You are on page 1of 2

‫بعد حوالي السنتين‪ ،‬ما تزال سوريا تنزف دمًا وما تزال المقابر الماعية المجهولة العدد والماكن

تشق التراب السوري لتخّبئ أفعال وجرائم ارتكبها‬


‫ويرتكبها النظام بحّق ‪ ...‬المدنيين االبرياء‬

‫ولمعرفة حقيقة االحداث التي تجري هناك على الحدود والتي أّد ت وسوف تؤدي الى تأزيم الوضع الداخلي اللبناني المرتبط ارتباطًا تاريخيًا وعضويًا‬
‫وجبرّيًا بالوضع السوري العام‪ ،‬تحّو لت الى استكشاف البعض مّم ن تناولوا الموضوع السوري على أمل ان يمون هناك إفادة من هكذا مطالعات‪ ،‬وعلى‬
‫هذا االساس تعّر فت على ميشال سورا‪ ،‬العالم االجتماعي الفرنسي والمستشرق االول الذي نذر علمه وجهده للتعريف باالزمة السورية والمكّونات‬
‫المجتمعية السورية في سبعينات وثمانينيات القرن الماضي‪ .‬مع العلم ان ميشال سورا قد تم إعدامه في العام ‪ ١٩٨٦‬من قبل منظمة الجهاد االسالمي ‪-‬‬
‫حزب هللا الحقًا ‪ -‬في بيروت‪ .‬تعّرفت إليه من خالل كتابه الشهير “سوريا‪ ،‬الدولة المتوحشة” الصادر باللغة الفرنسية والذي سأتناوله في المقال‬
‫الحاضر وغيره لالطاللة على ما تضّم نه هذا الكتاب‬

‫ميشال سورا باحث فرنسي ومستشرق من الطراز النادر‪ ،‬ولد في تونس العام ‪ ١٩٤٧‬حيث بقي فيها لحين أحداث ‪ ١٩٦١‬حيث شّك ل القصف الفرنسي‬
‫والهجرة السريعة القسرية عن تونس صدمة قوية عند سورا‪ ،‬حاول استعادتها بعدذاك خالل عمله في لبنان وسوريا‪ .‬أخذه هّم المشرق معه منذ العام‬
‫‪ ١٩٧١‬بعد انتهاء دراساته الجامعية في ليون‪ ،‬حيث حّط رحاله في بيروت‪ ،‬عاصمة العرب والحراك الشامل آنذاك‪ ،‬حيث زار المخّيمات الفلسطينية‬
‫وتعّر ف على “النبض الثوري” في الشارع والذي ال يتعّد ى االطار النظري في “الحي الالتيني”‪ .‬تنّقل بعد ذلك بين بيروت ودمشق وباريس حيث‬
‫تعّر ف أكثر على المشهد السوري العام واالجتماعي المعّقد‪ ،‬وتناوله بطرق علمية تحليلية في كتاباته الحقًا‪ ،‬وعاد الى بيروت العام ‪ ١٩٨٠‬ضمن‬
‫مشروع علمي فرنسي حيث كان في بيروت “الغربية” إّبان االحتالل االسرائيلي العام ‪ . ١٩٨٢‬وبسبب تعاطفه مع القضية الفلسطينية وفهمه للواقع‬
‫االجتماعي اللبناني‪-‬السوري‪ ،‬لم يتوان سورا عن انتقاد مشاريع “التقدمية العربية” و”االنظمة الدكتاتورية” و”العسكريتاريا المتسّلطة” وبرع في ربط‬
‫االحداث اللبنانية آنذاك في طرابلس من الوضع السوري ومحاولة ياسر عرفات الدخول من بوابة طرابلس الى الساحة اللبنانية من جديد‬

‫في ‪ ٢٢‬آذار مارس ‪ ١٩٨٥‬تم خطف ميشال سورا خارج مطار بيروت حين عودته من باريس برفقة جان ميشال كوفمان‪ ،‬وبلغ عدد المخطوفين‬
‫الفرنسيين آنذاك خالل الحرب اللبنانية أكثرمن خمسة رهائن ‪ -‬سورا الوحيد الذي تم إعدامه ‪ -‬والخاطف واحد وهو منظمة الجهاد االسالمي التي عرفت‬
‫الحقًا باسم حزب هللا ‪ .‬في ‪ ٥‬آذار مارس ‪ ١٩٨٦‬أعلنت الجهة الخاطفة إعدام الرهينة “الجاسوس” ميشال سورا‪ ...‬ميشال سورا الجاسوس الذي حمل‬
‫قضايا المنطقة المحّقة في كتاباته ومناقشاته‪ ،‬وكانت فلسطين له مرجعًا‪ ،‬فمن يعلم ان سورا ترجم عدد من مؤلفات غسان كنفاني الى الفرنسية‪ .‬وكذلك‬
‫بعد إعدامه بقي سورا ظًاّل وبقي جرحًا في الصورة اللبنانية البشعة‪ ،‬وبقي تأثيره ماثًال على الخاطفين ومن وراءهم‪ ،‬اذ لم يتم الكشف عن جثمانه حتى‬
‫تشرين االول اوكتوبر ‪ ٢٠٠٥‬حيث وجدت جثة ميشال سورا شبه المكتملة داخل صندوق معدني مدفونة متر تحت االرض في منطقة الرمل العالي في‬
‫ضاحية بيروت الجنوبية‪ .‬وتم تسليم الجثمان الى الدولة الفرنسية في آذار مارس ‪ ٢٠٠٦‬أي بعد أكثر من ستة أشهر على الكشف على الجثة!!! وقد ظهر‬
‫في الصحافة بعض المقاالت التي طرحت تساؤالت ال إجابات عنها كونها في أروقة المخابرات والميليشيات المسلّح ة‬
‫‪http://www.kassioun.org/index.php?mode=archeivebody&id=199077‬‬

‫وبعد وفاته‪ ،‬تم نشر مقاالت سورا الصادرة في العديد من الصحف الفرنسية العلمية بشأن سوريا والوضع السوري في كتاب عنوانه “سوريا؛ الدولة‬
‫والعنوان المذكور هو عنوان أكثر مقاالته التي حّللت تصّر فات النظام البعثي‪-‬علوي ”‪” “Syrie L’etat de Barbarie‬المتوحشة‬
‫االسدي في سوريا والصادرة العام ‪ ١٩٨٣‬في صحيفة األسبريه‬ ‫‪Esprit‬‬

‫عند قراءة الكتاب تكتشف مقدار الوضوح في الرؤيا لدى الباحث والذي من خاللها استطاع ان يحّلل ويتنّبأ ويفّند جميع أقاويل وأكاذيب واّد عادات النظام‬
‫في الحملة الدموية غير المسبوقة آنذاك ضد جماعة االخوان المسلمين في سوريا‪ ،‬والالفت ان نفس االدعاءات واالكاذيب واالقاويل يكّر رها النظام‬
‫السوري لتبرير حملته الدموية والتي فاقت االولى دموية‬

‫وال تستطيع عند قراءة الكتاب اال التوّقف مع كل صفحة وتأّم ل الحقائق المدّوية التي شّك لت وتشّك ل كيان النظام السوري وممارساته الشنيعة في خنق‬
‫وقتل الحراكية المجتمعية والسياسية السورية‪ ،‬والدول المجاورة وعلى رأسها لبنان‪،‬والني شّك لت احد االسباب االساسية في تشّتت المعارضة السورية‬
‫اليوم من دون قيادة جريئة على قدر المسؤولية‪ .‬والى جانب هذه الحقيقة المّرة هناك العديد من الحقائق التي سنقوم بإيرادها هنا وفي العديد من المقاالت‬
‫الالحقة المرتبطة بالموضوع نفسه‬
‫بعض المالحظات االخرى السريعة والتي سنستعيدها الحقًا تتمّثل في ما يلي‪ :‬الطائفية؛ حيث تبّين مّرة جديدة ان الصراع المسّلح يعيد الدولة والجتمع‬
‫الى ما قبل الدولة‪ ،‬أو ما قبل “الحضرية” حسب مفهوم ابن خلدون وبالتالي فإن االقليات المذهبية واالثنية سوف تهّب للدفاع عن وجودها دون االلتفات‬
‫الى ما يراد من إنجازه من الثورة التي بدأت سلمية وما لبثت ان تحّو لت مسّلحة‪ .‬العنف؛ والعنف هنا مرافق لما يتضّم نه المجتمع السوري ‪ -‬كما اللبناني‬
‫‪ -‬من أقّليات متعايشة‪ .‬فالعنف هو وسيلة المعارضة لتثبيت وجودها بالنار‪ ،‬ووسيلة النظام لتأكيد سلطته وهيبته بالنار أيضًا‪ ،‬والعنف هو القاسم المشترك‬
‫الثاني بين أحداث الثمانينات والثورة السورية الحالية‪ .‬و أخيرًا المؤامرة؛ تلك النظرية التي ابتدعها ويبتدعها النظام كل يوم من أجل تبرير سلطة‬
‫المخابرات والقمع الوحشي والناري ألي صوت ينادي ولو بحقوق االنسان أو بحق من الحقوق االساسية للمواطن في أي دولة متحّض رة‪ .‬فمن يتجّر أ‬
‫على الوقوف بوجه السلطة‪ ،‬هو إّم ا عميل‪ ،‬او جاسوس يريد إضعاف الشعور “القومي” السوري العربي وضرب الوقفة السورية بوجه “الهيمنة‬
‫االمبريالية والصهيونية” فعلى أساس تلك النظريات الثالث قام النظام سابقًا بعمليات االبادة الجماعية ضد االخوان المسلمين وهو يقوم اليوم بنفس االبادة‬
‫ضد الثورة السورية المسّلحة‬

‫ال بد آخرًا من االشارة الى الدور غير الظاهر للعدو الجار‪ ،‬أي اسرائيل‪ ،‬والتي لم تتحّم س منذ الثمانينيات القرن الماضي على تغيير النظام السوري ‪،‬‬
‫وهي اليوم غير متحّم سة على تغيير النظام السوري أيضًا من خالل االتصاالت الدولية الرفيعة مع الواليات المتحدة وروسيا من أجل اعطاء الفرصة‬
‫تلو االخرى للنظام لكي ينتهي من الحراك الداخلي ويخرج أضعف‪ ،‬وُيخرج المجتمع السوري معه ممّز ق ومدّم ى وغير قادر على انتاج الطبقة التي‬
‫تشكل عضويًا قلب التغيير وعقله‪ .‬وبذاك تكون الممانعة السورية كذبة كبرى ما بعدها كذبة ترّو جها الدوائر السورية واالجنبية لكي يبقى المجتمع مسلوبًا‬
‫ومغلوبًا على أمره‬

‫‪:‬الكتاب‬
‫‪Syrie, L’etat de Barbarie‬‬
‫‪ Presses universitaires de France‬صادر عن المنشورات الجامعية الفرنسية‬
‫طبعة العام ‪٢٠١٢‬‬

You might also like