You are on page 1of 50

‫دعوة عيسى (عليه السالم)‬

‫في الكتاب والسنة‬

‫تم تحميل البحث من موقع األستاذ الدكتور سليمان بن قاسم العيد‬


‫‪http://fac.ksu.edu.sa/saleid1‬‬

‫إعداد‬
‫د‪ .‬سليمان بن قاسم العيد‬

‫جامعة الملك سعود‬


‫كلية التربية‬
‫قسم الثـقافة اإلسالمية‬

‫‪1421‬هـ‬
‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬
‫تقديم‬
‫إن احلمد هلل حنمده ونستعينه‪ ،‬من يهده اهلل فال مضل له‪ ،‬ومن‬
‫يض لل فال ه ادي ل ه‪ ،‬وأش هد أن ال إله إال اهلل وح ده ال ش ريك ل ه‪ ،‬وأن‬
‫حمم داً عب ده ورس وله‪ ،‬ص لى اهلل عليه وعلى آله وص حبه وس لم تس ليماً كث رياً‪،‬‬
‫أما بعد‪-:‬‬
‫ف إن دراسة سري األنبي اء يف ال دعوة إىل اهلل‪ ،‬خري طريق لالقت داء هبم‬
‫والسري على هنجهم يف الدعوة إىل اهلل سبحانه وتعاىل باحلكمة واملوعظة احلسنة‪،‬‬
‫وخباصة أويل الع زم من الرسل(‪( )1‬عليهم الص الة والس الم) ال ذين من بينهم عيسى‬
‫ابن مرمي (عليه السالم)‪.‬‬
‫ودع وة عيسى (عليه الس الم) ج ديرة ب البحث والدراسة لكونه من‬
‫أويل الع زم من الرسل (عليهم الص الة والس الم) وملا متيز به من بني الرسل أنه‬
‫ي دعو يف زم انني خمتلفني ولط ائفتني من الن اس كما س يأيت بيانه إن ش اء اهلل‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫ولذا أردت في هذا البحث الموجز أن أتطرق لدعوة عيسى‬
‫عنه في الكتاب والسنة‪ ،‬وقمت‬
‫(عليه السلام) من خلال ما ورد ً‬
‫بتقسيم البحث إلى أربعة مباحث وفقا لأركان الدعوة ‪ ،‬وهي على‬
‫(‪)2‬‬

‫النحو التالي‪-:‬‬
‫المبحث الأول‪ :‬الداعي وهو عيسى (عليه السلام)‬
‫وفي هذا المبحث أتحدث عن جوانب هامة من حياة عيسى‬
‫(عليه السلام) للتعريف به‪ ،‬ومن ذلك اصطفاء الله لأمه وآل‬

‫(?) وهم‪ :‬نوح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموسى‪ ،‬وعيسى‪ ،‬وخاتم الأنبياء كلهم محمد صلى الله عليهم وسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫(ابن كثير‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.) 4/173‬‬


‫(?) اختلف الب احثون يف علم ال دعوة ح ول أرك ان ال دعوة من حيث ع ددها‪ ،‬وما هيته ا‪ .‬فعلى س بيل املث ال‬ ‫‪2‬‬

‫عدها الدكتور عبداحلليم حممود ثالثة وهي‪ :‬العقيدة‪ ،‬والعبادة‪ ،‬واخللق‪( .‬انظر‪ :‬فقه الدعوة إىل اهلل ‪.)1/113‬‬
‫وعدها البيانوين ثالثة أركان‪ :‬الداعي‪ ،‬املدعو‪ ،‬موضوع الدعوة‪( .‬انظر‪ :‬املدخل إىل علم الدعوة ص‪،)152‬‬
‫وع دها س عيد علي القحط اين أربعة هي‪ :‬املوض وع‪ ،‬ال داعي‪ ،‬املدعو‪ ،‬الوس يلة واألس لوب‪( .‬انظ ر‪:‬‬
‫سعيدالقحطاين‪ ،‬احلكمة يف الدعوة إىل اهلل تعاىل‪.) 116 ،‬‬

‫‪1‬‬
‫عمران‪ ،‬وكذلك اسمه ونسبه‪ ،‬وولادته‪ ،‬وصفاته‪ ،‬ورفعه إلى السماء‪،‬‬
‫ونزوله آخر الزمان‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المدعو‬
‫ُّ‬
‫وفي هذا المبحث أعرف بمن يدعوهم عيسى (عليه السلام)‬
‫أمة عيسى (عليه السلام) وهم بنو‬ ‫وهم طائفتان من الناس‪ِ ،‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬ثم أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) في آخر الزمان‪،‬‬
‫بالحديث عن شيء من صفاتهم وأحوالهم‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬موضوع الدعوة‬
‫وفي هذا المبحث أتطرق للحديث عن الموضوعات الدعوية‬
‫التي يدعو إليها عيسى (عليه السلام) مثل‪ :‬العقيدة‪ ،‬والشريعة‪،‬‬
‫والأخلاق‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الوسيلة والأسلوب‬
‫وينقسم الحديث في هذا المبحث إلى قسمين‪ ،‬فالأول‬
‫منهما يختص بالوسيلة‪ ،‬والثاني يختص بالأسلوب‪ ،‬وأعرض تحت كل‬
‫قسم ما دلت عليه الأدلة من الوسائل والأساليب التي سلكها عيسى‬
‫(عليه السلام) في دعوته‪.‬‬
‫وأما الخطوات التي سلكتها في هذا البحث فهي على‬
‫النحو التالي‪-:‬‬
‫‪ -1‬الاعتماد على نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬والاستفادة من أقوال‬
‫أهل العلم من المفسرين والمحدثين فيما يتعلق بموضوع‬
‫البحث‪.‬‬
‫عزو اآليات إىل مواضعها يف القرآن‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫ختريج األحاديث من مصادرها األصلية‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫الاكتفاء بذكر معلومات الطباعة لمراجع البحث في قائمة‬ ‫‪-4‬‬
‫المراجع في آخر البحث‪.‬‬
‫عمل قائمة مراجع البحث مرتبة هجائياً‪ ،‬حسب اسم الكتاب‪.‬‬ ‫‪-5‬‬
‫واهلل املوفق واهلادي إىل سواء السبيل …‬

‫‪2‬‬
‫المبحث األول‪ :‬الداعي‬
‫المسيح عيسى ابن مريم (عليه السالم)‬
‫اصطفاء الله لأم عيسى وآل عمران‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫خلقه‪ َ ،‬كما ّفي‬
‫اصطفىََْرسلهَ منًُُ َ‬ ‫وتعالى َ‬ ‫سبحانهُ ََْ‬
‫ّ‬ ‫َ َ إن الله‬
‫وتعالى‪ :‬الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫سبحانه‬
‫َ‬ ‫َ‬‫ّ‬ ‫قوله‬ ‫ّ‬
‫السلام) ممنِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن الله سميع بصير‪ . ‬وعيسى ابن مريم (عليه‬ ‫(‪)3‬‬

‫الرسالة‪-‬‬
‫الاصطفاء –دون َ ْ َ َ‬ ‫الله ِ‬ ‫ِاصطفاهم َِ‬
‫لرسالته‪ ،‬وهذا َ‬ ‫سبحانه َ‬ ‫َ‬
‫وتعالى‪َ  :‬وَإذ قَالت‬ ‫سبحانه َ ََْ‬ ‫قوله ََََّ‬ ‫عمران‪ ّ،‬كماَّفي ََْ‬ ‫وآلََُْ‬ ‫شمْلََأمهَُ َ‬
‫اءِ‬ ‫ِ‬
‫المَلائكة (ي‪)4‬امريم إن الله اصطّفاك ّوَطهرْكََ واصَطفََاك َعُلىً َنَس َ‬ ‫َِْ‬
‫سبحانه‪ َ َ:‬إَن ِالله اصِطفى ءادمِ ونوحا ِوء ِ‬
‫ال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وقال ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫الَعالمَِين‪.َ ََ‬‬ ‫ْ‬
‫ين‪.)5( ‬‬ ‫إبراهِيم وءال عمران على العالم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫كما ذكر المولى في كتابه العزيز ما أنعم به على‬
‫وحين‬
‫ولادتها‪َََُْ ،‬‬
‫شأنهاُ َفيَْ َ َّ ّ‬ ‫من ََْ‬ ‫كان َ َ‬ ‫مريم من نعم‪ ،‬ومنَ ذلك ماَ ْ‬
‫الَت َامْرَأة ّعمرُان رْبَ إنُي َنَذّرت‬ ‫سبحانه‪ ْَّ:‬إّذ ق ّ‬
‫يقولًَّ ََ‬ ‫حيثْ ُ‬ ‫كفالتها‪َ ،‬‬ ‫ََ َ‬
‫ِ‬
‫يمْ‪َ .‬فَلْمَا‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََلَكَْ َِ َْ ِ َّ ّ َََُْ َُِِْ ِ َ ُّ ََُِْ َ َََِ‬
‫ل‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫يع‬ ‫م‬ ‫الس‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ب‬ ‫ق‬ ‫ت‬‫ف‬ ‫ا‬ ‫ر‬‫ر‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ط‬ ‫ب‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫ا‬‫م‬
‫الَُتَْ ربَإنّي َوّضْعُتَهاَُأْنَثَى َوّالله ُأعلُمَ بمَا َوُضّعّتََ وليَس‬ ‫وضَّعَتُها َق ْ‬
‫ِ‬
‫يذْهَاََبك وَذَريًتهاًََمن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذْكَر كالَّأنثى َوإَنَيَّسَمَيتهاََّمريمََُوإني ََأعََ‬ ‫َّ‬
‫الرجَيم‪َُِّ.‬فِتقَبَلَهاََرْبَها َبقَبّولِِ ْحسْنَِوَأَنبَتَهَا َ ْنَبَاتا حْسًنا‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ان‬
‫ََََّ ََ ّ‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫الش‬
‫اب وّجد ّعَندهاَُْرُزَقْا‬ ‫ّ‬ ‫ر‬ ‫ٍ‬
‫ح‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫َوكَفلهَاَِْزَكُر َّ َ ََ َ َْ َُ ْ ْ‬
‫ٍ‬
‫ا‬ ‫ي‬ ‫ر‬‫ك‬ ‫ز‬‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ه‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ا‬‫ِ‬ ‫ي‬
‫ال ُيامَرْيمِ َأنى لك هذا قالت هو مِن عند ِ الله إن اللِه يرزِق من‬ ‫قََ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫يشاء بغير حساب‪. ِ ‬‬
‫)‬‫‪6‬‬ ‫(‬

‫ِ ِِ ٍ‬
‫وتتمثل عناية الله سبحانه وتعالى بمريم في هذه‬
‫الآيات‪ ،‬بعدة أمور على النحو التالي‪-:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫استجابة لدعوة أمها بقولها‬ ‫لها‪ُ َْ ،‬‬ ‫وتعالى ّ ُ‬ ‫سبحانه ََُْ‬
‫الله ّ ََّ‬ ‫قبولََّْ‬‫َ‬ ‫‪-1‬‬
‫الَعليم‪ ‬فقال المولى سبحانه‬ ‫‪ ‬فتقبل مَنَيَّإَنَك أَنّتَ السَمُيع َ‬
‫وتعالى‪ِ  :‬فِتقبِلها ربها بقِبول حسن‪.‬‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫ِ ٍ ٍ ً‬
‫أنبتها نباتا حسنا‪ ،‬والنبات الحسن‬ ‫َ‬ ‫وتعالى‬‫‪ -2‬أن الله سبحانه ُ‬
‫نشأة دينية‬ ‫ً‬ ‫فنشأت‬
‫ً‬ ‫لقية‪،‬‬
‫ً‬ ‫والخ‬
‫ً‬ ‫يشمل الصفات الخلقية‬
‫(‪)7‬‬
‫كريمة‪،‬وقد جعل الله لها شكلا مليحا ومنظرا بهيجا‪.‬‬

‫(?) سورة احلج‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬ ‫‪3‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.42‬‬ ‫‪4‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.33‬‬ ‫‪5‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآليات ‪.37-35‬‬ ‫‪6‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.1/360‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ -3‬أن الله سبحانه وتعالى جعل كفالتها بيد نبي من أنبيائه‬
‫وهو زكريا (عليه السلام)‪ ،‬فكان ذلك من أسباب النشأة‬
‫الصالحة لها‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الله أعاذها وذريتها من الشيطان الرجيم بدعاء أمها‬
‫ما‬
‫لها‪ ،‬وفي هذا يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم) ‪ً (( :‬‬
‫من مولود يولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخا‬
‫من مس الشيطان إياه إلا مريم وابنها)) ثم يقول أبو هريرة‬
‫واقرءوا إن شئتم ‪‬وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان‬
‫الرجيم‪.)8( ‬‬
‫اسمه ونسبه‬
‫العزيز‬
‫سبحانه وتعالى اسمه ونسبه في كتابه ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ذكر اللهَ‬
‫الت‬
‫سبحانه‪ َْ :‬إُذ ق َ‬
‫قولهُ ُُْ‬‫مريم‪َ ،‬فيَ ْ‬ ‫ابنَُُّ‬ ‫نسبهَُْعلى ّكونه َُّ‬‫ولمََيزدَُ َ َ‬ ‫ْ‬
‫اللَه يَبشْرك َبكلَمةَ منْهََُّاسمَه المس ِيح عيسىِ‬
‫ّْ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ام‬‫ي‬ ‫ة‬
‫ُْ َََْ َ ً‬‫ك‬ ‫ائ‬ ‫ل‬ ‫م‬ ‫ال‬
‫ابن مرِيم وجيها فِي الدنيا و ِال ِآخرِة ِومٍن ِالمقربين‪ ِ .)9( ‬قال ِابن‬
‫مريم‪ ،‬أي‪ :‬يكون هكذا‬‫ِ‬ ‫عيسى ِابن‬
‫هـ)‪((ِ :‬اسمه المسيح ِ ِ‬ ‫كثير ً(ت‪ِ 774‬‬
‫مشهورا في الدنيا‪ ،‬يعرفه المؤمنون بذلك‪ .‬وسمي المسيح‪ ،‬قال بعض‬
‫السلف‪ :‬لكثرة سياحته‪ ،‬وقيل‪ :‬لأنه ًكان مسيح القدمين لا أخمص‬
‫لهما‪ ،‬وقيل‪ :‬لأنه كان إذا مسح أحدا من ذوي العاهات برئ بإذن‬
‫الله تعالى‪ .‬وقوله تعالى ‪‬عيسى ابن مريم‪ ‬نسبة إلى أمه حيث لا‬
‫أب له))(‪.)10‬‬
‫وهذا هو نسبه احلقيقي ال زيادة على ذلك‪ ،‬إال أن أهل الكتاب‬
‫زادوا يف نس به‪ ،‬فنس بوه إىل يوسف النج ار‪ ،‬زعم وا أنه ك ان خطيب اً ألم ه‪،‬‬
‫فذكروا نسبه من طريق يوسف النجار‪ ،‬فأوصله صاحب إجنيل مىت إىل إبراهيم‪،‬‬
‫(‪)11‬‬
‫وأوصله صاحب إجنيل لوقا إىل آدم عليه السالم‪.‬‬
‫وقد كذبوا يف ذلك‪ ،‬فكيف ميكن معرفة نسب رجل من عامة بين‬
‫إس رائيل إىل إب راهيم‪ ،‬أو إىل آدم (عليه والس الم)‪ ،‬وإذا س لَّمنا أنه ميكن معرفة‬
‫النسب إىل إب راهيم‪ ،‬فكيف يُع رف النسب إىل آدم‪ ،‬وبني آدم وذلك الرجل‬
‫ق رون ال يعلمها إال اهلل س بحانه وتع اىل‪ ،‬ق ال اهلل س بحانه وتع اىل يف حكايته‬
‫ين ِم ْن‬ ‫َّ ِ‬
‫ود َوالذ َ‬
‫ٍ‬ ‫ين ِم ْن َقْبلِ ُك ْم َق ْوِم نُ ٍ‬
‫وح َوعَاد َومَثُ َ‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫عن األقوام‪َ  :‬أمَلْ يَْأت ُك ْم َنبَُأ الذ َ‬
‫(?) أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب تفسري القرآن‪ ،‬حديث رقم ‪.4548‬‬ ‫‪8‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬ ‫‪9‬‬

‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.1/364،365‬‬ ‫‪10‬‬

‫(?) انظر‪ :‬أمحد عبد الوهاب‪ ،‬النبوة واألنبياء يف اليهودية واملسيحية واإلسالم‪.65 ،‬‬ ‫‪11‬‬

‫‪4‬‬
‫َب ْع ِد ِه ْم اَل َي ْعلَ ُم ُه ْم ِإاَّل اللَّهُ‪ .)12( ‬ق ال ابن إس حاق عن عم رو بن ميم ون عن‬
‫عبد اهلل أنه قال يف قوله ‪ ‬ال يعلمهم إال اهلل ‪: ‬كذب النسابون‪ .‬وقال عروة‬
‫بن الزبري (ت‪94‬هـ)‪ :‬وما وجدنا أحداً يعرف ما بعد معد بن عدنان(‪.)13‬‬
‫ولادته‬
‫َ َ‬
‫بقوله‬
‫السلام) َ ُْ‬‫َ‬ ‫(عليهماَُّ‬
‫بعيسى َّ ُ‬ ‫مريمََُْ ّ‬ ‫إلىُ َ‬‫البشرىََ َ‬
‫ْ‬ ‫جاءت َ‬
‫َْ‬
‫ائْكَةَ يامريم إن الله يبشرك بكلمة منه‬ ‫سبحانه‪ َْ :‬إُذ َ ُْ َ‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫ت‬ ‫ال‬ ‫ق‬ ‫ُُْ‬
‫يح عيسِى ابن مريم …‪ . ‬وحيث أن مريم (عليها‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪)14‬‬‫(‬ ‫ِ‬ ‫اسمه المس ِ‬
‫َِ‬
‫يأتيها الغلامَ فتساءلت ‪‬‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كيف‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫تعجبت‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬‫تتزوج‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫عذراءَُِلم‬
‫ُ‬ ‫السلام)ّ َّ‬
‫َ َْ َ‬
‫الجواب َمن‬
‫ُّ َُُْ‬ ‫فجاءها‬ ‫َ َ ََ‬
‫(‪)15‬‬
‫‪‬‬ ‫ر‬‫ش‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ن‬‫س‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫ل‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ي‬‫ل‬ ‫ون‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫ى‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫قالت‬
‫شيء ُِْ‪َ ‬قَُال كذلك الله يخلق ما‬ ‫يعجزهُ َُ‬
‫لاَ َُ‬ ‫الذي َِ ّ‬ ‫العلي َِ ََ‬
‫القدير ًَْ‬ ‫ََ ُ‬
‫يشاء إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون‪ِ.ِ ‬‬
‫)‬ ‫‪16‬‬‫(‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وفي موضع آخر من القرآن الكريم يأتي تفصيل ذلك الحمل‬
‫سبحانه‬
‫يقول َ ََ ً‬ ‫حيث َْ َ‬ ‫البشر‪ْ ،‬‬
‫سابق من َََْْ‬ ‫غير َمثال َََْ‬ ‫والولادةْ على ْ‬
‫العجيب َ َ ُْ‬ ‫ً‬
‫انا‬‫وتعالى‪ََّً َ :‬وْاذكرْ فُي ْالكتَابً مَرَيَمَْْإَذ انَتْبَذت مُن ًََأهلَهَاََّمكََ‬ ‫َْ ّ‬
‫شَرَقًيا‪َ .‬ف ّاتخذتَ َمْن ِّدونهَمُ ُِحجِابا ًّْفَأرسلِنِْاَ إْلَيهُاَْ ِرَوحّنا ِفتَمثَل ّلَها‬
‫الرحّمن َمنَكْ ِإَُنّ كنتَُتقَُيا‪ .‬قَُالٌ إَنَمْا‬ ‫وذِ ًب َ‬‫ََبِشراَُ سُوي َا‪ ّ.‬قالَِتَإَنيًَِِأعَُ‬
‫ونّ َلّيٌغلَامََِْوَلُم‬
‫ا‪ِ .‬قَالَتَِّأنىَُ يكََِ‬
‫ً‬
‫ولٌَِربكََْلأَهُِبِ َلكّ غل َامِاَ زَكَي ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬‫َأْنَاْ رس َ‬
‫َيمَسًسني بًّشر ِِولَمَْأَكً بغِّيا‪َ .‬قَالَ كَِذْلًك ق َالْرّبك هوََََعْلُي هَِينَْوَلَنْجعله‬
‫َءَايًةِ لَلنّاس ورحمة مِنا وكان أمِرِا مقضيِا‪ .‬فحملته فِانتبِذت به‬
‫السلام إنما هو بنفخة ِِ‬
‫من‬ ‫مكانا ِقصياِ‪ .)17( ‬إذاِ فحمل مريم عليها ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫صورة‬
‫السلام) َْعلىْ َُْ‬ ‫(عليه َّْ‬ ‫جبريل َُ ُ‬ ‫إليهاْ ّ‬ ‫الله‪ ،‬وذلك حين بعث َ َ‬ ‫روح‬
‫ً‬
‫بشر فتعوذت منه حين رأته ‪‬قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت‬ ‫َّ‬
‫زعم ِأنه ِكان في‬ ‫تقيا‪ ‬ذلك أن التقي ذو نهية‪ .‬وهذاِِ يرد قول ِمن ِ‬
‫فاسق مشهور بالفسق اسمه تقي(‪ .)18‬فأجابها الملك‬ ‫إسرائيل رجل ً‬ ‫بني ً‬ ‫ِ‬
‫مطمئنا لها‪ ،‬ومهدئا لروعها‪ ،‬فأمنت على نفسها حينئذ‪ .‬وتم لها‬
‫الحمل بعد أن نفخ الملك في جيب درعها فنزلت النفخة إلى فرجها‪،‬‬
‫فحملت من فورها كما تحمل المرأة عند جماع بعلها‪ ،‬ومن قال‪ :‬إنه‬
‫فيها من‬ ‫نفخ في فمها وأن الذي يخاطبها هو الروح الذي ولج ّ‬
‫فمها‪ ،‬فقول خلاف ما يفهم من سياقات هذه القصة في محالها من‬
‫القرآن‪ ،‬فإن هذا السياق يدل على أن الذي أرسل إليها ِملك من‬
‫(?) سورة إبراهيم‪ ،‬اآلية ‪.9‬‬ ‫‪12‬‬

‫(?) ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.2/527‬‬ ‫‪13‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬ ‫‪14‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.47‬‬ ‫‪15‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.47‬‬ ‫‪16‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآليات ‪.22-16‬‬ ‫‪17‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪.608‬‬ ‫‪18‬‬

