا النسيج املتشابك الساحر… احليوانات واألطفال والطبيعة‪ ،‬لتغطية مزيج متشابك‬
‫من املصاحل واألفكار‪ ،‬ترسخ أفكار اإلمربيالية‪ ،‬وفق ما يرى الباحثان‪.‬‬
‫كيف نواجه أبطال الكرتون‪:‬‬
‫يصعب السيطرة على ما يشاهده أطفالنا يف التلفاز‪ ،‬خاصة مع انتشار عدد معني من املسلسالت‬
‫الكرتونية يف معظم القنوات العربية‪ ،‬وصعوبة منع األطفال هنائياً من متابعة الرسوم املتحركة‪ ،‬اليت‬
‫باتت مسة من مسات ثقافة الطفل هذه األيام‪.‬‬

‫‪252‬‬
‫إذ مل يعد ظهور أبطال الكرتون مقتصراً على التلفاز‪ ،‬بل انتشر يف الكتب واجملالت وأدوات املدرسة‬
‫والقصص املصورة واملالبس وغريها‪.‬‬
‫ولكن رمبا ميكننا احلد من تأثري هذه املشاهد يف نفوس أطفالنا‪ ،‬وتقليل الصورة اخلارقة هلم‪.‬‬
‫من هذه النصائح اليت ميكن اللجوء إليها‪:‬‬
‫‪ -1‬حتديد ساعات مشاهدة أبناءنا للتلفاز يف أوقات معينة‪ ،‬خنتار من ضمنها برامج هادفة‪ ،‬بعيدة عن‬
‫التشويه‪ ،‬كالربامج الكرتونية العربية‪ ،‬أو على األقل بعض الربامج األجنبية اليت هتدف للثقافة أكثر من‬
‫اإلثارة والتشويق‪.‬‬
‫‪ -2‬تعليم أبنائنا مبدأ النقد املوجه ملا يرونه‪ ،‬ما يريب فيهم عدم االنبهار أو تصديق كل ما يشاهدون‪،‬‬
‫واإلشارة إىل بعض التصرفات السلبية اليت يقومون هبا‪ ،‬ونقدها‪.‬‬
‫‪ -3‬مناقشة أبنائنا أحياناً فيما يعرض على الشاشة‪ ،‬من أفالم كرتون وغريها‪ ،‬وتربية مبدأ احملاكات‬
‫العقلية‪ ،‬والتفكري مبا يعرض‪.‬‬
‫‪ -4‬تنمية القدوة احلسنة للشخصيات اإلسالمية والتارخيية اهلامة‪ ،‬ومقارنة النقاط اإلجيابية فيهم‬
‫بالنقاط السلبية املوجودة يف األبطال املعروضني على الشاشة‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم ترك الطفل يشاهد الربامج احملددة له لوحده‪ ،‬بل يفضل اجللوس معه خالل هذا الوقت‪،‬‬
‫ملتابعة ما يشاهده باستمرار‪ ،‬وتوضيح بعض النقاط اجلديدة فيها‪.‬‬
‫وترى الدراسة اليت أصدرها اجمللس العريب للطفولة والتنمية يف ديسمرب ‪2004‬م‪ ،‬أن مواجهة‬
‫التأثريات السلبية ملضامني أفالم الرسوم املتحركة من املفرتض أال يتوقف عند استعادة الدور الرتبوي‬
‫لألسرة‪ ،‬وإمنا تتمثل يف إجياد البدائل اليت تعمق الثقافة اإلسالمية أيضاً‪ ،‬وذلك بإنشاء ودعم شركات‬
‫إنتاج الرسوم املتحركة اليت ختدم الثقافة اإلسالمية‪ ،‬وتراعى مقوماهتا‪ ،‬وال تصادم غرائز الطفل‪ ،‬بل‬
‫توجهها وجهتها الصحيحة‪.‬‬
‫وتطالب دراسة اجمللس العريب للطفولة والتنمية يف هذا السياق بتفعيل دور مؤسسة اإلنتاج الرباجمي‬
‫املشرتك لدول اخلليج العربية‪ ،‬عرب تزويدها بالدعم املايل والربامج املقرتحة‪ ،‬وتبادل اخلرباء والفنيني بني‬
‫التليفزيونات العربية يف جمال اإلنتاج للطفل‪ ،‬وطرح مسابقات يف جمال اإلبداع الرباجمي للطفل العريب‪.‬‬
‫كما توصى املسؤولني يف أجهزة اإلعالم العريب بتوخي احلذر يف انتقاء الربامج األجنبية‪ ،‬حبيث ال‬
‫تقدم لألطفال مناذج حيتذوهنا تتعارض مع تنشئتهم وفق األهداف اليت يرتضيها اجملتمع‪ ،‬مع استبعاد‬
‫تلك الربامج اليت تعمد إىل إثارة نوازع اجلنس‪ ،‬أو العدوان‪ ،‬أو تسبب الفزع‪ ،‬أو تربز العنف مبا يتناىف‬
‫مع القيم اإلنسانية‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫وتدعو الدراسة إىل ضرورة إيالء عناية خاصة لربامج األطفال يف األقطار العربية‪ ،‬خاصة يف ظل إعالم‬
‫إنتاجا إعالميًا من إفراز ثقافات متعددة الغلبة‬
‫متنوع يبث عرب األقمار الصناعية يف كل بقاع العامل ً‬
‫فيها لألقوى يف اإلبداع والنشر والتوزيع‪.‬‬
‫كما أصدرت ورشة األطفال العرب توصيات موجهة للحكومات‪ ،‬على هامش مؤمتر "الطفل العريب‬
‫يف مهب التأثريات الثقافية املختلفة" الذي عقد يف ‪ 25‬وحىت ‪ 27‬من سبتمرب ‪2005‬م‪ .‬جاء فيها‬
‫بعض البنود اخلاصة مبا يتابعه األطفال عرب اإلعالم املرئي‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -‬جعل الربامج التليفزيونية برامج هادفة‪.‬‬
‫‪ -‬زيادة الربامج الثقافية لألطفال‪.‬‬
‫‪ -‬حذف الربامج اليت تؤثر على سلوك الطفل‪.‬‬
‫‪ -‬وقف برامج األطفال اليت تغرس العنف يف قلوب األطفال‪.‬‬
‫‪ -‬أن تتوفر املصداقية يف العاملني على برامج األطفال اإلعالمية‪.‬‬
‫‪ -‬نريد آلية لتوضيح صورة الطفل العريب بالنسبة للطفل الغريب‪.‬‬
‫‪ -‬عمل دراسة تغيري منهجية عرض برامج األطفال‪ ،‬وذلك إليضاحها بالنسبة للطفل الغريب‪.‬‬
‫‪5/11/1426‬هـ‬
‫‪ http://www.almoslim.net‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪254‬‬
‫الرسول هو القدوة على طريق الدعوة‬
‫الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرمحن احلوايل‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونتوب إليه‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا‪ ،‬ومن‬
‫سيئات أعمالنا‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده‬
‫ال شريك له‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله؛ أرسله اهلل باهلدى ودين احلق وأثىن عليه ووصفه‪ S‬باخللق‬
‫العظيم‪ ،‬وجعل رسالته رسالة أخالقية‪ ،‬وبعثه ليتمم به مكارم األخالق‪ ،‬صلى اهلل وسلم وبارك عليه‬
‫وعلى آله‪ ،‬ورضي عن أصحابه الكرام‪ ،‬والتابعني هلم بإحسان‪ ،‬الذين اقتفوا منهجه ‪ -  -‬يف‬
‫الدعوة إىل اهلل باحلكمة واملوعظة احلسنة واجملادلة باليت هي أحسن‪ ،‬فدخل الناس يف دين اهلل ‪-‬‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ --‬لِما رأوه من أخالقهم!! ولِما ملسوه من القرآن الذي يتحرك حياً!! متمثالً يف‬
‫املعاملة اليت مل تشهد البشرية هلا نظرياً لدى أي فاتح من الفاحتني!! فدخل يف دين اهلل ‪-‬نتيجة ذلك‪-‬‬
‫أمم ال حتصى‪ ،‬ما كانت لتدخل لوال هذا اخللق الكرمي‪ ،‬وهذا التعامل الرباين العظيم‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫إنه جلدير بنا أن نتبصر وأن نتذاكر‪ ،‬وأن يعظ بعضنا بعضاً فيما يتعلق بشئون دعوتنا والقيام هبا‪،‬‬
‫ومجيعنا يف زمحة املشاغل والعمل قد ينسى عيوبه أو بعض أخطائه‪ ،‬وقد يفوته الوقت لتدارك نقائصه‪،‬‬
‫وكل بين آدم خطَّاء‪ ،‬وحنن ال خنلو من النقائص والعيوب أبداً‪ ،‬فجدير بنا أن نتحادث وأن نتذاكر‬
‫فيما يقربنا إىل اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ --‬وحنتسب عند اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬ما نقضيه من األوقات‬
‫وحنن نعظ أنفسنا وإخواننا‪ ،‬ونرقق قلوبنا لنعرف يف أي طريق نسري‪ ،‬وما هي املعامل اليت جيب أن‬
‫نسلكها‪ ،‬وما هي األخطاء اليت جيب أن نتجنبها‪.‬‬
‫حنن ننتمي إىل اإلسالم‪ ،‬وهذا االنتماء هو الذي شرفنا اهلل‪ -‬تبارك وتعاىل‪ -‬به ومسانا به‪ .‬ورسولنا ‪-‬‬
‫‪ - ‬هو إمام الدعاة‪ ،‬وهو القدوة والداعية املعلم الذي أمر اهلل‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬باقتفاء هنجه‪ ،‬وأن‬
‫نتأسى به يف دعوتنا وخلقنا ومعامالتنا وعباداتنا وكل حال من أحوالنا‪ ،‬أنزل اهلل‪ -‬تبارك وتعاىل ‪-‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫عليه ( قُ ْل َهذه َسبِيلي َْأدعُو ِإىَل اللَّه َعلَى بَص َرية َأنَا َو َم ِن اتََّب َعيِن َو ُسْب َحا َن اللَّه َو َما َأنَا م َن الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ني )‬
‫[يوسف‪.]108 :‬‬
‫كان الرسول ‪ -  -‬املثل احلي ألصحابه‪ ،‬كان كما وصفته أم املؤمنني عائشة ‪ -‬رضي اهلل عنها‬
‫‪{ :-‬كان خلقه القرآن } ما كان يف القرآن من خلق فهو يف النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وآله وسلم ‪.-‬‬
‫وكانت حياته ‪ -  -‬ترمجة واقعية حية ملا ينزله عليه الروح األمني من عند ربه ‪ -‬تعاىل‪ -‬من‬
‫اآليات البينات يف التوحيد‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬واليقني‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والصرب‪ ،‬واجلهاد‪ ،‬واملصابرة يف الدعوة‪،‬‬
‫واملثابرة يف العلم‪ ،‬ويف املعاملة‪ ،‬واملعاشرة‪ ،‬والرفق‪ ،‬واحللم؛ كما أثىن عليه‪ -‬تبارك وتعاىل ‪-‬يف قوله‪( :‬‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم ) [القلم‪.]4 :‬‬‫َوِإن َ‬

‫‪255‬‬
‫فاهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬خيلق ما يشاء وخيتار‪ ،‬وقد اصطفى واختار هذا النيب العظيم ‪-  -‬؛‬
‫ليكون معلماً للبشرية يف كل مكان ويف كل ميدان‪.‬‬
‫وما من دعوة سواء كانت هذه الدعوة حقاً أم باطالً إال وهي حتاول أن تدعي الطابع األخالقي‬
‫والصفة األخالقية؛ لكي تنتشر ولكي تروج‪ ،‬وما من داعية أياً كانت دعوته وإىل أي شيء يدعو‪ ،‬إال‬
‫واألخالق مسة بارزة يف دعوته أو حياول أن يكون كذلك‪ ،‬فكيف بالنيب ‪-  -‬؟! وكيف‬
‫بالصحابة الكرام؟! وكيف هبذه األمة اليت أمرها اهلل ‪ -‬سبحانه وتعاىل ‪ -‬أن تكون ربانية‪ ،‬ورباها‬
‫النيب ‪ -  -‬حىت كانت كذلك؟! فمن اتبع النيب ‪ ،-  -‬فهو مبقتضى هذه اآلية ال بد أن يتخلق‬
‫خبلقه ‪ -  -‬يف الدعوة إىل اهلل‪.‬‬
‫‪ http://www.alhawali.com‬املصدر‪:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪256‬‬
‫حينما تحترق القدوة‬
‫الدكتور عصام بن هاشم اجلفري‬
‫احلمد هلل الواحد األحد الفرد الصمد الذي مل يلد ومل يولد ومل يكن له كفواً أحد‪ ،‬أمحده سبحانه‬
‫وأشكره جعل من نعمه الكربى صالح الوالد والولد ‪ ،‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له‬
‫املنزه عن الصاحبة والولد ‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبد اهلل ورسوله خري من وطئ الثرى وخري من سكن‬
‫البلد صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه ما ركع راكع أو سجد ‪ ،‬وما تذلل مؤمن بني يدي ربه وعبد‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الس ِ‬
‫()ي ْو َم َتَر ْونَ َها‬
‫يم َ‬‫اعة َش ْيءٌ َعظ ٌ‬ ‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ْم ِإ َّن َزلَْزلَةَ َّ َ‬
‫أما بعد‪:‬فيقول اجلبار العظيم‪{:‬يَاَأيُّ َها الن ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫َّاس ُس َك َارى َو َما ُه ْم بِ ُس َك َارى‬ ‫ض ُع ُك ُّل َذات مَحْ ٍل مَحْلَ َها َوَتَرى الن َ‬ ‫ت َوتَ َ‬ ‫تَ ْذ َه ُل ُك ُّل ُم ْر ِض َعة َع َّما َْأر َ‬
‫ض َع ْ‬
‫اب اللَّ ِه َش ِدي ٌد}([‪. )]1‬‬ ‫ِ‬
‫َولَك َّن َع َذ َ‬
‫أمة اهلدى والبصرية لو كان أحدنا يركب يف سفينة وكان قائد السفينة يصر على أن يقحمها يف‬
‫وسط األمواج املتالطمة وكأنه يصر على هالكها بينما ينصحه الركاب وحيذرونه فيأىب إال أن يصر‬
‫على رأيه فكيف يكون حال من هو يف تلك السفينة؟ لوكان أحدنا يركب يف سيارة وهي تنحدر به‬
‫يف طريق جبلي خطر تكثر منحنياته ‪ ،‬وسائق السيارة يصر على السرعة اجلنونية وعلى سلوك طريق‬
‫هنايته هاوية اهلالك فكيف يكون حاله ‪ ،‬لو كان أحدنا يركب طائرة وأصر قائدها على أن يطري فوق‬
‫منطقة تشتعل فيها حرب عسكرية وتطلق فيها صواريخ قد تسقط الطائرة فكيف يكون حاله وهو‬
‫يرى الصواريخ تعرب جبوار الطائرة وحيس هبا وكأنه متر جبوار قلبه؟وكيف لو كان بني الركاب من يعز‬
‫عليه ذلك القائد فهو حيبه وحيرص على سالمته أال يكون أمل هذا واحرتاق قلبه على ذلك القائد‬
‫أعظم؟‬
‫أحبيت يف اهلل إن اجملتمع يتكون من جمموعة من املراكب والعربات ولكل منها قائد ؛ فكل أسرة يف‬
‫اجملتمع هي مركبة من تلك املراكب وقائد تلك املركبة هو األب فهو قائد إما أن يقودها إىل جنات‬
‫الرضوان وإما إىل جحيم النريان‪ ،‬وكلما كثر من يقود أسرته إىل جنات الرضوان توجه اجملتمع بأكمله‬
‫إىل نفس الطريق‪ ،‬وكلما كثر من يقود أسرته إىل جحيم النريان توجه اجملتمع بأكمله يف نفس‬
‫الطريق‪ ،‬فنقول لكل أب ا‪0‬حذر فأنت إما أن تقود أسرتك إىل اهلالك الذي ال سعادة بعده وإما أن‬
‫تقودهم إىل سعادة ال شقاء بعدها ‪ ،‬هذه بعض احلاالت اليت هتلك فيها األسرة بأكملها أوت تنجو‬
‫بأكملها لكن هناك حاالت أخرى يكون األب فيها على غري اهلدى ولكن الزوجة أو األوالد فيهم‬
‫من الصالح ففي مثل هذه احلالة حيرتق قلب الزوجة وقلب الولد الصاحل ذكراً كان أم أنثى على‬
‫أبيهم عندها يبذلون جهدهم هلدايته ؛ وقد قص علينا القرآن صورة من هذا املثل وهو مثل إبراهيم مع‬
‫أبيه فكم كان يدعو أباه بكل أدب جم إىل الطريق املستقيم واستمعوا إىل تلك الكلمات اليت انطلقت‬
‫ك فَاتَّبِ ْعيِن َْأه ِد َك ِصَراطًا‬
‫ت ِإيِّن قَ ْد َجاءَيِن ِم ْن الْعِْل ِم َما مَلْ يَْأتِ َ‬
‫من قلب حمب مشفق على أبيه ‪{ :‬ياَأب ِ‬
‫ََ‬

‫‪257‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اب‬
‫ك َع َذ ٌ‬ ‫اف َأ ْن مَيَ َّس َ‬ ‫َس ِويًّا()يَاَأبَت اَل َت ْعبُ ْد الشَّْيطَا َن ِإ َّن الشَّْيطَا َن َكا َن للرَّمْح َان َعصيًّا()يَاَأبَت ِإيِّن َ‬
‫َأخ ُ‬
‫ان َولِيًّا()}(‪ ، )2‬لكن تلك الكلمات الودودة الناعمة املؤدبة إصتدمت‬ ‫ان َفتَ ُكو َن لِلشَّيطَ ِ‬
‫ْ‬
‫ِمن الرَّمْح ِ‬
‫ْ َ‬
‫ب‬ ‫ِ‬
‫بقلب غلفته قسوة الشرك والكرب بأن يأخذ النصيحة من ابنه فجاء ذلك الرد العجيب ‪:‬قَ َال ََأراغ ٌ‬
‫َّك َو ْاه ُج ْريِن َملِيًّا}(‪ ،)3‬فم يغضب اإلبن ومل خيرج عن‬ ‫ِ‬ ‫راه ِئ‬ ‫هِل ِإ ِ‬
‫َأَلرمُجَن َ‬
‫يم لَ ْن مَلْ تَنتَه ْ‬ ‫ت َع ْن آ َيِت يَا بْ ُ‬ ‫َأنْ َ‬
‫ك َريِّب ِإنَّهُ َكا َن يِب َح ِفيًّا}(‪ ،)4‬مدرسة قرآنية‬ ‫األدب بل أجاب بقوله ‪{ :‬قَ َال ساَل م علَيك س ِ‬
‫َأسَت ْغفُر لَ َ‬
‫َ ٌ َْ َ َ ْ‬
‫يف كيفية تعامل األبن الصاحل مع األب الفاسق‪ ،‬وقد قرأت قصة واقعية حدثت أحداثها يف مدينة‬
‫رسول اهلل ‪ ‬تبني كيف أن احرتاق األب القدوة باملعاصي والذنوب حيرق قلب حمبيه من زوجته‬
‫وأبنائه فتدفع تلك احلرقة األصم األبكم ألن يتحرك إلنقاذ أبيه يقول صاحب القصة أنا شاب يف‬
‫السابعة والثالثني من عمري متزوج ويل أوالد ارتكبت كل ما حرم اهلل وكل ما يكرهه من املوبقات‬
‫أما الصالة فكنت ال أؤديها مع اجلماعة إال يف املناسبات فقط جماملة لآلخرين‪ ،‬والسبب أين كنت‬
‫أصاحب األشرار واملشعوذين‪،‬فكان الشيطان الزماً يل يف أكثر األوقات‪.‬كان يل ولد يف السابعة من‬
‫عمره امسه مروان أصم وأبكم ‪،‬لكنه كان قد رضع اإلميان من ثدي أمه املؤمنة ‪.‬كنت ذات ليلة أنا‬
‫وابين مروان يف البيت‪ ،‬وكنت أخطط ماذا سأفعل أنا واألصحاب‪،‬وأين سنذهب؟ كان الوقت بعد‬
‫صالة املغرب‪ ،‬فإذا بابين مروان يكلمين (باإلشارات املفهومة بيين وبينه) ويشري يل ‪ :‬ملاذا يا أبت ال‬
‫تصلي؟ مث أخذ يرفع يده إىل السماء ويهددين بان اهلل يراك ‪ ،‬وكان ابين يف بعض األحيان يراين وأنا‬
‫أفعل بعض املنكرات ‪ ،‬فتعجبت من‬
‫قوله ‪ .‬وأخذ ابين يبكي أمامي ‪ ،‬فأخذته إىل جانيب لكنه هرب مين ‪..‬وبعد فرتة قصرية ذهب إىل‬
‫صنبور املاء وتوضأ وكان ال حيسن الوضوء لكنه تعلم من أمه اليت كانت تنصحين كثرياً ولكن دون‬
‫إيل أن انتظر قليالً‬ ‫فائدة ‪،‬وكانت من حفظة كتاب اهلل‪،‬مث دخل علي ابين األصم األبكم ‪ ،‬وأشار ِّ‬
‫‪..‬فإذا به يصلي أمامي مث قام بعد ذلك وأحضر املصحف الشريف ووضعه أمامه وفتحه مباشرة دون‬
‫ِ‬
‫اب‬
‫ك َع َذ ٌ‬ ‫اف َأ ْن مَيَ َّس َ‬
‫َأخ ُ‬ ‫أن يقلب األوراق ووضع أصبعه على هذه اآلية من سورة مرمي ‪ {:‬يَاَأبَت ِإيِّن َ‬
‫ان َولِيًّا}(‪ ،)2‬مث أجهش بالبكاء ‪،‬وبكيت معه طويالً‪،‬فقام ومسح الدمع من‬ ‫ان َفتَ ُكو َن لِلشَّيطَ ِ‬
‫ْ‬
‫ِمن الرَّمْح ِ‬
‫ْ َ‬
‫عيين ‪ ،‬مث قبل رأسي ويدي‪ ،‬وقال باإلشارة املتبادلة بيين وبينه ما معناه صلي يا والدي قبل أن توضع‬
‫يف الرتاب‪ ،‬وتكون رهني العذاب‪ ،‬وكنت واهلل العظيم يف دهشة وخوف ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬فقمت‬
‫إيل‬
‫على الفور بإضاءة أنوار البيت مجيعها‪،‬وكان ابين مروان يالحقين من غرفة إىل غرفة وينظر َّ‬
‫باستغراب وقال يل‪:‬دع األنوار‪.‬وهيا بنا إىل املسجد الكبري –ويقصد احلرم النبوي الشريف‪ -‬فقلت‬
‫له‪:‬بل نذهب إىل املسجد اجملاور ملنزلنا‪،‬فأىب إال احلرم فأخذته إىل هناك وأنا يف خوف شديد‪ ،‬وكانت‬
‫نظراته ال تفارقين البتة‪،‬ودخلنا الروضة الشريفة وكانت مليئة بالناس وأقيم لصالة العشاء وإذا باإلمام‬
‫ات الشَّيطَ ِ‬
‫ان فَِإنَّهُ‬ ‫ان ومن يتَّبِع خطُو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ين َآمنُوا اَل َتتَّبعُوا ُخطَُوات الشَّْيطَ َ َ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫يقرأ من قوله تعاىل ‪{ :‬يَاَأيُّ َها الذ َ‬

‫‪258‬‬
‫َأح ٍد َأبَ ًدا َولَ ِك َّن اللَّهَ يَُز ِّكي‬ ‫ِ ِ‬ ‫يْأمر بِالْ َفح َش ِاء والْمْن َك ِر ولَواَل فَ ْ ِ‬
‫ض ُل اللَّه َعلَْي ُك ْم َو َرمْح َتُهُ َما َز َكا مْن ُك ْم م ْن َ‬ ‫َ ُُ ْ َ ُ َ ْ‬
‫يم}(‪.)5‬فلم أمتالك نفسي من البكاء ومروان جبانيب يبكي لبكائي‪،‬وبعد انتهاء‬ ‫من يشاء واللَّه مَسِ ِ‬
‫يع َعل ٌ‬ ‫َْ ََ ُ َ ُ ٌ‬
‫الصالة ظللت أبكي وهو ميسح دموعي ‪ ،‬حىت أين جلست يف احلرم ساعة كاملة‪،‬فقال يل ابين مروان‬
‫‪ :‬يا أيب ال ختف ‪..‬فقد خاف علي من شدة البكاء ‪ ،‬وعدنا إىل املنزل فأحضر يل ماء وكانت هذه‬
‫الليلة من أعظم الليايل عندي إذ ولدت فيها من جديد‪ .‬وحضرت زوجيت وحضر أوالدي فأخذوا‬
‫يبكون مجيعاً وهم ال يعلمون شيئاً مما حدث فقال هلم مروان أيب صلى يف احلرم‪ ،‬ففرحت زوجيت‬
‫هبذا اخلرب إذ هو مثرة تربيتها احلسنة‪ ،‬وقصصت عليها ما جرى بيين وبني مروان وقلت هلا ‪ :‬أسألك‬
‫باهلل هل أنت اليت أوعزت إليه أن يفتح املصحف على تلك اآلية؟ فأقسمت باهلل ثالثاً أهنا ما فعلت‪،‬‬
‫وأنا اآلن ال تفوتين صالة اجلماعة يف املسجد وقد هجرت رفقاء السوء مجيعاً وذقت طعم اإلميان‪.‬كما‬
‫أصبحت أعيش يف سعادة غامرة وحب وتفاهم مع زوجيت وأوالدي خاصة ابين مروان األصم األبكم‬
‫الذي أحببته كثرياً كيف ال وقد كانت هداييت على يديه(‪.)6‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ‪:‬‬
‫َّاس َواحْلِ َج َارةُ َعلَْي َها َماَل ِئ َكةٌ ِغاَل ٌظ ِش َد ٌاد اَل‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ود َها الن ُ‬ ‫{يَاَأيُّ َها الذ َ‬
‫ين َآمنُوا قُوا َأن ُف َس ُك ْم َو َْأهلي ُك ْم نَ ًارا َوقُ ُ‬
‫صو َن اللَّهَ َما ََأمَر ُه ْم َو َي ْف َعلُو َن َما يُْؤ َمُرو َن}(‪.)7‬‬
‫َي ْع ُ‬
‫اخلطبة الثانية‬
‫احلمد هلل جعل اجلنة للمتقني الطائعني خري معاد ‪ ،‬وجعل النار للمعرضني عن طاعته من أهل العناد‬
‫أمحده سبحانه وأشكره على ما تفضل به على العباد من نعم وجاد وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال‬
‫شريك له املنزه عن النقائص واألضداد وأشهد أن حممداً عبد هلل ورسوله خري العباد ومهوى الفؤاد‬
‫صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه من سار على النهج إىل يوم املعاد ‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬فإين أقول لكل أب َبعُ َد عن اجلادة والطريق املستقيم اتق اهلل يف نفسك ويف أهلك وولدك‬
‫فإهنم أمانة يف عنقك ستسأل عنهم يوم القيامة‪،‬اتق اهلل فيهم فإمنا أنت قدوهتم فإذا احرقت نفسك‬
‫باملعاصي والذنوب احرتقوا خلفك‪.‬أقول لكل أب استمع للنصيحة من ابنك كما فعل صاحب القصة‬
‫فنجى وال تتكرب عن قبوهلا إذا كانت على احلق فتضل كما ضل والد إبراهيم ومل ينفعه أن ابنه خليل‬
‫من اهلل عليهم باهلداية من األبناء أقول هلم اتقوا اهلل يف آبائكم وأمهاتكم حىت وإن‬ ‫الرمحان‪ ،‬وإىل من َّ‬
‫كانوا قد بعدوا عن احلق ال تنظروا إليهم بأهنم جمرمون انظروا إليهم بأهنم مرضى حباجة إىل رمحة‬
‫منكم وعطف‪ .‬أال ترى أخي يوم أن يصيبك املرض يسعون يف طلب العالج لك ويسهرون على‬
‫راحتك ‪.‬وهم قد أصاهبم ما هو أعظم من مرض األبدان إنه مرض القلوب فهل تتخلى عنهم وتبدي‬
‫اليأس منهم‪،‬هل تتصور أنك ستسر غداً يوم يُذهب هبم إىل النار؟هل تتصور أنك لن تُسأل عنهم‬
‫وماذا بذلت هلم؟ أنت مطالب بربهم وإن من أولويات ذلك الرب األخذ بأيديهم إىل طريق الرضوان‬

‫‪259‬‬
‫من اهلل عليه‬
‫واجلنان‪.‬هذا طفل صغري أصم أبكم أخذ بيد والده إىل اهلداية فماذا فعلت أنت يا من َّ‬
‫بالسمع والبصر؟ ‪.‬‬
‫‪-------------------‬‬
‫([‪ )]1‬احلج‪)2(.1،2:‬مرمي‪)3(.45-43S:‬مرمي‪)4(.46S:‬مرمي(‪)5(.)47S‬النور‪)6(.21:‬حممد‬
‫املسند‪،‬عندما نطق األصم…بأبلغ عبارة‪،‬شباب‪ ،‬العدد الثامن‪،‬رجب‪،1420‬ص‪)7(.19‬التحرمي‪.6:‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪260‬‬
‫القدوة وأثرها في الدعوة النسائية‬
‫أمهيتها ـ مقوماهتا ـ ميادينها‬
‫أمساء بنت راشد الرويشد‬
‫ِ ِئ‬
‫صَبُروا َو َكانُوا‬ ‫{و َج َع ْلنَا مْن ُه ْم َأ َّمةً َي ْه ُدو َن بِ َْأم ِرنَا لَ َّما َ‬
‫رب العاملني القائل يف كتابه املبني‪َ :‬‬ ‫احلمد هلل ّ‬
‫بِآيَاتِنَا يُوقِنُو َن}‪.‬‬
‫ول اللَّ ِه‬
‫والصالة والسالم على النيب األمني الذي جعله اهلل قدوة للمؤمنني‪{ :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم يِف رس ِ‬
‫ْ َُ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َيْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل ِخَر َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِ ًريا}‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬وعلى آله وأصحابه أئمة اهلدى ومصابيح الدجى وعلى كل من اتبع آثارهم واقتفى‪ ،‬أما بعد‪:‬‬
‫تشتد حاجة املسلمني اليوم إىل مثل أعلى يقتدون به ويقتفون أثره وحيذرون حذوه؛ وذلك بسبب‬
‫ضعف فهم الناس للدين وقلة تطبيقهم هلم‪ ،‬ولغلبة األهواء وإيثار املصاحل العاجلة مع قلة العلماء‬
‫العاملني والدعاة الصادقني‪ ،‬فنحن يف هذه املرحلة من الزمن وقد بدت آثار الصحوة احلقة تبهت يف‬
‫جمتمعنا املسلم‪ ،‬قد تضاعفت حاجة املسلمني يف خمتلف أوساطهم وطبقاهتم إىل قدوات وريادات‬
‫تكون أمنوذجاً واقعياً ومثاالً حياً يرون الناس فيهم معاين الدين الصحيح علماً وعمالً‪ ،‬قوالً وفعالً‪،‬‬
‫ألن التأثري باألفعال واألحوال أبلغ وأش ّد من التأثري بالكالم وحده‪،‬‬ ‫فيقبلون عليهم وينجذبون إليهم؛ َّ‬
‫وقد قيل‪ :‬شاهد احلال أقوى من شاهد املقال‪.‬‬
‫ول اللَّ ِه‬ ‫جل وعال جعل نبيه ‪ ‬أسوة ملن بعده‪ { :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم يِف رس ِ‬
‫ْ َُ‬ ‫أن اهلل َّ‬ ‫ويشهد ألمهية ذلك َّ‬
‫ين َه َدى اللّهُ فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَ ِد ْه‬ ‫ُأسوةٌ حسنةٌ‪ ،}..‬كما أمره أن يقتدي مبن سبق من األنبياء‪ُ { :‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ْ َ َ ََ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني}‪( .‬األنعام ‪.)90/‬‬ ‫َأجًرا ِإ ْن ُه َو ِإالَّ ذ ْكَرى ل ْل َعالَم َ‬ ‫قُل الَّ ْ‬
‫َأسَألُ ُك ْم َعلَْيه ْ‬
‫ورأس األمر يف القدوة واألسوة احلسنة أن ندعو الناس بأفعالنا مع أقوالنا‪ ،‬يقول عبدالواحد بن زياد‪:‬‬
‫"ما بلغ احلسن البصري إىل ما بلغ إال لكونه إذا أمر الناس بشيء يكون أسبقهم إليه‪ ،‬وإذا هناهم عن‬
‫شيء يكون أبعدهم عنه"‪ S.‬وملا نبذ رسول اهلل ‪ ‬خامته وقال‪" :‬إين اختذت خامتاً من ذهب" فنبذه‬
‫أن الفعل أبلغ من القول‪.‬‬ ‫فدل ذلك على َّ‬ ‫وقال‪" :‬إين لن ألبسه أبداً" فنبذ الناس خوامتهم َّ‬
‫وحنن ـ كما أسلفت ـ يف هذه الفرتة العصيبة اليت متر على األمة من الضعف واهلزمية‪ ،‬حنتاج أن حنقق يف‬
‫أنفسنا أمنوذج التطبيق الصحيح هلذا الدين؛ لكي حيقق اهلل لنا النصر والتمكني ونسد على املرتبصني‬
‫أعداء الذين منافذ تسلطهم وسطوهتم باسم اإلصالح وحفظ احلقوق‪ .‬فهذا خليل اهلل إبراهيم ـ عليه‬
‫أن فيهم عاصياً‬ ‫السالم ـ ملا جعله اهلل إماماً للناس يقتدى به قال‪{ :‬ومن ذرييت} أخربه اهلل تعاىل َّ‬
‫وظاملاً ال يستحق اإلمامة‪ ،‬فقال‪{ :‬ال ينال عهدي الظاملني} فإذا أردنا أن حيفظ اهلل لنا ديننا ويستتب‬
‫ونرد كيد أعدائنا‪ ،‬فلنقم هذا الدين علماً وعمالً ومنهجاً حلياتنا وسلوكنا‪.‬‬ ‫أمننا ّ‬

‫‪261‬‬
‫إذ إن املسلم القدوة أشد على أعداء الدين من كل عدة‪ ،‬ولذلك ملا متىن الناس ذهباً ينفقونه يف سبيل‬
‫اهلل‪ ،‬كانت مقولة عمر بن اخلطاب‪" :‬ولكين أمتىن رجاالً مثل أيب عبيدة بن اجلراح‪ ،‬ومعاذ بن جبل‪،‬‬
‫وسامل موىل أيب حذيفة‪ ،‬فأستعني هبم على إعالء كلمة اهلل"‪ .‬فعسى إن كنا على مستوى حسن‬
‫األسوة والتأسي أن ميكن لنا يف األرض وأن جيعلنا أئمة وجيعلنا الوارثني‪.‬‬
‫أمهية القدوة يف حياة املسلمني وواقعهم‪:‬‬
‫إن القدوة هي ذلك التأثري الغامض اخلفي الذي ميثله أفعال وأقوال ومواقف املثال احلي املرتقى يف‬ ‫‪1‬ـ َّ‬
‫درجات الكمال‪ ،‬مما يثري يف نفس اآلخرين اإلعجاب واحملبة اليت تتهيج معها دوافع الغرية والتنافس‬
‫احملمود‪ ،‬ويتولَّد لديهم حوافز قوية حتفزهم؛ ألن يعملوا مثله‪ ،‬وقد يكون ذلك دون توجيه مباشر‪.‬‬
‫بأن بلوغ هذا املستوى من‬ ‫‪2‬ـ القدوة احلسنة املتحلية بالفضائل واالستقامة تعطي اآلخرين قناعة َّ‬
‫األمور املمكنة‪ ،‬وأهنا يف متناول قدرات اإلنسان‪ ،‬وال سيما يف زمن الفنت وكثرة الصوارف‪.‬‬
‫فإن واقعهم ال يزال يشكو القصور‬ ‫‪3‬ـ مهما توسعت دائرة املعارف وانتشر العلم بني النَّاس؛ َّ‬
‫واالحنراف‪ ،‬ما مل يقم بذلك العلم عاملون خملصون يكونون قدوات يف جمتمعاهتم وطبقاهتم ميتثلون‬
‫أمره وخيطون على منهجه‪ ،‬يرتمجون ذلك العلم إىل واقع عملي للحياة يفهمه اجلميع؛ إذ إن مستويات‬
‫فهم العلم والقول عند الناس يتفاوت‪ ،‬لكن اجلميع يتساوى أمام الرؤية بالعني ملثال حي‪ ،‬يكون أيسر‬
‫وأقوى يف إيصال املعاين وإحداث التغيري‪ ،‬ومن ذلك ما كان من تزويج النيب ‪ ‬زينب بنت جحش‬
‫ابنة عمته من زيد بن حارثة مواله الذي أعتقه؛‪ S‬لكي يكون قدوة ومثاالً حياً للناس ملا تأصل يف‬
‫نفوسهم من الفوارق الطبقية اليت جاء اإلسالم بإلغائها‪ ،‬وأنه ال فضل لعريب على أعجمي إال بالتقوى‪.‬‬
‫إن غياب القدوة يف حياة املسلمني عامل رئيس يف فشو اجلهل وانتشار املنكرات واستفحاهلا؛‬ ‫‪ 4‬ـ َّ‬
‫وذلك َّ‬
‫ألن العاملني بالعلم والقائمني بدين اهلل هم يف احلقيقة دعاة يعلنون احلق بأفعاهلم وينشرون‬
‫الدين احلق حني ينتشرون بني الناس فيظهر أمره يف الناس وتنحسر أمامهم املنكرات بتواجدهم الفعال‬
‫املؤثر يف اآلخرين‪ ،‬وهكذا فكلما ازدادت القدوات انتشر العلم واختفت املنكرات‪ .‬وقد نقل عن‬
‫إبراهيم ابن أدهم أنه قال يوماً ألصحابه‪" :‬ادعوا الناس وأنتم صامتون‪ ،‬قالوا‪ :‬كيف ذلك؟ قال‪ :‬ادعوا‬
‫الناس بأفعالكم"‪.‬‬
‫فرب خطأ‬‫‪5‬ـ الناس ينظرون إىل املتعلم العلم الشرعي والصاحل نظرة دقيقة فاحصة دون أن يعلم‪ّ ،‬‬
‫يقوم به ال يلقي له باالً يكون يف حساهبم من الكبائر؛ وذلك ألنه حمسوب يف جمتمعه قدوة هلم‪ .‬وهنا‬
‫تشكل مصدر‬ ‫تكمن أمهية القدوة وخطورهتا‪ ،‬إذ إن كل مفارقة بني أقوال القدوة وسلوكه واهتماماته ِّ‬
‫حرية وإحباط لدى عامة الناس‪ ،‬وخصوصا املبتدئني يف االلتزام‪ ،‬ويكون مصدر فتنة للناس‬
‫واستخفاف بالعلم الذي تلقاه‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫فالذين يعرفهم الناس بالصالح والتدين‪ ..‬وهم يف احلقيقة مجعوا مع تلك السمعة تناقضا يف الواقع‬
‫وخمالفة ملا يفرتض أن يكونوا عليه؛ هؤالء ال يقال فيه‪ :‬إهنم ال يصلحون أن يكونوا قدوات‪ ،‬بل إهنم‬
‫ميارسون دوراً ختريبياً؛ إذ هم يشوهون صورة الصاحلني والفضالء يف أذهان العامة‪ ،‬ويعطوهنم صورة‬
‫خمالفة حلقيقة الدين اليت قد ال يعرفوهنا إال من خالهلم‪ .‬كما أهنهم يشجعون الناس بطريقة خفية على‬
‫التميع واهلشاشة الدينية‪ ،‬ويتسببون يف تبخري ما بقي من هيبة واحرتام للصاحلني‪ ،‬ويكونون سبباً يف‬
‫فقد ثقة الناس هبم‪.‬‬
‫فإن املسؤولية عظيمة وكبرية على العلماء والدعاة والصاحلني وذويهم وأهل بيوهتم بشكل‬ ‫ولذلك َّ‬
‫بد أن يؤهلوا تأهيالً خاصاً إلكمال وظيفتهم الدعوية يف اجملتمع عن طريق االهتمام‬ ‫خاص‪ ،‬إذ ال َّ‬
‫بتحقيق القدوة واألمنوذج الواقعي للصالح واالستقامة‪ .‬وهذا يلقي عليهم مسؤولية عامة جتاه الناس‪،‬‬
‫فضالً عن مسؤوليتهم اخلاصة جتاه أنفسهم فيما بينهم وبني اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فإن على كل مسلم ومسلمة عرف طريق احلق وسلكه‪ ،‬أن جياهد نفسه ليقرتب ما‬ ‫وعلى ذلك َّ‬
‫استطاع من ذلك األمنوذج اإلنساين الراقي‪ ،‬نعين به القدوة‪ ،‬وإذا نظرنا يف تاريخ العلماء والصاحلني‬
‫حتث املسلم على التميز واحلرص على العمل بالعلم‪ ،‬إذ يقول سفيان بن عيينة‪:‬‬ ‫وجدنا أدبيات كثرية ّ‬
‫"إذا كان هناري هنار سفيه وليلي ليل جاهل‪ ،‬فما أصنع بالعلم الذي كتبت؟!"‪ .‬وقال احلسن‪" :‬ال‬
‫تكن ممَّن جيمع علم العلماء وطرائف احلكماء‪ ،‬وجيري يف العمل جمرى السفهاء"‪ .‬وقال أيضاً‪" :‬كان‬
‫الرجل يطلب العلم‪ ،‬فال يلبث أن يرى ذلك يف ختشعه وهديه ولسانه وبصره ويده"‪S.‬‬
‫بد أن يسري يف طريق اجملاهدة ومنابذة الشهوات‪ ،‬وال يرتضي لنفسه أن يكون من‬ ‫فالرأس يف اخلري ال َّ‬
‫اخللوف الذين وصفهم رسول اهلل ‪ ‬بأهنم "يقولون ما ال يفعلون ويفعلون ما ال يؤمرون"‪ S،‬وإمنا‬
‫حيرص على أن يكون من أتباع املصطفى ‪ ‬الذين وصفوا بأهنم‪" :‬يأخذون بسنته ويقتدون بأمره"‬
‫"إن العامل إذا مل يعمل بعلمه‪ ،‬زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر‬ ‫وكما يقول مالك بن دينار‪َّ :‬‬
‫عن الصخرة الصماء"‪.‬‬
‫مقومات القدوة‪:‬‬
‫‪1‬ـ اإلخالص‪ ،‬وهو من أعظم املطالب؛ إذ جيب أن يفتش عنه اإلنسان املقتدى به‪ ،‬فيكون املقصود‬
‫عز وجل بعيداً عن أغراض النفس ونظر الناس‪ ،‬فيفعل األمر ويرتك‬ ‫بالقول والعلم والعمل وجه اهلل َّ‬
‫النهي مع متام اخلضوع هلل والتسليم له‪.‬‬
‫‪2‬ـ االستقامة على اإلميان والعمل الصاحل‪ ،‬إذ إن هناك الكثري من الصاحلني‪ ،‬ولكن قليل من يستقيم‬
‫ويتمسك به يف كل أحيانه وظروفه‪ ،‬ويف كل زمان ومكان‪ ،‬فال يتغرَّي وال يتلون وال حيايب‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫على ذلك‬
‫فللقدوة يف نفسه شغالً بني إقامتها وجماهدهتا وسياستها‪ .‬وهذا هو املطلوب األعلى والنهج األمسى‪،‬‬

‫‪263‬‬
‫وقد جاء رجل إىل النيب ‪ ، ‬وقال له‪ :‬قل يل يف اإلسالم قوالً ال أسأل عنه أحداً بعدك‪ ،‬قال‪" :‬قل‬
‫آمنت باهلل مث استقم"‪.‬‬
‫‪3‬ـ حسن اخللق‪ :‬إذا كانت االستقامة والصالح يتوجهان إىل ذات املقتدى به ليكون صاحلاً يف نفسه‬
‫فإن حسن اخللق يتوجه إىل عالقته بالناس وأصول تعامله معهم‪ ،‬وجُي مل ذلك‬ ‫قومياً يف عالقته مع ربه‪َّ ،‬‬
‫املنهج الدعوة النبوية يف قوله ‪" : ‬وخالق الناس خبلق حسن"‪.‬‬
‫والكالم يف حسن اخللق واسع ومتشعب‪ ،‬ولكن جنعله يف أمور وكليات منها‪:‬‬
‫* الصدق‪ ،‬فيحذر القدوة اخلداع والكذب والتحايل‪ ،‬وكل خلق يضاد صفة الصدق؛ َّ‬
‫ألن املؤمن‬
‫بد أن يطمئن إليه الناس ويثقوا به‪ ،‬وال يكون ذلك إال لصادق‪.‬‬ ‫القدوة ال َّ‬
‫* الصرب وحتمل األذى والصفح عن املسيء وسعة الصدر؛ إذ إن الناس يكتشفون معدن اإلنسان‬
‫ومينحونه احرتامهم وثقتهم عن طريق رؤيتهم لتصرفاته وتعامله وأخالقياته الراقية اليت تنشأ عن الصرب‬
‫واالتزان‪.‬‬
‫ومن أعظم أنواع التعامل احلسن أيضاً‪:‬‬
‫* التواضع وإنكار الذات‪ ،‬وأن يألف ويؤلف‪ ،‬وكذلك العفو والتسامح وغض الطرف عن اهلفوات‪.‬‬
‫ومن مكارم األخالق اليت هي مقومات القدوة‪:‬‬
‫* عفة اللسان والرتفع عن القيل والقال وترك االنشغال بسفاسف األمور وجتنب اخلوض مع‬
‫اخلائضني‪.‬‬
‫ومن صفات القدوات‪:‬‬
‫* الكرم والرمحة وأداء األمانة ووفاء الوعد والقناعة والعفة والرضا بالقليل‪ ،‬وغري ذلك من األخالق‬
‫والصفات اليت جتسدت يف قدوتنا وأسوتنا النيب الكرمي األكرم سيد اخللق وقدوهتم بنبينا حممد ‪. ‬‬
‫‪4‬ـ استقالل الشخصية‪ ،‬وذلك ركن رئيس يف مسات القدوة‪ ،‬فيتحرر القدوة من التبعية والتقليد‬
‫الساذج‪ ،‬فيكون مؤثراً ال متأثراً‪ ،‬ما مل يكن متأسياً هبدي الصاحلني واملصلحني‪ ،‬فال يليق مبن هو يف‬
‫موقع القدوة أن يكون إمعة خيضع لضغط اجلهال والسفهاء مييل معهم حيث مالوا‪ ،‬وقد ورد عن ابن‬
‫مسعود رضي اهلل عنه قوله‪" :‬وطنوا أنفسكم‪ :‬إن أحسن الناس أن حتسنوا وإذا أساؤوا أن تتجنبوا‬
‫إساءهتم"‪ .‬ولكي ال يفتنت به إمعة من رعاع الناس ال يرى الدين إال من خالل تصرفاته‪ ،‬فكما تكون‬
‫اإلمامة واألسوة يف اخلري‪ ،‬فهناك قدوة الضاللة ينظرون الناس إليه على أنه مثلهم األعلى‪ ،‬فإن َّ‬
‫زل زلوا‬
‫معه‪ ،‬وإن عاد إىل الصواب بعد ذلك قد ال يعودون‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ من مقومات القدوة‪ :‬االعتدال يف أمور احلياة وهنج منهج التوسط واالقتصاد‪ ،‬ومراعاة آداب‬
‫الشريعة وتوجيهاهتا يف أمور احلياة واملعيشة‪ ،‬وال سيما يف اللباس واملظهر ومها االمتداد املادي حلقيقة‬
‫الذات‪ ،‬والعاكس املهم لكثري من كوامن الشخصية وخصائصها‪ ،‬فمن املهم أن ينسجم مظهر القدوة‬

‫‪264‬‬
‫مع منهج التدين الذي ينسب إليه‪ ،‬واحلذر من املفارقات والتناقض الذي يضعف أثر القدوة يف نفوس‬
‫الناس‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تنظيم الوقت وحفظه من مقومات‪ S‬شخصية القدوة‪ ،‬حبيث يعطي كل ذي حق حقه‪ ،‬وال يطغى‬
‫جانب يف حياته على جانب آخر‪ ،‬فتضيع الواجبات واألولويات على حساب االشتغال بالتوافه‬
‫والثانويات‪.‬‬
‫ميادين القدوة‪:‬‬
‫‪1‬ـ العبادة والطاعات احملضة‪ ،‬وذلك باحملافظة على الفرائض والواجبات‪ ،‬والتزود باإلكثار من النوافل‬
‫والقربات‪ ،‬فذلك ميدان مهم من ميادين الدعوة بالقدوة‪ S،‬كما كان التأثري بذلك قوياً يف هدي‬
‫املصطفى ‪ ‬يف عبادته وقيامه حبق ربه‪ ،‬ومن ذلك أيضاً أمره لنسائه بقيام الليل حينما رأي تنزل‬
‫الفنت واخلزائن على أمته ليقتدي هبن النساء‪ ،‬خاصة والناس عامة يف كل زمان‪ ،‬والسيما زمن كثرة‬
‫الفنت‪.‬‬
‫‪2‬ـ عالقة القدوة بالناس وتعامله معهم وكسبه حلبهن واحرتامهم وثقتهم من خالل حسن تصرفه‬
‫وحتليه مبكارم األخالق والسماحة والكرم والعدل وطيب العشرة وطالقة الوجه وحسن القول‪ ،‬إىل‬
‫غري ذلك من جماالت الدعوة بالقدوة يف التعامل‪ ،‬ولنا يف رسول اهلل ‪ ‬يف هذا امليدان أعظم أسوة‬
‫وأرقاها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تكوين النفس وتربيتها علماً وأدباً ومستاً ومظهراً‪ ،‬وهذا ـ كما أشرنا سابقاً ـ ال تتحقق القدوة إال‬
‫به‪ ،‬وهو يف الوقت ذاته جمال من جماالت الدعوة وأسلوب مؤثر من أساليبها‪ .‬فيقع التأثر يف نفوس‬
‫الناس مبظهر القدوة ومسته ووقاره موقعاً بليغاً يفوق أحياناً االستفادة من أقواله وعلمه‪ .‬وقد ورد َّ‬
‫أن‬
‫أن الذي يطلب عليه‬ ‫الذين كانوا جيلسون على اإلمام أمحد بن حنبل يف جملس درسه يبلغ املئات‪ ،‬مع َّ‬
‫ويدون علمه عدد قليل من ذلك احلشد الكبري الذي إمنا حضر انتفاعاً هبدي الشيخ وإقتداء بسمته‬
‫وأدبه‪.‬‬
‫أمهية القدوة يف أوساط النساء‪:‬‬
‫إننا يف ظل الظروف احلالية واملرحلة اخلطرية املقبلة حباجة ماسة إىل قدوات من نساء فقهن دينهن‬
‫ووعني دورهن يف اجملتمع‪ ،‬إذ إن هناك جماالت وميادين نسائية كثرية تفتقر إىل التوجيه القيادي‬
‫العملي‪ ،‬والسيما يف جمايل الرتبية يف البيوت والتعليم يف املدارس واجلامعات‪ S.‬ومع ذلك فهناك من‬
‫النساء الرائدات كان هلن التأثري الكبري بفضل اهلل على أزواجهن وأسرهن وطالباهتن من خالل‬
‫الفعال‪.‬‬
‫أسلوب القدوة َّ‬
‫أن الصحوة العلمية واحلركة الدعوية يف أوساط النساء قد بلغت يف وقتنا احلاضر من القوة‬ ‫ومع َّ‬
‫والنشاط ما مل يسبق له مثيل فيما مضى‪ ،‬إال إنه ال يزال األمر حمصوراً يف طبقة املتدينات والراغبات‬

‫‪265‬‬
‫يف اخلري إمجاالً‪ ،‬بينما هناك يف أوساط النساء مجاعات كثرية وشرحية ضخمة ال يبلغهن ذلك اخلري وال‬
‫تصلهن الدعوة‪ ،‬وذلك يف الغالب بسبب الغفلة واالنشغال بأمور الدنيا‪.‬‬
‫فكيف ميكن إيصال الدعوة إليهن والتأثري عليهن؟‬
‫بد أن تكون موجودة بني صفوف‬ ‫إنه عن طريق القدوة الصاحلة لتلك املرأة الواعية الفاضلة اليت ال َّ‬
‫أولئك النسوة‪.‬‬
‫عندها يفهم اجلميع هذا الدين ويدركون املطلوب منهم واحملذور عليهم‪ ،‬من خالل النساء الصاحلات‬
‫القدوات‪.‬‬
‫جل وعال لتكون أسوة حتتذى ومنارة للهدى‪:‬‬ ‫نصائح وتوجيهات لكل موفقة اصطفاها اهلل َّ‬
‫إن الذي ينحدر للتهافت على امللذات ذلك الذي رضي لنفسه أن يعيش دائماً يف القاع‪ ،‬وأما من‬ ‫َّ‬
‫يرقى يف سلم الطاعات وجماهدة امللذات؛ فذلك صاحب اإلمامة يف الدين وقدوة املتقني ومضرب‪S‬‬
‫ِ ِ‬ ‫ِّ ِ‬
‫ب اللَّهُ َمثَاًل للَّذ َ‬
‫ين َآمنُوا ا ْمَرَأَة فْر َع ْو َن}‪ ..‬وكذلك { ََم ْرمَيَ‬ ‫ضَر َ‬
‫{و َ‬
‫األمثال للعاملني‪ ،‬وإن كانت امرأة َ‬
‫ابنَ ِ‬
‫ت َف ْر َج َها‪.}..‬‬
‫صنَ ْ‬ ‫ت ع ْمَرا َن الَّيِت ْ‬
‫َأح َ‬ ‫ْ َ‬
‫فلذلك أيتها املوفقة‪ ،‬يا من هداك إىل طاعته وبنَّي لك سبيله‪ ،‬يا طالبة العلم الشرعي‪ ،‬يا من نشأت يف‬
‫بيوت الصالح والدعوة‪ ،‬يا أم وزوجة وأخت وبنت الداعية‪ ،‬يا نساء بيوت العلم والصحوة‪.‬‬
‫إىل املثل اليت حيتذي هبا غريها من النساء‪ ،‬إىل القدوة الصاحلة لغريها من املؤمنات‪ ،‬إىل املثال احلي‬
‫أن بلوغ ذلك املستوى من تكوين‬ ‫ظن بعض املفتونات َّ‬ ‫الواقعي حلياة مألهتا املغريات وامللهيات؛ حىت َّ‬
‫الذات وإنشاء مثل تلك البيوت من األمور املستحيلة‪.‬‬
‫وإليك ـ أخيت القدوة الداعية بأفعالك ـ هذه التوصيات والتنبيهات‪:‬‬
‫‪1‬ـ احلذر من التساهل الذي يفنت العامة ويلبس عليهم‪ ،‬مثل األخذ بالرخص وبعض أقوال أهل العلم‬
‫الشاذة أو املرجوحة‪ .‬وملا هنى عمر رضي اهلل عنه عبدالرمحن بن عوف عن لبس اخلفني يف احلج ـ‬
‫يتوسع الناس يف ذلك‪ ،‬قال له‪" :‬عزمت عليك إال نزعتهما‪،‬‬ ‫أخذاً بالرخصة يف ذلك ـ؛ خلشية عمر أن َّ‬
‫فإين أخاف أن ينظر الناس إليك فيقتدون بك"‪ .‬ومن ذلك يف الوقت احلاضر‪ :‬تساهل كثرياً من‬
‫اخلريات‪ ،‬بل وبعض طالبات العلم الشرعي يف ركوب السيارة مع السائق لوحدها وحصول اخللوة‬
‫بذلك؛ أخذاً بقول بعض من رخص‪ ،‬وكذلك التساهل يف الوقوع يف بعض األمور املستحدثة اليت‬
‫ترجح حترميها‪ ،‬كما يف مسألة تشقري احلاجبني ليبدوا أدق قريباً من وصف النمص‪ ،‬وذلك مما أفتت‬
‫اللجنة الدائمة لإلفتاء بعدم جوازه‪.‬‬
‫بل إن صاحبه األسوة احلسنة قد حتتاج إىل ترك بعض املباحات أو التقليل منها؛ احتياطاً ألمر دينها‬
‫ألن ذلك ينفر الناس من االقتداء هبا‪.‬‬ ‫وبعداً عن الشبهات وصيانة لنفسها عن مواطن سوء الظن؛ َّ‬

‫‪266‬‬
‫ككثرة املزاح والضحك وكثرة اخلروج والزيارات وامتدادها الساعات الطويلة بغري حاجة وال مربر‬
‫شرعي‪.‬‬
‫إن مما يساعد املرأة املسلمة على االرتقاء بذاهتا إىل درجة القدوة‪ :‬أن تتخذ مع اقتدائها بنبيها‬ ‫‪ 2‬ـ َّ‬
‫بد وأن‬‫وسلفها الصاحل ـ من بعض من تلقاه من الصاحلات العاملات بدينهن مثالً تقتدي به؛ ألهَّن ا ال َّ‬
‫جتد فيمن عاشرته وتلقت عنه مستا وهديا فائقا جيذهبا إليه‪ ،‬فتستطيع من خالل التأمل أن تقف على‬
‫أفضل ما حيمله من حوهلا من الصاحلني والصاحلات من صفات‪ ،‬مث تستلهم من ذلك الدافع القوي‬
‫لرتبية ذاهتا‪ ،‬فقد جتد عند البعض حسن التعامل مع اآلخرين‪ ..‬كالصفح عن املسيء وحسن الظن‬
‫ولطف اخلطاب وسعة الصدر والتواضع وإنكار الذات‪ ،‬وقد تلمح عند أخريات اإلسراع إىل فعل‬
‫الطاعات وبذل الصدقات‪ ،‬مث قد جيذهبا عند األخرى حسن مظهرها املتالئم مع تعاليم دينها مع‬
‫احتفاظها ببهائها ومجاهلا ونظافتها‪ ،‬كل ذلك من غري إسراف وال خميلة‪.‬‬
‫وهلذا التوجيه أصل عظيم يف كتاب اهلل تعاىل‪ ،‬حيث قال اهلل تعاىل آمراً نبيه بالنظر يف أحوال‬
‫ين َه َدى اللّهُ فَبِ ُه َد ُاه ُم‬ ‫وأوصاف األنبياء قبله متخذاً هديهم أسوة له‪ ،‬فقال تعاىل‪ُ{ :‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬‫ْ َ‬
‫ا ْقتَ ِد ْه‪.}..‬‬
‫بد وأن تكوين واضحة وصادقة مع نفسك الكتشاف نوعية التصرف واخلطأ الذي ال يصلح‬ ‫‪ 3‬ـ ال َّ‬
‫معه أن تكوين قدوة ويسقط هيبتك الدينية‪ ،‬ومن مث انتفاعهم بكالمك‪ ،‬بل قد يكون ذلك سبباً يف‬
‫فتنة اآلخرين وضالهلم تأسياً خبطاك‪ ،‬وذلك األمر يتطلب الوقوف على النفس باحملاسبة ومراجعة‬
‫شق عليها‪.‬‬
‫الذات مث العمل على هتذيبها وجماهدة ما ّ‬
‫‪4‬ـ احلذر من بعض األمور الدارجة يف هذا العصر‪ ،‬واليت هتافت عليها الكثري من النساء لقصورهم‬
‫العلمي ونقص ديانتهم‪ ،‬فأصبحت يف بعض اجملتمعات واألسر من املشاهد والظواهر املألوفة‪ ،‬مع‬
‫خمالفتها الصرحية للدين وبيان حكم حترميها‪ ،‬ولكن لغلبة ممارستها وكثرة الوقوع فيها استسهلها وتأثر‬
‫هبا كثري من الصاحلات والقدوات‪ ،‬وشاكلن اجلاهالت يف ذلك؛ فاختلط األمر على العامة وتلبس‬
‫الباطل واملنكر بلبوس احلق واملعروف‪.‬‬
‫ومن ذلك‪:‬‬
‫أ ـ ما يتعلق باملظهر واللباس‪ ،‬سواء يف لبس احلجاب عند اخلروج‪ ،‬أو لبس الثياب والزينة عند النساء‪،‬‬
‫فأما مظاهر القصور واخللل يف احلجاب متنوعة‪ ،‬منها‪ :‬التساهل يف لبس النقاب الواسع والربقع‪،‬‬
‫وانتشار ذلك‪ ،‬ولبس العباءة على الكتف واجللباب‪ ،‬والتساهل يف سرت القدمني والساق باجلوارب‪،‬‬
‫ولنا يف عائشة رضي اهلل عنها أسوة حسنة عندما كانت تش ّد مخارها حياء من عمر بن اخلطاب رضي‬
‫وأما التساهل يف املظهر واللباس‬ ‫اهلل عنه وهو ميت يف قربه عندما كانت تدخل البيت الذي دفن فيه‪َّ .‬‬
‫عمت به البلوى يف أوساط بيوت الصاحلني‪ ،‬وتقلَّد محلها ووزرها كثري ممَّن‬ ‫والزينة بشكل عام‪ ،‬فقد َّ‬

‫‪267‬‬
‫هم مظنة القدوات لغريهن‪ ..‬فلبسن املالبس الضيقة احملجمة ألجسادهن بشكل تأباه الفطر السليمة‬
‫صح يف حديث الكاسيات العاريات‪ .‬وكذلك املالبس شبه العارية اليت‬ ‫وحيرمه الدين القومي كما َّ‬
‫تكشف عن أجزاء من اجلسم شأهنا أن تُسرت‪ ،‬ولألسف‪ ..‬لقد عظم اخلطب‪ ،‬وقد كان النكري من قبل‬
‫على عامة النساء اللوايت وقعن يف هذه املظاهر اخلداعة من التقليد الساذج للغرب‪ ،‬ولكن ـ لألسف ـ‬
‫جند هذه املظاهر انتقلت إىل كثري من الصاحلات وتساهلن هبا يف أنفسهن ويف أهليهن‪.‬‬
‫ب ـ كثرة اخلروج لألسواق والتجوال هبا‪ ،‬وكذلك املالهي واملطاعم اليت يكثر فيها املنكرات وجتمع‬
‫الفساق‪ .‬واألصل قرار املرأة يف بيتها لغري حاجة شرعية {وقرن يف بيوتكن}‪.‬‬
‫ج ـ السفر بغري حمرم‪ ،‬ويف احلديث املتفق عليه‪" :‬ال حيل المرأة أن تسافر يوما وليلة إال مع ذي حمرم"‪.‬‬
‫د ـ اخللوة مع الرجل األجنيب‪ ،‬كالبائع يف احملل والطبيب يف العيادة والسائق يف السيارة؛ حلديث "ال‬
‫خيلون رجل بامرأة إال وكان الشيطان ثالثهما"‪.‬‬
‫هـ ـ التعطر عند اخلروج من املنزل أو أثناء الزيارات والتجمعات النسائية وتقدمي العطر والبخور هلن‬
‫ومنهن من سرتكب سيارهتا مع سائق أجنيب جيد رحيها‪ ،‬ونسيت قول الرسول ‪" : ‬أميا امرأة‬
‫فمرت على قوم ليجدوا من رحيها فهي زانية"‪.‬‬ ‫استعطرت َّ‬
‫و ـ االختالط بالرجال يف البيوت باجللسات األسرية‪ ،‬أو إقرار ذلك أثناء جلوسها معهم‪ ،‬والسماح‬
‫للبنات مبخالطة الشباب الذكور من األسر القريبة‪ ،‬مع غياب الغرية على األعراض وعدم مراقبة املوىل‬
‫جل وعال‪.‬‬‫َّ‬
‫ز ـ اإلسراف العام يف شؤون احلياة‪ ،‬واملبالغة يف االهتمام بالتوافه من أمر الدنيا‪ ،‬كتزيني املنازل واقتناء‬
‫احملرم والذي غرق فيه‬
‫األواين واإلسراف يف املالبس واحللي والوالئم‪ ،‬على وجه التفاخر والتكاثر َّ‬
‫أرباب الدنيا ـ نسأل اهلل العافية ـ‪.‬‬
‫كن مجيعاً قدوات بعضهن‬ ‫أن املسلمات َّ‬‫إن الفرق الذي بيننا وبني أسالفنا وقدواتنا الصاحلة َّ‬ ‫‪ 5‬ـ َّ‬
‫ض‪}..‬؛ وذلك بسبب قوة عالقتهن باهلل تعاىل‪،‬‬ ‫ض ُه ْم َْأولِيَاء َب ْع ٍ‬
‫ات َب ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫{والْ ُمْؤ منُو َن َوالْ ُمْؤ منَ ُ‬
‫لبعض َ‬
‫"ومن كان باهلل أعرف كان منه أخوف"‪ S..‬كانت القلوب باهلل متصلة وحريصة على تأدية أمانة هذا‬
‫الدين‪.‬‬
‫قل أن جند هذه البواعث فينا إال من رمحه اهلل؛ لغلبة الغفلة والتعلق بالدنيا وشهواهتا‪ ،‬وكلما‬ ‫واآلن َّ‬
‫وقل التأثر وتساهل الناس يف أداء األمانة وغابت‬ ‫بعد الزمن عن زمن املصطفى ‪ ‬ازداد هذا اجلهل َّ‬
‫قيادة القدوة‪.‬‬
‫قال ‪" : ‬وإذا وسد األمر إىل غري أهله فانتظر الساعة"‪.‬‬
‫ويف اخلتام أخاطب أخيت املسلمة فأقول‪:‬‬
‫انظري إىل نفسك‪ :‬هل تريدين الدنيا أم اآلخرة؟‬

‫‪268‬‬
‫حب اآلخرة‪ ،‬وجاهديها على االستعداد هلا وأكثري الدعاء‪.‬‬ ‫فروضيها على ّ‬‫فإن كانت تريد الدنيا ّ‬
‫وإن كانت تريد اآلخرة فاغتنمي وقتك واستزيدي من العمل الصاحل واضريب أروع األمثلة وأرقى‬
‫النماذج للمسلمات من بنات عصرك‪.‬‬
‫تأملي سرية نبيك حممد ‪ ‬القدوة‪ ،‬ادرسيها؛ لعلها تكون زادك إىل اهلل والدار اآلخرة‪ ،‬وكذلك سري‬
‫أسالفك من الصاحلني العابدين العاملني من رجال ونساء؛ طلباً لشحذ مهتك ودفعاً لنفسك للتأسي‬
‫هبم‪.‬‬
‫جل وعال أن يتوالنا فيمن توىل من عباده الصاحلني‪ ،‬ويدخلنا برمحته يف زمره‬‫سائلني ربنا وموالنا َّ‬
‫جل وعال أن جيعلنا للمتقني إماماً‪.‬‬
‫أوليائه أئمة اهلدى‪ ،‬ونسأله َّ‬
‫املصدر ‪ :‬هلا أون الين‬
‫ــــــــ‬

‫‪269‬‬
‫وداعا للقسوة مع األبناء‬
‫عبد اهلل بن سعيد آل يعن اهلل‬
‫أسرار وأخبار ‪ ،‬وخفيا وباليا ‪ ،‬وآهات وزفرات ‪ ،‬خترج تباعا بني بعض البيوتات ‪ ،‬بسبب القسوة‬
‫اليت كشرت أنياهبا ‪ ،‬وفعلت أفاعيلها ‪S...‬‬
‫حقا ‪ ...‬لقد استفحلت القسوة بني بعض األسر ‪ ،‬فأفرزت العدوانية والعنف ‪ ،‬والضرب والقتل‬
‫والتشريد ‪ ،‬واالحنراف والطالق ‪ ،‬وضروبا من أنواع الشقاوة والتعاسة بني أفراد األسرة ‪S...‬‬
‫األبناء هم سلوة األحزان ‪ ،‬ودواء لألزمان ‪ ،‬وزينة احلياة الدنيا ‪ ،‬وال شك بأن اآلباء يكنون يف‬
‫أنفسهم من احلب والعطف ألبنائهم منذ نعومة أظفارهم ‪ ...‬يقول األحنف بن قيس‪ ":‬األبناء هم مثار‬
‫قلوبنا‪ ،‬وعماد ظهورنا‪ ،‬وحنن هلم أرض ذليلة‪ ،‬ومساء ظليلة‪ ،‬فإن طلبوا فأعطهم‪ ،‬وان غضبوا فأرضهم‪،‬‬
‫فإهنم مينحونك ودهم‪ ،‬وحَي بُونك جهدهم‪ ،‬والتكن عليهم ثقيال‪ ،‬فيملوا حياتَك‪ ،‬ويتمنوا وفاتك )‬
‫دعين أحدثك عن الذي أحدثه بعض اآلباء يف نفوس أبناءهم ‪ ،‬من أجل قسوهتم عليهم ‪ ،‬وهذا‬
‫احلديث اليعين أن نضع اآلباء يف قفص االهتام‪ ،‬وقاعة احملاكمة‪ ،‬أو أن نواجه األب بقائمة طويلة من‬
‫التهم واألخطاء الرتبوية‪ ،‬إن القضية ابتداءً وانتهاءً هي حماولة للوصول إىل وضع أفضل‪ ،‬ومستوى‬
‫أعلى من ختفيف املشاكل بني اآلباء واآلبناء‪...‬‬
‫أطرقت حىت ملين اإلطراق *** وبكيت حىت امحرت األحداق‬
‫سامرت جنم الليل حىت غاب *** عن عيين وهد عزمييت اإلرهاق‬
‫يأيت الظالم وتنجلي أطرافه *** عين وما للنوم فيه مذاق‬
‫أنا قصة صاغ األنني حروفها *** وهلا من األمل الدفني سياق‪..‬‬
‫يقول أحد األبناء‪ ( :‬وستجد أيها األب يف ثنايا قول هذا الشاب مظاهر القسوة اليت أرهقت األبناء )‬
‫‪...‬‬
‫يا أيب أعلم انك حتبين ‪ ،‬لكين أريد أن تعاملين بأسلوب يرضيين ‪ .....‬امسع عن أباء هم أصدقاء‬
‫ألبنائهم ‪ .....‬أريدك صديقا يل ‪ S.......‬ال أريدك أن ختاطبين كأب بل كأب وصديق ‪.....‬أريدك يا‬
‫أيب أن جتعل أوامرك ليست أوامر ‪ S.....‬بل اقرتاحات مصحوبة بابتسامة مشرقة ‪ S....‬أريدك أن تؤمن‬
‫بالتغريات اليت حتدث حولنا ‪ ....‬أن تؤمن بشبايب كذلك بطيشي ال أعين أن ترضى بذلك ‪...‬ال يا‬
‫أيب ‪....‬لكين ال أريدك أن تتفاجئ بفعل مين يفقدك صوابك فتلجأ لشتمي مثال فضال عن ضريب‬
‫‪.....‬ال يا أيب احذر‪ ..‬احذر ‪......‬أن‪ S‬ترتكين هائما لوحدي يف هذه احلياة ‪....‬أرشدين ‪....‬ال‬
‫ترتكين ملخالب رفقاء السوء ‪......‬نعم يا أيب أريدك قدوة يل ‪.....‬أريدك أن حتقق معىن القدوة يف‬
‫نفسي ‪...... .....‬يا أيب ال أريدك أن توخبين أمام زمالئي ‪...‬فهذا الفعل خيلق يف نفسي عدوانية قد‬
‫تتفا جئ هبا ‪.....‬أيب أرجوك ال تعاملين بقسوة يف طفوليت كي ال أكرهك عندما أكرب ‪ ،‬قد ال أفصح‬

‫‪270‬‬
‫لك عن ذلك قد أقبل يديك ‪...‬لكن سوف تكون نفسي بعيدة عنك ‪...‬سوف أجد أن ال تَوافق بيننا‬
‫‪ ،‬وكل هذا آثار تلك املعاملة يف صغري ‪...‬اَعلَم يا أيب أنك تريد مصلحيت ولكن أرجوك أن تبحث‬
‫عن أسلوب موافق يل كشاب وموافق لزماننا ‪.....‬يا أيب ال أريد أن أشعر بنقص أمام أقراين ‪.....‬ال‬
‫‪ ...‬مل أقصد النقص املادي وإمنا املعنوي والعاطفي ‪.......‬أمسع عن زميلي بأنه قد متازح مع أبيه‬
‫وتصارع ‪.....‬أمسع عن آخ ٍر قد ذهب هو وأبيه فقط إىل النزهة والسفر ‪......‬امسع عن شاب قد أتى‬
‫له أباه هبدية رمزية ‪...‬‬
‫أيب ‪--‬‬
‫ال أريد أن أكون يتيما وأنت على قيد احلياة ‪........‬ال أريد مصروفا ماديا ‪ ،‬ال أريد سيارة ‪ ،‬أريدك‬
‫أنت يا أيب ‪....‬أريد أن أجلس معك ‪....‬أن متلئ عطف األبوة الذي بداخلي ‪..‬‬
‫أعاين يف حيايت ما أعاين وأقضي العيش مفقود‪ S‬املعاين‬
‫وأمسع بالسعادة ال أراها أيبصرها حسري الطرف عاين‬
‫وتزداد اهلموم ألن مثلي رماه يف شقاه الوالداين‬
‫وذى الصدر احلنون دعته دنيا وأهلته اجملالس عن مكاين‬
‫ويقول آخر – كنت طالبا متفوقا يف املرحلة الثانوية ‪ ،‬وعند خترجي ‪ ،‬أجربين والدي على ختصص ال‬
‫أريده ‪ ،‬فحال بيين وبني رغبات نفسي ‪ ،‬حاولت أن أقنعه عن طريق أمي وأخيت الكبرية ‪ ،‬فأىب ذلك‬
‫‪ ،‬ودخلت هذا التخصص الذي قتل إبداعي وطموحايت ‪ ،‬وأيب هو السبب يف ذلك وأنا اآلن يل أكثر‬
‫من عشر سنوات تائه ‪ ،‬مل أكمل دراسيت ومل أكسب مراعاة من أيب ‪.‬‬
‫ويقول أحدهم ‪ -:‬أسلوب أيب أسلوب التخويف والعقاب وأسلوب األوامر ‪ ،‬ال نقاش ‪ S...‬الحوار ‪،‬‬
‫لسان حاله ما أريكم إال ما أرى فكم مرة هيأ يل موقعا يف دورة املياه للضرب ‪ ،‬وجهز سالسل‬
‫احلديد ليضعين يف مستودع املنزل أو يف بيت الدرج ‪...‬‬
‫ويقول يل أحدهم وعمره يف األربعني سنة ‪ :‬أيب مل يعدل بيين وبني إخويت ومل يساويين يف التعامل‬
‫معهم أثناء صغري ‪ ،‬وزاد الطني بِلَّه عندما تزوج امرأة أخرى غري أمي وأتى هلا أوالدا آخرين فأحسن‬
‫إليهم وأساء إلينا ‪ ،‬مث ذكر سلسلة من اإلهانات والضرب والتعقيد والطرد الذي حلق به من والده ‪،‬‬
‫مث أجهش بالبكاء ‪،‬وكانت تلك اللحظات هي أسوأ حلظايت اليت قضيتها ألن بكاء وأنني الكبري غري‬
‫بكاء الصغري ‪ ،‬فلما انتهى من بكاءه تعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ‪ ،‬وقال ‪ :‬سامح اهلل والدي فهو‬
‫اآلن يف قربه ‪ ،‬ولكين أحببت أن أفضفض عن بعض معانايت يف حيايت‪...‬‬
‫سبحان ريب العظيم ‪ ...‬رجل جاوز األربعني سنة ‪،‬والزال يتجرع مرارة القسوة من والده وهو يف‬
‫قربه ‪.‬‬
‫ويف رسالة ابن البنه ‪ S...‬يقول‬

‫‪271‬‬
‫( يا أبت حني كان الضيوف لديك فأحضرت الشاي‪ ،‬وتعثرت يف الطريق‪ ،‬أتذكر كلمات التأنيب‬
‫أمام عموميت وأقاريب؟ إن كنت نسيتها فإن الصافع ينسى ماالينساه املصفوع‪ ،‬وهل تتصور أين نسيت‬
‫يا أبت حني قدمت إليك وقد أخفقت يف امتحان الدور األول يف حني جنح إخويت ‪ ،‬ويف جملس‬
‫قريب من اجمللس نفسه ‪ ،‬فلقيت من االنتقاد والسخرية منك ما لقيت؟ وهل تريدين أن أنسى ذاك‬
‫التأنيب القاسي الذي وجهته يل أمام زمالئي وأصحايب؟‬
‫بل أحياناً يا أبت حتملين ما مل أحتمل؛ ففي ذات مساء أمرتين أن أحضر الطيب للضيوف فذهبت إىل‬
‫أمي فوجدته مل ينته بعد وعدت إليك‪ ،‬أمل يكن لديك بديل عن التأنيب يل وألمي ؟ أو ليس األوىل‬
‫أن تقدر يف نفسك أنه مل ينته بعد؟ وهب أنه تأخر لدقائق وما ذا يف األمر؟ أال تتصور أين إنسان‬
‫أمحل مشاعر وأحتاج كغريي لالحرتام واالعرتاف بشخصييت ؟ ) (‪)1‬‬
‫ويقول أحدهم يف بعض األوقات أختيل أن يصيبين اهلل حبادث مروري بسيط ‪ ،‬أو مرض السكر‬
‫والضغط ‪ ،‬قلت له ملاذا ؟ قال من أجل أن أحصل على رصيد أبواي العاطفي أثناء مرضي ‪S...‬‬
‫ِ‬
‫دمعتان *** تلوح باألسى مما دهاين‬ ‫أيب مهالً بعيين‬
‫عرفت به السماحة والتفاين‬
‫ُ‬ ‫فيك يا أبتاه قلباً ***‬
‫أناشد َ‬
‫ُ‬
‫ويقول آخر أيب يعاتبين وينهرين أمام اآلخرين حىت أنه يف يوم من األيام متنيت أن األرض ابتلعتين‬
‫عندما تفلين أيب أمام جرياين ‪ ...‬با إلضافة أنه كثري املشاكل مع والديت ومعي ومع إخويت ‪ ،‬فال يهد أ‬
‫له بال إال عندما يؤجج مشكلة يف املنزل ‪ ،‬ويا ليت أن أخالقه معنا كأخالقه احلسنة مع زمالئه‬
‫وجريانه ‪S...‬‬
‫ويقول آخر أيب سبب بيننا وبينه فجوة بسبب املعاملة القاسية والضرب الشديد والعقاب البدين و‬
‫اإلهانة والتوبيخ والشتم اجلارح ‪،‬وعندما ما يقوم أيب بضرب أمي أمامي وأمام إخويت ‪ ،‬ويلغي‬
‫شخصيتها وكياهنا أمامنا يزداد نفورنا وكرهنا له ‪0‬‬
‫ويقول أحد األبناء‪ :‬أيب يكيلين بعبارات هشمت طموحايت ‪ ،‬وبلدت إحساسي ‪ ،‬فأمْسَ ُع باستمرار ‪،‬‬
‫كلمة فاشل ‪ ،‬و كلمة ليس فيك فائدة ‪ ،‬وأنت صائع ‪ ،‬وأنت جمنون ‪ ،‬ويشبهين بإخواين وبأبناء‬
‫عموميت وأقراين ‪ ،‬حىت كرهت البيت واجملتمع‪...‬‬
‫عالقة اآلباء باألبناء ينبغي أن تكون على ثالث مراحل ‪...‬‬
‫‪ -1‬عالقة حنان من األب واألم وغالبا ما تكون يف فرتة مابني الوالدة إىل سن ‪10‬سنوات ‪...‬‬
‫‪ -2‬احلنان مع القدوة ‪ ...‬فيحرص اآلباء على أن يكونوا قدوة صاحلة لألبناء مع عدم فقدان العاطفة‬
‫وتكون يف فرتة ما بني ‪ 10‬سنوات حىت ‪15‬سنة ‪...‬‬
‫‪ -3‬احلنان والقدوة والصداقة ما بعد ‪ 15‬سنه ‪...‬‬
‫وبذلك يكون هناك توازن يف الرتبية بني األب وأبنائه ‪S...‬‬

‫‪272‬‬
‫أيها األبناء ‪...‬‬
‫مهما أساء اآلباء ‪ ،‬و مهما كانت أخطاؤهم ‪..‬‬
‫فهم بشر يعرتيهم التقصري و اخلط‪...‬‬
‫و كذلك ‪ ..‬هم أصحاب فضل علينا ‪..‬‬
‫فلزاما علينا طاعتهم يف عسرنا و يسرنا ‪..‬‬
‫يف فرحنا و حزننا ‪..‬‬
‫يف رضانا و رفضنا ‪..‬‬
‫إال يف معصية اهلل ‪..‬‬
‫وخالصة القول ‪...‬‬
‫من هذه الساعة ‪ ...‬ليودع اآلباء القسوة من حياة األبناء ‪ S...‬أحبوا أبنائكم بعمق‪ S...‬اجعلوهم‬
‫يشعرون حببكم هلم‪S...‬‬
‫ليكون لسان حال من قسا على أبنائه ‪ ،‬وداعا أيها القسوة اليت عانقت شخصييت ‪ ،‬وداعا أيها‬
‫القسوة‪ ....‬سأجته إىل أبنائي ‪ --‬املأوى الدافئ ‪ ،‬وامللجأ اآلمن‪ ،‬واملدرسة األوىل ‪ ،‬ومركز احلب‬
‫والسكينة وساحة اهلدوء والطمأنينة ‪0‬‬
‫وداعا أيها القسوة ‪ S.....‬فكنت أترجم الشحن النفسي من العمل واجملتمع على أبنائي ‪ ،‬وعرفت بأين‬
‫لك بلسم وسرور ‪ ،‬وفراقي ِ‬
‫منك سعادةٌ‬ ‫أجحفت يف حقهم ‪ ...‬الوداع أيها القسوة ‪ .....‬فوداعي ِ‬
‫وحبور ‪ ،‬وإىل غري لقاء قادم بإذن اهلل ‪S...‬‬
‫‪----------------------‬‬
‫(‪ )1‬حممد الدويش مقال ( يا أبت )‬
‫ــــــــ‬

‫‪273‬‬
‫رسالة إلى إمام المسجد‬
‫مشعل بن عبد العزيز الفالحي‬
‫إىل إمام األخيار يف كل بيت من بيوت اهلل تعاىل ‪ ،‬يسرين مع إطاللة شهر رمضان املبارك أحييك‬
‫بتحية أهل اجلنة حتيتهم يوم يلقونه سالم فسالم اهلل عليك ورمحته وبركاته ‪ ،‬سائالً املوىل تعاىل أن‬
‫تصلك رساليت وأنت تلبس ثوب العافية ‪ ،‬وتنعم حبلل االستقامة ‪.‬‬
‫أخي الفاضل ‪ :‬لعلك تدرك حفظك اهلل برعايته أن إمامة املسلمني مسؤولية عظيمة جداً وهي من‬
‫إألمانة اليت ختلّت عنها السموات واألرض جاء ذلك يف قول اهلل تعاىل ‪ (( :‬إنا عرضنا األمانة على‬
‫السموات واألرض واجلبال فأبني أن حيملنها وأشفقن منها ومحلها اإلنسان إنه كان ظلوماً جهوالً ))‬
‫حرم‬‫ورسول اهلدى ‪ ‬قال ‪ (( :‬ما من عبد يسرتعيه اهلل رعية ميوت يوم ميوت وهو غاش لرعيته إال ّ‬
‫اهلل عليه اجلنة )) إىل غري ذلك من النصوص اليت جاءت ببيان هذه األمانة وفضلها واآلثار املرتتبة على‬
‫إمهاهلا ‪ .‬داعني لك املوىل جلّت قدرته أن يعيننا وإياك على الوفاء حبق هذه األمانة ‪.‬‬
‫أخي الفاضل ‪ :‬أقبل رمضان وهو حيمل فضائل عظيمة ‪ ،‬وخريات جسيمة ‪ ،‬واملسلمون ينتظرونه‬
‫بفارغ الصرب ‪ ،‬فمن يا ترى غريك يتوىل هذه املسؤولية فيبني للصائمني عن هذه الفضائل ؟ ويوضح‬
‫هلم أحكام هذا الشهر ؟ ويروى عطش كثري من السائلني عن احلق ؟ وألن مسؤوليتك كإمام جتاه‬
‫هذا األمر عظيمة أحببت أن أذ ّكرك ببعض من جوانب هذه األمانة ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬كن قدوة حفظك اهلل أسوة بنيب اهلدى ‪ ‬إذ كان عليه الصالة والسالم إماماً وقدوة ألمته‬
‫من بعده ‪ ،‬فاحرص حفظك اهلل تعاىل على مالزمة الفرائض يف أوقاهتا ‪ ،‬ولري من يصلي معك أثر‬
‫القدوة حقيقياً يف حياتك من املداومة على النافلة ‪ ،‬واإلقبال على القرآن الكرمي ‪ ،‬ومداومة الذكر ‪.‬‬
‫وإياك إياك أن يرى منك من يصلى معك هتاوناً يف القدوة ‪ ،‬أو تأخراً عن صالة اجلماعة ‪ ،‬أو ضعفاً‬
‫يف العبادة ‪ ،‬فإن لذلك أثراً عظيماً يف خدش هذه القدوة حفظك اهلل من كل هذا ‪.‬‬
‫تعهد مجاعة املسجد باملوعظة يف هذا الشهر الكرمي ‪ ،‬وليكن لك ورد ثابت من القراءة على‬ ‫ثانياً ‪ّ :‬‬
‫املصلني ‪ ،‬مستغالً ألفضل األوقات اليت ترى فيها إقبال املصلني ‪ ،‬متخرياً من الكتب ما تراه أقرب هلم‬
‫يف العبارة ‪ ،‬وأكثر عناية باجلوانب الروحانية فإن الشهر فرصة عظيمة يف توجيه هذه اجلموع ‪.‬‬
‫ونور بصريتك ‪ ،‬وليكن شعارك‬ ‫ثالثاً ‪ :‬أحي شعرية األمر باملعروف والنهي عن املنكر أحيا اهلل قلبك ّ‬
‫إما معروف يبقى أو منكر ينتهي ‪ ،‬وتذ ّكر أن عاقبة السكوت عن املنكرات عاقبة وخيمة يف حياة‬
‫األفراد واجلماعات ‪ ،‬فهذا رسول اهلدى ‪ ‬يقول ‪ (( :‬لتأمرن باملعروف أو لتنهون عن املنكر أو‬
‫ليضربن اهلل قلوب بعضكم ببعض مث تدعونه فال يستجاب لكم ‪ )) ..‬هذا يف حياة األفراد ‪ ،‬أما على‬
‫مستوى اجلماعات فقد قال اهلل تعاىل يف كتابه الكرمي ‪ (( :‬افأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً‬
‫وهم نائمون * أوأمن أهل القرى أن يأتيهم باسنا ضحى وهم يلعبون * افأمنوا مكر اهلل ‪ ،‬فال يأمن‬

‫‪274‬‬
‫مكر اهلل إال القوم اخلاسرون )) وغري ذلك من الوعيد جتاه من يتجاهل هذه الشعرية العظيمة ‪ .‬واألمل‬
‫بعد اهلل تعاىل على شخصك الكرمي بأن تكون واعظاً ومذكراً ‪ ،‬آمراً باملعروف ‪ ،‬ناهياً عن املنكر ‪،‬‬
‫وراع حفظك اهلل وأنت تقوم هبذا الدور أن تتخرّي األسلوب األمثل يف النصيحة ‪ ،‬وأن يكون إنكارك‬
‫مستمراً ‪ ،‬وليعرف كل من يسمع حديثك أو يراك أنك من اآلمرين والناهني ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬ليكن لك دور بارز يف دعوة أهل احلي فتخري حفظك اهلل من الوسائل ماهو أقرب للمقصود‬
‫سواء من الشريط ‪ ،‬أو الفتوى ‪ ،‬أو الرسالة ‪ ،‬عن طريق لوحة املسجد ‪ ،‬أو املسابقات ‪ ،‬وليكن لك‬
‫ارتباط مباشر مبكتب الدعوة أو املندوبية يف جمتمعك ليتحقق هبذا التعاون النجاح املأمول بإذن اهلل‬
‫تعاىل ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬من الفرص العظيمة يف هذا الشهر الكرمي إفطار الصائمني ‪ ،‬وقد قال رسول اهلدى ‪(( : ‬‬
‫من فطّر صائماً فله مثل أجره … احلديث )) وحري بك حفظك اهلل أن هتتم هبذا اجلانب وحترص‬
‫وتشجع املصلني على ذلك ‪ ،‬خاصة إذا وجد يف حيكم أو فيما جياوره اجلاليات‬ ‫ّ‬ ‫على هذا األجر ‪،‬‬
‫الفقرية من أهل اإلسالم فإن ذلك أدعى لوجود هذا اخلري وفقك اهلل ‪.‬‬
‫سادساً ‪ :‬ر ّكز حفظك اهلل تعاىل على إصالح ذات البني ‪ ،‬فقد قال اهلل تعاىل ‪ (( :‬ال خري يف كثري من‬
‫جنواهم إال من أمر بصدقة أو معروف أو إصالح بني الناس …… اآلية )) وليكن مهّك يف هذا‬
‫الشهر الكرمي مجع شتات أسرة ‪ ،‬أو مل مشل أحبة ‪ ،‬فهذه أدوارك وال نعدم منك حفظك اهلل جهداً‬
‫مضاعفاً جتاه هذه األدوار ‪.‬‬
‫وأخرياً ‪ :‬أخي اإلمام ‪ :‬هذه رساليت بني يديك وهي جمرد ذكرى أحببت أن تصل إىل شخصك‬
‫يفعل دورها ‪ ،‬وحيي أثرها ‪ .‬أحيا اهلل قلبك ونور‬ ‫الكرمي يف بداية هذا الشهر املبارك ‪ ،‬وأنت ممن ّ‬
‫بصريتك ‪ ،‬وزادك شرفاً هبذه الرسالة ‪ .‬واهلل يتوالك ويرعاك ‪.‬‬
‫أخوكم ‪ /‬مشعل بن عبد العزيز الفالحي‬
‫ــــــــ‬

‫‪275‬‬
‫تكسير الرموز واألعالم أشد خطراً على األمة من القنابل واأللغام!‬
‫الدكتور‪/‬عبدالعزيز بن عبداهلل األمحد‬
‫لتتصور أي أمة تنطلق بدون قيادات يف سلم جمدها وتستمر يف رقيها وصعودها ‪ S...‬أميكن ذلك‬
‫تارخياً وواقعاً ؟!!‬
‫إن العقالء ينفون وجود جناحات بدون قيادات أملعية يتبعها الناس‪ ،‬فكيف باالستمرار واإلبداع ؟!‬
‫ولذا ال نكاد نرى أمة من األمم تعيش بال رموز مضيئة تنري طريقها‪ ،‬ومقدسات تعطيها قوة ورسوخاً‬
‫وامتداداً وارتفاعاً‪ ،‬حسب زعم كل أمة أو جمتمع‪ ،‬والواقع يصدق ذلك أو يكذبه ‪.‬‬
‫ضروري لرسم الصورة اليت جيب على األمة اقتفاء أثرها‪..‬وتلمس‬ ‫ٌ‪S‬‬ ‫أمر‬
‫إن وجود "الرموز" يف األمم ٌ‬
‫اليقني بصدق املنهج‪ ،‬وإمكانية املمارسة والتطبيق يف احلياة‪ ،‬كما أنه يعطي الناشئة‬ ‫خطاها‪..‬إذ يعطي َ‬
‫"مناذج" حية متلك مقومات القدوة احلسنة والقيادة الفذة لتحاكيها يف واقع احلياة ‪.‬‬
‫ونظراً ألثر الرموز والقادة – أياً كانوا – على جمتمعهم ومن حوهلم ‪ ..‬أكد املتخصصون يف‬
‫الدراسات النفسية على خطورة أثر "النموذج" ‪ Modeling‬على الشباب والشابات وخاصة‬
‫الصغار ويظهر ذلك بتقليد بعض املشاهري‪ ،‬كالماً ولبساً ومشياً ‪ ...‬إخل ‪.‬‬
‫إن النموذج أو ما يطلق عليه يف املفردة اإلسالمية "القدوة"‪ S‬خطري جداً يف صناعة احلياة خرياً أو شراً‪،‬‬
‫فكل ما حييط باإلنسان من أب أو أم‪ ،‬أخ أو أخت‪ ،‬عامل الكبار‪ ،‬عامل النماذج واملشاهري يف الواقع‬
‫ويف األفالم‪ ،‬يف السري والتاريخ‪ ،‬كل ذلك يبين عقول الناشئة وسلوكهم‪ ،‬إن أسهل طريق للرتبية ‪-‬‬
‫وهو يف الوقت نفسه أشدها خطراً‪ -‬هو القدوة والرمز ؛ إذ جيذب اآلخرين إليه باحملاكاة والتأسي‬
‫والتقليد!‬
‫ويالحظ يف اإلسالم االهتمام البالغ بإبراز أثر النماذج جبميع أنواعها وصورها ‪ ..‬سواء االجيابية أو‬
‫السلبية‪ ،‬ومثال ذلك يف القرآن جلي وواضح‪ ،‬فكثرياً ما يربز اهلل سبحانه وتعاىل بعض النماذج‬
‫اإلجيابية بأقواهلا وأعماهلا آمراً بالتأسي هبا ‪..‬‬
‫ويذكر بعض النماذج السلبية مبواقفها وسلوكياهتا حمذراً منها‪ ،‬كما قال تعاىل آمراً نبيه حممد – ‪- ‬‬
‫بعد أن ذكر بعض النماذج الرائعة من إخوانه السالفني عليهم السالم‪( :‬أولئك الذين هداهم اهلل‬
‫فبهداهم اقتده)‪ ،‬هؤالء الرجال املصطفون من أبناء آدم يرقون صعداً يف مدارج الكمال وترشح‬
‫قلوهبم الكبرية الستقبال ما يفد به املأل األعلى من اهلل تعاىل‪ ،‬فإذا باحلكمة تسيل من ألسنتهم‪،‬‬
‫واألسوة احلسنة تفيض من أعماهلم‪ ،‬والنزاهة تقرتن بأحواهلم‪ ،‬وليست وظيفة األنبياء عليهم الصالة‬
‫والسالم بذل املعرفة والكشف عن حقائق الكون واإلنسان والوجود فحسب! بل إن تربية األصحاب‬
‫واألتباع على املبادئ احلقة والتعبد هلل تعاىل من أهم ما جاءوا به‪ ،‬فكان – ‪ - ‬يتذكر حني يعادى‬
‫ويؤذى ‪ ..‬صرب موسى ‪ ..‬وحني حيج أو يعتمر يتذكر مرور إبراهيم وإمساعيل‪ ،‬واألنبياء بالبيت‬

‫‪276‬‬
‫العتيق‪ ،‬وكثرياً كثرياً ما كان يقص النيب – ‪ - ‬على أصحابه رضي اهلل عنهم من قصص إخوانه ومن‬
‫سلف ليقتدوا هبم ‪..‬‬
‫صنعوا‬
‫هم الرجال املصابيح الذين هم *** كأهنم من جنوم حية ُ‬
‫أخالقهم نورهم من أي ناحية *** أقبلت تنظر يف أخالقهم سطعوا‬
‫كان املرسلون األولون مصابيح تضيء جوانب الليل الذي ألقى بظالله على أحناء الدنيا‪ ،‬فلما ظهر‬
‫فجر اإلسالم بدأ ينشق عنه الظالم‪ ،‬وبدأت أشعة الرسالة العامة تتهادى يف األفق انتقل العامل من عهد‬
‫إىل عهد جديد ‪..‬‬
‫ال تذكروا الكتب السوالف قبله *** طلع الصباح فاطفأ القنديال‬
‫إنه قدوم األمنوذج الفريد والرمز العظيم والرجل الكرمي والقدوة الوحيدة‪ ،‬فيه اجتمعت كماالت من‬
‫سلف من األنبياء واملرسلني والصاحلني والناجحني‪ ،‬إنه حممد بن عبداهلل اهلامشي القرشي – ‪ ،- ‬ذو‬
‫الصفات الرفيعة واخلالل البديعة‪ ،‬إنه األول يف الصدق والوفاء‪ ،‬واإلميان واإلحسان‪ ،‬والرمحة والرأفة‪،‬‬
‫والشجاعة واإلقدام‪ ،‬والذكاء والزكاء‪ ،‬واجلود والسخاء‪ ،‬والزهد والورع‪ ،‬والتعبد والتخشع‪ ،‬وبشر‬
‫واالبتسام‪ ،‬والقدوة واإلكرام‪ ،‬والفصاحة والبيان ‪ ..‬خريه إىل الناس موصول‪ ،‬وال يصدر منه شر وال‬
‫مكروه‪ ،‬حيب السهل واللني ‪ ..‬ديدنه اإلحسان واملعروف‪ ،‬مجع مجال الظاهر والباطن وكماهلما‪،‬‬
‫حيسبه من رآه أنه ال حيب أحداً سواه‪ ،‬كالشمس ترسل اشعتها فيستمتع اجلميع هبا ويأخذ كل أمري‬
‫حظه من الدفء واحلرارة واإلمتاع‪ ،‬ال حيس بأن أحداً يشاركه فيها أو يزامحه عليها‪ ،‬ومع ذلك فهو‬
‫بشر من البشر يأكل الطعام وميشي يف األسواق‪..‬‬
‫إهنا سرية كالبحر اخلضم تصب فيه األهنار!‬
‫فمبلغ العلم فيه أنه بشر *** وأنه خري خلق اهلل كله ِم‬
‫رجل وصل إىل اعظم درجات السواء البشرية بفضل من اهلل ونعمه‪ ،‬حىت طارت من األفواه شهادات‬
‫اإلنصاف والتزكية له‪ ،‬سواء من أعداءه املعاصرين يف وقته وبعد مماته وحىت يومنا هذا – ‪، - ‬‬
‫كلهم يشهدون على صدقه وأمانته‪ ،‬وكرمه‪ S،‬وجوده‪ ،‬وإنصافه‪ ،‬وعدله‪ ،‬ومسو قدره‪ ،‬وفضله‪،‬‬
‫وتواضعه‪ S،‬ورمحته‪ S...‬واحلق ما شهدت به األعداء !‬
‫عي يف مناقبه *** إذا تفكرت والتكثري تقليل‬‫كل البالغة ّ‬
‫لو أمجع اخللق أن حيصوا حماسنه *** اعيتهم مجلة منها وتفصيل‬
‫وقد خص اهلل تعاىل هذ النيب الكرمي بأمور تعز على احلصر‪ S،‬لكي يقتدى به ويتبع كأمنوذج فريد‪ ،‬فهو‬
‫خامت األنبياء وسيد العظماء واألولياء‪ ،‬ورسالته خامتة الرساالت‪ ،‬وكتابه املهمني على مجيع الكتب‬
‫ناسخ هلا‪ ،‬وألجل أنه القدوة االمسى واملثل األعلى لكل مسلم ومسلمة حفظ اهلل سنته وطريقته كما‬
‫حفظ القرآن الكرمي‪ ،‬وبلغنا الوحيان‪ ،‬الكتاب والسنة متواترين عرب األجيال ‪!! ..‬‬

‫‪277‬‬
‫إنه الرجل األشهر يف العامل‪ ،‬واألكثر ترداد على األلسنة‪ ،‬وذكراً يف الدنيا‪ ،‬فمنذ عهده – ‪- ‬إىل‬
‫وقتنا احلاضر وهو يذكر يف أذان كل صالة إعالما واحراماً مخس مرات يف اليوم الليلة ‪ ..‬يف كل‬
‫مسجد من أحناء العامل إهنا مئات اآلالف من املساجد ‪ ..‬وماليني بل مليارات الصلوات ‪ ..‬إن هذا‬
‫الذكر املدوي له نعمة من اهلل تعاىل على ‪ .‬نبيه ‪ ‬وتذكري للناس بسريته لالقتداء به واالهتداء هبديه!‬
‫وقد متيزت سنته وهديه وسريته بعدد من امليزات منها ‪:‬‬
‫أ ) اشتماهلا على اجلوانب االنسانية كلها سواء اجلوانب اإلميانية العاطفية‪ ،‬والقولية اللسانية‪ ،‬واحلركية‬
‫السلوكية‪ ،‬كذلك تضم نشاطه العبادي والتعاملي‪ ،‬والسياسي‪ ،‬واإلداري واالجتماعي والنفسي‬
‫والرتبوي ‪.‬‬
‫ب ) الدقة من ناحيتني‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬التثبت يف الرواية والنقل‪ ،‬واحلرص على عدم الزيادة والنقصان يف الكلمات أو األوصاف أو‬
‫االشياء ‪ ..‬وهذا مما متيزت به أمة اإلسالم يف نقل األحاديث ودراستها رواية ودراية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬التعمق يف نقل كل شيء مما خيفى عن معظم الناس كأموره – ‪ - ‬يف بيته ومع نسائه رضي‬
‫اهلل عنهن‪ ،‬ويف سلمه وحربه‪ ،‬ويف مسجد وسوقه‪ ،‬وحضره وسفره‪ ،‬وليله وهناره‪ ،‬بشكل يعز نظريه‬
‫ولذا يقول أحد كبار املستشرقني وهو (جون ديون) يف كتابه " اعتذار من حممد والقرآن "‪( :‬ال ريب‬
‫أنه ال يوجد يف الفاحتني واملشرعني والذين سنو السنن من يعرف الناس حياته وأحواله بأكثر تفصيالً‪،‬‬
‫وأمشل بياناً مما يعرفون من سرية حممد – ‪ - ‬وأحواله )‪ ،‬كل ذلك حىت يكون أمنوذجاً حياً وقدوة‬
‫متكاملة الصورة ‪ ..‬ومعلماً واضحاً للسالكني ‪ ..‬ولذا قال احلكيم اخلبري ( لقد كان لكم يف رسول‬
‫اهلل أسوة حسنة ‪ ...‬اآلية ) فإن مل يكن هذا النيب الكرمي األسوة احلسنة والقدوة الكاملة فمن ؟!‬
‫وهذا األمر – أعين وضوح دين اإلسالم‪ ،‬وحفظ مروياته‪ ،‬ودقة حفظته‪ ،‬وسالسة احكامه‬
‫ووضوحها‪ ،‬وتسيد نبيها وعمق أثره يف اآلخرين‪ ،‬اعطى أمته قوة االنتشار وكثرة األنصار يف مجيع‬
‫أحناء العامل واصبح أسرع الديانات يف معدل االنتشار ‪ ..‬مما جعل بعض السفهاء والشانئني حيقدون‬
‫على هذا النصوع والنجاح ‪ ..‬فيمموا ووجوههم الجتثاث أمة اإلسالم من جذورها‪ ،‬فمرة يسخرون‬
‫من اإلسالم وأخرى يصبوا جام غضبهم على الكعبة املشرفة فيزمعوا إحراقها‪ ،‬وتارة القرآن الكرمي‪،‬‬
‫وأخرياً وليس آخراً االستهزاء بالنيب – ‪ - ‬ولو كان االستهزاء بآحاد املؤمنني لرفض متاماً فكيف إذا‬
‫كان املستهزأ به مقام النيب – ‪!!- ‬‬
‫جد خطري ‪ ..‬إن خسارتنا لألموال واألرواح بل الدنيا كلها عندنا حنن املسلمني هلو‬ ‫أمر ُ‬
‫إ ّن هذا ٌ‬
‫أسهل آالف املرات من تشويه القدوة الكاملة واألسوة احلسنة للمسلمني بل العامل أمجع!‬
‫إن تشويه صورته وكسر رمزه يف القلوب ومن مث التشكيك بدينه وطريقته هلي أشد من النزال‬
‫العسكري واملدافع والقنابل واأللغام ‪ ..‬فخسارتنا باملعارك أهون بكثري من آثار الشك مبقام النيب‬

‫‪278‬‬
‫الكرمي تلك ضررها على االجسام‪ ،‬أما هذه فعلى القلوب واألفكار واملعرفة والدين ‪ ..‬إذاً مبن نقتدي‬
‫؟؟ ومن نتبع ؟!!‬
‫إن اهلل تعاىل حبكمته جعل حممداً – ‪- ‬أمياً ال يقرأ وال يكتب حىت ال يظن ظا ٌن أن اخلري الذي معه‬
‫اكتسبه من أهل الكتاب أو سرقه كما قال تعاىل‪( :‬وما كنت تتلو من قبله من كتاب وال ختطه‬
‫بيمينك إذا الرتاب املبطلون) فكيف اآلن ‪ ..‬مبا يرمسون وما يقولون !!‬
‫إنه ملاسطر الشانئون الدمنركيون وغريهم رسومات التنقص واالزدراء بقدوتنا األكمل وأسوتنا األعلى‬
‫قد بني لنا عما تكنه صدورهم من احلسد واحلقد جتاه املسلمني‪ ،‬وهذا ليس مبستغرب منهم‪ ،‬فليس‬
‫حينئذ على األحباب الدفاع عن حياض حبيبهم الذي‬ ‫بعد الكفر مبلك امللوك ذنب‪ ،‬لكن قد وجب ٍ‬
‫ختللت حمبته داخل القلوب واملشاعر ‪ ..‬وهذا مصداق إلميان املرء كما جاء يف الصحيح‪( :‬والذي‬
‫نفسي بيده ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أمجعني)‪ S‬وهذه احملبة‬
‫تستوجب اتباع منهجه واقتفاء سنته يف مجيع األحوال ‪ ..‬ونصرته ومظاهر حمبته – ‪ - ‬تربز فيما‬
‫يلي‪:‬‬
‫• كثرة ذكره والدعاء له والصالة عليه – ‪. - ‬‬
‫• إتباع سنته وفعل أوامره واجتناب نواهيه ‪.‬‬
‫• نشر دينه وسنته بني الناس علماً وعمالً ‪.‬‬
‫• نصرة دينه وسنته والذب عنهما وعن شخصه – ‪. - ‬‬
‫وقد سرنا جداً ما سطره بعض املسلمني عملياً للمنافحة عن القدوة العظمى واألمنوذج األوحد – ‪‬‬
‫‪ -‬حني نال منه سفهاء‪ ،‬وقد رأينا مظاهر النصرة له بالدعاء واخلطب واملقاالت والتنادي ملقاطعتهم‬
‫جتارياً وسياسياً‪..‬‬
‫بعض هذه الدعوات جنحت‪ ،‬لكن حىت يكون التفاعل أكثر إجيابية‪ ،‬وأعمق تربوياً فيحسن االلتفات‬
‫هلذه األمور ‪:‬‬
‫‪ )1‬بيان خطورة مثل هذه األمور اليت وصلت حد االستهزاء بثوابتنا فذلك مدعاة لتشكيك الناس يف‬
‫دينهم وحرفهم عن طريقهم القومي ‪ ..‬ال سيما االستهزاء بالقدوات وكسر الرموز الذين هم محلة هذه‬
‫الدين ومبلغيه عن اهلل تعاىل إىل الناس وهم األنبياء واملرسلون وعلى رأسهم نبينا حممد – ‪ - ‬كذلك‬
‫يشمل ذلك املستهزين بالصحابة رضي اهلل عنهم والعلماء والقادة الصاحلني‪.‬‬
‫‪ )2‬ضرورة حترك والة األمر من العلماء والرؤوساء واألمراء بصد مثل هذه الدعوات املغرضة لتشوية‬
‫اإلسالم وقرآنه ونبيه‪ ،‬بالندوات‪ ،‬واحملاضرات‪ ،‬والفتاوى‪ ،‬واملؤمترات الفقهية والسياسية واالحباث‬
‫والدراسات كذلك تصعيد الوقفة اجلادة أمام ذلك سيما قادة الدول بقطع العالقات التجارية‬
‫والدبلوماسية فضال عن سحب السفراء ‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫‪ )3‬إعداد وثيقة بأمر من خادم احلرمني الشريفني أيده اهلل بطاعته‪ ،‬وبقرار من جلان شرعية وسياسية‬
‫وقانونية ترفع للهيئات اإلسالمية واجملامع الدولية وحماكمها حبيث تنص ( على أن من نال من اإلسالم‬
‫أو اهلل تعاىل أو القرآن الكرمي أو النيب – ‪ - ‬يقاطع سياسياً وجتارياً وحياكم ألن هذه أشياء ال ميكن‬
‫املساس هبا إطالقاً) وحري خبادم احلرمني الشريفني القيام هبا وهو أهل هلا‪..‬‬
‫‪ )4‬ماذا لو صاحب هذه املوجة العاطفية املفرحة لنصرة النيب ‪ ‬موجه مثلها أو أقوى فكرية علمية‬
‫تصدر على هيئة رسائل وكتب وحبوث سلسة ترصد سرية املصطفى ‪ ‬وجوانب حياته‪ ،‬وتظهر‬
‫حماسن الدين اإلسالمي وتكامله باسلوب خياطب عقلية اإلنسان الغريب وعاطفته ولدي قناعة بأن هذا‬
‫العمل سيفرح به رجال األعمال املسلمني‪ ،‬وسينفر له بعض املؤسسات الرمسية واخلاصة ونشر ذلك‬
‫يف مؤسساهتم العلمية واالعالمية‪ ،‬بل وإيصاهلا ملن تقصد االنتقاص منه ‪ ‬فلرمبا وقعت منهم مبوقع‬
‫‪ ..‬فإن كانت هذه البحوث والكتب موجودة فنعما هي وتدعم طباعة ونشراً وإن كانت األخرى‬
‫فتكون من أكرب مهومنا اليت حركتها رسومهم ‪.‬‬
‫‪ )5‬إن مظاهر املقاطعة اليت متت وأعلنت عنها بعض الشركات التجارية وتضامن معها الناس هلو أمر‬
‫حسن ويبهج الصدر ويشكرون عليه وهو مظهر من مظاهر حمبة النيب – ‪- ‬لكن أليس هناك مقاطعة‬
‫أعظم قدراً واكرب أثراً؟ أليس مقاطعة ما حرمه النيب – ‪ - ‬أوجب من مقاطعة البطون والطعوم؟!‪S‬‬
‫حماد لسنته؟ أليس من أكل الربا والرشوة واملال احلرام خمالف لطريقته؟‪..‬إخل‪ ،‬إن‬ ‫أليس من ترك الصالة ٌ‬
‫هناك مئات املظاهر املنتشرة يف حياة الدول واألسر تصرخ مبخالفة النيب – ‪ - ‬فهل ذلك يرضي النيب‬
‫– ‪- ‬؟إن مقاطعة لون من ألوان األكل أمر سهل لوجود البديل له وهو مظهر من مظاهر حمبته – ‪‬‬
‫‪ ، -‬لكن من املهم جداً أن نفكر يف إتباع أوجب له – ‪ - ‬ومقاطعة أعمق أثراً وأشد خطراً من‬
‫مقاطعة املأكوالت‪..‬إهنا مقاطعة املخالفات!‬
‫‪ )6‬ولئال يفلح االعداء بنيل ما أرادوا من كسر الرموز وتشويهها فال يبقى أمام الشباب والشابات إال‬
‫قدوات األقدام واألفالم ‪ ..‬فمن املهم نفسياً وتربوياً مناقشة هذا املوضوع مع االبناء والبنات‬
‫والطالب والطالبات‪ ،‬وطرح ملاذا حنب النيب – ‪- ‬؟ وكيف حنبه؟ وما مظاهر حمبته؟ ومناسب جداً‬
‫استغالل مظاهر املقاطعة حىت لو باملأكوالت لتحريك حمبته – ‪ - ‬وإتباعه ‪ ..‬فذلك مدعاة لتفعيل‬
‫سنته وإشهارها بني الناشئة ‪ ..‬ومقاطعة كل ألوان املخالفة هلدية وطريقته ومفاصلتها‪ ،‬وهذا ظهر أوله‬
‫يف هذه األيام ونريد أوسطه ونطمع بآخره فهل حنن حمبون له فعالً ومتبعون ؟؟‬
‫هذا ‪ ..‬واللهم أجعلنا واملسلمني من أتباعه الصادقني ‪..‬‬
‫املصدر ‪ :‬حلول لإلستشارات النفسيّة والسلوكيّة‬
‫ــــــــ‬

‫‪280‬‬
‫أيها المربي هل أنت قدوة ؟؟؟‬
‫عادل بن عبداهلل السلطان‬
‫حني نذكر مشكلة ما ال يعين االنتقاص ‪ .‬بل لرتك العيب إن كان خطأ والعمل على تصحيح املسار‬
‫والرقي لزكاة النفس ‪ ،‬خاصة حني يكون املريب متعدي النفع ‪ ،‬ليس كمثل من كان قدوة على نفسه‬
‫فقط ‪ ،‬وأهم من يكونون قدوة هم أولئك الذين نصبوا أنفسهم ونذروها هلل ‪ ،‬جلسوا يف املساجد‬
‫يذكرون ويتذاكرون كالم العالم اجلليل ‪ ،‬فهم واهلل القدوة احلق ممشاهم ‪ ،‬وهم نرباس الدجى إذا‬
‫أظلمت الليايل ‪ ،‬وهم واهلل من نشكو هلم بعد أن ترك أولياء األمور أبنائهم بدون رقابة فضالً عن‬
‫الرتبية أصالً‪!..‬‬
‫وحىت نكون جادين يف التصحيح فهذه إشارات على الطريق أحببت سكبها فيما أحسست فقد ينسى‬
‫القدوة نفسه واملريب كذلك فيزل الدرب قليالً فتكون النتيجة ليست كما حيب‪:‬‬
‫فقد الحظت أن بعض املشرفني وبعض املدرسني يف بعض احللقات قد ال يلقي باالً ملا يفعله‪ ..‬وال‬
‫ينتبه ملا يقوم به ‪ ! ..‬وال هناك من يذكره‪ ..‬وينبه ‪S!..‬‬
‫مث يكون ما قام به وباالً‪ .‬ويعمل ما ال يسيغ فعله ‪ ،‬فيكون على مر األيام النتائج بال مثرة ‪..‬‬
‫وطعم وال رائحة ‪- !..‬واألفعال هي نتائج القدوات الضعيفة‪.-‬‬
‫ومن ذلك مثالً ‪:‬‬
‫أن البعض قد يتعامل مع الطالب (فعالً أو قوالً ) بال جسور احملبة وال عالقات احملبة الطبيعية‪ ..‬وال‬
‫أقصد أن يتكرب عليهم أو جيعل نفسه عالية يف برج عاجي كما يقال ويكون هو اآلمر الناهي فقط‬
‫‪ !..‬كال‬
‫بل يكون كمثل الرسول ‪ ‬يف تعامله ولطفه مع حزمه عند العمل ‪ ،‬ودعابته الصادقة مع قوته يف‬
‫العمل‪.‬‬
‫ولكن فيما أقصد أن ال يكون الطالب يف منزلته ‪ ،‬أي ال يزيد من النكت الكثرية واملباحات السخيفة‬
‫ليقال (متواضع!) حمبوب ويتكلف أحياناً النكتة ليضحك القوم ليقال (ظريف) أو يزيد منها ملالطفة‬
‫الطالب ‪ ..‬كما يزعم ‪ ..‬وبعض األخوة قد يتنزل يف معاملته لكي يكون املشرف األول عند الطالب‬
‫إذا غاب سئلوا عنه وهذا األمر مل يكن إال ألنه هو املهرج فإذا حضر كانت املزحة هي األصل عنده‬
‫‪ !..‬بل البعض قد يتغايب عند الطالب وميثل عندهم كما يسميه البعض (استهباالً) ويكون معروفاً‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ولذا فإن املريب إذا سقط يف هذه اهلفوة كان املشرف اآلخر يريد أيضاً أن حيبه اجلميع فيكون هو‬
‫أيضاً يتنافس مع صاحبه يف هذا املرح واملزاح ‪ ،‬حىت يسقط صاحبه لكي يكون هو األفضل منه يف‬
‫هذا الباب ‪،‬‬

‫‪281‬‬
‫واملالطفة إذا زادت عن حدها انقلبت إىل ضدها‪ .‬وقد تنحرف احللقة عن مسارها وتكون الشللية‬
‫املقيتة مث كون احللقة وطالهبا ومشرفيها وباالً وكل هذا األمر من نسيان القدوة املريب اهلدف الذي‬
‫من أجله جاء إىل هذا املكان‪.‬‬
‫إن املسكني الذي أصبح كاملهرج مع األيام يصبح كالرجل الضائع الذي ال عامود أصلحه و ال إناء‬
‫نضح فيه املاء ألن الطالب أصبحوا ال يقبولون نصحه وإرشاده‪.‬‬
‫وما درى هؤالء املساكني أن كل هذه األفعال ليست من مصلحتهم أبداً بل رمبا ندموا عليها يف الغد‬
‫القريب بل رمبا إذا أصبحوا مربني حقاً ال امساً فقط‪.‬‬
‫واحلقيقة املهمة أيضاً ان هؤالء الطلبة بعد عدة سنوات قريبة سيكربون ‪ ،‬ورمبا يكونون معه يف ذات‬
‫املكان أو قريب منه ‪ ،‬ويتذكرون هل كانت طريقته صحيحة أم ال ؟ وهل كانت حقاَ تصب يف‬
‫مصلحتهم أم ال؟ بل رمبا انتقدوه وهم صغار على أفعاله‪ !..‬وحق هلم‪.‬‬
‫ولذا أؤكد على األخوة املصلحني عدة أمور ‪:‬‬
‫‪ -1‬التذكري باهلدف الدعوي الذي يقوم به أفرادهم وهي اليت جاء هبا رسولنا الكرمي ‪. ‬‬
‫‪ -2‬ال بد من العناية باالختيار املناسب لفلذات األكباد فاحللقة اهلشة هي نتاج للمشرفني‪.‬‬
‫‪ -3‬العناية بكتاب اهلل وسنة رسوله قوالً وفعالً فهذا أهم ما تقوم عليه ركائز الدعوة‪.‬‬
‫‪ -4‬التذكري برتبية النيب ‪ ‬ألصحابه وكيفية مالطفتهم واخللق الذي كان مزاجاً لدعوته وقوله‪.‬‬
‫‪ -5‬لكل جواد كبوة ولذا على املطلعون على شؤون احللقات التأكيد على هذه النقاط واالقرتاب من‬
‫الوضع احلايل لكي ينصح من يراه منغمس يف العمل املشني‪.‬‬
‫وأخرياً أولئك آبائي فجئين مبثلهم إذا مجعتنا ياجرير اجملامع ‪ ..‬فمن ترك كل أعماله وانشغالته وأموره‬
‫ليتفرغ للعمل الرتبوي فهو حبق يستحق االشادة جبهوده ويثىن عليه ومن ذلك النصح له‪.‬‬
‫يقول أحد الصحابة معاتباً ألخيه ‪ ( :‬تعال نتعاتب ) فرد عليه أخوه بكالم لطيف ‪( :‬بل تعال نتغافر‬
‫)‪ .‬ومن حمبتنا هلم نقول تعالوا نتغافر‪.‬‬
‫سائالً اهلل عز وجل أن يغفر لنا الزلل واخلطأ ورحم اهلل من وجهنا وعلمنا فكانت كلماهتم نرباساً‬
‫حلياتنا وأعمالنا‪.‬‬
‫أخوكم ‪/‬‬
‫عادل بن عبداهلل السلطان‬
‫‪Asd_274@hotmail.com‬‬
‫ــــــــ‬
‫قدوة على طريق الدعوة‬
‫د‪ /‬عمرو الشيخ‬

‫‪282‬‬
‫** رجل سار على الطريق الصحيح ‪S...‬‬
‫يلقاك بابتسامة ودود ‪...‬‬
‫ويصافحك حبرارة ‪S...‬‬
‫ويذكرك باهلل ‪S...‬‬
‫ويوصيك بالدعوة إليه‪...‬‬
‫ويدعوك إىل العمل لدينه ‪S...‬‬
‫والبذل والتضحية ىف سبيله ‪S...‬‬
‫والصرب والثبات على هذا الطريق‬
‫ويبشرك مبستقبل مشرق هلذا الدين ‪S...‬‬
‫بصوت حنون حيمل خربة العمر وجتربة السنني وصدق ما له مثيل جيعلك رغما عنك تنحىن لتقبل‬
‫يديه ‪S...‬‬
‫عاش جماهدا وظل صابرا حمتسبا ولقى ربه صائم‪S...‬‬
‫أكرمىن اهلل عز وجل بلقائه مرتني‬
‫ىف أثر عميق لصدق الرجل وإخالصه‬ ‫كانا لقائني سريعني ولكنهما تركا ّ‬
‫فالرجل كان يتنفس هذه الدعوة وحيياها‬
‫ال زلت أذكر كلماته الىت رددها على مسامعنا يومئذ ‪-:‬‬
‫((اإلميان أهم سالح نتسلح به‪ ،‬يصربنا‪ ،‬ويثبتنا‪ ،‬ويطمئننا أن املستقبل لإلسالم‪ ،‬فعلينا أن نصرب‪،‬‬
‫ونثابر‪ ،‬حىت يتحقق وعد اهلل بالنصر – إن شاء اهلل ‪)).-‬‬
‫فمن هو هذا اجملاهد ؟؟‬
‫ومن هو هذا االنسان الذى عاش للدعوة وبالدعوة وىف الدعوة ؟؟‬
‫*إنه االستاذ مصطفى مشهور املرشد العام‪-‬األسبق‪ -‬لالخوان املسلمون رمحه اهلل تعاىل وأسكنه فسيح‬
‫جناته ‪...‬‬
‫ولد االستاذ مصطفى مشهور رمحه اهلل ىف اخلامس عشر من شهر سبتمرب ىف عام ‪ 1921‬ىف قرية‬
‫السعديني مبحافظة الشرقية‬
‫وتدرج مبراحل التعليم حىت خترج من كلية العلوم‪-‬جامعة القاهرة‪ -‬عام ‪1942‬‬
‫* وكان انتقال "مشهور"‪ S‬للحياة يف القاهرة قفزة يف حياته‪ ،‬وضعته على الطريق اليت سيلتصق هبا‬
‫تعرف عليها من خالل جملة كان يوزعها‬ ‫طوال عمره‪ ،‬وهي االنضمام جلماعة اإلخوان املسلمني‪ ،‬اليت ّ‬
‫أحد املصلني‪ ،‬ويدعو من يأخذها إىل حضور درس الشيخ "حسن البنا" مرشد اإلخوان‪ ،‬فذهب‬
‫واستمع مث انضم إىل اإلخوان سنة ‪.1936‬‬

‫‪283‬‬
‫* والزمته فكرة اجلهاد – أثناء دراسته – وضرورة‪ S‬مقاومة املستعمر الغاصب لألرض واجلامث فوق‬
‫الصدور‪ ،‬وكان يرى أن اجلهاد فرض عني على كل مسلم ومسلمة ضد االحتالل‪ ،‬لذا كانت دعوته‬
‫لزمالء الدراسة لالنضمام لإلخوان تبدأ من مقاومة املستعمر احملتل‪ ،‬فكانت جتد آذانا صاغية؛ ألن‬
‫األمة املصرية والعربية كانت مشحونة ملقاومة املشروع الصهيوين على أرض فلسطني‪.‬‬
‫****‬
‫* اعمل لسجنك كأنك تعيش فيه أبداً‪ ..‬واعمل إلفراجك كأنك خترج غداً"‪S..‬‬
‫• يف يونيو ‪1954‬م أبعد عن العمل إىل مرسى مطروح‪ ،‬واعتقل من مرسى مطروح‪ ،‬وأحضر إىل‬
‫السجن احلريب‪.‬‬
‫‪ ،‬يقول عن ذلك‪" :‬وأحضرت إىل السجن احلريب‪ ،‬وكان التعذيب شديدا مبجرد الدخول من باب‬
‫السجن‪ ،‬وعذبت كثريا‪ ،‬وشكلوا يل حمكمة مل تستغرق أكثر من ثالث دقائق‪ ،‬وحكموا علي بعشر‬
‫سنوات أشغال شاقة"‪.‬‬
‫وتنقل "مشهور"‪ S‬بني سجون ليمان طرة والواحات وأسيوط‪ ،‬يقول عن جتربة سجن الواحات –وهو‬
‫سجن داخل الصحراء‪" :-‬وكان اجلو صعبا‪ ،‬فتأقلمنا معه واستثمرنا الوقت وزرعنا حول اخليام‪،‬‬
‫ومارسنا لعبة كرة القدم‪ ،‬لدرجة أننا قمنا برتبية بعض الطيور"‪ S.‬وخرج مشهور من سجنه يف نوفمرب‬
‫‪ 1964‬لكنه مل يستمر طويال خارجه؛ إذ سرعان ما اعتقل يف أحداث يوليو ‪ 1965‬حيث أصدر‬
‫عبد الناصر أمرا باعتقال كل من سبق اعتقاله فاعتقل مشهور مع الشهيد "سيد قطب"‪ ،‬ومل يوجه له‬
‫اهتام يف هذه القضية‪ ،‬وظل سجينا دون حماكمة حىت أفرج عنه سنة ‪ 1971‬يف إطار سياسة العفو‬
‫الشامل عن املعتقلني السياسيني الذي أصدره الرئيس السادات‬
‫****‬
‫* البداية من جديد ‪-:‬‬
‫كان "مشهور" دائم الرتديد لعبارة‪" :‬املهم أن نسري يف الطريق الصحيح"؛ لذا فبعد أن اختار اإلخوان‬
‫أن تكون البداية من اجلامعة‪ ،‬اختاروا "مشهور"‪ S‬مسئوال لقطاع الطلبة ‪ ،1974‬وكانت قدرته على‬
‫التعامل مع األجيال اجلديدة باهرة وأدت إىل أن يستطيع هذا التيار الذي منا يف اجلامعات إىل إحداث‬
‫تغيري واسع يف اجملتمع املصري الذي كان كغريه من الشعوب املسلمة تنتشر فيه الصحوة اإلسالمية‪،‬‬
‫وكفل ذلك لدعوة اإلخوان انتشار أفكارها يف قطاعات اجملتمع املختلفة يف وقت قصري؛ ألن طالب‬
‫اجلامعة يأتون من أماكن متفرقة يف مصر وسيعود كل منهم إىل مكانه ومعه أفكاره اجلديدة‪ ،‬ومن‬
‫نتاج العمل يف هذه الفرتة هذا العدد الكبري من القيادات اليت تقود اجلماعة اآلن‬
‫* وقبيل أحداث سبتمرب ‪ 1981‬اليت اعتقل فيها الرئيس السادات عددا من قيادات القوى السياسية‬
‫يف مصر سافر "مشهور"‪ S‬إىل الكويت‪ ،‬ومنها إىل أملانيا حيث قضى هناك مخس سنوات شارك فيها يف‬

‫‪284‬‬
‫إنشاء وبناء التنظيم الدويل لإلخوان املسلمني‪ ،‬الذي تقوم فكرته على ربط تنظيمات وجمموعات‬
‫اإلخوان يف البلدان املختلفة يف إطار تنظيم واحد يتصف بالعاملية؛ لتنسيق املواقف وإجياد قدر من‬
‫التقارب بني إخوان األقطار املختلفة‪ ،‬مع إعطاء قدر من احلرية يف حركة اإلخوان الداخلية ببالدهم‬
‫مبا يوائم جمتمعاهتم‪ .‬وشارك مشهور يف وضع النظام العام للتنظيم الدويل لضبط حركته‪.‬‬
‫عاد إىل مصر عام ‪ ،1986‬وبعد تويل حامد أبو النصر مرشدا عاما لإلخوان اختري "مشهور"‪ S‬نائبا‬
‫عاما‪.‬‬
‫مرشدا ً‬
‫للمرشد‪ ،‬وعقب وفاة "أبو النصر" يف فرباير ‪ 1996‬عني ً‬
‫***‬
‫* الشارح األول ملبادىء الدعوة ‪-:‬‬
‫لقبه بعض املراقبني بـ "الشارح األول" ملبادئ دعوة اإلخوان‪ ،‬واملسطرة اليت توزن هبا اجلماعة يف‬
‫سريها على الطريق حىت ال تنحرف عن مسارها يف الغاية واهلدف والوسيلة واحلركة؛ هلذا احتلت‬
‫فكرة ضبط الدعوة بأصوهلا ووزهنا مبيزان مبادئها حيزا كبريا يف فكره وكتاباته‪ ،‬وكان أبرز ما شغله‬
‫يف حياته هو التوازن بني الدعوة يف حركتها العامة وخاصة على صعيد العمل السياسي وبني ميداهنا‬
‫األصيل وهو ميدان العمل الرتبوي‬
‫يرى "مشهور‪ -‬أن تغليب اجلانب السياسي على الرتبوي احنراف ال بد من تقوميه؛ على اعتبار أن‬
‫اإلميان الذي ال يأيت إال بعد الرتبية هو السالح األقوى يف مواجهة األعداء قبل السياسة بأساليبها‬
‫فيقول‪" :‬إن أسلوب األحزاب السياسية ال يصلح يف معركتنا إذا كان على حساب الرتبية واإلعداد‬
‫وتقوية اإلميان؛ فنحن نتعامل مع السياسة كجزء من الدين نضبطها بضوابطه ونوائم بينها وبني الرتبية‬
‫والتكوين"‪ ،‬وكان مبدؤه يف ذلك‪" :‬إننا ال نريد من يعطينا صوته فقط"‪.‬‬
‫كما احتلت فكرة الدولة اإلسالمية مكاهنا البارز يف تفكريه وكتبه‪ ،‬ليس مبعناها الثريوقراطي "الديين"‬
‫ولكن مبعناها احلضاري الواسع‪ ،‬ورأى أن الدولة بناء ضخم حيتاج إىل أساس عريض وعميق ومتني‪،‬‬
‫وبالتايل حيتاج إىل وقت وجهد كبريين؛ على اعتبار أن األساس هو أشق مراحل البناء‪.‬‬
‫وانعكس ذلك على رؤيته يف التغيري اليت دعا أن تكون جذرية؛ هلذا مل يكن الزمن عنده "دالة" يف‬
‫التغيري‪ ،‬بل جعل اإلجناز وحجم التغيري مها األساس؛ ألن الدعاة ليسوا مسئولني عن النتائج بل عن‬
‫العمل الصحيح‪ ،‬وكانت نظرته احملورية "إننا ال نريد لبنائنا أن يقوم مث ينهار"‪.‬‬

‫ومن أهم أفكار "مشهور" أن بناء الذات اإلنسانية املسلمة لرجل الدعوة هي أهم وأصعب ميادين‬
‫البناء؛ ألن "بناء الرجال أشق من بناء املؤسسات" هلذا اجتهت كثري من كتبه إىل تقوية هذه الذات‬
‫وتدعيمها وإكساهبا الصالبة‪ ،‬فكان كتابه "عقبات يف الطريق" الذي تناول فيه احملن وما ترتكه من‬
‫إرباك للعاملني يف الصف اإلسالمي‪ ،‬رمبا دفعها إىل التشكيك يف صحة الطريق أو رشد القيادة‪،‬‬

‫‪285‬‬
‫وكتاب "قضية الظلم يف ضوء الكتاب والسنة" وفيه وجه خطابا للمظلومني خيفف عنهم معاناهتم‪،‬‬
‫وكتاب "زاد على الطريق" و"احلياة يف حمراب الصالة" و"مناجاة على طريق الدعوة" و"اإلميان‬
‫ومتطلباته" و"بني الربانية واملادية" و"مقومات‪ S‬رجل العقيدة" كمجموعة متكاملة لغرس القيم اإلجيابية‬
‫يف أعماق الشخصية املسلمة املتصدرة للعمل اإلسالمي؛ حىت ال تذوب يف حركة احلياة‬
‫****‬
‫*آراؤهم وذكرياهتم عن الراحل العظيم ‪-:‬‬
‫يقول عنه ا الشيخ حامد البيتاوي‬
‫خطيب املسجد األقصى املبارك‬
‫ورئيس رابطة علماء فلسطني يف مسجد أمهات املؤمنني بنابلس‬
‫عاما‪ ،‬تربت على يديه ومن‬ ‫((رجل محل مهوم املسلمني‪ ،‬وراية الدعوة اإلسالمية‪ ،‬منذ أكثر من ستني ً‬
‫خالل كتاباته يف فقه الدعوة أجيال من الدعاة‪ ،‬وهو خري من كتب يف هذا املوضوع‪ ،‬الذي تلقاه‬
‫واقعا مع اإلمام املؤسس فرتة من الزمان تقرب من عشر سنوات قبل أن‬ ‫يافعا ومارسه شابًا وعاشه ً‬‫ً‬
‫كثريا‪.‬‬
‫شهيدا‪ ،‬فأفاد من ذلك ً‬‫يلقى اهلل ً‬
‫عاش املسرية اإلسالمية فيما تعرضت له من ابتالء ومتحيص‪ ،‬صرب وثبت‪ ،‬وواصل السري على طريق‬
‫مرشدا هلذه الدعوة‪،‬‬‫الدعوة دون احنراف أو تبديل‪ ،‬إىل أن لقي اهلل عز وجل يف هذه األيام املباركة ً‬
‫وذلك فضل اهلل‪ ،‬يؤتيه من يشاء فجزاه اهلل عنا وعن مجيع املسلمني خري اجلزاء ))‬
‫*****‬
‫أما د ‪ .‬عبد اهلل قادري األهدل‬
‫فيحكى عن لقائه به فيقول ‪-:‬‬
‫((رأيت رجال ملتحيا حنيف اجلسم‪ ،‬متوسط طول القامة‪ ،‬قابلين بابتسامة‪ ،‬وصافحين حبرارة‪ ،‬وطلب‬
‫مين أن أقعد يف املقعد الذي كان جيلس عليه‪.‬‬
‫وقع يف نفسي أن هذا الرجل ال بد أن يكون قد عرفين من قبل‪ ،‬وأين قد نسيت اجتماعي به‪ ،‬فسألت‬
‫الدكتور علي بن حممد جريشة‪ :‬من هذا الشيخ يا دكتور؟‬
‫قال‪ :‬هذا األستاذ مصطفى مشهور‪ ،‬من كبار اإلخوان املسلمني‪ ،‬وهو عضو يف مكتب اإلرشاد‪ ،‬ودم‬
‫اجتماعي بالرجل ما يقارب ساعتني‪ ،‬ختللها تناول الغداء‪...‬‬
‫تبني يل من الرجل شدة تواضعه غري املتكلف‪ ،‬وعلو حسن خلقه‪ ،‬وشدة غريته على دين اهلل‪،‬‬
‫واالهتمام البالغ بالدعوة إىل اهلل‪ ،‬وهداية البشر‪ ،‬وللشباب املسلم عنده األولوية يف ذلك كله‪.‬‬
‫وعندما علم أنين من أساتذة اجلامعة اإلسالمية يف مدينة املصطفى ‪ ، ‬قال‪ :‬إن مهمتكم ثقيلة‪،‬‬
‫ومسؤوليتكم عظيمة‪ ،‬ألنكم تستقبلون أبناء املسلمني‪ ،‬من كل حدب وصوب‪ ،‬وأنتم يف مدينة‬

‫‪286‬‬
‫الرسول ‪ ، ‬مدينة املهاجرين واألنصار‪ S...‬وهذا العصر حيتاج إىل مناهج تناسبه‪ ،‬وعلماء على‬
‫مستوى حتدياته‪ ،‬ودعاة يفقهون واقعه‪ ،‬ومربني تتمثل فيه القدوة احلسنة ملن يربوهنم‪ ،‬فيجمعون يف‬
‫علمهم ودعوهتم وتربيتهم‪ ،‬بني جتارب املاضي‪ ،‬ومتطلبات احلاضر‪S...‬‬
‫وكنت أظن أن الرجل من علماء األزهر‪ ،‬لكثرة استدالله بآيات القرآن الكرمي‪ ،‬و احلديث الشريف‪،‬‬
‫ولكن الدكتور علي جريشة‪ ،‬قال يل‪ :‬إنه خترج يف كلية العلوم‪S،،،‬‬
‫ويف هذا الوقت القصري بان يل اهتمام هذا الرجل حبقائق اإلميان ووجوب غرسه يف نفوس الناس‪،‬‬
‫وبالتزكية الربانية للشباب‪ ،‬وتفقيههم يف دين اهلل ))‬
‫****‬
‫وهذا الداعيه الكويىت الشهري جاسم املهلهل ال ياسني حيكى عنه فيقول ‪-:‬‬
‫((قدر اهلل سبحانه وتعاىل أن يأيت ميكث يف الكويت فرتة طويلة وكنت يف هذه الفرتة من قيادات‬
‫العمل اإلسالمي يف الكويت فكان يل اتصال دائم معه فعايشنا الرجل وجالسناه واستقينا منه معاين ال‬
‫ميكن أن يأخذها من خالل كتبه وحماضراته فمن األمور الذي استفادها اإلنسان من هذا الرجل أن‬
‫يكون اإلنسان عفيف اللسان بال شك عندما خرج اإلخوان من السجون اصبح فيه مشاجرات وفيه‬
‫صراعات وكالم من البعض عن األخر لكن الرجل كان من املمكن أن ينتصر جملموعة من اجملاميع ملا‬
‫عنده من قصص ومعلومات قد ال يتسىن لألخر أن يذكر ما يبينها ويفصل هذه األمور اليت ذكرت‬
‫لكنه كان عفيف اللسان فيكفيين يف ذلك مدرسة‪.‬‬
‫***‬
‫أما األستاذ مهدى عاكف املرشد احلاىل هلذه اجلماعة املباركة حيكى عنه فيقول ‪-:‬‬
‫مصطفى مشهور‪ ..‬رجل معروف‪ ،‬ال حيتاج إىل أحد يقدمه‪ S..‬معروف جبهاده الطويل‪ ،‬وفهمه‬
‫العميق‪ ،‬وإخالصه النادر‪ ،‬وتفرده يف استيعاب اإلخوان وتربيتهم‪ ،‬ومنوذج فريد‪ ،‬مع كل ما القاه‪..‬‬
‫سواء يف فرتة سجنه‪ ،‬أو فرتة قيادته اليت كانت من أصعب الفرتات على اإلخوان املسلمني‪ ،‬حيث‬
‫شهدت احملاكمات العسكرية واالعتقاالت‪ ،‬وقد القى من السوء والعنت الكثري‪ ..‬كنا نتعذب عندما‬
‫نرى أحد اإلخوة يُعذب‪ S...‬مشهور‪ ..‬هذا الصابر اجملاهد‪ S...‬كان قمة يف األخوة واحلب واإلخالص‬
‫والتفاين وااللتزام الكامل بالنص‪.‬‬
‫****‬
‫*من مؤلفات األستاذ مصطفى مشهور‪:‬‬
‫• طريق الدعوة‪.‬‬
‫• زاد على الطريق‪.‬‬
‫• تساؤالت على طريق الدعوة‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫• احلياة يف حمراب الصالة‪.‬‬
‫• اجلهاد هو السبيل‪.‬‬
‫• قضية الظلم يف ضوء الكتاب والسنة‪.‬‬
‫• القائد القدوة‪.‬‬
‫• التيار اإلسالمي ودوره يف البناء‪.‬‬
‫• القدوة على طريق الدعوة‪.‬‬
‫• قضايا أساسية على طريق الدعوة‪.‬‬
‫• من التيار اإلسالمي إىل شعب مصر‪.‬‬
‫• وحدة العمل اإلسالمي‪.‬‬
‫• طرق الدعوة بني األصالة واالحنراف‪.‬‬
‫• مناجاة على طريق الدعوة‪.‬‬
‫• بني الربانية واملادية‪.‬‬
‫• مقومات‪ S‬رجل العقيدة‪.‬‬
‫• اإلميان ومتطلباته‪.‬‬
‫• الدعوة الفردية‪.‬‬
‫• من فقه الدعوة ‪.2 - 1‬‬
‫• اإلسالم هو احلل‪.‬‬
‫***‬
‫**مزايا وصفات فاضلة‪:‬‬
‫‪ .1‬القدوة الرتبوية‪ ،‬وقد قبس نورها من كتاب اهلل عز وجل وسنة رسول اهلل صلى اهلل عيله وسلم‪،‬‬
‫وقيام الليل‪ ،‬ومصاحبة املرشد األول اإلمام الشهيد حسن البنا رمحه اهلل‪ ،‬ذلك أن األخالق الكرمية‬
‫تكسب من حال الرجال‪ ،‬أكثر منها من التلقني واألقوال ويف هذا املعىن يقول ابن عطاء السكندري (‬
‫ال تصحب من مل ينفعك حاله ويدلك على اهلل مقاله )‪ ..‬وإن مجاعتنا تويل الرتبية األمهية األوىل‪ ،‬فهي‬
‫اليت تزكي األنفس‪ S،‬وهتذب اخلصال الكرمية " والذين جاهدوا فينا لنهدينّهم سبلنا وإن اهلل ملع احملسنني‬
‫" [العنكبوت‪ ..]69‬وقد كان مرشدنا قدوة يف أحواله‪ ،‬حكيماً يف مواعظه وأقواله‪ ،‬أورث كثرياً من‬
‫ذلك الشيء الكثري تالميذه وإخوانه وجلساءه‪ ،‬رمحه اهلل وأجزل مثوبته‪.‬‬
‫‪ .2‬الصرب‪ " :‬إمنا يوىف الصابرون أجرهم بغري حساب " ‪ ..‬وكيف ال يوصف من صرب على مآسي‬
‫السجون وآالمها قرابة عشرين عاماً !! بنفس راضية مطمئنة‪ ،‬مل ختضع لطاغوت ومل تركع‪ ،‬وقد‬
‫كان مدراء السجون يعرضون على أهل املعتقل حني زيارته اإلفراج عنه مباشرة مبجرد توقيعه على‬

‫‪288‬‬
‫نص للوالء للحاكم الظامل‪ ،‬وكانت عزة الشيخ مصطفى وثباته على مبادئه الربانية كانت تأىب عليه‬
‫أن يتنازل أو يرتاجع‪ ،‬وكان يف نبل خصاله قليالً ما يتحدث عن مآسي السجون والصرب عليها حذراً‬
‫من التباهي والتفاخر‪.‬‬
‫‪ .3‬التواضع ‪ :‬قال اهلل تعاىل ‪ " :‬واخفض جناحك ملن اتبعك من املؤمنني " [الشعراء‪ ]21‬يشهد كل‬
‫من عرف الشيخ مصطفى بتواضعه اجلم وشدة حيائه‪ ،‬وخفض جناحه إلخوانه‪ ،‬يؤثر إخوانه على‬
‫نفسه يف أسفاره وإقامته‪ ،‬وتلك هي صفات عظماء الرجال وكبار النفوس‪.‬‬
‫وإذا كانت النفوس كباراً تعبت يف مرادها األجسام‬
‫لقد أكرم اهلل تعاىل شيخنا اجلليل هبذه الفضائل الكرمية خالل عمره الدعوي الطويل واليت هي خري ما‬
‫جيب أن يتحلى هبا دعاة اإلسالم يف كل زمان ومكان ‪.‬‬
‫***‬
‫*املوت الباعث للحياة!‪.‬‬
‫يف يوم الثالثاء التاسع والعشرين من شهر أكتوبر سنة ‪2002‬م وبعد يوم طبيعي قضاه يف مكتبه‪ ،‬عاد‬
‫األستاذ مصطفى مشهور إىل منزله‪ ،‬وتناول غداءه‪ ،‬مث ذهب إىل فراشه للراحة‪ ،‬وعند أذان العصر‬
‫صمم على الذهاب إىل املسجد مع أنه كان متعباً‪ ،‬فأعانه اهلل‪ ،‬وذهب لتأدية الصالة مع اجلماعة‪،‬‬
‫كيف ال‪ ،‬وهو يرى يف نفسه القدوة واملثل للشباب ‪.‬‬
‫وحني هم مبغادرة املسجد انتابته غيبوبة سقط على أثرها أرضاً ونقل بعدها إىل املستشفى‪ ،‬حيث شاء‬
‫اهلل أن ينتهي به األجل‪ ،‬وتنتقل روحه إىل بارئها يف ‪ 12‬رمضان ‪1423‬هـ املوافق ‪/ 11 / 17‬‬
‫‪2002‬م‬
‫يقول األستاذ عبد القادر أمحد عبد القادر ‪-:‬‬
‫((قال احلكيم‪ :‬إن األمة اليت جتيد صناعة املوت هي األمة اليت تستحق احلياة‪ ..‬نعم‪ ،‬فمن واقع جنائز‬
‫املرشدين شاهدنا وال نزال نشاهد مظاهر احلياة تدب يف أوصال اجملتمع الذاهب يف غيبوبات اجلاهلية‬
‫املتسلطة على األمة بسهامها وبسيوفها!!‬
‫كانت اجلماهري احلزينة ختطو بكل خطوة إىل قربه خطوات بل قفزات على طريق إحياء وإقرار‬
‫اإلسالم يف جوانب احلياة واعجباه!‪.‬‬
‫ففي جنازته‪-‬رمحه اهلل‪ -‬كان املشيعون من الصائمني املتطهرين الذين ساروا خلف اجلنازة مسافة‬
‫عشرة كيلو مرتات أو تزيد‪ ..‬فلم حيدث حادث واحد يعكر صفو رجل واحد‪.‬‬
‫إن موكب اجلنازة كان جله من الشباب الذين هم دون األربعني‪ S،‬بل الذين مل يبلغوا العشرين! أين‬
‫كان هؤالء يوم ارتفع اإلمام "البنا" شهيداً؟ واعجباه!‪.‬‬

‫‪289‬‬
‫ستمر سنوات‪ ،‬وسيبلغ األطفال احللم‪ ،‬واألطفال الذين شاهدوا اجلنائز الصامتة‪ ،‬اجلنائز اليت مل‬
‫يشاهدوها على الشاشات الصغرية املضيئة يف البيوت‪ ،‬وإمنا شاهدوها يف مواكب مهيبة طويلة‬
‫طويلة‪ ..‬يوم يبلغ هؤالء األطفال سيعقدون مقارنات بني جنائز أصحاب اهليلمان والطيلسان‬
‫والنياشني املزيفة أو املغرضة‪ ،‬الذين اخنلعت عنهم زيناهتم على خشبات الغسل‪ ..‬وبني جنائز أصحاب‬
‫املواقف‪ ،‬املواقف اليت تبعث احلياة فيمن بعدهم فتتواصل األجيال‪ ..‬إنه الفرق يا أطفال اليوم وشباب‬
‫الغد ورجال املستقبل بني موت العدم والفناء‪ ،‬واملوت الباعث للحياة!‪)) .‬‬
‫وما أمجل أن خنتم وحنن ننصت خاشعني إىل صوته احلنون الصادق‬
‫وهو يوصينا ببعض وصاياه ‪-:‬‬
‫اإلميان أهم سالح نتسلح به‪ ،‬يصربنا‪ ،‬ويثبتنا‪ ،‬ويطمئننا أن املستقبل لإلسالم‪ ،‬فعلينا أن نصرب‪ ،‬ونثابر‪،‬‬
‫حىت يتحقق وعد اهلل بالنصر – إن شاء اهلل ‪.-‬‬
‫***‬
‫علينا أن نتواصى باجليل اجلديد‪ ،‬وهنتم به‪ ،‬ونورثه الدعوة‪ ،‬وندعوه‪ ،‬ملواصلة املسرية باإلميان‪ ،‬والدعاء‪،‬‬
‫والصرب‪ ،‬واالحتساب‪ ،‬واالستبشار بأن املستقبل لإلسالم‪ ،‬وهنتم بالرتبية‪ ،‬وباألشبال‪ ،‬وبأبناء اإلخوان‪،‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫وهذا معىن مهم ً‬
‫فاألستاذ البنا عندما قال‪ :‬نريد الفرد املسلم‪ ،‬والبيت املسلم‪ ،‬واجملتمع املسلم الذي يرفض أن يستقر‬
‫عليه غري احلكم اإلسالمي‪.‬‬
‫فالعلم عند اهلل‪ ،‬وهلل علم الغيب أن هذا اجليل من األشبال‪ ،‬وأوالد اإلخوان‪ ،‬رمبا يتحقق على يديه‬
‫النصر‪ ،‬فعلينا أن هنتم به‪.‬‬
‫وحدوث صحوة إسالمية يف العامل اإلسالمي‪ ،‬قد ملسناها هنا يف مصر‪ S،‬فالنساء كن يلبسن فوق‬
‫الركبة‪ ،‬فحل احلجاب‪ ،‬وأقبل الشباب على الصالة‪.‬‬
‫فالصحوة يف العامل اإلسالمي‪ ،‬قابلها اهنيار األخالق يف العامل الغريب‪ ،‬وصدق الشاعر إذ يقول‪:‬‬
‫إمنا األمم األخالق ما بقيت فإن مهو ذهبت أخالقهم ذهبوا‬
‫ففي إجنلرتا تقر بعض اجملالس النيابية الشذوذ اجلنسي رمسيًا‪ ،‬فهذا احنراف يف األخالق‪ ،‬ومصريه‬
‫االهنيار‪.‬ودخل الكثري اإلسالم‪ ،‬وانتشر اإلسالم يف أوربا‪ ،‬وأمريكا‪ ،‬فال بد لنا أن نستبشر‪ ،‬ونشعر‬
‫بالعزة {فلله العزة ولرسوله وللمؤمنني} وحنرص عليها‪.‬‬
‫رمحه اهلل رمحة واسعة وأسكنه فسيح جناته وأحلقنا به ىف الصاحلني‬
‫ــــــــ‬
‫إليك أختي المربية‬
‫خولة درويش‬

‫‪290‬‬
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل وحده‪ ،‬والصالة والسالم علي نيب اهلدى والرمحة‪ .‬وبعد‪:‬‬
‫فهذه أحباث وجيزة‪ ،‬كنت قد أعددهتا يف مناسبات خمتلفة‪ ،‬ركزت فيها القول على تربية األطفال‬
‫خالل املرحلة األوىل من حياهتم‪.‬‬
‫وقد ابتغيت الرتبية الدينية املثلى لناشئتنا‪ ،‬مراعية أفضل السبل لغرس العادات الطيبة اليت تنسجم مع‬
‫تعاليم دينتا احلنيف كما فهمها سلف هذه األمة‪ ،‬وخاصة بعد أن طغت عادات غربية‪ ،‬وتبعية عجيبة‬
‫على كثري من عادات الناس وأعرا فهم‪،‬‬
‫وما غاب عن بالنا دور املربية‪ ،‬إذ أهنا األساس يف العملية الرتبوية‪ ،‬فالبد أن تكون قدوة طيبة‪ ،‬ال‬
‫يتعارض قوهلا مع فعلها بعيدة عن االزدواجية يف تصرفاهتا‪.‬‬
‫مث أوليت اهتمامي املشكالت السلوكية اليت قد تعرتض األطفال‪ ،‬مما يتعذر على بعض األمهات‬
‫عالجها‪ ،‬لنتعاون على حلها حسب أفضل الطرق الرتبوية‪،‬‬
‫ومما أود اإلشارة إليه أنين وجهت كلمايت هذه للمربية أيا كانت‪ :‬أما يف منزهلا أو معلمة يف‬
‫مدرستها‪.‬‬
‫راجية من العلي القدير أن جتد فيها ما يعينها على مهمتها‪ ..‬وهي مهمة ليست باألمر اليسري‪ ...‬ألهنا‬
‫مهمة إعداد األجيال املؤمنة‪ ..‬وقد باتت الشكوى مريرة بسبب ندرة الكتابات الرتبوية من الوجهة‬
‫اإلسالمية واملنطلق العقدي‪ S،‬كما كان عليه سلف هذه األمة‪.‬‬
‫وإنه حللم يراود نفوسنا‪ ،‬أن نرى أسرنا املسلمة وقد أدت دورها الريادي البناء يف إعداد لبنات‬
‫متماسكة‪ ،‬ذات إميان عميق وخلق قومي‪ ،‬وذوق رفيع‪ ،‬ونفوس مستقرة لتهيأ حلمل الرسالة السمواية‪،‬‬
‫وقيادة البشرية التائهة حنو اخلري والعدل‪ ،‬حنو اإلسالم من جديد‪.‬‬
‫واهلل ويل التوفيق‪ ،‬واحلمد هلل رب العاملني‬
‫‪ 2‬رمضان سنة ‪ 1411‬هـ‪ -‬مكة املكرمة‪،‬‬
‫خولة درويش‬
‫‪ -1‬الرتيية الدينية لألطفال‬
‫لقد أثبتت التجارب الرتبوية أن خري الوسائل الستقامة السلوك واألخالق هي الرتبية القائمة على‬
‫عقيدة دينية‪.‬‬
‫ولقد تعهد السلف الصاحل النشء بالرتبية اإلسالمية منذ نعومة أظافرهم وأوصوا بذلك املربني واآلباء‪،‬‬
‫ألهنا هي اليت تقوم األحداث وتعودهم األفعال احلميدة‪ ،‬والسعي لطلب الفضائل‪.‬‬
‫ومن هذا املنطلق نسعى مجيعا لنعلم أطفالنا دين اهلل غضاً كما أنزله تعاىل بعيدا عن الغلو‪ ،‬مستفيدين‬
‫بقدر االمكان من معطيات احلضارة اليت ال تتعارض مع ديننا احلنيف‪.‬‬

‫‪291‬‬
‫وحيث أن التوجيه السليم يساعد الطفل على تكوين مفاهيمه تكويناً واضحاً منتظماً‪ ،‬لذا فالواجب‬
‫اتباع أفضل السبل وأجنحها للوصول للغاية املنشودة‪:‬‬
‫‪ -1‬يراعى أن يذكر اسم اهلل للطفل من خالل مواقف حمببه سارة‪ ،‬كما ونركز على معاين احلب‬
‫والرجاء "إن اهلل سيحبه من أجل عمله ويدخله اجلنة" وال حيسن أن يقرن ذكره تعاىل بالقسوة‬
‫والتعذيب يف سن الطفولة‪ ،‬فال يكثر من احلديث عن غضب اهلل وعذابه وناره‪ ،‬وإن ذكر فهو‬
‫للكافرين الذين يعصون اهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬توجيه األطفال إىل اجلمال يف اخللق‪ ،‬فيشعرون مبدى عظمة اخلالق وقدرته‪.‬‬
‫‪ -3‬جعل الطفل يشعر باحلب "حملبة من حوله له " فيحب اآلخرين‪ ،‬وحيب اهلل تعاىل ألنه حيبه وسخر‬
‫له الكائنات‪،‬‬
‫‪ -4‬إتاحة الفرصة للنمو الطبيعي بعيداً عن القيود والكوابح اليت الفائدة فيها‪..‬‬
‫‪ -5‬أخذ الطفل بآداب السلوك‪ ،‬وتعويده الرمحة والتعاون وآداب احلديث وا الستماع‪ ،.‬وغرس املثل‬
‫اإلسالمية عن طريق القدوة احلسنة‪ .‬األمر الذي جيعله يعيش يف جو تسوده الفضيلة‪ ،‬فيقتبس من‬
‫املربية كل خري‪.‬‬
‫‪ -6‬االستفادة من الفرص الساحنة لتوجيه الطفل من خالل األحداث اجلارية بطريقة حكيمة حتبب‬
‫من اخلري وتنفر من الشر‪.‬‬
‫وكذا عدم االستهانة خبواطر األطفال وتساؤالهتم مهما كانت‪ ،‬واإلجابة الصحيحة الواعية عن‬
‫استفساراهتم بصدر رحب‪ .‬ومبا يتناسب مع سنهم ومستوى إدراكهم‪ .‬ولذلك أثر كبري يف إكساب‬
‫الطفل القيم واألخالق احلميدة وتغيري سلوكه حنو األفضل‪،‬‬
‫‪-7‬البد من املمارسة العملية لتعويد األطفال العادات اإلسالمية اليت نسعى إليها‪ ،‬لذا جيدر باملربية‬
‫االلتزام هبا "كآداب الطعام والشراب وركوب السيارة‪" ...‬وكذا ترسم بسلوكها منوذجاً إسالمياً‬
‫صاحلاً لتقليده وتشجع الطفل على االلتزام خبلق االسالم ومبادئه اليت هبا صالح اجملتمع وهبا يتمتع‬
‫بأفضل مثرات التقدم واحلضارة‪ .‬وتنمي عنده حب النظافة واألمانة والصدق واحلب املستمد من أوامر‬
‫اإلسالم‪ ..،‬فيعتاد أن ال يفكر إال فيما هو نافع له وجملتمعه فيصبح اخلري أصيالً يف نفسه‪.‬‬
‫‪ -8‬تستفيد املربية من القصص اهلادفة سواء كانت دينية‪ ،‬واقعية‪ ،‬خيالية لتزويد أطفاهلا مبا هو‬
‫مرغوب فيه من السلوك‪ ،‬وحتفزهم على االلتزام به والبعد عما سواه‪.‬‬
‫وتعرض القصة بطريقة متثيلية مؤثرة‪ ،‬مع ابراز االجتاهات والقيم اليت تتضمنا القصة‪ ،‬إذ أن الغاية منها‬
‫الفائدة ال التسلية فحسب‪.‬‬
‫وعن طريق القصة واألنشودة أيضاً تغرس حب املثل العليا‪ ،‬واألخالق الكرمية‪ ،‬اليت يدعو هلا اإلسالم‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫‪ -9‬جيب أن تكون توجيهاتنا ألطفالنا مستمدة من كتاب اهلل عز وجل وسنة رسوله ‪ ، ‬ونشعر‬
‫الطفل بذلك‪ ،‬فيعتاد طاعة اهلل تعاىل واالقتداء برسوله ‪ ‬وينشأ على ذلك‪،‬‬
‫‪ -10‬االعتدال يف الرتبية الدينية لالطفال‪ ،‬وعدم حتميلهم ما ال طاقة هلم به‪ ،‬واإلسالم دين التوسط‬
‫واالعتدال‪ ،‬فخري األمور أوسطها‪ ،‬وما خري الرسول ‪ ‬بني أمرين إال اختار أيسرمها مامل يكن إمثا‪،‬‬
‫وال ننسى أن اللهو واملرح مها عامل الطفل األصيل‪ ،‬فال نرهقه مبا يعاكس منوه الطبيعي واجلسمي‪ ،‬بأن‬
‫نثقل عليه التبعات‪ ،‬ونكثر من الكوابح اليت حترمه من حاجات الطفولة األساسية‪ ،‬علما أن املغاالة يف‬
‫املستويات اخللقية املطلوبة‪ ،‬وكثرة النقد تؤدي إىل اجلمود والسلبية‪،‬بل واإلحساس باألمث "‬
‫‪ -11‬يرتك الطفل دون التدخل املستمر من قبل الكبار‪ ،‬على أن هتيأ له األنشطة اليت تتيح له‬
‫االستكشاف بنفسه حسب قدراته وإداركه للبيئة احمليطة هبا وحترص املربية أن جتيبه إجابة ميسرة على‬
‫استفساراته‪ ،‬وتطرح عليه أسئلة مثرية ليجيب عليها‪ ،‬ويف كل ذلك تنمية حلب االستطالع عنده‬
‫وهنوضا مبلكاته‪ .‬وخالل ذلك يتعود األدب والنظام والنظافة‪ ،‬وأداء الواجب وحتمل املسؤولية‪،‬‬
‫بالقدوة احلسنة والتوجيه الرقيق الذي يكون يف اجملال املناسب‪،‬‬
‫‪ -12‬إن تشجيع الطفل يؤثر يف نفسه تأثرياً طيباً‪ ،‬وحيثه على بذل قصارى جهده لعمل التصرف‬
‫املرغوب فيه‪ .‬وتدل الدراسات أنه كلما كان ضبط سلوك الطفل وتوجيهه قائمأ على أساس احلب‬
‫والثواب أدى ذلك إىل اكتساب السلوك السوي بطريقة أفضل‪ ،‬والبد من مساعدة الطفل يف تعلم‬
‫حقه‪ ،‬ماله وما عليه‪ ،‬مايصح عمله وما ال يصح‪ ،‬وذلك بصرب ودأب‪ ،‬مع اشعار األطفال بكرامتهم‬
‫ومكانتهم‪ ،‬مقروناً حبسن الضبط والبعد عن التدليل‪.‬‬
‫‪ -13‬غرس احرتام القرآن الكرمي وتوقريه يف قلوب األطفال‪ ،‬فيشعرون بقدسيته وااللتزام بأوامره‪.‬‬
‫بأسلوب سهل جذاب‪ ،‬فيعرف الطفل أنه إذا أتقن التالوة نال درجة املالئكة األبرار‪ ..،‬وتعويده‬
‫احلرص على االلتزام بأدب التالوة من االستعاذة والبسملة واحرتام املصحف مع حسن االستماع‪.‬‬
‫وذلك بالعيش يف جو اإلسالم ومفاهيمه ومبادئه‪ ،‬وأخرياً فاملربية تسري هبمة ووعي‪ ،‬خبطى ثابتة‬
‫إلعداد املسلم الواعي‪،‬‬
‫واهلل ويل التوفيق‬
‫‪ -2‬املربية القدوة‬
‫لقد أكد املربون على أمهية مرحلة الطفولة بقوهلم‪(( :‬إن الطفولة صانعة املستقبل)) وقد سبقهم‬
‫اإلسالم إىل تقرير هذا املبدأ الرتبوي فقد قال ‪((: ‬كل مولودعلى الفطرة فأبواه يهودانه أوينصرانه‬
‫أوميجسانه ))‪.‬‬
‫هلذا كان واجبنا مجيعاً أن نوفر ألطفالنا كل مايؤهلهم حلياهتم املقبلة‪ ،‬فنعمل جاهدات على إحياء‬
‫قلوهبم مبحبة اهلل‪ ،‬وإيقاظ عقوهلم ومداركهم‪ ،‬ومترين حواسهم‪ ،‬كما ونرعى منو أجسادهم‪S...‬‬

‫‪293‬‬
‫وبإختصار نربيهم على طريقة اإلسالم اليت تعاجل الكائن البشري كله معاجلة شاملة ال ترتك منه شيئاً‪،‬‬
‫وال تغفل عن شيء‪ ،‬جسمه وعقله وروحه‪ .‬فال تستهيين‪ -‬أخيت املربية‪ -‬مبهمتك‪ ،‬فأنت تربني رجال‬
‫املستقبل الذين سريفعون من‬
‫شأن األمة ويبنون هلا جمدها بإذن اهلل‪ ،‬وأنت يف عملك هذا يف عبادة تؤجرين عليها إن شاء اهلل‪ -‬إن‬
‫أحسنت القصد‪ -‬وما تربية األجيال إال إعدادهم حلمل رسالة األمة ونشر عقيدهتا‪.‬‬
‫إنك تعدين النساء الفاضالت الاليت يتمثلن مبادىء اإلسالم‪ ،‬ويعملن هبا بعزة وفخار‪ ،‬ويضحني‬
‫برغباهتن يف سبيل اهلل‪،‬‬
‫وملا كان للمربية األثر الكبري يف الناشئة‪ ،‬حيث أهنا املثل األعلى الذي جيتذب األطفال‪ ،‬فيقلدوها‬
‫وتنطبع أقواهلا وأفعاهلا يف أذهاهنم‪.‬‬
‫لذا فالبد للمربية املسلمة أن تراقب اهلل تعاىل يف حركاهتا وسكناهتا تتعهد نفسها بالتقوى‪ ،‬وحتاول أن‬
‫تصعد إىل القمة السامقة يف متسكها بكل مايدعو إليه دينها‪ ،‬وتأخذ بيد غريها إىل اخلري الذي تسعى‬
‫إليه فذلك من صميم مايدعو إليه ديننا‪،‬‬
‫إهنا قدوة ألطفالنا فال يناقض قوهلا عملها‪ ،‬إن دعتهم ملبدأ فهي أحرص الناس على القيام به ألهنا‬
‫ند اللَّ ِه َأن َت ُقولُوا َما اَل َت ْف َعلُو َن}سورة الصف‬
‫املسلمة اليت تقرأ قوله تعاىل‪َ { :‬كُبَر َم ْقتًا ِع َ‬
‫وإذا دعت إىل االلتزام باآلداب اإلسالمية فال هتملها أو تغفلها‪:‬‬
‫‪ -‬فهي تلتزم بتحية اإلسالم‪ ،‬وترد على أطفاهلا حتيتهم بأحسن منها‪.‬‬
‫‪ -‬تلزم نفسها بآداب الطعام والشراب وتعلمها أطفاهلا وتذكرهم هبا‪.‬‬
‫‪ -‬تدعوهم إىل شكر صاحب املعروف‪ ،‬وهي أحرص الناس على تطبيق املبدأ حىت يف معاملتها‬
‫ألطفاهلا‪.‬‬
‫‪ -‬تعاملهم بأدب واحرتام‪ ،‬ليستطيعوا احرتام غريهم يف املستقبل‪ ،‬اقتداءبسلوك مربيتهم‪.‬‬
‫‪ -‬تبتعد عن الظلم‪ ،‬وتسعى جاهدة إلشاعة العدل بني أطفا هلا‪ :‬قال ‪ (( : ‬اتقوا اهلل واعدلوا يف‬
‫أوالدكم )) ‪ .‬وقد كان سلفنا الصاحل يستحبون التسوية بني االطفال حىت يف القبل ‪.‬‬
‫‪ -‬تعاملهم بالرمحة والرفق‪ .‬ليكونوا يف املستقبل متكافلني متعاطفني كاجلسد إذا اشتكى منه عضو‬
‫تداعى له سائر اجلسد بالسهر واحلمى‪ ،‬وعلى قدر ما يعطي األطفال من التشجيع والثقة بالنفس‬
‫والعاطفة الصادقة تستطيع النهوض هبم‪،‬‬
‫‪ -‬ال تتلفظ بكلمة نابية حتاسب عليها‪ ،‬وال تتكلم بكلمة جارحة قد تبقى عالقة يف عقل الطفل وقلبه‪،‬‬
‫وقد ال تزيلها األيام واألعوام‪..‬‬
‫تضبط نفسها ما أمكن‪ ،‬فكما يسوؤها أن تسمع األطفال يتلفظون الكلمات اليت ال تليق‪ ،‬كذلك‬
‫جيب أن متسك لساهنا وحتبسه عن قول ما ال ينبغي وما ال حتب أن يقلدها هبا صغارها‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫إهنا تلتزم مبا تدعو إليه‪ ،‬ألهنا تسمع قول الرسول ‪ ‬كا الذي يقول وال يفعل‪(( :‬وجياء‪ ،‬بالرجل يوم‬
‫القيامة فيلقى يف النار فتندلق أقتابه فيدور هبا كما يدور احلمار برحاه‪ .‬فيجتمع أهل النار عليه‪،‬‬
‫فيقولون‪ :‬فالن ما شأنك‪ ،‬ألست كنت تأمر باملعروف وتنهي عق املنكر فيقول كنت آمركم‬
‫باملعروف وال آتيه‪ ،‬وأهناكم عن الشر وآتيه )) رواه لبخا ري ومسلم‪ .‬إننا إذ نريد أجياالً ختلص‬
‫نفسها هلل‪ ،‬وتعمل جاهدة لرضاه‪ ،‬فيجب أن نكون هلا القدوة الصادقة يف ذلك بعملنا املخلص‬
‫الدؤوب‪ ،‬وبعد ذلك فإن شفافية األطفال سرعان ما تلتقط الصورة وتنفذها بالقدوة الطيبة اليت تعرف‬
‫قيمة الوقت وال تضيعه والذي طاملا ملسوه من مربيتهم‪.‬‬
‫مث تركز املربية يف توجيهها على ما حيبه اهلل ويرضاه‪ ،‬إن ذلك هو اهلدف احلقيقي من الرتبية‪ .‬فال‬
‫يصح أن تركز على املصلحة أثناء حثهم على العمل‪ ،‬ذلك ألن التعلق باملصاحل الذاتية خيرج أجياالً‬
‫أنانية بعيدة عن حتمل املسؤولية ومحل الرسالة بأمانة‪.‬‬
‫وال مانع أثناء توجيهها من االشارة إىل فوائد هذا العمل الذي تدعو له‪ ،‬لكن الرتكيز الفعلي يركز‬
‫على مرضاة اهلل تعاىل‪.‬‬
‫فاملربية الناجحة الهتمل التشجيع‪ ،‬لكن التشجيع الذي ال يفسد عليها هدفها حبيث ال يكون التشجيع‬
‫املادي هو األساس‪ ،‬وإمنا تثين عليهم وتغرس الثقة يف نفوسهم وحتفزهم إىل كل عمل طيب‪.‬‬
‫إهنا املريية القدوة يف حسن مظهرها ‪:‬‬
‫تعتين به لتظهر دائمة مبظهر جذاب يسر الطفل على أن ال يكون يف ذلك سرف ومبالغة‪.‬‬
‫وهذا األمر الذي تدعو له الرتبية املعاصرة قد سبق إليه اإلسالم‪ .‬فقد دعا الرسول الكرمي ‪ ‬إىل‬
‫حسن املظهر بقوله (( كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا يف غريإسراف وال خميلة)) وا لتوسط يف امللبس‬
‫كما بني ابن عمررضي اهلل عنهما هو‪(( :‬ما ال يزدريك به السفهاء وال يعتبك عليه احللماء)) ‪،‬‬
‫إن املريية القدوة يف حسن إعدادها لألجيال‪:‬‬
‫تعمل على تربية الطفل على طرائق التفكري املنظم‪ ،‬يالحظ الظاهرة فيدرسها بالطريقة العلمية السليمة‬
‫ليصل إىل النتائج‪ ،‬وهي طريقة اإلسالم الذي ميتدح العقل والنظر والفكر ‪ ...‬تعوده على التفكري‬
‫املنطقي السليم بكوهنا قدوة خرية يف ذلك‪ ،‬تبتعد عن أحاديث اخلرافة‪ ،‬تثري تفكريه وتربط األسباب‬
‫مبسبباهتا‪،‬‬
‫وأخرياً ‪:‬‬
‫البد من صدق النية وسالمة الطريقة‪ ،‬خنلص هلل يف نياتنا ونلتمس الصواب يف أعمالنا‪ .‬فالغاية اليت‬
‫نسعى إليها تستحق أن يبذل يف سعيها كل جهد‪ ....‬إنه عمل يبقى ملا بعد املوت ‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫فلنتق اهلل يف األمانة اليت بني أيدينا‪ ...‬وما علينا إال أن نسأل أنفسنا قبل أي تصرف‪ ...‬ما أثر ذلك‬
‫على سلوك الطفل يف املستقبل‪ ،‬فإن كان أثره إجيابياً يتناسب مع مبادىء اإلسالم وغايته فلنقدم‪ ،‬وإال‬
‫فلنراقب اهلل تعاىل ولنمتنع عنه‪،‬‬
‫ولتكن كل واحدة منا مربية قدوة يف التزامها الشرعي لواجباهتا الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف كالمها العفيف‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف عدهلا ورمحتها‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف اتقان علمها وتقدير قيمة وقتها‪.‬‬
‫‪ -‬قدوة يف التفكري املنطقي السليم والبعد عن اخلرافة‪ - .‬قدوة يف البعد عن االزدواجية والتناقض بني‬
‫القول والعمل‪.‬‬
‫ولعل حاجة املسلمني تكمن يف تربية جادة عقدية لألجيال الناشئة‪ ،‬شباب املستقبل‪ ،‬الذي خيطط له‬
‫الطريق ليسري على هنج السلف‪ ،‬سلف هذه األمة الذين رفعوا لواء اإلميان واألخالق بالدعوة إىل اهلل‬
‫واجلهاد يف سبيله‪ ،‬فكانت هلم العزة يف الدنيا والفالح يف اآلخرة‪ ،‬وأرجو أال يكون ذ لك عنا ببعيد‪.‬‬
‫‪3‬ـ غرس العادات الطيبة يف األطفال‬
‫إن أهم وظائف الرتبية يف مرحلة الطفولة إكساب الطفل خمتلف العادات الصاحلة إىل جانب‬
‫االجتاهات السليمة املرغوب فيها‪ ،‬والعادات اليت نريد غرسها يف األطفال ليعملوا هبا‪ ،‬أمناطاً من‬
‫السلوك اإلسالمي املتميز‪.‬‬
‫إن غرس العادة حيتاج إىل فرتة زمنية غري يسرية‪ ،‬فال يكفي أن نقول للطفل اعمل كذا وكذا مث‬
‫نلتمس بعدها أن تتكون عنده العادة اليت نسعى إليها‪ .‬ال بد من التكرار واملتابعة‪ ،‬رغم أن تكوين‬
‫العادة يف الصغر أيسر منه يف الكرب‪ ،‬ومن أجل ذلك أمر رسول اهلل ‪ ‬اآلباء بتعويد أبنائهم على‬
‫الصالة قبل موعد التكليف هبا بقوله " مروا أوالدكم بالصالة وهم أبناء سبع ‪ ،‬واضربوهم عليها‬
‫وهم أبناء‪ ،‬عشر" رواه أبو داوود وأمحد والدارقطين واحلاكم وإسناده حسن‪.‬‬
‫ومن هنا كانت فرتة الطفولة من أنسب الفرتات لتعويد الصغار آداب الطعام والشراب واجللوس‬
‫والنوم والتحية واالستئذان واحلديث وقضاء احلاجة‪ S،،.‬وغريها‪.‬‬
‫وتعترب القدوة الطيبة الصاحلة عند املربية خري معني على تكوين العادات الطيبة‪ ،‬لذلك يعترب من األمهية‬
‫مبكان التزامها باخللق احلسن‪ ،‬إذ حتاسب نفسها على كل كلمة أو حركة‪ ،‬فال تسمح لنفسها‬
‫بالرتاشق بكلمات سيئة مع اآلخرين لئال تنطبع يف ذهن الطفل فيسعى إىل تقليدها‪ .‬بل تعطي جهدها‬
‫لتسن السنة احلسنة حبسن سلوكها‪ ،‬لتنال أجرها وأجر األمانة اليت بني يديها "الطفل املسلم "‪.‬‬

‫‪296‬‬
‫إننا حني نود غرس العادات الطيبة ال بد أن حناول مكافأة الطفل على إحسانه القيام بعمل ما‪ ،‬األمر‬
‫الذي يبعث يف نفسه االرتياح الوجداين وحب ذلك العمل‪ .‬فالتشجيع مطلب الغىن عنه‪ ،‬وهوواجب‬
‫ال تغفله املربية احلكيمة فالبد من احلوافز والتشجيع ملعاجلة اخل أو للنهوض بالطفل حنو األفضل‪.‬‬
‫والتشجيع قد يكون مادية ملموسة كإعطاء الطفل لعبة أو حلوى‪ ،‬وقد يكون معنوياً يفرح به‬
‫كاملدح واالبتسام والثناء عليه أمام األخرين‪.‬‬
‫وال يفوتنا أن نذكر أن كثرة مدح الطفل أو التهويل يف تفخيم ما أتى به من عمل بسيط‪ ،‬يضربه وقد‬
‫يؤدي إىل نتائج عكسية‪.‬‬
‫فالشكر جيب أال يكون إالعلى عمل جمد؟ واإلسالم إذ دعا إىل شكر صانع املعروف‪ ،‬هنى عن‬
‫اإلطراء واملبالغة يف املدح‪ .‬وهذا توجيه تربوي هام يلتزمه املريب فال يكثرمن عبارات االستحسان لئال‬
‫تفقد قيمتها وتدخل الغرور إىل نفس الطفل‪ ،‬فقد يصل به األمر إىل أن يقول مثالً لزميله‪ :‬أنا أحسن‬
‫منك‪.‬‬
‫وكذلك إذا أحست املربية أن الثواب مينع األطفال من اإلحساس بالواجب‪ ،‬فال يعينون بعضهم إال‬
‫إذا أخذوا قصة ‪ ...‬وال يطيعون املريب إال إذا أخذوا احللوى‪ .،.‬عندها جيب أن يتحول التشجيع إىل‬
‫إلزام‪ ،‬وقد يضطر األمر باملربية إىل العقاب آنذاك‪.‬‬
‫فالعقاب‪ :‬طريقة تلجأ إليها املربية عندما ختفق الطرق العادية عندها (من تعلم‪ ،‬وتعاون‪ ،‬ونظام)‬
‫والعقاب ليس مرادفة للرتبية حيث يظن البعض أن الرتبية تعين الضرب والشدة والتحقري‪ S...‬بينما‬
‫الواجب أال يغفل املريب عن مساعدة الناشيء للوصول إىل أقصى كمال ممكن‪ .‬فيسعى إىل إسعاد‬
‫الطفل وهتذيبه من غري إرهاق له وال تدليل‪ .‬فاألصل أال يعاجل املسيء بالضرب أو القسوة‪ ،‬وإذ يؤكد‬
‫الواقع أن العقاب تقل احلاجة إليه كلما ازدادت حكمة املربية‪ ،‬إذ تبتعد عن األسباب املؤدية إىل‬
‫العقاب كأن تبعد الطفل عن مواقف العصيان والتمرد‪.‬‬
‫(فكيف متنعه مثال من إكمال لعبة حيبها وينسجم معها‪ ،‬مث حتذره من العصيان؟!) لذا كانت املعاملة‬
‫املبنية على احلب والعطف‪ ،‬ال اإلرهاب والقمع‪ ،‬هي خري معني للوصول إىل النتائج املرجوة‪ .‬وقد قال‬
‫ِ‬ ‫نت فَظًّا َغلِي َ‬
‫ك ‪ )159( }......‬سورة آل‬ ‫ب الَن َفضُّواْ ِم ْن َح ْول َ‬
‫ظ الْ َق ْل ِ‬ ‫تعاىل‪َ S........{ :‬ولَ ْو ُك َ‬
‫عمران‬
‫فاملربية الناجحة تعطف على صغارها وتعاجل أخطاءهم حبزم وصرب وأناة وحتمل‪ ،‬فال تكون سريعة‬
‫الغضب كثرية األوامر لئال تفقد احرتام أطفاهلا‪.‬‬
‫تعودهم على احرتام مشاعر اآلخرين وتساعدهم على معرفتها كأن تقول‪:‬‬
‫‪ -‬انظر كيف ضربت جارك‪( ،‬أخاك) يبكي!‬
‫‪ -‬أخذت ألعابه وهو حزين!‬

‫‪297‬‬
‫وبذلك يتدرب الصغار على حماسبة أنفسهم فيبتعدون عن األنانية وحب الذات وهكذا‪ ...‬تراعي‬
‫أحوال أطفاهلا وتقدر العقوبة حبسب احلال‪.‬‬
‫وال تلجأ إىل العقوبة األشد إذا كانت األخف كافية‪ ،‬فمن كان يتلقى التشجيع تكون عقوبته الكف‬
‫عن التشجيع‪ .‬وقد تكون اإلعراض عن الطفل وعدم الرضى‪ ،‬وقد تكون العبوس والزجر‪ ..‬إىل‬
‫احلرمان من األشياء احملببة للطفل‪ .‬أما الضرب فال ضرورة له البتة‪ ،‬ذلك أن من يعتاد الضرب يتبلد‬
‫حسه ولن يزجره وجه عابس‪ ،‬وال صوت غاضب وال هتديد ووعيد‪ ،‬وكثريا ما يعرب األطفال عن‬
‫استهانتهم بعقوبة الضرب وإقدامهم املقصود على املخالفة بقوهلم "ضربة تفوت وال أحد منها ميوت‬
‫"‪،‬‬
‫وأي عقوبة قد تظل شيئاً مرهوناً يف باديء األمر‪ ،‬ولكنها إن تكررت كثرياً تفقد شيئاً من تأثريها‬
‫كل مرة‪.‬‬
‫ومن صفات العقوبة الناجحة‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون العقاب مناسباً للعمل‪ .‬فمن وسخ ينظف‪ ،‬ومن مزق قصة حيرم من القصص لفرتة‪ .‬وال‬
‫يكون من اخلفة حبيث ال جيدي أو من الشدة حبيث جيرح الكربياء‬
‫‪ -2‬أن يكون عادالً‪ ،‬فإن عوقب طفل ألنه ضرب زميله‪ ،‬البد وأن يعاقب من يعمل مثل ما عمل‪،‬‬
‫وإن عوقب ألنه سرق متاع أخيه‪ ،‬ال يضحك األهل له ألنه سرق متاع أخيه‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون فورياً ليتضح سبب العقاب‪ .،‬فيتلو الذنب مبا شرة‪.‬‬
‫‪ -4‬أن خيفف باالعرتاف‪ ،‬ليتعود األطفال فضيلة الصدق‪،‬‬
‫‪ -5‬التدرج يف إيقاع العقوبة‪ ،‬فيوبخ سراً يف البداية ألن من اعتاده جهاراً محله ذلك على الوقاحة‬
‫وهان عليه مساع املالمة‪.‬‬
‫أما إذا وجد املريب أن األصلح الردع لضخامة اخلط‪ ،‬ومنعاً ملعاودته‪ ،‬فال مانع من استعمال العقوبة‬
‫األشد لئال يستهني الطفل بالذنب‪.‬‬
‫‪ -6‬أال يتوعد الطفل مبا يسييء إىل املباديء واملثل كأن يقال‪ :‬إن عملت كذا سأضربك إبرة‪،‬‬
‫مثال‪(....‬حىت ال يعتاد اخلوف من الطبيب)‬
‫‪ -7‬عدم تكرار الوعيد والتوبيخ الذي ال جدوى منه‪ ،‬إذ يتعلم الطفل عدم االكرتاث واالستمرار يف ا‬
‫لعصيان ‪.‬‬
‫‪ -8‬البعد عن استخدام كلمة سيء‪ ،‬بليد وماشابه هذه األلفاظ‪ ،‬لئال يعتادها الطفل فيتبلد إحساسه‬
‫وكذا عدم االستهزاء به بندائه‪ :‬يا أعرج‪ ،‬يا أعور‪ ...‬أو مناداته يا كذاب‪ ،‬يا لص‪ ،‬فيتجرأ على‬
‫وم ِّمن َق ْوٍم َع َسى َأن يَ ُكونُوا‬
‫ين َآمنُوا اَل يَ ْس َخ ْر قَ ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫الباطل هبذا النداء‪ ،‬واهلل تعاىل يقول‪{ :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬

‫‪298‬‬
‫َخْيرا ِّمْنهم واَل نِساء ِّمن نِّساء َعسى َأن ي ُك َّن َخْيرا ِّمْنه َّن واَل َتْل ِمُزوا َأن ُفس ُكم واَل َتنَابُزوا بِاَأْللْ َق ِ‬
‫اب‬ ‫َ َْ َ‬ ‫ً ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ً ُْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬ ‫بِْئس ِ‬
‫ك ُه ُم الظَّال ُمو َن} (‪ )11‬سورة احلجرات ‪.‬‬ ‫وق َب ْع َد اِإْل ميَان َو َمن مَّلْ َيتُ ْ‬
‫ب فَ ُْأولَ َ‬ ‫اال ْس ُم الْ ُف ُس ُ‬ ‫َ‬
‫‪ -9‬عدم مناقشة مشاكل األطفال أمام اآلخرين‪ ،‬فاالنتقاد الالذع للطفل ومقارنته السيئة مع اآلخرين‬
‫خطأ فاحش يؤدي إىل إثارة احلقد واحلسد‪ ،‬وهذا أدب علمنا إياه اإلسالم‪ ،‬فقد كان رسول اهلل ‪‬‬
‫يلمح ويعرض وال يصرح يقول‪:‬‬
‫"ما بال أقوام! يفعلون كذا كذ ا‪" ...‬‬
‫‪ -10‬أن تتحاشى املربية شكوى الطفل إىل والده أو مدرسته إال يف احلاالت اليت حتتاج إىل مساعدة‬
‫الغري وبدون علم الطفل لئال يفقد الثقة هبا‪ ،‬وإذا وقع العقاب من أحد األبوين‪ ،‬فالواجب أن يوافقه‬
‫اآلخر وكذا إن وقع من املعلمة فال تناقض األسرة املدرسية (من مديرة وإداريات ومعلمات) رأي‬
‫املعلمة ويشعر الطفل بذلك‪ .‬وإال فال فائدة من العقاب‪،‬‬
‫‪ -11‬أن يشعر أن العقوبة ملصلحته ال للتشفي وليس سببها الغضب‪.‬‬
‫‪ -12‬أال تعطي املربية وعوداً بالثواب بأشياء ال تستطيع الوفاء هبا‪ ،‬وإال لن تنفعها النصائح‬
‫والتوصيات املتوالية بالصدق‪.‬‬
‫أما التهديد فال ضرر بعده من عدم تنفيذ العقاب وإمنا ميكن أن يستتاب الطفل دون تنفيذ التهديد‬
‫بشرط واحد‪ ،‬هو أال يعتقد الطفل أن التهديد جملرد التهديد ال للتنفيذ‪ ،‬فينبغي أن ينفذ التهديد أحياناً‬
‫حىت يعتاد الطفل احرتام أقوال املربية‪.‬‬
‫‪ -13‬االهتمام بالثواب أكثر من العقاب وذلك بسبب األثر اإلنفعايل السيء الذي يصاحب العقاب‪.‬‬
‫أما االستحسان ففيه توجيه بناء اللتزام السلوك املرغوب فيه وحب اخلري أكثر منه الكف عن العمل‬
‫املعيب‪.‬‬
‫وأخرياً‪ ،‬فاملربية يف يقظة تامة‪ ،‬ومتابعة مستمرة ألطفاهلا وحماسبة لنفسها‪ ،‬تراعي يف تصرفاهتا أن تكون‬
‫حبكمة وروية‪ .‬طريقها يف الرتبية خالية من الفوضى‪ ،‬ونظام خال من التزمت‪.‬‬
‫حازمة ألهنا تعلم أهنا لن تسدي لطفلها صنيعاً إن استسلمت لرغبته فباحلزم يتعلم الطفل التعامل مع‬
‫بعض الظروف القاسية يف املستقبل إذا خرج إىل معرتك احلياة‪.‬‬
‫ال يفوهتا تشجيع ذي اخللق من أطفاهلا‪ ،‬وال احلزم مع العابث املؤذي فتحاول انتشاله مما هو فيه‪،‬‬
‫مراعية تناسب العقاب مع اخلط‪.‬‬
‫ولتعويد األطفال الطاعة ينبغي على املربية أن تراعي‪:‬‬
‫‪ -‬عدم إعطاء أوامر كثرية مرة واحدة‪.‬‬
‫‪ -‬البعد عن االستبداد والصرامة‪ ،‬وعدم اللجوء إىل التهديد أو الرشوة‪.‬‬
‫‪ -‬متابعة تنفيذ األوامر والتحقق من االستجابة‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫‪ -‬الطلب الرقيق أعظم أثراً من التأنيب‪.‬‬
‫‪ -‬طلب تنفيذ أمر حمدد واضح يساعد على االستجابة أكثر من طلب أمر عام وعائم‪.‬‬
‫‪ -‬عدم تعجيلهم لئال يؤدي ذلك إىل تأخريهم أكثر من االسراع مع إشعارهم بالثقة بأنفسهم‪،‬‬
‫وختاماً فاملربية حبسن حكمتها تضع األمر يف نصابه‪ ،‬وهي مهمة شاقة مهمة بناء األجيال‪ .‬واهلل ال‬
‫يضيع أجر من أحسن عمالً‪.‬‬
‫‪ -4‬املشكالت السلوكية عند األطفال‬
‫يقصد باملشكالت السلوكية هنا‪ :‬املشكالت الرتبوية اليت تعانيها املربية يف تنشئة الطفل‪ ،‬كمشكلة‬
‫تعلم النظام وا لنظافة‪ ،‬والتعدي‪ ،‬والصراخ‪ ،‬واالنطواء‪ ...‬وماشابه ذلك وهي مشكالت موجودة عند‬
‫غالبية األطفال‪ ،‬وهي ال تدل حبال على سوء طبع الطفل أو شذوذه‪ .‬ييان أحسن املريب عالجها تزول‬
‫تلقائياً وبسهولة‪.‬‬
‫فما هو احلل وما الطريقة املثلى اليت حيسن اتباعها مع األطفال املشكلني‪.‬‬
‫باديء األمر نؤكد أنه البد للطفل من أن جيد نصيبه وحقه من احلب والعطف واحلنان‪ .‬وأغلب‬
‫االحنرافات تنشأ من عدم التوزان بني احلب والضبط‪ ،‬فالزيادة يف احلب تؤدي إىل امليوعة وتكوين‬
‫شخصية غري متماسكة ال تعتمد عليها‪.‬‬
‫والزيادة يف الكبح تؤدي إىل الثورة والعنف‪.‬‬
‫هذه مالحظة هتمنا هنا نضعها يف احلسبان‪ .‬ومن جهة أخرى حترص املربية على أن تلم إملاماً كافياً‬
‫مبيول أطفاهلا وغرائزهم‪ ،‬فإن وجدت من طفل حبه للعبث دعته إىل رفع ألعابه وتنظيمها ليعتاد‬
‫الرتتيب‪.‬‬
‫وإن وجدت منه قذارة وعدم نظافة‪ ،‬ساعدته لغسل وجهه ويديه وأثنت على حسن مظهره بعدها‪-‬‬
‫دون مبالغة وهكذا‪ ،.‬ومن مشكالت األطفال اليت قد تواجه املربية‪:‬‬
‫‪ -1‬كثرة البكاء والصراخ ‪:‬‬
‫من واجبات املربية تعليم أطفاهلا ضبط االنفعال‪ ،‬لذا فعليها هتيئة اجلو املناسب الذي يبعد طفلها عن‬
‫االنفعال غري املرغوب فيه وذلك بتحقيق املعقول من طلباته‪ S...‬وبعدها إن ملست منه الغضب الذي ال‬
‫يتناسب مع املثري وكثرة البكاء‪ .‬حىت أصبحت الدموع عنده وسيلة لتحقيق غايته يقال له‪ :‬ال تبك‬
‫وإال ال تسمع شكواك من مث ينظر يف سبب البكاء‪:‬‬
‫أ‪ -‬فإن كان يريد احلصول على ما ال حق له فيه فال تعطيه إياه وإال فيعتاد الصراخ كل مرة لينال‬
‫مايريد‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم اللجوء إىل التهديد حني ثورة الغضب فذلك قد يؤدي إىل إيذائه لنفسه‪،‬‬

‫‪300‬‬
‫جـ‪ -‬التعامل معه بأنه عادي‪ ،‬والتشاغل عن غضبه مث نرى أنه يهدأ بعد فرتة قصرية وتذهب حدة‬
‫التوتر‪.‬‬
‫هذا ونعمل جهدنا أن ال نكون قصرنا يف إشعار الطفل بالراحة واحلنان والطمأنينة وأخذ كفايته من‬
‫الطعام‪ .‬ونتأكد من سالمته من املرض (ال سيما إذا كان الصراخ طارئاً)‪ ،‬أما إن كان السبب املبالغة‬
‫يف تدليله‪ :‬فتعمل على زيادة الضبط والكبح‪ ،‬لئال يعتاد االعتماد على اآلخرين‪ ،‬فتضمحل شخصيته‬
‫ويكثر تردده‪ ،‬ونكون قد كثرنا سواد التسيب وا لالمباالة‪.‬‬
‫‪ -2‬السرقة‪:‬‬
‫إن األطفال ال يعرفون ماهي ممتلكات الغري‪ ،‬فاللعبة اليت يروهنا مع غريهم أو احللوى يشعرون أهنم‬
‫أحق هبا‪.‬‬
‫وأفضل طريقة لتعليمهم األمانة‪ :‬هي احرتام حقوق الطفل فيما ميلك فيتدرب على احرتام حقوق‬
‫الغري‪ -‬على أن ال يكون بذلك مبالغة فينقلب األمر إىل أنانية وحب للذات‪.‬‬
‫وإن حصل وعبث الطفل بأغراض غريه وأخذها‪ ،‬فيعاجل األمر دون إثارة ضجة أو هتويل‪ ،‬فال يصح‬
‫حبال أن ينادى يالص‪ ،‬وإال جترأ على ذلك وهانت عليه نفسه‪ ،‬وننتهز الفرصة املناسبة للتوجيه غري‬
‫املباشر‪ ،‬والقصة اهلادفة مع حسن االلقاء تؤدي إىل نتائج طيبة يف هذا اجملال‪.‬‬
‫‪ -3‬اخلوف ‪:‬‬
‫يعترب من املظاهر الطبيعية لدى األطفال‪ ،‬وعلى اآلباء أال خييفوا أطفاهلم إال يف األمور املستحقة‬
‫للتخويف كتخويفهم من احلوادث واألمور اخلطرية محاية حلياهتم‪.‬‬
‫أما إذا بدت من الطفل خماوف غري عادية‪ ،‬فال تسفه املربية خماوفه وإمنا تبث فيه اإلحساس باألمن‬
‫والطمأنينة وكذا تشعره بالثقة يف نفسه واليت قد تنتجها مهارته يف عمل ما‪ .،.‬لذا فتشغله املربية‬
‫احلكيمة بعمل أشياء حيبها ويتقنها‪ ..‬أو لعبة تلهيه وتشغله‪.‬‬
‫‪ -4‬التأتأة وعدم الكالم‪:‬‬
‫إن من أهم واجبات املربية تعويد الطفل التفاعل مع اآلخرين واجلرأة األدبية وتعلم السلوك املناسب‬
‫يف املواقف املختلفة‪.‬‬
‫فإن وجدت من طفلها تأتأة‪ S...‬عليها جتاهلها يف بداية األمر حىت ال حيدث ذلك إثارة النتباه إخوته‬
‫وأقرانه‪ ...‬ومن مث ال تسرف يف تصحيح نطقه أمام اآلخرين ومتنحه الثقة بنفسه‪ S..‬فإذا به يتعود التعبري‬
‫عن نفسه بلسان سليم ولباقة وإتقان‪.‬‬
‫إن غرس الثقة يف نفوس األطفال له أمهيته يف هذا اجملال "‬
‫‪ -5‬مص األصبع‪:‬‬

‫‪301‬‬
‫لوحظ أن غالبية أبناء املوظفات أو املشغوالت عن أطفاهلن لديهم هذه العادة‪ .‬وحيث أن غريزة املص‬
‫هي األساس عند الصغار‪ ،‬فهذه عادة طبيعية يف السنة األوىل‪ ،‬وتعاجل عند الصغار بإطالة فرتة الرضاعة‬
‫من الثدي‪ ،‬وتضييق ثقوب احللمة (عند الرضاعة الصناعية)‪،‬‬
‫وأما األطفال األكرب سناً فيشجعون على النشاط املتصل بالفم كمضغ اللبان والشرب من العصي‬
‫املثقوبة‪ .‬وبعد سن الثالثة تعمل املربية على إشغاهلا ما أمكن‪ ،‬مع العمل على إقناعه‪ .‬بأن هذه من‬
‫عادات الصغار وال تليق به‪ S...‬لكن ال يسخر منه وال تكون جمال تندر به أمام االخرين‪.‬‬
‫‪ -6‬كثرة األسئلة ‪:‬‬
‫دليل على ذكاء الطفل‪ ،‬وهي فرصة للمربية للتعرف على أطفاهلا وعقلياهتم‪ ،‬واملربية الناجحة حتاول‬
‫اإلجابة عن أسئلتهم وتشجعهم لطرح املزيد منها‪ ،‬ومهما كان لديها من أعمال فتوسيع مدارك‬
‫طفلها وإشعاره بالثقة أوىل من أعماهلا األخرى‪ .‬ألن هذه مهمتها الرئيسية فال تضيق ذرعة بكثرة‬
‫األسئلة‪ ،‬وحسن اإلجابة له تأثريه الطيب‪،‬‬
‫‪ -7‬التبول الالإرادي‪:‬‬
‫أول عالمة من عالمات املراقبة اإلرادية للتبول " هي إنتباه الطفل إىل كونه قد بل مالبسه ولفت نظر‬
‫أمه إىل عمله‪ ،‬فإذا بدا ذلك من الطفل فهنا هتتم األم بتدريب ابنها‪ ،‬وتنظم طعامه وراحته وتبعد عن‬
‫الفظاظة يف تعاملها معه ألنه قد تكون سبباً للتبول العرضي ليعرب عن سخطه‪.‬‬
‫فإن حصل منه التبول الالإرادي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تضع املربية حداً ملضايقة األطفال من إخوة وأقارب للطفل‪ .‬فال يصح حبال أن يكون هذا سبباً‬
‫إلذالل الطفل‪.‬‬
‫ب‪ -‬تعويده على التبول قبل النوم مباشرة‪.‬‬
‫ج‪ -‬منحه مكافأة كلما استيقظ وفراشه نظيف‪.‬‬
‫د‪ -‬إشعاره بالسعادة والراحة النفسية‪ ،‬وعدم مقارنته باآلخرين‪ .‬للتقليل من شأنه ‪.‬‬
‫‪ -8‬مشكالت الطعام‪:‬‬
‫قلة الشهية أو التباطؤ يف تناول الطعام‪ ،‬قد تكون جللب انتباه اآلخرين واحلديث عن الطفل أمام‬
‫الصديقات‪.‬‬
‫وقد تكون بسبب املرض‪ ،‬أو قلة نشاط الطفل‪ ،‬وعليه ففي كل مرة يعاجل السبب‪ S...‬فاملريض يعاجل‬
‫وعدمي النشاط ندفعه إىل نشاط بدين‪ ،‬كلعب الكرة أو ركوب الدراجة أوحىت اجلري ومن مث يدعى‬
‫لتناول الوجبة‪ .‬أما أن يكون عدم األكل إلثبات الذات فهذا ال يصح وإمنا حناول أن يسمعهم الطفل‬
‫انشودة أو يريهم عمالً من أعماله مع عدم حديث املربية عن طعام طفلها أمام صديقاهتا‪...‬‬

‫‪302‬‬
‫وفيما عدا ذلك ال يستعمل العنف والضرب على الطعام وإال أصبحت فرتة الطعام بغيضة عند الطفل‬
‫وبالتايل تزيد قلة شهيته‪.‬‬
‫كذلك ال يدعى للطعام عند استغراقه للعبة حيبها ألن ذلك حيرمه من االقبال على الطعام بشهية‪.‬‬
‫‪ -9‬الكالم البذيء‪:‬‬
‫قد حيلو لبعض األطفال ترديد كلمة بذيئة مسعوها من الشارع‪ .‬واملربية احلكيمة تتجنب إظهار‬
‫الغضب لكلمة الطفل‪ ،‬وتتجاهله ما أمكن‪ ،‬إهنا يف غضبها تشعره بالفوز يف إثارة اهتمامها‪ ،‬أما إن‬
‫تكرر منه األمر فتكتفي بالعبوس والتقطيب يف وجهه‪ ،‬ودعوته إىل املضمضة من الكلمة القذرة‪ .‬أما‬
‫إذا مل يرعو كلميه على انفراد‪ ،‬وأشعريه بقبح ما ردده أطفال الشارع‪ ،‬وهو املسلم النظيف اللسان‬
‫وال مانع من عقابه حبرمان من لعبة بعينها أو حنو ذلك إىل أن يرتك هذه البذاءة‪.‬‬
‫هذه بعض املشكالت اليت قد تعرتض املربية خالل معايشتها لألطفال سواء يف املنزل أو الروضة‪ ،‬وقد‬
‫عرضتها بإجياز‪ ،‬وأرجوا أن أكون قد أوصلت املقصود إىل أخوايت املسلمات‪.‬‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‬
‫ــــــــ‬

‫‪303‬‬
‫وسائل أهل الحق في السباق إلى العقول‬
‫الوسيلة السادسة‪ :‬العناية باللغة العربية ونشرها‪.‬‬
‫اللغة العربية هي لغة القرآن والسنة‪-‬أي لغة اإلسالم‪ ،‬فالقرآن نزل هبذه اللغة‪ ،‬والسنة وردت هبذه‬
‫اللغة‪ ،‬واآلثار املفسرة للقرآن والسنة‪ ،‬ومصادر الفقه اإلسالمي‪ ،‬وتاريخ اإلسالم‪ ،‬وكتب اآللة من حنو‬
‫وصرف وبالغة ومصطلح وعلم تفسري وغريها‪ ،‬أساسها اللغة العربية‪ ،‬فال غرو أن تكون اللغة العربية‬
‫هي مفتاح علوم اإلسالم كلها‪ ،‬فال يفقه هذا الدين حق الفقه‪ S،‬وال يعلم مقاصده وأسراره وحكمه‬
‫وعلله حق العلم‪ ،‬إال من فقه هذه اللغة‪.‬‬
‫وهلذا كثر وصف كتاب اهلل‪-‬القرآن الكرمي‪-‬بكونه عربيا‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬كتاب فصلت آياته قرآنا‬
‫عربيا لقوم يعلمون} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عريب مبني} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وإنه لتنزيل رب العاملني نزل به الروح األمني على قلبك لتكون من املنذرين بلسان‬
‫عريب مبني} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وكذلك أنزلناه حكما عربيا} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬ولقد ضربنا للناس يف هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غري ذي‬
‫عوج لعلهم يتقون} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا} ‪.‬‬
‫حكمة وصف القرآن بأنه عريب‪.‬‬
‫إن هذا التنويه بكون القرآن عربيا‪ ،‬جلدير بالتأمل والنظر ولو وصف اهلل القرآن الكرمي بأنه عريب مرة‬
‫واحدة فقط الستحق التأمل والنظر‪ ،‬فكيف وقد كرر تعاىل وصفه بذلك يف أساليب متعددة؟!‪S.‬‬
‫ولو أن خملوقا عاقال وصف شيئا ما بوصف مرة واحدة‪ ،‬لكان لوصفه بذلك اعتبار عند القارئ‬
‫والسامع فكيف إذا وصفه‪ S‬بذلك مرات؟!‬
‫وكيف إذا كان هذا الوصف صادرا عن اهلل يف كتابه‪ ،‬فما حكمة وصف القرآن الكرمي بأنه عريب؟‬
‫هل املقصود من ذلك بيان إعجاز القرآن الذي نزل بلغة العرب‪ ،‬وقد حتداهم أن يأتوا مبثله فعجزوا؟‬

