You are on page 1of 147

‫حماضرات‬

‫يف الرقية الشرعية‬


‫مجعه‪ :‬نايف بن علي التميمي املكي‬
‫ذك القعدة ُِْْ‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حماضرات‬
‫يف الرقية الشرعية‬

‫مجعه‪ :‬نايف بن علي التميمي املكي‬


‫ذو احلجة ‪1442‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬‬
‫احلمد هلل وحده والصالة والسالم على من ال نيب بعده وبعد‪:‬‬
‫فرب الداء هو رب الدواء‪ ،‬ومن رمحته ما أنزل داءً إال أنزل معه دواءً علمه من علمه وجهله من جهله‪.‬‬
‫ّ‬
‫ومن الشفاء الذي أنزله اهلل وجعله سبباً يدفع الداء ويرفعه مىت وقع‪ :‬الرقية بالقرآن واألدعية‪ .‬قال ابن أيب‬
‫ِِ‬
‫العز‪( :‬أنفع األغذية غذاء اإلميان‪ ،‬وأنفع األدوية دواء القرآن‪ ،‬وكل منهما فيه الغذاء والدواء‪﴿ ،‬قُ ْل ُه َو للَّذ َ‬
‫ين‬
‫ان بعِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬
‫يد﴾‪ ،‬فالقرآن‬ ‫ٍ‬ ‫ين َال يُ ْؤِمنُو َن ِِف آذَاِن ْم َوقْ ٌر َوُه َو َعلَْي ِه ْم َع ًمى أ ُْولَئِ َ‬
‫ك يُنَ َاد ْو َن من َّم َك َ‬
‫ِ‬
‫َآمنُوا ُه ًدى َوش َفاء َوالذ َ‬
‫هو الشفاء التام من مجيع األدواء القلبية والبدنية‪ ،‬وأدواء الدنيا واآلخرة‪ ،‬وما كل أحد يؤهل لالستشفاء به‪.‬‬
‫وإذا أحسن العليل التداوي به‪ ،‬ووضعه على دائه بصدق وإميان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه‪ :‬مل‬
‫يقاوم الداء أبدا‪ .‬وكيف تقاوم األدواء كالم رب األرض والسماء‪ ،‬الذي لو نزل على اجلبال لصدعها‪ ،‬أو على‬
‫األرض لقطعها؟! فما من مرض من أمراض القلوب واألبدان إال وِف القرآن سبيل الداللة على دوائه وسببه‬
‫واحلمية منه‪ ،‬ملن رزقه اهلل فهما ِف كتابه)(‪( ،)1‬وخواص اآليات واألذكار ال ينكرها إال من عقيدته واهية ولكن‬
‫(‪)2‬‬
‫ال يعقلها إال العاملون ألنه تذكرة وتعيها أذن واعية)‬
‫املرض والبالء من قدر اهلل‪ ،‬وقدر اهلل يدفع بقدر اهلل‪ ،‬ومن قدر اهلل الدافع للباليا واألسقام األدوية‬
‫الطبيعية‪ ،‬وكذلك الرقية مبنزلتها بل تفوقها فهي دواء إهلي‪..‬‬
‫وليس من لوازم الرقية ترك السبب الدوائي الطبيعي؛ فكالمها سبب يعمل بإذن اهلل‪ ..‬وإذا أراد اهلل‪ ..‬وقد‬
‫آن"(‪ )3‬قال‬ ‫الش َفاءي ِن‪ :‬الْعس ِل‪ ،‬والْ ُقر ِ‬ ‫ِ‬
‫مجع النيب ‪ ‬بينهما ِف أكثر من حديث‪ ،‬ومن ذلك قوله ‪َ :‬علَْي ُك ْم ب ِّ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫السيوطي‪( :‬مجع ِف هذا القول بني الطب البشري والطب اإلهلي)(‪.)4‬‬
‫وأصل هذه الورقات حماضرات ألقيت على طالب للحديث عن املسائل الشرعية ِف الرقية‪ ،‬فعمدت‬

‫(‪ )1‬شرح الطحاوية ‪ 363/2‬بتصرف واختصار‪ .‬وانظر‪ :‬زاد املعاد (‪.)344/4‬‬


‫(‪ )2‬آكام املرجان ِف أحكام اجلان ص‪.155 :‬‬
‫(‪ )3‬ابن ماجه ح‪ ،3452 :‬وقال البيهقي ِف السنن الكربى ‪ :579/9‬رفعه غري معروف‪ ،‬والصحيح موقوف‬
‫(‪ )4‬كتاب املنهج السوي ‪ 307‬بواسطة كيف تعاجل مريضك بالرقية الشرعية عبد اهلل السدحان‪ .‬وانظر شرح سنن ابن ماجه للسيوطي (ص‪:‬‬
‫‪.)246‬‬
‫‪1‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حينها إىل رسالة الشيخ حممد بن صاحل اجلزاع (األحكام الفقهية ِف الرقية الشرعية)(‪ )1‬واختصرت منها الربع‬
‫ملا يناسب الطالب متناً وحاشية(‪ ،)2‬وراجعت معها كتاب الراقي الشيخ عبد اهلل السدحان قواعد الرقية‪ ،‬وكنت‬
‫أرجع كثرياً ألصل مراجعهما وأضيف ما يفتح اهلل به‪ ..‬كان تلك احملاضرات ِف مطلع عام ‪ ،1433‬وكانت‬
‫النية إمتام االختصار واإلضافة عليه‪ ..‬فتقطعت األسباب! وحيل بينهم وبني ما يشتهون! حىت أذن اهلل وأعان‬
‫بكرمه فعدت على عرج بعد سنوات‪ ..‬حىت مت العمل بفضل اهلل‪ ،‬وأضفت عليه مراجعة كتاب الشيخ الراقي‬
‫مطاعن بن شامي شيبة (وصييت للراقي واملسرتقي) وكتاب‪ :‬كيف تعاجل مريضك بالرقية الشرعية للشيخ عبد‬
‫اهلل السدحان‪ ،‬وكتاب‪ :‬الرقية الشرعية من الكتاب والسنة للشيخ حممد اجلوراين‪ ،‬مع مراجعة أصول املراجع ِف‬
‫مواطن كثرية ومراجعة مواقع من الشبكة العاملية‪..‬‬
‫وِف اخلتام أسأل اهلل تعاىل أن ينفع به كما نفع بأصوله ومراجعه‪ ،‬وأن جيعله من الباقيات الصاحلات‬
‫ويكتب له القبول ِف السماء واألرض‪ ،‬وأن مين على مرضى املسلمني بالشفاء‪ ،‬وأن ميلء قلوبنا رضا باهلل ورضا‬
‫عنه وتوكالً عليه حق التوكل‪.‬‬

‫(‪ )1‬اسم رسالته‪ :‬األحكام الفقهية ِف الرقية الشرعية‪ ،‬حممد بن صاحل اجلزاع‪ .‬رسالة مقدمة ِف املعهد العايل للقضاء التابع جلامعة اإلمام حممد‬
‫بن سعود للحصول على درجة املاجستري دار األندلس الطبعة األوىل ‪ .1427‬وهو قاعدة هذه احملاضرات‪.‬‬
‫(‪ )2‬كنت أرجع إىل األصول كثرياً‪ ..‬وبعض النسخ متوافقة مع نسخة اجلزاع وبعضها خمتلفة‪ ..‬وأحياناً يتم النقل من نسختني مع تطاول‬
‫السنني واحلل واالرحتال وتباعد العهد ِف العمل‪ ،‬فاختلفت نسخ املراجع‪ ،‬ولألسف مل أميز أيهما‪ ،‬فأبقيت األمر على حاله‪ ..‬وأرقام الصفحات‬
‫فضلة‪ ،‬واألهم ضبط اسم املرجع‪..‬‬
‫‪2‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تعريف الرقية‪:‬‬
‫يل َم ْن َر ٍاق﴾ أي إذا انتزعت الروح من‬‫ِ‬ ‫لَك إِ َذا ب لَغَت َّ ِ‬
‫الرقية لغة‪ :‬العوذة‪ .‬ومنه قوله تعاىل‪ َ ّ ﴿ :‬ا َ ْ َ‬
‫الرتاق َي * َوق َ‬
‫اجلسد وبلغت الرتاقي‪ ،‬قيل‪ :‬هل من طبيب أو ر ٍاق يرقي؛ ألِنم انقطعت آماهلم من األسباب العادية فتعلقوا‬
‫باألسباب اإلهلية(‪.)1‬‬
‫الرقية‪ :‬بالضم العوذة اليت يُرقى هبا صاحب اآلفة‪ ،‬كاحلمى والصرع وغري ذلك من اآلفات(‪.)2‬‬ ‫قال ابن األثري‪ُ :‬‬
‫والعوذة‪ :‬هي االلتجاء إىل الشيء‪ ،‬وهي اليت يعوذ هبا اإلنسان من فزع أو جنون(‪.)3‬‬
‫الرقية اصطالحا‪ :‬هي التماس لرفع البأس عن املبتلى جلوءاً إىل اهلل واستعانة به(‪.)4‬‬
‫وعرفها الذهيب بقوله‪ :‬الرقى والعُ َو ْذ هي التجاء إىل اهلل ‪ ‬يهب الشفاء كما يعطيه بالدواء(‪.)5‬‬
‫أو هي‪ :‬ما يلتجأ إليه اإلنسان ويعتصم به من السوء من غري الوسائل الطبية‪.‬‬
‫فقولنا‪( :‬ما يلتجأ إليه اإلنسان ويعتصم به من السوء) يشمل الرقية اجلائزة واملمنوعة‪ .‬فمصطلح الرقية‬
‫كما أنه يطلق على الرقية املشروعة يطلق أيضاً على الرقية املمنوعة‪ ،‬يدل عليه قوله ‪" ‬إن الرقى والتمائم‬
‫والتولة شرك"(‪ )6‬وقوله ‪" :‬وما يدريك أِنا رقية"(‪.)7‬‬
‫وقولنا (من غري الوسائل الطبية) مانع من دخول االلتجاء إىل الوسائل الطبية بنوعيها الطبيعي والكيميائي‪.‬‬
‫ومن أمساء الرقية‪ :‬العزمية(‪ .)8‬وسبب تسميتها بذلك‪ :‬هو َّ‬
‫أن القارئ يعزم فيها ويكون عنده قوة اندفاع ِف‬
‫حال القراءة؛ كأنه يقسم على الداء(‪.)9‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن سعدي‪.‬‬


‫(‪ )2‬النهاية البن األثري ‪254/2‬‬
‫(‪ )3‬معجم مقاييس اللغة البن فارس ‪183/4‬‬
‫(‪ )4‬وصييت للراقي واملسرتقي مطاعن شيبة ص ‪.20‬‬
‫(‪ )5‬الطب النبوي للذهيب ‪.285‬‬
‫(‪ )6‬رواه أبو داود ح‪ 3877 :‬ابن ماجه واحلاكم وقال صحيح اإلسناد على شرط الشيخني وأقره الذهيب وصححه األلباين ِف السلسلة‬
‫الصحيحة رقم ‪.331‬‬
‫(‪ )7‬صحيح البخاري ح‪ 276 :‬ومسلم ح‪.2201 :‬‬
‫(‪ )8‬تيسري العزيز احلميد ‪ . 165‬القراِف يرى أن الرقية أعم من العزمية فهي ألفاظ خاصة حيدث عندها الشفاء من األسقام‪ .‬أما العزمية فهي‬
‫ضرب من الرقى غري املشروعة‪ .‬قال ابن الشاط‪ :‬وينبغي أن يكون حكم العزمية حكم الرقية املشروعة إذا حتقق أال حمذور ِف ألفاظ‬
‫العزمية‪ .‬إدرار الشروق على أنواء الفروق ‪.280/4‬‬
‫الراقي‪ :‬كأَنه أَقْ َس َم َعلَى‬
‫وعَزَم َّ‬
‫الرقَى‪َ .‬‬
‫ائم‪ُّ :‬‬
‫(‪ )9‬الرسالة ِف أحكام الرقى والتمائم أليب معاذ إبراهيم ‪ .14‬وِف لسان العرب مادة "عزم"‪( :‬العز ُ‬
‫‪3‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فضل الرقية‪:‬‬
‫الرقية من عمل املرسلني‪ ،‬فقد رقى ‪ ‬ورقي له ‪ ‬رقاه جربيل(‪ ،)1‬وأقر ‪ ‬الرقى وقال‪" :‬من استطاع‬
‫منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" ففيها نفع للمسلم وتفريج عن كربته‪ ،‬وفيها نصر للمظلوم وردع للظامل‪ ،‬وفيها‬
‫إدخال سرور على قلب املريض وأهله‪ ،‬وفيها سعي ِف حاجة مسلم‪ ،‬وهي ِف الوقت نفسه تضرع إىل اهلل‬
‫وانكسار بني يديه وتذلل وخضوع للرب والتماس الشفاء منه بذكر مشروع(‪.)2‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬هذا من أفضل األعمال وهو من أعمال األنبياء والصاحلني؛ فإنه ما زال األنبياء‬
‫والصاحلون يدفعون الشياطني عن بين آدم مبا أمر اهلل به ورسوله؛ كما كان املسيح يفعل ذلك وكما كان نبينا‬
‫‪ ‬يفعل ذلك)(‪.)3‬‬

‫نشأة الرقية وتاريخها‪:‬‬


‫كانت الرقى أكثر وسائل املعاجلة الروحية انتشاراً ِف اجلاهلية‪ ،‬استعملها الرقاة ِف مداواة العاشق واللديغ‬
‫واملصاب بالعني أو بالسحر أو غري ذلك‪ ،‬ومل يكن الرقاة دائماً من السحرة والعرافني فحسب بل كانوا من‬
‫غريهم‪.‬‬
‫وقد اشتهرت أسرة ِف يثرب باملعاجلة بالرقى جتاه ذوات السموم من حيات وعقارب‪ ،‬وهي أسرة حزم من‬
‫قبيلة بين النجار‪ ،‬وقد آمنت تلك األسرة بالرسول ‪ ‬وتركت رقاها عندما ِنى عن الرقى مث أذن هلم ملا‬
‫عرضوها عليه(‪. )4‬‬
‫ومن األحاديث اليت تدل على أن الرقية كانت موجودة ِف السابق ما يلي‪:‬‬
‫اب‪،‬‬‫ت‪َ :‬كا َن َعْب ُد اللَّ ِه إِذَا جاء ِمن حاج ٍة فَانْتَهى إِ َىل الْب ِ‬
‫‪-1‬حديث زينب امرأة عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ َ َ‬

‫الدَّاء)‪.‬‬
‫ال‪:‬‬
‫يل‪ ،‬قَ َ‬‫ِِ‬ ‫(‪ِ )1‬ف صحيح مسلم ح‪ )2185( - 39 :‬عن عائِ َشةَ‪َ ،‬زو ِج النَِّيب ‪ ،‬أ ََِّنَا قَالَت‪َ :‬كا َن إِ َذا ا ْشتَ َكى رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪َ ‬رقَاهُ ج ْرب ُ‬ ‫َُ‬ ‫ْ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ َ‬
‫ني»‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يك‪ ،‬وِم ْن َشِّر َحاسد إِ َذا َحس َد‪ ،‬و َشِّر ُك ِّل ذي َع ْ ٍ‬
‫ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫«بِاس ِم اهللِ ي ِرب َ ِ‬
‫َ َ‬ ‫يك‪َ ،‬وم ْن ُك ِّل َداء يَ ْشف َ َ‬ ‫ُْ‬ ‫ْ‬
‫(‪ )2‬ينظر وصييت للراقي واملسرتقي مطاعن ‪.23-15‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪.57/19‬‬
‫(‪ )4‬أخرج مسلم ِف صحيحه ح‪ 2200-64 :‬عن عوف بن مالك األشجعي‪ ،‬قال‪ :‬كنا نرقي ِف اجلاهلية فقلنا يا رسول اهلل كيف ترى ِف‬
‫ذلك فقال‪« :‬اعرضوا علي رقاكم‪ ،‬ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك»‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ت‪َ :‬و ِعْن ِدي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫ات يَ ْوم‪ ،‬فَتَ نَ ْحنَ َح‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫ت‪َ :‬وإِنَّهُ َجاءَ َذ َ‬ ‫تَنَ ْحنَ َح َوبََز َق‪َ ،‬كَراهيَةَ أَ ْن يَ ْه ُج َم منَّا َعلَى َش ْيء يَكَْرُههُ‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ال‪َ :‬ما‬ ‫س إِ َىل َجْنِيب‪ ،‬فَ َرأَى ِِف عُنُِقي َخْيطًا‪ ،‬قَ َ‬ ‫السرير‪ ،‬فَ َد َخ َل‪ ،‬فَ َجلَ َ‬
‫ت َّ ِ ِ‬ ‫وز تَ ْرقِ ِيين ِم َن ْ‬
‫احلُ ْمَرةِ‪ ،‬فَأ َْد َخ ْلتُ َها َْحت َ‬ ‫َع ُج ٌ‬
‫آل َعْب ِد اللَّ ِه َألَ ْغنِيَاءُ َع ِن‬‫ال‪ :‬إِ َّن َ‬ ‫َخ َذهُ فَ َقطَ َعهُ‪ُ ،‬مثَّ قَ َ‬
‫ت‪ :‬فَأ َ‬
‫ِِ‬ ‫ط؟ قَالَت‪ :‬قُ ْلت خي ٌ ِ‬
‫ط أ ُْرق َي ِيل فيه‪ ،‬قَالَ ْ‬ ‫ُ َْ‬ ‫ْ‬ ‫اخلَْي ُ‬
‫َه َذا ْ‬
‫ول َه َذا‬ ‫ت لَهُ‪ِ :‬ملَ تَ ُق ُ‬ ‫ت‪ :‬فَ ُق ْل ُ‬
‫ِ‬ ‫الرقَى‪ ،‬والت ِ‬
‫َّمائ َم‪َ ،‬والت َِّولَةَ ش ْرٌك» قَالَ ْ‬ ‫ول‪« :‬إ َّن ُّ َ َ‬
‫ول اللَّ ِه ‪ ‬يَ ُق ُ ِ‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫ِ ِ‬
‫الشِّْرك‪َ ،‬مس ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ود ِّ ِ‬ ‫ف‪ ،‬فَ ُكْنت أَختلِف إِ َىل فَُالن الْي ه ِ‬ ‫ت َعْي ِين تَ ْق ِذ ُ‬
‫ك‬ ‫ال‪ :‬إََِّّنَا َذل َ‬‫ت؟ قَ َ‬ ‫اها َس َكنَ ْ‬ ‫ي يَْرق َيها‪َ ،‬وَكا َن إِ َذا َرقَ َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫َوقَ ْد َكانَ ْ‬
‫ول اللَّ ِه‬ ‫ْف ِ‬ ‫ف عْن ها‪ ،‬إََِّّنَا َكا َن يك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ال َر ُس ُ‬ ‫يك أَ ْن تَ ُق ِويل َك َما قَ َ‬ ‫َ‬ ‫َع َم ُل الشَّْيطَان َكا َن يَْن ُخ ُس َها بِيَده‪ ،‬فَِإذَا َرقَ ْيت َها َك َّ َ َ‬
‫َّاِف‪َ ،‬ال ِش َفاءَ إَِّال ِش َف ُاؤ َك‪ِ ،‬ش َفاءً َال يُغَ ِاد ُر َس َق ًما»(‪.)1‬‬ ‫ت الش ِ‬ ‫ف أَنْ َ‬ ‫َّاس ا ْش ِ‬‫ب الن ِ‬ ‫ِِ‬
‫اس َر َّ‬‫‪« :‬أَ ْذهب الْبَ َ‬
‫يح‪،‬‬ ‫َن ِض َم ًادا‪ ،‬قَ ِد َم َم َّكةَ َوَكا َن ِم ْن أ َْزِد َشنُوءَةَ‪َ ،‬وَكا َن يَْرقِي ِم ْن َه ِذهِ ِّ‬
‫الر ِ‬ ‫‪-2‬حديث ابن عباس ‪ :‬أ َّ‬
‫الر ُج َل لَ َع َّل اهلل يَ ْش ِف ِيه َعلَى‬‫ت َه َذا َّ‬ ‫َين َرأَيْ ُ‬‫ال‪ :‬لَْو أ ِّ‬‫فَ َس ِم َع ُس َف َهاءَ ِم ْن أ َْه ِل َم َّكةَ‪ ،‬يَ ُقولُو َن‪ :‬إِ َّن ُحمَ َّم ًدا َْجمنُو ٌن‪ ،‬فَ َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ال‪ :‬يَا ُحمَ َّم ُد إِ ِّين أ َْرقِي ِم ْن َه ِذهِ ِّ‬ ‫ال فَلَ ِقيَهُ‪ ،‬فَ َق َ‬
‫ك؟‬ ‫يح‪َ ،‬وإِ َّن اهللَ يَ ْشفي َعلَى يَدي َم ْن َشاءَ‪ ،‬فَ َه ْل لَ َ‬ ‫الر ِ‬ ‫ي‪ ،‬قَ َ‬ ‫يَ َد َّ‬
‫ِ‬ ‫ض َّل لَه‪ ،‬ومن ي ْ ِ‬ ‫احلم َد لِلَّ ِه‪ََْ ،‬نم ُده ونَستَعِينُه‪ ،‬من ي ه ِدهِ اهلل فَ َال م ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ي‬‫ضل ْل فَ َال َهاد َ‬ ‫ُ ََ ْ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ ُ َ ْ ُ َ ْ َْ‬ ‫ول اهلل ‪« :‬إِ َّن َْ ْ‬ ‫فَ َق َ َ ُ‬
‫ال‪ :‬أ َِع ْد َعلَ َّي‬ ‫ال‪ :‬فَ َق َ‬‫َن ُحمَ َّم ًدا َعْب ُدهُ َوَر ُسولُهُ‪ ،‬أ ََّما بَ ْع ُد» قَ َ‬ ‫يك لَهُ‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫لَهُ‪َ ،‬وأَ ْش َه ُد أَ ْن َال إِلَهَ إَِّال اهللُ َو ْح َدهُ َال َش ِر َ‬
‫ت قَ ْوَل الْ َك َهنَ ِة‪َ ،‬وقَ ْو َل‬ ‫ِ‬ ‫ث مَّر ٍ‬ ‫ك هؤَال ِء‪ ،‬فَأَعاده َّن علَيه رس ُ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ال‪ :‬لََق ْد َمس ْع ُ‬ ‫ال‪ :‬فَ َق َ‬ ‫ات‪ ،‬قَ َ‬ ‫ول اهلل ‪ ،‬ثََال َ َ‬ ‫َ َُ َ ْ َ ُ‬ ‫َكل َمات َ َ ُ‬
‫ال‪ :‬ه ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السحرةِ‪ ،‬وقَوَل الش ِ‬
‫ات يَ َد َك‬ ‫ال‪ :‬فَ َق َ َ‬ ‫وس الْبَ ْح ِر‪ ،‬قَ َ‬
‫ك َه ُؤَالء‪َ ،‬ولََق ْد بَلَ ْغ َن نَاعُ َ‬ ‫ت ِمثْ َل َكل َماتِ َ‬ ‫ِ‬
‫ُّعَراء‪ ،‬فَ َما َمس ْع ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ َ َ ْ‬
‫ث‬ ‫ال‪ :‬فَبَ َع َ‬ ‫ال‪َ :‬و َعلَى قَ ْوِمي‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك»‪ ،‬قَ َ‬ ‫«و َعلَى قَ ْوِم َ‬‫ول اهلل ‪َ :‬‬
‫ال رس ُ ِ‬
‫ال‪ :‬فَبَايَ َعهُ‪ ،‬فَ َق َ َ ُ‬ ‫اإل ْس َالِم‪ ،‬قَ َ‬
‫ك َعلَى ِْ‬ ‫أُبَايِ ْع َ‬
‫ال َر ُج ٌل‬ ‫َصْبتُ ْم ِم ْن َه ُؤَال ِء َشْيئًا؟ فَ َق َ‬
‫ش‪َ :‬ه ْل أ َ‬ ‫الس ِريَِّة لِْل َجْي ِ‬
‫ب َّ‬ ‫صاح ُ‬
‫ال ِ‬ ‫ِِ‬
‫ول اهلل ‪َ ‬س ِريَّةً‪ ،‬فَ َمُّروا بَِق ْومه‪ ،‬فَ َق َ َ‬
‫رس ُ ِ‬
‫َُ‬
‫وها‪ ،‬فَِإ َّن َه ُؤَال ِء قَ ْوُم ض َماد ‪.‬‬
‫ِ ٍ (‪)2‬‬
‫ت ِمْن ُه ْم ِمطْ َهَرةً‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ُ :‬رُّد َ‬ ‫َصْب ُ‬
‫م َن الْ َق ْوم‪ :‬أ َ‬
‫مث جاء اإلسالم فنقل العرب من الكفر والشرك إىل عبادة اهلل وحده ال شريك له‪ ،‬وحرم االستعانة‬

‫(‪ )1‬احلديث أخرجه اإلمام أمحد ِف مسنده ‪ .381/1‬قال حمقق املسند‪ :‬صحيح لغريه‪ ،‬وهذا إسناد ضعيف جلهالة ابن أخي زينب‪ ،‬لكنه‬
‫متابع‪ ،‬كما سريد‪ ،‬وبقية رجال ا ِإلسناد ثقات رجال الشيخني غري حيىي بن اجلزار‪ .‬والدعاء األخري أصله ِف البخاري ح‪.5742 :‬‬
‫احلمرة‪ :‬ورم من جنس الطواعني‪ .‬القاموس مادة محر‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلديث أخرجه مسلم ح‪ .867 :‬قال حممد عبد الباقي‪( :‬يرقي) من الرقية وهي العوذة اليت يرقى هبا صاحب اآلفة (من هذه الريح)‬
‫املراد بالريح هنا اجلنون ومس اجلن (فهل لك) أي فهل لك رغبة ِف رقييت وهل متيل إليها (ناعوس البحر) ضبطناه بوجهني أشهرمها‬
‫ناعوس هذا هو املوجود ِف أكثر نسخ بالدنا والثاين القاموس وهذا الثاين هو املشهور ِف روايات احلديث ِف غري صحيح مسلم وقال‬
‫القاضي عياض أكثر نسخ صحيح مسلم وقع فيها قاعوس قال أبو عبيد قاموس البحر وسطه وقال ابن دريد‪ :‬جلته‪ ،‬وقال صاحب‬
‫كتاب العني‪ :‬قعره األقصى‪.‬‬
‫‪5‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ني﴾ ﴿قُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬ ‫ك ِمن َمهز ِ‬


‫ات الشَّي ِ‬
‫ب الْ َفلَ ِق﴾‪ .‬وجاء‬ ‫اط ِ‬‫َ‬ ‫ب أَعُوذُ بِ َ ْ ََ‬
‫بالشياطني واالستعاذة هبم‪َ ﴿ .‬وقُل َّر ِّ‬
‫اإلسالم أيضاً ببدائل شرعية ِف الرقية نابعة من التوحيد اخلالص الذي يدعوا إليه‪.‬‬
‫وكان الصحابة يعرضون رقاهم على النيب ‪ ‬ورقى النيب ‪ ‬ورقته عائشة ‪ ،‬وكانت عائشة ‪‬‬
‫فتلح عليها بالتعويذ‪ .‬فيقال‬ ‫كثرية االسرتقاء قال‪ :‬مالك ِف العتبية بلغين أِنا كانت ترى البثرة الصغرية ِف يدها‪ّ ،‬‬
‫هلا‪ :‬إِنا صغرية! فتقول‪ :‬إن اهلل ‪ ‬يعظم ما يشاء من صغري ويصغر ما يشاء من عظيم(‪.)1‬‬
‫وقد أشار اخلطايب إىل كثرة الرقية ِف الزمان األول‪ ،‬وأن من أسباب انصراف الناس عنها ندرة الرقاة‬
‫األتقياء فانصرف بعض الناس عن الرقية إىل الطب اجلسماين(‪.)2‬‬

‫حكم طلب العالج‪:‬‬


‫اختلف فيه على أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬طلب العالج مشروع‪ .‬وبعضهم عرب باإلباحة كجمهور احلنفية واملالكية(‪ .)3‬وبعضهم صرح‬
‫باالستحباب كبعض املالكية والشافعية احلنابلة(‪.)4‬‬
‫دليلهم‪ :‬اإلرشاد ِف قوله ‪" :‬إن اهلل أنزل الداء والدواء‪ ،‬وجعل لكل داء دواء‪ ،‬فتداووا وال تتداووا‬
‫حبرام")‪.(5‬‬
‫فعل النيب ‪ ‬فقد جاء عنه أنه احتجم(‪.)6‬كما جاء عنه أنه أرشد إىل أدوية معينة كإرشاده إىل احلبة‬

‫(‪ )1‬املنتقى شرح املوطأ ‪.261/7‬‬


‫(‪ )2‬إعالم احلديث ‪ 1120/2‬بواسطة اجلوراين‪( :‬الرقية اليت أمر هبا رسول اهلل ‪ ‬هو ما يكون بقوارع القرآن‪ ،‬وبالعوذ اليت يقع منها ذكر‬
‫اهلل ‪ ‬وأمساؤه على ألسن األبرار من اخللق واألخيار الطاهرة نفوسهم‪ ،‬فيكون ذلك سبباً للشفاء بإذن اهلل وهو الطب الروحاين‪،‬‬
‫وعلى هذا كان معظم األمر ِف الزمان املتقدم الصاحل أهله‪ ،‬وبه كان يقع االستشفاء واستدفاع البالء‪ ،‬فلما عز وجود هذا الصنف من‬
‫أبرار اخلليقة وأخيار الربية فزع الناس إىل الطب اجلسماين حيث مل جيدوا للطب الروحاين جنوعا ِف العلل واألسقام بعدم املعاين اليت‬
‫كان جيمعها الرقاة واملعوذون واملستشفون بالدعوات الصاحلة والربكات املوجودة فيها)‪ .‬وهو ِف عمدة القاري شرح صحيح البخاري‬
‫ُ‬
‫(‪ )265 / 21‬بشيء من تصحيف ِف آخر الفقرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪ :‬املبسوط ‪ ،249/30‬عقد اجلواهر الثمينة ‪.544/3‬‬
‫(‪ )4‬انظر‪ :‬حاشية العدوي على رسالة أيب زيد ‪ ،452/2‬اجملموع للنووي ‪ ،98/5‬كشاف القناع ‪.88/2‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود ح‪ 3852 :‬وقال املنذري ِف إسناده إمساعيل بن عياش وفيه مقال‪ .‬قال ابن حجر عنه‪ :‬إنه صدوق ِف أهل بدله‪ .‬انظر‪ :‬تقريب‬
‫التهذيب ‪.84/1‬‬
‫(‪ )6‬البخاري ح‪.5696 :‬‬
‫‪6‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫السوداء(‪ ،)1‬وإرشاده الرجل الذي استطلق بطن أخيه إىل العسل(‪.)2‬‬


‫القول الثاني‪ :‬أن تركه أفضل‪ .‬هذا قول بعض الشافعية كالنووي‪ ،‬فقد أفىت‪ :‬بأن من قوي توكله فالرتك‬
‫له أوىل‪ ،‬ومن ضعف يقينه وقل صربه فاملداواة له أفضل(‪ .)3‬ونص عليه اإلمام أمحد وهو قول مجهور احلنابلة(‪.)4‬‬
‫دليلهم‪ :‬أنه أقرب إىل التوكل(‪.)5‬‬
‫القول الثالث‪ :‬إنكار التداوي‪ .‬قال به غالة الصوفية(‪.)6‬‬
‫حجتهم‪ :‬أ ّن كل شيء بقضاء اهلل وقدره فال حاجة للتداوي‪ .‬وهذا بناءً على مذهبهم ِف اجلرب‪.‬‬
‫ويرد عليهم‪ :‬بأحاديث القول األول‪ ،‬فالتداوي اعتماد على قدر اهلل ِف رد قدر اهلل‪ ،‬جاء ِف اخلرب أن‬
‫ت ُرقًى نَ ْس َ ْرتقِ َيها َوَد َواءً نَتَ َد َاوى بِِه َوتُ َقاةً نَت َِّق َيها‪َ ،‬ه ْل تَ ُرُّد‬ ‫رجالً سأل رسول اهلل ‪ ‬فقال‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫ول اللَّه‪ ،‬أ ََرأَيْ َ‬ ‫َُ‬
‫ال‪ِ " :‬ه َي ِم ْن قَ َد ِر اللَّ ِه"(‪.)7‬‬
‫ِم ْن قَ َد ِر اللَّ ِه َشْيئًا؟ قَ َ‬
‫قال ابن اجلوزي‪( :‬واملقصود ههنا إنا نقول إذا ثبت أن التداوي مباح باإلمجاع مندوب إليه عند بعض‬
‫العلماء فال يلتفت إِ َىل قول قوم قد رأوا أن التداوي خارج من التوكل؛ ألن اإلمجاع َعلَى أنه ال خيرج من التوكل‬
‫َوقَ ْد صح َع ْن َر ُسول اللَّ ِه ‪ ‬أنه تداوى وأمر بالتداوي ومل خيرج بذلك من التوكل وال أخرج من أمره أن‬
‫َّيب ‪ ‬رخص إذا اشتكى احملرم عينه‬ ‫َن النِ َّ‬‫يتداوى من التوكل وِف الصحيح من حديث عثمان بْن َعفَّا َن ‪ ‬أ َّ‬
‫ي‪ :‬وِف َه َذا احلديث دليل َعلَى فساد َما يقوله ذوو الغباوة من أهل‬ ‫ال ابْن جرير الطََِّرب ّ‬ ‫أن يضمدها بالصرب قَ َ‬
‫التصوف والعباد من أن التوكل ال يصح ألحد عاجل علة به ِِف جسده بدواء؛ إذ ذاك عندهم طلب العافية من‬
‫غري من بيده العافية والضر والنفع‪ ،‬وِف إطالق النيب ‪ ‬للمحرم عالج عينه بالصرب لدفع املكروه أدل دليل‬
‫َعلَى أن معىن التوكل غري َما قاله الذين ذكرنا قوهلم وأن ذلك غري خمرج فاعله من الرضا بقضاء اللَّه َك َما أن‬
‫ب اجلوع ال خيرجه فزعه إِ َىل الغذاء من التوكل والرضا بالقضاء ألن اللَّه تعاىل مل ينزل داء إال‬ ‫من عرض لَهُ َكلَ ُ‬
‫أنزل لَهُ دواء إال املوت وجعل أسبابا لدفع األدواء َك َما جعل األكل سببا لدفع اجلوع َوقَ ْد كان قادرا أن َْحي َىي‬

‫(‪ )1‬رواه البخاري ‪ ،5688‬ومسلم ‪.2215-88‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري ‪ ،5684‬ومسلم ‪.2217-91‬‬
‫(‪ )3‬حاشية اجلمل ‪.118/3‬‬
‫(‪ )4‬كشاف القناع ‪ 88/2‬اإلنصاف ‪.463/2‬‬
‫(‪ )5‬حاشية اجلمل ‪.118/3‬‬
‫(‪ )6‬شرح صحيح مسلم للنووي ‪.441/14‬‬
‫(‪ )7‬أخرجه الرتمذي ح‪ 2065 :‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن‪ .‬واحلديث ضعفه األلباين‪.‬‬
‫‪7‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫خلقه بغري َه َذا ولكنه خلقهم ذوي حاجة فال يندفع عنهم أذى اجلوع إال مبا جعل سببا لدفعه عنهم فكذا‬
‫الداء العارض َواللَّه اهلادي)(‪.)1‬‬
‫وقال ابن القيم‪ِ( :‬ف األحاديث الصحيحة األمر بالتداوي وأنه ال يناِف التوكل‪ ،‬كما ال ينافيه دفع داء‬
‫اجلوع والعطش‪ ،‬واحلر‪ ،‬والربد بأضدادها‪ ،‬بل ال تتم حقيقة التوحيد إال مبباشرة األسباب اليت نصبها اهلل‬
‫مقتضيات ملسبباهتا قدرا وشرعا‪ ،‬وأن تعطيلها يقدح ِف نفس التوكل‪ )2()..‬وقال‪( :‬الفقيه كل الفقه الذي يرد‬
‫القدر بالقدر‪ ،‬ويدفع القدر بالقدر‪ ،‬ويعارض القدر بالقدر‪ ،‬بل ال ميكن إلنسان أن يعيش إال بذلك‪ ،‬فإن‬
‫اجلوع والعطش والربد وأنواع املخاوف واحملاذير هي من القدر‪ .‬واخللق كلهم ساعون ِف دفع هذا القدر‬
‫بالقدر)(‪.)3‬‬

‫هل االسترقاء ينافي التوكل؟‬


‫اختلف ِف ذلك على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه يقدح ِف متام التوكل‪ .‬وبه قال أمحد واختاره النووي وابن تيمية وابن القيم(‪.)4‬‬
‫أدلتهم‪ :‬حديث املغرية بن شعبة ‪ ‬أنه ‪ ‬قال‪" :‬من اكتوى أو اسرتقى فقد برئ من التوكل"(‪.)5‬‬
‫حديث عمران بن حصني ‪ ‬وفيه أنه ‪ ‬قال ِف السبعني ألفاً الذين يدخلون اجلنة بغري حساب وال‬
‫عذاب‪" :‬هم الذين ال يسرتقون وال يتطريون وال يكتوون على رهبم يتوكلون"(‪.)6‬‬
‫قال النووي‪( :‬والظاهر أن معىن احلديث أن هؤالء كمل تفويضهم إىل اهلل ‪ ،‬فلم يتسببوا ِف دفع ما‬
‫أوقعه هبم‪ ،‬وال شك ِف فضيلة هذه احلالة ورجحان صاحبها)(‪.)7‬‬
‫وقال ابن تيمية‪( :‬املسرتقي يسأل غريه ويرجو منفعة‪ ،‬ومتام التوكل يناِف ذلك‪ ،‬واملراد وصف السبعني ألفاً‬

‫(‪ )1‬تلبيس إبليس ‪.255‬‬


‫(‪ )2‬زاد املعاد ‪.14/4‬‬
‫(‪ )3‬الداء والدواء ‪.21‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬شرح مسلم ‪ ،91/3‬جمموع الفتاوى ‪ ،182/1‬جامع العلوم واحلكم ‪.359/2‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ِف املسند ‪249/4‬وهذا لفظه‪ .‬وابن ماجه ح‪ 3489 :‬والرتمذي ح‪ 2131 :‬وقال حسن صحيح وصححه احلاكم ووافقه‬
‫الذهيب ‪ 415/4‬وقال األلباين‪ :‬وهو كما قالوا‪.‬‬
‫(‪ )6‬البخاري ح‪ 6541 :‬مسلم ح‪.218 :‬‬
‫(‪ )7‬شرح مسلم ‪.92/3‬‬
‫‪8‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بتمام التوكل فال يسألون غريهم أن يرقيهم وال يكويهم وال يتطريون من شيء)(‪.)1‬‬
‫أجيب‪ :‬بأن احلث على ترك االسرتقاء حممول على من يعتقد أن األدوية نافعة بطبعها كاعتقاد أهل‬
‫اجلاهلية (ذكره الطربي واملازري)‪ ،‬أو هي حممولة على ترك الرقى اليت من كالم اجلاهلية أو ال يعقل معناه (ذكره‬
‫ابن قتيبة وابن عبد الرب)‪ ،‬أو هي حممولة على من يفعلها حال الصحة خشية وقوع الداء (ذكره الداودي‬
‫شافعي ت ‪.)2()467‬‬
‫القول الثاني‪ :‬أنه ال يقدح ِف متام التوكل‪ .‬اختاره الطربي وابن عبد الرب وغريهم(‪.)3‬‬
‫أدلتهم‪ :‬ما جاء أنه ‪ ‬رقى نفسه ورقى مجلة من الصحابة‪ ،‬وأقرهم على الرقية كما ِف قصة اللديغ وآل‬
‫حزم‪ ،‬وأمر بالرقية "اسرتقوا هلم فإن هبم النظرة" ولو كان ذلك يقدح ِف التوكل لقدح ِف توكله ‪ ‬وحاشاه‪،‬‬
‫وما كان ‪ ‬ليأمر أصحابه مبا فيه قدح ِف التوكل‪.‬‬
‫أن الرقية بأمساء اهلل تعاىل هو غاية التوكل‪ ،‬فإن املرقي يلتجأ إىل اهلل ويتربك بأمسائه ويعول عليه ِف كشف‬
‫الضر‪ ،‬ولو كانت الرقية قدحاً لكان الدعاء واألذكار قدحاً ِف التوكل وال قائل به(‪.)4‬‬
‫أجيب عن األول‪ :‬أن القادح االسرتقاء ألن املسرتقي يسأل غريه ويرجو نفعه‪ ،‬أما رقيته لنفسه أو غريه‬
‫فهذا حمض نفع ألخيه "ومن استطاع منكم أن ينفعه أخاه فليفعل"(‪.)5‬‬
‫وأما رواية‪" :‬وال يرقون" فهي شاذة تفرد هبا شيخ مسلم سعيد بن منصور(‪.)6‬‬
‫وأجيب عن الثاين‪ :‬ال يسلم القياس‪ ،‬إذ االسرتقاء ال خيلو من ميل لآلدمي وجعله نوع واسطة‪.‬‬
‫وميكن اجلمع بني القولني بأ ّن العربة حبال قلب املسرتقي أو الراقي‪ ،‬فاجلامع للحديث‪ :‬هو حتقيق كمال‬
‫التوكل‪ .‬فالذي يرقي أو يسرتقي وقلبه ملتفت إىل اهلل متوجه إليه فهذا متوكل‪.‬‬
‫والذي يتعاطى األسباب وقلبه ملتفت إليها فهذا ناقص التوكل‪ .‬أما ترك األسباب بالكلية حبجة أنه‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.482/1‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬فتح الباري ‪ ،222/10‬التمهيد ‪ ،278/5‬شرح مسلم ‪ .90/3‬واحلمل األول والثاين ال يساعده لفظ احلديث‪ ،‬واحلمل الثالث‬
‫مردود بنفث النيب ‪ ‬إذا أوى إىل فراشه (البخاري ح‪ )5017:‬وتعويذه احلسن واحلسني (البخاري ح‪.)3371 :‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬التمهيد ‪ ،278/5‬فتح الباري ‪.211/10‬‬
‫(‪ )4‬شرح مسلم للنووي ‪ 90/3‬جامع العلوم واحلكم ‪.359/2‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه مسلم ح‪.2199 :‬‬
‫(‪ )6‬مسلم ح‪ .220 :‬ذكر الشذوذ األلباين ِف حتقيقه خمتصر مسلم للمنذري ص ‪ ،37‬وقال ابن تيمية‪( :‬هذه الرواية ضعيفة غلط‪ ،‬فإن‬
‫رقياهم لغريهم وألنفسهم حسنة فكيف يكون ذلك مطلوب الرتك) اجملموع ‪.328 ،182/1‬‬
‫‪9‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أكمل ِف التوكل فهذا غلط على الشريعة‪ ،‬فإن اهلل جعل لكل شيئ سبباً وأجرى كونه على نواميس وسنن ال‬
‫تتبدل‪ ،‬وهذا منهج النيب ‪ ‬وسنة خلفائه الراشدين والصحابة املهديني‪.‬‬
‫وهذا معىن قوله ‪" :‬على رهبم يتوكلون" ‪ :‬أي اعتمادهم على اهلل ِف أمور دينهم ودنياهم‪ ،‬وحىت حني‬
‫يأخذون باألسباب اليت جعلها اهلل أسباباً جللب نفع أو دفع ضر تكون قلوهبم معلقة باهلل ال بالسبب‪ .‬وحقيقة‬
‫التوكل‪ :‬اشتغال اجلوارح باألسباب‪ ،‬واشتغال القلب باهلل‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬العبد مىت التفت إىل غري اهلل أخذ‬
‫ذلك االلتفات شعبة من شعب قلبه‪ .‬فنقص من توكله على اهلل بقدر ذهاب تلك الشعبة‪ ،‬ومن هاهنا ظن‬
‫من ظن أ ّن التوكل ال يصح إال برفض األسباب‪ .‬وهذا حق؛ لكن رفضها عن القلب ال عن اجلوارح‪ .‬فالتوكل‬
‫ال يتم إال برفض األسباب عن القلب وتعلق اجلوارح هبا‪ .‬فيكون منقطعاً منها متصالً هبا)(‪.)1‬‬
‫إال أن الغالب على املسرتقي إال من رحم ربك أنه مييل قلبه إىل الراقي‪ ،‬ويغفل عن فضل اهلل الذي سخر‬
‫له املعاجل‪ ،‬وخلق األسباب وأجراها على يد هذا املعاجل بأمره تعاىل‪ ،‬وأنه لو شاء ألبطلها فما نفعت‪.‬‬

‫الفرق بين الرقية وبين التميمة والتولة والنشرة والودعة‪.‬‬


‫التميمة‪ :‬هي عوذة تعلق على اإلنسان(‪ .)2‬ومسيت بذلك؛ ألِنم يرون أنه يتم هبا دفع العني(‪.)3‬‬
‫قال البغوي‪ :‬هي خرزات كانت العرب تعلقها على أوالدهم يتقون هبا العني بزعمهم‪ ،‬فأبطلها الشرع‪،‬‬
‫وروي أن النيب ‪ ‬قطع التميمة من عنق الفضل بن عباس(‪.)4‬‬
‫ضر؛ كما لو‬‫وهل يدخل ِف التميمة كل خيط معقود؟ اجلواب‪ :‬ال إذا مل يقصد به جلب نفع أو دفع ّ‬
‫عقده للتذكري أو وضع املطاط حلاجته إليه‪ .‬ويعرف مثل هذا عند احلنفية بالرتيمة‪ ،‬قال القادري‪( :‬الرتيمة‬
‫مباحة؛ ألِنا تربط للتذكري عند النسيان)(‪ ،)5‬وسئل مالك عن الذي يربط ِف أصبعه اخليط ليتذكر به‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ما أرى به بأساً(‪.)6‬‬

‫(‪)1‬مدارج السالكني‪.120/2‬‬
‫(‪ )2‬لسان العرب ‪.69/12‬‬
‫(‪ )3‬القول املفيد البن عثيمني ‪.175/1‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه عبد الرزاق ِف املصنف ‪ .20342‬انظر‪ :‬شرح السنة للبغوي ‪.158/12‬‬
‫(‪ )5‬تكملة البحر الرائق ‪.351/8‬‬
‫(‪ )6‬البيان والتحصيل ‪ .426/18‬وقد رويت أخبار مرفوعة أنه ‪ ‬كان إذا أشفق من احلاجة أن ينساها ربط ِف إصبعه خيطًا ليذكرها‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وأما ربطها على األعضاء من غري ما قصد أو لبس السالسل فهو مكروه ألنه حمض عبث(‪ ،)1‬ما مل يكن‬
‫دافعه التشبه فاملأخذ آخر‪.‬‬
‫التولة‪ :‬شيء يصنعونه يزعمون أنه حيبب املرأة إىل زوجها والرجل إىل امرأته‪ ،‬وهبذا فسرها ابن مسعود‬
‫‪ .)2(‬وجاء ِف املستدرك‪ :‬قالوا يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬هذه الرقى والتمائم قد عرفناها فما التولة‪ ،‬قال‪ :‬شيء‬
‫تصنعه النساء يتحبنب به إىل أزواجهن‪ ،‬وِف رواية‪ :‬هو الذي يهيج الرجال(‪ .)3‬وكان من الشرك ملا يراد به من‬
‫دفع الضر وجلب النفع من غري اهلل تعاىل‪ ،‬وهو ضرب من السحر(‪.)4‬‬
‫وهل الدبلة اليت يلبسها الزوجان داخلة ِف التولة؟ يرى الشيخ ابن عثيمني أِنا مشاهبة للتولة؛ ألن من‬
‫يلبسها يعتقد أِنا تقوي الروابط بينه وبني زوجته أو خطيبته‪ ،‬فإذا وجدت هذه النية فهي من الشرك األصغر‪،‬‬
‫وإن مل توجد ففيه تشبه بالنصارى فإِنا مأخوذة منهم(‪.)5‬‬
‫النشرة‪ :‬مبعىن الرقية‪ ،‬وهي ضرب من العالج يعاجل به من يظن أن به سحراً أو مساً من اجلن‪ .‬ومسيت‬
‫بذلك‪ :‬ألنه يُنشر هبا عن املريض ما خامره من الداء أي‪ :‬يكشف ويزال(‪.)6‬‬
‫وهي نوعان‪:‬‬
‫• حل سحر بسحر مثله‪ .‬وهو الذي جاء حديث جابر أنه ‪ُ ‬سئل عن النشرة؟ فقال‪" :‬هي من‬
‫عمل الشيطان"(‪ .)7‬ألن الناشر واملنتشر يتقرب إىل الشيطان لفك السحر‪ .‬وهذا املعىن يضاد‬
‫الرقية الشرعية‪.‬‬
‫• النشرة باالستعاذات واألدعية واألدوية املباحة‪ ،‬فهذا جائز(‪ .)8‬وهذا املعىن تدخل فيه الرقية‬

‫ينظر‪ :‬كشف اخلفاء ‪.484/1‬‬


‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين ‪.522/9‬‬
‫(‪ )2‬القاموس مادة تولة‪ ،‬فتح اجمليد ‪.124‬‬
‫(‪ )3‬املستدرك ح‪ 8290 :‬قال احلاكم‪ :‬هذا صحيح اإلسناد على شرط الشيخني ومل خيرجاه ووافقه الذهيب‪.‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬فتح اجمليد ‪ ،124‬نيل األوطار ‪ ،244/8‬عون املعبود ‪ ،262/10‬حاشية ابن عابدين ‪.614/9‬‬
‫(‪ )5‬القول املفيد ‪.179/1‬‬
‫(‪ )6‬القاموس مادة (نشر) شرح مسلم ‪ ،420/14‬فتح الباري ‪.244/10‬‬
‫(‪ )7‬رواه أمحد ‪ ،394/3‬وأبو داود ح‪ ،3862 :‬وصححه األلباين‪ .‬قال البيهقي ِف الصغرى (‪ )75/4‬النشرة‪ :‬ضرب من الرقية والعالج‬
‫يعاجل به من كان يظن به مس من اجلن‪ ،‬وكل ذلك إذا كانت الرقية بغري كتاب اهلل وذكره‪ ،‬فإذا كانت مبا جيوز فال بأس هبا على وجه‬
‫التربك بذكر اهلل واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )8‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب ‪ ،318/10‬إعالم املوقعني ‪ ،469/4‬تيسري العزيز احلميد ‪.417‬‬
‫‪11‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الشرعية؛ لكن النشرة أعم إذ تشمل الرقية واألدوية املباحة فتشمل السبب الشرعي (الرقية)‬
‫والسبب احلسي (الدواء)‪.‬‬
‫الودعة‪ :‬خرز بيض خترج من البحر بيضاء‪ ،‬شقها كشق النواة‪ ،‬وهي املعروفة بالصدف(‪.)1‬‬
‫تنظم وتعلق لدفع العني‪ ،‬أو للتربك‪ ،‬أو يزعمون أنه يستدل هبا على الغيب!‬

‫(‪ )1‬الطب النبوي والعلم احلديث د‪ .‬النسيمي ‪ ،143/3‬فتح اجمليد ‪.132‬‬


‫‪12‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أركان الرقية‪ :‬أركاِنا أربعة‪ :‬ر ٍاق‪ٍ ،‬‬


‫ومرق‪ ،‬ومرقي منه‪ ،‬ومرقي به‪.‬‬

‫أوال‪ :‬الراقي‪:‬‬
‫قى‪ ،‬وهو الذي يقرأ على املرقي ويعزم ِف قراءته‪.‬‬
‫اسم فاعل من رقى‪ ،‬أي صاحب ُر ً‬
‫(‪)1‬‬
‫وقد وصفه ابن تيمية بأنه جماهد‪ ،‬وقال‪( :‬هذا من أعظم اجلهاد؛ فليحذر أن ينصر العدو عليه بذنوبه)‬
‫‪.‬‬

‫شروطه‪ :‬يتضمن هذا املبحث شروط صحة ووجوب وأخرى هي شروط كمال وهي األكثر‪.‬‬
‫اإلسالم‪ :‬أما الكافر غري الكتايب‪ ،‬فال تصح منه الرقية؛ ألن من شرط الرقية الشرعية االلتجاء إىل اهلل‬
‫تعاىل واالعتصام به‪ ،‬وهو ال يعتقد هذا‪.‬‬
‫وأما الكتايب إذا سلمت رقيته من الشركيات‪ ،‬وكانت مبا يعرف من ذكر اهلل تعاىل وااللتجاء إليه فاختلف‬
‫فيها على قولني‪:‬‬
‫لم‪ .‬وهذا مذهب أيب بكر ‪ ،‬وروي عن مالك والشافعي‬ ‫القول األول‪ :‬جيوز أن يرقي الكتايب املس َ‬
‫وابن وهب(‪. )2‬‬
‫استدلوا مبا أخرجه مالك ِف املوطأ عن حيي بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرمحن أن أبا بكر الصديق‬
‫دخل على عائشة وهي تشتكي ويهودية ترقيها‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬أرقيها بكتاب اهلل(‪ .)3‬قال الزرقاين‪ :‬وقول أيب‬
‫بكر‪( :‬اِْرقيها بكتاب اهلل) أي القرآن إن رجي إسالمها أو التوراة إن كانت معربة‪ ،‬أو من تغيريهم هلا فيجوز‬
‫الرقية هبا(‪.)4‬‬
‫وقال الباجي‪ :‬ظاهره أنه أراد التوراة(‪)5‬؛ ألن اليهودية ِف الغالب ال تقرأ القرآن وحيتمل‪-‬واهلل أعلم‪ -‬أن‬
‫يريد ترقيها بذكر اهلل عز امسه‪ ،‬أو رقية موافقة ملا ِف كتاب اهلل تعاىل ويعلم صحة ذلك بأن تظهر رقيتها فإن‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.53/19‬‬


‫(‪ )2‬البيان والتحصيل ‪ 188/17‬املنتقى ‪ ،258/7‬األم ‪ 228/7‬السنن الكربى ‪ ،349/9‬اجملموع ‪ 72/9‬فتح الباري‪.207/10‬‬
‫(‪ )3‬موطأ مالك ح‪ ،100 :‬ابن أيب شيبة ِف املصنف ح‪ .23581 :‬وقال النووي‪ :‬هذا األثر صحيح اإلسناد‪.‬‬
‫(‪ )4‬شرح الزرقاين على املوطأ ‪.417/4‬‬
‫(‪ )5‬يعين الذي مل يبدل منها‪ ،‬ألِنا كالم اهلل‪ ،‬وكالم اهلل شفاء‪ .‬ينظر‪ :‬شرح صحيح البخاري البن بطال ‪.428/9‬‬
‫‪13‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كانت موافقة لكتاب اهلل ‪ ‬أمرها هبا(‪.)1‬‬


‫وملا قال الربيع للشافعي‪ :‬إنا نكره رقية أهل الكتاب‪ ،‬قال له الشافعي‪ :‬ومل وأنتم تروون هذا عن أيب بكر‬
‫وال أعلمكم تروون عن غريه من أصحاب النيب ‪ ‬خالفه وقد أحل اهلل جل ذكره طعام أهل الكتاب‬
‫ونساءهم وأحسب الرقية إذا رقوا بكتاب اهلل مثل هذا أو أخف(‪.)2‬‬
‫املسلم‪ .‬قاله به مالك ِف رواية والربيع بن سليمان‪ ،‬وهو ظاهر‬ ‫َ‬ ‫القول الثاني‪ :‬يكره أن يرقي الكتايب‬
‫مذهب ابن مسعود ‪.)3(‬‬
‫حجتهم‪ :‬احتمال أن تكون رقيتهم مما بدلوه‪ ،‬أو أن يرقوا مبا ال يعرف معناه‪ ،‬أو مبا يكره الرقية به‪ ،‬أو مبا‬
‫يضاهي السحر‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪( :‬وأجاب من أجاز‪ :‬بأن مثل هذا يبعد أن يقولوه‪ ،‬وهو كالطب سواء فإن غري احلاذق‬
‫ال حيسن أن يقول واحلاذق يأنف أن يبدل حرصا على استمرار وصفه باحلذق لرتويج صناعته‪ ،‬والحق أنه‬
‫يختلف باختالف األشخاص واألحوال) (‪.)4‬‬
‫التقوى‪ :‬بأن حيفظ اهلل ِف أوامره ونواهيه مستقيماً ِف األمر والنهي "احفظ اهلل حيفظك"‪ ،‬ومن ذلك‬
‫حفظ اهلل ِف واجبات القلب فال خياف إال من اهلل‪ .‬وال يتوكل إال على اهلل‪ .‬وأن يوقن أن القادر هو اهلل‪.‬‬
‫والشاِف هو اهلل‪ .‬وأن القاهر لكل قوة هو اهلل‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬فمن حفظ اهلل حفظه اهلل ووجده أمامه أينما‬
‫توجه‪ ،‬ومن كان اهلل حافظه وأمامه فممن خياف وملن حيذر؟!)(‪.)5‬‬
‫قال الشوكاين ِف معرض حديثه أن التداوي بالدعاء من أجنع العالجات‪( :‬ولكن ينجع من جهة املداوي‬
‫وهو توجه قلبه إىل اهلل وقوته بالتقوى والتوكل على اهلل)(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬املنتقى للباجي ‪.261/7‬‬


‫(‪ )2‬األم ‪.228/7‬‬
‫(‪ )3‬البيان والتحصيل ‪ 188/17‬املنتقى ‪ ،258/7‬األم ‪ 228/7‬السنن الكربى‪ ،349/9‬اجملموع ‪ 72/9‬فتح الباري‪ .207/10‬مسند أمحد‬
‫ي يَ ْرقِ َيها‪،‬‬ ‫ف‪ ،‬فَ ُكْنت أَختلِف إِ َىل فَُال ٍن الْي ه ِ‬
‫ود ِّ‬ ‫َُ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫ت َعْي ِين تَ ْق ِذ ُ‬‫‪ 381/1‬ح‪ 3615 :‬أن زينت امرأة عبد اهلل بن مسعود قالت لزوجها‪َ :‬كانَ ْ‬
‫ْف ِ‬ ‫ف عْن ها‪ ،‬إََِّّنَا َكا َن يك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك أَ ْن تَ ُق ِويل َك َما قَ َ‬
‫ال‬ ‫َ‬ ‫ك َع َم ُل الشَّْيطَان َكا َن يَْن ُخ ُس َها بِيَده‪ ،‬فَِإ َذا َرقَ ْيت َها َك َّ َ َ‬
‫ال‪ :‬إََِّّنَا َذل َ‬
‫ت؟ قَ َ‬ ‫َوَكا َن إِ َذا َرقَ َ‬
‫اها َس َكنَ ْ‬
‫ت‪ .‬وقد مضى ِف مبحث نشأة الرقية"‪.‬‬ ‫ف أَنْ َ‬‫َّاس ا ْش ِ‬
‫ب الن ِ‬‫اس َر َّ‬ ‫ِِ‬ ‫رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪" :‬أَ ْذهب الْبَ َ‬ ‫َُ‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪ .207/10‬وينظر‪ :‬املنتقى ‪.261/7‬‬
‫(‪ )5‬بدائع الفوائد ‪.239/2‬‬
‫(‪ )6‬نيل األوطار ‪.233/8‬‬
‫‪14‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قال ابن مفلح‪ :‬إن الشيطان يُصرع كما يصرع اإلنسان إذا دنا من قلب حمشو باإلميان(‪ .)1‬وهلذا ملا أرسل‬
‫اإلمام أمحد قَ ْبقابَه للجن دون أن يذهب على املريض قال اجلن‪ :‬مسعاً وطاعة‪ ،‬وخرج من املريض‪ ،‬وبعد أن‬
‫مات أمحد رجع اجلين وصرع املريض‪ ،‬فذهب إليه من يأمره باخلروج فرفض‪ ،‬وقال اجلين‪ :‬أطاع أمحد ربه‪ ،‬فأطاع‬
‫اهلل له كل شيء(‪.)2‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬حىت إن من املعاجلني من يكتفي بقوله‪" :‬اخرج منه"‪ .‬أو بقول‪" :‬بسم اهلل"‪ ،‬أو بقول‪:‬‬
‫"ال حول وال قوة إال باهلل"‪ .‬والنيب ‪ ‬كان يقول‪" :‬اخرج عدو اهلل أنا رسول اهلل"‪ .‬وشاهدت شيخنا يرسل‬
‫إىل املصروع من خياطب الروح اليت فيه‪ ،‬ويقول‪ :‬قال لك الشيخ‪ :‬اخرجي‪ ،‬فإ ّن هذا ال حيل لك‪ ،‬فيفيق‬
‫املصروع‪ ،‬ورمبا خاطبها بنفسه(‪.)3‬‬
‫ومن التقوى طيب املطعم فإن الرقية دعاء ومن موانع إجابة الدعاء خبث املطعم‪ ،‬جاء ِف حديث أيب‬
‫هريرة ‪ ‬أن النيب ‪ ‬قال‪" :‬إن اهلل أمر املؤمنني مبا أمر به املرسلني ‪ "...‬وفيه‪" :‬مث ذكر الرجل يطيل السفر‬
‫أشعث أغرب ميد يديه إىل السماء يا رب يا رب ومطعمة حرام ومشربه حرام وملبسه حرام وغذي باحلرام فأىن‬
‫يستجاب لذلك؟"(‪.)4‬‬
‫ومن التقوى احملافظة على األذكار والطاعات‪ ،‬قال ابن تيمية‪( :‬وإن كان اجلن من العفاريت وهو ضعيف‬
‫فقد تؤذيه فينبغي ملثل هذا أن حيرتز بقراءة العوذ مثل آية الكرسي واملعوذات والصالة والدعاء وَنو ذلك مما‬
‫يقوي اإلميان وجينب الذنوب اليت هبا يسلطون عليه فإنه جماهد ِف سبيل اهلل وهذا من أعظم اجلهاد فليحذر‬
‫أن ينتصر العدو عليه بذنوبه وإن كان األمر فوق قدرته فال يكلف اهلل نفسا إال وسعها فال يتعرض من البالء‬

‫(‪ )1‬مصائب اإلنسان ومكائد الشيطان البن مفلح ‪.108‬‬


‫(‪ )2‬آكام املرجان ِف أحكام اجلان للشليب ‪ .153‬واخلرب بطوله ِف طبقات احلنابلة ‪ 233/1‬عن علي بن املكري املعرباين قال‪( :‬كنت ِف‬
‫مسجد أيب عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل فأنفذ إليه املتوكل بصاحب له يعلمه أن له جارية هبا صرع وسأله أن يدعو اهلل هلا بالعافية‪،‬‬
‫فأخرج له أمحد نعل خشب بشراك خوص للوضوء‪ ،‬فدفعه إىل صاحب له‪ ،‬وقال له‪ :‬متضي إىل دار أمري املؤمنني وجتلس عند رأس‬
‫اجلارية‪ ،‬وتقول له‪ :‬يقول لك أمحد‪ :‬أميا أحب إليك خترج من هذه اجلارية أو أصفع اآلخر هبذه النعل؟ فمضى إليه وقال له مثل ما‬
‫قال أمحد‪ .‬فقال‪ :‬املارد على لسان اجلارية‪ :‬السمع والطاعة‪ .‬لو أمرنا أحمد أن ال نقيم في العراق ما أقمنا به‪ ،‬إنه أطاع اهلل ومن‬
‫أطاع اهلل أطاعه كل شيء‪ .‬وخرج من اجلارية وهدأت وزوجت ورزقت أوالداً‪ ،‬فلما مات أمحد عاودها املارد‪ ،‬فأنفذ املتوكل إىل صاحبه‬
‫أيب بكر املروذي وعرفه احلال‪ ،‬فأخذ املروذي النعل ومضى إىل اجلارية‪ ،‬فكلمه العفريت على لساِنا‪ :‬ال أخرج من هذه اجلارية وال‬
‫أطيعك وال أقبل منك! أمحد بن حنبل أطاع اهلل فأمرنا بطاعته)‪.‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد ‪.62/4‬‬
‫(‪ )4‬صحيح مسلم ح‪.1015 :‬‬
‫‪15‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ملا ال يطيق‪ .‬ومن أعظم ما ينتصر به عليهم آية الكرسي)(‪.)1‬‬


‫ومن التقوى مالحظة املنة هلل تعاىل بأن أكرمه بعلم الرقية وعلّمه مامل يكن يعلم‪ ،‬مث يلحظ املنة أخرى‬
‫إذا أجرى اهلل الشفاء على يديه وبسببه فيشكر املنعم ﴿لَئِن َش َك ْرُْمت ألَ ِز َ‬
‫يدنَّ ُك ْم﴾‪.‬‬

‫حسن االعتقاد‪ :‬ويراد به أن تكون رقيته بكالم اهلل وبأمسائه وصفاته أو مبا أثر عنه ‪ ،‬أو بذكر ودعاء‬
‫ال يتضمن حمذوراً‪ .‬فالرقية سبب ومن شرط السبب أن يكون مشروعاً(‪.)2‬‬
‫كما يراد به أن يعتقد أن الرقية سبب ال يؤثر بذاته بل بإذن اهلل ‪ ،‬فمن شروط األخذ باألسباب‬
‫االعتماد على ُمسببها وموجدها وهو اهلل ‪ ،‬واعتقاد أن الرقية تؤثر بذاهتا من اعتقادات اجلاهلية‪ ،‬وااللتفات‬
‫شرك(‪. )3‬‬ ‫إىل األسباب وحدها ٌ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ت الش ِ‬ ‫َّاس ا ْش ِ‬ ‫ِِ‬
‫َّاِف‪َ ،‬ال ش َفاءَ إَّال ش َف ُاؤ َك‪ ،‬ش َفاءً‬ ‫ف أَنْ َ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫اس َر َّ‬‫وهلذا كان ‪ ‬يقول ِف رقيته‪" :‬أَ ْذهب الْبَ َ‬
‫َال يُغَ ِاد ُر َس َق ًما"(‪ )4‬فحصر الشفاء ِف اهلل تعاىل قوة يقني باهلل‪.‬‬
‫ِِ‬
‫ِّين﴾ ويستدل هلذا بعموم‬ ‫احلَ ُّي َال إِلَهَ إَِّال ُه َو فَ ْادعُوهُ خمُْلص َ‬
‫ني لَهُ الد َ‬ ‫اإلخالص هلل وحسن القصد‪ُ ﴿ :‬ه َو ْ‬
‫قوله ‪" :‬إَّنا األعمال بالنيات وإَّنا لكل امرئ ما نوى"(‪ ،)5‬قال ابن تيمية‪( :‬إخالص الدين هلل‪ :‬مينع من‬
‫ص ِر َ‬ ‫تسلط الشيطان ومن والية الشيطان اليت توجب العذاب‪ .‬كما قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ك َذلِ ِ‬
‫السوءَ‬
‫ف َعْنهُ ُّ‬ ‫ك لنَ ْ‬‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬
‫ني﴾)(‪ .)6‬قال الزرقاين‪ :‬إنه يشرتط قوة اليقني وصدق النية لتأثري الرقية ِف‬ ‫َوالْ َف ْح َشاء إِنَّهُ م ْن عبَادنَا الْ ُم ْخلَص َ‬
‫إصالح اجلسد(‪.)7‬‬
‫وبناءً على هذا الشرط أخرج بعضهم الرقية املسجلة‪ ،‬جاء ِف فتاوى اللجنة الدائمة‪ :‬تشغيل جهاز‬
‫التسجيل بالقراءة واإلذاعة ال يغين عن الرقية ألن الرقية عمل حيتاج إىل اعتقاد ونية حال أدائها وال يتأتى هذا‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.53/19‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬التمهيد ‪ ،129/8‬جمموع الفتاوى ‪ ،277/24‬فتح الباري ‪ ،457/4‬معارج القبول ‪.462/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى ‪ .179/18 .139،169،175/8‬فتح الباري ‪.222/10‬‬
‫(‪ )4‬احلديث أخرجه اإلمام أمحد ِف مسنده ‪ .381/1‬قال حمقق املسند‪ :‬صحيح لغريه‪ ،‬وهذا إسناد ضعيف جلهالة ابن أخي زينب‪ ،‬لكنه‬
‫متابع‪ ،‬كما سريد‪ ،‬وبقية رجال ا ِإلسناد ثقات رجال الشيخني غري حيىي بن اجلزار‪ .‬والدعاء األخري أصله ِف البخاري ح‪.5742 :‬‬
‫احلمرة‪ :‬ورم من جنس الطواعني‪ .‬القاموس مادة محر‪.‬‬
‫(‪ )5‬البخاري ح‪ ،1 :‬مسلم ح‪.1907 :‬‬
‫(‪ )6‬جمموع الفتاوى ‪ ،332/14‬وكذلك‪.222/8 :‬‬
‫(‪ )7‬شرح الزرقاين على املوطأ ‪.416/4‬‬
‫‪16‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫من اجلهاز(‪ .)1‬وما ذكر حمل نظر! وسيأيت بيانه بإذن اهلل تعاىل ِف آخر الكتاب‪.‬‬
‫ومن حسن القصد أن ينوي نصر املظلوم وردع الظامل والسعي ِف حاجة مسلم وقصد نفعه وإدخال‬
‫السرور على قلب املسرتقي وأهله(‪.)2‬‬
‫ومن حسن القصد أال ينتظر الشكر أو الثناء من العباد‪ ،‬وأال جيعل كالم الناس مقياساً لعمله فإن زادوا‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ور﴾ وعالمة الصادق‬ ‫الش ُك ُ‬
‫ي َّ‬‫يل ِّم ْن عبَاد َ‬ ‫نسا َن لَربِِّه لَ َكنُ ٌ‬
‫ود﴾ ﴿ َوقَل ٌ‬
‫ِ‬
‫زاد وإال نقص‪ ،‬أو إن ذموا توقف فإ ّن ﴿ ْاإل َ‬
‫يد ِمن ُك ْم َجَزاء َوَال ُش ُكوراً﴾(‪.)3‬‬ ‫﴿إََِّّنَا نُطْعِ ُم ُك ْم لَِو ْج ِه اللَّ ِه َال نُِر ُ‬

