Professional Documents
Culture Documents
الركن المعنوي في جريمة الفصل 53 مكرر من مجلة الأحوال
الركن المعنوي في جريمة الفصل 53 مكرر من مجلة الأحوال
ضةرخمترالمترين
حما ر
الركن المعنوي في جريمة الفصل 53مكرر من مجلة األحوال
الشخصية
ر
ر
2017-2016ر السنة القضائية:
اإلهداء
إلـ ـ ــى ........................
1
إن الروابط األسرية تنشأ نتيجة تضافر عدد من العوامل البيولوجية والنفسية واالجتماعية
واالقتصادية.
ومن هنا كانت العائلة وال تزال "ضرورة حتمية لبقاء الجنس البشري ودوام الوجود
االجتماعي" 1م ّما يبرر عناية التّشاريع السماوية والوضعية منذ القديم بموضوع النفقه
العائلية.
وقد نظم الفقه اإلسالمي بوصفه المصدر األساسي لقانون األسرة قبل أن "تتسلل إليه شيئا
فشيئا تشريعات اإلنسان" 2أحكام النفقة ووضع لها قواعد وقيود أوجبها بالكتاب السنة.
أما عن وجوبها بالسنة فقد دلت عليها كثرة اآلحاديث وحث الرسول صلى هللا عليه وسلم على
اإلنفاق من ذلك قوله عليه صالة والسالم "يد المعطي العليا وأبدأ بمن تعول أمك وأباك
وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك".3
النفقة لغة هي من أنفق ينفق إنفاقا وجمعها نفقات هي كل ما يصرف عن المال أما "شرعا
فهي المال ةالذي يقتضي إنفاقه على العيال".
ولم يكن المشرع التونسي في معزل عما ورد بالتشريع اإلسالمي ناهيك ّ
وأن واصعو مجلة
األحوال الشخصية قد استلهموا معظم أحكامها من هذا المصدر المادي الهام.
يعرف القانون التونسي التفقة إنطالقا من مشموالتها وحيث جاء الفصل 50من م.أ.ش ما
يلي" :تشمل النفقة الطعام والكسوة والمسكن والتعليم وما يعتبر من الضروريات العرف
والعادة" دون أن يحيد عن باقي التشريعات العربية.4
1محمد القنطاسي :دور المجتمع في الحفاظ على العائلة من التفكك (م.ق.ت) عدد 8أكتوبر ،1984ص .35
2قيس سعيد :مقالة الدستور ،األحوال الشخصية ،كلية العلوم القانونية بتونس بتاريخ 4جانفي 2002ص 8غير منشور.
3عبد العزيز عامر :األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية في فقه قضاء الطبعة الثانية دار الفكر العربي مصر 1976
ص .437
4المادة 118من المدونة المغربية "تشمل النفقة نفقة الزوجة "
في القانون المصري "تشمل النفقة الغذاء /والسكنى والطعام والكسوة"
2
أما الجراية فإنها لم تحضى بنفس األهمية التي وقع إعطاؤها للنفقة وتعتبر مؤسسة مستحدثة
في التشريع التونسي ويمكن تعريفها بكونها تعويض عن الضرر المادي الناجم للمرأة من
جراء الطالق.
و مهما يكن من أمر فإن المشرع قد سن العديد الضمانات على الصعيد المادي في إعتباره
للنفقة والجراية الطالق عن قبيل الديون المدنية بل وقد تجاوز ذلك إلى إضفاء حماية جزائية
لهذا الصنف من الديون.
ورتب عن عدم دفعها جريمة يعاقب عليها القانون الجزائي س ّماها في الفصل 53مكرر
م.أ.ش بجريمة عدم دفع النفقة وجراية الطالق ،ويكون بذلك قد إتّحد مع التشريعات المقارنة
في تجريمه لعدم الدفع وترتيب جزاء في صورة اإلخالل عن ذلك 5والمنصوص عليها
بالمجلة الجزائية الفرنسية والفصل 293من قانون العقوبات المصرية 6والفصل 480من
المدونة المغربية.7
ويكون بذلك المشرع قد أحاط اآلسرة بعناية هامة بوجود نص تجريمي بين فصول م.أ.ش
إلى جانب سياسة األداء التي ألحقها بالتنقيح اآلخير بالفصل 53مكرر م.أ.ش "األداء يوقف
التتبعات أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب".
وبما أن القانون الجزائي يحكمه مبدأ جوهري وهو مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات 8فعلى هذا
األساس يجب أن يشمل النص تعريفا للجريمة المعاقب عليها بصورة واضحة وجلية وتحديد
آركنها بحيث ال تسمح في وقوع األشخاص تحت طائلة العقاب دون علم أو دراية مسبقة
بطبيعة األفعال المقترفة.
5
من المجلة الفرنسية ARTICLE 227-3
6الفصل 293من قانون العقوبات المصري :كل من عليه حكم قضائي واجب النفاذ يدفع نفقة لزوجة أو أقاربه أو أصهاره
أو أجرة حضانة أو رضاعة أو مسكن وإمتنع عن الدفع مع قدرته عليه مدة ثالثة اشهر بعد التنبيه عليه بالدفع يعاقب بالحبس
مدة ال تزيد عن السنة وبغرامة ال تتجاوز مائة جنيه أو بإحدى العقوبتين
7الفصل 480من المدونة المغربية "يعاقب بنفس العقوبة من صدر عليه حكم نهائي أو قابل لتنفيذ المؤقت بدفع نفقة إلى
زوجته أو أحد أصوله أو فروعه وأمسك عمدا عن دفعها في موعدها المحدد وفي حالة العود يكون الحكم بعقوبة الحبس
حتميا والنفقة التي يحدها القاضي تكون واجبة األداء في محل المستحق له ما لم ينص الحكم على خالف ذلك"
8الفصل 1من المجلة الجزائية
3
ويمكن حصر آركان الجريمة في ثالث أركان الركن مادية ويتمثل في السلوك الممنوع
بنوعية اإليجابي والسلبي والركن الشرعي ويتمثل في وصف ذلك السلوك بالجريمة وفي
وضع عقاب له والركن المعنوي يتجسم في أن يكون السلوك اإلجرامي بصفة إرادية.9
فالفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية وعلى قدر السالسة واللين التي هيمنت على
مفراداته إال أنه يتير العديد من اإلشكاليات خاصة فيما يتعلق بالركن المعنوي.
ويعتبر الركن المعنوي عنصرا ضروريا لقيام الجريمة وإلمكان تتبع مرتكبها وقد إختلف
شراح القانون في خصوص تبوبيه هل هو من ضمن أركان الجريمة أم ضمن المسؤولية
الجزائية؟ وموجب هذا اإلختالف مرتبط بمفهوم الركن المعنوي في حد ذاته بإعتباره مؤسسا
على عنصر اإلرادة الواعية والمميزة فالشخص الذي يرتكب الفصل اإلجرامي يريد تحقيق
نتيجته وهو ما يجسم مفهوم الركن المعنوي الذي يعتبر عنه جانب من الفقه بالقصد اإلجرامي
وهو ما يرتبط بما يعرف إصطالحا بالجرائم القصدية.10
قد إشترط المشرع وجوب توفر الركن المعنوي لقيام الجريمة وذلك بالفصل 37م.ج الذي
ورد فيه ما يلي "ال يعاقب أحد إال بفصل إرتكب قصدا عدا الصور المقررة بوجه خاص
بالقانون"
وبالرجوع إلى جريمة الفصل 53مكرر من م.أ.ش نالحظ بأن المشرع لم يبين أركانها بصفة
واضحة ودقيقة وفقا لما تتطلبه الشرعية الجزائية وفي ذلك تعمد لفسح المجال للقاضي ليلعب
دوره في هذا المجال.
وإذا أردنا إستجالء الركن المعنوي في جريمة الفصل 53مكرر نجد بأن العمد أو القصد لم
يطله أي تغيير منذ التجريم األول لعدم الدفع فكانت الجريمة والزالت قصدية.
9محاضرات في القانون الجنائي العام لألستاذ محمد رضا اآلجهوري لسنة ،2006-2005ص .41
10محاضرات في القانون الجنائي العام لسنة 2006-2005لألستاذ محمد رضا األجوري ص .100
4
يعرف القصد بأنه إنصراف إرادة الفاعل إلى إرتكاب فعل غير جائز مع علمه بأن القانون
يعاقب عليه وهو عنصر إنساني موكول تقريره لمحض إجتهاد محكمة الموضوع تستنتجه
من األدلة والقرائن الفعلية.11
فإذا كان الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية جاء لينص في فقرته األولى "كل من
حكم عليه بالنفقه أو بجراية الطالق فقضى عمدا شهر دون دفع ما حكم عليه بآدائه يعاقب
بالسجن مدة تتراوح بين ثالثة أشهر وعام وبخطية من مائة دينار إلى ألف دينار ".فإن عبارة
عمدا أثارت جدال كبيرا بين الفقه والقضاء.
ويبقى لجانب التطبيق رؤيه خاصة في هذا الموضوع من خالل تسليط الضوء على عمل
المحاكم ومدى مساهمته في رفع ما علق في األذهان من إستفهامات وعلى هذا األساس
يطرح اإلشكال حول أهمية الركن المعنوي في قيام جريمة الفصل 53مكرر من مجلة
األحوال الشخصية؟ واآلثار المترتبة عنه
فأهمية دراسة الركن المعنوي تتمظهر في أنه أساس قيام الجريمة (جزء أول) وفي اآلثار
المترتبة عنه (جزء ثان)
11قرار تعقيبي جنائي عدد 1843مؤرخ في 30أفريل 1986مجلة قضاء وتشريع ماي 1986عدد ،5ص .88
5
الجزء األول:
الركن المعنوي أساس قيام جريمة
الفصل 53مكرر من مجلة األحوال
الشخصية
6
يعتبر القصد ركنا أساسيا لقيام الجريمة وإيقاع العقوبة ومن المتفق عليه أن المشرع التونسي
لم يضع تعريفا واضحا للقصد في الجرائم وهذا السكوت يعني إكتفاءه بالتعريف السائد في أن
القصد هو إنصراف إرادة الجاني إلى إرتكاب الجريمة مع العلم بأركانها.
فهاته الجريمة تستوجب تعمد المدين عدم دفع ما حكم عليه بأدائه وأمام الصمت التشريعي
حول طبيعة القص د هل هو مفترض؟ أم ال وجب العودة على قرينة حسن النية تماشيا مع
الفصل 558م.إ.ع الذي ينص بأن "األصل في كل إنسان اإلستقامة وسالمة النية حتى يثبت
خالف ذلك".
وقد خالف القانون الفرنسي في المجلة الجنائية القديمة مبدأ حسن النية من خالل صياغته
للفصل 357-2قديم 12الذي ينص بأن عدم الدفع "قرينة على القصد" إال أنه سرعان ما تدخل
المشرع الفرنسي في مرحلة الحقة بوضع الفصل 227-3م.ج فرنسية والحال من القرينة
ليجعل من العمد غير مفترض ليلتقي مع مثيله بذلك مع القانون التونسي وأمام سكوت النص
فقد أكدت محكمة التعقيب منذ صدور النص األول للجريمة على أن هذه الجنحة من الجرائم
القصدية والتي ال تقوم إال للتوفر سوء النية وتعمد عدم الخالص.
وال يبقى أمامنا سوى دراسة طبيعة الركن المعنوي (مبحث أول) وموائعه (مبحث ثان)
12
L’article (2) 357-2 ancien disparait que « le défaut de paiement sera présumé volontaire
sauf preuve contraire.