‫‪304‬‬
‫نعم إن ذلك ملقصود‪ ،‬ولكن هذا التحدي يكون أكمل عندما يتعلم غري العريب اللغة العربية ويصبح‬
‫لسانه عربيا‪ ،‬يفهم القرآن الكرمي بلغته اليت نزل هبا ويتذوق أساليبها وبالغتها ويتعمق يف فهم معانيها‪،‬‬
‫ويطلع على أسرار القرآن وحكمه هبا‪ ،‬فيتبني له معىن كون هذا القرآن معجزا حقا‪.‬‬
‫وهل املقصود بذلك نفى أن يكون الرسول ‪ ‬تعلم هذا القرآن من بعض من كان عندهم علم من‬
‫الكتب السماوية السابقة‪ ،‬كما زعم ذلك بعض أعداء اإلسالم؟‬
‫نعم‪ ،‬إن ذلك ملقصود وقد صرح اهلل بذلك يف قوله‪{ .‬لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان‬
‫عريب مبني} ‪ .‬ولكن هذا املعىن املقصود جزء مما حيمله هذا الوصف وليس كل معناه‪.‬‬
‫وهل املقصود أن هذا القرآن الذي نزل باللغة العربية‪ ،‬مع أنه نزل هلداية مجيع البشر‪ ،‬شرف لك أيها‬
‫الرسول ولقومك العرب وخباصة قريشا؟!‬
‫نعم إن ذلك أيضا ملقصود‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون} ‪.‬‬
‫ولكنه ليس ذلك كل املقصود‪S.‬‬
‫بل هناك مقاصد أخرى من أمهها ما يأيت‪.‬‬
‫املقصد األول‪ :‬أن الدين اإلسالمي إمنا جاء باللغة العربية‪.‬‬
‫لقد جاء هذا الدين‪-‬أي دين اإلسالم‪-‬عن طريق القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ ،‬وكالمها باللغة العربية‬
‫ويتوقف فهمه السليم الكامل على فهم اللغة اليت محلته إىل الناس‪ ،‬وهي اللغة العربية‪ ،‬وال ميكن أن‬
‫يَن ُقل للناس معاين دين اإلسالم نقال صحيحا ويبينها بيانا شافيا‪ ،‬إال َمن كان عنده دراية تامة باللغة‬
‫العربية‪ ،‬بقواعدها وبالغتها واشتقاقها وغريبها وحقيقتها وجما زها وأساليبها‪ ،‬ألهنا لسان هذا الدين‬
‫عريب مبني}‪ .‬وقد‬‫ولسان كتابه ولسان رسوله ‪ ، ‬ولسان أصحاب رسول اهلل ‪{ . ‬وهذا لسان ٌ‬
‫كلف اهلل رسوله ‪ ‬بيا َن هذا الدين للناس‪ ،‬وقد فعل ذلك‪ ،‬وبيانه كان بلغته اليت نزل هبا القرآن قال‬
‫تعاىل‪{ :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبني للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬وما أنزلنا عليك الكتاب إال لتبني هلم الذي اختلفوا فيه وهدى ورمحة لقوم يؤمنون} ‪.‬‬
‫تبليغ هذا الدين‪ ،‬ويف طليعة أمته أصحابه الكرام‬ ‫وقد كلف اهلل أمة حممد ‪ ‬اليت آمنت به واتبعته‪َ ،‬‬
‫رضي اهلل عنهم‪ ،‬كما قال تعاىل‪{ :‬قل هذه سبيلي أدعو إىل اهلل على بصرية أنا ومن اتبعين} ‪.‬‬
‫وقد قاموا بنشر هذا الدين وبيانه للناس بلسان عريب مبني‪.‬‬
‫وترمجة معاين القرآن الكرمي ملن ال يفهم اللغة العربية‪ ،‬ال سبيل إليها إال ملن جييد اللغة العربية واللغة‬
‫املرتجم إليها‪ ،‬فاللغة العربية هي أساس البيان هلذا الدين الذي نزل هبا‪.‬‬
‫املقصد الثاين‪ :‬أن من أهم وسائل نشر اإلسالم اللغة العربية‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫إن علماء اإلسالم مأمورون باختاذ كل وسيلة مشروعة لنشر هذا الدين وإبالغ معانيه إىل الناس‪ ،‬ومن‬
‫أهم وسائل نشره تعليم الناس اللغة العربية اليت يتمكن َم ْن تعلمها من فهم هذا الدين فهما صحيحا‬
‫سريعا‪.‬‬
‫املقصد الثالث‪ :‬أن كثريا من العبادات جيب أداؤها باللغة العربية‪.‬‬
‫مثل قراءة الفاحتة يف الصالة‪ ،‬وأذكار الصالة كتكبرية اإلحرام وأذكار الركوع والسجود والتشهد‪،‬‬
‫وحنوها من فروض العني اليت جيب على املسلم أداؤها باللغة العربية ما استطاع إىل ذلك سبيال‪،‬‬
‫ليتقرب هبا إىل اهلل تعاىل‪.‬‬
‫املقصد الرابع‪ :‬ال بد من وجود علماء يفقهون اإلسالم باللغة الغربية‪.‬‬
‫إنه ال بد من وجود علماء جييدون اللغة العربية‪ ،‬إجادة جتعلهم قادرين على فهم معاين القرآن والسنة‬
‫وكتب العلم اليت حيتاج إليها املسلمون‪ ،‬ليكونوا مرجعا ألهل كل بلد يعلمون الناس معاين القرآن‬
‫الكرمي والسرية النبوية وغريها‪ ،‬فإن وجود علماء باللغة العربية حتصل هبم الكفاية يف ذلك وغريه‪ ،‬هو‬
‫فرض كفاية يأمث كل قادر من األمة على عدم إجيادهم‪ ،‬ويأمث القادرون على تعلم اللغة العربية للقيام‬
‫هبذا الفرض إذا مل يتعلموها‪.‬‬
‫املقصد اخلامس ال بد من وجود قادرين على ترمجة معاين اإلسالم‪.‬‬
‫وهذا املقصد ال حيصل إال بوجود علماء جييدون اللغة العربية وجييدون لغة البلد الذي يريدون دعوة‬
‫أهله إىل اإلسالم‪ ،‬ليرتمجوا ألهله معاين القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ ،‬وما جيب إبالغه إىل الناس من‬
‫أحكام هذا الدين‪ ،‬ألن علماء اإلسالم مأمورون بالبالغ املبني الذي أصبح من واجبهم بعد وفاة‬
‫الرسول ‪ ، ‬وليس من السهولة مبكان أن يتعلم كل الناس اللغة العربية‪.‬‬
‫ترمجة معاين اإلسالم إىل اللغات األخرى‪.‬‬
‫هذا وليعلم أن تبليغ الناس معاين اإلسالم وأحكامه بالرتمجة إىل لغات أخرى غري اللغة العربية‪ ،‬أمر‬
‫تقتضيه الضرورة‪ S،‬إذ أنه مهما أويت املرتجم من إتقان للغة العربية واللغات األخرى اليت يرتجم هبا‬
‫معاين اإلسالم‪ ،‬ال ميكنه أن يستوعب ما حتويه اللغة العربية من معان إىل اللغات األخرى‪ S،‬ولذلك‬
‫جيب على املسلمني أن يهتموا بتعليم اللغة العربية ونشرها بكافة الوسائل املتاحة‪ ،‬كاملدارس واملعاهد‬
‫واجلامعات والكتب وإعداد املعلمني وتدريبهم‪ ،‬واملنح الدراسية يف البلدان العربية لغري العرب‪،‬‬
‫وكذلك استغالل أجهزة اإلعالم كاملذياع والتلفاز والفيديو والكاسيت وغريها‪ ،‬لتعليم الناس‪-‬‬
‫وخباصة املسلمني‪-‬لغة القرآن ليصلوا إىل فهم هذا الدين فهما مباشرا بلغته اليت جاء هبا‪.‬‬
‫وإين أشبه من جييد اللغة العربية ويفهم دينه من القرآن والسنة وكتب العلم هبا مباشرة‪ ،‬برجل اشتد‬
‫عطشه فرأى عينا جارية تنبع من صخرة يف قمة جبل وهو يف أسفله‪ ،‬فشمر صاعدا حىت وصل إىل‬
‫نبع املاء واستقى منه عذبا زالال صافيا‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫وأشبه من وصلت إليه معاين اإلسالم بالرتمجة‪ ،‬برجل آخر اشتد عطشه‪ ،‬وهو مصاب بالكسل‪ ،‬وقف‬
‫يف أسفل اجلبل ينتظر وصول املاء إليه ليشرب منه وهو يف مكانه‪ ،‬فوصل إليه املاء وقد مر بالرتاب‬
‫والقاذورات اليت كدرته فأخذ يشرب منه وهو بتلك احلالة‪.‬‬
‫وإن األمة اإلسالمية جلديرة باالهتمام بلغتها ونشرها بالوسائل املتاحة‪ ،‬لتصل إىل الناس يف هذا‬
‫الكوكب األرضي‪ ،‬فهي لغة دين مل يعد يف األرض دين حق سواه‪ ،‬وهو الذي حفظ هلا هذه اللغة من‬
‫الضياع‪ ،‬حلفظ اهلل تعاىل هذا الدين حبفظ كتابه الذي ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه‪{ .‬إنا‬
‫حنن نزلنا الذكر وإنا له حلافظون} ‪.‬‬
‫انتشار لغة األمة من عالمات قوهتا‪.‬‬
‫وإن انتشار لغة أي أمة هلو دليل عظمتها وتفوقها‪ ،‬وبلغتها تستطيع أن تسبق بدينها وفكرها‬
‫غريها من األمم إىل عقول الناس‪.‬‬ ‫وسياستها واقتصادها وسائر علومها‪َ ،‬‬
‫وهذا ما حتقق لألمة اإلسالمية أيام جمدها‪ ،‬حيث انتشرت لغة دينها انتشار مساجدها ومعاهدها‬
‫ودعاهتا‪ ،‬ونبغ يف اللغة العربية أئمة من غري العرب فملئوا بعلمهم اآلفاق من حدود الصني شرقا إىل‬
‫احمليط األطلسي غربا‪.‬‬
‫وكانت األمم تتسابق إىل علوم املسلمني يف كل جمال من جماالت احلياة‪ ،‬كما نقل املسلمون علوم‬
‫األمم األخرى إىل لغتهم‪ ،‬واستفادوا منها وطبقوها عمليا وزادوا عليها‪ ،‬وعلى أيديهم تعلم األوربيون‬
‫أسس حضارهتم اليت يفخرون هبا اليوم‪.‬‬
‫وإن مما يؤسف له أن تنحدر األمة اإلسالمية احندارا مروعا‪ ،‬يف دينها وخلقها وسياستها واقتصادها‬
‫وأمنها ووحدهتا وقوهتا العسكرية‪ ،‬مما كان له أثره البالغ على لغتها اليت مل تعد هلا مكانتها يف العامل‪،‬‬
‫بل أصبحت يف مؤخرة اللغات‪ ،‬وأصبحت لغات األجانب من النصارى وغريهم هي لغات العلم‬
‫والثقافة والفكر يف العامل وأصبح املسلمون‪-‬والعرب منهم بصفة خاصة‪-‬يفتخرون باللغات األجنبية‬
‫ويتكالبون على أفكار أهلها وآداهبم ويتأثرون هبم‪ ،‬فأصبح السبق لألجانب ولغاهتم وأفكارهم إىل‬
‫عقول أبناء األمة اإلسالمية بدال من أن تسبق األمة اإلسالمية بلغتها ودينها وفكرها إىل عقول أبناء‬
‫األمم األخرى [‪. ]1‬‬
‫وها هي أمم الغرب تنشر لغتها يف كل مكان‪ ،‬عن طريق مناهج التعليم واإلعالم والبحث العلمي‬
‫واألدوات املتنوعة واملواصالت واالتصاالت‪ ،‬حىت ليكاد املسلم العريب يكون غريبا بلغته يف بالده‪،‬‬
‫يقتين اجلهاز الذي حيتاج إليه فال يستطيع استخدامه ألن الكتب اإلرشادية املتعلقة باستخدامه قد‬
‫أعدت باللغات األجنبية‪ .‬وهكذا الدواء والغذاء وغريها‪ ،‬وهكذا الفنادق والشركات واملستشفيات‪،‬‬
‫بل إن بعض البلدان العربية ما زالت معامالهتا الرمسية باللغة األجنبية!‬

‫‪307‬‬
‫وإمنا هانت اللغة العربية عند أهلها‪ ،‬هلوان الدين يف نفوسهم وضعف فقههم له‪ ،‬ولو كان الدين قويا‬
‫يف نفوسهم مطبقا يف حياهتم‪ ،‬لعرفوا للغته حقها وقدروها حق قدرها‪ ،‬وسابقوا غريهم بدينهم احلق‬
‫بلغته إىل عقول الناس يف األرض كلها‪.‬‬
‫إن ترمجة معاين اإلسالم من اللغة العربية إىل اللغات األخرى إلبالغ أهل تلك اللغات هذا الدين‪ ،‬هي‬
‫فريضة كفائية‪ ،‬ولكن أىن ألهل تلك اللغات أن يفهموا حقائق هذا الدين كاملة عن طريق ترمجته‬
‫وليس عن طريق اللغة العربية مباشرة؟!‬
‫ولقد بذل علماء اإلسالم من سلفنا الصاحل‪ ،‬جهودا مضنية إلبالغ حقائق اإلسالم إىل عقول الناس‬
‫عربا وعجما‪ ،‬مبا وضعوه من قواعد اللغة العربية من حنو وصرف واشتقاق وغريها‪ ،‬ومبا وضعوه من‬
‫قواعد شرعية تضبط هبا مقاصد الشريعة وأحكامها‪ ،‬من أصول الفقه وقواعده‪ ،‬فبينوا النص والظاهر‬
‫واجململ واملبني واملقيد واملطلق واخلاص والعام‪ ،‬وما وضعوه‪ S‬من مصطلحات يف علوم احلديث وعلوم‬
‫باطل‬
‫التفسري‪ ،‬فكانوا بذلك أعظم أمة اختذت وسائل لغوية وشرعية لتسبق باحلق الذي آتاها اهلل َ‬
‫األمم األخرى إىل عقول الناس‪.‬هذا باإلضافة إىل بذل جهودهم يف جماالت التعليم والدعوة واجلهاد يف‬
‫سبيل اهلل‪.‬‬
‫الوسيلة السابعة‪ :‬القدوة احلسنة‪.‬‬
‫إن من أهم وسائل السباق إىل العقول‪ ،‬القدوة احلسنة اليت يراها الناس ويلمسوهنا يف صاحب احلق‪،‬‬
‫حبيث يرون صاحب املبدأ يطبق مبدأه يف واقع حياته وتصرفاته‪ ،‬فإذا كان املقام حيتاج منه إىل الكرم‬
‫أقدم إىل البذل والعطاء‪ ،‬وإذا كان املقام حيتاج منه إىل خلق الشجاعة رآه الناس مقداما غري هياب‪،‬‬
‫وإن اختربوه يف صفة الصدق مل جيربوا عليه كذبا‪ ،‬وإن التمسوا عدالته مل جيدوا منه ظلما‪ ،‬وإن أرادوا‬
‫معرفة تقواه أل َفوه يدع ما ال بأس به خشية من الوقوع فيما به بأس‪ ،‬لشدة حترجه من الوقوع يف‬
‫املأمث‪ ،‬فضال عن إتيانه األوامر الواجبة وتركه احملرمات‪.‬‬
‫واخلالصة أنه يتحرك يف نشاطه كله بالقرآن والسنة‪ ،‬فإذا رآه الناس مداوما على ذلك مالوا إىل‬
‫االقتداء به ولو مل يتكلم‪ ،‬ألن احلق بذاته يدعو الناس إىل ذاته‪ ،‬فكيف إذا رأوه مطبقا يف حياة أهله‬
‫ورأوا مثار تطبيقه يف احلياة؟ ويبدأ املعاند املناوئ للحق يفكر يف سرية صاحب احلق ويتدبر ويقارن‬
‫بني احلق الذي يراه مطبقا يف حياة صاحبه‪ ،‬وبني الباطل الذي يزاوله هو‪ ،‬ويرتتب على ذلك أحد‬
‫أمرين‪.‬‬
‫األمر األول‪ :‬اتباع احلق والعمل به‪ ،‬ونبذ الباطل‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬اإلصرار على الباطل‪ ،‬مع تيقنه أنه باطل‪ ،‬وترك احلق مع تيقنه أنه حق‪ ،‬وفائدة ذلك‬
‫انكسار نفس صاحب الباطل أمام صولة احلق‪ ،‬وإقامة احلجة العملية عليه‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫أما إذا كان الداعي إىل احلق مل يلتزم هو نفسه به ومل يطبقه يف حياته‪ ،‬فإن الناس ينصرفون عنه وال‬
‫جتنَب‪.‬‬
‫يشغلون عقوهلم بالتفكري فيما يدعو إليه‪ ،‬ملعرفة كونه حقا فيُتَّبَع أو باطال فيُ َ‬
‫وهذه هي القدوة السيئة اليت ُتَنفِّر من املبدأ وإن كان حقا‪ ،‬كما هي عادة غالب الناس‪ ،‬وقد يوجد‬
‫من يفكر يف املبدأ الذي ال يكون الداعي إليه قدوة حسنة يف تطبيقه‪ ،‬فيعلم أنه حق ويتبعه‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك ليس من وسائل السباق الناجعة إىل العقول‪.‬‬
‫هلذا كان للقدوة احلسنة منزلتها يف اإلسالم‪ .‬وكان رسل اهلل وأنبياؤه والداعون إىل هداه‪ ،‬كلهم قدوة‬
‫حسنة‪ ،‬وقد أمر اهلل رسوله ‪ ‬أن يقتدي مبن سبقه من إخوانه املرسلني‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬أولئك الذين‬
‫هدى اهلل فبهداهم اقتده} ‪.‬‬
‫وأرشد أمة حممد ‪ ، ‬إىل االقتداء بنبيه إبراهيم عليه السالم ومن معه‪ S،‬فقال تعاىل‪{ :‬قد كانت لكم‬
‫حسنة يف إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون اهلل} ‪.‬‬
‫وقال تعاىل‪{ :‬لقد لكم فيهم أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر} ‪.‬‬
‫وحث تعاىل هذه األمة حثا مؤكدا على االقتداء برسوله ‪ ‬الذي مجع كل قدوة حسنة سبقه األنبياء‬
‫وزاده اهلل من فضله‪ ،‬فقال تعاىل‪{ :‬لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم‬
‫اآلخر وذكر اهلل كثريا} ‪.‬‬
‫ولقد كانت األمة اإلسالمية يف ماضي عهدها‪ ،‬قدوة حسنة يف إمياهنا ويف عبادهتا ومعامالهتا‬
‫وسلوكها‪ ،‬ويف عهودها ومواثيقها ويف األخذ بأسباب القوة والعزة‪ ،‬فكان ذلك سببا يف سرعة‬
‫وصول احلق الذي حيملونه إىل عقول األمم يف مشارق األرض ومغارهبا‪ ،‬فسارع الناس إىل االقتداء‬
‫هبم واتباع دينهم‪ ،‬حىت ترك أهل الديانات األخرى دياناهتم‪ ،‬ووقف رعايا الطغاة ضد طغاهتم إيثارا‬
‫للحق على الباطل‪ ،‬ونصر ًة ألهل احلق على أهل الباطل‪ ،‬فوصل اإلسالم إىل لشبونة وفينا وبلغراد‬
‫وموسكو وبالد الصني والفلبني وإندونيسيا وإفريقيا‪ ،‬بدون قتال يف غالب تلك البلدان‪ ،‬ألن القدوة‬
‫احلسنة جتعل اتباع احلق سهال ميسرا لرؤيته مطبقا يف واقع احلياة‪ ،‬يطبقه البشر‪.‬‬
‫وذلك على عكس ما عليه األمة اإلسالمية اليوم‪ ،‬حيث يغلب عليها القدوة السيئة اليت جعلت األمم‬
‫تنفر منها ومن دينها‪ ،‬وجعلت أعداء اإلسالم يستغلون تلك القدوة السيئة‪ ،‬فيربزوهنا يف مؤمتراهتم‬
‫وندواهتم ومناهج تعليمهم وإعالمهم ويف كل مناسبة تسنح هلم‪.‬‬
‫يسمع الناس أن اإلسالم يدعو إىل الصدق‪ ،‬ولكنهم يرون يف كثري من املسلمني الكذب‪.‬‬
‫ويسمعون أن اإلسالم دين القوة والعزة‪ ،‬ولكنهم ال يرون يف املسلمني اال الضعف والذلة‪.‬‬
‫ويسمعون أن الدين اإلسالمي يدعو إىل اجلماعة والوحدة وأن األمة اإلسالمية أمة واحدة‪ ،‬ولكنهم‬
‫يرون املسلمني متفرقني خمتلفني‪ ،‬يسب بعضهم بعضا‪ ،‬ويعتدي بعضهم على بعض‪ ،‬ويقتل بعضهم‬
‫بعضا‪ .‬ويسمعون أن اإلسالم دين الرمحة وأن املسلمني رمحاء فيما بينهم‪ ،‬ولكنهم ال جيدون يف كثري‬

‫‪309‬‬
‫من املسلمني إال القسوة والعنف يأكل القوي منهم الضعيف‪ .‬ويسمعون أن اإلسالم دين العدل‪،‬‬
‫ولكنهم يرون الظلم بني املسلمني هو السائد‪.‬‬
‫ويسمعون أن اإلسالم يدعو إىل الشجاعة‪ ،‬ولكنهم يرون املسلمني جبناء تضيع حقوقهم وتغتصب‬
‫بالدهم من قبل عدوهم القليل فيستسلمون له وخيضعون وهم كثر‪.‬‬
‫فكان ذلك سببا يف نفور الناس عن هذا الدين الذي صار أهله قدوة سيئة فيه‪.‬‬
‫وأقول‪-‬إنصافا للحق‪ :-‬إنه يوجد يف املسلمني من هو قدوة حسنة ولكن ليس على مستوى األمة‪.‬‬
‫والقدوة احلسنة عندما تكون على مستوى األمة‪ ،‬تربز معاين اإلسالم يف السياسة واحلكم واالقتصاد‬
‫والسلوك والنواحي االجتماعية والعسكرية والقوة الصناعية وغريها‪.‬‬
‫أما ما يكون على مستوى األفراد واألسر وبعض اجلماعات الصغرية‪ ،‬فإنه قدوة حسنة‪ ،‬ولكنه حمدودة‬
‫غري بارز للعامل الذي ال يطلع إال على ما تربزه وسائل اإلعالم وإمكانات الدول‪.‬‬
‫والذي يراه الناس اآلن يف املسلمني هو اإلسراف يف احملرمات وحماربة أغلب حكوماهتم لإلسالم‬
‫والدعاة إليه‪ ،‬والتأخر يف الشؤون اإلدارية واالقتصادية‪ ،‬مع كثرة اخلريات يف بلداهنم وسعة أراضيهم‪،‬‬
‫كما يرون تقتيل أعدائهم هلم وإخراجهم من ديارهم‪ ،‬وهدم مساجدهم وانتهاك أعراضهم‪ ،‬وهم‬
‫غيُرهم‪ ،‬وكأهنم غري‬ ‫سادرون يف غيهم يرقصون ويغنون وميثلون ويتعرون‪ ،‬يقضي يف أمورهم ْ‬
‫موجودين على ظهر األرض‪:‬‬
‫ويقضى األمر حني تغيب تيم وال يستأذنون وهم شهود‬
‫فأين هي القدوة احلسنة فيهم‪ ،‬حىت يكونوا من السباقني باحلق إىل العقول‪ ،‬وعقوهلم مأوى للباطل؟!‬
‫‪---------------‬‬
‫[‪ -]1‬ليس املراد هنا التنفري من تعلم اللغات األجنبية لالستفادة منها يف العلوم احملتاج إليها ويف دعوة‬
‫أهل تلك اللغات هبا إىل اإلسالم فهذا من فروض الكفاية يف اإلسالم‪ ،‬وإمنا املراد املبالغة يف تقديس‬
‫تلك اللغات ونسيان اللغة العربية لغة اإلسالم‪.‬‬
‫كتبه‬
‫د ‪ .‬عبد اهلل قادري األهدل‬
‫ــــــــ‬

‫‪310‬‬
‫أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين?‪..‬‬
‫املرأة املسلمة يف هذا العصر تعيش فراغا يف كل شيء‪:‬‬
‫‪ -‬فراغا يف القدوة‪ ،‬فال جتد من تقتدي هبا يف أخالقها ودينها‪..‬‬
‫‪ -‬فراغا يف اإلميان‪ ،‬فال جتد من يذكرها باهلل تعاىل ويطعم روحها من معاين القرآن والسنة‪..‬‬
‫‪ -‬فراغا يف الوقت‪ ،‬تشكو من كثرة األوقات وقلة األعمال‪..‬‬
‫ويف مقابل ذلك تواجه هجمة شرسة هلدم حرمتها‪ ،‬وإبراز عورهتا‪ ،‬وتضييع كرامتها‪ ،‬بألفاظ براقة‪،‬‬
‫ودعايات خداعة‪ ،‬تنادي حبقوقها ومساواهتا بالرجل‪ ،‬زعموا ‪..‬‬
‫تصوروا فتاة ال جتد القدوة احلسنة اليت تعلمها وهتذهبا وتربيها ال يف البيت وال يف املدرسة وال الكلية‪،‬‬
‫وتعاين ضعفا يف اإلميان‪ ،‬وجهال بأحكام الدين‪ ،‬يصاحب ذلك الفراغ وتوفر املال‪ ،‬مث يأتيها جند‬
‫إبليس من كل حدب وصوب يزينون هلا اخلروج والغزل والتربج واللهو‪ ،‬يومهوهنا أن ذلك من‬
‫حقوقها‪ ،‬وأن فيه سعادهتا وراحتها وملء فراغ وقتها‪ ،‬وقتل امللل الذي يف حياهتا‪......‬‬
‫أال يدعوها كل ذلك إىل االجنراف إىل مواطن اخلطر‪ ،‬وفساد اخللق‪ ،‬وضياع احلياء والدين؟‪..‬‬
‫حنن يف هذه الكلمة العابرة حناول أن نربز إلختنا املسلمة القدوة واألسوة اليت تبحث عنها فال‬
‫جتدها‪ ....‬جنتهد يف أن نقدم صورة مشرفة لفتاة مؤمنة صادقة تصلح أن تكون قدوة لكافة الفتيات‬
‫والزوجات‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫هذه الفتاة مل يتجاوز عمرها العشرون‪ ،‬كانت صابرة دينة خرية صينة قانعة شاكرة هلل‪ ،‬بشرها النيب‬
‫الكرمي ‪ ‬باجلنة مع السيادة فيها‪ ،‬فهي سيدة نساء العاملني يف زماهنا‪..‬‬
‫فمن هي؟‪..‬‬
‫وكيف نالت هذه الدرجة الرفيعة‪ ،‬يف الوقت الذي يتهاوى فيه كثري من النساء‪ ،‬والشيطان يتخذهن‬
‫غرضا وهدفا لكل مفسد?‪..‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪ ( :‬أريت النار‪ ،‬فرأيت أكثر أهلها النساء) ‪.‬‬
‫مل تكن لتصل إىل ما وصلت إليه بالتربج والسفور وتضييع حق اهلل عليها‪..‬‬
‫مل تكن لتصل إىل اجلنة والسيادة على نسائها‪ ،‬وهي ختالل الشباب‪ ،‬غارقة يف شهواهتا‪..‬‬
‫مل تكن لتنال ذلك‪ ،‬وهي تقتدي بالكافرات‪ ،‬وتركب كل ما يزينه الشيطان هلا‪..‬‬
‫مل تكن كذلك إال وهي صاحبة مباديء وإميان‪ ،‬صاحبة طاعة وعبادة لرهبا‪ ،‬قرة عني لزوجها‪ ،‬قائمة‬
‫حبقه وحق بيتها‪ ،‬حافظة لعرضها وعفتها ومجاهلا‪ ،‬بعيدة عن أعني الرجال‪ ،‬حمتشمة صادقة مؤمنة‬
‫خاشعة‪..‬‬
‫فأميا فتاة أرادت أن تلحق بركبها‪ ،‬فلرتكب مطيتها‪ ،‬ولتقتد بسريهتا‪ ،‬ولتتخذها أسوة‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫قال عليه الصالة والسالم‪ (:‬فاطمة سيدة نساء أهل اجلنة)‪.‬‬
‫إهنا ابنة رسول اهلل ‪ ، ‬الطاهرة النقية الطائعة املتعبدة الكارهة للتربج والسفور‪ ،‬الصابرة على ما‬
‫أصاهبا رضي اهلل عنها‪..‬‬
‫ولدت قبل البعثة بقليل‪ ،‬وتزوجها علي رضي اهلل عنه‪ ،‬يف السنة الثانية للهجرة‪ ،‬وولدت له احلسن‬
‫واحلسني‪S..‬‬
‫كان أبوها رسول اهلل يكرمها وحيبها لصدقها ودينها وصربها‪ ،‬قالت عائشة رضي اهلل عنها‪:‬‬
‫"جاءت فاطمة متشي ما ختطيء مشيتها مشية رسول اهلل‪ ،‬فقام إليها أبوها وقال‪(:‬مرحبا بابنيت)"‪S..‬‬
‫ما قام هلا وما أحبها إال لعظم شأهنا عند رهبا‪..‬‬
‫مل تكن فتاة ككل الفتيات‪ ،‬ومل تكن امرأة ككل النساء‪ ،‬مل تفخر على النساء والقرينات بأبيها‪ ،‬ومل‬
‫تتعال على زوجها مبنزلة أبيها‪ ،‬بل كانت رضي اهلل عنها نعم الزوجة لزوجها‪ ،‬تقوم على خدمته‪،‬‬
‫وتسعى يف رضاه‪ ،‬وتأمتر بأمره وتقف عند هنيه‪ ،‬مثال رائع لكل زوجة مع زوجها‪..‬‬
‫جاءت تشكو إىل رسول اهلل ما تلقى يف يديها من الرحى إذا طحنت‪ ،‬ويف حنرها إذا محلت القربة‪،‬‬
‫حىت أصاهبا الضر واجلهد‪ ،‬وتسأله خادما‪ ،‬فجاءها رسول اهلل وعلي معها وقد دخال يف فراش إذا‬
‫غطيا رؤوسهما تكشفت أقدامهما‪ ،‬وإذا غطيا أقدامهما تكشفت رؤوسهما‪ ،‬فقال هلما‪:‬‬
‫( أال أدلكما على خري مما سألتماين إذا أخذمتا مضجعكما أو آويتما إىل فراشكما فسبحا ثالثا‬
‫وثالثني‪ ،‬وامحدا ثالثا وثالثني‪ ،‬وكربا أربعا وثالثني‪ ،‬فهو خري لكما من خادم) ‪.‬‬
‫فرضيت وقنعت وصربت على الفقر والشدة‪ ،‬رضي اهلل عنها‪ ،‬وهي بذلك ترسل رسالة حية إىل كل‬
‫امرأة رضيت بالدعة واخلمول‪ ،‬وآثرت اخلروج من البيت والتسكع يف الطرقات تاركة عمل بيتها‬
‫وواجباهتا‪ ،‬أن ذلك ليس من سبيل املؤمنات العاقالت السابقات‪ ،‬وتعلّم كل امرأة تتخذ خادمة يف‬
‫بيتها أن تسبيحها وحتميدها وتكبريها هلل تعاىل هي وزوجها خري من خادم‪ ،‬وأعون على قضاء حوائج‬
‫البيت وأعماله‪.‬‬
‫أما عن طاعتها لزوجها‪ ،‬فقد كانت تعلم وهي اليت تربت يف بيت النبوة والدين أن طاعة الزوج من‬
‫موجبات دخول اجلنة‪:‬‬
‫( إذا صلت املرأة مخسها‪ ،‬وصامت شهرها‪ ،‬وحفظت فرجها‪ ،‬وأطاعت زوجها‪ ،‬دخلت اجلنة بإذن‬
‫رهبا) ‪..‬‬
‫ملا مرضت أتى أبو بكر فاستأذن‪ ،‬فقال علي‪:‬‬
‫"يا فاطمة‪ ،‬هذا أبو بكر يستأذن عليك"‪S..‬‬
‫فقالت‪" :‬أحتب أن آذن له؟"‪S..‬‬
‫قال‪" :‬نعم"‪ ،‬فأذنت له‪..‬‬

‫‪312‬‬
‫قال الذهيب‪" :‬عملت السنة رضي اهلل عنها‪ ،‬فلم تأذن يف بيت زوجها إال بأمره"‪..‬‬
‫ونساء اليوم يغلب عليهن عصيان الزوج‪ ،‬والتعدي على حقوقه‪ ،‬كما أن األزواج كذلك هلم نصيب‬
‫من ظلم الزوجات‪ ،‬لكن عليا وفاطمة رضي اهلل عنهما كانا خري زوجني لبعضهما‪ ،‬كانا يلتمسان‬
‫رضا بعضهما‪..‬‬
‫ملا أراد علي أن يتزوج عليها ابنة أيب جهل‪ ،‬غضبت‪ ،‬وغضب لغضبها رسول اهلل‪ ،‬وقد كان يغضب‬
‫لغضبها‪ ،‬ويقول‪ ( :‬فاطمة بضعة مين‪ ،‬فمن أغضبها فقد أغضبين)‪..‬‬
‫فرتك علي اخلطبة رعاية هلا‪ ،‬فما تزوج عليها وال تسرى حىت ماتت‪ ،‬والتعدد حالل بنص الكتاب‪،‬‬
‫لكن رسول اهلل كره أن جتتمع ابنته وابنة عدو اهلل أبو جهل حتت رجل واحد‪ ،‬ملا يف ذلك من األذى‬
‫لفاطمة رضي اهلل عنها والعار‪ ،‬وألهنا أصيبت يف أمها مث أخواهتا واحدة بعد واحدة فلم يبق هلا من‬
‫تستأنس به ممن خيفف عليها األمر إذا تزوج عليها‪ ،‬فلذا كرهت وألجلها كره رسول اهلل ذلك‪.‬‬
‫وقد كانت رضي اهلل عنها حتب احلشمة والسرت‪ ،‬وتكره التربج واخلالعة والسفور‪ ،‬قالت ألمساء بنت‬
‫عميس‪:‬‬
‫"إين أستقبح ما يصنع بالنساء‪ ،‬يطرح على املرأة الثوب‪ ،‬فيصفها"‪S..‬‬
‫تقصد إذا ماتت ووضعت يف نعشها‪..‬‬
‫قالت‪" :‬يا ابنة رسول اهلل‪ ،‬أال أريك شيئا رأيته باحلبشة"؟‪..‬‬
‫فدعت جبرائد رطبة فحنتها‪ ،‬مث طرحت عليها ثوبا‪ ،‬فقالت فاطمة‪:‬‬
‫"ما أحسن هذا وأمجله‪ ،‬إذا مت فغسليين أنت وعلي‪ ،‬وال يدخل علي أحد"‪.‬‬
‫هذه الطاهرة النقية تشعر بقلق خشية أن يبدو شيئا من وصف جسدها وهي ميتة‪ ،‬فكيف هبا وهي‬
‫حية؟‪..‬‬
‫وهذه رسالة بليغة لكل مسلمة رضيت أن تظهر زينتها ووصف جسدها لكل ناظر‪ ،‬وسارت أمام‬
‫الرجال متربجة سافرة‪.‬‬
‫رضي اهلل عنها‪ ،‬مل يصب أحد مبثل مصاهبا‪:‬‬
‫ماتت أمها خدجية رضي اهلل عنها‪ ،‬مث إخوهتا وأخواهتا مجيعا‪ ،‬ومل يبق هلا من أهلها إال أبوها‪ ،‬ويف يوم‬
‫جاءت إليه فأسر هلا بقرب رحيله‪ ،‬فبكت بكاء مرا‪ ،‬ختيلت نفسها وقد فقدت أعز الناس وصارت‬
‫وحيدة من أهلها‪ ،‬فلما رأى رسول اهلل حزهنا وبكاءها أسر هلا بأهنا أول من يتبعه من أهله‪ ،‬فزال‬
‫حزهنا وكربتها‪ ،‬وداخلها السرور‪ ،‬فضحكت‪..‬‬
‫وقد ذكر ابن حجر أن من أسباب فضلها على غريها من النساء صربها على وفاة أبيها‪ ،‬فإن كل‬
‫بنات رسول اهلل منت يف حياته فكن يف صحيفته إال هي فقد مات يف حياهتا فكان يف صحيفتها‪ ،‬يدل‬
‫على ذلك أنه ملا رأى حزهنا وبكاءها على قرب وفاته بشرها فقال‪:‬‬

‫‪313‬‬
‫(أما ترضني أن تكوين سيدة نساء العاملني)‪..‬‬
‫يعين إن صربت واحتسبت‪ ،‬ويف رواية عند الطربي أنه قال هلا‪:‬‬
‫(أحسب أين ميت يف عامي هذا‪ ،‬وأنه مل ترزأ ـ تصب ـ امرأة من نساء العاملني مثل ما رزئت‪ ،‬فال‬
‫تكوين دون امرأة منهن صربا)‪ ،‬فبكت‪ ،‬فقال‪( :‬أنت سيدة نساء أهل اجلنة إال مرمي‪ ،‬فضحكت) ‪.‬‬
‫‪---‬‬
‫وملا ثقل بالنيب جعل يتغشاه الكرب‪ ،‬فقالت‪" :‬واكرب أبتاه"‪ ،‬فقال‪( :‬ليس على أبيك كرب بعد‬
‫اليوم)‪..‬‬
‫فلما مات حزنت عليه‪ ،‬وبكته‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫"يا أبتاه‪ ،‬إىل جربيل ننعاه‪ ،‬يا أبتاه أجاب ربا دعاه‪ ،‬يا أبتاه‪ ،‬جنة الفردوس مأواه"‪S..‬‬
‫وقالت بعد دفنه‪" :‬يا أنس‪ ،‬كيف طابت نفوسكم أن حتثوا الرتاب على رسول اهلل"‪..‬‬
‫عاشت بعده حزينة مكروبة مريضة سبعني ليلة مث ماتت بعده بشهرين أو ثالث‪ ،‬كانت زاهدة رضي‬
‫اهلل عنها‪ ،‬ماتت وعمرها مثان وعشرون عاما‪ ،‬فهي أسوة حسنة لكل مسلمة يف أخالقها وصربها‬
‫وطاعتها وحشمتها وعفتها‪ ،‬هدى اهلل النساء للسري على سنتها‪.‬‬
‫أبو سارة‬
‫ــــــــ‬

‫‪314‬‬
‫تربويات على الطريق‬

‫احلمد هلل أستعينه وأستهديه وأتوكل عليه والصالة والسالم على خري املستعينني وخري املستهدين وخري‬
‫املتوكلني سيدنا حممد بن عبداهلل الرسول األمني وعلى آله وصحبه أمجعني ‪0‬‬
‫إخويت الكرام األعزاء كما هو معلوم أن العمل الرتبوي هو جهد حيتاج ملزيد من املعارف والعلوم‪،‬‬
‫ومزيد من القدرات واإلمكانات واملواهب‪ ،‬ورصيد من التجارب واخلربات وأنا لست من هذا يف‬
‫شيء ‪ ،‬لذا رغبت يف مجع وتدوين بعضاً من جتارب وخربات أهل األيادي البيضاء يف عامل الرتبية‬
‫والذين كان هلم السبق يف هذا اجملال ‪ ،‬وليس صواباً أن ُأخفي عليكم كيف مت مجع وتدوين هذه‬
‫الرتبويات ‪ ،‬فلقد استفدت من االشرتاك يف خدمة اجلوال لبعض املربني الفضالء عن طريق الرسائل‬
‫اليت تُرسل عن طريقهم أو حتت إشرافهم ملن أراد اإلشرتاك ‪ ،‬وملا كثرت الرسائل املقرتنة بالفوائد‬
‫النّرية القيمة يف هذا اجلهاز( اجلوال ) خشيت واهلل أن تذهب سدى دون أن نتمكن من إيصاهلا‬
‫بنفعها املتعدي لآلخرين عن طريق اإلنرتنت ‪ ،‬مع تربويات أخرى من بعض الكتب املعروفة اليت ال‬
‫ختفى على اجلميع ‪ ،‬وملا كانت املصادر خمتلفة ‪ ،‬واآلراء متعددة من هؤالء األفاضل مل أراعي مسألة‬
‫ٍ‬
‫بشكل عام ومبجاالهتا املتعددة ‪،‬‬ ‫الدقة يف خصوصية املوضوع وإمنا كوهنا تتعلق بالنواحي الرتبوية‬
‫موضوع واحد امسه <تربويات على الطريق>‬ ‫ٍ‬ ‫وقمت بتقسيمها يف شكل سلسلة من الرتبويات حتت‬
‫‪ ،‬وإمنا كانت هذه السلسلة نظراً الستمرار ورود هذه الرساثل ‪ ،‬مث إين ختطفت من كل مصد ٍر عدداً‬
‫من الرتبويات وليست واحدة ولذلك أشرت إىل املصادر يف آخر كل صفحة دون توابعها من هذه‬
‫النقاط ‪ ،‬وقد جتدون بعض التصرف الذي حرصت فيه على اإليضاح فقط دون اخلروج عن املعىن‬
‫‪،،،‬‬
‫وأترككم مع السلسلة األوىل‪/‬‬
‫*** وقت ما قبل الفجرهو الوقت الذهيب إلنعاش الروح ‪ ،‬وقد دلت جتارب كثرية من األخيار على‬
‫أن اإلستيقاظ قبل أذان الفجر بأربعني دقيقة يومياً يوفر زاداً روحياً لليوم كله ‪.‬‬
‫*** إن اهلزائم تُنال من معنويات الفاشلني ‪ ،‬وتدفعهم إىل عدم احملاولة مرةً أخرى ‪ ،‬على عكس‬
‫الناجحني الذين حيولون كل هزمية وفشل إىل شيء إجيايب ‪ 00‬التدخل معرتك احلياة خائفاً من الفشل‬
‫ادخل معرتك احلياة لكي تفوز ‪.‬‬
‫*** الرتبية الناجحة مبنيةٌ على بداياهتا ‪ ،‬فإذا صحت تلك البدايات وروعيت أولوياهتا أعقبها نتائج‬
‫مشرقة ‪ ،‬وكما قيل ‪ :‬من كانت بدايته متعبة ‪ ،‬كانت هنايته مشرقة ‪.‬‬
‫نقد هو باطل ‪،‬‬ ‫*** لن تسلم من نقد الناس ‪ ،‬ولكن خذ من نقدهم ما هو حق ‪ ،‬وال تظن أن كل ٍ‬
‫وصحح خطأك واصرب فهكذا احلياة ‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫*** إن من حق املتحدث علينا أن نصغي إليه باهتمام ‪ ،‬وأال نصدر حكماً على ما يقول حىت يفرغ‬
‫من كالمه ‪ ،‬وإن من املؤسف أن جمالسنا كثرياً ما تكون مشحونة باملقاطعات واألحكام املستعجلة ‪.‬‬
‫*** قبل اختاذ القرار ناقش نفسك ‪ :‬ما هي الفوائد اليت سترتتب على اختاذ هذا القرار وما هي‬
‫األضرار من اختاذه ‪ ،‬وما هي الفوائد من عدم اختاذ القرار وما هي األضرار أيظاً من عدم اختاذه ‪،‬‬
‫وحينها ستكون ناجحاً يف اختاذ مجيع قراراتك العلمية – الدعوية – املالية – األسرية – الوظيفية‬
‫وغريها ‪..‬‬
‫*** اكتساب السمو للنفس يكون عن طريق التدرج ‪ ،‬وذلك باإلبتعاد عن فعل ما ال حيل ‪ ،‬وما ال‬
‫يليق ‪ ،‬وتكون ذروة ذلك حني يستوي سر املؤمن مع عالنيته ‪ ،‬وهذا حيتاج إىل تنمية صفة الصدق‬
‫العظيمة على حن ٍو مستمر ‪.‬‬
‫*** إن اإلميان بالقدرة على حتقيق األهداف يعد هدفاً رئيساً يف حتقيق أي إنسان ألهدافه وتوقعاته ‪،‬‬
‫فمن يعمل عمالً وهو ال يتوقع إجنازاً من ورائه ال يستطيع غالباً حتقيقه ‪ .‬فأنت تستطيع ولكن هل‬
‫تؤمن بقدراتك ؟‬
‫*** العلم أودية ‪ ،‬كما قال ابن شهاب فأيها أخذت فيه قطع بك قبل أن تبلغه ولكن خذه مع األيام‬
‫والليايل ‪ ،‬وال تأخذ العلم مجلة ‪ ،‬فإن من رام أخ ُذه مجلة ذهب مجلة ‪ ،‬ولكن الشيء بعد الشيء مع‬
‫األيام والليايل ‪.‬‬
‫*** إن كلمة (اقرأ) هي أول ما قرع األمساع من كتاب اهلل وهي أول عهد النيب ‪ ‬بالوحي ‪ ،‬وهي‬
‫اليت وصلت األرض خبرب السماء ‪ ،‬وهي مفتاح العلوم ‪ ،‬وغذاء الفهوم ‪ ،‬وباب الفقه يف الدين ‪،‬‬
‫ووسيلة من وسائل التدبر والتفكر ‪ ،‬فأين حنن منها ‪ ،‬وما نصيب أوقاتنا معها ‪ ،‬ومىت نكون من‬
‫عشاقها ‪.‬‬
‫*** من مل ينبع تفكريه من مبادئ الشريعة ضل ‪ ،‬ومن مل يستمد سلوكه من أخالقها احنرف ‪ ،‬ومن‬
‫مل يقيد عمله بأحكامها ظلم ‪.‬‬
‫*** من عُرف عنه العجلة يف الرأي واحلكم ‪ ،‬أو عدم التثبت أو التبني ‪ ،‬ينظر إليه الناس على أنه‬
‫أرعن أمحق ‪ ،‬ومثل هذا يسحب الناس ثقتهم منه ‪ ،‬بل وينفرون منه ‪ ،‬ويكرهونه بشدة ‪ ،‬وإذا ذهبت‬ ‫ٌ‬
‫الثقة ‪ ،‬وكان النفور والكراهية ‪ ،‬مل يعد يف يد املسلم ما يكسب به األنصار واملؤيدين ‪.‬‬
‫*** كل صاحب باطل ال يتمكن من ترويج باطله إال بإخراجه يف قالب حق ‪ ،‬فأهل املكر واحليَل‬
‫احملرمة خُي رجون الباطل يف القوالب الشرعية ‪ ،‬ويأتون بالصور دون احلقائق واملقاصد ‪.‬‬
‫*** من أهم األسباب يف التفريط لعمل اليوم والليلة ‪ :‬هو ضعف أو تالشي التصور الصحيح حلقيقة‬
‫والعظ عليه بالنواجذ مرتبط بالتصور الصحيح‬‫ُّ‬ ‫أجر املواظبة على هذا العمل فإن االستمساك بالشيء‬
‫له ‪ ،‬وللمنافع أو الفوائد املرتبطه به ‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫*** يقول الشافعي ‪ :‬من تعلم القرآن عظمت قيمته ‪ ،‬ومن تكلم يف الفقه منا قدره ‪ ،‬ومن كتب‬
‫احلديث قويت حجته ‪ ،‬ومن نظر يف اللغة رق طبعه ‪ ،‬ومن نظر يف احلساب جزل رأيه ‪ ،‬ومن مل‬
‫يصن نفسه مل ينفعه علمه ‪.‬‬
‫*** <من استوى يوماه فهو مغبون> يف هذا دعوة لإلرتقاء بالنفس يف العلم والعبادة واخلُلُق‬
‫واألدب والعمل لإلسالم ‪.‬‬
‫*** التدبر مفتاح حياة القلب ‪ ،‬ومن ُوفق لتدبر القرآن ‪ ،‬فقد أمسك بأعظم مفاتيح حياة القلب ألنه‬
‫الشيء أنفع للقلب من قراءة القرآن بتدبر وتفكر‪.‬‬
‫*** من مجيل األخالق وصاحل املعاشرة مراعاة مشاعر الناس والبحث عما يرضيهم والبعد عما‬
‫يسخطهم ‪ ،‬ولكن ال يكون ذلك على حساب الدين ‪ ،‬وسخط رب العاملني ‪ ،‬واحلرص فقط أال‬
‫خيسر الناس وأال يكون يف موضع نقمتهم (من أرضى الناس بسخط اهلل وكله اهلل إىل الناس ‪ ،‬ومن‬
‫أسخط الناس برضا اهلل كفاه اهلل مؤنة الناس) صحيح‪0‬‬
‫فجدير باهتمامك واجتهادك‬ ‫ٌ‬ ‫وطور أنت فيه‬
‫طور مضى فال حتزن عليه ‪ٌ ،‬‬ ‫*** أطوار احلياة ثالثة ‪ٌ :‬‬
‫وطور يأيت فمن التكلف االغتمام واخلوف من ٍ‬
‫غيب تكفل اهلل به ‪.‬‬ ‫وجدك ‪ٌ ،‬‬
‫أفعال‬
‫*** كل إنسان يعمل على حسب جوهر نفسه ‪ ،‬فإن كانت نفسه شريفةٌ طاهرة صدرت عنه ٌ‬
‫أفعال خبيثة ‪.‬‬
‫وأخالق زكيةٌ طاهرة ‪ ،‬وإن كانت كدرةٌ خبيثة صدرت عنه ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫مجيلة‬
‫*** علماء السوء جلسوا على باب اجلنة يدعون إليها الناس بأقواهلم ‪ ،‬ويدعون إىل النار بأفعاهلم ‪،‬‬
‫فكلما قالت أقواهلم للناس ‪ :‬هلموا ‪ ،‬قالت أفعاهلم ‪ :‬ال تسمعوا منهم ‪ ،‬فلو كان ما دعوا إليه حقاً‬
‫طرق ‪.‬‬‫كانوا أول املستجيبني له ‪ ،‬فهم يف الصورة أداّل ء ‪ ،‬ويف احلقيقة قطاع ُ‬
‫رجل مكنك من نفسه حىت تزرع فيه خرياً أو تصنع إليه معروفاً ‪ ،‬فإنه نعم‬ ‫*** أنفع الناس لك ‪ٌ :‬‬
‫العون لك على منفعتك وكمالك ‪ ،‬فانتفاعك به يف احلقيقة مثل انتفاعه بك أو أكثر ‪ ،‬وأضر الناس‬
‫عليك من مكن نفسه منك حىت تعصي اهلل فيه ‪ ،‬فإنه عو ٌن لك على مضرتك ونقصك ‪.‬‬
‫*** ما يكاد حيب االجتماع بالناس إال فارغ ‪ ،‬ألن املشغول القلب باحلق يفر من اخللق ‪ ،‬ومىت متكن‬
‫فراغ القلب من معرفة احلق امتأل باخللق ‪ ،‬فصار يعمل هلم ومن أجلهم ‪ ،‬ويهلك بالرياء ‪ ،‬وال يعلم ‪.‬‬
‫*** شيء مجيل أن يتوضأ اإلنسان قبل أن ينام ‪ ،‬ويتلو شيئاً من كتاب اهلل تعاىل ليختم يومه ٍ‬
‫بشيء‬ ‫ٌ‬
‫ينري قلبه ويعطر فمه ويزيد يف رصيد حسناته ‪.‬‬
‫*** مخسةٌ ال يفلحون أبداً ‪ :‬الطاغية الكذاب ‪ ،‬والعاق لوالديه ‪ ،‬واملغرور‪ S‬املبتلى حبب الشهرة ‪،‬‬
‫واحلقود احلاسد ‪ ،‬واملتزهد اختذ الزهد شباكاً ‪.‬‬
‫*** ترفيه النفس وممارسة بعض األنشطة الرياضية مما يساعد على جتديد الروح وطرد السأم ‪ ،‬وقد‬
‫ذكروا أن ابن جماهد شيخ قراء بغداد خرج مع بعض إخوانه إىل أحد بساتني بغداد ‪ ،‬وصاروا‬

‫‪317‬‬
‫يرتيضون وميزحون ‪ ،‬فرمقه أحدهم معرتضاً فقال له ابن جماهد ‪ :‬التعاقل يف البستان مثل اللعب يف‬
‫املسجد ‪.‬‬
‫*** الدعوة إىل اهلل ليست عمالً حمدداً أو حمتكرا ‪ ً،‬بل هي نشاط توعوي عام ‪ ،‬وجه ٌد شامل لكل‬
‫اجملاالت واالجتاهات والتخصصات ‪ ،‬فهي متتد لتشمل كل املسلمني ‪ ،‬حىت من يصنفون أنفسهم من‬
‫العصاة ‪ ،‬ألن الناس كلهم عصاة جتري عليهم أخطاء البشر ‪.‬‬
‫وصدقة وعزلة ‪ ،‬إمنا الرجل هو الذي‬‫ٍ‬ ‫*** ال يغرك من الرجل طنطنته وما تراه يفعل من ٍ‬
‫صالة وصوم‬
‫يراعي شيئني ‪ :‬حفظ احلدود ‪ ،‬وإخالص العمل ‪.‬‬
‫*** قيام الليل وترتيل القرآن باألسحار من أعظم الوقود الذي يشحن الطاقات ويغذي القلوب‬
‫ٍ‬
‫احنراف أو تردد ‪.‬‬ ‫لإلستمرار والصرب والثبات على الدين من غري‬
‫*** نقل اخلرب أمانةٌ تتطلب فطنة وتيقناٍ ‪ ،‬حفظاً وتثبتاً ‪ ،‬دقةً وصدقاً ‪ ،‬وإشاعة األخبار بدون ذلك‬
‫بني الناس يؤدي إىل إثارة الفنت وإيذاء املظلومني وفضح املستورين ‪ ،‬وكم من مصيبة حدثت بسبب‬
‫فاسق بنبٍإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً‬
‫تسرع يف النقل ‪ ،‬قال تعاىل ( إن جاءكم ٌ‬ ‫كذبة أو فه ٍم مغلوط أو ٍ‬
‫جبهالة ) ‪.‬‬
‫***يصادف الواحد منا يف حياته أشكاال عديدة من الناس‪ ،‬فيهم الطيبون وفيهم الطفيليون الذين‬
‫يريدون أن يعرفوا كل شيء عنك ‪ ،‬فإذا ابتليت بواحد منهم‪ ،‬فال ترتدد يف أن تشعره بأنه جتاوز‬
‫حدوده‪ ،‬ودخل يف دائرة خصوصياتك‪( .‬د‪.‬عبدالكرمي بكار) ‪.‬‬
‫***إن البدن مطية الروح‪ ،‬ومن غري جسم قوي وصحيح‪ ،‬سنجد أنفسنا عاجزين عن أداء كثري من‬
‫األعمال اليت حنلم هبا‪ ،‬ومن املؤسف ما يالحظ من أن أكثر ما يهمله القادة الناجحون هو العناية‬
‫بصحتهم وأجسامهم‪ ،‬فال تقتد هبم يف هذا‪( .‬د‪.‬عبدالكرمي بكار)‪.‬‬
‫***العجب كل العجب أن يعلق بعض الناس قبوهلم احلق على قول ذي جاه أو ذي نسب أو ذي‬
‫مكانة يف اجملتمع‪ ،‬وهذا ما حال بني األمم السابقة وبني احلق‪ ،‬فالعاقل يقبل احلق ولو مل يعرف قائله‪،‬‬
‫ولو مل يكن قائله من أصحاب الوجاهات‪ ،‬فقط يكفي احلق أنه احلق‪( .‬أ‪.‬د‪.‬ناصر‪ S‬العمر)‬
‫*** جرب أن تسأل نفسك قبل أي ردة فعل جتاه موقف ما‪ :‬ماذا لو كان النيب عليه السالم يف‬
‫مكاين ماذا عساه يفعل؟ عندها ستشرق لك األخالق احملمدية لتنري لك الطريق وتكون قادرا على‬
‫اختاذ التصرف األمثل جتاه املوقف‪( .‬ياسر احلزميي) ‪.‬‬
‫*** ما أمجل أن يعيد اإلنسان تنظيم نفسه بني احلني واحلني‪ ,‬وأن يرسل نظرات نافذة يف جوانبها‬
‫ليتعرف على عيوهبا وآفاهتا‪( .‬حممد الغزايل)‪.‬‬
‫*** من عادة بعض الناس أنه حينما يقرأ أو يسمع شيئا من النصح‪ ،‬يظن أن املخاطب بذلك األمر‬
‫غريه‪ ،‬وأن املعين سواه‪ ،‬وأما هو فقد جتاوز القنطرة‪ ،‬ومل يعد حباجة إىل ذلك النصح والتوجيه‪ ،‬وهذا‬

‫‪318‬‬
‫مرض نفسي يصاب به اإلنسان املتعاظم‪ ،‬وهو يؤدي غالبا الستفحال املرض وجتذره‪( .‬أمحد‬
‫الصويان) ‪.‬‬
‫*** إن تتبع القصص القرآين وتأمله‪ ،‬والوقوف عنده‪ ،‬واالتعاظ به‪ ،‬وتدبر أحوال األمم السالفة‪:‬‬
‫كيف قامت‪ ،‬وكيف فنت؛ ليعود بثروة طائلة من العرب والعظات‪ ،‬تزيد العبد معرفة بربه ويقينا بقدرته‬
‫وعظمته‪( .‬د‪.‬سعود‪ S‬الشرمي) ‪.‬‬
‫*** الحظ كثري من األطباء تأثري ابتسامة الطبيب واعتربوها جزءاً من العالج! فعندما تقدم ابتسامة‬
‫لصديقك أو زوجتك أو جارك إمنا تقدم له وصفة جمانية للشفاء من دون أن تشعر‪ ،‬وهذا نوع من‬
‫أنواع العطاء‪( .‬عبدالدائم الكحيل) ‪.‬‬
‫*** تذكر أن لك ذنوباً امثال اجلبال من نظرة حرام أو كلمة أو غفلة أو ما شابه‪ ،‬وأن اهلل بلطفه‬
‫خيتار لك األسهل واأليسر من أذى الدنيا‪ ،‬ليكون كفارة خلطيئة أو رفعة لدرجة أو بلوغا ملنزلة ما‬
‫كنت تبلغها بعملك الصاحل‪( .‬د‪.‬سلمان العودة) ‪.‬‬
‫*** ليكن هم كل ٍ‬
‫واحد منا أن يبلغ عن اهلل‪ ،‬ورسوله‪ ،‬ولو آية أو حديثاً‪ ،‬وأالّ ميتلكه احلزن الذي‬
‫يُ ْقعِد عن العمل لدين اهلل‪ ،‬أو اختاذ طرقا ليست مشروعة يف التعامل‪ ،‬أو الشعور بعدم القدرة فيميل‬
‫إىل املثالية واالنتقاء‪ ،‬فيجد نفسه ح َك َماً وسلطاناً على أقوال وأعمال إخوانه‪ ،‬يالحظ كل شاذة وفاذّة‬
‫يف صفوفهم‪( .‬د‪.‬سلمان العودة) ‪.‬‬
‫*** اصنع من اآلالم واالنكسارات والشدائد حوافز حنو انطالقات جديدة‪ ،‬وتذكر أنك لن تستطيع‬
‫جرب قارورة تكسرت بني يديك‪ ،‬لكنك رمبا صنعت من شظاياها حتفة مجيلة‪ ،‬تسر الناظرين ‪.‬‬
‫*** الكون يتغري‪ ،‬والنجوم تتألق مث تأفل‪ ،‬والقمر يتسق مث يتضاعف مث يغيب‪ ،‬والليل يعقبه هنار‪،‬‬
‫والشمس تشرق مث تأفل‪ ،‬فلماذا تعتقد أيها املؤمن أنك مطالب باملكث حيث أنت‪ ،‬متر عليك الليايل‬
‫واأليام وأنت جامث ال تتحرك فال تؤثر‪ ،‬وال تتأثر‪ ،‬وال تطور نفسك‪( .‬د‪.‬سلمان العودة)‪.‬‬
‫*** اهلزمية النفسية الناجتة عن الرؤية السوداوية للحياة‪ ،‬ال تنتج عمال مثمرا لألمة‪ ،‬بل هي سبب‬
‫لرواج املنكر واستقراره يف النفوس دون عناء‪( .‬د‪.‬سلمان العودة ) ‪0‬‬
‫*** إن أفضل ختطيط للمستقبل يكمن يف صواب قرارات اليوم وااللتزام الدقيق بأداء الواجبات‬
‫الشخصية ‪.‬‬
‫*** إن مل تستطع أن حتقق هدفك يف علم من العلوم أو منصب طمحت إليه بسبب خور عزمية أو‬
‫ظرف عارض أو قضاء مق ّدر‪ ،‬فال حتاول أن تثين غريك عما عجزت أنت عن حتقيقه‪ ،‬فهو نسيج‬
‫خمتلف‪ ،‬ونفسية خمتلفة ‪.‬‬

‫‪319‬‬
‫*** الرجال العظام يعرفون قدر أنفسهم‪ ،‬ويعرفون أيضا أهنم جيهلون الكثري‪ ،‬كما يعرفون أن احلياة‬
‫تتشكل باستمرار من خالل املعرفة اجلديدة‪ ،‬وهلذا فإهنم ال يتوقفون أبدا عن القراءة واملطالعة والتعلم‪.‬‬
‫(د‪.‬عبدالكرمي بكار) ‪.‬‬
‫*** حاول دائما أن تكون ودودا لطيفا‪ ،‬فقد جتاوز اللطف كل االختبارات يف كل األزمنة واألمكنة‪،‬‬
‫والشخص اللطيف حيسن إىل نفسه أوال‪ ،‬ويستطيع دائما أن يلقى املعاملة اللطيفة ‪.‬‬
‫*** إنك لتعجب من أناس حيرصون على أداء الشعائر التعبدية‪ ،‬ويلتزمون باملظاهر الشرعية‪،‬‬
‫وجيتهدون يف النوافل مث ال يولون جلانب املعاملة للخلق اهتماما يذكر‪ ،‬وال يرون حلسن اخللق مكانة‬
‫تعترب (د‪.‬علي بادحدح)‪.‬‬
‫*** هناك فئة من الناس أصيبوا باإلحباط لسبب من األسباب‪ ،‬وهلذا فإن هم قد أخذوا على عاتقهم‬
‫احلد من محاس أي مقبل على مشروع أو متفائل بنجاح خطة‪ ،‬والرسالة اليت حيبون إيصاهلا إليك هي‪:‬‬
‫(ليس يف اإلمكان أبدع مما كان)‪( ،‬القيام هبذا العمل مستحيل)‪( ،‬فكرتك قدمية‪ ،‬وجرهبا فالن‬
‫وفشلت) حاذر أن تستمع لواحد منهم‪.‬‬
‫*** إن زيارة املوظفني يف أعماهلم ليس من األمور اجليدة‪ ،‬وهي حمرجة ومضيعة للوقت‪ ،‬فإذا زارك‬
‫أحد األصدقاء من غري موعد‪ ،‬فسلم عليه وأنت واقف‪ ،‬وال تدعه إىل اجللوس‪ ،‬وهو سيدرك يف‬
‫الغالب أنك غري مستعد حملادثته واستضافته‪.‬‬
‫*** السجن احلقيقي ليس هو ذلك الذي يقيد حركة أجسامنا‪ ،‬لكنه سجن الروح الذي يصنعه‬
‫اإلنسان لنفسه من خالل التلطخ باملعاصي والغرق يف متع الدنيا ومهومها‪.‬‬
‫*** حني يعيش اإلنسان يف بيئة صعبة وقاسية فإن اليأس يسيطر عليه‪ ،‬ومن مث فإن عقله يتجه يف‬
‫الغالب حنو إدراك األبواب املقفلة ورؤية العوائق واحلواجز اليت تعرتض سبيله‪ ،‬هلذا فإن حتسني البيئة‬
‫العامة هو العمل الذي ال يغين عنه أي عمل آخر(عبدالكرمي بكار) ‪.‬‬
‫*** إن التفاؤل واالبتهاج والتبسم والضحك ورؤية اجلانب املشرق من احلياة واألشياء تشكل قوت‬
‫الروح‪ ،‬فكن كرميا مع روحك‪ ،‬وتذكر قوله ‪( : ‬تبسمك يف وجه أخيك صدقة) ‪.‬‬
‫*** لدينا قدراتعظيمة مسترتة ‪ ،‬ال نعرف عنها أي شيء وإن حتملنا لألشياء الكبرية وإقدامنا على‬
‫إجناز األعمال اجلليلة هو الذي يتيح فرصة الظهور لتلك اإلمكانات ‪ 0‬د‪ .‬عبدالكرمي بكار ‪.‬‬
‫*** قبل اختاذ القرار ‪- :‬التأين(التؤدة يف كل شيء خري إال يف عمل اآلخرة)صحيح أيب داود ‪-‬‬
‫االستشارة{وشاورهم يف األمر} ‪-‬االستخارة(كان عليه السالم يعلمنا االستخارة يف األمور كلها)‬
‫‪-‬العزمية‪:‬‬
‫إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزمية* فإن فسادالرأي أن ترتددا ‪-‬التوكل{فإذاعزمت فتوكل على اهلل} ‪-‬‬
‫سؤال اهلل التوفيق وكان من دعائه عليه السالم(اللهم اهدين وسددين) ‪.‬‬

‫‪320‬‬
‫*** حىت حنرص على تعلم اجلديد‪ ،‬فإن علينا أن نتذكر أننا ال نعرف إال أقل القليل عن كل شيء‪،‬‬
‫ومبا أن املعرفة تتضاعف تقريبا كل عشر سنوات‪ ،‬فإن هذا يعين أن جهلنا يزيد مهما حرصنا على‬
‫التعلم ‪.‬‬
‫*** املسلم احلق يكافح يوميا من أجل االستمرار على الطريق الصحيح‪ ،‬وهو يعلم أنه ميضي يف‬
‫وسط معركة بني اخلري والشر والصواب واخلطأ‪ ،‬وكلما كانت يقظته حنو األشياء السيئة شديدة‬
‫كانت استقامته أكرب‪( .‬د‪.‬عبدالكرمي بكار) ‪0.‬‬
‫*** إذا امتألت النفس بالعقد والرغبات املكبوته صعب على صاحبها النجاح يف معاملة الناس؛ ألن‬
‫قواه اخلارقة ال تكون إذ ذاك نقية أو حرة يف عملها فهي ختتلط مبا يتامخها من العقد والعواطف‬
‫املغلوطة وبذلك يضيع على صاحبها ما تنتج من كشف مبدع أو إجناز رائع‪( .‬د‪.‬علي الوردي)‪. S‬‬
‫*** اعلم أن اعتياد اللغة يؤثر يف العقل واخللق والدين تأثريا قويا بيّناً ويؤثر أيضا يف مشاهبة صدر‬
‫هذه األمة من الصحابة والتابعني ‪ ،‬ومشاهبتهم تزيد العقل والدين واخللق‪ ،‬وأيضا فإن نفس اللغة‬
‫العربية من الدين ومعرفتها فرض واجب؛ فإن فهم الكتاب والسنة فرض وال يفهم إال بفهم اللغة‬
‫العربية وما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫[اقتضاء الصراط البن تيمية (ج ‪ / 1‬ص ‪])207‬‬
‫*** كم هو ضروري أال يطيح املرء ببناءات اآلخرين ولو كانت يف نظره متهالكة‪ ،‬وأال يزدري‬
‫جهودهم ولو كانت متواضعة‪ ،‬وأال يبالغ يف احتمال املسئولية وإسنادها لنفسه‪ ،‬كما لو كان يفرتض‬
‫أن يكون هو املنقذ الذي خيتصر الزمن‪ ،‬وحيرق املرحلة‪( .‬د‪.‬سلمان العودة)‬
‫*** أعرف كثريا من الناس ال يعوزهم الرأي الصائب‪ ،‬فلهم من الفطنة ما يكشف هلم خوايف األمور‬
‫لكنهم ال يستفيدون شيئا من هذه الفطنة ألهنم حمرومون من قوة اإلقدام‪ ،‬فيبقون يف مكاهنم حمسورين‬
‫بني مشاعر احلرية واالرتباك! (حممد الغزايل)‬
‫*** املخدرات‪ ،‬والعنف األسري‪ ،‬والبطالة‪ ،‬والفقر‪ S،‬واملبالغة يف الندم وجلد الذات بسبب األخطاء‬
‫السابقة‪ ،‬يؤدي يف كثري من األحيان إىل املرض النفسي وإىل أمور ال حتمد عقباها‪( .‬د‪.‬عبداهلل‬
‫السكاكر)‬
‫*** قد يغضب املرء ويشتد غضبه ألنه ال يعرف احلقيقة‪ ،‬فإذا عرفها هدأ والن كالمه‪ ،‬وهلذا فإن‬
‫اجلهل يكمن وراء كثري من مساوئ األخالق‪ ،‬وعوج املسالك‪ ،‬وانتقاص اآلخرين‪( .‬حممد الغزايل)‬
‫***إن الدين اإلسالمي جاء منحازا جلانب املعرفة والعلم بكل أنواعه‪ ،‬ففي القران إشارات جلية إىل‬
‫احلث على طلب العلم واملعرفة والتأمل والتفكري والنظر والقراءة املدعومة باسم اهلل لتضمن هذه‬
‫املعرفة والقراءة البعد عن االحنراف األخالقي والعلمي املادي الذي قد ينجرف إليه اإلنسان بفعل‬
‫أهوائه وأدوائه‪( .‬د‪.‬سلمان العودة)‬

‫‪321‬‬
‫*** حاول دائما أن تكون ودودا لطيفا‪ ،‬فقد جتاوز اللطف كل االختبارات يف كل األزمنة واألمكنة‪،‬‬
‫والشخص اللطيف حيسن إىل نفسه أوال‪ ،‬ويستطيع دائما أن يلقى املعاملة اللطيفة‪ ،‬اللطف يعرب عن‬
‫مسو صاحبه وعن اهتمامه بغريه يف آن واحد‪ ،‬وهو ضروري اليوم من أجل توفري أجواء السلم‬
‫والسالم‪.‬جوال اإلسالم اليوم باقة‪)11‬‬
‫*** إن معظم الثواب وأجزله من نصيب اجلهد الذي نبذله يف خدمة الناس واإلحسان إليهم‪ ,‬وهذا‬
‫واضح جدا إذا استعرضنا النصوص الدالة على مثوبة كفالة اليتيم ورعاية األرملة والضعيف وعيادة‬
‫املريض‪( .‬د‪.‬عبدالكرمي بكار)‬
‫*** كنت أظن باألمس وعلمت يقيناً اليوم أن كل الذين عانقوا اجملد‪ ,‬ووصلوا إىل قمم النجاح‪,‬‬
‫وذاقوا متع احلياة كما هي لذيذة‪ ,‬قوم عملوا وتعبوا وكتبوا من خالل عرقهم النازف أروع صور‬
‫االنتصار على الذات‪ ,‬فلله درهم ما أصغرهم باألمس‪ ,‬وما أكربهم اليوم!‪(.‬أ‪.‬مشعل الفالحي)‬

‫*** الكلمة الطيبة هي الصلة اليت تربط بني اإلنسان وأخيه‪ ،‬فمن املهم أن نتدرب ونعود أنفسنا‬
‫ونشيع ثقافة الكلمة الطيبة بيننا؛ حىت تكون عادة وجبلة وجزءا من كينونتنا‪ ،‬يقول عزوجل (وقل‬
‫لعبادي يقولوا اليت هي أحسن)‪ ،‬والبخيل من عجز عن الكلمة الطيبة!‪( .‬د‪.‬سلمان العودة ‪ -‬احلياة‬
‫كلمة)‬
‫*** وأنا أقرأ قصة امرأة فرعون يف سورة التحرمي كم استثارين العجب لقوة إميان املرأة وشدة تعلقها‬
‫باهلل تعاىل ورباطة قلبها عن هواتف الدنيا اليت تعيش يف وسطها ومتتزج هبا‪ ,‬وكاتبة هذا النجاح أنثى!‬
‫ومىت كان اإلنسان يف اإلميان يقاس بذكورة أو أنوثة؟!‪( .‬مشعل الفالحي)‬
‫*** قال تعاىل (فاتقوا اهلل ما استطعتم) تشعر هذه اآلية املسلم الذي وقع يف ظروف حرجة‬
‫بالطمأنينة‪ ،‬لسالمته من اإلمث ما دام اتقى اهلل ما استطاع‪ ،‬كما أهنا تستنهضه ملقاومة الظرف وبذل‬
‫الوسع يف االقرتاب من أقصى قدرته أكثر فأكثر ؛ وهو يفعل ذلك لشعوره برقيب ذايت منبعه خشية‬
‫اهلل سبحانه‪( .‬د‪.‬عبدالكرمي بكار)‬
‫*** خيطئ كثري من الناس يف حصر القدوة يف املشايخ والعلماء فقط‪ ،‬وذلك حتجيم ملعىن القدوة‪ ،‬بل‬
‫ينبغي أن يكون كل ناجح قدوة يف جماله ومضماره‪ S،‬كاإلدارة واالقتصاد والتنمية والعلم واإلعالم‬
‫وسائر شؤون احلياة‪( .‬د‪.‬سلمان العودة)‬
‫*** خري موقع لك يف بيئة دعوية أو وظيفية أو اجتماعية أن تكون مفيدا مستفيدا؛ فإنك إذا كنت‬
‫مستفيدا فقط فاتك أجر اإلنتاج ونفع اآلخرين‪ ،‬وإن كنت مفيدا فقط فهذا جرس اإلنذار بالنقص‬
‫والرتاجع‪ .‬جوال زاد‬

‫‪322‬‬
‫*** كان عمر رضي اهلل عنه يقول‪( :‬ال تكرهوا أبناءكم على أخالقكم فإهنم خلقوا لزمان غري‬
‫زمانكم) مثت متغريات بني األجيال جيب اعتبارها‪ ،‬لئال تكون الرتبية قسرا وإكراها يقتل شخصية‬
‫الولد ويفقده الثقة بنفسه‪( .‬د‪.‬سلمان العودة)‬
‫*** الوسطية كلمة تقول لكثري ممن يدعيها‪:‬دعوين!‪S‬‬
‫‪-‬فهي التتحقق بالتساهل يف احملرمات واإلعراض عن الشرع لئال يوصف بـ"اخلروج عن الوسطية"‬
‫‪-‬والتكون بتمييع الدين والتشكيك يف األصول الشرعية ‪-‬والتعين أن نتوسط دائما بني أي رأيني‬
‫حىت لو ظهر صواب أحدمها وخطأ اآلخر بل تعين إصابة احلق واالعتدال فيه دون غلو أو جفاء كما‬
‫شرع اهلل{وكذلك جعلناكم أمة وسطا}جوال زاد‬
‫*** اخلطاب الوعظي يوقظ الضمري‪ ،‬وخياطب القلب ويزيده قربا من اهلل‪ ،‬واألصل فيه الرفق واللني‬
‫وتغليب جانب الرتغيب‪ ،‬والبد أن يكون الواعظ ذا علم وحكمة‪ ،‬بصريا بزمانه مقبال على شأنه‪،‬‬
‫بعيدا عن التوبيخ واالستطراد يف األحاديث املكذوبة‪ ،‬وإبراز اجلوانب السلبية‪ ،‬فالوعظ ليس أفيونا‬
‫خمدرا عن العمل واإلجناز بل هو حمفز عليه! (د‪.‬سلمان العودة ‪ -‬احلياة كلمة )‬
‫*** التجربة احلقة تؤكد أن الذي يؤثر يف اإلنسان ليس هو ما يفعله اآلخرون أو يقولونه عنه‪ ،‬بل رد‬
‫فعله اخلاص جتاه ما يقوله أو يفعله اآلخرون قال تعاىل‪ ( :‬قل هو من عند أنفسكم)‪( .‬د‪.‬سلمان‬
‫العودة)‬
‫*** من رزقه اهلل التفكر فيما بني يديه من النعم فقد فتح له باباً عظيماً من أبواب السعادة ومن ابتُلي‬
‫عظيم من أبواب الشقاء‬
‫باب ٌ‬ ‫بالتحسر على ما ينقصه من النعم فقد فُتح له ٌ‬
‫( أمل جيدك يتيماً فآوى ‪ .‬ووجدك ضاالً فهدى ‪ .‬ووجدك عائالً فأغىن )‪0‬‬
‫*** َسئل أحد القادة املشهورين ‪:‬‬
‫كيف استطعت أن تولد الثقة يف نفوس أفراد جيشك !؟‬
‫فأجاب ‪ :‬كنت أرد بثالث على ثالث ‪:‬‬
‫ـ من قال ‪ :‬ال أستطيع ‪ ،‬قلت له ‪ :‬حاول ‪،‬‬
‫ـ ومن قال ‪ :‬ال أعرف ‪ ،‬قلت له ‪ :‬تعلم ‪،‬‬
‫ـ ومن قال ‪ :‬مستحيل ‪ ،‬قلت له ‪ :‬جرب‪.‬‬
‫*** قال ابن القيم‪" :‬ومسعت شيخ اإلسالم ابن تيمية‪ -‬قدس اهلل روحه‪-‬يقول‪:‬إذا مل جتد للعمل‬
‫حالوة يف قلبك وانشراحا فاهتمه‪ ,‬فإن الرب تعاىل شكور‪.‬‬
‫<يعين أنه ال بد أن يثيب العامل على عمله يف الدنيا من حالوة جيدها يف قلبه‪,‬وقوة انشراح وقرة‬
‫عني‪,‬فحيث مل جيد ذلك فعمله مدخول‪".‬‬
‫<مدارج السالكني‪0> 2/75‬‬

‫‪323‬‬
‫*** إفراط األبوين يف التدليل يعرض األوالد للجرأة عليهما وعدم املسئولية‪ ،‬واألنانية واإلحباط يف‬
‫حياهتم اخلارجية‪.‬‬
‫وكذا اإلفراط يف القسوة يعرضهم لكره األبوين واالنزواء والشعور بالذنب وقلة الثقة‪ ،‬فكل ما زاد‬
‫عن حده انقلب إىل ضده‪ ،‬فالشدة يف موضعها‪ ،‬واللني يف موضعه‪ S،‬وخري األمور أوسطها‪ .‬جوال زاد‬
‫‪" ***.‬من مدحك مبا ليس فيك فهو خماطب غريك!"‬
‫إذا مدحك أحد مبا ليس فيك فال تغرت بذلك فأنت يف احلقيقة مل تفعل شيئا وأنت أعرف بنفسك!‬
‫وليكن ذلك حامال لك على اكتساب تلك الصفة اجلميلة‬
‫كان أبوحنيفة ماشيا فسمع رجال من ورائه يقول آلخر‪ :‬هذا أبوحنيفة ال ينام الليل‪.‬‬
‫فقال أبو حنيفة‪:‬واهلل اليتحدث عين مبا مل أفعل‪.‬فكان حييي الليل صالة ودعاء وتضرعا‪ .‬جوال زاد‬
‫*** لفتة تربوية يف رفض السلف اخلوض فيما مل يقع وإضاعة الوقت يف مسائل ال تفيد‪:‬‬
‫سأل أحدهم اإلمام مالكا عن رجل وطئ دجاجة ميتة‪ ،‬فخرجت منها بيضة‪،‬فأفقست البيضة عنده‬
‫عن فرخ‪ ،‬أيأكله؟‬
‫فقال مالك‪:‬سل عما يكون ودع ما ال يكون‪.‬‬
‫وسأله آخر عن حنو هذا‪ ،‬فلم جيبه‪ .‬فقال له‪:‬مل ال جتيبين يا أبا عبداهلل؟!‬
‫فقال‪ :‬لو سألت عما تنتفع به أجبتك‪.‬‬
‫(املوافقات‪)4/290‬‬
‫*** اطرد شبح اليأس تنفتح لك أبواب احلياة وأشغل نفسك مبا يؤنسك ينشرح صدرك‪ ,‬وأكثر ذكر‬
‫اهلل تأنس به‪( .‬عبدالرمحن الودعان)‬
‫(عرف بعضه‬
‫***التغافل عن بعض األخطاء يدمي األلفة وقد قال تعاىل يف وصف فعل النيب ‪َّ : ‬‬
‫وأعرض عن بعض) ‪ ..‬قال اإلمام أمحد ‪ :‬تسع أعشار العافية يف التغافل ‪ ..‬فما أمجله مع قريب‬
‫وصديق ‪( ..‬د‪.‬سلمان العودة)‬
‫*** القاضي واملفيت والداعية‬
‫‪-‬املستشار والصديق‬
‫‪-‬الطبيب‬
‫‪-‬رجل األمن‬
‫‪-‬املدرس اخلصوصي‬
‫‪-‬احملاسب وموظف املصرف‬
‫‪-‬السائق واخلادمة‬
‫يطلعون على كثري من أسرار البيوت واملؤسسات مبقتضى املهنة واحلاجة‬

‫‪324‬‬
‫ويف احلديث(إذا حدث الرجل احلديث مث التفت فهي أمانة)أي لريى إن كان مثة من يستمع فكأن‬
‫املعىن‪:‬ليكن من يف اجمللس أمينا ملا يسمعه ويراه‪ ،‬وحفظ األمانة واجب‪ .‬جوال زاد‬
‫*** العارف إمنا يشكو إىل اهلل وحده‪ ,‬وأعرف العارفني من جعل شكواه إىل اهلل من نفسه ال من‬
‫الناس‪ ،‬فهو يشكو من تقصريه الذي كان من أسباب تسليط الناس عليه‪ ،‬ناظر إىل قوله{وما أصابكم‬
‫من مصيبة فبما كسبت أيديكم}{وما أصابك من سيئة فمن نفسك}{قل هو من عند أنفسكم}‬
‫فيعود إىل نفسه فحاسبها‪ ،‬ويرى مواطن الزلل فيها فيصلحها‪(.‬ابن القيم‪ ،‬بتصرف)جوال زاد‬
‫*** إن هلل تعاىل نسمات فضل إذا هبت على غافل‪ ..‬أيقظته ونفحات لطف إذا نالت أسري حزن‬
‫أطلقته‪ ..‬ورمحات إذا أدركت غريقا يف ذنوبه أنقذته‪ ..‬ولطائف كرم إذا ضاق صدر عبد وسعته‪..‬‬
‫فاقتنصها قبل فواهتا‪00‬‬
‫*** مما يلفت نظر الدارس لشخصية الرسول الكرمي ‪ ‬التوازن الدقيق بني معاملها ويتمثل ذلك يف‬
‫الكم اهلائل من الشمائل وحماسن األخالق اليت اجتمعت يف شخصيته على نسق متعادل فال تطغى‬
‫صفة على صفة وال توظف صفة يف موقف ال تليق به‪ ،‬إنه الكمال البشرى الذي يزيد حب املسلمني‬
‫وإعجاهبم برسوهلم الكرمي مفاخرين الدنيا بأسرها أهنم أتباع سيد البشر‪0‬‬
‫حامد بن عواض العلياين‬
‫ــــــــ‬

‫‪325‬‬
‫تأمالت في البناء الدعوي‬
‫عبد اهلل احملتسب‬
‫يا إخويت هيا بنا ولنصعد على بساط التأمل والتفكر ‪ S....‬ولنحلق يف مساء الدعوة ‪ ....‬ولنمتع‬
‫أبصارنا يف تلك البساتني واحلدائق الغنائة من أعمال دعوية وأنشطة تطوعية ‪ S....‬ولكي يكون لنا يداً‬
‫يف زيادة هذه احلدائق روعة ومجاالً ‪ ....‬فلنصلح ما جف منها ‪....‬ولنبادر بإحياءها وبعثها‪S....‬‬
‫ولنساعد على علوها ورفعتها وثباهتا ‪S...‬‬
‫ومن هنا_ وكان األجدر أن يقوم به من هو خري مين _ قمت واستعنت باهلل وطرقت هذا الباب‬
‫ألمهيته ولقلة السالكني فيه فأسأل اهلل يل اإلعانة والتوفيق والسداد ‪.‬‬
‫هي تأمالت ‪ ..‬وليست رسالة حبثية توصيفية ‪ ...‬أعملت النظر على ما نقوم به من أعمال دعوية‬
‫‪ ....‬فلعلها تنبه الغافل ‪ S....‬وتعلم اجلاهل ‪ S....‬وتشد من عضد العامل ‪...‬وأقول للجادين العاملني ((‬
‫امكثوا إين آنست نارا )) ‪.‬‬
‫وحسيب أن أقول هي إشارات أو منارات تنري لنا مواضع أقدامنا حىت نسري على اجلادة الصحيحة يف‬
‫الدعوة إىل اهلل ‪S....‬‬
‫(( دعوة إىل الدعوة ‪)) S...‬‬
‫دعوة إىل الدعوة إىل اهلل ‪ ...‬دعوة إىل اإلحتساب ‪ ...‬دعوة إىل املبادرة والعمل يف األنشطة التطوعية‬
‫‪....‬‬
‫الدعوة إىل اهلل وظيفة الرسل صلوات اهلل وسالمه عليهم ‪ (( S...‬ومن أحسن قوالً ممن دعا إىل اهلل ‪...‬‬
‫))‬
‫كل الكلمات تسقط وتبقى كلمة الداعية ‪ ....‬وكل العبارات هتوي وتسمو كلمة الداعية ‪ S....‬كل‬
‫كل األقوال تتوقف وتستمر كلمة الداعية ‪S...‬‬
‫فيا رجال ويا نساء إن أبواب الدعوة مفتحة فكونوا أول السالكني ‪ S....‬وإن حباهلا مرخاة فكونوا‬
‫أول الصاعدين ‪...‬‬
‫الدعوة إىل اهلل من أعظم مايتقرب به إىل اهلل ‪...‬يقول بن القيم رمحه اهلل (( مقام الدعوة إىل اهلل‬
‫أشرف مقامات التعبد ))‬
‫وقال بن تيمية رمحه اهلل (( الدعوة إىل اهلل واجبة على من اتبع النيب ‪ ‬وهم أمته يدعون إىل اهلل كما‬
‫دعا إىل اهلل وهذا الواجب واجب على جمموع األمة وهو ما يسميه العلماء فرض كفاية ‪))...‬‬
‫قال تعاىل (( كنتم خري أمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وتنهون عن املنكر ‪))...‬‬
‫فمنزلة الدعوة إىل اهلل منزلة عظيمة حري على كل من له مهة ومسو أن يسمو بنفسه‬
‫وروحه لنيل هذه الشامة العلية ‪S...‬‬

‫‪326‬‬
‫(( تسخري الطاقات ))‬
‫قال اهلل عز وجل (( وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون )) فاحلكمة من وجودنا هو عبادة اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل ‪ ,‬وحتقيق هذه احلكمة والعمل مبقتضاها ‪ ,‬وأن نسري سرياً صحيحاً على وسائلها‬
‫وطرقها املؤدية إليها ‪.‬‬
‫ومن هذه الوسائل الدعوة إىل اهلل جل يف عاله ‪ ,‬فعلينا أن نسخر طاقاتنا وجهودنا لتحقيق هذه‬
‫الوسيلة اليت بتحقيقها حتقيق للغاية اليت من أجلها خلقنا‪.‬‬
‫واحد منا طاقة عظيمة وقوة اليستهان هبا ‪ ,‬فشتان بني من يسخرها لرضا‬ ‫أيها اإلخوة ‪ ...‬إن لكل ٍ‬
‫اهلل عز وجل وبني من يسخرها يف أنواع الظلم ‪ ...‬شتان بني من يسخرها يف اخلري والصالح والدعوة‬
‫إىل اهلل وبني من يسخرها يف املعاصي والفجور والصد عن سبيل اهلل ‪.‬‬
‫سخر جهده وبذل نفسه وضحى حبياته للدعوة إىل اهلل ولرضاه سبحانه وتعاىل إال‬ ‫ٍ‬
‫فواهلل ما من عبد ّ‬
‫قذف اهلل يف قلبه نوراً وسعاد ًة وحبورا الجيد مثله ألبته ‪.‬‬
‫ملاذا أيها اإلخوة ؟‬
‫ألنه آثر اهلل على كل من سواه ‪ ,‬فهنيئاً لقوم وفقهم اهلل لذكره وشكره وحسن عبادته ‪...‬‬
‫فسخروا طاقاتكم وجهودكم وأموالكم وأفكاركم هلل وللدعوة إىل اهلل ‪.‬‬
‫(( هل حنن حباجة إىل قدوات ؟ ))‬
‫إن الدعوة القائمة على ثوابت وركائز وأبنية قوية هذه اليت تدوم ‪ ,‬وأما األخرى املتمثلة بالفوضوية‬
‫هذه هي اليت جتثو وتتوقف ‪.‬‬
‫ساع ٌد مهم _ نشكو من اإلفتقار إليه يف هذه اآلونة األخرية _ أال وهو ذهاب القدوات ‪.‬‬
‫أفردت هذه القضية باحلديث ‪ S...‬إلن تفسري وجود قدوة يف أي عمل دليل نتاجها واستمراريتها‬
‫ودوامها ‪.‬‬
‫وهو من أقوى الدعائم لألعمال الدعوية (( وجود القدوة )) بكل ماحيمله اسم القدوة من مسمى ‪.‬‬
‫عبد حىت يكون عمله حميطاً‬ ‫ولنعلم أن الدين اإلسالمي قائم على أسس وأركان ‪ S...‬واليقبل اهلل عمل ٍ‬
‫بالتوجه اخلالص لربه سبحانه وتعاىل ومتبعاً وموافقاً لنهج النيب صلوات اهلل وسالمه عليه ‪.‬‬
‫فرسول اهلل ‪ ‬هو قدوتنا وأسوتنا (( لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ‪ S))...‬نتأسى به يف‬
‫أقوالنا ويف أفعالنا ويف مجيع أمورنا ‪.‬‬
‫فالقدوة ركن هام لنجاح األعمال الدعوية ‪ ,‬هو الذي يصحح املسار إذا حاد ‪ S...‬ويقومه‪ S‬إذا اعوج‬
‫‪ ...‬وينظمه إذا اختلطت األمور وتشعبت ‪.‬‬
‫كنت مع أحد اإلخوة املربني نتناقش بعض القضايا الدعوية فقال يل ‪ :‬يا أخي حنن حباجة ماسة إىل‬
‫قدوات ‪ ..‬يقول ‪ ..‬العاملني ُكثُر ولكن أين القدوات ؟‬

‫‪327‬‬
‫فيا أخي هل أعددت نفسك لتكون قدوة ؟‬
‫(( كيف أكون قدوة ؟ ))‬
‫معىن كبري‪ ...‬حيمل يف طياته الصفحات‬‫مكون من ثالث كلمات إال أنه حيوي ً‬ ‫سؤال وإن كان ّ‬‫ٌ‬
‫والصفحات ‪ ...‬وكما قلنا هذه ليست إال تأمالت ولن أكتفي إال بإشارات ‪ ...‬وكما قيل اللبيب‬
‫باإلشارة يفهم ‪.‬‬
‫كيف أكون قدوة ؟‬
‫سؤال وإن كان قليل يف مبناه إال أنه كبري يف معناه ‪ ...‬وجوابه سهل ‪ S...‬ولكن بعد قراءتك ملا أقول‬ ‫ٌ‬
‫‪ ...‬إياك أن تتفحص يف ركاكة ألفاظي ‪ S...‬أو تتمعن يف قبيح أسلويب ‪ ...‬دعك من هذا ‪ S...‬ولكن‬
‫أريدك أن جتلس مع نفسك وتعزم عزمية صادقة على أن تعمل وتطبق ما سأذكره ‪ S...‬اللشيء إال‬
‫لكي تكون أمة يف قومك ‪ S...‬وقدوة لبين جلدتك ‪.‬‬
‫أوالً ‪ :‬توجه إىل اهلل بإعمالك وأقوالك واجعلها خالصة له سبحانه وتعاىل ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬اتبع هدي نبيك ‪ ‬يف أقواله وأعماله وآدابه ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬اجعل بينك وبني اهلل خبيئة تتقرب هبا إليه جل جالله ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬احرص على تربية نفسك وتزكيتها ‪)1( .‬‬
‫خامساً ‪ :‬اطلب العلم الشرعي فهو سفينة النجاة ‪.‬‬
‫سادساً ‪ :‬كن حسن اخللق ‪.‬‬
‫سابعاً ‪ :‬كن لبقاً يف تعاملك مع الناس ‪.‬‬
‫ثامناً ‪ :‬كن متواضعاً ( لني اجلانب ) ‪.‬‬
‫تاسعاً ‪ :‬شارك أو أسس أعمال خريية ( دعوية أو علمية أو إغاثية ) ‪.‬‬
‫عاشراً ‪ :‬كن رجالً مبادراً أو إجيابياً ‪.‬‬
‫وما ذكرته هنا هو قليل من كثري ‪ ...‬وقطرة من حبر ‪ S...‬عشرة نقاط كافية _ إن شاء‬
‫اهلل _أن توصلك إىل ما تصبو وتأمل ‪ ...‬فانزعها وضعها يف ميدان عملك واجتهادك ‪...‬‬
‫فبعدها سرتى الثمار اليانعة ‪ S...‬والبساتني النضرة ‪ S...‬وبعدها ستكون قدوة إن شاء‬
‫اهلل ‪.‬‬
‫(( وللعاطفة ميزان ))‬
‫إن مما يزعزع اجلُ ُدرالدعوية تلك العاطفة الباردة اليت تنساب على بعض املسؤلني خاصة والعاملني ‪(.‬‬
‫‪)2‬‬

‫‪328‬‬
‫العاطفة إحساس داخلي وشعور بامليل لشيء أثر فيه ‪ ....‬هي مما متدح ‪ S....‬والبد أن ينمي اإلنسان‬
‫خمزونه العاطفي يف تعامله مع األمور ‪...‬ولكن للعاطفة ميزان وقدر ال تتعداه وخاصة يف العمل‬
‫اإلسالمي ‪.‬‬
‫إن العمل اإلسالمي حباجة إىل عقول مفكرة ‪ ,‬العمل اإلسالمي حباجة إىل تأين وتعقل يف إرسال‬
‫األوامر والنواهي ‪ ,‬العمل اإلسالمي حباجة إىل حزم يف املشاركة يف األعمال الدعوية ‪.‬‬
‫فال نغرق يف حبر العاطفة وال خنرج ونعتكف عند شواطئها ‪ ...‬وكما قيل (( كال طريف قصد األمور‬
‫ذميم )) ‪ ,‬بل بني بني وما أمجل التوسط واالعتدال يف األمور ‪.‬‬
‫ومن اخلطأ عند عند بعض األفراد العاملة يف الدعوة أن يغلبوا عاطفتهم على املصاحل الدعوية املثمرة ؛‬
‫ني إال وترى ما‬‫فمثالً جتد مسؤوالً وقد اتفق مع أهل احلل والعقد يف أمر من األمور الدعوية وبعد ح ٍ‬
‫قد اتُفق عليه قد سافر إىل بالد األحالم ‪.‬‬
‫ما السبب يف ذلك ؟ هو أن املسؤول بعد جلسة الشورى تلك ‪ ...‬ذهب إىل بيته وزاره أحد أصدقائه‬
‫وشحنه ومحسه لعمل آخر ‪ S....‬فألغى ذانك املسؤول العمل األول ‪ ....‬أو أنه راكم العمل الثاين‬
‫باألول فقلل من اإلنتاج املرجو ‪ ..‬واهلل املستعان ‪.‬‬
‫فالعاطفة البد أن توزن وأن تكبح ‪ ...‬والعاقل من يعرف مداخل نفسه وخمارجها فيظبط كل حبسبه‬
‫‪ ....‬وهنا أذ ّكر بالقاعدة الفقهية املعروفة وهي عند تزاحم املصاحل يف العمل أنه ( يَُرجح خري اخلريين‬
‫بتفويت أدنامها ‪ S...‬وقد يق ّدم املفضول على الفاضل يف مواطن ‪...‬ذكرها شيخ اإلسالم ابن تيمية يف‬
‫جمموع فتاواه )‬
‫أقول فلنضبط عواطفنا ومحاسنا ‪ S....‬وال هتيجنا بعض املواقف واألحداث فنتصرف بتصرفات هي‬
‫عارية عن الصواب ‪.‬‬
‫فلنعىبء أرصدتنا من العواطف ولكن لنجعلها يف مكاهنا الصحيح العائد على أعمالنا الدعوية بالنجاح‬
‫‪.‬‬
‫(( حقيبة الداعية ))‬
‫إن من نعم اهلل على عباده الصاحلني العاملني ِأن اصطفاهم من بني خلقه ليذودوا عن حياض دينه‬
‫ويدعو إليه باحلكمة واملوعظة احلسنة ‪.‬‬
‫أولئك هم الرجال حقاً ‪ S...‬باعوا دنياهم ألجل دينهم فأكسبهم اهلل عزاً وجمداً وشرفا ‪.‬‬
‫وألهنم حافظوا على حقائبهم ‪ S....‬ففتح اهلل عليهم سبل اخلريات ‪...‬‬
‫أو تدرون ماهي احلقائب ؟ ‪..‬‬
‫أما عن حقيبة الداعية فهي مستودعه ‪ ..‬هي روحه ‪ ..‬هي زاده ‪ ..‬ال يستغين عنها ‪.‬‬
‫منها احلسية واملعنوية ‪..‬‬

‫‪329‬‬
‫فأما احلقيبة املعنوية ‪ S...‬فهو أن يكون للداعية قلب رحب واسع ‪ S...‬حيب اخلري ‪S...‬‬
‫منافس على الطاعات ‪ S...‬غيور على دينه ‪ S...‬ينصح هذا ويوجه ذاك ‪ ...‬قد أشغل وقته‬
‫مبا يعود عليه بالنفع واخلري ‪..‬‬
‫ليدعو إىل اهلل‬
‫أن يكون للداعية قلب مليء بزاد من التقى والعلم واهلدى واحلق َ‬
‫على بصرية ‪S...‬‬
‫أن يكون للداعية قلب شفاف حيرتق على حال أمته ‪ S...‬فيبذل ‪ S...‬ويضحي ‪ S...‬ألجل‬
‫إعالء كلمة اهلل ‪.‬‬
‫هذه هي حقيبة الداعية وهي األصل ‪.‬‬
‫وهناك حقيبة حقيقية حسية حيملها الداعية معه للدعوة ولنشر اخلري ‪..‬‬
‫أن حتتوي احلقيبة الدعوية على أشرطة وعظية ‪..‬ونشرات ومطويات وكتيبات ‪ ...‬وغريها‬
‫مما تصلح للنشر والتوزيع ‪.‬‬
‫وليس شرطاً أن تكون اآللة حقيبة ‪ ...‬ألن املقصد هو أن تكون الدعوة هم لإلنسان وديدن له ‪..‬‬
‫ملاذا؟‬
‫حىت نرقى حبال أمتنا اإلسالمية ونعيدها إىل أن تتمسك بدينها ومن مث تنال البشارة بالعز والشرف‬
‫والسناء واجملد ‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني ‪.‬‬
‫(( استثمار األفكار يف خدمة دين اهلل عز وجل ))‬
‫قام سلمان _ رضي اهلل عنه _ إىل النيب ‪ ‬وأشار إليه حبفر اخلندق ‪ ...‬فنفع اهلل بفكرته واقرتاحه‬
‫اإلسالم واملسلمني ‪..‬‬
‫بفكرة واحدة أعز اهلل دينه ‪ ...‬بفكرة واحدة رفعت أعالم النصر ‪ S...‬بفكرة واحدة أذل اهلل به أعداءه‬
‫وأخزاهم ‪.‬‬
‫كل هذا بفكرة واحدة ‪S...‬‬
‫أيها اإلخوة‪ :‬فلنستغل ما حبانا اهلل إياه من عقل وفهم وعلم وتفكري ونسخرها يف الدعوة إىل اهلل ‪....‬‬
‫ال حتتقر من املعروف شيئا ‪.‬‬
‫فكم من أعمال دعوية عظيمة نشاهدها وننبهر من روعتها وقوهتا ‪...‬وهي‪ S‬ال تعدو أن تكون فكرة‬
‫اهتُم هبا فنمت وترعرعت فقامت على أكتافها أعمال أخرى ‪...‬‬
‫كل هذا بفضل فكرة واحدة ‪..‬‬
‫يا أخي أقل القليل أن جنعل من يومنا كله ساعة واحدة أو نصف ساعة نفكر فيها هلل وخلدمة دينه‬
‫والدعوة إليه ‪..‬‬

‫‪330‬‬
‫فال نستهني وال نستخسر هذه الدقائق الثمينة اليت نفكر فيها هلل جل وعال ‪...‬‬
‫ولنخرت وقتاً مناسباً لذلك يكون الذهن فيه صافياً ‪ S...‬والقلب حاضراً ‪S...‬‬
‫والعزمية وقادة ‪.‬‬
‫فكم هي األوقات اليت أضعناها فيما الينفع ‪ S...‬كم هي األوقات اليت ذهبت وال ندري على أي ٍ‬
‫حال‬
‫ذهبت ‪.‬‬
‫ساعة واحدة احتسبها هلل خالصة له سبحانه ‪S...‬‬
‫انظر إىل سلمان _ رضي اهلل عنه _ ملا باع روحه وجهده ووقته وفكره هلل جل وعال وفقه اهلل إىل أن‬
‫يكون سبباً لنصرة هذا الدين ‪S...‬‬
‫فلنكن مثل سلمان رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫(( ال تكن كالزجاجة ))‬
‫إن طريق الدعوة إىل اهلل ‪ ...‬طريق ال يثبت عليه إال الرجال ‪ S...‬أهل العزائم ‪.‬‬
‫وهذه سنة اهلل ‪ ....‬أن جيعل السبيل املوصل إىل اجلنة ‪ ...‬وعر و وصعب ‪ ....‬وال يقوى عليه إال من‬
‫ذكرناهم آنفاً ‪ ...‬أهل اإلميان والتقوى ‪.‬‬
‫يدعو إىل‬
‫فلهذا كان على السائر على طريق الدعوة إىل اهلل أن يقرأ اإلرشادات والتنبيهات ‪ ...‬حىت َ‬
‫اهلل على بصرية من أمره ‪...‬‬
‫ومن تلك التنبيهات واملزالق اليت تعرتي الداعية يف طريقه ‪ S...‬هو أن يكون الداعية قليل الصرب يف‬
‫تعامله مع بعض املواقف اليت يرتصد هلا أهل الضالل والفسق واإلحنالل ‪ S...‬إلبطال األعمال الدعوية‬
‫وإلغائها من الوجود ‪ ...‬وهذا ما يرجون ‪.‬‬
‫فيا أخي ‪ :‬ال تكن كالزجاجة ‪ ...‬تتأثر من أدىن موقف يعرض لك من مجيع طبقات اجملتمع‬
‫‪ ...‬فأنت ال متثل ذاتك ونفسك وإمنا متثل ما حتمله من مهنج ودعوة ‪ S....‬فلتصرب ولتجاهد نفسك‬
‫على أن تستمر على هذا الطريق وإن عرض لك ما عرض ‪ S...‬فلنا يف رسول اهلل ‪ ‬أسوة وقدوة‬
‫‪ ....‬واجلنة حفت باملكاره ‪ ...‬فإن مل تصرب وجتالد ‪ S....‬فاذهب والعب مع الالعبني ‪S...‬‬
‫بعمل مل متلك فيه نفسك وعاطفتك ستهدم أكثر مما تبين ‪ S...‬فاحذر من‬ ‫نعم ال تكن كالزجاجة ‪ٍ ....‬‬
‫هذه املواقف ‪ S...‬والختطو خطوة واحدة حىت تعرف أين ختطو ؟ وملاذا ؟ وما هي النتائج ؟‬
‫فبهذا نسلم من كثري من املتاعب والصعوبات اليت نواجهها دائماً ‪ ...‬واهلل املستعان ‪.‬‬
‫ومن أروع ما قرأت يف ذلك ‪..‬أن عمر بن عبد العزيز _ أمري املؤمنني حقاً رمحه اهلل _ أنه كان يف‬
‫املسجد يذكر اهلل فمر رجل جبانبه فتعثر يف مشيته ‪ ..‬فغضب الرجل فنظر إىل عمر بن عبد العزيز‬
‫وقال له ‪ :‬أأنت محار ؟ ( فسدد اهلل عمر ) فقال _ رمحه اهلل _ ال ‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫فيا أخي انظر إىل مدى الرتبية اجلادة ‪ ...‬انظر إىل مدى السيطرة على النفس ‪ ...‬فلم تأخذه الالئمة‬
‫على نفسه ‪ S....‬فعربد وأزبد ‪ ....‬بل كان حليماً وقوراً ‪.‬‬
‫وهذا الذي نريده ونأمله ونرجوه يف تعاملنا مع الناس أ ٍي كانوا ؛ لكي تقوى األبنية الدعوية ‪...‬‬
‫ويدوم عطاؤها وبذهلا للناس أمجعني ‪.‬‬
‫(( الرؤية املستقبلية لألنشطة الدعوية ))‬
‫عمل إسالمي إال إذا كان يسري على‬ ‫وكما أسلفنا يف موضوع سابق(‪ )3‬أنه لن يقوم أو يدوم أي ٍ‬
‫وعقد واحد مرتص منتظم ‪.‬‬ ‫خطة مرسومة ٍ‬
‫وهنا لفتة مهمة للغاية ‪ ...‬قد تغيب عن األذهان مع غمرة النشاط وأيام العمل ‪ S.....‬ونوردها يف‬
‫سؤال (( ما هي النظرة املستقبلية ألنشطتنا الدعوية ؟ )) ‪.‬‬
‫نقطة حساسة هي جديرة بأن يقف احملتسب عندها وجييب عليها بواقع ملموس يف نشاطه ‪.‬‬
‫نعم ‪...‬ما هي النظرة البعيدة اليت نرنو هلا من خالل هذه املؤسسة ؟ ماذا بعد ماجتزنا فرتة من هذا‬
‫البناء ؟ ماذا بعد ؟‬
‫هذا هو باختصار ما البد أن يعتىن به ويراعى يف أعمالنا وخيصص له وقت لنقاشه ومعرفته ‪.‬‬
‫وهذه النقطة تعتمد أصالةً على ما حيمله العمل من أهداف وقواعد راسخة ‪S...‬‬
‫فعمل بال أهداف وغايات ‪ S...‬فراغ وعبث ‪ ...‬فال نسخر الطاقات إال يف أعمال ذات قواعد متينة‬
‫حتقق ما نرجوه من الثمرات خلدمة الدعوة إىل اهلل ‪.‬‬
‫فاملقصود‪ ... S‬أن ننظر إىل ما نقوم به ‪ ...‬بأفق واسع ومشولية جبميع اجلهات ‪.‬‬
‫أذكر أنين جلست مع أحد اإلخوة وقد عنّي ليكون مسؤوالً عن جلنة من اللجان الدعوية ‪...‬وكان‬
‫مستاءً حلاهلم ‪ ...‬سبب ذلك أنه تكلم مع املسؤول السابق عن ماهية اللجنة وعن أعماهلا وأهدافها‬
‫وما هي اخلطط اليت يسريون عليها ‪ ...‬ولألسف كانت اإلجابة حمدودة وضيقة ال تتعدى أكتاف‬
‫العاملني ‪.‬‬
‫فزبدة القول ‪ :‬هو أن نعمل يف حميط أبعاده معلومه وأهدافه واضحه ‪ ...‬فبمعرفتنا هلذا وتطبيقنا له ‪S...‬‬
‫ستُأيت مشاريعنا ُأ ُكلها ونتاجها ومثراهتا اليانعة بإذن‬
‫رهبا ولو بعد حني ‪.‬‬
‫(( حنو إنتاج مثمر ))‬
‫هل رأيتم يوماً مسكاً يطري أو طائراً يسبح ‪ ....‬أو هل رأيتم منالً يسري بال نظام أو حنالً كان لب‬
‫عسله من العظام ‪ ..‬؟‬

‫‪332‬‬
‫اجلواب ‪ :‬ال ‪ .‬ألن اهلل عز وجل قد أعطى كل كائن خصائص وقدرات تتناسب مع خلقته وبيئته‬
‫فيسخر هذا الكائن طاقاته وجهوده فيما يقدر عليه ويستطيعه لكي يستمر إنتاجه يف هذه احلياة‬
‫( وهكذا الدعوة إىل اهلل ) ‪.‬‬
‫أيها اإلخوة ‪ :‬إن أبواب اخلري كثرية وجمالتها وسعة واملوفق من فتح اهلل عليه مجيع األبواب فقد ضرب‬
‫بسهم يف كل عمل صاحل ‪ ,‬ولكن األجود من ذلك هو أن نوحد جهودنا وطاقاتنا يف عمل واحد‬
‫يتناسب مع قدراتنا ومواهبنا ‪ S...‬فمثالً شخص فتح اهلل عليه يف اخلطابة وإلقاء الدروس والكلمات‬
‫فيكرس يف هذا اجلانب ‪ ,‬وآخر يسر اهلل له أن يكون مصمماً بارعاً فيكرس طاقته يف خدمة دين اهلل‬
‫‪ ....‬وهذا ال يعين أن ال يشارك يف أعمال أخرى بل يشارك يف أكثر من عمل وجمال ولكن اجلانب‬
‫الذي رصيد إنتاجه فيه أكثر يكون مسريه وأنيسه ‪.‬‬
‫والسؤال الذي يفرض نفسه ملاذا نوحد جهودنا يف عمل خريي معني؟‪S‬‬
‫اجلواب ‪:‬‬
‫أوالً ‪ /‬إن توحيد اجلهود والطاقات وسيلة إىل اإلنتاج املثمر وإىل بلوغ اهلدف بأسرع وقت ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ /‬وأيضأ حىت التتعطل جوانب دعوية على حساب جوانب دعوية أخرى ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ /‬هي من أنفع األسباب اليت تؤدي إىل تلقيح العقول واألفهام ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ /‬هي وسيلة إىل تنمية املواهب والقدرات يف خدمة الدعوة إىل اهلل ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬إن املقصود مما ذكر هو أن يوحد وجيمع كل شخص منا جهده يف أعمال خمتلفة ويركز على‬
‫ليحصل مثرات ماسبق ذكره ‪ S...‬وليس املقصود أن توحد األمة اإلسالمية جهودها يف‬ ‫ّ‬ ‫عمل واحد‬
‫شيء واحد هذا عبث وخطأ وحمال فعله ‪ ....‬وألن املواهب خمتلفة واملشارب متنوعة فيستحيل ذلك‬
‫‪.‬‬
‫وأخرياً فلندع إىل اهلل يف العمل الذي يالءم ما حبانا اهلل به من قوة ومهارة فنستنزف جهودنا فيه‬
‫لنثمر وننتج ‪.‬‬
‫(( تنمية البناء الذايت ))‬
‫إن جتدر األبنية الدعوية يف الساحة اإلجتماعية ملن أقوى أسباهبا الفاعلية احلركية لدى العاملني وذلك‬
‫لتنميتهم قدراهتم وتوظيفها يف حملها الصحيح وتسخريها للبناء ‪.‬‬
‫فالساحة الدعوية حباجة إىل املنتجني العاملني الذين امتلكوا القوة اإلميانية والقوة البيانية فوجهوا كال‬
‫القوتني إىل األعمال اخلريية فنمت القوة العملية ‪.‬‬
‫فال يصلح أن تقام مؤسسات ولو كانت أهدافهم سامية بدون أن يكون هناك أصحاب قوة علمية‬
‫وعملية إلهنم هم الذين يرمسون السري الصحيح للنجاح أو خالفه ‪.‬‬
‫فالدعوة إىل اهلل حباجة إىل دعاة يدعون إليها على بصرية وهدى وليس على ضاللة وختبط وعمى ‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫فمن الفوائد اليت جننيها من تواجد كوادر قد حصلوا القوة العلمية والقوة العملية ‪..‬هو وجود روح‬
‫الفاعلية نعم الفاعلية يف العمل واألفكار واإلنتاج ‪ ,‬وأيضاً سالمة األعمال من النقص واخللل أو مبعىن‬
‫آخر وجود مثل هذه الطبقة املصطفاة العاملة يكون سبيالً سريعاً للتدرج على سلم الكمال ومن‬
‫الفوائد أيضاً مسك البناء وقوة التأثري وحسن األداء وجناح األعمال منوط بوجود مثل هؤالء بعد اهلل‬
‫جل وعال ‪..‬‬
‫فلنحرص على تنمية قدرات العاملني وتوظيفها يف املكان الصحيح لنكون سائرين حنو اإلنتاج‬
‫واإلبداع ‪.‬‬
‫(( الالمباالة واملزاجية ‪ S...‬مترض الدعوة ))‬
‫داآن مآهلما وخيم إن تلبّس هبما من ارتدى لبوس أهل الدعوة واخلري والصالح ‪...‬‬
‫الالمباالة واملزاجية صفتان مكروهتان يأبامها الشرع املوقر والعقل السليم إلهنما اليأتيان إال بشر ‪.‬‬
‫كون املؤسسة اخلريية بناءها وأهل بيتها بدف الكسل وعدم اإلكرتاث للواقع‬ ‫نعم إخويت كيف تُ ّ‬
‫واتباع اهلوى والنفس يضربون ‪.‬‬
‫أيها اإلخوة ‪ :‬إننا ‪ -‬وبإختصار ‪ -‬يف وقت حنن حباجة فيه إىل نفوس أبية مالكة جلوامح النفس من‬
‫غريها ‪ ....‬إن البناء الدعوي لن يستقيم أحواله إن كان من بني عامليه صاحب هوى ومزاج‬
‫متذبذب ‪.‬‬
‫فكم من أنشطة قامت وبعد حني تدهور حاهلا بسبب ذلك ‪..‬‬
‫فيا من باع وقته هلل ‪ S...‬اجتهد يف العمل ودع حظوظ نفسك ‪...‬‬
‫ويا من باع نفسه هلل ‪ ...‬دع ما تشتيه ‪ S...‬وال تكسل فأنت قد بعت نفسك للعلي األعلى ‪.‬‬
‫إن الصور الكاحلة اليت متثل هاتني الصورتني كثرية ‪ S...‬فهال تركناها واحنزنا وتقدمنا وبادرنا إىل ما‬
‫ينفع الدعوة والدعاة ‪S...‬‬
‫(( الفوضوية وتبعاهتا ))‬
‫إن من األمور اليت هتدم وال تبين وتفرق وال جتمع وتبعثر األعمال ؛ الفوضوية يف التعامل مع جمريات‬
‫احلياة عامة ومع الدعوة إىل اهلل خاصة ‪.‬‬
‫فالفوضوية والعشوائية داء عضال يفتك باألوقات فتكاً وينحره على غري قبلة فهو مرض زؤام ‪-‬‬
‫أجارنا اهلل منه ‪ -‬ابتلي به البعض فأصبح حال الواحد منهم يف حيص بيص ‪ ...‬عمره ليس له فليس‬
‫ط يف مواعيده وجدولة يومه فكيف‬ ‫هو من يتحكم فيها بل واقعه املؤثر عليه هو من يسريه ‪...‬متخب ُ‬
‫بأسبوعه وشهره وسنته‪S....‬‬
‫وهنا أقول ‪:‬‬
‫أيها املصلح من أخالقنا **** أيها املصلح " الداء هنا "‬

‫‪334‬‬
‫نعم الداء هنا فعاجل نفسك وتفحص ذاتك فبعض القوم ال حيب اإلنضباط والرتتيب وما يدري أن من‬
‫دنت مهته أحب التسيب والفكاك ‪ S...‬فلريبأ الداعية بنفسه عن هذه السفاسف وليعلي مهته وليكون‬
‫ترحل عنه وهو يف ختبط‬
‫سائراً على الطريق املرسوم واحملدد للنجاح والتوفيق ‪ ...‬وليعلم أن الوقت إن ّ‬
‫فلن حيصل شيئاً ‪..‬‬
‫وليس أضرار الفوضوية قاصرة عليه وعلى وقته فحسب فقد يتعدى ذلك إىل نشاطه ومركزه الدعوي‬
‫‪...‬فباهلل كيف سيتعامل معه ‪ S...‬فلهذا البد أن يكون للداعية منهجاً واضحاَ يسري عليه وخطة‬
‫وجدوالً يثابر وجيد يف حتصيل مافيه فبهذا يرتقي يف أعماله ‪ ....‬ويرتقي يف اإلستفادة من أوقاته‬
‫‪..‬ويرتقي يف التعامل مع الدعوة احلياة ‪.‬‬
‫(( العمل للدعوة بني الواقعية واملثالية ))‬
‫قليل هم الذين حيملون هم الدعوة وقليل من هؤالء القليل الذين يعملون للدعوة وقليل من هؤالء‬
‫القليل أيضاً الذين يعملون على بصرية وهدى من أمرهم ‪S...‬‬
‫وسام وشريف‬ ‫عال ٍ‬‫نعم ما ألذ العمل هلل والبذل والتضحية لنيل رضوانه ورمحته ‪ .....‬فهذا مطلب ٍ‬
‫‪...‬‬
‫فلذلك كان على الداعية إىل اهلل أن يتنبه لبعض األمور ويكون بصرياً هبا ويعطيها من النظر والفكر‬
‫القدر الكاف ‪ S...‬فمن ذلك الواقعية يف العمل مع جتنب شواذها ونادرها ‪....‬‬
‫كم هو حسن أن يتطلع اإلنسان وتعلو مهته لنيل أهدافه وبلوغ مرامه ولكن ال جنعل هذا التطلع‬
‫والسمو عائقاً عن النظر يف العوائق والعالئق واملتغريات ‪S...‬‬
‫فمن يعمل ويبذل للدعوة وقد وضع يف ذهنه صورة علوية سامية لواقعه ومثالية زائدة عن مؤسسته‬
‫فهذا اليلبث مع أدىن حادث إال وهو يف ركب املتقاعسني ‪ ....‬إلنه كان يف دائرة اخليال يسعى ‪..‬‬
‫وحنو السراب جيد يف السري ‪.‬‬
‫فمثالً يقوم ذلك اخلطيب وقد دبج خطبته بأغلظ العبارت وأعسرها وال يدري أن اجلمهور املخاطب‬
‫هم من العوام ‪ S...‬أو أن تكون خطبته عن حرمة التدخني وأضراره والقوم املخاطبون أغلبهم قد‬
‫جعلوا الصالة وحمكمات الدين خلفهم ظهريا ‪..‬‬
‫فهذا مل ينظر لواقعه ولكن نظر للمادة امللقاة ومسكها ورصانتها ‪ ,‬ومل يعطي اجملتمع القدر األوىف من‬
‫عمله ‪..‬‬
‫فضرورة التعامل مع أعمالنا بواقعية تكمن يف هذه األمور ‪S....‬‬
‫فإذاً فلتكن رؤيتنا للمواقف واألعمال شاملة وواسعة وبعيدة املدى ‪ ,‬فهي تكسب العامل شحنة من‬
‫اإلصرار على النجاح وتلبسه روح التفاؤل ‪...‬‬

‫‪335‬‬
‫ومن األخطاء أن يفهم الداعية مفهوم ‪ -‬التعامل بواقعية ووضوح ‪ -‬بطريقة مغايرة للمقصود ‪..‬يف أنه‬
‫يتواكب مع واقعه يف الطرح واألسلوب واألداء والعمل ‪ ..‬فيفقد بعد ذلك متيزه وشخصيته املستقيمة‬
‫‪ ...‬أو أنه مع استمراره على هذا املفهوم الصحيح يصيبه نوع من الربود والكسل للعمل للدعوة ‪...‬‬
‫فمن األمهية تعقل هذا األمر وفهمه الفهم الصحيح لكي يبحر سفني الدعوة بسالم ‪S...‬‬
‫(( اإلرتقاء بالبناء الدعوي ))‬
‫حتتل املؤسسات اخلريية جزء ال يستهان به يف اجملتمع ومعظم هذه املؤسسات بدأت تشق طريقها حنو‬
‫النجاح والفالح وما ذاك إال بسبب الوعي بأمهية األهداف واخلطط وفهم لغة العمل واخلطاب مع‬
‫املدعوين ‪.‬‬
‫أيها اإلخوة فال جنعل ألفكارنا وطموحاتنا حدود ‪ ,‬وألعمالنا الرسوب يف مقدار معني وزمن حمدود ‪.‬‬
‫فإلرتقاء مسة العمل الناجح وشعار النشاط التواق ‪ ....‬فهال جعلناه مرتسم على أعمالنا اجلماعية‬
‫والفردية ‪..‬‬
‫وهنا أذكر بعض النتائج وامللحوظات ‪.:‬‬
‫* أمهية اإلرتقاء تظهر يف املؤسسات اليت استثمرت طاقات عامليها ومواهبهم وأفكارهم فيما خيدم‬
‫أهدافهم خبالف بعض األنشطة اليت جعلت من عامليها آالت وأدوات للعمل والتنفيذ وأمهلوا تفعيل‬
‫مستوياهتم الفكرية ‪.‬‬
‫* السمو واإلرتقاء باملؤسسات مطلب جيد ومثمر ولكن هذا اليعين أن نتخطى القواعد واألسس‬
‫بعجلة وننظر للمستقبل ونتجاوزه على حساب إمهال احلاضر من األصول والبىن القوية ‪.‬‬
‫* ومن اإلرتقاء أيضاً ‪ ..‬الرقي بأسلوب العمل اإلسالمي يف مسريته الدعوي مبا يتوافق مع أصول‬
‫شريعتنا اإلسالمية ‪.‬‬
‫وأخرياً فاإلرتقاء بالبناء الدعوي وبالبناء الذايت عند الداعية ‪ -‬خاصة يف اآلونة األخرية ‪ -‬ملن األمهية‬
‫عبد بارك فيه وفتح اهلل عليه من‬ ‫مبكان وهذا داخل يف إتقان العمل الذي حيبه اهلل وإذا أحب اهلل عمل ٍ‬
‫الفتوحات اليت مل يكن خيطر له على بال ‪.‬‬
‫وختاماً ‪S.........‬‬
‫أيها األحبة وبعد جولة ماتعة ونظرة خاطفة على ما نقوم به من أعمال اخلريية ‪S...‬‬
‫فلنستفد من أخطاءنا ولنصحح مسارنا ولنقوي أبنيتنا الدعوية ‪...‬‬
‫وما ذكر إمنا هي تأمالت وإشارات من مساف ٍر زاده خبس وبضاعته مزجاة ‪...‬فأوفو له كيالً من‬
‫النصيحة والتوجيه ‪ ..‬وتصدقوا عليه بالدعاء يف ظهر الغيب إن اهلل جيزل أجر احملسنني الصاحلني ‪..‬‬
‫وصل اللهم وسلم على النيب األكرم وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين ‪.‬‬ ‫هذا ِ‬
‫أخوكم عبد اهلل احملتسب‬

‫‪336‬‬
‫‪---------------‬‬
‫اهلوامش ‪:‬‬
‫(‪ )1‬انصح بقراءة كتاب نافع ومفيد للشيخ عبد العزيز العبد اللطيف بعنوان (( معامل يف السلوك‬
‫وتربية النفوس ))‪.‬‬
‫(‪ )2‬ال أعمم ولكن أقصد أصحاب العواطف الباردة الذين مييلون مع كل مائل ‪.‬‬
‫(‪ )3‬املقال السابق بعنوان (( التخطيط أوالً ‪)) S....‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪337‬‬
‫المشرفة الداعية‬
‫إعداد ‪ :‬إميان فهيم & ليلى الصيفي‬
‫احلمد هلل الكرمي الرمحن ‪ ,‬ذي العطايا اجلزيلة واإلحسان ‪ ,‬وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك‬
‫له اهلادي إىل أعظم سبل اخلري والرضوان وصلى اهلل وسلم على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه ومن‬
‫تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪ .‬وبعد ‪:‬‬
‫إن اإلشراف الرتبوي جهد بشري بني شخص وآخر ال يقف عند حد التشخيص والعالج والتقومي‬
‫واملتابعة بل يتجاوز إىل ما هو أمسى ذلك فهو وسيلة دعوية باإلحسان تنال به الدرجات وتضاعف به‬
‫احلسنات بإذن اهلل تعاىل ‪ .‬واملعلمة مرآة للدعوة تعكس التوجيه مرتمجاً أفعالً على سلوك الطالبات‪.‬‬
‫لذلك فهي حباجة إىل مشرفة داعية ترشدها وتثبتها على طريق الصواب بالتوجيه والدعوة واملتابعة ‪.‬‬
‫أخيت املشرف ‪ :‬اسعي إىل أن تكوين داعية لدين اهلل وسنة املصطفى ‪ ‬وال تقويل (( للدعوة أهلها))‬
‫فأنه من واجبات كل مسلم ومسلمة أن يقوم بواجب الدعوة إىل اهلل فالدعوة مل حيدد هلا نوعية بشر‬
‫عمالً بأمر اهلل قال تعاىل { أدع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة وجادهلم باليت هي أحسن‬
‫} سورة النحل – ‪125‬‬
‫وأمر النيب ‪ ( ‬بلغو عين ولو آية ) أخرجه البخاري ‪.‬‬
‫فابذيل الغايل والنفيس لتوجيه سلوك أو تعديل خطأ ‪ ,‬وحاويل استكشاف طاقات و إمكانيات‬
‫معلماتك لتوظيفها يف املكان املناسب والوقت املناسب وارتقي هبا من أن تكون مدعوة إىل أن تكون‬
‫داعية ‪ ,‬ومن أن تكون مقودة‪ S‬إىل أن تكون قائدة ‪ ,‬وال تنسي أننا خري أمة أخرجت للناس ‪.‬‬
‫قال تعاىل {كنتم خري أمة أخرجت للناس تأمرون باملعروف وتنهون عن املنكر وتؤمنون باهلل }‪.‬‬
‫وقبل البداية ال بد من حماسبة نفسك ومراقبتها وااللتزام بصفات ضرورية ترتقي بك لتكوين مؤهلة‬
‫للقيام بواجب الدعوة ومن تلك الصفات‪:‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص هلل تعاىل ‪:‬‬
‫أخييت ال يكن مهك من عملك الرقي يف الدنيا ونيل الشرف والثناء فكل ذلك مصريه إىل زوال قال‬
‫عمل فجعلناه هباءً منثورا )) ولكن أبتغي بعملك وتوجيهك‬ ‫تعاىل (( وقدمنا إىل ما عملوا من ٍ‬
‫ودعوتك رضاء اهلل عز وجل ونيل األجر قال ‪ (( ‬إمنا األعمال بالنيات وإمنا لكل إمرئ ما نوى‬
‫فمن كانت هجرته إىل اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة‬
‫ينكحها فهجرته إىل ما هاجر إليه )) ‪.‬‬
‫‪ -2‬القدوة احلسنة ‪:‬‬
‫( خري من القول فاعله ‪ ,‬وخري من الصواب قائله ‪ ,‬وخري من العلم حامله ) مقوله تدعونا إىل تلمس‬
‫طيب فحواها والسري على هداها وهي من أهم الصفات ملثلك وجيب أن جتعليها كالتاج للرأس‬

‫‪338‬‬
‫فبدوهنا لن يكون لقولك القبول أو لدعوتك صدى فااللتزام مبا تدعني إليه أهم من الدعوة إليه قال‬
‫تعاىل (( يا أيها الذين آمنوا ملا تقولوا ما ال تفعلون كرب مقتاً عند اهلل ماال تفعلون )) وقال تعاىل‬
‫(( أتأمرون الناس بالرب وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال تعقلون )) كوين قدوة ملعلماتك‬
‫ليصبحن بدورهن مربيات بالقدوة ‪ .‬يقول الشافعي ‪ (( :‬من وعظ أخاه بفعله كان هادياً ))‬
‫وال تنسي قول الشاعر‪:‬‬
‫خلق وتأيت مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم‬ ‫ال تنهى عن ً‬
‫‪ -3‬التحلي باألخالق الفاضلة واحلميدة ‪:‬‬
‫أختاه ‪ :‬تزين جبواهر األخالق الفاضلة تعكس منك ابتسامة صادقة وكلمة طيبة تتغلغل يف القلوب‬
‫وتأسر النفوس وقبل ذلك ترضي الرب املعبود وقدوة لكي يف ذلك خري األنام املصطفى ‪ ‬وأعظم‬
‫الناس خلقاً قال تعاىل(( وأنك لعلى خلق عظيم )) واخللق احلسن وسيله لزيادة األجر ‪ ,‬قال رسول‬
‫اهلل ‪ (( ‬إن الرجل ليدرك حبسن خلقه درجة قائم الليل وصائم النهار )) والتحلي باألخالق‬
‫الفاضلة مع الناس عموماً واملعلمات خاصة يزيل احلواجز النفسية فيكون من السهل االتصال وتبادل‬
‫احلوار ‪.‬‬
‫‪ -4‬التواضع ‪:‬‬
‫إذا ما أردت بذراً سريع اإلنبات ونبتاً سريع اإلناع ومثراً سريع القطاف فلتسقيه مباء التواضع ‪.‬‬
‫عن قيس بن مسعود رضي اهلل عنه أن رجالً كلم رسول اهلل ‪ ‬يوم الفتح فأخذته الرعدة فقال النيب‬
‫إيل أن‬
‫‪ (( ‬هون عليك فإمنا أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد )) وقال ‪ (( ‬إن اهلل أوحى َ‬
‫تواضعوا حىت ال يفخر أحد على أحد وال يبغي أحد على أحد )) فهذا شأن قائد األمة شرفه اهلل‬
‫ألعظم دعوة ‪ ,‬وكان أكثر الناس تواضعاً أحبه الناس فأقبلوا على دعوته ‪ ,‬فليكن لك القدوة احلسنة ‪.‬‬
‫‪ -5‬الصرب ‪:‬‬
‫أخيت املشرفة الداعية ‪ :‬إذا رفعة الدرجات فعليك بالصرب رداء يكن لك وقاء يف حتل الصدود والنفور‬
‫فال بد أن تضعي يف اعتبارك أن املعلمات طباعهن وأفكارهن وتقبلهن ونشاطهن وقدراهتن ختتلف من‬
‫واحدة ألخرى لذلك لن تكون ردة الفعل واحدة وبتايل جهودك ودعوتك لن تكون بنفس األسلوب‬
‫فلذلك يستدعى منك الصرب والتحمل يف العامل والتوجيه واستعيين بالدعاء وطلب العون من اهلل ‪.‬‬
‫أخيت ‪ :‬أيضاً عند قيماك بالدعوة البد من مراعاة بعض القواعد اليت تعينك يف أداء الدعوة وتسهيل‬
‫املهمة ومن ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬االستزادة من العلم‬

‫‪339‬‬
‫البد أن تكون ركيزة الدعوة معرفة كتاب اهلل وسنة رسوله ‪ ‬لكي تكون الدعوة على بصرية‬
‫وبذلك أمر اهلل نبيه املصطفى ‪ ‬قال تعاىل (( قل هذه سبيلي أدعوا إىل اهلل على بصرية أنا ومن‬
‫أتبعين وسبحان اهلل وما أنا من املشركني )) فالعلم يزيدك ثقة وثباتاً ويبعدك عن القول بدون علم ‪.‬‬
‫‪ -2‬حتسني مهارات االتصال لبناء العالقات‬
‫أخيت املشرفة الداعية ‪ :‬عندما تكونني قادرة على التأثري يف املعلمات واستخدمت أساليب متعددة‬
‫وأحسنت التصرف معهن ومتكنت من إقناعهن باستخدام أساليب االتصال اللفظي وغري اللفظي‬
‫أصبحت قادرة على حتقيق أهدافك وحصد نتائجك متمثلة يف قبول املعلمة دعوتك للخري وترمجت‬
‫قبوهلا بقيامها هي أيضاً بواجب الدعوة حنو طالباهتا ‪.‬‬
‫‪ -3‬طلب املشورة من أهل العلم‬
‫عندما يتشاور أكثر من شخص يف أمر معني تتنوع األفكار وتتعدد وجهات النظر للموضوع الواحد‬
‫وبعد التحليل والتفصيل يسهل اختيار األفضل وتوقع النتائج ‪ ,‬لذلك جيب أن حترصي على طلب‬
‫املشورة ممن هم أهل هلا حالً ملشكلة أو مواجهة لعقبة وذلك أمر اهلل تعاىل يف قوله (( وشاورهم يف‬
‫األمر )) وعن ابن عباس رضي اهلل عنه قال ‪ :‬ملا نزلت ( وشاورهم يف األمر ) قال رسول اهلل ‪‬‬
‫( أما إن اهلل ورسوله غنيان عنهما ولكن اهلل جعلها رمحة ألميت فمن استشار منهم مل يعدم رشداً ومن‬
‫تركها مل يعد غياً )) ذكره الشوكاين‬
‫‪ -4‬مراعاة أحوال املعلمة‬
‫يبغي على املشرفة الداعية أن تكون متيقظة حلال معلماهتا يف حني إقدامها على دعوة ما ‪ ,‬فقد متر‬
‫املعلمة بظرف عائلي أو صحي مينعها من االهتمام مبا يلقى عليها ‪ ,‬فتخريي األنسب حلاهلا من‬
‫التوجيه والدعوة مع عدم اإلطالة أو التأجيل ‪.‬‬
‫‪ -5‬التخطيط وترتيب األولويات‬
‫أن مما يساهم يف تشتت اجلهود وختبط املسري عشوائية اهلدف وعدم التخطيط له بالرتكيز بشكل مهم‬
‫على ترتيب األوليات ‪ .‬فالتخطيط يوفر الوقت واجلهد ويوجه النشاط واإلمكانيات حنو حتقيق‬
‫األهداف مما ميهد الطريق للنجاح مع ضرورة األخذ يف االعتبار عند حتديد األهداف واختالف‬
‫املعلمات يف أمور كثرية ‪.‬‬
‫أخيت الداعية ‪ :‬هناك بعض األمور اليت جيب أن حتذري منها عند قيامك بالدعوة ومن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬التسلط وفرض اإلرادة‬
‫قد تصطدمي مبعارضة معلمة ملوضوع ما عند توجيهك أو دعوتك هلا ‪ ,‬فالبد عندها من احلنكة يف‬
‫التصرف بالبحث عن األساليب واآلداب املالئمة لتوضيح وجهة نظرك إن كان الصواب جانبك دون‬

‫‪340‬‬
‫تسلط أو جدال ‪ ,‬يقول اهلل تعاىل لرسوله ‪ ( ‬ولو كنت فظاً غليظ القلب النفضوا من حولك )‬
‫وقوله تعاىل (( فقوال له قوالً ليناً لعله يتذكر أو خيشى )) ‪.‬‬
‫‪ -2‬استعجال النتائج‬
‫إيّاك واستعجال نتائج قال تعاىل (( إمنا أنت منذر ولكل قوم هاد )) قال النيب ‪ (( ‬التأين من اهلل‬
‫والعجلة من الشيطان )) أخرجه البيهقي ‪ .‬فالعجلة يف الدعوة طريق الفتور والركون ‪ ,‬ولكن أبذري‬
‫وتابعي وال تنتظري إال األجر من اهلل ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون دور املعلمة متلقية فقط‬
‫فمن املهم أن تدفعي املعلمة للعطاء وال يبقى دورها مستقبالً فقط ‪ ,‬فالبد من حفزها وزرع الثقة يف‬
‫نفسها لكي تقدم على دعوة طالباهتا للتمسك مبا أمر به اهلل واالبتعاد عما هنى عنه وهنا نلقي الضوء‬
‫على بعض األساليب اليت تفيد يف أداء مهمة الدعوة ‪:‬‬
‫من املهم أن حترصي يف األساليب املستخدمة ‪:‬‬
‫• ترمجتها لألهداف املخطط هلا من قبلك ‪.‬‬
‫• مناسبتها لطبيعة املعلمة ‪.‬‬
‫• موافقة املضمون للكتاب والسنة ‪.‬‬
‫ومن هذه األساليب ‪:‬‬
‫‪ -1‬اهلدايا ‪ :‬وسيلة حمبة وطريقة دعوة يقول الرسول ‪ (( ‬هتادوا حتابوا )) أخرجه البخاري ختريي‬
‫املناسب منها كشريط أو كتيب ‪ ..............‬اخل ‪.‬‬
‫‪ -2‬التوجيه للقراءة ‪ :‬وذلك بتوجيهيهن لقراءة كتاب أو موضوع لالستفادة منه بشرط وثوق‬
‫مصدره وسالمة معتقد كتابه ‪.‬‬
‫‪ -3‬ختول املعلمات بالنصيحة ‪ :‬سبيلك للمتابعة ومد جسور الدعوة مع ختري أفضل القول وأيسره‬
‫وعدم إطالة الكلمة وخذي من الرسول ‪ ‬القدوة ‪.‬‬
‫‪ -4‬االنرتنت ‪ :‬من أكثر الوسائل إقباالً من مجيع فئات اجملتمع ‪ ,‬فأمدي املعلمة بأمساء مواقع تفيدها‬
‫يف دينها وعلمها وإرشادها إىل أفضل املنتديات يف ذلك ‪.‬‬
‫‪ -5‬املطويات ‪ :‬إمداد املعلمات باملطويات املعدة من قبلك بأفضل شكل وأطيب مضمون ‪.‬‬
‫‪ -6‬حفزهن للبحث ‪ :‬طرح موضوع حبثي ال يتجاوز الصفحة جتنباً إلرهاق املعلمة مبا يتناسب مع‬
‫طبيعة عملها ويرتقي بدينها ‪ ,‬مثل البحث يف الربط بني موضوع الكتاب وإعجاز اهلل يف ذلك ‪.‬‬
‫‪ -7‬تفعيل الدعوة يف احللقات التنشيطية ‪ :‬توجيه املعلمات للتّخطيط للحلقات التنشيطية وحتديد‬
‫أهدافها يسهم يف رقى مستواهن العلمي والرتبوي ومن اجلميل أن يدرج ضمن األهداف حلقة تفعيل‬
‫الدروس يف الدعوة ‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫ويف هناية املطاف ليس لنا إال التنبيه بأنك داعية يف مجيع أحوالك ‪:‬‬
‫• فإخالصك يف عملك الوظيفي وحرصك عليه دعوة تستقى منه املعلمة إتقان العمل واحلرص عليه‬
‫والدقة يف إمتامه وإجنازه ‪.‬‬
‫• انضباطك يف مواعيد العمل دعوة تؤدي باملعلمة إىل مراعاة اهلل يف السر والعلن واستثمار دقائق‬
‫احلصص ‪.‬‬
‫• مظهرك عامة حجاباً وزينة ولباساً دعوة به القدوة ترسم للمعلمة ‪.‬‬
‫• حديثك وأقوالك دعوة تتعلم منها املعلمة األدب وحسن إرادة احلوار واحرتام الغري ‪.‬‬
‫• نقدك املتوازن بني املدح والقدح دعوة تستقي منها املعلمة التوازن يف أقواهلا وأفعاهلا مع الطالبات‬
‫وتستشعر ضرورة املوازنة يف الثناء ‪.‬‬
‫• عدلك بني املعلمات معاملة وتقييماً دعوة طريق لعدهلا مع الطالبات ‪.‬‬
‫• مشاركتك يف األنشطة دعوة تتعلم منها املعلمة عدم الركون والتغيري النافع ‪.‬‬
‫انتهى‬
‫واحلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني سيدنا حممد وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪342‬‬
‫تنبيه األذكياء بأهمية اإلقتداء‬
‫حممد حسن يوسف‬
‫تعاين األجيال الشابة من املسلمني اليت حتيا يف ظل الصحوة اإلسالمية املباركة من غياب القدوة‪ .‬فهذه‬
‫األجيال حتيا اآلن يف ظل الدروس النظرية لعظمة اإلسالم وريادة أجياله األوىل جملاالت احلياة املختلفة‪.‬‬
‫إال أهنا حينما تتجه بناظريها إىل الواقع املعاش‪ ،‬فال جتد من تقتدي أو تتأسى هبم‪ ،‬وال جتد إال حفنة‬
‫من أرباب املادية العلمانية الذين مت متجيدهم وتزيينهم للناس‪ ،‬وتقدميهم يف صورة النماذج اليت جيب‬
‫أن يسري الناس وفقا خلطاها‪.‬‬
‫فلماذا نرتك القدوات املعصومة من األنبياء واملرسلني الذين يزخر هبم كتاب اهلل العزيز؟ وملاذا نرتك‬
‫شبابنا يتخذ من املهرجني والعابثني واملغنني والالعبني قدوات هلم‪ ،‬ويرتكوا هذا املعني الضخم الذي‬
‫ال ينضب من القدوات الذين يزخر هبم تارخينا اإلسالمي‪ ،‬من صحابة الرسول ‪ ‬والتابعني؟!!‪S‬‬
‫أسباب تراجع القدوات اإلسالمية‪:‬‬
‫عدم العلم هبذه الشخصيات‪ ،‬وجوانب عظمتها‪ ،‬وكيفية اإلقتداء هبا‪ .‬ذلك أن أجيال املسلمني ُشغلت‬
‫طوال سنوات الدراسة – وهي طويلة مبا فيه الكفاية ‪ -‬باستذكار شخصيات بعينها منتقاة بعناية‬
‫وكأهنا هي الشخصيات اليت جيب عليها اإلقتداء هبا‪.‬‬
‫الرتكيز اإلعالمي بوسائله املختلفة ‪ -‬سواء املشاهدة أم املقروءة أم املسموعة ‪ -‬بتسليط األضواء على‬
‫مثل هذه الشخصيات حاليا ( اليت حتتل مكان الصدارة يف جماالت التمثيل والغناء والرياضة )‪ ،‬وكأن‬
‫ثوابت اجملتمع قد تغريت‪ .‬ففي بداية القرن املاضي وحينما بدأت تظهر السينما يف مصر‪ ،‬كان البد‬
‫من وجود ممثلني‪ .‬ويف ظل اجملتمع احملافظ يف ذلك الوقت‪ ،‬كان هؤالء يوصفون ( باملشخصاتية )‪،‬‬
‫وترفض األسر الكرمية االرتباط هبم أو اإلقتداء هبم‪ .‬وكانوا يُنعتون بأخس الصفات وأقبحها‪ .‬ويف ظل‬
‫توايل عمليات التجهيل بأصول الدين‪ ،‬وبسري أعالم اإلسالم‪ ،‬تغريت نظرة اجملتمع هلذه الفئة لتحتل‬
‫مركز الصدارة‪ ،‬وتصبح حمط أنظار اجلميع يف اإلقتداء هبم والوصول إىل " مكانتهم " املزعومة‪.‬‬
‫وتبعتها يف ذلك الفئة اليت تعمل يف جمال الغناء والرياضة‪.‬‬
‫يف ظل تغري الثوابت املادية للمجتمع‪ ،‬حبيث أصبح رجل الدين ال يتعدى راتبه العشرات من‬
‫اجلنيهات‪ ،‬يف حني حيظى صاحب املواهب الفذة " املزعومة " باآلالف من اجلنيهات‪ ،‬حتولت نظرة‬
‫اجملتمع حنو هذه الفئة‪ ،‬وأصبح اجلميع يتهافت على الدخول يف هذه اجملاالت " املرحبة " للغاية!!‬
‫القدوة يف القرآن والسنة‪:‬‬
‫أكثر القرآن الكرمي واحلديث النبوي من ضرب األمثلة املتكررة لنماذج من البطوالت‪ ،‬لكي تظل‬
‫منوذجا حيا يُطلب من املسلمني اإلقتداء هبم يف حياهتم‪ ،‬والسري على هنجهم‪ .‬ولنأخذ أمثلة على ذلك‪:‬‬
‫ين َه َدى اللَّهُ فَبِ ُه َد ُاه ْم ا ْقتَ ِد ِه ? ] األنعام‪ .[ 90 :‬أي‬ ‫فقد قال تعاىل لرسوله الكرمي ‪ُ ? : ‬أولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬ ‫ْ َ‬

‫‪343‬‬
‫يطلب منه ‪ ‬أن يقتدي مبن سبقه من الرسل يف حتمل مشاق الدعوة إىل اهلل والصرب عليها‪ .‬كما قال‬
‫ول اللَّ ِه ُأسوةٌ حسنَةٌ لِمن َكا َن يرجو اللَّه والْيوم اْ ِ‬
‫آلخَر‬ ‫تعاىل خماطبا املسلمني‪ ? :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم يِف رس ِ‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫َْ َ َ َ ْ‬ ‫ْ َُ‬
‫َوذَ َكَر اللَّهَ َكثِ ًريا ? ] األحزاب‪ .[ 21 :‬فهنا يطلب اهلل تعاىل من املسلمني أن تظل سرية الرسول ‪‬‬
‫ت لَ ُك ْم‬ ‫حمط أنظارهم ال حييدون عنها ويقتدون هبا يف كافة جماالت حياهتم‪ .‬وقال تعاىل‪ ? :‬قَ ْد َكانَ ْ‬
‫ُأسوةٌ حسنَةٌ يِف ِإبر ِاهيم والَّ ِذين معه ِإ ْذ قَالُوا لَِقو ِم ِهم ِإنَّا برآء ِمْن ُكم ومِم َّا َتعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اللَّ ِه َك َف ْرنَا‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ ْ َُ ُ ْ َ ْ ُ‬ ‫َْ َ َ َ َ َ ُ‬ ‫َْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضاءُ َأبَ ًدا َحىَّت ُتْؤ منُوا بِاللَّه َو ْح َدهُ ? ] املمتحنة‪ .[ 4 :‬وقال‬ ‫بِ ُك ْم َوبَ َدا َبْيَننَا َو َبْينَ ُك ْم الْ َع َد َاوةُ َوالَْب ْغ َ‬
‫آلخَر ? ] املمتحنة‪.[ 6 :‬‬ ‫تعاىل‪ ? :‬لََق ْد َكا َن لَ ُكم فِي ِهم ُأسوةٌ حسنَةٌ لِمن َكا َن يرجوا اللَّه والْيوم اْ ِ‬
‫َْ ُ َ َ َ ْ َ‬ ‫ْ ْ َْ َ َ َ ْ‬
‫فيطلب اهلل تعاىل منا ضرورة اإلقتداء باألنبياء والفئات املؤمنة اليت كانت معهم‪ ،‬إذ إن النجاة يف هذا‬
‫اإلتباع‪.‬‬
‫وجاء يف احلديث الشريف عن جرير بن عبد اهلل البجلي‪ ،‬رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪: ‬‬
‫من سن يف اإلسالم سنة حسنة فله أجرها‪ ،‬وأجر من عمل هبا بعده‪ ،‬من غري أن ينقص من أجورهم‬
‫شيء‪ ،‬ومن سن يف اإلسالم سنة سيئة كان عليه وزرها‪ ،‬ووزر من عمل هبا من بعده‪ ،‬من غري أن‬
‫ينقص من أوزارهم شيء‪.‬‬
‫ويف رواية للرتمذي‪ :‬من سن سنة خري فاُتبع عليها‪ ،‬فله أجره‪ ،‬ومثل أجور من اتبعه‪ ،‬غري منقوص من‬
‫أجورهم شيئا‪ ،‬ومن سن سنة شر‪ ،‬فاُتبع عليها‪ ،‬كان عليه وزره ومثل وزر من تبعه‪ ،‬غري منقوص من‬
‫أوزارهم شيئا‪]1[.‬‬
‫واحلديث هبذا السياق من األحاديث اليت وقع خطأ يف فهمها لدى كثري من الناس الذين ابتلوا‬
‫باألهواء والبدع‪ ،‬إذ أصبح ميثل السند الشرعي لكل من أراد أن يُدخل يف الدين ما ليس فيه‪ .‬فالسنة‬
‫احلسنة ليست بدعة يف الدين‪ ،‬وليست أمرا حمدثا يف اإلسالم‪ ،‬وليست إضافة على السنة‪ ،‬أو اخرتاعا‬
‫يف العبادة‪ ،‬وال فيما ال مَيُت للدين بصلة‪ ]2[.‬ولعل الرواية اليت ساقها مسلم والنسائي تفسر لنا سياق‬
‫احلديث حىت ال خنطئ فهمه‪:‬‬
‫فعن جرير رضي اهلل عنه‪ ،‬قال‪ :‬كنا عند رسول اهلل ‪ ، ‬فجاءه قوم عراة جمتايب النمار‪ ،‬أو العباء‪،‬‬
‫متقلدي السيوف‪ ،‬عامتهم من مضر‪ ،‬بل كلهم من مضر – فتمعر وجه الرسول ‪ ‬ملا رأى هبم من‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ْم‬
‫الفاقة‪ ،‬فدخل‪ ،‬مث خرج‪ ،‬فأمر بالالً‪ ،‬فأذن وأقام فصلى‪ ،‬مث خطب‪ ،‬فقال‪ ? :‬يَا َأيُّ َها الن ُ‬
‫ث ِمْن ُه َما ِر َجاالً َكثِ ًريا َونِ َساءً َو َّات ُقوا اللَّهَ الَّ ِذي‬
‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِمْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّ‬‫سوِ‬ ‫ِ‬
‫الذي َخلَ َق ُك ْم م ْن َن ْف ٍ َ‬
‫َّ ِ‬
‫َألر َح َام ِإ َّن اللَّهَ َكا َن َعلَْي ُك ْم َرقِيبًا ? ] النساء‪ .[ 1 :‬واآلية اليت يف احلشر‪ ? :‬يَا َأيُّ َها‬ ‫ِِ‬
‫َتتَ َساءَلُو َن به َواْ ْ‬
‫ت لِغَ ٍد َو َّات ُقوا اللَّهَ ِإ َّن اللَّهَ َخبِريٌ مِب َا َت ْع َملُو َن ? ] احلشر‪18 :‬‬ ‫َّم ْ‬
‫س َما قَد َ‬ ‫َّ‬
‫ين َآمنُوا َّات ُقوا اللهَ َولَْتْنظُْر َن ْف ٌ‬
‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫[‪ .‬تصدق رجل من ديناره‪ ،‬من درمهه‪ ،‬من ثوبه‪ ،‬من صاع بره‪ ،‬من صاع متره‪ ،‬حىت قال‪ :‬ولو بشق‬
‫مترة‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫بصرة‪ ،‬كادت كفه تعجز عنها‪ ،‬بل قد عجزت‪ .‬قال‪ :‬مث تتابع الناس‪،‬‬ ‫قال‪ :‬فجاء رجل من األنصار ُ‬
‫حىت رأيت كومني من طعام وثياب‪ ،‬حىت رأيت وجه رسول اهلل ‪ ‬هتلل كأنه ُم ْدهنة‪ ،‬فقال رسول‬
‫اهلل ‪ : ‬من سن يف اإلسالم ‪ S....‬احلديث‪.‬‬
‫قال النووي [‪ :]3‬قوله‪ ( :‬النمار )‪ :‬ثياب صوف‪ ,‬و( العباء )‪ :‬مجع عباءة‪ .‬وقوله‪ ( :‬جمتايب النمار )‪:‬‬
‫أي‪ :‬خرقوها وقوروا وسطها‪ .‬قوله‪ ( :‬فتمعر وجه رسول اهلل ‪ :) ‬أي‪ :‬تغري‪ .‬وقوله ( مذهبة )‬
‫ضبطوه بوجهني ‪ :‬أحدمها‪ ( :‬مذهبة )[‪ :]4‬أي‪ :‬فضة مذهبة‪ ,‬فهو أبلغ يف حسن الوجه وإشراقه‪,‬‬
‫والثاين‪ :‬شبهه يف حسنه ونوره باملذهبة من اجللود‪ ,‬ومجعها مذاهب‪ ,‬وهي شيء كانت العرب تصنعه‬
‫من جلود‪ ,‬وجتعل فيها خطوطا مذهبة يرى بعضها أثر البعض‪ .‬والثاين‪ ( :‬مدهنة )‪ :‬املدهن‪ :‬اإلناء‬
‫الذي يدهن فيه‪ ,‬وهو أيضا اسم للنقرة يف اجلبل اليت يستجمع فيها ماء املطر; فشبه صفاء وجهه‬
‫الكرمي بصفاء هذا املاء‪ ,‬وبصفاء الدهن واملدهن‪ .‬وقوله‪ ( :‬من سن يف اإلسالم سنة حسنة فله أجرها‬
‫) إىل آخره‪ ,‬فيه‪ :‬احلث على االبتداء باخلريات وسن السنن احلسنات‪ ,‬والتحذير من اخرتاع األباطيل‬
‫واملستقبحات‪ ,‬وسبب هذا الكالم يف هذا احلديث أنه قال يف أوله‪ ( :‬فجاء رجل بصرة كادت كفه‬
‫تعجز عنها‪ ,‬فتتابع الناس )‪ ،‬وكان الفضل العظيم للبادي هبذا اخلري‪ ,‬والفاتح لباب هذا اإلحسان‪.‬‬
‫أمهية وجود القدوة يف حياتنا‪:‬‬
‫وألمهية القدوة يف حياة البشر‪ ،‬حاول األعداء ‪ -‬أثناء فرتات استعمارهم [‪ ]5‬لبالدنا ‪ -‬ومن سار‬
‫على هنجهم طمس مجيع صور البطوالت الفذة يف تاريخ اإلسالم‪ ،‬سواء يف صدره أو فيما بعد‪.‬‬
‫ودأب من سار على هنجهم على تشويه صور قادة اإلسالم العظام يف أعماهلم سواء املنشورة يف‬
‫الكتب أو اجملالت أو اجلرائد‪ ،‬أو املعروضة يف غريها من أجهزة اإلعالم األخرى‪ .‬وإال فلماذا يُصور‬
‫الصراع فيما بني الصحابة منذ وفاة الرسول ‪ ‬هبذا احلجم من الضخامة؟!! وما احلكمة من تصوير‬
‫الفتنة اليت وقعت بني رموز اإلسالم يف ذلك احلني وإبرازها على ما عداها من أعمال جليلة متيزت هبا‬
‫أعماهلم حينذاك؟!!‬
‫ولكي تكتمل حلقات املخطط‪ ،‬فقد مت فرض وجوه باهتة لتتصدر أجهزة اإلعالم املختلفة حبيث‬
‫تكون حمورا حلديث الناس عنها ليل هنار‪ .‬وحىت يكون لألمر قوته وتأثريه‪ ،‬مت إضفاء هاالت كبرية‬
‫حول شخصيات بعينها‪ ،‬حىت يصعب نقدها‪ ،‬ويتخذها الناس مثال عليا ال يستطيع أحد جترحيها أو‬
‫الطعن عليها‪ .‬فاُخرتعت أمساء كبرية‪ ،‬مثل‪ " :‬عميد األدب العريب "‪ ،‬و "كوكب الشرق "‪ ،‬و"‬
‫العندليب األمسر " ‪ ...‬اخل‪.‬‬
‫على أنه ينبغي معرفة أن مركز القدوة حساس دقيق جدا‪ ،‬وجيب أال يوضع فيه إال من كان مستعدا‬
‫لألخذ بالعزمية‪ ،‬والبعد عن الرخص‪ ،‬وإال من كان يغلب عليه اجلد والزهد والتجرد‪ ،‬ويشتاق إىل‬
‫التعب والبذل‪ ،‬ألنه إمام ملن حوله يقلدونه‪ ،‬والبد أن يكون فعله أبلغ يف التعبري عن عقيدته ومعاين‬

‫‪345‬‬
‫هم إمام مصر‪ S،‬الليث بن سعد‪،‬‬ ‫دعوته من قوله‪ ،‬ألن املنظر أعظم تأثريا من القول‪ .‬ومن ها هنا ملا ّ‬
‫بفعل مفضول ينايف العزمية‪ ،‬قال له إمام املدينة‪ ،‬حييي بن سعيد األنصاري‪ " S:‬ال تفعل! فإنك إمام‬
‫منظور إليك "‪]6[.‬‬
‫ومن هنا نفهم سر حكمة السيدة أم سلمة زوج رسول اهلل ‪ ، ‬ملا دخل إليها غاضبا من عدم تنفيذ‬
‫الصحابة ألمره بذبح هديهم وحلق شعورهم للتحلل من اإلحرام بعد إبرام صلح احلديبية مع قريش‪،‬‬
‫أحدا منهم حىت تنحر بدنك‪ ،‬وحتلق شعرك "‪ .‬ففعل‪.‬‬ ‫حيث قالت له‪ " :‬يا نيب اهلل! اخرج وال تكلم ً‬
‫غما‪ ]7[.‬فهنا كان فعل النيب ‪‬‬ ‫بعضا ً‬
‫فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وحلقوا‪ ،‬حىت كاد بعضهم يقتل ً‬
‫له أكرب األثر يف تقليد الصحابة رضي اهلل عنهم‪ ،‬وامتثاهلم ألمره‪.‬‬
‫سبل العالج‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلكثار من عرض مناذج للقدوات الفذة اليت يزخر هبا تارخينا‪ ،‬حىت تكون بطوالهتم وأعماهلم‬
‫نصب أعيننا‪ ،‬حناول اإلقتداء هبا والوصول إليها‪ .‬ونعرض فيما يلي بعض األمثلة لذلك‪]8[:‬‬
‫* كان أبو إسحاق الشريازي العامل الفقيه يكرر كل درس مائة مرة‪ ،‬ويكرر السطر الواحد من القياس‬
‫ألف مرة‪.‬‬
‫علي كتاب‪ ،‬فكررته أربعني مرة‪.‬‬‫* قال الفارايب‪ :‬صعب ّ‬
‫* مكث الشيخ حممد األمني الشنقيطي املفسر يف مسألة واحدة من صالة العشاء إىل صالة الظهر من‬
‫اليوم الثاين يف جلسة واحدة‪.‬‬
‫* سافر جابر بن عبد اهلل شهرا كامال يف طلب حديث واحد‪.‬‬
‫* جرب مكتشف الكهرباء توماس أديسون مخسة آالف بطارية أخطأ فيها كلها‪ ،‬قبل أن يكتشف‬
‫التجربة الصحيحة‪.‬‬
‫* أقسم املعتصم ال يغشى رأسه ماء من جنابة حىت خيوض معركة عمورية‪.‬‬
‫* كان سعيد بن املسيب إذا انتصف الليل أقام الليل ال ينام حىت الصباح‪.‬‬
‫* كان ابن تيمية إذا صعبت عليه مسألة استغفر اهلل ألف مرة فيفتحها اهلل عليه‪.‬‬
‫* صلى سعيد بن املسيب ستني سنة ما فاتته تكبرية اإلحرام يف املسجد‪.‬‬
‫* مكث عطاء بن رباح ثالثني سنة ال ينام إال يف املسجد طلبا للعلم‪.‬‬
‫* ختم عبد اهلل بن إدريس القرآن يف زاوية بيته أربعة آالف مرة‪.‬‬
‫* كان خالد بن معدان يسبح اهلل كل يوم مائة ألف مرة‪.‬‬
‫* قال ابن اجلوزي‪ :‬طالعت يف شبايب أكثر من عشرين ألف جملد‪.‬‬
‫* قال ابن معني‪ S:‬لو مل نكتب احلديث مخسني مرة ما حفظناه‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫* ذكر الذهيب أن ابن عطية احمل ّدث األندلسي كرر يف حياته صحيح البخاري سبعمائة مرة‪ S،‬وقرأ‬
‫املزين الرسالة للشافعي مخسمائة مرة‪ ،‬وقرأ النيسابوري صحيح مسلم مائة مرة‪S.‬‬
‫ثانيا‪ :‬إعداد الدعاة إعدادا سليما شامال لتحمل مسئولية الدعوة وقيادة األمة معا‪ ،‬حبيث أال يتبوأ عرش‬
‫الدعوة إال من تتوافر فيهم الصفات املثلى اإلسالمية‪ .‬ولننظر كيف كان حال الدعاة فيما مضى‪،‬‬
‫حينما كانت األمة يف عزها وقوهتا‪ :‬يف عهد السلطان ( سليمان القانوين ) ُأعلن عن وظيفة إمام‬
‫مسجد خالية ‪ ...‬أتدرون ماذا كانت الشروط املطلوبة يف اختيار املرشح؟!‬
‫‪ -1‬أن جييد اللغة العربية والرتكية والفارسية والالتينية‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون دارسا وفامها للقرآن الكرمي واإلجنيل والتوراة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يكون عاملا يف الشريعة والفقه والسرية النبوية وتاريخ اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يكون عاملا يف الرياضة والطبيعة‪.‬‬
‫‪ -5‬أن جييد ركوب اخليل واملبارزة بالسيف للجهاد‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يكون حسن املظهر‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يكون مجيل الصوت‪.‬‬
‫‪ -8‬قبل هذا وبعده‪ :‬أن يكون قدوة حسنة وأسوة صاحلة‪.‬‬
‫هذه هي الشروط املطلوب توافرها يف الداعية كما جاء ذلك يف اإلعالن الرتكي قبل أربعمائة سنة!![‬
‫‪]9‬‬
‫ثالثا‪ :‬ويرتبط مبا سبق‪ ،‬ضرورة مطابقة العلم للعمل بالنسبة ملن يتصدى للعمل يف جمال الدعوة‪.‬‬
‫فالعمل متمم للعلم‪ ،‬فهو مثرة العلم‪ ،‬ودليل على صدق الداعية‪ .‬ولعل هذا هو السر يف عقم جهد‬
‫بعض الدعاة‪ .‬إنه طيلة حياته يتكلم دون أن يرى أثرا يذكر من تغري اجتماعي أو تغيري يف األفراد‪.‬‬
‫ين آَ َمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما َال‬ ‫َّ ِ‬
‫وخلطورة خمالفة القول الفعل‪ ،‬حذرنا اهلل منه‪ ،‬فقال تعاىل‪ ? :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫َت ْف َعلُو َن * َكُبَر َم ْقتًا ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما َال َت ْف َعلُو َن ? ] الصف‪]10[.[ 3-2 :‬‬
‫رابعا‪ :‬تصميم برامج وأفالم ختاطب فئة األطفال واملراهقني يتم بثها على الفضائيات اإلسالمية‪.‬‬
‫فاألطفال واملراهقون هم أكثر الفئات العمرية احتياجا لوجود القدوة يف حياهتم‪ ،‬نظرا الحتياجهم‬
‫الشديد يف هذه املرحلة العمرية ملن يقلدونه‪ .‬كما أهنم أكثر املراحل العمرية تأثرا مبن يقتدون به‪.‬‬
‫وحيث إن الساحة تزخر حاليا بوجود أفالم الكارتون الغربية اليت تريب األطفال على عادات وقيم‬
‫الغرب‪ ،‬فإننا حباجة لوجود مثل هذه النماذج اإلسالمية يف حياتنا‪.‬‬
‫‪ 6‬من مجادى األوىل عام ‪ 1425‬من اهلجرة ( املوافق يف تقومي النصارى ‪ 13‬من يونيو عام‬
‫‪.) 2005‬‬
‫‪-------------------------------‬‬

‫‪347‬‬
‫[‪ ]1‬صحيح‪ .‬رواه مسلم يف صحيحه (‪ )1017/69‬و(‪ )1017/70‬و(‪ ،)1017/71‬والنسائي يف‬
‫سننه (‪ .)2553‬والرواية األوىل هي رواية مسلم‪ ،‬ويف أخرى له‪ :‬قال‪ " :‬جاء ناس من األعراب إىل‬
‫رسول اهلل ‪ ، ‬عليهم الصوف‪ ،‬فرأى سوء حاهلم ‪ S...‬فذكر مبعناه "‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬وأخرج‬
‫النسائي الرواية األوىل‪ ،‬وليس عنده‪ " :‬جُم تايب النمار‪ ،‬أو العباء "‪ ،‬وزاد " حفاة "‪ ،‬وقال‪ " :‬مذهبة "‪.‬‬
‫وانظر‪ :‬جامع األصول يف أحاديث الرسول ‪ : ‬ح [‪ .544-6/543 ،]4663‬أما الرواية الثانية‬
‫فقد رواها الرتمذي يف سننه وصححها (‪ ،)2675‬وابن ماجه يف سننه (‪ ،)202‬وانظر جامع‬
‫األصول يف أحاديث الرسول ‪ : ‬ح [‪ .9/523 ،]7319‬واحلديث صححه األلباين يف صحيح‬
‫اجلامع الصغري وزيادته‪.6305 ،‬‬
‫[‪ ]2‬د‪ /‬عمر عبد العزيز‪ ،‬أحاديث مقلوبة بني تأويل اجلاهلني وانتحال املبطلني‪ ،‬ص‪.37 :‬‬
‫[‪ ]3‬شرح النووي على صحيح مسلم‪.113-4/112 :‬‬
‫[‪ ]4‬قال السيوطي يف حاشيته على سنن النسائي ( ‪ ( :) 5/79‬كأنه مذهبة )‪ :‬قال يف النهاية‪ :‬فإن‬
‫صحت الرواية‪ ،‬فهو من الشيء املذهب‪ ،‬وهو املموه بالذهب‪ ،‬ومن قوهلم‪ :‬فرس مذهب‪ ،‬إذا علت‬
‫محرته صفرة‪ S،‬واألنثى مذهبة‪ .‬وإمنا خص األنثى بالذكر‪ ،‬ألهنا أصفى لونا وأرق بشرة‪.‬‬
‫[‪ ]5‬واألدق‪ :‬استخراهبم!!‬
‫[‪ ]6‬حممد أمحد الراشد‪ ،‬املنطلق‪ ،‬ص‪.238 :‬‬
‫[‪ ]7‬ابن األثري‪ ،‬الكامل يف التاريخ‪.2/90 ،‬‬
‫[‪ ]8‬عائض القرين‪ ،‬مفتاح النجاح‪ ،‬ص ص‪.19-17 :‬‬
‫[‪ ]9‬د‪ /‬عبد الودود شليب‪ ،‬من شيخ أزهري إىل شيخ األزهر‪ :‬األزهر إىل أين؟‪ ،‬ص ص‪-133 :‬‬
‫‪.134‬‬
‫[‪ ]10‬د‪ /‬سعيد قابل‪ ،‬القدوة منهاج ومناذج‪ ،‬ص ص‪.180-178 :‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪348‬‬
‫مقوماتـ الداعية الناجح‬
‫بقلم الدكتور‬
‫علي بن عمر بن أمحد بادحدح‬
‫مقدمة املؤلف‬
‫احلمد هلل جعل الداعي إليه أحسن الناس قوالً ‪،‬واجملاهد يف سبيله من أفضل الناس عمالً‪ ،‬والصالة‬
‫والسالم على أعظم من دعا باللسان‪ ،‬وأشجع من جاهد بالسنان‪ ،‬سيدنا ونبينا حممد وعلى آله‬
‫وصحبه والتابعني هلم بإحسان ‪ ،‬أما بعد ‪..‬‬
‫فإن الدعوة إىل اهلل سبب اهلداية املأمول‪ ،‬وطريق السعادة املأهول‪ ،‬وهبا يقع تذكري الغافل‪ ،‬وحتريك‬
‫اخلامل‪ ،‬وهي مفتاح الفهم‪ ،‬ومقدمة العلم‪ ،‬ومدخل العمل‪ ،‬وهي مهمة األنبياء واملرسلني وسبيل‬
‫أتباع النيب األمني‪ ،‬وشرفها وفضلها معلوم‪ ،‬وخريها وأثرها ملموس‪.‬‬
‫ال حاجة لبسط القول أو التدليل على أن الدعوة يف عاملنا املعاصر متر مبرحلة صعبة بل عصيبة ألن‬
‫هذا األمر ظاهر للعيان‪ ،‬وتعاين الدعوة مشكالت عديدة منها العداء اخلارجي والتكالب العاملي الذي‬
‫يسعى إىل وأد صوهتا وحماصرة نشاطها‪ ،‬ويهدف إىل تشويه صورهتا وجترمي محلتها‪ ،‬فالدعوة إىل اهلل‬
‫جيعلوهنا عنصرية تتناىف مع اإلخاء‪ ،‬وعصبية تتعارض مع التسامح‪ ،‬والدعاة إىل اهلل يصوروهنم على‬
‫أهنم قساة غالظ‪ ،‬ال جمال عندهم لرمحة أو رأفة‪ ،‬هذا إضافة إىل العمل الدائب للمواجهة املباشرة‬
‫للدعوة والدعاة ‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فإن للدعوة معاناة من بعض محلتها أو املنتسبني إليها‪ ،‬فواحد يسيء من جهة جهله‪،‬‬
‫وآخر من جهة سوء فهمه وثالث من جهة ضيق أفقه‪ ،‬ورابع من جهة شدة أسلوبه وهكذا؛ إضافة‬
‫إىل وجود بعض اخللل ونقص يف العمل يف صورة الشاملة الواعية للدعوة حبيث تواكب العصر‬
‫باالستفادة من معطياته‪ ،‬والتأقلم مع مستجداته‪ ،‬وحسن املواجهة لعقباته‪ ،‬وجودة التخطيط واإلعداد‬
‫ملتطلباته‪ ،‬كما تراعى األصول وتستلهم التاريخ وتستنطق التجارب وتستفيد من األعالم مبا جيعل‬
‫جذورها راسخة‪ ،‬وقواعدها واضحة ‪.‬‬
‫ونظراً للظروف اآلنفة الذكر يكون من الواجب إعمال الفكر وتبادل الرأي حول السبل الكفيلة‬
‫لنجاح الدعوة وحتقيق أهدافها‪ ،‬ومحايتها من كيد الكائدين من األعداء وجهل اجلاهلني من األحباء‪،‬‬
‫ومن هنا كنت كثري التفكري يف مثل املوضوع فكتبت حول جناح الداعية وقبول دعوته وتأثري‬
‫شخصيته مقاالً نشرته يف إحدى الصحف‪ ،‬مث يف مناسبات متعددة حتدثت عن عناصر جناح‬
‫وأدون فيها ملحوظات‬ ‫الدعوات‪ ،‬وما زلت أدندن حول هذه املفاهيم واألفكار وألقي عنها كلمات ِّ‬
‫‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫وهذا الكتاب الذي بني يديك هو صدى وترمجة لتلك األفكار‪ ،‬وما كان لريى النور لكثرة األشغال‪،‬‬
‫وتزاحم األعمال‪ ،‬ولكنين ُدعيت للمشاركة يف أحد امللتقيات وطلب مين إعداد حبث بعنوان‬
‫مقومات الداعية الناجح )) فكانت هذه الصفحات‪ ،‬اليت كتبتها وأنا يف ظروف صعبة أثناء‬ ‫(( ِّ‬
‫انشغايل التام باملراحل النهائية إلعداد رسالة الدكتوراة‪ ،‬وللتوضيح أقول إن هذا البحث عددت‬
‫مادته‪ ،‬ورتّبت فصوله وأمتمت صياغته يف أقل من شهر‪ ،‬وكنت أود قبل طباعته أن أضيف إليه وأزيد‬
‫جتمع يف املوضوع من نصوص ولكنين تركت ذلك لئال‬ ‫فيه ما استجد يف الذهن من أفكار‪ ،‬وما ّ‬
‫تتأخر الطباعة‪ ،‬ولعل ذلك يكون يف طبعة قادمة مبشيئة اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫وحيث قد وصفت لك‪ -‬أخي القارئ – ظروف البحث ومدة إعداد إضافة إىل ما هو معلوم من‬
‫قصور اإلنسان‪ ،‬لذا فإنين أرجو أن أحظى منك مبا تراه من تصويب خلطأ‪ ،‬أو استدراك لنقص‪ ،‬أو‬
‫فوائد وزوائد تتفضل بإهدائها يل‪ ،‬وهذا مما يسعدين ويثلج صدري‪ S،‬كما ينفعين ويغين فكري ويزيد‬
‫علمي ‪.‬‬
‫وأخرياً أرفع أجزل الشكر‪ ،‬وأعطر الثناء‪ ،‬وأعظم احلمد‪ ،‬للموىل جلّت قدرته على توفيقه وامتنانه‪ ،‬مث‬
‫أثين بالشكر لكل من ساعدين يف اإلعداد ونقل النصوص وأخص منهم زوجيت وبنات أخي الثالث‪،‬‬
‫وأشكر دار األندلس اخلضراء للنشر والتوزيع على ما قامت به من جهود يف تصويب النص وتصحيح‬
‫أرقام احلواشي وحسن اإلخراج‪ ،‬إذ كان البحث يف صورته األوىل املستعجلة مليئاً باألخطاء‬
‫واالضطراب‪ ،‬كما أشكر من شرفوين مبطالعة البحث عسى اهلل أن جيعلين عند حسن ظنهم‪ ،‬وأن يغفر‬
‫يل ما ال يعلمون ‪.‬‬
‫املقصر تقبّلها بفضلك‪ ،‬وجتاوز عن نقصها بعفوك ‪ .‬وما كان يف ذلك‬ ‫املقل‪ ،‬وبضاعة ِّ‬‫اللهم هذا جهد ِّ‬
‫من إتقان وإحسان ففضل منك وإنعام‪ ،‬وما كان من خلل أو زلل فغفلة أو استزالل شيطان ‪ .‬فأقل –‬
‫يا رب‪ -‬عثريت‪ ،‬واغفر زلّيت يا أرحم الرامحني ‪.‬‬
‫أبو احلسن علي بادحدح‬
‫جدة ‪18/5/1417‬هـ‬
‫الفصل األول ‪ :‬داللة املوضوع وأمهيته‪:‬‬
‫رأيت من املناسب الوقوف على عنوان البحث ومعرفة معاين مفرداته ودالالته قبل اخلوض يف‬
‫مضمون املوضوع وتفصيالته ‪.‬‬
‫عنوان البحث ((مقومات الداعية الناجح))‪ S،‬ومن هنا سنقف أمام مدلوالت الكلمات الثالث‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬داللة عنوان املوضوع ‪:‬‬
‫املقوم‬
‫أوالً ‪ّ :‬‬

‫‪350‬‬
‫أصل الكلمة الثالثي هو َق َو َم وأحد معانية االنتصاب والعزم ‪ .‬معجم مقاييس اللغة (‪ )5/43‬ومن‬
‫أبرز االستعماالت اللفظية هبذا األصل((قيام)) والقيام جيئ مبعىن احملافظة واإلصالح ومنه قوله تعاىل‬
‫]الرجال قوامون على النساء[ لسان العرب (‪ )12/497‬النساء [‪ ]34‬وقام األمر‪ :‬اعتدل وأقام‬
‫الشيء أدامه القاموس احمليط (‪ ،)4/168‬وأمر قيم ‪ :‬أي مستقيم ( احملكم البن سيده (‪، )6/366‬‬
‫وقوام األمر (بالكسر) نظامه وعماده (لسان العرب (‪ ، )12/499‬وقيم األمر‪ :‬مقيمه‪ ،‬والقيم‪ :‬السيد‬
‫وسائس األمر(لسان العرب‪ ،)12/502‬ومقوم الشيء وقوامه مبعىن واحد ‪.‬‬
‫فاملراد مبقومات‪ S‬الداعية الناجح األمور اليت هي العماد لنجاح الداعية ليقوم بالدعوة‪ ،‬منتصباً هلا عازماً‬
‫وحمافظاً عليها‪ ،‬مستقيماً معتدالً يف أدائها‪ ،‬قائماً بشؤوهنا سائساً ألمورها حىت يكون قيامه هبا خري‬
‫قيام يتحقق به املقصود‪S.‬‬
‫ثانياً‪ :‬الداعية‬
‫(دعو)والدعوة املرة الواحدة من الدعاء‪ ،‬والدعاء إىل ٍ‬
‫شيء ما ُهو الرتغيب فيه‬ ‫ٍَِِ‬
‫أصل الكلمة الثالثي َ َ‬
‫واحلث عليه كما يف قوله ]واهلل يدعو إىل دار السالم[ يونس [‪ ]25‬أي يرغب يف اجلنة ويقال دعا‬
‫يدعو فهو داع واملرة منه دعوة ويف قوله تعاىل ]وداعياً إىل اهلل بإذنه وسراجاً منرياً[ األحزاب[‪]46‬‬
‫أي داعياً إىل توحيد اهلل فالداعي هو الذي يدعو إىل أمر ما‪ ،‬واجلمع دعاة وداعون والداعي والداعية‬
‫واحد‪ ،‬واهلاء فيه للمبالغة ‪.‬‬
‫فالداعية إذن هو املؤهل القائم برتغيب الناس يف اإلسالم وحثهم على التزامه بالوسائل املشروعة ‪.‬‬
‫وهذا يوضح أن موضوع الدعوة هو اإلسالم كله عقيدة وشريعة وأخالقاً ومعاملة‪ ،‬وأن املدعوون هم‬
‫مجيع الناس كل حبسبه فالكافرون يُدعون إىل اإلسالم‪ ،‬واملقصرون‪ S‬يُدعون إىل صدق االلتزام‪ ،‬والعصاة‬
‫يُدعون إىل ترك الذنوب واآلثام وهكذا ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية يف تعريف الدعوة ‪((:‬والدعوة إىل اهلل هي الدعوة إىل اإلميان به ومبا جاءت به رسله‬
‫عرفها بعض‬ ‫وبتصديقهم فيما أخربوا به وطاعتهم فيما أمروا))(جمموع‪ S‬فتاوى ابن تيمية (‪َّ )15/157‬‬
‫املعاصرين بقوله ((تبليغ اإلسالم للناس وتعليمه إياهم وتطبيقه يف واقع احلياة))(املدخل إىل علم الدعوة‬
‫(ص‪ ،)17/‬وأوجز الطربي القول وأبلغ يف املعىن حني قال عن الدعوة‪(( :‬هي دعوة الناس إىل‬
‫اإلسالم بالقول والعمل))(تفسري الطربي (‪.)11/53‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬النجاح ‪-:‬‬
‫أصل الكلمة الثالثي ((جنح)) وهو أصل يدل على ظفر وصدق وخري(معجم مقاييس اللغة (‪)5/390‬‬
‫والنُّجح والنجاح الظفر بالشيء وجنح املرء إذا أصاب طلبته وجنح األمر إذا تيسر وسهل ورجل جنح‬
‫‪:‬منجح احلاجات ورأي جنيح أي صواب (لسان العرب (‪ ،)2/612،611‬الصحاح (‪،)1/409‬‬
‫القاموس احمليط (‪. )1/251‬‬

‫‪351‬‬
‫فاملقصود‪ S‬هو حتقيق غاية الدعوة‪ ،‬والتوفيق حلصول التيسري يف الدعوة وقبوهلا‪ ،‬ومعلوم أن النجاح األمت‬
‫يف الدعوة هو قبول احلق والعمل به‪ ،‬ورفض الباطل واإلقالع عنه‪ ،‬فهو قناعة نظرية واستجابة عملية‬
‫ولكن حصول اإلعراض وعدم القبول ليس دليالً على عدم جناح الداعية إذ أن اهلداية من عند اهلل‬
‫]إنك ال هتدي من أحببت ولكن اهلل يهدي من يشاء[ القصص [‪ ]56‬ونعلم حديث املصطفى ‪: ‬‬
‫((يأيت النيب ومعه‪ S‬الرجل والنيب ومعه الرجالن والنيب وليس معه أحد)) أخرجه البخاري ‪،‬كتاب‬
‫الطب‪ ،‬باب‪ :‬من كوى أو كوى غريه (‪ ،)10/155‬ومسلم يف كتاب اإلميان ‪،‬باب‪ :‬الدليل على‬
‫دخول طوائف من املسلمني اجلنة بغري حساب (‪ )1/199‬وهذا قطعاً ال يدل على عدم جناح هؤالء‬
‫األنبياء وإمنا يدل على عدم وجود القابلية عند املدعوين وطمس اهلل لبصائرهم وطبعه على قلوهبم ‪.‬‬
‫فالنجاح إذن هو القيام بالواجب على الوجه األكمل وكثرياً ما تتحقق به النتائج وقد تتخلف حلكمة‬
‫عند اهلل ‪ .‬وهبذا يتضح مدلول عنوان املوضوع ((مقومات‪ S‬الداعية الناجح)) وأن املراد تسليط الضوء‬
‫على األسس الالزم توافرها للداعية يف شخصيته وممارساته ومفاهيمه اليت تؤدي إىل حصول اهلداية‬
‫وحتقق أثر الدعوة‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬أمهية املوضوع ‪:‬‬
‫مما يتقدم عرفنا أن املوضوع يتعلق مبا يقوم بالداعية من صفات ومهارات يتحقق هبا هدف الدعوة‬
‫وحتصل االستجابة‪ ،‬وال شك أن االستجابة للداعية مثرة عظيمة ألنه مبلغ عن اهلل جل جالله وعن‬
‫رسوله ‪ ، ‬ومقرر ألحكام اإلسالم‪ ،‬ومؤدي ذلك حتقق االستجابة هلل وللرسول‪ ،‬وااللتزام باإلسالم‬
‫وهلذا فإن هلذا النجاح آثار كبرية حممودة جتعل للبحث يف هذا اجملال أمهية كربى وإليك بعض ما ينبئ‬
‫عن ذلك ‪:‬‬
‫‪ _1‬األجر اجلزيل ‪:‬‬
‫يقول احلق تبارك وتعاىل ‪]:‬ومن أحسن قوالً ممن دعا إىل اهلل وعمل صاحلاً وقال إنين من‬
‫مسلمني[ فصلت [‪ ، ]33‬فهذا ثناء ملن دعا دون ارتباط بالنتيجة فكيف إذا حصلت االستجابة‪ ،‬إن‬
‫األجر حينئذ أعظم وأجزل كما أخرب عليه الصالة والسالم يف قوله‪(( :‬ألن يهدي اهلل بك رجالً‬
‫واحداً خري لك من أن يكون لك محر النعم)) أخرجه البخاري يف كتاب فضائل أصحاب النيب ‪، ‬‬
‫باب‪ :‬مناقب علي بن أيب طالب‪ ،‬الفتح (‪ )7/70‬ومسلم يف كتاب فضائل الصحابة‪ ،‬باب‪ :‬فضائل‬
‫علي بن أيب طالب (النووي) (‪ )15/178‬وهذا يف هداية الواحد فكيف هبداية اجلمع من الناس ؟‬
‫األجر حينئذ يزداد ويتضاعف كما أرشد إىل ذلك حديث رسول اهلل ‪ ‬القائل‪(( :‬من دعا إىل هدى‬
‫فإن له من األجر مثل أجور من تبعه ال ينقص ذلك من أجورهم شيئاً)) أخرجه مسلم يف كتاب‬
‫العلم‪،‬باب ‪:‬من سن سنة حسنة أو سيئة (النووي ‪.)16/227‬‬
‫‪ -2‬انتشار اخلري ‪:‬‬

‫‪352‬‬
‫إن جناح الداعية وانتشار الدعوة يزيد من انتشار اخلري بكثرة ملتزميه والدعاة إليه‪ ،‬والثابتني‬
‫وتنّزل‬
‫عليه‪،‬وعندما تتزايد هذه الدوائر ويتكاثر أفرادها تكون سبباً من أسباب رضوان اهلل عز وجل َ‬
‫نصره‪ ،‬وحصول التغيري الصاحل يف األمة ضمن السنة اإلهلية املاضية‪] :‬إن اهلل ال يغري ما قوم حىت يغريوا‬
‫ما بأنفسهم[ الرعد[‪ ، ]11‬ومن جهة أخرى فكلما أقبل على اخلري واستجاب للدعوة نفر من الناس‬
‫مبا حيققه اهلل من جناح للدعاة فإن ذلك يورث عند اآلخرين قناعة عميقة‪ ،‬ومحاسة قوية للمتابعة من‬
‫خالل كسر حاجز الرتدد أو الرهبة‪ ،‬وخوف التفرد بااللتزام ‪ ،‬وخمالفة التيار العام ‪ ،‬كما أن انتشار‬
‫اخلري يربز صورة مشرقة للمسلمني امللتزمني من خالل سلوكياهتم يف سائر شئون احلياة وهذا له أثر‬
‫مضاعف يف مزيد من اإلقبال على االلتزام ‪.‬‬
‫‪ -3‬مغالبة الباطل‪:‬‬
‫إن كل جناح للدعوة يف فكر وسلوك إنسان هو هزمية للباطل الداعي إىل طرق ومناهج الشيطان ‪،‬‬
‫وإن كل وجود فاعل للدعوة يف ميدان من ميادين احلياة هو غيظ ونكاية يف أعداء اهلل‪ ،‬فاحلرص على‬
‫جناح الداعية يف غاية األمهية حلماية األمة من شرور الباطل‪ ،‬والعمل على حتجيم آثاره ‪ ،‬وتقليل‬
‫أضراره ‪ ،‬وتوهني أنصاره ‪.‬‬
‫ومن املعلوم أنه ((جيب حماربة املبادئ اهلدامة من اشرتاكية وبعثية وتعصب للقوميات وغريها من‬
‫رد هلم ما كان‬‫املبادئ واملذاهب املخالفة للشريعة وبذلك يصلح اهلل املسلمني ما كان فاسداً‪ ،‬ويَ ُّ‬
‫شارداً ‪ ،‬ويعيد هلم جمدهم السالف وينصرهم على أعدائهم وميكن هلم يف األرض)) جمموع فتاوى ابن‬
‫باز(‪ )1/392‬ومن هنا يلزم (التأكيد على دعاة اإلسالم ومحلته للتفرغ لكتابة البحوث والنشرات‬
‫واملقاالت النافعة والدعوة إىل اإلسالم والرد على أصناف الغزو الثقايف‪ ،‬وكشف عواره وتبيني زيفه‬
‫حيث إن األعداء جنَّدوا كافة إمكاناهتم وقدراهتم وأوجدوا املنظمات املختلفة والوسائل املتنوعة‬
‫للدس على املسلمني والتلبيس عليهم فال بد من تفنيد هذه الشبهات وكشفها وعرض اإلسالم عقيدة‬
‫وتشريعاً وأحكاماً وأخالقاً عرضاً شيقاً)) جمموع فتاوى ابن باز (‪ ،)1/392‬فتوفر أسباب جناح‬
‫الداعية يعين غلبة احلق وانتصاره وهزمية الباطل واندحاره ‪.‬‬
‫‪ -4‬احلماية من املفاهيم واألعمال اخلاطئة‪:‬‬
‫إن التقصري يف األخذ مبقومات‪ S‬النجاح وأسباب الفالح قد يؤدي إىل الفشل واإلخفاق ويتولد من أثر‬
‫ذلك بعض املفاهيم واألعمال اخلاطئة ومنها على سبيل املثال ال احلصر ‪:‬‬
‫أ‪ -‬احلكم العام بفساد الناس وذلك أن بعض الدعاة – لقلة يف فهمه أو ضعف يف إميانه أو تقصري يف‬
‫عمله – يتواىل عليه الفشل ويلقى اإلعراض والنفور من الناس ‪،‬وبدالً من أن يصرب أو ينقد نفسه‬
‫ويغري أسلوبه‪ ،‬ويعاجل خطأه نراه ينحي بالالئمة على الناس ‪ ،‬وحيكم عليهم بالفساد واالستعالء عن‬
‫احلق ‪ ،‬وأهنم أعداء هلل ولرسوله ‪ ‬وحنو ذلك مما حيذر منه املصطفى ‪ ‬يف حديثه الصحيح الذي‬

‫‪353‬‬
‫قال فيه‪(( :‬إذا قال الرجل ‪ :‬هلك الناس فهو أهلكهم)) أخرجه مسلم يف كتاب الرب والصلة واآلداب‪،‬‬
‫باب ‪ :‬النهي عن قول هلك الناس ‪( ،‬النووي ‪.)16/17‬‬
‫ب‪ -‬حصول اإلحباط واليأس يف نفوس بعض الدعاة لتكرار الفشل‪ ،‬وانطوائهم بعد ذلك على‬
‫أنفسهم ‪،‬مث اعتزاهلم الناس وتركهم األمر املعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬ورمبا كان فشلهم يف كثري من‬
‫األحوال ناشئاً عن جهلهم بأساليب وأسباب النجاح يف الدعوة ‪.‬‬
‫الفصل الثاين ‪ :‬عناصر التأثري ‪:‬‬
‫املبحث األول امليل العاطفي واحملبة القلبية ‪:‬‬
‫إن حملبة تقود إىل املتابعة للمحبوب‪ ،‬وتقدميه على من سواه ‪،‬وتلمس موافقة هواه‪ ،‬ولذا قيل يف تعريف‬
‫احملبة إهنا ((إيثار احملبوب على مجيع املصحوب ‪،‬وقيل ‪:‬موافقة احلبيب يف املشهد واملغيب وقيل ‪:‬احتاد‬
‫مراد احملب ‪ ،‬ومراد احملبوب وقيل‪ :‬إيثار مراد احملبوب على مراد احملب وقيل ‪ :‬هي بذلك اجملهود فيما‬
‫يرضي احلبيب)) روضة احملبني (ص‪((. )21-19:‬واحلب التام مع القدرة يستلزم حركة البدن بالقول‬
‫الظاهر والفعل الظاهر فيما يظهر على البدن من األقوال واألعمال هو موجب ما يف القلب والزمه))‪S‬‬
‫جمموع فتاوى ابن تيمية (‪ )7/541‬ولذا فإن صاحب الرسالة يتحبب إىل املدعوين ‪ ،‬ويسعى إىل‬
‫كسب حمبتهم له وميل قلوهبم إليه ‪ ،‬ألن ذلك أعظم عون على قبوهلم منه واتباعهم له ‪ ،‬وبدونه ال‬
‫حيصل التأثري اإلجيايب باملتابعة ولو أقيمت احلجج ونصبت األدلة ألن البغض للداعي يصد عن قبول‬
‫دعوته وإن كانت حقاً ‪]:‬فبما رمحة من اهلل لنت هلم ولو كنت فظاً غليظ القلب ال نفضوا من‬
‫حولك[ آل عمران[‪ ]159‬فاالستجابة واملتابعة أعظم مقتضيات احملبة ‪،‬ومها يف الوقت نفسه أعظم‬
‫آثارها ‪.‬‬
‫وإذا متكنت احملبة فإهنا تورث تعلقاً عجيباً باحملبوب يدفع إىل فعل مقتضاها من املوافقة وإن كان يف‬
‫ذلك مضرة‪ S‬ظاهرة أو إعراض عن حمبوبات أخرى هي أكثر أمهية‪ ،‬ويتحمل احملب يف ذلك ما يلقي‬
‫من املعارضة واملالمة‪ ،‬وهذا ما يعرف من حال احملبني والعشاق وهو الذي يفسر ما ملئت به سريهم‬
‫من األخبار واألحوال‪ ،‬وليس هذا يف عشق وحمبة الصور احملسوسة من البشر‪ ،‬بل هو واقع يف املعاين‬
‫أيضاً فكثري من األجواد يعشق اجلود أعظم عشق فال يصرب عنه مع حاجته إىل ما جيود به‪ ،‬وال يقبل‬
‫فيه عذل عاذل‪ ،‬وال تأخذه فيه لومة الئم ‪ ،‬وأما عشاق العلم فأعظم شغفاً به ‪ ،‬وعشقاً له من كل‬
‫عاشق مبعشوقه))‪ S‬روضة احملبني (ص ‪)69:‬وباجلملة ((فأصل كل فعل وحركة يف العامل من احلب‬
‫واإلرادة ‪،‬فهو أصل كل فعل ومبدؤه‪ ،‬كما أن البغض والكراهة مانع وصاد لكل ما انعقد بسببه‬
‫ومادته))جامع الرسائل واملسائل (‪.)2/193‬‬
‫ومما يقوي أثر احملبة من املوافقة واالتباع ((حصول اللذة والنعمة والفرح والسرور وقرة العني به على‬
‫قدر قوة حمبته وإرادته والرغبة فيه)) روضة احملبني (ص‪ )156،155/‬ويلحق بذلك أن احملبة توقد نار‬

‫‪354‬‬
‫الشوق فيبقى القلب باحملبوب ومطلوبه مشغوالً‪ ،‬والعقل يف أمره مفكراً (والشوق أثر من آثار احملبة‬
‫وحكم من أحكامها فإنه سفر القلب إىل احملبوب يف كل حال)) هتذيب مدارج السالكني (ص‪:‬‬
‫‪. )525‬‬
‫وهكذا جند للمحبة أثرها العظيم يف الفكر والسلوك‪ (( ،‬واحملبة واإلرادة أصل كل دين سواء كان‬
‫ديناً صاحلاً أو ديناً فاسداً فإن الدين هو من األعمال الباطنة والظاهرة واحملبة واإلرادة أصل ذلك‬
‫كله)) جامع الرسائل واملسائل (‪(( ، )2/218‬وإذا كان احلب أصل كل عمل من حق وباطل وهو‬
‫أصل األعمال الدينية وغريها)) املصدر السابق (‪ )2/235‬علمنا أمهية هذا العنصر‪.‬‬
‫ومن منا كان اهلوى يف غري مرضاة اهلل خطراً عظيماً بل هو شرك حمض وألوهية باطلة كما قال تعاىل‬
‫]أفرأيت من اختذ إهله هواه[ اجلاثية [‪ ، ]23‬وباجلملة فعاطفة احملبة من أعظم عناصر التأثري سلباً‬
‫وإجياباً ‪ ،‬ومن مث كان احلرص على كسب القلوب واستجالب احملبة يف طاعة اهلل معيناً على‬
‫االستجابة للخري‪ ،‬والقبول للدعوة ‪ ،‬وإذا وجهت احملبة هلل وطاعته فذلك غاية عظمى ‪ ،‬إذ أن حمبة اهلل‬
‫((هي املنزلة اليت فيها تنافس املتنافسون وإليها شخص العاملون ‪ ،‬وإىل َعلَمها مشر السابقون ‪ ،‬وعليها‬
‫تفاىن احملبون ‪ ،‬وبروح نسيمها ّتروح العابدون ‪ ،‬فهي قوت القلوب ‪ ،‬وغذاء األرواح ‪ ،‬وقرة العيون‬
‫‪ ،‬وهي احلياة اليت من حرمها فهو من مجلة األموات ‪ ،‬والنور الذي من فقده فهو يف حبار الظلمات ‪،‬‬
‫والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه مجيع األسقام ‪ ،‬واللذة اليت من مل يظفر هبا فعيشه كله مهوم‬
‫وآالم)) هتذيب مدارج السالكني (ص‪ ، )509/‬واملقابل على الضد من ذلك ((فهو عن اخلري صاد ‪،‬‬
‫وللعقل مضاد ‪ ،‬ألنه يُنتج من األخالق قبائحها ‪ ،‬ويظهر من األفعال فضائحها ‪ ،‬وجيعل سرت املروءة‬
‫مهتوكاً ‪ ،‬ومدخل الشر مسلوكاً)) أدب الدنيا والدين (ص‪. )33 :‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬اإلقناع العقلي واحلجة العلمية ‪:‬‬
‫اهلوى يهوي بصاحبه والعقل – بإذن اهلل ‪-‬يعصمه ‪ ،‬والعقالء حيكمون عقوهلم يف أهوائهم ‪ ،‬وهذا‬
‫تصرف الرجال فقد حُي ب القلب فعالً معيناً وهتوى النفس سلوكاً حمدداً ‪ ،‬فيعرتض العقل بالنظر يف‬
‫البواعث ‪ ،‬والتأمل يف العواقب ‪ ،‬فيكبح مجاح اهلوى إذ أنه ((ملا كان اهلوى غالباً ‪ ،‬إىل سبيل املهالك‬
‫مورداً ‪ ،‬جعل العقل رقيباً جماهداً‪ ،‬يالحظ عثرة غفلته ‪ ،‬ويدفع بادرة سطوته ‪ ،‬ويدفع خداع حيلته ‪،‬‬
‫ألن سلطان اهلوى قوي ‪ ،‬ومدخل مكره خفي)) أدب الدنيا والدين (ص‪(( )35:‬وإذا كانت الدولة‬
‫للعقل ساملهُ اهلوى ‪ ،‬وكان من خدمه وأتباعه ‪ ،‬كما أن الدولة إذا كانت للهوى ‪ ،‬صار العقل أسرياً‬
‫يف يديه ‪ ،‬حمكوماً عليه))‪ S‬روضة احملبني (ص‪(()10:‬وما مثل اهلوى إال كسبع يف عنقه سلسلة فإن‬
‫استوثق منه ضابطه كفه ‪ ،‬ورمبا الحت له شهواته الغالبة عليه فلم تقاومها السلسلة فأفلت ‪ ،‬على أن‬
‫من الناس من يكف هواه بسلسلة ‪ ،‬ومنهم من يكفه خبيط)) صيد اخلاطر(ص‪. )164:‬‬

‫‪355‬‬
‫ورمبا ال تكون هناك حمبة وال ميل يف النفس ابتداء ولكن احلجة والربهان حيصل هبا قناعة العقل اليت‬
‫تزين الفعل أو الرأي للنفس وحتببه إىل القلب ‪ ،‬فالقناعة هلا تأثريها الذي ال ينكر يف دفع اإلنسان‬
‫الختاذ املوافق واآلراء ‪ ،‬وممارسة األفعال ‪ ،‬أو االمتناع من ذلك ‪ ،‬وتلك مزية العقل الراشد الذي هو‬
‫من أهم البواعث ((فال يسمي عاقالً إال من عرف اخلري فطلبه والشر فرتكه ‪ ،‬ومن فعل ما يعلم أنه‬
‫يضره فمثل هذا ماله عقل)) جمموع فتاوى ابن تيمية (‪ )7/24‬واحملبة والعقل إن اتفقا عظم األثر وان‬
‫اختلفا فمالت احملبة ملا حكم العقل بفساده فمآل األمر إىل غلبة أحدمها بقوته ‪ ،‬ومتكنه ‪ ،‬فقد يقرر‬
‫العقل ضرر الفعل لكنه يضعف ويغلبه اهلوى بباعث حب اللذة ‪ ،‬وقوة الشهوة (وهذا من اجلهل‬
‫الذي هو عمل خبالف العلم حىت يقدم املرء على فعل ما يعلم أنه يضره وترك ما يعلم أنه ينفعه ملا يف‬
‫نفسه من البغض واملعاداة ألشخاص وأفعال ‪ ،‬وهو يف هذه احلال ليس عدمي العلم والتصديق بالكلية ‪،‬‬
‫لكنه ملا يف نفسه من بغض وحسد غلب موجب ذلك املوجب والنتيجة ال توجد عنه وحده ‪ ،‬بل عنه‬
‫وعما يف النفس من حب ما ينفعها وبغض ما يضرها ‪ ،‬فإذا حصل هلا مرض ففسدت به أحبت ما‬
‫يضرها ‪ ،‬وأبغضت ما ينفعها ‪ ،‬فتصري النفس كاملريض الذي يتناول ما يضره لشهوة نفسه له مع‬
‫علمه أنه يضره)) جمموع فتاوى ابن تيمية (‪ )7/540‬و ((مطلق اهلوى يدعو إىل اللذة احلاضرة من‬
‫غري فكر يف عاقبة ‪ ،‬وحيث على امليل للشهوات عاجالً ‪ ،‬وإن كانت سبباً لألمل واألذى يف العاجل‬
‫ومنع اللذات يف األجل)) ذم اهلوى (ص‪.)13،12 :‬‬
‫وهذا يوضح أثر العقل وقناعته يف توجيه اآلراء والسلوكيات ‪ ،‬مع عدم إمهال أثر القلب وعاطفته ‪،‬‬
‫إذ قد توافق فيقوى التأثري ويتمكن ‪ ،‬أو ختالف فتكون هناك املغالبة مث الغلبة ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬القدوة احلية والنموذج املتحرك ‪:‬‬
‫ال خيفى أبداً أثر القدوة فهي الصورة احلية للفكرة ‪ ،‬والتطبيق العلمي للدعوة ‪ ،‬والتوضيح اجللي‬
‫للحجة ‪ ،‬وال شك أهنا من أعظم أسباب بذر احملبة يف القلوب ‪ ،‬ووجود القناعة يف العقول ((وكثري‬
‫من املدعوين ينتفعون بالسرية وال سيما العامة وأرباب العلوم القاصرة فإهنم ينتفعون من السرية‬
‫واألخالق الفاضلة واألعمال الصاحلة ما ال ينتفعون من األقوال اليت قد ال يفهموهنا)) جمموع فتاوى‬
‫ابن باز (‪.)3/110‬‬
‫والعكس صحيح فلو وجدت احملبة ‪ ،‬وأقيمت احلجة ‪ ،‬وبذلت الدعوة كان لتخلف القدوة ووجود ما‬
‫يعارض مقتضى الدعوة أثره يف ضعف التأثري ونقص احملبة ‪ ،‬وزعزعة القناعة ومعلوم ((أن التأسي‬
‫سر مبثوث يف طباع البشر ‪ ،‬ال يقدرون عن االنفكاك عنه‬ ‫باألفعال – بالنسبة ملن يعظّم يف الناس – ٌ‬
‫بوجه وال حبال وال سيما عند االعتياد والتكرار)) املوافقات (‪ )249-4/248‬ورحم اهلل ابن القيم‬
‫حيث أبدع يف بيان عكس هذه احلقيقة عندما قال ‪(( :‬علماء السوء جلسوا على باب اجلنة يدعون‬
‫إليها الناس بأقواهلم ‪ ،‬ويدعوهنم إىل النار بأفعاهلم فكلما قالت أقواهلم للناس هلموا قالت أفعاهلم ال‬

‫‪356‬‬
‫تسمعوا منهم ‪ ،‬فلو كان ما دعوا إليه حقاً كانوا أول املستجيبني له فهم يف الصورة أدالء ويف احلقيقة‬
‫قطاع الطريق)) وهلل در هرم بن حيان حيث حذر من العامل الفاسق فكتب إليه عمر رضي اهلل عنه‬
‫يسأله عن مراده فقال ‪(( :‬يكون إمام يتكلم بالعلم ويعمل بالفسق ‪ ،‬ويشبه على الناس فيضلوا)) نزهة‬
‫الفضالء (‪.)1/329،328‬‬
‫ويف كثري من األحيان تكون القدوة احلسنة مغنية عن كثري من أساليب الرتغيب والتشويق وأسباب‬
‫حتصيل احملبة ‪ ،‬وكذلك تعفي من االستكثار من االستدالل ‪ ،‬وإقامة احلجة واملناظرة واجلدال ‪ ،‬إذ‬
‫يتحقق من خالل القدوة الكثري من ذلك بشكل تلقائي وبصورة أعمق وأثبت حيث أن القدوة‬
‫((تساعد على تكوين احلافز يف املرتيب دومنا توجيه خارجي)) القدوة مبادئ ومناذج (ص ‪ )11:‬ألن‬
‫((املثال احلي املرتقي يف درجات الكمال يثري يف نفس البصري العاقل قدراً كبرياً من االستحسان‬
‫واإلعجاب والتقرير واحملبة ‪ ،‬ومع هذه األمور تتهيج دوافع الغرية احملمودة واملنافسة الشريفة)) القدوة‬
‫مبادئ ومناذج (ص‪ ) 8:‬فيحصل التأثر واالقتداء وتكون االستجابة قوية وهي يف الوقت نفسه سهلة‬
‫وتلقائية ‪(( ،‬حىت إذا أحببت االقتداء به من غري سؤال أغناك من السؤال يف كثري من األعمال))‬
‫املوفقات (‪ )4/271،270‬وهلل در ابن القيم حيث قال ‪(( :‬إن الناس قد أحسنوا القول فمن وافق‬
‫قوله فعله فذاك الذي أصاب حظه ومن خالف قوله فعله فذاك إمنا يوبِّخ نفسه))‪( S‬الفوائد (ص‪)192:‬‬
‫‪.‬‬
‫وهبذا تتكامل عناصر التأثري فإذا اجتمع مع حمبة الفعل اقتناع العقل بثمرته وفائدته وأضيف إليهما‬
‫قدوة يتمثل فيهما الفعل فإن التأثري يكون قد بلغ مبلغه ‪.‬‬
‫وال بد من التأكيد على أمهية عنصر القدوة وخطورة انعدامه حيث ((يستطيع اإلنسان أن يكون عاملاً‬
‫جهبذاً يف الكيمياء أو العلوم أو الطب أو اهلندسة أو غري ذلك من العلوم اليت أمرنا اهلل بتعلمها لتعمر‬
‫الدنيا ولكن هذه العلوم ال تتطلب منا قيداً سلوكياً ‪ ،‬فقد تكون عاملاً يف أي فرع من هذه العلوم‬
‫وسلوكك تبعاً هلواك ولكن هذا ال يفسد احلقيقة أنك عامل يف علمك ألن النبوغ ال يضع قيداً على‬
‫األخالق إال علم الدين فإنك إن كنت من علمائه أو الداعني إليه أو املتدينني املخلصني ال بد أن‬
‫تكون قدوة حسنة ملا تدعو إليه وإال ما استمع إليك أحد)) الدعوة قواعد وأصول (ص‪. )111:‬‬
‫وهلل در القائل ‪:‬‬
‫ال تنه عن خلق وتأيت مثله عار عليك إذا فعلت عظيم‬
‫وحسب املسلم قول اهلل تعاىل ‪]:‬يا أيها الذين آمنوا مل تقولون ماال تفعلون ‪ ،‬كرب مقتاً عند اهلل أن‬
‫تقول ماال تفعلون[ الصف [‪. ]3،2‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬مقومات‪ S‬النجاح يف تكوين الداعية‬