‫اإل ِ‬
‫نس يَعُوذُو َن‬ ‫معرفة حقائق الجن ومكائدهم‪ :‬فال خياف منهم أو من هتديدهم ﴿ َوأَنَّهُ َكا َن ِر َج ٌ‬
‫ال ِّم َن ِْ‬
‫ضعِيفاً﴾‪ .‬وأن‬ ‫ان َكا َن َ‬‫اجلِ ِّن فَز ُادوهم رهقاً﴾‪ .‬وأن يوقن بأن كيدهم ضعيف ﴿إِ َّن َكي َد الشَّيطَ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫بِ ِر َج ٍال ِّم َن ْ َ ُ ْ َ َ‬
‫يستحضر أن األصل ِف الشياطني الكذب فال يصدقهم‪ ،‬ودليله قوله ‪ ‬أليب هريرة يعين الشيطان "صدقك‬
‫وهو كذوب"(‪ .)4‬وهلذا فإن ابن تيمية ملا قالت له اجلنية‪ :‬أنا أحبه ‪-‬تريد املتلبس به‪ -‬قال هلا‪ :‬هو ال حيبك‪،‬‬
‫قالت‪ :‬أنا أريد أن أحج به‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬هو ال يريد أن حيج معك‪ ،‬فقالت‪ :‬أنا أدعه كرامة لك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫ال‪ ،‬ولكن طاعة هلل ورسوله‪ ،‬ولو مل يكن ابن تيمية عاملاً مبداخل الشيطان ما قال ذلك(‪.)5‬‬
‫أال تتضمن الرقية هيئة محرمة‪ :‬كما لو خال باألجنبية‪ ،‬أو كانت الرقية ِف مقربة أو محام‪ ،‬أو ِف كتابة‬
‫حروف أبا جاد‪ ،‬أو تلطخه بالنجاسات وكشف العورة‪ ،‬وغري ذلك(‪.)6‬‬
‫قال ابن عباس ِف قوم يكتبون أبا جاد وينظرون ِف النجم‪ :‬ما أرى من فعل ذلك له عند اهلل خالق(‪.)7‬‬
‫ومن ذلك التمتمة بكلمات ال تعرف أو ال يفهم معناها‪ ،‬أو الرقية بعد السؤال عن اسم األم؛ ألن‬
‫السحرة هم من يفعل ذلك؛ ألن كثرياً من أعماهلم السحرية مبنية على ذلك(‪ ،)8‬أو يتكلم بظنه ِف أمور غيبية‬

‫(‪ )1‬فتاوى اللجنة رقم ‪.20361‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬وصييت للراقي واملسرتقي مطاعن ‪ .23-15‬وينظر‪ :‬ما بني ص ‪ 51‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬قواعد الرقية للسدحان ‪ 16‬نسخة أخرى‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري ح‪.2311 :‬‬
‫(‪ )5‬املستدرك على فتاوى ابن تيمية‪ .‬مجع‪ :‬ابن قاسم ‪)116 / 1( -‬‬
‫(‪ )6‬ومن ذلك التختم جللب اجلن أو التبخري بالروائح اليت تستجلب اجلن‪ .‬قواعد الرقية ص ‪.3‬‬
‫(‪ )7‬عبد الرزاق ِف املصنف ‪ ،26/11‬والبيهقي ِف السنن الكربى ‪.119/8‬‬
‫(‪ )8‬مسعت ساحراً تائباً من السحر يفسر سبب سؤال السحرة عن اسم األم على وجه اخلصوص‪ .‬وفسر ذلك‪ :‬باحتمال أن يكون ولد زىن‬
‫وهو ال يعلم‪ ،‬فقد تكون أمه اقرتفت خطيئة الزىن فيكون األب صاحب املاء خمتلف عن األب الذي يظنه والده؛ وهلذا يتعمد الساحر‬
‫‪17‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يبين عليها كالكهان(‪.)1‬‬

‫عدم استخدام الجن‪:‬‬


‫ابن تيمية يقسم استخدام اجلن إىل ما يلي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬فمن كان من اإلنس يأمر اجلن مبا أمر اهلل به ورسوله من عبادة اهلل وحده وطاعة نبيه‪ ،‬ويأمر اإلنس‬
‫بذلك‪ ،‬فهذا من أفضل أولياء اهلل تعاىل‪ ،‬وهو ِف ذلك من خلفاء الرسول ‪ ‬ونوابه‪.‬‬
‫ب‪ -‬ومن كان يستعمل اجلن ِف أمور مباحة له‪ ،‬فهو كمن استعمل اإلنس ِف أمور مباحة له‪ ،‬وهذا كأن‬
‫يأمرهم مبا جيب عليهم وينهاهم عما حرم عليهم ويستعملهم ِف مباحات له‪ ،‬فيكون مبنزلة امللوك الذين يفعلون‬
‫مثل ذلك‪ ،‬وهذا إذا قدر أنه من أولياء اهلل‪ ،‬فغايته أن يكون ِف عموم أولياء اهلل مثل النيب امللك مع العبد‬
‫الرسول‪ :‬كسليمان ويوسف مع إبراهيم وموسى وعيسى وحممد صلوات اهلل وسالمه عليهم أمجعني‪.‬‬
‫ج ‪ -‬ومن كان يستعمل اجلن فيما ينهى اهلل عنه ورسوله إما ِف الشرك‪ ،‬وإما ِف قتل معصوم الدم أو ِف‬
‫العدوان عليهم بغري القتل كتمريضه وإنسائه العلم وغري ذلك من الظلم‪ ،‬وإما ِف فاحشة كجلب من يطلب‬
‫الفاحشة‪ ،‬فهذا قد استعان هبم على اإلمث والعدوان‪ ،‬مث إن استعان هبم على الكفر فهو كافر‪ ،‬وإن استعان هبم‬
‫على املعاصي فهو عاص‪ :‬إما فاسق وإما مذنب غري فاسق‪.‬‬
‫د ‪ -‬وإن مل يكن تام العلم بالشريعة فاستعان هبم فيما يظن أنه من الكرامات مثل أن يستعني هبم على‬
‫احلج‪ ،‬أو أن يطريوا به عند السماع البدعي‪ ،‬أو أن حيملوه إىل عرفات‪ ،‬وال حيج احلج الشرعي الذي أمره اهلل‬
‫به ورسوله‪ ،‬وأن حيملوه من مدينة إىل مدينة‪ ،‬وَنو ذلك فهذا مغرور قد مكروا به)(‪.)2‬‬
‫وبعض الناس اختذ كالم شيخ اإلسالم متكأ ِف استخدام اجلن ِف املعاجلة‪ ،‬وليس مبسلَّم‪ ،‬ملا يلي‪:‬‬
‫• أن النيب ‪ ‬ثبت أنه رقى ورقي وأمر أصحابه بالرقية‪ ،‬فاجتمع ِف ذلك فعله وأمره وإقراره‪ ،‬ولو كانت‬
‫االستعانة باجلن املسلم جائزة أو فضيلة ملا ادخرها اهلل عن رسوله ملا سحرته يهود‪ ،‬وألرشد النيب ‪‬‬
‫صحابته إليها‪.‬‬
‫• أن االستعانة باجلين يعلق قلب الراقي هبذا اجلين‪ ،‬وهذا ذريعة لتفشي استخدام اجلن مسلمهم وكافرهم‪،‬‬

‫السؤال عن األم ألن االستدالل عليه عن طريق األم ثابت ال يدخله احتمال فهي أمه سواء من نكاح أو سفاح‪ .‬هذا مضمون كالمه‪.‬‬
‫(‪ )1‬ينظر وصييت للراقي واملسرتقي مطاعن ‪ 57‬وما بعدها‬
‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى – ‪.307 / 11‬‬
‫‪18‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫حىت نلج ِف الشرك‪ .‬وسد هذا الباب مقصد شرعي‪.‬‬


‫• مث من أين لنا نعلم أن هذا اجلين مسلم أو ال‪ ،‬خاصة إذا استحضرنا كذب اجلن "صدقك وهو كذوب"(‪.)1‬‬
‫سئل اإلمام أمحد ِف رواية الربزاطي ِف الرجل يزعم أنه يعاجل اجملنون من الصرع بالرقى والعزائم‪ ،‬ويزعم أنه‬
‫خياطب اجلن ويكلمهم‪ ،‬ومنهم من خيدمه؟ قال‪ :‬ما أحب ألحد أن يفعله‪ ،‬تركه أحب إيل(‪.)2‬‬

‫أن يحسن قراءة القرآن ويفهم معناه‪ ،‬ويقرأ قراءة تصويرية يتصور فيها معاني اآليات‪:‬‬
‫قال العدوي‪ :‬ليس كل جزء من القرآن يُرقى به؛ بل يرقي مبا يناسب أن يرقي به فخرج َنو آية‬
‫الدين(‪.)3‬وقال ابن القيم‪ :‬إن الروح إذا كانت قوية وتكيفت مبعاين الفاحتة‪ ،‬واستعانت بالنفث والتفل‪ ،‬قابلت‬
‫ذلك األثر الذي حصل من النفوس اخلبيثة فأزالته(‪.)4‬‬
‫ومن هذا ما كان يفعله ابن تيمية‪ ،‬فقد كتب على صاحب النزيف‪﴿ :‬وقِيل يا أَرض اب لَعِي م ِ‬
‫اءك َويَا‬ ‫َ ََ ْ ُ ْ َ‬
‫ِِ ِ‬
‫َمسَاء أَقْلعي َوغ َ‬
‫يض الْ َماء﴾ فوقف النزيف‪ ،‬مع أن اآلية ِف الطوفان‪ ،‬فشبه ابن تيمية اإلنسان باألرض تبلغ‬

‫(‪ )1‬ذكر ابن تيمية (الفتاوى ‪ 91/13‬وما بعدها) أن الشياطني تفعل العجائب وتكذب‪ ،‬وأِنا تتمثل بصورة آدمي وتزعم أِنا اخلضر أو نيب‬
‫اجلن ِف‬
‫أو صحايب أو شيخاً ملن أتته تضل الناس وتغويهم‪ .‬ومما ذكر أنه وقع له‪ :‬أنه ملا كان ابن تيمية حمبوساً ِف القلعة مبصر‪ :‬أن ّ‬
‫جهة املشرق اإلسالمي كانت تأيت إىل ملك كافر أو أمري كبري كافر منقطع عن أصحابه ِف الربية وخاف املوت‪ ،‬فيأتيه اجلن ِف صورة‬
‫إنسي ويسقيه ويدعوه إىل اإلسالم ويتوبه فيسلم على يديه ويتوبه ويطعمه ويدله على الطريق ويقول من أنت؟ فيقول‪ :‬أنا فالن ويكون‬
‫من مؤمين اجلن‪.‬‬
‫وأ ّن كبرياً من أمراء الرتك من ناحية املشرق جرى له مثل ذلك من اجلين! وقال له ذلك اجلين‪ :‬أنا ابن تيمية! فلم يشك ذلك األمري‬
‫أين أنا هو وأخرب بذلك ملك ماردين وأرسل بذلك ملك ماردين إىل ملك مصر رسوالً وكنت ِف احلبس؛ فاستعظموا ذلك وأنا مل‬
‫أخرج من احلبس! ولكن كان هذا جنياً حيب نا فيصنع بالرتك الترت مثل ما كنت أصنع هبم؛ ملا جاءوا إىل دمشق‪ :‬كنت أدعوهم إىل‬
‫اإلسالم‪ ،‬فإذا نطق أحدهم بالشهادتني أطعمتهم ما تيسر‪ ،‬فعمل معهم مثل ما كنت أعمل وأراد بذلك إكرامي ليظن ذاك أين أنا‬
‫الذي فعلت ذلك‪ .‬قال يل طائفة من الناس‪ .‬فلم ال جيوز أن يكون ملكا؟ قلت ال‪ .‬إن الملك ال يكذب وهذا قد قال أنا ابن تيمية‬
‫وهو يعلم أنه كاذب في ذلك!‬
‫(‪ )2‬اآلداب الشرعية – ص ‪ .219 ،218‬قال الشيخ عبد اهلل السدحان ِف كتابه كيف تعاجل مريضك بالرقية الشرعية ‪ :34‬من جهة تطبيق‬
‫استخدام اجلن صعب التطبيق ألسباب منها‪ :‬اختالف اخللق‪ ،‬ومظنة اجلهل من اإلنسان‪ ،‬ومظنة خداع اجلن‪ ،‬فهم يومهون املسلم‬
‫عما هو أفضل منها‪ ،‬ويعاقبونه على تركها ليكون قصده اخلوف منهم وليس‬ ‫بصالحهم فيحثونه على طاعات معينة كالذكر لينشغل ّ‬
‫من اهلل‪ ،‬وغريها من احليل اخلفية‪ ،‬وفيه خدش للعقيدة من جهة ضعف التوكل واالستعانة باهلل‪ ،‬وِف كتاب اهلل وسنة رسوله غنية عن‬
‫ذلك كله‪ .‬اه ومن ذلك قصة برصيصا العابد وسيأيت ذكرها ِف احلاشية بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫(‪ )3‬حاشية العدوي على رسالة أيب زيد القريواين ‪.453/2‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد ‪.165/4‬‬
‫‪19‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫النزيف ومصدر النزف أقلع وأن النزف غاض‪ ،‬وهذا منهج قائم بالعالج القرآين(‪.)1‬‬
‫وتفهم الراقي ملا يرقي به داخل ِف عموم قوله ‪" :‬ادعو اهلل وأنتم مؤمنون باإلجابة‪ ،‬واعلموا أن اهلل ال‬
‫يستجيب دعاء من قلب اله"(‪.)2‬‬

‫الطهارة من الحدث‪ :‬والسبب أن املالئكة قريبة من املتطهر جاء ِف حديث عمار بن ياسر ‪ ‬أنه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ب‪ ،‬إَِّال أَ ْن يَتَ َو َّ‬
‫ضأَ")‪ .(3‬واهلل‬ ‫اجلُنُ ُ‬
‫اخلَلُ ِ‬
‫وق‪َ ،‬و ْ‬ ‫‪ ‬قال‪" :‬ثََالثَةٌ َال تَ ْقَرُهبُ ُم الْ َم َالئِ َكةُ‪ :‬جي َفةُ الْ َكاف ِر‪َ ،‬والْ ُمتَ َ‬
‫ض ِّم ُخ بِ ْ‬
‫تعاىل حيب املتطهرين‪ ،‬وألن الرقية تتضمن كالم اهلل أو آيات من القرآن‪ ،‬وشرطه الطهارة أو هي مستحبة فيه‪.‬‬

‫سره أو ينشره بالصور‪،‬‬‫كتمان السر واألمانة على أسرار المريض‪ :‬فال يظهر عورة املريض أو يذيع ّ‬
‫وهذا الشرط داخل ِف العمومات‪ ،‬كقوله ‪" :‬املستشار مؤمتن"(‪ ،)4‬وكقوله ‪" :‬من سرت مسلماً سرته اهلل‬
‫يوم القيامة"(‪.)5‬‬

‫معرفة أحوال وأمارات مرضى األرواح الخبيثة‪ :‬وهلذا فإن النيب ‪ ‬مبجرد رؤيته السفعة ِف وجه اجلارية‪،‬‬
‫قال‪" :‬اسرتقوا هلا فإن هبا النظرة"(‪.)6‬‬

‫آداب الراقي‪...‬‬
‫القدوة‪ :‬فحياة الراقي وسلوكه اخلاص والعام موضع مالحظة‪ ،‬فحني يكون بعيداً عن االلتزام بالسنن‬
‫والنوافل فضالً عن الواجبات فإنه يكون فتنة للناس‪ ،‬وداعية لصرفهم عن اخلري(‪.)7‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬كيف ترقي مريضك بالرقية الشرعية السدحان ‪.16‬‬


‫(‪ )2‬الرتمذي ح‪ ،3479 :‬واملستدرك للحاكم ‪ 670/1‬ولفظ احلاكم‪ :‬وأنتم مؤمنون‪ .‬وصححه األلباين ِف صحيح اجلامع ‪.245‬‬
‫(‪ )3‬أخرجه أبو داود ح‪ ،4180 :‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرتمذي ح‪ 2822 :‬وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم ح‪.2580 :‬‬
‫(‪ )6‬البخاري ح‪ ،5739:‬مسلم ح‪( .2197:‬جارية) بنت صغرية أو أمة مملوكة‪( .‬سفعة) صفرة وشحوبا‪( .‬النظرة) أي أصابتها العني‪.‬‬
‫(‪ )7‬قواعد الرقية للسدحان ‪.13‬‬
‫‪20‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫احلاً﴾‪ ،‬فيحرص على إرشاد‬ ‫االهتمام بالدعوة إلى اهلل‪﴿ :‬ومن أَحسن قَوالً ِّممَّن دعا إِ َىل اللَّ ِه وع ِمل ص ِ‬
‫ََ َ َ‬ ‫ََ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ ْ‬
‫من يرقيه إىل اخلري ويذكره بأن ما أصابه سببه املعاصي والبعد عن اهلل وذكره‪ ،‬وحيثه على لزوم الطاعات خاصة‬
‫وأن قلب املرقي مقبل عليه يشعر بإحسانه إليه‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬وأكثر تسلط األرواح اخلبيثة على أهله تكون‬
‫من جهة قلة دينهم‪ ،‬وخراب قلوهبم وألسنتهم من حقائق الذكر‪ ،‬والتعاويذ‪ ،‬والتحصنات النبوية واإلميانية‪،‬‬
‫فتلقى الروح اخلبيثة الرجل أعزل ال سالح معه‪ ،‬ورمبا كان عريانا فيؤثر فيه هذا)(‪.)1‬‬
‫الصالَةِ﴾‪.‬‬
‫الص ِْرب َو َّ‬‫استَعِينُواْ بِ َّ‬
‫ومن أعظم ما يذكره به لزوم الصرب والصالة ﴿ َو ْ‬
‫ومن االهتمام بالدعوة‪ :‬أن ينوي برقيته هداية اجلان املتلبس باملريض‪ ،‬وهذا أدعى لسرعة استجابته ِف‬
‫الغالب‪ ،‬ومرد هذا التجاوب إىل ما ركبه اهلل ِف اجلن من قوة العاطفة والتأثر فالواجب استغالل هذه املزية‪ .‬ال‬
‫كما يفعله البعض من قصر النية على الطرد واإلحراق فقط فهي عالوة على غفلته عن قصد هداية اجلان‬
‫ودعوته‪ ،‬فيها زيادة بالء على املريض إذ ينتقم اجلان بإيذائه‪.‬‬
‫فاألصل أنه يقصد دائماً برقيته نية الدعوة‪ ،‬ولو فرض أنه قرأ عليه مرات هبذه النية واجلان ال يزيد إال تعنتاً‬
‫حينئذ أن ينوي برقيته الطرد بل واإلحراق حسب اجلان(‪.)2‬‬ ‫معتد ظامل جيوز ٍ‬ ‫وإيذاء‪ ،‬فاجلين صائل ٍ‬
‫ً‬
‫الرفق واللين مع المرضى‪ :‬قال أبقراط ِف وصف املعاجل‪ :‬حينما يكون حريصاً على مداواة الفقراء وأهل‬
‫املسكنة رفيق اللسان‪ ،‬لطيف الكالم فإنه يكون قريباً من اهلل تعاىل(‪ .)3‬وخري من كالمه عموم قوله ‪َ " :‬م ْن‬
‫الرفْ َق َال يَ ُكو ُن ِِف َش ْي ٍء إَِّال َزانَهُ‪َ ،‬وَال يُْن َزعُ ِم ْن َش ْي ٍء إَِّال َشانَهُ"(‪.)4‬‬ ‫الرفْ َق‪ُْ ،‬حيَرِم ْ‬
‫اخلَْ َري"‪ ،‬وقوله ‪" :‬إِ َّن ِّ‬
‫ِ‬
‫ُْحيَرم ِّ‬
‫ف‬ ‫تبشير المريض‪ :‬فإ ّن الشيطان حيرص على الرتويع وعلى زرع اخلوف ﴿إََِّّنَا ذَلِ ُك ُم الشَّْيطَا ُن ُخيَِّو ُ‬
‫أ َْولِيَاءهُ﴾ واخلوف يضعف املقاومة ِف اجلهاز املناعي لإلنسان‪.‬‬
‫وواجب الراقي زرع الطمأنينة والثقة بربه أوالً مث بنفسه ثانياً‪ ،‬وأ ّن ما أصابه مل يكن ليخطئه وأنه ابتالء‬
‫من اهلل‪ ،‬ويبشره بالعافية وخيفف عنه ويزيده يقيناً باهلل‪ ،‬ويزيل عنه اليأس والقنوط‪.‬‬
‫فيستعمل الراقي اإلحياء النفسي ِف التأثري على املريض فيما ينفعه‪ ،‬كما كان ‪ ‬يفعل مع املرضى؛ فَع ْن‬
‫ِ‬ ‫يض فَنَ فِّسوا لَه ِِف أ ِ‬ ‫أَِيب سعِ ٍ‬
‫ك َال يَُرُّد‬‫َجل ِه فَِإ َّن َذل َ‬
‫ُ ُ َ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪" :‬إِ َذا َد َخ ْلتُ ْم َعلَى امل ِر ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬
‫ال‪ :‬قَ َ‬ ‫يد اخلُ ْد ِر ِّ‬
‫ي قَ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫(‪)1‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)63 / 4‬‬
‫(‪ )2‬قواعد الرقية للسدحان ‪ ،15‬وكيف تعاجل مريضك بالرقية ‪ 33‬النيات غالباً ثالث‪ :‬نية الشفاء‪ ،‬نية اهلدى‪ ،‬نية اإلحراق للجان‪ .‬األوىل‬
‫أن ينوي األول والثاين وتكون النية الثالثة عند تعنت اجلان وإصراره‪.‬‬
‫(‪ )3‬الطب النبوي للذهيب ‪ .98‬وأبقراط‪ :‬شيخ الطب وإمامه من حكماء اليونان‪.‬‬
‫(‪ )4‬روامها مسلم ح‪.2594 ،2592 :‬‬
‫‪21‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ب نَ ْف َسهُ"(‪ .)1‬وقد بوب البخاري ِف صحيحه‪ :‬باب ما يقال للمريض‪ ،‬وما جييب‪ ،‬مث ساق فيه‬ ‫َشْيئًا َويُطَيِّ ُ‬
‫حديثني‪ :‬األول حديث عبد اهلل ابن مسعود ‪ ،‬قال‪ :‬أتيت النيب ‪ِ ‬ف مرضه فمسسته‪ ،‬وهو يوعك وعكا‬
‫شديدا‪ ،‬فقلت‪ :‬إنك لتوعك وعكا شديدا‪ ،‬وذلك أن لك أجرين؟ قال‪" :‬أجل‪ ،‬وما من مسلم يصيبه أذى‪،‬‬
‫إال حتاتت عنه خطاياه‪ ،‬كما حتات ورق الشجر"‪ .‬والثاين حديث ابن عباس ‪ :‬أن رسول اهلل ‪ ‬دخل‬
‫على رجل يعوده‪ ،‬فقال‪" :‬ال بأس طهور إن شاء اهلل" فقال‪ :‬كال‪ ،‬بل محى تفور‪ ،‬على شيخ كبري‪ ،‬كيما تزيره‬
‫القبور‪ ،‬قال النيب ‪" :‬فنعم إذا"(‪ .)2‬قال ابن القيم‪( :‬تفريح نفس املريض وتطييب قلبه وإدخال ما يسره عليه‬
‫(‪)3‬‬
‫له تأثري عجيب ِف شفاء علته وخفتها‪ ،‬فإ ّن األرواح والقوى تقوى بذلك‪ ،‬فتساعد الطبيعة على دفع املؤذي)‬
‫وقال الرازي الطبيب‪( :‬يَْنبَغِي للطبيب أَن يُوهم الْ َم ِريض أبداً ِّ‬
‫الص َّحة ويرجيه هبَا‪َ ،‬وإِن َكا َن غري واثق بذلك‬
‫اجلِ ْسم تَابع ألخالق النَّفس)(‪.)4‬‬
‫فمزاج ْ‬

‫أن يتفقه في حيل الشياطين ومكرهم‪ :‬ليكون على بصرية ال يفنت وال يفنت‪ ،‬فكم من شخص بدأ راقياً‬
‫أضل(‪.)5‬‬
‫فضل و ّ‬
‫وانتهى احلال به إىل ساحر مشعوذ لعدم فقهه واستدراج الشياطني له ّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي ح‪ 2084 :‬وابن ماجه ح‪ . 1438 :‬وضعفه األلباين‪ .‬ففي سنده موسى بن حممد بن إبراهيم التيمي وهو منكر‬
‫احلديث‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري ح‪.5662 ،5661:‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد ‪.107/4‬‬
‫(‪ )4‬عيون األنباء ِف طبقات األطباء ص ‪.420‬‬
‫(‪)5‬حذرنا اهلل من خطوات الشيطان‪ ،‬وفي قصة برصيصا للرقاة عبرة نسوقها بطولها‪ ،‬وقد أشري إليها ِف قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬كمثَ ِل الشَّيطَ ِ‬
‫ان إِ ْذ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫اف اللَّه ر َّ ِ‬ ‫ال لِ ِْإلنْس ِ‬
‫ان ا ْك ُف ْر فَلَ َّما َك َفَر قَ َال إِ ِّين بَِريءٌ ِمْن َ‬
‫ني﴾ قال ابن عباس ِف قوله تعاىل‪ :‬كمثل الشيطان‪ :‬كان‬ ‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫ك إِ ِّين أ َ‬
‫َخ ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫قَ َ‬
‫راهب ِف الفرتة يقال له‪ :‬برصي صا‪ ،‬قد تعبد ِف صومعته سبعني سنة‪ ،‬مل يعص اهلل فيها طرفة عني‪ ،‬حىت أعيا إبليس‪ ،‬فجمع إبليس‬
‫مردة الشياطني فقال‪ :‬أال أجد منكم من يكفيين أمر برصيصا؟ فقال األبيض‪ ،‬وهو صاحب األنبياء‪ ،‬وهو الذي قصد النيب ‪ِ ‬ف‬
‫صورة جربيل ليوسوس إليه على وجه الوحي‪ ،‬فجاء جربيل فدخل بينهما‪ ،‬مث دفعه بيده حىت وقع بأقصى اهلند فذلك قوله تعاىل‪ِ ﴿ :‬ذي‬
‫ني﴾‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أكفيكه‪ ،‬فانطلق فتزيا بزي الرهبان‪ ،‬وحلق وسط رأسه حىت أتى صومعة برصيصا فناداه فلم‬ ‫ند ِذي الْ َعر ِش َم ِك ٍ‬ ‫قُ َّوةٍ ِع َ‬
‫ْ‬
‫جيبه‪ ،‬وكان ال ينفتل من صالته إال ِف كل عشرة أيام يوماً‪ ،‬وال يفطر إال ِف كل عشرة أيام‪ ،‬وكان يواصل العشرة األيام والعشرين‬
‫واألكثر‪ ،‬فلما رأى األبيض أنه ال جييبه أقبل على العبادة ِف أصل صومعته‪ ،‬فلما انفتل برصيصا من صالته‪ ،‬رأى األبيض قائماً يصلي‬
‫ِف هيئة حسنة من هيئة الرهبان‪ ،‬فندم حني مل جيبه‪ ،‬فقال‪ :‬ما حاجتك؟ فقال‪ :‬أن أكون معك‪ ،‬فأتأدب بأدبك‪ ،‬وأقتبس من عملك‪،‬‬
‫وجنتمع على العبادة‪ ،‬فقال‪ :‬إين ِف شغل عنك‪ ،‬مث أقبل على صالته‪ ،‬وأقبل األبيض أيضاً على الصالة‪ ،‬فلما رأى برصيصا شدة‬
‫‪22‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اجتهاده وعبادته قال له‪ :‬ما حاجتك؟ فقال‪ :‬أن تأذن يل فأرتفع إليك‪ .‬فأذن له فأقام األبيض معه حوالً ال يفطر إال ِف كل أربعني‬
‫يوماً يوماً واحداً‪ ،‬وال ينفتل من صالته إال ِف كل أربعني يوماً ورمبا مد إىل الثمانني‪ ،‬فلما رأى برصيصا اجتهاده تقاصرت إليه نفسه‪.‬‬
‫مث قال األبيض‪ :‬عندي دعوات يشفي اهلل هبا السقيم واملبتلى واجملنون‪ ،‬فعلمه إياها‪ .‬مث جاء إىل إبليس فقال‪ :‬قد واهلل أهلكت الرجل‪.‬‬
‫مث تعرض لرجل فخنقه‪ ،‬مث قال ألهله‪ -‬وقد تصور ِف صورة اآلدميني‪ :-‬إن بصاحبكم جنونا أفأطبه؟ قالوا نعم‪ .‬فقال‪ :‬ال أقوى على‬
‫جنيته‪ ،‬ولكن اذهبوا به إىل برصيصا‪ ،‬فإن عنده اسم اهلل األعظم الذي إذا سئل به أعطى‪ ،‬وإذا دعي به أجاب‪ ،‬فجاءوه فدعا بتلك‬
‫الد عوات‪ ،‬فذهب عنه الشيطان‪ .‬مث جعل األبيض يفعل بالناس ذلك ويرشدهم إىل برصيصا فيعافون‪ .‬فانطلق إىل جارية من بنات‬
‫عمها ملكاً ِف بين إسرائيل فعذهبا وخنقها‪ .‬مث جاء إليهم ِف‬
‫امللوك بني ثالثة إخوة‪ ،‬وكان أبوهم ملكاً فمات واستخلف أخاه‪ ،‬وكان ّ‬
‫صورة رجل متطبب ليعاجلها فقال‪ :‬إن شيطاِنا مارد ال يطاق‪ ،‬ولكن اذهبوا هبا إىل برصيصا فدعوها عنده‪ ،‬فإذا جاء شيطاِنا دعا هلا‬
‫فربئت‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال جييبنا إىل هذا‪ ،‬قال‪ :‬فابنوا صومعة ِف جانب صومعته مث ضعوها فيها‪ ،‬وقولوا‪ :‬هي أمانة عندك فاحتسب فيها‪.‬‬
‫فسألوه ذلك فأىب‪ ،‬فبنوا صومعة ووضعوا فيها اجلارية‪ ،‬فلما انفتل من صالته عاين اجلارية وما هبا من اجلمال فأسقط ِف يده‪ ،‬فجاءها‬
‫الشيطان فخنقها فانفتل من صالته ودعا هلا فذهب عنها الشيطان‪ ،‬مث أقبل على صالته فجاءها الشيطان فخنقها‪ .‬وكان يكشف‬
‫عنها ويتعرض هبا لربصيصا‪ ،‬مث جاءه الشيطان فقال‪ :‬وحيك! واقعها‪ ،‬فما جتد مثلها مث تتوب بعد ذلك‪ .‬فلم يزل به حىت واقعها‬
‫فحملت وظهر محلها‪ .‬فقال له الشيطان‪ :‬وحيك! قد افتضحت‪ .‬فهل لك أن تقتلها مث تتوب فال تفتضح‪ ،‬فإن جاءوك وسألوك فقل‬
‫جاءها شيطاِنا فذهب هبا‪ .‬فقتلها برصيصا ودفنها ليال‪ ،‬فأخذ الشيطان طرف ثوهبا حىت بقي خارجا من الرتاب‪ ،‬ورجع برصيصا إىل‬
‫صالته‪ .‬مث جاء الشيطان إىل إخوهتا ِف املنام فقال‪ :‬إن برصيصا فعل بأختكم كذا وكذا‪ ،‬وقتلها ودفنها ِف جبل كذا وكذا‪ ،‬فاستعظموا‬
‫ذلك وقالوا لربصيصا‪ :‬ما فعلت أختنا؟ فقال‪ :‬ذهب هبا شيطاِنا‪ ،‬فصدقوه وانصرفوا‪ .‬مث جاءهم الشيطان ِف املنام وقال‪ :‬إِنا مدفونة‬
‫ِف موضع كذا وكذا‪ ،‬وإن طرف ردائها خارج من الرتاب‪ ،‬فانطلقوا فوجدوها‪ ،‬فهدموا صومعته وأنزلوه وخنقوه‪ ،‬ومحلوه إىل امللك فأقر‬
‫على نفسه فأمر بقتله‪ .‬فلما صلب قال الشيطان‪ :‬أتعرفين؟ قال ال واهلل قال‪ :‬أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات‪ ،‬أما اتقيت اهلل أما‬
‫استحيت وأنت أعبد بين إسرائيل مث مل يكفك صنيعك حىت فضحت نفسك‪ ،‬وأقررت عليها وفضحت أشباهك من الناس فإن مت‬
‫على هذه احلالة مل يفلح أحد من نظرائك بعدك‪ .‬فقال‪ :‬كيف أصنع؟ قال‪ :‬تطيعين ِف خصلة واحدة وأجنيك منهم وآخذ بأعينهم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وما ذاك؟ قال تسجد يل سجدة واحدة‪ ،‬فقال‪ :‬أنا أفعل‪ ،‬فسجد له من دون اهلل‪ .‬فقال‪ :‬يا برصيصا‪ ،‬هذا أردت منك‪ ،‬كان‬
‫عاقبة أمرك أن كفرت بربك‪ ،‬إين برئ منك‪ ،‬إين أخاف اهلل رب العاملني‪.‬‬
‫وقال وهب ابن منبه‪ :‬إن عابدا كان ِف بين إسرائيل‪ ،‬وكان من أعبد أهل زمانه‪ ،‬وكان ِف زمانه ثالثة إخوة هلم أخت‪ ،‬وكانت بكرا‪،‬‬
‫ليست هلم أخت غريها‪ ،‬فخرج البعث على ثالثتهم‪ ،‬فلم يدروا عند من خيلفون أختهم‪ ،‬وال عند من يأمنون عليها‪ ،‬وال عند من‬
‫يضعوِنا‪ .‬قال فاجتمع رأيهم على أن خيلفوها عند عابد بين إسرائيل‪ ،‬وكان ثقة ِف أنفسهم‪ ،‬فأتوه فسألوه أن خيلفوها عنده‪ ،‬فتكون ِف‬
‫كنفه وجواره إىل أن يقفلوا من غزاهتم‪ ،‬فأىب ذ لك عليهم وتعوذ باهلل منهم ومن أختهم‪ .‬قال فلم يزالوا به حىت أطمعهم فقال‪ :‬أنزلوها‬
‫ِف بيت حذاء صومعيت‪ ،‬فأنزلوها ِف ذلك البيت مث انطلقوا وتركوها‪ ،‬فمكثت ِف جوار ذلك العابد زمانا‪ ،‬ينزل إليها الطعام من صومعته‪،‬‬
‫فيضعه عند باب الصومعة‪ ،‬مث يغلق بابه ويصعد ِف صومعته‪ ،‬مث يأمرها فتخرج من بيتها فتأخذ ما وضع هلا من الطعام‪ .‬قال‪ :‬فتلطف‬
‫له الشيطان فلم يزل يرغبه ِف اخلري‪ ،‬ويعظم عليه خروج اجلارية من بيتها ِنارا‪ ،‬وخيوفه أن يراها أحد فيعلقها‪ .‬قال‪ :‬فلبث بذلك زمانا‪،‬‬
‫مث جاءه إبليس فرغبه ِف اخلري واألجر‪ ،‬وقال له‪ :‬لو كنت متشي إليها بطعامها حىت تضعه ِف بيتها كان أعظم ألجرك‪ ،‬قال‪ :‬فلم يزل‬
‫به حىت مشى إليها بطعامها فوضعه ِف بيتها قال‪ :‬فلبثت بذلك زمانا مث جاءه إبليس فرغبه ِف اخلري وحضه عليه‪ ،‬وقال‪ :‬لو كنت‬
‫تكلمها وحتدثها فتأنس حبديثك‪ ،‬فإِنا قد استوحشت وحشة شديدة‪ .‬قال‪ :‬فلم يزل به حىت حدثها زمانا يطلع عليها من فوق صومعته‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ومن عدم الفقه‪ :‬انصرافه عن التذكري بتوجه القلوب إىل اهلل ال إىل الراقي‪ ،‬فمن حيل الشياطني صرف‬

‫قال‪ :‬مث أتاه إبليس بعد ذلك فقال‪ :‬لو كنت تنزل إليها فتقعد على باب صومعتك وحتدثها وتقعد على باب بيتها فتحدثك كان آنس‬
‫هلا‪ .‬فلم يزل به حىت أنزله وأجلسه على باب صومعته حيدثها‪ ،‬وخترج اجلارية من بيتها‪ ،‬فلبثا زمانا يتحدثان‪ ،‬مث جاءه إبليس فرغبه ِف‬
‫اخلري والثواب فيما يصنع هبا‪ ،‬وقال‪ :‬لو خرجت من باب صومعتك فجلست قريبا من باب بيتها كان آنس هلا‪ .‬فلم يزل به حىت فعل‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلبثا زمانا‪ ،‬مث جاءه إبليس فرغبه ِف اخلري وفيما له من حسن الثواب فيما يصنع هبا‪ ،‬وقال له‪ :‬لو دنوت من باب بيتها فحدثتها‬
‫ومل خترج من بيتها‪ ،‬ففعل‪ .‬فكان ينزل من صومعته فيقعد على باب بيتها فيحدثها‪ .‬فلبثا بذلك حينا مث جاءه إبليس فقال‪ :‬لو دخلت‬
‫البيت معها حتدثها ومل ترتكها تربز وجهها ألحد كان أحسن بك‪ .‬فلم يزل به حىت دخل البيت‪ ،‬فجعل حيدثها ِناره كله‪ ،‬فإذا أمسى‬
‫صعد ِف صومعته‪ .‬قال‪ :‬مث أتاه إبليس بعد ذلك‪ ،‬فلم يزل يزينها له حىت ضرب العابد على فخذها وقبلها‪ .‬فلم يزل به إبليس حيسنها‬
‫ِف عينه ويسول له حىت وقع عليها فأحبلها‪ ،‬فولدت له غالما‪ ،‬فجاءه إبليس فقال له‪ :‬أرأيت إن جاء إخوة هذه اجلارية وقد ولدت‬
‫منك! كيف تصنع! ال آمن عليك أن تفتضح أو يفضحوك! فاعمد إىل ابنها فاذحبه وادفنه‪ ،‬فإِنا ستكتم عليك خمافة إخوهتا أن يطلعوا‬
‫على ما صنعت هبا‪ ،‬ففعل‪ .‬فقال له‪ :‬أتراها تكتم إخوهتا ما صنعت هبا وقتلت ابنها! خذها فاذحبها وادفنها مع ابنها‪ .‬فلم يزل به حىت‬
‫ذحبها وألقاها ِف احلفرية مع ابنها‪ ،‬وأطبق عليها صخرة عظيمة‪ ،‬وسوى عليها الرتاب‪ ،‬وصعد ِف صومعته يتعبد فيها‪ ،‬فمكث بذلك ما‬
‫شاء اهلل أن ميكث‪ ،‬حىت قفل إخوهتا من الغزو‪ ،‬فجاءوه فسألوه عنها فنعاها هلم وترحم عليها‪ ،‬وبكى هلم وقال‪ :‬كانت خري أمة‪ ،‬وهذا‬
‫قربها فانظروا إليه‪ .‬فأتى إخوهتا القرب فبكوا على قربها وترمحوا عليها‪ ،‬وأقاموا على قربها أياما مث انصرفوا إىل أهاليهم‪ .‬فلما جن عليهم‬
‫الليل وأخذوا مضاجعهم‪ ،‬أتاهم الشيطان ِف صورة رجل مسافر‪ ،‬فبدأ بأكربهم فسأله عن أختهم‪ ،‬فأخربه بقول العابد وموهتا وترمحه‬
‫عليها‪ ،‬وكيف أراهم موضع قربها‪ ،‬فكذبه الشيطان وقال‪ :‬مل يصدقكم أمر أختكم‪ ،‬إنه قد أحبل أختكم وولدت منه غالما فذحبه‬
‫وذحبها معه فزعا منكم‪ ،‬وألقاها ِف حفرية احتفرها خلف الباب الذي كانت فيه عن ميني من دخله‪ .‬فانطلقوا فادخلوا البيت الذي‬
‫كانت فيه عن ميني من دخله فإنكم ستجدوِنما هنالك مجيعا كما أخربتكم‪ .‬قال‪ :‬وأتى األوسط ِف منامه وقال له مثل ذلك‪ .‬مث أتى‬
‫أصغره م فقال له مثل ذلك‪ .‬فلما استيقظ القوم استيقظوا متعجبني ملا رأى كل واحد منهم‪ .‬فأقبل بعضهم على بعض‪ ،‬يقول كل واحد‬
‫منهم‪ :‬لقد رأيت عجبا‪ ،‬فأخرب بعضهم بعضا مبا رأى‪ .‬قال أكربهم‪ :‬هذا حلم ليس بشيء‪ ،‬فامضوا بنا ودعوا هذا‪ .‬قال أصغرهم‪ :‬ال‬
‫أمضي حىت آيت ذلك املكان فأنظر في ه‪ .‬قال‪ :‬فانطلقوا مجيعا حىت دخلوا البيت الذي كانت فيه أختهم‪ ،‬ففتحوا الباب وحبثوا املوضع‬
‫الذي وصف هلم ِف منامهم‪ ،‬فوجدوا أختهم وابنها مذبوحني ِف احلفرية كما قيل هلم‪ ،‬فسألوا العابد فصدق قول إبليس فيما صنع هبما‪.‬‬
‫فاستعدوا عليه ملكهم‪ ،‬فأنزل من صومعته فقدموه ليصلب‪ ،‬فلما أوقفوه على اخلشبة أتاه الشيطان فقال له‪ :‬قد علمت أين صاحبك‬
‫الذي فتنتك ِف املرأة حىت أحبلتها وذحبتها وذحبت ابنها‪ ،‬فإن أنت أطعتين اليوم وكفرت باهلل الذي خلقك خلصتك مما أنت فيه‪ .‬قال‪:‬‬
‫فكفر العابد باهلل‪ ،‬فلما كفر خلى عنه الشيطان بينه وبني أصحابه فصلبوه‪ .‬قال‪ :‬ففيه نزلت هذه اآلية‪َ ﴿ :‬كمثَ ِل الشَّيطَ ِ‬
‫ان إِ ْذ قَ َ‬
‫ال‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫اف اللَّه ر َّ ِ‬ ‫لِ ِْإلنس ِ‬
‫ني﴾‪ .‬تفسري القرطيب ‪37/17‬‬ ‫ني﴾ ‪ -‬إىل قوله‪َ ﴿ -‬جَزاء الظَّالم َ‬
‫ب الْ َعالَم َ‬ ‫نك إِ ِّين أ َ‬
‫َخ ُ َ َ‬ ‫ان ا ْك ُف ْر فَلَ َّما َك َفَر قَ َال إِ ِّين بَِريءٌ ِّم َ‬ ‫َ‬
‫وما بعدها‪ .‬وغالب كتب التفسري تشري إىل قصة برصيصا ِف هذا املوطن‪ .‬وفيما يتعلق بأن اجلين األبيض كان يصرع الناس بقصد‬
‫داللتهم على برصيصا أشار إىل معناه ابن تيمية! فذكر ابن تيمية‪ :‬أ ّن بعض السحرة ممن يتظاهر بالصالح واالستقامة‪ ،‬كان له شياطني‬
‫يرسلهم يصرعون بعض الناس‪ ،‬فيأيت أهل ذلك املصروع إىل الشيخ يطلبون منه الرقية‪ ،‬فريسل إىل أتباعه من اجلن فيفارقون ذلك‬
‫املصروع‪ ،‬ويعطون ذلك الشيخ دراهم كثرية مقابل عمله‪ .‬ينظر‪ :‬الفتاوى الكربى ‪ ،483/2‬والنبوات ‪ ،1025/2‬جمموع الفتاوى‬
‫‪ .114/35‬وسيأيت ذلك ِف أسباب الصرع‪.‬‬
‫‪24‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القلوب إىل األسباب لتقع ِف الشرك األصغر إن عجزت عن إيقاعهم ِف الشرك األصغر‪ .‬ومن ذلك أن زينت‬
‫ي يَْرقِ َيها‪َ ،‬وَكا َن‬
‫ود ِّ‬ ‫ف‪ ،‬فَ ُكْنت أَختلِف إِ َىل فَُال ٍن الْي ه ِ‬
‫َُ‬ ‫ُ َْ ُ‬ ‫ت َعْي ِين تَ ْق ِذ ُ‬‫امرأة عبد اهلل بن مسعود قالت لزوجها‪َ :‬كانَ ْ‬
‫ْف ِ‬ ‫ف عْن ها‪ ،‬إََِّّنَا َكا َن يك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يك‬ ‫َ‬ ‫ك َع َم ُل الشَّْيطَان َكا َن يَْن ُخ ُس َها بِيَده‪ ،‬فَِإذَا َرقَ ْيت َها َك َّ َ َ‬
‫ال‪ :‬إََِّّنَا ذَل َ‬
‫ت؟ قَ َ‬‫اها َس َكنَ ْ‬‫إِذَا َرقَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ت الش ِ‬ ‫َّاس ا ْش ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫َّاِف‪َ ،‬ال ش َفاءَ إَّال ش َف ُاؤ َك‪ ،‬ش َفاءً‬ ‫ف أَنْ َ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫اس َر َّ‬‫ول اهلل ‪" :‬أَ ْذهب الْبَ َ‬ ‫أَ ْن تَ ُق ِويل َك َما قَ َ َ ُ‬
‫َال يُغَ ِاد ُر َس َق ًما"(‪.)1‬‬
‫ومن احليل‪ :‬أن تعجبه نفسه فيظن أنه حبوله وقوته‪.‬‬
‫ومن احليل‪ :‬التساهل ِف اخللوة بالنساء أثناء الرقية وَنو ذلك من املنكرات مع النساء‪.‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬احلرص على حتصني نفسه وأهل بيته دفعاً ملا قد يلحقه من أذاهم بسبب دفعه ألذاهم عن‬
‫املظلومني‪ ،‬مع توكله على اهلل تعاىل ِف كل حال‪ .‬قال ابن تيمية ِف معرض حديث له‪( :‬وإن كان ذلك يتضمن‬
‫مرض طائفة من اجلن أو موهتم فهم الظاملون ألنفسهم إذا كان الراقي الداعي املعاجل مل يتعد عليهم كما‬
‫يتعدى عليهم كثري من أهل العزائم فيأمرون بقتل من ال جيوز قتله وقد حيبسون من ال حيتاج إىل حبسه؛ وهلذا‬
‫قد تقاتلهم اجلن على ذلك ففيهم من تقتله اجلن أو مترضه وفيهم من يفعل ذلك بأهله وأوالده أو دوابه‪ .‬وأما‬
‫من سلك ِف دفع عداوهتم مسلك العدل الذي أمر اهلل به ورسوله فإنه مل يظلمهم بل هو مطيع هلل ورسوله‬
‫ِف نصر املظلوم وإغاثة امللهوف والتنفيس عن املكروب بالطريق الشرعي اليت ليس فيها شرك باخللق وال ظلم‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد ح‪ .3615 :‬وقال ابن تيمية حيكي شيئاً من حيل الشياطني جمموع الفتاوى (‪( :)301-300/11‬ملا كانت اخلوارق كثرياً‬
‫ما تنقص هبا درجة الرجل كان كثري من الصاحلني يتوب من مثل ذلك ويستغفر اهلل تعاىل كما يتوب من الذنوب‪ :‬كالزنا والسرقة‬
‫وتعرض على بعضهم فيسأل اهلل زواهلا وكلهم يأمر املريد السالك أن ال يقف عندها وال جيعلها مهته وال يتبجح هبا؛ مع ظنهم أِنا‬
‫كرامات فكيف إذا كانت ب احلقيقة من الشياطني تغويهم هبا فإين أعرف من ختاطبه النباتات مبا فيها من املنافع وإَّنا خياطبه الشيطان‬
‫الذي دخل فيها وأعرف من خياطبهم احلجر والشجر وتقول‪ :‬هنيئا لك يا ويل اهلل فيقرأ آية الكرسي فيذهب ذلك‪ .‬وأعرف من يقصد‬
‫صيد الطري فتخاطبه العصافري وغريها وتقول‪ :‬خذين حىت يأكلين الفقراء ويكون الشيطان قد دخل فيها كما يدخل ِف اإلنس وخياطبه‬
‫بذلك ومنهم من يكون ِف البيت وهو مغلق فريى نفسه خارجه وهو مل يفتح وبالعكس وكذلك ِف أبواب املدينة وتكون اجلن قد‬
‫أدخلته وأخرجته بسرعة أو متر به أنوار أو حتضر عنده من يطلبه ويكون ذلك من الشياطني يتصورون بصورة صاحبه فإذا قرأ آية‬
‫الكرسي مرة بعد مرة ذهب ذلك كله‪ .‬وأعرف من خياطبه خماطب ويقول له أنا من أمر اهلل ويعده بأنه املهدي الذي بشر به النيب ‪‬‬
‫ويظهر له اخلوارق مثل أن خيطر بقلبه تصرف ِف الطري واجلراد ِف اهلواء؛ فإذا خطر بقلبه ذهاب الطري أو اجلراد ميينا أو مشاال ذهب‬
‫حيث أراد وإذا خطر بقلبه قيام بعض املواشي أو نومه أو ذهابه حصل له ما أراد من غري حركة منه ِف الظاهر وحتمله إىل مكة وتأيت‬
‫به وتأتيه بأشخاص ِف صورة مجيلة وتقول له هذه املالئكة الكروبيون أرادوا زيارتك فيقول ِف نفسه‪ :‬كيف تصوروا بصورة املردان فريفع‬
‫رأسه فيجدهم بلحى ويقول له عالمة إنك أنت املهدي إنك تنبت ِف جسدك شامة فتنبت ويراها وغري ذلك وكله من مكر الشيطان‪.‬‬
‫وهذا باب واسع لو ذكرت ما أعرفه منه الحتاج إىل جملد كبري) أه ‪.‬‬
‫‪25‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫للمخلوق ومثل هذا ال تؤذيه اجلن إما ملعرفتهم بأنه عادل؛ وإما لعجزهم عنه‪ .‬وإن كان اجلن من العفاريت‬
‫وهو ضعيف فقد تؤذيه‪ ،‬فينبغي ملثل هذا أن حيرتز بقراءة العوذ مثل آية الكرسي واملعوذات والصالة والدعاء‬
‫وَنو ذلك مما يقوي اإلميان وجيتنب الذنوب اليت هبا يسلطون عليه فإنه جماهد ِف سبيل اهلل وهذا من أعظم‬
‫اجلهاد فليحذر أن ينصر العدو عليه بذنوبه وإن كان األمر فوق قدرته فال يكلف اهلل نفسا إال وسعها فال‬
‫يتعرض من البالء ملا ال يطيق)(‪.)1‬‬
‫ومن احليل‪ :‬أن يشغله اجلين بالكالم واحلديث معه عن الرقية‪ ،‬أو يشغله بالصياح ليصرف الراقي عن‬
‫االستمرار ِف الرقية(‪ .)2‬فالواجب أن يحرص الراقي على أال يتكلم الشيطان على لسان المريض‪ :‬ألنه ال‬
‫مثرة منه إال إشغال الراقي عن مواصلة الرقية‪ ،‬والشياطني من سجيتهم الكذب والفتنة بني الناس‪ ،‬ومن الرقاة‬
‫من يتعمد استنطاقهم ليسأله وحيمل ما يقوله على التصديق‪ ،‬وقد غفل عن مكائد الشيطان وأن من أهدافه‬
‫زرع الفرقة والشجار بني األقارب‪ ،‬فال يؤخذ بكالم الشيطان ف األصل أنه" كذوب"(‪ ،)3‬قال ابن تيمية‪:‬‬
‫(الشياطني وإن كانوا خيربون اإلنسان بقضية أو قصة فيها صدق فإِنم يكذبون أضعاف ذلك كما كانت اجلن‬
‫خيربون الكهان‪ .‬وهلذا من اعتمد على مكاشفته اليت هي من أخبار اجلن كان كذبه أكثر من صدقه)(‪ .)4‬فإ ّن‬
‫تكلم معه تكلم مبا فيه نفع كالداللة على موضع السحر أو العائن ألخذ األثر منه‪ ،‬أو ما يكون نافعاً ِف زوال‬
‫األذى(‪.)5‬‬
‫عدم الطمع في أموال الناس‪ :‬وسيأيت حبث املسألة‪.‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.53/19‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬وصييت للراقي واملسرتقي ‪.61‬‬
‫(‪ )3‬كما مضى ِف احلديث "صدقك وهو كذوب"‪ .‬ينظر‪ :‬قواعد الرقية للسدحان ‪.44‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪.116/35‬‬
‫(‪ )5‬وصييت للراقي واملسرتقي ‪.59‬‬
‫‪26‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
www.alukah.net

27


‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫درجات الرقاة‬
‫مما سبق يتجلى أِنم على مراتب‪ :‬فمنهم من جتتمع فيه الشروط واآلداب وهؤالء أمساهم منزلة وأكثرهم‬
‫نفعاً بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ومنهم من جتتمع فيه الشروط دون اآلداب كلها أو بعضها فهؤالء دون أولئك ِف املنزلة والنفع‪.‬‬
‫ومنهم ما ال يتوفر فيه شرط وال أدب فهؤالء حيذر منهم‪.‬‬
‫والراقي كلما مسا‪ ..‬نفع اهلل برقيته‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬واألدعية والتعوذات مبنزلة السالح‪ ،‬والسالح بضاربه‪،‬‬
‫ال حبده فقط‪ ،‬فمىت كان السالح سالحاً تاماً ال آفة به‪ ،‬والساعد ساعد قوي‪ ،‬واملانع مفقود؛ حصلت به‬
‫النكاية ِف العدو‪ ،‬ومىت ختلف واحد من هذه الثالثة ختلف التأثري‪ ،‬فإن كان الدعاء ِف نفسه غري صاحل‪ ،‬أو‬
‫الداعي مل جيمع بني قلبه ولسانه ِف الدعاء‪ ،‬أو كان مث مانع من اإلجابة‪ ،‬مل حيصل األثر)‪ ،‬وقال أيضاً‪( :‬وكلما‬
‫كانت كيفية نفس الراقي أقوى كانت الرقية أمت)(‪ .)1‬ونقل ابن حجر قوالً لبعض العلماء ومل يسمه قال‪( :‬طب‬
‫النيب ‪ ‬متيقن الربء لصدوره عن الوحي وطب غريه أكثره حدس أو جتربة وقد يتخلف الشفاء عن بعض من‬
‫يستعمل طب النبوة وذلك ملانع قام باملستعمل من ضعف اعتقاد الشفاء به وتلقيه بالقبول وأظهر األمثلة ِف‬
‫ذلك القرآن الذي هو شفاء ملا ِف الصدور ومع ذلك فقد ال حيصل لبعض الناس شفاء صدره لقصوره ِف‬
‫االعتقاد والتلقي بالق بول بل ال يزيد املنافق إال رجسا إىل رجسه ومرضا إىل مرضه فطب النبوة ال يناسب إال‬
‫األبدان الطيبة كما أن شفاء القرآن ال يناسب إال القلوب الطيبة)(‪.)2‬‬

‫(‪)3‬‬
‫حكم الرقية على الراقي؟ مبعىن لو ُدعي إىل رقية غريه هل جيب عليه أن جييب أو ال؟‬
‫الرقية عمل يستطيع أن يقوم به املريض بنفسه فريقي نفسه بنفسه‪ .‬فال تتعني على غريه معاونته إال عند‬
‫عجزه أو جهله‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬إن كان –الراقي‪ -‬قادراً وقد تعني عليه وال يشغله عما هو أوجب منه وجب عليه)‪.‬‬
‫و(إن كان عاجزاً عن ذلك أو هو مشغول مبا هو أوجب منه أو قام به غريه مل جيب) وعلل لذلك‪ :‬بأن إسالم‬
‫املرقي املريض والتخلي عنه ِف هذا احلال يعد (مثل إسالم أمثاله من املظلومني!) ونصرة املظلوم (فرض على‬

‫(‪ )1‬النص األول ِف اجلواب الكاِف ملن سأل عن الدواء الشاِف ‪ .35‬والثاين‪ :‬من زاد املعاد ‪.165/4‬‬
‫(‪ )2‬فتح الباري ‪ .321/11‬وهو من كالم ابن القيم ِف زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)33 / 4‬‬
‫(‪ )3‬ما سيذكر هنا متفرع على ضعف رواية (ال يرقون) ومفرع على ما ذكر ِف مسألة طلب العالج‪.‬‬
‫‪28‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الكفاية مع القدرة‪ ،‬ففي الصحيحني عن النيب ‪ ‬أنه قال‪" :‬املسلم أخو املسلم ال يسلمه وال يظلمه") (‪.)1‬‬
‫عاجزا أيضاً عن دفع أجرة أو‬‫وحىت لو تعني عليه‪ ،‬ال يلزم من ذلك أن يبذله جماناً إال لو كان املريض ً‬
‫جعالة وكان من دعي إىل الرقية قادراً وال يوجد غريه فيتعني عليه ٍ‬
‫حينئذ على قاعدة الفروض الكفائية‪.‬‬
‫أما لو كان املريض أو من جيب على املريض نفقته قادراً على بذل مثن الرقية فال يتعني عليه بذهلا جماناً‪،‬‬
‫حلديث أيب سعيد ‪ِ ‬ف قصة اللديغ؛ فمع حاجة اللديغ إىل الرقية مل يبذلوها إال جبعل وأقرهم النيب ‪‬‬
‫على ذلك‪ ،‬ألن اللديغ كان قادراً على دفع العوض(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.56/19‬‬


‫(‪ )2‬فإن قيل اللديغ كافر؛ فيقصر على حمل النص أخذها من الكافر فقط‪ .‬فاجلواب‪ :‬جاء ِف نصوص أخرى أخذها من مسلم كحديث‬
‫ت بُِرقْ يَ ٍة َحق" رواه أبو داود ح‪ 3420:‬وصححه األلباين‪.‬‬ ‫ٍ ِ‬
‫خارجة بن الصلت‪ :‬وفيه " ُك ْل فَلَ َع ْم ِري لَ َم ْن أَ َك َل بُِرقْ يَة بَاط ٍل‪ ،‬لََق ْد أَ َكلْ َ‬
‫وسيأيت بإذن اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الركن الثاني‪ :‬المرقي‬


‫(‪)1‬‬

‫واملراد به الذي تقع عليه القراءة‪ ،‬سواء كانت بعد وقوع الداء أو قبله‪.‬‬
‫شروطه‪ :‬يتضمن هذا املبحث شروط صحة ووجوب وأخرى هي شروط كمال وهي األكثر‪.‬‬
‫التداوي برقية مشروعة ال محرمة‪ :‬ومن ذلك أنه ال جيوز له أن يذهب إىل ساحر للتداوي ملا يلي‪:‬‬
‫• أنه لو كان الذهاب إليه جائزاً أو نافعاً ملا أمر النيب ‪ ‬بقتل الساحر‪.‬‬
‫• أن اهلل تعاىل قال‪َ ﴿ :‬ويَتَ َعلَّ ُمو َن َما يَ ُ‬
‫ضُّرُه ْم َوالَ يَن َفعُ ُه ْم﴾ واللفظ عام فليس ِف السحر نفع‪ .‬ويؤكده عموم‬
‫ث أَتَى﴾‪.‬‬ ‫اح ُر َحْي ُ‬ ‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَال يُ ْفلِ ُح َّ‬
‫الس ِ‬
‫• وألن اجلن ال ختدم السحرة إال بالقرابني اليت تتضمن الشرك األكرب‪..‬‬
‫وال يصح القول بأن الذهاب للساحر من باب الضرورة قياساً على من جوز التداوي باحملرمات كامليتة‬
‫واخلنزير أو قياساً على املكره‪ .‬يقول ابن تيمية‪( :‬واملسلمون وإن تنازعوا ِف جواز التداوي باحملرمات كامليتة‬
‫أن الكفر والشرك ال جيوز التداوي به حبال؛ ألن ذلك محرم في كل حال وليس‬ ‫واخلنزير فال يتنازعون ِف َّ‬
‫هذا كالتكلم به عند اإلكراه‪ -1 .‬فإن ذلك إَّنا جيوز إذا كان قلبه مطمئناً باإلميان‪ ،‬والتكلم به إَّنا يؤثر إذا‬
‫أن صاحبه مستخف‬ ‫كان بقلب صاحبه‪ ،‬ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه باإلميان مل يؤثر‪ .‬والشيطان إذا عرف َّ‬
‫بالعزائم مل يساعده‪ -2 .‬وأيضاً فإن املكره مضطر إىل التكلم به وال ضرورة إىل إبراء املصاب به لوجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أنه قد ال يؤثر أكثر مما يؤثر من يعاجل بالعزائم فال يؤثر بل يزيده شرا‪ .‬والثاين‪ :‬أن ِف احلق ما يغين‬
‫عن الباطل)(‪.)1‬‬

‫ال يشترط اإلسالم في المرقي‪ :‬وال خالف بني الفقهاء ِف جواز رقية املسلم للكافر‪ ،‬ودليله حديث‬
‫ِ‬
‫َّارا‪،‬‬
‫وه ْم ‪َ -‬كانُوا ُكف ً‬ ‫وه ْم فَأَبَ ْوا أَ ْن يُ َ‬
‫ضيِّ ُف ُ‬ ‫ضافُ ُ‬ ‫احلَ َّي ‪ -‬الَّذي نََزلُوا َعلَْي ِه ْم فَ ْ‬
‫استَ َ‬ ‫أيب سعيد اخلدري ِف قصة اللديغ‪ ،‬ف ْ‬
‫وقام الصحايب برقيته واملرقي كافر‪ ،‬ومل ينكر النيب ‪ ‬ذلك عليه(‪.)2‬‬
‫والقرآن الكرمي جعله اهلل سبباً للشفاء كما جعل ذلك ِف العسل أو الزيت وغريها من األشياء‪ ،‬فهذه‬
‫أسباب للشفاء واهلل هو الشاِف‪.‬‬
‫ني إَِّال َخ َس ًارا﴾‬ ‫آن ما هو ِش َفاء ور ْمحةٌ لِْلم ْؤِمنِني وَال ي ِز ُ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يد الظَّالم َ‬ ‫فإن قيل‪ :‬قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬ونُنَ ِّزُل م َن الْ ُق ْر َ ُ َ ٌ َ َ َ ُ َ َ َ‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.61/19‬‬


‫(‪ )2‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪.34/13‬‬
‫‪30‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِِ‬


‫ين َال يُ ْؤِمنُو َن ِِف آ َذاِن ْم َوقْ ٌر َوُه َو َعلَْي ِه ْم َع ًمى أُولَئِ َ‬
‫ك يُنَ َاد ْو َن‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا ُه ًدى َوش َفاءٌ َوالذ َ‬ ‫وقوله‪﴿ :‬قُ ْل ُه َو للَّذ َ‬
‫يد﴾ يدل على أن الكافر ال ينتفع برقيته بالقرآن واألدعية ألنه ليس مبؤمن؟‬ ‫ان بعِ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫م ْن َم َك َ‬
‫بأن الشفاء الذي جاء به القرآن نوعان‪:‬‬ ‫فاجلواب‪َّ :‬‬
‫‪-1‬شفاء القلب من أمراض الشهوات والشبهات‪ :‬فهذا الذي ال ينتفع به الكافر املصر على كفره‪ .‬قال‬
‫ِ ِِ‬ ‫َّاس قَ ْد َجاءَتْ ُك ْم َم ْو ِعظَةٌ ِم ْن َربِّ ُك ْم َو ِش َفاءٌ لِ َما ِِف ُّ‬
‫ني﴾ قال‬ ‫الص ُدوِر َوُه ًدى َوَر ْمحَةٌ ل ْل ُم ْؤمن َ‬ ‫اهلل تعاىل‪﴿ :‬يَا أَيُّ َها الن ُ‬
‫الص ُدوِر﴾ أي‪ :‬من الشبه والشكوك‪ ،‬وهو إزالة ما فيها من رجس ودنس)(‪.)1‬‬ ‫ابن كثري‪َ ﴿( :‬و ِش َفاءٌ لِ َما ِِف ُّ‬
‫‪-2‬شفاء البدن بأدوية القرآن ورقيته‪ :‬فهذا ينتفع به املسلم والكافر‪ ،‬بدليل حديث أيب سعيد اخلدري‬
‫‪ِ ‬ف رقيته للديغ‪ .‬وال شك أ ّن انتفاع املؤمن به أكمل من انتفاع الكافر(‪.)2‬‬

‫صدق القصد‪ :‬بأن يعتقد أن الرقية ال تعدو أن تكون سبباً‪ ،‬وأ ّن الشاِف هو اهلل وبيده وحده النفع‬
‫والضر‪ .‬وال يرقي ناوياً التجريب! قال الشوكاين‪( :‬التداوي بالدعاء مع االلتجاء إىل اهلل أجنع وأنفع من العالج‬
‫بالعقاقري؛ ولكن إَّنا ينجع بأمرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد‪ ،‬واآلخر من جهة املداوي وهو‬
‫توجه قلبه إىل اهلل وقوته بالتقوى والتوكل على اهلل)(‪ .)3‬وقال ابن القيم‪( :‬وعالج هذا النوع يكون بأمرين‪ :‬أمر‬
‫من جهة المصروع‪ ،‬وأمر من جهة املعاجل‪ ،‬فالذي من جهة املصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إىل‬
‫فاطر هذه األرواح وبارئها‪ ،‬والتعوذ الصحيح الذي قد تواطأ عليه القلب واللسان‪ ،‬فإن هذا نوع حماربة‪ ،‬واحملارب‬
‫ال يتم له االنتصاف من عدوه بالسالح إال بأمرين‪ :‬أن يكون السالح صحيحاً ِف نفسه جيداً‪ ،‬وأن يكون‬
‫الساعد قوياً‪ ،‬فمىت ختلف أحدمها مل يغن السالح كثري طائل‪ ،‬فكيف إذا عدم األمران مجيعاً‪ :‬يكون القلب‬
‫خرابا من التوحيد‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والتقوى‪ ،‬والتوجه‪ ،‬وال سالح له‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬من جهة املعاجل بأن يكون فيه هذان األمران أيضاً)(‪.)4‬‬
‫قال ابن احلاج عن أثر نية املريض ِف االستشفاء‪( :‬أل ّن القاعدة أن كل ما يصدر من الشارع ‪ ‬يتلقى‬
‫بالقبول وقوة التصديق‪ ،‬فعلى قدر النية ينجح السعي ويظفر صاحبها باملراد)(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪.274/4‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬موقع اإلسالم سؤال وجواب‪.‬‬
‫(‪ )3‬نيل األوطار ‪.233/‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ‪.62/4‬‬
‫(‪ )5‬املدخل ‪ .117/4‬وحكى قصة عن أثر قوة اليقني ِف التداوي (حكى سيدي الشيخ أبو حممد ‪ِ ‬ف هذا املعىن حكاية فقال‪ :‬إن شابا‬
‫‪31‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الصبر‪ :‬فال يستعجل املرقي اإلجابة والشفاء‪ ،‬فالرقية نوع دعاء‪ ،‬والنيب ‪ ‬يقول‪" :‬يستجاب ألحدكم‬
‫ما مل يعجل‪ ،‬يقول‪ :‬دعوت فلم يستجب يل"(‪.)1‬‬
‫وهو يحتاج إلى الصبر ِف مواصلة اإلحلاح ِف الرقية والدعاء‪ ،‬بل (اإلحلاح عني العبودية)(‪)2‬؛ ألن اهلل‬
‫حيب امللحني ِف الدعاء‪ ،‬فيلزم الدعاء ويتحرى أوقات اإلجابة‪ .‬والنيب ‪ ‬ملا ُس ِحَر حكت عائشة ‪ ‬إحلاح‬
‫النيب ‪ ‬فقالت‪" :‬دعا مث دعا مث دعا"(‪.)3‬‬
‫ويحتاج إلى الصبر في االستسالم ألمر اهلل تعاىل واحتساب ما نزل به من بالء‪ :‬فما أصابه مل يكن‬
‫ك َعلَى اللَّ ِه‬ ‫ِ‬
‫اب ِم ْن قَ ْب ِل أَ ْن نَْ َربأ ََها إِ َّن ذَل َ‬
‫ض وَال ِِف أَنْ ُف ِس ُكم إَِّال ِِف كِتَ ٍ‬
‫ْ‬
‫ليخطئه ﴿ما أَص ِ ِ ٍ‬
‫اب م ْن ُمصيبَة ِِف ْاأل َْر ِ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ب ُك َّل خمُْتَ ٍال فَ ُخوٍر﴾‪ .‬و(اهلل ‪ ‬مل يبتله‬ ‫يَ ِسريٌ*لِ َكْي َال تَأْ َس ْوا َعلَى َما فَاتَ ُك ْم َوَال تَ ْفَر ُحوا ِمبَا آتَا ُك ْم َواللَّهُ َال ُِحي ُّ‬
‫ليهلكه‪ ،‬وإَّنا ابتاله ليمتحن صربه وعبوديته)(‪ )4‬فإ ّن هلل عبودية عليه ِف الضراء كما أ ّن عليه عبودية له ِف‬
‫السراء‪ ،‬واهلل يبتلي هبذا كما يبتلي هبذا ليتقلب العبد بني صرب وشكر‪ ،‬واهلل يربيه (على السراء والضراء‪ ،‬والنعمة‬
‫والبالء‪ ،‬فيستخرج منه عبوديته ِف مجيع األحوال‪ .‬فإ ّن العبد على احلقيقة من قام بعبودية اهلل على اختالف‬