7
المبحث األول :طبيعة الركن المعنوي
لقد إستق ّر شق كبير من فقه قضاء محكمة التعقيب على التكريس الواضح للركن القصدي في
الجريمة الفصل 53مكرر من م.أش إلى حد اإلقرار بقرينة سوء النية لدى ك ّل شخص
مطالب بأداء مبالغ النفقة والجراية وإمتن ع عن ذلك دون اإلجتهاد في البحث عن أسباب إتجاه
إراته نحو إرتكاب الفعل السلبي.
ففي ظل أمر 131926كرست محكمة التعقيب هذا المبدأ وحتى إثر تنقيح الفصل 53مكرر
بمقتضى قانون عدد 94لسنة 1993والمؤرخ في 12جويلية 1993والمتعلق بتنقيح بعض
فصول (م.أ.ش) وإختصرت مفهوم القصد في سوء النية وتعمد عدم الخالص والبقاء شهرا
كامال بعد اإلعالم بحكم النفقة دون الدفع 14ولم تحد المحاكم الفرنسية عن هذا اإلتجاه.
ولدراسة طبعة وماهية الركن المعنوي ال بد من التطرق إلى معاييره (فقرة أولى) ومسألة
إثباته (فقرة ثانية)
قرار تعقيبي جزائي عدد 24108مؤرخ في 21جوان 1989م.ق تشريع عدد 7لسنة 1991ص .109 14
8
الفقرة األولى :معايير الركن المعنوي
إن القصد في جريمة الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية يتمحور في اإلمتناع عن
تنفيذ ح كم النفقة عن سوء نية ويعتبر التطرق لعناصر الركن المادي (أ) و تطبيقاته (ب) من
أهم القرائن التي يستند عليها القاضي لإللمام بالركن المعنوي.
تتكون عناصر جريمة الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية من ضرورة علم
المدين بإتيانه فعل مادي يجرمه القانون يتمثل في عدم دفع ما حكم عليه بأدائه مع إدراكه
بالوقائع التي يتشكل منها الركن المادي والمتمثله في التلدد والتلدد من الناحية القانونية المدنية
يتمثل حسب الفصل 268من مجلة اإللتزامات والعقود في "إعتبار المدين مماطال إن تأخر
عن الوفاء بما إلتزم به".
ويع تبر المدين متلددا إذا تعمد عدم الوفاء بدين النفقة المحكوم به عليه رغم إعالمه بذلك
بصورة قانونية ثابتة وهذا التلدد هو الذي حدد مدته الفصل 53مكرر م.أش بشهر كامل
وخصه بعقوبة جناحية.15
ووضع المشرع أجال قانونيا أقصاه شهر كقرينة زمنية لقيام جريمة الفصل 53مكرر م.أش
فإذا بقي المدين متقاعسا عن أداء مدة شهر من دون دفع ما حكم عليه يمكن تتبعه من أجل
جريمة 53مكرر.
وقد أكد بعض الشراح أن ضبط اآلجال من شأنه أن يحقق االستقرار ،االجتماعي فثبات
الوضعيات الواقعة والقانونية يختم تحديد مهل زمنية بإنقضاءها يزول كل تهديد لألوضاع
المستقرة.16
15محمد الحبيب الشريف :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق ،مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل
نوفمبر .1998
16رضا بالحاج عمر :نظام إحتساب األجال في الدعاوى القضائية المدنية م.ق.ت.ش عدد 10ديسمبر 2003ص 17
9
وقد عرف المشرع التونسي صلب الفصل 141من م.ا.ع الشهر عند تحديدة لألجل فإذا قدر
األج ل باألسابيع أو األشهر أو السنين أعتبر األسبوع سبعة أيام كاملة والشهر ثالثين يوما
كاملة والسنة ثالثمائة وخمسة وستين يوما كاملة ".وهذا ما قامت بتكريسه محكمة التعقيب
في العديد من قراراتها .17وقد أضاف الفصل 142من نفس المجلة أن غرة الشهر هي أول
يوم منه ومنتصفه الخامس عشر منه وأخره اليوم األخير" ومن المالحظ ّ
أن المشرع قد سكت
عن تحديد نقطة إبتداء ع ّد أجل الشهر لكن هذا السكوت لم يمنع غالبية المحاكم من التقيد به
واإلستقرار في شأنه .18ومن الواضح أن األحكام الصادرة بالنفقة أو بالجراية هي كسائر
األحكام المدنية ال تصبح قابلة للتنفيذ إال بعد اإلعالم بها ،وقد أكدت محكمة التعقيب في قرار
صادر عنها أنه "اقتضى الفصل 53مكرر من م.أ.ش أن المحكوم عليه بالنفقة إذا أعلم
بالحكم ومضى شهر على ذلك فإنه يصبح مرتكب لجريمة عدم دفع مال النفقة".19
واإلعالم يكون عن طريق عدل تنفيذ وحسب اإلجراءات القانونية .فيكون بلوغ اإلعالم
بالحكم واإلمتناع عن اإليفاء بالدين بعد أجل شهر قرائن كافية للمؤاخذة من أجل عدم األداء.
وقد ذهبت محكمة التعقيب في العديد من قراراتها في هذا المنحى وإقتضى الفصل 53مكرر
من أ.ش أن المحكوم عليه بالنفقة إذا أعلم بالحكم ومضى شهر على ذلك فإنه يصبح مرتكبا
لجريمة إهمال عيال.20
ونستشف مما سبق ذكره أن المحكمة تتجه في التطبيق إلى أحكام م.م.م.ت وبالتحديد الفصول
8و 9و 10والتي تشترط أن يكون اإلعالم في األحكام المدنية بواسطة عدل تنفيذ.
17قرار تعقيبي مدني عدد 7353مؤرخ في 11فيفري 1971م.ق.ت عدد 10لسنة 1971ص .41
18حكم صادر ناحية جندوبة عدد 48341مؤرخ في 18جويلية " 2004حيث ّ
أن إمتناع المتهم عن دفع مال النفقة بعد
مضي األجال القانونية المنصوص عليها صلب الفصل 53مكرر م.أ.ش يكون جريمة إهمال عيال"
19قرار تعقيبي جزائي عدد 1305مؤرخ في 24ديسمبر 1986ن.م.ت 1987جزاء أول ،ص .30
20قرار تعقيبي جزائي عدد 13065مؤرخ في 24ديسمبر 1986ن 1986ق.ج ص .300
10
ب-تطبيقاته على المستوى القضائي
مادامت جريمة الفصل 53من مجلة األحوال الشخصية قصدية فمن المفترض أن يتم إعالم
المتهم مباشرة لتقوم اإلدانة.
فالعمد حبيس نية باطنية ال يمكن إثباتها مباشرة والمتمعن في قرارات المحاكم يالحظ أن
المحكمة كثيرا ما تتحدث عن اإلعالم دون الفصل في المسألة إذا كان اإلعالم قانوني أم فعلي
ورغم غياب إجابة واضحة من لدن محكمة التعقيب حول طبيعة اإلعالم فاإلعالم القانوني
وفي مجمل القرارات تستوقفنا العبارات التالية "وقع 21
هو المعمول به من حيث التطبيق
إعالمه" "دون بيان طبيعة اإلعالم فعلي أم قانوني" مما يدعم ويؤسس اإلعالم القانوني.
وقد جرى عمل المحاكم الفرنسية على اإلكتفاء باإلعالم القانوني 22لكن كان جديرا بالمحكمة
أن تتثبت من ركن العمد وعلى قضاء األصل التأكد من عدم قدرة المحكوم عليه على الدفع
وإهمال هاته األخيرة لهذا الجانب يجعل حكمها موجبا للنقض.
وما يبقى على المدين إال إثبات خالف القصد المفترض بما ّ
أن المبدأ يفترض أن يكون كل
شخص حسن النية.
ما إستقرت عليه محكمة التعقيب منذ صدور النص األول للجريمة على أن هاته األخيرة ال
تقوم إال ب توفر سوء النية وتعمد عدم الخالص وتبعا لذلك يتعين على محاكم األصل إبراز هذا
الجانب وإال كان الحكم معرضا للنقض.
ويطرح موضوع اإلثبات مسألتين عبئ اإلثبات (أ) والثانية كيفية اإلثبات (ب).
إن اإلثبات في الجرائم القصدية يطرح عدة صعوبات لتعلقه بخفايا غير معلومة
وبالرغم من ذلك فإنه يبقى خاضعا إلجتهاد المحاكم إلبراز ركن سوء النية و"ليتسنى لها
إثبات العمد واإلصرار على عدم اإلنفاق تنكيال بمستحق النفقة وإمعانا في اإلضرار به
واإللحاح في ضغط الحاجة عليه.23
فهل يعود عبئ اإلثبات إلى الدائن بوصفه صاحب حق أم على النيابة العمومية.
وبذلك 24
وبالتمعن في فقه القضاء الفرنسي نجد بأنه قد أكد على وجود العمد من عدمه
فالبراءة مفترضة في كل شخص إلى أن تثبت اإلدانة والبينة على من ادعى.
وحتى ال يقع المساس بقرينة حسن النية المفترضة في المدين يكون اإلثبات محموال على
الدائن الذي يدعي عدم الدفع لكن تحميل الدائن عبئ اإلثبات يتنافى والصبغة المعاشية للنفقة.
بالرغم من أن المسألة تخضع لكلمة القاضي وفق سلطته التقديرية فقد جرت العادة تحميل
المدين إثبات حسن نيته حال الوقوف أمام القضاء.
وقد سارت محاكم النواحي والمحاكم اإلبتدائية في هذا اإلتجاه أخذه بعين اإلعتبار ظروف
المدين خاصة إذا كان الملف مرفوقا بشهائدة إعاقة وبكشف يتعلق بظرف صحي متدهور.
قرار تعقيبي جزائي عدد 22718مؤرخ في 15ماي 1997ق.ج ،ص .110 23
24
Cass Paris 5 mai 1999- juin Data n° 1999- 02839 « imposent aux juges de caractériser
» l’élément intentionnel
12
ويكون ذلك االستدالل وإلستنتاج السليم لكل ظرف أو مؤيد أقامه المحكوم عليه وتبقى مسائل
موضوعية يترخص فيها بما ال معقب عليه ما دام إستخالصه سائغا غير مجانب للصواب أو
مختل.25
وقد ستقر واقع التطبيق على أن إثبات الجريمة يكون بعهدة الشاكي من خالل تقديم حكم
النفقة ومحضر اإلعالم به ودفع التهمة يكون منوطا بعهدة المدين باإلدالء بما يفيد خالص
الدين أو إثبات أسباب اإلمتناع عن األداء.
فمن المفروض أن تهيئ النيابة العمومية األرضية الالزمة لإلثبات في قضايا عدم دفع مال
النفقة وجراية الطالق لكن المبدأ أصبح إستثناء .وتدخل القضاء أصبح زاخرا بإستبعادة
لقرينة حسن النية وعلى المدين إثبات خالف ذلك.
وبقراءة الفصل 53مكرر من م.أ.ش نالحظ أن المشرع التونسي لم يجعل من القصد عنصرا
مفترضا وقد أكدت محكمة التعقيب في العديد من قراراتها على أن جريمة الفصل 53مكرر
م.أ.ش جريمة قصدية وأن تواجدها يبقى رهين تبوت العمد وواإلصرار على عدم اإلنفاق
تنكيال بمستحق النفقة المحكوم بها وإمعانا في اإلضرار به وإلحاحا في ضغط الحاجة عليه
كل ذلك بعد أن يكون قد قام ا لمحكوم له بإعالم المحكوم عليه وإذا ما ظهر أن المستفيد من
حكم النفقة لم يسع بواجب اإلعالم بالحكم فإن المحكوم عليه يكون في حل من األداء وطالما
كان األمر كذلك يصبح ركن العمد منعدما بما يترتب عليه حتما فقدان جريمة إهمال عيان
ألهم مقوماتها.26
وخالصة القول أن ركن العمد في جريمة الفصل 53مكرر أمر غير مفترض وإنما يجب
إثباته فكيف يمكن إثباته؟
لقد حصر المشرع التونسي وسائل اإلثبات في المادة المدنية صلب الفصل 427م.ا.ع في
خمسة وسائل على خالف ذلك في مادة الجزائية حيث أن المبدأ هو حرية اإلثبات.