‫‪5‬‬
‫الملائكة هو جبريل (عليه السلام)‪ ،‬وقد ورد الخلاف في مدة‬
‫(‪)19‬‬
‫حملها‪ ،‬والمشهور عند الجمهور أنه تسعة اشهر‪.‬‬
‫َََ ََ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫اءًًها‬
‫وتعالى‪ْَُ:‬فُأجَْ‬‫سبحانهَْ ََُ‬
‫قال ّ َ‬ ‫الولادةَ ََْ‬
‫َ‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أحداث‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫وفي ّ‬ ‫ًََْ ُ َ ْ‬
‫الَيتني َمْت قَبَلًَ َهّذا َوْكَنت َنسّيا‬ ‫المّخاض إَلَى َ جَ ْ ََْ َ َّ َْ‬
‫ي‬ ‫ت‬‫ال‬ ‫ق‬ ‫ة‬‫ل‬ ‫خ‬ ‫الن‬ ‫ع‬ ‫ذ‬ ‫َْ‬
‫َمُنّسيا‪َِ .‬فْنادِاهْاَِ من ّتْحََتِها َُ ألْا تَحَزْنِي ُقَِدً جَعلّ ربك َُتحتك َ سَْرَيا‪.‬‬
‫اشِْرَبي‬
‫النخّلِة ًَتس ْاقَطَ علَيَِكً رطبَاُ جنيّا‪ ِ .‬فَكَلْيُ ِ و ّ‬ ‫وَهَِزّي َإْلًيك بَجذّع ََِ‬
‫َوِْقًري ََعِْيناَُِِّفَِإمِا َْتْرَين ِْمنّ الِبشر أحِدا فقوليِإني نذِرت للرحِمن‬
‫كثير‪ِ((ِ :‬فاضطرها ِ ِ‬
‫وألجأها‬ ‫ِ‬ ‫صوِما فلن أكلمِ اليوِم إنِسيا‪ِ )20(‬قال ابن‬
‫في المكان الذي تنحت إليه‪ ،‬وقد اختلفوا‬ ‫جذع النخلة ِ ِ‬ ‫الطلق إلى ِ‬
‫فيه … والمشهور أنه ببيت لحم الذي تلقاه الناس بعضهم عن بعض‬
‫ولا يشك فيه النصارى أنه ببيت لحم‪ ،‬وقد ورد به الحديث إن صح‬
‫))(‪ .)21‬وحين أحست بالطلق تمنت الموت لأنها عرفت أنها ستبتلى‬
‫وتمتحن بهذا المولود‪ ،‬الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على‬
‫عابدة‬
‫السداد‪ ،‬ولا يصدقونها فيً خبرها‪ ،‬وبعدما كانت عندهم َ ََْ‬ ‫ُ‬
‫‪-‬فيماْ ّيظنون‪ -‬عاهرة زانية‪ ،‬فقالت‪ :‬ياليتني‬ ‫عندهمًَْ َ‬ ‫تصبح َُُْ‬‫ناسكة‪ََ َ،‬‬
‫ّ َْ‬
‫مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا‪ .‬ولكن جاءها الأمان من ربها ِ‬
‫بذلك‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫النداء‪ ،‬واختلف في ََّهذا َِ‬ ‫ِ‬
‫وكان‬
‫أو ّ عيسى (َ‪َْ ّ.)ُ22‬‬ ‫جبريلَ َ‬
‫هوّ َْ‬ ‫هلََ َ‬
‫ً‬‫َ‬ ‫ْ‬‫َ‬‫المنادي‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫النداء ْ‪‬ألَاَْ تحُزَنًي قدَ جّعل رَبُك تحَتكَْسريا‪ََّ.‬وهزيَْإًليك‬ ‫هذاَْ َُ‬‫مضمون ّ‬ ‫ْ‬
‫اشربِي وقري ِ عيِنا‪ِ‬‬ ‫بجذع النخلة تساقط عليك رطِبا جنيا‪ .‬فكِلي و ِ‬
‫السلامة من‬ ‫جهة ِ‬ ‫طمأنينتها من ِ‬
‫ِ‬ ‫‪1376‬هـ)‪(( ِ:‬فهذا ِ‬ ‫قالِ السعديِ (ت ِ‬ ‫ِِ‬
‫والمشرب الهني‪ .‬وأما من جهة قالة‬ ‫ً‬ ‫المأكل‬ ‫ألم الولادة‪ ،‬وحصول َ‬
‫وجه‬
‫تقولََّعلى ََْْ‬ ‫البشر أن َْ ُ‬ ‫ً‬ ‫رأتًْأحدا من‬‫إذاَ َ‬ ‫أنها ّْ‬ ‫فأمرها ََُْ‬
‫ّ‬ ‫الناس‪،‬‬
‫ً‬
‫الإشارة ‪‬إني نذرت للرحمن صوما‪ ‬أي‪ :‬سكوتا ‪ ‬فلن أكلم اليوم‬ ‫ّْ‬
‫تخاطبيهم ِ بكلام‪ ،‬لتستريحي من قولهم ِوكلامهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫أي‪ ًِ:‬لا‬
‫إنسيا‪ِ ‬‬
‫وكان معروفا عندهم أن السكوت من العبادات المشروعة‪ .‬وإنما لم‬ ‫ِِ‬
‫تؤمر بمخاطبتهم في نفي ذلك عن نفسها‪ ،‬لأن الناس لا يصدقونها‪،‬‬
‫ولا فيه فائدة‪ ،‬وليكون تبرئتها بكلام عيسى في المهد‪ ،‬أعظم‬
‫شاهد على براءتها))(‪.)23‬‬
‫الله‬
‫التي ُأخبرَ ََُْ‬ ‫لقومها ُُ َ‬
‫مواجهتهاََْ َْ‬
‫وبعد ذلك كله جاءت َََْ َ‬
‫سبحانه وتعالى عنها بقوله‪  :‬فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .3/116،117‬وقصص األنبياء‪ ،‬ص ‪.610‬‬ ‫‪19‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآليات ‪.26-23‬‬ ‫‪20‬‬

‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.3/117‬‬ ‫‪21‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.3/118‬‬ ‫‪22‬‬

‫(?) تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ‪.5/100،101‬‬ ‫‪23‬‬

‫‪6‬‬
‫ً‬
‫ََْ َْ ََ‬ ‫ََْ ُْ ًًَْ َ ّ َ َُْ َ ُ َ(‪َُ َ َ َ )24‬‬
‫لَقدَْجُئّت شَيئّا فريا‪ .‬ياأخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫كانتِأمِك بغيا‪.)25ِ( ‬‬
‫ِ ِ‬
‫جاءت مريم إلى قومها وهي تعلم براءة نفسها ونزاهتها‪،‬‬
‫وهي واثقة من تبرئة الله سبحانه وتعالى لها‪ .‬فعندما قال لها‬
‫قومها تلك المقولة‪ ،‬وعجبوا من ذلك وهي من أهل بيت طيب طاهر‬
‫معروف بالصلاح والزهادة والعبادة‪ .‬لم تتول هي الإجابة لنفي‬
‫من‬
‫تعلمُ أنهََْليسَُُّ‬ ‫وهيْ َ‬ ‫وليدها‪َ َْ،‬‬
‫َََ‬ ‫التهمة عنها‪ ،‬ولكنهاً أشارت إلى‬
‫يتولى الرد عنها ‪ ‬فأشارت إليه قالوا كيف نكلم‬ ‫حتىَْ َ ّ‬ ‫الكلام ْ‬ ‫أهل َ َ‬‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من كان في المهد صبيا‪ ، ‬ولكن من إيمانها بربها وثقتها به‬ ‫(‪)26‬‬

‫اللهِ صاحب المهد ببراءتها ونزاهتها‪.‬‬ ‫فعلت ذلكِ فأنطق ِ‬


‫ََ ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الَْإَني‬ ‫الإشارةًَ‪ ‬ق َ‬
‫هذهََ ًَُ‬ ‫بعد ًََ‬ ‫السلام) َ ّ‬ ‫(عليه ََََ‬
‫عيسىَْ َ َ‬ ‫فنطقَ َ‬
‫َُْ ّ َ‬
‫ا‪َ ُ.‬وّجعلنيََّمبارَكا َ أينَِمَِاْ‬ ‫اب ّوَجعلنَيَ نبيُْ‬ ‫الكت َ‬‫اللْهََ ءاتانيً َّ‬‫ُعْبُد ََ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزك َاة ّ ماََْدمُت ْحُيا‪ََ.‬وْبَراَُ بُوالَدَتْيَ ُْوَلُم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اني َ بّالصلَاة ّوَ ُ‬ ‫ِ‬
‫َكًْنَتْ ‪‬وأَوّص ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َيّجعلني جبارا شقيا‪ .‬والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حيا‪ .)27( ِ‬ومن ِالملاحظ أن عيسى (عليه ِالسلام) لم يرد مباشرة‬
‫على التهمة الموجهة لأمه‪ ،‬بل إن مضمون كلامه فيه رد قوي عليهم‬
‫بما زعموا‪ ،‬فإن الله سبحانه وتعالى لا يعطي الكتاب والنبوة‬
‫لولد من زنى‪ ،‬إضافة إلى ماوهبه الله من الأوصاف الجميلة التي‬
‫(‪)28‬‬
‫توحي ببركته ونزاهة أمه وطهارتها‪.‬‬

‫(?) ويف نس بة م رمي إىل ه ارون ق ال ابن كث ري‪(( :‬أي ش بيهة ه ارون يف العب ادة …ق ال علي بن أيب طلحة‬ ‫‪24‬‬

‫والس دي قيل هلا‪" :‬يا أخت ه ارون" أي أخي موس ى‪ ،‬وك انت من نس له‪ ،‬كما يق ال للتميمي‪ :‬يا أخا متيم‪،‬‬
‫وللمضري‪ :‬يا أخا مضر‪ ،‬وقيل‪ :‬نسبت إىل رجل صاحل كان فيهم امسه هارون‪ ،‬فكانت تقاس به يف الزهادة‬
‫والعبادة‪ .‬وحكى ابن جرير عن بعضهم‪ :‬أهنم شبهوها برجل فاجر كان فيهم يقال له‪ :‬هارون‪ ،‬ورواه ابن أيب‬
‫ح امت عن س عيد بن جب ري‪ .‬وأغ رب من ه ذا كله ما رواه ابن أيب ح امت عن الق رظي يف ق ول اهلل عز وجل "يا‬
‫أخت ه ارون" ق ال‪ :‬هي أخت ه ارون ألبيه وأم ه‪ ،‬وهي أخت موسى أخي ه ارون اليت قصت أثر موس ى‪،‬‬
‫"فبص رت به عن جنب وهم ال يش عرون" وه ذا الق ول خطأ حمض؛ ف إن اهلل تع اىل قد ذكر يف كتابه أنه قفى‬
‫بعيسى بعد الرس ل‪ ،‬ف دل على أنه آخر األنبي اء بعث اً وليس بع ده إال حممد ص لوات اهلل وس المه عليهم ا…‬
‫وال ذي ج رأ الق رظي على ه ذه املقالة ما يف الت وراة بعد خ روج موسى وبين إس رائيل من البح ر‪ ،‬وإغ راق‬
‫فرع ون‪ ،‬وقوم ه‪ ،‬ق ال‪ :‬وق امت م رمي بنت عم ران أخت موسى وه ارون النب يني تض رب بال دف هي والنس اء‬
‫معها‪ ،‬يسبحن اهلل ويشكرنه على ما أنعم به على بين إسرائيل‪ .‬فاعتقد القرظي أن هذه هي أم عيسى‪ ،‬وهذه‬
‫هفوة وغلطة شديدة بل هي باسم هذه وقد كانوا يسمون بأمساء أنبيائهم وصاحليهم ))‪( .‬تفسري القرآن العظيم‬
‫‪.)3/119،120‬‬
‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآليتان ‪.27،28‬‬ ‫‪25‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآلية ‪.29‬‬ ‫‪26‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآليات ‪.33-30‬‬ ‫‪27‬‬

‫‪7‬‬
‫صفاته‬
‫جاءَْالقرآن والسنة بأوصاف نبي الله عيسى (عليه السلام)‬ ‫ُُ‬
‫الخلقية والخلقية على النحو التالي‪-:‬‬
‫ُ‬
‫ا‪ -‬الصفات الخلقية‬
‫لا شك أن أبرز ما اتصف به (عليه السلام) صفة النبوة‪،‬‬
‫بل هو من أولي العزم من الرسل‪ ،‬ولاشك أن الأنبياء وهبهم الله‬
‫من حميد الخصال‪ ،‬وكريم الفعال‪ ،‬ما يفوقون به غيرهم من البشر‪،‬‬
‫ومما ورد من صفات عيسى (عليه السلام) ما يلي‪-:‬‬
‫ََََ ً َُ ًَ ََْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وتعالى‪ُْ  َ :‬وُجعلَنّي مباركا أين‬‫سبحانهَ َّ‬ ‫كماََْفي قوله َّ‬ ‫البركةُ َ‬
‫‪ُْ َ -1‬‬
‫ما كنت ‪‬وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حِيا‪ .‬فالبركة‬
‫والدعوة إليه‪ ،‬والنهي عن‬ ‫تعليم ِالخير ِ‬ ‫جعلها الله منِ ِ‬
‫الشر‪ ،‬والدعوة إلى الله في أقواله وأفعاله‪ ،‬فكل من جالسه‬
‫ً‬ ‫(‪)29‬‬
‫أو جتمع به نالته بركته‪ ،‬وسعد به مصاحبه‪.‬‬
‫ََّ َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫في قوله سبحانه وتعالى‪ :‬وبرا بوالدتي‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫بوالدته‪ً ّ،‬كما‬
‫البر ََْْ َ‬ ‫‪ََْ -2‬‬
‫ولم يجعلني جب ارا ش قيا‪ . ‬ليس بفظ ولا غليظ‪ ،‬ولاِ ِ ِ‬
‫يصدر‬ ‫)‬ ‫‪30‬‬‫(‬

‫َ ً‬ ‫(‪)31‬‬
‫ينافي أمر َالله وطاعته‪.‬‬ ‫منه قول ِولا فعل ِ‬
‫ُ‬
‫كما في قوله تعالى‪  :‬وجيها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫والآخرة‪،‬‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫الدنيا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫الوجاهةَْ في‬
‫ّ‬ ‫‪-3‬‬
‫ِ‬
‫في الدنيا والآخرة ومن المقربين‪ . ‬أي له وجاهة ومكانة‬
‫(‪)32‬‬

‫يوحيه الله إليه من الشريعة‪،‬‬ ‫الدنيا‪ ،‬بما ِ‬ ‫ِعند الله في ِ ِ ِ‬


‫وينزله عليه من الكتاب‪ ،‬وغير ذلك مما منحه الله إياه‪.‬‬
‫وفي الدار الآخرة يشفع عند الله فيمن يأذن له فيه‪ ،‬فيقبل‬
‫منه أسوة بإخوانه من أولي العزم صلوات الله وسلامه عليه‬
‫ََُُّ‬ ‫َ‬
‫(‪)33‬‬
‫وعليهم أجمعين‪.‬‬ ‫َ‬
‫سبحانه وتعالى‪  :‬ويكلم‬ ‫َ‬ ‫في َ قوله‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫الصالحين‪ًَْ،‬كما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أنه َمن‬
‫ّ‬ ‫‪-4‬‬
‫ِ‬
‫يكلم النـاس في‬ ‫(‪)35‬‬
‫الناس في المهد وكهلا ومن الصالحين‪‬‬
‫(‪)34‬‬

‫ويكلمهم‬ ‫ِآية‪ِِ ،‬‬ ‫ِ‬ ‫المهد ِ‬

‫(?) انظر‪ :‬منرية احلبيب‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬عيسى ابن مرمي يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬كلية اآلداب للبنات‪ ،‬عام‬ ‫‪28‬‬

‫‪1407‬هـ‪ ،‬ص ‪.54-25‬‬


‫(?) انظر‪ :‬السعدي‪ ،‬تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ‪.5/103‬‬ ‫‪29‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآلية ‪.32‬‬ ‫‪30‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪.616‬‬ ‫‪31‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬ ‫‪32‬‬

‫(?) ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.1/365‬‬ ‫‪33‬‬

‫(?) الكهل من الرج ال ‪ :‬ال ذي ج اوز الثالثني ووخطه الش يب‪( .‬اجلوهري ‪ ،‬الص حاح ‪ ، 5/1813‬م ادة‬ ‫‪34‬‬

‫[كهل])‪.‬‬
‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬ ‫‪35‬‬

‫‪8‬‬
‫كهلا بالوحي والرسالة‪ .‬وهو من الصـالحين في قوله وعمله‬
‫(‪)36‬‬
‫له علم صحيح وعمل صالح‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قومه ُ‪ َْ :‬إُن‬ ‫شأنَْ َْ‬
‫في َّ َ‬
‫قولهْ َ‬
‫عليهْ ْ َُ‬
‫يدلَ ْ َ‬ ‫والرحمة‪َُ َ،‬‬
‫اللينُْ َ ُّْ‬
‫َُّْ‬ ‫‪-5‬‬
‫تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لٌهم فإنك أنت العزيز الحكِيم‬
‫اقتدى به ِنبيناِ محمد (صلىِ الله عليهِ وسلم) ِفي‬ ‫ولقد ِ‬ ‫‪ِ .)37ِ ( ‬‬
‫هذا القول‪ ،‬كما في صحيح البخاري (ت‪256‬هـ) من حديث ابن‬
‫عباس (رضي الله عنهما) قال‪ :‬قال رسول الله (صلى الله‬
‫عليه وسلم)‪ …(( :‬يؤخذ برجال من أصحابي ذات اليمين وذات‬
‫الشمال‪ ،‬فأقول‪ :‬أصحابي‪ ،‬فيقال‪ :‬إنهم لم يزالوا مرتدين على‬
‫أعقابهم منذ فارقتهم‪ ،‬فأقولً كما قال العبد الصالح عيسى‬
‫ابن مريم‪ :‬وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني‬
‫كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد إن تعذبهم‬
‫فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم))(‪.)38‬‬
‫سبحانه وتعالى في قلبه‪ ،‬وهذا الذي دعاه‬ ‫تعظيم الله ُ ّ‬ ‫‪ -6‬شدة ُ ّ‬
‫أن يصدق الحالف ويكذب عينه‪ ،‬كما في صحيح البخاري عن أبي‬
‫عنه) قال‪ :‬قال رسول الله (صلى الله عليه‬ ‫هريرة ِ(رضي الله ِ‬
‫وسلم)‪(( :‬رأى عيسى ابن مريم رجلا يسرق‪ ،‬فقال له أسرقت؟‬
‫قال‪ :‬كلا والله الذي لا إله إلا هو‪ .‬فقال عيسى‪ :‬آمنت‬
‫بالل ه‪ ،‬وك ذبت عي ني))(‪ .)39‬ق ال ابن القيم (ت‪751‬هـ )‪(( :‬تأول ه‬
‫بعضهم على أنه لما حلف له جوز أن يكون قد أخذ من ماله‪،‬‬
‫فظنه المسيح سرقة‪ ،‬وهذا تكلف‪ ،‬وإنما كان الله سبحانه‬
‫وتعالى في قلب المسيح (عليه السلام) أجل وأعظم من أن‬
‫يحلف به أحد كاذبا‪ ،‬فلما حلف له السارق دار الأمر بين‬
‫تهمته‪ ،‬وتهمة بصره‪ ،‬فرد التهمة إلى بصره لما اجتهد له في‬
‫صدق إبليس لما حلف له‬ ‫اليمين‪ ،‬كما ظن آدم (عليه السلام) ً‬
‫بالله عز وجل وقال‪ :‬ما ظننت أحدا يحلف بالله تعالى‬ ‫ً‬
‫كاذبا))(‪.)40‬‬
‫َ‬
‫الصفات الخلقية َ‬
‫َّ‬
‫وتعالى المادة التي خلقَ منها‬ ‫ً‬ ‫سبحانه‬ ‫الله‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫لقد ب‬
‫يختلفَ‬
‫جسد عيسى ابن َ مريم (عليه السلام) ردا على من َزعم أنه ّ ََ‬
‫سبحانه‪ َ:‬إنَُ مُثْل‬
‫فقال ُّ َ‬ ‫الإلهية‪َُ ،‬‬
‫ذلك ََله َََُ ْ‬ ‫بسبب َ‬
‫فزعم َََ‬ ‫البشر‪ّ ،‬‬ ‫عن َ َْ‬
‫ََعُيسىُ عند الله كمثل ءادم خلقه من تراب ثم قال ِ له كن‬
‫فِيك ون‪ .)41ِ(‬فعيسِى (عليِ ه الس لام) لا ِيختل ف ٍعن بقي ة البش ر في‬
‫(?) انظر‪ :‬القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ .4/58‬وابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.1/365‬‬ ‫‪36‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.118‬‬ ‫‪37‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬حديث رقم ‪.3447‬‬ ‫‪38‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬حديث رقم ‪.3444‬‬ ‫‪39‬‬

‫(?) إغاثة اللهفان ‪ .1/183‬وانظر ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.6/489‬‬ ‫‪40‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.59‬‬ ‫‪41‬‬

‫‪9‬‬
‫َ‬
‫بقية‬
‫تحتاجهاُ ٌ َْ‬
‫الأمور َْماَََ ّ َ‬
‫من ُ ُْ‬ ‫يحتاج َْ‬
‫َ‬ ‫الجسد‬
‫ُ‬ ‫وهذا‬
‫تكوين جسده‪ُ ،‬‬
‫سبحانه‪َّ :‬مَاٌ َالمَسيحَُْابَن مريمَّ َإلا ْرُسْول َْقَد‬
‫قالَُ َُُّ‬ ‫الأجساد‪َْ ،‬ولذا ُّ‬
‫ََْ ْ‬
‫ِ‬
‫انا يأكلان الطعام انظر كيف‬ ‫ِ‬‫خُلَتُّمَُُ ْ َ ُّ ُْْ َّ َُُْ َ‬
‫ك‬ ‫ة‬ ‫يق‬ ‫د‬‫ص‬ ‫ه‬‫م‬ ‫أ‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫الر‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ب‬‫ق‬ ‫ن‬
‫الِآيات ثم انظر أِنِى يؤفكون‪ِ .)42( ‬‬ ‫نبينِلهم ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجاء في السنة المطهرة بعض الصفات التفصيلية لهذا‬
‫الجسد‪ ،‬فجاءت بوصف شعره ولونه وقامته ونحوذلك‪ ،‬ففي صحيح‬
‫البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال قال رسول الله (صلى‬
‫الله عليه وسلم) ليلة أسري به‪(( :‬لقيت موسىَ قال‪ :‬فنعتهََْ… قال‪:‬‬
‫وسلم) فقال‪ :‬ربعة أحمر‬ ‫فنعتهَ النبي (صلى الله (‪)43‬عليه َّْ‬ ‫ْ‬ ‫ولقيت عيسى‬
‫كأنما خرج من ديم اس‪ ،‬يعني الحمام)) ‪ .‬والربع ة هو متوسط القامة‬
‫قصير (‪.)44‬‬ ‫لا طويل ولا ِ‬
‫وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال النبي (صلى الله‬
‫علي ه وس لم)‪ (( :‬فأم ا عيس ى ف أحمر جع د ع ريض الص در))(‪ .)45‬فص فة‬
‫الجعودة هنا في الجسم لا في الشعر ؛ لأنه ورد وصف الشعر‬
‫بالسبط‪ ،‬كما في مسند الإمام أحمد (ت‪241‬هـ) عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫(صلىَ الله عليه وسلم)‪(( :‬ورأيت عيسى ابن مريم‬ ‫الله‬
‫َ‬ ‫قال ِنبي‬
‫َ‬
‫رأس))(‪.)46‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫رةَ والبي اض س بط ال‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬‫إلى الحم‬ ‫َ‬ ‫ْ‬‫ُ‬ ‫عليهم ا السّْلام مرب وع ّْالخل ق‬ ‫ّ‬
‫السبط والسبط من الشعر المنبسط المسترسل‪ ،‬وهو ضد الجعد(‪،)47‬‬
‫المجتمع الشديد ِ(‪.)48‬‬
‫ِ‬ ‫وأما الجعد في الجسم فهو‬ ‫ِ‬
‫وفي صحيح البخاري عن عبدالله بن عمر (رضي الله‬
‫عنهما) أن النبيَ (صلى الله عليه وسلم) قال‪…(( :‬وأراني الليلة‬
‫عند الكعبة في ّالمنام‪ ،‬فإذا رجل َ آدم كأحسن ما يرى من أدم‬
‫الرجال‪ ،‬تضرب لمته بين منكبيه‪ ،‬رجل الشعر‪ ،‬يقطر رأسه ماء‪،‬‬ ‫ً‬
‫يطوف بالبيت‪ .‬فقلت‪ :‬من هذا؟‬ ‫واضعا يديه علىِ منكبي رجلين وهو ِ‬
‫فقالوا‪ :‬هذا المسيح ابن مريم))(‪ .)49‬فهذا الحديث فيه وصف اللون‬
‫بانه آدم وهو الأسمر‪ ،‬وقد ورد في الحديث السابق أنه أحمر‪،‬‬
‫والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة‪ ،‬ويمكن الجمع بين‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.75‬‬ ‫‪42‬‬

‫(?)اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬حديث رقم ‪.3437‬‬ ‫‪43‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الرازي‪ ،‬خمتار الصحاح‪ .230 ،‬وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.6/484‬‬ ‫‪44‬‬

‫(?) أخرجه البخاري أيضاً‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬حديث رقم ‪.3438‬‬ ‫‪45‬‬

‫(?) مسند الإمام أحمد‪ ،‬تحقيق أحمد شاكر ‪ .4/38‬وقال المحقق‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪46‬‬

‫(?) ابن األثري‪ ،‬النهاية يف غريب احلديث واألثر ‪ .2/334‬واجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ،3/1129‬مادة [سبط])‪.‬‬ ‫‪47‬‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،3/122‬مادة [جعد]‪ .‬وابن األثري‪ ،‬النهاية يف غريب احلديث ‪.1/275‬‬ ‫‪48‬‬

‫وابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.6/486‬‬


‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء‪ ،‬حديث رقم ‪.3440‬‬ ‫‪49‬‬

‫‪10‬‬
‫َ‬
‫َّْ‬
‫الوصفين أنه احمر لونه بسبب‪ ،‬كالتعب‪ ،‬وهو في الأصل أسمر‪،‬‬
‫والله أعلم (‪.)50‬‬
‫وفي صحيح مسلم (ت‪261‬هـ) من حديث ابن عمر أن رسول‬
‫الله (صلى الله عليه وسلم) قال في وصف عيسى ‪ … (( :‬يسكب رأسه‬
‫أو يقطر رأسه ))(‪.)51‬‬
‫ويقال‬
‫وصف‪ )52‬لمته وهي شعر راسه‪َ ،‬‬ ‫كما جاء في الحديث‬ ‫َ‬
‫جاوز شحمة الأذنين لمة ‪ .‬كما جاء وصفه بأنه ( رج ل‬
‫(‬
‫إذا‬ ‫للشعر‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫الشعر ) َُقال َّابن حجر (ت‪852‬هـ)‪(( :‬أي قد سرحه ودهنه‪ ،‬وفي ِ‬
‫رواية‬
‫مالك " له لمة كأحسن ما أنت راء من اللمم‪ ،‬قد رجلها فهي تقطر‬ ‫ً‬
‫ماء"(‪ِ . )53‬‬
‫ويحتمل أنها تقطر من الماء الذي سرحها به‪ ،‬أو أن‬
‫(‪)54‬‬
‫المراد الاستنارة‪ ،‬وكنى بذلك عن مزيد النظافة والنضارة‪.‬‬
‫وفي مسند أبي يعلى (ت‪307‬هـ) عن ابن عباس (رضي الله‬
‫عليه وسلم) قال في وصف عيسى في‬ ‫عنهما) أن النبي (صلى الله ً‬
‫حديث الإسراء‪(( :‬ورأيت عيسى شابا أبيض‪ ،‬جعد الرأس‪ ،‬حديد البصر‪،‬‬
‫مبطن الخلق))(‪.)55‬وجاء في مسند الإمام أحمد وصف شيء من لباسه‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة (رضي الله عنه) أن النبي (صلى َالله عليه وسلم) قال‬
‫نزوله‪ُ ((ّ :‬عليه ثوبان ممصران‬
‫ُ‬ ‫في وصف عيسى (رضي الله عنه) عند‬
‫رأسهٌ يقط ر ٌ وإن لم يصبه بل ل)) ‪ .‬والممص رة من الثياب ال تي‬
‫(‪)56‬‬
‫كأن َُْ‬
‫(‪)57‬‬
‫فيها صفرة خفيفة‪.‬‬
‫وورد تشبيه الصحابي عروة بن مسعود(‪( )58‬رضي الله عنه)‬
‫بعيسى (عليه السلام)‪ ،‬لما في صحيح مسلم عن جابر (رضي الله‬
‫عنه) أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال‪(( :‬ورأيت عيسى ابن‬