‫كان حيضر جملس شيخه أيب احلسن الزيات ‪ ‬فتكلم يوما على احلبة السوداء وأِنا شفاء من كل داء وبني ذلك وأوضحه وعلله‬
‫فبعد أيام انقطع الشاب عن اجمللس مث حضر بعد ذلك فسأله الشيخ ‪ ‬عن موجب غيبته فأخرب أنه كان مريضا بعينيه فقال الشيخ‪:‬‬
‫وما عملت هلما؟ فقال احلبة السوداء‪ ،‬قال‪ :‬وكيف وجدت حالك عليها؟ قال‪ :‬ملا عملتها ِف عيين كادت عيناي أن تطريا واشتد األمر‬
‫علي وكثر األمل فقلت خماطبا هلما‪ :‬اذهبا أو ال تذهبا أوجعا أو ال توجعا فالشيخ ما نقل إال حقا والنيب ‪ ‬ما قال إال صدقا أو كما‬
‫قال؛ فالتفت الشيخ ‪ ‬إىل جلسائه وقال هلم‪ :‬اجعلوا بالكم من مرض منكم بالعينني فال يكتحل باحلبة السوداء؛ ألن هذا ما جناه‬
‫إال قوة يقينه فأشار الشيخ ‪ ‬إىل أن األدوية املأثورة عن النيب ‪ ‬األصل فيها قوة اليقني والتصديق فمن قوى يقينه سهل عليه األمر‬
‫وحصل له الطب من غري كلفة‪ ،‬وال مشقة ومن مل يقو يقينه وهو الغالب على أحوالنا اآلن فلريجع إىل وصف األطباء العارفني من‬
‫املسلمني وهي احلالة الثالثة ومع ذلك فال خيلي نفسه من التداوي مبا ورد ِف السنة املطهرة للتربك هبا فيستعمل عسل النحل وغريه مما‬
‫ورد ِف السنة هبذه النية املباركة)‪.‬‬
‫(‪ )1‬البخاري ح‪ ،6340 :‬ومسلم ح‪.2735 :‬‬
‫(‪ )2‬مدارج السالكني ‪.282/2‬‬
‫(‪ )3‬رواية مسلم ح‪ .)2189( - 43 :‬قال ابن حجر ِف الفتح ‪( :228/10‬قال النووي فيه استحباب الدعاء عند حصول األمور‬
‫املكروهات وتكريره وااللتجاء إىل اهلل تعاىل ِف دفع ذلك قلت سلك النيب ‪ِ ‬ف هذه القصة مسلكي التفويض وتعاطي األسباب‬
‫ففي أول األمر فوض وسلم ألمر ربه فاحتسب األجر ِف صربه على بالئه مث ملا متادى ذلك وخشي من متاديه أن يضعفه عن فنون‬
‫عبادته جنح إىل التداوي مث إىل الدعاء وكل من املقامني غاية ِف الكمال)‪.‬‬
‫(‪ )4‬الوابل الصيب ‪.5‬‬
‫‪32‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األحوال)(‪ ،)1‬و(الشأن ِف إعطاء العبودية ِف املكاره‪ ..،‬ومن كان عبداً هلل ِف احلالتني قائماً حبقه ِف املكروه‬
‫اف َعْب َدهُ﴾ ‪..‬وهؤالء هم عباده الذين ليس لعدوه‬ ‫واحملبوب فذلك الذي تناوله قوله تعاىل‪﴿ :‬أَلَيس اللَّه بِ َك ٍ‬
‫ْ َ ُ‬
‫ك َعلَْي ِه ْم ُس ْلطَا ٌن﴾ )(‪ .)2‬وإن كان ابتلي فقد ابتلي األنبياء‬ ‫عليهم سلطان‪ ،‬قال تعاىل‪﴿ :‬إِ َّن ِعب ِ‬
‫س لَ َ‬
‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫َ‬‫ل‬ ‫ي‬ ‫اد‬‫َ‬
‫من قبله‪ ،‬ولقد ابتلى اهلل نبيه أيوب وامتدحه ِف القرآن بصربه‪ ،‬كما أن اهلل ابتلى أحب البشر إليه حممد ‪‬‬
‫بسحر اليهود له مث عافاه اهلل تعاىل منه‪.‬‬
‫ومن أخبار الصابرين على البالء ما حكاه ابن اجلوزي عن حكيم من احلكماء أنه قال‪( :‬مررت بعريش‬
‫من مصر وأنا أريد الرباط‪ ،‬فإذا أنا برجل ِف مظلة قد ذهبت عيناه ويداه ورجاله وبه أنواع البالء‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬
‫الحمد هلل حمدا يوافي محامد خلقك بما أنعمت علي وفضلتني على كثير ممن خلقت تفضيال‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫ألنظر ّن أشيء َعلِمه أم أهلمه اهلل إهلاماً؟‬
‫أي نعمة من نعمه حتمده؟ أم على أي فضيلة تشكره؟ فواهلل ما أرى شيئاً من البالء إال‬ ‫فقلت‪ :‬على ّ‬
‫وهو بك‪ ،‬فقال‪ :‬أال ترى ما قد صنع يب؟ فواهلل لو أرسل السماء علي ناراً فأحرقتين‪ ،‬وأمر اجلبال فدكدتين‪،‬‬
‫وأمر البحار فغرقتين ما ازددت له إال محداً وشكراً! وإن يل إليك حاجة‪ :‬بُنَ يَّة يل كانت ختدمين وتتعاهدين‬
‫عند إفطاري انظر هل حتس هبا؟ فقلت‪ :‬واهلل إين ألرجو أن يكون يل ِف قضاء حاجة هذا العبد الصاحل قربة‬
‫السبُع قد أكلها! فقلت‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬من أين‬
‫إىل اهلل ‪ .‬فخرجت أطلبها بني تلك الرمال فإذا ّ‬
‫آيت هذا العبد الصاحل أخربه مبوت ابنته؟ فأتيته فقلت له‪ :‬أنت أعظم عند اهلل منزلة أم أيوب ‪‬؟ ابتاله اهلل‬
‫ِف ماله وولده وأهله وبدنه حىت صار عرضاً للناس؟ فقال‪ :‬ال بل أيوب‪ .‬قلت‪ :‬فإن ابنتك اليت أمرتين أن‬
‫السبُع قد أكلها‪ .‬فقال‪ :‬احلمد هلل الذي مل خيرجين من الدنيا وِف قليب منها شيء‪ .‬فشهق‬
‫أطلبها أصبتها وإذا َّ‬
‫شهقة فمات‪ .‬فقلت‪ :‬إنا هلل وإنا إليه راجعون‪ ،‬من يعينين على غسله ودفنه؟ فإذا أنا بركب يريدون الرباط‪،‬‬
‫إيل فأخربهتم بالذي كان من أمره فغسلناه وكفناه ودفناه ِف مظلته تلك‪ ،‬ومضى القوم‪.‬‬ ‫فأشرت إليهم فأقبلوا ّ‬
‫وبت ليليت ِف مظلته آنساً به حىت إذا مضى من الليل قدر ثلثه إذا أنا به ِف روضة خضراء‪ ،‬وإذا عليه حلتان‬
‫خضراوان‪ ،‬وهو قائم يتلو القرآن‪ .‬فقلت ألست صاحيب باألمس؟ فقال‪ :‬بلى‪ .‬فقلت‪ :‬فما صريك إىل ما أرى؟‬
‫قال‪ :‬وردت من الصابرين على درجة لم ينالوها إال بالصبر عند البالء‪ ،‬والشكر عند الرخاء)(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬طريق اهلجرتني البن القيم ‪.277/1‬‬


‫(‪ )2‬الوابل الصيب ‪5‬‬
‫(‪ )3‬صفة الصفوة ‪ .452/2‬الرقية الشرعية اجلوراين ‪.183‬‬
‫‪33‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ومن الصبر أال يكثر التنقل بين الرقاة‪ :‬فإ ّن ضرر التنقل أكثر من مصلحته غالباً؛ فتتشتت عزميته ومهته‪،‬‬
‫وكثرياً ما يكون االقتصار على طبيب أو ر ٍاق واحد حاذق أنفع ِف العالج وأسرع‪ ،‬يقول الطبيب الرازي‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫(يَْنبَغي ل ْل َم ِريض أَن ي ْقتَصر على َواحد ممَّن يوثق بِه من ْاألَطبَّاء فخطؤه ِِف جنب َ‬
‫ص َوابه يسري جداً‪َ ،‬ومن‬
‫احد ِمْن ُهم)(‪ ،)1‬ويستثىن من ذلك من طالت فرتة‬
‫َطبَّاء يوشك أَن يقع ِِف خطأ كل و ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫تطبب عْند كثريين من ْاأل ُ‬
‫ِ‬
‫عالجه عند ر ٍاق بال فائدة ومل ينتفع فينتقل إىل غريه ممن يرى أنه أفضل من األول(‪.)2‬‬

‫ومن آداب المرقي والمريض عموما‪:‬‬


‫لزوم االستغفار وتجديد التوبة فقد يكون البالء عقوبة على ذنب‪ :‬قال تعاىل‪﴿ :‬أ ََولَ َّما أ َ‬
‫َصابَْت ُك ْم‬
‫َىن َه َذا قُ ْل ُه َو ِم ْن ِعْن ِد أَنْ ُف ِس ُك ْم﴾ قال ابن القيم‪( :‬فما سلط على العبد من‬
‫َصْبتُ ْم ِمثْ لَْي َها قُ ْلتُ ْم أ َّ‬ ‫ِ‬
‫ُمصيبَةٌ قَ ْد أ َ‬
‫يؤذيه إال بذنب يعلمه أو ال يعلمه‪ ،‬وما ال يعلمه العبد من ذنوبه أضعاف ما يعلمه منها‪ ،‬وما ينساه مما علمه‬
‫وعمله أضعاف ما يذكره وِف الدعاء املشهور "اللهم إين أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك مل ال‬
‫أعلم"‪ .‬فما حيتاج العبد إىل االستغفار منه مما ال يعلمه أضعاف أضعاف ما يعلمه‪ ،‬فما سلط عليه مؤذ إال‬
‫بذنب‪ ،‬ولقي بعض السلف رجل فأغلظ له ونال منه! فقال‪ :‬له قف حىت أدخل البيت مث أخرج إليك! فدخل‬
‫فسجد هلل وتضرع إليه وتاب وأناب إىل ربه‪ ،‬مث خرج إليه‪ ،‬فقال له‪ :‬ما صنعت! فقال‪ :‬تبت إىل اهلل من الذنب‬
‫الذي سلطك به علي)(‪.)3‬‬

‫لزوم التقوى‪ :‬حبفظ أوامر اهلل تعاىل ونواهيه "احفظ اهلل حيفظك"‪ ،‬ليتوىل اهلل أمره ومن توىل باهلل أمره‬
‫صدق عليه قوله تعاىل‪﴿:‬أَال إِ َّن أ َْولِيَاء اللّ ِه الَ َخ ْو ٌ‬
‫ف َعلَْي ِه ْم َوالَ ُه ْم َْحيَزنُو َن﴾‪.‬‬
‫أمر‬
‫ومن لزوم التقوى احملافظة على الصلوات وهي مما يعني على التداوي؛ وهلذا كان النيب ‪ ‬إذا حزبه ٌ‬
‫فزع إىل الصالة(‪.)4‬قال ابن القيم‪( :‬والصالة جملبة للرزق‪ ،‬حافظة للصحة‪ ،‬دافعة لألذى‪ ،‬مطردة لألدواء‪ ،‬مقوية‬

‫(‪ )1‬عيون األنباء ِف طبقات األطباء ص ‪.421‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الرقية الشرعية للجوراين ‪.82‬‬
‫(‪ )3‬بدائع الفوائد ‪.242/2‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه أمحد ‪ .388/5‬صححه شعيب وعبد القادر األرنؤوط‪.‬‬
‫‪34‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫للقلب‪ ،‬مبيضة للوجه‪ ،‬مفرحة للنفس‪ ،‬مذهبة للكسل‪ ،‬منشطة للجوارح‪ ،‬ممدة للقوى‪ ،‬شارحة للصدر مغذية‬
‫للروح‪ ،‬منورة للقلب‪ ،‬حافظة للنعمة‪ ،‬دافعة للنقمة‪ ،‬جالبة للربكة‪ ،‬مبعدة من الشيطان‪ ،‬مقربة من الرمحن‪.‬‬
‫وباجلملة‪ :‬فلها تأثري عجيب ِف حفظ صحة البدن والقلب‪ ،‬وقوامها ودفع املواد الرديئة عنهما‪ ،‬وما ابتلي‬
‫رجالن بعاهة أو داء أو حمنة أو بلية إال كان حظ املصلي منهما أقل‪ ،‬وعاقبته أسلم‪ .‬وللصالة تأثري عجيب‬
‫ِف دفع شرور الدنيا‪ ،‬وال سيما إذا أعطيت حقها التكميل ظاهرا وباطنا‪ ،‬فما استدفعت شرور الدنيا واآلخرة‪،‬‬
‫وال استجلبت مصاحلهما مبثل الصالة‪ ،‬وسر ذلك أن الصالة صلة باهلل ‪ ،‬وعلى قدر صلة العبد بربه ‪‬‬
‫تفتح عليه من اخلريات أبواهبا‪ ،‬وتقطع عنه من الشرور أسباهبا‪ ،‬وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه ‪ ، ‬والعافية‬
‫والصحة‪ ،‬والغنيمة والغىن‪ ،‬والراحة والنعيم‪ ،‬واألفراح واملسرات كلها حمضرة لديه‪ ،‬ومسارعة إليه)(‪.)1‬‬
‫حصن نفسه حبصون أقوى بأمر اهلل تعاىل‪ ،‬قال أبو خالد‬‫وكلما قرب من الطاعات فرائضها ونوافلها كلما ّ‬
‫املصري‪ :‬من دخل ِف اإلسالم دخل ِف حصن‪ ،‬ومن دخل املسجد فقد دخل ِف حصنني‪ ،‬ومن جلس ِف‬
‫حلقة يذكر اهلل ‪ ‬فيها فقد دخل ِف بيته حصوناً(‪.)2‬‬
‫ومن لزوم التقوى حسن التوكل على اهلل تعاىل وأ ْن يستيقن بأنه هو الشاِف‪ .‬وأن الرقية والراقي جمرد‬
‫سبب ال يعمل إال بإرادة اهلل تعاىل‪ .‬فيفتقر إىل اهلل تعاىل‪ ..‬غاية االفتقار‪..‬‬
‫ومن توكل على اهلل تعاىل توكل مضطر وجلأ إليه موقناً أنه ال ملجأ من املرض إال اهلل‪ ..‬إال اهلل‪ ..‬ودعا‪.‬‬
‫ودعا‪ .‬مث دعا‪ ..‬فإ ّن (الدعاء من أنفع األدوية‪ ،‬وهو عدو البالء يدفعه ويعاجله‪ ،‬ومينع نزوله ويرفعه أو خيففه‬
‫إذا نزل‪ ،‬وهو سالح املؤمن)(‪ ..)3‬من فعل ذلك مل (يتخلف عنه الفرج والتيسري ألبتة‪ ..،‬فإ ّن التوكل من أقوى‬
‫األسباب ِف حصول املراد ودفع املكروه بل هو أقوى األسباب على اإلطالق)(‪.)4‬‬

‫حسن الظن باهلل تعالى‪ ،‬ويقينه بأن اهلل تعالى يفعل ما يشاء ويختار األصلح من الربء أو تأخره‪ ،‬قال‬
‫اجلصاص‪( :‬كل من اتقى اهلل بأن التجأ إليه وعلم أنه القادر على كشف ضره دون املخلوقني كان على‬
‫إحدى احلسنيني‪ ،‬من فرج عاجل أو سكون قلب إىل وعد اهلل وثوابه‪ ،‬الذي هو خري له من الدنيا وما فيها)(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ‪.305-304/4‬‬


‫(‪ )2‬الوابل الصيب ‪.84‬‬
‫(‪ )3‬الداء والدواء ‪.10‬‬
‫(‪ )4‬الفوائد البن القيم ‪.86‬‬
‫(‪ )5‬أحكام القرآن للجصاص ‪.371/4‬‬
‫‪35‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقد يبذل املسرتقي كامل األسباب للشفاء لكن يشاء اهلل تعاىل حلكمة يعلمها بقاء املرض ﴿ َواللّهُ يَ ْعلَ ُم‬
‫َوأَنتُ ْم الَ تَ ْعلَ ُمو َن﴾ كتمحيص الذنوب أو فتح باب التعبد هلل بالدعاء وتعلق القلب وحسن الرجاء فينعمه‬
‫ت لَهُ ِم َن‬ ‫بذلك نعيماً يفوق لذة زوال املرض؛ أو لريفعه درجات وِف احلديث أنه ‪ ‬قال‪" :‬إِ َّن الْ َعْب َد إِذَا َسبَ َق ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك َح َّىت يُْبلغَهُ‬ ‫ص ََّربهُ َعلَى َذل َ‬ ‫اللَّه َمْن ِزلَةٌ‪َ ،‬ملْ يَْب لُ ْغ َها بِ َع َمله ابْتَ َالهُ اللَّهُ ِِف َج َسده‪ ،‬أ َْو ِِف َماله‪ ،‬أ َْو ِِف َولَده‪ُ ،‬مثَّ َ‬
‫ت لَهُ ِم َن اللَّ ِه تَ َع َاىل"(‪.)1‬‬ ‫الْ َمْن ِزلَةَ الَِّيت َسبَ َق ْ‬
‫ينقل ابن القيم وصية ابن تيمية له‪( :‬قال يل شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪ ‬مرة‪ :‬العوارض واحملن هي كاحلر‬
‫والربد‪ ،‬فإذا علم العبد أنه البد منهما مل يغضب لورودمها‪ ،‬ومل يغتم لذلك ومل حيزن‪ .‬فإذا صرب العبد على هذه‬
‫العوارض ومل ينقطع هبا؛ رجا له أن يصل إىل مقام التحقيق‪ ،‬فيبقى مع مصحوبه احلق وحده‪ ،‬فتهذب نفسه‪،‬‬
‫وتطمئن مع اهلل‪ ،‬وتنفطم عن عوائد السوء‪ ،‬حىت تغمر حمبة اهلل قلبه وروحه‪ ،‬وتعود جوارحه متابعة لألوامر‪،‬‬
‫فيحس قلبه حينئذ بأ ّن معية اهلل معه وتوليه له‪ ،‬فيبقى ِف حركاته وسكناته باهلل ال بنفسه‪ ،‬وترد على قلبه‬
‫التعريفات اإلهلية)(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬أبو داود ح‪ 3090 :‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫(‪ )2‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني ‪.361/3‬‬
‫‪36‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬المرقي منه‬


‫ويراد به‪ :‬العلة اليت تُطلب ألجلها الرقية‪ ،‬وهو املرض‪ .‬املرض نوعان‪:‬‬
‫يض َحَر ٌج﴾‪.‬‬‫بدين‪ :‬وهو املراد بقوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وَال َعلَى الْ َم ِر ِ‬
‫ِِ‬
‫قليب‪ :‬كاجلنب والبخل والنفاق‪ ،‬ومنه قوله تعاىل‪ِِ﴿ :‬ف قُلُوهبم َّمَر ٌ‬
‫ض فَ َز َاد ُه ُم اللّهُ َمَرضاً﴾‪.‬‬
‫ويقسم املرض حبسب موضوع الرقية إىل نوعني‪:‬‬
‫مرض عضوي‪ :‬وهو املرض الذي يصيب اجلسد بسبب ميكروب أو فريوس أو توقف عضو‪ ،‬وَنو ذلك‪.‬‬
‫ومرض روحي‪ :‬وهو الذي ينشأ بسبب مصارعة اجلن لبدن وروح املصاب(‪ .)1‬وأنواع األمراض الروحية‬
‫كثرية منها‪:‬‬
‫التخويف والترويع‪ :‬فيتسلط اجلان على البعض‪ ،‬فيسمع أصواتاً أو يرى أشياءً‪ ،‬وحيس بأ ّن مثت من‬
‫يتبعه‪ ،‬فعالج مثل هذه بالذكر‪.‬‬
‫نس يَعُوذُو َن بِ ِر َج ٍال‬ ‫وأما اخلوف املطلق من اجلن والذي كان يفعله أهل اجلاهلية ﴿ َوأَنَّهُ َكا َن ِر َج ٌ‬
‫ال ِّم َن ِْ‬
‫اإل ِ‬
‫وه ْم َرَهقاً﴾ فهذا خلل ِف العقيدة‪.‬‬ ‫ِّمن ِْ‬
‫اجل ِّن فَ َز ُاد ُ‬ ‫َ‬
‫األمراض النفسية والعصبية‪ :‬كاجلنون واالكتئاب والقلق‪.‬‬
‫األمراض العضوية‪ :‬واجلن يتسبب بأمراض عضوية كثرية‪ ،‬وكل مرض ال تتحسن حالته مع العالج الطيب‪،‬‬
‫فريقى بالقرآن‪.‬‬
‫ويذكر بعض الرقاة أنه من جتربته تبني له أن للجن إمكانية ِف إصابات عضوية معينة وإصابة بكافة‬
‫أعراض املرض العضوي‪ ،‬كالشلل والبكم والعمى‪ ،‬وفيه يسيطر اجلن على مرابض أعصاب معينة ويصيب‬
‫اجلسم هبذه األمراض وغريها(‪.)2‬‬
‫وبعض الرقاة يرى أن الشيطان ال ينشئ مرضاً عضوياً ِف الغالب بل يستفيد من املرض العضوي ِف‬
‫االبتداء‪ ،‬فإذا كان هذا املريض مثالً معيوناً أو مسحوراً أو لديه مرض باطين كقرحة املعدة‪ ،‬فإن الشيطان حبكم‬
‫موقفه داخل اجلسم حيث جيري من ابن آدم جمرى الدم‪ ،‬فإن الشيطان يضغط على هذه املنطقة بالذات ويزيد‬
‫اب﴾‪ ،‬وعالجه‬ ‫ب و َع َذ ٍ‬
‫َين َم َّس ِين الشَّْيطَا ُن بِنُ ْ ٍ‬
‫ص َ‬ ‫َ‬ ‫من آذى املرض العضوي كما أخرب تعاىل عن أيوب ‪﴿ :‬أ ِّ‬
‫القوة القرآنية مث القوة العالجية الدوائية كما ِف حديث املفؤود‪ .‬أخرج أبو داود عن جماهد عن سعد ‪ ‬قال‪:‬‬

‫(‪ )1‬دليل املعاجلني بالقرآن حملمد رياض مساحه ‪.11‬‬


‫(‪ )2‬دليل املعاجلني بالقرآن ‪.12‬‬
‫‪37‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ال‪:‬‬ ‫ت بَْرَد َها َعلَى فُ َؤ ِادي فَ َق َ‬ ‫ني ثَ ْديَ َّي َح َّىت َو َج ْد ُ‬ ‫ودِين فَ َو َ‬
‫ض َع يَ َدهُ بَْ َ‬
‫ضت مرضا أَتَ ِاين رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ ‬و َسلَّ َم يَعُ ُ‬ ‫َُ‬ ‫َم ِر ْ ُ َ َ ً‬
‫ات ِم ْن َع ْج َوةِ الْ َم ِدينَ ِة‬
‫يف فَِإنَّه رجل ي تَطَبَّب فَ ْليأْخ ْذ سبع متََر ٍ‬
‫ُ َ ُ ٌ َ ُ َ ُ َْ َ َ‬
‫َخا ثَِق ٍ‬ ‫احلَا ِر َ‬
‫ث بْ َن َكلَ َدةَ أ َ‬ ‫ت ْ‬ ‫ود‪ ،‬ائْ ِ‬ ‫َّك َر ُج ٌل َم ْفئُ ٌ‬ ‫«إِن َ‬
‫َّك هبِِ َّن»(‪ ،)1‬فالنيب ‪ ‬مجع له بني العالج القرآين والعالج الدوائي(‪.)2‬‬ ‫فَ ْليَ َجأْ ُه َّن بِنَ َو ُاه َّن ُمثَّ لِيَ لُد َ‬
‫كما أن الشيطان يستفيد من املرض العضوي من جهة انشغال املريض غالباً مبرضه فيغفل عن ذلك اهلل‬
‫فيتسلط عليه الشيطان ويزيد عليه األذى(‪.)3‬‬
‫ول اهللِ ‪‬‬ ‫ي ‪ ‬أن َر ُس َ‬ ‫وسى ْاألَ ْش َع ِر َّ‬
‫ويدل على أن الشيطان قد ينشئ مرضاً عضوياً ما جاء عن أ ََيب ُم َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬ه َذا الطَّ ْع ُن قَ ْد َعَرفْ نَاهُ فَ َما الطَّاعُو ُن؟ قَ َ‬ ‫ال‪ :‬فَ ُق ْلنَا‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ون"‪ .‬قَ َ‬ ‫قال‪" :‬فَنَاء أ َُّم ِيت بِالطَّع ِن‪ ،‬والطَاع ِ‬
‫ْ َ ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلِ ِّن‪ِِ ،‬ف ُك ّل َش َه َادة"(‪.)4‬‬
‫"طَ ْع ُن أَ ْع َدائِ ُك ْم ِم َن ْ‬

‫األخذ بالعيون وإحداث الخياالت‪:‬‬


‫يستطيع اجلن بالسحر أن يُري الناظر األشياء على غري حقيقتها‪ ،‬فريى الشخص هبيئة حسنة ولو كان‬
‫ال بَ ْل أَلْ ُقوا‬
‫ِف حقيقته على الضد‪ ،‬أو يراه هبيئة قبيحة ولو كان ِف احلقيقة على الضد‪ .‬ودليله قوله تعاىل‪﴿:‬قَ َ‬
‫صيُّ ُه ْم ُخيَيَّ ُل إِلَْي ِه ِمن ِس ْح ِرِه ْم أ ََِّنَا تَ ْس َعى﴾‪.‬‬
‫فَِإ َذا ِحبا ُهلم و ِع ِ‬
‫َ ُْ َ‬
‫إيقاع العداوة والفرقة‪ :‬ويتفنن اجلن ِف احليل ألجل إيقاع الفرقة والشحناء بني كل مرتبطني برباط‬

‫(‪ )1‬أبو داود ح‪ 3869 :‬وقال ِف العون‪ :‬قال املنذري‪ :‬قال أبو حامت الرازي‪ :‬جماهد مل يدرك سعداً‪ ،‬وإَّنا يروي عن مصعب بن سعد عن‬
‫سعد‪ .‬وقال أبو زرعة‪ :‬جماهد عن سعد مرسل‪ .‬واحلديث ضعفه األلباين‪ .‬وشرح احلديث‪( :‬مرضت مرضاً) أي شديداً (بردها) أي برد‬
‫يده ‪ِ( ‬ف فؤادي) أي قليب (مفؤد) من الفؤاد وهو الذي أصابه داء ِف فؤاده أو كان مصدورا فكىن بالفؤاد عن الصدر ألن الصدر‬
‫حمل الفؤاد (أخا ثقيف) أي أحدا من بين ثقيف (فإنه رجل يتطبب) أي يعرف الطب مطلقا أو هذا النوع من املرض فيكون خمصوصا‬
‫باملهارة واحلذاقة (فليجأهن) فليكسرهن وليدقهن‪ .‬وقال اخلطايب الوجيئة حساء يتخذ من التمر والدقيق فيتحساه املريض (بنواهن) أي‬
‫معها (مث ليلدك هبن) قال اخلطايب‪ :‬من اللدود وهو ما يسقاه اإلنسان ِف أحد جانيب الفم‪ .‬ينظر‪ :‬عون املعبود ‪.255/10‬‬
‫(‪ )2‬قواعد الرقية الشرعية للسدحان ‪.52‬‬
‫(‪ )3‬قواعد الرقية الشرعية –نسخة أخرى ص ‪ -28‬وذكر أيضاً‪ :‬أ َن الشيطان يضعف تسلطه أيام االثنني واخلميس لتنزل املالئكة وعرض‬
‫األعمال على اهلل ويزداد تسلطه ِف بقية األيام‪ .‬وخالل اليوم يزداد تسلطه عند شروق الشمس وعند غروهبا وعند قيام الظهرية األوقات‬
‫اليت ُِني عن الصالة فيها واليت أمر النيب ‪ ‬بكف الصبيان عن اللعب وأمر بالقيلولة‪ .‬وفيما يتعلق بالشهر‪ :‬ذكر أن الشيطان يستغل‬
‫األيام البيض ‪ 13‬و‪ 14‬و‪ 15‬للصلة بني الشيطان وبني جماري الدم‪ ،‬وأن هذا األيام من حكمة شرعية صيامها التضييق على الشيطان‬
‫ِف جماري الدم من البدن واليت يستغل الشيطان تأثرها جباذبية القمر‪ ،‬كما أنه يستغل للمرأة زيادة على ذلك دورهتا الشهرية‪.‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه اإلمام أمحد ِف املسند ‪ 255 ،145/6‬وسنده جيد‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مشروع‪ ،‬سواء أكانا شريكني ِف جتارة أو صديقني أو زوجني‪ ،‬فتنشب اخلالفات الشديدة على أتفه األسباب‪،‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ض ُع‬
‫يس يَ َ‬‫ول اهلل ‪" :‬إ َّن إبْل َ‬ ‫ويتمسك كل برأيه‪ .‬واألصل ِف هذا خرب جابر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪ :‬قَ َ َ ُ‬
‫ِ ِ‬ ‫ث سراياه‪ ،‬فَأ َْدنَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ت َك َذا َوَك َذا‪،‬‬‫ول‪ :‬فَ َع ْل ُ‬ ‫اه ْم مْنهُ َمْن ِزلَةً أ َْعظَ ُم ُه ْم فْت نَةً‪َ ،‬جييءُ أ َ‬
‫َح ُد ُه ْم فَيَ ُق ُ‬ ‫ُ‬ ‫َع ْر َشهُ َعلَى الْ َماء‪ُ ،‬مثَّ يَْب َع ُ َ َ َ ُ‬
‫ِِ ِ‬ ‫ني ْامَرأَتِِه‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ :‬فَيُ ْدنيه مْنهُ‬ ‫ت بَْي نَهُ َوبَْ َ‬
‫ول‪َ :‬ما تََرْكتُهُ َح َّىت فَ َّرقْ ُ‬
‫َح ُد ُه ْم فَيَ ُق ُ‬
‫ت َشْيئًا‪ ،‬قَ َال ُمثَّ َجييءُ أ َ‬ ‫صنَ ْع َ‬
‫ول‪َ :‬ما َ‬‫فَيَ ُق ُ‬
‫[وِف رواية‪ :‬فيلتزمه] وي ُق ُ ِ‬
‫ت"(‪.)1‬‬ ‫ول‪ :‬ن ْع َم أَنْ َ‬ ‫ََ‬
‫األمراض الخاصة عند النساء‪ :‬مثل العقم وبالتحليل يتبني أنه ليس عند الزوجني مانع طيب حلدوث‬
‫احلمل‪ ،‬والسبب متركز اجلين ِف الرحم أو منطقة املبيض فيقتل احليوانات املنوية أو يفسد البويضة‪ .‬وله أمارات‬
‫أخرى مثل عدم انتظام الدورة ووجود نزيف أحياناً وضيق املرأة باجلماع(‪.)2‬‬

‫األمراض الجنسية‪:‬‬
‫عند الرجل‪ :‬يتسبب اجلن ِف ربط الزوج عن زوجته حبيث ال يستطيع إتياِنا‪ ،‬ويطيق إتيان من سواها‪.‬‬
‫عند المرأة‪ :‬ربط التبلد‪ :‬حبيث تفقد اللذة والتجاوب مع املعاشرة‪ ،‬فال تفرز السائل املرطب للفرج‪ ،‬مما‬
‫مينع إمتام العملية بنجاح‪.‬‬
‫ربط التغوير‪ :‬أي تغوير غشاء البكارة‪ ،‬فيظن أِنا ثيب ومع الرقية يزول ويعود األمر لطبيعته‪.‬‬
‫ربط النزيف‪ :‬حبيث تصاب بنزيف وقت اجلماع فقط‪ .‬أما إن كان النزيف مستمراً (وهي االستحاضة)‬
‫فهي أيضاً من الشيطان حلديث "ركضة من ركضات الشيطان"‪.‬‬
‫ربط االنسداد‪ :‬حبيث كلما أراد الزوج إتياِنا وجد سداً منيعاً من اللحم(‪. )3‬‬

‫عبث الجن بالممتلكات‪:‬‬


‫فتتعرض اجلن مثالً ملنازل بين آدم فتعبث مبحتوياهتا‪ ،‬ذكر ابن القيم خرباً عن أيب النضر هاشم بن القاسم‬
‫قال‪( :‬كنت أرمى ِف داري‪ ،‬فقيل‪ :‬يا أبا النضر حتول عن جوارنا‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسلم ح‪.2813 :‬‬


‫(‪ )2‬الصارم البتار ‪.205‬‬
‫(‪ )3‬يراجع الصارم البتار ‪.193-189‬‬
‫‪39‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫علي‪ ،‬فكتبت إىل الكوفة إىل ابن إدريس واحملاريب وأيب أسامة(‪ ،)1‬فكتب إيل احملاريب‪:‬‬ ‫قال‪ :‬فاشتد ذلك َّ‬
‫إن بئراً باملدينة كان يقطع رشاؤها‪ ،‬فنزل هبم ركب‪ ،‬فشكوا ذلك إليهم‪ ،‬فدعوا بدلو من ماء مث تكلموا هبذا‬
‫الكالم فصبوه ِف البئر فخرجت نار من البئر فطفئت على رأس البئر‪.‬‬
‫قال أبو النضر‪ :‬فأخذت توراً من ماء‪ ،‬مث تكلمت فيه هبذا الكالم‪ ،‬مث تتبعت به زوايا الدار فرششته‪،‬‬
‫فصاحوا يب‪ :‬أحرقتنا‪َ ،‬نن نتحول عنك‪ ،‬وهو‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬أمسينا باهلل الذي ليس منه شيء ممتنع‪ ،‬وبعزة اهلل‬
‫اليت ال ترام وال تضام‪ ،‬وبسلطان اهلل املنيع َنتجب‪ ،‬وبأمسائه احلسىن كلها عائذ من األبالسة‪ ،‬ومن شر شياطني‬
‫اإلنس واجلن‪ ،‬ومن شر كل معلن أو مسر‪ ،‬ومن شر ما خيرج بالليل ويكمن بالنهار‪ ،‬ويكمن بالليل وخيرج‬
‫بالنهار‪ ،‬ومن شر ما خلق وذرأ وبرأ‪ ،‬ومن شر إبليس وجنوده‪ ،‬ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ريب‬
‫على صراط مستقيم‪ .‬أعوذ باهلل مبا استعاذ به موسى وعيسى وإبراهيم الذي وىف‪ ،‬من شر ما خلق وذرأ وبرأ‪،‬‬
‫ومن شر إبليس وجنوده‪ ،‬ومن شر ما يبغي‪ .‬أعوذ باهلل السميع العليم من الشيطان الرجيم ﴿و َّ ِ‬
‫الصافَّات َ‬
‫ص ّفاً‬ ‫َ‬
‫ب الْ َم َشا ِرِق‬‫ض َوَما بَْي نَ ُه َما َوَر ُّ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ات زجراً * فَالتَّالِي ِ‬
‫ات ِذ ْكراً * إِ َّن إِ َهل ُكم لَو ِ‬ ‫* فَ َّ ِ ِ‬
‫ب َّ َ َ‬ ‫اح ٌد * َر ُّ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫الزاجَر َ ْ‬
‫ان َّما ِرٍد * َال يَ َّس َّمعُو َن إِ َىل الْ َم َِإل ْاأل َْعلَى‬‫ب * و ِح ْفظاً ِّمن ُك ِّل َشيطَ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫السماء الدُّنْيَا بِ ِزينَ ٍة الْ َكواكِ ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫* إنَّا َزيَّنَّا َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ويُ ْق َذفُو َن ِمن ُك ِّل َجانِ ٍ‬
‫ب﴾))‪.(2‬‬ ‫اب ثَاق ٌ‬ ‫اخلَطْ َفةَ فَأَتْ بَ َعهُ ش َه ٌ‬ ‫ف ْ‬‫ب * إَِّال َم ْن َخط َ‬‫اب َواص ٌ‬ ‫ب * ُد ُحوراً َوَهلُ ْم َع َذ ٌ‬ ‫َ‬
‫(‪)3‬‬
‫وجاء ِف حاشية ابن عابدين‪( :‬مطلب ِف رجم الدار من اجلن) وهذا يدل على أنه من املعروف أذى‬
‫اجلن ِف البيوت وتسلطها عليها‪.‬‬
‫أن األمراض الروحية بأنواعها ال ينفع معها إال الرقية‪ ،‬وأما األمراض العضوية فالقرآن شفاء‬ ‫احلاصل َّ‬
‫مطلقاً(‪)4‬؛ وكون القرآن شفاء ال مينع من طلب العالج من املركبات الدوائية فيجمع بينهما والتداوي هبما من‬
‫دفع قدر اهلل بقدر اهلل‪ .‬وباهلل التوفيق‪.‬‬

‫(‪ )1‬من حمدثي الكوفة‪.‬‬


‫(‪ )2‬الوابل الصيب ‪.176‬‬
‫(‪.111/9 )3‬‬
‫(‪ )4‬قال القرطيب ِف التفسري‪ ( :316/10:‬اختلف العلماء ِف كونه شفاء على قولني‪ :‬أحدمها‪ :‬أنه شفاء للقلوب بزوال اجلهل عنها وإزالة‬
‫الريب‪ ،‬ولكشف غطاء القلب من مرض اجلهل لفهم املعجزات واألمور الدالة على اهلل تعاىل‪ .‬الثاين‪ :‬شفاء من األمراض الظاهرة‬
‫بالرقى والتعوذ وَنوه) وينظر‪ :‬شرح الطحاوية البن أيب العز ‪ ،363/2‬زاد املسري ‪ ،79/5‬فيض القدير ‪ 471/2‬وصييت للراقي واملسرتقي‬
‫‪.27-25‬‬
‫‪40‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فإن قيل‪ :‬إن النيب ‪ ‬حصر ما يرقى منه‪ ،‬فقال‪" :‬ال رقية إال من عين أو حمة"(‪ .)1‬فاجلواب‪ :‬أن‬
‫احلديث ليس فيه نفي جواز الرقية ِف غريها‪ ،‬بل املراد به‪ :‬ال رقية أوىل وأنفع منها ِف العني واحلمة‪ .‬ويدل عليه‬
‫سياق احلديث‪ ،‬فإن سهل بن حنيف قال ملا أصابته العني‪ :‬أوِف الرقى خري؟ فقال‪" :‬ال رقية إال ِف نفس أو‬
‫محة"‪.‬‬
‫كما أن النيب ‪ ‬أذن ِف الرقية لغريمها من األمراض‪ ،‬وقد رقى النيب ‪ِ ‬ف غري هذه األمراض(‪ )2‬كما‬
‫رقى عليا ملا رمد‪ ،‬ورقى سعد بن أيب وقاص‪ ،‬ورقى جابر بن عتيك ملا كسرت قدمه‪.‬‬

‫(‪ )1‬أبو داود ح‪.3882 :‬‬


‫(‪ )2‬شرح مسلم ‪ 435/14‬الطب النبوي ‪.175‬‬
‫‪41‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الركن الرابع‪ :‬المرقي به‪.‬‬


‫واملراد به‪ :‬العالج‪ .‬أي جنس ما حيصل به التعويذ‪.‬‬
‫فالرقية تكون بكالم اهلل وأمسائه واألدعية عموماً وردت عن النيب ‪- ‬والرقية هبا مستحبة(‪ ،-)1‬وجيوز‬
‫مبا مل يرد عنه ‪ ‬ما مل تتضمن حمذوراً (‪.)2‬‬

‫أنواع الرقية‪:‬‬
‫تقسم الرقية إىل رقية مشروعة أخرى ممنوعة‪ ،‬واملشروعة هي ما مجعت الشروط‪ ،‬واملمنوعة ما فقد فيها‬
‫كل الشروط أو بعضها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الرقية المشروعة‪:‬‬
‫ضابطها‪ :‬الرقية املشروعة هي ما اجتمعت فيها الشروط الثالثة‪:‬‬
‫‪ .1‬أن تكون بكالم اهلل تعاىل أو بأمسائه وصفاته أو مبا أثر عن النيب ‪ ‬أو بدعاء ال يتضمن شركاً‬
‫أو خمالفة للمشروع‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪ :‬ال تشرع الرقى مبا ال يعرف معناه إن كان فيه شرك؛ فإ ّن ذلك حمرم وعامة ما‬
‫يقوله أهل العزائم فيه شرك وقد يقرءون مع ذلك شيئاً من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه‬
‫من الشرك وِف االستشفاء مبا شرعه اهلل ورسوله ما يغين عن الشرك وأهله(‪.)3‬‬
‫وقال البغوي‪ :‬املنهي عنه من الرقى ما كان فيه شرك‪ ،‬أو كان يذكر مردة الشياطني أو ما كان‬
‫منها بغري لسان العرب وال يدري ما هو‪ ،‬ولعله يدخله سحر أو كفر‪ ،‬فأما ما كان بالقرآن وبذكر‬

‫(‪ )1‬نص على ذلك القرطيب قال‪( :‬فإن كان مأثوراً استحب) نقله السيوطي ِف اإلتقان ‪.440/2‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حاشية ابن عابدين ‪ ..( 523/9‬وأما ما كان من القرآن أو شيء من الدعوات فال بأس به)‪ .‬عقد اجلواهر البن شاس (والرقية‬
‫بالقرآن وبأمساء اهلل جائزة ومبا رقى به النيب ‪ ‬وما جانسه)‪ ،‬فتح الباري‪( 208/10‬يشرع االسرتقاء بكل استعاذة باهلل أو استعانة‬
‫باهلل وحده أو ما يعطي معىن ذلك)‪ ،‬كشاف القناع‪ :238/6‬ال بأس حبل السحر بشيء من القرآن والذكر واألقسام والكالم املباح)‪.‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪ 61/19‬بتصرف يسري‪ .‬وقال ابن تيمية ِف جمموع الفتاوى (‪( :)13/19‬مجيع طوائف املسلمني يقرون بوجود اجلن‬
‫وكذلك مجهور الكفار كعامة أهل الكتاب وكذلك عامة مشركي العرب وغريهم من أوالد اهلذيل واهلند وغريهم من أوالد حام وكذلك‬
‫مجهور الكنعانيني واليونانيني وغريهم من أوالد يافث‪ .‬فجماهري الطوائف تقر بوجود اجلن بل يقرون مبا يستجلبون به معاونة اجلن من‬
‫العزائم والطالسم سواء أكان ذلك سائغا عند أهل اإلميان أو كان شركا فإن املشركني يقرءون من العزائم والطالسم والرقى ما فيه عبادة‬
‫للجن وتعظيم هلم وعامة ما بأيدي الناس من العزائم والطالسم والرقى اليت ال تفقه بالعربية فيها ما هو شرك باجلن‪ .‬وهلذا ِنى علماء‬
‫املسلمني عن الرقى اليت ال يفقه معناها؛ ألِنا مظنة الشرك وإن مل يعرف الراقي أِنا شرك)‪.‬‬
‫‪42‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اهلل ‪ ‬فإنه جائز ومستحب(‪.)1‬‬


‫‪ .2‬أن تكون بالعربية أو مبا يعرف معناه من غريها‪ .‬قال ابن طولون احلنفي‪( :‬والرقى مذمومة ما كان‬
‫بغري العريب وال يعلم معناه‪ ،‬وأما إذا علم فمستحبة)(‪.)2‬قال العدوي‪ :‬إن من شروط الرقية أن‬
‫تكون باللسان العريب أو مبا يفهم معناه من غريه(‪ .)3‬وقال اهليتمي‪ :‬ألفاظ الرقى منها املشروع‬
‫كالفاحتة وغري املشروع كرقى اجلاهلية واهلند وغريهم ورمبا كان كفراً وهلذا ِنى اإلمام مالك عن‬
‫الرقى بالعجمية(‪.)4‬‬
‫أما الرقية باألعجمية فال ختلو من أحوال‪:‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬رقية باألعجمية عُ ِر َ‬
‫ف املعىن وكان املعىن يتضمن شركاً‪ .‬فال إشكال ِف حترميه ملا‬
‫مضى ِف الشرط األول‪.‬‬
‫خال من الشرك‪ :‬فمن أهل العلم‬ ‫ف املعىن وتأكدنا أن املعىن ٍ‬‫الصورة الثانية‪ :‬رقية باألعجمية عُ ِر َ‬
‫–كاملازري والبهويت احلنبلي‪ -‬من منع الرقية باألعجمية مطلقاً حىت لو علم املعىن وخلت من‬
‫الشرك ورأى قصر الرقية باللغة العربية‪ .‬س ّد لباب الرقى الشركية اليت ال يفقه معناها‪.‬‬
‫ومن أهل العلم ‪ -‬كالونشريسي والنووي وابن عابدين ‪ -‬من أجاز الرقية باألعجمية إذا فهم‬
‫معناها(‪)5‬؛ لزوال احملذور؛ وألن الرقية من جنس الدعاء والدعاء جيوز بالعربية وغريها‪ ،‬وإذا جاز‬
‫الدعاء ِف الصالة باألعجمية‪ ،‬وجازت خطبة اجلمعة باألعجمية والنكاح وغريه من ألفاظ العقود‬

‫(‪ )1‬شرح السنة ‪.159/12‬‬


‫(‪ )2‬املنهل الروي ِف الطب النبوي ‪.295‬‬
‫(‪ )3‬حاشية العدوي ‪.454/2‬‬
‫(‪ )4‬اإلعالم بقواطع اإلسالم حباشية الزواجر ‪.182/2‬‬
‫(‪ )5‬قال املازري –شرح مسلم للنووي ‪..( : -419/14‬ومنهي عنها إذا كانت باللغة العجمية أو مبا ال يدري معناه جلواز أن يكون فيه‬
‫كفر) وقال البهويت ِف الكشاف ‪ ( :238/6‬وحترم عزمية بغري عريب)‪ ،‬وقال حافظ احلكمي ِف معارج القبول ‪( :466/1‬أما الرقى اليت‬
‫ليست بعربية األلفاظ‪ ،‬فليست من اهلل ِف شيء وال من الكتاب والسنة ِف ظل وال ِفء وذلك ألن املتكلم به ال يدري أهو من أمساء‬
‫اهلل تعاىل أو من أمساء املالئكة؟ أو من أمساء الشياطني؟ وال يدري هل هو كفر أو إميان؟ وهل هو حق أو باطل؟ أو فيه نفع أو ضرر؟‬
‫أو رقية أو سحر؟)‪.‬‬
‫ورأي الونشريسي ِف املعيار املعرب ‪ 173/11‬وِف الفواكه الدواين ‪ 550/2‬أجازها أيضاً لكنه زاد قيد حتقق النفع به ومحل ما نقل من‬
‫كراهة مالك على ما مل يتحقق النفع به‪ ،‬وابن عابدين ِف ظاهر كالمه ‪ 523/9‬أجاز ما فهم معناه‪ .‬وكذا النووي ِف شرح مسلم‬
‫‪.419/14‬‬
‫‪43‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فما املانع هنا أن جتوز‪ .‬مث إن مدار من منعها أنه ال يدري معناها؛ لكن هنا فهمنا املعىن واستيقنا‬
‫أِنا خالية من الشرك‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪ :‬كل اسم جمهول فليس ألحد أن يرقي به فضالً عن أن يدعو به ولو عرف معناه؛‬
‫ألنه يكره الدعاء بغري العربية‪ ،‬وإَّنا يرخص ملن ال حيسن العربية‪ ،‬فأما جعل األلفاظ األعجمية‬
‫شعاراً فليس من دين اإلسالم(‪.)1‬‬
‫مع ضرورة التأكيد أنه ال بد من اليقني ِف معىن الرقية األعجمية؛ فإن مل يستقني خلو الرقية من‬
‫الشرك فاملنع هو األصل؛ ألن شرط الرقية فهم املعىن‪ ،‬وألن الغالب ِف الرقى األعجمية كما‬
‫حكى ابن تيمية أ ّن (عامة ما بأيدي الناس من العزائم والطالسم والرقى اليت ال تفقه بالعربية فيها‬
‫ما هو شرك باجلن)(‪.)2‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬رقية باألعجمية وال نعرف خلوها من الشرك وال نعرف تضمنها للشرك‪ ،‬جمهولة‬
‫املعىن‪ :‬فشد البعض فقال‪ :‬جتوز كل رقية جربت منفعتها ولو مل يعقل معناها؛ واستدلوا بعموم‬
‫"من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل"‪ .‬ورد دليلهم‪ :‬بأ ّن هذا العموم مقيد بقوله ‪" :‬ال‬
‫بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك"(‪ )3‬وما ال يعقل معناه ال يؤمن أن يؤدي إىل الشرك فيمنع‬
‫احتياطاً وسداً للذريعة(‪ .)4‬قال ابن عابدين يعلل منع ما ال يعرف معناه‪( :‬ولعله يدخله سحر أو‬
‫كفر)(‪ .)5‬احلاصل اجلمهور بل عامة كالم أهل العلم على املنع قال ابن تيمية‪ِ( :‬نى علماء‬
‫املسلمني عن الرقى اليت ال يفقه معناها؛ ألِنا مظنة الشرك وإن مل يعرف الراقي أِنا شرك)(‪.)6‬‬
‫بل ذكر ابن تيمية أن عامة ما ال يعرف معناه و(عامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك وقد يقرءون‬
‫مع ذلك شيئا من القرآن ويظهرونه ويكتمون ما يقولونه من الشرك) وأضاف بأ ّن‪( :‬العزائم‬
‫األعجمية‪ :‬هي تتضمن أمساء رجال من اجلن يدعون؛ ويستغاث هبم ويقسم عليهم مبن يعظمونه‬

‫(‪)1‬تيسري العزيز احلميد ‪ .166‬وانظر‪ :‬جمموع الفتاوى ‪ .283/24‬بتصرف يسري‪.‬‬


‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪.13/19‬‬
‫(‪ )3‬مسلم ح‪.2200 :‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري‪.206/10‬‬
‫(‪ )5‬حاشية ابن عابدين ‪.523/9‬‬
‫(‪ )6‬جمموع الفتاوى ‪.13/19‬‬
‫‪44‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فتطيعهم الشياطني بسبب ذلك ِف بعض األمور)(‪.)1‬‬


‫فيشرتط فهم املعىن سواء بالعربية أو بغريه‪ ،‬فإن كانت مبا ال يفهم عربية أو عجمية فال جتوز؛‬
‫ألِنا مظنة الشرك غالباً‪ .‬قال ابن تيمية‪( :‬عامة ما بأيدي الناس من العزائم والطالسم والرقى اليت‬
‫ال تفقه بالعربية فيها ما هو شرك باجلن‪ .‬وهلذا ِنى علماء املسلمني عن الرقى اليت ال يفقه معناها؛‬
‫ألِنا مظنة الشرك وإن مل يعرف الراقي أِنا شرك)(‪.)2‬‬
‫ِ‬
‫ف لَهُ‬ ‫ك اللّهُ بِ ُ‬
‫ضر فَالَ َكاش َ‬ ‫‪ .3‬أ ْن يعتقد أ ّن الرقى ال تؤثر بذاهتا بل بتأثري من اهلل تعاىل ﴿ َوإِن ميَْ َس ْس َ‬
‫إِالَّ ُه َو﴾‪.‬‬
‫قال البيهقي‪( :‬وهذا كله يرجع إىل ما قلنا من أنه إن رقى مبا ال يعرف أو على ما كان من أهل‬
‫اجلاهلية من إضافة العافية إىل الرقى مل جيز‪ ،‬وإن رقى بكتاب اهلل أو مبا يعرف من ذكر اهلل متربكاً‬
‫به وهو يرى نزول الشفاء من اهلل تعاىل فال بأس به)(‪.)3‬‬

‫ما سبق هي شروط الرقية‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬قد أمجع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع هذه الشروط(‪.)4‬‬
‫ونقل اإلمجاع السيوطي كذلك(‪.)5‬‬
‫واألصل أن كل رقية جربت منفعتها وخلت من الشرك أو ما يؤدي إليه‪ ،‬أو يؤدي إىل معصية أو ضرر‬
‫فهي جائزة‪ ،‬ودليل ذلك‪:‬‬
‫حديث عوف بن مالك‪ :‬كنا نرقي ِف اجلاهلية فقلنا يا رسول اهلل كيف ترى ِف ذلك؟ فقال ‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫"اعرضوا علي رقاكم ال بأس بالرقى ما مل يكن فيه شرك" فهم كانوا يرقون بألفاظ مل يتعلموها‬
‫من النيب ‪ ،‬وقَعَّ َد أصالً يتضمن جواز كل رقية ال حتتوي على شرك‪.‬‬
‫حديث جابر ِف رقى آل عمرو بن حزم وفيه أنه ‪ ‬قال ملا عرضوا عليه رقاهم "ما أرى بأساً‬ ‫‪-2‬‬
‫من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" فدل على أن كل رقية جربت منفعتها وال تتضمن شركاً‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى‪.61/19 ،362/1‬‬


‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪.13/19‬‬
‫(‪ )3‬السنن الكربى للبيهقي ‪.590/9‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري ‪.206/10‬‬
‫(‪ )5‬نقله ِف فتح اجمليد ‪.166‬‬
‫‪45‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فهي جائزة(‪.)1‬‬

‫ومما سبق يقال‪:‬‬


‫=إنه ال يشرتط ِف الرقية أن تكون باملعوذات أو بآيات معينة فقد رقى الصحايب بسورة الفاحتة قبل أن‬
‫يعلمه النيب ‪ ‬الرقية هبا(‪ .)2‬قال ابن حجر‪( :‬وِف احلديث جواز الرقية بكتاب اهلل ويلتحق به ما كان بالذكر‬
‫والدعاء املأثور وكذا غري املأثور مما ال خيالف ما ِف املأثور‪ ،‬وأما الرقى مبا سوى ذلك فليس ِف احلديث ما يثبته‬
‫وال ما ينفيه)(‪ .)3‬واملعوذات وإن كانت من خري ما يرقى به إال أ ّن الرقية ليست حمصورة فيهما‪ ،‬فقد أقر النيب‬
‫‪ ‬أي رقية نافعة خلت من الشرك‪ ،‬قال ابن حجر‪( :‬ثبتت الرقية بفاحتة الكتاب فدل على أن ال اختصاص‬
‫للمعوذات)(‪.)4‬‬
‫=إنه ال يشرتط ِف ألفاظ الرقية أن تكون مما ورد‪ ،‬ويدل عليه إضافة ملا سبق‪:‬‬
‫أن التداوي بالرقية من جنس التداوي باألدوية الطبيعية املفردة أو املركبة‪ ،‬واألدوية مبنية على التجربة‬
‫(‪)5‬‬
‫البشرية‪ ،‬وال تتوقف معرفتها على التلقي عن الوحي‪ .‬فتدخل ِف عموم قوله ‪" :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم"‬
‫ويقيد هذا العموم فيما يتعلق بالرقية بأال تتضمن شركاً كما سبق‪.‬‬
‫مع األخذ ِف االعتبار‪ :‬أن ما نص عليه رسول اهلل ‪ ‬من الرقى مقدم على التجربة‪ ،‬وما مل ينص عليه‬
‫جيوز أن نأخذ فيه بالتجربة البشرية ما مل يكن مثَّ مانع شرعي(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬أحكام الرقى والتمائم فهد الضويان ‪.78‬‬


‫(‪ )2‬البخاري ح‪ ،2276 :‬ومسلم ح‪.)2201( - 65 :‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري البن حجر ‪.457/4‬‬
‫(‪ )4‬فتح الباري البن حجر (‪ .)197/10‬ونقل عن ابن بطال قوله‪ِ( :‬ف املعوذات جوامع من الدعاء نعم أكثر املكروهات من السحر‬
‫واحلسد وشر الشيطان ووسوسته وغري ذلك؛ فلهذا كان النيب ‪ ‬يكتفي هبا)‪ .‬وقد شرح ابن القيم ِف بدائع الفوائد (‪ )199/2‬سر‬
‫هاتني السورتني وبداية كالمه‪( :‬املقصود الكالم على هاتني السورتني وبيان عظيم منفعتهما وشدة احلاجة بل الضرورة إليهما وأنه ال‬
‫يستغين عنهما أحد قط وأن هلما تأثريا خاصا ِف دفع السحر والعني وسائر الشرور وأن حاجة العبد إىل االستعاذة هباتني السورتني‬
‫أعظم من حاجته إىل النفس والطعام والشراب واللباس)‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم ح‪.2361 :‬‬
‫(‪ )6‬الرقى على ضوء عقيدة أهل السنة واجلماعة للعلياين ‪ . 51‬وقال الشيخ ابن باز‪( :‬الطب أكثره جتارب ال بالسماع‪ ،‬فلو جرب وهو ال‬
‫يتضمن ترك واجب وال يوقعه ِف حمرم فال بأس) شريط فتاوى السحر والعني نقالً عن كيف تعاجل مريضك بالرقية الشرعية للسدحان‬
‫ص ‪.7‬‬
‫‪46‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫من كيفيات الرقية المنقولة عن النبي ‪:‬‬


‫جاءت نصوص متعدد يؤخذ منها عدد من الكيفيات املشروعة‪ ،‬ومن هذه النصوص‪:‬‬
‫‪ .1‬عن عائشة ‪ ‬قالت‪" :‬كان رسول اهلل ‪ ‬إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو اهلل أحد‬
‫وبالمعوذتين جميعا ثم يمسح بهما وجهه ما بلغت يداه من جسده"‪ .‬وعنها أيضاً‪" :‬كان رسول اهلل‬
‫‪ ‬ينفث على نفسه ِف مرضه الذي قبض فيه باملعوذات‪ ،‬فلما ثقل كنت أنا أنفث عليه هبن فأمسح‬
‫بيد نفسه لربكتها" قال معمر فسألت ابن شهاب‪ :‬كيف كان ينفث؟ قال‪ :‬ينفث على يديه مث ميسح هبما‬
‫ب الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ول‪" :‬اللَّ ُه َّم َر َّ‬ ‫ض أ َْهلِ ِه‪ ،‬ميَْ َس ُح بِيَ ِدهِ اليُ ْم َىن َويَ ُق ُ‬
‫َّيب ‪َ ‬كا َن يُ َع ِّوذُ بَ ْع َ‬ ‫وجهه(‪ ،)1‬وعنها ‪ :‬أ َّ‬
‫َن النِ َّ‬
‫َّاِف‪ ،‬الَ ِش َفاءَ إَِّال ِش َف ُاؤ َك‪ِ ،‬ش َفاءً الَ يُغَ ِاد ُر َس َق ًما"(‪.)2‬‬ ‫ت الش ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫اس‪ ،‬ا ْشفه َوأَنْ َ‬ ‫أَ ْذهب البَ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪ .2‬عن عثْما َن ب ِن أَِيب الْع ِ ِ‬
‫ال لَهُ‬ ‫اص الثَّ َقف ِّي‪ ،‬أَنَّهُ َش َكا إِ َىل َر ُسول اهلل ‪َ ‬و َج ًعا َِجي ُدهُ ِِف َج َسده ُمْن ُذ أ ْ‬
‫َسلَ َم فَ َق َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ُ َ ْ‬
‫اهلل ثََالثا‪ ،‬وقُل س ْبع م َّر ٍ‬ ‫اس ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ‪َ " :‬‬
‫ات أَعُوذُ‬ ‫َ ْ َ ََ‬ ‫ض ْع يَ َد َك َعلَى الَّذي تَأَلَّ َم م ْن َج َسد َك‪َ ،‬وقُ ْل بِ ْ‬ ‫َر ُس ُ‬
‫َج ُد وأُح ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ‬
‫اذ ُر"(‪.)3‬‬ ‫بِاهلل َوقُ ْد َرته م ْن َش ِّر َما أ َ َ‬
‫ول اهللِ ‪‬‬ ‫يد‪َ ،‬ع ْن َع ْمَرةَ‪َ ،‬ع ْن َعائِ َشةَ‪ ،‬أ َّ‬ ‫ال‪ :‬حدَّثَنَا س ْفيا ُن‪ ،‬عن عب ِد ربِِّه ب ِن سعِ ٍ‬
‫َن َر ُس َ‬ ‫ُ َ َ ْ َْ َ ْ َ‬ ‫‪ .3‬عن ابْ ِن أَِيب عُ َمَر قَ ُ َ‬
‫ال‪ :‬النَِّيب ‪ ‬بِِإ ِ ِ‬ ‫اإلنْسا ُن الشَّيء ِمْنه‪ ،‬أَو َكانَ ِ‬
‫ض َع‬
‫صبَعه َه َك َذا‪َ ،‬وَو َ‬ ‫ْ‬ ‫ت بِه قَ ْر َحةٌ أ َْو ُج ْر ٌح‪ ،‬قَ َ ُّ‬ ‫َْ ُ ْ ْ‬ ‫ِ‬
‫َكا َن إذَا ا ْشتَ َكى ْ َ‬
‫ِ‬
‫يمنَا‪ ،‬بِِإ ْذ ِن‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ض‪ُ ،‬مثَّ رفَعها "بِ ْ ِ‬ ‫ُس ْفيَا ُن َسبَّابَتَهُ بِ ْاأل َْر ِ‬
‫اس ِم اهلل‪ ،‬تُ ْربَةُ أ َْرضنَا‪ ،‬ب ِري َقة بَ ْعضنَا‪ ،‬ليُ ْش َفى به َسق ُ‬ ‫َ ََ‬
‫َربِّنَا")‪ .(4‬ففيه‪ :‬جواز خلط بعض الرتاب مع الريق مث ميسح على مكان الشكاية‪ .‬قال النووي‪ :‬قال مجهور‬
‫العلماء املراد بأرضنا هنا مجلة األرض وقيل أرض املدينة خاصة لربكتها والريقة أقل من الريق ومعىن احلديث‬
‫أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة مث يضعها على الرتاب فيعلق هبا منه شيء فيمسح به على‬
‫املوضع اجلريح أو العليل ويقول هذا الكالم ِف حال املسح واهلل أعلم‪.‬‬
‫يؤخذ مما سبق‪:‬‬

‫(‪ )1‬األول‪ :‬البخاري ح‪ .5748 :‬والثاين البخاري ح‪.5751 :‬ومسلم ‪.2192‬‬


‫(‪ )2‬البخاري ح‪.5743 :‬‬
‫ات‪َ ،‬وقُ ْل‪ :‬أَعُوذُ بِعَِّزةِ اللَّ ِه َوقُ ْد َرتِِه‪ِ ،‬م ْن‬ ‫ك سبع مَّر ٍ‬ ‫ِِِ‬
‫"ام َس ْحهُ بيَمين َ َ ْ َ َ‬ ‫(‪ )3‬مسلم ح‪ .2202 :‬وعند أيب داود وصححه األلباين ح‪ 3891:‬ولفظه‪ْ :‬‬
‫اج َع ْل يَ َد َك الْيُ ْم َىن َعلَْي ِه‪َ ،‬وقُ ْل بِ ْس ِم اللَّ ِه أَعُوذُ بِعَِّزةِ اللَّ ِه‪َ ،‬وقُ ْد َرتِِه‬ ‫ِ‬
‫َشِّر َما أَج ُد "‪ ،‬وعند ابن ماجه وصححه األلباين ح‪ :‬ولفظه‪ْ " 3522 :‬‬
‫ات"‪ .‬وعند الرتمذي ح‪ 2080 :‬وصححه األلباين‪" :‬امسح بيمينك سبع مرات" ففعلت‪ ،‬فأذهب‬ ‫ِمن َشِّر ما أ َِج ُد‪ ،‬وأُح ِاذر‪ ،‬سبع مَّر ٍ‬
‫َ َ ُ َْ َ َ‬ ‫ْ َ‬
‫اهلل ما كان يب‪ ،‬فلم أزل آمر به أهلي وغريهم‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ح‪.2192 :‬‬
‫‪47‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪-1‬تكرار ألفاظ الرقية‪ :‬سواء تكرارها ِف جملس واحد؛ حلديث عثمان بن أيب العاص‪ ،‬وفيه أمر بتكرار‬
‫البسملة ثالثاً‪ ،‬والدعاء سبعاً ِف جملس واحد‪ .‬وكذلك ِف حديث أيب سعيد ِف قصة اللديغ كرر الفاحتة سبع‬
‫مرات ِف جملس واحد‪.‬‬
‫أو تكرارها ِف جمالس متفرقة كفعله ‪ ‬قبل النوم ِف حديث عائشة حتصناً‪ ،‬وكإقراره ‪ِ ‬ف خرب َخا ِر َجةَ بْ ِن‬
‫الر ُج ِل ِِبٍَْري‪ ،‬فَ ْارِق لَنَا َه َذا َّ‬
‫الر ُج َل فَأَتَ ْوهُ بَِر ُج ٍل‬ ‫ت ِم ْن ِعْن ِد َه َذا َّ‬ ‫ت‪ :‬أن عمه مَّر بَِقوٍم فَأَتَوه‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬إِن ِ‬ ‫الص ْل ِ‬
‫َّك جْئ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َ ْ ُْ‬ ‫َّ‬
‫ط ِم ْن‬ ‫آن ثََالثَةَ أَيَّ ٍام غُ ْد َوةً َو َع ِشيَّةً‪َ ،‬وُكلَّ َما َختَ َم َها َمجَ َع بَُزاقَهُ‪ُ ،‬مثَّ تَ َف َل فَ َكأَََّّنَا أُنْ ِش َ‬
‫ود‪ ،‬فَرقَاه بِأ ُِّم الْ ُقر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ْ‬ ‫َم ْعتُوه ِِف الْ ُقيُ َ ُ‬
‫ال النَِّيب ‪ُ " :‬كل فَلَعم ِري لَمن أَ َكل بِرقْ ي ٍة ب ِ‬ ‫ِ‬
‫اط ٍل‪ ،‬لََق ْد‬ ‫ْ َْ َ ْ َ ُ َ َ‬ ‫َّيب ‪ ‬فَ َذ َكَرهُ لَهُ‪ ،‬فَ َق َ ُّ‬ ‫ع َق ٍال فَأ َْعطَْوهُ َشْيئًا‪ ،‬فَأَتَى النِ َّ‬
‫ومساءً‪.‬‬ ‫صباحاً‬ ‫أيام‬ ‫ثالثة‬ ‫الرقية‬ ‫فكرر‬ ‫(‪)1‬‬
‫َحق"‬ ‫بُِرقْ يَ ٍة‬ ‫ت‬‫أَ َك ْل َ‬
‫والتكرار قانون من قوانني الطب‪ ،‬كتكرار األدوية الطبيعية(‪.)2‬‬
‫‪ -2‬مسح الجسد باليد أو وضعها على موضع األلم أثناء الرقية‪ :‬حلديث عائشة وعثمان بن أيب العاص‪،‬‬
‫وسواء رقى نفسه أو رقى غريه ‪ -‬ما مل يكن مث فتنة كمس ذكر ألنثى أجنبية أو عكس وسيأيت مزيد حبث‬
‫لذلك‪.‬‬
‫ونقل ابن حجر عن الطربي أ ّن احلكمة ِف ذلك‪ :‬هو على طريق التفاؤل لزوال ذلك الوجع(‪ .)3‬وقيل‪:‬‬
‫لربكة اليمني‪.‬‬
‫‪-3‬النفث‪ :‬وهو نفخ يسري مع ريق يسري‪ ،‬وهو دون التفل‪ .‬وقيل‪ :‬إنه بال ريق‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬فيتفل بال ريق‬
‫أو مع ريق خفيف‪ .‬وجاء ِف حاشية العدوي‪ :‬أي خيرج الريح من فمه ِف يده مع شيء من ريقه وميسح به‬
‫جسده(‪.)4‬‬
‫قال الزرقاين‪ :‬وقيل‪ :‬فائدة النفث التربك بتلك الرطوبة أو اهلواء الذي مسه الذكر‪ ،‬كما يتربك بغسالة ما‬
‫يكتب من الذكر(‪.)5‬‬
‫وذكر ابن القيم للنفث حكماً أخرى منها‪:‬‬