وإثبات العم د بإعتبارة واقعة قانونية يتم بكل الوسائل كأن يثبت الدائن أو النيابة العمومية بأن
المدين على علم بوجود الحكم المدني القاضي بالنفقة ولكنه إمتنع عن الخالص رغم مقدرته
على ال ّدفع.
إن المبدأ في إثبات العلم حصول اإلعالم القانوني إذ يشترط في األحكام المدنية أن يقع إعالم
الملزم باألداء بواسطة أحد عدول التنفيذ.
وقد نص الفصل 8من م.م.م.ت على "أن النظير يسلم إلى الشخص نفسه أينما وجد أو مقره
األصلي أو في مقره المختار حسب األحوال فإن لم يجد العدل المنفذ المطلوب إعالمه في
مقره وجب عليه أن يسلم نظيرا محضر اإلعالم لوكيله أو لمن يكون في خدمته أو ساكنا معه
بشرط أن يكون مميزا ومعرفا بهويته وإذا إمتنع من وجد من تسلم النظير يقع إيداعه في
ظرف مختوم ال يحمل سوى إسم ولقب المعني بالتبليغ وعنوانه وذلك لدى كتابة محكمة
الناحية أو عمدة المكان أو مركز األمن الوطني أو الحرس الوطني الذي بدائرته مقر
الشخص المطلوب إعالمه".
وينص الفصل 10من نفس المجلة أنه في صورة مبارحة المقصود باإلعالم مقره
وصيرورته مجهول المقر يودع النظير في ظرف مختوم ال يحمل سوى إسم المعنى بالتبليغ
وذلك لدى كتابة المحكمة أو عمدة المكان أو مركز األمن الوطني أو مركز الحرس الوطني
ألخر مقر معروف له.
أ ّما الفصل التاسع فإنه يبين كيفية إعالم المطلوب المعلوم المقر بالخارج وفي كل الحاالت
يتولى عدل التنفيذ تدوين محضر ويسلم نظير منه لطالب التنفيذ وهي النسخة التي تعتمد
مبدئيا لبداية إحتساب أجل الشهر المنصوص بالفصل 53مكرر من م.أ.ش.
14
ويطرح التساؤل حول اإلعالم؟ فما هو المقصود باإلعالم فهل يكفي محضر اإلعالم القانوني
المحرر من طرف عدل التنفيذ إلثبات العلم الفصلي للمدين المحكوم عليه باألداء؟
وقد إكتفت محكمة التعقيب التونسية باإلشارة إلى اإلعالم دون تدقيق إذا كان اإلعالم قانوني
أم فعلي وأمام صمت المشرع فقد رأى بعض الدارسين أن اإلعالم يجب أن يكون مباشرا
حتى يمكن للمحكمة إستنتاج الركن المعنوي لجريمة الفصل 53مكرر الذي ال يتوفر إذا وقع
اإلعالم بالطرق القانونية طبق الفصول 8و 9و 10من م.م.م.ت.
ولكن لحماية الدائن الذي أراد المشرع أن يحيطه برعاية فالحل األنجع هو اإلعالم القانوني.
فإثبات العلم غير كاف إلثبات العمد بل ال بد من إثبات قدرة المدين على الدفع وتلدده في ذلك.
ولكن المالحظ في هذا الصدد أن عمل المحاكم في تونس جرى على تحميل المدين واجب
اإلثبات حسن نيته وإذا أراد دفع التهمة عنه.
ولكن في المقابل ال يج ب أن نغفل عن المبدأ القائل بأن المتهم بريء أن تثبت إدانته خاصة
وأن المدين بالنفقة أو بجراية الطالق يمكن أن يدفع عنه التهمة إذا تمسك بأحد صور إنتفاء
العمد.
15
المبحث الثاني :موانعه
تعد جريمة عدم دفع النفقة وجراية الطالق جريمة قصدية وإذا إختل ركن العمد منها إنتفت.
وقد ظهر شق من فقه القضاء محكمة التعقيب متثشبث بحسن نية المدين ما دام هناك موانع
وأسباب حالت دون الدفع سواء كانت مرتبطة بشخص المدين (فقرة أولى) أو تتعلق بالدين
موضوع جريمة الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية (فقرة ثانية).
16
الفقرة األولى :موانع مرتبطة بشخص المدين
قد يقدم مرتكب جريمة الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية على إرتكاب الفعل
السلبي دون قصد نتيجة عوامل وموانع تشل قدرته على اإلختيار.
وينتفي بذلك الركن القصدي كلما حضر مانع حال دون الدفع سواء يتعلق بجهل المدين
بصدور الحكم وبالتالي إنتفاء العلم (أ) أو بسبب حالة العسر (ب).
أمام الصمت التشريعي في المسألة اإلعالم فقد أقرت محكمة التعقيب في العديد من قرارتها
وجوبية اإلعالم المدينين بصفة قانونية نظرا وألن أركان الجريمة عدم دفع النفقة وجراية
الطالق ال تتوفر إال إذا قضى المدين عمدا مدة شهر من غير دفع يعد إعالمه بمضمون
الحكم.
فالمدين يمكن أن يتعلل بعدم العلم بصدور الحكم ويدفع عنه التهمة الموجهة ضده "ويفقد بذلك
محضر عون التنفيذ كل جدواه في إثبات العنصر المعنوي ،إذ قد ال تتولى الواسطة التي
تسلمت محضر اإلعالم تقديمه للمعني باألمر قبل فوات األجل القانوني الذي تقوم به جنحة
عدم دفع التفقة وجراية الطالق".27
وقد سبق لمحكمة التعقيب أن تناولت مسألة العلم وكان موقفها معلّال وذكرت "أنه يؤخذ من
منطوق الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية فضال عن مفهومه أن الجريمة إهمال
عيال هي من صنف الجرائم ا لقصدية فإن تواجدها يبقى رهين ثبوت حالة العمد واإلصرار
على عدم اإلنفاق تنكيال بمستحق النفقة المحكوم بها كل ذلك بعد أن يكون قد قام المحكوم له
بإعالم المحكوم عليه بالحكم وسعى في تنفيذه عليه وإذا ما ظهر أن المستفيد من حكم النفقة لم
28
يسع للقيام بواجب اإلعالم بالحكم فإن المحكوم عليه يكون في حل من األداء"
27محمد لحبيب الشريف :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق مركز الدراسات القانونية والقضائية بوزارة العدل تونس،
نوفمبر .1998
28قرار تعقيبي جزائي عدد 27861مؤرخ في 23ماي ،1990ق.ت .عدد 1992/4ص 82
17
وقد أضافت محكمة التعقيب في إحدى قرارتها بأن "القضاء باإلدانة قبل السعي في إضافة
الحكم واإلعالم به يجعله سابقا ألوانه لعدم توفر األركان القانونية للجريمة مما يتعين نقض
29
القرار المطعون فيه".
ويطرح إشكال أخر بالخصوص إذا كان المدين الذي صدر ضده حكم أداء النفقة موجود ببلد
أجنبي ووقع إعالمه بالحكم طبق أحكام الفصل 9أو الفصل 10من م.م.م.ت فهل يمكن
إستخالص سوء نيته بمجرد إنقضاء األجل؟
والمالحظ أن قضاء األصل يصدرون أحكاما بالسجن رغم عدم ثبوت حصول العلم ويكون
تعليلهم أن اإلعالم قد وجه طبق أحكام م.م.م.ت.
و حماية لدين النفقة وجراية الطالق ال يجوز اإلنحياز مع دفع المدين بعدم العلم نظرا إلرتباط
األمر بالعائلة ولكن هذا ال يعني أن تكتفي المحكمة بذلك بل أن تسعى إلى إثبات العنصر
القصدي وتعلله بناء على ما توفر لديها من معطيات .وتعلب اإلرادة دورا هاما في قيام
جريمة الفصل 53مكرر من م.أ.ش.
ومن المعلوم أن صورة اإلكراه قد تعدم القصد بإعتبارها قوة ال يمكن دفعها فيجبر المدين
على عدم الدفع فيصدر الحكم المدني ويحصل اإلعالم القانوني وال يدفع المدين ما حكم عليه
بأدائه ال لشيء إال ألنه في حالة إكراه.
وأهم صور اإلكراه وجود المدين بالسجن يقضي عقوبة ما وصدر أثناء إقامته بالسجن حكم
قاض باألداء ومضى شهر عن إعالمه بالحكم.
وفي هذه الحالة ال يكون المدين مرتكبا لجريمة عدم دفع النفقة وفق منطوق الفصل 53مكرر
من مجلة األحوال الشخصية ألن دخوله للسجن هو شل لإلرادة وقيد لحريتها وبإنتفاء اإلرادة
تنتفي الجريمة.
فصورة اإلكراه تنفي عنصر العلم كجوهر التتبع وفي قرار صادر لمحكمة التعقيب في 1
مارس 2005نجد بأن "دفع المتهم لمدين النفقة وتأمينه لمبالغ األشهر السابقة لصدور حكم
قرار تعقيبي جزائي عدد 102138مؤرخ في نوفمبر 1999ن.م.ت.ع.ق.ح عام ،1999ص.134 29
18
الطالق ثم تعذر عليه الدفع بسبب وجوده بالسجن يبعد عنه ركن سوء النية وتعين التصريح
بإنقضاء الدعوى بموجب الخالص والنقض دون إحالة".30
وقد جاء بحيثيات أحكام محاكم النواحي ما يدعم ما دفعت به محكمة التعقيب وحيث وإن
إقتضى الفصل 53مكرر من م.أ.ش أن "كل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطالق فقضى
عمدا شهرا دون دفع ما حكم بأدائه يعاقب بالسجن مدة تتراوح بين ثالثة أشهر وعام بخطية
من 100إلى 1000دينار.
وحيث تقتضى جريمة نص اإلحالة توفر ركنين أولهما إمتناع المتهم عن دفع مال النفقة
المحكوم به عليه بعد إعالمه بها وثانيهما أن يكون اإلمتناع من األداء لمعينات النفقة متعمدا.
وحيث وإن ثبت أن المتهم لم يدفع معينات النفقة المحكوم بها فإنه ثبت أن ذلك لم يكن عمد
منه ما دام مودعا بالسجن منذ 2005/01/13حسب البحث المجرى في القضية المشار إليه
أعاله في حين اإلعالم بالحكم كان بتاريخ 2005/04/14
وحيث تكون الجريمة والحال تلك فاقدة ألركانها القانونية مما يجعلها في حكم العدم وبناء
31
عليه يتجه الحكم في شأنه بعدم سماع الدعوى".
كما قد يدفع المدين عند تنبعه من أجل جريمة عدم دفع مال النفقة وجراية الطالق بتعذر الدفع
لعسره وقد إعتبرت محكمة التعقيب أن الدفع بالعسر عن اإلنفاق من الدفوع الجوهرية التي
لها تأثير على وجه الفصل في قضايا جريمة الفصل 53مكرر.
ب-العسر
عسر المدين ينفي عنه المسؤولية الجزائية لعدم توفر ركن القصد الذي يعتبر ركنا أساسيا
لصحة التتبع في جنحة الفصل 53مكرر من م.أ.ش األمر الذي يستوجب معه الوقوف على
مفهومه.
لم يعرف المشرع التو نسي العسر صلب مجلة األحوال الشخصية لذلك ترك مهمة تعريفه
للقضاء.
