‫تدوين السنة النبوية‬

‫المطلب األول‪ :‬المرحلة األولى‪:‬‬

‫كان صحابة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حيرصون على استيعاب كل ما يقوله رسول اهلل صلى‬
‫اهلل عليه وسلم وتطبيق كل ما يأمر به‪ ،‬ورغبة من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف حصر اجلهود‬
‫والطاقات على حفظ القرآن الكرمي واستيعابه ومجعه‪ ،‬وخشية أن يلتبس األمر على بعض الصحابة ‪-‬‬
‫وهم حديثو عهد باإلسالم ‪ -‬هنى يف بداية األمر عن كتابة السنة النبوية‪ ،‬فقال عليه الصالة والسالم‪:‬‬
‫"من كتب عين شيئاً سوى القرآن فليمحه"‪.‬‬

‫ولكن يف حاالت أمن االلتباس عند بعض الصحابة مسح هلم بالكتابة‪ :‬فعن عبداهلل بن عمرو بن العاص‬
‫قال‪ :‬كنت أكتب كل شيء أمسعه من رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أريد حفظه فنهتين قريش‪،‬‬
‫وقالوا‪ :‬أتكتب كل شيء تسمعه ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم بشر‪ ،‬يتكلم يف الغضب والرضا؛‬
‫فأمسكت عن الكتاب‪ ،‬فذكرت ذلك لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فأومأ بإصبعه إىل فيه فقال‪:‬‬
‫حجة الوداع عندما خطب رسول اهلل صلى اهلل‬
‫اكتب فوالذي نفسي بيده ما خيرجه منه إال حق ويف َّ‬
‫عليه وسلم خطبته اجلامعة قال أبو شاه ‪ -‬رجل من اليمن ‪( -‬اكتب يل يا رسول اهلل‪ ،‬فقال‪ :‬اكتبوا‬
‫أليب شاه)‪.‬‬

‫وكان علي رضي اهلل عنه حيتفظ لنفسه بصحيفة كتب فيها بعض أحكام اإلسالم ومنها عقل الديات‪.‬‬

‫ولكن مل يتخذ اخللفاء الراشدون أي إجراء لكتابة سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وتدوينها وملا‬
‫اتسعت رقعة الدولة اإلسالمية يف عهد اخلالفة األموية‪ ،‬حيث بلغت حدودها الصني شرقاً‪ ،‬واحمليط‬
‫األطلسي غرباً‪ ،‬واألناضول وأرمينيا وأذربيجان مشاالً‪ ،‬واحمليط اهلندي جنوباً‪ ،‬كانت حاجة الناس‬
‫لالطالع على سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شديدة‪ ،‬ومن ناحية أخرى وجدت الفرق‬
‫واملذاهب السياسية‪ ،‬واالجتهادات الفقهية‪ ،‬كل ذلك محل اخلليفة الراشد عمر بن عبدالعزيز يف هناية‬
‫القرن اهلجري األول‬

‫أن يأمر بتدوين السنة النبوية رمسياً بإشراف الدولة وتوجيهها‪.‬‬

‫فكتب إىل أمراء األقاليم‪ ،‬أن يكلفوا علماء الشريعة وأئمة الدين يف بلداهنم جبمع السنة النبوية من أهل‬
‫العلم املوثوقني‪ ،‬وتدوينها‪ ،‬فتصدى أئمة العلم لتدوين سنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف دواوين‬
‫خمصوصة [ومنهم حممد بن مسلم بن عبيد اهلل بن عبداهلل بن شهاب الزهري وهو من علماء التابعني‬
‫وفقهائهم]‪.‬‬

‫وكانت طريقتهم يف التدوين مجع كل ما نقل عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف تفسري القرآن‬
‫وبيان شرائع اإلسالم من العقائد والعبادات واملعامالت والغزوات واألقضية‪ ،‬ومن شدة حرصهم على‬
‫تنقية السنة النبوية من أقوال التابعني حرصوا على اإلسناد وقال قائلهم‪ :‬اإلسناد من الدين ولوال‬
‫اإلسناد لقال من شاء ما شاء‪ .‬وقالوا‪ :‬إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬المرحلة الثانية‪:‬‬

‫بدأت هذه املرحلة يف القرن الثاين للهجرة بوضع الكتب اخلاصة يف كل علم من علوم الدين‪،‬‬
‫ووضعت كتب السنة مستقلة عن كتب الفقه والغزوات والتفسري‪ ،‬وبدأ التدوين التخصصي للعلوم‪.‬‬

‫ووضع أئمة احلديثة مناهج لكتبهم اليت مجعوا فيها حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأخرجوا‬
‫للناس ما عرف باجلوامع‪ ،‬واملسانيد‪ ،‬والسنن واملصنفات‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أنواع كتب السنة النبوية‪:‬‬

‫كان لكل إمام من أئمة احلديث منهج يف كتابة حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فمنهم من‬
‫يدونه‪ ،‬ووضع شروطاً للحديث الذي حيكم عليه بالصحة‪ ،‬كاإلمام‬
‫اشرتط الصحة يف احلديث الذي ِّ‬
‫البخاري واإلمام مسلم واإلمام ابن خزمية‪.‬‬
‫ومنهم من مجع الصحيح والقريب منه املنقول عن طريق رجال ثقات‪ ،‬ولكنه مل يتشدد كثرياً يف قضية‬
‫الضبط‪ ،‬فكان يف كتابه الصحيح واحلسن والضيف املقبول كأيب داود والرتمذي والنسائي‪.‬‬

‫ومنهم من مجع كل ما وصل إليه من احلديث النبوي‪ ،‬ومل يتحر الصحة أو احلسن وإمنا أراد أن جيعل‬
‫كتابه جامعاً لكل ما وصل إليه بالسند عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مثل‪ :‬اإلمام عبدالرزاق‬
‫الصنعاين‪ ،‬وابن ماجه‪.‬‬

‫وفيما يلي تعريف بأهم أنواع هذه الكتب‪:‬‬

‫كتب اجلوامع‪:‬‬

‫وهي الكتب اليت مجعت كل ما وصل إىل املؤلف من حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف‬
‫العقائد والعبادات واملعامالت والغزوات والتفسري والفضائل‪ ..‬سواء التزم أصحاهبا بالصحة أم مل‬
‫يلتزموا ومن أمثلة هذه الكتب‪:‬‬

‫• اجلامع الصحيح لإلمام البخاري (ت ‪256‬هـ) وقد التزم فيه الصحة‪ ،‬وهو أصح كتاب بعد القرآن‬
‫الكرمي‪.‬‬

‫• اجلامع الصحيح لإلمام مسلم (ت‪261‬هـ) وقد التزم فيه الصحة‪ ،‬ولكن شروط التصحيح عنده‬
‫أخف من شروط البخاري‪ ،‬فهو الكتاب الثاين بعد كتاب البخاري‪.‬‬

‫• اجلامع الصحيح لإلمام الرتمذي (ت ‪279‬هـ) ومل يلتزم فيه بالصحة‪.‬‬

‫• اجلامع الصحيح لإلمام ابن خزمية (ت ‪311‬هـ) التزم فيه الصحة‪ ،‬ولكن شروطه يف التصحيح غري‬
‫شروط الشيخني‪.‬‬

‫كتب السنن‪:‬‬

‫وهي الكتب اليت أوردت األحاديث النبوية املتعلقة بأبواب الفقه فرتبها أصحاهبا على أبواب الفقه‬
‫مثل‪ :‬كتاب الطهارة‪ ،‬وكتاب الصالة وكتابة الصوم‪ ،‬والزكاة واحلج‪ ،‬والنكاح‪ .‬ومن أشهرها‪:‬‬
‫• سنن أيب داود سليمان بن األشعث السجستاين (ت‪275‬هـ) وقد مجع يف كتابه الصحيح واحلسن‪،‬‬
‫ومل يورد الضعيف إال نادراً‪ ،‬وقد نبه عليه‪ ،‬وضعيفه مقبول‪ ،‬وليس فيه الضيف املردود أو املوضوع‪.‬‬

‫• سنن النسائي‪ :‬لإلمام أيب عبدالرمحن أمحد بن شعيب النسائي (ت‪303‬هـ) وهو كذلك على أبواب‬
‫الفقه وفيه الصحيح واحلسن والضعيف املقبول‪.‬‬

‫• سنن الدارمي‪ :‬عبداهلل بن عبدالرمحن الدارمي (ت ‪255‬هـ)‪.‬‬

‫• سنن ابن ماجة لإلمام حممد بن يزيد بن ماجة القزويين (ت‪273‬هـ) وفيه الصحيح‪ ،‬واحلسن‪،‬‬
‫والضعيف وبعض الضعيف املردود‪.‬‬

‫• هذه أشهر كتب السنن‪ ،‬وقد تلقتها األمة بالقبول‪ ،‬مع كتب اجلامع الصحيح للشيخني (البخاري‬
‫ومسلم)‪ ،‬وللرتمذي‪.‬‬

‫كتب المسانيد‪:‬‬

‫هي الكتب احلديثية اليت صنفها مؤلفوها على مسانيد أمساء الصحابة‪ ،‬مبعىن أهنم مجعوا أحاديث كل‬
‫صحايب على حدة‪.‬‬

‫ومن أشهر كتب المسانيد‪:‬‬

‫• مسند اإلمام أمحد بن حنبل املتوىف سنة ‪241‬هـ‪.‬‬

‫• مسند احلميدي (أيب بكر عبداهلل بن الزبري احلميدي) املتوىف سنة ‪219‬هـ‪.‬‬

‫• مسند الطيالسي (أيب داود بن سليمان بن داود الطيالسي) املتوىف سنة ‪204‬هـ‪.‬‬

‫• مسند أيب يعلي املصويل (أمحد بن علي املثىن املوصلي) املتوىف سنة ‪307‬هـ‪.‬‬

‫• مسند عبد بن محيد املتوىف سنة ‪249‬هـ‪.‬‬

‫المصنفات‪:‬‬
 ‫هي الكتب اليت رتبها أصحاهبا على أبواب الفقه‪،‬ـ واشتملت على األحاديث املرفوعة واملوقوفة‬
‫واملقطوعة‪ ،‬فهي مل تقتصر على األحاديث النبوية بل ذكرت أقوال الصحابة‪ ،‬وفتاوى التابعني وفتاوى‬
‫أتباع التابعني أحياناً‪.‬‬

‫ومن أشهر المصنفات‪:‬‬

‫• املصنف أليب بكر عبدالرزاق بن مهام الصنعاين املتوىف ‪211‬هـ‪.‬‬

‫• املصنف أليب بكر عبداهلل بن حممد بن أيب شيبة الكويف املتوىف ‪235‬هـ‪.‬‬

‫• املصنف لبقي بن خملد القرطيب املتوىف ‪276‬هـ‪.‬‬

‫• املصنف أليب سفيان وكيع بن اجلراح الكويف املتوىف ‪196‬هـ‪.‬‬

‫• املصنف أليب سلمة محاد بن سلمة البصري املتوىف ‪167‬هـ‪.‬‬

‫الفرق بين هذه األنواع من الكتب إجماالً‪:‬‬

‫مما تقدم يف تعاريف هذه األنواع من الكتب احلديثية فإن‪:‬‬

‫• اجلوامع تشتمل على مجيع أبواب الدين‪ ،‬وهي مقتصرة على األحاديث النبوية‪.‬‬

‫• السنن‪ :‬مرتبة على األبواب الفقهية‪ ،‬فهي مقتصرة على األحاديث النبوية‪.‬‬

‫• املسانيد‪ :‬مرتبة على أمساء الصحابة‪ ،‬فجمعوا أحاديث كل صحايب يف مكان واحد على حدة‪.‬‬

‫• املصنفات‪ :‬مرتبة على أبواب الفقه وتشتمل على األحاديث النبوية وأقوال الصحابة وفتاوى التابعني‬
‫وتابعيهم أحياناً‪.‬‬