‫(‪ )1‬أبو داود ‪ 3420‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫(‪ )2‬قال ِف حتفة األحوذي (‪( :)212/6‬ألنه من األدوية اإلهلية والطب النبوي ملا فيه من ذكر اهلل والتفويض إليه واالستعاذة بعزته وقدرته‬
‫وتكراره يكون أجنح وأبلغ كتكرار الدواء الطبيعي الستقصاء إخراج املادة وِف السبع خاصية ال توجد ِف غريها)‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري ‪.207/10‬‬
‫(‪ )4‬القاموس ‪ ،227‬فتح الباري ‪ ،219/10‬حاشية العدوي على أيب زيد ‪.452/2‬‬
‫(‪ )5‬شرح الزرقاين ‪.416/4‬‬
‫‪48‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫• إن الرقية خترج من قلب الراقي وفمه‪ ،‬فإذا صاحبها شيء من أجزاء باطنه من الريق واهلواء والنفس‪ ،‬كانت‬
‫أمت تأثرياً‪ ،‬وأقوى فعالً ونفوذاً‪ ،‬وحيصل باالزدواج بينهما كيفية مؤثرة شبيهة بالكيفية احلادثة عند تركيب‬
‫األدوية‪.‬‬
‫• إن النفث مما تستعني به األرواح الطيبة واخلبيثة‪ ،‬وهلذا تفعله السحرة كما يفعله أهل اإلميان‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫ات ِِف الْعُ َق ِد﴾ ؛ وذلك ألن النفس تتكيف بكيفية الغضب واحملاربة‪ ،‬وترسل أنفاسها‬ ‫﴿وِمن َشِّر النَّفَّاثَ ِ‬
‫َ‬
‫سهاما هلا‪ ،‬ومتدها بالنفث والتفل الذي معه شيء من الريق مصاحب لكيفية مؤثرة‪ ،‬والسواحر تستعني‬
‫بالنفث استعانة بينة‪ ،‬وإن مل تتصل جبسم املسحور‪ ،‬بل تنفث على العقدة وتعقدها‪ ،‬وتتكلم بالسحر‬
‫فيعمل ذلك ِف املسحور بتوسط األرواح السفلية اخلبيثة‪ ،‬فتقابلها الروح الزكية الطيبة بكيفية الدفع‪ ،‬والتكلم‬
‫بالرقية وتستعني بالنفث‪ ،‬فأيهما قوي كان احلكم له‪ ،‬ومقابلة األرواح بعضها لبعض‪ ،‬وحماربتها وآلتها من‬
‫جنس مقابلة األجسام‪ ،‬وحماربتها وآلتها سواء‪ ،‬بل األصل ِف احملاربة والتقابل لألرواح واألجسام آلتها‬
‫وجندها(‪.)1‬‬
‫وقد ذهب إىل استحباب النفث مجهور العلماء‪ ،‬قال النووي‪ :‬واستحبه اجلمهور من الصحابة والتابعني‬
‫ومن بعدهم(‪.)2‬والدليل على مشروعيته‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ول اهللِ ‪ ‬إِذَا م ِرض أَح ٌد ِمن أَهلِ ِه نَ َف َ ِ‬ ‫ِ‬
‫ض‬‫ث َعلَْيه بِالْ ُم َع ِّوذَات‪ ،‬فَلَ َّما َم ِر َ‬ ‫َ َ َ ْ ْ‬ ‫ت‪َ ( :‬كا َن َر ُس ُ‬ ‫‪ .1‬عن َعائ َشةَ ‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ت أ َْعظَ َم بََرَكةً ِم ْن يَ ِدي) َوِِف‬ ‫ِ ِِ ِ‬ ‫مرضه الَّ ِذي مات فِ ِيه‪ ،‬جع ْلت أَنْ ُف ُ ِ‬
‫ث َعلَْيه َوأ َْم َس ُحهُ بِيَد نَ ْفسه‪ ،‬أل ََِّنَا َكانَ ْ‬ ‫ََ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫ات(‪.)3‬‬ ‫ِرواي ِة َحيىي ب ِن أَيُّوب‪ِ :‬مبُع ِّو َذ ٍ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َْ ْ‬
‫‪ .2‬عن أيب سعيد اخلدري ‪ ‬أن ناسا من أصحاب النيب ‪ ‬أتوا على حي من أحياء العرب فلم يقروهم‪،‬‬
‫فبينما هم كذلك‪ ،‬إذ لدغ سيد أولئك‪ ،‬فقالوا‪ :‬هل معكم من دواء أو راق؟ فقالوا‪ :‬إنكم مل تقرونا‪ ،‬وال‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ‪ . 165/4‬سبحان اهلل الرقية فيها مضادة لعمل السحر ِف أكثر من شيء‪ ،‬فالساحر عزائم واستغاثة باجلن ليعقد السحر‪،‬‬
‫والرقى عزائم واستغاثة باهلل القاهر لدفعه‪ .‬السحر نفث‪ ،‬الرقى كذلك نفث‪ ،‬السحر يستخدم أِبرة جتلب اجلن‪ ،‬الرقى يستخدم بالتجربة‬
‫روائح تكرهها اجلن وذكر املسك األسود والقسط اهلندي‪ ،‬السحر يستخدم الزعفران ِف كتابة العزائم السحرية والرقى يستخدم الزعفران‬
‫بالرقى الشرعية لدفعه‪...‬‬
‫(‪ )2‬شرح مسلم ‪ .182/14‬وانظر‪ :‬فتح الباري‪ ،220/10‬زاد املعاد ‪.164/4‬‬
‫(‪ )3‬صحيح مسلم ح‪ .)2192( - 50:‬وِف البخاري ح‪ 5735 :‬عن الزهري‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة ‪« :‬أن النيب ‪ ‬كان ينفث على‬
‫نفسه ِف املرض الذي مات فيه باملعوذات‪ ،‬فلما ثقل كنت أنفث عليه هبن‪ ،‬وأمسح بيد نفسه لربكتها» فسألت الزهري‪ :‬كيف ينفث؟‬
‫قال‪« :‬كان ينفث على يديه‪ ،‬مث ميسح هبما وجهه»‪.‬‬
‫‪49‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫نفعل حىت جتعلوا لنا جعال‪ ،‬فجعلوا هلم قطيعا من الشاء‪ ،‬فجعل يقرأ بأم القرآن‪ ،‬ويجمع بزاقه ويتفل‪،‬‬
‫فربأ فأتوا بالشاء‪ ،‬فقالوا‪ :‬ال نأخذه حىت نسأل النيب ‪ ،‬فسألوه فضحك وقال‪" :‬وما أدراك أِنا رقية‪،‬‬
‫خذوها واضربوا يل بسهم"(‪ .)1‬فالنيب ‪ ‬أقره على فعله‪.‬‬
‫وقد ذهب النخعي وعكرمة واحلكم بن عيينة ومحاد وغريهم إىل كراهية النفث‪ ،‬ومنهم من كرهه مطلقاً‪،‬‬
‫ومنهم من قصر كراهة النفث عند قراءة القرآن كالنخعي‪.‬‬
‫ات ِِف الْعُ َق ِد﴾‪ .‬وأجيب‬
‫وحجتهم‪ :‬أن اهلل أمر باالستعاذة من النفث ومن فاعله ِف قوله‪﴿:‬وِمن َشِّر النَّفَّاثَ ِ‬
‫َ‬
‫عنه‪ :‬بأن املستعاذ منه ِف اآلية نفث السحرة املضر باألرواح‪ ،‬وأما نفث الرقية فهو الستصالح البدن فال يقاس‬
‫(‪)2‬‬
‫ُ‬
‫عليه‪ ،‬بدليل فعله ‪ ‬وفعل الصحابة ‪ ‬مع إقراره‪. ‬‬
‫لكن متى وقت النفث؟ أهو قبل القراءة أو معها أو بعدها؟‬
‫ظاهر النصوص أن كله سائغ‪ ،‬ففي حديث عائشة "أنه ‪ ‬كان إذا أوى إىل فراشه كل ليلة مجع كفيه‪،‬‬
‫مث نفث فيهما فقرأ فيهما‪ "...‬ففيه النفث قبل القراءة‪.‬‬
‫وِف رواية أخرى "أنه ‪ ‬كان إذا أوى إىل فراشه نفث ِف كفيه بقل هو اهلل أحد واملعوذتني"‪ ،‬قال ابن‬
‫حجر‪ :‬أي يقرؤها وينفث حال القراءة(‪.)3‬‬
‫وِف قصة املعتوه الذي رقاه أحد الصحابة أنه قرأ عليه الفاحتة ثالثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها مجع‬
‫بزاقه مث تفل"(‪ )4‬وهذا دليل على النفث عقب القراءة‪.‬‬
‫والنفث ليس بشرط صحة للرقية؛ بل شرط كمال هلا؛ بدليل أنّه جاء ِف ظاهر مجلة من األخبار الرقية‬
‫من غري نفث؛ كحديث عائشة ‪ :‬أن النيب ‪ ‬كان يعوذ بعض أهله‪ ،‬ميسح بيده اليمىن ويقول‪" :‬اللهم‬
‫رب الناس أذهب الباس‪ ،‬اشفه وأنت الشاِف‪ ،‬ال شفاء إال شفاؤك‪ ،‬شفاء ال يغادر سقما")‪ ،(5‬وكحديث أَِيب‬
‫يك‪ِ ،‬م ْن ُك ِّل‬‫ِ‬ ‫َن ِج ِْ‬ ‫سعِ ٍ‬
‫اس ِم اهللِ أ َْرق َ‬
‫ال‪« :‬بِ ْ‬
‫ال‪« :‬نَ َع ْم» قَ َ‬
‫ت؟ فَ َق َ‬ ‫َّيب ‪ ‬فَ َق َ‬
‫ال‪ :‬يَا ُحمَ َّم ُد ا ْشتَ َكْي َ‬ ‫يل‪ ،‬أَتَى النِ َّ‬
‫َ‬ ‫رب‬ ‫َّ‬ ‫أ‬ ‫‪،‬‬ ‫يد‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ح‪ ،5736 :‬ومسلم‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر ِف مذهب الكارهني واإلجابة عنه‪ :‬االستذكار ‪ ،30/27‬اجلامع ألحكام القرآن ‪ ،258/20‬فتح الباري‪.220/10‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري‪.220/10‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود ح‪ ،3872 :‬والنسائي ح‪ ،1032 :‬واحلاكم ‪ 560/1‬وصححه ووافقه الذهيب‪ .‬وقال األلباين ِف صحيح اجلامع ‪828/2‬‬
‫حديث صحيح‪ ،‬قال ابن حجر‪ :‬نعم وقعت للصحابة قصة أخرى ِف رجل مصاب ِف عقله فقرأ عليه بعضهم فاحتة الكتاب فربأ‪،‬‬
‫وقال إن سياقه وسببه خمتلف عن حديث أيب سعيد‪ .‬فتح الباري‪.455/4‬‬
‫(‪ )5‬البخاري ح‪.5743 :‬‬
‫‪50‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني ح ِ ٍ‬ ‫ٍ ِ‬


‫اس ِم اهللِ أ َْرق َ‬
‫يك»)‪.(1‬‬ ‫يك بِ ْ‬
‫اسد‪ ،‬اهللُ يَ ْشف َ‬ ‫يك‪ِ ،‬م ْن َشِّر ُك ِّل نَ ْف ٍ‬
‫س أ َْو َع ْ ِ َ‬ ‫َش ْيء يُ ْؤذ َ‬
‫‪-4‬اجلمع بني الطب الروحاين –الرقية‪ -‬والطب اجلسماين‪-‬الدواء الطبيعي‪ِ -‬ف الوقت نفسه وأنه ال‬
‫تعارض بينهما‪ ،‬فالنيب ‪ ‬رقى واستعمل الرتاب خلاصية الرتاب ِف التعقيم كما سيأيت ِف رقية اجلروح‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬الرقية الممنوعة‪:‬‬


‫هي ما اختل فيها أحد الشروط الثالثة املذكورة سابقاً‪.‬‬
‫فالرقى الشركية ممنوعة‪ ،‬وهلذا جاء الشرع بتحرمي تعليق الرقى اليت من غري القرآن كاحلرز واخليوط وما‬
‫كتب بالطالسم وأمساء اجلن فأبطلها اإلسالم؛ ملا تتضمنه من شرك؛ فكانوا يعتقدون أِنا تدفع املقادير املكتوبة‬
‫عليهم بنفسها والتفت إليها قلوهبم ِف دفع األذى الذي ال ميلك دفعه إال اهلل(‪ .)2‬وتكاثرت األحاديث ِف هذا‬
‫الباب‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫حديث ابن مسعود ‪ ‬قال مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪" :‬إن الرقى والتمائم والتولة شرك"(‪.)3‬‬
‫حديث عقبة بن عامر ‪ ‬أن رسول اهلل ‪ ‬أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل بايعت تسعة وتركت هذا‪ ،‬قال‪" :‬إن عليه متيمة" فأدخل يده فقطعها‪ ،‬فبايعه وقال‪" :‬من تعلق متيمة‬
‫فقد أشرك"(‪. )4‬‬
‫حديث عقبة بن عامر قال‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪" :‬من تعلق متيمة فال أمت اهلل له‪ ،‬ومن تعلق‬
‫ودعة فال ودع اهلل له"(‪.)5‬‬
‫يقول ابن تيمية ‪ :‬أكثر الرقى األعجمية تتضمن أمساء رجال من اجلن‪ ،‬ويُدعون ويستغاث هبم‪،‬‬
‫ويقسمون مبن يعظمونه‪ ،‬فتطيعهم الشياطني‪ ،‬وعامة ما بأيدي الناس من الرقى اليت ال تفقه بالعربية فيها ما‬

‫(‪ )1‬مسلم ح‪.1286 :‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري ‪ ،206/10‬حاشية ابن عابدين ‪ ،523/9‬البيان والتحصيل ‪ ،298/18‬فقه السنة‪ 416/1‬كشاف القناع ‪.238/6‬‬
‫(‪ )3‬سبق خترجيه‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسند أمحد ‪ ،156/4‬واحلاكم ِف املستدرك ‪ 219/4‬وقال اهليثمي ِف اجملمع ‪ :106/5‬رجال أمحد ثقات‪ .‬وصححه األلباين ِف‬
‫الصحيحة ح‪.492 :‬‬
‫(‪ )5‬أمحد ‪ ،154/4‬احلاكم ‪ ،216/4‬وقال‪ :‬صحيح‪ ،‬ووافقه الذهيب‪ .‬وقال املنذري‪ :‬إسناده جيد ‪ ،306/4‬وقال اهليثمي ‪ :106/5‬رجاله‬
‫ثقات‪ .‬وقال األلباين‪ :‬ضعيف جلهالة خالد بن عبيد‪ .‬السلسلة الضعيفة ح‪.1266:‬‬
‫‪51‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هو شرك(‪.)1‬‬

‫ومن نماذج الرقى الشركية‪:‬‬


‫ما جاء في رقية العين‪:‬‬
‫بسم اهلل وال بالغ إال باهلل ثالث مرات‪ ،‬مث تقرأ الفاحتة‪ ،‬مث تقول‪ :‬عزمت عليك أيتها العني اليت ِف فالن‬
‫بعزة اهلل وبنور عظمة وجه اهلل‪ ،‬عزمت عليك أيتها العني اليت ِف فالن حبق أهيا شراهيا براهيا‪ ...‬عزمت عليك‬
‫أيتها العني اليت ِف فالن حبق شهت هبت ‪ ...‬اخرجي يا نفس السوء(‪.)2‬‬
‫فهي رقية دلست الباطل باحلق‪ ،‬كالفاحتة والتسمية باهلل تعاىل‪ ،‬مث استغاثت بغري اهلل تعاىل هبذه األمساء‬
‫اليت يبدو أِنا أمساء جن!‬
‫ما جاء في رقية ذوات السموم‪:‬‬
‫بسم اهلل‪ ،‬يا قراءة اهلل‪ ،‬بالسبع السماوات‪ ،‬وباآليات املرسالت اليت حتكم وال حيكم عليها‪ ،‬يا سليمان‬
‫الرفاعي‪ ،‬ويا كاظم سم األفاعي‪ ،‬ناد األفاعي باسم الرفاعي‪ ،‬أنثاها وذكرها‪ ،‬طويلها وأبرتها‪ ،‬وأصفرها وأسودها‬
‫‪ ،...‬من شر ساري الليل وماشي النهار‪ ،‬استعنت عليها باهلل وبآيات اهلل وتسعة وتسعني نبياً وفاطمة بنت‬
‫النيب ومن جاء بعدها من ذريتها‪.‬‬
‫فهذه الرقية حتوي استغاثة باملخلوقات كقوله (بالسبع السماوات‪ ،‬يا سليمان الرفاعي‪ ،‬وتسعة وتسعني‬
‫نبياً وفاطمة بنت النيب ومن جاء بعدها من ذريتها)(‪ ،)3‬وكل هذا شرك‪.‬‬

‫وقد تمنع الرقية ال ألنها شرك وإنما لكونها محرمة أو وسيلة إلى حرام‪ ،‬كالرقى بغري املفهوم‪ ،‬فهذه‬
‫حمرمة ألِنا قد تكون وسيلة إىل الشرك‪ .‬ومما ُمينع من الرقى وحيرم‪:‬‬
‫‪ .1‬كتابة السور أو اآلية وتكرارها مرات عديدة هبيئات خمتلفة‪ ،‬فيجعلون أول السورة آخرها‪ ،‬وآخرها أوهلا‪.‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ ،16-13/19‬اقتضاء الصراط املستقيم ‪.462/1‬‬


‫(‪ )2‬السنن واملبتدعات املتعلقة باألذكار والصلوات حملمد الشقري ‪ ،323‬اإلبداع ِف مضار االبتداع لعلي حمفوظ ‪ .425‬وانظر أحكام الرقى‬
‫والتمائم لفهد الضويان‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬جمموع فتاوى ابن باز ‪.214/1‬‬
‫‪52‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وتارة تكتب السورة أو اآلية حبروف مقطعة كل حرف على حدته‪ ،‬ويزعمون أن هلا هبذه اهليئة خصوصية‬
‫ليست لغريها من اهليئات مع مراعاة أحوال الكواكب‪ .‬ومثل هذا حمرم وإن كان من القرآن؛ ألنه مل يؤت‬
‫به على الوجه الذي نزل به‪ ،‬إضافة إىل مراعاة أحوال الكواكب أثناء عمل تلك التمائم(‪.)1‬‬
‫‪ .2‬ومن ذلك كتابة السور وحذف بعض األلفاظ منها ويوضع بدهلا كلمات أخرى ليست من القرآن ومن‬
‫ذلك ما يُسمى حبجاب القرنية‪ ،‬ونصها‪:‬‬
‫(أمل تر كيف فعل ربك بالقرنية‪ ،‬أمل جيعل كيد القرنية ِف تضليل وأرسل على القرنية طرياً أبابيل‪ ،‬ترميهم‬
‫حبجارة من سجيل‪ ،‬فجعل القرنية كعصف مأكول)(‪.)2‬‬

‫وبما أ ّن الحديث عن الرقية الممنوعة فإن غالب من يعملها –خاصة الشركية‪ -‬هم السحرة‬
‫والمشعوذون؛ ألجل ذلك يحسن التعريف بالسحر والشعوذة ورجالها‪ ،‬فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫السحر‪ :‬املراد به‪ :‬إخراج الباطل ِف صورة احلق‪ ،‬ويقال له اخلديعة‪ .‬وهو عمل يتقرب به إىل الشيطان‬
‫ومبعونة منه(‪.)3‬‬
‫ُخ ٌذ كالسحر يُرى الشيء بغري ما عليه أصله ِف رأي العني(‪.)4‬‬ ‫الشعوذة‪ :‬خفة ِف اليد‪ ،‬وأ ْ‬
‫يقول الشنقيطي‪ :‬اعلم أن السحر ِف االصطالح ال ميكن حده حبد جامع مانع؛ لكثرة األنواع الداخلة‬
‫حتته‪ ،‬وال يتحقق قدر مشرتك بينها يكون جامعاً هلا مانعاً لغريها‪ ،‬ومن هنا اختلفت عبارات العلماء ِف حده‬
‫اختالفاً متبايناً(‪.)5‬‬
‫ك ُسلَْي َما َن﴾ مثانية أنواع‬ ‫ني َعلَى م ْل ِ‬ ‫ِ‬ ‫وقد َّ‬
‫ُ‬ ‫عد َد ابن كثري عند تفسري قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬واتَّبَ عُواْ َما تَ ْت لُواْ الشَّيَاط ُ‬
‫للسحر أحدها الشعوذة‪ ،‬وهي سحر التخييل واألخذ بالعيون‪ ،‬قال ابن كثري‪ :‬وقد قال بعض املفسرين إن‬
‫ال أَلْ ُق ْواْ فَلَ َّما أَلْ َق ْواْ َس َح ُرواْ‬
‫سحر السحرة بني يدي فرعون إَّنا كان من باب الشعوذة وهلذا قال تعاىل‪﴿ :‬قَ َ‬
‫وه ْم َو َجاءوا بِ ِس ْح ٍر َع ِظي ٍم﴾ وقال تعاىل‪ُ ﴿ :‬خيَيَّ ُل إِلَْي ِه ِمن ِس ْح ِرِه ْم أ ََِّنَا تَ ْس َعى﴾ قالوا‪ :‬ومل‬ ‫اس َ ْرتَهبُ ُ‬ ‫ني الن ِ‬
‫َّاس َو ْ‬ ‫أ َْع َُ‬

‫(‪ )1‬معارج القبول ‪ ،468/1‬مشوس األنوار للتلمساين املغريب ‪.28‬‬


‫(‪ )2‬السنن واملبتدعات للشقريي ‪.332‬‬
‫(‪ )3‬لسان العرب ‪ ،348/4‬معجم مقاييس اللغة ‪.138/3‬‬
‫(‪ )4‬لسان العرب ‪ 495/3‬والشعبذة أصح من الشعوذة‪.‬‬
‫(‪ )5‬أضواء البيان ‪.444/4‬‬
‫‪53‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تكن تسعى ِف نفس األمر(‪.)1‬‬


‫قال ابن خلدون‪ :‬الشريعة مل تفرق بني السحر والطلسمات والشعوذة وجعلته كله باباً واحداً حمظوراً‪ ،‬ألن‬
‫األفعال إَّنا أباح لنا الشارع منها ما يهمنا ِف ديننا الذي فيه صالح آخرتنا وِف معاشنا الذي فيه صالح‬
‫دنيانا ‪ ،‬وما ال يهمنا ِف شيء منهما فإن كان فيه ضرر أو نوع ضرر كالسحر احلاصل ضرره بالوقوع وتلحق‬
‫به الطلسمات؛ ألن أثرمها واحد؛ وكالنجامة اليت فيها نوع ضرر باعتقاد التأثري فتفسد العقيدة اإلميانية برد‬
‫األمور إىل غري اهلل فيكون حينئذ ذلك الفعل حمظوراً على نسبته ِف الضرر‪ ،‬وإن مل يكن مهماً علينا وال فيه‬
‫ضرر فال أقل من تركه قربة إىل اهلل‪ ،‬فإن من حسن إسالم املرء تركه ما ال يعنيه‪ ،‬فجعلت الشريعة باب السحر‬
‫والطلسمات والشعوذة باباً واحداً ملا فيها من الضرر وخصته باحلظر والتحرمي(‪.)2‬‬
‫وللساحر المتغطي بالرقية عالمات يعرف بها‪ ،‬منها‪:‬‬
‫• أنه ال يصلي وال يذكر اهلل‪ ،‬ولو صلى أحياناً‪ ،‬فهو من باب التمويه على الناس‪.‬‬
‫• يسأل عن اسم أم املرقي دائماً‪ ،‬ويسأل عن جنم اإلنسان‪.‬‬
‫• يطلب من املرقي شيئاً من آثاره‪ ،‬إما من مالبسه أو بقايا أكله‪ ،‬أو شعره وظفره‪.‬‬
‫• يتلفظ ويتمتم بأشياء غري مفهومه‪ ،‬ويدعي بعضهم معرفة الغيب‪ ،‬أو خيرب ببعض املغيبات اخلاصة باملرقي‬
‫أو غريه‪.‬‬
‫• يطلب أموراً ختالف الشرع‪ ،‬كطلبه عدم مس املاء مدة معينة‪ ،‬أو عدم ذكر اهلل‪ ،‬أو الذبح لغري اهلل‪.‬‬
‫• يكتب رقية تتضمن جداول وأرقاماً أو رموزاً غري مفهومه‪ ،‬وأحياناً يضيف إليها آيات قرآنية للتمويه لكنه‬
‫حيرفها ويزيد فيها حروفاً أو ينقص‪ ،‬ويأمر املرقي بدفنها أو يتوىل هو دفنها ِف املقابر أو حتت أعتاب‬
‫البيوت أو ِف البحار‪.‬‬
‫• ال يتورع عن فعل الفواحش مبن يرقيه‪ ،‬كأن يزين باملرأة إذا وجد فرصة أو يسحر املريض التاجر فيجعله‬
‫كاخلامت بيده لالستيالء على ماله‪.‬‬
‫• إهانة القرآن الكرمي‪ ،‬بوضع النجاسات عليه أو دوسه باألقدام وَنو ذلك‪.‬‬
‫• استعمال بعض األِبرة اخلبيثة ويطلبون من املريض التبخر هبا ِف أوقات انتشار الشياطني مثل عند طلوع‬
‫الشمس أو غروهبا‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري القرآن البن كثري ‪.139/1‬‬


‫(‪ )2‬مقدمة ابن خلدون ‪.135/3‬‬
‫‪54‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫• بيوهتم خبيثة ال ذكر فيها وال نظافة ويتخذون أوكارهم ِف األماكن القذرة غالباً‪.‬‬
‫• قراءة الكف والفنجال(‪.)1‬‬
‫وننوه إىل أ ّن حصول الشفاء على أيدي السحرة وَنوهم من الكهان ال يدل على صدقهم وال على‬
‫كرامتهم‪ ،‬فمن تأمل الوعيد الشديد ملن ذهب إىل الكهان علم قطعاً أ ّن الشرع ال ينهى إال عن شيء فيه‬
‫مضرة‪ .‬وال جيوز الظن بأ ّن كل من كان له شيء من خوارق العادات أنه ويل اهلل؛ ألن هذه اخلوارق تكون‬
‫لكثري من الكفار واملشركني وأهل الكتاب واملنافقني‪ ،‬وحتصل هلم باألمور اليت فيها شرك كاالستغاثة باملخلوقات‬
‫من اجلن وغريهم ‪ .‬فمثل هذه اخلوارق إذا كانت ألمثال هؤالء فهي من الشياطني؛ إذ الكرامة اليت لألولياء‬
‫سببها اإلميان والتقوى(‪.)2‬‬
‫وما حيصل من شفاء بعض املصروعني وغريهم على أيديهم إَّنا هو من ترتب األسباب على مسبباهتا‪،‬‬
‫واألسباب منها ما هو مشروع ومنها ما هو ممنوع كأسباب طلب الرزق منها ما هو مشروع ومنها ما هو‬
‫ممنوع‪ ،‬فحصول الرزق من السبب املمنوع ال يدل على صحته أو مشروعيته‪.‬‬
‫وهؤالء يتقربون إىل الشياطني مبا حيبونه‪ ،‬فيتقربون إليهم بأمساء من يعظمونه‪ ،‬ومبا حيبونه من الكفر والشرك‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ تعينهم على بعض‬ ‫إما بالذبح لغري اهلل أو كتابة اسم اهلل ِف النجاسة‪ ،‬ويصري ذلك كالرشوة للشياطني‪،‬‬
‫أغراضهم كاخلروج من املصروع وغريه(‪.)3‬‬
‫وملزيد من اإليضاح نقرأ ما يقوله أحد السحرة‪( :‬اعلم أيها الطالب الراغب ِف هذا الشأن أنين ملا حكمين‬
‫اهلل تعاىل على اجلن(‪ )4‬ورفع احلجاب بيين وبينهم‪ ،‬اجتمعت ذات يوم مع امللوك السبعة ِف كهف‪ ،‬فسألتهم‬
‫عما حيدث على الرجال والنساء من أنواع اجلن كالصرع والضرب وغري ذلك‪ ،‬فقالوا يل بأمجعهم‪ :‬لوال أنت‬
‫ما أخربنا أحداً عن ذلك؛ ولكن وقعت العقود والعهود واألمساء بيننا وبينك‪ ،‬ولوال األمساء اليت قهرتنا هبا ما‬
‫جئناك‪ ،‬وذكروا له أن من عالج املصروعني ذكر أمساء امللوك السبعة ِف الرقية)(‪ .)5‬فالعالج ال يكون إال‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الدرر احلسان ِف عالج العني والسحر ومس اجلان للشمراين ‪ ،108‬فتح احلق املبني ِف عالج الصرع والسحر والعني الطيار‬
‫واملبارك ‪ ،130‬شفاء الرمحن للسحر واحلسد وأمراض اجلان للتومي‪ ،90‬السحر والعني والرقية منهما فهد القاضي ‪.14‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الفرقان بني أولياء الرمحن وأولياء الشيطان البن تيمية ‪ ،170 ،70 ،44‬جمموع الفتاوى ‪ ،363/1‬النبوات البن تيمية ‪.395‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى ‪ ،35 ،33 ،13/19‬النبوات ‪ ،399‬أحكام اجلان للشبلي ‪.134‬‬
‫َح ٍد ِّم ْن بَ ْع ِدي‬ ‫ِ ِ‬
‫ب ِيل ُملْكاً َّال يَنبَغي أل َ‬
‫ال ر ِّ ِ‬
‫ب ا ْغف ْر ِيل َوَه ْ‬ ‫(‪ )4‬يزعم أن اهلل حكمه ِف اجلن! وما كانت هذه ألحد بعد سليمان ‪﴿ ‬قَ َ َ‬
‫َص َف ِاد﴾‪.‬‬
‫ني ِِف ْاأل ْ‬
‫ِ‬
‫آخ ِر َ‬
‫ين ُم َقَّرن َ‬ ‫ني ُك َّل بَنَّاء َو َغ َّو ٍ‬
‫اص * َو َ‬
‫ِ‬
‫اب * َوالشَّيَاط َ‬
‫َص َ‬ ‫يح َْجت ِري بِأَ ْم ِرِه ُر َخاء َحْي ُ‬
‫ثأ َ‬ ‫الر َ‬
‫اب * فَ َس َّخ ْرنَا لَهُ ِّ‬
‫َنت الْ َوَّه ُ‬ ‫إِن َ‬
‫َّك أ َ‬
‫(‪ )5‬مشوس األنوار وكنوز األسرار للتلمساين ‪.113‬‬
‫‪55‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫باالستغاثة بأمساء امللوك السبعة وهذه هو الشرك‪.‬‬


‫ومع كل احلرام الذي يُبذل هلؤالء إال أن مرتادي السحرة وأضراهبم كثرياً ما يرجعون ِبفي حنني لكن بعد‬
‫أن يثلموا أمواهلم ويهدموا عقيدهتم؛ وذلك لعجز الكهان عن بعض اجلن‪ ،‬ولكثرة الكذب الذي هو صفة‬
‫ظاهرة عند هؤالء القوم‪ .‬يقول ابن تيمية‪:‬‬
‫(أرباب العزائم مع كون عزائمهم تشتمل على شرك وكفر ال جتوز العزمية والقسم به‪ ،‬فهم كثريا ما يعجزون‬
‫عن دفع اجلين‪ ،‬وكثرياً ما تسخر منهم اجلن إذا طلبوا منهم قتل اجلين الصارع لإلنس أو حبسه‪ ،‬فيخيلوا إليهم‬
‫أِنم قتلوه أو حبسوه‪ ،‬ويكون ذلك ختييالً وكذباً) ويقول أيضاً‪( :‬وأهل العزائم واألقسام يقسمون على بعضهم‬
‫ليعينهم على بعض‪ ،‬تارة يربون قسمه‪ ،‬وكثرياً ال يفعلون ذلك‪ :‬بأن يكون ذلك الجني معظما عندهم وليس‬
‫ِ ِ ِ‬
‫للمعزم وعزيمته من الحرمة ما يقتضي إعانتهم على ذلك‪ ،‬إ ْذ َكا َن الْ ُم َعِّزُم قَ ْد يَ ُكو ُن مبَْن ِزلَة الَّذي ُحيَلِّ ُ‬
‫ف َغ ْ َريهُ‬
‫َويُ ْق ِس ُم َعلَْي ِه ِمبَ ْن يُ َعظِّ ُمهُ‪ ،‬وهذا ختتلف أحواله فمن أقسم على الناس ليؤذوا من هو عظيم عندهم مل يلتفتوا‬
‫إليه وقد يكون ذاك منيعا فأحواهلم شبيهة بأحوال اإلنس؛ لكن اإلنس أعقل وأصدق وأعدل وأوىف بالعهد؛‬
‫واجلن أجهل وأكذب وأظلم وأغدر)‪ .‬ويقول أيضاً‪( :‬والشيطان إذا عرف أ ّن صاحبه مستخف بالعزائم لم‬
‫يساعده) (‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.61/19 .46-45/19‬‬


‫‪56‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كيفية العالج بالرقية المشروعة وألفاظها‬


‫الرقية الشرعية تكون حتصيناً قبل وقوع الداء لدفعه‪ ،‬وتكون بعد وقوعه لرفعه‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬واعلم أن‬
‫األدوية الطبيعية اإلهلية تنفع من الداء بعد حصوله‪ ،‬وتمنع من وقوعه‪ ،‬وإن وقع مل يقع وقوعاً مضراً‪ ،‬وإن‬
‫كان مؤذياً‪ ،‬واألدوية الطبيعية إَّنا تنفع بعد حصول الداء‪ .‬فالتعوذات واألذكار إما أن متنع وقوع هذه األسباب‪،‬‬
‫وإما أن حتول بينها وبني كمال تأثريها حبسب كمال التعوذ وقوته وضعفه‪ ،‬فالرقى والعوذ تستعمل حلفظ‬
‫الصحة‪ ،‬وإلزالة املرض)(‪.)1‬‬
‫وقال املواق‪( :‬قوله‪ :‬من مجلة الرقى ما يقال عند ركوب الدابة مما يدفع عنها مشقة احلمل ألن ما حيصن‬
‫به من مجلة ما يُقصد به بالرقية)(‪.)2‬‬

‫الرقية قبل وقوع الداء‪.‬‬


‫وهي كثرية ويتطرق هلا بإسهاب كتب األوراد واألدعية‪ ،‬ونورد هنا باقتضاب أصوهلا‪:‬‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫فمن أولها‪ :‬تقوى اهلل تعاىل حبفظ أوامره ونواهيه؛ يدل عليه عموم قوله تعاىل‪﴿ :‬إ َّن اللَّهَ يُ َداف ُع َع ِن الذ َ‬
‫ين‬
‫َآمنُوا﴾‪ ،‬وقوله ‪ ‬البن عباس‪" :‬احفظ اهلل حيفظك‪ ،‬احفظ اهلل جتده جتاهك"(‪.)3‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلكثار من قراءة املعوذتني وسورة اإلخالص‪ :‬فعن أيب سعيد قال‪ :‬كان رسول اهلل ‪ ‬يتعوذ من‬
‫اجلان وعني اإلنسان حىت نزلت املعوذتان‪ ،‬فلما نزلت أخذ هبما وترك ما سوامها(‪ .)4‬قال ابن القيم‪ :‬إن هاتني‬
‫السورتني ال يستغين عنهما أحد قط‪ ،‬فإن هلما تأثرياً خاصاً ِف دفع السحر والعني وسائر الشرور(‪ .)5‬وِف‬
‫ِ‬ ‫حديث عائشة أنه ‪َ " ‬كا َن إِذَا أَوى إِ َىل فِر ِاش ِه ُك َّل لَي لَ ٍة َمجع َكفَّي ِه‪ُ ،‬مثَّ نَ َف ِ‬
‫ث في ِه َما فَ َقَرأَ في ِه َما‪ :‬قُ ْل ُه َو اللَّهُ‬
‫َ‬ ‫ْ ََ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اع ِم ْن َج َس ِدهِ‪ ،‬يَْب َدأُ هبِِ َما َعلَى َرأْ ِس ِه‬
‫استَطَ َ‬
‫ِِ‬
‫َّاس‪ُ ،‬مثَّ ميَْ َس ُح هب َما َما ْ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫ب ال َفلَ ِق َوقُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬
‫َح ٌد َوقُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬‫أَ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات"(‪.)6‬‬ ‫ث مَّر ٍ‬
‫ك ثَالَ َ َ‬ ‫َوَو ْج ِه ِه َوَما أَقْ بَ َل ِم ْن َج َسدهِ يَ ْف َع ُل َذل َ‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ‪.168-167/4‬‬


‫(‪ )2‬التاج واإلكليل ‪.228/1‬‬
‫(‪ )3‬النسائي ح‪ ،5494:‬ابن ماجه ح‪ ،3511 :‬الرتمذي ح‪ 2635 :‬وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬قال ابن رجب‪ :‬وطريق حنش اليت‬
‫أخرجها الرتمذي حسنة جيدة‪ .‬جامع العلوم واحلكم ‪ ،260/1‬وصححه األلباين ِف صحيح سنن الرتمذي ‪.209/2‬‬
‫(‪ )4‬الرتمذي ح‪ 2135 :‬وقال‪ :‬حسن غريب‪ ،‬وصححه السيوطي ِف اجلامع الصغري ‪ ،202/5‬واأللباين ِف صحيح اجلامع‪.882/2‬‬
‫(‪ )5‬بدائع الفوائد‪.199/2‬‬
‫(‪ )6‬البخاري ح‪.5017 :‬‬
‫‪57‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ومنها‪ :‬آية الكرسي‪ ،‬يدل عليها حديث أيب هريرة قال‪" :‬وكلين رسول اهلل ‪ ‬حبفظ زكاة رمضان فأتى‬
‫آت فجعل حيثو من الطعام فأخذته‪ ،‬فقلت‪ :‬ألرفعنك إىل رسول اهلل ‪– ‬فذكر القصة‪ -‬فقال‪ :‬إذا أويت‬
‫إىل فراشك فاقرأ آية الكرسي فإنه مل يزل معك حافظ وال يقربك شيطان حىت تصبح‪ ،‬فقال النيب ‪:‬‬
‫"صدقك وهو كذوب"(‪.)1‬‬
‫ول اهللِ‬ ‫ومنها‪ :‬آخر آيتني من سورة البقرة يقرأمها ِف الليل؛ حلديث أيب مسعود األنصاري قال‪ :‬قَ َ‬
‫ال َر ُس ُ‬
‫آخ ِر ُس َورةِ الْبَ َقَرةِ َم ْن قَ َرأ َُمهَا ِِف لَْي لَ ٍة َك َفتَاهُ"(‪ )2‬وِف أحد تفسرياته‪ :‬كفتاه من الشيطان‬
‫ان ِمن ِ‬
‫ِ‬
‫‪ْ " :‬اآليَتَ ْ‬
‫واآلفات(‪ .)3‬قال ابن بطال‪( :‬إذا كان من قرأ اآليتني من آخر سورة البقرة كفتاه‪ ،‬ومن قرأ آية الكرسي كان‬
‫عليه من اهلل حافظ وال يقربه شيطان حىت يصبح‪ ،‬فما ظنك مبن قرأها كلها من كفاية اهلل له وحرزه ومحايته‬
‫من الشيطان وغريه‪ ،‬وعظيم ما يدخر له من ثواهبا)(‪.)4‬‬
‫ومنها‪ :‬اإلكثار من العوذ النبوية وهي كثرية جداً‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫=حديث خولة بنت حكيم قالت‪ :‬مسعت رسول اهلل ‪ ‬يقول‪" :‬من نزل منزالً مث قال‪ :‬أعوذ بكلمات‬
‫اهلل التامة من شر ما خلق مل يضره شيء حىت يرحل من منزله ذلك"(‪.)5‬‬
‫=حديث عثمان بن عفان ‪ ‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ‪" :‬من قال ِف أول يومه أو ِف أول ليله‪ :‬بسم‬
‫اهلل الذي ال يضر مع امسه شيء ِف األرض وال ِف السماء وهو السميع العليم ثالث مرات مل يضره شيء ِف‬
‫ذلك اليوم أو ِف تلك الليلة"(‪.)6‬‬
‫يك لَهُ‪ ،‬لَهُ‬‫ال‪ :‬الَ إِلَهَ إَِّال اللَّهُ َو ْح َدهُ الَ َش ِر َ‬ ‫"م ْن قَ َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ‬قَ َ‬ ‫= حديث أيب هريرة ‪ : ‬أ َّ‬
‫َن َر ُس َ‬
‫ب لَهُ ِمائَةُ‬ ‫ِ ٍ ِ‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ٍ ِ‬
‫ت لَهُ َع ْد َل َع ْش ِر رقَاب‪َ ،‬وُكت َ‬ ‫ك َولَهُ احلَ ْم ُد‪َ ،‬وُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْيء قَد ٌير‪ِِ .‬ف يَ ْوم مائَةَ َمَّرةٍ‪َ ،‬كانَ ْ‬ ‫امل ْل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬
‫ض َل‬ ‫ف‬‫َ‬‫أ‬‫ِ‬‫ب‬ ‫د‬ ‫َح‬ ‫أ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬
‫أ‬ ‫ِ‬
‫ٌَ ْ َ‬ ‫َح َ َ َ ُ َ ْ َْ ُ َ ُ َ َِّ َ َ َ ْ ُ ْ ً َ ْ َ َ ْ َ ُ َ َ َ ُْ َ َ ْ َ‬
‫ي‬ ‫مل‬
‫َ‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫مي‬ ‫ىت‬ ‫َّ‬ ‫ح‬ ‫ك‬ ‫ل‬‫ذ‬ ‫ه‬ ‫م‬‫و‬ ‫ي‬ ‫‪،‬‬ ‫ان‬ ‫ط‬ ‫َّي‬
‫الش‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ا‬
‫ز‬ ‫ر‬‫ح‬ ‫ه‬‫َ‬‫ل‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫ا‬ ‫ك‬
‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ئ‬ ‫ي‬‫س‬ ‫ة‬ ‫ائ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫ي‬ ‫حم‬‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫ة‬ ‫ن‬‫س‬

‫(‪ )1‬البخاري ح‪.5010 :‬‬


‫(‪ )2‬البخاري ح‪ 5008 :‬مسلم ح‪.)807( - 255 :‬‬
‫(‪ )3‬قال النووي ِف شرح مسلم‪ :91/6 :‬من قرأمها ِف ليلة كفتاه‪ ،‬قيل معناه‪ :‬كفتاه من قيام الليل وقيل‪ :‬من الشيطان‪ ،‬وقيل‪ :‬من اآلفات‪.‬‬
‫وحيتمل من اجلميع‪ .‬اه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬شرح صحيح البخاري البن بطال ‪.247/10‬‬
‫(‪ )5‬مسلم ح‪.2708 :‬‬
‫(‪ )6‬مسند أمحد ‪ ،66/1‬أبو داود ح‪ ،5066 :‬الرتمذي ح‪ 3448 :‬وقال حسن غريب‪ ،‬واحلاكم ‪ 514/1‬وقال صحيح ووافقه الذهيب‬
‫وقال األلباين صحيح‪ .‬صحيح ابن ماجه ‪.3120‬‬
‫‪58‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِممَّا َجاءَ إَِّال َر ُج ٌل َع ِم َل أَ ْكثَ َر ِمْنهُ"(‪.)1‬‬


‫وكما أشرنا ِف أول الفقرة بأ ّن املقصود اللفتة ال اإلحاطة‪ ،‬فكتب األذكار هي حمل بسط هذا‪ ،‬كما أنه‬
‫سيأيت التوسع عند بيان الرقية بعد وقوع الداء‪.‬‬
‫يقول ابن القيم‪ :‬من جرب هذه الدعوات والعوذ عرف مقدار منفعتها وشدة احلاجة إليها(‪.)2‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما بالنا ال تغين عنا عوذنا شيء‪ ،‬فقد يورد أوراد الصباح واملساء ومع ذلك يصيبه األذى؟‬
‫فالجواب عليه‪ :‬حبروف ابن القيم‪( :‬وال ينكر عدم انتفاع كثري من املرضى بطب النبوة‪ ،‬فإنه إنما ينتفع‬
‫به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به‪ ،‬وكمال التلقي له باإلميان واإلذعان‪ ،‬فهذا القرآن الذي هو شفاء ملا‬
‫ِف الصدور ‪-‬إن مل يتلق هذا التلقي‪ -‬مل حيصل به شفاء الصدور من أدوائها‪ ،‬بل ال يزيد املنافقني إال رجساً‬
‫إىل رجسهم ومرضاً إىل مرضهم‪ ،‬وأين يقع طب األبدان منه فطب النبوة ال يناسب إال األبدان الطيبة‪ ،‬كما‬
‫أن شفاء القرآن ال يناسب إال األرواح الطيبة والقلوب احلية‪ ،‬فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن‬
‫االستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع‪ ،‬وليس ذلك لقصور في الدواء‪ ،‬ولكن لخبث الطبيعة‪ ،‬وفساد‬
‫المحل وعدم قبوله) ويقول‪( :‬ومن جرب هذه الدعوات والعوذ؛ عرف مقدار منفعتها‪ ،‬وشدة احلاجة إليها‬
‫وهي متنع وصول أثر العائن‪ ،‬وتدفعه بعد وصوله بحسب قوة إيمان قائلها‪ ،‬وقوة نفسه‪ ،‬واستعداده‪ ،‬وقوة‬
‫توكله‪ ،‬وثبات قلبه‪ ،‬فإنها سالح والسالح بضاربه)(‪.)3‬‬
‫وقال أيضاً‪( :‬اعلم أ ّن األدوية الطبيعية اإلهلية‪ :‬تنفع من الداء بعد حصوله ومتنع من وقوعه‪ ،‬وإ ْن وقع مل‬
‫يقع وقوعاً مضراً وإن كان مؤذياً‪ .‬واألدوية الطبيعية‪ :‬إَّنا تنفع بعد حصول الداء‪ .‬فالتعوذات واألذكار‪ ،‬إما أن‬
‫متنع وقوع هذه األسباب‪ ،‬وإما أ ْن حتول بينها وبني كمال تأثريها حبسب كمال التعوذ وقوته وضعفه)(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬البخاري ح‪ ،6403 :‬مسلم ح‪.)2691( - 28 :‬‬


‫(‪ )2‬الطب النبوي ‪.170‬‬
‫(‪ )3‬الطب النبوي ‪ .170 ،14‬وقال ِف الداء والدواء (ص‪( )9 :‬ولكن هاهنا أمر ينبغي التفطن له‪ ،‬وهو أن األذكار واآليات واألدعية اليت‬
‫يستشفى هبا ويرقى هبا‪ ،‬هي ِف نفسها نافعة شافية‪ ،‬ولكن تستدعي قبول احملل‪ ،‬وقوة مهة الفاعل وتأثريه‪ ،‬فمىت ختلف الشفاء كان‬
‫لضعف تأثري الفاعل‪ ،‬أو لعدم قبول املنفعل‪ ،‬أو ملانع قوي فيه مينع أن ينجع فيه الدواء‪ ،‬كما يكون ذلك ِف األدوية واألدواء احلسية‪،‬‬
‫فإن عدم تأثريها قد يكون لعدم قبول الطبيعة لذلك الدواء‪ ،‬وقد يكون ملانع قوي مينع من اقتضائه أثره‪ ،‬فإن الطبيعة إذا أخذت الدواء‬
‫بقبول تام كان انتفاع البدن به حبسب ذلك القبول‪ ،‬فكذلك القلب إذا أخذ الرقى والتعاويذ بقبول تام‪ ،‬وكان للراقي نفس فعالة ومهة‬
‫مؤثرة ِف إزالة الداء)‪.‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ‪ .167/4‬سبق إيراده لكن أعيد هنا ملناسبته‪.‬‬
‫‪59‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫الرقية بعد وقوع الداء‬


‫جاءت أخبار ِف رقية أنواع معينة من األدواء نسوقها هنا بإذن اهلل تعاىل‪..‬‬
‫وميكن تقسيم األخبار إىل قسمني‪:‬‬
‫‪-1‬األخبار اليت جاءت ِف الرقية بعد وقوع الداء لألمراض العضوية (اللديغ والبثرة واجلروح وَنو ذلك)‪.‬‬
‫‪-2‬األخبار اليت جاءت ِف الرقية بعد وقوع الداء لألمراض غري العضوية (السحر والعني واملس)‪.‬‬
‫خيطئ البعض حينما حيصر االستشفاء بالقرآن ِف األمراض الروحية (غري العضوية) بينما اهلل أخربنا ِف‬
‫كتابه أن القرآن (شفاء) من غري ختصيص؛ بل وصفه بالنتيجة (شفاء) ومل يصفه بأنه (دواء)؛ حلتمية النتيجة‬
‫مع اليقني الصادق بإذن اهلل تعاىل‪ ،‬ومن شفاء القرآن أنه يساعد ِف تسريع عمل الدواء الطبيعي بالتجربة(‪.)1‬‬
‫بل إ ّن للشيطان دور ِف استفحال عدداً من األمراض العضوية ِف البدن؛ أل ّن للشيطان حتكماً ِف جماري‬
‫القوة من اإلنسان لقوله ‪" :‬إن الشيطان جيري من ابن آدم جمرى الدم"(‪ ،)2‬والغضب من الشيطان والغضب‬
‫أثره على األمراض العضوية ظاهر فهو أساس كثري من األمراض العضوية كقرحة املعدة أو القولون العصيب‬
‫والسكر عند بعض الناس ناشئ عن القلق الذي سببه الغضب‪ ،‬وكذا أمراض الرأس من الصداع أو اجللطة‬
‫والسكتة الدماغية والذحبة الصدرية تنشأ عن الغضب وغريها‪.‬‬
‫ك ِعر ٌق"(‪ ،)3‬وقال أخرى‪" :‬ه ِذهِ رْكضةٌ ِمن رَكض ِ‬‫ِ ِ‬
‫ات‬ ‫َ َ َ ْ َ َ‬ ‫وِف االستحاضة قال النيب ‪ ‬مرة‪" :‬إََّّنَا ذَل َ ْ‬
‫ان"(‪ ،)4‬وال يفهم من هذا ترك التداوي باألدوية الطبيعة والذهاب للمستشفيات؛ فكالمها سبب يسلك‬ ‫الشَّيطَ ِ‬
‫ْ‬
‫ويطلب‪ ،‬مع اليقني بأن الشفاء من اهلل وإذا نزل الشفاء نفع الدواء(‪.)5‬‬

‫(‪ِ )1‬ف كتاب كيف تعاجل مريضك ‪ :32‬ذكر أنه بالتجربة إذا كان مقرراً نزع اجلبرية خالل شهرين‪ ،‬مع الرقية يربأ العضو ِف أقل من شهر‬
‫بإذن اهلل وأن ذلك مثبت ِف التقارير الطبية حسب جتربته‪ ،‬وأن بينه وبني أطباء تعاون ِف هذا‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري ح‪ ،3281 :‬مسلم ح‪ .2174-23 :‬نقل النووي ِف شرح مسلم ‪( :157/14‬قال القاضي وغريه قيل هو على ظاهره وأن‬
‫اهلل تعاىل جعل له قوة وقدرة على اجلري ِف باطن اإلنسان جماري دمه) ونقل النووي أ ّن القصد من جريانه الوسوسة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود ح‪ 280 :‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود ح‪ 287 :‬وحسنه األلباين‪ .‬فيحاول الشيطان أن يطيل فرتة احليض إما حبجز بعض الدم مث يرتكه ينزل كي ال تصلي املرأة وال‬
‫تقرأ القرآن‪ ،‬وإما أن جيرح املكان حىت يوهم املرأة فال تستطيع أن متيز الدم فتتوقف عن الصالة‪ .‬ينظر كيف ترقي مريضك بالرقية‬
‫الشرعية ‪ .13-12‬وذكر أمراضاً عضوية كثرية تنشأ عن عداوة اجلن لبين آدم ومما ذكر أنواعاً من األمراض النفسية‪.‬‬
‫(‪ )5‬كيف ترقي مريضك ‪.15‬‬
‫‪60‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فلنشرع في بيان ما جاء في رقية األمراض العضوية‪:‬‬


‫**رقية اللديغ‪ :‬وتسمى رقية احلُ َّمة واحلُ َمة‪ ،‬وهو السم‪ .‬وتطلق احلمة على إبرة العقرب للمجاورة؛ ألن‬
‫السم خيرج منها‪ .‬فاحلمة لفظ عام يشمل سم مجيع ذوات السموم من احليات والعقارب وغريها(‪.)1‬‬
‫وقد جاءت النصوص صرحية ِف مشروعية الرقية من احلمة‪ ،‬ومنها حديث عائشة ‪ ‬قالت‪( :‬رخص‬
‫رسول اهلل ‪ِ ‬ف الرقية من كل ذي محة)(‪ ،)2‬وهذا عام ِف كل لدغة‪ .‬وجاءت أحاديث خاصة ِف أنواع احلمة‬
‫منها حديث جابر ‪ ‬قال‪ِ :‬نى رسول اهلل ‪ ‬عن الرقى‪ ،‬فجاء آل عمرو بن حزم إىل رسول اهلل ‪‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل إنه كانت عندنا رقية نرقى هبا من العقرب‪ ،‬وإنك ِنيت عن الرقى‪ ،‬قال‪ :‬فعرضوها عليه‪.‬‬
‫فقال‪" :‬ما أرى بأساً من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه"‪.‬‬
‫وبالبحث عن ماهية تلك الرقى اليت عرضها آل حزم وغريهم ِف رقية اللديغ وقفنا على نصوص ال تسلم‬
‫من وه ٍن‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ما ذكره أبو نعيم األصبهاين ِف كتاب الطب النبوي‪ :‬من حديث جابر ‪ ‬قال‪ :‬كان ِف املدينة رجل‬
‫يكىن أبا مذكور يرقي من العقرب وينفع اهلل هبا‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪ :‬يا أبا مذكور ما رقيتك هذه؟ أعرضها‬
‫علي‪ .‬فقال أبو مذكور‪( :‬شجه قرنية ملحة حبر فقطا) فقال رسول اهلل ‪" :‬ال بأس هبا إَّنا هذه مواثيق‬ ‫ّ‬
‫أخذها سليمان بن داود على اهلوام"‪ .‬قال حممد بن إسحاق زادين ِف هذه الرقية رجل‪( :‬شجه قرينة حبر فقطا‬
‫وقطيفة موسى مسها واملسيح يلبسها‪ ،‬وما لنا أال نتوكل على اهلل وقد هدانا سبلنا ولنصربن على ما آذيتمونا‬
‫وعلى اهلل فليتوكل املؤمنون)‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬قرأت ما ال أحصي من مرة هذه الرقية على عقرب فوقفت(‪.)3‬‬
‫فإن صح اخلرب بذلك؛ وإال ففيما صح نقله من نصوص عن النيب ‪ِ ‬ف رقية اللديغ كفاية وخري‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪-1‬رقية اللديغ بالفاتحة‪ :‬ودليله حديث أيب سعيد رضي اهلل عنه‪ :‬قال‪ :‬انطلق نفر من أصحاب النيب‬
‫‪ِ ‬ف سفرة سافروها‪ ،‬حىت نزلوا على حي من أحياء العرب‪ ،‬فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم‪ ،‬فلدغ سيد‬

‫(‪ )1‬النهاية البن األثري مادة محة ‪.446/1‬‬


‫(‪ )2‬البخاري ح‪.5741 :‬‬
‫(‪)3‬الطب النبوي أليب نعيم األصفهاين ‪ 552/2‬ح‪ .573 :‬وأخرجه الرتمذي ِف نوادر األصول ِف األصل الثالث والثمانني من طريق‬
‫العزرمي‪ ،‬قال الدارقطين هو وولده وأبوه مرتوكون‪ .‬وقد ضعفه ابن حجر ِف اإلصابة ‪ .173/7‬ورواه الطرباين ِف األوسط ح‪،5276 :‬‬
‫وأخرجه اهليثمي ِف جممع الزوائد خمتصراً عن عبد اهلل بن زيد ‪ ،111/5‬وقال اهليثمي‪ :‬إسناده حسن‪ .‬وقال عن احلديث حمقق جممع‬
‫البحرين للهيثمي ‪ 60/8‬رقم ‪ 4710‬فيه عبد اهلل بن صاحل كثري الغلط‪ .‬وِف مصنف ابن أيب شيبة (‪ )44/5‬ح‪ 23554 :‬أن إبراهيم‬
‫بن األسود كان يرقي من لدغة العقرب باحلمريية‪.‬‬
‫‪61‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ذلك احلي‪ ،‬فسعوا له بكل شيء ال ينفعه شيء‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬لو أتيتم هؤالء الرهط الذين نزلوا‪ ،‬لعله أن‬
‫يكون عند بعضهم شيء‪ ،‬فأتوهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ‪ ،‬وسعينا له بكل شيء ال ينفعه‪ ،‬فهل‬
‫عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم‪ :‬نعم‪ ،‬واهلل إين ألرقي‪ ،‬ولكن واهلل لقد استضفناكم فلم تضيفونا‪،‬‬
‫فما أنا براق لكم حىت جتعلوا لنا جعالً‪ ،‬فصاحلوهم على قطيع من الغنم‪ ،‬فانطلق يتفل عليه‪ ،‬ويقرأ‪ :‬احلمد هلل‬
‫رب العاملني فكأَّنا نشط من عقال‪ ،‬فانطلق ميشي وما به قلبة‪ ،‬قال‪ :‬فأوفوهم جعلهم الذي صاحلوهم عليه‪،‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬اقسموا‪ ،‬فقال الذي رقى‪ :‬ال تفعلوا حىت نأيت النيب ‪ ‬فنذكر له الذي كان‪ ،‬فننظر ما يأمرنا‪،‬‬
‫فقدموا على رسول اهلل ‪ ‬فذكروا له‪ ،‬فقال‪« :‬وما يدريك أِنا رقية»‪ ،‬مث قال‪« :‬قد أصبتم‪ ،‬اقسموا‪ ،‬واضربوا‬
‫يل معكم سهماً» فضحك رسول اهلل ‪.)1(‬‬
‫فقد انتفع برقيته بالفاحتة لوحدها‪ ،‬وال غرابة فالقرآن عظمته من عظمة الرب فهو كالمه ‪ ‬لو نزل على‬
‫جبل لص ّدعه فكيف مبا هو دونه‪ ،‬والفاحتة أعظم سوره فلم ينزل ِف القرآن‪ ،‬وال ِف التوراة‪ ،‬وال ِف اإلجنيل‪ ،‬وال‬
‫ِف الزبور مثلها‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬وحقيق بسورة هذا بعض شأِنا أن يستشفى هبا من األدواء‪ ،‬ويرقى هبا اللديغ‪.‬‬
‫وباجلملة فما تضمنته الفاحتة من إخالص العبودية والثناء على اهلل‪ ،‬وتفويض األمر كله إليه‪ ،‬واالستعانة به‪،‬‬
‫اك نَعب ُد وإِيَّ َ ِ‬
‫ني﴾‪ ،‬وال ريب أن هاتني الكلمتني من‬ ‫اك نَ ْستَع ُ‬ ‫والتوكل‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن موضع الرقية منها‪﴿ :‬إِيَّ َ ْ ُ‬
‫أقوى أجزاء هذا الدواء‪ ،‬فإن فيهما من عموم التفويض والتوكل‪ ،‬وااللتجاء واالستعانة‪ ،‬واالفتقار والطلب‪،‬‬
‫واجلمع بني أعلى الغايات‪ ،‬وهي عبادة الرب وحده‪ ،‬وأشرف الوسائل وهي االستعانة به على عبادته‪ ،‬ما ليس‬
‫ِف غريها‪ ،‬ولقد مر يب وقت مبكة سقمت فيه‪ ،‬وفقدت الطبيب والدواء‪ ،‬فكنت أتعاجل هبا آخذ شربة من ماء‬
‫زمزم وأقرؤها عليها مرارا‪ ،‬مث أشربه فوجدت بذلك الربء التام‪ ،‬مث صرت أعتمد ذلك عند كثري من األوجاع‬
‫فأنتفع هبا غاية االنتفاع) (‪.)2‬‬
‫ت‬‫‪-2‬رقية اللديغ ب (قل يا أيها الكافرون) واإلخالص والمعوذتين‪ :‬ودليله حديث علي ‪ ‬قال‪ :‬لَ َد َغ ِ‬
‫صلِّيًا َوَال َغ ْ َريهُ»‪ُ ،‬مثَّ َد َعا ِمبَ ٍاء َوِم ْل ٍح‪،‬‬ ‫ال‪« :‬لَ َع َن اللَّهُ الْ َع ْقَر َ‬
‫ب َال تَ َدعُ ُم َ‬ ‫صلِّي‪ ،‬فَلَ َّما فَ َر َ‬
‫غ قَ َ‬ ‫ب َوُه َو يُ َ‬ ‫النِ َّ‬
‫َّيب ‪َ ‬ع ْقَر ٌ‬

‫(‪ )1‬البخاري ح‪ ،2276 :‬ومسلم ح‪ )2201( - 65 :‬ومعىن‪( :‬فاستضافوهم) طلبوا منهم الضيافة‪( .‬فلدغ) ضربته حية أو عقرب‪.‬‬
‫(الرهط) ما دون العشرة من الرجال‪( .‬جعالً) أجرة‪( .‬فصاحلوهم) اتفقوا معهم‪( .‬قطيع) طائفة من الغنم‪( .‬يتفل) من التفل وهو النفخ‬
‫مع قليل من البصاق‪( .‬نشط من عقال) فك من حبل كان مشدودا به‪( .‬قلبة) علة‪( .‬وما يدريك أِنا رقية) ما الذي أعلمك أِنا يرقى‬
‫هبا‪( .‬اضربوا يل معكم سهما) اجعلوا يل منه نصيباً‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد املعاد ‪.164-163/4‬‬
‫‪62‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اس)(‪ )1‬وعند‬ ‫ب النَّ ِ‬ ‫َو َج َع َل ميَْ َس ُح َعلَْي َها َويَ ْقَرأُ بِ قُ ْل يَا أَيُّ َها الْ َكافُِرو َن‪ ،‬وقُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬
‫ب الْ َفلَ ِق‪ ،‬وقُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬
‫البيهقي ِف الشعب قل هو اهلل أحد بدل قل يا أيها الكافرون(‪.)2‬‬
‫فجعل ‪ ‬يضع موضع اللدغة ِف املاء وامللح ويقرأ تلك السور حىت سكنت‪ .‬فجمع ‪ ‬بني الرقية مع‬
‫الدواء الطبيعي (املاء وامللح) وكالمها أسباب من اهلل تعاىل‪.‬‬
‫أما سورة اإلخالص فتعدل ثلث القرآن ملا تضمنته من إثبات اسم (الصمد) املستلزم إلثبات كل كمال‬
‫هلل تعاىل من كون اخلالئق تقصده ِف حوائجها‪ ،‬وال يقصد إال ملك قادر‪ .‬وملا تضمنته من نفي الكفء الشبيه‬
‫أو املثيل هلل‪ ،‬وملا تضمنته من نفي الشريك هلل (أحد)‪.‬‬
‫وأما املعوذتان ففيهما االستعاذة من كل مكروه مجلة وتفصيال‪ ،‬فإن االستعاذة من شر ما خلق تعم كل‬
‫وعمتهما السورة باالستعاذة منه‪ ،‬وهلذا‬ ‫شر إال ّ‬ ‫شر يستعاذ منه‪ ،‬سواء كان ِف األجسام‪ ،‬أو األرواح‪ .‬فلم يبق ّ‬
‫كان هلما شأن عظيم ِف االحرتاس والتحصن من الشرور قبل وقوعها‪ ،‬ودفعها بعد وقوعها بإذن اهلل تعاىل‪،‬‬
‫وأخرب ‪ ‬أنه "ما تعوذ متعوذ مبثلهما"(‪ )3‬قال ابن القيم‪( :‬وقد ذكر أنه ‪ ‬سحر ِف إحدى عشرة عقدة‪،‬‬
‫وأن جربيل نزل عليه هبما‪ ،‬فجعل كلما قرأ آية منهما اَنلت عقدة‪ ،‬حىت اَنلت العقد كلها‪ ،‬وكأَّنا أنشط من‬
‫عقال) وقال ابن القيم عن امللح‪( :‬إ ّن ِف امللح نفعاً لكثري من السموم‪ ،‬وال سيما لدغة العقرب‪ ،‬قال صاحب‬
‫"القانون"‪ :‬يضمد به مع بزر الكتان للسع العقرب‪ ،‬وذكره غريه أيضاً‪ .‬وِف امللح من القوة اجلاذبة احملللة ما‬
‫جيذب السموم وحيللها‪ ،‬وملا كان ِف لسعها قوة نارية حتتاج إىل تربيد وجذب وإخراج‪ ،‬مجع بني املاء املربد لنار‬
‫اللسعة‪ ،‬وامللح الذي فيه جذب وإخراج‪ ،‬وهذا أمت ما يكون من العالج‪ ،‬وأيسره‪ ،‬وأسهله‪ ،‬وفيه تنبيه على أن‬
‫عالج هذا الداء بالتربيد واجلذب واإلخراج واهلل أعلم)(‪.)4‬‬

‫**رقية النملة (القروح) والبثور‪.‬‬


‫النملة‪ :‬قروح خترج ِف اجلسد ويكثر خروجها ِف جوانب اجلسد(‪.)5‬‬
‫البثور‪ :‬خراج صغار وخصها بعضهم باخلراج على الوجه‪ .‬نقل ابن املنظور عن غريه‪ :‬أِنا مثل مرض‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطرباين ِف الصغري (‪ )87/2‬ح‪ 830 :‬وصححه األلباين ِف السلسلة الصحيحة (‪ )89/2‬ح‪.548 :‬‬
‫(‪ )2‬شعب اإلميان (‪ )169 / 4‬ح‪.2340 :‬‬
‫(‪ )3‬سنن أيب داود ح‪ 1463 :‬وصححه األلباين ِف صحيح سنن أيب داود‪.‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ‪.166/4‬‬
‫(‪ )5‬فتح الباري ‪ ،196/10‬النهاية ِف غريب احلديث البن األثري مادة َّنل‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ي يَ ْقبُ ُح َعلَى الْ َو ْج ِه َو َغ ِْريهِ ِم ْن بَ َد ِن ا ِإلنسان‪َ ،‬و َمجْعُ َها بَثْ ٌر(‪.)1‬‬ ‫اجلُ َد ِر ِّ‬
‫ول‬ ‫ص َر ُس ُ‬ ‫«ر َّخ َ‬ ‫وقد جاء حديث ِف مشروعية الرقية من النّملة على وجه اخلصوص‪ ،‬فعن أنس ‪ ‬قال‪َ :‬‬
‫احلُ َم ِة‪َ ،‬والن َّْملَ ِة»(‪.)2‬‬
‫ني‪َ ،‬و ْ‬‫الرقْ يَ ِة ِمن الْ َع ْ ِ‬
‫اهلل ‪ِِ ‬ف ُّ َ‬
‫ِ‬
‫كما نُِق َل أ ّن الشفاء بنت عبد اهلل كانت ترقي من النملة وأ ّن النيب ‪ ‬أقرها على رقيتها‪ ،‬ففي السنن‬
‫ني َه ِذهِ ُرقْ يَةَ الن َّْملَ ِة َك َما‬ ‫ِ‬
‫ال ِيل‪« :‬أََال تُ َعلِّم َ‬ ‫صةَ فَ َق َ‬ ‫ِ‬ ‫عن الشفاء قالت‪ :‬دخل علَي رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه ‪َ ‬وأَنَا عْن َد َح ْف َ‬ ‫َ َ َ َ َّ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت إِ َىل النِ ِّ‬ ‫َعلَّ ْمت َيها الْكتَابَةَ» ‪ .‬وجاء عند احلاكم ذكر صفتها‪ ،‬وفيه‪ :‬أن الشفاء لَ َّما َه َ‬
‫(‪)4()3‬‬
‫ت‬ ‫َّيب ‪ ‬قَد َم ْ‬ ‫اجَر ْ‬
‫«اع ِر ِض َيها»‬ ‫ول اللَّ ِه إِ ِّين ُكْنت أَرقِي بِرقًى ِِف ْ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ْ :‬‬ ‫ك‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ت أَ ْن أ َْع ِر َ‬
‫ض َها َعلَْي َ‬ ‫اجلَاهليَّة‪َ ،‬وقَ ْد َرأَيْ ُ‬ ‫ُ ْ ُ‬ ‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫َعلَْيه‪ ،‬فَ َقالَ ْ‬
‫ود ِم ْن‬ ‫ال‪" :‬ارقِي ِهبا وعلِّ ِميها ح ْفصةَ‪ :‬بِس ِم اللَّ ِه صلُ ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَعرضْت ها علَي ِه‪ ،‬وَكانَ ِ‬
‫ني يَعُ ُ‬‫وب ح َ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ت مْن َها ُرقْ يَةُ الن َّْملَة‪ ،‬فَ َق َ ْ َ َ َ َ َ َ ْ‬ ‫ََ َ َ َ ْ َ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ب الن ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضُّر أ َ َّ‬ ‫ِ‬
‫ضعُهُ‬ ‫ال‪« :‬تَ ْرقي هبَا َعلَى عُود َك ْرم َسْب َع َمَّرات َوتَ َ‬ ‫َّاس" قَ َ‬ ‫س َر َّ‬‫َح ًدا‪ ،‬الل ُه َّم ا ْكشف الْبَأْ َ‬ ‫أَفْ َواه َها َوَال تَ ُ‬
‫َم َكانًا نَ ِظي ًفا‪ُ ،‬مثَّ تُ َدلِّ ُكهُ َعلَى َح َج ٍر َوتَطْلِ ِيه َعلَى النَّملة»(‪.)5‬‬
‫وإن صح اخلرب الذي أخرجه احلاكم فقد مجع ِف عالج النملة بني الرقية والدواء الطبيعي‪.‬‬
‫ال‪« :‬أ َِعْن َد ِك‬ ‫َّيب ‪َ ‬د َخ َل َعلَْي َها فَ َق َ‬ ‫أما البثور‪ :‬فجاء ِف مسند أمحد عن بعض أزواج النيب ‪ ‬أ َّ‬
‫َن النِ َّ‬
‫ال‪« :‬اللَّ ُه َّم ُمطْ ِف َئ الْ َكبِ ِري‪َ ،‬وُم َك َِّرب‬ ‫َصابِ ِع ِر ْجلِ ِه‪ُ ،‬مثَّ قَ َ‬
‫ني أ َ‬‫ض َع َها َعلَى بَثْ َرةٍ بَْ َ‬
‫ِ‬
‫ت‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬فَ َد َعا هبَا فَ َو َ‬ ‫َذ ِر َيرةٌ؟»‪ ،‬قَالَ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫ت(‪.)6‬‬ ‫الصغ ِري‪ ،‬أَطْفْئ َها َع ِّين»‪ ،‬فَطُفئَ ْ‬

‫(‪ )1‬لسان العرب مادة بثر‪.‬‬


‫(‪ )2‬رواه مسلم ح‪.)2196( - 58 :‬‬
‫(‪ )3‬سنن أيب داود ح‪ 3887 :‬وصححه األلباين‪ .‬ولفظ احلاكم ح‪ :6888 :‬أ ّن رجالً من األنصار خرجت به َّنلة فدل أن الشفاء بنت‬
‫عبد اهلل ترقي من النملة‪ ،‬فجاءها فسأهلا أن ترقيه‪ ،‬فقالت‪ :‬واهلل ما رقيت منذ أسلمت‪ ،‬فذهب األنصاري إىل رسول اهلل ‪ ‬فأخربه‬
‫بالذي قالت الشفاء‪ ،‬فدعا رسول اهلل ‪ ‬الشفاء فقال‪« :‬اعرضي علي» فأعرضتها عليه‪ ،‬فقال‪« :‬أرقيه وعلميها حفصة كما علمتيها‬
‫الكتاب»‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديث صحيح على شرط الشيخني‪ ،‬وقال الذهيب‪ :‬على شرط البخاري ومسلم‪.‬‬
‫سر‬
‫(‪ )4‬وقيل ِف معىن احلديث‪ :‬إ ّن أمر النيب ‪ ‬للشفاء أن تعلم حفصة من لغز الكالم ومزاحه‪ ،‬وأراد به تأديب حفصة ‪ ‬ملا أفشت ّ‬
‫النيب ‪ .‬وذلك أ ّن رقية النملة شيء كانت تستعمله النساء‪ ،‬يعلم كل من مسعه أنه كالم ال يضر وال ينفع‪ .‬وكانت تعرف بينهن أ ْن‬
‫يقال‪ :‬العروس حتتفل وختتضب وتكتحل‪ ،‬وكل شيء تفتعل‪ ،‬غري أال تعصي الرجل‪ .‬ينظر‪ :‬فيض القدير (‪ )329 / 4‬النهاية ِف غريب‬
‫احلديث مادة (َّنل)‪.‬‬
‫(‪ )5‬احلاكم ِف املستدرك ح‪.6890 :‬‬
‫(‪ )6‬مسند أمحد ح‪ .23141 :‬وعند ابن السين ِف عمل اليوم والليلة البن السين (ص‪ )590 :‬ح‪ 635 :‬أن البثرة كانت ِف أصبع زوجة‬
‫ِ‬ ‫النيب ‪ ‬وأنه ‪ ‬دعا بذريرة فوضعها عليها مث قال‪" :‬قُ ِويل‪ :‬اللَّه َّم مصغِّر الْ َكبِ ِري‪ ،‬وم َك ِّرب َّ ِ‬
‫ت‪ .‬فأمرها أن‬ ‫الصغ ِري‪َ ،‬‬
‫صغ ِّْر َما ِيب" فَطُفئَ ْ‬ ‫َُ َ‬ ‫ُ ََُ‬
‫تقول هي‪ .‬وضعف األلباين خرب ابن السين ِف السلسلة الضعيفة ح‪.4068:‬‬
‫‪64‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫والذريرة‪ :‬مصدر َذررت‪ ،‬وهو أَخذك الشَّيء بأَطراف أَصابعك تَ ُذ ُّره َذ َّر الْ ِم ْلح الْمسح ِ‬
‫وق َعلَى الطَّ َع ِام‪.‬‬ ‫َ َُْ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َْ ُ َ ُ َ‬
‫َّواءَ أَذُ ُّره َذ ّراً‪َّ :‬فرقته‪ .‬والذريرة‪ :‬فتات طيب جياء به من بلد اهلند(‪.)1‬‬ ‫و َذررت احل َّ ِ‬
‫ب َوالْم ْل َح َوالد َ‬‫َْ ُ َ‬
‫فجمع ‪ِ ‬ف عالج البثور بني الرقية والدواء الطبيعي‪.‬‬