ويتبين برجوع إلى لسان العرب أن المقصود باإلعسار هو الضيق بمعنى أنه ضد اليسر.32
33
فالمبدأ أن يكون واجب اإلنفاق محموال على األب إستنادا لما جاء في القرآن الكريم
واإلستثناء يبقى موجود في حالة العسر والقرآن الكريم يدعو إلى إمهال المدين إلى حين
قدرته على األداء إن يقول عز وجل "إن كان ذو عسرة فنظره إلى ميسرة"" ،لينفق ذو سعة
من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه هللا ال يكلف هللا نفسا إال مأتاها سيجعل هللا بعد
عسر يسرا".34
فرغم أهميته ورد العسر في فصول متفرقة ومجالت قانونية مختلفة .35وقد تشابه التشريع
التونسي مع التشريع الفرنسي الذي لم يقنن هذا المفهوم .بحيث يصعب أن نجد تعريفا موحدا
للعسر ألنه مفهوم متغير ومتجدد.36
فالدفع بالعسر من المدين للتفصي من المسؤولية باتت من األمور اللصيقة بالقاضي خاصة
أمام تزا يد هذه الجريمة وأضاف بيكاريا في نفس السياق أنه "ليس لقضاة الجرائم تفسير
37
القواعد الجنائية تفسيرا واسعا ألنهم ليسو مشرعي"
32إبن منظور اإلفريقي المصري :لسان العرب ،المجلد الرابع لمفهوم العسر ص .563
33سورة النساء اآلية " 34الرجال قوامون عن النساء بما فضل هللا بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"
34سورة الطالق اآلية 7
35الفصول 148و 317و 601م.أ.ع 124 ،م.ح.ع و 39م.أ.ش و 40م.أ.ش
36جمال باتيته :جريمة عدم دفع لنفقة وجراية الطالق ،رسالة لنيل شهادة ختم الدروس المعهد ألعلى للقضاء السنة
القضائية ،1997-1996ص 100
37
…Beccaria, traité des delits et des peines, traduction française avec une introduction d’un
et sté fani 1996 p68 « les juges des crimes ne peuvent avair le droit d’interpréter la lai pénale
pour la seule raison qu’ils se sont pas le gis la teurs ».
20
-2موقف فقه القضاء
وقد حضي موقف محكمة التعقيب في هذا السياق بالقبول من بعض شراح القانون الذي
أضاف أنه حتى ال تصدق مقولة "النظام الجزائي يضرب قاع المجتمع ال قمته أي أنه يتسلط
على ضعاف الحال دون الميسورين ال بد من االنتباه حتى ال يقع تجريم الفقر". 39
وقد إستقر فقه القضاء المصري على أن نفقة الزوجة تقدر على حسب حال الزوج وقت
إستحقاقها يسرا أو عسرا على أن ال تقل في حالة العسر عن القدر الذي يفي بحاجته
الضرورية وهذه الحاجة يعتبر في العرف القضائي "بنفقة الفقراء" وتسمى أيضا بنفقة الكفاية
كما أكد القضاء أنه إذا تعين الحكم بالنفقة ال يعتد بيسر الزوج أو إعساره إذ يكفي مجرد
40
الكسب
ومبدئيا استقرت محكمة التعقيب على أن العسر الذي يعدم القصد والعقوبة في جريمة الفصل
53مكرر ال يمكن أن يكون إال كسرا تاما خاصة أن أداء النفقة هو من االمور المعايشة التي
ال يمكن إعفاء المطالب بأدائها إال في صورة اإلكسار التام والذي ال يمكن أن ينقطع حسب
41
الظروف واألحوال"
38قرار تعقيبي جزائي عدد 13316مؤرخ في 21جانفي 1987ن 1987ق.ج ،ص 63ق.تشريعي عدد 1سنة 1989
ص .94
39الدكتور محمد لحبيب الشريف ،النظام العام العائلي "التجليات" مركز النشر الجامعي ،2006 ،ص 508
40أحمد نصر الجندي" ،الحضانة والنفقات في الشرع والقانون" دار الكتب القانونية مصر المحلة الكبرى ،2004ص
.121
41قرار تعقيبي جزائي عدد 38906مؤرخ في 3جوان 1992ن 1992ق.ج ص48
21
وفي هذا السياق فقد اعتبرت المحاكم الفرنسية أن العسر ال يعفى القصد في جريمة عدم دفع
42
مال النفقة إال إذا كان إعسارا تاما.
ويطرح التساؤل حول إصابة المدين بالمرض فهل أن المرض ظرف ينفي القصد؟
45
وتبقي محكمة التعقيب الوحيدة القادرة على إقرار موقف حاسم يكون مرجعا لتوحيد اآلراء
والعسر باعتباره واقفة قانونية يتم إثباته بشتى الوسائل والسؤال المطروح هنا هو كيف
يتوصل المدين إلى إقناع المحكمة بحالة العسر؟
قد يلجأ المدين إلى العمدة ويطلب منه تمكينه من شهادة فقر لدفع التهمة الموجهة ضده .ولكن
اإلدالء بمثل هذه الشهائد يبقى غير مجدي ذلك أنها قد تسلم من باب المجاملة وهنا يأتي الدور
الهام الذي تلعبه المحكمة لتقدير ما من شأنه أن يفيد العسر بعد أن تتأكد من هذا الدفع وأسبابه
وقد جاء بإحدى قرارات محكمة التعقيب "أن شهادة احتياج المسلمة من قبل العمدة المنطقة
ليست بسند قانوني إلثبات حالة العسر كان على المحكمة اإلذن بإجراء بحث اجتماعي لتتثبت
42
Cass crim 17 avril 1991 préci n 18 a paris 28 janvier 1998 juris –DATA n 1998020162-
5mai 1999-jurés-DATA n1999-023839 -28janv-1998 : juré data n 1998—020162
« l’insolvabilité du biteur exclut l’élément intentionnel, mais seulement dans la mesuré au elle
"a placé ce dernier dans l’impossibilité absolue d’executer son obligation
43حكم ابتدائي صادر عن ابتدائية تونس 2عدد 240في 2014/06/24ص 81
44حكم إبتدائي صادر عن إبتدائية تونس 2عدد 240بتاريخ ،2014/06/24ص .81
45القرار التعقيبي عدد 21245مؤرخ في 2جانفي 2015
22
من ذلك .وبالتالي فإن اإلعفاء من خالص الجراية العمرية في غير طريقه وتعين النقص
واإلحالة".46
قد يتمسك المدين بأن عدم دفعه لمال النفقة يعود ألسباب مقترنة بالدين فيقدم على الجريمة
دون أن يكون قاصدا ذلك .فينتفي القصد بزوال الموجب القانوني للدين (أ) أو بزوال الموجب
الواقعي (ب).
قد تطرأ بعض العوامل التي من شأنها أن تأثّر على الدين فتجعله يزول بزوال الموجب
القانوني .ولقد نص الفصل 37من .م.أ.ش بأن "أسباب النفقة الزوجية والقرابة وااللتزام"
فالزوجة ال تستحق النفقة إال من يوم الدخول إلى انتهاء المدة وبانتهاء هاته األخيرة ينتهي
موجب اإلنفاق.
أما بالنسبة للفروع فالمسألة تختلف بحسب جنس المنفق عليه فإن كان ذكرا ويزاول تعليمه
فنفقته تمتد إلى سن الخامسة والعشرين أما بالنسبة للبنت فإن نفقتها تسقط بزواجها أو إذا توفر
لديها كسب.
وقد تنفصم الرابطة الزوجية إما بصفة طبيعية بوفاة أحد الزوجين أو بصفة قانونية بموجب
الطالق وهنا يمكن أن يدفع المدين بانتفاء قصده بزوال الموجب القانوني كأن يكون للمطلقة
دخل شهري .وبالتأمل في التنقيح الذي أضيف للفصل 31من مجلة األحوال الشخصية نجد
بأنه قد أضحى بإمكان المطلقة أن تنال التعويض عن الضرر المادي بجراية تدفع بعد
إنقضاء العدة مباشرة على قدر ما إعتابته من العيش في ظل الحياة الزوجية بما ذلك المسكن
وتستمر ه ذه الجراية إلى وفاة المفارقة أو تغيير وضعها االجتماعي بزواج جديد أو بحصولها
على ما تكون معه في غنى عن الجراية.
24
وبذلك يزول الموجب القانوني للدين جراية الطالق إما بوفاة المفارقة أو تغيير وضعها
االجتماعي ذلك أن جراية الطالق هو دين شخصي وينقضي بانقضاء شخص الدائن وهو ما
كرسه فقه القضاء الفرنسي.47
أما بالنسبة لتغيير وضع المفارقة االجتماعي فقد يتغير بزواج جديد وهو "الزواج المدخول
به" حسب مقصد المشرع طبق الفصل 38من مجلة األحوال الشخصية وبداية من الدخول
تتغير وضعية الزوجة مما يغنيها عن الجراية.
الستحقاق 48
لقد جاء فقه قضاء محكمة التعقيب متضاربا في هذه المسألة بين تيار رافض
المرأة لجراية الطالق وتيار مؤيد 49دون التمييز بين المرأة العاملة وغير ذلك.
وقد آثار عدم استقرار الفقه القضائي العديد من المواقف 50مما يبقي دفع المدين بزوال موجب
الدين القانوني النتفاء القصد في جريمة الفصل 53يبقى رهين مواقف المحاكم.
47
Cass civi 24 octobre 1951 décembre 1952, 577, note Ponsard J.C.P, 1951 II 6620, civ 2, 8
février 1957, J.C.P, 1957, II, 10183 Gaz.Pal 1957, 1375, v aussi au sujet du droit actuel,
c.saujet, les héritiers des epaux divorcés au se parés du corps, J.C.P 1976, I, 2776.
48قرار تعقيبي مدني عدد 42066مؤرخ في 29نوفمبر 1994ق.م.ص ،ص 316م.ق.ت سنة ،1998ص " 185عبارة
عدم سماع الدعوى الواردة للمستندات وعبارة الرفض الواردة بالحكم هما في الحقيقة يهدفان إلى غرض واحد وهو عدم
إستحقاق الزوجة المتضررة بموجب الطالق للجراية العمورية ألن لها جراية قارة من شغلها وال يمكن الحكم لها بجرايتين
قارتين على هذا األساس فإن الحكم في طريقه وإن الحيثية لم تخرق أحكام الفصل 31من م.أ.ش".
قرار تعقيبي مدني عدد 69250مؤرخ في 19فيفري ( 1999م.ق.ت) عدد 1جانفي ،2002ص .175
إقتضى الفصل 31من م.أ.ش "أنه يقضى لمن تضرر من الزوجين بتعويض عن الضرر المادي والمعنوي الناجم عن
الطالق وبالنسبة للمرأة يعوض لها عن الضرر المادي بجراية تدفع لها بعد إنقضاء العدة مشاهرة وبالحلول وهذه الجراية
تستمر إلى أن يتغير وضعها اإلجتماعي بحصولها على ما تكون معه في غنى عن الجراية متى ثبت أن للمفارقة جراية قارة
من شغلها فإنه ال يمكن الحكم لها بجرايتين قارتين وال يحق لها والحالة تلك طلب الجراية العمورية عمال بالنص المذكور".
49قرار تعقيبي مدني عدد 22695مؤرخ في 23ماي 1989ق.ت عدد 6لسنة 1993ص ،59تعليق األستاذ ساسي بن
حليمة :إن إستحقاق المرآة المطلقة بإنشاء من الزوج في طلب التعويض المادي في قالب جراية أو رأس مال هو أمر ثابت
ومستقر ال يمكن إسقاطه لغنى المطلقة أو توفر مورد رزق لها وألي سبب آخر وإن كانت حالة المرآة المادية يمكن
مراعاتها ضمنيا عند إرادة تقديرها عن التعويض المادي دون إمكانية إعتبارها مسقطا لحقها ذلك إال في صورة طلب
مراجعة جراية سبق تقديرها ألسباب الحقه عن ذلك.