‫‪357‬‬
‫يف هذا الفصل أسلط الضوء على املقومات الشخصية الالزمة يف تكوين الداعية ليتأهل للنجاح يف‬
‫دعوته ‪ ،‬فاملقصود‪ S‬هو بيان ما يلزم الداعية أن يتحقق به يف ذات نفسه‪ ،‬وأن يوجده ويكلمه يف مساته‬
‫وصفاته كأساس ال بد منه قبل أي مقومات‪ S‬خارجية تتصل باملدعوين أو بيئة الدعوة أو موضوعاهتا ‪.‬‬
‫وإن هذه املقومات كثرية وميكن أن يطول احلديث يف سردها وعرضها وتكون مبثابة استعراض‬
‫لواجبات وآداب اإلسالم مما يفقدنا معرفة األولويات واألمهية الكامنة يف بعض املقومات ‪،‬ولذا‬
‫اجتهدت بعد التأمل والتفكري‪ ،‬أن أسلط الضوء على أربعة مقومات هي األكثر أمهية ومشولية ويندرج‬
‫حتتها كثري من الصفات األخرى ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬التميز اإلمياين والتفوق الروحاين ‪:‬‬
‫إن التميز يف جمال اإلميان عقيد ًة صحيحةً ‪ ،‬ومعرفةً جازمةً ‪ ،‬وتأثرياً قوياً يعد‪ -‬بال نزاع – أهم‬
‫املقومات وأوىل األولويات بالنسبة للداعية ‪ ،‬لكي يكون الداعية عظيم اإلميان باهلل ‪ ،‬شديد اخلوف‬
‫منه ‪ ،‬صادق التوكل عليه ‪ ،‬دائم املراقبة له ‪ ،‬كثري اإلنابة إليه ‪ ،‬لسانه رطب بذكر اهلل ‪ ،‬وعقله مفكر‬
‫يف ملكوت اهلل ‪ ،‬وقلبه مستحضر للقاء اهلل ‪ ،‬جمتهد يف الطاعات ‪ ،‬مسابق إىل اخلريات ‪ ،‬صوام بالنهار‬
‫ّقوام بالليل ‪ ،‬مع حتري اإلخالص التام ‪ ،‬وحسن الظن باهلل وهذا هو عنوان الفالح ‪ ،‬ومست الصالح‬
‫‪ ،‬ومفتاح النجاح ‪ ،‬إذ هو حتقيق ملعىن العبودية اخلالصة هلل وهي اليت جتلب التوفيق من اهلل فإذا‬
‫بالداعية مسدد ‪ ،‬إن عمل أجاد ‪ ،‬وإن حكم أصاب ‪ ،‬وإن تكلم أفاد ‪.‬‬
‫وهذا الباب واسع اجلوانب متعدد املستلزمات ‪ ،‬وحسيب أن أبرز أهم هذه اجلوانب ‪-:‬‬
‫أوالً ‪ :‬عظمة اإلميان باهلل ‪:‬‬
‫أساس كل أمر هو جتريد التوحيد ‪ ،‬والبعد عن الشرك وال بد أن يكون الداعية صحيح اإلميان ‪،‬‬
‫يعرفه باهلل وربوبيته وألوهيته وأمسائه وصفاته ‪ ،‬وأن تستقر هذه‬ ‫خالص التوحيد ‪ ،‬عنده من العلم ما ِّ‬
‫املعرفة يف سويداء قلبه ‪ ،‬ومتلك عليه أقطار نفسه ‪ ،‬وجتري مع الدماء يف عروقه ‪ ،‬وأن ينعكس ذلك‬
‫قوم به أفعاله وأعماله ‪،‬‬‫على سائر أحواله فتنضبط به أفكاره وآراؤه ‪ ،‬وحُت كم به كلماته وألفاظه ‪ ،‬وتُ َّ‬
‫وجيمع ابن القيم هذا املعىن يف عبارة أمشل وأعمق حيث يقول يف بيان املراد أنه ((التزام عبوديته من‬
‫الذل واخلضوع واإلنابة وامتثال أمر سيده ‪ ،‬واجتناب هنيه ‪ ،‬ودوام االفتقار إليه ‪ ،‬واللجأ إليه ‪،‬‬
‫واالستعانة به ‪ ،‬والتوكل عليه ‪ ،‬وعياذ العبد به ولياذه به ‪ ،‬وأن ال يتعلق قلبه بغريه حمبة وخوفاً ورجاءً‬
‫‪ ،‬وفيه أيضاً أنه عبد من مجيع الوجوه ‪ :‬صغرياً وكبرياً ‪ ،‬حياً وميتاً ‪ ،‬مطيعاً وعاصياً معاىف ومبتلى ‪،‬‬
‫بالروح والقلب واللسان واجلوارح ‪ ،‬وفيه أيضاً أن مايل ونفسي ملك لك فإن العبد وما ميلك لسيده‬
‫‪ ،‬وفيه أيضاً أنك أنت الذي مننت علي بكل ما أنا فيه من نعمة فذلك كله من إنعامك على عبدك ‪،‬‬
‫وفيه أيضاً أين ال أتصرف فيما خولتين من مايل ونفسي إال بأمرك ‪ ،‬كما ال يتصرف العبد إال بإذن‬
‫سيده وإين ال أملك لنفسي ضراً وال نفعاً ‪ ،‬وال موتاً وال حياة وال نشوراً ‪ ،‬فإن صح له شهود ذلك‬

‫‪358‬‬
‫فقد قال إين عبدك حقيقة)) الفوائد (ص‪ ، )35،34:‬وال يتصور للداعية جناح وتوفيق ‪ ،‬أو متيز‬
‫وقبول دون أن يكون حظه من اإلميان عظيماً ((إذ كيف تدعو الناس إىل أحد و صالتك به واهية‬
‫ومعرفتك به قليلة)) مع اهلل (ص‪. )188 :‬‬
‫وهذه الغاية العظمى تتصل أكثر شيء بأعمال القلوب اليت ختفى على الناس وال يعلمها إال عالم‬
‫الغيوب ‪ ،‬إال أن آثار ذلك تظهر بوضوح يف األقوال واألفعال فإن ((عكوف القلب على اهلل تعاىل ‪،‬‬
‫ومجعيته عليه ‪ ،‬واخللوة به ‪ ،‬واالنقطاع عن االشتغال باخللق ‪ ،‬واالشتغال به وحده سبحانه ‪ ،‬حبيث‬
‫يصري ذكره وحبه ‪ ،‬واإلقبال عليه يف حمل مهوم القلب وخطراته ‪ ،‬فيستويل عليه بدهلا ‪ ،‬ويصري اهلم‬
‫كله به ‪ ،‬واخلطرات كلها بذكره ‪ ،‬والتفكر يف حتصيل مراضيه وما يقرب منه ‪ ،‬فيصري أنسه باهلل بدالً‬
‫عن أنسه باخللق ‪ ،‬فيعده بذلك ألنسه به يوم الوحشة يف القبور حني ال أنيس له ‪ ،‬وال ما يفرح به‬
‫سواه)) زاد املعاد (‪ ، )2/87‬كل ذلك ينعكس على الداعية فتظهر على شخصيته آثار اإلميان‬
‫الصحيح املتحرك ومن أبرزها ‪-:‬‬
‫‪ _1‬التحرر من عبودية غري اهلل ‪:‬‬
‫اإلميان قوة عظمى يستعلي هبا املؤمن على كل قوى األرض ‪ ،‬وكل شهوات الدنيا ‪ ،‬ويصبح حراً ال‬
‫سلطان ألحد عليه إال هلل ‪ ،‬فال خياف إال اهلل ‪ ،‬وال يذل إال هلل ‪ ،‬وال يطلب إال من اهلل ‪ ،‬وال يأمل إال‬
‫من اهلل ‪ ،‬وال يتوكل إال على اهلل ‪ ،‬ولإلميان تأثري كبري يف أعظم أمرين يسيطران على حياة البشر ومها‬
‫‪ :‬اخلوف على الرزق ‪ ،‬واخلوف على احلياة ‪.‬‬
‫حب املال ‪ ،‬وكم باع أناس‬ ‫أما األول ‪ :‬فال خيفى كم أذل احلرص أعناق الرجال ‪ ،‬وكم شغل الناس ُّ‬
‫الذهب بأبصارهم وسىب قلوهبم ‪ ،‬أما املؤمن‬ ‫مبادئهم ‪ ،‬وخانوا أمتهم وتنكروا ملاضيهم ملا ذهب َّ‬
‫فحقائق اإلميان متلؤ قلبه فال يتأثر بشيء من هذا ألن يف قلبه قول احلق جل وعال ]ويف السماء رزقكم‬
‫وما توعدون[ الذاريات[‪ ]22‬وألنه يعلم من بيده الرزق ]فابتغوا عند اهلل الرزق واعبده واشكروا له[‬
‫العنكبوت[‪ ]17‬وأنه ال ميلك أحد من البشر من ذلك شيئاً ]إن الذين تعبدون من دون اهلل ال ميلكون‬
‫لكم رزقاً[ العنكبوت [‪ ]17‬وفوق ذلك يعلم حقيقة الرزق يف الدنيا وقيمته احملدودة ويرتبط بقوله‬
‫تعاىل ]ورزق ربك خري وأبقى[ طه [‪ ]131‬وقوله ]إن هذا لرزقنا ماله من نفاد[ ص [‪ ]54‬وحديث‬
‫املصطفى ‪(( : ‬لو كانت الدنيا تعدل عند اهلل جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء))‬
‫أخرجه الرتمذي كتاب الزهد ‪ ،‬باب ما جاء يف هوان الدنيا على اهلل ‪ ،‬حديث رقم (‪ )2320‬ومن‬
‫هذه املنطلقات اإلميانية قال الشافعي رمحه اهلل ‪:‬‬
‫أنا إن عشت لست أعدم قوتاً وإذا مت لست أعدم قرباً‬
‫مهيت مهة امللوك ونفسي نفس حر ترى املذلة قهراً‬

‫‪359‬‬
‫وأما الثاين ‪ :‬فيقني املؤمن أن املوت واحلياة بيد اهلل ‪ ،‬وأنه ال ينجي حذر من قدر ‪ ،‬وأن األمة لو‬
‫اجتمعت على أن يضروه بشيء مل يضروه إال بشيء قد كتبه اهلل عليه ‪ ،‬وأن املوت ليس باإلقدام وأن‬
‫السالمة ليست باإلحجام بل كما قال تعاىل ]أينما تكونوا يدرككم املوت ولو كنتم يف بروج‬
‫مشيدة[ النساء [‪ ]78‬ومن هنا يتميز املؤمن عن غريه ‪ ،‬فبينما ترجتف القلوب وتنسكب الدموع ‪،‬‬
‫وتعلو التوسالت ‪ ،‬وتقدَّم التنازالت ‪ ،‬حرصاً على احلياة ‪ ،‬جند املؤمن كالطود الشامخ يهتف مع‬
‫خبيب بن عدي قائالً ‪:‬‬
‫ولست أبايل حني أقتل مسلماً على أي جنب كان يف اهلل مصرعي‬
‫ويتذكر قول علي بن أيب طالب ‪:‬‬
‫يومي من املوت أفر يوم ال يقدر أو يوم قُدر‬
‫أي َّ‬
‫يوم ال يقدر ال أرهبه ومن املقدور ال ينجو احلذر‬
‫أحد فمضى يف شوق إىل عناق املوت ‪،‬‬ ‫شم رائحة اجلنة يف ُ‬
‫ويتذكر املؤمن حال أنس بن النضر يوم َّ‬
‫ويدرك عمق إميان عمري بن احلمام عندما استطال – ألجل أكل مترات – هذه احلياة ‪ ،‬ويقف على‬
‫سر اإلميان العظيم عندما يهتف الشهيد قائالً ‪ :‬فزت ورب الكعبة ‪ ،‬وال ينسى خرب سحرة فرعون ملا‬ ‫ّ‬
‫آمنوا وهدَّودا باملوت هتفوا قائلني ]اقض ما أنت قاض إمنا تقضي هذه احلياة الدنيا[ طه [‪. ]72‬‬
‫‪ -2‬اخلشية من اهلل ‪:‬‬
‫وهي من أعظم آثار اإلميان وأبرز أوصاف املؤمنني ]الذين خيشون رهبم بالغيب وهم من الساعة‬
‫مشفقون[ األنبياء [‪] ]49‬الذين يبلغون رساالت اهلل وخيشونه وال خيشون أحداً إال اهلل[ األحزاب [‬
‫‪ ]39‬وقدوهتم يف ذلك النيب ‪ ‬حيث يقول ‪(( :‬إين ألخشاكم هلل وأتقاكم له)) أخرجه البخاري يف‬
‫كتاب النكاح ‪ ،‬كتاب الرتغيب للنكاح (الفتح ‪(( ، )9/104:‬واخلشية أخص من اخلوف ‪ ،‬فهي‬
‫مقرون مبعرفة)) هتذيب مدارج السالكني (ص‪ )269:‬وعندما تعمر اخلشية واخلوف قلب الداعية‬
‫املؤمن يتميز عن الغافلني والعابثني ألن اخلوف حيول بني صاحبه وبني حمارم اهلل ‪ ،‬فقهُ ذلك أنطق‬
‫إبراهيم بن سفيان باحلكمة فقال‪(( :‬إذا سكن اخلوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها وطرد‬
‫الدنيا عنها)) هتذيب مدارج السالكني (ص‪ )270:‬وقال الفضيل بن عياض ‪((:‬من خاف اهلل مل يضره‬
‫أحد ‪ ،‬ومن خاف غري اهلل مل ينفعه أحد)) نزهة الفضالء (‪ )2/661‬وهذه اخلشية دافعة للطاعة ((وما‬
‫استعان عبد على دينه مبثل اخلشية من اهلل)) نزهة الفضالء (‪ )1/513‬والداعية له رتبة عليا من اإلميان‬
‫((جتعل خشيته هلل أسرع إىل فؤاده من أي رهبة ختامر نفسه أمام ذي سلطان)) مع اهلل (ص‪. )190:‬‬
‫واخلشية أساس مراقبة اهلل ترقي باملؤمن إىل درجة اإلحسان وأن يعبد اهلل كأنه يراه فإن مل يكن يراه‬
‫فإنه يراه ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬اإلخالص هلل ‪:‬‬

‫‪360‬‬
‫((اإلخالص هلل روح الدين ولباب العبادة وأساس أي داع إىل اهلل)) مع اهلل (ص‪ )201:‬وهو ((يف‬
‫حقيقته قوة إميانية ‪ ،‬وصراع نفسي ‪ ،‬يدفع صاحبه – بعد جذب وشد – إىل أن يتجرد من املصاحل‬
‫الشخصية ‪ ،‬وأن يرتفع عن الغايات الذاتية ‪ ،‬وأن يقصد من عمله وجه اهلل ال يبغي من ورائه جزاءً‬
‫وال شكوراً)) صفات الداعية النفسية (ص‪ )12:‬فاملخلصون ((أعماهلم كلها هلل ‪ ،‬وأقواهلم هلل ‪،‬‬
‫وعطاؤهم هلل ‪،‬ومنعهم هلل ‪ ،‬وحبهم هلل ‪ ،‬وبغضهم هلل ‪ ،‬فمعاملتهم ظاهراً وباطناً لوجه اهلل وحده))‬
‫هتذيب مدارج السالكني (ص‪ )68 :‬واإلخالص للداعية ألزم له من كل أحد وأمهيته تفوق كل أمر ‪،‬‬
‫وهو استجابة ألمر اهلل ]وما أمروا إال ليعبدوا اهلل خملصني له الدين[ البينة [‪ ، ]5‬ويف تركه خوف من‬
‫احلرمان برد األعمال ومنع التوفيق ألن اهلل جل وعال قال يف احلديث القدسي ((أنا أغىن الشركاء عن‬
‫الشرك من عمل عمالً أشرك فيه معي غريي تركته وشركه))‪ S‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الزهد ‪ ،‬باب‬
‫الرياء (النووي)(‪ )18/115S‬وفيه وقاية من عذاب اآلخرة الذي توعد به الرسول الكرمي ‪ ‬من‬
‫تسعر هبم النار وهم قارئ وغين وجماهد مل يقصدوا بأعماهلم‬ ‫عمل بال إخالص عندما ذكر أول ثالثة ّ‬
‫وجه اهلل (أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب اإلمارة ‪ ،‬باب من قاتل للرياء والسمعة واستحق النار (عبد الباقي)(‬
‫‪.)3/1514،1513‬‬
‫فال بد واألمر كذلك من حتري اإلخالص واحلذر مما يضاده فإنه ((ال جيتمع اإلخالص يف القلب‬
‫وحمبة املدح والثناء والطمع فيما عند الناس إال كما جيتمع املاء والنار والضب واحلوت))‪ S‬الفوائد‬
‫(ص‪(( )195:‬واملفروض‪ S‬أن الداعية العارف باهلل قد بلغ من منازل اإلميان منزلة جتعل رجاءه يف اهلل‬
‫وحده يسبق كل رغبة إىل خملوق)) مع اهلل (ص‪ )190:‬واإلخالص جيعل للكلمات حيوية مؤثرة ‪،‬‬
‫وللدعوة قوالً سريعاً ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬حسن الصلة باهلل ‪:‬‬
‫واملقصود‪ S‬هبا إقامة الفرائض ‪ ،‬واالستكثار من النوافل ‪ ،‬واالشتغال باألذكار ‪ ،‬واملداومة على‬
‫االستغفار وكثرة التالوة القرآنية ‪ ،‬واحلرص على املناجاة الربانية ‪ ،‬وغري ذلك من القربات والطاعات‬
‫‪ ،‬ألن العبادة زاد يتقوى به الداعية ‪ ،‬فالصالة صلة بينه وبني مواله ‪ ،‬وال مناص من متيزه يف حرصه‬
‫عليها ‪ ،‬وتبكريه إليها ‪ ،‬وخشوعه فيها ‪،‬وتطويله هلا ‪ ،‬وشهودها مع اجلماعة وله يف ذلك قدوات‬
‫سالفة فسعيد بن املسيب ((ما فاتته الصالة يف اجلماعة أربعني سنة)) نزهة الفضالء (‪)1/370‬‬
‫((والربيع بن خثيم كان يقاد إىل الصالة وبه الفاجل ‪ ،‬فلما روجع يف ذلك قال ‪ :‬إين أمسع حي على‬
‫الصالة فإن استطعتم أن تأتوها ولو حبواً)) نزهة الفضالء (‪ ، )1/381‬ولست أدري كيف يكون‬
‫داعية من يتخلف عن الصلوات يف اجلماعات سيما يف الفجر والعصر مع ما ورد يف أدائهما خصوصاً‬
‫من تعظيم األجر ‪ ،‬وما جاء يف فواهتما من التحذير من اإلمث والوزر ‪ ،‬وقد ترخص كثريون يف ذلك‬
‫فال يهمهم التبكري ‪ ،‬وال يعنيهم إدراك التكبري ‪ ،‬ولست أدري ما يقول هؤالء إذا مسعوا مقالة إبراهيم‬

‫‪361‬‬
‫بن زيد التيمي ‪(( :‬إذا رأيت الرجل يتهاون يف التكبرية األوىل فاغسل يدك منه)) نزهة الفضالء (‬
‫‪ )1/468‬ومباذا يعلقون إذا علموا أن سعيد بن عبد العزيز التنوخي ((كان إذا فاتته صالة اجلماعة‬
‫بكى)) نزهة الفضالء (‪ )2/611‬واحلقيقة أن األمر يف هذا يطول والتفريط فيه من بعض الدعاة كثري‬
‫وخطري ‪ ،‬ونصوص الكتاب والسنة أشهر من أن تذكر‪.‬‬
‫والذكر عظيم املنزلة فهو ((منشور الوالية الذي من أعطية اتصل ‪ ،‬ومن منعه عُزل ‪ ،‬وهو قوت‬
‫قلوب القوم الذي مىت فارقها صارت األجسام هلا قبوراً ‪ ،‬وعمارة ديارهم اليت إذا تعطلت عنه‬
‫صارت بوراً ‪ ،‬وهو سالحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ‪ ،‬وماؤهم الذي يطفئون به التهاب‬
‫احلريق ‪ ،‬ودواء أسقامهم الذي مىت فارقهم انتكست منه القلوب)) هتذيب مدارج السالكني (ص‪:‬‬
‫‪ ، )463‬والذكر هو العبادة املطلوبه بال حد يُنتهي إليه ]يا أيها الذين آمنوا اذكروا اهلل ذكراً‬
‫كثرياً[ األحزاب [‪ ]41‬وبال وقت ختتص به ]ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى[ طه‬
‫[‪ ]130‬وبال حال تستثين منه ]الذين يذكرون اهلل قياماً وقعوداً وعلى جنوهبم[ آل عمران [‪،]91‬‬
‫والذاكرون هم السابقون إشارة إىل حديث أبو هريرة ‪(( :‬سبق املفردون ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وما املفردون يا‬
‫رسول اهلل ؟ قال ‪ :‬الذاكرون اهلل كثرياً والذاكرات)) أخرجه مسلم ‪ ،‬يف كتاب الذكر والدعاء ‪،‬‬
‫باب احلث على ذكر اهلل تعاىل (النووي)(‪ ، )17/4S‬يف رياض اجلنة يرتعون إشارة إىل حديث أنس بن‬
‫مالك ‪(( :‬إذا مررمت برياض اجلنة فارتعوا ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وما رياض اجلنة ؟ قال ‪ :‬حلق الذكر)) أخرجه‬
‫الرتمذي ‪ ،‬وقال حديث حسن غريب ‪( .‬انظر الرتغيب والرتهيب ‪ ،)408،407 /2‬وبوصية‬
‫املصطفى ‪ ‬يعلمون (إشارة إىل حديث عبد اهلل بن بشر ‪ ،‬أن رجالً قال ‪(( :‬يا رسول اهلل إن شرائع‬
‫اإلسالم قد كثرت علي فأخربين بشيء أتشبث به ؟ قال ‪ :‬ال يزال لسانك رطباً من ذكر اهلل)) رواه‬
‫الرتمذي وقال حديث حسن غريب (انظر الرتغيب والرتهيب ‪ ، )2/394‬ومبباهاة املالئكة يسعدون‬
‫((إشارة إىل حديث النيب ‪ ‬ملن جلسوا يذكرون اهلل ‪ ،‬حيث قال ‪ :‬ولكنه أتاين جربيل وأخربين َّ‬
‫أن‬
‫اهلل عز وجل يباهي بكم املالئكة)) أخرجه مسلم‪ ،‬يف كتاب الذكر ‪،‬باب فضل االجتماع على تالوة‬
‫القرآن والذكر (النووي)(‪.)17/23S‬‬
‫واالستغفار من أعظم األذكار وكان املصطفى عليه الصالة السالم يستغفر يف اليوم والليلة سبعني مرة‬
‫‪.‬أخرجه البخاري يف كتاب الدعوات ‪ ،‬باب استغفار النيب ‪ ‬يف اليوم والليلة (الفتح‪)11/101‬‬
‫وأخرب أمته أن ((من لزم االستغفار جعل اهلل له من كل ضيق خمرجاً ‪ ،‬ومن كل هم فرجاً ورزقه من‬
‫حيث ال حيتسب))‪ S‬أخرجه أبو دواد يف كتاب الصالة ‪ ،‬باب االستغفار (‪ )2/178()1518‬ولذا‬
‫فال بد للداعية من األذكار ليحيي اهلل قلبه ‪ ،‬وال بد له من االستغفار ليمحو اهلل ذنبه ‪.‬‬
‫وأعظم الذكر تالوة القرآن اليت هي من أقوى الصالت باهلل اليت حيتاجها الدعاة ‪ ،‬وهلا أثرها يف الواقع‬
‫الدعوة واحلياة ((ومن الصلة باهلل إعزاز كتابه وإدمان تالوته وتدبر معانيه ‪ ،‬وعقد مقارنة مستمرة بني‬

‫‪362‬‬
‫املثل اليت حيدو العامل إليها ‪ ،‬والواقع الذي ثوى الناس فيه لتكون هذه املقارنة حافزاً على تذكري الناس‬
‫باحلق ‪ ،‬وقيادهتم إىل اهلل‪ ،‬وتأهيلهم ‪ .‬وقرب الداعية من كتاب اهلل جيب أن يكون متعة لروحه وسكناً‬
‫لفؤاده وشعاعاً لعقله‪ ،‬ووقوداً حلركته ومرقاة لدرجته)) مع اهلل (ص‪ )191:‬والصلة بالقرآن موجبة‬
‫للتميز كما قال ابن مسعود رضي اهلل عنه‪((:‬ينبغي حلامل القرآن أن يعرف بليله إذا الناس نائمون‬
‫‪،‬وبنهاره إذا الناس مفطرون ‪،‬وحبزنه إذا الناس يفرحون ‪ ،‬وببكائه إذا الناس يضحكون ‪ ،‬وبصمته إذا‬
‫الناس خيوضون ‪ ،‬وخبشوعه إذا الناس خيتالون ‪ ،‬وينبغي حلامل القرآن أن يكون باكياً حمزوناً حكيماً‬
‫حليماً سكيناً ‪ ،‬وال ينبغي حلامل القرآن أن يكون جافياً وال غافالً وال سخاباً وال صياحاً وال‬
‫حديداً)) الفوائد (ص‪. )192:‬‬
‫واخلالصة أن التميز اإلمياين من أعظم أسباب جناح الداعية ‪ ،‬إذ ليس النجاح بفصاحة اللسان وال قوة‬
‫الربهان وال كثرة األعوان ‪ ،‬بل هو مع ذلك وقبل ذلك بتوفيق اهلل الذي خيص به أولياءه وال شك‬
‫((أن الدعاة الذين يكرسون أوقاهتم هلل لدفع الناس إىل سبيله ‪ ،‬ال بد أن يكون شعورهم باهلل أعمق ‪،‬‬
‫وارتباطهم به أوثق ‪ ،‬وشغلهم به أدوم ‪ ،‬ورقابتهم له أوضح)) مع اهلل (ص‪ )190:‬وحنن نريد‬
‫روحانية إجيابية ‪ ،‬ال انعزالية ترتكز على العبادات واألوراد بعيداً عن التفاعل مع احلياة وما فيها من‬
‫مهوم ومعاناة ‪ ،‬نريد ((روحانية إجيابية حتفزه للتضحية وتستهدف الشهادة وتعمق احلاجة إىل رضا اهلل‬
‫لتغدو هاجساً يومياً يالحق كل مواطن رضاه يف عملية تدقيق ومعاناة جتعله يعيش مع عقيدته يف‬
‫أفكاره ومشاعره ويف عالقاته ومطاحمه ‪ ،‬فتتحول يف داخل ذاته إىل هم يومي متحرك يراقب األشياء‬
‫من خالله ‪ ،‬وحيدد موفقه منها على أساسه))‪ S‬احلركة اإلسالمية مهوم وقضايا (ص‪. )14 :‬‬
‫وهناك تقصري ظاهر لدى بعض الدعاة واجلماعات اإلسالمية يف العناية هبذا اجلانب املهم وكثرياً ما‬
‫يكون ذلك بسبب تضخم العناية باجلوانب الفكرية والسياسية وغريها ‪ ،‬ولذا صار يرى بعض من‬
‫ينتسبون إىل الدعوة وهم مقصرون يف معرفتهم وصلتهم باهلل ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬الرصيد العلمي والزاد الثقايف ‪:‬‬
‫وهذا أساس ال بد منه حىت جيد الناس عند الداعية إجابة التساؤالت ‪ ،‬وحلول املشكالت إضافة إىل‬
‫ذلك هو العدَّة اليت هبا يعلِّم الداعيةُ الناس أحكام الشرع ‪ ،‬ويبصرهم حبقائق الواقع ‪ ،‬وبه أيضاً يكون‬
‫الداعية قادراً على اإلقناع وتفنيد الشبهات ‪ ،‬ومتقناً يف العرض ‪ ،‬ومبدعاً يف التوعية والتوجيه ‪.‬‬
‫((وإذا كانت الدعوة إىل اهلل أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها فهي ال حتصل إالَّ بالعلم الذي‬
‫يدعو به وإليه ‪،‬وال بد من كمال الدعوة من البلوغ يف العلم على حد يصل إليه السعي)) مفتاح دار‬
‫السعادة(‪. )1/154‬‬
‫واخلوض يف غمار الدعوة وميادينها فيما ال علم للداعي به ‪ ،‬ترتتب عليه آثار وخيمة ألن ((العامل‬
‫على غري علم كالسالك على غري طريق ‪ ،‬والعامل على غري علم ما يفسد أكثر مما يصلح)) مفتاح دار‬

‫‪363‬‬
‫السعادة (‪(( )1/130‬وال يكون عمله صاحلاً إن مل يكن بعلم وفقه ‪ ،‬وكما قال عمر بن عبد العزيز‬
‫‪(( :‬من عبَد اهلل بغري علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح))‪ ،‬وكما يف حديث معاذ بن جبل رضي اهلل‬
‫عنه ((العلم إمام العمل والعمل تابعه))‪ ، S‬وهذا ظاهر فإن القصد العمل ‪ ،‬والعمل إن مل يكن بعلم‬
‫كان جهالً وضالالً واتباعاً للهوى)) جمموع فتاوى ابن تيمية (‪. )28/136،135‬‬
‫وطبيعة مهمة الداعي خطرية ونظرة الناس إليه ‪ ،‬واعتدادهم به ‪ ،‬وأخذهم عنه جيعل أمر العلم ((أشد‬
‫ضرورة للداعي إىل اهلل ألن ما يقوم به من الدين ‪ ،‬ومنسوب إىل رب العاملني ‪ ،‬فيجب أن يكون‬
‫الداعي على بصرية وعلم مبا يدعو إليه ‪ ،‬وبشرعية ما يقوله ويفعله ويرتكه ‪ ،‬فإذا فقد العلم املطلوب‬
‫الالزم له كان جاهالً مبا يريده ووقع يف اخلبط واخللط ‪ ،‬والقول على اهلل ورسوله بغري علم ‪ ،‬فيكون‬
‫ضرره أكثر من نفعه ‪ ،‬وإفساده أكثر من إصالحه وقد يأمر باملنكر وينهى عن املعروف جلهله مبا أحلّه‬
‫وحرمه)) أصول الدعوة (ص‪ )135:‬ومن أكثر األمور اليت يفنت هبا عوام‬ ‫الشرع وأوجبه ومبا منعه َّ‬
‫الناس التصرف اخلاطئ الذي يصدر من بعض اجلهالء من أهل العبادة والصالح ألن ((الناس حيسنون‬
‫الظن به لعبادته وصالحه فيقتدون به على جهله)) مفتاح دار السعادة (‪ ،)2/12‬فهذا يقتدون به من‬
‫أثر حاله ‪ ،‬فكيف بالداعية الذي يوجههم حباله ومقاله ‪ ،‬إن افتتاهنم به أكرب وأشد‪.‬‬
‫فضل العلم ومثرته ‪:‬‬
‫البد للداعية أن يوقن أن ((العلم أشرف ما رغب فيه الراغب ‪ ،‬وأفضل ما طلب وجد فيه الطالب ‪،‬‬
‫وأنفع ما كسبه واقتناه الكاسب))‪ S‬أدب الدنيا والدين (ص‪ )40:‬واآلخذ بالعم آخذ بالبداية‬
‫الصحيحة إذ العلم مقدم على القول والعمل كما قال تعاىل ]فاعلم أنه ال إله إال اهلل واستغفر لذنبك[‬
‫حممد [‪. ]19‬‬
‫وبالعلم حيوز الداعية الرفعة يف امليزان الرباين وفق قوله تعاىل ]يرفع اهلل الذين آمنوا منكم والذين أوتوا‬
‫العلم درجات[ اجملادلة[‪ ،]11‬والسعي يف طلب العلم حتقيق للغاية اليت أرادها اهلل ووجه إليها يف قوله‬
‫]فلوال نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا يف الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم‬
‫حيذرون[ التوبة [‪، ]122‬فقد جعل اهلل األمة فرقتني ((أوجب على إحدامها اجلهاد يف سبيله وعلى‬
‫األخرى التفقه يف دينه ‪ ،‬لئال ينقطع مجيعهم عن اجلهاد فتندرس الشريعة ‪ ،‬وال يتوفرا على طلب العلم‬
‫فتغلب الكفار على امللة ‪،‬فحرس بيضة اإلسالم باجملاهدين ‪ ،‬وحفظ شريعة اإلميان باملتعلمني ‪ ،‬وأمر‬
‫بالرجوع إليهم يف النوازل ومسألتهم عن احلوادث فقال عز وجل ]فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ال‬
‫تعلمون[ النحل [‪ ]43‬وقال تعاىل ]ولو ردوه إىل الرسول وإىل أويل األمر منهم لعلمه الذين‬
‫يستنبطونه منهم[ النحل [‪. ]43‬‬

‫‪364‬‬
‫وإذا سلك الداعية طريق العلم حظي باخلريية الربانية الثابتة يف حديث الرسول ‪(( ‬من سلك طريقاً‬
‫سهل اهلل به طريقاً من طرق اجلنة)) سنن أبو داود ‪ ،‬كتاب العلم ‪ ،‬باب احلث على‬ ‫يلتمس فيه علماً ّ‬
‫العلم (‪. )4/57()3641‬‬
‫وإذا نال الداعية حظاً وافياً من العلم واندرج يف سلك طلبة العلم فإنه يكون يف جمتمعه نرباساً يُهتدى‬
‫به كما قال ابن القيم عن الفقهاء ((إهنم يكون األرض مبنزلة النجوم يف السماء ‪ ،‬هبم يُهتدى يف‬
‫الظلماء ‪ ،‬حاجة الناس إليهم أعظم من حاجتهم إىل الطعام والشراب ‪ ،‬وطاعتهم أفرض عليهم من‬
‫طاعة األمهات واآلباء)) إعالم املوقعني (‪ ، )1/9‬وعندما يتحرك الداعية ناشراً علمه ساعياً بني الناس‬
‫باإلصالح ناعياً عليهم الغفلة والفساد فإنه حيظى بشرف الوصف الذي ذكره اإلمام أمحد حني قال ‪:‬‬
‫ضل إىل اهلدى‬
‫((احلمد هلل الذي جعل يف كل فرتة من الرسل بقايا من أهل العلم يدعون من َّ‬
‫ويصربون منهم على األذى ‪ ،‬حييون بكتاب اهلل تعاىل املوتى ‪ ،‬ويبصرون بنور اهلل أهل العمى ‪ ،‬فكم‬
‫قتيل إلبليس قد أحيوه ‪ ،‬وكم من ضال تائه قد َهدوه ‪ ،‬فما أحسن أثرهم على الناس وما أقبح‬ ‫من ٍ‬
‫أثر الناس عليهم)) إعالم املوقعني (‪ ، )1/9‬وأهل العلم والبصرية من الدعاة شهد التاريخ أهنم ((هم‬
‫وكمل هبم الناقص ‪ ،‬ورجع هبم‬ ‫من اهتدى هبم احلائر ‪ ،‬وسار هبم الواقف ‪ ،‬وأقبل هبم املعرض ‪ُ ،‬‬
‫الناكص ‪ ،‬وتقوى هبم الضعيف)) مدارج السالكني (‪. )3/304‬‬
‫وألهل العلم يف بيان شرف العلم وفضيلته مقاالت رائعة منها ‪ :‬قول اخلطيب يف الفقيه واملتفقه ‪:‬‬
‫((قد جعل اهلل العلم وسائل أوليائه ‪ ،‬وعصم به من اختار من أصفيائه)) الفقيه واملتفقه (‪.)2/71‬‬
‫وأسند قبل ذلك عن حممد بن القاسم بن خالد قال ‪(( :‬يقال العقل دليل اخلري ‪ ،‬والعلم مصباح العقل‬
‫وأسر عشيق ‪ ،‬وأفضل صاحب وقرين ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وهو جالء القلب من صدى اجلهل ‪ ،‬وهو أقنع جليس ‪ُّ ،‬‬
‫وأزكى عقدة ‪ ،‬وأربح جتارة ‪ ،‬وأنفع مكسب ‪ ،‬وأحسن كهف ‪ ،‬وأفضل ما اقتين لدنيا واستظهر به‬
‫آلخرة ‪ ،‬واعتصم به من الذنوب ‪ ،‬وسكنت إليه القلوب ‪ ،‬يزيد يف شرف الشريف ‪ ،‬ورفعة الرفيع ‪،‬‬
‫وقدر الوضيع ‪ ،‬أنس يف الوحشة ‪ ،‬وأمن عند الشدة ‪ ،‬ودال على طاعة اهلل تعاىل وناه عن املعصية ‪،‬‬
‫وقائد إىل رضوانه ‪ ،‬ووسيلة إىل رمحته)) الفقيه املتفقه (‪.)2/71‬‬
‫وقال أبو هالل العسكري يف ((احلث على طلب العلم)) ‪(( :‬فإذا كنت – أيها األخ الكرمي – ترغب‬
‫يف مسو القدر ‪ ،‬ونباهة الذكر ‪ ،‬وارتفاع املنزلة بني اخللق ‪ ،‬وتلتمس عزاً ال تثلمه الليايل واأليام ‪ ،‬وال‬
‫تتحيَّفه الدهور واألعوام ‪ ،‬وهيبة بغري سلطان ‪ ،‬وغىن بال مال ‪ ،‬ومنعة بغري سالح ‪ ،‬وعالء من غري‬
‫عشرية ‪ ،‬وأعواناً بغري أجر ‪ ،‬وجنُداً بال ديوان وفرض ‪ ،‬فعليك بالعلم فاطلبه يف مظانه تأتك املنافع‬
‫عفواً وتلق ما يعتمد منه صفواً )) احلث على طلب العلم (ص‪. )43:‬‬

‫‪365‬‬
‫وقال ابن إسحاق بن أيب فروة ‪(( :‬أقرب الناس من درجة النبوة أهل العلم وأهل اجلهاد فأما أهل‬
‫العلم فدلوا الناس على ما جاءت به الرسل ‪ ،‬وأما أهل اجلهاد فجاهدوا على ما جاءت به الرسل))‬
‫الفقيه واملتفقه (‪.)1/35‬‬
‫العلم املطلوب ‪:‬‬
‫ليس بالضرورة أن يكون الداعية عاملاً جامعاً لكل العلوم ‪ ،‬وليس من شرط الدعوة متام العلم‬
‫واستيفاء قدر بعينه منه ‪ ،‬وليست الدعوة خمتصة بالعلماء وحدهم دون غريهم بل كل من علم من‬
‫أحكام اإلسالم شيئاً دعا إليه ‪،‬وكل من علم منكراً وعرف دليل حرمته هنى عنه ‪ ،‬وإذا مل يكن األمر‬
‫كذلك تعطلت الدعوة ومات األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪ ،‬وسبق أن أوضحنا أن الدعوة‬
‫((مشروط هلا العلم ولكن العلم ليس شيئاً واحداً ال يتجزأ وال يتبعض ‪ ،‬وإمنا هو بطبيعته يتجزأ‬
‫ويتبعض فمن َعلم مسألة وجهل أخرى فهو عامل باألوىل جاهل بالثانية ‪ ،‬وبالتايل يتوفر فيه شرط‬
‫وجوب الدعوة إىل ما علم دون ما جهل ‪ ،‬وال خالف بني الفقهاء أن من جهل شيئاً أو جهل حكمه‬
‫أنه ال يدعو إليه ألن العلم بصحة ما يدعو إليه الداعي شرط لصحة الدعوة ‪ ،‬وعلى هذا فكل مسلم‬
‫يدعو إىل اهلل بالقدر الذي يعلمه)) أصول الدعوة (ص‪ ، )302:‬وفعل الصحابة الكرام يدل على‬
‫ذلك ‪ ،‬فالطفيل بن عمرو الدَّوسي ‪ ،‬وأبو ذر الغفاري ‪ ،‬ومها من السابقني إىل اإلسالم قاما مبهمة‬
‫الدعوة مبا معهما من أصل التوحيد وبعض ما نزل من القرآن ‪ ،‬وهدى اهلل هبما فئاماً من الناس ‪ ،‬ومل‬
‫يصل أبو ذر الغفاري إىل املدينة ويلحق بالرسول ‪ ‬إالّ يف العام السابع للهجرة وكان معه قبيلة‬
‫أسلم ‪ ،‬وقبيلة غفار قدم هبما مسلمتني ‪ ،‬وحنن نعلم أن الرسول ‪ ‬قال ‪(( :‬بلغوا عين ولو آية))‬
‫أخرجه البخاري يف كتاب األنبياء ‪ ،‬باب ما ذكر عن بين إسرائيل (الفتح)(‪ )6/572‬وقال أيضاً ‪:‬‬
‫فرب حامل فقه إىل من هو أفقه منه)) أخرجه‬ ‫((نضر اهلل امرءاً مسع مقاليت فوعاها وحفظها وبلِّغها ‪ِّ ،‬‬
‫الرتمذي يف كتاب العلم ‪ ،‬باب ‪ :‬ما جاء يف احلث على تبليغ السماع (‪.)5/34()2658‬‬
‫ومع هذا البيان إالّ أننا ندرك أن الداعية وقد تصدر للوعظ واإلرشاد والرتبية والتعليم مطالب بقدر‬
‫من العلم والثقافة يعينه على مهمته ويؤهله هلا وتلخيص املهم من ذلك يرتكز يف جانبني ‪-:‬‬
‫األول ‪ :‬اجلانب الشرعي ‪:‬‬
‫ال بد للداعية أن يعرف ((أن أوىل العلوم وأفضلها علم الدين ‪ ،‬ألن الناس مبعرفته يرشدون وجبهله‬
‫يضلون)) أدب الدنيا والدين (ص‪ ، )44:‬وهنا ال بد أن تفرق بني ما جيب تعلُّمه وال يسع أحداً أن‬
‫جيهله ‪ ،‬وبني ما يكون تعلمه فرضاً كفائياً ‪ ،‬وقد قيل يف بيان معىن كون العلم فريضة على كل مسلم‬
‫أنه ((على كل أحد أن يتعلمه ما ال يسعه جهله من علم حاله ‪ S...‬وقال ابن املبارك ‪(( :‬إمنا طلب‬
‫شيء من أمر دينه يسأل عنه حىت يعلمه)) الفقيه املتفقه (‪ )1/45‬مث‬‫العلم فريضة أن يقع الرجل يف ٍ‬
‫أوضح اخلطيب البغدادي ذلك فقال ‪ ((:‬فواجب على كل أحد طلب ما تلزمه معرفته مما فرض اهلل‬

‫‪366‬‬
‫عليه على حسب ما يقدر عليه من االجتهاد لنفسه ‪ ،‬كل مسام بالغ عاقل من ذكر وأنثى حر وعبد‬
‫تلزمه الطهارة والصالة والصيام فرضاً ‪ ،‬فيجب على كل مسلم تعرف علم ذلك ‪.‬‬
‫وهكذا جيب على كل مسلم أن يعرف ما حيل له وما حيرم عليه من املآكل واملشارب واملالبس‬
‫والفروج والدماء واألموال فجميع هذا ال يسع أحداً جهله)) الفقيه املتفقه (‪.)1/46‬‬
‫وأرى للداعية أن يكون عنده احلد األدىن من العلوم الشرعية األساسية وأقرتح له ما يلي ‪:‬‬
‫علم العقيدة اإلسالمية ‪ -:‬أن يتعلم أصول العقيدة من كتاب معتمد خمتصر على مذهب أهل السنة‬
‫واجلماعة ككتاب ((ملعة االعتقاد))‪ S‬البن قدامة ‪ ،‬أو ((العقيدة الواسطية)) البن تيمية وحنوها ‪.‬‬
‫علم التفسري ‪ -:‬أن يطلع على تفسري موجز موثوق يشتمل على معاين الكلمات وأسباب النزول‬
‫واملعىن اإلمجايل ‪ ،‬ويفيد يف ذلك بعض املصاحف املطبوع على هامشها أسباب النزول ومعاين‬
‫الكلمات ‪ ،‬مث جيعل له زاداً يف دراسة متأنية لتفسري بعض السور واألجزاء املكية واملدنية من كتاب‬
‫معتمد متوسط مثل ((تفسري ابن كثري)) ‪.‬‬
‫علم احلديث ‪ -:‬أن يدرس كتاباً من كتب احلديث اجلامعة املختصرة مثل ((خمتصر صحيح‬
‫البخاري))‪ S‬أو ((خمتصر صحيح مسلم)) ‪ ،‬وميكن أن يطالع كتاباً من كتب احلديث العامة املصونة يف‬
‫مجلتها من األحاديث الضعيفة واملشتملة على أهم األبواب اليت حيتاج إليها يف اإلميان والفضائل‬
‫واآلداب مثل كتاب ((رياض الصاحلني)) ‪ ،‬وحيسن أن يطلع على بعض كتب احلديث املختصة‬
‫مبوضوعات معينة ففي أحاديث األحكام ((بلوغ املرام)) ويف األذكار ((أذكار النووي)) ويف الشمائل‬
‫((مشائل الرتمذي))‪ S‬وحنو ذلك ‪.‬‬
‫علم الفقه ‪ -:‬أن يدرس خمتصراً يف فقه العبادات واملعامالت وقد يضيف ما حيتاجه من األبواب على‬
‫مذهب من املذاهب األربعة املشتهرة ‪.‬‬
‫علم السرية والتاريخ ‪ -:‬أن يدرس خمتصراً يف سرية الرسول ‪ ‬مثل ((هتذيب سرية ابن هشام)) ومن‬
‫الكتب املعاصرة النافعة ((الرحيق املختوم))‪ S‬للمباركفوري‪ ، S‬وأن يطالع على األقل تاريخ اخللفاء‬
‫الراشدين ‪.‬‬
‫مفاتيح العلوم ‪ -:‬أن يدرس خمتصراً يف أصول الفقه مثل ((خمتصر األصول)) للشيخ ابن عثيمني أو‬
‫((أصول الفقه للمبتدئني)) لألشقر ‪ ،‬وكذلك يدرس خمتصراً يف علوم احلديث مثل ((تيسري مصطلح‬
‫احلديث)) للطحان أو ((خمتصر علوم احلديث)) البن عثيمني ‪ ،‬ويف علوم القرآن ((مباحث علوم‬
‫القرآن))‪ S‬للقطان ‪ ،‬ويف أصول التفسري ((مقدمة شيخ اإلسالم ابن تيمية))وذلك‪ S‬حبسب الطاقة‪.‬‬
‫علوم اللغة ‪ -:‬أن يدرس خمتصراً يف النحو ((كاآلجرومية)) أو((ملحمة اإلعراب)) ‪ ،‬وكذا يف البالغة‬
‫واألدب حيتاج إىل دارسة موجزة يف مثل كتاب ((البالغة الواضحة)) لعلي اجلرام (ميكن النظر يف‬

‫‪367‬‬
‫برامج ومناهج لعلم وثقافة الداعية يف كتاب ((ثقافة الداعية)) للدكتور يوسف القرضاوي‪ S،‬و ((جند‬
‫اهلل ثقافة وأخالقاً)) لسعيد حوى ‪ ،‬و ((العلم فضله وطلبه)) ألمني احلاج أمحد حممد وغريها)‪.‬‬
‫وهذه العلوم األساسية حيتاج الداعية فيها إىل إرشادات عامة أمهها ‪-:‬‬
‫‪ .1‬التدرج يف كل علم من األدىن إىل األعلى ‪ ،‬ومن األيسر إىل األصعب ‪ ،‬وليَعلم ((أن للعلوم أوائل‬
‫تؤدي إىل أواخرها ‪ ،‬ومداخل تفضي إىل حقائقها ‪ ،‬فيبتدئ طالب العلم بأوائلها لينتهي إىل أواخرها‬
‫‪ ،‬ومبداخلها ليفضي إىل حقائقها ‪ ،‬وال يطلب اآلخر قبل األول ‪ ،‬وال حقيقة قبل املدخل ‪ ،‬فال يدرك‬
‫اآلخر وال يعرف احلقيقة ‪ ،‬ألن البناء على غري أساس ال يبين ‪ ،‬والثمر من غري غرس ال جيين)) أدب‬
‫الدنيا والدين (ص‪. )55:‬‬
‫وهذا ابن خلدون يوضح لك الطريق فيقول ‪(( :‬اعلم أن تلقني العلوم للمتعلمني إمنا يكون مفيداً إذا‬
‫كان على التدرج شيئاً فشيئاً وقليالً قليالً)) مقدمة ابن خلدون (ص‪ )533:‬وأفاض يف بيان ذلك مبا‬
‫فيه الوفاء‪.‬‬
‫وقال ابن شهاب الزهري احملدث اإلمام ‪(( :‬من رام العلم مجلة ذهب عنه مجلة ‪ ،‬ولكن الشي بعد‬
‫الشيء مع األيام والليايل)) جامع بيان العلم وفضله (ص‪. )138:‬‬
‫‪ .2‬احلرص على التلقي عن الشيوخ كل يف فنه وأالَّ يعتمد على االطالع اجملرد وحده ‪ ،‬فهذه العلوم‬
‫ليست كالصحف واجملالت يُكتفي فيها بالقراءة واالطالع ‪ ،‬وكما قيل ‪(( :‬من كان شيخه كتابه‬
‫فخطؤه اكثر من صوابه))‪ S‬وصدق الشاعر حيث يقول ‪:‬‬
‫الغمر أن الكتب هَت دي أخا جهل إلدراك العلوم‬
‫يظن ُ‬
‫وما علم اجلهول بأن فيها مدارك قد تدق عن الفهيم‬
‫ومن أخذ العلوم بغري شيخ يضل عن الصراط املستقيم‬
‫وكم من عائب قوالً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم‬
‫وكتب السلف وتراجم العلماء مليئة بأمساء شيوخهم ‪ ،‬وسريهتم مع من تلقوا عنهم ‪ ،‬وكتب أهل‬
‫العلم طافحة بآداب الطالب مع شيخه مما يدل على بدهية ذلك عندهم ‪.‬‬
‫وقال الشاطيب ‪((:‬من أنفع طرق العلم املوصلة إىل غاية التحقيق به أخذه عن أهله املتحققني به على‬
‫الكمال والتمام)) املوفقات (‪ )1/9‬وقد أفاض رمحة اهلل يف تقرير ذلك وأفاد فلريجع إليه يف موضعه ‪.‬‬
‫‪ .3‬الصرب واملالزمة ‪ ،‬وترك االنتقال من علم إىل علم قبل متامه ‪ ،‬ومن شيخ إىل شيخ قبل االستفادة‬
‫منه ‪ ،‬ومن كتاب إىل كتاب قبل إحكامه ‪ ،‬قال الزرنوجي ‪((:‬ينبغي أن يثبت ويصرب على أستاذ ‪،‬‬
‫وعلى كتاب حىت ال يرتكه أبرت‪ ،‬وعلى فن حىت ال يشغل بفن آخر قبل أن يتقن األول ‪،‬وعلى بلد‬
‫حىت ال ينتقل إىل بلد آخر من غري ضرورة فإن ذلك كله يفرق األمور ويشغل القلب ويضيع األوقات‬
‫ويؤذي العلم)) تعليم املتعلم (ص‪.)44:‬‬

‫‪368‬‬
‫الثاين ‪ :‬الثقافة اإلسالمية ‪:‬‬
‫إضافة لتحصيل العلوم الشرعية وآالهتا فإن الداعية حيتاج بشكل ملح إىل ثقافة اإلسالمية العامة ‪،‬‬
‫وكذلك الثقافة املعاصرة ‪ ،‬وال شك ((أن حركة الداعية حركة واسعة ‪ ،‬وانتشاره كبري واتصاالته‬
‫كثرية وهو وال شك يلتقي أنواعاً كثرية من البشر كل له مزاجه وثقافته واطالعه فال بد للداعية أن‬
‫يشبع هذه الثقافات ويلم بشيء منها حىت يشارك من خياطبه كل حسب ثقافته كمدخل من مداخل‬
‫الدعوة)) الدعوة قواعد وأصول (ص‪. )71:‬‬
‫وال بد من االعرتاف بوجود اخللل يف هذه الثقافة عند كثري من الدعاة ((فهناك عجز يف املعرفة‬
‫باحلاضر املعيش والواقع املعاصر ‪ ،‬فهناك جهل باآلخرين نقع فيه بني التهويل والتهوين مع أن اآلخرين‬
‫يعرفون عنَّا كل شيء وقد كشفونا حىت النخاع ‪ ،‬بل هناك جهل بأنفسنا فنحن على اليوم ال نعرف‬
‫حقيقة مواطن القوة فينا وال نقاط الضعيف لدينا ‪ ،‬وكثرياً ما نضخم الشيء اهلنّي ‪ ،‬وما هنون الشيء‬
‫العظيم ‪ ،‬سواء يف إمكانياتنا أم يف عيوبنا)) أولويات احلركة اإلسالمية (ص‪. )21:‬‬
‫وهلذا فال بد من العناية هبذا اجلانب وإعطاءه األمهية الالزمة له ‪ ،‬وأسلط الضوء هنا على املوضوعات‬
‫املهمة يف هذا اجلانب من خالل اآليت ‪:‬‬
‫‪ .1‬الثقافة العامة ‪:‬‬
‫وأعين هبا ما يتصل بإبراز حماسن اإلسالم ‪ ،‬ومعرفة مقاصد الشريعة ‪ ،‬وتفنيد ورد مزاعم خصوم‬
‫اإلسالم وشبهاهتم ‪ ،‬وإظهار الكمال يف أنظمة اإلسالم االجتماعية واالقتصادية وغريها ‪ ،‬وبيان أهنا‬
‫ترعى مجيع املصاحل وتسد أبواب الفساد ‪ ،‬وأهنا صاحلة لكل زمان ومكان وأمثال هذه املوضوعات ‪.‬‬
‫وهذه الثقافة ميكن حتصيل جزء جيد منها من خالل حتصيل العلم الشرعي سيما إذا توسع الداعية يف‬
‫طلبه وحتصيله ‪ ،‬ومع ذلك فهناك كتب مجعت مثل هذه املقاصد وهي كثرية منها ((حنو ثقافة إسالمية‬
‫أصيلة)) لعمر األشقر ‪ ،‬و ((اخلصائص العامة لإلسالم)) للدكتور يوسف القرضاوي ‪ ،‬و ((املداخل‬
‫إىل الثقافة اإلسالمية)) حملمد رشاد سامل وحنوها ‪.‬‬
‫‪ .2‬الثقافة املعاصرة ‪:‬‬
‫وأعين هبا عدداً من اجلوانب منها ‪:‬‬
‫‪ .1‬املذاهب الفكرية املعاصرة ‪ -:‬كالشيوعية والرأمسالية ‪ ،‬والقومية ‪ ،‬والبعثية ‪ ،‬واملاسونية وحنوها‬
‫والكتب فيها كثرية ومن أوسعها كتاب ((املذاهب الفكرية املعاصرة)) حملمد قطب ‪ ،‬ومن أمجعها مع‬
‫االختصار ((املوسوعة امليسرة يف األديان واملذاهب املعاصرة))‪ S‬من إصدارات الندوة العاملية للشباب‬
‫اإلسالمي ‪.‬‬
‫‪ .2‬الواقع املعاصر ‪ -:‬من جهة األعداء بدراسة الغزو الفكري ‪ ،‬والدور العلمي للصهيونية واملاسونية‬
‫وخمططاهتم وأسالبيهم ‪ ،‬والتنصري ومؤسساته وأدواره وهناك كتب نافعة يف مثل هذه املوضوعات‬

‫‪369‬‬
‫مثل((الغارة على العامل اإلسالمي)) تأليف أ‪.‬ل ‪ .‬شاتليه ‪ ،‬وترمجة حمب الدين اخلطيب ومساعد اليايف‬
‫‪ ،‬وكتاب ((أفيقوا أيها املسلمون))لعبد الودود شليب ‪ ،‬وكتاب ((بروتوكوالت حكماء صهيون))‬
‫ترمجة خليفة التونسي ‪ ،‬و((أساليب الغزو الفكري))‪ S‬للدكتور علي جريشة وحممد شريف آل زيبق ‪.‬‬
‫ومن جهة املسلمني مبعرفة أحواهلم ومتابعة أخبارهم وأوضاع أقلياهتم وهذا موفور يف ((حاضر العامل‬
‫اإلسالمي ))للدكتور علي جريشة ‪ ،‬وكتب األقليات وأحوال بالد املسلمني ‪.‬‬
‫وإذا توفر للداعية رصيد علمي مناسب وزاد ثقايف جيد كان ذلك عوناً له يف دعوته ورافداً من‬
‫روافد جناحه ‪.‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬رجاحة العقل وقوة احلجة ‪:‬‬
‫لإلميان إشراقاته وآثاره ‪ ،‬وللعلم فاعليته ودوره ‪ ،‬ويبقى للذكاء والفطنة أمهيتها اليت ال تنكر ‪،‬‬
‫وإجيابيتهما اليت ال ختفي ‪ ،‬وتوفر الذهن الوقّاد والعقل السديد ميزة عظمى يتحلّى هبا الداعية فال‬
‫سذاجة تضيع هبا معاين الريادة‪ ،‬وال طيش وال خفة تطمس معامل اهليبة ‪ ،‬بل عقل فطن يرجع إذا‬
‫اختلفت اآلراء ‪ ،‬وحيلل ويدلل إذا فقد اإلدراك وغاب التصور ‪ ،‬ويتقن ترتيب األولويات ‪ ،‬واختيار‬
‫األوقات ‪ ،‬وانتهاز الفرص واملناسبات ‪ ،‬وحيسن التخلص من املشكالت ‪ ،‬ويقوى على الرد على‬
‫الشبهات ‪ ،‬والتكيف مع األزمات ‪.‬‬
‫وهناك أصناف من املدعوين حيتاج الداعية معهم إىل إقامة احلجة العقلية إلثبات القضية ولعدم‬
‫اكتفائهم باألدلة الشرعية من هؤالء ‪:‬‬
‫‪ .1‬الكافرون الذين ال يؤمنون بالكتاب والسنة ‪.‬‬
‫‪ .2‬املعتدُّون بعقوهلم املقدمني هلا على النص النقلي ‪.‬‬
‫‪ .3‬املخدوعون بالشبهات ‪.‬‬
‫‪ .4‬املعاندون الذين يتّبعون الباطل تبعاً ملصاحلهم ويسعون إىل إضالل غريهم ‪.‬‬
‫‪ .5‬الواقعون حتت تأثري األوضاع واألعراف اخلاطئة حىت ألفوها ورأوها صواباً ‪.‬‬
‫وهناك أساليب كثرية مستنبطة من الكتاب والسنة يف إقامة احلجة العقلية واستخدام األقيسة املنطقية‬
‫واستحضار التفكر والتأمل ‪.‬‬
‫وهذه جوانب من هذه األساليب مع بعض األمثلة عليها ‪-:‬‬
‫(أ)أسلوب املقارنة ‪-:‬‬
‫وذلك بعرض أمرين أحدمها هو اخلري املطلوب الرتغيب فيه ‪ ،‬واآلخر هو الشر املطلوب الرتهيب منه ‪،‬‬
‫وذلك باستشارة العقل للتفكر يف كال األمرين وعاقبتهما للوصول – بعد املقارنة – إىل تفضيل اخلري‬
‫واتباعه ومن أمثلة ذلك ‪-:‬‬

‫‪370‬‬
‫قال تعاىل ‪] :‬أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً ميشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس‬
‫خبارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون[ األنعام [‪.]122‬‬
‫قال ابن كثري يف تفسريه ‪(( :‬هذا مثل ضربه اهلل تعاىل للمؤمن الذي كان ميتاً أي يف الضاللة هالكاً‬
‫حائراً ‪ ،‬فأحياه اهلل أي أحيا قلبه باإلميان وهداه له ووفقه التباع رسله ))تفسري ابن كثري (‬
‫‪. )2/172‬‬
‫وقال تعاىل ‪]:‬أفمن أسس بنيانه على تقوى من اهلل ورضوان خري أمن أسس بنيانه على شفا جرف‬
‫هار فاهنار به يف نار جهنم واهلل ال يهدي القوم الظاملني[ التوبة [‪. ]109‬‬
‫وقال القرطيب ‪(( :‬وهذه‪ S‬اآلية ضرب مثل هلم ‪ ،‬أي من أسس بنيانه على اإلسالم خري أم أسس بنيانه‬
‫على الشرك والنفاق ‪ ،‬وبني أن بناء الكافر كبناء على جرف جهنم يتهور بأهله فيها ‪ ،‬ويف هذه اآلية‬
‫دليل على أن كل شيء ابتدئ بنية تقوى اهلل تعاىل والقصد لوجهه الكرمي فهو الذي يبقي ويسعد به‬
‫صاحبه ويصعد إىل اهلل ويرفع إليه)) تفسري القرطيب (‪. )8/265‬‬
‫ومن األمثلة النبوية اليت تبني خريات الصالح والصاحلني مع مقارنتها بويالت املعصية والعاصني ما‬
‫يأيت ‪-:‬‬
‫‪ .1‬عن أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪(( ‬إمنا مثل اجلليس الصاحل‬
‫واجلليس السوء كحامل املسك ونافخ الكري ‪ ،‬فحامل املسك إما أن حُي ذيك وإما أن تبتاع منه ‪ ،‬وإما‬
‫أن جتد منه رحياً طيبة ‪ ،‬ونافخ الكري إما أن حيرق ثيابك وإما أن جتد منه رحياً خبيثة)) أخرجه مسلم ‪،‬‬
‫يف كتاب الرب والصلة ‪ ،‬باب ‪ :‬استحباب جمالسة الصاحلني وجمانبة قرناء السوء (النووي)(‪/6S‬‬
‫‪. )178‬‬
‫قال النووي ‪(( :‬وفيه فضيلة جمالسة الصاحلني وأهل اخلري واملروءة ومكارم األخالق والعلم واألدب‬
‫والنهي عن جمالسة أهل الشر والبدع ومن يغتاب الناس ويكثر فجره وبطالته وحنو ذلك من األنواع‬
‫املذمومة))‪. S‬‬
‫‪ .2‬عن أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال النيب ‪(( : ‬مثل الذي يذكر ربه والذي ال‬
‫يذكر ربه مثل احلي وامليت)) أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها ‪،‬باب ‪:‬استحباب صالة‬
‫النافلة يف بيته (النووي)(‪. )6/68‬‬
‫وال خيفى ما يف املقارنة بني احلي وامليت من إقرار العقل وترجيحه ورغبته ملا فيه احلياة ‪ ،‬وهو الذكر‬
‫الذي به احلياة القلب ‪.‬‬
‫(ب) أسلوب التقرير ‪-:‬‬
‫وهو أسلوب يؤول باملرء بعد احملاكمة العقلية إىل اإلقرار باملطلوب الذي هو مضمون الدعوة ‪-:‬‬
‫من األمثلة القرآنية على ذلك ‪-:‬‬

‫‪371‬‬
‫شيء أم هم اخلالقون ‪ ،‬أم خلقوا السماوات واألرض بل ال يوقنون‬ ‫‪ .1‬قال تعاىل ]أم خلقوا من غري ٍ‬
‫‪ ،‬أم عندهم خزائن ربك أم هم املسيطرون ‪ ،‬أم هلم سلَّم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبني‬
‫‪ ،‬أم له البنات ولكم البنون ‪ ،‬أم تسأهلم أجراً فهم من مغرم مثقلون ‪ ،‬أم عندهم الغيب فهم يكتبون ‪،‬‬
‫أم يريدون كيداً فالذين كفروا هم املكيدون ‪ ،‬أم هلم إله غري اهلل سبحان اهلل وتعاىل عما‬
‫يشركون[ الطور[‪ . ]43-35‬قال ابن كثري يف تفسريه ‪(( :‬هذا املقام يف إثبات الربوبية وتوحيد‬
‫األلوهية ‪ ،‬فقال تعاىل ]أم خلقوا من غري شيء أم هم اخلالقون[ أي أوجدوا من غري موجد ؟ أم هم‬
‫أوجدوا أنفسهم ؟ أي ال هذا وال هذا بل اهلل هو الذي خلقهم ‪ ،‬وأنشأهم بعد أن مل يكونوا شيئاً‬
‫مذكوراً)) تفسري ابن كثري (‪. )4/244‬‬
‫وهذه اآلية يف غاية القوة من حيث احلجة العقلية ألن ((وجودهم هكذا من غري شيء أمر ينكره‬
‫منطلق الفطرة ابتداءً وال حيتاج إىل جدل كثري أو قليل ‪ّ ،‬أما أن يكونوا هم اخلالقني ألنفسهم فأمر مل‬
‫يدَّعوه ‪ ،‬وال يدَّعيه خملوق ‪ ،‬وإذا كان هذان الفرضان ال يقومان حبكم منطق الفطرة فإنه ال يبقى‬
‫سوى احلقيقة اليت يقوهلا القرآن وهي أهنم من خلق اهلل مجيعاً )) يف ظالل القرآن (‪،)6/3399‬‬
‫والتعبري بالفطرة مقصوده‪ S‬األمر املقرر بداهة يف العقل ‪.‬‬
‫وتأمل هذا اإللزام باإلقرار بربوبية اهلل وألوهيته فيما ذكره السعدي يف تفسريه حيث قال ‪ (( :‬وهذا‬
‫استدالل عليهم بأمر ال ميكنهم فيه إال التسليم للحق أو اخلروج عن موجب العقل والدين ‪ ،‬وبيان‬
‫ذلك أهنم منكرون لتوحيد اهلل مكذبون لرسوله ذلك ُمستَلزم إلنكارهم أن اهلل خلقهم وقد تقرر يف‬
‫العقل مع الشرع أ ّن ذلك ال خيلو من ثالثة أمور ‪ -:‬إما أهنم ُخلقوا من غري شيء أي ال خالق َخلَ َقهم‬
‫‪ ،‬بل وجدوا من غري إجياد وال موجد وهذا عني احملال ‪ ،‬أم هم اخلالقون ألنفسهم هذا أيضاً حمال ‪،‬‬
‫فإنه ال يتصور أن يوجد أحد نفسه ‪ ،‬فإذا بطل هذان األمران وبان استحالتهما تعني القسم الثالث ‪،‬‬
‫لم أن اهلل هو املعبود وحده الذي ال تنبغي العبادة‬ ‫وهو أن اهلل هو الذي خلقهم ‪ ،‬وإذا تعني ذلك ‪ ،‬عُ َ‬
‫وال تصلح إال له تعاىل)) تفسري السعدي (‪. )196-7/195‬‬
‫‪ .2‬قال تعاىل ]واتل عليهم نبأ إبراهيم ‪ ،‬إذ قال ألبيه وقومه ما تعبدون ‪ ،‬قالوا نعبد أصناماً فنظل هلا‬
‫عاكفني ‪ ،‬قال هل يسمعونكم إذ تدعون ‪ ،‬أو ينفعونكم أو يضرون ‪ ،‬قالوا بل وجدنا آباءنا كذلك‬
‫يفعلون ‪ ،‬قال أفرأيتم ما كنتم تعبدون ‪ ،‬أنتم وآباؤكم األقدمون ‪ ،‬فإهنم عدويل إال رب العاملني ‪،‬‬
‫الذي خلقين فهو يهدين ‪ ،‬والذي هو يطعمين ويسقني ‪ ،‬وإذا مرضت فهو يشفني ‪ ،‬والذي مييتين مث‬
‫حييني[ الشعراء [‪. ] 81-69‬‬
‫وهنا ستكون اإلجابات بالنفي فعقوهلم متنعهم أن يقولوا إ ّن أصنامهم تسمع دعاءهم أو جتيب‬
‫رجاءهم ‪ ،‬وهذا يؤدي إىل عدم جدوى هذه األصنام وبالتايل االستسالم العقلي بوجود وألوهية‬
‫اخلالق الذي جاء يف هذه اآليات وصف أفعاله سبحانه وتعاىل ‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫ومن األمثلة احلديثية ‪-:‬‬
‫‪ .1‬عن أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪ :‬أن رجالً أيت النيب ‪ ‬فقال مستنكراً ومسرتشداً ‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫غالم أسود ‪ ،‬فقال ‪ :‬هل لك من إبل ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ما ألواهنا ؟ قال ‪ :‬مُح ر ‪ ،‬قال ‪ :‬هل فيها‬ ‫ولد ٌ‬
‫من أورق ؟ أورق ‪:‬أي ‪ :‬أمسر‪ -‬النهاية يف غريب احلديث (‪ )5/175‬قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪:‬فأىن ذلك ؟‬
‫قال ‪ :‬لعله نزعه عرق ‪ ،‬قال ‪ :‬فلعل ابنك هذا نزعة عرق ‪.‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الطالق ‪ ،‬باب‬
‫عرض بنفي الولد (الفتح‪.)9/442‬‬ ‫إذا ّ‬
‫فهذا الرجل جاء سائالً مستفتياً عما وقع له من الريبة ‪ ،‬فلما ضرب له املثل أذعن ‪ ،‬وقال ابن العريب‬
‫‪(( :‬فيه دليل على صحة القياس واالعتبار بالنظر)) فتح الباري (‪.)9/444‬‬
‫‪ .2‬عن أيب أمامة الباهلي رضي اهلل عنه قال ‪(( :‬إن فىت من األنصار أتى النيب ‪ ‬فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل أتأذن يل بالزنا ‪ ،‬فأقبل القوم عليه فزجروه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬مه مه ؟ فقال ‪ : ‬أدنه ‪ ،‬فدنا منه قريباً ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬فجلس ‪ ،‬قال ‪ :‬أحتبه ألمك ؟ قال ‪ :‬ال واهلل جعلين اهلل فداك ‪ ،‬قال ‪ :‬وال الناس حيبونه ألمهاهتم‬
‫‪ ،‬قال أحتبه البنتك ؟ قال ‪ :‬ال واهلل جعلين اهلل فداك ‪ ،‬قال ‪ :‬وال الناس حيبونه لبناهتم ‪ ،‬قال ‪ :‬أحتبه‬
‫لعمتك ؟ قال ‪ :‬ال واهلل جعلين فداك ‪ ،‬قال ‪ :‬وال الناس حيبونه لعماهتم قال ‪ :‬أحتبه خلالتك ؟ قال ‪ :‬ال‬
‫واهلل جعلين اهلل فداك ‪ ،‬قال ‪ :‬وال الناس حيبونه خلالتهم ‪ ،‬قال فوضع يده عليه ‪ ،‬وقال ‪ :‬اللهم اغفر‬
‫ذنبه وطهر قلبه ‪،‬وحصن فرجه ‪ ،‬فلم يكن بعد ذلك الفىت يلتفت إىل شيء)) املسند (‪. )5/257‬‬
‫فهذا الشاب َّقرره النيب ‪ ‬يف رفض هذا الفعل يف صور شىت مث توصل يف آخر األمر إىل رفض ونفي‬
‫ما كان يطلب اإلذن فيه من الزنا ‪.‬‬
‫ومثل ذلك ما فعلته أم سليم زوجة أيب طلحة كما روى أنس بن مالك ‪(( :‬اشتكى ابن أليب طلحة ‪،‬‬
‫قال فمات وأبو طلحة خارج ‪ .‬فلما رأت امرأته أنه قد مات هيأت شيئاً وحنّته يف جانب البيت ‪.‬فلما‬
‫وظن‬
‫جاء أبو طلحة قال ‪ :‬كيف الغالم ؟ قالت ‪ :‬قد هدأت نفسه ‪ ،‬وأرجو أن يكون قد اسرتاح ‪ّ .‬‬
‫أبو طلحة أهنا صادقة ‪ .‬قال ‪ :‬فبات ‪ .‬فلما أصبح اغتسل ‪ ،‬فلما أراد أن خيرج أعلمته أنه قد مات ‪،‬‬
‫فصلّى مع النيب ‪ ، ‬مث أخرب النيب ‪ ‬مبا كان منهما ‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ : ‬لعل اهلل أن يبارك‬
‫لكما يف ليلتكما)) صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب اجلنائز ‪ ،‬باب من مل يظهر حزنه عند املصيبة ‪( ،‬الفتح)‬
‫(‪.)3/169‬‬
‫(ج) أسلوب اإلمرار واإلبطال ‪-:‬‬
‫وهو أسلوب قوي يف إفحام املعاندين أصحاب الغرور والصلف بإمرار أقواهلم وعدم االعرتاض على‬
‫بعض حججهم الباطلة منعاً للجدل والنزاع خلوصاً إىل حجة قاطعة تدمغهم وتبطل هبا حجتهم تلك‬
‫فتبطل األوىل بالتبع‪.‬‬
‫ومن األمثلة القرآنية ‪:‬‬

‫‪373‬‬
‫‪ .1‬قصة إبراهيم مع النمرود قال تعاىل ]أمل تر إىل الذين حاج إبراهيم يف ربه أن آتاه اهلل امللك إذ قال‬
‫إبراهيم ريب الذي حيي ومييت قال أنا أحي وأميت قال إبراهيم فإن اهلل يأيت بالشمس من املشرق فأت‬
‫هبا من املغرب فبهت الذي كفر واهلل ال يهدي القوم الظاملني[ البقرة [‪. ] 258‬‬
‫نقل ابن كثري يف تفسريه عن بعض السلف أن قول النمرود أنه حيي ومييت استَدل له بأن أتى برجلني‬
‫استحقا القتل ‪ ،‬فأمر بقتل أحدمها وعفا عن اآلخر ‪ ،‬مث قال ‪(( :‬والظاهر– واهلل أعلم – أنه ما أراد‬
‫هذا ألنه ليس يدعي لنفسه هذا املقام عناداً ومكابرة ‪ ،‬ويوهم أنه فاعل لذلك وأنه هو الذي حيي‬
‫ومييت)) مث قال ‪(( :‬إذا كنت كما تدعي من أنك حتيي ومتيت فالذي حيي ومييت هو الذي يتصرف‬
‫يف الوجود يف خلق ذراته وتسخري كواكبه وحركاته فهذه الشمس تبدو كل يوم من املشرق فإن‬
‫كنت إهلاً كما تدعي ‪ ،‬فأت هبا من املغرب ‪ ،‬فلما علم عجزه وانقطاعه وأنه ال يقدر على املكابرة يف‬
‫هذا املقام هبت ‪ :‬أي خرس فال يتكلم وقامت عليه احلجة)) وبني أن املقام األول كاملقدمة للمقام‬
‫الثاين ‪ ،‬وهذا األسلوب يثبت بطالن ما ادعاه النمرود يف ادعائه األول ‪.‬تفسري ابن كثري (‪.)1/313‬‬
‫((عرف‪ S‬إبراهيم ربه بالصفة اليت ال‬
‫وقد أحسن صاحب الظالل يف توضيح هذا األسلوب حيث قال َّ‬
‫ميكن أن يشاركه فيها أحد ‪ ،‬وال ميكن أن يزعمها أحد ‪ ...‬و هذا امللك يسأله عمن يدين له الربوبية‬
‫‪ ،‬ويراه مصدر احلكم والتشريع وغريه ‪،‬قال ]ريب الذي حيي ومييت[ فهو من مث الذي حيكم‬
‫ويشرع))‪ S،‬مث قال تعليقاً على قوله تعاىل ]أنا أحي وأميت[‪ :‬مل يرد إبراهيم عليه السالم أن يسرتسل‬
‫معه يف جدل حول معىن اإلحياء واإلماتة مع رجل مياري ويداور يف تلك احلقيقة اهلائلة ‪ ،‬حقيقة منح‬
‫احلياة وسلبها ‪ ،‬هذا السر الذي مل تدرك منه البشرية حىت اليوم شيئاً ‪ ،‬وعندئذ عدل عن هذه السنة‬
‫الكونية احلقيقة إىل سنة أخرى ظاهرة مرئية ‪ ،‬وعدل عن طريقة العرض اجملرد للسنة الكونية والصفة‬
‫اإلهلية يف قوله ]ريب الذي حيي ومييت[ إىل طريقة التحدي ‪ ،‬وطلب تغيري سنة اهلل ملن ينكر ويتعنت‬
‫وجيادل يف اهلل)) الظالل (‪.)1/298‬‬
‫وعلق مبثل قوله السعدي يف تفسري فقال ‪(( :‬فلما رآه اخلليل مموهاً متويهاً رمبا راج على اهلمج‬
‫والرعاع قال إبراهيم ملزماً بتصديق قوله ‪ :‬إن كان كما يزعم ]فإن اهلل يأيت بالشمس ‪ [..‬اآلية فأتى‬
‫(أي إبراهيم) هبذا الذي ال يقبل الرتويج والتزوير والتمويه)) تفسري السعدي (‪.)1/320‬‬
‫‪ .2‬قصة موسى عليه السالم مع فرعون ‪ ،‬وهي منوذج مطول يف هذا األسلوب حيث أعرض موسى‬
‫عن كل اعرتاض وشبهة أوردها فرعون ومضى إىل إبطال دعوى األلوهية لفرعون من خالل إقامة‬
‫احلجة العقلية الظاهرة على ربوبية وألوهية اهلل ‪ ،‬وذلك يف اآليات من سورة الشعراء ‪ ،‬قال تعاىل‬
‫‪]:‬قال فرعون وما رب العاملني ‪ ،‬قال رب السماوات واألرض وما بينهما إن كنتم موقنني ‪ ،‬قال ملن‬
‫حوله أال تستمعون ‪ ،‬قال ربكم ورب آبائكم األولني ‪ ،‬قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم جملنون ‪،‬‬

‫‪374‬‬
‫قال رب املشرق واملغرب وما بينهما إن كنتم تعقلون ‪ ،‬قال لئن اختذت إهلاً غريي ألجعلنك من‬
‫املسجونني[ الشعراء [‪. ]29-23‬‬
‫فهنا أعرض موسى عليه السالم عن هتكم فرعون ومضى إىل غايته مقيماً حجته مقرراً قضيته ‪ ،‬مث‬
‫غض الطرف عن هتمة اجلنون الباطلة ومل يستغرق جهده يف إبطاهلا بل مضى يف تقوية أدلته ونصرة‬
‫قضيته ‪ ،‬حىت أخذ فرعون وحوصر وفشلت حيلته ‪ ،‬وانقطعت هتكماته واهتاماته ‪ ،‬وأفحم باحلجج‬
‫فلجأ إىل القوة وهي حيلة العاجز يف ميدان املناظرة واالحتجاج ‪ ،‬وهذا دليل على أنه هزم وهذا‬
‫األسلوب دليل على كمال عقل موسى عليه السالم وحسن تقريره ‪.‬‬
‫وال شك أن الداعية مطالب بتفهم هذه األساليب واإلفادة منها ليكتسب فطنة تساعده على تقرير‬
‫املسائل وإقامة احلجة وسرعة البديهة ‪.‬‬
‫وهذه أمثلة ألئمة ودعاة كانت هلم أقوال ومواقف تبني رجاحة عقوهلم وقوة حجتهم ‪.‬‬
‫املثال األول ‪:‬‬
‫يذكر عن أيب حنيفة أنه حاج قوماً من املالحدة الدهريني فقال هلم ‪ :‬ما تقولون يف رجل يقول لكم‬
‫إين رأيت سفينة مشحونة باألمحال مملوءة من األثقال قد احتوشها يف البحر أمواج متالطمة ورياح‬
‫خمتلفة ‪ ،‬وهي من بينها جتري مستوية ليس هلا مالح جيريها وال متعهد يدفعها ‪ ،‬هل جيوز ذلك يف‬
‫العقل ؟ قالوا ‪ :‬ال ‪ ،‬هذه شيء ال يقبله العقل ‪.‬‬
‫فقال أبو حنيفة ‪ :‬يا سبحان اهلل إذا مل جيز يف العقل سفينة جتري يف البحر مستوية من غري متعهد وال‬
‫جمري فكيف جيوز قيام هذه الدنيا على اختالف أحواهلا وتغري أعماهلا ‪ ،‬وسعة أطرافها وتباين أكنافها‬
‫‪ ،‬من غري صانع وحافظ ؟ فهبت القوم وأفحموا (أنظر درء تعارض العقل والنقل (‪. )3/127‬‬
‫املثال الثاين ‪:‬‬
‫احلسن البصري ‪ ،‬فلما دخل عليه قال له احلسن ‪ :‬يا حجاج كم بينك وبني آدم من‬ ‫َ‬ ‫طلب احلجاج‬
‫أب ؟ قال ‪ :‬كثري ‪ ،‬قال فأين هم ؟ قال ‪ :‬ماتوا ‪ ،‬فنكس احلجاج رأسه وخرج احلسن (البداية النهاية‬
‫(‪.)9/135‬‬
‫وهذا املثل على وجازته فيه استخدام العقل بالتفكري والتأمل والوصول إىل النتيجة اليت فيها العظة‬
‫والعربة ‪.‬‬
‫املثال الثالث ‪:‬‬
‫سأل بعض النصارى القاضي أبا بكر الباقالين حبضرة ملكهم فقال ‪ :‬ما فعلت زوجة نبيكم ؟ وما‬
‫كان من أمرها مبا رميت من اإلفك ؟ فقال الباقالين على البديهة ‪ :‬مها امرأتان ذكرتا بسوء ‪ ،‬مرمي و‬
‫عائشة فربأمها اهلل عز وجل وكانت عائشة ذات زوج ومل تأت بولد ‪ ،‬وأتت مرمي بولد ومل يكن هلا‬
‫زوج‍‍! البداية والنهاية (‪. )9/135‬‬

‫‪375‬‬
‫فكان هذا اجلواب يف غاية الروعة واإلفحام ‪ ،‬ألن ذلك اخلبيث أراد التعريض واإلحراج بقصة حادثة‬
‫اإلفك اليت اهتمت فيها عائشة رضي اهلل عنها ‪ ،‬فأجاب الباقالين بأن هذه فرية برأها اهلل منها ولكنه‬
‫قرن ذلك بذكر مرمي ‪ ،‬ليشري إىل أن براءة عائشة عقالً أوىل ‪ ،‬ألنه لو تطرق إىل العقل احتمال الريبة‬
‫فهو يف حق مرمي أعظم ‪ ،‬فإن قبلتهم أيها النصارى براءهتا فيلزمكم قبول براءة عائشة من باب األوىل‬
‫‪.‬‬
‫املثال الرابع ‪:‬‬
‫ما ذكره مفيت الديار السعودية سابقاً العالمة الشيخ حممد بن إبراهيم يف جمموع فتاواه (جمموع فتاوى‬
‫الشيخ حممد بن إبراهيم آل شيخ (‪ )1/75‬عن الشيخ عبد الرمحن البكري حيث قال ((كنت جبوار‬
‫مسجد يف اهلند ‪ ،‬وكان فيه مدرس إذا فرغ من تدريسه لعن الشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪ ،‬وإذا‬
‫مر يب ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنا أجيد العربية ولكن أحب أن أمسعها من أهلها ‪ ،‬ويشرب عندي‬ ‫خرج من املسجد َّ‬
‫ماء بارداً ‪ ،‬فأمهين ما يفعل يف درسه قال ‪ :‬فاحتلت بأن دعوته ‪ ،‬وأخذت ((كتاب التوحيد الذي هو‬
‫حق اهلل على العبيد)) للشيخ حممد بن عبد الوهاب ‪ ،‬ونزعت غالفه ووضعته على رف يف منزيل قبل‬
‫جميئه ‪ ،‬فلما حضر قلت ‪ :‬أتأذن يل أن آيت ببطيخة ‪ .‬فذهبت فلما رجعت ‪ ..‬إذا هو يقرأ ويهز رأسه‬
‫عجباً فقال ‪ :‬ملن هذا الكتاب ؟ هذه الرتاجم شبه تراجم البخاري هذا واهلل نفس البخاري !! فقلت‬
‫ال أدري ! مث قلت ‪ :‬أال نذهب لشيخ الغزوي لنسأله – وكان صاحب مكتبة – فدخلنا عليه فقلت‬
‫للشيخ الغزوي كان عندي أوراق سألين الشيخ من هي له ؟ فلم أعرف ! ففهم الغزوي املراد ‪،‬‬
‫فنادى من يأيت بكتاب (جمموعة التوحيد) فأيت هبا فقابل بينهما فقال ‪ :‬هذا حملمد بن عبد الوهاب ‪،‬‬
‫فقال العامل اهلندي مغضباً وبصوت عال ‪ :‬الكافر ! فسكتنا وسكت قليالً ‪ ،‬مث هدأ غضبه فاسرتجع مث‬
‫قال ‪ :‬إن كان هذا الكتاب له فقد ظلمناه ‪ ،‬مث صار كل يوم يدعو له ويدعو معه تالميذه)) ‪ .‬فهذه‬
‫فطنة داعية وذكاء عامل ‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬رجاحة الصدر ومساحة النفس ‪-:‬‬
‫إن الداعية احلق شخصية متميزة فهو كاملنارة اهلادية من بُعد ملن ضل أو حار ‪ ،‬وهو كالظل الوارف‬
‫جتمع بالنسبة للمدعوين ‪ ،‬ولذا فإنه‬
‫ملن لفحه حر الشمس واملسري يف اهلجري ‪ ،‬وبالتايل فهو نقطة ُّ‬
‫حيتاج إىل أن يتحلى برحابة الصدر ومساحة النفس ليستوعب الناس ويستميلهم للخري واحلق ((فالناس‬
‫يف حاجة إىل كنف رحيم ‪ ،‬وإىل رعاية فائقة ‪ ،‬وإىل بشاشة مسحة ‪ ،‬وإىل ود يسعهم ‪ ،‬وحلم ال‬
‫يضيق جبهلهم وضعفهم ونقصهم ‪ ،‬يف حاجة إىل قلب كبري يعطيهم وال حيتاج منهم إىل عطاء ‪،‬‬
‫وحيمل مهومهم وال يعنيهم هبمه ‪ ،‬وجيدون عنده دائماً االهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود‬
‫والرضاء)) الظالل (‪. )501-1/500‬‬

‫‪376‬‬
‫وهكذا كان قلب الرسول اهلل ‪ ‬وهكذا كانت حياته مع الناس ‪(( ،‬ما غضب لنفسه قط وال ضاق‬
‫صدره بضعفهم البشري ‪ ،‬وال احتجز لنفسه شيئاً من أعراض هذه احلياة ‪ ،‬بل أعطاهم كل ما ملكت‬
‫يداه يف مساحة ندية ‪ ،‬ووسعهم محله وبره وعطفه ووده الكرمي ‪ ،‬وما من واحد منهم عاشره أو رآه‬
‫إالّ امتأل قلبه حببه ‪ ،‬نتيجة ملا أفاض عليه ‪ ‬من نفسه الكبرية والرحيبة)) يف ظالل القرآن (‬
‫‪ ، )501 -1/500‬والنفس السمحة ليس فيها ضيق أو السماحة السهولة واللني ‪ .‬انظر القاموس‬
‫احمليط (‪. )1/229‬‬
‫والناس مشارهبم شىت ‪ ،‬وسلوكياهتم متباينة ‪ ،‬واحتياجاهتم كثرية ‪ ،‬واستفزازاهتم مثرية ‪ ،‬وهذا ال بد‬
‫أن يقابله الداعية باالحتمال ‪ ،‬ألن االحتمال – كما قيل – قرب املعايب ‪.‬‬
‫هذه اخلصيصة مهمة يف تكوين الداعية ‪ ،‬حيتاج أن جيتهد يف اكتساهبا ألهنا وقود حمرك له يف دعوته‬
‫كما أهنا ترفع كفاءة القبول ‪ ،‬وتكبح مجاح االنفعاالت النفسية ذات اآلثار السلبية ‪ ،‬وتتجلى هذه‬
‫اخلصيصة يف عدد من اخلالل توضحها وتبني أثرها ومن أمهها ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬الرمحة والشفقة ‪:‬‬
‫((إن الداعي ال بد أن يكون ذا قلب ينبض بالرمحة والشفقة على الناس ‪ ،‬وإرادة اخلري هلم والنصح هلم‬
‫‪ ،‬ومن شفقته عليهم دعوهتم إىل اإلسالم ‪ ،‬ألن يف هذه الدعوة جناهتم من النار وفوزهم برضوان اهلل‬
‫تعاىل ‪ ،‬وأن حيب هلم ما حيب لنفسه وأعظم ما حيبه لنفسه اإلميان واهلدى فهو ذلك إليهم أيضاً))‬
‫أصول الدعوة (ص‪. )344،343:‬‬
‫وهذا الشعور الغامر بالشفقة على الناس يبعث يف النفس احلزن واألسى على حال املعرضني والعاصني‬
‫‪ ،‬ويتولد إثر ذلك قوة نفسية دافعة الستنقاذهم من اخلطر احملدق هبم ‪ ،‬واهلالك القادمني إليه ‪ ،‬وما‬
‫أبلغ وأدق النص القرآين يف بيان هذه الصفه عند الرسول الكرمي ‪] ‬فلعلك باخع نفسك على‬
‫آثارهم إن مل يؤمنوا هبذا احلديث أسفا[ الكهف[‪ ]6‬وقوله تعاىل ]لعلك باخع نفسك أال يكونوا‬
‫مؤمنني[ الشعراء [‪ . ]3‬تأمل هذه اآليات فإنه ((من فرط شفقته ‪ ‬داخله احلزن المتناعهم عن‬
‫فهون اهلل سبحانه عليه احلال ‪ ،‬مبا يشبه العتاب يف الظاهر كأنه قال له ‪ :‬مل كل هذا ؟ ليس‬‫اإلميان ‪ّ ،‬‬
‫يف امتناعهم– يف عدِّنا– أثر‪ ،‬وال يف الدين من ذلك ضرر))‪ S‬لطائف اإلشارات(‪. )1/377‬‬
‫وقال ابن القيم يف تفسريه تفسري ابن كثري (‪ :)3/72‬يقول تعاىل ‪]:‬فلعلك باخع ‪ [...‬مسلياًَ لرسول‬
‫‪ ‬يف حزنه على املشركني لرتكهم اإلميان وبعدهم عنه))‪. S‬‬
‫فهذه نفس الرسول ‪ ‬ملئت رمحة وشفقة على هؤالء حىت كاد يُهلك نفسه وهو يدعوهم وحيرص‬
‫على هدايتهم ‪ ،‬مث خيالط مشاعره احلزن عليهم واألسى هلم ‪.‬‬
‫إن الداعية ينظر إىل املدعوين نظرة الطبيب إىل مرضاه ‪ ،‬يرمحهم ويشفق عليهم لعلمه بدائهم‬
‫وخطورته ‪ ،‬ويتلطف يف عالجهم ‪ ،‬وإن رأى منهم عزوفاً عن الدواء لصعوبته أو مرارته هاله األمر‬

‫‪377‬‬
‫واحتال بكل الطرق لتوصيل الدواء ‪ ،‬وإقناعهم بضرورة تناوله ‪ ،‬وال ميكن أن يرتكهم وشأهنم حبجة‬
‫يكف عن دعوته وال يسأم من الرد واإلعراض ألنه‬ ‫أهنم املفرطون ‪ ،‬وهكذا فإن (( الداعي الرحيم ال ُّ‬
‫يعلم خطورة عاقبة املعرضني العصاة ‪ ،‬وأن إعراضهم بسبب جهلهم ‪ ،‬فهو ال ينفك عن إقناعهم‬
‫وإرشادهم)) أصول الدعوة (ص‪. )344:‬‬
‫فالرمحة – كما ترى – باعث دافع وحمرك للدعوة استنقاذاً للناس من اهلالك ‪ ،‬وهي يف الوقت نفسه‬
‫عامل استمرار وإصرار وتوسيع لدائرة االستيعاب والتأثري رغم الصد واإلعراض ‪.‬‬
‫وال ينبغي أن تفهم الرمحة على أهنا لني وهتاون بل تأيت الرمحة أحياناً كثرية يف ثنايا احلزم ويف أعطاف‬
‫الشدة اليت هتدف لصاحل املدعو ‪ ،‬كما قد يشتد الطبيب مع مريضه الذي ال يدرك خطورة مرضه‬
‫وعظمة اخلطر يف ترك التداوي أو التقصري فيه ((فليست الرمحة حناناً ال عقل معه ‪ ،‬أو شفقة تتنكر‬
‫للعدل والنظام ‪ ،‬كال إهنا عاطفة ترعى هذه احلقوق مجيعاً)) خلق املسلم (ص‪. )207:‬‬
‫وإن يف سرية املصطفى الكرمي ‪ ‬أعظم وأروع األمثلة على الرمحة سيما يف املواقف العصيبة اليت‬
‫بلغت فيها املعاناة أشد مراحلها اليت تضغط بعنف على النفس لتشتد وتقسو ‪ ،‬وعلى الصدر ليضيق‬
‫ويتربم ‪ ،‬ومع ذلك تبقي نفسه الكبرية ورمحته العظيمة هي الغالبة كما حصل يوم رجوعه عليه‬
‫الصالة والسالم من الطائف بعد أن ذهب إليها ويف قلبه أمل ‪ ،‬فلقي فيها أعظم مما كان يتصور من‬
‫اإلعراض فرجع كسري القلب ‪ ،‬فلما بلغ قرن املنازل بعث اهلل جربيل ومعه‪ S‬ملك اجلبال ‪ ،‬يستأمره أن‬
‫يطبق األخشبني على أهل مكة ‪ ،‬فقال النيب ‪(( ‬بل أرجو أن خُي رج اهلل عز وجل من أصالهبم من‬
‫يعبد اهلل عز وجل ال يشرك به شيئاً)) أخرجه البخاري ‪ ،‬يف كتاب بدء اخللق ‪ ،‬باب إذا قال أحدكم‬
‫آمني واملالئكة يف السماء (الفتح)(‪ ، )6/360‬ويف صحيح مسلم كتاب اجلهاد ‪ ،‬باب ما لقي النيب‬
‫‪ ‬من أذى املشركني واملنافقني (عبد الباقي) (‪ )3/1420‬وانظر الرحيق املختوم (ص‪.)150:‬‬
‫شج وجهه الشريف ‪ ،‬و ُكسرت رباعيته ‪ ،‬ودخلت حلقتا املغفر يف وجنتيه (انظر‬ ‫ويف يوم أحد عندما ّ‬
‫الرحيق املختوم (ص‪ ، )314:‬وبينما الدم يسيل على وجهه يقول عليه الصالة والسالم ‪(( :‬اللهم‬
‫اغفر لقومي فإهنم ال يعلمون)) ويف صحيح مسلم قال عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه ‪ :‬كأين أنظر‬
‫إىل رسول اهلل ‪ ‬حيكي نبياً من األنبياء ‪ ،‬صلوات اهلل وسالمه عليهم ‪ ،‬ضربه قومه وهو ميسح الدم‬
‫عن وجهه ويقول ‪ S((:‬رب اغفر لقومي فإهنم ال يعلمون)) أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب اجلهاد والسري ‪،‬‬
‫باب غزوة أحد (عبد الباقي) (‪ ، )3/1417‬ومن هنا جاء الوصف الرباين العظيم يف ثنايا اآليات اليت‬
‫نزلت يف غزوة أحد ‪]:‬فبما رمحة من اهلل لنت هلم ولو كنت فظاً غليظ القلب ال نفضوا من حولك [‬
‫آل عمران [‪. ]159‬‬
‫مينت على العامل برجل ميسح آالمه ‪ ،‬وخيفف أحزانه ‪ ،‬ويرثي خلطاياه ‪ ،‬ويستميت‬ ‫((لقد أراد اهلل أن َّ‬
‫يف هدايته ‪ ،‬ويأخذ يناصر الضعيف ‪ ،‬ويقاتل دونه قتال األم عن صغارها ‪ ،‬وخيضد شوكة القوي حىت‬

‫‪378‬‬
‫يرده إنساناً سليم الفطرة ال يضري وال يطغي فأرسل حممداً ‪ ‬وسكب يف قلبه من العامل واحللم ‪،‬‬
‫ويف خلقه من اإليناس والرب ‪ ،‬ويف طبعه من السهولة والرفق ‪ ،‬ويف يده من السخاوة والندى ‪ ،‬ما‬
‫جعله أزكى عباد اهلل رمحة ‪ ،‬وأوسعهم عاطفة ‪ ،‬وأرحبهم صدراً)) خلق املسلم (ص‪. )204:‬‬
‫نعم ((إن الرمحه كمال يف الطبيعة جيعل املرء يرق آلالم اخللق ويسعى إلزالتها ‪ ،‬ويأسى ألخطائهم‬
‫فيتمىن هلم اهلدى ‪ ،‬هي كمال يف الطبيعة ‪ ،‬ألن تبلد احلس يهوي باإلنسان إىل منزلة احليوان ويسلبه‬
‫أفضل ما فيه ‪ ،‬وهو العاطفة احلية النابضة باحلب والرأفة)) خلق املسلم (ص‪. )203:‬‬
‫ثانياً ‪ :‬احللم واألناة ‪:‬‬
‫يف مسرية الدعوة متر بالداعية أحداث مثرية ‪ ،‬وأفعال مستفزة ‪ ،‬والناس – باختالف طبائعهم –‬
‫ختتلف مواقفهم إزاء املثريات اليت تعمل على دفعهم حنو الرعونة والطيش ‪ ،‬فمنهم من ((تستخفه‬
‫التوافه فيستحمق على عجل ‪ ،‬ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقي على وقعها األليم حمتفظاً برجاحة‬
‫فكره وسجاحة خلقه))خلق املسلم (ص‪. )106 :‬‬
‫واحللم ((فضيلة خلقية نافعة ‪ ..‬تقع يف قمة عالية دوهنا منحدرات ‪ ،‬فهو أناة حكيمة بني التسرع‬
‫واإلمهال أو التواين ‪ ،‬وضبط للنفس بني الغضب وبالدة الطبع ‪ ،‬ورزانة بني الطيش ومجود‬
‫اإلحساس)) األخالق اإلسالمية (‪. )2/325‬‬
‫واألناة عند الداعية إىل اهلل تعاىل ((تسمح له بأن حُي كم أموره ‪ ،‬ويضع األشياء يف مواضعها ‪ ،‬خبالف‬
‫العجلة فإهنا تعرضه للكثري من األخطاء واإلخفاق ‪ ،‬وتعرضه للتعثر واالرتباك ‪ ،‬مث تعرضه للتخلف من‬
‫حيث يريد السبق ‪ ،‬ومن استعجل الشيء قبل أوانه عوقب حبرمانه ‪ ،‬وخبالف التباطؤ والكسل فهو‬
‫أيضاً يعرض لللتخلف واحلرمان من حتقيق النتائج اليت يرجوها)) األخالق اإلسالمية (‪، )2/353‬‬
‫وقد امتدح النيب ‪ ‬األشج فقال ‪(( :‬إن فيك خصلتني حيبهما اهلل ورسوله ‪ :‬احللم واألناة)) أخرجه‬
‫مسلم ‪ ،‬يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب ‪ :‬األمر باإلميان باهلل ورسوله (عبد الباقي)(‪ ، )1/48‬فرحابة الصدر‬
‫وسعة النفس تقتضي عدم االنفعال املخرج عن حد الصواب واالعتدال ‪ ،‬ومجهور الدعوة قد يقع‬
‫منهم ما يدفع إىل الغضب ‪ ،‬وكثرياً ما يتصرفون بدافع من العجلة والرغبة يف احلصول على النتائج‬
‫السريعة ‪ ،‬وجماراة الداعية هلم يف احلالتني خلل يف مسلك الدعوة ‪ ،‬ألن املسايرة قد تؤدي إىل عواقب‬
‫وخيمة ‪ ،‬وقد يكون أولئك العامة مندفعني إىل تلك العواقب حبمية عصبية ومحاسة استفزازية ‪،‬‬
‫((لكن املصلحني العظماء ال ينتهون مبصائر العامة إىل هذا اخلتام األليم ‪ ،‬إهنم يفيضون من أناهتم على‬
‫ذوي النزق حىت يلجئوهم إىل اخلري إجلاءً ‪ ،‬ويطلقوا ألسنتهم تلهج بالثناء)) خلق املسلم (ص‪:‬‬
‫‪. )107‬‬

‫‪379‬‬
‫ومن أمثله من سرية النيب ‪ ‬ما رواه أنس بن مالك حيث قال ‪ :‬جاء أعرايب فبال يف طائفة املسجد‬
‫فزجره الناس ‪ ،‬فنهاهم النيب ‪ ، ‬فلما قضى بوله أمر النيب ‪ ‬بذنوب ماء أهريق عليه (أخرجه‬
‫البخاري ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب صب املاء على البول يف املسجد (الفتح) (‪. )1/324‬‬
‫ومواقف أخرى كثرية تبني محله الذي ال يندفع فيه مع مقتضى الطبع ‪ ،‬وال ميضي معه وفق أعراف‬
‫اجلاهلية وانتصاراهتا املبنية على احلمية ألن ((اجلاهلية اليت عاجل رسول اهلل ‪ ‬حموها كانت تقوم على‬
‫ضربني من اجلهالة ‪ ،‬جهالة ضد العلم وأخرى ضد احللم ‪ ،‬فأما األوىل فتقطيع ظالمها يتم بأنواع‬
‫املعرفة وفنون اإلرشاد ‪ ،‬وأما األخرى فكف ظلمها يعتمد على كبح اهلوى ومنح الفساد ‪ ،‬وقد كان‬
‫العرب األولون يفخرون بأهنم يلقون اجلهل جبهل أشد ‪.‬‬
‫أال ال جيهلن أحد علينا فنجهل فوق جهل اجلاهلينا (خلق املسلم (ص‪. )109:‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬العفو والصفح ‪:‬‬
‫ومن مستلزمات احللم الذي فيه كظم للغيظ وضبط للغضب ‪ ،‬مث األناة اليت فيها تبصر باألمور وتأن‬
‫يف التصرف ‪ ،‬مع االستناد للرمحة باجلاهلني كل ذلك يثمر العفو والصفح ألن ((القلوب الكبرية قلما‬
‫تستجيشها دوافع القسوة فهي أبداً إىل الصفح واحلنان أدىن منها إىل احلفيظة واالضطغان)) خلق‬
‫املسلم (ص‪.)204:‬‬
‫ومادام الداعي املسلم ينظر إىل من يدعوهم نظرة الرمحة والشفقة عليهم فإنه يعفو ويصفح عنهم يف‬
‫حق نفسه ‪ ،‬قال تعاىل ‪]:‬خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن اجلاهلني[ األعراف [‪.]199‬‬
‫وإذا كان هذا هو شأن الداعي املسلم بالنسبة ملن يدعوهم وحيتمل صدور األذى منهم فإن عفو‬
‫الداعي وصفحه عن أصحابه أوسع ‪ ،‬قال تعاىل ‪] :‬فاعف عنهم واستغفر هلم وشاورهم يف األمر[ آل‬
‫عمران [‪. ]159‬‬
‫وعند ما وقعت حادثة اإلفك ‪ ،‬كان وقعها على آل أيب بكر شديداً ‪ ،‬فلما نزلت الرباءة حلف أبو‬
‫بكر رضي اهلل عنه أال ينفق على مسطح بن أثاثة فأنزل اهلل يف ذلك قوله تعاىل ‪] :‬وال يأتل أولوا‬
‫الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أويل القرىب واملساكني واملهاجرين يف سبيل اهلل وليعفوا وليصفحوا أال‬
‫حتبون أن يغفر اهلل لكم واهلل غفور رحيم[ النور [‪. ]22‬‬
‫والداعية الذي يهدف إىل استمالة القلوب وهدايتها ال يقسو ألن ((القسوة اليت استنكرها اإلسالم‬
‫جفاف يف النفس ال يرتبط مبنطق وال عدالة ‪ .‬إهنا نزوة فاجرة تتشبع من اإلساءة واإليذاء ‪ ،‬ومتتد مع‬
‫األثرة اجملردة واهلوى األعمى))خلق املسلم (ص‪ ، )207 :‬ومن أعظم مواقف العفو عفو النيب ‪‬‬
‫عن املشركني يوم فتح مكة ‪ .‬الرحيق املختوم (ص‪. )481 ،480:‬‬

‫‪380‬‬
‫وهكذا فإن رحابة الصدر ومساحة النفس تنتظم الرمحة اليت تدعو إىل احللم الذي يقود إىل العفو‬
‫فيكون من وراء ذلك التأثري التلقائي ألن اإلنسان يتأثر باإلحسان ‪]:‬ادفع باليت هي احسن فإذا الذي‬
‫بينك وبينه عداوة كأنه ويل محيم[ فصلت [‪. ]34‬‬
‫وهذا أمر مشاهد حيث نرى أن من كان مسح النفس يستطيع (( أن يظفر بأكرب قسط من حمبة الناس‬
‫له ‪ ،‬وثقة الناس به ‪ ،‬ألنه يعاملهم بالسماحة والبشر ولني اجلانب ‪ ،‬والتغاضي عن السيئات والنقائص‬
‫‪ ،‬فإذا دعاه الواجب إىل تقدمي النصح كان يف نصحه رقيقاً ليناً ‪ ،‬مسحاً هيناً ‪ ،‬يسر بالنصحية ‪ ،‬وال‬
‫يريد الفضيحة ‪ ،‬يسد الثغرات وال ينشر الزالت والعثرات )) األخالق اإلسالمية (‪. )2/443‬‬
‫وبعض الدعاة ممن ال يتحلون يف أنفسهم هبذه السمة جتدهم يندفعون مع أدىن خطأ أو أقل عثرة ‪،‬‬
‫وإذا هبم يدعون بالويل والثبور وعظائم األمور ‪ ،‬وكثرياً ما يواجهون الناس باألحكام الدامغة اخلطرية‬
‫من الفسق أو االبتداع أو التساهل وحنو ذلك ‪ ،‬وهؤالء كثرياً ما يستزهلم الشيطان هبذه احلمية الزائفة‬
‫اليت ال تأيت يف موضعها الصحيح ‪ ،‬والشيطان ينفخ يف محيتهم بأن احلق أحق أن يتبع ‪ ،‬ويثري التساؤل‬
‫أين الغرية اإلميانية واحلمية اإلسالمية ؟ ليغطي على األناة اليت تنظر يف عواقب األمور واحللم الذي‬
‫يضبط النفوس والرمحة اليت تستميل القلوب ‪ ،‬بعض هؤالء – ولألسف – يندفعون أحياناً خوفاً من‬
‫أن يُتهموا بعدم الغرية أو التميع والتساهل ‪ ،‬وال يفهم من قويل أن كل فاعل لذلك مذموم ‪ ،‬وال أن‬
‫كل موقف يقتضي احللم واللني فقد أشرت فيما سبق إىل ما ينقص هذا الفهم ولكين أنوه إىل صور‬
‫يف الواقع ناشئة من أفهام قاصرة وممارسات خاطئة ‪.‬‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬مقومات النجاح يف ممارسة الدعوة‪:‬‬
‫يف الفصل املاضي كان احلديث عن املقومات الالزم توفرها يف شخصية الداعية وتكوينه الذايت ‪،‬‬
‫وهذا الفصل يركز على املقومات اليت حيتاجها الداعية – وقد استكمل املقومات السابقة – أثناء‬
‫ممارسته للدعوة ويف املواقف اليت مير هبا ‪.‬‬
‫املبحث األول ‪ :‬املراعاة والتدرج ‪:‬‬
‫إن تغيري النفوس ونقلها من ميوهلا ومألوفاهتا أمر ليس سهالً ‪ ،‬وإن األعراف اليت استقرت يف العقول‬
‫توجه ‪ ،‬والعادات يف السلوكيات اليت جتذرت‬ ‫وتواطأ الناس عليها ال تتغري بأمر يصدر أو دعوة َّ‬
‫وترسخت ال يتصور اقتالعها يف يوم وليلة ولذا فال بد من إدراك حقيقة مهمة للدعاة وهي أن‬
‫املراعاة والتدرج الزمان للتغيري وحصول االستجابة ‪ ،‬وكما قيل ‪(( :‬إذا أردت أن تطالع فأمر مبا‬
‫يستطاع)) ‪ ،‬وهناك أمور كثرية يلزم مراعاهتا واألخذ بالتدرج فيها وهذه خالصة نافعة يف هذا الباب‬
‫‪-:‬‬
‫أوالً ‪ :‬مراعاة الطبائع‬

‫‪381‬‬
‫إن الناس خيتلف بعضهم عن بعض ‪ ،‬يف علمهم وفهمهم وطبائعهم الشخصية وعوائدهم االجتماعية ‪،‬‬
‫وكل ذلك حيتاج الداعية إىل مراعاته ‪ ،‬وبالنسبة لطبائع األشخاص فإن املدعوين على ثالثة أنواع ‪:‬‬
‫‪ .1‬فمنهم الراغب يف اخلري ولكنه غافل قليل البصرية فيحتاج على دعوته باحلكمة ‪.‬‬
‫‪ .2‬ومنهم املعرض عن احلق املشتغل بغريه فمثل هذا حيتاج إىل املوعظة احلسنة بالرتغيب والرتهيب‬
‫التنبيه على ما يف التمسك باحلق من املصاحل العاجلة واآلجلة ‪ ،‬وعلى ما يف خالفه من الشقاء والفساد‬
‫‪.‬‬
‫‪ .3‬الطبقة الثالثة من الناس من له شبهة قد حالت بينه وبني فهم احلق واالنقياد له فهذا حيتاج إىل‬
‫مناقشة وجدال باليت هي أحسن حىت يفهم احلق وتنزاح عنه الشبهة (جمموع فتاوى ابن باز(‬
‫‪)243-2/241‬‬
‫ومن الناس من طبعه احلدة وسرعة االنفعال ‪ ،‬ومنهم من مييل إىل السكينة وطول البال وكل له مدخل‬
‫وأسلوب يناسبه ومراعاة ذلك مهمة يف جناح الداعية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬مراعاة األفهام ‪:‬‬
‫تفاوت األفهام أمر معروف‪ S،‬وله أسبابه من قلة العلم أو اختالف البيئة‪ ،‬أو استحكام العوائد وحنو‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫قال ابن كثري يف تفسريه عند قوله تعاىل ]فذكر إن نفعت الذكرى[ ‪ :‬أي ((ذكر‪ S‬حيث تنفع التذكرة‬
‫‪ ،‬ومن هنا األدب يف نشر العلم فال يضعه عند غري أهله))‪ S‬تفسري ابن كثري (‪ ، )4/500‬ولذلك قال‬
‫النيب ‪(( ‬يا عائشة لو ال أن قومك حديث عهدهم – قال ابن الزبري ‪ :‬بكفر‪ -‬لنقضت الكعبة‬
‫فجعلت هلا بابني ‪ ،‬باب يدخل الناس وباب خيرجون)) أخرجه البخاري ‪ ،‬يف كتاب العلم ‪ ،‬باب‬
‫ترك بعض األخبار خمافة أن يقصر فهم بعض الناس (الفتح)(‪ ، )1/223‬قال ابن حجر يف الفتح ‪:‬‬
‫((ويستفاد منه ترك املصلحة ألمن الوقوع يف املفسدة ‪ ،‬ومنه ترك إنكار املنكر خشية الوقوع يف أنكر‬
‫حمرماً)) الفتح البن‬
‫منه ‪ ،‬وأ ّن اإلمام يسوس رعيته مبا فيه إصالحهم ولو كان مفضوالً ما مل يكن ّ‬
‫حجر(‪.)1/225‬‬
‫خص بالعلم قوماً دون قوم كراهية‬ ‫وروى اإلمام البخاري يف صحيحه ‪ ،‬يف كتاب العلم ‪ ،‬باب من َّ‬
‫أالَّ يفهموا ‪ ،‬عن علي بن أيب طالب قال ‪ :‬حدِّثوا الناس مبا يعرفون ‪ ،‬ودعوا ما ينكرون ‪ ،‬أحتبون أن‬
‫يك ّذب اهلل ورسوله ؟ صحيح البخاري ‪ ،‬كتاب العلم ‪ .‬وروى مسلم ابن مسعود ‪(( :‬ما أنت‬
‫مبحدث قوماً حديثاً ال تبلغه عقوهلم إال كان لبعضهم فتنة)) أخرجه مسلم يف املقدمة ‪ ،‬باب النهي‬
‫عن احلديث بكل ما مسع (‪. )1/11‬‬
‫قال ابن حجر ‪(( :‬ممن كره التحديث ببعض دون بعض أمحد يف األحاديث اليت يف ظاهرها اخلروج‬
‫السلطان ‪ ،‬ومالك يف أحاديث الصفات ‪ ،‬وأبو يوسف يف الغرائب ‪.‬‬ ‫على ُّ‬

‫‪382‬‬
‫وضابط ذلك أن يكون ظاهر احلديث يقوي البدعة ‪ ،‬وظاهره يف األصل غري مراد فاإلمساك عنه عند‬
‫من خيشى عليه األخذ بظاهره مطلوب واهلل أعلم)) فتح الباري (‪. )1/225‬‬
‫ولذا ينبغي للداعية مراعاة ذلك وعدم خمالفته سيما بالنسبة للعوام ‪ ،‬ومن تقصر هبم األفهام ‪ ،‬وقد َّ‬
‫عد‬
‫الشاطيب يف االعتصام هذا التجاوز ضرباً من االبتداع فقال ‪(( :‬ومن ذلك التحدث مع العوام مبا ال‬
‫تفهمه وال تعقل معناه ‪ ،‬فإنه من باب وضع احلكمة يف غري موضعها ‪ ،‬وسامعها إما أن يفهمها على‬
‫غري وجهها‪ -‬وهو الغالب‪ -‬وهي فتنة تؤدي إىل التكذيب باحلق ‪ ،‬والعمل بالباطل ‪ ،‬وإما ال يفهم‬
‫منها شيئاً وهو أسلم)) االعتصام (‪.)2/13‬‬
‫وأوضح ذلك أيضاً يف موافقاته ومثل له بأمثلة من إنكار الصحابة لذلك فقال ‪(( :‬ومن ذلك سؤال‬
‫العوام عن علل مسائل الفقه وحكم التشريعات ‪ ،‬وإن كان هلا علل صحيحة وحكم مستقيمة ‪،‬‬
‫ولذلك أنكرت عائشة على من قالت ‪ :‬مل تقضي احلائض الصوم ‪ ،‬وال تقضي الصالة ؟ وقالت هلا ‪:‬‬
‫أحرورية أنت ؟ ‪ ،‬وقد ضرب عمر بن اخلطاب صبيغاً ملا كان كثري السؤال عن أشياء من علوم‬
‫القرآن ال يتعلق هبا عمل ورمبا أوقع خياالً وفتنة وإن كان صحيحاً)) املوفقات (‪. )4/191‬‬
‫وهذه كلمات للشاطيب أضعها أمام عني كل داعية وأهتف هبا يف مسعه ليعلم أنه ((ليس كل ما يعلم‬
‫مما هو حق يطلب نشره إن كان من علم الشريعة ومما يفيد علما باألحكام ‪ ،‬بل ذلك ينقسم ‪ :‬فمنه‬
‫ما هو مطلوب النشر ‪ ،‬وهو غالب علم الشريعة ‪ ،‬ومنه ما ال يطلب نشره بإطالق ‪ ،‬أوال يطلب‬
‫نشره بالنسبة إىل حال أو وقت أو شخص)) املوفقات (‪. )4/189‬‬
‫وأزيد األمر وضوحاً بذكر القاعدة الضابطة الرائعة اليت ذكرها الشاطيب وأرشد إليها خماطباً كل عامل‬
‫وداعية حيث أوصاه أن يعرض مسألته على الشريعة فقال ‪(( :‬فإن صحت يف ميزاهنا فانظر يف ماَهلا‬
‫بالنسبة إىل حال الزمن وأهله ‪ ،‬فإن مل يؤد ذكرها إىل مفسدة ‪ ،‬فاعرضها يف ذهنك على العقول فإن‬
‫قبلتها فلك أن تتكلم فيها إما على العموم إن كانت مما تتقبلها العقول على العموم ‪ ،‬وإما على‬
‫اخلصوص إن كانت غري الئقة بالعموم ‪ ،‬وإن مل يكن ملسألتك هذا املساغ فالسكوت عنها هو‬
‫اجلاري على املصلحة الشرعية والعقلية))املوفقات (‪. )4/191‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬مراعاة املقاصد والنيات ‪:‬‬
‫قد يتفق اثنان يف عمل ما ومع ذلك خيتلف احلكم عليهما باختالف النوايا ‪ ،‬فهناك من يفعل الفعل‬
‫ولكل حكمه ومنهم من يفعل اإلمث قاصداً‬ ‫ناسياً ‪ ،‬أو جاهالً حبرمته ‪ ،‬أو متأوالً فيه ‪ ،‬أو مكرها عليه ٍ‬
‫عاملاً باحلرمة لكنه مغلوب بضعف عزمه ‪ ،‬ووسوسة شيطانه فال يلبث أن يندم ويتوب ويستغفر ‪،‬‬
‫مصر ‪ ،‬وآخر حمادٌّ اهلل ورسوله وهكذا ‪ ،‬وحنن نعلم أن النوايا خمفية يف طوايا القلوب ‪،‬‬
‫ومنهم قاصد ّ‬
‫ولكن بعض القرائن واألحوال تدل عليها ‪ ،‬وقد تصرح هبا األلسنه فتعرف بوضوح ‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫ويف املسائل الفقهية ما يوضح هذا املعىن سيما يف أحكام الطالق واألميان والنذور إذ يسأل أصحاهبا‬
‫عن مقاصدهم وما نووا بكالمهم ‪ ،‬ويعول يف احلكم على نواياهم ويوكل أصحاهبا يف صدقهم إىل‬
‫تدينهم هلل ‪ ،‬وما يعرف عنهم من قرآئن وأحوال ولنا الظواهر ‪ .‬ومراعاة مثل هذا من األمور اليت ال‬
‫ينبغي إمهاهلا كما قال ابن القيم ‪(( :‬إياك أن هتمل قصد املتكلم ونيته وعرفه فتجين عليه وعلى‬
‫الشريعة ‪ ،‬وتنسب إليها ما هي بريئة منه))‪ S.‬ومن أبز األمثلة على اعتبار النيات حديث التائب الذي‬
‫قال ((اللهم أنت عبدي وأنا ربك)) أخطأ من شدة الفرح (أخرجه مسلم ‪ ،‬يف كتاب التوبة ‪ ،‬باب‬
‫يف احلض على التوبة والفرح هبا (عبد الباقي)(‪ )4/2103‬فلم يؤاخذ بذلك ‪ ،‬ومثله حديث مسلم يف‬
‫ويذر رماده يف الرب والبحر خشية من عذاب اهلل ‪ ،‬فغفر اهلل له هلذا‬
‫قصة الرجل الذي أوصى أن حيرق ّ‬
‫املقصد الذي استوىل على قلبه (أخرجه مسلم ‪ ،‬يف كتاب التوبة ‪ ،‬باب سعة رمحة اهلل تعاىل وأهنا‬
‫سبقت غضبه (عبد الباقي)(‪. )4/2109‬‬
‫رابعاً ‪ :‬مراعاة األحوال اخلاصة ‪:‬‬
‫سئل النيب ‪ ‬الوصية والنصيحة من بعض أصحابه فقال ألحدهم ‪(( :‬ال تغضب))‪ S‬أخرجه البخاري‬
‫‪ ،‬يف كتاب األدب ‪ ،‬باب احلذر من الغضب (الفتح)(‪ ، )10/535‬وقال آلخر ‪(( :‬قل آمنت باهلل مث‬
‫استقم)) أخرجه مسلم يف كتاب اإلميان ‪ ،‬باب جامع أوصاف اإلسالم (عبد الباقي)(‪، )1/65‬وقال‬
‫للثالث ‪(( :‬ال يزال لسانك رطباً بذكر اهلل)) أخرجه الرتمذي يف كتاب الدعوات ‪ ،‬باب ما جاء يف‬
‫فضل الذكر (شاكر) (‪ )5/427‬وما ذلك االختالف يف اجلواب إال مراعاة منه ‪ ‬لألحوال اخلاصة‬
‫بالسائلني إذ كان يعلم حاجة كل واحد منهم واجلانب القاصر عنده ‪ ،‬واألمر الالئق به ‪ ،‬فأوصى كل‬
‫واحد مبا يناسبه ‪.‬‬
‫وجاء شاب إىل النيب ‪ ، ‬فقال ‪ :‬يا رسول اهلل ((أقبل وأنا صائم ؟ قال ‪ :‬ال ‪ ،‬فجاء شيخ فقال ‪:‬‬
‫أقبّل وأنا صائم ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬فنظر الصحابة بعضهم إىل بعض (أي متعجبني من اختالف الفتوى)‪S‬‬
‫فقال ‪ : ‬قد علمت نظر بعضكم إىل بعض إن الشيخ ميلك نفسه)) مسند اإلمام أمحد (‪، )2/185‬‬
‫وهذا واضح الداللة يف التفريق بني حال الشيخ وحال الشاب ومراعاة ذلك يف الفتوى واملعاملة‬
‫والتوجيه ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬مراعاة األعراف والعوائد العامة ‪:‬‬
‫إن كل بلد هلا أعرافها وكل بيئة هلا عوائدها ‪ ،‬ومراعاة ذلك بالضوابط الشرعية ‪ ،‬من ضروب‬
‫احلكمة وموافقة جوهر الشريعة ‪ ،‬وقد امنت اهلل على البشر بإرسال الرسل وخص باملنة كون الرسل‬
‫من البشر وامنت على األقوام بأن جعل الرسل منهم وينطقون بألسنتهم ‪ ،‬فقال تعاىل ‪]:‬وما أرسلنا من‬
‫رسول إال بلسان قومه ليبني هلم[إبراهيم [‪ ]4‬فهذا ((من لطفه تعاىل خبلقه أن يرسل إليهم رسالً منهم‬
‫بلغاهتم ليفهموا عنهم ما يريدون وما أرسلوا به)) تفسري ابن كثري(‪ ، )2/522‬ولذا ينبغي لداعية‬

‫‪384‬‬
‫التنبه بذلك ‪ ،‬احلرص على معرفة األعراف والعوائد يف البيئة اليت يدعو إليها لتكون دعوته مؤثرة يف‬
‫النفوس ‪ ،‬مقنعة للعقول ‪ ،‬حمببة للقلوب ‪ ،‬مناسبة للظروف ‪ ،‬قابلة للتطبيق فإذا جاء يف بيئة يغلب‬
‫عليها الفقر ويشيع فيها الكسل فإن املطالبة بالزهد يف الدنيا والرتفع عن شهواهتا غري مناسب للبيئة‬
‫وأحوال الناس ‪ ،‬وإذا دعا قوماً فاضت األموال يف أيديهم وشغلت الدنيا أوقاهتم فاحلديث عن ضرورة‬
‫التمتع باملباح من الدنيا واحلث على ذلك غري مالئم كذلك ‪ ،‬كما ال ينبغي أن يطول احلديث يف‬
‫اإلنكار على أمور ال وجود هلا يف بيئة الدعوة إذ ال نفع يف ذلك ‪ ،‬بل رمبا ترتب عليه ضرر من‬
‫حصول تشويش واضطراب أو حصول تطلع وافتتان بتلك األمور ‪.‬‬
‫قال ابن القيم يف إعالم املوقعني منبهاً على هذا املوضوع ‪(( :‬وال جَت مد على املنقول يف الكتب طول‬
‫عمرك ‪ ،‬بل إذا جاءك رجل من غري إقليمك يستفتيك فال جتره على عرف بلدك ‪ ،‬وسله عن عرف‬
‫بلده فأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك واملذكور يف كتبك))‪ S‬إعالم املوقعني (‪ ، )3/78‬مث بني أثر‬
‫ذلك وضرره فقال ك ((ومن أفىت الناس مبجرد املنقول يف الكتب على اختالف عرفهم وعوائدهم‬
‫وأزمنتهم وأحواهلم وقرائن أحواهلم فقد ضل وأضل ‪ ،‬وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من‬
‫طبَّب الناس كلهم على اختالف بالدهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم مبا يف كتاب من كتب الطب‬
‫على أبداهنم بل هذا الطبيب وهذا املفيت اجلاهل أضر ما على أديان الناس وأبداهنم)) إعالم املوقعني (‬
‫‪. )3/78‬‬
‫وضرب ابن تيمية لذلك مثاالً علمياً فقال ‪(( :‬ولو أن املسلم بدار حرب أو دار كفر غري حرب مل‬
‫يكن مأموراً باملخالفة هلم (أي الكفار) يف اهلدي الظاهر ملا عليه يف ذلك من الضرر بل قد يستحب‬
‫للرجل أو جيب عليه أن يشاركهم أحياناً يف هديهم الظاهر إذا كان يف ذلك مصلحة دينية من‬
‫دعوهتم إىل الدين ‪ ،‬واالطالع على باطن أمرهم أو دفع ضررهم عن املسلمني وحنو ذلك من املقاصد‬
‫الصاحلة)) اقتضاء الصراط املستقيم البن تيمية (ص‪. )173 :‬‬
‫سادساً ‪ :‬مراعاة األولويات ‪:‬‬
‫املراد مبراعاة األولويات معرفة مراتب األعمال ووضعها يف مواضعها ‪ ،‬فإن املنهج اإلسالمي قد جعل‬
‫لكل عمل قدراً ‪ ،‬فإماطة األذى وإن كانت من اإلميان فإهنا يف الرتبة الدنيا كما قال ‪(( : ‬اإلميان‬
‫بضع وستون أو بضع وسبعون شعبة أعالها ال إله إال اهلل وأدناه إماطة األذى عن الطريق واحلياء‬
‫شعبة من اإلميان)) " وال إله إال اهلل " يقاتل ألجلها كما أخرب الرسول الكرمي ((أمرت‪ S‬أن أقاتل الناس‬
‫حىت يقولوا ال إله إال اهلل )) وإماطة األذى ال ميكن أن تكون سبباً لقتال بل هي دون ذلك بكثري‬
‫ويكفي فيها نصح ووعظ ‪ ،‬وال ميكن املساواة بينهما ‪ ،‬يف الدعوة إليهما والبذل يف سبيل حتقيقهما ‪.‬‬
‫وهذا ظاهر يف بيان تفاوت عدد من األعمال فيما تضمنه قوله تعاىل ]أجعلتم سقاية احلاج وعمارة‬
‫املسجد احلرام كمن آمن باهلل واليوم اآلخر وجاهد يف سبيل اهلل ال يستوون عند اهلل واهلل ال يهدي‬

‫‪385‬‬
‫القوم الظاملني ‪ ،‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا يف سبيل اهلل بأمواهلم وأنفسهم أعظم درجة عند اهلل‬
‫وأولئك هم الفائزون[ التوبة [‪. ]20_19‬‬
‫وال بد للداعي أن يعلم أن األصول ال بد أن تقدم على الفروع ‪ ،‬والفروض تقدم على النوافل ‪،‬‬
‫وفروض األعيان مقدمة على فروض الكفايات ‪،‬وفروض الكفايات اليت فيها عجز ظاهر أوىل من اليت‬
‫انتدب هلا غريه من املسلمني‪.‬‬
‫وللشيطان أرب يف هذا اجلانب لدى الدعاة فهو يف معركة املراغمة يبدأ بالكفر فإن عجز فإىل البدعة‬
‫‪ ،‬فإن مل يفلح فإىل كبائر الذنوب ‪ ،‬فإن فشل فإىل صغائرها ‪ ،‬فإن مل يتمكن فإىل االستكثار من املباح‬
‫وسل نفسه مل يكن استعالؤه على الراحة والرغد كافياً حلصار الشيطان يف زاوية‬ ‫فإن ((متلص الداعية َّ‬
‫اليأس ‪ ،‬بل للشيطان حماولة سادسة فيكون له التفاف واقتحام من ثغرة أخرى ‪ ،‬فينثر ترتيب قائمة‬
‫األولويات النسبية ‪ ،‬بعكس القواعد الشريعة يف تفاضل األعمال اإلميانية ويلهي املؤمن باملفضول‬
‫املرجوح ‪ ،‬فيقضي من له علم نافع عن مجهور املنتفعني منه ‪ ،‬يشغله بزيادة ركوع أو سجود ‪ ،‬مها‬
‫جليالن ‪ ،‬لكن التعليم أوجب عليه بعد الفرض منهما ‪ ،‬وينقل آخر له وفرة قوة وبسطة يف اجلسم‬
‫والذكاء وخربة يف السياسة واإلدارة ‪ ،‬من تفاعله املنتج مع يوميات اخلطة اجلماعية ‪،‬ومن صوالته يف‬
‫ساحة الفكر إىل إشراف على بناء مدرسة أو إغاثة منكوب)) املسار (ص‪.)19:‬‬
‫من املعلوم أن هناك مقاصد ضرورية مقدمة ‪ ،‬ومقاصد حاجية تأيت بعدها ‪ ،‬وهناك أيضاً مقاصد‬
‫حتسينية تأيت يف املرتبة األخرية ‪ ،‬وال بد من مراعاة ذلك ومعرفة أن ((املقاصد الضرورية أصل‬
‫للحاجية والتحسينية)) املوفقات (‪(( ، )2/17‬وأن الضروري‪ S‬هو األصل وأن ما سواه مبىن عليه‬
‫كوصف من أوصافه أو كفرع من فروعه ‪ ،‬ويلزم باختالله اختالل الباقني ألن األصل إذا اختل اختل‬
‫الفرع من باب أوىل فلو فرضنا ارتفاع أصل البيع من الشريعة مل يكن اعتبار اجلهالة والغرر ‪،‬‬
‫وكذلك لو ارتفع أصل القصاص مل ميكن اعتبار املماثلة فيه فإن ذلك من أوصاف القصاص وحمال أن‬
‫يثبت الوصف مع انتفاء املوصف)) املوفقات (‪. )2/18‬‬
‫والعقيدة هي أساس والشريعة هي البناء ‪ ،‬وال بناء من غري أساس وال عمل من غري توحيد وإخالص‬
‫]وقدمنا إىل ما عملوا من عمل فجعناه هباء منثوراً[ الفرقان [‪] ]23‬ولقد أوحي إليك وإىل الذين من‬
‫قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك[ الزمر [‪ ، ]65‬وسائر الرسل واألنبياء كانت الدعوة إىل التوحيد‬
‫عندهم هي أوىل األولويات وأهم املهمات وكلهم كان نداؤهم ]اعبدوا اهلل مالكم من إله غريه[ هود‬
‫كل حبسبه ‪،‬‬
‫[‪ ، ]50‬ومن منطلق العقيدة اإلميان سعوا إىل عالج االحنرافات الواقعة يف جمتمعاهتم ٌ‬
‫فموسى عليه السالم عاجل الطغيان السياسي الفرعوين وما ترتب عليه من إذالل الناس واستعبادهم‬
‫على أساس اإلميان ‪ ،‬ولوط عليه السالم عاجل االحنراف اخللقي والشذوذ اجلنسي يف قومه ‪ ،‬وهكذا‬
‫سائر الرسل واألنبياء ‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫واملصطفى ‪ ‬بدأ باإلميان والتوحيد مث شرعت الشرائع وفرضت الفرائض ((والدعاة عليهم أن‬
‫يسلكوا سبيله وأن يقتفوا أثره بادئني باألهم فاملهم ولكن إذا كان اجملتمع مسلماً ساغ للداعي أن‬
‫يدعو إىل األهم وغريه)) بل جيب ذلك عليه ((ألن املطلوب إصالح اجملتمع املسلم وبذل الوسع يف‬
‫تطهري عقيدته من شوائب الشرك ووسائله ‪ ،‬وتطهري أخالقه مما يضر باجملتمع ويضعف إميانه وال مانع‬
‫من البدء بعض األوقات بغري األهم إذ مل يتيسر الكالم يف األهم وال مانع أيضاً من اشتغاله باألهم‬
‫وإعراضه عن غري األهم إن رأى املصلحة يف ذلك أو خاف إن هو اشتغل هبما مجيعاً أن خيفق فيهما‬
‫مجيعاً)) جمموع فتاوى ابن باز (‪. )1/325‬‬
‫وهذا األمر ينبغي أن يفهم فهماً صحيحاً ‪ ،‬وأن يطبق تطبيقاً سليماً من غري إفراط وال تفريط ‪،‬‬
‫فاملراد بالبدء بالعقيدة الرتكيز على أصوهلا وأركاهنا وهو ما جيب على املكلف اعتقاده ‪ ،‬إذ جيب عليه‬
‫((أن يؤمن باهلل ورسوله ويقر جبميع ما جاء به الرسول من أمر اإلميان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‬
‫واليوم اآلخر ‪ ،‬وما أمر به الرسول وهنى ‪ ،‬حبيث يقر جبميع ما أخرب به وما أمر به فال بد من تصديقه‬
‫واالنقياد له فيما أمر ‪ ،‬وأما التفصيل فعلى كل مكلف أن يقر مبا ثبت عنده من أن الرسول أخرب به‬
‫وأمر به ‪ ،‬وأما ما أخرب به الرسول ومل يبلغه أنه أخرب به ومل ميكنه العلم بذلك فهو ال يعاقب على‬
‫ترك اإلقرار به مفصالً وهو داخل يف إقراره باجململ العام ‪ ،‬مث إن قال خبالف ذلك متأوالً كان خمطئاً‬
‫يغفر له خطؤه ‪ ،‬إذا مل حيصل منه تفريط وال عدوان ‪ ،‬وهلذا جيب على العلماء من االعتقاد ما ال‬
‫جيب على آحاد العامة ‪ ،‬وجيب على من نشأ بدار علم وإميان من ذلك ما ال جيب على من نشأ بدار‬
‫جهل)) جمموع فتاوى ابن تيمية (‪ ، )328-3/327‬بالتايل فإن الداعية إذا علَّم الناس أصول اإلميان‬
‫على اإلمجال أو وجدهم هبا عاملني كان األوىل به أن يركز هلم على مقتضيات اإلميان وآثاره وربط‬
‫ذلك بواقع حياهتم ‪ ،‬وهذا أجدى وأنفع من املضي هبم إىل مزيد من املسائل والفروع اليت ال حيتاجها‬
‫إال طلبة العلم بل رمبا املتخصصني منهم‪.‬‬
‫سابعاً ‪ :‬مراعاة املصاحل واملفاسد‬
‫وهذا األمر يف غاية األمهية وذلك ألن ((الشريعة مبناها وأساسها على احلكم ومصاحل العباد يف املعاش‬
‫واملعاد ‪،‬وهي عدل كلها ورمحة كلها ومصاحل كلها وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل‬
‫إىل اجلور ‪ ،‬وعن الرمحة إىل ضدها ‪ ،‬وعن املصلحة إىل املفسدة ‪ ،‬وعن احلكمة إىل العبث فليست من‬
‫الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل )) إعالم املوقعني (‪ ، )3/3‬وهذا مبحث دقيق ينبغي يف البداية‬
‫التنبه إىل أن املراد باملصاحل واملفاسد ما كانت كذلك يف حكم الشرع ال ما كان مالئماً أو منافراً‬
‫للطبع وال يكون تقريرها وفق أهواء النفوس يف جلب مصاحلها العادية ودرء مفاسدها العادية‬
‫(املوفقات (‪ )40-2/37‬مث النظر يف تقرير املصاحل واملفاسد وتقريرها والرتجيح بينها حيتاج إىل تقوى‬
‫هلل صادقة ‪ ،‬بصرية علمية نافذة ‪ ،‬ومعرفة بالواقع واسعة ‪ ،‬ليتمكن الداعية من حتقيق مقصود الشريعة‬

‫‪387‬‬
‫اليت ((جاءت بتحصيل املصاحل وتكميلها وتعطيل املفاسد وتقليلها وأهنا ترجح خري اخلريين وشر‬
‫الشرين وحتصل أعظم املصلحتني بتفويت أدنامها وتدفع أعظم املفسدتني باحتمال أدنامها)) جمموع‬
‫فتاوى ابن تيمية (‪ ، )20/48‬والدقة يف هذا املبحث تكمن يف أن املعروف قد يرتك فعله واحلض‬
‫عليه ‪ ،‬واملنكر قد يرتك النهي عنه واإلنكار عليه ‪ ،‬بل قد يُدعى إىل ترك بعض أفعال اخلري ‪ ،‬ويقصد‬
‫إىل فعل بعض املنكر وكل ذلك باعتبار حتقيق املصلحة ودفع املفسدة ‪ ،‬فعند حتقيق أعظم املصلحتني‬
‫تفوت أدنامها وهي من املعروف املطلوب فعله ‪ ،‬وعند درء أكرب املفسدتني يُرتكب أخفهما وهي‬
‫املنكر املطلوب تركه ‪ ،‬واخلالصة أن السيئة حتتمل يف موضعني دفع ما هو أسوأ منها إذا مل تدفع إال‬
‫حتصل إال هبا ‪ ،‬واحلسنة ترتك يف موضعني ‪ ،‬إذا كانت‬‫هبا ‪ ،‬وحتصل مبا هو أنفع من تركها إذا مل َّ‬
‫مفوتة ملا هو أحسن منها ‪ ،‬أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرهتا عن منفعة احلسنة)) جمموع فتاوى ابن‬ ‫َّ‬
‫تيمية (‪. )20/53‬‬
‫وفقه املسألة يزيل ما قد يعلق يف العقول من عجب أوشك وبيانه أنه ((إذا ازدحم واجبان ال ميكن‬
‫مجعهما ف ُقدِّم أو كدمها ‪ ،‬مل يكن اآلخر يف هذه احلال واجباً ‪ ،‬ومل يكن تاركه ألجل فعل األوكد‬
‫تارك واجب يف احلقيقة ‪ ،‬وكذلك إذا اجتمع حمرمان ال ميكن ترك أعظمهما إال بفعل أدنامها مل يكن‬
‫فعل األدىن يف هذه احلال حمرماً يف احلقيقة)) جمموع فتاوى ابن تيمية (‪. )20/57‬‬
‫وهذه أمثلة عملية يف هذا الباب أسوقها من كالم العلماء ‪:‬‬
‫املثال األول ‪ :‬يقول ابن تيمية ‪(( :‬فمن كانت العبادة توجب له ضرراً مينعه عن فعل واجب أنفع له‬
‫منها كانت حمرمة ‪ ،‬مثل أن يصوم صوماً يضعفه عن الكسب الواجب أو متنعه عن العقل أو الفهم‬
‫الواجب أو مينعه عن اجلهاد الواجب ‪ S...‬وأما إن أضعفته عما هو أصلح منها وأوقعته يف مكروهات‬
‫فإهنا مكروهة وقد أنزل اهلل يف ذلك قوله تعاىل ]يا أيها الذين آمنوا ال حترموا طيبات ما أحل اهلل لكم‬
‫وال تعتدوا إن اهلل ال حيب املعتدين[ فإهنا نزلت يف أقوام من الصحابة كانوا قد اجتمعوا وعزموا على‬
‫التبتل للعبادة ‪ ،‬وهذا يسرد الصوم وهذا جيتنب النساء فنهاهم اهلل عن حترمي الطيبات من أكل اللحم‬
‫والنساء)) جمموع فتاوى ابن تيمية (‪. )273-25/272‬‬
‫املثال الثاين ‪ :‬يقول ابن باز ‪(( :‬أما إذا كان هجر الشخص قد يرتتب عليه ما هو من فعله ألنه ذو‬
‫شأن يف الدولة أو ذو شأن يف قبيلته ‪ ،‬فيرتك هجره ويعامل باليت هي أحسن ويرفق حىت ال يرتتب‬
‫على هجره ما هو شر من منكره وما هو أقبح من عمله والدليل على ذلك ‪ :‬أنه ‪ ‬مل يعامل رأس‬
‫املنافقني عبد اهلل بن أيب سلول مبثل ما عامل به الثالثة وهم ‪ :‬كعب وصاحباه ‪ ،‬بل تلطف به ومل‬
‫يهجره ألنه رئيس قومه وخيشى من سجنه وهجره فتنة للجماعة يف املدينة وهلذا كان النيب ‪ ‬يرفق‬
‫به حىت مات على نفاقه نسأل اهلل العافية)) جمموع فتاوى ابن باز (‪. )4/235‬‬

‫‪388‬‬
‫املثال الثالث ‪ :‬قال العز بن عبد السالم ‪(( :‬الكذب سيئة حمرمة إال أن يكون جللب مصلحة أو دفع‬
‫مفسدة كالكذب يف حالة اإلصالح بني املتخاصمني ألن مصلحة تأليف القلوب أحسن من مفسدة‬
‫الكذب‪ ،‬وككذب الرجل على زوجته إلصالحها وحسن عشرهتا ‪ ،‬وكالكذب على األعداء كأن‬
‫خيتبئ عندك رجل مظلوم والظامل يسألك عنه ‪ ،‬حفظ العضو أعظم من مصلحة الصدق الذي ال يضر‬
‫وال ينفع فما الظن بالصدق الضار)) قواعد األحكام يف مصلحة األنام للعز بن عبد السالم (ص‪:‬‬
‫‪.)84‬‬
‫ثامناً مراعاة األوقات ‪:‬‬
‫واملقصود‪ S‬مبراعاة الوقت ختري الوقت املالئم للدعوة من حيث فراغ املدعوين واستعدادهم للتلقي ‪،‬‬
‫وكذا املراعاة ألوقات املواعظ والدروس ‪ ،‬ومناسبة طول وقتها ألحول الناس ‪ ،‬ويندرج حتت ذلك‬
‫مراعاة استعداد املدعو وبلوغه املرحلة اليت يكون فيها الوقت مناسباً لتفاعله واستجابته ‪.‬‬
‫وشاهد الضرب األول ما روي عن ابن مسعود ‪(( :‬كان النيب ‪ ‬يتخولنا باملوعظة يف األيام كراهة‬
‫السآمة علينا)) أخرجه البخاري ‪ ،‬يف كتاب العلم ‪ ،‬باب ما كان النيب ‪ ‬يتخوهلم باملوعظة والعلم‬
‫كي ال ينفروا (الفتح) (‪ )1/161‬قال ابن حجر معلقاً ‪:‬ويستفاد من احلديث استحباب ترك املداومة‬
‫يف اجلد والعمل الصاحل خشية اإلمالل ‪ ،‬وإن كانت املواظبة مطلوبة ولكنها على قسمني إما كل يوم‬
‫مع عدم التكلف ‪ ،‬وإما يوماً بعد يوم ‪ ،‬فيكون يوم الرتك ألجل الراحة ليقبل على الثاين بنشاط ‪،‬‬
‫وإما يوماً يف اجلمعة ‪ ،‬ويتخلف باختالف األحوال واألشخاص والضابط احلاجة مع مراعاة وجود‬
‫النشاط (فتح الباري (‪ ، )1/163‬وعن ابن عباس مثال آخر أمشل وأظهر إذ روي عنه أنه قال ‪:‬‬
‫متل الناس هذا القرآن‬‫حدث الناس كل مجعة مرة ‪ ،‬فإن أبيت فمرتني ‪ ،‬فإن أكثرت فثالث مرات وال َّ‬
‫‪ ،‬وال ألفينك تأيت القوم وهم يف حديث من حديثهم فتقطع عليهم حديثهم فتملهم ‪ ،‬ولكن أنصت‬
‫فإذا أمروك فحدثهم وهم يشتهونه (شرح السنة (‪. )1/314‬‬
‫وأما الضرب الثاين فيشهد له قول ابن مسعود ‪(( :‬حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم وأقبلت عليك‬
‫قلوهبم فإذا انصرفت عنك قلوهبم فال حتدثهم)) ‪ ،‬فسئل عن عالمة انصراف القلوب فقال ‪(( :‬إذا‬
‫التفت بعضهم إىل بعض ‪ ،‬ورأيتهم يتثاءبون فال حتدثهم)) شرح السنة (‪ ، )1/313‬ويضاف إليه ما‬
‫روي عن عائشة أهنا قالت لقاص أهل مكة عبيد بن عمري ‪ :‬أمل أحدَّث أنك جتلس وجُي لس إليك ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى يا أم املؤمنني ‪ ،‬قالت ‪ :‬فإياك وإمالل الناس وتقنيطهم (شرح السنة(‪ )1/314‬وإمالل‬
‫الناس يكون بإطالة احلديث يف كثري من األحوال ‪.‬‬
‫وأما الضرب الثالث فمثاله ما رواه البخاري ((عن حكم بن حزام رضي اهلل عنه قال ‪ :‬سألت رسول‬
‫اهلل ‪ ‬فأعطاين ‪ ،‬مث سألته فأعطاين ‪ ،‬مث سألته فأعطاين مث قال ‪ :‬يا حكيم إن هذا املال خضرة حلوة‬

‫‪389‬‬
‫فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ‪ ،‬ومن أخذه بإشراف نفس مل يبارك له فيه كالذي يأكل وال‬
‫يشبع ‪ ،‬اليد العليا‬
‫خري من اليد السفلى)) أخرجه البخاري ‪ ،‬يف كتاب الزكاة ‪،‬باب االستعفاف عن املسألة (الفتح)(‬
‫‪ ، )3/393‬قال ابن حجر ((وفيه أنه ينبغي لإلمام أن ال يبني للطالب ما يف مسألته من املفسدة إال‬
‫بعد قضاء يف حاجته لتقع موعظته له املوقع)) فتح الباري (‪. )395 /3‬‬
‫وهكذا نرى أمر املراعاة متشعباً ومهماً ‪ ،‬واحلقيقة أن املراعاة ضرب من التدرج ألن املراعاة كثرياً ما‬
‫تقتضي ترك أمر لعدم مالئمته إما للطبع أو الفهم أو احلال أو غري ذلك واالستعاضة عنه بغريه حىت‬
‫يكون ممهداً لعرض األمر املرتوك فيأيت يف وقته املناسب فمثالً ((إذا كان احلكم مستغرباً جداً مما مل‬
‫تألفه النفوس وإمنا ألفت خالفه فينبغي للمفيت أن يوطئ قلبه ما يكون مؤذناً به كالدليل عليه ‪،‬‬
‫واملقدمة بني يديه ‪ ،‬فتأمل ذكره سبحانه قصة زكريا وإخراج الولد منه بعد انصرام عصر الشبيبة‬
‫وبلوغه السن الذي ال يولد فيه ملثله يف العادة فذكر قصته مقدمة بني يدي قصة عيسى عليه السالم‬
‫ووالدته من غري أب ‪ ،‬فإن النفوس ملا أنست لولد من بني شخصني كبريين ال يولد هلما عادة ‪ ،‬سهل‬
‫عليها التصديق بوالدة ولد من غري أب)) إعالم املوقعني (‪. )4/163‬‬
‫وهذه أمثلة رويت عن عمر بن عبد العزيز يف مراعاته ألحوال األمة فيما سبقه من الزمن وحرصه‬
‫على التدرج يف اإلصالح ‪.‬‬
‫‪ .1‬حكي ((أن عبد امللك بن عمر بن عبد العزيز – رمحه اهلل – قال يوماً ألبيه عمر ‪ :‬مالك ال تُنفذ‬
‫عجل يا بين ‪ ،‬فإن اهلل‬‫األمور ؟! فواهلل ما أبايل لو أن القدور غلت يب وبك يف احلق !! قال عمر ‪ :‬ال تَ َ‬
‫ذم اخلمر يف القرآن مرتني وحرمها يف الثالثة ‪ ،‬وإين أخاف أن أمحل الناس على احلق مجلة فيدفعوه‬ ‫َّ‬
‫مجلة ‪ ،‬ويكون من ذا فتنة)) املوفقات (‪. )94-2/93‬‬
‫‪ .2‬قال له ابنه ذات يوم ((يا أبت ‪ :‬ما مينعك أن متضي ملا تريده من العدل ؟ فو اهلل ما كنت أبايل لو‬
‫َغلت يب وبك القدور يف ذلك ‪.‬‬
‫أروض الناس رياضة الصعب ‪ ،‬إين أريد أن أحيي األمر من العدل فأؤخر ذلك‬ ‫قال ‪ :‬يا بين ‪ ،‬إيِّن إمنا ِّ‬
‫حىت أخرج معه طمعاً من طمع الدنيا فينفروا من هذا ‪ ،‬ويسكنوا هلذا ))‬
‫‪ .3‬روي أن ابنه دخل عليه فقال يا أمي املؤمنني ‪ :‬ما أنت قائل لربك غداً ‪ ،‬إذا سألك فقال ‪ :‬رأيت‬
‫بدعة فلم متتها ‪ ،‬أو سنة فلم حُت يها ؟ فقال أبوه ‪ :‬رمحك اهلل وجزاك من ولد خرياً يا بين ‪ ،‬إن قومك‬
‫قد شدوا هذا األمر عُقدة عقدة ‪ ،‬وعروة وعروة ‪ ،‬ومىت أردت مكابرهتم على انتزاع ما يف أيديهم مل‬
‫آمن أن يفتقوا علي فتقاً يكثر فيه الدماء ‪ ،‬واهلل لزوال الدنيا أهون علي من أن يراق يف سبيب حمجمة‬
‫من دم ‪ ،‬أو ما ترضى أن ال يأيت على أبيك يوم من أيام الدنيا إال هو مييت فيه بدعة وحيي فيه سنة ؟‬

‫‪390‬‬
‫تاريخ اخللفاء للسيوطي (ص‪ )240:‬وغين عن التنبيه أن التدرج ميكن أن يكون هتاوناً وتفريطاً وأن‬
‫املراعاة ال يصح أن تكون مداهنة ونفاقاً ‪.‬‬
‫املبحث الثاين ‪ :‬اجلرأة واحلكمة ‪:‬‬
‫((اجلرأة يف احلق قوة نفسية رائعة يستمدها املؤمن من الداعية من اإلميان باهلل الواحد األحد الذي‬
‫يعتقده ‪ ،‬ومن احلق الذي يعتنقه ‪ ،‬ومن اخللود السرمدي الذي يوقن به ‪ ،‬ومن القدر الذي يستسلم‬
‫إليه ‪ ،‬ومن املسئولية اليت يستشعر هبا ‪ ،‬ومن الرتبية اإلسالمية اليت نشَّئ عليها ‪.‬‬
‫وعلى قدر نصيب املؤمن من اإلميان باهلل الذي ال يُغلب ‪ ،‬وباحلق الذي ال خُي ذل ‪ ،‬وبالقدر الذي ال‬
‫تكل ‪ ،‬وبالرتبية التكوينية اليت ال متل ‪ ،‬وبقدر هذا كله يكون نصيبه من‬ ‫يتحول وباملسئولية اليت ال ّ‬
‫اجلرأة والشجاعة وإعالن كلمة احلق اليت ال ختشى يف اهلل لومة الئم)) صفات الداعية النفسية (ص‪:‬‬
‫‪. )23‬‬
‫واجلرأة للداعية أمر مهم يف زيادته وقيادته ‪ ،‬ويف تأثريه ومنفعته ‪ ،‬ألن الناس يتأثرون باجلريء املقدام ‪،‬‬
‫ألهنم يف امللمات حيجمون وتتقدم بالداعية جرأته يف احلق مصحوبة حبكمته يف التصرف فإذا هو‬
‫املقدم الذي تشخص إليه األبصار ‪ ،‬ويتعلق به القلوب ‪.‬‬
‫فاجلرأة مسه تقدم للداعية تنبئ عن قوة يف القلب ‪ ،‬وعزمية يف النفس ‪ ،‬وصدق يف املواقف ‪ ،‬ومشوخ‬
‫باملنهج ‪ ،‬فعندما تنخلع القلوب هلعاً يبقى الداعية اجلريء ساكن القلب رابط اجلأش ‪ ،‬وعندما خترس‬
‫األلسن خوفاً تَنطق اجلرأة على لسانه فيجهر باحلق لئال تنطمس معامله ‪ ،‬وعندما حتار العقول من هول‬
‫املفاجآت أو صدمة الكوارث تعمل اجلرأة عملها فإذا العقل حاضر ‪ ،‬والتفكري صادر ‪ ،‬وحنن يف‬
‫أعصر رق فيها الدين ‪ ،‬وكثر التساهل يف األوامر والنواهي ‪ ،‬وترخص كثريون يف الرضى باملنكرات‬
‫‪ ،‬واستحيا آخرون من إظهار العمل بالصاحلات ‪ ،‬حىت غدا املنكر معروفاً واملعروف منكراً يف كثري‬
‫من األحوال ‪ ،‬وتدور دورة احلياة مبشاغلها ‪ ،‬وتبهر العقول مبفاتنها ‪ ،‬وختطف األبصار ببهارجها ‪،‬‬
‫فتستقر األوضاع اخلاطئة وتستمر املنكرات الظاهرة وما ذلك إال لقلة أهل اجلرأة والشجاعة الذين‬
‫يتقدمون لرفع راية احلق فيلتف حوهلم آخرون ويكونون بؤرة جتمع ترفض الذوبان ‪ ،‬وتستعصي على‬
‫التهجني ‪ ،‬إن هلذه اجلرأة والشجاعة زاد من اليقني بـ(( أن حق اهلل ال بد أن يسود ‪ ،‬وأن هداه ال بد‬
‫أن يعلو ‪ ،‬وأن هنجه ال بد أن تتضح معامله وترسو دعائمه ‪ ،‬وأن املنتسبني إليه ما ينبغي أن ختفت‬
‫أصواهتم ‪ ،‬وال أن يغلبوا على تعاليمهم)) مع اهلل (ص‪. )210:‬‬
‫واحلق أن ((األمة مجعاء مكلفة أن تكون شجاعة يف محاية الدين ‪ ،‬ورد العادين على حدوده من اجملَّان‬
‫والفجار)) مع اهلل (ص‪ )210:‬وهذا هو وصف الصفوة املختارة حلمل الرسالة يف كل عصر يتلفت‬
‫فيه الناس من املسئولية ‪ ،‬ويتخلون عن التبعية ]يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف‬
‫يأيت اهلل بقوم حيبهم وحيبونه أذلة على املؤمنني أعزة على الكافرين جياهدون يف سبيل اهلل وال خيافون‬

‫‪391‬‬
‫لومة الئم[ املائدة [‪ ، ]54‬وعلى هذا بايع النفر األوائل من األنصار يف بيعة العقبة كما قال عبادة بن‬
‫الصامت ‪ :‬بايعنا رسول اهلل ‪ ‬على السمع والطاعة يف العسر واليسر واملنشط واملكره وعلى أثرة‬
‫علينا وعلى أن ال ننازع األمر أهله إال أن تروا كفراً بواحاً عندكم من اهلل فيه برهان ‪ ،‬وعلى أن‬
‫نقول احلق أينما كنا ال خناف يف اهلل لومة الئم ( أخرجه البخاري يف كتاب الفنت ‪ ،‬باب قول النيب‬
‫‪ ‬سرتون بعدي أموراً تنكروهنا (الفتح)(‪ ، )13/7‬وهلذا أيضاً كان ((أفضل اجلهاد كلمة حق عند‬
‫سلطان جائر)) أخرجه أبو داود يف كتاب املالحم ‪ ،‬باب األمر والنهي (‪ )4/514()4244‬وأخرجه‬
‫الرتمذي يف كتاب الفنت ‪ ،‬باب ما جاء يف أفضل اجلهاد(شاكر)(‪. )4/471‬‬
‫وليست اجلرأة هتوراً كما أن احلكمة ليست جنباً ‪ ،‬واملزج بينهما هو املطلوب الذي ينبغي اتصاف‬
‫الداعية به يف معاملته لآلخرين ويف املواقف العصيبة ‪ ،‬وعدم وجود اجلرأة والشجاعة يستلزم وجود‬
‫ضدمها وهو اجلنب والذلَّة اللذان ال يليقان بالداعية حبال ألنه ((إذا مل يكن الداعية املسلم شجاعاً‬
‫مطيقاً ألعباء الرسالة ‪ ،‬سريعاً إىل تلبية ندائها ‪ ،‬جريئاً على املبطلني ‪ ،‬مغواراً يف ساحاهتم فخري له أن‬
‫ينسحب من هذا اجملال وأالَّ يفضح اإلسالم بتكلف ما ال حيسن من شئونه))‪ S‬مع اهلل (ص‪. )211:‬‬
‫واجلرأة تنبعث من اجتماع خلقني عظيمتني ‪-:‬‬
‫أوهلما ‪ :‬امتالك اإلنسان لنفسه وانطالقه من قيود الرهبة والرغبة ‪ ،‬وارتضاؤه لوناً من احلياة بعيداً عن‬
‫ذل الطمع وشهوة التنعم ‪.‬‬
‫وثانيهما ‪ :‬إيثار ما عند اهلل واالعتزاز بالعمل له ‪ ،‬وترجيح جنابه على جربوت اجلبارين ‪ ،‬وعلى‬
‫أعطيات املغدقني ( مع اهلل (ص‪. )217-215 :‬‬
‫ولقد كان الرسول القائد ‪ ‬أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس ‪ ،‬ولقد فزع أهل املدينة ذات‬
‫ليلة فانطلق الناس قبل الصوت ‪ ،‬فاستقبلهم النيب ‪ ، ‬قد سبق الناس إىل الصوت وهو يقول‪(( :‬مل‬
‫تراعوا ‪ ،‬مل تراعوا)) ‪ ،‬وهو على فرس أليب طلحة عُري ما عليه سرج يف عنقه سيف)) أخرجه‬
‫البخاري يف كتاب األدب ‪ ،‬باب حسن اخللق والسخاء وما يكره من البخل (الفتح) (‪، )10/455‬‬
‫وأخرجه مسلم يف كتاب الفضائل ‪ ،‬باب يف شجاعة النيب ‪( ‬النووي)( ‪ )15/67‬وقد ترجم‬
‫البخاري هلذا احلديث يف بعض األبواب فقال باب مبادرة اإلمام عند الفزع (‪ )6/122‬وقال النووي‬
‫‪ :‬فيه بيان شجاعته ‪ ‬من شدة عجلته يف اخلروج إىل العدو قبل الناس كلهم حبيث كشف احلال‬
‫ورجع قبل وصول الناس (‪. )68/ 15‬‬
‫وهكذا كان عليه الصالة والسالم يف سائر الغزوات ففي يوم بدر يقول علي رضي اهلل عنه ‪(( :‬لقد‬
‫رأيتنا يوم بدر وحنن نلوذ برسول اهلل ‪ ‬وهو أقربنا إىل العدو ‪ ،‬وكان من أشد الناس يومئذ بأساً))‬
‫أخرجه احلاكم يف املستدرك(‪ )2/143‬وصححه ووافقه الذهيب ‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫ويوم أحد انكشف املسلمون واضطربت صفوفهم فكان ‪ ‬هو الثابت حىت اجتمعت حوله كوكبة‬
‫الفداء اإلميانية ‪.‬‬
‫ويوم حنني كان يقول ‪:‬‬
‫أنا النيب ال كذب أنا ابن عبد املطلب‬
‫وثبت حىت فاء الناس إليه وجاهدوا معه فكان النصر ‪.‬‬
‫ويف غري املعارك كانت اجلرأة يف احلق مسة بارزة يف حياته ‪ ‬بل كانت حياته عملياً يف تلقني اجلرأة‬
‫لتأخذ مسارها متجاوزة حواجز احلياء واجملاملة ‪ ،‬كما جتاوزت حواجز اخلوف واجلنب ‪ ،‬فها هي‬
‫تقص علينا خرب املرأة املخزومية اليت سرقت يف غزوة الفتح فأهم قريش أمرها ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬من‬ ‫عائشة ُّ‬
‫يكلم فيها رسول اهلل ‪ ، ‬فقالوا ‪ :‬ومن جيرتئ عليه إال أسامة بن زيد حب رسول اهلل ‪ ، ‬فلما‬
‫كلمه تلون وجهه عليه الصالة والسالم وقال ‪ :‬أتشفع يف حد من حدود اهلل ‪ ،‬فعرف أسامة الغضب‬
‫يف وجهه ‪ ،‬وأدرك خطأ فعله فقال ‪ :‬استغفر يل يا رسول اهلل ‪ ،‬مث قام فخطب الناس فكان مما قال ‪:‬‬
‫((إمنا هلك من كان قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف‬
‫أقاموا عليه احلد ‪ ،‬وإين والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت حممد سرقت لقطعت يدها)) أخرجه‬
‫البخاري يف كتاب احلدود ‪ ،‬باب كراهية الشفاعة يف احلد إذا رفع إىل السلطان (الفتح)(‪)12/87‬‬
‫وقال ابن حجر يف الفتح (‪ )12/96‬وفيه ترك احملاباة يف إقامة احلد على من وجب عليه ولو كان‬
‫ولداً أو قريباً أو كبري القدر ‪ ،‬والشديد يف ذلك واإلنكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة‬
‫فيمن وجب عليه ‪.‬‬
‫وأرى أن من املناسب أن منضي يف جولة نقف خالهلا على مواقف جرأة وقعت من بعض أعيان األمة‬
‫وعلمائها ودعاهتا ‪ ،‬لنرى آثار تلك املواقف ومنافعها ‪ ،‬وأمهيتها يف جناح الداعية املقدام اجلريء ‪،‬‬
‫وهذه أمثلة من عصور خمتلفة ويف ظروف متباينة‪-:‬‬
‫‪ .1‬كانت املصيبة عظيمة ‪ ،‬والرزية فادحة ‪ ،‬بوفاة النيب ‪ ‬وأصيب الصحابة الذين تعلقت قلوهبم به‬
‫حمبة ‪ ،‬وارتبطت حياهتم به قدوة خبطب جلل طاشت منه العقول ‪ ،‬واخنلعت القلوب ‪ ،‬واضطربت‬
‫النفوس ‪ ،‬حىت أنكر األشداء من أمثال عمر بن اخلطاب موته عليه الصالة والسالم ‪ ،‬مث جاء أبو بكر‬
‫الصديق رضي اهلل عنه أقرب املقربني ‪ ،‬وأحب األحباء ‪ ،‬رفيق الغار واهلجرة ‪ ،‬وسابق اإلميان‬
‫والصحبة ‪ ،‬فكانت املصيبة عليه أعظم لكنها مل تنل حظها الوافر من قوة إميانه ورباطة جأشه ‪ ،‬ويف‬
‫ذلك الظرف العصيب ‪ ،‬واحلرية تشغل العقول ‪ ،‬واحلزن يعتصر القلوب ‪ ،‬قام أبو بكر يف جرأة نادرة‬
‫وصاح بالناس ‪(( :‬من كان يعبد حممداً ‪ ‬فإن حممداً ‪ ‬قد مات ‪ ،‬ومن كان يعبد اهلل فإن اهلل حي‬
‫ال ميوت)) ‪ ،‬مث تال قوله تعاىل ‪] :‬إنك ميت وإهنم ميتون[ وقوله جل وعال ]وما حممد إال رسول قد‬
‫خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر اهلل‬

‫‪393‬‬
‫شيئاً وسيجزي اهلل الشاكرين[ ‪(( ،‬فثاب الناس إىل رشدهم ‪ ،‬وعلموا حقيقة أمرهم)) البداية والنهاية‬
‫(‪. )5/241‬‬
‫‪ .2‬جاء أشراف بين أمية عمر بن عبد العزيز بعد أن توىل اخلالفة رجاء أن ينالوا منه احلظوة ‪،‬‬
‫وحيصلوا على الواليات واألعطيات فقال‪ :‬أحتبون أن أويل كل رجل منكم جنداً من هذه األجناد ‪،‬‬
‫فقال له رجل منهم ‪ :‬مل تعرض علينا ما ال تفعله ؟ قال ‪ :‬ترون بساطي هذا ؟ إين ألعلم أنه يصري إىل‬
‫بلى ‪ ،‬وأين أكره أن تدنسوه علي بأرجلكم فكيف أوليكم ديين ؟ وأوليكم أعراض املسلمني‬
‫وأبشارهم حتكمون فيهم ؟ هيهات هيهات ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬مل ؟ أما لنا قرابة ؟ أما لنا حق ؟ قال ‪ :‬ما أنتم‬
‫وأقصى رجل من املسلمني عندي يف هذا األمر إال سواء ‪ ،‬إال رجل حبسته عين طول الشقة ( نزهة‬
‫الفضالء (‪. )478-1/477‬‬
‫‪ .3‬اإلمام عبد العزيز بن حيي الكتاين املكي الذي عايش فتنة خلق القرآن ومسع بانتشارها ورواجها‬
‫أن ما رأى من أثر هذه البدعة أعظم مما مسع ‪ ،‬فجعل‬ ‫يف بغداد فعز عليه ذلك فقدم على بغداد فهاله َّ‬
‫يفكر يف عمل يعلن من خالله عن احلق الذي خفت صوته ‪ ،‬وخاف الناس من إظهار اعتناقه ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فأمجعت رأيي على إظهار نفسي وإشهار قويل ومذهيب على رؤوس األشهاد والقول مبخالفة أهل‬
‫الكفر والضالل والرد عليهم ‪ ،‬وذكر كفرهم وضاللتهم ‪ ،‬وأن يكون ذلك يف املسجد اجلامع يف يوم‬
‫علي بقتل وال عقوبة بعد إشهار نفسي‬ ‫اجلمعة ألين رأيت – إن فعلت ذلك – أهنم ال يعجلون َّ‬
‫والنداء باملخالفة على رؤوس اخلالئق إال بعد مناظريت ومساع قويل ‪ ،‬وهذا هو مطليب ‪.‬‬
‫وصلى يوم اجلمعة يف الصف األول أمام املنرب فلما سلم اإلمام ‪ ،‬هنض قائماً على رجليه لرياه الناس‬
‫ويسمعوا كالمه ‪ ،‬ونادى بأعلى صوته خماطباً ابنه الذي اتفق معه أن يقف أمامه بني الصفوف ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬يا بين ما تقول يف القرآن ؟ قال ‪ :‬كالم اهلل منزل غري خملوق ‪ ،‬فلما مسع الناس ذلك ولو هاربني‬
‫ومن املسجد خارجني خوفاً وجبناً ‪ ،‬ومل يلبث أعوان السلطان أن أمسكوا به ‪ ،‬وملا َمثَل بني يدي‬
‫كبري من كربائهم فعنفه فسأله عن سبب صنيعه وجهره بقوله مع علمه مبخالفته ألمري املؤمنني قال ‪:‬‬
‫ما أردت إال الوصول إىل أمري املؤمنني واملناظرة بني يديه ‪ ،‬ومت له ما أراد فناظر بشراً املريسي بني‬
‫يدي املأمون وعاله باحلجة ( خمتصر من الدالئل النورانية (‪ )117-110‬وهو عن احليدة (‪، )14-3‬‬
‫فسر املسلمون بذلك وجعل الناس جييئونه أفواجاً يهنئنونه ويسألونه عن املناظرة ‪.‬‬
‫‪ .4‬قام مصطفى كمال أتاتورك بأعظم جرمية ضد العامل اإلسالمي عندما أصدر يف ‪ 15‬فرباير عام‬
‫‪1924‬م ثالثة قرارات هي ‪:‬‬
‫‪ .1‬إلغاء اخلالفة ‪.‬‬
‫‪ .2‬إلغاء وزارة األوقاف واألمور الشرعية ‪.‬‬
‫‪ .3‬توحيد التعليم ‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫وقرر يف الواقع العملي املنهج العلماين يف فصل الدين عن الدولة ‪،‬ونادى بأن تركيا جزء من العامل‬
‫الغريب ‪،‬ومضى يغري كل شيء له صلة باإلسالم يف تركيا ‪،‬حىت أصدر يف عام ‪1925‬م قانون املالبس‬
‫الذي ينص على إبدال القبعة بالطربوش ‪،‬ويقرر عقوبة على من يلبس الطربوش الذي كان اللبس‬
‫الشائع بني املسلمني ويلزم بلبس القبعة تأسياً بالغربيني وتشبهاً هبم ‪،‬وتعظيماً هلم ‪.‬‬
‫وهنا برزت مناذج عديدة من جرأة العلماء العاملني والدعاة املصلحني ومن بينهم الشيخ عاطف‬
‫أفندي اإلسكيلييب الذي تصدى هلذه اهلجمة التغريبية ‪،‬حىت ذكر يف بعض كتبه ((أن بيعة املسلمني‬
‫للخليفة أمر واجب وهو ثابت بالعقل والشرع)) مث دلل على ذلك وقرر أن ((وجب تعيني اخلليفة‬
‫أمر ثابت بإمجاع األمة بطريق األدلة الشرعية)) ‪ ،‬مث كتب رسالة عن املرأة املسلمة وحجاهبا بعنوان‬
‫((التسرت الشرعي)) وذلك يف مواجهة التهتك العلماين الغريب ‪ ،‬مث ألف رسالته الشهرية ((تقليد‬
‫الفرجنة والقبعة)) نعى فيها على املقلدين للغرب تقليداً أعمى ‪ ،‬واملتشبهني بالكفار وحكمهم وذكر‬
‫القبعة مثاالً على ذلك وكان هلذه املواقف والرسائل أثرها الكبري يف نفوس املسلمني ومواقفهم‬
‫وصداها الواسع يف منتدياهتم وجمالسهم ‪ ،‬مما حدا بأتاتورك وزمرته أن يقبضوا على شيخ عاطف ‪،‬‬
‫وقدم بعد ذلك للمحكمة خبصوص رسالة القبعة يف ‪/26‬يناير‪1926/‬م ‪ ،‬وصدر حبقه حكم اإلعدام‬
‫ونفذ فيه رمحة اهلل وتقبله يف الشهداء (العثمانيون يف احلضارة والتاريخ(ص‪. )236-221:‬‬
‫وهكذا فنحن نرى ملواقف اجلرأة أثراً عظيماً يف اجملتمعات وخاصة يف األزمات ‪ ،‬وامللمات وما مل‬
‫يكن الداعية هو املتقدم الباذل فمن يكون ؟ ‪.‬‬
‫كال ليس هلا إال أنت أيها الداعية ‪ ،‬فما أجدى أن يكون الداعية ((صلب العود ‪ ،‬عظيم املراس ‪ ،‬ال‬
‫مييل مع كل ريح ‪ ،‬وال يضعف أو يلني أمام أي قوة ‪ ،‬وال ينحين مع أي خلة ‪ ،‬وال يندهش أمام أي‬
‫مفاجأة ‪ ،‬أو حيزن عند أي مصيبة لتوجهه إىل اهلل بكليته ‪ ،‬واعتماده عليه يف كل نائبة ‪ ،‬واحتباسه‬
‫العوض منه عن كل شيء ‪،‬فحبيبه األوحد هو اهلل ‪ ،‬وهو ذخريته وملجؤه وهو هدفه وغايته ‪ ،‬وبذلك‬
‫تكون شجاعته كاملة ‪ ،‬وبطولته خالدة ‪ ،‬وأخالقه فاضلة ‪ ،‬وصربه معيناً ال ينفذ)) العثمانيون يف‬
‫احلضارة والتاريخ (ص‪. )236-221:‬‬
‫املبحث الثالث ‪ :‬االستغناء والعطاء ‪:‬‬
‫شعار عظيم رفعه على طريق الدعوة الرسل واألنبياء عندما تكرر يف خطاهبم ألقوامهم ]وما أسألكم‬
‫عليه من أج ٍر إن أجري إال على رب العاملني[ الشعراء [‪ ، ]109‬والرجل املؤمن يف سورة يس عندما‬
‫دعا قومه التباع املرسلني علل هلم ذلك بقوله ]اتبعوا من ال يسألكم أجراً وهم مهتدون[ يس [‬
‫‪ ، ]21‬والدعاة سائرون على منهج األنبياء فال ينتظرون من أحد عطاء ‪ ،‬وال يرقبون من إنسان‬
‫مكرمة ‪ ،‬وأىن يكون ذلك ؟ وكيف يفكرون يف مثل هذا األجر الدينء والعرض الزائل ؟ كال إهنم ال‬
‫تنشغل عقوهلم مبثل هذا التفكري ألهنا مشغولة بالرجاء يف قوله تعاىل ]وألجرة اآلخرة خري للذين آمنوا‬

‫‪395‬‬
‫وكانوا يتقون[ يوسف [‪ ،]57‬وال تتعلق قلوهبم بشيء من حطام الدنيا وعطايا الناس ألهنا متعلقة‬
‫بقوله تعاىل ]وألجر اآلخرة أكرب لو كانوا يعلمون[ النحل [‪]41‬إهنم يرغبون يف نوع آخر من األجر‬
‫غري ممنون وال مقطوع ]إال الذين آمنوا وعملوا الصاحلات هلم أجر غري ممنون[ االنشقاق [‬
‫‪]، ]25‬وأما الذين سعدوا ففي اجلنة خالدين فيها ما دامت السماوات واألرض إال ما شاء ربك‬
‫عطاء غري جمذوذ[ هود [‪. ]108‬‬
‫إن صورة الداعية ال جتمل وال تكمل إال باستغنائه عما يف أيدي الناس وما من شيء يذهب أثر‬
‫الدعوة وميحو عزة الداعية مثل سؤال الناس أو انتظار عطائهم ‪ ،‬إنه حينئذ ال يكون داعية بل يصبح‬
‫تاجراً فاجراً يتاجر بالدين ‪ ،‬يشابه فعل اليهود ]الذين يشرتون بعهد اهلل وإمياهنم مثناً قليالً[ آل عمران‬
‫[‪ ]77‬وهبذا السلوك يكون الداعية ممن يصدون عن دين اهلل كما بني ذلك اهلل جل وعال يف قوله‬
‫]اشرتوا بآيات اهلل مثناً قليالً فصدوا عن سبيله[ التوبة [‪ ]9‬وذلك من أعظم البالء ‪ ،‬ولذا ((ينبغي أن‬
‫يتعفف الداعية عما يف أيدي الناس ليظل عزيزاً مرفوع الرأس ‪ ،‬قادراً على أن يقول ما يريد وأن يبلغ‬
‫ما يلزم إبالغه دون أن حيمل منة يف عنقه ألحد جتعله مغلول اليد أو مغلول اللسان ‪ ،‬وبقدر ما‬
‫يستطيع الداعية أن حيقق لنفسه من العفة والورع بقدر ما يكتسب من تقدير وقدرة وإمكانية)) مع‬
‫اهلل (ص‪. )74:‬‬
‫نعم ال بد أن مييز الدعاة ((زهدهم يف زخارف الدنيا ‪ ،‬وفضول العيش ‪ ،‬وهنامة املادة ‪ ،‬ومرض‬
‫التكاثر ‪ ،‬فإهنم ال يستطيعون أن يؤثروا فيمن خياطبوهنم ‪ ،‬وحيملون على إيثار الدين على الدنيا ‪،‬‬
‫واآلجلة على العاجلة ‪ ،‬وتلبية نداء الضمري واإلميان على نداء املعدة والنفس والشهوات )) وذلك ألن‬
‫((الناس ما زالوا وال يزالون مفطورين على اإلجالل لشيء ال جيدونه عندهم ‪ S...‬فإذا رأى الناس‬
‫علماء ودعاة ال يقلون عنهم يف حب املادة ‪ ،‬واجلري ورائها ‪ ،‬والتنافس يف الوظائف واملناصب‪,‬‬
‫واإلكثار من الثراء والرخاء ‪ ،‬والتوسع يف املطاعم واملشارب ‪ ،‬وخفض العيش ولني احلياة فإهنم ال‬
‫يرون هلم فضالً عليهم ‪ ،‬وحقاً يف الدعوة إىل اهلل ‪ ،‬وإيثار اآلخرة على الدنيا ‪ ،‬والتمرد على الشهوات‬
‫‪ ،‬والتماسك أمام املغريات ‪ ،‬وقد قيل فاقد الشيء ال يعطيه)) بعض مسات الدعوة املطلوبة يف هذا‬
‫العصر ‪ ،‬ضمن أحباث وقائع اللقاء اخلامس ملنظمة الندوة العاملية لشباب اإلسالمي (ص‪. )410:‬‬
‫هذا هو مست أهل العلم واإلميان ذكره اهلل جل وعال لنا يف قصة قارون يوم خرج على قومه يف زينته‬
‫‪ ،‬فتاقت إىل حاله ودنياه نفوس الضعفاء ألن قلوهبم خواء ‪ ،‬وجاء اجلواب حامساً من أهل العلم‬
‫واإلميان ألن يف قلوهبم غناء ]ويلكم ثواب اهلل خري ملن آمن وعمل صاحلاً وما يلقاها إال‬
‫الصابرون[ القصص [‪. ]80‬‬
‫وتكتمل شخصية الداعية ويعظم تأثريه إذا ضم إىل االستغناء العطاء ‪ ،‬وما الدعوة إالَّ عطاء دائم يبذل‬
‫فيه الداعية من مشاعره ومن وقته ومن ماله ومن جاهه ومن وقوته ومن حيلته حىت يبلغ الغاية ببذل‬

‫‪396‬‬
‫نفسه وإعطاء روحه جهاداً يف سبيل اهلل وتضحية من أجل الدعوة إىل اهلل ]لن تنالوا الرب حىت تنفقوا‬
‫مما حتبون[ آل عمران [‪. ]92‬‬
‫التاريخ يشهد أن الدعاة إذا اغتنت قلوهبم باملعاين اإلميانية واستغنت عن املتع الدنيوية استسهلوا‬
‫الصعب غري مستثقلني ‪ ،‬وركبوا األخطار غري عابئني وواجهوا األخطار غري خائفني ‪ ،‬ال تثنيهم رهبة‬
‫‪ ،‬وال تستميلهم رغبة ‪.‬‬
‫وانظر إىل ربعي بن عامر رضي اهلل عنه يوم قدم إىل أهبة امللك ‪ ،‬مبا فيها من متاع الدنيا وزخرفها ‪،‬‬
‫فوطئ الطنافس بأقدامه ‪ ،‬وخرقها برحمه ‪ ،‬واستغىن واستعلى بإميانه ‪ ،‬وقال قولته املشهورة اليت ما تزال‬
‫تدوي يف مسع الزمان ‪(( :‬جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إىل عبادة رب العباد ‪ ،‬ومن جور‬
‫األديان إىل عدل اإلسالم ‪ ،‬ومن ضيق الدنيا إىل سعة الدنيا واآلخرة)) ‪.‬‬
‫ويوم أسر عبد اهلل بن حذافة السهمي رضي اهلل عنه ‪ ،‬قال له ملك الروم ‪ :‬هل لك أن تتنصر‬
‫وأعطيك نصف ملكي ؟ فقال ‪ :‬لو أعطيتين مجيع ما متلك ‪ ،‬ومجيع ملك العرب ما رجعت عن دين‬
‫حممد ‪ ‬طرفة عني ؟ ‪ ،‬قال ‪ :‬إذاً أقتلك ‪ ،‬قال ‪ :‬أنت وذاك ؟ سري من أعالم النبالء (‪. )2/14‬‬
‫إهنا املواقف اليت رمجها الزبيدي شعراً عاصفاً رائعاً فقال ‪:‬‬
‫دنياكم واتركوا فؤادي حراً وحيداً غريباً‬
‫ُ‬ ‫خذوا كل‬
‫فإين أعظمكم دولة وإن خلتموين طريداً سليباً‬
‫وصاغها الرافعي األديب من قاموس احلكمة يف كلمات يف غاية القوة فقال ‪(( :‬إذا رمتك املطامع‬
‫باحلاجة اليت ال تقدر عليها ‪ ،‬رميتها من نفسك باالستغناء الذي تقدر عليه))‪ S‬نقالً من املنطلق‬
‫)وتكررت بعد جيل الصحابة مرات ومرات جددها أئمة الدعاة من الثقات األثبات فهذا عيسى بن‬
‫يونس حدث األمني واملأمون فأمر له املأمون بعشرة آالف درهم فلم يقبلها ‪ ،‬فظن أنه استقلها "أي‬
‫رآها قليلة"‪ ،‬فأمر له بعشرين ألفاً ‪ ،‬فقال عيسى ‪ :‬ال وال إهليلجة وال شربة ماء على حديث رسول‬
‫اهلل ‪ ، ‬ولو مألت يل هذا املسجد ذهباً إىل السقف ‪ ،‬فانصرف من عنده)) اجلامع ألخالق الراوي‬
‫وآداب السامع (‪. )1/357‬‬
‫ويف وقت اشتداد األزمة إبان فتنة خلق القرآن دعي عفان بن مسلم للمحنة فلما حضر عُرض عليه‬
‫القول ‪ ،‬فأىب أن جييب ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬حيبس عنك عطاؤك ‪ ،‬وكان يعطي يف كل شهر ألف درهم ‪،‬‬
‫فقال ‪]:‬ويف السماء رزقكم وما توعدون[ الذريات [‪ ، ]22‬فلما رجع إىل داره عزله نساؤه ومن يف‬
‫داره ‪ ،‬قال الرواي ‪ :‬وكان يف داره حنو أربعني إنساناً (نزهة الفضالء (‪.)2/762‬‬
‫وليس األمر مقتصراً على االستغناء عما يف أيدي األمراء بل هو كذلك بالنسبة للتعامل مع املدعوين‬
‫والتالميذ فقد وجه بعض مشايخ مرو إىل علي بن حجر بشيء من السكر واألرز وثوب فرد عليهم‬
‫بقصيدة قال فيها ‪:‬‬

‫‪397‬‬
‫جاءين عنك مرسل بكالم فيه بعض اإلحياش واإلحشام‬
‫فتعجبت مث قلت تعاىل ربنا ذا من األمور العظام‬
‫شريت خالقي بعد تسعني حجة حبطام‬ ‫ُ‬ ‫خاب سعيي لئن‬
‫أرجي حبلول دار السالم‬
‫أنا بالصرب واحتمايل إلخواين ِّ‬
‫والذي مسيته يزري مبثلي عند أهل العقول واألحالم‬
‫وأهدى أصحاب احلديث األوزاعي هدية فلما اجتمعوا عنده ‪ ،‬قال هلم ‪ :‬أنتم باخليار إن شئتم قبلت‬
‫هديتكم ومل أحدثكم ‪ ،‬وإن شئتم حدثتكم ورددت هديتكم (اجلامع ألخالق الراوي وآداب السامع‬
‫(‪. )1/357‬‬
‫ومجع الشيخ عاطف أفندي بني املوقفني مع أصحاب السلطان ومع عامة الناس ‪ ،‬فقد ((دعي إىل‬
‫طعام اإلفطار يف رمضان مع السلطان وحيد الدين ‪ ،‬وتقدم السلطان هبدية للشيخ تقديراً له ورجاه أن‬
‫يقبلها فاعتذر قائالً ‪ :‬استسمحكم أال تعودوين على تلقي اإلحسان ‪.‬‬
‫وذات يوم أهداه َّفراش متقاعد ممن حيبونه وجيلونه بعضاً من احللوى صنعها خصيصاً للشيخ فاعتذر‬
‫منه وقال له ‪ :‬ساحمين ألنين مل أستطع قبول هديتك ‪ ،‬ساحمين فإن مهنيت والقضية اليت أعمل هلا‬
‫حساسة للدرجة اليت ال أستطيع معها حتمل مثقال وطأة املنفعة املادية)) العثمانيون يف التاريخ‬
‫واحلضارة (ص‪. )230-229:‬‬
‫وبقدر أمهية االستغناء تأيت أمهية العطاء الذي له أثره األبلغ يف النفوس ملالمسته ملصاحلهم ‪ ،‬وقضائه‬
‫حلاجاهتم ‪ ،‬وقد كان الرسول الكرمي ‪– ‬كما قال أنس‪ -‬ما سئل رسول اهلل ‪ ‬على اإلسالم شيئاً‬
‫إال أعطاه ‪ ،‬فجاءه رجل فأعطاه غنماً بني جبلني ‪ ،‬فرجع إىل قومه وقال ‪ :‬يا قوم أسلموا فإن حممداً‬
‫يعطي عطاءً ال خيشى الفاقة (أخرجه مسلم يف كتاب الفضائل ‪ ،‬باب ما سئل الرسول ‪ ‬عن شيء‬
‫قط فقال ال (عبد الباقي)(‪. )4/1806‬‬
‫وهذا صفوان بن أمية رضي اهلل عنه يقول ‪ :‬لقد أعطاين النيب ‪ ‬وإنه ألبغض الناس إيل ‪ ،‬فما زال‬
‫يعطيين حىت إنه ألحب الناس إيل (اإلصابة (‪. )2/187‬‬
‫وأبو بكر خرج من ماله كله بذالً يف سبيل اهلل ‪ ،‬ونصرة لدين اهلل ‪ ،‬وعمر أنفق يف هذا السبيل شطر‬
‫ماله ‪ ،‬وعثمان جهز جيش العسرة وكان رائداً للمنفقني ‪ ،‬وكذا كان عطاؤهم لدعوهتم ‪ ،‬ومثله‬
‫عطاؤهم للناس عظيماً تقوى به الدعوة ‪ ،‬ويُتألف به املدعوين ‪.‬‬
‫وليس العطاء حمصوراً يف املال ‪ ،‬بل هو أوسع من ذلك إذ يشمل كل عون يقدمه الداعية للمدعوين ‪،‬‬
‫وكل معروف يسديه هلم ‪ ،‬فقد يعطيهم من وقته أو جهده أو فكره بل حىت من بشاشة وجهه‬
‫وحسن استقباله ‪ ،‬وميدان العطاء بالنسبة للداعية فسيح ‪ ،‬وأثره كبري ‪ ،‬فينبغي أن يكون فيه مسابقاً‬
‫ومنافساً ‪ ،‬وحمققاً ملا أوصى به الشيخ البنا الداعية بقوله ‪(( :‬أن تكون عظيم النشاط ‪ ،‬مدرباً على‬

‫‪398‬‬
‫اخلدمات العامة ‪ ،‬تشعر بالسعادة والسرور إذا استطعت أن تقدم خدمة لغريك من الناس ‪ ،‬فتعود‬
‫املريض وتساعد احملتاج ‪ ،‬وحتمل الضعيف ‪ ،‬وتواسي املنكوب ولو بالكلمة الطيبة وتبادر دائماً إىل‬
‫اخلريات)) جمموعة رسائل البنا(ص‪. )21:‬‬
‫والدعاة ينبغي أن حيرصوا على اخلدمات العامة وخيصصوا هلا من أفرادهم وجهودهم ما يالئمها ‪ ،‬فال‬
‫بد أن يكونوا هم العاملني يف اهليئات اإلغاثية ‪ ،‬ومشاركة يف اللجان اخلريية ‪ ،‬واملشاريع الصحية وحنو‬
‫ذلك ‪ ،‬ليكونوا أكثر صلة بالناس وأشد قرباً منهم ‪ ،‬وليحوزوا من خالل اخلدمة والعطاء استجابة‬
‫املدعوين وتأثرهم ‪ ،‬إضافة إىل أهنم بذلك يربزون صورة عملية لشمولية وتكامل اإلسالم ‪ ،‬ولصدق‬
‫وخريية الدعاة ‪.‬‬
‫ولقد أشارت خدجية رضي اهلل عنها إىل أثر اخلدمة العامة والعطاء الدائم عندما نزل الوحي وقال‬
‫الرسول الكرمي ‪ : ‬لقد خشيت على نفسي ‪ ،‬فقالت له ‪(( :‬واهلل ال خيزيك اهلل أبداً إنك لتصل‬
‫الرحم ‪ ،‬وتصدق احلديث ‪ ،‬وحتمل الكل ‪ ،‬وتكسب املعدوم ‪ ،‬وتقري الضيف ‪ ،‬وتعني على نوائب‬
‫تأمل هذه الصور املتنوعة من العطاء وقد حتلى هبا الرسول ‪ ‬قبل بعثته فكيف‬ ‫احلق)) فيا سبحان اهلل َّ‬
‫إذن كان بعدها ؟ ‪.‬‬
‫املبحث الرابع ‪ :‬االستمرار واالبتكار‬
‫إن العمل املنقطع يتبدد أثره ‪ ،‬والعمل املتكرر يورث امللل ‪ ،‬ويفقد احلماس ‪ ،‬مث إن توقف الداعية‬
‫وعدم استمراريته يف دعوته دليل خلل يف فهمه ‪ ،‬أو ضعف يف عزمه ‪ ،‬وتكراره وعدم ابتكاره يشري‬
‫إىل قلة حيلته وضعف بصريته ‪ ،‬وما هكذا يكون الداعية ‪ ،‬بل الداعية نشاط متدفق ‪ ،‬وجتديد متألق ‪،‬‬
‫عمل ال يكل ‪ ،‬وتفكري ال ميل ‪.‬‬
‫والدعاة هلم يف هذا الباب مثل عظيم جداً يف قصة نوح عليه السالم حيث لبث يف قومه داعياً ]ألف‬
‫سنة إال مخسني عاماً[ العنكبوت [‪ ، ]29‬وكانت هذه األعوام الطويلة عمالً دائباً ‪ ،‬وتنويعاً متكرراً‬
‫]قال رب إين دعوت قومي ليالً وهناراً ‪ ،‬فلم يزدهم دعائي إال فراراً ‪ ،‬وإين كلما دعوهتم لتغفر هلم‬
‫جعلوا أصابعهم يف آذاهنم واستغشوا ثياهبم وأصروا واستكربوا استكباراً ‪ ،‬مث إين دعوهتم جهاراً ‪ ،‬مث‬
‫إين أعلنت هلم وأسررت هلم إسراراً[ نوح [‪ ، ]9-5‬رغم امتداد الزمن الطويل ‪ ،‬ما توقف عن‬
‫الدعوة وال ضعفت‪ S‬مهته يف تبليغها ‪ ،‬وال ضعفت‪ S‬بصريته وحيلته يف تنويع أوقاهتا وأساليبها ‪ ،‬قال‬
‫األلوسي يف تفسريه ‪] :‬رب إين دعوت قومي[ أي إىل اإلميان والطاعة ‪] ،‬ليالً وهناراً[ أي دائماً من‬
‫غري فتور وال توان ‪ ،‬مث وصف إعراضهم الشديد‪ ،‬وإصرارهم العنيد ‪ ،‬مث علق على قوله تعاىل‪] :‬مث إين‬
‫غب‬
‫دعوهتم جهاراً مث إين أعلنت هلم وأسررت هلم إسراراً[ فقال ‪:‬أي دعوهتم مرة بعد مرة ‪ ،‬وكرة َّ‬
‫كرة‪ ،‬على وجوه خمتلفة وأساليب متفاوتة‪ ،‬وهو تعميم لوجوه الدعوة‪ ،‬بعد تعميم األوقات‪ ،‬وقوله ]مث‬

‫‪399‬‬
‫إين دعوهتم جهاراً[ يشعر مبسبوقية اجلهر بالسر‪ ،‬وهو األليق مبن مهه اإلجابة ألنه أقرب إليها ملا فيه‬
‫من اللطف باملدعو (تفسري األلوسي (‪. )10/89‬‬
‫فانظر إىل استمراريته يف الدعوة رغم شدة اإلعراض والعناد‪ ،‬مل يدفعه ذلك اإلعراض إىل التوقف‪ ،‬وال‬
‫ملمارسة الدعوة بصورة عادية ال روح فيها بل على العكس دفعه اإلعراض ليواصل احملاولة مع تنويع‬
‫األساليب وابتكار طرق جديدة لتبليغ الدعوة‪ ،‬وتزيده محاسة على ((جعل دعوته مظروفة يف زمين‬
‫الليل والنهار للداللة على عدم اهلوادة يف حرصه على إرشادهم وأنه يرتصد الوقت الذي يتوسم أهنم‬
‫فيه أقرب إىل فهم دعوته منهم يف غريه من أوقات النشاط وهي أوقات النهار‪ ،‬ومن أوقات اهلدوء‬
‫وراحة البال وهي أوقات الليل)) التحرير والتنوير(‪(( ، )29/194‬وتوخي ما يظنه أو غل إىل قلوهبم‬
‫وأسر للذين يظنهم متجنبني‬ ‫من صفات الدعوة‪ ،‬فجهر حيث يكون اجلهر أجدى مثل جمامع العامة‪َّ ،‬‬
‫لوم قومهم عليهم يف التصدي لسماع دعوته))‪ S‬التحرير والتنوير(‪.)29/197‬‬
‫ولنا مثل يف قصة يوسف عليه السالم ملا دخل السجن مظلوماً‪ ،‬حيث انتهز الفرصة ومارس الدعوة ‪.‬‬
‫قل)) قال‬
‫واالستمرارية خري كما قال عليه الصالة والسالم ((أحب األعمال إىل اهلل أدومها وإن َّ‬
‫املناوي‪(( :‬أدومها‪ : S‬أي أكثرها ثواباً‪ ،‬وأكثرها تتابعاً ومواظبة))‪ ،‬وذكر منافع ا‬
‫ــــــــ‬

‫‪400‬‬
‫تقصير الداعية مع زوجته‬
‫ناصح للسعادة األسرية‬
‫وصف املشكلة‬
‫قلة اهتمام الداعية برتبية زوجته‪ ،‬و انشغاله عنها‪ ،‬وتقصريه يف أمرها باملعروف و هنيها عن املنكر و‬
‫تقوية امياهنا وتعليمها أمور دينها‪.‬‬
‫أسباب املشكلة ‪:‬‬
‫‪ .1‬عدم استشعار الزوج ملسؤوليته الشرعية جتاه أهل بيته وزوجته خاصة " ياأيها الذين آمنوا قوا‬
‫أنفسكم وأهليكم ناراً" و " كلكم راع ‪ S...‬والرجل راع ومسؤول عن رعيته "‬
‫‪ .2‬انشغال الزوج بأعماله الدنيوية وتوسعه يف االنغماس فيها على حساب أهله‪.‬‬
‫‪ .3‬كثرة أعباء الزوج الدعوية خارج حميط أسرته‪ ،‬مما ال يتيح له اجملال للجلوس مع زوجته‪.‬‬
‫‪ .4‬غلبة األحاديث الدنيوية بني الزوج وزوجته مما يفوت الفرص لتوجيه إمياين أو حديث تربوي‪.‬‬
‫‪ .5‬ضعف اهتمام الوسط الدعوي بضرورة قيام الداعية بدوره الشرعي جتاه أهله و أسرته‪.‬‬
‫‪ .6‬ضعف التزام بعض األزواج‪.‬‬
‫بعض املقرتحات و احللول ‪:‬‬
‫‪ .1‬وجود لقاء بني أفراد األسرة لتدارس موضوعات‪ S‬إميانية و آداب شرعية‪.‬‬
‫‪ .2‬شراء الكتيبات و اجملالت اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .3‬شراء األشرطة اإلسالمية وتكوين مكتبة مسعية مميزة‪..‬‬
‫‪ .4‬استغالل فرتات األكل واللقاءات األسرية الروتينية يف التوجيه و اإلرشاد‪ ( .‬بأسلوب غري مباشر)‬
‫‪ .5‬قيام الليل و صالة الوتر ( الزوجني معا )‪.‬‬
‫‪ .6‬التعاون على أداء الصالة يف أوقاهتا ال سيما صالة الفجر‪.‬‬
‫‪ .7‬ختصيص صندوق للصدقات و املشروعات اخلريية وورد الذكر وحنوها‪.‬‬
‫‪ .8‬حسن التعامل مع الزوجة واإلبتعاد عن األلفاظ اجلارحة و العبارات السيئة‪.‬‬
‫‪ .9‬ربط الزوجة باملؤسسات اخلريية ودور الذكر وحنوها من احلياض اإلميانية و اللقاءات الرتبوية‪.‬‬
‫‪ .10‬طيب العشرة‪ ،‬وحسن التعامل‪ ،‬و القدوة احلسنة‪.‬‬
‫تعليق األخ مهذب‬
‫بوركت إيها املفضال ( ناصح ) ال حرمك اهلل األجر وأصلح لك الذرية ‪.‬‬
‫شيخنا الكرمي ‪. .‬‬
‫هي مشكلة حقيقية ‪. .‬‬
‫لكنها مشكلة فيها مشكلة !!‬

‫‪401‬‬
‫بعض الدعاة أو قل ‪ -‬بعض املنخرطني يف برامج دعوية ‪ -‬يفرتضون انفصاماً بني الدعوة خارج البيت‬
‫وداخل البيت ‪. .‬‬
‫فتجدهم ّإما أن ينخرطوا بني زوجاهتم وأبنائهم يف جيئات وروحات وبرامج متنوعة ‪. .‬‬
‫لكن ال جتد له أثرا حىت على جريانه أو يف مسجد احلي أو يف برامج دعوية عامة خارج البيت ‪. . .‬‬
‫كثري اإلعتذار ‪. .‬‬
‫كثري اإلنشغال ‪. .‬‬
‫ومنهم من ينخرط كلّية يف العمل خارج املنزل ‪. .‬‬
‫برامج ‪. .‬‬
‫رحالت ‪. .‬‬
‫حماضرات ‪..‬‬
‫لقاءات ‪. .‬‬
‫ال يعلم ما يكون يف بيته من قلّة وجوده يف البيت وكثرة ارتباطاته !!‬
‫يف البيت ‪..‬‬
‫خادمة ‪S!!..‬‬
‫ومعلم للصبيان !!‬
‫وسائق !!‬
‫وأجهزة ( بالي ستيشن ) لألطفال !!‬
‫كل هذا حيصل ملا ذكره الشيخ من أسباب وهلذا السبب أيضاً ‪. .‬‬
‫( افرتاض االنفصام يف العمل الدعوي خارج البيت وداخله ) !!‬
‫إن العمل الدعوي يف البيت ال يعين بالضرورة ‪. .‬‬
‫تلك اللقاءات والندوات واجللسات واملسابقات والرحالت ‪S!!!. .‬‬
‫إن الدعوة يف املنزل ‪..‬‬
‫قلب رؤوف ‪. .‬‬
‫وكلمة طيبة ‪. .‬‬
‫ابتسامة مؤثرة ‪. .‬‬
‫وقدوة حسنة !!‬
‫إن هذه الروح جترب صاحبها على أن يرقى بأهله وابنائه ‪. .‬‬
‫وال يزال وهو هبذه الروح يسمو بدعوته يف بيته وخارج بيته !!!‬
‫لقد كان ‪. . ‬‬

‫‪402‬‬
‫خارج بيته معلما مربياً جماهدا قاضياً ناصحا مشفقا خطيباً يسلب اللب ‪. . .‬‬
‫ويف بيته ‪. .‬‬
‫كان كما قالت عائشة رضي اهلل عنها ووصفته ‪:‬‬
‫" كان يكون يف مهنة أهله " !‬
‫" وكان خلقه القرآن " !!‬
‫إن عائشة رضي اهلل عنها مل تكن تشهد كل أفعال النيب ‪ ‬خارج البيت ‪. .‬‬
‫لكنها كانت تشهد خلقه وفعله وقوله وسلوكه وهو يف بيته فوصفته بأبلغ األوصاف اليت هي الكمال‬
‫النبوي ‪. .‬‬
‫" كان يكون يف مهنة أهله " " كان خلقه القرآن " !!!‪S‬‬
‫فما أحوج الدعاة اليوم أن يستشعروا هذه القدوة يف املريب األول ‪. .‬‬
‫حممد ‪!! ‬‬
‫ليكونوا حبق أسعد الناس بأهلهم وأهلهم أسعد الناس هبم !!‬
‫فإن من الغنب ‪. .‬‬
‫أن يكون أشقى الناس بك هم أقرهبم إليك !!‬
‫ــــــــ‬

‫‪403‬‬
‫أنتن من هؤالء‬
‫أين َّ‬
‫للشيخ ‪ /‬خالد الراشد‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ونستغفره ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا ‪..‬‬
‫من يهده اهلل فال مضل له ‪ ،‬ومن يضلل فال هادي له ‪..‬‬
‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬وأشهد أن حممداً عبده ورسوله ‪..‬‬
‫ين آَ َمنُواْ َّات ُقواْ اهللَ َح َّق تُ َقاتِِه َوالْ مَتُوتُ َّن ِإالّ َوأنتُ ْم ُمسلِ ُمو َن }‪..‬‬ ‫َّ ِ‬
‫{ يَآ َأيُّ َها الذ َ‬
‫ث ِمْن ُه َما ِر َجاالً‬ ‫اح َد ٍة َو َخلَ َق ِمْن َها َز ْو َج َها َوبَ َّ‬
‫سوِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َّاس َّات ُقوا َربَّ ُك ُم الذي َخلَ َق ُكم من َن ْف ٍ َ‬ ‫{ يَآ َأيُّ َها الن ُ‬
‫اَألر َح َام ِإ َّن اهللَ َكا َن َعلَْي ُكم َرقِيباً }‪..‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َكثرياً َون َسآءً َو َّات ُقوا اهللَ الَّذي تَ َسآءَلُو َن به َو ْ‬
‫َأع َمالَ ُكم َو َي ْغ ِف ْر لِ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم َو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين آَ َمنُواْ َّات ُقواْ اهللَ َو قُولُواْ قَوالً َسديداً ‪ ،‬يُصل ْح لَ ُكم ْ‬
‫َّ ِ‬
‫{ يَآ َأيَّ َها الذ َ‬
‫يماً }‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َمن يُط ِع اهللَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد فَ َاز َف ْو َزاً َعظ َ‬
‫أما بعد ‪:‬‬
‫فإن أصدق احلديث كالم اهلل ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫حممد ‪.. ‬‬ ‫وخري اهلدي هدي ٍ‬
‫وشر األمور حمدثاهتا ‪..‬‬
‫َّ‬
‫وكل حمدثة بدعة ‪..‬‬
‫وكل بدعة ضاللة ‪..‬‬
‫وكل ضاللة يف النار ‪..‬‬
‫معاشر األحبة رجاالً ونساءً ‪..‬‬
‫السالم عليكم ورمحة اهلل وبركاته ‪..‬‬
‫حيَّا اهلل اجلميع ‪..‬‬
‫رب العرش الكرمي أن جيمعنا وإياكم يف دار كرامته ‪..‬‬‫أسأل اهلل العظيم َّ‬
‫وأن حيفظنا وإياكم حبفظه ‪..‬‬
‫وأن يسرت علينا وإياكم بسرته ‪..‬‬
‫أسأله سبحانه أن جيعلنا هداة مهتدين ال ضالني وال مضلني ‪..‬‬
‫إليك ِ‬
‫أنت ‪..‬‬ ‫حديث الليلة خاص ِ‬
‫فأنت مدار احلديث كله ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫بصالح املرأة صالح اجملتمع كله ‪..‬‬
‫وإذا قامت املرأة بدورها العظيم ‪..‬‬