‫وثبت ِف صحيح مسلم عالجه ‪ ‬للقرحة واجلروح عموماً ‪-‬ويدخل ِف عموم ذلك البثور والنملة‪-‬‬
‫ال‪ :‬النِ ُّ‬
‫َّيب‬ ‫ت بِِه قَ ْر َحةٌ أ َْو ُج ْر ٌح‪ ،‬قَ َ‬ ‫اإلنْسا ُن الش ِ‬
‫َّيءَ مْنهُ‪ ،‬أ َْو َكانَ ْ‬
‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ‪َ ‬كا َن إذَا ا ْشتَ َكى ْ َ‬
‫َن رس َ ِ‬ ‫ِ‬
‫فعن َعائ َشةَ‪ ،‬أ َّ َ ُ‬
‫ضنَا‪ ،‬لِيُ ْش َفى‬
‫ض‪ُ ،‬مثَّ رفَعها «بِاس ِم اهللِ‪ ،‬تُربةُ أَر ِضنَا‪ ،‬بِ ِري َق ِة ب ع ِ‬
‫َْ‬ ‫َْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ض َع ُس ْفيَا ُن َسبَّابَتَهُ بِ ْاأل َْر ِ َ َ َ‬
‫‪ ‬بِِإ ِ ِ‬
‫صبَعه َه َك َذا‪َ ،‬وَو َ‬
‫ْ‬
‫يمنَا‪ ،‬بِِإ ْذ ِن َربِّنَا»(‪ .)2‬فجمع ‪ ‬بني الدعاء والدواء الطبيعي‪.‬‬ ‫ِِ ِ‬
‫به َسق ُ‬
‫قال ابن القيم‪( :‬ومعىن احلديث‪ :‬أنه يأخذ من ريق نفسه على أصبعه السبابة‪ ،‬مث يضعها على الرتاب‬
‫فيعلق هبا منه شيء‪ ،‬فيمسح به على اجلرح‪ ،‬ويقول هذا الكالم ملا فيه من بركة ذكر اسم اهلل‪ ،‬وتفويض األمر‬
‫إليه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬فينضم أحد العالجني إىل اآلخر‪ ،‬فيقوى التأثري)‪ .‬مث ذكر السر ِف هذا العالج املركب‪:‬‬
‫وأن طبيعة الرتاب بارد جمفف للرطوبات‪ ،‬وأن القروح واجلراحات ناجتة عن مزاج حار فيقابل برودة الرتاب‬
‫حرارة املرض‪.‬‬
‫مث أشار إىل مسألة هل (تربة أرضنا) جلميع األرض أو أرض املدينة النبوية خاصة؟ وذكر أن فيه قوالن‪.‬‬
‫مث نقل عن جالينوس الطبيب التداوي بطني مصر وأنه ينتفع به‪ ،‬وذكر عن طبيب آخر االنتفاع ِف التداوي‬
‫بطني جيلب من جزيرة تسمى املصطكى‪.‬‬
‫مث قال ابن القيم بعد ذلك‪( :‬إذا كان هذا ِف هذه الرتبات –يريد تربة مصر وجزيرة املصطكى‪ -‬فما الظن‬
‫بأطيب تربة على وجه األرض وأبركها‪ ،‬وقد خالطت ريق رسول اهلل ‪ ،‬وقارنت رقيته باسم ربه‪ ،‬وتفويض‬
‫األمر إليه‪ ،‬وقد تقدم أن قوى الرقية وتأثريها حبسب الراقي‪ ،‬وانفعال املرقي عن رقيته‪ ،‬وهذا أمر ال ينكره طبيب‬
‫فاضل عاقل مسلم‪ ،‬فإن انتفى أحد األوصاف‪ ،‬فليقل ما شاء)(‪.)3‬‬
‫وِف حبث للدكتورة أروى عبد الرمحن أمحد(‪ )4‬ذكرت أ ّن الرتاب حيوي كمية كبرية من املضادات احليوية‬

‫(‪ )1‬لسان العرب مادة (ذرر)‬


‫(‪ )2‬مسلم ح‪.)2194( - 54 :‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد ‪.172-171/4‬‬
‫(‪ )4‬الدكتورة تعمل ِف جامعة صنعاء – كلية العلوم – قسم علوم احلياة‪ -‬ميكروبيولوجي‪-‬صنعاء‪ -‬اليمن ننشر حبثها ضمن أحباث املؤمتر‬
‫العاملي الثامن لإلعجاز العلمي ِف القرآن والسنة بدولة الكويت ‪1427‬ه ‪2006 -‬م والبحث نشر ملخصه ِف موقع رابطة العامل‬
‫‪65‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تصلح لعالج اجلروح والقروح اخلارجية‪ .‬وأن لعاب اإلنسان له خواص قاتلة وحالّة للكثري من اجلراثيم‪ .‬وأن‬
‫يصد هذه اجلراثيم ومينع تكاثر بعضها‪ .‬وله خواص مطهرة‪ ،‬كما أنه حيوي على أجسام مضادة‬ ‫اللعاب الطازج ُّ‬
‫ك َع ِظيماً﴾‪.‬‬
‫ض ُل اللّ ِه َعلَْي َ‬
‫ك َما َملْ تَ ُك ْن تَ ْعلَ ُم َوَكا َن فَ ْ‬‫متنع التصاق امليكروبات الضارة‪ .‬وصدق اهلل‪َ ﴿ :‬و َعلَّ َم َ‬
‫ويوجد أحباث طبية منشورة للعالج بالرتاب والطني‪.‬‬
‫ولعل مما يؤكد ما ذكرته الدكتورة أروى‪ :‬أمر النيب ‪ ‬باستعمال الرتاب ِف غسل اإلناء الذي ولغ فيه‬
‫الكلب‪ .‬وِف احلديث أيضاً‪" :‬فعنده مسجده وطهوره" فسمى الرتاب طهوراً‪.‬‬

‫** رقية أمراض عضوية أخرى‪.‬‬


‫كان مجاعة من أهل العلم يتأولون آيات ِف رقية أمراض معينة يكون مثّ مناسبة بني اآلية واملرض‪ ،‬فريقون‬
‫هبا ال باعتبار أنه ورد الرقية هبا ِف خرب خاص‪ ،‬وإَّنا من باب األصل العام وهو االستشفاء بالقرآن‪ ،‬من غري‬
‫اعتقاد أن الرقية هبذا الدليل اخلاص هلذا املرض اخلاص سنة‪.‬‬
‫فمن ذلك‪ :‬أن ابن تيمية كان يكتب على جبهة من أصابه الرعاف(‪﴿ :)1‬وقِيل يا أَرض اب لَعِي م ِ‬
‫اءك َويَا‬ ‫َ ََ ْ ُ ْ َ‬
‫ض َي األ َْم ُر﴾‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬مسعته يقول‪ :‬كتبتها لغري واحد فربأ)‪ .‬قال ابن تيمية‪:‬‬ ‫َمساء أَقْلِعِي و ِغيض الْماء وقُ ِ‬
‫َ َ َ َ‬ ‫َ‬
‫وال جيوز كتابتها بدم الراعف‪ ،‬كما يفعله اجلهال‪ ،‬فإ ّن الدم جنس‪ ،‬فال جيوز أن يكتب به كالم اهلل تعاىل(‪.)2‬‬
‫ومن ذلك مرض احلزاز وهو مرض ِف اجللد خيرج على هيئة بقع خشنة يكثر املريض من حكها حىت‬
‫ص ٌار فِ ِيه نَ ٌار‬ ‫َص َاهبَا إِ ْع َ‬
‫خيرج الدم أحياناً‪ .‬فكان يتأول بعض العلماء ‪-‬كابن تيمية‪ -‬ويكتب عليها ﴿فَأ َ‬
‫ت﴾ حبول اهلل وقوته(‪ .)3‬وقد جربت ذلك مراراً فنفع بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫اح ََرتقَ ْ‬
‫فَ ْ‬
‫ومن ذلك وجع الضرس‪ :‬يكتب على اخلد الذي يلي الوجع‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم ﴿قُ ْل ُه َو الَّ ِذي‬
‫َّها ِر‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َار َو ْاألَفْئ َدةَ قَليالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن﴾ أو يكتب‪َ ﴿ :‬ولَهُ َما َس َك َن ِِف اللَّْي ِل َوالن َ‬ ‫َنشأَ ُك ْم َو َج َع َل لَ ُك ُم َّ‬
‫الس ْم َع َو ْاألَبْ َ‬ ‫أ َ‬
‫يم﴾(‪.)4‬‬ ‫الس ِم ِ‬
‫يع الْ َعل ُ‬‫َوُه َو َّ ُ‬
‫ومن ذلك احلمى ‪-‬احلرارة ِف اجلسد‪ :-‬بلغ اإلمام أمحد أن تلميذه املروزي أصابته احلمى‪ ،‬فكتب له من‬

‫اإلسالمي‪.‬‬
‫(‪ )1‬خروج الدم من األنف‪.‬‬
‫(‪ )2‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)328 / 4‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)329 / 4‬‬
‫‪66‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫احلمى رقعة فيها رقية‪( :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم‪ ،‬بسم اهلل‪ ،‬وباهلل‪ ،‬حممد رسول اهلل‪﴿ ،‬قُ ْلنَا يَا نَ ُار ُك ِوين بَْرداً‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ين﴾ [األنبياء‪ ،]70 :‬اللهم رب‬ ‫َخ َس ِر َ‬ ‫يم﴾ [األنبياء‪َ ﴿ ،]69 :‬وأ ََر ُادوا بِه َكْيداً فَ َج َع ْلنَ ُ‬
‫اه ُم ْاأل ْ‬ ‫َو َس َالماً َعلَى إبْ َراه َ‬
‫جربائيل‪ ،‬وميكائيل‪ ،‬وإسرافيل‪ ،‬اشف صاحب هذا الكتاب حبولك وقوتك وجربوتك‪ ،‬إله احلق آمني)(‪.)1‬‬
‫وقد أورد ابن القيم ِف زاد املعاد اجلزء الرابع (الطب النبوي) مجلة حسنة من ذلك فلرياجع‪.‬‬
‫وأما األخبار التي جاءت في الرقية بعد وقوع الداء لألمراض غير العضوية "الروحية" (السحر‬
‫والعين والمس) ففيما يلي‪:‬‬
‫** رقية السحر‪ :‬سبق تعريف السحر عند احلديث عن أنواع الرقية املمنوعة وذكر هناك أ ّن أنواعه كثرية‪.‬‬
‫لكن املقصود هنا ِف الرقية له‪ ،‬هو‪ :‬السحر الذي يتضمن عزائم ورقى وعُ َقد تؤثر ِف األبدان والقلوب‪ ،‬فيمرض‪،‬‬
‫ويقتل‪ ،‬ويفرق بني املرء وزوجه‪ ،‬ويأخذ أحد الزوجني عن صاحبه(‪ .)2‬وهذا النوع هو الذي تكثر منه شكوى‬
‫الناس‪ ،‬وينشأ عنه بأمر اهلل تعاىل أدواء حيار األطباء ِف عالجها‪ .‬غري أ ّن اهلل تعاىل مل ينزل داءً إال أنزل معه‬
‫دواءً عرفه من عرفه وجهله من جهله‪ .‬واحلديث هنا بصدد إيضاح ذلك‪.‬‬
‫ومن ابتلي بالسحر الواجب عليه ما يلي‪:‬‬
‫ين بِِه‬
‫آر َ‬
‫ض ِّ‬‫ك َما فَ َعلُوهُ﴾ وأِنم ﴿ َما ُهم بِ َ‬ ‫ضعِيفاً﴾ وأنه ﴿لَْو َشاء َربُّ َ‬ ‫ان َكا َن َ‬ ‫‪-1‬أن يوقن ﴿إِ َّن َكي َد الشَّيطَ ِ‬
‫ْ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِمن أ ٍ‬
‫ف لَهُ إِالَّ ُه َو َوإِن‬ ‫ك اللّهُ بِ ُ‬
‫ضر فَالَ َكاش َ‬ ‫َحد إِالَّ بِِإ ْذ ِن اللّ ِه﴾‪ ،‬وأ ّن اهلل هو الشاِف الكاِف ﴿ َوإِن ميَْ َس ْس َ‬ ‫ْ َ‬
‫ك ِِبٍَْري فَ ُه َو َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ُد ٌير﴾‪.‬‬‫ميَْ َس ْس َ‬
‫‪-2‬أن يتحلى بالصرب ويتوجه إىل اهلل تعاىل الذي بيده نواصي اخللق أمجعني مبا فيهم أعدائه من اإلنس‬
‫وم﴾ فالنيب ‪ ‬دعا ودعا ودعا حىت كشفه‬ ‫َّك بِأ َْعينِنَا وسبِّح ِحبم ِد ربِّ َ ِ‬ ‫اصِرب ِحلُ ْك ِم ربِّ َ ِ‬
‫ني تَ ُق ُ‬
‫كح َ‬ ‫ك فَإن َ ُ َ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫واجلن ﴿ َو ْ ْ‬
‫اهلل بأمره وتدبريه ﴿ َواللّهُ َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير﴾‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬من أنفع عالجات السحر األدوية اإلهلية‪،‬‬
‫بل هي أدويته النافعة بالذات‪ ،‬فإنه من تأثريات األرواح اخلبيثة السفلية‪ ،‬ودفع تأثريها يكون مبا يعارضها‬
‫ويقاومها من األذكار واآليات والدعوات اليت تبطل فعلها وتأثريها‪ ،‬وكلما كانت أقوى وأشد كانت أبلغ ِف‬
‫النشرة‪ ،‬وذلك مبنزلة التقاء جيشني مع كل واحد منهما عدته وسالحه‪ ،‬فأيهما غلب اآلخر قهره‪ ،‬وكان احلكم‬
‫له‪ ،‬فالقلب إذا كان ممتلئا من اهلل مغمورا بذكره‪ ،‬وله من التوجهات والدعوات واألذكار والتعوذات ورد ال خيل‬
‫به يطابق فيه قلبه لسانه‪ ،‬كان هذا من أعظم األسباب اليت متنع إصابة السحر له‪ ،‬ومن أعظم العالجات له‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)326/4‬‬


‫(‪ )2‬الكاِف ِف فقه اإلمام أمحد (‪.)64 / 4‬‬
‫‪67‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بعد ما يصيبه)(‪.)1‬‬
‫وجعل‬
‫َ‬ ‫أنزل ال ّداءَ و َّ‬
‫الدواءَ‬ ‫إن اللَّهَ َ‬ ‫‪-3‬أن يبتعد عن التداوي حبرام‪ ،‬فعن أيب الدرداء ‪ ‬أنه ‪ ‬قال‪َّ " :‬‬
‫تتداووا حبرٍام"(‪.)2‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫كل داء دواءً فتداووا وال َ‬ ‫ل ِّ‬
‫َّيب ‪َ ‬ع ِن‬ ‫ض أ َْزَو ِاج النِ ِّ‬‫ص ِفيَّةَ‪َ ،‬ع ْن بَ ْع ِ‬ ‫(‪)3‬‬
‫ومن احلرام الذهاب ألعوان الشيطان من السحرة والكهان فعن َ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ني لَْي لَةً»(‪ .)4‬هذا فيمن سأله فقط‪ .‬أما‬ ‫«م ْن أَتَى َعَّرافًا فَ َسأَلَهُ َع ْن َش ْيء‪َ ،‬ملْ تُ ْقبَ ْل لَهُ َ‬
‫ص َالةٌ أ َْربَع َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫النِ ِّ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬
‫ص َّدقَهُ ِمبَا يَ ُق ُ‬ ‫ِ‬
‫ول‪ ،‬فَ َق ْد‬ ‫«م ْن أَتَى َكاهنًا‪ ،‬أ َْو َعَّرافًا‪ ،‬فَ َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫لو صدقه فقد كفر! حلديث أيب هريرة ‪ ‬أن النيب قَ َ‬
‫َك َفَر ِمبَا أُنْ ِزَل َعلَى ُحمَ َّم ٍد»(‪ .)5‬والساحر أشد من العراف والكاهن‪ .‬وألن إتياِنم اعرتاف بصنيعهم ومدعاة‬
‫للتعلق هبم وميل القلوب إليهم واإلجنرار إىل اعتقاد الباطل فيهم بأِنم يعلمون الغيب(‪ .)6‬قال شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية ‪ ( :‬وأما االستعانة عليهم مبا يقال ويكتب مما ال يعرف معناه فال يشرع ال سيما إن كان فيه‬
‫شرك؛ فإن ذلك حمرم‪ .‬وعامة ما يقوله أهل العزائم فيه شرك وقد يقرءون مع ذلك شيئا من القرآن ويظهرونه‬
‫ويكتمون ما يقولونه من الشرك وِف االستشفاء مبا شرعه اهلل ورسوله ما يغين عن الشرك وأهله‪.‬‬
‫واملسلمون وإن تنازعوا ِف جواز التداوي باحملرمات كامليتة واخلنزير‪ ،‬فال يتنازعون ِف أ ّن الكفر والشرك ال‬
‫جيوز التداوي به حبال؛ أل ّن ذلك حمرم ِف كل حال‪ ،‬وليس هذا كالتكلم به عند اإلكراه‪ ،‬فإ ّن ذلك إَّنا جيوز‬
‫إذا كان قلبه مطمئنا باإلميان‪ ،‬والتكلم به إَّنا يؤثر إذا كان بقلب صاحبه‪ ،‬ولو تكلم به مع طمأنينة قلبه‬
‫باإلميان مل يؤثر‪ ،‬والشيطان إذا عرف أ ّن صاحبه مستخف بالعزائم مل يساعده‪ ،‬وأيضاّ فإ ّن املكره مضطر إىل‬
‫التكلم له وال ضرورة إىل إبراء املصاب به لوجهني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أنه قد ال يؤثر أكثر مما يؤثر من يعاجل بالعزائم‪ ،‬فال يؤثر‪ ،‬بل يزيده شراً‪.‬‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ‪.116/4‬‬


‫(‪ )2‬أبو داود ح‪ ،3874 :‬وحسن إسناده ابن مفلح ِف اآلداب الشرعية ‪.336/2‬‬
‫(‪ )3‬ومن ذلك الذهاب للسحرة ألجل جلب احلبيب واملعشوق‪ ،‬قال ابن القيم ِف الداء والدواء (ص‪( :217 :‬فإن استعان العاشق على‬
‫وصال معشوقه بشياطني اجلن ‪ -‬إما بسحر أو استخدام أو َنو ذلك ‪ -‬ضم إىل الشرك والظلم كفر السحر‪ ،‬فإن مل يفعله هو ورضي‬
‫به‪ ،‬كان راضيا بالكفر غري كاره حلصول مقصده‪ ،‬وهذا ليس ببعيد من الكفر)‪.‬‬
‫(‪ )4‬مسلم ح‪ .)2230( - 125 :‬قال النووي ِف شرحه على مسلم (‪( )227/14‬العراف‪..‬من مجلة أنواع الكهان‪ ،‬قال اخلطايب وغريه‪:‬‬
‫العراف هو الذي يتعاطى معرفة مكان املسروق ومكان الضالة وَنومها‪ .‬وأما عدم قبول صالته فمعناه أنه ال ثواب له فيها وإن كانت‬
‫جمزئة ِف سقوط الفرض عنه وال حيتاج معها إىل إعادة) اه ‪.‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه أمحد ح‪.9536 :‬‬
‫(‪ )6‬جمموع فتاوى ابن باز ‪.170/1‬‬
‫‪68‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫والثاين‪ :‬أن ِف احلق ما يغين عن الباطل)(‪.)1‬‬

‫الطرق الشرعية لعالج السحر‪:‬‬


‫الطريق األول‪ :‬استخراج السحر وإبطاله‪ :‬قال ابن القيم عن ذلك (هذا من أبلغ ما يعاجل به املطبوب‪،‬‬
‫وهذا مبنزلة إزالة املادة اخلبيثة وقلعها من اجلسد باالستفراغ)(‪.)2‬‬
‫ي ِمن ي ه ِ‬
‫ود بَِين ُزَريْ ٍق‪ ،‬يُ َق ُ‬
‫ال لَهُ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫وقد فعله النيب ‪ ،‬فعن عائشة ‪ ‬قالت‪ :‬سحر رس َ ِ‬
‫ول اهلل ‪ ‬يَ ُهود ٌّ ْ َ ُ‬ ‫َ ََ َ ُ‬
‫ِِ‬ ‫يد بن ْاأل َْعص ِم‪ :‬قَالَت ح َّىت َكا َن رس ُ ِ‬
‫َّيءَ‪َ ،‬وَما يَ ْف َعلُهُ‪َ ،‬ح َّىت إِ َذا َكا َن َذ َ‬
‫ات‬ ‫ول اهلل ‪ُ ‬خيَيَّ ُل إلَْيه أَنَّهُ يَ ْف َع ُل الش ْ‬ ‫َُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫لَب ُ ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ول اهللِ ‪ُ ،‬مثَّ َد َعا‪ُ ،‬مثَّ َد َعا) وذكرت احلديث وفيه أنه ‪ ‬بعد إحلاحه بالدعاء‬ ‫ات لَْي لَ ٍة‪َ ،‬د َعا َر ُس ُ‬ ‫ٍ‬
‫يَ ْوم‪ ،‬أ َْو ذَ َ‬
‫ُد َّل على مكان السحر بالوحي وأنه ِف بئر‪ ،‬فاستخرجه ‪ ‬من البئر فشفاه اهلل تعاىل(‪.)3‬‬
‫وقد يشكل‪ :‬أ ّن النيب ‪ُ ‬د ّل على مكان السحر بالوحي وهذا ال يكون لغريه ‪ ،‬فاجلواب‪:‬‬
‫‪-1‬أ ّن من الوحي الرؤيا ِف املنام‪ .‬فقد يرشد اهلل تعاىل املسحور بعد اجتهاده ِف الدعاء إىل مكان السحر‬
‫برؤيا ِف املنام‪ .‬وقد وقع هذا كثرياً لبعض من ابتلي بذلك‪.‬‬
‫‪-2‬أو يوفقه اهلل تعاىل لرؤيته أثناء البحث والتنقيب‪.‬‬
‫‪-3‬أو يسخر اهلل تعاىل له بفضله وكرمه من خيرج السحر وحيله من خلقه وقد وقع هذا أيضاً فبعض‬
‫الغواصني استخرج من البحر أسحاراً كثرية بأمر اهلل تعاىل؛ ولعل ذلك من دعاء املسحورين‪.‬‬
‫‪-4‬وقد ينطق اجلن املتلبس إذا تأذى من الرقية مما حيمله على أ ْن يعرتف مبكان السحر ويدل عليه‪ ،‬وإن‬
‫كان اجلين ال يصدق وقد يكون غرضه الفتنة بني الناس‪ ،‬وإن كان األصل أيضاً عدم احلديث مع اجلين وال‬
‫قصد استنطاقه ألنه كذوب(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪ .61/19‬وينظر‪ :‬حتفة احملتاج ِف شرح املنهاج وحواشي الشرواين والعبادي (‪ )62/9‬وقال‪( :‬ظاهر املنقول عن ابن‬
‫املسيب جواز حله عن الغري ولو بسحر قال ألنه حينئذ صالح ال ضرر لكن خالفه احلسن وغريه‪ ،‬وهو احلق؛ ألنه داء خبيث من‬
‫شأن العامل به الطبع على اإلفساد واإلضرار به ففطم الناس عنه رأسا وهبذا يرد على من اختار حله إذا تعني لرد قوم خيشى منهم)‪.‬‬
‫أن النبي ‪ ‬فعل الحجامة قبل أن يُ ّدل‬‫(‪ )2‬زاد املعاد ‪ .114/4‬وذكر أيضا أن من االستفراغ للسحر الحجامة‪ ،‬ونقل عن البعض‪َّ :‬‬
‫‪ ‬على مكان السحر وسيأتي اإلشارة إليها بإذن اهلل تعالى‪.‬‬
‫(‪ )3‬البخاري ح‪ 5765 :‬مسلم ح‪.)2189( - 43 :‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬فتح احلق املبني ِف عالج الصرع والسحر والعني ‪.184‬‬
‫‪69‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وإذا وجد العمل السحري‪ ،‬فكيف يتم إبطاله؟ خيتلف حبسب طريقة عمل السحر‪ ،‬وتشرتك إمجاالً ِف‬
‫احلل مث بعد حله يتلف العمل السحري‪ .‬وحمل االختالف طريقة احلل؛ حبسب‬ ‫أ ّن احل ّل يكون برقية تصاحب ّ‬
‫اختالف طريقة عمل السحر‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك ِف اآليت‪:‬‬
‫‪-1‬إن كان السحر مت عرب طريقة العقد (مثالً‪ :‬عقد الشعر أو اخليوط أو بعض املالبس وَنوه)‪ :‬يقوم‬
‫بقراءة الرقى النافعة كآية الكرسي واملعوذات عليها وهو حيل تلك العقد عقدة عقدة‪ ،‬ويتم إتالفها بعد ذلك‬
‫باحلرق أو بأي أسلوب آخر‪.‬‬
‫ف طَْل َع ٍة‬‫استَ ْخَر َج ُج َّ‬ ‫ال‪ :‬فَنَ َزَل َر ُج ٌل فَ ْ‬ ‫عند البيهقي ِف دالئل النبوة ِف خرب سحر النيب ‪ ،‬وفيه زيادة‪( :‬قَ َ‬
‫ول اهللِ ‪‬‬ ‫ال رس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ‪ ،‬وِمن مراطَِة رأْ ِس ِه‪ ،‬وإِ َذا ِمتْثَ ٌ ِ‬ ‫ط رس ِ‬ ‫ت َّ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِمن َْحت ِ‬
‫ال م ْن َمشْ ٍع متْثَ ُ َ ُ‬ ‫َ ْ َُ َ َ‬ ‫الراعُوفَة‪ ،‬فَإ َذا ف َيها م ْش ُ َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ال‪ :‬يَا ُحمَ َّم ٌد قُ ْل‬‫ني‪ .‬فَ َق َ‬ ‫‪ ،‬وإِ َذا فِ َيها إِبٌَّر َم ْغر َوزةٌ‪ ،‬وإِ َذا وتَر فِ ِيه إِ ْح َدى َع َشرةَ عُ ْق َدةً فَأَتَاهُ ِج ِْربيل ‪ ‬بِالْم َع ِّو َذتَ ْ ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ٌَ‬ ‫َ‬
‫ب الن ِ‬
‫َّاس‬ ‫ال‪ :‬قُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬ ‫[مثَّ قَ َ‬ ‫ِ‬
‫غ مْن َها‪ُ ،‬‬ ‫ِ‬
‫ب الْ َفلَ ِق‪َ ،‬و َح َّل عُ ْق َدةً‪ ،‬م ْن َشِّر ما َخلَ َق‪َ ،‬و َح َّل عُ ْق َدةً‪َ .‬ح َّىت فَ َر َ‬ ‫أَعُوذُ بَِر ِّ‬
‫ِ‬
‫احةً‪.‬‬ ‫ك َر َ‬ ‫غ ِمْن َها]‪َ ،‬و َح َّل الْعُ َق َد ُكلَّ َها‪َ .‬و َج َع َل َال يَْن ِزعُ إِبْ َرةً إَِّال َو َج َد َهلَا أَلَ ًما‪ُ ،‬مثَّ َِجي ُد بَ ْع َد َذل َ‬
‫َو َح َّل عُ ْق َدةً‪َ ،‬ح َّىت فَ َر َ‬
‫اب‬ ‫ول اهللِ ‪" :‬قَ ْد َعافَ ِاين اهللِ ‪ ‬وما وراءهُ ِمن َع َذ ِ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫ي‪ .‬فَ َق َ‬ ‫ول اهللِ‪ ،‬لَو قَت ْلت الْي ه ِ‬
‫ود َّ‬ ‫يل‪ ،‬يَا َر ُس َ‬ ‫ِ‬
‫َ َ ََ َ ْ‬ ‫ْ َ َ َُ‬ ‫فَق َ‬
‫َش ُّد"(‪.)1‬‬ ‫اهللِ أ َ‬
‫َخ ِر ْجهُ"‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ت يا رسول اللَّه‪ :‬فَأ ْ‬ ‫َحَرقْ تَهُ"‪ ،‬وِف الرواية الثانية‪" :‬قُ ْل ُ‬ ‫قال النووي‪( :‬قوهلا‪ :‬فقلت يا رسول اهلل "أَفَ َال أ ْ‬
‫كالمها صحيح‪ ،‬فطلبت أنه خيرجه‪ ،‬مث حيرقه‪ ،‬واملراد إخراج السحر‪ ،‬فدفنها رسول اهلل ‪ .)2()‬ويؤيد ذلك‬
‫رواية البيهقي فقد فصلت اإلمجال الوارد ِف رواية مسلم ووضحتها مبا يؤيد كالم النووي‪.‬‬
‫‪-2‬إن كان السحر مت عرب الكتابات والطالسم واألشكال اهلندسية‪ :‬يبطل السحر بفتح تلك العزائم‬
‫السحرية ووضعها ِف ماء يرقى فيه برقى شرعية لتذوب تلك الكتابات وتتحلل‪ ،‬وممكن يضع مع املاء قليل من‬
‫امللح الصخري‪ ،‬فثبت بتجربة املتمرسني أ ّن امللح الصخري له خاصية معينة ِف إبطال السحر والتأثري عليه‪.‬‬
‫وبعد أن تزول الكتابات وتتحلل يتم إتالف مادة السحر عن طريق الدفن أو احلرق أو النثر‪ ،‬أو اإللقاء ِف‬
‫البحر‪.‬‬
‫يقول الشيخ ابن جربين‪( :‬ومن التعاويذ والتعاليق والتمائم واحلروز فمىت وجدت فالسالمة منها غمسها‬

‫(‪ )1‬دالئل النبوة للبيهقي ‪.94/7‬‬


‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم ‪.177/14‬‬
‫‪70‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِف املاء مدة يوم أو َنوه مث إحراقها)(‪.)1‬‬


‫‪-3‬سحر مت عن طريق اخلرز وَنوه‪ :‬يرقى برقى شرعية مث بعد ذلك يدق اخلرز ويكسر‪ ،‬مث حيرق أو يدفن‬
‫أو يلقى ِف البحر كما سبق‪.‬‬
‫‪-4‬سحر عن طريق املساحيق أو البودرة‪ :‬يرقى برقى شرعية على ماء مث يرش عليها من املاء‪ ،‬مث يتم بعد‬
‫ذلك مجعها وإتالفها باحلرق أو بالدفن أو اإللقاء ِف البحر كما سبق‪.‬‬
‫عما سبق‪ ،‬فالقاعدة يبدأ حبل السحر مع رقى شرعية أوالً مع‬‫وإن كان السحر مت بطرق أخرى فال خيرج ّ‬
‫استخدام املاء املرقي فيه إلزالة الكتابات السحرية أو حكها إن كانت منقوشة مث تتلف باإلحراق بعد ذلك‬
‫أو بالدفن أو باإللقاء ِف البحر‪.‬‬
‫والواجب احلذر من حل السحر ممن مل يصح توكله أو كان غارقاً ِف شهواته وملذاته أو مل حيصن نفسه‬
‫بالرقى‪ ،‬فقد تتسلط عليه اجلن والشياطني وتنال منه‪.‬‬
‫خاصة أ ّن بعض األسحار اليت يعقدها السحرة تكون مرصودة برصد‪ ،‬أي‪ :‬موكل هبا حارس من اجلن‬
‫والشياطني حلراسة العمل السحر والدفاع عنه‪ ،‬فإذا عبث به من مل حيصن نفسه بالرقى يقابل عدوا ضارياً بغري‬
‫سالح فقد ينال منه ويؤذيه(‪.)2‬‬
‫الطريق الثاني‪ :‬النشرة‪ :‬سبق تعريف النشرة وأِنا من اإلزالة لغة‪ .‬ومسيت بذلك ألنه يُنشر هبا ‪-‬يُزال هبا‪-‬‬
‫عن املريض ما خالطه من داء‪.‬‬
‫وسبق أ ّن النشرة قسمان‪:‬‬
‫أ‪ -‬نشرة مشروعة وهي حل السحر بالرقى الشرعية أو باألدوية املباحة‪ .‬وهي املراد هنا‪ .‬وعليها حيمل ما‬
‫نقل عن ابن املسيب وما ُحكي عن اإلمام أمحد‪.‬‬
‫ب‪ -‬نشرة ممنوعة وهي حل السحر بسحر مثله بالتقرب إىل الشياطني أو بالذهاب إىل الكهان‬
‫سول اهللِ ‪ ‬عن النُّ ْشرةِ‪ ،‬فقال‪" :‬هو من‬
‫واملشعوذين‪ .‬وعليها حيمل خرب جابر بن عبد اهلل ‪ ‬قال‪ُ :‬سئِ َل َر ُ‬

‫(‪ )1‬الصواعق املرسلة ِف التصدي للمشعوذين والسحرة – ص ‪ – 631‬خمطوطة ِبط الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن اجلربين – حبوزة الشيخ‬
‫علي بن حسني أبو لوز – ص ‪ .49‬بواسطة‪ :‬أبو الرباء أسامة املعاين منتدى الرقية الشرعية‪:‬‬
‫‪https://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=3195‬‬
‫(‪ )2‬يراجع أبو الرباء أسامة املعاين منتدى الرقية الشرعية رابط سابق‪ .‬وذكر قصة واقعة ِف إيذاء اجلن ملن حل السحر ومل يتحصن‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ومن القصص الشاهدة على ذلك رجل وجد سحرا ِف بيته‪ ،‬فأخذه وأحرقه‪ ،‬وحال انتهائه من هذا الفعل الحظ أن يده تتوجه ال‬
‫إراديا ملصدر النار‪ ،‬وأصيب حبرق من الدرجة األوىل ِف يده‪ ،‬مما اضطره إىل إجراء عملية جراحية جتميلية ِف اليد‪.‬‬
‫‪71‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ (‪)1‬‬
‫عما كان يعهده أهل‬ ‫َع َم ِل الشَّيطان" ‪ .‬و(ال ) ِف النشرة املسؤول عنها ِف احلديث قالوا‪ :‬للعهد فالسؤال ّ‬
‫اجلاهلية ويصنعونه من النشرة احملرمة(‪.)2‬‬
‫وعلى هذا القسم املمنوع‪ :‬حيمل أيضاً ما نقل عن احلسن البصري من كراهة النشرة‪ :‬وأنه ال يعلم النشرة‬
‫إال ساحر‪.‬‬

‫شذ بعضهم فحكى جواز حل السحر لدى الساحر؛ ورأى أنّه إذا وجدت‬ ‫إذا عرفت ما سبق‪ ،‬فقد َّ‬
‫حل له ذلك‪ ،‬وقد نُقل ذلك‪:‬‬ ‫الضرورة ّ‬
‫ِف وجه حكي عن اإلمام أمحد وتابعه عليه بعض احلنابلة كابن اجلوزي وغريه (‪ .)3‬كما فهم ذلك البعض‬
‫عن ابن املسيب‪ ،‬فقد جاء أنه سئل عن رجل به طب‪ ،‬أو يؤخذ عن امرأته‪ ،‬أحيل عنه أو ينشر؟ قال‪« :‬ال‬
‫بأس به‪ ،‬إَّنا يريدون به اإلصالح‪ ،‬فأما ما ينفع الناس فلم ينه عنه»(‪.)4‬‬
‫واجلواب‪ :‬أن ما نقل عن ابن املسيب حممول على النشرة الشرعية ال الشركية من جنس جواب النيب ‪‬‬
‫ِ‬
‫ت ِعْن َدنَا ُرقْ يَةٌ نَْرقي ِهبَا ِم َن الْ َع ْقَر ِب‪َ ،‬وإِن َ‬ ‫آل عم ِرو ب ِن حزٍم إِلَيه ‪ ‬فَ َقالُوا‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫َّك‬ ‫ول اهلل إِنَّهُ َكانَ ْ‬ ‫َ َُ‬ ‫ملا جاء ُ َ ْ ْ َ ْ‬
‫ال‪« :‬ما أَرى بأْسا م ِن استَطَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت َع ِن ُّ‬
‫اع مْن ُك ْم أَ ْن يَْن َف َع أ َ‬
‫َخاهُ فَ ْليَ ْن َف ْعهُ»(‪.)5‬‬ ‫وها َعلَْيه‪ ،‬فَ َق َ َ َ َ ً َ ْ َ‬ ‫ضَ‬
‫ال‪ :‬فَ َعَر ُ‬
‫الرقَى‪ ،‬قَ َ‬ ‫َِنَْي َ‬
‫ولو سلم أن ابن املسيب قصد جتويز حل السحر بالسحر فالقاعدة أنه ال يقدم بني يدي اهلل ورسوله ‪‬‬
‫ٍ‬
‫ضُّرُه ْم َوالَ يَن َفعُ ُه ْم﴾(‪.)6‬‬‫قول أحد كائناً من كان‪ ،‬وقد أخربنا اهلل بأن السحر ضرر ال نفع معه ﴿ َويَتَ َعلَّ ُمو َن َما يَ ُ‬
‫وكذلك ما نقل عن اإلمام أمحد من جتويز النشرة فهو حممول على النشرة اجلائزة ال الشركية‪ ،‬فأمحد ممن‬

‫(‪ )1‬أخرجه أبو داود ح‪ ،3868 :‬وأمحد ح‪ .14167 :‬وحسن إسناده ابن حجر ِف فتح الباري البن حجر ‪ ،244/10‬وصححه األلباين‬
‫ِف السلسلة الصحيحة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬تيسري العزيز احلميد ‪.417‬‬
‫(‪ )3‬غريب احلديث البن اجلوزي ‪ ،208/2‬اإلنصاف ِف معرفة الراجح من اخلالف للمرداوي (‪.)352 / 10‬‬
‫(‪ )4‬علقه البخاري صحيح البخاري (‪ .)137/7‬وِف تعليق مصطفى البغا‪( :‬طب) سحر‪( .‬يؤخذ‪ ). .‬حيبس عن مباشرهتا وال يصل إىل‬
‫مجاعها (حيل عنه) يرقى ويعوذ ويعاجل حىت يذهب ما به من سحر وَنوه‪ .‬وينشر من التنشري وهو من النشرة وهي كالرقية والتعوذ‪( .‬ال‬
‫بأس) ال مانع من معاجلته حيث إن ِف ذلك إصالحا له ونفعا‪.‬‬
‫(‪ )5‬مسلم ح‪.)2199( - 63 :‬‬
‫(‪ )6‬قال الشيخ حافظ ِف معارج القبول بشرح سلم الوصول (‪( :)567/2‬ترى كثرياً من السحرة الفجرة ِف األزمان اليت ال سيف فيها‬
‫يردعهم‪ ،‬يتعمد سحر الناس ممن حيبه أو يبغضه ليضطره بذلك إىل سؤاله حله ليتوصل بذلك إىل أموال الناس بالباطل‪ ،‬فيستحوذ على‬
‫أمواهلم ودينهم)‪.‬‬
‫‪72‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫روى حديث "هي من عمل الشيطان" فكيف خيالفه! قال األثرم‪( :‬مسعت أبا عبد اهلل ُسئِل عن رجل يزعم‬
‫أنّه حيل السحر‪ ،‬فقال‪ :‬قد رخص فيه بعض الناس‪ .‬قيل أليب عبد اهلل‪ :‬إنه جيعل الطنجري(‪ )1‬ماء‪ ،‬ويغيب فيه‪،‬‬
‫ويعمل كذا‪ ،‬فنفض يده كاملنكر‪ ،‬وقال‪ :‬ما أدري ما هذا؟ قيل له‪ :‬فرتى أن يؤتى مثل هذا حيل السحر؟ فقال‪:‬‬
‫ما أدري ما هذا؟)(‪ .)2‬فهذا صريح منه ِف رد النشرة الشركية‪.‬‬
‫وأما ما ورد ِف حديث عائشة ‪ِ ‬ف سحر النيب ‪ ‬وأِنا قالت له بعدما استخرج السحر ‪( :‬أفال؟‬
‫‪ -‬أي تنشرت – فقال ‪ :‬أما اهلل فقد شفاين‪ ،‬وأكره أن أثري على أحد من الناس شراً)(‪ .)3‬واالستدالل به‬
‫على أن قصد عائشة بالنشرة حل السحر بالسحر! وأن النيب ‪ ‬أقرها على سؤاهلا ومل ينكر عليها! فاجلواب‬
‫عليه فيما يلي‪:‬‬
‫‪-1‬أن هذه الرواية هي رواية سفيان‪ ،‬فأثبت سفيان حصول استخراج السحر من البئر من النيب ‪‬‬
‫وفسر سفيان قول عائشة (أفال) باملعىن‪ .‬ففسره بأن مرادها (تنشرت) فكان سفيان مل يستحضر لفظ عائشة‬
‫فذكره باملعىن‪.‬‬
‫وأما غريه فلم يثبتوا إخراج السحر من البئر وجعلوا سؤال عائشة عن استخراجه من البئر وهذا ما جاء‬
‫ِف رواية عيسى بن يونس (أفال استخرجته) وِف رواية ابن َّنري (أفال أخرجته؟)‬
‫ووقع عند مسلم عن أيب كريب عن أيب أسامة‪( :‬أفال أحرقته؟) من اإلحراق(‪.)4‬‬
‫احلاصل‪ :‬أن لفظ (تنشرت) انفرد به سفيان وهو رواية منه باملعىن‪.‬‬
‫وإن كان الثابت أنه ‪ ‬استخرج السحر من البئر‪ ،‬وحيمل رواية عيسى بن يونس ورواية ابن َّنري على‬
‫أن القصد بعدما استخرجه من البئر أفال أخرج السحر من اجلف الذي كان فيه(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬الطنجري بكسر الطاء إناء من َناس يطبخ فيه قريب من الطبق ووزنه فنعيل واجلمع طناجري‪ .‬املصباح املنري ِف غريب الشرح الكبري‬
‫(‪ )369/2‬مادة (ط ج ر)‪.‬‬
‫(‪ )2‬املغين ‪.32/9‬‬
‫(‪ )3‬البخاري ح‪.5765 :‬‬
‫(‪ )4‬قال النووي ِف شرح مسلم (‪(( :)177/14‬فقلت يا رسول اهلل أفال أحرقته) وِف الرواية الثانية قلت يا رسول اهلل (فأخرجه) كالمها‬
‫صحيح فطلبت أنه خيرجه مث حيرقه واملراد إخراج السحر فدفنها رسول اهلل ‪ ‬وأخرب أن اهلل تعاىل قد عافاه وأنه خياف من إخراجه‬
‫وإحراقه وإشاعة هذا ضررا وشرا على املسلمني من تذكر السحر أو تعلمه وشيوعه واحلديث فيه أو إيذاء فاعله فيحمله ذلك أو حيمل‬
‫بعض أهله وحم بيه واملتعصبني له من املنافقني وغريهم على سحر الناس وأذاهم وانتصاهبم ملناكدة املسلمني بذلك هذا من باب ترك‬
‫مصلحة خلوف مفسدة أعظم منها وهو من أهم قواعد اإلسالم وقد سبقت املسألة مرات واهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬عمدة القارئ للعيين (‪.)284 / 21‬‬
‫‪73‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪-2‬لو سلم أ ّن لفظ عائشة كان (أفال تنشرت)‪ :‬فاملراد به النشرة الشرعية‪ ،‬محالً للنص املتشابه على‬
‫احملكم‪ .‬فقد جاءت أخبار صرحية ِف النهي عن ذلك‪ ،‬والقاعدة أن املتشابه من النصوص حيمل على احملكم‪.‬‬

‫‪74‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وبعد‪ :‬فإذا تبين لك التفريق بين النشرة الشرعية والنشرة الشركية‪..‬‬


‫وتبين لك أن النشرة المشروعة تشمل الرقية الشرعية بشروطها كما تشمل األدوية المباحة فلنعد‬
‫إلى بيان ما نُِق َل من كيفيات لها وذلك فيما يلي‪:‬‬
‫َخا َوبِِه َو َج ٌع‬ ‫ال‪ :‬يا نَِ ِ‬
‫يب اهلل‪ ،‬إِ َّن ِيل أ ً‬ ‫ايب فَ َق َ َ َّ‬ ‫َّيب ‪ ‬فَ َجاءَ أ َْعَرِ ٌّ‬ ‫ال‪ُ :‬كْن ِ‬
‫ت عْن َد النِ ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ُيب بْ ِن َك ْع ٍ‬
‫ب‪ ،‬قَ َ‬ ‫‪-1‬عن أ َِّ‬
‫َّيب ‪ ‬بَِف ِاحتَ ِة الْ ِكتَ ِ‬
‫اب‪َ ،‬وأ َْربَ ِع‬ ‫ِ‬
‫ني يَ َديْه فَ َع َّوذَهُ النِ ُّ‬
‫ض َعهُ بَْ َ‬
‫ال‪ :‬بِِه لَمم(‪ ،)1‬قَ َ ِ ِ‬
‫ال‪" :‬فَأْت ِين بِه" فَ َو َ‬ ‫"وَما َو َجعُهُ؟ " قَ َ‬
‫ٌَ‬ ‫ال‪َ :‬‬
‫قَ َ‬
‫ات‬‫اح ٌد﴾ [البقرة‪ ]163 :‬وآي ِة الْ ُكرِسي‪ ،‬وثََال ِث آي ٍ‬ ‫ني‪﴿ :‬وإِ َهل ُكم إِلَه و ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ ِ ِ ِ ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ ْ ِّ َ‬ ‫آيَات م ْن أ ََّول ُس َورة الْبَ َقَرة‪َ ،‬وَهاتَ ْني ْاآليَتَ ْ َ ُ ْ ٌ َ‬
‫اف‬‫آل ِعمرا َن ﴿ َش ِه َد اهلل أَنَّه َال إِلَه إَِّال هو﴾ [آل عمران‪ ،]18 :‬وآي ٍة ِمن ْاألَعر ِ‬ ‫آخ ِر سورةِ الْب َقرةِ‪ ،‬وآي ٍة ِمن ِ‬
‫ِمن ِ‬
‫َ َ َ َْ‬ ‫ُ ُ َ َُ‬ ‫َْ‬ ‫َُ ََ ََ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫﴿إِ َّن ربَّ ُكم اهلل الَّ ِذي خلَق َّ ِ‬
‫احلَ ُّق﴾ [املؤمنون‪:‬‬ ‫ك ْ‬ ‫ني ﴿فَتَ َع َاىل اهللُ الْ َمل ُ‬ ‫ض﴾‪َ ،‬وآخ ِر ُس َورةِ الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫الس َم َوات َو ْاأل َْر َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫ات‪َ ،‬وثََال ِث‬ ‫الصافَّ ِ‬
‫ات ِم ْن أ ََّوِل َّ‬ ‫اجلِ ِّن ﴿وأَنَّه تَع َاىل ج ُّد ربِّنَا﴾ [اجلن‪ ،]3 :‬وع ْش ِر آي ٍ‬
‫ََ َ‬ ‫‪َ ،]116‬وآيَة م ْن ُس َورة ْ َ ُ َ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍِ‬
‫ك قَ ُّ‬‫الرجل َكأَنَّه َمل ي ْشتَ ِ‬ ‫َح ٌد والْم َع ِّو َذتَ ْ ِ‬ ‫آخ ِر ُس َورةِ ْ‬ ‫ات ِمن ِ‬‫آي ٍ‬
‫ط(‪.)2‬‬ ‫ني‪ .‬فَ َق َام َّ ُ ُ ُ ْ َ‬ ‫احلَ ْش ِر‪َ ،‬وقُ ْل ُه َو اهللُ أ َ َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫واحلديث وإن كان ِف سنده مقال؛ إال أ ّن ذلك ال يؤثر على جواز الرقية بتلك اآليات‪ ،‬فالقرآن كله‬
‫شفاء‪ ،‬وهو خري ما يرقى به‪ ،‬والرقية منه على وجه اخلصوص بالفاحتة وآية الكرسي واملعوذات واإلخالص ثابتة‬
‫ِف أحاديث أخر(‪ .)3‬قال ابن كثري‪( :‬أنفع ما يستعمل إلذهاب السحر ما أنزل اهلل على رسوله ‪ِ ‬ف إذهاب‬
‫ذلك ومها املعوذتان‪ ،‬وِف احلديث‪" :‬مل يتعوذ املتعوذون مبثلهما" وكذلك قراءة آية الكرسي فإِنا مطردة‬
‫للشيطان)(‪.)4‬‬
‫‪ -2‬وجاء عن بعض السلف اجلمع ِف النشرة بني األدوية الطبيعية والرقية‪ ،‬وكان بعضهم يكره استعمال‬
‫دواء ال يعرف حمتواه‪ ،‬ومن ذلك ابن جريج قال سألت عطاء بن أيب رباح عن النشرة فكره نشرة األطباء وقال‬

‫ب ِمْنهُ َويَ ْع َِرت ِيه‪ .‬حاشية السندي على سنن ابن ماجه (‪.)366/2‬‬ ‫ون يلِ ُّم ِمن ِْ ِ‬
‫ف ِمن ْ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َي‪ :‬يَ ْقَر ُ‬
‫اإلنْ َسان‪ ،‬أ ْ‬ ‫اجلُنُ ُ َ‬ ‫(‪( )1‬به لَ َم ٌم) ُه َو طََر ٌ َ‬
‫(‪ )2‬مسند أمحد ح‪ ،21174 :‬ابن ماجه ح‪ 3549 :‬وضعفه األلباين ِف ضعيف ابن ماجه‪ ،‬قال األرنؤوط‪ :‬وأخرجه احلاكم ‪-412/4‬‬
‫‪ 413‬من طريق حممد بن أيب بكر املقدمي‪ ،‬هبذا اإلسناد‪ .‬وقال‪ :‬احلديث حمفوظ صحيح ومل خيرجاه‪ ،‬وتعقبه الذهيب بقوله‪ :‬أبو َجنَاب‬
‫ضعفه الدارقطين‪ ،‬واحلديث منكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال ِف معارج القبول بشرح سلم الوصول (‪( :)565/2‬ومن أعظمها فاحتة الكتاب وآية الكرسي واملعوذتان وآخر سورة احلشر‪ ،‬فإن‬
‫احلَ ُّق‬
‫ضم إىل ذلك اآليات اليت فيها التعوذ من الشياطني مطلقا واآليات اليت يتضمن لفظها إبطال السحر‪ ،‬كقوله تعاىل‪﴿ :‬فَ َوقَ َع ْ‬
‫ين﴾ [األعراف‪ ]119 :‬وقوله عز وجل‪َ ﴿ :‬ما ِجئْتُم بِِه ا ِّ‬
‫لس ْح ُر إِ َّن اللّهَ َسيُْب ِطلُهُ إِ َّن‬ ‫ك وان َقلَبواْ ِ‬
‫صاغ ِر َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َوبَطَ َل َما َكانُواْ يَ ْع َملُو َن*فَغُلبُواْ ُهنَال َ َ ُ َ‬
‫ث أَتَى﴾ [طه‪]69 :‬‬ ‫اح ُر َحْي ُ‬ ‫اح ٍر َوَال يُ ْفلِ ُح َّ‬
‫الس ِ‬ ‫اللّه الَ يصلِح عمل الْم ْف ِس ِدين﴾ [يونس‪ ]81 :‬وقوله تعاىل‪﴿ :‬إََِّّنَا صنَ عوا َكي ُد س ِ‬
‫َُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ ْ ُ ََ َ ُ‬
‫وَنوها‪ ،‬كان ذلك حسنا)‪.‬‬
‫(‪ )4‬تفسري ابن كثري ‪.372/1‬‬
‫‪75‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ال أدري ما يصنعون فيها وأما شيء تصنعه أنت فال بأس به(‪.)1‬‬
‫ومما جاء ِف األدوية اليت جتمع مع الرقية‪:‬‬
‫=(الرقية مع املاء مث االغتسال به) أخرج ابن أيب حامت ِف تفسريه بسنده عن ليث بن أيب ُسليم قال‪:‬‬
‫ٍ ِِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ب لَغ ِين أ َّ ِ‬
‫ب َعلَى َرأْ ِس الْ َم ْس ُحوِر اآليَةَ‬ ‫ص ُّ‬‫َن َه ُؤالء اآليَات ش َفاءٌ م َن ال ِّس ْح ِر بِِإ ْذن اللَّه تُ ْقَرأُ ِِف إِنَاء فيه َماءٌ ُمثَّ يُ َ‬ ‫ََ‬
‫صلِ ُح َع َم َل‬ ‫ِ‬ ‫وسى َما ِجْئتُ ْم بِِه ِّ‬
‫الس ْح ُر إِ َّن اللَّهَ َسيُْبطلُهُ إِ َّن اللَّهَ َال يُ ْ‬ ‫ال ُم َ‬ ‫س‪﴿ :‬فَلَ َّما أَلْ ُقوا قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َِّ ِ‬
‫اليت ِف ُس َورة يُونُ َ‬
‫الْم ْف ِس ِدين وُِحي ُّق اللَّه ْ ِ ِِ‬
‫احلَ ُّق َوبَطَ َل َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾‬
‫ُخَرى‪﴿ :‬فَ َوقَ َع ْ‬ ‫احلَ َّق بِ َكل َماته َولَ ْو َك ِرهَ الْ ُم ْج ِرُمو َن﴾ َواآليَةَ األ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ث أَتَى﴾ ‪.‬‬ ‫صنَ عُوا َكْي ُد َساح ٍر َوال يُ ْفل ُح ال َّساح ُر َحْي ُ‬ ‫إِ َىل انْت َهاء أ َْربَ ِع آيَات‪َ ،‬وقَ ْولُهُ‪﴿ :‬إََِّّنَا َ‬
‫(‪)2‬‬

‫=(الرقية مع املاء وورق شجر السدر مث االغتسال به) فعن وهب بن منبه‪ :‬أَ ْن تُ ْؤخ َذ سبع ورقَ ٍ‬
‫ات ِم ْن‬ ‫َ َ ْ ُ ََ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ث‬‫ات قُ ْل‪ُ ،‬مثَّ َْحي ُسو ِمْنهُ ثََال َ‬ ‫ِ‬
‫ض ِربَهُ ِِف الْ َماء‪َ ،‬ويَ ْقَرأَ فيه آيَةَ الْ ُك ْرس ِّي‪َ ،‬وذَ َو َ‬
‫ني َح َجَريْ ِن‪ُ ،‬مثَّ يَ ْ‬
‫ضَر فَيَ ُدقَّهُ بَْ َ‬
‫َخ َ‬ ‫ِ‬
‫س ْد ٍر أ ْ‬
‫س ِم ْن أ َْهلِ ِه(‪.)3‬‬
‫َ‬
‫ات‪ ،‬ويَ ْغتَ ِسل بِِه‪ ،‬فَِإنَّهُ يُ ْذ ِهب َعْنهُ ُك َّل َما بِِه إِ ْن َشاء اللَّهُ‪ ،‬وُهو َجيِّ ٌد لِ َّلر ُج ِل‪ ،‬إِذَا ُحبِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حسو ٍ‬
‫َ ََ‬
‫وذوات ﴿قل﴾ سورة اإلخالص والفلق والناس والكافرون ألِنا تبدأ ب ﴿قل﴾‪.‬‬
‫ود﴾ ﴿ ِع َ‬
‫ند‬ ‫وذُكر أ ّن العلة ِف تأثري السدر أنه من شجر اجلنة وتبغضه اجلن‪ ،‬قال تعاىل ﴿ِِف ِس ْد ٍر َّخمْض ٍ‬
‫ُ‬
‫ِس ْد َرةِ الْ ُمْنتَ َهى﴾(‪.)4‬‬

‫= (الرقية مع املاء وخليط من نباتات الربيع أو الربية مث االغتسال به) فعن الشعيب قال‪َ :‬ال بَأْس بِالنُّ ْشرةِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ضاهٍ‪ ،‬فَيَأْ ُخ َذ َع ْن َميِينِ ِه َومشَالِِه‬
‫اإلنْ َسا ُن ِِف َم ْو ِض ِع ِع َ‬ ‫ِ‬
‫ت‪َ ،‬والنُّ ْشرةُ الْ َعربِيَّةُ‪ :‬أَ ْن َخيْر َج ِْ‬
‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ضُّر إِذَا ُوطئَ ْ‬ ‫الْ َعَربِيَّ ِة الَِّيت َال تَ ُ‬
‫ِم ْن ُك ِّل َمثٍَر يَ ُدقُّهُ َويَ ْقَرأُ فِ ِيه‪ُ ،‬مثَّ يَ ْغتَ ِس ُل بِِه(‪.)5‬‬
‫فالشعيب يرى أنه خيرج للربية ويأخذ من النباتات الربية املختلفة مث يدقها وخيلطها باملاء مث يرقي فيها مث‬
‫يغتسل به‪.‬‬

‫(‪ )1‬التمهيد ‪.245 /6‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن أيب حامت (‪.)1974 / 6‬‬
‫(‪ )3‬جامع معمر بن راشد (‪.)13 / 11‬‬
‫(‪ )4‬استعمال السدر سواء ِف السحر أو ِف مرض روحي كالعني نافع بأمر اهلل ويؤذي اجلن‪ .‬فال خيتص بالسحر‪ .‬ينظر‪ :‬كيف ترقي مريضك‬
‫‪.36‬‬
‫(‪ )5‬جامع معمر بن راشد (‪ .)13 / 11‬وذكره ابن حجر ِف الفتح عن الشعيب ‪.233/10‬‬
‫‪76‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وكذلك حيي بن سعيد كان يقول‪ :‬ليس بالنشرة اليت جيمع فيها من الشجر والطيب ويغتسل به اإلنسان‬
‫بأس(‪.)1‬‬
‫ونقل ابن حجر عن كتاب الطب جلعفر املستغفري أنه وجد ِف خط بعض العلماء بأن النشرة‪ :‬إنه جيمع‬
‫أيام الربيع ما قدر عليه من ورد املفازة وورد البساتني‪ ،‬مث يلقيها ِف إناء نظيف وجيعل فيهما ماء عذباً‪ ،‬مث يغلي‬
‫ذلك الورد ِف املاء غلياً يسرياً‪ ،‬مث ميهل حىت إذا فرت املاء أفاضه عليه فإنه يربأ بإذن اهلل تعاىل(‪.)2‬‬

‫والفرق بني كيفية وهب بن منبه واآلخرين‪ :‬أن وهب اكتفى بالسدر‪ ،‬وأما اآلخرون فدواؤهم األخذ من‬
‫عموم النباتات الربية‪.‬‬

‫وبعض أهل العلم منع التداوي هبذه الوصفات حبجة أِنا مل تنقل عن النيب ‪ ‬وأن الرقية عبادة ال‬
‫تكون إال بدليل‪.‬‬
‫وهذا غري صحيح‪ ،‬وقد سبق أن األصل ِف كل رقية جربت منفعتها وخلت من الشرك أو ما يؤدي إليه‪،‬‬
‫أو يؤدي إىل معصية أو ضرر فهي جائزة‪.‬‬
‫وكذلك األدوية ال يشرتط ِف الدواء أن يكون ثابتاً مشروعيته بنص خاص‪ .‬فما ثبت بالتجربة منفعته من‬
‫النباتات ِف الدواء لألمراض الروحية أو العضوية فيجوز استخدامه ولو مل يثبت فيه نص ِبصوصه‪ .‬وقد سبق‬
‫بيان ذلك ِف الرقية املشروعة وشروطها‪.‬‬
‫واألصل ِف ذلك قوله ‪" :‬عباد اهلل تداووا وال تتداووا حبرام"‪.‬‬
‫لكن ما مل يثبت فيه خرب صحيح جيوز فعله باعتبار األصل العام ِف اجلواز ومن غري اعتقاد أنه سنة هبذه‬
‫الكيفية‪ ،‬ألن اعتقاد السنة ال يكون إال بدليل‪ ،‬فإن اعتقد ِف اجلائز أنه سنة فقد ابتدع ِف اعتقاده‪.‬‬
‫انتهينا حبمد اهلل من رقية السحر فلننتقل إىل ما بعده‪.‬‬

‫** رقية العين‪ :‬عنت الرجل‪ :‬أي‪ :‬أصبته بعيين‪ .‬وهي من باب تعليق الشيء بسببه وإال الذي أصابه‬
‫الوصف أو اإلعجاب الواقع ِف القلب مع عدم ذكره هلل تعاىل عند ذلك؛ وهلذا قد تقع العني من الشخص‬

‫(‪ )1‬التمهيد ‪.245 /6‬‬


‫(‪ )2‬فتح الباري ‪.234 /10‬‬
‫‪77‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫األعمى(‪.)1‬‬
‫وتسمى العني‪ :‬بالنفس‪ ،‬والنَّظَْرة‪ ،‬فيقال‪ :‬نفسته بنفس‪ ،‬أي‪ :‬أصبته بعني‪ .‬وصيب منظور؛ أي‪ :‬معيون‪.‬‬
‫ورجل معيان أي‪ :‬شديد اإلصابة بالعني(‪.)2‬‬ ‫ويسمى الفاعل‪ :‬عائن ونافس‪ٌ ،‬‬
‫قال ابن حجر‪ :‬العني نظر باستحسان مشوب حبسد من خبيث الطبع‪ ،‬حيصل للمنظور منه ضرر(‪.)3‬‬
‫و"العني حق" كما أخرب بذلك النيب ‪ ،)4( ‬واإلصابة هبا أمر مشاهد معلوم‪ ،‬وقد قال حبقيقة العني‬
‫وتأثريها مجاهري العلماء‪ ،‬وخالف فيه بعض طوائف املبتدعة كاملعتزلة(‪)5‬؛ وهم حمجوجون باألثر واإلمجاع ومبا‬
‫يشاهد ِف الواقع‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫صا ِرِه ْم لَ َّما َِمسعُوا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫قوله تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْن ي َك َّ ِ‬
‫الذ ْكَر َويَ ُقولُو َن إِنَّهُ لَ َم ْجنُو ٌن﴾ وفسرها‬ ‫ك بِأَبْ َ‬
‫ين َك َف ُروا لَيُ ْزل ُقونَ َ‬
‫اد الذ َ‬‫َ َ ُ‬
‫ابن عباس وجماهد وغريمها لينفذونك بأبصارهم‪ .‬أي‪ :‬ليعينونك بأبصارهم؛ شبه األبصار بالسهام ِف نفاذها‬
‫وتأثريها(‪ ،)6‬حسداً لبغضهم إياك لوال وقاية اهلل لك ومحايته إياك منهم‪ .‬قال ابن كثري‪ :‬هذه اآلية دليل على‬
‫أن العني إصابتها وتأثريها حق‪ ،‬بأمر اهلل ‪.)7(‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬كيف تعاجل مريضك بالرقية الشرعية‪ :‬ومسى العني (سم اللسان) ص ‪ /9‬ص‪.19‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬الصحاح‪ ،‬والنهاية ِف غريب احلديث والقاموس مادة (عني‪/‬نفس)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فتح الباري ‪ .210/10‬قال ابن تيمية جمموع الفتاوى‪( :124/10‬احلسد مرض من أمراض النفس وهو مرض غالب فال خيلص‬
‫منه إال قليل من الناس‪ ،‬وهلذا يقال‪ :‬ما خال جسد من حسد؛ لكن اللئيم يبديه والكرمي خيفيه‪ .‬وقد قيل للحسن البصري‪ :‬أحيسد‬
‫املؤمن؟ فقال ما أنساك إخوة يوسف ال أبا لك ولكن عمه ِف صدرك فإنه ال يضرك ما مل تعد به يدا ولسانا‪ .‬فمن وجد ِف نفسه‬
‫حسدا لغريه فعليه أن يستعمل معه التقوى والصرب‪ .‬فيكره ذلك من نفسه) اه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري ح‪ 5740 :‬ومسلم ح‪.)2187( - 41 :‬‬
‫(‪ )5‬شرح النووي على مسلم (‪ .)171/14‬وينظر‪ :‬البيان والتحصيل (‪ ،)171/14‬وحكى القرطيب اإلمجاع (‪.)226/9‬‬
‫(‪ )6‬التحرير والتنوير (‪.)108/29‬‬
‫(‪ )7‬تفسري ابن كثري تفسري ابن كثري ت سالمة (‪ .)201/8‬قال ابن القيم ِف بدائع الفوائد (‪ :)231/2‬وقد قال غري واحد من املفسرين‬
‫صا ِرِه ْم لَ َّما َِمسعُوا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِف قوله تعاىل‪﴿ :‬وإِ ْن ي َك َّ ِ‬
‫الذ ْكَر﴾ إنه اإلصابة بالعني فأرادوا أن يصيبوا هبا رسول اهلل ‪‬‬ ‫ك بِأَبْ َ‬
‫ين َك َف ُروا لَيُ ْزل ُقونَ َ‬
‫اد الذ َ‬‫َ َ ُ‬
‫فنظر إليه قوم من العائنني وقالوا ما رأينا مثله! وال مثل حجته! وكان طائفة منهم [‪-‬العائنني الذين قالوا هذا الكالم ِف النيب ‪]-‬‬
‫متر به الناقة والبقرة السمينة فيعينها مث يقول خلادمه خذ املكتل والدرهم وآتنا بشيء من حلمها فما تربح حىت تقع فتنحر وقال الكليب‪:‬‬
‫"كان رجل من العرب ميكث يومني أو ثالثة ال يأكل مث يرفع جانب خبائه فتمر به اإلبل فيقول مل أر كاليوم إبال وال غنما أحسن‬
‫من هذه فما تذهب إال قليال حىت يسقط منها طائفة فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول اهلل ‪ ‬بالعني ويفعل به كفعله ِف‬
‫صا ِرِه ْم﴾ هذا قول طائفة وقالت طائفة أخرى‬ ‫ِ‬ ‫غريه فعصم اهلل تعاىل رسوله وحفظه وأنزل عليه‪﴿ :‬وإِ ْن ي َك َّ ِ‬
‫ك بِأَبْ َ‬
‫ين َك َف ُروا لَيُ ْزل ُقونَ َ‬
‫اد الذ َ‬‫َ َ ُ‬
‫منهم ابن قتيبة‪ :‬ليس املراد أِنم يصيبونك بالعني كما يصيب العائن بعينه ما يعجبه وإَّنا أراد أِنم ينظرون إليك إذا قرأت القرآن الكرمي‬
‫نظرا شديدا بالعداوة والبغضاء يكاد يسقطك قال الزجاج‪" :‬يعين من شدة العداوة يكادون بنظرهم نظر البغضاء أن يصرعوك")‪.‬‬
‫‪78‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اب ُمتَ َفِّرقٍَة َوَما أُ ْغ ِين َعْن ُك ْم ِم َن اللَّ ِه‬ ‫اح ٍد و ْاد ُخلُوا ِمن أَبْو ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫ال يَا بَِ َّ‬
‫ْ َ‬ ‫ين َال تَ ْد ُخلُوا م ْن بَاب َو َ‬ ‫قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقَ َ‬
‫ت َو َعلَْي ِه فَ ْليَتَ َوَّك ِل الْ ُمتَ َوِّكلُو َن﴾‪ .‬وفسرها مجاعة من السلف منهم ابن‬ ‫ِِ ِ‬
‫ْم إَِّال للَّه َعلَْيه تَ َوَّك ْل ُ‬ ‫ِم ْن َش ْي ٍء إِ ِن ْ‬
‫احلُك ُ‬
‫عباس وجماهد وقتادة وغريهم‪ :‬بأن يعقوب خشي عليهم من العني‪ .‬قال ابن كثري‪ :‬وذلك أِنم كانوا ذوي‬
‫مجال وهيئة حسنة‪ ،‬ومنظر وهباء‪ ،‬فخشي عليهم أن يصيبهم الناس بعيوِنم؛ فإن العني حق(‪.)1‬‬
‫وقد مضت أحاديث كثرية ِف أ ّن العني حق ومشروعية الرقية للعني‪ .‬وما بعد الوحي الصريح الصحيح‬
‫س»‬ ‫ض ِاء اللَّ ِه َوكِتَابِِه َوقَ َد ِرهِ بِ ْاألَنْ ُف ِ‬
‫وت ِم ْن أ َُّم ِيت بَ ْع َد قَ َ‬
‫«ج ُّل َم ْن ميَُ ُ‬
‫كالم ألحد‪ ،‬بل جاء عنه ‪ ‬أنه قال‪ُ :‬‬
‫ني(‪.)2‬وثبت أيضاً أ ّن العني تصرع اإلنسان بأمر اهلل تعاىل كما ِف قصة حديث أيب أمامة بن سهل‬ ‫يَ ْع ِين بِالْ َع ْ ِ‬
‫بن حنيف وسيأيت معنا‪ ،‬وثبت أيضاً أ ّن العني تؤثر ِف مسانة اجلسم لإلنسان(‪.)3‬‬
‫ني َح ٌّق‪َ ،‬ولَ ْو َكا َن‬ ‫ال‪« :‬الْ َع ْ ُ‬
‫َّيب ‪ ‬قَ َ‬ ‫اس‪َ ،‬ع ِن النِ ِّ‬ ‫وأخرب ‪ ‬أِنا سريعة النفوذ قوية الضرر‪ ،‬ف َع ِن ابْ ِن َعبَّ ٍ‬
‫استُ ْغ ِسْلتُ ْم فَا ْغ ِسلُوا»(‪ .)4‬فجرى احلديث جمرى املبالغة ِف إثبات الضرر‬ ‫ني‪َ ،‬وإِذَا ْ‬ ‫َش ْيءٌ َسابَ َق الْ َق َد َر َسبَ َقْتهُ الْ َع ْ ُ‬
‫الواقع من العني بقدر اهلل‪ ،‬وأنه لو سلم أ ّن هناك شيئاً يسبق قدر اهلل ِف الوقوع لكانت العني‪ ،‬لكن العني‬
‫أيضاً من قدر اهلل تعاىل فال تسبق القدر‪ .‬فأراد ‪ ‬اإلعالم بكثرة ضرر العني‪ ،‬وأ ّن الضرر الواقع منها ال خيرج‬
‫عن قدر اهلل تعاىل‪ .‬لكن يدافع قدر اهلل بقدر اهلل تعاىل كما قال عمر ‪.‬‬

‫وهنا مسائل ذات صلة في العين نتطرق إليها بين يدي رقية العين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬كيف تصيب العين؟!‬
‫مل يرد ِف الشرع بيان كيف تصيب؛ ولسنا متعبدين مبعرفة الكيفية؛ فإن عقلت الكيفية فزيادة خري وعلم؛‬
‫وإال فالتسليم لكل خرب صح به النقل عن الشارع‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري ابن كثري ‪ .400 /4‬وانظر‪ :‬أضواء البيان ‪.398/3‬‬


‫(‪ )2‬مسند أيب داود الطيالسي ح‪ ،1868 :‬السنة البن أيب عاصم (‪ ،)136/1‬وحسنه ابن حجر ِف الفتح (‪ ،)204/10‬وكذا األلباين ِف‬
‫سلسلة األحاديث الصحيحة (‪ .)373/2‬ومعىن القتل بسبب العني ثابت ِف حديث أيب أمامة بن سهل وفيه "عالم يقتل أحدكم‬
‫أخاه" فدل على أن العني رمبا قتلت اإلنسان بأمر اهلل تعاىل‪ .‬وذكر ِف كتاب كيف ترقي مريضك بالرقية الشرعية ص‪ 17‬أن العني‬
‫هي السبب الغالب ألمراض الناس وأن السحر استثناء‪ .‬واستدل باحلديث على ذلك‪.‬‬
‫س‪« :‬ما ِيل أَرى أَجسام ب ِين أ ِ‬ ‫(‪ )3‬رواه مسلم ح‪ )2198( - 60 :‬من حديث جابِر بن عب ِد اهللِ‪ ،‬وفيه أنه ‪ ‬قال ِأل ْ ِ ِ‬
‫َخي‬ ‫َمسَاءَ بنْت عُ َمْي ٍ َ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ ْ َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ني تُ ْسرِعُ إِلَْيه ْم‪ ،‬قَ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ضا ِرعةً تُ ِ‬
‫«ارقيه ْم»‪ .‬ومعىن ضارعة‪:‬‬ ‫ت َعلَْيه‪ ،‬فَ َق َال‪ْ :‬‬
‫ضُ‬‫ت‪ :‬فَ َعَر ْ‬
‫«ارقيه ْم» قَالَ ْ‬
‫ال‪ْ :‬‬ ‫ت‪َ :‬ال‪َ ،‬ولَك ِن الْ َع ْ ُ‬
‫اجةُ» قَالَ ْ‬
‫احلَ َ‬
‫صيبُ ُه ُم ْ‬ ‫َ َ‬
‫أي َنيفة‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ح‪.)2188( - 42 :‬‬
‫‪79‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقد تلمس أهل العلم ذلك وخالصته‪:‬‬