50محمد بقبق :تعليق على قرار تعقيبي مدني عدد 420066مؤرخ في 19نوفمبر 1994م.ق.ت ص 198إن محكمة
التعقيب تبدو مضطربة بين القبول والرفض إلستحقاق جراية المطلقة :المرأة العاملة ذلك أنها أصدرت سنة 1994قرارات
نحو الرفض منها :قرار التعقيبي المدني عدد 38013مؤرخ في 15فيفري 1994ن ،1994 ،ص .287ونحو القبول:
قرار تعقيبي مدني عدد 41915مؤرخ في 22نوفمبر 1994ن ،1994 ،ص .290
25
ب-زوال الموجب الواقعي للدين
قد يدفع المدين النفقة بالخصوص وأثناء مثوله أمام القضاء الجزائي بكونه لم يتعمد االمتناع
عن الخالص متمسكا ببعض الدفوع الواقعية.
51
فقد يدعي أن زوجته المحكوم لفائدتها بالنفقة ناشرا وبالرجوع إلى التشريع اإلسالمي
الزوجة الناشر ال تستحق النفقة لكن وبالعودة إلى القانون التونسي ال نجد نص واضح يتعلق
52
بالنشور .خالفا للتشريع األخرى
وارتبط مفهوم النشور في فقه القضاء بواجب مساكنة الزوجة لزوجها واعتبر بذلك الزوجة
53
ناشرا كلما غادرت محل الزوجية بدون إذن زوجها وبدون سبب شرعي
وقد سبق لمحكمة التعقيب أن أقرت استحقاق الزوجة للنفقة رغم إدعاء نشورها من زوجها.
كان ذلك في قرار صادر في 4أفريل " 1977تعتبر جريمة إهمال عيال قائمة على المتهم
متى حكم عليه بالنفقة لفائد ة زوجته فقضى عمدا ثالثة أشهر لم يدفع فيها النفقة المذكورة وال
تأثير الدعائه نشور زوجته"
ونظرا لما لموضوع النشور من أهمية فيما يتعلق بتحديد الجهة المختصة حكميا بالنظر فقد
حاولت محكمة التعقيب اإلجابة عن هذا االشكال بقولها "يقتصر نظر قاضي الناحية أساسا
على موضوع النفقة مسايرة ألحكام الفصل 39من م.م.م.ت ويعتبر نظره في موضوع
النشور عرضيا .واستثنائيا عن طريق الدفع المعارض لدعوى النفقة فإذا تعهدت محكمة
الطالق المختصة في البحث في النشور فإن قاضي النفقة وكذلك المحكمة االبتدائية المتعهدة
بالنظر استثنائيا في قضية النفقة لم يعد لها أي تعهد أو اختصاص بالنظر في موضوع النشور
إطالقا.54
هللا والَّالتي تخافون نشوزه َّن فعظوه َّن ات لِّلغيب بما حفظ َّ ات حافظ ٌ 51سورة النساء اآلية ..." 34فالصَّالحات قانت ٌ
واهجروه َّن في المضاجع واضربوه َّن فإن أطعنكم فال تبغوا عليه َّن سبيالً إ َّن َّ
هللا كان عليًّا كبيرً ا"
52التشريع العراقي الفصل 25من قانون األحوال الشخصية
53التشريع المغربي الفصل 123من مدونة األحوال الشخصية.
54قرار تعقيبي مدني عدد 34334مؤرخ في 26جانفي 1996عن جمال باتيته جريمة عدم دفع مال النفقة وجراية
الطالق رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء سنة ،1997-1996ص .42
26
ويستنتج مما سبق ذكره أن الدفع بالنشور أمام القضاء الجزائي دفع غير مجدي.
وقد يدفع المدين بانتفاء العمد في جريمة الفصل 53مكرر المنسوبة إليه طالما وقع استئناف
الحياة الزوجية.
لكن محكمة التعقيب ق د عارضت هذا الدفع وأضافت بأن "االستثناء المتمثل بإجراء
المصالحة بين الزوجين ال يعدم القصد في جريمة إهمال عيال وبالتالي ال يسقط الدعوى وال
يوقف تتبع مقترف الفعلة.55
ولكن مسألة استئناف الحياة الزوجية من شأنها نفي العمد في جريمة الفصل 53مكرر وقد
ذهب البعض في هذا المنحى واعتبر ان "رجوع الزوجة إلى مساكنة زوجها من شأنه أن
يعدم الركنين المادي والمعنوي لجنحة عدم دفع النفقة.56
وقد أجابت المحكمة في هذا السياق واعتبرن أنه من أركان جريمة إهمال عيال الركن
المعنوي المتمثل في تعمد الزوج اإلمساك عن بذل النفقة المحكوم بها التي تنتهي بانتهاء
الموجب وطالما تصادقا الطرفان على استئناف الحياة الزوجية فان مفعول هذا الحكم انتهى
بموجب تصالحهما والرجوع لى مساكنة بعضهما".57
إال أن واقع التطبيق أفرز أن تنازل الزوجة في مستحقات النفقة تبقي مسألة خاضعة الجتهاد
القاضي.
55قرار تعقيبي جزائي عدد 13065بتاريخ 24ديسمبر 1986ن 1986ق.ج ،ص .300
56محمد الحبيب الشريف :تعليق على قرار تعقيبي جزائي عدد 30410مؤرخ في 23جوان 1992م.ق.ت ،عدد 5ماي
1993ص .66
57قرار تعقيبي جزائي عدد 5412مؤرخ في 9نوفمبر 2000ص .123
27
الجزء الثاني:
اآلثار المترتبة عن الركن المعنوي
28
يكفي أن يتوفر الركن المعنوي حتى تستوفي الجريمة أركانها وتستكمل شروطها وتنطلق
بذلك الدعوى العمومية وتتدخل الزجر الجزائي لعقاب كل من امتنع عن أداء ما حكم عليه
ونظرا للصبغة المعاشية لدين النفقة فقد حرص المشرع على اعتماد سياسة ردعية متى توفر
القصد بنية اإلضرار بالغير واالمتناع عن الدفع.
ويتضح ذلك بصفة جلية من خالل التتبع الجزائي (مبحث أول) والعقوبات (مبحث ثان)
29
المبحث األول :التتبع الجزائي
لم يخصص المشرع التونسي ال في مجلة األحوال الشخصية وال مجلة اإلجراءات الجزائية
نص إجرائي خاص بجريمة عدم دفع النفقة وجراية الطالق مما يستدعى العودة إلى
النصوص العامة المنظمة للتبعات الجزائية مما ال ينفي عنها التشدد والخصوصية خاصة
فيما يتعلق بأعمال المحاكم والذي كانت تجلياته سواء على مستوى دراسة النص القانوني
(فقرة أولى) وعلى مستوى إجراءات إثارة الدعوى العمومية (ب).
30
الفقرة األولى :على مستوى النص القانوني
من المبادئ المتفق عليها أن للنيابة العمومية الحق في إثارة وممارسة الدعوى الجزائية من
بغض النظر عن وجود الشكاية من عدمه رغم أن هاته األخيرة تطرح العديد اإلشكاليات مما
يستوجب الوقوف عندها (أ) تم الخوض في جريان عمل المحاكم (ب).
في مرحلة ما قبل تنقيح 1993قيد المشرع إثارة دعوى إهمال عيال بضرورة توفر شكاية
من المتضرر كان ذلك في الفصل الثاني من أمر ( )1926المنقح في ( )1928ويكون بذلك
قد ألحق هاته الجريمة بجرائم أخرى يشترط فيها الشكاية منها "جريمة الزنا" في الفصل
( 236م.ج) "وليس بالمبالغة أن نقر دور النيابة العمومية في المادة الجزائية وفي االمتثال
للدفاع عن المصالح" بوصفها طرف في الدعوى العمومية.58
لكن المشرع سنة 1981تاريخ إضافة الفصل 53مكرر وضع عبارات مطلقة دون تحديد أو
بيان ايحاء منه بعدم اشتراط الشكاية.
وقد واصل في هذا المنهج حتى بعد تنقيح 93للفصل 53مكرر (م.أ.ش) وذلك سعيا منه
لمزيد الحرص .ومن منطلق النص القانوني يتضح موقف المشرع واستقراره على عدم
اشتراط الشكاية الثارة الدعوى العمومية.
ينص الفصل 30من (م.إ.ج) بأن وكيل الجمهورية يجتهد في تقرير مآل الشكايات
واإلعالمات التي يتلقاها أو التي تنهى إليه .والذي تكون بمقتضاه النيابة العمومية حرة فى
إثارة التتبع من عدمه.
58
Guinchard (S) Baubrac (M), labarde (X) dauchy (M) : droit processuel Dalloz 1er ed 2001, p
837.
31
وقد أعلن فقه قضاء محكمة التعقيب هذا المبدأ في قرار تعقيبي جزائي عدد ()27468
الصادر في 27أكتوبر 1988والذي ينص "بأنه للنيابة العمومية سلطة تقديرية في مالئمة
وتكييف التتبعات واختيار الوقت المناسب إلثارة الدعوى العمومية وأخذ القرار الذي تراه
صالحا على أساس ما توفر لديها من أدلة وإرشادات فهي دوما حرة في مواصلة حرياتها
59
والعدول عما قررته أوال وفق القواعد اإلجرائية القانونية "...
لكن هذا المبدأ ال يؤخذ على إطالقه ألن هناك حاالت استثنائية تفترض وجود الشكاية كشرط
إلثارة الدعوى مثال جرائم الزنا.
وبالرجوع إلى تطبيقات الفصل 53مكرر من (م.أ.ش) نجد بأن المادة جرت لدى المحاكم
على اشتراط الشكاية من المتضرر فلم تعد النيابة العمومية تثير الدعوى العمومية في جريمة
الفصل 53مكرر من (م.أ.ش) من تلقاء نفسها إال إذا سبق للدائن رفع شكواه وهذا من شأنه
أن يوقع النيابة في تعارض صارخ مع حرفية النص ومن هنا يطرح التساؤل لماذا تقيد النيابة
العمومية إثارة الدعوى بوجود الشكاية في الوقت الذي رفض فيه المشرع ذلك؟
ويمكن اختصار اإلجابة في الموقف التالي ذلك أن مخالفة النيابة العمومية للنص التشريعي
يعود ألن المسألة تهم النظام العام وبذلك تكون النيابة العمومية قد اجتنبت التدخل في إثارة
هذه الدعوى ذلك أن تدخلها قد يساهم في تعكير صفو األسرة.
ففي مرحلة ما قبل تنقيح 1993كانت اإلجراءات تنطلق برفع الشكاية وتكون إما مباشرة أو
غير مباشرة .وتكون األولى مقدمة من المتضرر إلى كتابة النيابة العمومية لتسجيلها أما
الثانية فترفع إلى مركز األمن وتكون الشكاية مصحوبة بجملة من المؤيدات والتي تتضمن
مجموعة من البيانات كاسم مستحق النفقة أو جراية الطالق وهويته واسم المشتكي به عنوانه
ومحضر إعالم المدين الذي يعد شرطا ضروريا والزما للتتبع من أجل جنحة عدم دفع النفقة
أو جراية الطالق.
قرار تعقيبي جزائي عدد 27488مؤرخ في 17أكتوبر 1988ن.م.ت لسنة 1988ص .108 59
32
وباشتراط الشكاية تكون النيابة العمومية قد اتبعت ما ورد بالنصوص التشريعية المقارنة.60
وبالرجوع إلى تطبيقات فقه القضاء في القضايا المتعلقة بعدم دفع مال النفقة نجد بأن الشكاية
ترفع من قبل المتضرر وحتى بعد تنقيح 1993نجد العديد من المناشير الوزارية قد دعمت
هذا المنهج "على أعضاء النيابة العمومية البت دون تأخير في شكاوي إهمال عيال قصد
تمكين المنتفعات من تدخالت الصندوق"61
وتعد األهلية شرطا جوهريا للقيام بالدعوى أما إذا كان عديما لألهلية لصغر أي قاصر أو
فاقدا لها لجنون ا سفه ففي الصورة األولى يكون القيام في حقه من مشموالت وليه الشرعي
عمال بأحكام الفصل ( 154م.أ.ش) "القاصر ولية أبوه أو أمه اذا توفي أبوه أو فقد أهليته
وعند وفاة األبوين أو فقدان أهليتهما ولم يكن للقاصر وصي يجب أن يقدم عليه الحاكم"
فالوالية في القانون التونسي تقوم على فكرة الحماية لمصلحة الصغير مع األخذ بعين
االعتبار كل حالة ...ويكون إسناده ا إلى األب مبنى أساسا على أنه مهيئا أكثر من غيره ألن
يكون وليا نظرا لصلة العاطفة ورابطة الدم القائمة بين أوالده لتنشئتهم التنشئة الحسنة.62
فعلى الصعيد الواقعي جريمة عدم دفع مال النفقة يكون المطلوب فيها هو األب فتكون األم
هي القائمة في حق إبنها القاصر لذلك ف إن إسناد صفة األم للقيام في حق أبنائها ضرورة
تقتضيها طبيعة الدعوى المرفوعة خاصة إذا كانت مؤسسة على الفصل 53مكرر من م.أ.ش
بحيث ال نرى أحرص من األم في الدفاع عن مصالح أبنائها وتمثيلهم لدى القضاء وهو في
الواقع اتجاه تسايره المحاكم التونسية.
منشور وزارة العدل عدد 3/56صادر في 29نوفمبر 2003ملحق عدد .25 61
نجيبة الشريف" :قضاء األطفال في تونس" دراسة حول حقوق الطفل الجزء األول ،تونس.2004 ، 62
33
فقرة ثانية :على مستوى اجراءات إثارة الدعوى العمومية
لئن كان إفتتاح التتبع في جريمة الفصل 53مكرر ال يتوقف على شكاية من المتضرر إال أن
جريان العمل داخل المحاكم يكشف بوضوح أن الشكاية تبقي األسلوب المعتمد في إثارة
الدعوى العمومية وتتميز الشكاية في جريمة عدم دفع النفقة وجراية الطالق بعدة خصائص
تبرز على مستوى كيفية إثارة الدعوى (أ) وتاريخ بداية التتبع (ب)
تنطلق االجراءات برفع شكاية التي يجبب أن تكون مصحوبة بحكم النفقة أو جراية الطالق
ألن االدالء بحكم النفقة أو جراية الطالق الصادر عن الجهة المختصة شرط منطقي باعتباره
السند القضائي الذي يتوقف عليه التتبع.
ويطرح شرط االدالء بحكم النفقة أو جراية الطالق اشكال عمليا وقانونيا ويتمثل خاصة في
تعدد الشكاوي مما جعل بعضهم يقترح 63لتفادي ذلك الخلل أن ال تقبل وكالة الجمهورية مع
الشكاية سوى أصل الحكم سواء كان بالنفقة أو بجراية الطالق ومحضر االعالم به على أن
يسترجعه الشاكي بعد صدور الحكم وصيرورته باتا وعندما يجوز تقديم شكاية أخرى عند
االقتضاء فان األمور تتبلور وتأخذ االجراءات طريقها بعيدا عن غايات التشفي وشكايات
التنكيل ويخ ف كاهل المحاكم بقضايا قد ال يكون لها موجب قانوني وال فائدة واقعية بل من
شأنها أن تزيد حتما عالقات الزوجين أو األقارب توترا ونفورا ونكون وصلنا بالتقاضي الى
عكس غايته السامية"
وإضافة إلى نسخة الحكم القاضي بالنفقة أو جراية الطالق يجب على القائم بالشكوى االدالء
بمحضر اإلعالم بالحكم.
فاإلعالم القانوني ومرور أجل معين بعده التنفيذ ال يشترط إال لتنفيذ االحكام المدنية وفق
القواعد العامة لمجلة المرافعات المدنية والتجارية وقد جرى العمل داخل المحاكم التونسية
" 63قضاء النفقات بين سرعة الفعل وتوفير الضمانات" مخاضرة ألقيت بملتقى القضاء المدني بين سرعة الفصل وتوفير
الضمانات بالمعهد األعلى للقضاء لمحمد لحبيب الشريف تونس ،1990ص .128
34
على اشتراط ذلك قبل انطالق االبحاث والتتبعات إلثبات الركن المعنوى لجريمة عدم دفع
النفقة وجراية الطالق حتى ال يتعلل المشتكي به بحسن نيته أو بعدم علمه بما صدر به الحكم
عليه.
وبعد تقديم الشكاية ومؤايدتها يقع التحرير أوال على صاحبها صلب المحضر يضمن به اسم
العارضة ثم اسم المشتكي به وعنوانه وحرقته والسند التنفيذي القاضي باستحقاق النفقة فان تم
تقديم المضنون فيه لوكالة الجمهورية فان مساعد وكيل الجمهورية يقوم بالتحري عليه
مستفسرا إن كان المضنون فيه قد قام بخالص الدين .وفي هذه الحالة يجب عليه تقديم ما يفيد
الخالص.
أما إذا لم يقم بالخالص بعد فانه يسأله ان كان على استعداد لخالص ما تخلد بذمته فان رد
باإليحاب فان مساعد وكيل الجمهورية يضرب له أجال قصيرا لالدالء .أما اذا أعرب عن
عدم إستعداده للخالص فان النيابة تقوم بإيقافه مباشرة ويحال على المحكمة ألقرب جلسة
تعقدها وهو بحالة تقديم.
أما في صورة تعذر تقديم المظنون فيه لوكالة الجمهورية فان النيابة تحيله بحالة فرار على
السيد حاكم الناحية لمقاضاته من أجل جريمة الفصل 53مكرر م.أ.ش.
وتتميز اإلجراءات المتبعة في إثارة الدعوى العمومية وجريمة الفصل 53مكرر بالبطئ
وهذا البطئ في الواقع ال يخدم مصلحة الدائن خاصة إذا علمنا أن األمر يتعلق بدين معاشي
يستوجب السرعة في الحصول عليه.
ومرد هذا البطئ هو اعتماد المشرع التونسي للقواعد العامة المنظمة إلجراءات التتبع
الجزائي صلب (مراج) وهي في الواقع إجراءات ال تتماشى وطبيعة جريمة الفصل 53مكرر
م.أ.ش لذلك فالدعوى ملحة إلى تفريد هذه الجنحة بإجراءات مبسطة وسريعة من شأنها أن
تحقق النجاعة في حماية هذا الدين المدني.
وقد نادى العديد من الفقهاء وشرائح القانون سواء في تونس أو في القوانين المقارنة باعتماد
نظرية التلبس باعتبارها بديال عن اإلجراءات العامة المعتمدة في إثارة الدعوى العمومية
35
ولكن تصطدم النظرية اآلنفة الذكر بقرينة البراءة التي يقوم عليها القانون الجزائي باعتبار
وان المتهم برئي إلى أن تثبت إدانته
وبحيث إذا اعتمدنا نظرية التلبس في جريمة الفصل 53مكرر من م.أ.ش فإننا سوف نعتبر
المضنون فيه مرتكبا للجنحة المذكورة بمجرد انقضاء الشهر من اعالمه بالحكم الصادر ضده
بالنفقة أو بجرابة الطالق ولم يقم باألداء وهذا يتعارض مع المبدأ الذي يحكم الجريمة بكونها
جريمة قصدية وعنصر العمد غير مفترض
وانتهاء الشهر بدون أداء ال يعد قرينة على ارتكاب جنحة الفصل المذكور بل ال بد من
التحقق من قيام أركان هته الجريمة وذلك بالتحرير على المشتكى وسماعه.
ينص الفصل 53مكرر م.أ.ش "على أن كل من حكم عليه بالنفقة أو بجراية الطالق فقضى
عمد شهر دون دفع ما حكم عليه بأدائه يعاقب بالسجن "...فإثارة الدعوى العمومية من طرف
النيابة العمومية ال يتم بمجرد رفع الشكاية من طرف المتضرر وإنما يكون ذلك بعد انقضاء
شهر عن إعالم المظنون فيه بفحوى الحكم المدني الصادرة ضده باألداء
فإضافة إلى أهمية الشهر باعتباره سببا من أسباب قيام جريمة الفصل المذكور وشرط منشأ
لها فان انقضاء الشهر يعد من باب أولى وأحرى شرط اساسيا إلطالق التتبع الجزائي ضد
المظنون فيه.
وعليه فإن النيابة العمومية ال يمكنها أن تثير الدعوى العمومية قبل انقضاء أجل الشهر من
تاريخ االعالم حتى وإن بادر الدائن المتضرر برفع شكاية قبل انقضاء أجل شهر فما على
النيابة العمومية إال االنتظار حتى ينقضي الشهر ثم تتولى إثارة التتبع ضد المظنون فيه
وفي هذا االطار سار فقه القضاء المقارن 64واعتبر تاريخ بداية التتبع هو تاريخ انتهاء األجل
وليس تاريخ تقديم الشكاية.
64
Cass crim, 7 novembre 1962 Bull crim n° 337
36
المبحث الثاني :العقوبات
إذا ما استكملت جريمة الفصل 53مكرر شروطها وخاصة الشرط األساسي فيها وهو توفر
العمد وأثيرت التتبعات الجزائية يتدخل الزجر الجزائي لوضع حد للفصل اإلجرامي
وتحضى هاته الجريمة بعناية خاصة على مستوى النصوص الزجرية القانونية مما يعكس
سياسة الزجر التى أقرها المشرع والتى تعكس التشدد من طرفه (فقرة أولى) والتخفيف من
طرف فقه القضاء (فقرة ثانية).
Cass crim, 7 décembre 1967 Bull crim n°317 d 1968 p 353, Gaz Pl 1968, 1, p 137
37
الفقرة األولى :التشدد من طرف المشرع
ما يميز الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية هو ازدواجية العقوبة لغاية الردع
وذلك لمنع كل مدين من اإلقدام على التنكيل بدائنيه خاصة وأن ديون النفقة ذات صيغة
معيشية حيوية ومتأكدة
ويكون بذلك المشرع قد فسح المجال للقاضي للحكم فكال العقوبين ليست مستقرة بل خاضعة
للسلطة التقديرية للقاضي حسب وقائع وظروف كل قضية فيكون الحكم بالسجن بدرجة أولى
(أ) وبالخطية (ب).
38
أ -عقوبة السجن:
يصنف السجن ضمن قائمة العقوبات األصلية المنصوص عليها بالفصل ( )5م.ج ويمثل
عقوبة سالبة للحرية "ووسيلة إكراهية تقرها عديد التشريعات القديمة والحديثة خاصة فيما
يتعلق باالمتناع عن دفع دين النفقة".65
وقد ضبط المشرع حد أدنى للعقاب بالسجن الذي تتراوح بين ثالثة أشهر وعام ويتقارب في
ذلك مع القانون المصري بالمادة 293الذي ينص بأنه "يعاقب بالحبس مدة ال تزيد عن سنة
" والفصل 357من قانون العقوبات الفرنسي القديم الذي نص على عقوبة السجن المتراوحة
بين ثالثة أشهر والعام لتصبح بعد تنقيح الفصل 227-3في حدها األقصى والمقدر بالسنتين
وكذلك الشأن بالنسبة للقانون المغربي الذي يطالب مرتكب الجريمة المذكورة بالحبس من
شهر إلى سنة
فيبقى بذلك النطق بالعقوبة رهين اتجاه فكر القاضي الذي يقوم أساسا على مراعاة مصلحة
الزوجة المفارقة واألبناء والتي تحتل موقع الصدارة في مثل هذه الجرائم.
فكان التشدد أهم ما يميز تقدير عقوبة السجن في تطبيقات القضاء خالفا للتشريع المصري
حيث تنص المادة 347من أحكام االئحة التي ينص شرطها الثاني بأن امتناع المحكوم عليه
عن تنفيذ حكم النفقة شريطة أن يكون امتناعه بغير عذر فال حبس على المدين بالنفقة المعسر
كما ال تقبل دعوى الحبس على المحكوم عليه بالنفقة إذا كان ناقص األهلية.
ففي فرنسا تشددت المحاكم مع كل مدين امتنع على دفع النفقة وتجاوز األمر إلى العقوبات
اإلضافية كجريمة عدم اإلعالم بتغيير محل السكني بالنسبة للمطالب بالنفقة"
ويبقى الفصل 314-7من القانون الفرنسي بأن كل مدين يتعمد أو يسعى إلى تفاقم حالة
اإلعسار أو اإلفالس التي عليها نية التقصي من تنفيذ حكم النفقة يتعرض إلى عقوبات
صارمة زيادة إلى حرمانه من حقوقه المدنية وذلك لبث العبرة بكل من يسعى إلى اإلهمال أو
التنكيل بدائن النفقة أو الجراية.
محمد لحبيب الشريف حول طرق التنفيذ في مساءل األحوال الشخصية م.ق.ت ديسمبر 2000ص .11 65
39
وبالنظر الى توجه حكام النواحي بتونس نجد التمسك بالحد األدنى لعقوبة السجن المقررة
66
والمتمثلة في ثالثة أشهر
فعقوبة السجن جزاء يقرره القانون ويوقعه القاضي على من تثبت مسؤوليته لكنه يمس
المدين في حقه في الحرية.
لكن يطرح إشكال حول تطبيق عقوبة جريمة عدم دفع مال النفقة او الجراية في صورة
تواجد المدين خارج البالد التونسية
وما يمكن استنتاجه هو أن عقوبة السجن عقوبة زجرية تلعب دورا هاما في الحفاظ على
الدين المعاشي إلى جانب التساقها بعقوبة الخطية.
ب-عقوبة الخطية
تمثل الخطية الشكل الرئيسي للعقوبات المالية فقد ذكرها المشرع ضمن العقوبات الواردة
بالفصل ( ) 5من المجلة الجزائرية وفي غياب تعريف لها اعتبرها البعض بأنها إلزام بأداء
مبلغ مالي تسلطه محكمة زجرية أو منتصبة بصفتها تلك على مقترف فعل يعتبره المشرع
جريمة بمقتضى نص سابق الوضع قد ورد فيه لفظ يعاقب وكان التعهد بالنظر والحكم فيه
طبق مجلة اإلجراءات الجزائية والنصوص المتمة لها 67واعتبرها البعض اآلخر "بأنها مبلغ
من المال تقضى المحكمة باقتطاعه من ثروة المحكوم عليه فتدخله في ملكية الدولة 68وعلى
هذا األساس تنتصب الخطية في موقع للصدارة في قضايا عدم دفع مال النفقة نظرا ألن
أمرها مرتبط بالسلطة التقديرية للقضاء ألن القاضي الجزائي يتعامل مع النص ويمكنه تحقيق
الردع بعد ضبط المشرع لحدود الجريمة.
وقد سار المشرع التونسي على غرار عدة تشريعات أجنبية واضعا حدا أقصى وأدنى للخطية
حتي يتسنى للقاضي أن يحكم طبقا للوقائع المعروضة عليه إما بالحد األدنى أو األقصى.
كمال البلطي" :الجبر بالسجن" م.ق.ت عدد ،7جويلية 1994ص .27 67
حومد عبد الوهاب" :شرح قانون الكويتي" القسم العام ،المطبعة العصرية الكويت ،1972 ،ص .340 68
40
ويبرز دور القاضي في مستوى اختيار عقوبة الخطية وقد ذهب البعض الى إعتبار أن
"ضبط المشرع الخطية من حد أدني وحد أعلى متباعدين تكون للقاضي هنا إمكانية
المراوحة بين الحدين ويستعمل هذه السلطة وفق نفس الضوابط التي يسترشد بها حينما يطبق
عقوبة أخرى فاألصلية عقوبة يقصد بها إيالم المحكوم عليه ابتغاء تحقيق أغراض العقوبة
وهي باألساس مكافحة الجريمة وإصالح للمجرم".69
فجمع المشرع بين السجن والخطية يعكس التشدد في اإللمام باإلكراه البدني والمالي
كوسيلتين إكراه قانونية تمارس فقط على إرادة المدين المماطل.
وحتى بعد تنقيح الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية فإن السياسة العقابية بقيت
محافظة على التشدد في الجمع بين عقوبة السجن والخطية .إال أن إضافة مسألة األداء
كمسقط للجريمة ولعقوبتها من شأنه أن يدعم الصلح والوفاق .وهو ما كان لفقه القضاء دور
كبير في ذلك.
69أمال الجالصي الخطية الجزائية ،مذكرة لإلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في الحقوق شعبة العلوم الجنائية
،1999 -1998ص .39
41
الفقرة الثانية :التخفيف من طرف فقه القضاء
مثل تنقيح الفصل 53مكرر من مجلة االحوال الشخصية إضافة متميزة كرست سياسة نبيلة
تقوم على دعم الروابط األسرية وتعبر عن استفاقة المشرع أمام اآلراء النافذة للفصل 53
القديم.
ذلك أن الواقع القضائي أفرز أن إيقاف المدين أو سلب حريته لم يحقق النتائج المرجوة.
فقبل تنقيح 1993لم يكن القانون التونسي يرى في األداء سببا النقضاء الدعوى أو المحاكمة
أو العقوبة ذلك أن النص كان قد ورد واضحا ولم يجعل من األداء سببا الضمحالل الجريمة.
ومن هنا كان التجريم الوارد بالفصل 53مكرر جديد ليس غاية بل يعكس سياسة حمائية ال
تقوم على الزجر بقدر ما تتأسس على الحفاظ على استقرار العائلة.
فلم تنتهج المحاكم لمجابهة جريمة عدم دفع مال النفقة التشدد في عقوبة مرتكب هذه الجنحة
وإنما ذهبت في اتجاه الوفاق فكان أساس التجريم هو تشجيع المتهم على إبراء ذمته (أ) أو
حرص على تطبيق الفقرة الثانية من الفصل 53مكرر.
42
أ -تشجيع المتهم على إبراء ذمته
إن الوفاء بدين النفقة يوقف التتبعات أو المحاكمة أو العقاب وكانت غاية المشرع ضمان
استخالص الديون وقد جرت األعمال داخل المحاكم على التيسير في إجراءات الخالص.
وقد توخى فقه قضاء محكمة التعقيب السالسة في طرق أداء النفقة والجراية ذلك ألن النزعة
القضائية تهدف إلى تشجيع المدين على األداء حتى تضمحل جريمة ويتمثل موضوع األداء
في المبلغ المالي المحكوم به على المتهم.
ويتميّز النص القانوني بالصمت في خصوص طرق األداء لكن االعمال داخل المحاكم قدمت
صورا للخالص فيكون إما عينا وهي الطريقة المتداولة في الوسط القضائي فيمكن للمتهم
أداء دينه أما بدفع المبلغ أمام القضاء سواء في طور التتبع أو المحاكمة أو تنفيذ العقاب ويتم
التنصيص على ذلك بمحضر الجلسة إذا تم الخالص أمام قاضي الناحية أما في حالة األداء
أمام مساعد وكيل الجمهورية تحفظ الدعوى.
كما يمكن لألداء أن يكون في شكل "شيك" مقدم من طرف المدين وتؤخر القضية عادة الى
حين استخالصه لكن في مجمل الحاالت يكون األداء بواسطة "حوالة بريدية" تتضمن مبلغ
الدين تكون باسم ا لدائن ويقدم المحكوم عليه شهادة في إصدار هذه الحوالة الى القضاء إلثبات
األداء.
وكثيرا ما تأخذ محكمة التعقيب بهذه الطريقة إبراء لذمة المدين النتفاء الجريمة بموجب
الخالص وقد تجاوبت هاته األخيرة مع المطعن المتعلق بوقوع الخالص وفق الشهادة
الممضاة من المتضررة " معلنة أن إمضاء المتضررة مستحقة النفقة على شهادة الخالص
وبالتالي توصلها الى جميع ما تخلد بذمة زوجها من معينات نفقتها هو إبراء لذمته وتطبيقا
لمقتضيات الفصل 53مكرر من م.أ.ش الوارد بالقانون عدد 74سنة 1993المؤرخ في 12
جويلية 1993قد أضحت جريمة عدم دفع النفقة الذي تأسس عليها القرار المنتقد مضمحلة
70
بما يتعين معه التصريح بنقص القرار بدون إحالة إذا لم يعد به ما يستدعي النظر
43
وما يمكن استنتاجه هو أن اتجاه المحاكم نحو التسهيل في أداء الديون كان مخالفا لما جاء في
التشريعات المقارنة كالتشريع المصري والمغربي وكذلك الفقه المصري الذي أبقى على
71
مؤايدة المدين حتى إذا قام بصرف المبالغ المتخلدة بذمته لفائدة دائنى المستفيد
وبالرجوع إلى الفصل 53مكرر م.أ.ش يتضح أن المشرع لم يحدد طريقة األداء وبذلك فإن
الدين ال يقف عن السداد وإنما يتجاوز إلى اإلثبات وقد أعلنت محكمة التعقيب بأن "إقرار
مستحقة بتوصلها لجميع ما تخلد بذمة المنفق من معينات النفقة يعد إبراء لذمته حسب
72
مقتضيات الفصل 53مكرر م.أ.ش ويجعل الجريمة مضمحلة".
ويكون اإلقرار أمام مساعد وكيل الجمهورية إذا كانت الدعوى في طور التتبع لدى النيابة
العمومية أو امام قاضي الناحية أثناء الجلسة
وقد يتمسك المدين باألداء أثناء أطوار المحاكمة بكتب ممضي من الدائن المحكوم له بالنفقة
أو بالجراية موضوعه إسقاط الدين وإنما اإلسقاط هو تنازل المتضرر على المطالبة بالمبالغ
المحكوم بها لفائدته أما األداء فهو خالص الدين المتخلد بذمة المدين.
وفي أغلب الحاالت فإن إثبات األداء يكون بتقديم المدين مؤايدات تدعم الخالص
71
El Marsafaoui (H) « le délit d’abandon de famille en Egypte » R.I.D.P part précité p 580.
72قرار تعقيبي جزائي عدد 54115مؤرخ في 8جوان 1994
73قرار تعقيبي جزائي عدد 7511مؤرخ في 3نوفمبر 2004
74قرار تعقيبي جزائي عدد 212مؤرخ في 8ديسمبر 2006
44
اليقين .وما يجب استنتاجه هو أن تشدد محكمة القانون في دليل على االختالف في التعامل
مع النصوص الجزائية أو فهمها ألنه قد يصعب على القاضي اإللمام بكل جوانب القضية.
إن الغاية من عبارة األداء التي ألحقها المشرع بالفصل 53مكرر هي التشجيع على خالص
الدين موضوع التتبع نظرا للطبيعة المعاشية للنفقة فقد ارتبط جانب كبير من فقه القضاء
بعبارة األداء الواردة بالنص دون تحريف وذلك للحفاظ على الروابط العائلية فأصبح أداء
الدين المتأخر بذمة المدين يوقف التتبعات.
وقد جرت العادة على الصعيد الواقعي على أن تنطلق إجراءات التتبع برفع شكاية من
المتضرر فيكفي مجرد تقديم الشكاية كي تتولى النيابة العمومية البحث فيما هو معروض
أمامها وتسعى جا هدة إلى حث المدين على األداء فإذا قام بذلك يسقط التتبع ففي صورة عدم
االستجابة يحال على قاضى الناحية.
وقد سجلت العديد من اإلحصائيات الهامة لسقوط التتبع بموجب الخالص عندما يكون الملف
في مرحلة البحث أو قبل إحالته على المحكمة حفاظا على تماسك الروابط األسرية وتفاديا
للزجر طالما ستكون آثاره وخيمة على العائلة.
ففي السنوات األخيرة عرفت هاته الجريمة العائلية تطورا نظرا إلرتفاع أعدادها لكن هذا لم
يمنع النيابة العمومية من وضع حد لها منذ إنطالق التتبعات الجزائية ففي 2006عرضت
على النيابة العمومية 17685قضية بنسبة % 28.66تم فيها الخالص وإيقاف التتبع ل
2744بنسبة %4.45ويتضح إنه إذا قام المدين باألداء أمام أحد أعضاء النيابة العمومية
تحفظ الجريمة لكن في صورة عدم الدفع تتم إحالته على قاضي الناحية.
لقد جاء تنقيح 1993ليبين بأن األداء يوقف المحاكمة فقد اتجهت المحاكم في تونس في هذا
المنحى وقبلت بخالص المدين لمعينات النفقة في طور المحاكمة الذي يسقط بدوره الجريمة.
لكن بالتأمل في نص الفصل 53مكرر نالحظ بأن عبارة المحاكمة الواردة بالفصل جاءت
عامة ومطلقة فليست متعلقة بدرجة قضائية معينة وقد ذهب اتجاه المحاكم نحو التخفيف
45
واعتبرت محكمة التعقيب أن الحكم مرتين على متهم من أجل فعلة واحدة يعد حرقا لقاعدة
75
اتصال القضاء.
فقد تبين عن عمل المحاكم رغبة هاته االخيرة في ترجيح مصلحة القصر وذلك ما أعلنته
محكمة التعقيب في إحدى القرارات أن " إمضاء المتضررة مستحقة النفقة توصلها بجميع ما
تخلد بذمة مد ينها من معينات نفقة يعد إبراء لذمته تطبيقا لمقتضيات الفصل 53مكرر من
م.أ.ش وبالتالي أضحت الجريمة التي تأسس عليها القرار المنتقد مضمحلة"
فبالرجوع إلى جدول إحصائيات قضايا عدم دفع النفقة نجد بأن إحصائية السنة القضائية
( )2006( – )2005وخاصة بالمحاكم االبتدائية أن القضاء قد ساهم في إيقاف محاكمة
1522شخصا بنسبة %2.47بموجب الخالص من جملة 5940بنسبة %9.63قضية.
ورغم أن نسب الخالص ضئيلة مقارنة بالقضايا المرفوعة فهذا ال ينفي قيمة األداء لتفادي
التنكيل والمماطلة.
ولم تتهاون المحاكم التونسية في اإلطاحة بعدم دفع النفقة كلما حضر األداء والخالص
وكنتيجة لذلك تلغى العقوبة من أساسها ذلك أن تدخل القضاء في هذا الميدان بالذات يكتسي
76
تنوعا ملفتا للنظر فيما يتعلق بالمسائل اإلجرائية والقواعد الموضوعية
ويكون تباعا فقه القضاء قد إقتفى خطوات التشريع المصري الذي جعل من األداء موقفا
للعقوبة من ذلك ما نص عليه الفصل 293قانون العقوبات "في جميع األحوال إلى أدى فيه
المحكوم عليه ما تجمد في ذمته أو قدم كفيال يقبله صاحب الشأن فال تنفذ العقوبة".
ويعتبر تنقيح الفصل 53مكرر استفاقة من طرف المشرع جاءت نتيجة االنتقادات الموجهة
لتطبيقات النص القديم ألن عقوبة السجن والخطية تساهم في تشتت العائلة ذلك أن إيداع
المدين بالسجن ال يضر به وحده بل يضر بالدائنين بالنفقة وهم زوجته وأوالده.
وهنا يطرح التساؤل أنه مادامت الزوجة قد أسقطت حقها فلماذا ال يأخذ هذا اإلسقاط شاكلة
األداء وكأن بالقاضي الجزائي يقطع خيوط الوفاق بين أفراد العائلة.
وفي اعتقادنا أن المغاالة ال يعكس التقييد بمنطوق الفصل 53مكرر وبسياسة األداء بقدر ما
هو انحراف عن غاية المشرع وهي الحث على الخالص والتساهل في األخذ به.
وهناك موقف استشرافي تبنته محكمة التعقيب في قرار تعقيبي جزائي 78ويتمثل في رد على
طعن تمسك به وكيل الجمهورية وتعقبه محامي المتضررة الذي أعلن أن أداء الدين عن
الغير ال يبرئ الذمة إال إذا حرر باسم المدين شخصيا إال أن هذا المطعن لم يلقى مباركة من
محكمة التعقيب التي سلمت األمر إلى قضاة األصل الذين جعلوا من إرسال المال لصالح
الزوجة باسم شقيق زوجها داللة على وقوع الخالص.
وما يمكن استنتاجه هو أن مقصد المشرع من تنقيح الفصل 53مكرر هو الحث على األداء
فتجريمه لعدم دفع مال النفقة وجراية الطالق إنما غايته األساسية ليس التنكيل بالمدين بل
دفعه للوفاء بالدين المتخلد بذمته ليكون ذلك سببا إليقاف تتبعه أو محاكمة أو عقوبة مما
يعكس تأرجح فقه القضاء المحاكم في تفسير القاعدة الجزائية بين البحث عن مقصد المشرع
والتقييد بمنطوق النص وهو ما ينعكس على التماسك والوفاق العائلي.
47
الخـــــاتمـــة
يتضح مما سبق بيانه بأن الركن المعنوي في جريمة الفصل 53مكرر من مجلة األحوال
الشخصية برغم ما يطرحه من صعوبات لتعلقه بخواطر نفسية إال أنه أساس قيام الجريمة
ودعامتها األساسية.
فهاته الجريمة ال زالت قصدية تستوجب تعمد المدين عدم دفع ما حكم عليه بأدائه.
فالمشرع لم يبين بوضوح أركانها الجريمة وذلك تعمدا منه لفسح المجال للقاضي للتدخل
وتحريك النص الجزائي.
فواقع التطبيق أفرز العديد من المشاحنات تعلقت بالركن المعنوي والمقصود هنا هو العمد
الذي يثبت فيها القاضي الجزائي بموقف.
ومن هنا ال بد من اإلعتراف بدور هذا األخير في ضبط األركان المكونة لها وإستفاقته
لمناقشة الدفوع المطروحة في القضايا المتعلقة بها.
وال يجب أن نتغافل بأن سبب الجريمة هو اإلمتناع المظنون فيه عن دفع المبلغ المحكوم به
مما جعل المشرع ينتهج من خالل التنقيح األخير منهجا عمليا وجعل من األداء وسيلة تقف
بمقتضاها المسألة الجزائية في كل طور من أطوارها.
فالركن المعنوي لهاته الجريمة يستوجب بالضرورة البحث عن السبل الجديرة باإلقناع
المدين باألداء خاصة أنها تتعلق باألسرة التي تمثل خلية حية تتأثر وتؤثر في النظام
اإلجتماعي .مما يستوجب إفرادها بنصوص إجرائية خاصة تتماشى وطبيعتها.
48
المالحق
49
المــــــــــــــــراجــــــــع
المراجع باللغة العربية:
مراجع عامة:
-حومد عبد الوهاب :شرح قانون الجزائي الكويتي القسم العام المطبعة المصرية
الكويت .1972
مراجع الخاصة:
-عامر عبد العزيز :األحوال الشخصية في الشريعة اإلسالمية فقها وقضاءا الطبعة
التاسعة دار الفكر العربي مصر .1976
-محمد لحبيب الشريف :صندوق ضمان النفقة وجراية الطالق مركز الدراسات
القانونية والقضائية بوزارة العدل بتونس نوفمبر .1998
-محمد لحبيب الشريف :النظام العام العائلي التجنيات مركز النشر الجامعي .2006
-أحمد نصر الجندي :الحضانة والنفقات في الشرع والقانون دار الكتب القانونية مصر
المجلة الكبرى .2004
-نجيبة الشريف :قضاء األطفال في تونس دراسة حول حقوق الطفل الجزء األول
تونس .2004
المقاالت:
-محمد الفطن اسي :دور المجتمع في الحفاظ على العائلة من التفكك م.ق.ت عدد،8
أكتوبر .1984
-قيس سعيد :مقالة الدستور واألحوال الشخصية كلية العلوم القانونية والسياسية
واإلجتماعية بتونس بتاريخ 4جانفي 2002غير منشور
-رضا بالحاج عمر :نظام إحتساب األجال في الدعاوي القضائية المدنية م.ق.ت عدد
10ديسمبر .2003
50
-رضا بالحاج عمر :حول طرق التنفيذ في مسائل األحوال الشخصية م.ق.ت ديسمبر
.2000
-محمد الحبيب الشريف تعليق على قرار تعقيبي جزائي عدد 30410مؤرخ في 23
جوان 1992م.ق.ت عدد ،5ماي .1993
-كمال البلطي :الجبر بالسكن م.ق.ت عدد 7نوفمبر .1994
الملتقيات:
-محمد لحبيب الشريف :قضاء النفقات بين الشركات الفصل 9نوفمبر الضمنات
محاضرة ألقيت بملتقى القضاء المدني بين سرعة الفصل 9نوفمبر الضمانات المعهد
األعلى للقضاء تونس .1990
المذكرات:
-جمال باتيته :جريمة عدم دفع النفقة وجراية الطالق رسالة لنيل شهادة ختم الدروس
المعهد األعلى للقضاء السنة القضائية .1997-1996
-زينب لغلول :النفقة ،رسالة تخرج من المعهد األعلى للقضاء .1994-1993
-أمال الجالصي :الخطية الجزائية ،مذكرة إلحراز على شهادة الدراسات المعمقة في
الحقوق شعبة العلوم الجنائية .1999-1998
المحاضرات:
-محاضرة في القانون الجنائي العام لألستاذ محمد رضا األجوري سنة .2006-2005
المعاجم:
-إبن منظور ،لسان العرب ،مجلد الرابع ،دار الفكر العربي ،الطبعة األولى،1990 ،
الجزء األول.
51
:المراجع باللغة الفرنسية
Ouvrage générale :
Les articles :
52
الفـــــــــــــهـــــرس
المقدمة 1 ......................................................................................................
الجزء األول :الرّكن المعنوي أساس قيام جريمة الفصل 53مكرر من مجلة األحوال
الشخصية 6 ...................................................................................................
ب-العسر19 ............................................................................................
الفقرة الثانية :موانع مرتبطة بالدين موضوع الفصل 53مكرر 24 .............................
53
أ-زوال الموجب القانوني للدين 24 ..................................................................
فقرة ثانية :على مستوى اجراءات إثارة الدعوى العمومية 34 ....................................
ب-التقيد بالفقرة الثانية من الفصل 53مكرر من مجلة األحوال الشخصية 45 .............
55