‫‪404‬‬
‫فإن النصر ‪ ،‬والتمكني يكون قريباً بإذن اهلل ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫أهالً بك يف لقاء بعنوان ‪:‬‬
‫أننت من هؤالء‬
‫أين َّ‬
‫قبل أن أبدأ أود أن أقول ما الدافع إىل هذا املوضوع ؟‪..‬‬
‫أوالً ‪..‬‬
‫حاجة املرأة إىل القدوة ‪..‬‬
‫حاجة النساء املسلمات اليوم إىل القدوة يف زمن ضاعت فيه القدوات ‪..‬‬
‫من الدوافع أيضاً ‪..‬‬
‫رفع اهلمم يف زمن أيضاً ضعفت فيه مهم كثريات ‪..‬‬
‫مث ‪..‬‬
‫الواقع الذي نعيشه اليوم ‪..‬‬
‫رغبة الناس يف الدنيا ‪..‬‬
‫وعزوفهم عن اآلخرة ‪..‬‬
‫بد من التذكري ‪..‬‬ ‫فكان ال َّ‬
‫تذكري النفس ‪..‬‬
‫وتذكري اآلخرين واألخريات ‪..‬‬
‫أعد اهلل للمؤمنني واملؤمنات خري من الدنيا وما فيها ‪..‬‬ ‫بأن ما َّ‬‫َّ‬
‫مث من الدوافع ‪..‬‬
‫أنه من أراد الوصول فعليه باألصول ‪..‬‬
‫ومن سارت على الدرب وصلت بإذن اهلل ‪..‬‬
‫إننا أيتها الغالية ‪..‬‬
‫يف ّأمس احلاجة للنظر يف سرية أولئك الرجال والنساء ‪..‬‬
‫إننا أخية ‪..‬‬
‫يف ّأمس احلاجة لدراسة سرية أولئك الرجال والنساء ‪..‬‬
‫إننا أخية ‪..‬‬
‫يف ّأمس احلاجة أن نتأسى بأولئك الرجال والنساء ‪..‬‬
‫قال ابن مسعود رضي اهلل عنه ‪:‬‬
‫من كان متأسياً فليتأسى مبن مات ‪َّ ،‬‬
‫فإن احلي خُي شى عليه من الفتنة ‪..‬‬
‫أيتها الغالية ‪..‬‬

‫‪405‬‬
‫إننا حقيقة حنتاج إىل أن نصحح املسار ‪..‬‬
‫ونتخذ من حياة أولئك الرجال والنساء مثاالً لنا ‪..‬‬
‫إننا حباجة إىل القدوة يف زمن قلَّت فيه القدوات ‪..‬‬
‫قل فيه املعتزون واملعتزات ‪..‬‬
‫إننا حباجة إىل أن نتعلم منهم العزة يف زمن َّ‬
‫قل فيه الثابتون والثابتات ‪..‬‬
‫إننا حباجة إىل ان نتعلم منهم الثبات يف زمن َّ‬
‫أما تالحظني أيتها الغالية ‪..‬‬
‫أن املفاهيم قد تغريت ‪..‬‬‫َّ‬
‫حىت أصبح املمثلني واملمثالت ‪ ،‬واملغنيني واملغنيات هم القدوات ‪..‬‬
‫كم تُصرف األوقات واألموال لقراءة ومتابعة أولئك الغافلني والغافالت !!‪S..‬‬
‫أكرر أخية ‪..‬‬
‫حنن حباجة إىل أن نصحح املسار ‪..‬‬
‫وأن نعرف من هم القدوات ‪..‬‬
‫سيتكون املوضوع بعد املقدمة اليت ذكرناها من ‪..‬‬
‫صورة من العزة والثبات ‪..‬‬
‫مث احملبة ومعناها ‪..‬‬
‫حب اهلل ورسوله ‪..‬‬
‫مث صورة من ّ‬
‫مث صانعة األبطال ‪..‬‬
‫مث املؤمنة واحلياء ‪..‬‬
‫مث خنتم بإذن اهلل ‪..‬‬
‫‪ -‬أيتها الغالية ‪..‬‬
‫هل مسعت عن تلك اليت قالت لقومها ‪:‬‬
‫أي واهلل إين على دينه ‪..‬‬
‫ما شأهنا ؟!‪..‬‬
‫وما قصتها ؟!‪..‬‬
‫وما خربها ؟!‪..‬‬
‫إهنا أم ُشريك ‪..‬‬
‫إهنا غزيّة بنت جابر ابن حكيم القرشية العامرية ‪..‬‬
‫اليت كانت من أوائل من أسلم هي وزوجها ‪..‬‬
‫حتكي رضي اهلل عنها قصة حياهتا ‪..‬‬

‫‪406‬‬
‫حياة الثبات والصرب على دينها رغم التعذيب القاسي ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬جاءين أهل زوجي ‪ ،‬فقالوا يل ‪:‬‬
‫لعلك على دين حممد ؟!‪..‬‬
‫لعلك على دين حممد ؟!‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬أي واهلل إين لعلى دينه ‪..‬‬
‫تأملي نربة العزة ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬أي واهلل إين لعلى دينه ‪..‬‬
‫قالوا ‪ :‬ال جرم ‪ ..‬واهلل لنعذبنَّك عذاباً شديداً ‪..‬‬
‫مث ارحتلوا يب على مجل هو شر ركاهبم وأغلظ ‪..‬‬
‫يطعمونين اخلبز والعسل ؛ ومينعون عين املاء ‪..‬‬
‫حىت إذا انتصف النهار ‪ ،‬وسخنت الشمس ؛ نزلوا فضربوا أخبيتهم وتركوين يف الشمس قائمة ‪،‬‬
‫وفعلوا يب ذلك ثالثة أيام ‪..‬‬
‫حىت ذهب عقلي ‪ ،‬ومسعي ‪ ،‬وبصري ‪..‬‬
‫قالوا يل يف اليوم الثالث ‪:‬‬
‫اتركي دين حممد وما أنت عليه ‪..‬‬
‫تقول قلت يف نفسي ‪ :‬ليتهم رجعوا إىل أنفسهم بعد ماعاينوا صربي وقد ذهب عقلي ومسعي‬
‫وبصري ‪..‬‬
‫لعلهم يرجعون عن غيهم وفعلتهم هذه ويدخلون يف دين اهلل عز وجل ‪..‬‬
‫الدين الذي تذوقت حالوته ‪..‬‬
‫نعم أيتها الغالية ‪..‬‬
‫إهنا امرأة ال متلك من حطام الدنيا شيئاً لتفتدي به نفسها من ذلك العذاب ‪..‬‬
‫ولكنها متتلك اإلميان ‪..‬‬
‫متتلك اإلميان الذي خالطت بشاشته القلوب فامتألت حبب عاَّل م الغيوب‪..‬‬
‫نعم ‪..‬‬
‫إن اإلميان هو احملرك احلقيقي هلذا اإلنسان ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫تقول غزيّة ‪:‬‬
‫وما دريت واهلل ما يقولون إال الكلمة بعد الكلمة ‪..‬‬
‫كنت أشري بأصبعي إىل السماء _ عالمة على ثباهتا على معرفة اهلل الواحد‬
‫األحد _ ‪..‬‬

‫‪407‬‬
‫تقول ‪ :‬فواهلل إين لعلى ذلك وقد بلغ مين اجلهد ولكن شاء اهلل عز وجل أن يلطف يب بعد ذلك البالء‬
‫املبني ‪..‬‬
‫اه ِدين ِمن ُكم و َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫َأخبَ َار ُك ْم } ‪..‬‬ ‫الصاب ِر َ‬
‫ين َو َنْبلَُو ْ‬ ‫أما قال اهلل سبحانه ‪َ { :‬ولَنَْبلَُونَّ ُك ْم َحىَّت َن ْعلَ َم الْ ُم َج َ ْ َ‬
‫اه ُدواْ ِمن ُكم وي ْعلَم َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الصاب ِر َ‬
‫ين‬ ‫ْ ََ َ‬ ‫ين َج َ‬ ‫أما قال سبحانه ‪َْ { :‬أم َحسْبتُ ْم َأن تَ ْد ُخلُواْ اجْلَنَّةَ َولَ َّما َي ْعلَ ِم اللّهُ الذ َ‬
‫} ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬وبني أنا على تلك احلال إذ وجدت برد دلو على صدري ‪..‬‬
‫فأخذته فشربت منه جرعة واحدة ‪..‬‬
‫مث انتُزع فنظرت _ وهي اليت فقدت بصرها _ فنظرت فإذا هو معلق بني السماء واألرض ‪ ،‬فلم أقدر‬
‫عليه ‪..‬‬
‫مث تدىل ثانية فشربت منه جرعة ‪..‬‬
‫مث تدىل ثالثة فشربت حىت رويت وأرقت على رأسي ووجهي وثيايب ‪..‬‬
‫إيل على تلك احلال ‪..‬‬ ‫خرج أهل زوجي ونظروا َّ‬
‫وقالوا ‪ :‬من أين لك هذا يا عدوة اهلل ‪..‬‬
‫فقلت بكل عزة وثبات ‪..‬‬
‫قلت بكل عزة وثبات ‪..‬‬
‫عدو اهلل غريي ‪..‬‬
‫إنه من خالف دين اهلل وعصى أوامره ‪..‬‬
‫مث قلت ‪ّ :‬أما هذا الذي تتساءلون عنه فهو من عند اهلل عز وجل ‪..‬‬
‫رزق رزقنيه اهلل ‪..‬‬
‫ضطََّر ِإ َذا َد َعاهُ } ‪..‬‬ ‫يب الْ ُم ْ‬ ‫ِ‬
‫اهلل الذي { ََّأمن جُي ُ‬
‫ِإ‬ ‫اهلل الذي قال ‪ { :‬وِإ َذا سَألَ ِ ِ‬
‫يب } ‪..‬‬ ‫ك عبَادي َعيِّن فَ يِّن قَ ِر ٌ‬ ‫َ َ َ‬
‫قريب ‪..‬‬
‫أمسع وأجيب ‪..‬‬
‫وأعطي البعيد والقريب ‪..‬‬
‫وأرزق العدو واحلبيب ‪..‬‬
‫قريب ‪..‬‬
‫أغيث اللهفان ‪..‬‬
‫وُأشبع اجلوعان ‪..‬‬
‫وأسقي الظمآن ‪..‬‬

‫‪408‬‬
‫وأتابع اإلحسان ‪..‬‬
‫قريب ‪..‬‬
‫عطائي ممنوح ‪..‬‬
‫وخريي يغدو ويروح ‪..‬‬
‫وبايب مفتوح ‪..‬‬
‫وأنا حليم كرمي صفوح ‪..‬‬
‫قريب ‪..‬‬
‫يدعوين الغريق يف البحار ‪..‬‬
‫والضال يف القفار ‪..‬‬
‫واحملبوس خلف األسوار ‪..‬‬
‫كما دعاين عبدي يف الغار ‪..‬‬
‫قريب ‪..‬‬
‫فرجي يف حملة البصر ‪..‬‬
‫وغوثي يف لفتة النظر ‪..‬‬
‫املغلوب إذا دعاين انتصر ‪..‬‬
‫سبحانه ‪..‬‬
‫اطلع فسرت ‪..‬‬
‫وعلم فغفر ‪..‬‬
‫وعُبد فشكر ‪..‬‬
‫وأوذي فصرب ‪..‬‬
‫سبحانه ال إله إال هو ‪..‬‬
‫قلت ‪ :‬أما هذا الذي تتساءلون عنه فهو من عند اهلل عز وجل ‪..‬‬
‫رزق رزقنيه اهلل ‪..‬‬
‫ضطََّر ِإذَا َد َعاهُ }‪..‬‬
‫يب الْ ُم ْ‬ ‫ِ‬
‫اهلل الذي { جُي ُ‬
‫هنا انطلق أهل زوجي سراعاً إىل قراهبم اململوءة باملاء وإىل أوعيتهم األخرى يستجلون اخلرب ‪ ،‬فعند‬
‫القراب واألوعية اخلرب اليقني ‪..‬‬
‫وجدوها موكوءة مل حُت ل ‪..‬‬
‫فعادوا هلا وقالوا ‪ :‬نشهد بأن ربك هو ربنا وإن الذي رزقك يف هذا املوضوع ويف هذا املكان بعد أن‬
‫فعلنا بك ما فعلنا هو الذي شرع هذا الدين العظيم ‪..‬‬

‫‪409‬‬
‫هو اإلله احلق ‪..‬‬
‫مث أسلموا وهاجروا مجيعاً إىل رسول اهلل ‪.. ‬‬
‫بثباهتا ‪ ،‬وعزهتا ‪ ،‬وموقفها الشديد أسلم القوم ‪..‬‬
‫أسلم القوم ‪ ،‬وظهر هلم احلق ‪..‬‬
‫إنه درس على الثبات واإلميان الذي جعل الؤمنات كاجلبال الراسيات ‪..‬‬
‫يقدمن أي تنازالت ‪..‬‬
‫ّ‬ ‫جيعلهن‬
‫ّ‬ ‫فال عذاب وال هتديد‬
‫بل إباء ‪ ،‬ومشوخ ‪ ،‬وثبات ‪..‬‬
‫أمر العذاب ملا ُسأل ‪ :‬كيف حتملت كل هذا العذاب ؟؟‪S..‬‬ ‫أما قال بالل وهو الذي ذاق ّ‬
‫قال ‪ُ :‬مزجت حالوة اإلميان مبرارة العذاب فطغت حالوة اإلميان ‪..‬‬
‫علي حديثهم يا حادي فحديثهم جيلو الفؤاد الصادي‬ ‫كرر َّ‬
‫يف الصحيح عن أنس بن مالك قال ‪:‬‬
‫كن فيه وجد حالوة اإلميان _ ويف رواية ‪ :‬ذاق حالوة اإلميان _ ‪..‬‬ ‫( ثالث من ّ‬
‫أن يكون اهلل ورسوله أحب إليه مما سوامها ‪..‬‬
‫وأن حيب املرء ال حيبه إال هلل ‪..‬‬
‫وأن يكره أن يعود يف الكفر بعد أن أنقذه اهلل منه كما يكره أن يُقذف يف النار)‪..‬‬
‫أخية ‪..‬‬
‫َّ‬
‫إن اإلميان ‪..‬‬
‫ليس بالتمين وال بالتحلي ‪..‬‬
‫ولكن مبا وقر يف القلب ‪..‬‬
‫وصدقه اللسان ‪..‬‬
‫وعملت به اجلوارح واألركان ‪..‬‬
‫يزيد بالطاعة ‪..‬‬
‫وينقص بالعصيان ‪..‬‬
‫أيتها الغالية ‪..‬‬
‫إن اإلله هو الذي يأهله العباد ‪..‬‬
‫حباً ‪..‬‬
‫وذالً ‪..‬‬
‫وخوفاً ‪..‬‬
‫ورجاءً ‪..‬‬

‫‪410‬‬
‫وتعظيماً ‪..‬‬
‫وطاعةً له ‪..‬‬
‫مبعىن ‪ :‬مألوه وهو الذي تأهله القلوب ‪..‬‬
‫أي حتبه وتذل له ‪..‬‬
‫أيتها الغالية ‪..‬‬
‫إن العقول حتكم بوجوب ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫تقدمي حمبة اهلل ‪..‬‬
‫على حمبة الناس ‪..‬‬
‫على حمبة النفس واألهل واملال والولد وكل ما سواه ‪..‬‬
‫وكل من مل حيكم عقلها هبذا فال تأبه لعقلها ‪..‬‬
‫فإن العقل ‪ ،‬والفطرة ‪ ،‬والنظر تدعو كلها ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫إىل حمبته سبحانه ‪..‬‬
‫بل إىل توحيده يف احملبة ‪..‬‬
‫وإمنا جاءت الرسل التقرير ما يف الفطر والعقول كما قيل ‪..‬‬
‫تأت من عند‬ ‫هب الرسل مل ِ‬
‫أليس من الواجب املستحق‬
‫فمن مل يكن عقله آمراً بذا‬
‫َّ‬
‫وإن العقول لتدعو إىل‬
‫أليست على ذلك جمبولة‬
‫أليس اجلمال حبيب القلوب‬
‫فيا منكراً ذاك واهلل أنت‬
‫ويا من ّيوحد حمبوبه‬
‫حظيت وخابوا فال تبتئس‬
‫… …وال أخربت عن مجال احلبيب‬
‫حمبته يف اللقا واملغيب‬
‫ما له يف احلجا من نصيب‬
‫حمبة فاطرها من قريب‬
‫ومفطورة ال لكسب غريب‬
‫لذات اجلمال وذات القلوب‬

‫‪411‬‬
‫عني الطريد وعني احلريب‬
‫ويرضيه يف مشهد أو مغيب‬
‫بكيد العدو وهجر الرقيب‬
‫‪ -‬امسعي أمة اهلل ‪..‬‬
‫امسعي أماه ‪..‬‬
‫امسعي أختاه ‪..‬‬
‫عن احملبات الصادقات ‪..‬‬
‫وتساءيل وقويل أين حنن من هؤالء ؟!‪..‬‬
‫أن رسول اهلل ‪ ‬بشَّر خدجية ببيت يف اجلنة من قصب ال‬ ‫يف الصحيحني عن عائشة رضي اهلل عنها َّ‬
‫صخب فيه وال نصب ‪..‬‬
‫وعن أيب هريرة قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪: ‬‬
‫( أتاين جربيل فقال ‪ :‬يا رسول اهلل هذه خدجية أتتك ومعها إناء فيه طعام وشراب فإذا هي أتتك‬
‫فأقرأ عليها من رهبا السالم ومين )‪S..‬‬
‫اله أكرب ‪..‬‬
‫رهبا يقرؤها السالم ‪..‬‬
‫نزلت عليه ‪ ‬آيات سورة املزمل بأمر اهلل عز وجل نبيه بقيام الليل ‪..‬‬
‫فقام _ بأيب هو وأمي _ وقامت معه خدجية وقام الصحابة اثنا عشر شهراً حىت انتفخت أرجلهم ‪..‬‬
‫وم َْأدىَن ِمن ثُلُثَ ِي اللَّْي ِل‬ ‫ك َي ْعلَ ُم َأن َ‬
‫َّك َت ُق ُ‬ ‫مث نزل التخفيف ملا رأى اهلل صدقهم فقال سبحانه ‪ِ { :‬إ َّن َربَّ َ‬
‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِ‬
‫اب َعلَْي ُك ْم‬
‫صوهُ َفتَ َ‬‫َّه َار َعل َم َأن لَّن حُتْ ُ‬ ‫ِّر اللَّْي َل َوالن َ‬
‫ك َواللَّهُ يُ َقد ُ‬‫ين َم َع َ‬
‫ص َفهُ َوثُلُثَهُ َوطَا َفةٌ ِّم َن الذ َ‬
‫َون ْ‬
‫آن } ‪..‬‬ ‫فَا ْقرُؤ وا ما َتي َّسر ِمن الْ ُقر ِ‬
‫َ َ َ َ َ ْ‬
‫أما قال عنها ‪: ‬‬
‫( آمنت يب يوم كفر يب الناس ‪..‬‬
‫وآوتين يوم طردين الناس ‪..‬‬
‫وصدقتين يوم كذبين الناس ‪..‬‬
‫وأعطتين ماهلا يوم حرمين الناس ) ‪..‬‬
‫فال عجب أن يقرؤها رهبا السالم ‪..‬‬
‫ها هي الص ّديقة بنت الص ّديق املربأة من فوق سبع مساوات ‪..‬‬
‫يقول القاسم ‪:‬‬
‫( كانت عائشة تصوم الدهر ) ‪..‬‬

‫‪412‬‬
‫وقال أيضاً ‪:‬‬
‫( كنت إذا غدوت _ يعين إذا أصبحت _ أبدأ ببيت عائشة رضي اهلل عنها ؛ فُأسلّم عليها ‪ ،‬فغدوت‬
‫ِ‬ ‫يوماً فإذا هي قائمة تسبح وتقرأ ‪ { :‬فَم َّن اللَّه علَينا ووقَانَا ع َذاب َّ ِ‬
‫الس ُموم ‪ِ ،‬إنَّا ُكنَّا من َقْب ُل نَ ْدعُوهُ‬ ‫َ ُ َ َْ َ َ َ َ‬
‫يم } ‪..‬‬ ‫ِإنَّه هو الْبُّر َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ َُ َ‬
‫تدعو وتبكي وتردد ‪..‬‬
‫فانتظرت حىت مللت االنتظار ‪..‬‬
‫فذهبت إىل السوق حلاجيت مث رجعت فإذا هي يف مكاهنا قائمة تصلي تبكي وتردد ‪ { :‬فَ َم َّن اللَّهُ‬
‫ت‬‫الر ِحيم ‪ ،‬فَ َذ ِّكر فَما َأنت بِنِعم ِ‬ ‫ِإ‬ ‫ِ‬ ‫اب َّ ِ ِإ‬
‫ْ َ َ َْ‬ ‫الس ُموم ‪ ،‬نَّا ُكنَّا من َقْب ُل نَ ْدعُوهُ نَّهُ ُه َو الَْبُّر َّ ُ‬ ‫َعلَْينَا َو َوقَانَا َع َذ َ‬
‫ون} ) ‪..‬‬ ‫ربِّ ِ ِ‬
‫اه ٍن واَل جَمْنُ ٍ‬
‫ك ب َك َ‬ ‫َ َ‬
‫تأملي يا رعاك اهلل ‪..‬‬
‫إذا كان هذا هنارها ‪..‬‬
‫جن عليها الليل !!‪S..‬‬ ‫فكيف تكون إذا َّ‬
‫فإن كان رسول اهلل ‪ ‬سيد العابدين ‪..‬‬
‫فالص ّديقة العاملة بليله وقيامه ووتره سيدة املتهجدات ‪..‬‬
‫ظ اللّهُ } ‪..‬‬ ‫ب مِب َا َح ِف َ‬ ‫ات لِّْلغَْي ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َحافظَ ٌ‬
‫ِ‬
‫ات قَانتَ ٌ‬
‫{ فَ َّ حِل‬
‫الصا َ ُ‬
‫أما بنت الفاروق حفصة فقال أنس ‪ :‬قال رسول اهلل ‪: ‬‬
‫صوامة َّقوامة ) ‪..‬‬ ‫( قال جربيل راجع حفصة فإهنا ّ‬
‫وقال نافع ‪ :‬ماتت حفصة حىت ما تفطر ‪..‬‬
‫أخيه ‪..‬‬
‫من علمت وأيقنت َّ‬
‫أن ‪..‬‬
‫آخر العمر إىل اللحد ‪..‬‬
‫مل تنشغل بتزيني املهد ‪..‬‬
‫‪ -‬سؤال ‪..‬‬
‫وحنن يف هذا املكان ‪..‬‬
‫كيف تكون أول ليلة يف الزفاف والعرس !!‪S..‬‬
‫امسعي وقويل ‪..‬‬
‫اب } ‪..‬‬ ‫ص ِهم ِعْبرةٌ ُأِّلويِل اَأللْب ِ‬ ‫{ لََق ْد َكا َن يِف قَ ِ‬
‫َ‬ ‫ص ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ملا ُأهديت معاذة العدوية إىل زوجها صلة بن أشيم ‪..‬‬
‫أدخله ابن أخيه احلمام ‪..‬‬

‫‪413‬‬
‫مث أدخله بيتاً مطيباً فيه العروس ‪..‬‬
‫فقام يصلي حىت أصبح ؛ وقامت معاذة خلفه ‪..‬‬
‫فما أصبحا عاتبه ابن أخيه على فعله فقال له ‪:‬‬
‫إنك أدخلتين بيتاً أذكرتين به النار ‪..‬‬
‫مث أدخلتين على تلك العروس فتذكرت اجلنة ‪..‬‬
‫فما زالت فكريت فيها حىت أصبحت ‪..‬‬
‫هلل درهم ‪..‬‬
‫كم علت هبم مهمهم ‪..‬‬
‫وأي كالم يرتجم فعاهلم ‪..‬‬
‫امرأة حتي اهلل كله ليلة بنائها ‪..‬‬
‫فما بال النسوة يف زماننا ؟!‪S..‬‬
‫بل ما بال الرجال يف هذا الزمان ؟؟!!‪S..‬‬
‫احلي غري نسائها‬
‫أما اخليام فإهنا كخيامهم وأرى نساء ّ‬
‫كانت رمحها اهلل إذا جاء النهار قالت ‪:‬‬
‫هذا يومي الذي أموت فيه ‪..‬‬
‫فما تنام حىت متسي ‪..‬‬
‫فإذا أمست وجاء الليل قالت ‪:‬‬
‫هذه ليليت اليت أموت فيها ‪..‬‬
‫فال تنام حىت تصبح ‪..‬‬
‫امسعي ما قاله ثابت البناين عن خربها يوم أن بلغها نبأ استشهاد زوجها وابنها ‪..‬‬
‫إهنا مصيبة عظيمة ‪..‬‬
‫لكن على املؤمنات أبداً ما تكون ‪..‬‬
‫فأتت النساء يواسينها يف مصاهبا فقالت ‪:‬‬
‫مرحباً بكن إن كننت جئنت لتهنئنين ‪..‬‬
‫وإن كننت جئنت لغري ذلك فارجعن من حيث أتينت ‪..‬‬
‫اهلل أكرب وهلل درها ‪..‬‬
‫أي صنف من النساء هذه التقية النقية ‪..‬‬
‫ال عجب ‪..‬‬
‫فهي تلميذة أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها ‪..‬‬

‫‪414‬‬
‫جئين مبثلهم إذا مجعتنا يا جرير اجملامع‪S..‬‬
‫يقول احلسن ‪:‬‬
‫ملا مات زوجها شهيداً مل ّتوسد فراشاً بعده ‪..‬‬
‫قالت البنتها من الرضاعة ‪:‬‬
‫واهلل يا بنية ‪..‬‬
‫ما حمبيت للبقاء يف الدنيا ‪..‬‬
‫للذيذ عيش ‪..‬‬
‫وال َلر ْوح نسيم ‪..‬‬
‫ولكن واهلل أحب البقاء ‪..‬‬
‫ألتقرب إىل ريب عز وجل بالوسائل ‪..‬‬ ‫ّ‬
‫لعله جيمع بيين وبني أيب لصهباء وولده يف اجلنة ‪..‬‬
‫تقول عنها عفرية العابدة ‪:‬‬
‫ملا احتضرها املوت _ يعين معاذة _ ملا احتضرها املوت بكت مث ضحكت ‪..‬‬
‫ومم الضحك ؟!‪S..‬‬ ‫فمم البكاء ‪َ ،‬‬ ‫فقيل هلا ‪ :‬بكيت مث ضحكت ؛ َ‬
‫قالت ‪:‬‬
‫أما البكاء الذي رأيتم ‪..‬‬
‫فإين ذكرت مفارقة الصيام ‪ ،‬والصالة ‪ ،‬والذكر ‪..‬‬
‫فكان البكاء لذلك ‪..‬‬
‫وأما الذي رأيتم من تبسمي وضحكي ‪..‬‬
‫فإين نظرت إىل أيب الصهباء قد أقبل يف صحن الدار عليه حلتان خضراوتان ‪ ،‬وكان يف نفر واهلل ما‬
‫رأيت هلم يف الدنيا شبهاً ‪..‬‬
‫فضحكت إليه وضحك إيل ‪..‬‬
‫وال أراين أدرك بعد ذلك فرضاً معكم ‪..‬‬
‫قالت ‪ :‬فماتت قبل أن يدخل عليها وقت الصالة التالية ‪..‬‬
‫سبحان اهلل ‪..‬‬
‫بكت لكن على ماذا بكت !!!‪S..‬‬
‫بكت على فراق ‪..‬‬
‫الصيام ‪..‬‬
‫والصالة ‪..‬‬

‫‪415‬‬
‫والذكر ‪..‬‬
‫وأنت أيتها الغالية على ماذا تبكني ؟؟!!‪..‬‬
‫وأنت أيتها الغالية على ماذا تبكني ؟؟!!‪..‬‬
‫ما هي مهومك وفيما أحزانك ؟؟!!‪S..‬‬
‫على ماذا تلك الدمعات الغالية ؟؟!!‪..‬‬
‫من أجل من تذرفينها ؟؟!!‪S..‬‬
‫قوم مضوا كانت األيام هبم نزهاً‬ ‫ٌ‬
‫ماتوا وعشنا فهم عاشوا مبوهتم‬
‫… …والعيد كالعيد واألوقات أوقات‬
‫وحنن يف صور األحياء أموات‬
‫‪ -‬أخيه إن أول عالمات اإلميان ‪..‬‬
‫هو حب اهلل جل وعال ‪..‬‬
‫وحب الرسول ‪.. ‬‬
‫وملا كثر املدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوة ‪..‬‬
‫قال سبحانه ‪ { :‬قُ ْل ِإن ُكنتُ ْم حُتِبُّو َن اللّهَ فَاتَّبِعُويِن حُيْبِْب ُك ُم اللّهُ َو َي ْغ ِف ْر لَ ُك ْم ذُنُوبَ ُك ْم } ‪..‬‬
‫فتأخر اخللق كلهم ‪..‬‬
‫وثبت أتباع احلبيب يف ‪..‬‬
‫أفعاله ‪..‬‬
‫وأقواله ‪..‬‬
‫وأخالقه ‪..‬‬
‫امسعي يا رعاك اهلل ‪..‬‬
‫ماذا قالوا عن احملبة اليت هي من مقتضى ومن شروط ال إله إال اهلل ‪..‬‬
‫قال عبد اهلل القرشي ‪:‬‬
‫احملبة ‪ :‬هي أن هتب كلك ملن أحببت ‪ ،‬فال يبقى لك منك شيء ‪..‬‬
‫معىن كالمه أن هتيب ‪..‬إرادتك ‪ ،‬وعزمك ‪ ،‬وأفعالك ‪ ،‬ونفسك ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬ووقتك ملن حتببنه ‪،‬‬
‫وجتعلينها حبساً ووقفاً يف مرضاته وحمابه فال تأخذي لنفسك منها إال ما أعطاك هو ‪..‬‬
‫فتأخذيه منه ‪ ،‬ومن أجله ‪..‬‬
‫قالوا ‪ :‬احملبة امليل الدائم بالقلب اهلائم ‪..‬‬
‫وقالوا ‪ :‬احملبة إيثار احملبوب على مجيع املصحوب ‪..‬‬

‫‪416‬‬
‫ومن أمجل ما قيل ما ذكره أبو بكر الكتاين ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬جرت مسألة يف احملبة مبكة أعزها اهلل تعاىل أيام املوسم فتكلم الشيوخ يف احملبة ‪ ،‬وكان اجلنيد‬
‫أصغرهم سناً ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هات ما عندك يا عراقي ؟!‪S..‬‬
‫فأطرق رأسه ‪ ،‬ودمعت‪ S‬عيناه مث قال ‪:‬‬
‫احملب ‪:‬‬
‫عبد ذاهب عن نفسه ‪..‬‬
‫متصل بذكر ربه ‪..‬‬
‫قائم بأداء حقوقه ‪..‬‬
‫ناظر إليه بقلبه ‪..‬‬
‫فإن تكلم ‪..‬فباهلل ‪..‬‬
‫وإن نطق ‪..‬فعن اهلل ‪..‬‬
‫وإن حترك ‪..‬فبأمر اهلل ‪..‬‬
‫وإن سكن ‪..‬فمع اهلل ‪..‬‬
‫فهو ‪..‬‬
‫باهلل ‪..‬‬
‫وهلل ‪..‬‬
‫ومع اهلل ‪..‬‬
‫فبكى الشيوخ وقالوا ‪ :‬ما على هذا مزيد ‪..‬‬
‫احملب الصادق ‪..‬‬
‫إذا تكلم ‪..‬فمن أجل اهلل ‪..‬‬
‫وإذا سكت ‪..‬فمن أجل اهلل ‪..‬‬
‫وإذا أعطى ‪..‬فمن أجل اهلل ‪..‬‬
‫إذا منع ‪..‬فمن أجل اهلل ‪..‬‬
‫فهو ‪..‬‬
‫باهلل ‪..‬‬
‫وهلل ‪..‬‬
‫ومع اهلل ‪..‬‬
‫فبكى الشيوخ وقالوا ‪ :‬ما على هذا مزيد ‪..‬‬
‫ذكر ابن القيم رمحه اهلل عشرة أمور توصل إىل حمبة اهلل تبارك وتعاىل ‪:‬‬

‫‪417‬‬
‫أوهلا ‪ :‬قراءة القرآن بالتدبر والتفهم ملعانيه وما ُأريد به ‪..‬‬
‫ثانياً ‪ :‬التقرب إىل اهلل بالنوافل بعد الفرائض ‪..‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬دوام ذكره على كل حال بالقلب واللسان ‪..‬‬
‫رابعاً ‪ :‬إيثار حمابه على حمابك ‪..‬‬
‫خامساً ‪ :‬مطالعة القلب ألمسائه وصفاته ‪..‬‬
‫سادساً ‪ :‬مشاهدة بره وإحسانه وآالئه ونعمه الباطنة والظاهرة ‪..‬‬
‫السابع ‪ :‬وهو أعجبها _ كما قال _ انكسار القلب بكيلته بني يدي اهلل تعاىل‪..‬‬
‫ثامنها ‪ :‬اخللوة به وقت النزول اإلهلي ‪ ،‬ملناجاته ‪ ،‬وتالوة كتابه ‪ ،‬والوقوف بالقلب ‪ ،‬والتأدب بأدب‬
‫العبودية بني يديه ‪..‬‬
‫تاسعاً ‪ :‬جمالسة احملبني الصادقني ‪ ،‬والتقاط أطايب مثرات كالمهم ؛ كما تنتقى أطايب الثمر ‪..‬‬
‫عاشراً‪ :‬مباعدة كل سبب حيول بني القلب وبني اهلل عز وجل ‪..‬‬
‫‪ -‬وإليك مزيد من أخبارهن ‪..‬‬
‫وقويل وكرري ‪ :‬أين حنن من هؤالء ؟؟!!‪..‬‬
‫أيتها الغالية ‪..‬‬
‫ّأماً كنت ‪..‬‬
‫أم أختاً ‪..‬‬
‫على ماذا نريب أبناءنا اليوم ؟!‪..‬‬
‫وما هي األمنيات اليت نتمناها هلم ؟!‪..‬‬
‫وصي ُك ُم اللّهُ يِف َْأوالَ ِد ُك ْم} ‪..‬‬
‫أما قال سبحانه ‪ { :‬ي ِ‬
‫ُ‬
‫فوصى اآلباء باألبناء قبل أن يوصي األبناء باآلباء ‪..‬‬
‫انظري حولك يف واقع األنباء يف هذه األيام لتعريف مقدار املأساة !!‪..‬‬
‫أما أولئك كيف ربوا أبناءهم ‪ ،‬وماذا علموهم ‪ ،‬وماذا أعدوهم له ؟‪..‬‬
‫امسعي وافتحي القلب قبل أن تفتحي األذنني ‪..‬‬
‫جاء يف السري ‪..‬‬
‫أنه كان يف البصرة نساء عابدات ‪..‬‬
‫منهن أم إبراهيم اهلامشية ‪..‬‬
‫وكانت َّ‬
‫فأغار العدو على ثغر من ثغور املسلمني فانتُدب الناس للجهاد ‪..‬‬
‫فقام عبد الواحد بن زيد البصري يف الناس خطيباً فحضهم على اجلهاد ‪..‬‬
‫كانت أم إبراهيم هذه حاضرة يف جملسه ‪..‬‬

‫‪418‬‬
‫ومتادى عبد الواحد يف كالمه ‪..‬‬
‫فيهن وأنشد يف صفة حوارء ‪..‬‬‫مث وصف احلور العني وذكر ما قيل َّ‬
‫غادةٌ ذات دالل ومرح‬
‫ُخلقت من كل شيء حسن‬
‫زاهنا اهلل بوجه مجعت‬
‫وبعني كحلها من غنجها‬
‫ناعم جتري على صفحته‬
‫… …جيد الناعت فيها ما اقرتح‬
‫طيب فالليت فيها مطّرح‬
‫فيه أوصاف غريبات امللح‬
‫ُ‬
‫وخبد مسكه فيه رشح‬
‫نظرة امللك وألالء الفرح‬
‫فهاج اجمللس وماج الناس بعضهم يف بعض واضطربوا ‪..‬‬
‫فوثبت ام إبراهيم من وسط الناس وقالت لعبد الوحد ‪:‬‬
‫أضن به عليهم ‪..‬‬
‫يا أبا عبيد ألست تعرف ولدي إبراهيم ورؤساء أهل البلد خيطبونه على بناهتم وأنا ّ‬
‫فلقد واهلل أعجبتين هذه اجلارية ‪..‬‬
‫وأنا أرضاها عروساً لولدي ‪..‬‬
‫فكرر ما ذكرت من حسنها ومجاهلا ‪..‬‬
‫فأخذ عبد الواحد يف وصف احلوراء فأنشد ‪..‬‬
‫تولد نور النور من نور وجهها‬
‫فلو وطأت بالنعل منها على احلصى‬
‫ولو شئت عقد اخلصر منها عقدته‬
‫ولو تفلت يف البحر شهد رطاهبا‬
‫… …فمازج طيب الطيب من خالص العطر‬
‫ألعشبت األقطار من غري ما قطر‬
‫كغصن من الرحيان ذو ورق خضر‬
‫الرب شرب من البحر‬
‫لطاب ألهل ّ‬
‫فاضطرب الناس أكثر مما اضطربوا ‪..‬‬
‫فوثبت أم إبراهيم وقالت لعبد الواحد ‪:‬‬

‫‪419‬‬
‫يا أبا عبيد قد واهلل أعجبتين هذه اجلارية ‪..‬‬
‫وأنا أرضاها عروساً لولدي ‪..‬‬
‫فهل لك أن تزوجه منها وتأخذ مهرها عشرة آالف دينار ‪..‬‬
‫وخيرج معك إبراهيم يف هذه الغزوة ‪..‬‬
‫فلعل اهلل يرزقه الشهادة فيكون شفيعاً يل وألبيه يوم القيامة ‪..‬‬
‫فقال هلا عبد الواحد ‪:‬‬
‫لئن فعلت _ واهلل _ لتفوز ّن أنت وولدك وأبو ولدك ‪..‬‬
‫واهلل لتفوز ّن فوزاً عظيماً ‪..‬‬
‫فنادت ولدها ‪ :‬يا إبراهيم ‪..‬‬
‫فوثب من وسط الناس وقال هلا ‪:‬‬
‫لبيك يا أماه ‪..‬‬
‫فقالت ‪ :‬أي بين أرضيت هبذه اجلارية زوجة لك ببذل مهجتك يف سبيل اهلل وترك العود يف الذنوب‬
‫‪..‬‬
‫فقال الفىت ‪ :‬أي واهلل ‪..‬أي‪ S‬واهلل يا أماه رضيت أي رضاً ‪..‬‬
‫فقالت ‪ :‬اللهم إين أشهدك أين زوجت ولدي هذا من هذه اجلارية ‪..‬‬
‫الثمن ببذل مهجته يف سبيلك وترك العود يف الذنوب ‪..‬‬
‫فتقبله هدية مين لك يا أرحم الرامحني ‪..‬‬
‫مث انصرفت ‪..‬‬
‫مث رجعت فجاءت بعشرة آالف دينار ‪..‬‬
‫وجهز الغزاة يف سبيل اهلل ‪..‬‬ ‫وقالت ‪ :‬يا أبا عبيد هذا مهر اجلارية جتهز به َّ‬
‫مث انصرفت فاشرتت لولدها فرساً وسالحاً جيداً ‪..‬‬
‫فلما خرج عبد الواحد ‪..‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫خرج إبراهيم رغم صغر سنه يعدو والقراء حوله يقرأون { ِإ َّن اللّهَ ا ْشَتَرى م َن الْ ُمْؤ من َ‬
‫ني َأن ُف َس ُه ْم‬
‫َو َْأم َواهَلُم بِ َّ‬
‫َأن هَلُ ُم اجلَنَّةَ } ‪..‬‬
‫فلما أرادت أم إبراهيم فراق ولدها ‪..‬‬
‫دفعت إليه كفناً وحنوطاً وقالت له ‪:‬‬
‫أي بين إذا أردت لقاء العدو فتكفَّن هبذا الكفن وحتنَّط هبذا احلنوط وإياك مث إياك أن يراك اهلل مقصراً‬
‫يف سبيله ‪..‬‬
‫مث ضمته إىل صدرها ‪ ،‬وقبلت بني عينيه وقالت ‪:‬‬

‫‪420‬‬
‫يا بين ال مجع اهلل بيين وبينك إال بني يديه يف عرصات القيامة ‪..‬‬
‫قبلت بني عينيه وضمته إىل صدرها وقالت ‪:‬‬
‫يا بين ال مجع اهلل بيين وبينك إال بني يديه يف عرصات القيامة ‪..‬‬
‫قال عبد الواحد ‪ :‬فلما بلغنا بالد العدو وبرز الناس للقتال ‪ ،‬برز إبراهيم يف املقدمة فصال وجال ‪،‬‬
‫وفر ‪..‬‬
‫وكر َّ‬
‫َّ‬
‫تارة يف امليمنة وتارة يف امليسرة فقتل من العدو خلقاً كثرياً ‪..‬‬
‫مث اجتمعوا عليه فقتلوه ‪..‬‬
‫فلما أردنا الرجوع إىل البصرة قلت ألصحايب ‪:‬‬
‫ال ختربوا أم إبراهيم خبرب ولدها ؛ حىت ألقاها حبسن العزاء لئال جتزع فيذهب أجرها ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬فلما وصلنا البصرة خرج الناس يتلقوننا وخرجت أم إبراهيم مع من خرج‪..‬‬
‫علي فُأعزى ؟!‪S..‬‬
‫ردت ّ‬ ‫فلما أبصرتين قالت ‪ :‬يا أبا عبيد هل قُبلت مين هدييت فُأهنّأ ‪ ،‬أم ّ‬
‫علي‬
‫ردت ّ‬ ‫فلما أبصرتين قالت ‪ :‬يا أبا عبيد هل قُبلت مين هدييت فُأهنّأ ‪ ،‬أم ّ‬
‫فأعُزى ؟!‪S..‬‬
‫فقلت هلا ‪ :‬قد قُبلت _ واهلل _ هديتك ‪..‬‬
‫حي يُرزق مع الشهداء إن شاء اهلل ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫اآلن إبراهيم ّ‬
‫فخرت ساجدة هلل شكراً ‪ ،‬وقالت ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫احلمد هلل ‪..‬‬
‫وقالت ‪:‬‬
‫احلمد هلل الذي مل خييب ظين وتقبّل نُسكي ‪..‬‬
‫مث انصرفت ‪..‬‬
‫فلما كان من الغد أتت إىل املسجد فقالت ‪:‬‬
‫السالم عليك يا أبا عبيد ‪..‬بشراك ‪..‬بشراك ‪..‬‬
‫فقلت ‪ :‬ال زلت مبشرة باخلري ‪..‬‬
‫فقالت له ‪ :‬رأيت البارحة ولدي إبراهيم ‪..‬‬
‫رأيته يف روضة حسناء ‪..‬‬
‫وعليه قبة خضراء ‪..‬‬
‫وهو على سرير من اللؤلؤ ‪..‬‬
‫وعلى رأسه تاج وإكليل وهو يقول يل ‪:‬‬
‫وزفَّت العروس ‪..‬‬‫أبشري أماه فقد قُبل املهر ُ‬

‫‪421‬‬
‫وزفَّت العروس ‪..‬‬
‫أبشري أماه فقد قُبل املهر ُ‬
‫انظري ‪..‬‬
‫تأملي أيتها الغالية ‪..‬‬
‫كيف تساهم املرأة املسلمة يف إعداد األبطال ‪..‬‬
‫هم املرأة املسلمة ‪..‬‬
‫انظري إىل ّ‬
‫وهو نصرة اإلسالم واملسلمني مهما كان الثمن ‪..‬‬
‫انظري إىل الدور العظيم الذي تستطيع أن تقوم به املرأة املسلمة إن هي صلحت أوالً ‪..‬‬
‫أبناءهن مع اللنب حب اإلسالم‬
‫ّ‬ ‫إن األمة اليوم يف أمس احلاجة إىل مثل هؤالء األمهات الالئي يرضعن‬ ‫َّ‬
‫والتضحية يف سبيله ‪..‬‬
‫فهل تكونني تلك املرأة !!‪S..‬‬
‫ومن يتهيب صعود اجلبال يعش أبد الدهر بني احلفر‬
‫كثريات يدعني احملبة ‪..‬‬
‫لكن شتان بني الصادقني والصادقات ‪..‬وبني الكاذبني والكاذبات ‪..‬‬
‫يف املصائب ‪..‬‬
‫يف اآلالم ‪..‬‬
‫يف املواقف ‪..‬‬
‫يف الشدائد ‪..‬‬
‫تظهر معادن الرجال والنساء ‪..‬‬
‫أن النيب ‪ ‬قد قُتل فخرج الناس يتلقون اجليش العائد من أرض املعركة والكل‬ ‫بعد معركة ُأحد ُأشيع َّ‬
‫يسأل عن أخبار ذلك اليوم العظيم ‪..‬‬
‫بينهن امرأة من األنصار ‪..‬‬
‫خرجت من ّ‬
‫خرجت لتسقبل اجليش ‪..‬‬
‫خرجت لتطمئن على احلبيب ‪.. ‬‬
‫قيل هلا ‪ :‬مات أبوك ‪..‬فاسرتجعت وقالت ‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪..‬‬
‫ماذا صنع النيب ‪ ‬؟!‪..‬‬
‫فقيل هلا ‪ :‬مات زوجك ‪..‬فاسرتجعت وقالت ‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪..‬‬
‫ماذا صنع النيب ‪ ‬؟!‪..‬‬
‫فقيل هلا ‪ :‬مات أخوك ‪..‬فاسرتجعت وقالت ‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون ‪..‬‬
‫ماذا صنع النيب ‪ ‬؟!‪..‬‬

‫‪422‬‬
‫فقالوا هلا ‪ :‬هو خبري ‪..‬‬
‫قالت ‪ :‬واهلل ال يهدأ يل بال وال يقر يل قرار حىت أراه بأم عيين ‪..‬‬
‫فلما رأته بكت ‪ ،‬وضحكت ‪ ،‬وتبسمت وقالت ‪:‬‬
‫كل مصيبة بعدك جلل يا رسول اهلل ‪..‬‬
‫كل فقد غري فقدك يهون يا رسول اهلل ‪..‬‬
‫شاهدت مثل هذا احلب !!‪S..‬‬ ‫ِ‬ ‫هل‬
‫أرأيت كيف هان عندها فقد األب ‪ ،‬واألخ ‪ ،‬والزوج ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫إنه احلب الصادق هلل ولرسوله ‪..‬‬
‫كيف ال حتبه وهو الذي أنقذها اهلل به ‪..‬‬
‫من الظلمة إىل النور ‪..‬‬
‫ومن الكفر إىل اإلميان ‪..‬‬
‫ومن اجلهل إىل العلم ‪..‬‬
‫ومن الضاللة إىل اهلدى ‪..‬‬
‫ومن الشقاء إىل السعادة ‪..‬‬
‫ومن النار إىل اجلنة ‪..‬‬
‫أنا أعرف أنك حتبينه ‪..‬‬
‫ولكن ما هو الدليل ؟!‪S..‬‬
‫هل اتبعيت سنته ؟!‪S..‬‬
‫هل أخذيت هبديه ؟!‪..‬‬
‫كم تذكرين امسه وتصلني عليه يف اليوم والليلة ؟!‪..‬‬
‫كم حتفظني من أحاديثه ؟!‪..‬‬
‫ماذا تعرفني عن سريته ؟!‪S..‬‬
‫أين أنت عن أوامره اليت أمر هبا ؟!‪..‬‬
‫وأين أنت عن نواهيه اليت هنى عنها ؟!‪..‬‬
‫ماذا فعلت ؟!‪..‬‬
‫كم بذلت لنصرة هذا الدين والدعوة إىل دعوته ؟!‪..‬‬
‫قال ‪: ‬‬
‫( ال يؤمن أحدكم حىت أكون أحب إليه من ولده ومن والده والناس أمجعني )‪..‬‬
‫نسينا يف ودادكم كل غايل‬

‫‪423‬‬
‫تسلّى الناس بالدنيا وإنَّا‬
‫وملا نلقكم ولكن شوقنا‬
‫ّ‬
‫نالم على حمبتكم ويكفينا‬
‫عز يف الدنيا اللقاء ففي‬ ‫إن كان ّ‬
‫… …فأنتم اليوم أغلى ما لدينا‬
‫لعمر اهلل بعدكم ما سلينا‬
‫يُذكرنا فكيف إذا التقينا‬
‫شرفاً نُالم وال علينا‬
‫مواقف احلشر نلقاكم ويكفينا‬
‫‪ -‬أخرياً ‪..‬‬
‫إليك هذا اخلرب الذي حيمل صفة وخصلة لو محلتيها ولبستيها لصلحت لك مجيع األمور ‪..‬‬
‫عن عمران بن حصني رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪ ( : ‬احلياء ال يأيت إال خبري ) رواه‬
‫البخاري ومسلم ‪..‬‬
‫وفيهما عن ابن سعيد اخلدري رضي اهلل عنه أنه قال ‪:‬‬
‫كان رسول اهلل ‪ ‬أش ّد حياء من العذراء يف خدرها ‪ ،‬فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه يف وجهه ‪..‬‬
‫ويف الصحيح عنه ‪: ‬‬
‫( إن مما أردك الناس من كالم النبوة األوىل ‪ :‬إذا مل تستحي فاصنع ما شئت ) ‪..‬‬
‫قال اجلنيد رمحه اهلل ‪:‬‬
‫احلياء رؤية اآلالء ‪ ،‬ورؤية التقصري فيتولد بينها حالة تسمى احلياء ‪..‬وحقيقتة خلق يبعث على ترك‬
‫القبائح ومينع من التفريط يف حق صاحب احلق ‪..‬‬
‫وقال السري السقطي ‪:‬‬
‫إن احلياء واألنس يطرقان القلب فإن وجدا فيه الزهد والورع وإال رحال ‪..‬‬ ‫َّ‬
‫وآخر قال ‪:‬‬
‫واهلل إين أستحي أن ينظر اهلل يف قليب وفيه أحد سواه ‪..‬‬
‫وقال الفضيل بن عياض ‪:‬‬
‫مخس من عالمات الشقوة ‪..‬‬
‫قسوة القلب ‪..‬‬
‫ومجود العني ‪..‬‬
‫وقلة احلياء ‪..‬‬

‫‪424‬‬
‫والرغبة يف الدنيا ‪..‬‬
‫وطول األمل ‪..‬‬
‫وقال حيىي بن معاذ ‪:‬‬
‫من استحىي من اهلل مطيعاً ؛ استحى اهلل منه وهو مذنب ‪..‬‬
‫وقال ابن القيم ‪:‬‬
‫من ال حياء فيه فليس معه من اإلنسانية إال اللحم والدم وصورهتما الظاهرة ؛ كما أنه ليس معه من‬
‫اخلري شيء ‪..‬‬
‫وقال ابن مسعود ‪:‬‬
‫من ال يستحي من الناس ال يستحي من اهلل ‪..‬‬
‫قيل البن عبد العزيز عمر ‪:‬‬
‫إذا ذهب احلياء ذهب نصف الدين ‪..‬‬
‫قال ‪ :‬ال !!‪ ..‬إذا ذهب احلياء ذهب الدين كله ‪..‬‬
‫إن كان احلياء أخيه مجيل يف الرجال ‪..‬‬
‫فهو يف املرأة أمجل وأزين ‪..‬‬
‫وواهلل إذا فقدت املرأة حياءها ‪..‬‬
‫واهلل لباطن األرض خري هلا من ظاهرها ‪..‬‬
‫قال الشاعر ‪:‬‬
‫إذا مل ختشى عاقبة الليايل‬
‫فال واهلل ما يف العيش خري‬
‫يعيش املرء ما استحيا‬
‫… …ومل تستحي فاصنع ما تشاء‬
‫وال الدنيا إذا ذهب احلياء‬
‫خبري ويبقى العود ما بقي اللحاء‬
‫امسعي كيف تضرب سيدة نساء العاملني فاطمة بنت حممد ‪ ‬مثالً للعفاف واحلياء كما ينبغي أن‬
‫يكون ‪..‬‬
‫امسعيها وهي تقول وحتاور أمساء بنت عميس ‪:‬‬
‫يا أمساء إين ألستحي أن ُأخرج غداً على الرجال من خالل هذا النعش جسمي ‪..‬‬
‫_ كانت النعوش عبارة عن خشبة مصفحة يوضع عليها امليت ويطرح عليه الثوب فيصف حجم‬
‫اجلسم _ ‪..‬‬

‫‪425‬‬
‫خشيت فاطمة رضي اهلل عنها إذا هي ماتت أن حتمل على مثل هذه النعوش فيكون ذلك خدشاً‬
‫حليائها وحشمتها ‪..‬‬
‫قالت أمساء ‪:‬‬
‫َأوال نصنع لك شيئاً رأيته يف احلبشة ‪..‬‬
‫فصنعت هلا النعش املغطى من جوانبه مبا يشبه الصندوق ‪ ،‬مث طرحت عليه ثوباً فكان اليصف اجلسم‬
‫‪..‬‬
‫فلما رأته فاطمة فرحت به وقالت ألمساء ‪:‬‬
‫ما أحسن هذا وأمجله سرتك اهلل كما سرتتيين ‪..‬‬
‫قال ابن عبد الرب ‪ :‬هي أول من غطي نعشها يف اإلسالم على تلك الصفة ‪..‬‬
‫هم حياءها وعفافها وحجاهبا حىت بعد مماهتا ‪..‬‬
‫أرأيت أيتها الغالية ومسعت كيف حتمل املؤمنة ّ‬
‫تريد أن ‪..‬‬
‫تعيش عفيفة ‪..‬‬
‫ومتوت عفيفة ‪..‬‬
‫وحتشر إىل اهلل وهي عفيفة ‪..‬‬
‫وهم ال يقبل املساومة ‪..‬‬
‫إن احلياء واحلجاب عند املؤمنة قضية ال حتتمل النقاش ‪ّ ،‬‬ ‫َّ‬
‫إنه طاعة هلل ‪..‬‬
‫واستجابة ألوامر اهلل ‪..‬‬
‫وانقياد حلكمة اهلل ‪..‬‬
‫إنه الثغر الذي تتحصن به املسلمة ‪..‬‬
‫فال تتسرب من خالله رذيلة وفاحشة إىل اجملتمع ‪..‬‬
‫وال تستباح حمرمات ‪..‬‬
‫وال تدنس أعراض ‪..‬‬
‫إنه عنوان صالح املرأة ‪..‬‬
‫ودليل اعتزازها بدينها ‪..‬‬
‫وشعارها الذي ترفعه يف وجه أعدائها وكل من خيالفها ‪..‬‬
‫امسعي إىل اليت قالت ‪:‬‬
‫لست من تأسر احللي صباها‬
‫وحجاب اإلسالم فوق جبيين‬
‫لست أبغي من احلياة قصوراً‬

‫‪426‬‬
‫… …فكنوزي قالئد القرآن‬
‫هو عندي أهبى من التيجان‬
‫فقصوري يف خالدات اجلنان‬
‫انظري إىل الواقع من حولك أخيه ‪..‬‬
‫كيف تتفلت النساء من حيائهن وحجاهبن ‪..‬‬
‫أن احلياء واحلجاب ختلف ورجعية وتقييد للحرية ‪..‬‬ ‫كيف يقلن َّ‬
‫ولكن صدق الصادق املصدوق ‪ ‬حني قال ‪:‬‬
‫( بدأ الدين غريباً وسيعود غريباً فطوىب للغرباء ) ‪..‬‬
‫ني َعلَْي ِه َّن ِمن َجاَل بِيبِ ِه َّن} ‪..‬‬ ‫ك ونِساء الْمْؤ ِمنِ ِ‬ ‫َأِّلزو ِاج َ ِ‬
‫ني يُ ْدن َ‬
‫ك َو َبنَات َ َ َ ُ َ‬ ‫قال سبحانه ‪ {:‬يَا َأيُّ َها النَّيِب ُّ قُل ْ َ‬
‫أيتها الغالية ‪..‬‬
‫هذه أخبار من أخبارهن ‪..‬‬
‫وقصص من قصصهن ‪..‬‬
‫كما استطعن هن ‪ ،‬أنت أيضاً تستطيعني ‪..‬‬
‫أنت أيضاً تستطيعني ‪..‬‬
‫فلو كان النساء كما ذكرن‬
‫عيب‬
‫وما التأنيث السم الشمس ٌ‬
‫…لفضلت النساء على الرجال‬ ‫ّ‬ ‫…‬
‫وما التذكري فخر للهالل‬
‫استطعن ‪..‬‬
‫َ‬ ‫كن قد‬
‫إن َّ‬
‫فأنت أيضاً تستطعني ‪..‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني‬
‫ني َوالْ ُمْؤ منَات َوالْ َقانت َ‬ ‫امسعي هذه البشارة من رب العاملني ‪ِ {..‬إ َّن الْ ُم ْسلم َ‬
‫ني َوالْ ُم ْسل َمات َوالْ ُمْؤ من َ‬
‫ات والْمت ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الصابِ ِرين و َّ ِ‬ ‫الص ِادقِني و َّ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ني‬
‫صدِّق َ‬‫ني َواخْلَاش َع َ ُ َ َ‬ ‫الصابَِرات َواخْلَاشع َ‬ ‫الصادقَات َو َّ َ َ‬ ‫َوالْ َقانتَات َو َّ َ َ‬
‫ين اللَّهَ َكثِرياً‬ ‫ات و َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫الصاِئ ِمني و َّ ِئ ِ‬ ‫ِ‬
‫الذاك ِر َ‬ ‫وج ُه ْم َواحْلَافظَ َ‬ ‫ني ُفُر َ‬
‫الصا َمات َواحْلَافظ َ‬ ‫ص ِّدقَات َو َّ َ َ‬ ‫َوالْ ُمتَ َ‬
‫َأجراً َع ِظيماً } ‪..‬‬ ‫ِ‬ ‫و َّ ِ ِ‬
‫َأع َّد اللَّهُ هَلُم َّم ْغفَرةً َو ْ‬
‫الذاكَرات َ‬ ‫َ‬
‫امسعي هذه البشارة من رسول رب العاملني ‪..‬‬
‫عن أيب هريرة رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل ‪: ‬‬
‫( إذا صلت املرأة مخسها ‪..‬‬
‫وصامت شهرها ‪..‬‬
‫وحصنت فرجها ‪..‬‬ ‫ّ‬

‫‪427‬‬
‫وأطاعت زوجها ‪..‬‬
‫قيل هلا ادخلي من أي أبواب اجلنة شئت ) رواه اخلمسة وابن حبان ‪..‬‬
‫كن قد استطعن ‪..‬‬ ‫إن َّ‬
‫فأنت أيضاً تستطيعني ‪..‬‬
‫املنبع واحد ‪..‬‬
‫واملصدر واحد ‪..‬‬
‫والطريق واحد ‪..‬‬
‫إمنا خيتلف الناس باختالف اهلمم ‪..‬‬
‫أرجل يف الثرى ورؤوس يف الثريا ‪..‬‬
‫ضل قوم مل يعرفوا اخلرب ‪..‬‬ ‫اقرأي التاريخ فإن يف التاريخ عرب َّ‬
‫استعيين بالصرب والصالة ‪..‬‬
‫ال حتزين بقلة السالكني ‪..‬‬
‫وال تغرتي بكثرة اهلالكني ‪..‬‬
‫ور } ‪..‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ُك ُ‬
‫ي َّ‬ ‫يل ِّم ْن عبَاد َ‬
‫أما قال ربك ‪َ { :‬وقَل ٌ‬
‫َّاس ولَو حرص مِب ِ ِ‬
‫ني } ‪..‬‬ ‫ت ُْؤ من َ‬ ‫جل يف عاله ‪َ { :‬و َما َأ ْكَثُر الن ِ َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫أما قال ربك َّ‬
‫وك َعن َسبِ ِيل اللّ ِه} ‪..‬‬ ‫ضيِ‬
‫ضلُّ َ‬ ‫ِ‬
‫أما قال سبحانه ‪َ { :‬وِإن تُط ْع َأ ْكَثَر َمن يِف ْ‬
‫اَألر ِ ُ‬
‫ك َك ْثرةُ اخْلَبِ ِ‬ ‫أما قال ‪ { :‬قُل الَّ يَ ْستَ ِوي اخْلَبِ ُ‬
‫يث } ‪..‬‬ ‫َأع َجبَ َ َ‬ ‫يث َوالطَّيِّ ُ‬
‫ب َولَ ْو ْ‬
‫فليكن شعارك ‪..‬‬
‫التعاون على الرب والتقوى ‪..‬‬
‫والتناهي عن اإلمث والعدوان ‪..‬‬
‫سدد اهلل خطاك ‪..‬‬
‫وحفظك يف دينك ودنياك ‪..‬‬
‫وجعلك ذخراً وحصناً لإلسالم واملسلمني ‪..‬‬
‫اللهم فرج هم املهمومني ‪..‬‬
‫واكشف كرب املكروبني ‪..‬‬
‫واقضي الدين عن املدينني ‪..‬‬
‫ودل احليارى واهدي الضالني ‪..‬‬
‫واغفر لألحياء وللميتني ‪..‬‬
‫اللهم امجع مشلنا ‪ ،‬وحد صفنا ‪ ،‬وأصلح ذات بيننا ‪ ،‬وانصرنا يا قوي يا عزيز على القوم الكافرين ‪..‬‬

‫‪428‬‬
‫أستغفر اهلل العظيم وصلى اهلل على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ‪..‬‬
‫س ‪ : 1‬سائلة تقول ‪:‬‬
‫أعاين من مشكلة يف حيايت وهي التحدث مع زمياليت يف املدرسة عن غرينا وأعين هنا الغيبة ويصيبين‬
‫الندم الشديد بعد االنتهاء من احلديث ‪..‬ما نصيحتك يل جزاك اهلل خرياً ؟‪..‬‬
‫احلمد هلل ‪..‬‬
‫قضية التكلم يف الناس ويف أعراض الناس ويف خصائص الناس ذنب عظيم وكبرية من الكبائر ‪..‬‬
‫أنت قيسيها على نفسك ‪..‬‬ ‫ِ‬
‫أترضني أن يُتكلم عنك مبا ال حتبني ؟‪..‬‬
‫أحتبني أن تُذكري يف غيابك بأشياء أنت ال حتبني أن تُقال عنك ؟‪..‬‬
‫أنت ال حتبينه لنفسك فالناس أيضاً ال يرضونه ألنفسهم ‪..‬‬ ‫فكما ِ‬
‫والنيب ‪ ‬بنَّي أن ال يكب الناس على مناخرهم يف جهنم إال حصائد ألسنتهم ‪..‬‬
‫كم كلمة تتهاونني فيها ؟!‪S..‬‬
‫كم كلمة تقولينها ؟!‪..‬‬
‫فيك _ اللسان إذا مل يُشغل بذكر اهلل انشغل يف غري ذلك ‪..‬‬ ‫أقول _ بارك اهلل ِ‬
‫االجتماعات اليت جتتمعينها مع هؤالء البنيات إن مل تكن يف طاعة فستكون يف معصية اهلل ‪..‬‬
‫أترضني أن تقومي من جملسك ذاك بسخط من اهلل وغضب !!‪..‬‬
‫أم تريدين أن تقومي يُقال لك ‪ :‬قومي مغفوراً لك بُدلت سيئاتك حسنات ‪..‬‬
‫أقول ‪..‬‬
‫إن كانت هؤالء الفتيات هذا ديدهنن أقول وهلل احلمد فهناك كثريات جيتمعن على ذكر اهلل وعلى‬
‫طاعة اهلل ‪..‬‬
‫غريي اجمللس ‪..‬‬
‫بديل الصاحبات والصديقات ‪..‬‬
‫جل يف عاله ‪..‬‬
‫ارتبطي بأولئك الذين يذكرون اهلل وال تفرت ألسنتهم وال قلوهبم عن ذكر اهلل َّ‬
‫سبحان اهلل ‪..‬‬
‫أننا نندم ‪..‬طيب لكن إيش بعد الندم !!‪..‬‬
‫أنت تقولني أنا أندم ‪..‬‬
‫لكن إيش بعد الندم !!‪S..‬‬
‫بد من إقالع ‪..‬‬ ‫ال َّ‬
‫كنت صادقة يف توبتك تريدين أن تُقبل هذه التوبة ‪..‬‬ ‫إن ِ‬

‫‪429‬‬
‫اعزمي أال ترجعي إىل هذا الفعل ‪..‬‬
‫اصدقي مع اهلل جل يف عاله ‪..‬‬
‫كوين جازمة ‪..‬‬
‫اتركي الذنب ‪..‬‬
‫فأنت تضحكني على نفسك ‪..‬‬ ‫واندمي فإن مل تفعلي ِ‬
‫تكررين اخلطأ مرات ومرات ‪..‬‬
‫وواهلل ما كان شيء أصعب على اإلنسان من حفظ لسانه ‪..‬‬
‫أصعب شيء أعىي األولني وأعىي األخرين حفظ هذا اللسان عن التكلم يف اآلخرين ‪..‬‬
‫لذلك هذا اللسان يستطيع أن يرقى بك يف أعلى اجلنان ‪..‬‬
‫وهذا اللسان يهوي بك يف دركات النريان ‪..‬‬
‫إن أحسنت استعماله يف ذكر ‪ ،‬وتسبيح ‪ ،‬وهتليل ‪..‬‬
‫رقيت يف أعايل اجلنان ‪..‬‬
‫وسب ‪ ،‬وشتم ‪ ،‬ولعان‪..‬‬ ‫وإن انشغلت به يف هلو ‪ ،‬وضياع ‪ ،‬وغيبة ‪ ،‬ومنيمة ‪ّ ،‬‬
‫كبّك على وجهك يف النريان ‪..‬‬
‫فاتقي اهلل أمة اهلل ‪..‬‬
‫اتقي اهلل ‪..‬‬
‫وال تستهيين بالكلمة تقولينها يف عرض فالنة أو فالنة ‪..‬‬
‫زوجة من زوجات النيب ‪..‬عائشة قالت كلمة تظنها هينة ‪..‬‬
‫قالت ‪ :‬قلت زينب قصرية ‪..‬‬
‫تظنيها بسيطة ‪..‬‬
‫فقال النيب ‪: ‬‬
‫( واهلل لقد قلت كلمة لو مزجت مباء البحر لغريت طعمه ) ‪..‬‬
‫يب َعتِي ٌد } ‪..‬‬ ‫فال تتهاوين مبثل هذه الكلمات واعلمي إنه { ما يْل ِف ُ ِ ٍ ِإ ِ ِ‬
‫ظ من َق ْول اَّل لَ َديْه َرق ٌ‬ ‫َ َ‬
‫فإذا صلح اللسان صلحت أمور كثرية ‪..‬‬
‫وإذا فسد هذا اللسان إيش قيمة العبادات والقربات اليت نتقرب هبا إىل اهلل إن مل يستقيم هذا اللسان‬
‫‪..‬‬
‫فاتقي اهلل أمة اهلل يف الكلمة اليت تقولينها ‪..‬‬
‫س ‪ : 2‬فضيلة الشيخ ‪..‬‬
‫هل من كلمة ملن يلبسن اللثام ؟!‪S..‬‬

‫‪430‬‬
‫اآلن إيش املقصد من احلجاب والعباءة ؟!‪..‬‬
‫أنت تريدين تتخذينها زينة تتزينني هبا أم تتحجبني هبا ؟!‪..‬‬
‫إذا زينة فليس هذا املقصد من احلجاب ‪..‬‬
‫املقصد من احلجاب ومن العباءة أن تتسرتي ؛ أن تعفي نفسك ‪ ،‬وحتفظي نفسك وأن ال تكوين سبباً‬
‫يف فتنة اآلخرين ‪..‬‬
‫اليوم العبايات أمجل مما حتت العباءة ‪..‬‬
‫اليوم العبايات يغرين ‪..‬‬
‫املعلقة على األكتاف ‪..‬‬
‫والغطوات اليت توضع على الرؤوس مبناظر عجيبة ‪..‬‬
‫سبحان اهلل ‪..‬‬
‫أصبحت العبايات منظر وزينة ننظر إليها ‪..‬‬
‫واهلل إهنا تغري أكثر مما تغري املالبس اليت حتت العباءة ‪..‬‬
‫فأيش املقصد أصالً من وضع العباءة ‪ ،‬ووضع احلجاب ؟!‪S..‬‬
‫إال أنك تصوين نفسك وحتفظي نفسك ‪..‬‬
‫ولك _ واهلل _ يف تلك اليت ضربت مثل عجيب يف حجاهبا ‪..‬‬
‫دكتورة وطبيبة من الطبيبات ‪..‬‬
‫أحسبها واهلل حسيبها تقية نقية زكية ‪..‬‬
‫خرجت مع زوجها إىل مؤمتر يف بالد الكفار ‪..‬‬
‫سبحان اهلل ‪..‬‬
‫حضرت املؤمتر بكامل حجاهبا ال يُرى منها شيء إال السواد من رأسها حىت أمخص قدميها ‪..‬‬
‫سبحان اهلل ‪..‬‬
‫فكانت حمط أنظار اجلميع هناك ‪..‬‬
‫قالوا فيما بينهم البني _ النساء الاليت التقني يف ذلك املؤمتر _ قالوا فيما بينهم البني ‪..‬‬
‫قالوا ‪ :‬لو كانت مجيلة ملا تغطت ‪..‬‬
‫ما غطاها زوجها إال ألهنا قبيحة ‪..‬‬
‫غطَّى القبح الذي خيتفي وراء هذا السواد ‪..‬‬
‫سبحان اهلل ‪..‬‬
‫فكلمنها بعد ما انتهت نقاط املؤمتر ‪..‬‬
‫فقالوا هلا ‪ :‬ليش تضعني السواد و‪..‬و‪..‬اخل ؟!‪..‬‬

‫‪431‬‬
‫ليش جيربك زوجك إىل مثل هذه األمور ؟!‪..‬‬
‫فأخذهتم إىل مكان بعيد عن الرجال مث كشفت عن وجه كفلقة القمر ‪..‬‬
‫مث كشفت عن وجه كفلقة القمر ‪..‬‬
‫قالت ‪ :‬واهلل ما تغطيت طاعة له ‪..‬‬
‫إمنا تغطيت طاعة هلل ولرسوله ‪..‬‬
‫واهلل ما وضعت هذا السواد طاعة لزوجي ‪..‬‬
‫وواهلل لو قال يل الزوج انزعي هذا احلجاب واهلل ما بقيت معه ساعة واحدة ‪..‬‬
‫فبدأت حتدثهم عن اإلسالم وملاذا تتحجب املرأة وملاذا تصون املرأة نفسها ‪..‬‬
‫سبحان اهلل _ يقول من كتب هذه القصة ‪..‬‬
‫يقول ‪ :‬واهلل الذي ال إله إال هو ما قامت من مقامها إال وأسلمت سبعة من النساء ‪..‬‬
‫بإيش أيتها الغالية !!‪..‬‬
‫حبجاهبا ‪..‬‬
‫بعزهتا ‪..‬‬
‫بتمسكها بدينها ‪..‬‬
‫بالسواد الذي يراه البعض ختلف ورجعية ‪..‬‬
‫كان السواد هذا سبب يف إسالم األخريات ‪..‬‬
‫وأنت اليوم ‪..‬‬
‫وأنت اليوم ‪..‬‬
‫مفتاح خري وإال مفتاح شر ‪..‬‬
‫أنت اليوم ملاذا تلبسني العباءة ‪ ،‬وملاذا تلبسني احلجاب !!‪S..‬‬
‫حىت يكون منظرك مجيل !‪..‬‬
‫حىت تفتين اآلخرين !‪..‬‬
‫ما مسعنا واهلل عن العباءات املزركشة وال الغطوات املزركشة إال يف هذا الوقت ‪..‬‬
‫وقت الفضائيات ‪ ،‬والقنوات ‪ ،‬والشاشات ‪..‬‬
‫أما يف السابق فسواد ال يُرى منه شيء ‪..‬‬
‫ضر املرأة اليت تتجمل بالسواد وختتفي خلف السواد ما ضرها قال فالن أو قال فالن ‪..‬‬ ‫وما ّ‬
‫هي ترضي من ؟!‪..‬‬
‫ترضي رهبا ‪..‬‬
‫فكوين مثلها بارك اهلل فيك ‪..‬‬

‫‪432‬‬
‫سبحان اهلل حىت الشباب ‪..‬‬
‫حىت الشباب ‪..‬‬
‫تلك اليت تضع الغطاء اللثام وتضع العباءة على كتفها عندهم جرأة عليها ‪..‬‬
‫جربتها إحدى الفتيات ‪..‬‬
‫جربتها إحدى الفتيات ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬كنت يف جممع من اجملمعات مع جمموعة من صوحيبايت ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬سبحان اهلل ابتليت أنا بالعباءة اليت على األكتاف ‪..‬‬
‫يبق نوع ‪ ،‬وال صنف ‪ ،‬وال جديد من هذه العباءات إال لبسته ‪..‬‬ ‫مل َ‬
‫سبحان اهلل ‪..‬‬
‫مرة يف سوق من األسواق وأنا يف كامل زينيت ‪..‬‬
‫سبحان اهلل مش يف عباييت !‪S..‬‬
‫مش يف حجايب !‪..‬‬
‫أنا بكامل زينيت ‪ ،‬ورائحة الطيب تفوح مين متأل املكان ؛ إذ جاءتين امرأة متحشمة متزينة بزينة‬
‫اإلميان ‪..‬‬
‫قالت يل ‪ :‬أمة اهلل ‪..‬اتقي اهلل ‪..‬‬
‫اتقي اهلل ال تفتين نفسك وتفتين اآلخرين ‪..‬‬
‫اتركي هذه العباءة ‪..‬‬
‫وحتجيب حبجاب اإلسالم ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬فأخذتين العزة باإلمث ‪..‬‬
‫أخذتين العزة باإلمث ‪..‬‬
‫قلت هلا ‪ :‬إذا تريديين ألبس احلجاب ‪ ،‬وألبس العباءة على الرأس ؛ عندي شرط واحد ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬أردت إضحاك صوحيبايت وأنا أدري أن كالمها صح ‪ ،‬لكين أخذتين العزة باإلمث وأردت‬
‫إضحاك صوحيبايت ‪..‬‬
‫قلت هلا ‪ :‬ما أحتجب إال إذا قبّلت يدي ‪..‬‬
‫إذا قبّلت يدي سوف أحتجب ‪..‬‬
‫فقالت العفيفة الطاهرة قالت ‪ :‬أقبّل يدك ‪ ،‬وأقبّل رأسك إن كنت ستتحجبني ‪..‬‬
‫إن كنت ستتحجبني ‪ ،‬وتلبسني احلجاب الذي يرضي اهلل ؛ أقبّل يدك ‪ ،‬وأقبّل رأسك ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬قبّلت يدي ‪ ،‬وقبّلت رأسي مث انصرفت وهي تدعو يل ‪..‬‬
‫أما أنا فجلست مع نفسي جلسة ‪..‬‬

‫‪433‬‬
‫جلست مع نفسي جلسة مث أخذت أبكي على حايل ‪..‬‬
‫أخذت أبكي على حايل ‪..‬‬
‫سبحان اهلل من حينها قررت أن أترك هذا كله وأن ألتزم باحلجاب الشرعي ‪..‬‬
‫سبحان اهلل حاربوين صوحيبايت ‪..‬‬
‫متخلفة ‪..‬‬
‫رجعية ‪..‬‬
‫إىل آخر كالمهن ‪..‬‬
‫لكن واهلل العظيم ‪..‬‬
‫تقول ‪ :‬واهلل وجدت يف نفسي راحة وطمانينة واستقرار ‪..‬‬
‫سبحان اهلل رأيت األثر يوم كنت أخرج إىل األسواق بتلك الزينة ‪..‬‬
‫علي الباعة ‪..‬‬
‫كم كان يتجرأ ّ‬
‫كم كان يتجرأ علي الشباب ‪..‬‬
‫أما اآلن فما أحد يستطيع أن يتطاول علي بكلمة واحدة ‪..‬‬
‫السبب أهنا تزينت بزينة اإلميان ‪..‬‬
‫فأقول ‪:‬‬
‫اتقي اهلل أمة اهلل ‪..‬‬
‫أنت تتعبدين اهلل باحلجاب ‪..‬‬
‫أنت تتعبدين اهلل طاعة هلل ولرسوله ‪..‬‬
‫أسأل اهلل أن حيفظك من الفنت ما ظهر منها وما بطن ‪..‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪434‬‬
‫إعداد المعلم في الفكر التربوي اإلسالمي"‬
‫إعداد‬
‫أ‪/‬إيهاب حممد أبو ورد‬
‫للمراسلة‪:‬‬
‫‪iabward@yahoo.com‬‬
‫‪iabward@hotmail.com‬‬
‫‪ 2004‬م‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫املقدمة‪:‬‬
‫حيتل العظماء مكانة مرموقة يف جمتمعاهتم ملا يبذلونه من عطاء و تضحية من اجل رفعة أوطاهنم و‬
‫تقدمه‪ ،‬فلم تقتصر قائمة العظماء و املبجلني على احلكام و األدباء املشهورين‪ ،‬بل احتوت على فئات‬
‫عديدة‪ ،‬و من هذه الفئات " املعلم " الذي كاد أن يبجل يف مجيع الثقافات‪.‬‬
‫فاملعلم يلعب دورا كبريا يف بناء احلضارات كأحد العوامل املؤثرة يف العملية الرتبوية‪ ،‬إذ يتفاعل معه‬
‫املتعلم و يكتسب عن طريق هذا التفاعل اخلربات و املعارف و االجتاهات والقيم‪.‬‬
‫و لقد شغلت قضية إعداد املعلم و تدريبه مساحة كبرية من االهتمام من قبل أهل الرتبية و ذلك‬
‫انطالقا من دوره اهلام و احليوي يف تنفيذ السياسات التعليمية يف مجيع الفلسفات و على وجه‬
‫اخلصوص يف الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬ففي هذه الورقة البحثية سيتضح الفرق بني هذه الفلسفات‬
‫من حيث كونه كاهنا أم راهبا أم ساحرا أم فيلسوفا أم كما يف الفكر اإلسالمي بانيا للحضارة و‬
‫هاديا للبشر و منريا للطريق‪.‬‬
‫و ألن قيمة اإلميان تتحدد إىل حد كبري بقيمة العمل الذي يقوم به‪ ،‬و ملا كان املعلم له قيمة عظيمة‬
‫يف الرتاث الفقهي و الرتبوي‪ ،‬احتل املعلم موقعا متقدما من حيث التقدير و التبجيل‪ ،‬مما جعل قضية‬
‫تكوينه تتأثر باهتمام علماء الرتبية و الفقهاء‪.‬‬
‫فاملعلم ليس خازن للعلم يغرتف منه التالميذ املعارف و املعلومات‪ ،‬و لكنه منوذج و قدوة‪ .‬وألن‬
‫املعلم أمني على ما حيمل من علم كان ال بد له من صياغة و أن حيافظ على كرامته و وقاره‪ ،‬و ال‬
‫يبتذل نفسه رخيصة‪ ،‬فذلك من شأنه أن حيفظ هيبته مكانته بني الناس‬
‫و من الشعر فيما يروي عن القاضي عبد العزيز اجلرجاين‪)9( :‬‬
‫و مل أبتذل يف خدمة العلم مهجيت ألخدم من القيت لكن ألخدما‬
‫أأشقى به غرسا و أجنيه ذلة إذن فاتباع اجلهل قد كان أحزما‬
‫و لو كان أهل العلم صانوه صاهنم و لو عظموه يف النفوس لعظما‬

‫‪435‬‬
‫و لكن أهانوه فهان و دنسوا حمياه باألطماع حيت جتهما‬
‫لذا كان للعامل املسلم بدر الدين بن مجاعة (‪ )13‬رأيه السديد يف أن املعلم هو العامل األساسي يف‬
‫جناح العملية التعليمية و أنه من أهم عناصر التعليم‪ ،‬حيث يرى أن التعليم ال يتغري بغري املعلم و أن‬
‫عناصر التعليم تفقد أمهيتها إذا مل يتوفر املعلم الصاحل الذي ينفث فيها من روحه فتصبح ذات أثر و‬
‫قيمة و يستشهد على أمهية املعلم يف حدوث تعلم جيد بقوله‪:‬‬
‫" قيل أليب حنيفة رمحه اهلل‪:‬يف املسجد حلقة ينظرون يف الفقه" فقال‪ :‬أهلم رأس ؟‬
‫قالوا‪ :‬ال ‪ ،‬قال‪ :‬ال يفقه هؤالء أبدا‪.‬‬
‫و من هنا كان اهتمام هذا البحث يف النظر إىل اهتمام اإلسالم يف إعداد املعلم و عالقته بالتغريات‬
‫احلديثة‪ ،‬و مدي تأثري هذه التغريات على بنيته و انعكاسها على تنمية عقول املتعلمني و خلقهم و‬
‫مهاراهتم و إكساهبم املعارف و اآلداب املختلفة‪.‬‬
‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫يف ضوء ما سبق ميكن أن تتحدد مشكلة الدراسة من خالل التساؤالت التالية‪:‬‬
‫‪ .1‬ما دواعي احلاجة لصيغة جديدة للمعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي؟‬
‫‪ .2‬ما مقومات الصيغة املالئمة إلعداد املعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي؟‬
‫‪ .3‬ما أهم احلاجات التكوينية الالزمة إلعداد املعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي؟‬
‫أهداف الدراسة‪:‬‬
‫هتدف الدراسة إىل‪:‬‬
‫‪ .1‬بيان دواعي احلاجة إىل معلم ينهج الفكر الرتبوي اإلسالمي‬
‫‪ .2‬الكشف عن مقومات الصيغة املالئمة إلعداد املعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ .3‬حتديد احلاجات التكوينية األزمة إلعداد املعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي‪.‬‬
‫أمهية الدراسة‪:‬‬
‫تكتسب الدراسة أمهيتها من خالل‪:‬‬
‫‪ .1‬بيان موقع املعلم اهلام يف العملية الرتبوية‪.‬‬
‫‪ .2‬تقدمي صيغة متوازنة لتكوين املعلم اإلسالمي العريب‪.‬‬
‫‪ .3‬توضيح جوانب الضعف يف تكوين املعلم بني الشخصية و املهنة‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪:‬‬
‫يستخدم الباحث املنهج الوصفي التحليلي الذي يقوم على التسلسل املنطقي لألفكار‪ ،‬و ذلك من‬
‫خالل الوقوف على كفايات املعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي و إعداده للمهنة و حتسني أدائه‬
‫الرتبوي مث الرتكيز على بعض املقرتحات لتحسني أدائه يف ظل الفكر الرتبوي اإلسالمي‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫مصطلحات الدراسة‪:‬‬
‫* املعلم الرسايل‪ :‬هو ذلك املعلم الذي حيمل الفكر اإلسالمي كرسالة يريد أن يؤديها‪.‬‬
‫* احلاجات التكوينية للمعلم‪ :‬هي املتطلبات اليت جيب أن يراعيها املعلم املسلم يف بناء شخصيته و‬
‫ذلك ملالئمة التغريات احلادثة‪.‬‬
‫* االجتاهات احلديثة يف نظم تربية املعلم‪ :‬تعين اخلربات اليت تتفق مع منهج اهلل و اليت ميكن تطبيقها يف‬
‫نظام اعداد املعلم ‪ ،‬أو طبقت هبدف حتقيق أهدافه بصورة أفضل‪.‬‬
‫* الثقافة اإلسالمية‪ :‬هي دراسة القوانني الوضعية يف ضوء الشريعة االسالمية‪.‬‬
‫الدراسات السابقة ‪:‬‬
‫‪ .1‬أجري (عسقول‪ ) 1998،‬دراسة هدفت إىل ابراز مالمح برنامج إعداد املعلم يف كلية الرتبية‬
‫بغزة و قدمت الدراسة منوذجا إلعداد املعلم ‪ ،‬و أوصت بوضع فلسفة خاصة بإعداده و ذلك وفقا‬
‫ملعايري أكادميية و مهنية و نفسية و جسمية‪)15( .‬‬
‫‪ .2‬أجري (أبو دف‪ ،‬أبريل) دراسة هدفت إىل بلورة صيغة جديدة لتكوين املعلم العريب على أعتاب‬
‫القرن احلادي و العشرين يف ضوء الواقع الثقايف و اإلجتماعي‪ ،‬و قدمت الدراسة منوذجا لربنامج‬
‫لتكوين املعلم العريب ‪ ،‬حيث راعت فيه توافر التكامل و التوازن بني اجلوانب الثالثة ( األكادميي ‪،‬‬
‫املهين و الثقايف )‪)5S(.‬‬
‫‪ .3‬أجرى (احلريقي‪ ) 1994 ،‬دراسة هدفت إىل التعرف على مدي فاعلية اإلعداد الرتبوي يف‬
‫املوقف املهين لعينة من املعلمني و املعلمات قبل التخرج حيث استخدم الباحث املنهج التجرييب‬
‫إلجراء التجربة و أوصى الباحث بضرورة اإلهتمام باجلانب املهين الرتبوي للمعلمني و املعلمات‪ ،‬و‬
‫ذلك ملواكبة التطورات العلمية التكنولوجية‪ .‬و يأمل الباحث بإعادة تقييم برنامج اإلعداد الرتبوي‬
‫لطالب و طالبات كلية الرتبية يف جامعة امللك فيصل‪)8( .‬‬
‫‪ .4‬أجرى (البزاز‪ )1989،‬دراسة هدفت إىل اجياد اجتاهات حديثة إلعداد املعلم بعدما تطرق إىل‬
‫واقع املعلم يف الدول العربية عامة و اخلليجية خاصة يف إعداده و أساليب تكوينه‪ .‬و من هذا املنطلق‬
‫اقرتح الباحث إجياد عدد من املقرتحات و التوصيات تتناول فيها املعلم و تربيته ‪،‬مثل املنهج و حتقيق‬
‫عنصر التوازن فيه‪ ،‬طريقة التدريس و االجتاه حنو االستفادة منها‪ ،‬و التطبيقات العملية يف ممارسة مهنة‬
‫التدريس‪.‬‬
‫كما حتدث الباحث عن دور سياسة القبول و التشريعات الرتبوية و بنية مؤسسات إعداد املعلم‪)4( .‬‬
‫أوال‪ :‬احلاجة لوجود معلم ينهج الفكر الرتبوي و اإلسالمي‪.‬‬
‫إن الناظر يف حال جمتمعاتنا اإلسالمية و العربية يلمح بوضوح أنواعا من اخللل قد انتظمت كافة‬
‫مناحي احلياة و شرائح األمة‪ ،‬فاخللل واضح و القصور فاضح سواء كان على األداء السياسي‪ ،‬أم‬

‫‪437‬‬
‫على األداء االجتماعي و كذلك على االقتصادي و التعليمي‪ ،‬حيث تدين مستوي التعليم و الذي‬
‫يرجع إىل ضعف القائمني على التعليم بشكل عام واملعلم بشكل خاص‪.‬‬
‫فدور املعلم خطري حيث أنه حلقة الوصل بني املتعلم و الكتاب ‪ ،‬و جيب أن يكون قدوة ‪ ،‬مريب ‪،‬‬
‫مدرب ‪ ،‬موجه مرشدا‪ ،‬فالتعليم واحد من مؤسسات جمتمعاتنا اليت أصاهبا اخللل نتيجة األفكار اليت‬
‫حيملها املعلمون‪.‬‬
‫و أيضا من األسباب اليت أدت إىل وجود أزمة يف العملية التعليمية حسب رأي (األغا‪ )1992،‬عدم‬
‫تأهب املعلمني للتدريس و غياب اإلعداد املسبق ‪ ،‬فدخوهلم الفصل يف هذه احلالة يفقدهم السيطرة‬
‫على الطالب و على املادة الدراسية ‪.‬‬
‫كما أن عدم كفاءة بعض املعلمني للتدريس يف املستوى الذي وضعوا فيه و عدم اجتهادهم إلثبات‬
‫أنفسهم يف هذا املستوى و قصور النمو األكادميي للمعلم الذي خيضع للعشوائية و الذاتية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل قلة اإلطالع و ال سيما يف املوضوعات الرتبوية و عدم امتالك املعلمني املهارات األساسية‬
‫كالتمهيد و استخدام الوسائل و األسئلة و التعزيز و إدارة الفصل و التلخيص ‪ ،‬كلها جتمعت و‬
‫ساعدت على ضعف العملية التعليمية لذا كان ال بد من بيان منزلة املعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي‬
‫(‪)3‬‬
‫فاملعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي يتسم بعدة صفات منها‪:‬‬
‫* النية اخلالصة يف أداء واجبه ‪ ،‬عن جابر بن عبد اهلل أن النيب صلي اهلل عليه و سلم قال‪ " :‬ال تعلم و‬
‫العلم لتباهوا به العلماء ‪ ،‬و ال لتماروا به السفهاء و ال ختريوا به اجملالس فمن فعل ذلك فالنار النار"‬
‫أي أن ال يقصد املعلم دنياه فحسب بل و اآلخرة أيضا ‪ ،‬قال تعايل ‪ " :‬ليس عليكم جناح أن تبتغوا‬
‫فضال من ربكم" البقرة‪ 198:‬و يضع التعليم كرسالة ال جمرد وظيفة ‪.‬‬
‫* حيمل هم أمة ‪ ،‬فاملعلم الرسايل يتفاعل مع قضايا أمته‬
‫* أن يكون املعلم املسلم قدوة لغريه ملا له من تأثري على غريه‬
‫* أن يكون عطاء ال ينتظر الثناء ‪ ،‬قال تعاىل‪ " :‬قال اجعلين على خزائن األرض إين حفيظ عليم"‬
‫يوسف‪55:‬‬
‫* أن يراعي الفروق الفردية و ختصصه‪ S،‬حيث ال جند ذلك يف باقي الفلسفات و الثقافات األخرى‪ S،‬و‬
‫هناك الكثري من مسات املعلم املسلم الذي حيمل الفكر الرتبوي اإلسالمي حيث نالحظ اهتمام‬
‫اإلسالم املتوازن الشامل الكامل يف شىت جوانب شخصيته و اليت أدت إىل احلاجة ملعلم ينهج الفكر‬
‫اإلسالمي‪ ،‬و يقوم بإحياء هذه األمة و اليت سبق و أن أوضحت أمهية مهنة التعليم يف بناء احلضارات‬
‫و الثقافات و مواجهة التحديات اليت تتكالب على العرب املسلمني و ضرهبم يف عقر دارهم وما‬

‫‪438‬‬
‫نالحظه من سياسات تغيري املناهج و ضرب املعلم يف شىت بقاع املسلمني إلخراج جيل غري واع مبا‬
‫يدور حوله و إنتاج شعوب تابعة مستهلكة ال تعرف ملاذا حنيا بل كيف تأكل‪.‬‬
‫و يدلل ابن مجاعة يف كتابه تذكرة السامع و املتكلم (‪ )14‬على أن حتقيق أهداف التعليم منوطة‬
‫حبسن اختيار املعلم بقوله " و اذا سربت أحوال السلف و اخللف مل جتد النفع حيصل غالبا و الفالح‬
‫يدرك طالبا إال إذا كان للشيخ( املعلم) من التقوى نصيب وافر ‪ ،‬و على شفتيه و نصحه دليل ظاهر"‬
‫لذا فليس كل أحد يصلح للتعليم‪ ،‬إمنا يصلح من تأهب له و أعد إعدادا طيبا فاإلنسان ال ينتصب‬
‫للتدريس إال إذا كان أهال لذلك ‪ ،‬يقول الرسول صلى اهلل عليه و سلم‪" :‬املتشبع مبا مل يعط كالبس‬
‫ثويب زور"‬
‫و تعترب هذه دعوة صرحية الختيار أفضل املعلمني للتعليم و خباصة الذين تتوفر إليهم غزارة املادة‬
‫العلمية و حسن إملامه هبا و سيطرته على خمتلف مهاراهتا ‪،‬و توافر حد من الثقافة العامة لديه لكي‬
‫يعينه على توجيه املتعلمني و رعاية مصاحلهم‪ ،‬كما يعينه على ارشادهم إىل مصادر املعرفة املختلفة مث‬
‫معرفته الكاملة خبصائص املتعلمني و صفاهتم‬
‫كما أن من دواعي ضرورة إجياد معلم ينهج الفكر الرتبوي اإلسالمي التحديات اليت تواجهها‬
‫اجملتمعات اإلسالمية‪.‬‬
‫إن العصر الذي نعيشه ملئ بالتحديات‪ ،‬فكل يوم يظهر على مسرح احلياة معطيات جديدة حتتاج إىل‬
‫خربات جديدة و فكر جديد و أساليب جديدة و مهارات جديدة و آليات للتعامل معها بنجاح‪ ،‬أي‬
‫أهنا حتتاج إىل إنسان مبتكر و مبدع‪ ،‬بصريته نافذة‪ ،‬قادرة على التكيف مع البيئة وفق القيم و‬
‫األخالق و األهداف املرغوبة‪.‬‬
‫و هذا كله حيتاج إىل تربية ملعلم يف ظل انتهاج تربية متقدمة لتستنفر مجيع طاقاهتا البشرية و املادية إىل‬
‫أقصى ما يكون‪ ،‬أال و هي الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫بعض التحديات اليت تواجه املعلم يف ظل تربية إسالمية‪)11( :‬‬
‫* التحديات اليت تتعلق بواقع تربية املعلم‪.‬‬
‫و من هذه التحديات اليت عمد الغرب على نشرها يف اجملتمع اإلسالمي هو إعدام اهلوية اإلسالمية و‬
‫ذلك بسرقة احلضارة و تدمريها عند املسلمني‪ ،‬و أهم مظاهر سرقة احلضارة جتريد األمة من لغتها‬
‫حىت أصبح املعلم ال جييد التحدث باللغة العربية لغة القرآن و كنتيجة لذلك أصبح والة األمور يف‬
‫العملية التعليمية ليس أهال هلا فاعرتي برامج التعليم الضعف و القصور مما أدى إىل ضعف إعداد‬
‫املعلم‪ ،‬وعدم تلبية حاجات الطالب املعلمني‪ .‬و بالتايل عمل ذلك على عدم تنمية القدرة على التفكري‬
‫السليم و التعبري و عدم بناء الطالب املعلمني يف النواحي الشخصية و االجتماعية‬
‫* حتديات تتعلق باختيار املعلم‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫إن اختيار املعلم يضع األساس العداده ممارسة مهنته‪ ،‬فإن اختري على الوجه احلسن و روعي متطلبات‬
‫مهنته يف هذا االختيار‪،‬يؤدي ذلك إىل إجياد معلم قوي مفكر و ناقد ‪ ،‬و لكن ما نراه اآلن من عدم‬
‫اقبال الطالب املتفوقون على دخول كليات الرتبية (مهنة التعليم) إمنا يرجع إىل عدة أسباب‪ ،‬منها‬
‫‪ .1‬احتقار اجملتمع ملهنة التعليم و عدم تقديرها هلا‪.‬‬
‫‪ .2‬القيود اليت تضعها السلطات املسؤولة على كاهل املعلم‪.‬‬
‫‪ .3‬تدين رواتب املوظفني يف قطاع التعليم‪.‬‬
‫‪ .4‬كثرة األعباء امللقاة على املعلم ‪ .....‬و غريها‬
‫لذلك عزف الطالب املتفوقون عن دخول كليات اعداد املعلمني مما أدى ذلك إىل تدين مستويات‬
‫القبول يف تلك الكليات و عدم التقيد مبعايري للقبول و نتج عن ذلك ضعف الطالب املعلمني‪ .‬و‬
‫الطلع على أدبيات اختيار املعلمني يف االسالم‪ ،‬فال بد من توفر شروط يف املعلم و أوهلا االلتزام‬
‫باالخالق االسالمية و ثانيها اتقان مهارة التعبري باللغة العربية الفصحى و ثالثها اتساع ثقافته‬
‫االسالمية خاصة و العلمية عامة‪ .‬هذا بالضافة إىل الرغبة يف العمل مبهنة التعليم و الثبات االنفعايل و‬
‫الثقافة التكنولوجية ‪.‬‬
‫* حتديات تتعلق بتزايد محالت الغزو الثقايف‬
‫و لكي يسيطر املعلم على هذا التحدي جيب أن يعمل على اكتساب مهارة‪:‬‬
‫‪ -‬مساعدة املتعلمني على التمسك بالعقيدة االسالمية و العمل على تربيتهم تربية اسالمية‬
‫‪ -‬مساعدة املتعلمني على إدراك أن الدين احلنيف يستوعب مجيع نواع العلوم التقنية و خمتلف عوامل‬
‫احلضارة طاملا ال تتعارض مع القيم اإلنسانية الفاضلة‪.‬‬
‫‪ -‬ترسيخ جمموعة من املعايري عند املتعلم ملقاومة الربامج املختلقة و تقييمها يف وسائل االعالم‪ .‬لذلك‬
‫فإن التحديات الرتبوية اليت تواجه العاملني يف حقل الرتبية خاصة يف العامل االسالمي و العريب كثرية و‬
‫صعبة و حتتاج إىل صرب و مثابرة ‪ ،‬و يتحمل املعلم العبئ األكرب يف هذا كله ‪ ،‬فال عودة ملهابة‬
‫املسلمني و ال مجعا لشملهم و ال حتقيقا لتقدمهم إال بالعودة إىل الرتبية اإلسالمية اليت تعمل على‬
‫حتكيم شرع اهلل و حتقيق التكامل بني املسلمني‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬كفايات املعلم يف الفكر الرتبوي اإلسالمي‪:‬‬
‫و تنقسم كفايات املعلم إىل كفايات علمية و مهنية و أخالقية و جسدية‪)9( .‬‬
‫‪ .1‬الكفايات العلمية‪:‬‬
‫و يقصد هبا إملام املعلم بتخصصه العلمي و مادته التدريسية‪ ،‬فامها ملعانيه‪ ،‬ليس مدعيا لذلك بل‬
‫متحققا من ذلك‪ ،‬فإذا مت له اإلملام مبادته حيث حمتواها من تفاصيل و فروع‪ ،‬مستوعبا هلا متفهما‬
‫ألمورها‪ ،‬ميكنه ممارسة مهنة التعليم‪.‬و يشري ابن مجاعة لضرورة تنمية الكفاءة العلمية أثناء اخلدمة‪،‬‬

‫‪440‬‬
‫فينصح املعلم " بدوام احلرص على االزدياد مبالزمية اجلهد و االجتهاد و الشتغال قراءة و إقراء و‬
‫مطالعة و تعليقا و حفظا و حبثا و ال يضيع شيئا من أوقات عمره يف غري ما هو بصدده من العلم إال‬
‫بقدر الضرورة "‪.‬و مل يكتف املفكرون بذلك يل طالبوا املعلم ان يكون ذا ثقافة واسعة يف غري‬
‫ختصصه ايضا و رمبا كانت هذه شائعة يف العصور اإلسالمية األوىل حيث كانت املوسوعية مسة‬
‫العلماء و املفكرين ‪ ،‬فينصح ابن مجاعة باملعلم ألن يكون مبدعا يف فن من الفنون ليخرج من عداوة‬
‫اجلهل‪.‬‬
‫و أن يكون غزير املادة العلمية ‪ ،‬يعرف ما يعلمه أمت معرفة و أعمقها و على املعلم أال ينقطع عن‬
‫التعليم و أن يداوم على البحث و الدراسة و حتصيل املعرفة " دوام احلرص على االزدياد مبالزمة اجلد‬
‫و االجتهاد و االشتغال قراءة و إقراء و مطالعة و تعليقا و حفظا و تصنيفا و حبثا و ال يضيع شيئا من‬
‫أوقات عمره يف غري ما هو بصدده من العلم إال بقدر الضرورة" (‪)14‬‬
‫و يستدل ابن مجاعة بقول سعد بن جبري (( ال يزال الرجل عاملا ما تعلم ‪ ،‬فإذا ترك التعليم و استغىن‬
‫‪ ،‬و اكتفى مبا عنده فهو أجهل ما يكون ))‬
‫يقول بعض العرب يف إنشادهم‪:‬‬
‫و ليس العمى طول السؤال و إمنا متام العمى طول السكوت على اجلهل‬
‫فاملعلم إذا شاء أن ينجح يف تعليمه فال مفر له على أن يقبل على االستزادة من العلم مبادته و ختصصه‬
‫و لتكن مهته يف طلب العلم عالية و عليه أن يبادر أوقات عمره إىل التحصيل و ال يغرت خبدع‬
‫التسويف و التأمل‪.‬‬
‫‪ .2‬الكفاءة املهنية‪:‬‬
‫و يقصد هبا مهارات التدريس اليت جيب توافرها يف املعلم لكي يستطيع أن يؤدي عمله على أكمل‬
‫وجه لتحقيق أهدافه الرتبوية‪ .‬و من هذه املهارات‬
‫(أ) استثارة الدافعية عند التالميذ و وجودها عنده‪ ،‬فاملفكرون الرتبويون ينصحون املعلم بأن يثري‬
‫دافعية املتعلم و أن يرغيه يف العلم يف أكثر األوقات بذكر ما أعد اهلل للعلماء من منازل الكرامات و‬
‫أهنم ورثة األنبياء و على منابر من نور يغبطهم األنبياء و الشهداء‪ ،‬و حيبذ الزرنوجي أن تكون‬
‫الدافعية نابعة من املتعلم بنفسه" فينبغي للمتعلم أن يبعث نفسه على التحصيل " و يقول ‪" :‬و كفى‬
‫بلذة العلم و الفقه و الفهم داعيا و باعثا للعاقل على حتصيل العلم" ( ‪)16‬‬
‫(ب)مراعاة الفروق املهنية‪ :‬فال ينبغي للمعلم أن يشرك الطالب عايل التحصيل مع متدين التحصيل و‬
‫ذلك الختالف قدرة كل منهما‪ ،‬ففي ذلك عدم إنصاف‬
‫و يؤكد الغزايل بقوله بضرورة " ضرورة خماطبتهم على قدر عقوهلم"‪S.‬‬

‫‪441‬‬
‫(ج) طريقة التدريس‪ :‬حيث أشار املفكرون ألمهية طريقة التدريس للمعلم بأن ال ينقلهم من علم إىل‬
‫علم حىت حيكموه فإن ازدحام الكالم يف القلب مشغلة للفهم‪.‬‬
‫و يؤكد ابن مجاعة على املعلم أن يقرب املعىن للتالميذ و حيتسب إعادة الشرح و تكراره و يبدأ‬
‫بتصوير املسائل و توضيحها باألمثلة‪ ،‬و ما ورد يف جمامع العرب بأن العلم هو ( ما حوته الصدور ال‬
‫ما طوته السطور) مع عدم احلفظ الصم دون وعي و إجادة‪.‬‬
‫فقل ملن يدعي يف العلم فلسفة حفظت شيئا و غابت عنك أشياء‬
‫و من طرق التعليم اليت استخدمها املعلمون املسلمون أمثال ابن سينا هو التعليم التعاوين فيقول " إن‬
‫الصيب عن الصيب ألقن و هو عنه أخذ به و آنس"‬
‫(د)إدارة الصف‪ :‬و هي مهارة جيب أن يتمتع هبا املدرس حين يستطيع حتقيق أهدافه يف أحسن جو و‬
‫أن يصون جمالس درسه يف الغوغاء و اللغط و سوء األدب و أن يعامل طالبه بأدب‪ ،‬فهذا ابن‬
‫سحنون يروي عن الرسول صلى اهلل عليه و سلم بأنه قال‪ " :‬أرميا مؤدب وىل ثالثة صبية من هذه‬
‫األمة و مل يعاملهم بالسوية فقريهم و غنيهم حشر يوم القيامة مع اخلائنني"‬
‫(هـ) الثواب و العقاب‪ :‬و هناك مسألة خالفية كبرية بني مفكرين العصر و مفكرين الثقافة اإلسالمية‬
‫حيث أن اإلسالميني وضعوا ضوابط للعقاب حىت ال يساء استخدامه من قبل املعلم و أن ال يلجأ‬
‫للعقوبة البدنية إال عند الضرورة القصوى و جيب أن ال يكثر من استخدامها حىت ال تكون روتينا‬
‫عند التالميذ فتفقد أمهيتها‪ ،‬و أن يكون مؤدبا يف عقابه رحيما‪.‬‬
‫و قد وضح اإلسالم العالقة بني املعلم و املتعلم يف ضوء الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬فقد أخذ القابسي‬
‫بالقاعدة اليت تقول‪ ":‬إن اهلل ليملي للظامل حىت يأخذه أخذ عزيز مقتدر‪ ،‬فالعفو أسبق من العقاب‪ ،‬و‬
‫الصرب مقدمة احلساب‪.‬‬
‫فأمر املعلمني بالرفق مع الصبيان و إن كان العفو مع الذنبني من الكبار واردا‪ ،‬فهو مع الصبيان‬
‫واجب لصغر سنهم و طيش أعمارهم وضيق حلومهم و قلة مداركهم‪.‬‬
‫فاملعلم ينزل من الصبيان منزلة الوالد‪ ،‬فهو املأخوذ بآداهبم و القائم على زجرهم و هو الذي يوجههم‬
‫إىل ما منه مصلحة أنفسهم وهذا التوجيه حيتاج إىل سياسة و رياضة حىت يصل املعلم بالطفل مع‬
‫الزمن إىل معرفة اخلري و الشر‪)8( .‬‬
‫‪ .3‬الكفايات األخالقية‪ :‬و من الكفايات األخالقية اليت جيب توافرها يف املعلم املسلم‪:‬‬
‫( أ )القدوة يقول الشاعر‬
‫ال تنه عن خلق و تأيت مثله عار عليك إذا فعلت عظيما‬
‫جيب أن يكون املعلم قدوة حسنة لتالميذه يف تعليمه لألخالق‪ ،‬فاملعلم يف فكر الرتبوي اإلسالمي‬
‫بإشراط الغزايل على املعلم أن يعمل بعلمه و استشهد بقوله تعاىل‪:‬‬

‫‪442‬‬
‫" أتأمرون الناس بالرب و تنسون أنفسكم "‬
‫و يشري ابن مجاعة إىل أثر القدوة احلسنة بقوله " و يسلك – أي التلميذ – يف اهلدي مسلكه – أي‬
‫مسلك العلم – و يراعي يف العلم و الدين عاداته و عبادته و يتأدب بآدابه و ال يدع اإلقتداء به"‬
‫و لقد حرص الغزايل على أن يبني أن التمسك باملبادئ و العمل على حتقيقها جيب أن يكونا من‬
‫صفات املعلم املثايل‪ ،‬فنصح املعلم بأن ال ينادي مببدأ و يأيت أفعاال تتناقض مع هذا املبدأ و ال يرتضي‬
‫املعلم لنفسه من األعمال ما ينهى عنه تالميذه‪ ،‬و إال فاملعلم يفقد هيبته و يصبح مثارا للسخرية و‬
‫االحتقار فيفقد بذلك قدرته عل قيادة تالميذه و يصبح عاجزا على توجيههم و إرشادهم‪.‬‬
‫يقول الغزايل‪" :‬مثل املرشد من املسرتشدين مثل النفس من الطني مبا ال نقش فيه و ميت يستوي الظل‬
‫و العود أعوج ؟؟ "‬
‫(ب) الزهد و التواضع‬
‫و يتمثل ذلك يف أن يقتصد املعلم يف ملبسه و مطعمه و مسكنه و حدها ابن مجاعة بأن يكون ( من‬
‫غري ضرر على نفسه و عياله)‪.‬‬
‫فالتواضع من صفة العلماء و أن ال يستنكف أن يستفيد ما ال يعلمه ممن يعلمه سواء كان دونه منصبا‬
‫أو نسبا أو سنا‪.‬‬
‫(ج) الوقار و اهليبة‬
‫ينصح ابن مجاعة املعلم بأن يتجنب مواضع التهم و إن بعدت و ال يفعل شيئا يتضمن نقص مروءته‬
‫أو ما يستنكر ظاهرا و إن كان جائزا باطنا فإنه يعرض نفسه للتهمة و عرضة للوقيعة‪.‬‬
‫و أن ال يضحك مع الصبيان و ال يباسطهم لئال يفضي ذلك إىل زوال حرمته عندهم‪ ،‬كذلك ف‪،‬‬
‫مشية املعلم جيب أن تكون مشية العلماء و أن ينزه نفسه عن املهن الوضيعة و أن يصطحب الوقار و‬
‫اهليبة مع إخالصه يف العمل ليكون رزقه حالال‪.‬‬
‫و يظهر ذلك جليا يف أفكار املسلمني األوائل فعند أخوان الصفا املعلم له شروط و صفات أوجزها‬
‫يف ( الزهد يف الدنيا و قلة الرغبة يف مالذها مع التهيؤ الفعلي يف العلوم و الصنائع‪ ،‬صارفا عنايته كلها‬
‫إىل تطهري نفسه قادرا على حتمل كافة املشاق من أجل العلم و أن يكون مشتمال برداء احللم‪ ،‬حسن‬
‫العبادة أخالقه رضية‪ ،‬و آدابه ملكية‪ ،‬معتدل اخللقة‪ ،‬صايف الذهن خاشع القلب)‬
‫‪ .4‬الكفايات اجلسدية‪:‬‬
‫يهتم الفكر الرتبوي اإلسالمي اهتماما بالغا يف اجلانب اجلسدي عند املعلم فيصف القلقشندي املعلم‬
‫بأنه" حسن القد‪ ،‬واضح اجلبني‪ ،‬واسع اجلبهة " (‪)9‬‬
‫و يبدوا أن ابن مجاعة كان أكثر موضوعية كان أكثر موضوعية حيث وصف املعلم أن يكون دائما‬
‫باملظهر املناسب من حيث نظافته ونظافة ثيابه و تطيبه إلزالة كريه الرائحة ‪ ،‬فاملدرس إذا عزم على‬

‫‪443‬‬
‫جملس التدريس تطهر من اخلبث و تنظف و تطيب ولبس أحسن ثيابه الالئقة به بني أهل زمانه قاصدا‬
‫بذلك تعظيم العلم‬
‫و يبدو أن ذلك مستوحى من اهتمام الدين اإلسالمي بالصحة و النظافة بشكل عام فالوضوء و‬
‫االغتسال و أخذ الزينة عند كل مسجد مظاهر تأثر هبا املفكرون يف الرتبية اإلسالمية و حرصوا عليها‬
‫ألن النظافة من اإلميان‪.‬‬
‫فقد قال ابن مجاعة خمتصرا املعلم بأنه‪ S":‬هو الذي كملت أهليته و كان أحسن تعلما – أي كفايته‬
‫العلمية‪ -‬و أجود تفهما – أي الكفاية املهنية – و ظهرت مروءته و عرفت عفته – أي الكفاية‬
‫األخالقية‪-‬‬
‫و لعلنا مما سبق عرضه الحظنا بأن النظريات العلمية و اإلنسانية احلديثة قد ظهرت عند علماء الرتبية‬
‫العرب و املسلمني منذ مئات السنني حيث ظهرت إسهاماهتم جلية بعيدة عن اجتهاد اجلهال و‬
‫نزوات املخلفني‪ ،‬بل بذلوا عصارة فكرهم يف بيان أصول الرتبية و فلسفتها و طرق تدريسها فظهرت‬
‫عدة خالصات و إيضاحات منها‪:‬‬
‫‪ .1‬النظرة اخلاطئة حنو التعليم كوسيلة ارتزاق حيث بني اإلسالم أمهية هذه املهنة و وظيفتها‪.‬‬
‫‪ .2‬بيان أمهية مهنة التعليم يف اإلسالم بعد أن حتقرت عند اجملتمعات كمهنة إنشاءات و خطابات‪.‬‬
‫‪ .3‬توضيح العالقة بني الكم و الكيف يف إعداد املعلم يف ظل الفكر الرتبوي اإلسالمي‬
‫و هذه البنود الثالثة هي اليت حتدد املعلم الرسايل من املعلم العادي‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬احلاجات التكوينية الالزمة للمعلم يف ظل الفكر الرتبوي اإلسالمي‪)6(.‬‬
‫باإلضافة إىل ما سبق ذكره من مسات للمعلم و اليت جيب أن تكون يف املعلم الذي ينتهج الفكر‬
‫الرتبوي اإلسالمي لكي يكون متكامال قدر اإلمكان‪ ،‬فهناك عدة أمور جيب توافرها يف املعلم ليكون‬
‫معاصرا‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ .1‬مواكبة التغريات احلادثة‪ :‬فالتغري مسة من مسات الكون و ناموس التغري وارد يف القرآن الكرمي‪ ،‬قال‬
‫تعايل‪ " :‬كل يوم هو يف شأن" الرمحن‪ ،29:‬فالثورة التكنولوجية احلادثة حاليا جعلت هناك تدفقا‬
‫هائال للمعرفة الدقيقة و إرسال كميات هائلة من املعلومات‪ ،‬جيب على املعلم يف ضوئها أن حيسن‬
‫استخدامها‪ ،‬و يسخرها داخل عمليته التعليمية ملواكبة التطورات االقتصادية و االجتماعية و الثقافية‪،‬‬
‫مما يساعده على حماربة مجيع التحديات اليت باتت تغزو بالد املسلمني‪.‬‬
‫لقد أصبحت الثقافة العامة اآلن بعدا هاما من األبعاد األساسية إلعداد املعلم و اليت تزيده سعة و‬
‫تعمقا يف الفهم و ميوال عقلية تدفع بصاحبها إىل البحث و االستزادة من العلم و قدرة على متابعة‬
‫اجلديد و تفسري االجتاهات و تفهمها‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫و من هنا كان توجيه ابن مجاعة للمعلم "بأن ال يدع فنا من الفنون أو علما من العلوم إال نظر فيه ‪،‬‬
‫فإن ساعده القدر و طول العمر على التبحر فيه فذاك ‪ ،‬و إال فقد استفاد منه ما خيرج به من عداوة‬
‫اجلهل بذلك العمل‪ ،‬و يعتين من كل علم باألهم فاألهم‪)2(".‬‬
‫‪ .2‬حتديد مصادر برامج إعداد املعلمني وفق الفكر اإلسالمي‪ :‬ألن النظام التعليمي ينمو و يرتعرع يف‬
‫ظل فكر فلسفي يغذيه‪ ،‬و يتم حتديد األهداف لتكوين املعلم يف ضوئها مما يساعد ملعلم على احلكم‬
‫السليم يف معاجلة املشكالت‪ .‬و من املصادر اليت جيب أن ينبثق عنها إعداد املعلم‪:‬‬
‫‪ o‬القرآن الكرمي و السنة املطهرة‪ ،‬ملا هلا من أصالة يف توجيه املعلم و اإلقتداء بالرسول املعلم و املريب‬
‫عليه أفضل الصلة و السالم حبيث يصبح مثله األعلى يف بناء شخصيته‪.‬‬
‫‪ o‬الرتاث العريب اإلسالمي‪ ،‬فعلى املعلم أن جيتهد يف االنفتاح على ثقافات العرب و املسلمني الغنية‬
‫يف شيت اجملاالت و ضرورة االستفادة من القيم و العادات و التقاليد االجتماعية الصاحلة ملواكبة‬
‫العصر‪.‬‬
‫‪ o‬نتائج الدراسات العربية و اإلسالمية السابقة‪.‬‬
‫‪ o‬االنفتاح غري املطلق على ثقافات اآلخرين‪.‬‬
‫‪ o‬اجلمع بني الرتبية املستمرة و النمو الذايت للمعلم‪ ،‬فمهنة التعليم يف ظل اإلسالم يتطلب منوا‬
‫مستمرا‪ ،‬ملواكبة التطور العلمي و التكنولوجي‪ ،‬و الزيادة املرتاكمة يف جمال املعرفة‪.‬‬
‫‪ .3‬إعداد املعلم الباحث‪ :‬و ذلك بامتالك املعلم وسائل املعرفة العلمية و التقنية‪ ،‬ويتم ذلك من خالل‬
‫تنمية املهارات العلمية‪ ،‬و حمو األمية التكنولوجية لدي املعلم و يف مقدمتها التعامل مع احلاسوب‬
‫ملواجهة املشكالت و حلها بطرق علمية صحيحة‬
‫و قد قام ( سليمان ‪ )10( )1982،‬بإمجال بعض النقاط اليت جيب أن تتوفر يف املعلم الناجح وهي ‪:‬‬
‫‪ -‬من يتوفر لديه الشعور باملسئولية و يتفاىن يف أداء واجبه‬
‫‪ -‬هو الذي يعيش يف جمتمعه بكل كيانه و مقوماته‬
‫‪ -‬الذي يستجيب لتطورات احلياة من حوله‬
‫‪ -‬هو الذي يشعر تالميذه حنوه بالتقدير و االحرتام‬
‫‪ -‬هو القدوة احلسنة لتالميذه يف مظهره و هندامه و تصرفاته‬
‫‪ -‬أن يكون متمتعا بصحة جسمية و نفسية‬
‫‪ -‬أن يكون جميدا ملادة ختصصه و أن يلم بطبيعتها‬
‫‪ -‬أن يكون متعاونا‬
‫لذا فقد اقرتح ( البوهي وغنب) (‪ )7‬بوضع برنامج تدرييب أثناء اخلدمة و ذلك لـ‪:‬‬

‫‪445‬‬
‫* رفع مستوى أداء املعلمني يف املادة و الطريقة و حتسني اجتهاهتم و تطوير مهاراهتم التعليمية و‬
‫معارفهم و زيادة قدراهتم على االبداع و التجديد‬
‫* زيادة املام املدرسني بالطرق و األساليب احلديثة يف التعليم و تعزيز خرباهتم يف جماالت التخصص‬
‫العلمية‬
‫* تبصري املعلمني مبشكالت النظام التعليمي القائم ‪ ،‬ووسائل حلها و تعريفهم بدورهم و مسئولياته‬
‫يف ذلك‪.‬‬
‫أهم االجتاهات احلديثة املناسبة لرتبية املعلم للمجتمع املسلم‪)12(،)11(:‬‬
‫‪ .1‬التأكيد على تأهيل املعلم لرتبية تالميذه تربية إسالمية‬
‫و هذه العبارة تعين يف جوهرها توجيه سلوك املتعلم مبساعدة املعلم على أن ينمو بشكل كامل و‬
‫شامل و متوازن‪ ،‬و منها اكتساب اخلربات اخلاصة بالقيم االهلية و اخلربات البشرية مما جيعل سلكه‬
‫قوال وعمال وفق منهج اهلل‪.‬‬
‫قال تعاىل‪ " :‬ويستخلفكم يف األرض فينظر كيف تعملون" األعراف‪129:‬‬
‫و يقول أيضا‪" :‬فمن يعمل مثقال ذرة خري يره و من يعمل مثقال ذرة شر يره" الزلزلة‪7،8:‬‬
‫‪ .2‬العناية بتزويد املعلم بالثقافة اإلسالمية‬
‫فالثقافة اإلسالمية هي األساس اليت يبىن عليها نظام اجملتمع و يقوم عليها البناء التعبدي و هي منطلق‬
‫حترر النفس اإلنسانية من العبودية لغري اهلل و لذا فهي تستنفر املعلم لرتبية تالميذه و توجيههم و‬
‫ارشادهم و حفز مهمهم حنو دفع األمة إىل اإلنطالق احلضاري حتت راية دين اهلل احلنيف و تعريفهم‬
‫مباضي أمة اإلسالم و حاضرها‪.‬‬
‫‪ .3‬العناية بالتوجه اإلسالمي للعلوم و بإسهامات العلماء املسلمني فيها‬
‫‪ .4‬متكني املعلم من مهارات التعبري باللغة العربية الفصحى و من التعليم فيها‬
‫و يدخل يف اطار هذا البند االجتاه حنو تعريب مجيع املعلومات و رفع مستوى املعلم فيها و تقوية‬
‫املعلم يف التحدث باللغة العربية ملا هلا من اسهامات يف تقوية املعلم و انعكاسها على شخصية الطالب‬
‫يف اللغة‪.‬‬
‫‪ .5‬األخذ مببدأ التعليم مدى احلياة و النظر إىل تربية املعلم يف إطار نظام موحد‪.‬‬
‫و ذلك لكي يبقى املعلم متصال بعامل الرتبية و العلم و مطلع على التجديدات احلديثة‬
‫‪ .6‬رفع مستوى برامج تربية املعلم و تكاملها و تنوع خرباهتا‬
‫ألن برامج اعداد املعلمني هي الركيزة األساسية لنواة تكوين املعلم ‪ ،‬لذلك من الضروري على‬
‫اجلامعات و اجلهات املختصة أن تقوم يتعديل خطة إعداد املعلم و االهتمام به يف مجيع اجلوانب‪،‬‬
‫املهنية‪ ،‬العلمية‪ ،‬االجتماعية ‪ ،‬األخالقية ‪.‬‬

‫‪446‬‬
‫‪ .7‬األخذ بالتطورات املعاصرة يف التقنية الرتبوية و حمو األمية التكنولوجية‬
‫ألن عصرنا احلاضر هوزمن التقدم العلمي و التكنولوجي ‪،‬تطورت معها طرق تدريس املواد ‪ ،‬و‬
‫تقدمت أساليبها ملراعاة تغريات العصر كما أسلفت آنفا‪.‬‬
‫لذلك كان من الضروري‪ S‬متية قدرات املعلمني على األخذ بالتطورات العحاصلة يف العامل شريطة أال‬
‫يتناىف ذلك مع الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ .8‬التأكيد على البحوث و تطبيقاهتا امليدانية‬
‫و ذلك ملا هلا من أمهية يف تقدم العلوم و االرتقاء بشخصية املعلم‪.‬‬
‫املراجع‪:‬‬
‫‪ .1‬ابن مجاعة‪ ،‬بدر الدين (‪ : )1994‬تذكرة السامع و املتكلم يف أدب العامل و املتعلم ‪ ،‬رمادي‬
‫للنشر‪ ،‬الدمام‪.‬‬
‫‪ .2‬ابن مجاعة‪ ،‬بدر الدين ‪ .‬املرجع السابق‪.‬‬
‫‪ .3‬األغا‪ ،‬احسان خليل (‪ :)1992‬ازمة التعليم يف قطاع غزة ‪ ،‬اجلامعة اإلسالمية ‪ ،‬غزة‬
‫‪ .4‬البزاز‪ ،‬حكمة(‪ :)1989‬اجتاهات حديثة يف إعداد املعلمني‪ ،‬جملة رسالة اخلليج العريب‪ ،‬اجمللد ‪، 9‬‬
‫العدد ‪.28‬‬
‫‪ .5‬أبو دف ‪ ،‬حممد خليل (أبريل) ‪ :‬صيغة مقرتحة لتكوين املعلم العرب على أعتاب القرن احلادي و‬
‫العشرين ‪ ،‬مؤمتر الدور املتغري للمعلم العريب يف جمتمع الغد‪ ،‬كلية الرتبية ‪ ،‬جامعة أسيوط‪.‬‬
‫‪ .6‬البوهي‪ ،‬فاروق و بيومي‪ ،‬حممد غازي‪ :‬دراسات يف إعداد املعلم‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية‪.‬‬
‫‪ .7‬البوهي‪ ،‬و غنب ‪ ،‬لطفي ‪ :‬مهنة التعليم و أدوار املعلم ‪ ،‬دار املعرفة‪.‬‬
‫‪ .8‬احلريقي‪ ،‬سعد بن حممد (‪ :)1994‬فاعلية اإلعداد الرتبوي يف املوقف املهين للمعلمني و املعلمات‬
‫قبل التخرج‪ ،‬جملة مركز البحوث الرتبوية‪ ،‬اجمللد ‪ ، 11‬العدد‪ ، 2‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .9‬الصاوي‪ ،‬حممد وجيه (‪ :)1999‬دراسات يف الفكر الرتبوي‪ ،‬مكتبة الفالح ‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫‪ )10‬سليمان ‪ ،‬عرفات عبد العزيز(‪ :)1982‬املعلم و الرتبية ط‪ 2‬مكتبة األجنلو املصرية‪ ،‬القاهرة‬
‫‪ )11‬شوق ‪ ،‬حممود أمحد و مالك‪ ،‬حممد (‪ : )2001‬معلم القرن احلادي و العشرين ‪ ،‬دار‬
‫الفكر العريب ‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ )12‬شوقي‪ ،‬حممود أمحد (‪ :)1995‬تربية املعلم للقرن احلادي و العشرين‪ ،‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ )13‬عبد العال‪ ،‬حسن إبراهيم (‪:)1985‬فن التعليم عند بدر الدين بن مجاعة‪ ،‬مكتب‬
‫الربية العريب لدول اخلليج‪.‬‬
‫‪ )14‬عبد العال‪ ،‬حسن إبراهيم‪ .‬املرجع السابق‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫‪ )15‬عسقول ‪ ،‬حممد عبد الفتاح (‪ : )1997‬اإلعداد املهين للمعلم يف كلية الرتبية باجلامعة اإلسالمية‬
‫بغزة ‪ ،‬مؤمتر الرتبية يف فلسطني و حتديات املستقبل‪ ،‬كلية الرتبية احلكومية‪،‬غزة‪.‬‬
‫‪ )16‬على‪ ،‬سعيد إمساعيل (‪ : )1991‬اجتاهات الفكر الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬دار الفكر العريب ‪ ،‬عني‬
‫مشس‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪448‬‬
‫إليك يا زوجي‬
‫أبو جهاد سلطان العمري‬
‫املقدمة‬
‫أخبَرتْين بذلك‬
‫من زوجتك الغالية ‪ 000‬كما َ‬
‫من زوجتك اليت عاشت معك طوال األيام والشهور والسنني اليت مرت ‪000‬‬
‫أهدي إليك هذه الرسائل‪0‬‬
‫هي كلمات دفعين إىل كتابتها ما رأيته من تغري عليك‬
‫اهلدف منها اإلصالح واهلل يعلم سريريت ‪0‬‬
‫زوجي ‪ /‬حنن حباجة إىل مثل هذا التناصح ألن السكوت عن العيوب‬
‫جيعل يف النفس بعض الكراهية ‪0‬‬
‫أرعين مسعك وكن معي بقلبك‬
‫هيا سوياً إىل هذه الرسائل‬
‫الرسالة األوىل ‪:‬‬
‫السعادة‬
‫كنت أقرأ يف إحدى الكتب فاستوقفين هذا السؤال ‪ :‬هل أنت سعيد ؟‬
‫ت إىل نفسي وسألتها هذا السؤال‬ ‫عد ُ‬
‫تأملت يف هذه األحرف ‪ُ ،‬‬
‫يانفس هل تشعرين بالسعادة ؟ بدأت أسأل عن السعادة ‪S....‬‬
‫مث قلت لنفسي ‪ :‬نعم أنا أشعر بالسعادة فعندي وظيفة ‪ ،‬ومنزل وأمتتع جبمايل‪ ،‬ويؤانسين زوج له‬
‫مكانته‬
‫يف اجملتمع أنا سعيدة فعندي(‪ )3‬أبناء و(‪ )3‬بنات كلهم هلم رواتب جيدة ويُهدون يل بني احلني‬
‫واآلخر‪.‬‬
‫مرت األيام ‪ ،‬لكن شعوري بالسعادة بدأ يقل ويقل ‪ ،‬وفجأة استوقفتين هذه القصة اليت مسعتها من‬
‫إمام اجلامع ‪.‬‬
‫إليك يا زوجي هذه القصة ‪:‬‬
‫جاء رجل إىل اإلمام أمحد رمحه اهلل و سأله ‪ :‬مىت جيد العبد طعم الراحة ؟‬
‫فقال اإلمام أمحد‪ :‬عند أول قدم توضع يف اجلنة‪.‬‬
‫وبدأت تلك الكلمة ترتدد علي ( عند أول قدم توضع يف اجلنة ) ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫مل أمن تلك الليلة ‪،‬‬
‫رجعت إىل نفسي ‪....‬ونظرت يف املرآة ‪ ....‬وتأملت يف نفسي وسألتها ‪ :‬هل تشعرين بالسعادة ؟‬
‫فلم جتبين‪ .....‬تأملت يف مالبسي ‪.....‬يف أثاث منزيل الذي هو أغلى األثاث ‪00‬‬

‫‪449‬‬
‫زوجي‬
‫امسح يل بأن ُأصارحك ‪.....‬عفواً فالكلمة قد تكون قاسية لكن البد من مساعها‬
‫يل السعادة )‬
‫( كل ما قدمته يل مل جيلب َ‬
‫نعم‬
‫أنا أشكرك على ما قدمت يل لكن قليب مل يشعر بالسعادة ‪.....‬إن سعادة القلب وطمأنينة الروح‬
‫ليست يف كل ما أملك‪....‬نعم أنا فقرية ‪ S......‬نعم فقرية ‪.....‬أتدري‪ S‬من ماذا ؟‬
‫أنا فقرية من اإلميان ومن القرآن ومن اخلشوع ومن التواضع ومن مراقبة اهلل عز وجل‪....‬‬
‫كم هي الوجبات الغالية اليت قدمتها يل ‪ ...‬وكم هي اهلدايا الثمينة اليت أهديتها يل‬
‫ولكن وبصراحة‬
‫كم هي املواعظ اإلميانية اليت قدمتها يل‬
‫صحيح أنك اشرتيت يل أمجل املالبس‬
‫لكنك غفلت عن أعظم لباس مل حتضره يل{ ولباس التقوى ذلك خري}‬
‫زوجي ‪ ....‬أين السعادة ؟ نعم أريدها ‪ S....‬خذ مايل ‪ ...‬خذ أبنائي وبنايت ‪....‬خذ‪ S‬مجيع ممتلكايت‬
‫ولكن أريد أن أتذوق طعم اإلميان ولذة اهلداية‬
‫كما وجدهتا التائبات والعائدات إىل اهلل‪.‬‬
‫الرسالة الثانية ‪:‬‬
‫زوجي‬
‫أهتم لذلك والتعلم كم دمعة ٍذرفت‬
‫إنك عندما تُصاب بسوء من مرض أو هم وحنو ذلك التعلم كم ُ‬
‫من عيناي حزناً على مرضك وأمتىن أن املرض ختطاك وأصابين ‪0‬‬
‫هذه مشاعري بصدق‬
‫ولكين صدمت ملا أصابين ذلك املرض فرأيتك غري ٍ‬
‫مبال يب ‪S...‬‬ ‫ُ‬
‫والم ٍ‬
‫كرتث حبايل ‪...‬‬ ‫ُ‬
‫بل إنين مسعتُك وقد أطلقت عبارات الشكوى إىل أهلك‬
‫وتُصدر كلمات امللل مما أصابين ‪.....‬‬
‫ومما زادين مرضاً ومهاً ملا علمت بأنك قد عزمت الزواج علي وتطليقي‬
‫ألنك ال تريد امرأة مريضة‬
‫ال إله إال اهلل ‪.....‬‬
‫لقد هدمت اآلمال واألماين اليت رمستها طوال حيايت‬
‫زوجي ‪..‬‬

‫‪450‬‬
‫لو كنت أنت املريض فواهلل لن أختلى عنك ولن أرغب يف ٍ‬
‫أحد سواك‬
‫بل واهلل ستجدين خادمة لك ‪...‬‬
‫ساهرة عليك ‪S...‬‬
‫قائمةٌ بني يديك‬
‫بل واهلل الذي الإله إال هو لو أردت العافية اليت لدي مل أخبل هبا عليك‪.‬‬
‫فلماذا هذه القسوة ؟‬
‫وأين الرمحة ؟‬
‫أمل تقرأ يف مناهج الدراسة قول النيب ‪‬‬
‫( من ال يرحم ال يُرحم ) ‪ ( ،‬والرامحون يرمحهم الرمحن) ‪،‬‬
‫( ارمحوا من يف األرض يرمحكم من يف السماء ) ‪0‬‬
‫الرسالة الثالثة ‪:‬‬
‫زوجي العزيز‬
‫كثرياً ما أمسعك تدندن وتقول إن للزوج حقوق ‪ ،‬وأنا الذي فعلت وفعلت ‪00‬‬
‫فأقول لك ‪:‬‬
‫علي وتنسى حقوقي عليك‪.‬‬ ‫وأنا أيضا ًيل حقوق‪ ،‬فلماذا تطالبين حبقوقك ّ‬
‫إن احلقوق الزوجية من الضروريات اليت جيب على الطرفني مراعاهتا‪S....‬‬
‫واحد منا أن يتعرف على ما يريده اآلخر فيقوم مبا يستطيع‪.‬‬‫فلماذا ال حياول كل ٍ‬
‫زوجي‬
‫هذه ورقة وقلم ‪........‬‬
‫اكتب فيها كل ما حتب أن أعمله من أجل رضاك علي ‪00‬‬
‫نعم أنا أريد رضاك فاكتب يف هذه الورقة ما حتب‬
‫وسوف أبذل ما بوسعي لكي أقوم بذلك ‪00‬‬
‫عفواً يازوجي وسوف آخذ القلم لكي أكتب ما أريده منك وأرجو منك‬
‫أن تؤدي ما أحبه منك‪0‬‬
‫الرسالة الرابعة‪:‬‬
‫زوجي‪ /‬إننا ننظر إىل أفعالك وتصرفاتك ونتأثر هبا‪....‬‬
‫فأمتىن أن نرى فيك القدوة احلسنة‪S.......‬‬
‫زوجي ‪ :‬هل تظن أن بقائك يف البيت والناس قد تسابقوا إىل املسجد‬
‫لكي يفوزوا برمحة اهلل ؟‬

‫‪451‬‬
‫هل تظن أن بقائك ال يدعو األبناء إىل التأخر عن الصالة ؟‬
‫بلى واهلل ‪.......‬‬
‫إنك تستطيع أن تغري البيت إىل أفضل مستوى دينياً‪ ،‬وتربوياً ‪,‬‬
‫حبسن عملك وكونك قدوة حسنة لنا ‪,‬‬
‫إنك عندما تأخذ املصحف لتقرأ فيه‪....‬‬
‫إنك بعملك هذا جتعلين أعود لنفسي وأقول هلا ‪ :‬ملاذا ال أقرأ أنا‬
‫وأكسب من األجر مثله ‪0‬‬
‫إنك مل تتكلم بكلمة‬
‫ولكن عملك الصاحل هو أعظم دعوة لنا‬
‫وما أحسن تلك اللحظة اليت رأيتُك فيها وقد هجرت النوم‬
‫وقمت يف أخر الليل لكي تُناجي ربك ‪0‬‬
‫لقد تأثرت بك كثرياً ‪..‬‬
‫ويعلم اهلل أنك بعملك هذا تزرع اإلميان يف قليب‬
‫فأوصيك بأن تكون قدوة حسنة يل وألبنائك‪S...‬‬
‫فمن سوف يؤثر فينا إن حنن فقدنا التأثري منك ؟‬
‫الرسالة اخلامسة ‪:‬‬
‫زوجي العزيز‬
‫أمتىن أن أرى فيك احلرص الشديد على ديين ‪ S.....‬فلماذا ال أراك تنصحين ؟‬
‫وملاذا ال جتلس معي حلظات إميانية ‪..‬‬
‫أشعر فيها بأننا يف جملس ذكر هلل حتفنا املالئكة ويذكرنا اهلل فيمن عنده؟‬
‫ٍ‬
‫بابتسامة صادقة ‪....‬‬ ‫إنين يف شوق كبري أن أراك وقد دخلت علينا‬
‫جبلسة معي أنا وأبنائي فأخربتنا بقصة من قصص سيد البشر عليه الصالة‬ ‫ٍ‬ ‫مث أعقبتها‬
‫والسالم ‪ S...‬أو ذكرت لنا حكاية فيها العربة والفائدة‬
‫أو أخربتنا ببعض األحكام الشرعية ‪00‬‬
‫قد تقول يل ‪ :‬ليس لدي ذلك العلم الذي جيعلين أعمل ذلك ‪.‬‬
‫فأقول ‪ :‬يكفي أن جتلس معنا وتأمر أحد أبنائك بقراءة شيء من القرآن‬
‫أو بعض ما قاله علماء اإلسالم‪0‬‬
‫إن رؤيتنا لك ليست باألمر اهلني ‪ ،‬فأنت سر سعادتنا يا أعز خملوق‪0‬‬
‫الرسالة السادسة ‪:‬‬

‫‪452‬‬
‫زوجي العزيز ‪:‬‬
‫حسن الرائحة‪S.............‬‬
‫أمتىن أن أراك مجيل امللبس نظيف الثياب َ‬
‫إنين عندها أشعر بسعادة تغمر روحي ألين أراك على هذا احلال ‪S...........‬‬
‫ولو تعلم كم أتأمل عندما أرى فيك ضد ذلك من الالمباالة من عدم االهتمام مبظهرك‪00‬‬
‫زوجي‬
‫كما حُت ب مين أن ألبس لك اجلميل وأن تكون رائحة العطر اجلميل قد ظهرت علي فإين كذلك‬
‫ُأحب ُمنك ذلك ‪..‬‬
‫ويف يوم من األيام ‪........‬‬
‫وقع بصري على أية من كتاب اهلل فلما قرأهتا قلت أين زوجي عنها ؟‬
‫لعلك تقول وما هي اآلية ؟‬
‫فأقول إهنا قول اهلل تعاىل{ وهلن مثل الذي عليهن باملعروف }‬
‫لقد قال ابن عباس رضي اهلل عنه‪ " :‬إين ُأحب أن أتزين المرأيت كما ُأحب أن تتزين يل "‪.‬‬
‫زوجي‪....‬‬
‫إين ال أطالبك بالغلو يف ذلك ‪ ,‬لكنه يكفيين بعض االعتناء ‪00‬‬
‫إن املرأة ال تريد أن ترى أحداً من الناس إال ومظهر زوجها أحسن منه‬
‫قد تتعجب من ذلك‪ ،‬ولكين ُأخربك مبا نعتقده حنن النساء ‪0‬‬
‫زوجي العزيز ‪S...‬‬
‫لبست أمجل الثياب ‪0‬‬
‫لقد تعجبت ملا رأيتُك وأنت ذاهب إىل إحدى الوالئم وقد َ‬
‫فقلت يف نفسي ملاذا ال يكون هذا االهتمام معي ؟‬
‫الرسالة السابعة‬
‫زوجي العزيز ‪:‬‬
‫ال خيفى عليك أنه ال خيلو بيت من وجود ما يعكر صفوه من حدوث بعض االختالفات حول‬
‫وجهات‬
‫النظر ‪,‬أو حدوث بعض املشاكل‪...‬وهاهو بيت الرسول اهلل ‪ ‬مل يسلم من ذلك‪....‬‬
‫ولكن يا زوجي الغايل ‪:‬‬
‫هل سألت نفسك عن سبب وجود هذه املشاكل ؟‬
‫قد أكون أنا السبب وهذا صحيح فقد أقع يف اخلطأ كما يقع غريي ‪...‬‬
‫ولكين ُأحب أن أطرح عليك بعض الكلمات حول هذا املوضوع ‪:‬‬
‫إن الذنوب هلا صلة باملشاكل اُألسرية ‪ ،‬وهذا ليس هترباً من أن أكون أنا سبب يف بعضها‪S...‬‬

‫‪453‬‬
‫زوجي العزيز‪:‬‬
‫قد تكون تلك النظرة لتلك املرأة اليت نظرت هلا يف ذلك الفلم أو ذلك السوق قد تكون هي سبب‬
‫ما حدث ‪00‬‬
‫ال تتعجب فربُنا سبحانه يقول{ وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم } ويقول تعاىل { قل‬
‫هو من‬
‫عند أنفسكم }‪.‬‬
‫وهذا أحد السلف يقول‪ :‬إين ألعصي اهلل فأرى ذلك يف ُخلق دابيت وامرأيت ‪ 00‬ومعىن ذلك أنه‬
‫يرى أثر عقوبة الذنب ‪000‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫أتذكر ملاَ أضعت صالة الفجر يف ذلك اليوم وما إن جئت بعد صالةالظهر إال وجاءت معك‬
‫اخلالفات‬
‫ورفع األصوات ‪،،‬‬
‫وقفت وقلت يف نفسي ‪00‬‬
‫لعل هذا اخلالف " عقوبة لرتكك لصالة الفجر"‬
‫وحافظت أنا كذلك على طاعة اهلل كلما رأينا السعادة‬
‫ُ‬ ‫وقد رأيت أنك كلما حافظت على طاعة اهلل‬
‫والطمأنينة ‪0‬‬
‫نعم إن البيت السعيد هو من كان أهلة يتقربون إىل اهلل تعاىل ‪S...‬‬
‫أريد منك أن حتاسب نفسك بعد كل قضية خالف حتدث بيننا‬
‫" ما هو الذنب الذي أحدثتُه لكي أتوب منه "؟؟؟‬
‫الرسالة الثامنة ‪:‬‬
‫أيها الزوج الكرمي‬
‫إحذر هذه اللحظة‪...‬‬
‫زوجي‬
‫أنا من البشر واخلطأ مين متوقع ويف أي حلظة ‪S...‬‬
‫ولكن أرجوك ال تغضب ‪...‬‬
‫نعم عليك بضبط النفس واهلدوء وكن صبوراَ على زاليت وأخطائي‬
‫إنك عندما تغضب قد ال تتمالك نفسك ‪.‬‬
‫وقد تنطق بتلك ال ٌقنبلة اليت تدمر ُأسرتنا وحياتنا ‪...‬‬
‫أنت طالق )‬ ‫إهنا كلمة ( ِ‬

‫‪454‬‬
‫لست يف صدد احلديث عن صحة طالق الغضبان ‪.‬‬ ‫وأنا ُ‬
‫وهل يقع أم ال ؟‬
‫ولكن تذكرأنك هبذه الكلمة هتدم بيتاً كانت فيه السعادة واهلناء‪.‬‬
‫بيتاً كنا فيه يف أيام مضت تغمرنا املودة والرمحة ‪..‬‬
‫بيتاً فيه نشأ أبنائنا ‪....‬‬
‫فكم من ضحكة ضحكناها على طفلنا الصغري ملا بدأ يف املشي والكالم‬
‫زوجي‬
‫يستحق ذلك‪.....‬‬
‫ُ‬ ‫والسبب ال‬
‫ُ‬ ‫لقد طلقتين ‪...‬‬
‫من أجل ذلك املوقف ‪ :‬ضاع أبنائنا ‪ ،‬وتشتت ُأسرتنا‪...‬‬
‫رجعت إىل بيت والدي وأنا حزينة ‪.....‬‬ ‫ُ‬ ‫من أجل ذلك املوقف ‪:‬‬
‫قد قطع البكاء قليب‪ ،‬وجلست عند النافذة فأرسل القمر نوره ‪....‬‬
‫فتذكرت ملا كنا سوياً يف ليلة كان القمر بدراً ‪..‬‬
‫ُ‬
‫ملا كنا على شاطئ البحر يف بداية زواجنا‪...‬‬
‫فذهبت يب اخلواطر ولكنها رجعت بأمواج من األحزان ‪.....‬‬
‫أما األبناء ‪S...‬‬
‫فذلك االبن قد تعرف على صحبة سيئة وقبض عليه معهم‬
‫وهو متعاطي للمخدرات ‪.‬‬
‫أما ابنيت ‪ .‬اليت فرحنا فرحا شديداً بقدومها ‪،‬‬
‫فها هي خترج إىل األسواق وتذهب مع صديقاهتا‬
‫( عذراً )‬
‫بل مع أصدقائها ‪.‬‬
‫إنه الطالق ‪ ....‬وكفى ‪....‬‬
‫فمن لنا ؟؟؟‬
‫فمن لنا ؟؟؟‬
‫الرسالة التاسعة ‪:‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫إن اخلالفات واألمور اليت هي نقاطاً سوداء يف احلياة الزوجية‬
‫هلا فقهاً يف التعامل ‪S....‬‬
‫وامسح يل بإبداء بعض اخلواطر حول ذلك ‪S...‬‬

‫‪455‬‬
‫" إن احلوار الناجح يُساعد على تفهم وجهات النظر "‬
‫ما أمجل املصارحة بيننا ولكن ٍ‬
‫بأدب وحكمة‬
‫ليس يف كل وقت يكون احلوار ناجحاً‬
‫فاحلوار حلظة جميئك من العمل قد ال يكون مناسباً ‪S....‬‬
‫لإلرهاق الذي قد حل بك ‪.‬‬
‫زوجي ‪/‬‬
‫احذر من احلوار أمام األبناء فهذا من أكرب األخطاء‬ ‫ِ‬
‫فمهما رأيت من خطٍأ علي أو ُمالحظة فاهدأ حىت خيرج األبناء‬
‫حيتاج إىل إصالح وتغيري ‪.‬‬‫من الغرفة مث تفضل مشكوراً بإبداء ما ُ‬
‫زوجي العزيز ‪/‬‬
‫لك أن قرأت يف فن العالقات الزوجية ؟‬ ‫هل سبق َ‬
‫نعم‪ ...‬إن الثقافة يف هذه األمور من مهمات األمور‪...‬‬
‫وكما عودتنا على رؤيتك وبيدك اجلرائد الرياضية واالقتصادية فنريد أن نرى يف يدك كتاباً عن‬
‫وسائل جناح احلياة الزوجية ‪.‬‬
‫الرسالة العاشرة‬
‫قد تكون معي يف البيت وهذا مما جيلب السرور يل ‪S....‬‬
‫ولكن أحياناً أراك يف البيت مشغوالً عين إما بالصحف واجملالت‪..‬وإما مبشاهدة املباريات‪،‬‬
‫ُ‬
‫وإما برؤية ما تبثه القنوات ‪,‬وإما باجللوس على احلاسب اآليل والبحث يف اإلنرتنت ‪.‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫مع حياتنا وسعادتِنا ‪.‬‬
‫السكن لناوهو جَم ُ‬
‫ُ‬ ‫أفرح ملا أراك وقد دخلت إىل بيتنا الذي هو‬
‫كم ُ‬
‫لكن ‪,‬ملاذا ال هُت دي إيل تلك الكلمات املعربة عن شوقك وحبك يل ؟‬ ‫ْ‬
‫عينيك اجلميلتني ؟‬
‫َ‬ ‫ملاذا ال تُرسل يل نظرات املودة والتقديرمن‬
‫ِ‬
‫االبتسامة الصادقة؟‬ ‫تلك‬
‫ملاذا ال تُريين َ‬
‫تتجاهل وجودي وتتغافل عين ؟‬
‫ُ‬ ‫ملاذا‬
‫بقربك مين؟‬
‫َ‬ ‫ملاذا ال أشعُر‬
‫إنك تتفاعل مع قضايا اآلخرين ولكن أين تفاعلك مع قضييت‪..‬‬
‫أنا زوجتك‬
‫أنا بني أربعة جدران ُأقلب طريف فيها كل ٍ‬
‫يوم وليلة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فلماذا ال تشعُُر حباجيت جللوسك معي ؟‬

‫‪456‬‬
‫وحديثك العاطفي جتاهي‪ S...‬أجبين بصراحة ملاذا ‪.....‬؟‬
‫صحيح قد تكون ناجحاً يف عملك‪ ،‬أو إدارتك ‪،‬‬
‫لست ناجحاً يف إدارة أسرتك وعائلتك ‪.‬‬ ‫ولكن لألسف أنت َ‬
‫الرسالة احلادية عشر ‪:‬‬
‫أكثرت عليك ولكن هي خواطر احلب اليت يف فؤادي ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عفواً لعلي‬
‫صفحات من تلك اخلواطر‪.....‬‬‫ٍ‬ ‫فهل تسمح يل بإبداء‬
‫شكراً لك ‪ ،‬وهذا ظين فيك ‪:‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫صديق عزيز أو ضيفٌ عابر‬
‫ٌ‬ ‫إن من دواعي سروري قيامي خبدمتك وخاصة عندما يأتيك‬
‫أفتخر به‪S......‬‬ ‫وهذا شيءٌ ُ‬
‫ولكين أراك يف أحيان قليلة ال تبايل بصحيت عندما يقدم عليك الضيوف فقد أكون ُمتعبة أو قد‬
‫أكون يف أيام اليت ال ُأصلي فيها ‪....‬‬
‫وتعلم أهنا أيام حرجة من الناحية الصحية للمرأة ‪....‬‬
‫ولكن ملاذا ال تنظر لضعفي و مرضي وتقدر ذلك ؟‬
‫هي سبعة أيام تقريباً يف كل شهر أرجو منك املراعاة يف ذلك ‪.‬‬
‫وأيضاً أالحظ كثرة الضيوف الذين يدخلون عليك وأنا ال أعرتض لكين امرأة من جنس البشر‬
‫يكثر علي مثل ذلك ‪.....‬‬ ‫يُصيبين امللل والضجر عندما ُ‬
‫فهل من املمكن أن تُقلل من هؤالء الضيوف ألجلي ؟‬
‫نعم ألجل زوجتك اليت هي أغلى ما متلك ‪....‬‬
‫كما اعرتفت يل بذلك أكثر من مرة ‪....‬‬
‫ب أن أسألك ‪:‬‬ ‫ِ‬
‫كنت ُأح ُ‬
‫تسمح يل بإبداء سؤال طاملا ُ‬ ‫ُ‬ ‫مث هل‬
‫ب أن تقضي وقتك مع صديقك ؟‬ ‫ِ‬
‫يف أي ش ٍي حُت ُ‬
‫هل تقضيه معه يف أم ِر حُيِبُهُ اهللُ تعاىل ورسوله ؟‬
‫أم أنك تقضيه يف ُأمور حمرمة ؟‬
‫زوجي الكرمي ‪:‬‬
‫الصديق يؤثر كثرياً على املرء ‪ ،‬ولألسف فإين ال أراك قد تغريت إىل األفضل بل أراك يف احندار‬ ‫َ‬ ‫إ ْن‬
‫وتراجع ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ال عجب فاملرء على دين خليله ‪.‬‬
‫الرسالة الثانية عشر‪ :‬امليزانية‬

‫‪457‬‬
‫عصب احلياة وأن ظروف احلياة املعاصرة تتطلب شيئاً من املال ‪........‬‬ ‫ُ‬ ‫تعلم يا زوجي أن املال‬
‫فهل فكرت تفكرياً جاداً مدروساً يف كيفية التعامل مع املال يف ظل مطاليب كزوجة ومطالب البيت‬
‫واألبناء ؟؟‬
‫هل فكرت فيما بعد التعاقد كيف ستكون امليزانية العائلية ؟؟؟‬
‫هل توقعت الطوارئ واملفاجئات يف احلياة وكيف سنواجهها وحنن ال نبايل يف صرف املال ؟؟؟؟‬
‫ُ‬
‫صحيح أن اهلل هو الرازق ‪ ،‬ولكن ملاذا هذا اإلسراف يف املشرتوات ؟؟؟؟‬
‫وملاذا ذلك التضييع للمال يف كماليات احلياة ؟؟؟‬
‫إن الذي أمرك بالبحث عن الرزق احلالل هناك عن إضاعة املال وعن التبذير واإلسراف ‪0‬‬
‫زوجي ‪ /‬فكر جيداً يف كيفية التعامل مع املال وأنا على أمت استعدادملشاركتك بالرأي واملشورة‬
‫الصادقة‪0‬‬
‫الرسالة الثالثة عشر‪:‬‬
‫زوجي العزيز ‪:‬‬
‫عشت معك أيامي األوىل معاين احلُب والتضحية و االحرتام ولكن ما إن مضت تلك الشهور‬ ‫ُ‬ ‫لقد‬
‫األول وشعرت بفقدي هلا ‪.‬‬
‫وأقول يف نفسي ‪:‬‬
‫يا ترى ما هو السبب ؟‬
‫هل عملت شيئاً يستدعي ذلك ؟‬
‫أحب ِ‬
‫الناس‬ ‫وتلك العِشرة اليت أنسيتين فيها حىت َّ‬
‫عيد ذلك احلُب َ‬ ‫زلت أدعو ريب أن يُ َ‬ ‫ولكن ال ُ‬
‫والدي وإخويت ‪.‬‬
‫َّ‬ ‫إيل‬
‫زوجي الغايل ‪:‬‬
‫لك يف القلب مكان ومهما بدر منك من قصور فال زلت أنت احلبيب األول وأنت الرجل األول يف‬
‫حيايت ‪....‬‬
‫وجدت السعاد َة معهُ ‪.....‬‬
‫ُ‬ ‫يا من‬
‫أتعمد ذلك‪.‬‬
‫تظن أين ُ‬ ‫أخطأت عليك ‪ ،‬فال ُ‬ ‫ُ‬ ‫حقك أو‬
‫قصرت يف َ‬ ‫ُ‬ ‫مهما‬
‫حلظة خطأ كانت مين جتاهك‪........‬‬ ‫بل واهلل إين نادمة على كل ِ‬
‫ولو تعلم كم هي الدموع اليت حتدرت من عيين ُحزناً على تلك اللحظات السوداء لعرفت‬
‫ما لك من املكانة يف فُؤادي ‪S....‬‬
‫لست معصومة‬
‫فأطلب منك العفو والسماح والصفح عما كان فأنا ُ‬
‫آدم خطاء وخريُ اخلطائني التوابني )‬ ‫كل ابن َ‬ ‫( ُ‬

‫‪458‬‬
‫وإن كان قد صدر مين ما يزعجك فأمتىن أن تغمض عينيك عنه ‪ ،‬وتقابل تلك اإلساءة باإلحسان ‪،‬‬
‫وهذه الصفة يا زوجي هي من عالمات أهل اإلميان كما قال جل وعلى { ويدرءون باحلسنة‬
‫السيئة أولئك هلم عقىب الدار }‬
‫الرسالة الرابعة عشر‪:‬‬
‫زوجي العزيز ‪:‬‬
‫أتسمح يل بإبداء بعض املالحظات اليت رأيتها عليك وهي قليلة يف حبار حسناتك علي ‪...‬‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ولكن دفعين حيب لك أن ُأخربك هبا فأرجو أن تقبلها بقبول حسن ‪....‬‬
‫وال ْأدع ِي العصمة لنفسي ولكن هذا ما تعلمناه من نبينا عليه الصالةُ‬
‫والسالم ملا قال ( الدين النصيحة ‪ ) S.....‬رواه ُمسلم‪.‬‬
‫فإليك هذه النصائح يا زوجي العزيز ‪:‬‬
‫نظرت إىل‬
‫ُ‬ ‫والناس يُصلون يف املسجد ‪ ،‬وملا‬‫ُ‬ ‫ك نائماً عن صاله الفجر‬ ‫تضايقت ملا رأيتُ َ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫ٍ‬
‫بعصاه يف الربد واهلواء وإذا يب‬ ‫الرجل الذي بلغ من الكرب عتيا وهو ميشي‬ ‫فرأيت ذاك‬ ‫النافذة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ألتفت إليك فأراك نائماً‪S.......‬‬‫ُ‬
‫دمعت عيناي ُحْزناً عليك وخوفاً عليك من عذاب اهلل تعاىل ‪...‬‬ ‫فَ ْ‬
‫والناس يتسابقون إىل أبواب املغفرة ؟؟‬‫ُ‬ ‫فلماذا يا زوجي هذا النوم ‪،‬‬
‫ظ فزعاً‬‫وتعجبت أكثر ملا رأيتُك بعد حلظات وإذا بك تستيق ُ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫خوفاً من أن تكون قد تأخرت على عملك ‪S...‬‬
‫‪ -‬يا سبحان اهلل أين إميانُك باهلل ؟‬
‫‪ -‬أين حمبتُك هلل تعاىل ؟‬
‫أختاف أن تُعاقب من قِبل رئيسك يف العمل؟‬ ‫‪ُ -‬‬
‫عاقب على ذنبك وتكاسلك عن الصالة ؟‬ ‫ختاف أن تُ َ‬ ‫‪ -‬وال ُ‬
‫أنسيت أن اهلل توعد املتخلفني عن الصالة؟ فقال تعاىل‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫خلف أضاعوا الصالة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا}‪.‬‬ ‫{ فخلف من بعدهم ٌ‬
‫واد يف جهنم والعياذُ باهلل من جهنم وأوديتها ‪.‬‬ ‫زوجي ‪ /‬أتدري ما هو( غيا ) إنه ٍ‬
‫للمصلني الذين هم عن صالهتم ساهون }‬ ‫فويل ُ‬
‫زوجي ‪ /‬أنسيت قول اهلل تعاىل { ٌ‬
‫يازوجي الغايل ‪ :‬جاهد نفسك يف القيام إىل الصالة‪S....‬‬
‫فهي أول ما حياسب عنه العبد يوم القيامة‪...‬‬
‫الرسالة اخلامسة عشر‪:‬‬
‫زوجي العزيز ‪:‬‬

‫‪459‬‬
‫عظيم ُأمره ‪...‬‬
‫ال خيفى عليك أن هذا اللسان أداة للتعبري عما يف القلب وهذا اللسان صغريٌ حجمه ُُ‬
‫قصرت يف أعمال املنزل ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أتذ ُكر ملا تكلمت علي وعلى أبناؤك ٍ‬
‫بكالم جارح ملا‬ ‫ُ‬
‫صحيح أن تقصريي خطأ ‪.‬‬
‫ولكن هل السب والشتائم وجرح املشاعر هو احلل ؟‬
‫إنك بسوء كالمك جتعل بيين وبينك حاجز منيعا مينع احلب والتقدير‪ .‬واالحرتام‬
‫زوجي ‪ :‬ال يكن خطأي سبب الرتكابك خطأ أعظم منه ‪....‬‬
‫تفهمك ملا جرى ؟؟‬ ‫أين هدوءك وأين ُ‬
‫ملاذا مل تسألين عن سبب تقصريي‪.‬؟؟؟‬
‫دعين ُأرسل لك اإلجابة من قلب طاملا دمرتهُ بكلماتك ‪...‬‬
‫الوقت‬
‫ُ‬ ‫ُأقصر يف عمل املنزل هو أبنك الذي كان ُمصاباً ببعض اآلالم فذهب‬ ‫إن السبب الذي جعلين ُ‬
‫ومل أشعُر بذلك ‪،،‬‬
‫ِ‬
‫بالنسبة يل‬ ‫ويف ذلك اليوم كان السبب أيضاً هو أنين ُكنت يف السبعةُ أيام اليت يتغري ُفيها كل ٍ‬
‫شيء‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فال أشعُُر إال باإلرهاق وسوء املزاج وتدهور صحيت ‪.‬‬
‫قدرك كبري وجيب علي أن أسعى خلدمتك ‪....‬‬ ‫زوجي ‪َ /‬‬
‫فرجاءً ال تظن أن تقصريي هو جتاهل حلقك علي ال واهلل ‪...‬‬
‫ولكن أرجو منك قبل أن تُصدر عباراتك اجلارحة أن تسبقها بعبارة ‪ :‬ملاذا يا زوجيت الغالية ؟؟‬
‫الرسالة السادسة عشر ‪:‬‬
‫أمي أين أيب؟ ‪:‬‬
‫زوجي ‪ُ /‬أهدي إليك هذه القصة‪.....‬‬
‫اقرأها قبل أن تنام ‪ ،‬مُث ال أظن أنك ستنام ‪...‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫الوالد كان مشغوالً بكسب الرزق فلم يكن يعود إىل‬ ‫كانت هناك أسرة تعيش يف س ٍرت وهناء ‪ ،‬لكن ُ‬
‫البيت إال يف ساعات ُمتأخرة من الليل فجاء إليه الشيطان وقال له ملاذا ال حُت ضر ألبنائك جهاز‬
‫الدش لكي يقضوا فراغهم فيه ‪ ،‬فلقد أصاهبم امللل يف بُعدك عنهم ؟‬
‫فاستجاب ذلك األب لداعي الشيطان ‪ ،‬واحضر جهاز الدمار ألسرته املحافظة ‪.‬‬
‫ُ‬
‫فبدأت القنوات تبث ُمسومها يف أرض الفطرة النقية لدى تلك القلوب الربيئة ‪.‬‬
‫تبحث عن صديق تبادله شعور‬ ‫ُ‬ ‫فتحركت الغريزة لدى إحدى البنات ‪ ،‬وأشتعل فتيل الشهوة ‪،‬فبدأت‬
‫احلب والعشق املتبادل ‪S...‬‬
‫فرفعت مساعة اهلاتف ووقعت يف حبال الذئاب البشرية ‪..‬‬

‫‪460‬‬
‫وعشقها‪ S....‬وال بد من اللقاء ‪.‬‬ ‫أحبته وأحبها‪ ،‬عشقته ِ‬
‫ذهب والدها هبا إىل باب الكلية وودعها ‪...‬وما علم أنه يودع شرف ابنته وعرضها ‪.‬‬
‫كان الذئب ينتظرها ‪S.....‬‬
‫ركبت معه وكان الشيطان ثالثهما فما ظنك بالنتيجة ؟‬
‫بدأ مسلسل الدمار‪ ،‬واخلزي‪ ،‬والعار ‪ ،‬حب‪ ...‬غرام‪S...‬‬
‫قاد السيارة إىل منزل ( االحنالل والدمار )‬
‫فتح الباب‪ ...‬دخلت معه بعد أن نزعت احلياء والدين واخلشية من رب العاملني ‪S...‬‬
‫وحصل األمر الذي مل تكن تتوقعه ‪S...‬‬
‫صاحت ‪ ،،‬بكت ‪ ،،‬سال الدمع من قلبها ال من عينها ‪...‬‬ ‫ْ‬
‫يا للعار‪ ..‬يا للنار‪ ..‬فاجأها‪ ..‬اطمئين فسأتزوج بك بعد أيام ‪..‬‬
‫خادعها فاخندعت ‪ ،،‬عادت وهي حتمل الذنب الكبري ‪...‬‬
‫فأين احلب الكبري يا غافلة ؟؟‬
‫دخلت البيت ‪ ،‬ومرت األيام ‪ ،‬وشعرت باآلالم ‪S...‬‬
‫دخل األب ‪....‬‬
‫قالت ‪ :‬أنا مريضة ‪ ،‬وذهبا إىل املستشفى ‪S...‬‬
‫البُد من حتليل الدم ‪..‬‬
‫وتأيت املمرضة ُمبشرة للوالد‪ S....‬مربوك بنتك حامل ‪..‬‬
‫بنيت حامل ؟؟ ال ال ‪....‬‬
‫يضرب ابنته‪....‬‬
‫ُ‬ ‫صعِق األب ‪ ،‬بكى األب ‪ ،‬وبدأ‬ ‫ُ‬
‫ريد قتلها أو قتل جنينها ‪ ..‬لكنها مل متت ‪....‬‬ ‫يُ ُ‬
‫تتواىل الضربات حىت قُبيل الوالدة ‪...‬‬
‫وتدخل املستشفى وبدأت تُعاين من الطلق ‪...‬‬
‫وخرج اجلنني ‪ ..‬بل خرج العار ‪ ..‬بل خرجت اجلرمية ‪..‬‬
‫خرجت الفضيحة ‪.‬‬
‫دخلت األم ‪ ،‬قالت هلا أبنتها ‪ ،‬أمي أين أيب ؟؟‬ ‫ْ‬
‫‪......................................‬‬
‫زوجي ‪/‬هذه هي القصة اليت أحببت أن أخربك هبا ‪....‬‬
‫فيكفي جرياً وراء احلطام ‪ ،‬يكفي حبثاً عن املال فهو سبب‬
‫شقاءنا‪S....‬‬

‫‪461‬‬
‫زوجي‬
‫إن كانت هذه قصة فانتبه لنا حىت ال نكون حنن قصة تروى‬
‫ريد بيتك ‪S...‬‬
‫ريد مالك ‪ ...‬حنن نُريدك ال نُ ُ‬ ‫زوجي ‪ ...‬حنن نُريدك ال نُ ُ‬
‫ريدك معنا يف البيت ‪ ,,‬أين ُحبك لنا ؟‬ ‫حنن نُ ُ‬
‫حنن ال نراك ‪........‬‬
‫أبناءُك يشتكون من كثرة خروجك ‪ .‬لو تعلم كم مصيبة وقعت يف‬
‫غيابك عن بيتك ‪ ،‬لعرفت مثن البقاء يف البيت ‪.‬‬
‫فأمتىن أن تفكر جيدا يف احلرص على البقاء معنا يف البيت‪S...‬‬
‫قبل أن تسمع خربا قد ال يسرك‪....‬‬
‫الرسالة السابعة عشر ‪:‬‬
‫• الرزق احلالل‪:‬‬
‫أحسن اللباس وأن ترى أبنائها وقد توفر هلم‬ ‫َ‬ ‫زوجي ‪ /‬الشك أن كل امرأة تطمع أن تلبس‬
‫كل ما حيتاجونه من متاع احلياة الدنيا ‪....‬‬
‫نعم حنن نطمع يف ذلك كله ‪ ،‬وهذا يف فطرة اإلنسان قال تعاىل { وحتبون املال ُحباً مجا } ‪S....‬‬
‫ولكن ال يعين ذلك أن تبحث عن املال من أي باب ومن أي طريق سواء كان حالالً أو حراماً ‪..‬‬
‫اتق اهلل يا زوجي فيما تُطعمنا ‪ ،‬وأتق اهلل فيما تُدخله يف بيتنا ‪S....‬‬
‫إن درهم حالل خريٌ من احلرام ‪....‬‬
‫إننا نفضل أن نعيش على الكفاف واليسري بشرط أن يكون حالال ً‪S....‬‬
‫ومسعت منك ما يدل على أنك سوف‬ ‫ُ‬ ‫لقد مسعتُك وأنت تُكلم باهلاتف ‪ ،‬وكان لديك صفقه جُت ارية‬
‫تسلك طرقاً حمرمة يف ذلك كالغش والكذب واخلداع ‪.‬‬
‫زوجي ‪ /‬أحفظ هذه الكلمات ‪ :‬حنن نصرب على اجلوع وال نصرب على النار ‪S....‬‬
‫طيب ُمبارك واهلل ال يقبل إال طيب وحنن ال نُريد ُالغىن إن كان‬ ‫احبث عن احلالل فاحلالل ٌ‬
‫مصدره شبهه فكيف لو كان حراماً ‪...‬‬
‫ملاذا أراك ُمتلهف على مجع املال من هنا وهناك ؟؟‬
‫رويداً ‪ ،‬متهل فلن يكون إال ما كتبه اهلل لك ‪ ..‬وملاذا ال ترفع يديك إىل ربك قبل أن تسلك‬
‫طريق التجارة وتدعو ربك وتسأله التوفيق‬
‫الرسالة الثامنة عشر‪:‬‬
‫املساعدة‬
‫ُ‬
‫زوجي يا كبري القلب ‪..‬‬

‫‪462‬‬
‫يا عايل القدر عندي‪S...‬‬
‫أتسمح يل بإهدائك هذا احلديث الشريف ‪ ( :‬كان ‪ ‬يغسل ثوبه وخيصف نعله )‪.‬‬
‫ب اهلل وحيب رسوله ‪ ‬وأعتقد أنه لو يعلم‬ ‫فقلت يف نفسي إن زوجي حُي ُ‬ ‫ُ‬
‫هبذا احلديث لكان من أول القائمني به ‪.‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫طريق يل إىل دخول اجلنان وهذا ما يدعوين خلدمتك ولكن أمتىن أن أراك‬ ‫إن خدميت لك ٌ‬
‫تكنس بيتك‪...‬‬‫ُ‬ ‫تغسل ثوبك أو‬
‫أحياناً ال دائماً ُ‬
‫األمر لك ‪،،‬‬
‫عفواً ال أقول ذلك آمراً ال بل ُ‬
‫أشعر بقربك مين وحبك يل‪...‬‬ ‫لكن فعلك هذا جيعلين كامرأة ُ‬
‫إن فعلك هذا يدعوين إىل التفاين يف القيام مبا حُت ب‪...‬‬
‫أنا ال أنسى أنك تقوم ببعض ذلك ولكين ُأذكُِرك باحتساب األجر ‪..‬‬
‫فأشرف اخللق ‪ ‬كان يتعاون مع أهله يف شؤون‬
‫بيته ‪.‬‬
‫الرسالة التاسعة عشر‪:‬‬
‫وجائت اإلجازة ‪...‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫نرتقب فيها لتلك اإلجازة السنوية تلك اللحظات اليت تُساع ْد على‬ ‫إنك ال تعلم كم عدد األيام اليت ُ‬
‫ب بيننا ‪...‬‬
‫تنمية احلُ ْ‬
‫تلك اللحظات اليت ننسى فيها روتني الدوام الرمسي إهنا حلظات إشتياق ‪ ،‬وساعات تذوق لكل‬
‫معاين احلب والتقدير‪0‬‬
‫سأطرح عليك بعض هذه األفكار قبل أن تبدأ اإلجازة ‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫لكين‬
‫‪ -‬لقد جنح أبنائنا بتفوق فما رأيُك لو إشرتينا هلم بعض اهلدايا‬
‫التشجيعية ؟‬
‫‪ -‬ما رأيُك لو ذهبنا إىل مكة ألخذ العمرة فالعمرة هلا فضل كبري؟‬
‫‪ -‬ما رأيُك لو رتبنا ميزانية السفر من اآلن حىت ال تذهب أموالنا‬
‫هدر ؟‬
‫صنع‬‫‪ -‬أقرتح لو أخذنا معنا بعض أدوات املطبخ حىت نأكل من ُ‬
‫أيدينا فاألكل من املطاعم كله ضرر من الناحية الصحية وضياع‬
‫لألموال‪،‬وحنن حباجة للمال كما تعلم ‪.‬‬
‫ُ‬

‫‪463‬‬
‫‪ -‬تعلم يا زوجي أن صلة الرحم من أفضل األعمال فما رأيُك لو قمنا بزيارة ألهلي وأهلك؟‬
‫تسمح يل بشراء هدية لوالديت وإخويت الصغار ؟‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬هل‬
‫أشكرك فهذا ما أتوقعه منك ياصاحب اجلود والكرم ‪.‬‬
‫نستمع إليها يف الطريق ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬أقرتح أن نأخذ معنا أشرطة إسالمية نافعة حىت‬
‫‪ -‬أطفأ جهاز املسجل فإن الغناء حرام يا زوجي ‪ ،‬وما موقفك لو فاجئك ملك املوت اآلن وأنت‬
‫ُ‬
‫على حالتك هذه ؟؟‬
‫وحنن عائدون من سفرنا أشكرك على هذه اإلجازة فقد إستمتعنا هبا‪.‬‬ ‫‪ُ -‬‬
‫الرسالة العشرون‪:‬‬
‫حروف من املدح ‪.....‬‬
‫إين امرأة أهفو ألن أمسع كلمة مدح‪....‬‬
‫إهنا كلمة يسرية وحروفها قصرية ‪ ...‬لكن أثرها يف القلب كبري‪S....‬‬
‫لقد كان النيب ‪ ‬يستخدم أسلوب املدح أحيانا مع الصحابة الكرام‪S...‬‬
‫بل ومع نسائه ‪..‬إن املدح له تأثري نفسي كبري‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫هل يضرك أن تتفوه بتلك الكلمة اليت تدفعين هبا إيل مزيد من العناية بالبيت أو الطعام‬
‫أو حىت بنفسي ؟‬
‫دخلت البيت فرأيتهُ ُمرتباً ورائحته مجيلة فلماذا ال تقول ما أمجل البيت وما أحسن‬‫ْ‬ ‫رمبا‬
‫هذا الرتتيب وما ألطف هذه العناية ‪ S...‬مث ترفع يديك داعياً يل ‪ ( :‬أسأل اهلل أن حي ْفظك يل )‪.‬‬
‫بصراحة‬
‫تش َم الرائحة اجلميلة ‪ ...‬ولكنك جتاهلت ذلك وأعرضت‬ ‫وتعطرت لكي ُ‬
‫ُ‬ ‫جتملت لك‬
‫ُ‬ ‫هل تذكر ملا‬
‫عن النظر إيل النشغالك بأمر من أمور دنياك ؟؟‬
‫عجباً لك يا زوجي ‪:‬‬
‫ب‬
‫أتعلم لو أنك نظرت يل نظرة مودة مث أعقبت ذلك بكلمة متدحين فيها إنك بعملك هذا تصنع احلُ ْ‬ ‫ُ‬
‫لك‬
‫يف قليب ‪..‬‬
‫ياترى هل سأمسع منك ذاك ُمستقبالً ؟‬
‫الرسالة احلادية والعشرون ‪:‬‬
‫املنكرات‬
‫ُ‬
‫زوجي ‪:‬‬

‫‪464‬‬
‫إين أش ُكرك ُشكراً جزيالً على عنايتك جبمال بيتنا واالهتمام به ‪،‬لكين فكرت يف بعض ما رأيت يف‬
‫رأيت الصور‬
‫البيت ‪ ,‬فرأيت بعض املُنكرات واملُحرمات اليت ال يرضاها اخلالق جل وعلى ُ‬
‫املعلقة‪..‬فهذه صورة والدك وهناك صورتك ملا حصلت على شهادة التخرج ‪,,،‬‬
‫رأيت ألبوم الصور ‪..‬‬
‫ويف غرفة النوم ُ‬
‫هذا غري صور األطفال‪...‬‬
‫نت أظن أن هذا ال حرج فيه ‪ ،‬لكن قرأت فتوى لعلمائنا األفاضل عن إدخال الصور للبيت‬ ‫ُك ُ‬
‫وتعليقها واالحتفاظ هبا للذكرى ‪,‬‬
‫فكان اجلواب ‪ :‬حيرم تعليق ذات األرواح ‪ ،‬كما حيرم االحتفاظ بالصور للذكرى ‪ ،‬ألن الرسول‬
‫‪ ‬يقول ‪ ( :‬لعن اهلل املصورين ) وقال ( ال تدخل املالئكة بيت فيه كلب‬
‫كل مصو ٍر يف النار) رواه مسلم (‪. ) 3945‬‬ ‫أو صورة ) رواه البخاري (‪ ( ، ) 3986‬وقال ُ‬
‫وبعث النيب ‪ ‬علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه وقال له ال تدع متثاالً إال‬
‫طمسته ويف رواية وال صورة إال طمستها رواة مسلم ( ‪ )1609‬ويف رواية ‪ :‬وال صورة يف بيت إال‬
‫طمستها رواه النسائي ( ‪. )2004‬‬
‫ومما يدخله بعض الناس لبيوهتم األلعاب ألطفاهلم اليت حتتوي على صور للحيوانات كالعرائس‬
‫والتماثيل الصغرية املصنوعة من القطن وحنو ذلك ‪.‬‬
‫زوجي ‪...‬‬
‫ها أنت مسعت هذه الفتوى وقرأهتا ورأيت األدلة على حترمي اقتناء الصور فهل ستخرج هذه الصور؟‬
‫أم أنك ستُصر علي اإلمث واحلرام ؟‬
‫‪..............................‬‬
‫ومن املنكرات اليت رأيتها يف البيت ‪ :‬اجملالت اخلليعة ‪.‬‬
‫تضايقت جداً ملا رأيُتك داخالً هبا ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫عجباً لك ملاذا تدفع املال من أجلها ؟‬
‫وما هي الثمرة اليت جتنيها من قراءتك هلا ؟‬
‫كم هي املعاصي اليت بداخلها ؟‬
‫صور شبه عارية ‪ ،‬مبادئ هدامة ‪ ،‬ثقافات ساقطة ‪..‬‬ ‫ٌ‬
‫عجباً لك أأنت الذي سرُت يب أبنائي وبنايت ‪ ،‬أأنت الذي سيغرس العفة واحلياء يف قلوب أبناِئنا وبناتنا؟‬
‫عجباً لك ماذا ننتظر منك ؟‬
‫ننتظر منك أن تُذكرنا بآخر الصيحات الغربية يف عامل األزياء ؟‬ ‫هل ُ‬
‫ننتظر منك أن حتفنا بقصيدة حب وغرام بعثها حمبوب لعشيقته يف اجمللة ؟‬ ‫أم هل ُ‬

‫‪465‬‬
‫أكاد ُأصدق ما أرى‬‫زوجي ‪ /‬ال ُ‬
‫ساعات طويلة‪ .........‬واجمللة بيدك ‪.......‬تُقلب بصرك لتكسب اآلثام ‪ .....‬يا حسرتا ‪..‬‬
‫ما الذي غرين فيك ‪ ،‬أين خوفك من اهلل ‪ ..‬أمل تعلم بأن اهلل يرى ‪..‬‬
‫الرسالة الثانية والعشرون‪:‬‬
‫االعتذار‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫أعتذر عما جرى مين قبل قليل ‪S....‬‬
‫فهل تقبل االعتذار؟‬
‫قصرت كثرياً جتاهك‪....‬‬‫ُ‬ ‫لقد‬
‫ندمت على ما بدر مين ‪ ....‬أنا أعتذر عن ما قلتُه وعما فعلته ‪.‬‬ ‫لقد ُ‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫طلبت الطالق أكثر من مره بشكل صريح ‪ ............‬ومرات ُأخرى طلبته‬ ‫صحيح أين قد ُ‬
‫بالتلميح‪.....‬‬
‫وقلت لك أذهب يب إىل أهلي ‪S.....‬‬ ‫ُ‬
‫ناقصات عقل ودين )‬
‫ُ‬ ‫أنا أعرتف بذلك ‪ ،‬ولكن ال تنسى ( أننا‬
‫متر علينا حلظات ننسى فيها عواقب األمور وجنهل ما بعد املوقف ‪..‬‬ ‫ُ‬
‫وأضرب لك مثالً ‪ :‬أتذكر ملا حدثت بيننا تلك املشكلة‪....‬‬
‫وارتفعت األصوات ‪S...‬‬
‫وكنت عازمة على أن ال أعود‬ ‫ُ‬ ‫وقلت لك أذهب يب إىل أهلي‬
‫ودخلت منزل أهلي ومر يومان وهدأت نفسي ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وذهبت يب ‪،‬‬
‫َ‬
‫وذهب والدي إىل عمله ‪ ،‬وذهبت والديت إىل جارهتا ‪...‬‬
‫ورأيت أخي الصغري حيبو بني يدي‪.‬‬‫ُ‬ ‫نظرت ألخويت فإذا هبم يلعبون‬ ‫ُ‬
‫عادت الذاكرة‪....‬‬
‫وأقلعت تلك اهلموم من مطار األحزان والندم على منت طائرة األسى واحلُزن واألمل‪...‬‬
‫وهبطت يف بييت األول ‪S....‬‬
‫تذكرت زوجي ‪ ...‬وأبنائي ‪ ....‬نزلت الدموع من عيين وعيين‬ ‫ُ‬
‫سقطت على ذلك اللباس الذي أهديتهُ يل قبل أسبوع ‪..‬‬ ‫ُ‬
‫فكرت وقلت لنفسي ‪ :‬ما أشد جهلي ‪ ،‬من يل اآلن ؟؟؟‬ ‫ُ‬
‫ال زوج يُؤنسين وال أخ حيدثين ‪S...‬‬

‫‪466‬‬
‫عاهدت نفسي وأعاهدك أن ال أطلب ذلك مرة أخرى‬ ‫ُ‬
‫زوجي ‪ /‬أقبل عذري ‪..‬‬
‫هل قبلت ؟‬
‫نعم قبلت ‪.‬‬
‫ما أروعك وما أعلى قدرك ‪..‬‬
‫الرسالة الثالثة والعشرون‪:‬‬
‫الغرية ‪:‬‬
‫زوجي ‪ ...‬رأيتُك وقد أخذت كوباً من الشاي وبيدك األخرى رميوت القنوات الفضائية وأنا جبانبك‬
‫‪...‬‬
‫قلت يف نفسي ‪.‬‬
‫وفجأة وإذا بصورة رجل يف أحسن لباس يظهر يف الشاشة ُ‬
‫سأعلم مدى ُخلق الغرية عند زوجي ‪ 10،‬دقائق ‪ ،‬نصف ساعة ‪ ،‬ساعة متر ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫اآلن‬
‫وصورة الرجل متر‪ ..‬واكتشفت أن زوجي عدمي الغرية ‪ ،،‬يا حسرتاه ‪ ،،‬وأسفاه ‪..‬‬
‫هل أنت رجل ؟؟ أخربين ما معىن الرجولة ؟‬
‫أهي يف القوة ورفع األصوات ؟‬
‫يارجل عفواً فلست يف مقياس الدين برجل عذراً أن أقول لك يا زوجي ‪:‬‬
‫إن اخلنزير ال يغار ‪.‬‬
‫تراين ألبس النقاب وقد ظهرت عيناي وأنت مل حُت رك ساكناً ‪..‬‬
‫تراين والعباءة على الكتف وقد أظهرت تفاصيل جسدي وال أرى غريتك‪.‬‬
‫بل تشرتي يل بنفسك العباءة املطرزة الضيقة حىت أفنت الناس هل أنت غيور ؟‬
‫ُ‬
‫أنظر للرجال يف التلفاز واجملالت واحملالت يف كل مكان ‪..‬‬ ‫تراين ُ‬
‫وال حياة ملن تُنادي ‪.‬‬
‫أطلب كل ما مسعت من عباءة ضيقة أو على الكتف‬ ‫عقل ودين قد ُ‬ ‫نعم أنا ناقصةُ ٍ‬
‫وقد أطلب النقاب ‪ S.....‬ولكن ال يربر ذلك عدم غريتك علي ‪...‬‬
‫وألف ال ‪S...‬‬
‫ُكن رجالً ‪،‬قل يل ال ُ‬
‫أريد أن أرى دالئل غريتك علي‪...‬‬ ‫ُ‬
‫الرجال قوامون على النساء}‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أين أنت من قول اهلل تعاىل {‬
‫‪....................‬‬
‫وجاء الليل بسكونه رأيتُك نائماً قمت وصليت ركعتني ودعوت اهلل أن يرزق زوجي الغرية علي ‪S...‬‬
‫ألنين فقدهتا يف زمن الغربة ‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫الرسالة الرابعة والعشرون‪:‬‬
‫هيا سوياً إيل السوق ‪:‬‬
‫زوجي ‪....‬‬
‫أشكرك على نفقتك علي ‪S...‬‬
‫أشعر بالسعادة عندما أراك وأنت تُدخل يدك يف جيبك لتخرج املال لشراء ما ُأحب‬ ‫ويعلم اهلل كم ُ‬
‫ُ‬
‫‪...‬‬
‫ولكن عندي بعض اهلمسات ؟‬
‫فهل من املمكن أن تصغ مسعك يل ‪:‬‬
‫‪ -‬إذا خرجنا من البيت فال تسمح يل بلبس النقاب وال العباءة الضقية‬
‫وال العباءة اليت على الكتف ألهنا حُم رمة ‪.‬‬
‫أنت ال ترتكني لبسها ؟‬ ‫‪ -‬قد تقول ملاذا ِ‬
‫‪ -‬أقول لك أنا امرأة عندي ضعف يف اإلميان قد تدعوين نفسي‬
‫األمارة بالسوء إىل ذلك فال تستجب ملطاليب وال لرغبيت كن أقوى مين وال تأبه بإحلاحي ‪...‬‬
‫فليس من الرمحة يب طاعيت يف ذلك ‪.‬‬
‫فأريد منك أن أشعر بفرحك لركويب معك ‪.‬‬ ‫‪ -‬إذا ركبنا السيارة ُ‬
‫‪ -‬ال تضع الشريط يف املسجل مبجرد ركويب معك ‪.‬‬
‫عُذراً لطليب هذا ‪ .‬فأنا أشتاق للحديث معك‪...‬‬
‫قل بسم اهلل قبل قيادتك للسيارة ‪.‬‬
‫‪ -‬ال تزاحم الناس فسوف نصل بإذن اهلل تعاىل ‪.‬‬
‫‪ -‬وصلنا إىل السوق ‪...‬‬
‫تفضل كن جبانيب وال تتقدم علي ‪.‬‬
‫‪ -‬تكلم عين مع البائع وال تدعين ُأكلم الرجال ‪..‬‬
‫بصوت خافض ماذا تُريدين هذه أم هذا ؟‬ ‫ٍ‬ ‫قل يل‬
‫قلت لك هل من املمكن‬ ‫‪ -‬قد ال يُعجبين ذلك احملل فال تضجر إذا ُ‬
‫أن نذهب إىل حمل آخر ‪...‬‬
‫ُأقدر وقتك ‪.‬‬
‫أنا سأحاول أال ُأطيل ألين ُ‬
‫‪ -‬ال تُكثر علي من قولك‪ :‬هيا بسرعة ألن ذلك جيعلين ال أفرح باخلروج معك‪ .....‬دعين‬
‫حىت أختار ما يُناسبين ‪ ،‬واهلل لو كان معك صديق ملا مللت من التجول معه فلماذا أنت‬
‫معي متضجر غضبان تنظر إىل الساعة باستمرار ‪.‬‬

‫‪468‬‬
‫ُأريد رجل‬
‫‪ -‬ال متن علي بشرائك ‪ ،‬فاملنان ال خري فيه لو مل تشرتي ذلك اللباس لكان أفضل ألين ال ُ‬
‫منان ‪...‬‬
‫إستمتعت باخلروج معك ‪0‬‬‫ُ‬ ‫وحنن عائدون شكراً لك فلقد‬ ‫ُ‬
‫الرسالة اخلامسة والعشرون‪:‬‬
‫قل هلم أنا مشغول ‪:‬‬
‫زوجي الكرمي ‪:‬‬
‫أطلب منك شيء يف تلك األوقات اليت تنشغل فيها ‪.‬‬ ‫ُأقدر أعمالك وأشغالك لذلك ال ُ‬ ‫أنا ُ‬
‫ولكن مما حُي زنين أنك ال تُقدر األوقات اليت جعلتها يل ‪.‬‬
‫أتذكر ملا اتفقنا للخروج بعد صالة العشاء للنُزهة‪S...‬‬
‫أنتظر تلك اللحظة باألشواق ولكن فوجئت بأنك تأخرت‬ ‫كنت ُ‬ ‫ُ‬
‫وإذا بك تأيت بصديقك إىل البيت ‪.‬‬
‫زوجي ‪:‬‬
‫أنت على موعد معي أنسيت ملاذا تنسى موعدنا ؟‬
‫ملاذا مل تقل له أنا مشغول ؟‬
‫أم يا تَرى حياُئك مينعك من ذلك ؟‬
‫حبثت لك عن عُذر فلم أجد ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ولكن ليست هي املرة األوىل اليت تعدين وختلف أرجو منك أن‬
‫تُقدر مواعيدي يف املستقبل ‪.‬‬
‫ُ‬
‫الرسالة السادسة والعشرون‪:‬‬
‫زوجي العزيز ‪:‬‬
‫بالني مبحبيت للرائحة اجلميلة‬ ‫أراك تتضايق مين إذا مل تشم رائحة العطر اجلميل وتصيح وتقول ِ‬
‫أنت ال تُ ْ‬
‫‪.‬‬
‫عجباً لك يا زوجي املدخن ‪:‬‬
‫ُ‬
‫ُمنذ أن تزوجتُك ورائحة الدخان اخلبيثة ُمْنتنة ومل ُأظهر لك أين أتضايق منها‪ ,‬ألين ُأحبك‬
‫وال أحب أن أتفوه بكلمة تُزعجك ‪.‬‬
‫بصراحة‬
‫وأشعلت تلك السيجارة ال تعلم كم أحزن لذلك ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫ركبت معك يف السيارة‬
‫ُ‬ ‫إذا‬
‫وال تعلم كم أبكي حلايل معك ؟‬
‫إن رائحة الدخان كريهة جداَ‪S...‬‬

‫‪469‬‬
‫أوالدي معي يف السيارة فلماذا ال تُقدر ذلك ؟‬
‫إنك تُدمر صحتك وصحتنا ‪..‬‬
‫لقد دفعت كثري من األموال عليها‪ S......‬لو أنك أنفقتها على الفقراء أو علينا لكان خرياً لك ‪..‬‬
‫تفوح منك ‪.‬أما علمت أن املالئكة تتأذى مما‬ ‫إنك تُصلي وتقابل ربك وخالقك ورائحة الدخان ُ‬
‫يتأذى‬
‫منه اإلنسان ‪..‬‬
‫زوجي ‪ :‬اصدق مع اهلل ‪ S.......‬وأترك ذلك الدخان ‪S.....‬‬
‫وأستعن باهلل ‪ S........‬وسأدعو لك يف صاليت بأن يوفقك اهلل يف تركه‪.‬‬
‫أتركه ألجل اهلل وسرتى اخلري بإذن اهلل فمن ترك هلل شيء عوضه‬
‫اهلل خب ٍري منه ‪.‬‬
‫تشم منك هذه الروائح املنتنة ‪..‬‬ ‫تذكر زوجتك اليت دائماً ُ‬
‫ُ‬
‫وتذكر أبنائك أنت قدوهتم ‪....‬‬
‫يا حسرتاه عليك ‪S....‬‬
‫أمتىن أن تعود إىل البيت وخُت ربين بأنك قد عزمت على تركه اليوم ‪..‬‬
‫الرسالة السابعة والعشرون ‪:‬‬
‫اهلدية‬
‫زوجي الكرمي‬
‫إن اهلدية جتعل يف القلب أثراً كبرياً وهي سبب من أسباب احملبة واملودة كيف ال ؟‬
‫ونبينا ‪ ‬يقول ‪ :‬هتادوا حتابوا ‪0‬‬
‫قدمت من سفرك وأنت صفر اليدين من اهلدية ‪..‬‬ ‫َ‬ ‫لقد أصابين ُحز ٌن يف قليب ملا‬
‫إن اهلدية ليست بقيمتها املادية ‪S.....‬‬
‫ولكن قيمتها بالنسبة يل كزوجة شيءً مثني ال يُقدر مبال ولو كانت من أقل القليل‪00‬‬
‫ويف ذلك اليوم ملا رزقنا مبولود كنت أنتظر منك أن تأيت لنا هبدية هبذه املناسبة ‪ ,‬ولكين تفاجئت‬
‫بأنك مل‬
‫تلق لذلك باال‪...‬‬
‫قلت يف نفسي لعله نسي‪........‬‬
‫ولكنها أيام بل شهور مرت ومل أر شيء ‪....‬‬
‫فلماذا يازوجي الغايل؟؟‬

‫‪470‬‬
‫إن أيام املناسبات ‪ ,‬وحلظات الفرح مجيلة يف احلياة ‪ ...‬ولكن األمجل منها هو تفاعلك معها وإهادئك‬
‫يل‬
‫فيها هبدية ‪S...‬‬
‫الزالت أمامك فرصة ‪ ,‬واأليام اجلميلة تنتظرنا إن شاء اهلل ‪.......‬‬
‫فأمتىن أن نرى فيها ( هدية )‪.‬‬
‫الرسالة الثامنة والعشرون‪:‬‬
‫• حلقة حتفيظ القرآن الكرمي ‪:‬‬
‫زوجي الغايل‬
‫علي صديقيت وأخربتين بأهنا قد دخلت دار حتفيظ القرآن النسائية وأخربتين عما رأت‬ ‫إتصلت ّ‬‫ْ‬
‫وعما شعرت به يف تلك اجملالس اإلميانية ‪..‬‬
‫تالوة للقرآن ‪ S...‬زيادة يف اإلميان ‪ S....‬سعادة يف الروح ‪ُ ،‬أنساً باهلل ‪ ،‬لذةٌ عجيبة ‪،‬‬
‫ِ‬
‫بالسكينة يف القلب ‪.‬‬ ‫ُدروس ُمفيدة ‪ ،‬وفتاوى لعلمائنا الكرام ‪ .....‬تُشعُِر‬
‫أنتظر الوقت حىت مير ألذهب لتلك احللقات ‪....‬‬ ‫وتقول إنين ُ‬
‫وطأطأت رأسي ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫وضعت يدي على خدي‬ ‫ُ‬ ‫وضعت مساعة اهلاتف إال‬
‫ُ‬ ‫وما إن‬
‫قلت لنفسي ‪:‬‬ ‫ُ‬
‫ليال ذهبت يف القيل والقال ‪..‬‬ ‫يا حسرتا على ٍ‬
‫يا أسفا على ساعات مضت يف ُمتابعة املوضات ومشاهدة القنوات ‪.‬‬
‫حاسبت نفسي ‪ :‬كم سورة أحفظها ؟‬ ‫ُ‬
‫ُأجيدها بل أكثرها أخطاء ‪...‬‬ ‫صاليت ال ُ‬
‫إهتمامايت ُكلها تافهة‪S...‬‬
‫إما جملة جديدة أو سوق أجتول فيه أو ُمكاملة مع إحدى الصديقات والكالم يف أعراض الناس ‪..‬‬
‫مضت تلك الليلة مبا فيها‪.‬‬
‫ولكن أقول لك يا زوجي ‪ :‬لقد قررت هذا القرار جيب أن تذهب يب لكي ُأسجل يف حلقات‬
‫التحفيظ للقرآن الكرمي ‪.‬‬
‫ال ترفض أرجوك ‪...‬‬
‫يكفي ذنوبا ُوضياعاً لألوقات ‪...‬‬
‫صديقايت منهن من حفظت القرآن الكرمي كامالً‪..‬‬
‫الزلت أمام شاشة التلفاز‪...‬‬‫ُ‬ ‫وأنا‬
‫بإذن اهلل لن يكونوا أفضل مين ‪..‬‬

‫‪471‬‬
‫زوجي ‪ /‬أرجوك أن تشجعين على هذه اهلمة وال تثبط عزمييت‪...‬‬
‫فأريد َك أن جتلس معهم حىت أعود من احللقة ‪....‬‬ ‫أما األوالد ُ‬
‫أو تسجلهم يف حلقات التحفيظ باملسجد الذي جبوارنا ‪S...‬‬
‫ال تقل أنا مشغول ‪.‬‬
‫أجعل عملك ملا بعد املغرب ‪S...‬‬
‫أصرب فأنا يف جلسات القرآن واإلميان ‪....‬‬
‫ال حترمين األجر والثواب‪...‬‬
‫غداً سوف نذهب بإذن اهلل ‪.‬‬
‫أشكرك شكراً جزيال يا زوجي احلبيب وجزاك اهلل كل خري ‪.‬‬
‫الرسالة التاسعة والعشرون‪:‬‬
‫زوجي ‪....‬‬
‫ومما أحزنين بل دمرين‬
‫ذلك اجلهاز اخلبيث ( الدش )‬
‫ب الشهوة ‪S...‬‬ ‫ذلك اجلهاز الذي يزرع ُح ْ‬
‫ذلك اجلهاز الذي حرك دواعي الفاحشة يف نفسي ‪S.....‬‬
‫ضيعت الصالة من أجله ‪..‬‬
‫ُ‬ ‫نشأت عليها ‪ ،‬نعم لقد‬
‫ُ‬ ‫نعم لقد أزال عين نقاء الفطرة اليت‬
‫عد عن اهلل تعاىل ‪....‬‬ ‫لقد أصبحت يف ب ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫أحبث‬
‫أرفع مساعة اهلاتف ُ‬ ‫بضيق يف صدري ‪ S...‬ال تعلم كم مر ٍة جاءين الشيطان لكي ُ‬ ‫أشعُر ٍ‬
‫ب والغرام ‪...‬‬ ‫عمن ُأبادلهُ مشاعر احلُ ْ‬
‫أركب معه لكي أتذوق طعم‬ ‫ُ‬ ‫بل واهلل لقد جاءتين خواطر للخروج من البيت للبحث عن شاب‬
‫العشق الذي رأيتُهُ يف ذلك الفلم ‪...‬‬
‫زوجي ‪ /‬هل مسعت بقصة تلك الفتاة اليت خرجت من بيتها يف ساعة ُمتأخرة من الليل بعدما‬
‫رأت فلماً ماجناً ‪....‬‬
‫فرأت شاباً بسيارته أوقفته وركبت معه ‪..‬‬
‫ولكن من ُحسن حظها أن ذلك الشاب كان ممن خيافون اهلل ‪S...‬‬
‫ذهبت هبا إيل بييت وأدخلتُها على زوجيت مث سألتها عن سبب خروجها ‪S...‬‬ ‫يقول الشاب ُ‬
‫فأدرت اللقاء بأحد الشباب‬
‫ُ‬ ‫رأيت فيلماً فلم أصرب ومل أمتالك نفسي ‪،‬‬ ‫تسبق حروفها‪ُ :‬‬ ‫قالت ودموعها ُ‬
‫الذين يفعلون مثل تلك األفعال ‪....‬‬
‫قام ذلك الشاب وأخذ رقم هاتف والد تلك الفتاة وأتصل ِبه وكلمهُ قائالً ‪:‬‬

‫‪472‬‬
‫السالم عليكم أنت أبو فالنة ؟‬
‫ُ‬
‫قال نعم ‪ ..‬ومن أنت ؟‬
‫وما شأنُك هبا ؟‬
‫وسأتصل بك بعد دقائق ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أحبث عنها ؟‬
‫ُجن ُجنون األب ‪ ،‬وصاح إبنيت ‪ S...‬حبث عنها فلم جيدها ‪.‬‬
‫إتصل الشاب على الوالد ‪ ،‬هل وجدهتا ؟‬
‫قال األب ‪ ..‬من أنت ؟ وأين إبنيت ؟‬
‫قال الشاب إبنتك يف أمان ال ختف ‪ ..‬ولكن لن تستلم إبنتك إال بعد أن تكسر جهاز الدش ‪.‬‬
‫سأصنع ما تُريد‪...‬‬
‫ُ‬ ‫قال األب‬
‫السالم عليكم ‪,‬‬
‫ُ‬ ‫الرجل زوجتهُ وتلك الفتاة ووقف أمام منزل والدها وقال‬ ‫ُ‬ ‫أخذ‬
‫بسوء وهلل احلمد ‪ ،‬ال تلمها‪ ......‬مُلْ نفسك أنت ‪...‬‬ ‫إبنتك مل تُصب ٍ‬
‫ْ‬ ‫َُ‬
‫‪.....................‬‬
‫زوجي ‪ /‬أنا امرأة ضعيفة أتأثر مبا أرى وأمسع فال جتعل الشيطان يُدمر إمياين وينزع حيائي ‪..‬‬
‫أخرج ذلك اجلهاز فواهلل ما رأينا اخلري من ُذ دخل علينا ‪...‬‬
‫املصدر ‪ :‬موقع ياله من دين‬
‫‪/http://www.deen.ws‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪473‬‬
‫كيف يكون بيتك سعيداً‬
‫أمري بن حممد املدري‬
‫إمام وخطيب مسجد اإلميان – اليمن‬
‫إخواين‬
‫كلنا يبحث ويريد البيت املسلم السعيد البيت الذي فيه املأوى الكرمي والراحة النفسية البيت الذي‬
‫((و ِم ْن آيَاتِِه َأ ْن َخلَ َق لَ ُكم ِّم ْن َأن ُف ِس ُك ْم َْأز َواجاً لِّتَ ْس ُكنُوا ِإلَْي َها َو َج َع َل‬
‫ينشأ يف جنباته جيل صاحل فريد َ‬
‫ات لَِّق ْوٍم َيَت َف َّكُرو َن ))الروم‪21‬فيا ترى هذا البيت السعيد ما هي‬ ‫ك آَل ي ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫َبْينَ ُكم َّم َو َّدةً َو َرمْح َةً َّن يِف ذَل َ َ‬
‫مساته وما هي صفاته ‪.‬‬
‫إخواين‬
‫البيت نعمة ال يعرف قيمته وفضله إال من فقده وعاش يف ظلمات سجن أو يف غربة أويف فالة قال‬
‫تعاىل ‪ (( :‬واهلل جعل لكم من بيوتكم سكنا))‬
‫البيت نعمة من نعم اهلل على عباده جيد املسلم راحته وهدوء باله وفيه السكن والراحة واملودة يف‬
‫خضم مشاكل احلياة ‪.‬‬
‫إخواين‬
‫إ ّن طريق الفوز والنجاة يف الدنيا واآلخرة ال يبدأ إال بِصالح البيوت وتربيتها على اإلميان والقرآن‬
‫والذكر ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِإ‬
‫ضيع من يعول ‪(( :‬قل َّن اخْلَاس ِر َ‬
‫ين‬ ‫أما اخلسارة فستكون فادحة وعظيمة يوم خيسر اإلنسان أهله ويُ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ني ))الزمر‪15‬‬ ‫ك ُه َو اخْلُ ْسَرا ُن الْ ُمبِ ُ‬ ‫ين َخ ِسُروا َأن ُف َس ُه ْم َو َْأهلي ِه ْم َي ْو َم الْقيَ َام ِة َأاَل َذل َ‬
‫الذ َ‬
‫إخواين‬
‫إن العالقة الزوجية ليست عالقة دنيوية مادية وال شهوانية هبيمية فهي أمسى وأعلى من ذلك إذ هي‬
‫عالقة روحية كرمية إذا ترعرعت ومنت امتدت إىل احلياة اآلخرة بعد املمات ‪.‬‬
‫عدن يدخلوهنا ومن صلح من أباءهم و أزواجهم وذرياهتم واملالئكة يدخلون عليهم من كل‬ ‫((جنات ٍ‬
‫باب))غافر‬
‫البيت السعيد أخوة اإلسالم أمانة حيملها الزوجان وهبما تنطلق مسرية هذا البيت فإذا استقاما على‬
‫منهج اهلل قوالً وعمالً وتزيناً بزينة النفوس ظاهراً وباطناً ‪.‬‬
‫وجتمال حبسن اخللق والسرية الطبية أصبح هذا البيت مأوى النور وإشعاع الفضيلة وأصبح منطلقاً‬
‫لبناء جيل صاحل وصناعة جمتمع كرمي وأمه عظيمة وحضارة راقية يبدأ من صالح الزوجني فكلكم‬
‫راع وكلكم مسؤول عن رعيته ‪.‬‬
‫إخواين‬

‫‪474‬‬
‫البيت السعيد هو البيت الذي جعل منهجه اإلسالم قوالً وعمالً ‪.‬‬
‫البيت السعيد هو حصانة للفطرة من اإلحنراف ‪ ،‬كما قال ‪ُ (( : ‬ك ُّل مولود يولَ ُد علَى ِ‬
‫الفطَْر ِة‬ ‫َْ ُ َ‬
‫يمةً مَجْ َعاءَ))متفق عليه‬ ‫صرانَه َأو مُيَ ِّجسانَه‪َ ،‬كما َتْنتُج الب ِه ِ‬
‫يمةُ هَب َ‬
‫َو ََأب َواهُ يُ َه ِّو َدانَهُ َْأو يُنَ ِّ َ ُ ْ َ ُ َ ُ َ َ‬
‫قال ابن القيم وأكثر األوالد إمنا جاء فسادهم من قبل اآلباء وإمهاهلم هلم وترك تعليمهم فرائض الدنيا‬
‫وسننه فأضاعوهم ِصغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم ومل ينفعوا آباءهم كباراً ‪.‬‬
‫إخواين‬
‫ما أمجل أن جيمع األب أبناءه فيقرأ عليهم القرآن ويسمع ويسرد عليهم من قصص األنبياء والصحابة‬
‫ويغرس فيهم األخالق العالية ‪.‬‬
‫إخواين‬
‫إن أهم رسالة للبيت املسلم هي تربية األوالد الرتبية الصحيحة ال غبش فيها وال تشوه وال تربية ال‬
‫بتحقيق القدوة احلسنة يف الوالدين ‪.‬‬
‫القدوة يف العبادات واألخالق القدوة يف األقوال واألعمال القدوة يف املخرب واملظهر فيأمر األب‬
‫أوالده بالصالة وهو أول املصلني ويأمرهم باألخالق وهو أعالهم ُخلقاً وحيثهم على الصدق وهو‬
‫أصدقهم‬
‫مشى الطاووس يوماً باختيال‬
‫فقلّده مبشيته بنوه‬
‫فقال عالم ختتالون فقالوا‬
‫بدأت به وحنن مقلدوه‬
‫وينشأ ناشئ الفتيان منا‬
‫على ما كان عوداه أبوه‬
‫فاألوالد مفطورون على حب التقليد وأول من يقلد الطفل أباه وأمه لكن عندما انشغل اآلباء عند‬
‫تربية أبناءهم والقيام بالقوامة على نساءهم واحلفاظ على أبناءهم من قرناء السوء والضياع والدمار‬
‫عند ذلك حتطّمت األسر والبيوت وضاع جيل بعد جيل ‪ :‬فليتق اهلل كل األباء‬
‫البيت السعيد من صفاته أنه يرد األمور عند اخلالف إىل اهلل ورسوله ولسان حاهلم ‪:‬‬
‫ول ِإن ُكنتم ُت ِمنو َن بِاللّ ِه والْيوِم ِ ِ‬ ‫الرس ِ‬ ‫ِإ ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِإ‬
‫ك َخْيٌر‬ ‫اآلخ ِر ذَل َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ ْ ْؤ ُ‬ ‫((ف ن َتنَ َاز ْعتُ ْم يِف َش ْيء َفُر ُّدوهُ ىَل اللّه َو َّ ُ‬
‫ٍِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ضى اللَّهُ َو َر ُسولُهُ َْأمراً َأن‬‫((و َما َكا َن ل ُمْؤ م ٍن َواَل ُمْؤ منَة ِإذَا قَ َ‬
‫َأح َس ُن تَْأ ِويالً ))النساء‪59‬وقال تعاىل ‪َ :‬‬ ‫َو ْ‬
‫ضاَل الً ُّمبِيناً ))األحزاب‪36‬‬ ‫ض َّل َ‬ ‫يَ ُكو َن هَلُ ُم اخْلَِيَرةُ ِم ْن َْأم ِر ِه ْم َو َمن َي ْع ِ‬
‫ص اللَّهَ َو َر ُسولَهُ َف َق ْد َ‬
‫البيت السعيد سعادته وأنسه ولذته يف ذكر اهلل ففي احلديث الصحيح عن أيب موسى رضي اهلل عنه‬
‫قال قال رسول اهلل ‪: ‬‬

‫‪475‬‬
‫((مثل البيت الذي يذكر اهلل فيه والبيت الذي ال يذكر اهلل فيه مثل احلي وامليت)) ‪.‬ويف الصحيح‬
‫ايضاً قوله ‪ (( : ‬اجعلوا من صالتكم يف بيوتكم وال تتخذوها قبورا ))‬
‫وقال صلى اهلل عليه السالم ‪ (( :‬ال جتعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه‬
‫سورة البقرة ))‬
‫وقال ‪ (( : ‬عليكم بالصالة يف بيوتكم فإن خري صالة املرء يف بيته إال املكتوبة ))‬
‫يف هذه األحاديث وغريها دليل على مشروعية إحياء البيوت وتنويرها بالتسبيح والتهليل والتكبري‬
‫وقراءة القرآن وصالة النافلة وإذا خلت البيوت من الصالة ومن الذكر كانت قبوراً موحشة ولو‬
‫كانت قصوراً‬
‫فبدون الذكر تغدوا البيوت مكاناً للشياطني سكاهنا موتى القلوب وإن كانوا أحياء ‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأع َمى ))طه‪ 124‬وقال عز وجل‬ ‫ضنكاً َوحَنْ ُشُرهُ َي ْو َم الْقيَ َام ِة ْ‬ ‫ض َعن ذ ْك ِري فَِإ َّن لَهُ َمعِ َ‬
‫يشةً َ‬ ‫َأعَر َ‬
‫((و َم ْن ْ‬
‫َ‬
‫‪(( :‬ومن يعش عن ذكر الرمحن نقيض له شيطاناً فهو له قريناً )) الزخرف‬
‫البيت السعيد هو البيت البعيد عن املشاجرات واملهاترات وضرب الوجه واإلهانة واإلذالل سئل النيب‬
‫‪ (( : ‬ما حق امرأة أحدناعليه قال أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسبت وال تقرب الوجه‬
‫وال تقبح وال هتجر إىل يف الفراش ))‬
‫قال تعاىل ‪(( :‬وعاشروهن باملعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً وجيعل اهلل فيه خرياً‬
‫كثرياً ))النساء‬
‫البيت السعيد ليس شرطاً أن يكون قصراً ليس شرطاً أن ميتأل باألموال واملأكوالت واملشروبات ‪.‬‬
‫ولكن يكفيه الكفاف والرضا باملقسوم شعاره قول النيب ‪: ‬‬
‫(( من بات أمتاً يف سربه معاىف يف بدنه معه قوت يومه فكأمنا حيزت له الدنيا حبذافريها )) جاء‬
‫عم النيب ‪ ‬فقال يا رسول اهلل علمين دعاء أدعو به قال يا عم سل اهلل العافية يف الدنيا‬ ‫العباس ‪ّ :‬‬
‫واآلخرة ‪.‬‬
‫يرحم اهلل هارون الرشيد الذي ملك الدنيا وكان أمرياً للمؤمنني جلس ذات يوم فعطش فطلب املاء‬
‫فلما أحضر الكأس قال له قاضي القضاه يا أمري املؤمنني لو أنك ُمنعت هذه الشربة ماذا ستفعل قال‬
‫سأدفع نصف ملكي ‪.‬فأعطاه فشرب مث قال له يا أمري املؤمنني لو ُمنعت هذه الشربة من اخلروج ماذا‬
‫ستفعل قال سأدفع نصف ملكي قال قاضي القضاه تباً مللك ال يساوي شرب ماء أدخاهلا وإخراجها‬
‫‪.‬‬
‫وكان على رضي اهلل عنه عند احلاجة يقول يف نفسه يا هلا من نعمة منسية قليل شاكرها ‪.‬‬
‫فيا عبد اهلل سل اهلل العافية يف الدنيا واآلخرة لك وألهلك وإلحبابك ‪.‬‬

‫‪476‬‬
‫البيت السعيد يتعاون أفراده على الطاعة والعبادة فضعف إميان الزوج تقويه الزوجة ‪،‬وإعوجاج سلوك‬
‫يقويه الزوج تكامل وقوة ونصيحة وتناصح قال ‪ (( ‬رحم اهلل رجالً قام من الليل فصل مث‬ ‫الزوجة ّ‬
‫أيقظ زوجته فإن أىب نضح يف وجهها املاء ورحم اهلل امرأة قامت من الليل فصلت مث أيقضت زوجها‬
‫فإن اىب نضحت يف وجهه املاء )) أخرجه أبو داود وابن ماجه‪.‬‬
‫وعن أيب سعيد وأيب هريرة رضي اهلل عنهما عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬
‫«إذا استيقظ الرجل من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتني‪ ،‬كتبا من الذاكرين اهلل كثرياً والذاكرات»‬
‫رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه واللفظ له‪.‬‬
‫البيت السعيد يؤسس على علم وعمل بيت تُقام فيه ِحلق الذكر والعلم فيتعلم اجلميع آداب الطهارة‬
‫وأحكام الصالة وأداب اإلستئذان واحلالل واحلرام ‪.‬‬
‫البيت السعيد أساسه قائم على احلياء فهو يزرع يف قلوب ابناءه وبناته احلياء واحلشمة ‪.‬‬
‫فال يليق بالبيت املسلم أن خيدش حياءه ويهتك سرتة باألفالم اخلليعة واملسلسالت اخلبيثة واجملالت‬
‫الفاسدة ‪.....‬‬
‫قال تعاىل ‪ (( :‬أفمن أسس بنيانه على تقوى من اهلل ورضوان خرياً أمن أسس بنيانه على شفا جرف‬
‫هار فاهنار به يف نار جهنم )) ‪.‬‬
‫البيت السعيد أسراره حمفوظة وخالفاته مستورة ال تُفشى ال من قبل الزوج وال من قبل الزوجة ‪.‬‬
‫قال الرسول ‪ (( : ‬إن من شرار الناس عند اهلل منزلة يوم القيامة الرجل يفضي إىل امرأته وتفضي‬
‫إليه مث يصبح وينشر سرها ))‬
‫يف ظل هذه املعاين يقوم البيت املسلم السعيد عامراً بالصالة والقرآن تُظلله احملبة والوئام وتنشأ الذرية‬
‫الصاحلة فتكون قُرة عني للوالدين ومصدر خري هلما يف الدنيا واآلخرة ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪ (( :‬من عمل صاحلاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم‬
‫بأحسن ما كانوا يعملون )) غافر‬
‫إخواين‬
‫البيت السعيد بسيط يف كل جوانبه ما دية ومعنوية بعيد عن اإلسراف يف املأكل واملشرب ‪.‬‬
‫قال تعاىل ‪ (( :‬كلوا واشربوا وال تسرفوا إنه ال حيب املسرفني )) األعراف‬
‫البيت السعيد هو البيت الطاهر النظيف ظاهراً وباطناً فيه أناس حيبون أن يتطهروا واهلل حيب املطهرين‬
‫‪.‬‬
‫البيت السعيد يقوم على قواعد ثابته من السكينة واهلدوء واملودة والرمحة وهو بعيد عن الضوضاء‬
‫ورفع األصوات هذا البيت شعاره ‪ (( :‬واغضض من صوتك إن أنكر األصوات لصوت احلمري ))‬
‫لقمان‬

‫‪477‬‬
‫البيت السعيد هو الذي فيه يعلم الزوج أن للزوجة حقوق وعليها احلقوق ومن أول هذه احلقوق‬
‫للزوجة معاشرهتا باملعروف امتثاالً لقوله تعاىل ‪ (( :‬وعاشروهن باملعروف ))‬
‫كيف تكون الراحة والطمأنينة يف البيت إذا كان رب البيت ثقيل الطبع سيء العشرة بطيئ يف الرضا‬
‫سريع يف الغضب فلو تأخر عنه الغداء أو العشاء دقائق مأل أجواء البيت سباً وشتماً إذا دخل البيت‬
‫املن وإذا خرج فمسيء الظن قليل املزاح واملالحظة مع زوجته يظن أن املزاح مع زوجته‬ ‫فكثري ّ‬
‫مسقط للهيبة مذهب للمروءة ‪.‬‬
‫يطالبها بالتجمل والتزين له ويأيت هلا بثياب خلقة ورائحته نتنة يرى أن مساعدهتا يف البيت عمل‬
‫مشيناً مع أن خري اخللق الرسول ‪ ‬قد فعل ذلك وقال ‪ (( : ‬أكمل املؤمنني إمياناً أحسنهم خلقاً‬
‫وخياركم خيارهم لنساءهم )) رواه الرتمذي وقال حسن صحيح‪.‬‬
‫ومن حقوق الزوجة كف األذى عنها وذلك مراعاة شعورها فال ميدح امرأة أمامها وال يرفع يده‬
‫عليها خاصة أمام أهله وأهلها كما عليه أن يسرتما بينه وبينها من مشاكل وأسرار ومن أبشع األمور‬
‫وأفضعها ضرهبا أمام أوالدها ‪.‬‬
‫ومن فعل ذلك تصغر األم أوالدها وتضعف شخصيتها فال تقدر على تربية أبناءها‬
‫أخي الزوج‬
‫تذكر قبل أن ترفع يدك على زوجتك أن اهلل أقوى منك فإذا دعتك قدرتك عليها فتذكر قدرة اهلل‬
‫عليه ‪.‬‬
‫ومن حقوق الزوجة أمرها باملعروف وهنيها عن املنكر وتبصريها بأمور دينها وذلك عن طريق الكلمة‬
‫الطبية واملوعظة احلسنة النافعة‬
‫إخواين‬
‫الزوج املثايل هو الذي يعطي زوجته حقها من التلطف واملزاح ‪.‬‬
‫الزوج املثايل هو الذي حيسن احلديث مع زوجته بالكلمة الطيبة وليعلم أنه بالكلمة الطيبة سيصلح‬
‫أحوال زوجته ‪.‬‬
‫الزوج املثايل هو الذي ينفق على أهله يف اعتدال فال يسرف وال ينجل ‪ (( :‬لينفق ذو سعة من سعته‬
‫)) وليعلم أن أفضل الصدقة دينار ينفقه على أهله ‪.‬‬
‫اللهم أصلح بيوتنا ونورها باإلميان والتقوى يارب العاملني‬
‫ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعني وأجعلنا للمتقني إماما‬
‫ــــــــ‬

‫‪478‬‬
‫أثر التربية اإلسالمية (األمن األسري)‬
‫الباب الثاين يف تربية األسرة‬
‫وفيه ويف هذا الباب فصالن‪:‬‬
‫الفصل األول‪ :‬ضرورة وجود األسرة املسلمة وأساس بنائها‬
‫وفيه مبحثان‪:‬‬
‫املبحث األول‪ :‬ضرورة وجود األسرة املسلمة‬
‫املبحث الثاين‪ :‬أساس بناء األسرة املسلمة‬
‫املبحث األول‪:‬‬
‫ضرورة وجود األسرة املسلمة‬
‫إن النظام األسري قانون فطري عام يف مجيع املخلوقات‪ ،‬فاحليوانات العجماء تقوم حياهتا على نظام‬
‫أسري غريزي‪ ،‬فطرها اهلل تعاىل عليه‪ ،‬وهلذا جتد األنثى من احليوان حتبس نفسها على ولدها اجلديد‪،‬‬
‫حترسه وتغذيه بالوسيلة اليت فطرها اهلل عليها وأتاحها هلا‪ ،‬وتنظف جسمه كذلك‪ ،‬وإذا كان يف حاجة‬
‫إىل مكان أمني حيتمي به من العاديات‪ ،‬صنعت له ذلك صنعا عجيبا يناسبه‪،‬كالعش الذي تستمر‬
‫الطيور‪-‬إناثا وذكورا‪-‬زمنا غري يسري جتمع مواده وحتكم بناءه‪ ،‬وقد يكون املناسب له جحرا يف‬
‫األرض‪ ،‬أو ثقبا يف خشب‪ ،‬أو شقا يف صخر‪ ،‬فتجد كل حيوان يصنع ألواله املنزل اآلمن الذي‬
‫يناسبه‪ ،‬مع شدة حراسته والعناية بتغذيته‪.‬‬
‫وهكذا جتد احليوانات تسري يف األرض أسرا ومجاعات تتكون من تلك األسر‪ ،‬قد تتصارع فيما بينها‪،‬‬
‫ولكنها تكون يدا واحدة على ما يعتدي عليها من غري جنسها‪ ،‬وهذا أمر فطري يدركه اإلنسان يف‬
‫احليوانات‪ ،‬أليفة كانت أم متوحشة‪ ،‬يف الطيور والوحوش وغريها‪.‬‬
‫والنظام األسري أشد ضرورة للبشر من سائر احليوانات‪ ،‬وخباصة يف رعاية الطفل الذي تطول مدة‬
‫طفولته أكثر من أي حيوان آخر‪ ،‬وحاجته إىل الرعاية والعناية أعظم من أي حيوان‪ ،‬ملا يرتتب عليها‬
‫من عمارة األرض عمارة خري و صالح ‪ ،‬كما أن اإلنسان ال تستقيم حياته بدون أسرة‪ ،‬يعرف فيه‬
‫واألم واألقرباءَ‪ ،‬من ابن وأخ وجد وغريهم‪ ،‬ليحصل بينهم التكافل‪.‬‬ ‫األب َ‬ ‫َ‬
‫وهلذا كان حفظ النسب من الضرورات اليت اتفقت عليها أمم األرض‪ ،‬وإن خرج بعضها على ذلك‬
‫شذوذا وحنوحا‪.‬‬
‫وإذا كان قد وجد يف األناسي من شذ عن هذه الفطرة‪ ،‬بوضع تصور يدعو فيه إىل عدم اعتبار‬
‫ضرورة األسرة‪-‬كما هو احلال عند الشيوعيني‪ -‬فإن ذلك ال يؤثر فيما تواطأت عليه فطرة األمم‬
‫واألجيال‪ .‬وفساد فطر بعض من اجتالتهم الشياطني وشذوذهم عن تلك األمم‪ ،‬جيعل هذا الشذوذ‬
‫وهذا اخللل حمصورا فيهم‪ ،‬لفساد فطرهم‪.‬‬

‫‪479‬‬
‫واحلقيقة أن هذا الشذوذ مل يكن طبيعيا‪-‬أي مل خترته األسر اختيارا‪ -‬وإمنا جاء بوضع قوانني من‬
‫سلطة احنرفت عن الفطرة‪ ،‬بل عن غريزة احليوان‪ ،‬وأكرهت الناس إكراها على تنفيذ قوانينها الفاسدة‬
‫الشاذة‬
‫وإذا كان نظام األسرة وقانوهنا ضرورة للبشر كلهم‪ ،‬فإنه أشد ضرورة للمسلمني‪ ،‬ألن اإلسالم جاء‬
‫لتثبيت ما فطر اهلل اخللق عليه وتأصيله ورعايته‪.‬‬
‫وقد بين على نظام األسرة أحكام وتشريعات حامسة ال جيوز التفريط فيها‪ ،‬بل إن يف التفريط فيها‬
‫اختالال يف حياة األسرة واجملتمع كله‪ ،‬وال ميكن تطبيق تلك األحكام إال بوجود األسرة ورعايتها‪،‬‬
‫وفقا لشريعة اهلل اخلامتة‪ ،‬اليت وضعت قواعد معينة حمكمة لقيام األسرة ورعايتها‪.‬‬
‫وكثري من أبواب الفقه اإلسالمي وضع للعناية بأحكام األسرة من أجل محايتها وإحكام بنائها‪،‬‬
‫كالنكاح‪ ،‬والطالق‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والعدة‪ ،‬واحلضانة‪ ،‬والرضاعة‪ ،‬والوالية‪ ،‬والنسب‪ ،‬والنفقة‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫فوجود األسرة ضرورة شرعية‪ ،‬وحاجة فطرية‪.‬‬
‫وهلذا جتد يف القرآن الكرمي سورا تكثر فيها أحكام األسرة وآداهبا‪ ،‬كما يف سورة البقرة‪ ،‬والنساء‪،‬‬
‫والنور‪ ،‬واألحزاب‪ ،‬واجملادلة‪ ،‬والطالق‪ ،‬وغريها من السور اليت يذكر فيها شيء ما مما يتعلق باألسرة‪،‬‬
‫من ذكر أب‪ ،‬وأم‪ ،‬وأخ‪ ،‬وزوج‪ ،‬وامرأة ‪S...‬‬
‫قال سيد قطب رمحه اهلل‪ " :‬حنن يف هذا الدرس [وهو يتفيأ يف ظالل آيات سورة البقرة‪ ،‬من آية‬
‫‪ 221‬إىل ‪ ]242‬مع جانب من دستور األسرة‪ ،‬جانب من التنظيم للقاعدة الركينة اليت تقوم عليها‬
‫اجلماعة املسلمة‪ ،‬ويقوم عليها اجملتمع اإلسالمي‪ ،‬هذه القاعدة اليت أحاطها اإلسالم برعاية ملحوظة‪،‬‬
‫واستغرق تنظيمها ومحايتها وتطهريها من فوضى اجلاهلية‪ ،‬جهدا كبريا‪ ،‬نراه متناثرا يف سور شىت من‬
‫القرآن‪ ،‬حميطا بكل املقومات الالزمة إلقامة هذه القاعدة األساسية الكربى ‪ ....‬وينبثق نظام األسرة‬
‫يف اإلسالم من معني الفطرة وأصل اخللقة وقاعدة التكوين األوىل لألحياء مجيعا‪ ،‬وللمخلوقات كافة‪،‬‬
‫تبدو هذه النظرة واضحة يف قوله تعاىل‪? :‬ومن كل شيء خلقتا زوجني لعلكم تذكرون? [سورة‬
‫الذاريات‪ ]49 :‬مث تتدرج النظرة اإلسالمية لإلنسان‪ ،‬فتذكر النفس األوىل اليت كان منها الزوجان‪ ،‬مث‬
‫الذرية‪ ،‬مث البشرية مجعاء‪? :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة‪ ،‬وخلق منها‬
‫زوجها‪ ،‬وبث منهما رجاال كثريا ونساء‪ ،‬واتقوا اهلل الذي تساءلون به واألرحام‪ ،‬إن اهلل كان عليكم‬
‫رقيبا? [النساء‪?]1:‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا?‬
‫[سورة احلجرات‪]13 :‬‬
‫واألسرة هي احملضن الطبيعي الذي يتوىل محاية الفراخ الناشئة ورعايتها‪ ،‬وتنمية أجسادها وأرواحها‪،‬‬
‫ويف ظله تتلقى مشاعر احلب والرمحة والتكافل ‪ S...‬والطفل اإلنسان هو أطول األحياء طفولة‪ ،‬متتد‬

‫‪480‬‬
‫طفولته أكثر من أي طفل آخر لألحياء األخرى‪ S،‬وذلك أن مرحلة الطفولة‪ ،‬هي فرتة إعداد وهتيؤ‬
‫وتدريب‪ ،‬للدور املطلوب من كل حي باقي حياته‪.‬‬
‫وملا كانت وظيفة اإلنسان هي أكرب وظيفة‪ ،‬ودوره يف األرض هو أضخم دور‪ ،‬امتدت طفولته فرتة‬
‫أطول‪ ،‬ليحسن إعداده وتدريبه للمستقبل‪ ،‬من مث كانت حاجته ملالزمة أبويه أشد من حاجة أي طفل‬
‫حليوان آخر‪ ،‬وكانت األسرة املستقرة اهلادئة ألزم للنظام اإلنساين وألصق بفطرة اإلنسان تكوينه‬
‫ودوره يف هذه احلياة‪.‬‬
‫وقد أثبتت التجارب العلمية أن أي جهاز آخر غري األسرة‪ ،‬ال يعوض عنها‪ ،‬وال يقوم مقامها‪ S،‬بل ال‬
‫خيلو من أضرار مفسدة‪ ،‬لتكوين الطفل وتربيته ‪[ "...‬يف ظالل القرآن ‪]235-2/234‬‬
‫قلت‪ :‬ويف العناية الربانية بنظام األسرة يف سور شىت من القرآن العظيم‪ ،‬الداللة الواضحة على أن‬
‫األسرة يف اإلسالم‪ ،‬هي أصل اجملتمع اإلسالمي وجذره‪ ،‬وأنه ال يقوم هذا اجملتمع بدوهنا‪[ .‬راجع‬
‫مطالب حفظ النسل من كتابنا‪ :‬اإلسالم وضرورات احلياة]‬
‫(‪)37‬‬
‫املبحث الثاين من الفصل األول‪:‬‬
‫األساس يف بناء األسرة املسلمة‬
‫إن األسرة املسلمة الصاحلة‪ ،‬هي اليت يرتىب أفرادها تربية إسالمية‪ ،‬تثمر يف نفوسهم األمن واالطمئنان‬
‫والسكينة واحلب‪ ،‬وال سبيل إيل إىل ذلك إال بوجود زوجني صاحلني ترىب كل منهما على العلم‬
‫النافع‪ ،‬والعمل الصاحل‪.‬‬
‫وهلذا كان الواجب األول عند إرادة الزواج‪ ،‬أن يبحث الزوج الصاحل عن املرأة الصاحلة ذات الدين‬
‫احلق‪ ،‬وأن خيتار ويل األمر للمرأة الصاحلة الزوج الصاحل‪ ،‬حىت يسكن كل منهما إىل اآلخر‪ ،‬وتتحقق‬
‫بينهما املودة والرمحة‪ ،‬وتنشأ ذريتهما على التقوى واخللق احلسن‪ ،‬حتقيقا لقول اهلل عز وجل‪?:‬ومن‬
‫آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها‪ ،‬وجعل بينكم مودة ورمحة‪ ،‬إن يف ذلك آليات‬
‫لقوم يتفكرون? [سورة الروم‪]21 :‬‬
‫وإذا كانت هذه املعاين قد توجد بني زوجني مسلمني أو غري مسلمني‪ ،‬اللتقائهما على الفطرة اليت‬
‫اقتضتها حكمة اهلل يف الذكر واألنثى‪ ،‬فإهنا ال توجد حبدها األعلى إال يف الزوجني املسلمني الصاحلني‪،‬‬
‫الجتماع الفطرة الغريزية‪ ،‬والتوجيه الشرعي الرباين فيهما‪.‬‬
‫ومن أعظم صفات املرأة املسلمة الصالح وما يشمله‪ ،‬من عبادة اهلل‪ ،‬وحفظ حقوق الزوج‪ ،‬وحقوق‬
‫األوالد‪ ،‬قال تعاىل‪? :‬فالصاحلات قانتات حافظات للغيب مبا حفظ اهلل? [سورة النساء‪]34:‬‬
‫وقد أمجل اهلل تعاىل صفات املرأة الصاحلة يف أعلى صورها يف هذه اآليات اليت وجه إليها نساء نبيه ‪‬‬
‫‪ ،‬وهن قدوة نساء املؤمنني‪ ،‬قال تعاىل‪? :‬يا أيها النيب قل ألزواجك إن كن تردن احلياة الدنيا وزينتها‬

‫‪481‬‬
‫فتعالني أمتعكن وأسرحكن سراحا مجيال‪ .‬وإن كننت تردن اهلل ورسوله والدار اآلخرة‪ ،‬فإن اهلل أعد‬
‫للمحسنات منكن أجرا عظيما‪ .‬يا نساء النيب من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف هلا العذاب‬
‫ضعفني‪ S،‬وكان ذلك على اهلل يسريا‪ .‬ومن يقنت منكن هلل ورسوله وتعمل صاحلا نؤهتا أجرها مرتني‪،‬‬
‫وأعتدنا هلا رزقا كرميا‪ .‬يا نساء النيب لسنت كأحد من النساء إن اتقينت‪ ،‬فال ختضعن بالقول فيطمع‬
‫الذي يف قلبه مرض‪ ،‬وقلن قوال معروفا‪ .‬وقرن يف بيوتكن‪ ،‬وال تربجن تربج اجلاهلية األوىل‪ ،‬وأقمن‬
‫الصالة وآتني الزكاة‪ ،‬وأطعن اهلل ورسوله‪ ،‬إمنا يريد اهلل ليذهب عنكم الرجز أهل البيت ويطهركم‬
‫تطهريا‪ .‬واذكرن ما يتلى يف بيوتكن من آيات اهلل واحلكمة‪ ،‬إن اهلل كان لطيفا خبريا‪ .‬إن املسلمني‬
‫واملسلمات‪ ،‬واملؤمنني واملؤمنات‪ ،‬والقانتني والقانتات‪ ،‬والصادقات والصابرين والصابرات‪،‬‬
‫واخلاشعني واخلاشعات‪ ،‬واملتصدقني واملتصدقات‪ ،‬والصائمني والصائمات‪ ،‬واحلافظني فروجهم‬
‫واحلافظات‪ ،‬والذاكرين اهلل كثريا والذاكرات‪ ،‬أعد اهلل هلم مغفرة‪ S‬وأجرا عظيما? [سورة األحزاب‪:‬‬
‫‪]35-28‬‬
‫إن صفات اخلري اليت وجه اهلل تعاىل نساء النيب ‪ ‬يف هذه اآليات‪ ،‬هي مطلوبة من نساء املؤمنني‬
‫كلهن‪ ،‬وإن كان لنساء الرسول ‪ ‬خصوصية يف مضاعفة الثواب هلن على طاعتهن‪ ،‬ومضاعفة‬
‫العقاب هلن على معصيتهن‪ ،‬ملكاهنن من رسول اهلل ‪ ، ‬الذي ينزل عليه الوحي يف بيوهتن ويف‬
‫جوارهن‪ ،‬وهو يعلمهن ويزكيهن مباشرة مبا يوحيه اهلل تعاىل عليه من اآليات واحلكمة‪ ،‬كما أن ما‬
‫يؤمرن به من الطاعة آكد من أمر غريهن‪ ،‬وما ينهني عنه من املعصية‪ ،‬آكد من هني غريهن‪ ،‬ولكنهن‬
‫قدوة لبقية نساء املؤمنني يف فعل صفات اخلري‪ ،‬وترك فعل الشر‪.‬‬
‫وإن اآلية األخرية قد مجعت الصفات األساسية جلميع املسلمني‪ ،‬رجاال ونساء‪ ،‬وهي تبني أصول‬
‫الصالح املطلوب يف الفرد املسلم واألسرة املسلمة‪ ،‬وكذا اجملتمع املسلم‪.‬‬
‫(‪)38‬‬
‫تابع للمبحث الثاين ‪ :‬األساس يف بناء األسرة‬
‫املسلم أن ينكح املشركة‪ ،‬وهني املسلمة أن تنكح املشرك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ومما يدل على هذا األساس هني اهلل تعاىل‬
‫حرصا على بناء األسرة املسلمة الصاحلة‪ ،‬ألن املشركني من أهل النار ويدعون إليها صدا عن سبيل‬
‫اهلل‪ ،‬واملسلمني من أهل اجلنة ويدعون إليها‪ ،‬حتقيقا لدعوة اهلل‪.‬‬
‫احلر أمةً مؤمنةً‪ ،‬وإن‬
‫املسلم ُ‬
‫ُ‬ ‫وأباح سبحنه وتعاىل عند الضرورة –أو احلاجة القريبة منها‪-‬أن يتزوج‬
‫رق أوالده منها‪ ،‬فهي مفسدة هتون يف جانب مفسدة الزواج مبشركة‪ ،‬ألن رق األوالد‬ ‫كان يف ذلك ُّ‬
‫–بسبب الزواج بأمة مؤمنة‪-‬هو رق حسي‪ ،‬ألهنم يف عبوديتهم احلقة لرهبم أحرار من عبودية غريه‪،‬‬
‫خبالف أوالد املشركة‪ ،‬فقد يكونون أحرارا حسا‪ ،‬أرقاء يف واقع األمر رقا ذليال لغري اهلل تعاىل‪ ،‬إذا ما‬
‫هي أفسدهتم بالشرك باهلل‪.‬‬

‫‪482‬‬
‫كما أباح سبحانه زواج املرأة املسلمة احلرة بالعبد املؤمن‪ ،‬إذا مل جتد مؤمنا حرا‪ ،‬قال تعاىل‪{ :‬وال‬
‫تنكحوا املشركات حىت يؤمن‪ ،‬وألمة مؤمنة خري من مشركة ولو أعجبتكم‪ ،‬وال تنكحوا املشركني‬
‫حىت يؤمنوا‪ ،‬ولعبد مؤمن خري من مشرك ولو أعجبكم‪ ،‬أولئك يدعون إىل النار‪ ،‬واهلل يدعو إىل اجلنة‬
‫واملغفرة‪ S‬بإذنه ويبني آيات للناس لعلهم يتذكرون} [سورة البقرة‪]221 :‬‬
‫وهلذا رجح بعض الفقهاء واملفسرين عدم جواز نكاح املسلم العفيف املسلمة الزانية‪ ،‬إال إذا أظهرت‬
‫توبتها من ذلك‪ ،‬مستدلني بقوله تعاىل‪{ :‬الزاين ال ينكح إال زانية أو مشركة‪ ،‬والزانية ال ينكحها إال‬
‫زان أو مشرك‪ ،‬وحرم ذلك على املؤمنني} [سورة النور‪ ]30 :‬وهذا هو الراجح من مذهب احلنابلة‪.‬‬
‫[راجع املغين البن قدامة ‪]142-7/140‬‬
‫ويرى األئمة الثالثة –أبو حنيفة ومالك والشافعي‪ -‬رمحهم اهلل جواز نكاح الزانية قبل التوبة‪ ،‬ومحلوا‬
‫النكاح املنهي عنه يف اآلية على أن املراد به الوطء بزنا‪[ "... .‬املرجع السابق ‪ ،7/141‬والتفسري‬
‫الكبري للرازي ‪ ]23/151‬ورجح ذلك ابن جرير الطربي يف تفسريه‪]18/75 :‬‬
‫والذي يظهر من قواعد الشريعة ونصوصها‪ ،‬أنه ال جيوز نكاح الزانية قبل التوبة من الفاحشة "ألهنا‬
‫إذا كانت مقيمة على الزنا‪ ،‬مل يؤمن أن تلحق به ولد غريه وتفسد فراشه‪[ .‬املغين‪]7/141 :‬‬
‫ومهما يكن اخلالف يف هذه املسألة‪ ،‬فإن السنة قد أكدت اختيار املرأة الصاحلة‪ ،‬وهي ذات الدين‪،‬‬
‫وإذا أطلق هذا اللفظ‪" :‬الدين" يف الشرع‪ ،‬فاملراد به التقوى والصالح والورع واإلحسان الذي جيعل‬
‫صاحبه يعبد ربه كأنه يراه‪.‬‬
‫وروى أبو هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬تنكح املرأة ألربع‪ :‬ملاهلا‪ ،‬وحلسبها‪،‬‬
‫وجلماهلا‪ ،‬ولدينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك)) [البخاري (‪ )6/123‬ومسلم (‪.])2/1086‬‬
‫وجعل ‪ ‬املرأة الصاحلة خري متاع الدنيا‪ ،‬كما يف حديث عبد اهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل‬
‫عنهما‪ ،‬أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪(( :‬الدنيا متاع‪ ،‬وخري متاعها املرأة الصاحلة)) [مسلم (‪.])2/1090‬‬
‫وأهل الفطر السليمة والعفة ال يرغبون يف نكاح الزواين الفاسقات‪ ،‬ويرتكون الصاحلات [راجع‬
‫التفسري الكبري للرازي (‪.])23/150‬‬
‫(‪)39‬‬
‫واملرأة الصاحلة خري كنز للمرء‪ ،‬ملا فيها من صفات اخلري العائدة عليه بالربكة يف حياته‪ ،‬كما يف‬
‫سرته‪،‬‬‫حديث عمر رضي اهلل عنه‪ ،‬وفيه‪(( :‬أال أخربك خبري ما يكنز املرء؟ املرأة الصاحلة‪ :‬إذا نظر إليها ّ‬
‫وإذا أمرها أطاعته‪ ،‬وإذا غاب عنها حفظته)) [أبو داود (‪ ])306-2/305‬ثالث صفات يف املرأة‬
‫الصاحلة مجعت خصال اخلري اليت تدوم هبا املودة وحسن العشرة بني الزوج وامرأته‪ ،‬وهي خري ما يكنز‬
‫يف حياته‬

‫‪483‬‬
‫اخلصلة األوىل‪ :‬جتملها له وتزينها وظهورها أمامه مبنظر حسن يسره النظر إليها‪ ،‬وهي خصلة تدل‬
‫على شدة حرصها على إدخال السرور عليه والعناية به‪ ،‬وقد ال تكون مفرطة يف اجلمال‪ ،‬ولكن‬
‫تزينها له وحسن هندامها جيعلها أمامه خرياً من املفرطات يف اجلمال الاليت ال يعتنني بأزواجهن مثلها‪.‬‬
‫اخلصلة الثانية‪ :‬املسارعة يف طاعة زوجها وتنفيذ رغباته املشروعة‪ ،‬واملؤمن الصاحل ال يأمر زوجته مبا‬
‫كنز مثني غال ال حيصل عليه إال‬ ‫فيه معصية هلل تعاىل‪ ،‬وال شك أن املرأة اليت تطيع زوجها وال تعصيه ٌ‬
‫من أسعده اهلل به‪.‬‬
‫اخلصلة الثالثة‪ :‬حفظ حقوقه يف غيبته‪ :‬يف نفسها وأوالدها وماله غريها‪ ،‬وهذه اخلصلة أهم اخلصال‬
‫وأفضلها‪ ،‬ألهنا ال توجد إال يف ذات الدين اليت أمر الرسول ‪ ‬بالظفر هبا‪ .‬فهي املرأة األمينة على‬
‫نفسها اليت يطمئن الزوج عليها يف تربية أوالده‪ ،‬فال تربيهم إال على طاعة اهلل وطاعة الوالدين يف غري‬
‫وح َسن األخالق‪ ،‬كما يأمنها على نفسها فال ترتكب‬ ‫معصية اهلل‪ ،‬وتربيتهم على الصدق واألمانة َ‬
‫حمرماً يف غيبته عنها وال تفتح بابه ملن يكره‪ ،‬وال تدخل يف نسبه من ليس منه‪ ،‬ويأمنها على ماله فال‬
‫تنفقه فيما حرم اهلل وال تبذر بشيء منه‪.‬‬
‫أي كنز يوازي هذا الكنز من متاع الدنيا‪ ،‬وأي أمن يوازي هذا األمن ملصاحب لإلنسان يف حياته‬
‫كلها يف منزله الذي ال يفارقه إال ليعود إليه؟ "إنه خري ما يكنز" كما قال الرسول ‪. ‬‬
‫قال ابن قدامة رمحه اهلل‪" :‬ويستحب ملن أراد التزوج أن خيتار ذات الدين‪ ،‬لقول النيب ‪(( : ‬تنكح‬
‫املرأة ألربع‪ :‬ملاهلا‪ ،‬وحلسبها‪ ،‬وجلماهلا‪ ،‬ولدينها‪ ،‬فاظفر بذات الدين تربت يداك)) متفق عليه‪ .‬وخيتار‬
‫اجلميلة‪ ،‬ألنه أسكن لنفسه‪ ،‬وأغض لبصره‪ ،‬وأدوم ملودته‪ ،‬ولذلك شرع النظر قبل النكاح ‪[ "..‬الكايف‬
‫(‪.])2/659‬‬
‫(‪)40‬‬
‫وإذا اجتمع الرجل الصاحل باملرأة الصاحلة على سنة اهلل ورسوله وطاعة اهلل ورسوله بدأ هبما تَ َك ُّون‬
‫األسرة الصاحلة اليت هي نواة اجملتمع الصاحل‪ ،‬حيث ينجب األوالد ويعىن برتبيتهم جسمياً وعقلياً‬
‫وروحياً‪ ،‬على هدى من كتاب اهلل وسنة رسوله ‪ ، ‬وبالقدوة اليت ينشأ فيها الطفل هي اليت حتدد‬
‫نشاطه وتصرفاته واجتاهاته يف مستقبل حياته يف األعم األغلب‪ ،‬ألن ما ينبت يف نفسه وهو صغري‪،‬‬
‫وينمو معه يف منزله من أبويه يصبح عادة متمكنة يصعب تغيريها بعد كربه‪.‬‬
‫هلذا كان الواجب على الولدين أن تكون تصرفاهتما كلها قدوة حسنة ألوالدمها‪ ،‬مع التوجيه النظري‬
‫والتعليم‪ ،‬فإن التعليم ال ينفع إذا كانت القدوة سيئة‪ ،‬فإن الفعل يتمكن يف النفس أكثر من القول‪،‬‬
‫السيما إذا كان الفعل عادة يشاهدها الطفل يف أبويه باستمرار‪ ،‬وتتعاون القدوة السيئة يف املنزل‪ ،‬مع‬
‫األفعال السيئة اليت شاهدها الولد يف خارج املنزل‪ ،‬فينشأ حمباً للشر مبغضاً للخري‪.‬‬

‫‪484‬‬
‫وقد ذ ّكر اهلل املسلمني بأمهية القدوة احلسنة بنبيهم ‪ ‬فقال‪? :‬لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة‬
‫حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثرياً ‪[ ?..‬األحزاب‪.]21 :‬‬
‫وكان الرسول ‪ ‬يأمر أصحابه أن يقتدوا بأفعاله يف أهم األعمال وأفضلها‪ ،‬كقوله هلم يف الصالة‪:‬‬
‫((صلوا كما رأيتموين أصلي ‪[ S))..‬البخاري (‪ ])1/155‬وكان يعلّمهم الصالة بالفعل مع القول‪.‬‬
‫وقال هلم يف احلج‪(( :‬لتأخذوا عين مناسككم)) [مسلم (‪.])2/943‬‬
‫وعندما أمرهم باإلحالل يف احلديبية‪ ،‬إذ صدهم املشركون عن الطواف بالبيت‪ ،‬مل تطب نفوسهم‬
‫أحل هو ‪ ‬فتبعوه [البخاري (‪.])3/182‬‬ ‫حىت ّ‬
‫وإذا كانت القدوة مؤثرة يف الكبار‪ ،‬فإهنا يف الصغار أشد تأثرياً‪ ،‬ومن هنا كان واجب الوالدين‬
‫عظيماً يف أن يهتما بأن تكون تصرفاهتما إسالمية ينشأ عليها ولدمها‪ ،‬وإال كانا سبباً رئيساً يف احنرافه‬
‫باحنرافهما أو احنراف أحدمها‪ ،‬وخباصة األم اليت ال يفارقها الطفل يف أغلب أحيانه‪.‬‬
‫قال حممد قطب وفقهه اهلل‪" :‬ومرة واحدة من القدوة السيئة تكفي‪ ،‬مرة واحدة جيد أمه تكذب على‬
‫تدمر قيمة‬
‫أبيه‪ ،‬وأباه يكذب على أمه‪ ،‬أو أحدمها يكذب على اجلريان ‪ ..‬مرة واحدة تكفي يف ّ‬
‫الصدق يف نفسه‪ ،‬ولو أخذ كل يوم وساعة يرددان على مسعه النصائح واملواعظ والتوصيات‬
‫بالصدق‪ ،‬مرة واحدة جيد أمه وأباه يغش أحدمها اآلخر‪ ،‬أو يغشان الناس يف قول أو فعل ‪ ..‬مرة‬
‫واحدة كفيلة بأن تدمر قيمة االستقامة يف نفسه‪ ،‬ولو اهنالت على مسعه التعليمات‪ ،‬مرة واحدة جيد يف‬
‫هؤالء املقربني إليه منوذجاً من السرقة كفيلة بأن تدمر يف نفسه قيمة األمانة‪ ،‬وهكذا يف كل القيم‬
‫واملبادئ اليت تقوم عليها احلياة اإلنسانية السوية‪.‬‬
‫وقد يغفر الطفل لآلخرين أن يكذبوا وخيدعوا ويسرقوا ويغشوا وخيونوا ‪ ...‬أو ال يتأثر به كثرياً‪ ،‬أو‬
‫ال يتأثر به على اإلطالق‪ ،‬إذا كان يأوي إىل ركن ركني من القيم واملبادئ متمثلة يف أبويه‪ ،‬وخاصة‬
‫حني يبنّي له أبواه بالقدر الكايف من اإلبانة والتوضيح أن تلك مناذج سيئة ال ينبغي له أن حياكيها‪،‬‬
‫مستندين إىل النموذج الطيب الذي يقدمانه مها لطفلهما‪ .‬ولكنه ال يغفر ألبويه أبداً شيئاً من ذلك‪،‬‬
‫وال ميكن أن مير شيء منه بغري تأثر عميق يف نفسه‪ ،‬وقد يبقى بقية العمر كله ال يتغري‪.‬‬
‫(‪)41‬‬
‫ومن هنا كان حرص اإلسالم الشديد على أن يكون األبوان يف ذاهتما مسلمني‪ ،‬أي ممارسني حلقائق‬
‫اإلسالم وقيمه ومبادئه‪ ،‬وحرصه على تربية الناس على منهج اإلسالم‪ ،‬لكي يكونوا هم القدوة‬
‫املباشرة ألبنائهما يف الفرتة اليت ينحصر عامل الطفل هبم‪ ،‬فتتكون يف نفوس األطفال – بااللتقاط‬
‫واحملاكاة – تلك القيم واملبادئ اإلسالمية بغري جهد يذكر‪ ،‬وتنشأ يف نفوسهم منذ الصغر‪ ،‬فتكون‬
‫عميقة اجلذور‪ ،‬ثن يزيدها التعليم رسوخاً‪ ،‬ويزيدها اجملتمع اإلسالمي قوة‪ ،‬حىت يكرب الطفل‪ ،‬فيتلقى‬
‫التعليم‪ ،‬مث يكرب أكثر فيحتك باجملتمع‪ ،‬ويأخذ منه ويعطي‪.‬‬

‫‪485‬‬
‫ومن هنا كذلك كان حرص الرسول ‪ ‬على توصية الرجل وهو يتزوج أن يظفر بذات الدين‪،‬‬
‫فيقول له‪(( :‬تنكح املرأة ألربع ‪ S))...‬احلديث‪ ،‬وقد سبق خترجيه‪.‬‬
‫"فذات الدين هي الركن الركني يف إقامة لبيت املسلم واألسرة املسلمة ويف تنشئة األطفال بالقدوة‬
‫قبل التلقني على قيم اإلسالم ومبادئه منذ نعومة أظفارهم‪ ،‬فتصبح عادة هلم وطبيعة‪ ،‬وتصبح جزئاً من‬
‫كياهنم ليس من السهل أن حييدوا عنه‪ ،‬حني حتاول أن تلويهم األعاصري‪ ،‬وحني توجد القدوة احلسنة‬
‫متمثلة يف األب املسلم واألم ذات الدين‪ ،‬فإن كثرياً من اجلهد الذي يبذل يف تنشئة الطفل على‬
‫اإلسالم يكون جهداً ميسراً وقريب الثمرة يف ذات الوقت ألن الطفل سيتشرب القيم اإلسالمية من‬
‫اجلو احمليط به تشرباً تلقائياً‪ ،‬وستكون تصرفات األم واألب أمامه يف خمتلف املواقف مع بعضهما‬
‫البعض ومع اآلخرين‪ ،‬مناذج حيتذيها ويتصرف على منواهلا ‪[ S"...‬منهاج الرتبية اإلسالمية حملمد قطب‬
‫(‪ ])2/118‬إن هذا هو أساس األسرة املسلمة‪ :‬الزوجان املسلمان‪.‬‬
‫إن هذا هو أساس األسرة املسلمة‪ :‬الزوجان املسلمان‪.‬‬
‫كتبه‬
‫د ‪ .‬عبد اهلل قادري األهدل‬
‫ــــــــ‬

‫‪486‬‬
‫نصيحة لمديري المراكز والمشرفين وإلخواني الطالب‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ‪ ..‬أما بعد ‪..‬‬
‫مل يكن أمر الدولة والدعوة و اجلهاد واألهل وغريها بشاغل لرسول اهلل عليه أفضل الصالة والسالم‬
‫عن أمور العبادة من الذكر وصالة الليل والنوافل وقراءة القرآن الكرمي وتعليم الناس وتوجيههم ‪..‬‬
‫لقد كان التوازن ومعرفة أفضل األعمال يف كل وقت هو واقع السنة وعمل الرسول ‪. ‬‬
‫فما لنا ال نتبع السنة عند االنشغال وازدحام األعمال عموما يف حياتنا اخلاصة أو حياتنا الدعوية‪..‬‬
‫فمثال عند انشغالنا كمشرفني للمركز عن األذكار ما بعد الصالة يف بعض األحيان وعن احملاضرات‬
‫يف املراكز وغريها ؛ لعل من اإلجابات الدارجة اليت نعلل هبا أنفسنا ‪( :‬أمر مستعجل) (أمر ضروري)‪S‬‬
‫(من املهم أن ننتهي منه اآلن) وغريها من اإلجابات واليت هي غري املتوافقة ملا كانت عليه حال‬
‫الرسول عليه أفضل الصالة والسالم من االنشغال الكبري واالهتمام بأوقات العبادات والعلم ‪..‬‬
‫إذا أردنا أن نكون فعال فاعلني يف الرتبية فعلينا أن نكون قدوة يف مجيع اجلوانب ‪ ..‬وأن نتجنب –‬
‫قدر املستطاع – ما خيدش القدوة من األعمال ولو كانت صاحلة ‪ ..‬فال يقوم املشرف بعد الصالة‬
‫مباشرة ليعد أمرا يف مقر األسرة أو يف اإلدارة ولو كان مهما يف رأيه ألن ذلك سيخدش أمر القدوة‬
‫عنده وسيكون سببا خلروج األعداد الكبرية من الطالب من مصلى املركز بل وضعف الشعور بأمهية‬
‫ومكانة الصالة يف نفوسهم ‪..‬‬
‫وحىت نتجاوز هذه العقبة فأرى أنه ينبغي علينا القيام بالتايل ‪:‬‬
‫• أوال مدير املركز ‪:‬‬
‫‪ -1‬على مدير املركز التأكيد على املشرفني باالهتمام بالصالة وما بعدها من األذكار و النوافل‬
‫وحضور الدروس العلمية املناسبة للمشرفني ‪ ،‬وذلك ألن املشرف قدوة جلميع الطالب وتقصريه مؤثر‬
‫على اجلميع ‪ ..‬فينبغي أن يؤكد مدير املركز على املشرفني على االهتمام بأوقات العبادات والدروس‬
‫الشرعية وما كان مهما ميكن أن يقضى يف أوقات أخرى قدر املستطاع‬
‫‪ -2‬إضافة إىل ذلك فإن مدير املركز مطالب بتهيئة األوضاع املناسبة لقراءة القرآن الكرمي للمشرفني‬
‫كما هيأها للطالب ‪ ،‬فيمكنه وضع هذا الوقت بني األذان واإلقامة واعتباره وقتا مهما خاصا بقراءة‬
‫القرآن للمشرف ‪ .‬وتتم هتيئة هذا الوقت مبساعدة املعلم (وبالتعاون مع مشريف اللجان العاملة‬
‫باملركز) على ضبط الطالب بعد األذان مباشرة وسرعة توجههم للمصلى حىت يتفرغ املشرف لقراءة‬
‫القرآن الكرمي بتدبر ‪.‬‬
‫‪ -3‬وعلى املدير متابعة املقصرين من املشرفني يف ذلك والتعرف على أسباب التقصري للوصول إىل‬
‫أفضل األوضاع الرتبوية يف املركز ‪ .‬وينبغي أن يكون بالطرق املناسبة واملؤثرة يف نفوس املشرفني وما‬
‫كان الرفق يف شيء إال زانه وما نزع من شيء إال شانه‪.‬‬

‫‪487‬‬
‫‪ -4‬إن من آثار تأخر املشرف والطالب عن احلضور مبكرا ملصلى املركز يتعدى أثره على إدارة‬
‫املركز والعاملني به حيث أن هذا املتأخر سيكون سببا يف تأخري الطاقم اإلداري عن التبكري حلضور‬
‫الصالة ‪.‬‬
‫أعتذر للمدير واملشرفني من هذه النصيحة املباشرة ‪ ..‬ولكن السبب يكون يف األسئلة التالية ‪ :‬ملاذا‬
‫نركز يف املراكز على الطالب وننسى أهم وسائل الرتبية أال وهي املشرف املريب الذي يتوىل الرتبية‬
‫والقدوة ‪ .‬أليس هو أوىل بالتوجيه واإلعداد ‪ ،‬أليس هو أوىل بالدورات والدروس ‪ ،‬أليس هو أوىل‬
‫بالنصيحة والتوجيه ؟‬
‫• ثانيا املشرف ‪:‬‬
‫‪ -1‬يقال للمشرف ما يقال عن املدير مع التأكيد على أنه قدوة مالصقة بالطالب ‪ ،‬فينبغي عليه‬
‫االهتمام بأمر القدوة وخطورهتا وأثرها على طالب املركز عموما وعلى الطالب خارجه أيضاً ‪.‬‬
‫‪ -2‬على املشرف عدم إشغال الطالب بأي أمر من أمور املركز يف أوقات العبادات واألذكار الفاضلة‬
‫واحملاضرات والدروس العلمية ‪.‬‬
‫‪ -3‬بل عليه التأكيد على الطالب عموما والنجباء خصوصا االهتمام هبذه اجلوانب اإلميانية والعلمية‬
‫وترك ما يشغلهم يف تلك األوقات ‪.‬‬
‫‪ -4‬وعلى املشرف متابعة األبناء يف حتصيلهم العلمي واإلمياين كما يتابعهم يف أنشطتهم األسرية‬
‫وينمي التنافس بينهم على العبادات والذكر كما كان ينمي بينهم التنافس يف املسابقات الثقافية ‪.‬‬
‫• ثالثا الطالب ‪:‬‬
‫أخي الطالب أنت هدف العملية الرتبوية يف املركز فال تكن سببا يف تعطيلها وال يكن تقصريك سببا‬
‫يف تقصري غريك عن األوقات الفاضلة للعبادة والعلم ‪ ،‬بل كن احملرك و الشعلة النشطة يف األسرة يف‬
‫أنشطتها ويف املسجد بعباداتك ويف احللق حبفظك ويف الدروس العلمية بذهنك حىت تنتفع فيما تسمع‬
‫طوال عمرك ‪..‬‬
‫أسأل اهلل أن تكون هذه الكلمات تصيب احلقيقة والنفع لنا مجيعا ‪ ..‬واهلل أعلم ‪.‬‬
‫أخوكم أبو أمحد ‪..‬‬
‫م‪ - 2‬صيف‪1423‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪488‬‬
‫كن مشعال ‪...‬‬
‫لبىن شرف ‪ /‬األردن‬
‫حال املسلمني اليوم يشهد بأهنم أوىل من غريهم بالدعوة إىل اهلل وإىل اإلسالم من جديد ‪ ،‬ذلك بأهنم‬
‫ابتعدوا عن شرع اهلل ‪ ،‬وهجروا قرآهنم فأظلمت قلوهبم ‪ ،‬وفسدت حياهتم ‪.‬‬
‫ومهمة الدعاة اليوم – كما يقول اإلمام حسن البنا – هي توصيل التيار من املنبع األصيل – وهو‬
‫القرآن – إىل قلب كل مسلم ‪ ،‬حىت يشتعل ويضيء‪ .‬قال تعاىل يف سورة األنعام ( ‪ ": )122‬أومن‬
‫كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا ميشي به يف الناس كمن مثله يف الظلمات ليس خبارج منها ‪. S"..‬‬
‫مل نعرف اإلسالم إال دعوة = وضاءة حتيي األنام وتلهم‬
‫فكيف للداعية أن يصل إىل القلوب ؟‬
‫البد أن يكون الداعية ابتداء علرفا باهلل ‪ ،‬متصال به ‪ ،‬وأن ينظر إىل أهل اهلوى واملعاصي على أهنم‬
‫مرضى ‪ ،‬فيعطف ويشفق عليهم ‪ ،‬وحيتال لعالجهم مبا ال ينفرهم منه ومن دعوته ‪ .‬قال بعض‬
‫الصاحلني من السلف ‪ :‬أهل احملبة هلل نظروا بنور اهلل ‪ ،‬وعطفوا على أهل معاصي اهلل ‪ ،‬مقتوا أعماهلم‬
‫‪ ،‬وعطفوا عليهم ليزيلوهم باملواعظ عن فعاهلم ‪ ،‬وأشفقوا على أبداهنم من النار ‪.‬‬
‫والبد أيضا أن يكون الداعية قدوة حسنة ‪ ،‬يطبق ما يقول ‪ ،‬وإال فلن يتأثر الناس بقوله ‪ ،‬شأنه شأن‬
‫املعلم ‪S...‬‬
‫فابدأ بنفسك فاهنها عن غيها = فإذا انتهت عنه فأنت حكيم‬
‫فهناك يقبل ما تقول ويهتدى = بالقول منك وينفع التعليم‬
‫وأن تكون سريته حسنة بني الناس ‪ ،‬وأن يكون ذو خلق حسن ‪...‬‬
‫أكرم بذي األخالق من الناس = شبهته يف الناس بالنرباس‬
‫به يستضاء إذا ظالم دامس = ساد الوجوه فذاك خري الناس‬
‫وإذا سعى فاخلري مقصود‪ S‬له = وإذا دعا فاحلق خري أساس‬
‫والبد وأن تكون له أياد بيضاء عند الناس ‪ ،‬من الرب واإلحسان ‪ ،‬فبالرب يستعبد احلر ‪S...‬‬
‫أحسن إىل الناس تستعبد قلوهبم = فطاملا استعبد اإلنسان إحسان‬
‫إذا ‪ ،‬فالبد من القدوة قبل الدعوة ‪ ،‬ومن اإلحسان قبل البيان ‪.‬‬
‫ولكي يستطيع الداعية أن يصل إىل قلب املدعو ليأخذ بيده إىل منابع اخلري والنور ‪ ،‬البد أن يكون‬
‫هذا الداعية مشحونا باحلق والنور ‪ ،‬وبعاطفة قوية جياشة ‪ .‬يقول الشيخ املودودي – يرمحه اهلل ‪: -‬‬
‫امسحوا يل أن أقول لكم ‪ ،‬أنكم إذا خطومت على طريق هذه الدعوة بعاطفة أبرد من تلك العاطفة‬
‫القلبية اليت جتدوهنا يف قلوبكم حنو أزواجكم وأبنائكم ‪ ،‬فإنكم البد أن تبوءوا بالفشل الذريع ‪، S...‬‬
‫عليكم أن تستعرضوا قوتكم القلبية واألخالقية قبل أن هتموا باخلطوات الكبرية ‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫ثو البد من الرمحة ومن الرفق ‪ ،‬فقد قال عليه السالم ‪ ":‬فإمنا بعثتم ميسرين ومل تبعثوا معسرين " ‪.‬‬
‫والرفق مطلوب ومتعني يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪ .‬قال سفيان الثوري ‪ :‬ال يأمر باملعروف‬
‫وال ينهى عن املنكر إال من كان فيه ثالث خصال ‪ :‬رفيق مبا يأمر رفيق مبا ينهى ‪ ،‬عامل مبا يأمر عامل‬
‫مبا ينهى ‪ ،‬عدل مبا يأمر عدل مبا ينهى ‪ .‬وروي أن أبا الدرداء – رضي اهلل عنه – مر على رجل قد‬
‫أصاب ذنبا والناس يسبونه ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرأيتم لو وجدمتوه يف قليب ‪ ،‬أمل تكونوا مستخرجيه ؟ قالوا ‪:‬‬
‫بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فال تسبوا أخاكم ‪ ،‬وامحدوا اهلل الذي عافاكم ‪ .‬فقالوا ‪ :‬أفال تبغضه ؟ فقال ‪ :‬إمنا أبغض‬
‫عمله ‪ ،‬فإذا تركه ‪ ،‬فهو أخي ‪ .‬ومر فىت جير ثوبه ‪ ،‬فهم أصحاب صلة بن أشيم إن يأخذوه بألسنتهم‬
‫أخذا شديدا ‪ ،‬فقال صلة ‪ :‬دعوين أكفكم أمره ‪ ،‬مث قال ‪ :‬يا ابن أخي ‪ ،‬إن يل إليك حاجة ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ما هي ؟ قال ‪ :‬أحب أن ترفع إزارك ‪ .‬قال ‪ :‬نعم ونعمى عني ‪ ،‬فرفع إزاره ‪ .‬فقال صلة ألصحابه ‪:‬‬
‫هذا كان أمثل مما أردمت ‪ ،‬فإنكم لو شتمتموه وآذيتموه لشتمكم ‪.‬‬
‫ومن مقومات‪ S‬الداعية األخرى أيضا ‪ ،‬وهج الروح ‪ ،‬ووضاءة الوجه ‪ ،‬ودقة الشعور ‪ ،‬وحسن اهلندام‬
‫‪ ،‬فضال عن اإلميان العميق ‪ ،‬والفهم الدقيق ‪ ،‬فهذه –كما يقول الداعية عباس السيسي – ثروة‬
‫الداعية ‪.‬‬
‫وللداعية الصادق تأثري أبعد من اخلطابة والكتابة ‪ ،‬بقلبه وعاطفته وفعله ‪ ،‬فهو يقدم دعوته للناس‬
‫وكأهنا هدية ‪ S...‬فكيف تكون اهلدية ؟ ‪.‬‬
‫فيا أيها الداعية املسلم ‪S...‬‬
‫كن مشعال يف جنح ليل حالك = يهدي األنام إىل اهلدى ويبني‬
‫ــــــــ‬

‫‪490‬‬
‫كيف أصبح رجالً !!!‬

‫بسم اهلل واحلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل وعلى آله وصحبه ومن وااله ‪. . .‬‬
‫أما بعد ‪-:‬‬
‫تأملت يف يوم قادم يقف فيه شاب أمامي ويلح يف السؤال‪ :‬كيف أصبح رجال؟ واحرتت يف اجلواب‬
‫من اآلن! واسرتجعت الذاكرة بعد مشاورة‪ ،‬واستهديت باآلية واحلديث‪ ،‬واستوعبت السؤال كامال‪..‬‬
‫فإذا اإلجابة طويلة ومتشعبة‪ ،‬وكل صاحب معرفة يسري بك يف واد‪ ،‬ولكن حسبك من القالدة ما‬
‫أحاط بالعنق!‬
‫أيها الشاب‪:‬‬
‫ستمر بك األيام عجلى‪ ،‬وتتواىل عليك الليايل سريعة‪ ،‬فإذا بك تقف ممتلئا صحة ونشاطا تطاول أباك‬
‫طوال وقد منحك اهلل بسطة يف اجلسم‪.‬‬
‫وإن مرت بك األيام وسلمت من عاديات الزمن وطوارق األيام فسوف متر مبراحل العمر كلها ‪-‬‬
‫بإذن اهلل ‪ -‬قال اهلل تعاىل‪ :‬ونقر ىف االرحام ما نشاء إىل أجل مسمى مث خنرجكم طفال مث لتبلغوا‬
‫أشدكم وإن قدر اهلل لك أمرا آخر فأنت ممن قال اهلل فيهم‪ :‬ومنكم من يتوىف ‪.‬‬
‫وال أخالك أيها الشاب وهذه املراحل السريعة متر أمامك إال مسارعا لإلمساك هبا‪ ،‬والتزود من‬
‫مراحلها‪ .‬وها هي قدمك بدأت ختطو اخلطوات األوىل يف مرحلة الشباب والنضج‪ ،‬وهي مرحلة مهمة‬
‫خصها الرسول باحلديث املشهور‪ { :‬ال تزول قدم ابن ادم يوم القيامة حىت يسأل عن مخس‪ :‬عن‬
‫عموه فيما أفناه‪ ،‬وعن شبابه فيما أباله‪[ } ..‬رواه الرتمذي]‪S.‬‬
‫وخص النيب مرحلة الشباب هذه لكثرة اإلنتاج والعطاء والبذل واإلبداع فيها‪.‬‬
‫أيها الشاب‪:‬‬
‫مقاييس الرجولة ختتلف حسب نظرة اجملتمع واألسرة والشاب نفسه‪ ،‬فرجولة املهازيل إضاعة الوقت‬
‫وازجاء الزمن دون فائدة‪ ،‬ورجولة املرضى والسفهاء السعي وراء الشهوات احملرمة!‬
‫أما رجولة أهل اهلمم واملعايل‪ :‬فهي السعي احلثيث إىل جنة عرضها السماوات واألرض‪ ،‬ومن‬
‫متطلبات هذا السعي أن تكتسب من العلم أوفره‪ ،‬وأن تنال من األدب أكثره‪ ،‬ومن معايل األمور‬
‫ومجيلها ما يزين رجولتك‪ ،‬وجيعلك حمط اآلمال ومعقد األماين‪ ،‬بعيدا عن عثرات الطريق ومزالق‬
‫املسري‪.‬‬
‫تصبح رجال أيها الشاب إذا اكتملت فيك مقومات الرجولة الظاهرية من ارتواء اجلسم ونضارته‬
‫وقوة الشباب وحيويته وظهور الشوارب واللحى! وهذه كلها تشرتك فيها أمة مثلك من الشباب‪..‬‬

‫‪491‬‬
‫صاحلهم وطاحلهم‪ ،‬ومسلمهم وكافرهم‪ ،‬وبرهم وفاجرهم‪ ..‬وبعض احليوانات تشرتك مع اإلنسان يف‬
‫هذه الصفات من عضالت وقوة حتمل!‬
‫لكنك رجل مميز وشاب متفرد‪ ..‬نريدك رجال مسلما ال رجال جمردا!! ولكي تكون كذلك فاآلفاق‬
‫أمامك مفتوحة‪ ،‬ودروب اخلري سهلة ميسورة‪ ،‬وحصاد العلم قد دان وقرب‪ ،‬وغراس اخللق ينتظر‬
‫اجلاين‪ ..‬فهيا لتنال نصيبا وافيا من ذلك فتكون رجال كما نريد‪ ،‬وكما تريد‪ ،‬بل وكما يريد اهلل عز‬
‫وجل ذلك‪ ،‬فاألسرة واجملتمع واألمة حباجة إىل شباب صاحلني مصلحني‪ ،‬فهذا الدين حيتاج إىل‬
‫رجل‪ ..‬ولكن ليس رجل فحولة فحسب‪ ،‬بل رجل بطولة وصرب‪ ،‬حيمل هم الدعوة ويقوم هبا ويصرب‬
‫على ما يالقيه‪ ،‬يسعى جادا لنيل العلم واالرتقاء يف درجاته‪ ،‬عفيف اللسان نزيه اجلوارح‪ ..‬تسارع‬
‫قدمه إذا مسع األذان‪ ..‬ويرتدد بني جنباته آيات القرآن‪ .‬وبعيدا عن التنظري والكلمات اإلنشائية أذكرك‬
‫بأمور إن متسكت هبا وأخذت بأطرافها فزت ورب الكعبة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬خلقت ألمر عظيم فاحذر أن يغيب ذلك عن بالك طرفة عني فاهلل عز وجل يقول يف حمكم‬
‫التنزيل‪ :‬وما خلقت اجلن واإلنس إال ليعبدون ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الصالة‪ ..‬الصالة! فإهنا عماد الدين والركن الثاين العظيم‪ ،‬وال حظ يف اإلسالم ملن ترك الصالة‪،‬‬
‫فال تتهاون وال تتكاسل وال تتشاغل عن أدائها يف وقتها مع مجاعة املسلمني‪ ،‬يقول الرسول ‪:‬‬
‫{ العهد الذي بيننا وبينهم الصالة فمن تركها فقد كفر }‪ ،‬وأراك تغتم وهتتم لفقد أمر من أمور‬
‫الدنيا من ضياع قلم أو فقد حمفظة‪ ..‬وال هتتم بأن تفوتك تكبرية اإلحرام أو الصالة مع اجلماعة‪،‬‬
‫وواهلل لن يفلح من تركها!!‬
‫ثالثاً‪ :‬ما أضاع ساعات الزمن وأيام العمر‪ ..‬مثل حياة الفارغني‪ ،‬وأصحاب اهلوايات الضائعة‬
‫واألوقات املسلوبة‪ ،‬ممن مههم إضاعة الساعات واألوقات يف هلو وعبث‪ ،‬فاحرص على وقتك فإنه‬
‫أغلى من املال‪ ،‬وإن كان مالك تستطيع أن حتافظ عليه وتنميه وتستثمره‪ ،‬فإن الوقت قاتل وقاطع‬
‫واألنفاس ال تعود‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬العلم طريق الوصول إىل خشية اهلل عز وجل فسارع إليه وابدأ بالعلم الشرعي الذي تقيم به‬
‫أمور دينك‪ ،‬وما نلت من علم دنيوي حتتاجه األمة فاجعل نيتك فيه خدمة اإلسالم واملسلمني حىت‬
‫تؤجر عليه‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬حسن اخللق كلمة لطيفة طرية على اللسان‪ ،‬ولكن عند التطبيق تتباين الشخصيات ويفرتق‬
‫الرجال إىل أصول وفروع! وال يغيب عن بالك أن حسن اخللق من صلب هذا الدين؟ فرب والديك‪،‬‬
‫وارفق بأخيك‪ ،‬وأحسن إىل صديقك‪ ،‬وتعاهد جارك‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫سادساً‪ :‬مع تنوع املعارف والعلوم البد أن يكون لك سهم من تلك الطروحات حىت تكون قوي‬
‫الفكر‪ ،‬ثابت املعلومة‪ ،‬على اطالع واسع لتنمي ثقافتك‪ ،‬ومثلك حيذر الطروحات الفكرية اليت يدعيها‬
‫بعض املوتورين واملرجفني ممن ال يذكرون اهلل إال قليال!‬
‫سابعاً‪ :‬القدوة علم تسري خلفه وتستظل بآرائه وتستلهم طريقه‪ ،‬فمن قدوتك يا ترى؟ وال أعرف‬
‫البن اإلسالم قدوة سوى حممد وصحبه الكرام وسلفه الصاحل‪.‬‬
‫ثامناً‪ :‬أنت ‪ -‬وال ريب ‪ -‬تتطلع إىل غد مشرق وسعادة دائمة وظل وارف‪ ،‬فعليك بتقوى اهلل يف‬
‫السر والعلن فإهنا وصية اهلل لألولني واآلخرين وطريق النجاة يوم الدين‪ :‬من عمل صاحلاً من ذكر أو‬
‫أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ‪.‬‬
‫تاسعاً‪ :‬لتكن قوي اإلرادة‪ ،‬ماضي العزمية‪ ،‬وألق ما تقع عليه عينك من احملرمات‪ ،‬وابتعد عن الرذائل‬
‫ومواطن الشبه والريب‪ ،‬ولتكن لك قوة داخلية تسخرها لتزكية نفسك وصفاء سريرتك وذلك مبراقبة‬
‫اهلل عز وجل على كل حني ومداومة العمل الصاحل‪.‬‬
‫عاشراً‪ :‬الدعاء هو العبادة‪ ،‬وكم أنت فقري إىل ربك وموالك‪ ،‬فبالدعاء يكون انشراح النفس‬
‫وطمأنينتها وطلب العون من اهلل عز وجل‪ ،‬فال تغفل عنه‪ ،‬واحرص على البعد عن موانع اإلجابة‪،‬‬
‫وكلما غفلت تذكر كثرة دعاء األنبياء ألنفسهم وحرصهم على ذلك‪.‬‬
‫أيها الشاب‪:‬‬
‫ال تستوحش من إقبال الزمان ودورته‪ ،‬وسيقف ابنك أمامك بعد زمن ليسألك‪ :‬كيف أصبح رجال يا‬
‫أيب؟ وأعتقد ‪ -‬وأنت معي يف ذلك ‪ -‬أن نقطة البداية هلذا اجلواب هو ما تسري عليه اليوم وترمسه‬
‫غدا‪ ،‬فالقدوة مثل أعلى ملن هم حولك‪ ،‬فابدأ واستعن باهلل‪ ،‬وأراك قد أصبحت رجال ينطلق يف‬
‫مضمار احلياة ال ترهبه هبوب الرياح وال تثنيه مسالك الطريق الوعرة‪.‬‬
‫ويف اخلتام‪ :‬قد يطرق قلبك سؤال مفاجىء تصوبه حنو قلمي‪ :‬كل ما ذكرت كلمات وعظية مكررة‬
‫نسمعها بني حني وآخر!‬
‫وجوايب لصوتك احلبيب‪ :‬أيها الرجل الشاب! يا من استقبلت الدنيا بوجهك‪ ..‬إهنا كلمات وإن‬
‫كانت مكررة فأبشر وأمل أن وقعت يف نفسك موقعا‪ ،‬فعندها تكون رجال وال كل الرجال‪ ،‬بل‬
‫رجل أثىن اهلل عز وجل عليه يف مواضع عدة من كتابه الكرمي‪ .‬وحسبك هذا الثناء لتكون رجال‪.‬‬
‫عبدامللك القاسم‬
‫دار القاسم‬
‫ــــــــ‬

‫‪493‬‬
‫واجبات األم الدعوية نحو أبنائها‬

‫أول واجبات الداعية إىل اهلل يف بيتها يتعلق بأبنائها الذين جيب أن يشبوا مسلمني‪ ،‬ومسلمات‪ ،‬ال‬
‫يعتزون بشيء مثلما يعتزون بانتمائهم إىل اإلسالم‪،‬‬
‫وأن يتمثلوا أخالقه‪ ،‬وآدابه يف كل ما يصدر منهم من كالم أو عمل أو تعامل فيما بينهم‪ ،‬أو مع‬
‫أقراهنم يف البيت أو املسجد‪ ،‬أواملدرسة‪ ،‬أو غريها‪.‬‬
‫هذا الواجب املتمثل يف انتماء األبناء لإلسالم‪ ،‬ومتثل أخالقه‪ ،‬وآدابه‪ ،‬منوط باملرأة املسلمة ربة البيت‬
‫بصور مباشرة‪ ،‬وبشكل ألصق من وجوبه على الرجل‪ ،‬ألن األم ترعى هذا النشء منذ الطفولة‬
‫املبكرة‪ ،‬وتسهم أكثر من غريها يف تشكيل أخالقهم‪ ،‬وميوهلم‪ ،‬واجتاهاهتم بطول خمالطتها هلم‪ ،‬على‬
‫حني ينشغل األب غالباً بعمله‪ ،‬فيغيب عن البيت فرتات ليست بالقصرية‪.‬‬
‫فماذا تفعل ربة البيت مع هؤالء الصغار األحباب؛ ليلتزموا بأخالق اإلسالم وحيسنوا االنتماء إليه‪،‬‬
‫فيعود ذلك عليهم‪ ،‬وعلى اجملتمع الذي يعيشون فيه بالنفع يف الدنيا واآلخرة؟‬
‫هذه أمور على جانب كبري من األمهية‪ ،‬نذكرها على اإلمجال لتضعها األخت الداعية نصب عينيها‪،‬‬
‫وتعمل هبا‪ ..‬وهي كاآليت‪:‬‬
‫‪ -1‬أن تعطي من نفسها القدوة ألبنائها‪ ،‬فتحرص متاماً على أن تتمثل فيها كل صفة‪ ،‬حتب أن جتدها‬
‫يف أبنائها‪ ،‬فكلما التزمت بأخالق اإلسالم وآدابه يف قوهلا‪ ،‬وفعلها‪ ،‬وكلما اعتزت بانتمائها لإلسالم‪،‬‬
‫نشأ أبناؤها على التحلي هبذه الصفات‪.‬‬
‫كما أن هذه القدوة توجب عليها أن تتخلى عن أي صفات ال حتب أن تراها يف أبنائها‪ ،‬سواء‬
‫أكانت هذه الصفات أخالقية‪ ،‬أم شكلية ختص امللبس واملأكل واحلركة والسكون‪.‬‬
‫‪ -2‬أن حترص األم احلرص كله منذ أن يعي أبناؤها ما يستمعون إليه‪ ،‬فتحكي هلم القصص املختارة‪،‬‬
‫اليت هتدهدهم هبا‪ ،‬أو تسليهم‪ ،‬أو تكون هلم القيم‪ ،‬وتغرس يف نفوسهم فضائل األخالق‪.‬‬
‫وأفضل القصص ما ورد يف القرآن‪ ،‬ووصفه‪ S‬اهلل تبارك وتعاىل بقوله‪ :‬حنن نقص عليك أحسن القصص‬
‫مبا أوحينا إليك هذا القرآن‪( ،‬يوسف‪.)3 :‬‬
‫‪ -3‬أن حترص كذلك وخباصة عندما يشب أبناؤها‪ ،‬ويصبحون أكثر وعياً على حتدثهم عن املسجد‪،‬‬
‫وأثره يف اجملتمع‪ ،‬وأن هتيئهم‪ ،‬وتؤهلهم للذهاب إىل املسجد بصحبة األب‪ ،‬أو األخ األكرب‪ ،‬مبجرد أن‬
‫يكونوا قادرين على ذلك وحدود هذه القدرة هي معرفة الوضوء‪ ،‬والطهارة يف الثوب‪ ،‬ومعرفة‬
‫الصالة‪ S...‬إخل فإن املسجد جزء أصيل من شخصية املسلم‪ ،‬وعامل مهم من عوامل تربيته‪.‬‬
‫تكون يف بيتها مكتبة إسالمية مالئمة ألعمار أبنائها‪ ،‬وأن ختتارها بعناية‪،‬‬ ‫‪ -4‬أن حترص على أن ِّ‬
‫حبيث تليب احتياجاهتم يف جمايل الثقافة والتسلية ملن يعرفون القراءة من األبناء‪.‬‬

‫‪494‬‬
‫أما الذين مل يتعلموا القراءة بعد فال يُهملوا‪ ،‬وإمنا تستطيع األم الداعية أن حتقق هلم الثقافة‪ ،‬والتسلية‬
‫أيضاً‪ ،‬عن طريق إمساعهم بعض األشرطة املسجلة‪ ،‬ومشاهدة األشرطة املرئية‪ ،‬اليت سجلت عليها مواد‬
‫نافعة‪.‬‬
‫‪ -5‬أن حترص ربة البيت على ضبط أبنائها يف النوم واليقظة‪ ،‬حبيث ال يسهرون فيضرون أبداهنم‪،‬‬
‫وأخالقهم إذا كانت السهرة مع التلفاز يف أحد أفالمه‪ ،‬أو مسرحياته اليت تستأصل القيم الفاضلة يف‬
‫وكبارا‪ ،‬وتتحدى اإلسالم‪ ،‬وقد تشجع على الرذائل‪ ،‬أوال تعرض من الظواهر‬ ‫صغارا ً‬ ‫نفوس الشباب ً‬
‫االجتماعية إال السيئ منها‪.‬‬
‫‪ -6‬أن حترص على أال تقع أعني أبنائها يف البيت على شيء يغضب اهلل‪ ،‬أو خيالف شيئاً مما أمر به‬
‫اإلسالم‪ ،‬من متثال وغريه‪ ،‬أو كلب يعايش األوالد يف البيت‪ ،‬أو صور ال يسمح هبا اإلسالم‪ ،‬فإن‬
‫وقوع أعني األبناء على هذه األشياء يف البيت يعودهم التساهل يف أمر دينهم وعبادهتم‪.‬‬
‫‪ -7‬أن حترص األم على أن تكون مصادر ثقافة أبنائها نقية ال يشوهبا شيء من الرتهات‪ ،‬واألباطيل‪،‬‬
‫أو املغالطات‪ ،‬وذلك بأن جتعل من القرآن الكرمي والسنة النبوية‪ ،‬وسرية الرسول ص أساساً ملصادر‬
‫هذه الثقافة‪ ،‬وأن تضيف إىل ذلك الكتب املختارة املبسطة املالئمة ألبنائها يف شرح هذه املصادر‬
‫األساسية‪.‬‬
‫‪ -8‬تزويد األبناء باإلجابات الصحيحة عن كل سؤال يطرحونه يف طفولتهم‪ ،‬وخباصة يف فرتات‬
‫معينة من سين أعمارهم وهي سنوات التطلعات ملا حوهلم‪ ،‬وحماولة إجياد عالقات بني املوجودات‪،‬‬
‫واالستفسار عما حيدث لبعض أجزاء أجسامهم من منو‪.‬‬
‫‪ -9‬كما أن على األم الداعية أن ختتار صديقات بناهتا وفق معايري اإلسالم‪ ،‬وأخالقه‪ ،‬وآدابه‪ ،‬وأن‬
‫تتابع هذه الصداقات‪ ،‬وحتيطها دائماً بالرعاية واالهتمام‪ ،‬وأن حترص على أن تستمر هذه الصداقة يف‬
‫جمراها الطبيعي املشروع ال تتجاوزه إىل غريه‪ ،‬مما يتهامس به املراهقات‪.‬‬
‫‪ -10‬أن ختصص األم ألبنائها وقتاً بعينه يف يوم أوأيام األسبوع‪ ،‬جتلس إليهم‪ ،‬وال تنشغل بسواهم‬
‫من الناس أو األمور‪ ،‬وأن تقيم عالقتها هبم على أساس من الود‪ ،‬واالحرتام‪ ،‬وأن تتعرف من خالل‬
‫هذه اجللسات مشكالهتم‪ ،‬وما يف أنفسهم من متاعب أو مسائل ال جيدون هلا حالً‪.‬‬
‫إهنا إن مل تفعل‪ ،‬وإن مل تنتظم يف ذلك مسحت هلذه املشكالت واملتاعب‪ ،‬واملسائل أن تنمو يف غري‬
‫االجتاه الصحيح‪ ،‬وقد تصل يف بعض األحيان إىل حد األزمة‪ ،‬أو املشكلة املستعصية على احلل‪.‬‬
‫املصدر ‪ :‬جملة اجملتمع‬
‫ــــــــ‬

‫‪495‬‬
‫أخالقنا‪ ..‬بين الواجب والمبادرة!‬
‫خالد عبداللطيف‬
‫امليدان الفسيح‪S!..‬‬
‫من أوسع ميادين الرتبية والتزكية اليت يرتع فيها رعاة البيوت (آباءً وأمهات) ميدان األخالق؛ كوهنا‬
‫امليدان الذي ال يكاد ينفك عنه إنسان حلظة‪ ،‬ال يف سكون وال حركة‪ ،‬فهو بني خلق وآخر‪ .‬هذا مع‬
‫املنزلة الكبرية لألخالق يف اإلسالم؛ حىت إن أحسن الناس خلقا هم أقرب الناس جمالسا من رسول اهلل‬
‫‪ ‬يوم القيامة‪.‬‬
‫الواجب واملبادرة‪!..‬‬
‫إذا كان الواجب على رعاة البيوت من اآلباء واألمهات غرس األخالق يف نفوس األوالد‪ ،‬حبثهم على‬
‫حسن اخللق وكف األذى؛ فإن هذا هو احلد األدىن إلبراء الذمة وأداء األمانة‪.‬‬
‫أما بيوت اهلمم العالية فلها شأن آخر مع غرس املبادرة إىل بذل املعروف‪ ،‬وإعانة الناس‪ ،‬واملسارعة‬
‫إىل سائر الفضائل‪ ،‬يف ظالل توجيه تربوي حكيم يراعي الفروق العمرية واملراحل السنية‪ ..‬مع رفع‬
‫شعار العبودية وأن‪" :‬كل هذا يا بين للواحد األحد؛ فال تنتظر املقابل من أحد"!‬
‫القدوة القدوة‪S!..‬‬
‫يتكرر احلث على القدوة دائما؛ ألهنا النموذج احلي املشاهد الذي يؤثر يف الطفل ويعلمه يف الوقت‬
‫نفسه؛ ويستثمر عادة التقليد فيه يف أبرك وأفضل مواضعها؛ األخالق‪.‬‬
‫كما أهنا مسؤولية تصديق الفعل لألقوال اليت المناص وال فكاك منها‪ ،‬واهلل املوفق واملستعان‪.‬‬
‫حروف اخلتام‪..‬‬
‫من أعظم الدالئل على منزلة األخالق الرفيعة يف دين اإلسالم‪ :‬أثرها البني على العبادات‪ ،‬وارتباط‬
‫صالح العابدين حبسن اخللق؛ كما روى أنس رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال‪" :‬ثالث من كن‬
‫فيه فهو منافق وإن صام وصلى وقال إين مسلم؛ من إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن‬
‫خان" (صحيح اجلامع ‪.)3043‬‬
‫خواطر وتأمالت يف إصالح البيوت‬
‫ــــــــ‬

‫‪496‬‬
‫أبرز صفات المعلم السلوكية في الفكر التربوي اإلسالمي ؟‬
‫عراد‬
‫الدكتور صاحل بن علي أبو َّ‬
‫أستاذ الرتبية اإلسالمية بكلية املعلمني يف أهبا‬
‫ومدير مركز البحوث الرتبوية بالكلية‬
‫احلمد هلل محد الشاكرين ‪ ،‬والصالة والسالم على املبعوث رمحةً للعاملني ‪ ،‬وعلى آله وصحبه والتابعني‬
‫‪ ،‬أما بعد ‪:‬‬
‫سامية جعلت منه وريثاً‬‫ومكانة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫مبنزلة ٍ‬
‫رفيعة‪،‬‬ ‫فال شك يف أن املعلم حيظى يف فكرنا الرتبوي اإلسالمي ٍ‬
‫شرعياً لألنبياء ( عليهم السالم ) يف أداء رسالتهم اخلالدة املتمثلة يف هداية الناس وتعليمهم و‬
‫إخراجهم من الظلمات إىل النور ‪ .‬وقد أشارت مصادر فكرنا الرتبوي اإلسالمي إىل كث ٍري من‬
‫النصوص و الشواهد اليت تُنوه بفضل املعلم ؛ و تُشري إىل كث ٍري من صفاته و خصائصه اليت مُت يزه عن‬
‫غريه ‪ ،‬وتُكسبه هويته اإلسالمية املتميزة ‪.‬‬
‫السلوكية ) اليت جُن ملها‬
‫ومن أبرز هذه الصفات و اخلصائص ما مُي كن أن نسميه ( الصفات اخلُلُقية و ُ‬
‫يف ما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬أن يكون املعلم خُم لصاً يف قوله و عمله و نيته ‪ :‬و معىن ذلك أال يقصد املعلم بعلمه و عمله غري‬
‫وجه اهلل سبحانه‪ ،‬طاعةً له و تقرباً إليه ‪ .‬كما يستلزم اإلخالص أن يبذل املعلم قُصارى جهده يف‬
‫اإلحاطة مبختلف اجلوانب الرتبوية و التعليمية اليت جتعل منه معلماً ناجحاً‪ ،‬متصفاً باإلخالص يف السر‬
‫و العلن‪.‬‬
‫‪ )2‬أن يكون متواضعاً هلل عز وجل ؛ متذلالً له سبحانه و تعاىل فال يُصيبه الكرب وال يستبد به العُجب‬
‫ملا أويت من العلم ؛ فإن من تواضع هلل رفعه ؛ وألن املعلم مىت حتلى بالتواضع وقف عند حده ‪،‬‬
‫وأنصف غريه ‪ ،‬وعرف له حقه ‪ ،‬ومل يتطاول على الناس بالباطل ‪.‬‬
‫‪ )3‬أن يكون آمراً باملعروف ناهياً عن املنكر ‪ ،‬متصفاً بالعقل و الروية ‪ ،‬و ُحسن التصرف‪ ،‬و‬
‫نابع من حرصه على حب اخلري للناس ‪ ،‬و حرصه على دعوهتم‬ ‫احلكمة يف أمره وهنيه ؛ ألن ذلك كله ٌ‬
‫إىل اخلري و الصالح‪.‬‬
‫‪ )4‬أن يكون حسن املظهر مجيل اهليئة ؛ إذ إن لشخصية املعلم و هيئته تأثرياً بالغ األمهية يف سلوك‬
‫مطلب‬ ‫سرف وال ٍ‬
‫خميلة‬ ‫الطالب و تصرفاهتم احلالية و املستقبلية ‪ .‬مث ألن العناية بامللبس وأناقته دومنا ٍ‬
‫ٌ‬
‫هام للمعلم حىت ترتاح لرؤيته العيون ؛ وتسعد به النفوس ‪ ،‬ويتأثر به الطالب يف هذا الشأن‪.‬‬
‫‪ )5‬أن يكون صابراً على معاناة مهنة التعليم و مشاقها ؛قادراً على مواجهة مشكالت الطالب و‬
‫غضب ‪ ،‬أو ٍ‬
‫انفعال ‪ ،‬أو حنو ذلك‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حبكمة و روية ؛ دومنا‬ ‫معاجلتها‬

‫‪497‬‬
‫‪ )6‬أن يكون حُم باً لطالبه ُمشفقاً عليهم ‪ُ ،‬متفقداً هلم يف خمتلف أحواهلم ‪ ،‬مشاركاً هلم يف حل‬
‫مشكالهتم حىت تنشأ عالقة قوية وثيقة بينه و بينهم ؛ تقوم على األخوة و احلب يف اهلل تعاىل‪.‬‬
‫واحدة يستوي فيها اجلميع ؛ فال فرق عنده‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بطريقة‬ ‫‪ )7‬أن يكون عادالً بني طالبه ؛ متعامالً معهم‬
‫قريب وال غريب ‪ ،‬وال أبيض وال أسود ‪ .‬مث ألن العدالة صفةٌ الزمةٌ ينبغي‬ ‫بني غ ٍين و فقري ‪ ،‬وال ٍ‬
‫للمعلم أن يتحلى هبا و أن ميارسها مع مجيع طالبه ؛ فيعُطي كل طالب من طالبه حقه من االهتمام ‪،‬‬
‫لطالب على حساب اآلخر‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫جماملة‬ ‫ميل أو ٍ‬
‫حماباة أو ٍ‬ ‫والعناية ‪ ،‬والدرجات ‪ ،‬وحنو ذلك دومنا ٍ‬
‫وختاماً؛ فإن خالصة الصفات األخالقية و السلوكية السابقة ميكن أن جتتمع يف ضرورة أن يكون‬
‫املعلم قدو ًة حسنةً يف قوله و عمله ؛ و سره و علنه ؛ و أمره و هنيه ؛ و مجيع شأنه ألن القدوة احلسنة‬
‫هي مجاع الصفات األخالقية و السلوكية الالزمة للمعلم ؛ وخري ما ينبغي أن يتحلى به من مسات و‬
‫صغرية و ٍ‬
‫كبرية من‬ ‫ٍ‬ ‫صفات ؛ مث ألن طالبه يعدونه املثل األعلى هلم فهم يقلدونه ويتأثرون به يف كل‬
‫حيث يشعرون أو ال يشعرون ؛ فكان واجباً عليه أن يكون قدو ًة حسنةً يف إخالصه وتواضعه ‪،‬‬
‫وأمره باملعروف وهنيه عن املنكر ‪ ،‬وقدو ًة حسنةً يف ُحسن مظهره ‪ ،‬وصربه على طالبه ‪ ،‬وحبه هلم ‪،‬‬
‫وشفقته عليهم ‪ ،‬و عدله بينهم ‪.‬‬
‫وفق اهلل اجلميع ملا فيه اخلري و السداد ‪ ،‬و اهلداية و الرشاد ‪ ،‬و احلمد هلل رب العباد‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪498‬‬
‫أخالقيات مشرف التربية اإلسالمية وأثرها على المعلم‬
‫علي بن عبدالعزيز الراجحي‬
‫خالصة‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا حممد عليه أفضل الصالة وأمت التسليم ‪ ،‬فهذا‬
‫خالصة ورقة العمل اليت بعنوان (أخالقيات مشرف الرتبية اإلسالمية وأثرها على املعلم) وهي تشمل‬
‫على ثالثة حماور ‪:‬‬
‫احملور األول ‪ :‬أخالقيات مشرف الرتبية اإلسالمية وهي ما يلي ‪:‬‬
‫اإلخالص هلل ‪ ،‬والقدوة احلسنة ‪،‬و الصدق ‪،‬و التواضع ‪،‬و التحلي باألخالق الفاضلة واحلميدة ‪ ،‬و‬
‫العدل واملساواة ‪ ،‬والشجاعة ‪ ،‬و الصرب واحتمال الغضب ‪ ،‬و التشجيع ‪ ،‬والتعاون ‪ ،‬و الشورى ‪،‬‬
‫واملسؤلية ‪ ،‬والرمحة ‪.‬‬
‫احملور الثاين ‪ :‬العالقات بني مشرف ومعلم الرتبية اإلسالمية‪:‬‬
‫وحيتوي على تعريف العالقات ‪ ،‬وأسس اليت تبىن عليها العالقات اإلنسانية ‪ ،‬وأهدافها ‪ ،‬و املبادئ‬
‫اليت البد للمشرف الرتبوي من تطبقها لبناء العالقات يف العمل اإلشرايف ‪ ،‬وسلبيات عدم ممارسة‬
‫العالقات ‪ ،‬ومعوقات العالقات ‪.‬‬
‫احملور الثالث ‪ :‬جماالت العملية اإلشرافية اليت ميكن أن تطبيق فيها العالقات اإلنسانية من تلك اجملاالت‬
‫ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬املقابلة الفردية للغري ‪.‬‬
‫‪ .2‬االجتماع املشرتك ‪.‬‬
‫‪ .3‬الزيارة الصفية ‪.‬‬
‫‪ .4‬اللقاءات الرتبوية ‪.‬‬
‫‪ .5‬زيارة املدرسة‪0‬‬
‫‪ .6‬زيارة املعلم للفصل ‪.‬‬
‫‪ .7‬املقابلة الفردية بعد الزيارة ‪.‬‬
‫‪ .8‬االجتماع باهليئة التعليمية‪.‬‬
‫‪ .9‬الدروس النموذجية ‪.‬‬
‫‪ .10‬االجتماع مبعلمي املادة‬
‫املقدمة‬

‫‪499‬‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬حنمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ‪ ،‬وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من‬
‫يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أال إله إالَّ اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن‬
‫حممداً عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثرياً ‪.‬‬
‫َّأما بعد ‪:‬‬
‫فال خيفى ما ملشرف الرتبية اإلسالمية من أثر يف البيئة املدرسية إذا هو ختلق باألخالقيات اجليدة ‪ ،‬ال‬
‫سيما على معلمني التخصص ‪.‬‬
‫وبناء على ذلك مت إعداد هذه الورقة بعنوان (أخالقيات مشرف الرتبية اإلسالمية وأثرها على املعلم)‬
‫وهذه الورقة تشمل على ثالثة حماور ‪:‬‬
‫احملور األول ‪ :‬أخالقيات مشرف الرتبية اإلسالمية ‪.‬‬
‫احملور الثاين ‪ :‬العالقات بني مشرف ومعلم الرتبية اإلسالمية ‪.‬‬
‫احملور الثالث ‪ :‬بعض اجملاالت العملية اإلشرافية اليت ميكن أن تطبيق فيها العالقات اإلنسانية‬
‫هذا اهلل أسال أن ينفع مبا كتبنا ‪ ،‬وأن يوفقنا ملا حيبه ويرضى ‪ ،‬من األقوال واألعمال ‪ ،‬وصلى اهلل‬
‫على نبينا حممد وعلى صحبه أمجعني ‪.‬‬
‫حمبكم‬
‫احملور األول ‪ :‬أخالقيات مشرف الرتبية اإلسالمية‬
‫قبل ذكر أهم األخالقيات اليت ينبغي للمشرف أن يتحلى هبا يستحسن ذكر تعريف اإلشراف الرتبوي‬
‫فهو‪:‬‬
‫"عملية فنية شورية قيادية إنسانية شاملة غايتها تقومي وتطوير العملية التعليمية و الرتبوية بكافة‬
‫حماورها " فعلى املشرف الرتبوي أن يتذكر أن طبيعة عمله تقوم على هذه األخالقيات واليت من أمهها‬
‫ما يلي ‪:‬‬
‫[‪ ]1‬اإلخالص هلل ‪:‬‬
‫أن هذا اخللق من األخالقيات اليت ينبغي للمشرف الرتبوي التحلي به فضالً عن مشرف الرتبية‬
‫إلسالمية وذلك ألن هذا اخللق هو أساس اإلعمال واألقوال وهلذا ثبت من حديث عمر بن اخلطاب‬
‫رضي اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول " إمنا األعمال بالنيات ‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى ‪،‬‬
‫فمن كانت هجرته إىل اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل ورسوله ‪ ،‬ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو‬
‫امرأة ينكحها ‪ ،‬فهجرته إىل ما هاجر إليه " ‪ .‬ولذا كان حري باملشرف الرتبوي أن يغرس يف نفسه‬
‫هذا اخللق العظيم وهو إخالص العمل هلل ‪ ،‬وابتغاء األجر والثواب منه ‪ ،‬وإن حصل بعد ذلك مدح‬
‫وثناء من الغري فذلك فضل من اهلل ونعمة ‪ ،‬ومدار ذلك كله على النية ‪.‬‬
‫[‪ ]2‬القدوة احلسنة ‪:‬‬

‫‪500‬‬
‫من مسات مشرف الرتبية اإلسالمية أن يظهر أمام الغري بالقدوة احلسنة ال سيما إمام املعلمني وذلك‬
‫بكل ما حيمل هذه اخللق من معاين ‪ ،‬وذلك من خالل مطابقة القول للعمل قال تعاىل ‪ ( :‬يَا َُّأي َها‬
‫ين َآمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما ال َت ْف َعلُو َن * َكُبَر َم ْقتاً ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما ال َت ْف َعلُو َن) ‪ .‬ومطابقة القول‬ ‫َّ ِ‬
‫الذ َ‬
‫العمل ‪ ،‬أسرع يف االستجابة من جمرد القول مبفرده‪. S‬واملشرف هو من أحوج الناس إىل التزام هذا‬
‫اخللق يف واقع حياته فضالً عن عمله الذي يتطلب منه هذا اخللق وذلك ألنه قدوة حيتذى به‪.‬‬
‫[‪ ]3‬الصدق ‪:‬‬
‫أن إتصاف املشرف الرتبوي بصفة الصدق عند قيامة بعمله من أهم الصفات وذلك ألن عمله يقتضي‬
‫منه ذلك ‪ ،‬وهلذا أثىن اهلل على الصادقني ‪ ،‬ورغب املؤمنني أن يكونوا من أهله بقوله تعاىل ‪( :‬يَا َُّأي َها‬
‫ني) وأرشد املعلم األول ‪ ‬إىل أن الصدق يهدي إىل اجلنة‬ ‫الَّ ِذين آمنوا َّات ُقوا اللَّه و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬
‫كما ثبت من حديث عبداهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال " إن الصدق يهدي إىل الرب ‪ ،‬وإن الرب‬
‫يهدي إىل اجلنة ‪ ،‬وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حىت يكتب عند اهلل صديقاً ‪ ،‬وإن الكذب‬
‫يهدي إىل الفجور ‪ ،‬وإن الفجور يهدي إىل النار ‪ ،‬وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حىت يكتب‬
‫عند اهلل كذاباً " وعند تأمل السرية النبوية ‪ ،‬جند أن النيب ‪ ‬كان يسمى بالصادق األمني ‪ ،‬ولقد‬
‫كان ال تصافه ‪ ‬بالصدق أثراً كبرياً يف دخول كثري من الناس يف دين اهلل ‪ ،‬فمشرف الرتبية‬
‫اإلسالمية أوىل هبذه الصفة عن غريه من املشرفني ‪ .‬ومثرة صدقه يدعو املعلم إىل الثقة به ومبا يقول ‪،‬‬
‫وجيعله يكسب احرتام املعلمني ‪ ،‬ويرفع من شأنه يف عمله ‪ ،‬ويتمثل صدقه يف املسئولية امللقاة على‬
‫عاتقه ‪ ،‬واليت منها نقل املعرفة مبا فيها من حقائق ومعلومات للمعلمني ‪ ،‬فإن مل يكن املشرف متحلياً‬
‫بالصدق فإنه سينقل هلم علماً ناقصاً ومبتوراً ‪ ،‬وحقائق ومعلومات مغايرة للصورة اليت جيب أن‬
‫ينقلها ‪ ،‬وجتارب تربوية غري واقعية ‪ ،‬ورمبا يُسقط من أعني غريه ‪.‬‬
‫[‪ ]4‬التواضع ‪:‬‬
‫أمجل هذا اخللق احلميد الذي يضفي على صاحبة إجالالً ومهابة ‪ ،‬ومشرف الرتبية اإلسالمية يف أمس‬
‫احلاجة ‪ ،‬إىل التخلق هبذا اخللق العظيم ‪ ،‬ملا فيه من حتقيق االقتداء بسيد املرسلني ‪ ،‬وملا فيه من الرفعة‬
‫له ملا ثبت من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه عن رسول اهلل قال" ما نقصت صدقة من مال وما زاد‬
‫اهلل عبدا بعفو إال عزاً وما تواضع أحد هلل إال رفعه اهلل" ‪.‬‬
‫وهلذا كان حاجة املشرف إىل التواضع مطلوبة وهي مسه البد من توفرها يف املشرف الرتبوي ‪.‬ألن‬
‫عمله التوجيهي يقتضي االتصال باملعلمني والقرب منهم حىت ال جيدوا حرجاً يف سؤاله ومناقشته‬
‫البوح له مبا يف نفوسهم من مشكالت تتعلق بعملهم ‪ ،‬وألن النفوس ال تسرتيح ملتكرب أو مغرت بعمله‬
‫‪.‬وهلذا قال رسول اهلل ‪ " ‬إن اهلل أوحى إىل أن تواضعوا حىت ال يفخر أحد على أحد ‪ ،‬وال يبغي‬
‫ني) ‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ك لِم ِن اتَّبع َ ِ‬ ‫أحد على أحد " ‪ ،‬وقوله تعاىل (و ِ‬
‫ك م َن الْ ُمْؤ من َ‬ ‫اح َ َ َ َ‬ ‫ض َجنَ َ‬ ‫اخف ْ‬ ‫َ ْ‬

‫‪501‬‬
‫ومن آضرار عدم التواضع الذي قد يصيب بعض املشرفني جحوده للحق وعدم اخلضوع له ‪ ،‬والغرور‬
‫مبا لديه من علم وخربه ‪ ،‬وعدم وصوله إىل أهداف عمله ‪،‬وال يعرف ما حتقق منها يف البيئة املدرسية‬
‫ألنه بعيد عن خمالطة املعلمني ‪.‬‬
‫[‪ ]5‬التحلي باألخالق الفاضلة واحلميدة ‪.‬‬
‫ال شك أن الكلمة الطيبة والعبارة احلسنة تفعل أثرها يف النفوس ‪ ،‬وتؤلف القلوب ‪ ،‬وتذهب الضغائن‬
‫واألحقاد من الصدور ‪ ،‬وهلذا كان التعبريات اليت تظهر على وجه املشرف حتدث مردوداً إجيابياً أو‬
‫سلبياً لدى املعلم ‪ ،‬وذلك ألن انبساط الوجه وطالقته مما تأنس به النفس وترتاح إليه ‪ .‬وخالف ذلك‬
‫مما تنفر منه النفوس وتنكره ‪ ،‬والرسول ‪ ‬كان أطيب الناس روحاً ونفساً ‪ ،‬وكان أعظمهم خلقاً‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم ) ومل يكن فظاً غليظاً‬ ‫يقول اهلل تعاىل عن خلق أشرف األنبياء واملرسلني( َوِإن َ‬
‫ٍِ ِِ‬
‫حاد الطباع بل كان سهالً مسحاً ليناً رءوفاً بأمته كما قال تعاىل (فَبِ َما َرمْح َة م َن اللَّه لْن َ‬
‫ت هَلُ ْم َولَ ْو‬
‫ِ‬ ‫ت فَظّاً َغلِي َ‬
‫ك)‪.‬‬ ‫ب اَل ْن َفضُّوا ِم ْن َح ْول َ‬
‫ظ الْ َق ْل ِ‬ ‫ُكْن َ‬
‫واملشرفون الرتبويني حري هبم أن يرتمسوا خطى املعلم األول ‪ ، ‬يف التحلي باألخالق الفاضلة‬
‫واألدب الرفيع ‪ ،‬وهي من أجنع الوسائل يف التأثري ‪ ،‬كما يف حديث عائشة رضي اهلل عنها قول‬
‫الرسول ‪ " ‬إن الرجل ليدرك حبسن خلقه درجات قائم الليل ‪ ،‬وصائم النهار " وألن حسن اخللق‬
‫سجية تعمل عمل السحر يف أسر القلوب ‪ ،‬واستمالة النفوس ‪ ،‬وإشاعة احملبة بني أفراد اجملتمع ‪،‬‬
‫ومشرفني الرتبية اإلسالمية هم أوىل الناس بذلك ‪ ،‬ال سيما يف جمال عملهم ‪.‬‬
‫[‪ ]6‬العدل واملساواة ‪:‬‬
‫من مسات الرتبوي أن يتحلى هبذه الصفتني ‪ ،‬قال تعاىل ‪ (:‬إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتآي ذي‬
‫القرىب وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي لعلكم تذكرون ) ‪ ،‬وقال تعاىل ‪ ( :‬وإذا قلتم فأعدلوا ولو‬
‫كان ذا قرىب ) ‪ .‬فالعدل الذي أمر اهلل به ‪ ،‬يشمل العدل يف معاملة اخللق بالعدل التام وهبذا يتبني أن‬
‫القيام بالقسط والعدل بني الناس ‪ ،‬وهو مطلب من مطالب احلياة السليمة ‪ ،‬ويتأكد العدل يف عمل‬
‫املشرف يف تقومييه لألقوال واألعمال اليت يسمعها أو يشاهدها ‪ ،‬فال جمال حملاباة أحد ‪ ،‬أو تفضيل‬
‫أحد على أحد سواء لقرابته أو معرفته أو ألي أمر كان ‪ ،‬فإن هذا من الظلم الذي ال يرضاه اهلل‬
‫وصاحبه متوعد بالعقوبة ‪.‬إن اختالل هذا امليزان عند املشرف ‪ ،‬أي وجود التميز بني املعلمني ‪ ،‬كفيل‬
‫بان خيلق التوتر وعدم االنسجام والعداوة والبغضاء بني املشرف واملعلم ‪.‬‬
‫[‪ ]7‬الشجاعة ‪:‬‬
‫قد يستغرب ورد هذا اخللق ‪ ،‬والشجاعة املقصودة به ‪ ،‬فهي شجاعة الكلمة ‪ ،‬واالعرتاف باخلطأ ‪،‬‬
‫وهذا ال يكاد يسلم منه أحد ‪ ،‬ولو كان على حساب النفس ‪ ،‬وهذا واهلل ليزيد املسلم عزاً ورفعة ‪،‬‬
‫وال ينقص من قدره شيئاً ‪ ،‬ومن ظن غري ذلك فقد حاد عن جادة الصواب ‪ .‬واملشرف حبكم وظيفته‬

‫‪502‬‬
‫‪ ،‬معرض ملثل هذه املواقف ‪ ،‬فيا ترى ماذا يقول املشرف إذا جانب الصواب ‪ ،‬مث بان له الصواب ‪،‬‬
‫فهل يبادر إىل استدراك ويعرتف باخلطأ لغريه ‪.‬‬
‫[‪ ]8‬الصرب واحتمال الغضب ‪:‬‬
‫الصرب منزلة رفيعة ال يناهلا إال ذوو اهلمم العالية ‪ ،‬والنفوس الزكية ‪ .‬والغضب هو ثورة يف النفس ‪،‬‬
‫يفقد فيها الغاضب اتزانه ‪ ،‬وتنقلب املوازين عنده ‪ ،‬فال يكاد مييز بني احلق والباطل ‪ ،‬وهي خصلة غري‬
‫حممودة ‪ .‬ووجه تعلق هذا اخللق باإلشراف الرتبوي ‪ ،‬هو أن املشرف يتعامل مع أفراد خيتلفون يف‬
‫الطباع ‪ ،‬واألفكار ‪ ،‬فمنهم اجليد ‪ ،‬ومنهم الضعيف ‪ ،‬وهذا اخللق ليس سهل املنال ‪ ،‬بل إنه حيتاج إىل‬
‫طول ممارسة من املشرف حىت يعتاد ذلك ويألفه ‪ .‬وفقدان الصرب يوقع املشرف يف حرج شديد ‪،‬‬
‫خصوصاً إذا كان ذلك أثناء ممارسته لعمله ‪ ،‬فإن املشرف يواجه عقليات متفاوتة يف اإلدراك‬
‫والتصور ‪ ،‬واالستجابة ‪ ،‬إىل غري ذلك ‪ .‬بل إن من أشدها وقعاً وأثراً على املشرف وهو ما إذا‬
‫تعرض املشرف لكلمة نابية من غريه ‪ ،‬وليس ذلك مبستغرب من البشر الختالفهم يف الطباع ‪،‬‬
‫واإلدراك وحنو ذلك ‪.‬‬
‫إن احتواء الغضب والسيطرة عليه ‪ ،‬عالمة قوة شخصية للمشرف ‪،‬ودليل على أتزانه ‪ ،‬وليست‬
‫عالمة ضعف ‪ ،‬خصوصاً إذا كان ذلك املشرف قادراً على إنفاذ ما يريد ‪ ،‬وقدوته يف ذلك الرسول‬
‫‪ ‬حيث أخرب بذلك بقوله كما يف حديث عن أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪ " :‬ليس الشديد بالصرعة ‪،‬‬
‫إمنا الشديد الذي ميلك نفسه عند الغضب " ‪.‬‬
‫[‪ ]9‬التشجيع ‪:‬‬
‫ض َل َبْينَ ُك ْم ) فاملشرف الرتبوي البد أن خيتار من أساليب التشجيع ما‬‫(وال َتْن َس ُوا الْ َف ْ‬
‫قال اهلل تعاىل َ‬
‫يناسب املعلم وعمله مراعية يف ذلك الفروق الفردية ‪.‬‬
‫[‪ ]10‬التعاون ‪:‬‬
‫الت ْق َوى ) فالبد للمشرف الرتبوي أن يشجع العمل اجلماعي وإشعار‬ ‫(و َت َع َاونُوا َعلَى الْرِب ِّ َو َّ‬
‫قال تعاىل َ‬
‫املعلمني بأنه واحد منهم ‪.‬‬
‫[‪ ]11‬الشورى ‪:‬‬
‫قال تعاىل (وشاورهم يف األمر ) وللشورى أمهية عظيمة ألنه يفيض على العمل جو العالقات‬
‫اإلنسانية بتقوية رابطة األلفة واحملبة بني املشرف واملعلمني وحتقيق الراحة والرضا والطمأنينة هلم مما‬
‫يؤدي إىل سرعة تقبل القرار والعمل على تنفيذه بالصورة املطلوبة ‪.‬‬
‫[‪ ]12‬املسؤلية ‪:‬‬
‫قال الرسول ‪ ‬كما يف حديث ابن عمر رضي اهلل عنهما " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "‬
‫فالشعور باملسئولية يؤدي إىل اإلحساس باإليثار وحب اآلخرين ‪.‬‬

‫‪503‬‬
‫[‪ ]13‬الرمحة ‪:‬‬
‫قال تعاىل ( حممد رسول اهلل والذين معه أشداء على الكفار رمحاء بينهم ‪ S)...‬فالرمحة بني العاملني يف‬
‫اجملال الرتبوي تعترب من الصفات اليت ينبغي للمشرف الرتبوي أن يتصف هبا فعن جرير بن عبداهلل‬
‫رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول ‪ " ‬اليرحم اهلل من اليرحم الناس "‬
‫احملور الثاين ‪ :‬العالقات بني مشرف ومعلم الرتبية اإلسالمية‬
‫ال خيفى على أحد أمهيئة العالقات بني البشر ال سيما بني األشخاص يف جمتمع العمل الواحد وال‬
‫ميكن للمشرف الرتبوي أن يرتك أثراً يف عمله اإل من خالل العالقات اليت جاءت يف النصوص‬
‫الشرعية وهلذا بعث اهلل سبحانه وتعاىل رسوله ‪ ‬بتلك الصفات اليت تعترب مبادئ وركائز انبثقت‬
‫ٍِ ِِ‬
‫منها العالقات يف اإلسالم ‪ ،‬حيث وصف اهلل تعاىل رسوله بقوله تعاىل( فَبِ َما َرمْح َة م َن اللَّه لْن َ‬
‫ت هَلُ ْم‬
‫ب اَل ْن َفضُّوا ِمن حولِك فَاعف عْنهم و ِ‬ ‫ت فَظّاً َغلِي َ‬
‫ظ الْ َق ْل ِ‬
‫اسَت ْغف ْر هَلُ ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم يِف ْ‬
‫اَأْلم ِر ) ‪،‬‬ ‫ْ َْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫َولَ ْو ُكْن َ‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم) ‪.‬‬‫(وِإن َ‬‫وقوله تعاىل َ‬
‫وثبت من حديث عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال " ليس الشديد بالصرعة إمنا‬
‫الشديد الذي ميلك نفسه عند الغضب " ‪ ،‬وعن أنس رضى اهلل عنه عن النيب ‪ ‬قال "يسروا وال‬
‫تعسروا وبشروا وال تنفروا " ‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبداهلل رضي اهلل عنه قال مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول " من حيرم الرفق حيرم اخلري كله‬
‫"‬
‫فعندما تكون العالقه بني املشرف واملعلم عالقة ود واحرتام متبادل يؤدي ذلك اىل انتاج مثمر ىف‬
‫العمل و يالحظ ذلك بزيادة العطاء واملشاركة ىف األعمال واألنشطة نتيجة حلسن تعامل املشرف ‪.‬‬
‫والعالقات االنسانية ليست جمرد كلمات جماملة تقال لالخرين وامنا هي باالضافة اىل ذلك تفهم‬
‫لقدرات االفراد وطاقاهتم وظروفهم ودوافعهم وحاجاهتم واستخدام كل هذه العوامل حلفزهم على‬
‫العمل ‪.‬‬
‫وميكن أن نعرف العالقات ‪:‬‬
‫( بأهنا سلوك مثايل من املشرف مع من حتت إشرافه من حيث املعاملة احلسنة ملا حيقق األهداف‬
‫املشرتكة بينهما ) ‪.‬‬
‫فينج عن ذلك اجلو القائم املبين على املعاملة الطيبة واألخالق والقيم اإلسالمية واالحرتام وتقدير‬
‫املسؤلية والتعاون واملساواة والعدل والصدق واألمانة واحملبة واأللفة بني املشرف واملعلم ‪.‬‬
‫أسس العالقات اإلنسانية ‪:‬‬
‫‪ .1‬إميان املشرف الرتبوي بقيمة كل معلم وإحرتامه وبأن لكل معلم قدراته اخلاصة‬

‫‪504‬‬
‫‪ .2‬احرتام رغبات املعلمني وإعطائهم الفرصة للمشاركة بالرأي واختاذ القرارات يف ما يتعلق باملواقف‬
‫الرتبوية يف احلياة العملية ‪.‬‬
‫‪ .3‬تشجيع العمل اجلماعي من خالل التعاون بني املعلمني‬
‫‪ .4‬العدل واملساواة يف معاملة املعلمني ومراعاة الفروق الفردية بينهم ‪.‬‬
‫‪ .5‬العمل على النمو املهين والرتبوي والتخصصي لكل من املشرف ومعلميه عن طريق اإلطالع‬
‫‪،‬وتبادل الزيارات‪ ،‬والندوات ‪ ،‬واالجتماعات ‪ ،‬والورش التعليمية ‪ ،‬والدورات الرتبوية والتخصصية‬
‫فمن خالهلا يتم اكتساب املعرفة والسلوكيات ‪ ،‬وتنمو العالقات اإلنسانية باملمارسة الفعلية‪.‬‬
‫أهداف العالقات اإلنسانية ‪:‬‬
‫‪ .1‬حتقيق التعاون بني العاملني يف اجملتمع الواحد وتعزيز الصالت الودية والتفاهم الوثيق وتقوية الثقة‬
‫املتبادلة ‪.‬‬
‫‪ .2‬زيادة اإلنتاج وهي نتيجة مرتتبة على زيادة التعاون ‪.‬‬
‫‪ .3‬إشباع حاجات األفراد االقتصادية واالجتماعية والنفسية وحتقيق أهداف التنظيم الذي يعملون‬
‫فيه‪.‬‬
‫‪ .4‬رفع الروح املعنوية بني أفراد املؤسسة الرتبوية ومن مث يتوافر اجلو النفسي العام لصاحل العمل‬
‫واإلنتاج‪.‬‬
‫‪ .5‬تضمن للمعلمني الرضا الوظيفي ‪.‬‬
‫املبادئ اليت البد للمشرف الرتبوي من تطبقها لبناء العالقات يف عمله اإلشرايف ‪:‬‬
‫‪ .1‬تقدير املشرف جلميع املعلمني واحرتام آرائهم ومقرتحاهتم وإشراكهم يف القرارات اليت تتخذ‬
‫داخل نطاق العمل وبالتايل االستفادة من جوانب القوة لدى املعلمني وتصحيح جوانب الضعف عند‬
‫البعض اآلخر‪.‬‬
‫‪ .2‬امتداح وتشجيع العمل اجليد الذي يصدر من املعلم ورفع معنويات املعلمني وتشجيع التجديد‬
‫واالبتكار بني املعلمني ‪.‬‬
‫‪ .3‬التعرف على املشاكل اليت تضايق املعلمني واالشرتاك معهم يف إجراء البحوث الرتبوية اليت تعاجل‬
‫هذه املشاكل ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يعمل املشرف على حتقيق االنسجام بني املعلمني وتوزيع املسؤليات بينهم بطريقة عادلة ‪.‬‬
‫‪ .5‬توفري املناخ الصاحل الذي جيعل املعلمني يعملون بنفس مطمئنة ‪.‬‬
‫‪ .6‬االبتعاد عن تصيد وتتبع أخطاء املعلمني ‪.‬‬
‫‪ .7‬رعاية املعلم اجلديد ‪.‬‬
‫‪ .8‬إتاحة الفرصة للمعلمني للتعبري عن وجهات النظر ‪.‬‬

‫‪505‬‬
‫‪ .9‬مراعاة الفروق الفردية بني املعلمني يف القدرات الشخصية والظروف املختلفة ‪.‬‬
‫‪ .10‬االهتمام باملشكالت الشخصية والعملية للمعلم ‪.‬‬
‫‪ .11‬توثيق الروابط بني املعلم وزماله ‪.‬‬
‫‪ .12‬تشجيع املعلمني على العمل التلقائي املنتج ‪.‬‬
‫‪ .13‬كسب الثقة عن طريق العدل واألنصاف واشراك املعلم يف تقومي نفسه ‪.‬‬
‫‪ .14‬تقدير اوجه نشاط املعلم داخل الفصل وخارجه ‪.‬‬
‫سلبيات عدم ممارسة العالقات اإلنسانية ‪:‬‬
‫‪ .1‬التخوف والقلق من زيارات املشرف الرتبوي ‪.‬‬
‫‪ .2‬التلون والرياء يف املعاملة ‪.‬‬
‫‪ .3‬التنفيذ الوقيت من املعلم ‪.‬‬
‫‪ .4‬اخفاء احلقائق واملشكالت وتفاقمها ‪.‬‬
‫‪ .5‬الكراهية والعدوانية واملنافسة واالغتياب والوقوع يف االخطاء ‪.‬‬
‫‪ .6‬ضعف العالقة اإلنسانية بني املشرف واملعلم ‪.‬‬
‫‪ .7‬عدم تقبل املشرفني للنقد وكذلك من املعلم ‪.‬‬
‫معوقات العالقات اإلنسانية ‪:‬‬
‫‪ .1‬بعد املشرف الرتبوي عن تعاليم ومبادئ اإلسالم‬
‫‪ .2‬التحيز لفئه من املعلمني ومراعاة خواطرهم لسبب من األسباب ‪.‬‬
‫‪ .3‬مواجهة املشرف الرتبوي ملعلمهم بالنقد واللوم أمام األخرين ‪.‬‬
‫‪ .4‬عدم توفر نظام مناسب لالتصال بني املشرف واملعلمني يف املدرسة ‪.‬‬
‫‪ .5‬األعباء الكثرية اليت يعاين منها املشرفني واملعلمني‪.‬‬
‫احملور الثالث ‪ :‬بعض جماالت العملية اإلشرافية اليت ميكن أن تطبيق فيها العالقات اإلنسانية‬
‫يف إطار العملية اإلشرافية ميكن التأكيد على مبدأ العالقات اإلنسانية من خالل ما يلي ‪:‬‬
‫‪ .1‬املقابلة الفردية‪.‬‬
‫‪ .2‬االجتماع املشرتك‪.‬‬
‫‪ .3‬الزيارة الصفية ‪.‬‬
‫‪ .4‬اللقاءات الرتبوية ‪.‬‬
‫‪ .5‬زيارة املدرسة ‪0‬‬
‫‪ .6‬زيارة املعلم للفصل ‪.‬‬
‫‪ .7‬املقابلة الفردية بعد الزيارة ‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫‪ .8‬االجتماع باهليئة التعليمية‪.‬‬
‫‪ .9‬الدروس النموذجية ‪.‬‬
‫‪ .10‬االجتماع مبعلمي املادة ‪.‬‬
‫علي بن عبدالعزيز الراجحي‬
‫‪alt1@maktoob.com‬‬
‫مشرف الرتبية اإلسالمية‬
‫بوزارة الرتبية والتعليم‬
‫‪0504425136‬‬
‫املراجع‬
‫‪ .1‬أسس اإلدارة الرتبوية واملدرسية واإلشراف الرتبوي ‪ ،‬تيسري الدويك وحسني ياسني وغريمها ‪،‬دار‬
‫الفكر ‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلدارة التعليمية أصوهلا وتطبيقاهتا ‪ ،‬د حممد منري مرسى (‪1404‬هـ) عامل الكتب ‪.‬‬
‫‪ .3‬اإلدارة واإلشراف الرتبوي ‪ ،‬حممد عدس وحممد الدويك وغريه ‪.‬‬
‫‪ .4‬اجلامع الصحيح املختصر (صحيح البخاري) ‪ ،‬أبو عبداهلل البخاري ‪ ،‬دار ابن كثري‪1407 ،‬هـ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.‬‬
‫‪ .5‬خربيت يف االدارة املدرسية ‪ ،‬فايز بن عبداهلل السويد ‪1416 ،‬هـ ‪ ،‬الطبعة األوىل ‪.‬‬
‫‪ .6‬التوجيه الرتبوي ‪ ،‬د‪ .‬عبداحلليم بن ابراهيم العبداللطيف ‪1416 ،‬هـ ‪ ،‬دار املسلم ‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ .7‬العالقات األنسانية يف اإلسالم ‪ ،‬خالد املنصور ‪ ،‬مكتبة التوبة ‪ ،‬الطبعة الثانية‪1423 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .8‬صحيح مسلم ‪ ،‬مسلم بن احلجاج ‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ ،‬بريوت ‪.‬‬
‫‪ .9‬األشراف الرتبوي ‪ ،‬د‪.‬حممد األفندي ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫‪ .10‬سنن أيب داود ‪ ،‬سليمان بن األشعث أبو داود ‪ ،‬دار الفكر ‪.‬‬
‫‪ .11‬موقع وزارة الرتبية والتعليم ‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪507‬‬
‫كيف تكون قيادياً وتُحرك الناس؟‬
‫الشيخ علي العمري‬
‫يعرف اإلداريون القيادة بأهنا ‪":‬القدرة على حتريك الناس حنو هدف معني"‪.‬‬ ‫ّ‬
‫وقيادة الناس أمانة‪ ،‬وهي من أصعب األمور‪ ،‬وذلك بسبب اختالف طبائعهم‪ ،‬واألمور احمليطة هبم‪،‬‬
‫ورقي يف أسلوب احملاورة للوصول إىل اهلدف املنشود‪.‬‬ ‫وحيتاج القائد إىل فن يف التعامل‪ُ ،‬‬
‫بد من أن يكون صاحب جتربّة ف ّذة‪ ،‬وممارسة هلذه الصنعة‪.‬‬ ‫وحىت يكون القائد هبذه املثابة‪ ،‬فال َّ‬
‫واملتتبع للقادة املهرة‪ ،‬جيد أهنم شاركوا يف ميادين العمل كثرياً‪ ،‬وصاغتهم التجارب منذ أن كانوا‬
‫مقودين متبوعني ينصتون لألوامر‪ ،‬إىل أن أصبحوا قادة يُشار إليهم‪.‬‬
‫وما من شك يف أن صحة العزائم‪ ،‬والصرب املتواصل‪ ،‬وشيئاً من الصفات النفسية واخلُلُقية واخلَْلقية‪،‬‬
‫ودربة على القيادة متدرجة‪ ،‬تكفل جناحاً للقائد بإذن اهلل‪ ،‬وبالتايل ؛فإن القيادة ال تشرتط سناً بعينها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أو من له ساللة عريقة‪.‬‬
‫وقد أخربنا اهلل سبحانه وتعاىل يف القرآن الكرمي عن صفات قائد عظيم‪ ،‬هو طالوت‪ .‬قال تعاىل‪ِ{ :‬إ َّن‬
‫اصطََفاهُ َعلَْي ُك ْم َو َز َادهُ بَ ْسطَةً يِف الْعِْل ِم َواجْلِ ْس ِم} [البقرة‪ .]247:‬وجاء يف تفسري اآلية الكرمية‬
‫اللّهَ ْ‬
‫"قيل عن طالوت‪ :‬كان سقاء‪ ،‬وقيل‪ :‬دباغاً‪ ،‬ومل يكن من سبط النبوة أو امللك‪ ،‬بل إن اهلل اصطفاه‪،‬‬
‫وزاده بسطة يف العلم الذي هو مالك اإلنسان‪ ،‬وأعظم وجوه الرتجيح‪ ،‬وزادة بسطة يف اجلسم الذي‬
‫ورث إذاً‪ ،‬ولكن‬ ‫يظهر به األثر أثناء امللمات" [فتح القدير‪ :‬الشوكاين ‪ .]1/338‬فأمر القيادة ال يُ ّ‬
‫وحيب بصفات ّأهلته لذلك‪.‬‬ ‫ودربة‪ُ ،‬‬ ‫يُعطى ملن له خربة ُ‬
‫وقد يعجل بعض الدعاة باختيار قائد مل تصهره الشدائد‪ ،‬ومل يعرف حقيقة التعامل مع الناس‪ ،‬فيخلط‬
‫بني الواجب واملندوب‪ ،‬وقد يسيء أكثر مما يصلح‪ .‬وهناك خطأ آخر مكرور‪ ،‬وهو تعيني قائد صغري‬
‫يتمرس على هذه الصنعة‪ ،‬ومعه من هو أعلى منه قدراً وفهماً ووعياً وعلماً!‪.‬‬ ‫مل ّ‬
‫نكون القدوات‪ ،‬ولو على حساب عثرات كبرية‪ ،‬مستأنسني‬ ‫ونظن أنه هبذه الطريقة نستطيع أن ِّ‬
‫بشاهد السرية املشهور‪ ،‬من قيادة أسامة بن زيد ‪-‬رضي اهلل عنهما‪ -‬يف بعثه لغزو الشام ومعه‪ S‬أبو‬
‫بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وكبار الصحابة رضي اهلل عنهم أمجعني!‪S.‬‬
‫ونقول‪ :‬لعلنا قد استعجلنا‪ ،‬ومل ندرك حقيقة األمر‪ .‬فعلى صغر سن أسامة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬وقد‬
‫بلغ مثانية عشر عاماً‪ ،‬ومعه‪ S‬كبار الصحابة كأيب بكر وعمر‪ ،‬وقد توىل قيادة جيش املسلمني لغزو‬
‫الروم‪ ،‬إال أن فنون القيادة‪ ،‬ومهارة القتال كانت واضحة عنده‪.‬‬
‫فمما يرويه اإلمام الذهيب عنه ‪" :‬أنه كان خفيف الروح‪ ،‬شاطراً‪ ،‬شجاعاً‪ ،‬ربّاه النيب ‪ -  -‬وأحبّه‬
‫كثرياً"‪.‬‬

‫‪508‬‬
‫فهذه الصفات اليت رواها اإلمام الذهيب ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬عن أسامة بن زيد‪ ،‬بيّنت لنا كثرياً من األمور‬
‫نغفل عنها عند النظر يف تعيني صغار القادة على الكبار‪.‬‬
‫اليت ُ‬
‫فأسامة رضي اهلل عنه كان "خفيف الروح"‪ ،‬يستطيع هبذه النفسية التأثري على الناس‪ ،‬وحتريكهم حنو‬
‫ما يريد‪.‬‬
‫كما أنه كان "شاطراً"‪ ،‬فطناً‪ ،‬ذكياً‪ ،‬أملعياً‪ ،‬فامهاً جملريات األمور‪ ،‬ذا إدراك عميق للمواجهات‪،‬‬
‫والتحديات اليت تقابله‪.‬‬
‫وكان "شجاعاً" قوياً‪ ،‬قدوة إلخوانه وقت األزمات وامللمات‪.‬‬
‫وتربية النيب ‪ -  -‬له‪ ،‬تبنّيُ لنا أن هذا القائد أخذ كثرياً من صفات القيادة‪ ،‬عن طريق القدوة‪،‬‬
‫كما أنه تعلّم كثرياً من فنون التعامل‪ ،‬وحسن التوجيه‪ ،‬والتخطيط السليم‪ ،‬والنظر العميق‪ .‬وهذا ما‬
‫عناه اإلمام الذهيب بقوله عنه‪" :‬رباه النيب ‪ ." ‬وأضف إىل ذلك مجلة األخالق الكرمية الفاضلة‪،‬‬
‫واملعاملة احلسنة مع ربه ومن مث إخوانه‪.‬‬
‫ومن التأمالت يف هذه احلادثة أنه عندما خنتار القائد الواعي ذا الصفات املؤهلة للقيادة‪ ،‬فإن علينا أن‬
‫نوكل له مهام القيادة‪ ،‬وإن كان هناك من هو أكرب منه‪ .‬وقد تكلم الناس يف قيادة أسامة رضي اهلل‬
‫رد عليهم ظنّهم السيئ فيه‪ ،‬وعدم قدرته على القيادة‪.‬‬‫عنه إال أن النيب ‪ّ ‬‬
‫أن من اخلطأ أن نتدخل يف أمر القائد‪ ،‬واختياره لبعض األمور اليت قد خيالف فيها‬ ‫ومن هنا نرى َّ‬
‫إخوانه‪ ،‬وذلك يف األمور االجتهادية‪ ،‬اليت يرجع احلكم النهائي فيها لوجهات النظر‪ .‬فال يزال القائد‬
‫هو الفيصل النهائي هلذه املسائل‪ ،‬وال يصح أن يُعاتب عليه‪ ،‬يف مسائل اجتهادية ال تأثري فيها‪.‬‬
‫وهنا ال نعين إلغاء أمر الشورى بني القائد ومن معه‪ ،‬كال‪ ،‬ولكن نعين إعطاء احلرية يف عمله القيادي‬
‫بقدر ما‪ .‬لذا فإن من الضرورة االهتمام برتبية النشء الذين يكتسبون صفات القيادة‪ ،‬وميلكون شيئاً‬
‫منها‪ ،‬وذلك بالرتبية املنظمة يف درجات القيادة‪ ،‬حىت ينشأ لدينا قياديون مهرة ذوو خربة وإمرة‬
‫جيدة‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪509‬‬
‫كيف تصنعين طفالً يحمل هم اإلسالم؟‬
‫حتقيق‪ :‬أمل اجمليش‬
‫تعد تربية األطفال وإعدادهم إميانيًا وسلوكيًا من القضايا الكربى اليت تشغل حيز واهتمامات األئمة‬
‫كر الدهور ومر العصور‪ S,‬وإن احلاجة إليها يف هذا العصر هلي أشد وأعظم مما مضى‪،‬‬ ‫املصلحني على ّ‬
‫نظرا النفتاح اجملتمعات اإلسالمية اليوم على العامل الغريب حىت غدا العامل كله قرية كونية واحدة عرب‬ ‫ً‬
‫أليما يشكل يف احلقيقة أزمة خطرية وحتديًا حقيقيًا‬ ‫واقعا ً‬
‫ثورة املعلومات وتقنية االتصاالت مما أفرز ً‬
‫يواجه األمة‪.‬‬
‫من هنا ‪ S...‬كان هذا التحقيق الذي نسلط فيه الضوء على مشكالت األطفال والعوامل اليت تؤثر‬
‫أخريا اخلطوات العملية اليت من شأهنا أن تسهم بشكل‬ ‫بشكل سليب على سلوكهم وأخالقهم ‪ ..‬مث ً‬
‫فعال ‪ ..‬بإذن اهلل يف صناعة طفل حيمل هم اإلسالم‪.‬‬
‫إذا أردنا أن نزرع نبتة ‪ ..‬فإننا نقوم بغرس بذرهتا اآلن ‪ ..‬ونظل نسقيها ونعتين هبا كل يوم ‪ ..‬من‬
‫أجل شيء واحد ‪ ..‬أال وهو احلصول على مثرة حلوة ‪ ..‬تلذ هلا أعيننا وتستمتع هبا أنفسنا‪.‬‬
‫ولكن!! ماذا لو كان اهلدف أمسى ‪ ..‬واحللم أكرب ‪ ..‬وأبناؤنا ‪ ..‬زهور حياتنا ‪ ..‬أين حنن من صناعة‬
‫وهنارا ‪ ..‬من أجل‬ ‫هدف غال وعزيز ملستقبلهم؟! أين األم من رعاية فلذة كبدها بقلبها الرؤوم ليالً ً‬
‫حلم فجر مشرق ‪[ ..‬ابن وابنة حيمالن هم الدعوة بني جنباهتم الربيئة] ‪ S...‬يرفعان مجيعا راية الدعوة‬
‫صاحِل اً َوقَ َال ِإنَّيِن‬ ‫ِ ِ‬ ‫مِم‬
‫َأح َس ُن َق ْوالً َّْن َد َعا ِإىَل اللَّه َو َعم َل َ‬
‫{و َم ْن ْ‬
‫إىل اهلل عز وجل على بصرية‪ ،‬قال تعاىل‪َ :‬‬
‫ني} [فصلت‪.]33:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫م َن الْ ُم ْسلم َ‬
‫كم من أم حتمل هذا اهلدف ‪ ..‬إن مستقبل أمة اإلسالم ‪ ..‬أمانة حتملها كل أم ‪ ..‬كل مرب ‪ ..‬وكل‬
‫مسؤول عن فلذات األكباد‪,‬لذا قمنا بإجراء حتقيق مع بعض األمهات‪ ،‬وقد ملسنا فيه سرعة التجاوب‬
‫معنا يف كل أبوابه‪ ،‬وكأننا طرقنا باباً كان وال شك عند كل أم مفتاحه‪.‬‬
‫أول سؤال وجهناه إليهن كان‪ :‬هل أنت ممن يهتمون برتبية أبنائهم تربية صاحلة؟‬
‫وكم أسعدنا مستوى الوعي الذي وجدناه والذي متثل يف مئة إجابة بنعم من بني مئة استبانة مت‬
‫توزيعها على األمهات مبختلف مستويات تعليمهن‪.‬‬
‫وألن كل هدف عظيم ال بد فيه من عمل جاد ودؤوب لتحقيقه‪ ،‬سألناهن عن خطواهتن العملية اليت‬
‫اتبعنها لتحقيق هذا األمل‪.‬‬
‫معظم اإلجابات كانت متمثلة يف حث األبناء بكل جد على القيام بأداء الصلوات اخلمس يف أوقاهتا‪،‬‬
‫مما يعكس مستوى الوعي الذي وصلت إليه األمهات يف االهتمام هبذه الشعرية املهمة‪ ،‬وكان احلرص‬
‫على إحلاق األبناء بدور التحفيظ له النصيب األكرب يف االختيار بعد أداء الصالة مث احلرص الكبري على‬
‫اختيار رفقة صاحلة لألبناء ومعرفة رفقائهم‪...‬‬

‫‪510‬‬
‫التنشئة املبكرة‪:‬‬
‫مرمي حممد ‪ 48 S....‬سنة ‪ ..‬منذ صغر أبنائي وأنا أشجعهم على االنضمام إىل حلقات حتفيظ القرآن‬
‫الكرمي ‪ ..‬كما أتبع معهم أسلوب معرفة اهلل سبحانه وتعاىل وغرس حمبته يف أنفسهم ‪ ..‬ودعائي هلم‬
‫دائما على طلب العلم الشرعي ليتقربوا من اهلل عز وجل مبعرفة‬
‫املستمر باهلداية ‪ ..‬كما أشجعهم ً‬
‫أحكامه‪.‬‬
‫العبادة الشرعية منذ الصغر‪:‬‬
‫أم صهيب ‪ 42 ..‬سنة ‪ ..‬أحرص على أداء الصلوات اخلمس يف وقتها‪ ،‬وبالنسبة لألوالد يبدؤون يف‬
‫تأدية الصلوات اخلمس يف املسجد من املرحلة االبتدائية ‪ ..‬وأحرص على الرفقة الصاحلة هلم سواء‬
‫داخل املدرسة أو خارجها ‪ ...‬وبنايت ألبسهن احلجاب والعباءة على الرأس من سن مبكرة حىت‬
‫يتعودن عليها بعد ذلك‪.‬‬
‫أم وصديقة!!‬
‫غادة ‪ 26 ..‬سنة ‪ S...‬تعمل إدارية ‪..‬‬
‫أوالً‪ :‬ال بد أن أكون صديقة ألبنائي قبل أن أكون أمهم ‪ ..‬كي أكسبهم ويكون يل تأثري بإذن اهلل‬
‫عليهم ‪..‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أبدء بإصالح نفسي ‪ S...‬حىت ال يروا مين أي خطأ يهز ثقتهم يب ‪..‬وحىت يكون لنصيحيت‬
‫الصدى األقوى عليهم ‪ ..‬وأحببهم بأماكن اخلري ‪ ..‬وأجعلهم يتعاونون معي لنشر اخلري واألمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪.‬‬
‫تنافس شريف‪:‬‬
‫أم عبد العزيز‪ 30 ..‬سنة‪ :‬أحرص على حتقيق التنافس فيما بينهم يف حفظ بعض السور واألدعية‪،‬‬
‫وأشجعهم عندما يقومون بتصرف حسن ‪ ..‬ليستمروا عليه ‪ ..‬واقتناء بعض األشرطة اليت تعلمهم‬
‫قصصا هادفة مفيدة‪S..‬‬‫اآلداب اإلسالمية وأشرتي أقراص الكمبيوتر اهلادفة [بابا سالم]‪ S..‬وأحكي هلم ً‬
‫جلسة حوار‪:‬‬
‫أم عبد اهلل ‪ 33 ..‬سنة‪ :‬أجلس مع أبنائي جلسات جوار بناء وأحتدث معهم بكل واقعية ومصداقية‬
‫أيضا جلسات ممتعة على [النت] مع مواقع هادفة حتوي‬ ‫عن كل األمور اليت ال يفهموهنا ‪ ..‬ولدينا ً‬
‫كل ما يهم األطفال من األسئلة والقصص‪.‬‬
‫أساعد أطفايل‪:‬‬
‫أم حممد ‪ ..‬أزرع الوازع الديين يف أطفايل‪ ،‬وأوضح هلم احلالل واحلرام واجلنة والنار‪ ،‬وأساعد أطفايل‬
‫ودائما أستمع إليهم‪ ،‬وأوجههم بدون كلل أو ملل ‪ ..‬وأخاطبهم‬ ‫على اختيار الصديق املناسب هلم‪ً ،‬‬
‫بصوت هادئ ومنخفض وال أستخدم العقاب الشديد عند اخلطأ‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫قدوهتم الرسول ‪: ‬‬
‫زبيدة الصاحل ‪ 38‬سنة معلمة‪ :‬أريب أبنائي على أذكار الصباح واملساء وأجعلهم يتخذون الرسول ‪‬‬
‫وأخريا أشرتي‬
‫ً‬ ‫قدوة هلم يف مجيع تصرفاهتم ‪ ..‬وأهذب من سلوكهم سواء داخل املنزل أو خارجه ‪..‬‬
‫هلم القصص واألشرطة الدينية اهلادفة‪.‬‬
‫الرتبية الصاحلة أساس تأسيس طفل حيمل هم اإلسالم‪:‬‬
‫ولكن كيف نغرس يف أبنائنا حب الدعوة إىل اهلل؟‬
‫أجابت عن سؤالنا األستاذة فاطمة السابر ‪ ..‬رعاها اهلل‪:‬‬
‫مجيل أن نغرس حب الدعوة يف عروق أبنائنا منذ الصغر‪ ،‬فالدعوة مثرة من مثار العلم‪ ،‬واألمجل من‬
‫ذلك أن حنلق مع أبنائنا ليكونوا دعاة إىل اهلل يدعون أنفسهم ويدعون اآلخرين ‪ ...‬وهذه مهسات‬
‫بسيطة ملن هتفو نفسها ألن ترى أبناءها دعاة صاحلني‪:‬‬
‫‪1‬ـ ليكن لديك اهتمام بالتغذية الفكرية الصائبة فالدعوة بال علم دعوة بال رصيد‪ ،‬فال بد أن نغذي‬
‫الطفل برصيد من املعلومات بقدر ما حيتاجه لكي يثبت يف كل خطوة‪ ،‬فالطفلة اليت متتنع عن ارتداء‬
‫أيضا إىل ذلك‪.‬‬
‫املالبس القصرية أو البنطال‪ ،‬ال بد أن تعرف ملاذا تركتها‪ ،‬وأن تدعو زميالهتا ً‬
‫‪2‬ـ قص القصص من القرآن الكرمي والسنة والسلف الصاحل‪ ،‬وتذكريهم مبواقف صغار الصحابة يف‬
‫الدعوة إىل اهلل ‪ ..‬إضاءات مجيلة هلا أثرها يف نفوس أبنائنا‪.‬‬
‫‪3‬ـ استثمار أوقات الزيارات يف عمل برامج مسلية يتخللها مسابقات مفيدة مع توفري هدايا بسيطة‬
‫يقدمها ابنك لألطفال‪.‬‬
‫‪4‬ـ قد حنتاج ملرافقة أبنائنا يف بعض األماكن كاألسواق واملستشفيات‪ ،‬فما أروع أن نعود أبناءنا‬
‫توزيع بعض األشرطة والكتيبات أثناء هذه اجلوالت‪.‬‬
‫‪5‬ـ ما أمجل أن يتحلق األطفال [كل حسب جنسه] وأن يكون من بينهم من يقص عليهم ما مسعه من‬
‫شريط أو ما قرأه من كتيب‪ S....‬وحىت ينجح الطفل يف جذب زمالئه فليكن له حماوالت يف املنزل‬
‫تقيمينها بنفسك‪.‬‬
‫‪6‬ـ إشراكهم يف املكتبات العامة اليت تنمي فيهم روح العلم واملعرفة‪ ،‬وبالتايل الدعوة إىل اهلل سبحانه‬
‫وتعاىل‪.‬‬
‫‪7‬ـ زيارة املراكز االجتماعية ودور األيتام وتقدمي اهلدايا إلخواهنم ‪ ..‬هلا أبلغ األثر يف نفوس الطرفني‪..‬‬
‫العوامل اليت تؤثر سلبًا على تربية األبناء ‪ ..‬تكتبها األمهات بأنفسهن‪:‬‬
‫أـ جنوى ‪ 43 ..‬سنة‪:‬‬
‫‪1‬ـ كثرة التوجيهات واألوامر من غري إقناع وحمبة وكأهنا أوامر عسكرية تطبق بال فهم ألمهيتها‪.‬‬

‫‪512‬‬
‫‪2‬ـ غياب غرس الرقابة الربانية واخلوف من اهلل ‪ ..‬حبيث يطبق األبناء العبادات من صالة وحنوها يف‬
‫حضور الوالدين ‪ ..‬ويفعلون ما يريدون يف غياهبم ‪ ..‬مع األسف‪.‬‬
‫ب ـ أم إبراهيم‪:‬‬
‫‪1‬ـ االختالط السيئ يف األسرة وخارجها‪.‬‬
‫‪2‬ـ الدش واإلنرتنت‪.‬‬
‫‪3‬ـ السفر للبالد غري املتمسكة باإلسالم‪.‬‬
‫ج ـ أم خالد ‪ 45‬سنة ‪ ..‬ربة منزل‪:‬‬
‫‪1‬ـ القدوة السيئة أمامهم‪.‬‬
‫‪2‬ـ اإلمهال وعدم متابعتهم‪.‬‬
‫‪3‬ـ أصدقاء السوء من حوهلم‪ ،‬وقد يكونون من القرابة‪ ،‬وهذا يكون تأثريه أقوى عليهم‪.‬‬
‫وذكرت لنا العديد من األمهات األسباب التالية‪:‬‬
‫‪1‬ـ ابتعاد اآلباء عن أبنائهم وعدم مصاحبتهم‪.‬‬
‫‪2‬ـ كثرة مشاهدة التلفاز وألعاب [البالي ستيشن]‪.‬‬
‫‪3‬ـ الفراغ وعدم وجود الصديق الصاحل‪.‬‬
‫‪4‬ـ عدم االستمرار على األمور والعادات احلميدة‪.‬‬
‫صورا مثرية‪.‬‬
‫‪5‬ـ اجملالت والقنوات الفضائية اليت تعرض ً‬
‫‪6‬ـ اختالف الوالدين يف طريقة الرتبية‪.‬‬
‫‪7‬ـ وجود اخلدم‪.‬‬
‫‪8‬ـ عدم تفعيل احملاضرات واإلعالن عن األشرطة الرتبوية اليت تسهم يف تثقيف الوالدين‪.‬‬
‫‪9‬ـ عدم وجود برامج إعالمية هادفة‪.‬‬
‫‪10‬ـ عدم االستقرار األسري وإثارة املشكالت ومناقشتها أمام األبناء‪.‬‬
‫‪11‬ـ عدم مراقبة األبناء بشكل دائم‪ ،‬وامللل من التوجيه والنصح‪.‬‬
‫‪12‬ـ عدم تثقيف األبناء بدينهم بالشكل الصحيح‪.‬‬
‫‪13‬ـ تقليد األبناء ألقراهنم‪.‬‬
‫‪14‬ـ هني األبناء عن أمور سيئة‪ ،‬مث قيام الوالدين بعلمها‪.‬‬
‫‪15‬ـ عدم معرفة رغبات األبناء‪ ،‬وعدم حماولة الرتكيز على اجلوانب اإلجيابية فيها وتنميتها‪.‬‬
‫ولنا وقفة واقعية مع أطفال بدأت غراس الرتبية احلميدة تعطي مثارها فيهم ‪ ..‬فهذا طفل يأمر‬
‫باملعروف ‪ ..‬وتلك طفلة تنهى عن املنكر‪.‬‬
‫لنرتك هذه القصص الواقعية تتحدث عن نفسها ‪ ..‬وروعة معانيها‪:‬‬

‫‪513‬‬
‫‪1‬ـ سارة ‪ 19‬سنة‪ ،‬طالبة جامعية‪ :‬قالت يل أخيت الصغرية موجهة اخلطاب يل‪ :‬كل شيء يف غرفتك‬
‫مجيل ‪ ...‬ما عدا هذه الصورة اليت متنع املالئكة من دخول الغرفة ‪ ..‬ح ًقا كان وقع كلماهتا الربيئة‬
‫كبريا يف نفسي‪.‬‬
‫علي ً‬ ‫َّ‬
‫‪2‬ـ صديقة يل كانت حتكي لطفلها عن امرأة إفريقية تعمل عندهم وحتاول أن تتكلم بطريقتها‪ ...‬وبعد‬
‫هذه القصة بفرتة قال هلا الطفل أحكي يل احلكاية مرة أخرى‪ S،‬وكانت املرأة موجودة ‪ ..‬يف نفس‬
‫املكان ‪ ..‬فأشارت األم إليها بعينها ‪ ..‬أي قالت له‪ :‬عندما ال تكون موجودة ‪ ..‬فقال الطفل‪ :‬حرام يا‬
‫{ويْ ٌل لِ ُك ِّل مُهََز ٍة لُ َمَز ٍة} [اهلمزة‪.]1:‬‬
‫ماما ‪ ..‬أنا وأنت اآلن ‪ ..‬ندخل يف اآلية‪َ :‬‬
‫‪3‬ـ ويف نفس املوضوع تروي لنا أشراق أمحد ‪ 22‬سنة‪ ،‬أهنا كانت تتحدث مع امرأة من أقارهبا‬
‫وكانت هذه تغتاب وتكذب‪ ،‬فرد ابنها الصغري وقال هلا‪ :‬يا أمي ال تكذيب فالكالم الصحيح كذا‬
‫وكذا [من كذب تكتب عليه سيئة]‪.‬‬
‫‪4‬ـ طفلة صغرية كان تتمشى مع أبيها بالسيارة رأت جبانبها سيارة كان سائقها يدخن فتحت نافذة‬
‫السيارة‪ ،‬وقالت للرجل‪[ :‬عيب‪ ،‬الدخان حرام ‪ ...‬استحي من ربك]‪ .‬فرمى الرجل السيجارة ‪..‬‬
‫هذه الطفلة ال يتعدى عمرها الثالث سنوات‪.‬‬
‫دائما ينهر أخته الكربى ويأمرها باحلجاب الشرعي ‪..‬‬ ‫‪5‬ـ اجلوهرة معلمة ‪ 42‬سنة ‪ ..‬بالنسبة يل ابين ً‬
‫وعدم لبس املالبس الضيقة‪.‬‬
‫‪6‬ـ مرمي حممد حتدثنا عن موقف رائع لن تنساه ‪ ..‬حيث كانت يف زيارة إلحدى صديقاهتا ‪..‬‬
‫وأرادت إحدى الزائرات أن تضع شريطًا غنائيًا فقام أحد أطفال املضيفة‪ ،‬ورمى بالشريط الغنائي‬
‫ووضع بدالً منه شريط القرآن ‪ ..‬أثار هذا املوقف إعجايب به ‪ ..‬ما شاء اهلل‪.‬‬
‫أغان ‪ ..‬وكان معي بنات‬ ‫‪7‬ـ أثري ‪ 17‬سنة طالبة مرة كنت أشوف الدش ‪ ..‬فضغطت على قناة كلها ٍ‬
‫عمي الصغار جاءت بنت عمي وعمرها مخس سنوات تريد أن خترج من الغرفة‪ ،‬قلت هلا‪ :‬سارة أين‬
‫تذهبني؟ قالت يل‪ :‬أريد أن أخرج‪ :‬قلت‪ :‬ملاذا؟ ردت‪ :‬ال أريد أن أمسع أغاين وأنت اهلل يدخلك النار‬
‫ألنك تسمعني أغاين ‪ ..‬كانت مبعىن كالمها تريد مين أن أغري هذه القناة‪.‬‬
‫لقطات سريعة‪:‬‬
‫ـ طفلة صغرية تدخر من مصروفها الشخصي وتودعه يف صناديق التربعات وحتث من هم أكرب منها‬
‫على هذا العمل‪.‬‬
‫ـ طفل كلما فتح أبوه التلفاز‪ ،‬يطلب منه أن خيفض صوت املوسيقى عند الفاصل‪ ،‬وبعدم النظر إىل‬
‫النساء‪.‬‬
‫ـ خلود يف الصف الرابع رأت صديقتها ال تعرف كيف تؤدي الصالة ‪ ..‬فوجهتها للمصلى وعلمتها‬
‫كيف تؤديها ‪ ..‬مث جاءت إىل أمها وسألتها ماما ‪ ..‬أنا يل أجر يف ذلك؟‬

‫‪514‬‬
‫كثريا على ذلك‪.‬‬
‫فقالت هلا األم‪ :‬نعم‪ ,‬وشجعتها ً‬
‫ِِِ‬
‫ـ طفل نصح أقاربه األوالد بعدم مساع الغناء ‪ ..‬وقرأ عليهم اآلية الكرمية {َأمَلْ يَْأن للَّذ َ‬
‫ين َآمنُوا َأ ْن‬
‫خَت ْ َش َع ُقلُوبُ ُه ْم لِ ِذ ْك ِر اللَّ ِه َو َما َنَز َل ِم َن احْلَ ِّق} [احلديد‪ ]16:‬فقالوا‪ :‬ينقصك ما شاء اهلل حلية‪.‬‬
‫ـ أم خلود ‪ ..‬سألتين ابنيت عن إحدى قريبايت هل هي من أوروبا؟ قلت هلا‪ :‬ال! بل هي مسلمة مثلنا ‪..‬‬
‫فقالت‪ :‬ملاذا ال تغطي وجهها إذا كانت مسلمة!! هذا الذي تعلمته منك ومن املدرسة ‪ ..‬فذهبت‬
‫إليها وقالت هلا‪ :‬إذا كنت مسلمة غطي وجهك ‪ ..‬ألن إظهار الوجه من التشبه بالكافرات‪ ،‬وأنت‬
‫مسلمة‪.‬‬
‫لقاء مع طفل‪:‬‬
‫لقاء مع طفل بدأ حيمل هم اإلسالم يف قلبه‪ ،‬ويدعو إىل اهلل ‪ ..‬عن جتربة البداية ‪ ..‬بدأ أسيد معنا هذا‬
‫اللقاء‪..‬‬
‫امسي ‪ ..‬أسيد قاضي ‪ ..‬عمري إحدى عشرة سنة ‪ ..‬أدرس يف الصف اخلامس ‪ ..‬وأحفظ من القرآن‬
‫الكرمي ثالثة وعشرين جزءًا وهلل احلمد‪.‬‬
‫ـ من شجعك على طلب العلم؟‬
‫أسيد‪ :‬بفضل اهلل مث بفضل أيب وأمي وكذلك مدرسيت‪.‬‬
‫ـ من تصاحب يا أسيد وكيف تؤثر يف اآلخرين؟‬
‫أصاحب الناس الطيبني ‪ ..‬وأؤثر يف اآلخرين بأن أنصحهم وآمرهم باملعروف وأهناهم عن املنكر‬
‫وأبني هلم طريق اخلطأ‪ ،‬وأضع يف بايل أنه إن استجابوا يل فسوف آخذ أجرهم وال ينقص من‬
‫أجورهم شيًئا ألن الدال على اخلري كفاعله‪.‬‬
‫ـ وما هو هدفك يف احلياة؟‬
‫ون} [الذاريات‪:‬‬ ‫طاعة اهلل ورسوله ألن اهلل تعاىل قال يف كتابه‪{ :‬وما خلَ ْقت اجْلِ َّن واِإل نْس ِإال لِيعب ُد ِ‬
‫َ َ َ ُْ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫‪.]56‬‬
‫وأخريا ما هي أمنيتك؟‬
‫ً‬ ‫ـ‬
‫ني ِإ َماماً} [الفرقان‪ ]74:‬فإين أسأل اهلل أن‬ ‫ِ ِ‬
‫اج َع ْلنَا ل ْل ُمتَّق َ‬
‫{و ْ‬
‫أن أصبح إمام مسجد ألن اهلل تعاىل يقول‪َ :‬‬
‫إماما للمتقني‪.‬‬
‫جيعلين ً‬
‫وبع تلك اجلولة املتميزة مع تلك النماذج الرائعة‪ ،‬اليت نسأل اهلل هلا التوفيق واالستمرار على طريق‬
‫نرباسا شاخمًا هلذه األمة ودعاة صاحلني يف املستقبل ‪ ..‬كان لألستاذة أمساء الرويشد ‪..‬‬ ‫الدعوة‪ ،‬لتكون ً‬
‫حفظها اهلل هذا التعليق على هذا التحقيق‪:‬‬
‫توظيف قدرات الطفل خلدمة دينه‪:‬‬

‫‪515‬‬
‫من الضروري‪ S‬أن يهتم املربون مبساعدة الطفل على أن يفهم نفسه‪ ،‬وعلى أن يستعمل إمكاناته الذاتية‬
‫وقدراته املهارية واستعداداته الفطرية‪ ،‬لتحقيق إسالمه وخدمة دينه‪ ،‬فيبلغ بذلك أقصى ما يكون يف‬
‫شخصيته اإلسالمية وفاعليته االجتماعية‪.‬‬
‫إن تربية الطفل الرتبية اإلسالمية الصحيحة هي اليت توظف طاقات الطفل لكي ميارس تأثريه يف جمتمعه‬
‫وفق ما تعلمه وعمل به من دينه؛ إذ ال بد أن يوجه الطفل لعبادة اهلل وحده‪ ،‬وهو أول ما جيب عليه‬
‫أن يتعلمه ويلتزم بأدائه‪ .‬مث توجيه طاقاته إىل أداء حقوق اآلخرين واإلحسان إليهم‪ ،‬مع تعويده على‬
‫ممارسة الدعوة إىل ما تعلمه وفهمه‪ ،‬وعلى األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬فإن الطفل إذا شب‬
‫ودأب على ممارسة الدعوة إىل اهلل على حسب فهمه واستيعابه‪ ،‬وهو حصيلة تربيته الدينية‪ ،‬فبعون اهلل‬
‫وتوفيقه جيين اآلباء واألمهات مثرات ذلك ناشًئا مؤهالً للقيام بأعباء الدعوة حامالً هم اإلسالم‬
‫واملسلمني‪ ...‬فاألطفال مىت ما تربوا على هذا الدين قادرون على أن ميارسوا مهمة الدعوة مع أقراهنم‬
‫وزمالئهم وإخواهنم وأسرهم‪ ،‬بل حىت يف الطريق كما يف موقف الطفلة مع املدخن‪.‬‬
‫لكن ينبغي للمربني أن يوضحوا لألطفال مفهوم الدعوة واألمر باملعروف والنهي عن املنكر وبيان‬
‫آدابه وأساليبه الالئقة‪ ،‬حىت ال يقعوا يف حرج املواقف الصعبة‪ ،‬وتذكريهم باألجر والصرب إن حصل‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬مع مراعاة عدم إشعارهم بالتخذيل والتخويف من القيام بتلك املهمة‪.‬‬
‫املصدر ‪ :‬جملة املتميزة‬
‫ــــــــ‬

‫‪516‬‬
‫صفة لباس الرجل والمرأة أمام أوالدهم‬

‫كنت كتبت حول مسألة لباس املرأة بني النساء وأمام احملارم ‪ ،‬مث كتبت إحدى األخوات تسأل عن‬
‫صفة لباس الرجل واملرأة أمام أوالدهم ‪.‬‬
‫فأقول ‪:‬‬
‫ال عجب أن يهتم اإلسالم باألوالد صغاراً كانوا أم كباراً ‪ ،‬فاإلسالم دين الكمال ‪.‬‬
‫وامنت على هذه األمة بكمال الدِّين ‪ ،‬وبتمام النّعمة ‪ ،‬فقال اهلل جل جالله ‪:‬‬ ‫كمله اهلل ‪ّ ،‬‬ ‫دين كامل ّ‬ ‫ٌ‬
‫يت لَ ُك ُم اِإل ْسالَ َم )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم ن ْع َميِت َو َرض ُ‬ ‫ت لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوَأمْتَ ْم ُ‬
‫( الَْي ْو َم َأ ْك َم ْل ُ‬
‫قال رجل من اليهود لعمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه ‪ :‬يا أمري املؤمنني آية يف كتابكم تقرؤوهنا لو‬
‫علينا معشر اليهود نزلت الختذنا ذلك اليوم عيداً ‪ .‬قال ‪ :‬أي آية ؟ قال ‪:‬‬
‫يت لَ ُك ُم اِإل ْسالَ َم )‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم ن ْع َميِت َو َرض ُ‬ ‫ت لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوَأمْتَ ْم ُ‬
‫( الَْي ْو َم َأ ْك َم ْل ُ‬
‫قال عمر ‪ :‬قد عرفنا ذلك اليوم واملكان الذي نزلت فيه على النيب ‪ ‬وهو قائم بعرفة يوم مجعة ‪.‬‬
‫رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫تضمن ما يهم املسلم يف مجيع مناحي احلياة ‪ ،‬دقّها وجلّها ‪ ،‬جليلها وحقريها‬ ‫ِ‬
‫فَدين اهلل عز وجل ّ‬
‫بل نظّم اإلسالم عالقة اإلنسان باحليوان !‬
‫وحول هذا املوضوع جاء التوجيه الرباين يف قوله عز وجل ‪:‬‬
‫ات ِمن‬‫الث مَّر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ ِ َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت َأمْيَانُ ُك ْم َوالذ َ‬
‫ين مَلْ َيْبلُغُوا احْلُلُ َم من ُك ْم ثَ َ َ‬ ‫ين َآمنُوا ليَ ْستَْأذن ُك ُم الذ َ‬
‫ين َملَ َك ْ‬ ‫( يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫س‬ ‫ٍ َّ‬ ‫الة الْعِ َشاء ثَ ُ‬‫الة الْ َفج ِر و ِحني تَضعو َن ثِياب ُكم ِّمن الظَّ ِهري ِة و ِمن بع ِد ص ِ‬ ‫َقب ِل ص ِ‬
‫الث َع ْو َرات ل ُك ْم لَْي َ‬ ‫َ َ َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ َُ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ك يبنِّي اللَّه لَ ُكم اآلي ِ‬
‫ات‬ ‫علَي ُكم وال علَي ِهم جناح بع َده َّن طََّوافُو َن علَي ُكم بعض ُكم علَى بع ٍ ِ‬
‫ض َك َذل َ َُ ُ ُ ُ َ‬ ‫َ ْ َْ ُ ْ َ َْ‬ ‫َ ْ ْ َ َ ْ ْ َُ ٌ َ ْ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم )‬‫يم َحك ٌ‬ ‫َواللَّهُ َعل ٌ‬
‫روى عكرمة عن ابن عباس رضي اهلل عنهما أن رجلني سأاله عن االستئذان يف الثالث عورات اليت‬
‫أمر اهلل هبا يف القرآن ‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬إن اهلل ستري حيب السرت ‪ ،‬كان الناس ليس هلم ستور على‬
‫أبواهبم والحجال يف بيوهتم ‪،‬فرمبا فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه يف حجره وهو على أهله ‪،‬‬
‫فأمرهم اهلل أن يستأذنوا يف تلك العورات اليت مسى اهلل ‪ ،‬مث جاء اهلل بعد بالستور ‪ ،‬فبسط اهلل عليهم‬
‫الرزق فاختذوا الستور واختذوا احلجال ‪ ،‬فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من االستئذان الذي أمروا به‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن كثري رمحه اهلل ‪ :‬وهذا إسناد صحيح إىل ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪.‬‬
‫مث جاء التوجيه الرباين ‪:‬‬

‫‪517‬‬
‫ك يَُبنِّي ُ اللَّهُ لَ ُك ْم آيَاتِِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين ِمن َقْبل ِه ْم َك َذل َ‬
‫استَْأ َذ َن الذ َ‬
‫( وِإ َذا بلَ َغ اَألطْ َف ُ ِ‬
‫ال من ُك ُم احْلُلُ َم َفْليَ ْستَْأذنُوا َك َما ْ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم )‬
‫يم َحك ٌ‬ ‫َواللَّهُ َعل ٌ‬
‫قال احلافظ ابن كثري رمحه اهلل ‪ :‬يعين إذا بلغ األطفال الذين إمنا كانوا يستأذنون يف العورات الثالث‬
‫إذا بلغوا احللم وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال ‪ ،‬يعين بالنسبة إىل أجانبهم وإىل األحوال اليت‬
‫يكون الرجل على امرأته ‪ ،‬وإن مل يكن يف األحوال الثالث ‪ .‬قال األوزاعي عن حيىي بن أيب كثري ‪:‬‬
‫إذا كان الغالم رباعياً فإنه يستأذن يف العورات الثالث على أبويه ‪ ،‬فإذا بلغ احللم فليستأذن على كل‬
‫حال ‪ ،‬وهكذا قال سعيد بن جبري ‪ ،‬وقال يف قوله‬
‫ين ِمن َقْبلِ ِه ْم ) يعين كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه ‪ .‬انتهى ‪.‬‬ ‫َّ ِ‬
‫استَْأ َذ َن الذ َ‬
‫( َك َما ْ‬
‫وقال ابن اجلوزي رمحه اهلل ‪ :‬فالبالغ يستاذن يف كل وقت ‪ ،‬والطفل واململوك يستأذنان يف العورات‬
‫الثالث ‪.‬‬
‫توجه لألبوين ‪.‬‬ ‫فاخلطاب بالنسبة لألطفال ّ‬
‫قال القرطيب رمحه اهلل ‪:‬‬
‫( لِيَ ْستَْأ ِذن ُك ُم ) ألن األطفال غري خماطبني وال متعبدين ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫صيب إال‬‫قال ابن عباس رضي اهلل عنهما ‪ :‬إذا خال الرجل بأهله بعد العشاء فال يدخل عليه خادم وال ّ‬
‫بإذنه حىت يُصلي الغداة ‪ ،‬واذا خال بأهله عند الظهر فمثل ذلك ‪.‬‬
‫وألن الطفل لو رأى شيئاً مما يقع بني الزوج وزوجته لرسخ ذلك يف خُم يّلته ‪ ،‬ولكان له األثر السليب‬
‫على حياته ‪ ،‬إذ أ ّن أمه وأباه هم القدوة يف حياته ‪ ،‬مث يراهم على ذلك الوضع !‬
‫عود األطفال على ذلك ‪ ،‬وأن يؤمروا أن ال يدخلو غرفة نوم والديهم إال بعد االستئذان ‪،‬‬ ‫فيجب أن يُ ّ‬
‫وقرع الباب ‪ ،‬فإن ُِأذن له وإال فلريجع وال يدخل ‪.‬‬
‫يقول األستاذ عدنان با حارث يف كتاب مسؤولية األب املسلم يف تربية الولد يف مرحلة الطفولة ‪:‬‬
‫وحيذر األب كل احلذر من نوم الولد بعد السنة األوىل من عمره يف غرفة نومه اخلاصة به مع أهله ؛‬
‫خشية أن يرى الولد ما يكره من العالقة الطبيعية بني الرجل واملرأة ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫وأما اللباس املعتاد للرجل يف بيته ‪ ،‬فهو ما يسرت عورته ‪ ،‬وإذا كان ِمن عادته أن خُي صص للبيت لباساً‬
‫فليحرص أش ّد احلرص على أن يكون اللباس ساتراً للعورة ‪ ،‬أو أن يلبس حتته ما يسرت العورة ؛ ألن‬
‫الطفل إذا شاهد تساهل والده يف سرت العورة حذا َحذوه ‪ ،‬وسار بسريه ‪ ،‬ورمبا يُفاجأ األب يف يوم‬
‫من األيام إذا انتهر طفله ( ذكراً أو أنثى ) آمراً إياه أن يسرت عورته ‪ ،‬رمبا يُفاجأ مبا مل يكن يف‬
‫رد الطفل ‪ :‬وأنت تفعل هذا !‬ ‫حسبانه من ّ‬
‫حمل قدوة ‪ ،‬وتفعل هذا !‬ ‫يعين أنك ّ‬
‫وكيف تنهى عن أمر أنت تفعله ؟!‬

‫‪518‬‬
‫ورمبا ظن بعض اآلباء أن الطفل ال يُدرك ‪ ،‬ولكن لو ألقى مسعه لبعض مهسات طفله ملن هم يف مثل‬
‫ِسنِّه لسمع ما مل يكن يتوقعه !‬
‫فالطفل شديد العناية بتصرفات والديه ‪ ،‬دقيق املالحظة لكل ما يصدر منهما ‪.‬‬
‫وأما لباس املرأة فإنه جيب أن يكون أش ّد عند الصغار ؛ ألهنم رمبا نقلوا ما اطّلعوا عليه من عورات‬
‫النساء !‬
‫علي النيب ‪ ‬وعندي خمنث ‪ ،‬فسمعه يقول لعبد اهلل بن أمية ‪:‬‬ ‫قالت أم سلمة رضي اهلل عنها ‪ :‬دخل ّ‬
‫يا عبد اهلل إن فتح اهلل عليكم الطائف غداً فعليك بابنة غيالن ‪ ،‬فإهنا تُقبل بأربع وتُدبر بثمان ! فقال‬
‫النيب ‪ : ‬ال يدخل هؤالء عليكم ‪ .‬رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫ويف صحيح مسلم عن عائشة رضي اهلل عنها قالت ‪ :‬كان يدخل على أزواج النيب ‪ ‬خمنث ‪،‬‬
‫فكانوا يَع ّدونه من غري أويل اإلربة ‪ .‬فدخل النيب ‪ ‬يوماً وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إذا أقبلت أقبلت بأربع ‪ ،‬وإذا أدبرت أدبرت بثمان ‪ .‬فقال النيب ‪ : ‬أال أرى هذا يعرف ما‬
‫ها هنا ! ال يدخلن عليكن ‪ .‬قالت ‪ :‬فحجبوه ‪.‬‬
‫قال اإلمام البخاري ‪ :‬تقبل بأربع وتدبر ‪ :‬يعين أربع ِعكن بطنها ‪ ،‬فهي تُقبل هبن ‪ ،‬وقوله ‪ :‬وتدبر‬
‫ت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بثمان ‪ :‬يعين أطراف هذه العكن األربع ؛ ألهنا حميطة باجلنبني حىت حَل َق ْ‬
‫فهذا من غري أويل اإلربة من الرجال ‪ ،‬ومع ذلك تفطّن ملا يتفطّن له الرجال ‪ ،‬وانتبه ملا ينتبه له‬
‫الرجال عادة !‬
‫ويف هذا إشارة وتنبيه إىل بعض النساء اللوايت يتساهلن يف اللباس أمام األطفال !‬
‫فقد تتساهل املرأة يف لباسها يف بيتها حبجة أهنا يف بيتها ‪ ،‬وأمام زوجها تُريد أن تتزيّن له ‪ ،‬وهي ال‬
‫تشعر بلحظ األطفال لكل حركة وسكنة !‬
‫أو يف حال رضاع الصغري ‪ ،‬وحنو ذلك ‪.‬‬
‫ورمبا حت ّدث الطفل عند الكبار مما رأى !‬
‫تتجمل لزوجها وأن تتزيّن له يف غرفة نومه ‪ ،‬حفاظاً على مشاعر األطفال الذين‬ ‫إن بإمكان املرأة أن ّ‬
‫رمبا أثّر فيهم ما يرون من تساهل أمهم باللباس ‪ ،‬ورمبا و ِرثته البنت عن أمها‪.‬‬
‫ومما تتساهل به بعض األمهات أن خترج من غرفتها إىل دورة املياه أحياناً شبه عارية ‪ ،‬غري ُمبالية‬
‫بنظرات الصغار ‪ ،‬ورمبا نظرات احتقار وازدراء !‬
‫ورأى طفل سوءة امرأة مل هتتم به حبجة أنه طفل ‪ ،‬فجاء حُي ّدث أهله مبا رأى وقد اجتمعوا على‬
‫العشاء ! مث شبّه سوءة تلك املرأة بسوءة أخته اليت كانت هي األخرى ال هتتم بنظر الطفل الصغري !‬
‫فأخذت حتثو الرتاب يف وجهه ‪ ،‬وكانت أحق به وأوىل !‬

‫‪519‬‬
‫يسر من عالقة أبيه بأمه ! فلما اجتمعوا يف الليل ‪ :‬سأل أباه عما‬ ‫وشاب دخل البيت هناراً فرأى ما ال ّ‬
‫كان يفعل بأمه ؟! فأخذت أمه حتثو عليه الرتاب !‬
‫لقد كانوا يف غىن عن ذلك السؤال !‬
‫حاد النّظرة ‪ ،‬رمبا خَي زن‬
‫ورمبا يظن بعض الناس أن الطفل ال ينتبه ‪ ،‬بينما هو شديد املالحظة ‪ّ ،‬‬
‫املعلومات فتكون الفضيحة وقت إبراز ذلك املخزون !‬
‫ض تلك الفضيحة ‪،‬‬ ‫ورمبا متنّت املرأة أو متىّن الرجل وقتها أن األرض انش ّقت وابتلعته ومل يسمع َع ْر َ‬
‫ومل يسمع ذلك القول على املأل !‬
‫الطفل فطرته سليمة ‪ ،‬فيجب أن تبقى على هذا النقاء ‪ ،‬وأن حُي افظ على ذلك الصفاء ‪ ،‬ال كما يدعو‬
‫إليه من ال خالق له بوجوب تعليم األطفال اجلنس ‪ ،‬ويزعمون أنه من باب تثقيف األطفال !‬
‫ولذلك يف املدارس األوربية – غالباً ‪ -‬ال توجد أبواب للمراحيض يف املدارس !‬
‫فيذهب احلياء ويذهب معه كل ُخلُق فاضل ‪ ،‬وينشأ الذكور واإلناث على حياة هبيمية ال تُتسرت فيها‬
‫عورة ‪ ،‬وال يُستحيا فيها من إبداء سوءة !‬
‫إن لباس نساء سلف هذه األمة يف البيوت يُغطي الساقني والذراعني ‪ ،‬وال يظهر منها إال ما يظهر‬
‫حال املهنة واخلدمة ‪ ،‬كما ذكر ذلك شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل ‪.‬‬
‫مث ليتذ ّكر املسلم واملسلمة أن اهلل ستّري حُي ب السرت‬
‫ففي املسند والسنن من حديث هبز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول‬
‫اهلل عوراتنا ما نأيت منها وما نذر ؟ قال ‪ :‬احفظ عورتك إال من زوجتك أو مما ملكت ميينك ‪ .‬فقال‬
‫‪ :‬الرجل يكون مع الرجل ؟ قال ‪ :‬إن استطعت أن ال يراها أحد فأفعل ‪ .‬قلت ‪ :‬والرجل يكون خاليا‬
‫؟ قال ‪ :‬فاهلل أحق أن يستحيا منه ‪.‬‬
‫كتبه‬
‫عبد الرمحن بن عبد اهلل السحيم‬
‫ــــــــ‬

‫‪520‬‬
‫التربية الدينية لألطفال‬
‫خولة درويش‬
‫لقد أثبتت التجارب الرتبوية أن خري الوسائل الستقامة السلوك واألخالق هي الرتبية القائمة على‬
‫عقيدة دينية‪.‬‬
‫ولقد تعهد السلف الصاحل النشء بالرتبية اإلسالمية منذ نعومة أظافرهم وأوصوا بذلك املربني واآلباء؛‬
‫قوم األحداث وتعودهم األفعال احلميدة‪ ،‬والسعي لطلب الفضائل‪.‬‬ ‫ألهنا هي اليت تُ ّ‬
‫ومن هذا املنطلق نسعى مجيعا لنعلم أطفالنا دين اهلل غضاً كما أنزله تعاىل بعيدا عن الغلو‪ ،‬مستفيدين‬
‫بقدر اإلمكان من معطيات احلضارة اليت ال تتعارض مع ديننا احلنيف‪.‬‬
‫وحيث أن التوجيه السليم يساعد الطفل على تكوين مفاهيمه تكويناً واضحاً منتظماً‪ ،‬لذا فالواجب‬
‫إتباع أفضل السبل وأجنحها للوصول للغاية املنشودة‪:‬‬
‫‪ -1‬يُراعى أن يذكر اسم اهلل للطفل من خالل مواقف حمببة وسارة‪ ،‬كما ونركز على معاين احلب‬
‫والرجاء "إن اهلل سيحبه من أجل عمله ويدخله اجلنة"‪ ،‬وال حيسن أن يقرن ذكره تعاىل بالقسوة‬
‫والتعذيب يف سن الطفولة‪ ،‬فال يكثر من احلديث عن غضب اهلل وعذابه وناره‪ ،‬وإن ذُكر فهو‬
‫للكافرين الذين يعصون اهلل‪.‬‬
‫‪ -2‬توجيه األطفال إىل اجلمال يف اخللق‪ ،‬فيشعرون مبدى عظمة اخلالق وقدرته‪.‬‬
‫‪ -3‬جعل الطفل يشعر باحلب "حملبة من حوله له" فيحب اآلخرين‪ ،‬وحيب اهلل تعاىل؛ ألنه حيبه وسخر‬
‫له الكائنات‪.‬‬
‫‪ -4‬إتاحة الفرصة للنمو الطبيعي بعيداً عن القيود والكوابح اليت ال فائدة فيها‪..‬‬
‫‪ -5‬أخذ الطفل بآداب السلوك‪ ،‬وتعويده الرمحة والتعاون وآداب احلديث واالستماع‪ ،‬وغرس املثل‬
‫اإلسالمية عن طريق القدوة احلسنة‪ ،‬األمر الذي جيعله يعيش يف جو تسوده الفضيلة‪ ،‬فيقتبس من‬
‫املربية كل خري‪.‬‬
‫‪ -6‬االستفادة من الفرص الساحنة لتوجيه الطفل من خالل األحداث اجلارية بطريقة حكيمة حتبب‬
‫للخري وتنفر من الشر‪.‬‬
‫وكذا عدم االستهانة خبواطر األطفال وتساؤالهتم مهما كانت‪ ،‬واإلجابة الصحيحة الواعية عن‬
‫استفساراهتم بصدر رحب‪ ،‬ومبا يتناسب مع سنهم ومستوى إدراكهم‪ ،‬وهلذا أثر كبري يف إكساب‬
‫الطفل القيم واألخالق احلميدة وتغيري سلوكه حنو األفضل‪.‬‬
‫‪ -7‬البد من املمارسة العملية لتعويد األطفال العادات اإلسالمية اليت نسعى إليها‪ ،‬لذا جيدر باملربية‬
‫االلتزام هبا "كآداب الطعام والشراب وركوب السيارة‪ S"...‬وكذا ترسم بسلوكها منوذجاً إسالمياً‬
‫صاحلاً لتقليده وتشجع الطفل على االلتزام خبلق اإلسالم ومبادئه اليت هبا صالح اجملتمع وهبا يتمتع‬

‫‪521‬‬
‫بأفضل مثرات التقدم واحلضارة‪ ،‬وتُنمي عنده حب النظافة واألمانة والصدق واحلب املستمد من أوامر‬
‫اإلسالم‪ ..‬فيعتاد أن ال يفكر إال فيما هو نافع له وجملتمعه فيصبح اخلري أصيالً يف نفسه‪.‬‬
‫‪ -8‬تستفيد املربية من القصص اهلادفة سواء كانت دينية‪ ،‬واقعية‪ ،‬خيالية لتزويد أطفاهلا مبا هو‬
‫مرغوب فيه من السلوك‪ ،‬وحتفزهم على االلتزام به والبعد عما سواه‪.‬‬
‫وتعرض القصة بطريقة متثيلية مؤثرة‪ ،‬مع إبراز االجتاهات والقيم اليت تتضمنا القصة‪ ،‬إذ أن الغاية منها‬
‫الفائدة ال التسلية فحسب‪.‬‬
‫وعن طريق القصة واألنشودة أيضاً تغرس حب املثل العليا‪ ،‬واألخالق الكرمية‪ ،‬اليت يدعو هلا اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -9‬جيب أن تكون توجيهاتنا ألطفالنا مستمدة من كتاب اهلل عز وجل وسنة رسوله ‪ ، ‬ونشعر‬
‫الطفل بذلك‪ ،‬فيعتاد طاعة اهلل تعاىل واإلقتداء برسوله ‪ ‬وينشأ على ذلك‪.‬‬
‫‪ -10‬االعتدال يف الرتبية الدينية لألطفال‪ ،‬وعدم حتميلهم ما ال طاقة هلم به‪ ،‬واإلسالم دين التوسط‬
‫واالعتدال‪ ،‬فخري األمور أوسطها‪ ،‬وما خري الرسول ‪ ‬بني أمرين إال اختار أيسرمها ما مل يكن إمثا‪.‬‬
‫وال ننسى أن اللهو واملرح مها عامل الطفل األصيل‪ ،‬فال نرهقه مبا يعاكس منوه الطبيعي واجلسمي‪ ،‬بأن‬
‫نثقل عليه التبعات‪ ،‬ونكثر من الكوابح اليت حترمه من حاجات الطفولة األساسية‪ ،‬علما أن املغاالة يف‬
‫املستويات اخللقية املطلوبة‪ ،‬وكثرة النقد تؤدي إىل اجلمود والسلبية‪ ،‬بل واإلحساس باألمث"‪.‬‬
‫‪ -11‬يرتك الطفل دون التدخل املستمر من قبل الكبار‪ ،‬على أن هتيأ له األنشطة اليت تتيح له‬
‫االستكشاف بنفسه حسب قدراته وإداركه للبيئة احمليطة هبا وحترص املربية أن جتيبه إجابة ميسرة على‬
‫استفساراته‪ ،‬وتطرح عليه أسئلة مثرية ليجيب عليها‪ ،‬ويف كل ذلك تنمية حلب االستطالع عنده‬
‫وهنوضا مبلكاته‪ .‬وخالل ذلك يتعود األدب والنظام والنظافة‪ ،‬وأداء الواجب وحتمل املسؤولية‪،‬‬
‫بالقدوة احلسنة والتوجيه الرقيق الذي يكون يف اجملال املناسب‪.‬‬
‫‪ -12‬إن تشجيع الطفل يؤثر يف نفسه تأثرياً طيباً‪ ،‬وحيثه على بذل قصارى جهده لعمل التصرف‬
‫املرغوب فيه‪ ،‬وتدل الدراسات أنه كلما كان ضبط سلوك الطفل وتوجيهه قائماً على أساس احلب‬
‫والثواب أدى ذلك إىل اكتساب السلوك السوي بطريقة أفضل‪ ،‬والبد من مساعدة الطفل يف تعلم‬
‫حقه‪ ،‬ماله وما عليه‪ ،‬ما يصح عمله وما ال يصح‪ ،‬وذلك بصرب ودأب‪ ،‬مع إشعار األطفال بكرامتهم‬
‫ومكانتهم‪ ،‬مقروناً حبسن الضبط والبعد عن التدليل‪.‬‬
‫‪ -13‬غرس احرتام القرآن الكرمي وتوقريه يف قلوب األطفال‪ ،‬فيشعرون بقدسيته وااللتزام بأوامره‪،‬‬
‫بأسلوب سهل جذاب‪ ،‬فيعرف الطفل أنه إذا أتقن التالوة نال درجة املالئكة األبرار‪ ..‬وتعويده‬
‫احلرص على االلتزام بأدب التالوة من االستعاذة والبسملة واحرتام املصحف مع حسن االستماع‪،‬‬
‫وذلك بالعيش يف جو اإلسالم ومفاهيمه ومبادئه‪ ،‬وأخرياً فاملربية تسري هبمة ووعي‪ ،‬خبطى ثابتة‬
‫إلعداد املسلم الواعي‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪523‬‬
‫أسرة الداعية كيف ينبغي أن تكون ؟‬

‫وملحة لطرح مثل هذا املوضوع قد تأيت اإلشارة إليها ‪S...‬‬


‫هناك أمور كثرية ّ‬
‫لكن من املهم الذي ينبغي أن نعرفه أن الداعية ال بد أن يكون متميزاً يف أسرته متميزاً يف التعامل‬
‫معهم ‪ ،‬متميزاً يف اختيار أسرته ‪ ،‬متيّزا ال خيرجه عن املألوف أو عن احلدود الشرعية وإمنا متيزا يف ظل‬
‫الشريعة الغراء ‪ ،‬فإن أهل السنة قلّة يف الناس ‪ ،‬والدعاة منهم اىل احلق قلّة فيهم ‪ ،‬لذلك لزم متيّزهم‬
‫عن غريهم ال لذواهتم وإمنا للحق الذي معهم الذي يدعون إليه ‪..‬‬
‫ومهمات الداعية إىل اهلل جتاه أسرته ‪:‬‬
‫وهذه سلسلة حول موضوع ‪ :‬أسرة الداعية ‪ّ ،‬‬
‫احللقة األوىل ‪ :‬أمهية األسرة املسلمة ‪ -‬عموماً _ األسرة مملكة مصغّرة ‪ ،‬هي نواة اجملتمع وأساسه ‪،‬‬
‫باستقرار األسرة تستقر أحوال اجملتمعات ‪ ،‬وبصالحها صالح األمم ‪ ،‬وبفسادها فساد اجملتمع ‪.‬‬
‫وألجل ذلك عظّم اهلل شأن األسرة ورفع مكانتها ‪.‬‬
‫والداعية إىل اهلل حباجة إىل أن يعيش حياة االستقرار اليت تعينه على القيام بأعباء دعوته ‪ ،‬واالستمرار‬
‫يف خدمة عقيدته ‪ ،‬وحىت يكون كذلك فقدكان الزواج سبيالً وطريقاً هنيئاً مريئاً – ملن يسره اهلل له‬
‫– ألن يعيش الداعية حياة العطاء املستمر والعمل الدؤوب ‪،‬حيث جيدمن يشاطره مهّه ‪ ،‬ويبادله أمره‬
‫وشأنه ‪.‬‬
‫أمهية األسرة تكمن يف أمور ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن الناكح يريد العفاف يسهل له أمره ‪ :‬ومن هنا ندرك احلكمة يف حديث الرسول ‪ ‬الذي‬
‫يقول فيه – بأيب هو وأمي ‪ ": -‬ثالثة حق على عوهنم‪– S.... ..‬وذكر منهم ‪ :-‬الناكح يريد العفاف‬
‫‪ ، "..‬واهلل جل يف عاله قد قال يف كتابه ‪ .. " :‬إن يكونوا فقراء يغنهم اهلل من فضله ‪ S"..‬عهد على‬
‫اهلل ووعد منه ملن أراد النكاح للعفاف أن ييسره اهلل عليه ‪ ،‬وذلك مما يدل على أمهية العناية باألسرة‬
‫من جهة الشريعة ‪.‬‬
‫‪ -2‬أن اهلل جل وتعاىل بنّي يف كتابه اهلدف األمسى من النكاح وذلك يف قوله ‪ " :‬وجعل بينكم مودة‬
‫ورمحة ‪ S"..‬فالنكاح ال إلشباع الغريزة السبعية يف اإلنسان وإمنا لتحقيق " املودة والرمحة " بكل ما‬
‫تعنيه هذه الصفات ‪.‬‬
‫وعز عظّم شأن األسرة فأنزل سورة كاملة بنّي فيها احلقوق األسرية من حني‬ ‫‪ – 3‬أن اهلل جل ّ‬
‫تكوينها إىل ما يكون بعد انتهاء أحد طرفيها ( باملوت ) ‪،‬وذلك يف سورة عظيمة امسها سورة النساء‬
‫‪ ،‬وقد افتتحها اهلل تعاىل بقوله ‪" :‬يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها‬
‫زوجها وبث منهما رجاال كثرياً ونساءً واتقوا اهلل الذي تساءلون به واألرحام إن اهلل كان عليكم‬
‫رقيباً " ‪ ،‬ولألستاذ الشهيد سيد قطب رمحه اهلل كالم نفيس حول هذه اآلية فلينظر إليه ‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫وإمتاما لرعاية حق األسرة فقد أنزل سورة أخرى تسمى ( بالنساء الصغرى ) بنّي فيها ما يتعلق‬
‫باألسرة إذا انتهت ( بالطالق ) ‪ ،‬فأنزل هذه السورة العظيمة ‪ ،‬ولشدة رعاية أمر األسرة فقد كرر‬
‫اهلل فيها األمر بالتقوى يف أكثر من مخس مرات ‪ ،‬ويعيد ويذ ّكر بالتقوى يف أكثر من أربعني موضعاً‬
‫– تلميحاً – يف السورة نفسها على قصر آياهتا ‪،‬وكل ذلك تعظيماً لشأن هذه األسرة واحلفاظ عليها‬
‫‪،‬ولعل اإلنسان حني يقرأ قول اهلل تعاىل ك" وكأيّن من قرية عتت عن أمر رهبا ورسله فحاسبناها‬
‫حساباً شديداً وع ّذبناها عذاباً نكرا ‪ ،‬فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسراً ‪ S"..‬يستغرب وله‬
‫أن يتساءل ‪ ،‬ما عالقة ضرب هذا املثل يف معرض الكالم حول الطالق وما يتعلق به ‪ ،‬والناظر املتأمل‬
‫جيد يف اآلية قوة يف األمر باحلفاظ على األسرة ‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬
‫أن اهلل جل وعز يذ ّكر الرجل الذي جعل اهلل يف يده القوامة واألمر ‪ ،‬بأن حيسن عشرته مع زوجه اليت‬
‫هي ( أسرية بني يديه ) فإن أحسن شأهنا وأمرها فإن اهلل يبارك له ‪ ،‬أما إن تسلّط وجترّب مستغال ما‬
‫أعطاه اهلل من السلطة واألمر ‪ ،‬فإن اهلل أخذه أخذ عزيز مقتدر ‪ ،‬فكأين من قرية عتت عن أمر رهبا‬
‫ورسله فلم تلتزم أمر اهلل ورسله فإن اهلل حياسبها حساباً شديدا ‪ ،‬ويف هذا أمر شديد ووعيد رهيب‬
‫يف تضييع األسرة وتفككها دون أي مسبب شرعي ‪ ،‬وتلك حكمة من اهلل بالغة ‪.‬‬
‫احللقة الثانية من املوضوع ‪ :‬أمهية االستقرار األسري بالنسبة للداعية ‪.‬‬
‫الداعية اىل اهلل الصادق يف دعوته حباجة إىل من يعينه على أعباء الدعوة ومتطلباهتا ‪ ،‬وحني يكون هذا‬
‫املعني قريباً من الداعية كان ذلك أسكن لنفسه وأقر لعينه ‪ ،‬ولذلك ملا بعث اهلل موسى عليه السالم‬
‫إىل فرعون قال ‪ " :‬رب اشرح يل صدري ‪ .‬ويسر يل أمري ‪ .‬واحلل عقدة من لساين ‪ .‬يفقهوا قويل‬
‫‪ .‬واجعل يل وزيراً من أهلي ‪ .‬هارون أخي ‪ .‬أشدد به أزري ‪ .‬وأشركه يف أمري ‪ .‬كي نسبحك‬
‫كثرياً ‪ .‬ونذكرك كثرياً ‪" .‬‬
‫ويعجب املتعجب حني يقرأ هذا الكالم الرباين ‪ ،‬ويقرأ فيه تعطف موسى عليه السالم ورجاءه ربه أن‬
‫جيعل له وزيراً من أهله ‪ .‬ملاذا ؟‬
‫لش ّد األزر ‪ ،‬وتكون النتيجة ‪ " :‬كي نسبحك كثرياً ونذكرك كثرياً "‬
‫اهلم قد يتملك لب الداعية‬ ‫هم عظيم ‪ ،‬هم الدعوة وإيصال اخلري للناس ‪،‬وهذا ّ‬ ‫الداعية إىل اهلل يف قلبه ّ‬
‫ووقته وجهده ‪ ،‬فحني جيد من يسنده ويؤيده يبارك اهلل له يف عمله وجهده ‪.‬‬
‫وتربز أمهية األسرة بالنسبة للداعية يف أمور ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أن األسرة توفّر للداعية الصادق نصف اجلهد ‪ ،‬وتعينه على النصف اآلخر ‪.‬‬
‫‪ -2‬يُربز أمهية األسرة للداعية قصة رسول اهلل ‪ ‬ملا جاءه جربيل عليه السالم يف الغار وضمه إليه ‪،‬‬
‫فجاء إىل خدجية رضي اهلل عنها فأخربها اخلرب ‪ ،‬فهدأت من روعه ‪ ،‬وطمأنت نفسه ‪ ،‬وسعت يف‬
‫حل بزوجها رسول اهلل ‪. ‬‬ ‫تفريج ما ّ‬

‫‪525‬‬
‫ويف احلقيقة أن هذه القصة حباجة إىل مزيد تأمل وخصوصاً من زوجات الدعاة إىل اهلل وذلك‬
‫الستخراج درر الدروس ونفائس العرب من هذه احلادثة اليت كانت بداية اجلهاد والدعوة ‪ ،‬والوقوف‬
‫على أمهية الدور املنشود من الزوجة الداعية ‪.‬‬
‫دواعي طرح املوضوع ‪:‬‬
‫تصح هذه‬
‫‪ – 1‬أن األسرة هي مملكة الداعية األوىل ومنطلقه ‪ ( ،‬وانذر عشريتك األقربني ) ‪ ،‬فحني ّ‬
‫اململكة ‪ ،‬ويستقيم أمرها فإهنا تصري مدرسة للدعاة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬انشغال كثري من الدعاة إىل اهلل بدعوة الناس والسعي يف مصاحل العباد ‪،‬وإمهال األسرة من زوجة‬
‫وأوالد ‪ ،‬فزوجات الدعاة إىل اهلل من أشقى الناس بأزواجهم – إال من رحم اهلل وقليل ما هم _ يف‬
‫بيت الداعية ال تعرف الزوجة أجبديات يف أمور دينها ‪ ،‬يف بيوت الدعاة شباب حيارى وبنات‬
‫متسكعات – إال من رحم اهلل ‪ S... -‬يف بيوت الدعاة ‪..........‬‬
‫فكم تسمع عن أبناء الدعاة أهنم من أبعد الناس عن اهلل – وغالباً ما يكون ذلك بتفريط الدعاة‬
‫أنفسهم يف حقوق أبنائهم ‪ . -‬سيأيت مزيد بيان هلذه النقطة ‪.‬‬
‫ولذلك صار من األمهية مبكان طرح مثل هذا املوضوع تنبيها للغافل ‪ ،‬وحتذيراً من عواقب إمهال‬
‫األسرة وجعلها يف مهب الريح ‪.‬‬
‫‪ – 3‬قلّة العناية بطرح مثل هذا املوضوع من قبل املختصني ‪ ،‬من املوجهني واملربني والدعاة ‪.‬‬
‫‪ -4‬كثرة املشاكل األسرية يف بيوت الدعاة ‪ ،‬وعدم استقرار احلياة الزوجية يف بيوت الدعاة إىل اهلل ‪،‬‬
‫مما ينعكس سلباً يف أداء الداعية ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن بعض احملسوبني على الدعوة والدعاة يدخلون إىل احلياة الزوجية على جهل بأعباء هذه احلياة‬
‫ومتطلباهتا ‪ ،‬وعدم تقدير ملسئولية األسرة مما ينتج عنه مشاكل أسرية ‪.‬‬
‫‪ – 6‬التساهل يف أداء احلقوق الزوجية ‪ ،‬أو تضييعها حبجة االنشغال بالدعوة وأعمال الرب ‪– .‬‬
‫وخصوصاً بعد دخول هذه الشبكة العنكبوتية داخل البيوت ‪ ،‬فكم يقض الداعية خلف هذه الشاشة‬
‫من الوقت وعلى حساب من ؟ _‬
‫نسوغ ضياع األبناء ‪ ،‬وجهل الزوجات باالنشغال بالدعوة ؟؟!‬ ‫فهل يصح أن ّ‬
‫‪ – 7‬ومن أهم دواعي طرح هذا املوضوع – يف املقابل ‪ -‬أننا صرنا نرى ونسمع أن الزواج صار‬
‫مقربة للدعاة فكم من داعية نشيط ‪ ،‬دؤوب العمل ‪ ،‬ال ميل وال يكل ‪ ،‬فلما تزوج قيل ‪ ( :‬مات يف‬
‫أحضان زوجته ) فما تراه عن العمل إال معتذراً أو متهرباً ‪ ،‬يتحجج مبشاغل األهل ومسئولية البيت‬
‫‪ ،‬والرسول ‪ ‬كان له من األزواج تسع ‪ ،‬ومع ذلك فقد كان وسطاً يف األمور كلها ‪.‬فداه أيب‬
‫وأمي ‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫وكذلك األمر ينطبق على الداعيات من النساء ‪ ،‬ما إن تتزوج حىت تتخفف من مسئولية العمل هلذا‬
‫رتحم عليها يف عداد املفقودات من ساحة‬ ‫الدين ‪ ،‬يف األمس كانت هلا الصولة واجلولة ‪ ،‬واليوم يُ ّ‬
‫العمل الدعوي ‪.‬‬
‫فيا أيها الدعاة إىل اهلل ( رجاال ونساءً ) انتبهواااااا واستيقضوا !!‬
‫هلذه األسباب ولغريها كان طرح هذا املوضوع مهماً جداً بالنسبة للدعاة ‪،‬والعناية به من آكد ما‬
‫ينبغي أن يعتىن به يف هذه األزمان ‪ ،‬ألننا صرنا ولألسف نشهد ظاهرة سيئة وهي أن بيوت الدعاة‬
‫خترج املخربني من طائشني ‪ ،‬ومحلة مبادئ هدامة _ نسأل اهلل احلماية _ وهذا مما يؤسف له‬ ‫صارت ّ‬
‫واهلل املستعان ‪.‬‬
‫والكالم يف هذا الباب يأخذ حمورين أساسني ‪.‬‬
‫احملور األول ‪ :‬التعامل بني الزوجني ‪.‬‬
‫احملور الثاين ‪ :‬تربية األبناء ‪.‬‬
‫وسيأيت تباعاً بيان ذلك ‪.‬‬
‫احللقة الثالثة ‪ :‬مقومات شخصية الزوج ‪.‬‬
‫قبل الشروع يف بيان حموري األسرة الناجحة ‪ ،‬ال بد من هذه التقدمة املهمة اليت نبنّي فيها مقومات‬
‫أساسية البد وأن تتوفر يف شخصية الزوج حىت يكون أهالً للقوامة اليت كلفه اهلل هبا ‪ ،‬وحني يتخلف‬
‫أحد هذه املقومات تتأخر السعادة الزوجية واالستقرار األسري على قدر ختلف هذه املقومات ‪ .‬وهي‬
‫سبع مقومات ‪:‬‬
‫املقوم األول ‪ :‬القدوة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومعناها وحقيقتها ‪ :‬أن يوافق الفعل القول ‪ ،‬وهو املعىن الذي أشار اهلل اليه بقوله ‪ " :‬يا أيها الذين‬
‫ءامنوا مل تقولون ما التفعلون كرب مقتاً عند اهلل أن تقووا ما ال تفعلون "‬
‫فاقرتان الفعل للقول أبلغ يف التأثري ‪ ،‬وأدعى لإلستجابة والتوقري ‪.‬‬
‫وقد كان ‪ ‬األسوة احلسنة يف ذلك ‪ ،‬فما كان يأمر بأمر إال كان أسبق الناس إىل تطبيقه والعمل به‬
‫‪.‬‬
‫وذلك كثري يف السنة النبوية ‪ ،‬ولنأخذ مثالً واحداً من السرية يبنّي أثرالقدوة وتأثريها على النفس ‪:‬‬
‫املثال هو ‪ :‬ما حصل يف يوم احلديبية حني أمر الرسول ‪ ‬أصحابه بأن حيلوا ‪ ،‬وحيلقوا رؤوسهم‬
‫فتأبوا عليه ‪ ،‬فدخل منزعجاً إىل زوجه أم سلمة رضي اهلل عنها وذكر هلا ما جيد من أصحابه ‪ ،‬فقالت‬
‫له ‪ :‬أخرج فأمر احلالق أن حيلق لك رأسك ‪ ..‬ففعل ‪ ‬ذلك ‪ ،‬ففعل الصحابة بعده لفعله واقتداءً‬
‫به ‪. ‬‬

‫‪527‬‬
‫هذا املثل يبنّي لنا أثر القدوة على نفس اآلخرين ‪ ،‬وكيف أن القدوة من أسهل الطرق لكسب‬
‫اآلخرين واقناعهم مبا تقول ‪.‬‬
‫ولذلك ينبغي على الزوج أن يكون قدوة يف بيته ‪ ،‬قدوة تقتدي به زوجه وأبنائه ‪ ،‬وحني يكون‬
‫الزوج كذلك فإنه يكرب يف عني من هم حوله ( زوجه وبناته وابنائه ) ‪ ،‬وحينها يسهل التأثري عليهم‬
‫وتربيتهم تربية صاحلة ‪.‬‬
‫حمرتزات ‪.‬‬
‫وهنا ينبغي على الزوج أن حيرتز من حمرتزات ختل بالقدوة ‪ ،‬وهذه احملرتزات تأخذ مظاهراً ع ّدة يف‬
‫حياتنا اليومية منها ‪:‬‬
‫‪ -‬األمر باملعروف من ( صالة ‪ ،‬أو ذكر ‪ ،‬أو توجيه ‪ S)...‬وعدم فعله ‪ ،‬واألدهى من ذلك أن يأيت ما‬
‫ينهى عنه فكيف تستقيم زوجة لزوجها حني يأمرها بالصرب – مثالً – لكنه يف الواقع يسخط ويزفر‬
‫حىت من أتفه األسباب واألحوال ‪ ،‬كم من زوج هجر زوجته ألجل أهنا مل حتسن كي ( الغرتة أو‬
‫الشماغ ) ‪ ،‬أو أهنا ما أصلحت الطعام ‪ ،‬أو ألهنا أتلفت أثاثاً أو ‪ ، ..‬ومن أعجب ما مسعته يف هذا ‪:‬‬
‫زوج حمسوب على املربني والدعاة يأمر أهله بالصالة واحملافظة عليها ‪ ،‬مث ملا توقظه زوجه للصالة‬
‫يسخط عليها وينفر حىت صارت تتحرج من إيقاظه للصالة ‪ ، S...‬وغري ذلك من مظاهر اإلخالل‬
‫وأمر والواقع شاهد على ذلك ‪.‬‬
‫بالقدوة يف األمر والنهي ‪ ،‬والكالم يف ذلك مع األبناء أغص ّ‬
‫‪ -‬عدم تزكية النفس وترقيتها يف سلم الكمال البشري ‪ ،‬واالكتفاء باحلال على ما هو احلال ‪،‬‬
‫والشعار ‪ :‬ليس باالمكان أكثر مما كان ‪ ..‬وهنا مشكلة جيب أن يتنبه هلا أهل الدعوة ‪ ،‬وخصوصاً يف‬
‫هذه النقطة ‪ ،‬وذلك حني جيد الرجل من زوجته أهنا تقارنه بفالن من الناس ‪ ،‬وأن فالناً أحسن منه‬
‫علما وتديناً وحرقة على دينه ‪ ،‬وعمال ألجل دعوته ومبادئه ‪ ،‬فإذا وصلت الزوجة إىل هذه املرحلة‬
‫فهي مرحلة خطرة على استقرار احلياة ‪ ،‬والواجب على الزوج هنا أن يكون حمل قدوة لزوجته ال أن‬
‫يكون غريه من أصحابه وخالنه مكان القدوة هلا ‪ ،‬ومن هنا يلزم الزوج أن جياهد نفسه يف الرتقي ‪،‬‬
‫والتزكية ال هلذا الغرض فحسب بل تقوى هلل ورغبة فيما عنده ودفعاً ملا قد يكون سبباُ من أسباب‬
‫التفكك األسري ‪ ،‬فإن املرأة بطبعها ‪ -‬بل البشر عموماً – يعجبون باالنسان العامل الذي يرتقى يف‬
‫سلم املال البشري ‪ ،‬ومن هنا كان من مظاهر اإلخالل بالقدوة العجز والكسل عن تزكية النفس‬
‫والرتقي هبا ‪ .‬فكيف يريد الداعية من زوجته أن تكون داعية فاضلة بني بنات جنسها ‪ ،‬وهو ليس‬
‫كذلك ‪ -..‬واهلل املستعان ‪. -‬‬
‫املقوم الثاين ‪ :‬املودة والرمحة واحملبة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهذا املقوم سر من أسرار الزواج الناجح ‪ ،‬وسر من أسرار األسرة املستقرة الفاعلة ‪ ،‬ولذلك جعل‬
‫اهلل هف الزواج حتقيق هذه املودة والرمحة بني الزوجني ‪.‬‬