‫‪-‬أن العني سبب أجراه اهلل تعاىل ِف الكون من ضمن نواميس الكون وأسبابه‪ ،‬يرتتب عليه املسبب أحياناً‬
‫حبكمته تعاىل‪ ،‬ويتخلف عنه املسبب فال يقع بقدره تعاىل‪ .‬كاجلراثيم والفريوسات سبب للمرض قد ينشأ عنها‬
‫أحيان أخرى‪.‬‬‫املرض حبكمته تعاىل ِف أحيان‪ ،‬وقد يتخلف عنها املرض بقدرته تعاىل ِف ٍ‬
‫‪-‬أ ّن العني إن أصابت فهي داخلة ِف قدر اهلل‪ ،‬وإن مل تصب فهي داخلة ِف قدر اهلل وهذا معىن قوله‬
‫ني" لكنه ال شيء يسبق قدر اهلل‪َ ﴿ .‬ولَ ْو َشاء اللّهُ َما فَ َعلُوهُ﴾‬
‫‪َ " :‬ولَ ْو َكا َن َش ْيءٌ َسابَ َق الْ َق َد َر َسبَ َقْتهُ الْ َع ْ ُ‬
‫ك َما فَ َعلُوهُ﴾ ﴿قَ َدراً َّم ْق ُدوراً﴾‪.‬‬ ‫﴿ َولَ ْو َشاء َربُّ َ‬
‫حبسد‪ ،‬من خبيث الطبع‪ ،‬حيصل للمنظور منه ضرر‪،‬‬ ‫باستحسان‪ ،‬مشوب ٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪-‬قال ابن حجر‪( :‬العني نظر‬
‫وقد وقع عند أمحد من وجه آخر عن أيب هريرة رفعه‪" :‬العني حق وحيضرها الشيطان وحسد بن آدم"(‪))1‬أه‬
‫وليس احلسد شرطاً فقد توجد العني من جمرد اإلعجاب‪ :‬قال ابن القيم‪( :‬النظر الذي يؤثر ِف املنظور‪-1 :‬‬
‫قد يكون بسببه شده العداوة والحسد فيؤثر نظره ِف كما تؤثر نفسه باحلسد ويقوى تأثري النفس عند املقابلة‬
‫فإن العدو إذا غاب عن عدوه قد يشغل نفسه عنه فإذا عاينه قبال اجتمعت اهلمة عليه وتوجهت النفس‬
‫بكليتها إليه فيتأثر بنظره حىت إن من الناس من يسقط ومنهم من حيم ومنهم من حيمل إىل بيته وقد شاهد‬
‫الناس من ذلك كثرياً‪-2 .‬وقد يكون سببه اإلعجاب وهو الذي يسمونه بإصابة العين وهو أن الناظر يرى‬
‫الشيء رؤية إعجاب به أو استعظام فتتكيف روحه بكيفية خاصة تؤثر ِف املعني وهذا هو الذي يعرفه الناس‬
‫من رؤية املعني فإِنم يستحسنون الشيء ويعجبون منه فيصاب بذلك)‪ )2(.‬اخلالصة أن احلسد ليس بشرط‪،‬‬
‫فالشيطان حيضر حىت إعجاب احملب والرجل الصاحل ولو من باب املزاح إذا مل يربك‪ ،‬والشيطان ال يدرك نية‬
‫الواصف هل هو حاسد أو حمب وإَّنا يدرك هل برك الواصف وذكر اسم اهلل أم ال‪ ،‬فذكر اهلل هو الذي حيول‬
‫بني الشيطان وبني إيقاع الضرر باملعيون(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه أمحد ِف املسند ح‪ 9668 :‬ولفظه‪" :‬الْعني ح ٌّق‪ ،‬وَحي ِ‬


‫ضُر هبَا الشَّْيطَا ُن َو َح َس ُد ابْ ِن َ‬
‫آد َم"‪ .‬قال السندي‪ :‬قوله‪" :‬حيضر هبا"‪ ،‬أي‪:‬‬ ‫َْ ُ َ َ ْ ُ‬
‫معها‪ ،‬أي‪ :‬عندها الشيطان وحسد ابن آدم‪ .‬قال اهليثمي ِف جممع الزوائد (‪ )107/5‬رواه أمحد ورجاله رجال الصحيح‪.‬‬
‫(‪ )2‬بدائع الفوائد ‪ ،230/2‬وقال قبله ‪( :231/2‬العائن واحلاسد يشرتكان ِف شيء ويفرتقان ِف شيء‪ ،‬فيشرتكان ِف أ ّن كل واحد منهما‬
‫تتكيف نفسه وتتوجه َنو من يريد أذاه‪ .‬فالعائن‪ :‬تتكيف نفسه عند مقابلة املعني ومعاينته‪ ،‬واحلاسد‪ :‬حيصل له ذلك عند غيب‬
‫احملسود وحضوره أيضاً‪ .‬ويفرتقان‪ِ :‬ف أ ّن العائن قد يصيب من ال حيسده من مجاد أو حيوان أو زرع أو مال وإن كان ال يكاد ينفك‬
‫من حسد صاحبه ورمبا أصابت عينه نفسه! فإ ّن رؤيته للشيء رؤية تعجب وحتديق مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر ِف املعني)‪.‬‬
‫(‪ )3‬فتح الباري ‪ .200/10‬وقال ِف فوائد حديث عامر بن سهل (‪( )205/10‬العين تكون مع اإلعجاب ولو بغير حسد ولو من‬
‫‪80‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪-‬أما كيف ينشأ السبب عن العني؟ فإ ّن العائن إذا رأى ما يعجبه ومل يربك عليه (بأن يقول‪" :‬تبارك اهلل"‬
‫وَنو ذلك)‪ ،‬وكان املعيون مل حيصن نفسه باألوراد فقد خيلف اهلل من الضرر للمعني ما يشاء اهلل تعاىل إذا‬
‫قصر ِف التزام األوراد احملصنة بأمر‬ ‫صر ِف امتثال التربيك واملعيون َّ‬ ‫شاء(‪ .)1‬والسبب بأمر اهلل تعاىل‪ :‬أ ّن العائن قَ َّ‬
‫اهلل تعاىل فنشأ عن تقصريمها حضور الشيطان فوقع الضرر بإذن اهلل تعاىل(‪.)2‬‬
‫سم ينتقل عرب اهلواء إىل بدن املعيون‬ ‫‪-‬أما كيف يصيب السبب املعيون؟! فقيل‪ :‬خيرج من عني العائن ٌ‬
‫كبعض أنواع األفاعي‪ ،‬فقد اشتهر عن نوع من األفاعي أِنا إذا وقع بصرها على اإلنسان هلك‪ ،‬وقد كان‬
‫السم كامناً فيها بالقوة فلما قابلت عدوها انبعثت منها قوة غضبية نتج عنها اإليذاء‪ ،‬وكذلك العائن‪ .‬قال‬ ‫ّ‬
‫ابن حجر‪( :‬وقد نقل عن بعض من كان معياناً أنه قال‪ :‬إذا رأيت شيئاً يعجبين وجدت حرارة خترج من‬
‫عيين)(‪.)3‬‬
‫وقيل‪ :‬ينبعث من عني العائن جواهر لطيفة ال ترى بالعني اجملردة فتتصل باملعيون وتتخلل مسام جسمه‬
‫فيحصل له الضرر‪.‬‬
‫وح‬ ‫ك َع ِن ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫وقيل‪ :‬إ ّن هذا من عامل األرواح وتأثريها على األجساد‪ ،‬وعامل األرواح عامل خفي ﴿ َويَ ْسأَلُونَ َ‬
‫وح ِم ْن أ َْم ِر َرِّيب َوَما أُوتِيتُم ِّمن الْعِْل ِم إِالَّ قَلِيالً﴾(‪.)4‬‬ ‫قُ ِل ُّ‬
‫الر ُ‬

‫الرجل المحب ومن الرجل الصالح وأن الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إىل الدعاء للذي يعجبه بالربكة)‪ .‬فهناك عائن ذو نفس‬
‫خبيثة يرجو زوال النعمة ويقصد ذلك‪ ،‬وهناك عائن ذو نفس طيبة لكن ِف غمرة التنافس يعجب بالشيء وينسى ذكر اهلل فتتلقفه‬
‫الشياطني احلاضرة وتؤذي املعيون‪ .‬ينظر‪ :‬كيف ترقي مريضك بالرقية الشرعية ص ‪/19‬ص ‪.37-36‬‬
‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬اجلامع الصغري مع فيض القدير ‪ 351/2‬رقم ‪ .622‬وينظر‪ :‬املنتقى للباجي ‪ ،256/7‬وتبصرة احلكام البن فرحون ‪،216/2‬‬
‫فتح الباري ‪.200/10‬‬
‫(‪ )2‬قال ابن القيم ِف زاد املعاد (‪ :)154/4‬هي سهام خترج من نفس احلاسد والعائن َنو احملسود واملعني تصيبه تارة‪ ،‬وختطئه تارة‪ ،‬فإن‬
‫صادفته مكشوفا ال وقاية عليه‪ ،‬أثرت فيه‪ ،‬وال بد وإن صادفته حذرا شاكي السالح ال منفذ فيه للسهام مل تؤثر فيه‪ ،‬ورمبا ردت السهام‬
‫على صاحبها‪ ،‬وهذا مبثابة الرمي احلسي سواء‪ ،‬فهذا من النفوس واألرواح وذاك من األجسام واألشباح‪ .‬أه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬وذكره القرطيب أن األصمعي حكاه عن املعيان تفسري القرطيب ‪ ،227/9‬فتح البارئ ‪ .200/10‬زاد املعاد ‪.152/4‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬زاد املعاد ‪.153- 152 /4‬‬
‫‪81‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬عالمات العين؟ وممن تكون العين؟ ومن تصيب؟‬


‫جتشا وتثاؤب‪ ،‬وقلّة‬
‫من عالمات اإلصابة بالعني‪ :‬صداع‪ ،‬وصفرة وجه‪ ،‬وكثرة تعرق‪ ،‬وتبول كثري‪ ،‬وكثرة ّ‬
‫نوم أو كثرته‪ ،‬وضعف شهية‪ ،‬ورطوبة يديه ورجليه مع تنمل فيهما‪ ،‬وخفقان ِف القلب‪ ،‬وخوف غري طبيعي‪،‬‬
‫وغضب وانفعال شديدان‪ ،‬وحزن وضيق ِف الصدر‪ ،‬وأمل أسفل الظهر وبني الكتفني‪ ،‬وأرق بالليل‪ .‬وقد توجد‬
‫هذه العالمات كلها أو بعضها على حسب قوة العني وكثرة العائنني‪ ،‬كما أِنا قد توجد ِف غري املصاب بالعني‬
‫ملرض عضوي أو نفسي‪ ،‬فهي عالمات مؤنسة ال قاطعة(‪.)1‬‬
‫ممن تكون العين؟‬
‫‪-1‬أما إصابة اإلنس لإلنس بالعني فهذا ثابت ودليله كما سيأيت ِف قصة إصابة عامر بن ربيعة لسهل‬
‫بن حنيف بالعني‪.‬‬
‫‪-2‬وذكر أهل العلم‪ :‬أ ّن اجلن تصيب اإلنس بالعني أيضاً‪ ،‬و(قالوا عيون اجلن أنفذ من أسنة الرماح‬
‫والشياطني تقتل بيديها وعيوِنا كبين آدم)(‪ ،)2‬قال اخلطايب‪( :‬روينا (أنه ملا مات سعد بن عبادة مسعوا قائال‬
‫من احلي يقول‪ :‬قتلنا سيد اخلزرج سعد بن عبادة رميناه بسهمني فلم ختط فؤاده) فتأوله بعضهم فقال أي‬
‫أصبناه بعينني)(‪.)3‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬والعني عينان عني إنسية‪ ،‬وعني جنية‪ ،‬فقد صح عن أم سلمة‪ ،‬أن النيب ‪ ‬رأى ِف‬
‫بيتها جارية ِف وجهها سفعة‪ ،‬فقال‪" :‬اسرتقوا هلا‪ ،‬فإن هبا النظرة"‪ .‬قال احلسني بن مسعود الفراء‪ :‬وقوله‪:‬‬
‫"سفعة " أي نظرة يعين‪ :‬من اجلن‪ ،‬يقول هبا عني أصابتها من نظر اجلن أنفذ من أسنة الرماح)(‪.)4‬‬
‫ت‬ ‫ال‪َِ :‬‬ ‫‪-3‬وذكر بعض أهل العلم أن احليوان قد يصيب اإلنس بالعني‪ ،‬واستدل حبديث ابْ ِن عُ َمَر‪ ،‬قَ َ‬
‫"مس ْع ُ‬
‫ني و ْاألَب َرت‪ ،‬فَِإ َِّنُما ي ْلتَ ِمس ِ‬
‫ان‬ ‫ُّ ِ‬ ‫ول‪ :‬اقْ تُلُوا ْ ِ ِ‬
‫ول اهللِ ‪ ‬يَأْ ُم ُر بَِقْت ِل الْ ِك َال ِب يَ ُق ُ‬
‫ب‪َ ،‬واقْ تُلُوا َذا الط ْفيَتَ ْ َ ْ َ َ َ َ‬ ‫احلَيَّات َوالْك َال َ‬ ‫َر ُس َ‬

‫(‪ )1‬كيف ترقي مريضك بالرقية الشرعية ‪.23‬‬


‫(‪ )2‬فيض القدير ‪ .490/1‬وِف مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح ‪ :2869/7‬وقال السيوطي‪ :‬أن العني من اإلنس أو اجلن (متفق عليه)‪.‬‬
‫(‪ )3‬طرح التثريب ‪.203/8‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ‪ .151/4‬وقال ابن حجر ِف الفتح ‪( :202/10‬واختلف ِف املراد بالنظرة‪ ،‬فقيل‪ :‬عني من نظر اجلن‪ .‬وقيل‪ :‬من اإلنس وبه‬
‫جزم أبو عبيد اهلروي‪ .‬واألوىل أنه أعم من ذلك وأِنا أصيبت بالعني) أه ‪ .‬قال السدحان ِف قواعد الرقية نسخة أخرى ص ‪:21‬‬
‫والتفسري الصحيح أن العني أصابتها عن طريق وصف اإلنسان وتلقف هذا شيطان وأصاهبا باملس اجلزئي لعدم ذكر اهلل على الوصف‪...‬‬
‫وينسبون عن أحد اجلان قوله‪:‬‬
‫وصبوا عليه املاء من أمل النكس‬ ‫وقد عاجلوه بالتمائم والرقى‬
‫ولو علموا داووه من ألس اإلنس‬ ‫وقالوا أصابته من اجلن أعني‬
‫‪82‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ك ِم ْن ُمسَّْي ِه َما‪َ ،‬واهللُ أَ ْعلَ ُم"(‪.)1‬‬ ‫ِ‬ ‫الزْه ِر ُّ‬ ‫الْبصر‪ ،‬ويستَس ِقطَ ِ‬
‫"ونَُرى َذل َ‬
‫ي‪َ :‬‬ ‫ال ُّ‬
‫احلَبَ َاىل" قَ َ‬
‫ان ْ‬ ‫َ ََ َ َ ْ ْ‬
‫والظاهر أ ّن هذا الضرر من احليات لسميتها وليس للعني اليت منشؤها اإلعجاب بالشيء وهذا رأي‬
‫الزهري‪.‬‬
‫اجلِ ِّن‪ ،‬فَِإ َذا‬ ‫(‪ِ )2‬‬ ‫ِ‬
‫واستدل بعضهم مبا ُروي عن ابن عباس أِنا قال عن الكالب‪ :‬إِ َِّنَا م َن احلن ‪َ ،‬وه َي َ‬
‫ض َع َفةُ ْ‬
‫َغ ِشيَْت ُك ْم ِعْن َد طَ َع ِام ُك ْم‪ ،‬فَأَلْ ُقوا َهلَا‪ ،‬فَِإ َّن َهلَا أَنْ ُف ًسا‪ .‬قال ابن قتيبة‪( :‬يريد أن هلا عيوناً تضر بنظرها إىل من‬
‫يطعم حبضرهتا)(‪ .)3‬لكن ابن عباس ذكر أن الكالب من اجلن‪ ،‬وكون اجلن يتمثل بصورة كلب فهذا ثابت ِف‬
‫الصحيحني ملا ذكر النيب ‪ ‬أن الكلب األسود شيطان‪ ،‬فعاد األمر إىل أن اجلن يتمثل بصورة كلب وقد‬
‫يصيب بعينه اإلنس‪ ،‬وكون اجلن يصيب اإلنس بالعني ال إشكال فيه كما مضى ِف فقرة ‪ .2‬وإَّنا البحث ِف‬
‫إصابة احليوان ال اجلن‪.‬‬
‫فأما علماء الفرس واهلند‪ ،‬وأطبّاء اليونانيّني ودهاة العرب‪ ،‬وأهل التّجربة من نازلة األمصار‬ ‫قال اجلاحظ‪ّ ( :‬‬
‫الشره‬‫السباع‪ ،‬خيافون نفوسها وأعينها‪ ،‬للّذي فيها من ّ‬ ‫وح ّذاق املتكلّمني‪ ،‬فإِنم يكرهون األكل بني أيدي ّ‬
‫واحلرص‪ ،‬والطّلب والكلَب‪ ،‬وملا يتحلّل عند ذلك من أجوافها من البخار الرديء‪ ،‬وينفصل من عيوِنا من‬
‫األمور املفسدة‪ ،‬اليت إذا خالطت طباع اإلنسان نقضته‪ .‬وقد روي مثل ذلك عن الثّوري عن مساك بن حرب‬
‫اجلن‪ ،‬فإذا غشيكم‬ ‫احلن من ضعفة ّ‬ ‫احلن‪ ،‬وإ ّن ّ‬ ‫عن ابن عبّاس‪ ،‬أنّه قال على منرب البصرة‪ :‬إ ّن الكالب من ّ‬
‫منها شيء فألقوا إليه شيئا واطردوها‪ ،‬فإ ّن هلا أنفس سوء‪.‬‬
‫باملذاب واألشربة على رؤوسهم وهم يأكلون؛ خمافة النفس والعني‪ .‬وكانوا‬ ‫ّ‬ ‫ولذلك كانوا يكرهون قيام اخلدم‬
‫وإما أن‬ ‫السنّور والكلب‪ّ :‬إما أن تطرده قبل أن تأكل‪ّ ،‬‬ ‫يأمرون بإشباعهم قبل أن يأكلوا‪ ،‬وكانوا يقولون ِف ّ‬
‫تشغله بشيء يأكله‪ ،‬ولو بعظم)(‪.)4‬‬
‫وبعض أهل الرقية ينقل أنه ثبت لديه ذلك ِف جتربته ِف الرقية أن بعض اإلنس أصيب بالعني بسبب‬
‫حيوان كاألكل أمام القطط اجلائعة‪ .‬والقطع بأ ّن سببه القطط عسر؛ لكن العقل ال يستبعد وقوعه‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسلم ح‪.)2233( - 129 :‬‬


‫(‪ )2‬قال ابن املنظور ِف لسان العرب ‪( :132/13‬واحلن‪ ،‬بالكسر‪ :‬حي من اجلن‪ ،‬يقال‪ :‬منهم الكالب السود البهم‪ ،‬وقيل‪ :‬احلن ضرب‬
‫من اجلن؛ واحلن‪ :‬سفلة اجلن أيضا وضعفاؤهم؛ عن ابن األعرايب؛ الفراء‪ :‬احلن كالب اجلن) بتصرف‪.‬‬
‫(‪ )3‬تأويل خمتلف احلديث ص ‪ .478‬وينظر‪ :‬موقع اإلسالم سؤال وجواب‪.‬‬
‫املذاب‪ :‬أداة تستخدم لطرد الذباب‪.‬‬
‫(‪ )4‬احليوان ‪ .321/2‬و ّ‬
‫‪83‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ني َال َّم ٍة"(‪ )1‬فيدخل ِف‬


‫َّام ِة‪ ،...‬وِم ْن ُك ِّل َع ْ ٍ‬ ‫ويستأنس لذلك بعموم قوله ‪" :‬أ ُِعي ُذ ُكما بِ َكلِم ِ‬
‫ات اللَّ ِه الت َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عمومه عني اإلنسي واجلن واحليوان‪.‬‬

‫من تصيب العين؟‬


‫كل ما يدخله اإلعجاب ومل يربك عليه قد تصيبه العني‪ ،‬من آدمي أو مال أو حيوان أو بناء‪.‬‬
‫األصمعي‪ :‬مسع رجل عيوناً بقرة ُْحتلَب فأعجبه صوت شخبها‪ ،‬فقال‪ :‬أيتّهن هذه؟! فخافوا عينه‬
‫ّ‬ ‫قال‬
‫املورى عنها(‪.)2‬‬
‫املورى هبا و ّ‬
‫وروا هبا عنها‪ -‬فهلكتا مجيعا‪ّ :‬‬‫فقالوا‪ :‬الفالنيّة‪ -‬ألخرى ّ‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬الطرق المشروعة التقاء العين‪:‬‬


‫أوال‪ :‬التزام الرقية قبل وقوع الداء‪ ،‬كما كان ‪ ‬يفعل‪ .‬وقد مضى ِف أول الكتاب بياِنا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ذكر اهلل كلما رأى شيئا أعجبه والدعاء بالبركة‪ .‬ودليله‪ :‬ما جاء أنه ‪ ‬قال‪« :‬إِ َذا َرأَى أ َ‬
‫َح ُد ُك ْم‬
‫«ما أَنْ َع َم اللَّهُ َعلَى َعْب ٍد‬
‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫‪‬‬ ‫أنه‬ ‫أنس‬ ‫حديث‬ ‫وِف‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ (‪)3‬‬
‫َخ ِيه َما يُ ْع ِجبُهُ فَ ْليَ ْدعُ بِالْ ََربَكة»‬
‫ِمن نَ ْف ِس ِه أَو مالِِه أَو أ ِ‬
‫ْ َ ْ‬ ‫ْ‬
‫ِم ْن نِ ْع َم ٍة ِِف أ َْه ٍل أ َْو َم ٍال أ َْو َولَ ٍد‪ ،‬فَيَ ُقو ُل‪َ :‬ما َشاءَ اللَّهُ‪َ ،‬ال قُ َّوةَ إَِّال بِاللَّ ِه‪ ،‬فَََريى فِ َيها آفَةً ُدو َن الْ َم ْو ِت»‪ ،‬فَ َكا َن‬
‫ت َما َشاءَ اللَّهُ َال قُ َّوةَ إَِّال بِاللَّ ِه﴾(‪ .)4‬وكان عروة بن الزبري إذا‬ ‫ِِ‬
‫ك قُ ْل َ‬ ‫ت َجنَّتَ َ‬ ‫يَتَأ ََّو ُل َهذه ْاآليَةَ‪َ ﴿ :‬ولَ ْوَال إِ ْذ َد َخ ْل َ‬
‫كان أيام الرطب ثلم حائطه(‪ )5‬فيدخل الناس فيأكلون وحيملون‪ ،‬وكان إذا دخله ردد هذه اآلية فيه حىت خيرج‬
‫ت َما َشاء اللَّهُ َال قُ َّوةَ إَِّال بِاللَّ ِه﴾(‪[ )6‬الكهف‪ ]39 :‬وكان عروة يقرأ ربع‬ ‫ك قُ ْل َ‬ ‫ت َجنَّتَ َ‬ ‫منه ﴿ َولَ ْوَال إِ ْذ َد َخ ْل َ‬
‫القرآن ِف كل يوم نظرا ِف املصحف‪ ،‬ويقوم به بالليل فما تركه إال ليلة قطعت رجله‪ ،‬مث عاوده من الليلة املقبلة‬

‫(‪ )1‬لفظ أيب داود ح‪ 4737 :‬وصححه األلباين‪ .‬وأصل احلديث ِف البخاري ح‪.3371 :‬‬
‫(‪ )2‬احليوان ‪.326/2‬‬
‫(‪ )3‬النسائي الكربى ح‪ .9968 :‬وأصل احلديث رواه غري واحد‪.‬‬
‫(‪ )4‬املعجم األوسط ح‪ ،5995 :‬والبيهقي ِف شعب اإلميان ح‪ ،4060 :‬وانظر‪ :‬تفسري ابن كثري (‪.)158/5‬‬
‫(‪ )5‬يعين‪ :‬هدم جزءً من حائط مزرعته؛ ليدخل الناس ويأكلون من مثر خنله ويأخذون منه لبيوهتم‪ .‬ينظر‪ :‬القاموس احمليط (ص‪)1084 :‬‬
‫مادة (ثَلَ َم)‪.‬‬
‫(‪ )6‬قال القامسي ِف تفسري اآلية‪ ( :‬واملعىن‪ :‬هال قلت عند دخوهلا‪ ،‬والنظر إىل ما رزقك اهلل منها‪ ،‬األمر ما شاء اهلل‪ ،‬اعرتافا بأِنا وكل خري‬
‫فيها‪ ،‬إَّنا حصل مبشيئة اهلل وفضله‪ .‬وأن أمرها بيده‪ .‬إن شاء تركها عامرة‪ ،‬وإن شاء خرهبا‪ .‬وقلت ال قوة إال باهلل إقرارا بأن ما قويت‬
‫به على عمامتها وتدبري أمرها‪ ،‬إَّنا هو مبعونته وتأييده‪ .‬إذ ال يقوى أحد ِف بدنه وال ِف ملك يده‪ ،‬إال باهلل تعاىل)‪ .‬حماسن التأويل (‪7‬‬
‫‪.)35 /‬‬
‫‪84‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫"(‪ .)1‬قال ابن كثري‪( :‬وهلذا قال بعض السلف‪ :‬من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده‪ ،‬فليقل‪َ ﴿ :‬ما َشاء‬
‫اللَّهُ َال قُ َّوةَ إَِّال بِاللَّ ِه﴾ وهذا مأخوذ من هذه اآلية الكرمية)(‪.)2‬‬
‫واحلكمة ِف ذلك واهلل تعاىل أعلم‪ :‬أ ّن العني كما سبق حيضرها الشيطان(‪ ،)3‬وذكر اهلل تعاىل طارد للشيطان؛‬
‫وإذا اندحر الشيطان بالذكر مل يوجد سبب التأثري ِف اإلصابة بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وصفة التربيك أو ذكر اهلل تعاىل‪ :‬أن يقول‪ :‬تبارك اهلل أحسن اخلالقني! اللهم بارك فيه(‪ .)4‬أو يقول‪:‬‬
‫اللهم بارك فيه وال تضره‪ ،‬وأن يقول‪ :‬ما شاء اهلل ال قوة إال باهلل(‪ .)5‬واحلديث عام مل يعني لفظاً حمدداً فاملقصود‬
‫الدعاء بالربكة وذكر اهلل تعاىل بأي لفظ يؤدي املقصود ومينع انعقاد السبب حبضور الشيطان‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬ستر النعمة عند الخوف من العين‪ :‬واألصل هو التحدث بنعمة اهلل بقصد الشكر واالعرتاف‬
‫بفضل املنعم‪ .‬والتحدث داع للشكر‪ ،‬وموجب لتحبيب القلوب إىل من أنعم هبا(‪ )6‬ودليل ذلك قوله تعاىل‪:‬‬
‫ِّث﴾ قال أبو نضرة‪( :‬كان املسلمون يرون أن من شكر النعم أن حيدث هبا)(‪ ،)7‬هذا‬ ‫﴿ َوأ ََّما بِنِ ْع َم ِة َربِّ َ‬
‫ك فَ َحد ْ‬

‫(‪ )1‬شعب اإلميان ح‪.2038 :‬‬


‫(‪ )2‬تفسري ابن كثري ‪.158 /5‬‬
‫َح َد ُك ْم ِعْن َد ُك ِّل َش ْي ٍء ِم ْن‬ ‫ول‪" :‬إِ َّن الشَّْيطَا َن َْحي ُ‬
‫ض ُر أ َ‬ ‫َّيب ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫ت النِ َّ‬
‫ِ‬
‫(‪ِ )3‬ف صحيح مسلم ح‪َ )2033( - 135 :‬ع ْن َجابِ ٍر‪ ،‬قَ َال‪َ :‬مس ْع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫َشأْنِِه‪ ،‬ح َّىت َحي ُ ِ‬
‫ول‪" :‬إِذَا َد َخ َل‬ ‫َّيب ‪ ‬يَ ُق ُ‬ ‫ضَرهُ عنْ َد طَ َعامه" وِف صحيح مسلم أيضاً ح‪َ )2018( - 103 :‬ع ْن َجابِ ِر أيضاً‪ ،‬أَنَّهُ َمس َع النِ َّ‬ ‫َ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت لَ ُك ْم‪َ ،‬وَال َع َشاءَ‪َ ،‬وإذَا َد َخ َل‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْذ ُك ِر اهللَ عْن َد ُد ُخوله‪ ،‬قَ َال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الر ُج ُل بَْيتَهُ‪ ،‬فَ َذ َكَر اهللَ عْن َد ُد ُخوله َوعْن َد طَ َعامه‪ ،‬قَ َال الشَّْيطَا ُن‪َ :‬ال َمب َ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يت‪َ ،‬وإِ َذا َملْ يَ ْذ ُك ِر اهللَ عْن َد طَ َعامه‪ ،‬قَ َ‬
‫يت َوالْ َع َشاءَ" فذكره اهلل منع الشيطان من مبتغاه‪ ،‬وِف‬ ‫ال‪ :‬أ َْد َرْكتُ ُم الْ َمبِ َ‬ ‫الشَّْيطَا ُن‪ :‬أ َْد َرْكتُ ُم الْ َمبِ َ‬
‫ودي لِ َّ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫احلديث اآلخر‪ِ :‬ف صحيح مسلم أيضاً ح‪َ )389( - 19 :‬ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة‪ ،‬أ َّ‬
‫لص َالة أ َْدبََر الشَّْيطَا ُن لَهُ‬ ‫َّيب ‪ ‬قَ َال‪" :‬إ َذا نُ َ‬ ‫َن النِ َّ‬
‫ني الْ َم ْرِء‬ ‫ِ ِ‬ ‫ضي التَّأْ ِذين أَقْ بل ح َّىت إِذَا ثُ ِّوب بِ َّ ِ‬
‫الص َالة أ َْدبََر َح َّىت إذَا قُض َي التَّثْ ِو ُ‬
‫يب‪ ،‬أَقْ بَ َل َح َّىت َخيْطَُر بَْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ََ َ‬
‫ضرا ٌط‪ ،‬ح َّىت َال يسمع التَّأْ ِذ ِ ِ‬
‫ين‪ ،‬فَإذَا قُ َ‬ ‫َ‬ ‫َََْ‬ ‫َُ َ‬
‫صلَّى"‪.‬‬ ‫ول لَهُ‪ :‬اذْ ُك ْر َك َذا َواذْ ُك ْر َك َذا لِ َما َملْ يَ ُك ْن يَ ْذ ُك ُر ِم ْن قَ ْب ُل َح َّىت يَظَ َّل َّ‬
‫الر ُج ُل َما يَ ْد ِري َك ْم َ‬ ‫َونَ ْف ِس ِه يَ ُق ُ‬
‫(‪ )4‬تفسري القرطيب (‪ )227/9‬عمدة القاري شرح صحيح البخاري (‪.)26/21‬‬
‫(‪ )5‬روضة الطالبني وعمدة املفتني (‪.)348 / 9‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬فيض القدير (‪ ،)279 / 3‬وتفسري ابن سعدي (ص‪.)929 :‬‬
‫(‪ )7‬تفسري الطربي ‪ .489 /24‬وقال ابن عاشور ِف التحرير والتنوير (‪ :)404/30‬فهذا وجوبه على النيب ‪ ‬خالص من عروض املعارض‬
‫ألن النيب ‪ ‬معصوم من عروض الرياء وال يظن الناس به ذلك فوجوبه عليه ثابت‪ .‬وأما األمة فقد يكون التحديث بالنعمة منهم‬
‫حمفوفا برياء أو تفاخر‪ .‬وقد ينكسر له خاطر من هو غري واجد مثل النعمة املتحدث هبا‪ .‬وهذا جمال للنظر ِف املعارضة بني املقتضي‬
‫واملانع‪ ،‬وطريقة اجلمع بينهما إن أمكن أو الرتجيح ألحدمها‪ .‬وِف «تفسري الفخر»‪ :‬سئل أمري املؤمنني علي ‪ ‬عن الصحابة فأثىن‬
‫ِّث﴾‬ ‫عليهم فقالوا له‪ :‬فحدثنا عن نفسك فقال‪ :‬مهال فقد ِنى اهلل عن التزكية‪ ،‬فقيل له‪ :‬أليس اهلل تعاىل يقول‪َ ﴿ :‬وأ ََّما بِنِ ْع َم ِة َربِّ َ‬
‫ك فَ َحد ْ‬
‫ف قال‪ :‬فإين أحدث كنت إذا سئلت أعطيت‪ .‬وإذا سكت ابتديت‪ ،‬وبني اجلوانح علم جم فاسألوين‪ .‬فمن العلماء من خص النعمة ِف‬
‫ك﴾ بنعمة القرآن ونعمة النبوءة وقاله جماهد‪ .‬ومن العلماء من رأى وجوب التحدث بالنعمة‪ .‬رواه الطربي عن أيب‬ ‫قوله‪﴿ :‬بِنِ ْع َم ِة َربِّ َ‬
‫‪85‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هو األصل ما مل يوجد مانع‪ ،‬كخوف رياء أو تغري نية بقصد التفاخر(‪ ،)1‬ومن ذلك أن خيشى احلسد كأن‬
‫تكون النعمة خارجة عن املعتاد بالنسبة لطبقته ومعاشريه‪ ،‬قال املناوي ِف شرحه ملا روي مرفوعاً‪( :‬التحدث‬
‫بنعمة اهلل شكر وتركها كفر)‪( :‬أي‪ :‬إشاعتها من الشكر‪( ،..‬وتركها كفر) أي‪ :‬سرت وتغطية ملا حقه اإلظهار‬
‫واإلذاعة قال بعض العارفني‪ :‬ذكر النعم يورث احلب ِف اهلل‪ ،‬مث هذا اخلرب موضعه ما مل يرتتب على التحدث‬
‫هبا ضرر كحسد وإال فالكتمان أوىل)(‪ .)2‬ولعل من هذا أمر يعقوب ‪ ‬أال يدخلوا من باب واحد ملصر‪،‬‬
‫فقد كانوا أحد عشر رجالً ألب واحد وكانوا مع ذلك أهل مجال وكمال وبسطة‪ ،‬فكانت النعمة فيهم زائدة‬
‫(‪)3‬‬
‫عن املعتاد ِف عددهم وهيئتهم وهلذا خاف عليهم يعقوب من العني ‪ ،‬فأمرهم بالتفرق سرتاً هلذه النعمة أخذاً‬
‫بالسبب؛ وإال فما يغين عنهم السبب من اهلل شيئاً‪.‬‬
‫ِ‬
‫ص‬‫ولعل من ستر النعمة‪ :‬تحقيرها في عين الرائي؛ كأن حيدث ِف النعمة الزائدة عن املعتاد عيباً يُْنق ُ‬
‫كماهلا ِف عني الرائي وال يضرها‪ ،‬ومن هذا ما ذكره البغوي ِف شرح السنة‪ :‬قال روي أن عثمان رأى صبياً‬
‫مليحاً‪ ،‬فقال‪ :‬دمسوا نونته كيال تصيبه العني‪ .‬فأمر عثمان بتسويد النقرة اليت تكون ِف الذقن لتكون عيباً مينع‬
‫كمال مالحة الصيب(‪.)4‬‬
‫(‪)5‬‬
‫ومنه أيضاً‪ :‬ما ُروي من وضع اجلماجم ِف الزرع ‪ .‬وعلل ابن عابدين لذلك‪ :‬بأ ّن الناظر يقع نظره أوالً‬

‫نضرة‪ .‬وقال القرطيب‪ :‬اخلطاب للنيب ‪ ‬واحلكم عام له ولغريه‪ .‬قال عياض ِف «الشفاء»‪« :‬وهذا خاص له عام ألمته»‪ .‬وعن عمرو‬
‫بن ميمون‪ :‬إذا لقي الرجل من إخوانه من يثق به يقول له رزق اهلل من الصالة البارحة كذا وكذا‪ ،‬وعن عبد اهلل بن غالب‪ :‬أنه كان إذا‬
‫أصبح يقول‪ :‬لقد رزقين اهلل البارحة كذا‪ ،‬قرأت كذا‪ ،‬صليت كذا‪ ،‬ذكرت اهلل كذا‪ ،‬فقلنا له‪ :‬يا أبا فراس إن مثلك ال يقول هذا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫يقول اهلل تعاىل‪ :‬وأما بنعمة ربك فحدث وتقولون أنتم‪ :‬ال حتدث بنعمة اهلل‪ .‬وذكر ابن العريب عن أيوب قال‪ :‬دخلت على أيب رجاء‬
‫العطاردي فقال‪ :‬لقد رزق اهلل البارحة‪ :‬صليت كذا‪ ،‬وسبحت كذا‪ ،‬قال أيوب‪ :‬فاحتملت ذلك أليب رجاء‪ .‬وعن بعض السلف أن‬
‫التحدث بالنعمة تكون للثقة من اإلخوان ممن يثق به قال ابن العريب‪ :‬إن التحدث بالعمل يكون بإخالص من النية عند أهل الثقة‬
‫فإنه رمبا خرج إىل الرياء وإساءة الظن بصاحبه‪ .‬وذكر الفخر والقرطيب عن احلسن بن علي‪ :‬إذا أصبت خريا أو عملت خريا فحدث‬
‫به الثقة من إخوانك‪ .‬قال الفخر‪ :‬إال أن هذا إَّنا حيسن إذا مل يتضمن رياء وظن أن غريه يقتدي به) أه ‪.‬‬
‫(‪ )1‬قال ابن حزم‪( :‬كم رأينا من فاخر مبا عنده من املتاع‪ ،‬كان ذلك سبباً هلالكه‪ ،‬فإياك وهذا الباب الذي هو ضر حمض ال منفعة فيه‬
‫أصالً) رسائل ابن حزم (‪.)402 / 1‬‬
‫(‪ )2‬فيض القدير (‪.)279 / 3‬‬
‫(‪ )3‬تفسري القرطيب (‪.)226 / 9‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬شرح السنة ‪ ،178/14‬زاد املعاد ‪ .159 /4‬ودمسوا =سودوا‪ .‬نونته=النقرة ِف الذقن‪.‬‬
‫(‪ )5‬البزار (‪ )404/3‬باب‪ :‬نصب اجلماجم ِف الزرع خمافة العني ح‪ 3054 :‬عن علي ‪ ‬أن النيب ‪ ‬أمر باجلماجم أن تنصب ِف‬
‫الزرع‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬من أجل ماذا؟ قال‪« :‬من أجل العني»‪ .‬قال اهليتمي ِف اجملمع‪ )109/5( :‬رواه البزار‪ ،‬وفيه اهليثم بن حممد بن‬
‫‪86‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫على اجلماجم الرتفاعها مث نظره بعد ذلك إىل احلرث ال يضره(‪ .)1‬ولعل ذلك من باب حتقري الزرع ِف نظر‬
‫الرائي‪ .‬ومن التحقري أيضاً‪ :‬أ ّن رجالً من باهلة كان معياناً فرأى بغلة لشريح القاضي‪ ،‬فأعجبته! فربضت البغلة‬
‫من ساعتها! فقال له شريح‪ :‬أما إِنا إذا ربضت مل تقم حىت تقام –يريد كأ ّن عادهتا الكسل فال تقوم إال‬
‫جبهد‪ -‬أراد من ذلك شريح أن يرد عينه بأن حيقرها ِف عينه‪.‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬أف أف‪ .‬فلما قال الرجل ذلك‪ :‬قامت واندفعت عنها العني بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫واستخدم شريح هنا املعاريض‪ :‬فقد أراد بقوله (مل تقم حىت تقام) أن اهلل تعاىل يقيمها بقدرته(‪.)3()2‬‬
‫وِف ختام هذا املبحث‪ :‬حيسن التذكري بأال يغايل من اخلوف من العني حىت يصل به إىل حد الوسوسة‬
‫والقلق‪ ،‬ويغيب عنه أن كل شيء بيد اهلل ويغفل عن التوكل على اهلل وحفظ اهلل ورعايته‪.‬‬

‫المسألة الرابعة‪ :‬عالج اإلصابة بالعين‪ :‬إما أن يعرف العائن أو ال يعرف‪ ،‬فإن عرف فالعالج يكون‬
‫بأمر العائن باالغتسال أو األخذ من أثره‪.‬‬
‫وإن مل يعرف العائن فالرقية والدعاء دواء كل داء بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ني»(‪ ،)4‬وكذلك حديث َجابِر‬ ‫الرقْ يَ ِة ِمن الْ َع ْ ِ‬ ‫=ودليل الرقية‪ :‬حديث أنس ‪ ‬قال‪« :‬ر َّخص رس ُ ِ‬
‫ول اهلل ‪ِِ ‬ف ُّ َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫ضا ِر َعةً‬ ‫ِ‬ ‫َمساء بِْن ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َج َس َام بَِين أَخي َ‬ ‫‪«:‬ما ِيل أ ََرى أ ْ‬ ‫س ملا رأى أوالد جعفر َ‬ ‫ت عُ َمْي ٍ‬ ‫بْن َعْبد اهلل‪ ،‬وفيه أنه ‪ ‬قال أل َْ َ‬
‫ت َعلَْي ِه‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ال‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫تُ ِ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ضُ‬‫ت‪ :‬فَ َعَر ْ‬‫«ارقي ِه ْم» قَالَ ْ‬ ‫ني تُ ْس ِرعُ إِلَْي ِه ْم‪ ،‬قَ َ ْ‬
‫ت‪َ :‬ال‪َ ،‬ولَك ِن الْ َع ْ ُ‬
‫اجةُ» قَالَ ْ‬
‫احلَ َ‬
‫صيبُ ُه ُم ْ‬

‫حفص‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬ويعقوب بن حممد الزهري ضعيف أيضاً‪.‬‬


‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين (‪.)364 / 6‬‬
‫(‪ )2‬املبسوط (‪.)214 / 30‬‬
‫السبِستان وهو شجر املخيط‪ ،‬وكذا‬
‫(‪ )3‬قال السخاوي ِف املقاصد احلسنة (ص‪( :)471 :‬ومما جرب ملنع اإلصابة من العني تعليق خشب ِّ‬
‫بلغين عن الويل بن العراقي أنه مل يكن يفارق رأسه واقتفيت أثره فيه) وخشب السبستان خشب غايل الثمن يعد من أمجل األخشاب‬
‫وأجودها‪ .‬ومثل هذه األسباب تثبت بالتجربة؛ لكن شرط جتربة العقالء ال أصحاب الوسوسة أو التعلق بكل سبب‪ ،‬وأصحاب اخلربة‬
‫من الرقاة حيدثون بأشياء من ذلك تنفع ِف طرد اجلن لكراهية اجلن لرائحتها أو نوعها‪ ،‬فمن ذلك املسك األسود‪ .‬وقد ثبت ِف مسلم‬
‫أنه ‪ ‬قال عنه "أطيب الطيب"‪.‬‬
‫ومما روي فيه خرب ال يصح اللبان رواه الديلمي بلفظ (الكندر طييب وطيب املالئكة وأِنا مبعدة للشيطان ومرضاة للرمحن) لكن قال‬
‫العجلوين ِف كشف اخلفاء ‪( 132/1‬معضل وال يصح) وذكر أن الكندر هو اللبان احلاسكي واجلاوي‪ ،‬وذكر أن الشافعي كان يكثر‬
‫من استعماله ألجل الذكاء والفهم‪ .‬وقد ذكر بعض الرقاة عكس ذلك فذكروا أن اللبان حتبه اجلن‪ .‬فاهلل أعلم‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ح‪.)2196( - 58 :‬‬
‫‪87‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫«ارقِي ِه ْم»(‪ .)1‬ومعىن ضارعة‪ :‬أي َنيفة‪.‬‬


‫ْ‬
‫ومل ينقل نصوص ِف الرقية للعني ِبصوصها‪ .‬وقد مضى ِف الرقى الشرعية قبل وقوع الداء رقى عامة‬
‫تناسب لكل داء‪ .‬وقال ابن القيم ِف الرقية للعني يكثر من قراءة املعوذتني‪ ،‬وفاحتة الكتاب‪ ،‬وآية الكرسي‪،‬‬
‫والتعوذات النبوية(‪.)2‬‬
‫واألمر ِف ألفاظ الرقى ليس توقيفياً كما سبق؛ إذ املهم توفر الشروط الثالثة ِف الرقية‪.‬‬
‫كان أبو عبد اهلل الساجي ِف بعض أسفاره إما حاجاً وإما غازياً على ناقة فارهة‪ ،‬وكان ِف الرفقة رجل‬
‫عائن قلما نظر إىل شيء إال أتلفه وأسقطه‪.‬‬
‫فقيل للساجي ألجل ناقته الفارهة‪ :‬احفظها من العائن‪.‬‬
‫فقال أبو عبد اهلل الساجي‪ :‬ليس له على ناقيت سبيل! فأخرب العائن بقول الساجي‪ ،‬فتحني غيبة الساجي‬
‫عن رحله‪ ،‬فجاء العائن فعان ناقة الساجي الفارهة فاضطربت وسقطت تضطرب‪ ،‬فأُيت الساجي فقيل له‪ :‬إن‬
‫فد ّل عليه‪ ،‬فوقف عليه الساجي‬ ‫هذا العائن قد عان ناقتك وهي كما تراها تضطرب‪ .‬فقال‪ :‬دلوين على العائن‪ُ ،‬‬
‫وقال‪" :‬بسم اهلل حبس حابس‪ ،‬وحجر يابس‪ ،‬وشهاب قابس‪ ،‬رددت عني العائن عليه وعلى أحب الناس‬
‫إليه ِف كلوتيه رشيق وىف ماله يليق‪﴿ :‬فَارِج ِع الْبصر هل تَرى ِمن فُطُوٍر* ُمثَّ ارِج ِع الْبصر َكَّرتَ ِ ِ‬
‫ب إِلَْي َ‬
‫ك‬ ‫ني يَن َقل ْ‬
‫ْ َ ََ ْ‬ ‫ْ َ ََ َ ْ َ‬
‫اسأً َوُه َو َح ِسريٌ﴾ " فخرجت حدقتا العائن وقامت الناقة ال بأس هبا(‪.)3‬‬ ‫الْبصر خ ِ‬
‫َ َُ َ‬
‫فهذا الساجي رقى بغري منصوص؛ وتناقلها أهل العلم‪ .‬فالعربة بتوفر الشروط الثالثة للرقية الشرعية وقد‬
‫سبق ذكرها‪.‬‬

‫ني‪،‬‬
‫ني َح ٌّق‪َ ،‬ولَ ْو َكا َن َش ْيءٌ َسابَ َق الْ َق َد َر َسبَ َقْتهُ الْ َع ْ ُ‬
‫=ودليل االغتسال إذا عرف العائن‪ :‬قوله ‪« :‬الْ َع ْ ُ‬
‫استُ ْغ ِسْلتُ ْم فَا ْغ ِسلُوا»(‪ .)4‬واألمر ِف احلديث للوجوب‪ ،‬وإن أىب العائن أجرب عليه نص عليه غري واحد من‬ ‫َوإِ َذا ْ‬
‫أهل العلم(‪ ،)5‬واحلديث هنا عام ِف صفة االغتسال‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم ح‪.)2198( - 60 :‬‬


‫(‪ )2‬ذكره ابن القيم ِف زاد املعاد ‪ 155/4‬وساق مجلة من التعوذات النبوية هناك‪.‬‬
‫(‪ )3‬حلية األولياء ‪ ،316/9‬تاريخ دمشق البن عساكر ‪ ،21/21‬زاد املعاد ‪.160/4‬‬
‫(‪ )4‬رواه مسلم ح‪.)2188( - 42 :‬‬
‫(‪ )5‬عمدة القارئ للعيين ‪ ،266/21‬التمهيد البن عبد الرب ‪ 241/6‬و‪ ،19/13‬فتح الباري البن حجر ‪ ،215/10‬زاد املعاد البن القيم‪.‬‬
‫قال العدوي ِف حاشية على الرسالة ‪ :294/2‬وقيل‪ :‬يؤمر وال جيرب وهو ضعيف‪ .‬وأشار النووي للخالف ِف شرحه للحديث ونقل‬
‫‪88‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ال‪َ :‬رأَى َع ِام ُر بْ ُن‬ ‫وجاء ِف حديث أيب أمامة بن سهل بن حنيف صفة االغتسال‪ ،‬وهذا نص اخلرب‪ :‬قَ َ‬
‫ول اهللِ ‪‬‬ ‫ط بِ َس ْه ٍل‪ .‬فَأُِيتَ َر ُس ُ‬ ‫ت َكالْيَ ْوِم َوالَ ِج ْل َد ُخمَبَّأَةٍ‪ .‬فَلُبِ َ‬‫ال‪َ :‬ما َرأَيْ ُ‬‫ف يَ ْغتَ ِس ُل‪ .‬فَ َق َ‬
‫ربِيعةَ‪ ،‬س ْهل بْن حنَ ْي ٍ‬
‫َ َ َ َ َ ُ‬
‫ِِ‬ ‫ف؟ َواهللِ َما يَْرفَ ُع َرأْ َسهُ‪ .‬فَ َق َ‬ ‫ك ِِف س ْه ِل بْ ِن حنَ ْي ٍ‬ ‫فَِقيل‪ :‬يا رس َ ِ‬
‫َحداً؟» قَالُوا‪:‬‬ ‫«ه ْل تَتَّ ِه ُمو َن به أ َ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫ُ‬ ‫ول اهلل‪َ .‬ه ْل لَ َ َ‬ ‫َ َ َُ‬
‫َخاهُ؟ أَالَّ‬ ‫َح ُد ُك ْم أ َ‬
‫«عالَ َم يَ ْقتُ ُل أ َ‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ظ َعلَْي ِه‪َ .‬وقَ َ‬ ‫ول اهللِ ‪َ ‬ع ِامراً‪ ،‬فَتَ غَيَّ َ‬ ‫نَتَّ ِه ُم َع ِامَر بْ َن َربِ َيعةَ(‪ .)1‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬فَ َد َعا َر ُس ُ‬
‫اف ِرجلَي ِه‪ ،‬ود ِ‬
‫اخلَةَ إَِزا ِرهِ‪ِِ ،‬ف قَ َد ٍح‪ُ .‬مثَّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت‪ .‬ا ْغتَس ْل لَهُ»‪ .‬فَغَ َس َل َعامٌر َو ْج َههُ َويَ َديْه‪َ ،‬وم ْرفَ َقْيه َوُرْكبَتَ ْيه‪َ ،‬وأَطَْر َ ْ ْ َ َ‬ ‫بََّرْك َ‬
‫َّاس‪ ،‬لَي ِِ‬ ‫اح َس ْه ٌل َم َع الن ِ‬ ‫ص َّ ِ‬
‫س(‪( .)2‬فلبط) أي‪ :‬صرع وسقط على األرض‪( ،‬وال جلد خمبأة)‬ ‫س به بَأْ ٌ‬ ‫ْ َ‬ ‫ب َعلَْيه‪ .‬فَ َر َ‬ ‫ُ‬
‫يعين املرأة الشابة اليت ال تراها العيون وال تربز للشمس فتكون بشرهتا نظرةً حسنةً لعدم تأثرها بالشمس‪.‬‬
‫فأخذ من أثر عامر عامة ومن أماكن املغابن منه ‪-‬العرق‪ -‬وهذا ظاهر من قوله مرفقيه وركبتيه وداخلة‬
‫إزاره‪ ،‬فهذا من مواطن العرق ِف اجلسد‪ .‬واملراد بداخلة اإلزار‪ :‬اللباس املالصق جلسد العائن الحتوائه على آثار‬
‫جسد العائن‪ ،‬وقيل‪ :‬كناية عن فرجه(‪.)3‬‬
‫ونقل الزهري صفةً للغسل وذكر أن القدح يكون حمموالً وال يوضع على األرض!(‪ ،)4‬وأنكر ابن العريب‬

‫قول املازري (‪( :)172/14‬والصحيح عندي الوجوب ويبعد اخلالف فيه إذا خشي على املعني اهلالك)‪.‬‬
‫(‪ )1‬هذه اجلملة يُستدل هبا على أن املرقي قد يتهم شخصاً باإلصابة بالعني بأن يتذكر أثناء الرقية أو يفطن حلادثة أو موقف أو كلمة أو‬
‫َنو ذلك قيلت له من شخص يتهمه بأِنا هي سبب اإليذاء واإلصابة‪ ،‬أو يرى رؤيا تدل على العائن‪ ،‬ويكون االهتام من املرقي ال من‬
‫الراقي فاهتام الراقي ضرب من الغيب أو االستعانة باجلن وهذا ممنوع‪.‬‬
‫وقد صدرت فتوى اللجنة الدائمة ِف السعودية رقم ‪ 20361‬بتحرمي التخييل وأنه من الشياطني‪ .‬لكن هناك فرق بني االهتام والتخييل؛‬
‫فاالهتام يكون بناءً على تذكر موقف أو كلمة وقعت‪ّ ،‬أما التخييل فيكون باالستعانة بالشياطني‪ .‬ينظر كتاب‪ :‬كيف تعاجل مريضك‬
‫بالرقية الشرعية عبد اهلل السدحان وعلى وجه اخلصوص ص ‪ 8‬و‪ 21‬و‪.29‬‬
‫(‪ )2‬املوطأ ح‪ 735/3460:‬وابن ماجه ح‪ 3509 :‬وصححه األلباين‪ .‬وجاء ِف رواية الشرب منه‪ ،‬ونصها‪" :‬وأمره فحسا منه حسوات"‬
‫جممع الزوائد ومنبع الفوائد ‪ 108/5‬وقال‪ :‬رجال هذه الرواية رجال الصحيح‪ .‬والشرب من األثر نافع خاصة إذا أصابت العني جوف‬
‫املعيون‪ .‬ينظر كيف تعاجل مريضك بالرقية ص‪ /7‬ص‪ 38‬وذكر جتربة ملعيون ِف طريقة أكله واغتسل بأثر العائن ومل يأذن اهلل له بالشفاء‬
‫فلما شرب شفي بأمر اهلل‪.‬‬
‫(‪ِ )3‬ف السنن الكربى للبيهقي ‪( :591/9‬قال أبو عبيد‪ :‬إَّنا أراد بداخلة إزاره طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده)‪ .‬وِف فتح الباري البن‬
‫قوهُ األمين قال فظن بعضهم أنه كناية عن الفرج‬ ‫ِ‬
‫حجر (‪( :)204/10‬قال املازري املراد بداخلة اإلزار الطرف املتديل الذي يلي ح َ‬
‫انتهى وزاد عياض أن املراد ما يلي جسده من اإلزار وقيل أراد موضع اإلزار من اجلسد وقيل أراد وركه ألنه معقد اإلزار)‪ .‬زاد املعاد ِف‬
‫هدي خري العباد (‪( :)157/4‬وداخلة إزاره‪ ،‬وفيه قوالن‪ .‬أحدمها‪ :‬أنه فرجه‪ .‬والثاين‪ :‬أنه طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده من‬
‫اجلانب األمين)‪.‬‬
‫(‪ )4‬وجاء ِف السنن الكربى ‪ :591/9‬عن ابن شهاب الزهري‪ :‬أنه قال‪ :‬الغسل الذي أدركنا علماءنا يصفونه‪ :‬أن يؤتى الرجل الذي يعني‬
‫صاحبه بالقدح فيه املاء فيمسك له مرفوعاً من األرض فيدخل الذي يعني صاحبه يده اليمىن ِف املاء فيصب على وجهه صبة واحدة‬
‫‪89‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫هذه الزيادة وقال‪ :‬هذا كله حتكم وزيادة‪ ،‬وأكد القول بأ ّن أخص وصف للغسل هو ما رواه مالك ِف حديث‬
‫عامر‪ ،‬وعلل لذلك بأن النازلة كانت ِف بلده ووقعت جبريانه فتلقوها وقد حصلوها مشاهدة خرباً‪ .‬ويؤيد كالم‬
‫ابن العريب عموم احلديث "إذا استغسلتم فاغتسلوا" وهلذا قال العدوي‪ :‬ليس املراد أن هناك غسالً معهوداً أراد‬
‫أن يبينه بل أراد صفة الرقية بالعني اليت هي ِف الواقع غسل ال ِف الذهن(‪.)1‬‬
‫ويؤخذ من قوله ‪" ‬داخلة إزاره" أنه ِف حال تعذر اغتسال العائن يؤخذ من آثاره ما أمكن‪ ،‬آثار شرابه‬
‫أو طعامه‪ ،‬أو آثار نومه أو شعره‪ ،‬أو األدوات اليت مسها بيده أو جسده‪ .‬وقد ثبت بالتجربة منفعة ذلك بأمر‬
‫اهلل ِف زوال العني ِف حال تعذر االغتسال(‪.)2‬‬
‫السر ألَ ْم ِر العائن باالغتسال؟! (أقول ما قال بعض احلذاق‪ :‬إن اهلل‬
‫قال الكشمريي اهلندي‪ :‬لو يُطْلب ّ‬
‫وضع دافع السم مع ذلك السم؛ كما قالوا‪ :‬إ ّن ِف رأس احلية حبّة تفيد ِف دفع مسها‪ ،‬وِف احلديث‪« :‬إن ِف‬

‫ِف القدح‪ ،‬مث يدخل يده فيمضمض‪ ،‬مث ميجه‪ ،‬مث يدخل يده اليسرى فيغرتف من املاء فيصبه ِف املاء‪ ،‬فيغسل يده اليمىن إىل املرفق‬
‫بيده اليسرى صبة واحدة ِف القدح‪ ،‬مث يدخل يديه مجيعاً ِف املاء صبة واحدة ِف القدح‪ ،‬مث يدخل يده فيمضمض مث ميجه ِف القدح‪،‬‬
‫مث يدخل يده اليسرى فيغرتف من املاء فيصبه على ظهر كفه اليمىن صبة واحدة ِف القدح‪ ،‬مث يدخل يده اليسرى فيصب على مرفق‬
‫يده اليمىن صبة واحدة ِف القدح وهو ثان يده إىل عنقه‪ ،‬مث يفعل مثل ذلك ِف مرفق يده اليسرى‪ ،‬مث يفعل ذلك ِف ظهر قدمه اليمىن‬
‫من عند األصابع واليسرى كذلك‪ ،‬مث يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمىن‪ ،‬مث يفعل باليسرى مثل ذلك‪ ،‬مث يغمس داخلة إزاره‬
‫اليمىن ِف املاء مث يقوم الذي ِف يده القدح بالقدح فيصبه على رأس املعيون من ورائه‪ ،‬مث يكفأ القدح على وجه األرض من ورائه‪ .‬ورواه‬
‫ابن أيب ذئب عن الزهري فقال‪ :‬يؤتى الرجل العائن بقدح فيدخل كفه فيه فيتمضمض مث ميجه ِف القدح مث يغسل وجهه ِف القدح مث‬
‫يدخل يده اليسرى فيصب على كفه اليمىن‪ ،‬مث يدخل يده اليمىن فيصب على كفه اليسرى مث يدخل يده اليسرى فيصب على مرفقه‬
‫اليمىن‪ ،‬مث يدخل اليمىن فيصب على مرفقه اليسرى‪ ،‬مث يدخل يده اليسرى فيصب على قدمه اليمىن‪ ،‬مث يدخل يده اليمىن فيصب‬
‫على قدمه اليسرى‪ ،‬مث يدخل يده اليسرى فيصب على ركبته اليمىن‪ ،‬مث يدخل يده اليمىن فيصب على ركبته اليمىن‪ ،‬مث يدخل يده‬
‫اليمىن فيصب على ركبته اليسرى‪ ،‬مث يغسل داخلة إزاره‪ ،‬وال يوضع القدح باألرض‪ ،‬مث يصب على رأس الرجل الذي أصيب بالعني‬
‫من خلفه صبة واحدة‪ .‬قال أبو عبيد إَّنا أراد بداخلة إزاره طرف إزاره الداخل الذي يلي جسده‪ .‬ورواه حيىي بن سعيد عن الزهري‪،‬‬
‫زاد فيه‪ :‬مث يعطي ذلك الرجل الذي أصابه القدح قبل أن يضعه ِف األرض فيحسو منه ويتمضمض ويهريق على وجهه‪ ،‬مث يصب‬
‫على رأسه‪ ،‬مث يكفئ القدح على ظهره‪ .‬وانظر‪ :‬شرح النووي على مسلم ‪.172-171/14‬‬
‫(‪ )1‬حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباين (‪.)494 / 2‬‬
‫(‪ )2‬أفاد الشيخ عبد اهلل السدحان ِف كتابه كيف ترقي مريضك ‪ :22‬أنه ثبت علمياً عرب علم "راديونيك" أن الريق والعرق والشعر والظفر‬
‫والدم ترسل ذبذبة خاصة من جسم صاحبها حىت لو انفصلت عنه؛ وهلذا يستخدم الساحر الظفر والشعر ِف عملية السحر الستخدام‬
‫هذه الذبذبة عن طريق اجلن ِف اإلضرار باملسحور‪ ،‬وكذلك يفعل حلل العني بأخذ أثر من العائن يغتسل به العائن‪ .‬وأفاد ِف ‪ 33‬أنّه‬
‫من التجربة يكفي األثر البسيط؛ ألن املقصود رائحة العائن‪ .‬بل حىت لو غلي أثر العائن عند من يتقذر منعاً للعدوى أو القذارة مث‬
‫شربه أو اغتسل به فإنه ينفعه بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪90‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫إحدى جناحي الذباب دواء وِف ثانيهما دواء»)(‪.)1‬‬


‫سم احلية يؤخذ‬‫وقال ابن القيم ما ملخصه‪ :‬مناسبة االغتسال ال تأباها العقول الصحيحة‪ ،‬فهذا ترياق ّ‬
‫من حلمها‪ ،‬وهذا عالج النفس الغضبية توضع اليد على بدن الغضبان فيسكن‪ ،‬فكان أثر تلك العني كشعلة‬
‫نار وقعت على جسد‪ ،‬ففي االغتسال إطفاء لتلك الشعلة‪ ،‬مث ملا كانت هذه الكيفية اخلبيثة تظهر ِف املواضع‬
‫الرقيقة من اجلسد لشدة النفوذ فيها وال شيء أرق من املغابن‪ ،‬فكان ِف غسلها إبطال لعملها‪ ،‬وال سيما أ ّن‬
‫لألرواح الشيطانية ِف تلك املواضع –املغابن‪ -‬اختصاصاً وفيه أيضاً وصول أثر الغسل إىل القلب من أرق‬
‫املواضع وأسرعها نفاذا فتنطفئ تلك النار اليت أثارهتا العني هبذا املاء(‪.)2‬‬
‫انتهينا حبمد اهلل من رقية السحر والعني‪ ،‬فلندلف إىل ما بعدمها‪:‬‬

‫** رقية المس والصرع‪:‬‬


‫أعم من الصرع‪ .‬فقد يوجد املس من غري صرع‪ ،‬لكن الصرع من اجلن ال يكون إال بعد مس‪.‬‬
‫املس ّ‬

‫س ِم َن اجلُنون عن أذى‬
‫وس‪ :‬بِِه َم ٌّ‬ ‫المس‪ :‬من لَ ْمس الشيء‪ ،‬ألن ّ‬
‫اجلن مسته باألذى‪ .‬يقال‪َ :‬ر ُج ٌل ممَْ ُس ٌ‬
‫الشياطني(‪.)3‬‬
‫واملراد به‪ :‬أذية اجلن لإلنسان من خارج جسده أو من داخله أو منهما معاً(‪.)4‬‬
‫واملس له أنواع‪ :‬فقد يكون كلياً‪ :‬مبس اجلن اجلسد كله؛ كمن حيدث له تشجنات عصبية‪.‬‬
‫وقد يكون جزئياً لعضو من األعضاء كاللسان أو الذراع‪.‬‬
‫وقد يكون دائماً؛ بأن يستمر اجلن ِف جسده مدة طويلة‪.‬‬

‫(‪ )1‬العرف الشذي شرح سنن الرتمذي (‪.)355 / 3‬‬


‫(‪ )2‬بسط احلكمة ابن القيم ِف زاد املعاد ‪ ،159-157/4‬واختصرها منه ابن حجر ِف الفتح ‪ .205/10‬وأما ابن فرحون ِف تبصرة احلكام‬
‫وابن العريب ِف عارضة األحوذي فعلى مذهب املالكية ِف تعليل األحكام وأِنا تعبدية‪ .‬وِف كتاب كيف ترقي مريضك ‪ :22‬أفاد أن‬
‫القصد رائحة العرق اليت متيز كل إنسان عن اآلخر وهلذا الكلب يستطيع متييزها والشيطان كذلك مييز رائحة العائن الذي بسببه آذى‬
‫املعيون‪ ،‬وأفاد أيضاً ص ‪ 30‬بأنه ينفع أثر العائن ولو تقادم عهده أو تعاقبت عليه األيدي مثل أثر العائن على مقبض الباب‪ ،‬وعلل‬
‫حساس حلّاس‪ ،‬فاحذروه على أنفسكم"‬ ‫لذلك بأن الشيطان أكثر مشاً من الكلب واستأنس له حبديث روي عن النيب ‪" ‬إ ّن الشيطان ّ‬
‫رواه الرتمذي‪ .‬ومعىن حساس‪ :‬أي شديد احلس واإلدراك‪ .‬قوت املغتذي على جامع الرتمذي ‪.459/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬مادة (مس) لسان العرب (‪ ،)218 / 6‬املعجم الوسيط (‪ .)868 / 2‬معجم لغة الفقهاء ‪424‬‬
‫(‪ )4‬فتح احلق املبني ِف عالج الصرع والسحر والعني‪.63 :‬‬
‫‪91‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقد يكون طائفاً؛ كاألحالم ِف املنام‪.‬‬

‫الصرع‪ :‬الطرح على األرض(‪.)1‬‬


‫وهو‪ :‬علّة ِف اجلهاز العصيب تصحبها غيبوبة ِف العضالت وقد يكون هذا بسبب احتباس الريح ِف منافذ‬
‫الدماغ وقد يكون بسبب إيذاء من اجلن(‪.)2‬‬
‫فمنشأ الصرع إما أن يكون مرضاً عضوياً ال عالقة للجن به؛ الَنباس اهلواء ِف الدماغ أو لبخار رديء‬
‫يرتفع إىل الدماغ من بعض األعضاء‪ ،‬وقد يتبعه تشنج ِف األعضاء حىت يسقط على األرض‪.‬‬
‫وإما أن يكون التشنج ِف األعضاء منشأه اجلن‪ ،‬وهذا النوع هو املراد هنا(‪.)3‬‬

‫واملس من اجلن أو الصرع بسببهم أمر ثابت‪ ،‬قال ابن تيمية‪( :‬دخول اجلين ِف بدن اإلنسان ثابت باتفاق‬
‫أئمة أهل السنة واجلماعة)(‪ .)4‬وبه قال بعض املعتزلة كالقاضي عبد اجلبار(‪.)5‬‬
‫وم الَّ ِذي يَتَ َخبَّطُهُ الشَّْيطَا ُن ِم َن‬ ‫ومو َن إِالَّ َك َما يَ ُق ُ‬ ‫ين يَأْ ُكلُو َن ِّ‬
‫الربَا الَ يَ ُق ُ‬
‫َّ ِ‬
‫ودليل ذلك‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬الذ َ‬
‫س﴾ وقد أمجع املفسرون على أن املراد‪ :‬ال يقومون إال كما يقوم الذي يصرعه الشيطان ِف الدنيا من‬ ‫الْ َم ِّ‬
‫اجلنون(‪ .)6‬والتشبيه هنا تشبيه حقيقي ال جمازي كما يزعمه نفاة املس والصرع الشيطاين‪.‬‬
‫ات الشَّي ِ‬ ‫ك ِمن َمهز ِ‬
‫ني﴾ يعين‪ :‬من خنق الشياطني‬ ‫اط ِ‬ ‫َ‬ ‫ب أَعُوذُ بِ َ ْ ََ‬ ‫ومن األدلة قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬وقُل َّر ِّ‬
‫الرِجي ِم‪ِ ،‬م ْن َمهْ ِزهِ َونَ ْف ِخ ِه َونَ ْفثِ ِه" قَالُوا‪:‬‬
‫ان َّ‬ ‫وصرعهم(‪ .)7‬وِف املسند أنه ‪ ‬كان يقول‪" :‬تَع َّوذُوا بِاهللِ ِمن الشَّيطَ ِ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬
‫آد َم‪َ ،‬وأ ََّما نَ ْف ُخهُ فَالْ ِك ْربُ‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫ول اهللِ‪َ ،‬وَما َمهُْزهُ َونَ ْف ُخهُ َونَ ْفثُهُ؟ قَ َ‬
‫ال‪" :‬أ ََّما َمهُْزهُ‪ ،‬فَ َهذه الْ ُموتَةُ الَِّيت تَأْ ُخ ُذ بَِين َ‬ ‫يَا َر ُس َ‬

‫(‪ )1‬ينظر مادة (صرع) القاموس ولسان العرب‪.‬‬


‫(‪ )2‬تعليق مصطفى البغا على البخاري‪.‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬فتح الباري ‪ ،114/10‬جمموع الفتاوى ‪276/24‬وما بعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى (‪.)276 / 24‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬أحكام اجلان للشبلي‪.‬‬
‫(‪ )6‬ينظر‪ :‬جامع البيان للطربي ‪ ،101/3‬معامل التنزيل للبغوي ‪ ،261/1‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب ‪ ،355/3‬تفسري ابن كثري‪.308/1‬‬
‫وحكى اإلمجاع ابن جزي ِف التسهيل لعلوم التنزيل (‪( )137/1‬أمجع املفسرون أن املعىن ال يقومون من قبورهم ِف البعث ّإال كاجملنون)‪.‬‬
‫(‪ )7‬ينظر‪ :‬تفسري الطربي ‪.51/18‬‬
‫‪92‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِّع ُر"(‪ )1‬واملوتة‪ :‬هي اخلنق الذي هو الصرع(‪.)2‬‬


‫َوأ ََّما نَ ْفثُهُ فَالش ْ‬
‫وِف خرب عثمان بن أيب العاص أنه كان يعرض له شيء ِف صالته حىت ما يدري كم صلى فشكى ذلك‬
‫لرسول اهلل ‪ ‬فقال ‪" :‬ذاك الشيطان! ادنه" فدنوت منه‪ ،‬فجلست على صدور قدمي‪ ،‬قال عثمان‪:‬‬
‫فضرب صدري بيده‪ ،‬وتفل ِف فمي وقال‪" :‬اخرج عدو اهلل" ففعل ذلك ثالث مرات‪ .‬قال عثمان‪" :‬فلعمري‬
‫ما أحسبه خالطين بعد"(‪ .)3‬واخلروج من جسد عثمان ال يكون إال بعد دخول‪ ،‬وكذلك املخالطة وهذا هو‬
‫املس الشيطاين‪.‬‬
‫وأنكر املس والصرع الشيطاين‪ :‬بعض املعتزلة وتابعهم بعض املعاصرين(‪.)4‬‬
‫واحتجوا بأدلة ضعيفة‪ ،‬منها‪ :‬قوله تعاىل حكاية عن الشيطان‪﴿ :‬وما َكا َن ِيل علَي ُكم ِّمن س ْلطَ ٍ‬
‫ان إِالَّ أَن‬ ‫ُ‬ ‫َ َْ‬ ‫ََ‬
‫استَ َجْبتُ ْم ِيل﴾ قالوا فسلطانه حمصور ِف الوسوسة‪.‬‬
‫َد َع ْوتُ ُك ْم فَ ْ‬
‫وأجيب‪ :‬بأن السياق‪ِ :‬ف سلطان احلجة والدليل ال فيما عدا ذلك‪ ،‬فلم يكن له دليل على دعوته وال‬
‫برهان على وعوده‪ ،‬بل دعا البشر فأجابه بعضهم بال برهان وال حجة(‪.)5‬‬
‫وليس ِف اآلية تعرض لقدرة الشيطان على أذى بين آدم باملس والصرع‪ .‬فال تعارض بني اآلية وبني ما‬
‫سبق ِف إثبات سلطانه ِف املس والصرع الشيطاين‪ .‬وقد ثبت ِف صحيح مسلم أن من سلطان اجلن قتل‬
‫اإلنسي(‪ ،)6‬فكيف يستبعد صرعهم وخنقهم لبين آدم!‬

‫(‪ )1‬مسند أمحد ح‪ .25227 :‬وصححه األلباين ِف إرواء الغليل‪.‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬البداية والنهاية البن كثري ‪ ،55/1‬وجمموع فتاوى ابن تيمية ‪ 521/16‬وقال (وقال‪" :‬مهزه املوتة" وهي الصرع فاهلمز مثل الطعن‬
‫لفظا ومعىن)‪.‬‬
‫(‪ )3‬سنن ابن ماجة ح‪ . 3548 :‬قال البوصري إسناد صحيح ورجاله ثقات‪ ،‬وصححه األلباين‪ .‬وعند الطرباين ِف الكبري ح‪ 8347 :‬أن‬
‫ص ْد ِر عُثْ َما َن» قَ َ‬
‫ال عُثْ َما ُن‪« :‬فَ َما‬ ‫ِ‬
‫اخ ُر ْج م ْن َ‬ ‫ص ْد ِري بِيَ ِدهِ فَ َق َ‬
‫ال‪« :‬يَا َشْيطَا ُن ْ‬ ‫ب َ‬
‫ضَر َ‬
‫ول اهللِ ‪ ‬نِسيا َن الْ ُقر ِ‬
‫آن‪ ،‬فَ َ‬‫ْ‬ ‫َْ‬
‫عثمان شكا إِ َىل رس ِ‬
‫َُ‬
‫ت أَ ْن أَذْ ُكَرهُ»‪.‬‬ ‫نَ ِس ِ‬
‫َحبَْب ُ‬
‫يت مْنهُ َشْيئًا بَ ْع ُد أ ْ‬
‫ُ‬
‫(‪ )4‬كاجلبائي والرازي والزخمشري‪ ،‬والقفال من الشافعية‪ .‬ينظر‪ :‬الكشاف ‪ ،165/1‬تفسري الرازي ‪ ،95/7‬جمموع الفتاوى البن تيمية‬
‫‪.12/19‬‬
‫ومن املعاصرين‪ :‬املراغي ِف تفسريه ‪ ،63/3‬وحممود شلتوت ِف فتاويه ‪23‬‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬تفسري ابن كثري ‪.489 /4‬‬
‫اجلن)‪ .‬النبوات (‪.)1015/2‬‬ ‫(‪ )6‬قال ابن تيمية‪( :‬كثريٌ من الناس قتلته ّ‬
‫اخلُ ْد ِر ِّ ِ ِ‬ ‫ب‪ ،‬موَىل ِهش ِام ب ِن زهرةَ أَنَّه دخل علَى أَِيب سعِ ٍ‬ ‫ح‪ )2236( - 139 :‬عن أيب َّ ِ‬
‫صلِّي‪ ،‬فَ َجلَ ْس ُ‬
‫ت‬ ‫ي ِِف بَْيته‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َو َج ْدتُهُ يُ َ‬ ‫يد ْ‬ ‫َ‬ ‫السائ ِ َ ْ َ ْ ُ ْ َ ُ َ َ َ َ‬
‫يل أ َِن ِ‬ ‫ت ِألَقْ تُلَ َها‪ ،‬فَأ َ‬
‫َش َار إِ ََّ‬ ‫احي ِة الْب ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫س‬
‫اجل ْ‬‫ْ‬ ‫ت فَِإ َذا َحيَّةٌ فَ َوثَْب ُ‬‫ت‪ ،‬فَالْتَ َف ُّ‬ ‫ني ِِف نَ َ َ ْ‬ ‫ت َْحت ِري ًكا ِِف َعَراج َ‬‫ص َالتَهُ‪ ،‬فَ َسم ْع ُ‬
‫أَنْتَظ ُرهُ َح َّىت يَ ْقض َي َ‬
‫يث َع ْه ٍد بِعُ ْر ٍس‪،‬‬ ‫ال‪َ :‬كا َن فِ ِيه فَ ًىت ِمنَّا َح ِد ُ‬ ‫ت‪ :‬نَ َع ْم‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت؟ فَ ُق ْل ُ‬‫ال‪ :‬أَتَ َرى َه َذا الْبَ ْي َ‬
‫َشار إِ َىل ب ي ٍ‬
‫ت ِِف الدَّا ِر‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ف أ َ َ َْ‬ ‫صَر َ‬
‫ت‪ ،‬فَلَ َّما انْ َ‬
‫فَ َجلَ ْس ُ‬
‫‪93‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واحتجوا بأ ّن العقل ال يدرك كيفية خنق اجلين لإلنسي وال يتصوره ويستبعده! وأجيب‪ :‬بأن الوسواس من‬
‫الشيطان أيضاً ال يدرك كيفيته ومع ذلك هو واقع وأنتم تقرون به‪ .‬فكيفية الوسواس وكيفية الصرع واملس‬
‫الشيطاين من علم الغيب ال يعلم كيفيته إال اهلل‪.‬‬
‫قال عبد اهلل بن أمحد بن حنبل‪ :‬قلت أليب‪ :‬إن قوما يزعمون أن اجلين ال يدخل ِف بدن اإلنسي! فقال‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫يا بين يكذبون هو ذا يتكلم على لسانه!‬
‫قال ابن تيمية معلقاً على كالم اإلمام أمحد‪( :‬وهذا الذي قاله أمر مشهور‪ ،‬فإنه يصرع الرجل فيتكلم‬
‫بلسان ال يعرف معناه ويضرب على بدنه ضربا عظيما لو ضرب به مجل ألثر به أثرا عظيما‪ .‬واملصروع مع‬
‫هذا ال حيس بالضرب وال بالكالم الذي يقوله وقد جير املصروع وغري املصروع وجير البساط الذي جيلس عليه‬
‫وحيول آالت وينقل من مكان إىل مكان وجيري غري ذلك من األمور من شاهدها أفادته علماً ضرورياً بأن‬
‫الناطق على لسان اإلنسي واحملرك هلذه األجسام جنس آخر غري اإلنسان‪ .‬وليس ِف أئمة املسلمني من ينكر‬
‫دخول اجلين ِف بدن املصروع وغريه‪ ،‬ومن أنكر ذلك وادعى أن الشرع يُ ّكذب ذلك فقد كذب على الشرع‬
‫وليس ِف األدلة الشرعية ما ينفي ذلك)(‪.)2‬‬

‫وهنا مسائل‪:‬‬

‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ول اهللِ ‪ ‬بِأَنْ ِ‬ ‫ك الْ َف َىت يَ ْستَأْ ِذ ُن َر ُس َ‬ ‫ِ‬


‫اخلَْن َد ِق فَ َكا َن َذل َ‬ ‫ول اهللِ ‪ ‬إِ َىل ْ‬ ‫قَا َل‪ :‬فَخرجنَا مع رس ِ‬
‫َّها ِر فََ ْريج ُع إِ َىل أ َْهله‪ ،‬فَ ْ‬
‫استَأْ َذنَهُ يَ ْوًما‪،‬‬ ‫صاف الن َ‬ ‫َ‬ ‫ََ ْ َ َ َ ُ‬
‫ني قَائِ َمةً‬
‫ني الْبَابَْ ِ‬ ‫ك قُريظَةَ‪ ،‬فَأَخ َذ َّ ِ‬
‫الر ُج ُل س َال َحهُ‪ُ ،‬مثَّ َر َج َع فَِإذَا ْامَرأَتُهُ بَْ َ‬ ‫َ‬ ‫َخ َشى َعلَْي َ َ ْ‬ ‫ك‪ ،‬فَِإ ِّين أ ْ‬‫ك ِس َال َح َ‬ ‫ول اهللِ ‪ُ ‬خ ْذ َعلَْي َ‬ ‫ال لَهُ َر ُس ُ‬ ‫فَ َق َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فَأَهوى إِلَي ها ُّ ِ‬
‫َخَر َج ِين‪ ،‬فَ َد َخ َل فَِإذَا‬‫ت َح َّىت تَ ْنظَُر َما الَّذي أ ْ‬ ‫ك َو ْاد ُخ ِل الْبَ ْي َ‬‫ك ُرْحمَ َ‬ ‫ف َعلَْي َ‬ ‫ت لَهُ‪ :‬ا ْك ُف ْ‬ ‫الرْم َح ليَطْعُنَ َها بِه َوأ َ‬
‫َصابَْتهُ َغ ْ َريةٌ‪ ،‬فَ َقالَ ْ‬ ‫َْ َْ‬
‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الرْم ِح فَانْتَظَ َم َها بِه‪ُ ،‬مثَّ َخَر َج فَ َرَكَزهُ ِِف الدَّا ِر فَ ْ‬ ‫اش فَأ َْه َوى إِلَْي َها بِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫يمة ُمْنطَ ِويَة َعلَى الْفَر ِ‬‫ٍ‬ ‫ِ ٍ ِ‬
‫َسَر َ‬
‫ت َعلَْيه‪ ،‬فَ َما يُ ْد َرى أَيُّ ُه َما َكا َن أ ْ‬ ‫اضطََربَ ْ‬ ‫حبَيَّة َعظ َ‬
‫احبِ ُك ْم» ُمثَّ قَ َال‪« :‬إِ َّن‬ ‫ال‪« :‬استَ ْغ ِفروا لِص ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهللِ ‪ ،‬فَ َذ َك ْرنَا َذل َ‬ ‫احليَّةُ أَِم الْ َفىت‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ ِجْئ نَا إِ َىل رس ِ‬
‫ك لَهُ َوقُ ْلنَا ْادعُ اهللَ ُْحييِيه لَنَا فَ َق َ ْ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫َم ْوتًا َْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫ك‪ ،‬فَاقْتُلُوهُ‪ ،‬فَِإََّّنَا ُه َو َشْيطَا ٌن» قال حممد عبد‬ ‫َسلَ ُموا‪ ،‬فَِإذَا َرأَيْتُ ْم ِمْن ُه ْم َشْيئًا‪ ،‬فَآذنُوهُ ثََالثَةَ أَيَّ ٍام‪ ،‬فَِإ ْن بَ َدا لَ ُك ْم بَ ْع َد ذَل َ‬
‫بِالْ َمدينَة جنًّا قَ ْد أ ْ‬
‫الباقي‪( :‬عراجني) أراد هبا األعواد اليت ِف سقف البيت شبهها بالعراجني والعراجني مفرده عرجون وهو العود األصفر الذي فبه مشاريخ‬
‫العذق وهو فعلون من االنعراج واالنعطاف والواو والنون زائدتان (بأنصاف النهار) أي منتصفه وكأنه وقت آلخر النصف األول وأول‬
‫النصف الثاين فجمعه (فآذنوه) هو من اإليذان مبعىن اإلعالم (فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه) قال العلماء معناه وإذا مل يذهب باإلنذار‬
‫علمتم أنه ليس من عوامر البيت وال ممن أسلم من اجلن بل هو شيطان فال حرمة عليكم فاقتلوه ولن جيعل اهلل له سبيال لالنتصار‬
‫عليكم‪.‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪.277/24 ،12/19‬‬
‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪.277/24‬‬
‫‪94‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المسألة األولى‪ :‬أسباب صرع ومس الجن لإلنس‬


‫للصرع واملس أسباب خمتلفة‪ ،‬وهي كاآليت‪:‬‬
‫‪-1‬أن يكون جزاء من اهلل تعاىل بسبب ارتكاب معاصي أو ترك واجبات‪ ،‬قال تعاىل‪( :‬وما أصابكم من‬
‫مصيبة فما كسبت أيديكم)‪ ،‬وقال‪(:‬ومن يعش عن ذكر الرمحن نقيض له شيطاناً فهو له قرين) فعقوبة إعراضه‬
‫عن الذكر برتك الواجب وارتكاب احلرام أن قيض له شيطاناً جزاءً له(‪.)1‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬أكثر تسلط األرواح اخلبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم‪ ،‬وخراب قلوهبم وألسنتهم‬
‫من حقائق الذكر‪ ،‬والتعاويذ‪ ،‬والتحصنات النبوية واإلميانية‪ ،‬فتلقى الروح اخلبيثة الرجل أعزل ال سالح معه‪،‬‬
‫ورمبا كان عريانا فيؤثر فيه هذا)(‪.)2‬‬
‫ومداواة هذا النوع على وجه اخلصوص‪ :‬يكون بفعل الواجب وترك احلرام‪ ،‬واإلقبال على الذكر والتحصني‪.‬‬
‫‪-2‬أو يكون املس أو الصرع ناشىء عن عشق اجلين لإلنسي‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬صرعهم لإلنس قد يكون عن شهوة وهوى وعشق كما يتفق لإلنس مع اإلنس)(‪.)3‬‬
‫وقال (يكون اجلين حيب املصروع فيصرعه ليتمتع به وهذا الصرع يكون أرفق من غريه وأسهل)(‪.)4‬‬
‫ومداواة هذا النوع على وجه اخلصوص‪ :‬مبخاطبة اجلن بأ ّن فعلهم هذا من الفواحش اليت حرمها اهلل تعاىل‬
‫عليهم كما حرمها على اإلنس؛ وأ ّن العشق والشهوة واهلوى لغري احلليل حرام ولو كان برضا اآلخر؛ فكيف‬
‫إذا كان مع كراهته؟! قال ابن تيمية‪( :‬خياطب اجلن بذلك؛ ويعرفون أن هذا فاحشة حمرمة أو فاحشة وعدوان‬
‫لتقوم احلجة عليهم بذلك ويعلموا أنه حيكم فيهم حبكم اهلل ورسوله الذي أرسله إىل مجيع الثقلني اإلنس‬
‫واجلن)(‪.)5‬‬
‫‪-3‬أو يكون املس أو الصرع عن بغض وجمازاة من اجلن لإلنسي‪.‬‬

‫(‪ )1‬تفسري القامسي = حماسن التأويل (‪.)161 / 7‬‬


‫(‪ )2‬زاد املعادة ‪.63 /4‬‬
‫أقل عقالً‪ ،‬وأكثر جهالً‪ .‬واجلين قد حيب اإلنسي‪،‬‬‫اجلن أعظم شيطنة‪ ،‬و ّ‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪ .39/19‬وقال ِف النبوات (‪( :)1015/2‬و ُّ‬
‫كما حيب اإلنسي اإلنسي‪ ،‬وكما حيب الرجل املرأة‪ ،‬واملرأة الرجل‪ ،‬ويغار عليه‪ ،‬وخيدمه بأشياء‪ .‬وإذا صار مع غريه‪ ،‬فقد يعاقبه بالقتل‬
‫اقع)‪.‬‬
‫كل هذا و ٌ‬
‫وغريه‪ُّ .‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى ‪ .82/13‬وقال‪( :‬وكذلك اجلنيات منهن من يريد من اإلنس الذي خيدمنه ما يريد نساء اإلنس من الرجال وهذا كثري‬
‫ِف رجال اجلن ونسائهم فكثري من رجاهلم ينال من نساء اإلنس ما يناله اإلنسي وقد يفعل ذلك بالذكران)‪.‬‬
‫(‪ )5‬جمموع الفتاوى ‪.40-39/19‬‬
‫‪95‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قال ابن تيمية‪( :‬وقد يكون وهو كثري أو األكثر عن بغض وجمازاة مثل أن يؤذيهم بعض اإلنس أو يظنوا‬
‫أِنم يتعمدون أذاهم إما ببول على بعضهم وإما بصب ماء حار وإما بقتل بعضهم وإن كان اإلنسي ال يعرف‬
‫ذلك ‪ -‬وِف اجلن جهل وظلم ‪ -‬فيعاقبونه بأكثر مما يستحقه) وقال ِف موطن آخر‪(:‬يكون اإلنسي آذاهم إذا‬
‫بال عليهم أو صب عليهم ماء حاراً أو يكون قتل بعضهم أو غري ذلك من أنواع األذى وهذا أشد الصرع‬
‫(‪)1‬‬
‫وكثرياً ما يقتلون املصروع)‬
‫ومداواة هذا النوع على وجه اخلصوص‪ :‬قال ابن تيمية‪( :‬فإن كان اإلنسي مل يعلم فيخاطبون بأن هذا‬
‫مل يعلم‪ ،‬ومن مل يتعمد األذى ال يستحق العقوبة!‬
‫وإن كان قد فعل ذلك ِف داره وملكه‪ :‬عرفوا بأن الدار ملكه فله أن يتصرف فيها مبا جيوز‪ ،‬وأنتم ليس‬
‫لكم أن متكثوا ِف ملك اإلنس بغري إذِنم بل لكم ما ليس من مساكن اإلنس كاخلراب والفلوات؛ وهلذا‬
‫يوجدون كثرياً ِف اخلراب)(‪.)2‬‬
‫‪-4‬أو يكون املس أو الصرع عن عبث من سفهاء اجلن بال موجب‪.‬‬
‫ذكر ابن تيمية‪ :‬أن الصرع من اجلن لإلنس يكون أحياناً بطريق العبث من سفهاء اجلن كما يعبث سفهاء‬
‫اإلنس بأبناء السبيل بال موجب(‪.)3‬‬
‫ومداواة هذا النوع على وجه اخلصوص‪ :‬إخبارهم بأ ّن هذا ظلم واعتداء وأ ّن اهلل تعاىل ِنى عن ذلك‪.‬‬
‫‪-5‬أو يكون املس أو الصرع من اجلن سببه سحرة بين آدم‪.‬‬
‫بأ ّن يأمر الساحر اجلن بالتلبس بآدمي أو صرعه‪ .‬وذكر ابن تيمية أ ّن بعض السحرة ممن يتظاهر بالصالح‬
‫واالستقامة‪ ،‬كان له شياطني يرسلهم يصرعون بعض الناس‪ ،‬فيأيت أهل ذلك املصروع إىل الشيخ يطلبون منه الرقية‪،‬‬
‫فريسل إىل أتباعه من اجلن فيفارقون ذلك املصروع‪ ،‬ويعطون ذلك الشيخ دراهم كثرية مقابل عمله!(‪.)4‬‬
‫‪-6‬وقد يكون املس أو الصرع ابتالءً من اهلل ‪ ،‬فاهلل سبحانه حبكمته يبتلي من يشاء من اخللق بأنواع‬
‫اخلَِْري فِْت نَةً﴾‪ .‬فأمراض األرواح كأمراض األبدان‬
‫املصائب‪ ،‬والصرع واملس من مجلتها‪ .‬قال تعاىل‪َ ﴿ :‬ونَْب لُوُكم بِالشَِّّر َو ْ‬
‫بالء يصيب به اهلل من يشاء‪ ،‬واجبها الصرب مع بذل السبب ِف التداوي يفر من قدر اهلل تعاىل إىل قدر اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى ‪.82/13‬‬


‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪.40/19‬‬
‫(‪ )3‬جمموع الفتاوى ‪ .40/19‬و ‪.82/13‬‬
‫(‪ )4‬ينظر‪ :‬الفتاوى الكربى ‪ ،483/2‬والنبوات ‪ ،1025/2‬جمموع الفتاوى ‪.114/35‬‬
‫‪96‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المسألة الثانية‪ :‬أعراض المس والصرع وعالماته‬


‫للمس أعراض تدل عليه غالباً ال قطعاً‪ .‬فوجودها ِف شخصاً ليس يقيناً أنه ممسوس فقد يكون ملرض‬
‫عضوي أو نفسي‪.‬‬
‫ومن تلك العالمات‪:‬‬
‫• شعوره بضيق عند أداء الطاعات أو مساع القرآن أو األذان‪ ،‬وبعضهم إذا أذن ِف أذنه أغمي عليه‬
‫أو يسقط مع صراخ أو بكاء‪.‬‬
‫• األرق والقلق عند النوم بال سبب‪.‬‬
‫• امليل إىل الوحدة والعزلة مع حزن واكتئاب‪.‬‬
‫• الصداع الدائم الذي ال سبب طيب له‪.‬‬
‫• اخلمول والكسل والشرود الذهين‪.‬‬
‫• اخلوف الشديد الذي ال يعرف له سبب ويكون قد ظهر على الشخص بشكل مفاجئ‪ ،‬كاخلوف‬
‫من ركوب الطائرة‪ ،‬أو اخلروج من املنزل أو ركوب السيارة‪.‬‬
‫• الصرع والتشنج الدائم من غري سبب عضوي‪.‬‬
‫• البغض املفاجئ للشيء بال سبب بعد حب سابق له‪ ،‬كبغض الزوجة أو العمل أو الوظيفة فجأة‬
‫بال سبب‪.‬‬
‫• عدم االعتناء بالنظافة‪.‬‬
‫• ومنها أثناء النوم‪ :‬الكابوس (اجلاثوم)‪ ،‬أو الرؤيا املفزعة كأن يرى نفسه ِف طرق موحشة أو يرى‬
‫قططاً سوداً‪.‬‬
‫وما سبق من عالمات قد تكون مع املسحور أيضاً‪ ،‬وقد يكون الرجل ممسوساً أو مسحوراً وال تربز عليه‬
‫هذه العالمات‪.‬‬
‫وأكثر ما يكون تلبس اجلن باإلنس ِف حاالت‪ :‬شدة الغضب أو اخلوف أو الفرح‪ ،‬أو ِف حال االنكباب‬
‫على الشهوات أو ِف حال إيذاء اإلنسي للجن ببوله عليهم ولو مل يعلم أو بسكب املاء احلار عليهم ولو مل‬
‫يعلم خاصة إذا مل يذكر اإلنسي اسم اهلل تعاىل(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فتح احلق املبني ِف عالج الصرع والسحر والعني ‪ ،72-70‬النصح والبيان ِف عالج العني والسحر ومس اجلان ‪ .81‬وِف سنن‬
‫«م ْن قَ َال بِ ْس ِم‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ‬يَ ُق ُ‬
‫ول‪َ :‬‬ ‫ت َر ُس َ‬ ‫أيب داود ح‪ – 5088 :‬عن أَبا َن بن عثْما َن قال ‪َِ :‬مسعت عثْما َن ي ع ِين ابن عفَّا َن‪ ،‬ي ُق ُ ِ‬
‫ول َمس ْع ُ‬ ‫ْ ُ ُ َ َْ َْ َ َ‬ ‫َ َْ ُ َ‬
‫‪97‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬عالج المس والصرع‪:‬‬


‫‪-1‬املداومة على األذكار الشرعية (فإنه ال يؤخذ وهو ذاكر مستيقظ‪ ،‬وإَّنا يؤخذ إذا كان غافالً‪ ،‬قال‬
‫ين اتَّ َق ْوا إِذَا‬ ‫ِ َّ ِ‬ ‫ان نَزغٌ فَ ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬وإِ َّما ي ْن ز َغن َ ِ‬
‫استَع ْذ باللَّه﴾ [فصلت‪ .]36 :‬وقال تعاىل‪﴿ :‬إ َّن الذ َ‬ ‫َّك م َن الشَّْيطَ ْ ْ‬ ‫َ ََ‬
‫ف ِمن الشَّيطَ ِ‬
‫ان تَ َذ َّكروا فَِإذَا هم مب ِ‬
‫ص ُرو َن﴾ [األعراف‪.)1()]201 :‬‬ ‫ِ‬
‫ُ ْ ُْ‬ ‫ُ‬ ‫َم َّس ُه ْم طَائ ٌ َ ْ‬
‫‪-2‬املداومة على الرقية املشروعة عموماً وعلى وجه اخلصوص ما سبق ِف رقية السحر وكلها نافع بأمر‬
‫اهلل تعاىل‪ .‬ومن ذلك األدوية اليت مرت ِف رقية السحر كاالغتسال بالسدر مع الرقية فيه‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬ومن أعظم ما ينتصر به عليهم آية الكرسي [مث ذكر حديث أيب هريرة مع الشيطان وأنه‬
‫أرشده لقراءة آية الكرسي] مث قال ابن تيمية‪ :‬ومع هذا فقد جرب اجملربون الذين ال حيصون كثرة أن هلا من‬
‫التأثري ِف دفع الشياطني وإبطال أحواهلم ما ال ينضبط من كثرته وقوته فإن هلا تأثرياً عظيماً ِف دفع الشيطان‬
‫عن نفس اإلنسان وعن املصروع‪ ،‬وعن من تعينه الشياطني‪ ،‬مثل‪ :‬أهل الظلم والغضب وأهل الشهوة والطرب‬
‫وأرباب السماع املكاء والتصدية‪ ،‬إذا قرئت عليهم بصدق دفعت الشياطني وبطلت األمور اليت خييلها الشيطان‬
‫ويبطل ما عند إخوان الشياطني من مكاشفة شيطانية وتصرف شيطاين)(‪.)2‬‬
‫قال ابن القيم حيكي عن عالج ابن تيمية‪ :‬وكان يعاجل بآية الكرسي‪ ،‬وكان يأمر بكثرة قراءهتا املصروع‬
‫ومن يعاجله هبا‪ ،‬وبقراءة املعوذتني‪.‬‬
‫وقال‪ :‬كان ابن تيمية أيضاً كثرياً ما يقرأ ِف أذن املصروع‪﴿ :‬أَفَ َح ِسْبتُ ْم أَََّّنَا َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثًا َوأَنَّ ُك ْم إِلَْي نَا َال‬
‫تُ ْر َجعُو َن﴾(‪ .)3‬وأنه قرأها مرة ِف أذن املصروع‪ ،‬فقالت الروح اجلنية‪ :‬نعم! ومد هبا صوته! فأخذ ابن تيمية له‬
‫عصا وضرب هبا املصروع ِف عروق عنقه حىت كلت يدا ابن تيمية من الضرب‪ ،‬ومل يشك احلاضرون أنه ميوت‬
‫لذلك الضرب‪ .‬ففي أثناء الضرب قالت اجلنية‪ :‬أنا أحبه‪ ،‬فقال هلا ابن تيمية‪ :‬هو ال حيبك‪.‬‬
‫قالت‪ :‬أنا أريد أن أحج به! فقال هلا ابن تيمية‪ :‬هو ال يريد أن حيج معك‪.‬‬

‫صبِ َح‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الس ِميع الْعلِيم‪ ،‬ثََال َ ٍ‬ ‫ض‪ ،‬وَال ِِف َّ ِ‬ ‫ضُّر مع ِْ ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ث َمَّرات‪َ ،‬ملْ تُصْبهُ فَ ْجأَةُ بََالء‪َ ،‬ح َّىت يُ ْ‬ ‫الس َماء‪َ ،‬وُه َو َّ ُ َ ُ‬ ‫امسه َش ْيءٌ‪ِِ ،‬ف ْاأل َْر ِ َ‬ ‫اللَّه الَّذي َال يَ ُ َ َ‬
‫الر ُج ُل الَّ ِذي‬ ‫اب أَبَا َن بْ َن عُثْ َما َن‪ ،‬الْ َفالِ ُج‪ ،‬فَ َج َع َل َّ‬
‫َص َ‬‫ال‪ :‬فَأ َ‬ ‫صْبهُ فَ ْجأَةُ بََال ٍء َح َّىت ميُْ ِس َي»‪َ ،‬وقَ َ‬ ‫ْ‬
‫ث مَّر ٍ‬
‫ات‪َ ،‬مل تُ ِ‬
‫صبِ ُح ثََال ُ َ‬ ‫ني يُ ْ‬
‫ِ‬
‫َوَم ْن قَا َهلَا ح َ‬
‫َّيب ‪َ ،‬ولَ ِك َّن الْيَ ْوَم‬ ‫ب عُثْ َما ُن َعلَى النِ ِّ‬ ‫ت َعلَى عُثْ َما َن َوَال َك َذ َ‬
‫ِ‬ ‫ك تَ ْنظُُر إِ ََّ‬
‫يل؟ فَ َواللَّه َما َك َذبْ ُ‬ ‫«ما لَ َ‬
‫ال لَهُ‪َ :‬‬ ‫احلَ ِد َ‬
‫يث يَْنظُُر إِلَْي ِه‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫َِمس َع ِمْنهُ ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫يت أَ ْن أَقُوَهلَا»‪ .‬وانظر‪ :‬كيف تعاجل مريضك بالرقية ‪.31‬‬ ‫ت فَنَس ُ‬ ‫َصابَِين َغضْب ُ‬ ‫َصابَِين فيه َما أ َ‬‫الَّذي أ َ‬
‫(‪ )1‬تفسري ابن باديس ‪.385‬‬
‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪.55-53/19‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد ‪.140 /3‬‬
‫‪98‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫فقالت‪ :‬أنا أدعه كرامة لك‪.‬‬


‫قال ابن تيمية‪ :‬ال‪ .‬ولكن طاعة هلل ولرسوله‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فأنا أخرج منه‪.‬‬
‫فقعد املصروع يلتفت ميينا ومشاالً‪ ،‬وقال‪ :‬ما جاء يب إىل حضرة الشيخ ابن تيمية؟‬
‫قالوا له‪ :‬وهذا الضرب كله؟‬
‫فقال‪ :‬وعلى أي شيء يضربين الشيخ ومل أذنب‪ .‬فلم يشعر بأنه وقع عليه ضرب البتة(‪.)1‬‬
‫ونقل ابن القيم ِف الوابل الصيب(‪ :)2‬عن أيب النضر هاشم بن القاسم‪ ،‬أنه قال‪ :‬كنت أرى ِف داري ‪...‬‬
‫فقيل‪ :‬يا أبا النضر حتول عن جوارنا‪ .‬قال‪ :‬فاشتد ذلك علي‪ ،‬فكتبت إىل الكوفة إىل ابن إدريس واحملاريب وأيب‬
‫أسامة‪ ،‬فكتب إيل احملاريب‪ :‬إن بئراً باملدينة كان يقطع رشاؤها‪ ،‬فنزل هبم ركب‪ ،‬فشكوا ذلك إليهم‪ ،‬فدعوا‬
‫بدلو من ماء مث تكلموا هبذا الكالم فصبوه ِف البئر فخرجت نار من البئر فطفئت على رأس البئر‪.‬‬
‫قال أبو النضر‪ :‬فأخذت توراً من ماء‪ ،‬مث تكلمت فيه هبذا الكالم‪ ،‬مث تتبعت به زوايا الدار فرششته‪،‬‬
‫فصاحوا يب‪ :‬أحرقتنا‪َ ،‬نن نتحول عنك وهو‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬أمسينا باهلل الذي ليس منه شيء ممتنع‪ ،‬وبعزة اهلل اليت‬
‫ال ترام وال تضام‪ ،‬وبسلطان اهلل املنيع َنتجب‪ ،‬وبأمسائه احلسىن كلها عائذ من األبالسة‪ ،‬ومن شر شياطني‬
‫اإلنس واجلن‪ ،‬معلن أو مسر‪ ،‬ومن شر ما خيرج بالليل ويكمن بالنهار‪ ،‬ويكمن بالليل وخيرج بالنهار‪ ،‬ومن‬
‫شر ما خلق وذرأ وبرأ‪ ،‬ومن شر إبليس وجنوده‪ ،‬ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ريب على صراط‬
‫مستقيم‪ .‬أعوذ باهلل مبا استعاذ به موسى وعيسى وإبراهيم الذي وىف‪ ،‬من شر ما خلق وذرأ وبرأ‪ ،‬ومن شر‬
‫الز ِاجر ِ‬ ‫إبليس وجنوده‪ ،‬ومن شر ما يبغي‪ .‬أعوذ باهلل السميع العليم من الشيطان الرجيم ﴿و َّ ِ‬
‫ات‬ ‫ص ّفاً * فَ َّ َ‬ ‫الصافَّات َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫ب الْ َم َشا ِرق * إِنَّا َزيَّنَّا‬
‫ض َوَما بَْي نَ ُه َما َوَر ُّ‬ ‫السماو ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ات ِذ ْكراً * إِ َّن إِ َهل ُكم لَو ِ‬ ‫زجراً * فَالتَّالِي ِ‬
‫ب َّ َ َ‬ ‫اح ٌد * َر ُّ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫ان َّما ِرٍد * َال يَ َّس َّمعُو َن إِ َىل الْ َم َِإل ْاأل َْعلَى َويُ ْق َذفُو َن ِمن‬
‫ب * و ِح ْفظاً ِّمن ُك ِّل َشيطَ ٍ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫السماء الدُّنْيَا بِ ِزينَ ٍة الْ َكواكِ ِ‬
‫َ‬ ‫َّ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُك ِّل َجانِ ٍ‬
‫ب﴾)(‪ .)3‬وقُ ِرأَ هذا على‬ ‫اب ثَاق ٌ‬ ‫اخلَطْ َفةَ فَأَتْ بَ َعهُ ش َه ٌ‬ ‫ف ْ‬ ‫ب * إَِّال َم ْن َخط َ‬‫اب َواص ٌ‬ ‫ب * ُد ُحوراً َوَهلُ ْم َع َذ ٌ‬
‫الشيخ ابن باز من الوابل الصيب فقال رمحه اهلل‪ُ (:‬جيرب‪ ،‬نفع اهلل به‪ ،‬احلمد هلل‪ ،‬األصل ِف األدوية كلها‬
‫اإلباحة؛ إال ما حرمه الشرع)‪ .‬فقال له الشيخ ابن جربين‪( :‬جربه بعض اإلخوان‪ ،‬يقول‪ :‬سقيته امرأة جمنونة‪،‬‬

‫(‪ )1‬ينظر املرجع السابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬سبق إيراده قريباً‪ ،‬لكن أعيد هنا لصلته بالنقل عن الشيخ ابن جربين فيما حكاه من جتربة على املرأة اجملنونة‪.‬‬
‫(‪ )3‬الوابل الصيب ‪.89‬‬
‫‪99‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ويقول ِف حلظة خرج اجلان أو مات) فقال الشيخ ابن باز‪( :‬كل ما حيصل به الدواء وليس فيه حمذور شرعاً‬
‫فاألصل اإلباحة‪ِ ،‬ف األدعية واألدوية؛ إال ما حرمه الشارع)(‪.)1‬‬
‫‪-4‬الضرب‪ :‬قال ابن تيمية‪( :‬ضربنا َنن من الشياطني ِف اإلنس ما شاء اهلل‪ ،‬حىت خرجوا من اإلنس‪،‬‬
‫ومل يعاودوه‪ .‬وفيهم من خيرج بالذكر والقرآن‪ .‬وفيهم من خيرج بالوعظ والتخويف‪ .‬وفيهم من ال خيرج إال‬
‫بالعقوبة؛ كاإلنس)(‪.)2‬‬
‫وسيأيت بإذن اهلل تعاىل حكم اإلغالظ ِف القول على اجلن ولعنهم وسبهم؟‬
‫وكذلك حكم ضرب بدن املصروع وهل هو من طرق العالج أو ال؟‬
‫‪-5‬قال ابن القيم‪( :‬عالج هذا النوع يكون بأمرين‪ :‬أمر من جهة املصروع‪ ،‬وأمر من جهة املعاجل‪ .‬فالذي‬
‫من جهة املصروع يكون بقوة نفسه وصدق توجهه إىل فاطر هذه األرواح وبارئها‪ ،‬والتعوذ الصحيح الذي قد‬
‫تواطأ عليه القلب واللسان‪ ،‬فإن هذا نوع حماربة‪ ،‬واحملارب ال يتم له االنتصاف من عدوه بالسالح إال بأمرين‪:‬‬
‫أن يكون السالح صحيحاً ِف نفسه جيداً‪ ،‬وأن يكون الساعد قوياً‪ .‬فمىت ختلف أحدمها مل يغن السالح كثري‬
‫طائل‪ ،‬فكيف إذا عدم األمران مجيعاً‪ :‬يكون القلب خراباً من التوحيد‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والتقوى‪ ،‬والتوجه‪ ،‬وال سالح‬
‫له‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬من جهة املعاجل بأن يكون فيه هذان األمران أيضاً‪ .‬حىت إ ّن من املعاجلني من يكتفي بقوله‪:‬‬
‫"اخرج منه"‪ .‬أو بقول‪" :‬بسم اهلل"‪ ،‬أو بقول‪" :‬ال حول وال قوة إال باهلل"‪ .‬والنيب ‪ ‬كان يقول‪«( :‬اخرج‬
‫عدو اهلل أنا رسول اهلل»)‪.‬‬
‫وشاهدت شيخنا يرسل إىل املصروع من خياطب الروح اليت فيه‪ ،‬ويقول‪ :‬قال لك الشيخ‪ :‬اخرجي‪ ،‬فإن‬
‫هذا ال حيل لك‪ ،‬فيفيق املصروع‪ ،‬ورمبا خاطبها بنفسه‪ ،‬ورمبا كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق‬
‫املصروع وال حيس‪..‬‬
‫وباجلملة فهذا النوع من الصرع وعالجه ال ينكره إال قليل احلظ من العلم والعقل واملعرفة‪ ،‬وأكثر تسلط‬
‫األرواح اخلبيثة على أهله تكون من جهة قلة دينهم‪ ،‬وخراب قلوهبم وألسنتهم من حقائق الذكر‪ ،‬والتعاويذ‪،‬‬
‫والتحصنات النبوية واإلميانية‪ ،‬فتلقى الروح اخلبيثة الرجل أعزل ال سالح معه‪ ،‬ورمبا كان عريانا فيؤثر فيه هذا‪.‬‬

‫(‪)1‬الشريط الرابع "لقاء مع أخوة ِف اهلل" من جمموعة أشرطة وهي (‪ )10‬لسماحة العالمة الشيخ بن باز–رمحه اهلل‪ -‬بواسطة أبو الرباء العاين‬
‫منتدى الرقية الشرعية ‪https://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=62420‬‬
‫(‪ )2‬النبوات البن تيمية (‪.)1025 / 2‬‬
‫‪100‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ولو كشف الغطاء لرأيت أكثر النفوس البشرية صرعى هذه األرواح اخلبيثة‪ ،‬وهي ِف أسرها وقبضتها‬
‫تسوقها حيث شاءت‪ ،‬وال ميكنها االمتناع عنها وال خمالفتها‪ ،‬وهبا الصرع األعظم الذي ال يفيق صاحبه إال‬
‫عند املفارقة واملعاينة‪ ،‬فهناك يتحقق أنه كان هو املصروع حقيقة‪ ،‬وباهلل املستعان)(‪.)1‬‬

‫** الرقية ألمراض روحية أخرى‪:‬‬


‫الروح مترض كما ميرض البدن‪ ،‬وقد يكون مرض الروح ناجتاً عن سحر أو عني أو مس‪.‬‬
‫غم ألمر حاضر‪ ،‬أو حزن على شيء مضى أو مصيبة وقعت‪.‬‬ ‫وقد يكون ناجتاً عن هم للمستقبل‪ ،‬أو ّ‬
‫وهذه األبواب الثالثة (اهلم والغم واحلزن) هي من أعظم األسلحة اليت يلج إليها الشيطان لإلضرار ببين آدم‬
‫ويقعده هبا عن العمل الذي ينفعه ِف دنياه أو آخرته‪.‬‬
‫ضالً﴾‪.‬‬ ‫فاهلم املقلق ﴿الشَّْيطَا ُن يَعِ ُد ُك ُم الْ َف ْقَر َويَأْ ُم ُرُكم بِالْ َف ْح َشاء َواللّهُ يَعِ ُد ُكم َّم ْغ ِفَرةً ِّمْنهُ َوفَ ْ‬
‫ض ِّارِه ْم َشْيئاً إَِّال بِِإ ْذ ِن اللَّ ِه﴾‪.‬‬
‫س بِ َ‬ ‫َ‬ ‫ي‬
‫ْ‬‫َ‬‫ل‬‫و‬‫َ‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ن‬
‫ُ‬ ‫آم‬
‫َ‬ ‫ين‬
‫َ‬ ‫ذ‬‫ان لِيحز َن الَّ ِ‬
‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫واحلزن ﴿إََِّّنَا النَّجوى ِمن الشَّيطَ ِ‬
‫َْ َ ْ‬
‫والغم بينهما‪.‬‬
‫وسالحه ِف الوصول إىل اهلم والغم واحلزن الوسوسة؛ وهلذا سورة الناس تعوذ باهلل من الوسواس اخلناس‪.‬‬
‫وقد كان النيب ‪ ‬يتعوذ باهلل تعاىل من ذلك‪ ،‬فعن أنس ‪ ‬قال‪ :‬كنت أخدم رسول اهلل ‪ ،‬إذا نزل‪،‬‬
‫فكنت أمسعه كثرياً يقول‪" :‬اللهم إين أعوذ بك من اهلم واحلزن‪ ،‬والعجز والكسل‪ ،‬والبخل واجلنب‪ ،‬وضلع‬
‫الدين‪ ،‬وغلبة الرجال"(‪.)2‬‬
‫نعم اهلم والغم واحلزن كفارة للخطايا والذنوب؛ لكن ليس معىن ذلك االسرتسال معها؛ بل نداويها بقدر‬
‫اهلل تعاىل كاملرض العضوي‪ ،‬فنفر من قدر اهلل تعاىل إىل قدر اهلل‪..‬‬
‫ونؤجر على املرض الروحي أو البدين ونعاجله بقدر اهلل متوكلني على اهلل تعاىل ِف احلالني فنؤجر هنا وهنا‬
‫إذا أحسنا التوكل على اهلل تعاىل واإلنابة‪.‬‬
‫إن االسرتسال مع اهلموم والغموم يقعد اإلنسان عن كل خري وعن مصاحله ويشغله عما ينفعه ويعمر به‬
‫دنياه وآخرته‪ ..‬وال يفرح الشيطان بشيء فرحه بفوات عمر اإلنسان عليه فال يعمل فيه خرياً أو ينشغل ِبري‪.‬‬
‫وِف كتب األذكار واألدعية مجلة من األدعية اليت كان النيب ‪ ‬يدعو هبا عن املصيبة أو الكرب أو عند‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ‪ .63-62/4‬وقد سبق إيراده ِف موطن سابق‪.‬‬


‫(‪ )2‬البخاري ح‪.2893 :‬‬
‫‪101‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اهلم واحلزن أو عند الفزع واألرق من النوم‪ ..‬فلرتاجع ِف كتب األذكار واألدعية‪.‬‬
‫ومما ينفع على وجه العموم لتسكني القلب إذا اضطرب الرقية بآيات السكينة‪ ،‬وكان ابن تيمية إذا اشتدت‬
‫عليه األمور قرأ آيات السكينة‪ ،‬قال ابن القيم حيكي عن شيخه‪( :‬مسعته يقول ِف واقعة عظيمة جرت له ِف‬
‫مرضه‪ ،‬تعجز العقول عن محلها ‪-‬من حماربة أرواح شيطانية‪ ،‬ظهرت له إذ ذاك ِف حال ضعف القوة‪ -‬قال‪:‬‬
‫علي األمر‪ ،‬قلت ألقاريب ومن حويل‪ :‬اقرءوا آيات السكينة‪ ،‬قال‪ :‬مث أقلع عين ذلك احلال‪ ،‬وجلست‬ ‫فلما اشتد ّ‬
‫وما يب قلبة) مث حكى ابن القيم جتربته اقتداءً بشيخه‪( :‬وقد جربت أنا أيضاً قراءة هذه اآليات عند اضطراب‬
‫القلب مبا يرد عليه‪ .‬فرأيت هلا تأثرياً عظيماً ِف سكونه وطمأنينته)‪.‬‬
‫والسكينة‪( :‬هي الطمأنينة والوقار‪ ،‬والسكون الذي ينزله اهلل ِف قلب عبده‪ ،‬عند اضطرابه من شدة‬
‫املخاوف فال ينزعج بعد ذلك ملا يرد عليه‪ .‬ويوجب له زيادة اإلميان‪ ،‬وقوة اليقني والثبات‪ .‬وهلذا أخرب سبحانه‬
‫عن إنزاهلا على رسوله ‪ ‬وعلى املؤمنني ِف مواضع القلق واالضطراب‪ .‬كيوم اهلجرة‪ ،‬إذ هو وصاحبه ِف الغار‬
‫والعدو فوق رءوسهم‪ .‬لو نظر أحدهم إىل ما حتت قدميه لرآمها‪ .‬وكيوم حنني‪ ،‬حني ولوا مدبرين من شدة‬
‫بأس الكفار‪ ،‬ال يلوي أحد منهم على أحد‪ .‬وكيوم احلديبية حني اضطربت قلوهبم من حتكم الكفار عليهم‪،‬‬
‫ودخوهلم حتت شروطهم اليت ال حتملها النفوس)(‪.)1‬‬
‫وآيات السكينة هي‪:‬‬
‫وسى‬ ‫آل ُم َ‬ ‫وت فِ ِيه َس ِكينَةٌ ِّمن َّربِّ ُك ْم َوبَِقيَّةٌ ِّممَّا تَ َرَك ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫‪﴿ -1‬وقَ َ ِ‬
‫ال َهلُ ْم نبِيُّ ُه ْم إِ َّن آيَةَ ُم ْلكه أَن يَأْتيَ ُك ُم التَّابُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ني﴾ {البقرة ‪.}248:‬‬ ‫ك آليَةً لَّ ُك ْم إِن ُكنتُم ُّم ْؤمن َ‬ ‫آل َه ُارو َن َْحت ِملُهُ الْ َمآلئِ َكةُ إِ َّن ِِف َذل َ‬ ‫َو ُ‬
‫ِ‬ ‫ض ِمبَا َر ُحبَ ْ َّ‬
‫ين {‪ ﴾}25‬نزلت السكينة فقال‬ ‫ت ُمثَّ َولْيتُم ُّم ْدب ِر َ‬ ‫ت َعلَْي ُك ُم األ َْر ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬‫‪ِ -2‬ف يوم حنني‪َ ﴿ :‬و َ‬
‫ِ‬ ‫عذ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫ين َك َف ُرواْ َوذَل َ‬
‫ب الذ َ‬ ‫َنزَل ُجنُوداً َّملْ تَ َرْوَها َو َّ َ‬ ‫تعاىل‪ُ ﴿ :‬مثَّ أَنَ َزل اللّهُ َسكينَتَهُ َعلَى َر ُسوله َو َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬
‫ني َوأ َ‬
‫ِ‬
‫ين﴾ {التوبة‪.}26 :‬‬ ‫َجَزاء الْ َكاف ِر َ‬
‫ني إِ ْذ ُمهَا ِِف الْغَا ِر إِ ْذ‬‫َخر َجهُ الَّ ِذين َك َفرواْ ثَ ِاين اثْنَ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪ِ -3‬ف يوم اهلجرة‪﴿ :‬إِالَّ تَ ُ‬
‫َ ُ َ‬ ‫صَرهُ اللّهُ إ ْذ أ ْ َ‬
‫نص ُروهُ فَ َق ْد نَ َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول لِ ِ ِ‬
‫َنزَل اللّهُ َسكينَتَهُ َعلَْيه َوأَيَّ َدهُ جبُنُود َّملْ تَ َرْوَها َو َج َع َل َكل َمةَ الذ َ‬
‫ين َك َف ُرواْ‬ ‫صاحبِه الَ َْحتَز ْن إِ َّن اللّهَ َم َعنَا فَأ َ‬ ‫يَ ُق ُ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫يم﴾ {التوبة ‪}40:‬‬ ‫الس ْفلَى َوَكل َمةُ اللّه ه َي الْعُْليَا َواللّهُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫ُّ‬
‫ِِ ِ ِ‬ ‫وب الْمؤِمنِ ِ‬ ‫‪ -4‬وِف احلديبية‪﴿ :‬هو الَّ ِذي أَنزَل َّ ِ‬
‫ني ليَ ْزَد ُادوا إِميَاناً َّم َع إِميَاِن ْم َوللَّه ُجنُ ُ‬
‫ود‬ ‫السكينَةَ ِِف قُلُ ِ ُ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬
‫ض َوَكا َن اللَّهُ َعلِيماً َح ِكيماً﴾ {الفتح ‪.}4:‬‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬‫السماو ِ‬
‫َّ َ َ‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكني ‪.472/2‬‬


‫‪102‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫َّجَرةِ فَ َعلِ َم َما ِِف قُلُوهبِِ ْم‬


‫ت الش َ‬ ‫ني إِ ْذ يُبَايِعُونَ َ‬
‫ك َْحت َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -5‬وِف احلديبية أيضاً‪﴿ :‬لََق ْد َرض َي اللَّهُ َع ِن الْ ُم ْؤمن َ‬
‫الس ِكينَةَ َعلَْي ِه ْم َوأَثَ َاهبُ ْم فَ ْتحاً قَ ِريباً﴾ {الفتح‪.}18 :‬‬ ‫َنزَل َّ‬‫فَأ َ‬
‫َنزَل اللَّهُ َس ِكينَتَهُ َعلَى‬ ‫محيَّةَ ْ ِ ِ ِ‬
‫احل ِميَّةَ َِ‬ ‫ِِ‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬
‫اجلَاهليَّة فَأ َ‬ ‫ين َك َف ُروا ِِف قُلُوهب ُم َْ‬ ‫‪-6‬وِف احلديبية أيضاً‪﴿ :‬إ ْذ َج َع َل الذ َ‬
‫َح َّق ِهبَا َوأ َْهلَ َها َوَكا َن اللَّهُ بِ ُك ِّل َش ْي ٍء َعلِيماً﴾ {الفتح‬ ‫ِ‬
‫ني َوأَلَْزَم ُه ْم َكل َمةَ التَّ ْق َوى َوَكانُوا أ َ‬
‫ِِ‬ ‫ِِ‬
‫َر ُسوله َو َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬
‫‪ .}26:‬ولشدة البالء ِف احلديبية تكررت املنة من اهلل بإنزال السكينة على قلوب الصحابة كلما اضطراب‬
‫املوقف‪.‬‬

‫‪103‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مسائل فقهية متعلقة بالرقية‪.‬‬


‫مسألة‪ :‬ضمان الراقي‪.‬‬
‫قد ينشأ عن الرقية أو بسبب الطريقة اليت سلكها الراقي تلف‪ ،‬ومن صور ذلك‪:‬‬
‫‪-1‬املبالغة ِف الضرب‪ :‬فيبالغ ِف الضرب أو ِف أماكن الضرب فيتسبب ذلك بتلف املرقي‪.‬‬
‫‪-2‬اخلنق‪ :‬إذا بالغ فيه أو مل حيسن استخدامه ِف العالج قد يتسبب مبوت املرقي‪ .‬وقد كان ابن تيمية‬
‫يضرب وخينق اجلن حىت خيرج ‪-‬وسيأيت حكم ذلك بإذن اهلل تعاىل‪.-‬‬
‫‪-3‬الكي بالنار‪ :‬وهذا يستخدمه بعض الرقاة جهالً منه باحلكم‪ ،‬فإنه ال يعذب بالنار إال اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪-4‬حقن املريض حبقنة بالوريد‪ :‬جهالً من الراقي‪ ،‬فمنهم من استدل بقوله ‪" ‬إن الشيطان جيري من‬
‫ابن آدم جمرى الدم"(‪.)2()1‬‬

‫فإذا حلق املرقي تلف نشأ عن الراقي أو طريقته ِف الرقية‪ ،‬فمىت يضمن الراقي التلف؟‬
‫حكمه يتخرج على مسألة ضمان الطبيب‪ .‬وقد اتفق الفقهاء من املذاهب األربعة(‪ )3‬على أن الطبيب‬
‫والبيطار واخلتان واحلجام ومن ِف حكمهم ال يضمنون ِف اإلجارة اخلاصة أو املشرتكة مىت ما توفر فيهم‬
‫الشروط التالية‪:‬‬
‫ب‪َ ،‬وَال يُ ْعلَ ُم ِمْنهُ ِط ٌّ‬
‫ب‪ ،‬فَ ُه َو‬ ‫‪-1‬أن يكون حاذقاً ماهراً ِف صنعته‪ .‬وإال ضمن‪ .‬لقوله ‪َ " :‬م ْن تَطَبَّ َ‬
‫ِ (‪)4‬‬
‫طب؛ ألن لفظ التفعل يدل على تكلف‬ ‫ضام ٌن" ‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬قوله ‪" :‬من تطبب" ومل يقل‪ :‬من ّ‬ ‫َ‬
‫الشيء والدخول فيه بعسر وكلفة‪ ،‬وأنه ليس من أهله‪ ،‬كتحلم وتشجع وتصرب ونظائرها‪ ..،‬فإجياب الضمان‬
‫على الطبيب اجلاهل‪ ،‬فإذا تعاطى علم الطب وعمله‪ ،‬ومل يتقدم له به معرفة‪ ،‬فقد هجم جبهله على إتالف‬
‫األنفس‪ ،‬وأقدم بالتهور على ما مل يعلمه‪ ،‬فيكون قد غرر بالعليل‪ ،‬فيلزمه الضمان لذلك‪ ،‬وهذا إمجاع من أهل‬
‫العلم‪.‬‬

‫(‪ )1‬مسلم ح‪ .)2174( - 23‬وللجنة الدائمة فتوى ِف منع ذلك فتوى رقم ‪ِ 18569‬ف عام ‪1417‬ه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬وينظر‪ :‬فتح احلق املبني ِف عالج الصرع والسحر والعني ‪ ،144‬قواعد الرقية الشرعية للسدحان ‪ ،70‬الرقية والرقاة بني املشروع واملمنوع‬
‫أليب املنذر خليل أمني ‪.54 ،53‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪ ،)94/9‬جواهر اإلكليل (‪ )191/2‬حاشية الدسوقي (‪ ،)376/5‬الشرح الكبري البن قدامة (‪،)361/3‬‬
‫شرح منتهى اإلرادات (‪.)377/2‬‬
‫(‪ )4‬سنن أيب داود ح‪ 4586 :‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫‪104‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫قال اخلطايب‪ :‬ال أعلم خالفا ِف أن املعاجل إذا تعدى فتلف املريض كان ضامنا‪ ،‬واملتعاطي علما أو عمال‬
‫ال يعرفه متعد‪ ،‬فإذا تولد من فعله التلف ضمن الدية‪ ،‬وسقط عنه القود‪ ،‬ألنه ال يستبد بذلك بدون إذن‬
‫املريض‪ ،‬وجناية املتطبب ِف قول عامة الفقهاء على عاقلته)(‪.)1‬‬
‫‪-2‬أال جتين يده فيتجاوز ما ينبغي قطعه‪ ،‬فإن جتاوز ضمن؛ ألنه إتالف ال خيتلف بالعمد واخلطأ أشبه‬
‫إتالف املال‪ ،‬وهو فعل حمرم فضمن سرايته كما لو قطعه ابتداءً‪.‬‬
‫قال ابن قدامة‪( :‬وكذلك احلكم ِف النّزاع والقاطع والقصاص وقاطع يد السارق‪ ،‬وهذا مذهب الشاِف‬
‫(‪)2‬‬
‫وأمحد وأصحاب الرأي وال نعلم فيه خالفاً)‬
‫‪-3‬أن يؤذن له ِف التطبيب‪ ،‬فإن مل يوجد اإلذن فإنه يضمن‪ .‬ويعترب ِف اإلذن من يصح إذنه وهو املكلف‬
‫الرشيد أو الويل عن اجملنون أو الصيب وَنوهم‪.‬‬
‫وكذلك الراقي إن مل يكن حاذقاً يعرف مىت يضرب؟ وكيف يضرب؟ وأين يضرب؟ مأذوناً له؛ وإال ضمن‪.‬‬
‫ومن الشبه اليت تثار‪ :‬املطالبة بأن متنع احلكومات الرقاة من الرقية؛ ألخطاء وقعت من البعض نتج عنها‬
‫ضرر أو وفيات‪ ،‬وهذا التوجه كمن يطالب بأن متنع احلكومات مهنة الطب ألخطاء وقعت من بعض األطباء!‬
‫العدل أن مينع الراقي والطبيب اجلاهل‪ ،‬ويضمن الراقي والطبيب املخطئ حبسب احلال كما سبق أعاله‪ .‬ال‬
‫أن يوصد الباب على اجلميع‪ .‬فاجلهل واخلطأ يوجد ِف كل مهنة (الشرطي‪ .‬الطبيب‪ .‬القاضي‪ )..‬فهل يطالب‬
‫أيضاً بإقفال الشرط واحملاكم‪ ..‬ألخطاء بعض املنتسبني إليها؟!‬

‫مسألة‪ :‬حكم الضرب والخنق في الرقية‪.‬‬


‫يدل على مشروعية الضرب ِف الرقية ما يلي‪:‬‬
‫ِ‬
‫ك‬‫ال «أَلْ َعنُ َ‬
‫ك» ُمثَّ قَ َ‬‫اهلل ِمْن َ‬
‫ول‪« :‬أَعوذُ بِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول اهلل ‪ ‬فَ َسم ْعنَاهُ يَ ُق ُ ُ‬
‫ال‪ :‬قَام رس ُ ِ‬
‫‪-1‬ما رواه مسلم َع ْن أَِيب الد َّْرَداء‪ ،‬قَ َ َ َ ُ‬
‫الص َال ِة‬
‫ول ِِف َّ‬ ‫اهلل قَ ْد َِمس ْعنَ َ‬
‫اك تَ ُق ُ‬ ‫ول ِ‬ ‫الص َال ِة قُ ْلنَا‪ :‬يَا َر ُس َ‬‫غ ِم َن َّ‬ ‫ط يَ َدهُ َكأَنَّهُ يَتَ نَ َاو ُل َشْيئًا‪ ،‬فَلَ َّما فَ َر َ‬ ‫بِلَعنَ ِة ِ‬
‫اهلل» ثََالثًا‪َ ،‬وبَ َس َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫اهلل إِبلِيس‪ ،‬جاء بِ ِشه ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اب م ْن نَا ٍر ليَ ْج َعلَهُ‬ ‫ال‪" :‬إِ َّن َع ُد َّو ْ َ َ َ َ‬ ‫ت يَ َد َك‪ ،‬قَ َ‬ ‫اك بَ َسطْ َ‬ ‫ك‪َ ،‬وَرأَيْنَ َ‬ ‫ك تَ ُقولُهُ قَ ْب َل ذَل َ‬ ‫َشْيئًا َملْ نَ ْس َم ْع َ‬
‫ث مَّر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اهلل الت َّ ِ‬
‫ك بِلَعنَ ِة ِ‬ ‫ك‪ ،‬ثََال َ ٍ‬ ‫اهلل ِمْن َ‬
‫ِِف وج ِهي‪ ،‬فَ ُق ْلت‪ :‬أَعوذُ بِ ِ‬
‫ات‪ُ ،‬مثَّ‬ ‫َّامة‪ ،‬فَلَ ْم يَ ْستَأْخ ْر‪ ،‬ثََال َ َ‬ ‫ت‪ :‬أَلْ َعنُ َ ْ‬ ‫ث َمَّرات‪ُ ،‬مثَّ قُ ْل ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َْ‬
‫ب بِِه ِولْ َدا ُن أ َْه ِل الْ َم ِدينَ ِة"(‪.)3‬‬‫َصبَ َح ُموثَ ًقا يَ ْل َع ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َخ َذهُ‪َ ،‬واهلل لَ ْوَال َد ْع َوةُ أَخينَا ُسلَْي َما َن َأل ْ‬ ‫تأْ‬ ‫أ ََرْد ُ‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)127 / 4‬‬


‫(‪ )2‬الشرح الكبري (‪.)361/3‬‬
‫(‪ )3‬مسلم ح‪.)542( - 40 :‬‬
‫‪105‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ول اهللِ ‪" :‬إِ َّن ِع ْف ِريتًا ِم َن‬ ‫ال‪ :‬قال َر ُس ُ‬ ‫وجاء تفسري "مث أردت أخذه" باخلنق ِف حديث أيب ُهَريْ َرة قَ َ‬
‫ت أَ ْن أ َْربِطَهُ إِ َىل‬ ‫ِ‬ ‫ك َعلَ َّي الْبَا ِر َحةَ‪ ،‬لِيَ ْقطَ َع َعلَ َّي َّ‬
‫الص َالةَ‪َ ،‬وإِ َّن اهللَ أ َْم َكنَِين مْنهُ فَ َذ َعتُّهُ‪ ،‬فَلَ َق ْد َمهَ ْم ُ‬ ‫اجلِ ِّن َج َع َل يَ ْفتِ ُ‬
‫ْ‬
‫َمجعو َن ‪ -‬أَو ُكلُّ ُكم ‪ُ -‬مثَّ ذَ َكرت قَوَل أ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍِ‬
‫َخي‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫صبِ ُحوا تَ ْنظُُرو َن إِلَْيه أ ْ َ ُ‬ ‫ب َسا ِريَة م ْن َس َوا ِري الْ َم ْسجد‪َ ،‬ح َّىت تُ ْ‬ ‫َجْن ِ‬
‫اسئًا" (‪ .)1‬وقوله "فذعته"‬ ‫ب ا ْغ ِفر ِيل وهب ِيل م ْل ًكا َال ي ْنبغِي ِألَح ٍد ِمن ب ع ِدي﴾‪ ،‬فَرَّده اهلل خ ِ‬
‫َُ ُ َ‬ ‫َ ْ َْ‬ ‫ََ‬ ‫ُسلَْي َما َن‪َ ﴿ :‬ر ِّ ْ َ َ ْ ُ‬
‫أي خنقته(‪.)3()2‬‬
‫فاحلديث دل على جواز اخلنق‪ ،‬وجواز التهديد للجن وسبهم ولعنهم؛ ألنه صائل معتدي‪ ،‬فيفعل معه‬
‫كما يفعل مع الصائل من بين آدم‪ .‬قال ابن تيمية‪( :‬يعاملهم إذا اعتدوا مبا يعامل به املعتدون‪ ،‬فيدفع صوهلم‬
‫مبا يدفع صول اإلنس)(‪ .)4‬وقال‪( :‬كما يؤمر اإلنسي وينهى وجيوز من ذلك ما جيوز مثله ِف حق اإلنسي مثل‬
‫أن حيتاج إىل انتهار اجلين وهتديده ولعنه وسبه)(‪.)5‬‬
‫وكان ابن تيمية يهدد اجلن‪ ،‬قال الذهيب ِف ترمجته البن تيمية‪( :‬ولقد عوِف من الصرع اجلين غري و ٍ‬
‫احد‬ ‫ُ‬
‫آيات‪ ،‬ويقول‪ :‬إن مل‬ ‫وفصول‪ ،‬ومل يفعل أكثر من أن يتلو ٍ‬ ‫ٌ‬ ‫مبجرد هتديده للجين‪ ،‬وجرت له ِف ذلك ألوا ٌن‬
‫تنقطع عن هذا املصروع أو املصروعة وإال عملنا معك حكم الشرع‪ ،‬وإال عملنا معك ما يُرضي اهلل ورسوله)‪.‬‬
‫ف َج َع َل يَ ْع ِر ُ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪َ ‬علَى الطَّائِ ِ‬
‫ض ِيل َش ْيءٌ‬ ‫استَ ْع َملَِين َر ُس ُ‬‫ال‪ :‬لَ َّما ْ‬ ‫‪َ -2‬ع ْن عُثْ َما َن بْ ِن أَِيب الْ َع ِ‬
‫اص قَ َ‬
‫اص؟»‬ ‫ال‪« :‬ابْ ُن أَِيب الْ َع ِ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ‬فَ َق َ‬ ‫ت إِ َىل رس ِ‬ ‫ِِف ص َالِيت ح َّىت ما أَد ِري ما أُصلِّي‪ ،‬فَلَ َّما رأَي ِ‬
‫ك َر َح ْل ُ َ ُ‬ ‫ت ذَل َ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬مسلم ح‪ .)541(-39 :‬صحيح مسلم (‪[ )384 / 1‬ش (إن عفريتاً) العفريت العايت املارد من اجلن (يفتك) الفتك هو األخذ ِف‬
‫غفلة وخديعة]‪.‬‬
‫(‪ )2‬النهاية ِف غريب احلديث مادة‪ :‬ذعت‪.‬‬
‫(‪ )3‬قال ابن تيمية جمموع الفتاوى (‪ :)51/19‬وقوله‪" :‬ذعته" أي‪ :‬خنقته فبني أن مد اليد كان خلنقه وهذا دفع لعدوانه بالفعل وهو اخلنق‬
‫وبه اندفع عدوانه فرده اهلل خاسئا‪ .‬وأما الزيادة وهو ربطه إىل السارية فهو من باب التصرف امللكي الذي تركه لسليمان فإن نبينا ‪‬‬
‫كان يتصرف ِف اجلن كتصرفه ِف اإلنس تصرف عبد رسول يأمرهم بعبادة اهلل وطاعته ال يتصرف ألمر يرجع إليه وهو التصرف امللكي؛‬
‫فإنه كان عبدا رسوال وسليمان نيب ملك والعبد الرسول أفضل من النيب امللك كما أن السابقني املقربني أفضل من عموم األبرار أصحاب‬
‫اليمني وقد روى النسائي على شرط البخاري {عن عائشة أن النبي ‪ ‬كان يصلي فأتاه الشيطان فأخذه فصرعه فخنقه قال‬
‫رسول اهلل ‪ ‬حتى وجدت برد لسانه على يدي ولوال دعوة سليمان ألصبح موثقا حتى يراه الناس} ‪ .‬ورواه أمحد وأبو داود من‬
‫حديث أيب سعيد وفيه‪{ :‬فأهويت بيدي فما زلت أخنقه حتى وجدت برد لعابه بين أصبعي هاتين‪ :‬اإلبهام والتي تليها} وهذا‬
‫فعله ِف الصالة وهذا مما احتج به العلماء على جواز مثل هذا ِف الصالة وهو كدفع املار وقتل األسودين والصالة حال املسايفة)‪.‬‬
‫(‪ )4‬جمموع الفتاوى (‪.)39 / 19‬‬
‫(‪ )5‬جمموع الفتاوى (‪.)50 / 19‬‬
‫‪106‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫صلَ َوِايت َح َّىت َما‬ ‫ك؟» قُ ْلت‪ :‬يا رس َ ِ‬ ‫«ما َجاءَ بِ َ‬ ‫ول اللَّ ِه‪ .‬قَ َ‬
‫ض ِيل َش ْيءٌ ِِف َ‬ ‫ول اللَّه‪َ ،‬عَر َ‬ ‫ُ َ َُ‬ ‫ال‪َ :‬‬ ‫ت‪ :‬نَ َع ْم يَا َر ُس َ‬ ‫قُ ْل ُ‬
‫ص ْد ِري‬ ‫ص ُدوِر قَ َد َم َّي‪ ،‬قَ َ‬ ‫ال‪َ « :‬ذ َاك الشَّيطَا ُن ْادنُه» فَ َدنَو ِ‬
‫ب َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ال‪ :‬فَ َ‬ ‫ت َعلَى ُ‬ ‫ت مْنهُ‪ ،‬فَ َجلَ ْس ُ‬ ‫ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُصلِّي قَ َ‬ ‫أ َْد ِري َما أ َ‬
‫ِ‬ ‫ث مَّر ٍ‬ ‫ِ‬ ‫بِيَ ِدهِ‪َ ،‬وتَ َف َل ِِف فَ ِمي َوقَ َ‬
‫ال‬
‫ال‪ :‬فَ َق َ‬ ‫ك» قَ َ‬ ‫«احلَ ْق بِ َع َمل َ‬
‫ال‪ْ :‬‬ ‫ات‪ُ ،‬مثَّ قَ َ‬ ‫ك ثََال َ َ‬ ‫«اخ ُر ْج َع ُد َّو اللَّ ِه» فَ َف َع َل ذَل َ‬‫ال‪ْ :‬‬
‫َح ِسبُهُ َخالَطَِين بَ ْع ُد»(‪.)1‬‬ ‫عُثْ َما ُن‪« :‬فَلَ َع ْم ِري َما أ ْ‬
‫ِ ِ‬ ‫ت الْ َوا ِزٍع‪َ ،‬ع ْن أَبِ َيها‪ ،‬أ َّ‬
‫ع‪ ،‬انْطَلَ َق إِ َىل َر ُسول اهلل ‪ ،‬فَانْطَلَ َق َم َعهُ‬ ‫الزا ِر َ‬
‫َّها َّ‬‫َن َجد َ‬ ‫‪-3‬وِف حديث أ ُّم أَبَا َن بِْن ُ‬
‫ول اهللِ‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال جدِّي‪ :‬فَلَ َّما قَ ِدمنَا علَى رس ِ ِ‬ ‫ون أَ ِو اب ِن أ ٍ‬
‫ت‪ :‬يَا َر ُس َ‬ ‫ول اهلل ‪ ‬الْ َمدينَةَ قُ ْل ُ‬ ‫ْ َ َُ‬ ‫ُخت لَهُ‪ ،‬قَ َ َ‬ ‫بِابْ ٍن لَهُ َْجمنُ ٍ ْ ْ‬
‫ت بِِه إِلَْي ِه‪َ ،‬ح َّىت‬ ‫ك بِِه تَ ْدعو اهلل ‪ ‬لَه‪ ،‬فَ َق َ ِ ِ‬
‫ال‪« :‬ائْت ِين بِه» فَانْطَلَ ْق ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫ت ِيل َْجمنُو ٌن أَتَ ْيتُ َ‬ ‫إِ َّن معِي اب نًا ِيل أَ ِو ابن أُخ ٍ‬
‫َْ ْ‬ ‫َ ْ‬
‫ال‪ :‬فَأ ِ ِ ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ال‪ِ ْ :‬‬ ‫ول اهللِ ‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ت بِِه إِ َىل رس ِ‬
‫َخ َذ مبَ َجام ِع ثَ ْوبِه م ْن أ َْع َالهُ‬ ‫اج َع ْل ظَ ْهَرهُ ممَّا يَل ِيين» قَ َ َ‬ ‫«ادنُهُ م ِّين ْ‬ ‫َُ‬ ‫انْتَ َهْي ُ‬
‫اخ ُر ْج َع ُد َّو اهللِ» فَأَقْ بَ َل‬ ‫ِ‬
‫«اخ ُر ْج َع ُد َّو اهلل ْ‬‫ول‪ْ :‬‬ ‫اض إِبْطَْي ِه َوُه َو يَ ُق ُ‬
‫ت بَيَ َ‬ ‫ب ظَ ْهَرهُ َح َّىت َرأَيْ ُ‬ ‫ض ِر ُ‬‫َس َفلِ ِه‪ ،‬فَ َج َع َل يَ ْ‬
‫َوأ ْ‬
‫ني يَ َديْ ِه‪ ،‬فَ َد َعا لَهُ ِمبَ ٍاء‪ ،‬فَ َم َس َح َو ْج َههُ َوَد َعا‬
‫ول اهلل ‪ ‬بَْ َ‬
‫يح لَيس بِنَظَ ِرهِ ْاأل ََّوِل‪ُ ،‬مثَّ أَقْ ع َده رس ُ ِ‬
‫َ ُ َُ‬ ‫الصح ِ ْ َ‬
‫ي ْنظُر نَظَر َّ ِ‬
‫َ ُ َ‬
‫ض ُل َعلَْي ِه(‪.)2‬‬‫ول اهللِ ‪ ‬يَ ْف ُ‬ ‫لَه‪ ،‬فَلَم ي ُكن ِِف الْوفْ ِد أَح ٌد ب ْع َد َد ْعوةِ رس ِ‬
‫َ َُ‬ ‫ُ َْ ْ َ َ َ‬
‫فالشاهد منهما‪ :‬أن النيب ‪ ‬ضرب صدر عثمان‪ ،‬وضرب الصيب مع ظهره حىت رأي بياض أبطيه أثناء‬
‫الضرب مما يدل على شدة الضرب‪.‬‬
‫ال‪« :‬بَ ْخ‬ ‫ط‪ ،‬فَ َق َ‬ ‫ان ِمن َكت ٍ‬
‫َّان‪ ،‬فَتَ َم َّخ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ال‪ُ :‬كنَّا عْن َد أَِيب ُهَريْ َرةَ َو َعلَْيه ثَ ْوبَان ممَُ َّش َق ْ‬ ‫‪َ -4‬ع ْن ُحمَ َّم ٍد بن سريين‪ ،‬قَ َ‬
‫ول اللَّ ِه ‪ ‬إِ َىل ُح ْجَرةِ َعائِ َشةَ‬ ‫ني ِمْن ِرب رس ِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫يما بَْ َ َ َ ُ‬ ‫ط ِِف ال َكتَّان‪ ،‬لََق ْد َرأَيْتُِين َوإ ِّين َألَخُّر ف َ‬ ‫بَ ْخ‪ ،‬أَبُو ُهَريْ َرةَ يَتَ َم َّخ ُ‬
‫ون َما ِيب إَِّال اجلُوعُ»(‪.)3‬‬ ‫َين َْجمنُو ٌن‪ ،‬وما ِيب ِمن جنُ ٍ‬
‫ْ ُ‬ ‫ََ‬ ‫ض ْع ِر ْجلَهُ َعلَى عُنُِقي‪َ ،‬ويَُرى أ ِّ‬ ‫ِ‬
‫َم ْغ ِشيًّا َعلَ َّي‪ ،‬فَيَجيءُ اجلَائِي فَيَ َ‬
‫والشاهد‪ :‬وضع رجل الصحابة الرجل على رقبته؛ كأنه مستقر لديهم أن من طرق عالج اجلن إخراجهم‬
‫بالضرب‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪( :‬قد حيتاج ِف إبراء املصروع ودفع اجلن عنه إىل الضرب‪ ،‬فيضرب ضرباًكثرياً جداً‪ ،‬والضرب‬
‫إَّنا يقع على اجلين وال حيس به املصروع‪ ،‬حىت يفيق املصروع وخيرب أنه مل حيس بشيء من ذلك‪ ،‬وال يؤثر ِف‬
‫بدنه! ويكون قد ضرب بعصا قوية على رجليه َنو ثالمثائة أو أربعمائة ضربة وأكثر وأقل حبيث لو كان على‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجة ح‪ 3548 :‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫(‪ )2‬املعجم الكبري للطرباين (‪ )275 / 5‬ح‪.5314 :‬‬
‫(‪ )3‬البخاري ح‪[ .2367 :‬ش (ممشقان) مصبوغان باملشق وهو الطني األمحر‪( .‬كتان) نبات تتخذ من أليافه املنسوجة الثياب‪( .‬بخ بخ)‬
‫كلمة تقال عند الرضا واإلعجاب]‬
‫‪107‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اإلنسي لقتله وإَّنا هو على اجلين‪ ،‬واجلين يصيح ويصرخ وحيدث احلاضرين بأمور متعددة كما قد فعلنا َنن‬
‫هذا وجربناه مرات كثرية يطول وصفها حبضرة خلق كثريين)(‪ .)1‬وممن حضر ذلك ابن القيم فقد حكى عنه ِف‬
‫زاد املعاد‪( :‬وشاهدت شيخنا يرسل إىل املصروع‪ ،‬من خياطب الروح اليت فيه ويقول‪ :‬قال لك الشيخ‪ :‬اخرجي‬
‫فإن هذا ال حيل لك‪ ،‬فيفيق املصروع‪ ،‬ورمبا خاطبها بنفسها‪ ،‬ورمبا كانت الروح ماردة فيخرجها بالضرب فيفيق‬
‫املصروع وال حيس بأمل‪ ،‬وقد شاهدنا َنن وغرينا منه ذلك مر ًارا‪.‬‬
‫وكان كثرياً ما يقرأ ِف أذن املصروع ﴿أَفَ َح ِسْبتُ ْم أَََّّنَا َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثًا َوأَنَّ ُك ْم إِلَْي نَا َال تُْر َجعُو َن﴾‪.‬‬
‫وحدثين أنه قرأها مرة ِف أذن املصروع‪ ،‬فقالت الروح‪ :‬نعم‪ ،‬ومد هبا‪ ،‬صوته‪ ،‬قال‪ :‬فأخذت له عصا‬
‫وضربته هبا ِف عروق عنقه حىت ختلت يداي من الضرب‪ ،‬ومل يشك احلاضرون بأنه ميوت لذلك الضرب‪ .‬ففي‬
‫أثناء الضرب قالت‪ :‬أنا أحبه‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬هو ال حيبك‪ ،‬قالت‪ :‬أنا أريد أن أحج به‪ ،‬فقلت هلا‪ :‬هو ال يريد‬
‫أن حيج معك‪ ،‬فقالت‪ :‬أنا أدعه كرامة لك‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬ال‪ ،‬ولكن طاعة هلل ورسوله‪ ،‬قالت‪ :‬فأنا أخرج منه‪،‬‬
‫قال‪ :‬فقعد املصروع يلتفت ميينا ومشاال‪ ،‬وقال ما جاء يب إىل حضرة الشيخ؟ قالوا له‪ :‬وهذا الضرب كله‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وعلى أي شيء يضربين الشيخ ومل أذنب‪ ،‬ومل يشعر بأنه وقع به ضرب ألبتة)(‪.)2‬‬
‫الحاصل‪ :‬أن الضرب من طرق العالج يسلك عند احلاجة كدرجة من درجات تغيري املنكر يلجأ إليه‬
‫جلوءً؛ وليس هو الطريق الوحيد جلميع احلاالت‪ ،‬فقد كان النيب ‪ ‬يتعدد ِف العالج حبسب احلال فمرة يدعو‬
‫ويدعو ويلح ِف الدعاء كما ِف سحره ‪ ،‬ومرة يقرأ وينفث‪ ،‬ومرة ينتهر ويغلظ القول‪ ،‬ومرة يضرب ‪.‬‬
‫واعتماد طريقة واحدة سبب لفشل كثري من القراء(‪.)3‬‬
‫مع األخذ ِف االعتبار أيضاً أن الضرب واخلنق عند احلاجة إليه إَّنا يكون من اخلبري العارف؛ لئال يضر‬
‫من حيث يبغي نفعاً‪ ،‬وقد وقع من بعض اجلهلة أنه خنق امرأة حىت ماتت املرأة بزعم أنه خينق اجلين وخيرجه‪،‬‬
‫كما أصيب بعض املرضى بعاهات نتيجة ضرب من يدعي إخراج اجلين من غري العارفني(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى (‪ .)60/19‬وينظر‪ :‬الفرقان بني أولياء الرمحن وأولياء الشيطان (ص‪.)170 :‬‬
‫(‪ )2‬زاد املعاد ‪.63/4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬قواعد الرقية الشرعية لعبد اهلل السدحان‪ .‬ووصييت للراقي واملسرتقي الشيخ مطاعن ‪ ،61‬وكيف تعاجل مريضك بالرقية الشرعية‬
‫للسدحان ص ‪ .10‬وأفاد ِف ص‪ 33‬أن ضرب النيب ‪ ‬مباشرة ِف رقيته ‪ ‬لعثمان بن أيب العاص ألن الشيطان املتلبس كافر بدليل‬
‫أنه ال يريد الصالة لعثمان‪ ،‬وأنه ‪ ‬أخرج الشيطان هنا ومل يقتله؛ وهذا يؤكد قاعدة التدرج ِف إنكار املنكر‪.‬‬
‫(‪ )4‬من مقدمة د‪ .‬حممد البار لكتاب الرقى الشرعية للجوراين ص ‪.20‬‬
‫‪108‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مسألة‪ :‬حكم أخذ األجرة على الرقية‪.‬‬


‫توصيف عقد الرقية‪ :‬مرتدد بني األجرة واجلعالة كعقد التطبيب‪ ،‬فإ ّن توجه العقد إىل جمرد قيامه بالرقية أو‬
‫إىل زمن الرقية كيوم أو شهر‪ ..‬فهذا إجارة‪ ،‬وإن علق العقد على حصول الشفاء بأمر اهلل تعاىل فهذا جعالة‬
‫ال يستحق شيئاً إال إذا وجد الشفاء(‪.)1‬‬
‫مث إ ّن جهور العلماء من املذاهب األربعة(‪ )2‬أجازوا أخذ األجرة أو اجلعل واملشارطة على ذلك‪ ،‬حلديث‬
‫أيب سعيد ‪ :‬قال‪ :‬انطلق نفر من أصحاب النيب ‪ِ ‬ف سفرة سافروها‪ ،‬حىت نزلوا على حي من أحياء‬
‫العرب‪ ،‬فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم‪ ،‬فلدغ سيد ذلك احلي‪ ،‬فسعوا له بكل شيء ال ينفعه شيء‪ ،‬فقال‬
‫بعضهم‪ :‬لو أتيتم هؤالء الرهط الذين نزلوا‪ ،‬لعله أن يكون عند بعضهم شيء‪ ،‬فأتوهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أيها الرهط‬
‫إن سيدنا لدغ‪ ،‬وسعينا له بكل شيء ال ينفعه‪ ،‬فهل عند أحد منكم من شيء؟ فقال بعضهم‪ :‬نعم‪ ،‬واهلل إين‬
‫ألرقي‪ ،‬ولكن واهلل لقد استضفناكم فلم تضيفونا‪ ،‬فما أنا براق لكم حىت جتعلوا لنا جعالً‪ ،‬فصاحلوهم على‬
‫قطيع من الغنم‪ ،‬فانطلق يتفل عليه‪ ،‬ويقرأ‪ :‬احلمد هلل رب العاملني فكأَّنا نشط من عقال‪ ،‬فانطلق ميشي وما‬
‫به قلبة‪ ،‬قال‪ :‬فأوفوهم جعلهم الذي صاحلوهم عليه‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬اقسموا‪ ،‬فقال الذي رقى‪ :‬ال تفعلوا حىت‬
‫نأيت النيب ‪ ‬فنذكر له الذي كان‪ ،‬فننظر ما يأمرنا‪ ،‬فقدموا على رسول اهلل ‪ ‬فذكروا له‪ ،‬فقال‪« :‬وما‬
‫يدريك أِنا رقية»‪ ،‬مث قال‪« :‬قد أصبتم‪ ،‬اقسموا‪ ،‬واضربوا يل معكم سهماً» فضحك رسول اهلل ‪ .)3(‬وِف‬
‫َجًرا‪َ ،‬ح َّىت قَ ِد ُموا‬ ‫ك وقَالُوا‪ :‬أَخ ْذت علَى كِتَ ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫لفظ للبخاري‪ :‬أنه ملا جاء بِالش ِ‬
‫َّاء إِ َىل أ ِِ‬
‫اب اللَّه أ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َص َحابه‪َ ،‬ك ِرُهوا ذَل َ َ‬
‫ْ‬
‫َخ ْذ ُْمت َعلَْي ِه‬ ‫ِ‬ ‫ال رس ُ ِ‬
‫ول اللَّه ‪« :‬إ َّن أ َ‬
‫َح َّق َما أ َ‬ ‫اب اللَّه أ ْ‬
‫َجًرا‪ ،‬فَ َق َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫امل ِدينَةَ‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ول اللَّ ِه‪ ،‬أَخ َذ علَى كِتَ ِ ِ‬
‫َ‬
‫اب اللَّ ِه»(‪ .)4‬فالنيب ‪ ‬أقر الصحايب على املشارطة على الرقية وأخذ العوض عليها‪.‬‬ ‫َجرا كَِ‬
‫أ ًْ ُ‬
‫ت‬
‫وذهب ابن أيب زيد من املالكية إىل منع اجلعالة على إخراج اجلان من اإلنسان وكذا حل املربوط‬

‫(‪ )1‬عقد اجلواهر البن شاس ‪ ،8/3‬حاشية اجلمل ‪ ،37/6‬اإلنصاف ‪.75/6‬‬


‫(‪ )2‬حىت احلنفية الذين منعوا أخذ األجرة على أعمال القرب أجازوا أخذها ِف الرقية‪ .‬ينظر‪ :‬البناية ِف شرح اهلداية ‪ ،874/4‬وعمدة القارئ‬
‫‪ ،264/21‬بداية اجملتهد ‪ ،224/2‬شرح النووي على مسلم ‪ ،438/14‬املغين البن قدامة ‪.120/8‬‬
‫(‪ )3‬البخاري ح‪ ،2276 :‬ومسلم ح‪ )2201( - 65 :‬ومعىن‪( :‬فاستضافوهم) طلبوا منهم الضيافة‪( .‬فلدغ) ضربته حية أو عقرب‪.‬‬
‫(الرهط) ما دون العشرة من الرجال‪( .‬جعالً) أجرة‪( .‬فصاحلوهم) اتفقوا معهم‪( .‬قطيع) طائفة من الغنم‪( .‬يتفل) من التفل وهو النفخ‬
‫مع قليل من البصاق‪( .‬نشط من عقال) فك من حبل كان مشدودا به‪( .‬قلبة) علة‪( .‬وما يدريك أِنا رقية) ما الذي أعلمك أِنا يرقى‬
‫هبا‪( .‬اضربوا يل معكم سهما) اجعلوا يل منه نصيباً‪.‬‬
‫(‪ )4‬البخاري ح‪.5737 :‬‬
‫‪109‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫واملسحور(‪ )1‬وكذلك القاضي أبو يعلى إىل املنع من التقدير بالربء ِف الرقية(‪ .)2‬وعلل للمنع بأن خروج اجلن‬
‫ال يعرف حقيقته وال ميكن الوقوف عليه فهو جمهول‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأن خروج اجلن ال يدرك؛ لكن الربء والشفاء هو الذي يدرك‪ ،‬والشفاء يعقب خروج اجلن‬
‫وحينئذ فال جهالة‪.‬‬‫ٍ‬
‫وإَّنا جيوز أخذ العوض إذا كانت الرقية وفق الشروط الشرعية السابق إيرادها‪ .‬أما الرقية الباطلة فال جتوز‬
‫ت‬ ‫ت‪ :‬أن ع َّمه مَّر بَِقوٍم فَأَتَوه‪ ،‬فَ َقالُوا‪ :‬إِن ِ‬ ‫الص ْل ِ‬
‫ِف نفسها وال جيوز املعاوضة عليها‪ ،‬حلديث َخا ِر َجةَ بْ ِن َّ‬
‫َّك جْئ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ُْ‬
‫آن ثََالثَةَ أَيَّ ٍام غُ ْد َوةً‬ ‫ِ‬
‫ود‪ ،‬فَرقَاه بِأ ُِّم الْ ُقر ِ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫الر ُج َل فَأَتَ ْوهُ بَِر ُج ٍل َم ْعتُوه ِِف الْ ُقيُ َ ُ‬ ‫ِم ْن ِعْن ِد َه َذا َّ‬
‫الر ُج ِل ِِبٍَْري‪ ،‬فَ ْارِق لَنَا َه َذا َّ‬
‫وع ِشيَّةً‪ ،‬وُكلَّما ختَمها َمجع ب زاقَه‪ُ ،‬مثَّ تَ َفل فَ َكأَََّّنَا أُنْ ِش َ ِ ِ‬
‫َّيب ‪ ‬فَ َذ َكَرهُ لَهُ‪،‬‬ ‫ط م ْن ع َق ٍال فَأ َْعطَْوهُ َشْيئًا‪ ،‬فَأَتَى النِ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ َ َُ ُ‬ ‫ََ‬
‫ت بُِرقْ يَ ٍة َحق" فأفاد التصريح مبنع املعاوضة‬ ‫(‪)3‬‬ ‫ٍ ِ‬
‫َّيب ‪ُ " :‬ك ْل فَلَ َع ْم ِري لَ َم ْن أَ َك َل بُِرقْ يَة بَاط ٍل‪ ،‬لََق ْد أَ َك ْل َ‬ ‫ال النِ ُّ‬
‫فَ َق َ‬
‫على رقية باطلة‪.‬‬
‫ومن احتسب فأجره على اهلل‪ ،‬قال ابن عبد الرب‪( :‬ومن احتسب ومل يأخذ على ذلك شيئاً كان له‬
‫الفضل)(‪ ،)4‬وينبغي للراقي مراعاة ظروف الناس وأحواهلم لتحل الربكة ِف رقيته بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬

‫(‪ )1‬التاج واإلكليل ‪ ،600/7‬وتبصرة احلكام البن فرحون ‪ 215/2‬والشرك ومظاهرة للميلي ‪.169‬‬
‫(‪ )2‬اإلنصاف للمرداوي ‪.75/6‬‬
‫(‪ )3‬أبو داود ‪ 3420‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )4‬التمهيد ‪.270/2‬‬
‫‪110‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مسائل ذات صلة بالمرقي فيه‪.‬‬


‫ت‬‫أوال‪ :‬الرقية في الماء ثم شربه أو االغتسال فيه‪ :‬ويدل على جواز ذلك خرب علي ‪ ‬قال‪ :‬لَ َد َغ ِ‬
‫صلِّيًا َوَال َغ ْ َريهُ»‪ُ ،‬مثَّ َد َعا ِمبَ ٍاء َوِم ْل ٍح‪،‬‬
‫ب َال تَ َدعُ ُم َ‬ ‫ال‪« :‬لَ َع َن اللَّهُ الْ َع ْقَر َ‬ ‫صلِّي‪ ،‬فَلَ َّما فَ َر َ‬
‫غ قَ َ‬ ‫ب َوُه َو يُ َ‬‫َّيب ‪َ ‬ع ْقَر ٌ‬ ‫النِ َّ‬
‫اس)(‪ )1‬وعند‬ ‫ب النَّ ِ‬ ‫ب الْ َفلَ ِق‪ ،‬وقُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬ ‫َو َج َع َل ميَْ َس ُح َعلَْي َها َويَ ْقَرأُ بِ قُ ْل يَا أَيُّ َها الْ َكافُِرو َن‪ ،‬وقُ ْل أَعُوذُ بَِر ِّ‬
‫البيهقي ِف الشعب قل هو اهلل أحد بدل قل يا أيها الكافرون(‪.)2‬‬
‫وكانت عائشة ‪ :‬ال ترى بأساً أن يُ َع َّوذ ِف املاء مث يصب على املريض(‪.)3‬‬
‫وقد مضى ِف رقية السحر عن مجاعة من السلف أِنم كانوا يرون مداوة السحر بأدوية توضع ِف آناء‬
‫ويرقى فيه مث يغتسل منه‪.‬‬
‫واإلمام أمحد كان إذا اعتل ولده صاحل أخذ قدحاً فيه ماء فيقرأ عليه‪ ،‬مث يأمر ولده صاحل بالشرب منه‬
‫وغسل وجهه ويديه‪ .‬ونقل عبد اهلل أنه رأى أباه اإلمام أمحد يعوذ ِف املاء ويقرأ عليه ويشربه ويصب على‬
‫نفسه منه قال عبد اهلل ورأيته قد أخذ قصعة النيب ‪ ‬فغسلها ِف جب املاء مث شرب فيها ورأيته غري مرة‬
‫يشرب ماء زمزم فيستشفي به وميسح به يديه ووجهه‪ .‬وقال يوسف بن موسى إن أبا عبد اهلل كان يؤتى بالكوز‬
‫وَنن باملسجد فيقرأ عليه ويعوذ(‪ .)4‬ويقول ابن القيم حيكي جتربته‪( :‬فهنا أمور ثالثة‪ :‬موافقة الدواء للداء‪،‬‬
‫وبذل الطبيب له‪ ،‬وقبول طبيعة العليل‪ ،‬فمىت ختلف واحد منها مل حيصل الشفاء‪ ،‬وإذا اجتمعت حصل الشفاء‬
‫وال بد بإذن اهلل ‪ .‬ومن عرف هذا كما ينبغي تبني له أسرار الرقى‪ ،‬وميز بني النافع منها وغريه‪ ،‬ورقى الداء‬
‫مبا يناسبه من الرقى‪ ،‬وتبني له أن الرقية براقيها وقبول احملل‪ ،‬كما أن السيف بضاربه مع قبول احملل للقطع‪،‬‬
‫وهذه إشارة مطلعة على ما وراءها ملن دق نظره‪ ،‬وحسن تأمله‪ ..‬وأما شهادة التجارب بذلك فهي أكثر من‬
‫أن تذكر‪ ،‬وذلك ِف كل زمان‪ ،‬وقد جربت أنا من ذلك ِف نفسي وِف غريي أمورا عجيبة‪ ،‬وال سيما مدة املقام‬
‫مبكة‪ ،‬فإنه كان يعرض يل آالم مزعجة‪ ،‬حبيث تكاد تقطع احلركة مين‪ ،‬وذلك ِف أثناء الطواف وغريه‪ ،‬فأبادر‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطرباين ِف الصغري (‪ )87 / 2‬ح‪ 830 :‬وصححه األلباين ِف السلسلة الصحيحة (‪ )89 / 2‬ح‪.548 :‬‬
‫(‪ )2‬شعب اإلميان (‪ )169 / 4‬ح‪.2340 :‬‬
‫(‪ )3‬مصنف ابن أيب شيبة (‪ )40 / 5‬ح‪.23509 :‬‬
‫(‪ )4‬اآلداب الشرعية واملنح املرعية (‪ )456 /2‬ونقل أن أمحد ِف رواية مهنا ُسئل عن االغتسال فقال‪( :‬ما مسعت فيه بشيء‪ .‬قال اخلالل‪:‬‬
‫إَّنا كره الغسل به ألن العادة أن ماء الغسل جيري ِف البالليع واحلشوش فوجب أن ينزه ماء القرآن من ذلك وال يكره شربه ملا فيه من‬
‫االستشفاء)‪ .‬لكن حىت إذا شرب سيجري ِف بالليع اجلسم أوالً مث ِف احلشوش ثانياً‪ .‬فاملعىن فيهما واحد‪ .‬وقد أمر العائن باالغتسال‬
‫للمعني‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫إىل قراءة الفاحتة‪ ،‬وأمسح هبا على حمل األمل فكأنه حصاة تسقط‪ ،‬جربت ذلك مرارا عديدة‪ ،‬وكنت آخذ‬
‫قدحا من ماء زمزم فأقرأ عليه الفاحتة مرارا‪ ،‬فأشربه فأجد به من النفع والقوة ما مل أعهد مثله ِف الدواء‪ ،‬واألمر‬
‫أعظم من ذلك‪ ،‬ولكن حبسب قوة اإلميان‪ ،‬وصحة اليقني‪ ،‬واهلل املستعان)(‪.)1‬‬
‫والقصد من النفث والقراءة التداوي مبا جعله اهلل شفاء (القرآن) ال التربك بنفث النافث؛ فإنه ال يتربك‬
‫بآثار خملوق بعد النيب حممد ‪.)2(‬‬

‫ثانيا‪ :‬استخدام عناصر طبيعية مع الرقية والجمع بينهما‪:‬‬


‫مر أنه ‪ ‬مجع مع الرقية امللح‪ ،‬ومر أيضاً أنه ‪ ‬مجع بني الرقية والرتاب وسيأيت أيضاً‪..‬‬ ‫ّ‬
‫ومر أيضاً ِف رقية السحر أ ّن مجاعة من السلف استخدموا السدر ِف رقية السحر كوهب بن منبه والسدر‬ ‫ّ‬
‫نافع بالتجربة ِف مجيع أنواع املس الشيطاين سحراً أو غريه‪ ،‬فاجلن يتأثرون بالسدر؛ ألِنم أصحاب مشاعر‬
‫مرهفة والسدر ذكر ِف القرآن أنه من شجر اجلن‪ ،‬فلهذا تتأثر به اجلن؛ ملشاعرها املرهفة(‪.)3‬‬
‫وكذلك أهل التجربة يذكرون زيت الزيتون وأ ّن له تأثرياً عظيماً على الشياطني‪ ،‬واهلل ضربه مثالً لنوره ِف‬
‫ت و َّاد ِهنُوا بِِه فَِإنَّهُ ِم ْن َش َجرةٍ‬ ‫سورة النور وأثبت بركته (يوقد من شجرة مباركة)(‪ ،)4‬وقال ‪ُ " ‬كلُوا َّ‬
‫َ‬ ‫الزيْ َ َ‬
‫ُمبَ َارَك ٍة"(‪.)5‬‬
‫ومن ذلك أيضاً االستفراغ وله طريقان جاء فيهما اخلرب‪:‬‬
‫‪-1‬استفراغ الدم عبر الحجامة‪ :‬وذكره ابن القيم ضمن طرق عالج السحر وذكر أنه نافع جداً‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(االستفراغ ِف احملل الذي يصل إليه أذى السحر‪ ،‬فإن للسحر تأثرياً ِف الطبيعة‪ ،..‬فإذا ظهر أثره ِف عضو‪،‬‬
‫وأمكن استفراغ املادة الرديئة من ذلك العضو‪ ،‬نفع جداً‪.‬‬

‫(‪ )1‬مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني (‪.)80 / 1‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬جمموع فتاوى الشيخ ابن عثيمني ‪ 70/1‬برقم ‪ . 35‬بواسطة منتدى الرقية الشرعية بإشراف أبو الرباء أسامة بن ياسني املعاين‬
‫وكتابات أيب الرباء نافعة وفيها مجع ونفس حبثي جزاه اهلل خرياً ‪https://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=41710‬‬

‫(‪ِ )3‬ف قواعد الرقية –نسخة أخرى ص ‪ -21‬حصر التأثر بذلك وذكر أن السدر ليس فيه خصيصة معينة شفائية‪ .‬وأظن اجلزم بعدم وجود‬
‫خصيصة شفائية صعب‪ .‬ومجاعة من السلف رأوا الرقية بنبات الربيع عموماً‪ ،‬وعسل النحل مادته من أزهار النباتات تلك‪ ،‬وعسل‬
‫السدر املستخلص من زهرة شجرة السدر من أنفع األعسال بأمر اهلل تعاىل؛ فلم ينف هذا عن أوراقه؟‬
‫(‪ )4‬قواعد الرقية السدحان –نسخة أخرى ص ‪.-21‬‬
‫(‪ )5‬الرتمذي ح‪ 1851 :‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫‪112‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫وقد ذكر أبو عبيد ِف كتاب "غريب احلديث" بإسناده‪ ،‬عن عبد الرمحن بن أيب ليلى‪"( ،‬أن النيب ‪‬‬
‫احتجم على رأسه بقرن حني طب"‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬معىن طب‪ :‬أي سحر) مث قال‪( :‬وقد أشكل هذا على‬
‫من قل علمه! وقال ما للحجامة والسحر؟! وما الرابطة بني هذا الداء وهذا الدواء؟! ولو وجد هذا القائل‬
‫أبقراط أو ابن سينا أو غريمها قد نص على هذا العالج لتلقاه بالقبول والتسليم! وقال‪ :‬قد نص عليه من ال‬
‫يشك ِف معرفته وفضله –يعين النيب ‪ .)-‬وذكر أ ّن استعمال احلجامة على العضو الذي تضرر بالسحر‬
‫من أنفع املعاجلة إذا استعملت على القانون الذي ينبغي‪ ،‬وأ ّن احلجامة من أبلغ األدوية وأنفع طرق املعاجلة(‪.)1‬‬
‫ول اللَّ ِه ‪ ‬الْ ِقْب لَتَ ْ ِ‬
‫ني‪،‬‬ ‫ُيب بن أ ُِّم حرٍام‪ ،‬وَكا َن‪ ،‬قَ ْد صلَّى مع رس ِ‬
‫َ ََ َُ‬ ‫‪-2‬استفراغ البطن عبر السنا‪ :‬فعن أيب أ َِّ ْ‬
‫ََ َ‬
‫ُّوت‪ ،‬فَِإ َّن فِي ِه َما ِش َفاءً ِم ْن ُك ِّل َد ٍاء‪ ،‬إَِّال َّ‬
‫الس َام"‪،‬‬ ‫السن ِ‬ ‫ول‪َ " :‬علَْي ُك ْم بِ َّ‬
‫السنَا‪َ ،‬و َّ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬يَ ُق ُ‬
‫ت َر ُس َ‬ ‫ي ُق ُ ِ‬
‫ول‪َ :‬مس ْع ُ‬ ‫َ‬
‫ت‪،‬‬‫الشبِ ُّ‬
‫ُّوت‪ِّ ،‬‬ ‫ال ابْ ُن أَِيب َعْب لَةَ ‪-‬أحد رجال احلديث ‪َّ :-‬‬ ‫ول اللَّ ِه‪َ ،‬وَما َّ‬ ‫ِ‬
‫السن ُ‬ ‫ت" قَ َ‬ ‫ال‪" :‬الْ َم ْو ُ‬
‫الس ُام؟ قَ َ‬ ‫يل‪ :‬يَا َر ُس َ‬
‫ق َ‬
‫الس ْم ِن(‪.)2‬‬
‫اق َّ‬ ‫ال آخرو َن‪ :‬بل هو الْعسل الَّ ِذي ي ُكو ُن ِِف ِزقَ ِ‬
‫َ‬ ‫َوقَ َ َ ُ َ ْ ُ َ َ َ ُ‬
‫فالسنا مليني للبطن مسهل له‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬السنا‪ :‬نبت حجازي‪ ،‬أفضله املكي‪ .‬وهو دواء شريف‬
‫مأمون الغائلة)(‪ )3‬يؤخذ مبقدار معني‪.‬‬
‫وذكر ابن القيم ِف السنوت مثانية أقوال‪ ،‬ورجح الثامن منها‪( :‬الثامن‪ :‬أنه العسل الذي يكون ِف زقاق‬
‫السمن‪ ،‬حكاه عبد اللطيف البغدادي‪ .‬قال بعض األطباء‪ :‬وهذا أجدر باملعىن وأقرب إىل الصواب‪ ،‬أي خيلط‬
‫السناء مدقوقاً بالعسل املخالط للسمن‪ ،‬مث يلعق فيكون أصلح من استعماله مفرداً ملا ِف العسل والسمن من‬
‫إصالح السنا‪ ،‬وإعانته له على اإلسهال)(‪.)4‬‬
‫واشتهر لدى كثري من الرقاة بالتجربة أ ّن السنا نافع بأمر اهلل ِف استفراغ املادة السحرية من اجلسد‪.‬‬

‫(‪ )1‬زاد املعاد ‪ 116-114/4‬بتصرف‪ .‬ومجع ابن القيم بني استخراج النيب ‪ ‬للسحر وبني احلجامة بأن احلجامة استخدمها النيب ‪‬‬
‫قبل أن يوحى إليه مكان السحر فلما جاءه الوحي عدل ‪ ‬على العالج احلقيقي باستخراج السحر وإبطاله وهذا أمت العالج‪ .‬وذكر‬
‫ِف قواعد الرقية الشرعية –نسخة أخرى ص‪ -24‬أنه حصل عنده رجل تاجر أصيب مبرض خبيث ِف لسانه أحدث له تشققات ال‬
‫يستطيع أن يأكل بسببه بل كان يتغذى بالسوائل من أثر سحر مشروب ومل تنفع مع العالجات ال ِف مستشفيات الداخل وال اخلارج‬
‫وتداوى باحلجامة فزال عنه الضرر بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫(‪ )2‬ابن ماجه ح‪ 3457 :‬وصححه األلباين‪ .‬شرح حممد فؤاد عبد الباقي‪( :‬بالسىن) ِف النهاية نبات معروف من األدوية له محل إذا يبس‬
‫وحركته الريح مسعت له زجال‪ .‬الواحدة سناة‪ .‬وِف املنجد نبات كأنه احلناء حبه مفرطح‪( .‬والسنوت) ِف النهاية السنوت العسل النهاية‬
‫ت"‪.‬‬ ‫الر ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫"سنَ َ‬
‫يل ال َك ُّمون‪( .‬الشبت) ِف املنجد نبات كالشمرة يقال له "رز الدجاج"‪ .‬النهاية مادة َ‬
‫ب‪َ .‬وق َ‬‫يل ُّ‬
‫َوق َ‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد ‪.69/4‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ‪.69/4‬‬
‫‪113‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ومما يتصل باالستفراغ كتابة الرقية بالزعفران خلاصية الزعفران ِف التليني وسيأيت بإذن اهلل بعد قليل ِف‬
‫رابعاً‪.‬‬

‫مشروعية اجلمع بني الدواء اإلهلي –الرقية‪ -‬والدواء الطبيعي ثابت ِف أكثر من حديث وما سبق يقرره‪،‬‬
‫ويكثر لدى الرقاة استخدام أدوية أو مركبات أعشاب مع الرقية‪ ،‬وكما قيل مراراً‪ :‬األصل أ ّن ما ثبت نفعه بال‬
‫ضرر جاز التداوي به‪ ،‬ومن الضوابط اليت ينبغي مراعاهتا ِف األدوية واملركبات اليت جتمع مع الرقية ما يلي‪:‬‬
‫ثبوهتا كأسباب حسية للعالج واالستشفاء بإذن اهلل تعاىل‪ :‬فالدواء ال بد أن يثبت نفعه عن‬ ‫‪-1‬‬
‫طريق اخلرب الصحيح أو عن طريق التجربة الصادقة‪ ،‬أما األوهام واخلياالت فال جيوز االعتماد‬
‫عليها‪ ،‬واالعتقاد فيما ليس سبباً ِف احلقيقة بأنه سبب قدح ِف العقل وهو من الشرك األصغر‪.‬‬
‫واملرجع ِف ذلك إىل الصاحلني من أهل اخلربة والتجربة واحلذق أو النقل الصحيح‪.‬‬
‫عدم االعتقاد فيها‪ :‬بأِنا تؤثر أو تنفع بنفسها أَّنا هي أمور جعلها اهلل سبحانه أسبابا للعالج‬ ‫‪-2‬‬
‫واالستشفاء بإذنه تعاىل‪ .‬كما سبق بيانه وتكراره‪.‬‬
‫خلوها من املخالفات الشرعية‪ :‬حبيث ال حتتوي كافة تلك االستخدامات على أمور حمرمة‬ ‫‪-3‬‬
‫شرعاً‪ ،‬أو قد ورد الدليل بالنهي عنها‪ .‬ويستفيت أهل الذكر إن كان ال يعلم‪.‬‬
‫سالمة الناحية الطبية للمرضى‪ :‬فال جيوز مطلقا اللجوء إىل ما يؤدي ألضرار أو مضاعفات‬ ‫‪-4‬‬
‫نسبية للمرضى‪ .‬ومن هنا كان ال بد للمعالِج من إيضاح بعض األمور اهلامة للمرضى واملتعلقة‬
‫بطريقة احلفظ واالستخدام‪ ،‬وهي على النحو التايل‪ :‬أ ‪ -‬الكمية املستخدمة‪ .‬ب ‪ -‬طريقة‬
‫االستخدام الصحيحة والفعالة‪ .‬ج‪ -‬طريقة احلفظ الصحيحة‪ .‬د ‪ -‬فرتة االستخدام‪ .‬ويستطيع‬
‫الراقي االستعانة باملراجع الطبية وأهل االختصاص ِف ذلك أو بإرشاد املرضى ملراجعة أهل‬
‫اخلربة والدراية ليقدموا هلم املعلومات الصحيحة والدقيقة عن كيفية االستخدام لتلك األدوية؛‬
‫لئال يضر من حيث يبغي نفعاً‪ ،‬ومن تطبب وال يعلم منه طب فهو ضامن(‪.)1‬‬
‫عدم املغاالة‪ :‬ومن األمور اليت ال بد أن يهتم هبا املعالِج غاية االهتمام ِف كافة االستخدامات‬ ‫‪-5‬‬
‫املتاحة واملباحة هو عدم املغاالة فيها حبيث يصرف الناس عن األمر األساسي املتعلق هبذا‬

‫(‪ )1‬ذكر د‪ .‬البار‪ :‬أن أحد من يعاجل السحر قام بإعطاء طفل مسهالت قوية حىت خرجت قطع من أمعائه‪ ،‬وكادت تقتل الطفل لوال فضل‬
‫اهلل ورمحة مث تدارك ذلك‪ .‬من مقدمة د‪ .‬البار لكتاب الرقية الشرعية للجوراين ص‪.20‬‬
‫‪114‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫املوضوع وهو الرقية الشرعية الثابتة ِف الكتاب والسنة(‪.)1‬‬


‫ثالثا‪ :‬خلط بعض التراب مع الريق‪ :‬وقد مضى اإلشارة إليه عند رقية القروح والبثور مبا يغين عن إعادته‬
‫ول اللَّ ِه ‪ :‬دخل علَى ثَابِ ِ‬
‫ال ‪:‬‬ ‫يض فَ َق َ‬‫س َوُه َو َم ِر ٌ‬ ‫ت بْ ِن قَ ْي ٍ‬ ‫َََ َ‬ ‫هنا‪ .‬ومن أدلة الرقية به ِف غري البثور‪ :‬أن َر ُس َ‬
‫َخ َذ تَُرابًا ِم ْن بَطْ َحا َن فَ َج َعلَهُ ِِف قَ َد ٍح ُمثَّ نَ َف َ‬
‫ث‬ ‫س بْ ِن َمشَّ ٍ‬
‫اس» ُمثَّ أ َ‬
‫َّاس عن ثَابِ ِ‬
‫ت بْ ِن قَ ْي ِ‬ ‫ب الن ِ َ ْ‬‫س َر َّ‬ ‫ِ ِ‬
‫«ا ْكشف الْبَأْ َ‬
‫صبَّهُ َعلَْي ِه(‪.)2‬‬ ‫ِِ ٍ‬
‫َعلَْيه مبَاء َو َ‬
‫وبطحان‪ :‬و ٍاد ِف املدينة‪ ،‬فصب ‪ ‬عليه ذلك الطني املخلوط باملاء(‪.)3‬‬

‫رابعا‪ :‬كتابة الرقية في ورقة أو إناء ثم محوها بالماء وشربه أو االغتسال فيه‪.‬‬
‫وشرط ذلك‪:‬‬
‫‪-1‬أن تكون الكتابة مبادة‪ :‬أ‪-‬طاهرة ب‪-‬مباحة ج‪-‬غري ضارة(‪ ،)4‬فال تكتب بنجاسة أو حمرمة أو مبداد‬
‫يضر البدن‪.‬‬
‫‪-2‬وأن تكون الكتابة لرقية شرعية ال شركية‪.‬‬
‫وقد نُِق َل جواز هذه الصفة عن ابن عباس وجماهد وأيب قالبة وأمحد بن حنبل وابن تيمية وابن القيم‪.‬‬
‫ني والْ َكلِم ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫اس‪ ،‬قَ َ ِ ِ‬ ‫فعن سعِ ِ‬
‫يد بْ ِن ُجبَ ٍْري‪َ ،‬ع ِن ابْ ِن َعبَّ ٍ‬
‫ب َهاتَ ْني ْاآليَتَ ْ َ َ‬ ‫ال‪ :‬إ َذا َعسَر َعلَى الْ َم ْرأَة َولَ ُد َها‪ ،‬فَيَكْتُ ُ‬ ‫َْ َ‬
‫السمو ِ‬ ‫يم الْ َك ِرميُ‪ُ ،‬سْب َحا َن اللَّ ِه َر ِّ‬ ‫احللِ‬ ‫ص ْح َف ٍة(‪ُ )5‬مثَّ تُ ْغسل فَتُ ْس َقى ِمْن َها‪« :‬بِ ْس ِم اللَّ ِه َال إِلَهَ إَِّ‬
‫ات‬ ‫ب َّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬‫ْ‬ ‫و‬‫َ‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ال‬ ‫َُ‬ ‫ِِف َ‬

‫‪https://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=41656‬‬ ‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬موقع الرقية الشرعية أبو الرباء أسامه بن ياسني املعاين‬
‫(‪ )2‬سنن أيب داود ح‪ 3885 :‬وضعفه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )3‬عون املعبود (‪.)265 / 10‬‬
‫(‪ )4‬السحرة ِف عقد السحر يستخدمون مداد جنساً كالدم أو حرباً خملوط بنجاسة‪ .‬وِف فتوى للشيخ ابن عثيمني ِف فتاوى نور على الدرب‬
‫قال‪( :‬أوالً جيب أن نعرف أن تلك الكتابة هبذا احلرب أو باألقالم الناشفة على ورقة مث توضع ِف إناء ويشرهبا املريض قد يكون ِف ذلك‬
‫ضرر علي املريض ألن تركيب هذا احلرب وهذه املادة الناشفة قد يكون فيه أشياء سامة تضر البدن لكن العلماء رمحهم اهلل قالوا إنه‬
‫يكتب بالزعفران إما على ورقة مث تلقى ِف املاء حىت يظهر أثر الزعفران علي املاء‪ ،‬وأما ِف إناء نظيف يكتب فيه آيات من القرآن مث‬
‫يصب فيه املاء وميزج مث يشربه املريض‪ ،‬هذا الذي كان يفعله السلف الصاحل‪ ،‬وال بأس باستعماله وقد جربه بعض الناس فانتفعوا به‪.‬‬
‫وأما بالنسبة لألقالم وبالنسبة للحرب ال ينبغي أبداً أن يستعملها اإلنسان ِف هذه املسألة ألننا ال ندري ما هي مركبات هذا احلرب سواء‬
‫ناشفا أو سائالً)‪ .‬ينظر‪ :‬موقع هلل الشاِف د‪ .‬اجلبيلي‪.:‬‬

‫‪https://allahalshafi.com/play.php?catsmktba=324‬‬
‫(‪ )5‬بعضهم شدد ‪-‬لتغليبه جانب التعبد ِف طريقة الرقية‪ -‬فشرط أن يكون موضع الكتابة صحن كما نقل عن ابن عباس ‪ .‬وعلى قاعدة‬
‫‪115‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اها﴾ [النازعات‪َ ﴿ ]46 :‬كأ ََِّنُ ْم‬ ‫ض َح َ‬ ‫ب الْ َع ْر ِش الْ َعظي ِم» ﴿ َكأ ََِّنُ ْم يَ ْوَم يََرْوَِنَا َملْ يَْلبَثُوا إَِّال َعشيَّةً أ َْو ُ‬
‫السْب ِع َوَر ِّ‬
‫َّ‬
‫ك إَِّال الْ َقوم الْ َف ِ‬
‫اعةً ِم ْن َِنَا ٍر‪ ،‬بََالغٌ فَ َه ْل يُ ْهلَ ُ‬
‫اس ُقو َن﴾ [األحقاف‪:‬‬ ‫ُْ‬ ‫وع ُدو َن َملْ يَْلبَثُوا إَِّال َس َ‬
‫يَ ْوَم يََرْو َن َما يُ َ‬
‫‪.)1(]35‬‬
‫وقال ابن تيمية‪( :‬جيوز أن يكتب للمصاب وغريه من املرضى شيئا من كتاب اهلل وذكره‪ ،‬باملداد املباح‪،‬‬
‫ويغسل ويسقى كما نص على ذلك أمحد وغريه) مث ذكر أثر ابن عباس وأن اإلمام أمحد نقل من طريق آخر‬
‫بسنده مبعناه وفيه زيادة (يكتب ِف إناء نظيف فيسقى) وأن وكيع زاد‪( :‬فتسقى وينضح ما دون سرهتا)‪ .‬ونقل‬
‫عن عبد اهلل ابن اإلمام أمحد أنه رأى أباه اإلمام أمحد (يكتب للمرأة ِف جام أو شيء نظيف)(‪.)2‬‬
‫قال ابن القيم‪( :‬رأى مجاعة من السلف أن تكتب له اآليات من القرآن‪ ،‬مث يشرهبا‪ .‬قال جماهد‪ :‬ال بأس‬
‫أن يكتب القرآن‪ ،‬ويغسله‪ ،‬ويسقيه املريض‪ ،‬ومثله عن أيب قالبة‪ .‬ويذكر عن ابن عباس‪«( :‬أنه أمر أن يكتب‬
‫المرأة تعسر عليها والدها أثر من القرآن مث يغسل وتسقى») وقال أيوب‪«( :‬رأيت أبا قالبة كتب كتابا من‬
‫القرآن‪ ،‬مث غسله مباء وسقاه رجال كان به وجع»)(‪.)3‬‬
‫وكره ذلك إبراهيم النخعي وابن سريين وابن العريب(‪ )4‬وقال‪( :‬هي بدعة من الشيطان)‪.‬‬
‫قال ابن عابدين بعد أن أشار إىل اخلالف نقالً عن غريه‪( :‬وعلى اجلواز عمل الناس اليوم‪ ،‬وبه وردت‬
‫اآلثار)(‪.)5‬‬
‫قال السبكي‪( :‬بلغنا أنه مرض لألستاذ أيب القاسم ولد مرضاً شديداً حبيث أيس منه‪ ،‬فشق ذلك على‬
‫األستاذ‪ ،‬فرأى احلق ‪ِ ‬ف املنام فشكى إليه‪ ،‬فقال له احلق ‪ :‬امجع آيات الشفاء واقرأها عليه واكتبها ِف‬
‫إناء واجعل فيه مشروباً واسقه إياه ففعل ذلك فعوِف الولد‪ ،‬وآيات الشفاء ِف القرآن ست‪ ..‬ورأيت كثيرا من‬

‫أن الرقية تثبت بالتجربة ِف كل ثبت نفعه‪ ،‬فاألمر سهل‪ .‬وبعض الرقاة يكتبون على لوح مث يغمر باملاء ويشرب‪ ،‬وبعضهم يكتبون على‬
‫قماش مث يغسل‪ ،‬ومنهم على زجاج لسهولة الكتابة واحملو‪ ،‬وِف اآلونة األخرية شاع كتابتها على الورق لسهولة الكتابة عليه وخفت‬
‫املشقة ِف غسلها وسهولة ختزينها إىل وقت استخدام الرقية‪ .‬ينظر موقع اهلل الشاِف مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )1‬مصنف ابن أيب شيبة (‪ )39/5‬ح‪ .23508 :‬وعند ابن السين ِف عمل اليوم والليلة (ص‪ )576 :‬زيادة قراءة‪ :‬و ﴿لَ َق ْد َكا َن ِِف‬
‫ض ُح َعلَى بَطْنِ َها َوفَ ْرِج َها"‪ .‬ورأي‬ ‫ِ‬
‫آخ ِر ْاآليَِة‪ُ ،‬مثَّ يُ ْغ َس ُل‪َ ،‬ويَ ْسقي الْ َم ْرأََة ِمْنهُ‪َ ،‬ويَْن َ‬
‫اب﴾ [يوسف‪ ]111 :‬إِ َىل ِ‬
‫ُويل ْاألَلْب ِ‬ ‫قَ ِ ِ ِ‬
‫صص ِه ْم ع ْ َربةٌ أل ِ َ‬
‫َ‬
‫أيب قالبة وجماهد ِف مصنف ابن أيب شيبة (‪ )40 / 5‬ح‪.23510 :‬‬
‫(‪ )2‬جمموع الفتاوى ‪.65/19‬‬
‫(‪ )3‬زاد املعاد ‪.157/4‬‬
‫(‪ )4‬املصنف البن أيب شيبة ‪ 40/5‬ح‪ ،23510 :‬شرح السنة للبغوي ‪ ،166/12‬عارضة األحوذي البن العريب ‪.222/8‬‬
‫(‪ )5‬حاشية ابن عابدين ‪.523 /9‬‬
‫‪116‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫المشايخ يكتبون هذه اآليات للمريض ويسقاها في اإلناء طلبا للعافية)(‪.)1‬‬


‫ومن املداد الذي اشتهر بني الرقاة استخدامه‪ :‬الزعفران‪ ،‬ومما ذكر‪ :‬أ ّن له خاصية ِف استفراغ اجلوف إذا‬
‫استخدم على الريق أو بعد األكل‪ ،‬وأفاد بعض الرقاة أن السحر يعقد بالزعفران ويفك أيضاً بالزعفران (‪.)2‬‬
‫موضعا‬
‫قال الشيخ عبد اهلل بن جربين‪( :‬روي عن ابن عباس ‪ ‬أنه قال‪" :‬إن ِف القرآن سبعة وثالثون ً‬
‫فيها قول ال إله إال اهلل‪ ،‬فمن ُكتبت له بزعفران وغسلها مباء زمزم أو مباء املطر ُشفي من املرض‪ ،‬وإن كان‬
‫مسحورا اَنل سحره"(‪ .)3‬وقد كنا نفعل ذلك فنكتبها ِف أوراق ِبط دقيق وزعفران ساطع فيغسلها ثالث‬ ‫ً‬
‫كثريا‬
‫غسالت ويشرب غُسالتها‪ ،‬مث جيمع الورقة‪ ،‬وإذا يبست جعلها على مجر وتل ّقى دخاِنا‪ ،‬وهكذا أدركنا ً‬
‫نكر‬‫من املشايخ كالشيخ عبد العزيز ابن مرشد‪ ،‬والشيخ عبد الرمحن بن فريان‪ ،‬والشيخ أمحد بن منصور‪ ،‬وال ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مانعا من استعماهلا‪ ،‬ويرجى الشفاء بذلك‪ ،‬واألفضل كتابتها بالقلم ِف‬ ‫عليهم أحد من املشايخ‪ ،‬فال نرى ً‬
‫األوراق مع اختيار دقة األقالم وتقارب األسطر حىت تتسع لعدد من اآليات‪ ،‬ويكتب ِف الورقة ِف الوجهني‬
‫كليهما)(‪.)4‬‬
‫خامسا‪ :‬كتابة الرقية مباشرة على الجسد على موضع الداء‪:‬‬
‫جيوز أن يكتب على موضع الداء آيات قرآنية أو أدعية رقية؛ بشرط‪-1 :‬أن تكون الكتابة مبداد طاهر‬
‫مباح غري مضر‪ ،‬فال تكتب بنجاسة أو حمرمة أو مبداد يضر البدن‪.‬‬
‫‪-2‬وأن تكون الكتابة لرقية شرعية ال شركية‪.‬‬
‫ومستند ذلك‪ :‬أ ّن باب التداوي أوسع من باب التعبد‪ ،‬فيجوز التداوي بكل رقية ثبت نفعها بالتجربة‪.‬‬
‫وقد سبق نقل جتارب البن تيمية ِف هذا الباب ونعيدها هنا مرة أخرى ملناسبة ذلك‪:‬‬

‫الص ُدوِر﴾ ﴿فِ ِيه‬


‫ني﴾ ﴿ َو ِش َفاء لِّ َما ِِف ُّ‬ ‫ٍ ِِ‬ ‫ِ‬
‫ص ُد َور قَ ْوم ُّم ْؤمن َ‬
‫(‪ )1‬طبقات الشافعية الكربى للسبكي ‪ 159/5‬وذكر اآليات التالية‪َ ﴿(:‬ويَ ْشف ُ‬
‫ين َآمنُوا ُه ًدى َو ِش َفاء﴾)‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ني﴾ ﴿ َوإِ َذا َم ِر ْ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِش َفاء لِلن ِ‬
‫ت فَ ُه َو يَ ْشفني﴾ ﴿قُ ْل ُه َو للَّذ َ‬ ‫ضُ‬ ‫َّاس﴾ ﴿ َونُنَ ِّزُل م َن الْ ُق ْرآن َما ُه َو ش َفاء َوَر ْمحَةٌ لِّْل ُم ْؤمن َ‬
‫(‪ )2‬نقالً عن راقي حيكي خربته ِف موقع الرقية الشرعية ‪ https://www.ruqya.net/forum/showthread.php?t=23293‬وأفاد أيضاً‪ :‬أن‬
‫الزعفران له خاصية اإلمساك للبطن وله خاصية التليني واملادة السحرية هلا خاصية اإلمساك للبطن وهلذا يستخدم معها الزعفران‪ .‬ولعل‬
‫ما ذكره كالنفث فالساحر ينفث لعقد السحر‪ ،‬والراقي ينفث حلل عقد السحر‪ ،‬وكذلك الزعفران الساحر يستخدمه ملسك املادة‬
‫السحرية‪ ،‬والراقي يستخدمه إلخراجها‪ .‬واهلل أعلم‪ .‬وِف اآلداب الشرعية البن مفلح ‪(( :401/2‬زعفران) حار ِف الثانية يابس ِف‬
‫األوىل فيه قبض وهو حملل منضج يصلح العفونة والبلغم ويقوي األحشاء وحيسن اللون وجيلو البصر والغشاوة‪ ..‬ويهيج الباه‪ ،‬يدر‬
‫البول‪ ..،‬وينفذ األدوية اليت خيلط هبا إىل مجيع البدن‪ ..،‬ويسقط الشهوة)‪ .‬وانظر املعتمد ِف األدوية ‪.149-148‬‬
‫(‪ِ )3‬ف موقع الدرر السنية‪ :‬ال أصل له‪.https://dorar.net/fake-hadith/704 .‬‬

‫(‪ )4‬جواب مكتوب من الشيخ ابن جربين ل د‪ .‬خالد اجلريسي ذكره ِف كتابه ارق نفسك وأهلك بنفسك ص‪.167:‬‬
‫‪117‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اءك َويَا َمسَاء أَقْلِعِي‬ ‫كان ابن تيمية يكتب على جبهة من أصابه الرعاف(‪﴿ :)1‬وقِيل يا أَرض اب لَعِي م ِ‬
‫َ ََ ْ ُ ْ َ‬
‫ض َي األ َْم ُر﴾‪ .‬قال ابن القيم‪( :‬مسعته يقول‪ :‬كتبتها لغري واحد فربأ)‪ .‬قال ابن تيمية‪ :‬وال جيوز‬ ‫و ِغيض الْماء وقُ ِ‬
‫َ َ َ َ‬
‫كتابتها بدم الراعف‪ ،‬كما يفعله اجلهال‪ ،‬فإ ّن الدم جنس‪ ،‬فال جيوز أن يكتب به كالم اهلل تعاىل(‪.)2‬‬
‫ومن ذلك مرض احلزاز وهو مرض ِف اجللد خيرج على هيئة بقع خشنة يكثر املريض من حكها حىت‬
‫ص ٌار فِ ِيه نَ ٌار‬ ‫َص َاهبَا إِ ْع َ‬
‫خيرج الدم أحياناً‪ .‬فكان يتأول بعض العلماء ‪-‬كابن تيمية‪ -‬ويكتب عليها‪﴿( :‬فَأ َ‬
‫ت﴾ حبول اهلل وقوته)(‪ .)3‬وقد جربت ذلك مراراً فنفع بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬ ‫اح ََرتقَ ْ‬
‫فَ ْ‬
‫ومن ذلك وجع الضرس‪ :‬يكتب على اخلد الذي يلي الوجع‪ :‬بسم اهلل الرمحن الرحيم ﴿قُ ْل ُه َو الَّ ِذي‬
‫َّها ِر‬ ‫ِ ِ‬
‫ص َار َو ْاألَفْئ َدةَ قَليالً َّما تَ ْش ُك ُرو َن﴾ أو يكتب‪َ ﴿ :‬ولَهُ َما َس َك َن ِِف اللَّْي ِل َوالن َ‬ ‫َنشأَ ُك ْم َو َج َع َل لَ ُك ُم َّ‬
‫الس ْم َع َو ْاألَبْ َ‬ ‫أ َ‬
‫يم﴾(‪.)4‬‬ ‫الس ِم ِ‬
‫يع الْ َعل ُ‬‫َوُه َو َّ ُ‬
‫وقد أورد ابن القيم ِف زاد املعاد اجلزء الرابع (الطب النبوي) مجلة حسنة من ذلك فلرياجع‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬كتابة الرقية وتعليقها على المرقي أو حملها معه‪ :‬بأن حتاط جبلد صغري أو مصاحف حبجم‬
‫صغري جداً تعلق على الرقبة أو حيمله ِف جيبه أو يضعه ِف السيارة بقصد احلماية وما شابه ذلك‪ )5(.‬والبحث‬
‫هو ِف رقية شرعية ال شركية‪ ،‬أما الرقى الشركية فال جتوز حبال كما سبق‪.‬‬
‫اختلف أهل العلم ِف تعليق التمائم اليت ليس فيها إال قرآن أو ذكر صحيح على أقوال‪:‬‬

‫(‪ )1‬خروج الدم من األنف‪.‬‬


‫(‪ )2‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)328 / 4‬‬
‫(‪ )3‬املرجع السابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬زاد املعاد ِف هدي خري العباد (‪.)329 / 4‬‬
‫(‪ )5‬تحرير محل النزاع في التمائم‪ -1 :‬إن كان املعلق خرزا أو خيوطا أو عظاما أو َنو ذلك فذلك حرام‪ .‬لقول النيب ‪ :‬من تعلق‬
‫شيئا وكل إليه‪ .‬وحلديث‪ :‬أنه ‪ ‬أبصر على عضد رجل حلقة ‪ -‬أراه قال من صفر ‪ -‬فقال‪ :‬وحيك ما هذه؟ قال‪ :‬من الواهنة‪ .‬قال‬
‫أما إِنا ال تزيدك إال وهنا‪ ،‬انبذها عنك فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً‪.‬‬
‫‪-2‬إن كان املعلق شيئاً مما كتب فيه الرقى اجملهولة والتعوذات املمنوعة فذلك حرام أيضاً لقول النيب ‪ :‬من تعلق متيمة فال أمت اهلل‬
‫له‪ ،‬ومن تعلق ودعة فال ودع اهلل له‪.‬‬
‫‪-3‬وإن كان املعلق شيئاً كتب فيه شيء مما جيوز االسرتقاء به من القرآن أو األدعية املأثورة فهذا هو حمل اخلالف الذي أشري إليه‬
‫أعاله‪ .‬والذين قالوا بجواز التعليق للتعاويذ الشرعية اشترطوا ما يلي‪ )1( :‬أن يكون ِف قصبة أو رقعة خيرز فيها‪ )2( .‬أن يكون‬
‫املكتوب قرآنا‪ ،‬أو أدعية مأثورة‪ )3( .‬أن يرتك محله عند اجلماع أو الغائط‪ )4( .‬أال يكون لدفع البالء قبل وقوعه‪ ،‬وال لدفع العني قبل‬
‫أن يصاب‪ ،‬قالت عائشة ‪ :‬ما تعلق بعد نزول البالء فليس من التمائم ينظر‪ :‬املوسوعة الفقهية الكويتية ‪.33-32 /13‬‬
‫‪118‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫القول األول‪ :‬مبنع التعليق للتمائم حىت لو كانت برقى شرعية‪ .‬وهذا قول ابن مسعود وابن عباس وظاهر‬
‫قول حذيفة وعقبة بن عامر ‪ ‬وإبراهيم النخعي وأمحد ِف رواية اختارها كثري من أصحابه وابن العريب ومجلة‬
‫من شراح كتاب التوحيد حملمد بن عبد الوهاب(‪.)1‬‬
‫ودليلهم‪ :‬عموم النهي عن تعليق التمائم من غري ختصيص‪ ،‬كحديث عقبة بن عامر ‪ ‬أن رسول اهلل‬
‫‪ ‬أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل بايعت تسعة وتركت هذا‪ ،‬قال‪" :‬إن‬
‫عليه متيمة" فأدخل يده فقطعها‪ ،‬فبايعه وقال‪" :‬من تعلق متيمة فقد أشرك"(‪ .)2‬وِف لفظ‪" :‬من تعلق متيمة فال‬
‫أمت اهلل له‪ ،‬ومن تعلق ودعة فال ودع اهلل له"(‪ .)3‬والسنة جاءت بالرقى والدعاء ومل تأت بتعليقها ومل يذكرها‬
‫النيب ‪ِ ‬ف حديث واحد وال أرشد إليه‪ .‬قال ابن العريب‪( :‬تعليق القرآن ليس من السنة‪ ،‬وإَّنا السنة فيه الذكر‬
‫دون التعليق)(‪ . )4‬وسد لذريعة فتح باب الشرك ِف الرقى الشركية خاصة مع انتشارها واستغالل السحرة هلذا‬
‫الباب وسد لباب امتهان القرآن ِف أماكن النجاسات(‪.)5‬‬
‫وأجيب على عموم األحاديث بأن النهي حممول على التمائم الشركية‪ ،‬أو على ما كان يفعله أهل‬
‫اجلاهلية‪ ،‬فكانوا يصنعون التمائم والقالئد قبل وقوع البالء يظنون (أِنا تقيهم وتصرف البالء عنهم وذلك ال‬
‫يصرفه إال اهلل عز وجل وهو املعاِف واملبتلي ال شريك له فنهاهم رسول اهلل ‪ ‬عما كانوا يصنعون من ذلك‬
‫ِف جاهليتهم)(‪.)6‬‬
‫قال أصحاب القول األول‪ :‬االنتفاع يكون بالنطق بالرقى ال بتعليقها فإ ّن الشيطان ينفر إذا مسع اآلذان‬
‫استَعِ ْذ‬ ‫ِ‬
‫َّك م َن الشَّْيطَان نَْزغٌ فَ ْ‬
‫ال إذا كتبت ألفاظ األذان ِف ورقة وعلقت ِف املسجد‪ ،‬واهلل قال‪﴿ :‬وإِ َّما ينز َغن َ ِ‬
‫َ ََ‬
‫يم﴾ فأمرنا باالستعاذة نطقاً ال تعليقاً‪ ،‬وِف احلديث أنه ‪ ‬قال‪َ " :‬ال َْجت َعلُوا بُيُوتَ ُك ْم َم َقابَِر‪،‬‬ ‫بِاللّ ِه إِنَّه َِمس ِ‬
‫يع َعل ٌ‬
‫ُ ٌ‬

‫(‪ )1‬مصنف ابن أيب شيبه ‪ 35/5‬ح‪ 23456 :‬وما بعده ذكر جمموعة من اآلثار عن الصحابة‪ ،‬اآلداب الشرعية البن مفلح ‪ ،81/3‬تيسري‬
‫العزيز احلميد ‪ ،168‬فتح اجمليد ‪ ،128‬عارضة األحوذي البن العريب ‪.222/8‬‬
‫(‪ )2‬مسند أمحد ‪ ،156/4‬واحلاكم ِف املستدرك ‪ 219/4‬وقال اهليثمي ِف اجملمع ‪ :106/5‬رجال أمحد ثقات‪ .‬وصححه األلباين ِف‬
‫الصحيحة ح‪.492 :‬‬
‫(‪ )3‬أمحد ‪ ،154/4‬احلاكم ‪ ،216/4‬وقال‪ :‬صحيح‪ ،‬ووافقه الذهيب‪ .‬وقال املنذري‪ :‬إسناده جيد ‪ ،306/4‬وقال اهليثمي ‪ :106/5‬رجاله‬
‫ثقات‪ .‬وقال األلباين‪ :‬ضعيف جلهالة خالد بن عبيد‪ .‬السلسلة الضعيفة ح‪.1266:‬‬
‫(‪ )4‬عارضة األحوذي البن العريب ‪ .222/8‬وانظر‪ :‬تيسري العزيز احلميد ‪ ،168‬فتح اجمليد ‪ ،128‬فتاوى ابن باز ‪384/2‬‬
‫ول‪« :‬إِ َِّنُ ْم يَ ْد ُخلُو َن بِِه ْ‬
‫اخلََالءَ»‪.‬‬ ‫لصب ي ِ‬
‫ان َويَ ُق ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫يم النخعي‪َ :‬كا َن يَكَْرهُ الْ َم َعا َذ َة ل ِّ ْ َ‬
‫(‪ )5‬مصنف ابن أيب شيبة ‪ 36/5‬ح‪ 23476 :‬أن إبْ َراه َ‬
‫(‪ )6‬التمهيد ‪ .163/17‬وانظر شرح معاين اآلثار للطحاوي ‪.325/4‬‬
‫‪119‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ت الَّ ِذي تُ ْقَرأُ فِ ِيه ُس َورةُ الْبَ َقَرةِ"(‪ )1‬فأمر بالقراءة ال بتعليق السورة وإال ألغىن وجود‬
‫إِ َّن الشَّيطَا َن ي ْن ِفر ِمن الْب ي ِ‬
‫ْ َ ُ َ َْ‬
‫املصاحف ِف البيوت عن قراءة البقرة‪.‬‬
‫القول الثاني‪ :‬جتويز التعليق للتمائم إذا كانت برقى شرعية‪ .‬وهذا قول عائشة وظاهر فعل عبد اهلل بن‬
‫عمر العاص ‪ ‬وسعيد بن املسيب وابن سريين وعطاء واحلنفية ومالك وأمحد ِف رواية‪ ،‬وابن عبد الرب‬
‫والقرطيب من املالكية والبيهقي وابن حجر من الشافعية وظاهر قول ابن تيمية وابن القيم(‪.)2‬‬
‫ومجهور القائلني بتجويزها‪ :‬قالوا جيوز تعليقها بعد نزول البالء تداوياً‪ .‬أما تعليقها قبل نزول املرض فليس‬
‫جبائز(‪.)3‬‬
‫ودليلهم‪:‬‬
‫‪-1‬حديث " َم ْن تَ َعلَّ َق َشْيئًا ُوكِ َل إِلَْي ِه"(‪ .)4‬قالوا‪ :‬ومن علق القرآن واألدعية الشرعية وكل إليها‪ ،‬وهي شفاء‬
‫بأمر اهلل تعاىل‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأن راوي احلديث استدل هبذا احلديث على عدم التعليق‪ ،‬ونصه‪ :‬عن حمَ َّم ِد بْ ِن َعْب ِد َّ‬
‫الر ْمحَ ِن بْ ِن‬
‫ودهُ َوبِِه ُمحَْرةٌ‪ ،‬فَ ُق ْلنَا‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫َخ ِيه قَ َ‬
‫أَِيب لَي لَى‪ ،‬عن ِعيسى‪ ،‬أ ِ‬
‫ين‪ ،‬أَعُ ُ‬‫ت َعلَى َعْبد اللَّه بْ ِن عُ َكْي ٍم أَِيب َم ْعبَد اجلُ َه ِ ِّ‬‫ال‪َ :‬د َخ ْل ُ‬ ‫ْ َْ َ‬
‫«م ْن تَ َعلَّ َق َشْيئًا ُوكِ َل إِلَْي ِه»‪ .‬فاستدل باحلديث‬ ‫ِ‬
‫َّيب ‪َ :‬‬ ‫ال النِ ُّ‬ ‫ب ِم ْن َذل َ‬
‫ك‪ ،‬قَ َ‬ ‫ت أَقْ َر ُ‬ ‫أََال تُ َعلِّ ُق َشْيئًا؟ قَ َ‬
‫ال‪ :‬املَْو ُ‬
‫على ترك التعليق وجعل املوت أقرب إليه من أن يعلق شيئاً‪.‬‬
‫املعلِّق يلتفت قلبه إىل املعلَّق ذاته وينسى مسبب األسباب اهلل‪ ،‬ولو نزعت منه التميمة أو نسيها‬ ‫وألن َ‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم ح‪.)780( - 212 :‬‬


‫(‪ )2‬مصنف ابن أيب شيبه ‪ 43/5‬ح‪ 23543 :‬وما بعده ذكر جمموعة من اآلثار وبعضهم اشرتط خلعها عند دخول اخلالء أو االغتسال‪،‬‬
‫حاشية ابن عابدين ‪ ،523/9‬التمهيد البن عبد الرب ‪ 160/17‬شرح الزرقاين ‪ 405/4‬اجلامع ألحكام القرآن للقرطيب ‪،320/10‬‬
‫مسائل اإلمام أمحد أليب داود ‪ ،260‬السنن الكربى للبيهقي ‪ ،589/9‬اجملموع للنووي ‪ 73/9‬الفتح البن حجر ‪ ،142/6‬جمموع‬
‫الفتاوى البن تيمية ‪ 64/19‬زاد املعاد البن القيم ‪.157/4‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬شرح معاين اآلثار للطحاوي ‪ ،325/4‬التمهيد البن عبد الرب ‪ ،164-161/17‬البيان والتحصيل البن رشد ‪ 439/1‬واجلامع‬
‫ألحكام القرآن للقرطيب ‪ ،319/10‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ 65/19‬فبعد أن نقل أثر ابن عباس ِف الكتابة إلعسار املرأة عند‬
‫الوالدة‪ ،‬نقل ما يلي‪( :‬قال علي‪ :‬وقد جربناه فلم نر شيئا أعجب منه فإذا وضعت حتله سريعا مث جتعله ِف خرقة أو حترقه)‪ .‬وأثر عائشة‬
‫يح َعلَى َش ْر ِط‬ ‫يث ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫صح ٌ‬‫يمةُ َما تَ َعلَّ َق بِه قَ ْب َل الْبَ َالء» قال احلاكم‪َ :‬ه َذا َحد ