You are on page 1of 28

‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫ص‬ ‫الرسائل الثالث‬ ‫م‬

‫‪2‬‬ ‫‪ 1‬دعوتنا‬
‫إلى أي شيء ندعو‬
‫‪10‬‬ ‫‪2‬‬
‫الناس‬
‫‪21‬‬ ‫‪ 3‬بين األمس واليوم‬

‫‪30‬‬ ‫‪ 4‬األصول العشرين‬

‫‪1‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫أصناف أربعة‬
‫و كل الذي نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدا من أربعة ‪:‬‬ ‫دعوتنا‬
‫مؤمـن ‪:‬‬ ‫مصـــارحة‬
‫إما شخص آمن بدعوتنا و صدق بقولنا و أعجب بمبادئنا ‪ ،‬و رأى فيها خيرا اطمأنت إليه‬ ‫نحب أن نصارح الناس بغايتنا ‪ ،‬وأن نجلي أمامهم منهجنا ‪ ،‬وأن نوجه إليهم دعوتنا ‪ ،‬في‬
‫نفسه ‪ ،‬و سكن له فؤاده ‪ ،‬فهذا ندعوه أن يبادر باالنضمام إلينا و العمل معنا حتى يكثر بــه‬ ‫غــير لبس وال غمــوض ‪ ،‬أضــوأ من الشــمس وأوضــح من فلــق الصــبح وأبين من غــرة‬
‫عدد المجاهدين و يعلوا بصوته صوت الداعين ‪ ،‬و ال معنى إليمان ال يتبعــه عمــل ‪ ،‬و ال‬ ‫النهار‪.‬‬
‫فائــدة في عقيــدة ال تــدفع صــاحبها إلى تحقيقهــا و التضــحية في ســبيلها ‪ ،‬و كــذلك كــان‬ ‫بـــراءة‬
‫السابقون األولـون ممن شـرح هللا صـدورهم لهدايتـه فـاتبعوا أنبيائـه و آمنـوا برسـاالته و‬ ‫ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – و كل المسلمين قومنا – أن دعوة اإلخوان المسلمين دعوة‬
‫جاهدوا فيه حق جهـاده ‪ ،‬و لهـؤالء من هللا أجــزل األجــر و أن يكــون لهم مثــل ثــواب من‬ ‫بريئــة نزيهــة ‪ ،‬قــد تســامت في نزاهتهــا حــتى جــاوزت المطــامع الشخصــية ‪ ،‬واحتقــرت‬
‫اتبعوهم ال ينقص ذلك من أجورهم شيئا‪.‬‬ ‫المنافع المادية ‪ ،‬وخلفت وراءها األهـواء واألغــراض ‪ ،‬ومضـت قــدما في الطريـق الــتي‬
‫متـردد ‪:‬‬ ‫رسمها الحق تبارك وتعالى للداعين إليه ‪:‬‬
‫وإما شخص لم يستبين وجــه الحــق ‪ ،‬و لم يتعــرف في قولنــا معــنى اإلخالص و الفائــدة ‪،‬‬ ‫َأ‬ ‫َّ‬ ‫َأ‬
‫ير ٍة نَــا َو َم ِن اتبَ َعنِي َو ُس ـب َْحانَ هللاِ َو َمــا نَــا ِمنَ‬
‫صـ َ‬ ‫(قُــلْ هَ ـ ِذ ِه َس ـبِيلِي َأ ْد ُعــو ِإلَى هللاِ َعلَى بَ ِ‬
‫فهذا نتركه لتردده و نوصيه بأن يتصل بنا عن كثب ‪ ،‬و يقرأ عنــا من قــريب أو بعيــد ‪ ،‬و‬ ‫ْال ُم ْش ِر ِكينَ ) (يوسف‪. )108:‬‬
‫يطالع كتاباتنا و يزور أنديتنا و يتعرف إلى إخواننا ‪ ،‬فسيطمئن بعد ذلك لنــا إن شــاء هللا ‪،‬‬ ‫فلسنا نسأل الناس شيئا ‪ ،‬و ال نقتضيهم ماال وال نطالبهم بأجر ‪ ،‬وال نستزيد بهم وجاهــة ‪،‬‬
‫و كذلك كان شأن المترددينـ من أتباع الرسل من قبل ‪.‬‬ ‫وال نريد منهم جزاء وال شكورا ‪ ،‬إن أجرنا في ذلك إال على الذي فطرنا‪.‬‬
‫نفـعي ‪:‬‬ ‫عـاطــفة‬
‫وإما شخص ال يريد أن يبذل معونته إال إذا عرف ما يعود عليه من فائدة و ما يجــره هــذا‬ ‫و نحب أن يعلم قومنا أنهم احب إلينا من أنفسنا ‪ ،‬و أنه حبيب إلى هــذه النفــوس أن تــذهب‬
‫البذل له من مغنم فنقول له ‪ :‬حنانيك ليس عنــدنا من جــزاء إال ثــواب هللا إن أخلصــت ‪ ،‬و‬ ‫فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ‪ ،‬و أن تزهق ثمنا لمجدهم و كرامتهم و دينهم و آمالهم إن‬
‫الجنة إن علم فيك خيرا ‪ ،‬أما نحن فمغمورون جاها فقراء ماال ‪ ،‬شأننا التضحية بمــا معنــا‬ ‫كان فيها الغناء‪ ،‬و ما أوقفنــا هــذا الموقــف منهم إال هــذه العاطفــة الــتي اســتبدت بقلوبنــا و‬
‫و بـذل مـا في أيـدينا ‪ ،‬و رجاؤنـا رضـوان هللا سـبحانه و تعـالى و هـو نعم المـولى و نعم‬ ‫ملكت علينا مشاعرنا ‪ ،‬فأقضت مضاجعنا ‪ ،‬و أســالت مــدامعنا ‪ ،‬و إنــه لعزيــز علينــا جــد‬
‫النصير ‪ ،‬فإن كشف هللا الغشاوة عن قلبه و أزاح كابوس الطمع عن فــؤاده فســيعلم أن مــا‬ ‫عزيز أن نرى ما يحيط بقومنــا ثم نستســلم للــذل أو نرضــى بــالهوان أو نســتكين لليــأس ‪،‬‬
‫عند هللا خير و أبقى ‪ ،‬و سينضـم إلى كتيبـةـ هللا ليجـود بمـا معـه من عـرض الحيـاة الـدنيا‬ ‫فنحن نعمــل للنــاس في ســبيل هللا أكــثر ممــا نعمــل ألنفســنا‪ ،‬فنحن لكم ال لغــيركم أيهــا‬
‫لينال ثواب هللا في العقبى ‪ ،‬و ما عندكم ينفد و ما عند هللا باق ‪ ,‬و إن كــانت األخــرى فاهلل‬ ‫األحباب ‪ ،‬و لن نكون عليكم في يوم من األيام‪.‬‬
‫عني عمن ال يرى هلل الحق األول في نفسه و ماله و دنيــاه و آخرتــه و موتــه و حياتــه ‪ ,‬و‬ ‫هلل الفضل و المنة‬
‫كذلك كان شأن قوم من أشباهه حين أبوا مبايعة رســول هللا صــلى هللا عليــه و ســلم إال أن‬ ‫و لسنا نمتن بشيء وال نرى ألنفسنا في ذلك فضال ‪ ،‬و إنما نعتقد قول هللا تعالى ‪:‬‬
‫يجعل لهم األمر من بعده ‪ ,‬فما كان جوابه صلى هللا عليه و سلم إال أن أعلمهم أن األرض‬ ‫صا ِدقِينَ ) (الحجرات‪. )17:‬‬ ‫( بَ ِل هللاُ يَ ُم ُّن َعلَ ْي ُك ْم َأ ْن هَدَا ُك ْم لِِإل ي َم ِ‬
‫ان ِإ ْن ُك ْنتُ ْم َ‬
‫هلل يورثها من يشاء من عباده ‪ ,‬و العاقبة للمتقين‬ ‫وكم نتمنى – لو تنفع المنى – أن تتفتح هذه القلوب على مرأى و مسمع من أمتنا ‪ ،‬فينظر‬
‫متحامـل ‪:‬‬ ‫إخواننا هل يرون فيها إال حب الخير لهم و اإلشفاق عليهم و التفاني في صالحهم ؟‬
‫و إما شخص أساء فينا ظنــه و أحــاطت بنــا شــكوكه ‪ ،‬فهــو ال يرانــا إال بالمنظــار األسـود‬ ‫وهل يجدون إال ألما مضنيا من هذا الحــال الــتي وصــلنا إليهــا ؟ و لكن حســبنا أن هللا يعلم‬
‫القاتم ‪ ،‬و ال يتحدث عنا إال بلسان المتحــرج المتشــكك ‪ ،‬و يــأبى إال أن يلج في غــروره و‬ ‫ذلك كله ‪ ،‬و هو وحده الكفيل بالتأييد الموفق للتسديد‪ ،‬بيده أزمة القلــوب و مفاتيحهــا ‪ ،‬من‬
‫يسدر في شكوكه و يظل مع أوهامه ‪ ،‬فهذا ندعو هللا لنا و له أن يرينا الحق حقا و يرزقنــا‬ ‫يهد هللا فال مضل له و من يضلل هللا فال هادي لــه و هــو حســبنا و نعم الوكيــل ‪ .‬أليس هللا‬
‫اتباعــه و الباطــل بــاطال و يرزقنــا اجتنابــه ‪ ،‬و أن يلهمنــا و إيــاه الرشــد ‪ ،‬نــدعوه إن قبــل‬ ‫بكاف عبده؟‬

‫‪2‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫بأن يجاهد أضعف الجهاد في سبيلها ‪ ،‬بل إنه قد يبالغ في هذه الغفلــة وهــذا النســيان حــتى‬ ‫الدعاء و نناديه إن أجاب النداء و ندعو هللا فيه و هو أهــل الرجــاء ‪ ،‬و لقــد أنــزل هللا على‬
‫يعمل علي ضدها وهو يشــعر أو ال يشــعر ؟ أولســت تضــحك عجبـا ً حين تــري رجالً من‬ ‫نبيه الكريم في صنف من الناس ‪:‬‬
‫رجال الفكر والعمل والثقافة في ساعتين اثنتين متجاورتين من ساعات النهــار ملحــداً مــع‬ ‫ك ال تَ ْه ِدي َم ْن َأحْ بَبْتَ َولَ ِك َّن هللاَ يَ ْه ِدي َم ْن يَ َشا ُء) (القصص‪. )56:‬‬ ‫(ِإنَّ َ‬
‫الملحدين وعابداً مع العابدين ! ‪.‬‬ ‫وهذا سنظل نحبه و نرجو فيئه إلينا و اقتناعه بدعوتنا ‪ ،‬و إنما شعارنا معه ما أرشدنا إليه‬
‫هذا الخور أو النسيان أو الغفلة أو النوم أو قل ما شئت هــو الــذي جعلنــا نحــاول أن نوقــظ‬ ‫المصطفى صلى هللا عليه و سلم من قبل ‪( :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ال يعلمون)‪.‬‬
‫(مبدأنا) وهو هو المبدأ المسلم به من قومنا في نفوس هؤالء القوم المحبوبين ‪.‬‬ ‫نحب أن يكون الناس معنا واحدا من هؤالء ‪ ،‬و قد حان الوقت الذي يجب فيه على المسلم‬
‫أن يدرك غايته و يحدد وجهته ‪ ،‬و يعمل لهذه الوجهة حــتى يصــل إلى غايتــه المنشــودة ‪،‬‬
‫أما تلك الغفلة السادرة و الخطرات الالهية و القلوب الساهية و االنصياع األعمى و اتباع‬
‫دعــــوات‬ ‫كل ناعق فما هو من سبيل المؤمنين في شيء ‪.‬‬
‫وإذن سأعود إلي أول كلمتي فأقول إن دعوة اإلخوان المسلمين دعوة مبــدأ ‪ ،‬وفي الشــرق‬ ‫فــنـاء‬
‫والغرب اليوم دعوات ومبادئ وفكـر ومـذاهب وآراء ومنـازع كلهـا تتقسـم عقـول النـاس‬ ‫و نحب أن يعلم قومنا إلى جانب هذا أن هذه الدعوة ال يصــلح لهــا إال من حاطهــا من كــل‬
‫وتتنازع ألبابهم ‪ ،‬وكل منها يزينه أهله ويقوم بالدعاية له أبناؤه وأتباعه وعشاقه ومريدوه‬ ‫جوانبها و وهب لها ما تكلفه إياه من نفسه و ماله و وقته و صحته ‪ ،‬قال تعالى ‪:‬‬
‫‪ ،‬ويدعون له المزايا والمحاسن ويبالغون في هذا االدعــاء مـا يـبرزه للنـاس جميالً خالبـا ً‬ ‫ارةٌ‬‫(قُلْ ِإ ْن َكانَ آبَاُؤ ُك ْم َوَأ ْبنَاُؤ ُك ْم َوِإ ْخ َوانُ ُك ْم َوَأ ْز َوا ُج ُك ْم َوع َِشي َرتُ ُك ْم َوَأ ْم َوا ٌل ا ْقت ََر ْفتُ ُموهَا َوتِ َجـ َ‬
‫رائعا ً ‪.‬‬ ‫ضوْ نَهَا َأ َحبَّ ِإلَ ْي ُك ْم ِمنَ هللاِ َو َرسُولِ ِه َو ِجهَا ٍد فِي َسبِيلِ ِه فَتَ َربَّصُوا‬ ‫ت َْخ َشوْ نَ َك َسا َدهَا َو َم َسا ِكنُ تَرْ َ‬
‫دعاة‬ ‫اسقِينَ ) (التوبة‪. )24:‬‬ ‫َحتَّى يَْأتِ َي هللاُ بَِأ ْم ِر ِه َوهللاُ ال يَ ْه ِدي القوْ َم الف ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫والدعاة اليوم غيرهم باألمس فهم مثقفون مجهــزون مــدربون أخصــائيون ‪ -‬وال ســيما في‬ ‫فهي دعوة ال تقبل الشركة إذ أن طبيعتها الوحدة فمن استعد لذلك فقد عاش بهــا و عاشــت‬
‫البالد الغربيــة ‪ -‬حيث تختص بكــل فكــرة كتيب ـةـ مدربــة توضــح غامضــها وتكشــف عن‬ ‫به ‪ ،‬و من ضعف عن هذا العبء فسيحرم ثواب المجاهدين و يكون مــع المخلفين و يقعــد‬
‫محاسنها وتبتكر لها وسائل النشر وطرائق الدعاية ‪ ،‬وتتلمس لها في نفــوس النــاس أيســر‬ ‫مــع القاعــدين ‪ ،‬و يســتبدل هللا لدعوتــه بــه قومـا آخــرين (َأ ِذلَّ ٍة َعلَى ْال ُمـ ْؤ ِمنِينَ َأ ِعـ َّز ٍة َعلَى‬
‫السبل وأهونها وأقربها إلي االقتناع واالتباع ‪.‬‬ ‫ضـ ُل هللاِ يُْؤ تِيـ ِه َم ْن يَ َشـا ُء)‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫يل هللاِ َوال يَخَـ افُونَ لَوْ َمـ ةَ الِئ ٍم َذلِـ َ‬ ‫ْال َكافِ ِرينَ ي َُجا ِه ُدونَ فِي َسـبِ ِ‬
‫وســـائـل‬ ‫(المائدة‪. )54:‬‬
‫و وسائل الدعاية اآلن غيرها باألمس كذلك ‪ ,‬فقد كانت دعاية األمس كلمة تلقى في خطبة‬ ‫وضــوح‬
‫أو اجتماع أو كلمة تكتب في رسالة أو خطــاب ‪ ,‬أمــا اآلن فنشــرات و مجالت و جرائــد و‬ ‫نحن ندعو النــاس إلي (مبــدأ) ‪ ..‬مبــدأ واضــح محــدود مســلم بــه منهم جميعـا ً ‪ ،‬هم جميعـا ً‬
‫رساالت و مسارح و خياالت و حاك و مــذياع ‪ ,‬و قــد ذلــل ذلــك كلــه ســبل الوصــول إلى‬ ‫يعرفونه ويؤمنون به ويدينون بأحقيته ويعلمون أن فيــه خالصــهم وإســعادهم وراحتهم ‪...‬‬
‫قلوب الناس جميعهم ‪ ,‬نساء و رجاال في بيوتهم و متاجرهم و مصانعهم و مزارعهم‬ ‫مبدأ أثبتت التجربة وحكم التاريخ صالحيته للخلود وأهليته إلصالح الوجود ‪.‬‬
‫لهذا كان من واجب أهل الدعوة أن يحسنوا تلك الوسائل جميعا حــتى يــأتي عملهم بثمرتــه‬ ‫إيمانان‬
‫المطلوبة‬ ‫والفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في اإليمان بهذا المبدأ أنه عندهم إيمان مخــدر نــائم في‬
‫و مــالي و لهــذا االســتطراد ؟ ســأعود مــرة ثانيــة فــأقول إن العــالم اآلن في حــال تخمــة‬ ‫نفوسهم ال يريدون أن ينزلوا علي حكمه وال أن يعملــون بمقتضــاه ‪ ،‬علي حين أنــه إيمــان‬
‫بالدعوات ما بين سياسية و قومية و وطنية و اقتصادية و عسكرية و سلمية ‪ ,‬فــأين دعـوة‬ ‫ملتهب مشتعل قــوي يقــظ في نفــوس اإلخــوان المســلمين ‪ .‬ظــاهرة نفســية عجيبــة نلمســها‬
‫اإلخوان المسلمين من هذا المزيج المركب كله ؟‬ ‫ويلمسها غيرنا في نفوسنا نحن الشرقيين أن نؤمن بالفكرة إيمانا يخيل للناس حين نتحدث‬
‫سيدعوني ذلك أن أتكلم في أمرين ‪ :‬أولهما هيكل دعوتنا اإليجــابي المجــرد ‪ ,‬ثم بعــد ذلــك‬ ‫إليهم عنــا أنهــا ســتحملنا علي نســف الجبــال وبــذل النفس والمــال واحتمــال المصــاعب‬
‫موقفها من كل نوع من أنواع الدعوات ‪.‬‬ ‫ومقارعة الخطوب حتى ننتصر بها أو تنتصر بنا ‪ ،‬حــتى إذا هــدأت ثــائرة الكالم وانفض‬
‫نظام الجمع نسي كل إيمانه وغفل عن فكرته ‪ ،‬فهو ال يفكر في العمل لها وال بحدث نفسه‬

‫‪3‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫حسـن ذلـك و جميـل و لكن من غـير الحسـن وغـير الجميـل أنـك تحـاول إفهـام الشـعوب‬ ‫ال تؤاخذني بهذا االستطراد فقد أخذت على نفسي أن اكتب في كما أتحــدث ‪ ,‬و أن أتنــاول‬
‫الشرقية و هي مسلمة أن ذلك في اإلسالم بأوفى وأزكى و أسمى و أنبل مما هو في أفــواه‬ ‫موضوعي بهذا اللون من ألوان الكتابة في غير تكلف وال عناء ‪ ,‬و إنما أريــد أن يفهمــني‬
‫الغربيين و كتابات األوروبيين أبوا ذلك عليك و لجوا في تقليدهم يعمهون ‪ ,‬و زعموا لــك‬ ‫كما الناس أنا و يصل كالمي إلى نفوسهم خاليا من التزويق و التقسيم‪.‬‬
‫أن اإلسالم من ناحية و هذه الفكرة من ناحية أخرى ‪ ،‬و ظن بعضــهم أن ذلــك ممــا يفــرق‬ ‫إســالمـنا‬
‫وحدة األمة و يضعف رابطة الشباب‬ ‫اسمع يا أخي ‪ :‬دعوتنا دعوة أجمع ما توصف بــه أنهــا ( إســالمية ) و لهــذه الكلمـة معـنى‬
‫هذا الوهم الخــاطئ كــان خطــرا على الشــعوب الشــرقية من كــل الوجهــات و بهــذا الــوهم‬ ‫واسع غير ذلك المعنى الضــيق الــذي يفهمـه النــاس‪ ،‬فإنـا نعتقــد أن اإلسـالم معـنى شـامل‬
‫أحببت أن أعرض هنا إلى موقف اإلخوان المسلمين و دعوتهم من فكــرة الوطنيــة و ذلــك‬ ‫ينتظم شؤون الحياة جميعا‪ ،‬و يفتي في كل شأن منها و يضع له نظاما محكمــا دقيقــا‪ ،‬و ال‬
‫الموقف الذي ارتضوه ألنفسهم و الذي يريدون و يحاولون أن يرضاه الناس معهم ‪.‬‬ ‫يقف مكتوفا أمام المشكالت الحيوية و النظم التي ال بــد منهــا إلصــالح النــاس‪ .‬فهم بعض‬
‫وطنية الحنين‬ ‫الناس خطأ أن اإلسالم مقصور على ضروب من العبادات أو أوضــاع من الروحانيــة‪ ،‬و‬
‫إن كان دعاة الوطنية يريدون بهــا حب هــذه األرض‪ ،‬وألفتهــا والحــنين إليهــا واالنعطــاف‬ ‫حصروا أنفسهم و أفهامهم في هذه الدوائر الضيقة من دوائر الفهم المحصور‪.‬‬
‫حولها‪ ،‬فذلك أمــر مركــوز في فطــر النفــوس من جهــة‪ ،‬مــأمور بــه في اإلســالم من جهــة‬ ‫و لكنــا نفهم اإلســالم على غــير هــذا الوجــه فهمــا فســيحا واســعا ينتظم شــؤون الــدنيا و‬
‫أخرى‪ ،‬وإن بالال الذي ضحى بكـل شـيء في ســبيل عقيدتـه‪ ،‬ودينــه هـو بالل الــذي كـان‬ ‫اآلخرة ‪ ،‬و لسنا ندعي هذا ادعاء أو نتوسع فيه من أنفسنا ‪ ،‬و إنما هو ما فهمناه من كتاب‬
‫يهتف في دار الهجرة بالحنين إلى مكة في أبيات تسيل رقة وتقطر حالوة‪:‬‬ ‫هللا و سيرة المسلمين األولين‪ ،‬فإن شاء القـارئ أن يفهم دعـوة اإلخـوان بشـيء أوسـع من‬
‫بــــــــواد وحــــــــولي إذ خــــــــر وجليـل‬ ‫أال ليت شــــــــعري هــــــــل أبيتن ليلــــــــة‬ ‫كلمة إسالمية فليمسك بمصحفه و ليجرد نفسه من الهوى و الغاية ثم يتفهم ما عليه القرآن‬
‫وهـــــــل يبـــــــدون لي شـــــــامة وطفيل‬ ‫وهـــــــل أردن يومـــــــا ميـــــــاه مجــــــــنة‬ ‫فسيرى في ذلك دعوة اإلخوان‪.‬‬
‫أجل ‪ :‬دعوتنا إسالمية ‪ ،‬بكل ما تحتمل الكلمة من معان ‪ ،‬فافهم فيها ما شــئت بعــد ذلــك و‬
‫ولقد سمع رسول ص وصف مكة من أصيل فجرى دمعه حنينا إليها وقال‪( :‬يا أصــيل دع‬ ‫أنت في فهمــك هــذا مقيــد بكتــاب هللا و ســنة رســوله و ســيرة الســلف الصــالحين من‬
‫القلوب تقر)‪.‬‬ ‫المسلمين ‪ ،‬فأما كتاب هللا فهو أساس اإلسالم و دعامته و أما سنة نبيه فهي مبينــة الكتــاب‬
‫وطنية الحرية والعزة‬ ‫و شارحته و أما سيرة السلف الصـالح فهم رضـوان هللا عليهم منفـذو أوامـره و اآلخـذون‬
‫وإن كــانوا يريــدون أن من الــواجب العمــل بكــل جهــد في تحريــر الــوطن من الغاصــبين‬ ‫بتعاليمه و هم المثل العملية و الصورة الماثلة لهذه األوامر و التعاليم‪.‬‬
‫وتوفير استقالله‪ ،‬وغـرس مبـادئ العـزة والحريـة في نفـوس أبنائـه‪ ،‬فنحن معهم في ذلـك‬ ‫موقفنا من الدعوات المختلفة‬
‫(وهللِ ْال ِعـ َّزةُ َولِ َر ُسـولِ ِه‬ ‫أيضا وقد شدد اإلسالم في ذلك أبلغ التشديد‪،‬ـ فقال تبــارك وتعــالى‪َ :‬‬ ‫و موقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب و بلبلت األفكار‬
‫َولِ ْل ُمـــ ْؤ ِمنِينَ َولَ ِك َّن ْال ُمنَـــافِقِينَ ال يَ ْعلَ ُمـــونَ ) (المنـــافقون‪ ، )8:‬ويقـــول‪َ ( :‬ولَ ْن يَجْ َع َ‬
‫ـــل هللاُ‬ ‫أن نزنهــا بمــيزان دعوتنــا فمــا وافقهــا فمرحبــا بــه و مــا خالفهــا فنحن بــراء منــه و نحن‬
‫لِ ْل َكافِ ِرينَ َعلَى ْال ُمْؤ ِمنِينَ َسبِيالً) (النساء‪. )141:‬‬ ‫مؤمنون بأن دعوتنا عامـة محيطـة ال تغـادر جـزءا صـالحا من أيـة دعـوة إال ألمت بـه و‬
‫وطنية المجتمع‬ ‫أشارت إليه‬
‫وإن كانوا يريدون بالوطنية تقوية الرابطة بين أفراد القطر الواحد‪ ،‬وإرشادهم إلى طريــق‬ ‫الوطنية‬
‫استخدام هذه التقوية في مصالحهم‪ ،‬فذلك نوافقهم فيه أيضا ويراه اإلسالم فريضة الزمــة‪،‬‬ ‫افتتن كثير من الناس بدعوة الوطنيــة تــارة و القوميــة تــارة أخـرى و بخاصــة في الشـرق‬
‫فيقول نبيه صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬وكونوا عباد هللا إخوانا) ‪ ,‬ويقــول القـرآن الكــريم‪( :‬يَــا‬ ‫حيث تشعر الشعوب الشرقية بإســاءة الغــرب إليهــا إســاءة نــالت من عزتهــا و كرامتهــا و‬
‫ت ْالبَ ْغ َ‬
‫ضا ُء‬ ‫َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا ال تَتَّ ِخ ُذوا بِطَانَةً ِم ْن دُونِ ُك ْم ال يَْألُونَ ُك ْم خَ بَاالً َو ُّدوا َما َعنِتُّ ْم قَ ْد بَ َد ِ‬ ‫استقاللها و أخذت من مالها و من دمها و حيث تتألم هذه الشــعوب من هــذا النــير الغــربي‬
‫ت ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعقِلُــونَ ) (آل عمــران‪:‬‬ ‫صدُو ُرهُ ْم َأ ْكبَـ ُر قَـ ْد بَيَّنَّا لَ ُك ُم اآليــا ِ‬
‫ِم ْن َأ ْف َوا ِه ِه ْم َو َما تُ ْخفِي ُ‬ ‫الذي فرض عليها فرضا ‪ ,‬فهي تحاول الخالص منه بكل ما في و ســعها من قــوة و منعــة‬
‫‪. )118‬‬ ‫و جهاد و جالد ‪ ,‬فانطلقت ألســن الزعمــاء و ســالت انهــار الصــحف ‪ ,‬و كتب الكــاتبون و‬
‫وطنية الفتح‬ ‫خطب الخطباء و هتف الهاتفون باسم الوطنية و جالل القومية‬

‫‪4‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫إعالء كلمته ‪ ,‬و ذلك ما حدا بالسلف الصالحين رضوان هللا عليهم إلى هذه الفتوح القدسية‬ ‫وإن كانوا يريـدون بالوطنيـة فتح البالد وسـيادة األرض فقـد فـرض ذلـك اإلسـالم ووجـه‬
‫التي أدهشت الدنيا و أربت على كل ما عرف التاريخ من سرعة و عدل ونبل و فضل ‪.‬‬ ‫(وقَاتِلُوهُ ْم َحتَّى ال تَ ُكونَ فِ ْتنَةٌ‬
‫الفاتحين إلى أفضل استعمار وأبرك فتح‪ ،‬فذلك قوله تعالى‪َ :‬‬
‫وحدة ‪:‬‬ ‫َويَ ُكونَ الدِّينُ هللِ) (البقرة‪.)193:‬‬
‫و أحب أن أنبهك إلى سقوط ذلك الزعم القائل إن الجري عن هذا المبدأ يمزق وحدة األمة‬ ‫وطنية الحزبية‬
‫التي تتألف من عناصر دينية مختلفة ‪ ,‬فإن اإلسالم و هو دين الوحدة و المساواة كفل هــذه‬ ‫و إن كــانوا يريــدون بالوطنيــة تقســيم األمــة إلى طوائــف تتنــاحر و تتضــاغن و تتراشــق‬
‫الروابط بين الجميع ما داموا متعاونين على الخير ‪( ,‬ال يَ ْنهَــا ُك ُم هللاُ َع ِن الَّ ِذينَ لَ ْم يُقَــاتِلُو ُك ْم‬ ‫بالسباب و تترامى بالتهم و يكيد بعضها لبعض ‪ ,‬و تتشيع لمناهج وضعية أملتهــا األهــواء‬
‫ـار ُك ْم َأ ْن تَبَــرُّ وهُ ْم َوتُ ْق ِسـطُوا ِإلَ ْي ِه ْم ِإ َّن هللاَ ي ُِحبُّ ْال ُم ْق ِسـ ِطينَ )‬
‫ِّين َولَ ْم ي ُْخ ِر ُجــو ُك ْم ِم ْن ِديَـ ِ‬
‫فِي الد ِ‬ ‫و شكلتها الغايــات و األعــراض و فســرتها األفهــام و فــق المصـالح الشخصــية ‪ ,‬و العــدو‬
‫(الممتحنة‪:‬ـ‪ , )8‬فمن أين يأتي التفريق إذاً؟‬ ‫يستغل كل ذلك لمصلحته و يزيد وقود هذه النار اشتعاال يفرقهم في الحــق و يجمعهم على‬
‫أفرأيت بعد كيف أننــا متفقــون مــع أشــد النــاس غلــوا في الوطنيــة في حب الخــير للبالد و‬ ‫الباطل ‪ ,‬و يحرم عليهم اتصال بعضهم ببعض و تعاون بعضهم مع بعض و يحل لهم هذه‬
‫الجهاد في سبيل في سبيل تخليصها و خيرها و ارتقائها ‪ ,‬و نعمـل و نؤيـد كـل من يسـعى‬ ‫الصلة به و االلتفات حوله فال يقصدون إال داره و ال يجتمعــون إال زواره ‪ ,‬فتلــك وطنيــة‬
‫في ذلك بإخالص ‪ ,‬بل أحب أن تعلم أن مهمتهم إن كانت تنتهي بتحرير الوطن و استرداد‬ ‫زائفة ال خير فيها لدعاتها و ال للناس‬
‫مجده فإن ذلك عند اإلخوان المسلمين بعض الطريــق فقــط أو مرحلــة منــه واحــدة و يبقى‬ ‫فها أنت ذا قد رأيت أننا مع دعاة الوطنية ‪ ,‬بل مع غالتهم في كل معانيهــا الصــالحة الــتي‬
‫بعد ذلك أن يعملــوا لــترفع رايــة الـوطن اإلســالمي على كــل بقـاع األرض و يخفـق لـواء‬ ‫تعود بالخير على البالد و العباد ‪ ,‬و قد رأيت مـع هـذا أن تلــك الـدعوى الوطنيـة الطويلــة‬
‫المصحف في كل مكان ‪.‬‬ ‫العريضة لم تخرج عن أنها جزء من تعاليم اإلسالم‬
‫حدود وطنيتنا‬
‫أما وجه الخالف بيننا وبينهم فهو أننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وهم يعتبرونها بالتخوم‬
‫القـومـية‬ ‫األرضية والحدود الجغرافية ‪ ,‬فكل بقعــة فيهــا مســلم يقــول ( ال إلــه إال هللا محمــد رســول‬
‫و اآلن سأتحدث إليك عن موقفنا من مبدأ القومية ‪:‬‬ ‫هللا ) وطن عندنا له حرمته و قداسته و حبه و اإلخالص له و الجهاد في ســبيل خــيره ‪ ,‬و‬
‫قومية المجد‬ ‫كل المسلمين في هذه األقطــار الجغرافيــة أهلنــا و إخواننــا نهتم لهم و نشــعر بشــعورهم و‬
‫إن كان الــذين يعــتزون بمبــدأ "القوميــة" يقصــدون بــه أن األخالف يجب أن ينهجــوا نهج‬ ‫نحس بإحساسهم ‪.‬‬
‫األسالف في مراقي المجد والعظمة ومدارك النبــوغ والهمــة وأن تكــون لهم بهم في ذلــك‬ ‫ودعاة الوطنية فقط ليسوا كذلك فال يعنيهم إال أمر تلك البقعة المحدودة الضــيقة من رقعــة‬
‫قدوة حسـنة‪ ،‬وأن عظمـة األب ممــا يعـتز بـه االبن ويجــد لهـا الحمــاس واألريحيـة بـدافع‬ ‫األرض ‪ ،‬ويظهر ذلك الفارق العملي فيمـا إذا أرادت أمـة من األمم أن تقــوى نفسـها على‬
‫الصلة والوراثة‪ ،‬فهو مقصد حسن جميل نشـجعه ونأخــذ بــه‪ ،‬وهـل عــدتنا في إيقـاظ همـة‬ ‫حساب غيرها فنحن ال نرضى ذلك على حساب أي قطر إسالمي ‪ ،‬وإنما نطلب القوة لنا‬
‫الحاضرين إال أن نحدوهم بأمجاد الماضين؟ ولعــل اإلشــارة إلى هــذا في قـول رسـول هللا‬ ‫جميعــا ‪ ،‬ودعــاة الوطنيــة المجــردة ال يــرون في ذلــك بأســا‪ ،‬ومن هنــا تتفكــك الروابــط‬
‫صلى هللا عليه وسلم‪( :‬الناس معادن خيارهم في الجاهلية خيارهم في اإلسالم إذا فقهوا) ‪,‬‬ ‫وتضعف القوى ويضرب العدو بعضهم ببعض ‪.‬‬
‫فها أنت ذا ترى أن اإلسالم ال يمنع من القومية بهذا المعنى الفاضل النبيل‪.‬‬ ‫غاية وطنيتنا‬
‫قومية األمة‬ ‫هذه واحدة ‪ .‬والثانيـة أن الوطنـيين فقـط ‪ ،‬جـل مـا يقصـدون إليـه تخليص بالدهم فـإذا مـا‬
‫وإذا قصد بالقوميـة أن عشـيرة الرجـل وأمتـه أولى النـاس بخـيره وبـره وأحقهم بإحسـانه‬ ‫عملوا لتقويتها بعد ذلك اهتموا بالنواحي المادية كما تفعل أوربا اآلن ‪ ،‬أما نحن فنعتقــد أن‬
‫وجهاده فهو حق كذلك‪ ،‬ومن ذا الذي ال يرى أولى النــاس بجهــوده قومــه الــذين نشــأ فيهم‬ ‫المسلم في عنقه أمانة عليه أن يبذل نفسه ودمه ومالــه في ســبيل أدائهــا تلــك هدايــة البشــر‬
‫ونما بينهم؟‬ ‫بنور اإلسالم ‪ ,‬و رفع علمه خفاقا في كل ربوع األرض ‪ ,‬ال يبغي بذلك ماال و ال جاهــا و‬
‫عليه وإن عالوا به كل مركب‬ ‫لعمري لرهط المرء خير بقية‬ ‫سلطاننا على أحد و ال استعبادا لشعب ‪ ,‬و إنما يبغي وجه هللا وحده و إسعاد العالم بدينهـ و‬

‫‪5‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫حتى ترقى اإلنسانية‪ ،‬فهل رأيت سموا باإلنسانية أعلى من هذا السمو أو تربية أفضل من‬ ‫وإذا قصد بالقوميـة أننـا جميعـا مبتلـون مطـالبون بالعمـل والجهـاد‪ ،‬فعلى كـل جماعـة أن‬
‫هذه التربية؟‬ ‫تحقق الغاية من جهتها حتى تلتقي إن شاء هللا في ساحة النصر فنعم التقسيم هذا‪ ،‬ومن لنــا‬
‫خواص العروبة‪:‬‬ ‫بمن يحدو األمم الشـرقية كتـائب كــل في ميــدانها حـتى نلتقي جميعــا في بحبوحــة الحريــة‬
‫ولسنا مع هذا ننكر خـواص األمم ومميزاتهـا الخلقيـة‪ ،‬فنحن نعلم أن لكـل شـعب مميزاتـه‬ ‫والخالص؟‬
‫وقسطه من الفضــيلة والخلــق‪ ،‬ونعلم أن الشــعوب في هــذا تتفــاوت وتتفاضــل‪ ،‬ونعتقــد أن‬ ‫كل هذا وأشباهه في معنى القومية جميل معجب ال يأباه اإلسالم‪ ،‬وهو مقياسنا‪ ،‬بل ينفسـح‬
‫العروبة لها من ذلك النصــيب األوفى واألوفــر‪ ،‬ولكن ليس معــنى هــذا أن تتخــذ الشــعوب‬ ‫صدرنا له ونحض عليه‪.‬‬
‫هذه المزايا ذريعة إلى العدوان‪ ،‬بل عليها أن تتخذ ذلك وسيلة إلى تحقيــق المهمــة الســابقة‬ ‫القومية الجاهلية‬
‫التي كلفها كل شعب‪ ،‬تلك هي النهــوض باإلنســانية‪ ،‬ولعلــك لســت واجــدا في التــاريخ من‬ ‫أما أن يراد بالقومية إحيـاء عــادات جاهليــة درسـت‪ ،‬وإقامــة ذكريــات بائــدة خلت وتعفيــة‬
‫أدرك هذا المعنى من شعوب األرض كما أدركته تلك الكتيبة العربية من صــحابة رســول‬ ‫حضارة نافعة استقرت‪ ،‬والتحلل من عقدة اإلســالم ورباطــه بــدعوى القوميــة واالعــتزاز‬
‫هللا صلى هللا عليه وسلم ‪.‬‬ ‫بالجنس‪ ،‬كمــا فعلت بعض الــدول في المغــاالة بتحطيم مظــاهر اإلســالم والعروبــة‪ ،‬حــتى‬
‫هذا استطراد اقتضاه السير في البحث و ال أحب أن أتابعه حتى ال يشــط بنــا القــول و لكن‬ ‫األسماء وحروف الكتابة وألفاظ اللغة‪ ،‬وإحياء مــا انــدرس من عــادات جاهليــة‪ ،‬فــذلك في‬
‫أعود إلى ما نحن بسبيله‬ ‫القومية معنى ذميم وخيم العاقبة وسيئ المغبة‪ ،‬يـؤدي بالشـرق إلى خسـارة فادحــة يضـيع‬
‫رباط العقيدة‬ ‫معها تراثه وتنحط بهــا منزلتــه ويفقــد أخص مميزاتــه وأقــدس مظــاهر شــرقه ونبلــه‪ ،‬وال‬
‫أما إذ عرفت هذا فاعلم – أيدك هللا – أن اإلخوان المسلمين بالنسبة إليهم قسمين ‪:‬‬ ‫(وِإ ْن تَت ََولَّوْ ا يَ ْستَ ْب ِدلْ قَوْ ما ً َغ ْي َر ُك ْم ثُ َّم ال يَ ُكونُوا َأ ْمثَــالَ ُك ْم) (محمــد‪:‬‬
‫يضر ذلك دين هللا شيئا ‪َ :‬‬
‫قسم اعتقد ما اعتقدوه من دين هللا و كتابه و آمن ببعثه و رسوله و ما جــاء بــه ‪ ،‬و هــؤالء‬ ‫‪. )38‬‬
‫تربطنا بهم أقدس الروابط ‪ ،‬رابطة العقيدة و هي عنــدنا أقــدس من رابطــة الــدم و رابطــة‬ ‫قومية العدوان‬
‫نحن إليهم ونعمــل في ســبيلهم و نــذود عن‬ ‫األرض ‪ ,‬فهــؤالء هم قومنــا األقربــون الــذين ّ‬ ‫وأما أن يراد بالقومية االعتزاز بالجنس إلى درجة تؤدي إلى انتقــاص األجنــاس األخــرى‬
‫حماهم و نفتديهم بالنفس و المال ‪ ,‬في أي أرض كانوا و من أية ساللة انحدروا ‪.‬‬ ‫والعدوان عليها والتضحية بها في سبيل عزة أمة وبقائها‪ ،‬كما تنادي بذلك ألمانيا وإيطاليــا‬
‫و قوم ليسوا كذلك و لم نرتبط معهم بعد بهذا الرباط فهؤالء نســالمهم مــا ســالمونا و نحب‬ ‫مثال‪ ،‬بل كما تــدعي كــل أمــة تنــادي بأنهــا فــوق الجميــع‪.‬فهــذاـ معــنى ذميم كــذلك ليس من‬
‫لهم الخير ما كفــوا عــدوانهم عنــا ‪ ,‬و نعتقــد أن بيننــا و بينهم رابطــة هي رابطــة الــدعوة ‪,‬‬ ‫اإلنسانية في شيء‪ ،‬ومعناه أن يتناحر الجنس البشري في سبيل وهم من األوهام ال حقيقــة‬
‫علينا أن ندعوهم إلى ما نحن عليه لنه خــير اإلنســانية كلهــا ‪ ,‬و أن نســلك إلى نجــاح هــذه‬ ‫له وال خير فيه‪.‬‬
‫الدعوة ما حدد لها الدين نفسه من سبل و وسائل ‪ ,‬فمن اعتــدى علينــا منهم رددنــا عدوانــه‬ ‫دعامتان‬
‫بأفضل ما يرد به عنوان المعتدين ‪.‬‬ ‫اإلخوان المسلمون ال يؤمنون بالقومية بهـذه المعـاني وال بأشـباهها وال يقولـون فرعونيـة‬
‫أما إذا أردت ذلك من كتاب هللا فاسمع ‪:‬‬ ‫وعربية وفينيقية وســورية وال شــيئا من هــذه األلقــاب واألســماء الــتي يتنــابز بهــا النــاس‪،‬‬
‫‪ِ( – 1‬إنَّ َما ْال ُمْؤ ِمنُونَ ِإ ْخ َوةٌ فََأصْ لِحُوا بَ ْينَ َأخَ َو ْي ُك ْم) (الحجرات‪. )10:‬‬ ‫ولكنهم يؤمنون بما قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم اإلنسان الكامل بل أكمل معلم علم‬
‫ـار ُك ْم َأ ْن تَبَــرُّ وهُ ْم‬ ‫‪( – 2‬ال يَ ْنهَا ُك ُم هللاُ َع ِن الَّ ِذينَ لَ ْم يُقَاتِلُو ُك ْم فِي الد ِ‬
‫ِّين َولَ ْم ي ُْخ ِرجُو ُك ْم ِم ْن ِديَـ ِ‬ ‫اإلنسان الخير‪( :‬إن هللا قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمهــا باآلبــاء‪ ،‬النــاس آلدم وآدم‬
‫َوتُ ْق ِســـطُوا ِإلَ ْي ِه ْم ِإ َّن هللاَ ي ُِحبُّ ْال ُم ْق ِســ ِطينَ ‪ِ ,‬إنَّ َمـــا يَ ْنهَــا ُك ُم هللاُ ع َِن ال ِذينَ قَــاتَلو ُك ْم فِي الــد ِ‬
‫ِّين‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫من تــراب‪ ،‬ال فضــل لعــربي على أعجمي إال بــالتقوى)‪ .‬مــا أروع هــذا وأجملــه وأعدلــه‪،‬‬
‫ار ُك ْم َوظَاهَرُوا َعلَى ِإ ْخ َرا ِج ُك ْم َأ ْن تَ َولَّوْ هُ ْم) (الممتحنة‪. )9-8:‬‬ ‫َوَأ ْخ َرجُو ُك ْم ِم ْن ِديَ ِ‬ ‫الناس آلدم فهم في ذلك أكفاء‪ ،‬والناس يتفاضلون باألعمــال فــواجبهم التنــافس في الخــير‪،‬‬
‫و لعلي أكون بذلك قــد كشــفت لــك عن هــذه الناحيــة من دعوتنــا بمــا ال يــدعها في نفســك‬ ‫دعامتان قويمتان لو بنيت عليهما اإلنسانية الرتفعت بالبشـر إلى عليـاء السـموات‪ ،‬النـاس‬
‫ملتبسة أو غامضة ‪ ,‬لعلك بعد ذلك عرفت إلى أي قبيل ينتسب اإلخوان المسلمون‬ ‫آلدم فهم إخـوان فعليهم أن يتعـاونوا وأن يسـالم بعضـهم بعضــا‪ ،‬ويـرحم بعضــهم بعضـا‪،‬‬
‫ويدل بعضهم بعضا على الخير‪ ،‬والتفاضل باألعمال‪ .‬فعليهم أن يجتهــدوا كــل من ناحيتــه‬

‫‪6‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫كل هذه أسباب جعلتنا نعتقد أن اإلجماع على أمر واحد في فروع الـدين مطلب مســتحيل‪،‬‬
‫بل هو يتنافى مع طبيعة الدين‪ ،‬وإنما يريد هللا لهذا الدين أن يبقى ويخلد ويساير العصور‪،‬‬ ‫أمام الخـالفات الدينية‬
‫ويماشي األزمان‪ ،‬وهو لهذا سهل مرن هين‪ ،‬لين‪ ،‬ال جمود فيه وال تشديد‪.‬‬ ‫أتحدث إليك اآلن عن دعوتنا أما الخالفات الدينيةـ و اآلراء المذهبية‪.‬‬
‫نعتذر لمخالفينا‪:‬‬ ‫نجمع وال نفرق‬
‫نعتقــد هــذا فنلتمس العــذر لمن يخالفوننــا في بعض الفرعيــات‪ ،‬ونــرى أن هــذا الخالف ال‬ ‫اعلم ــ فقهـك هللا ــ أوال‪ :‬أن دعـوة اإلخـوان المسـلمين دعـوة عامـة ال تنتسـب إلى طائفـة‬
‫يكـون أبـدا حـائال دون ارتبـاط القلـوب وتبــادل الحب والتعــاون على الخــير‪ ،‬وأن يشـملنا‬ ‫خاصة‪ ،‬وال تنحاز إلى رأي عرف عند الناس بلون خـاص ومســتلزمات وتوابـع خاصــة‪،‬‬
‫وإياهم معنى اإلسالم السابغ بأفضل حدوده‪ ،‬وأوسع مشتمالته‪ ،‬ألسنا مسلمين وهم كــذلك؟‬ ‫وهي تتوجه إلى صميم الـدين ولبـه‪ ،‬وتـود أن تتوحـد وجهـة األنظـار والهمم حـتى يكـون‬
‫وألسنا نحب أن ننزل على حكم اطمئنان نفوســنا وهم يحبــون ذلــك؟ وألســنا مطــالبين بــأن‬ ‫العمل أجدى واإلنتاج أعظم وأكبر‪ ،‬فدعوة اإلخوان دعوة بيضاء نقية غــير ملونــة بلــون‪،‬‬
‫نحب إلخواننـا مــا نحب ألنفسـنا؟ ففيم الخالف إذن؟ ولمــاذا ال يكــون رأينـا مجـاال للنظـر‬ ‫وهي مع الحق أينما كان‪ ،‬تحب اإلجماع‪ ،‬وتكره الشذوذ وإن أعظم ما مني بــه المســلمون‬
‫عندهم كرأيهم عندنا؟ ولماذا ال نتفاهم في جو الصفاء والحب إذا كان هناك مــا يــدعو إلى‬ ‫الفرقة والخالف‪ ،‬وأساس ما انتصروا به الحب والوحدة‪ .‬ولن يصــلح آخـر هــذه األمــة إال‬
‫التفاهم؟‬ ‫بما صلح به أولها‪ ،‬هذه قاعدة أساسية وهــدف معلــوم لكــل أخ مســلم‪ ،‬وعقيــدة راســخة في‬
‫هؤالء أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم كان يخالف بعضهم بعضا في اإلفتاء فهل‬ ‫نفوسنا‪ ،‬نصدر عنها وندعو إليها‪.‬‬
‫أوقع ذلك اختالفـا بينهم في القلــوب؟ وهـل فـرق وحـدتهم أو فــرق رابطتهم؟ اللهم ال ومـا‬ ‫الخالف ضروري‬
‫حديث صالة العصر في قريظة ببعيد‪.‬ـ‬ ‫ونحن مع هذا نعتقـد أن الخالف في فـروع الـدين أمـر ال بـد منـه ضـرورة‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫وإذا كان هؤالء قد اختلفوا وهم أقرب الناس عهدا بالنبوة وأعــرفهم بقــرائن األحكــام‪ ،‬فمــا‬ ‫نتحــد في هــذه الفــروع واآلراء والمــذاهب ألســباب عــدة‪ :‬منهــا اختالف العقــول في قــوة‬
‫بالنا نتناحر في خالفات تافهة ال خطر لهــا؟ وإذا كــان األئمــة وهم أعلم النــاس بكتــاب هللا‬ ‫االستنباط أو ضعفه‪ ،‬وإدراك الدالئل والجهل بها والغوص على أعماق المعاني‪ ،‬وارتباط‬
‫وسنة رسوله قد اختلف بعضهم مع بعض وناظر بعضهم بعضا‪ ،‬فلم ال يسعنا ما وســعهم؟‬ ‫الحقائق بعضها ببعض‪ ،‬والدين آيات وأحاديث ونصوص يفسرها العقل والرأي في حدود‬
‫وإذا كان الخالف قد وقع في أشهر المسائل الفرعيـة وأوضـحها كـاألذان الـذي ينـادى بـه‬ ‫اللغة وقوانينها‪ ،‬والناس في ذلك جد متفاوتين فال بد من خالف‪.‬‬
‫خمس مرات في اليوم الواحد‪ ،‬ووردت به النصوص واآلثار‪ ،‬فما بالك في دقائق المسائل‬ ‫ومنها سعة العلم وضيقه‪ ،‬وإن هذا بلغه ما لم يبلغ ذاك واآلخر شأنه كذلك‪ ،‬وقد قــال مالــك‬
‫التي مرجعها إلى الرأي واالستنباط؟‬ ‫ألبي جعفر‪ :‬إن أصحاب رسول هللا صلى هللا عليه وسلم تفرقــوا في األمصــار وعنــد كــل‬
‫وثم أمر آخر جدير بــالنظر‪ ،‬إن النــاس كــانوا إذا اختلفــوا رجعــوا إلى (الخليفــة) وشــرطه‬ ‫قوم علم‪ ،‬فإذا حملتهم على رأي واحد تكون فتنة‪.‬‬
‫اإلمامة‪ ،‬فيقضي بينهم ويرفع حكمه الخالف‪ ،‬أما اآلن فأين الخليفة؟ وإذا كان األمر كذلك‬ ‫ومنها اختالف البيئات حتى أن التطبيق ليختلـف بــاختالف كــل بيئــة‪ ،‬وإنــك لــترى اإلمــام‬
‫فأولى بالمسلمين أن يبحثـوا عن القاضـي‪ ،‬ثم يعرضـوا قضـيتهم عليـه‪ ،‬فـإن اختالفهم من‬ ‫الشافعي رضي هللا عنه يفتي بالقديم في العراق ويفتي بالجديد في مصر‪ ،‬وهو في كليهمــا‬
‫غير مرجع ال يردهم إال إلى خالف آخر‪.‬‬ ‫آخذ بما استبان له وما اتضح عنده ال يعدو أن يتحرى الحق في كليهما‪.‬‬
‫يعلم اإلخوان المسلمون كل هذه الحيثيــات‪ ،‬فهم لهــذا أوســع النــاس صــدرا مــع مخــالفيهم‪،‬‬ ‫ومنها اختالف االطمئنان القلبي إلى الرواية عند التلقين لها‪ ،‬فبينما نجــد هــذا الــراوي ثقــة‬
‫ويرون أن مع كل قوم علما‪ ،‬وفي كل دعوة حقا وباطال‪ ،‬فهم يتحرون الحق ويأخذون به‪،‬‬ ‫عند هذا اإلمام تطمئن إليه نفسه وتطيب باألخذ به‪ ،‬تراه مجروحا عند غــيره لمــا علم عن‬
‫ويحاولون في هوادة ورفق إقنــاع المخــالفين بوجهــة نظــرهم‪ .‬فــإن اقتنعــوا فــذاك‪ ،‬وإن لم‬ ‫حاله‪.‬‬
‫يقتنعوا فإخوان في الدين‪،‬ـ نسأل هللا لنا ولهم الهداية‪.‬‬ ‫ومنها اختالف تقدير الدالالت فهذا يعتبر عمل الناس مقدما على حــبر اآلحـاد مثال‪ ،‬وذاك‬
‫ذلك منهاج اإلخــوان المســلمين أمــام مخــالفيهم في المســائل الفرعيــة في دين هللا يمكن أن‬ ‫ال يقول معه به‪ ،‬وهكذا‪..‬‬
‫أجملــه لــك في أن اإلخــوان يجــيزون الخالف‪ ،‬ويكرهــون التعصــب للــرأي‪ ،‬ويحــاولون‬
‫الوصول إلى الحق‪ ،‬ويحملون الناس على ذلك بألطف وسائل اللين والحب‪.‬‬ ‫اإلجماع على أمر فرعي متعذر‬
‫إلـى العـالج‬

‫‪7‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫ومـاذا يـرجى من أمـة اجتمعت على غزوهـا كـل هـذه العوامـل بـأقوى مظاهرهـا و أشـد‬ ‫يا أخي ‪ :‬اعلم و تعلم أن مثل األمم في قوتها و ضعفها و شــبابها و شــيخوختها و صــحتها‬
‫أعراضها‪ :‬االستعمار و الحزبية ‪ ,‬و الربا و الشركات األجنبيــة ‪ ,‬و اإللحــاد و اإلباحيــة و‬ ‫و سقمها مثل األفراد سواء بسواء ‪ ,‬فالفرد بينما تراه قويا معافى صحيحا سليما ‪ ,‬فإذا بــك‬
‫فوضى التعليم و التشريع ‪ ,‬و اليأس و الشح ‪ ,‬و الخنوثــة و الجبن ‪ ,‬و اإلعجــاب بالخصــم‬ ‫تراه قد انتابته العلل و أحاطت بــه الســقام و هـ ّدت بنيتـهـ القويــة األمــراض و اآلالم ‪ ,‬و ال‬
‫إعجابا يدعو إلى تقليده في كل ما صدر عنه و بخاصة في سيئات أعماله ‪.‬‬ ‫يزال يشكو و يئن حتى تتداركه رحمة هللا تبارك و تعالى بطبيب ماهر و نطاســي بــارع‬
‫إن داء واحدا من هذه األدواء يكفي لقتل أمم متظاهرة ‪ ,‬فكيف و قد تفشـت جميعــا في كــل‬ ‫يعلم موطن العلة و يحسن تشخيصها حتى و يتعرف موضع الداء و يخلص في عالجــه ‪,‬‬
‫أمة على حدة ؟ لوال مناعة و حصانة و جالدة و شدة في هذه األمم الشــرقية الــتي جاذبهــا‬ ‫فإذا بك بعد حين ترى هذا المريض و قد عـادت إليـه قوتـه و رجعت إليـه صـحته ‪ ,‬ربمـا‬
‫خصومها حبل العداء من بعيد ‪ ,‬و دأبوا على تلقيحها بجراثيم هذه األمراض زمنــا طــويال‬ ‫كان بعد هذا العالج خيرا من قبله ‪.‬‬
‫حتى باضت و أفرخت ‪ ,‬لوال ذلك لعفت آثارها و لبادت من الوجود ‪ ,‬و لكن يأبى هللا ذلك‬ ‫قل مثل هذا في األمم تماما ‪ ,‬تعترضها حوادث الزمن بما يهدد كيانها و يصــدع بنيانهــا و‬
‫و المؤمنون ‪.‬‬ ‫يسري في مظاهر قوتها سريان الداء ‪ ,‬و ال يزال يلح عليها و يتشبث بها حتى ينــال منهــا‬
‫يا أخي ‪ :‬هذا هو التشخيص الذي يلمسه اإلخوان في أمراض هذه األمة ‪ ,‬و هذا هو الــذي‬ ‫فتبدو هزيلــة ضــعيفة يطمــع فيهــا الطــامعون و ينــال منهــا الغاصــبون فال تقــوى على رد‬
‫يعملون في سبيل أن يبرئها منه و يعيد إليها ما فقدت من صحة و شباب ‪.‬‬ ‫غاصب و ال تمنع من مطامح طامح ‪ ,‬و عالجها إنما يكون بأمور ثالثة ‪ :‬معرفــة مــوطن‬
‫الداء ‪,‬و الصبر على آالم العالج ‪ ,‬و النطاسي الذي يتولى ذلك حتى يحقق الــه على يدي ـهـ‬
‫أمل و شعور‬ ‫الغاية و يتمم الشفاء و الظفر ‪.‬‬
‫أحب أن تعلم يا أخي أننا لسنا يائسين من أنفســنا و أننــا نأمــل خــيرا كثــيرا و نعتقــد أنــه ال‬
‫يحول بيننا و بين النجاح إال هذا اليأس ‪ ،‬فــإذا قــوي األمــل في نفوســنا فسنصــل إلى خــير‬
‫كثير إن شاء هللا تعالى‪ ،‬لهذا نحن لسنا يائسين و ال يتطرق إلى قلوبنا و الحمد هلل‪.‬‬ ‫األعــراض‬
‫و كل ما حولنا يبشر باألمل رغم تشاؤم المتشائمين‪ ،‬إنك إذا دخلت على مــريض فوجدتــه‬ ‫و قد علمتنا التجارب و عرفتنا الحوادث أن داء هذه األمم الشرقية متشعب المناحي كثــير‬
‫تدرج من كالم إلى صمت ومن حركة إلى سكون شعرت بقرب نهايتــه و عســر شــفائه و‬ ‫األعراض قد نال من كل مظاهر حياتها ‪ ,‬فهي مصــابه في ناحيتهــا السياســية باالســتعمار‬
‫اســتفحال دائــه ‪ ،‬فــإذا انعكس األمــر وأخــذ يتــدرج من صــمت إلى كالم و من همــود إلى‬ ‫من جانب أعدائها ‪ ,‬و الحزبية و الخصومة و الفرقـة و الشـتات من جـانب أبنائهـا ‪ ,‬و في‬
‫حركة شعرت بقرب شفائه و تقدمه في طريق الصحة والعافية‪ .‬و لقد أتى على هــذه األمم‬ ‫ناحيتهــا االقتصــادية بانتشــار الربــا بين كــل طبقاتهــا و اســتيالء الشــركات األجنبيــة على‬
‫الشرقية حين من الدهر جمدت فيــه حــتى ملهــا الجمــود وســكنت حـتى أعياهـا الســكون و‬ ‫مواردها و خيراتها ‪ ,‬و هي مصـابة من الناحيـة الفكريـة بالفوضـى و المـروق و اإللحـاد‬
‫لكنها اآلن تغلي غليانا بيقظة شاملة في كل مناحي الحياة‪ ،‬وتضطرم اضطراما بالمشــاعر‬ ‫يهدم عقائدها و يحطم المثل العليا في نفوس أبنائها ‪ ,‬و في ناحيتهــا االجتماعيــة باإلباحيــة‬
‫الحية القوية و األحاسيس العنيفة‪ .‬و لوال ثقل القيــود من جهــة والفوضــى في التوجيــه من‬ ‫في عاداتها و أخالقها و التحلل من عقدة الفضائل ورثتها عن الغــر الميــامين من أســالفها‬
‫جهة أخرى لكان لهذه اليقظة أروع اآلثار‪ ،‬و لن تظل هــذه القيــود قيــودا أبــد الــدهر فإنمــا‬ ‫و بالتقليد الغربي يسري في مناحي حياتها سريان لعــاب األفــاعي فيســمم دمائهــا و يعكــر‬
‫الــدهر قلب‪ ،‬و مــا بين طرفــة عين و انتباهتهــا يغــير هللا من حــال إلى حــال‪ ،‬و لن يظــل‬ ‫صفو هنائها و بالقوانين الوضعية التي ال تزجر مجرما و ال تؤدب معتديا و ال ترد ظالما‬
‫الحائر حائرا فإنما بعد الحيرة هدى و بعد الفوضى استقرار ‪ ،‬وهلل األمر من قبل ومن بعد‬ ‫‪ ,‬و ال تغني يوما من األيام غنــاء القــوانين الســماوية الــتي وضــعها خــالق الخلــق و مالــك‬
‫‪.‬‬ ‫الملــك و رب النفــوس و بارئهــا ‪ ,‬و بفوضــى في سياســة التعليم و التربيــة تحــول دون‬
‫لهذا لسنا يائسين أبدا ‪ ,‬و آيات هللا تبارك و تعالى و أحاديث رسوله صلى اله عليه و ســلم‬ ‫التوجيه الصحيح لنشــئها و رجــال مســتقبلها و حملــة أمانــة النهــوض بهــا ‪ ,‬و في ناحيتهــا‬
‫وسنته تعالى في تربية األمم وإنهاض الشــعوب بعــد أن تشــرف على الفنــاء ‪ ,‬و مــا قصــه‬ ‫النفسية بيأس قاتل و خمول مميت و جبن فاضــح و ذلــة حقــيرة و خنوثــة فاشــية و شــح و‬
‫علينا في كتابه ‪ ,‬كل ذلك ينادينا باألمل الواسع ‪ ,‬و يرشدنا إلى طريق النهوض و لقــد علم‬ ‫أنانية تكف األيدي عن البــذل و تقــف حجابــا دون التضــحية و تخــرج األمــة من صــفوف‬
‫المسلون – لو يتعلمون ‪. -‬‬ ‫المجاهدين إلى الالهين الالعبين ‪.‬‬
‫و إنك لتقرأ اآلية الكريمة في أول سورة القصص‪:‬‬

‫‪8‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫قــد تتحــدث إلى كثــير من النــاس في موضــوعات مختلفــة فتعتقــد أنــك قــد أوضــحت كــل‬ ‫ين ‪ ,‬نَ ْتلُو َعلَ ْيكَ ِم ْن نَبَِأ ُمو َسى َوفِرْ عَوْ نَ بِ ْال َح ِّ‬
‫ق ِلقَوْ ٍم يُْؤ ِمنُونَ‬ ‫ب ْال ُمبِ ِ‬‫ات ْال ِكتَا ِ‬ ‫(طسم ‪ ,‬تِ ْلكَ آيَ ُ‬
‫اإليضاح و أبنت كل اإلبانة ‪ ,‬و أنك لم تدع سبيال للكشف عما في نفسك إال سلكتها ‪ ,‬حتى‬ ‫َأ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫َضـ ِعفُ طاِئفَـة ِمنهُ ْم يُـذبِّ ُح ْبنَــا َءهُ ْم‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫ـل ْهلهَــا ِشـيَعا يَ ْست ْ‬ ‫َأ‬ ‫ض َو َج َعـ َ‬ ‫َأل‬
‫‪ِ ,‬إ َّن فِرْ َعــوْ نَ عَال فِي ا رْ ِ‬
‫تركت من تحدثهم على المحجة البيضاء و جعلت لهم ما تريد بحــديثك من الحقــائق كفلــق‬ ‫ضــ ِعفُوا فِي‬ ‫َويَ ْســتَحْ يِي نِ َســا َءهُ ْم ِإنَّهُ َكــانَ ِمنَ ْال ُم ْف ِســ ِدينَ ‪َ ,‬ونُ ِريــ ُد َأ ْن نَ ُم َّن َعلَى الَّ ِذينَ ا ْستُ ْ‬
‫الصبح أو كالشمس في رابعة النهار كما يقولون ‪ ,‬و ما أشد دهشتك بعد قيل حين ينكشــف‬ ‫ي فِرْ عَوْ نَ َوهَا َمانَ‬ ‫ض َونُ ِر َ‬ ‫ارثِينَ ‪َ ,‬ونُ َم ِّكنَ لَهُ ْم فِي اَألرْ ِ‬ ‫ض َونَجْ َعلَهُ ْم َأِئ َّمةً َونَجْ َعلَهُ ُم ْال َو ِ‬
‫اَألرْ ِ‬
‫لك أن القوم لم يفهموا عنك و لم يدركوا قولك ‪.‬‬ ‫َو ُجنُو َدهُ َما ِم ْنهُ ْم َما َكانُوا يَحْ َذرُونَ ) (القصص‪. )6-1:‬‬
‫رأيت ذلك مرات و لمسته من عدة مواقف ‪ ,‬و اعتقد أن السر فيه ال يعدوا أحد أمرين ‪:‬‬ ‫تقرأ هذه اآلية الكريمة فترى كيف يطغى الباطل في صولته و يعتز بقوتــه‪ ،‬و يطمئن إلى‬
‫إما أن الذي يقيس به كل منا و ما يسمع عنه مختلف ‪ ,‬فيختلف تبعا لــذلك الفهم و اإلدراك‬ ‫جبروته و يغفل عن عين الحق التي ترقبه‪ ،‬حتى إذا فــرح بمــا أوتي أخــذه هللا أخــذ عزيــز‬
‫‪ ,‬و إما أن يكون القول في ذاته ملتبسا غامضا و إن اعتقد قائله أنه واضح مكشوف ‪.‬‬ ‫مقتــــدر‪ ،‬و أبت إرادة هللا إال أن تنتصــــر للمظلــــومين و تأخــــذ بناصــــر المهضــــومين‬
‫المقياس‬ ‫المستضعفين فإذا الباطل منهار من أساسه و إذا الحق قائم البنيان متين األركان وإذا أهله‬
‫و أنــا أريــد في هــذه الكلمــة أن أكشــف للنــاس عن دعــوة اإلخــوان المســلمين و غايتهــا و‬ ‫هم الغالبون ‪ ،‬وليس بعد هذه اآلية الكريمــة وأمثالهــا من آيــات كتــاب هللا عــذر في اليــأس‬
‫مقاصدها و أساليبها و وسائلها في صــراحة و وضــوح و في بيــان و جالء ‪ ,‬و أحب أوال‬ ‫والقنوط ألمة من أمم اإلسالم تؤمن باهلل ورسوله وكتابه‪ .‬فمتى يتفقه المســلمون في كتــاب‬
‫أن أحــدد المقيــاس الــذي نقيس بــه هــذا التوضــيح ‪ ,‬و ســأجتهد في أن يكــون القــول ســهال‬ ‫هللا ؟‬
‫ميسورا ال يتعذر فهمه على قارئ يحب أن يستفيد ‪ ,‬و أظن أن أحــدا من األمــة اإلســالمية‬ ‫لمثل هذا يا أخي وهو كثير في دين هللا لم ييأس اإلخوان المسلمون من أن ينزل نصــر هللا‬
‫جميعا ال يخالفني في أن يكون هذا المقياس هو كتــاب هللا نســتقي من فيضــه و نســتمد من‬ ‫على هذه األمم رغم ما يبدوا أمامها من عقبات ‪ ،‬وعلى ضــوء هــذا األمــل يعملــون عمــل‬
‫بحره و نرجع إلى حكمه ‪.‬‬ ‫اآلمل المجد و هللا المستعان‪.‬‬
‫يا قومنا ‪..‬‬ ‫أما الوسيلة التي وعدتك الكالم عليها فهي أركان ثالثة تدور عليها فكرة اإلخوان‪:‬‬
‫إن القرآن الكريم كتاب جامع جمع هللا فيه أصول العقائد و أسس المصالح االجتماعية ‪ ,‬و‬ ‫أولها_ المنهاج الصحيح‪ :‬وقد وجده اإلخوان في كتاب هللا و سنة رسوله و أحكام اإلسـالم‬
‫كليات الشرائع الدنيويــة ‪ ,‬فيــه أوامــر وفيــه نــواه ‪ ,‬فهــل عمــل المســلمون بمــا في القــرآن‬ ‫حين يفهمها المسلمون على وجههــا غضــة نقيــة بعيــدة عن الــدخائل و المفتريــات فعكفــوا‬
‫فاعتقدوا و أيقنوا بما ذكر هللا من المعتقدات ‪ ,‬و فهموا ما أوضح لهم من الغايات ؟ و هــل‬ ‫على دراسة اإلسالم على هذا األساس دراسة سهلة واسعة مستوعبة‪.‬‬
‫طبقوا شرائعه االجتماعية و الحيوية على تصرفاتهم في شــؤون حيــاتهم ؟ إن انتهينــا من‬ ‫و ثانيها_ العاملون المؤمنون‪ :‬و لهذا أخذ اإلخوان أنفســهم بتطــبيق مــا فهمــوه من دين هللا‬
‫بحثنا أنهم كذلك فقد وصــلنا معــا إلى الغايــة ‪ ,‬و إن تكشـف البحث عن بعــدهم عن طريــق‬ ‫تطبيقا ال هوادة فيه و ال لين‪ ،‬و هم بحمد هللا مؤمنون بفكرتهم مطمئنــون لغــايتهم واثقــون‬
‫القرآن و إهمالهم لتعاليمه و أوامره فاعلم أن مهمتنا أن نعود بأنفسنا و بمن تبعنــا إلى هــذا‬ ‫بتأييد هللا إياهم ما داموا له يعملون و على هدي رسوله يسيرون‪.‬‬
‫السبيل‬ ‫و ثالثها_ القيادة الحازمة الموثوق بها‪ :‬و قــد وجــدها اإلخــوان المســلمون كــذلك‪ ،‬فهم لهــا‬
‫غاية الحياة في القرآن‬ ‫مطيعون و تحت لوائها يعملون‪.‬‬
‫إن القرآن حدد غايات الحياة و مقاصد الناس فيها فبين أن قوما غايتهم من الحيــاة الكــل و‬ ‫هذا ما أردت أن أتحدث به إليك عن دعوتنــا و هــو تعبــير لــه تعبــير‪ ،‬و أنت يوســف هــذه‬
‫المتعة‬ ‫األحالم‪ ،‬فإن راقك ما نحن عليه فيدك مع أيــدينا لنعمــل ســويا في هــذا الســبيل و هللا و لي‬
‫فقال تبارك و تعالى ‪:‬‬ ‫توفيقنا و هو حسبنا و نعم الوكيل فنعم المولى و نعم النصير‪.‬‬
‫ى لَهُ ْم) (محمد‪:‬ـ‪. )12‬‬ ‫ُون َويَْأ ُكلُونَ َك َما تَْأ ُك ُل اَأل ْن َعا ُم َوالنَّا ُر َم ْثو ً‬
‫( َوالَّ ِذينَ َكفَرُوا يَتَ َمتَّع َـ‬
‫و بين أن قوما مهمتهم في الحياة الزينة و العرض الزائل فقال تبارك و تعالى ‪:‬‬
‫ضـ ِة‬‫ب َو ْالفِ َّ‬
‫ير ْال ُمقَنطَـ َر ِة ِمنَ الـ َّذهَ ِ‬
‫ْ‬
‫ت ِمنَ النِّ َسـاء َو ْالبَنِينَ َو ْالقَنَـ ِ‬
‫ـاط ِ‬
‫ْ‬
‫اس حُبُّ ال َّشهَ َوا ِ‬ ‫( ُزيِّنَ لِلنَّ ِ‬ ‫إلى أي شيء ندعو الناس‬
‫ب) (آل‬ ‫ُسـنُ ال َمــآ ِ‬ ‫ْ‬
‫ع ال َحيَــا ِة الـ ُّدنيَا َوهللاُ ِعنـ َدهُ ح ْ‬‫ك َمتَــا ُ‬ ‫َ‬
‫ث ذل ِ َ‬‫َو ْال َخ ْي ِل ْال ُم َس َّو َم ِة َوا ن َع ِام َوال َحرْ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َأل‬
‫تمـهـيد‬
‫عمران‪)14:‬‬

‫‪9‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫شريعته ‪ ,‬أم هؤالء أسرى الشهوات و عبيدـ األهــواء و المطــامع ‪ ,‬كــل همهم لقمــة لينــة و‬ ‫وبين أن قوما آخرين شأنهم في الحياة إيقاد الفتن و إحياء الشـرور ‪ ,‬أولئـك الــذين قـال هللا‬
‫مركب فاره و حلة جميلة و نومة مريحة و امرأة وضيئة و مظهر كاذب و لقب أجوف‬ ‫فيهم‪:‬‬
‫و خاضوا بحار الجد دعوى فما ابتلوا‬ ‫رضوا باألماني و ابتلوا بحظوظهم‬ ‫ص ِام‬ ‫ْجبُكَ قَوْ لُهُ فِي ْال َحيَا ِة ال ُّد ْنيَا َويُ ْش ِه ُد هللاَ َعلَى َما فِي قَ ْلبِ ِه َوهُ َو َألَ ُّد ْال ِخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ع‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ َ‬‫اس‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫نَ‬ ‫( َو ِم‬
‫و صدق رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪( :‬تعس عبد الدينار ‪ ,‬تعس عبــد الــدرهم ‪ ,‬تعس‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫ك ال َحـ رْ ث َوالن ْسـ َل َوهللا ُال ي ُِحبُّ الف َسـادَ)‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ض لِيُف ِسـ َد فِيِهَــا َويُ ْهلِـ َ‬ ‫َأل‬ ‫َّ‬
‫‪ ,‬وَِإذا تَـ َولى َسـ َعى فِي ا رْ ِ‬ ‫َ‬
‫عبد القطيفة)‬ ‫(البقرة‪)205-204:‬‬
‫الغاية أصل األعمال‬ ‫تلك مقاصد من مقاصد الناس في الحيــاة نــزه هللا المؤمــنين عنهــا و بــرأهم منهــا و كلفهم‬
‫و بمــا أن الغايــة هي الــتي تــدفع إلى الطريــق ‪ ,‬و لمــا كــانت الغايــة في أمتنــا غامضــة‬ ‫مهمة أرقى ‪ ,‬و ألقى على عاتقهم واجبا أسمى ذلك الواجب هو‪ :‬هداية النــاس إلى الحــق ‪,‬‬
‫مضطربة كان البد من أن نوضــح و نحــدد ‪ ,‬و أظننــا وصــلنا إلى كثــير من التوضــيح و‬ ‫و إرشاد الناس جميعا إلى الخير ‪ ,‬و إنارة العالم كله بشمس اإلسالم فــذلك قولــه تبــارك و‬
‫اتفقنا على أن مهمتنا ســيادة الــدنيا و إرشــاد اإلنســانية كلهــا إلى نظم اإلســالم الصــالحة و‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫تعاليمه التي بغيرها أن يسعد اإلنسان ‪.‬‬ ‫اس ـ ُجدُوا َوا ْعبُ ـدُوا َربَّ ُك ْم َوا ْف َعلُــوا ْالخَ ْيـ َر لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحــونَ ‪,‬‬ ‫(يَــا َأيُّهَــا الَّ ِذينَ آ َمنُــوا ارْ َك ُعــوا َو ْ‬
‫مصادر غايتنا‬ ‫ج ِّملَّةَ َأبِي ُك ْم‬
‫ِّين ِم ْن َحـ َر ٍ‬ ‫ق ِجهَــا ِد ِه هُـ َو اجْ تَبَــا ُك ْم َو َمــا َج َعـ َل َعلَ ْي ُك ْم فِي الـد ِ‬ ‫َو َجا ِهدُوا فِي هللاِ َح َّ‬
‫تلــك هي الرســالة الــتي يريــد اإلخــوان المســلمون أن يبلغوهــا للنــاس و أن تفهمهــا األمــة‬ ‫َّسـو ُل َشـ ِهيدًا َعلَ ْي ُك ْم و َتَ ُكونُــوا‬ ‫ِإب َْرا ِهي َم هُـ َو َسـ َّما ُك ُم ْال ُم ْسـلِمينَ ِمن قَ ْبـ ُل َوفِي هَـ َذا لِيَ ُكــونَ الر ُ‬
‫اإلسالمية حق الفهم ‪ ,‬و تهب إلنفاذها في عزم و في مضاء ‪ ,‬لم يبتعها اإلخوان ابتــداعا ‪,‬‬ ‫ـو َمــوْ ال ُك ْم فَنِ ْع َم ْال َمــوْ لَى‬‫َصـ ُموا بِاهللِ هُـ َ‬ ‫اس فََأقِي ُموا الصَّالةَ َوآتُوا ال َّز َكاةَ َوا ْعت ِ‬ ‫ُشهَدَاء َعلَى النَّ ِ‬
‫و لم يختلقوها من أنفسهم ‪ ,‬و إنما هي الرســالة الــتي تتجلى في كــل آيــة من آيــات القــرآن‬ ‫صيرُ) (الحج‪.)78-77:‬‬ ‫َونِ ْع َم النَّ ِ‬
‫الكريم ‪ ,‬و تبدوا في غاية الوضوح في كل حديث من أحــاديث الرســول العظيم صــلى هللا‬
‫عليه و سلم و تظهر في كل عمــل من أعمــال الصــدر األول الــذين هم المثــل األعلى لفهم‬ ‫و معنى هذا أن القرآن الكريم يقيم المسلمين أوصــياء على البشــرية القاصــرة ‪ ,‬و يعطيهم‬
‫اإلسالم و إنفاذ تعاليم اإلسالم ‪ ,‬فإن شاء المســلمون في أن يقبلــوا هــذه الرســالة كــان ذلــك‬ ‫حق الهيمنة و السيادة على الدنيا لخدمة هذه الوصــاية النبيلــة و إذا فــذلك من شــأننا ال من‬
‫دليل اإليمان و اإلسالم الصحيح ‪ ,‬و إن رأوا فيها حرجا أو غضاضة فبيننا و بينهم كتــاب‬ ‫شأن الغرب و لمدنية اإلسالم ال لمدنية المادة ‪.‬‬
‫هللا تبارك و تعالى ‪ ,‬حكم عدل و قول فصل يحكم بيننا و بين إخواننا و يظهر الحق لنا أو‬ ‫وصاية المسلم تضحية ال استفادة‬
‫علينا‬ ‫ثم بين هللا تبارك و تعالى أن المؤمن في سبيل هذه الغاية قد باع هلل نفسه و مالــه فليس لــه‬
‫ق َوَأنتَ َخ ْي ُر ْالفَاتِ ِحين) (األعراف‪.)89:‬‬‫( َربَّنَا ا ْفتَحْ بَ ْينَنَا َوبَ ْينَ قَوْ ِمنَا بِ ْال َح ِّ‬ ‫فيها شيء و إنما هي وقف على نجـاح هـذه الـدعوة وإيصـالها إلى قلـوب النـاس و ذلـك‬
‫استطراد‬ ‫قوله تعالى ‪:‬‬
‫يتساءل كثير من إخواننا الذين أحببناهم من كل قلوبنا و وقفنا لخيرهم و العمل لمصلحتهم‬ ‫(ِإ َّن هللاَ ا ْشت ََرى ِمنَ ْال ُمْؤ ِمنِينَ َأنفُ َسهُ ْم َوَأ ْم َوالَهُم بَِأ َّن لَهُ ُم َ‬
‫الجنَّةَ) (التوبة‪.)111:‬‬
‫الدنيويةـ و األخروية جهودنا و أموالنا و أرواحنا‪ ،‬و فنينا في هذه الغاية‪ ،‬غاية إسعاد أمتنا‬ ‫و ومن ذلك نرى المسلم يجعل دنياه وقفا على دعونه ليكسب آخرته جزاء تضحيته‬
‫و إخواننا ‪ ،‬عن أموالنا و أنفسنا‪.‬‬ ‫و من هنا كان الفاتح المسلم أستاذا يتصف بكل ما يجب أن يتحلى بــه األســتاذ من نــور و‬
‫و كم أتمــنى أن يطلــع هــؤالء اإلخــوان المتســائلون على شــباب اإلخــوان المســلمين و قــد‬ ‫هداية و رحمة و رأفة ‪ ,‬وكان الفتح اإلسالمي فتح تمدين و تحضــير و إرشــاد و تعليم ‪ ,‬و‬
‫سهرت عيــونهم و النــاس نيــام‪ ،‬و شــغلت نفوســهم و الخليــون هجــع‪ ،‬و أكب أحــدهم على‬ ‫أين هذا ما يقوم به االستعمار الغربي اآلن ؟‬
‫مكتبه من العصر إلى منتصف الليل عامال مجتهدا و مفكرا مجدا‪ ،‬و ال يزال كذلك طــول‬ ‫أين المسلمون من هذه الغاية؟‬
‫شهره‪ ،‬حتى إذا ما انتهى الشهر جعل مــورده مــوردا لجماعتــه‪ ،‬و نفقتــه نفقــة لدعوتــه‪ ،‬و‬ ‫فبربك عزيزي ‪ :‬هل فهم المسلمون من كتــاب ربهم هــذا المعــنى فســمت نفوســهم و رقت‬
‫ماله خادما لغايته‪ ،‬و لسان حاله يقول‪ :‬ال أسألكم عليه أجرا إن أجري إال على هللا‪ .‬و معاذ‬ ‫أرواحهم ‪ ,‬و تحرروا من رق المادة و تطهــروا من لــذة الشــهوات و األهــواء ‪ ,‬و ترفعــوا‬
‫هللا أن نمن على أمتنا فنحن منها و لها و إنما نتوسل إليها بهذه التضحية أن تفقه دعوتنا و‬ ‫عن سفاسف األمور و دنايا المقاصد ‪ ,‬و وجهوا وجوههم للذي فطـر الســموات و األرض‬
‫تستجيب لندائنا‪.‬‬ ‫حنفاء يعلــون كلمــة هللا و يجاهــدون في ســبيله ‪ ,‬و ينشــرون دينــه و يــذودون عن حيــاض‬

‫‪10‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫أجل أجل يا أخي ‪ :‬هذا نداء ربك إليك ‪ ,‬فلبيك اللهم لبيك ‪ ,‬و حمدا و شــكرا لــك النحصــي‬ ‫من أين المال ؟‬
‫ثناء عليك ‪ ,‬أنت ولي المؤمنين و نصير العاملين و المدافع عن المظلومين الذين حوربــوا‬ ‫يتساءل هؤالء اإلخوان المحبوبون الذين يرمقون اإلخوان المسلمين عن بعــد و يرقبــونهم‬
‫في بيوتهم و أخرجوا من ديارهم ‪ ,‬عز من لجأ إليك و انتصر من احتمى بحماك‬ ‫عن كثب قـــائلين‪ :‬من أين ينفقـــون؟ و أنى لهم المـــال الالزم لـــدعوة نجحت و ازدهـــرت‬
‫أجل أجل يا أخي ‪ :‬تعال نستمع معا إلى صوت القــرآن الكــريم ‪ ,‬و نطــرب بتالوة اآليــات‬ ‫كدعوتهم و الوقت عصيب و النفوس شحيحة؟‬
‫البينات ‪ ,‬و نسجل جمال هذه العزة في صحائف ذلك الكتاب المطهر ‪.‬‬ ‫و إني أجيب هــؤالء بــأن الــدعوات الديني ـةـ عمادهــا اإليمــان قبــل المــال ‪ ،‬و العقيــدة قبــل‬
‫إلي إلي يا أخي واسمع قول هللا تبارك وتعالى ‪:‬‬ ‫األعراض الزائلة ‪ ،‬و إذا وجد المؤمن الصحيح و جدت معه وسائل النجاح جميعــا‪ ،‬و إن‬
‫ور) (البقرة‪)257:‬‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ت‬
‫ِ‬ ‫‪( – 1‬هللاُ َولِ ُّي الَّ ِذينَ آ َمنُوا ي ُْخ ِر ُجهُ ْم ِمنَ ُّ‬
‫الظلُ َما ِإ‬ ‫في مال اإلخوان المسلمين القليل الذي يقتطعونه من نفقاتهم و يقتصدونه من ضرورياتهم‬
‫ص ِرينَ ) (آل عمران‪. )150:‬‬ ‫‪( – 2‬بَ ِل هللاُ َموْ ال ُك ْم َوهُ َو خَ ْي ُر النَّا ِ‬ ‫و مطالب بيوتهم و أوالدهم‪ ،‬و يجودون به طيبة نفوسهم سخية به قلوبهم‪ ،‬يود أحــدهم لــو‬
‫الص ـالةَ َويُْؤ تُــونَ ال َّز َكــاةَ َوهُ ْم‬
‫َّ‬ ‫‪ِ( – 3‬إنَّ َمــا َولِيُّ ُك ُم هللاُ َو َر ُس ـولُهُ َوالَّ ِذينَ آ َمنُــوا ال ِذينَ يُقِي ُمــونَ‬
‫َّ‬ ‫كان له أضعاف أضعاف فينفقه في سبيل هللا ‪ ،‬فــإذا لم يجــد بعضــهم شــيئا تولــوا و أعينهم‬
‫َرا ِكعُونَ )(المائدة‪.)55:‬‬ ‫تفيض من الدمع حزنا أال يجدوا ما ينفقــون‪ .‬في هــذا المــال القليــل و اإليمــان الكبــير و هلل‬
‫َاب َوهُ َو يَت ََولى الصَّالِ ِحينَ ) (ألعراف‪.)196:‬‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫‪ِ( – 4‬إ َّن َولِي َِّي هللاُ الَّ ِذي نَز َل ال ِكت َ‬
‫َّ‬ ‫الحمد و العزة بالغ لقــوم عابــدين و نجــاح للعــاملين الصــادقين ‪ ,‬و إن هللا الــذي بيــده كــل‬
‫َب هللاُ لَنَا هُـ َو َموْ النَــا َو َعلَى هللاِ فَ ْليَت ََو َّك ِل ْال ُمْؤ ِمنُــونَ ) (التوبــة‪:‬‬ ‫صيبَنَا ِإال َما َكت َ‬ ‫‪( – 5‬قُلْ لَ ْن يُ ِ‬ ‫شــيء ليبــارك في القــرش الواحــد من قــروش اإلخــوان ‪ ,‬و (يَ ْم َحــ ُ‬
‫ق هللاُ الرِّبــا َويُــرْ بِي‬
‫‪.)51‬‬ ‫ت) (البقرة‪.)276:‬‬ ‫ص َدقَا ِ‬ ‫ال َّ‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َوال هُ ْم يَحْ زَ نُــونَ ‪ ,‬الَّ ِذينَ آ َمنُــوا َو َكــانُوا يَتَّقُــونَ )‬ ‫‪َ( – 6‬أال ِإ َّن َأوْ لِيَــا َء هللاِ ال خَــ وْ ٌ‬ ‫ُأ‬
‫( َو َما آتَ ْيتُ ْم ِم ْن زَ َكا ٍة تُ ِري ُدونَ َوجْ هَ هللاِ فَ ولَِئكَ هُ ُم ْال ُمضْ ِعفُونَ ) (الروم‪. )39:‬‬
‫(يونس‪.)63-62:‬‬ ‫نحن و السياسة‬
‫ك بَِأ َّن هللاَ َموْ لَى الَّ ِذينَ آ َمنُوا َوَأ َّن ْال َكافِ ِرينَ ال َموْ لَى لَهُ ْم) (محمد‪.)11:‬‬ ‫‪َ ( – 7‬ذلِ َ‬ ‫و يقول قوم آخــرون إن اإلخــوان المســلمين قــوم سياســيون و دعــوتهم سياســية و لهم من‬
‫ألست ترى في هذه اآليات البينات أن هللا تبارك و تعالى ينسبك إلى نفسه و تمنحك فضــل‬ ‫وراء ذلك مآرب أخرى ‪ .‬و ال نــدري إلى مــتى تتقــارض أمتنــا التهم و تتبــادل الظنــون و‬
‫واليته و يفيض عليك من فيض عزته ؟‬ ‫تتنابز باأللقاب‪ ،‬و تترك يقينا يؤيده الواقع في سبيل ظن توحيه الشكوك‪.‬‬
‫و في الحديث الشريف الذي يرويه المختار صلى هللا عليــه و ســلم عن ربــه فيمــا معنــاه ‪:‬‬ ‫يا قومنا‪ :‬إننا نناديكم و القرآن في يميننا و السنة في شمالنا‪ ،‬و عمل السلف الصــالحين من‬
‫(يقول هللا تبارك وتعالى يوم القيامة ‪ :‬يا بــني آدم جعلت نســبا وجعلتم نســبا فقلتم فالن ابن‬ ‫أبناء هذه األمة قدوتنا‪ ،‬و ندعوكم إلى اإلســالم و تعــاليم اإلســالم و أحكــام اإلســالم ‪ ،‬فــإن‬
‫فالن وقلت ‪ " :‬إن أكرمكم عند هللا أتقاكم " فاليوم أرفع نسبى وأوضع نسبكم)‬ ‫كان هذا من السياسة عندكم فهذه سياستنا‪ ،‬و إن كان من يدعوكم إلى هذه المبادئ سياســيا‬
‫لهذا أيها األخ الكريم فضل الســلف الصــالح أن يرفعــوا نســبتهم إلى هللا تبــارك و تعــالى ‪,‬‬ ‫فنحن أعرق الناس و الحمد هلل في السياسة‪ ،‬و إن شئتم أن تســموا ذلــك سياســة فقولــوا مــا‬
‫ويجعلــوا أســاس صــالتهم ومحــور أعمــالهم تحقيــق هــذه النســبة الشــريفة فينــادي أحــدهم‬ ‫شئتم فلن تضرنا األسماء متى وضحت المسميات و انكشفت الغايات‪.‬‬
‫صاحبه قائال‪:‬‬ ‫يــا قومنــا‪ :‬ال تحجبكم األلفــاظ عن الحقــائق و األســماء عن الغايــات‪ ،‬و ال األعــراض عن‬
‫فإنه أشرف أسمائي‬ ‫ال تدعني إال بيا عبدها‬ ‫الجــوهر‪ ،‬و إن لإلســالم لسياســة في طيهــا ســعادة الــدنيا و صــالح اآلخــرة‪ ،‬و تلــك هي‬
‫في حين يجيب اآلخر من سأله عن أبيه أتميمي هو أم قيسي ‪:‬‬ ‫سياستنا ال نبغي بها بديال فسوسوا بهــا أنفســكم‪ ،‬و احملــوا عليهــا غــيركم تظفــروا بــالعزة‬
‫إذا افتخروا بقيس أو تميم‬ ‫أبي اإلسالم ال أب لي سواه‬ ‫األخروية‪ ،‬و لتعلمن نبأه بعد حين‪.‬‬
‫ليس بعد ذلك عزة‬ ‫قوميتنا وعلى أي أساس ترتكز؟‬
‫أيها األخ العزيز ‪ :‬إن الناس إنما يفخـرون بأنسـابهم لمـا يأنسـون من المجـد والشـرف في‬ ‫أيها األخ تعال نصغ معا إلى صوت العزة اإللهية يدوي في أجواء اآلفاق ‪ ,‬ويمأل األرض‬
‫أعمال جدودهم ‪ ،‬ولمـا يقصـدون من نفخ روح العـزة و الكرامـة في نفـوس أبنـائهم وراء‬ ‫و السبع الطباق ‪ ,‬و يوحي في نفس كل مؤمن أسمى معاني العــزة و الفخــار ‪ ,‬حين يســمع‬
‫هــذين المقصــدين شــئ‪ ،‬أفال تــرى نســبتك إلى هللا تبــارك وتعــالى أســمى مــا يطمح إليــه‬ ‫هذا النداء الذي تســتمع لــه الســموات و األرض و من فيهن منــذ أن بلغــه المــبين إلى هــذا‬
‫الطامحون من معاني العزة والمجد ‪( :‬فَِإ َّن ْال ِع َّزةَ هللِ َج ِميعاً) (النساء‪ , )139:‬وأولى مــا‬ ‫الوجود ‪ ,‬إلى حيث ال نهاية إذا كتب له الخلود ‪:‬‬

‫‪11‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫أيهــا اإلخــوان ‪ :‬إذا اتفقتم معنــا على هــذا األســاس فــاعلموا أن انتســابكم إلى هللا تبــارك و‬ ‫يرفع نفسك إلى عليين وينفخ فيها روح النهوض مــع العــاملين ‪ ،‬و أي شــرف أكــبر و أي‬
‫تعالى يفرض عليكم أن تقدروا المهمة الــتي ألقاهــا على عــاتقكم ‪,‬و تنشــطوا للعمــل لهــا و‬ ‫رافع إلى فضيلة أعظم من أن ترى نفسك ربانيـا ‪ ،‬باهلل صـلتك وإليـه نسـبتك ‪ ،‬وألمـر مـا‬
‫التضحية في سبيلها فهل أنتم فاعلون ؟‬ ‫(ولَ ِك ْن ُكونُــوا َربَّانِيِّينَ بِ َمــا ُك ْنتُ ْم تُ َعلِّ ُمــونَ ْال ِكت َ‬
‫َــاب َوبِ َمــا ُك ْنتُ ْم‬ ‫قــال هللا تبــارك وتعــالى ‪َ :‬‬
‫مهمة المسلم‬ ‫تَ ْد ُرسُونَ ) (آل عمران‪)79:‬‬
‫إن مهمـة المسـلم الحـق لخصـها هللا تبـارك و تعـالى في آيـة واحـدة من كتابـه ‪ ,‬و رددهـا‬ ‫أعظم مصادر القوة‬
‫القرآن الكريم بعد ذلك في عدة آيات ‪ ,‬فأما تلك اآلية التي اشتملت على مهمة الســلمين في‬ ‫و في النسبة إلى الحق تبارك و تعالى معنى آخر يدركه من التحق بهذه النسبة ‪ ,‬ذلــك هــو‬
‫الحياة فهي قول هللا تبارك وتعالى‬ ‫الفيض األعم من اإليمان ‪ ,‬و الثقة بالنجاح الذي يغمر قلبك فال تخشـى النـاس جميعــا و ال‬
‫ـر لَ َعلَّ ُك ْم تُ ْفلِ ُحــونَ ‪,‬‬
‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬‫ْ‬ ‫َ‬
‫خ‬ ‫ْ‬
‫ال‬ ‫ـوا‬‫ـ‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫ف‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫َّ‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫ُوا‬ ‫د‬‫ـ‬ ‫ُ‬ ‫ب‬‫ع‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ُوا‬ ‫د‬ ‫ج‬
‫ُ‬ ‫ـ‬ ‫ْ‬
‫اس‬ ‫(يَــا َأيُّهَــا الَّ ِذينَ آ َمنُــوا ارْ َك ُعــوا َو‬ ‫ترهب العالم كله إن وقف أمامك يحاول ان ينال عقيدتكـ أو ينتقص من مبدأك ‪:‬‬
‫َأ‬ ‫َّ‬
‫ج ِّملةَ بِي ُك ْم‬ ‫ـل َعلَ ْي ُك ْم فِي الـدِّي ِن ِم ْن َحـ َر ٍ‬ ‫ق ِجهَــا ِد ِه هُـ َو اجْ تَبَــا ُك ْم َو َمــا َج َعـ َ‬
‫َو َجا ِهدُوا فِي هللاِ َح َّ‬ ‫اخ َشـوْ هُ ْم فَـ َزا َدهُ ْم ِإي َمانـا ً َوقَــالُوا َح ْسـبُنَا هللاُ‬
‫اس قَ ْد َج َمعُوا لَ ُك ْم فَ ْ‬ ‫ال لَهُ ُم النَّاسُ ِإ َّن النَّ َ‬ ‫(الَّ ِذينَ قَ َ‬
‫َّسـو ُل َشـ ِهيدًا َعلَ ْي ُك ْم و َتَ ُكونُــوا‬ ‫ِإ ْب َرا ِهي َم هُـ َو َسـ َّما ُك ُم ْال ُم ْسـلِمينَ ِمن قَ ْبـ ُل َوفِي هَـ َذا لِيَ ُكــونَ الر ُ‬ ‫َونِ ْع َم ْال َو ِكيلُ) (آل عمران‪. )173:‬‬
‫َصـ ُموا بِاهللِ هُـ َو َمــوْ ال ُك ْم فَنِ ْع َم ْال َمــوْ لَى‬ ‫اس فََأقِي ُموا الصَّالةَ َوآتُوا ال َّز َكاةَ َوا ْعت ِ‬ ‫ُشهَدَاء َعلَى النَّ ِ‬ ‫و ألمر ما كان الواحد من أولئك القالئل المؤمنين باهلل و ثقته و تأييـده يقـف أمـام الجحفـل‬
‫صيرُ) (الحج‪.)78-77:‬‬ ‫َونِ ْع َم النَّ ِ‬ ‫اللجب و الجيش اللهام ‪ ,‬فال يرهب صولته و ال يخشى أذاه ألنه ال يخشى أحــدا إال هللا ‪ ,‬و‬
‫هــذا كالم ال لبس فيــه و ال غمــوض ‪ ,‬و وهللا إن لــه لحالوة و إن عليــه لطالوة ‪ ,‬و إنــه‬ ‫أي شيء أعظم من تلـك القـوة الــتي تنسـكب من قلب الرجـل المــؤمن حين يجيش صـدره‬
‫لواضح كالصــبح ظـاهر كــالنور ‪ ,‬يمأل اآلذان و يــدخل على القلـوب بغــير اســتئذان ‪ ,‬أفلم‬ ‫ب لَ ُك ْم) (آل عمران‪. )160:‬‬ ‫بقول هللا ‪ِ( :‬إ ْن يَ ْنصُرْ ُك ُم هللاُ فَال غَالِ َ‬
‫يسمعه المسلمون قبل اآلن ؟ أم سمعوه و لكن على قلوبهم أقفاال فال تعي و ال تتدبر ؟‬ ‫قوميتنا عالية النسبة‬
‫يأمر هللا المسلمين أن يركعوا و يسجدوا و أن يقيموا الصالة التي هي لب العبادة و عمــود‬ ‫و هناك معنى آخر من معاني السمو االجتماعي في انتساب الناس إلى هللا تبارك و تعــالى‬
‫اإلسالم و أظهر مظاهره ‪ ,‬و أن يعبدوا هللا و ال يشركوا به شــيئا ‪ ,‬و أن يفعلــوا الخــير مــا‬ ‫‪ ,‬ذلك هو تآخي الشعوب و تآزر الجماعات و القضاء على تلك المطامع الــتي تــوحي بهــا‬
‫استطاعوا ‪ ,‬و هو حين يأمرهم بفعل الخير ينهاهم بذلك عن الشر و إن من أول الخــير أن‬ ‫العصبية و يؤرث نيرانها بين األمم التقاطع و التخاصم ‪ ,‬فمن للعالم بان يجتمع بقوة حول‬
‫تترك الشر ‪ ,‬فما أوجز و ما أبلغ ! و رتب لهم على ذلك النجــاح و الفالح و الفــوز و تلــك‬ ‫راية هللا ‪ ..‬؟‬
‫هي المهمة الفردية لكل مسلم التي يجب عليه أن يقوم بها بنفسه في خلوة أو جماعة ‪.‬‬ ‫أحالم األمس و حقائق اليوم‬
‫حق اإلنسانية‬ ‫هذا كالم طال عهد المسلمين باستماعه فقد يكون غامضا عليهم غير مفهوم لــديهم ‪ ,‬و قــد‬
‫ثم أمرهم بعد ذلك أن يجاهدوا في هللا حق جهاده بنشر هذه الــدعوة و تعميمهــا بين النــاس‬ ‫يقول قائل ‪ :‬ما لهؤالء الجماعـة يكتبــون في هـذه المعــاني الــتي ال يمكن أن تتحقــق ‪ ,‬ومـا‬
‫بالحجة و البرهان ‪ ,‬فإن أبوا إال العسف و الجور و التمرد فبالسيف والسنان ‪:‬‬ ‫بالهم يسبحون في جو الخيال و األحالم ؟‬
‫فالحرب أجدى على الدنيا من السلم‬ ‫والناس إذ ظلموا البرهان و اعتسفوا‬ ‫على رسلكم أيها اإلخوان في اإلسالم و الملة فغن ما ترونه اليوم غامضا بعيــدا كــان عنــد‬
‫بــدهيا قريبــا ‪ ,‬و لن يثمــر جهـادكم حــتى يكــون كــذلك عنــدكم ‪ ,‬و صــدقوني إن المســلمين‬
‫حراسة الحق بالقوة‬ ‫األولين فهموا من القرآن ألول ما قرأوه و نزل فيهم ‪ ,‬ما ندلي به اليوم و نقصه عليكم ‪.‬‬
‫و ما أحكم القائل ‪ ( :‬القوة اضــمن طريــق إلحقــاق الحــق ‪ ,‬و مــا اجمــل أن تســير القــوة و‬ ‫و أصــارحكم بــان عقيــدة اإلخــوان المســلمين يحيــون بهــا يــأملون الخــير فيهــا و يموتــون‬
‫الحق جنبا إلى جنب )‬ ‫عليها ‪ ,‬و يرون فيها كل ما تصبوا إليه نفوسهم من متعة و جمــال و إســعاد و حــق ‪َ( :‬ألَ ْم‬
‫فهــذا الجهــاد في ســبيل نشــر الــدعوة اإلســالمية فضــال عن االحتفــاظ بمقدســات اإلســالم‬ ‫ق َوال يَ ُكونُــوا َكالَّ ِذينَ ُأوتُــوا‬ ‫يَْأ ِن لِلَّ ِذينَ آ َمنُوا َأ ْن ت َْخ َش َع قُلُــوبُهُ ْم لِـ ِذ ْك ِر هللاِ َو َمــا نَــزَ َل ِمنَ ْال َحـ ِّ‬
‫فريضة هللا على المسلمين كمــا فــرض عليهم الصــوم و الصــالة و الحج و الزكــاة و فعــل‬ ‫ت قُلُوبُهُ ْم َو َكثِي ٌر ِم ْنهُ ْم فَا ِسقُونَ ) (الحديد‪:‬ـ‪. )16‬‬ ‫َاب ِم ْن قَ ْب ُل فَطَا َل َعلَ ْي ِه ُم اَأل َم ُد فَقَ َس ْ‬
‫ْال ِكت َ‬
‫الخير و ترك الشر ‪ ,‬و ألزمهم إياهــا و نــدبهم إليهــا ‪ ,‬و لم يعــذر في ذلــك أحــد فيــه قــوة و‬
‫استطاعة ‪ ,‬و إنها آلية زاجرة رادعة و موعظة بالغة زاجرة ‪:‬‬

‫‪12‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫و لهذا المعنى أيها المسلمون نفر المسلمون ‪ ,‬بعد أن اختار نبيه – صــلى هللا عليــه و ســلم‬ ‫يل هللاِ) (التوبة‪)41:‬‬ ‫(ا ْنفِرُوا ِخفَافا ً َوثِقَاالً َو َجا ِهدُوا بَِأ ْم َوالِ ُك ْم َوَأ ْنفُ ِس ُك ْم فِي َسبِ ِ‬
‫– الرفيق األعلى في أقطار األرض ‪ ,‬قرآنــه في صــدورهم و مســاكنهم على ســروجهم و‬ ‫و قد كشف هللا سر هذا التكليف و حكمة هذه الفريضة التي افترضــها على المســلمين بعــد‬
‫سيوفهم بأيديهم ‪ ,‬حجتهم واضحة على ألسنتهم يـدعون النـاس إلى إحـدى ثالث ‪ :‬اإلسـالم‬ ‫هذا األمر ‪ ,‬فبين لهم أنه اجتباهم و اختارهم و اصطفاهم دون الناس ليكونوا سواس خلقــه‬
‫أو الجزية أو القتال ‪ ,‬فمن أسلم فهو أخوهم له ما لهم و عليه ما عليهم ‪ ,‬و من أدى الجزية‬ ‫و أمناءه على شريعته و خلفاءه في أرضه ‪ ,‬و ورثة رسوله في دعوته ‪ ,‬و مهد لهم الــدين‬
‫فهو في ذمتهم و عهدهم يقومون بحقه و يرعون عهــده و يوفــون لــه بشــرطه ‪ ,‬و من أبى‬ ‫و أحكم التشريع و سهل األحكام و جعلها من الصالحية لكل زمان و مكــان بحيث يتقبلهــا‬
‫(ويَْأبَى هللاُ ِإال َأ ْن يُتِ َّم نُو َرهُ) (التوبة‪. )32:‬‬ ‫جالدوه حتى يظهرهم هللا عليه ‪َ ,‬‬ ‫العالم ‪ ,‬و ترى فيها اإلنسانية أمنيتها المرجوة و أملها المنتظر ‪( :‬ه َُو اجْ تَبَــا ُك ْم َو َمــا َج َعـ َل‬
‫ما فعلوا ذلك لسلطان ‪ ,‬فزهادتهم في الجاه و الشهرة معروفة عند الخاص و العام ‪ ,‬و لقــد‬ ‫ج ِّملَّةَ َأبِي ُك ْم ِإ ْب َرا ِهي َم هُ َو َس َّما ُك ُم ْال ُم ْسلِمينَ ِمن قَ ْب ُل َوفِي هَ ـ َذا لِيَ ُكــونَ‬ ‫ِّين ِم ْن َح َر ٍ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم فِي الد ِ‬
‫قضى دينهم على تلك المظاهر الزائفة التي يستمتع بها أقوام على حســاب آخــرين ‪ ,‬فكــان‬ ‫اس) (الحج‪)78:‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫ى‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫َاء‬ ‫د‬‫َ‬ ‫ه‬ ‫ُ‬
‫ش‬ ‫وا‬ ‫ُ‬ ‫ن‬‫و‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬
‫ال َّرسُو ُل َش ِهيدًا َ ْ‬
‫ل‬ ‫ع‬
‫خليفتهم كأحــدهم ‪ ,‬يفــرض لــه من المــال و العطــاء مــا لرجــل منهم ليس بأفضــلهم و ال‬ ‫و تلك هي المهمة االجتماعيـة الــتي نـدب هللا إليهــا المسـلمين جميعــا ‪ ,‬و أن يكونـوا صـفا‬
‫أدركهم ‪ ,‬و ال يميزه إال بما أفــاض هللا عليــه من جالل اإليمــان و هيبــة اليقين ‪ ,‬و لم ذلــك‬ ‫واحدا و كتلة و قوة ‪ ,‬و أن يكونوا هم جيش الخالص الذي ينقذ اإلنســانية و يهــديها ســواء‬
‫لمال ‪ ,‬فحسب أحدهم كسرة يرد بها جوعته و جرعة يطفئ بها ظمأته ‪ ,‬و الصوم لــديهم‬ ‫السبيل ‪.‬‬
‫قربة ‪ ,‬و الجوع أحب عندهم من الشبع ‪ ,‬و حظ أحدهم من الملبس ما يستر به عورتــه ‪ ,‬و‬ ‫رهبان بالليل فرسان بالنهار‬
‫كتابهم يناديهم بقول هللا تعالى ‪:‬‬ ‫ثم أوضح الحق تبارك و تعالى للناس بعدـ ذلــك الرابطــة بين التكــاليف من صــالة وصــوم‬
‫ُون َويَْأ ُكلُونَ َك َما تَْأ ُك ُل اَأل ْن َعا ُم َوالنَّا ُر َم ْث ًوى لَّهُ ْم) (محمد‪:‬ـ‪)12‬‬ ‫( َوالَّ ِذينَ َكفَرُوا يَتَ َمتَّع َـ‬ ‫بالتكاليف االجتماعية و أن األولى وسيلة للثانية ‪ ,‬و أن العقيدة الصــحيحة أساســهما معــا ‪,‬‬
‫و نبيهم يقول لهم ‪( :‬تعس عبد الدينار ‪ ,‬تعس عبد الدرهم ‪ ,‬تعس عبد القطيفة)‬ ‫حــتى ال يكــون ألنــاس مندوحــة من القعــود عن فرائضــهم الفرديــة بحجــة انهم يعملــون‬
‫إذا لم يكن مخرجهم من ديارهم لجاه أو مال أو سلطة أو استعمار أو استبدادـ ‪ ,‬و إنما كــان‬ ‫للمجموع ‪ ,‬و حتى ال يكون آلخرين مندوحة من القعــود عن العمــل للمجمــوع بحجــة أنهم‬
‫ألداء رسالة خاصة هي رسالة نبيهم التي تركها أمانة بين أيــديهم ‪ ,‬و أمــرهم أن يجاهــدوا‬ ‫مشغولين بعباداتهم مستغرقون في صلتهم لربهم ‪ ,‬فمــا أدق و احكم ‪ ,‬و من أحســن من هللا‬
‫في سبيلها ‪ ,‬حتى ال تكون فتنة و يكون الدين كله هلل ‪.‬‬ ‫حديثا ؟‬
‫آن لنا أن نفهم‬ ‫أيها المســلمون ‪ :‬عبــادة ربكم و الجهـاد في ســبيل التمكينـ لـدينكم و إعـزاز شـريعتكم هي‬
‫كان المسلمون يفهمون هذا قديما و يعملون له و يحملهم إيمانهم على التضحية في سبيله ‪,‬‬ ‫مهمتكم في الحيــاة ‪ ,‬فــإن أديتموهــا حــق األداء فــانتم الفــائزون ‪ ,‬و إن أديتم بعضــها أو‬
‫أما في هذه األيام فقــد تفــرق المســلمون في فهم مهمتهم و اتخــذوا من التأويــل و التعطيــل‬ ‫أهملتموها جميعا فإليكم أسوق قول هللا تبارك و تعالى ‪َ( :‬أفَ َح ِس ْبتُ ْم َأنَّ َما خَ لَ ْقنَا ُك ْم َعبَثا ً َوَأنَّ ُك ْم‬
‫سندا للقعود و الكسل ‪ ,‬فمن قائل يقول لــك ‪ :‬مضــى وقت الجهــاد و العمــل ‪ ,‬و آخــر يثبــط‬ ‫ق) (المؤمنون‪. )116-115:‬‬ ‫ك ْال َح ُّ‬ ‫ِإلَ ْينَا ال تُرْ َجعُونَ ‪ ,‬فَتَ َعالَى هللاُ ْال َملِ ُ‬
‫همتك يقول لك بان الوسائل معدومة و األمم اإلســالمية مقيــدة ‪ ,‬و ثــالث رضــي من دينــه‬ ‫لهذا المعنى جاء أوصاف أصحاب محمد و هم صفوة هللا من خلقه و السلف الصــالح من‬
‫كلمات يلوكها لسانه صباح مساء ‪ ,‬و قنع من عبادته بركعات يؤديها و قلبه هواء‬ ‫عباده ‪ ( :‬رهبان بالليل فرسان بالنهــار ) تــرى أحــدهم في ليلــه مــاثال في محرابــه قابضــا‬
‫ال ال أيها اإلخوان ‪ ,‬القرآن يناديكم بوضوح و جالء ‪:‬‬ ‫على لحيته يتململ تململ السليم و يبكي بكاء الحزين و يقــول ‪ ( :‬يــا دنيــا غــري غــيري )‬
‫(ِإنَّ َما ْال ُمْؤ ِمنُـونَ الَّ ِذينَ آ َمنُـوا بِاهللِ َو َر ُسـولِ ِه ثُ َّم لَ ْم يَرْ تَـابُوا َو َجاهَـدُوا بِـ ْم َوالِ ِه ْم َو نف ِسـ ِه ْم فِي‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬ ‫َأ‬ ‫فإذا انفلق الصــباح و دوى النفــير يـدعو المجاهــدين ‪ ,‬رايتــه رئبــاال على صــهوة جـواده ‪,‬‬
‫ك هُ ُم الصَّا ِدقُونَ ) (الحجرات‪. )15:‬‬ ‫َسبِي ِل هللاِ ُأولَِئ َ‬ ‫يزار الزارة فتدوي لها جنبات الميدان ‪.‬‬
‫و أما في السنة فيقول لكم الرسول ‪( :‬إذا ضن الناس بالدينار و الدرهم و تبــايعوا بالعينــة‬ ‫باهلل عليك ما هذا التناسق العجيب و التزاوج بين الغريب و المزيج الفريد بين عمل الــدنيا‬
‫و تبعوا أذناب البقر و تركوا الجهــاد في ســبيل هللا ‪ ,‬أدخــل هللا تعــالى عليهم ذال ال يرفعــه‬ ‫و مهامهــا و شــؤون اآلخــرة و روحانيتهــا ؟ و لكنــه اإلســالم الــذي جمــع من كــل شــيء‬
‫عنهم حــتى يراجعــوا دينهم) رواه األمــام أحمــد في مســنده ‪ ,‬و الطــبراني في الكبــير ‪ ,‬و‬ ‫أحسنه ‪.‬‬
‫البيهقي في شعب اإليمان عن عبد هللا بن عمر ‪.‬‬ ‫استعمار األستاذية و اإلصالح‬

‫‪13‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫و إن األمة إذا رتعت في النعيم و أنســت بــالترف و غــرقت في أعــراض المــادة و افتتنت‬ ‫و أنتم تقرأون في كتب الفقه ما ألف منها قديما أو حديثا متى يكون الجهاد فرض كفايــة و‬
‫بزهرة الحياة الدنيا ‪ ,‬و نسيت احتمال الشدائد و مقارعــة الخطــوب و المجاهــدة في ســبيل‬ ‫متى يكون فرض عين ‪ ,‬و تعلمون حقائق ذلك و معناه حق العلم ‪ ,‬فما هــذا الخمــول الــذي‬
‫الحق ‪ ,‬فقل على عزتها و آمالها العفاء ‪.‬‬ ‫ضرب بجدرانه ؟ و ما هذا اليأس الذي قبض على القلــوب فال تعي وال تفيــق ؟ هــذا أيهــا‬
‫بين القوتين‬ ‫المسلمون عصر التكوين فكونوا أنفسكم و بذلك تتكون أمتكم ‪.‬‬
‫يظن كثير من الناس أن الشرق تعوزه القوة المادية من المــال و العتــاد و آالت الحــرب و‬ ‫إن هذه الفريضة تحتاج إلى منكم نفوسا مؤمنة و قلوبا سليمة ‪ ,‬فاعملوا على تقوية إيمانكم‬
‫الكفاح لينهض و يسابق األمم التي سلبت حقه و هضــمت أهلــه ‪ ,‬ذلــك صــحيح و مهم ‪ ,‬و‬ ‫و سالمة صدوركم ‪ ,‬و تحتاج منكم تضحية بالمال و الجهود فاستعدوا لذلك فإن ما عندكم‬
‫لكن أهم منــه و ألــزم ‪ :‬القــوة الروحيــة من الخلــق الفاضــل و النفس النبيلــة و اإليمــان و‬ ‫ينفد و مــا عنـد هللا بـاق ‪ ,‬و إن هللا اشـترى من المؤمـنين أنفسـهم و أمـوالهم بـأن لهم جنـة‬
‫معرفتها و اإلرادة الماضية ‪ ,‬و التضحية في سبيل الواجب و الوفاء الذي تنبني عليه الثقة‬ ‫عرضها السموات و األرض ‪.‬‬
‫و الوحدة ‪ ,‬و عنهما تكون القوة ‪.‬‬
‫لو آمن الشرق بحقه و غير من نفسه و اعتنى بقوة الروح و عني بتقــويم األخالق ‪ ,‬ألتتــه‬ ‫من أين نبدأ؟‬
‫وسائل القوة المادية من كل جانب و عند صحائف التاريخ الخبر اليقين‬ ‫إن تكوين األمم‪ ،‬وتربية الشعوب‪ ،‬وتحقيق اآلمال‪ ،‬ومناصــرة المبــادئ‪ :‬تحتــاج من األمــة‬
‫يعتقد اإلخــوان المســلمون هــذا تمــام االعتقـاد ‪ ,‬و هم لهــذا دائبــون في تطهــير أرواحهم و‬ ‫التي تحاول هذا أو الفئة التي تدعو إليه على األقــل‪ ،‬إلى "قــوة نفســية عظيمــة" تتمثــل في‬
‫تقويــة نفوســهم و تقويــة أخالقهم ‪ ,‬و هم لهــذا يجاهــدون بــدعوتهم و يريــدون النــاس على‬ ‫عدة أمور‪ :‬إرادة قوية ال يتطرق إليها ضعف‪ ،‬ووفاء ثابت ال يعدو عليه تلــون وال غــدر‪،‬‬
‫مبادئهم و يطالبون األمة بإصالح النفوس و تقويم األخالق ‪.‬‬ ‫وتضحية عزيزة ال يحول دونها طمــع وال بخــل‪ ،‬ومعرفــة بالمبــدأ وإيمــان بــه وتقــدير لــه‬
‫و هم لم يبتدعوا ذلـك ابتـداعا شـأنهم في كـل مـا يقولـون و لكنهم يسـتمدونه من القـاموس‬ ‫يعصــم من الخطــأ فيــه واالنحــراف عنــه والمســاومة عليــه‪ ،‬والخديعــة بغــيره‪ .‬على هــذه‬
‫األعظم و البحر الخضم و الدستور المحكم و المرجع األعلى ‪ ,‬ذلك هــو كتــاب هللا تبــارك‬ ‫األركان األولية التي هي من خصوص النفوس وحدها‪ ،‬وعلى هذه القوة الروحية الهائلة‪،‬‬
‫و تعالى ‪ ,‬و قد سمعت من قبل تلك المادة الخالدة من ذلكم القانون ‪:‬‬ ‫تبنى المبادئ وتتربى األمم الناهضة‪ ،‬وتتكون الشعوب الفتية‪ ،‬وتتجدد الحياة فيمن حرموا‬
‫(ِإ َّن هللاَ ال يُ َغيِّ ُر َما بِقَوْ ٍم َحتَّى يُ َغيِّرُوا َما بَِأ ْنفُ ِس ِه ْم) (الرعد‪. )11:‬‬ ‫الحياة زمنا ً طويالً‪.‬‬
‫و لقد كشف القرآن عن هذا المعنى في كثير من آياته ‪ ,‬بل إنه ضــرب مثال تطبيقيــا خالــدا‬ ‫وكل شعب فقد هذه الصفات األربعة‪ ،‬أو على األقل فقدها قواده ودعاة اإلصالح فيه‪ ،‬فهو‬
‫واضحا كل الوضوح صادقا كل الصدق في قصة بني إسرائيل ‪ ,‬تلك القصة الرائعة الــتي‬ ‫شعب عابث مســكين‪ ،‬ال يصــل إلى خــير‪ ،‬وال يحقــق أمالً‪ ،‬وحســبه أن يعيش في جــو من‬
‫ترسم لكل أمة يائسة طريق التكوين ‪.‬‬ ‫ق َشيْئاً) (يونس‪. )36:‬‬ ‫األحالم والظنون واألوهام‪ِ( :‬إ َّن الظَّ َّن ال يُ ْغنِي ِمنَ ْال َح ِّ‬
‫المنهاج واضح‬ ‫هذا هو قانون هللا تبارك وتعالى وسنته في خلقه ولن تجد لسنة هللا تبديال‪ً:‬‬
‫يعتقد اإلخوان المسلمون أن هللا تبارك و تعالى حين أنزل القرآن و أمــر عبــاده أن يتبعــوا‬ ‫(ِإ َّن هللاَ ال يُ َغيِّ ُر َما بِقَوْ ٍم َحتَّى يُ َغيِّرُوا َما بَِأ ْنفُ ِس ِه ْم) (الرعد‪. )11:‬‬
‫محمدا و رضي لهم اإلسالم دينـا ‪ ,‬و وضــع في هـذا الــدين القـويم كـل األصـول الالزمـة‬ ‫و هو أيضا القانون الذي عبر عنه النبي في الحديث الشريف الذي رواه أبو داود ‪:‬‬
‫لحياة األمم و نهضتها و إسعادها ‪ ,‬و ذلك مصداق قول هللا تبارك و تعالى ‪:‬‬ ‫(يوشك األمم أن تداعى عليكم كما تـداعى األكلـة إلى قصـعتها فقـال قائـل‪ :‬ومن قِلّـ ٍة نحن‬
‫ـل‬‫ي الَّ ِذي يَ ِجدُونَ ـهُ َم ْكتُوبًــا ِعن ـ َدهُ ْم فِي التَّوْ َرا ِة َواِإل ن ِجيـ ِ‬
‫ْ‬ ‫ي اُأل ِّم َّ‬‫َّس ـو َل النَّبِ َّ‬ ‫(الَّ ِذينَ يَتَّبِ ُعـ َـ‬
‫ـون الر ُ‬ ‫ـنزعن هّللا من صــدور‬
‫َّ‬ ‫يومئ ٍذ؟ قال‪ :‬بــل أنتم يومئـ ٍذ كثــيرٌ‪ ،‬ولكنكم غثــا ٌء كغثــاء الســيل‪ ،‬وليـ‬
‫ضـ ُع‬‫ث َويَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫يَْأ ُم ُرهُم بِ ْال َم ْعر ِ‬
‫ُوف َويَ ْنهَاهُ ْم ع َِن ال ُمن َك ِر َويُ ِحلُّ لَهُ ُم الطيِّبَا ِ‬
‫ت َوي َُح ِّر ُم َعلَ ْي ِه ُم ال َخبَــآِئ َ‬ ‫ـذفن هّللا في قلــوبكم الــوهن ‪ ,‬فقــال قائــل‪ :‬يــا رســول ومــا‬
‫هّللا‬ ‫عــدوكم المهابــة منكم ‪ ،‬وليقـ َّ‬
‫َت َعلَ ْي ِه ْم) (األعراف‪.)157:‬‬ ‫َع ْنهُ ْم ِإصْ َرهُ ْم َواَأل ْغالَ َل الَّتِي َكان ْ‬ ‫الوهن ؟ قال‪ :‬حبُّ الدنيا وكراهية الموت)‬
‫و مصـداق قـول الرسـول في الحـديث الشـريف مـا معنـاه (وهللا مـا تـركت من شـر إال و‬ ‫أولست تراه قد بين أن سبب ضعف األمم و ذلة الشعوب وهن نفوسها و ضعف قلوبهــا و‬
‫نهيتكم عنه)‬ ‫خالء أفئــدتها من األخالق الفاضــلة و صــفات الرجولــة الصــحيحة ‪ ,‬و إن كــثر عــددها و‬
‫زادت خيراتها و ثمراتها‬

‫‪14‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫ينقع الغلة ‪ ,‬و يؤدي إلى أفضــل النتــائج و أبــرك الثمــرات ‪ ,‬و إن في حــدود هللا لــو نفــذت‬ ‫و أنت إذا أمعنت النظر في تعاليم اإلسالم وجدته قد وضع أصح القواعد و أنسب النظم و‬
‫لزاجرا يردع المجرم و إن اعتاد اإلجرام ‪ ,‬و يكف العادي و إن تأصل في نفسه العــدوان‬ ‫أدق القوانين لحياة الفرد رجال و امرأة ‪ ,‬و حياة األسـرة في تكوينهـا و انحاللهـا ‪ ,‬و حيـاة‬
‫و يريح الحكومات من عناء التجارب الفاشلة ‪ ,‬و التجربة تثبت ذلــك و تؤيــده ‪ ,‬و أصــول‬ ‫األمم في نشوئها و قوتها و انحاللها ‪ ,‬و حلل الفكر التي وقف أمامها المصلحون ‪.‬‬
‫التشريع الحديث تنادي به و تدعمه ‪ ,‬و هللا تبارك و تعالى يفرضه و يوجبه ‪:‬‬ ‫فالعالمية و القومية و االشتراكية و الرأسمالية و البلشفية و الحرب و توزيــع الــثروة ‪ ,‬و‬
‫ك هُ ُم ْال َكافِرُونَ ) (المائدة‪. )44:‬‬ ‫( َو َم ْن لَ ْم يَحْ ُك ْم بِ َما َأ ْن َز َل هللاُ فَُأولَِئ َ‬ ‫الصـلة بين المنتج و المســتهلك و مـا يمت بصــلة قريبـة أو بعيــدة إلى هــذه البحـوث الــتي‬
‫أصلحوا مظهر االجتماع‬ ‫تشغل بال ساسة األمم و فالسفة االجتماع ‪ ,‬كل هذه نعتقد أن اإلســالم خــاض في لبهــا ‪ ,‬و‬
‫وإن في كل أمة مظاهر من الحياة االجتماعية تشرف عليها الحكومات و ينظمهــا القــانون‬ ‫وضع للعالم النظم التي تكفل له االنتفـاع بمــا فيهـا من محاسـن ‪ ,‬و تجنب مـا تســتتبعه من‬
‫و تحميهــا الســلطات ‪ ,‬فعلى كــل أمــة شــرقية إســالمية أن تعمــل على أن تكــون كــل هــذه‬ ‫خطر و ويالت ‪ ,‬و ليس ذلك مقام تفصيل في هــذا المقــال ‪ ,‬فإنمــا نقــول مــا نعتقــد و نــبين‬
‫المظاهر مما يتفق و آداب الدين و يساير و يسـاير تشــريع اإلســالم و أوامــره ‪ ,‬إن البغــاء‬ ‫للناس ما ندعوهم إليه ‪ ,‬ولنا بعدـ ذلك جوالت نفصل فيها ما نقول ‪.‬‬
‫الرسمي لطخة عار في جبين كل أمة تقدر هذه الفضيلة ‪ ,‬فما بالك باألمم اإلســالمية الــتي‬ ‫ال بد من أن نتبع‬
‫التي يفرض عليها دينها محاربة البغاء و الضرب على يد الزناة بشدة ‪:‬‬ ‫وإذا كان اإلخوان المسلمون يعتقدون ذلك فهم يطالبون الناس بان يعملــوا على أن تكــون‬
‫( َوال تَْأ ُخ ْذ ُكم بِ ِه َما َرْأفَةٌ فِي ِدي ِن هللاِ ِإن ُكنتُ ْم تُْؤ ِمنُــونَ بِاهللِ َو ْاليَــوْ ِم اآل ِخـ ِر َو ْليَ ْشـهَ ْد َعـ َذابَهُ َما‬ ‫قواعد اإلسالم األصول التي تبنى عليها نهضة الشــرق الحــديث في كــل شــان من شــؤون‬
‫طَاِئفَةٌ ِّمنَ ْال ُمْؤ ِمنِينَ ) (النور‪.)2:‬‬ ‫الحياة ‪ ,‬ويعتقدون أن كل مظهر من مظاهر النهضة يتنافى مع قواعد اإلســالم و يصــطدم‬
‫إن حانــات الخمــر في أظهــر شــوارع المــدن و أبــرز أحيائهــا ‪ ,‬و تلــك اللوحــات الطويلــة‬ ‫بأحكام القرآن فهو تجربة فاســدة فاشــلة ‪ ,‬ســتخرج منهــا األمم بتضــحيات كبــيرة في غــير‬
‫العريضة عن المشروبات الروحية ‪ ,‬و هذه اإلعالنات الظاهرة الواضحة عن أم الخبــائث‬ ‫فائدة ‪ ,‬فخــير لألمم الــتي تريــد النهــوض أن تســلك إليــه أخصــر الطريــق باتباعهــا أحكــام‬
‫مظاهر يأباها الدين ‪ ,‬و يجرمها القرآن الكريم أشد التحريم ‪.‬‬ ‫اإلسالم ‪.‬‬
‫حاربوا اإلباحية‬ ‫واإلخوان المسلمون ال يختصون بهذه الــدعوة قطــرا دون قطــر من األقطـار اإلســالمية ‪,‬‬
‫و إن هذه اإلباحيــة المغريــة و المتعــة الفاتنــة و اللهــو العـابث في الشــوارع و المجــامع و‬ ‫ولكنهم يرسلونها صيحة يرجون أن تصل إلى آذان القـادة و الزعمـاء في كـل قطـر يــدين‬
‫المصايف والمرابع ينــاقض مـا أوصـى بــه اإلســالم باتباعــه من عفـة و شـهامة و إبـاء و‬ ‫أبنــاؤه بــدينـ اإلســالم ‪ ,‬و إنهم لينتهــزون لــذلك هــذه الفرصــة الــتي تتحــد فيهــا األقطــار‬
‫انصــراف إلى الجــد و ابتعــاد عن اإلســفاف (إن هللا تعــالى يحب معــالي األمــور و يكــره‬ ‫اإلسالمية و تحاول بناء مستقبلها على دعائم ثابتة من أصول الرقي و التقدم و العمران ‪.‬‬
‫سفاسفها) ‪.‬‬ ‫احذروا االنحراف‬
‫فكل هذه المظاهر و أشباهها ‪ ,‬على األمم اإلســالمية أن تبــذل في محاربتهــا و مناهضــتها‬ ‫و إن أكبر ما يخشاه اإلخوان المسلمون أن تنــدفع الشــعوب الشــرقية اإلســالمية في تيــار‬
‫كل ما في وسع سلطانها و قوانينها من طاقة و مجهود ال تني عن ذلك و ال تتواكل ‪.‬‬ ‫التقليد ‪ ,‬فــترقع نهضــاتها بتلــك النظم الباليــة الــتي انتقضــت على نفســها و أثبتت التجربــة‬
‫نظموا التعليم‬ ‫فسادها وعدم صالحيتها ‪ ,‬إن لكل أمة من أمم اإلسالم دستورا عاما فيجب أن تستمد مواد‬
‫وإن لكل أمة و شعب إسالمي سياسة في التعليم و تخريج الناشئة و بناء رجال المستقبل ‪,‬‬ ‫دستورها العام من أحكـام القـرآن الكـريم ‪ ,‬و إن األمم الـتي تقـول في أول مـادة من مـواد‬
‫الذين تتوقف عليهم حياة األمة الجديدة ‪ ,‬فيجب أن تبنى هذه السياســة على أصــول حكيمــة‬ ‫دســتورها ‪ :‬إن دينهــا الرســمي اإلســالم ‪ ,‬يجب أن تضــع بقيــة المــواد على أســاس هــذه‬
‫تضمن للناشئين مناعة دينيةـ و حصانة خلقية ‪ ,‬و معرفة بأحكــام دينهم ‪ ,‬و اعتــدادا بمجــده‬ ‫القاعدة ‪ ,‬و كل مادة ال يسيغها اإلسالم و ال تجيزهـا أحكامــه يجب أن تحــذف من حـتى ال‬
‫الغابر وحضارته الواسعة ‪.‬‬ ‫يظهر التناقض في القانون األساسي للدولة ‪.‬‬
‫هذا قليل من كثير من األصول التي يريد اإلخوان المسـلمون أن ترعاهـا األمم اإلسـالمية‬ ‫أصلحوا القانون‬
‫في بنــاء النهضــة الحديثــة ‪ ,‬و هم يوجهــون دعــوتهم هــذه إلى كــل المســلمين شــعوبا و‬ ‫وإن لكل أمة قانونا يتحاكم إليه أبنائها ‪ ,‬و هذا القــانون يجب أن يكــون مســتمدا من أحكــام‬
‫حكومات ‪ ,‬و وسيلتهم في الوصــول إلى تحقيــق هــذه الغايــات اإلســالمية الســامية وســيلة‬ ‫الشريعة اإلسالمية مـأخوذا عن القـرآن الكـريم متفقـا مـع أصـول الفقـه اإلسـالمي ‪ ,‬و إن‬
‫الشريعة اإلسالمية و فيما وضعه المشترعون المسلمون ما يسد الثغــرة و يفي بالحاجــة و‬

‫‪15‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫و على هذا درج أبنــاء اإلســالم و خص الرعيــل األول ممن وجــدت بين نفوســهم األخــوة‬ ‫واحدة ‪ :‬أن يبنوا ما فيها من مزية و أحكام ‪ ,‬حـتى إذا ذكـر النـاس ذلـك و اقتنعـوا بفائدتـه‬
‫اإليمانيــة ‪ ,‬ال فــرق بين مهــاجرهم و أنصــارهم ‪ ,‬و ال بين مكيّهم و يمــنيّهم ‪ ,‬حــتى أثــنى‬ ‫أنتج ذلك عملهم له و نزولهم على حكمه ‪:‬‬
‫الرسول على األشاعرة من أهل اليمن بقوله صلى هللا عليه و سلم ما معناه‬ ‫ير ٍة َأنَــا َو َم ِن اتَّبَ َعنِي َو ُس ـب َْحانَ هللاِ َو َمــا َأنَــا ِمنَ‬ ‫صـ َ‬ ‫(قُــلْ هَ ـ ِذ ِه َس ـبِيلِي َأ ْد ُعــو ِإلَى هللاِ َعلَى بَ ِ‬
‫(نعم القــوم األشــعريون إذا جهــدوا في ســفر أو حضــر جمعــوا مــا عنــدهم فوضــعوه في‬ ‫ْال ُم ْش ِر ِكينَ ) (يوسف‪. )108:‬‬
‫مزادتهم ثم قسموه بينهم بالسوية)‬ ‫انتفعوا بإخاء إخوانكم‬
‫و أنت إذا قرأت القرآن الكريم ‪ ,‬و أحاديث النبي العظيم صلى هللا عليه و سلم ‪ ,‬و طالعت‬ ‫ينادي اإلسالم أبناءه و متبعيه فيقول لهم ‪:‬‬
‫سير الغر الميامين من أبناء هذا الدين ‪ ,‬رأيت من ذلك ما يقر عينك و يمأل سمعك و قلبك‬ ‫ُوا نِ ْع َمةَ هللاِ َعلَ ْي ُك ْم ِإ ْذ ُكنتُ ْم َأ ْعدَاء فَ ـَألَّفَ بَ ْينَ‬
‫وا َو ْاذ ُكر ْ‬ ‫وا بِ َح ْب ِل هللاِ َج ِميعًا َوالَ تَفَ َّرقُ ْ‬ ‫َص ُم ْ‬‫( َوا ْعت ِ‬
‫‪.‬‬ ‫قُلُوبِ ُك ْم فََأصْ بَحْ تُم بِنِ ْع َمتِ ِه ِإ ْخ َوانًا) (آل عمران‪.)103:‬‬
‫أخوة تعلن اإلنسانية‬ ‫و يقول القرآن الكريم في آية أخرى‪ِ( :‬إنَّ َما ْال ُمْؤ ِمنُونَ ِإ ْخ َوةٌ) (الحجرات‪ )10:‬و في آيــة‬
‫و لقد أثمرت هذه العقيدة ثمرتين البــد لنـا من أن نجنيهمــا و نتحــدث إليــك عمــا فيهمــا من‬ ‫ْض) (التوبة‪. )71:‬‬ ‫ضهُ ْم َأوْ لِيَا ُء بَع ٍ‬ ‫َات بَ ْع ُ‬ ‫(و ْال ُمْؤ ِمنُونَ َو ْال ُمْؤ ِمن ُ‬ ‫أخرى ‪َ :‬‬
‫حالوة لذة و خير و فائدة ‪.‬‬ ‫و يقــول النــبي الكــريم صــلى هللا عليــه و ســلم ‪( :‬و كونــوا عبــاد هللا إخوانــا) و كــذلك فهم‬
‫فأما األولى منها ‪ :‬فقد أنتجت هذه العقيدة أن االستعمار اإلســالمي لم يشــبهه أي اســتعمار‬ ‫المسلمون األولون – رضوان هللا عليهم – من اإلسالم هذا المعنى األخوي و أملت عليهم‬
‫في التاريخ أبدا ‪ ,‬ال في غايتــه و ال في مســالكه و إدارتــه و ال في نتائجــه و فائدتــه ‪ ,‬فــإن‬ ‫عقيدتهم في دين هللا أخلد عواطف الحب و التآلف ‪ ,‬و أنبــل مظــاهر األخــوة و التعــارف ‪,‬‬
‫المستعمر المسلم إنما كان يفتح األرض حين يفتحها ليعلي فيها كلمة الحق ‪ ,‬و ينــير أفقهــا‬ ‫فكانوا رجال واحدا و قلبا واحدا و يدا واحدة ‪ ,‬حتى امتن هللا بذلك في كتابه فقال تبــارك و‬
‫بسنة القرآن الكريم ‪ ,‬فـإذا أشـرقت على نفـوس أهلهـا شـمس الهدايـة المحمديـة فقـد زالت‬ ‫تعالى ‪:‬‬
‫الفــوارق و محيت المظــالم ‪ ,‬و شــملها العــدل و اإلنصــاف و الحب و اإلخــاء ‪ ,‬و لم يكن‬ ‫ض َج ِميع ـا ً َمــا َألَّ ْفتَ بَ ْينَ قُلُــوبِ ِه ْم َولَ ِك َّن هللاَ َألَّفَ‬‫ِ‬ ‫رْ‬‫َأل‬‫ا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ـا‬
‫ـ‬ ‫م‬‫َ‬ ‫تَ‬ ‫ْ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫َأ‬ ‫ـ‬
‫ـوْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬‫ـو‬
‫ـ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ق‬ ‫نَ‬ ‫ْ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫( َوَألَّفَ‬
‫هناك فاتح غالب و خصم مغلــوب ‪ ,‬و لكن إخــوان متحــابون متــآلفون ‪ ,‬و من هنــا تــذوب‬ ‫بَ ْينَهُ ْم) (ألنفال‪. )63:‬‬
‫فكرة القومية ‪ ,‬و تنجاب كما ينجاب الثلج سقطت عليــه أشــعه الشــمس قويــة مشــرقة أمــام‬ ‫تطبيق‬
‫فكرة األخوة اإلسالمية التي يبثها القرآن في نفوس من يتبعونه جميعا ‪.‬‬ ‫وإن ذلك المهاجر الذي كان يترك أهله ‪ ,‬و يفارق أرضه في مكة و يفر بدينه ‪ ,‬كــان يجــد‬
‫إن ذلك الفاتح المسلم قبل أن يغزوا من غزا و يغلب من غلب ‪ ,‬قد باع أهله ‪ ,‬و تجــرد من‬ ‫أمامــه أبنــاء اإلســالم من فتيــان يــثرب ينتظــرون و كلهم شــوق إليــه و حب لــه و ســرور‬
‫عصبيته و قوميتــه في ســبيل هللا ‪ ,‬فهــو ال يغــزو لعصــبية و ال يغلب لقوميــة و ال ينتصــر‬ ‫بمقدمه ‪ ,‬و ما كان لهم سابق معرفة و ال قديم صلة ‪ ,‬و ما ربطهم به وشيجة من صهر أو‬
‫لجنسية ‪ ,‬و لكنه حين يعمل هلل و هلل وحده ال شريك له ‪ ,‬و إن أروع ما أثــر من اإلخالص‬ ‫عمومة ‪ ,‬و ما دفعتهم إليه غاية أو منفعة ‪ ,‬و إنما هي عقيدة اإلسالم جعلتهم يحنون إليه و‬
‫في الغاية ‪ ,‬و تجريد النفس من الهوى ما جاء في الحديث الشريف ما معناه أن رجال جاء‬ ‫يتصــلون بــه ‪ ,‬و يعدون ـهـ جــزءا من أنفســهم و شــقيقا ألرواحهم ‪ ,‬و مــا هــو إال أن يصــل‬
‫إلى النــبي فقــال لــه يــا رســول هللا ‪ ,‬إني أحب أن أجاهــد في ســبيل هللا ‪ ,‬و أحب أن يــرى‬ ‫المسجد حتى يلتف حوله الغــر الميــامين من األوس و الخــزرج ‪ ,‬كلهم يــدعوه إلى بيتــه و‬
‫موقفي فسكت النبي و لم يجبه ‪ ,‬فنزلت اآلية الكريمة ‪:‬‬ ‫يؤثره على نفسه و يفديه بروحــه وعيالــه ‪ ,‬ويتشــبث بمطلبــه هــذا حــتى يــؤول األمــر إلى‬
‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫(فَ َمن َكانَ يَرْ جُو لِقَـاء َربِّ ِه فَ ْليَ ْع َمــلْ َع َمال َ‬
‫صـالِحًا َوال يُشـ ِرك بِ ِعبَـا َد ِة َربِّ ِه َحـ دًا) (الكهـف‪:‬‬ ‫االقتراع ‪ ,‬حتى روى اإلمام البخاري مــا معنــاه ‪( :‬مــا نــزل مهــاجري على أنصــاري إال‬
‫‪.)110‬‬ ‫بقرعة) ‪.‬‬
‫أرأيت كيــف اعتــبر اإلســالم تطلــع هــذا الشــخص إلى الثنــاء و المــدح و همــا من طبــائع‬ ‫وحتى خلد القرآن لألنصار ذلك الفضل أبد الدهر ‪ ,‬فما زال يبــدو غــرة مشــرقة في جــبين‬
‫النفوس شركا خفيا يجب أن يتنزه عنه و يسمو بشرف الغايــة النبيلــة عنــه ؟ و هــل هنــاك‬ ‫السنين في قول هللا تبارك و تعالى ‪:‬‬
‫أخلص من أن ينسى اإلنسان نفسه في ســبيل غايتــه ؟ و هــل تظن أن رجال يشــترط عليــه‬ ‫ُور ِه ْم‬‫ِ‬ ‫د‬‫ص‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ف‬ ‫ونَ‬ ‫ُ‬
‫د‬ ‫ج‬ ‫ي‬ ‫ال‬‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ ِإ ِ ْ َ َ ِ‬‫ي‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫َاج‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ُّونَ‬ ‫ب‬ ‫( َوالَّ ِذينَ تَبَوَّءوا ال َّدا َر َواِإل ي َمانَ ِمن ِ ِ ْ ِ‬
‫ُح‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ْ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫دينه أن يتجرد من نفسه و يكبت عواطفها و ميولها و أهواءها حتى يكون جهــاده خالصــا‬ ‫َ‬ ‫ُأ‬ ‫ْ‬
‫ق ش َّح نَف ِس ِه فَ وْ لِئكَ‬ ‫ُ‬ ‫صة َو َمن يُو َ‬ ‫ٌ‬ ‫اجةً ِّم َّما ُأوتُوا َويُْؤ ثِرُونَ َعلَى َأنفُ ِس ِه ْم َولَوْ َكانَ بِ ِه ْم خ َ‬
‫َصا َ‬ ‫َح َ‬
‫هلل وحده ‪ ,‬يفكر بعد هذا في أن يجاهد لعصبية أو يغزو لجنس أو قومية ؟ ‪ ..‬اللهم ال ‪.‬‬ ‫هُ ُم ْال ُم ْفلِحُونَ ) (الحشر‪. )9:‬‬

‫‪16‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫المكتشفات و المخترعات قبل حدوثها ببضع سنين ‪ ,‬بل إن أساطين العلم أنفسهم أنكروهــا‬ ‫إن ذلك المغلوب الذي شاء له القدر أن يسعد باإلسالم و يهتدي به ‪ ,‬ما ترك بلده و أرضه‬
‫ألول عهدهم بها ‪ ,‬حتى أثبتها الواقع و أيدها البرهـان ‪ ,‬و المثـل على ذلــك كثــيرة ‪ ,‬و هي‬ ‫ألجنبي عنه يتحكم فيها و يسخره تسخير العبد الذليل ‪ ,‬و يستأثر دونــه بخيراتهــا ‪ ,‬و لكنــه‬
‫من البداهة بحيث يكفينا ذلك عن اإلطالة بذكرها ‪.‬‬ ‫ترك ما ترك ألنه يخلطه بنفسه و يمزجه بروحه و يناديه بإخالص ‪ :‬لك ما لنا و عليك ما‬
‫نظرة تاريخية‬ ‫علينا ‪ ,‬وكتاب هللا تبارك و تعالى يفصل بيننا ‪ ,‬فكالهما فني في غايته و ضحّى في ســبيل‬
‫وإن نهضــات األمم جميع ـاً‪ ،‬إنمــا بــدأت على حــال من الضــعف يخيَّل للنــاظر إليهــا‪ ،‬أن‬ ‫مبدئه ‪ ,‬و ترك ما ترك ليعم اإلنسانية نور هللا ‪ ,‬و تسطع عليهــا شــمس القــرآن الكــريم ‪ ,‬و‬
‫وصولها إلى ما تبتغي ضرب من المحال‪.‬‬ ‫في ذلك تمام إسعادها و كمال رقيها لو كانوا يعلمون ‪.‬‬
‫ومع هذا الخيال‪ ،‬فقــد حــدثنا التــاريخ أن الصــبر والثبــات والحكمــة واألنــاة وصــلت بهــذه‬ ‫أفق الوطن اإلسالمي‬
‫النهضات الضعيفة النشأة‪ ،‬القليلة الوسائل‪ ،‬إلى ذروة ما يرجوه القــائمون بهــا‪ ،‬من توفيــق‬ ‫أما الثمرة الثانية ‪ :‬فإن األخوة اإلسالمية جعلت كل مسلم يعتقد أن كل شــبر من األرض ‪,‬‬
‫ونجاح‪ ،‬ومن ذا الذي كان يصدِّق أن الجزيرة العربية وهي تلك الصحراء الجافة المجدبة‬ ‫فيــه أخ يــدين بــدينـ القــرآن الكــريم ‪ ،‬قطعــة من األرض اإلســالمية العامــة الــتي يفــرض‬
‫تنبت النور والعرفان‪ ،‬وتسيطر بنفوذ أبنائها الــروحي والسياســي على أعظم دول العــالم؟‬ ‫اإلسالم علي كل أبنائه أن يعملوا لحمايتها وإسعادها فكان من ذلــك أن أتســع أفــق الــوطن‬
‫ومن ذا الذي كان يظن أن أبا بكر صاحب القلب الرقيــق الليِّن‪ ،‬وقــد انتقض النــاس عليــه‪،‬‬ ‫اإلســالمي وســما عن حــدود الوطنيــة الجغرافيــة والوطنيــة الدمويــة إلى وطنيــة المبــادئ‬
‫وحار أنصاره في أمرهم‪ ،‬يستطيع أن يخرج في يوم واحد أحد عشر جيشاً‪ ،‬تقمع العصــاة‬ ‫الســامية والعقائــد الخالصــة الصــحيحة ‪ ،‬والحقـائق الــتي جعلهــا هللا للعــالم هــدى ونــوراً ‪,‬‬
‫وتقوم المعوج ‪ ،‬وتؤدب الطاغي وتنتقم من المرتدين‪،‬ـ وتسـتخلص حـق هللا في الزكـاة من‬ ‫ِّ‬ ‫واإلسالم حين يشعر أبناءه بهذا المعنى ويقرره في نفوسهم يفرض عليهم فريضــة الزمــة‬
‫المانعين؟‪ .‬ومن ذا الذي كــان يصــدق أن هــذه الشــيعة الضــئيلة المســتترة من بــني علي و‬ ‫لحمايـــة أرض اإلســـالم من عـــدوان المعتـــدين ‪ ,‬وتخليصـــها من غصـــب الغاصـــبين ‪،‬‬
‫العباس تستطيع أن تقلب ذلك الملك القــوي الواســع األكنــاف مــا بين عشــية وضــحاها ‪ ,‬و‬ ‫وتحصينها من مطامع المتعدين ‪.‬‬
‫هي ما كانت في يوم من األيام إال عرضــة للقتــل و التشــريد و النفي و التهديــد ؟‪ .‬ومن ذا‬ ‫طريق طويلة‬
‫الذي كان يظن أن صالح الدين األيوبي يقف األعوام الطوال ‪ ،‬فــير ّد ملــوك أوروبــا على‬ ‫أرجو أن تكون هذه الكلمات المتتاليات في بيان دعوة اإلخوان المسلمين قد كشفت للقــراء‬
‫أعقــابهم مــدحورين ‪ ،‬مــع تــوافر عــددهم وتظــاهر جيوشــهم‪ ،‬حــتى اجتمــع عليــه خمســة‬ ‫عن غايتهم ‪ ,‬و أبانت لهم و لو إلى حد ما عن مناهجهم في الســير إلى هــذه الغايــة ‪ ,‬و قــد‬
‫وعشرون ملكا ً من ملوكهم األكابر؟‬ ‫تحدثت من قبل إلى إخواننا الغيورين على اإلسالم و مجـده حـديثا طـويال هـو أشـبه بهـذه‬
‫ذلك في التاريخ القــديم‪ ،‬وفي التــاريخ الحــديث أروع المثــل على ذلــك‪ ،‬فمن كــان يظن أن‬ ‫الكلمات التي رآها القراء تحت عنوان ‪ ( :‬إلى أي شيء ندعو الناس )‬
‫الملك عبد العزيز آل سعود ‪ ،‬وقد نفيت أسرته وش ِّرد أهله وسُلب ملكه‪ ،‬يسترد هذا الملــك‬ ‫و لقد أصغى إلى من حدثتهم إصغاء مشكورا ‪ ,‬و كنا نتفهم القول تباعا أوال فــأول ‪ ,‬حــتى‬
‫ببضعة وعشرين رجالً‪ ،‬ثم يكون بعد ذلك أمالً من آمال العالم اإلسالمي في إعــادة مجــده‬ ‫خرجنا من المحادثة مقتنعينـ تماما بشرف الغايــة و نجــاح الوســيلة ‪ ,‬و كم كــانت دهشــتي‬
‫وإحياء وحدته؟ ومن كان يصدق أن ذلك العامل األلماني( هتلر ) يصل إلى ما وصل إليه‬ ‫عظيمة حين رأيت منهم شبه إجماع على أن هذه السبيل مــع التســليم بنجاحهــا طويلــة ‪ ,‬و‬
‫من قوة ‪1‬النفوذ و نجاح الغاية ؟‬ ‫أن التيارات الجارفة الهدامة في البلد قوية ‪ ,‬مما يجعل اليــأس يــدب إلى القلـوب و القنــوط‬
‫هل هناك طريق أخرى؟‬ ‫يســتولي على النفــوس ‪ ,‬و حــتى ال يجــد القــراء الكــرام هــذا الشــعور الــذي وجــده أولئــك‬
‫و ثم نظرتان سلبيتان تحــدثان النتيجــة بعينهــا و توجهــان قلب الغيــور إلى العمــل توجيهــا‬ ‫المتحدثون من قبــل ‪ ,‬أحببت أن تكــون هــذه الكلمــات مفعمــة باألمــل ‪ ,‬فياضــة بــاليقين في‬
‫صحيحا ‪.‬‬ ‫النجاح إن شاء هللا ‪ ,‬و هلل األمر من قبل و من بعـد ‪ ,‬و سأحصـر الموضـوع في نظـرتين‬
‫أوالهما ‪ :‬أن هذه الطريق مهما طالت فليس هناك غيرها في بناء النهضات بناء صــحيحا‬ ‫إيجابيتين ‪:‬‬
‫و قد أثبتت التجربة صحة هذه النظرية ‪.‬‬ ‫نظرة اجتماعية‬
‫الواجب أوال‬ ‫يقول علماء االجتماع إن حقائق اليوم هي أحالم األمس ‪ ,‬و أحالم اليوم هي حقائق الغــد ‪,‬‬
‫و ثانيتهما ‪ :‬أن العامل يعمل ألداء الواجب أوال ‪ ,‬ثم لألجر األخروي ثانيا ‪ ,‬ثم لإلفادة ثالثا‬ ‫و تلك نظرة يؤيدها الواقع و يعززها الدليل و البرهان ‪ ,‬بــل هي محــور تقــدم اإلنســانية و‬
‫‪ ,‬و هو إن عمل فقد أدى الواجب ‪ ,‬و فاز بثــواب هللا مــا في ذلــك من شــك ‪ ,‬مــتى تــوفرت‬ ‫تدرجها مدارج الكمال ‪ ,‬فمن ذا الذي كان يصدق أن يصل العلماء إلى ما وصلوا إليــه من‬

‫‪17‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫نحن اآلن أمام جبار متكبر يستعبد عباد هللا و يستضعفهم و يتخذهم خدما و حشما و عبيدا‬ ‫شروطه ‪ ,‬و بقيت اإلفادة و أمرها إلى هللا ‪ ,‬فقد تأتي فرصة لم تكن في حسابه تجعل عمله‬
‫و خوال ‪ ,‬و بين شعب من الشعوب الكريمة المجيدة استعبده ذلك الطاغية الجبار ‪ ,‬ثم أراد‬ ‫يأتي بأبرك الثمرات ‪ ,‬على حين إنه إذا قعد عن العمــل فقــد لزمــه إثم التقصــير ‪ ,‬و ضــاع‬
‫هللا تبارك تعالى أن يعيـدـ لهـذا الشـعب المجيـد حريتـه المسـلوبة و كرامتـه المغصـوبة و‬ ‫منه أجر الجهاد و حرم اإلفادة قطعا ‪ ,‬فأي الفريقين خير مقاما و أحسن نديا ؟ و قــد أشــار‬
‫مجده الضائع و عزه البائد ‪ ,‬فكان أول شعاع من فجر حريــة هــذا الشــعب إشــراق شــمس‬ ‫القرآن الكريم إلى ذلك في صراحة و وضوح في اآلية الكريمة ‪:‬‬
‫زعيمه العظيم (موسى ) على الوجود طفال رضيعا ‪:‬‬ ‫وا َم ْعـ ِذ َرةً ِإلَى‬ ‫ت ُأ َّمةٌ ِّم ْنهُ ْم لِ َم ت َِعظُونَ قَوْ ًما هللاُ ُم ْهلِ ُكهُ ْم َأوْ ُم َع ِّذبُهُ ْم َع َذابًا َش ِديدًا قَــالُ ْ‬ ‫( َو ِإ َذ قَالَ ْ‬
‫ض‬ ‫َأل‬
‫ق لِقَــوْ ٍم يُْؤ ِمنــونَ ‪ِ ,‬إن فِرْ َعــوْ نَ عَال فِي ا رْ ِ‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫(نَ ْتلُوا َعلَ ْيكَ ِمن نَّبَِإ ُمو َسى َوفِرْ عَوْ نَ بِـ ْ‬
‫ـال َح ِّ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫خَ‬‫َأ‬
‫السـو ِء َو ــذنَا ال ِذينَ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫نج ْينــا ال ِذينَ يَنهَــوْ نَ ع َِن ُّ‬ ‫َ‬ ‫َأ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬
‫َربِّ ُك ْم َولَ َعلَّهُ ْم يَتقونَ ‪ ,‬فل َّما نسُوا َما ذكرُوا بِ ِه َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬
‫َأ‬
‫َضـ ِعفُ طَاِئفَـةً ِّم ْنهُ ْم يُـ َذبِّ ُح ْبنَــاءهُ ْم َويَ ْسـتَحْ يِي نِ َسـاءهُ ْم ِإنَّهُ َكــانَ ِمنَ‬ ‫َو َج َع َل َأ ْهلَهَا ِشـيَعًا يَ ْست ْ‬ ‫وا يَ ْف ُسقُونَ ) (األعراف‪.)165-164:‬‬ ‫س بِ َما َكانُ ْ‬ ‫ب بَِئي ٍ‬ ‫ظَلَ ُم ْ‬
‫وا بِ َع َذا ٍ‬
‫ض َونَجْ َعلَهُ ْم َأِئ َّمةً َونَجْ َعلَهُ ُم‬ ‫ضــــ ِعفُوا فِي اَألرْ ِ‬ ‫ْال ُم ْف ِســــ ِدينَ ‪َ ,‬ونُ ِريــــ ُد َأن نَّ ُم َّن َعلَى الَّ ِذينَ ا ْستُ ْ‬ ‫قصة أمة تتكون‬
‫ض) (القصص‪.)5-3:‬‬ ‫ارثِين َونُ َم ِّكنَ لَهُ ْم فِي اَألرْ ِ‬ ‫ْال َو ِ‬ ‫ضعف‬
‫ـال‬‫ض َويَ َذ َركَ َوآلِهَتَـكَ قَ َ‬ ‫ُوا فِي اَألرْ ِ‬ ‫( َوقَا َل ْال َمُأل ِمن قَوْ ِم فِرْ عَونَ َأتَ َذ ُر ُمو َسى َوقَوْ َمهُ لِيُ ْف ِسد ْ‬ ‫زعامة‬
‫ُ‬
‫اسـت َِعينوا بِاهللِ‬ ‫وس ـى لِقَوْ ِمـ ِه ْ‬ ‫َسنُقَتِّ ُل َأ ْبنَاءهُ ْم َونَ ْستَحْ يِـي نِ َساءهُ ْم َوِإنَّا فَوْ قَهُ ْم قَــا ِهرُونَ ‪ ,‬قَــا َل ُم َ‬ ‫و نحن بعد هذا أمام هذا الزعيم و قد بلغ أشده و استوى ‪ ,‬و تولته العناية اإللهية ‪ ,‬بعــد أن‬
‫ُورثُهَا َمن يَ َشـاء ِم ْن ِعبَــا ِد ِه َو ْال َعاقِبَـةُ لِ ْل ُمتَّقِينَ ) (األعــراف‪-127:‬‬ ‫ض هللِ ي ِ‬ ‫ُوا ِإ َّن اَألرْ َ‬
‫َواصْ بِر ْ‬ ‫أنفت نفسه الظلم و عافت الضيم ‪ ,‬ففر بنفسه و هرب بحريتــه ‪ ,‬حيث اصــطنعه هللا لنفســه‬
‫‪. )128‬‬ ‫و حمله عبء رسالته ‪ ,‬و أسند إليه خالص شعبه ‪ ,‬فآب مملوءا باإليمــان مؤيــدا بــاليقين ‪,‬‬
‫إيمان‬ ‫يواجه ذلك الجبار فيطلب إليه أن يعيدـ إلى شعبه حريته و يترك له كرامتــه و يــؤمن بــه و‬
‫و مــا أروع أن نشــهد ذلــك النمــوذج الخالــد من الثبــات و الصــبر ‪ ,‬و االستمســاك بعــروة‬ ‫يتبعه ‪ .‬و ما أروع ذلك التهكم المر الالذع حين يحكي القرآن الكريم قول الرسول العظيم‬
‫الحق ‪ ,‬و االستهانة بكل شيء حتى الحياة في سبيل اإليمان و العقيدة من أتباع هذا الزعيم‬ ‫يل) (الشعراء‪.)22:‬‬ ‫َّدت بَنِي ِإس َْراِئ َ‬ ‫ي َأ ْن َعب َّ‬ ‫( َوتِ ْلكَ نِ ْع َمةٌ تَ ُمنُّهَا َعلَ َّ‬
‫الذين آمنوا بدعوتهـ ‪ ,‬و قد تحدوا هذا الجبار في استهانة و استماتة ‪:‬‬ ‫أيها الجبار المتحكم في عباد هللا ال عبادك ‪ ,‬هل من النعمة التي تذكرنا بها و الجميل الذي‬
‫ـر لَنَــا خَ طَايَانَــا َو َمــا‬ ‫ضي هَ ِذ ِه ْال َحيَاةَ ال ُّد ْنيَا ‪ِ ,‬إنَّا آ َمنَّا بِ َربِّنَا لِيَ ْغفِـ َ‬ ‫ض َما َأنتَ قَ ٍ‬
‫اض ِإنَّ َما تَ ْق ِ‬ ‫(فَا ْق ِ‬ ‫تسديه إلي أن تستعبد شعبي و تحقر أمتي و تمتهن قومي ؟ إنها صيحة الحق دوت من فم‬
‫َأ ْك َر ْهتَنَا َعلَ ْي ِه ِمنَ السِّحْ ِر َوهللاُ خَ ْي ٌر َوَأ ْبقَى) (طه‪. )73-72:‬‬ ‫النبي الكريم فزلزلت عرش الجبار و هزت ملكه ‪:‬‬
‫انتصار‬ ‫َأ‬
‫يل ‪ ,‬قَا َل لَ ْم نُ َربِّكَ‬ ‫(فَْأتِيَا فِرْ عَوْ نَ فَقُوال ِإنَّا َرسُو ُل َربِّ ْال َعالَ ِمينَ ‪َ ,‬أ ْن رْ ِسلْ َم َعنَا بَنِي ِإ ْس َراِئ َ‬
‫َأ‬
‫فإذا رأينا كل ذلك رأينــا عاقبتــه في القســم الخــامس و مــا أدراك مــا هي ؟ فــوز و فالح و‬ ‫فِينَا َولِيدًا َولَبِ ْثتَ فِينَا ِم ْن ُع ُم ِركَ ِسنِينَ ‪َ ,‬وفَ َع ْلتَ فَ ْعلَتَــكَ الَّتِي فَ َع ْلتَ َوَأنتَ ِمنَ ْال َكــافِ ِرينَ قَــا َل‬
‫انتصار و نجـاح و بشـرى تـزف إلى المهضـومين ‪ ,‬و أمـل يتحقـق للحـالمين ‪ ,‬و صـيحة‬ ‫َب لِي َربِّي ُح ْك ًمــا َو َج َعلَنِي ِمنَ‬ ‫ـوه َ‬‫ت ِمن ُك ْم لَ َّما ِخ ْفتُ ُك ْم فَـ َ‬‫ـررْ ُ‬ ‫الض ـالِّينَ ‪ ,‬فَفَـ َ‬
‫َّ‬ ‫فَ َع ْلتُهَا ِإ ًذا َوَأنَا ِمنَ‬
‫الحق المبين تدوي في آفاق األرض ‪:‬‬ ‫ْال ُمرْ َسلِينَ ) (الشعراء‪.)21-16:‬‬
‫(يَا بَنِي ِإ ْس َراِئي َل قَ ْد َأن َج ْينَا ُكم ِّم ْن َع ُد ِّوك ْم) (طه‪. )80:‬‬
‫ُ‬ ‫صراع‬
‫و نحن اآلن نشهد غضبة القوة على الحق كيــف تثــور عليــه و تنتقم منــه و تعــذب أهلــه و‬
‫تقهــر مناصــريه ‪ ,‬ثم كيــف يصــبر أهــل الحــق على كــل ذلــك ‪ ,‬و كيــف يعللهم رؤســاؤهم‬
‫باآلمال الحلوة و األماني العزبة حتى ال يجد الخور إلى نفوسهم سبيال ‪:‬‬

‫‪18‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫و لكنه وضع لتركيزهــا و تثبيتهــا و االنتفــاع بآثارهــا و نتائجهــا مظـاهر عمليــة ‪ ,‬و ألـزم‬ ‫الخبير و مبلغه محمد البشير النذير ‪ ,‬و كتابه القرآن الواضــح المنــير ‪ ,‬و جنــده الســابقون‬
‫األمة التي تؤمن به و تدينـ له بالحرص على هذه األعمال و جعلها فرائض عليها ال تقبل‬ ‫األولون من المهاجرين و األنصار ‪ ,‬و الذين اتبعوهم بإحسان ‪ ,‬و ليس من وضع الناس ‪,‬‬
‫في تضييعها هوادة ‪ ,‬بل يثيب العاملين و يعاقب المقصرين عقوبة قد تخرج بالواحـد منهم‬ ‫و لكنه صبغة هللا ‪ ,‬و من أحسن من هللا صبغة ‪:‬‬
‫من حدود هذا المجتمع اإلسالمي و تطوح به إلى مكان سحيق ‪.‬‬ ‫( َما ُكنتَ تَ ْد ِري َما ْال ِكتَابُ َوال اِإل ي َمانُ َولَ ِكن َج َعلنَــاهُ نــورًا ن ْهـ ِدي بِـ ِه َمن ن َشـاء ِمن ِعبَا ِدنَــا‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫و أهم هذه الفرائض التي جعلها هذا النظام سياجا لتركيز مبادئه هي ‪:‬‬ ‫ض َأال‬ ‫ت َو َما فِي اَألرْ ِ‬ ‫اط هللاِ الَّ ِذي لَهُ َما فِي ال َّس َما َوا ِ‬ ‫ص َرا ٍط ُّم ْستَقِ ٍيم ‪ِ ,‬‬
‫ص َر ِ‬ ‫ك لَتَ ْه ِدي ِإلَى ِ‬ ‫وَِإنَّ َ‬
‫أ ـ الصالة و الذكر و التوبة و االستغفار‪...‬الخ ‪.‬‬ ‫صي ُر األ ُمورُ) (الشورى‪. )53-52:‬‬ ‫ِإلَى هللاِ ت ِ‬
‫َ‬
‫ب ـ الصيام و العفة و التحذير من الترف ‪.‬‬ ‫‪ 2‬ـ منهاج القرآن الكريم في اإلصالح االجتماعي‬
‫ج ـ الزكاة و الصدقة و اإلنفاق في سبيل هللا ‪.‬‬ ‫و القرآن هو الجامع ألصول هـذا اإلصــالح االجتمـاعي الشـامل ‪ ,‬و قــد أخـذ يتـنزل على‬
‫د ـ الحج و السياحة و الرحلة و الكف و النظر في ملكوت هللا ‪.‬‬ ‫النــبي صــلى هللا عليــه و ســلم ‪ ,‬ويعلن بــه المؤمــنين بين اآلن و اآلن بحســب الوقــائع و‬
‫هـ ـ الكسب و العمل و تحريم السؤال ‪.‬‬ ‫الظروف و المناسبات‬
‫و ـ الجهاد و القتال و تجهيز المقاتلين ‪ ,‬و رعاية أهليهم و مصالحهم من بعدهم ‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫َأ‬
‫ق َو حْ َسنَ تَف ِسيرًا)‬ ‫ْ‬ ‫ْئ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْأ‬ ‫ْ‬
‫( َك َذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِ ِه فَُؤ ادَكَ َو َرتلنَاهُ تَرْ تِيال ‪َ ,‬وال يَ تونَكَ بِ َمث ٍل ِإال ِج نَاكَ بِال َح ِّ‬
‫َّ‬
‫ز ـ األمر بالمعروف و بذل النصيحة ‪.‬‬ ‫(الفرقان‪. )33-32:‬‬
‫ح ـ النهي عن المنكر ومقاطعة مواطنه و فاعليه ‪.‬‬ ‫حتى اكتمل به الوحي و حفظ في الصدور و السطور في مــدى اثنــتين و عشــرين ســنة و‬
‫ط ـ التزود بالعلم و المعرفة لكل مسلم و مسلمة في فنــون الحيــاة المختلفـة كــل فيمـا يليــق‬ ‫نيفا ‪ ,‬و قد جمع هللا فيه لهذه األمة تبيان كل شيء ‪ ,‬و أصول اإلصالح االجتماعي الكامل‬
‫به ‪.‬‬ ‫الذي جاء به تكاد تنحصر في هذه األصول ‪:‬‬
‫ي ـ حسن المعاملة و كمال التخلق باألخالق الفاضلة ‪.‬‬ ‫أ ـ الربانية ‪.‬‬
‫ك ـ الحرص على سالمة البدن و المحافظة على الحواس ‪.‬‬ ‫ب ـ التسامي بالنفس اإلنسانية ‪.‬‬
‫ل ـ التضامن االجتماعي بين الحاكم و المحكوم بالرعاية و الطاعة معا ‪.‬‬ ‫ج ـ تقرير عقيدة الجزاء ‪.‬‬
‫فالمسلم مطالب بأداء هذه الوجبات ‪ ,‬و النهوض بها كما فصلها النظــام القــرآني ‪ ,‬و عليــه‬ ‫د ـ إعالن األخوة بين الناس ‪.‬‬
‫أال يقصر في شيء منها ‪ ,‬و قد ورد ذكرها جميعا في القرآن ‪ ,‬و بينتها بيانا شــافيا أعمــال‬ ‫هـ ـ النهــوض بالرجــل و المــرأة جميعــا ‪ ,‬و إعالن التكافــل و المســاواة بينهمــا ‪ ,‬و تحديــد‬
‫النبي و أصحابه و الذين اتبعوهم بإحسان في بساطة و وضــوح ‪ ,‬كــل عمــل فيهــا أو عــدة‬ ‫مهمة كل منهم تحديدا دقيقا ‪.‬‬
‫أعمال تقوي و تركز أو عدة مبادئ من النظريات السابقة التي جاء هذا النظام لتحقيقهــا و‬ ‫و ـ تأمين المجتمــع بتقريــر حــق الحيــاة و الملــك و العمــل و الصــحة و الحريــة و العلم و‬
‫إفادة الناس بنتائجها و آثارها ‪.‬‬ ‫األمن لكل فرد و تحديد موارد الكسب ‪.‬‬
‫‪ -4‬الدولة اإلسالمية األولى‬ ‫ز ـ ضبط الغريزتين ‪ :‬غريزة حفظ النفس ‪ ,‬و حفظ النوع ‪ ,‬و تنظيم مطالب الفم و الفرج‬
‫على قواعد هذا النظام االجتماعي القرآني الفاضل قـامت الدولـة اإلسـالمية األولى تـؤمن‬ ‫ح ـ الشدة في محاربة الجرائم األصلية ‪.‬‬
‫به إيمانــا عميقــا و تطبقــه تطبيقــا دقيقــا و تنشــره في العــالمين ‪ ,‬حــتى كــان الخليفــة األول‬ ‫ط ـ تأكيد وحدة األمة و القضاء على كل مظاهر الفرقة و أسبابها ‪.‬‬
‫رضي هللا عنه يقول ‪ ( :‬لــو ضـاع مــني عقـال بعــير لوجدتــه في كتــاب هللا ) و حــتى أنــه‬ ‫ي ـ إلزام األمة الجهاد في سبيل مبادئ الحق التي جاء بها النظام ‪.‬‬
‫ليقاتل مانعي الزكاة و يعتبرهم مرتــدين بهـدمهمـ هـذا الـركن من أركــان النظـام و يقـول ‪:‬‬ ‫ك ـ اعتبار الدولة ممثلة للفكرة و قائمة على حمايتها ‪ ,‬و مسؤولة عن تحقيــق أهــدافها في‬
‫( وهللا لو منعوني عقاال كانوا يؤدونه لرسول هللا لقاتلتهم ما استمسك السيف بيدي ) ‪.‬‬ ‫المجتمع الخاص ‪ ,‬و إبالغها للناس جميعا ‪.‬‬
‫و كانت الوحدة بكل معانيها و مظاهرها شــمل هــذه األمــة الناشــئة ‪ ,‬فالوحــدة االجتماعيــة‬ ‫‪ 3‬ـ الشعائر العملية لهذا النظام‬
‫شاملة بتعميم نظام القرآن و لغة القرآن ‪ ,‬و الوحدة السياسية شاملة في ظل أمير المؤمنين‬ ‫و قد خالف النظام القرآني غيره من النظم الوضعية و الفلسفات النظرية فلم يترك مبادئــه‬
‫و تحت لواء الخالفة في العاصمة ‪ ,‬و لم يحل دونها أن كــانت الفكــرة اإلســالمية فكــرة ال‬ ‫و تعاليمه نظريات في النفوس ‪ ,‬و ال أراء في الكتب ‪ ,‬و ال كلمات على األفواه و الشــفاه ‪,‬‬

‫‪19‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫عليــه وســلم ‪ ,‬و الجمــود و التعصــب لآلراء و األقــوال ‪ ,‬والولــع بالجــدل والمنــاظرات و‬ ‫مركزية في الجيوش ‪ ,‬و في بيوت المال ‪ ,‬و في تصرفات الـوالة ‪ ,‬إذ أن الجميـع يعملـون‬
‫المراء ‪ ,‬وكل ذلك مما حذر منه اإلسالم ونهى عنه أشد النهي ‪ ,‬حتى قــال الرســول ‪( :‬مــا‬ ‫بعقيدة واحدة و بتوجيه عام متحد ‪.‬‬
‫ضل قوم بعدي على هدى إال أوتوا الجدل) ‪.‬‬ ‫و لقد طردت هذه المبادئ القرآنية الوثنية المخرفـة في جزيـرة العـرب و في بالد الفـرس‬
‫ج ـ االنغماس في ألوان الترف والنعيم ‪ ,‬واإلقبال على المتعة والشــهوات ‪ ,‬حــتى أثــر عن‬ ‫فقضت عليهــا ‪ ,‬و طـاردت اليهوديــة المــاكرة فحصـرتها في نطـاق ضــيق و قضـت على‬
‫حكام المسلمين في كثير من العصور ما لم يؤثر عن غيرهم ‪ ,‬مــع أنهم يقــرءون قــول هللا‬ ‫سلطانها الديني و السياســي قضــاء تامــا ‪ ,‬وصــارعت المســيحية حــتى انحصــر ظلهــا في‬
‫تبارك وتعالى ‪:‬‬ ‫قارتي آسيا و أفريقيا و انحازت إلى أوربا في ظل الدولة الرومانية الشرقية بالقسطنطينية‬
‫ق َعلَ ْيهَا ْالقَــوْ ُل فَ ـ َد َّمرْ نَاهَا تَ ـ ْد ِميراً)‬
‫(وَِإ َذا َأ َر ْدنَا َأ ْن نُ ْهلِكَ قَرْ يَةً َأ َمرْ نَا ُم ْت َرفِيهَا فَفَ َسقُوا فِيهَا فَ َح َّ‬ ‫‪ ,‬و تركز بذلك السلطان الروحي والسياسي بالدولة اإلسالمية في القارتين العظيمــتين ‪ ,‬و‬
‫(اإلسراء‪. )16:‬‬ ‫ألحت بالغزو على القارة الثالثة تهاجم القسطنطينية من الشرق وتحاصرها حــتى يجهــدها‬
‫د ــ انتقـال السـلطة والرياسـة إلى غـير العـرب‪ ،‬من الفـرس تـارة‪ ،‬والـديلم تـارة أخـرى‪،‬‬ ‫الحصار ‪ ,‬و تأتيها من الغرب فتقتحم األندلس وتصل جنودها المظفــرة إلى قلب فرنســا و‬
‫والمماليك واألتراك وغيرهم ممن لم يتذوقوا طعم اإلســالم الصــحيح‪ ،‬ولم تشــرق قلــوبهم‬ ‫إلى شمال و جنوب إيطاليا ‪ ,‬و تقيم في غرب أوربا دولة شامخة البنيــان مشــرقة بــالعلم و‬
‫بأنوار القرآن لصعوبة إدراكهم لمعانيه ‪ ,‬مع أنهم يقرءون قول هللا تبارك و تعالى ‪:‬‬ ‫العرفان ‪ ,‬و يتم لها بعد ذلك فتح القسطنطينية نفسها وحصر المسيحية و حصر المســيحية‬
‫ت‬ ‫(يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُــوا ال تَتَّ ِخـ ُذوا بِطَانَـةً ِم ْن دُونِ ُك ْم ال يَـْألُونَ ُك ْم خَ بَــاالً َو ُّدوا َمــا َعنِتُّ ْم قَـ َ ِ‬
‫د‬‫َ‬ ‫ـ‬ ‫ب‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫في هــذا الجــزء المحــدود من قلب أوربــا ‪ ,‬وتمخــر األســاطيل اإلســالمية عبــاب البحــرين‬
‫ت ِإ ْن ُك ْنتُ ْم تَ ْعقِلُـونَ ) (آل‬ ‫صـدُو ُرهُ ْم َأ ْكبَـ ُر قَـ ْد بَيَّنَّا لَ ُك ُم اآليـا ِ‬
‫ضا ُء ِم ْن َأ ْف َوا ِه ِه ْم َو َما تُ ْخفِي ُ‬ ‫ْالبَ ْغ َ‬ ‫األبيض و األحمر فيصير كــل منهمــا بحــيرة إســالمية ‪ ,‬وتقبض قــوات الدولــة اإلســالمية‬
‫عمران‪.)118:‬‬ ‫بذلك على مفاتيح البحار في الشرق والغرب وتتم لها السيادة البرية و البحرية ‪.‬‬
‫هـ ـ إهمــال العلـوم العمليـة والمعــارف الكونيـة‪ ،‬وصـرف األوقــات وتضـييع الجهــود في‬ ‫وقد اتصلت بغيرها من األمم ‪ ،‬ونقلت كثيراً من الحضارات ‪ ،‬ولكنها تغلبت بقــوة إيمانهــا‬
‫فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة ‪ ,‬مع أن اإلسالم يحثهم على النظــر في الكــون‬ ‫ومتانة نظامها عليهـا جميعـا ً ‪ ،‬فعربتهـا أو كــادت ‪ ،‬واســتطاعت أن تصـبغها وأن تحملهــا‬
‫ـل‬ ‫واكتناه أســرار الخلــق والســير في األرض ‪ ,‬ويــأمرهم أن يتفكــروا في ملكــوت هللا ‪( :‬قُـ ِ‬ ‫على لغتها ودينها بما فيهما من روعــة وحيويــة وجمــال ‪ ،‬ولم يمنعهــا أن تأخــذ النــافع من‬
‫ض) (يونس‪. )101:‬‬ ‫ت َواَألرْ ِ‬ ‫ا ْنظُرُوا َما َذا فِي ال َّس َما َوا ِ‬ ‫هذه الحضارات جميعا ً ‪ ،‬من غير أن يؤثر ذلك في وحدتها االجتماعية أو السياسية ‪.‬‬
‫و ـ غرور الحكام بسلطانهم‪ ،‬واالنخداع بقــوتهم‪ ،‬وإهمــال النظــر في التطــور االجتمــاعي‬ ‫‪ 5‬ـ عوامل التحلل في كيان الدولة اإلسالمية‬
‫لألمم من غيرهم ‪ ،‬حتى سبقتهم في االستعدادـ واألهبة‪ ،‬وأخـذتهم على غـرة ‪ ,‬وقـد أمـرهم‬ ‫ومع هذه القوة البالغة والسلطان الواسع فإن عوامل التحلل فإن عوامــل التحلــل قــد أخــذت‬
‫القرآن باليقظة و حذرهم من مغبة الغفلة و اعتبر الغافلين كاألنعام بل هم أضل ‪:‬‬ ‫تتسلل إلى كيان هذه األمة القرآنية ‪ ,‬وتعظم و تنتشر و تقوى شيئا فشيئا حــتى مــزقت هــذا‬
‫نس لَهُ ْم قُلُـــوبٌ الَّ يَ ْفقَهُـــونَ بِهَـــا َولَهُ ْم َأ ْعي ٌُن الَّ‬ ‫ْأ‬
‫( َولَقَـــ ْد َذ َر نَـــا لِ َجهَنَّ َم َكثِـــيرًا ِّمنَ ْال ِجنِّ َواِإل ِ‬ ‫الكيان وقضت على الدولة اإلسالمية المركزية في القرن السادس الهجري بأيدي التتــار ‪,‬‬
‫ك هُ ُم ْال َغــافِلُونَ )‬ ‫ُأ‬
‫ضـلُّ وْ لَِئ َ‬ ‫ـام بَــلْ هُ ْم َأ َ‬
‫ك َكاَأل ْن َع ِ‬ ‫ُأ‬
‫ان الَّ يَ ْس َمعُونَ بِهَا وْ لَِئ َ‬ ‫صرُونَ بِهَا َولَهُ ْم آ َذ ٌ‬ ‫يُ ْب ِ‬ ‫وفي القــرن الرابـع عشــر الهجـري مـرة ثانيـة ‪ ,‬وتـركت وراءهـا في كلتـا المـرتين أممـا‬
‫(األعراف‪.)179:‬‬ ‫مبعثرة و دويالت صغيرة تتوق إلى الوحدة و تتوثب للنهوض ‪.‬‬
‫ز ـ االنخداع بدسائس المتملقين من خصومهم ‪ ،‬واإلعجـاب بأعمـالهم ومظـاهر حيـاتهم ‪،‬‬ ‫و كان أهم هذه العوامل ‪:‬‬
‫واالنــدفاع في تقليــدهم فيمــا يضــر وال ينفــع ‪ ,‬مــع النهي الشــديد عن التشــبه بهم و األمــر‬ ‫أ ـ الخالفات السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه ‪ ,‬مع التحذير الشديدـ الذي جاء به‬
‫الصريح بمخالفتهم و المحافظــة على مقومــات األمــة اإلســالمية والتحــذير من مغبــة هــذا‬ ‫اإلسالم في ذلك و التزهيد في اإلمارة و لفت النظر إلى هذه الناحية التي هي سوس األمم‬
‫ـوا فَ ِريقًــا ِّمنَ الَّ ِذينَ ُأوتُـ ْ‬
‫ـوا‬ ‫التقليد حتى قــال القــرآن الكــريم ‪( :‬يَــا َأيُّهَــا الَّ ِذينَ آ َمنُـ َو ْا ِإن تُ ِطي ُعـ ْ‬ ‫و محطمة الشعوب و الدول ‪َ ( :‬وال تَنَا َزعُوا فَتَ ْف َشلُوا َوتَـ ْـذه َ‬
‫َب ِري ُح ُك ْم َو ْ‬
‫اصـبِرُوا ِإ َّن هللاَ َمـ َع‬
‫َاب يَ ُر ُّدو ُكم بَ ْع َد ِإي َمانِ ُك ْم َكافِ ِرينَ ) (آل عمران‪. )100:‬‬ ‫ْال ِكت َ‬ ‫الصَّابِ ِرينَ ) (ألنفال‪ , )46:‬و مــع هــذه الوصــية البالغــة بــاإلخالص هلل وحــده في القــول و‬
‫ُوا يَ ـ ُر ُّدو ُك ْم َعلَى َأ ْعقَــابِ ُك ْم‬
‫ـوا الَّ ِذينَ َكفَـر ْ‬ ‫و قال في آية أخرى ‪( :‬يَا َأيُّهَا الَّ ِذينَ آ َمنُ َو ْا ِإن تُ ِطي ُعـ ْ‬ ‫العمل و التنفير من حب الشهرة و المحمدة ‪.‬‬
‫ُوا خَ ا ِس ِرينَ ) (آل عمران‪. )149:‬‬ ‫فَتَنقَلِب ْ‬ ‫ب ـــ الخالفــات الدينيــةـ والمذهبيــةـ واالنصــراف عن الــدين كعقائــد وأعمــال إلى ألفــاظ‬
‫‪ 6‬ـ صراع سياسي‬ ‫ومصطلحات ميتة ال روح فيهـا وال حيـاة ‪ ,‬وإهمـال كتـاب هللا و سـنة الرسـول صـلى هللا‬

‫‪20‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫استأثرت دونها بأفريقيا و آسيا ‪ ,‬و تحالفت هذه الدول الفتية على ذلك أحالفا رقت بها إلى‬ ‫( أ ) محاوالت القضاء على األمة اإلسالمية ‪ :‬أخذت هذه العوامل تعمـل في كيـان الدولـة‬
‫درجة القداسة في كثير األحيان ‪.‬‬ ‫اإلسالمية و األمة اإلسالمية عملها ‪ ,‬و ظنت األمم الموتورة أن قد سنحت الفرصة لتأخــذ‬
‫( د ) هجــوم جديــد ‪ :‬و امتــدت األيــدي األوربيــة بحكم الكشــف و الضــرب في األرض و‬ ‫بثأرها و تقضي على هذه الدولة اإلسالمية التي فتحت بالدهــا من قبــل ‪ ,‬و غــيرت معــالم‬
‫الرحلة إلى أقصى آفاقها البعيـدةـ ‪ ,‬إلى كثـير من بلــدان اإلســالم كالهنـد و بعض الواليــات‬ ‫أوضاعها في كل شؤون الحياة ‪ ,‬فانحدر التتار كالسيل الــدافق على الدولــة اإلســالمية ‪ ,‬و‬
‫اإلسالمية المجاورة لها ‪ ,‬و أخذت تعمل في جد للوصول إلى تمزيق دولة اإلسالم القويــة‬ ‫أخذوا يقطعون أشالءها جـزءا جـزءا حـتى وصـلوا إلى بغـداد قلب الخالفـة العباسـية ‪ ,‬و‬
‫الواسعة و أخذت تضع لذلك المشروعات الكثيرة تعبر عنها أحيانــا بالمســألة الشــرقية ‪ ,‬و‬ ‫وطئوها بنعالهم في شخص الخليفة المستعصــم ‪ ,‬و بــذلك تبــدد شــمل الدولــة و انتــثر عقــد‬
‫أخرى باقتسام تركة الرجل المريض ‪ ,‬و اخذت كل دولة تنتهز الفرصة السانحة و تنتحــل‬ ‫الخالفة ألول مرة و تفرقت األمم إلى دويالت صغيرة ‪ ,‬فكل قبيلة فيهــا أمــير المؤمــنين و‬
‫األسباب الواهية ‪ ,‬و تهاجم الدولة الوادعة الالهية فتنقص بعض أطرافها أو تهدـ جانبا من‬ ‫منبر ‪ ,‬و تنبهت المسيحية في أوربا و جمعت جموعها و قذفت الشرق المســلم في آســيا و‬
‫كيانها ‪ ,‬و استمرت هذه المهاجمة أمــدا طــويال انســلخ فيــه عن الدولــة العثمانيــة كثــير من‬ ‫أفريقيا بكتائبها في تسع حمالت صليبية اشتملت على خير ما فيها من فرســان و ملــوك و‬
‫األقطار اإلسالمية ‪ ,‬و وقعت تحت السلطان األوربي كالمغرب األقصى و شمال أوربا و‬ ‫عتاد ‪ ,‬و تمكنت هذه القوات الزاحفة من إقامة دولة صليبية في بيت المقــدس و تهدي ـدـ أمم‬
‫استقل فيه كثير من البالد غير اإلسالمية التي كـانت تحت سـلطان العثمـانيين كاليونــان و‬ ‫اإلسالم في الشرق و الغرب و مهاجمة مصر أقوى هذه الدول إذ ذاك ‪.‬‬
‫دول البلقان ‪ ,‬و كان الدور الختامي في هذا الصراع الحرب العالميــة األولى ســنة ‪1914‬‬ ‫( ب ) انتصارات متتالية ‪ :‬و لكن هللا تبارك و تعــالى لم يــأذن بعــد بانتصــار الباطــل على‬
‫‪-‬ـ ‪1918‬م الــذي انتهى بهزيمــة تركيــا و حلفائهــا و بــذلك ســنحت الرصــة كاملــة ألقــوى‬ ‫الحق ‪ ,‬فاستطاعت مصر أن تجمع حولها فلول بعض هذه الدويالت و تقذف بهم في نحر‬
‫شعوب أوربا ( إنجلترا و فرنســا ) و إلى جوارهمــا ( إيطاليــا ) فوضــعت يــدها على هــذا‬ ‫الصليبيين بقيادة صالح الدين ‪ ,‬فتستعيدـ منهم بيت المقدس و تــريهم كيــف تكــون الهزيمــة‬
‫الميراث الضخم من أمم اإلسالم و شعوبه ‪ ,‬و بسطت سلطانها عليهــا بأســماء مختلفــة من‬ ‫في حطين ‪ ,‬ثم تقف في وجه التتار بقيادة الظاهر بيبرس و تــردهم على أعقــابهم خاســئين‬
‫احتالل و استعمار و وصاية و انتداب و تقاسمته على هذا النحو ‪:‬‬ ‫في عين جالوت ‪ ,‬ثم تعيدـ رسم الخالفة من جديد ‪ ,‬و يريــد هللا بعــد ذلــك أن تقــوم لإلســالم‬
‫‪ - 1‬أفريقيا الشمالية ( مراكش و الجزائر و تونس ) مستعمرات فرنسية ‪ ,‬تتخللهــا منطقــة‬ ‫دولة وارفة الظالل قوية البـأس شــديدة المــراس ‪ ,‬تجمــع كلمـة أهلــه و تضـم تحت لوائهـا‬
‫نفوذ دولية في طنجة ‪ ,‬و مستعمرات أسبانية في الريف ‪.‬‬ ‫معظم أممه و شعوبه ‪ ,‬و يأبى لها علو الهمة إال أن تغزو المسيحية في عقر دارها ‪ ,‬فتفتح‬
‫‪ - 2‬طرابلس و برقة مستعمرة إيطالية لم تشأ إيطاليا أن تبقي على شيء من آثار اإلســالم‬ ‫القسطنطينية و يمتدـ سلطانها في قلب أوربا حتى يصل إلى فيينا ‪ ,‬تلــك هي دولــة األتــراك‬
‫فيها ‪ ,‬ففرضت عليهـا التجنس بالجنسـية اإليطاليـة و أسـمتها إيطاليـا الجنوبيـة ‪ ,‬و قـذفتها‬ ‫العثمانية ‪.‬‬
‫باآلالف من جياع األسر و ذئاب البشر ‪.‬‬ ‫( ج ) بواكير النهضــة في أوربــا ‪ :‬اطمــأنت الدولــة اإلســالمية تحت لــواء العثمــانيين إلى‬
‫‪ - 3‬مصر و السودان تحت الحماية اإلنجليزية ال تملك إحداهما لنفسها من أمرها شيئا ‪.‬‬ ‫سلطانها و استنامت إليه ‪ ,‬و غفلت عن كل ما يــدور حولهــا ‪ ,‬و لكن أوربــا الــتي اتصــلت‬
‫‪ - 4‬فلســطين مسـتعمرة إنجليزيــة أبـاحت إنجلــترا لنفسـها أن تبيعهـا لليهــود لينشـئوا فيهــا‬ ‫بأضواء اإلسالم غربا باألندلس و شرقا بالحمالت الصليبية ‪ ,‬لم تضع الفرصة و لم تغفــل‬
‫الوطن القومي الصهيوني ‪.‬‬ ‫عن االستفادة بهذه الدروس ‪ ,‬فأخذت تتقوى و تتجمع تحت لواء الفرنجــة في بالد الغــال ‪,‬‬
‫‪ - 5‬سوريا مستعمرة فرنسية ‪.‬‬ ‫واستطاعت بعـد ذلـك أن تصـد تيـار الغـزو اإلسـالمي الغـربي ‪ ,‬و أن تبث الدسـائس بين‬
‫‪ - 6‬العراق مستعمرة إنجليزية ‪.‬‬ ‫صفوف مسلمي األندلس ‪ ,‬و أن تضرب بعضــهم ببعض إلى أن قــذفت بهم أخــيرا إلى مــا‬
‫‪ - 7‬الحجــاز حكومــة ضــعيفة متداعي ـةـ تنتظــر الصــدقات و تتشــبث بــالعهود الزائفــة و‬ ‫وراء البحر أو إلى العدوة األفريقية ‪ ,‬فقامت مقامهم الدولة اإلسبانيولية الفتية ‪ ,‬و ما زالت‬
‫المواثيق الباطلة ‪.‬‬ ‫أوربا تتقــوى و تتجمــع و تفكـر و تتعلم ‪ ,‬و تجــوب البالد و تكشــف األقطــار ‪ ,‬حــتى كـان‬
‫‪ - 8‬اليمن حكومــة منزويــة و شــعب فقــير مهــدد بــالغزو في كــل مكــان في أي وقت من‬ ‫كشف أمريكا عمال من أعمال أسبانيا و كشف طريق الهندـ عمال من أعمــال البرتغــال ‪ ,‬و‬
‫األوقات ‪.‬‬ ‫توالت فيها صيحات اإلصالح و نبغ بها كثير من المصلحين و أقبلت على العلم الكوني و‬
‫‪ - 9‬بقيــة أقســام الجزيــرة العربيــة إمــارات صــغيرة يعيش أمراؤهــا في كنــف القناصــل‬ ‫المعرفة المنتجة المثمرة ‪ ,‬و انتهت بها هذه الثورات اإلصــالحية إلى تكــوين القوميــات و‬
‫اإلنجليزية و يقاتلون بفتات موائدهم و تشتعل صدورهم بنيران التحاقد و التباغض ‪ ,‬هــذا‬ ‫تكوين دولة قوية جعلت هدفها جميعا أن تمزق هذه الدول اإلسالمية الــتي قاســمتها أوربــا‬

‫‪21‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫حرب طاحنة ضروس تبدد شملهم و تمزق وحــدتهم و تعيــدهم إلى رشــدهم و تــردهم عن‬ ‫مع الوعود المؤكدة و المواثيق المغلظة التي قطعها الحلفاء لعاهل الجزيـرة الملـك حسـين‬
‫ظلمهم ‪ ,‬و تهب ألمم اإلسالم فرصة أخرى تسوي فيها صفوفها و تجمع شملها و تستكمل‬ ‫أن يساعدوه على استقالل العرب و تدعيم سلطان الخالفة العربية ‪.‬‬
‫حريتها و استقاللها و تسترد دولتها و وحدتها تحت لواء أمير المؤمنين ‪:‬‬ ‫‪ - 10‬إيران و األفغان حكومــات مضــطربة تتوزعهــا األطمــاع من كــل مكــان فهي تحت‬
‫ارثِينَ ‪,‬‬ ‫ض َونَجْ َعلَهُ ْم َأِئ َّمةً َونَجْ َعلهُ ُم ال َ‬
‫ـــو ِ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ضـــ ِعفُوا فِي اَألرْ ِ‬
‫( َونُ ِريـــ ُد َأ ْن نَ ُم َّن َعلَى الَّ ِذينَ ا ْستُ ْ‬ ‫كنف هذه األمة تارة و إلى جانب تلك تارة أخرى ‪.‬‬
‫ض) (القصص‪. )6-5:‬‬ ‫َونُ َم ِّكنَ لَهُ ْم فِي اَألرْ ِ‬ ‫‪ - 11‬الهندـ مستعمرة إنجليزية ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ صراع اجتماعي‬ ‫‪ - 12‬تركستان و ما جاورها مستعمرات روسية يذيقها البالشفة مر العذاب ‪.‬‬
‫حضارة جديدة ‪ :‬إن األمم األوربية التي اتصلت باإلسالم و شعوبه في الشــرق بــالحروب‬ ‫و فيما عدا ذلك فهناك األقليات اإلســالمية المنثــورة في كثــير من البلــدان ال تعــرف دولــة‬
‫الصــليبية ‪ ,‬و في الغــرب بمجــاورة عــرب األنــدلس و خــالطتهم ‪ ,‬و لم تســتفد من هــذا‬ ‫تلجأ إلى حمايتها ‪ ,‬أو حكومة مسلحة تحتمي بجنسيتها كالمسلمين في الحبشة و الصــين و‬
‫االتصال مجرد الشعور القوي أو التجمع و التوحد السياســي ‪ ,‬و لكنهــا أفــادت إلى جــانب‬ ‫البلقان و بالد أفريقية الوسطى و الجنوبية و الشرقية و الغربية ‪.‬‬
‫ذلك يقظة ذهنية و عقلية كبيرة و اكتسبت علوما و معارف جمة ‪ ,‬و ظهـرت فيهـا نهضـة‬ ‫وبهذا الوضع انتصرت أوربا في هذا الصراع السياسي ‪ ,‬و تم لهــا مــا أرادت من تمزيــق‬
‫أدبية و علمية واسعة النطاق ‪ ,‬و قامت الكنيسة تنــاقض هــذه الظــاهرة الغريبــة ‪ ,‬و قــامت‬ ‫اإلمبراطورية اإلسالمية و الذهاب بدولة اإلسالم ‪ ,‬و حذفها سياسيا من دائرة الدول الحية‬
‫الكنيسة تناقض هذه الظاهرة الغريبة بكل ما أوتيت من قوة ‪ ,‬و تذيق رجالها من األدباء و‬ ‫العظيمة ‪.‬‬
‫العلماء مر العذاب ‪ ,‬و تعتدي عليهم محاكم التفتيش و تثير ضــدهم الــدول و الشــعوب ‪ ,‬و‬ ‫( هـ ) إلى القوة من جديد ‪:‬و لكن هذا العدوان الصارخ و االســتهتار بــالعهود و المواثيــق‬
‫لكن ذلك كله لم يجــدها نفعــا و لم تثبت تعاليمهــا أمــام حقــائق العلم و كشــوفه ‪ ,‬و خــرجت‬ ‫أحرج الصدور و أثـار النفـوس ‪ ,‬فهبت هـذه األمم تطـالب باسـتقاللها و تجاهـد السـترداد‬
‫النهضة العلمية منتصــرة كــل االنتصــار و تنبهت الدولــة بــذلك ‪ ,‬فصــارعت الكنيســة هي‬ ‫حريتها و مجدها ‪ ,‬و اشتعلت فيها الثورات لهذا المعنى ‪ ,‬فثارت تركيــا و ثــارت مصــر و‬
‫األخرى حتى صــرعتها ‪ ,‬و تخلص بــذلك المجتمــع األوربي تخلصـا تامــا من ســلطانها و‬ ‫ثارت العراق و سوريا و تكــررت الثــورات في فلســطين و الريــف في بالد المغــرب ‪ ,‬و‬
‫طارد رجالها إلى المعبــد و األديــرة و ألــزم البابــا اإلقامــة في الفاتيكــان ‪ ,‬و حصــر عمــل‬ ‫عمت اليقظة في النفوس كل مكان ‪ ,‬و وصلت شعوب اإلسالم بــذلك إلى بعض الحقــوق ‪,‬‬
‫رجال الدين في نطاق ضيق من شؤون الحياة ال يخرجون عنه و ال يتطلعون إلى ســواه ‪,‬‬ ‫فاستقلت تركيا في حــدودها الجديـدة ‪ ,‬و اعتــبرت مصــر و العـراق دولــتين مســتقلتين ‪ ,‬و‬
‫و لم تبق أوربا على المسيحية إال كتراث تاريخي ‪ ,‬و عامل من عوامل تهذيب البسطاء و‬ ‫قامت في الحجاز و نجــد دولــة الســعوديين ‪ ,‬و حــافظت اليمن و إيــران و أفغانســتان على‬
‫األغرار من دهماء الشعوب ‪ ,‬و وسيلة من وسائل التغلب و االســتعمار و قضـاء المـآرب‬ ‫وضعياتها ‪ ,‬المستقلة ‪ ,‬و قاربت سوريا أن تسلب االعتراف باســتقاللها ‪ ,‬و لفتت فلســطين‬
‫السياسية ‪.‬‬ ‫أنظار العالم إليها بكفاحها ‪ ,‬و خطا المسلمون و ال شك خطوات طيبة و أن كــانت قليلــة و‬
‫و امتد أمام األوربيين رواق العلم و انفسح مجال االختراع و الكشف ‪ ,‬و ضعفت الماكينة‬ ‫بطيئة نحو األهداف الكريمة التي قصدوها من استعادة حريتهم و استرداد مجــدهم و بنــاء‬
‫اإلنتاج و وجهت الحياة وجهة صناعية ‪ ,‬و سار ذلك جنبا إلى جنب مع نشأة الدولة القوية‬ ‫دولتهم ‪ ,‬و لئن اتجهت هذه الخطوات إلى المعنى القومي الخاص و طالبت كل أمة بحقهــا‬
‫و امتداد سلطانها إلى كثير من البالد و األقطار ‪ ,‬فأقبلت الدنيا على هذه األمم األوربيــة و‬ ‫في الحرية كأمة مستقلة ‪ ,‬و تعمد كثير من العاملين لهــذه النهضــة أن يغفــل فكــرة الوحــدة‬
‫جبيت إليها ثمرات كل شيء ‪ ,‬و تدفقت عليها األموال من كــل مكــان ‪ ,‬فكــان طبيعيــا بعــد‬ ‫فإن مصير هذه الخطوات سيكون و ال شك التجمع و عودة األمة اإلسالمية كدولة متحــدة‬
‫ذلك أن تقوم الحياة األوربية و الحضارة األوربية على قاعــدة إقصــاء الــدين عن مظــاهر‬ ‫تضم شتات شعوب العالم اإلسالمي و ترفع راية اإلسالم و تحمل دعوته ‪ ,‬فليس في الدنيا‬
‫الحياة االجتماعية و بخاصة الدولــة و المحكمــة و المدرســة و طغيــان النظريــة الماديــة و‬ ‫أمــة يجمعهــا مــا يجمــع المســلمون من وحــدة اللغــة و االشــتراك في المصــالح الماديــة و‬
‫جعلها المقياس في كل شيء ‪ ...‬و تبعا لذلك صارت مظاهر هذه الحضارة مظــاهر ماديــة‬ ‫الروحية و التشابه في اآلالم و اآلمال ‪.‬‬
‫بحتة تهدم ما جاءت بــه األديــان الســماوية ‪ ،‬وتنــاقض كــل المناقضــة تلــك األصــول الــتي‬ ‫( و ) حرب جديدة‪:‬و لقد خـرجت الـدول األوربيـة من الحـرب العالميـة و بـذور الحقــد و‬
‫قررها اإلسالم الحنيف‪ ،‬وجعلهــا أساسـا ً لحضــارته الــتي جمعت بين الروحانيــة والماديــة‬ ‫البغضاء متأثرة في صدور الكثير منها ‪ ,‬و جاء مؤتمر الصلح و معاهداته لطمــات قاســية‬
‫جميعها‪ ،‬ومن أهم الظواهر التي الزمت المدنية األوروبية‪:‬‬ ‫لبعضها و خيبة أمل مؤلمة لكثير منها ‪ ,‬هذا إلى ظهور كثير من الفكر الجديــدة ‪ ,‬المبــادئ‬
‫المتعصبة شــديدة التعصـب ‪ ,‬و البــد أن تنتهي هـذه الحـال بهــذه األمم إلى خالف جديــد و‬

‫‪22‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫ذلـــك من أن يغـــيروا قواعـــد الحكم والقضـــاء والتعليم ‪ ،‬وأن يصـــبغوا النظم السياســـية‬ ‫‪ 1‬ـ اإللحاد والشك في هللا وإنكار الروح ونسيان الجزاء األخــروي والوقــوف عنــد حــدود‬
‫والتشريعية والثقافية بصبغتهم الخالصة في أقوى بالد اإلسالم ‪.‬‬ ‫ظا ِهراً ِمنَ ْال َحيَا ِة الـ ُّد ْنيَا َوهُ ْم َع ِن اآل ِخـ َر ِة هُ ْم غَـافِلُونَ )‬ ‫الكون المادي المحسوس‪( :‬يَ ْعلَ ُمونَ َ‬
‫وجلبوا إلى هذه الديار نساءهم الكاسيات العاريــات ‪ ،‬وخمــورهم ومســارحهم ومراقصــهم‬ ‫(الروم‪.)7:‬‬
‫ومالهيهم‪ ،‬وقصصــهم وجرائــدهم‪ ،‬وروايــاتهم وخيــاالتهم ‪ ،‬وعبثهم ومجــونهم ‪ ،‬وأبــاحوا‬ ‫‪ 2‬ـ اإلباحية والتهافت على اللذة والتفنن في االستمتاع وإطالق الغرائز الدنيا من عقالهــا‪،‬‬
‫فيها من الجرائم ما لم يبيحوه في ديارهم ‪ ،‬وزينوا هذه الدنيا الصاخبة العابثــة ‪ ،‬الــتي تعج‬ ‫وإشــباع شــهوتي البطن والفــرج‪ ،‬وتجهــيز المــرأة بكــل صــنوف المفــاتن والمغريــات‪،‬‬
‫باإلثم وتطفح بالفجور ‪ ،‬في أعين البسطاء األغرار من المسلمين األغنياء ‪ ،‬وذوي الــرأي‬ ‫واإلغراق في الموبقات إغراقا يحطم األجسام والعقول ويقضي على نظــام األســر ويهــدم‬
‫فيهم ‪ ،‬وأهل المكان والسلطان ‪.‬‬ ‫ى لَهُ ْم)‬‫ـون َويَـْأ ُكلُونَ َك َمــا تَْأ ُكـ ُل اَأل ْن َعــا ُم َوالنَّا ُر َم ْثــو ً‬
‫ســعادة الــبيوت‪َ ( :‬والَّ ِذينَ َكفَـرُوا يَتَ َمتَّ ُعـ َـ‬
‫ولم يكفهم هذا حتى أنشأوا المـدارس والمعاهـد العلميـة والثقافيـة في عقـر ديـار اإلسـالم‪،‬‬ ‫(محمد‪.)12:‬‬
‫تقذف في نفوس أبنائه الشك واإللحاد وتعلمهم كيف ينتقصــون أنفســهم‪ ،‬ويحتقــرون دينهم‬ ‫‪ 3‬ـ األثــرة في األفــراد ‪ ،‬فكــل إنسـان ال يريــد إال خــير نفســه‪ ،‬وفي الطبقــات‪ ،‬فكــل طبقــة‬
‫ووطنهم‪ ،‬وينسلخون من تقاليدهم وعقائدهم‪ ،‬ويقدسون كل ما هو غربي‪ ،‬ويؤمنون بأن ما‬ ‫تتعالى على من سواها وتود أن تحظى بالمغانم دونها‪ ،‬وفي الشعوب‪ ،‬فكــل أمــة تتعصــب‬
‫يصدر عن األوروبيينـ وحده هو المثل األعلى في هذه الحياة‪.‬‬ ‫لجنسها وتنتقص غيرها وتحاول أن تلتهم من هي أضعف منها‪.‬‬
‫واحتوت هذه المدارس على الطبقة العليا وحدها وصارت وقفا ً عليها‪ ،‬وأبناء هــذه الطبقــة‬ ‫‪ 4‬ـ الربا واالعــتراف بشـرعيته واعتبــاره قاعــدة التعامـل‪ ،‬والتفنن في صـوره وضـروبه‬
‫هم العظماء والحكام‪ ،‬ومن سيكون بيدهم بعد قليل مقاليد األمور في هذه األمم والشــعوب‪،‬‬ ‫وتعميمه بين الدول واألفراد‪.‬‬
‫ومن لم يتم نضجه في هذه المعاهد الموضــعية‪ ،‬فــإن في البعثــات المتالحقــة مــا يكفــل لهم‬ ‫وقد أنتجت هذه المظاهر الماديــة البحتــة في المجتمــع األوروبي فســاد النفــوس‪ ،‬وضــعف‬
‫التمام‪.‬‬ ‫األخالق‪ ،‬والــتراخي في محاربــة الجــرائم ‪ ،‬فكــثرت المشــكالت ‪ ،‬وظهــرت المبــادئ‬
‫ونجح هذا الغزو االجتماعي المنظم العنيف أعظم النجاح‪ ،‬فهو غزو محبب إلى النفــوس‪،‬‬ ‫الهدامـــة ‪ ،‬واشـــتعلت الثـــورات المخربـــة المـــدمرة ‪ ،‬واضـــطربت النظم االقتصـــادية‬
‫الصق بالقلوب طويل العمر‪ ،‬قوي األثر‪ ،‬وهو لهذا أخطر من الغزو السياسي والعسكري‬ ‫واالجتماعيــة والسياســية فلم تســتقر على حــال‪ ،‬وتمــزقت الــدول بــالطوائف واألحــزاب ‪،‬‬
‫بأضعاف األضعاف ‪.‬‬ ‫وتناحرت الشعوب على المطامع واألحقاد ‪ ،‬وأثبتت هذه المدنية الحديثة عجزها التام عن‬
‫و تغالت بعض األمم اإلسالمية في اإلعجاب بهذه الحضارة األوربيــة و التــبرم بصــبغتها‬ ‫تأمين المجتمع اإلنساني ‪ ،‬وإقرار الطمأنينة والسالم فيه ‪ ،‬وفشلت في إسعاد الناس ‪ ،‬رغم‬
‫اإلسالمية ‪ ,‬حتى أعلنت تركيا أنها دولة غير إسالمية و تبعت األوربــيين بعنــف قــاس في‬ ‫ما فتحت عليهم من حقائق العلم والمعرفة ‪ ،‬وما وفرت لهم من أسباب الغنى والثراء‪ ،‬وما‬
‫كل ما يصنعون ‪ ,‬و حاول ذلك أمان هللا خان ملك األفغان فطاحت تلك المحاولة بعرشــه ‪,‬‬ ‫مكنت لدولها في األرض من قوة وسلطان و لما يمض عليها قرن كامل من الزمان ‪.‬‬
‫و ازدادت في مصر مظاهر هذا التقليد و استفحلت حــتى اســتطاع رجــل من ذوي الــرأي‬ ‫‪ 8‬ـ طغيان المادة على بالد اإلسالم‬
‫فيها أن يجهر بأنــه ال ســبيل إال الــترقي إال بــأن نأخــذ بهــذه الحضــارة خيرهــا و شــرها و‬ ‫وقــد عمــل األوروبيــون جاهــدين على أن تغمــر موجــة هــذه الحيــاة الماديــة ‪ ،‬بمظاهرهــا‬
‫حلوها و مرها و ما يحب منها و ما يكره و ما يحمد منها و ما يعاب ‪ ,‬و أخذت تنتقــل في‬ ‫الفاسدة وجراثيمها القتالة ‪ ،‬جميع البالد اإلسالمية التي امتدت إليها أيديهم ‪ ،‬وأوقعها سوء‬
‫سرعة و قوة من مصر إلى ما جاورها من البالد حــتى وصــلت إلى أقصــى المغــرب ‪ ,‬و‬ ‫الطالع تحت سلطانهم ‪ ،‬مــع حرصــهم الشــديد على أن يحتجــزوا دون هــذه األمم عناصــر‬
‫طوفت بالمشاعر المقدسة في ربوع الحجاز ‪.‬‬ ‫الصالح والقوة ‪ ،‬من العلوم والمعارف والصناعات ‪ ،‬والنظم النافعة ‪ ،‬وقد أحكمــوا خطــة‬
‫ونستطيع أن نقسم البالد اإلسالمية بحسب تأثرها بهذه الحضارة المادية و طغيــان مادتهــا‬ ‫هــذا الغــزو االجتمــاعي ‪ ،‬إحكامــا ً شــديدا ً‪ ،‬واســتعانوا بــدهائهم السياســي ‪ ،‬وســلطانهم‬
‫عليها إلى ثالثة أقسام ‪:‬‬ ‫العسكري ‪ ،‬حتى تم لهم ما أرادوا‪.‬‬
‫‪ - 1‬بالد بلغ هذا التأثر مبلغا عظيما يصل إلى القلوب و المشاعر ‪ ,‬كما غير األوضــاع و‬ ‫أغــروا كبــار المســلمين باالســتدانة منهم والتعامــل معهم ‪ ،‬وس ـهَّلوا عليهم ذلــك وهوَّنــوه‬
‫المظاهر ‪ ,‬و من هذه البالد تركيا و مصــر ‪ ,‬فقــد انحســر ظــل الفكــرة اإلســالمية في هــذه‬ ‫عليهم ‪ ،‬واســتطاعوا بــذلك أن يكتســبوا حــق التــدخل االقتصــادي ‪ ،‬وأن يغرقــوا البالد‬
‫البالد عن كل األوضاع االجتماعية ‪ ,‬و طـوردت الفكـرة اإلسـالمية لتقبـع في المسـاجد و‬ ‫بــرؤوس أمــوالهم ومصــارفهم وشــركاتهم ‪ ،‬وأن يــديروا دوالب العمــل االقتصــادي كمــا‬
‫الزوايا و الربط و التكايا ‪.‬‬ ‫يريدون ‪ ،‬وأن يستأثروا دون األهلين باألرباح الطائلة ‪ ،‬والثروات العظيمة ‪ ،‬وتمكنوا بعد‬

‫‪23‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫‪ 9‬ـ دعوتنا دعوة للبعث واإلنقاذ‬ ‫‪ - 2‬بالد تأثرت بهــذه الحضــارة في أوضــاعها و مظاهرهــا الرســمية ‪ ,‬و لكنهــا لم تتغلب‬
‫( أ ) تركة مثقلة ‪ :‬وهكذا أيها اإلخــوان أراد هللا أن نــرث هــذه التركــة المثقلــة بالتبعــات ‪،‬‬ ‫فيها على المشاعر القلبية كإيران و بالد المغرب و شمال أفريقيا ‪.‬‬
‫وأن يشــرق نــور دعــوتكم في ثنايــا هــذه الظالم وأن يهــيئكم هللا إلعالء كلمتــه وإظهــار‬ ‫‪ - 3‬بالد لم تتأثر بهذه الحضارة فيها إال طبقة خاصة من المثقفين و الحكام دون العامــة و‬
‫شريعته وإقامة دولته من جديد ‪ :‬ولينصرن هللا من ينصره إن هللا لقوي عزيز ‪.‬‬ ‫الدهماء كسوريا و العراق و الحجاز و كثــير من أجـزاء الجزيــرة العربيــة و بقيــة ممالــك‬
‫( ب ) أهدافنا العامة ‪ :‬ماذا نريد أيها اإلخــوان ؟ أنريــد جمــع المــال وهــو ظــل زائــل ؟ أم‬ ‫اإلسالم ‪.‬‬
‫سعة الجاه وهو عرض حائل ؟ أم نريد الجبروت في األرض ‪ :‬إن األرض هلل يورثها من‬ ‫و مع هذا فالموجــة تمتـدـ بسـرعة الـبرق لتصـل إلى مـا لم تصـل إليـه بعــد من النفـوس و‬
‫يشاء من عباده األعراف ‪ .‬ونحن نقرأ قول هللا تبارك وتعالي (تِ ْلــكَ الـ َّدا ُر اآل ِخـ َرةُ نَجْ َعلُهَـا‬ ‫الطبقات و األوضاع ‪.‬‬
‫ض َوال فَ َساداً َو ْال َعاقِبَةُ لِ ْل ُمتَّقِينَ ) (القصص‪.)83:‬‬‫لِلَّ ِذينَ ال ي ُِري ُدونَ ُعلُ ّواً فِي اَألرْ ِ‬ ‫ولقد استطاع خصوم اإلسالم أن يخدعوا عقالء المسـلمين وأن يضـعوا سـتاراً كثيفـا ً أمـام‬
‫شهد هللا أننا ال نريد شيئا ً من هذا وما لهذا عملنا وال إليــه دعونــا ‪ ،‬ولكن اذكــروا دائمــا أن‬ ‫أعين الغــير منهم‪ ،‬بتصــوير اإلســالم نفســه تصــويراً قاصــراً في ضــروب من العقائــد‬
‫لكم هدفين أساسيين ‪:‬‬ ‫والعبادات واألخالق‪ ،‬إلى جانب مجموعة من الطقــوس والخرافــات والمظــاهر الجوفــاء‪،‬‬
‫‪ - 1‬أن يتحرر الوطن اإلسالمي من كل سلطان أجنبي وذلك حق طبيعي لكــل إنســان ‪ ،‬ال‬ ‫وأعانهم على هذه الخديعة‪:‬ـ جهل المسلمين بحقيقة دينهم‪ ،‬حتى استراح كثير منهم إلى هذا‬
‫ينكره إال ظالم جائر أو مستبد قاهر ‪.‬‬ ‫التصوير واطمأنوا إليه ورضوا به‪ ،‬وطال عليهم في ذلك األمـد‪ ،‬حـتى صـار من العسـير‬
‫‪ - 2‬أن تقوم في هذا الوطن الحر دولة إسالمية حرة تعمل بأحكام اإلسالم وتطبــق نظامــه‬ ‫أن نفهم أحدهم أن اإلسالم نظام اجتماعي كامل يتناول كل شؤون الحياة‪.‬‬
‫االجتماعي وتعلن مبادئه القويمة وتبلغ دعوته الحكيمة الناس ‪ ،‬وما لم تقم هذه الدولة فــإن‬ ‫نستطيع بعد ذلك أن نقول‪ :‬إن الحضارة الغربيــة بمبادئهــا الماديــة‪ ،‬قــد انتصــرت في هــذا‬
‫المسلمين جميعـا ً آثمــون مســؤولون بين يــدي هللا العلي الكبــير عن تقصــيرهم في إقامتهــا‬ ‫الصراع االجتماعي على الحضارة اإلسالمية‪ ،‬بمبادئها القويمــة الجامعــة للــروح والمــادة‬
‫وقعودهم عن إيجادهم ‪ .‬ومن العقوق لإلنســانية في هــذه الظــروف الحــائرة أن تقــوم فيهــا‬ ‫معا ً في أرض اإلسالم نفسه‪ ،‬وفي حرب ضــروس‪ ،‬ميــدانها نفــوس المســلمين‪ ،‬وأرواحهم‬
‫دولة تهتف بالمبادئ الظالمة وتنــادي بالــدعوات الغاشــمة وال يكــون في النــاس من يعمــل‬ ‫وعقائدهم وعقولهم‪ ،‬كما انتصرت في الميدان السياسي والعســكري‪ ،‬و ال عجب في هــذا‪،‬‬
‫لتقوم دولة الحق والعدالة والسالم ‪.‬‬ ‫فإن مظاهر الحياة ال تتجزأ‪ ،‬والقوة قوة فيها جميعاً‪ ،‬والضعف ضعف فيهــا جميعـا ً كــذلك‪:‬‬
‫نريد تحقيق هذين الهدفين في وادي النيــل وفي بالد العروبــة وفي كــل أرض أســعدها هللا‬ ‫اس) (آل عمــران‪ , )140:‬وإن كــان مبــادئ اإلســالم وتعاليمــه‬ ‫َاولُهَا بَ ْينَ النَّ ِ‬ ‫( َوتِ ْلكَ اَأليَّا ُم نُد ِ‬
‫بعقيدة اإلسالم ‪ :‬دين وجنسية وعقيدة توحد بين جميع المسلمين ‪.‬‬ ‫ظلت قوية في ذاتها فياضة بالخصب والحياة‪ ،‬جذابــة أخــاذة بروعتهــا وجمالهــا‪ ،‬وســتظل‬
‫( ج ) أهدافنا الخاصة ‪ :‬ولنا بعد هذين الهدفينـ أهداف خاصة ال يصير المجتمــع إســالميا ً‬ ‫كذلك‪ ،‬ألنها الحق ولن تقوم الحياة اإلنسـانية كاملـة فاضـلة بغيرهـا‪ ،‬وألنهـا من صـنع هللا‬
‫كامالً إال بتحقيقها ‪ .‬فاذكروا أيها اإلخوان أن أكثر من ‪ %60‬من المصريين يعيشون أقــل‬ ‫وفي حياطته‪ِ( :‬إنَّا نَحْ نُ نَ َّز ْلنَا ال ِّذ ْك َر َوِإنَّا لَهُ لَ َحافِظُونَ ) (الحجــر‪َ ( , )9:‬ويَ ـْأبَى هللاُ ِإال َأ ْن يُتِ َّم‬
‫من معيشــة الحيــوان ‪ ،‬وال يحصــلون علي القــوت إال بشــق النفس ‪ ،‬وأن مصــر مهــددة‬ ‫ورهُ َولَوْ َك ِرهَ ْال َكافِرُونَ ) (التوبة‪. )32:‬‬ ‫نُ َ‬
‫بمجاعة قاتلة ومعرضــة لكثــير من المشــكالت االقتصــادية الــتي ال يعلم نتيجتهــا إال هللا ‪،‬‬ ‫يقظة‪ :‬و كمـا كـان لــذلك العـدوان السياسـي أثـره في تنبيـه المشـاعر القوميـة ‪ ,‬كـان لهــذا‬
‫وأن مصر بها أكثر من ‪ 230‬شركة أجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامــة‬ ‫الطغيان االجتماعي أثره في انتعاش الفكرة اإلسالمية ‪ ,‬فارتفعت األصوات من كل مكــان‬
‫في جميع أنحـاء البالد ‪ ،‬وأن دوالب التجـارة والصـناعة والمنشـآت االقتصـادية كلهـا في‬ ‫تطالب بالرجوع إلى اإلسالم و تفهم أحكامه و تطبيق نظامه ‪ ,‬و البد أن يــأتي قريبــا ذلــك‬
‫أيدي األجانب المرابين ‪ ،‬وأن الثروة العقارية تنتقل بسرعة البرق من أيدي الوطنيين إلى‬ ‫اليوم الذي تندك فيه صروح هذه المدنيـةـ الماديــة على رؤوس أهلهــا ‪ ,‬و حينئــذ يشــعرون‬
‫أيدي هؤالء ‪ ،‬وأن مصر أكثر بالد العالم المتمدين أمراضا ً وأوبئــة وعاهــات ‪ ،‬وان أكــثر‬ ‫بسعير الجوع الروحي تشتعل به قلوبهم و أرواحهم و ال يجدون الغذاء و الشفاء و الــدواء‬
‫من ‪ %90‬من الشــعب المصــري مهــددـ بضــعف البنيــة وفقــد الحــواس ومختلــف العلــل و‬ ‫إال في تعاليم هذا الكتاب الكريم ‪:‬‬
‫األمراض ‪ ،‬وأن مصر ال زالت إلى اآلن جاهلة لم يصل عــددـ المتعلمينـ فيهــا إلى الخمس‬ ‫ى َو َرحْ َمـ ةٌ‬ ‫ُور َوهُــد ً‬
‫ِ‬ ‫د‬‫ـ‬ ‫الص‬
‫ُّ‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ـا‬
‫ـ‬‫م‬‫ل‬ ‫ء‬ ‫ا‬‫َ‬ ‫ف‬‫ـ‬
‫ِ َ ْ َ ِ ٌ َِ ِ‬‫ش‬‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ِّ‬ ‫ب‬‫ر‬ ‫ْ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫ـ‬ ‫َ‬ ‫ظ‬ ‫(يَــا َأيُّهَــا النَّاسُ قَ ـ ْد َجـ ا َء ْت ُك ْم َموْ ِ‬
‫ع‬
‫بما في ذلك أكثر من مائة ألف شـخص ال يتجـاوز تعليمهم بـرامج مـدارس اإللـزام ‪ ،‬وأن‬ ‫ـو خَ ْيـ ٌر ِم َّما يَجْ َم ُعــونَ ) (يــونس‪-57:‬‬ ‫ْ‬
‫ك فَليَف َرحُوا هُـ َ‬ ‫ْ‬ ‫ين ‪ ,‬قُلْ بِفَضْ ِل هللاِ َوبِ َرحْ َمتِ ِه فَبِذلِ َ‬
‫َ‬ ‫لِ ْل ُمْؤ ِمنِ َـ‬
‫الجرائم تتضاعف في مصر وتتكــاثر بدرجـة هائلـة حـتى أن السـجون لتخـرج أكــثر ممـا‬ ‫‪.)58‬‬

‫‪24‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫وحده تكونون قــد بــدأتم تســلكون ســبيل أصـحاب الــدعوات ‪ .‬أمــا اآلن فال زلتم مجهــولين‬ ‫تخرج المدارس ‪ ،‬وأن مصر لم تستطع إلى اآلن أن تجهز فرقــة واحــدة في الجيش كاملــة‬
‫تمهدون للـدعوة وتســتعدون لمـا تتطلبـه من كفـاح وجهـاد ‪ .‬سـيقف جهــل الشـعب بحقيقــة‬ ‫المعدات ‪ ،‬وأن هذه المعاني والصور تتراءى في كل بلد من بلدان العالم اإلسالمي ‪ ،‬فمن‬
‫اإلســالم عقبــة في طــريقكم ‪ ،‬وســتجدون من أهــل التــدين ومن العلمــاء الرســميين من‬ ‫أهدافكم أن تعملوا إلصالح التعليم ومحاربة الفقر والجهــل والمــرض والجريمــة وتكــوين‬
‫يســتغرب فهمكم لإلســالم وينكــر عليكم جهــادكم في ســبيله ‪ ،‬وســيحقد عليكم الرؤســاء‬ ‫مجتمع نموذجي أن ينتسب إلى شريعة اإلسالم‪.‬‬
‫والزعمــاء وذوو الجــاه والســلطان ‪ ،‬وســتقف في وجهكم كــل الحكومــات علي الســواء ‪،‬‬ ‫( د ) وسائلنا العامة ‪ :‬كيف نصــل إلى هــذه األهــداف ؟ إن الخطب واألمــوال والمكاتبــات‬
‫وستحاول كل حكومة أن تجد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم ‪.‬‬ ‫والدروس والمحاضرات وتشخيص الداء ووصف الدواء كل ذلك وحده ال يجدي نفعا ً وال‬
‫وسيتذرع الغاصبون بكل طرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم ‪ ،‬وسيســتعينون في ذلــك‬ ‫يحقق غاية وال يصل بالداعين إلى هدف من األهداف ؛ ولكن للــدعوات وســائل ال بــد من‬
‫بالحكومات الضعيفة واأليدي الممتدة إليهم بالســؤال وإليكم باإلســاءة والعــدوان ‪ .‬وســيثير‬ ‫األخذ بها والعمل لها ‪ .‬والوسائل العامة للدعوات ال تتغير وال تتبدل وال تعدو هذه األمور‬
‫الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم االتهامــات ‪ ،‬وســيحاولون أن يبصــقوا بهــا كــل‬ ‫الثالثة ‪:‬‬
‫نقيصــة ‪ ،‬وأن يظهروهــا للنــاس في أبشــع صــورة ‪ ،‬معتمــدينـ علي قــوتهم وســلطانهم ‪،‬‬ ‫‪ - 1‬اإليمان العميق ‪.‬‬
‫ـور هللاِ بِـَأ ْف َوا ِه ِه ْم َويَـْأبَى هللاُ ِإال َأ ْن يُتِ َّم‬
‫ُطفُِئوا نُـ َ‬ ‫ومعتدين بأموالهم ونفــوذهم ‪( :‬ي ُِريـ ُدونَ َأ ْن ي ْ‬ ‫‪ - 2‬التكوين الدقيق ‪.‬‬
‫ـرهَ ْال َكــافِرُونَ ) (التوبــة‪ . )32:‬وســتدخلون بــذلك وال شــك في دور التجربــة‬ ‫ـورهُ َولَــوْ َكـ ِ‬
‫نُـ َ‬ ‫‪ - 3‬العمل المتواصل ‪.‬‬
‫واالمتحــان ‪ ،‬فســتجنون وتعتقلــون ‪ ،‬وتنقلــون وتشــردون ‪ ،‬وتصــادر مصــالحكم وتعطــل‬ ‫وتلـك هي وسـائلكم العامـة أيهـا اإلخـوان فـآمنوا بفكـرتكم وتجمعـوا حولهـا واعملـوا لهـا‬
‫ب النَّاسُ َأ ْن يُ ْت َر ُكوا َأ ْن‬ ‫أعمالكم وتفتش بيوتكم ‪ ،‬وقد يطول بكم مدي هذا االمتحان ‪َ( :‬أ َح ِس َ‬ ‫واثبتوا عليها ‪.‬‬
‫يَقُولُــوا آ َمنَّا َوهُ ْم ال يُ ْفتَنُــونَ ) (العنكبــوت‪ . )2:‬ولكن هللا وعــدكم من بعــد ذلــك كلــه نصــرة‬ ‫( هـ ) وسائل إضافية ‪ :‬وقد تكون إلى جانب هذه الوسائل العامة وسائل إضافية ال بــد من‬
‫ار ٍة تُ ْن ِجي ُك ْم‬‫المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين (يَــا َأيُّهَــا الَّ ِذينَ آ َمنُــوا هَـلْ َأ ُدلُّ ُك ْم َعلَى تِ َجـ َ‬ ‫األخذ بها وسلوك سبيلها ‪ ،‬منها السلبي ومنها اإليجابي ‪ ،‬ومنها ما يتفق مع عــرف النــاس‬
‫ب َألِ ٍيم ‪ ..........‬فََأيَّ ْدنَا الَّ ِذينَ آ َمنُوا َعلَى َع ُد ِّو ِه ْم فََأصْ بَحُوا ظَــا ِه ِرينَ ) (الصــف‪-10:‬‬ ‫ِم ْن َع َذا ٍ‬ ‫ومنها ما يخرج علي هذا العرف ويخالفه ويناقضه ‪ ،‬ومنها ما فيه لين ومنها ما فيه شدة ‪،‬‬
‫‪. )14‬‬ ‫وال بد أن نروض أنفسنا علي تحمل ذلك كله و اإلعداد لهذا كله حتى نضمن النجــاح ‪ .‬قــد‬
‫فهل أنتم مصرون علي أن تكونوا أنصار هللا ؟‬ ‫يطلب إلينــا أن نخــالف عــادات ومألوفــات وأن نخــرج علي نظم وأوضــاع ألفهــا النــاس‬
‫( ح ) عوامل النجاح ‪ :‬ومن الحق أيهــا األخــوان أن نـذكر أمـام هــذه العقبـات جميعـا ً أننــا‬ ‫وتعارفوا عليها ‪ ،‬وليســت الــدعوة في حقيقــة أمرهــا إال خروجـا ً علي المألوفــات وتغيــيراً‬
‫ندعو بدعوة هللا وهي أسمي الدعوات ‪ ،‬وننادي بفكرة اإلسالم وهي أقــوي الفكــر ‪ ،‬ونقــدم‬ ‫للعادات واألوضاع ‪ ،‬فهل أنتم مستعدون لذلك أيها اإلخوان ؟‬
‫ص ـ ْب َغةً)‬ ‫(صــ ْب َغةَ هللاِ َو َم ْن َأحْ َســنُ ِمنَ هللاِ ِ‬ ‫للنــاس شــريعة القــرآن وهي أعــدل الشــرائع ‪ِ ,‬‬ ‫( و ) تثبيط ‪ :‬وسيقول كثير من الناس ‪ :‬وماذا تعني هــذه الوســائل ؟ ومــا عســاها أن تنفــع‬
‫(البقرة‪ , )138:‬وأن العالم كله في حاجة إلى هذه الدعوة وكــل مــا فيــه يمهــد لهــا و يهــيئ‬ ‫في بناء أمة وترميم مجتمع هذه المشكالت المزمنة ومع استقرار الحال علي هذه المفاســد‬
‫سبيلها ‪ ،‬وأننـا بحمــد هللا بـراء من المطـامع الشخصــية بعيــدون عن المنـافع الذاتيــة ‪ ،‬وال‬ ‫المتعددة ؟ وكيف تعالجون االقتصاد علي غير أساس الربا ؟ وكيــف تصــنعون في قضــية‬
‫نقصد إال وجــه هللا وخــير النــاس وال نعمــل إال ابتغــاء مرضــاته ‪ ،‬وإننــا نــترقب تأييــد هللا‬ ‫المرأة ؟ وكيف تنالون حقكم بغير قوة ؟ فاعلموا أيها اإلخوان أن وساوس الشيطان يلقيهــا‬
‫ك بِـَأ َّن هللاَ َمـوْ لَى الَّ ِذينَ آ َمنُــوا َوَأ َّن ْال َكـافِ ِرينَ ال َمـوْ لَى لَهُ ْم)‬ ‫ونصره هللا فال غالب لــه ‪َ ( :‬ذلِـ َ‬ ‫في أمنية كل مصلح فينسخ هللا ما يلقي الشيطان ثم يحكم هللا آياته وهللا عليم حكيم واذكروا‬
‫(محمد‪ . )11:‬فقوة دعوتنا وحاجة إليها ونبالة مقصدنا وتأييد هللا إيانا هي عوامــل النجــاح‬ ‫لهــؤالء جميعـا ً أن التــاريخ يقص علينــا من نبــأ األمم الماضــية والحاضــرة مــا فيــه عظــة‬
‫ـر‬ ‫ـر ِه َولَ ِك َّن َأ ْكثَـ َ‬
‫التي ال تثبت أمامها عقبة وال يقف في طريقها عائق ‪َ ( :‬وهللاُ غَالِبٌ َعلَى َأ ْمـ ِ‬ ‫وعبرة ‪ .‬واألمة التي تصمم علي الحياة ال يمكن أن تموت ‪.‬‬
‫اس ال يَ ْعلَ ُمونَ ) (يوسف‪. )21:‬‬ ‫النَّ ِ‬
‫‪ 10‬ـ وصية‬ ‫( ز ) العقبات في طريقنا ‪ :‬أحب أن أصارحكم أن دعوتكم ال زالت مجهولة عند كثير من‬
‫أيها اإلخوان المسلمون ‪ ،‬اسمعوا ‪:‬‬ ‫الناس ‪ ،‬ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلتقي منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية ‪ ،‬و‬
‫ستجدون أمامكم كثــيراً من المشــقات وسيعترضــكم كثــير من العقبــات ‪ ،‬وفي هــذا الــوقت‬

‫‪25‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫وفقنا هللا وإياكم لما يحبه و يرضاه ‪ ،‬وسلك بنا وبكم مســالك األخيــار المهتــدينـ ‪ ،‬وأحيان ـا ً‬ ‫أردت بهذه الكلمات أن أضع فكرتكم أمام أنظاركم فلعـل سـاعات عصـيبة تنتظرنـا يحـال‬
‫حياة األعزاء السعداء وأماتنا موت المجاهدين والشهداء إنه نعم المولي ونعم النصير ‪.‬‬ ‫فيهــا بيــني وبينكم إلي حين ؛ فال أســتطيع أن أتحــدث معكم أو أكتب إليكم ‪ ،‬فأوصــيكم أن‬
‫تتدبروا هذه الكلمات وأن تحفظوها إذا استطعتم وأن تجتمعوا عليها ‪ ،‬وإن تحت كل كلمــة‬
‫الفهــم‬ ‫لمعاني جمة‪.‬‬
‫أيها اإلخوان ‪ :‬أنتم لستم جمعيــة خيريــة وال حزبـا ً سياســيا ً وال هيئــة موضــعية ألغــراض‬
‫إنما أريد بالفهم ‪:‬‬
‫محدودة المقاصد ‪ .‬ولكنكم روح جديد يسري في قلب هذه األمــة فيحييــه بــالقرآن ‪ ،‬ونــور‬
‫أن توقن بأن فكرتناـ إسالمية صميمة و أن تفهم اإلسالم كما نفهمه ‪ ,‬في‬ ‫جديد يشرق فيسدد ظالم المادة بمعرفة هللا ‪ ،‬وصوت داو يعلو مردداً دعوة الرسول صلي‬
‫حدود هذه‬ ‫هللا عليه وسلم ومن الحق الذي ال غلــو فيــه أن تشــعروا أنكم تحملــون هــذا العبء بعــد أن‬
‫األصول العشرين الموجزة كل اإليجاز ‪:‬‬ ‫تخلي عنه الناس ‪.‬‬
‫إذا قيل إالم لكم تدعون ؟ ‪ ...‬فقولوا ندعو إلي اإلسالم الذي جاء به محمد صــلي هللا عليــه‬
‫‪ - 1‬اإلسالم نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو‬
‫وسلم والحكومة جــزء منــه والحريــة فريضــة من فرائضــه ‪ ،‬فــإن قيــل لكم هــذه سياســة !‬
‫حكومة وأمة ‪ ،‬وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ‪ ،‬وهو ثقافة وقانون أو‬ ‫فقولوا هذا هو اإلسالم ونحن ال نعرف هذه األقسام ‪.‬‬
‫علم وقضاء ‪ ،‬وهو مادة أو كسب وغنى ‪ ،‬وهو جهاد ودعوة أو جيش‬ ‫وإن قيل لكم أنتم دعاة ثورة ‪ ،‬فقولوا نحن دعاة حق وسالم نعتقــده ونعــتز بــه ‪ ،‬فــإن ثــرتم‬
‫وفكرة ‪ ،‬كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ‪.‬‬ ‫علينا ووقفتم في طريق دعوتنا فقد أذن هللا أن ندفع عن أنفســنا وكنتم الثــائرين الظــالمين ‪.‬‬
‫‪ - 2‬والقرآن الكريم والسنة المطهرة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام‪O‬‬ ‫وإن قيل لكم إنكم تستعينونـ باألشخاص والهيئات فقولوا ‪( :‬آ َمنَّا بِاهللِ َوحْ َدهُ َو َكفَرْ نَا بِ َمــا ُكنَّا‬
‫اإلسالم ‪ ،‬ويفهم القرآن طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف وال‬ ‫(ســال ٌم َعلَ ْي ُك ْم ال نَ ْبتَ ِغي‬‫بِــ ِه ُم ْشــ ِر ِكينَ ) (غــافر‪ , )84:‬فــإن لجّــوا في عــدوانهم فقولــوا ‪َ :‬‬
‫ْال َجا ِهلِينَ ) (القصص‪. )55:‬‬
‫تعسف ‪ ،‬ويرجع في فهم السنة المطهرة إلى رجال الحديث الثقات ‪.‬‬
‫واجبات‬
‫‪ - 3‬ولإليمان الصادق والعبادة الصحيحة والمجاهدة نور وحالوة يقذفهما‬ ‫أيها اإلخوان ‪..‬‬
‫هللا في قلب من يشاء من عباده ‪ ،‬ولكن اإللهام والخواطر والكشف‬ ‫ـ آمنوا باهلل واعتزوا بمعرفته واالعتماد عليه واالستناد إليه ‪ ،‬فال تخافوا غيره وال ترهبوا‬
‫والرؤى ليست من أدلة األحكام الشرعية ‪ ,‬وال تعتبر إال بشرط عدم‬ ‫سواه‪ .‬وأدوا فرائضه واجتنبوا نواهيه ‪.‬‬
‫اصطدامها بأحكام الدين ونصوصه‪.‬‬ ‫ـ وتخلقوا بالفضائل وتمسكوا بالكماالت ‪ .‬وكونوا أقوياء بأخالقكم أعزاء بما وهب هللا لكم‬
‫‪ - 4‬والتمائم والرقي والودع والرمل والمعرفة والكهانة وادعاء معرفة‬ ‫من عزة المؤمنين وكرامة االتقاء الصالحين ‪.‬‬
‫ـ وأقبلوا علي القرآن تتدارسونه ‪ ،‬وعلي السيرة المطهرة تتذاكرونها ‪ ،‬وكونوا عملــيين ال‬
‫الغيب ‪ ,‬وكل ما كان من هذا الباب منكر تجب محاربته إال ما كان آية من‬
‫جدليين ؛ فإذا هدي هللا قوما ألهمهم العمل ؛ وما ضل قوم بعد هــدي كـانوا عليـه إال أوتـوا‬
‫قرآن أو رقية مأثورة ‪.‬‬ ‫الجدل‪.‬‬
‫‪ - 5‬ورأي اإلمام ونائبه فيما ال نص فيه ‪ ،‬وفيما يحتمل وجوها عدة وفي‬ ‫ــ وتحــابوا فيمــا بينكم ‪ ،‬واحرصــوا كــل الحــرص علي رابطتكم فهي ســر قــوتكم وعمــاد‬
‫المصالح المرسلة معمول به ما لم يصطدم بقاعدة شرعية ‪ ,‬وقد يتغير‬ ‫نجاحكم ‪ ،‬واثبتوا حتى يفتح هللا بينكم وبين قومكم بالحق وهو خير الفاتحين ‪.‬‬
‫بحسب الظروف والعرف والعادات ‪ ,‬و األصل في العبادات التعبد دون‬ ‫ـ واسمعوا وأطيعوا لقيــادتكم في العســر واليســر والمنشــط والمكــره ‪ ،‬فهي رمــز فكــرتكم‬
‫االلتفات إلى المعاني ‪ ,‬وفي العاديات االلتفات إلى األسرار و الحكم و‬ ‫وحلقة االتصال فيما بينكم ‪.‬‬
‫ْ‬
‫ـ ـ وترقبــوا بعــد ذلــك نصــر هللا وتأييــده ‪ .‬والفرصــة آتيــة ال ريب فيهــا ‪َ ( ,‬ويَوْ َمِئ ٍذ يَف ـ َر ُح‬
‫المقاصد ‪.‬‬
‫ص ُر َم ْن يَ َشا ُء َوهُ َو ْال َع ِزي ُز ال َّر ِحي ُم) (الروم‪. )5-4:‬‬‫ْال ُمْؤ ِمنُونَ ‪ ,‬بِنَصْ ِر هللاِ يَ ْن ُ‬

‫‪26‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫بين العلماء ‪ ,‬ويسعنا ما وسع رسول هللا صلى هللا عليه وسلم وأصحابه‬ ‫‪ - 6‬وكل أحد يؤخذ من كالمه ويترك إال المعصوم صلى هللا عليه وسلم ‪,‬‬
‫س ُخونَ فِي ا ْل ِع ْل ِم يَقُولُونَ آ َمنَّا بِ ِه ُك ٌّل ِمنْ ِع ْن ِد َربِّنَا) (آل عمران‪)7:‬‬
‫( َوال َّرا ِ‬ ‫وكل ما جاء عن السلف رضوان هللا عليهم موافقا للكتاب والسنة قبلناه ‪ ,‬و‬
‫‪.‬‬ ‫إال فكتاب هللا وسنة رسوله أولى باإلتباع ‪ ،‬ولكنا ال نعرض لألشخاص ـ‬
‫‪ - 11‬وكل بدعة في دين هللا ال أصل لها ـ استحسنها الناس بأهوائهم سواء‬ ‫فيما اختلف فيه ـ بطعن أو تجريح ‪ ,‬ونكلهم إلى نياتهم وقد أفضوا إلى ما‬
‫بالزيادة فيه أو بالنقص منه ـ ضاللة تجب محاربتها والقضاء عليها‬ ‫قدموا ‪.‬‬
‫بأفضل الوسائل التي ال تؤدي إلى ما هو شر منها ‪.‬‬
‫‪ - 12‬والبدعة اإلضافية والتَّر ِكية وااللتزام في العبادات المطلقة خالف‬ ‫‪ - 7‬ولك مسلم لم يبلغ درجة النظر في أدلة األحكام الفرعية أن يتبع إماما‬
‫فقهي ‪ ,‬لكل فيه رأيه ‪ ,‬وال بأس بتمحيص الحقيقة بالدليل والبرهان ‪.‬‬ ‫من أئمة الدين ‪ ،‬ويحسن به مع هذا اإلتباع أن يجتهد ما استطاع في تعرف‬
‫‪ - 13‬ومحبة الصالحين و احترامهم والثناء عليهم بما عرف من طيب‬ ‫أدلته ‪ ،‬وان يتقبل كل إرشاد مصحوب بالدليل متى صح عنده صالح من‬
‫أعمالهم قربة إلى هللا تبارك وتعالى ‪ ,‬واألولياء هم المذكورون بقوله تعالى‬ ‫أرشده وكفايته ‪ ,‬وأن يستكمل نقصه العلمي إن كان من أهل العلم حتى‬
‫(الَّ ِذينَ آ َمنُوا َو َكانُوا يَتَّقُونَ ) ‪ ,‬والكرامة ثابتة بشرائطها الشرعية ‪ ,‬مع‬ ‫يبلغ درجة النظر ‪.‬‬
‫اعتقاد أنهم رضوان هللا عليهم ال يملكون ألنفسهم نفعا وال ضرا في‬
‫حياتهم أو بعد مماتهم فضال عن أن يهبوا شيئا من ذلك لغيرهم ‪.‬‬ ‫‪ - 8‬والخالف الفقهي في الفروع ال يكون سببا للتفرق في الدين ‪ ,‬وال‬
‫‪ - 14‬وزيارة القبور أيا كانت سنة مشروعة بالكيفية المأثورة ‪ ,‬ولكن‬ ‫يؤدي إلى خصومة وال بغضاء ولكل مجتهد أجره ‪ ,‬وال مانع من التحقيق‬
‫االستعانة بالمقبورين أيا كانوا ونداؤهم لذلك وطلب قضاء الحاجات منهم‬ ‫العلمي النزيه في مسائل الخالف في ظل الحب في هللا والتعاون على‬
‫عن قرب أو بعد والنذر لهم وتشيد القبور وسترها وأضاءتها والتمسح بها‬ ‫الوصول إلى الحقيقة‪ , O‬من غير أن يجر ذلك إلى المراء المذموم‬
‫والحلف بغير هللا وما يلحق بذلك من المبتدعات كبائر تجب محاربتها ‪ ,‬وال‬ ‫والتعصب ‪.‬‬
‫نتأول لهذه األعمال سدا للذريعة ‪.‬‬
‫‪ - 15‬والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى هللا تعالى بأحد من خلقه خالف فرعي‬ ‫‪ - 9‬وكل مسألة ال ينبني عليها عمل فالخوض فيها من التكلف الذي نهينا‬
‫في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة ‪.‬‬ ‫عنه شرعا ‪ ,‬ومن ذلك كثرة التفريعات لألحكام التي لم تقع ‪ ,‬والخوض في‬
‫‪ - 16‬والعرف الخاطئ ال يغير حقائق األلفاظ الشرعية ‪ ,‬بل يجب التأكد من‬ ‫معاني اآليات القرآنية الكريمة التي لم يصل إليها العلم بعد ‪ ،‬والكالم في‬
‫حدود المعاني المقصود بها ‪ ,‬والوقوف عندها ‪ ,‬كما يجب االحتراز من‬ ‫المفاضلة بين األصحاب رضوان هللا عليهم وما شجر بينهم من خالف ‪,‬‬
‫الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين ‪ ,‬فالعبرة المسميات ال باألسماء‬ ‫ولكل منهم فضل صحبته وجزاء نيته وفي التأول مندوحة ‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 10‬ومعرفة هللا تبارك وتعالى وتوحيده وتنزيهه أسمى عقائد اإلسالم ‪،‬‬
‫‪ - 17‬والعقيدة‪ O‬أساس العمل ‪ ,‬وعمل القلب أهم من عمل الجارحة ‪,‬‬
‫وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما يليق بذلك من التشابه ‪ ,‬نؤمن بها‬
‫وتحصيل الكمال في كليهما مطلوب شرعا ّ وإن اختلفت مرتبتا الطلب ‪.‬‬
‫كما جاءت من غير تأويل وال تعطيل ‪ ,‬وال نتعرض لما جاء فيها من خالف‬

‫‪27‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬


‫الرسائل الثالث ( دعوتنا ‪ -‬إلى أي شيء ندعو الناس ‪ -‬بين األمس واليوم ) ‪ +‬األصول العشرين ‪ /‬حسن البنا‬

‫‪ - 18‬واإلسالم يحرر العقل ‪ ,‬ويحث على النظر في الكون ‪ ,‬ويرفع قدر‬


‫العلم والعلماء ‪ ,‬ويرحب بالصالح والنافع من كل شيء ‪ ،‬والحكمة‪ O‬ضالة‬
‫المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها ‪.‬‬
‫‪ - 19‬وقد يتناول كل من النظر الشرعي والنظر العقلي ما ال يدخل في‬
‫دائرة اآلخر ‪ ,‬ولكنهما لن يختلفا في القطعي ‪ ,‬فلن تصطدم حقيقة علمية‬
‫صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة ‪ ،‬ويؤول الظني منهما ليتفق مع القطعي ‪,‬‬
‫فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى باإلتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار ‪.‬‬
‫‪ - 20‬وال نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض ـ‬
‫برأي أو بمعصية ـ إال إن أقر بكلمة الكفر ‪ ,‬أو أنكر معلوما من الدين‬
‫بالضرورة ‪ ,‬أو كذب صريح القرآن ‪ ,‬أو فسره على وجه ال تحتمله أساليب‬
‫اللغة العربية بحال ‪ ,‬أو عمل عمال ال يحتمل تأويال غير الكفر ‪.‬‬

‫‪28‬‬ ‫ترتيب وتنسيق المدرب ‪ /‬جازم الحسّاني‬

You might also like