‫‪528‬‬
‫املقوم مهم يف باب إقناع الزوجة وكسب قلبها ‪ ،‬والداعية الصادق حباجة إىل أن يكسب قلب‬ ‫وهذا ّ‬
‫زوجه ‪ ،‬وأن جيعلها أشد اقناعاً مبا هو عليه ‪.‬‬
‫كثرياً ما تتذمر زوجات الدعاة من كثرة انشغال أزواجهم باالعمال الدعوية ‪ ،‬وانصرافهم عنهم ‪،‬‬
‫وبصراحة أكثر ‪ :‬يتذمرون من قلّة جلوس أزواجهم معهم واخلروج هبم يف نزهة قصرية ‪.. ،‬‬
‫جل وقته يف أمور دعوته ‪ ،‬وأحياناً – أو غالباً‪ -‬ما يؤجل وعوده لزوجته‬ ‫والداعية الصادق قد ينشغل ّ‬
‫وابنائه بسبب عمل دعوي ‪ ،‬أو برنامج خريي يستلزم وجوده ‪.‬‬
‫املقوم يف إقناع الزوجة هبذا العمل ‪ ،‬وأنه إمنا يقوم هلل ‪ ،‬وأهنا تؤجر على صربها‬‫وهنا يربز أمهية هذا ّ‬
‫وجهادها معه ‪ ،‬فإن كان الرجل حمباً لزوجته ‪ ،‬يغمرها مبودته ورمحته إياها ‪ ،‬وهو صادق يف قوله‬
‫وفعله فالكلمة الصادقة اليت خترج من القلب تقع يف القلب مباشرة ‪.‬‬
‫أما حني ينعدم احلب – أو يقل – بني الزوجني فما عسى أن يقنع هذه الزوجة ‪.‬‬
‫ولكم أن تتخيلوا موقف املرأة يف حال أن زوجها يشعرها حببه ومودته ‪ ،‬ويف حال أن الزوج ال يشعر‬
‫أهله باحلب واملودة والرمحة ‪ ،‬وذلك إن أراد زوجها الزواج بامرأة ثانية ؟!!!‬
‫اتصور أن الزوجة اليت تشعر حبب زوجها ومودته هلا ورمحته هبا ‪ ،‬لن جتد ممانعة قوية يف نفسها من‬
‫إقدام زوجها على الزواج بأخرى ‪ ،‬ألهنا تشعر يف قرارة نفسها أن زوجها لن ينسى حقها وحبه هلا (‬
‫وهو األمر الذي يتخوف منه كثري من الزوجات ) ‪.‬‬
‫أما الزوجة الثانية اليت ال تشعر من زوجه حبب وال رمحة ‪ ،‬فإهنا يف هذا املوقف سوف متانع وجتادل‬
‫حىت تطلب من زوجها الطالق والفراق ‪ ،‬وما ذاك إال لشعورها بأن زوجها الذي ما أشعرها يوما‬
‫برمحة أنه سوف يرتكها عظما بد حلم ‪.‬‬
‫هذا مثل بسيط ألثر املودة والرمحة واحلب بني الزوجني ‪ ،‬وكيف يعمل هذا احلب وهذه الرمحة على‬
‫سهولة اإلقناع ‪.‬‬
‫وإننا ما جند مثل رسول اهلل ‪ ‬يف هذا الباب مع زوجاته وابنائه ‪ ،‬ولنأخذ بعض النصوص واحلوادث‬
‫‪:‬‬
‫‪ -‬كان ‪ ‬مع عائشة رضي اهلل عنها هيناً ليناً ما هوت شيئاً إال تابعها عليه ‪.‬‬
‫‪ -‬ينيخ هلا ظهره ‪ ‬لتصعد وتنظر إىل لعب األحابيش ‪.‬‬
‫‪ -‬تكسر الصحفة بني يديه وعنده بعض أصحابه ‪ ،‬فما يزيد عن أن يتبسم ‪. ‬‬
‫‪ -‬جيلس مع عائشة حتدثه احلديث الطويل ( حديث أم زرع ) فال يضجر أو ميل بل يتابع معها‬
‫حديثها ولو طال وتع ّقدت كلماته ‪.‬‬
‫‪ -‬يرتافع يوما ‪ ‬هو وإياها إىل أبيها أيب بكر رضي اهلل عنه ‪ ،‬فيقول هلا ‪ :‬أتكلم أو تتكلمني ‪،‬‬
‫فتقول وهي مغضبة ‪ :‬بل تكلم أنت وال تقل إال حقاً ‪ ،‬فيصفعها أبوها على وجهها ‪ ،‬فيقف ‪ ‬بينه‬

‫‪529‬‬
‫وبني زوجته حيميها ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ما هلذا دعوناك ‪ ،‬مث ما يلبث أن يتباسط وإياها فيضحكها وتضحكه‬
‫‪........‬‬
‫مع األبناء ‪:‬‬
‫‪ -‬يرحتله حفيده ‪ :‬احلسن أو احلسني وهو ساجد يف الصالة فال يرفع رأسه حىت ينزل الغالم ‪.‬‬
‫‪ -‬ينزل يوما من على املنرب ليأخذ حفيده بني ذراعيه مث يصعد به على املنرب ويكمل خطبته ‪.‬‬
‫‪ -‬يداعب األطفال ويعطيهم اهلدايا والعطايا ‪.‬‬
‫وكثري ذلك يف كتب السنة والسرية ‪ .‬وحبق هو ( إنك لعلى خلق عظيم )‬
‫من مظاهر املودة والرمحة بني الزوجني ‪:‬‬
‫‪ -‬التفاعل مع حال الزوجة يف فرحها وحزهنا ‪ ،‬يف عافيتها ‪ ،‬ومرضها ‪ ،‬يف حيل انشراحها وضيق‬
‫صدرها ومراعاة تقلب أحواهلا ‪ ،‬فمن الناس من يرعى لزوجته حقها ويرمحها حني تكون يف حال‬
‫رخاء ونعماء ‪ ،‬أ‪/‬ا حني ضراءها وبلواءها فهو من أبعد الناس عنها ‪ ،‬وهذا من الظلم والغنب ‪.‬‬
‫‪ -‬العناية بأهل الزوجة ‪ ،‬وتفقدهم ومراعاة أحواهلم ‪ ،‬وإدخال السرور عليهم ‪ ،‬فإن ذلك مما يزيد‬
‫احلب واملودة بني الزوجني ‪ ( .‬صدقة على أهل بيتك صدقة وصلة ) ‪.‬‬
‫والتجمل بالتجمل ‪ ...‬فلماذا نطلب من‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬املبادلة ‪ ،‬بادهلا الضحكة بالضحكة ‪ ،‬واألنس باألنس ‪،‬‬
‫يكن ملكات مجال ‪ ،‬وال نسعى يف جتملنا هلن كما نريد منهن – هذا جانب يف ذلك ‪-‬‬ ‫زوجاتنا أن ّ‬
‫كن هلا ‪ -‬يف حدود‬ ‫والذي ينبغي أن يبادل الزوج زوجته ما يريد منها ‪ ،‬فكما حتب أن تكون لك ّ‬
‫املشروع ‪. -‬‬
‫‪ -‬النظرة الواقعية للزوجة ‪ ،‬فال ينظر إليها – وإن كانت برفسورة – أهنا أكمل نساء الدنيا ‪ ،‬وال‬
‫ينظر إليها أهنا هي هي ‪ ،‬فإن هذه النظرة غري الواقعية تقلب احلياة سعرياً ‪ ،‬إذ أن الزوج حبكم نظرته‬
‫يريد أن يرى زوجته كما ينظر إليها هو ‪ ،‬واملقياس الشرعي ‪ :‬أن املرأة خلقت من ضلع أعوج ‪ ،‬قال‬
‫‪ " : ‬املرأة كالضلع ‪ ،‬إن أقمتها كسرهتا وإن استمتعت هبا ‪ ،‬استمتعت هبا وفيها عوج " قال ابن‬
‫حجر رمحه اهلل ‪ :‬فيه سياسة النساء بأخذ العفو منهن والصرب على عوجهن ‪ ،‬وإن من رام تقوميهن ‪،‬‬
‫فاته االنتفاع هبن ‪ ..‬مع أنه ال غىن لالنسان عن امرأة يسكن اليها ويستعني هبا على معاشه ‪ ،‬فكأنه‬
‫قال ‪ :‬االستمتاع هبا ال يتم إال بالصرب عليها ‪ ..‬أ ‪ .‬هـ ووصف املرأة بالضلع جبامع االعوجاج فيهما ‪،‬‬
‫ففي الضلع حقيقة ‪ ،‬ويف املرأة جمازاً ‪ ،‬ووصف للضلع يف ٍخلقته ‪ ،‬ووصف للمرأة يف ُخلقها ‪.‬‬
‫قواعد ‪:‬‬
‫وها هنا أذكر قاعدتني مهمتني يف هذا الباب ( باب احلب واملودة ) – وآمل من اجلميع ابداء الرأي‬
‫يف صحة تطبيقها ‪:‬‬

‫‪530‬‬
‫القاعدة األوىل ‪ " :‬أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما " وهذه القاعدة أثراً عن‬
‫علي رضي اهلل عنه ‪ ،‬ورفعه بعضهم ‪.‬‬
‫فما هو مقدار احلب الذي يكون للزوجة ‪ ،‬وما معىن هذا األثر ؟؟‬
‫وهل يصح تطبيقه على حال الزوجية ؟‬
‫القاعدة الثانية ‪ :‬ليس باحلب وحده تقوم األسر ‪ ،‬وال ميكن أن تستمر مع البغض والكره ‪.‬‬
‫مبعىن أن هناك أسراً تقوم وليس هناك حب بني طرفيها ‪ ،‬كما أنه ليس هناك بغض بينهم ‪ ،‬واملعىن‬
‫بشكل أوضح ‪ :‬أنه من املمكن أن تقوم أسر – لكن ليست هي األسرة املثالية اليت نطمح إليها –‬
‫وتبقى بدون أن يكون هناك حب بني طرفيها ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬أسر بعض األعراب الذين يعيشون يف البوادي فمن هذه األسر من تقوم وال يعرف‬
‫الزوج و ال زوجته معىن احلب ‪ ،‬وإمنا احلياة بينهم قائمة على مصاحل اخلدمة بينهما ‪ ،‬فالزوج يريد من‬
‫زوجته املأكل واملشرب وامللبس وما يريد الرجل من املرأة ‪ ،‬والزوجة تريد من زوجها أن يوفر هلا‬
‫سكناً ومأكالً ومشرباً وما تريد املرأة من الرجل ‪ ،‬وال يربط بينهما حب كما أنه ال يعرتيهما البغض‬
‫والكره ‪...‬‬
‫ونكمل ما تبقى يف حلقات أخر‬
‫املقوم الثالث ‪ :‬العدل ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهو األمر الذي قامت عليه السماوات واألرض ‪ ،‬قال اهلل جل يف عاله ‪ ":‬وإذا قلتم فاعدلوا ‪"..‬‬
‫وقال ‪ " :‬اعدلوا هو أقرب للتقوى ‪... "..‬‬
‫والظلم من أعظم الذنوب خطراً على الفرد واجملتمع ‪ ،‬فقد قيل ‪ :‬إن اهلل يقيم الدولة الكافرة بالعدل ‪،‬‬
‫ويهلك الدولة املسلمة بالظلم ‪.‬‬
‫وتلك سنة اهلل جارية يف كونه وخلقه ‪ ،‬فإن اهلل ال حيب الظلم والظاملني ‪ ،‬وحيب القسط واملقسطني‬
‫الذين يقومون بالعدل بني الناس ‪.‬‬
‫والعدل يف احلياة الزوجية من أهم أسباب بقاء األسر وعدم تفككها ‪.‬‬
‫ومعىن العدل يف احلياة الزوجية يشمل كل شئون احلياة ‪.‬‬
‫رمل من نساء ‪ S...‬كل ذلك بسبب اجلور‬ ‫شرد من أطفال ‪ ،‬وكم ّ‬ ‫فكم ه ّدم الظلم من بيت ‪ ،‬وكم ّ‬
‫والظلم ‪.‬‬
‫لكن اهلل للظامل باملرصاد ‪:‬‬
‫تنام عينك واملظلوم يف كمد يدعو عليك وعني اهلل مل تنم‬
‫وإذا ذكر العدل يف احلياة الزوجية فبادئ ما ينصرف إليه الذهن العدل بني الزوجات ‪ ،‬وهو أمر‬
‫عظيم ‪..‬‬

‫‪531‬‬
‫فاهلل ‪ ..‬اهلل بالعدل ‪ ..‬وإياكم أن يأيت أحدكم يوم القيامة وشقه مائل ‪ -‬نسأل اهلل احلماية ‪-‬‬
‫يُذكر أن رجالً تزوج من امرأتني وكان شديد احلرص على أن يعدل بني زوجتيه يف كل شئوهنما ‪،‬‬
‫وقدر اهلل جل وعز أن يتوىف زوجتيه يف ليلة واحدة ‪ ،‬فغسلهما وكفنهما ‪ ،‬فلما أراد أن خيرجهما من‬
‫املنزل احتار كيف يقدم واحدة على األخرى يف اخلروج ‪ ،‬والباب ال يتسع ملرور جنازتني يف آن‬
‫كسر ماجاور الباب من اجلدار حىت يتسع الباب إلخراجهما سويا وفعل‬ ‫واحد ‪ ،‬فما كان منه إال أن ّ‬
‫حىت دفنهما ‪...‬‬
‫ويف املنام رأى إحدى زوجتيه تقول له ‪ :‬ملاذا أخرجتين من جهة اجلدار الذي تكسر ‪ ،‬وأخرجت‬
‫ضريت من الباب ‪ S،...‬ففزع من نومه وحزن لذلك حزنا شديدا كاد يفتك به ‪.‬‬
‫وبغض النظر عن تفاصيل هذه احلادثة أو صحتها ‪ -‬إمنا هي للتمثيل ‪ -‬فإن الزوج املؤمن ‪-‬وخصوصاً‬
‫الداعية إىل اهلل ‪ -‬مطالب بأن يعدل بني أزواجه ‪ ،‬وال جيوز له حبال أن يفضل واحدة على أخرى يف‬
‫األمور املشرتكة بينهما ‪ ،‬وحني يتخلف العدل من بيوت الدعاة واألزواج الصاحلني ‪ ،‬تسقط هيبتهم‬
‫بني الناس ‪ ،‬ويزيد أمر التعدد تعقيداً وممانعة من النساء واآلباء ‪.‬‬
‫حيدثين أحدهم ويقول ‪ :‬أن له قريبة مطلقة ‪ ،‬تقدم خلطبتها أحد الدعاة إىل اهلل ففرحنا به فزوجناه‬
‫إياها ‪ ،‬وقد كان أيب حريصاً على أن ال يزوجها رجالً معدداً ‪ ،‬فما برحت أقنع والدي أن يزوجه ملا‬
‫يُعرف عنه من العلم والصالح والسمعة بني الناس ‪ ،‬وبعد أشهر من الزواج وجدت أن هذا ( الشيخ‬
‫) ال يعطيها حقها بل وصل األمر إىل هتديدها وهتديد أهلها مبا ال يسوغ ذكره هنا ‪ S...‬فحصلت أليب‬
‫صدمة كبرية جداً ‪ ،‬وخصوصاً أنه كان يرى يف هذا الرجل ‪ ( :‬أنه الشيخ اجلليل ‪ ،‬العابد ‪ ،‬الناصح )‬
‫لكنه يف بيته ال يرعى حق املسكينة الضعيفة مما ولّد عند والدي كراهة املتدينني الذين يعددون يف‬
‫الزواج ‪ ...‬وال أدري إىل مىت تبقى هي تغالب أعاصري احلياة يف بيتها ‪ ،‬وال أدري إىل مىت يبقى‬
‫والغم من شدة ما جيد ‪....‬‬
‫اهلم ّ‬ ‫والدي يفريه ّ‬
‫هذه حادثة من حوادث كثر ‪ S....‬ولعل القارئ الكرمي يعرف أحواال وأحوال ‪ ،‬واحملاكم خري شاهد‬
‫على ذلك ‪.‬‬
‫ليس الغرابة يف احلادثة أن ال يعدل الرجل بني زوجاته ‪ ،‬ولكن الغرابة أن حيدث هذا الظلم واحليف‬
‫واجلور من إنسان يعرف ما يفعل ‪ ،‬وفعله مؤثر بني الناس !!‬
‫من صور العدل يف احلياة األسرية ‪:‬‬
‫‪ -‬أن يعامل الرجل زوجته كما حيب أن يعاملوه ‪ .‬وكذلك الزوجة ( وهلن مثل الذي عليهن‬
‫باملعروف ) ‪.‬‬
‫‪ -‬العدل يف نشر احلنان واحلب بني األوالد ‪.‬‬
‫‪ -‬العدل يف حل مشاكل األسرة مع اآلخرين ( الوالدين ‪ ،‬اجلريان ‪) S...‬‬

‫‪532‬‬
‫سؤال ‪ :‬كيف تتصرف ؟‬
‫‪ -‬تعود إىل بيتك فتجد والدتك بانتظارك وهي تزفر من الغضب تشكوا إليك زوجتك ‪ ،‬مث تدخل‬
‫على زوجتك فتجدها هي األخرى أشد زفراً وغضباً تشكوا إليك أمك ‪ ...‬فكيف تتصرف ؟!‬
‫‪ -‬بعد صالة العصر يأخذك جارك على انزواء يشكوا إليك ابنك بأنه قد شج رأس ابنه الذي يصغره‬
‫بسنة ‪.‬‬
‫‪ -‬يف الليل تدخل بيتك فإذا شجار قائم بني ولديك ؟‬
‫كيف تتصرف يف هذه املواقف ؟؟‬
‫البنوة‬
‫‪ -‬العدل يف تقييم اخلطأ ‪ ،‬فال متيل إىل والدتك مثالً إن احلق مع زوجتك ‪ ،‬وال متل إىل عاطفة ّ‬
‫إن كان ولدك قد أخطأ على ولد اجلريان ‪ ...‬وهكذا ‪ ،‬يبقى األمر يف طريقة التصحيح ومعاجلة اخلطأ‬
‫‪ ،‬وذلك خيضع العتبارات تالبس احلادثة نفسها ‪ ،‬لكن ينبغي أن يراعى العدل يف تقييم اخلطأ فال‬
‫يُبالغ يف تضخيم اخلطأ الصغري ‪ ،‬وال يُتهاون يف تصغري اخلطأ الكبري ‪...‬‬
‫‪ -‬العدل يف الوقت ‪ .‬فكم تأخذ من الوقت جُت ّم فيه نفسك وترفهها ‪ ..‬فال تنس شريكة احلياة ‪ ،‬ال‬
‫تنس نفسك وأنت خلف هذا اجلهاز فتقضي الساعات الطوال مث ( تنطرح على فراشك كأنك ‪!!!..‬‬
‫)‬
‫‪ -‬من العدل ‪:‬ال تذ ّكر زوجتك باألخطاء املاضية املنتهية ‪ ،‬وكأنك تطرح بني يديها كشف حساب‬
‫‪ ،‬فقد تعاملك هي أيضاً بذلك ‪.‬‬
‫املقوم الرابع ‪ :‬احلكمة يف التصرف والتقومي ‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال اهلل تعاىل ‪ " :‬ومن يؤت احلكمة فقد أويت خرياً كثرياً ‪S"..‬‬
‫واحلكمة هي وضع الشيء يف موضعه ‪ ،‬احلزم حني يكون احلزم ‪ ،‬واللني يف موضع اللني ‪.‬‬
‫إذا غضبت على ولدك فال يكن غضبك حني يتلف األثاث أو يكسر الزجاج أعظم من غضبك عليه‬
‫حني يتأخر عن الصالة أو يرتكها ‪..‬‬
‫وال يكن غضبك على زوجك حني ختطئ يف غسيل أو طبخ أو كي أعظم من غضبك عليها حني‬
‫تغتاب أو تذكر جارهتا بسوء ‪S...‬‬
‫ال تكثر العتاب يف كل شاردة وواردة ‪ ،‬فالنظرة أحياناً تكفي ‪ ،‬واإلشارة يف أحوال تشفي ‪،‬‬
‫والتجاهل يف مرات يغين عن اخلوض والعتاب ‪.‬‬
‫يهون عليه مساع املالمة ! "‬
‫قال الغزايل رمحه اهلل ‪ " :‬ال تكثر على الصيب العتاب ‪ ،‬فإنه ّ‬
‫املقوم اخلامس ‪ :‬املخالطة ‪.‬‬
‫ّ‬
‫خمالطة األسرة ‪ ،‬وإشعارهم بالقرب ‪ ،‬والعطف عليهم ‪ ،‬وهذه املخالطة مما يزيد األبناء حبا واقتداء‬
‫بوالدهم ‪ ،‬كما أن املخالطة تزيد احلب بني الزوجني ‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫كم نسمع عن أزواج يرهقون أنفسهم خارج املنزل باألعمال ‪ ،‬مث إذا حضر إىل البيت ما يبحث عن‬
‫شئ إال الفراش ‪ ،‬وكم تسمع عن ذلك الذي ما إن حيط رحاله يف أرض حىت يطري إىل أخرى ‪ ،‬دون‬
‫اهتمام أو شعور مبا عليه من مسئولية األسرة ‪.‬‬
‫املقوم السادس ‪ :‬القيام بأعباء األسرة ومسئولياهتا ‪.‬‬
‫ّ‬
‫فال يكون عاطالً ‪ ،‬عاجزاً ‪ ،‬كسالً ‪ ..‬قعيد بيته ينتظر إحسان احملسنني ‪ ،‬أو راتب زوجته آخر الشهر‬
‫‪ ..‬ذليالً خاضعاً حتركه زوجه كيفما شاءت ‪ ....‬انسلخت منه القوامة فصارت بيد زوجته ‪...‬‬
‫كم نرى هذا املنظر املخجل ‪ -‬واملؤسف حقاً ‪ -‬رجل ممشوق القامة ‪،‬عريض املنكبني مث هو يدفع‬
‫أمامه عربية التسوق وزوجه من أمامه تشرتي وتبايع البائعني ومتاكسهم ‪ -‬فوااااااااااا عجباً !!_‬
‫واملقصود‪ S‬أن يكون الزوج على قدر املسئولية اليت كلفه اهلل هبا فال يضيعها ‪.‬‬
‫وقد كان ‪ ‬خيصف نعله ‪ ،‬ويصلح دلوه ‪ ،‬ويكون يف مهنة أهله ‪.‬‬
‫املقوم السابع ‪ :‬الدعاء ‪.‬‬
‫ّ‬
‫وهو سالح املؤمنني الصادقني ‪.‬‬
‫سهام الليل ال ختطي ولكن هلا أمد ولألمد انقضاء‬
‫ومن دعاء عباد الرمحن قوهلم ‪ " :‬ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا ّقرة أعني واجعلنا للمتقني إماماً "‬
‫وأحسب أن أمر الدعاء أمراً قد صار يغفل عنه الصاحلون ‪ ،‬فكم من زوج يريد السعادة واالستقرار‬
‫ويطلبها من غري مظاهنا ؟؟‬
‫وكم من والد يطلب تربية أبنائه يف دورات ودورات مث النتيجة ‪ ...‬خنب هواء ‪..‬‬
‫وتغافلنا عن اللجأ إىل اهلل ‪ ،‬واهلل جل وعز حيب من عبده أن يلجأ إليه ‪ ،‬وينطرح بني يديه ‪.‬‬
‫حادثة ‪ :‬أخ يقول ‪ :‬يل أخ ال يعرف اهلل يف ليله وال هناره ‪ ،‬جمون وفسق وفجور ‪ ،‬وقد كنت أنصحه‬
‫وأوجهه لكن كأنين أحرث يف حبر ‪ ،‬ويف ليلة من الليايل قمت يف ثلث الليل اآلخر أدعو اهلل واتضرع‬
‫ردا مجيالً ‪ ..‬مث منت ‪ ،‬وبعدها مسعت طرقاً على باب غرفيت‬ ‫إليه بأن يهدي أخي ‪ ،‬ويرده إليه ّ‬
‫فاستيقظت فإذا هو أخي يوقظين لصالة الفجر ‪ ..‬يا سبحان اهلل هذا الفاسق الفاجر ‪ ،‬أصبح اليوم هو‬
‫العابد الذاكر ‪ ...‬اللهم لك احلمد ال حنصي ثناء عليك !!‬
‫احللقة اخلامسة ‪:‬‬
‫احملور األول ‪ :‬السلبية واإلجيابية يف التعامل بني الزوجني‬
‫ويف هذا احملور نشري إىل أهم ست عوامل حلياة زوجية أفضل ‪.‬‬
‫وهذه العوامل قد يسرف املرء يف األخذ هبا فتنقلب عليه سلباً ‪ ،‬وقد يتطرف يف العمل هبا فتكون‬
‫حياته جحيماً والوسط خري األمرين ‪.‬‬
‫األول ‪ :‬القول احلسن ‪.‬‬

‫‪534‬‬
‫أنزل على عباده قوله جل وتعلى ‪ " :‬وقل لعبادي يقولوا اليت هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم ‪"..‬‬
‫وقال يف أسلوب التعامل مع الوالدين ‪ .. " :‬وقل هلما قوال كرميا ‪"..‬‬
‫وجند يف سرية الرسول ‪ ‬القدوة املثلى يف هذا التعامل مع أفراد البيت ‪ ،‬لنأخ مثال واحداً ‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫قصة الصحايب اجلليل أنس بن مالك رضي اهلل عنه ‪ -‬خادم رسول اهلل ‪ - ‬يقول ‪ :‬خدمة رسول‬
‫اهلل ‪ ‬عشر سنني مل يقل يل لشئ فعلته مل فعلته ! وال لشئ مل أفعله مل مل تفعله ‪!..‬‬
‫ولنا أن نتصور كم كان عمر هذا الصحايب اجلليل حني كان خادما لرسول اهلل ‪ ‬؟‬
‫اتوقع أنه مل يتجاوز ‪ 14‬عاما أو حنوها ‪ .. ،‬فإذا كان يف حنو هذا السن أال يكون مظنة للخطأ‬
‫والتقصري ‪ -‬باعتبار صغر سنه ‪ -‬اجلواب ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫ومع ذلك مل يسمع من رسول اهلل ‪ ‬قوالً يقبّح فعالً فعله ‪ ،‬أو يلومه على فعل مل يفعله ‪S...‬‬
‫فأي خلق هذا اخللق ‪ -‬بأيب هو وأمي ‪...  -‬‬
‫وقالت عائشة رضي اهلل عنها ‪ " :‬مل يكن رسول اهلل فاحشاً وال متفحشاً ‪.. S"..‬‬
‫فواجب الزوج إذن أن يعامل زوجته بالقول احلسن اللني الذي ال فحش فيه وال صخب ‪ ...‬وهو‬
‫عامل مهم يف سعادة األسرة واستقرارها ‪.‬‬
‫والقول احلسن ينبغي أن يشمل كل أحوال حياة الزوجني ‪ ،‬يف الغضب والرضا ‪ ،‬يف الفرح واحلزن ‪،‬‬
‫ولذلك كان من دعائه ‪ " : ‬اللهم إين أسألك كلمة االخالص يف الرضا والغضب ‪"..‬‬
‫فاالنسان قد يفرط يف الثناء حني الرضا فيطغى وخيرج عن املألوف ‪ ،‬وقد تعلو قلبه غشاوة حني‬
‫الغضب فيجحف يف حق اآلخرين ‪ ...‬لذلك كانت الوسطية هي جانب اإلجياب يف هذا التعامل ‪.‬‬
‫ولنركز الكالم حول نقطتني مهمتني يف هذا اجلانب ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬معاجلة فضول املرأة ‪.‬‬
‫املرأة يف طبعها حتب الفضول ‪ -‬اال من رحم ربك وقليل ما هم ‪ -‬حتب أن تعرف عن كل شئ يفعله‬
‫زوجها ‪..‬‬
‫أين تذهب ؟‬
‫ملاذا؟‬
‫ومع من؟‬
‫ومىت تعود ؟‬
‫وماذا لو كان كذا ؟ ‪......‬‬
‫ووابل من األسئلة والتحقيقات ‪ ،‬وهذا أمر طبعي من الزوجة ‪ -‬خصوصاً تلك اليت تشعر بانطوائية‬
‫زوجها ‪. -‬‬
‫املقصود ‪:‬ما هو جانب اإلجياب وجانب السلب يف التعامل مع معاجلة هذا الفضول ؟‬

‫‪535‬‬
‫أما جانب اإلجياب ‪ :‬فهو معاجلة هذا الفضول بالقول احلسن ‪ ،‬واملداراة ‪ ،‬حىت ولو اضطر األمر‬
‫للكذب ‪ -‬وذلك يف أضيق نطاق ‪ -‬وهذا من الكذب الذي أباحه الشرع لإلنسان ‪،‬وذلك من أجل‬
‫مصلحة استمرار احلياة الزوجية وعدم تفككها ‪..‬‬
‫أما جانب السلب فيها ‪ :‬هو جماهبة الزوجة بالتحجيم ‪ ،‬والكبت وإغالق منافذ احلوار مما يولد الشك‬
‫‪ ،‬والريبة فتتكاثر املشاكل ‪،‬واخلصومات‪ S‬بني الزوجني ‪.‬‬
‫فليس من القول احلسن ‪ ..‬السكوت عن تقصري الزوجة يف فرائضها وواجباهتا ‪..‬‬
‫كما أنه ليس من القول احلسن مدح الزوجة والثناء عليه بوجه يستحيل عليها نقص أو خطأ ‪..‬‬
‫وليس من القول احلسن مقابلة النكران بالنكران ‪..‬‬
‫وليس من احلسن أن يدلل الولد فال يعاتب أو يالم على جريرته وذنبه ‪..‬‬
‫وإن من القول احلسن ‪:‬‬
‫‪ -‬إعالم الزوجة باحلب ‪.‬‬
‫‪ -‬الصرب على شكايتها ‪ ،‬ونكراهنا وكفراهنا ‪.‬‬
‫‪ -‬الدعاء هلا وإشعارها بذلك ‪.‬‬
‫‪ -‬توجيه األبناء باألسلوب السليم من غري تنفري ‪.‬‬
‫وإين هنا أطلب من اإلخوة ‪ ،‬حصر بعض املواقف النبوية يف تعامل الرسول ‪ ‬مع زوجاته يف هذا‬
‫اجلانب ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬السرية ‪.‬‬
‫الزوج الداعية إىل اهلل حباجة إىل أن يكون عنده شئ من السرية يف بعض ما يتعلق خبططه وبراجمه ‪ ،‬بل‬
‫حىت يف أموره اخلاصة ‪ ،‬ففي األثر ( استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان ) ‪..‬‬
‫وجانب التعامل اإلجيايب هنا ‪ :‬يكون باحلرص على قدر من السرية وعدم كشف األوراق ‪ -‬فإن من‬
‫طبيعة بعضالنساء إن مليكن جلّهم نقل الكالم هنا وهناك ‪ -..‬ويكون هذا احلرص حبيث ال يولّد ريبة‬
‫أو شكاً عند الزوجةأو يولّد عند املرأة فضوالً ‪..‬‬
‫ورى بغريها ‪.‬‬‫وقد كان من هديه ‪ ‬إذا أراد غزوة ّ‬
‫وجنده يوم اهلجرة حريصاً على ذلك يوم طلب من أيب بكر رضي اهلل عنه أن خُي رج من عنده ‪...‬‬
‫وذلك مشهور معروف ‪.‬‬
‫أما جانب السلب فإنك جتد من الناس من ال يكاد يرتك شاردة وال واردة اال وقد ختفف منها وبددها‬
‫‪ ،‬فهو كما يقال يف املثل العامي ( ما يتبلى على فم حبة فول ) ‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬
‫وهذا من اخلطورة مبكان ‪ .‬واللبيب باإلشارة يفهم ‪..‬‬

‫‪536‬‬
‫حادثة ‪ :‬يذكر أن رجالً اتفق مع زوجته على شفرة معينة ‪ ،‬حبيث أنه إن شفر هلا هبا تقوم بعمل معني‬
‫‪.‬‬
‫املهم أن الرجل قبض عليه ‪ ..‬فطلب منهم أن يتصل بأهله ليطمئنهم بوصوله ‪ ،‬فاتصل عليهم وأشار‬
‫هلم مبا اتفقوا عليه ‪،‬وفعالً فعلت زوجته ما أراد ‪ ..‬وحضر اجلنود بيته فلم جيدوا شيئاً إذ أن الزوجة‬
‫قد قامت بالدور على وجه حسن ‪ ،‬لكن ما الذي حصل ؟؟‬
‫الذي حصل أن الرجل أوقف يف السجن ومعه أحد الناس ‪ ،‬فانفرط يفتخر أمام السجني الذي معه‬
‫بأنه قد اتفق وزوجته على كيت وكيت ‪ ..‬فوصل أمره ووقع يف الشراك ‪ - ..‬واهلل يعينه ‪-‬‬
‫فهذا مثل يوضح أمهية السرية والكتمان إذا أراد اإلنسان أن يقضي أمراً يف أي شأن من شئون حياته‬
‫‪..‬‬
‫واحلقل الدعوي والرتبوي مليئ بالتجارب واألحداث ‪.‬‬
‫املقصود أن أعظم عوامل بقاء العشرة ودوامها القول احلسن بني الزوجني ‪ ،‬وهذا التعامل له جوانب‬
‫مشرقة إجيابية ‪ ،‬وفيه جوانب سلب قد يقع فيها بعض األزواج ‪.‬‬
‫وهنا ينبغي أن نعلم أن القول احلسن يف احلياة الزوجية يتعدى إىل األبناء ‪..‬‬
‫العامل الثاين ‪ :‬العشرة ‪.‬‬
‫قال اهلل جل وعز ‪ " :‬وعاشروهن باملعروف " باملعروف ‪ :‬أي مبا عُرف حسنه يف الشرع ‪.‬‬
‫وهنا باختصار نشري إىل جوانب حسن العشرة بني الزوجني ‪:‬‬
‫يعود‬
‫‪ -‬تربية األبناء على احرتام الوالدين ‪ ،‬باحرتام كل طرف لآلخر ‪ ،‬فليس من حسن العشرة أن ّ‬
‫األب ابنائه على هوان أمهم ‪ ،‬فإن قال األب ‪ :‬ال ينبغي على األم مراعاة هذا التوجيه ألبنائه فال تقول‬
‫هلم ‪ :‬نعم ‪ ،‬وإن قالت الزوجة ‪ :‬نعم فعلى الزوج أن يراعي هذا اجلانب فال يقل ‪ :‬ال ‪ S...‬ليكسب‬
‫جولة أما أبنائه ضد أمهم ‪.‬‬
‫‪ -‬ذكر الزوجة باخلري أمام الغري ‪ ،‬وخصوصاً أمام أهلها ‪ ،‬فما أحسن أن يقول الزوج خماطباً والد‬
‫زوجته ‪ :‬ما أحسن تربيتكما ‪ ،‬فقد وجتها عطوفاً حنوناً هينة لينة ً طائعة ‪ّ ، ...‬أما ذكر الزوجة أمام‬
‫األصحاب فإن كثرياً من األزواج يتحرج أن يذكر زوجته خبري أمام أصحابه ‪.‬‬
‫وأقول ‪ :‬إن األمر خيضع حبسب احلال ‪ ،‬فإن حصل حال يستلزم ذكر الزوجة خبري فال حرج ‪..‬‬
‫سئل الرسول ‪ ‬يوماً ‪ :‬من أحب الناس إليك ؟‬
‫قال ‪ :‬عائشة ‪.‬‬
‫فذكر الزوجة أمام الغري باخلري من حسن العشرة واملعاشرة ‪ ،‬وال يعين ذلك أن ينفرط األمر فيذكر‬
‫الزوج ما حيصل بينه وبني زوجه يف بيته فيقع يف النهي واحملذور ‪.‬‬
‫‪ -‬أخذ مشورة الزوجة‬

‫‪537‬‬
‫فاملشاورة مما يطيب اخلاطر ‪ ،‬ويؤلف بني القلوب ‪ ،‬وقدكان ‪ ‬يأخذ مبشورة زوجاته ‪ ،‬وما حادثة‬
‫يوم احلديبية إال شاهد على ذلك ‪.‬‬
‫والسلب يف جانب املشورة ‪ ..‬أن ال يقضي الرجل أمراً إال بأخذ رأي زوجته فيه ‪ ،‬حىت فيما جتهل‬
‫حاله وووصفه‪ ، S‬تبعية للزوجة وعدم خروج عن آرائها ‪ ،‬وقد جاء يف احلديث ‪ " :‬الولد جمبنة مبخلة‬
‫"‬
‫‪ -‬تلبية طلبات األهل من حسن العشرة ‪ ،‬وليس من حسن العشرة تلبية مجيع طلبات األهل ‪.‬‬
‫العامل الثالث ‪ :‬اإلهداء ‪.‬‬
‫هتادوا حتابوا ‪ S...‬ومنأعظم سهام صيدالقلوب وأسرها اهلدية حال الرخاء والشدة ‪ ،‬عند الفرح وبعد‬
‫اخلصومة ‪.‬‬
‫احللقة السادسة ‪ :‬العامل الرابع ‪ :‬التعليم ‪.‬‬
‫ويف حديث ما معناه ‪ " :‬من عال جاريتني أو أكثر فأدهبما وأحسن تأديبهما كانتا له حجاباً من النار‬
‫"‬
‫وخنن كثريا ما هنمل هذا اجلانب يف بيوتنا ‪ ،‬آباءنا وامهاتنا بعضهم ال جييد قراءة الفاحتة ‪ ،‬وبعضهن ال‬
‫يعرفن أحكام الطهارة املتعلقة بالنساء ‪ ،‬وبعض زوجاتنا ال يعرفن أجبديات يف أمور الدعوة والتعليم‬
‫‪...‬‬
‫وهكذا يبقى املنزل غارقاً باجلهل ‪...‬‬
‫فوا اااا اسفى على نساء الدعاة هم أشقى الناس بأزواجهم ‪ -‬اال من رحم اهلل ‪-‬‬
‫واهلل جل يف عاله أول ما أمر نبيه بالدعوة قال ‪ " :‬وانذر عشريتك األقربني " ويف حديث " إبدأ مبن‬
‫تعول " ويف حديث آخر " كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته " ‪S.....‬‬
‫ونصوص كثرية تبنّي جانب أمهية العناية باالسرة تعليما وتربية وتوجيها ‪.‬‬
‫ويف املقابل من الدعاة من يفرط يف هذا اجلانب ‪ ،‬فيفرتض االنفصام بني الدعوة العامة للناس وبني‬
‫تعليم األهل ودعوهتم ‪ ،‬فيقصر كل جهده مع أهله وبنيه ‪ ..‬ال يشارك أو يقرتح أو يفكر يف دعوة‬
‫اآلخرين حبجة تعليم األهل ودعوهتم وإصالحهم ‪ ،‬وكثري من البطالني اخلاملني يتذرعون مبثل هذه‬
‫الذرائع ‪ ،‬ويف احلقيقة ال جتده هنا وال هناك فيصري كما يقول القائل ( عذر أقبح من ذنب ! ) ‪.‬‬
‫والواجب أن اليغفل الداعية عن تعليم أهله وتوجيههم برتتيب الدروس هلم ‪ ،‬أو إشراكهم يف‬
‫الدورات النسائية ‪ ،‬أو دور التحفيظ ‪ ،‬أو مراكز الدعوة النسائية والعمل على تيسري األمور هلن‬
‫بالتنازل عن بعض احلقوق حىت يتسىن هلن حتصيل العلوم واملشاركة يف الربامج الدعوية املنوعة ‪.‬‬
‫الهم هلا إال الطبخ والغسيل فهذا من تضييع األمانة ‪-‬‬‫أما حبس املرأة وقعودها يف قعر بيتها جاهلة ‪ّ ..‬‬
‫واهلل املستعان ‪! -‬‬

‫‪538‬‬
‫العامل اخلامس ‪ :‬إظهار العبادات يف املنزل ‪.‬‬
‫وهذا من أهم عوامل تربية األسرة ‪ ،‬ومن فنون التعامل مع الزوجة واألبناء ‪ ،‬وقد كان ‪ ‬يقوم الليل‬
‫‪ ،‬ويذكر اهلل ‪ ،‬ويستغفر ويصلي من النوافل ما شاء يف بيته تعليما ألهله ‪ ،‬وهو القائل يف حديث‬
‫صحيح ‪ " :‬صلوا يف بيوتكم ‪ S"..‬أي النوافل ‪ ،‬ويف حديث آخر " ال جتعلوا بيوتكم مقابر ‪ ..‬إن‬
‫الشيطان لينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ‪S"..‬‬
‫فماذا يكون موقف الزوجة حني ترى زوجها قائم يف الليل هلل خاشعا يبكي ويتدبر كالم اهلل !!‬
‫وماذا يكون موقف االبن حني يرى اباه كذلك !!!‬
‫وهناك كثري من العبادات اليت ميكن إظهارها يف املنزل ‪:‬‬
‫‪ -‬النوافل من الصالة ‪.‬‬
‫‪ -‬قيام الليل ‪.‬‬
‫‪ -‬الصيام ‪.‬‬
‫‪ -‬قراءة القرآن ‪.‬‬
‫‪ -‬الذكر ‪.‬‬
‫‪ -‬القيام مبهنة األهل ‪.‬‬
‫‪ -‬الوضوء ‪.‬‬
‫وغريها كثري ‪S...‬‬
‫العامل السادس ‪ :‬رباطة اجلأش ‪.‬‬
‫واملقصود‪ S‬تربية الزوجة واألبناء على هذه الصفة احلميدة ‪ ،‬رباطة اجلأش وعدم انفالت األعصاب‬
‫والتهور ‪.‬‬
‫وسري الصحابيات عليهن رضوان اهلل ورمحته ‪ ،‬تضرب لنا أروع األمثلة يف رباطة اجلأش والتصرب‬
‫واحلكمة من مثل سرية ‪:‬‬
‫‪ -‬نسيبة املازنية ‪.‬‬
‫‪ -‬خدجية رضي اهلل عنها ‪.‬‬
‫‪ -‬اخلنساء ‪.‬‬
‫رضي اهلل عنهن أمجعني ‪.‬‬
‫لكن الذي ينظر إىل واقع غالب نساء اليوم جيد أهنن عن ذلك أبعد ‪ ،‬تقيم الدنيا وال تقعدها من أجل‬
‫( صرصور‪ ) S‬أو قط أو فأر ‪...‬واليكم هاتني احلادثتني املتقابلتني ‪:‬‬
‫األوىل ‪ :‬امرأة تتصل بزوجها وهو يف مقر عمله تطلب منه بعض حاجيات املنزل ‪ ،‬مث فجأة تصرخ‬
‫وخيتفي صوهتا ‪ ،‬فيقلق الزوج فيخرج من عمله مسرعاً بسيارته يسابق الزمن ‪ ،‬معرضاً نفسه للخطر‬

‫‪539‬‬
‫واملوت مث ملا وصل اىل بيته فزعاً تقابله زوجه ليعرف أن سبب صراخها أهنا رأت فأراً كبرياً ‪ ..‬فما‬
‫كان من الزوج اال أن رمى عليها الطالق غضباً وانتقاماً ‪ - ..‬ال حول وال قوة اال باهلل ‪. -‬‬
‫الثانية ‪ :‬هذا رجل هو وزوجته معهم سيارة ( مجس ) وهم يف طريقهم إىل مدينة القصيم ‪ ،‬تشعر‬
‫املرأة باالرهاق والتعب فتطلب من زوجها أن يقف لتنتقل إىل مؤخرة السيارة فتنام ‪ ،‬وكذلك فعل ‪.‬‬
‫وبعد مسافة من الطريق يقف الرجل يف حمطة وقود ( بنزين ) ‪ S...‬وخرج الرجل من السيارة ليدخل‬
‫دورة املياه ‪ ،‬وقامت املرأة هي كذلك ونزلت من السيارة لتدخل دورة املياه ‪ ،‬املهم أن زوجها عاد‬
‫إىل السيارة ومل يتنبه أن زوجته غري موجودة يف السيارة ‪ ،‬فتحرك وانطلق ظناً منه أن زوجته نائمة يف‬
‫مؤخرة السيارة ‪.‬‬
‫خرجت املرأة من دورة املياه فالحظت أن سيارة زوجها غري موجودة ‪ ،‬مل تر أمامها إال العاملني يف‬
‫احملطة فأسقط يف يدها ‪...‬‬
‫ماذا تفعل ؟؟‬
‫هل تصرخ وتستنجد بالعاملني ؟؟ لعلهم يؤذوهنا !!‬
‫فما كان منها إال أن رجعت إىل دورة املياه واقفلت على نفسها باب الدورة ‪ ،‬وبقيت تنتظر خىت‬
‫مسعت أصوات نساء يف اخلارج ففتحت الباب ‪ ،‬وكلمتهن يف أمرها ‪.‬‬
‫فما كان منهن إال أن كلمن ويل أمرهن يف أمرها فأخذوها معهم ليلحقوا بزوجها على الطريق‬
‫فأدركوه ‪.‬‬
‫املقصود أن هاتني احلادثتني تبني لنا أمهية هذا العامل يف استقرار احلياة الزوجية ( رباطة اجلأش ) ترى‬
‫لو هذه املرأة قامت لتستنجد بأولئك العمال هل سيكون أمرها كما آل اليه ؟!! ال أعتقد ‪.‬‬
‫والداعية إىل اهلل حباجة إىل أن يريب أهله على ذلك ‪ ،‬فهو حباجة إىل أن يعلمهن احلكمة يف التعامل مع‬
‫األمور الطارئة املختلفة ‪ ،‬فرب طيش زوجة يودي بزوجها إىل اهلالك ‪ ،‬ورب هتور يف التعامل مع‬
‫احلدث يأيت بأمور ال حتمد عقباها مستقبالً ‪.‬‬
‫احللقة األخرية ‪:‬‬
‫احملور الثاين من املوضوع‪ :‬تربية األبناء ‪.‬‬
‫األبناء هم العمر الثاين لألب ‪ ،‬قال ‪ " : ‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث ‪ .... :‬ولد‬
‫صاحل يدعو له ‪"..‬‬
‫فواجب تربية األبناء من أعظم واجبات الوالد املسلم واألب الغيور على دينه وأمته ‪.‬‬
‫األبناء هم مستقبل الدعوة وأملها ‪.‬‬
‫هم ع ّدة األمة ورجاؤها بعد اهلل ‪.‬‬
‫وها هنا أمرين متقابلني يف واجب الرتبية ال تعارض بينهما – على أن الكثريين يفرتضون التعارض –‬

‫‪540‬‬
‫األول ‪ :‬قول اهلل تعاىل ‪ " :‬إنك ال هتدي من أحببت ولكن اهلل يهدي من يشاء "‬
‫الثاين ‪ :‬قوله ‪ " : ‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ‪"..‬‬
‫يظن كثري من اآلباء افرتاض التعارض بني األمرين ‪ ،‬فيفرط يف تربية ابناءه وأوالده ويقول ‪ " :‬إنك ال‬
‫هتدي من أحببت ‪ "..‬وطائفة أخرى من اآلباء يغالون يف االهتمام باالبن مغاالة تصل به إىل ح ّد‬
‫مهني ويقول ‪ :‬كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "‬
‫والواجب على األب املسلم أن يبذل ما يستطيع من وسع وجهد يف تربية أبنائه مسرتشداً بكتاب اهلل‬
‫وسنة رسوله ‪ ، ‬حريصاً عليهم ‪ ،‬مث إذا مل يكن له ما أراد فال ييأس وليعلم أن اهلداية بيد اهلل ‪،‬‬
‫الكرة بعد الكرة – من دون تضييع للحقوق األخرى ‪ -‬لعل اهلل أن‬ ‫لكن ذلك ال مينع أن حياول ّ‬
‫يكتب له اهلداية ز‬
‫وهنا نعرض إىل طريقة القرآن يف تربية األبناء ‪ ،‬وذلك على ضوء وصايا لقمان البنه يف قول اهلل تعاىل‬
‫‪" :/‬‬
‫وإذ قال لقمان البنه وهو يعظه يا بين ال تشرك باهلل إن الشرك لظام عظيم ‪ .‬ووصينا االنسان بوالديه‬
‫محلته أمه وهنا على وهن وفصاهلل يف عامني أمن اشكر يل ولوالديك إيل املصري ‪ .‬ون جاهداك على‬
‫أن تشرك يب ما ليس لك به علم فال تطعهما وصاحبهما يف الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إيل مث‬
‫إيل مرجعكم فأنبئكم مبا كنتم تعملون ‪ .‬يا بين إنا ان تك مثقال حبة من خردل فتكن يف صخرة أو‬
‫ف ي السماوات أو يف األرض يأت هبا اهلل إن اهلل لطيف خبري ‪ .‬يا بين أقم الصالة وأمر باملعروف‬
‫وانه عن املنكر واصرب على ما أصابك إن ذلك من عزم األمور ‪ .‬وال تصعر خدك للناس وال متش يف‬
‫األرض مرحا إن اهلل ال حيب كل خمتال فخور ‪ .‬واقصد يف مشيك واغضض من صوتك إن أنكر‬
‫األصوات لصوت احلمري "‬
‫لقد حوت هذه اآليات الكرميات وصايا عظيمة ‪ ،‬بنّي فيها القرآن املنهج السوي يف تربية األبناء ‪،‬‬
‫ولنقف يف نقاط حول هذا املنهج القرآين لنستخلص منه الطريقة املثلى يف تربية األبناء ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬ينبغي مراعاة مراحل االبن ( العقلية واجلسدية والتكليفية ) يف التوجيه والرتبية ‪.‬‬
‫نأخذ ذلك من قوله جل وتعاىل ‪ " :‬وهو يعظه ‪ )..‬فإن الوعظ مرحلة سابقة على التعنيف والتأديب ‪،‬‬
‫هو أول ما ينبغي أن يسلكه الوالد يف تربية ابنه وخصوصاً يف مراحل عمره ( االدراكية األوىل )‬
‫فالطفل يف هذه املرحلة ال يعنّف التعنيف الشديد ‪ ،‬وال يضرب أو يقسى عليه يف التوجيه بل يؤخذ‬
‫بالوعظ واللني واملالينة والصرب عليه نظراً ملا هو عليه من خفة العقل وعدم التكليف ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬أول مهام تربية االبن ‪.‬‬
‫أي ما أول ما ينبغي أن يعتين به األب يف تربية ابنه ‪ ،‬ومباذا يبدأ يف تربية ابنه ؟‬
‫على ضوء املنهج القرآين يتبني لنا أن أول مهام الرتبية لألبن تكون يف ‪:‬‬

‫‪541‬‬
‫‪ -‬املهمة األوىل ‪ :‬تربيته على األدب مع اهلل ‪ ،‬وذلك يظهر يف اآليات بشكل واضح يف قوله ( يا بين‬
‫ال تشرك باهلل ‪ ) S)..‬أقم الصالة ‪ ( )..‬إهنا إن تك مثقال حبة من خردل ‪ )..‬وتربية االبن على األدب‬
‫مع اهلل يشمل ع ّدة جوانب يف الرتبية ‪:‬‬
‫‪ – 1‬تعميق صلة الطفل بربه ‪ ،‬وأنه جل وتعاىل هو أهل الثناء والشكر ‪ ،‬وهذا التعميق ميكن أن‬
‫يكون بع ّدة طرق منها ‪:‬‬
‫‪ -‬ايقاظ الفطرة يف نفس الطفل ‪ .‬والطفل يف مبدإ األمر يكون وعيه ضئيال وإدراكه يف أضيق حدود‬
‫‪ ،‬ولكن غري صحيح أنه ال يعي علةى اإلطالق ! فهو يعي النظرة احلانية ‪ ،‬ويرتاح هلا وتطمئن هلا‬
‫نفسه ‪ ،‬كما أنه ينزعج ويبكي من غضب أبيه وأمه ‪..‬‬
‫وقد قال ‪ " : ‬ما من مولود إال ويولد على الفطرة ‪ "..‬والفطرة هي االسالم كما فسرها الصحايب‬
‫اجلليل أبو هريرة رضي اهلل عنه ‪.‬‬
‫وايقاظ الفطرة يكون باستغالل احلدث ‪ ،‬وتعليم الطفل وترعيفه على ربه ‪:‬‬
‫من خلقك ؟ من أعطاك اليد ‪ ،‬امسع ‪ ،‬البصر ‪S...‬‬
‫‪ -‬تعريف الطفل بنعم اهلل عليه ‪ ،‬وخصوصاً تلك النعم اليت حيسها ويشعر أهنا طارئة عليه ‪ ،‬فال يشعر‬
‫بادئ األمر أهنا من اهلل ‪ ،‬فهنا يأيت دور األب يف نسبة النعم إىل اهلل ( األكل ‪ ،‬امللبس ‪ ،‬املسكن ‪،‬‬
‫اجلوارح ‪ ،‬اللعبة اليت يلعب هبا ) حني يرغب الطفل يف لبس جديد أو أكل معني أو لعبة يلعب هبا ال‬
‫يشعر حني تليب له طلبه أهنا نعمة من اهلل وهنا ال بد أن تستغل هذا احلدث فتذكره بنعمة اهلل عليه ‪.‬‬
‫‪ -‬اغرس يف الطفل مراقبة اهلل ‪ .‬ال جتعله خيافك من دون اهلل ‪ ،‬قد ميتنع ابنك عن الكذب لكن ليس‬
‫ألنه يعرف أن الكذب شنيع ‪ ،‬وإمنا ألنه خياف منك أن تضربه أو تؤذيه ‪ ،‬حاول أن تبعث يف نفس‬
‫الولد مراقبة اهلل ‪ :‬ال تكذب ألن اهلل ال حيب الكاذبني ‪ ،‬من قال الصدق فإن اهلل يدخله اجلنة ‪...‬‬
‫هكذا ‪..‬‬
‫‪ -‬حبب إليه العبادة ‪ .‬برتغيبه فيها ‪ ،‬وأداءها خبضور منه ‪ ،‬وهذا مثرة من مثرات اظهار العبادات يف‬
‫املنزل ‪ ،‬علمه كيف يتوضأ فتضأ أمامه ‪ ،‬خذه معك إىل املسجد وحلقات العلم ‪ S....‬وهذا ينتج عنه‬
‫‪ -‬أنه حيافظ على العبادات ( فاجعله حيافظ على العبادة بعد أن حتببه فيها ) ايقظه لصالة الفجر –‬
‫وال تشدد عليه – علّمه أن يتوضأ قبل أن ينام ‪ ،‬علّمه الصيام وشجعه على ذلك ‪.....‬‬
‫‪ -‬ال جتعل املردود املادي هو الذي يفكر فيه الطفل ‪.‬‬
‫خيطئ كثري من اآلباء حني يطلب من ابنه أن يصلي ليعطيه مبلغاً من املال ‪ ،‬أو قل الصدق ولك كذا‬
‫من املال ‪ ،‬أو افعل كذا – من العبادات – ولك كذا ‪ ،‬فإن هذا األسلوب من اخلطورة مبكان يف‬
‫تربية االبن لكن هذا ال مينع أن تكافئه على عبادة ّأداها من غري أن تعده هبا ‪ ،‬بل علّق أمره باهلل ‪..‬‬
‫والدار اآلخرة ‪.‬‬

‫‪542‬‬
‫‪ -‬املهمة الثانية ‪ :‬الرتبية على معاين أركان اإلميان ( اإلميان بالكتب ‪ ،‬والرسل ‪ ،‬واليوم اآلخر ‪)..‬‬
‫‪ -‬ويستخدم اآلسلوب القصصي – مثال ‪ -‬يف الرتبية على ذلك ‪ .‬بعرض سرية الرسول ‪ ‬لتعريفه‬
‫بنبيه ‪ ،‬أو عرض قصص أخرى مهمة يف تربية األطفال ‪.‬‬
‫‪-‬‬
‫‪ -‬املهمة الثالثة ‪ :‬الرتبية مع النفس ‪.‬‬
‫وتأخذ عدة جوانب منها ‪:‬‬
‫‪ -‬علّم ابنك كيف يتحمل املسئولية ‪ ،‬علّمه كيف يأكل بنفسه ‪ ،‬كيف يلبس ثيابه وكيف خيلعها ‪،‬‬
‫كيف يقضي حاجته وكيف يتنزه منها ‪...‬‬
‫‪ -‬علمه على أن حيل مشاكله بنفسه – مع تعميق صلته باهلل – وأن اهلل هو القادر على أن يرفع عنه‬
‫ما هو فيه من البالء أو املشاكل ‪ ،‬وأن اهلل هو الذي قدر عليه ذلك ‪.‬‬
‫كثري من اآلباء حني جيد ابنه – مثالً – وقع يف مشكلة مع أخيه فسرعان ما يتدخل هو يف حل‬
‫املشكلة ‪.‬‬
‫ملاذا ال يعلمه كيف حيل هذه املشكلة مع أخيه باألسلوب النبوي الواضح البني ‪!!.‬‬
‫عود ابنك على حتمل تبعة خطأه ‪.‬‬ ‫‪ّ -‬‬
‫إن كسر زجاجاً اجعله هو الذي يرفعه عن األرض ‪ ،‬إن بلل مكاناً أو وقعت عليه قذارة اجعله هو‬
‫وسخ مكاناً سرعان مما‬‫الذي يزيل ما فعل من خطأ ‪ ،‬كثري من األمهات إن كسر ولدها زجاجا أو ّ‬
‫تسارع إلزالة ما اتلفه االبن ‪ ..‬هنا االبن يتعود على عدم حتمل تبعة اخلطأ فيزيد من هتوره وطيشه ‪،‬‬
‫لكن حني يعلم ويتعود الطفل على أن اخلطأ عليه تبعات قد تكون حمرجة نوعاً ما له فهنا لن يقدم‬
‫على اخلطأ إال بعد أن حيسب له حساب – هذا إن مل ميتنع عنه أصالً _‬
‫‪ -‬انزع منه حب التملك واغرس فيه عدم االعتداء على حقوق اآلخرين ‪.‬‬
‫من املواقف احملرجة للوالدين حني يرون ابنهما الصغري ميتنع عن أن يشرك ولد اجلريان معه يف لعبة ‪،‬‬
‫وأخرج من ذلك حني يعتدي ابنهما على لعبة ولد اجلريان فيأخذها منه‬
‫بعض اآلباء هنا يتصرف بتهور وثورة فيقوم بضرب االبن بكل قسوة ألنه أحرجه أمام اآلخرين ‪،‬‬
‫فهو هنا حقيقة مل يرد تربية ابنه ‪ ،‬وامنا أراد االنتقام لنفسه ‪.‬‬
‫يعود األب ابنه على عدم حب التملك ‪ ،‬وذلك بالقدوة ‪ ،‬واهلدية واجلائزة ‪ ،‬كما ينبغي‬ ‫والواجب أن ّ‬
‫أن يربيه على عدم االعتداء على حقوق اآلخرين ‪ ،‬وأن يتشدد معه يف هذا اجلانب أكثر من تشدده‬
‫على حبه لتملك حقه ‪..‬‬
‫عود ابنك على احلياء ‪.‬‬‫‪ّ -‬‬

‫‪543‬‬
‫ال تغضب حني يدخل ابنك على جمموعة انت فيها مث هو خيجل أن يتكلم بينهم ‪ ،‬فذلك من احلياء‬
‫ه ّذب فيه هذا اجلانب ‪.‬‬
‫علّم ابنك على أن يسرت عورته وأن يستحيي أشد احلياء حني تكشف له عورة ‪.‬‬
‫علّم ابنك على أن ال يتمادى يف املزح مع الكبري ‪.‬‬
‫‪ -‬أزل منه صفة الكذب ‪ ،‬وشجع منه موقف الصدق ‪.‬‬
‫إن فعل ابنك خطأ وجرما مث هو يعرتف لك بذلك فال تعنفه بل شجع منه هذا املوقف الصادق ‪،‬‬
‫خوفه بنار جهنم وععاقبة الكذب إن حاول أن‬ ‫فإنك حني تشجعه على الصدق فإنه لن يكذب ‪ّ ،‬‬
‫يكذب ‪..‬‬
‫‪ -‬أشبع حاجة اإلبن حىت ال يضطر أن يقع يف احملذور ‪.‬‬
‫وفّر له ما تستطيع من رغبات نفسه توفرياً ال يضطر خبلقه وسلوكه ‪ ،‬الن الطفل حني جيد ما يسد‬
‫رغبته فإنه لن ينظر إىل ما عند غريه – وإن كان ذلك أمر طويل الذيل قليل النيل – لكن حاول‬
‫جهدك‬
‫‪ -‬املهمة الرابعة ‪ :‬األدب مع اآلخرين ‪:‬‬
‫‪ -‬مع الوالدين وكيف حيرتمهما ويرب هبما ‪.‬‬
‫‪ -‬مع اخوانه كيف خيرتم الصغري الكبري ويرحم الكبري الصغري ‪.‬‬
‫‪ -‬مع اجلريان كحيف يتأدب يف التعامل معهم ‪.‬‬
‫‪ -‬مع املسلمني عموماً وما هلم من حق احلب والوالء ‪.‬‬
‫‪ -‬مع الكافرين وما يكون معهم من البغض واملعاداة والبعد عن التشبه مب ‪.‬‬
‫‪ -‬مع الشيطان وأنه عدو اإلنسان ‪ .‬ووسائل دفعه وكبته ‪.‬‬
‫‪ -‬مع احليوان وكيف يرفق به فال يؤذيه ‪.‬‬
‫‪ -‬مع أصناف الناس ‪ :‬الفقري ‪ ،‬واملسكني وكيف يعطف عليه ويرمحهم ‪ S...‬اىل غري ذلك‬
‫هذا ما استطعت أن اطرحه ‪ ،‬وال أحسب أين قد وفيت املوضوع حقه ‪ ،‬لكين أحسب أين فتحت‬
‫باباً لكل خملص وغيور ليتموا ما نقص – وهو كثري ‪ -‬أسأ ل اهلل مبنه وكرمه أن يغفر يل زللي‬
‫وخطأي ‪.‬‬
‫واحلمد هلل رب العاملني أوال وآخرا ‪..‬‬
‫مهذب‬
‫منتدى أنا املسلم‬
‫ــــــــ‬
‫تربية القادة ال تربية العبيد‬

‫‪544‬‬
‫سعيد عبد العظيم‬
‫بسم اهلل‪ ،‬واحلمد هلل‪ ،‬والصالة والسالم على رسول اهلل‪ ،‬وعلى آله وصحبه ومن وااله‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫عد البعض ضعف القيادة من أعظم مشاكل املسلمني املعاصرة‪،‬‬ ‫فالقيادة شأهنا عظيم وخطري‪ ،‬حىت َّ‬
‫وقال‪ :‬املسلمون إىل خري‪ ،‬ولكن الضعف يف القيادة‪ ،‬وقال اآلخر‪ :‬القيادة شطر القضية‪ ،‬وشطرها‬
‫اآلخر األمة مبجموع أفرادها‪.‬‬
‫وكان عثمان بن عفان رضي اهلل عنه يقول‪ :‬إن اهلل ليزع بالسلطان ما ال يزع بالقرآن‪.‬‬
‫وحني أنكر اخلوارج ضرورة اخلالفة‪ ،‬قال علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه‪ :‬البد للناس من إمارة برة‬
‫كانت أو فاجرة‪ ،‬فقيل‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬هذه الربة قد عرفناها (وهي ما كانت على منهاج النبوة)‬
‫فما بال الفاجرة؟‪ ،‬فقال‪ :‬تُقام هبا احلدود‪ ،‬وتأمن السبل‪ ،‬وخيشاها العدو‪ ،‬ويُقسم هبا الفيء‪.‬‬
‫وقد مسعنا عن مدارس ختريج القادة‪ ،‬وتكلم آخرون عن صفات القائد الذي ال يقر وال يستقر‪ ،‬وال‬
‫يعرف كلالً وال ملالً‪ ،‬وال يطلب راحة وال هدوءً دون حتقيق اهلدف الذي يصبو إليه‪ ،‬وأن هؤالء قلَّة‬
‫يف العامل‪ ،‬ولو كانوا كثريين ألحدثوا يف كل يوم انقالباً‪ ،‬ويذكرون لنا األمثلة على هؤالء القادة‬
‫كنابليون بونابرت‪ ،‬وهتلر‪ ،‬وجيفارا‪ ،‬وماوتس تونج‪ ،‬وكاسرتو‪S....‬‬
‫وال تكاد تسمع إال أمساءً ليس هلل فيها نصيب‪ ،‬وكثرة ممن كتبوا عن القيادة‪ ،‬إذا ذكروا اسم النيب ‪‬‬
‫‪ ،‬وأدخلوه يف مصاف القادة العظام‪ ،‬فالبد عندهم من تعريته من صفة الوحي والنبوة‪ ،‬ولذلك كان‬
‫البد من مراجعة وتدقيق ومتحيص‪ ،‬فما هو مفهوم‪ S‬القيادة‪ ،‬ومن الذي رباهم‪ ،‬وما هي مناهج‬
‫تربيتهم‪ ،‬فقد ال يصلح ذلك كله لرتبية اجلنود فضالً عن القادة‪.‬‬
‫ت‬‫وامليزان يف هذا وغريه هو هذا املنهج الكامل الشامل لكل ناحية من نواحى احلياة {الَْي ْو َم َأ ْك َم ْل ُ‬
‫ف‬‫اضطَُّر يِف خَمْمص ٍة َغْير متَجانِ ٍ‬
‫َ َ َ ُ َ‬ ‫يت لَ ُك ُم اِإل ْسالَ َم ِدينًا فَ َم ِن ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َعلَْي ُك ْم ن ْع َميِت َو َرض ُ‬
‫ِ‬
‫لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوَأمْتَ ْم ُ‬
‫يف اخْلَبِريُ} [امللك‪،]14 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِإِّل مْثٍ فَِإ َّن اللّه َغ ُف ِ‬
‫يم} [املائدة‪َ{ ،]3 :‬أاَل َي ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َق َو ُه َو اللَّط ُ‬ ‫ور َّرح ٌ‬
‫َ ٌ‬
‫فموازين القيادة احلقَّة حمفوظة يف كتاب اهلل ويف سنة رسول اهلل ‪ ، ‬ال تتعداها لغريها‪ ،‬فاهلل يعلم‬
‫وأنتم ال تعلمون‪.‬‬
‫وما ترك الصادق املصدوق‪-‬صلوات اهلل وسالمه عليه‪-‬خرياً يُقرب األمة من رهبا إال ودهَّل ا عليه‪ ،‬ومل‬
‫يرتك شراً يُباعد األمة عن اهلل‪-‬عز وجل‪ -‬إال حذرها منه‪ ،‬وهناها عنه وأمرها باجتنابه‪ ،‬وإذا ورد‬
‫معقل‪ ،‬فهل من يعقل‪.‬‬ ‫شرع اهلل بطل هنر ٍ‬
‫صريُ} [البقرة‪ ،]285 :‬نريد قيادة‬ ‫ك الْم ِ‬ ‫ِإ‬
‫ك َربَّنَا َو لَْي َ َ‬ ‫وما علينا إال أن نقول‪{ :‬مَسِ ْعنَا َوَأطَ ْعنَا غُ ْفَرانَ َ‬
‫ترضى رهبا‪ ،‬وتضع اإلسالم نُصب عينها‪ ،‬تأتلف حوهلا القلوب‪ ،‬وتتحقق على يديها للبالد والعباد‬

‫‪545‬‬
‫ين َه َدى‬ ‫خريات الدنيا ونعيم اآلخرة‪ ،‬وهذا ال يتحقق إال مبتابعة منهج األنبياء واملرسلني {ُأولَِئ َّ ِ‬
‫ك الذ َ‬
‫ْ َ‬
‫اللّهُ فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَ ِد ْه} [األنعام‪.]90 :‬‬
‫أما أن يلعن القادة األتباع‪ ،‬واألتباع القادة‪ ،‬ويسفك بعضهم دماء بعض‪ ،‬فال خري فيهم‪ ،‬وباطن‬
‫األرض خري هلم من ظاهرها‪.‬‬
‫بعث ربنا ‪-‬جل وعال‪ -‬للبشر رسالً‪ ،‬كانوا هم القدوة والقادة‪:‬‬
‫ظل يدعوها ألف سنة إال مخسني عاماً‪ ،‬قال‬ ‫انظر يف قصة نيب اهلل نوح عليه السالم واجه أمة كافرة‪َّ ،‬‬
‫هلم‪ :‬اعبدوا اهلل ما لكم من إله غريه‪ ،‬وىف هذا خريهم وسعادهتم يف العاجل واآلجل‪ ،‬فكانوا يؤذونه‬
‫حىت يُغمى عليه‪ ،‬فإذا أفاق دعاهم إىل اهلل وحده‪ ،‬مل تضعف عزميته‪ ،‬بل واصل الليل بالنهار‪ ،‬ودعاهم‬
‫سراً وعالنية‪ ،‬وىف النهاية ما آمن معه إال قليل‪ ،‬والقادة احلقيقيون ال يُعرفون بكثرة األتباع وال‬
‫بقلتهم‪ ،‬ولكن مبقدار قرهبم للحق‪ ،‬وانشغاهلم مبعايل األمور وأشرافها‪ ،‬وهكذا كان نيب اهلل نوح‪،‬‬
‫فمهمته هي أعظم مهمة‪ ،‬وعزميته تضعف أمامها اجلبال‪.‬‬

‫ك ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫ِإ ِإ ِ‬


‫يم َكا َن َُّأمةً قَانِتًا للّ ِه َحنِي ًفا َومَلْ يَ ُ‬
‫وقد كان نيب اهلل إبراهيم عليه السالم أمة وحده { َّن ْبَراه َ‬
‫اط ُّم ْستَ ِقي ٍم} [النحل‪ ،]121 ،120 :‬تعرف ذلك‬ ‫الْم ْش ِركِني‪َ ،‬شاكِرا َأِّلْنع ِم ِه اجتَباه وه َداه ِإىَل ِصر ٍ‬
‫َ‬ ‫ً ُ َُْ ََ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫من دعوته ألبيه ومواجهته لقومه‪ ،‬ومناظرته للنمروذ‪ ،‬وتسلميه ألمر اهلل‪ ،‬وإقامته لدين اهلل‪.‬‬
‫وانظر إىل دعوة نيب اهلل موسى عليه السالم‪ ،‬لقد واجه فرعون واملأل‪ ،‬وصرب على دعوة بين إسرائيل‬
‫جتمعت فيه معاين القيادة‪ :‬القوة واألمانة‪ ،‬ولذلك‬ ‫وتعبيدهم هلل ‪-‬جل وعال‪ ،-‬ارحتل إىل مدين‪ ،‬وقد َّ‬
‫ني} [القصص‪،]26 :‬‬ ‫ت استَْأ ِجره ِإ َّن خير م ِن استَْأجرت الْ َق ِو ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ي اَأْلم ُ‬ ‫قالت ابنة شعيب ألبيها‪{ :‬يَا َأبَ ْ ْ ُ َ ْ َ َ ْ َ ْ َ‬
‫ضى} [طه‪.]84 :‬‬ ‫وكان لسان حاهلا ينطق قبل مقاله‪{ :‬وع ِج ْلت ِإلَيك ر ِّ ِ‬
‫ب لَتْر َ‬ ‫ََ ُ ْ َ َ‬
‫ونبينا هو سيد القادات‪ ،‬وقائد السادات‪ ،‬دعوته وسريته وأخالقه‪ S...‬هي األسوة والقدوة لرتبية القادة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وقيادة الدنيا {لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ لِّ َمن َكا َن َي ْر ُجو اللَّهَ َوالَْي ْو َم اآْل خَر َوذَ َكَر اللَّهَ‬
‫َكثِ ًريا} [األحزاب‪ ،]21 :‬فقد خرج النيب ‪ ‬علماءً ورجاالً وقادةً ال كالقادة‪ ،‬هلم أوفر احلظ‬
‫والنصيب‪ِ ،‬من واقعه الذي نطق‪" :‬واهلل لو جعلوا الشمس يف مييين والقمر يف يساري‪ ،‬على أن أترك‬
‫هذا األمر ما تركته حىت يُظهره اهلل أوأهلك دونه"‪ S،‬استعلوا على الدنيا وحطامها الفاين‪ ،‬فكانوا سادة‬
‫وقادة‪.‬‬
‫حي‪ ،‬قاتل املرتدين وقال‪ :‬واهلل لو جرت الكالب بأرجل‬ ‫يقول أبو بكر الصديق‪ :‬أينقص اإلسالم وأنا ّ‬
‫أمهات املؤمنني ما حللت لواءً عقده رسول اهلل ‪ ، ‬وما صحب األنبياء مثله رضي اهلل عنه‪ ،‬يقول‬
‫عنه عمر‪" :‬رحم اهلل أبا بكر‪ ،‬كان أعرف مىن بالرجال"‪.‬‬

‫‪546‬‬
‫وتوىل عمر الفاروق اخلالفة من بعده‪ ،‬وهو القوي يف دين اهلل‪ ،‬سار بالعدل يف الرعية‪ ،‬وكان حمدثاً‪،‬‬
‫وافق الوحي يف أكثر من موضع‪ ،‬وكان يتخوف أن تتعثر شاة بوادي الفرات فيُسأل عنها يوم القيامة‬
‫ملاذا مل ميهد هلا الطريق‪ ،‬قال يوماً‪ :‬أرأيتم إن استعملت عليكم خري من أعلم‪ ،‬مث أمرته بالعدل‪,‬‬
‫علي؟ قالوا‪ :‬نعم‪،‬قال‪ :‬ال‪ ،‬حىت أنظر يف عمله‪ ،‬أقام مبا أمرته أم ال‪.‬‬
‫أقضيت ما َّ‬
‫ُ‬
‫وسرية خالد بن الوليد يف قيادة اجليوش وفتوحاته معلومة لدى العدو قبل الصديق‪ ،‬توىَّل يوم مؤتة بعد‬
‫موت القادة الثالثة من غري إمرة ففتح اهلل عليه‪ ،‬وعزله عمر رضي اهلل عنه عن القيادة فقاتل جندياً‪،‬‬
‫وفتح قنسرين هو وثلة من أصحابه‪ ،‬وكان قادة الروم يسمعون مبجيء خالد فيفرون من املعركة‪.‬‬
‫ومن تتبع سيجد الكثري من صور القيادة الفذة‪ ،‬حيكون عن هارون الرشيد أنه بعث إىل نقفور ملك‬
‫الروم يقول له‪" :‬أما بعد‪ ،‬فمن هارون الرشيد أمري املؤمنني إىل نقفور كلب الروم‪ ،‬فإن األمر ما ترى‬
‫ال ما تسمع"‪ ،‬وكان هارون الرشيد حيج عاماً‪ ،‬ويغزو عاماً‪ ،‬وخياطب السحاب‪ ،‬ويقول‪" :‬سريى‬
‫أينما شئت أن تسريي فسيأتيين خراجك"‪.‬‬
‫وكان صالح الدين األيويب كالواهلة الثكلى‪ ،‬فقدت وحيدها‪ ،‬يتململ يف فراشه ويتقلب فيه‪ ،‬وال جيد‬
‫علي بيت‬‫النوم سبيالً إىل جفنيه‪ ،‬يقول لوزيره ابن شداد‪":‬أما‪ S‬أسر لك حديثاً‪ ،‬إين أمتىن إن فتح اهلل َّ‬
‫املقدس أن أركب البحر أقاتل يف سبيل اهلل كل من كفر باهلل حىت يظهرين اهلل أو أموت"‪S.‬‬
‫حنن حباجة إلعادة صياغة‪ ،‬وأن نرتىب تربية إميانية تصل الدنيا باآلخرة‪ ،‬واألرض بالسماء‪ ،‬تربية القادة‬
‫ال تربية العبيد‪ ،‬تربية يُشارك فيها الرجال والنساء‪ ،‬والكبار والصغار‪ ،‬وما فاتنا وضعف فينا‪ ،‬حناول‬
‫تداركه يف أبنائنا‪ ،‬فنحن ال ندري من الذي سيفتح على يديه بيت املقدس‪ ،‬ومن الذي سيقود الدنيا‬
‫بدين رهبا‪.‬‬
‫دخل رجل على هند بنت عتبة‪ ،‬وهي حتمل معاوية‪ ،‬فقال هلا‪" :‬إن عاش معاوية ساد قومه"‪ S،‬قالت‪:‬‬
‫"ثكلته إن مل يَ ُسد قومه"‪ S،‬وكان معاوية رضي اهلل عنه إذا نوزع الفخر يقول‪" :‬أنا ابن هند"‪.‬‬
‫وكان علي رضي اهلل عنه يقول‪" :‬أنا الذي مستين أمي حيدرة" (واحليدرة من أمساء األسد)‪.‬‬
‫تأست بالصحابيات‬ ‫ويقولون‪ :‬وراء كل رجل عظيم امرأة‪ ،‬واملرأة هلا دور كبري يف ختريج القادة إذا َّ‬
‫الفضليات‪ ،‬أما إذا أصبحت مهتها يف الرقص والغناء‪ ،‬ومتابعة املوضات‪ ،‬وارتياد شواطئ البحر‪ ،‬ودور‬
‫السينما واملسرح أضاعت نفسها وأضاعت األمة من حوهلا‪ ،‬وخلفت أشباه الرجال وال رجال‪،‬‬
‫شباب قنع‪ ،‬ال خري فيهم‪ ،‬وبورك يف الشباب الطاحمني‪.‬‬
‫والفارق كبري بني تربية السادة وتربية العبيد‪ ،‬لقد ُوجدت أجيال تربَّت على مسوم الفرعونية والبابلية‬
‫والوطنية والقومية واالشرتاكية والدميقراطية‪ ،‬ومل تعرف شيئاً عن دينها‪ ،‬فهل يُقال عن هؤالء قادة‬
‫املستقبل وجنود معركة املصري؟!‪.‬‬

‫‪547‬‬
‫إن الواحد من هؤالء قد ال يصلح ألن يقود نفسه أو بيته فكيف يُطلق عليه وصف القائد والزعيم‪،‬‬
‫وفاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬فالقيادة ليست تسلطاً وال قهراً وال جربوتاً‪ ،‬ولكنها أمانة وكفاءة بصرية‬
‫باألمور وعلو مهة‪ ،‬صرب وثبات وثقة بنصر اهلل‪ ،‬وطمأنينة إىل تأييده‪ ،‬حنرص على توافر الشروط‬
‫الشرعية فيمن يقود‪ ،‬فاخلليفة واحلاكم ينبغي أن يكون ذكراً حراً عاقالً عدالً جمتهداً يف دين اهلل‪ ،‬على‬
‫معرفة بأمر احلرب‪ ،‬وتدبري اجليوش‪ ،‬وسد الثغور‪ ،‬ومحاية بيضة املسلمي‪،‬ن ال تأخذه رقة يف إقامة‬
‫احلدود الشرعية‪...‬‬
‫فاخلالفة موضوعة إلقامة الدين وسياسة الدنيا به‪ ،‬والوالية واإلمارة تكون لألمثل فاألمثل‪ ،‬والبد فيها‬
‫من القوة واألمانة‪ ،‬وال جيوز الرتأس باجلهالة‪ ،‬ولذلك قالوا‪ :‬تفقهوا قبل أن ترأسوا‪ ،‬وقالوا‪ :‬تفقهوا قبل‬
‫أن تسودوا‪ ،‬أي قبل أن تصبحوا سادة وقادة‪ ،‬أما االكتفاء مبعرفة الربوتوكول يف تناول الطعام‬
‫والشراب واملشي‪ ،‬وقراءة كتاب األمري مليكافيللي‪ ،‬فهذه األمور ال تصلح لرتبية اجلنود فضالً عن‬
‫ختريج القادة‪.‬‬
‫أن القيادة من قبل ومن بعد فضل من اهلل‬ ‫ومع حرصنا على األخذ باألسباب الشرعية البد وأن تعلم َّ‬
‫يؤتيه من يشاء‪ ،‬فاملؤهالت والقدرة وتذليل الصعاب وحمبة الرعية لقائدها وانقيادها له‪ ،‬كل ذلك‬
‫حمض فضل وتوفيق من اهلل‪ ،‬وهذه األمة قد أنيط هبا إقامة احلق وقيادة البشرية بأسرها { ُكنتُ ْم َخْيَر َُّأمةٍ‬
‫ِ‬ ‫َّاس} [آل عمران‪{ ،]110 :‬وع َد اللَّه الَّ ِذين آمنُوا ِمن ُكم وع ِملُوا َّ حِل ِ‬ ‫ت لِلن ِ‬
‫َّهم‬ ‫الصا َات لَيَ ْستَ ْخل َفن ُ‬ ‫ْ ََ‬ ‫ََ ُ َ َ‬ ‫ُأخ ِر َج ْ‬
‫ْ‬
‫َّهم ِّمن َب ْع ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ض َكما استخلَف الَّ ِذ ِ ِ‬
‫ين من َقْبل ِه ْم َولَيُ َم ِّكنَ َّن هَلُ ْم د َين ُه ُم الَّذي ْارتَ َ‬
‫ضى هَلُ ْم َولَيُبَ ِّدلَن ُ‬ ‫اَأْلر ِ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫يِف ْ‬
‫َخ ْوفِ ِه ْم َْأمنًا َي ْعبُ ُدونَيِن اَل يُ ْش ِر ُكو َن يِب َشْيًئا} [النور‪.]55 :‬‬
‫فإذا كنا قد أصبحنا غثاءً كغثاء السيل‪ ،‬فهذا ال مينعنا من النهوض واألخذ باألسباب لوراثة األرض‬
‫باحلق والعد‪ ،‬وإقامة خالفة على منهاج النبوة‪ ،‬وهذا يتطلب منَّا إجياد املسلم مبفهومه‪ S‬احلقيقي‪ ،‬حبيث‬
‫تتوافر فيه الصبغة اإلهلية والثبات على احلق‪ ،‬ومعاين العزة واجملاهدة والبصرية واألوبة إىل اهلل وإدراك‬
‫الغاية من احلياة‪ ،‬وغري ذلك من املعاين اليت تؤهل املسلم ألن يناطح السحاب‪ ،‬هتتز اجلبال وال هتتز‬
‫معاين اليقني يف نفسه‪ ،‬يصنع كما صنع ربعي بن عامر عندما دخل على رستم قائد الفرس فسأله‪ :‬من‬
‫بعثكم؟‪ ،‬فأجابه ربعي‪" :‬ابتعثنا اهلل لنُخرج من شاء من عبادة العباد إىل عبادة رب العباد‪ ،‬ومن ضيق‬
‫الدنيا إىل سعة الدنيا واآلخرة‪ ،‬ومن جور األديان إىل عدل اإلسالم"‪.‬‬
‫ولو استقامت املوازين لعلمنا أن القيادة حبق كانت لربعي املغمور ال لرستم املشهور‪ ،‬فالقائد جيب أن‬
‫خُي لص عمله هلل ويتواضع جلنابه سبحانه‪.‬‬
‫والتنازع على القيادة يُفسد النوايا‪ ،‬وتضيع به البالد والعباد‪ ،‬فاملركب تستقر يف قعر احمليط إذا بويع‬
‫خلليفتني‪ ،‬وحسبك أن تطيع قائدك يف غري معصية اهلل‪ ،‬حىت وإن كنت أهالً للقيادة واإلمارة‪ ،‬فمن‬

‫‪548‬‬
‫اجلائز إمامة املفضول للفاضل‪ ،‬واخلالف شر كله‪ ،‬وال تُبايل إذا وضعوك يف املؤخرة‪ ،‬أو خفي حالك‬
‫على اخللق‪ ،‬فأنت ممن يتعامل مع اهلل‪.‬‬
‫قيل عن عمر بن عبد العزيز‪-‬رمحه اهلل‪ :-‬إمنا أدخله يف العبادة ما رأى من ابنه عبد امللك‪ ،‬وكان من‬
‫الصالة والقوة يف دين اهلل مبكان‪.‬‬
‫والدال على اخلري كفاعله‪ ،‬ومن نفس املنطلق قد جتد خمايل النجابة وعالمات القيادة املبكرة يف ولدك‬
‫أو يف غريه‪ ،‬فتعاهده‪ ،‬كقوله للصبيان‪ :‬من يكون معي؟‪ ،‬وتعالوا‪:‬أكن أمريكم‪ ،‬ومن ذلك ما حكاه‬
‫نضراً اهلاليل قال‪:‬كنت يف جملس سفيان بن عيينة‪ ،‬فنظروا إىل صىب دخل املسجد‪ ،‬فتهاونوا به لصغر‬
‫ك ُكنتُم ِّمن َقْب ُل فَ َم َّن اللّهُ َعلَْي ُك ْم} [النساء‪ ،]94 :‬مث قال‪ :‬يا نضر لو رأيتين‬ ‫ِ‬
‫سنه فقال سفيان‪َ { :‬ك َذل َ‬
‫ويل عشر سنني‪ ،‬طويل مخسة أشبار‪ ،‬ووجهي كالدينار‪ ،‬وأنا كشعلة من نار‪ ،‬ثيايب صغار‪ ،‬وأكمامي‬
‫قصار‪ ،‬وذيلي مبقدار‪ ،‬ونعلي كآذان الفار‪ ،‬وأنا أختلف إىل علماء األمصار‪ ،‬مثل الزهرى وعمرو بن‬
‫دخلت‬
‫ُ‬ ‫دينار‪ ،‬أجلس بينهم كاملسمار‪ ،‬حمربيت كاجلوزة‪ ،‬ومقلميت كاملوزة‪ ،‬وقلمي كاللوزة‪ ،‬فإذا‬
‫اجمللس‪ ،‬قالوا‪ :‬أوسعوا للشيخ الصغري‪ ،‬أوسعوا للشيخ الصغري‪.‬‬
‫ت َوِإلَْي ِه‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫{و َما َت ْوفيقي ِإالَّ بِاللّه َعلَْيه َت َو َّك ْل ُ‬
‫وعلى كل حال فمن وجد توفيقاً وتسديداً فاهلل يوفقه َ‬
‫يب} [هود‪ ،]88 :‬وعليه أن يزداد طاعة وعبودية هلل‪ ،‬ويؤدي شكر النعمة اليت امنت هبا سبحانه‬ ‫ِ‬
‫ُأن ُ‬
‫يدنَّ ُك ْم َولَِئن َك َف ْرمُتْ ِإ َّن َع َذايِب لَ َش ِدي ٌد} [إبراهيم‪]7 :‬‬
‫{وِإ ْذ تََأذَّ َن َربُّ ُك ْم لَِئن َش َك ْرمُتْ َأل ِز َ‬
‫عليه َ‬
‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‬
‫كتبه‬
‫سعيد عبد العظيم‬
‫غفر اهلل له ولوالديه وجلميع املسلمني‬
‫إعداد وتنسيق‪:‬‬
‫براحة الدورات الشرعية والبحوث العلمية‬
‫مبنتدى الرباحة‬
‫بالتعاون مع موقع صيد الفوائد‬
‫ــــــــ‬

‫‪549‬‬
‫دور المنزل في تربية الطفل المسلم‬
‫أم عمر التوجيري‬
‫إننا وحنن بصدد البحث يف هذا املوضوع ال بد لنا من احلديث عن األساس والنواة األوىل املسؤولة‬
‫عن ذلك الطفل ‪ ،‬أال وهي األسرة وتكوينها ‪ .‬إن من أراد بناء أسرة إسالمية ينشأ عنها جيل صاحل‬
‫عليه أن يُعين قبل ذلك باختيار الزوجة ذات الدين واخللق الكرمي واملنبت احلسن حىت تسري إىل ذلك‬
‫اجليل عناصر اخلري وصفات الكمال‪ ،‬قال ‪ -‬عليه الصالة والسالم‪" : -‬تنكح املرأة ألربع ملاهلا ‪،‬‬
‫وحلسبها ‪ ،‬وجلماهلا ‪ ،‬ولدينها ‪ ،‬فاظفر بذات الدين‪ ،‬تربت يداك" متفق عليه ‪ .‬لذلك فعلى الرجل أن‬
‫ال يكون مهه االقرتان بامرأة ذات مجال‪ ،‬درن مباالة بدينها وأخالقها‪ ،‬فإن ذلك منغص للحياة هادم‬
‫هلا‪ ،‬مسبب للفراق ‪.‬‬
‫وباملقابل فإن الشريعة الغراء عندما دعت الرجل الختيار الزوجة الصاحلة فإهنا حثت اآلباء على حسن‬
‫اختيار الرجل الكفء لبناهتم صاحب الدين واخللق القومي القادر على محل األمانة وصيانة املرأة ‪.‬‬
‫لذلك فإن حسن اختيار األم واألب ينشأ عنه صالح ذلك اجليل الناشئ عن تلك األسرة ‪ ،‬فكل‬
‫مولود يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه ‪ ،‬كما ورد يف احلديث ‪.‬‬
‫* مرحلة الطفولة مرحلة إعداد وتدريب وتربية ومن أجل ذلك حثت الشريعة الغراء على أمور منها ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعليم األطفال كل ما يعود عليهم بالنفع يف الدين والدنيا وتلقينهم الشهادتني ‪.‬‬
‫‪ -2‬غرس حمبة اهلل ورسوله وصحابته يف قلب الطفل ‪.‬‬
‫‪ -3‬حتفيظ القرآن سورة سورة وما تيسر من احلديث ‪.‬‬
‫‪ -4‬أمره بالصالة عند بلوغه سبع سنني ‪.‬‬
‫‪ -5‬تعليمه الطهارة والوضوء ‪ ،‬وتعويده على الصدق واألمانة والرب والصلة ‪.‬‬
‫‪ -6‬إبعاده عن جمالس السوء واللهو واملنكرات ‪.‬‬
‫‪ -7‬تعليمه األدب احلسن (ما حنل والد ولده خري من أدب حسن ) ‪.‬‬
‫‪ -8‬جتنيبه اخلمر واملسكرات وما يفسد الدين والبدن واألخالق ‪.‬‬
‫‪ -9‬تدريبه على الشجاعة واإلقدام واالخالص يف العمل ‪.‬‬
‫‪ -10‬تدريسه حياة العظماء والصاحلني واألبرار ليقتدي هبم ‪.‬‬
‫* أخطاء نرتكبها يف معاملة األطفال ‪:‬‬
‫‪ -1‬سوء فهم نية الطفل ‪ ،‬وجتاهل عواطفه ‪ ،‬فكثرياً ما نقسو عليه ونعاقبه بالضرب واالزدراء‬
‫والتحقري ‪ .‬كما أنه ليس كل خمالفة للوالدين يرتكبها الطفل عنوان الشقاوة ‪ ،‬بل هي على األغلب‬
‫عنوان نشاط وحيوية ‪ ،‬ومظهر لنمو الشخصية لديه ‪.‬‬
‫‪ -2‬من األخطاء ختويفه بالغول والعفاريت ليهدأ أو لينام ‪.‬‬

‫‪550‬‬
‫‪ -3‬االختالط بني اجلنسني ‪ ،‬والتساهل يف مشاهدة التمثيليات ‪ ،‬وأفالم القتل واجلرمية ‪ ،‬واالحنراف ‪،‬‬
‫وتصفح اجملالت اخلليعة ‪.‬‬
‫* بعض األمور النافعة يف تربية الطفل ‪:‬‬
‫‪ -1‬القدوة احلسنة ‪ :‬وذلك ألن الطفل يقلد من حوله ال سيما األم واألب واألقارب ‪ ،‬لذا ال بد من‬
‫إجياد القدوة احلسنة امللتزمة باخللق الرفيع واأللفاظ الطيبة ‪.‬‬
‫‪ -2‬الرفق ‪ :‬معاملة الطفل ال بد هلا من عطف ورمحة به كما قال ‪-‬عليه الصالة والسالم‪ -‬لألقرع بن‬
‫جالس ملا أخرب أنه ال يقبل أحداً حىت أوالده ‪» :‬من ال يرحم ال يُرحم«‬
‫‪ -3‬العدل ‪ :‬إن تفضيل األبناء بعضهم على بعض يزرع العداوة والبغضاء ‪ ،‬وعلى األبوين العدل‬
‫بينهم يف كل شيء ‪ ،‬ألنه أدعى إىل املودة والتآلف ‪.‬‬
‫* تعليم الطفل املسلم ‪:‬‬
‫اإلنسا َن *‬ ‫َّ‬ ‫قال تعاىل ‪َّ َ :‬‬
‫اإلنسا َن َما مَلْ َي ْعلَ ْم)) ‪ ،‬وقال تعاىل ‪(( :‬الرَّمْح َ ُن * َعل َم ال ُق ْرآ َن * َخلَ َق َ‬
‫((عل َم َ‬
‫َعلَّ َمهُ َ‬
‫البيَا َن)) ‪.‬‬
‫وهذه بعض األمور اليت جيب مراعاهتا يف تعليم الطفل ‪:‬‬
‫‪ -1‬تعليم الطفل األكل باليمني والتسمية عند األكل والدخول واخلروج ‪.‬‬
‫‪ -2‬تعليمه االستعانة باهلل وحده وتشجيعه على الصالة مع اجلماعة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تعويده النظافة يف امللبس واملسكن ‪.‬‬
‫‪ -4‬التفريق يف اللباس بني الذكر واألنثى ‪ ،‬وعدم تشبه كل منهما باآلخر ‪.‬‬
‫‪ -5‬تعليم البنت على السرت يف امللبس منذ الصغر واحلجاب عند البلوغ ‪.‬‬
‫‪ -6‬تعليم الولد الرماية والفروسية والسباحة ‪.‬‬
‫‪ -7‬االهتمام بتنمية جانب الذكاء لدى الطفل بالبحث واملناظرة ‪.‬‬
‫‪ -8‬عدم إهناكه بالتعليم النظري املتواصل حىت ال ميل ويرتكه ‪.‬‬
‫هذا وأرجو أن أكون قد وفقت يف عرض سريع خمتصر عن دور املنزل يف تربية الطفل املسلم حيث‬
‫إن املوضوع ال ميكن اإلملام به من مجيع جوانبه يف مقالة قصرية كهذه ‪.‬‬
‫واحلمد هلل والصالة والسالم على رسول اهلل ‪.‬‬
‫املراجع ‪:‬‬
‫‪ -1‬الطفل يف الشريعة اإلسالمية ‪ /‬د‪ .‬حممد أمحد الصاحل ‪.‬‬
‫‪ -2‬الطفل املثايل يف اإلسالم ‪ /‬عبد الغين اخلطيب ‪.‬‬
‫‪ -3‬كيف نريب أوالدنا ‪ /‬الشيخ حممد مجيل زينو ‪.‬‬
‫جملة البيان‬

‫‪551‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪552‬‬
‫مهارات الحتواء األزمات في البيوت!‬
‫خالد عبداللطيف‬
‫فن ال يتقنه إال عقالء الناس وفضالؤهم؛ أما ترك األزمات‬ ‫احتواء األزمات وعدم تركها تتفاقم ٌّ‬
‫الغل يف القلوب‪ ..‬وهنا ينصب الشيطان رايته‪،‬‬ ‫تستفحل فيؤدي إىل زيادة شحناء النفوس وتراكم ّ‬
‫وهذا ميدانه‪ ،‬كما يف صحيح مسلم عن جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ـ قال‪ :‬مسعت النيب ‪ ‬يقول‪" :‬إن‬
‫الشيطان قد أيس أن يعبده املصلون يف جزيرة العرب ولكن يف التحريش بينهم"‪.‬‬
‫وأشد ما يكون ذلك‪ ،‬وأحبه إىل الشيطان‪ :‬التحريش بني الزوجني واإلفساد بينهما‪ ،‬فعن الراوي نفسه‬
‫جابر ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" : ‬إن إبليس يضع عرشه على املاء مث يبعث سراياه‬
‫فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة‪ ،‬جييء أحدهم فيقول فعلت كذا وكذا فيقول ما صنعت شيئا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مث جييء أحدهم فيقول ما تركته حىت ّفرقت بينه وبني امرأته‪ ،‬قال فيدنيه منه ويقول نعم أنت" قال‬
‫األعمش‪ :‬أراه قال‪ :‬فيلتزمه! (رواه مسلم)‪.‬‬
‫ومن هذا اهلدي النبوي نستلهم إشارات‪ S..‬هنديها لكل زوجني لبيبني‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬ال جيعل أحدكما يوماً من الدهر معركته مع اآلخر‪ S..،‬بل مع الشيطان‪ .‬حىت لو كان أحد‬
‫الزوجني خمطئاً أو مذنباً‪ ..‬فال يكن اآلخر عوناً للشيطان عليه‪ ،‬وال خيذله أحوج ما يكون إليه!‬
‫الثانية‪ :‬ال يستخفنكما الشيطان‪ ..‬فيجعلكما كالدمى يقلّبها بوساوسه‪ ،‬فيقلّب قلوبكما بني غضب‬
‫ورضا‪ ..‬وحزن وسرور‪ ،‬ولكن وطّنا نفسيكما على عداوته هو‪ ،‬واليقظة ملكره بكما‪ .‬وصدق القائل‪:‬‬
‫"من وطّن نفسه على أمر هان عليه"!‪S‬‬
‫ِِ‬ ‫ٍِ‬
‫شعارا بينكما؛‬
‫{رمَحَاء َبْيَن ُه ْم‪ً }..‬‬
‫ني‪ }..‬وقوله عز وجل‪ُ :‬‬ ‫الثالثة‪ :‬ليكن قوله تعاىل {َأذلَّة َعلَى الْ ُمْؤ من َ‬
‫ولينظر كل منكما إىل حق اآلخر عليه‪ ..‬قبل النظر إىل واجب اآلخر حنوه! وليعلم من يداوم على‬
‫خفض اجلناح والتواضع والصرب على اآلخر راضياً حمتسباً أنه على خري عظيم؛ فال يستنكف أو يرى‬
‫أن اآلخر هو األوىل باالعتذار أو التواضع‪ ..‬فيمنعه ذلك من املبادرة إىل التسامح والتصاحل!‬
‫الرابعة‪ :‬اتفقا من اآلن‪ ..‬فور الفراغ من قراءة هذه السطور على حتديد العدو (الشيطان)‪ ،‬وتذكري كل‬
‫منكما لآلخر إذا نسي‪ ،‬وامتثال من يُذ ّكر مبجرد تذكريه‪ .‬ويُقرتح كتابة احلديث الشريف السابق‬
‫ذكره‪ ،‬وجعله يف مكان يذكركما به‪.‬‬
‫آن إىل آن‪ ..‬تغشامها السكينة وتتنزل عليهما‬ ‫وياهلا من دقائق غالية تلك اليت خيصصها الزوجان من ٍ‬
‫الرمحة‪ ،‬يتدارسان آيات من القرآن وقبسات من السنة؛ تنري بيتهما باخلري والربكة‪ ،‬وتضيء درهبما‬
‫املوصل إىل سعادة الدنيا واآلخرة!‬
‫أيب يقول لك‪ :‬هو ليس هنا!!‬

‫‪553‬‬
‫حيتاج الوالدان إىل قدر كبري من الوعي واليقظة‪ ،‬واحلذر من التهاون بعقول الصغار أو تصور أهنم ال‬
‫يعقلون كثريا مما يدور حوهلم‪!..‬‬
‫أخربين أحد املتخصصني أن الطفل يعي جيدا ما يدور ويقال حوله – وإن صغر سنه – حىت لو بدا‬
‫للوالدين أنه منشغل باللعب حوهلما فيما يكونان يتجاذبان أطراف احلديث!‬
‫وحدثين صديق يل ‪ -‬مؤكدا هذه احلقيقة ‪ -‬عن شغف ولده الصغري الشديد مبتابعة حديث والده مع‬
‫أمه‪ ،‬ومداخالته املتكررة أثناء حديث ال شأن له به البتة‪ ..‬وكأنه طرف فيه!‬
‫األمر اخلطري حقا هو وقوع أحد الوالدين يف أخطاء يصعب تداركها أو جربها يف حق هذه النفوس‬
‫الربيئة الغضة؛ ومن أشد ذلك وطأة‪ :‬الكذب! يقول األستاذ حممد قطب ‪ -‬مصورا مدى اجلناية على‬
‫براءة األطفال بارتكاب الكذب أمامهم ‪" :-‬ومرة‪ S‬واحدة من القدوة السيئة تكفي‪ ،‬مرة واحدة جيد‬
‫أمه تكذب على أبيه‪ ،‬وأباه يكذب على أمه‪ ،‬أو أحدمها يكذب على اجلريان‪ ..‬مرة واحدة تكفي يف‬
‫تدمر قيمة الصدق يف نفسه‪ ،‬ولو أخذا كل يوم وساعة يرددان على مسعه النصائح واملواعظ‬ ‫ّ‬
‫والتوصيات بالصدق‪S!!"..‬‬
‫ٍ‬
‫لطارق طرق الباب‪ :‬أيب ليس‬ ‫ومن طريف ما يروى يف ذلك‪ :‬قصة الطفل الذي أمره أبوه أن يقول‬
‫هنا‪ .‬فما كان من الصغري الربيء إال أن قال للطارق‪ :‬أيب يقول لك هو ليس هنا!!‬
‫ومن املزالق الوعرة اليت قد ال يتنبه هلا بعض األفاضل والفاضالت‪ :‬استعمال املعاريض (التورية) أمام‬
‫الصغار‪ ،‬وهم حيسبون أهنم حيسنون صنعا‪ ،‬مستندين إىل ما جاء يف احلديث "إن يف املعاريض ملندوحة‬
‫عن الكذب" (أخرجه البيهقي وابن السين‪ ،‬والبخاري يف األدب املفرد)؛‪ S‬فيتصورون أن الرتخيص فيها‬
‫يرفع كل حرج عنهم!‬
‫واحلق أن املسلم الصدوق ال جيعل من هذه الرخصة دأباً له وال عادة‪ ،‬واإلسراف يف املعاريض ليس‬
‫ديدن الفضالء‪ .‬واألهم هنا أن الطفل ال يعقل ما يعقله الكبار‪ ،‬واألقوال اليت يسمعها هلا عنده وجهان‬
‫فحسب‪ ..‬صدق أو كذب! ولن يبلغ فهمه استعمال هذه الرخصة إال بعدما يشب على الفضيلة‬
‫وترسخ األخالق يف نفسه‪ ،‬ويتفقه يف دينه مبا حيجزه عن الغش واخلداع‪.‬‬
‫فحري مبن يتهاون يف هذه األمور وال يتحفظ منها أمام الصغار أن جيين‬
‫ٌّ‬ ‫والنار من مستصغر الشرر؛‬
‫مثاراً مرة من الكذب والنفاق واالحنراف يف سلوك أطفاله‪ ..‬والت ساعة مندم!!‬
‫زوجي وأوالدي‪ S..‬ليسوا كأهل بيت فالن!!‬
‫اهلم من يعامل أهل بيته من زوج وأوالد مبا حيب أن يعاملوه به؛ فإذا أساؤوا صرب‬‫يسعد وينجو من ّ‬
‫وعزى نفسه بأمورهم األخرى احلسنة؛ مع حثهم بالقول والقدوة على حسن اخللق‪.‬‬ ‫واحتسب‪ّ ،‬‬
‫وهبذا جاءت السنة النبوية يف قوله ‪" : ‬ال يفرك مؤمن مؤمنة‪ ،‬إن كره منها خل ًقا رضي منها آخر"‬
‫(رواه مسلم)‪ .‬فإذا ساءك منها سلوك؛ (والوصية نفسها تقال للزوجة يف حق زوجها) تذكر حماسن‬

‫‪554‬‬
‫أخالقها األخرى والغالب من أحواهلا‪ ،‬والتمس هلا العذر‪ ،‬وقابل إساءهتا باإلحسان‪ ،‬واحتسب يف‬
‫ذلك العديد من األعمال الصاحلة من صرب وحلم وعفو‪ ،‬إضافة إىل القدوة الصاحلة ألهل بيت يتأسون‬
‫بك عاجال أو آجال!‬
‫وقبل أن تقارن بني زوجتك وغريها مما يتناهى إىل مسعك؛ ثق بأن الناس يف الغالب يبدون احملاسن‬
‫ويسرتون العيوب‪ ،‬والبيوت أسرار كما يقال!‬
‫وكذلك الشأن مع األوالد؛ فكل أب وأم يريدان ألوالدمها القمة يف كل شيء! يف األدب‪ ..‬يف‬
‫الدراسة‪ ..‬يف الرب‪ S...‬إخل‪ .‬فإذا اقرتبوا من القمة ومل يصلوا إليها رمبا عابا عليهم ذلك!‬
‫وهذا من الغلو واجلور‪ ،‬والبعد عن العدل واإلنصاف‪ ،‬بل هو من اجلناية على مشاعر الصغار‪ S..‬فهؤالء‬
‫األبرياء يرفعهم التشجيع والثناء إىل العلياء‪ ،‬ويهوي هبم التوبيخ والغلظة إىل احلضيض‪ ،‬ويأيت بالنتائج‬
‫العكسية!‬
‫ولو أنصف كل امرئ لوجد لدى أوالده ما ليس لدى غريهم‪ ،‬كما يفتقد فيهم ما جيده لدى آخرين!‬
‫{خ ِذ الْ َع ْف َو‪S..}..‬‬
‫ولنتأمل يف بعض أقوال املفسرين يف قوله تعاىل يف سورة األعراف‪ُ :‬‬
‫قال الطربي‪ :‬اختلف أهل التأويل يف تأويل ذلك فقال بعضهم‪ :‬تأويله‪ :‬خذ العفو من أخالق الناس‪،‬‬
‫وهو الفضل وما ال جيهدهم‪ ..‬مث نقل عن جماهد‪ :‬العفو من أخالق الناس وأعماهلم بغري حتسس‪S..‬‬
‫وعنه أيضاً‪ :‬عفو أخالق الناس وعفو أمورهم‪.‬‬
‫{خ ِذ الْ َع ْف َو‪}..‬‬
‫ونقل اجلصاص عن آخرين‪ :‬العفو‪ :‬ما سهل وما تيسر من األخالق‪ .‬وقال القرطيب‪ُ :‬‬
‫دخل فيه صلة القاطعني والعفو عن املذنبني والرفق باملؤمنني‪ ،‬وغري ذلك من أخالق املطيعني‪S.‬‬
‫أفضل اخللق ‪ ‬وأمته من بعده‪ ،‬من لدن احلكيم اخلبري بأحوال خلقه وما‬ ‫ِ‬
‫إهنا أخالق القرآن ُأمر هبا ُ‬
‫يف اخْلَبِريُ}‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يصلحهم {َأال َي ْعلَ ُم َم ْن َخلَ َق َو ُه َو اللَّط ُ‬
‫فأما من أىب؛ فقد اختار لنفسه وأهل بيته احلرج والعنت والعناء يتقلبون فيه صباح مساء!‬
‫ــــــــ‬

‫‪555‬‬
‫كيف تجعل ابنك مطيعاً‬
‫عبداللطيف بن يوسف املقرن‬
‫فضل تأديب الولد‬
‫قال رسول اهلل ‪ ( ‬ألن يؤدب الرجل ولده خري من أن يتصدق بصاع) الرتمذي و قال (ما حنل‬
‫والد ولداً أفضل من أدب حسن ) الرتمذي ‪.‬‬
‫كيف جتعل ابنك مطيعا ً؟‬
‫نقصد بالولد‪/‬الذكر واألنثى‪ ,‬ومن كان دون الرشد و ليس رضيعاً‪ ,‬و إن كان لكل مرحلة مسات و‬
‫أساليب يف التعامل ‪ ,‬لكن احلديث هنا عام بسبب صعوبة التفصيل لكل مرحلة على حدة ‪ ,‬و منعاً‬
‫لإلطالة ‪.‬‬
‫ما هي صفات االبن الذي نريد ؟‬
‫أن يتصف بصفات فاضلة أمجع العقالء على استحساهنا و جاء الشرع حاظاً عليها و أمهها ما يلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الدين‬
‫نعين االبن صاحب القلب و الضمري احلي ‪ ,‬و االبن موصول القلب باهلل و املؤمن حقاً ‪.‬‬
‫قال تعاىل‪( :‬والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإميان أحلقنا هبم ذريتهم ) الطور‬
‫و قال عليه الصالة والسالم ‪( :‬أال إن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح سائر اجلسد إذا فسدت‬
‫فسد سائر اجلسد أال وهي القلب )‪ ,‬فصالح القلب بالدين فإذا استقام دين املرء استقامت أحواله‬
‫كلها ‪.‬‬
‫قال تعاىل ( ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعني و اجعلنا للمتقني إماماً ) الفرقان‬
‫ب‪ -‬كرب العقل‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫يزين الفىت يف الناس صحة عقله و إن كان حمظورا عليه مكاسبه‬
‫يشني الفىت يف الناس قلة عقله وإن كرمت أعراقه و مناسبه‬
‫يعيش الفىت بالعقل يف الناس إنه على العقل جيري علمه و جتاربه‬
‫و أفضل قسم اهلل للمرء عقله فليس من األشياء شيء يقاربه‬
‫إذا أكمل الرمحن للمرء عقله فقد كملت أخالقه و مآربه‬
‫وأشد ما خيشاه املرء احلمق‪ ,‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫لكل داء دواء يستطب به إال احلماقة أعيت من يداويها‬
‫ج ‪ -‬الطاعة ‪:‬‬

‫‪556‬‬
‫أن يستجيب لتوجيهاتك ويعمل ما يعلم أنك ترضاه و يرتك ـ ما يريده ـ رغبة يف حتقيق رضاك (إمنا‬
‫الطاعة باملعروف ) وبالقدوة احلسنة يرتىب االبن على صفات األب احلسنه‬
‫د‪ -‬حسن اخللق‪:‬‬
‫وقال ‪( : ‬إن الرجل ليدرك حبسن خلقه درجة الصائم القائم ) احلديث فاالبن احلسن اخللق كثري‬
‫الطاعة هلل و لوالديه ‪.‬‬
‫من الذي يصنع الرجال؟ من حيدد مسات االبن؟‬
‫الشك أنه األبوان حيث أنه كلما كانا قدوة حسنة ألبنائهم كلما كان صالح األبناء أقرب ‪ ,‬ففي‬
‫احلديث عن رسول اهلل ‪ ( ‬ما من مولود اال يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو ميجسانه‬
‫) احلديث‬
‫و إذا كانا مسلمني كان الولد مسلماً ‪ ,‬فصالح اآلباء سبب لصالح األبناء قال تعاىل‪ ( :‬وكان أبومها‬
‫صاحلاً )الكهف ‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ التنشئة املتدرجة ‪:‬‬
‫‪ -‬تنشئة الطفل شيئاً فشيئاً حىت يرشد قال تعاىل (و لكن كونوا ربانيني مبا كنتم تعلمون الكتاب و‬
‫مبا كنتم تدرسون) آل عمران‪.‬‬
‫تربيته و تعاهده حىت يشب و يقوى ساعده و يبلغ أشده مثال ذلك تربية إبراهيم إلمساعيل عليهما‬
‫السالم ‪ ,‬مث كيف استجاب لطلب والده بتنفيذ رؤياه بقتله إياه ‪.‬‬
‫فال بد من التنمية املتدرجة (التعليم للفعل املرغوب) ‪ ،‬التقومي للخطأ و الرد اىل الصواب ‪ ,‬و ذلك بأن‬
‫تعمل على تعديل ما تراه من خطأ شيئاً فشيئاً ‪ ,‬و ال تعجل فإن اإلخفاق يف التغيري الشامل ثقيل وله‬
‫عبء على النفس قد يقعد هبا عن السعي مبا ينفع ولو كان هذا السعي قليالً سهال‪.‬‬
‫‪ - 2‬بذل احلقوق للطفل ( اختيار األم‪ ،‬التسمية اجليدة ‪ ،‬التعويد على الفضائل )‬
‫‪ -3‬حفظ القرآن‬
‫فحفظ القرآن الذي به أكرب خمزون من املعارف اليت هتذب النفس وتقوم السلوك و حتيي القلب ألنه‬
‫ال تنقضي عجائبه‪ ,‬فكلما زاد مقدار حفظ الولد لآليات و السور زاد احتمال معرفته مبضامينها اليت‬
‫هي إما عقيدة تقود السلوك أو أمر خبري أو حتذير من شر أو عرب ممن سبق أو وصف لنعيم ( أهل‬
‫الطاعة أو جحيم أهل املعصية ) ‪.‬‬
‫‪ -4‬التعليم قبل التوجيه أو التوبيخ ‪:‬‬
‫( حيث أن البناء اجليد يف املراحل املبكرة من حياة الطفل جتنبه املز الق وتقلل فرص االحنراف لديه مما‬
‫يقلل عدد األوامر املوجهة للطفل فمن األوامر ما يوافق هواه وخاطره وباله ما خيالف ذلك‪,‬تدل‬
‫الدراسات أن هنالك ما يقارب من ‪ 2000‬أمر أو هني يوجه من اجلميع للطفل يومياً !! لذا عليك‬

‫‪557‬‬
‫أن تقلل من املراقبة الصارمة له‪ ,‬و من التحذيرات‪ ,‬و من التوجيهات‪ ,‬و من املمنوعات‪ ,‬ومن التوبيخ‬
‫التلقائي‬
‫نعم الطفل حيب مراقبة الكبار له لكنه ليس آلة نديرها حسب ما نريد !! ‪ .‬فلماذا حنرم أنفسنا من‬
‫رؤية أبنائنا مبدعني ؟؟‬
‫و هناك أمهية بالغة يف تربية الطفل األول ليقوم هو مبساعدتك يف تربية من بعده ‪ ,‬لكن احذر (( كثرة‬
‫األوامر له و قلة خربتك يف التعامل مع الصغري ألهنا التجربة األوىل لك و ألمه يف تربية إنسان‬
‫!!! )) ‪.‬‬
‫وأنت تتعامل مع أخطاء ابنك تذكر ذلك‪:‬‬
‫أن اجلزء األفضل من ابنك ملا يكتمل بعد ‪ ,‬و أن عقله وسلوكه وتعامله مل يكتمل بعد !!‬
‫َ‬
‫هل فات الوقت املناسب للرتبية ؟؟؟‬
‫الوقت باقي مادام اإلبن دون سن الرشد‪.‬‬
‫ما الذي يقطع عليك الطريق إىل اكتمال ابنك بالصورة اليت ترغب؟‬
‫هناك عدة أمور أمهها‪:‬‬
‫‪ -‬ترك املبادرة إىل تقومي األخطاء‪.‬‬
‫‪ -‬القدوة السيئة‬
‫إذا شاهد الولد األب أو األم _ القدوة _ يكذب فلن يصدق االبن أبداً !! ‪.‬‬
‫‪ -‬إبليس‬
‫قال تعاىل على لسان إبليس (ألقعدن هلم صراطك املستقيم مث ألتينهم من بني أيديهم و من خلفهم و‬
‫عن أمياهنم و عن مشائلهم وال جتد أكثرهم شاكرين)‬
‫‪ -‬النفس األمارة بالسوء‬
‫((وما أبرئ نفسي إن النفس ألمارة بالسوء إال ما رحم ريب إن ريب غفور رحيم)) يوسف ‪.‬‬
‫‪ -‬أصدقاء السو ء‬
‫ورد يف احلديث ( مثل اجلليس الصاحل واجلليس السوء كحامل املسك و نافخ الكري) هناك الكثري من‬
‫أصدقاء السوء أوصلوا أصاحبهم إىل املهالك ‪.‬‬
‫إذا سارت األمور على طريق خمتلف‬
‫أو تُرك االبن و أمهل و حدث اخللل !!‬
‫فما موقفك‪...‬؟‪ S‬عند اخللل يف‪..‬؟؟؟‪ S‬فلذة كبدك !!‬
‫ابنك من اسرتعاك اهلل إياه تذكر أنه صغري – ضعيف ‪ -‬قليل اخلربة – بسيط التجربة‪ -‬يعايش‬
‫ظروف جتعله غري مستقر بسبب مرحلته العمرية !‬

‫‪558‬‬
‫هنا البد أن تالحظ مايلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬األحداث مؤقتة‪.‬‬
‫‪ -2‬ليس املهم ما الذي حصل لكن املهم كيف تفكر يف الذي حصل‬
‫‪ -3‬حاول أن تقلل التفكري يف اإلساءات أو اإلزعاجات ‪.‬‬
‫‪ -4‬ال ترتك وتتجاهل األمور اليت يفعلها وتزعجك ‪.‬‬
‫‪ -5‬ال جتعل رضاك متوقفا على أمر واحد ‪.‬‬
‫‪ -6‬أحذر النقد القاسي لألسرة واألبناء ‪.‬‬
‫‪ -7‬تذكر الذكريات اإلجيابية ‪.‬‬
‫‪ -8‬ال تركز على صرا عات خاسرة ‪.‬‬
‫‪ -9‬علمه و ال تعنفه قال رسول اهلل ‪( ‬علموا وال تعنفوا فإن املعلم خري من املعنف ) احلديث‬
‫‪ -10‬تقبل ابنك مرحلياً بال شروط ‪.‬‬
‫‪ -11‬الرضا التام قليل و نادر ‪.‬‬
‫أدرك كل هذا حىت ترى طريق الرتبية اهلادئة بوضوح ‪.‬‬
‫ما لذي يفيد يف جعل طاعة االبن ألوامر األب أكثر ؟‬
‫هناك عدة وسائل أمهها ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬الرتبية على االستقامة‬
‫مهم تربيته على الفرائض و حمبة اخلري وأهله و بغض املنكر و أهله ‪ ,‬ورد يف احلديث ( مروا أوالدكم‬
‫بامتثال األوامر و اجتناب النواهي ‪ ,‬فذلك وقاية لكم و هلم من النار ) ‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬أدنو منه‬
‫عند ما تريد توجيهه فاقرتب منه أوالً حىت تالمسه لقول النيب ‪ ‬للشاب الذي جاء يستأذنه يف الزىن‬
‫( أدن مين مث مسح على صدره ) احلديث ‪.‬‬
‫إذا شعرت بقربك من اآلخرين فانك سوف تشعر بالرضا عن نفسك ‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬قو ٍي العالقة به‬
‫ال بد من بناء العالقة اجليدة معه وتنميتها و صيانتها مما يعكر صفوها‪ ,‬فالعالقة القائمة على الرمحة و‬
‫الشفقة و التقدير و الصفح هلا أثر كبري ‪.‬‬
‫عندها ستقول ‪ :‬عالقايت قربت مين الناس قاطبة !! وسوف تزيد من شبكة العالقات الطيبة ؟‬
‫وجد أن العالقة السامية هلا ميزات كثرية منها ‪:‬‬
‫سرعة إجناز العمل ‪ ،‬تسهيل اخلدمة دون ضرر ‪ ،‬االستعداد ألداء العمل برغبة‪ ،‬تذليل املشاكل إن‬
‫وجدت ‪.‬‬

‫‪559‬‬
‫و أن العالقة العادية هلا آثار منها ‪:‬‬
‫تبادل اخلربات‪ ،‬حرارة اللقاء ‪ ،‬اكتساب عدد من األصدقاء ‪.‬‬
‫و العالقة املؤقتة هلا آثار منها ‪:‬‬
‫إجناز بطيء ‪ ،‬عدم االكرتاث باملتكلم‪ ,‬تبادل اخلربات‬
‫أما العالقة السيئة فأضرارها ‪:‬‬
‫عدم أداء اخلدمة برغبة‪ ,‬عدد قليل من األصدقاء ‪,‬الرتصد األخطاء ‪ ،‬إهناء اللقاء بأسرع وقت‪ ،‬عدم‬
‫بروز العمل اجلماعي ‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬قابله باالبتسامة و بطالقة وجه ‪:‬‬
‫تبسمك يف وجه ابنك صدقة وقرىب وتقارب للقلوب ‪ ,‬فإن عمل االبتسامة يف نفس االبن ال حدود‬
‫هلا يف كسبه و استجابته ملا تريد منه ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬مارس طالقة الوجه‬
‫قال رسول اهلل ‪ ( ‬ال حتقرن من املعروف شيء و لو أن تلقى أخاك بوجه طلق ) احلديث ‪ .‬تعود‬
‫على طالقة الوجه مع أبنائك ألنه كلما كنت سهال طليق الوجه كلما ازدادت دائرتك االجتماعية‬
‫معهم أو مع غريهم‪ ,‬وكلما كنت فظا منغلقا كلما ضاقت دائرتك حىت تصبح صفراً ‪ .‬قال تعاىل‬
‫( ولو كنت فظاً غليظ القلب النفضوا من حولك ) آل عمران‬
‫الدور الذي جتنيه عندما متلك مهارة طالقة الوجه ‪:‬‬
‫‪ -1‬تبعث هذه املهارة روح التجديد و النشاط ‪ -2 .‬تقضي على التوتر و الضغوط النفسية ‪.‬‬
‫‪ -3‬ينجذب إليك الناس ‪ -4 .‬جتعلك مقبوال لدى الناس ‪.‬‬
‫‪ -5‬تذيب السلوكيات غري املرغوبة مثل (الكرب ‪ ،‬احلسد‪ ،‬احلقد و العناد) ‪.‬‬
‫‪ -6‬تضفي روح التواضع ‪ -7 .‬تشعر عند متثلك هذه املهارة بسهولة املؤمن و ليونته‬
‫‪ -8‬تعيد روح الود و تبث روح املداعبة ‪ -9 .‬تكسبك اجلولة يف النقاشات احلادة ‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬امنحه احملبة‬
‫احملبة تفعل يف النفوس األعاجيب و رسول اهلل خري قدوة يف ذلك ألنه حتلى بأفضل خلق يتحلى به‬
‫بشر فأحبه أصحابه حمبة مل يشاهبها حمبة من قبل و ال من بعد ‪ ,‬فهل يستطيع أحد أن جياري فضائل‬
‫النيب ‪ ‬و أخالقه و سجاياه اليت حببته للناس و الدواب حىت اجلماد ‪ ,‬و يدل على ذلك قصة ثوبان‬
‫رضي اهلل عنه ففي احلديث (أن ثوبان رضي اهلل عنه كان شديد احلب للنيب ‪ ‬قليل الصرب عنه أتاه‬
‫ذات يوم و قد تغري لونه فقال له الرسول ‪ ‬ما غري لونك فقال يا رسول اهلل ما يب من مرض و ال‬
‫وجع غري أين إذا مل أراك استوحشت وحشة شديدة حىت ألقاك مث ذكرت اآلخرة فأخاف أن ال أراك‬
‫ألنك ترفع مع النبيني و إين إن دخلت اجلنة فإن منزليت أدىن من منزلتك ‪ ,‬و إن مل أدخل اجلنة مل‬

‫‪560‬‬
‫أراك أبداً فنزلت اآلية ‪ ( :‬و من يطع اهلل و الرسول فأولئك مع الذين أنعم اهلل عليهم من النبيني و‬
‫الصديقني و الشهداء و الصاحلني و حسن أولئك رفيقاً) النساء ‪.‬‬
‫غريب أمر احلب يف حياة الناس فال أحد يشبع منه ‪ ,‬وكل من حيصل عليه يشع بدفئه و صفائه على‬
‫من حوله ‪.‬‬
‫‪ -‬ليس هناك أفضل من أن تظهر ذلك التقدير بأن خترب شخصاً ما مقدار اهتمامك به لقول النيب ‪‬‬
‫للرجل الذي قال ‪ :‬أنه حيب فالناً " هالَ أخربته أنك حتبه " احلديث ‪.‬‬
‫‪ -‬الدراسات بيَنت أن الذي ال يفعل ذلك قد تكون عالقته مع اآلخر تنافسية و أفضل مكافأة للولد‬
‫هو شعوره أن أمه و أبو حيبانه ويثقان به فعال !!! عندها سوف حيبهما فعالً ال ملصلحة ما‪.‬‬
‫‪ -‬إذا أحبك الناس فانك بأعينهم كحديقة فيها شىت أنواع الزهور ذات الرائحة الفواحة ‪.‬‬
‫كل طفل حيب أن يكون حمبوباً و حُم باً و إال فإنه سوف يلجأ إىل إزعاج من حوله لتنبيههم حلاجته‬
‫إىل احلب‬
‫سابعاً‪ :‬عليك باهلدوء‬
‫حتلى باهلدوء و احللم و الرفق ورد يف احلديث ( ما كان الرفق يف شيء إال زانه و ما نزع من شي إال‬
‫شانه)‬
‫ال جتعل جفوة والدك _ أن وجدة _ عليك صغرياً سبباً يف تعاسة ابنك مستقبل‬
‫ثامناً ‪ :‬عامله بالثقة و التقدير و التقبل‪.‬‬
‫أشعره مبدى أمهيته بالنسبة لك ‪ ,‬و بثقتك به ‪ ,‬فإن شخصيته تتحدد حبسب ما يسمع منك من‬
‫أوصاف تصفه هبا فإذا كنت تصفه دائما بالذكاء فإنك ستجده ذكياً ‪ ,‬و إن كنت تصفه بالبخل‬
‫فستجده مستقبالً خبيالً شحيحاً و هكذا فكن واثقاً من نفسك و اجعل ابنك واثقاً من نفسه حىت‬
‫يكون لنفسه مفهوماً جيداً و اجيابياً ‪.‬‬
‫فقد ثبت أن األميان الراسخ يف قدراتنا الذاتية يزيد من الرضا يف احلياة بنسبة ‪ % 30‬و جيعلنا أكثر‬
‫سعادة ! و أقدر على النجاح ‪ ,‬و كن متفائالً‪ ّ!..‬و واقعياً يف توقعاتك ‪ .........‬إن السعداء من‬
‫الناس ‪...‬‬
‫ال حيصلون على كل ما يريدون !!! و لكنهم يرغبون يف كل ما حيصلون عليه‬
‫فنظرتك لنفسك سوف جتدها واقعاً بفعل اإلحيا النفسي ‪ ,‬سواء اعتقدت أنك تستطيع أو ال تستطيع‬
‫فأنت على حق يف كلتا احللتني فاجعل ابنك واثقاً من نفسه و يف قدراته و ال حتطمها _ بقلة الثقة به‬
‫_ قبل أن يربزها للوجود ‪.‬‬
‫و لكن ال تكن مفرطا يف الثقة !! و اعلم أن التقدير اإلجيايب للذات مهم يف تربية الرجال ليحققوا‬
‫ذوات هم على حقيقتها بعيداً عن حتطيم الشخصية الذي قد ميارسه الكبار مع الناشئة ‪.‬‬

‫‪561‬‬
‫تاسعا ‪ :‬اجعل البنك هدفا يف احلياة‬
‫تشري الدراسات أن من أفضل أدوات التنبؤ بالسعادة هي‪ ......‬فيما إذا كان اإلنسان يعتقد أن هناك‬
‫هدف يف حياته ؟؟؟ ‪ ,‬بال أهداف حمددة جند أن سبعة أشخاص من بني عشرة يشعرون بعدم‬
‫االستقرار يف حياهتم ‪.‬‬
‫عاشراً‪ :‬احرص على متاسك أسرتك‬
‫فعبارة _ إنين أعيش مع زوجي من أجل األطفال _ احذر أن يسمعها ابنك من أمه حىت ال يشعر‬
‫مبدى التفكك احلاصل بني والديه _أن وجد _ فيضعف بسبب ضعف األسرة ذلك الركن الذي‬
‫يركن إليه_ بعد اهلل _ و يرتاح ‪.‬‬
‫حادي عشر ‪ :‬تعرف على صفات ابنك ‪:‬‬
‫البنك صفات ختتلف عن صفات الكبار أمهها ‪:‬‬
‫‪ -1‬مييل الصغري دائماً إىل أن حيصل على رضى الكبار املهمني يف حياته ‪.‬‬
‫‪ -2‬الثناء و الثقة و التقدير تؤثر على سلوكه أكثر من التوبيخ و الزجر ‪.‬‬
‫‪ -3‬عادة ما يستقبل االبن أوامر الوالدين مبنتهى احلب والرغبة يف التنفيذ و لكن قد يرتبك عندما‬
‫يتلقى األوامر بعصبية أو فتور أو استهجان فيتخيل أنه كائن غري مرغوب فيه أو أن والديه قد قررا‬
‫التخلي عنه أو أهنما ضاقا ذرعاً به و أنه مصدر إزعاج هلما ‪ ,‬و هذا االرتباك قد يؤدي به إىل عدم‬
‫تنفيذ األوامر الصادرة عنهما ‪.‬‬
‫ب أن يقوم هو باجلز األكرب من العمل فإذا زاد عليه اإلحلاح ظهر عليه العناد‬ ‫‪ -4‬و الولد حُي ُ‬
‫‪ -5‬و حيارب كثري من األبناء من أجل أن يلعب باللعب احملبب لديه ‪.‬‬
‫‪ -6‬الكبار عندما يصرخون يف وجه الصغري هي دعوة له ليتحدى الكبار _ خاصة إذا كانت األوامر‬
‫متناقضة ‪ ,‬و أن يستمر يف السلوك السيئ ويتمادى فيه ليعرف ألي درجة ميكن أن يصل الصراع بينه‬
‫وبني الكبار ‪.‬‬
‫‪ -7‬الطفل ميتلك قدرة هائلة على حتمل والديه فهو أطول منهما نفساً عند العناد و التحدي‪.‬‬
‫‪ -8‬األوالد حيتاجون قدراً من احلرية ليختاروا نوع النشاط اخلاص هبم ‪.‬‬
‫‪ -9‬الولد حباجة أن تعلمه كل جديد دون أن تكرهه عليه ‪.‬‬
‫‪ -10‬الطفل يدرك مشاعرك جتاهه ويركز عليها وال يهتم للتوجيه إذا كانت املشاعر جتاهه سلبية _‬
‫وقت خلطأ الذي يرتكبه _ مثل الغضب منه أو احلرية جتاه سلوكه ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪-:‬‬
‫عند ما جيري أمامك ليفتح الباب مث تصطدم رجله بإناء فينكسر اإلناء إذا كان رد فعلك أن تغضب‬
‫تنفعل فإنه لن يستقبل أي معلومة أو توجيه ‪َ .‬أما إذا ضبطت نفسك و حاورته هبدوء ووجهته كيف‬

‫‪562‬‬
‫جيب أن جيري مستقبالً داخل الصالة فإن الرسالة سوف تصل إليه و معها احرتامك له وتقديرك‬
‫ألخطائه اليت ال جيد هو نفسه مربراً هلا‪ .‬و قد يكون منزعجاً منها وال يرغب يف تكرارها دون أن‬
‫حتدثه عن اخلطأ الذي ارتكبه !!! ‪.‬‬
‫‪ -11‬حيتاج إىل الرعاية املمزوجة بالثقة فال تكن مفرطاً يف الوقاية له من أخطار ما يتعامل معه من‬
‫ألعاب أو مهام ‪.‬‬
‫‪ -12‬الصغار ال حيبون ما يشعرهم بالعجز أمام الكبار ‪ ,‬و من ذلك إثارة العواطف عند احلديث‬
‫معهم كقولك إين أخاف عليك من كذا إين مشفق عليك من كذا ‪ ,‬فال جنين من إثارة العواطف‬
‫معهم إال اإلعراض أو العناد‪.‬‬
‫‪ -13‬الولد تتوسل إليه فيعاندك و تتحدث معه كصديق فيطيعك !!! بسبب املنافسة على قلب األم‬
‫و البنت على قلب األب ‪.‬‬
‫‪ -14‬حيب الصغار أن تتضمن األوامر الصادرة من الكبار معىن إمكانية املساعدة منهم له ‪.‬‬
‫‪ -15‬النفاق مع االبن ال يفيد ألنه قادر على اكتشاف حقيقة األمر !!!‪. S‬‬
‫‪ -16‬استجابة الولد تتأثر بالوقت و العبارات ‪ ,‬فاخرت الوقت املناسب للتوجيه أو النقد‪ S...‬وكذلك‬
‫العبارات املناسبة ‪.‬‬
‫اعلم !!!‬
‫أن هناك من هو أقدر منك على كسب ود ابنك فاجلد و اجلدة أقدر على التعامل املعقول مع األبناء‬
‫بسبب أن الوقت بالنسبة هلم وقت حصاد و لعدم تأثرهم باالنفعاالت الناجتة عن تصرف الصغري و‬
‫لقدرهتم على النزول ملستواه و لوجود اخلربة الكافية لديهما ‪ ,‬وعلى أساس أن الصغري عندمها صاحب‬
‫حق يف إجابة رغبته املعقولة ‪ ,‬و اآلباء و األمهات ينتاهبم اخلوف على مستقبل الولد و فيختلط لعبه‬
‫_ األب ‪ /‬األم _ مع االبن برغبته ‪ /‬رغبتها يف التوجيه و عدم الصرب و ضيق الوقت فتصدر األوامر‬
‫املختلطة بالتهديد ‪ ,‬وكذلك األقارب والغرباء يستطيعون أن حيققوا تواصالً جيداً يف الغالب مع‬
‫الصغري فيكون مطيعاً هلم فما هو السبب !! تأمل ستجد أن نوع العالقة اليت أنشئت ختتلف عن‬
‫العالقة اليت بينك وبينه غالباً‪.‬‬
‫الحظ !!!‬
‫أنك لست دائماً على حق و أنت تتعامل مع مشكالت أبنائك ‪ ,‬فاجعل عقلك هو ارتكاز السهم‬
‫!!! ‪.......‬و ليس عاطفتك ؟ ‪.‬‬
‫ثاين عشر ‪ :‬عوده على احلوار ‪:‬‬

‫‪563‬‬
‫تفاهم فاحلوار اهلادئ هو أساس االمتزاج و االندماج ال بد أن يُعطي فرصة لسماع ما لديه مث حماورته‬
‫هبدوء و مبنطقية و عقالنية ‪ ,‬ألنه قد ال يعرف الكثري من املعلومات عن سلبيات األمر الذي و قع فيه‬
‫و ال اجيابيات تركه ‪ ,‬ألنه مل خيرب من قبل بذلك ‪ ,‬أو أنه قد نسي ما تعلم ‪ ,‬أو كسل عنه ‪.‬‬
‫حدد ما الذي جيعلك حزيناً أو سعيداً وبلغ به يف وقت اهلدوء فقط‬
‫احبث عن مراكز القوة لديه و أبرزها له و امتدحه فيها و ال تشعره بالضعف أبداً‪.‬‬
‫البدء بالثناء عليه و مدحه و الرتكيز على األمور اليت يتقنها‬
‫افتح اجملال للحوار و افتعال املواقف لذلك ‪.‬‬
‫احبث عن السبب احلقيقي ملا دفعه لفعل ذلك األمر مث وجه أو وبخ أو عاجل و قد تلوم نفسك على‬
‫تقصريك إذا كنت منصفاً ‪ .‬مهم إجياد جو مناسب للحديث عن املخالفات ‪ ,‬و ذلك بعد أن هتدأ‬
‫األمور ألن الولد ال يدرك سلبيات فعله للصواب وال إجيابيات تركه للخطأ ‪.‬‬
‫إذا أخطأ ال تركز على إظهار مشاعر السخط أو الضجر‪ ,‬بل ركز على إيضاح التصرف املطلوب منه‬
‫مستقبالً يف مثل هذا املوقف مع مراعاة أن تكون هادئ وغري منفعل‪.‬‬
‫مثال‪:‬‬
‫( سلوك رفع صوته يف وجهك متذمراً ) فعل البد أن تُع ِرفه بسلبياته و إجيابياته مث تناقشه يف وقت‬
‫هدوءه وارتياحه و إقباله ‪ ,‬و ابدأ بالثناء عليه ميا يستحق الثناء بأي فعل آخر ‪ ,‬و طالبه بأن يكون يف‬
‫موضوع احرتام الوالدين كما هو يف ذلك األمر ( املمدوح فيه ) الحظ أنه من الضروري أن يكون‬
‫إدراكه للموضوع حمل احلوار مشابه إلدراكك أنت و أنه فهم منك ما تعنيه فعالً و أن تركيزه على‬
‫ما تقول مناسب جداً حىت تستطيع أن تطالبه مستقبال بتنفيذ ما عرفه منك من صواب يف هذا‬
‫السلوك ‪.‬‬
‫من املفيد أن يسمع حوارا عن املشكلة _ حمل النقاش _ من شخص أخر حمايد و قد يفيد افتعال‬
‫موقف جيعله يسمع احلوار على أنه من غري قصد منك ‪ ,‬أو أن يشعر أن احلديث ليس موجها إليه هو‬
‫بالذات ‪.‬‬
‫إذا ال تواجه املشكالت منفرداً فمسامهة أي شخص آخر يف معاجلة األمور مهم ‪.‬‬
‫كمخلوق اجتماعي حتتاج إىل أن تناقش مشكالتك مع أشخاص آخربن ممن يولونك و توليهم‬
‫اهتماما خاصا ‪ ,‬أو ممن مر بنفس املشكلة أو من أصحاب اخلربة ‪.‬‬
‫مستشارو القروض املالية يقولون ‪:‬‬
‫إن الشيء الوحيد الذي حيققه إخفاء مشكالتك هو ضمان عدم مساعدة غريك لك يف احلل ‪.‬‬
‫امسع ما لديه أو امجع معلومات ‪ .......‬ماذا يدور يف خلده ؟ ما هي رؤيته للمشكلة ومن يؤثر عليه‬
‫؟ و ما هي املعلومات اليت تصل إليه ؟‬

‫‪564‬‬
‫ثالث عشر‪ :‬استغل الصداقة‪.‬‬
‫ملاذا الصداقة ‪....‬؟‪ , S‬الصداقة ال بد له منها ‪ ,‬وأنت تستفيد منها ‪ ,‬كإيصال رسالة ال تستطيعها ‪ ,‬و‬
‫قد جتد عند الصديق الكثري من الدعم و املشاركة لألفراح و األحزان ‪.‬الصداقة على التقى هتزم املال ‪,‬‬
‫و إذا أردت أن تعرف هل فالن سعيد فال تسأله عن رصيده يف البنك ولكن سله عن عالقته بربه مث‬
‫عن عدد أصدقائه الذين حيبهم وحيبونه ؟ ‪.‬‬
‫رابع عشر ‪ :‬أغلق التلفاز‬
‫و لكن حبكمة و أوجد بديالً يساعد على حتقيق أهدافك‪S!!!....‬‬
‫التلفاز ما هو إال حشوت الكرمية اليت تبعدك عن جوهر الطعام ‪ ,‬يقطع فرص التواصل الطبيعية ‪,‬‬
‫يسرق وقتنا وال يعيده أبداً ‪ ,‬افتحه عندما يكون هناك ما يستحق املشاهدة ‪ ,‬إنه يفرض علينا ما‬
‫نشاهد وال خنتار ما جيب أن نشاهد !! مثل من يدخل السوق و يشرتي كل ما يراه أمامه مث عندما‬
‫يعود لداره يكتشف ضعف نفسه وقلة عقله ‪.‬‬
‫ال تقبل الصورة اليت ينقلها لك التلفاز أو الناس من حولك ‪.‬‬
‫خامس عشر ‪ :‬آخر العالج الكي‬
‫عندما تسري األمور على خالف ما تراه ‪ ! S...‬ومل تتيقن اخلطأ ‪ , !..‬ال تفرتض أن هناك خطأ كبرياً‬
‫يستحق العقاب ‪ S!...‬أو أنه فعل ذلك لتحقيق مصلحة شخصية فردية له ‪ ,!...‬أو أنه كان يريد النيل‬
‫منك‪,! ...‬‬
‫افرتض أنه حمق‪ S!....‬أو جمتهد معذور ‪ , !....‬أو خمطئ حيتاج التوجيه‪! ....‬‬
‫و أحذر العقاب وقت الغضب فال جتعل كتفه ملعباً تلهو فيه _ بكرة القلق الزائد املوجود لديك ‪,‬‬
‫العقاب املثمر هو ما تضمن التايل‪:‬‬
‫‪ -1‬تعليم السلوك املرغوب فيه و التحذير من السلوك املرفوض وذلك قبل الوقوع يف اخلطأ ‪.‬‬
‫‪ -2‬االتفاق على العقوبة حال اخلطأ ‪ ,‬حبيث تكون مناسبة حلجم اخلطأ ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن يفهم أن هذا خطُأ يستحق العقوبة عليه ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن يدرك أن العقوبة متجهة للسلوك و ليس لشخصه هو ‪.‬‬
‫وأخرياً تأكد من أنه أدرك خطأه حىت ال يكون للعقوبة أثر سليب جيلب العناد أو التمرد ‪.‬‬
‫كن حكيماً يف عقدك للمقارنات‬
‫يف الواقع أنه مل يتغري شيء نتيجة للمقارنة ‪ !!!...‬االَ أن شعورنا جتاه حياتنا ميكن أن يتغري بشكل‬
‫كبري بناء على تلك املقارنة ‪ ,‬فكثري من حاالت الشعور بالرضا أو عدم الرضا تعود إىل كيفية مقارنة‬
‫أنفسنا باآلخرين من هم أفضل منا أو قل حظاً منا ! يف تربية أوالدهم ‪.‬‬
‫فوض غريك ينكر عليه باألسلوب املناسب إذا وقع يف منكر ‪.‬‬

‫‪565‬‬
‫عليك أن تبقى دائماً مع احلقيقة و تسعى جاهداً على حتسني األمور !‪ S...‬كل حيلم بأسرة مثالية‬
‫ولكن ينجح يف حتقيق شيئاً من ذلك الواقعيني منهم !! ‪.‬‬
‫إذا مل تكن متأكداً ‪ S....‬ليكن ختمينك على األقل ‪ .....‬إجيابيا انتبه فقد حتصل على ما تريد بأبسط‬
‫طريق‪.‬‬
‫افعل ما تقول أنك ستفعله ‪ .‬ال تكن عدوانياً ‪ .‬ال تفكر يف مبدأ ( ماذا لو ) ‪ .‬طور اهتماماً مشرتكاً‬
‫مع االبن و العبه ‪ .‬اضحك معه ومازحه ‪ .‬لتكن محامة سالم ‪ .‬ال تساوم على أخالقياتك ‪ .‬ال‬
‫تشرتي السعادة باملال فقط ‪.‬‬
‫أخرياً تذكر أن مشوار الرتبية طويل و البداية الصحيحة ختتصره و وتضفي عليه طعماً خمتلفاً ‪,‬‬
‫و اطلب العون من اهلل و استعن وال تعجز و ال تقل لو أين فعلت كذا لكان كذا و لكن جدد و و‬
‫اصل العمل و قل قدر اهلل و ما شاء فعل مث ابذل السبب ‪.‬‬
‫و احلمد هلل رب العاملني‬
‫املصدر موقع املريب‬
‫ــــــــ‬

‫‪566‬‬
‫دور معلم التربية اإلسالمية في تربية الطالب‬
‫علي بن عبدالعزيز الراجحي‬
‫خالصة الورقة‬
‫احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا حممد عليه أفضل الصالة وأمت التسليم ‪ ،‬فهذا‬
‫خالصة ورقة العمل اليت بعنوان (دور معلم الرتبية اإلسالمية يف تربية الطالب) وهي تشمل على ثالثة‬
‫حماور ‪:‬‬
‫احملور األول ‪ :‬أخالق معلم الرتبية اإلسالمية وهي ما يلي ‪:‬‬
‫اإلخالص هلل ‪ ،‬القدوة احلسنة ‪ ،‬الصدق والوفاء بالوعد‪ ،‬التواضع ‪ ،‬التحلي باألخالق الفاضلة‬
‫واحلميدة ‪ ،‬العدل واملساواة ‪ ،‬الشجاعة ‪ ،‬الصرب واحتمال الغضب ‪ ،‬التشجيع ‪ ،‬التعاون ‪ ،‬الشورى ‪،‬‬
‫استشعار باملسئولية ‪ ،‬الرمحة ‪ ،‬حسن املظهر ‪ ،‬التقوى ‪ ،‬عدم االستعجال ‪ ،‬العلم ‪.‬‬
‫احملور الثاين ‪ :‬العالقة بني معلم الرتبية اإلسالمية والطالب‪:‬‬
‫وحيتوي على أمهيئة العالقات ‪ ،‬و تعريفها ‪ ،‬واألسس اليت تبىن عليها العالقات األخوية ‪ ،‬و املبادئ‬
‫اليت البد ملعلم الرتبية اإلسالمية من تطبقها لبناء العالقات يف توجيه الطالب ‪.‬‬
‫احملور الثالث ‪ :‬جماالت دور معلم الرتبية اإلسالمية يف توجيه الطالب ‪:‬‬
‫التعارف ‪ ،‬التناصح ‪ ،‬حفظ املواعيد ‪ ،‬حفظ املعلم على كتمان سر طلبته ‪..........‬اخل‪S.‬‬
‫هذا اهلل أسال أن ينفع مبا كتبنا ‪ ،‬وأن يوفقنا ملا حيبه ويرضى ‪ ،‬من صاحل األقوال واألعمال ‪ ،‬وصلى‬
‫اهلل على نبينا حممد وعلى صحبه أمجعني ‪.‬‬
‫املقدمة‬
‫احلمد هلل ‪ ،‬حنمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باهلل من شرور أنفسنا ‪ ،‬وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من‬
‫يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادي له وأشهد أال إله إالَّ اهلل وحده ال شريك له وأشهد أن‬
‫حممداً عبده ورسوله صلى اهلل عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثرياً ‪َّ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فال خيفى ما ملعلم الرتبية اإلسالمية من أثر يف توجيه الطالب إذا هو ختلق باألخالق احلميدة وعمل به‬
‫‪.‬‬
‫وبناء على ذلك فقد مت إعداد هذه الورقة بعنوان (دور معلم الرتبية اإلسالمية يف تربية الطالب) وهذه‬
‫الورقة تشمل على ثالثة حماور ‪:‬‬
‫احملور األول ‪ :‬أخالق معلم الرتبية اإلسالمية‪.‬‬
‫احملور الثاين ‪ :‬العالقة بني معلم الرتبية اإلسالمية والطالب ‪.‬‬
‫احملور الثالث ‪ :‬جماالت دور معلم الرتبية اإلسالمية يف توجيه الطالب ‪.‬‬

‫‪567‬‬
‫وال شك أن هذه احملاور هلا دور كبري يف بناء اجملتمع الرتبوي الصاحل النافع ‪ ،‬وذلك ألن دور املعلم يف‬
‫بناء شخصية الطالب هلا أثر عظيم إذا كانت تقوم على أخالق مؤثره وأسس قوية فعالة ‪ ،‬والطالب‬
‫هم نتاج ما يقوم به املعلم يف اجملتمع املدرسي من إصالح أو ضده ‪.‬‬
‫فهذه ورقة عمل لعل اهلل أن يكتب هلا اخلري وتسهم يف بناء اجملتمع الذي يسعى له كل مسلم يريد‬
‫اخلري والفالح والعزة هلذه األمة ‪.‬‬
‫ومسك اخلتام اهلل أسال للجميع العلم النافع والعمل الصاحل وصلى اهلل على حبيبنا حممد وعلى آله‬
‫وصحبه أمجعني ‪.‬‬
‫احملور األول ‪ :‬أخالق معلم الرتبية اإلسالمية‬
‫من أهم األخالق والصفات اليت ينبغي ملعلم الرتبية اإلسالمية أن يتصف هبا ما يلي ‪:‬‬
‫[‪ ]1‬اإلخالص هلل ‪:‬‬
‫أن هذا اخللق من األخالق اليت ينبغي ملعلم الرتبية اإلسالمية أن يتصف هبا وذلك ألن هذا اخللق هو‬
‫أساس اإلعمال واألقوال و أن حيررها من شوائب الرياء والسمعة وثناء الناس وشكرهم ‪ ،‬فعمله هلل‬
‫وباهلل وهلذا ثبت من حديث عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ( إمنا‬
‫األعمال بالنيات ‪ ،‬وإمنا لكل امرئ ما نوى ‪ ،‬فمن كانت هجرته إىل اهلل ورسوله فهجرته إىل اهلل‬
‫ورسوله ‪ ،‬ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ‪ ،‬فهجرته إىل ما هاجر إليه ) (متفق‬
‫عليه) ‪ .‬ولذا كان حري مبعلم الرتبية اإلسالمية أن يغرس يف نفسه هذا اخللق العظيم وهو إخالص‬
‫العمل هلل ‪ ،‬وابتغاء األجر والثواب منه ‪،‬وإذا حصل بعد ذلك مدح وثناء له من الغري فذلك فضل من‬
‫اهلل ونعمة ‪ ،‬ومدار ذلك كله على النية ‪.‬‬
‫فعلى املعلم الداعية أن حيرر النية ‪ ،‬ويقصد وجه اهلل تعاىل يف كل عمل يقوم به ‪ ،‬ليكون عند اهلل من‬
‫املقبولني ‪ ،‬وبني تالميذه من احملبوبني واملؤثرين ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 2‬القدوة احلسنة ‪:‬‬
‫من مسات معلم الرتبية اإلسالمية أن يظهر أمام الغري بالقدوة احلسنة ال سيما إمام الطالب وذلك بكل‬
‫َّ ِ‬
‫ما حيمل هذه اخللق من معاين ‪ ،‬وذلك من خالل مطابقة القول للعمل قال تعاىل ‪ ( :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ين‬
‫َآمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما ال َت ْف َعلُو َن * َكُبَر َم ْقتاً ِعْن َد اللَّ ِه َأ ْن َت ُقولُوا َما ال َت ْف َعلُو َن) (سورة الصف اآليتان‬
‫‪ . )3،2‬ومطابقة القول العمل ‪ ،‬أسرع يف االستجابة من جمرد القول مبفرده ‪.‬واملعلم هو من أحوج‬
‫الناس إىل التزام هذا اخللق يف واقع حياته فضالً عن عمله الذي يتطلب منه هذا اخللق وذلك ألنه‬
‫قدوة حيتذى به‪ ،‬وأن يقتدي بالنيب ‪ ‬يف مظهره وخمربه فيكون قدوة حسنة لطالبه وزمالئه ‪.‬‬
‫ويعود املعلم الطالب دائماً‬ ‫وأن يعمل مبا يأمر به الطالب من اآلداب واألخالق وغريها من العلوم ‪ّ ،‬‬
‫على البسملة قبل البدء مع ذكر خطبة احلاجة مث إظهار احلوقلة عند احلزن واهلم ‪ ،‬وبيان الشكر‬

‫‪568‬‬
‫اللفظي والفعلي عند الفرح والسرور ‪ ،‬والتسبيح عند االستغراب ‪ ،‬والتكبري عند اإلعجاب ‪ ،‬وغريها‬
‫من األشياء اليت البد أن تتكرر أمام الطالب فتؤدي إىل تعويد الطالب على تلك األلفاظ ‪ .‬وتدفعه‬
‫لتعلم معناها ويرى الطالب يف خطاب معلمه األلفاظ القرآنية والعبارات النبوية ‪.‬‬
‫فإلقاء ورد السالم من أعظم ما يتعلمه الطالب يقول النيب صلى اهلل عيه وسلم ( ََأوال َُأدلُّ ُك ْم َعلَى‬
‫الم َبْينَ ُك ْم ‪( ) ..‬رواه مسلم) ‪.‬‬ ‫َش ْي ٍء ِإ َذا َف َع ْلتُ ُموهُ حَتَ َابْبتُ ْم َأفْ ُشوا َّ‬
‫الس َ‬
‫[ ‪ ] 3‬الصدق والوفاء بالوعد‪:‬‬
‫أن إتصاف معلم الرتبية اإلسالمية بصفة الصدق عند قيامة بعمله من أهم الصفات وذلك ألن عمله‬
‫يقتضي منه ذلك ‪ ،‬وهلذا أثىن اهلل على الصادقني ‪ ،‬ورغب املؤمنني أن يكونوا من أهله بقوله تعاىل ‪:‬‬
‫ني) (سورة التوبة آية ‪ )119‬وأرشد الرسول ‪ ‬إىل‬ ‫(يا َأيُّها الَّ ِذين آمنوا َّات ُقوا اللَّه و ُكونُوا مع َّ ِ ِ‬
‫الصادق َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ‬ ‫َ َُ‬ ‫َ َ‬
‫أن الصدق يهدي إىل اجلنة كما ثبت من حديث عبداهلل بن مسعود رضي اهلل عنه قال ( إن الصدق‬
‫يهدي إىل الرب ‪ ،‬وإن الرب يهدي إىل اجلنة ‪ ،‬وإن الرجل ليصدق ويتحرى الصدق حىت يكتب عند اهلل‬
‫صديقاً ‪ ،‬وإن الكذب يهدي إىل الفجور ‪ ،‬وإن الفجور يهدي إىل النار ‪ ،‬وإن الرجل ليكذب‬
‫ويتحرى الكذب حىت يكتب عند اهلل كذاباً ) (متفق عليه) وعند تأمل السرية النبوية ‪ ،‬جند أن النيب‬
‫‪ ‬كان يسمى بالصادق األمني ‪ ،‬ولقد كان ال تصافه ‪ ‬بالصدق أثراً كبرياً يف دخول كثري من‬
‫الناس يف دين اهلل ‪ ،‬فمعلم الرتبية اإلسالمية أوىل هبذه الصفة عن غريه من املعلمني ‪ .‬ومثرة صدقه‬
‫يدعو املعلم إىل الثقة به ومبا يقول ‪ ،‬وجيعله يكسب احرتام الطالب ‪ ،‬ويرفع من شأنه يف عمله ‪،‬‬
‫ويتمثل صدقه يف املسئولية امللقاة على عاتقه ‪ ،‬واليت منها نقل املعرفة مبا فيها من حقائق ومعلومات‬
‫للطالب ‪ ،‬فإن مل يكن املعلم متحلياً بالصدق فإنه سينقل هلم علماً ناقصاً ومبتوراً ‪ ،‬وحقائق‬
‫ومعلومات مغايرة للصورة اليت جيب أن ينقلها ‪ ،‬وجتارب تربوية غري واقعية ‪ ،‬ورمبا يُسقط من أعني‬
‫غريه ‪.‬‬
‫فالصدق تاج على رأس املعلم ‪ ,‬فإذا فقده فقد ثقة الناس بعلمه وما ميليه عليهم من معلومات فالطالب‬
‫غالباً يتقبل كل ما يقوله معلمه ‪.‬‬
‫فالصدق خلق عظيم ينبغي على املعلم أن يزرعه يف طالبه وليكن مطبقاً له يف أقواله وأفعاله حىت يف‬
‫املزاح فيمزح وال يقول إال حقاً تأسياً بالنيب ‪. ‬‬
‫وليحذر املعلم أن يكذب على طالبه ولو مازحاً أو متأوالً ‪ ،‬وإذا وعدهم بشيء فعليه أن يفي بوعده‬
‫ألن الطالب يعرفون الكذب ويدركونه ‪ ،‬وإن مل يستطيعوا جماهبة املعلم به حياء منه (اإلشراف‬
‫الرتبوي ‪. )28‬‬
‫[ ‪ ] 4‬التواضع ‪:‬‬

‫‪569‬‬
‫ما أمجل هذا اخللق احلميد والصفة العالية الذي تضفي على صاحبه إجالالً ومهابة ‪ ،‬ومعلم الرتبية‬
‫اإلسالمية يف أمس احلاجة ‪ ،‬إىل التخلق هبذا اخللق العظيم ‪ ،‬ملا فيه من حتقيق االقتداء بسيد املرسلني ‪،‬‬
‫وملا فيه من الرفعة له ملا ثبت من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه عن رسول اهلل صلى اهلل عيه وسلم‬
‫قال (ما نقصت صدقة من مال وما زاد اهلل عبدا بعفو إال عزاً وما تواضع أحد هلل إال رفعه اهلل) (رواه‬
‫مسلم) وهلذا كان حاجة املعلم إىل التواضع مطلوبة وهي مسه البد من توفرها يف املعلم ‪ ،‬ألن عمله‬
‫التوجيهي يقتضي االتصال بالطالب والقرب منهم حىت ال جيدوا حرجاً يف سؤاله ‪ ،‬وألن النفوس ال‬
‫تسرتيح ملتكرب أو مغرت بعمله ‪.‬وهلذا قال رسول اهلل ‪( ‬إن اهلل أوحى إىل أن تواضعوا حىت ال يفخر‬
‫ك لِ َم ِن‬
‫اح َ‬‫ض َجنَ َ‬
‫أحد على أحد ‪ ،‬وال يبغي أحد على أحد ) (رواه مسلم ) ‪ ،‬وقوله تعاىل (و ِ‬
‫اخف ْ‬
‫َ ْ‬
‫ني) (سورة الشعراء آية ‪ )215‬و أن يكون رحيماً بطالبه من غري ضعف مع قوة يف‬ ‫ِِ‬ ‫اتَّبع َ ِ‬
‫ك م َن الْ ُمْؤ من َ‬ ‫ََ‬
‫الشخصية من غري صلف أو انفعال أو ظلم أو جرح لشعور اآلخرين ‪.‬‬
‫ومن آضرار التكرب و عدم التواضع الذي قد يصيب بعض املعلمني جحوده للحق وعدم اخلضوع له ‪،‬‬
‫والغرور مبا لديه من علم وخربه ‪ ،‬وعدم وصوله إىل أهداف عمله ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 5‬التحلي باألخالق الفاضلة واحلميدة ‪:‬‬
‫ال شك أن الكلمة الطيبة والعبارة احلسنة تفعل أثرها يف النفوس ‪ ،‬وتؤلف القلوب ‪ ،‬وتذهب الضغائن‬
‫واألحقاد من الصدور ‪ ،‬وهلذا كان التعبريات اليت تظهر على وجه املعلم حتدث مردوداً إجيابياً أو‬
‫سلبياً لدى املعلم ‪ ،‬وذلك ألن انبساط الوجه وطالقته مما تأنس به النفس وترتاح إليه ‪ .‬وخالف ذلك‬
‫مما تنفر منه النفوس وتنكره ‪ ،‬والرسول ‪ ‬كان أطيب الناس روحاً ونفساً ‪ ،‬وكان أعظمهم خلقاً‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم ) (سورة القلم آية ‪ )4‬ومل‬ ‫يقول اهلل تعاىل عن خلق أشرف األنبياء واملرسلني( َوِإن َ‬
‫يكن فظاً غليظاً حاد الطباع بل كان سهالً مسحاً ليناً رءوفاً بأمته كما قال تعاىل (فَبِ َما َرمْح ٍَة ِم َن اللَّ ِه‬
‫ِ‬ ‫ت فَظّاً َغلِي َ‬ ‫ِ‬
‫ك ) (سور آل عمران آية ‪( )159‬التوجيه‬ ‫ب اَل ْن َفضُّوا ِم ْن َح ْول َ‬
‫ظ الْ َق ْل ِ‬ ‫ت هَلُ ْم َولَ ْو ُكْن َ‬
‫لْن َ‬
‫الرتبوي ‪.)74‬‬
‫[ ‪ ] 6‬العدل واملساواة ‪:‬‬
‫من الصفات اليت أن يتصف هبا معلم الرتبية اإلسالمية أن يتحلى هبذه الصفتني ‪ ،‬قال تعاىل ‪ ( :‬إن اهلل‬
‫يأمر بالعدل واإلحسان وإيتآي ذي القرىب وينهى عن الفحشاء واملنكر والبغي لعلكم تذكرون )‬
‫(سورة النحل‪ )90‬فالعدل الذي أمر اهلل به ‪ ،‬يشمل العدل يف معاملة اخللق و القيام بالقسط ‪ ،‬وهو‬
‫مطلب من مطالب احلياة السليمة ‪ ،‬ويتأكد العدل يف عمل املعلم يف تقومييه لألقوال واألعمال اليت‬
‫يسمعها أو يشاهدها ‪ ،‬فال جمال حملاباة أحد ‪ ،‬أو تفضيل أحد على أحد سواء لقرابته أو معرفته أو‬
‫ألي أمر كان ‪ ،‬فإن هذا من الظلم الذي ال يرضاه اهلل وصاحبه متوعد بالعقوبة ‪ .‬واختالل هذا امليزان‬

‫‪570‬‬
‫عند املعلم ‪ ،‬أي وجود التميز بني الطالب ‪ ،‬كفيل بان خيلق التوتر وعدم االنسجام والعداوة والبغضاء‬
‫بني املعلم والطالب ‪.‬‬
‫[‪ ] 7‬الشجاعة ‪:‬‬
‫واملقصود‪ S‬بالشجاعة هنا هي شجاعة الكلمة ‪ ،‬واالعرتاف باخلطأ ‪ ،‬وهذا ال يكاد يسلم منه أحد ‪،‬‬
‫ولو كان على حساب النفس ‪ ،‬وهذا واهلل ليزيد املسلم عزاً ورفعة ‪ ،‬وال ينقص من قدره شيئاً ‪ ،‬ومن‬
‫ظن غري ذلك فقد حاد عن جادة الصواب ‪ .‬واملعلم حبكم وظيفته ‪ ،‬معرض ملثل هذه املواقف ‪ ،‬فيا‬
‫ترى ماذا يقول املعلم إذا جانب الصواب ‪ ،‬مث بان له الصواب ‪ ،‬فهل يبادر إىل استدراك ويعرتف‬
‫باخلطأ لغريه (اإلشراف الرتبوي ‪.)28‬‬
‫[ ‪ ] 8‬الصرب واحتمال الغضب ‪:‬‬
‫الصرب منزلة رفيعة ال يناهلا إال ذوو اهلمم العالية ‪ ،‬والنفوس الزكية ‪ .‬والغضب هو ثورة يف النفس ‪،‬‬
‫يفقد فيها الغاضب اتزانه ‪ ،‬وتنقلب املوازين عنده ‪ ،‬فال يكاد مييز بني احلق والباطل ‪ ،‬وهي خصلة غري‬
‫حممودة ‪ .‬ووجه تعلق هذا اخللق باملعلم ‪ ،‬هو أن املعلم يتعامل مع أفراد خيتلفون يف الطباع ‪ ،‬واألفكار‬
‫‪ ،‬فمنهم اجليد ‪ ،‬ومنهم الضعيف ‪ ،‬وهذا اخللق ليس سهل املنال ‪ ،‬بل إنه حيتاج إىل طول ممارسة من‬
‫املعلم حىت يعتاد ذلك ويألفه ‪ .‬وفقدان الصرب يوقع املعلم يف حرج شديد ‪ ،‬خصوصاً إذا كان ذلك‬
‫أثناء ممارسته لعمله ‪ ،‬فإن املعلم يواجه عقليات متفاوتة يف اإلدراك والتصور ‪ ،‬واالستجابة ‪ ،‬إىل غري‬
‫ذلك ‪ .‬بل إن من أشدها وقعاً وأثراً على املعلم وهو ما إذا تعرض املعلم لكلمة نابية من غريه ‪ ،‬وليس‬
‫ذلك مبستغرب من البشر الختالفهم يف الطباع ‪ ،‬واإلدراك وحنو ذلك ‪.‬‬
‫إن احتواء الغضب والسيطرة عليه ‪ ،‬عالمة قوة شخصية للمعلم ‪ ،‬وليست عالمة ضعف ‪ ،‬خصوصاً‬
‫إذا كان ذلك املعلم قادراً على إنفاذ ما يريد ‪ ،‬وقدوته يف ذلك الرسول ‪ ‬حيث أخرب بذلك بقوله‬
‫كما يف حديث عن أيب هريرة رضي اهلل عنه ‪( :‬ليس الشديد بالصرعة ‪ ،‬إمنا الشديد الذي ميلك نفسه‬
‫عند الغضب ) (متفق عليه)‪.‬‬
‫[ ‪ ] 9‬التشجيع ‪:‬‬
‫ض َل َبْينَ ُك ْم ) (سورة البقرة آية ‪ )237‬فاملعلم الرتبوي البد أن خيتار من‬‫(وال َتْن َس ُوا الْ َف ْ‬
‫قال اهلل تعاىل َ‬
‫أساليب التشجيع ما يناسب الطالب مع مراعاة يف ذلك الفروق الفردية ‪.‬‬
‫[‪ ] 10‬التعاون ‪:‬‬
‫(و َت َع َاونُوا َعلَى الْرِب ِّ َو َّ‬
‫الت ْق َوى ) (سورة املائدة آية ‪ )2‬فالبد ملعلم الرتبية اإلسالمية أن يشجع‬ ‫قال تعاىل َ‬
‫العمل اجلماعي ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 11‬الشورى ‪:‬‬

‫‪571‬‬
‫قال تعاىل (وشاورهم يف األمر ) (سورة آل عمران آية ‪ )159‬وللشورى أمهية عظيمة ألنه يفيض‬
‫على العمل جو العالقات احلميدة بتقوية رابطة األلفة واحملبة بني املعلم والطالب وحتقيق الراحة‬
‫والرضا والطمأنينة هلم مما يؤدي إىل سرعة تقبل العمل املطلوب ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 12‬استشعار باملسئولية ‪:‬‬
‫فالشعور باملسئولية يؤدي إىل اإلحساس باإليثار وحب اآلخرين ‪ ،‬ولذلك عليه أن ينطلق بكليته يف‬
‫مراقبة ومالحظة الطالب ‪ ،‬ويف توجهيه وتعويده وتأديبه ‪ ،‬فاملعلم جيب عليه أن ينهض هبذه املسئولية‬
‫على أكمل وجه ‪ ،‬واضعاً نصب عينيه غضب اهلل تعاىل عليه إذا هو فرط ‪ ،‬ألن املسؤولية يوم العرض‬
‫األكرب ثقيلة واحملاسبة عسرية ‪ ،‬واهلول عظيم ‪.‬‬
‫وإذا أمهل املعلم واجبه ‪ ،‬ووجه طالب حنو االحنراف ‪ ،‬واملبادئ اهلدامة ‪ ،‬والسلوك السيئ ‪ ،‬شقي‬
‫الطالب ‪ ،‬وشقي املعلم ‪ ،‬وكان الوزر يف عنقه ‪ ،‬وأنه مسئول أمام اهلل تعاىل فاملعلم راع يف مدرسته ‪،‬‬
‫وهو مسئول عن رعيته ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 13‬الرمحة ‪:‬‬
‫فالرمحة بني الطالب يف اجملال الرتبوي تعترب من الصفات اليت ينبغي ملعلم الرتبية اإلسالمية أن يتصف‬
‫هبا فعن جرير بن عبداهلل رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول ‪ ( ‬اليرحم اهلل من اليرحم الناس ) (رواه‬
‫البخاري) ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 14‬حسن املظهر ‪:‬‬
‫أن يكون حسن اهليئة من غري تكلف وأن يبتعد عن مظاهر الشهرة ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 15‬التقوى‪:‬‬
‫ين َآمنُوا َّات ُقوا اللَّهَ َح َّق‬ ‫َّ ِ‬
‫أن يتقي اهلل بفعل ما أمر واجتناب ما هنى اهلل عنه وزجر ممتثالً ‪ ( :‬يَا َأيُّ َها الذ َ‬
‫ُت َقاتِِه ) (سورة آل عمران ‪ )102‬متحرياً ذلك أشد التحري وإنه إذا مل يكن املعلم متسلحاً بالتقوى‬
‫وملتزماً يف سلوكه ومعاملته منهج اإلسالم ‪ .‬فإن الطالب حيس بالتناقض يف داخله مما يدفعه إىل‬
‫االحنراف عن الطريق القومي ‪.‬‬
‫فهو يتقي اهلل ويلتزم بإهناء املنهج ‪.‬‬
‫وهو يتقي اهلل وال يظلم طالب وحيايب آخر ملعرفة أو ود أو واسطة ‪.‬‬
‫وهو يتقى اهلل وال يعامل الطالب بناءً على مظهرهم أو قبيلتهم ولكن بناءً دينهم والتزامهم‬
‫واجتهادهم ‪.‬‬
‫وهو يتقي اهلل فال يغش فيبيع األسئلة ويضع الدرجات وهكذا تضيع هيبة العلم وأنه يقوم مبهمة‬
‫األنبياء والرسل ‪ ،‬فكيف حُي ل لنفسه أن يبيع دينه من أجل عرض من الدنيا ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 16‬عدم االستعجال ‪:‬‬

‫‪572‬‬
‫عدم استعجال مثرة جهدك وجهادك وتعليمك ودعوتك ‪ ،‬فما أنت إال جمرد زارع يغرس الزرع‬
‫ويبذر البذر ويفعل السبب ‪ ،‬فال تتوقع أن يثمر جهدك يف كل من هم حولك فقد ال خيرج من مائة‬
‫علمتهم ودعوهتم عشرة بل واحد ‪.‬‬
‫[ ‪ ] 17‬العلم ‪:‬‬
‫جيب أن يكون املعلم متمكناً يف مادته العلمية املو ّكل بتدريسها ألهنا أمانة وجيب عليها أن يؤديها‬
‫على أمت وجه ‪.‬‬
‫ولكن جيب أن ال يغفل عن طلب العلم الشرعي الذي هو واجب على كل إنسان معلماً كان أو‬
‫متعلماً ‪ ،‬وأن يكون ملماً باألحكام الشرعية واألمور األساسية اليت جيب على املسلم أن يعرفها فضالً‬
‫عن املعلم الذي يقتدى به ‪ ،‬ألنه حمل ثقة ‪ ،‬وله احرتام وتقدير لدى الطالب ‪ ،‬مما يدفعهم لسؤاله فإن‬
‫أخطأ سقط من أعينهم أو أخذوا منه حكماً باطالً ‪.‬‬
‫احملور الثاين ‪ :‬العالقة بني معلم الرتبية اإلسالمية والطالب‬
‫ال خيفى على أحد أمهيئة العالقة بني البشر ال سيما بني األشخاص يف جمتمع العمل الواحد وال ميكن‬
‫ملعلم الرتبية اإلسالمية أن يرتك أثراً يف عمله اإل من خالل العالقات اليت جاءت يف النصوص الشرعية‬
‫وهلذا بعث اهلل سبحانه وتعاىل رسوله ‪ ‬بتلك الصفات اليت تعترب مبادئ وركائز انبثقت منها‬
‫ٍِ ِِ‬
‫العالقات يف اإلسالم ‪ ،‬حيث وصف اهلل تعاىل رسوله بقوله تعاىل( فَبِ َما َرمْح َة م َن اللَّه لْن َ‬
‫ت هَلُ ْم َولَ ْو‬
‫ب اَل ْن َفضُّوا ِمن حولِك فَاعف عْنهم و ِ‬ ‫ت فَظّاً َغلِي َ‬
‫ظ الْ َق ْل ِ‬
‫اَأْلم ِر ) (سورة‬ ‫اسَت ْغف ْر هَلُ ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم يِف ْ‬
‫ْ َْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ‬ ‫ُكْن َ‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم) (سورة القلم آية ‪. )4‬‬ ‫(وِإن َ‬
‫آل عمران آية ‪ ، )159‬وقوله تعاىل َ‬
‫وثبت من حديث عن أيب هريرة رضي اهلل عنه أن رسول اهلل ‪ ‬قال (ليس الشديد بالصرعة إمنا‬
‫الشديد الذي ميلك نفسه عند الغضب ) (متفق عليه ) ‪ ،‬وعن أنس رضى اهلل عنه عن النيب ‪ ‬قال‬
‫(يسروا وال تعسروا وبشروا وال تنفروا) (متفق عليه ) ‪.‬‬
‫وعن جابر بن عبداهلل رضي اهلل عنه قال مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول ( من حيرم الرفق حيرم اخلري كله‬
‫) (رواه مسلم )‪.‬‬
‫فعندما تكون العالقه بني املعلم والطالب عالقة ود واحرتام متبادل يؤدي ذلك اىل انتاج مثمر ىف‬
‫العمل و يالحظ ذلك بزيادة العطاء واملشاركة ىف األعمال واألنشطة نتيجة حلسن تعامل املعلم ‪.‬‬
‫والعالقات األخوية ليست جمرد كلمات جماملة تقال لالخرين وامنا هي تفهم لقدرات االفراد‬
‫وطاقاهتم وظروفهم ودوافعهم وحاجاهتم ‪.‬‬
‫نعرف العالقات ‪:‬‬
‫( بأهنا سلوك مثايل من املعلم مع من حتت إشرافه من حيث املعاملة احلسنة ملا حيقق األهداف املشرتكة‬
‫بينهما ) ‪.‬‬

‫‪573‬‬
‫فينج عن ذلك اجلو القائم املبين على املعاملة الطيبة واألخالق والقيم اإلسالمية واالحرتام وتقدير‬
‫املسؤلية والتعاون واملساواة والعدل والصدق واألمانة واحملبة واأللفة بني املعلم والطالب ‪.‬‬
‫أسس العالقات اإلخوية ‪:‬‬
‫‪ .1‬إميان املعلم بقيمة كل طالب وإحرتامه وبأن لكل طالب قدراته اخلاصة‬
‫‪ .2‬احرتام رغبات الطالب وإعطائهم الفرصة للمشاركة بالرأي واختاذ القرارات يف ما يتعلق باملواقف‬
‫الرتبوية يف احلياة العملية ‪.‬‬
‫‪ .3‬تشجيع العمل اجلماعي من خالل التعاون بني الطالب ‪.‬‬
‫‪ .4‬العدل واملساواة يف معاملة الطالب ومراعاة الفروق الفردية بينهم ( أسس اإلدارة الرتبوية‬
‫واملدرسية واإلشراف الرتبوي ‪.)131‬‬
‫املبادئ اليت البد ملعلم الرتبية اإلسالمية من تطبقها لبناء العالقات يف توجيه الطالب ‪:‬‬
‫‪ .1‬تقدير املعلم جلميع الطالب واحرتام آرائهم ومقرتحاهتم وإشراكهم يف القرارات اليت تتخذ داخل‬
‫نطاق العمل وبالتايل االستفادة من جوانب القوة لدى الطالب وتصحيح جوانب الضعف عند البعض‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫‪ .2‬امتداح وتشجيع العمل اجليد الذي يصدر من الطالب ورفع معنويات الطالب وتشجيع التجديد‬
‫واالبتكار بني الطالب ‪.‬‬
‫‪ .3‬التعرف على املشاكل اليت تضايق الطالب واالشرتاك معهم يف احللول الرتبوية اليت تعاجل هذه‬
‫املشاكل ‪.‬‬
‫‪ .4‬أن يعمل املعلم على حتقيق االنسجام بني الطالب وتوزيع الواجبات بينهم بطريقة عادلة ‪.‬‬
‫‪ .5‬مراعاة الفروق الفردية بني الطالب يف القدرات الشخصية والظروف املختلفة ( أسس اإلدارة‬
‫الرتبوية واملدرسية واإلشراف الرتبوي ‪ ، 131‬اإلشراف الرتبوي ‪ ، 132‬اإلدارة واإلشراف الرتبوي‬
‫‪.)13‬‬
‫احملور الثالث ‪ :‬جماالت دور معلم الرتبية اإلسالمية يف توجيه الطالب‬
‫من تلك اجملاالت ما يلي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ التعارف‪:‬‬
‫وهو من اآلداب اإلسالمية العامة‪ ،‬اليت ال تستغىن عنها األمم واألفراد‪ ،‬وال ميكن حتقيق العالقات‬
‫بدونه‪ ،‬ولذلك كان التعارف من أهم اآلداب اإلسالمية اليت أبرزها القرآن كما قال تعاىل‪( :‬يا أيها‬
‫الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند اهلل أتقاكم)‬
‫[سورة احلجرات‪.]13 :‬‬

‫‪574‬‬
‫والتعارف اإلسالمي‪ ،‬ال بد أن يثمر األخوة اإلسالمية ‪ ،‬واحملبة املتبادلة الصادقة‪ ،‬فعلى املعلم أن حيقق‬
‫التعارف بينه وبني طالبه‪ ،‬ويتعرف على مشكالهتم‪ ،‬ليحاول حل ما قدر عليه منها‪ ،‬ويعمل على‬
‫إجياد التعارف بينه طلبته بعضهم مع بعض كذلك‪.‬‬
‫‪2‬ـ التناصح‪:‬‬
‫من العوامل اليت تقوي الصلة بني املعلم وطلبته‪ ،‬أن يتواصى معهم باحلق‪ ،‬فال يسكت عن منكر وخطأ‬
‫يراه يف طالب‪ ،‬بل يسرع يف نصحه سراً‪ ،‬فإذا اقتضى األمر نصحه علناً نصحه‪.‬‬
‫ويدرهبم أيضاً على أن يتناصحوا فيما بينهم حبكمة ولطف وتواضع؛ ألهنم إذا مل حيققوا التناصح فيما‬
‫بينهم‪ ،‬وهم يف ميدان التلقي والطلب‪ ،‬فسيكون األمر كذلك عندما يدخلون يف ميدان العمل‬
‫واملمارسة‪ ،‬ويف ذلك ما فيه من خطورة على مستقبل العمل لإلسالم‪.‬‬
‫وعلى املعلم أن يتقبل نصح طلبته له أيضاً‪ ،‬فهو بشر خيطئ ويصيب مثلهم‪ ،‬وإن كان املفروض أن‬
‫يكون أقل خطًأ وأكثر صواباً‪ ،‬وعليهم أن ينصحوه وال يرتددوا يف نصحه بأدب ولطف‪ ،‬واألفضل أن‬
‫يكون نصح الطالب ملعلمه على سبيل اإلشكال واالستفسار‪.‬‬
‫وعلى اجلميع أن يكون هدفهم من النصح‪ ،‬حمبة اخلري للمنصوح عن إخالص وتواضع ال عن رياء‬
‫وتكرب وتشهري‪.‬‬
‫وباألمر باملعروف والنهي عن املنكر يستقيم أمر املسلمني‪ ،‬وبدوهنما تضطرب األمور‪ ،‬وتنشر الفوضى‬
‫والظلم ‪.‬‬
‫‪3‬ـ حفظ املواعيد ‪:‬‬
‫وعدم تأخره عنها‪ ،‬وكذلك حفاظ الطالب على مواعيدهم مع املعلم ‪ ،‬وعدم التساهل يف ذلك ملا فيه‬
‫من احملاذير الكثرية ‪.‬‬
‫‪4‬ـ حفاظ املعلم على كتمان سر طلبته‪:‬‬
‫وال يليق باملعلم إفشاء أسرار طلبته‪ ،‬بل عليه كتماهنا‪ ،‬كما ال يليق بالطلبة‪ ،‬إفشاء أسرر املعلم وال سر‬
‫بعضهم بعضاً‪ ،‬فيجب على كل أخ عدم إفشاء سر أخيه‪.‬‬
‫‪5‬ـ إقامة حلقة القرآن الصباحية ‪:‬‬
‫وتكون يف وقت الطابور حبيث من يرغب املشاركة فيها يُعفى من حضور الطابور ‪ ،‬ومدهتا تقريباً‬
‫‪ 20‬دقيقة حيفظ فيها الطالب كل يوم بعض اآليات من كتاب اهلل ‪ ،‬مع وجود سجل للحضور‬
‫والغياب واحلفظ ‪.‬‬
‫‪6‬ـ النشرات التوجيهية ‪:‬‬
‫حبيث يتم توزيع النشرات اخلريية على الطالب وهي على قسمني ‪:‬‬

‫‪575‬‬
‫أ ‪ -‬نشرات توجيهية مرتبة ومسلسلة يعدُّها املعلم – وقد تكون جاهزة – يعاجل فيها بعض األخطاء‬
‫هم ( كالصالة – بر الوالدين – حفظ اللسان – صالة الوتر – حكم اإلسبال‬ ‫ذكر مبوضوع ُم ٍّ‬ ‫أو يُ ِّ‬
‫‪ S.....‬إخل ) ‪ .‬وتكون عليها أسئلة مدرجة كمسابقة مدرجة يف آخرها يكون عليها جوائز ‪.‬‬
‫ب‪ -‬نشرات توجيهية أوقات املواسم ( رمضان – عاشوراء – عشر ذي احلجة ‪ ...‬إخل ) ‪.‬‬
‫‪7‬ـ إقامة املسابقات ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مسابقة القرآن الكرمي ‪.‬‬
‫ب‪ -‬مسابقة حفظ األحاديث ‪.‬‬
‫ج‪ -‬مسابقة حفظ األذكار ‪.‬‬
‫د ‪ -‬مسابقة على نشرة أو كتيب بعد توزيعه ‪.‬‬
‫ذ ‪ -‬مسابقة عامة ( منوعة أو حبوث ) ‪.‬‬
‫‪8‬ـ إعداد بعض األعمال اخلريية يف املدرسة ( اإلعالنات – توزيع األشياء اخلريية – وضع الالفتات‬
‫اخلريية‪ S...‬إخل ) ‪.‬‬
‫‪9‬ـ تنظيم الزيارات والرحالت املمتعة املفيدة ‪ ،‬واكتشاف وتنمية مواهب الطالب ‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ تعليق أذكار الصباح يف كل فصل على لوحه جيدة ‪ ،‬حيث يسهل على الطالب ذكرها ‪ ،‬أو‬
‫تغليف كارت األذكار وإعطاؤه للطالب وحثهم عليه ‪.‬‬
‫‪11‬ـ وضع لوحة يف كل فصل ويكون فيها نصائح أو توجيهات أو إعالنات أو فتاوى أو غريها‬
‫يتوالها جمموعة من الطالب ‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ وضع شاشات تُعرض فيها األشياء املفيدة يف فناء املدرسة أو يف بعض الغرف ‪ ،‬وتستخدم إما‬
‫يف الفسح أو حصة النشاط ‪.‬‬
‫‪13‬ـ إقامة الدورات التعليمية ‪:‬‬
‫حيث تقام يف املدرسة بعض الدورات املفيدة مثل ‪ ( :‬دورة يف التجويد – دورة يف الفقة – دورة يف‬
‫الغرائض – دورة يف علوم القرآن – دورة يف اخلطابة واإللقاء – دورة يف إحدى القضايا اليت حيتاجها‬
‫الطالب ‪ ...‬إخل ) ‪ ،‬وأقرتح أن تكون داخل وقت الدوام الرمسي ( يف الفسح أو يف حصة النشاط ) ‪.‬‬
‫‪14‬ـ تعويد الطالب على فعل السنن الفعلية ‪:‬‬
‫هتيئة اجلو ألداء بعض السنن يف املدرسة كصالة الضحى والسنة الراتبة للظهر ‪ ،‬وذلك بعد حث‬
‫الطالب على ذلك ‪ 15‬ـ زيارة الطالب يف األفراح ‪:‬‬
‫ال مينع أن يزور املعلم الطالب يف األفراح ويقدم التربيكات ولكن بقدر ‪ ،‬ولو مل يتمكن من الزيارة‬
‫اكتفى بالتربيك ولو يف قاعة الدرس أمام الطالب فإن هذا سيدخل السعادة والسرور على نفس‬
‫الطالب ‪.‬‬

‫‪576‬‬
‫املراجع‬
‫‪ .1‬أسس اإلدارة الرتبوية واملدرسية واإلشراف الرتبوي ‪ ،‬تيسري الدويك وحسني ياسني وغريمها ‪،‬دار‬
‫الفكر ‪.‬‬
‫‪ .2‬اإلدارة واإلشراف الرتبوي ‪ ،‬حممد عدس وحممد الدويك وغريه ‪.‬‬
‫‪ .3‬اجلامع الصحيح املختصر (صحيح البخاري) ‪ ،‬أبو عبداهلل البخاري ‪ ،‬دار ابن كثري‪1407 ،‬هـ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،‬الطبعة الثالثة ‪.‬‬
‫‪ .4‬التوجيه الرتبوي ‪ ،‬د‪ .‬عبداحلليم بن ابراهيم العبداللطيف ‪1416 ،‬هـ ‪ ،‬دار املسلم ‪ ،‬الطبعة األوىل‪.‬‬
‫‪ .5‬العالقات األنسانية يف اإلسالم ‪ ،‬خالد املنصور ‪ ،‬مكتبة التوبة ‪ ،‬الطبعة الثانية‪1423 ،‬هـ ‪.‬‬
‫‪ .6‬صحيح مسلم ‪ ،‬مسلم بن احلجاج ‪ ،‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ ،‬بريوت ‪.‬‬
‫‪ .7‬األشراف الرتبوي ‪ ،‬د‪.‬حممد األفندي ‪ ،‬عامل الكتب ‪ ،‬الطبعة الثانية ‪.‬‬
‫‪ 46 . 8‬طريقة لنشر اخلري يف املدارس ‪ ،‬إعداد ‪ :‬إبراهيم احلمد‬
‫ــــــــ‬

‫‪577‬‬
‫دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح‬
‫خولة درويش‬
‫األمة بأبنائها وبناهتا‪ ،‬بأجياهلا البناءة املهيأة لنشر راية اإلسالم خفاقة ودحر عدوان ملل الكفر‬
‫والطغيان‪...‬‬
‫إن بناء األجيال هو الذخر الباقي ملا بعد املوت‪ ...‬وهو لذلك يستحق التشجيع واالهتمام أكثر من‬
‫بناء القصور واملنازل من احلجارة والطني‪.‬‬
‫وحيث إن الرتبية ليست مسؤولية البيت وحده؛ إذ هناك عوامل أخرى تساهم يف تربية األجيال‪،‬‬
‫فسوف نتناول الدور الرتبوي للمرأة املسلمة يف تنشئة اجليل الصاحل‪.‬‬
‫حللم يراود كل أم مسلمة متلّك اإلميان شغاف قلبها‪ ،‬وتربع حب اهلل ـ تعاىل ـ وحب رسوله الكرمي‬ ‫إنه ٌ‬
‫‪ ‬على حنايا نفسها‪ ،‬أن ترى ابنها وقد سلك سبل الرشاد‪ ،‬بعيداً عن متاهات االحنراف‪ ،‬يراقب اهلل‬
‫يف حركاته وسكناته‪ ،‬أن جتد فلذة كبدها بطالً يعيد أجماد أمته‪ ،‬عاملاً متبحراً يف أمور الدين‪ ،‬ومبتكراً‬
‫يسهل شأن الدنيا‪.‬‬ ‫كل مباح ّ‬
‫إهنا أمنية كل أم مسلمة‪ ،‬أن يكون ابنها علماً من أعالم اإلسالم‪ ،‬يتمثل أمر اهلل ـ تعاىل ـ يف أمور‬
‫حياته كلها‪ ،‬يتطلع إىل ما عنده ـ عز وجل ـ من األجر اجلزيل‪ ،‬يعيش باإلسالم ولإلسالم‪.‬‬
‫وسيبقى ذلك جمرد حلم لألم اليت تظن أن األمومة تتمثل يف اإلجناب‪ ،‬فتجعل دورها ال يتعدى دور‬
‫آلة التفريخ‪ S!...‬أو سيبقى رغبات وأماين ألم جتعل مهها إشباع معدة ابنها؛ فكأهنا قد رضيت أن جتعل‬
‫مهمتها أشبه مبهمة من يقوم بتسمني العجول‪ S!...‬وتلك األم اليت حتيط أبناءها باحلب واحلنان والتدليل‬
‫وتلبية كل ما يريدون من مطالب سواء الصاحل منها أو الطاحل‪ ،‬فهي أول من يكتوي بنار األهواء اليت‬
‫قد تلتهم ما يف جعبتها من مال‪ ،‬وما يف قلبها من قيم‪ ،‬وما يف ضمريها من أواصر؛ فإذا بابنها يبعثر‬
‫ثروهتا‪ ،‬ويهزأ باملثل العليا واألخالق النبيلة‪ ،‬ويقطع ما أمر اهلل به أن يوصل‪.‬‬
‫واألم املدلّلة أول من يتلقى طعنات االحنراف؛ وأقسى الطعنات تتمثل يف عقوق ابنها‪.‬‬
‫ولنا أن نتساءل عن أهم ما ميكن لألم أن تقدمه ألبنائها‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬اإلخالص هلل وحده‪:‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫((و َما ُأمُروا إالَّ لَي ْعبُ ُدوا اللَّهَ خُمْلص َ‬
‫ني‬ ‫إن عليها ـ قبل كل شيء ـ اإلخالص هلل وحده؛ فقد قال ـ تعاىل ـ‪َ :‬‬
‫ين ال َقيِّ َم ِة)) [البينة‪ ،]5 :‬فاحتسيب أخيت املؤمنة‬ ‫الز َكا َة و َذلِ ِ‬ ‫ِ‬
‫كد ُ‬ ‫الصال َة َويُْؤ تُوا َّ َ َ‬ ‫يموا َّ‬ ‫ِّين ُحَن َفاءَ َويُق ُ‬
‫لَهُ الد َ‬
‫كل جهد تكدحينه لرتبية األوالد‪ ،‬من سهر مض ٍن‪ ،‬أو معاناة يف التوجيه املستمر‪ ،‬أو متابعة الدراسة‪،‬‬
‫أو قيام بأعمال منزلية‪ ...‬احتسيب ذلك كله عند اهلل وحده؛ فهو وحده ال يضيع مثقال ذرة‪ ،‬فقد قال‬
‫ِ‬ ‫هِب‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ني)) [ األنبياء‪ ]47 :‬فال‬ ‫((وإن َكا َن م ْث َق َال َحبَّة ِّم ْن َخْر َد ٍل َأَتْينَا َا َو َك َفى بِنَا َحاسبِ َ‬‫ـ جل شأنه ـ‪َ :‬‬
‫جتعلي للشيطان سلطاناً إن قال‪ :‬أما آن لك أن ترتاحي‪..‬؟!‬

‫‪578‬‬
‫فالرفاهية والراحة املوقوتة ليست هدفاً ملن جتعل هدفها اجلنة ونعيمها املقيم‪.‬‬
‫ؤجر عليها إن أحسنت أداءها‪ ،‬وقد مدح الرسول ‪ ‬املرأة خبصلتني بقوله‪:‬‬ ‫واملسلمة ذات رسالة تُ َ‬
‫(خري نساء ركنب اإلبل نساء قريش‪ :‬أحناه على ولد يف صغره‪ S،‬وأدعاه على زوج يف ذات يده)(‪.)1‬‬
‫ثانياً‪ :‬العلم‪:‬‬
‫واألم املسلمة بعد أن حتيط باحلالل واحلرام تتعرف على أصول الرتبية‪ ،‬وتنمي معلوماهتا باستمرار‪.‬‬
‫ِ‬
‫ب ِز ْديِن ع ْلماً)) [طه‪ ]114 :‬فهذا ديننا دين يدعو إىل العلم‪ ،‬فلماذا ّ‬
‫حنمل‬ ‫((وقُل َّر ِّ‬‫قال ـ تعاىل ـ‪َ :‬‬
‫اإلسالم قصور تفكرينا وختلفنا عن التعلم‪ ،‬ليقال‪ :‬إن اإلسالم ال يريد تعليم املرأة‪ S...‬وإن اإلسالم‬
‫يكرس جهل املرأة؟!‬
‫ال‪ ...‬إن تارخينا اإلسالمي يزخر بالعاملات من مفسرات وحمدثات وفقيهات وشاعرات وأديبات‪ .‬كل‬
‫ذلك حسب هدي اإلسالم؛ فال اختالط وال تبجح باسم العلم والتحصيل!‬
‫فالعلم حصانة عن الرتدي واالحنراف وراء تيارات قد تبهر أضواؤها من ال تعرف السبيل احلق‪،‬‬
‫فتنجرف إىل اهلاوية باسم التجديد والتحضر الزائف‪ ،‬والتعليم الالزم للمرأة‪ ،‬تفقهاً وأساليب دعوية‪،‬‬
‫مبثوث يف الكتاب والسنة‪ .‬ومما حتتاج إليه املرأة يف أمور حياهتا ليس جماله التعلم يف املدارس فحسب‪،‬‬
‫وإمنا ميكن حتصيله بكل الطرق املشروعة يف املساجد‪ ،‬ويف البيوت‪ ،‬وعن طريق اجلريان‪ ،‬ويف الزيارات‬
‫املختلفة‪ ...‬وقد قال النيب ‪( : ‬ما بال أقوام ال يف ّقهون جرياهنم وال يعلّموهنم وال يعظوهنم وال‬
‫يفهموهنم؟! ما بال أقوام ال يتعلمون من جرياهنم وال يتفقهون وال يتعظون؟ واهلل لَيُعلّمن قوم جرياهنم‬
‫من أقوام من جرياهنم ويتعظون أو ألعاجلنهم‬ ‫ويفقهوهنم ويعظوهنم ويأمروهنم وينهوهنم‪َ ،‬ولَيتَعلّ ّ‬
‫بالعقوبة)(‪ .)2‬فهيا ننهل من كل علم نافع حسب ما نستطيع‪ ،‬ولنجعل لنا يف مكتبة البيت نصيباً؛‬
‫ولنا بذلك األجر ـ إن شاء اهلل ـ‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬الشعور باملسؤولية‪:‬‬
‫ال بد للمرأة من الشعور باملسؤولية يف تربية أوالدها وعدم الغفلة والتساهل يف توجيههم كسالً أو‬
‫تسويفاً أو ال مباالة‪.‬‬
‫َّاس َواحْلِ َج َارةُ)) [التحرمي‪]6 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود َها الن ُ‬ ‫قال ـ تعاىل ـ‪(( :‬يَا َأيُّ َها الَذ َ‬
‫ين َآمنُوا قُوا َأن ُف َس ُك ْم َو َْأهلي ُك ْم نَاراً َوقُ ُ‬
‫فلنجنب أنفسنا وأهلينا ما يستوجب النار‪.‬‬
‫فاحملاسبة عسرية‪ ،‬واهلول جسيم‪ ،‬وجهنم تقول‪ :‬هل من مزيد؟! وما علينا إال كما قال عمر ـ رضي‬
‫اسبوا‪ ،‬وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا‪ ،‬وجتهزوا للعرض‬ ‫اهلل عنه ـ‪( :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن حُت َ‬
‫األكرب)‪.‬‬
‫ولن ينجي املرأة أهنا ربت ابنها لكوهنا طاهية طعامه وغاسلة ثيابه؛ إذ ال بد من إحسان التنشئة‪ ،‬وال‬
‫صاف وعبادة مستقيمة وأخالق سوية وعلم نافع‪.‬‬ ‫بد من تربية أبنائها على عقيدة سليمة وتوحيد ٍ‬

‫‪579‬‬
‫صت ملتابعة أوالدها؟ وكم َحبَتهم من مجيل رعايتها‪،‬‬ ‫خص ْ‬ ‫ولتسأل األم نفسها‪ :‬كم من الوقت ّ‬
‫ورحابة صدرها‪ ،‬وحسن توجيهاهتا؟!‬
‫علماً بأن النصائح لن جتدي إن مل تكن األم قدوة حسنة!‬
‫فيجب أن ال يُ ْدعى االبن ملكرمة‪ ،‬واألم تعمل خبالفها‪ .‬وإال فكيف تطلب منه لساناً عفيفاً وهو ال‬
‫يسمع إال الشتائم والكلمات النابية تنهال عليه؟!‪ S‬وكيف تطلب منه احرتام الوقت‪ ،‬وهي ـ أي أمه ـ‬
‫متضي معظم وقتها يف ارتياد األسواق والثرثرة يف اهلاتف أو خالل الزيارات؟! كيف‪ ..‬وكيف؟‬
‫أخيت املؤمنة‪ :‬إن ابنك وديعة يف يديك‪ ،‬فعليك رعايتها‪ ،‬وتقدير املسؤولية؛ فأنت صاحبة رسالة‬
‫َّاس َواحْلِ َج َارةُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ود َها الن ُ‬ ‫ستُسألني عنها‪ ،‬قال ـ تعاىل ـ‪(( :‬يَا َأيُّ َها الَذ َ‬
‫ين َآمنُوا قُوا َأن ُف َس ُك ْم َو َْأهلي ُك ْم نَاراً َوقُ ُ‬
‫صو َن اللَّهَ َما ََأمَر ُه ْم َو َي ْف َعلُو َن َما يُْؤ َمُرو َن)) [التحرمي‪.]6 :‬‬ ‫َعلَْي َها َمالِئ َكةٌ ِغال ٌظ ِش ٌ‬
‫داد الَّ َي ْع ُ‬
‫أما مىت نبدأ بتوجيه الصغري؟! فذلك إذا أحس الطفل بالقبيح وجتنبه‪ ،‬وخاف أن يظهر منه أو فيه‪،‬‬
‫فهذا يعين أن نفسه أصبحت مستعدة للتأديب صاحلة للعناية؛ وهلذا جيب أن ال هُت مل أو تُرتك؛ بل‬
‫فقد التوجيهُ قيمته‪ .‬ويف كل تصرف من تصرفات‬ ‫يكون التوجيه املناسب للحدث بال مبالغة‪ ،‬وإال َ‬
‫املربية وكل كلمة من كلماهتا عليها أن تراقب رهبا وحتاسب نفسها لئال تفوهتا احلكمة واملوعظة‬
‫احلسنة‪ ،‬وأن تراعي خصائص النمو يف الفرتة اليت مير فيها ابنها‪ ،‬فال تعامله وهو شاب كما كان‬
‫يعامل يف الطفولة لئال يتعرض لالحنراف‪ ،‬وحىت ال تُوقِع أخطاءُ الرتبية أبناءنا يف متاهات املبادئ ـ يف‬
‫املستقبل ـ يتخبطون بني اللهو والتفاهة‪ ،‬أو الشطط والغلو؛ وما ذاك إال للبعد عن الرتبية الرشيدة اليت‬
‫تسري على هدي تعاليم اإلسالم احلنيف؛ لذلك كان تأكيدنا على تنمية معلومات املرأة الرتبوية‬
‫لتتمكن من معرفة‪ :‬ملاذا توجه ابنها؟ ومىت توجهه؟ وما الطريقة املثلى لذلك؟‬
‫رابعاً‪ :‬ال بد من التفاهم بني األبوين‪:‬‬
‫فليغض اآلخر الطرف عن هذا اخلطأ‪ ،‬وليتعاونا على اخلري بعيداً عن اخلصام‬ ‫ّ‬ ‫فإن أخطأ أحدمها‬
‫والشجار‪ ،‬خاصة أمام األبناء؛ لئال يؤدي ذلك إىل قلق األبناء‪ ،‬ومن مث عدم استجابتهم لنصح‬
‫األبوين‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬إفشاء روح التدين داخل البيت‪:‬‬
‫إن الطفل الذي ينشأ يف أسرة متدينة سيتفاعل مع اجلو الروحي الذي يشيع يف أرجائها‪ ..‬والسلوك‬
‫النظيف بني أفرادها‪.‬‬
‫والنزعات الدينية واخللقية إن ُأرسيت قواعدها يف الطفولة فسوف تستمر يف فرتة املراهقة مث مرحلة‬
‫قصر البيت يف الرتبية اإلميانية‪ ،‬فسوف يتوجه األبناء حنو فلسفات‬ ‫الرشد عند أكثر الشباب‪ ،‬وإذا ّ‬
‫ترضي عواطفهم وتشبع نزواهتم ليس إال‪.‬‬

‫‪580‬‬
‫فالواجب زرع الوازع الديين يف نفوس األبناء‪ ،‬ومن مَثّ مساعدهتم على حسن اختيار األصدقاء؛‬
‫وذلك بتهيئة األجواء املناسبة الختيار الصحبة الصاحلة من اجلوار الصاحل واملدرسة الصاحلة‪ ،‬وإعطائهم‬
‫مناعة تقيهم من مصاحبة األشرار‪.‬‬
‫سادساً‪ :‬الدعاء للولد باهلداية وعدم الدعاء عليه بالسوء‪:‬‬
‫عن جابر ـ رضي اهلل عنه ـ قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪( : ‬ال تدعوا على أنفسكم‪ ،‬وال تدعوا على‬
‫أوالدكم‪ ،‬وال تدعوا على خدمكم‪ ،‬وال تدعوا على أموالكم؛ ال توافقوا من اهلل ساعة يُسأل فيها‬
‫عطاء فيستجاب لكم)(‪.)3‬‬
‫وأوالً وأخرياً‪ :‬ينبغي ربط قلب الولد باهلل ـ عز وجل ـ لتكون غايته مرضاة اهلل والفوز بثوابه ((فَ َمن‬
‫ات َو ُه َو ُمْؤ ِم ٌن فَال ُك ْفَرا َن لِ َس ْعيِ ِه)) [األنبياء‪ .]94 :‬وهذا الربط ميكن أن تبثه‬ ‫الصاحِل ِ‬ ‫ِ‬
‫َي ْع َم ْل م َن َّ َ‬
‫األمهات بالقدوة الطيبة‪ ،‬والكلمة املسؤولة‪ ،‬واملتابعة احلكيمة‪ ،‬والتوجيه احلسن‪ ،‬وهتيئة البيئة املعينة‬
‫على اخلري‪ ،‬حىت إذا كرب الشاب املؤمن تعهد نفسه‪ :‬فيتوب عن خطئه إن أخطأ ويلتزم جادة الصواب‪،‬‬
‫مصاف نفوس املهتدين بعقيدة صلبة وعبادة خاشعة‬ ‫ِّ‬ ‫ويبتعد عن الدنايا‪ ،‬فتزكو نفسه ويرقى هبا إىل‬
‫واع وجسم قوي البنية‪ ،‬فيحيا باإلسالم ولإلسالم‪ ،‬يستسهل الصعاب‪،‬‬ ‫ونفسية مستقرة وعقل متفتح ٍ‬
‫ويستعذب املر‪ ،‬ويتفلت من جواذب الدنيا متطلعاً إىل ما أعده اهلل للمؤمنني املستقيمني على شريعته‪:‬‬
‫اسَت َق ُاموا َتَتَنَّز ُل َعلَْي ِه ُم املالِئ َكةُ َأالَّ خَتَافُوا َوال حَتَْزنُوا َوَأبْ ِشُروا بِاجْلَن َِّة الَيِت‬
‫ْ‬ ‫ين قَالُوا َربُّنَا اللَّهُ مُثَّ‬
‫َ‬ ‫((إن الَ ِذ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫وع ُدو َن))‪ [ S‬فصلت‪.]30 :‬‬ ‫ُكنتُ ْم تُ َ‬
‫كانت ابنة هادئة مهذبة جيللها احلياء‪.‬‬
‫وبعدما دخلت املرحلة املتوسطة بدا التغري عليها‪...‬‬
‫رآها والدها وقد ّلونت إحدى خصال شعرها باللون األخضر‪ ،‬فلما سأل والدهتا عن ذلك مستغرباً‬
‫تلون خصلة شعرها حسب لون فستاهنا!‬ ‫قالت‪ :‬ما العمل؟! هكذا تفعل معلمتها يف املدرسة؛ إذ ّ‬
‫ثارت ثائرة الرجل‪ ،‬وما كان منه إال أن أقسم أن ال يعلّم بنتاً له بعد اليوم!!‬
‫رويدك أيها األب الغيور! فبالعلم حياة القلوب ولذة األرواح‪ ،‬وبه يُعرف الدين ويكشف عن‬
‫الشبهات‪.‬‬
‫إن ديننا اإلسالمي دين علم‪ ،‬وأم املؤمنني عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ كانت َعلَماً يف ذلك؛ حيث‬
‫حفظت وروت كثرياً من األحاديث النبوية داخل املنزل الشريف‪ .‬ومثلها كانت أمهات املؤمنني ـ‬
‫رضوان اهلل عليهن ـ وذلك استجابة هلدي هذا الدين‪:‬‬
‫‪ -‬عن الشفاء ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪ :‬دخل علينا النيب ‪ -  -‬وأنا عند حفصة رضي اهلل عنها فقال‬
‫يل‪ :‬أال تعلّمني هذه رقية النحلة كما علمتِها الكتابة؟(‪.)4‬‬

‫‪581‬‬
‫وحنمل األجيال وزر معلمات‬ ‫فالعلم مطلب شرعي للرجل واملرأة على السواء‪ .‬فلماذا نضيّق واسعاً‪ّ ،‬‬
‫كن قدوة سوء؟!‬
‫حنن حباجة إىل القدوة احلسنة‪ ،‬وغرس التعاليم الشرعية الصحيحة‪.‬‬
‫‪ -‬جيب أن ال يُهمل تعليم البنات؛ فقد قيل‪ :‬تعليم رجل واحد هو تعليم لشخص واحد‪ ،‬بينما تعليم‬
‫امرأة واحدة يعين تعليم أسرة بكاملها‪ .‬وبتعليم بناتنا وتنشئتهن النشأة الصاحلة نردم اهلوة الكبرية اليت‬
‫تفصل أمتنا عن التقدم يف كثري من ديار املسلمني‪.‬‬
‫بل إن ديننا اإلسالمي بلغ فيه حب العلم والرتغيب يف طلبه أن دعا إىل تعليم اإلماء من نساء األمة؛‬
‫كي تزول غشاوة اجلهل‪ ،‬وتسود املعرفة الواعية‪ ،‬وقبل ذلك ليُعبد اهلل على بصرية وتستقيم األجيال‬
‫على أمر اهلل‪.‬‬
‫وفيما رواه اإلمام البخاري ـ رمحه اهلل ـ قول النيب ‪ :-  -‬أميا رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن‬
‫تعليمها‪ ،‬وأدهبا فأحسن تأديبها‪ ،‬مث أعتقها فتزوجها فله أجران(‪.)5‬‬
‫هذا إذا روعي يف التعليم املنطلقات الشرعية‪.‬‬
‫وقد عرف أعداؤنا أمهية العلم؛ فأسرعوا إليه؛ ولكن على أسس علمانية‪ ،‬وعرفوا أثر املعلمة؛ فعملوا‬
‫على إفسادها‪ ،‬وبإفسادها أضلوا األجيال منذ مطلع هذا القرن‪ .‬ومما يؤسف له أن العلمانيني‬
‫واملالحدة قد سبقوا أصحاب العقيدة السليمة إىل تعليم املرأة‪ ،‬فعاثت نساؤهم يف العامل اإلسالمي‬
‫ختريباً وإفساداً نتيجة ملا يربني عليه األجيال من مبادئ ضالة ومضلة‪ ،‬وكان لتأسيسهن اجلمعيات‬
‫النسائية الدور الكبري يف صرف بناتنا عن طريق اهلدى والرشاد‪.‬‬
‫فال بد من بديل إسالمي لنحصن بناتنا بالرتبية الرشيدة‪ ،‬حىت ال يكون موقفنا جمرد النقد واللوم‪،‬‬
‫وذلك بالتعليم النافع‪ ،‬وأساليب الدعوة اجلادة بني بنات جنسهن‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد من إعداد املرأة إعداداً مناسباً لرسالتها باعتبارها أنثى؛ إضافة إىل العلوم الشرعية الواجب‬
‫عليها تعلمها‪ ،‬فإذا أتقنت ذلك وكانت ممن أويت موهبة غنية‪ ،‬وعقالً خصباً‪ ،‬وفكراً نرياً‪ ،‬وتعلمت‬
‫غري ذلك من العلوم والفنون فإن هذا حسن؛ ألن اإلسالم ال يعرتض سبيلها ما دامت ال تتعدى‬
‫حدود الشرع احلنيف‪.‬‬
‫وقد كانت نساء السلف خري قدوة يف التأدب واحلياء خالل خروجهن وتعلمهن؛ إذ كانت املرأة‬
‫املسلمة تتعلم ومعها دينها يصوهنا‪ ،‬وحياؤها يكسوها مهابة ووقاراً بعيداً عن االختالط والتبذل‪.‬‬
‫ََأما وقد متثل التعليم يف عصرنا يف املدارس الرمسية‪ ،‬فال بد أن تتوىل املرأة تعليم بنات جنسها‪ ،‬ال أن‬
‫تعلم املرأة يف مدارس الذكور أو يف مدارس خمتلطة‪ ،‬وال أن يعلم الرجل يف مدارس اإلناث؛ فذلك من‬
‫أعمال الشياطني‪.‬‬

‫‪582‬‬
‫وحىت يف ديار الغرب املتحلل بدأت صرخات خملصة تدعو إىل الرتاجع عن التعليم املختلط بني‬
‫اجلنسني وتنادي بالعودة إىل الفطرة السليمة اليت تنبذ االختالط‪ .‬لقد تبني بعد دراسات عديدة أن‬
‫البنني والبنات حيتاجون إىل معاملة خمتلفة؛ نظراً لالختالف يف تطورهم اجلسمي والذهين‪ ،‬كما أن‬
‫جير إىل ما ال حتمد عقباه من مفاسد يندى هلا اجلبني؛ هذا فضالً عن اختالف املادة‬ ‫االختالط ّ‬
‫الدراسية اليت حيتاجها كل من البنني والبنات‪.‬‬
‫‪ -‬فاملنهج املدرسي للفتاة ينبغي أن يتناسب مع سنها مما يع ّدها لوظائفها األصلية‪ :‬ربة بيت‪ّ ،‬أماً‪،‬‬
‫وزوجة؛ لتضطلع مبهمتها اليت تنتظرها‪ ،‬وتقوم بأدائها بطريقة سليمة؛ مما يهيئ احلياة الناجحة هلا‬
‫وألسرهتا املقبلة‪ ،‬وجينبها العثرات‪ ،‬وجيعلها داعية خري تتفرغ وأخواهتا املؤمنات لوظيفة إعداد النشء‬
‫الصاحل‪ ،‬وأنْعِ ْم هبا من وظيفة إلعداد األجيال‪ ،‬ال جلمع األموال وتتبع مزاجيات الفراغ!‬
‫هم اإلسالم‪ ،‬وتسري خبطوات إجيابية‬ ‫‪ -‬الواجب أن تكون معلمات األجيال املسلمة خنبة صاحلة حتمل ّ‬
‫يف تعليم األجيال املسلمة وتثقيفها‪ ،‬وتزويد بناتنا بأساليب الرتبية اليت تفيدهن مستقبالً‪ ،‬ال حبشو‬
‫األذهان بقضايا ال تفيد وال تغين يف احلياة العملية شيئاً‪.‬‬
‫إهنا خري منقذ لطالباهتا من الوقوع يف أحضان االحنراف واإلحلاد؛ فهي تعلمهن الفضيلة بسلوكها‬
‫وأقواهلا‪ :‬تنمي شخصيتهن‪ ،‬وتشحذ عقوهلن‪ ،‬وتنقل إليهن احلقائق العلمية مع حقيقة ثابتة وهي‪ :‬أن‬
‫وتفوقه ال يتمثل إطالقاً يف مدى ما حيفظ‪ ،‬بل فيما يعي ويُطبّق‪ ،‬مث إن التفوق يف الدراسة‬ ‫جناح اجليل ّ‬
‫ليس غاية وهدفاً‪ S...‬بل الفائز حقاً هو من فاز بالدار اآلخرة وسعى هلا سعيها وهو مؤمن‪.‬‬
‫هذا؛ ومع أننا نرفض أن تكون أجيالنا ضحايا اإلمهال والالمباالة‪ ،‬فإننا نؤكد على األم املعلمة؛ إذ‬
‫عليها أن تقوم أوالً بواجبها األساس كزوجة صاحلة‪ ،‬وأم مربية حتسن تربية أوالدها‪ ،‬ومن مث تريب‬
‫أوالد اآلخرين‪ ،‬وال تنسى أن فرض العني ْأوىل من فرض الكفاية‪.‬‬
‫‪ -‬وقد حدد علماؤنا القدماء صفات املعلم املسلم يف التعامل مع طالبه‪ ،‬وذكروا أفضل اآلداب‬
‫التباعها‪ ،‬وعلى ضوء تلك اآلداب؛ فعلى املعلم أو املعلمة‪:‬‬
‫ـ إخالص النية هلل ـ تعاىل ـ‪ :‬وأن تقصد بتعليمها وجه اهلل وحتتسب الثواب منه وحده‪ ،‬وتتطلع إىل‬
‫األجر اجلزيل الذي ذكره الرسول ‪ -  -‬بقوله‪ :‬من دل على خري فله مثل أجر فاعله(‪.)6‬‬
‫فال تعمل ألجل املكانة وال ملدح الناس وال للراتب وحده‪ ،‬وإمنا عملها يف سبيل اهلل‪ ،‬وتكون قدوة‬
‫للناشئات يف ذلك‪ ،‬وإال‪ ...‬فإن فاقد الشيء ال يعطيه‪ ،‬وأىّن لألعمى أن يقود غريه ويرشده للطريق‬
‫السليم؟!‬
‫ـ أن تقوم بعملها وتريب األجيال على أدب اإلسالم‪ :‬فيتعلمن العلم ويتعلمن األدب يف آن واحد؛ وقد‬
‫ين َآمنُوا مِلَ َت ُقولُو َن َما ال َت ْف َعلُو َن)) [الصف‪.]2:‬‬ ‫ِ‬
‫قال ـ تعاىل ـ‪(( :‬يَا َأيُّ َها الَذ َ‬

‫‪583‬‬
‫ّأما أن تأيت الطالبة كل يوم بقصة جديدة حدثتها هبا معلمتها مما ينبو عن الذوق السليم‪ ،‬أو بتقليعة‬
‫املدرسات مما تتناىف مع ديننا‪ ،‬فهذا أسلوب من أساليب اهلدم ال البناء!‬ ‫جديدة جاءت هبا إحدى ّ‬
‫على معلمتنا املسلمة أن تنضبط بتعاليم الشرع‪ ،‬وال تستهني مبخالفته مهما بدت املخالفة بسيطة؛ فإن‬
‫ذلك السوء ينطبع يف نفس اجليل ويصعب بعد ذلك إزالته‪.‬‬
‫ـ أن تكون حسنة املظهر هتتم حبسن هندامها باعتدال؛ فاملظهر األنيق يعطي نتائج إجيابية يف نفس‬
‫الطالبة فتحرتم معلمتها‪ ،‬ويعني ذلك على العمل بنصائحها‪ ،‬والعكس صحيح‪ ...‬وأن تركز على أن‬
‫يعتاد اجليل االهتمام باجلوهر ال املظهر‪ ،‬مع االبتعاد عن توافه املوضات املتجددة‪.‬‬
‫وليس من اإلسالم أن تكون أحاديث طالبات املدارس مقتصرة على زي املعلمة وتسرحية شعرها‪،‬‬
‫ومجال فستاهنا‪ ،‬وهاتفها اجلوال الظاهر للعيان‪ .‬ولألسف؛ فإن بعض املدرسات يتبادلن أشرطة األفالم‬
‫واجملالت اإلباحية مع بعض الطالبات؟! فيا خليبة مسعاهن!‬
‫ـ أن تتحلى مبكارم األخالق اليت يدعو هلا الدين ـ وال سيما الصرب ـ فتحسن التلطف يف تعليم الطالبات‬
‫مما جيعلهن بعيدات عن التجريح والتشهري؛ فتكون حبق داعية باحلكمة واملوعظة احلسنة عمالً بقوله ـ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ك بِاحْلِك ِ‬
‫ْمة َوالْ َم ْوعظَة احلَ َسنَة َو َجادهْلُم بِالَّيِت ه َي ْ‬
‫َأح َس ُن)) [النحل‪:‬‬ ‫َ‬ ‫((ادعُ إىَل َسبِ ِيل َربِّ َ‬
‫تعاىل ـ‪ْ :‬‬
‫‪.]125‬‬
‫تنوع يف الطريقة اليت ختاطب هبا طالباهتا حسب مقتضى احلال‪ ،‬وحسب سن‬ ‫واملدرسة احلكيمة ّ‬
‫ّ‬
‫الطالبات‪ ،‬وال يفوهتا أن التعامل الطيب احلنون جيذب الطالبات إليها وإىل املبادئ اليت تنادي هبا‪...‬‬
‫وليس من الدين اجلفاف يف املعاملة أبداً! فاملعلمة كاألم الرؤوم تتعاطف مع تلميذاهتا وتشفق عليهن‬
‫وتشجع اجمليدة منهن‪ ،‬ولتذكر أن نتائج التشجيع واملدح أفضل من التوبيخ والتقريع؛ فتشحذ مهة‬
‫طالباهتا حنو اخلري ببث الثقة يف أنفسهن‪ ،‬وحتبيبهن بالفضائل دون أن تثبط عزميتهن‪.‬‬
‫وإن احتاجت إىل عقوبتهن أو تنبيههن يوماً ّما فلتجعل الطالبات يشعرن أن العقوبة إمنا هي ألجل‬
‫مصلحتهن‪ ،‬ولو كانت بشكل غري مباشر؛ فإن ذلك أشد تأثرياً‪ ،‬ولتشعرهن أهنا حريصة عليهن وعلى‬
‫مسعتهن ومستقبلهن‪ ،‬ولرتبط توجيهاهتا بالدين وسلوك السلف الصاحل؛ ليصبح الدافع األساس يف‬
‫أعماهلن هو الدين ال املصلحة وال اجملتمع‪ ...‬وكل ذلك باعتدال من غري مبالغة لئال يؤدي إىل نتائج‬
‫عكسية‪.‬‬
‫ولتكثر املعلمة من ذكر مناذج نساء السلف الصاحل يف األجيال اخلرّي ة حىت تبتعد األجيال اجلديدة عن‬
‫املنحل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫االنبهار بنساء الغرب‬
‫ـ ومن صفات املعلمة املسلمة التواضع‪ :‬فذلك من خلق اإلسالم وقد قال ـ تعاىل ـ لنبيه الكرمي‪:‬‬
‫ني)) [الشعراء‪ .]215 :‬فتبتعد عن املفاخرة واملباهاة‪ ،‬وإال‬ ‫ِِ‬ ‫ك لِم ِن اتَّبع َ ِ‬ ‫((و ِ‬
‫ك م َن املُْؤ من َ‬ ‫اح َ َ َ َ‬ ‫ض َجنَ َ‬ ‫اخف ْ‬
‫َ ْ‬
‫أصبحت أضحوكة حىت أمام طالباهتا الاليت يزهدن فيها وفيما تدعو إليه‪ .‬واملعلمة اليت تعامل طالباهتا‬

‫‪584‬‬
‫بصلف وكربياء لن جتين غري كرههن هلا‪ ،‬واملعلمة اليت تسخر من طالباهتا ولو باهلمز واللمز ترتك‬
‫جرحاً غائراً يف نفس أولئك الطالبات‪ .‬فأين هي من أدب اإلسالم الذي حذر من تلك املثالب بقوله ـ‬
‫((ويْ ٌل لِّ ُك ِّل مُهََز ٍة لُّ َمَز ٍة)) [اهلمزة‪ .]1 :‬وأين القدوة الواجبة عليها واملنتظرة منها؟!‬ ‫تعاىل ـ‪َ :‬‬
‫ـ وأن تكون املعلمة يقظة يف رسالتها‪ :‬فهي يقظة جلزئيات املنهج املدرسي لتستفيد منها كما جيب‪،‬‬
‫وتوظفها خلدمة عقيدهتا؛ فال يُدرس العلم مبعزل عن العقيدة‪.‬‬
‫ـ وينبغي أن تكون املعلمة يقظة ملا يتجدد من أحداث يومية‪ :‬فال تدعها متر دون استفادة منها‪ ،‬بل‬
‫واحلديد ساخن ـ كما يقال ـ فتعلق على احلادثة التعليق املناسب يف حينه‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بالطرق‬
‫ْ‬
‫وعليها أن تالحظ تصرفات طالباهتا‪ ،‬فتزجرهن عن سيّئ األخالق‪ ،‬وتر ّغبهن يف حسنها بطريقة‬
‫سليمة وال تلجأ للتصريح إذا نفع التلميح‪.‬‬
‫ـ تستفيد من النظريات الرتبوية‪ :‬شريطة أن تتناسب مع قيمنا‪ ،‬فتستثري أذهان طالباهتا باألسئلة املوجهة‬
‫واملفيدة‪ ،‬مما ينمي شخصياهتن وينقل احلقائق العلمية لعقوهلن‪.‬‬
‫وعليها أن تشجع ذوات املواهب والكفاءات بالثناء على أعماهلن وتصرفاهتن‪ ،‬ولتذكر أن بدايات‬
‫االبتكار على مقاعد الدراسة‪.‬‬
‫ـ تتعاون مع زميالهتا املدرسات‪ :‬فالتفاهم والوئام بني أعضاء األسرة املدرسية يفسح للمديرة القيام‬
‫بعملها ومتابعة العملية التعليمية‪ ،‬واالرتفاع مبستوى األداء الوظيفي‪ ...‬بدالً من أن يكون عملها حل‬
‫املشكالت اليت تعملها املدرسات الفارغات‪...‬‬
‫ـ تتعاون مع أسر الطالبات‪ :‬فهن شريكات يف عمل واحد‪ ،‬وعالقتها مع األم عالقة حمبة وتقدير‬
‫وتعاون ملا فيه خري الطالبات‪ ،‬فتساعد على تثقيفهن؛ ويتم ذلك من خالل حلقات إرشادية لألمهات؛‪S‬‬
‫فتعقد املدرسة الندوات وتقيم احملاضرات اليت تُدعى هلا األمهات‪ ،‬سعياً لتضافر اجلهود‪ ،‬لوضع‬
‫األجيال أمام رؤية واضحة للحياة أال وهي‪ :‬العمل ملرضاة اهلل ـ تعاىل ـ‪ ،‬وإال فما تبنيه املدرسة ميكن‬
‫أن هتدمه األسرة والعكس صحيح‪.‬‬
‫أخوايت املعلمات‪ :‬إن رسالتكن جليلة وهي أمانة يف أعناقكن وسيسألكن عنها رب العباد‪ .‬إهنا رسالة‬
‫إعداد األجيال املؤمنة برهبا وصد كل هجوم فكري حياول التسلل إىل حصوننا‪ ،‬وغرس الفضائل‬
‫السامية يف النفوس‪ ،‬والعلوم النرية يف العقول‪.‬‬
‫واملعلمة الصاحلة لن تنساها طالباهتا‪ ،‬بل تبقى يف ذاكرهتن يشدن بأجمادها وفضائلها‪ ،‬ويأتسني جبميل‬
‫ين َيَّت ُقو َن َأفَال َت ْع ِقلُو َن)) [األنعام‪.]32 :‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّار اآلخَرةُ َخْيٌر لِّلَّذ َ‬
‫((ولَلد ُ‬
‫خصاهلا َ‬
‫املرأة واجملتمع‪:‬‬

‫‪585‬‬
‫إن كثرياً من الفتيات‪ ،‬ما إن تنتهي إحداهن من الدراسة النظامية حىت هتجر الكتب‪ ،‬بل واملطالعة‬
‫عموماً‪ ،‬وتنتكس إىل األمية الرتباطها املعدوم بالكتاب‪ ،‬وتصبح اهتماماهتا احملدودة ال تتعدى لباسها‬
‫وزينتها والتفنن يف ألوان الطعام والشراب‪ ،‬وهي مهوم دنيوية قريبة التناول‪ ،‬ال غري‪...‬‬
‫‪ -‬املرأة املسلمة عضو يف جمتمع اإلسالم‪ ،‬فهي مؤثرة ومتأثرة به‪ ،‬ال شك يف ذلك؛ فهي ليست‬
‫هامشية فيه أو مهملة‪ ،‬وال يصح حبال أن تكون سلبية أو اتكالية‪ ،‬وإن كان األمر كذلك فهو اجلحود‬
‫عينه‪ ،‬والنكران للجميل‪ ،‬واالبتعاد عن اإليثار والتضحية‪.‬‬
‫أمتنا اإلسالمية تنتظر من يعيد هلا أجمادها من أبنائها الربرة وبناهتا الوفيات‪.‬‬
‫‪ -‬وللمسلمة حضور اجتماعي واضح يف كل ما هو نافع‪ ،‬وهكذا ينبغي أن يكون‪.‬‬
‫ـ فعليها أن تضع نصب عينيها حديث الرسول ‪ :-  -‬ال تكونوا إمعة تقولون‪ :‬إن أحسن الناس‬
‫أحسنّا‪ ،‬وإن ظلموا؛ ظلمنا ولكن وطّنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن حتسنوا‪ ،‬وإن أساؤوا فال‬
‫تظلموا(‪.)7‬‬
‫‪ -‬للمرأة رسالة تربوية هادفة للرقي مبجتمعها‪...‬‬
‫ـ وتبدأ هذه الرسالة بإيفاء حق جرياهنا‪ ،‬فتعلّم اجلاهلة ما حتتاجه لدينها ودنياها‪ ،‬ويف ذلك خدمة‬
‫تؤديها لألجيال الناهضة؛ فتصبح اجتماعات اجلارات ليست للقيل والقال‪ ،‬بل لالرتفاع بأسرنا‬
‫حتوله املسلمة‬
‫املسلمة من االهتمامات السطحية الساذجة إىل آفاق سامية؛ فكل حديث ميكن أن ّ‬
‫اللماحة أن حتوله للعربة والتأمل‪،‬‬
‫الصاحلة إىل حديث هادف‪ ،‬حىت احلديث التافه لن تعدم املسلمة ّ‬
‫واجلارات الصاحلات يتدارسن أفضل السبل لرتبية أوالدهن وحل مشاكلهن‪.‬‬
‫ومن الصور املشرقة يف التعاون بني اجلارات‪:‬‬
‫أن أحد األبناء كان يسرق املال من جيب أبيه وينفقه على ثلة من أصحابه الذين كانوا يشجعونه‬
‫على ذلك العمل املشني‪.‬‬
‫عرفت األم ذلك عن طريق جارهتا الناصحة اليت ساعدهتا يف اجتياز األزمة‪ ،‬مبدارسة املشكلة والنظر‬
‫يف جذورها‪ ،‬ومن مث احتواؤها وإجياد احلل املناسب‪.‬‬
‫ومن ذلك أن امرأة كانت تكمل دراستها العليا‪ ،‬وحيث إن هلا أطفاالً حباجة إىل رعاية‪ ،‬فقد تكفلت‬
‫جارهتا بالعناية بأطفاهلا حتتسب األجر‪ :‬أجر اإلحسان إىل اجلار‪ ،‬وأجر ختفيف الكربة عن جارهتا اليت‬
‫من املمكن أن تتعرض لضغوط نفسية عصيبة لو مل جتد الصدر احلنون من جارهتا املسلمة‪.‬‬
‫وباملقابل جيب أن ال ننسى الفضل ألهله‪ ،‬فكلتامها تشارك يف األجر‪ .‬وهذه إحدى صور التضامن بني‬
‫اجلريان بدالً من اجلفاء الذي عم وطم‪.‬‬
‫‪ -‬ومن مهام املرأة املسلمة أن توطد العالقات احلميمة بني األقارب‪ :‬من صلة لألرحام‪ ،‬وزيارة‬
‫للمرضى‪ ،‬ومشاركة يف األفراح‪ ...‬وغري ذلك من أعمال اخلري مما يشيع روح التعاون واحملبة‪ ،‬فتنشأ‬

‫‪586‬‬
‫األجيال على ُمثُل اإلسالم‪ ،‬وقيمه السامية‪ ،‬بالتعامل الطيب وباحملاكاة الودودة‪ .‬وعلى املرأة املسلمة أن‬
‫تشجع كل بادرة خرية تبدو من أجيالنا الناشئة‪ ،‬فتهنئ بنجاحهم‪ ،‬وتفرح لتفوقهم‪.‬‬
‫ّأما ما نسمعه عن خروج التافهات إىل الساحات العامة ليشجعن املباريات؛ فذلك ليس من التشجيع‬
‫املشروع؛ فضالً عن أنه ال يدل حبال على وعي املرأة ملا يناسبها من مهام‪.‬‬
‫‪ -‬وباملقابل أن تتيح الفرصة ملناقشة الصغار ومساع آرائهم وتقدير أعماهلم الناجحة دون ضجر‪،‬‬
‫ولنذكر أن من يعتربه بعض الناس طفالً كثري الثرثرة قد يكون ممن له شأن يف املستقبل‪ ،‬وكثرة أسئلته‬
‫ما هي إال دليل على قوة مالحظته‪ ،‬وتعبري عما جييش يف نفسه التواقة للمعرفة واالطالع‪ .‬وال ننسى‬
‫األثر الطيب يف توجيه الصغار وتشجيعهم‪.‬‬
‫حماضرة كانت تتحدث بطالقة تبهر كل من تسمعها من بنات جنسها‪ ،‬وكان من أكثر ما‬ ‫مسعنا أن ِ‬
‫أثر فيها أن جاراهتا ومعارف أبيها كانوا يستمعون خلطبها ويشجعوهنا وهي ال تتعدى السادسة من‬
‫عمرها‪.‬‬
‫فعلينا أال نبخل بكلمة طيبة نشجع هبا صغارنا؛ فالكلمة الطيبة صدقة‪ ،‬والتوجيه اهلادف لن يعدم له‬
‫أثر‪ ،‬والكلمة املخلصة تصل إىل القلوب بال حواجز‪.‬‬
‫ـ من املهام األساسية للمرأة املسلمة أن تساهم يف حتصني األجيال بالثقافة األصيلة والعقيدة الصحيحة‪،‬‬
‫وال ترتك قيادة األجيال بيد العابثات الاليت يركنب كل موجة من أجل الوصول إىل أهدافهن يف‬
‫ختريب النشء‪.‬‬
‫فمن خالل مشاركتها يف املراكز الثقافية وعدم ترك هذا اجملال اهلام لغريها من صاحبات املذاهب‬
‫اهلدامة‪ .‬ممن جعلن مههن أن تكون هذه املراكز بؤرة لإلفساد ووسيلة للتخريب‪.‬‬
‫ومن الصور املشرفة مسامهة املسلمة يف اجلمعيات النسائية اخلريية لتحافظ على وجهتها السليمة من‬
‫خالل مشاركتها مبا تقدر عليه‪ ،‬باحملاضرات والندوات والنشاطات االجتماعية الطيبة واملتنوعة؛‬
‫فتصبح تلك فرصة طيبة هلا للتعلم والتعليم وتوجيه األجيال‪ ،‬فتستفيد وتفيد يف آن واحد‪ ،‬ورب كلمة‬
‫طيبة ونصيحة خملصة تأخذ بيد األمهات واملعلمات واملربيات حنو اخلري‪ ،‬وتبعدهن عن األخطار‬
‫الرتبوية‪ ،‬وتصل بالنشء إىل التقدم والفالح‪.‬‬
‫إننا إذ نطلب مسامهات املرأة واالستفادة من عمرها الذي ستسأل عنه وعن علمها الذي تعلمته‪ ،‬ال‬
‫نعين بذلك التزامها بعمل رمسي مهين تداوم فيه ـ ولو أدى ذلك إىل إمهال حق زوجها ورعاية أبنائها ـ‬
‫وال نعين املرأة العاملة اليت تعود إىل بيتها مكدودة اجلسم مثقلة النفس هبموم العمل؛ فأىّن ألمثال هذه‬
‫املكدودة املتعبة أن تفيد األجيال اليت تنتظر اللمسة احلنون منها‪ ،‬فال جيدون لديها إال الزجر والتأنيب؛‬
‫ألن أمهم متعبة وتريد أن ترتاح من عناء العمل طوال يومها!‪ S...‬وبنفس الوقت ال يعين هذا أن ترتك‬

‫‪587‬‬
‫األعمال املمكنة اليت تتناسب مع فطرهتا وال تشق عليها ـ كتطبيب النساء‪ ،‬وتعليمهن اخلياطة وحنوها؛‬
‫وال ترتفع عن أعمال ميكن أن تسد هبا ثغرة طيبة يف جمتمعها‪.‬‬
‫ـ إهنا ـ وهي املسلمة اليت تريد أن تريب األجيال على تعاليم الدين ـ جيب أن تبذل جهدها يف تنقية‬
‫الوسائل اإلعالمية من كل ما يهدم األخالق ويسيء للمثل العليا‪ .‬وال خيفى أن اإلعالم يؤدي وظيفة‬
‫من أخطر وسائل الغزو الفكري احلديث‪ .‬وقد اهتم به املروجون ألفكارهم وتنوعت أدواته من إذاعة‬
‫وتلفزيون وصحافة وجمالت وسينما ومسرح وكتب وفيديو و‪ S....‬وأكثرها يعتمد على اإلثارة ويتفنن‬
‫يف طرق خماطبة الغرائز وعداوة الدين وتعاليمه‪ ،‬وتدعو مبجملها ـ ويف غالب أحواهلا ـ إىل التحلل‬
‫والسفور والتمرد على الفطرة‪ ،‬والتطبيل والتهليل لكل خبث وخبيث‪ ،‬مما يشيع اخلنا والفجور‪،‬‬
‫ويشكك بالشخصية املسلمة وقدرهتا على اإلبداع‪ ،‬حني يصفوهنا دائماً باملتخلفة‪ ،‬فتنشأ األجيال وقد‬
‫فقدت ثقتها بنفسها؛ وكأن اإلبداع والتفوق مقصوران على الكفار وحدهم؛ وأما املتدينون فهم‬
‫والصغار‪ ،‬وهذه توجيهات خبيثة تنفث مسومها يف جمتمعاتنا‪ ،‬فال‬ ‫ِ‬
‫املتخلفون مما يُشعر األجيال بالدونية ّ‬
‫بد من حتصني األجيال ضد هذا الغزو الفكري املر ّكز‪.‬‬
‫‪ -‬واملسلمة الواعية تتعامل مع اإلعالم بفطنة وحذر‪ ،‬وال يفوهتا أن من مقاصد التشريع اإلسالمي‬
‫حفظ الكليات اخلمس وهي‪ :‬الدين‪ ،‬والعقل‪ ،‬والنسب‪ ،‬والنفس‪ S،‬واملال‪ ،‬فإذا وجدت املسلمة ما‬
‫يعمل على إضاعة هذه الكليات أو بعضها فيجب أن تسعى ما أمكنها لتكون حائالً دونه‪ .‬إننا نناشد‬
‫األقالم النسائية لنصر الفضيلة‪ ،‬وتسفيه رأي شياطني اإلنس وبيان زيفهم وضالهلم‪.‬‬
‫ال بد من مواجهة العدو املاكر بتخطيط سليم وعمل مضاد‪ ،‬وإذا مل نبذل اجلهد لتدعيم األخالق‬
‫الفاضلة وترسيخ العقيدة السليمة‪ ،‬ندمنا حيث ال ينفع الندم؛ فقد تُ َكّرس اخلرافة واملثل اهلابطة‪،‬‬
‫وتعيش األجيال وهي تستنشق ذلك العبق القامت‪.‬‬
‫ومن املزايا اليت اختصت هبا نساؤنا يف املاضي كثرة القصص يسلني هبا األطفال‪ ،‬وجيذبنهم لألسرة‬
‫وملعتقداهتا‪.‬‬
‫فلماذا ترتك نساؤنا املثقفات أبناءهن هدفاً لقصص جرجي زيدان (وأمثاله) يشوهون تارخينا ويسيئون‬
‫إىل ُمثُلنا؟‬
‫فلنساهم يف اإلعالم املقروء واإلعالم املسموع كل واحدة بقدر طاقتها‪ ،‬حىت األناشيد ينبغي أن‬
‫تنظمها املسلمة ليرتمن هبا أبناؤنا‪ ،‬ولتحل حمل األغاين اهلابطة‪ ،‬ولتغرد األجيال بكلمات عذبة تظهر‬
‫الصورة الوضيئة لإلسالم ومثله السامية‪ ،‬وتستميل قلوب الناشئة للخري‪.‬‬
‫وكذلك احلال يف اجملاالت والقصص والروايات اليت تعلم يف كثري من حاالهتا خداع اآلخرين يف‬
‫سبيل املال وتكرس القيم واألفكار اخلاطئة‪ ،‬من العنف أو الالمباالة‪ ،‬أو العقوق وغري ذلك من سيئ‬

‫‪588‬‬
‫األخالق؛ فإن واجب املسلمة أن تستفيد من وسائل املعرفة السريعة هذه‪ ،‬حىت تصبح منرباً يعلم اخلري‬
‫يروح عن النفس‪.‬‬ ‫ويدعم العقيدة‪ ،‬ويثقف العقل‪ ،‬ويف الوقت ذاته ّ‬
‫‪ -‬إن أخطر أنواع اإلعالم احلديث هو التلفزيون؛ إذ زاحم األسرة يف توجيه أبنائها وبناهتا وذلك‬
‫تؤزه هلدم كل فضيلة‪ .‬وقد قال الرئيس الفرنسي‬ ‫جباذبية مدروسة‪ ،‬وغزو مستور‪ ،‬وشياطني اإلنس ّ‬
‫السابق ديغول ـ متحدثاً عن أثر التلفاز‪ :‬أعطين هذه الشاشة أغري لك الشعب الفرنسي‪.‬‬
‫ولو علمنا أن كثرياً من األسر قد ختلت عن دورها هنائياً يف مهمة الرتبية العقدية والفكرية‪ ،‬وأسلمت‬
‫أبناءها للتلفزيون يصنع هبم ما حيلو له من التوجيه وغرس املفاهيم والعقائد املغايرة يف كثري من‬
‫احلاالت لعقائدنا وحضارتنا؛ لق ّدرنا أي واجب حيتم على املثقفة املسلمة أن تستفيد من إمكاناهتا إن‬
‫كانت حتسن كتابة القصة أو األنشودة أو احلوار أو املقالة‪.‬‬
‫جيب أن ال ترتدد املسلمة يف النزول إىل ميدان اإلعالم‪ ،‬ملواجهة الفتح اإلعالمي الذي يصب يف آذان‬
‫الناشئة صباح مساء‪.‬‬
‫فمن أجل أبنائنا ومن أجل مستقبل أفضل‪ ،‬ولكي يبقى صوت احلق عالياً؛ فإن على املسلمة أن‬
‫فلعل كتابتها تكون سداً‬ ‫تساهم يف وضع املادة الصاحلة البديلة عما يسيء لدينها وعقيدهتا‪ ،‬وتنشط ّ‬
‫حائالً دون تسرب اخلبث؛ ألن من يُق ّدم له الطعام فيشبع لن يشتهي الفضالت ولن يُ ْق ِد َم على‬
‫تناوهلا‪.‬‬
‫أخيت املسلمة‪:‬‬
‫ال تتعللي باألسباب فتقويل‪ :‬أنا متعبة الصحة‪ ،‬كثرية االلتزامات‪ ،‬ضيقة األوقات؛ فاغتنام الوقت‬
‫والصحة والغىن من تعاليم شرعنا احلنيف؛ فعن ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪-‬‬
‫‪ :- ‬اغتنم مخساً قبل مخس‪ :‬شبابك قبل هرمك‪ S،‬وصحتك قبل سقمك‪ ،‬وغناك قبل فقرك‪ ،‬وفراغك‬
‫قبل شغلك‪ ،‬وحياتك قبل موتك(‪.)8‬‬
‫‪ -‬فإذا نظمت املرأة حياهتا واستفادت من جزئيات وقتها‪ ،‬وضنت به أن يستهلك يف الطهي وفضول‬
‫الكالم‪ ...‬فإننا عند ذلك لن نسمع هلا شكوى من ضيق الوقت؛ فتلتفت إىل واجبها داعية للخري‬
‫وقدوة لغريها‪ ،‬تثري الفكر يف اجملاالت الرتبوية والصحية اليت تعود بالفائدة على األجيال املؤمنة‬
‫واجملتمع اإلسالمي بأسره‪ ،‬وتبذل جهدها إلجياد بديل إسالمي ملواجهة هذا الزخم اهلائل من اهلجمة‬
‫الفكرية‪ ،‬وتدافع عن حوزة الدين يف جمتمع الذئاب الذين يدأبون على التخطيط والعمل لصرف الناس‬
‫عن دينهم‪.‬‬
‫إن على املرأة املسلمة أن تنبذ الراحة املوهومة‪ ،‬والنوم والكسل الذي ران على نفوس الكثريات‪،‬‬
‫وجتتهد لتقوم بواجبها حنو أمتها املسلمة‪ ،‬وحنو أجياهلا الرشيدة مبا تقدر عليه‪ ،‬وتستثمر وقتها مبا يفيد؛‬
‫مع انتهاز الفرص املناسبة؛ علّنا نزيل الظلمة احلالكة اليت أملت بأمتنا‪ ...‬ونورث اخلري لألجيال‬

‫‪589‬‬
‫القادمة‪ S...‬وإال بقيت آمالنا حبيسة ال تتعدى صدورنا‪ ،‬وبقيت أجيالنا يف مؤخرة الركب بدالً من‬
‫قيادته‪.‬‬
‫========‬
‫اهلوامش ‪:‬‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪ :‬البخاري‪ ،‬ح‪ ،5082 /.‬ومسلم ح‪.2527/.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الطرباين يف الكبري‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم‪ ،‬ك‪/.‬الزهد والرقائق‪ ،‬ح‪.3014/.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أبو داود‪ ،‬ح‪ ،3887 /.‬وأمحد‪ ،‬ح‪ 26555 /.‬وصححه احلاكم‪.‬‬
‫(‪ )5‬رواه البخاري‪ ،‬ح‪ ،97/.‬ك‪ .‬العلم‪.‬‬
‫(‪ )6‬رواه مسلم‪ ،‬ح‪ ،1893 /.‬ك‪ .‬اإلمارة‪.‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه الرتمذي‪ S،‬ح‪ ،2007 /.‬ك‪ .‬الرب والصلة عن حذيفة ـ رضي اهلل عنه ـ‪.‬‬
‫(‪ )8‬أخرجه احلاكم وإسناده صحيح‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪590‬‬
‫فن التعامل مع الناس‬
‫عبدالرمحن بن فؤاد اجلار اهلل‬
‫فن التعامل مع الناس‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني‪ ,‬نبينا حممد وعلى آله وصحبه والتابعني هلم‬
‫بإحسان إىل يوم الدين‪S...‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فلما كانت الدعوة إىل اهلل عز وجل حتتاج من الداعية حسن التعامل والسياسة مع من يتعامل معه؛‪S‬‬
‫لذلك اعتنت املؤسسات الرتبوية هبذا املوضوع وقدمته للمنتمني إليها‪ ,‬حتت عنوانني عدة تندرج‬
‫ضمن هذا املوضوع ‪ ,‬وكان أصل هذا املوضوع دورة ألقيت على جمموعة من الطالب ‪.‬‬
‫وكان من فضل اهلل علي أن يسر يل نسخة من مادة الدورة فقمت بكتابتها واإلضافة عليها وترتيبها‬
‫أسأل اهلل أن جيعل عملي خالصا لوجهه الكرمي‪ .‬إنه جواد كرمي‪.‬وبعد‪:‬‬
‫فإن موضوع فن التعامل مع اإلنسان ‪ -‬كبريٌ جداً ‪ -‬تعتين به كل الشعوب يف العامل ومن بينها‬
‫الشعوب اإلسالمية ‪.‬‬
‫س فيها ما يسمى باملهارات االجتماعية‪ .‬كيف يتحدث اإلنسان؟‬ ‫در ُ‬
‫ولدى الغربيني معاهد خاصةٌ يُ َّ‬
‫كيف يكسب الثقة بنفسه؟ كيف يكون لبِقاً يف احلديث مع الناس؟‪ .‬واإلسالم فيه الكثري من كنوز‬
‫اآلداب ‪,‬ومنها آداب التعامل ‪,‬وقد ُأعطينا القدوة من األنبياء وخامتهم رسول اهلل عليهم الصالة‬
‫والسالم مجيعاً‪.‬‬
‫ولكن املسلمني مل يستطيعوا أن يستفيدوا منها ومل يتجاوزوا حىت اآلن مرحلة التنظري (مرحلة الفكر)‬
‫وقليل من الناس‬
‫يقال‪ :‬من آداب الصحبة كذا‪ ,‬ومن آداب العشرة كذا‪ ,‬ومن آداب احلديث كذا‪ٌ .‬‬
‫تدريب عملي إال نادراً فالقالب هو التعليم وليس الرتبية‪,‬‬
‫ٌ‬ ‫درب قومه‪ .‬فليس هناك‬ ‫من يتدرب ويُ ِّ‬
‫والتدريب العملي هو املطلوب (‪. )1‬وهو حمور الكالم يف هذا البحث‪:‬‬
‫عناصر البحث‪:‬‬
‫* اختالف الطباع وأساليب التعامل ‪.‬‬
‫* التعامل مع اإلنسان ‪.‬‬
‫* الدوافع اليت حترك املسلم إىل حسن التعامل ‪.‬‬
‫* قواعد ثابتة يف التعامل ‪.‬‬
‫* الطُعم املناسب هو الذي يصطاد السمك‪.‬‬
‫* كيف تكسب اآلخرين وتؤثر يف الناس ؟ (أساليب التعامل)‪.‬‬
‫* خامتة‪.‬‬

‫‪591‬‬
‫أوالً‪:‬اختالف الطباع وأساليب التعامل‪:‬‬
‫الناس منذ خلقهم اهلل وهم خمتلفوا الطبائع والرغبات وامليول‪ .‬روى مسلم عن أيب هريرة ‪ t‬عن النيب ‪r‬‬
‫قال‪":‬الناس معادن كمعادن الفضة والذهب‪ ,‬خيارهم يف اجلاهلية خيارهم يف اإلسالم إذا فقهوا‪,‬‬
‫جنود جمندةٌ‪ ,‬فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" (‪.)2‬‬ ‫واألرواح ٌ‬
‫وعن أيب موسى األشعري ‪ t‬أن الرسول ‪ r‬قال‪":‬إن اهلل خلق آدم من قبضة قبضها من مجيع األرض‪,‬‬
‫فجاء بنو آدم على قدر األرض‪ ,‬فجاء منهم األمحر واألبيض واألسود وبني ذلك‪ ,‬والسهل واحلزن‬
‫واخلبيث والطيب" (‪.)3‬‬
‫ومتثل بعض الشعراء هبذا املعىن‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫الناس كاألرض ومنها ُُهم *** فمن َخش ِن الطبع ومن لنِّي ِ‬
‫ُ‬
‫فجندل تدمى به أرجل *** وإمث ٌد يُوضع يف األع ِ‬
‫ني‬ ‫ٌ‬
‫ٌ‬
‫ويُعلم بداهةً أن معاملة هذه االختالفات معاملةً واحد ًة ال يستقيم‪ .‬فما يالئم هذا ال يناسب ذاك‪ ،‬وما‬
‫حيس ُن مع هذا ال جيمل مع غريه‪ .‬لذا قيل‪(:‬خاطبوا الناس على قدر عقوهلم )‪.‬‬ ‫ُ‬
‫فكان شأنه ‪ r‬يف تربية أصحابه وتعليمهم أن يراعي أحوال من يتعامل معهم وينزل الناس منازهلم‪.‬ففي‬
‫فتح مكة أمر الرسول ‪ r‬املنادي أن يعلن يف الناس أن من دخل املسجد احلرام فهو آمن‪ ,‬ومن دخل‬
‫بيته فهو آمن‪ ,‬ومن دخل دار أيب سفيان فهو آمن‪ S,...‬أال ترى أن دار أيب سفيان مل يكن هلا ما مييزها‬
‫عن ُدور أهل مكة‪ ,‬وأن دخول هذه الدار أو غريها سيّان ؟‪.‬‬
‫أناس دون أناس‪.‬وكذلك تقسيمه األعمال واملهام‬ ‫ومنها توزيعه ‪ r‬بعض أموال الغنائم والفيء على ٍ‬
‫على أصحابه ُكلٌّ حبسبه‪ ،‬فما أوكل إىل حسان غري ما أوكل إىل معاذ ويصح ذلك مع أيب بكر وعمر‬
‫و صهيب وخالد وبقية الصحابة رضي اهلل تعاىل عنهم أمجعني‪.‬‬
‫إهنا املعرفة بنفسيات الناس وما يطيقون وما حيبون ‪,‬ومعرفة الدخول إىل قلوهبم (‪. )4‬‬
‫ثانياً‪:‬التعامل مع اإلنسان‪:‬‬
‫معلوم مكو ٌن من عدة قضايا ‪,‬فهو ليس آلةً من اآلالت‪ ,‬وإمنا هو إنسا ٌن بروحه‬ ‫اإلنسان كما هو ٌ‬
‫حمتاج لتغذية هذه األمور كلها ‪.‬وبعض الناس خيطئون عندما يتعاملون‬ ‫وجسمه وعقله ومشاعره وهو ٌ‬
‫مع اإلنسان يف اجلانب الدعوي مثالً‪ :‬إذ يتعاملون مع الفكر فقط أو الفعل فقط دون أن يهتموا‬
‫مبشاعر اإلنسان الذي يتعاملون معه‪ S.‬كأصحاب املصانع الذين يتعاملون مع اجلسم‪ :‬كم ينتج ؟ كم‬
‫ساعة يعمل ؟‪ ,‬ويهملون جانب الفكر وجانب العقل وجانب املشاعر‪.‬‬
‫كثريٌ من الناس يهملون جوانب وقضايا من قضايا التعامل مع اإلنسان‪ ,‬ولكن البد من الرتكيز عليها‬
‫كاملةً حىت يكون التعامل مع اإلنسان شامالً ومؤثراً‪ .‬هذا التعامل الذي أكتب عنه خيتلف األثر الناتج‬
‫عنه حبسب حمتوى الكالم‪ ,‬أو طريقة الكالم‪ ,‬أو السلوك املصاحب للكالم‪ ,‬فقد يقول إنسا ٌن كالماً‬

‫‪592‬‬
‫معيناً حتس منه أن هذا اإلنسان يقوله من قلبه‪ ,‬وآخر يقول الكالم نفسه غري أنك حتس أنه يقوله من‬
‫وثالث يقول‪ :‬جزاك اهلل‬
‫ٌ‬ ‫فمه ‪ .‬شخص يقول‪ :‬جزاك اهلل خرياً‪ٍ .‬‬
‫وثان يقول‪ :‬اهلل جيزيك اخلري (‪.)5‬‬ ‫ٌ‬
‫خرياً (‪.)6‬‬
‫ٍ‬
‫ممارسة‪ ,‬فإنسان‬ ‫ٍ‬
‫تدريب و إىل‬ ‫فستشعر أن الثاين والثالث يقوالن الكلمة من قلبيهما‪ ,‬وهذا حيتاج إىل‬
‫يكلمك وهو ينظر إليك فهو‬
‫إنسان يكلمك وهو ينظر إىل ورقة أمامه أو إىل مكان آخر‪ ,‬حىت‬ ‫حيرتمك ويقدرك‪ ,‬فهذا خيتلف عن ٍ‬
‫إذا سكت عن احلوار قال لك‪:‬تفضل أكمل وهو ينظر إىل األرض مثالً‪ .‬إن هذا غري مهت ٍم بك‪.‬‬
‫تلك أمثلةٌ متعلقةٌ بالسلوك املصاحب للكالم (‪.)7‬‬
‫وهناك أمثلةٌ تتعلق مبحتوى الكالم أو طريقته أو كيفية التعامل العملي مع الناس تأيت ـ إن شاء اهلل ـ‬
‫ضمن البحث واملهم أن يتم التدريب العملي على كيفية التعامل‪.‬‬
‫ثالثاً‪:‬الدوافع اليت حُت ِّرك املسلم إىل ُحس ِن التعامل‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬أن يكون من خري الناس أو خريهم‪:‬‬
‫فاملسلم يبحث عن رضا اهلل وحمبته‪ ,‬وأن تتحقق اخلريية يف نفسه ويكون من خري الناس أو‬
‫خريهم‪.‬يقول الرسول ‪": r‬خري الناس أحسنهم ُخلُقاً" (‪ )8‬فاملسلم الحُي ِّس ُن خلقه ليكسب مصلحة‪,‬إمنا‬
‫لكسب رضا اهلل عز وجل‪ ,‬وهنا تستمر األخالق سواءاً رضي الناس أم مل يرضوا ‪ ,‬حتسنت العالقة أم‬
‫حال‪ ,‬وهذا هو ضمان االستمرارية‪.‬‬ ‫ثابت على أيَّة ٍ‬
‫مل تتحسن ‪ ,‬كسب الود أم مل يكسب ‪,‬فاألجر ٌ‬
‫ويقول ‪ ": r‬إن الرجل ليدرك حبسن خلقه درجات قائم الليل وصائم النهار " (‪, )9‬ويقول الرسول ‪r‬‬
‫‪":‬املؤمن يألف ويؤلف والخري فيمن ال يألف وال يؤلف ‪ ,‬وخري الناس أنفعهم للناس " (‪. )10‬‬
‫مأمور هبا ‪:‬‬
‫ثانياً‪ :‬األخالق احلسنة ٌ‬
‫عني العقل‪ .‬يقول اهلل عز‬
‫إن اهلل سبحانه وتعاىل أمرنا أن نلتزم احلكمة يف التعامل مع الناس وهذا ُ‬
‫وجل‪" :‬ادع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة وجادهلم باليت هي أحسن إن ربك هو أعلم مبن‬
‫ضل عن سبيله وهو أعلم باملهتدين "‪.‬‬
‫واملوعظة احلسنة هي حمتوى الكالم الذي يدعو إىل شيء طيب ‪.‬‬
‫وقد وصف اهلل تعاىل رسوله ‪ r‬بأنه لنِّي اجلانب‪ ,‬وهو إن مل يكن كذلك خلسر الناس والنفضوا من‬
‫حوله وهم الصحابة ‪ y‬وهو الرسول‪, r‬فلم يقل ‪ r‬من أراد فليأت ‪,‬ومن مل يرد فال يهمنا أمره‪,‬إمنا‬
‫رمحة من اهلل لنت هلم ولو كنت فضاً غليظ القلب النفضوا‬ ‫كان حريصاً عليهم‪ .‬يقول تعاىل‪":‬فبما ٍ‬
‫من حولك"‪ S.‬أي لو كنت ياحممد يا رسول اهلل فضاً غليظ القلب ال نفضوا من حولك "فاعف عنهم‬
‫واستغفر هلم وشاورهم يف األمر " فإن من وسائل املعاملة احلسنة‪ :‬أن تعفو عنهم‪ ,‬وتستغفر هلم‪ .‬أي‪:‬‬
‫أن تتجاوز عن األخطاء وتغض الطرف عنها وتستغفر هلم‪ .‬فتلك وسيلةٌ من وسائل تشجيعهم وتنمية‬

‫‪593‬‬
‫السلوك الطيب فيهم‪ .‬وتشاورهم يف األمر أي‪ :‬حترتم رأيهم وتقدرهم وتعطيهم شيئاً من القيمة عندما‬
‫تتعامل معهم‪ ,‬فما أسهل الناس وأنت تشاورهم‪ ,‬وما أقرهبم منك وأنت تقدرهم‪ .‬يقول ميمون بن‬
‫مهران‪":‬التودد إىل الناس نصف العقل " فالذي يتودد إىل الناس يعترب مسلكه هذا نصف العقل ولكن‬
‫بشرط أن يكون ودوداً وعاقالً (‪.)11‬‬
‫رابعاً‪:‬قواعد ثابتة يف التعامل‪:‬‬
‫هناك قواعد ثابتةٌ ومشرتكةٌ بني كل شعوب العامل وهي تنطلق من الفطرة‪ ,‬يستوي التعامل فيها مع‬
‫ٍ‬
‫سنوات‬ ‫املسلم وغريه ‪ .‬لنتعلم هذه القواعد أو بعضها حىت منارسها عملياً وقد متتد تلك املمارسة إىل‬
‫سيء يكرهه الناس‪ ,‬أو نكتسب طبعاً طيباً حيبه الناس فمن هذه القواعد‬ ‫حىت نتخلص من طبع ٍ‬
‫املشرتكة‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن حديثنا وموضوعنا عن التعامل مع األسوياء من الناس‪ ,‬أما الشواذ فتكون هلم معاجلة فردية‪.‬‬
‫فالسوي من إذا أكرمته عرف املعروف‪ ,‬والشاذ من يتمرد إذا أنت أكرمته‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫إذا أنت أكرمت الكرمي ملكته *** وإن أنت أكرمت اللئيم متردا‬
‫‪2‬ـ ختتلف طريقة التعامل تبعاً الختالف العالقة‪ :‬الوالد مع ولده‪ ,‬الزوج مع زوجته‪ ,‬الرئيس مع‬
‫مرؤوسه‪ ,‬والعكس‪.‬‬
‫‪3‬ـ أن التعامل يتغري باختالف األفهام والعقول‪ .‬فالرجل الذكي الفاهم الواعي ختتلف طريقة تعامله عن‬
‫الشخص اآلخر احملدود العقل احملدود الفهم احملدود العلم‪ ,‬فاحلديث معه يكون مناسباً لطبيعته وقدرته‬
‫على الفهم‪.‬‬
‫وحس ٍ‬
‫اس‬ ‫اك َّ‬ ‫شك ٍ‬
‫‪4‬ـ خيتلف أسلوب التعامل أيضا باختالف الشخصية‪ .‬فطريقة التعامل من شخص َّ‬
‫سوي‪ ,‬فالطريقة ختتلف باختالف الشخصيات والصفات اليت تكون بارز ًة‬ ‫شخص ٍّ‬ ‫ٍ‬ ‫ختتلف عنها مع‬
‫فيهم‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬الطُعم املناسب هو الذي يصطاد السمك‪:‬‬
‫يقول املؤلف دايل كارنيجي‪":‬من هوايايت أن اصطاد السمك‪ ,‬ومبقدوري أن أجعل الطُعم الذي أثبته‬
‫يف السنارة أفخر أنواع األطعمة‪ ,‬لكين أفضل استعمايل طعوم الديدان على الدوام‪ ,‬ذلك أنين ال‬
‫أخضع يف انتقاء الطعوم إىل رغبيت اخلاصة‪ ,‬فالسمك هو الذي سيلتهم الطُعم‪ S...‬وهو يفضل الديدان‬
‫فإذا أردت اصطياده قدَّمت له مايرغب فيه ‪.‬‬
‫وم مع الناس ؟‬
‫واآلن ‪ .‬ملاذا ال جنرب الطُعُ َ‬
‫لقد سئل لويد جورج السياسي الربيطاين الداهية‪ ,‬عما أبقاه يف دفَّة احلكم مع أن معاصريه من رجال‬
‫الدول األوربية األخرى مل يستطيعوا الصمود مثله‪ ,‬فقال‪ ( :‬إنين ُأالئم بني ما أضعه يف السنارة وبني‬
‫نوع السمك )‪.‬‬

‫‪594‬‬
‫مهم للغاية‪ S...‬ذلك أن عالقتك مع اآلخرين هُت مهم أيضا بقدر ما هتمك‬ ‫والواقع أن "الطُعم" هذا ٌ‬
‫أنت‪ ,‬فحني تتحدث إليهم حاول أن تنظر بعيوهنم‪ ,‬وتعرب عما يف نفسك من زاويتهم ومبعىن آخر ِ‬
‫أبد‬
‫هلم اهتمامك هبم ‪ ,‬أكثر من اهتمامك مبصلحتك الشخصية‪ ,‬اجعلهم يتحمسون ملا تريد منهم أن‬
‫يفعلوه عن طريق اختاذ املوقف من جانبهم " (‪. )12‬‬
‫سادساً‪:‬أساليب التعامل مع الناس ‪:‬‬
‫يف هذا العنصر أتطرق إىل بعض القضايا اليت حيبها الناس وبعض القضايا اليت يكرهوهنا‪ ,‬وتؤثر فيهم‬
‫سلباً و إجياباً وهذه األساليب جتارب ناجحةٌ‪ ,‬ألن قدوتنا فيها هو نبينا عليه أفضل الصالة والسالم ‪.‬‬
‫جرب أذكر منها مايناسب‪ ,‬فمنها‪:‬‬ ‫وهذه األساليب هلا شواهد من السنة ومن الواقع امل َّ‬
‫ُ‬
‫‪1‬ـ الناس يكرهون النصيحة يف العلن ‪:‬‬
‫ال خيتلف اثنان يف أن النصيحة يف العلن يكرهها الناس‪ ,‬ألن كل الناس يكرهون أن تربز عيوهبم أمام‬
‫غريهم‪ ,‬كل الناس مسلمهم وكافرهم‪ .‬ولكن أخذ الفرد ونصحه على انفراد أدعى للقبول وأدعى‬
‫لفهم املسألة ‪.‬‬
‫عساك أالّ تُالم ( ال تُكثر من لوم الناس )‪:‬‬
‫‪2‬ـ ال تلُم أحداً َ‬
‫تأن ودون السؤال واالستفسار‪ ,‬بل من‬ ‫الناس يكرهون من يؤنب ويوبخ يف غري حمل التأنيب ومن غري ٍ‬
‫ّ‬
‫اخلطأ أن يتمادى اإلنسان يف التأنيب بعد أن يعتذر صاحبه ومن يتحدث معه فالناس مجيعاً ومنهم حنن‬
‫ٍ‬
‫وعقول يف الدرجة الثانية ‪ .‬إن لنا نفوساً ذات مشاعر وأهواء‪,‬‬ ‫عاطفيون أوالً‪ ,‬مث أصحاب ٍ‬
‫منطق‬
‫وهي تريد من اآلخرين أن حيرتموها كما هي‪ .‬فلماذا حتاول مناقضة نفوس اآلخرين‪ ,‬بينما تعرف أن‬
‫ثقيل على النفس البشرية فحاول جتنبه حىت‬
‫نفوسنا من نفس النوع ؟ إن اللوم والتأنيب ُمُّر املذاق ٌ‬
‫ب غريك‪.‬‬ ‫تكسب ُح َّ‬
‫‪3‬ـ من احلكمة أن تُسلم خبطئك حني ختطيء‪:‬‬
‫إن االعرتاف باخلطأ يزيل التحامل الذي ميكن أن يتولد يف صدر اخلصم أوالً‪ ,‬ومن مث خيفف أثر اخلطأ‬
‫كفيل بأن جيعل اخلصم يقف منك‬ ‫ٍأ‬
‫ثانياً‪...‬فحني ترى أنك على خط اعمد إىل التسليم به‪ ,‬وهو ٌ‬
‫موقف الرحيم السريع العفو‪ ,‬وعلى العكس من ذلك إذا أصررت على الدفاع عن خطئك‪ .‬وقدمياً‬
‫قيل ‪":‬املقر بذنبه كمن ال ذنب له"‪.‬‬
‫‪4‬ـ إيَّاك واألنا ‪:‬‬
‫إخفاق ألقى بالتبعة على اآلخرين وإذا‬
‫ٌ‬ ‫الناس يكرهون دائماً من ينسب الفضل لنفسه‪ ,‬فإذا حدث‬
‫أن كلمة‬ ‫حبث إحصائ ٍي قامت به مصلحة التليفونات يف نيويورك‪َّ :‬‬ ‫حدث جناح نسبه لنفسه‪.‬جاء يف ٍ‬
‫ٌ‬
‫(أنا) هي أكثر ٍ‬
‫كلمة ِّترن هبا أسالك شبكتها التليفونية‪ .‬ومعىن ذلك أن اهتمام الناس ُكلٌّ بنفسه‪ ,‬هو‬

‫‪595‬‬
‫الصفة املسيطرة على البشر‪ ,‬فإذا كنت هتتم بنفسك أوالً‪ ,‬وال حتاول اجتذاب اآلخرين باالهتمام هبم‪,‬‬
‫فكيف تنتظر منهم أن يهتموا بك إذن؟‪.‬‬
‫ركز على السلبيات دون احلسنات‪:‬‬ ‫‪ 5‬ـ ال تُ ِّ‬
‫عمم مغزاها يف كل قضايا التعامل‪،‬‬
‫خذ مثاالً‪ :‬عالقة املرأة املسلمة بزوجها املسلم‪ ,‬واليت ميكن أن يُ َ‬
‫مؤمن مؤمنةً إن كره منها خلقاً رضي منها آخر" (‪ .)13‬فما أح ٌد يسلم من‬ ‫يقول ‪":r‬ال َي ْفَر ْك ٌ‬
‫العيوب فال زوجة بال عيوب‪ ,‬وال صديق بال عيوب‪ ,‬وال رئيس وال مرؤوس‪ ,‬يقول سعيد بن‬
‫فضل إال فيه عيب‪ ,‬ولكن من الناس من الينبغي أن تُذكر‬ ‫شريف وال عا ٍمل وال ذي ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫املسيب‪":‬ليس من‬
‫عيوبه " فمن كان فضله أكثر من نقصه ذهب نقصه لفضله‪ ,‬والتذكر عيوب أهل الفضل تقديراً هلم‪.‬‬
‫وكم من الناس ننقدهم فإذا رأينا غريهم محدناهم‪.‬‬
‫بكيت من عمر ٍو فلما تركته *** وجربت أقواماً بكيت على عمرو‬
‫فيذكُر بفضل األنصار‪ ,‬ألن البشر بطبعهم ينسون احلسنات‪ .‬فقد أخرج‬ ‫والرسول ‪ r‬يعطينا املثل ِّ‬
‫البخاري قوله‪":r‬أوصيكم األنصار فإهنم كرشي وعيبيت (يعين بطانيت وخاصيت )‪ ,‬فقد قضوا الذي‬
‫عليهم (يقصد أهنم وفوا مبا تعهدوا به يف بيعة العقبة)‪ ,‬وبقي الذي هلم ‪ ،‬فاقبلوا من حمسنهم وجتاوزوا‬
‫عن مسيئهم " (‪ .)14‬إن هذا قمة اإلنسانية والعدل ‪.‬‬
‫‪6‬ـ الناس يكرهون من ال ينسى الزالت‪:‬‬
‫الناس يبغضون من الينسى زالهتم واليزال يُ َذ ِّكر هبا وميُ ّن على من عفا عنه‪ ,‬فالناس يكرهون ذلك‬
‫اإلنسان الذي يُ َذ ِّكُر الناس بأخطائهم ويعيدها عليهم مر ًة بعد مر ٍة‪ .‬واهلل عز وجل يقول‪":‬والعافني عن‬
‫الناس"‪ .‬ويقول الرسول ‪": r‬من سرت مسلماً سرته اهلل يف الدنيا واآلخرة " (‪ )15‬فالذي يذكر ويعيد‬
‫اخلطأ يكره الناس االجتماع به واالرتياح إليه ‪.‬‬
‫‪7‬ـ احذر من النقد املباشر‪:‬‬
‫رجل ذي‬ ‫نشاط كب ٍري‪ ,‬ففي وسع أي ٍ‬
‫أمحق أن يُشنِّع على ٍ‬ ‫خاصة أو بذل ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫موهبة‬ ‫االنتقاد الحيتاج إىل‬
‫عبقرية ومتي ٍز وأن يتهمه ويسخر منه‪ .‬دعنا حناول أن نفهم األخرين ونتلمس هلم األعذار حني‬
‫تقصريهم فهذا أمتع من النقد املباشر‪ .‬فطبيعة البشر تأىب ذلك‪ .‬نعم‪ ,‬قد ينفذ الشخص املنتقد املطلوب‬
‫حاد‪ ,‬ولكن لو كانت الطريقة ألطف كان ذلك أدعى للقبول‪.‬‬ ‫منه ولو كان األسلوب مباشر ٍ‬
‫وبنقد ٍ‬
‫ولنا يف رسول اهلل ‪ r‬أسوةً حسنةً‪ ,‬ومن ذلك ما ورد يف قصة القوم الفقراء والذين جاؤوا وكانوا‬
‫رجل من‬
‫ضر‪ S,‬وتأثر الرسول ‪ r‬ملا هلم من الفقر فقام وخطب الناس‪ ,‬مث قال‪":‬تصدق ٌ‬ ‫كلهم من ُم َ‬
‫ديناره‪ ,‬من درمهه‪ ,‬من ثوبه‪ ,‬من صاع متره" (‪ .)16‬ومل يقل تصدقوا ومل يعاتبهم على عدم الصدقة‪,‬‬
‫صّرة كادت تعجز يده عن محلها ‪ ,‬بل عجزت‪ ,‬وقدمها‬ ‫رجل من األنصار بِ ُ‬
‫فانظر النتيجة‪ :‬جاء ٌ‬
‫للرسول‪ r‬فاستهل وجهه وقام الناس وتصدقوا فأصبح عنده كومة من الصدقات ‪,‬وفرح الرسول ‪r‬‬

‫‪596‬‬
‫فقال ‪ ":‬من َس َّن يف اإلسالم ُسنةً حسنةً ‪ "...‬احلديث (‪ .)17‬وهكذا ‪ .‬فاحذر من النقد املباشر الذي‬
‫التكسب منه سوى إيغار الصدور ‪.‬‬
‫‪8‬ـ الفت النظر إىل األخطاء تلميحاً وب ُك ِّل ٍ‬
‫لباقة‪:‬‬
‫أنت وأنا والناس مجيعا يكرهون أن ينتقدهم غريهم إال أننا مجيعاً كثرياً ما نفعل أفعاالً تستدعي‬
‫حقيقي لذلك ‪,‬فكيف نفعل ؟‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫موجب‬
‫ٌ‬ ‫االنتقاد ‪ ,‬فإذا وددت انتقاد الغري وكان هناك‬
‫لنا يف رسول اهلل ‪ r‬وسلم قدو ًة حسنةً‪ ,‬حينما قال لعبداهلل بن عمر‪":t‬نعم الرجل عبد اهلل لو كان‬
‫لباقة بل وقدم املدح والثناء قبل لفت النظر إىل‬ ‫يقوم من الليل " فنجد أن الرسول ‪ r‬عاجل اخلطأ بكل ٍ‬
‫اخلطأ‪.‬‬
‫إن املقصود باالنتقاد والتوجيه هو إصالح الغري مع ضمان عدم إثارة البغضاء يف قلبه‪ ,‬وهلذا كان على‬
‫املنتقد أن يلجأ إىل التلميح مبا يراه ناقصاً‪ ,‬ولكن من ٍ‬
‫طرف خف ٍي‪.‬‬
‫‪9‬ـ تكلَّم عن أخطائك أوالً‪ ,‬وقدٍّم اقرتاحات مهذبة‪:‬‬
‫إن افعل هذا‪ ،‬وال تفعل ذاك ال تعطي نتيجةً طيبةً كقولك ‪( :‬أليس من األفضل أن تفعل هذا ؟) أو‬
‫صعب على النفس أن تتقبله‪ ,‬وحىت لو‬ ‫(أليس من األفضل أن ال تفعل ذاك ؟) ذلك أن األمر اجلازم ٌ‬
‫تقبله الرجل الذي توجه إليه األمر فإن توجيهك ذلك له يُبقي يف نفسه جرحاً غائراً يطول قبل أن‬
‫ٍ‬
‫بغضاضة فينفذه راضياً حمتفضاً‬ ‫يندمل ‪ ,‬أما االقرتاح (املهذب) فهو مستساغٌ ال يشعر املرء جتاهه‬
‫بعزته وتقدير نفسه‪.‬‬
‫قبل بضع سنوات‪َّ ,‬قر َر جملس إدارة شركة (جنرال إلكرتيك) إقالة رئيس قسم احلسابات يف الشركة‬
‫أي‬
‫وكان مهندساً كهربائياً عبقرياً طاملا انتفعت به الشركة‪ ,‬لكنه مل ينجح يف إدارة قسم احلسابات َّ‬
‫حيوي فيها‪ ,‬فكيف تبلغه‬
‫ٍّ‬ ‫كف يده عن قس ٍم‬ ‫جناح‪ ,‬وكانت الشركة تقدر للرجل فضله لكن تود َّ‬ ‫ٍ‬
‫ذلك؟‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لشخص‬ ‫لقد اخرتعت له منصب " املهندس املستشار للشركة " وجعلته عليه مث سلمت إدارة القسم‬
‫آخر‪ ...‬فحاول دائماً أن حتفظ ماء وجه اآلخرين‪.‬‬
‫‪10‬ـ ال تعامل الناس باستعالء‪:‬‬
‫استعالء مهما كان هذا اإلنسان‪ .‬روى هارون بن عبد اهلل‬ ‫ٍ‬ ‫الناس يكرهون من يعاملهم باحتقا ٍر و‬
‫اجلمال‪ ,‬فقال‪ ( :‬جاءين أمحد بن حنبل بالليل ـ انظروا كيف يكون التصرف يريد أن يصحح خطًأ! ـ‪،‬‬
‫فدق علي الباب‪ ،‬فقلت‪ :‬من هذا ؟ فقال‪ :‬أنا أمحد‪ ،‬ـ مل يقل‪ :‬الشيخ أمحد ـ فبادرت وخرجت إليه‬ ‫َّ‬
‫مسيته‪ .‬فقلت‪ :‬حاجة أيب عبد اهلل ؟ ( أي‪ :‬ما حاجتك ؟)‪ ,‬قال‪ :‬شغلت اليوم قليب‪ .‬فقلت‪:‬‬ ‫فمساين و ِّ‬
‫زت عليك اليوم وأنت قاع ٌد حُت دِّث الناس يف الفيء (الظل) والناس يف‬
‫مباذا يا أبا عبد اهلل ؟‪ ,‬قال‪ُ :‬ج ُ‬

‫‪597‬‬
‫الشمس بأيديهم األقالم والدفاتر‪ .‬ال تفعل مرة أخرى‪ S،‬إذا قعدت فاقعد مع الناس)‪ .‬انظر كيف‬
‫كانت النصيحة والذي يرويها ليس اإلمام وإمنا ذلكم الشخص املتأثر بالنصيحة!‪.‬‬
‫‪11‬ـ احرتم آراء اآلخرين‪ ،‬وال ت ُقل ٍ‬
‫ألحد‪ :‬أنت خمطئ‪:‬‬
‫رجل بأن تقول له‪ (( :‬أنت خمطئ )) أو(( امسع يا هذا‪ :‬سأثبت بطالن ما‬ ‫حني تبدأ كالمك مع ٍ‬
‫تقول))‪ ،‬أو باللهجة العامية‪(( :‬ما عندك سالفة ))‪ ,‬أتدري أنك يف تلك اللحظة تعين‪ :‬أنك أيها‬
‫الرجل تعوزك براعيت و ينقصك ذكائي‪ ،‬قف أمامي ذليالً لكي أدلك على الطريق الذي بلغه ذهين‬
‫املتوقد وحكميت األصيلة؟ هذا هو املعىن بالضبط‪ S...‬فهل تقبل بأن يوجه إليك أح ٌد مثل هذا القول ؟‬
‫كال طبعاً ‪ .‬إذن‪ ,‬فلماذا توجهه إىل اآلخرين ؟ ‪.‬‬
‫قال اللورد شسرت فيلد يف رسالته إىل ولده‪ (( :‬يابين‪ُ ...‬كن أحكم الناس إذا استطعت‪ ،‬ولكن ال‬
‫ٍ‬
‫غامضة‪،‬‬ ‫حتاول أن تقول هلم ذلك ))‪ S.‬فلماذا يسارع الواحد منا بنشر التأكيد واجلزم وحىت يف أمو ٍر‬
‫جملرد االدعاء بالعلم‪ ،‬أو مناكفة الغري‪ ،‬أفتظن أن قولك‪ (( :‬أنت خمطئ )) سيوصلك إىل ٍ‬
‫نتيجة مع من‬
‫حتدثه بنفس القدر الذي يوصلك إليه قولك‪ (( :‬قد أكون أنا خمطئا ))‪ ،‬فلنفتش عن احلقيقة‪ .‬إن‬
‫يل إليك‪ ،‬فالسامعون يتأثرون بك‬ ‫إقرارك باحتمال أن قولك غري مصيب ال يُضعف موقفك كما قد خُي ُ‬
‫وبنزاهتك وحبك لإلنصاف ‪ ،‬أما من قابلته مباشرة بتخطئته فيصعب عليك إقناعه باخلطأ بعد ذلك‪,‬‬
‫فهذه طبيعة النفس البشرية فهي تتأثر انعكاساً ‪ .‬فاحرتم آراء الغري مهما كانت وصغرت‪ ,‬حيبك الناس‬
‫دليل على ذلك صربه ‪ e‬على جفاء األعراب حني خياطبوه‪ ,‬يدخل الرجل‬ ‫ويتأثرون بشخصك‪ ,‬وأكرب ٍ‬
‫منهم مغضباً وخيرج وأسارير الرضا على وجهه ‪.‬‬
‫* ( تقدير عواطف اآلخرين وعدم جرح مشاعرهم )‪:‬‬
‫روى ابن إسحاق عن ابن عباس‪t:‬أن النيب ‪ r‬قال ألصحابه‪ ( :‬إين قد عرفت أن رجاالً من بين هاشم‬
‫وغريهم قد ُأخرجوا كرهاً ال حاجة هلم بقتالنا فمن لقي أحداً من بين هاشم فال يقتله‪ ،‬ومن لقي أبا‬
‫ي بن هشام فال يقتله ومن لقي العباس بن عبداملطلب فال يقتله فإنه إمنا أخرج مستكرهاً)‪.‬‬ ‫البَخْرَت ّ‬
‫فقال أبو حذيفة بن عتبة‪ :‬أنقتل آبائنا وأبناءنا وإخواننا وعشريتنا ونرتك العباس‪ ,‬واهلل ألن لقيته‬
‫ألحلمنه أو ألجلمنه بالسيف‪ .‬فبلغت رسول اهلل ‪ r‬فقال لعمر بن اخلطاب‪ :‬يا أبا حفص أيضرب وجه‬
‫عم رسول اهلل بالسيف‪ ,‬فقال عمر‪ :‬يا رسول اهلل دعين فألضرب عنقة بالسيف فواهلل لقد نافق‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫فكان أبو حذيفة يقول‪:‬ما أنا بآم ٍن من تلك الكلمة اليت قلت ٍ‬
‫يومئذ وال أزال منها خائفاً‪ .‬إال أن‬
‫تكفرها عين الشهادة‪ ،‬فقتل يوم اليمامة شهيداً‪( .‬الرحيق املختوم ص‪)246 :‬‬
‫‪12‬ـ الناس حيبون من يُصحح أخطائهم دون جرح مشاعرهم‪:‬‬
‫ويضرب مثل يف ذلك يف أحد الكتب‪ :‬أن شخصاً ألقى خطاباً ( حماضرةً ) يف ٍ‬
‫عدد كب ٍري‪ ،‬ولكنها‬ ‫ُ ُ ٌ‬
‫كانت طويلةٌ وفيها تفصيل‪ ،‬فمل الناس‪ ,‬وملا عاد احملاضر إىل منزله سأل زوجته‪ ,‬فقال‪ :‬ما ِ‬
‫رأيك يف‬ ‫ٌ ّ‬

‫‪598‬‬
‫ٍ‬
‫متخصصة‪ .‬وقد فهم احملاضر من‬ ‫جملة ٍ‬
‫علمية‬ ‫احملاضرة ؟ قالت‪ :‬هذا املوضوع يصلح مقالةً رصيفةً يف ٍ‬
‫كالم زوجته أن املوضوع ال يصلح للمحاضرة‪.‬‬
‫فإياك وقول‪ :‬أنت ال تصلح لكذا ‪ ،‬أو أنت تصلح لغري ذلك ‪.‬‬
‫‪13‬ـ اكسب اجلدال بأن تتجنبه‪:‬‬
‫ببيت يف ربض اجلنة ملن ترك املراء ولو كان حمقاً )) (‪. )18‬‬ ‫جاء يف احلديث الصحيح‪ (( :‬أنا زعيم ٍ‬
‫ٌ‬
‫ب الظهور يف معظم األحيان هو الدافع األول إىل اجملادلة‪ ,‬فأنت تود أن تعرض سعة اطالعك‬ ‫إن ُح َّ‬
‫س الرجل اآلخر الذي جتادله‪ ،‬فإذا‬ ‫وحسن تنقيبك يف املوضوع املطروح للجدال‪ ,‬ومثل هذا حُي ِّس ُ‬ ‫ُ‬
‫قهرته مبنطقك السليم وفزت عليه‪ ،‬فإنه لن يعترب ذلك إال إهانةً منك‪ ،‬وجرحاً لكرامته‪ ،‬وهو قلّما‬
‫يغفر لك ذلك‪ .‬هبذا تكون قد اشرتيت خصومته دون نف ٍع يصيبك من الشراء‪.‬‬
‫ابد للناس اهتمامك هبم أكثر من اهتمامك بنفسك‪:‬‬ ‫‪14‬ـ ِ‬
‫الناس حيبون ذلك اإلنسان الذي يهتم هبم‪ ،‬ومبا يفكرون‪ ،‬وما الذي يشغل باهلم وحينما يتحدثون‬
‫ينصت إىل حديثهم وينظر إليهم ويلخص ما يقولون ويناقشهم فيه‪.‬‬
‫‪15‬ـ ُكن يف حاجة الناس‪( :‬مثاله‪ :‬الشيخ ابن باز ـ رمحه اهلل ـ)‬
‫إن الناس يُقدِّرون من يسعى يف حاجتهم ويشفع هلم‪ ,‬والرسول ‪ r‬يقول ‪ ( :‬أحب الناس إىل اهلل عز‬
‫سرور تدخله على مسل ٍم ‪ ،‬تكشف عنه كرباً ‪ ،‬أو‬ ‫وجل أنفعهم للناس‪ ،‬وأحب األعمال إىل اهلل ٌ‬
‫إيل من أن تعتكف‬ ‫أحب َّ‬
‫تقضي عنه ديناً ‪ ،‬أو تطرد عنه جوعاً ‪ ،‬ولو أن متشي مع أخيك يف حاجته ُّ‬
‫شهراً ) ‪)19( .‬‬
‫ولو أدرك العامل واملوظف عظم هذا احلديث ألهنى املعامالت يف وقتها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫خدمات لآلخرين قبل أن يأمروك‪:‬‬ ‫‪16‬ـ قدِّم‬
‫إن الناس يشريون بالبنان ملن يعمل وخيدم ويقدم لآلخرين ألنه يأسر قلوهبم بفعله‪ ,‬ويكفينا يف ذلك‬
‫وعلي مجع احلطب ) ‪.‬‬
‫قول النيب ‪َّ ( : r‬‬
‫وتعرف على أنساهبم‪:‬‬
‫ناد الناس بأحب أمسائهم‪َّ ,‬‬‫‪17‬ـ ِ‬
‫كان ‪ r‬ينادي الناس بأحب أمسائهم‪ ,‬حىت األطفال الصغار كان يكنيهم أحياناً ( يا أبا عمري ما فعل‬
‫طفل صغري ‪.‬‬
‫النغري ؟) وأبو عمري ٌ‬
‫ٍ‬
‫جامعات درجاهتا الفخرية‪ ,‬ومت تعينه مدير‬ ‫"جيم فاريل" ما إن بلغ األربعني من عمره حىت منحته أربع‬
‫الربيد العام يف الواليات املتحدة‪ S...‬فما سر جناحه ؟؟ كان يتملك مقدرةً فائقةً على ُّ‬
‫تذكر أمساء‬
‫الناس‪ .‬كان يلقى الرجل فيتعرف على امسه الكامل‪ ,‬وأمساء أوالده وأهله املقربني‪ ,‬ويستفسر عن‬
‫عمله‪ ,‬وميوله السياسية‪ ،‬ونزعاته الفكرية‪ ،‬مث خيتزن كل ذلك يف ذاكرته حىت إذا التقى به ثانية سار‬
‫احلديث بينهما وكأنه مل ينقطع عنه‪ .‬فيسأله "جيم" عن أوالده وزوجته وأزهار حديقته‪ ,‬ويف لغة‬

‫‪599‬‬
‫يشعر معها املسئول بقرابته الفعلية من قلب "جيم" وعواطفه‪ .‬وهكذا إذا أردت أن حيبك الناس فاذكر‬
‫أمساءهم ألن اسم الرجل هو من أقرب الطرق لكسبه‪.‬‬
‫‪18‬ـ أخلق يف اآلخر رغبةً جاحمةً يف أن يفعل ما تريد منه‪:‬‬
‫وهي أن تشعر اإلنسان مبحبة األمر حني تعطيه إياه وكان ذلك هو دأب الرسول ‪ r‬فكان يشوق‬
‫الناس ملا يأمرهم به‪ ,‬فلما أراد أن يُسرّي جيشاً قال‪ ( :‬ألعطني الراية غداً رجالً حيبه اهلل ورسوله ) (‬
‫كل ٍ‬
‫فرد يتمىن ذلك‪.‬‬ ‫‪ )20‬فسار ُّ‬
‫إذا أراد إنسا ٌن أن يصرف شخصاً عن طبع سيئ مثالً فمن اخلطأ أن يقف موقف املرشد الناصح يف‬
‫رغبة يود هذا الشخص بلوغها مث اربط تلك الغاية باإلقالع عن هذا الطبع السيئ‪,‬‬ ‫الوعظ‪ ،‬فتِّش عن ٍ‬
‫وستجده ينصرف عنه فعالً؛ طمعاً يف الوصول إىل الغاية ال تأثراً بصواب رأيك ابتداءاً‪( .‬وال يُفهم‬
‫من هذا التقليل من شأن الوعظ)‪S.‬‬
‫‪19‬ـ الرباعة يف احلديث‪:‬‬
‫ِّث هو من‬ ‫إن الناس ال يريدون منك أن تتحدث عن جتاربك وخرباتك‪,‬فلهم خربات أيضاً‪,‬وخري حُم د ٍ‬
‫بشغف إىل اآلخرين‪ ،‬اسأل مقابلك سؤاالً ودعه يتحدث يف ختصصه‪ S،‬بذلك يشعر باالمتنان‬ ‫ٍ‬ ‫يستمع‬
‫ٍ‬
‫باهتمام‪ ،‬إن‬ ‫أحتت له فرصة التحدث عن جتاربه وظللت مصغياً له‬ ‫لك وتظفر بصداقته سريعاً‪ ،‬إذا َ‬
‫االستماع املشغف هو أعلى ضروب الثناء الذي ميكن أن تضفيه على حمدثك فالناس حيبون من يفتح‬
‫هلم اجملال لتحقيق ذواهتم ‪.‬‬
‫‪20‬ـ ق ّدر غريك تفز بتقديره لك‪:‬‬
‫وأحل شأناً؛‬
‫إن التقدير من الغري غذاءٌ للنفس كما هو الطعام للجسد‪ ،‬بل إن النفس أرهف حساسيةً ُّ‬
‫قد يصوم املرء وينقطع عن الطعام والشراب‪ ،‬أما عن حاجته إىل تقدير الغري له فلن يستطيع‪ .‬إذاً‪...‬‬
‫حمببة عن تقديرنا هلم وشعورنا‬ ‫ٍ‬
‫وكلمات ٍ‬ ‫ملاذا ال ندع اآلخرين خيتزنون يف ذاكرهتم أنغاماً حلو ًة‬
‫بأمهيتهم ؟ ‪.‬‬
‫‪21‬ـ تكلم فيما تظن أنه يسر حمدثك‪:‬‬
‫إذا أردت إدخال السرور إىل قلوب الناس حدِّثهم فيما تظنهم يودون االستماع إليه أوالً‪ ،‬وبذلك‬
‫تستدرجهم إىل التحدث‪ ,‬واحلديث الشيِّق اللذيذ فتصغي إليهم بشغف‪ ،‬ويعتربونك حمدثاً بارعاً‬
‫تستطيع جلب مسرهتم‪.‬‬
‫‪22‬ـ امتدح الناس فيما جييدونه‪:‬‬
‫عدم ذلك الشيء اجلميل‪ .‬فالناس خيتلفون ويتفاوتون‪ ،‬ولكنه‬ ‫اخرت شيئاً مجيالً فيهم وحدثهم عنه ولن تُ َ‬
‫فرد منهم‪ ,‬فالناس حيبون أن متدح الناحية اجلميلة فيهم‪.‬‬ ‫ال ميكن إال أن جتد شيئاً مجيالً يف كل ٍ‬
‫‪23‬ـ الناس حيبون الشكر والتشجيع‪:‬‬

‫‪600‬‬
‫طبع يف‬
‫وإن كان األصل يف املسلم أنه يعمل العمل ابتغاء رضا اهلل وال ينتظر شكر الناس‪ ،‬ولكن ذلك ٌ‬
‫البشر وذلك ال بأس منه شرعاً‪ .‬روى أمحد والرتمذي‪ (( :‬من مل يشكر الناس ال يشكره اهلل )) (‪)21‬‬
‫‪.‬وكذلك قوله ‪ ((: r‬اللهم ال عيش إال عيش اآلخرة ‪ ،‬فأكرم األنصار واملهاجرة )) (‪. )22‬وكذلك‬
‫حديث‪ (( :‬من صنع إليكم معروفاً فكافئوه‪ )) S...‬احلديث‪.‬‬
‫* ( التشجيع يسر اآلخرين )‪:‬‬
‫رواية أن سعد بن معاذ ‪ t‬قال لرسول اهلل ‪( : r‬لعلك ختشى أن تكون األنصار ترى حقاً عليها أال‬ ‫يف ٍ‬
‫وصل حبل من‬ ‫تنصرك إال يف ديارهم‪ ,‬وإين أقول عن األنصار وأجيب عنهم‪ ,‬فأضعن حيث شئت ‪ِ ،‬‬
‫وخذ من أموالنا ما شئت‪ ,‬واعطنا ما شئت‪ ,‬وما أخذت منا كان‬ ‫شئت ‪ ،‬واقطع حبل من شئت ‪ُ ،‬‬
‫أحب إلينا مما تركت‪ ,‬وما أمرت فيه من أم ٍر فأمرنا ٌ‬
‫تبع ألمرك‪ ,‬فواهلل لئن سرت حىت تبلغ الرَب َك من‬ ‫َّ‬
‫فسَّر رسول اهلل ‪r‬‬‫غمدان لنسري ّن معك‪ S,‬و واهلل لئن استعرضت بنا هذا البحر فخضته خلضناه معك)‪ُ .‬‬
‫سعد ونشطّه ذلك‪ ,‬مث قال‪(:‬سريوا و أبشروا فإن اهلل تعاىل قد وعدين إحدى الطائفتني) ‪.‬‬ ‫بقول ٍ‬
‫(الرحيق املختوم ص‪)232:‬‬
‫‪24‬ـ ابتسم للناس‪ ,‬يبتسمون لك ‪:‬‬
‫إن قسمات الوجه خريُ معرِّبٍ عن مشاعر صاحبه‪ ,‬فالوجه الصبوح ذو االبتسامة الطبيعية الصادقة خري‬
‫وسيلة لكسب الصداقة والتعاون مع اآلخرين‪ ،‬قال ‪ r‬يف احلث على البشر والتالطف‪ (( :‬تبسمك يف‬ ‫ٍ‬
‫وجه أخيك لك صدقة ))‪)23( S.‬‬
‫‪25‬ـ هتادوا حتابوا‪:‬‬
‫ِ‬
‫االهتمام باملهدى إليه‪ ,‬ففي‬ ‫اهلدية قد تكون بسيطةً جداً يف قيمتها ولكنها تُدخل سروراً وتُظهر مدى‬
‫حديث أيب هريرة‪ t‬عن املصطفى ‪((: r‬هتادوا حتابوا)) ‪)24( .‬‬
‫يظن أن الفكرة هي فكرته‪:‬‬
‫‪26‬ـ دع الغري ُ‬
‫إذا أردت أن تكسب روح التعاون عند اآلخرين فاجعل الشخص اآلخر حيس أن الفكرة هي فكرته ؛‬
‫فالرجل العاقل إذا أراد أن بتصدر الناس جعل َن ْف َسه خلفهم ‪.‬‬
‫تفهم عواطف اآلخرين‪ ،‬واستثر عواطفهم النبيلة‪:‬‬ ‫‪27‬ـ َّ‬
‫خاص‪ ,‬فإن‬‫ني‪ ،‬أو تبين رأ ٍي ٍ‬ ‫كما أن لك عاطفة تسوقك يف كث ٍري من األحيان إىل اختاذ ٍ‬
‫موقف مع ٍ‬
‫لآلخرين عواطف أيضاً‪ ،‬وكما يسرك بأن يراعي اآلخرين عاطفتك‪ ،‬فإهنم يسرهم أن تراعي‬
‫عواطفهم بنفس املقدار‪.‬‬
‫مهما بدا الناس عتاةً قساةَ القلوب أو المنطقيني‪ ،‬فإن طبيعتهم اإلنسانية هي اليت تسود آخر األمر‪،‬‬
‫إهنم ضعفاء‪ ،‬إهنم يطلبون التعاطف معهم بل والعطف عليهم فإذا قلت حملدثك‪:‬إين ال أوجه إليك‬

‫‪601‬‬
‫كفيل بضمان اجنذابه إىل جانبك‪،‬‬‫كنت مكانك‪ .‬فإن هذا ٌ‬ ‫اللوم‪ ،‬إذ إنين سأفعل مثل ما فعلت‪ ،‬لو ُ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫واستالل كل حقد أو تصو ٍر كان من املمكن أن ينشأ بينكما‪ ،‬إذا كنتما خمتلفني على أم ٍر من األمور‪.‬‬ ‫ِ‬
‫إن استثارة العواطف النبيلة يف قلوب اآلخرين طريقةٌ ناجحةٌ متاماً يف كسب الناس إىل وجهة نظرك‪،‬‬
‫مضر ٍة‪ S‬لو قُدِّر هلا الفشل‪.‬‬
‫كما أهنا لن تؤدي إىل َّ‬
‫وختاماً‪:‬‬
‫ليس املقصود من هذا البحث أن تلُّ َم ببعض احلقائق العامة حول السلوك اإلنساين‪ ،‬بل إن التطبيق‬
‫العملي لتلك احلقائق واألساليب هو ما أبتغيه من كتابة البحث‪.‬‬
‫دائمة فاجعل من نفسك‬‫وحماسبة ٍ‬
‫ٍ‬ ‫يقظة ٍ‬
‫ذاتية‬ ‫حاجة إىل ٍ‬‫ٍ‬ ‫ولكن ملا كان اكتساب العادة صعباً‪ ،‬نظل يف‬
‫ّ‬
‫رقيباً على نفسك ‪ ،‬وجاهد نفسك أال متيل مع التخاذل‪ ,‬وطبِّق ذلك مع أبيك‪ ,‬وأمك‪ ،‬وإخوانك‪،‬‬
‫ٍ‬
‫مهارات‬ ‫ألصق الناس بك ومن مث تتحول هذه احلقائق واألساليب إىل‬ ‫وأقربائك‪ ,‬وأصدقائك ؛ ألهنم ُ‬
‫ٍ‬
‫اجتماعية عملية ‪.‬‬
‫حممد وعلى آله وصحبه والتابعني‪.‬‬ ‫* هذا واهلل أعلم وصلى اهلل وسلم على نبينا ٍ‬
‫‪B‬‬
‫‪ :.‬مراجع استُفيد منها‪:‬‬
‫* فن التعامل مع الناس‪ .‬د ‪ .‬عبد اهلل اخلاطر ـ رمحه اهلل ـ‬
‫كلمات يف التعامل‪ .‬عبد الرمحن عبد اهلل اللعبون‬ ‫ٌ‬ ‫*‬
‫رتجم)‪ .‬دايل كارنيجي‬ ‫(م َ‬‫* كيف تكسب األصدقاء وتؤثر يف الناس؟ ُ‬
‫* الرحيق املختوم‪ .‬صفي الرمحن املباركفوري‪S‬‬
‫* أساليب وجتارب استقيتها من أفواه بعض املربني‪ ،‬وتوجيهاهتم‪.‬‬
‫مع حتيات‬
‫عبدالرمحن بن فؤاد اجلاراهلل‬
‫ص‪.‬ب‪9191:‬ـ الرياض ‪11413‬‬
‫(‪ )1‬فن التعامل مع الناس ص‪6 :‬‬
‫(‪ )2‬خمتصر صحيح مسلم كتاب الرب والصلة باب األرواح جنود جمندة‪ ،‬رقم احلديث ‪1772‬‬
‫(‪ )3‬سلسلة األحاديث الصحيحة عن أيب موسى‪ t‬رقم احلديث ‪1630‬‬
‫(‪ )4‬كلمات يف التعامل ص‪25 :‬‬
‫(‪ )5‬تقدمي لفظ اجلاللة (اهلل) املد فيه يوحي بالصدق ويدل عليه‬
‫(‪ )6‬بالضغط‪ S‬على احلرف املشدد وهو حرف الالم يف لفظ اجلاللة (اهلل)‬
‫(‪ )7‬فن التعامل ص‪8 :‬‬

‫‪602‬‬
‫(‪ )8‬السلسلة الصحيحة وهو يف الصحيحني بلفظ قريب‬
‫(‪ )9‬رواه أمحد من حديث أم املؤمنني عائشة رضي اهلل عنها‬
‫(‪ )10‬صحيح اجلامع الصغري من حديث سهل بن سعيد ‪t‬‬
‫(‪ )11‬فن التعامل مع الناس (( بتصرف )) ص‪13 :‬‬
‫(‪ )12‬كيف تكسب األصدقاء وتؤثر يف الناس(ص‪)19 :‬من الطائف عن هذا الكتاب‪ :‬أين مسعت‬
‫الشيخ عبداهلل بن عقيل حفظه اهلل ينقل عن شيخه الشيخ عبدالرمحن السعدي رمحه اهلل أنه مدحه‬
‫وأثىن عليه‪.‬‬
‫(‪ )13‬رواه مسلم نص حديث أيب هريرة ‪t‬‬
‫(‪ )14‬البخاري من حديث أنس بن مالك ‪t‬‬
‫(‪ )15‬مسلم من حديث أيب هريرة‪t‬‬
‫(‪ )16‬أمحد يف مسنده من حديث املنذر بن جرير عن أبيه‬
‫(‪ )17‬مسلم يف صحيحه من حديث املنذر بن جرير عن أبيه‬
‫(‪ )18‬رواه أبو داود يف سننه‪ ،‬والطرباين يف املعجم الكبري وخرجه األلباين يف السلسلة الصحيحة عن‬
‫أيب أمامة ‪t‬‬
‫(‪ )19‬الطرباين يف الكبري والصغري وجممع الزوائد وكشف اخلفاء من حديث ابن عمر ‪t‬‬
‫(‪ )20‬متفق عليه من حديث سلمة بن األكوع ‪t‬‬
‫(‪ )21‬رواه أمحد من حديث أيب هريرة ‪ ،t‬وقال األلباين صحيح األسناد‪.‬‬
‫(‪ )22‬متفق عليه من حديث سهل بن سعد ‪t‬‬
‫(‪ )23‬مسلم عن أيب هريرة ‪ ، t‬رقم‪1418‬‬
‫(‪ )24‬حسنه األلباين ( إرواء الغليل ) وهو يف املوطأ وغريه‬
‫ــــــــ‬

‫‪603‬‬
‫تأمالت في سيرة أبي بكر الصديق رضي اهلل تعالى عنه!!‬
‫مشعل بن عبدالعزيز الفالحي‬
‫سري الصاحلني معامل يهتدى هبا ‪ ،‬ومنارات يقتدى بآثارها ‪ ،‬واألزمان اليت يعيش فيها اإلنسان مهما‬
‫س خاص من مناذج ذات طراز رائع ‪ ،‬فكيف إذا كانت‬ ‫كانت مناذجها الرائعة إال أهنا يف حاجة إىل َقبَ ٍ‬
‫النماذج الرائعة ال يكاد يراها اإلنسان ‪ ،‬أو قل يتعب يف البحث عنها يف مثل هذه األزمان ‪َّ S...‬‬
‫إن‬
‫دراسة التاريخ هي الكفيلة بدمج القدوة يف قلب اإلنسان وجعلها ترتعرع حية يف حياته وإن مات‬
‫أصحاهبا وتوارت آثارهم يف طيات القبور ؛ هلذا اهلدف وأمثاله أحببت أن أعلّق نفسي بآثار الكرام‬
‫يف تلك األزمان ‪ ،‬وجعلت لقلمي مساحة حياول فيها تكريس مفاهيم القدوة يف سري ُكتّاب التاريخ‬
‫عل قليب أو قلب من يقرأ هذه األحرف يطوف هبا متأمالً ليجد فيها بعض منارات الطريق‬ ‫باألمس ‪ّ ،‬‬
‫‪ .‬واهلل املستعان ! لقد جال قلمي باألمس يف سرية رسول اهلل ‪ ‬بدءاً بامليالد اليوم الذي أنار يف‬
‫املدينة كل شيء ‪ ،‬وانتهاءً باليوم الذي انطفأ من املدينة كل شيء ‪ ،‬وكتبت هناك ما ميكن أن ميأل‬
‫متأس بنبيه ‪ ، ‬واليوم أحاول جاهداً أن أتن ّفس يف سري املصلحني من بعد األنبياء ‪ ،‬بدءاً‬ ‫قلب كل ٍ‬
‫بعلم من أعالم اإلسالم ‪ ،‬سرية أقرب رجل إىل سري األنبياء ‪ ،‬ثاين رجل يطرق باب اجلنة يوم القيامة‬
‫‪ ،‬ويدخل من أبواهبا الثمانية ‪ ،‬فيا هلل أي قلم هذا الذي يتطاول ليكتب معامل من معامل هذه النماذج‬
‫الرائعة ؟!‬
‫أبو بكر ‪ :‬هو عبد اهلل بن عثمان بن عامر بن عمرو ‪ ،‬ويكىن بأيب بكر ‪ ،‬ول ّقب رضي اهلل تعاىل عنه‬
‫بالعتيق قال ‪ : ‬أنت عتيق اهلل من النار ‪ ،‬وقيل إمنا مسي لذلك جلمال وجهه ‪ ،‬وقيل ألنه كان قدمياً‬
‫يف اخلري ‪ ،‬ولقب بالصديق ‪ ،‬جاء ذلك يف قول رسول اهلل ‪ ‬ملا صعد أحداً وعليه أبو بكر وعمر‬
‫وعثمان فرجف هبم قال ‪ :‬أثبت فإمنا عليك نيب وصديق وشهيدان ‪ .‬رواه البخاري ‪ .‬وإمنا لُّقب هبذا‬
‫لكثرة تصديقه للنيب ‪ . ‬وإمجاع األمة قائم على تسميته بالصديق ‪ ،‬ول ّقب كذلك بالصاحب ‪ ،‬قال‬
‫تعاىل ‪ " :‬إذ يقول لصاحبه ال حتزن إن اهلل معنا " قال احلافظ ‪ :‬املقصود هنا أبو بكر بغري منازع ‪ .‬اهـ‬
‫ومثة درس ‪ :‬أن األصل يف األلقاب احلميدة والصفات احلسنة يف أعراف الناس أالّ تكون إال ألهلها ‪،‬‬
‫وكذلك هي يف ميزان الدار اآلخرة ‪ ،‬يأىب اهلل تعاىل أن تكون الشهرة الصاحلة إال يف حق أهلها‬
‫وصف صاحل لرجل يدب‬ ‫ٍ‬ ‫أن الناس أمجعوا على‬ ‫اجلادين يف طلبها ‪ .‬وال أعرف إىل تاريخ هذه األسطر َّ‬
‫على األرض إال وله منه نصيب ! وهذه شهادات الناس ال ميكن أن تلتقي يف شخصية رجل إال وقد‬
‫عب منها حىت ارتوى وخرج يسقيها الناس أو يسقيهم بعض سلسبيلها الرائع ‪ .‬وإذا رضي اهلل تعاىل‬ ‫ّ‬
‫عن إنسان فال تسل كم هي األلسن املطبقة على حبه وذكره والشغف به وهل ذلك إال بعض آثار‬
‫احلب ؟! فاللهم يارب دثّرنا هبذه اآلثار ‪ ،‬واكتب لنا منها أوفر احلظ والنصيب ‪.‬‬

‫‪604‬‬
‫ولد أبو بكر بعد عام الفيل باالتفاق ‪ ،‬واخلالف يف الزمن الذي ولدفيه بعد عام الفيل ما بني سنتني‬
‫وثالث ‪ ،‬ومثة صفات َخ ْلقية يعرف هبا هذا العلم كونه أبيضاً ‪ ،‬حنيف البدن ‪ ،‬خفيف اللحم ‪ ،‬حسن‬
‫القامة ‪ ،‬خفيف العارضني ‪ ،‬أجنأ ـ أي ميل يف ظهره ـ ال يستمسك إزاره على بطنه ‪ ،‬غائر العينني ‪،‬‬
‫دقيق الساقني ‪ ،‬خيضب حليته وشيبه باحلناء والكتم ‪ .‬وال مزية يف التاريخ لطول أو قصر ‪ ،‬كال ! ولو‬
‫كانت هذه معامل فارقة يف أوصاف الرجال ملا كانت من أوصاف املنافقني املفلسني ‪ ،‬وقد قال ربك‬
‫فيهم " وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقوهلم " ولوال أنين أريد أن أصف لك رؤيته‬
‫لتعانق األشواق بلقائه يومئذ ملا كتبت فيها حرفاً واحداً ‪ ،‬واهلل املستعان !‬
‫تزوج من أربع نسوة أجننب له ثالثة ذكور وثالث إناث ‪ :‬عبد الرمحن ‪ ،‬وعبد اهلل ‪ ،‬وحممد ‪ ،‬وأمساء ‪،‬‬
‫وعائشة ‪ ،‬وأم كلثوم ‪ ،‬وليس من الصحابة من أسلم أبوه وأمه وأوالده وأدركوا النيب وأدركه بنو‬
‫أوالده إال أبا بكر رضي اهلل تعاىل عنه وأرضاه ‪.‬‬
‫كان يف اجلاهلية ‪ :‬من وجهاء قريش وأشرافهم وأحد رؤسائهم ومن أهم ما اشتهر به ‪ :‬العلم‬
‫باألنساب ‪ ،‬ومع ذلك ما ُأثر عنه أنه عاب نسباً ألحد ‪ ،‬أو ذكر مثلباً لقوم ‪ ،‬وقد قال السيوطي‬
‫رمحه اهلل تعاىل ‪ :‬رأيت خبط الذهيب ـ رمحه اهلل ـ من كان فرد زمانه يف فنه ‪ S...‬أبو بكر يف النسب ‪ .‬اهـ‬
‫تشرئب إليه األعناق ال ميلك من زاد العلم‬
‫ُّ‬ ‫وهؤالء هم جنباء األمة ‪ ،‬وهل رأيت يف حياتك رجالً‬
‫شيئاً ؟! إن مساحة العلم أكرب مساحة تتقاذف فيها مهم الرجال ‪ ،‬وعلى قدر َغ ْرفِهم من تلك املساحة‬
‫تتوسع هلم صدور األمة حباً وإجالالً وتكرمياً ! فكيف إذا كانت هذه املساحة من العلم‬ ‫الشاسعة ّ‬
‫دقيقة لدرجة أهنا ال تُعرف إال عند أمثال أيب بكر ‪ ،‬وكيف إذا كان صاحبها مبثل هذا اإلتقان وتلك‬
‫اجلودة اليت أصبح هبا فرداً يف زمانه ‪.‬‬
‫وكان رضي اهلل عنه مثاالً لعون املستغيثني ‪ ،‬وجند ًة للمظلومني ‪ ،‬وأمالً للضعفاء واملساكني لدرجة أن‬
‫قال عنه ابن الدغنة حني لقيه مهاجراً ‪ :‬إنك لتزين العشرية ‪ ،‬وتعني على النوائب ‪ ،‬وتكسب املعدوم‬
‫‪ ،‬وتفعل املعروف ‪ .‬رواه البخاري ‪ .‬وعلق احلافظ ابن حجر بقوله ‪ :‬وقد وصفه‪ S‬بنظري ما وصفت به‬
‫خدجية رسول اهلل ‪ ‬وهذه غاية يف مدحه ‪ .‬اهـ وصدق ابن الدغنة كيف خيرج من أرض مكة من‬
‫هذا حاله ‪ ،‬وتلك صفاته ؟! إن مثل هؤالء صعب فراقهم ‪ ،‬وعزيز بعدهم ‪ ...‬وشينء جداً طردهم‬
‫وإبعادهم ‪ .‬فيا هلل مىت كانت األنانية يف حياة اإلنسان رفعة ؟! مىت كانت السلبية املقيتة يف حياة‬
‫إنسان تاريخ ؟ ! هلل درك يا أبا الدغنة على هذه الكلمات الرائعة ‪ ،‬هي نفس الكلمات والصفات اليت‬
‫هون عليك ‪ :‬إمنا‬ ‫قالتها خدجية لرسول اهلل ‪ ‬عندما عاد خائفاً من آثار الوحي ألول وهلة ‪ ،‬قالت ّ‬
‫هذه هي بعض صفاتك ولن خيذل اهلل تعاىل من كان هكذا ‪ S...‬حنن يف زمن ميأل الواحد منا بطنه مث‬
‫حيرتق العامل كله ال يضره منه شيء البتة ‪ .‬إن الرجال تقاس جبديتها ‪ ،‬وحرثها على وجه األرض ‪،‬‬
‫وكتابة تاريخ أمتها ‪ ،‬وقبل ذلك بإمياهنا واستعالئها على الباطل ‪ .‬وصدق من قال ‪ :‬العظماء يولدون‬

‫‪605‬‬
‫كما يولد الناس ‪ ،‬واألرحام اليت تقذف بالعظماء هي نفسها اليت تقذف باملفلسني ‪ ،‬وإمنا الذي صنع‬
‫الفرق هو الفاصل بني امليالد والوفاة ‪.‬‬
‫وع ْرض اإلسالم عليه مباشرة ‪ ،‬وهلذا قال ‪ : ‬إن اهلل‬‫أسلم ـ رضي اهلل عنه ـ مبجرد لقاء النيب ‪َ ‬‬
‫بعثين إليكم فقلتم كذبت ‪ ،‬وقال أبو بكر ‪ :‬صدق ‪ ،‬وواساين بنفسه وماله ‪ ،‬فهل أنتم تاركوا يل‬
‫صاحيب ‪ .‬رواه البخاري ‪ .‬ومثة درس يف غاية األمهية ‪ :‬أن صفة املبادرة من أخالق الرجال‪ .‬املبادرة‬
‫خلق من أخالق العظماء ‪ ،‬وهل ميكن أن يكون أليب بكر ذكر لوال أنه بادر حني وصلته الرسالة يف‬
‫أول لقاء ‪ ،‬وظلت هذه املبادرة هي الشرارة األوىل اليت كتبت على اسم هذا الرجل بعض التاريخ‬
‫الذي يُقرأ اليوم على األجيال ! املبادرة خلق إجيايب يف أي إنسان ‪ ،‬ولكم رأيت أنا وغريي يف‬
‫ساحات الدنيا مبادرين فنحبهم ‪ ،‬وهنفوا إىل صفاهتم ‪ ،‬ونذ ّكر هبم وحسبهم تلك الصفة ولو كانت‬
‫يف أعراض الدنيا ‪ ،‬فكيف إذا كانت هذه الصفة يف زاد اآلخرة ‪ ،‬وتراث األنبياء ؟! ِ‬
‫واهلل ما رأيت يف‬
‫حيايت إنساناً يتدثّر هبا إال أحببته ‪ ،‬وشرفت به ‪ ،‬وزان حديثي بذكره ‪ ،‬ال لشيء إال أهنا مرياث من‬
‫فليتأمل ّقراء هذه السرية اليوم كم كانت املبادرة‬
‫مرياث الصاحلني ‪ .‬وحسبهم ذلك شرفاً ورفعة ! ّ‬
‫رفيعة يف حق أيب بكر لدرجة أن يذ ّكر هبا رسول اهلل ‪" ‬فصدقين حني كذبين الناس " وهل رفع‬
‫ع ّكاشة بن حمصن غريها حني استثمر احلدث فقال بلهف هذه الصفة " اجعلين منهم فقال أنت منهم‬
‫" وملا حاول اآلخرون اللحاق قال هلم رسول اهلل ‪ " : ‬سبقكم هبا عكاشة " ‪ .‬ولكم رأيت ورأى‬
‫غريي كثرة األخيار ميلؤون جمتمعات األمة ومؤسساهتا مث هم ال شيء كما قال األول ‪ :‬تكاد األرض‬
‫ال تقلهم لكنهم ال يغنون يف أمر جلل ! وصدق من قال ‪ :‬ال ميوت يف اإلنسان أعضاؤه لكن متوت‬
‫مهته وأحالمه !‬
‫ومضى أبو بكر بإسالمه عزيزاً ‪ ،‬وحني المست شغاف قلبه هذه األفراح طار هبا فرحاً ‪ ،‬ورفض‬
‫القعود على األحالم ‪ ،‬وإمنا راح يذيق التائهني بعض أسرار هذه األفراح ‪ ..‬بدأ يكتب آثار الدعوة‬
‫ويوسع يف دائرهتا ‪ ،‬فأسلم على يديه رجال لو مل يكن يف التاريخ‬
‫على الواقع ‪ ،‬ميد يف جذورها ‪ّ ،‬‬
‫ومعىن ورسالة ! هم الزبري بن العوام ‪ ،‬وعثمان بن عفان ‪،‬‬
‫ً‬ ‫سواهم لكفى التاريخ هبم شرفاً ورفعة ‪،‬‬
‫وطلحة بن عبيد اهلل ‪ ،‬وسعد بن أيب وقاص ‪ ،‬وعثمان بن مظعون ‪ ،‬وأبو عبيدة عامر بن اجلراح ‪،‬‬
‫وعبد الرمحن بن عوف ‪ ،‬وأبو سلمة بن عبد األسد ‪ ،‬واألرقم بن أيب األرقم ‪ .‬ومن بقي يف التاريخ‬
‫من األجالء مل يدخل ؟! هلل در الصديق ‪ ،‬وهل هذه اهلمة إال مهم الرجال األوفياء لتاريخ أمتهم !‬
‫هؤالء هم جذر الدعوة وصرحها امليمون ‪ ،‬وإذا أردت أن تعرف حجم هذه الدعوة فاقرأ سري هؤالء‬
‫األفذاذ يف التاريخ وسرتى ماذا قدم أبو بكر هلذه األمة هبؤالء الرجال ‪ ,‬للهداية حق يف تاريخ اإلنسان‬
‫حني يدرك معناها وأهنا هبة ومنحة ونعمة من الوهاب ‪ ،‬فينطلق جيوب األرض ليقوم بشكرها ‪،‬‬
‫وليسقي غريه سلسبيلها ورحيقها احلايل ‪ ..‬لقد كتب أبو بكر بدعوته هذه أنفاساً له كإنسان على‬

‫‪606‬‬
‫وجه األرض ‪ ،‬وهبذه الثمار عاش أبو بكر يف األمة حياً ‪ ،‬وسيظل إىل أن يرث اهلل األرض ومن عليها‬
‫! أفيكون جزاء هذه النعمة طول رقاد أيها الصاحلون ؟! عيب يف تاريخ كل صاحل على وجه األرض‬
‫أثر من شكر ! وأعظم شكر هلذه النعمة الرحيل هبا إىل‬ ‫أن يعيش نعمة اهلل تعاىل مث ال يكون له فيها ٌ‬
‫القلوب الضامئة ‪ ،‬واألنفس الضائعة لتعود بآثارها آمنة مطمئنة ! إن هذه اآلثار مل تكن هي الوحيدة‬
‫فحسب ! بل قدم أبو بكر قبل ذلك بأهله ‪ ،‬وصية اهلل تعاىل ‪ ،‬أقبل هبم كلهم أعواناً للدعوة ‪،‬‬
‫وجذراً للرسالة يف وقت حاجتها ‪ ...‬وقد كان رضي اهلل عنه مع كل ما ذكرت سهالً ليّناً ‪ ،‬قريباً‬
‫كم من األخالق الرائعة يف‬ ‫للناس يألف الناس ويألفونه ‪ ..‬إن الدعوة قبل أن تكون مهاً ورسالة هي ٌّ‬
‫حياة الدعاة ‪ ،‬ميتلئ هبا قلب صاحبها فيعيش متفائالً كرمياً رائعاً بني من الذين خيالطهم ‪ ،‬وهل ميكن‬
‫صيت يكتبون به‬ ‫يتوسع للجفاة األغالظ ؟ هل ميكن أن يكون للقساة يف تاريخ أمتهم ٌ‬ ‫للتاريخ أن ّ‬
‫يروض نفسه ‪،‬‬ ‫معامل الدعوة املباركة على وجه األرض ؟ كال ! وألف كال ! إن من مل يستطع أن ّ‬
‫ويصلح عيوهبا كيف ميكن أن يؤثّر يف غريه؟ أو يكتب يف أوساط الدعوة رجاالً يهتدون بأثره ‪،‬‬
‫ويقبلون حملاسن أخالقه ؟ ميكن أن أقول من خالل هذه السرية أن يعود الواحد منّا لنفسه ليجدد‬
‫بعض معاملها ‪ ،‬وحني تربق نفسه مجاالً روحياً ‪ ،‬وأمالً وتفاؤالً ميكن أن يؤثّر يف غريه أو يسهم يف‬
‫إقناعه بطريق اإلسالم ‪ ...‬ويف إسالم هؤالء دليل صادق على هم الدعوة اليت كان أبو بكر الصديق‬
‫إن أبا بكر ضرب يف الدعوة بأعظم سهم ‪ ،‬فكتب اهلل تعاىل أن يأيت على يديه رجال من‬ ‫حيملها ‪َّ ،‬‬
‫نوع خاص يف فكرهم ‪ ،‬وحياهتم ‪ ،‬وعملهم ‪ ،‬ومههم ‪ ،‬إنين على قناعة كبرية أن الدعوة قبل أن‬
‫تكون جهداً هي نية صادقة ‪ ،‬ومهاً يعيش قلب اإلنسان ‪ ،‬ويستويل على فكره وحياته ‪ ،‬فإذا اجتمع‬
‫يف قلب الداعية ذلك ‪،‬‬
‫وجتمل مع كل ذلك بأخالق رائعة‬ ‫وزانه تعبّد لربه ‪ ،‬وأسرار بينه وبني خالقه ‪ ،‬وخبايا صاحله ‪ّ ،‬‬
‫سارت بآثاره الركبان ‪ ،‬وحتقق له على وجه األرض األحالم اليت الزلنا نسمع هبا يف التاريخ ‪ ،‬ومل‬
‫تشهدها قلوبنا ‪ ،‬واهلل املستعان !‬
‫دعوته وتضحياته !!‬
‫إن برهان الدعوة السابق يف حياة أيب بكر أكرب من أن ترويه قصة ‪ ،‬والثمار اليت أينعت بتلك الرجال‬
‫مل ينبعث هبا النوم هبة رباينة ‪ ،‬كال ! وإليك شاهد عيان حيكي لك بعض مواقف النبالء ‪ :‬روت‬
‫عائشة ـ رضي اهلل عنه ـ أنه ملا اجتمع أصحاب النيب ‪ ‬يف الظهور فقال ‪ :‬يا أبا بكر إنا قليل ‪ ،‬فلم‬
‫وتفرق املسلمون يف نواحي املسجد كل رجل يف‬ ‫يزل أبو بكر يلح حىت ظهر رسول اهلل ‪ّ ، ‬‬
‫عشريته ‪ ،‬وقام أبو بكر يف الناس خطيباً ‪ ،‬فكان أول خطيب دعا إىل اهلل تعاىل وإىل رسوله ‪، ‬‬
‫وثار املشركون على أيب بكر وعلى املسلمني فضربوه يف نواحي املسجد ضرباً شديداً ‪ ،‬ووطيء أبو‬
‫بكر وضرب ضرباً شديداً ‪ ،‬ودنا منه الفاسق عتبة بن ربيعة فجعل يضربه بنعلني خمصوفتني وحيرفهما‬

‫‪607‬‬
‫لوجهه ‪ ،‬ونزا على بطن أيب بكر رضي اهلل عنه حىت ما يُعرف وجهه من أنفه ‪ ،‬حىت مُح ل رضي اهلل‬
‫ودخل به إىل منزله وال يش ّكون يف موته ‪ ،‬مث جعل والده وقومه يكلموه حىت‬ ‫تعاىل عنه يف ثوب ُ‬
‫أجاب آخر النهار ‪ ،‬وما زاد أن قال ‪ :‬ما فعل رسول اهلل ‪ ‬؟! فمسوا منه بألسنتهم وعذلوه وقالوا‬
‫ألمه ‪ :‬أنظري تطعميه أو تسقيه فلما خلت به أحلت عليه وجعل يقول ‪ :‬ما فعل رسول اهلل ‪ ‬؟‬
‫فقالت ‪ :‬واهلل ما يل علم بصاحبك ‪ ،‬فقال ‪ :‬أذهيب إىل أم مجيل بنت اخلطاب فسأليها عنه فخرجت‬
‫حىت جاءت أم مجيل ‪ ،‬فقالت ‪ :‬إن أبا بكر يسألك عن حممد بن عبد اهلل ‪ ،‬فقالت ‪ :‬ما أعرف أبا‬
‫بكر وال حممد بن عبد اهلل ‪ ،‬وإن كنت حتبني أن أذهب معك إىل ابنك ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ ،‬فمضت معها‬
‫حىت وجدت أبا بكر صريعاً دنفاً ‪ ،‬فدنت أم مجيل ‪ ،‬وأعلنت بالصياح ‪ ،‬وقالت ‪ :‬واهلل إن قوماً نالوا‬
‫منك ألهل فسق وكفر ‪ ،‬إنّين ألرجو أن ينتقم اهلل لك منهم ‪ ،‬قال فما فعل رسول اهلل ‪ ‬؟ قالت ‪:‬‬
‫هذه أمك تسمع ‪ ،‬قال ‪ :‬فال شيء عليك منها ‪ ،‬قالت ‪ :‬سامل صاحل ‪ ،‬قال ‪ :‬أين هو ؟ قالت ‪ :‬دار‬
‫على أال أذوق طعاماً وال أشرب شراباً أو آيت رسول اهلل فأمهلتها حىت إذا‬
‫األرقم ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن هلل ّ‬
‫الرجل وسكن الناس ‪ ،‬خرجتا به يتكئ عليهما ‪ ،‬حىت أدخلتاه إىل رسول اهلل ‪ ‬فقال ‪:‬‬ ‫هدأت ّ‬
‫ورق له رسول اهلل ‪ ‬رقة شديدة ‪ ،‬فقال‬ ‫أكب عليه رسول اهلل ‪ ‬فقبّله ‪ ،‬وأكب عليه املسلمون ّ‬
‫أبو بكر بأيب أنت وأمي يارسول اهلل ليس يب بأس إال ما نال الفاسق من وجهي ‪ ،‬وهذه أمي ّبرة‬
‫بولدها وأنت مبارك فادعها إىل اهلل ‪ ،‬وادع اهلل هلا عسى أن يستنقذها بك من النار ‪ ،‬قال ‪ :‬فدعا هلا‬
‫رسول اهلل ‪ ، ‬ودعاها إىل اهلل فأسلمت ‪.‬وأنت ترى يف هذا املوقف حرص الصديق رضي اهلل تعاىل‬
‫عنه على بالغ هذا الدين ‪ ،‬واإلعالن به ‪ ،‬والصدح على مسامع البؤساء هبذه الرسالة اخلالدة ‪ ،‬لقد‬
‫كان‬
‫أبو بكر يعيش آثار الرسالة احلقيقية يف قلبه ‪ ،‬وقد خالطت دمه ‪ ،‬وختللت إىل روحه فلقي برد مجاهلا‬
‫يتصور اإلنسان ! وهل ميكن‬
‫وروعتها فلم جيد بُداً من الصدح هبا ولو كانت العواقب أكرب مما ّ‬
‫إلنسان على وجه األرض أن يكتب لرسالته أثراً دون هم أو جهد أو حىت بلواء ومشقة ؟! مل تر‬
‫عيين إىل هذا التاريخ ذلك ‪ ،‬وال مسعته أذين يف أخبار السابقني ‪ ،‬وال رأيته ومساً ألحد من املخلوقني !‬
‫وهذا أبو بكر يربهن على بعض هذه املعامل ‪ ،‬ويكتب ترمجة لتلك املعاين ‪ ،‬فلله دره ما أكربه ! واهلل‬
‫دره ما أصربه ! وهلل دره ما أروعه مثاالً حيتذى به على مسامع العاملني ‪ .‬واهلل املستعان ! إن الدعوة‬
‫هي يف أمس احلاجة إىل قدوة يعيشها وحيمل مهها ‪ ،‬ويركض هبا على أرض اهلل تعاىل ‪ ،‬ال كما يتوهم‬
‫البعض حني يتلبّس هبا أهنا جمرد جناه لشخصه فحسب ! وهؤالء مل ينتبهوا بعد من رقدهتم ‪ ،‬ومل‬
‫يقوموا من نومهم ‪ ،‬فكفاهم غطيطاً يسمعه الناس ! إن دين اهلل تعاىل مبين على املدافعة ‪ ،‬وكلما‬
‫قويت هذه املدافعة قوي هبا ‪ ،‬وزاد متكيناً ‪ ،‬واألعداء يعتلون كثرياً حني ال يسمعون يف الساحة‬
‫صوت داعية ‪ ،‬وال يرون على مشهد األرض أثراً ألقدام املصلحني ‪ .‬لذا كان من املهم جداً أن‬

‫‪608‬‬
‫يصدح أبو بكر هبذه الرسالة لعل يف ذلك درساً بليغاً هلؤالء أن يف الساحة غريهم ‪ ،‬ويف املكان‬
‫سواهم ‪.‬‬
‫إن حب اهلل تعاىل وحب رسوله معلمان يدالنك على صدق النية ‪ ،‬وصحة املقصد ‪ ،‬ولك أن تتخيّل‬
‫مشهد الدماء الدافقة ! واآلالم اليت يعيشها جسد أيب بكر مث ختيّل أنه ال يفكر يف آالم جسده ‪ ،‬بقدر‬
‫ما يف ّكر يف خليله ورسوله ‪ ، ‬ما فعل رسول اهلل ‪ ‬؟! ليت شعري من يدعي هذه احملبة اليوم مث‬
‫يضحي هبا ألجل دنيا عاجلة أو شهوات دانية ! ولك أن تتخيّل كذلك الدعاة واملصلحني واألخيار‬
‫وتتأمل فيهم لرتى كم مساحة السنة يف حياهتم ؟ لتعرف أن الفرق كبري جداً بني الواقع واحلقيقة ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫إذا مل تكن الدعوة حيا ًة يف القلب ال ميكن البتة أن يكون هلا مثرة مورقة على ظهر األرض ‪ .‬يف أحلك‬
‫الظروف ‪ ،‬وأقسى اللحظات مل ينس الصديق رضي اهلل تعاىل عنه دعوة أمه إىل اإلسالم ‪ ،‬فاحلادث‬
‫بكل ما حيمل من معاين مل يفلح يف إيقاف تفكري الصديق حلظة عن رسالته ومهه وهدفه ‪" :‬هذه أمي‬
‫يارسول اهلل برة بولدها وأنت مبارك فادعها إىل اهلل تعاىل" ‪ .‬إن استثمار الفرص صفة من صفات‬
‫الكبار ‪ ،‬وأنت ترى مع كل ما نال أبا بكر يف ذلك احلادث مل تشغله تلك األحداث والظروف‬
‫الصعبة اليت مير هبا من اهتباله للفرصة ‪ ،‬واستثمار اللحظة يف حينها ‪" ،‬هذه أمي يارسول اهلل برة‬
‫بولدها وأنت مبارك فادعها إىل اهلل "!‬
‫إن الرب باألمهات معلم من معامل الصاحلني ‪ ،‬وأبو بكر يعطينا درساً غاية يف األمهية ‪ ،‬إن أعظم الرب‬
‫باألمهات ليس خدمة ألعراض الدنيا فحسب ! وإمنا دعوهتا ‪ ،‬واحلرص على دخوهلا جنات النعيم ‪.‬‬
‫واهلل املستعان ! على كل داعية أن يستوعب درس أيب بكر رضي اهلل عنه "هذه أمي يارسول اهلل برة‬
‫وليتأمل كم هي مساحة احلرص يف حياته على أهله وأبنائه ؟!‬ ‫بولدها وأنت مبارك فادعها إىل اهلل "! ّ‬
‫كم هي املساحة احلقيقية اليت متأل قلبه حدباً عليهم ‪ ،‬وخوفاً على ضياعهم ؟! كم هي املساحة اليت‬
‫يستحقها هؤالء يف زمحة العوملة الطاغية يف مثل هذه األزمان ؟! ولندرك أن جناح أيب بكر رضي اهلل‬
‫عنه اتسم بسمة ال تكاد تراها يف كثري من القدوات ‪ ،‬مسة التكامل والتوازن ‪ ،‬تلك الغاية اليت إذا‬
‫وصل إليها فرد من الناس فليبك فرحاً فليس يف األرض يف مثل نعمته ! ومن استعرض حاله يف ظل‬
‫هذه السرية أدرك مبا ال يدع للشك أن جناحه إن وجد فهو خمدوش بنقصه وضعف توازنه ‪ ،‬وقد ال‬
‫يبعد أن يكون سؤاله يف التفريط مثل عطاياه يف النجاح ‪ .‬واهلل املستعان !‬
‫إن التخطيط والتنظيم سر من أسرار النجاح احلقيقي ليس يف الدعوة فحسب ! بل يف كل شيء ‪،‬‬
‫وأم مجيل بنت اخلطاب تعطي الرجال الذين يقرؤون التاريخ درساً مهماً للغاية حني سألتها أم أيب‬
‫بكر عن رسول اهلل ‪ ‬قالت ‪ :‬ما أعرف أبا بكر ‪ ،‬وال حممد بن عبد اهلل ‪ ،‬ذلك أن أم أيب بكر وقت‬
‫ذلك السؤال مل تكن مسلمة بعد ‪ ،‬وخشيت أن تكون تلك املرأة عيناً لقريش على ثغر اإلسالم‬
‫األعظم ‪ .‬وهل ميكن أن تكون امرأة يف روح اجلندية وفهم سياسات املرحلة أوعب من رجال ؟! إن‬

‫‪609‬‬
‫التخطيط والتنظيم ليس سراً من أسرار الدعوة فحسب لكنه عقلها ولبها وحياهتا وسر جناحها ‪..‬‬
‫والقائمون على الدعوة ال بد أن ينجح الواحد منهم يف التخطيط لزكاء نفسه ورحبها بني يدي اهلل‬
‫تعاىل يف مواقف اآلخرة ‪ ،‬مث عليه بعد ذلك أن خيطط ملصري أمتة أو حياة جمتمعاته ؟! لو سألت بعضاً‬
‫ممن يقوم على قياد األمة هل خطط ليومه فضالً عن أسبوعه أو شهره أو عامه ملا وجدت جميباً أو‬
‫مسارعاً إىل ذلك ‪ ،‬وعيب على أمثال هؤالء أن يتبوؤا صرح األمة حىت لو كان من باب فروض‬
‫الكفايات !‬
‫وتلك الدماء النازفة على جسد أيب بكر رضي اهلل عنه برهان ذلك احلب ‪ ،‬ومل يكن هذا املوقف يف‬
‫حياته فحسب ‪ ،‬بل كتب يف حياته أروع التضحيات اليت دوهنا التاريخ مبداد من ذهب ‪ ،‬إن احلب‬
‫ليس كلمة باردة على لسان دعي ‪ .‬كال ! وإمنا هو مشاعر تكتظ يف قلب صاحبها فتثري فيه أشجان‬
‫احملب ملن حيب ‪ ،‬لقد كان أبو بكر رضي اهلل تعاىل عنه صورة من صور أولئك الرجال الذين أحبوا‬
‫نبيهم ‪ ‬وكتبوا برهان ذلك على أرض الواقع ‪ ..‬وإليك بعضاً من مشاهد التضحيات حيكيها شاهد‬
‫عيان آخر ‪ :‬يف حديث عروة بن الزبري رضي اهلل عنه قال سألت عمرو بن العاص بأن خيربين بأشد‬
‫شيء صنعه املشركون بالنيب ‪ ‬فقال ‪ :‬بينما النيب ‪ ‬يصلي يف حجر الكعبة ‪ ،‬إذ أقبل عقبة بن أيب‬
‫معيط فوضع ثوبه يف عنقه فخنقه خنقاً شديداً ‪ ،‬فأقبل أبو بكر حىت أخذ مبنكبيه ودفعه عن النيب ‪‬‬
‫‪ .‬وقال ‪ " :‬أتقتلون رجالً أن يقول ريب اهلل ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫ويف هذا املوقف ما يعطيك داللة على أن احلب مل يكن جمرد مشاعر يكتظ هبا القلب مث ال تربحه يف‬
‫مواقف مشرفة كهذه املواقف ‪ ،‬وأنا أكتب هذا املساء عن موقف الصديق وهو يذود عن رسوله ‪‬‬
‫على أرض مكة ‪ ،‬وأرى اليوم األذناب يسطون على شخصية رسول اهلل ‪ ‬مث ال جتد احلب اخلالد‬
‫يف قلوب الكثريين خيرج يف صورة مشروع للدفاع عنه ‪ ، ‬ومل يعد كافياً البتة على مستوى األمة‬
‫الصراخ والشجب والعويل على كثري من القضايا ‪ ،‬فنحن يف أمس احلاجة إىل مشروع ميكن أن يشعل‬
‫فتيله فرد ممن يق ّدر لنبيه ‪ ‬قدره ‪ .‬إن هذه األحداث اليت تقرأها اليوم يف سرية أيب بكر رضي اهلل‬
‫عنه ودفاعه عن نبيه ‪ ‬مل تكن موقفاً واحداً ‪ ،‬وإمنا كان ذلك رحلة عمر قضى فيها حياته جماهداً‬
‫يف سبيل اهلل تعاىل ‪..‬‬
‫وكم هي حاجة اليوم إلعادة بعض هذه املعاين لسرية نبيها ‪ .. ‬اليوم يُعبث يف عامل القدوة على‬
‫مرأى من املسلمني ‪ ! ..‬وكأن القوم أدركوا أنه ال سبيل إلماتة منهج هذه قدوته إال بتشويه هذه‬
‫القدوة ‪ ،‬والعبث هبا ‪ ،‬أو قل إشفاء غل يتفيء قلوهبم حني يرون اتساع دائرة هذا اإلسالم ‪ ،‬وآثار‬
‫دعوة ذلك النيب ‪ .. ‬ويف مواقف أيب بكر ما ميكن أن يكون أسوة ‪ ..‬واهلل املستعان !‬
‫ــــــــ‬

‫‪610‬‬
‫القصة وسيلة دعوية‬
‫حممد الدويش‬
‫إن من يقرأ كتاب اهلل ‪ -‬تبارك وتعاىل ‪ -‬جيد أن القصة تتكرر فيه يف مواطن عدة‪ ,‬ويتجاوز األمر‬
‫إيراد القصة وتكرار ذلك إىل ‪:‬‬
‫* االمتنان على النيب صلى اهلل عليه و سلم بأن أنزل إليه أحسن القصص‪(( :‬حنن نقص عليك أحسن‬
‫القصص مبا أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله ملن الغافلني))(يوسف‪.)3 S:‬‬
‫* اإلخبار بأن القصص سبب لتثبيت فؤاد النيب صلى اهلل عليه و سلم ‪(( :‬وكال نقص عليك من أنباء‬
‫الرسل مانثبت به فؤادك))(هود‪.)120 S:‬‬
‫* األمر بقص القصص‪(( :‬فاقصص القصص لعلهم يتفكرون))(األعراف‪.)176 S:‬‬
‫* األمر باالعتبار مبا قص اهلل يف كتابه‪(( :‬لقد كان يف قصصهم عربة ألويل األلباب))‪( S.‬يوسف‪:‬‬
‫‪.)111‬‬
‫ولقد اعتىن صلى اهلل عليه و سلم بشأن القصص‪ ,‬فحفظت لنا دواوين السنة طائفة من قصه صلى اهلل‬
‫عليه و سلم عليهم من قصص األمم املاضية وأخبارهم‪.‬‬
‫ومل تكن قصص القرآن أو السنة قاصرة على أنباء الصاحلني وأخبارهم‪ ,‬بل مشلت مع ذلك قصص‬
‫املعرضني والفجار لالعتبار مبا أصاهبم‪.‬‬
‫كل ذلك يؤكد أمهية القصة ودورها الرتبوي الدعوي مما جيدر بالدعاة أن يعتنوا هبا ويستخدموها يف‬
‫دعوهتم وخطاهبم للناس‪.‬‬
‫إهنا حتمل عنصر التشويق واإلثارة‪ ,‬ويُقبل عليها املستمع والقارئ بعناية وإنصات‪ ,‬وهي كذلك تقدم‬
‫الربهان على تأهل املعاين اجملردة إىل التطبيق على أرض الواقع‪ ,‬وتربز النموذج والقدوة الصاحلة‪,‬‬
‫وتزيد املرء إمياناً بقدرة اهلل تبارك وتعاىل وسائر صفاته‪.‬‬
‫وتبدو أمهية ذلك بشكل أكرب يف تربية الناشئة وخطاهبم; إذ يعاين شباب املسلمني اليوم وفتياهتم من‬
‫غياب القدوة الصاحلة‪ ,‬ومن بروز النماذج والقدوات السيئة واإلعالء من شأهنا وتبجيلها لدى الناس‪.‬‬
‫ومع أمهية القصة وعلو شأهنا إال أنه ينبغي أن يراعى يف ذلك أمور عدة‪ ,‬منها‪:‬‬
‫ستخدم يف اخلطاب بالقدر املعقول; فال تكون هي اللغة الوحيدة يف اخلطاب‪ ,‬أو تكون‬ ‫عرض وتُ َ‬ ‫* أن تُ َ‬
‫على حساب غريها‪.‬‬
‫* احلذر من القصص الواهية واألخبار اليت ال زمام هلا وال خطام; إذ إن النفوس كثرياً ما تتعلق‬
‫بالغرائب وجتنح إليها‪ ,‬والقليل منها هو الذي يثبت عند التحقيق والنقد العلمي‪.‬‬
‫* أن تأخذ أخبار النيب صلى اهلل عليه و سلم وقصصه‪ ,‬وأخبار الرعيل األول من سلف األمة مكاهنا‬
‫الطبيعي‪ ,‬وأال تطغى أخبار من بعدهم من املتأخرين ممن تعرف منهم وتنكر‪.‬‬

‫‪611‬‬
‫* أن البشر مهما عال شأهنم وارتفع قدرهم‪ ,‬ومهما بلغوا املنازل العالية من الصالح والتقى فلن تكون‬
‫أعماهلم حجة مطلقة‪ ,‬بل ال بد من عرضها على هدي النيب صلى اهلل عليه و سلم ; كما يروي‬
‫رضى بقدر اهلل على حد زعمه‪,‬‬
‫بعضهم يف مقام الصرب أن شيخاً قام يرقص على قرب ابنه حني تويف ً‬
‫وخري من ذلك هدي النيب صلى اهلل عليه و سلم الذي تدمع عينه وحيزن قلبه‪ ,‬وال يقول إال ما يرضي‬
‫ربه‪ ,‬وهديه صلى اهلل عليه و سلم القويل والعملي يف النوم والقيام خري مما يروى عن بعضهم أنه صلى‬
‫الفجر بوضوء العشاء كذا وكذا من السنوات‪ ,‬وهديه يف تالوة القرآن خري مما يروى عن بعضهم أنه‬
‫خيتم القرآن كل ليلة‪ ,‬مع التماسنا العذر ملن كان له اجتهاد من سلف األمة يف ذلك‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪612‬‬
‫تأمالت تربوية في قصةـ أهل الكهف‬
‫د‪ :‬عثمان قدري مكانسي‬
‫وإمكان حدوثه ‪.‬‬‫ِ‬ ‫املتأمل يف َس ْوق القصة جيدها جواباً ملا ذُكر يف افتتاحية السورة ودليالً على صحته‬
‫ففي املقدمة أوالً‪ :‬تنبيه إىل العقاب الشديد للكافرين " لينذر بأساً شديداً من لدنه " وفيها ثانياً ‪:‬‬
‫مدح وبشرى ملن آمن وعمل صاحلاً " ويبشر املؤمنني الذين يعملون الصاحلات أن هلم أجراً حسناً‬
‫" ‪ .‬وفيها ثالثاً ‪:‬أن احلياة دار ابتالء ‪ ":‬إنا جعلنا ما على األرض زينة هلا لنبلوهم أيهم أحسن عمالً "‬
‫وفيها رابعاً‪ :‬أنه سبحانه يعيد األرض كما كانت ال نبات فيها وال عمارة ‪ ":‬وإنا جلاعلون ما عليها‬
‫صعيداً ُجُرزاً " ‪ .‬وجاءت القصة حتمل يف حناياها آداباً تربوية رائعة جنملها فيما يلي ‪:‬‬
‫‪ -1‬ليس يف قصة أصحاب الكهف عجب ‪ ،‬فقدرة اهلل تعاىل ال حدود هلا ‪ ،‬وخلق السماوات‬
‫واألرض أكرب من خلق الناس ‪ .‬ولئن عجب الكفار من بعثهم بعد املوت إن األنبياء وأويل البصائر‬
‫يدركون قدرة اهلل عز وجل ‪ ،‬فيزيدهم ذلك إمياناً " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا‬
‫من آياتنا عجباً ؟ "‬
‫‪ -2‬اللجوء إىل اهلل تعاىل مسة املؤمن ‪ ،‬فهو سبحانه عونه ونصريه " ربنا آتنا من لدنك رمحة وهيئ لنا‬
‫من أمرنا رشداً " فلما جلؤوا إليه داعني ‪ ،‬وأسلموا قيادهم له سبحانه واعتمدوا عليه آواهم اهلل‬
‫وحفظهم إذ دهلم على الكهف ‪ ،‬وأغدق عليهم مما طلبوا من الرمحة واهلدى والرشاد " فأووا إىل‬
‫الكهف ينشر لكم ربكم من رمحته ‪ ،‬ويهيئ لكم من أمركم مرفقاً " وال حظ معي التوافق بني‬
‫اإليواء إىل اهلل سبحانه ونشر الرمحة ‪ .‬وهكذا العالقة بني العبد وربه ‪ .‬ومن جلأ إىل ربه واعتمد عليه‬
‫ثبته اهلل وأيده " وربطنا على قلوهبم " ‪.‬‬
‫‪ -3‬القصة يف القرآن حق ال مراء فيه " حنن نقص عليك نبأهم باحلق " وقد ادعى طه حسني أن قصة‬
‫إبراهيم وغريها يف القرآن ليست على سبيل احلقيقة إمنا على سبيل العربة والعظة فقط ‪ .‬وهو بذلك‬
‫ينفي حقائق التنزيل " حنن نقص عليك أحسن القصص " وأحسن القصص ما كان حقيقة ‪ .‬وعلى‬
‫هذا نفهم قوله تعاىل " إن هذا هلو القصص احلق " فما ورد يف القرآن الكرمي حق ال مراء فيه ‪.‬‬
‫‪ -4‬للشباب الدور الكبري يف نشر الدعوة والذود عنها ‪ .‬فإميان الشباب اندفاعي قوي " إهنم فتية‬
‫آمنوا برهبم ‪ ،‬وزدناهم هدى " ويصدعون باحلق " إذ قاموا فقالوا ‪ :‬ربنا رب السماوات واألرض "‬
‫ويعلنون دعوة التوحيد بثبات " لن ندعو من دونه إهلاً " من أشرك فقد تطاول على احلق وابتعد عنه‬
‫" لقد قلنا إذاً شططاً " ‪ .‬وهنا نلحظ يف كلمة الشطط التشنيع على املتطاولني الذين يغريون احلقائق‬
‫وينشرون الباطل ‪.‬‬
‫‪ -5‬ال بد لكل فكرة أو مبدأ من دليل أو برهان وإال سقط يف أول لقاء " لوال يأتون عليهم بسلطان‬
‫بنّي " وإذا مل يكن هناك حجة قوية أو دليل ساطع فهو ضعيف ‪ ،‬ولن تقنع أحداً بفكرتك إن مل‬

‫‪613‬‬
‫تؤيدها بالنور الساطع الذي يكشف الغشاوة عن العيون وينري سبيل احلق ‪ .‬أما فرض الفكرة بالقوة‬
‫واإلرهاب املادي فدليل على اإلفالس وضحالة ما تدعو إليه ُو َيع ّد افتئاتاً عل احلق وظلماً له " فمن‬
‫أظلم ممن افرتى على اهلل كذباً " فامليل عن احلق افرتاء على اهلل وتضليل للناس ‪.‬‬
‫‪ -6‬يعلمنا اهلل تعاىل بقوله ‪ ":‬فأووا إىل الكهف " اعتزال الناس يف الفنت ‪ ،‬وقد يكون مرة يف اجلبال‬
‫والشعاب ‪ ،‬ومرة يف السواحل والرباط ‪ ،‬ومرة يف البيوت وقد قال النيب ‪ " : ‬يأيت على الناس زمان‬
‫يكون خري مال الرجل املسلم الغنم يتبع هبا شعف اجلبال ومواقع القطر ‪ ،‬يفر بدينه من الفنت " ‪...‬‬
‫ولعل هذا يكون يف آخر الزمان عند جميء املسيخ الدجال ‪ ،‬أو عندما تشتد الفنت وتطغى ‪ .‬وقد جاء‬
‫ف لسانك " ومل خيص موضعاً ‪ . .‬ومن هذا نفهم‬ ‫ِ‬
‫فأخف مكانك و ُك َّ‬ ‫يف اخلرب ‪ ":‬إذا كانت الفتنة‬
‫قول النيب ‪ ‬لعقبة بن عامر حني سأله ‪ :‬ما النجاة يا رسول اهلل ؟ " يا عقبة أمسك عليك لسانك ‪،‬‬
‫يسعك بيتُك ‪ ،‬وابك على خطيئتك "‬ ‫ولْ ْ‬
‫اعتزال الشر وأهله بقلبك وعملك إن كنت بني أظهر الناس ‪ .‬قال‬ ‫َ‬ ‫وقد جعلت طائفة العلماء العزلةَ‬
‫ابن املبارك رمحه اهلل يف تفسري العزلة ‪ :‬أ ْن تكون مع القوم ‪ ،‬فإن خاضوا يف ذكر اهلل فخض معهم ‪،‬‬
‫وإن خاضوا يف غري ذلك فاسكت ‪ .‬وروي عن النيب عليه الصالة والسالم – من مراسيل احلسن‪" -‬‬
‫ْنع َم صوامع املؤمنني بيوهتم " اي وهم يف جمتمعهم يدعوهنم ويتعرضون إليهم بالنصح واملوعظة ‪ ،‬فإن‬
‫الكرة ‪ .‬ويؤكد هذه الفكرة قول النيب ‪ ": ‬املؤمن الذي‬ ‫اشتدوا عليهم َأو ْوا إىل بيوهتم ‪ ،‬مث عاودوا ّ‬
‫خيالط الناس ويصرب على أذاهم أفضل من املؤمن الذي ال خيالطهم وال يصرب على أذاهم ‪.‬‬
‫‪ -7‬ال بد من اجلهر بالدعوة بني الناس لتصل إليهم ‪ ،‬وتكون حجة عليهم ‪ .‬ولنا يف رسول اهلل ‪‬‬
‫األسوة الواضحة البيّنة ‪ ،‬ولنا هبؤالء الفتية األطهار القدوة احلسنة ‪ ،‬فحني سألوا اهلل القوة أم ّدهم هبا "‬
‫وربطنا على قلوهبم " فثبتهم على احلق فقاموا يدعون إليه سبحانه فأعلنوا عقيدة التوحيد خالصة دون‬
‫ندعو من دونه إهلاً ‪. " ..‬‬
‫لبس وال خوف " ‪ ..‬إذ قاموا فقالوا ‪ :‬ربنا رب السماوات واألرض ‪ ،‬لن َ‬
‫فكانوا قدوة للدعاة يأتسوهنم ‪ ..‬قالوها ‪،‬فخلّدهم اهلل يف كتابه الكرمي إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫‪ -8‬كما أن مقامهم يف الكهف أكثر من ثالثة قرون ‪ ،‬متيل الشمس عنهم حني طلوعها – ِ‬
‫والح ْظ‬
‫كلمة تزاور الدالة على قدرة اهلل يف حركة خملوقاته – وانظر كلمة تقرضهم عند غروهبا فال تصيبهم‬
‫البتة يف حركتها بزوغاً وغروباً وقد قيل ‪ :‬تقرضهم ‪ :‬تنثر عليهم شعاعاً خفيفاً إلصالح أجسادهم ‪،‬‬
‫حر عيوهنم مفتحة ‪ " ،‬و حتسبهم أيقاظاً وهم رقود "‬ ‫بقر وال ّ‬
‫وهم يف فجوة من الكهف ال يتأذون ّ‬
‫حيركهم اهلل تعاىل كي ال تأكل األرض أجسادهم " ونقلبهم ذات اليمني وذات الشمال " حيرسهم‬
‫كلبهم يف مدخل الباب ماداً قائمتيه كأنه حي متوثب " وكلبهم باسط ذراعيه بالوصيد " ‪ ...‬تصوير‬
‫بديع هلم يف رقدهتم الطويلة هذه اليت تدل توهم من يراهم أهنم أحياء ‪ ..‬مع إدخال اهليبة يف قلوب‬
‫من اطلع عليهم – إن اطلع – أن يتجاوزهم مبتعداً عنهم ‪ .‬مقامهم هذا دليل على قدرة اهلل تعاىل يف‬

‫‪614‬‬
‫إماتتهم وحفظهم من التلف ‪ ،‬وإخافة من ينظر إليهم ‪ ،‬مث على بعثهم ‪ ..‬فسبحان اهلل مالك امللك ‪،‬‬
‫املتصرف يف خملوقاته كما يشاء ‪.‬‬
‫‪ -9‬احلذر يف كل حاالت احلياة – حلوها ومرها ‪ ،‬أمنها وخوفها – مطلوب ‪ ،‬فالتخفي والكتمان‬
‫والتلميح من أنواع احلذر ‪ .‬فماذا فعل الفتيان حني أحياهم اهلل تعاىل ؟ شعروا باجلوع ‪ ..‬فقد‬
‫استيقظوا بعد ساعات طويلة استغرقت يوماً أو بعض يوم – كما ظنوا – والطعام والشراب وسيلة‬
‫احلياة ‪ .‬والعدو الذي هربوا منه يطلبهم ويرسل العيون واجلند حبثاً عنهم ‪ .‬فينبغي احلذر يف التحرك ‪.‬‬
‫ماذا يفعلون ؟‬
‫‪ -‬أرسلوا واحداً فقط يشرتي هلم طعاماً فالواحد أقدر على التخفي وال ينتبه له أحد ‪ .‬وهروبه أسهل‬
‫إذا شعرت به عيون العدو وإذا وقع يف أيدي الظلمة فهو فدائي واحد ‪ ،‬ولن تسقط اجملموعة كلها ‪.‬‬
‫‪ -‬وأمروه باللطف يف الشراء واللني يف الطلب ‪ ،‬وليتكلم املختصر املفيد‪.‬‬
‫‪ -‬وليكن تصرفه حكيماً وحركاته بعيدة عن الريبة لكي ال ينطبق عليه املثل القائل " كاد املريب أن‬
‫يقول خذوين " ‪.‬‬
‫‪ -‬وليخرت أطيب الطعام وأزكاه ‪ ،‬فالطعام الطيب احلالل أنفع للجسم ‪ ،‬وأرفع للروح‪.‬‬
‫صحيح أن احلذر ال ينجي من القدر لكن على اإلنسان أن يأخذ باألسباب ‪ ،‬ويعد لألمر عدته كي ال‬
‫يُْؤ خذ على غرة ‪ ،‬فالعدو الذي ال خياف اهلل تعاىل ال يرحم " إهنم إن يظهروا عليكم يرمجوكم‬
‫أويعيدوكم يف ملتهم " أمل يعلن كبري اجملرمني فرعون رغبته يف قتل النيب موسى عليه السالم ؟" ذروين‬
‫أقتل موسى ‪ " ..‬مدعياً أنه بذلك يقضي على الفتنة وحيفظ الناس من الفساد؟! " إين أخاف أن يبدل‬ ‫ْ‬
‫دينكم أو أن يظهر يف األرض الفساد "؟َ ! ‪ .‬وقد دمغهم اهلل تعاىل بالعدوان وكره املؤمنني ونقض‬
‫العهود " ال يرقبون يف مؤمن إالًّ وال ذمة ‪ ،‬وأولئك هم املعتدون " وإذا قتل املسلم يف سبيل اهلل فقد‬
‫نال الشهادة ‪ ،‬أما إذا كان إميانه ضعيفاً فلم حيتمل العذاب وكفر بدينه لينجو منه فقد خاب وخسر‬
‫"‪ ..‬أو يعيدوكم يف ملتهم ‪ ،‬ولن تفلحوا إذاً أبداً " ‪.‬‬
‫‪ -10‬ال ينبغي أن منر على قصص القرآن مروراً سريعاً إمنا جيب التفكر والتدبّر للعظة والعربة‬
‫واستخالص الدروس‪ ،‬فتكون نرباساً نسري على هديه ونستضيء بنوره ‪ ،‬وإالّ كنا كمثل احلمار حيمل‬
‫أسفاراً ‪ .‬قال املفسرون ‪ :‬إن امللك الذي هرب الفتيان من ظلمه وبطشه مات ‪ ،‬ومات الكفر معه ‪.‬‬
‫وانتشر اإلسالم يف البالد ‪ ،‬واختلف املؤمنون يف طريقة البعث والنشور ‪ .‬فمن قائل حتشر األرواح‬
‫فقط ‪ ،‬ومن قائل حيشر الناس بأرواحهم وأجسادهم ‪ .‬فكان عثورهم على الفتية دليالً على حشر‬
‫الناس بأجسادهم وأرواحهم كما كانوا يف الدنيا ‪ ،‬فاهلل قادر على كل شيء ‪ .‬هذا من ناحية ‪ .‬ومن‬
‫ناحية أخرى كان بعث هؤالء الفتية دليالً باهراً على أن يوم القيامة حقيقة ال شك فيها " وكذلك‬
‫أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد اهلل حق ‪ ،‬وأن الساعة ال ريب فيها " ‪.‬‬

‫‪615‬‬
‫‪ -11‬املراء يف أمر ال فائدة فيه ال حاجة إليه ‪ .‬وقتك أيها املسلم مثني ‪ ،‬وحديثك موزون ‪ ،‬ولن‬
‫يزيدك علماُ وفهماً أن ختوض فيما الطائل له ‪ .. ،‬فماذا يزيدك لو عرفت عدد الفتية ؟ أو أمساءهم ‪،‬‬
‫أو أعمارهم ؟ أو أعماهلم؟ ‪ ..‬الفائدة املرجوة جتدها يف أفعاهلم وثباهتم على املبدأ وفرارهم بدينهم‬
‫وأخوهتم يف اهلل تعاىل ‪S...‬‬
‫حيافظون عليه ‪ .‬وحذرهم يف تصرفاهتم ‪ّ ،‬‬
‫‪ -12‬أمر أخري ينبغي الوقوف عنده ‪ ،‬هو تعليق األمر مبشيئة اهلل " وال تقولن لشيء ‪ :‬إين فاعل ذلك‬
‫غداً إال أن يشاء اهلل " فقد عاتب اهلل تعاىل نبيه الكرمي على قوله للكفار حني سألوه عن الفتية‬
‫والروح وذي القرنني ‪ :‬غداً أخربكم جبواب أسئلتكم ‪ .‬ومل يستث ِن يف ذلك ‪ ،‬فاحتبس الوحي عنه‬
‫مفرجة ‪ ،‬وأمر‬ ‫مخسة عشر يوماً حىت شق ذلك عليه ‪ ،‬وأرجف الكفار به ‪ .‬فنزلت عليه هذه السورة ِّ‬
‫يف هذه اآلية أن ال يقول يف أمر من األمور ‪ :‬إين أفعل غداً كذا وكذا إال أن يعلق األمر مبشيئة اهلل‬
‫تعاىل ‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪616‬‬
‫المعلم واألمانة العظمى‬
‫النظري‬
‫بسم اهلل والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني سيدنا حممد وآله وصحبه أمجعني ‪ S...‬أما‬
‫بعد‬
‫ال يشك أحد منا أن املعلمني واملعلمات – يف كل مراحل التدريس – يشكلون أكرب الفئات العاملة‬
‫يف أي جمتمع ‪ ,‬وكذلك فأن أي مهنة موجودة يف اجملتمع ‪ ,‬ال شك أن العاملني هبا بدأوا حياهتم‬
‫باملرور باملدارس ‪ ,‬فجميع املهن أصال مبنية أصال على التدريس األويل واملرحلي املعروف يف املدارس‬
‫النظامية ‪ ,‬فمهنة التدريس هي أم املهن يف الواقع ‪S...‬‬
‫من هنا ندرك مجيعا أمهية دور املدرسة يف اجملتمع ‪ ..‬وأثرها الكبري يف بناء اجملتمع ‪..‬‬
‫وحنن هنا يف بالد اإلسالم ندرك أيضاً تعاظم املسؤولية على املعلم املسلم أكثر من عظمها على معلم‬
‫كافر ‪ ..‬فنحن املسلمني محلة اهلدى ‪ ,‬ومن خري أمة ُأخرجت للناس ‪ ,‬ولعظم هذه املسؤولية على‬
‫املعلم كانت هذه اخلواطر واملناصحة إلخواننا املعلمني دافعنا لذلك قوله ‪ { ‬الدين النصيحة } قلنا‬
‫ملن يا رسول اهلل ؟ قال ‪ { -:‬هلل ولكتابه ولرسوله وألئمة املسلمني وعامتهم } أخرجه مسلم ‪.‬‬
‫ماذا قدم املعلم لنفسه ؟ ‪-:‬‬
‫املعلم املسلم كأي فرد يف اجملتمع املسلم ‪ ..‬عليه امتثال األوامر اإلهلية واجتناب احملرمات وهنا بعض‬
‫األمور ُأذ ّكر فيها املعلم مبا يفعله لنفسه راجيا أن يتسع صدره هلا ‪-:‬‬
‫‪ -1‬احملافظة على الفرائض والواجبات والسنن املؤكدة ‪-:‬‬
‫فأهم هذه الواجبات هي الصالة ‪ ,‬آكد الواجبات بعد توحيد اهلل عز وجل ‪ ,‬وهي العون على أمور‬
‫الدنيا والدين بأذن اهلل ‪ ..‬قال تعاىل { يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصرب والصالة } البقرة ‪153‬‬
‫وال شك أن تركها كفر باهلل عز وجل ‪ ..‬كما قال ‪ ‬كما يف حديث بريدة رضي اهلل عنه ( العهد‬
‫الذي بيننا وبينهم الصالة ‪ ,‬فمن تركها فقد كفر ) رواه الرتمذي وقال حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫مث يأيت بعد ذلك بقية فرائض اإلسالم وواجباته من إيتاء الزكاة وصلة الرحم وغريها ‪....‬‬
‫مث احملافظة على السنن املؤكدة مثل السنن الراتبة ‪ ,‬والوتر و غريها ‪ ,‬مث ياي بعد ذلك السنن اليت هي‬
‫من كمال االلتزام بدين اهلل والتخلق هبدي الرسول الكرمي ‪. ‬‬
‫‪ -2‬اإلخالص يف العمل هلل تعاىل ‪-:‬‬
‫أن ال يكون املقصد يف كل حركة وسكنة من حركاته وسكناته إال وجه اهلل سبحانه وتعاىل { قل أن‬
‫صاليت ونسكي وحمياي وممايت هلل رب العاملني ‪ ,‬ال شريك له وبذلك أمرت وأنا أول املسلمني }‬
‫األنعام ‪163-162‬‬
‫‪ -3‬الزهد يف الدنيا وعدم التكالب على ما فيها ‪ ..‬والرضا والقناعة بالقليل ‪.‬‬

‫‪617‬‬
‫‪ -4‬أن جيعل من نفسه القدوة لطلبته يف قوله وعمله ومسته ومعاملته ‪..‬‬
‫فال تأمر طالبك أو حىت غري طالبك بأمر حسن وأنت ترتكه أو أن تنهى عن أمر سيء وتأتيه ‪.‬‬
‫‪ -5‬الدعوة إىل اهلل ‪ ..‬من أوجب الواجبات ‪-:‬‬
‫ومنها األمر باملعروف والنهي عن املنكر يف حدود الطاقة واألدب النبوي الكرمي ‪ ..‬وهذه النقطة‬
‫نبسط هلا بشيء من التفصيل فيما يلي فباهلل التوفيق ومنه العون والسداد ‪...‬‬
‫أ‪ -‬دعوة املعلم لزمالئه ‪-:‬‬
‫فال بد أن يكون املعلم املسلم مشعل هداية ونور لغريه من زمالئه ‪ ..‬وهذه وهذه الدعوة اليت تدعو‬
‫هبا ال تقتصر على املعلم املقصر فحسب بل حىت للصاحل منهم ‪..‬‬
‫* فاملعلم الصاحل تدعوه لتثبت – بعون اهلل لك – أمر صالحه ‪ ,‬وتذكره بأمور رمبا غفل عنها‪..‬‬
‫ورمبا دعوته وناقشته يف مالحظة الحظتها عليه ‪ ..‬باحلكمة واملوعظة احلسنة وجتنب االستفزاز وهذا‬
‫النوع حبمد اهلل من أيسر الناس تقبال للنصيحة غالباً ‪.‬‬
‫* أما الزميل املقصر فتذكره باهلل وبعظم الدور امللقى على عاتقه فرمبا صلح بصالحه كثري من الطالب‬
‫ورمبا عصوا بتهاونه رب األرباب ‪ .‬وهذا النوع من الزمالء البد من الصرب واالحتساب معهم مث‬
‫حسن األسلوب بالتذكري وعدم الغلظة { أدع إىل سبيل ربك باحلكمة واملوعظة احلسنة وجادهلم‬
‫باليت هي أحسن } النحل ‪. 125‬‬
‫* مث أنصح بكثرة الزيارة هلم خارج املدرسة ‪ ,‬وإهداء اهلدايا من أشرطة وكتيبات أو حىت اهلدايا‬
‫املادية من متاع الدنيا توددا هلم وتقريبا للخري هلم ‪.‬‬
‫* وهناك مسألة مهمة جداً أخي املعلم املسلم الصاحل ‪ ..‬أال وهي إياك والدخول مع هذا النوع يف‬
‫جدل عقيم يف فرع قبله أصول يف هذا الباب تناقشه فيه ‪ ..‬فأبدأ باألهم فاملهم ‪ ,‬أبدأ بأركان اإلسالم‬
‫فقد يكون هذا املعلم ال يصلي وأنت تناقشه وتكثر مثال يف حكم لبس السروال القصري أو التدخني‬
‫وهي ال شك أهنا مهمة لكن الصالة أهم وللدعوة أولويات فأبدأ يا رعاك اهلل باألهم فاملهم ‪.‬‬
‫* وكذلك عليك بدعوة بقية األفراد العاملني باملدرسة من فنيني وإداريني ومراسلني وغريهم ‪.‬‬
‫دعوة الطلبة ‪-:‬‬
‫وهذه الدعوة هي أعظم دعوة وأكرب مسؤولية ‪ ..‬وذلك لكثرة الطالب الذين يدرسهم املعلم خالل‬
‫فرتة التدريس اليت متر عليه يف حياته ‪ ,‬فهم مئات بل ألوف ‪ ,‬مث أهنم بعد سنوات الدراسة سوف‬
‫يصبح كالً منهم يف عمل خمتلف عن اآلخر ‪ ..‬فعليك بتقوى اهلل فيهم ‪ ,‬فكم من معلم نذكره خبصلة‬
‫طيبة ودعوة منه لنا ‪ ,‬مازلنا نذكره بكل خري إىل يومنا هذا رغم مرور األيام وتعاقب األعوام ‪.‬‬
‫وكم من معلم ال نتذكره أال خبصلة سيئة كانت فيه ‪ ,‬فشتان شتان بني الصنفني ‪ ..‬واهلل املستعان ‪.‬‬
‫ومن أهم ما تدعو به الطالب قوالً وعمالً ما يلي ‪-:‬‬

‫‪618‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص يف العمل واملواظبة عليه ‪-:‬‬
‫وأقصد هبذا التدريس الرمسي املناط بك ‪ ..‬فتلتزم حبضور احلصص واحملاضرات املخصصة لك ‪ ..‬وتعد‬
‫لكل حصة قبل الدخول إليها وإلقائها والرسول ‪ ‬يقول ( إن اهلل حيب من أحدكم إذا عمل عمال‬
‫أن يتقنه ) ‪.‬‬
‫وهذه النقطة – حسب ما أرى – من أهم النقاط اليت جتعل للمعلم اهليبة مث الطاعة بعد ذلك وهذه‬
‫بدورها ختدم النقاط التالية بأذن اهلل ‪.‬‬
‫‪ -2‬احملاولة بأن تكون القدوة ‪-:‬‬
‫يف القول والعمل والسمت ‪ ..‬وذلك بالتزامك بالسنن القولية والفعلية اليت حتلى هبا حممد ‪. ‬‬
‫فالطالب إذا رأوك وأنت ذو خلق عال مواظب على فرائض دينك أحبوا منك هذا العمل قبل أن‬
‫تأمرهم به ‪ ,‬ولنا يف رسول اهلل ‪ ‬األسوة احلسنة { لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ملن‬
‫كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثريا ً } األحزاب ‪. 21‬‬
‫‪ -3‬تسخري املادة اليت تدرسها يف تذكري الطلبة باهلل سبحانه وتعاىل وبقدرته ‪..‬‬
‫فمواد الدين نفسها مواد روحية ‪ ,‬ولكن هل تكتفي باملنهج املقرر ؟؟‬
‫لعل املنهج طول العام ال يتجاوز الشرح إىل العشرين صفحة ! فهل هذه الصفحات تكفي حلصول‬
‫الفائدة لدى الطالب ؟!!‬
‫أما املواد األخرى املادية فريبط املعلم كل حقيقة فيها بعظمة اهلل سبحانه وتعاىل وقدرته ‪..‬‬
‫فمثال مادة األحياء كم فيها من ذكر اهلل ملخلوقات اهلل تعاىل ‪ ,‬وكم يف تلك املخلوقات من أجهزة‬
‫تعمل ‪ ..‬فسبحان من خلق وصور ‪..‬‬
‫ومادة الكيمياء وكيف تنظم الذرات واملواد فسبحان من خلق كل هذا وقدره تقديراً ‪..‬‬
‫حىت مادة اللغة اإلجنليزية ‪ ..‬يُعلم الطالب فيها املصطلحات اليت تفيدهم شرعاً يف الدعوة إىل اهلل مثل‬
‫مصطلح اجلنة ‪ ,‬النار ‪ ,‬النيب وغريها ‪.‬‬
‫لكن هناك مالحظة هو أن ال يطغى التذكري هذا على جوهر الدرس املقدم يف كل مادة فيفقد الطالب‬
‫الفائدة من الدرس األصلي واهلل تعلى أعلم ‪.‬‬
‫‪ -4‬وضع النصيحة مراعاة لسن الطالب وإدراكه ‪..‬‬
‫فطالب املرحلة االبتدائية له أمور ختصه على حسب صغر سنه ‪ ,‬وطالب املرحلة الثانوية له أيضا أمور‬
‫ختصه وهكذا ‪.‬‬
‫‪ -5‬اإلحسان والرفق واللني كما قال الشاعر ‪-:‬‬
‫ترفق مبن يأتيك للعلم طالباً ‪ 00000‬وقل مرحباً يا طالب العلم مرحباً‬
‫فهذا الذي أوصى به سيد الورى‪ 00000‬كما قد روى اخلدري عنه ورحبا‬

‫‪619‬‬
‫فعن صفوان بن عسال املرادي رضي اهلل قال ‪ -:‬أتيت النيب ‪ ‬وهو يف املسجد متكيء على برد له‬
‫أمحر فقلت ‪ :‬يا رسول اهلل إين جئت طالباً للعلم ‪ ,‬فقال ‪-:‬‬
‫( مرحباً بطالب العلم إن طالب العلم حتُ ُفهُ املالئكة بأجنحتها ‪ ,‬مث يركب بعضهم بعضا حىت يبلغوا‬
‫السماء الدنيا من حمبتهم ملا يطلب ) رواه أمحد والطرباين بإسناد جيد واللفظ له ‪.‬‬
‫مع أن الشدة يف بعض املواضع هلا دور إجيايب يف الدعوة والتوجيه ‪ ,‬ولكن لكل حال لبوسها ‪....‬‬
‫‪ -6‬استغالل التجمعات الطالبية يف غري الفصل الدراسي ‪-:‬‬
‫مثل الطابور الصباحي ‪ ,‬وعند صالة الظهر وغريها يف مثل ألقاء كلمة موجزة يف أمور حمددة تناسب‬
‫كما قلت أدراك الطالب وأعمارهم مث أيضا مراعاة الوقت ‪.‬‬
‫‪ -7‬توزيع األشرطة والكتيبات والنشرات اإلسالمية بني الطالب ‪-:‬‬
‫وليس شرطا هنا االلتزام بسن الطالب ولو أن هذا هو األوىل فالكتاب والشريط ميكن أن يبقى مع‬
‫الطالب فرتة طويلة يدرك منه ال حقا ما مل يدركه وقت استالمه ‪ ..‬وقد يصل هذا الشريط إىل أسرة‬
‫ذلك الطالب وينتفع به غري الطالب ‪.‬‬
‫‪ -8‬تشجيع الطالب ماديا ومعنوياً جتاه جهد معني أجنزه ‪-:‬‬
‫سواء يف الدراسة أو يف السلوك ‪.‬‬
‫‪ -9‬تذكري الطالب بدورهم يف املستقبل جتاه هذا الدين وجتاه جمتمعهم ‪..‬‬
‫وكلما تقدمت مرحلة الطالب زاد املعلم يف التذكري بذلك حىت يكونوا بأذن اهلل أعضاء صاحلني‬
‫جملتمعهم ودينهم ‪.‬‬
‫‪ -10‬لعل أسلوب النصح – بالتحديد – يف أي شيء له وضعه‪ S‬اخلاص فكلما كان النصح للطالب‬
‫انفراديا كان أكثر نفعا للطالب بأذن اهلل ‪ ..‬والنصح بني الطالب جيعل الطالب الذي تنصحه يكابر‬
‫ويعاند ويصر على فعلته ‪ ..‬يقول األمام الشافعي ‪-:‬‬
‫تعمدين بنصح يف إنفراد‪ 00000‬وجانبين النصيحة يف اجلماعة‬
‫فأن النصح بني الناس نوع ‪ 0000‬من التوبيخ ال أرضى استماعه‬
‫ولكن أيضا كما قلت يف الشدة ‪ ,‬فاحلال هنا ال خيتلف كثرياً ‪ ,‬فقد يكون النصح أمام الطالب نوع‬
‫من التأديب الذي ال يرتدع الطالب إال به ‪.‬‬
‫وأذكر لك أخي الفاضل نصيحة نفيسة هلارون الرشيد يوصي هبا الكسائي معلم أبنه لعلها تنفع بأذن‬
‫اهلل ‪ ,‬يقول هارون الرشيد [ أقرئه القرآن وعرفه اآلثار ‪ ,‬وروه األشعار وعلمه السنن وبصره مواقع‬
‫الكالم ‪ ,‬وأمنعه من الضحك إال يف أوقاته ‪ ,‬وخذه بتعظيم مشائخ بين هاشم إذا دخلوا عليه ‪ ,‬ورفع‬
‫جمالس القواد إذا حضروا جملسه ‪ ,‬وال مترن بك ساعة إال وأنت مغتنم هبا فائدة تفيده إياها من غري أن‬

‫‪620‬‬
‫خترق به فتميت ذهنه ‪ ,‬وال متعن يف مساحمته فيستحلي الفراغ ويألفه ‪ ,‬وقومه ما استطعت بالقرب‬
‫واملالينة ‪ ,‬فأن أبامها فعليك بالشدة والغلظة ]‬
‫وهناك عدة نقاط جيدر باملعلم الداعية أن يعيها ‪-:‬‬
‫‪ .1‬تعلم العلم الشرعي وذلك بالقراءة املستفيضة لكتب العلماء قدميا وحديثاً وحبضور الدروس‬
‫العلمية يف بلدته اليت يقيم فيها وأن عز ذلك فمن خالل األشرطة ‪..‬‬
‫‪ .2‬التعاون مع زمالئك الطيبني يف املدرسة – وخارجها أيضاً – لالتفاق على برنامج يسريون عليه ‪,‬‬
‫حىت ال حيصل تضارب وتعارض يف العمل الذي يقومون به ‪.‬‬
‫‪ .3‬أن ال تنسى أنك عضو يف جمتمع كبري ‪ ,‬املدرسة جزء صغري فيه ‪ ,‬فال تنسى اجملتمع الكبري وهتتم‬
‫باملدرسة وحدها فأنت معلم يف نظر الناس داخل املدرسة وخارجها ‪ ,‬وحاول املوازنة بني البيت‬
‫واجملتمع واملدرسة يف دعوتك ‪..‬‬
‫وأخرياً أخي املعلم الفاضل هذا هو جهد املقل أسأل اهلل العظيم أن ينفع هبا وأن جيعلنا من الدعاة إىل‬
‫َأح َس ُن َق ْوالً‬
‫اهلل بكل ما منلك وأن يرزقنا السري على هنج رسولنا الكرمي عليه الصالة والسالم { َو َم ْن ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫مِم َّن دعا ِإىَل اللَّ ِه وع ِمل حِل‬
‫ني} فصلت ‪33‬‬ ‫صا اً َوقَ َال ِإنَّيِن م ْن الْ ُم ْسلم َ‬‫ََ َ َ‬ ‫ْ ََ‬
‫وآخر دعوانا أن احلمدهلل رب العاملني والصالة والسالم على حممد وعلى آله وصحبه أمجعني‬
‫ــــــــ‬

‫‪621‬‬
‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن‬
‫حممد بن عبدالعزيز اخلضريي‬
‫كلية املعلمني قسم الدراسات القرآنية‬
‫إن الدعوة إىل اهلل تعاىل طريق األنبياء ‪-‬عليهم السالم‪ -‬وأتباعهم كما قال تعاىل‪((:‬قُ ْل َه ِذ ِه َسبيلِي‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ني)) ‪.‬‬‫وما َأنَا م َن املُ ْش ِرك َ‬‫وسْب َحا َن اللَّه َ‬ ‫َْأدعُو إىَل اللَّه َعلَى بَص َرية َأنَا َ‬
‫وم ِن اتََّب َعيِن ُ‬
‫وكان مما اعتىن به القرآن الكرمي ذكر قصص دعوات األنبياء ‪ ،‬وتصويرها بأبلغ أسلوب‪ ،‬وعرضها‬
‫بأدق عبارة‪ ،‬حىت أصبحت أخبارهم يف القرآن مناذج حيّة حيتذيها الدعاة ويقتبسون من نورها ‪،‬‬
‫ين َه َدى اللَّهُ فَبِ ُه َد ُاه ُم ا ْقتَ ِد ْه))‪ . S‬وقد اخرتنا دراسة موضوع الدعوة إىل‬ ‫ويهتدون هبداها ((ُأولَِئ ِ‬
‫ك الَذ َ‬‫ْ َ‬
‫اهلل من خالل قصة إمام احلنفاء وأيب األنبياء إبراهيم ‪ -‬عليه السالم ‪ -‬ومل يكن اختياري هلذه الدعوة‬
‫جزافاً بل ألسباب أوجزها فيما يلي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬أهنا دعوة خليل الرمحن‪ ،‬ومؤسس احلنيفية‪ ،‬وأحد أويل العزم اخلمسة من الرسل ‪.‬‬
‫وما‬ ‫ك َِأن اتَّبِع ِملَّةَ إبر ِاه ِ‬
‫يم َحنيفاً َ‬‫َْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ثانياً ‪ :‬أن رسولنا حممداً ‪ -  -‬قد أمر باتباع ملته ((مُثَّ َْأو َحْينَا إلَْي َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َكا َن م َن املُ ْش ِرك َ‬
‫ني))‪. S‬‬
‫يم الَ ِذي وىَّف ))‬ ‫ِ‬
‫((‪..‬وإبَراه َ‬
‫ْ‬ ‫ثالثاً ‪ :‬تلك الصفات العظيمة اليت حتلى هبا إبراهيم حىت قال اهلل تعاىل فيه‬
‫فكانت نرباساً يقتفى أثره فيها الدعاة إىل اهلل ‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬استغراق القرآن واستقصاؤه ألساليب إبراهيم املتنوعة يف عرض دعوته على قومه ‪ ،‬حىت إنه‬
‫ليعز على الباحث أن جيد لنيب من األنبياء خال نبينا ‪ -  -‬مثلما جيد هلذه األيام من الطرائق والسبل‬
‫سن للناس من بعده من الدعوة‬ ‫يف إقناع املدعوين وترويضهم على قبول الدعوة ‪ .‬وال غرو فقد َّ‬
‫أساليب مل تعهد ألحد من قبله ومل تقف عند حد الكلمة بل ختطتها إىل احلركة والفعل ‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬رمست هذه الدعوة للدعاة منهاجاً يف الصرب حيق هلم أن يقتدوا به ‪ ،‬فقد صرب إبراهيم ‪-‬عليه‬
‫السالم‪ -‬يف أحوال خمتلفة وظروف متباينة وأعمال متنوعة كالصرب على جفاء األبوة ‪ ،‬وعدوان‬
‫العشرية‪ ،‬وهجران األرض‪ ،‬والفتنة بالنار‪ ،‬واألمر بذبح الولد‪ ،‬وغري ذلك ‪.‬‬
‫وسنعرض املوضوع من خالل مناذج من صفات إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬الدعوية وأساليبه يف نشر‬
‫دعوته ‪.‬‬
‫مناذج من صفات إبراهيم الدعوية ‪:‬‬
‫لن يتسع املقام حلصر تلك الصفات اليت اتسم هبا إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪ -‬فلقد وصفه‪ S‬ربه بأنه ويّف‬
‫مجيع مقامات العبد مع ربه ولذلك سنقتصر ‪ .‬على مجلة من الصفات وخنص بالذكر منها ما له صلة‬
‫ظاهرة بدعوته ‪ ،‬وله أثر ظاهر يف االهتداء واالقتداء به ‪.‬‬
‫‪ -1‬أمة ‪:‬‬

‫‪622‬‬
‫َّاس َُّأمةً‬ ‫قال تعاىل ‪ِ َّ :‬‬
‫يم َكا َن َُّأمةً‪ ))..‬وهذه الكلمة تأيت لعدة معان ‪ ،‬منها اجلماعة (( َكا َن الن ُ‬ ‫((إن ْإبَراه َ‬
‫((واد َكَر َب ْع َد َُّأم ٍة)) ومنها ‪ :‬الرجل اجلامع خلصال اخلري حىت يقوم‬ ‫واح َد ًة)) ‪ ،‬ومنها الزمان واحلني َّ‬ ‫ِ‬
‫مقام أمة من الناس ‪ ،‬وهذا هو املقصود يف حق إبراهيم ‪ ،‬وهذه تدلنا على عظيم ما كان يتصف به‬
‫إبراهيم من عبادة ودعوة وخلق حري بأن حيتذي به الدعاة يف حياهتم وتزكية أنفسهم ‪ ،‬واجتهاد‬
‫أحدهم يف تقومي أخالقه والنشاط يف دعوته ليقوم مقام أمة يف ذلك ‪ .‬وقيل أن املقصود باألمة هنا ‪:‬‬
‫أي اإلمام ‪ ،‬أي قدوة يقتدى به يف اخلري ‪ ،‬وممن قال به ابن جرير الطربي وابن كثري ‪.‬‬
‫‪ -2‬قانت ‪:‬‬
‫يم َكا َن َُّأمةً قَانِتاً لِّلَّ ِه َحنِيفاً))‪ S،‬والقنوت ‪ :‬لزوم الطاعة مع اخلضوع‪ ،‬وكذا‬ ‫قال تعاىل ‪ِ َّ :‬‬
‫((إن ْإبَراه َ‬
‫تكل راحلته‬ ‫جيب أن يكون الداعية مالزماً لطاعة اهلل على كل حال ‪ ،‬فال يكون كاملنبت جيتهد حىت ّ‬
‫‪ ،‬مث ينقطع ‪ ،‬بل يالزم ويستقيم ‪.‬‬
‫‪ -3‬حنيفاً ‪:‬‬
‫واحلنيف ‪ :‬املائل واجلنف ‪ :‬ضده ‪ .‬واألحنف ‪َ :‬م ْن يف‬ ‫ُ‬ ‫واحلَنَف ‪ :‬امليل عن الضالل إىل االستقامة ‪،‬‬
‫رجله ميل مسي بذلك تفاؤالً ‪ ،‬وقيل جملرد امليل ‪.‬‬
‫قال ابن كثري‪ :‬احلنيف ‪ :‬املنحرف قصداً عن الشرك إىل التوحيد ‪ .‬وقد كان ذلك من إبراهيم حىت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ع َّد إمام احلنفاء املوحدين ‪ ،‬قال تعاىل ‪(( :‬ومَل ي ُ ِ‬
‫((وما َكا َن م َن املُ ْش ِرك َ‬
‫ني‬ ‫ني )) ‪ ،‬وقال‪َ :‬‬‫ك م َن املُ ْش ِرك َ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫)) ‪ ،‬وهكذا فليكن أولياء اهلل ‪.‬‬
‫‪ -4‬شاكر‪:‬‬
‫((شاكِراً َألْنعُ ِم ِه))‪ S‬أي قائماً بشكر نعم اهلل عليه (وأصل الشكر) ظهور أثر الغذاء يف‬ ‫قال تعاىل ‪َ :‬‬
‫أبدان احليوان ظهوراً بيناً ‪ .‬يقال ‪ :‬شكرت الدابة ‪ :‬أي مسنت وظهر عليها العلف ‪ ،‬وكذلك حقيقته‬
‫يف العبودية ‪ :‬وهذا ظهور أثر نعمة اهلل على لسان عبده ‪ :‬ثناء واعرتافاً ‪ ،‬وعلى قلبه ‪ :‬شهوداً وحمبة ‪،‬‬
‫وعلى جوارحه ‪ :‬انقياداً وطاعة ‪ .‬والشكر مبين على مخس قواعد ‪ :‬خضوع الشاكر للمشكور ‪،‬‬
‫وحبه له ‪ ،‬واعرتافه بنعمته ‪ ،‬وثناؤه عليه ‪ ،‬وأن ال يستعملها فيما يكره(‪ ، )1‬وقد كان ذلك من‬
‫إبراهيم ‪-‬عليه السالم‪. -‬‬
‫‪ -5‬احللم ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫((إن إبر ِاه ِ‬
‫يب)) ‪.‬‬‫يم ََّأواهٌ ُّمن ٌ‬ ‫قال تعاىل ‪َ َ ْ َّ :‬‬
‫يم حَلَل ٌ‬
‫واحللم ‪ :‬ضبط النفس والطبع عن اهليجان عند االستثارة ‪ .‬واحلليم ‪ :‬الكثري احللم وموقف إبراهيم من‬
‫َّك)) ومن العتاة قوم لوط حينما مرت به املالئكة وأخربته مبا أمرت هبا قال ‪:‬‬ ‫((َألرمُجَن َ‬
‫مقالة أبيه ْ‬
‫ِ‬ ‫إن إبر ِاه ِ‬ ‫ِ يِف ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫يب))‬ ‫يم ََّأواهٌ ُّمن ٌ‬ ‫وجاءَتْهُ البُ ْشَرى جُيَادلُنَا َق ْوم لُوط * َّ ْ َ َ‬
‫يم حَلَل ٌ‬ ‫الر ْوعُ َ‬ ‫يم َّ‬
‫ب َع ْن ْإبَراه َ‬
‫((فلَ َّما ذَ َه َ‬

‫‪623‬‬
‫‪ ،‬ومل يكن حلم إبراهيم ذريعة يتذرع للسكوت عن املنكر بل كان يعلن احلق وينكر الباطل ((وتَاللَّ ِه‬
‫ُّ ِ‬
‫َأصنَ َام ُكم َب ْع َد َأن ُت َولوا ُم ْدب ِر َ‬
‫ين))‪S.‬‬ ‫يد َّن ْ‬ ‫َألكِ َ‬
‫‪ّ -6‬أواه‪:‬‬
‫قال الراغب األصفهاين ‪" :‬الذي يكثر التأوه وهو أن يقول ‪ّ :‬أوه وكل كالم يدل على حزن يقال له‬
‫األواه أنه اخلاشع‬ ‫باألواه ‪ ،‬عمن يظهر خشية اهلل تعاىل"(*) ‪ ،‬والذي يتحقق من معىن ّ‬ ‫التأوه‪ ،‬ويعرب ّ‬ ‫ّ‬
‫تأوه إبراهيم وتضرعه بني يدي ربه قد ذكرت يف آيات كثرية تدل على‬ ‫الدعاء املتضرع‪ ،‬وكثرة ّ‬ ‫ّ‬
‫صريُ))وجدير مبن سلك طريق الدعوة أن‬ ‫ك امل ِ‬‫ك َأَنبنَا وإلَي َ‬‫ك َت َو َّك ْلنَا وإلَي َ‬‫((ربَّنَا َعلَْي َ‬
‫حتقيق إبراهيم َّ‬
‫ْ ْ ْ َ‬
‫جيعل تعجيل اإلنابة من أبرز مساته ليكسب عون ربه وتسديده وحمبته ‪.‬‬
‫‪ -7‬السخاء ‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اك ح ِديث ِ ِ‬
‫الم َق ْو ٌم‬‫الماً قَ َال َس ٌ‬‫ني * إ ْذ َد َخلُوا َعلَْيه َف َقالُوا َس ً‬ ‫يم املُكَْرم َ‬
‫ضْيف ْإبَراه َ‬ ‫((ه ْل َأتَ َ َ ُ َ‬ ‫قال تعاىل ‪َ :‬‬
‫ني * َف َقَّربَهُ إلَْي ِه ْم قَ َال َأال تَْأ ُكلُو َن)) فذكر أن الضيف‬ ‫غ إىَل َْأهلِ ِه فَ َجاء بِعِ ْج ٍل مَسِ ٍ‬ ‫ُّمن َكُرو َن * َفَرا َ‬
‫َ‬
‫مكرمون إلكرام إبراهيم هلم ‪ ،‬ومل يذكر استئذاهنم ليدل على أنه قد عرف بإكرام الضيفان ‪ ،‬مع أهنم‬
‫قوم منكرون ال يعرفهم فقد ذبح هلم عجالً واستسمنه ‪ ،‬ومل يعلمهم بذلك بل راح‪ :‬أي ذهب خفية‬
‫حىت ال يُشعر به‪ ،‬جتاوباً لضيافة ‪ ،‬فدل على أن ذلك كان معداً عندهم مهيئاً للضيفان‪ ،‬وخدمهم‬
‫ومر به إليهم ومل يقرهبم إليه ‪ ،‬وتلطف مبالغة يف اإلكرام فقال‪َ(( :‬أال تَْأ ُكلُو َن)) ‪.‬‬ ‫بنفسه‪ ،‬فجاء به ّ‬
‫قال ابن القيم ‪" :‬فقد مجعت هذه اآلية آداب الضيافة اليت هي أشرف اآلداب ‪ ،‬وما عداها من‬
‫التكلفات اليت هي خَتَلف وتكلف ‪ :‬إمنا هي من أوضاع الناس وعوائدهم ‪ ،‬وكفى هبذه اآلداب شرفاً‬
‫وفخراً فصلى اهلل على نبينا وعلى إبراهيم وعلى آهلما وعلى سائر النبيني"(‪. )2S‬‬
‫‪ -8‬الصرب ‪:‬‬
‫كان إبراهيم مثالً حيتذى يف الصرب حىت استحق أن يكون من أويل العزم الذين أمر رسولنا ‪-  -‬‬
‫أن يصرب كصربهم ((فاصرِب كما صبر ُأولُوا ِ‬
‫الر ُس ِل)) ‪ .‬وكان صرب إبراهيم شامالً البتالءات‬ ‫الع ْزم ِم َن ُّ‬
‫َ ْ ْ َ َ َََ ْ َ‬
‫كثرية ‪ ،‬سيأيت بيان مجلة منها بإذن اهلل ‪.‬‬
‫‪ -9‬رعايته ألهله ‪:‬‬
‫مل يكن إبراهيم ممن يلتفت إىل الناس بدعوته ويرتك أهله ‪ ،‬بل بدأ هبم وخصهم مبزيد الرعاية والعناية‬
‫ت‬ ‫ك اَأل ْقربِني)) وكذلك كان إبراهيم ‪ ،‬فدعا أباه ((يا َأب ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َ َ‬ ‫وقد قال اهلل حملمد ‪(( -  -‬وَأنذ ْر َعش َريتَ َ َ َ‬
‫وب‬ ‫صى‪ S‬هِب ا إبر ِاه ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِل‬
‫وي ْع ُق ُ‬ ‫يم بَنيه َ‬ ‫((وو َّ َ ْ َ ُ‬ ‫َ َت ْعبُ ُد َما ال يَ ْس َم ُع وال يُْبصُر)) ‪ ،‬ووصى أبناءه بالتمسك بالدين َ‬
‫((واجنُْبيِن وبَيِن َّ َأن‬
‫ْ‬ ‫ِّين فَال مَتُوتُ َّن إالَّ وَأنتُم ُّم ْسلِ ُمو َن‪ ، S))..‬وكان يدعو‬ ‫اصطََفى لَ ُك ُم الد َ‬ ‫إن اللَّهَ ْ‬
‫يَا بَيِن َّ َّ‬
‫ك امل َحَّرِم‬ ‫نت ِمن ذُِّريَّيِت بَِو ٍاد َغرْيِ ِذي َز ْر ٍع ِع َ‬
‫ند َبْيتِ َ‬ ‫َأس َك ُ‬
‫((ربَّنَا إيِّن ْ‬
‫اَألصنَ َام)) ‪ ،‬ويتضرع بقوله ‪َ :‬‬ ‫ن َّْعبُ َد ْ‬
‫ُ‬ ‫َّاس َته ِوي إلَي ِهم وارز ْقهم ِّمن الثَّمر ِ‬ ‫ِئ‬ ‫ِِ‬
‫ات لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْش ُكُرو َن))‪. S‬‬ ‫ْ ْ ْ ُ ُ َ ََ‬ ‫اج َع ْل َأفْ َدةً ِّم َن الن ِ ْ‬ ‫الصالةَ فَ ْ‬ ‫يموا َّ‬ ‫َربَّنَا ليُق ُ‬

‫‪624‬‬
‫‪ -10‬شجاعته ‪:‬‬
‫َأصنَ َام ُكم َب ْع َد َأن ُت َولُّوا‬‫يد َّن ْ‬ ‫واجه إبراهيم قومه ومل خيش كيدهم وقال مقسماً ‪(( :‬وتَاللَّ ِه َألكِ َ‬
‫ون اللَّ ِه‪. S))..‬‬‫((ُأف لَّ ُكم ولِما َتعب ُدو َن ِمن د ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ين)) ‪ ،‬وقوله هلم ‪ُ ْ َ ْ ٍّ :‬‬ ‫ُم ْدب ِر َ‬
‫وكان ذلك لعلم إبراهيم بأن معه القوة اليت ال هتزم‪ ،‬وأن ما أصابه مل يكن خيطئه وما أخطأه مل يكن‬
‫ليصيبه فرسم للدعاة منهجاً يف الشجاعة املنضبطة بضوابط الشرع بال هتور حيتذونه يف مواجهة الباطل‬
‫من إقرار احلق ‪.‬‬
‫‪ -11‬حتقيقه الكامل لعقيدة الوالء والرباء ‪:‬‬
‫يم َألبِ ِيه و َق ْو ِم ِه إنَّيِن َبَراءٌ مِم َّا َت ْعبُ ُدو َن *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قال تعاىل عن ((فَ َمن تَب َعيِن فَإنَّهُ ميِّن )) ‪ ،‬وقال ‪(( :‬وإ ْذ قَ َال ْإبَراه ُ‬
‫إالَّ الَ ِذي فَطََريِن فَإنَّهُ َسَي ْه ِدي ِن)) فكل عدو هلل وإن قربه النسب جتب الرباءة منه‪ ،‬وكل ويل هلل وإن‬
‫ت‬‫باعدت به األوطان واألزمان جتب مواالته وحمبته وقد أمرنا أن نتأسى بإبراهيم يف ذلك ‪(( :‬قَ ْد َكانَ ْ‬
‫ون اللَّ ِه‬ ‫لَ ُكم ُأسوةٌ حسنَةٌ يِف إبر ِاهيم والَّ ِذين معه إ ْذ قَالُوا لَِقو ِم ِهم إنَّا برآء ِمن ُكم ومِم َّا َتعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ ْ َُ ُ ْ‬ ‫َ ََُ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ َْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وح َدهُ‪. S))..‬‬ ‫ضاءُ َأبَداً َحىَّت ُتْؤ منُوا بِاللَّه ْ‬ ‫الع َد َاوةُ والَْب ْغ َ‬
‫وبْينَ ُك ُم َ‬ ‫ِ‬
‫َك َف ْرنَا ب ُك ْم وبَ َدا َبْيَننَا َ‬
‫‪ -12‬سالمة القلب ‪:‬‬
‫ب َسلِي ٍم)) وسالمة القلب نوعان‪ :‬كالمها‬ ‫إلبر ِاهيم * إ ْذ َجاء ربَّهُ بَِق ْل ٍ‬
‫ََ‬
‫قال تعاىل ‪ِ ِ ِ ِ َّ :‬‬
‫((وإن من ش َيعته ْ َ َ‬
‫داخل يف مضمون اآلية‪ ،‬أحدمها‪ :‬يف حق اهلل وهو سالمة قلبه من الشرك‪ ،‬وإخالصه العبودية هلل ‪،‬‬
‫وصدق التوكل عليه ‪ .‬والثاين ‪ :‬يف حق املخلوقني بالنصح هلم وإيصال اخلري إليهم ‪ ،‬وسالمة القلب‬
‫من احلقد واحلسد وسوء الظن والكرب وغري ذلك ‪.‬‬
‫وبعد فهذه مجلة خمتصرة من الصفات الدعوية إلبراهيم عليه السالم سائالً اهلل تعاىل أن يوفقنا التباع‬
‫ملته والسري على منهجه وباهلل التوفيق ‪.‬‬
‫مراحل دعوة إبراهيم‬
‫ذكر القرآن الكرمي لدعوة إبراهيم عليه السالم ثالث مراحل ‪ ،‬نوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫املرحلة األوىل ‪:‬‬
‫دعوته ألبيه ‪ ،‬وقد صورهتا أبلغ تصوير آيات سورة مرمي حيث يقول اهلل جل وعال ((واذْ ُك ْر يِف‬
‫ت مِل َتعب ُد ما ال يسمع وال يب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫صُر وال‬ ‫يم إنَّهُ َكا َن صدِّيقاً نَّبِياً (‪ )41‬إ ْذ قَ َال َألبِيه يَا َأبَ َ ْ ُ َ َ ْ َ ُ ُْ‬ ‫الكتَاب ْإبَراه َ‬
‫ك فَاتَّبِ ْعيِن َْأه ِد َك ِصَراطاً َس ِوياً (‪)43‬‬ ‫ت إيِّن قَ ْد َجاءَيِن ِم َن العِْل ِم َما مَلْ يَْأتِ َ‬ ‫نك َشيئاً (‪ )42‬يا َأب ِ‬
‫َ َ‬ ‫يُ ْغيِن َع َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت ال َت ْعبُ ِد الشَّْيطَا َن َّ‬‫يا َأب ِ‬
‫اب‬
‫ك َع َذ ٌ‬ ‫اف َأن مَيَ َّس َ‬ ‫َأخ ُ‬‫إن الشَّْيطَا َن َكا َن للرَّمْح َ ِن َعصياً (‪ )44‬يَا َأبَت إيِّن َ‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫اغب َأنت عن آهِل يِت يا إبر ِاه ِئ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫َّك‬
‫َألرمُجَن َ‬ ‫يم لَ ن مَّلْ تَنتَه ْ‬ ‫ِّم َن الرَّمْح َ ِن َفتَ ُكو َن للشَّْيطَان ولياً (‪ )45‬قَ َال ََأر ٌ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫واهجريِن ملِياً (‪ )46‬قَ َال سالم علَيك س ِ‬
‫وَأعتَ ِزلُ ُك ْم َ‬
‫وما‬ ‫ك َريِّب إنَّهُ َكا َن يِب َحفياً (‪ْ )47‬‬ ‫َأسَت ْغفُر لَ َ‬
‫َ ٌ َْ َ َ ْ‬ ‫ْ ُْ َ‬
‫وَأدعُو َريِّب َع َسى َأالَّ َأ ُكو َن بِ ُد َع ِاء َريِّب َش ِقياً))[مرمي‪.]48 / 41‬‬ ‫ون اللَّ ِه ْ‬
‫تَ ْدعو َن ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫‪625‬‬
‫لقد كانت كلمات إبراهيم تفيض حناناً وشفقة وتتدفق عطفاً ورقة ‪ ،‬فبنّي ألبيه أن ما يعبده فاقد‬
‫ألوصاف الربوبية من السمع والبصر فضالً عن اخللق فكيف يضر أو ينفع مث أردف ذلك ببيان ما قد‬
‫أوتيه من علم وحكمة وأن دعوته فد بنيت عليهما ففى اتباعه سلوك الصراط السوي ‪ ،‬مث حذره من‬
‫عدو البشرية الذي تلبس مبعصية الرمحن فهو جدير بأن يتخذ عدواً وأن ال يطاع بل يعصى ‪ ،‬مث‬
‫أعلمه بشدة خوفه عليه من أن ميسه جمرد مس عذاب من الرمحن فيكون ولياً للشيطان ‪ ،‬وأمام هذه‬
‫الدعوة احلانية الرفيقة املتزنة نسمع عبارات األب الفجة الغليظة اليت متثل صورة التقليد األعمى‬
‫وإغالق القلب عن النظر والتأمل ‪ ،‬ومع ذلك كله فإن االبن البار مل يواجه تلك السيئة إال باليت هي‬
‫أحسن (سالم عليك) كحال عباد الرمحن الذين إذا خاطبهم اجلاهلون قالوا‪( :‬سالماً) بل وعد‬
‫باالستغفار ألبيه ‪ ،‬وذلك قبل أن يتبني له أنه عدو هلل (( َفلَ َّما َتَبنَّي َ لَهُ َأنَّهُ َع ُد ٌّو لِّلَّ ِه َتَبَّرَأ ِمْنهُ)) مث قرر‬
‫اعتزاله لرياجع األب نفسه‪ ،‬ولينأى إبراهيم بنفسه عن الشر ومواطنه‪ ،‬وكانت رمحة اهلل إلبراهيم أن‬
‫عوضه بأبناء صاحلني بررة عن أولئك القوم الفجرة‪.‬‬
‫املرحلة الثانية ‪:‬‬
‫دعوته لقومه‪ S.‬بعد أن دعا إبراهيم أباه لقربه توجه بالدعوة إىل قومه ‪ ،‬وكانوا فيما قبل قسمان ‪،‬‬
‫منهم من يعبد األصنام ‪ ،‬ومنهم من يعبد الكواكب ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إهنم كانوا يعبدون الكواكب ويصورون‬
‫أصناماً على صورها يعبدوهنا ويعكفون عليها ‪ ،‬وعلى أي ‪ ،‬فقد أبطل كال املعبودين باألدلة القطعية‬
‫وبني وهاء ما هم عليه من العبادة ‪ ،‬وبدأهم بالدعوة إىل توحيد اهلل بالعبادة وتقواه وبني هلم أن ما‬
‫يعبدون ما هو إال إفك مفرتى ‪ ،‬وأهنا ال متلك هلم رزقاً فليعبدوا من ميلك رزقهم ‪ ،‬مث أخربهم بأنه‬
‫مبلغ ال يستطيع هدايتهم إال بإذن اهلل ‪ ،‬ولفت أنظارهم إىل أن مصريهم إن مل يستجيبوا للدعوة مصري‬
‫أمثاهلم فقد سبقهم على ذلك أمم وحلقهم من رهبم من النكال والعذاب ما ال خيفي عليهم ‪ ،‬قال‬
‫وات ُقوهُ َذلِ ُك ْم َخْيٌر لَّ ُك ْم إن ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن * إمَّنَا َت ْعبُ ُدو َن ِمن‬ ‫يم إ ْذ قَ َال لَِق ْو ِم ِه ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َّ‬ ‫ِ‬
‫((وإبَراه َ‬
‫تعاىل ْ‬
‫ون اللَّ ِه ال مَيْلِ ُكو َن لَ ُك ْم ِر ْزقاً فَ ْابَتغُوا ِع َ‬
‫ند اللَّ ِه‬ ‫إن الَ ِذين َتعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫ُدون اللَّه َْأوثَاناً وخَت ْلُ ُقو َن إفْكاً َّ َ ْ ُ‬
‫ِ ِ‬
‫الرس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول‬ ‫وما َعلَى َّ ُ‬ ‫ب َُأم ٌم ِّمن َقْبل ُك ْم َ‬ ‫واعبُ ُدوهُ وا ْش ُكُروا لَهُ إلَْيه ُت ْر َجعُو َن * وإن تُ َك ِّذبُوا َف َق ْد َك َّذ َ‬ ‫الر ْز َق ْ‬‫ِّ‬
‫ني))[العنكبوت‪. ]18-16:‬‬ ‫إالَّ البَالغُ املُبِ ُ‬
‫‪ -‬ولقد سلك إبراهيم يف إقناع قومه مسلك املساءلة عن جدوى أصنامهم ‪ ،‬هل تنفع أو تضر أو‬
‫يم * إ ْذ قَ َال َألبِ ِيه و َق ْو ِم ِه َما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تسمع الدعاء ‪ ،‬فما وجد إال التبعية العمياء ((واتْ ُل َعلَْيه ْم َنبََأ ْإبَراه َ‬
‫ني * قَ َال َه ْل يَ ْس َمعُونَ ُك ْم إ ْذ تَ ْدعُو َن * َْأو يَن َفعُونَ ُك ْم َْأو‬ ‫ِِ‬
‫َأصنَاماً َفنَظَ ُّل هَلَا َعاكف َ‬ ‫َت ْعبُ ُدو َن * قَالُوا َن ْعبُ ُد ْ‬
‫ك َي ْف َعلُو َن)) فما كان من إبراهيم إال أن أعلن الرباءة مما هم‬ ‫ِ‬
‫وج ْدنَا آبَاءَنَا َك َذل َ‬ ‫ضُّرو َن * قَالُوا بَ ْل َ‬ ‫يَ ُ‬
‫عليه‪ ،‬وأوضح سبب ذلك وسبب قصره العبادة على اهلل ((قَ َال َأَفَر َْأيتُم َّما ُكنتُ ْم َت ْعبُ ُدو َن * َأنتُ ْم‬

‫‪626‬‬
‫ني * الَ ِذي َخلَ َقيِن َف ُه َو َي ْه ِدي ِن * والَّ ِذي ُه َو‬ ‫ب ِ‬
‫وآبَاُؤ ُك ُم اَألقْ َد ُمو َن * فَإن َُّه ْم َع ُد ٌّو يِّل إالَّ َر َّ َ‬
‫العالَم َ‬
‫ني… اآليات)) [الشعراء‪.]80- 69:‬‬ ‫ت َف ُهو يَ ْش ِف ِ‬ ‫ني * وإ َذا َم ِر ْ‬ ‫يُطْعِميِن ويَس ِق ِ‬
‫ض ُ‪َ S‬‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬وبدأ القوم يراوغون فيما عرضه عليهم إبراهيم إال أنه ما كان من إبراهيم إال إعالن النكري ‪ ،‬وبيان‬
‫احلق فعالً ال قوالً فحسب ودخل هبذا مرحلة خطرة من مراحل إقناع القوم بعدم جدوى أصنامهم‬
‫ني * إ ْذ قَ َال َألبِ ِيه و َق ْو ِم ِه َما‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ُر ْش َدهُ من َقْب ُل و ُكنَّا بِه َعالم َ‬ ‫ويف هذا يقول اهلل تعاىل ((ولََق ْد آ َتْينَا ْإبَراه َ‬
‫وج ْدنَا آبَاءنَا هَلَا َعابِ ِدين * قَ َال لََق ْد ُكنتُ ْم َأنتُ ْم وآبَاُؤ ُك ْم يِف‬ ‫ِ‬
‫يل الَيِت َأنتُ ْم هَلَا َعاك ُفو َن * قَالُوا َ‬
‫ه ِذ ِه الت ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّماث ُ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ض الَذي‬ ‫واَألر ِ‬
‫الس َم َوات ْ‬ ‫ب َّ‬ ‫ني * قَ َال بَل َّربُّ ُك ْم َر ُّ‬ ‫َأنت م َن الالَّعبِ َ‬ ‫ني * قَالُوا َأجْئَتنَا بِاحْلَ ِّق َْأم َ‬ ‫ضالل ُّمبِ ٍ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ين))[لألنبياء‪ ]56-51:‬ومل يكتف القوم هبذه املراوغة مع إبراهيم‬ ‫فَطََر ُه َّن وَأنَا َعلَى َذل ُكم ِّم َن الشَّاهد َ‬
‫بل دعوه للخروج معهم إيل عيد من أعيادهم ولكنه اعتذر عن اخلروج بتورية (( َفنَظَر نَظْر ًة يِف‬
‫َ َ‬
‫وم * َف َق َال إيِّن س ِقيم * َفَتولَّوا عْنه م ْدبِ ِرين))[الصافات‪ ]90-88:‬وقال عند ذلك ((وتَاللَّهِ‬ ‫النُّج ِ‬
‫َ ٌ َْ َُُ َ‬ ‫ُ‬
‫ين)) فسمعها بعض القوم ‪ ،‬وبادر إبراهيم ((فَ َج َعلَ ُه ْم ُج َذاذاً إالَّ‬ ‫ُّ ِ‬
‫َأصنَ َام ُكم َب ْع َد َأن ُت َولوا ُم ْدب ِر َ‬ ‫يد َّن ْ‬ ‫َألكِ َ‬
‫ني * قَالُوا مَسِ ْعنَا َفىًت يَ ْذ ُكُر ُه ْم‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫هِل ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َكبِرياً هَّلُ ْم لَ َعلَّ ُه ْم إلَْيه َيْرجعُو َن * قَالُوا َمن َف َع َل َه َذا بِآ َتنَا إنَّهُ لَم َن الظَّالم َ‬
‫ت َه َذا بِآهِلَتِنَا يَا‬ ‫َأعنُي ِ الن ِ‬
‫َّاس لَ َعلَّ ُه ْم يَ ْش َه ُدو َن * قَالُوا َأ َ‬
‫َأنت َف َع ْل َ‬ ‫يم * قَالُوا فَْأتُوا بِِه َعلَى ْ‬
‫ِ‬
‫ال لَهُ ْإبَراه ُ‬ ‫يُ َق ُ‬
‫نط ُقو َن * َفَر َجعُوا إىَل َأن ُف ِس ِه ْم َف َقالُوا إنَّ ُك ْم‬ ‫إبر ِاهيم * قَ َال بل َفعلَه َكبِريهم ه َذا فَاسَألُوهم إن َكانُوا ي ِ‬
‫َ‬ ‫ْ ُْ‬ ‫َ ْ َ ُ ُُ ْ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫الء ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نط ُقو َن))‪ S‬لقد ورطهم إبراهيم يف هذه‬ ‫ت َما هَُؤ َ‬ ‫َأنتُ ُم الظَّال ُمو َن * مُثَّ نُك ُسوا َعلَى ُرءُوس ِه ْم لََق ْد َعل ْم َ‬
‫اإلجابة وهذا ما كان يريده ليندفع بكل قوة خماطبا عقوهلم إن كانت هلم عقول ‪ S((:‬قَ َال َأَفَت ْعبُ ُدو َن‬
‫ون اللَّ ِه َأفَال َت ْع ِقلُو َن))‬ ‫ُأف لَّ ُكم ولِما َتعب ُدو َن ِمن د ِ‬ ‫ون اللَّه َما ال يَن َفعُ ُك ْم َشْيئاً وال يَ ُ‬
‫ِمن د ِ ِ‬
‫ُ‬ ‫ضُّر ُك ْم * ٍّ ْ َ ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫وانصُروا آهِل تَ ُك ْم إن ُكنتُ ْم‬ ‫وهنا مل جيد القوم بدا من تدبري املؤامرة عليه والتخلص منه ((قَالُوا َحِّرقُوهُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫ين))‬ ‫اَألخ َس ِر َ‬
‫اه ُم ْ‬ ‫وَأر ُادوا بِه َكْيداً فَ َج َع ْلنَ ُ‬
‫يم * َ‬ ‫وسالماً َعلَى ْإبَراه َ‬ ‫ني * ُقْلنَا يَا نَ ُار ُكويِن َبْرداً َ‬ ‫فَاعل َ‬
‫[األنبياء‪.]70-51:‬‬
‫أما عبادهتم للكواكب فقد سلك يف دحض تعلقهم هبا سبيل املناظرة وذلك فيما حكاه اهلل عنهم يف‬
‫سورة األنعام ‪ ،‬وسيأيت إن شاء اهلل تفصيل ذلك يف رسائل إبراهيم العملية‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة ‪:‬‬
‫دعوته للملك‪ ،‬حني ناظره يف ربه وذلك فيما حكاه اهلل تعاىل عنهم يف سورة البقرة فقال‪َ(( :‬أمَلْ َتَر‬
‫ِ‬ ‫اج ْإبَر ِاه‬‫إىَل الَ ِذي َح َّ‬
‫يم‪ S))...:‬وتفصيل ما وقع فيها آت بإذن‬ ‫ك إ ْذ قَ َال ْإبَراه ُ‬ ‫يم يِف َربِِّه َأ ْن آتَاهُ اللَّهُ امل ْل َ‬‫َ‬
‫ُ‬
‫اهلل يف الوسائل ‪ ،‬وهذه املناظرة كانت فيما يظهر بعد جناة اخلليل من النار كما ذكره السدي ويدل‬
‫عليه‪ :‬أن العادة جارية بأن األنبياء يبدأون بتكوين قاعدة شعبية حىت يكون للدعوة ثقل مث يلتفتون إىل‬
‫القيادة ليدعوها ‪ ،‬وأيضاً ‪ ،‬فمن عادة خصوم الدعوة مالحقة الداعية وإحراجه ليفضح أمام الناس‬
‫خصوصاً وأن إبراهيم بعد جناته من النار مبعجزة التفتت إليه األنظار وتعجب الناس من ربه الذي جناه‬

‫‪627‬‬
‫فبادر امللك إىل مناظرته ليوقعه يف احلرج ظنا منه أن إبراهيم قد ينهزم يف املناظرة ‪ ،‬وما علم أنه املؤيد‬
‫من عند اهلل وهو سيد املناظرين ‪ ،‬ومنظرهم األكرب ‪ ،‬واجملادل عن حوزة التوحيد ومحى امللة بكل‬
‫ألوان اجلدل‪.‬‬
‫‪ -‬وال نستطيع اجلزم بأن هذه املناظرة كانت بعد النجاة لكنه الذي يظهر من خالل ما تقدم من‬
‫األدلة واهلل أعلم‪.‬‬
‫أساليب إبراهيم يف الدعوة‬
‫أوالً ‪ :‬األساليب النظرية‬
‫‪ - 1‬تقرير توحيد األلوهية ببيان دالئل الربوبية ‪:‬‬
‫ت‬‫((وما َخلَ ْق ُ‬
‫مجيع دعوات الرسل قائمة على تقرير توحيد األلوهية الذي من أجله خلق اهلل الثقلني َ‬
‫ون)) ‪ ،‬وهو الذي اختلف الناس فيه ‪ ،‬ووقع لديهم بسببه زيغ عظيم ‪ ،‬ولذلك‬ ‫اجلِ َّن واإلنس إالَّ لِيعب ُد ِ‬
‫َ َ ُْ‬
‫واجتَنِبُوا‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫أخربنا اهلل عن هدف بعث الرسل بقوله ((ولََق ْد َب َع ْثنَا يِف ُك ِّل َُّأمة َّر ُسوالً َأن ْاعبُ ُدوا اللَّهَ ْ‬
‫وت))‪S.‬‬ ‫الطَّاغُ َ‬
‫أما توحيد الربوبية ‪ :‬فأكثر الناس متفقون عليه ‪ ،‬وهو اإلقرار هلل باخللق والتدبري وامللك ((ولَِئن‬
‫ض لََي ُقولُ َّن اللَّهُ)) وتوحيد الربوبية مستلزم لتوحيد األلوهية ‪ ،‬فالذي‬ ‫سَألَْتهم َّمن خلَق َّ ِ‬
‫واَألر َ‬
‫الس َم َوات ْ‬ ‫َ ُ ْ َ َ‬
‫يستحق العبادة وحده هو الذي خيلق ويرزق ‪ ،‬وحيي ومييت ‪ ،‬وينفع ويدفع ‪ ،‬وميلك ويدبر ‪ ،‬وقد بنّي‬
‫وات ُقوهُ َذلِ ُك ْم َخْيٌر لَّ ُك ْم إن‬ ‫األنبياء ألقوامهم هذا أمت بيان ‪ ،‬ومنهم إبراهيم ((إ ْذ قَ َال لَِق ْو ِم ِه ْاعبُ ُدوا اللَّهَ َّ‬
‫إن الَ ِذين َتعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ون اللَّ ِه ال‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُكنتُ ْم َت ْعلَ ُمو َن * إمَّنَا َت ْعبُ ُدو َن من ُدون اللَّه َْأوثَاناً وخَت ْلُ ُقو َن إفْكاً َّ َ ْ ُ‬
‫واعبُ ُدوهُ وا ْش ُكُروا لَهُ إلَْي ِه ُتْر َجعُو َن)) فبني أن اهلل هو الرزاق‬ ‫الر ْز َق ْ‬ ‫مَيْلِ ُكو َن لَ ُك ْم ِر ْزقاً فَ ْابَتغُوا ِع َ‬
‫ند اللَّ ِه ِّ‬
‫‪ ،‬فهو إذن املستحق للعبادة دون سواه ممن ال ميلكون ألنفسهم ‪ -‬فضالً عن غريهم ‪ -‬رزقاً وال نفعاً‬
‫ب‬ ‫وال ضراً‪ ،‬وقال‪َ(( :‬أَفَر َْأيتُم َّما ُكنتُ ْم َت ْعبُ ُدو َن * َأنتُ ْم وآبَاُؤ ُك ُم اَألقْ َد ُمو َن * فَإن َُّه ْم َع ُد ٌّو يِّل إالَّ َر َّ‬
‫ني *‬ ‫ت َف ُهو يَ ْش ِف ِ‬ ‫ني * وإ َذا َم ِر ْ‬ ‫ني * الَ ِذي َخلَ َقيِن َف ُهو َي ْه ِدي ِن * والَّ ِذي ُهو يُطْعِميِن ويَس ِق ِ‬ ‫ِ‬
‫ضُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫العالَم َ‬
‫َ‬
‫ني‪ ))...‬وأمثلة ذلك كثرية‪.‬‬ ‫والَّ ِذي مُيِيتُيِن مُثَّ حُيْيِ ِ‬
‫‪ - 2‬التصريح بقصد النصيحة وأنه ال هدف للداعي إال نفع املدعوين وأنه ال يريد على ذلك حظا‬
‫من الدنيا ‪:‬‬
‫إن إعالن الداعية عن هذا للمدعوين من شأنه أن يلني قلوهبم ‪ ،‬ويدعوهم إىل تأمل ما يُدعون إليه ‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ي إالَّ َعلَى‬ ‫َأج ِر َ‬
‫َأسَألُ ُك ْم َعلَْيه َماالً إ ْن ْ‬ ‫ولقد درج على ذلك األنبياء مجيعاً ‪ ،‬فقال نوح ‪(( :‬ويَا َق ْوم ال ْ‬
‫ي إالَّ َعلَى الَ ِذي فَطََريِن )) ويف سورة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َأج ِر َ‬
‫َأجراً إ ْن ْ‬ ‫اللَّه‪ S))..‬وقال هود‪(( :‬يَا َق ْوم ال ْ‬
‫َأسَألُ ُك ْم َعلَْيه ْ‬
‫ب ِ‬ ‫ِِ‬
‫ني)) ذكرها عن نوح‬ ‫العالَم َ‬ ‫ي إالَّ َعلَى َر ِّ َ‬ ‫َأج ِر َ‬
‫َأج ٍر إ ْن ْ‬
‫َأسَألُ ُك ْم َعلَْيه م ْن ْ‬ ‫‪((:‬وما ْ‬‫الشعراء ذكر اهلل َ‬

‫‪628‬‬
‫ي إالَّ‬ ‫َأج ِر َ‬ ‫َأج ٍر َف ُه َو لَ ُك ْم إ ْن ْ‬
‫وهود وصاحل ولوط وشعيب ‪ ،‬وقال حممد ‪((:-  -‬قُ ْل َما َسَألْتُ ُكم ِّم ْن ْ‬
‫َعلَى اهلل َو ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َش ِهي ٌد)) ‪.‬‬
‫اب ِّم َن الرَّمْح َ ِن َفتَ ُكو َن‬ ‫ِ‬
‫ك َع َذ ٌ‬ ‫اف َأن مَيَ َّس َ‬ ‫َأخ ُ‬ ‫وحكى اهلل عن إبراهيم أنه قال ألبيه ‪((:‬يَا َأبَت إيِّن َ‬
‫ان ولِياً)) فهو ال يريد شيئاً من أبيه ‪ ،‬وإمنا خياف عليه من عذاب الرمحن‪ ،‬فيكون ولياً للشيطان‬ ‫لِلشَّيطَ ِ‬
‫ْ‬
‫‪ ،‬وتأمل يف العبارات اليت نطق هبا إبراهيم ‪( :‬أخاف) و(ميسك) و(عذاب من الرمحن) تُلفها تعرب‬
‫بصدق عما يكنه إبراهيم ألبيه‪.‬‬
‫‪ - 3‬الدعوة باحلكمة واملوعظة احلسنة ‪:‬‬
‫وقد جاءت جلية يف دعوته ألبيه وخطابه الرقيق احلاين املتدفق ليناً ‪ -‬وعطفاً ولطفاً ‪ ،‬اتباعاً للحكمة‬
‫اليت تقرب املدعو من الدعوة وتلني قلبه لالستجابة‪.‬‬
‫‪ - 4‬التشنيع على املعبودات الباطلة وعابديها ‪:‬‬
‫ملا بني إبراهيم لقومه دعوته ‪ ،‬وأالن هلم اخلطاب ‪ ،‬لعنهم يستجيبون ‪ ،‬وما زادهم ذلك إال التمادي‬
‫‪((:‬ما‪S‬‬
‫يف باطلهم ‪ ،‬فما كان من إبراهيم إال أن أظهر هتافت معبوداهتم وأحنق النكري عليهم ‪ ،‬فقال َ‬
‫يل الَيِت َأنتُ ْم هَلَا َعاكِ ُفو َن)) فسماها متاثيل ومل ينعتها بوصف (األلوهية)‪ ،‬وملا ظهر له أهنم ال‬ ‫ه ِذ ِه الت ِ‬
‫َّماث ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ني)) وزاد‬ ‫ض ٍ‬
‫الل ُّمبِ ٍ‬ ‫يعتمدون فيما فعلوا على حجة وبرهان قال هلم‪(( :‬لََق ْد ُكنتُ ْم َأنتُ ْم وآبَاُؤ ُك ْم يِف َ‬
‫ون اللَّ ِه َأفَال َت ْع ِقلُو َن)) ولقد برهن هلم على سفههم ما سوغ يف‬ ‫‪ُ((:‬أف لَّ ُكم ولِما َتعب ُدو َن ِمن د ِ‬
‫ُ‬ ‫ٍّ ْ َ ْ ُ‬ ‫فقال‬
‫ضُّرو َن))‪ S‬فإن أقل ما‬ ‫((ه ْل يَ ْس َمعُونَ ُك ْم إ ْذ تَ ْدعُو َن * َْأو يَن َفعُونَ ُك ْم َْأو يَ ُ‬
‫هتكمه بتصرفاهتم حيث سأهلم‪َ :‬‬
‫يقال يف هؤالء املعبودين أهنم ال يسمعون كعابدين فكيف جيلبون هلم نفعاً أو يدفعون عنهم ضراً؟‬
‫‪ - 5‬التذكري بنعم اهلل على عباده ‪:‬‬
‫عىن الدعاة إىل اهلل بتذكري اخللق إحسان اهلل إليهم‬ ‫جبلت النفوس على حب من أحسن إليها ولذلك َ‬
‫ليكون ذلك أدعى إىل قبول الدعوة فهذا هود يقول ‪ S((:‬واذْ ُكُروا إ ْذ َج َعلَ ُك ْم ُخلَ َفاءَ ِم ْن َب ْع ِد َق ْوِم نُ ٍ‬
‫وح‬
‫صطَةً فَاذْ ُكُروا آالءَ اللَّ ِه لَ َعلَّ ُك ْم ُت ْفلِ ُحو َن))‪ .‬وقال صاحل ‪ S((:‬واذْ ُكُروا إ ْذ َج َعلَ ُك ْم‬ ‫وزا َد ُك ْم يِف اخلَْل ِق بَ ْ‬‫َ‬
‫صوراً وَتْن ِحتُو َن اجلِبَ َال بُيُوتاً فَاذْ ُكُروا‬ ‫هِل‬ ‫ِ‬ ‫خلَ َفاء ِمن بع ِد ع ٍاد وب َّوَأ ُكم يِف اَألر ِ ِ‬
‫ض َتتَّخ ُذو َن من ُس ُهو َا قُ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ ْ َْ َ َ ْ‬
‫ين)) وأما إبراهيم فقال ‪َ S((:‬أَفَر َْأيتُم َّما ُكنتُ ْم َت ْعبُ ُدو َن * َأنتُ ْم‬ ‫آالء اللَّ ِه وال َتعثوا يِف اَألر ِ ِ ِ‬
‫ض ُم ْفسد َ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫َ‬
‫ني * الَ ِذي َخلَ َقيِن َف ُه َو َي ْه ِدي ِن * والَّ ِذي ُه َو‬ ‫ب ِ‬
‫وآبَاُؤ ُك ُم اَألقْ َد ُمو َن * فَإن َُّه ْم َع ُد ٌّو يِّل إالَّ َر َّ َ‬
‫العالَم َ‬
‫ني * والَّ ِذي َأطْ َم ُع َأن َي ْغ ِفَر يِل‬ ‫ني * والَّ ِذي مُيِيتُيِن مُثَّ حُيْيِ ِ‬
‫ت َف ُهو يَ ْش ِف ِ‬
‫ض ُ‪َ S‬‬ ‫ني * وإذَا َم ِر ْ‬ ‫يُطْعِميِن ويَس ِق ِ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬
‫َخ ِطيَئيِت َي ْو َم الدِّي ِن))‬
‫‪ - 6‬التذكري بأيّام اهلل ‪:‬‬
‫ما من أمة خَت ْلف يف األرض إال وتنظر يف أحوال من سلف من األمم تتبع مواطن العربة فيها‪ ،‬فتستفيد‬
‫من اإلجيابيات ‪ ،‬وحتذر من السلبيات ‪ ،‬وكان أنبياء اهلل يذكرون أممهم بأحوال الغابرين ممن كذبوا أو‬

‫‪629‬‬
‫آمنوا ‪ ،‬فيذكروهنم بعاقبتهم ‪ ،‬وينذروهنم أن حيل هبم ما حل مبن كفر من أمم األرض‪ ،‬لعلهم يتعظون‬
‫الرس ِ‬ ‫ِ‬
‫ول إالَّ‬ ‫وما َعلَى َّ ُ‬ ‫ب َُأم ٌم ِّمن َقْبل ُك ْم َ‬ ‫أو يرتدعون‪ ،‬ولذا قال إبراهيم لقومه ‪ ((:‬وإن تُ َك ِّذبُوا َف َق ْد َك َّذ َ‬
‫أمم أنبياءهم فحل هبم ما تعلمون من العذاب ‪ ،‬فإن فعلتم عوقبتم مبثل‬ ‫ني)) أي فقد كذبت ٌ‬ ‫البَالغُ املُبِ ُ‬
‫عقاهبم‪ ،‬وما على الرسول إال البالغ املبني‪.‬‬
‫‪ - 7‬املناظرة والتدرج يف إفحام اخلصم ‪:‬‬
‫قال ابن القيم يف مناظرات إبراهيم ‪» :‬وهو الذي فتح لألمة باب مناظرة املشركني وأهل الباطل ‪،‬‬
‫وكسر حججهم ‪ ،‬وقد ذكر اهلل مناظرته يف القرآن مع إمام املعطلني ‪ ،‬ومناظرته مع قومه املشركني ‪،‬‬
‫وكسر حجج الطائفتني بأحسن مناظرة ‪ ،‬وأقرهبا إىل الفهم وحصول العلم(‪» )1‬وسنذكر هنا‬
‫مناظرتني وقعتا إلبراهيم‪ ،‬وذكرمها القرآن الكرمي ‪:‬‬
‫َأصنَاماً آهِلَةً إيِّن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم َألبِيه َآز َر َأَتتَّخ ُذ ْ‬
‫ِ‬
‫‪ -‬األوىل ‪ :‬مناظرته لعبدة النجوم قال اهلل تعاىل ((وإ ْذ قَ َال ْإبَراه ُ‬
‫ض ولِيَ ُكو َن ِم َن‬ ‫واَألر ِ‬ ‫ني * و َك َذلِك نُِري إبر ِاهيم ملَ ُكوت َّ ِ‬
‫الس َم َوات ْ‬ ‫َْ َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ض ٍ‬
‫الل ُّمبِ ٍ‬ ‫ك يِف َ‬ ‫ََأر َاك و َق ْو َم َ‬
‫ني * َفلَ َّما َرَأى‬ ‫ُأح ُّ ِِ‬ ‫املوقِنِني * َفلَ َّما ج َّن علَي ِه اللَّيل رَأى َكو َكباً قَ َال ه َذا ريِّب َفلَ َّما َأفَل قَ َال ال ِ‬
‫ب اآلفل َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ َُْ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِئ‬
‫ني * َفلَ َّما َرَأى‬ ‫ال َق َمَر بَا ِزغاً قَ َال َه َذا َريِّب َفلَ َّما َأفَ َل قَ َال لَ ن مَّلْ َي ْهديِن َريِّب َأل ُكونَ َّن م َن ال َق ْوم الضَّالِّ َ‬
‫ت‬
‫وج ْه ُ‬ ‫ت قَ َال يَا َق ْوِم إيِّن بَِريءٌ مِّمَّا تُ ْش ِر ُكو َن * إيِّن َّ‬ ‫س بَا ِز َغةً قَ َال َه َذا َريِّب َه َذا َأ ْكَبُر َفلَ َّما َأَفلَ ْ‬‫َّم َ‬
‫الش ْ‬
‫اجويِّن يِف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫وج ِهي لِلَّ ِذي فَطَر َّ ِ‬
‫اجهُ َق ْو ُمهُ قَ َال َأحُتَ ُّ‬
‫وح َّ‬
‫ني * َ‬ ‫وما َأنَا م َن املُ ْش ِرك َ‬ ‫ض َحنيفاً َ‬ ‫واَألر َ‬
‫الس َم َوات ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬
‫ك ح َّجُتنَا آَتينَاها إبر ِاهيم علَى َقو ِم ِه َنرفَع درج ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َّشاءُ‬
‫ات َّمن ن َ‬ ‫ْ َ َْ َ َ ْ ْ ُ َ َ َ‬ ‫اللَّه وقَ ْد َه َدان‪ ...‬اآلية)) إىل قوله ((وت ْل َ ُ‬
‫إن ربَّك ح ِك ِ‬
‫يم))*‬ ‫يم َعل ٌ‬‫َّ َ َ َ ٌ‬
‫لقد عين إبراهيم وإخوانه من األنبياء بالتوحيد وإيضاحه‪،‬واالستدالل له أميا عناية‪،‬وسلك يف سبيل‬
‫بيان احلق ‪ ،‬وتزييف الباطل كل وسيلة تؤدي إىل ذلك‪ ،‬ومنها هذه املناظرة اليت قامت بينه وبني قومه‬
‫لبيان حقيقة ما هم عليه من الضالل‪.‬‬
‫فأنكر على أبيه اختاذ األصنام آهلة ‪ ،‬وملا أشرك قومه معه شدد يف إعالن النكري عليهم‪ ،‬وبني أن ما هم‬
‫فيه ما هو إال ضالل يبُني عن نفسه ‪ ،‬وذلك ليثري عواطفهم ‪ ،‬ويدفعهم إىل التفكري اجلاد العميق فيما‬
‫هم فيه ‪ ،‬وكان إبراهيم قد بصره اهلل بالدالئل الكونية الدالة على وحدانية اهلل تعاىل ‪ ،‬فآراه آياته يف‬
‫ملكوته ‪ ،‬ليعلم حقيقة التوحيد ‪ ،‬أو ليزداد علما به ‪ ،‬ويقينا إىل يقينه‪.‬‬
‫وأرشده إىل طريقة االستدالل هبا على املراد من العباد‪.‬‬
‫ودخل إبراهيم مع قومه الصابئة الذين يعبدون النجوم ‪ ،‬ويقيمون هلا اهلياكل يف األرض ‪ ،‬دخل معهم‬
‫يف مناظرة لبيان بطالن ربوبية هذه الكواكب املعبودة‪ S،‬ومل يشأ أن يقرر التوحيد مباشرة‪ .‬بل جعل‬
‫دعوى قومه موضوع حبثه ‪ ،‬وفرضها فرض املستدل ملا ال يعتقده ‪ ،‬مث كر عليها بالنقض واإلبطال ‪،‬‬
‫وكشف عن وجه احلق ‪ ،‬فحينما أظلم الليل ورأى النجم قال ‪ :‬هذا ريب فرضا وتقديرا ‪ ،‬وقال ‪ :‬أهذا‬

‫‪630‬‬
‫ريب ‪ ،‬فلما غاب عن أعينهم علم أنه مسخر ليس أمره إليه ‪ ،‬بل إىل مدبر حكيم يصرفه كيف شاء ‪،‬‬
‫مث انتقل هبم يف البحث إىل كوكب هو يف أعينهم أضوأ وأكرب من األول ‪ ،‬وهو القمر ‪ ،‬فلما رآه قال‬
‫مثل مقالته األوىل ‪ ،‬فلما ذهب عن أعينهم تبني أنه ليس بالرب الذي جيب أن تأهله القلوب‪ ،‬ويضرع‬
‫العباد إليه يف السراء والضراء ‪ ،‬مث انتقل هبم إىل معبود هلم آخر أكرب جرماً من السابقني فلما أفل‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا قوم إين بريء مما تشركون ‪ ،‬إين وجهت وجهي للذي فطر السماوات واألرض حنيفا وما أنا‬
‫من املشركني ‪ ،‬فاستدل مبا يعرض هلا من غريها على أهنا مأمورة‪ S‬مسخرة بتسخري خالقها‪.‬‬
‫لوازمها بانتقاء‬
‫فإذا كانت هذه الكواكب الثالثة يف نظرهم أرفع الكواكب السيارة وأنفعها قد قضت ُ‬
‫مسات الربوبية واأللوهية عنها ‪ ،‬وأحالت أن تستوجب لنفسها حقاً يف العبادة فما سواها من‬
‫الكواكب أبعد من أن يكون هلا حظ ما يف الربوبية أو األلوهية ‪ ،‬ولذا أعلن إبراهيم يف ختام مناظرته‬
‫براءته مما يزعمون من الشركاء ‪ ،‬وأسلم وجهه لفاطر السماوات واألرض ومبدعهما ‪ ،‬دون شريك‬
‫وضمن إعالن النتيجة االستدالل بتوحيد الربوبية على توحيد األلوهية ‪ ،‬وهذا هو معىن (ال‬ ‫أو ظهري ‪َّ ،‬‬
‫إله إال اهلل) فإن ما فيه من الرباءة من الشركاء نظري نفي األهلية احلقة عن الشركاء يف كلمة التوحيد ‪،‬‬
‫سن للدعاة إىل اهلل أسلوبا متميزا يف دعوة املنحرفني ‪ ،‬وذلك بالتنزل معهم‬ ‫وهبذا يكون إبراهيم قد َّ‬
‫بالتسليم بأباطيلهم فرضاً ‪ ،‬مث يرتب عليها لوازمها الباطلة ‪ ،‬وآثارها الفاسدة ‪ ،‬مث يكر عليها بالنقض‬
‫واإلبطال ‪ ،‬فإن الدعوة إىل احلق ‪ -‬كما تكون بتزيينه ‪ ،‬وذكر حماسنه ‪ -‬تكون بتشويه الباطل ‪،‬‬
‫وذكر مساويه وخمازيه (بتصرف من مقالة الشيخ عبد الرازق عفيفي يف جملة التوعية اإلسالمية عدد ‪6‬‬
‫‪.)7 ،‬‬
‫وقد اختلف املفسرون هل كان إبراهيم ناظراً أو كان منظراً * [ والصحيح أن إبراهيم يف هذا املوطن‬
‫كان مناظرا لقومه ال ناظرا بنفسه ويدل على ذلك‪:‬‬
‫يم ُر ْش َدهُ ِمن َقْب ُل)) واملراد بال َقْبلية ما كان قبل النبوة على‬ ‫ِ‬
‫أ ‪ -‬قوله تعاىل‪(( :‬ولََق ْد آَتْينَا ْإبَراه َ‬
‫الصحيح‪ ،‬وأي رشد آتاه اهلل إبراهيم إن مل يكن موحداً مؤمنا باهلل‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني)) يقتضي نفي الشرك عن إبراهيم يف كل مراحل عمره‬ ‫((وما َكا َن م َن املُ ْش ِرك َ‬
‫ب ‪ -‬قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫السابقة‪.‬‬
‫جـ ‪ -‬أن اهلل ذكر هذه احلادثة بعد إنكاره على أبيه وقومه ‪ ،‬مما يدل على املناظرة‪.‬‬
‫د ‪ -‬أن اهلل تعاىل ذكر القصة بعد أن ذكر منته على إبراهيم برؤية ملكوت السماوات واألرض‬
‫ليكون من املؤمنني ‪ ،‬ولذلك ذكر الفاء التعقيبية (( َفلَ َّما َج َّن َعلَْي ِه اللَّْي ُل))‪.‬‬
‫اجهُ َق ْو ُمهُ))‪ S‬مما يدل على قيام املناظرة بينه وبينهم‪.‬‬ ‫((وح َّ‬
‫ر ‪ -‬أن اهلل ذكر فيها َ‬
‫يم َعلَى َق ْو ِم ِه)) فقال (على قومه) ومل‬ ‫ِ‬
‫اها ْإبَراه َ‬ ‫ك ُح َّجُتنَا آ َتْينَ َ‬‫و ‪ -‬أن اهلل تعاىل ذكر يف خامتتها ((وتِْل َ‬
‫يقل (على نفسه)‪ S.‬وهبذا القول قال كثري من علماء السلف واخللف وهو الذي تدل عليه األدلة‪.‬‬

‫‪631‬‬
‫ك إ ْذ‬‫يم يِف َربِِّه َأ ْن آتَاهُ اللَّهُ امل ْل َ‬
‫َ‬ ‫اج ْإبَر ِاه‬
‫الثانية ‪ :‬مناظرته للملك يف قوله تعاىل _((َأمَلْ َتَر إىَل الَ ِذي َح َّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س ِم َن‬ ‫َّم ِ‬ ‫ِ‬
‫إن اللَّهَ يَْأيِت بالش ْ‬ ‫يم فَ َّ‬‫يت قَ َال ْإبَراه ُ‬
‫ِ‬
‫ُأحيِي وُأم ُ‬ ‫يت قَ َال َأنَا ْ‬
‫ِ‬
‫يم َريِّبَ الَذي حُيْيِي ومُي ُ‬
‫قَ َال ْإبَراه ُ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ب َفب ِه ِ‬ ‫ِ ِ هِب ِ‬
‫ني))[البقرة‪.]258S:‬‬ ‫ت الَذي َك َفَر واللَّهُ ال َي ْهدي ال َق ْو َم الظَّالم َ‬‫املَ ْش ِرق فَْأت َا م َن املَْغ ِر ِ ُ َ‬
‫امللك إبراهيم يف ربه ‪ ،‬ويف ذكر الرب وإضافته إىل الضمري العائد على إبراهيم تشريف‬ ‫لقد جادل ُ‬
‫إلبراهيم وإشعار بأن اهلل سيتواله وينصره‪.‬‬
‫وملاذا جيادله؟ ألن اهلل آتاه امللك ‪ ،‬فحمله كربه وبطره على طلب املخاصمة ‪ ،‬ومل يكن بسبب إيثاره‬
‫احلق وطلبه له‪.‬‬
‫وكان امللك قد طلب من إبراهيم عليه السالم أن يقيم له الدليل على وجود الرب الذي يدعو إليه ‪،‬‬
‫فقال إبراهيم ‪» :‬ريب الذي حييي ومييت« أى أن الدليل على وجوده هو ‪ :‬هذه املعجزة املتكررة‬
‫الظاهرة املسترتة ‪ ،‬معجزة احلياة واملوت ‪ ،‬عندئذ قال امللك »أنا أحيي وأميت« فآتى برجلني استحقا‬
‫القتل فأمضيه يف أحدمها دون اآلخر ‪ ،‬فأكون قد أحييت الثاين ‪ ،‬وأمت األول ‪ ،‬وهذه مكابرة‬
‫صرحية‪ ،‬وعناد ظاهر ‪ ،‬يعلمه كل ذي عقل ‪ ،‬ولذلك ترك إبراهيم اخلوض معه يف مكابرته ‪ ،‬وجاءه‬
‫بواقعة ال حيري معها جوبا ‪ ،‬قال ‪» :‬فإن اهلل يأيت بالشمس من املشرق فأت هبا من املغرب« أي إذا‬
‫كنت قادراً على اإلحياء واإلماتة‪ ،‬ومها من صفات الرب ‪ ،‬فيلزم أن يكون مبقدورك التصرف يف‬
‫الكون ‪ ،‬وأن تأيت بالشمس من املغرب ‪ ،‬عندئذ هبت الذي كفر ‪ ،‬واهلل ال يهدي القوم الظاملني‪.‬‬
‫إن انتقال إبراهيم من دليل إىل آخر دون مناقشة إلجابة امللك الساذجة ليس عن هزمية ؛ ألن حجته‬
‫كانت قائمة ‪ ،‬إذ إبراهيم وكل عاقل يعلم أن املراد حقيقة اإلحياء واإلماتة ‪ ،‬أما ما فعله امللك فأمر‬
‫يقدر عليه كل أحد ‪ ،‬حىت إبراهيم كان ميكن أن يقول له ‪ :‬إين أردت حقيقة اإلحياء واإلماتة ‪ ،‬أما‬
‫هذا فأنا أفعل مثله ‪ ،‬ولكن إن قدرت على اإلماتة واإلحياء فأمت هذا الذي أطلقته من غري استخدام‬
‫آلة وسبب ‪ ،‬وأحي هذا الذي قتلته ‪ ،‬فيظهر به هبت اللعني ‪ ،‬إال أن القوم ملا كانوا أصحاب ظواهر ‪،‬‬
‫وكانوا ال يتأملون يف حقائق املعاين خاف إبراهيم االشتباه وااللتباس عليهم ‪ ،‬فضم إىل احلجة األوىل‬
‫حجة ظاهرة ‪ ،‬ال يكاد يقع فيها أدىن اشتباه‪.‬‬
‫وهذا االنتقال من أحسن ما يكون ‪ ،‬ألن احملاجج إذا تكلم بكالم يدق على سامعيه فهمه ‪ ،‬وجلأ‬
‫اخلصم إىل اخلداع والتلبيس جاز له أن يتحول إىل كالم يدركه السامعون ‪ ،‬وأن يأيت بأوضح مما جاء‬
‫به ‪ ،‬ليثبت ما يريد إثباته ‪ ،‬وهذا ألن احلجج مثل األنوار ‪ ،‬وضم حجة إىل حجة كضم سراج إىل‬
‫سراج ‪ ،‬وهذا ال يكون إال دليال على ضعف أحدمها أو بطالن أثره‪.‬‬
‫‪ - 9‬استثارة اخلصم ‪:‬‬
‫واملقصود‪ S‬بذلك ‪ :‬حتريك نفوس املدعوين ‪ ،‬وتنبيه عقوهلم ‪ ،‬ولفت أنظارهم إىل األمر الذي يدعوهم‬
‫إليه الداعية‪.‬‬

‫‪632‬‬
‫لقد فعل إبراهيم ذلك حني ترك كبري األصنام بال هدم (فجعلهم حطاماً إال كبرياً هلم لعلهم إليه‬
‫يرجعون) وذلك من أجل أن تدور يف أذهاهنم األسئلة التالية؟‬
‫‪ -‬من فعل هذا بآهلتنا؟‬
‫‪ -‬مِل ملْ يدافع الصنم الكبري عن صغاره؟ وهل كان ذلك عن عجز أو عدم إدراك ملا يقع حوله؟‬
‫‪ -‬مِل ملْ يوقع الصنم‪ .‬الكبري سوءاً مبن فعل ذلك ؟‬
‫مث استشارهم مرة أخرى حينما جاؤا إليه يسألونه عمن أوقع ذلك بآهلتهم فقال ‪:‬‬
‫‪ -‬بل فعله كبريهم هذا ‪ ،‬فنسكب التكسري إىل مجاد ال يتحرك ‪ ،‬ليقولوا له مباشرة ‪ :‬إنه ال يفعل‬
‫شيئاً ‪ ،‬وليقروا بضعف هذه اآلهلة‪.‬‬
‫‪ -‬ومل يكتف بذلك ‪ ،‬بل أمرهم أن يوجهوا إليها األسئلة إن أخربهم مبن أوقع هبا ذلك ‪ ،‬ولذلك‬
‫أجابوا بكل سذاجة ‪» :‬لقد علمت ما هؤالء ينطقون« وعند ذلك انطلق مبادرا »أفتعبدون من دون‬
‫اهلل ما ال ينفعكم شيئاً وال يضركم ‪ ،‬أف لكم وملا تعبدون من دون اهلل أفال تعقلون«‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬األساليب العملية ‪:‬‬
‫وهي كثرية خنتار منها ‪:‬‬
‫يم َكا َن‬ ‫‪ - 1‬القدوة ‪ :‬لقد كان إبراهيم مثاالً حيتذى يف اخلري ‪ ،‬ولذلك وصفه اهلل بقوله َّ ِ‬
‫((إن ْإبَراه َ‬
‫((وإذ ابَتلَى إبر ِاهيم ربُّه بِ َكلِم ٍ‬
‫ات فََأمَتَُّه َّن))‬ ‫َُّأمةً)) أي جامعا للخري ‪ ،‬كلفه اهلل بأمور فقام هبا خري قيام ِ‬
‫ْ َْ َ َ ُ َ‬
‫َّاس َإماماً)) فالسبب الذي أهله لإلمامة إمتامه الكلمات اليت ابتاله ربه‬ ‫ك لِلن ِ‬ ‫وكان اجلزاء ‪(( :‬إيِّن ج ِ‬
‫اعلُ َ‬ ‫َ‬
‫هبا ‪ ،‬ومن أجل ذلك ُأمر نبينا ‪ -  -‬باتباع ملته (مث أوحينا إليك ان اتبع ملة ابراهيم حنيفا) وُأمرت‬
‫هذه األمة أن تأتسي بإبراهيم ومن معه ‪ ،‬لكوهنم قدوة (قد كانت لكم أسوة حسنة يف إبراهيم‬
‫والذين معه) واألمر الذي هنينا عن اإلقتداء بإبراهيم فيه استغفاره ألبيه »إال قول إبراهيم ألبيه‬
‫ألستغفرن لك ‪ ،‬وما أملك لك من اهلل من شيء« وقد تقدم ذكر بعض من صفات هذا النيب الكرمي‬
‫وأساليبه وأعماله وما كان به قدوة للمصلحني من بعده (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إال من سفه‬
‫نفسه)‪S.‬‬
‫‪ - 2‬البداءة باألهم ‪ :‬بدأ إبراهيم بالدعوة إىل توحيد العبادة ‪ ،‬وهو أهم ما يدعي إليه ‪ ،‬وأول ما يبدأ‬
‫به (وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا اهلل واتقوه ذلكم خري لكم إن كنتم تعلمون)‪.‬‬
‫‪ - 3‬اللني والشدة ‪ :‬وهذا ظهر جليا يف دعوته ألبيه ‪ ،‬ويف دعوته لقومه ‪ ،‬فقد دعا كال منهم باللني‬
‫واالستعطاف ‪ ،‬لعل كالمه يتخلل قلوهبم ‪ ،‬ولينه يعطف أفئدهتم لقبول احلق الذي جاء به ‪ ،‬ولكن ما‬
‫ِ مِل‬
‫زادهم إال عتوا ‪ ،‬فما كان منه إال أن أغلظ هلم القول ‪ ،‬وشدد اللهجة ‪ ،‬ففي اللني قال ‪((:‬يَا َأبَت َ‬
‫يم َألبِ ِيه َآز َر‬ ‫ِ‬ ‫َتعب ُد ما ال يسمع وال يب ِ‬
‫نك َشْيئاً)) ويف الشدة قال ‪(( :‬وإ ْذ قَ َال ْإبَراه ُ‬ ‫صُر وال يُ ْغيِن َع َ‬ ‫ْ ُ َ َ ْ َ ُ ُْ‬
‫ض ٍ‬
‫الل ُّمبِ ٍ‬ ‫هِل‬ ‫ِ‬
‫ني)) ‪.‬‬ ‫ك يِف َ‬ ‫َأَتتَّخ ُذ ْ‬
‫َأصنَاماً آ َةً إيِّن ََأر َاك و َق ْو َم َ‬

‫‪633‬‬
‫‪ -4‬الرباءة واملعاداة ‪ :‬اليت تعين الرباءة من الشرك وأهله واعتزاهلم ‪ ،‬وهي أصل من أصول العقيدة‬
‫ومن مستلزمات (ال اله إال اهلل)‪ .‬قال رسول اهلل ‪» : -  -‬أوثق عرى اإلميان احلب يف اهلل والبغض‬
‫يف اهلل« ومفاصلة خصوم الدعوة ارتفاع بالنفس والعقيدة إىل املستوى الالئق هبما ‪ ،‬فال يستوي‬
‫حزب اهلل الذى كتب اهلل له العزة والكرامة وحزب الشيطان الذي كتب اهلل له الذلة واهلوان ‪ ،‬وفيها‬
‫إشعار ألولئك اخلصوم بأهنم على باطل ‪ ،‬وأن األمر ما وصل بالداعية إىل املقاطعة إال حلق يعتنقه‬
‫ويدعو إليه ‪ ،‬فيكون ذلك ردعا هلم عما هم فيه‪ .‬وفيها قطع آلمال أعداء الدعوة يف احلصول على‬
‫تنازالت من الدعاة ‪ ،‬يستدرجوهنم هبا‪.‬‬
‫وقد قال إبراهيم ألبيه حني استكنف واستكرب ‪( :‬واعتزلكم وما تدعون من دون اهلل وأدعو ريب‪S)...‬‬
‫ين‬ ‫وجعله اهلل يف براءته من املشركني قدوة ‪ ،‬فقال ‪(( :‬قَ ْد َكانَت لَ ُكم ُأسوةٌ حسنةٌ يِف إبر ِاه َّ ِ‬
‫يم والذ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ْ ْ ْ َ َ ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫مِم‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫الع َد َاوةُ‬ ‫وبْينَ ُك ُم َ‬ ‫َم َعهُ إ ْذ قَالُوا ل َق ْوم ِه ْم إنَّا بَُرآءُ من ُك ْم و َّا َت ْعبُ ُدو َن من ُدون اللَّه َك َف ْرنَا ب ُك ْم وبَ َدا َبْيَننَا َ‬
‫ك ِم َن اللَّ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ك لَ َ‬ ‫وما َْأمل ُ‬ ‫ك َ‬ ‫يم َألبِيه ْ‬
‫َألسَت ْغفَر َّن لَ َ‬ ‫وح َدهُ إالَّ َق ْو َل ْإبَراه َ‬ ‫ضاءُ َأبَداً َحىَّت ُتْؤ منُوا بِاللَّه ْ‬ ‫والَْب ْغ َ‬
‫ٍ‬
‫صريُ)) ‪ .‬وقد اشتملت هذه اآلية على أمور نوجزها‬ ‫ك امل ِ‬‫ك َأَنْبنَا وإلَْي َ‬ ‫ِمن َش ْيء َّربَّنَا َعلَْي َ‬
‫ك َت َو َّك ْلنَا وإلَْي َ‬
‫َ‬
‫فيما يلي ‪-:‬‬
‫‪ -‬أن الرباءة قائمة على اإلميان باهلل فمن كان مؤمنا باهلل أحب يف اهلل‪.‬‬
‫‪ -‬أهنا هنج األنبياء ‪ ،‬فمن أراد النجاة فليلحق بركاهبم ‪ ،‬ويسنت هبديهم‪.‬‬
‫‪ -‬أن الرباءة ليست من أشخاصهم فحسب ‪ ،‬بل ومن آهلتهم ‪ ،‬وأفكارهم ‪ ،‬ومذاهبهم‪.‬‬
‫‪ -‬أهنا مستمرة علنية ‪ ،‬وليست جمرد شعور قليب إال عند الضرورة‪.‬‬
‫‪ -‬أهنا مما اتفقت عليه الشرائع ‪ ،‬وليست هلذه األمة اخلامتة فحسب‪.‬‬
‫ك َت َو َّك ْلنَا‬‫‪ -‬أن دعامتها التوكل على اهلل والدعاء كما ذكر يف ختام اآلية ((ربنا جليك َّربَّنَا َعلَْي َ‬
‫صريُ)) ‪.‬‬ ‫ك امل ِ‬‫ك َأَنبنَا وإلَي َ‬ ‫وإلَي َ‬
‫ْ ْ ْ َ‬
‫‪ -‬أنه ال فرق يف الرباء بني قريب أو بعيد مادام قد وحد بينهم كفر أو شرك‪.‬‬
‫‪ - 5‬الدعاء والتضرع ‪ :‬وهو السالح الذي ال حيق للمؤمن أن يسري يف ركاب احلياة بدونه‪ ،‬وقد‬
‫ِ‬ ‫((إن إبر ِاه ِ‬
‫يب)) وقد تقدم معىن (األواه) ‪ ،‬ولذا تل أن‬ ‫يم ََّأواهٌ ُّمن ٌ‬ ‫امتدح اهلل خليله بدعائه فقال ‪َ َ ْ َّ :‬‬
‫يم حَلَل ٌ‬
‫((ربَّنَا‬
‫جند موطنا تذكر فيه دعوة إبراهيم إال ويذكر معها جانب من تضرعه ودعائه ومن ذلك ‪َ :‬‬
‫الس ِميع ِ‬ ‫واب َع ْ ِ ِ‬
‫َأنت‬
‫َّك َ‬ ‫ب َعلَْينَا إن َ‬ ‫يم)) ‪(( ،‬وتُ ْ‬ ‫العل ُ‬
‫َأنت َّ ُ َ‬ ‫َّك َ‬ ‫((ربَّنَا َت َقبَّ ْل ِمنَّا إن َ‬
‫ث فيه ْم َر ُسوالً ‪َ ، ))...‬‬ ‫ْ‬
‫ومن ذُِّريَّيِت َربَّنَا‬ ‫الة ِ‬ ‫الص ِ‬ ‫ِ‬ ‫الت ََّّواب َّ ِ‬
‫يم َّ‬ ‫اج َع ْليِن ُمق َ‬
‫ب ْ‬ ‫((ر ِّ‬
‫اَألصنَ َام)) ‪َ ،‬‬ ‫((واجنُْبيِن وبَيِن َّ َأن ن َّْعبُ َد ْ‬
‫ْ‬ ‫يم)) ‪،‬‬ ‫الرح ُ‬ ‫ُ‬
‫وار ُز ْق َْأهلَهُ ِم َن‬ ‫ِ‬ ‫((ربَّنَا ا ْغ ِف ْر يِل ولَِوالِ َد َّ‬ ‫ِ‬
‫اج َع ْل َه َذا َبلَداً آمناً ْ‬ ‫ب ْ‬ ‫((ر ِّ‬
‫ي ‪َ ، S))...‬‬ ‫وَت َقبَّ ْل ُد َعاء)) ‪َ ،‬‬
‫تضرع هبا إبراهيم ‪ ،‬وخلدها القرآن ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الث ََّمَرات‪ .))...‬إىل آخر ما هناك من الدعوات املباركات ‪ ،‬اليت ّ‬
‫فكان قدوة يف اللجوء إىل الدعاء‪.‬‬

‫‪634‬‬
‫‪ - 6‬حتطيمه لألصنام ‪ :‬مل يكتفي إبراهيم يف دعوته بالكلمة واحلجة اليت أبطل هبا حجج اخلصوم ‪،‬‬
‫بل عضد ذلك بعمل كبري ‪ ،‬أقدم عليه بشجاعة وعلو مهة ‪ ،‬وهو حتطيم األصنام اليت تعلق هبا قومه ‪،‬‬
‫حىت صرفهم تعلقهم هبا عن التفكري يف حقيقتها ‪ ،‬والنظر يف ماهيتها ‪ ،‬فأراد إبراهيم أن يبني عن ذلك‬
‫بالقول والفعل فكان بيانه القويل الذي شرحنا طرفا منه فيما تقدم ‪ ،‬وكان بيانه الفعلي مبا أقدم عليه‬
‫من حتطيم األصنام ‪ ،‬وجعلها جذاذاً ((إالَّ َكبِرياً هَّلُ ْم لَ َعلَّ ُه ْم إلَْي ِه َي ْر ِجعُو َن))‪ . S‬واآلية هذه تشري إىل‬
‫مدي البيان الذي أراد إبراهيم إبالغه لقومه ‪ ،‬فلم تأخذه فورة التكسري بتحطيمها كلها ‪ ،‬بل ترك‬
‫كبريها ال لعجز وال خلوف بل لعلهم إليه يرجعون ‪ ،‬فيحقق إبراهيم غرضه من هذا األسلوب‬
‫نط ُقو َن))‬ ‫ِ‬
‫الء ي ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َما هَُؤ َ‬ ‫الدعوي الرائع ‪ ،‬وفعالً لقد كان ما أراده إبراهيم حني قالوا ‪(( :‬لََق ْد َعل ْم َ‬
‫وحينها انقض عليهم كالشهاب ‪َ(( :‬أَفَتعب ُدو َن ِمن د ِ ِ‬
‫ضُّر ُك ْم * ٍّ‬
‫ُأف‬ ‫ون اللَّه َما ال يَن َفعُ ُك ْم َشْيئاً واليَ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لَّ ُك ْم ول َما َت ْعبُ ُدو َن من ُدون اللَّه َأفَال َت ْعقلُو َن)) وحتقق إلبراهيم مراده حني قالوا ‪((:‬قَالُوا َحِّرقُوهُ‬
‫ني))‪ S‬فاآلهلة حتتاج إىل من ينصرها ‪ ،‬ويدافع عنها ‪ ،‬وحتقق له كذلك‬ ‫ِِ‬ ‫هِل‬
‫وانصُروا آ تَ ُك ْم إن ُكنتُ ْم فَاعل َ‬ ‫ُ‬
‫حني (رجعوا إىل أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظاملون) ولكنه التعصب الذي ردهم على أعقاهبم ((مُثَّ‬
‫ِ‬
‫الء ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫نط ُقو َن))‪. S‬‬ ‫ت َما هَُؤ َ‬ ‫نُك ُسوا َعلَى ُرءُوس ِه ْم لََق ْد َعل ْم َ‬
‫ض الَيِت‬ ‫اَألر ِ‬
‫‪ - 7‬اهلجرة ‪ :‬ذكر اهلل تعاىل هجرة اخلليل يف ثالثة مواطن فقال ‪(( :‬وجَنَّْينَاهُ ولُوطاً إىَل ْ‬
‫ب إىَل َريِّب َسَي ْه ِدي ِن)) ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ني)) ((وقَ َال إيِّن َذاه ٌ‬
‫ِ ِ ِ‬
‫بَ َار ْكنَا ف َيها ل ْل َعالَم َ‬
‫فهو أول من هاجر هلل ‪ -‬كما ذكره بعض احملققني ‪ -‬وكانت سنة ملن بعده من األنبياء وأتباعهم ‪،‬‬
‫وممن عمل هبا حممد رسول اهلل ‪ -  -‬وصحبه ‪ ،‬فكانت هذه من مثرات تلك التجربة اإلبراهيمية‬
‫ولونا من اإلقتداء به‪.‬‬
‫إن اهلجرة أسلوب يلجأ الدعاة إليه ألن أرضهم ما عادت تقبل الكلمة الطيبة‪،‬فهم يبحثون عن أرض‬
‫طيبة حتمل دعوهتم ‪ ،‬أو ألن القوم املعرضني بدأوا يناوشون الداعية ‪ ،‬ويوصلون األذى إليه فهو يفر‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫وس َعةً)) ‪.‬‬
‫ض ُمَرا َغماً َكثرياً َ‬ ‫((ومن يُ َهاج ْر يِف َسبِ ِيل اللَّه جَي ْد يِف ْ‬
‫اَألر ِ‬ ‫بدينه من الغنت َ‬
‫ــــــــ‬

‫‪635‬‬
‫ثبت المسلمة جدارتها في ظل تحديات عصر العولمة‬
‫كيف تُ ُ‬
‫عبدالعزيز بن علي العسكر‬
‫احلمد هلل رب العاملني والعاقبة للمتقني وال عدوان إال على الظاملني‪ ،‬والصالة والسالم رسوله األمني‪،‬‬
‫ٍ‬
‫بإحسان إىل يوم الدين‪ ،‬أما بعد‪:‬‬ ‫وعلى آله وصحبه أمجعني‪ S،‬ومن تبعهم‬
‫ظ هذه األيام هجمة شرسة موجهة ضد ديننا وقيمنا وعقيدتنا‪ ،‬مستهدفةً ركيزة عزيزة من ركائز‬ ‫فنلح ُ‬
‫جمتمعنا؛ أال وهي املرأة‪ ،‬متهمني ديننا وبالدنا هبضم حقوقها‪ ،‬وحنن ال نلوم اإلعالم الغريب املتطرف يف‬
‫ذلك! بقدر ما نلوم إعالميني الذين هم من بين جلدتنا ويكتبون يف صحفنا وعرب وسائل إعالمنا‬
‫فنسمع ونقرأ لبعض املستغربني ينادون بقيادة املرأة‪ ،‬وأحياناً حبقوق املرأة ومرات بعمل املرأة‪ ،‬وكأهنم‬
‫أوصياء عليها دون نفسها!!‍‍‪ S..‬ويُظهر بعضهم حسر ًة زاعمني أن نصف اجملتمع املسلم ُمعطل ‪ ..‬فما‬
‫ِ‬
‫موقفك أيتها املسلمة من هذا وذاك؟‬
‫من املؤمل – حقاً‪ -‬أن تقف املسلمة حائرة ال تستطيع الرد على أولئك‪ ...‬وأشد منه أملاً وحسرة أن‬
‫تذوب‪ ...‬شخصيتها أمام تلكم الصيحات‪ ،‬وتنسى هويتها‪ ...‬وأشد من ذلك وقعاً أن تفقد الفتاةُ‬
‫املسلمة إمياهنا‪ ،‬وتتملص من قيمها‪ ،‬وتتنكر لثوابت إسالمها فتنساق خلف بريق أصواهتم الزائفة‪.....‬‬
‫صوروا املرأة حبيسة البيت‪ ،‬وسجاهنا األكرب الرجل!!‍‬
‫وما أحسن ما ردت به إحدى الصاحلات على من يدعو لقيادة املرأة للسيارة ‪ -‬يف صحيفة اجلزيرة ‪-‬‬
‫بقوهلا (ال جتعلوا املرأة طعماً يف سناركم)‬
‫وما أعظم ما كتبته كاتبةٌ أخرى يف صحيفة اجلزيرة –أيضاً‪ -‬قائلةً (أيها الرجال كفوا أقالمكم عنا)‬
‫وما أروع ما كتبته الكاتبة األمريكية (تانياسي هسو) يف جريدة (عرب نيوز) وترمجته جريدة‬
‫الرياض‪ ،‬ونشرته حتت عنوان (خطاب مفتوح للسعوديني) يف يوم الثالثاء ‪1426-4-30‬هـ ؛ إذ‬
‫قالت (ومل ميثِّل ارتدائي للحجاب‪ ،‬وعدم ُّ‬
‫متكين من قياديت للسيارة خالل املدة اليت قضيتها يف اململكة‬
‫سافرت حبجايب ألمريكا ألثبت هلم ذلك)‬
‫ُ‬ ‫أي مشكلة بالنسبة يل‪ ،‬بل‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫أحد أعضاء الكوجنرس األمريكي‪ ،‬بقوله ‪( :‬إن املرأة تستطيع أن‬‫ستشهد به هنا ما طالب به ُ‬
‫ُ‬ ‫ومما يُ‬
‫ختدم الدولة حقا إذا بقيت يف البيت الذي هو كيان األسرة)‬
‫وقال عضو آخر‪( :‬إن اهلل عندما منح املرأة ميزة إجناب األوالد مل يطلب منها أن ترتكهم لتعمل يف‬
‫اخلارج بل جعل مهمتها البقاء يف املنزل لرعاية هؤالء األطفال)‬
‫وقالت الدكتورة إيدايلني‪( :‬إن سبب األزمات العائلية يف أمريكا وسر كثرة اجلرائم يف اجملتمع هو أن‬
‫الزوجة تركت بيتها لتضاعف دخل األسرة فزاد الدخل واخنفض مستوى األخالق مث قالت‪ :‬إن‬
‫التجارب أثبتت أن عودة املرأة إىل البيت هو الطريق الوحيد إلنقاذ اجليل اجلديد من التدهور الذي‬
‫يسري فيه) أ‪ -‬هـ‬

‫‪636‬‬
‫وبعد فكيف جيرؤ بين جلتدتنا‪ ،‬وممن يتكلمون بلغتنا‪ ،‬وعاشوا على تراب بالدنا الطاهر‪ -‬حرسها‬
‫اهلل‪ -‬للتنكر لقيمنا ومبادئ ديننا‪ ،‬ورموا بالدنا هبضم حقوق املرأة؛ وطالبوا بإخراجها من بيتها ومن‬
‫حجاهبا‪ ،‬بدعوى اللحاق بالغرب‪ ،‬فماذا سيقولون وهذه أقوال بعض عُقالء وعاقالت الغرب!!!‪S‬‬
‫املرأة املسلمة مدرسة‬
‫ركب مبعىن األسرة احلية‪ ،‬كما أن تصورها حمالً‬ ‫جهل ُم َّ‬
‫إن تصور األم قاعد ًة يف البيت ال شغل هلا ٌ‬
‫أن املرأة لست نصف اجملتمع كما‬ ‫ضرب من السلوك املعوج ‪ .‬كما َّ‬ ‫إلجادة الطهي واخلدمة فحسب ٌ‬
‫يدندنون حوله‪ ،‬بل هي عندنا اجملتمع كله‪ ..‬فالنساء حسابياً أكثر من الرجال ‪ ،‬مث هي تلد الرجال‪...‬‬
‫األم مدرسةٌ إذا أعددهتا *** أعددت جيالً طيب ِ‬
‫اآلراق‬
‫لقد صور أعداءُ اإلسالم القضية على أن املرأة سجينة يف البيت وان سجاهنا الغليظ هو الرجل الذي‬
‫ميسك باملفتاح ويتحكم هبا كيف يشاء وحنن ‪ -‬معاشر املسلمني واملسلمات‪ -‬إننا نريد أن حنقق ما‬
‫طالبنا اإلسالم به بال غلو وال جفا‪ ،‬من إقامة أسرة مستقيمة يشرتك اجلنسان معاً يف بنائها‪ ،‬ومحل‬
‫اتب َع ُتهم‬ ‫ِ‬
‫ءامنُوا َو َ‬
‫ين َ‬‫{والذ َ‬ ‫تبعاهتا على ما يرضي اهلل ورسوله‪ ،‬ليتحقق فينا قول الباري جل وعال َ‬
‫ني } فاهلل‬ ‫ب َر َه ٌ‬ ‫مِب‬ ‫ِِ‬ ‫ميان َأحلَقنَا هِبِم ذُ َ‬
‫ريت ُهم َو َما َألَتنَ ُ‬
‫ريتهم بِِإ ٍ‬
‫اهم من َع َملهم من شيء ُكل امرئ َا َك َس َ‬ ‫ذُ ُ ُ‬
‫سبحانه وتعاىل خلق الزوجني الذكر واألنثى ‪ ،‬وبث منهما رجاال كثريا ونساء وجعل بينهما مودة‬
‫ورمحة ‪ ،‬حىت يعيش اجلنس البشرى على طهارة ونقاء ويتسلسل منه األوالد واألجيال وجعل هناك‬
‫شرعا يتبع ودينا وأحكاما وأخرب سبحانه وتعاىل جزاء اجلنسني يف الدنيا واآلخرة بقوله { َم ْن َع ِم َل‬
‫ِ‬ ‫حِل‬
‫َأجَر ُهم بِ ْ‬
‫َأح َس ِن َما َكانُواْ َي ْع َملُو َن‬ ‫صا اً ِّمن ذَ َك ٍر َْأو ُأنثَى َو ُه َو ُمْؤ م ٌن َفلَنُ ْحيَِينَّهُ َحيَا ًة طَيِّبَةً َولَنَ ْج ِز َين ُ‬
‫َّه ْم ْ‬ ‫َ‬
‫}‬
‫أمساء حُت اور احلبيب ‪‬‬
‫جاءت أمساء بنت يزيد األنصارية رضي اهلل عنها إىل رسول اهلل ‪ ‬فقالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬إن اهلل‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قواعد‬
‫مقصورات‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬ ‫حمصورات‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫النساء‬ ‫بعثك للرجال والنساء كافَّةً‪ ،‬فآمنّا بك وبإهلك‪ ،‬وإنا َ‬
‫معشر‬
‫ِ‬
‫بشهود‬ ‫ض ْلتُم‬ ‫ِ‬
‫واجلماعات‪ ،‬وفُ ِّ‬ ‫ض ْلتُم علينا باجلم ِع‬ ‫ِ‬
‫الرجال فُ ِّ‬ ‫معشر‬ ‫ِ‬ ‫بيوتِكم‪،‬‬
‫وحامالت أوالدكم‪ ،‬وإنكم َ‬ ‫ُ‬
‫الرجل منكم إذا‬ ‫َ‬ ‫اجلهاد يف سبيل اهلل‪ ،‬وإن‬ ‫ُ‬ ‫وأعظم من ذلك‬ ‫ُ‬ ‫احلج‪،‬‬
‫بعد ِّ‬ ‫باحلج َ‬ ‫ض ْلتُم علينا َّ‬ ‫اجلنائ ِز وفُ َّ‬
‫ونغزل ثيابكم‪ ،‬فهل‬ ‫ظ أموالكم‪ ،‬ونريِّب أوال َدكم‪،‬‬ ‫جلسنا يف بيوتِكم حنف ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ُ‬ ‫حلج أو عمرة أو جهاد‪ْ ،‬‬ ‫خرج ٍ‬ ‫َ‬
‫أحسن‬
‫َ‬ ‫نشار ُككْم فيما أعطاكم اهللُ من اخلرِي واألج ِر؟! فالتفت النيب ‪ ‬وقال‪[ :‬هل تعلَمون امرأةً‬
‫سؤاالً عن أمور دينِها من هذه املرأة؟!] قالوا‪ :‬يا رسول اهلل ما ظننا امرأةً تسأل سؤاهلا فقال عليه‬
‫الصالة والسالم‪[ :‬يا أمساء أفهمي عيَّن ‪ ..‬أخربي من ورائك من النساء أن حسن تبعل املرأة لزوجها‬
‫وطلبها ملرضاته‪ ،‬واتبعاها لرغباته يعدل ذلك كله] فأدبرت املرأة وهي هتلل وتكرب‪ .‬أخرجه البيهقي‪.‬‬

‫‪637‬‬
‫ولقد قامت املرأة املسلمة بدورها الريادي يف الرتبية والتوجيه‪ ،‬يف عصرنا احلاضر‪ ،‬وقبله يف سلف هذه‬
‫وحسن تربية‪ ،‬ونصح وتوجيه‪ ،‬فبيتها دار احلضانة األمسى‪ ،‬بل‬ ‫ُ‬ ‫عد حصراً‪ ،‬إميان باهلل‪،‬‬ ‫األمة أمثلةً ال تُ ُ‬
‫هو جامعةٌ يتخرج منها القادة والساسة والعلماء والوزراء واألطباء‪ ،‬واملفكرين وال ُكتاب‪ .‬ولنا أن‬
‫نتساءل من أجنبت ابن سعدي وابن إبراهيم وابن با ٍز وابن عثيمني رمحهم اهلل‪ ،‬إال النساء‪ ..‬وهاكم‬
‫أمثلةً من سلفنا الصاحل‪..‬‬
‫يقول وكيع بن اجلراح‪ :‬قالت أم سفيان احملدِّث لولدها سفيان‪ :‬اذهب فاطلب العلم حىت أعولك‬
‫مبغزيل‪ ،‬فإذا كتبت عشرة أحاديث فانظر هل جتد يف نفسك زيادة فاتبعه وإال فلتتبعين‪ .‬هذه هي أم‬
‫أمري املؤمنني يف احلديث‪.‬‬
‫عهدك بالنيب ‪ ‬؟ قال‪ :‬من ثالثة أيام‪ ،‬فنالت منه‬ ‫وقبل ذلك حذيفة بن اليمان تسأله أمه‪ :‬يا بين‪ ،‬ما ُ‬
‫وأنَّبته قائلة‪ :‬كيف تصرب يا حذيفة عن رؤية نبيك ثالثة أيام؟‬
‫وذكر ابن سعد يف طبقاته الكربى عن إسحاق بن عبد اهلل‪ ،‬عن جدته أم سليم رضي اهلل عنها أهنا‬
‫آمنت برسول اهلل ‪ ‬؛ مث جعلت تلقِّن ابنها أنساً – وكان صغرياً‪ -‬وتشري إليه‪ :‬قل ال إله إال اهلل‪ ،‬قل‬
‫أشهد أن حممداً رسول اهلل‪ ،‬ففعل‪ ،‬فلما كرب أتت به النيب ‪ ‬وقالت له‪ :‬هذا أنس غالمك‪ ،‬فقبَّله‬
‫النيب ‪ ‬فكانت له صحبه لرسول اهلل ‪ ‬وسريته رضي اهلل عنه معروفة‪.‬‬
‫مقومات إثبات املرأة جدارهتا يف إصالح اجملتمع‬
‫أن نشأة األجيال أول ما تنشأ إمنا تكون يف أحضان النساء‪ ،‬وبه يتبني أمهية دور املرأة املسلمة يف‬
‫إصالح بيتها‪ ،‬ومن مَثَّ إصالح اجملتمع ‪ .‬وحنن ال نُناقش اآلن أمهية ذلك‪ ،‬بل نُطالبها بالتميز لتُثبت‬
‫جدارهتا كما كانت نساء السلف الصاحل‪.‬‬
‫ولكي تُثبت املرأةُ جدارهتا ومتيزها اليوم يف إصالح اجملتمع‪ ،‬ال بد هلا من مؤهالت أو مقومات‪ S-‬وهي‬
‫سهلة املنال ملن تصدق مع رهبا وختلص له‪ -‬لتقوم مبهمتها يف اجملتمع فتكون داعية خري! ال مدعوة‬
‫للشر!! ‪ ..‬وإليكم جانباً من هذه املقومات ‪S...‬‬
‫‪ -1‬اإلخالص‪ :‬وهو إفراد اهلل سبحانه بالقصد يف الطاعة واإلخالص هو روح كل عمل‪ ،‬واألعمال‬
‫اليت يستعظمها الناس‪ ،‬ويبذلون فيها اجلهود‪ ،‬ورمبا األموال ال وزن هلا عند اهلل عز وجل إذا فقدت‬
‫اإلخالص قال تعاىل{ َوقَ ِد ْمنَا ِإىَل َما َع ِملُوا ِم ْن َع َم ٍل فَ َج َع ْلنَاهُ َهبَاء َّمنثُوراً} فلينتبه لشرط اإلخالص‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِّين‬ ‫{و َما ُأمرواْ ِإال ليَعبُدواْ اهللَ خُم لص َ‬
‫ني لَهُ الد َ‬ ‫فعليه مدار قبول العمل وبالتايل النفع به‪ ،‬قال سبحانه‪َ :‬‬
‫ُحَن َفاءَ }‬
‫‪ -2‬العلم‪ :‬أن تكون املرأة نفسها صاحلة‪ ،‬لتكون أسوة حسنة وقدوة طيبة لبنات جنسها‪ ،‬ولكن‬
‫كيف تصل املرأة إىل الصالح؟ لن تصل املرأة ‪ -‬وال الرجل ‪ -‬إىل الصالح‪ ،‬فضالً عن اإلصالح إال‬
‫بالعلم الشرعي الذي تتلقاه من أفواه العلماء‪ ،‬سواء أكان هؤالء العلماء من الرجال أو النساء‪ ،‬وما‬

‫‪638‬‬
‫أمجل ما متيزت به بالدنا – حفظ اهلل أمنها واستقرارها‪ -‬من انتشار الدورات العلمية للرجال‬
‫دور نسائية‪ .‬كما أنه يف عصرنا هذا يسهل‬ ‫وللنساء‪ ،‬وما متيزت به بعض املدن واألحياء من وجود ٌ‬
‫كثرياً أن تتلقى املرأة العلم من أفواه العلماء‪ ،‬وذلك بواسطة األشرطة املسجلة‪ ،‬فإن هذه األشرطة ‪-‬‬
‫وهلل احلمد ‪ -‬هلا دور كبري يف توجيه األسرة – واملرأة من أهم ركائزها‪ -‬إىل ما فيه اخلري والصالح‪.‬‬
‫إذن فال بد لتميز املرأة من العلم‪ ،‬ألنه ال صالح وال متيز إال بالعلم‪ ،.‬ومن أهم ما حيسن باملميزة‬
‫اآلمرة باملعروف والناهية عن املنكر أن تتحلى به صفة العلم‪ ،‬فالعلم زينة هلا‪ ،‬ووسيلة صحيحة‬
‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ين‬
‫ين يَعلَ ُمو َن َوالذ َ‬ ‫للعمل‪ ،‬ومرافق دائم يف جمال الدعوة واألمر والنهي‪ .‬قال تعاىل {قُل َهل يَستَ ِوي الذ َ‬
‫ال يَعلَ ُمو َن } إن جهالة من تأمر وتنهي فيما تدعو إليه أو تنهى عنه‪ ،‬قد يوقعها يف محاقات كثرية‪،‬‬
‫وإشكاالت عديدة‪ ،‬بل رمبا حدثت بسبب ذلك مفاسد متعددة‪ ،‬أو تعطلت مصاحل راجحة‪.‬‬
‫‪ -3‬احلكمة‪ :‬أي أن يكون لدى املرأة حكمة يف الدعوة‪ ،‬ويف إيصال العلم إىل من ختاطب‪ ،‬واحلكمة‬
‫هي وضع الشيء يف موضعه‪ S،‬كما قال أهل العلم‪ ،‬وهي من نعمة اهلل سبحانه وتعاىل على العبد‪ ،‬أن‬
‫ْمةَ َف َق ْد ُأويِت َ خَرْي اً َكثِرياً‬ ‫ِ‬
‫ت احْل ك َ‬
‫ِ‬
‫يؤتيه اهلل احلكمة‪ .‬قال اهلل عز وجل {يُؤيِت احْل ك َ‬
‫ْمةَ َمن يَ َشاءُ َو َمن يُْؤ َ‬
‫} وما أكثر ما يفوت املقصود وحيصل اخللل‪ ،‬إذا مل تكن هناك حكمة‪ ،‬فمن احلكمة يف الدعوة إىل‬
‫اهلل عز وجل أن ينزل املخاطب املنزلة الالئقة به‪ ،‬فإذا كان جاهالً عومل املعاملة اليت تناسب حاله‪،‬‬
‫وإذا كان عاملاً‪ ،‬ولكن عنده شيء من التفريط واإلمهال والغفلة عومل مبا تقتضيه حاله‪ ،‬وإذا كان‬
‫ورد احلق عومل مبا تقتضيه حاله‪ .‬فالناس ‪ -‬إذن ‪ -‬على‬ ‫عاملاً ولكن عنده شيء من االستكبار ّ‬
‫درجات ثالث‪ :‬جاهل‪ ،‬وعامل متكاسل مفرط‪ ،‬وعامل معاند‪ ،‬وال ميكن أن نسوي كل واحد باآلخر‪،‬‬
‫بل ال بد أن ننزل كل إنسان منزلته‪ ،‬وهلذا ملا أرسل النيب ‪ ‬معاذاً رضي اهلل عنه إىل اليمن قال‬
‫له[ إنك تأيت قوماً أهل كتاب] وإمنا قال له النيب ‪ ‬ذلك ليعرف معاذ حاهلم كي يستعد هلم مبا‬
‫تقتضيه أحواهلم‪ ،‬وخياطبهم مبا تقتضيه هذه احلال أيضاً‪ .‬فينبغي أن ينزل كل واحد من املدعوين املنزلة‬
‫الالئقة به‪ .‬ومن احلكمة‪ ،‬أن تبدأ الداعية باألقرب فاألقرب‪ ،‬فتكون حسنة الرتبية ألوالدها‪ ،‬ألن‬
‫أوالدها هم رجال املستقبل ونساء املستقبل‪ ،‬وأول ما ينشئون يقابلون هذه األم‪ ،‬فإذا كانت على‬
‫جانب من األخالق وحسن املعاملة‪ ،‬وظهروا على يديها وتربوا عليها‪ ،‬وسيكون هلم أثر كبري يف‬
‫إصالح اجملتمع‪ .‬لذلك جيب على املرأة ذات األوالد أن تعتين بأوالدها‪ ،‬وأن هتتم برتبيتهم‪ ،‬وأن‬
‫تستعني إذا عجزت عن إصالحهم وحدها بأبيهم أو بويل أمرهم‪ .‬وهكذا أخوهتا وأخواهتا وأسرهتا‬
‫دور مي اجملتمع ككل‪.‬‬ ‫وأقارهبا‪ ،‬كما ينبغي إال تتوقف عندهم فقط‪ ،‬بل يكون هلا ٌ‬
‫‪ -4‬الدعوة إىل اهلل ‪ :‬ما أحسن أن تستشعر املسلمة فضل دعوة األخريات لالستقامة والعمل الصاحل‪،‬‬
‫فتفوز مبثل أجورهن ‪ ،‬قال ‪ [ ‬من دعا إىل هدى كان له من األجور مثل أجور من تبعه‪ ،‬دون أن‬
‫ينقص من أجورهم شيئاً] وقال بأيب هو وأمي وولدي والناس أمجعني ‪[ ‬الدال على اخلري كفاعله]‬

‫‪639‬‬
‫وقال ‪[ ‬ألن يهدي اهلل بك رجالً خري لك من محر النعم] فال بً َّد أن يكون ملن تُريد إثبات جدارهتا‬
‫دور يف تثقيف بنات جنسها‪ ،‬وذلك من خالل اجملتمع سواء أكان يف أسرهتا وبني‬ ‫وتنال تلكم األجور ٌ‬
‫بنات أرحامها‪ ،‬وجرياهنا‪ ،‬أو يف املدرسة أو الدار النسائية يف حيها‪ ،‬أو الدار القريب من أهلها إذا‬
‫أفراح‪ ،‬أو‬
‫زارهتم يف مدينة أخرى‪ ،‬أو ح ٍي آخر‪ ،‬وتستثمر أي مناسبة نسائية يف اسرتاحة أو قصر ٍ‬
‫مشغل بالنصح والتوجيه واملذاكرة‪ .‬كذلك أيضاً من خالل اجملتمع فيما بني النساء من الزيارات اليت‬
‫حتصل فيها من الكلمات املفيدة ما حيصل‪ ،‬مستثمر ًة املناسبات السعيدة واحملزنة بالتهنئة والتعزية؛ لقد‬
‫كان عُلماؤنا حيرصون على ذلك‪ ،‬فكان هلم أثراً كبرياً‪ .‬ولقد بلغنا ‪ -‬وهلل احلمد ‪ -‬أن لبعض النساء‬
‫دوراً كبرياً يف هذه املسألة‪ ،‬وأهنن قد رّتنْب َ جلسات لبنات جنسهن يف العلوم الشرعية‪ ،‬وحلقات‬
‫باق هلا اآلن وبعد موهتا‬ ‫حتفيظ القرآن‪ ،‬وتفسريه‪ ،‬وهذا ال شك أمر طيب حتمد املرأة عليه‪ ،‬وثوابه ٍ‬
‫لقول النيب ‪ [ ‬إذا مات ابن آدم انقطع عمله إال من ثالث‪ :‬صدقة جارية‪ ،‬أو علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد‬
‫صاحل يدعو له] وهذا هو االستثمار احلقيقي للحياة وما بعد املمات‪ .‬فإذا كانت املرأة ذات نشاط يف‬
‫جمتمعها يف نشر الدعوة‪ ،‬كان هلا أثر كبري‪ ،‬ودور واسع يف إصالح اجملتمع‪ ، .‬كما ينبغي هلا أن‬
‫تستشعر فضائل دعوة األخريات عرب وسائل اإلعالم حمتسبةً األجر عن اهلل فتشارك بقلمها يف اجلرائد‬
‫واجملالت اإلسالمية واملنتديات‪ ،‬تشرتك فيها ‪ ،‬سواء يف الذب عن قيم دينها بالرد على دعاة تغريب‬
‫رجال آخرين‪ .‬قال ‪‬‬ ‫فرد من امرأة على من يزعم حتريرها‪ ،‬خري – يف نظري‪ -‬من ألف رد من ٍ‬ ‫املرأة ٌ‬
‫ٌ‬
‫[والذي نفسي بيده لتأمرن باملعروف‪ S،‬ولتنهون عن املنكر‪ ،‬أو ليوشكن اهلل أن يبعث عليكم عقاباً‬
‫منه‪ ،‬فتدعونه فال يستجيب لكم] رواه أمحد والرتمذي وصححه األلباين‪ .‬أو تكتب ابتداءً بنشر اخلري‬
‫الذي عندها مستثمر ًة املناسبات املومسية كاألجازات أو رمضان‪ ،‬أو األعياد‪ ،‬أو عشر ذي احلجة‪ ،‬أو‬
‫غريها‪ .‬وتقوم على إهدائها لألخوات وإرشادهن إىل أهم املوضوعات‪ .‬واملقال القصري املقروء خري من‬
‫الطويل الذي ال يقرأ ‪ .‬مث حترص – وفقها اهلل‪ -‬على البحث عن الوسائل اجلديدة واملشوقة يف تبليغ‬
‫دعوهتا‪ ،‬ولكن يف حدود الشرع وسيأيت الزمن الذي تسود فيه التقنية واملرئيات على الكتب‬
‫واملؤلفات يف اكتساب املعلومات‪.‬‬
‫‪ -5‬القدوة احلسنة‪ :‬من السمات احلسنة املؤثرة اليت ينبغي أن تتحلى هبا الداعية‪ ،‬أن تكون قدوة‬
‫حسنة لُألخريات ؛ ألن التأثري باالقتداء والتقليد له قيمة كبرية يف نفوس املدعوات‪ ،‬ولذلك كان‬
‫رسول اهلل ‪ ‬أسوة حسنة‪ ،‬وقدوة صاحلة ليحتذي الناس بأقواله وأفعاله ‪ ، ‬أما من أسر ْت َها‬
‫نفسها‪ ،‬وأصبحت عبدةً هلواها‪ ،‬فال ميكن أن تُنكر على اُألخريات‪.‬‬
‫‪ -6‬الرمحة مبن تفعل املنكر واخلوف عليها من عذاب اهلل‪ :‬فإذا كانت املسلمة تنتمي خلري أمة‬
‫َّاس تَْأمرو َن بِالْمعر ِ‬ ‫أخرجت للناس فلتأمر باملعروف وتنهى عن املنكر { ُكنتم خير َُّأم ٍة ُأخ ِرج ِ‬
‫وف‬ ‫َ ُْ‬ ‫ت للن ِ ُ ُ‬‫ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ ََْ‬
‫َوَتْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمن َك ِر َو ُتْؤ ِمنُو َن بِاللّ ِه } لتثبت جدارهتا يف ذلك ؛ وينبغي أن تستشعر اآلمرة باملعروف‬

‫‪640‬‬
‫والناهية عن املنكر رمحة املدعوة‪ ،‬وأن تنظر إىل الواقعة يف املنكر نظرة الشفقة عليها‪ ،‬والرغبة يف‬
‫األمارة بالسوء‪ ،‬لذا ينبغي عدم‬ ‫اإلحسان إليها؛ لكوهنا تتنازع مع الشيطان ومع هواها ومع نفسها ّ‬
‫إعانة هؤالء األعداء عليها‪ ،‬بل الوقوف معها ويف ص ّفها حىت تتخلص من هذا الداء الذي أملّ هبا فقد‬
‫جاء يف احلديث عن النيب ‪ ‬أنه قال [ ال يؤمن أحدكم حىت حيب ألخيه ما حيب لنفسه ] رواه‬
‫البخاري‬
‫‪ -7‬الرفق‪ :‬وهو لني اجلانب بالقول والفعل‪ ،‬واألخذ باألسهل وهو ضد العنف‪ .‬وقد سلك حبيبنا‬
‫حممد ‪ ‬جانب الرفق يف دعوة الناس‪ ،‬وأولئك الذين كان حيتسب عليهم سواء كانوا من اليهود‪ ،‬أم‬
‫من املشركني‪ ،‬أم من املسلمني‪ .‬ولقد حث النيب الكرمي ‪ ‬املسلمني عامة ويدخل يف ذلك الدعاة‬
‫واحملتسبون من باب أوىل بالرفق يف مجيع أمورهم‪ ،‬ومن ذلك جاء يف احلديث أن النيب ‪ ‬قال[ إن‬
‫اهلل رفيق حيب الرفق‪ ،‬ويعطي على الرفق ما اليعطي على العنف‪ ،‬وما ال يعطي سواه [رواه مسلم‪.‬‬
‫وقال عليه الصالة والسالم[ من حيرم الرفق حيرم اخلري [رواه مسلم‪ .‬فلنقتدي باحلبيب ‪ ‬باللني‬
‫ب‬ ‫ظ الْ َق ْل ِ‬ ‫نت فَظّاً َغلِي َ‬‫نت هَلُ ْم َولَ ْو ُك َ‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫والرمحة والعفو والتسامح‪ ،‬قال تعاىل عنه { فَبِ َما َرمْح َة ِّم َن اللّه ل َ‬
‫ت َفَت َو َّك ْل َعلَى اللّ ِه ِإ َّن‬ ‫الَن َفضُّواْ ِمن حولِك فَاعف عْنهم و ِ‬
‫اَألم ِر فَِإ َذا َعَز ْم َ‬
‫اسَت ْغف ْر هَلُ ْم َو َشا ِو ْر ُه ْم يِف ْ‬
‫ْ َْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ْ‬
‫ِ‬ ‫اللّهَ حُيِ ُّ‬
‫ب الْ ُمَت َو ِّكل َ‬
‫ني }‬
‫‪ -8‬الصرب‪ :‬إذا كان الصرب ضرورياً لكل مسلم ومسلمة‪ ،‬فإنه لليت تُريد أثبات جدارهتا يف إصالح‬
‫جمتمعها وتأمر باملعروف وتنهى عن املنكر أشد ضرورة؛‪ S‬ألهنا تعمل يف ميدان استصالح نفسها‪ ،‬ويف‬
‫ميدان استصالح غريها‪ ،‬فإن املؤمن الذي خيالط الناس‪ ،‬ويصرب على أذاهم خري من ذلكم املؤمن الذي‬
‫ال خيالط الناس‪ ،‬وال يصرب على أذاهم‪ .‬ولقد أدرك لقما ُن احلكيم هذه احلقيقة ‪ -‬التحلي بالصرب ‪-‬‬
‫ضمنها التحلي بالصرب‪ .‬قال تعاىل { يَا بُيَنَّ َأقِ ِم َّ‬
‫الصال َة َو ُأمر‬ ‫حينما أوصى ابنه بوصايا متعددة ّ‬
‫اُألمو ِر } فال بُ َّد أن تصرب الداعية‬ ‫وف وانه ع ِن املن َك ِر واصرِب علَى ما َأصابك ِإ َّن ذلِ ِ ِ‬ ‫بِامل ِ‬
‫ك من َعزم ُ‬ ‫َ َ َََ َ َ‬ ‫عر َ َ َ ُ َ‬ ‫َُ‬
‫إىل اهلل على ما يناهلا من أذى كما صرب الرسل والصحابة واألئمة من قبل‪ .‬كما ينبغي للمرأة أال‬
‫تستسلم للواقع‪ ،‬وتقول‪ :‬سار الناس على هذا فال أستطيع أن أغرّي ‪ ،‬كما ينبغي أال نغرت بالكثرة { َو َما‬
‫َّاس ولَو حرص مِب ِ ِ‬
‫ني } وألننا لو بقينا هكذا مستسلمني للواقع مل يتم اإلصالح‪ ،‬إذ إن‬ ‫َأ ْكَثُر الن ِ َ ْ َ َ ْ َ‬
‫ت ُْؤ من َ‬
‫اإلصالح ال بد أن يغري ما فسد على وجه صاحل‪ ،‬وال بد أن يغري الصاحل إىل ما هو أصلح منه حىت‬
‫تستقيم األمور‪ ،‬ومن التحلى بالصرب أال تتعجل املسلمة النتائج‪ ،‬وال تظن بأحد الكمال‪ ،‬بل تنصح‬
‫بلطف وتتابع باهتمام وال هتمل‪.‬‬
‫‪ -9‬عبادة السر‪ :‬من املؤسف أن ينشغل املرء بدعوة الناس‪ ،‬عن نفسه‪ ،‬فسرعان ما ينضب معينه؛ فال‬
‫بُ َّد أن خُت صص الداعية إىل اهلل وقتاً كل يوم وليلة للخلوة مع اهلل‪ ،‬يف عبادات ال يعلمها إال اهلل وحده‪.‬‬
‫ومن أعظم ما يوصي به علماؤنا قيام الليل‪ ،‬وعاء األسحار‪ ،‬ويف السجود وبني النداءين‪ ،‬وصيام‬

‫‪641‬‬
‫اهلواجر‪ ،‬وصالة الضحى‪ ،‬وأن يكون للداعية ورداً كل يوم من القرآن الكرمي‪ ،‬واحملافظة على‬
‫األذكار‪ ،‬وأن يدعو لنفسها وملن تريد دعوهتم‪ ،‬ولعمامة املسلمني بـ (يا مقلب القلوب واألبصار ثبت‬
‫قلوبنا على طاعتك) أسأل الكرمي األكرم اجلواد أن يوفق والة أمرنا (أمراء وعلماء) ملا حيب ويرضى‪،‬‬
‫وأن جيمع كلمتهم على احلق‪ ،‬وأن يرد كيد الكائدين هلذا الدين وهذا البلد يف حنورهم‪ ،‬كما أسأله –‬
‫وهو القريب السميع املجيب‪ -‬أن يوفقنا وإياكم ملا حيبه ويرضاه‪ ،‬وأن حيفظ على بالدنا أمنها‬
‫ُ‬
‫واستقرارها‪ ،‬وصلى اهلل على نبينا حممد وعلى آله وصحبه وسلم‪،،‬‬
‫كتبه عبدالعزيز بن علي العسكر‬
‫إمام وخطيب جامع العِ َذار باخلرج‬
‫‪abo-aseem@maktoob.com‬‬
‫حررت يف يوم االثنني ‪ 12‬مجادى الثاين ‪ 1426‬هـ‬
‫ــــــــ‬

‫‪642‬‬
‫دور المرأة التربوي ‪ ...‬المأمول والمعوقاتـ‬
‫د‪ .‬أفراح بنت علي احلميضي‬
‫من األمور اليت اجتمع عليها املربون إقرارهم بأمهية الرتبية بوصفها عامالً رئيساً يف توجيه األفراد حنو‬
‫دونوا يف موضوعات‪ S‬الرتبية‬ ‫أهداف اجملتمعات‪ ،‬وملدى أمهيتها فقد لفتت انتباه العلماء املسلمني الذين َّ‬
‫اإلسالمية مؤصلني هلا‪ ،‬ومربزين عناصرها وأهدافها وسبلها‪ ،‬واملؤثرات اليت تؤثر يف نتائجها‪،‬‬
‫والتأثريات اليت تشعها الرتبية اإلسالمية يف اجملتمع‪ ،‬بل كان من اهتمام علماء الرتبية اإلسالمية الرتكيز‬
‫على الرتبية البيتية أو املنزلية باعتبارها قاعدة أساسية يف إعداد األفراد موضحني بشكل بارز أمهية دور‬
‫الوالدين يف تلك املهمة‪.‬‬
‫وتبعاً هلذا فإن إبراز دور املرأة(‪ )1‬الرتبوي والعوامل اليت تساعد على إظهار ذلك الدور بوصفها‬
‫وظيفة من أهم الوظائف بل هي أهم ما جيب أن تتقنه املرأة‪ ،‬واألمور اليت تعيقها عن أداء وظيفتها‬
‫تلك يعد موضوعاً جديراً بأن يهتم به كل من يعنيه أمر الرتبية والنشء ومستقبل األمة‪.‬‬
‫توطئة‪:‬‬
‫دور املنزل يف تنشئة الفرد‪:‬‬
‫تعد السنوات األوىل اليت يقضيها الطفل يف منزله من أكرب املؤثرات املسؤولة عن تشكيله يف املستقبل؛‬
‫ذلك أن اجملتمع املنزيل يعد أول جمتمع ينمو فيه الطفل ويتصل به ويستنشق اجلو اخللقي منه‪ ،‬بل إنه‬
‫ومن خالل اجلو العاطفي املوجود يف البيت فإن الطفل يعتمد على والديه يف أحكامه األخالقية ويف‬
‫َمدِّه بتقاليد وعادات وأعراف جمتمعه(‪.)2‬‬
‫وألجل ذلك فقد أرجع املربون أن إحساس الطفل حبب األبوين ناشئ من ممارسة األسرة لوظيفتها يف‬
‫التنشئة االجتماعية(‪ ،)3‬بل إن تفعيل كل الوظائف الرتبوية لن يتحقق إال بتكاتف جهود وأهداف‬
‫الوالدين‪.‬‬
‫فمن األدوار اليت جيب أن متارسها األسرة ويضطلع هبا املنزل قبل وبعد سن دخول املدرسة العنايةُ‬
‫بالنمو اجلسمي من خالل رعاية الطفل صحياً؛ وذلك باستكمال أسباب الصحة يف الغذاء‪ ،‬والراحة‬
‫الكافية‪ ،‬واملسكن املالئم‪ ،‬والرعاية الصحية الوقائية‪.‬‬
‫ومن األدوار كذلك العناية بالنمو العقلي للطفل الذي يتأتى من خالل اكتسابه للغة األم يف املنزل‪،‬‬
‫وما يتبع ذلك من توسيع ملداركه وزيادة ملعارفه‪ ،‬كذلك فإن من أهم األدوار الوظيفية اليت متارسها‬
‫األسرة هي إشباع حاجات الطفل النفسية‪ ،‬ومن خالل األسرة يتحقق للطفل النضج االنفعايل؛‬
‫يتعود الطفل القدرة على‬
‫وخاصة إذا توفرت يف املنزل أسباب ذلك النضج؛ فمن خالل األسرة َّ‬
‫التعامل مع اآلخرين‪ ،‬ومن خالهلا أيضاً تساهم األسرة يف االرتقاء األخالقي لدى الطفل؛ إذ تنمو‬

‫‪643‬‬
‫شخصيته األخالقية؛ ويُعزز ذلك كله حني تقوم األسرة بدورها يف إكساب الطفل الدين الذي‬
‫تعتنقه(‪.)4‬‬
‫ومن أجل ذلك نستطيع أن نقرر حقيقة أن للوالدين دوراً هاماً يف تربية الطفل ال يستطيع املعلم أو‬
‫يزود الطفل حبصيلة من املعلومات قد جتعل‬ ‫أي شخص آخر أن حيل حملهما؛ فقد يستطيع املعلم أن ِّ‬
‫منه دائرة معارف‪ ،‬لكنه يفتقد ما للوالدين من تأثري على اجتاهات الطفل حنو احلياة(‪.)5‬‬
‫وهلذا فقد حرص علماء الرتبية اإلسالمية على تأكيد ضرورة إعداد املرأة ملمارسة دورها بل وانتقائها‬
‫قبل إجناب األوالد مؤكدين على حقيقة أن تربية النشء حتدث قبل والدهتم باختيار األمهات‪.‬‬
‫ين! ال حيملنكم مجال النساء عن صراحة النسب؛ فإن املناكح‬ ‫يقول أكثم بن صيفي ألوالده‪" :‬يا بَ َّ‬
‫الكرمية َم ْد َرجةٌ للشرف"‪.‬‬
‫وقال أبو األسود الدؤيل لبنيه‪" :‬لقد أحسنت إليكم صغاراً وكباراً وقبل أن تولدوا‪ .‬قالوا‪ :‬وكيف‬
‫أحسنت إلينا قبل أن نولد؟ قال‪ :‬اخرتت لكم من األمهات من ال تُ َسبُّون هبا"‪.‬‬
‫وهلذا فإن من أول حقوق الوالد على والده أن خيتار له األم املؤمنة الكرمية ذات اهلدف من احلياة اليت‬
‫حتسن تربيته‪ ،‬وتقوم على شؤونه‪ ،‬وتتعاهد دينه وعقيدته؛ ألن الطفل والطفلة ينتقل إليهما كثري من‬
‫صفات أمهما النفسية واخللقية‪ ،‬بل ميتد هذا التأثري مدى احلياة(‪.)6‬‬
‫األدوار الرتبوية املناطة باملرأة األم‪:‬‬
‫مما هو معروف بالبديهة أن األدوار الرتبوية املناطة باملرأة األم تتخذ أمهيتها من كوهنا هي لب العمل‬
‫الوظيفي الفطري الذي جيب أن تتصدى له املرأة‪ ،‬وهذا يعين ضرورة أن تسعى األم إىل ممارسة دورها‬
‫بشكل حيقق نتائجه اليت يأملها اجملتمع‪ ،‬وهذا يعين أيضاً ضرورة إعداد املرأة األم ألداء ذلك الدور قبل‬
‫مطالبتها بنتائج فعالة‪ ،‬وأعتقد أن ذلك اإلعداد ال بد أن يشمل‪:‬‬
‫‪ - 1‬غربلة املناهج الدراسية‪ :‬حبيث يكون الغرض األساسي من تلك الغربلة وإعادة الصياغة إعانة‬
‫(املرأة األم) يف وظيفتها داخل منزهلا الذي يُعد املقر الوظيفي الرئيسي هلا؛ ال أن يكون دور املناهج‬
‫الدراسية هتيئة املرأة لتمارس وظيفة خارج املنزل‪ ،‬ويف حالة إعادة التكوين والصياغة هذه؛ فإن املناهج‬
‫ستساهم يف دعم دور األبوين يف إعداد الفتيات لالقتناع أوالً مبهمتهن األوىل‪ ،‬مث يف التعرف على‬
‫صور وأمناط عديدة ألصول الرتبية السليمة وطرقها‪ ،‬واليت من املمكن االنتقاء منها حسب عدد من‬
‫املعطيات ووفقاً للظروف املواتية‪ ،‬وهبذا ستؤدي املناهج الدراسية دورين أساسني‪:‬‬
‫أ ‪ -‬دوراً إعدادياً للمرأة للقيام بوظيفتها الرتبوية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬دوراً مسانداً ؛ حيث ستشكل املناهج معيناً نافعاً تستمد منه املرأة سبالً وطرقاً تربوية ناجحة‬
‫ونافعة‪.‬‬

‫‪644‬‬
‫‪ - 2‬اإلعالم‪ :‬نظراً ألن إعداد املرأة ملمارسة وظيفتها الرتبوية يشكل ثقالً عظيماً يف النظرة الشاملة‬
‫ملصلحة األمة عموماً؛ فإن إعادة اهتمامات اإلعالم بتلك املسألة من األمهية مبكان؛ وهو أمر يستلزم‬
‫قيام مجيع القنوات اإلعالمية بإبراز ذلك الدور والرتكيز على ممارسة املرأة دورها بنفسها؛ فهي وظيفة‬
‫ال جيوز فيها التوكيل‪ ،‬بل إن تصدي املرأة لدورها بنفسها بوصفها أيضاً مربية يعد مسلكاً عظيماً يف‬
‫رقي األمة‪ ،‬بل هو الطريق األساسي لتحقيق آمال األمة مث إعادة صياغتها فعلياً عرب الرتبية إىل نواتج‬
‫قيِّمة تضاف إىل رصيد األمة احلضاري‪ ،‬وألجل ذلك فإن من الضروري‪ S‬أن تضع وسائل اإلعالم‬
‫ضمن أهدافها تبين املفهوم القائم على أن رقي األمة مطلب إسالمي حضاري لن يتأتى إال من خالل‬
‫إعادة تكوين النظريات الرتبوية وتأسيسها مبا يتفق مع األصول واملصادر السليمة الرتبوية املعتمدة على‬
‫املصادر اإلسالمية‪ ،‬وأيضاً من خالل إعداد الكوادر اليت تستطيع ترمجة تلك النظريات إىل واقع؛ أي‬
‫العناية والتشجيع إلعداد املرأة األم املربية اليت متتص ما جيب أن تفعله لتعيد تكوينه رحيقاً تربوياً‬
‫يداوي جراح األمة‪.‬‬
‫تتنب تلك القضية وجدانياً‬ ‫‪ - 3‬تبين مسؤولية الرتبية‪ :‬ال تستطيع املرأة أن تؤدي دورها الرتبوي ما مل َّ‬
‫هلم الرتبية‪ ،‬ويقينها التام بدورها يف إعداد الفرد‪ ،‬وانعكاس ذلك على صالحه‬ ‫من خالل محلها ّ‬
‫وصالح األمة‪ ،‬مث سعيها الدؤوب حنو تزويد من تعول تربوياً مبا صح وتأكد من مغامن تربوية كسبتها‬
‫من خالل ما نالته يف رقيها الرتبوي اإلسالمي‪ ،‬ويتأتى ذلك عن طريق دعم حصيلتها العلمية‬
‫الشرعية؛ إذ إن جزءاً من مهامها الرتبوية يعىن بتشكيل عقيدة األبناء ومراقبتها‪ ،‬وتعديل أي خلل‬
‫يطرأ عليها‪.‬‬
‫وهلذا‪ ،‬وألمهيته فإن أول دور يُناط باألم هو‪:‬‬
‫‪ 1‬الرتبية العقائدية‪:‬‬
‫ال تتمكن األم من القيام بتلك املهمة ما مل تكن معدة هلذا األمر من خالل علم شرعي يعينها على‬
‫أداء هذه املهمة‪ ،‬وال يعين هذا أن تتوقف املرأة عن ممارسة ذلك حىت تكون طالبة علم‪ .‬إن على األم‬
‫معرفة األساسيات اليت ال يقوم دين العبد إال هبا كأصول املعتقد وما تشمله من أصول اإلميان‪،‬‬
‫وأقسام التوحيد وشروط ال إله إال اهلل ونواقض اإلسالم‪ ،‬وأقسام الشرك والكفر وأنواع النفاق‪ ،‬كما‬
‫أن عليها معرفة احلالل واحلرام خاصة ما استجد يف هذه األزمنة من مستجدات أوضح العلماء‬
‫حكمها‪.‬‬
‫إن دور املرأة األم هو قيادة قاطرة الرتبية يف أرض مليئة بشوك الشبهات املضلة‪ ،‬والشهوات املغرية‪،‬‬
‫والفنت السوداء‪.‬‬

‫‪645‬‬
‫على املرأة األم أن تدرك أن منهج تربية النشء يف اإلسالم يقوم يف أصوله وأساساته على مرتكز‬
‫اإلميان باهلل وحده‪ ،‬وهو منهج متوافق مع نظرة اهلل اليت فطر الناس عليها‪ .‬قال ‪" : ‬كل مولود يولد‬
‫ميجسانه"(‪.)7‬‬‫ينصرانه‪ ،‬أو ِّ‬
‫يهودانه‪ ،‬أو ِّ‬ ‫على الفطرة؛ فأبواه ِّ‬
‫إن التطبيقات الضرورية هلذا الدور الرتبوي اهلام تتضح من خالل عدد من اإلجراءات منها‪:‬‬
‫تربية األبناء على حب اهلل ورسوله‪ ،‬ربط قلوهبم باهلل ومراقبته يف كل تصرفاهتم‪ ،‬ويكون ذلك منذ‬
‫وجهون إىل إرجاع كل نعمة إىل اهلل وحده‪،‬‬ ‫طفولتهم املبكرة؛ إذ يُعلَّمون النطق بالشهادتني‪ ،‬ويُ َّ‬
‫عودون على قراءة كتب العقيدة املناسبة ألعمارهم(‪.)8‬‬ ‫وحينما تشب أعوادهم يُ َّ‬
‫‪ -‬ربط أصول العقيدة وفروعها مبناحي احلياة؛ مما ينتج عن ذلك محاسهم هلا ودفاعهم عنها؛ فيتأكد‬
‫لدى الطفل أنه ألجل اإلميان باهلل وعبادته ُخلق؛ فيعيش تأكيداً ملعاين ذلك اإلميان حمققاً العبودية هلل‬
‫وحده وميوت دفاعاً عنها‪.‬‬
‫ومهمة املرأة األم يف هذه األمور واضحة؛ فهي من يُشربه عند نُطق احلروف األوىل كلمة التوحيد (ال‬
‫إله إال اهلل)‪ ،‬مث هو يراها منوذجاً قائماً أمامه حياكيه ويقلده حني تكون كل حركاهتا وسكناهتا هتدف‬
‫إىل تأكيد معىن كلمة اإلخالص؛ فهي حريصة على أال يُعبَد يف املنزل إال اهلل وحده؛ فال يدعى إال‬
‫هو‪ ،‬وال يسأل إال إياه‪ ،‬وال يستعان أو يستغاث إال به‪ ،‬وال خُي اف إال منه‪ ،‬وال يُتوكل إال عليه‪ ،‬وال‬
‫يُذبح إال له‪ ،‬وال يُصرف أي شيء من أمور العبادة إال هلل وحده‪ ،‬فيشب الناشئ وينشأ الطفل وهو‬
‫يرى العقيدة الصافية تشع يف كل أحناء البيت‪.‬‬
‫ويندرج ضمن هذه الرتبية تعويد الطفل منذ مرحلة متييزه على األداء الصحيح للعبادات؛ فقد قال ‪‬‬
‫وفرقوا بينهم يف‬
‫‪" :‬مروا صبيانكم بالصالة إذا بلغوا سبعاً‪ ،‬واضربوهم عليها إذا بلغوا عشراً‪ِّ ،‬‬
‫عود َم ْن تعول على البعد عن األمور املستنكرة شرعاً وعُرفاً‪ ،‬وتعرفهم‬ ‫املضاجع"(‪)9‬؛ إذ على األم أن تُ ِّ‬
‫عود األطفال على‬ ‫على أحكام احلالل واحلرام حىت يعتادوا ذلك وال يأنفون منه‪ ،‬وعلى األم أن تُ ِّ‬
‫الطاعات كالصالة والصيام وقراءة القرآن‪ ،‬وحتذرهم من ارتكاب املعاصي كالكذب والسرقة واخليانة‬
‫والغش(‪.)10‬‬
‫الرتبية السلوكية‪:‬‬
‫بتأكيد أمهية البيت يف تبين السلوكيات الطيبة تتضح مسؤولية ما تقوم به املرأة يف تفعيل دورها العظيم‬
‫يف زرع هذه السلوكيات‪ ،‬وقلع أي سلوك سيئ ينشأ يف حديقتها الرتبوية حيث رعيتها الصغرية‪،‬‬
‫وهتذيب أي سلوك ينشأ منحرفاً عن مساره‪.‬‬
‫إن مهام املرأة يف ذلك الدور كما هو يف مجيع مهامها الرتبوية ال بد أن يسري مبشاركة الوالد تدعيماً‬
‫وعوناً‪ ،‬وفيما خيص مهمته الرتبوية؛ فإن تعاضد املرأة والرجل يف بذر السلوك احلسن وتكوين القدوة‬
‫الصاحلة له أجنع األمور للوصول إىل نتائج سريعة ومثمرة‪ ،‬وألن املربني قد أدركوا أن من ضمن‬

‫‪646‬‬
‫األسس اليت ترتكز عليها املنهجية الرتبوية اإلسالمية يف الرتبية هو إجياد القدوة احلسنة؛ فقد حرصوا‬
‫على ذلك األمر من منطلق أن الطفل يبدأ إدراكه مبحاكاة ذويه ومن حوله حىت يتطبع بطبائعهم‬
‫وسلوكياهتم وأخالقهم(‪.)11‬‬
‫تشربه‬
‫ويف مقابل غرس السلوكيات احلسنة كان إمهال أي سلوك يأخذه الطفل من البيئة احمليطة يعين ُّ‬
‫السلوكيات اخلاطئة واستنكاره أي نصيحة مقومة له‪ .‬وغالباً ما يأيت اإلمهال من قِبَل الوالدين مجيعاً أو‬
‫باتكال أحدمها على اآلخر‪ ،‬أو كما قال ابن القيم‪" :‬وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده يف الدنيا‬
‫واآلخرة بإمهاله‪ ،‬وترك تأديبه‪ ،‬وإعانته على شهواته‪ ،‬ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه‪ ،‬وأنه يرمحه وقد‬
‫وفوت عليه حظه يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وإذا اعتربت الفساد يف األوالد رأيت‬ ‫ظلمه‪ ،‬ففاته انتفاعه بولده‪َّ ،‬‬
‫عامته من قِبَل اآلباء"(‪.)12‬‬
‫وهلذا أيضاً كانت املنهجية الرتبوية اإلسالمية تعتمد على مراقبة سلوك الطفل وتصرفاته وتوجيهه يف‬
‫حينه إىل التعديل املناسب لذلك السلوك مهما كان ذلك السلوك حقرياً أو عظيماً(‪.)13‬‬
‫وتبعاً لذلك فإن من تطبيقات تلك املهمة الرتبوية‪:‬‬
‫‪ - 1‬حفظ الطفل من قرناء السوء‪.‬‬
‫‪ - 2‬أن متارس املرأة مهمتها بإخالص يف غرس الفضائل والعناية بالواجبات‪ ،‬وتعويد الصغار على‬
‫معايل األمور‪.‬‬
‫‪ - 3‬ربط النشء بسرية الرسول ‪ ‬والصحابة‪ ،‬وتعليقهم مبا تشمله سرية الرسول ‪ ‬وتراجم‬
‫الصحابة من علو ورفعة وعزة‪.‬‬
‫‪ - 4‬أن تضع املرأة شعاراً تطبقه يف تربية من تعول تعتمد على تفعيل حديث الرسول ‪" : ‬اتق اهلل‬
‫حيثما كنت‪ ،‬وأتبع السيئة احلسنة متحها‪ ،‬وخالِ ِق الناس خبُلق حسن"(‪.)14‬‬
‫الرتبية النفسية‪:‬‬
‫تعتمد تلك املهمة على إقرار حقيقة يف الصحة النفسية هي أن العطف واحلنان بال إفراط وال تفريط‬
‫مها أساس الصحة النفسية لدى األفراد؛ فينشأ األطفال ويشب النشء وهم مرتفلون هبذه الصحة؛‬
‫وهلذا فقد مدح الرسول ‪ ‬صفة احلنان يف نساء قريش بقوله‪" :‬صاحل نساء قريش‪ ،‬أحناه على ولد‬
‫يف صغره‪ ،‬وأرعاه على زوج يف ذات يده"(‪.)15‬‬
‫وهذه الرتبية النفسية ال تتأتى فقط مبا متنحه األم من رعاية وحنان وعطف ُجبلت النساء عليه‪ ،‬وإمنا ال‬
‫بد من تعاضد الوالدين مجيعاً يف هتيئة البيئة املنزلية لتكون بيئة صاحلة هادئة ينشأ فيها الطفل متزناً‬
‫واثقاً من نفسه؛ إذ ثبت أن احلياة العائلية املضطربة واملشاحنات بني أفراد األسرة وخباصة قطبيها‬
‫األب واألم يؤثران بشكل ملحوظ على تكوين شخصية مضطربة تنفر من احلياة وتكرهها‪ ،‬وثبت‬
‫أيضاً أن أغلب األمراض اخلُلُقية مثل األنانية والفوضى وفقدان الثقة بالنفس وعدم اإلحساس‬

‫‪647‬‬
‫باملسؤولية والنفاق إمنا تبذر بذرهتا األوىل يف املنازل‪ ،‬وأن من الصعوبة على املدرسة واجملتمع استئصال‬
‫تزمنت ومتكنت يف نفس النشء أو األطفال(‪.)16‬‬ ‫تلك األمراض إذا َّ‬
‫الرتبية اجلسمية‪:‬‬
‫تبدأ تلك الرتبية منذ وقت مبكر حني تركز املرأة عنايتها مبا ُخلق يف رمحها من خالل اهتمامها‬
‫بالتغذية والراحة‪ ،‬مث تستمر تلك الرتبية بعد الوالدة حني يضع املنهج اإلسالمي مسألة الرضاعة‬
‫وتغذية الرضيع من املسائل األساسية اليت تُكلَّف هبا املرأة‪ .‬قال اهلل تعاىل ‪ :‬والوالدات يرضعن أوالدهن‬
‫حولني كاملني ملن أراد أن يتم الرضاعة {البقرة‪.}233 :‬‬
‫ولكي متارس األم ذلك الدور ال بد أن يكون لديها وعي تام بأمهية هذا اجلانب الرتبوي املعتمد على‬
‫الثقافة الصحية املتوازية مع التطبيق العملي هلذه الثقافة‪.‬‬
‫معوقات يف أداء األدوار الرتبوية‪:‬‬
‫إذا كانت تلك بعض األدوار الرتبوية املناطة باملرأة بوصفها ُّأماً فإن مما يُعطل تلك األدوار عن أداء‬
‫مهمتها بفعالية‪ ،‬ومما يعيق اجملتمع عن احلصول على مثار يانعة معوقات من املمكن حصرها يف‪:‬‬
‫‪ - 1‬معوقات ذاتية تتمثل يف‪:‬‬
‫‪ -‬قصور يف اإلعداد النظري للمرأة ملمارسة دورها الرتبوي‪.‬‬
‫‪ -‬قلة وعي املرأة بأمهية دورها الرتبوي وأمهية ناجتها على اجملتمع‪.‬‬
‫‪ -‬إشغال األم أو انشغاهلا مبمارسات ثانوية تعطل وظيفتها األساسية كانشغاهلا بوظيفة خارج املنزل‪.‬‬
‫‪ - 2‬معوقات خارجية تتمثل يف‪:‬‬
‫‪ -‬االعتماد على شخصيات بديلة متارس دور األم كاملربية اخلارجية واخلادمة‪ ،‬ويتأتى ذلك االعتماد‬
‫السليب حني تعتقد األم أن الرتبية عبء ال ناتج له معطل لقدراهتا‪.‬‬
‫‪ -‬تشجيع وسائل اإلعالم املرأة للخروج من املنزل وممارسة أدوار بديلة لدورها األصلي األساسي‪ ،‬بل‬
‫الدعاية لتلك األدوار والوظائف واعتبارها خدمات أولية تقدمها املرأة للمجتمع تفوق يف ناجتها‬
‫دورها الرتبوي‪ ،‬وهذه الدعاية سامهت يف صرف اجملتمع عن تأكيد دور األم املربية إىل تشجيع دور‬
‫األم العاملة أو املرأة العاملة؛ وذلك بتشجيع تأخري اإلجناب‪.‬‬
‫‪ -‬عدم قيام املؤسسات التعليمية بأدوارها يف إعداد املرأة األم وتشجيعها ملمارسة دورها الرتبوي‬
‫إضافة إىل ازدحام قائمة املناهج الدراسية مبواد بعيدة الصلة عن احلاجات الفعلية للمرأة مما يرتتب على‬
‫ذلك عدد من النتائج أبرزها طول فرتة اليوم الدراسي باعتبارها أول تلك النتائج‪ ،‬وثانيها طول فرتة‬
‫املرحلة الدراسية‪ ،‬مث ثالثها ضعف إعداد املرأة تربوياً‪ ،‬وتبعاً لذلك فقد تتأخر املرأة أو تتعطل يف أداء‬
‫دورها الرتبوي‪.‬‬
‫توصيات‪:‬‬

‫‪648‬‬
‫َأخلُص من ذلك كله إىل عدد من التوصيات تتعلق باملرأة املربية والنشء والطفولة بل واألسرة مما‬
‫يعزز فعالية املرأة‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬تكثيف الربامج التعليمية يف مدارس تعليم البنات فيما خيص إعداد املرأة إعداداً فعلياً ألداء‬
‫دورها الوظيفي‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬إنشاء مراكز ألحباث الطفولة والناشئة تكون غايتها حبث أفضل السبل لوضع منهجية تربوية‬
‫قائمة على أصول شرعية قادرة على مواجهة املتطلبات املتصاعدة للحياة العصرية؛ حبيث متد تلك‬
‫املراكز األمهات ودور احلضانة ومدارس املرحلة االبتدائية باألحباث والدراسات فيما خيص الطفولة‬
‫والناشئة وكيفية تواؤمها مع اجملتمع مبا حيافظ على أصالة الرتبية‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬إنشاء مراكز لسالمة الطفولة ودعمها‪ ،‬غايتها بث وعي إعالمي وقائي لألمهات واآلباء فيما‬
‫خيص سالمة أطفاهلن من كافة أنواع املخاطر كحاالت احلرق‪ ،‬والغرق‪ ،‬واخلنق‪ ،‬والسقوط‪ S... ،‬إخل‪.‬‬
‫رابعاً‪ :‬تكثيف املواد اإلسالمية وخاصة مسائل التوحيد يف مناهج ما قبل املدرسة‪ ،‬وعرضها بطريقة‬
‫تناسب عقول الصغار؛ ففي هذه املرحلة تغرس مبادئ التوحيد بأنواعها الثالث يف عقوهلم الغضَّة‪ ،‬مما‬
‫يشكل دعماً جلهود الوالدين يف تلك القضية‪.‬‬
‫خامساً‪ :‬إنشاء هيئة عليا للدراسات األسرية الرتبوية ختتص بتذليل كافة السبل لدعم الربامج الرتبوية‬
‫يف مناهج التعليم‪ ،‬وهتيئة الظروف لتحقيق توافق أسري داخل البيوت من خالل الربامج والدورات‬
‫التدريبية اليت تشمل فيما تشمل دورات أسرية ملرحلة ما قبل الزواج مث مرحلة ما بعد الزواج‪ ،‬كما‬
‫يكون من ضمن اختصاصها فتح قنوات اتصالية مع األمهات لبحث ما يعرتيهن من مشاكل تربوية‬
‫تعيقهن عن أداء دورهن‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪649‬‬
‫سنن الفطرة وآثارها التربوية‬
‫عراد الشهري‬ ‫صاحل أبو َّ‬
‫إن اإلسالم دين الفطرة اليت قال فيها احلق سبحانه‪((:‬فِطْر ‪ِ S‬‬
‫ت اهلل الَيِت فَطََر الن َ‬
‫َّاس َعلَْي َها)) وتتمثل هذه‬ ‫َ َ‬
‫الفطرة يف طهارة املسلم ظاهراً وباطناً‪ ،‬فأما طهارة الباطن فهي متعلقة بالقلب وتعين تطهري النفس‬
‫اإلنسانية من الشرك باهلل ‪ ،‬وتتطلب إخالص العبادة هلل وحده ال شريك له ‪ ،‬والقيام باألعمال‬
‫الصاحلة واألفعال اخلرية ‪ .‬وأما طهارة الظاهر فهي الفطرة العملية اليت تشتمل على كل ما كان متعلقاً‬
‫جبمال املظهر عند اإلنسان املسلم وحسن مسته ‪ .‬ملا يف ذلك من مالءمة للفطرة السوية اليت خلق اهلل‬
‫اإلنسان عليها ‪ ،‬والتزام هبدي النبوة املبارك‪ .‬فعن ابن عباس ‪ -‬رضي اهلل عنهما ‪ -‬أن النيب ‪-  -‬‬
‫قال ‪" :‬إن اهلدي الصاحل والسمت الصاحل واالقتصاد جزء من مخسة وعشرين جزءاً من النبوة" رواه‬
‫أبو داوود ‪.‬‬
‫وألن اإلسالم هو دين الفطرة الذي عرف أسرارها ‪ ،‬وكشف خباياها ‪ ،‬وسرب أغوارها ‪ ،‬فقد قدم هلا‬
‫ما يُصلحها وما يصلح هلا من تعاليم وسنن وتوجيهات جاءت كالثوب املناسب ملختلف األعضاء ‪،‬‬
‫واملالئم لشىت األبعاد ‪ .‬لذلك كله جاءت سنن الفطرة لتشكل رافداً من روافد الرتبية اجلمالية يف حياة‬
‫املسلم ‪ ،‬ولتعرض منوذجاً مثالياً حلياة املصطفى ‪ ،-  -‬كما إهنا حتقق معىن التوازن الذي تفتقده‬
‫مجيع الفلسفات البشرية اليت عرفها اإلنسان قدمياً وحاضراً حيث إهنا ترتكز مرة على اجلانب اجلسدي‬
‫‪ ،‬وتارة على اجلانب العقلي ‪ ،‬وأخرى على اجلانب النفسي وهكذا‪..‬‬
‫كل هذا يعين أن سنن الفطرة تضع الشخصية املسلمة يف وضع متوازن عادل ميثل الوسطية املطلوبة‬
‫فال إفراط وال تفريط ‪ .‬وليس هذا فحسب بل إن هذه السنن يف جمموعها متنح اإلنسان تكرمياً إهلياً‬
‫يأيت كأبدع ما يكون التكرمي ‪.‬‬
‫وهذا البحث يقدم من خالل سنن الفطرة منوذجاً للرتبية اإلسالمية يتحقق يف كرامة اإلنسان املسلم‬
‫الذي أراد اهلل ‪-‬جل وعال‪ -‬أن يكون خليفة يف األرض ‪ ،‬ويتمثل يف توازن شخصيته يف جوانبها‬
‫املختلفة ‪ ،‬كما يتحقق فيه أيضاً هدف الرتبية الغائي يف استقامة اإلنسان واستقامة احلياة‪ ،‬وذلك أمسى‬
‫ما تصبو إليه الرتبية‪ ،‬عند بنائها لشخصية اإلنسان املسلم ‪.‬‬
‫سنن الفطرة منوذج تربوي نبوي ‪:‬‬
‫حتتاج كل تربية إىل منوذج واضح جيسد معامل هذه الرتبية ويوضح تعاليمها بصورة واقعية تنقل اجملرد‬
‫إىل حمسوس ‪ ،‬والقول إىل عمل ‪ ،‬والنظرية إىل تطبيق ‪.‬‬
‫ويف الرتبية اإلسالمية ال يوجد أعظم وال أكمل وال أفضل من شخصية حممد ‪ -  -‬لتكون منوذجاً‬
‫حياً ‪ ،‬وقدوة حسنة لإلنسان املسلم يف كل زمان ومكان ‪ .‬وال ريب فهو من اصطفاه ربه ‪-‬جال‬
‫ِ ِ‬
‫ُأس َوةٌ َح َسنَةٌ)) [األحزاب ‪ . ]21‬وهو الذي بعثه‬ ‫وعال‪ -‬وقال فيه ‪(( :‬لََق ْد َكا َن لَ ُك ْم يِف َر ُسول اللَّه ْ‬

‫‪650‬‬
‫ث فِي ِه ْم َر ُسوالً ِّم ْن‬ ‫ِِ‬
‫اهلل ألمته معلماً ومزكياً ومربياً ‪ .‬قال تعاىل‪(( :‬لََق ْد َم َّن اللَّهُ َعلَى املُْؤ من َ‬
‫ني إ ْذ َب َع َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ْمةَ)) [آل عمران ‪ . ]164‬وهو الذي‬ ‫اب واحْل ك َ‬ ‫َأن ُفس ِه ْم َيْتلُو َعلَْي ِه ْم آيَاته ويَُز ِّكي ِه ْم ويُ َعلِّ ُم ُه ُم الكتَ َ‬
‫َّك لَ َعلَى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم))‬
‫مدحه ربه سبحانه مبا منحه فقال له سبحانه يف كلمات موجزات ‪(( :‬وإن َ‬
‫[القلم ‪ . ]4‬فكان كل خلق فاضل وسلوك سليم متمثل يف حياة رسول اهلل وشخصيته املتكاملة اليت‬
‫استوعبت كل جوانب احلياة ‪.‬‬
‫جسد الرسول ‪ -  -‬منهج الرتبية اإلسالمية السامية يف الواقع العملي حلياته متمثالً يف‬ ‫وبذلك َّ‬
‫سنن الفطرة ‪ .‬من هنا كان للمحافظة على هذه السنن أثر تربوي عظيم يتمثل يف أن التزام املسلم هبا‬
‫وتطبيقه هلا يف واقع حياته يدل على أمرين مها ‪:‬‬
‫* التصديق مبا ورد يف سرية الرسول والتقليد واالتباع هلدي الرتبية النبوية يف كافة األعمال ومجيع‬
‫التصرفات ‪ .‬وهذا بدوره كفيل بتعود اجملتمع املسلم مبن فيه من أفراد على السمع والطاعة واالمتثال‬
‫ألوامر اهلل والرسول ‪ ، -  -‬ال سيما وأن يف الناس نزعة فطرية لتقليد وحماكاة من حيبون ‪ ،‬وليس‬
‫هناك أحب عند املسلم من رسول اهلل ‪. -  -‬‬
‫* اختاذ القدوة احلسنة من املعلم األول واملريب األعظم ‪ -  -‬كشخصية فذة متكاملة متوازنة ‪.‬‬
‫وتتضح هذه القدوة يف اهتمامه باجلوانب املتعلقة باجلانب اجلسمي والنظافة العامة حينما يتفقد املسلم‬
‫أظافره فيقصها ‪ ،‬وفمه فينظفه ‪ ،‬وأسنانه فيسوكها ‪ ،‬وشاربه فيقصه ‪ ،‬وإبطيه فينتفهما‪ ...‬اخل ‪.‬‬
‫وهذا بدوره ينفي الزعم الباطل القائل بأن اإلسالم ال يهتم بالناحية اجلسمية بل ويؤكد قضية التوازن‬
‫يف اهتمام الرتبية اإلسالمية ورعايتها ملختلف اجلوانب اجلسمية والروحية والعقلية ‪ ،‬فال يستغرب بعد‬
‫ذلك أن يعرف املسلم ألول وهلة حني يرى مسته ووقاره ‪ ،‬وهيئته اخلارجية وشكله العام الذي مييزه‬
‫عن غريه من الناس‪ .‬ألن هذه السنن يف جمموعها جعلت له شخصية مميزة ‪ ،‬ومظهراً خاصاً ‪،‬‬
‫ومنوذجاً فريداً يقتدي فيه بإمام الطاهرين وقدوة الناس أمجعني ‪. -  -‬‬
‫سنن الفطرة والرتبية اجلمالية ‪:‬‬
‫تدعو الرتبية اإلسالمية دائماً ‪ ،‬وحتث على االهتمام باملظهر الشخصي والناحية اجلمالية ‪ ،‬ليكون‬
‫املسلم مجيالً يف مظهره ‪ ،‬متناسقاً يف هندامه ‪ ،‬بعيداً عن الدروشة والقذارة واإلمهال ‪ .‬قال تعاىل‪(( :‬يَا‬
‫ند ُك ِّل َم ْس ِج ٍد)) [األعراف ‪ . ]31‬فاهلل سبحانه كما جاء يف احلديث ‪:‬‬ ‫آد َم ُخ ُذوا ِزينَتَ ُك ْم ِع َ‬‫بَيِن َ‬
‫"مجيل حيب اجلمال" ‪ .‬وليس هذا فحسب بل إن يف ذلك إشباع حلاسة اجلمال يف نفس املسلم ‪،‬‬
‫فيتولد يف أعماقه إميان شديد بعظمة اخلالق سبحانه الذي أحسن كل شيء خلقه ‪ ،‬والذي صورنا‬
‫فأحسن صورنا ‪ ،‬وخلقنا يف أحسن تقومي ‪.‬‬
‫ومن عناية اإلسالم باملظهر احلسن واهليئة اجلميلة أمره للمسلم وحثه إياه لاللتزام بسنن الفطرة اليت‬
‫تريب املسلم تربية مجالية تتمثل يف ‪:‬‬

‫‪651‬‬
‫ين)) [التوبة‬ ‫* الطهارة احلسية اجلسدية ‪ ،‬وهي مما حيبه اهلل سبحانه ‪ .‬قال تعاىل ‪(( :‬واللَّهُ حُيِ ُّ‬
‫ب املُطَّ ِّه ِر َ‬
‫‪ . ]108‬وملا روي عن الرسول ‪ -  -‬أنه قال ‪" :‬تنظفوا فإن اإلسالم نظيف" رواه ابن حبان ‪.‬‬
‫ويتمثل ذلك يف تطهري البدن بالوضوء والغسل فينعكس ذلك بدوره على املظهر اخلارجي ‪.‬‬
‫* الطهارة املعنوية اليت تغرس يف النفوس تطهري الضمري كعبادة وطاعة وامتثال ألوامر اهلل سبحانه‬
‫ورسوله ‪. -  -‬‬
‫وهذه الرتبية اجلمالية تؤدي بدورها إىل تطهري النية والعمل والسلوك ‪ ،‬فنظافة املظهر مدعاة لنظافة‬
‫اجلوهر ‪ ،‬ونظافة الشكل مدعاة لنظافة الضمري ‪ ،‬ونظافة الفرد مدعاة لنظافة اجملتمع ‪ .‬وبذلك يتحقق‬
‫بعد تربوي إسالمي عظيم متمثل يف طهارة اجملتمع املسلم طهارة معنوية من الفواحش واملعاصي‬
‫والذنوب واآلثام ‪ ،‬فرتتفع النفس املسلمة من رجس الفوضى وأوحال الوحشية إىل نظافة األخالق‬
‫وهتذيب السلوك ‪ .‬ومن مث يتم تطهري احلياة االجتماعية عامة حىت تصبح الرتبية شاملة للنفس والعقل‬
‫واجلسم ‪.‬‬
‫وليس هذا فحسب بل إن يف هذه السنن مدعاة لتأليف القلوب ومد جسور احملبة واملودة ‪ ،‬وتوطيد‬
‫الصلة بني اإلنسان املسلم وزوجه ‪ ،‬فتكون حياهتما مبنية على الرمحة واملودة ‪ ،‬وقائمة على السكن‬
‫والراحة والقبول ‪ .‬وليس أمجل من أن يكون ‪ -‬كال الزوجني مناسباً لآلخر ‪ ،‬ومالئماً له ‪ ،‬مقبوالً‬
‫عنده يف شكله وهيئته ألن ذلك مدعاة لالئتالف والرضى ‪ ،‬وسبب مباشر لقناعة كل منهما باآلخر ‪.‬‬
‫وهذا بدوره سيؤدي إىل استمرارية سعادهتما الزوجية ‪.‬‬
‫ولقد كان النيب ‪ -  -‬قدوة حتتذى يف هذا الشأن ‪ .‬يقول ابن اجلوزي ‪" :‬كان النيب ‪-  -‬‬
‫قل مهه ‪ ،‬ومن طاب رحيه زاد‬ ‫أنظف الناس وأطيب الناس" ‪ .‬وقد قالت احلكماء ‪ :‬من نظف ثوبه ّ‬
‫عقله ‪ ،‬ومن طال ظفره قصرت يده ‪ .‬مث إن املسلم بالتزام سنن الفطرة يقرب من قلوب اخللق ‪ ،‬وحتبه‬
‫النفوس لنظافته وطيبه ‪ .‬كما أن سنن الفطرة تنمي لدى اإلنسان اإلحساس باجلمال ‪ ،‬وتنمي طاقاته‬
‫وملكاته املستشعرة ملعىن اجلمال يف خلق اهلل سبحانه ‪.‬‬
‫وأحسب أن قول النيب ‪" : -  -‬إن اهلل مجيل حيب اجلمال" إمنا هو دعوة إىل التخلق والتحلي‬
‫باجلمال الذي هو البهاء واحلسن ومجال الصورة ومجال املعىن على حد سواء ‪.‬‬
‫سنن الفطرة والتوازن يف شخصية املسلم ‪:‬‬
‫مما ال شك فيه أن الكيان البشري يشتمل على عدة وحدات هي ‪ :‬اجلسم ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والروح ‪.‬‬
‫ولذلك فإن الرتبية اإلسالمية حرصت على الربط بني هذه الوحدات لتجعل منها كياناً واحداً‬
‫مرتابطاً ‪ ،‬واختطت لذلك منهجاً فريداً يف إحاطته جبميع اجلوانب اإلنسانية ‪ ،‬فجاء هذا املنهج‬
‫متوازناً مهتماً بالذات اإلنسانية يف كل حاالهتا ‪ .‬وال ريب فهي تربية لإلنسان كله جسمه وعقله ‪،‬‬

‫‪652‬‬
‫روحه ووجدانه ‪ُ ،‬خلقه وسلوكه ‪ ،‬سرائه وضرائه ‪ ،‬شدته ورخائه ‪ ،‬أي أهنا تشمل كل اجلوانب‬
‫الشخصية دون قهر أو كبت أو فوضى أو تسيب أو إفراط أو تفريط‪.‬‬
‫ولذلك جاءت شخصية اإلنسان املسلم متوازنة سوية متكاملة ‪ ،‬ال يطغى فيها جانب أو يهمل على‬
‫حساب اجلانب اآلخر ‪ .‬وهذا هو ما نلمسه يف هذه السنة هي اليت إىل جانب كوهنا من املظاهر‬
‫الدنيوية فهي عبادة يثاب عليها املرء ‪ ،‬وتكسبه األجر والثواب مىت قصد هبا وجه اهلل سبحانه‬
‫واالقتداء هبدي النبوة ‪ .‬وهذا بدوره يربط بني اهلدفني الديين والدنيوي للرتبية اإلسالمية ‪ .‬وبذلك‬
‫يتحقق التوازن يف شخصية اإلنسان املسلم حينما نرى أن التزامه هبذه السنة جيعل اجلسم حيظى حبق‬
‫من العناية والرعاية واالهتمام فيما خيص املظهر اخلارجي والشكل العام الالئق املقبول ‪ .‬فيدل ذلك‬
‫على أن اإلنسان ينعم بعقل راجح وتفكري سديد ‪ ،‬ومدارك واسعة وفهم عميق حلقائق األشياء‬
‫وجوهرها ‪ .‬األمر الذي يدفعه من مث إىل السمو الروحي والرفعة اإلنسانية والتعايل عن سفاسف‬
‫األمور وصغائرها وحطامها املادي احلقري ‪.‬‬
‫كما أن اتباع املسلم ملا يسمى بسنن الفطرة يؤدي إىل ما يسمى بالقبول االجتماعي للفرد ‪ .‬حني‬
‫يقرتب منه الناس ويطمئنون إليه ويعاملونه بكل حب وتقدير واحرتام ألنه يفرض ذلك عليهم حبسن‬
‫مظهره وحسن تدبريه ‪ .‬لذلك كله نقول ونؤكد أن دين اإلسالم هو الدين الوحيد القادر على ربط‬
‫اإلنسان خبالقه وإصالح حاله يف كل زمان ومكان حينما ميشي على األرض جبسم ‪ ،‬ويتوجه بروحه‬
‫إىل السماء ليستمد منها أنوار اهلداية واملعرفة فيحكم عقله فيها وخيتار منها ما يناسب حاله ‪ ،‬ويوافق‬
‫قدراته ‪ ،‬ويليب حاجاته ‪ ،‬فتسري حياته وفق منهج مستقيم وهدي قومي ‪.‬‬
‫سنن الفطرة دليل تكرمي اهلل لإلنسان املسلم ‪:‬‬
‫ملا كان الدين اإلسالمي هو املنهج الرباين املتكامل واملناسب للفطرة اإلنسانية ‪ ،‬ألنه جاء من عند‬
‫اخلالق ‪-‬عز وجل‪ -‬لصياغة شخصية اإلنسان صياغة متوازنة متكاملة ‪ ،‬ال ترفعه إىل مقام األلوهية ‪،‬‬
‫وال هتبط به إىل درك احليوانية أو البهيمية ‪ ،‬وإمنا لتجعل منه خري منوذج على األرض ؛ فقد خصه ‪-‬‬
‫جل وعال‪ -‬بتكرمي يليق به لكونه ُجعل يف األرض خليفة ليعمرها وينشر منهج اهلل بني ربوعها ويقيم‬
‫شريعته فيها ‪ .‬مث ألنه ‪ -‬جال وعال ‪ -‬خلقه يف أحسن تقومي فكرمه بالصورة احلسنة واملظهر اجلميل ‪،‬‬
‫فكانت سنن الفطرة عامالً مهماً يف إبراز هذا اجلمال واحملافظة عليه ‪ .‬وليس هذا فحسب بل إن اهلل‬
‫ك لِْل َمالِئ َك ِة إيِّن َخالِ ٌق بَ َشراً ِّمن‬
‫كرم اإلنسان بأن نفخ فيه من روحه ‪ ،‬قال تعاىل ‪(( :‬إ ْذ قَ َال َربُّ َ‬
‫ين)) [سورة ص ‪-71‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ون * فَإذَا س َّويتُه و َن َفخ ِ ِ ِ‬
‫ص ْلص ٍال ِّمن مَح ٍأ َّمسنُ ٍ‬
‫ت فيه من ُّروحي َف َقعُوا لَهُ َساجد َ‬ ‫َ ُْ ْ ُ‬ ‫َ َ ْ َ ْ‬
‫‪ . ]72‬فكان ذلك تكرمياً للكائن البشري ومتييزاً له عن سائر املخلوقات ‪ ،‬إضافة إىل ما خصه اهلل به‬
‫من نعمة العقل ‪ .‬فكان للجانب العقلي انعكاس على سلوكه وتصرفاته جتعله حيكم ذلك العقل كثرياً‬
‫‪ ،‬ال سيما وأن ذلك العقل يعد مناط التكرمي اإلهلي لإلنسان ‪.‬‬

‫‪653‬‬
‫ولعلنا ال نبالغ إذا قلنا أن يف هذه اخلصال والسنن النبوية منطاً تربوياً إسالمياً يتناسب مع مسئوليات‬
‫هذه اخلالفة ووظائف تعمري الكون ‪ ،‬إىل جانب كوهنا حتقق مبدأ التكرمي اإلهلي لإلنسان يف هذه‬
‫احلياة الدنيا ‪ .‬وهو أمر يتميز به اإلنسان عن غريه من الكائنات احلية األخرى لقوله تعاىل ‪(( :‬ولََق ْد‬
‫اه ْم َعلَى َكثِ ٍري مِّم َّْن َخلَ ْقنَا‬ ‫َكَّرمنَا بيِن آدم ومَح ْلنَاهم يِف البِّر والْبح ِر ورز ْقنَاهم ِّمن الطَّيِّب ِ‬
‫ض ْلنَ ُ‬
‫ات وفَ َّ‬‫ْ َ ََ َ ُ ْ َ َ ْ َ َ ُ َ َ‬
‫ضيالً)) [اإلسراء ‪ . ]70‬ففي قص األظافر مثالً متييز لإلنسان املسلم عن غريه من الكائنات ذات‬ ‫َت ْف ِ‬
‫املخالب من كواسر وقوارض وحنوها ‪ .‬ويف حلق الشعر وقصه ونتفه متييز لإلنسان املسلم عن غريه‬
‫من املخلوقات ذات الشعور املرسلة ‪ ،‬واملسدلة على أجسادها بال ترتيب وال انتظام ‪ .‬ويف السواك‬
‫واملضمضة متييز لإلنسان املسلم عن غريه من الكائنات اليت ال تنظف أفواهها وال تعتين بنظافة‬
‫أسناهنا‪ ..‬وهكذا ‪.‬‬
‫وهذا فيه رفع ملستوى اإلنسان املسلم وتكرمي له على غريه من الكائنات واملخلوقات األخرى لذا‬
‫كان على اإلنسان املسلم أن حيرتم هذه املكانة اليت أنزله اهلل إياها ‪ ،‬وأال يهبط هبا عن مستواها‬
‫اإلنساين الرفيع الذي خصه اهلل به عمن سواه ‪ .‬ومن هنا نرى أن سنن الفطرة دليل على تكرمي اخلالق‬
‫سبحانه لإلنسان املسلم ألمرين مها ‪:‬‬
‫* إن تكرمي اهلل سبحانه لإلنسان نابع يف األصل من كون هذا اإلنسان حيمل منهج اهلل يف األرض ‪،‬‬
‫وأن هذا املنهج يعتمد على مصدرين رئيسيني أحدمها متمثل يف اتباع اهلدي النبوي والسنة املطهرة ‪.‬‬
‫* أن من السنة االقتداء برسول اهلل ‪ ،‬وهذا حيصل للمسلم عن طريق حمافظته على سنة الفطرة ‪.‬‬
‫سنن الفطرة واالستقامة اإلميانية ‪:‬‬
‫من املسلمات أن الرتبية اإلسالمية تسعى إىل حتقيق غاية عظمى ‪ ،‬وهدف أمسى يتمثل يف استقامة‬
‫النفس البشرية على هنج اإلميان الواضح الصحيح الذي ال تشوبه شائبة ‪ ،‬وذلك أمر ال ميكن حتقيقه‬
‫إال مبمارسة شرائع اإلسالم واتباع تعاليمه ‪ ،‬واالنقياد ألوامره واالبتعاد عن نواهيه ‪ .‬فاالستقامة إذاً‬
‫َأح َس ُن ِديناً‬ ‫((وم ْن ْ‬ ‫مرحلة ثانية تأيت بعد اإلميان ألهنا أثر من آثاره ونتيجة من نتائجه ‪ .‬قال تعاىل ‪َ :‬‬
‫يم َحنِيفاً)) [النساء‪ . ]125:‬وقال ‪" : -  -‬قل ‪:‬‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬
‫وج َههُ للَّه ُ‬
‫وه َو حُمْس ٌن واتَّبَ َع ملةَ ْإبَراه َ‬ ‫مِّم َّْن ْ‬
‫َأسلَ َم ْ‬
‫آمنت باهلل ‪ ،‬مث استقم" رواه مسلم ‪ .‬فهذه االستقامة اإلميانية ال تتحقق إال بالفقه الشرعي ومعرفة‬
‫أمور الدين ‪ ،‬واإلحاطة بتعاليمه ‪ ،‬ورعاية األخالق وتطبيقها يف واقع احلياة ليصبح اإلنسان املسلم‬
‫بذلك كله قدوة صاحلة وأسوة حسنة‪ .‬مث ألنه مىت استقام قلب املسلم على معرفة اهلل سبحانه وعلى‬
‫خشيته وتقواه يف كل حلظة ويف كل صغرية وكبرية؛ استقامت جوارحه كلها على الطاعة واالمتثال ‪.‬‬
‫وهذا يؤهل من قام به والتزمه ليكون من محلة الرسالة اخلالدة الذين قال اهلل سبحانه فيهم ‪َّ :‬‬
‫((إن‬
‫اسَت َق ُاموا َتَتَنَّز ُل َعلَْي ِه ُم املالِئ َكةُ َأالَّ خَتَافُوا وال حَتَْزنُوا وَأبْ ِشُروا بِاجْلَن َِّة الَيِت ُكنتُ ْم‬
‫ْ‬ ‫ين قَالُوا َربُّنَا اللَّهُ مُثَّ‬
‫َ‬ ‫الَ ِذ‬
‫َ‬
‫وع ُدو َن))‪ [ S‬فصلت ‪. ]30‬‬ ‫تُ َ‬

‫‪654‬‬
‫ومن هنا ميكن القول بأن من مثرات التزام املسلم بسنن الفطرة ما حتققه من مالمح االستقامة اإلميانية‬
‫عنده حينما يطبها بشكل مناسب ومقبول يعتمد يف املقام األول على االعتدال واالتزان واالتباع‬
‫هلدي النيب ‪ -  -‬دومنا إفراط أو تفريط ‪ .‬إضافة إىل تربية املسلم على االستمرارية واملواصلة‬
‫واحملافظة على هذه السنن املباركة واخلصال احلميدة ملا فيها من خري للفرد وصالح اجملتمع ‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪655‬‬
‫َع ْشر همسات للنساء‬
‫عبد الرمحن بن حممد السيد‬
‫إىل حفيدات أمساء يف العفة و الطهر و النقاء ‪ ..‬إىل السائرات على درب عائشة و حفصة و مسية ‪..‬‬
‫إىل الطاهرات النقيات التقيات العفيفات ‪..‬‬
‫إىل املغرورات بزخارف الغرب و الشرق الزائفة ‪ ..‬إىل املبهورات حبضارة املتخلفني ‪ ..‬إىل كل من‬
‫عصت رهبا و شقَّت ستور خدرها فخرجت من بيتها كاسية عارية مائلة مميلة فاتنة مفتونة ُأطلِق‬
‫صيحة التحذير و صرخة النذير ‪) 1 ( ..‬‬
‫ِ‬
‫أكرمك اهلل‬ ‫عليك بصحة البدن ‪ ..‬يا من‬ ‫اهلمسة األوىل ‪ :‬أيتها األخت املؤمنة ‪ ..‬يا من أنعم اهلل ِ‬
‫وتقريب إليه وأطيعيه ‪ ..‬فإن طاعته فيها سعادة الدنيا‬ ‫بنعمة اإلسالم ‪ ..‬امحدي اهلل سبحانه واشكريه ‪َّ ..‬‬
‫بعز اآلخرة واألوىل ‪ ..‬قال تعاىل ‪ ( :‬ومن يُطع اهلل ورسوله فقد فاز‬ ‫واآلخرة ‪ ..‬والقرب منه منو ٌط َّ‬
‫فوزاً عظيماً ) ‪.‬‬
‫حجابك وعفافِك ‪ ..‬فاحلجاب طهارةٌ وع ٌفة ونقاء ‪ ..‬قال تعاىل ‪ ( :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫اهلمسة الثانية ‪ :‬حافظي على‬
‫جالبيبهن ذلك أدىن أن يُعرفن فال‬
‫َّ‬ ‫عليهن من‬
‫َّ‬ ‫أيها النيب قل ألزواجك وبناتك ونساء املؤمنني يدنني‬
‫يُؤ َذيْن ) ‪..‬‬
‫نعم ‪ ..‬إنه زينة وعالمة للمرأة الطاهرة الشريفة ‪ ..‬كيف ال ؟ وهو دليل حيائها ‪ ..‬وعالمة نقائها ‪..‬‬
‫سر‬
‫ك اهلل ‪ -‬فإنه ُّ‬‫حجابك ‪ -‬رمِح ِ‬
‫ِ‬ ‫وهو صيانةٌ هلا من شياطني اإلنس واجلن ‪ ..‬فاحرصي على‬
‫ِ‬
‫سعادتك ‪.‬‬
‫الشر لك َ ‪ ..‬وكوين سداً متيناً أمام‬ ‫اهلمسة الثالثة ‪ :‬احذري دعاة التربج والسفور ‪ ..‬فإهنم يريدون َّ‬
‫ِ‬
‫حياؤك‬ ‫وأقض مضاجعهم‬
‫َّ‬ ‫أفكارهم ‪ ..‬وحصناً منيعاً أمام شهواهتم ‪ ..‬نعم يا أختاه ‪ ..‬لقد َّأرقهم‬
‫قونك بركب الفاجرات الغربيات ‪ ..‬من أجل قضاء شهواهتم ‪ ..‬وحتقيق‬ ‫لح ِ‬ ‫ك ‪ ..‬فأرادوا أن ي ِ‬ ‫وعفَّتُ ِ‬
‫ُ‬
‫لك من الناصحني ‪..‬‬ ‫رغباهتم ‪ ..‬فاحذريهم ‪ ..‬إين ِ‬
‫ك عن الغيبة والنميمة ‪ ..‬فإهنما ميحقان احلسنات ‪ ..‬ويأكالن أجور‬ ‫اهلمسة الرابعة ‪ :‬صوين لسانَ ِ‬
‫أحيب أحدكم أن يأكل حلم أخيه ميتاً فكرهتموه‬ ‫الطاعات ‪ ..‬قال تعاىل ‪ ( :‬وال يغتب بعضكم بعضاً ُّ‬
‫)‪.‬‬
‫مث اجتنيب تلك اجملالس اليت حيصل فيها مثل هذه املعاصي واآلثام ‪ ..‬وأكثري من ذكر اهلل وقراءة‬
‫القرآن ‪ ..‬فإهنما من أسباب النجاة من هذه األمور ‪..‬‬
‫رعاك اهلل ‪ -‬على التفقُّه يف أحكام دينِك ‪ ..‬وأمو ِر عقيدتِك ‪..‬‬ ‫اهلمسة اخلامسة ‪ :‬احرصي ‪ِ -‬‬
‫تنس ْي‬
‫وأوصيك بقراءة الكتب النافعة ‪ ..‬والوصايا اجلامعة ‪ ..‬من كتب علمائنا ودعاتنا ‪ ..‬كما ال َ‬
‫حضور جمالس الذكر والعلم ‪ ..‬فإهنا من أسباب حتصيل ذلك ‪..‬‬

‫‪656‬‬
‫سهل اهلل له به طريقاً إىل اجلنة ) ‪.‬‬
‫وتذكري قول الرسول ‪ ( : ‬من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً َّ‬
‫ضحني‬ ‫ِ‬
‫اهلمسة السادسة ‪ :‬أيتها املؤمنة ‪ ..‬ال زال التاريخ يذكر لنا سرَي العظماء من النساء ‪ ..‬الالئي ّ‬
‫ووقتهن ‪ ..‬فربّني العظماء واألبطال ‪ ..‬وسامهن يف إعداد مناذج مشرقة ‪ ..‬حتدَّث عنها العامَل‬
‫َّ‬ ‫جبهدهن‬
‫َّ‬
‫كل تربية عظيمة امرأة عظيمة ‪..‬‬
‫وصفَّق هلا التاريخ ‪ ..‬وقدمياً قالوا ‪ :‬وراء َّ‬
‫‪َ ..‬‬
‫فهل ستكونني ممن نقشت امسها يف جدار الزمن ‪ ..‬ورمست فعلها يف لوحة التاريخ ‪ ..‬وذلك بإنتاج‬
‫ثمر عقيدة التضحية‬ ‫جيل متميِّ ٍز فريد ‪ ..‬تغرسني فيه َّ‬
‫حب دينه وأمته ‪ ..‬وتزرعني فيه روح الفداء ‪ ..‬فيُ ُ‬ ‫ٍ‬
‫‪..‬‬
‫فهيا يا أختاه ‪ ..‬فإن اجلهد لن يضيع ‪ ..‬والعمل لن يبور ‪ ( ..‬وقل اعملوا فسريى اهلل عملكم ورسوله‬
‫واملؤمنون ) ‪.‬‬
‫اهلمسة السابعة ‪ :‬أيتها الكرمية ‪ ..‬احرصي على كثرة النوافل ‪ ..‬وداومي على البذل واإلنفاق ‪..‬‬
‫جنة عرضها األرض والسماوات ‪ ..‬قال تعاىل ‪ ( :‬وسابقوا إىل مغفر ٍة‪ S‬من‬ ‫وكوين من السبَّاقات ‪ ..‬إىل ٍ‬
‫ربكم ) ‪ ..‬وقال ‪ ( :‬ويف ذلك فليتنافس املتنافسون ) ‪..‬‬
‫فهيا يا أختاه ‪ ..‬فامليدان فسيح ‪ ..‬والطريق طويل ‪ ..‬فتزودي بزاد اإلميان ‪ ..‬وتسلحي بسالح الطاعة‬
‫‪ ..‬واملوعد اجلنة ‪..‬‬
‫اهلمسة الثامنة ‪ :‬أيتها الفاضلة ‪ ..‬هل ِ‬
‫مسعت بقصة أم صاحل ؟‬
‫إهنا امرأةٌ عجوز ‪ ..‬مسعت عن فضل الدعوة إىل اهلل تعاىل وعظيم ثواهبا ‪ ..‬فخرجت مع أوالدها إىل‬
‫درها ‪ ..‬وأين اللوايت يقتدين بفعلها ؟‬ ‫وتوجيههن ‪ ..‬فلله ُّ‬
‫َّ‬ ‫ونصحهن‬
‫َّ‬ ‫قرية من القرى ‪ ..‬لتعليم النساء‬
‫قال تعاىل ‪ ( :‬ولتكن منكم أمةٌ يدعون إىل اخلري ويأمرون باملعروف وينهون عن املنكر ) ‪ ..‬فهل‬
‫ستخضعني هلذا النداء الرباين العظيم ‪ ..‬وهل هل ستنقادين هلذا التوجيه اإلهلي اجلليل ؟ أرجو ذلك ‪..‬‬
‫مهومهن ‪..‬‬
‫َّ‬ ‫يشاطرهن‬
‫َّ‬ ‫اهلمسة التاسعة ‪ :‬أيتها املؤمنة ‪ ..‬ال زال الكثري من النساء يتشوقن إىل من‬
‫رعاك اهلل بالقرب من‬ ‫حباجة إىل الصاحلات أمثالِك ‪ ..‬فبادري ِ‬
‫وآالمهن ‪ ..‬فهم ٍ‬
‫َّ‬ ‫أحزاهنن‬
‫َّ‬ ‫ويناصفهن‬
‫َّ‬
‫أخواتك ‪ ..‬وكوين عوناً هلم على الطاعة ‪..‬‬
‫أهل لذلك ‪ -‬إن شاء اهلل ‪ -‬وتذكري قول الرسول‬ ‫ِ‬
‫بل كوين مرشدة هلم إىل اخلري والفالح ‪ ..‬فأنت ٌ‬
‫‪ ( : ‬فو اهلل ألن يهدي اهلل بك رجالً واحداً خريٌ لك من مُحُر النعم ) ‪.‬‬
‫أوصيك بالقراءة يف ِسرَي من سلف من النساء الصاحلات ‪ ..‬الاليت ضربن منوذجاً‬ ‫ِ‬ ‫اهلمسة العاشرة ‪:‬‬
‫رائعاً يف القدوة احلسنة ‪ ..‬واملثال النادر ‪ ..‬والنوع الفريد ‪ ..‬حقاً إن يف سرَي تلك النساء عرباً‬
‫ودروس ‪ ..‬ودرراً وجواهر ‪..‬‬

‫‪657‬‬
‫لك مناذج مضيئة ‪ ..‬وصوراً مشرقة ‪ ..‬من أخبارهم وآثارهم ‪ ..‬ولعلي‬ ‫لذكرت ِ‬ ‫ولوال ضيق املكان ‪..‬‬
‫ُ‬
‫السرَي ‪ ..‬ففيها الشيء‬ ‫ِ‬
‫أحيلك إىل كتب ِّ‬ ‫أن أفرد ذلك يف موضوع الحق ‪ -‬بإذن اهلل ‪ .. -‬ولكين‬
‫الكثري ‪..‬‬
‫ِ‬
‫ويرعاك ‪..‬‬ ‫يتوالك ‪ ..‬وي ِ‬
‫سعدك‬ ‫ِ‬ ‫واهلل‬
‫ُ‬
‫بقلم ‪ /‬أبو معاذ ‪ ..‬عبد الرمحن بن حممد السيد‬
‫صباح االثنني ‪ 1427 11 / 13‬هـ‬
‫ــــــــ‬
‫ـ‬
‫(‪ )1‬هذه املقدمة مقتبسة من كتاب ( أختاه ‪ ..‬مىت االلتزام ) ‪.‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪658‬‬
‫قيِّم نفسك ( للجادين فقط )‬
‫عبد اهلل بن سعيد آل يعن اهلل‬
‫ما هو أمامك اآلن إستبانة تستطيع أن تقيم هبا نفسك ‪ ،‬وأن تصور من خالهلا قدراتك وطاقاتك ‪،‬‬
‫وأمتىن أن تتمعن القراءة فيها مث تضع أمام كل فقرة النسبة اليت تقيم هبا نفسك ‪000‬‬
‫ملحوظة مهمة ‪/‬‬
‫أرجوا بعد الفراغ من اإلستبانة أن ال حتتقر نفسك أو يصيبك اليأس عند الشعور بالقصور‪ ، S‬بل ابدأ‬
‫يف الرقي وادع اهلل بالتوفيق والسداد ‪ ،‬وكذلك أرجوا أن ال تصاب بالغرور حينما جتد بأنك ملم‬
‫هبذه اجلوانب أو بعضها ‪ ،‬بل سل اهلل الثبات والسداد والقبول ‪..‬‬
‫أمهية مثل هذه اإلستبانة ‪-:‬‬
‫أ ‪ -‬التعرف على اجلوانب والوسائل اليت قد تغيب عن الذهن‪00‬‬
‫ب‪ -‬اكتشاف جوانب القصور اليت لدى الفرد ‪00‬‬
‫ج‪ -‬حماولة االرتقاء يف كل وسيلة من اجلوانب اليت ذكرت‪00‬‬
‫د‪ -‬هبذه الوسائل واجلوانب يستطيع اإلنسان أن يريب هبا نفسه ‪ ،‬وولده ‪ ،‬ومن هو حتت يده‪0‬‬
‫إضاءة ‪S...‬‬
‫" كن طبيباً رفيقا يضع دواءه حيث ينفع "‬
‫• اجلانب اإلمياين‬
‫‪ -1‬االعتناء بالقرآن الكرمي تالوة وحفظاً وتدبرا‪) % ( .‬‬
‫‪ -2‬التفكر يف املخلوقات ‪) % ( .‬‬
‫‪ -3‬جلسات الذكر‪) % ( .‬‬
‫‪ -4‬املواعظ ‪) % ( .‬‬
‫‪ -5‬التعاون املشروع على أداء العبادات ‪) % ( .‬‬
‫‪ -6‬االعتناء مبعرفة األمساء والصفات ‪) % ( .‬‬
‫‪ -7‬تذكر املوت والدار اآلخرة ‪) % ( .‬‬
‫‪ -8‬التنافس والتسابق يف اخلري ‪) % ( .‬‬
‫‪ -9‬القدوة احلسنة ‪) % ( .‬‬
‫‪ -10‬االعتناء بدراسة سري السلف ‪) % ( .‬‬
‫‪ -11‬تقوية تعظيم اهلل يف نفسك ‪) % ( .‬‬
‫‪ -12‬حترير القلب من التعلق بغري اهلل‪) % ( .‬‬
‫‪ -13‬العناية بأعمال القلوب ‪) % ( .‬‬

‫‪659‬‬
‫‪ -14‬اجتناب املعاصي ( ‪) %‬‬
‫‪ -15‬الورع واجتناب الشبهات ( ‪) %‬‬
‫‪ -16‬العناية بالنوافل ( ‪) %‬‬
‫إضاءة ‪S...‬‬
‫" إمنا السيل اجتماع النقط"‬
‫• اجلانب العلمي والعقلي ‪---‬‬
‫‪ -1‬تطوير طريقة التعليم ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -2‬تطوير أسلوب اخلطاب ومضمونه‪) % ( 0‬‬
‫‪ -3‬احلماس يف التعلم‪) % ( 0‬‬
‫‪ -4‬احملافظة على الطاقة العقلية‪) % ( 0‬‬
‫‪ -5‬القراءة الواسعة ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -6‬تنويع مصادر التعلم ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -7‬االعتناء بطرق التعليم الفردي ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -8‬تنمية املهارات العقلية ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -9‬اإلبداع وإلبتكار‪) % ( 0‬‬
‫‪ -10‬تعلم مهارات البحث العلمي ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -11‬التخلص من معوقات التفكري السليم‪) % ( 0‬‬
‫التدرب على أشكال التفكري السليم ‪) % ( 0‬‬ ‫‪ّ -12‬‬
‫‪ -13‬تنمية االجتاهات العقلية السليمة‪) % ( 0‬‬
‫‪ -14‬تعلّم أسس التفكري العلمي ‪) % ( 0‬‬
‫حل املشكالت ‪) % ( 0‬‬ ‫‪ -15‬تعلّم طرق ّ‬
‫‪ -16‬القراءة الذكية ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -17‬التعبري اللغوي السليم‪) % ( 0‬‬
‫‪ -18‬االستنباط السليم ‪) % ( 0‬‬
‫إضاءة ‪S...‬‬
‫" ما كل ٍ‬
‫عود ناض ٍر بنضَّار "‬
‫• اجلانب الدعوي‬
‫‪ -1‬تذكر فضل الدعوة وآثارها ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -2‬دراسة سرية الرسول ‪) % (  0‬‬

‫‪660‬‬
‫‪ -3‬دراسة سري األنبياء ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -4‬دراسة التجارب الدعوية القدمية واملعاصرة ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -5‬معرفة جهود أهل الباطل وختطيطاهتم‪) % ( 0‬‬
‫‪ -6‬دراسة الواقع ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -7‬التعرف على وسائل الدعوة وطرقها‪) % ( 0‬‬
‫‪ -8‬التدرج يف اجلانب الدعوي‪) % ( 0‬‬
‫‪ -9‬تنمية املبادرة الفردية ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -10‬تنمية دوافع إنكار املنكر والغرية على حرمات اهلل‪) % ( 0‬‬
‫‪ -11‬تنمية املهارات الدعوية‪) % ( 0‬‬
‫‪ -12‬تنمية دوافع النصيحة‪) % ( 0‬‬
‫‪ -13‬تنمية مهارات اإلقناع ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -14‬تنمية مهارات احلوار ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -15‬تنمية مهارات اإللقاء واخلطابة‪) % ( 0‬‬
‫‪ -16‬تنمية مهارات الكتابة ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -17‬تنمية املهارات القيادية‪) % ( 0‬‬
‫‪ -18‬االرتقاء بالثقافة الدعوية ‪) % ( 0‬‬
‫إضاءة ‪S...‬‬
‫قال الشاعر ‪/‬‬
‫ِ‬
‫كالفحمة‬ ‫القلب‬ ‫ِ‬
‫عجبت ملن ثوبه الم ٌع ولكنما ُ‬
‫مظاهر براقة حتتها حبار من الزيف والظلمة‬
‫اجلانب اخللقي والسلوكي‬
‫‪ -1‬االعتناء بشمائل الرسول ‪) % (  0‬‬
‫‪ -2‬جمالسة العلماء الربانيني‪) % ( 0‬‬
‫‪ -3‬تنقية النفس من األخالق السيئة ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -4‬حتقيق الع ّفة والبعد عن الفواحش‪) % ( 0‬‬
‫‪ -5‬حفظ اللسان واملنطق‪) % ( 0‬‬
‫‪ -6‬الرتبية على اجلدية‪) % ( 0‬‬
‫العزة والشجاعة ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -7‬الرتبية على ّ‬
‫‪ -8‬الرتبية على الوقار ومعايل املروءة‪) % ( 0‬‬

‫‪661‬‬
‫‪ -9‬الرتبية على الصمت واهلدي احلسن‪) % ( 0‬‬
‫‪ -10‬الرتبية على األدب مع األكابر‪) % ( 0‬‬
‫‪ -11‬الرتبية على رعاية آداب اجملالس‪) % ( 0‬‬
‫‪ -12‬الرتبية على الرجولة واخلشونة وعدم الرتف‪) % ( 0‬‬
‫‪ -13‬الرتبية على العزمية والبعد عن الكسل ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -14‬الرتبية على اغتنام األوقات‪) % ( 0‬‬
‫‪ -15‬الرتبية على النظام يف احلياة والتفكري ‪) % ( 0‬‬
‫إضاءة ‪S...‬‬
‫" ال تضخم القضايا على حساب القضايا األخرى "‬
‫• اجلانب االجتماعي‬
‫‪ -1‬تعلم اآلداب واألحكام الشرعية يف احلياةاإلجتماعية‪) % (0‬‬
‫‪ -2‬مزاولة األنشطة والربامج الرتوحيية‪) % ( 0‬‬
‫‪ -3‬التعاون مع اجلمعيات اخلريية ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -4‬التعويد على حتمل املسؤولية ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -5‬تنمية إتقان مهارات العمل ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -6‬اكتساب اخلربات ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -7‬االرتقاء بالوعي االجتماعي ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -8‬االرتقاء بالوعي االقتصادي ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -9‬االرتقاء بالوعي السياسي ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -10‬تنمية القدرة على بناء عالقات اجتماعية ناجحة‪) % (0‬‬
‫‪ -11‬تنمية الشعور باملسؤولية االجتماعية ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -12‬تنمية روح التعاون والعمل اإلجتماعي‪) % ( 0‬‬
‫‪ -13‬الرتبية على االهتمام بأحوال املسلمني‪) % ( 0‬‬
‫‪ -14‬غرس الشعور بشرف االنتماء لألمة اإلسالمية‪) % ( 0‬‬
‫إضاءة ‪S...‬‬
‫" عوض ما فا تك "‬
‫• اجلانب النفسي‬
‫‪ -1‬العدل يف التعامل‪) % ( 0‬‬
‫‪ -2‬االهتمام ومراعاة املشاعر‪) % ( 0‬‬

‫‪662‬‬
‫‪ -3‬االعتدال يف رعاية الشباب‪) % ( 0‬‬
‫‪ -4‬حتقيق االستقرار األسري ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -5‬تفعيل دور األسرة ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -6‬تفريغ الطاقة ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -7‬ملء الفراغ ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -8‬غرس الثقة بالنفس ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -9‬حتسني فهمك للذات ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -10‬إشباع احلاجات النفسية‪) % ( 0‬‬
‫‪ -11‬توجيه االنفعاالت وضبطها‪) % ( 0‬‬
‫‪ -12‬الوقاية من االحنرافات واالضطرابات النفسية‪) % (0‬‬
‫‪ -13‬حتقيق احلب والبغض يف اهلل ‪) % ( 0‬‬
‫‪ -14‬تقوية اإلرادة ‪) % ( 0‬‬
‫وأخريا ‪/‬‬
‫أرجوا أن تبحث عن الوسائل اليت تقودك للفوز بتنمية هذه اجلوانب يف حياتك ‪000‬‬
‫*املرجع الذي ساعدين يف صياغة هذه اإلستبانة هو كتاب ‪ /‬تربية الشباب األهداف والوسائل‬
‫للدكتور حممد بن عبد اهلل الدويش ‪..‬‬
‫يوم اخلميس ‪11/4/1429‬هـ‬
‫مخيس مشيط‪.‬‬
‫‪Assy_2005@hotmail.com‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪663‬‬
‫المنهج النبوي في التعامل مع النساء‬
‫د‪.‬حممد علي الغامدي‬
‫لقد أمر اهلل تعاىل بأن يُعاشر النساء باملعروف فقال جل ذكره‪( :‬وعاشروهن باملعروف)‪ ،‬واملعروف‬
‫كلمة جامعة لكل فعل وقول وخلق نبيل يقول احلافظ بن كثري رمحه اهلل يف التفسري‪ :‬أي طيبوا‬
‫أقوالكم هلن وحسنوا أفعالكم وهيئاتكم حبسب قدرتكم كما حتب ذلك منها فافعل أنت هبا مثله كما‬
‫قال تعاىل‪ ( :‬وهلن مثل الذي عليهن باملعروف) وقال رسول اهلل ‪( : ‬خريكم خريكم ألهله وأنا‬
‫خريكم ألهلي)‪ ،‬وكان من أخالقه ‪ ‬أنه مجيل العشرة دائم البشر يداعب أهله ويتلطف هبم‬
‫ويوسعهم نفقته ويضاحك نساءه''‪.‬‬
‫جل ذكره‪( :‬لقد‬‫لقد كان عليه الصالة والسالم القدوة احلسنة ألمته‪ ،‬والنموذج البشري الكامل قال ّ‬
‫كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة)‪ ،‬واحلديث عن هديه عليه الصالة والسالم مع النساء حديث‬
‫طويل متشعب وال غرو فقد أوضح ألمته‪( :‬أهنن شقائق الرجال)‪ ،‬ولعلي أقصر حديثي عن هديه‬
‫الشريف مع نسائه‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ S:‬كيف عاش عليه الصالة والسالم زوجا؟ وكيف تعامل مع‬
‫نسائه؟ وكيف راعى نفسياهتن؟ وماهي وصاياه وإرشاداته للرجال بضرورة رعاية حقهن زوجات‪،‬‬
‫وأمهات ألوالدهم؟ وحسيب أن أسوق بعض األحاديث دون شرح أو تعليق فهي كافية يف إيضاح‬
‫املراد مكتفيا باإلشارة إىل بعض ماتدل عليه تلك األحاديث الشريفة‪:‬‬
‫* فقد أوصى هبن خريا يف نصوص كثرية‪ :‬منها حديث أيب هريرة عن رسول اهلل ‪ ‬أنه قال‪( :‬اللهم‬
‫إين أحرج حق الضعيفني اليتيم واملرأة)‪ S،‬وحديث أيب ذر عن مسرة بن جندب قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪‬‬
‫‪( :‬إن املرأة خلقت من ضلع فإن أقمتها كسرهتا فدارها تعش هبا)‪ .‬وعن أيب هريرة قال‪ :‬قال رسول‬
‫اهلل ‪ ( : ‬أكمل املؤمنني إميانا أحسنهم خلقا وخياركم خيارهم لنسائهم) ويف لفظ (وألطفهم‬
‫بأهله)‪.‬‬
‫وعن هبز قال حدثين أيب عن جدي قال قلت يا رسول اهلل نساؤنا ما نأيت منها و ما ندع؟ قال‪:‬‬
‫حرثك أىن شئت غري أن ال تقبح الوجه وال تضرب وأطعمها إذا طعمت واكسها إذا اكتسيت وال‬
‫هتجرها إال يف بيتها كيف وقد أفضى بعضكم إىل بعض إال مبا حل عليها‬
‫ورهب من تزوج بأكثر من واحدة مث مل يعدل بينهن‪ :‬عن أيب هريرة عن النيب ‪ ‬قال‪:‬‬ ‫وخوف ّ‬ ‫* ّ‬
‫(من كان له امرأتان مييل إلحدامها على األخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل)‪.‬‬
‫* وأرشد بفعاله ومقاله إىل أمهية مراعاة ما طبعن عليه من الغرية‪ :‬عن أنس قال‪( :‬كان النيب ‪ ‬عند‬
‫إحدى أمهات املؤمنني فأرسلت أخرى بقصعة فيها طعام فضربت يد الرسول فسقطت القصعة‬
‫فانكسرت فأخذ النيب ‪ ‬الكسرتني فضم إحدامها إىل األخرى فجعل جيمع فيها الطعام ويقول‬
‫غارت أمكم كلوا فأكلوا فأمر حىت جاءت بقصعتها اليت يف بيتها فدفع القصعة الصحيحة إىل الرسول‬

‫‪664‬‬
‫وترك املكسورة يف بيت اليت كسرهتا)‪ ،‬وعن عائشة قالت‪ ( :‬افتقدت النيب ‪ ‬ذات ليلة فظننت أنه‬
‫ذهب إىل بعض نسائه فتحسست مث رجعت فإذا هو راكع أو ساجد يقول سبحانك وحبمدك ال إله‬
‫إال أنت فقلت بأيب وأمي إنك لفي شأن وإين لفي آخر)‪ ،‬وقالت أيضاً‪ ( :‬التمست رسول اهلل ‪‬‬
‫فأدخلت يدي يف شعره فقال قد جاءك شيطانك فقلت أما لك شيطان؟ قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكن اهلل أعانين‬
‫عليه فأسلم)‪.‬‬
‫* وكان وفيا لبعض نسائه غاية الوفاء حىت بعد وفاهتن‪ :‬فعن عائشة قالت‪( :‬ما غرت على امرأة ما‬
‫غرت على خدجية من كثرة ذكر رسول اهلل ‪ ‬هلا قالت وتزوجين بعدها بثالث سنني)‪.‬‬
‫* كما كان عليه الصالة والسالم يتيح هلن أن ينفذن شيئا من غريهتن حبيث ال يتجاوزن احلد‬
‫املشروع‪ ،‬ويضفي على سلوكهن ذلك املرح واالبتسامة‪ :‬فعن أيب سلمة قال‪ :‬قالت عائشة‪'' :‬زارتنا‬
‫سودة يوما فجلس رسول اهلل ‪ ‬بيين وبينها إحدى رجليه يف حجري واألخرى يف حجرها فعملت‬
‫هلا حريرة أو قال خزيرة فقلت كلي فأبت فقلت لتأكلي أو أللطخن وجهك فأبت فأخذت من‬
‫القصعة شيئا فلطخت به وجهها فرفع رسول اهلل ‪ ‬رجله من حجرها تستقيد مين فأخذت من‬
‫القصعة شيئا فلطخت به وجهي ورسول اهلل ‪ ‬يضحك فإذا عمر يقول‪ :‬يا عبد اهلل بن عمر يا عبد‬
‫اهلل بن عمر فقال لنا رسول اهلل ‪'' : ‬قوما فاغسال وجوهكما فال أحسب عمر إال داخال''‪.‬‬
‫* بل إنه عليه الصالة والسالم بنّي ألمته أن اللهو واللعب مع الزوجة مما يثاب عليه الرجل ‪ ،‬بل ال‬
‫يعد من اللهو أصال‪ :‬ففي حديث عطاء بن أيب رباح قال‪ :‬رأيت جابر بن عبد اهلل وجابر بن عمري‬
‫األنصاريني يرميان فمل أحدمها فجلس فقال اآلخر كسلت مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪ ( :‬كل شيء‬
‫ليس من ذكر اهلل فهو لغو وهلو إال أربعة خصال مشي بني الغرضني وتأديبه فرسه ومالعبته أهله‬
‫وتعليم السباحة ) ‪.‬‬
‫* وكان يراعي فيهن حاهلن والسن اليت كان عليها بعضهن‪ :‬فعن عائشة قالت‪( :‬كنت ألعب بالبنات‬
‫فرمبا دخل علي رسول اهلل ‪ ‬وصواحبايت عندي فإذا رأين رسول اهلل ‪ ‬فررن فيقول رسول اهلل‬
‫‪ ‬كما أنت وكما أننت)‪S.‬‬
‫* وكان إذا بدر منهن شيء يسوؤه مل يكن يقابله إال باحلكمة واللطف‪ :‬فعن أنس بن مالك قال‬
‫كانت صفية مع رسول اهلل ‪ ‬يف سفر وكان ذلك يومها فأبطت يف املسري فاستقبلها رسول اهلل ‪‬‬
‫وهي تبكي وتقول محلتين على بعري بطيء فجعل رسول اهلل ‪ ‬ميسح بيديه عينيها ويسكتها فأبت‬
‫إال بكاء فغضب رسول اهلل ‪ ‬وتركها فقدمت فأتت عائشة فقالت يومي هذا لك من رسول اهلل‬
‫‪ ‬إن أنت أرضيتيه عين فعمدت عائشة إىل مخارها وكانت صبغته بورس وزعفران فنضحته بشيء‬
‫من ماء مث جاءت حىت قعدت عند رأس رسول اهلل ‪ ‬فقال هلا رسول اهلل ‪ ‬ما لك فقالت ذلك‬
‫فضل اهلل يؤتيه من يشاء فعرف رسول اهلل ‪ ‬احلديث فرضي عن صفية وانطلق إىل زينب فقال هلا‬

‫‪665‬‬
‫إن صفية قد أعيا هبا بعريها فما عليك أن تعطيها بعريك قالت زينب أتعمد إىل بعريي فتعطيه اليهودية‬
‫فهاجرها رسول اهلل ‪ ‬ثالثة أشهر فلم يقرب بيتها وعطلت زينب نفسها وعطلت بيتها وعمدت‬
‫إىل السرير فأسندته إىل مؤخر البيت وأيست أن يأتيها رسول اهلل ‪ ‬فبينما هي ذات يوم إذا بوجس‬
‫رسول اهلل ‪ ‬فدخل البيت فوضع السرير موضعه فقالت زينب يا رسول اهلل جارييت فالنة قد‬
‫طهرت من حيضتها اليوم هي لك فدخل عليها رسول اهلل ‪ ‬ورضي عنها)‪.‬‬
‫‪---------------------------‬‬
‫* عضو هيئة التدريس بكلية املعلمني جبدة‬
‫ــــــــ‬

‫‪666‬‬
‫خطبة (حياة محمد ‪) ‬‬
‫سامي بن خالد احلمود‬
‫احلمد هلل الذي أكمل لنا الدين ‪ ،‬وأمت علينا النعمة يف الدارين ‪ ،‬وبعث فينا رسوالً منا ‪ ،‬يتلو علينا‬
‫آياته ويزكينا ‪ ،‬ويعلمنا الكتاب واحلكمة ‪ ،‬وإن كنا من قبل لفي ضالل مبني ‪.‬‬
‫خري عصمة ‪ ،‬وأشهد أن‬ ‫وأشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له ‪ ،‬شهادةً تكون ملن اعتصم هبا َ‬
‫حممد عبده ورسوله ‪ ،‬أرسله اهلل للعاملني رمحة ‪ ،‬وأنزل عليه الكتاب واحلكمة ‪ ،‬صلى اهلل عليه وعلى‬
‫آله وصحبه وسلم تسليماً كثرياً ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ..‬يف زم ٍن اختل فيه ميزان االقتداء ‪ ،‬واضطرب فيه منهاج االئتساء ‪ ..‬عن أي ٍ‬
‫قدوة‬ ‫ّ‬
‫إنسان سأتكلم؟‬ ‫سأحتدث؟ وعن أي ٍ‬
‫إننا اليوم ‪ ،‬نتحدث عن تلك الروح الزكية اليت ُملئت عظمةً وأمانةً ومسواً ‪ ..‬وعن تلك النفس األبية‬
‫اليت ُملئت عفةً وكرامةً ونبالً ‪.‬‬
‫أقالم‬ ‫ٍ‬
‫ألف قصيدة عصماءَ قبلي سطرت ُ‬ ‫وألف َ‬‫ماذا أقول َ‬
‫ملام‬
‫فالدنو ُ‬
‫أسوار جمدك ُّ‬ ‫مدحوك ما بلغوا برغم والئهم َ‬
‫اهلل إىل العاملني ‪ ،‬وحجتُه على اخللق أمجعني ‪.‬‬ ‫رسول ِ‬
‫ُ‬ ‫اهلل ‪، ‬‬ ‫إنَّه حممد بن عبد ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حلمل رايته‪ ،‬والتحدث بامسه‪ ،‬وجعله خامتَ رسله ‪ ،‬وأثىن عليه‬ ‫ِ‬ ‫حممد ‪ ،‬الذي اختاره اهلل جل جالله ِ‬
‫َّك لَ َعلى ُخلُ ٍق َع ِظي ٍم) ‪.‬‬
‫(وِإن َ‬
‫فقال‪َ :‬‬
‫اهلل ‪ ، ‬فإ َننَا ال ميكن أن نُوفِّ ِيه بعض ِ‬
‫حقه‪،‬‬ ‫رسول ِ‬
‫احلديث عن ِ‬ ‫َ‬ ‫نستلهم‬ ‫أيُّها األحبةُ ‪ ..‬إ َننَا حينما‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫شيء من مِس اتِِه اليت جعلت أفئد َة ِ‬
‫الناس هتوي إليه ‪،‬‬ ‫وإمَّن ا هي إطاللة سريعة ‪ ،‬وإشارةٌ موجزة ‪ ،‬إىل ٍ‬
‫وشيء من صفاته اليت جذبت نفوس اخللق ِ‬
‫إليه ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واستقامته ‪ ،‬رأوا‬ ‫ِ‬
‫وعفته ‪ ،‬رأوا أمانته‬ ‫ِ‬
‫فضائله ومزاياه‪ ،‬رأوا طُه ِر ِه‬ ‫كل‬
‫ني َّ‬ ‫رأي الع ِ‬‫لقد رأى الصحابة َّ‬
‫شجاعته وبسالته ‪َ ،‬رأوا مُسُوه وحنانه ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫رجولة مبكر ٍة ‪.‬‬ ‫كل هذا أهل مكة ‪ ،‬الذين عاصروا والدته وطفولته ‪ ،‬مبا انطوت ِ‬
‫عليه من‬ ‫بل رأى َّ‬
‫عما أنبأهتم ِبه‪ ،‬وأذاعته بينهم مرضعته حليمة‪ ،‬حني عادت ِبه إىل ِ‬
‫أهله ‪.‬‬ ‫تتحدث َّ‬ ‫قريش‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لقد كانت ٌ‬
‫سر يعلمهُ اهلل‪ ،‬وقد تكشفهُ‬ ‫الطفل غريُ عادي ‪ ،‬وأنَّهُ ينطوي على ٍّ‬ ‫َ‬ ‫لقد كانت حليمة تدرك أن هذا‬
‫األيام ‪.‬‬
‫النيب ‪ ، ‬حىت َد َّر ثديها اللنب‪ ،‬فارتوى منهُ حمم ٌد ‪ ‬وابنُها الذي كا َن يبكي‬ ‫ما إن أخذت حليمةُ َّ‬
‫نب بعد أن كا َن يابساً‪ ،‬فشبعت هي وزوجها‬ ‫جلفاف ثدي ِّأمه‪ ،‬مث امتأل ضرعُ راحلتها بالل ِ‬ ‫ِ‬ ‫اجلوع‬
‫من ِ‬
‫أغنام‬
‫‪ ..‬مث أصبحت الراحلة نشيطةً قوية‪ ،‬وملا وصلت ديارها أخصبت األرض وأربعت ‪ ،‬فال حتل ُ‬
‫فتشبع أغنامها ‪ ،‬حني جتوع أغنام قومها ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وجتد مرعاً خصبا‪،‬‬ ‫حليمةَ إال ُ‬

‫‪667‬‬
‫ينمو منواً سريعاً ال يُشبهُ منَُّو الغلمان ‪.‬‬ ‫وعاش طفولته ‪ ‬يف بين سعد ‪ ،‬وكان ُ‬
‫‪-‬حكيم العرب‪ -‬ورأى الرسول ‪‬‬ ‫ُ‬ ‫أكثم بن صيفي‬ ‫حج ُ‬ ‫وأما شبابُهُ ‪ ‬فيا لطه ِر الشباب ‪ ..‬وعندما َّ‬
‫حنسن ِبه الظن‪ ،‬وإنَّهُ لويفٌّ سخي‬ ‫لعمه أيب طالب‪ :‬ما تظنُو ُن به ؟ قال‪ُ :‬‬ ‫سن االحتالم‪ ،‬قال ِّ‬ ‫وهو يف ِّ‬ ‫‪ُ ،‬‬
‫غري‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫شدة ول ٍ‬ ‫‪ ..‬قال‪ :‬هل غري هذا ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬إنَّه لذو ٍ‬
‫وفضل متني ‪ ..‬قال‪ :‬فهل َ‬ ‫وجملس ركني‪،‬‬ ‫ني ‪،‬‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ف الربكةَ فيما لَ َمسهُ بيده ‪.‬‬ ‫ونتعر ُ‬ ‫ِ‬
‫لنتيم ُن مبشهده‪ّ ،‬‬ ‫هذا؟ قال‪ :‬إنَّا ّ‬
‫وأذن وقلب ‪ ..‬لقد كانت رجولته مقياساً لقومه ‪..‬يقيسون‬ ‫ني ٍ‬ ‫كل ع ٍ‬
‫رجولَتهُ فقد كانت ملءَ ِّ‬ ‫وأما ُ‬ ‫َّ‬
‫يضع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اهم ذا على وشك أن يقتتلُوا يف من ُ‬ ‫فه ُ‬‫احلق واخلري واجلمال ‪َ ،‬‬ ‫كل ُرؤاهم عن ِّ‬ ‫بأخالقه وتصرفاته َّ‬
‫باب الصفا‪ ،‬وما زالوا‬ ‫األسود يف مكانه‪ ،‬وأخرياً أهلَمهم اهلل تعاىل إىل حتكي ِم َّأو ُل من يقبل من ِ‬ ‫ِ‬ ‫احلجر‬
‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬
‫أقبل حمم ٌد ‪ ، ‬فما أن َرأوهُ حىت قالوا‪ :‬هذا حمم ٌد األمني‪ ،‬رضينا به حكماً ‪.‬‬ ‫كذلك حىت َ‬
‫كانت حياته ‪ ‬نقاءً وصدقاً‪ ،‬وعفافاً وطهراً‪ ،‬مل جُيَِّربوا عليه كذباً ؟ مل يظلم إنساناً؟ مل خيُن صديقاً‬
‫وال عدواًً؟ مل يكشف عورة؟ مل خيفر ذمة؟ مل يقطع رمحاً؟ مل يتخل عن مروءة؟ مل يشتم أحداً؟ مل‬
‫يشرب مخراً؟ مل يستقبل صنماً؟‬
‫قومه يُسا ِرعُون إىل االستجابة لدعوته ‪ ،‬كأيب بك ٍر وطلحةَ والزبري‬ ‫شخصية فريدة ‪ ..‬جعلت ساد َة ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫كل ٍ‬
‫وبالصعاب ‪.‬‬ ‫باألعباء‬ ‫متور‬
‫مستقبلني حيا ًة ُ‬
‫َ‬ ‫جمد وجاه ‪،‬‬ ‫وعُثما َن وغ ِريهم‪ ،‬تاركني وراءهم َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بصرونَهُ‬
‫ودعوته‪ ،‬وهم يُ ُ‬ ‫هرعُو َن إىل رايته َ‬ ‫شخصية فريدة ‪ ..‬جعلت ضعفاءَ قومه يلوذُو َن حبماه‪ ،‬ويَ َ‬
‫ميلك لهُ دفعاً ‪.‬‬‫الشر ‪ُ ،‬دو َن أن َ‬ ‫ِ‬ ‫املال ومن السالح‪ ،‬ي ُ ِ‬ ‫أعزل من ِ‬
‫نزل به األذى‪ ،‬ويُطار ُدهُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أملك‬
‫صباح مساء‪ ،‬ال ُ‬ ‫َ‬ ‫يهتف فيهم‬
‫وهو الذي ُ‬ ‫صون‪ُ ،‬‬ ‫يزيدو َن وال ين ُق ُ‬
‫إهنا القدوة ‪ ،‬اليت جعلت أتباعه ُ‬
‫فعل يب وال بكم ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫لكم نفعاً وال ضراً‪ ،‬وال أدري ما يُ ُ‬
‫إهنا القدوة ‪ ،‬اليت متأل القلوب يقيناً وعزماً ‪.‬‬
‫األشعار‬
‫ُ‬ ‫لسرت إليك مبدحه‬ ‫ْ‬ ‫لو أطلق الكو ُن الفسيح ُلسانَه ‪/‬‬
‫املختار‬ ‫أصوات َم ْن مسعوا ‪ :‬هو‬ ‫دت ‪/‬‬ ‫‪،‬لر َّد ْ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لو قيل ‪َ :‬م ْن خريُ العباد َ‬
‫وأعز من رمسوا الطريق وساروا‬ ‫مرسل‪ُّ /‬‬ ‫أفضل ٍ‬ ‫مِل‬
‫وأنت ُ‬ ‫َ ال تكون؟ َ‬
‫غبار‬
‫ُأثري ُ‬
‫نورها ‪ /‬آفاقَنا ‪ ،‬مهما َ‬ ‫الشمس ميأل ُ‬
‫ُ‬ ‫ما أنت إال‬
‫مال وال سيادة ‪.‬‬ ‫جاه وال ٍ‬ ‫رسالة سامية ‪ ،‬مل يكن ليسعى إىل ٍ‬ ‫لقد كان الصحابة يرونه بينهم صاحب ٍ‬
‫النصف األخريُ من ِ‬
‫الليل يبدُأ ‪،‬‬ ‫يكاد‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫لقد كانوا يرونه أواباً منيباً حىت اللحظةَ األخرية من حياته ‪ ..‬ال ُ‬
‫وهو يصلي ‪ ،‬ويبكي وهو يُصلي ‪.‬‬ ‫ناجي ربَّهُ فتتورم قدماهُ ُ‬ ‫ينتفض قائماً‪ ،‬فيتوضَأ ويُ َ‬ ‫َ‬ ‫حىت‬
‫لقد كانوا يرونه ‪ ‬سيداً للمتواضعني‪ ،‬وإماماً للعافني‪.‬‬

‫‪668‬‬
‫أمام رساِئلِ ِه اليت َدعاهم هبا إىل اإلسالم‪،‬‬
‫األرض َ‬ ‫ِ‬ ‫لدعوته‪ ،‬ووقف أكثر ِ‬
‫ملوك‬ ‫َ َ‬
‫ِ‬ ‫البالد ُكلَّها‬ ‫ِ‬
‫لقد دانت ُ‬
‫بعد فراسخ‪ ،‬بل كا َن ميشي ‪‬‬ ‫متر ِبه ولو على ِ‬ ‫ني ضارعني‪ ،‬فما استطاعت ذرةٌ من ُزه ٍو وك ٍرب أن َّ‬ ‫ِِ‬
‫وجل َ‬
‫ني والعبد‪ ،‬حىت يقضي حاجته ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرملة واملسك ِ‬ ‫مع‬
‫(ه ِّون عليك‪ ،‬إمنا أنا ابن‬ ‫ٍ‬ ‫وحني رأى بعض ال َق ِادمني ِ‬
‫اضطراب ووجل‪ ،‬قال ألحدهم‪َ :‬‬ ‫عليه يَهابُونُهُ يف‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫يد مبكة)‬ ‫ِ‬
‫تأكل ال َقد َ‬
‫امرأة كانت ُ‬
‫آالف ٍ‬
‫سيف‬ ‫إليه أعناقهم ليحكم فيها مبا يرى‪ ،‬ومعه عشرةُ ِ‬ ‫دينه السالح‪ ،‬ومدُّوا ِ‬ ‫أعداء ِ‬‫لقد ألقى كل ِ‬
‫َ‬
‫قال هلم‪( :‬اذهبوا فأنتم الطلقاء)‪S!.‬‬ ‫الفتح فوق ُرىب مكةَ‪ ،‬فلم يزد على أن َ‬ ‫يوم ِ‬ ‫تتوهج َ‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سار ‪ ‬يف‬ ‫بل كان من تواضعه ‪ ،‬أنه حرم نفسه رؤية النص ِر الذي أفىن يف سبيله حياتَهُ ‪ ..‬فقد َ‬
‫وبني‬
‫الناس ُرؤيةُ وجهه األزهر‪ُ ،‬مردداً بينهُ َ‬ ‫تعذر على ِ‬ ‫ِ‬
‫يوم الفتح‪ ،‬مطأطئاً رأسهُ ‪ ،‬حىت َ‬ ‫موكب النصر َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وصل الكعبة‪ ،‬وأعمل‬ ‫العلي الكبري‪ ،‬حىت َ‬ ‫نفسهُ ابتهاالت الشُّك ِر املبللة بالدموع‪ ،‬يف حياء وتواض ٍع لربِّه ِّ‬
‫زهوقا ) ‪.‬‬
‫الباطل كان ُ‬
‫َ‬ ‫وزهق الباطل‪َّ ،‬‬
‫إن‬ ‫احلق َ‬ ‫يقول‪( :‬جاءَ ٌّ‬ ‫وهو ُ‬ ‫األصنام معولَه ‪ُ ،‬‬‫َ‬ ‫يف‬
‫لقد كان ‪ ‬قائداً فذاً ‪ ،‬وعابداً منيباً ‪ ،‬وأباً عطوفاً ‪ ،‬وزوجاً ودوداً لطيفاً ‪ ،‬وصديقاً محيماً ‪،‬‬
‫مشاعر حمكوميه ‪ ،‬ومع هذا كله فهو‬ ‫ُ‬ ‫نفسه‬
‫وقريباً كرمياً ‪ ،‬وجاراً تشغله مهوم جريانه ‪ ،‬وحاكماً متأل َ‬
‫قائم على أعظم دعوة يف التاريخ ‪.‬‬
‫جل جاللهُ أن‬‫ونسأل اهلل َّ‬
‫ُ‬ ‫صلى اهلل عليك يا رسول اهلل ‪ ،‬صال ًة دائمةً ما تعاقب الليل والنهار ‪..‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اس ملته ‪ ..‬إنه على كل شيء قدير ‪.‬‬ ‫جيعلنا من أنصا ِر دينه‪ ،‬ومُح اة عقيدته ُ‬
‫وحَّر ِ‬
‫اخلطبة الثانية‬
‫وأشهد أن ال‬
‫ُ‬ ‫ومذل من عصاهُ واتبع هواه‪ ،‬أمحُ ُدهُ ُسبحانهُ وأشكره‪،‬‬ ‫معز من أطاعهُ واتقاه‪ِّ ،‬‬ ‫هلل ِّ‬‫احلمد ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫وصحبه‬ ‫أن حممداً عبده ورسوله‪ -‬صلى اهلل عليه وعلى ِ‬
‫آله‬ ‫وأشهد َّ‬
‫ُ‬ ‫شريك له‪،‬‬
‫َ‬ ‫إلهَ إالَّ اهللَ وحدهُ ال‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫وسلم‪ -‬تسليماً كثرياً‪َّ ،‬أما بعد ‪.‬‬ ‫َ‬
‫واألخالق الكرمية ‪ ،‬متمثلة يف شخصه ‪ ‬قبل‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫عباد اهلل ‪ ..‬لقد رأى الصحابة الصفات العظيمة ‪،‬‬
‫نصه ‪ ،‬ويف سريته قبل كلمته ‪ ..‬مل يقرؤوا هذه الصفات واألخالق يف كتاب جامد ‪ ،‬بل رأوها يف‬
‫بشر متحرك ‪ ،‬فتحركت هلا مشاعرهم ‪ ،‬وقبلتها نفوسهم ‪ ،‬فكان ‪ ‬أكرب قدوة للبشرية يف تارخيها‬
‫الطويل ‪.‬‬
‫باهلل عليكم ‪ ،‬هل رأت الدنيا قائداً أعظم وأرحم من حممد ‪ ‬؟ وهل رأت الدنيا زوجاً ألطف من‬
‫حممد ‪ ‬؟ وهل رأت الدنيا صديقاً أوىف من حممد ‪ ‬؟ وهل رأت الدنيا حاكماً أعدل من حممد ‪‬‬
‫؟‪.‬‬
‫جلدت لهُ‬
‫ُ‬ ‫كنت‬
‫املنرب ويقول‪( :‬من ُ‬ ‫يصعد َ‬‫كيف وقد رآه الناس يف األيام األخرية من حياته ‪ ،‬وهو ُ‬
‫أخذت لهُ ماالً فهذا مايل فليأخذ منهُ) ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬
‫ظهراً فهذا ظهري فليستق ْد منه‪ ،‬ومن ُ‬

‫‪669‬‬
‫يقول هذا ‪ ،‬وهو الذي مات ‪ ‬حىت حطمه الناس ‪ ..‬يقول هذا وهو الذي يعطي عطاء من ال‬
‫خيشى الفقر ‪ ..‬يقول هذا وهو الزاهد يف الدنيا‪ ،‬الذي مات ‪ ‬ودرعهُ مرهونة عند يهودي‪.‬‬
‫وحىت آخر رمق من حياته ‪ ،‬كان بأيب هو وأمي ‪ ، ‬رحيماً بأصحاباً ‪ ،‬حريصاً على أمته ‪ ..‬فقد‬
‫كان ‪ ‬يلفظ أنفاسه األخرية ‪ ،‬ويعاجل شدة آمل املوت وسكرته ‪ ،‬ومع هذا مل ينس أمته ‪ ،‬مل ينس أن‬
‫يوصيَها مبا يْنجيها من عقوبة اهلل ‪ ،‬فيقول‪( :‬الصالة الصالة وماملكت أميانكم) ‪.‬‬
‫مواقف ووقائع ‪ ،‬حمالً للت ِ‬
‫َّأمل والتدبر‪ ،‬تأمالً‬ ‫بكل ما فيها من‬ ‫ٍ‬ ‫عباد اهلل ‪َّ ..‬‬
‫َ‬ ‫إن يف سري َة حممد ‪ِّ ، ‬‬
‫القلوب‪ ،‬وي ُق ِّو ُم‬ ‫ويزكي‬ ‫ِ‬
‫اإلميان‪ِّ ،‬‬ ‫يزيد يف‬ ‫ويقود إىل ِ‬
‫العمل‪ ،‬وتدبراً ُ‬ ‫القلوب‪ ،‬ويستثريُ اهلمم‪،‬‬ ‫حُي ِر ُك‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫املسرية ‪.‬‬
‫إنه القدوة ‪ ، ‬فقل يل أيها األخ الشاب ‪ ،‬وقل يل أيها االبن الناشيء ‪ ..‬من هو قدوتك يف احلياة؟‬
‫‪.‬‬
‫وحمل إعجابِك وتأسيك ‪ ،‬هو رسول اهلل ‪ ‬؟ أم أن قدوتَك هو الفنان الفالين‪،‬‬ ‫هل قدوتُك ومثلُك ‪ُ ،‬‬
‫أو املطرب أواملمثل الفالين‪ ،‬أو الالعب الكافر الفالين؟‬
‫يتأسى‬
‫كيف يليق باملسلم أن جيعل قدوته من يُ َس ُمو َن جنوماً وهم إىل الثرى أقرب ‪ ..‬مث ال يقتدي وال ّ‬
‫بأعظم إنسان ‪ ،‬بل هو جنم النجوم ‪ ، ‬وهو القدوة احلسنة واملنبع العذب ‪ ،‬الذي تُستقى منهُ معايل‬
‫األمور ‪.‬‬
‫كيف يسوغُ للعاقل أن يرى هذه القدوة احلسنة ‪ ،‬والشخصية الفذة يف شخص حممد ‪ ، ‬مث ال‬
‫دينه؟ ‪ ..‬وصدق اهلل‪:‬‬ ‫رسالته‪ ،‬ومُح ِاة ِ‬
‫ِ‬ ‫حي ُذو حذوه‪ ،‬ويسري خلفه‪ ،‬ويقتدي هبديه؟ ويكو ُن من ِ‬
‫محلة‬ ‫ُ‬
‫(لقد كان لكم يف رسول اهلل أسوة حسنة ملن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثرياً) ‪.‬‬
‫اللهم إنا نشهد بأننا حنبك وحنب نبيك ‪ ، ‬فاللهم ارزقنا اتباعه ‪ ،‬والتأسي به ‪ ،‬واالقتداء هبديه ‪..‬‬
‫اهلل ال حترمنا شفاعته يوم العرض عليك‪ ،‬اللهم اجعلنا من ُزمرته‪ ،‬واجعلنا من أنصار دينه ‪ ،‬الداعني‬
‫إىل سنته ‪ ،‬املتسكني بشرعه ‪.‬‬
‫اللهم صل على حممد وعلى آل حممد ‪S...‬‬
‫ــــــــ‬

‫‪670‬‬
‫الفهرس العام‬

‫القدوة قبل الدعوة‪3................................................................................................‬‬


‫الكامالت من النساء‪6..............................................................................................‬‬
‫هل يجلس أبناؤنا حول النبي ‪ -  -‬يوم القيامة؟ ‪8.............................................................‬‬
‫يا عالي ال ِهمة‪11....................................................................................................‬‬
‫االهتمام الزائد بالمظهر‪16.........................................................................................‬‬
‫النجاح قدرك ‪ ..‬فانطلق‪18........................................................................................‬‬
‫التربية عن طريق القدوة الصالحة‪20...............................................................................‬‬
‫لماذا ال نكون عظماء ؟!‪25........................................................................................‬‬
‫الطفل والتناقض االجتماعي ‪27....................................................................................‬‬
‫القدوة وأثرها في المربين‪29.......................................................................................‬‬
‫أال تخشى الفقر ؟!‪38..............................................................................................‬‬
‫كن ‪ ..‬حتى يكون !! ‪39...........................................................................................‬‬
‫الجليس الصالح‪42.................................................................................................‬‬
‫تنمية الذات بمخالطة الصالحين‪45................................................................................‬‬
‫تنبيه األذكياء بأهمية اإلقتداء‪48...................................................................................‬‬
‫القدوة ‪ ...‬القدوة !!‪54............................................................................................‬‬
‫القدوة الحسنة‪58..................................................................................................‬‬
‫مواقف تربوية ‪ ..‬تحت المجهر ‪63................................................................................‬‬
‫نبي احترف صناعة النجوم‪65......................................................................................‬‬
‫كيف نرغب أطفالنا في الصالة ؟ ‪67..............................................................................‬‬
‫كونوا قدوات‪73...................................................................................................‬‬
‫كيف فهم الصحابة التأسي ‪ ( ..‬عمر نموذجا )‪75................................................................‬‬
‫الفجوة بين جيل اآلباء واألبناء ‪ ..‬من يردمهاـ ؟‪81................................................................‬‬
‫أطفالنا بين غياب القدوة وتفريط الراعي (وإهمال األمانة)‪85....................................................‬‬
‫القدوة غرس األخالق من المهد ‪88...............................................................................‬‬
‫القدوة الغائبة !!‪91.................................................................................................‬‬
‫القدوة الحسنة‪93..................................................................................................‬‬
‫القدوة الحاضرة الغائبة ‪96.........................................................................................‬‬
‫القدوة ‪98...........................................................................................................‬‬
‫الشخصية المؤثرة‪100.............................................................................................‬‬

‫‪671‬‬
‫التربية قدوة‪102...................................................................................................‬‬
‫من أجل تربية أفضل ‪103..........................................................................................‬‬
‫مصعب بن عمير من الترف إلى الشظف‪120.....................................................................‬‬
‫‪125..............................................................................................................‬‬
‫حتى تكون القدوة صالحة ال ب ّد من‪127...................................................................... ...‬‬
‫المربية القدوة‪130.................................................................................................‬‬
‫القدوة وأثرها في الدعوة النسائية‪133............................................................................‬‬
‫القدوة وأثرها في التربية‪142......................................................................................‬‬
‫أثر القدوة في إصالح النفوس‪148................................................................................‬‬
‫اإلمام القدوة مسروق بن األجدع‪158............................................................................‬‬
‫عام جديد والقدوة المفقودةـ‪162..................................................................................‬‬
‫أين أثرك أيها الملتزم القدوة‪165..................................................................................‬‬
‫التعليم بالقدوة القولية والعملية‪166...............................................................................‬‬
‫القدوة الحقيقية ‪171...............................................................................................‬‬
‫القدوة واالقتداء‪173..............................................................................................‬‬
‫القدوة الحسنة والتحلي بخلق اإلسالم أهم ما يمتلكه الداعية ‪178.............................................‬‬
‫القدوة الحسنة !‪180..............................................................................................‬‬
‫الوقفة األولى‪ :‬القدوة الحسنة‪183................................................................................‬‬
‫القدوة الحسنة والقدوة السيئة ‪186..............................................................................‬‬
‫القدوة الحسنة‪189................................................................................................‬‬
‫القدوة مبادئ ونماذج ‪195........................................................................................‬‬
‫أبو حنيفة النعمان السيرة العطرة والشخصية القدوة‪204.........................................................‬‬
‫أسلوب القدوة ‪211................................................................................................‬‬
‫الرسول ‪ ‬وأصحابه والسلف الصالح هم القدوة في الدين ‪213...............................................‬‬
‫القدوة قبل الدعوة ‪ ..‬عندما سألتني ‪ :‬لماذا هم منافقون ؟!! ‪216...............................................‬‬
‫مقصود القدوة ومعناها ‪219.......................................................................................‬‬
‫اإلمام القدوة محمد بن المنكدر ‪221.............................................................................‬‬
‫حتى تكون القدوة صالحة ال ب ّد من‪224...................................................................... ...‬‬
‫القدوة غرس األخالق من المهد ‪226.............................................................................‬‬
‫أطفالنا بين غياب القدوة وتفريط الراعي (وإهمال األمانة)‪229..................................................‬‬
‫القدوة ‪ ..‬وبكاء حكيم ‪232.......................................................................................‬‬
‫القدوة ‪ ...‬القدوة !!‪237..........................................................................................‬‬

‫‪672‬‬
‫الرسول ‪ -  -‬القدوة ‪241.....................................................................................‬‬
‫" القدوة " ذلك المربي الفاضل !‪247............................................................................‬‬
‫أبطال الكرتون ‪ ..‬القدوة الحسنة في حياة أبنائنا !!‪248.........................................................‬‬
‫الرسول هو القدوة على طريق الدعوة ‪255.......................................................................‬‬
‫حينما تحترق القدوة‪257..........................................................................................‬‬
‫القدوة وأثرها في الدعوة النسائية‪261............................................................................‬‬
‫وداعا للقسوة مع األبناء‪270......................................................................................‬‬
‫رسالة إلى إمام المسجد‪274.......................................................................................‬‬
‫تكسير الرموز واألعالم أشد خطراً على األمة من القنابل واأللغام!‪276.........................................‬‬
‫أيها المربي هل أنت قدوة ؟؟؟ ‪282...............................................................................‬‬
‫قدوة على طريق الدعوة ‪283......................................................................................‬‬
‫إليك أختي المربية ‪291............................................................................................‬‬
‫وسائل أهل الحق في السباق إلى العقول ‪305....................................................................‬‬
‫أما ترضين أن تكوني سيدة نساء العالمين?‪312..................................................................‬‬
‫تربويات على الطريق‪316.........................................................................................‬‬
‫تأمالت في البناء الدعوي‪327.....................................................................................‬‬
‫المشرفة الداعية‪339...............................................................................................‬‬
‫تنبيه األذكياء بأهمية اإلقتداء‪344.................................................................................‬‬
‫مقومات الداعية الناجح‪350.......................................................................................‬‬
‫تقصير الداعية مع زوجته ‪401.....................................................................................‬‬
‫أنتن من هؤالء ‪404............................................................................................‬‬
‫أين َّ‬
‫إعداد المعلم في الفكر التربوي اإلسالمي"ـ‪435..................................................................‬‬
‫إليك يا زوجي‪449.................................................................................................‬‬
‫كيف يكون بيتك سعيداً‪474......................................................................................‬‬
‫أثر التربية اإلسالمية (األمن األسري)‪479........................................................................‬‬
‫نصيحة لمديري المراكز والمشرفين وإلخواني الطالب ‪487....................................................‬‬
‫كن مشعال ‪489................................................................................................ ...‬‬
‫كيف أصبح رجالً !!! ‪491........................................................................................‬‬
‫واجبات األم الدعوية نحو أبنائها‪494.............................................................................‬‬
‫أخالقنا‪ ..‬بين الواجب والمبادرة!‪496............................................................................‬‬
‫أبرز صفاتـ المعلم السلوكية في الفكر التربوي اإلسالميـ ؟ ‪497...............................................‬‬
‫أخالقيات مشرف التربية اإلسالمية وأثرها على المعلم‪499......................................................‬‬

‫‪673‬‬
‫كيف تكون قيادياً وتُحرك الناس؟‪508............................................................................‬‬
‫كيف تصنعين طفالً يحمل هم اإلسالم؟‪510......................................................................‬‬
‫صفة لباس الرجل والمرأة أمام أوالدهم‪517......................................................................‬‬
‫التربية الدينية لألطفال ‪521........................................................................................‬‬
‫أسرة الداعية كيف ينبغي أن تكون ؟‪524.........................................................................‬‬
‫تربية القادة ال تربية العبيد ‪544....................................................................................‬‬
‫دور المنزل في تربية الطفل المسلم ‪550.........................................................................‬‬
‫مهارات الحتواء األزمات في البيوت! ‪553.......................................................................‬‬
‫كيف تجعل ابنك مطيعاً ‪556......................................................................................‬‬
‫دور معلم التربية اإلسالمية في تربية الطالب ‪567................................................................‬‬
‫دور المرأة المسلمة في تنشئة الجيل الصالح‪578................................................................‬‬
‫فن التعاملـ مع الناس‪591..........................................................................................‬‬
‫تأمالت في سيرة أبي بكر الصديق رضي اهلل تعالى عنه!! ‪604...................................................‬‬
‫القصة وسيلة دعوية‪611...........................................................................................‬‬
‫تأمالت تربوية في قصة أهل الكهف ‪613.........................................................................‬‬
‫المعلم واألمانة العظمى ‪617.......................................................................................‬‬
‫دعوة إبراهيم عليه السالم في القرآن ‪622........................................................................‬‬
‫ثبت المسلمة جدارتها في ظل تحديات عصر العولمةـ‪636...............................................‬‬
‫كيف تُ ُ‬
‫دور المرأة التربوي ‪ ...‬المأمول والمعوقاتـ‪643................................................................‬‬
‫سنن الفطرة وآثارها التربوية‪650..................................................................................‬‬
‫َع ْشر همسات للنساء‪656.........................................................................................‬‬
‫قيِّم نفسك ( للجادين فقط )‪659.................................................................................‬‬
‫المنهج النبوي في التعاملـ مع النساء‪664.........................................................................‬‬
‫خطبة (حياة محمد ‪667...................................................................................... ) ‬‬

‫‪674‬‬

You might also like