‫(?) انظر‪ :‬ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.6/486‬‬ ‫‪50‬‬

‫(?) كتاب اإلميان‪ ،‬حديث رقم ‪.169‬‬ ‫‪51‬‬

‫(?) اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ ، 5/2032‬مادة [ملم]‪.‬‬ ‫‪52‬‬

‫(?) املوطأ ‪ ،‬كتاب اجلامع‪ ،‬حديث رقم ‪.1665‬‬ ‫‪53‬‬

‫(?) ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.6/486‬‬ ‫‪54‬‬

‫(?) مسند أيب يعلى ‪ 5/108‬رقم ‪ .2720‬وقال الشيخ حسين سليم أسد‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪55‬‬

‫(?) املسند ‪.2/406‬‬ ‫‪56‬‬

‫(?) ابن األثري‪ ،‬النهاية في غريب الحديث والأثر ‪ .4/336‬وانظر‪ :‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‬ ‫‪57‬‬

‫‪ ،5/177‬مادة [مصر]‪.‬‬
‫(?) ابن معتب بن مالك بن كعب بن عم رو الثقفي‪ ،‬ك ان أحد األك ابر من قوم ه‪ ،‬ملا أس لم ذهب إىل قومه‬ ‫‪58‬‬

‫ي دعوهم إىل اإلس الم‪ ،‬فلما أظهر دينه ودع اهم إىل اهلل قتل وه‪( .‬ابن حج ر‪ ،‬اإلص ابة يف متي يز الص حابة‬
‫‪.) 2/477،478‬‬

‫‪11‬‬
‫ً‬
‫مريم (عليه السلام) فإذا أقرب من رأيت به شبها عروة بن مسعود ))‬
‫(‪.)59‬‬
‫من تلك النصوص نخلص إلى أن ما ورد من صفاته الجسدية‬
‫تتمثل في ما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬أن جسد عيسى خلق من التراب‪ ،‬وأنه يحتاج إلى ما تحتاج‬
‫إليه بقية أجساد البشر كالمأكل والمشرب ونحوه‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬أن شعره سبط مسترسل قد تعدى شحمة أذنه‪ ،‬وأن له لمعانا‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه معتدل القامة لا بالطويل ولا بالقصير‪.‬‬
‫‪ -4‬أن جسمه مجتمع الخلق قوي البنية‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -5‬أن لونه من أحسن الناس لونا‪.‬‬
‫‪ -6‬يكون عليه حين نزوله ثوبان فيهما صفرة خفيفة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -7‬أن أقرب الناس به شبها هو الصحابي الجليل عروة بن مسعود‬
‫الثقفي (رضي الله عنه)‪.‬‬
‫‪ -8‬أنه شاب‪ ،‬وقد رفع إلى السماء وعمره ثلاث وثلاثون سنة‪.‬‬
‫رفعه إلى السماء‬
‫لما تآمر أعداء الله من اليهود على قتل عيسى (عليه‬
‫الله سبحانه وتعالى منهم‬ ‫السلام) والخلاص منه ومن دعوته‪ ،‬نجاهً َ‬
‫على‬
‫ويدلََّ َ‬
‫وروحه‪ُ َّ ،‬‬ ‫ببدنهَ َ َ‬ ‫فرفعه ْإليهَ َحيا ُّ‬ ‫َ‬ ‫ورد كيدهم َ في نحورهم‬
‫يك‬
‫الله ُ ياعّيسىَ إنّيَُ مَتوَفَْ‬ ‫وتعالى‪َ ّ:‬إذ ََقُالَ ََ‬
‫سبحانهَُ َ‬‫ذلك َُقولهَّ ََُّ‬ ‫ََ‬
‫ِ‬
‫وكْ فَوق‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ِ‬
‫ات‬‫ِ‬ ‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ِ‬
‫ال‬ ‫ل‬ ‫اع‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫وا‬
‫َ َْ ْ َ َ ُّ َّ َْ ُُْ ََُُْ ََُْ‬‫ر‬ ‫ف‬ ‫ك‬ ‫ِ‬
‫ين‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ر‬‫ه‬ ‫ط‬ ‫م‬‫و‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫وّ َ ََُ‬
‫إ‬ ‫ك‬‫ع‬ ‫اف‬ ‫ر‬
‫الُذِْين كفِرواََْإلُى َيوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُْ‬
‫ِ‬
‫بـ(متوفيك)‬ ‫ِ‬
‫العلماء بالمقصود‬ ‫وقد ِاختلف ِ‬ ‫كنِتم فيه تختِلفون‪ِ .)ِ60(‬‬
‫الآية‪ ،‬فذكر ابن جرير (ت‪310‬هـ) عدة أقوال في هذه‬ ‫ِ‬ ‫هذه ِ‬
‫في ِ‬
‫المسألة على النحو التالي‪-:‬‬
‫قال بعضهم‪ :‬هي وفاة نوم‪ ،‬وكان معنى الكلام على مذهبهم‪ :‬إني‬
‫منيمك‪ ،‬ورافعك في نومك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إني قابضك من الأرض‪ ،‬فرافعك إلي‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ومعنى الوفاة‪ :‬القبض‪ ،‬لما يقال‪ :‬توفيت من فلان ما لي عليه‪،‬‬
‫بمعنى‪ :‬قبضته واستوفيته‪ً .‬قالوا‪ :‬فمعنى قوله‪ :‬إني متوفيك ورافعك‬
‫‪ ‬أي قابضك من الأرض حيا إلى جواري‪ ،‬وآخذك إلى ما عندي بغير‬
‫موت‪ ،‬ورافعك من بين المشركين وأهل الكفر بك‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إني متوفيك وفاة موت‪.‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إذ قال الله يا عيسى‪ ،‬إني رافعك إلي‪،‬‬
‫ومطهرك من الذين كفروا‪ ،‬ومتوفيك بعد إنزالي إياك إلى الدنيا‪.‬‬
‫(?) كتاب اإلميان‪ ،‬حديث رقم ‪.167‬‬ ‫‪59‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.55‬‬ ‫‪60‬‬

‫‪12‬‬
‫وقال‪ :‬هذا من المقدم الذي معناه التأخير‪ ،‬والمؤخر الذي معناه‬
‫التقديم‪.‬‬
‫ثم قال بعد أن ساق هذه الأقوال وأدلتها‪ :‬وأولى‬
‫هذه الأقوال بالصحة عندنا قول من قال‪ :‬معنى ذلك‪ :‬إني قابضك من‬
‫الأرض ورافعك إلي‪ ،‬لتواتر الأخبار عن رسول الله (صلى الله‬
‫عليه وسلم) أنه قال‪" :‬ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال" ثم‬
‫يمكث في الأرض مدة ذكرها اختلفت الرواية في مبلغها‪ ،‬ثم يموت‪،‬‬
‫(‪)61‬‬
‫فيصلي عليه المسلمون ويدفنونه‪.‬‬
‫َ‬
‫كما‬
‫له‪َْ َ ،‬‬‫شبيه ََ‬
‫علىَ َ‬‫وقع ْ‬ ‫والصلبَََْ‬
‫القتلْ ّ‬ ‫دبره اليهود من ََْ‬ ‫وما َ‬
‫يح َع ّيسىَ ّابَن‬
‫وتعالى‪ُ :‬وَقَولهمََُإنُا قَتَلنْاََُّالمَسُْ‬
‫سبحانه ََ ََُ‬ ‫قوله َ ّ‬ ‫فيََ َُ‬ ‫َْ‬
‫الَذَين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الله وَمّا قتْلُوهََ وَمُاْ صلبوهْ وْلكنَ شّبه لّهَم َ وإن ّّ‬ ‫مْرَيَمُ رسول َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اتباعَ ًالظن وما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اخُتلُفواَ ف ًيه لفيَْ شَكََُمنه مّاُلهمَْبهََمنَ علم ّإُلاَ ً‬ ‫ََ‬
‫ِ (‪)62‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قتلوه يقينا‪ .‬بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما‪. ‬‬
‫الشبه قولين‪ِ ،‬الأول‪ِ :‬أن الشبه‬ ‫ذكر ابنِ جرير فيمن ألقي عليهِ ِ‬
‫ألقي على جميع أصحابه‪ .‬الثاني‪ :‬أن الشبه إلقي على رجل من‬
‫(‪)63‬‬
‫أصحابه حين سألهم ذلك‪ .‬واختار ابن جرير الأول‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأضاف ابن الجوزي (ت‪597‬هـ) قولا ثالثا‪ ،‬وهو أن الذي‬
‫(‪)64‬‬
‫ألقي عليه الشبه بعض من أراد قتله من اليهود‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما في سنه حين رفعه الله إليه فقد كان ثلاثا‬
‫وثلاثين سنة‪ ،‬لما في مستدرك الحاكم (ت‪405‬هـ) عن سعيد بن‬
‫المسيب قال‪ (( :‬رفع عيسى ابن مريم وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة‬
‫رضي الله‬ ‫ومـات معاذ بن جبل وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة‬
‫تعالى عنه)) (‪.)65‬‬
‫نزوله في آخر الزمان‬
‫علمنا مما سبق أن الله سبحانه وتعالى رفع عيسى (عليه‬
‫السلام) ببدنه وروحه‪ ،‬وسينزل في َآخر الزمانَ ببدنه وروحه‪ َ،‬لقد‬
‫أقوال‬
‫حسبَُّ َ‬‫النزولَ َْ‬
‫إلى ٌْهذا ّ َ َ‬ ‫ورد في القرآن الكريم الإشارةَ ُّ َ‬ ‫َ‬
‫سبحانه‪  :‬وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬‫ُ‬ ‫قوله‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫المفسرين‪ََ،‬ففي‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫والضحاك‬ ‫واتبعون هذا صراط مستقيم‪ِ .)66( ‬قال ِابن ِعباس ِ ومجاهد‬
‫خروج عيسى عليه السلام‪ ،‬وذلك من أعلام‬ ‫والسديِ وقتادة‪ ِ:‬إنه ِ‬ ‫ِ‬

‫(?) انظر‪ :‬جامع البيان ‪ .291-3/289‬وانظر‪ :‬القرطيب‪،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ .65 ،4/64‬وابن تيمية‪،‬‬ ‫‪61‬‬

‫جمموع الفتاوي ‪.4/322،323‬‬


‫(?) سورة النساء‪ ،‬اآليتان‪.158 ،157 ،‬‬ ‫‪62‬‬

‫(?) انظر‪ :‬جامع البيان ‪14-6/12‬‬ ‫‪63‬‬

‫(?) انظر‪ :‬زاد املسري ‪.2/244‬‬ ‫‪64‬‬

‫(?) املستدرك ‪ .3/269‬وسكت عنه الذهيب‪.‬‬ ‫‪65‬‬

‫(?) سورة الزخرف‪ ،‬اآلية ‪.61‬‬ ‫‪66‬‬

‫‪13‬‬
‫الساعة‪ .‬لأن الله ينزله من السماء قبيل قيام الساعة‪ ،‬كما أن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫(‪)67‬‬
‫خروج الدجال من أعلام الساعة‪.‬‬
‫ْ َ ّ َُْ َّ‬ ‫َ ْ ْ َْ‬
‫سبحانه‪ُ َُ :‬وَإَنْ مْن َأهلً الكتاب إلا ليؤمنن به‬ ‫وفيََْقولهْ َ َ‬
‫ََْ َْ َ‬
‫قبل موته ويوم القيامة يكون عِليهِم شه ِيدا‪ِ ِ . ِ ‬قال ابنِ ِِ‬
‫جرير‪:‬‬ ‫)‬ ‫‪68‬‬‫(‬

‫عيسى‪ ِ،‬يوجه ذلك ِإلى ِأن جميعهم يصدقون به إذا‬ ‫((يعني ِِقبل موت ِ‬
‫نزل لقتل الدجال‪ ،‬فتصير الملل كلها واحدة‪ ،‬وهي ملة الإسلام‬
‫الحنيفية‪ ،‬دين إبراهيم صلى الله عليه وسلم))(‪.)69‬‬
‫وأما في السنة فقد تواترت الأحاديث على نزول عيسى في‬
‫آخر الزمان(‪ )70‬كما دلت على ذلك السنة‪ ،‬لما في صحيح البخاري عن‬
‫أبي هريرة (رضي الله عنه) يقول قال رسول الله (صلى الله عليه‬
‫وسلم)‪ً (( :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم‪،‬‬ ‫ً‬
‫حكما مقسطا‪ ،‬فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير‪ ،‬ويضع الجزية‪ ،‬ويفيض‬
‫المال حتى لا يقبله أحد))(‪.)71‬‬
‫وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي الله عنه)‬
‫قال‪ :‬سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول‪(( :‬لا تزال طائفة‬
‫فينـزل‬
‫ّ‬ ‫من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة‪ .‬قال‪:‬‬
‫عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول أميرهم‪ :‬تعال صل‬
‫لنا‪ ،‬فيقول‪ :‬لا إن بعضكم على بعض أمراء‪ ،‬تكرمة الله ِ‬
‫هذه‬
‫الأمة))(‪.)72‬‬
‫وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن‬
‫وسلم) قال‪(( :‬لا تقوم الساعة حتى ينزل‬ ‫النبي (صلى الله ًعليه ً‬
‫عيسى ابن مريم حكما مقسطا‪ ،‬فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير‪ ،‬ويضع‬
‫الجزية‪ ،‬ويفيض المال حتى لا يقبله أحد))(‪.)73‬‬
‫وما يكون في هذا النزول من كسر الصليب‪ ،‬وقتل الخنزير‪،‬‬
‫ووضع الجزية‪ ،‬وقتل الدجال سيأتي الحديث عنه في المبحث الرابع‬
‫إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫الحكمة من نزوله‬
‫إن مما اختص الله به عيسى ابن مريم (عليه السلام)‬
‫دون سائر الأنبياء نزوله إلى الدنيا في آخر الزمان‪ ،‬ومباشرته‬
‫(?) القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ .16/70‬وانظر ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.4/133،134‬‬ ‫‪67‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.159‬‬ ‫‪68‬‬

‫(?) جامع البيان ‪ .6/18،21‬وقد ذكر ابن جرير أقواالً أخرى‪ ،‬وهذا القول هو اختياره‪.‬‬ ‫‪69‬‬

‫(?) انظر أق وال أهل العلم يف ت واتر األح اديث يف ه ذه املس ألة عند الكمش مريي‪ ،‬التص ريح مبا ت واتر يف ن زول‬ ‫‪70‬‬

‫املسيح‪ ،‬حتقيق ومراجعة وتعليق عبدالفتاح أبو غدة‪ ،‬ص ‪ 56‬وما بعدها‪.‬‬
‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬حديث رقم ‪.2222‬‬ ‫‪71‬‬

‫(?) كتاب اإلميان‪ ،‬حديث رقم ‪.156‬‬ ‫‪72‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب املظامل والغصب‪ ،‬حديث رقم ‪.2476‬‬ ‫‪73‬‬

‫‪14‬‬
‫مهام الدعوة مرة ثانية‪ ،‬ولكن ترى ما الحكمة من هذا النزول؟‬
‫لقد حاول بعض العلماء معرفة ذلك‪ ،‬ومما قالوه في هذا الشأن‬
‫مايلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬الرد على اليهود في زعمهم أنهم قتلوه‪ ،‬فبين تعالى كذبهم‪،‬‬
‫وأنه الذي يقتلهم‪.‬‬
‫‪ -2‬نزوله لدنو أجله ليدفن في الأرض إذ ليس لمخلوق من التراب‬
‫أن يموت في غيرها‪.‬‬
‫منهم‬
‫ً‬ ‫أنه دعا الله لما رأى صفة محمد وأمته أن يجعله‬ ‫‪-3‬‬
‫فاستجاب الله دعاءه وأبقاه حتى ينزل في آخر الزمان مجددا‬
‫لأمر الإسلام فيوافق خروج الدجال فيقتله‪.‬‬
‫‪ -4‬تكذيبه لكل من ادعى إلهيته أو بنوته لله تعالى‪.‬‬
‫الله‬
‫أخبرْ ََ‬‫ُ‬ ‫الكتاب‪ ،‬كما‬
‫َُْ‬ ‫فيه َأهلَ‬
‫تمادى ْ ََ‬
‫الذيَ َََْ‬
‫‪ -5‬إبطال الغلو َ‬
‫وا فيَ دينْكُم َْوَلَا‬‫بقوله‪ ّ :‬ياأّهل ْالَكّتابَّ لا ْتَغل ُ‬ ‫عنهمُ َََ‬ ‫َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللُه إَلْاَ َالحقَ إَنْمَاَ َُالمٌسيحُْعيسى ابن مريم‬ ‫ى‬
‫ّ ََ َُ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫وا‬ ‫ول‬
‫َُت ُ‬
‫ق‬
‫رسول الله وكلمتِه ِألقاها إلى ِمريم وروحِ منهِ‪. ‬‬
‫(‪)74‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وبعد أن ذكر ابن حجر الأقوال الثلاثة الأولى قال‪:‬‬
‫(‪)75‬‬
‫(( والأول أوجه))‪.‬‬
‫مدة بقائه في الأرض بعد نزوله‬
‫وأما ما يتعلق في مدة بقائه في الأرض بعد النزول فقد‬
‫روى مسلم من حديث ابن عمر (رضي الله عنهما) في مدة بقاء عيسى‬
‫في الأرض بعد نزوله‪ ،‬أنها سبع سنين(‪ .)76‬وروى نعيم بن حماد (ت‪2‬‬
‫‪28‬هـ) في كتاب الفتن من حديث ابن عباس (رضي الله عنهما) أن‬
‫عيسى (عليه السلام) إذ ذاك يتزوج في الأرض‪ ،‬ويقيم بها تسع‬
‫عشرة سنة‪ ،‬وبإسناد فيه مبهم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) يقيم‬
‫(‪)77‬‬
‫بها أربعين سنة‪.‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.171‬‬ ‫‪74‬‬

‫(?) فتح الب اري ‪ .6/493‬وانظ ر‪ :‬يوسف الواب ل‪ ،‬أش راط الس اعة ص‪ .357-355‬و د‪ .‬حمم ود ال ديك‪،‬‬ ‫‪75‬‬

‫املسيح يعود إىل األرض ثانية‪،‬ص ‪.173-171‬‬


‫(?) ورد ذلك يف حديث طويل يف كتاب الفنت وأشراط الساعة‪ ،‬حديث رقم ‪.2940‬‬ ‫‪76‬‬

‫(?) ابن حجر‪ ،‬فتح الباري ‪.6/493‬‬ ‫‪77‬‬

‫‪15‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المدعو‬
‫المدعو مفرد‪ ،‬والجمع مدعوون‪ ،‬وهم القوم الذين يدعوهم‬
‫عيسى (عليه السلام)‪ .‬ومما تميزت به دعوة عيسى ابن مريم (عليه‬
‫السلام) أنه دعا أمتين مختلفتين‪ ،‬في زمانين مختلفين‪ ،‬فأصبح‬
‫المدعوون له صنفين‪-:‬‬
‫الصنف الأول‪ :‬بنو إسرائيل‬
‫إسرائيل َكما دل‬ ‫َْ‬ ‫لأمته ً من َ بنيَ‬‫فدعوته في بادئ الأمر ََُ‬
‫وتعالى‪َ ُْ :‬وْرَسَولا َإلَى بنْيَ إسَرائّيل‪.ُ َُ ‬‬
‫(‪)78‬‬
‫سبحانه َ َ َ‬ ‫علىَ ذلك قوله َ ْ‬
‫تعالى‪  :‬وإذ قال عيسى ابن مريم يِابني إِسرائِيل ِإني رسول‬ ‫وقوله َُْْ‬ ‫ّ‬
‫ِ ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫الله إليكم‪ِ .)79( ‬‬
‫ِِ‬
‫سبحانه وتعالى عنهم‪ ،‬وذكر‬ ‫ً‬ ‫الله‬
‫وهذه الأمة قد ذكر ً‬
‫رسوله (صلى الله عليه وسلم) شيئا كثيرا من صفاتهم‪ ،‬وما هم‬
‫عليهم من تكذيب لله وتحريف للكتب وقتل للأنبياء‪ ،‬وعناد لله‬
‫ورسله مما يحتاج إلى التعامل معهم في دعوتهم بما هم أهله‪.‬‬
‫َ‬
‫قال‬ ‫الحق‪َ َُ،‬‬ ‫وكتمانُْ َ َْ‬
‫بالباطل ّ ََْ‬ ‫الحق َ‬ ‫ولبسهمَُُ َ‬
‫بالله َ َْ‬ ‫كفرهمْ َ‬ ‫ففي ََْ‬‫َ‬
‫ونْ‪.‬‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ش‬‫ت‬ ‫م‬
‫ََُُْ َ َّْ ََُْ‬‫ت‬ ‫ن‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ه‬ ‫الل‬ ‫ات‬ ‫آي‬ ‫ب‬
‫َْ‬ ‫ون‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ك‬‫ت‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫َ َْ ُ َ َّْ‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫اأ‬ ‫عنهم‪َ ْ  َ:‬‬
‫ي‬ ‫َ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اأُهلَ الكتاب لم تلبسون الحق بالباطل وتكتمون الحق وأنتم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َيَْ‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫تعلمون‪ِ ِ . ِ ‬‬
‫)‬ ‫‪80‬‬‫(‬
‫ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عنهم‪ ْَ :‬وَقَالُت‬ ‫َ َُ‬ ‫قال‬ ‫وتعالى‬
‫َُْ ُ َُوفي ّ َُْ ٌَ ُّْ َْ َ ْ َُ ُ‬
‫سبحانه‬ ‫الله‬ ‫على‬ ‫جرأتهم‬
‫اهِ‬‫وا بَلَْيد ْ‬ ‫ال َ‬‫واُْ بَما قُْ‬ ‫ولةُ غَلَتَ أيَدّيهَم وًلعن ْ‬ ‫اللَهْمَغلََ‬ ‫ودَ يد ُْ ُ‬ ‫الْيُه َ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫يرَاَ مَنَهَم َ مْاَْأَنزَل إلَيك َْمن‬ ‫ِ‬ ‫ث‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ن‬‫ِ‬‫يد‬ ‫ز‬ ‫ي‬‫ل‬ ‫و‬ ‫اء‬
‫ََّ َُْ ًَ ًَُْ ََََْْ ََُُْ ْ‬‫ش‬ ‫ي‬ ‫ف‬ ‫ي‬‫ك‬‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ف‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ان‬ ‫ت‬ ‫وط‬ ‫س‬ ‫ب‬‫م‬
‫اء ِإلىَْيِْوم‬ ‫الَبْغَضَِْ‬ ‫و‬
‫ُّ َ‬ ‫ة‬ ‫ِ‬
‫او‬ ‫د‬ ‫انَّاَ ِ وَكْفَرُاُ وأَلقًينا ِبْيَنْهمََََِْ‬
‫ع‬ ‫ال‬ ‫رْبكَ َطغيُِ‬
‫ارا َللحرب أطفأها الله ويسعون فيِ الأرِض‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬‫القًيامةَ كّلُما َأوُقدّوا ْن‬ ‫ََِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فسِادا ِوالله لا يحب المفسدينِ‪.ِ)81( ‬‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫سبحانه‬ ‫اللهَْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫قال‬
‫َ‬ ‫للوعد‪،‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وإخلافهم‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫للعهد‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫نكثهم‬
‫ْ‬ ‫وفي ََ‬
‫وسىْ‬ ‫عنهم‪َ ّ :‬أُلُم ترَْْإلَىَ الَملًَإ مُنَ بنْي إسرَائيل منّ بعَد َم َ‬ ‫َ‬ ‫وتعالىُ‬
‫َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ََإْذُقْالواْ لُنبَي َلَهْمَُُ ابعْث َلنُا مَلّكا ُنَقاتُل في َسُبيل ََالله ََقَال َّهل‬
‫واَ وَمَا ِ لَنَاّ ُألَا‬ ‫الَِْ‬
‫الْ َِْألا ْتقاتِلَوا َِ ق َِ‬ ‫ُعَِسيتَم إن َِكتِبٍ علَيّكم َََالْقت ُ‬
‫الله ّوقدِ َ أخًرجناْمُنْ َ ِدّيُارنَا ٌوأبنائّنا فَلما كتب‬ ‫َنَقْاتُل فِْي َسبُِيل ََّْ‬
‫الظالمين‪.ِ ‬‬
‫)‬ ‫‪82‬‬‫(‬ ‫اللهِ عليم ب ِ‬ ‫ال ِ تولواِ إلا قليلِا منِهم و ِ‬ ‫عليِهم ِالقت ِ‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫(?) سور آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.49‬‬ ‫‪78‬‬

‫(?) سورة الصف‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬ ‫‪79‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪.70،71‬‬ ‫‪80‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.64‬‬ ‫‪81‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.246‬‬ ‫‪82‬‬

‫‪16‬‬
‫َ‬
‫َ ّ َ‬
‫ين‬
‫عنهم‪ََ َ:‬مْنَْالَذَْ‬‫قالَ َََْ‬ ‫تعالى َ ْ‬ ‫اللهُ ُ َ‬‫لكلام ََ‬ ‫تحريفهمْ ََ‬
‫وفي ًَْ َ َ‬ ‫َ ُ َُُّ َ‬
‫ِ‬
‫اسمعَ ُغير‬ ‫ِ‬
‫ادوا َيَحرفَون َّالكلمَعْن َ موْاضعهََوْيًقولون سمّعنا وعَصَيْناَّوُْ‬ ‫ُهَْ‬
‫وا‬
‫الُُ‬
‫ين ََْوَلَو أَنَهمْ َقََ‬ ‫الدُْ‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اعْنَا لَياَْْبأَلسْنُتْهََم َوَطعَنا َفْيً َ‬ ‫ِ‬
‫َمسْمَع وَرََ‬
‫سمعٍّنُا ُوْأطعْناََواسُمْع ُوَانظرّنا َلكًان خيرا لهم وأقوم ولكن لعنهم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِالله بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا‪.)83( ‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫قال‬
‫الآخر َُّ‬‫للبعضْ ًُُ‬ ‫وقتلهمَ َْ‬‫الرسلَ ََََْْ‬ ‫لبعض َْ‬ ‫تكذيبهمَ َ‬
‫وفيََْ َ‬ ‫ََْ َ‬
‫اق بَنْيُإُسُرْائَيل ً وأرَسّلُنا إليَهَم ًرسلَاُُْكلَما‬ ‫يثَْ‬
‫عنهم‪َُ ْ:‬لقٌد أَخذنَا م َ‬ ‫َ َُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقا كذبوا وفريقا يقتلون‪‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪.)84‬‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫قائلا‪:‬‬
‫لعنهم َ ْ‬ ‫حرماتَ اللهَ َُ َ‬ ‫على ََ‬ ‫واعتدائهم َ‬
‫َْ‬ ‫عصيانهمْ َ‬ ‫وفي ََُ‬ ‫َُ ّ َ‬
‫ين كَفَرْوا َمَن ُبنيََْإُسرَائيل على لسان داود وعيسى ابن‬ ‫‪َْ‬لَعَنَ َالذ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫مريِم ذلك ِبما عصوا وكانوا يعتدون‪. ‬‬
‫ِ (‪)85‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ِ ِ‬
‫عنهم‪َُ  ْ:‬وّإًذ قَال‬‫الله َُْ‬ ‫بالسحر َُقالُ ّ‬ ‫لعيسى َ ّ‬ ‫اتهامهم َْ‬
‫وفيَََ َ َ‬ ‫َ َُْ َْ‬
‫اللْه إليكْمُُ َمْصَدُِقاََلّما‬ ‫ابن َمريمَّْيابنَيَُإسّرًائيلَُ إني َرْسول ْ َ‬ ‫يسى ََّ‬‫َعَْ‬
‫اة ِومَِبَشراِ بْرٌسُِولِ ٌ يأتي من بعِديِ اسمه أحمِد فِلما‬ ‫َِبين يدي ْمَنَّالتوَر ُ‬
‫جاءهم بالِبينات قالِوا هذِا سِحر مٍبين‪ِ ِ . ِ ‬‬
‫)‬ ‫‪86‬‬‫(‬

‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ولا يعني ذلك أن جميع أهل الكتاب أو أن جميع بني‬
‫الصالحون‪ ،‬وفيهم أتباع الأنبياء‬ ‫َ‬ ‫أسرائيل هم كذلك‪ ،‬بل فيهم‬
‫الله‬
‫أشار ُْ ُ‬ ‫الصنفَ ََْ‬ ‫وإلى َْهذا ْ َ‬ ‫دينهم‪ْ ّ،‬‬ ‫َ‬ ‫المتقون‪ ،‬وذلك في وقت شرعية‬ ‫َ‬
‫ابَ لَمَنََْيُؤمَن‬ ‫بقوله‪ُْ :‬وَإن َْمنْ َأهل َالكت ّ‬ ‫إليهمْ ََ‬
‫وتعالى َ َُْ‬ ‫سبحانه َََ ُْ‬ ‫ّ‬
‫ون‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ت‬ ‫ش‬‫ي‬ ‫ا‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ِ‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ين‬ ‫ع‬ ‫ِ‬
‫اش‬ ‫خ‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫ّ ًََ َ ً ُ َ َ َُْ َُُْْ َْ َّ ْ ّ َّ َ ُ‬‫ِ‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ِ‬
‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬‫و‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ل‬ ‫ز‬ ‫ن‬‫أ‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫الل‬
‫بَ‬
‫ات الله ثمِنا ِقليلا أولئك لهِم ِأجرِهم عندِِ ربهمِإنِ الله سريع‬ ‫ِبْآيَِ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِالحسِاب‪.)ِ87( ‬‬
‫ِ ِ‬
‫وجاء في السنة المطهرة الكثير من صفاتهم(‪ ،)88‬فعلى سبيل‬
‫المثال عن شركهم بالله جاء في صحيح البخاري أن عائشة وعبد‬
‫الله بن عباس (رضي الله عنهما) قالا‪ :‬لما نزل برسول الله (صلى‬
‫الله عليه وسلم) طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها‬
‫كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك‪(( :‬لعنة الله على اليهود‬
‫مساجد‬ ‫أنبيائهم‬ ‫قبور‬ ‫اتخذوا‬ ‫والنصارى‪،‬‬
‫يحذر ما صنعوا)) ‪.‬‬
‫(‪)89‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬ ‫‪83‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.70‬‬ ‫‪84‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.78‬‬ ‫‪85‬‬

‫(?) سورة الصف‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬ ‫‪86‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.199‬‬ ‫‪87‬‬

‫(?) انظر‪ :‬د‪ .‬الشقاري‪ ،‬اليهود يف السنة املطهرة ‪.542-2/465‬‬ ‫‪88‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الصالة‪ ،‬حديث رقم ‪.436‬‬ ‫‪89‬‬

‫‪17‬‬
‫ً‬
‫وفي تبديلهم كلام الله جاء في الصحيحين أيضا عن‬
‫أبي هريرة (رضي الله عنه) قال‪ :‬قال رسول الله (صلى الله عليه‬
‫وسلم)‪(( :‬قيل لبني إسرائيل‪ :‬ادخلوا الباب سجدا وقولوا‪ :‬حطة‪.‬‬
‫فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم‪ ،‬وقالوا‪ :‬حبة في شعرة))(‪.)90‬‬
‫وفي تحايلهم َعلى المحرمات ورد في الصحيحين عن أبي‬
‫هريرة (رضي الله عنه) عنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال‪:‬‬
‫(( قاتل الله اليهود‪ ،‬حرم الله عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا‬
‫أثمانها))(‪.)91‬‬
‫وفي قلة حيائهم جاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة‬
‫(رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال‪ (( :‬كانت‬
‫بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض‪ ،‬وكان موسى (صلى‬
‫الله عليه وسلم) يغتسل وحده‪ ،‬فقالوا‪ :‬والله ما يمنع موسى أن‬
‫يغتسل معنا إلا أنه آدر(‪ ،)92‬فذهب مرة يغتسل‪ ،‬فوضع ثوبه على حجر‬
‫ففر الحجر بثوبه‪ ،‬فخرج موسى في إثره يقول‪ :‬ثوبي يا حجر‪ ،‬حتى‬
‫موسى‪ ،‬فقالوا‪ :‬والله‪ ،‬ما بموسى من بأس‪.‬‬ ‫ً‬ ‫نظرت بنو إسرائيل إلى‬
‫وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا‪ .‬فقال أبو هريرة‪ :‬والله‪ ،‬إنه لندب‬
‫بالحجر ستة أو سبعة ضربا بالحجر))(‪.)93‬‬
‫ً‬
‫ولا شك أن قوما تلك أخلاقم وطباعهم سيلاقي منهم نبيهم‬
‫التكذيب والإعراض والإيذاء‪ ،‬فكانت كذلك حالهم مع المسيح عيسى‬
‫ابن مريم (عليه السلام)‪ ،‬حتى وصل بهم الأمر إلى ًمحاولة قتله‬
‫والخلاص منه‪ ،‬فنجاه الله منهم برفعه إلى السماء حيا‪.‬‬
‫ً‬
‫ويحدثنا ابن كثير عن قوم عيسى بعد رفعه قائلا‪:‬‬
‫وهكذا وقع ًفإن المسيح (عليه السلام) لما رفعه الله إلى السماء تفرقت‬
‫أصحابه شيعا بعده‪ ،‬فمنهم من آمن بما بعثه الله به على أنه عبدالله‬
‫وابن أمته‪ ،‬ومنهم من غلا فيه فجعله ابن الله‪ ،‬وآخرون قالوا‪:‬‬
‫َ‬ ‫ورسوله‬
‫حكى الله مقالتهم في‬‫ً‬ ‫وقد‬ ‫ثلاثة‪.‬‬ ‫ثالث‬ ‫هو‬ ‫قالوا‪:‬‬ ‫وآخرون‬
‫ّ‬ ‫الله‪،‬‬ ‫هو‬
‫القرآن‪ ،‬ورد على كل فريق‪ .‬فاستمروا على ذلك قريبا من ثلاث مائة سنة‪،‬‬
‫فدخل في دين‬
‫ثم نبغ لهم ملك من ملوك اليونان يقال له‪ً :‬قسطنطين‪ً ،‬‬
‫النصرانية قيل‪ :‬حيلة ليفسده‪ ،‬فإنه كان فيلسوفا وقيل‪ :‬جهلا منه‪ .‬إلا‬
‫أنه بدل لهم دين المسيح وحرفه وزاد فيه ونقص منه‪ ،‬ووضعت له‬
‫القوانين والأمانة الكبرى(‪ )94‬التي هي الخيانة الحقيرة‪ ،‬وأحل في زمانه‬
‫لحم الخنزير‪ ،‬وصلوا إلى المشرق‪ ،‬وصوروا له الكنائس والمعابد‬

‫(?) أخرجه البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب أح اديث األنبي اء‪ ،‬ح ديث رقم ‪ .3403‬ومس لم‪ ،‬كت اب‬ ‫‪90‬‬

‫التفسري‪ ،‬حديث رقم ‪ .3015‬واللفظ للبخاري‪.‬‬


‫(?) أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬حديث رقم ‪ .2236‬ومسلم‪ ،‬كتاب املساقاة‪ ،‬حديث‬ ‫‪91‬‬

‫رقم ‪ .1583‬واللفظ ملسلم‪.‬‬


‫اُألد َرة‪ :‬نفخة يف اخلصية‪ ،‬يقال‪ :‬رجل آدر بني األدرة‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪ 2/577‬مادة [أدر])‪.‬‬
‫(?) ْ‬
‫‪92‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الغسل‪ ،‬حديث رقم ‪.278‬‬ ‫‪93‬‬

‫(?) األمانة مجلة من الكالم اخرتعوه‪ ،‬جيمع أصول عقيدهتم‪ ،‬وال تتم ألحد منهم نصرانية إال به‪ ،‬وقد صرحوا‬ ‫‪94‬‬

‫فيه بأن املسيح رب‪ ،‬وأنه ابن اهلل وأنه بكره‪ ،‬وأنه ليس له ولد غريه‪ ،‬وأنه ليس بعبد خملوق‪ ،‬وأنه مساو ألبيه‬

‫‪18‬‬
‫والصوامع‪ ،‬وزاد في صيامهم عشرة أيام من أجل ذنب ارتكبه فيما يزعمون‪،‬‬
‫(‪)95‬‬
‫وصار دين المسيح دين قسطنطين‪.‬‬
‫وفي موقف أهل الكتاب من عيسى (عليه السلام) ورد في‬
‫مسند أبي يعلى عن علي (رضي الله عنه) قال‪ :‬قال لي رسول الله‬
‫(صلى الله عليه وسلم)‪(( :‬فيك مثل َمن عيسى ابن مريم؛ أبغضته‬
‫يهود حتى َبهتوا أمه‪ ،‬وأحبته النصارىّ حتى أنزلوه بالمنزلة التي‬
‫ليس به‪ّ ،‬قال‪ :‬ثم قال علي‪ :‬يهلك في رجلان‪ ،‬محب مطر يفرط لي‬
‫بما ليس في‪ ،‬ومبغض مفتر يحمله شنآني على أن يبهتني))(‪.)96‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) آخر الزمان‬
‫يدل على دعوته في آخر الزمان لأمة محمد (صلى الله‬
‫عليه وسلم) ما ورد في صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله (رضي‬
‫الله عنه) قال‪ :‬سمعت النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول‪(( :‬لا‬
‫تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة‪،‬‬
‫قال‪ :‬فينزل عيسى ابن مريم (صلى الله عليه وسلم) فيقول أميرهم‪:‬‬
‫تعال صل لنا‪ .‬فيقول‪ :‬لا‪ ،‬إن بعضكم على بعض أمراء‪ ،‬تكرمة الله‬
‫هذه الأمة))(‪.)97‬‬
‫وقد وردت كثير من النصوص الشرعية في وصف الناس في‬
‫ذلك الوقت‪ ،‬ومن هذه النصوص ما رواه مسلم في صحيحه عن عبد‬
‫الله بن عمرو (رضي الله عنه) قال‪ :‬قال رسول الله (صلى الله‬
‫فيمكث أربعين ‪-‬لا أدري‬ ‫ً‬ ‫عليه وسلم)‪ (( :‬يخرج الدجالً في أمتي‪،‬‬
‫أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما‪ -‬فيبعث الله عيسى‬
‫ابن مريم‪ ،‬كأنه عروة بن مسعود‪ ،‬فيطلبه فيهلكه‪ ،‬ثم ًيمكث الناس‬
‫سبع سنين ليس بين اثنين عداوة‪ ،‬ثم يرسل الله ريحا باردة من‬
‫قبل الشأم‪ ،‬فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من‬
‫خير أو إيمان إلا قبضته‪ ،‬حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل‬
‫لدخلته عليه حتى تقبضه‪ .‬قال‪ :‬سمعتها من رسول الله (صلى الله‬
‫عليه وسلم) قال‪ :‬فيبقى ًشرار الناس في خفةً الطير وأحلام‬
‫السباع‪ ،‬لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا‪ ،‬فيتمثل لهم‬
‫الشيطان‪ ،‬فيقول‪ :‬ألا تستجيبون؟ فيقولون‪ :‬فما تأمرنا‪ .‬فيأمرهم‬
‫بعبادة الأوثان‪ ،‬وهم في ذلك دار رزقهم‪ ،‬حسن عيشهم‪ ،‬ثم ينفخ في‬
‫الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا(‪ )98‬ورفع ليتا‪ ،‬قال‪ :‬وأول من‬

‫يف اجلوهر‪ ،‬إىل غري ذلك من املعتقد الباط ل‪( .‬انظ ر‪ :‬ابن ح زم‪ ،‬الفصل يف امللل واأله واء والنحل ‪.1/118‬‬
‫وابن القيم‪ ،‬هداية احليارى‪ ،‬ص ‪.) 489 ،488‬‬
‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.1/367‬‬ ‫‪95‬‬

‫(?) مسند أيب يعلى ‪ ،1/406‬حديث رقم ‪ .534‬واإلمام أمحد يف فضائل الصحابة ‪ ،2/575‬حديث رقم‬ ‫‪96‬‬

‫‪ .974‬واللفظ أليب يعلى‪.‬‬


‫(?) كتاب اإلميان‪ ،‬حديث رقم ‪.156‬‬ ‫‪97‬‬

‫يت بالكسر‪:‬صفحة العنق‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الصحاح ‪،1/265‬مادة [ليت]‪.‬‬ ‫(?) اللِّ ُ‬


‫‪98‬‬

‫‪19‬‬
‫قال‪ :‬فيصعق ويصعق الناس ثم يرسل‬ ‫يسمعه رجل يلوط(‪ )99‬حوض إبله ً‬
‫الله أو قال‪ :‬ينزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل –نعمان‬
‫(‪)100‬‬
‫الشاك‪ -‬فتنبت منه أجساد الناس…))‪.‬‬
‫فدل هذا الحديث على خروج المسيح الدجال قبل عيسى‬
‫(عليه السلام)‪ ،‬فهو يفتن الناس ويدعوهم إلى الكفر باللهً ومعه‬
‫من الخوارق المعجزات ما قدره الله عليها‪ ،‬ولا يترك بلدا إلا‬
‫دخله‪ ،‬إلا مكة والمدينة‪ ،‬ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك‬
‫(رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال‪(( :‬ليس من‬
‫بلد إلا سيطؤه الدجال‪ ،‬إلا مكة والمدينة‪ ،‬ليس له من نقابها‬
‫نقب إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها‪ ،‬ثم ترجف المدينة‬
‫بأهلها ثلاث رجفات‪ ،‬فيخرج الله كل كافر ومنافق))(‪.)101‬‬
‫ومما يأتي به ليفتن الناس ما ورد في صحيح البخاري‬
‫عنه) عنً النبي (صلى الله عليه وسلم) قال‬ ‫عن حذيفة (رضي الله ً‬
‫(‪)102‬‬
‫في الدجال‪(( :‬إن معه ماء ونارا فناره ماء بارد وماؤه نار))‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم قال النبي (صلى الله عليه وسلم) عن‬
‫الدجال‪(( :‬فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له‪ ،‬فيأمر السماء فتمطر‬
‫والأرض فتنبت‪ ،‬فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذرى‪ ،‬وأسبغه‬ ‫ً‬
‫ضروعا‪ ،‬وأمده خواصر‪ ،‬ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله‪،‬‬
‫فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم‪ ،‬ويمر‬
‫فيقول لها‪ً :‬أخرجي ًكنوزك‪ ،‬فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل‪،‬‬ ‫ً‬ ‫بالخربة‬
‫ثم يدعو رجلا ممتلئا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جزلتين رمية‬
‫الغرض‪ ،‬ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك …))(‪.)103‬‬
‫ومما يذكر من حال الناس في آخر الزمان امتلاء الأرض‬
‫بالظلم والجور‪ ،‬لما في مسند الإمام أحمد عن أبي سعيد (رضي‬
‫تملأ‬
‫رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ًقال‪ً (( :‬‬ ‫الله عنه)ً أن ً‬
‫سبعا أو ًتسعا‬ ‫ً‬ ‫الأرض ظلما وجورا ثم ًيخرج رجل من عترتي يملك‬
‫فيملأ الأرض قسطا وعدلا)) (‪ .)104‬وهذا الذي يملؤها قسطا وعدلا هو‬
‫المهدي الذي يكون في الناس حين نزول عيسى ابن مريم‪ ،‬لما في‬
‫الصحيحين عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه‬
‫وسلم)‪(( :‬كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم))(‪.)105‬‬

‫(?) مبعىن يطني ويص لح‪( .‬اجلوهري‪ ،‬الص حاح ‪ 3/1158‬م ادة [ل وط]‪ .‬والن ووي‪ ،‬ش رح ص حيح مس لم‬ ‫‪99‬‬

‫‪.)18/76‬‬
‫(?) كتاب أشراط الساعة‪ ،‬حديث رقم ‪.2940‬‬ ‫‪100‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب احلج‪ ،‬حديث رقم ‪.1881‬‬ ‫‪101‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب الفنت‪،‬حديث رقم ‪.7130‬‬ ‫‪102‬‬

‫(?) كتاب الفنت‪ ،‬حديث رقم ‪.2937‬‬ ‫‪103‬‬

‫(?) املسند ‪.3/28‬‬ ‫‪104‬‬

‫‪20‬‬
‫قال ابن حجر‪ (( :‬قال أبو الحسن الخسعي الآبدي (ت‬
‫‪363‬هـ) في مناقب الشافعي (ت‪204‬هـ)‪ :‬تواترت الأخبار بأن‬
‫المهدي من هذه الأمة‪ ،‬وأن عيسى يصلي خلفه))(‪.)106‬‬

‫(?) أخرجه البخاري‪ ،‬اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب أحاديث األنبياء ‪ .3449‬ومسلم‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬حديث رقم‬ ‫‪105‬‬

‫‪ .155‬واللفظ هلما‪.‬‬
‫(?) فتح الباري ‪.6/493،494‬‬ ‫‪106‬‬

‫‪21‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الموضوع‬
‫العقيدة‬
‫التي جاء بها الأنبياء‬ ‫َ‬ ‫إن أبرز موضوعات العقيدة‬
‫له‪ُُْ،‬كما‬ ‫وحده َلاُ ًشريكَ ُ‬ ‫اللهّ ُّ‬
‫ُ‬ ‫عبادة‬
‫الدعوةََْإلى َََْ‬ ‫لدعوة أقوامهم‪َ َ ،‬‬ ‫َ‬
‫وا‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫ا‬ ‫ن‬‫أ‬
‫ََ َََْْ ْ َْ َ ْ‬ ‫ا‬ ‫ول‬ ‫س‬ ‫ر‬ ‫ة‬ ‫م‬‫أ‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ث‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫د‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫‪‬‬
‫ّ ُ ََ‬ ‫سبحانه‪:‬‬ ‫في َّ ََ َْ ُ‬
‫قوله‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وقوله‪ ََ :‬ومَا ُْأُرسلنا من قبلك من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الطاغ َوتّ‪ّ ََ . َ ُ‬‬
‫(‪)107‬‬
‫الله وّاجتنُبوا َْ‬ ‫َُ‬
‫‪ِ ِ .)108‬‬ ‫رسول إلا ِنوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون‪ِ ( ‬‬
‫أخبر‬‫قومه َكما َُُْ‬ ‫يدعوِ ََْ‬ ‫(عليهِ َ َْ ُ‬
‫السلام) َ ََ‬ ‫وبهذا َِجاء عيسى ََِ َ‬ ‫َِ ِ‬ ‫َ ٍِ‬
‫وا‬
‫يل اعْبَدَّ‬ ‫ائَْ‬
‫بقوله‪ْ ُْ:‬وقال ّالمَسَْيح يَّابَني إسّرُ َ‬ ‫سبحانهُّ َ َْ‬
‫المولىََُّْ‬
‫عنهَ َّ َ‬ ‫ّ‬
‫الله ِعليه الجنة‬ ‫اللَه ُربي ّورُبكَمَ إنه ّ من َيشرك ْ َْبَالله ف(ِق‪109‬د) حرمِ ِ‬ ‫ََْ‬
‫ِ‬ ‫ومأواه ِالنار وما ِ للظالمين ِ منًأنِصارِ‪. ‬‬
‫جاءت السنة تدل على دعوة عيسى‬ ‫أيضا ٍ‬ ‫الجانب ِ‬ ‫وفي هذاِ ِِ‬
‫(عليه السلام)‪ ،‬فعن الحارث الأشعري أن رسول الله (صلى الله‬
‫عليه وسلم) قال‪ (( :‬إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات يعمل‬
‫بهن ويأمر بني إسرائيل يعملون بهن‪ ،‬وإن عيسى ابن مريم قال له‪:‬‬
‫إن الله أمرك بخمس كلمات تعمل بهن وتأمر بهن بني إسرائيل‬
‫يعملون بهن‪ ،‬فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم‪ .‬قال‪ :‬إنك إن‬
‫تسبقني بهن خشيت أن أعذب‪ ،‬أو يخسف بي‪ .‬قال‪ :‬فجمع الناس في بيت‬
‫المقدس حتى امتلأ‪ ،‬وقعد الناس على الشرفات‪ ،‬قال‪ :‬فوعظهم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وآمركم أن تعملوا بهن‪،‬‬ ‫ً‬ ‫إن الله أمرني بخمس كلمات أعمل بهن‬
‫أولاهن أن تعبدوا الله ولاً تشركوا َبه شيئا‪ ،‬وإن مثل َ من أشرك‬
‫خالص ماله بذهب أو ورق‪ ،‬قال‬ ‫بالله كمثل رجل اشترى عبدا منّ ّ‬
‫هذه داري‪ ،‬وهذا عملي‪ ،‬فاعمل وأد إلي‪ .‬فجعل يعمل ويؤدي ِإلى غير‬
‫عبدهِ كذلك‪ ،‬وإن الله خلقكم ورزقكم‬ ‫سيده‪ .‬فأيكم يسره ًأن يكون‬
‫فلا تشركوا به شيئا…الحديث))(‪.)110‬‬
‫ً َ‬ ‫ً‬
‫على‬ ‫ردا‬
‫َ ْ َ َ ُّ‬ ‫نفسه‬ ‫حقيقة‬ ‫ببيان‬ ‫َ‬ ‫جاء‬ ‫أيضا‬
‫وفي جانب العقيدة َ‬
‫الله‬ ‫وتعالى‪َُّ:‬وإَذَْ قالْ ُ‬
‫َ‬ ‫سبحانه ُ‬
‫ّ‬ ‫كماَْ قال ّ‬ ‫الإلهية‪ُ َْ،‬‬
‫له َََْ ََ‬ ‫َمن ََزعم َْ‬
‫وني َوْأَمي إِلهيَنّ منَْ دُْونُ‬ ‫ياعّيسىَ َابنَُْمرَيَم َءأنتَُ قُلت للنَْاس َُاتخَذ َ‬
‫ولَْمَِاُ َ ليسِ ليَِْبحَِق ِإنَّ َكْنَتِ‬‫انك َمْاَُ يكَون ليَِْ أنِ َأَق ِ‬ ‫ال َسبْحَُ‬ ‫َُُُِْ‬
‫الله َقَْ‬
‫َقّلتُهِ فْقُدُ علمته تعلم ما فيِ نفسي ولا أعلم ما فيِ نفِسكٍ ِإنك أنت‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫علام الغيوبِ‪.)111( ‬‬
‫ِ‬
‫(?) سورة النحل‪ ،‬اآلية ‪.36‬‬ ‫‪107‬‬

‫(?) سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.25‬‬ ‫‪108‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬ ‫‪109‬‬

‫(?) أخرجه اإلمام أمحد يف مسنده ‪ .4/130‬وأبو يعلى يف مسنده ‪ 3/140،141‬رقم ‪ ،1571‬وقال حمقق‬ ‫‪110‬‬

‫الكت اب الش يخ حسني س ليم أس د‪ :‬إس ناده ص حيح‪ .‬والط رباين يف املعجم الكبري ‪ 3/285‬رقم ‪ .3427‬وأبو‬
‫داود الطيالسي يف مس نده‪159 ،‬رقم ‪ .1161‬وابن حب ان يف ص حيحه ‪ 14/123‬وق ال حمقق الكت اب‬
‫شعيب األرنؤوط‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.116‬‬ ‫‪111‬‬

‫‪22‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أخبر‬
‫كما َََ‬ ‫الله‪ّ ،‬‬‫ابن ُ ُْ‬ ‫زعمهمَ َأنه َْ‬
‫وجاء بالرد عليهم ََفيَ َ ّ‬
‫الله ذّلُك‬ ‫يحُْابَن ََُُ‬‫سبحانه‪ْَ :‬وَقالتّ َالنصََارُى الْمس َ‬‫بقوله َُ ُ َ‬
‫عنهَْ ْ‬‫اللهْ َ‬‫ََُُْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َقّولهمُْبَأُفوَاههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتَلهم الله‬
‫الاعتقاد‬
‫السلام)َُْلهذا ّ َ َ َ‬ ‫وكان رد عيسىِ (عليهَ َ ِّ‬ ‫أنى يؤِفكون‪ِ .)112(ِِ‬‬
‫ً‬
‫تكلم به في المهد ‪ ‬قال إني عبد الله ءاتاني‬ ‫كلام َ ّ‬
‫بأولََََ‬ ‫منهمَ َ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ .‬فكان أول ما نطق به الاعتراف‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫(‪)113‬‬
‫الكتاب وجعلني نبيا‪‬‬
‫سبحانه وتعالى‪ ،‬وهذه حقيقته‪ ،‬وفيه رد على من غلا‬ ‫بعبوديته لله ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫فيه‪ ،‬فقال‪ :‬هو الله‪ ،‬أو هو ابن الله‪.‬‬
‫يأتيَْمن‬ ‫الذي ْ‬ ‫بالنبي َْ‬
‫بالتبشير ً َُ‬
‫ََُّ‬ ‫وجاءَ (عليه السلام)‬
‫وتعالى‪َ :‬وُمبشراََبرسول ْيٌأتُي ٌمن بعدي‬ ‫سبحانه ََّْ‬ ‫قولهَ َُْ‬
‫كماَُفي ََّ‬
‫بعده‪َْ ،‬‬
‫ُُْ‬
‫ِ)‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪114‬‬
‫اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين‪‬‬
‫الإيمان به وبماِ جاءِ به‪ .‬فهي‬ ‫إلى ِ ً‬ ‫والتبشير به يتضمن الدعوةِ ِ‬
‫دعوة للنصارى الذين يدركون محمدا (عليه الصلاة والسلام)‬
‫ليسلموا ولا يبقوا على نصرانيتهم‪.‬‬
‫وفي سنن أبي داود (‪275‬هـ) عن أبي بردة عن أبيه قال‬
‫أمرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن ننطلق إلى أرض‬
‫النجاشي فذكر حديثه قال النجاشي‪(( :‬أشهد أنه رسول الله (صلى‬
‫الله عليه وسلم) وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم‪ ،‬ولولا ما‬
‫أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه))(‪.)115‬‬
‫الشريعة‬
‫ً‬
‫جاء عيسى (عليه السلام) مقررا لشريعة موسى في‬ ‫َ‬
‫وتعالى‪:‬‬
‫سبحانه ََْ َ‬ ‫كماَ ُفيًَّقوله َ ََْ‬ ‫الإنجيل‪ََْ ،‬‬
‫ْ‬ ‫جاءه ْفي َ‬ ‫معَ ما َ َ‬
‫التوراة‪َ ،‬‬
‫ََََّْ‬
‫ابًن مريمَُ مٌصدقَاَُّلًما َبين َْيَديهََْمن‬ ‫‪ّ ‬وْقَفَيناََعلَىَْ ُءاثارْهمْبعَيسىَ ُ‬
‫التور ّاةَْ وءاتَيُنًاه ََِْالَِإًنِجِيلُْفّيه َ هدى ونور ومصدقا لما بين يديه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من التوراة وهدى وموعظة للمتقين‪. ‬‬
‫(‪)116‬‬ ‫ِ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلا‬
‫التوراة‪،‬ةًَُّ‬
‫َ‬ ‫ومع إقرارهَ ما جاء َبه موسى من َقبل في‬ ‫َ‬
‫سبحانه‪َ ْُْ:‬ومْصُدُقْا‬
‫قوله َُّ ََ‬ ‫فيَ ّ‬ ‫كماُْ َْ‬‫ذلك‪َ ّ،‬‬ ‫بتخفيف َشيءَّْمن َ ُ‬
‫جاء ََّ َ‬ ‫أنه ََْ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫لماَ بينْ يَدّيُْ منَ ُّالتوراة وّلَأَحَل ُلكم بعض الذي حرم عليكم وجئتكم‬
‫اللِه وِأطيعون‪ِ .)117( ‬يقول ِابن كثير‪((ِ :‬فيه‬ ‫ِبآية من ربكم ِ فاتقوا ِ‬
‫السلام)ِ نسخ بعض شريعة التوراة ً‬
‫وهو‬ ‫ِ‬ ‫دلالة ِعلى ِ أن عيسى (عليه‬ ‫ِ ٍ‬
‫الصحيح من القولين‪ ،‬ومن العلماء من قال‪:‬لم ينسخ منها شيئا‪،‬‬

‫(?) سورة التوبة‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫‪112‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآلية ‪.30‬‬ ‫‪113‬‬

‫(?) سورة الصف‪ ،‬اآلية ‪.6‬‬ ‫‪114‬‬

‫(?) كتاب اجلنائز‪ ،‬حديث رقم ‪.3205‬‬ ‫‪115‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.46‬‬ ‫‪116‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.50‬‬ ‫‪117‬‬

‫‪23‬‬
‫كانوا‬ ‫ما‬ ‫بعض‬ ‫لهم‬
‫أحل‬ ‫وإنما‬
‫يتنازعون فيه خطأ)) ‪.‬‬
‫(‪)118‬‬

‫وكان عيسى (عليه السلام) يدعو إلى الصلاة والصيام‬


‫والصدقة والذكر ونحو ذلك من العبادات‪ ،‬ففي حديث الحارث‬
‫الأشعري الذي مر طرف منه قال‪(( :‬وأمركم بالصلاة‪ ،‬فإذا صليتم‬
‫فلا تلتفتوا‪ .‬وأمركم بالصيام‪ ،‬وإن مثل ذلك كمثل رجل كانت معه‬
‫صرة فيها مسك ومعه عصابة كلهم يعجبه أن يجد ريحها‪ ،‬وإن الصيام‬
‫أطيب عند الله من ريح المسك‪ .‬وآمركم بالصدقة‪ ،‬وإن مثل ذلك‬
‫كمثل رجل أسره العدو وقاموا إليه فأوثقوا يده إلى عنقه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫هل لكم أن أفدي نفسي منكم؟ قال‪ :‬فجعل ًيعطيهم القليل والكثير‬
‫وآمركم بذكر الله كثيرا‪ ،‬وإن مثل ذلك كمثل‬ ‫ً‬ ‫ليفك نفسه منهم‪.‬‬
‫رجل طلبه العدو سراعا في إثره حتى أتى على حصن حصين فأحرز‬
‫نفسه فيه‪ ،‬كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله‬
‫…))(‪.)119‬‬
‫ومما يجب التنبه له هنا هو أن موضوع دعوة عيسى (عليه‬
‫السلام) في آخر الزمان هو موضوع دعوة محمد (صلى الله عليه‬
‫الزمان يحكم بشريعة محمد (صلى الله عليه‬ ‫ً‬ ‫وسلم)‪ ،‬فإن عيسى آخر‬
‫وسلم) فلا ينسخ منها شيئا‪ .‬فإن قيل كيف يضع عيسى الجزية‪ ،‬كما‬
‫ورد عند البخاري ((ويضع الجزية))(‪ )120‬والجزية مقررة في شريعة محمد‬
‫عليه الصلاة والسلام‪ ،‬أليس هذا بمعنى النسخ ؟‬
‫ً‬
‫يجيب عن هذا ابن حجر قائلا‪:‬‬
‫ومعنى وضع عيسى الجزية مع أنها مشروعة في هذه الشريعة أن مشروعيتها‬
‫مقيدة بنزول عيسى‪ ،‬لما دل عليه هذا الخبر‪ ،‬وليس عيسى بناسخ لحكم‬
‫الجزية بل نبينا (صلى الله عليه وسلم) هو المبين للنسخ بقوله هذا‪،‬‬
‫قال ابن بطال‪ :‬وإنما قبلناها قبل نزول عيسى للحاجة إلى المال‪ ،‬بخلاف‬
‫زمن عيسى فإنه لا يحتاج فيه إلى المال؛ فإن المال في زمنه يكثر حتى‬
‫لا يقبله أحد‪ .‬ويحتمل أن يقال‪ :‬إن مشروعية قبولها من اليهود‬
‫والنصارى لما في أيديهم من شبهة الكتاب‪ ،‬وتعلقهم بشرع قديم بزعمهم‪،‬‬
‫فإذا نزل عيسى (عليه السلام) زالت الشبهة بحصول معاينته‪ ،‬فيصيرون‬
‫يعاملوا‬
‫ً‬ ‫كعبدة الأوثان في انقطاع حجتهم‪ ،‬وانكشاف أمرهم‪ ،‬فناسب أن‬
‫معاملتهم في عدم قبول الجزية منهم‪ .‬هكذا ذكره بعض مشايخنا احتمالا‪،‬‬
‫والله أعلم(‪.)121‬‬
‫وعلى هذا فإن عيسى (عليه السلام) يدعو في آخر الزمان‬
‫إلى الإسلام‪ ،‬فلا يهودية ولا نصرانية في ذلك الوقت‪ ،‬وموضوع‬
‫الدعوة عنده في ذلك الوقت هو دعوة الإسلام‪ ،‬وفي هذا ورد في‬
‫مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال قال رسول‬
‫الله (صلى الله عليه وسلم)‪(( :‬يوشك المسيح عيسى ابن مريم أن‬
‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.1/366‬‬ ‫‪118‬‬

‫(?) سبق خترجيه ص ‪.26‬‬ ‫‪119‬‬

‫(?) سبق احلديث وخترجيه ص ‪. 16‬‬ ‫‪120‬‬

‫(?) فتح الباري ‪ .6/491،492‬وانظر‪ :‬النووي يف شرح صحيح مسلم ‪.2/190‬‬ ‫‪121‬‬

‫‪24‬‬
‫ينزل حكما قسطا وإماما عدلا فيقتل الخنزير ويكسر الصليب وتكون‬
‫الدعوة واحدة))(‪.)122‬‬
‫الآداب والأخلاق‬
‫ومن الموضوعات الدعوية التي دعا إليها عيسى (عليه‬
‫السلام) قومه الآداب والأخلاق‪ ،‬ومن ذلك ما ورد في المعجم‬
‫الكبير الطبراني (ت‪360‬هـ) عن ابن عباس (رضي الله عنهما) عن‬
‫النبي (صلى الله عليه وسلم) أن عيسى ابن مريم (عليه السلام)‬
‫قال‪(( :‬إنما الأمور ثلاثة‪ :‬أمر يتبين لك رشده فاتبعه‪ ،‬وأمر‬
‫يتبين لك غيه فاجتنبه‪ ،‬وأمر اختلف فيه فرده إلى عالمه))(‪.)123‬‬
‫وجاء من الآداب التي دعا إليها عيسى (عليه السلام)‬
‫الدعاء الذي يقال عند الدين‪،‬لما في مستدرك الحاكم عن عائشة‬
‫(رضي الله تعالى عنها) قالت‪ :‬دخل علي أبو بكر فقال هل سمعت من‬
‫رسول الله (صلى الله عليه وسلم) دعاء علمنيه؟ قلت ما هو؟ قال‪:‬‬
‫كان عيسى ابن مريم يعلمه أصحابه قال‪(( :‬لو كان على أحدكم جبل‬
‫ذهب دينا فدعا الله بذلك لقضاه الله عنه اللهم فارج الهم كاشف‬
‫الغم مجيب دعوة المضطرين رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما أنت‬
‫ترحمني فارحمني برحمة تغنيني بها عن رحمة من سواك))(‪.)124‬‬
‫ومن الآداب التي كان يدعو إليها عيسى (عليه السلام)‬
‫أدب بذل العلم‪ ،‬ففي سنن الدارمي (ت‪255‬هـ) عن معاوية أن أبا‬
‫من‬
‫العلم ً‬ ‫فروة حدثه أن عيسى ابن مريم كان يقول‪(( :‬لا تمنع ً‬
‫أهله فتأثم‪ ،‬ولا تنشره عند غير أهله فتجهل‪ ،‬وكن طبيبا رفيقا‬
‫يضع دواءه حيث يعلم أنه ينفع))(‪.)125‬‬
‫كما ذكر ابن كثير جملة من الحكم والآداب التي كان‬
‫يدعو إليها (عليه السلام)(‪ ،)126‬فمن ذلك مارواه عبد الله بن‬
‫المبارك عن سفيان بن عيينة عن خلف بن حوشب قال‪ :‬قال عيسى‬
‫للحواريين‪(( :‬كما ترك لكم الملوك الحكمة فكذلك فاتركوا لهم‬
‫الدنيا ))(‪.)127‬‬
‫ومنها ما قاله ابن وهب عن سليمان بن بلال عن يحيى‬
‫بن سعيد قال كان عيسى يقول‪ (( :‬اعبروا الدنيا ولا تعمروها‪.‬‬

‫(?) املسند ‪.2/394‬‬ ‫‪122‬‬

‫(?) املعجم الكبري للط رباين ‪ ،10/386‬ح ديث رقم ‪ .10774‬وق ال اهليثمي يف جممع الزوائد ‪:1/157‬‬ ‫‪123‬‬

‫ورجاله موثقون‪.‬‬
‫(?) املستدرك ‪.1/515‬‬ ‫‪124‬‬

‫(?) سنن الدارمي‪ ،‬مراجعة فواز أمحد زمريل وخالد السبع ‪ ،1/117‬حديث رقم ‪.379‬‬ ‫‪125‬‬

‫(?) انظر‪ :‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪.657-649‬‬ ‫‪126‬‬

‫(?) املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.652‬‬ ‫‪127‬‬

‫‪25‬‬
‫وكان يقول‪ :‬حب الدنيا رأس كل خطيئة والنظر يزرع في القلب‬
‫الشهوة))(‪.)128‬‬
‫وقال سفيان الثوري (ت‪161‬هـ)‪ :‬قال عيسى ابن مريم‪(( :‬لا‬
‫يستقيم حب الدنيا وحب الآخرة في قلب مؤمن‪ ،‬كما لا يستقيم‬
‫الماء والنار في إناء))(‪.)129‬‬
‫وقال أبو مصعب عن مالك‪ :‬قال عيسى ابن مريم (عليه‬
‫السلام)‪(( :‬لا تكثروا الحديث بغير ذكر الله‪ ،‬فتقسو قلوبكم؛ فإن‬
‫القلب القاسي بعيد من الله ولكن لا تعلمون‪ ،‬ولا تنظروا في‬
‫ذنوب العباد كأنكم أرباب‪ ،‬وانظروا فيها كأنكم عبيد فإنما‬
‫الناس رجلان معافى ومبتلى‪ ،‬فارحموا أهل البلاء‪ ،‬واحمدوا الله‬
‫على العافية))(‪.)130‬‬

‫(?) املرجع السابق‪ ،‬املوضع نفسه‪.‬‬ ‫‪128‬‬

‫(?) املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.653‬‬ ‫‪129‬‬

‫(?) املرجع السابق‪.654 ،‬‬ ‫‪130‬‬

‫‪26‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬الوسيلة واألسلوب‬
‫أوالً‪ :‬الوسيلة‬
‫الوس يلة يف األص ل‪ :‬ما يتق رب به إىل الغ ري‪ ،‬واجلمع الوس يل‬
‫(‪)131‬‬
‫والوسائل‪ .‬والواسل هو الراغب‪.‬‬
‫والوسيلة يف الدعوة هي الطريقة اليت يسلكها الداعية يف تبليغ الدعوة‬
‫(‪)132‬‬
‫إىل املدعوين‪ ،‬أو إزالة عوائقها‪.‬‬
‫ومن الوسائل اليت سلكها عيسى (عليه السالم) يف دعوته‪ ،‬ما يلي‪-:‬‬
‫الدعوة بالقدوة‬
‫لقد جعل اهلل سبحانه وتعاىل رسله عليهم الصالة والسالم قدوة‬
‫ملدعويهم‪ ،‬مبا أعط اهم من ص الح الق ول والعم ل‪ ،‬وحسن اخلل ق‪ ،‬ف إن اهلل ملا‬
‫بحانه‪:‬‬ ‫س‬ ‫قوله‬ ‫يف‬ ‫كما‬ ‫ريهم‪،‬‬ ‫لغ‬ ‫أئمة‬ ‫أهنم‬ ‫ذكر‬ ‫اء‬ ‫األنبي‬ ‫من‬ ‫ذكر يف كتابه مجلة َ‬
‫ََََْْ َْ ْ َْ ََْْ‬ ‫ََََْ َُْ َ ًّ َُْ َ َْ َ‬
‫اهَم أَئمةَ َيهدونَّ بأمَرَناُ وأَوَحينَا إليَهم فعل الخيرات‬ ‫‪ َ َ‬وَجعلن ّ‬
‫‪ .)133‬أي رؤساءِ‬ ‫اة وِكانوا لنا عابِدينِ‪ِ ( ‬‬ ‫وإقام الصلاة وِإيتاء الزك ِ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫في ِ‬
‫الخير‪.‬‬ ‫يقتدى بهم ِ‬ ‫ِ‬
‫ُومما يدل على مكانة القدوة وأهميتها في الدعوة إلى‬
‫الله فقد أمر نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) على ما هو‬
‫سبقه‬
‫يقتدي بمن َ‬ ‫عليه من إكمال العبودية لله سبحانه وتعالى أن َ‬
‫قال‬
‫السلام)َ َََحين ُّ‬ ‫(عليهَ َ ّ‬
‫من الأنبياء‪ ،‬ومنهم عيسى ابن مريم ُ‬
‫الله‬
‫الأنبياء‪َ  :‬أًْولئك ْ الُذَين هّدى َْ‬
‫لجملة منََُُْْ ََْ‬‫سبحانهُ بعد َْذكره ُْ َ‬ ‫َ َُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فْبَهدَاهمَ اقتده قل لا أسألكم عليه أجرا إن ًهو إلا ذكرى‬
‫للرسول ِصلى‬ ‫لِلعالمين‪ ِِ.)134( ‬قال ابن كثير‪(( :‬وإذاِ كان هذا ِأمرا ِ‬
‫ِالله ِعليه وسلم فأمته تبع له فيما يشرعه ويأمرهم به))(‪.)135‬‬

‫(?) اجلوهري‪ ،‬الصحاح‪ ،5/1841 ،‬مادة [وسل]‪.‬‬ ‫‪131‬‬

‫(?) انظر‪ :‬سعيد القحطاين‪ ،‬احلكمة يف الدعوة إىل اهلل تعاىل‪ ،‬ص‪ .126‬والدكتور علي عبداحلليم حممود‪ ،‬فقه‬ ‫‪132‬‬

‫ال دعوة إىل اهلل ‪ .1/215‬وحممد أبو الفتح البي انوين‪ ،‬املدخل إىل علم ال دعوة‪ ،‬ص ‪ .48‬وحممد عب دالقادر أبو‬
‫فارس‪ ،‬أسس يف الدعوة ووسائل نشرها‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫(?) سورة األنبياء‪ ،‬اآلية ‪.73‬‬ ‫‪133‬‬

‫(?) سورة األنعام‪ ،‬اآلية ‪.90‬‬ ‫‪134‬‬

‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.2/156‬‬ ‫‪135‬‬

‫‪27‬‬
‫ُ‬
‫ولقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في موضع‬
‫العزم‬
‫أولي ََ َََ‬ ‫من ْ ْ‬ ‫بعيسى (عليه السلام) مع إخوانه َ‬ ‫آخر بالاقتداء ُ‬
‫الرسل‪ ْ،‬حينَ قالُّ عنهم المولى سبحانه وتعالى‪ :‬فاصبر كما صبر‬ ‫ُمنُ َْ‬
‫ِ‬
‫‪ .‬قال ابن كثير‪(( :‬قال تبارك وتعالى‬ ‫(‪)136‬‬
‫أولًو العزم من الرسل ‪‬‬
‫الله عليه وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من‬ ‫ِ‬ ‫رسوله ِصلى‬
‫ِ‬ ‫آمرا‬
‫قومه‪ :‬فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل‪ ‬أي على تكذيب‬
‫قومهم لهم‪ .‬وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال‪،‬‬
‫وأشهرها‪ :‬أنهم نوح‪ ،‬وإبراهيم‪ ،‬وموسى‪ ،‬وعيسى‪ ،‬وخاتم الأنبياء‬
‫كلهم محمد صلى الله عليه وسلم))(‪.)137‬‬
‫وإذا كان عيسى (عليه السلام) قدوة لمحمد (صلى الله‬
‫عليه وسلم) فإن قوم عيسى من مدعويه أحوج إلى هذا الاقتداء لما‬
‫فيهم من النقص والتقصير في طاعة المولى سبحانه وتعالى‪ ،‬ومما‬
‫يؤكد هذا الاقتداء بعيسى (عليه السلام) ما جبله الله عليه من‬
‫الفضائل ومكارم الأخلاق‪ ،‬التي مرت بنا عند الحديث عن صفاته‪،‬‬
‫وقد وصفه ربه بأنه من الصالحين‪ ،‬والصلاح كل ما يصدر عنه من‬
‫قول أو فعل‪ .‬ومن اتصفت أقواله وأعماله بالصلاح‪ ،‬كان قدوة حسنة‬
‫لمدعويه‪.‬‬
‫الدعوة بالدليل والبرهان‬
‫من سنن الله سبحانه أن ًأيد رسله بالدلائل القاطعة‪،‬‬
‫لهم‪،‬‬
‫والبراهين الساطعة‪ ،‬التي تكون سببا في استجابة أقوامهم َ‬
‫بجملة‬
‫السلام)َ ُّ‬ ‫ولقد أيد الله سبحانه وتعالى رسوله عيسى (عليه ْ َ َ‬
‫الله‬ ‫ال ُ‬ ‫وتعالى‪ ْ  َ:‬إذَّْقَُ‬
‫سبحانه َ َ‬ ‫قولهََْ ََ‬‫فيَ َ‬ ‫كما ْ‬ ‫البينات ُْْ‬
‫الآياتَْ ََََْ‬ ‫َمن َ‬
‫وح‬ ‫ِ‬
‫يسى َُابّنُ مريّم َ اذكر نْعَمْتي َعَلْيكً وعَلىْ َوّْالُدَتكَإذْ َأيَدتَك ْبْرََ‬
‫الَِحْكُمُةِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اعَُ‬
‫يُْ‬
‫الناسَ َفيْ َالْمُهُد َوكهلاّ وإَذَْعَلمتك ّْالكت ْاب و َ‬ ‫الِقدّسَْتكَلمَ ْ ْ‬ ‫َ‬
‫الطَْينَ ِكَهيْئَةََْ الطيْر ِبإذَنيْ فُِتْنفُخ‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫ْ َُْ ُ َْ‬ ‫ِ‬‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ت‬ ‫ذ‬ ‫إ‬‫ِ‬
‫و‬ ‫يل‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ال‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫َ ََُ ُ ًَْ‬‫اة‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫الت‬ ‫و‬
‫ون طيِراِ بإِذني وتبرئِ الأِكمِه والأِبرص بإذِنِيِ وِإذ تخرج‬ ‫يهْاَ فتك ْ‬ ‫فَْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِالموتى بإذني‪ِ ِِ . ‬‬
‫)‬ ‫‪138‬‬‫(‬

‫ِِ ِ‬
‫وكان عيسى (عليه السلام) عند دعوة قومه إلى الله‬ ‫َُّ‬
‫سبحانه‬ ‫المولى‬
‫َْ ََ َّ َْ ُُْْ َ ْ َُّْ‬ ‫عنه‬ ‫قال‬ ‫كما‬ ‫الآيات‪،‬‬ ‫هذه‬ ‫من‬
‫ََُ ً َ َ‬ ‫معه‬ ‫بما‬ ‫رهم‬ ‫ك‬ ‫يذ‬
‫يل أَنَيْقُدُ جئتكمََبُآيَُةَْمًن ربْكم‬ ‫وتعالى‪َُ ُُ:‬وْرس َولا إلّى بنَيََْإسرائّْ‬ ‫ِ‬
‫ََّ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ون طيرَاَُّبُإُذْن‬ ‫ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ي‬‫ف‬ ‫ْ‬ ‫يه‬‫ِ‬‫ف‬ ‫خ‬‫ف‬ ‫ِ‬
‫ف‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ِ‬
‫الط‬ ‫ة‬‫ِ‬‫ئ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ك‬‫ِ‬
‫أنّي أ َُْ ُ ََََْْ َ َََْْ َُْ َََْْ‬
‫ن‬ ‫أ‬ ‫ين‬ ‫الط‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫م‬‫ك‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫خ‬
‫اللُهْ وْأنُِبِْئُكِْم‬
‫الله َْوُأُبرَئ َالَِأكَمّه ُِ وَِالأبرصُُِ وأُحْييِ ّالموتَى َِبِإَذنًَ َ‬ ‫َِ‬
‫آية لِكم إن ِكنتم‬ ‫ون وما تدخرون في بيوتكمِ إن في ذلكِِل ِ‬ ‫ُبْماِ تَأكل ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِمؤمنين‪.)139( ‬‬
‫ِِ‬

‫(?) سورة األحقاف‪ ،‬اآلية ‪.35‬‬ ‫‪136‬‬

‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.4/173‬‬ ‫‪137‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.110‬‬ ‫‪138‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.49‬‬ ‫‪139‬‬

‫‪28‬‬
‫قَال‬
‫ومن آياته املائ دة اليت أخرب اهلل س بحانه وتع اىل عنها بقول ه‪َ  :‬‬
‫َأِلولِنَا‬ ‫ِعيس ى ابن مَر اللَّه َّم ربَّنا َأنْ ِز ْل علَينا ماِئدةً ِمن َّ ِ‬
‫يدا َّ‬‫الس َماء تَ ُك و ُن لَنَا ِع ً‬ ‫َ َْ َ َ َ‬ ‫َ ْ ُ ْ مَيَ ُ َ َ‬
‫اخ ِرنَا وءايةً ِمْنك وارز ْقنا وَأنْت خري َّ ِ‬‫وء ِ‬
‫الرا ِزق َ‬
‫ني‪.)140( ‬‬ ‫َ َ ُْ َ َ َ َ ُ‬ ‫َ ََ‬ ‫ََ‬
‫والآيات المذكورة في هذا السياق التي أيد الله بها‬
‫عيسى (عليه السلام) هي‪-:‬‬
‫‪ -1‬الكلام في المهد‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬يخلق من الطين طيرا فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله‪.‬‬
‫والأكمه قيل في معناه‪ :‬إنه الذي يبصر‬ ‫‪ -3‬أنه ًيبرئ الأكمه‪ً ،‬‬
‫نهارا ولا يبصر ليلا وقيل بالعكس وقيل‪ :‬الأعشى وقيل‪:‬‬
‫الأعمش وقيل‪ :‬هو الذي يولد أعمى وهو أشبه لأنه أبلغ في‬
‫(‪)141‬‬
‫المعجزة وأقوى في التحدي‪.‬‬
‫يبرئ الأبرص‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫حييي املوتى ب إذن اهلل‪ .‬وقد ورد تك رار (ب إذن اهلل) يف اآلية دفع اً لت وهم‬ ‫‪-5‬‬
‫األلوهية‪ ،‬ألن إحياء املوتى ليس من جنس أفعال البشر‪.‬‬
‫اإلنب اء مبا ي أكلون يف بي وهتم وما ي دخرون‪ ،‬وذلك أهنم ملا أحـيا هلم‬ ‫‪-6‬‬
‫املوتى طلب وا منه آية أخ رى وق الوا‪ :‬أخربنا مبا نأكل يف بيوتنا وما ن دخر‬
‫للغد‪ ،‬فأخربهم فقال‪ :‬يا فالن أنت أكلت كذا وكذا‪ ،‬وأنت أكلت كذا‬
‫(‪)142‬‬
‫وكذا وادخرت كذا وكذا; فذلك قوله "وأنبئكم" اآلية‪.‬‬
‫نزول املائدة‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫فالذي جاء به عيسى (عليه السلام) كل ذلك آية من الله‬
‫إلى‬
‫العالمين‪ ،‬يدعوهمَ ً‬
‫َ‬ ‫تحقق قوله وتصدق خبره أنه رسول من ربَ‬
‫مبيناْ‬
‫الآياتُ ّ َُ‬
‫هذهَْ َ َ‬
‫نهايةَّ ذكرَ َ ّ‬
‫قال َفي ََْ َ‬ ‫حيثًَُّ‬ ‫تقوى َالله وطاعته‪َ ،‬‬
‫الرسالة‪ َ ُْ:‬وْمُصُدْقا لمَا بيْن َيّدُيْ مَن ُّالتوراةَّولَأَحل ُلكم‬
‫الهدف َّمن َُّ ََُْ‬ ‫َََْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫آية مَن ٌرُبْكَم ٌفاتقوا الله وأطيعون‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الَذي َّحرم ََعّلُيْكم َ وْجُئُتكُم بََ‬
‫بّعض ّ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ولنا أن نتساءل‪ ،‬ما الحكمة من كون آيات عيسى (عليه‬
‫السلام) من هذا الجنس ؟‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.114‬‬ ‫‪140‬‬

‫(?) ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.1/365‬‬ ‫‪141‬‬

‫(?) القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪.4/61‬‬ ‫‪142‬‬

‫‪29‬‬
‫ً‬
‫يجيب عن هذا الحافظ ابن كثير قائلا‪(( :‬قال كثير من‬
‫أهل زمانه‪،‬‬ ‫العلماء‪ :‬بعث الله كل نبي من الأنبياء بما يناسب َ‬
‫السحر وتعظيم‬ ‫َّ‬ ‫فكان الغالب على زمان موسى (عليه السلام)‬
‫السحرة‪ ،‬فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار‪ ،‬فلما‬
‫استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام وصاروا‬
‫من عباد الله الأبرار‪ .‬وأما عيسى (عليه السلام) فبعث في زمن‬
‫الأطباء وأصحاب علم الطبيعة‪ ً،‬فجاءهم من الآيات بما لا سبيل‬
‫لأحد إليه إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة‪ ،‬فمن أين‬
‫للطبيب قدرة على إحياء الجماد؟ أو على مداواة الأكمه؟ والأبرص‬
‫وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟))(‪.)143‬‬
‫ومع هذه الآيات الباهرة والبراهين القاهرة كيف كانت‬
‫الاستجابة لعيسى (عليه السلام) ؟‬
‫َ‬
‫تلك‬ ‫السلام) ّ‬
‫بعد أن عاين اليهود من عيسى (عليه ْ ََ‬
‫المعجزات‪ ،‬ما كان جواب كثير منهم إلا أن قالوا‪  :‬إن هذا إلا‬ ‫ٌْ ُ ٌ‬
‫جملة‬ ‫سحر مبين‪ .‬ويعود هذا إلى شدة عناد اليهود وجحودهم‪ ِ،‬ومن ِ‬
‫الأسباب التي صدتهم عن اتباعه مع ما جاء به من الآيات البينات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما يلي‪-:‬‬
‫‪ -1‬ادعاء أحبار اليهود وكهنتهم أنهم الصلة بين الله وبين‬
‫الناس‪ ،‬وبدونهم لا تتم صلة العبدً بربه‪ ،‬ولا المخلوق‬
‫بخالقه‪ ،‬فجعلوا يصدرون للناس أحكاما ويشرعون لها شرائع‪،‬‬
‫مصالحهمٌ‬
‫َََْ‬ ‫ويزعمون أنها من عند الله‪َ ،‬كل ذلك من أجل‬ ‫َ‬
‫بقوله‪ ْ :‬فوّيل‬ ‫عنهََ ْ‬ ‫اللهَُ ُ َ‬
‫أخبرُّ َ‬
‫قدْ ْ‬ ‫الصنف َ‬
‫وهذا ْ َ َ‬‫الشخصية‪َ ُُْ،‬‬
‫ّ َ َ‬
‫اللٌه‬
‫الكت َاب ً بأيدََيهْمٌ ثَمُْ يقّولون هَذَاَْ منَْ عندْ ََْ‬
‫ين َيكتبونًََ‬‫لَلْذَُ‬
‫وا بَهْ ُثمَناِ قليلاِ ِفوِيل لهم مما كتبت ِ أيدِيهِم وويلِ‬ ‫ّ‬ ‫َِلُيِْشتر‬
‫يبطل هذه‬ ‫(عليه السلام) ِ ِ‬ ‫ِلهم مما ِيِكسبون‪ .)ِ144( ‬فجاء عيسى ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الدعوى‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -2‬شغف اليهود بالمال وولعهم بجمعه‪ ،‬حتى صاروا عبيدا له‪،‬‬
‫فماتت قلوبهم وفسدت عقيدتهم‪ ،‬وانحطت معنوياتهم وأخلاقهم‪،‬‬
‫ودب الفساد في كل جانب من جوانب حياتهم‪ ،‬فجاء عيسى (عليه‬
‫السلام) ينكر عليهم ذلك‪ ،‬ويحث على الزهادة في الدنيا‪.‬‬
‫(‪)145‬‬
‫‪ -3‬أنكر طائفة منهم القيامة‪ ،‬واستبعدوا يوم الحشر‪.‬‬

‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.1/365،366‬‬ ‫‪143‬‬

‫(?) سورة البقرة‪ ،‬اآلية ‪.79‬‬ ‫‪144‬‬

‫(?) انظر‪ :‬سعد صادق حممد‪ ،‬األنبياء يف القرآن ص‪ .241-237‬و د‪ .‬أمحد شليب‪ ،‬املسيحية‪ ،‬ص ‪.46‬‬ ‫‪145‬‬

‫‪30‬‬
‫ولم يكتف اليهود بتكذيب الآيات‪ ،‬بل حاصروا الدعوة‬
‫وحاربوها‪ ،‬لمخالفتها ماهم عليه من الفساد‪ ،‬فهي دعوة إلى‬
‫الفضيلة وهم أهل رذيلة‪ ،‬وهي دعوة توحيد وهم أهل شرك‪ ،‬وهي دعوة‬
‫للإيمان بعالم الغيب والروح وهم أناس ما ديون لا مكان للإيمان‬
‫(‪)146‬‬
‫بعالم الغيب والروح عندهم‪.‬‬
‫اتخاذ الأنصار‬
‫لما لم تجد مع تلك الطائفة من اليهود هذه الآيات‬
‫البينات‪ ،‬ووجد منهم الصد والإعراض‪ ،‬والكفر بالله سبحانه‬
‫وتعالى‪ ،‬اتخذ عيسى (عليه السلام) َوسيلةَ أخرى في دعوتهم إلى‬
‫أخبرَ‬
‫كماَُْ ََ‬
‫منهم‪َْ ،‬‬
‫أعوان َُُْ‬
‫يكونَّ لهََّ َ‬ ‫وتعالى‪ ،‬وذلك أن ُ َ‬ ‫َ‬ ‫الله سبحانه‬
‫الكفرَقّال‬ ‫بقوله‪ََّ :‬فلَمْاُأحَسَْعُيسى ّمنَهم َ َّ‬
‫وتعالى َعنهََ ََْ‬‫ّ‬ ‫سبحانه َ‬
‫الله ََْ َ‬ ‫َْ‬
‫اللَه‬
‫اللهَّْءَامنا بُّ‬‫ِ‬
‫ارَ َ‬ ‫ِ‬
‫الَّالحوَارَيّون نحَن أَنْصَْ‬ ‫اللهَ ق َ‬
‫ارّي إلىُْ ُ‬ ‫َمنَْْأنص َ‬
‫الرسولِ‬‫امنا بما أنزلت و ِاتبعنا ِ‬ ‫ونَ‪ .‬ربنا ء ِ‬ ‫اشُهْدَ بأَِنَاِ مَّسلم ِ‬
‫َو ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فاكتبنا مع الشاهدين‪. ‬‬
‫(‪)147‬‬ ‫ِ‬
‫ِِ‬
‫قال ابن كثير رحمه الله‪(( :‬يقول تعالى ‪‬فلما أحس عيسى‬
‫‪ ‬أي استشعر منهم التصميم على الكفر والاستمرار على الضلال‪،‬‬
‫قال‪ :‬من أنصاري إلى الله‪ ‬قال مجاهد‪ :‬أي من يتبعني إلى الله‪،‬‬
‫وقال سفيان الثوري وغيره‪ :‬أي من أنصاري مع الله‪ ،‬وقول مجاهد‬
‫أقرب‪ .‬والظاهر أنه أراد من أنصاري في الدعوة إلى الله‪ ،‬كما‬
‫كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يقول في مواسم الحج قبل أن‬
‫يهاجر "من رجل يؤويني حتى أبلغ كلام ربي فإن قريشا قد منعوني‬
‫أن أبلغ كلام ربي" حتى وجد الأنصار فآووه ونصروه وهاجر إليهم‬
‫فواسوه ومنعوه من الأسود والأحمر رضي الله عنهم وأرضاهم‪ .‬وهكذا‬
‫عيسى ابن مريم (عليه السلام) انتدب له طائفة من بني إسرائيل‪،‬‬
‫ووازروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه‪ ،‬ولهذا‬ ‫ً‬ ‫فآمنوا به‬
‫قال تعالى مخبرا عنهم‪ :‬قال الحواريون نحن َأنصار الله آمنا‬
‫أنزلتّ واتبعنا الرسول‬ ‫َ‬ ‫بالله واشهد بأنا مسلمون ربنا آمنا بما‬
‫فاكتبنا مع الشاهدين‪ ‬والحواريون قيل‪ :‬كانوا قصارين وقيل‪ :‬سموا‬
‫بذلك لبياض ثيابهم وقيل‪ :‬صيادين‪ .‬والصحيح أن الحواري الناصر‬
‫كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ندب‬
‫الناس يوم الأحزاب فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير (رضي‬
‫الله عنه) فقال النبي (صلى الله عليه وسلم) "لكل نبي حواري‬
‫وحواريي الزبير ))‪ )148(.‬وأما أنصار عيسى (عليه السلام) فلم يأت‬
‫في القرآن ولا السنة تعيينهم وتحديد أسمائهم‪ ،‬وقد اختلفت‬
‫(‪)149‬‬
‫أناجيل النصارى في هذا التعيين‪.‬‬

‫(?) انظ ر‪ :‬مس عود الغام دي‪ ،‬رس الة ما جس تري‪ ،‬ميالد عيسى عليه الس الم عند اليه ود والنص ارى واملس لمني‪،‬‬ ‫‪146‬‬

‫ص‪.70‬‬
‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآليتان ‪.52،53‬‬ ‫‪147‬‬

‫(?) تفسري القرآن العظيم ‪.1/366‬‬ ‫‪148‬‬

‫‪31‬‬
‫َ‬
‫وقال القرطبي (ت‪671‬هـ)‪(( :‬وطلب النصرة ليحتمي بها من‬
‫قومه ويظهر الدعوة‪ ،‬عن الحسن ومجاهد‪ .‬وهذه سنة الله في‬
‫أنبيائه وأوليائه‪ .‬وقد قال لوط‪ :‬لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى‬
‫ركن شديد‪ ‬أي عشيرة وأصحاب ينصرونني‪ .‬قال الحواريون نحن أنصار‬
‫الله‪ ‬أي أنصار نبيه ودينه))(‪.)150‬‬
‫وإذا تابعنا أحداث الدعوة بعد تلك الخطوة التي‬
‫التي ًأخبرت بذلك أن‬
‫الآيات َ‬
‫ًَ‬ ‫اتخذها عيسى (عليه السلام)‪ ،‬نجد من‬
‫عنهم‬
‫فقالَ َ‬‫وعناداَ‪ْ ُْ،‬‬
‫جحوداُ َ ُّ‬
‫إلاََ ّ‬
‫ذلك ََ‬ ‫اليهود لم يزدادوا بعد َََُ‬
‫المولى سبحانه وتعالى‪  :‬ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين‪‬‬
‫وذلكِ أن‬
‫ِ‬ ‫(‪ .)151‬يعني كفار بني إسرائيل الذين أحس منهم الكفر‪.‬‬
‫عيسى (عليه السلام) لما أخرجه قومه وأمه من بين أظهرهم‪ ،‬عاد‬
‫إليهم مع الحواريين وصاح فيهم بالدعوة‪ ،‬فهموا بالفتك بعيسى‬
‫(عليه السلام) وأرادوا به السوء والصلبً حين تمالئوا ً عليه‬
‫ووشوا به إلى ملك ذلك الزمان‪ ،‬وكان كافرا‪ ،‬أن هنا رجلا يضل‬
‫الناس ويصدهم عن طاعة الملك‪ ،‬ويفسد الرعايا‪ ،‬ويفرق بين الأب‬
‫وابنه‪ ،‬إلى غير ذلك مما تقلدوه في رقابهم ورموه به من الكذب‪،‬‬
‫وأنه ولد زنية‪ ،‬حتى استثاروا غضب الملك‪ ،‬فبعث في طلبه من‬
‫ويصلبه وينكل به‪ ،‬فلما أحاطوا بمنزله وظنوا أنهم قد‬ ‫ِ‬ ‫يأخذه‬
‫ظفروا به نجاه الله تعالى من بينهم‪ ،‬ورفعه من روزنة ذلك البيت‬
‫إلى السماء‪ ،‬وألقى الله شبهه على رجل ممن كان عنده في المنزل‪،‬‬
‫فلما دخل أولئك اعتقدوه في ظلمة الليل عيسى‪ ،‬فأخذوه وأهانوه‬
‫وصلبوه ووضعوا على رأسه الشوك‪ .‬وكان هذا من مكر الله بهم فإنه‬
‫نجى نبيه ورفعه من بين أظهرهم‪ ،‬وتركهم في ضلالهم يعمهون‪،‬‬
‫يعتقدون أنهم قد ًظفروا بطلبتهم وأسكن الله في قلوبهم قسوة‬ ‫ً‬
‫وعنادا للحق ملازما لهم‪ ،‬وأورثهم ذلة لا تفارقهم إلى يوم‬
‫(‪)152‬‬
‫التناد‪.‬‬
‫السياحة في الأرض‬
‫السياحة في الأرض هي الانتقال من مكان إلى مكان‪،‬‬
‫وكذلك كان عيسى (عليه السلام)‪ ،‬فإنه لم يستقر في مكان واحد‪،‬‬
‫قالََْبعض‬
‫الناس‪ َ ،‬ولذاُْ َ‬
‫بل كان ينتقل من مكان إلى مكانُُْيدعوَْ ُ‬
‫السلف في تفسير قوله تعالى‪  :‬اسمه المسيح عيسى ابن مريم ً‪‬‬
‫سياحته فيها فرارا‬ ‫(‪ .)153‬أي‪ :‬لكثرة سياحته‪ ،‬وقيل لمسحه الأرض ِأي ِ‬
‫بدينه من الفتن في ذلك الزمان لشدة تكذيب اليهود وافترائهم‬

‫(?) انظر‪ :‬منرية احلبيب‪ ،‬رسالة ما جستري‪ ،‬عيسى ابن مرمي يف ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬ص ‪.180،181‬‬ ‫‪149‬‬

‫(?) اجلامع ألحكام القرآن ‪.4/63‬‬ ‫‪150‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.54‬‬ ‫‪151‬‬

‫(?) انظر‪ :‬القرطيب‪ ،‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ .64 ،4/63‬وابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪.367 ،1/366‬‬ ‫‪152‬‬

‫(?) سورة آل عمران‪ ،‬اآلية ‪.45‬‬ ‫‪153‬‬

‫‪32‬‬
‫وعند القرطبي‪ ،‬قيل‪ :‬لأنه مسح الأرض‪ ،‬أي‬ ‫ّ‬ ‫عليه وعلى أمه (‪.)154‬‬
‫(‪)155‬‬
‫ذهب فيها فلم يستكن بكن‪.‬‬
‫ٍ‬
‫والدعوة إلى الله تحتاج من الداعية إلى الالتقاء‬
‫بالمدعوين‪ ،‬وقد يتطلب الأمر من الداعية أن يذهب إليهم في‬
‫بلدانهم وأماكنهم ليبلغهم دعوة الله سبحانه وتعالى‪ ً ،‬وبخاصة‬
‫عندما تكون الدعوة جديدة على القوم لا يعرفون عنها شيئا‪ ،‬ولذا‬
‫فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لما أيس من أهل مكة ذهب‬
‫يدعو أهل الطائف‪ ،‬كما كان يعرض نفسه على القبائل في مواسم‬
‫الحج ليجد من يقبل دعوة الله وينصرها حتى ينتقل إليه‪ ،‬وكان‬
‫ذلك من نصيب أهل المدينة‪ ،‬عندما استجاب وفودهم إلى هذه الدعوة‬
‫الجديدة التي كان من نتيجتها أن هاجر الرسول (صلى الله عليه‬
‫وسلم) إلى المدينة وأكمل دعوته هناك‪ .‬إضافة إلى ما كان يبعث‬
‫به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من الرسائل والرسل إلى‬
‫(‪)156‬‬
‫أقوام آخرين‪.‬‬
‫وكان عيسى (عليه السلام) كذلك يبعث بالرسل وهم‬
‫الحواريون ليبلغوا الدعوة في أماكن مختلفة‪ ،‬وقد اشتهر عند أهل‬
‫الكتاب تسمية هؤلاء الحواريين بالرسل‪.‬‬
‫ً‬
‫وتذكيرا بما سبق من أن دعوة عيسى (عليه السلام) تكون‬
‫في زمانين مختلفين‪ ً ،‬زمان مضى‪ ،‬وزمان قادم‪ ،‬فإن منهج السياحة‬
‫في الأرض سيكون أيضا في آخر الزمان كما كان في زمن دعوة بني‬
‫إسرائيل‪ ،‬وتدل على ذلك الأخبار الواردة في ذكر نزول عيسى‬
‫(عليه السلام)‪ ،‬فقد ورد في صحيح مسلم أن عيسى ينزل عند‬
‫المنارة البيضاء شرقي دمشق‪ ،‬وأنه يطلب المسيح الدجال حتى‬
‫يدركه فيقتله بباب لد(‪ .)157‬وباب لد في فلسطين كما في مسند‬
‫الإمام أحمد‪(( :‬حتى يأتي فلسطين باب لد))(‪.)158‬‬
‫ومما يدل على تنقالته يف آخر الزم ان ما ورد يف صحيح مس لم‬
‫عن أيب هري رة (رضي اهلل عن ه) حيدث عن النيب (ص لى اهلل عليه وس لم) ق ال‪:‬‬

‫(?) ابن كثري‪ ،‬تفسري القرآن العظيم ‪ .1/364‬وقصص األنبياء‪ ،‬ص‪.667‬‬ ‫‪154‬‬

‫(?) اجلامع ألحكام القرآن ‪.4/57‬‬ ‫‪155‬‬

‫(?) انظر نص وص بعض رس ائل النيب (ص لى اهلل عليه وس لم) إىل املل وك وغ ريهم عند ابن القيم يف زاد املع اد‬ ‫‪156‬‬

‫‪ 3/688‬وما بعدها‪.‬‬
‫(?) انظر احلديث الطويل ال ذي أخرجه مس لم‪ ،‬كت اب الفنت وأش راط الس اعة‪ ،‬ح ديث رقم ‪ .2937‬وق ال‬ ‫‪157‬‬

‫احلم وي يف معجم البل دان‪ :‬لُ ٌّد بالضم والتش ديد قرية ق رب بيت املق دس‪ ،‬من ن واحي فلس طني‪ ،‬بباهبا ي درك‬
‫عيسى ابن مرمي الدجال فيقتله‪( .‬معجم البلدان ‪.) 5/15‬‬
‫(?) املسند ‪.6/75‬‬ ‫‪158‬‬

‫‪33‬‬
‫ده ليهلن ابن م رمي بفج الروح اء(‪ )159‬حاج اً أو معتم راً أو‬ ‫((وال ذي نفسي بي‬
‫على جميء عيسى ابن مرمي إىل مكة‪ ،‬وإن كان للحج‪ ،‬فإن‬ ‫ليثنينهما))(‪ .)160‬دليل‬
‫يعرف ون لل دعوة وطن اً‪ ،‬بل ي دعون إىل اهلل يف كل مك ان‬ ‫ال دعاة إىل اهلل ال‬
‫بأنبياء اهلل عليهم السالم؟!‬ ‫حيلون فيه‪ ،‬فكيف‬
‫إزالة آلة الباطل‬
‫قد جيد الداعية يف جمتمع ال دعوة أم راً من الباط ل‪ ،‬حيت اج الداعية‬
‫إىل إزالته وختليص املدعوين من ه‪ ،‬ويتمثل ه ذا يف دع وة عيسى (عليه الس الم)‪،‬‬
‫فهو يكسر الصليب‪،‬ويقتل اخلنزير‪ ،‬كما دل عليه حديث نزوله يف آخر الزمان‪،‬‬
‫وما حيدث منه عند ذلك‪ ،‬لما في صحيح البخاري عن أبي هريرة (رضي‬
‫الله عنه) قال‪ :‬قال رسول الله (صلى الله عليهً وسلم)‪(( ً:‬والذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا‪ ،‬فيكسر‬
‫الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير‪ ،‬ويضع الجزية‪ ،‬ويفيض المال حتى لا‬
‫يقبله أحد))(‪.)161‬‬
‫قال ابن حجر‪(( :‬قوله فيكسر الصليب‪ ،‬ويقتل الخنزير‪ ،‬أي‬
‫يبطل دين النصرانية بأن يكسر الصليب حقيقة‪ ،‬ويبطل ما تزعمه‬
‫النصارى من تعظيمه))(‪.)162‬‬
‫وعقيدة الصليب من العقائد الأساسية التي يعتقدها‬
‫منشأ هذه العقيدة من إيمانهم بأن‬ ‫وكان ُ‬ ‫النصارى إلى اليوم‪ُ ،‬‬
‫سبحانه وتعالى رد‬
‫الله َُّ َُْ‬
‫ولكن ََ ْ‬‫وصلب‪ُ ََُ،‬‬
‫السلام)ََقُتلُ ََ‬
‫ََ‬ ‫عيسى (عليه‬
‫‪ .‬وهذا‬ ‫(‪)163‬‬
‫عليهم بقوله‪  :‬وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم‪‬‬
‫عل ِضعف عقولهم‪ ،‬فكيف‬ ‫النصارى يدل ِ‬ ‫الاعتقاد الذي اعتقده‬
‫الله أو ابن الله على‬ ‫يعتقدون صلبه وهم الذين يزعمون أنه ً‬
‫اختلاف بينهم‪ َ.‬وما أحسن ما قال الشاعر ردا عليهم في زعمهم‪:‬‬
‫ُّ ُ‬
‫نروم جوابه ممن‬ ‫أعباد المسيح لنا سـؤال‬
‫وعاه‬
‫يهودي فما هذا‬ ‫إذا صلب الإله بفعل عبد‬
‫(‪)164‬‬
‫الإله‬
‫(?) قال احلافظ أبو بكر احلارثي‪ :‬هو بني مكة واملدينة‪( .‬النووي‪ ،‬شرح صحيح مسلم ‪.)8/234‬‬ ‫‪159‬‬

‫(?) كتاب احلج‪ ،‬حديث رقم ‪.1252‬‬ ‫‪160‬‬

‫(?) اجلامع الصحيح‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬حديث رقم ‪.2222‬‬ ‫‪161‬‬

‫(?) فتح الباري ‪.6/493‬‬ ‫‪162‬‬

‫(?) سورة النساء‪ ،‬اآلية ‪.157‬‬ ‫‪163‬‬

‫(?) حممد علي الصابوين‪ ،‬النبوة واألنبياء‪ ،‬ص ‪.221‬‬ ‫‪164‬‬

‫‪34‬‬
‫وأول من اخترع لهم شارة الصليب هو َالملك قسطنطين‪،‬‬
‫زعم أنه رأى في السماء صورة صليب من ذهب‪ ،‬وملك يقول له‪ :‬إن‬
‫كنت تريد غلبة أعدائك فاجعل هذه الصورة علامة قدامك‪ ،‬فإنك‬
‫(‪)165‬‬
‫غالب بها جميع أعدائك‪.‬‬
‫وأما ما يتعلق بقتل الخنزير‪ ،‬لأنه نجس محرم الأكل‪،‬‬
‫على النصارى وغيرهم‪ ،‬فهو محرم على النصارى بالتوراة لأنهم‬
‫مأمورون باتباعها‪ ،‬ولم يأت الإنجيل بنسخ ذلك (‪ .)166‬فكان في‬
‫قتل عيسى للخنزير في آخر الزمان فضح للنصارى بما بدلوا وغيروا‬
‫من أمور دينهم‪ ،‬مثل استحلالهم للحم الخنزير‪.‬‬
‫قتال أعداء الله‬
‫كانت دعوة عيسى(عليه السلام) في زمنه لبني إسرائيل‬
‫دعوة سلمية تقوم على المواعظ والأمثال والزواجر‪ ،‬ولم يرد في‬
‫النصوص الشرعية ما يدل على قتاله لأعدائه في ذلك الزمان‪.‬‬
‫وأما في آخر الزمان عندما ينزل إلى الأرض فإنه يقاتل‬
‫ُالأعداء وعلى رأسهم المسيح الدجال‪ ،‬فإنه يطلبه حتى يقتله بباب‬
‫لد‪ ،‬كما مر بنا الحديث الذي رواه مسلم(‪ .)167‬وجاء في صحيح ابن‬
‫حبان عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن رسول الله (صلى الله‬ ‫ٍ‬
‫عليه وسلم)‪(( :‬فينزل عيسى ابن مريم فإذا رآه عدو الله يذوب كما‬
‫يذوب الملح‪ ،‬ولو تركوه لذاب حتى يهلك ولكنه يقتله الله بيده‬
‫فيريهم دمه بحربته))(‪.)168‬‬
‫وبقتل عيسى ابن مريم للمسيح الدجال يخلص الناس من‬
‫فتنة عظيمة‪ ،‬لما في سنن ابن ماجه (ت‪275‬هـ) من حديث أبي أمامة‬
‫قال‪ :‬خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فكان أكثر‬ ‫الباهلي ً‬
‫خطبته حديثا حدثناه عن الدجال وحذرناه‪ ،‬فكان من قوله أن قال‪:‬‬
‫((إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأً الله ذرية آدم أعظم من‬
‫فتنة الدجال‪ ،‬وإن الله لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال‪،‬‬
‫وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم))(‪.)169‬‬
‫وفي صحيح مسلم من حديث عمران بن حصين (رضي الله‬
‫عنه) عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)‪(( :‬ما بين خلق آدم إلى‬

‫(?) انظر‪ :‬القرايف‪ ،‬األجوبة الفاخرة‪ ،‬ص ‪.161‬‬ ‫‪165‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الشهرستاين‪ ،‬امللل والنحل‪ .210 ،‬وابن حزم‪ ،‬الفصل يف امللل واألهواء والنحل ‪.1/59‬‬ ‫‪166‬‬

‫(?) راجع ص ‪. 41‬‬ ‫‪167‬‬

‫(?) صحيح ابن حبان ‪15/224‬رقم ‪ .6813‬قال الشيخ شعيب الأرنؤوط‪ :‬إسناده‬ ‫‪168‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫(?) السنن‪ ،‬كتاب الفنت‪ ،‬حديث رقم ‪.4077‬‬ ‫‪169‬‬

‫‪35‬‬
‫قيام الساعة خلق أكبر من الدجال))(‪ .)170‬قال النووي‪ :‬أكبر فتنة‬
‫وأعظم شوكة (‪.)171‬‬
‫ولا يقتصر قتال عيسى (عليه السلام) على قتال الدجال‬
‫ويدعوهم إلى‬
‫ً‬ ‫فحسب‪ ،‬بل يقاتل اليهود والنصارى في ذلك الزمان‪،‬‬
‫الإسلام‪ ،‬ولا يقبل منهم غيره‪ ،‬ولا يقبل منهم الجزية أيضا‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬األسلوب‬
‫الأسلوب‪ :‬الطريق والفن‪ ،‬يقال‪ :‬هو على أسلوب من أساليب‬
‫القوم‪ :‬أي على طريق من طرقهم‪ .‬ويقال‪ :‬أخذنا في أساليب من‬
‫(‪)172‬‬
‫القول‪ :‬فنون متنوعة‪.‬‬
‫وعلى أس اس التعريف اللغ وي ميكن تعريف أس لوب ال دعوة بأنه‬
‫الكيفية اليت يتم هبا تبليغ الدعوة إىل املدعوين‪ ،‬وإزالة العوائق (‪.)173‬‬
‫وهن اك ترابط بني الوس يلة واألس لوب‪ ،‬ف إذا قلن ا‪ :‬إن الوس يلة هي‬
‫الطريقة اليت يتم هبا التبليغ أو إزالة العوائ ق‪ ،‬ف إن األس لوب هو الفن‪ ،‬أو كيفية‬
‫(‪)174‬‬
‫استخدام هذه الطريقة‪.‬‬
‫ومن األساليب اليت سلكها عيسى (عليه السالم) يف دعوته‪ ،‬ما يلي‪-:‬‬
‫ضرب الأمثال‬
‫ضرب األمثال أسلوب من أساليب اإليضاح والبيان يف الدعوة‪ ،‬إن مل يكن‬
‫أقواها يف إبراز احلقائق املعقولة‪ ،‬يف صورة األمر احملسوس‪ .‬والغرض من ضرب‬
‫األمث ال تش يبه اخلفي ب اجللي‪ ،‬والغ ائب بالش اهد‪ ،‬فيصري غري احملس وس مطابق اً‬
‫للمحسوس‪ ،‬وذلك هو النهاية يف اإليضاح‪ .‬وضرب املثل هو حالة تشبيه حتدث‬

‫(?) كتاب الفنت وأشراط الساعة‪ ،‬حديث ‪.2946‬‬ ‫‪170‬‬

‫(?) صحيح مسلم بشرح النووي ‪.18/87‬‬ ‫‪171‬‬

‫(?) انظر‪ :‬الفريوز أبادي‪ ،‬القاموس احمليط‪ ،‬ص ‪ ،1/248‬مادة [سلب]‪ .‬والفيومي‪ ،‬املصباح املنري‪،1/304 ،‬‬ ‫‪172‬‬

‫مادة سلب‪ .‬واملعم الوسيط‪ ،‬مادة سلب ‪.1/441‬‬


‫(?) انظر‪ :‬سعيد القحطاين‪ ،‬احلكمة يف الدعوة إىل اهلل تعاىل‪ ،‬ص‪ .125‬والدكتور علي عبداحلليم حممود‪ ،‬فقه‬ ‫‪173‬‬

‫ال دعوة إىل اهلل ‪ .1/215‬وحممد أبو الفتح البي انوين‪ ،‬املدخل إىل علم ال دعوة‪ ،‬ص‪ .46‬وحممد عب دالقادر أبو‬
‫فارس‪ ،‬أسس يف الدعوة ووسائل نشرها‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫(?) انظر‪ :‬الدكتور علي جريشة‪ ،‬مناهج الدعوة وأساليبها‪ ،‬ص‪.139‬‬ ‫‪174‬‬

‫‪36‬‬
‫يف النفس حالة التف ات بارع ة‪ ،‬يلتفت هبا املرء من الكالم اجلديد إىل ص ورة‬
‫املثل املأنوس(‪.)175‬‬
‫قال إبراهيم النظام‪ (( :‬جيتمع يف املثل أربعة ال جتتمع يف غريه من‬
‫الكالم‪ :‬إجياز اللفظ‪ ،‬وإصابة املعىن‪ ،‬وحسن التشبيه‪ ،‬وجودة الكناية ))(‪.)176‬‬
‫ويف أمهية ضرب األمثال لتوضيح األقوال يقول أمري املؤمنني علي‬
‫بن أيب طالب (رضي اهلل عنه)‪ (( :‬األمثال مصابيح األقوال ))‬
‫(‪)177‬‬

‫وض رب األمث ال منهج س لكه رس ول اهلل (ص لى اهلل عليه وس لم) يف‬


‫دعوته كما يف ح ديث أيب موسى األش عري (رضي اهلل عن ه) عن النيب (ص لى‬
‫اهلل عليه وس لم) ق ال‪ (( :‬مثل ال ذي يق رأ الق رآن كاألترج ة‪ ،‬طعمها طيب ورحيها‬
‫طيب‪ ،‬وال ذي ال يق رأ الق رآن ك التمرة طعمها طيب وال ريح فيه ا‪ ،‬ومثل‬
‫الفاجر الذي يقرأ القرآن كمثل الرحيانة‪ ،‬رحيها طيب وطعمها مر‪ ،‬ومثل الفاجر‬
‫الذي ال يقرأ القرآن‪ ،‬كمثل احلنظلة‪ ،‬طعمها مر وال ريح هلا ))(‪.)178‬‬
‫ولقد اشتهر ما روي من كلام عيسى (عليه السلام) بضرب‬
‫الأمثال‪ ،‬ومن ذلك ما ورد عن الحارث الأشعري أن رسول الله (صلى‬
‫الله عليه وسلم) قال‪ (( :‬إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات‬
‫ففيه‬ ‫الحديث))(‪.)179‬‬
‫ً‬ ‫بني إسرائيل يعملون بهن…‬
‫يعمل بهن ويأمر َ‬
‫لما يأمر به‬
‫نجد أن عيسى ابنَّ مريم (عليه السلام) يضرب مثلا ً‬
‫عبدا من ماله‬
‫أوَ ينهى عنه‪ ،‬فمثل من يشرك بالله برجل اشترى َ‬
‫إلىّ غير سيده‪.‬‬
‫ووضعه يعمل في داره‪ ،‬فكان ذلك َ العبد يعمل ويؤدي َ‬
‫َّ‬
‫ومثل الصائم بمن معه صرة َّمسك تفوح ريحها‪ ،‬ومثل المتصدق‬
‫بالأسير الذي يفتدي نفسه‪ ،‬ومثل الذاكر لله برجل طلبه العدو‬
‫فاحرز نفسه في حصن حصين‪.‬‬
‫وفي موضع آخر يضرب عيسى (عليه السلام) لمن يعمل‬ ‫ً‬
‫مثلا‪ ،‬قال عبدالله بن المبارك أنبأنا سفيان عن منصور عن سالم‬
‫‪175‬‬
‫(?) انظ ر‪ :‬علي حمف وظ‪ ،‬هداية املرش دين‪ .177 ،‬والبهي اخلويل‪ ،‬ت ذكرة ال دعاة‪ .66 ،‬وعبد الوه اب بن لطف‬
‫الديلمي‪ ،‬معامل الدعوة يف قصص القرآن الكرمي ‪.306 /1‬‬
‫‪176‬‬
‫(?) امليداين‪ ،‬جممع األمثال‪ ،‬حتقيق حممد أبوالفضل إبراهيم ‪.7 / 1‬‬
‫‪177‬‬
‫(?) نثر الآليلء من كالم علي بن أيب طالب (رضي اهلل عنه) ( خمطوط )‪ ،‬الورقة ‪ ،51‬الوجه ‪.1‬‬
‫‪178‬‬
‫(?) متفق علي ه‪ :‬أخرجه البخ اري واللفظ ل ه‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب فض ائل الق رآن‪ ،‬ح ديث رقم ‪.5020‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب صالة املسافرين وقصرها‪ ،‬حديث رقم ‪.798‬‬
‫(?) سبق احلديث وخترجيه ص ‪. 26،28‬‬ ‫‪179‬‬

‫‪37‬‬
‫بن أبي الجعد قال‪ :‬قال عيسى‪(( :‬اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم‪،‬‬
‫وتروح لا تحرث ولا تحصد‪ ،‬والله‬
‫ً‬ ‫انظروا إلى هذه الطير تغدو‬
‫يرزقها‪ ،‬فإن قلتم نحن أعظم بطونا من الطير‪ ،‬فانظروا إلى هذه‬
‫الأباقير من الوحوش والحمر‪ ،‬فانها تغدو وتروح لا تحرث ولا‬
‫(‪)180‬‬
‫تحصد‪ ،‬والله يرزقها))‪.‬‬
‫ويمثل طالب الدنيا كشارب ماء البحر‪ ،‬فعن إبراهيم‬
‫الحربي عن داود بن رشيد عن أبي عبدالله الصوفي قال قال عيسى‬
‫(عليه السلام)‪(( :‬طالب الدنيا مثل شارب ماء البحر‪ ،‬كلما ازداد‬
‫شربا ازداد عطشا حتى يقتله))(‪.)181‬‬
‫الدفْلى(‪ )182‬حيث يقول‪(( :‬يا علماء‬
‫كما َمثَّل علماء السوء بشجرة ِّ‬
‫السوء‪ ،‬جعلتم الدنيا على رؤسكم‪ ،‬والآخرة تحت أقدامكم‪ ،‬قولكم‬
‫شفاء‪ ،‬وعملكم داء‪ ،‬مثلكم مثل شجرة الدفلى‪ ،‬تعجب من رآها وتقتل‬
‫من أكلها))(‪.)183‬‬
‫الحكمة في القول‬
‫احلكمة‪ :‬هي الكالم الذي يقل لفظه وجيل معناه(‪ .)184‬وميكن القول‬
‫بأهنا عب ارة م وجزة املبىن جليلة املع ىن‪ .‬واحلكمة هلا أثر كبري يف ال دعوة إىل اهلل‪،‬‬
‫وذلك جلمال ألفاظها‪ ،‬ومسو معانيها‪ ،‬وسهولة حفظها وترديدها‪.‬‬
‫كلام‬
‫والكلام الموجز البليغ ذو المعنى الجلي هو صفة َ‬
‫رسول‬
‫الأنبياء عليهم السلام‪ ،‬تصف عائشة (رضي الله عنها) ًكلام ّ‬
‫الله (صلى الله عليه وسلم) فتقول‪(( :‬كان يحدث حديثا لو عده‬
‫العاد لأحصاه)) (‪.)185‬‬
‫وفي رواية عنها قالت‪(( :‬ما كان رسول الله (صلى الله‬
‫عليه وسلم) يسرد سردكم هذا‪ ،‬ولكنه كان يتكلم بكلام يبينه فصل‬
‫يحفظه من جلس إليه))(‪.)186‬‬

‫(?) ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ .654 ،‬وابن املبارك يف الزهد ‪ ،‬حديث رقم ‪.848‬‬ ‫‪180‬‬

‫(?) ابن كثري قصص األنبياء‪.653 ،‬‬ ‫‪181‬‬

‫(?) ش جر ُم ٌر حسن املنظر يك ون يف األودي ة‪ ،‬وهي من الس موم‪( .‬ابن منظ ور‪ ،‬لس ان الع رب‬ ‫‪182‬‬

‫‪ ،11/245،246‬مادة [دفل] )‪.‬‬


‫(?) ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪ .656‬وأخرجه أبو نعيم بلفظ آخر يف احللية ‪.6/279‬‬ ‫‪183‬‬

‫‪184‬‬
‫(?) إبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬املعجم الوسيط‪.190 ،‬‬
‫(?) متفق علي ه‪ ،‬أخ رج البخ اري‪ ،‬اجلامع الص حيح‪ ،‬كت اب املن اقب‪ ،‬ح ديث رقم ‪ .3567‬ومس لم‪ ،‬كت اب‬ ‫‪185‬‬

‫الزهد والرقاق‪ ،‬حديث رقم ‪ .2493‬واللفظ هلما‪.‬‬


‫(?) أخرجه الرتمذي‪ ،‬السنن‪ ،‬كتاب املناقب‪ ،‬حديث رقم ‪ .3639‬وقال أبو عيسى‪ :‬هذا حديث حسن‪.‬‬ ‫‪186‬‬

‫‪38‬‬
‫وكان كلام عيسى ابن مريم (عليه السلام) كذلك يجمع‬
‫عن‬
‫والإيجاز والوضوح‪ ،‬ولو تأملنا ماً حكى الله سبحانه َ َ‬ ‫َ‬ ‫البلاغة‬
‫ال‬
‫يقول‪َ ًَ :‬قَْ‬
‫حيث ً َُ‬ ‫المهدًََََ‬
‫بهاَ في َ ّ‬‫التيَ َنطقَ َََ‬ ‫الكلماتَ َ ْ‬‫عيسى َْمنُ تلكّ َ َ‬‫ّ‬
‫ا‪ .‬وَجّعلنيََّ مبارَكا َأين‬ ‫ي‬ ‫ب‬‫ن‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ل‬‫ع‬ ‫ج‬
‫ً َّ ََ َّ َ ُُْ‬‫و‬ ‫اب‬ ‫ت‬ ‫ك‬ ‫ال‬ ‫ي‬ ‫ان‬‫ات‬ ‫ء‬ ‫َِإِ ُُْ َََِْ َ‬
‫ه‬‫الل‬ ‫د‬‫ب‬ ‫ع‬ ‫ي‬ ‫ن‬
‫الَدْتَي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الزُكاةَ مّاََْ دمُت ْحُيا‪ََْ.‬وَبراَُ بُو َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َمَاْ كَنْتًَْ ‪‬وأوصَّانيً َبّالصل َاة وَّ‬
‫وُلْمَُيَجّعلني جبِارا شِقيا‪ .‬وِالسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الموجزة جمعت معان عظيمة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫أبعث حيا‪ .)187( ِ‬فهذهِ الكلمات البليغة‬
‫ففيها بيان لحقيقة نفسه‪ ،‬وفيها ً بيان لمهمته وشريعته‪ ،‬وفيها‬
‫بيان لشيء من أخلاقه وصفاته‪ ،‬فضلا عن أنها رد على تلك التهمة‬
‫الموجهة إلى أمه‪.‬‬
‫يستطيع أحدكم أن‬ ‫الحكمة قوله‪(( :‬كما أنه لا ً‬ ‫ً‬ ‫ومن أمثلة‬
‫(‪)188‬‬
‫يتخذ على موج البحر دارا‪ ،‬فلا يتخذ الدنيا قرارا))‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية‪،‬‬
‫(‪)189‬‬
‫وانتبهت إلى غير إثم))‪.‬‬
‫وقوله‪(( :‬طوبى للمتواضعين في الدنيا‪ ،‬هم أصحاب المنابر‬ ‫َ‬
‫يوم القيامة‪ .‬وطوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا‪ ،‬هم الذين‬ ‫َُّ‬
‫يورثون الفردوس يوم القيامة‪ .‬وطوبى للمطهرة قلوبهم في الدنيا‪،‬‬
‫هم الذين ينظرون إلى الله عز وجل يوم القيامة))(‪.)190‬‬
‫وقوله‪(( :‬يا معشر الحواريين اجعلوا كنوزكم في السماء‪،‬‬
‫(‪)191‬‬
‫فإن قلب الرجل حيث كنزه))‪.‬‬
‫الترغيب والترهيب‬
‫ال رتغيب من رغب‪ ،‬والرغبة يف الش يء هي احلرص على الش يء‬
‫والطمع فيه(‪ .)192‬والقصد بالرتغيب يف جمال الدعوة إىل اهلل هو ما يشوق املدعو‬
‫إىل االس تجابة وقب ول احلق(‪ .)193‬وميكن الق ول ب أن ال رتغيب وعد يص حبه حتبيب‬
‫مبصلحة أو لذة أو متعة آجلة‪ ،‬مؤكدة‪ ،‬خرية‪ ،‬مقابل القيام بعمل صاحل (‪.)194‬‬

‫(?) سورة مرمي‪ ،‬اآليات ‪.33-30‬‬ ‫‪187‬‬

‫(?) أخرجه اإلمام أمحد يف الزهد ص‪ .76‬وذكره ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪ .653‬وطارق الطنطاوي‪،‬‬ ‫‪188‬‬

‫حكم ومواعظ عيسى ابن مرمي عليه السالم‪ ،‬ص ‪.26‬‬


‫(?) ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪.653‬‬ ‫‪189‬‬

‫(?) أخرجه ابن أيب الدنيا يف التواضع ‪ ،‬ص‪.154‬‬ ‫‪190‬‬

‫(?) املرجع السابق‪.655 ،‬‬ ‫‪191‬‬

‫(?) ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،1/422‬مادة [رغب]‪.‬‬ ‫‪192‬‬

‫(?) عبدالكرمي زيدان‪ ،‬أصول الدعوة‪ ،‬ص ‪.423‬‬ ‫‪193‬‬

‫(?) انظر‪ :‬عبد الرمحن النحالوي‪ ،‬أصول الرتبية اإلسالمية وأساليبها‪ ،‬ص ‪.257‬‬ ‫‪194‬‬

‫‪39‬‬
‫والرتهيب‪ :‬من رهب أي خاف(‪ ،)195‬وهو التخويف من حصول مضرة‪،‬‬
‫أو احلرمان من منفعة‪ ،‬دنيوية أو أخروية‪ ،‬عاجلة أو آجلة‪.‬‬
‫فالرتغيب والرتهيب أسلوب دعوي يتجاوب مع فطرة اإلنسان‪ ،‬من‬
‫حيث رغبتها يف اخلري‪ ،‬ونفورها من الشر ورغبتها يف الس المة من الض ر‪ ،‬يف‬
‫العاجل واآلج ل‪ ،‬وذلك بتهدي دها وختويفها من حص ول ذل ك‪ ،‬لتبتعد عن كل‬
‫ما يكون سبباً يف حصول الشر‪ ،‬أو احلرمان من اخلري‪.‬‬
‫ويف جمال الرتغيب قالت امرأة لعيسى (عليه السلام)‪ :‬طوبى‬
‫لحجر حملك ولثدي أرضعك فقال‪(( :‬طوبى لمن قرأ كتاب الله‬
‫(‪)196‬‬
‫واتبعه))‪.‬‬
‫وقوله‪ (( :‬طوبى لمن بكى من ذكر خطيئته وحفظ لسانه ووسعه بيته))‬
‫(‪.)197‬‬
‫وقوله‪ (( :‬طوبى لعين نامت ولم تحدث نفسها بالمعصية وانتبهت إلى‬
‫غير إثم))(‪.)198‬‬
‫أخرب عنه‬ ‫ويف جمال ال رتهيب جند ق ول عيسى (عليه الس الم) كما َ‬
‫ََ َ ََْ ُ َ ََ ََْ َ ُُْ َ َّ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اللَهَْربُي‬
‫َ‬ ‫َ‬‫ّ‬ ‫وا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ابّنَي إسرُّائيلََْاعبد‬
‫َ‬ ‫يحَْي‬
‫َ‬ ‫المس‬‫ّ‬ ‫بقوله‪ُْ:‬وْقال‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬‫سبحانه‬
‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫املوىل‬
‫ُ‬ ‫َََّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫اللَه فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه‬ ‫ورّبكُم َإَنه منّ يشرَك ْب َْ‬
‫ِ‬ ‫النار وِما للظالمِين منِ أنصار‪. ‬‬
‫(‪)199‬‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ِِ ِ‬
‫الدعوة بالموعظة‬
‫َْ َُ‬ ‫َُ‬ ‫َُْ‬
‫الوعظ والعظة والموعظة‪ :‬النصح والتذكير بالعواقب‪ ،‬وقال‬
‫(‪)200‬‬
‫بما يلين قلبه من ثواب وعقاب‪.‬‬ ‫ابن سيده‪ :‬تذكرتك ِالإنسان ِ‬
‫ونجد في دعوة عيسى (عليه السلام) موعظته لقومه بتقوى‬
‫مائدة‬
‫ْ‬ ‫عليهم‬
‫ً‬ ‫الله سبحانهُ وتعالى‪ ،‬وذلك حين طلبوا منه أن ُينزل‬
‫قائلاَ‪ََْَ :‬إذ‬‫وتعالىَْ َُّ‬
‫سبحانهُ ََّ‬ ‫المولىْ ََْ‬
‫بذلك ََََْ َ‬ ‫أخبر ََْ‬‫كماَ َ‬ ‫السماء‪َ َّ ،‬‬
‫َمنَ ََْ‬
‫ِ‬
‫يع ُْربك أَن َينُزل عُلينُا‬ ‫ابُن مريمَّهل ْيسُتْطُْ‬ ‫ون ياعَيسَىَ ّ‬
‫َقالًَ الَحواريَّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اللْهََإنَْكنَتْم َمَؤْمَنَين‪ََ .‬قُالَوا ََنْرَيد‬
‫وا ََ‬ ‫اتقَُ‬ ‫ِ‬
‫السماءََْقَالّ ُُ‬‫َمْائدَةَُْمن َِْ‬
‫أنِ نأكِل منها ِوتطمئن قلوبنا ونعلمِ أن قد صدقِتِنا ونكون علِيها‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪195‬‬
‫(?) ابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،436 / 1‬مادة [رهب]‪.‬‬
‫(?) ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪.653‬‬ ‫‪196‬‬

‫(?) املرجع السابق‪ ،‬املوضع نفسه‪ .‬وابن أيب الدنيا‪ ،‬كتاب الصمت وآداب اللسان‪ ،‬حديث رقم ‪.15‬‬ ‫‪197‬‬

‫(?) ابن كثري‪ ،‬قصص األنبياء‪ ،‬ص ‪.653‬‬ ‫‪198‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآلية ‪.72‬‬ ‫‪199‬‬

‫(?) ابن سيده‪ ،‬املخصص‪ ،‬السفر الثالث عشر‪ ،‬ص ‪ .95‬وابن منظور‪ ،‬لسان العرب ‪ ،7/466‬مادة [وعظ]‪.‬‬ ‫‪200‬‬

‫‪40‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫َ ّ‬
‫‪ .‬قال الطبري‪(( :‬وأما قوله‪ :‬قال اتقوا الله‬ ‫(‪)201‬‬
‫من الشاهدين‪‬‬
‫ِإن كنتمِِمؤمنين‪ ‬فإنه يعني‪ :‬قال عيسى للحواريين القائلين له‪:‬‬
‫‪‬هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء‪ ‬راقبوا الله‬
‫أيها القوم‪ ،‬وخافوا أن ينزل بكم من الله عقوبة على قولكم هذا‪،‬‬
‫فإن الله لا يعجزه شيء أراده‪ ،‬وفي شككم في قدرة الله على‬
‫إنزال مائدة من السماء كفر به‪ ،‬فاتقوا الله أن ينزل بكم نقمته‬
‫إن كنتم مؤمنين! يقول‪ :‬إن كنتم مصدقي على ما أتوعدكم به من‬
‫عقوبة الله إياكم على قولكم‪ :‬هل يستطيع ربك أن ينزل علينا‬
‫مائدة من السماء‪.)202())‬‬

‫(?) سورة املائدة‪ ،‬اآليتان ‪.113 ،112‬‬ ‫‪201‬‬

‫(?) جامع البيان ‪.7/131‬‬ ‫‪202‬‬

‫‪41‬‬
‫الخاتمة‬
‫بعد استعراض دعوة عيسى (عليه السلام) في الكتاب‬
‫والسنة وجدنا ما تميزت به تلك الدعوة النبوية من مزايا عن‬
‫بقية دعوة الأنبياء‪ ،‬فهو النبي الذي خلق من غير أب‪ ،‬مما جعل‬
‫النصارى يقولون فيه أنه ابن الله‪ ،‬وهو النبي الذي نطق بالدعوة‬
‫وخاطب قومه وهو فيً المهد‪ ،‬وهو النبي الوحيد الذي لم يمت بل‬
‫رفعه الله إليه حيا بروحه وبدنه‪ ،‬وسينزل في آخر الزمان بروحه‬
‫وبدنه‪.‬‬
‫ودعوة عيسى (عليه السلام) الدعوة الوحيدة التي يدعو‬
‫فيها النبي في زمانين مختلفين‪ ،‬وهو الزمان الذي بعث فيه (عليه‬
‫السلام) وتكون دعوته في هذه الفترة لبني إسرائيل‪ ،‬وأما الفترة‬
‫الثانية التي يدعو فيها فهي آخر الزمان حين ينزله الله سبحانه‬
‫محمد (صلى الله عليه‬
‫وتعالى‪ ،‬وتكون دعوته في هذه الفترة لأمة ً‬
‫وسلم) ويحكم بشريعته دون أن ينسخ منها شيئا‪ ،‬وبنزوله في آخر‬
‫الزمان يقتل المسيح الدجال ويخلص الناس من أعظم فتنة تمر على‬
‫بني آدم‪.‬‬
‫ودعوة عيسى (عليه السلام) هي الدعوة التي يزعم آلاف‬
‫الملايين من البشر في هذا الزمان أنهم أتباعها‪ ،‬وقد كذبوا في‬
‫ذلك‪ ،‬لأنهم اتبعوا نصرانية محرفة مبدلة‪ ،‬فلم يكن في دعوة عيسى‬
‫ابن مريم (عليه السلام) تثليث ولا صلب ولا فداء‪ ،‬وهذه الأمور‬
‫من أصول عقائد النصارى اليوم‪ ،‬التي ابتدعها لهم المحرفون‬
‫المبطلون‪.‬‬
‫حتى من زعم أنه اتبع النصرانية الحقة التي كان عليها‬
‫عيسى (عليه السلام) فليس له ذلك؛ لأنها نسخت بشريعة نبينا‬
‫محمد (صلى الله عليه وسلم)‪ ،‬وقد حكم رسول الله (صلى الله عليه‬
‫وسلم) على اليهودي والنصراني الذي لا يؤمن به أنه من أصحاب‬
‫النار حين قال‪(( :‬والذي نفس محمد بيده‪ ،‬لا يسمع بي أحد من هذه‬
‫الأمة‪ ،‬يهودي ولا نصراني‪ ،‬ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به‬
‫إلا كان من أصحاب النار))(‪.)203‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين‪.‬‬

‫قائمة مراجع البحث‬


‫األجوبة الفاخرة‪ ،‬القرايف‪ ،‬ط‪ 1‬بريوت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪406 ،‬هـ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫اإلحسان في ترتيب صحيح ابن حبان‪ ،‬ترتيب علي بن بلبان الفارسي‪ ،‬حتقيق‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫شعيب األرناؤوط‪ ،‬ط‪(1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬
‫(?) أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب اإلميان‪ ،‬حديث رقم ‪.153‬‬ ‫‪203‬‬

‫‪42‬‬
‫أسس في الدعوة ووسائل نشرها‪ ،‬حممد عبد القادر أبو فارس‪ ،‬ط‪(1‬دار الفرقان‪،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫األردن‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬
‫أشراط الساعة‪ ،‬يوسف الوابل‪ ،‬ط‪(12‬دار ابن اجلوزي‪ ،‬الرياض‪1420 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫اإلص ابة في تمي يز الص حابة‪ ،‬ابن حج ر‪ ،‬ط‪( 1‬مطبعة الس عادة‪ ،‬مص ر‪،‬‬ ‫‪-5‬‬
‫‪1328‬هـ)‪.‬‬
‫أص ول التربية اإلس المية وأس اليبها‪ ،‬عبد ال رمحن النحالوي‪ ،‬ط‪(1‬دار الفك ر‪،‬‬ ‫‪-6‬‬
‫دمشق‪.)1979 ،‬‬
‫أصول الدعوة‪ ،‬عبدالكرمي زيدان‪ ،‬ط‪( 3‬دار عمر بن اخلطاب‪ ،‬اإلسكندرية)‪.‬‬ ‫‪-7‬‬
‫إغاثة اللهفان‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬حتقي ق‪ :‬حممد عفيفي‪ ،‬ط‪( 2‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫‪-8‬‬
‫‪1409‬هـ) ‪.‬‬
‫األنبياء في القرآن‪ ،‬سعد صادق حممد‪ ،‬ط‪(1‬دار اللواء‪ ،‬الرياض‪1402 ،‬هـ)‪.‬‬ ‫‪-9‬‬
‫‪ -10‬تذكرة الدعاة‪ ،‬البهي اخلويل‪ ،‬ط‪( 6‬مكتبة الفالح‪ ،‬الكويت‪1399 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -11‬التص ريح بما ت واتر في ن زول المس يح‪ ،‬الكش مريي‪ ،‬حتقيق ومراجعة وتعلي ق‪:‬‬
‫عبدالفتاح أبو غدة‪( .‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪1385 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -12‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬ابن كثري‪ ،‬ط‪(1‬دار الفكر‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -13‬التواضع والخم ول‪ ،‬ابن أيب ال دنيا‪ ،‬حتقيق وتعليق لطفي حممد الص غري (دار‬
‫االعتصام‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬
‫‪ -14‬تيس ير الك ريم ال رحمن في تفس ير كالم المن ان‪ ،‬الس عدي‪( ،‬نشر الرئاسة العامة‬
‫إلدارات البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض‪1410 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -15‬جامع البيان‪ ،‬الطربي‪ ،‬ط‪(2‬مصطفى احلليب‪ ،‬مصر‪1373 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -16‬الج امع الص حيح‪ ،‬البخ اري‪ ،‬ت رقيم حممد ف ؤاد عبد الب اقي‪ ،‬ط‪( 1‬املطبعة‬
‫السلفية‪ ،‬القاهرة‪.) 1400 ،‬‬
‫‪ -17‬الجامع ألحكام القرآن‪ ،‬القرطيب‪( ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -18‬حكم ومواعظ عيسى ابن م ريم (عليه الس الم)‪ ،‬ط ارق الطنط اوي‪( ،‬مكتبة ابن‬
‫سيناء‪ ،‬القاهرة‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫‪ -19‬الحكمة في الدعوة إلى اهلل تعالى‪ ،‬سعيد علي القحطاين‪ ،‬ط‪1413(2‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -20‬حلية األولياء‪ ،‬أبو نعيم‪ ،‬ط‪ (3‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -21‬زاد المسير‪ ،‬ابن اجلوزي‪ ،‬ط‪( 1‬املكتب اإلسالمي)‪.‬‬
‫‪ -22‬زاد المعاد‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ط‪( 3‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪ 1402 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -23‬الزهد‪ ،‬ابن املبارك‪ ،‬حتقيق حبيب الرمحن األعظمي‪( ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت)‬
‫‪ -24‬س نن أبي داود‪ ،‬إع داد وتعليق ع زت عبيد ال دعاس‪ ،‬ط‪( 1‬دار احلديث‪،‬‬
‫بريوت‪1388 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -25‬س نن ابن ماجه‪ ،‬حتقيق وت رقيم حممد ف ؤاد عبد الب اقي‪( ،‬املكتبة اإلس المية‪،‬‬
‫استانبول)‪.‬‬
‫‪ -26‬س نن الترم ذي‪ ،‬حتقيق وش رح أمحد حممد ش اكر‪ ،‬نش ر(دار إحي اء ال رتاث‬
‫العريب)‪.‬‬
‫‪ -27‬س نن ال دارمي‪ ،‬مراجع ة‪ :‬ف واز أمحد زم ريل‪ ،‬وخالد الس بع (دار الكت اب الع ريب‪،‬‬
‫بريوت‪1407 ،‬هـ)‬
‫‪ -28‬ش رح ص حيح مس لم‪ ،‬الن ووي‪ ،‬ط‪( 2‬دار إحي اء ال رتاث الع ريب‪ ،‬ب ريوت‪،‬‬
‫‪1392‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -29‬الص حاح‪ ،‬اجلوهري‪ ،‬حتقيق أمحد عبد الغف ور عط ار‪ ،‬ط‪( 3‬دار العلم‬
‫للماليني‪ ،‬بريوت‪1404 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -30‬ص حيح مس لم‪( ،‬رئاسة إدارات البح وث العلمية واإلفت اء وال دعوة‬
‫واإلرشاد‪ ،‬الرياض‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -31‬عيسى ابن مريم في ضوء الكتاب والسنة‪ ،‬منرية احلبيب‪ ،‬رسالة ماجستري‪ ،‬كلية‬
‫اآلداب للبنات‪ ،‬عام ‪1407‬هـ‪.‬‬
‫‪ -32‬فتح الباري‪ ،‬ابن حجر‪ ،‬ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬تصيح وتعليق مساحة‬
‫الش يخ عبد العزيز بن ب از‪ ،‬نش ر(رئاسة إدارات البح وث العلمية واإلفت اء‬
‫والدعوة واإلرشاد‪ ،‬الرياض)‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪ -33‬الفصل في الملل واأله واء والنحل‪ ،‬ابن ح زم‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد إب راهيم نص ر‪،‬‬
‫ود‪ .‬عبد الرمحن عمرية‪ ،‬ط‪( 1‬شركة عكاظ‪1402 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -34‬فض ائل الص حابة‪ ،‬اإلم ام أمحد‪ ،‬حتقيــق وصي اهلل بن حممد عب اس‪ ،‬ط‪( 1‬دار‬
‫العلم‪ ،‬جدة‪1403 ،‬هـ )‪.‬‬
‫‪ -35‬فقه ال دعوة إلى اهلل‪ ،‬علي عبد احلليم حمم ود‪ ،‬ط‪(3‬دار الوف اء‪ ،‬املنص ورة‪،‬‬
‫‪1412‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -36‬القاموس المحيط‪ ،‬الفريوز أبادي‪( ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪.)1398 ،‬‬
‫‪ -37‬قصص األنبياء‪ ،‬ابن كثري‪( ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫‪ -38‬كتاب الصمت وآداب اللسان‪ ،‬ابن أيب الدنيا‪ ،‬حتقيق جنم عبد الرمحن خلف‪ ،‬ط‬
‫‪(1‬دار العرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -39‬لسان العرب‪ ،‬ابن منظور‪( ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫‪ -40‬مجمع األمث ال‪ ،‬املي داين‪ ،‬حتقي ق‪ :‬حممد أبوالفضل إب راهيم‪( ،‬عيسى الب ايب‬
‫احلليب وشركاه‪ ،‬مصر)‪.‬‬
‫ريوت‪،‬‬ ‫ة‪ ،‬ب‬ ‫‪ -41‬مجمع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬اهليثمي‪( ،‬دار الكتب العلمي‬
‫‪1408‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -42‬مجم وع الفت اوي‪ ،‬ابن تيمي ة‪ ،‬مجع وت رتيب عبد ال رمحن بن حممد بن قاسم‬
‫وابنه حممد‪ ،‬ط‪1408( 1‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -43‬مختار الصحاح‪ ،‬الرازي‪ ،‬ط‪(1‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪1979 ،‬م)‪.‬‬
‫‪ -44‬المخصص‪ ،‬ابن سيده‪( ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1398 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -45‬الم دخل إلى علم ال دعوة‪ ،‬حممد أبو الفتح البي انوين‪ ،‬ط‪( 1‬مؤسسة الرس الة‪،‬‬
‫بريوت‪1412 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -46‬المستدرك على الصحيحين‪ ،‬احلاكم‪( ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت)‪.‬‬
‫‪ -47‬مسند أبي داود الطيالسي‪ ،‬ط‪( 1‬حيدر أباد‪1321 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -48‬مس ند أبي يعلى‪ ،‬حتقي ق‪ :‬الش يخ حسني س ليم أس د‪ ،‬ط‪( 1‬دار املأمون لل رتاث‪،‬‬
‫دمشق‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫‪ -49‬مسند الإمام أحمد‪ ،‬ط‪( 5‬املكتب اإلسالمي‪ ،‬بريووت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬
‫وك ذلك املس ند بتحقيق أمحد ش اكر‪ ،‬ط‪( 3‬دار املع ارف‪ ،‬مص ر‪،‬‬
‫‪1368‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -50‬المس يح يع ود إلى األرض ثانية‪ ،‬حمم ود ال ديك‪ ،‬ط‪( 1‬الش ركة القابضة جملموعة‬
‫احلبتور‪ ،‬ديب‪1417 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -51‬المسيحية‪ ،‬أمحد شليب‪ ،‬ط‪( 10‬مكتبة النهضة املصرية‪ ،‬القاهرة‪.)1993 ،‬‬
‫‪ -52‬المصباح المنير‪ ،‬الفيومي‪( ،‬مصطفى البايب احلليب‪ ،‬مصر)‪.‬‬
‫‪ -53‬مع الم ال دعوة في قصص الق رآن الك ريم‪ ،‬عبد الوه اب بن لطف‬
‫الديلمي‪ ،‬ط‪( 1‬دار اجملتمع‪ ،‬جدة‪1406 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -54‬معجم البلدان‪ ،‬احلموي‪ ،‬ط‪ ( 3‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1400 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -55‬معجم الكب ير‪ ،‬الط رباين‪ ،‬حتقيق محدي عبد اجمليد الس لفي‪ ،‬ط‪( 1‬ال دار‬
‫العربية للطباعة)‪.‬‬
‫‪ -56‬المعجم المفه رس أللف اظ الح ديث النب وي‪ ،‬ت رتيب وتنظيم لفيف من‬
‫املستشرقني‪ ،‬ونشر د‪ .‬ا‪ .‬ي‪ .‬ونسنك‪( ،‬مكتبة بريل‪ ،‬ليدن‪.)1936 ،‬‬
‫‪ -57‬المعجم الوسيط‪ ،‬إبراهيم أنيس ورفاقه‪ ،‬الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪ -58‬الملل والنحل‪ ،‬الشهرس تاين‪ ،‬حتقيق عبد العزيز حممد الوكي ل‪ ،‬نش ر(دار‬
‫الفكر)‪.‬‬
‫‪ -59‬مناهج الدعوة وأساليبها‪ ،‬علي جريشة‪ ،‬ط‪(1‬دار الوفاء‪ ،‬املنصورة‪1407 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -60‬موطأ اإلمام مالك‪ ،‬ط‪( 6‬دار النفائس‪ ،‬بريوت‪.)1402 ،‬‬
‫‪ -61‬ميالد عيسى (عليه الس الم) عند اليه ود والنص ارى والمس لمين‪ ،‬مس عود بن‬
‫س عد الغام دي‪ ،‬رس الة ماجس تري‪ ،‬جامعة اإلم ام حممد بن س عود اإلس المية‪ ،‬كلية‬
‫أصول الدين بالرياض‪ ،‬قسم العقيدة واملذاهب املعاصرة‪ ،‬عام ‪1405/1406‬هـ‪.‬‬
‫‪ -62‬النب وة واألنبي اء في اليهودية والمس يحية واإلس الم‪ .‬أمحد عبد الوه اب‪ ،‬ط‬
‫‪ (2‬مكتبة وهبه‪ ،‬القاهرة‪1413 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -63‬النبوة واألنبياء‪ ،‬حممد علي الصابوين‪ ،‬ط‪( 1‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ)‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫(خمط وط)‬ ‫‪ -64‬ن ثر الآلليء من كالم علي بن أبي ط الب رضي اهلل عنه‬
‫مكتبة الس ليمانية‪ ،‬اس تانبول‪ ،‬خمط وط رقم ‪ ،3581‬حتت فه رس (أس عد‬
‫أفندي)‪.‬‬
‫‪ -65‬النهاية في غ ريب الح ديث واألثر‪ ،‬ابن األث ري‪ ،‬حتقي ق‪ :‬ط اهر أمحد ال زاوي‪،‬‬
‫وحممود حممد الطناحي‪ ،‬ط‪(1‬درا إحياء الكتب العربية‪1383 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -66‬هداية الحي ارى‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬حتقي ق‪ :‬ال دكتور حممد أمحد احلاج‪ ،‬ط‪(1‬دار القلم‪،‬‬
‫دمشق‪1416 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -67‬هداية المرشدين‪ ،‬علي حمفوظ‪ ،‬ط‪( 5‬دار االعتصام‪1371 ،‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -68‬اليهود في السنة المطهرة‪ ،‬عبد اهلل بن ناصر الشقاري‪ ،‬ط‪(1‬دار طيبة‪ ،‬الرياض‬
‫‪1417‬هـ)‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫محتويات البحث‬
‫‪1‬‬ ‫تقديم‬
‫المبحث األول ‪ :‬الداعي‬
‫عيسى ابن مريم (عليه السالم)‬
‫‪3‬‬ ‫اصطفاء الله لأم عيسى وآل عمران‬
‫‪4‬‬ ‫اسه ونسبه‬
‫‪5‬‬ ‫ولادته‬
‫‪8‬‬ ‫صفات عيسىُ (عليه السلام)‬
‫‪9‬‬ ‫الخلقية‬
‫الصفات َ‬
‫‪11‬‬ ‫الصفات الخلقية‬
‫‪14‬‬ ‫رفعه إلى السماء‬
‫‪15‬‬ ‫نزوله في آخر الزمان‬
‫‪17‬‬ ‫الحكمة من نزوله‬
‫‪18‬‬ ‫مدة بقائه في الأرض بعد نزوله‬
‫المبحث الثاني ‪ :‬المدعو‬
‫‪19‬‬ ‫الصنف الأول‪ :‬بنو إسرائيل‬
‫الصنف الثاني ‪ :‬أمة محمد (صلى الله عليه وسلم) آخر الزمان ‪23‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬الموضوع‬
‫‪26‬‬ ‫العقيدة‬
‫‪28‬‬ ‫الشريعة‬
‫‪30‬‬ ‫الآداب والأخلاق‬
‫المبحث الرابع ‪ :‬الوسيلة واألسلوب‬ ‫ً‬
‫‪33‬‬ ‫أولا ‪ :‬الوسيلة‬
‫‪33‬‬ ‫الدعوة بالقدوة‬
‫‪34‬‬ ‫الدعوة بالدليل والبرهان‬
‫‪38‬‬ ‫اتخاذ الأنصار‬
‫‪40‬‬ ‫السياحة في الأرض‬
‫‪41‬‬ ‫إزالة الباطل‬
‫‪43‬‬ ‫قتالً أعداء الله‬
‫‪44‬‬ ‫ثانيا ‪ :‬الأسلوب‬
‫‪44‬‬ ‫ضرب الأمثال‬
‫‪46‬‬ ‫الحكمة في القول‬
‫‪47‬‬ ‫الترغيب والترهيب‬
‫‪49‬‬ ‫الدعوة بالموعظة‬
‫‪50‬‬ ‫الخاتمة‬
‫‪51‬‬ ‫قائمة مراجع البحث‬

‫‪48‬‬
49

You might also like