Professional Documents
Culture Documents
DW Ys Lyh LSLM Fy LKTB WLSN
DW Ys Lyh LSLM Fy LKTB WLSN
إعداد
د .سليمان بن قاسم العيد
1421هـ
بسم اهلل الرمحن الرحيم
تقديم
إن احلمد هلل حنمده ونستعينه ،من يهده اهلل فال مضل له ،ومن
يض لل فال ه ادي ل ه ،وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك ل ه ،وأن
حمم داً عب ده ورس وله ،ص لى اهلل عليه وعلى آله وص حبه وس لم تس ليماً كث رياً،
أما بعد-:
ف إن دراسة سري األنبي اء يف ال دعوة إىل اهلل ،خري طريق لالقت داء هبم
والسري على هنجهم يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل باحلكمة واملوعظة احلسنة،
وخباصة أويل الع زم من الرسل(( )1عليهم الص الة والس الم) ال ذين من بينهم عيسى
ابن مرمي (عليه السالم).
ودع وة عيسى (عليه الس الم) ج ديرة ب البحث والدراسة لكونه من
أويل الع زم من الرسل (عليهم الص الة والس الم) وملا متيز به من بني الرسل أنه
ي دعو يف زم انني خمتلفني ولط ائفتني من الن اس كما س يأيت بيانه إن ش اء اهلل
تعاىل.
ولذا أردت في هذا البحث الموجز أن أتطرق لدعوة عيسى
عنه في الكتاب والسنة ،وقمت
(عليه السلام) من خلال ما ورد ً
بتقسيم البحث إلى أربعة مباحث وفقا لأركان الدعوة ،وهي على
()2
النحو التالي-:
المبحث الأول :الداعي وهو عيسى (عليه السلام)
وفي هذا المبحث أتحدث عن جوانب هامة من حياة عيسى
(عليه السلام) للتعريف به ،ومن ذلك اصطفاء الله لأمه وآل
(?) وهم :نوح ،وإبراهيم ،وموسى ،وعيسى ،وخاتم الأنبياء كلهم محمد صلى الله عليهم وسلم. 1
عدها الدكتور عبداحلليم حممود ثالثة وهي :العقيدة ،والعبادة ،واخللق( .انظر :فقه الدعوة إىل اهلل .)1/113
وعدها البيانوين ثالثة أركان :الداعي ،املدعو ،موضوع الدعوة( .انظر :املدخل إىل علم الدعوة ص،)152
وع دها س عيد علي القحط اين أربعة هي :املوض وع ،ال داعي ،املدعو ،الوس يلة واألس لوب( .انظ ر:
سعيدالقحطاين ،احلكمة يف الدعوة إىل اهلل تعاىل.) 116 ،
1
عمران ،وكذلك اسمه ونسبه ،وولادته ،وصفاته ،ورفعه إلى السماء،
ونزوله آخر الزمان.
المبحث الثاني :المدعو
ُّ
وفي هذا المبحث أعرف بمن يدعوهم عيسى (عليه السلام)
أمة عيسى (عليه السلام) وهم بنو وهم طائفتان من الناسِ ،
إسرائيل ،ثم أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) في آخر الزمان،
بالحديث عن شيء من صفاتهم وأحوالهم.
المبحث الثالث :موضوع الدعوة
وفي هذا المبحث أتطرق للحديث عن الموضوعات الدعوية
التي يدعو إليها عيسى (عليه السلام) مثل :العقيدة ،والشريعة،
والأخلاق.
المبحث الرابع :الوسيلة والأسلوب
وينقسم الحديث في هذا المبحث إلى قسمين ،فالأول
منهما يختص بالوسيلة ،والثاني يختص بالأسلوب ،وأعرض تحت كل
قسم ما دلت عليه الأدلة من الوسائل والأساليب التي سلكها عيسى
(عليه السلام) في دعوته.
وأما الخطوات التي سلكتها في هذا البحث فهي على
النحو التالي-:
-1الاعتماد على نصوص الكتاب والسنة ،والاستفادة من أقوال
أهل العلم من المفسرين والمحدثين فيما يتعلق بموضوع
البحث.
عزو اآليات إىل مواضعها يف القرآن. -2
ختريج األحاديث من مصادرها األصلية. -3
الاكتفاء بذكر معلومات الطباعة لمراجع البحث في قائمة -4
المراجع في آخر البحث.
عمل قائمة مراجع البحث مرتبة هجائياً ،حسب اسم الكتاب. -5
واهلل املوفق واهلادي إىل سواء السبيل …
2
المبحث األول :الداعي
المسيح عيسى ابن مريم (عليه السالم)
اصطفاء الله لأم عيسى وآل عمران
َ َ
خلقه َ ،كما ّفي
اصطفىََْرسلهَ منًُُ َ وتعالى َ سبحانهُ ََْ
ّ َ َ إن الله
وتعالى :الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ٌ َ ٌ سبحانه
َ َّ قوله ّ
السلام) ممنِ ِ ِ ِ ِ ِ
إن الله سميع بصير . وعيسى ابن مريم (عليه ()3
الرسالة-
الاصطفاء –دون َ ْ َ َ الله ِ ِاصطفاهم َِ
لرسالته ،وهذا َ سبحانه َ َ
وتعالىَ :وَإذ قَالت سبحانه َ ََْ قوله ََََّ عمران ّ،كماَّفي ََْ وآلََُْ شمْلََأمهَُ َ
اءِ ِ
المَلائكة (ي)4امريم إن الله اصطّفاك ّوَطهرْكََ واصَطفََاك َعُلىً َنَس َ َِْ
سبحانه َ َ:إَن ِالله اصِطفى ءادمِ ونوحا ِوء ِ
ال ْ َ َ وقال ِ
َ َ ْ الَعالمَِين.َ ََ ْ
ين.)5( إبراهِيم وءال عمران على العالم ِ
ِ ِ ِ ِ
كما ذكر المولى في كتابه العزيز ما أنعم به على
وحين
ولادتهاَََُْ ،
شأنهاُ َفيَْ َ َّ ّ من ََْ كان َ َ مريم من نعم ،ومنَ ذلك ماَ ْ
الَت َامْرَأة ّعمرُان رْبَ إنُي َنَذّرت سبحانه َّْ:إّذ ق ّ
يقولًَّ ََ حيثْ ُ كفالتهاَ ، ََ َ
ِ
يمَْ .فَلْمَاِ ِ ِ ِ ِ
ََلَكَْ َِ َْ ِ َّ ّ َََُْ َُِِْ ِ َ ُّ ََُِْ َ َََِ
ل ع ال يع م الس ت ن أ ك ن إ ي ن م ل ب ق تف ا رر ح م ي ن ط ب يف ام
الَُتَْ ربَإنّي َوّضْعُتَهاَُأْنَثَى َوّالله ُأعلُمَ بمَا َوُضّعّتََ وليَس وضَّعَتُها َق ْ
ِ
يذْهَاََبك وَذَريًتهاًََمن ِ ِ ِ
الذْكَر كالَّأنثى َوإَنَيَّسَمَيتهاََّمريمََُوإني ََأعََ َّ
الرجَيمَُِّ.فِتقَبَلَهاََرْبَها َبقَبّولِِ ْحسْنَِوَأَنبَتَهَا َ ْنَبَاتا حْسًنا
ِ ِ ِ ان
ََََّ ََ ّ ط ي الش
اب وّجد ّعَندهاَُْرُزَقْا ّ ر ٍ
ح م ال َوكَفلهَاَِْزَكُر َّ َ ََ َ َْ َُ ْ ْ
ٍ
ا ي رك زِ ا هي ل ع ل خ د ا م ل كِ اِ ي
ال ُيامَرْيمِ َأنى لك هذا قالت هو مِن عند ِ الله إن اللِه يرزِق من قََ
ِِ ِ ِِ يشاء بغير حساب. ِ
)6 (
ِ ِِ ٍ
وتتمثل عناية الله سبحانه وتعالى بمريم في هذه
الآيات ،بعدة أمور على النحو التالي-:
َ َ َ
استجابة لدعوة أمها بقولها لهاُ َْ ، وتعالى ّ ُ سبحانه ََُْ
الله ّ ََّ قبولَََّْ -1
الَعليم فقال المولى سبحانه فتقبل مَنَيَّإَنَك أَنّتَ السَمُيع َ
وتعالىِ :فِتقبِلها ربها بقِبول حسن.
ِ
ً ِ ٍ ٍ ً
أنبتها نباتا حسنا ،والنبات الحسن َ وتعالى -2أن الله سبحانه ُ
نشأة دينية ً فنشأت
ً لقية،
ً والخ
ً يشمل الصفات الخلقية
()7
كريمة،وقد جعل الله لها شكلا مليحا ومنظرا بهيجا.
3
-3أن الله سبحانه وتعالى جعل كفالتها بيد نبي من أنبيائه
وهو زكريا (عليه السلام) ،فكان ذلك من أسباب النشأة
الصالحة لها.
-4أن الله أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم بدعاء أمها
ما
لها ،وفي هذا يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) ً (( :
من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا
من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها)) ثم يقول أبو هريرة
واقرءوا إن شئتم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان
الرجيم.)8(
اسمه ونسبه
العزيز
سبحانه وتعالى اسمه ونسبه في كتابه ْ َ َ َ ذكر اللهَ
الت
سبحانه َْ :إُذ ق َ
قولهُ ُُْمريمَ ،فيَ ْ ابنَُُّ نسبهَُْعلى ّكونه َُّولمََيزدَُ َ َ ْ
اللَه يَبشْرك َبكلَمةَ منْهََُّاسمَه المس ِيح عيسىِ
ّْ ن إ م ي ر امي ة
ُْ َََْ َ ًك ائ ل م ال
ابن مرِيم وجيها فِي الدنيا و ِال ِآخرِة ِومٍن ِالمقربين ِ .)9( قال ِابن
مريم ،أي :يكون هكذاِ عيسى ِابن
هـ)((ِ :اسمه المسيح ِ ِ كثير ً(تِ 774
مشهورا في الدنيا ،يعرفه المؤمنون بذلك .وسمي المسيح ،قال بعض
السلف :لكثرة سياحته ،وقيل :لأنه ًكان مسيح القدمين لا أخمص
لهما ،وقيل :لأنه كان إذا مسح أحدا من ذوي العاهات برئ بإذن
الله تعالى .وقوله تعالى عيسى ابن مريم نسبة إلى أمه حيث لا
أب له))(.)10
وهذا هو نسبه احلقيقي ال زيادة على ذلك ،إال أن أهل الكتاب
زادوا يف نس به ،فنس بوه إىل يوسف النج ار ،زعم وا أنه ك ان خطيب اً ألم ه،
فذكروا نسبه من طريق يوسف النجار ،فأوصله صاحب إجنيل مىت إىل إبراهيم،
()11
وأوصله صاحب إجنيل لوقا إىل آدم عليه السالم.
وقد كذبوا يف ذلك ،فكيف ميكن معرفة نسب رجل من عامة بين
إس رائيل إىل إب راهيم ،أو إىل آدم (عليه والس الم) ،وإذا س لَّمنا أنه ميكن معرفة
النسب إىل إب راهيم ،فكيف يُع رف النسب إىل آدم ،وبني آدم وذلك الرجل
ق رون ال يعلمها إال اهلل س بحانه وتع اىل ،ق ال اهلل س بحانه وتع اىل يف حكايته
ين ِم ْن َّ ِ
ود َوالذ َ
ٍ ين ِم ْن َقْبلِ ُك ْم َق ْوِم نُ ٍ
وح َوعَاد َومَثُ َ
َّ ِ ِ
عن األقوامَ :أمَلْ يَْأت ُك ْم َنبَُأ الذ َ
(?) أخرجه البخاري ،اجلامع الصحيح ،كتاب تفسري القرآن ،حديث رقم .4548 8
(?) انظر :أمحد عبد الوهاب ،النبوة واألنبياء يف اليهودية واملسيحية واإلسالم.65 ، 11
4
َب ْع ِد ِه ْم اَل َي ْعلَ ُم ُه ْم ِإاَّل اللَّهُ .)12( ق ال ابن إس حاق عن عم رو بن ميم ون عن
عبد اهلل أنه قال يف قوله ال يعلمهم إال اهلل : كذب النسابون .وقال عروة
بن الزبري (ت94هـ) :وما وجدنا أحداً يعرف ما بعد معد بن عدنان(.)13
ولادته
َ َ
بقوله
السلام) َ َُْ (عليهماَُّ
بعيسى َّ ُ مريمََُْ ّ إلىُ َالبشرىََ َ
ْ جاءت َ
َْ
ائْكَةَ يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه سبحانه َْ :إُذ َ ُْ َ
ل م ال ت ال ق ُُْ
يح عيسِى ابن مريم … . وحيث أن مريم (عليها
ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
)14( ِ اسمه المس ِ
َِ
يأتيها الغلامَ فتساءلت ٌ َ َ كيف
ْ َ ْ تعجبت
َ ْ َ َ ٌتتزوج،
َ َ عذراءَُِلم
ُ السلام)ّ َّ
َ َْ َ
الجواب َمن
ُّ َُُْ فجاءها َ َ ََ
()15
رش ب ي نس س م ي م ل و د ل وَ يل ون كي ى ن أ ب ر قالت
شيء َُِْ قَُال كذلك الله يخلق ما يعجزهُ َُ
لاَ َُ الذي َِ ّ العلي َِ ََ
القدير ًَْ ََ ُ
يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكونِ.ِ
) 16(
ِ ِ
وفي موضع آخر من القرآن الكريم يأتي تفصيل ذلك الحمل
سبحانه
يقول َ ََ ً حيث َْ َ البشرْ ،
سابق من َََْْ غير َمثال َََْ والولادةْ على ْ
العجيب َ َ ُْ ً
اناوتعالىًََّ َ :وْاذكرْ فُي ْالكتَابً مَرَيَمَْْإَذ انَتْبَذت مُن ًََأهلَهَاََّمكََ َْ ّ
شَرَقًياَ .ف ّاتخذتَ َمْن ِّدونهَمُ ُِحجِابا ًّْفَأرسلِنِْاَ إْلَيهُاَْ ِرَوحّنا ِفتَمثَل ّلَها
الرحّمن َمنَكْ ِإَُنّ كنتَُتقَُيا .قَُالٌ إَنَمْا وذِ ًب َََبِشراَُ سُوي َا ّ.قالَِتَإَنيًَِِأعَُ
ونّ َلّيٌغلَامََِْوَلُم
اِ .قَالَتَِّأنىَُ يكََِ
ً
ولٌَِربكََْلأَهُِبِ َلكّ غل َامِاَ زَكَي ِ
َ ََأْنَاْ رس َ
َيمَسًسني بًّشر ِِولَمَْأَكً بغِّياَ .قَالَ كَِذْلًك ق َالْرّبك هوََََعْلُي هَِينَْوَلَنْجعله
َءَايًةِ لَلنّاس ورحمة مِنا وكان أمِرِا مقضيِا .فحملته فِانتبِذت به
السلام إنما هو بنفخة ِِ
من مكانا ِقصياِ .)17( إذاِ فحمل مريم عليها ِ
َ ِ
صورة
السلام) َْعلىْ َُْ (عليه َّْ جبريل َُ ُ إليهاْ ّ الله ،وذلك حين بعث َ َ روح
ً
بشر فتعوذت منه حين رأته قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت َّ
زعم ِأنه ِكان في تقيا ذلك أن التقي ذو نهية .وهذاِِ يرد قول ِمن ِ
فاسق مشهور بالفسق اسمه تقي( .)18فأجابها الملك إسرائيل رجل ً بني ً ِ
مطمئنا لها ،ومهدئا لروعها ،فأمنت على نفسها حينئذ .وتم لها
الحمل بعد أن نفخ الملك في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها،
فحملت من فورها كما تحمل المرأة عند جماع بعلها ،ومن قال :إنه
فيها من نفخ في فمها وأن الذي يخاطبها هو الروح الذي ولج ّ
فمها ،فقول خلاف ما يفهم من سياقات هذه القصة في محالها من
القرآن ،فإن هذا السياق يدل على أن الذي أرسل إليها ِملك من
(?) سورة إبراهيم ،اآلية .9 12
5
الملائكة هو جبريل (عليه السلام) ،وقد ورد الخلاف في مدة
()19
حملها ،والمشهور عند الجمهور أنه تسعة اشهر.
َََ ََ ُ َ
اءًًها
وتعالىَُْ:فُأجَْسبحانهَْ ََُ
قال ّ َ الولادةَ ََْ
َْ َ َ أحداث
َ ْ وفي ّ ًََْ ُ َ ْ
الَيتني َمْت قَبَلًَ َهّذا َوْكَنت َنسّيا المّخاض إَلَى َ جَ ْ ََْ َ َّ َْ
ي تال ق ةل خ الن ع ذ َْ
َمُنّسياَِ .فْنادِاهْاَِ من ّتْحََتِها َُ ألْا تَحَزْنِي ُقَِدً جَعلّ ربك َُتحتك َ سَْرَيا.
اشِْرَبي
النخّلِة ًَتس ْاقَطَ علَيَِكً رطبَاُ جنيّا ِ .فَكَلْيُ ِ و ّ وَهَِزّي َإْلًيك بَجذّع ََِ
َوِْقًري ََعِْيناَُِِّفَِإمِا َْتْرَين ِْمنّ الِبشر أحِدا فقوليِإني نذِرت للرحِمن
كثيرِ((ِ :فاضطرها ِ ِ
وألجأها ِ صوِما فلن أكلمِ اليوِم إنِسياِ )20(قال ابن
في المكان الذي تنحت إليه ،وقد اختلفوا جذع النخلة ِ ِ الطلق إلى ِ
فيه … والمشهور أنه ببيت لحم الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض
ولا يشك فيه النصارى أنه ببيت لحم ،وقد ورد به الحديث إن صح
))( .)21وحين أحست بالطلق تمنت الموت لأنها عرفت أنها ستبتلى
وتمتحن بهذا المولود ،الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على
عابدة
السداد ،ولا يصدقونها فيً خبرها ،وبعدما كانت عندهم َ ََْ ُ
-فيماْ ّيظنون -عاهرة زانية ،فقالت :ياليتني عندهمًَْ َ تصبح َُُْناسكةََ َ،
ّ َْ
مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا .ولكن جاءها الأمان من ربها ِ
بذلك ً ُ النداء ،واختلف في ََّهذا َِ ِ
وكان
أو ّ عيسى (ََْ ّ.)ُ22 جبريلَ َ
هوّ َْ هلََ َ
ًَ َْالمنادي
َ ْ َ
النداء ْألَاَْ تحُزَنًي قدَ جّعل رَبُك تحَتكَْسرياََّ.وهزيَْإًليك هذاَْ َُمضمون ّ ْ
اشربِي وقري ِ عيِناِ بجذع النخلة تساقط عليك رطِبا جنيا .فكِلي و ِ
السلامة من جهة ِ طمأنينتها من ِ
ِ 1376هـ)(( ِ:فهذا ِ قالِ السعديِ (ت ِ ِِ
والمشرب الهني .وأما من جهة قالة ً المأكل ألم الولادة ،وحصول َ
وجه
تقولََّعلى ََْْ البشر أن َْ ُ ً رأتًْأحدا منإذاَ َ أنها ّْ فأمرها ََُْ
ّ الناس،
ً
الإشارة إني نذرت للرحمن صوما أي :سكوتا فلن أكلم اليوم ّْ
تخاطبيهم ِ بكلام ،لتستريحي من قولهم ِوكلامهم. ِ أي ًِ:لا
إنسياِ
وكان معروفا عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة .وإنما لم ِِ
تؤمر بمخاطبتهم في نفي ذلك عن نفسها ،لأن الناس لا يصدقونها،
ولا فيه فائدة ،وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد ،أعظم
شاهد على براءتها))(.)23
الله
التي ُأخبرَ ََُْ لقومها ُُ َ
مواجهتهاََْ َْ
وبعد ذلك كله جاءت َََْ َ
سبحانه وتعالى عنها بقوله :فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم
ِ ِِ
(?) انظر :ابن كثري ،تفسري القرآن العظيم .3/116،117وقصص األنبياء ،ص .610 19
6
ً
ََْ َْ ََ ََْ ُْ ًًَْ َ ّ َ َُْ َ ُ َ(َُ َ َ َ )24
لَقدَْجُئّت شَيئّا فريا .ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما
ٍ ِ كانتِأمِك بغيا.)25ِ(
ِ ِ
جاءت مريم إلى قومها وهي تعلم براءة نفسها ونزاهتها،
وهي واثقة من تبرئة الله سبحانه وتعالى لها .فعندما قال لها
قومها تلك المقولة ،وعجبوا من ذلك وهي من أهل بيت طيب طاهر
معروف بالصلاح والزهادة والعبادة .لم تتول هي الإجابة لنفي
من
تعلمُ أنهََْليسَُُّ وهيْ َ وليدهاَ َْ،
َََ التهمة عنها ،ولكنهاً أشارت إلى
يتولى الرد عنها فأشارت إليه قالوا كيف نكلم حتىَْ َ ّ الكلام ْ أهل َ ََْ
ِ ِ ِ
من كان في المهد صبيا ، ولكن من إيمانها بربها وثقتها به ()26
(?) ويف نس بة م رمي إىل ه ارون ق ال ابن كث ري(( :أي ش بيهة ه ارون يف العب ادة …ق ال علي بن أيب طلحة 24
والس دي قيل هلا" :يا أخت ه ارون" أي أخي موس ى ،وك انت من نس له ،كما يق ال للتميمي :يا أخا متيم،
وللمضري :يا أخا مضر ،وقيل :نسبت إىل رجل صاحل كان فيهم امسه هارون ،فكانت تقاس به يف الزهادة
والعبادة .وحكى ابن جرير عن بعضهم :أهنم شبهوها برجل فاجر كان فيهم يقال له :هارون ،ورواه ابن أيب
ح امت عن س عيد بن جب ري .وأغ رب من ه ذا كله ما رواه ابن أيب ح امت عن الق رظي يف ق ول اهلل عز وجل "يا
أخت ه ارون" ق ال :هي أخت ه ارون ألبيه وأم ه ،وهي أخت موسى أخي ه ارون اليت قصت أثر موس ى،
"فبص رت به عن جنب وهم ال يش عرون" وه ذا الق ول خطأ حمض؛ ف إن اهلل تع اىل قد ذكر يف كتابه أنه قفى
بعيسى بعد الرس ل ،ف دل على أنه آخر األنبي اء بعث اً وليس بع ده إال حممد ص لوات اهلل وس المه عليهم ا…
وال ذي ج رأ الق رظي على ه ذه املقالة ما يف الت وراة بعد خ روج موسى وبين إس رائيل من البح ر ،وإغ راق
فرع ون ،وقوم ه ،ق ال :وق امت م رمي بنت عم ران أخت موسى وه ارون النب يني تض رب بال دف هي والنس اء
معها ،يسبحن اهلل ويشكرنه على ما أنعم به على بين إسرائيل .فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى ،وهذه
هفوة وغلطة شديدة بل هي باسم هذه وقد كانوا يسمون بأمساء أنبيائهم وصاحليهم ))( .تفسري القرآن العظيم
.)3/119،120
(?) سورة مرمي ،اآليتان .27،28 25
7
صفاته
جاءَْالقرآن والسنة بأوصاف نبي الله عيسى (عليه السلام) ُُ
الخلقية والخلقية على النحو التالي-:
ُ
ا -الصفات الخلقية
لا شك أن أبرز ما اتصف به (عليه السلام) صفة النبوة،
بل هو من أولي العزم من الرسل ،ولاشك أن الأنبياء وهبهم الله
من حميد الخصال ،وكريم الفعال ،ما يفوقون به غيرهم من البشر،
ومما ورد من صفات عيسى (عليه السلام) ما يلي-:
ََََ ً َُ ًَ ََْ َ َ
وتعالىُْ َ :وُجعلَنّي مباركا أينسبحانهَ َّ كماََْفي قوله َّ البركةُ َ
ُْ َ -1
ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حِيا .فالبركة
والدعوة إليه ،والنهي عن تعليم ِالخير ِ جعلها الله منِ ِ
الشر ،والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله ،فكل من جالسه
ً ()29
أو جتمع به نالته بركته ،وسعد به مصاحبه.
ََّ َ َ ً َ
في قوله سبحانه وتعالى :وبرا بوالدتي ّ َ بوالدتهً ّ،كما
البر ََْْ َ ََْ -2
ولم يجعلني جب ارا ش قيا . ليس بفظ ولا غليظ ،ولاِ ِ ِ
يصدر ) 30(
َ ً ()31
ينافي أمر َالله وطاعته. منه قول ِولا فعل ِ
ُ
كما في قوله تعالى :وجيها َ ّ والآخرة،
َ ُ ْ َ َ الدنيا
َ ْ َ الوجاهةَْ في
ّ -3
ِ
في الدنيا والآخرة ومن المقربين . أي له وجاهة ومكانة
()32
(?) انظر :منرية احلبيب ،رسالة ماجستري ،عيسى ابن مرمي يف ضوء الكتاب والسنة ،كلية اآلداب للبنات ،عام 28
(?) الكهل من الرج ال :ال ذي ج اوز الثالثني ووخطه الش يب( .اجلوهري ،الص حاح ، 5/1813م ادة 34
[كهل]).
(?) سورة آل عمران ،اآلية .46 35
8
كهلا بالوحي والرسالة .وهو من الصـالحين في قوله وعمله
()36
له علم صحيح وعمل صالح.
ْ َ َ
قومه ُ َْ :إُن شأنَْ َْ
في َّ َ
قولهْ َ
عليهْ ْ َُ
يدلَ ْ َ والرحمةَُ َ،
اللينُْ َ ُّْ
َُّْ -5
تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لٌهم فإنك أنت العزيز الحكِيم
اقتدى به ِنبيناِ محمد (صلىِ الله عليهِ وسلم) ِفي ولقد ِ ِ .)37ِ (
هذا القول ،كما في صحيح البخاري (ت256هـ) من حديث ابن
عباس (رضي الله عنهما) قال :قال رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) …(( :يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات
الشمال ،فأقول :أصحابي ،فيقال :إنهم لم يزالوا مرتدين على
أعقابهم منذ فارقتهم ،فأقولً كما قال العبد الصالح عيسى
ابن مريم :وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني
كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم
فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم))(.)38
سبحانه وتعالى في قلبه ،وهذا الذي دعاه تعظيم الله ُ ّ -6شدة ُ ّ
أن يصدق الحالف ويكذب عينه ،كما في صحيح البخاري عن أبي
عنه) قال :قال رسول الله (صلى الله عليه هريرة ِ(رضي الله ِ
وسلم)(( :رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق ،فقال له أسرقت؟
قال :كلا والله الذي لا إله إلا هو .فقال عيسى :آمنت
بالل ه ،وك ذبت عي ني))( .)39ق ال ابن القيم (ت751هـ )(( :تأول ه
بعضهم على أنه لما حلف له جوز أن يكون قد أخذ من ماله،
فظنه المسيح سرقة ،وهذا تكلف ،وإنما كان الله سبحانه
وتعالى في قلب المسيح (عليه السلام) أجل وأعظم من أن
يحلف به أحد كاذبا ،فلما حلف له السارق دار الأمر بين
تهمته ،وتهمة بصره ،فرد التهمة إلى بصره لما اجتهد له في
صدق إبليس لما حلف له اليمين ،كما ظن آدم (عليه السلام) ً
بالله عز وجل وقال :ما ظننت أحدا يحلف بالله تعالى ً
كاذبا))(.)40
َ
الصفات الخلقية َ
َّ
وتعالى المادة التي خلقَ منها ً سبحانه الله ني لقد ب
يختلفَ
جسد عيسى ابن َ مريم (عليه السلام) ردا على من َزعم أنه ّ ََ
سبحانه َ:إنَُ مُثْل
فقال ُّ َ الإلهيةَُ ،
ذلك ََله َََُ ْ بسبب َ
فزعم َََ البشرّ ، عن َ َْ
ََعُيسىُ عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال ِ له كن
فِيك ون .)41ِ(فعيسِى (عليِ ه الس لام) لا ِيختل ف ٍعن بقي ة البش ر في
(?) انظر :القرطيب ،اجلامع ألحكام القرآن .4/58وابن كثري ،تفسري القرآن العظيم .1/365 36
(?) اجلامع الصحيح ،كتاب أحاديث األنبياء ،حديث رقم .3447 38
(?) اجلامع الصحيح ،كتاب أحاديث األنبياء ،حديث رقم .3444 39
(?) إغاثة اللهفان .1/183وانظر ابن حجر ،فتح الباري .6/489 40
9
َ
بقية
تحتاجهاُ ٌ َْ
الأمور َْماَََ ّ َ
من ُ ُْ يحتاج َْ
َ الجسد
ُ وهذا
تكوين جسدهُ ،
سبحانهَّ :مَاٌ َالمَسيحَُْابَن مريمَّ َإلا ْرُسْول َْقَد
قالَُ َُُّ الأجسادَْ ،ولذا ُّ
ََْ ْ
ِ
انا يأكلان الطعام انظر كيف ِخُلَتُّمَُُ ْ َ ُّ ُْْ َّ َُُْ َ
ك ة يق دص هم أ و ل س الر ه ل بق ن
الِآيات ثم انظر أِنِى يؤفكونِ .)42( نبينِلهم ِ
ِ ِ
وجاء في السنة المطهرة بعض الصفات التفصيلية لهذا
الجسد ،فجاءت بوصف شعره ولونه وقامته ونحوذلك ،ففي صحيح
البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال قال رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) ليلة أسري به(( :لقيت موسىَ قال :فنعتهََْ… قال:
وسلم) فقال :ربعة أحمر فنعتهَ النبي (صلى الله ()43عليه َّْ ْ ولقيت عيسى
كأنما خرج من ديم اس ،يعني الحمام)) .والربع ة هو متوسط القامة
قصير (.)44 لا طويل ولا ِ
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال النبي (صلى الله
علي ه وس لم) (( :فأم ا عيس ى ف أحمر جع د ع ريض الص در))( .)45فص فة
الجعودة هنا في الجسم لا في الشعر ؛ لأنه ورد وصف الشعر
بالسبط ،كما في مسند الإمام أحمد (ت241هـ) عن ابن عباس قال:
(صلىَ الله عليه وسلم)(( :ورأيت عيسى ابن مريم الله
َ قال ِنبي
َ
رأس))(.)46
ْ َ رةَ والبي اض س بط ال ْ ُإلى الحم َ ُْ عليهم ا السّْلام مرب وع ّْالخل ق ّ
السبط والسبط من الشعر المنبسط المسترسل ،وهو ضد الجعد(،)47
المجتمع الشديد ِ(.)48
ِ وأما الجعد في الجسم فهو ِ
وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر (رضي الله
عنهما) أن النبيَ (صلى الله عليه وسلم) قال…(( :وأراني الليلة
عند الكعبة في ّالمنام ،فإذا رجل َ آدم كأحسن ما يرى من أدم
الرجال ،تضرب لمته بين منكبيه ،رجل الشعر ،يقطر رأسه ماء، ً
يطوف بالبيت .فقلت :من هذا؟ واضعا يديه علىِ منكبي رجلين وهو ِ
فقالوا :هذا المسيح ابن مريم))( .)49فهذا الحديث فيه وصف اللون
بانه آدم وهو الأسمر ،وقد ورد في الحديث السابق أنه أحمر،
والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة ،ويمكن الجمع بين
(?) انظر :الرازي ،خمتار الصحاح .230 ،وابن حجر ،فتح الباري .6/484 44
(?) أخرجه البخاري أيضاً ،اجلامع الصحيح ،كتاب أحاديث األنبياء ،حديث رقم .3438 45
(?) مسند الإمام أحمد ،تحقيق أحمد شاكر .4/38وقال المحقق :إسناده صحيح. 46
(?) ابن األثري ،النهاية يف غريب احلديث واألثر .2/334واجلوهري ،الصحاح ،3/1129مادة [سبط]). 47
(?) انظر :ابن منظور ،لسان العرب ،3/122مادة [جعد] .وابن األثري ،النهاية يف غريب احلديث .1/275 48
10
َ
َّْ
الوصفين أنه احمر لونه بسبب ،كالتعب ،وهو في الأصل أسمر،
والله أعلم (.)50
وفي صحيح مسلم (ت261هـ) من حديث ابن عمر أن رسول
الله (صلى الله عليه وسلم) قال في وصف عيسى … (( :يسكب رأسه
أو يقطر رأسه ))(.)51
ويقال
وصف )52لمته وهي شعر راسهَ ، كما جاء في الحديث َ
جاوز شحمة الأذنين لمة .كما جاء وصفه بأنه ( رج ل
(
إذا للشعر
ْ ّ
الشعر ) َُقال َّابن حجر (ت852هـ)(( :أي قد سرحه ودهنه ،وفي ِ
رواية
مالك " له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم ،قد رجلها فهي تقطر ً
ماء"(ِ . )53
ويحتمل أنها تقطر من الماء الذي سرحها به ،أو أن
()54
المراد الاستنارة ،وكنى بذلك عن مزيد النظافة والنضارة.
وفي مسند أبي يعلى (ت307هـ) عن ابن عباس (رضي الله
عليه وسلم) قال في وصف عيسى في عنهما) أن النبي (صلى الله ً
حديث الإسراء(( :ورأيت عيسى شابا أبيض ،جعد الرأس ،حديد البصر،
مبطن الخلق))(.)55وجاء في مسند الإمام أحمد وصف شيء من لباسه ،عن
أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى َالله عليه وسلم) قال
نزولهُ ((ّ :عليه ثوبان ممصران
ُ في وصف عيسى (رضي الله عنه) عند
رأسهٌ يقط ر ٌ وإن لم يصبه بل ل)) .والممص رة من الثياب ال تي
()56
كأن َُْ
()57
فيها صفرة خفيفة.
وورد تشبيه الصحابي عروة بن مسعود(( )58رضي الله عنه)
بعيسى (عليه السلام) ،لما في صحيح مسلم عن جابر (رضي الله
عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال(( :ورأيت عيسى ابن
(?) مسند أيب يعلى 5/108رقم .2720وقال الشيخ حسين سليم أسد :إسناده صحيح. 55
(?) ابن األثري ،النهاية في غريب الحديث والأثر .4/336وانظر :ابن منظور ،لسان العرب 57
،5/177مادة [مصر].
(?) ابن معتب بن مالك بن كعب بن عم رو الثقفي ،ك ان أحد األك ابر من قوم ه ،ملا أس لم ذهب إىل قومه 58
ي دعوهم إىل اإلس الم ،فلما أظهر دينه ودع اهم إىل اهلل قتل وه( .ابن حج ر ،اإلص ابة يف متي يز الص حابة
.) 2/477،478
11
ً
مريم (عليه السلام) فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود ))
(.)59
من تلك النصوص نخلص إلى أن ما ورد من صفاته الجسدية
تتمثل في ما يلي-:
-1أن جسد عيسى خلق من التراب ،وأنه يحتاج إلى ما تحتاج
إليه بقية أجساد البشر كالمأكل والمشرب ونحوه.
ً
-2أن شعره سبط مسترسل قد تعدى شحمة أذنه ،وأن له لمعانا.
-3أنه معتدل القامة لا بالطويل ولا بالقصير.
-4أن جسمه مجتمع الخلق قوي البنية.
ً
-5أن لونه من أحسن الناس لونا.
-6يكون عليه حين نزوله ثوبان فيهما صفرة خفيفة.
ً
-7أن أقرب الناس به شبها هو الصحابي الجليل عروة بن مسعود
الثقفي (رضي الله عنه).
-8أنه شاب ،وقد رفع إلى السماء وعمره ثلاث وثلاثون سنة.
رفعه إلى السماء
لما تآمر أعداء الله من اليهود على قتل عيسى (عليه
الله سبحانه وتعالى منهم السلام) والخلاص منه ومن دعوته ،نجاهً َ
على
ويدلََّ َ
وروحهُ َّ ، ببدنهَ َ َ فرفعه ْإليهَ َحيا ُّ َ ورد كيدهم َ في نحورهم
يك
الله ُ ياعّيسىَ إنّيَُ مَتوَفَْ وتعالىَ ّ:إذ ََقُالَ ََ
سبحانهَُ َذلك َُقولهَّ ََُّ ََ
ِ
وكْ فَوق ع ب ِ
اتِ ين ذ ِ
ال ل اع ج و وا
َ َْ ْ َ َ ُّ َّ َْ ُُْ ََُُْ ََُْر ف ك ِ
ين ذ ال ن م ك ره ط مو ي ل
وّ َ ََُ
إ كع اف ر
الُذِْين كفِرواََْإلُى َيوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما
ِ ِ ِ ِ ِ ُْ
ِ
بـ(متوفيك) ِ
العلماء بالمقصود وقد ِاختلف ِ كنِتم فيه تختِلفونِ .)ِ60(
الآية ،فذكر ابن جرير (ت310هـ) عدة أقوال في هذه ِ هذه ِ
في ِ
المسألة على النحو التالي-:
قال بعضهم :هي وفاة نوم ،وكان معنى الكلام على مذهبهم :إني
منيمك ،ورافعك في نومك.
وقال آخرون :معنى ذلك :إني قابضك من الأرض ،فرافعك إلي ،قالوا:
ومعنى الوفاة :القبض ،لما يقال :توفيت من فلان ما لي عليه،
بمعنى :قبضته واستوفيتهً .قالوا :فمعنى قوله :إني متوفيك ورافعك
أي قابضك من الأرض حيا إلى جواري ،وآخذك إلى ما عندي بغير
موت ،ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك.
وقال آخرون :معنى ذلك :إني متوفيك وفاة موت.
وقال آخرون :معنى ذلك :إذ قال الله يا عيسى ،إني رافعك إلي،
ومطهرك من الذين كفروا ،ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا.
(?) كتاب اإلميان ،حديث رقم .167 59
12
وقال :هذا من المقدم الذي معناه التأخير ،والمؤخر الذي معناه
التقديم.
ثم قال بعد أن ساق هذه الأقوال وأدلتها :وأولى
هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال :معنى ذلك :إني قابضك من
الأرض ورافعك إلي ،لتواتر الأخبار عن رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) أنه قال" :ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال" ثم
يمكث في الأرض مدة ذكرها اختلفت الرواية في مبلغها ،ثم يموت،
()61
فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه.
َ
كما
لهَْ َ ،شبيه ََ
علىَ َوقع ْ والصلبَََْ
القتلْ ّ دبره اليهود من ََْ وما َ
يح َع ّيسىَ ّابَن
وتعالىُ :وَقَولهمََُإنُا قَتَلنْاََُّالمَسُْ
سبحانه ََ ََُ قوله َ ّ فيََ َُ َْ
الَذَين ِ ِ ِ ِ ِ
الله وَمّا قتْلُوهََ وَمُاْ صلبوهْ وْلكنَ شّبه لّهَم َ وإن ّّ مْرَيَمُ رسول َ
ِ ِ
اتباعَ ًالظن وما ِ ِ ِ
اخُتلُفواَ ف ًيه لفيَْ شَكََُمنه مّاُلهمَْبهََمنَ علم ّإُلاَ ً ََ
ِ ()62 ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
قتلوه يقينا .بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما.
الشبه قولينِ ،الأولِ :أن الشبه ذكر ابنِ جرير فيمن ألقي عليهِ ِ
ألقي على جميع أصحابه .الثاني :أن الشبه إلقي على رجل من
()63
أصحابه حين سألهم ذلك .واختار ابن جرير الأول.
ً ً
وأضاف ابن الجوزي (ت597هـ) قولا ثالثا ،وهو أن الذي
()64
ألقي عليه الشبه بعض من أراد قتله من اليهود.
ً
وأما في سنه حين رفعه الله إليه فقد كان ثلاثا
وثلاثين سنة ،لما في مستدرك الحاكم (ت405هـ) عن سعيد بن
المسيب قال (( :رفع عيسى ابن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة
رضي الله ومـات معاذ بن جبل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة
تعالى عنه)) (.)65
نزوله في آخر الزمان
علمنا مما سبق أن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى (عليه
السلام) ببدنه وروحه ،وسينزل في َآخر الزمانَ ببدنه وروحه َ،لقد
أقوال
حسبَُّ َالنزولَ َْ
إلى ٌْهذا ّ َ َ ورد في القرآن الكريم الإشارةَ ُّ َ َ
سبحانه :وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها ٌ َ ُْ قوله
ٌ َ المفسرينََ،ففي
ُ َّ
ِ
والضحاك واتبعون هذا صراط مستقيمِ .)66( قال ِابن ِعباس ِ ومجاهد
خروج عيسى عليه السلام ،وذلك من أعلام والسديِ وقتادة ِ:إنه ِ ِ
(?) انظر :جامع البيان .291-3/289وانظر :القرطيب،اجلامع ألحكام القرآن .65 ،4/64وابن تيمية، 61
13
الساعة .لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة ،كما أن
َ َ ()67
خروج الدجال من أعلام الساعة.
ْ َ ّ َُْ َّ َ ْ ْ َْ
سبحانهُ َُ :وَإَنْ مْن َأهلً الكتاب إلا ليؤمنن به وفيََْقولهْ َ َ
ََْ َْ َ
قبل موته ويوم القيامة يكون عِليهِم شه ِيداِ ِ . ِ قال ابنِ ِِ
جرير: ) 68(
عيسى ِ،يوجه ذلك ِإلى ِأن جميعهم يصدقون به إذا ((يعني ِِقبل موت ِ
نزل لقتل الدجال ،فتصير الملل كلها واحدة ،وهي ملة الإسلام
الحنيفية ،دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم))(.)69
وأما في السنة فقد تواترت الأحاديث على نزول عيسى في
آخر الزمان( )70كما دلت على ذلك السنة ،لما في صحيح البخاري عن
أبي هريرة (رضي الله عنه) يقول قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)ً (( :والذي نفسي بيده ،ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم، ً
حكما مقسطا ،فيكسر الصليب ،ويقتل الخنزير ،ويضع الجزية ،ويفيض
المال حتى لا يقبله أحد))(.)71
وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه)
قال :سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول(( :لا تزال طائفة
فينـزل
ّ من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة .قال:
عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول أميرهم :تعال صل
لنا ،فيقول :لا إن بعضكم على بعض أمراء ،تكرمة الله ِ
هذه
الأمة))(.)72
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن
وسلم) قال(( :لا تقوم الساعة حتى ينزل النبي (صلى الله ًعليه ً
عيسى ابن مريم حكما مقسطا ،فيكسر الصليب ،ويقتل الخنزير ،ويضع
الجزية ،ويفيض المال حتى لا يقبله أحد))(.)73
وما يكون في هذا النزول من كسر الصليب ،وقتل الخنزير،
ووضع الجزية ،وقتل الدجال سيأتي الحديث عنه في المبحث الرابع
إن شاء الله تعالى.
الحكمة من نزوله
إن مما اختص الله به عيسى ابن مريم (عليه السلام)
دون سائر الأنبياء نزوله إلى الدنيا في آخر الزمان ،ومباشرته
(?) القرطيب ،اجلامع ألحكام القرآن .16/70وانظر ابن كثري ،تفسري القرآن العظيم .4/133،134 67
(?) جامع البيان .6/18،21وقد ذكر ابن جرير أقواالً أخرى ،وهذا القول هو اختياره. 69
(?) انظر أق وال أهل العلم يف ت واتر األح اديث يف ه ذه املس ألة عند الكمش مريي ،التص ريح مبا ت واتر يف ن زول 70
املسيح ،حتقيق ومراجعة وتعليق عبدالفتاح أبو غدة ،ص 56وما بعدها.
(?) اجلامع الصحيح ،كتاب البيوع ،حديث رقم .2222 71
(?) اجلامع الصحيح ،كتاب املظامل والغصب ،حديث رقم .2476 73
14
مهام الدعوة مرة ثانية ،ولكن ترى ما الحكمة من هذا النزول؟
لقد حاول بعض العلماء معرفة ذلك ،ومما قالوه في هذا الشأن
مايلي-:
-1الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه ،فبين تعالى كذبهم،
وأنه الذي يقتلهم.
-2نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض إذ ليس لمخلوق من التراب
أن يموت في غيرها.
منهم
ً أنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله -3
فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددا
لأمر الإسلام فيوافق خروج الدجال فيقتله.
-4تكذيبه لكل من ادعى إلهيته أو بنوته لله تعالى.
الله
أخبرْ ََُ الكتاب ،كما
َُْ فيه َأهلَ
تمادى ْ ََ
الذيَ َََْ
-5إبطال الغلو َ
وا فيَ دينْكُم َْوَلَابقوله ّ :ياأّهل ْالَكّتابَّ لا ْتَغل ُ عنهمُ َََ َُ
ِ ِ ِ ِ ِ
اللُه إَلْاَ َالحقَ إَنْمَاَ َُالمٌسيحُْعيسى ابن مريم ى
ّ ََ َُ ل ع وا ول
َُت ُ
ق
رسول الله وكلمتِه ِألقاها إلى ِمريم وروحِ منهِ.
()74
ِ ِ ِ ِ
وبعد أن ذكر ابن حجر الأقوال الثلاثة الأولى قال:
()75
(( والأول أوجه)).
مدة بقائه في الأرض بعد نزوله
وأما ما يتعلق في مدة بقائه في الأرض بعد النزول فقد
روى مسلم من حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) في مدة بقاء عيسى
في الأرض بعد نزوله ،أنها سبع سنين( .)76وروى نعيم بن حماد (ت2
28هـ) في كتاب الفتن من حديث ابن عباس (رضي الله عنهما) أن
عيسى (عليه السلام) إذ ذاك يتزوج في الأرض ،ويقيم بها تسع
عشرة سنة ،وبإسناد فيه مبهم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) يقيم
()77
بها أربعين سنة.
(?) فتح الب اري .6/493وانظ ر :يوسف الواب ل ،أش راط الس اعة ص .357-355و د .حمم ود ال ديك، 75
15
المبحث الثاني :المدعو
المدعو مفرد ،والجمع مدعوون ،وهم القوم الذين يدعوهم
عيسى (عليه السلام) .ومما تميزت به دعوة عيسى ابن مريم (عليه
السلام) أنه دعا أمتين مختلفتين ،في زمانين مختلفين ،فأصبح
المدعوون له صنفين-:
الصنف الأول :بنو إسرائيل
إسرائيل َكما دل َْ لأمته ً من َ بنيَفدعوته في بادئ الأمر ََُ
وتعالىَ ُْ :وْرَسَولا َإلَى بنْيَ إسَرائّيل.ُ َُ
()78
سبحانه َ َ َ علىَ ذلك قوله َ ْ
تعالى :وإذ قال عيسى ابن مريم يِابني إِسرائِيل ِإني رسول وقوله َُْْ ّ
ِ ِ ِ ِِ ِ الله إليكمِ .)79(
ِِ
سبحانه وتعالى عنهم ،وذكر ً الله
وهذه الأمة قد ذكر ً
رسوله (صلى الله عليه وسلم) شيئا كثيرا من صفاتهم ،وما هم
عليهم من تكذيب لله وتحريف للكتب وقتل للأنبياء ،وعناد لله
ورسله مما يحتاج إلى التعامل معهم في دعوتهم بما هم أهله.
َ
قال الحقَ َُ، وكتمانُْ َ َْ
بالباطل ّ ََْ الحق َ ولبسهمَُُ َ
بالله َ َْ كفرهمْ َ ففي َََْ
ونْ. د ه شت م
ََُُْ َ َّْ ََُْت ن أو ه الل ات آي ب
َْ ون ر ف كت م ل
َ َْ ُ َ َّْ اب ت ك ال ل ه اأ عنهمَ ْ َ:
ي َ َْ
ِ ِ ِ
اأُهلَ الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم ِ ِ ِ َيَْ
ِ ِِ ِ تعلمونِ ِ . ِ
) 80(
ََ َ َ َ
عنهم َْ :وَقَالُت َ َُ قال وتعالى
َُْ ُ َُوفي ّ َُْ ٌَ ُّْ َْ َ ْ َُ ُ
سبحانه الله على جرأتهم
اهِوا بَلَْيد ْ ال َواُْ بَما قُْ ولةُ غَلَتَ أيَدّيهَم وًلعن ْ اللَهْمَغلََ ودَ يد ُْ ُ الْيُه َ
َ
ِ
يرَاَ مَنَهَم َ مْاَْأَنزَل إلَيك َْمن ِ ث ك ِ نِيد ز يل و اء
ََّ َُْ ًَ ًَُْ ََََْْ ََُُْ ْش ي ف يكِ ق ف ني ان ت وط س بم
اء ِإلىَْيِْوم الَبْغَضَِْ و
ُّ َ ة ِ
او د انَّاَ ِ وَكْفَرُاُ وأَلقًينا ِبْيَنْهمََََِْ
ع ال رْبكَ َطغيُِ
ارا َللحرب أطفأها الله ويسعون فيِ الأرِض ْ ُالقًيامةَ كّلُما َأوُقدّوا ْن ََِ
ِ ِ فسِادا ِوالله لا يحب المفسدينِ.ِ)81(
ِِ ِ
سبحانه اللهَْ ُ َ َ ْ قال
َ للوعد،
َ ْ َ وإخلافهم
ْ َ َ ْ للعهد،
َ َ َنكثهم
ْ وفي ََ
وسىْ عنهمَ ّ :أُلُم ترَْْإلَىَ الَملًَإ مُنَ بنْي إسرَائيل منّ بعَد َم َ َ وتعالىُ
َْ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ََإْذُقْالواْ لُنبَي َلَهْمَُُ ابعْث َلنُا مَلّكا ُنَقاتُل في َسُبيل ََالله ََقَال َّهل
واَ وَمَا ِ لَنَاّ ُألَا الَِْ
الْ َِْألا ْتقاتِلَوا َِ ق َِ ُعَِسيتَم إن َِكتِبٍ علَيّكم َََالْقت ُ
الله ّوقدِ َ أخًرجناْمُنْ َ ِدّيُارنَا ٌوأبنائّنا فَلما كتب َنَقْاتُل فِْي َسبُِيل ََّْ
الظالمين.ِ
) 82( اللهِ عليم ب ِ ال ِ تولواِ إلا قليلِا منِهم و ِ عليِهم ِالقت ِ
ِ ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِ
16
َ
َ ّ َ
ين
عنهمََ َ:مْنَْالَذَْقالَ َََْ تعالى َ ْ اللهُ ُ َلكلام ََ تحريفهمْ ََ
وفي ًَْ َ َ َ ُ َُُّ َ
ِ
اسمعَ ُغير ِ
ادوا َيَحرفَون َّالكلمَعْن َ موْاضعهََوْيًقولون سمّعنا وعَصَيْناَّوُْ ُهَْ
وا
الُُ
ين ََْوَلَو أَنَهمْ َقََ الدُِْ ِ ِ ِ ِ
اعْنَا لَياَْْبأَلسْنُتْهََم َوَطعَنا َفْيً َ ِ
َمسْمَع وَرََ
سمعٍّنُا ُوْأطعْناََواسُمْع ُوَانظرّنا َلكًان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ِ ِالله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا.)83(
َ ِ ِ ِ ِ ِِ
قال
الآخر َُّللبعضْ ًُُ وقتلهمَ َْالرسلَ ََََْْ لبعض َْ تكذيبهمَ َ
وفيََْ َ ََْ َ
اق بَنْيُإُسُرْائَيل ً وأرَسّلُنا إليَهَم ًرسلَاُُْكلَما يثَْ
عنهمَُ ْ:لقٌد أَخذنَا م َ َ َُ
ِ ِ ِ ِ
جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون ِ ِ
ِ ِ ِ (.)84
ً َ
قائلا:
لعنهم َ ْ حرماتَ اللهَ َُ َ على ََ واعتدائهم َ
َْ عصيانهمْ َ وفي ََُ َُ ّ َ
ين كَفَرْوا َمَن ُبنيََْإُسرَائيل على لسان داود وعيسى ابن َْلَعَنَ َالذ َ
ِ ِ ِ ِ مريِم ذلك ِبما عصوا وكانوا يعتدون.
ِ ()85 ِ ِ ِ
َْ ََ َ ِ ِ
عنهمَُ ْ:وّإًذ قَالالله َُْ بالسحر َُقالُ ّ لعيسى َ ّ اتهامهم َْ
وفيَََ َ َ َ َُْ َْ
اللْه إليكْمُُ َمْصَدُِقاََلّما ابن َمريمَّْيابنَيَُإسّرًائيلَُ إني َرْسول ْ َ يسى َََّعَْ
اة ِومَِبَشراِ بْرٌسُِولِ ٌ يأتي من بعِديِ اسمه أحمِد فِلما َِبين يدي ْمَنَّالتوَر ُ
جاءهم بالِبينات قالِوا هذِا سِحر مٍبينِ ِ . ِ
) 86(
ِ ِ ِ ِ ِ
ولا يعني ذلك أن جميع أهل الكتاب أو أن جميع بني
الصالحون ،وفيهم أتباع الأنبياء َ أسرائيل هم كذلك ،بل فيهم
الله
أشار ُْ ُ الصنفَ ََْ وإلى َْهذا ْ َ دينهمْ ّ، َ المتقون ،وذلك في وقت شرعية َ
ابَ لَمَنََْيُؤمَن بقولهُْ :وَإن َْمنْ َأهل َالكت ّ إليهمْ ََ
وتعالى َ َُْ سبحانه َََ ُْ ّ
ونِ ر ت شي ا ل هِ
ل ل ِ ين ع ِ
اش خ م ه
ّ ًََ َ ً ُ َ َ َُْ َُُْْ َْ َّ ْ ّ َّ َ ُِي ل إ ِ
ل ز ن أ ا مو م كي ل إ ل ز نأ ا م و ه الل
بَ
ات الله ثمِنا ِقليلا أولئك لهِم ِأجرِهم عندِِ ربهمِإنِ الله سريع ِبْآيَِ
ِ ِِ ِ ِ ِ ِ ِالحسِاب.)ِ87(
ِ ِ
وجاء في السنة المطهرة الكثير من صفاتهم( ،)88فعلى سبيل
المثال عن شركهم بالله جاء في صحيح البخاري أن عائشة وعبد
الله بن عباس (رضي الله عنهما) قالا :لما نزل برسول الله (صلى
الله عليه وسلم) طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها
كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك(( :لعنة الله على اليهود
مساجد أنبيائهم قبور اتخذوا والنصارى،
يحذر ما صنعوا)) .
()89
17
ً
وفي تبديلهم كلام الله جاء في الصحيحين أيضا عن
أبي هريرة (رضي الله عنه) قال :قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)(( :قيل لبني إسرائيل :ادخلوا الباب سجدا وقولوا :حطة.
فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم ،وقالوا :حبة في شعرة))(.)90
وفي تحايلهم َعلى المحرمات ورد في الصحيحين عن أبي
هريرة (رضي الله عنه) عنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
(( قاتل الله اليهود ،حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا
أثمانها))(.)91
وفي قلة حيائهم جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة
(رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال (( :كانت
بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض ،وكان موسى (صلى
الله عليه وسلم) يغتسل وحده ،فقالوا :والله ما يمنع موسى أن
يغتسل معنا إلا أنه آدر( ،)92فذهب مرة يغتسل ،فوضع ثوبه على حجر
ففر الحجر بثوبه ،فخرج موسى في إثره يقول :ثوبي يا حجر ،حتى
موسى ،فقالوا :والله ،ما بموسى من بأس. ً نظرت بنو إسرائيل إلى
وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا .فقال أبو هريرة :والله ،إنه لندب
بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر))(.)93
ً
ولا شك أن قوما تلك أخلاقم وطباعهم سيلاقي منهم نبيهم
التكذيب والإعراض والإيذاء ،فكانت كذلك حالهم مع المسيح عيسى
ابن مريم (عليه السلام) ،حتى وصل بهم الأمر إلى ًمحاولة قتله
والخلاص منه ،فنجاه الله منهم برفعه إلى السماء حيا.
ً
ويحدثنا ابن كثير عن قوم عيسى بعد رفعه قائلا:
وهكذا وقع ًفإن المسيح (عليه السلام) لما رفعه الله إلى السماء تفرقت
أصحابه شيعا بعده ،فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبدالله
وابن أمته ،ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله ،وآخرون قالوا:
َ ورسوله
حكى الله مقالتهم فيً وقد ثلاثة. ثالث هو قالوا: وآخرون
ّ الله، هو
القرآن ،ورد على كل فريق .فاستمروا على ذلك قريبا من ثلاث مائة سنة،
فدخل في دين
ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال لهً :قسطنطينً ،
النصرانية قيل :حيلة ليفسده ،فإنه كان فيلسوفا وقيل :جهلا منه .إلا
أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه ،ووضعت له
القوانين والأمانة الكبرى( )94التي هي الخيانة الحقيرة ،وأحل في زمانه
لحم الخنزير ،وصلوا إلى المشرق ،وصوروا له الكنائس والمعابد
(?) أخرجه البخ اري ،اجلامع الص حيح ،كت اب أح اديث األنبي اء ،ح ديث رقم .3403ومس لم ،كت اب 90
(?) األمانة مجلة من الكالم اخرتعوه ،جيمع أصول عقيدهتم ،وال تتم ألحد منهم نصرانية إال به ،وقد صرحوا 94
فيه بأن املسيح رب ،وأنه ابن اهلل وأنه بكره ،وأنه ليس له ولد غريه ،وأنه ليس بعبد خملوق ،وأنه مساو ألبيه
18
والصوامع ،وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون،
()95
وصار دين المسيح دين قسطنطين.
وفي موقف أهل الكتاب من عيسى (عليه السلام) ورد في
مسند أبي يعلى عن علي (رضي الله عنه) قال :قال لي رسول الله
(صلى الله عليه وسلم)(( :فيك مثل َمن عيسى ابن مريم؛ أبغضته
يهود حتى َبهتوا أمه ،وأحبته النصارىّ حتى أنزلوه بالمنزلة التي
ليس بهّ ،قال :ثم قال علي :يهلك في رجلان ،محب مطر يفرط لي
بما ليس في ،ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني))(.)96
الصنف الثاني :أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) آخر الزمان
يدل على دعوته في آخر الزمان لأمة محمد (صلى الله
عليه وسلم) ما ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي
الله عنه) قال :سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول(( :لا
تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة،
قال :فينزل عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول أميرهم:
تعال صل لنا .فيقول :لا ،إن بعضكم على بعض أمراء ،تكرمة الله
هذه الأمة))(.)97
وقد وردت كثير من النصوص الشرعية في وصف الناس في
ذلك الوقت ،ومن هذه النصوص ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد
الله بن عمرو (رضي الله عنه) قال :قال رسول الله (صلى الله
فيمكث أربعين -لا أدري ً عليه وسلم) (( :يخرج الدجالً في أمتي،
أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما -فيبعث الله عيسى
ابن مريم ،كأنه عروة بن مسعود ،فيطلبه فيهلكه ،ثم ًيمكث الناس
سبع سنين ليس بين اثنين عداوة ،ثم يرسل الله ريحا باردة من
قبل الشأم ،فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من
خير أو إيمان إلا قبضته ،حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل
لدخلته عليه حتى تقبضه .قال :سمعتها من رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) قال :فيبقى ًشرار الناس في خفةً الطير وأحلام
السباع ،لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ،فيتمثل لهم
الشيطان ،فيقول :ألا تستجيبون؟ فيقولون :فما تأمرنا .فيأمرهم
بعبادة الأوثان ،وهم في ذلك دار رزقهم ،حسن عيشهم ،ثم ينفخ في
الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا( )98ورفع ليتا ،قال :وأول من
يف اجلوهر ،إىل غري ذلك من املعتقد الباط ل( .انظ ر :ابن ح زم ،الفصل يف امللل واأله واء والنحل .1/118
وابن القيم ،هداية احليارى ،ص .) 489 ،488
(?) تفسري القرآن العظيم .1/367 95
(?) مسند أيب يعلى ،1/406حديث رقم .534واإلمام أمحد يف فضائل الصحابة ،2/575حديث رقم 96
19
قال :فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل يسمعه رجل يلوط( )99حوض إبله ً
الله أو قال :ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل –نعمان
()100
الشاك -فتنبت منه أجساد الناس…)).
فدل هذا الحديث على خروج المسيح الدجال قبل عيسى
(عليه السلام) ،فهو يفتن الناس ويدعوهم إلى الكفر باللهً ومعه
من الخوارق المعجزات ما قدره الله عليها ،ولا يترك بلدا إلا
دخله ،إلا مكة والمدينة ،ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك
(رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال(( :ليس من
بلد إلا سيطؤه الدجال ،إلا مكة والمدينة ،ليس له من نقابها
نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ،ثم ترجف المدينة
بأهلها ثلاث رجفات ،فيخرج الله كل كافر ومنافق))(.)101
ومما يأتي به ليفتن الناس ما ورد في صحيح البخاري
عنه) عنً النبي (صلى الله عليه وسلم) قال عن حذيفة (رضي الله ً
()102
في الدجال(( :إن معه ماء ونارا فناره ماء بارد وماؤه نار)).
وفي صحيح مسلم قال النبي (صلى الله عليه وسلم) عن
الدجال(( :فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له ،فيأمر السماء فتمطر
والأرض فتنبت ،فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى ،وأسبغه ً
ضروعا ،وأمده خواصر ،ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله،
فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ،ويمر
فيقول لهاً :أخرجي ًكنوزك ،فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ً بالخربة
ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية
الغرض ،ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك …))(.)103
ومما يذكر من حال الناس في آخر الزمان امتلاء الأرض
بالظلم والجور ،لما في مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد (رضي
تملأ
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ًقالً (( : الله عنه)ً أن ً
سبعا أو ًتسعا ً الأرض ظلما وجورا ثم ًيخرج رجل من عترتي يملك
فيملأ الأرض قسطا وعدلا)) ( .)104وهذا الذي يملؤها قسطا وعدلا هو
المهدي الذي يكون في الناس حين نزول عيسى ابن مريم ،لما في
الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه
وسلم)(( :كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم))(.)105
(?) مبعىن يطني ويص لح( .اجلوهري ،الص حاح 3/1158م ادة [ل وط] .والن ووي ،ش رح ص حيح مس لم 99
.)18/76
(?) كتاب أشراط الساعة ،حديث رقم .2940 100
20
قال ابن حجر (( :قال أبو الحسن الخسعي الآبدي (ت
363هـ) في مناقب الشافعي (ت204هـ) :تواترت الأخبار بأن
المهدي من هذه الأمة ،وأن عيسى يصلي خلفه))(.)106
(?) أخرجه البخاري ،اجلامع الصحيح ،كتاب أحاديث األنبياء .3449ومسلم ،كتاب اإلميان ،حديث رقم 105
.155واللفظ هلما.
(?) فتح الباري .6/493،494 106
21
المبحث الثالث :الموضوع
العقيدة
التي جاء بها الأنبياء َ إن أبرز موضوعات العقيدة
لهُُْ،كما وحده َلاُ ًشريكَ ُ اللهّ ُّ
ُ عبادة
الدعوةََْإلى َََْ لدعوة أقوامهمَ َ ، َ
وا د ب عا نأ
ََ َََْْ ْ َْ َ ْ ا ول س ر ة مأ ل ك ي ف
َ ا ن ث ع ب د ق ل و
ّ ُ ََ سبحانه: في َّ ََ َْ ُ
قوله
ِ ٍ
وقوله ََ :ومَا ُْأُرسلنا من قبلك من ِ ِ
الطاغ َوتّّ ََ . َ ُ
()107
الله وّاجتنُبوا َْ َُ
ِ ِ .)108 رسول إلا ِنوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدونِ (
أخبرقومه َكما َُُْ يدعوِ ََْ (عليهِ َ َْ ُ
السلام) َ ََ وبهذا َِجاء عيسى ََِ َ َِ ِ َ ٍِ
وا
يل اعْبَدَّ ائَْ
بقولهْ ُْ:وقال ّالمَسَْيح يَّابَني إسّرُ َ سبحانهُّ َ َْ
المولىََُّْ
عنهَ َّ َ ّ
الله ِعليه الجنة اللَه ُربي ّورُبكَمَ إنه ّ من َيشرك ْ َْبَالله ف(ِق109د) حرمِ ِ ََْ
ِ ومأواه ِالنار وما ِ للظالمين ِ منًأنِصارِ.
جاءت السنة تدل على دعوة عيسى أيضا ٍ الجانب ِ وفي هذاِ ِِ
(عليه السلام) ،فعن الحارث الأشعري أن رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) قال (( :إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات يعمل
بهن ويأمر بني إسرائيل يعملون بهن ،وإن عيسى ابن مريم قال له:
إن الله أمرك بخمس كلمات تعمل بهن وتأمر بهن بني إسرائيل
يعملون بهن ،فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم .قال :إنك إن
تسبقني بهن خشيت أن أعذب ،أو يخسف بي .قال :فجمع الناس في بيت
المقدس حتى امتلأ ،وقعد الناس على الشرفات ،قال :فوعظهم ،قال:
وآمركم أن تعملوا بهن، ً إن الله أمرني بخمس كلمات أعمل بهن
أولاهن أن تعبدوا الله ولاً تشركوا َبه شيئا ،وإن مثل َ من أشرك
خالص ماله بذهب أو ورق ،قال بالله كمثل رجل اشترى عبدا منّ ّ
هذه داري ،وهذا عملي ،فاعمل وأد إلي .فجعل يعمل ويؤدي ِإلى غير
عبدهِ كذلك ،وإن الله خلقكم ورزقكم سيده .فأيكم يسره ًأن يكون
فلا تشركوا به شيئا…الحديث))(.)110
ً َ ً
على ردا
َ ْ َ َ ُّ نفسه حقيقة ببيان َ جاء أيضا
وفي جانب العقيدة َ
الله وتعالىَُّ:وإَذَْ قالْ ُ
َ سبحانه ُ
ّ كماَْ قال ّ الإلهيةُ َْ،
له َََْ ََ َمن ََزعم َْ
وني َوْأَمي إِلهيَنّ منَْ دُْونُ ياعّيسىَ َابنَُْمرَيَم َءأنتَُ قُلت للنَْاس َُاتخَذ َ
ولَْمَِاُ َ ليسِ ليَِْبحَِق ِإنَّ َكْنَتِانك َمْاَُ يكَون ليَِْ أنِ َأَق ِ ال َسبْحَُ َُُُِْ
الله َقَْ
َقّلتُهِ فْقُدُ علمته تعلم ما فيِ نفسي ولا أعلم ما فيِ نفِسكٍ ِإنك أنت
ِ ِ ِ ِ ِ علام الغيوبِ.)111(
ِ
(?) سورة النحل ،اآلية .36 107
(?) أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده .4/130وأبو يعلى يف مسنده 3/140،141رقم ،1571وقال حمقق 110
الكت اب الش يخ حسني س ليم أس د :إس ناده ص حيح .والط رباين يف املعجم الكبري 3/285رقم .3427وأبو
داود الطيالسي يف مس نده159 ،رقم .1161وابن حب ان يف ص حيحه 14/123وق ال حمقق الكت اب
شعيب األرنؤوط :إسناده صحيح.
(?) سورة املائدة ،اآلية .116 111
22
َ َ
أخبر
كما َََ اللهّ ،ابن ُ ُْ زعمهمَ َأنه َْ
وجاء بالرد عليهم ََفيَ َ ّ
الله ذّلُك يحُْابَن ََُُسبحانهَْ :وَقالتّ َالنصََارُى الْمس َبقوله َُ ُ َ
عنهَْ ْاللهْ َََُُْ
ِ ِ ِ ِ
َقّولهمُْبَأُفوَاههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتَلهم الله
الاعتقاد
السلام)َُْلهذا ّ َ َ َ وكان رد عيسىِ (عليهَ َ ِّ أنى يؤِفكونِ .)112(ِِ
ً
تكلم به في المهد قال إني عبد الله ءاتاني كلام َ ّ
بأولََََ منهمَ َ
ْ
ِ ِ
.فكان أول ما نطق به الاعترافِ ِ ()113
الكتاب وجعلني نبيا
سبحانه وتعالى ،وهذه حقيقته ،وفيه رد على من غلا بعبوديته لله ِ ِ ِ
فيه ،فقال :هو الله ،أو هو ابن الله.
يأتيَْمن الذي ْ بالنبي َْ
بالتبشير ً َُ
ََُّ وجاءَ (عليه السلام)
وتعالىَ :وُمبشراََبرسول ْيٌأتُي ٌمن بعدي سبحانه ََّْ قولهَ َُْ
كماَُفي ََّ
بعدهَْ ،
ُُْ
ِ) ِ ِ ٍ ِ ِ
. (114
اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين
الإيمان به وبماِ جاءِ به .فهي إلى ِ ً والتبشير به يتضمن الدعوةِ ِ
دعوة للنصارى الذين يدركون محمدا (عليه الصلاة والسلام)
ليسلموا ولا يبقوا على نصرانيتهم.
وفي سنن أبي داود (275هـ) عن أبي بردة عن أبيه قال
أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن ننطلق إلى أرض
النجاشي فذكر حديثه قال النجاشي(( :أشهد أنه رسول الله (صلى
الله عليه وسلم) وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم ،ولولا ما
أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه))(.)115
الشريعة
ً
جاء عيسى (عليه السلام) مقررا لشريعة موسى في َ
وتعالى:
سبحانه ََْ َ كماَ ُفيًَّقوله َ ََْ الإنجيلََْ ،
ْ جاءه ْفي َ معَ ما َ َ
التوراةَ ،
ََََّْ
ابًن مريمَُ مٌصدقَاَُّلًما َبين َْيَديهََْمن ّ وْقَفَيناََعلَىَْ ُءاثارْهمْبعَيسىَ ُ
التور ّاةَْ وءاتَيُنًاه ََِْالَِإًنِجِيلُْفّيه َ هدى ونور ومصدقا لما بين يديه
ِ ِ ِ ِ ِ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ
من التوراة وهدى وموعظة للمتقين.
()116 ِ
ِ ِ ِ ِ ِ
إلا
التوراة،ةًَُّ
َ ومع إقرارهَ ما جاء َبه موسى من َقبل في َ
سبحانهَ ُْْ:ومْصُدُقْا
قوله َُّ ََ فيَ ّ كماُْ َْذلكَ ّ، بتخفيف َشيءَّْمن َ ُ
جاء ََّ َ أنه ََْ َ
ِ
لماَ بينْ يَدّيُْ منَ ُّالتوراة وّلَأَحَل ُلكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم
اللِه وِأطيعونِ .)117( يقول ِابن كثير((ِ :فيه ِبآية من ربكم ِ فاتقوا ِ
السلام)ِ نسخ بعض شريعة التوراة ً
وهو ِ دلالة ِعلى ِ أن عيسى (عليه ِ ٍ
الصحيح من القولين ،ومن العلماء من قال:لم ينسخ منها شيئا،
23
كانوا ما بعض لهم
أحل وإنما
يتنازعون فيه خطأ)) .
()118
(?) فتح الباري .6/491،492وانظر :النووي يف شرح صحيح مسلم .2/190 121
24
ينزل حكما قسطا وإماما عدلا فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتكون
الدعوة واحدة))(.)122
الآداب والأخلاق
ومن الموضوعات الدعوية التي دعا إليها عيسى (عليه
السلام) قومه الآداب والأخلاق ،ومن ذلك ما ورد في المعجم
الكبير الطبراني (ت360هـ) عن ابن عباس (رضي الله عنهما) عن
النبي (صلى الله عليه وسلم) أن عيسى ابن مريم (عليه السلام)
قال(( :إنما الأمور ثلاثة :أمر يتبين لك رشده فاتبعه ،وأمر
يتبين لك غيه فاجتنبه ،وأمر اختلف فيه فرده إلى عالمه))(.)123
وجاء من الآداب التي دعا إليها عيسى (عليه السلام)
الدعاء الذي يقال عند الدين،لما في مستدرك الحاكم عن عائشة
(رضي الله تعالى عنها) قالت :دخل علي أبو بكر فقال هل سمعت من
رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعاء علمنيه؟ قلت ما هو؟ قال:
كان عيسى ابن مريم يعلمه أصحابه قال(( :لو كان على أحدكم جبل
ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه اللهم فارج الهم كاشف
الغم مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت
ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك))(.)124
ومن الآداب التي كان يدعو إليها عيسى (عليه السلام)
أدب بذل العلم ،ففي سنن الدارمي (ت255هـ) عن معاوية أن أبا
من
العلم ً فروة حدثه أن عيسى ابن مريم كان يقول(( :لا تمنع ً
أهله فتأثم ،ولا تنشره عند غير أهله فتجهل ،وكن طبيبا رفيقا
يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع))(.)125
كما ذكر ابن كثير جملة من الحكم والآداب التي كان
يدعو إليها (عليه السلام)( ،)126فمن ذلك مارواه عبد الله بن
المبارك عن سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب قال :قال عيسى
للحواريين(( :كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك فاتركوا لهم
الدنيا ))(.)127
ومنها ما قاله ابن وهب عن سليمان بن بلال عن يحيى
بن سعيد قال كان عيسى يقول (( :اعبروا الدنيا ولا تعمروها.
(?) املعجم الكبري للط رباين ،10/386ح ديث رقم .10774وق ال اهليثمي يف جممع الزوائد :1/157 123
ورجاله موثقون.
(?) املستدرك .1/515 124
(?) سنن الدارمي ،مراجعة فواز أمحد زمريل وخالد السبع ،1/117حديث رقم .379 125
25
وكان يقول :حب الدنيا رأس كل خطيئة والنظر يزرع في القلب
الشهوة))(.)128
وقال سفيان الثوري (ت161هـ) :قال عيسى ابن مريم(( :لا
يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة في قلب مؤمن ،كما لا يستقيم
الماء والنار في إناء))(.)129
وقال أبو مصعب عن مالك :قال عيسى ابن مريم (عليه
السلام)(( :لا تكثروا الحديث بغير ذكر الله ،فتقسو قلوبكم؛ فإن
القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون ،ولا تنظروا في
ذنوب العباد كأنكم أرباب ،وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما
الناس رجلان معافى ومبتلى ،فارحموا أهل البلاء ،واحمدوا الله
على العافية))(.)130
26
المبحث الرابع :الوسيلة واألسلوب
أوالً :الوسيلة
الوس يلة يف األص ل :ما يتق رب به إىل الغ ري ،واجلمع الوس يل
()131
والوسائل .والواسل هو الراغب.
والوسيلة يف الدعوة هي الطريقة اليت يسلكها الداعية يف تبليغ الدعوة
()132
إىل املدعوين ،أو إزالة عوائقها.
ومن الوسائل اليت سلكها عيسى (عليه السالم) يف دعوته ،ما يلي-:
الدعوة بالقدوة
لقد جعل اهلل سبحانه وتعاىل رسله عليهم الصالة والسالم قدوة
ملدعويهم ،مبا أعط اهم من ص الح الق ول والعم ل ،وحسن اخلل ق ،ف إن اهلل ملا
بحانه: س قوله يف كما ريهم، لغ أئمة أهنم ذكر اء األنبي من ذكر يف كتابه مجلة َ
ََََْْ َْ ْ َْ ََْْ ََََْ َُْ َ ًّ َُْ َ َْ َ
اهَم أَئمةَ َيهدونَّ بأمَرَناُ وأَوَحينَا إليَهم فعل الخيرات َ َوَجعلن ّ
.)133أي رؤساءِ اة وِكانوا لنا عابِدينِِ ( وإقام الصلاة وِإيتاء الزك ِ
ِِ ِ في ِ
الخير. يقتدى بهم ِ ِ
ُومما يدل على مكانة القدوة وأهميتها في الدعوة إلى
الله فقد أمر نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) على ما هو
سبقه
يقتدي بمن َ عليه من إكمال العبودية لله سبحانه وتعالى أن َ
قال
السلام)َ َََحين ُّ (عليهَ َ ّ
من الأنبياء ،ومنهم عيسى ابن مريم ُ
الله
الأنبياءَ :أًْولئك ْ الُذَين هّدى َْ
لجملة منََُُْْ ََْسبحانهُ بعد َْذكره ُْ َ َ َُ ُ
ِ ِ
فْبَهدَاهمَ اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن ًهو إلا ذكرى
للرسول ِصلى لِلعالمين ِِ.)134( قال ابن كثير(( :وإذاِ كان هذا ِأمرا ِ
ِالله ِعليه وسلم فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به))(.)135
(?) انظر :سعيد القحطاين ،احلكمة يف الدعوة إىل اهلل تعاىل ،ص .126والدكتور علي عبداحلليم حممود ،فقه 132
ال دعوة إىل اهلل .1/215وحممد أبو الفتح البي انوين ،املدخل إىل علم ال دعوة ،ص .48وحممد عب دالقادر أبو
فارس ،أسس يف الدعوة ووسائل نشرها ،ص .80
(?) سورة األنبياء ،اآلية .73 133
27
ُ
ولقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في موضع
العزم
أولي ََ َََ من ْ ْ بعيسى (عليه السلام) مع إخوانه َ آخر بالاقتداء ُ
الرسل ْ،حينَ قالُّ عنهم المولى سبحانه وتعالى :فاصبر كما صبر ُمنُ َْ
ِ
.قال ابن كثير(( :قال تبارك وتعالى ()136
أولًو العزم من الرسل
الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من ِ رسوله ِصلى
ِ آمرا
قومه :فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل أي على تكذيب
قومهم لهم .وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال،
وأشهرها :أنهم نوح ،وإبراهيم ،وموسى ،وعيسى ،وخاتم الأنبياء
كلهم محمد صلى الله عليه وسلم))(.)137
وإذا كان عيسى (عليه السلام) قدوة لمحمد (صلى الله
عليه وسلم) فإن قوم عيسى من مدعويه أحوج إلى هذا الاقتداء لما
فيهم من النقص والتقصير في طاعة المولى سبحانه وتعالى ،ومما
يؤكد هذا الاقتداء بعيسى (عليه السلام) ما جبله الله عليه من
الفضائل ومكارم الأخلاق ،التي مرت بنا عند الحديث عن صفاته،
وقد وصفه ربه بأنه من الصالحين ،والصلاح كل ما يصدر عنه من
قول أو فعل .ومن اتصفت أقواله وأعماله بالصلاح ،كان قدوة حسنة
لمدعويه.
الدعوة بالدليل والبرهان
من سنن الله سبحانه أن ًأيد رسله بالدلائل القاطعة،
لهم،
والبراهين الساطعة ،التي تكون سببا في استجابة أقوامهم َ
بجملة
السلام)َ ُّ ولقد أيد الله سبحانه وتعالى رسوله عيسى (عليه ْ َ َ
الله ال ُ وتعالى ْ َ:إذَّْقَُ
سبحانه َ َ قولهََْ ََفيَ َ كما ْ البينات ُْْ
الآياتَْ ََََْ َمن َ
وح ِ
يسى َُابّنُ مريّم َ اذكر نْعَمْتي َعَلْيكً وعَلىْ َوّْالُدَتكَإذْ َأيَدتَك ْبْرََ
الَِحْكُمُةِ ِ ِ ِ ِ ِ اعَُ
يُْ
الناسَ َفيْ َالْمُهُد َوكهلاّ وإَذَْعَلمتك ّْالكت ْاب و َ الِقدّسَْتكَلمَ ْ ْ َ
الطَْينَ ِكَهيْئَةََْ الطيْر ِبإذَنيْ فُِتْنفُخ ن م
ْ َُْ ُ َْ ِق ل خ ت ذ إِ
و يل ج ن إ ال و ِ
َ ََُ ُ ًَْاة ر و ِ
الت و
ون طيِراِ بإِذني وتبرئِ الأِكمِه والأِبرص بإذِنِيِ وِإذ تخرج يهْاَ فتك ْ فَْ
ِ ِِ ِ ِ ِ ِالموتى بإذنيِ ِِ .
) 138(
ِِ ِ
وكان عيسى (عليه السلام) عند دعوة قومه إلى الله َُّ
سبحانه المولى
َْ ََ َّ َْ ُُْْ َ ْ َُّْ عنه قال كما الآيات، هذه من
ََُ ً َ َ معه بما رهم ك يذ
يل أَنَيْقُدُ جئتكمََبُآيَُةَْمًن ربْكم وتعالىَُ ُُ:وْرس َولا إلّى بنَيََْإسرائّْ ِ
ََّ َْ
ِ ِ
ون طيرَاَُّبُإُذْن ٍ ّ ِ
ك يف ْ يهِف خف ِ
ف ر ي ِ
الط ةِئ ي ه كِ
أنّي أ َُْ ُ ََََْْ َ َََْْ َُْ َََْْ
ن أ ين الطِ ن م مك ل ق ل خ
اللُهْ وْأنُِبِْئُكِْم
الله َْوُأُبرَئ َالَِأكَمّه ُِ وَِالأبرصُُِ وأُحْييِ ّالموتَى َِبِإَذنًَ َ َِ
آية لِكم إن ِكنتم ون وما تدخرون في بيوتكمِ إن في ذلكِِل ِ ُبْماِ تَأكل ِ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِمؤمنين.)139(
ِِ
28
قَال
ومن آياته املائ دة اليت أخرب اهلل س بحانه وتع اىل عنها بقول هَ :
َأِلولِنَا ِعيس ى ابن مَر اللَّه َّم ربَّنا َأنْ ِز ْل علَينا ماِئدةً ِمن َّ ِ
يدا َّالس َماء تَ ُك و ُن لَنَا ِع ً َ َْ َ َ َ َ ْ ُ ْ مَيَ ُ َ َ
اخ ِرنَا وءايةً ِمْنك وارز ْقنا وَأنْت خري َّ ِوء ِ
الرا ِزق َ
ني.)140( َ َ ُْ َ َ َ َ ُ َ ََ ََ
والآيات المذكورة في هذا السياق التي أيد الله بها
عيسى (عليه السلام) هي-:
-1الكلام في المهد.
ً ً
-2يخلق من الطين طيرا فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله.
والأكمه قيل في معناه :إنه الذي يبصر -3أنه ًيبرئ الأكمهً ،
نهارا ولا يبصر ليلا وقيل بالعكس وقيل :الأعشى وقيل:
الأعمش وقيل :هو الذي يولد أعمى وهو أشبه لأنه أبلغ في
()141
المعجزة وأقوى في التحدي.
يبرئ الأبرص. -4
حييي املوتى ب إذن اهلل .وقد ورد تك رار (ب إذن اهلل) يف اآلية دفع اً لت وهم -5
األلوهية ،ألن إحياء املوتى ليس من جنس أفعال البشر.
اإلنب اء مبا ي أكلون يف بي وهتم وما ي دخرون ،وذلك أهنم ملا أحـيا هلم -6
املوتى طلب وا منه آية أخ رى وق الوا :أخربنا مبا نأكل يف بيوتنا وما ن دخر
للغد ،فأخربهم فقال :يا فالن أنت أكلت كذا وكذا ،وأنت أكلت كذا
()142
وكذا وادخرت كذا وكذا; فذلك قوله "وأنبئكم" اآلية.
نزول املائدة. -7
فالذي جاء به عيسى (عليه السلام) كل ذلك آية من الله
إلى
العالمين ،يدعوهمَ ً
َ تحقق قوله وتصدق خبره أنه رسول من ربَ
مبيناْ
الآياتُ ّ َُ
هذهَْ َ َ
نهايةَّ ذكرَ َ ّ
قال َفي ََْ َ حيثًَُّ تقوى َالله وطاعتهَ ،
الرسالة َ ُْ:وْمُصُدْقا لمَا بيْن َيّدُيْ مَن ُّالتوراةَّولَأَحل ُلكم
الهدف َّمن َُّ ََُْ َََْ
ِ ِ ِ ِ
آية مَن ٌرُبْكَم ٌفاتقوا الله وأطيعون. ِ ِ
الَذي َّحرم ََعّلُيْكم َ وْجُئُتكُم بََ
بّعض ّ
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم. ِ ِ
ِ ِ ِ ِ
ولنا أن نتساءل ،ما الحكمة من كون آيات عيسى (عليه
السلام) من هذا الجنس ؟
29
ً
يجيب عن هذا الحافظ ابن كثير قائلا(( :قال كثير من
أهل زمانه، العلماء :بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب َ
السحر وتعظيم َّ فكان الغالب على زمان موسى (عليه السلام)
السحرة ،فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار ،فلما
استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام وصاروا
من عباد الله الأبرار .وأما عيسى (عليه السلام) فبعث في زمن
الأطباء وأصحاب علم الطبيعة ً،فجاءهم من الآيات بما لا سبيل
لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة ،فمن أين
للطبيب قدرة على إحياء الجماد؟ أو على مداواة الأكمه؟ والأبرص
وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟))(.)143
ومع هذه الآيات الباهرة والبراهين القاهرة كيف كانت
الاستجابة لعيسى (عليه السلام) ؟
َ
تلك السلام) ّ
بعد أن عاين اليهود من عيسى (عليه ْ ََ
المعجزات ،ما كان جواب كثير منهم إلا أن قالوا :إن هذا إلا ٌْ ُ ٌ
جملة سحر مبين .ويعود هذا إلى شدة عناد اليهود وجحودهم ِ،ومن ِ
الأسباب التي صدتهم عن اتباعه مع ما جاء به من الآيات البينات ِ ِ
ما يلي-:
-1ادعاء أحبار اليهود وكهنتهم أنهم الصلة بين الله وبين
الناس ،وبدونهم لا تتم صلة العبدً بربه ،ولا المخلوق
بخالقه ،فجعلوا يصدرون للناس أحكاما ويشرعون لها شرائع،
مصالحهمٌ
َََْ ويزعمون أنها من عند اللهَ ،كل ذلك من أجل َ
بقوله ْ :فوّيل عنهََ ْ اللهَُ ُ َ
أخبرُّ َ
قدْ ْ الصنف َ
وهذا ْ َ َالشخصيةَ ُُْ،
ّ َ َ
اللٌه
الكت َاب ً بأيدََيهْمٌ ثَمُْ يقّولون هَذَاَْ منَْ عندْ ََْ
ين َيكتبونًََلَلْذَُ
وا بَهْ ُثمَناِ قليلاِ ِفوِيل لهم مما كتبت ِ أيدِيهِم وويلِ ّ َِلُيِْشتر
يبطل هذه (عليه السلام) ِ ِ ِلهم مما ِيِكسبون .)ِ144( فجاء عيسى ِ
ِ ِ
الدعوى.
ً
-2شغف اليهود بالمال وولعهم بجمعه ،حتى صاروا عبيدا له،
فماتت قلوبهم وفسدت عقيدتهم ،وانحطت معنوياتهم وأخلاقهم،
ودب الفساد في كل جانب من جوانب حياتهم ،فجاء عيسى (عليه
السلام) ينكر عليهم ذلك ،ويحث على الزهادة في الدنيا.
()145
-3أنكر طائفة منهم القيامة ،واستبعدوا يوم الحشر.
(?) انظر :سعد صادق حممد ،األنبياء يف القرآن ص .241-237و د .أمحد شليب ،املسيحية ،ص .46 145
30
ولم يكتف اليهود بتكذيب الآيات ،بل حاصروا الدعوة
وحاربوها ،لمخالفتها ماهم عليه من الفساد ،فهي دعوة إلى
الفضيلة وهم أهل رذيلة ،وهي دعوة توحيد وهم أهل شرك ،وهي دعوة
للإيمان بعالم الغيب والروح وهم أناس ما ديون لا مكان للإيمان
()146
بعالم الغيب والروح عندهم.
اتخاذ الأنصار
لما لم تجد مع تلك الطائفة من اليهود هذه الآيات
البينات ،ووجد منهم الصد والإعراض ،والكفر بالله سبحانه
وتعالى ،اتخذ عيسى (عليه السلام) َوسيلةَ أخرى في دعوتهم إلى
أخبرَ
كماَُْ ََ
منهمَْ ،
أعوان َُُْ
يكونَّ لهََّ َ وتعالى ،وذلك أن ُ َ َ الله سبحانه
الكفرَقّال بقولهََّ :فلَمْاُأحَسَْعُيسى ّمنَهم َ َّ
وتعالى َعنهََ ََّْ سبحانه َ
الله ََْ َ َْ
اللَه
اللهَّْءَامنا بُِّ
ارَ َ ِ
الَّالحوَارَيّون نحَن أَنْصَْ اللهَ ق َ
ارّي إلىُْ ُ َمنَْْأنص َ
الرسولِامنا بما أنزلت و ِاتبعنا ِ ونَ .ربنا ء ِ اشُهْدَ بأَِنَاِ مَّسلم ِ
َو ْ
ِ ِ
فاكتبنا مع الشاهدين.
()147 ِ
ِِ
قال ابن كثير رحمه الله(( :يقول تعالى فلما أحس عيسى
أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال،
قال :من أنصاري إلى الله قال مجاهد :أي من يتبعني إلى الله،
وقال سفيان الثوري وغيره :أي من أنصاري مع الله ،وقول مجاهد
أقرب .والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله ،كما
كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول في مواسم الحج قبل أن
يهاجر "من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني
أن أبلغ كلام ربي" حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه وهاجر إليهم
فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر رضي الله عنهم وأرضاهم .وهكذا
عيسى ابن مريم (عليه السلام) انتدب له طائفة من بني إسرائيل،
ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه ،ولهذا ً فآمنوا به
قال تعالى مخبرا عنهم :قال الحواريون نحن َأنصار الله آمنا
أنزلتّ واتبعنا الرسول َ بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما
فاكتبنا مع الشاهدين والحواريون قيل :كانوا قصارين وقيل :سموا
بذلك لبياض ثيابهم وقيل :صيادين .والصحيح أن الحواري الناصر
كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ندب
الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير (رضي
الله عنه) فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) "لكل نبي حواري
وحواريي الزبير )) )148(.وأما أنصار عيسى (عليه السلام) فلم يأت
في القرآن ولا السنة تعيينهم وتحديد أسمائهم ،وقد اختلفت
()149
أناجيل النصارى في هذا التعيين.
(?) انظ ر :مس عود الغام دي ،رس الة ما جس تري ،ميالد عيسى عليه الس الم عند اليه ود والنص ارى واملس لمني، 146
ص.70
(?) سورة آل عمران ،اآليتان .52،53 147
31
َ
وقال القرطبي (ت671هـ)(( :وطلب النصرة ليحتمي بها من
قومه ويظهر الدعوة ،عن الحسن ومجاهد .وهذه سنة الله في
أنبيائه وأوليائه .وقد قال لوط :لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى
ركن شديد أي عشيرة وأصحاب ينصرونني .قال الحواريون نحن أنصار
الله أي أنصار نبيه ودينه))(.)150
وإذا تابعنا أحداث الدعوة بعد تلك الخطوة التي
التي ًأخبرت بذلك أن
الآيات َ
ًَ اتخذها عيسى (عليه السلام) ،نجد من
عنهم
فقالَ َوعناداَْ ُْ،
جحوداُ َ ُّ
إلاََ ّ
ذلك ََ اليهود لم يزدادوا بعد َََُ
المولى سبحانه وتعالى :ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين
وذلكِ أن
ِ ( .)151يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس منهم الكفر.
عيسى (عليه السلام) لما أخرجه قومه وأمه من بين أظهرهم ،عاد
إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة ،فهموا بالفتك بعيسى
(عليه السلام) وأرادوا به السوء والصلبً حين تمالئوا ً عليه
ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان ،وكان كافرا ،أن هنا رجلا يضل
الناس ويصدهم عن طاعة الملك ،ويفسد الرعايا ،ويفرق بين الأب
وابنه ،إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب،
وأنه ولد زنية ،حتى استثاروا غضب الملك ،فبعث في طلبه من
ويصلبه وينكل به ،فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد ِ يأخذه
ظفروا به نجاه الله تعالى من بينهم ،ورفعه من روزنة ذلك البيت
إلى السماء ،وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل،
فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى ،فأخذوه وأهانوه
وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك .وكان هذا من مكر الله بهم فإنه
نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم ،وتركهم في ضلالهم يعمهون،
يعتقدون أنهم قد ًظفروا بطلبتهم وأسكن الله في قلوبهم قسوة ً
وعنادا للحق ملازما لهم ،وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم
()152
التناد.
السياحة في الأرض
السياحة في الأرض هي الانتقال من مكان إلى مكان،
وكذلك كان عيسى (عليه السلام) ،فإنه لم يستقر في مكان واحد،
قالََْبعض
الناس َ ،ولذاُْ َ
بل كان ينتقل من مكان إلى مكانُُْيدعوَْ ُ
السلف في تفسير قوله تعالى :اسمه المسيح عيسى ابن مريم ً
سياحته فيها فرارا ( .)153أي :لكثرة سياحته ،وقيل لمسحه الأرض ِأي ِ
بدينه من الفتن في ذلك الزمان لشدة تكذيب اليهود وافترائهم
(?) انظر :منرية احلبيب ،رسالة ما جستري ،عيسى ابن مرمي يف ضوء الكتاب والسنة ،ص .180،181 149
(?) انظر :القرطيب ،اجلامع ألحكام القرآن .64 ،4/63وابن كثري ،تفسري القرآن العظيم .367 ،1/366 152
32
وعند القرطبي ،قيل :لأنه مسح الأرض ،أي ّ عليه وعلى أمه (.)154
()155
ذهب فيها فلم يستكن بكن.
ٍ
والدعوة إلى الله تحتاج من الداعية إلى الالتقاء
بالمدعوين ،وقد يتطلب الأمر من الداعية أن يذهب إليهم في
بلدانهم وأماكنهم ليبلغهم دعوة الله سبحانه وتعالى ً ،وبخاصة
عندما تكون الدعوة جديدة على القوم لا يعرفون عنها شيئا ،ولذا
فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما أيس من أهل مكة ذهب
يدعو أهل الطائف ،كما كان يعرض نفسه على القبائل في مواسم
الحج ليجد من يقبل دعوة الله وينصرها حتى ينتقل إليه ،وكان
ذلك من نصيب أهل المدينة ،عندما استجاب وفودهم إلى هذه الدعوة
الجديدة التي كان من نتيجتها أن هاجر الرسول (صلى الله عليه
وسلم) إلى المدينة وأكمل دعوته هناك .إضافة إلى ما كان يبعث
به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الرسائل والرسل إلى
()156
أقوام آخرين.
وكان عيسى (عليه السلام) كذلك يبعث بالرسل وهم
الحواريون ليبلغوا الدعوة في أماكن مختلفة ،وقد اشتهر عند أهل
الكتاب تسمية هؤلاء الحواريين بالرسل.
ً
وتذكيرا بما سبق من أن دعوة عيسى (عليه السلام) تكون
في زمانين مختلفين ً ،زمان مضى ،وزمان قادم ،فإن منهج السياحة
في الأرض سيكون أيضا في آخر الزمان كما كان في زمن دعوة بني
إسرائيل ،وتدل على ذلك الأخبار الواردة في ذكر نزول عيسى
(عليه السلام) ،فقد ورد في صحيح مسلم أن عيسى ينزل عند
المنارة البيضاء شرقي دمشق ،وأنه يطلب المسيح الدجال حتى
يدركه فيقتله بباب لد( .)157وباب لد في فلسطين كما في مسند
الإمام أحمد(( :حتى يأتي فلسطين باب لد))(.)158
ومما يدل على تنقالته يف آخر الزم ان ما ورد يف صحيح مس لم
عن أيب هري رة (رضي اهلل عن ه) حيدث عن النيب (ص لى اهلل عليه وس لم) ق ال:
(?) ابن كثري ،تفسري القرآن العظيم .1/364وقصص األنبياء ،ص.667 154
(?) انظر نص وص بعض رس ائل النيب (ص لى اهلل عليه وس لم) إىل املل وك وغ ريهم عند ابن القيم يف زاد املع اد 156
3/688وما بعدها.
(?) انظر احلديث الطويل ال ذي أخرجه مس لم ،كت اب الفنت وأش راط الس اعة ،ح ديث رقم .2937وق ال 157
احلم وي يف معجم البل دان :لُ ٌّد بالضم والتش ديد قرية ق رب بيت املق دس ،من ن واحي فلس طني ،بباهبا ي درك
عيسى ابن مرمي الدجال فيقتله( .معجم البلدان .) 5/15
(?) املسند .6/75 158
33
ده ليهلن ابن م رمي بفج الروح اء( )159حاج اً أو معتم راً أو ((وال ذي نفسي بي
على جميء عيسى ابن مرمي إىل مكة ،وإن كان للحج ،فإن ليثنينهما))( .)160دليل
يعرف ون لل دعوة وطن اً ،بل ي دعون إىل اهلل يف كل مك ان ال دعاة إىل اهلل ال
بأنبياء اهلل عليهم السالم؟! حيلون فيه ،فكيف
إزالة آلة الباطل
قد جيد الداعية يف جمتمع ال دعوة أم راً من الباط ل ،حيت اج الداعية
إىل إزالته وختليص املدعوين من ه ،ويتمثل ه ذا يف دع وة عيسى (عليه الس الم)،
فهو يكسر الصليب،ويقتل اخلنزير ،كما دل عليه حديث نزوله يف آخر الزمان،
وما حيدث منه عند ذلك ،لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة (رضي
الله عنه) قال :قال رسول الله (صلى الله عليهً وسلم)(( ً:والذي
نفسي بيده ،ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا ،فيكسر
الصليب ،ويقتل الخنزير ،ويضع الجزية ،ويفيض المال حتى لا
يقبله أحد))(.)161
قال ابن حجر(( :قوله فيكسر الصليب ،ويقتل الخنزير ،أي
يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة ،ويبطل ما تزعمه
النصارى من تعظيمه))(.)162
وعقيدة الصليب من العقائد الأساسية التي يعتقدها
منشأ هذه العقيدة من إيمانهم بأن وكان ُ النصارى إلى اليومُ ،
سبحانه وتعالى رد
الله َُّ َُْ
ولكن ََ ْوصلبُ ََُ،
السلام)ََقُتلُ ََ
ََ عيسى (عليه
.وهذا ()163
عليهم بقوله :وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم
عل ِضعف عقولهم ،فكيف النصارى يدل ِ الاعتقاد الذي اعتقده
الله أو ابن الله على يعتقدون صلبه وهم الذين يزعمون أنه ً
اختلاف بينهم َ.وما أحسن ما قال الشاعر ردا عليهم في زعمهم:
ُّ ُ
نروم جوابه ممن أعباد المسيح لنا سـؤال
وعاه
يهودي فما هذا إذا صلب الإله بفعل عبد
()164
الإله
(?) قال احلافظ أبو بكر احلارثي :هو بني مكة واملدينة( .النووي ،شرح صحيح مسلم .)8/234 159
34
وأول من اخترع لهم شارة الصليب هو َالملك قسطنطين،
زعم أنه رأى في السماء صورة صليب من ذهب ،وملك يقول له :إن
كنت تريد غلبة أعدائك فاجعل هذه الصورة علامة قدامك ،فإنك
()165
غالب بها جميع أعدائك.
وأما ما يتعلق بقتل الخنزير ،لأنه نجس محرم الأكل،
على النصارى وغيرهم ،فهو محرم على النصارى بالتوراة لأنهم
مأمورون باتباعها ،ولم يأت الإنجيل بنسخ ذلك ( .)166فكان في
قتل عيسى للخنزير في آخر الزمان فضح للنصارى بما بدلوا وغيروا
من أمور دينهم ،مثل استحلالهم للحم الخنزير.
قتال أعداء الله
كانت دعوة عيسى(عليه السلام) في زمنه لبني إسرائيل
دعوة سلمية تقوم على المواعظ والأمثال والزواجر ،ولم يرد في
النصوص الشرعية ما يدل على قتاله لأعدائه في ذلك الزمان.
وأما في آخر الزمان عندما ينزل إلى الأرض فإنه يقاتل
ُالأعداء وعلى رأسهم المسيح الدجال ،فإنه يطلبه حتى يقتله بباب
لد ،كما مر بنا الحديث الذي رواه مسلم( .)167وجاء في صحيح ابن
حبان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله ٍ
عليه وسلم)(( :فينزل عيسى ابن مريم فإذا رآه عدو الله يذوب كما
يذوب الملح ،ولو تركوه لذاب حتى يهلك ولكنه يقتله الله بيده
فيريهم دمه بحربته))(.)168
وبقتل عيسى ابن مريم للمسيح الدجال يخلص الناس من
فتنة عظيمة ،لما في سنن ابن ماجه (ت275هـ) من حديث أبي أمامة
قال :خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكان أكثر الباهلي ً
خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه ،فكان من قوله أن قال:
((إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأً الله ذرية آدم أعظم من
فتنة الدجال ،وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال،
وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم))(.)169
وفي صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين (رضي الله
عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)(( :ما بين خلق آدم إلى
(?) انظر :الشهرستاين ،امللل والنحل .210 ،وابن حزم ،الفصل يف امللل واألهواء والنحل .1/59 166
(?) صحيح ابن حبان 15/224رقم .6813قال الشيخ شعيب الأرنؤوط :إسناده 168
صحيح.
(?) السنن ،كتاب الفنت ،حديث رقم .4077 169
35
قيام الساعة خلق أكبر من الدجال))( .)170قال النووي :أكبر فتنة
وأعظم شوكة (.)171
ولا يقتصر قتال عيسى (عليه السلام) على قتال الدجال
ويدعوهم إلى
ً فحسب ،بل يقاتل اليهود والنصارى في ذلك الزمان،
الإسلام ،ولا يقبل منهم غيره ،ولا يقبل منهم الجزية أيضا.
ثانياً :األسلوب
الأسلوب :الطريق والفن ،يقال :هو على أسلوب من أساليب
القوم :أي على طريق من طرقهم .ويقال :أخذنا في أساليب من
()172
القول :فنون متنوعة.
وعلى أس اس التعريف اللغ وي ميكن تعريف أس لوب ال دعوة بأنه
الكيفية اليت يتم هبا تبليغ الدعوة إىل املدعوين ،وإزالة العوائق (.)173
وهن اك ترابط بني الوس يلة واألس لوب ،ف إذا قلن ا :إن الوس يلة هي
الطريقة اليت يتم هبا التبليغ أو إزالة العوائ ق ،ف إن األس لوب هو الفن ،أو كيفية
()174
استخدام هذه الطريقة.
ومن األساليب اليت سلكها عيسى (عليه السالم) يف دعوته ،ما يلي-:
ضرب الأمثال
ضرب األمثال أسلوب من أساليب اإليضاح والبيان يف الدعوة ،إن مل يكن
أقواها يف إبراز احلقائق املعقولة ،يف صورة األمر احملسوس .والغرض من ضرب
األمث ال تش يبه اخلفي ب اجللي ،والغ ائب بالش اهد ،فيصري غري احملس وس مطابق اً
للمحسوس ،وذلك هو النهاية يف اإليضاح .وضرب املثل هو حالة تشبيه حتدث
(?) انظر :الفريوز أبادي ،القاموس احمليط ،ص ،1/248مادة [سلب] .والفيومي ،املصباح املنري،1/304 ، 172
ال دعوة إىل اهلل .1/215وحممد أبو الفتح البي انوين ،املدخل إىل علم ال دعوة ،ص .46وحممد عب دالقادر أبو
فارس ،أسس يف الدعوة ووسائل نشرها ،ص .80
(?) انظر :الدكتور علي جريشة ،مناهج الدعوة وأساليبها ،ص.139 174
36
يف النفس حالة التف ات بارع ة ،يلتفت هبا املرء من الكالم اجلديد إىل ص ورة
املثل املأنوس(.)175
قال إبراهيم النظام (( :جيتمع يف املثل أربعة ال جتتمع يف غريه من
الكالم :إجياز اللفظ ،وإصابة املعىن ،وحسن التشبيه ،وجودة الكناية ))(.)176
ويف أمهية ضرب األمثال لتوضيح األقوال يقول أمري املؤمنني علي
بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) (( :األمثال مصابيح األقوال ))
()177
37
بن أبي الجعد قال :قال عيسى(( :اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم،
وتروح لا تحرث ولا تحصد ،والله
ً انظروا إلى هذه الطير تغدو
يرزقها ،فإن قلتم نحن أعظم بطونا من الطير ،فانظروا إلى هذه
الأباقير من الوحوش والحمر ،فانها تغدو وتروح لا تحرث ولا
()180
تحصد ،والله يرزقها)).
ويمثل طالب الدنيا كشارب ماء البحر ،فعن إبراهيم
الحربي عن داود بن رشيد عن أبي عبدالله الصوفي قال قال عيسى
(عليه السلام)(( :طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر ،كلما ازداد
شربا ازداد عطشا حتى يقتله))(.)181
الدفْلى( )182حيث يقول(( :يا علماء
كما َمثَّل علماء السوء بشجرة ِّ
السوء ،جعلتم الدنيا على رؤسكم ،والآخرة تحت أقدامكم ،قولكم
شفاء ،وعملكم داء ،مثلكم مثل شجرة الدفلى ،تعجب من رآها وتقتل
من أكلها))(.)183
الحكمة في القول
احلكمة :هي الكالم الذي يقل لفظه وجيل معناه( .)184وميكن القول
بأهنا عب ارة م وجزة املبىن جليلة املع ىن .واحلكمة هلا أثر كبري يف ال دعوة إىل اهلل،
وذلك جلمال ألفاظها ،ومسو معانيها ،وسهولة حفظها وترديدها.
كلام
والكلام الموجز البليغ ذو المعنى الجلي هو صفة َ
رسول
الأنبياء عليهم السلام ،تصف عائشة (رضي الله عنها) ًكلام ّ
الله (صلى الله عليه وسلم) فتقول(( :كان يحدث حديثا لو عده
العاد لأحصاه)) (.)185
وفي رواية عنها قالت(( :ما كان رسول الله (صلى الله
عليه وسلم) يسرد سردكم هذا ،ولكنه كان يتكلم بكلام يبينه فصل
يحفظه من جلس إليه))(.)186
(?) ابن كثري ،قصص األنبياء .654 ،وابن املبارك يف الزهد ،حديث رقم .848 180
(?) ش جر ُم ٌر حسن املنظر يك ون يف األودي ة ،وهي من الس موم( .ابن منظ ور ،لس ان الع رب 182
184
(?) إبراهيم أنيس ورفاقه ،املعجم الوسيط.190 ،
(?) متفق علي ه ،أخ رج البخ اري ،اجلامع الص حيح ،كت اب املن اقب ،ح ديث رقم .3567ومس لم ،كت اب 185
38
وكان كلام عيسى ابن مريم (عليه السلام) كذلك يجمع
عن
والإيجاز والوضوح ،ولو تأملنا ماً حكى الله سبحانه َ َ َ البلاغة
ال
يقولَ ًَ :قَْ
حيث ً َُ المهدًََََ
بهاَ في َ ّالتيَ َنطقَ َََ الكلماتَ َ ْعيسى َْمنُ تلكّ َ َّ
ا .وَجّعلنيََّ مبارَكا َأين ي بن ي ن لع ج
ً َّ ََ َّ َ ُُْو اب ت ك ال ي انات ء َِإِ ُُْ َََِْ َ
هالل دب ع ي ن
الَدْتَي ِ ِ ِ
الزُكاةَ مّاََْ دمُت ْحُياََْ.وَبراَُ بُو َ ِ ِ
َمَاْ كَنْتًَْ وأوصَّانيً َبّالصل َاة وَّ
وُلْمَُيَجّعلني جبِارا شِقيا .وِالسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم
ِ ِ ِ ِ
الموجزة جمعت معان عظيمة، ِ أبعث حيا .)187( ِفهذهِ الكلمات البليغة
ففيها بيان لحقيقة نفسه ،وفيها ً بيان لمهمته وشريعته ،وفيها
بيان لشيء من أخلاقه وصفاته ،فضلا عن أنها رد على تلك التهمة
الموجهة إلى أمه.
يستطيع أحدكم أن الحكمة قوله(( :كما أنه لا ً ً ومن أمثلة
()188
يتخذ على موج البحر دارا ،فلا يتخذ الدنيا قرارا)).
وقوله(( :طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية،
()189
وانتبهت إلى غير إثم)).
وقوله(( :طوبى للمتواضعين في الدنيا ،هم أصحاب المنابر َ
يوم القيامة .وطوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا ،هم الذين َُّ
يورثون الفردوس يوم القيامة .وطوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا،
هم الذين ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة))(.)190
وقوله(( :يا معشر الحواريين اجعلوا كنوزكم في السماء،
()191
فإن قلب الرجل حيث كنزه)).
الترغيب والترهيب
ال رتغيب من رغب ،والرغبة يف الش يء هي احلرص على الش يء
والطمع فيه( .)192والقصد بالرتغيب يف جمال الدعوة إىل اهلل هو ما يشوق املدعو
إىل االس تجابة وقب ول احلق( .)193وميكن الق ول ب أن ال رتغيب وعد يص حبه حتبيب
مبصلحة أو لذة أو متعة آجلة ،مؤكدة ،خرية ،مقابل القيام بعمل صاحل (.)194
(?) أخرجه اإلمام أمحد يف الزهد ص .76وذكره ابن كثري ،قصص األنبياء ،ص .653وطارق الطنطاوي، 188
(?) انظر :عبد الرمحن النحالوي ،أصول الرتبية اإلسالمية وأساليبها ،ص .257 194
39
والرتهيب :من رهب أي خاف( ،)195وهو التخويف من حصول مضرة،
أو احلرمان من منفعة ،دنيوية أو أخروية ،عاجلة أو آجلة.
فالرتغيب والرتهيب أسلوب دعوي يتجاوب مع فطرة اإلنسان ،من
حيث رغبتها يف اخلري ،ونفورها من الشر ورغبتها يف الس المة من الض ر ،يف
العاجل واآلج ل ،وذلك بتهدي دها وختويفها من حص ول ذل ك ،لتبتعد عن كل
ما يكون سبباً يف حصول الشر ،أو احلرمان من اخلري.
ويف جمال الرتغيب قالت امرأة لعيسى (عليه السلام) :طوبى
لحجر حملك ولثدي أرضعك فقال(( :طوبى لمن قرأ كتاب الله
()196
واتبعه)).
وقوله (( :طوبى لمن بكى من ذكر خطيئته وحفظ لسانه ووسعه بيته))
(.)197
وقوله (( :طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية وانتبهت إلى
غير إثم))(.)198
أخرب عنه ويف جمال ال رتهيب جند ق ول عيسى (عليه الس الم) كما َ
ََ َ ََْ ُ َ ََ ََْ َ ُُْ َ َّ َّ َ َ
اللَهَْربُي
َ َّ وا
َ ْ ابّنَي إسرُّائيلََْاعبد
َ يحَْي
َ المسّ بقولهُْ:وْقال
ْ َ ُسبحانه
ّ ْ املوىل
ُ َََّ
ِ ِ ِ ِ ِ َ
اللَه فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه ورّبكُم َإَنه منّ يشرَك ْب َْ
ِ النار وِما للظالمِين منِ أنصار.
()199 ِ
ٍ ِ ِِ ِ
الدعوة بالموعظة
َْ َُ َُ َُْ
الوعظ والعظة والموعظة :النصح والتذكير بالعواقب ،وقال
()200
بما يلين قلبه من ثواب وعقاب. ابن سيده :تذكرتك ِالإنسان ِ
ونجد في دعوة عيسى (عليه السلام) موعظته لقومه بتقوى
مائدة
ْ عليهم
ً الله سبحانهُ وتعالى ،وذلك حين طلبوا منه أن ُينزل
قائلاََََْ :إذوتعالىَْ َُّ
سبحانهُ ََّ المولىْ ََْ
بذلك ََََْ َ أخبر ََْكماَ َ السماءَ َّ ،
َمنَ ََْ
ِ
يع ُْربك أَن َينُزل عُلينُا ابُن مريمَّهل ْيسُتْطُْ ون ياعَيسَىَ ّ
َقالًَ الَحواريَّ
ِ ِ
اللْهََإنَْكنَتْم َمَؤْمَنَينََ .قُالَوا ََنْرَيد
وا ََ اتقَُ ِ
السماءََْقَالّ َُُمْائدَةَُْمن َِْ
أنِ نأكِل منها ِوتطمئن قلوبنا ونعلمِ أن قد صدقِتِنا ونكون علِيها
ِ ِ 195
(?) ابن منظور ،لسان العرب ،436 / 1مادة [رهب].
(?) ابن كثري ،قصص األنبياء ،ص .653 196
(?) املرجع السابق ،املوضع نفسه .وابن أيب الدنيا ،كتاب الصمت وآداب اللسان ،حديث رقم .15 197
(?) ابن سيده ،املخصص ،السفر الثالث عشر ،ص .95وابن منظور ،لسان العرب ،7/466مادة [وعظ]. 200
40
َ
َ َ ّ
.قال الطبري(( :وأما قوله :قال اتقوا الله ()201
من الشاهدين
ِإن كنتمِِمؤمنين فإنه يعني :قال عيسى للحواريين القائلين له:
هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء راقبوا الله
أيها القوم ،وخافوا أن ينزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا،
فإن الله لا يعجزه شيء أراده ،وفي شككم في قدرة الله على
إنزال مائدة من السماء كفر به ،فاتقوا الله أن ينزل بكم نقمته
إن كنتم مؤمنين! يقول :إن كنتم مصدقي على ما أتوعدكم به من
عقوبة الله إياكم على قولكم :هل يستطيع ربك أن ينزل علينا
مائدة من السماء.)202())
41
الخاتمة
بعد استعراض دعوة عيسى (عليه السلام) في الكتاب
والسنة وجدنا ما تميزت به تلك الدعوة النبوية من مزايا عن
بقية دعوة الأنبياء ،فهو النبي الذي خلق من غير أب ،مما جعل
النصارى يقولون فيه أنه ابن الله ،وهو النبي الذي نطق بالدعوة
وخاطب قومه وهو فيً المهد ،وهو النبي الوحيد الذي لم يمت بل
رفعه الله إليه حيا بروحه وبدنه ،وسينزل في آخر الزمان بروحه
وبدنه.
ودعوة عيسى (عليه السلام) الدعوة الوحيدة التي يدعو
فيها النبي في زمانين مختلفين ،وهو الزمان الذي بعث فيه (عليه
السلام) وتكون دعوته في هذه الفترة لبني إسرائيل ،وأما الفترة
الثانية التي يدعو فيها فهي آخر الزمان حين ينزله الله سبحانه
محمد (صلى الله عليه
وتعالى ،وتكون دعوته في هذه الفترة لأمة ً
وسلم) ويحكم بشريعته دون أن ينسخ منها شيئا ،وبنزوله في آخر
الزمان يقتل المسيح الدجال ويخلص الناس من أعظم فتنة تمر على
بني آدم.
ودعوة عيسى (عليه السلام) هي الدعوة التي يزعم آلاف
الملايين من البشر في هذا الزمان أنهم أتباعها ،وقد كذبوا في
ذلك ،لأنهم اتبعوا نصرانية محرفة مبدلة ،فلم يكن في دعوة عيسى
ابن مريم (عليه السلام) تثليث ولا صلب ولا فداء ،وهذه الأمور
من أصول عقائد النصارى اليوم ،التي ابتدعها لهم المحرفون
المبطلون.
حتى من زعم أنه اتبع النصرانية الحقة التي كان عليها
عيسى (عليه السلام) فليس له ذلك؛ لأنها نسخت بشريعة نبينا
محمد (صلى الله عليه وسلم) ،وقد حكم رسول الله (صلى الله عليه
وسلم) على اليهودي والنصراني الذي لا يؤمن به أنه من أصحاب
النار حين قال(( :والذي نفس محمد بيده ،لا يسمع بي أحد من هذه
الأمة ،يهودي ولا نصراني ،ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به
إلا كان من أصحاب النار))(.)203
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.
42
أسس في الدعوة ووسائل نشرها ،حممد عبد القادر أبو فارس ،ط(1دار الفرقان، -3
األردن1412 ،هـ).
أشراط الساعة ،يوسف الوابل ،ط(12دار ابن اجلوزي ،الرياض1420 ،هـ). -4
اإلص ابة في تمي يز الص حابة ،ابن حج ر ،ط( 1مطبعة الس عادة ،مص ر، -5
1328هـ).
أص ول التربية اإلس المية وأس اليبها ،عبد ال رمحن النحالوي ،ط(1دار الفك ر، -6
دمشق.)1979 ،
أصول الدعوة ،عبدالكرمي زيدان ،ط( 3دار عمر بن اخلطاب ،اإلسكندرية). -7
إغاثة اللهفان ،ابن القيم ،حتقي ق :حممد عفيفي ،ط( 2املكتب اإلسالمي ،بريوت، -8
1409هـ) .
األنبياء في القرآن ،سعد صادق حممد ،ط(1دار اللواء ،الرياض1402 ،هـ). -9
-10تذكرة الدعاة ،البهي اخلويل ،ط( 6مكتبة الفالح ،الكويت1399 ،هـ).
-11التص ريح بما ت واتر في ن زول المس يح ،الكش مريي ،حتقيق ومراجعة وتعلي ق:
عبدالفتاح أبو غدة( .مكتب املطبوعات اإلسالمية ،حلب1385 ،هـ).
-12تفسير القرآن العظيم ،ابن كثري ،ط(1دار الفكر1400 ،هـ).
-13التواضع والخم ول ،ابن أيب ال دنيا ،حتقيق وتعليق لطفي حممد الص غري (دار
االعتصام ،القاهرة).
-14تيس ير الك ريم ال رحمن في تفس ير كالم المن ان ،الس عدي( ،نشر الرئاسة العامة
إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد ،الرياض1410 ،هـ).
-15جامع البيان ،الطربي ،ط(2مصطفى احلليب ،مصر1373 ،هـ).
-16الج امع الص حيح ،البخ اري ،ت رقيم حممد ف ؤاد عبد الب اقي ،ط( 1املطبعة
السلفية ،القاهرة.) 1400 ،
-17الجامع ألحكام القرآن ،القرطيب( ،دار الكتب العلمية ،بريوت1413 ،هـ).
-18حكم ومواعظ عيسى ابن م ريم (عليه الس الم) ،ط ارق الطنط اوي( ،مكتبة ابن
سيناء ،القاهرة1412 ،هـ).
43
-19الحكمة في الدعوة إلى اهلل تعالى ،سعيد علي القحطاين ،ط1413(2هـ).
-20حلية األولياء ،أبو نعيم ،ط (3دار الكتاب العريب ،بريوت1400 ،هـ).
-21زاد المسير ،ابن اجلوزي ،ط( 1املكتب اإلسالمي).
-22زاد المعاد ،ابن القيم ،ط( 3مؤسسة الرسالة ،بريوت 1402 ،هـ).
-23الزهد ،ابن املبارك ،حتقيق حبيب الرمحن األعظمي( ،مؤسسة الرسالة ،بريوت)
-24س نن أبي داود ،إع داد وتعليق ع زت عبيد ال دعاس ،ط( 1دار احلديث،
بريوت1388 ،هـ).
-25س نن ابن ماجه ،حتقيق وت رقيم حممد ف ؤاد عبد الب اقي( ،املكتبة اإلس المية،
استانبول).
-26س نن الترم ذي ،حتقيق وش رح أمحد حممد ش اكر ،نش ر(دار إحي اء ال رتاث
العريب).
-27س نن ال دارمي ،مراجع ة :ف واز أمحد زم ريل ،وخالد الس بع (دار الكت اب الع ريب،
بريوت1407 ،هـ)
-28ش رح ص حيح مس لم ،الن ووي ،ط( 2دار إحي اء ال رتاث الع ريب ،ب ريوت،
1392هـ).
-29الص حاح ،اجلوهري ،حتقيق أمحد عبد الغف ور عط ار ،ط( 3دار العلم
للماليني ،بريوت1404 ،هـ).
-30ص حيح مس لم( ،رئاسة إدارات البح وث العلمية واإلفت اء وال دعوة
واإلرشاد ،الرياض1400 ،هـ).
-31عيسى ابن مريم في ضوء الكتاب والسنة ،منرية احلبيب ،رسالة ماجستري ،كلية
اآلداب للبنات ،عام 1407هـ.
-32فتح الباري ،ابن حجر ،ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي ،تصيح وتعليق مساحة
الش يخ عبد العزيز بن ب از ،نش ر(رئاسة إدارات البح وث العلمية واإلفت اء
والدعوة واإلرشاد ،الرياض).
44
-33الفصل في الملل واأله واء والنحل ،ابن ح زم ،حتقيق د .حممد إب راهيم نص ر،
ود .عبد الرمحن عمرية ،ط( 1شركة عكاظ1402 ،هـ).
-34فض ائل الص حابة ،اإلم ام أمحد ،حتقيــق وصي اهلل بن حممد عب اس ،ط( 1دار
العلم ،جدة1403 ،هـ ).
-35فقه ال دعوة إلى اهلل ،علي عبد احلليم حمم ود ،ط(3دار الوف اء ،املنص ورة،
1412هـ).
-36القاموس المحيط ،الفريوز أبادي( ،دار الفكر ،بريوت.)1398 ،
-37قصص األنبياء ،ابن كثري( ،دار املعرفة ،بريوت).
-38كتاب الصمت وآداب اللسان ،ابن أيب الدنيا ،حتقيق جنم عبد الرمحن خلف ،ط
(1دار العرب اإلسالمي ،بريوت1406 ،هـ).
-39لسان العرب ،ابن منظور( ،دار صادر ،بريوت).
-40مجمع األمث ال ،املي داين ،حتقي ق :حممد أبوالفضل إب راهيم( ،عيسى الب ايب
احلليب وشركاه ،مصر).
ريوت، ة ،ب -41مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ،اهليثمي( ،دار الكتب العلمي
1408هـ).
-42مجم وع الفت اوي ،ابن تيمي ة ،مجع وت رتيب عبد ال رمحن بن حممد بن قاسم
وابنه حممد ،ط1408( 1هـ).
-43مختار الصحاح ،الرازي ،ط(1دار الكتاب العريب ،بريوت1979 ،م).
-44المخصص ،ابن سيده( ،دار الفكر ،بريوت1398 ،هـ).
-45الم دخل إلى علم ال دعوة ،حممد أبو الفتح البي انوين ،ط( 1مؤسسة الرس الة،
بريوت1412 ،هـ).
-46المستدرك على الصحيحين ،احلاكم( ،دار املعرفة ،بريوت).
-47مسند أبي داود الطيالسي ،ط( 1حيدر أباد1321 ،هـ).
-48مس ند أبي يعلى ،حتقي ق :الش يخ حسني س ليم أس د ،ط( 1دار املأمون لل رتاث،
دمشق1405 ،هـ).
45
-49مسند الإمام أحمد ،ط( 5املكتب اإلسالمي ،بريووت1405 ،هـ).
وك ذلك املس ند بتحقيق أمحد ش اكر ،ط( 3دار املع ارف ،مص ر،
1368هـ).
-50المس يح يع ود إلى األرض ثانية ،حمم ود ال ديك ،ط( 1الش ركة القابضة جملموعة
احلبتور ،ديب1417 ،هـ).
-51المسيحية ،أمحد شليب ،ط( 10مكتبة النهضة املصرية ،القاهرة.)1993 ،
-52المصباح المنير ،الفيومي( ،مصطفى البايب احلليب ،مصر).
-53مع الم ال دعوة في قصص الق رآن الك ريم ،عبد الوه اب بن لطف
الديلمي ،ط( 1دار اجملتمع ،جدة1406 ،هـ).
-54معجم البلدان ،احلموي ،ط ( 3دار الفكر ،بريوت1400 ،هـ).
-55معجم الكب ير ،الط رباين ،حتقيق محدي عبد اجمليد الس لفي ،ط( 1ال دار
العربية للطباعة).
-56المعجم المفه رس أللف اظ الح ديث النب وي ،ت رتيب وتنظيم لفيف من
املستشرقني ،ونشر د .ا .ي .ونسنك( ،مكتبة بريل ،ليدن.)1936 ،
-57المعجم الوسيط ،إبراهيم أنيس ورفاقه ،الطبعة الثانية.
-58الملل والنحل ،الشهرس تاين ،حتقيق عبد العزيز حممد الوكي ل ،نش ر(دار
الفكر).
-59مناهج الدعوة وأساليبها ،علي جريشة ،ط(1دار الوفاء ،املنصورة1407 ،هـ).
-60موطأ اإلمام مالك ،ط( 6دار النفائس ،بريوت.)1402 ،
-61ميالد عيسى (عليه الس الم) عند اليه ود والنص ارى والمس لمين ،مس عود بن
س عد الغام دي ،رس الة ماجس تري ،جامعة اإلم ام حممد بن س عود اإلس المية ،كلية
أصول الدين بالرياض ،قسم العقيدة واملذاهب املعاصرة ،عام 1405/1406هـ.
-62النب وة واألنبي اء في اليهودية والمس يحية واإلس الم .أمحد عبد الوه اب ،ط
(2مكتبة وهبه ،القاهرة1413 ،هـ).
-63النبوة واألنبياء ،حممد علي الصابوين ،ط( 1عامل الكتب ،بريوت1405 ،هـ).
46
(خمط وط) -64ن ثر الآلليء من كالم علي بن أبي ط الب رضي اهلل عنه
مكتبة الس ليمانية ،اس تانبول ،خمط وط رقم ،3581حتت فه رس (أس عد
أفندي).
-65النهاية في غ ريب الح ديث واألثر ،ابن األث ري ،حتقي ق :ط اهر أمحد ال زاوي،
وحممود حممد الطناحي ،ط(1درا إحياء الكتب العربية1383 ،هـ).
-66هداية الحي ارى ،ابن القيم ،حتقي ق :ال دكتور حممد أمحد احلاج ،ط(1دار القلم،
دمشق1416 ،هـ).
-67هداية المرشدين ،علي حمفوظ ،ط( 5دار االعتصام1371 ،هـ).
-68اليهود في السنة المطهرة ،عبد اهلل بن ناصر الشقاري ،ط(1دار طيبة ،الرياض
1417هـ).
47
محتويات البحث
1 تقديم
المبحث األول :الداعي
عيسى ابن مريم (عليه السالم)
3 اصطفاء الله لأم عيسى وآل عمران
4 اسه ونسبه
5 ولادته
8 صفات عيسىُ (عليه السلام)
9 الخلقية
الصفات َ
11 الصفات الخلقية
14 رفعه إلى السماء
15 نزوله في آخر الزمان
17 الحكمة من نزوله
18 مدة بقائه في الأرض بعد نزوله
المبحث الثاني :المدعو
19 الصنف الأول :بنو إسرائيل
الصنف الثاني :أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) آخر الزمان 23
المبحث الثالث :الموضوع
26 العقيدة
28 الشريعة
30 الآداب والأخلاق
المبحث الرابع :الوسيلة واألسلوب ً
33 أولا :الوسيلة
33 الدعوة بالقدوة
34 الدعوة بالدليل والبرهان
38 اتخاذ الأنصار
40 السياحة في الأرض
41 إزالة الباطل
43 قتالً أعداء الله
44 ثانيا :الأسلوب
44 ضرب الأمثال
46 الحكمة في القول
47 الترغيب والترهيب
49 الدعوة بالموعظة
50 الخاتمة
51 قائمة مراجع البحث
48
49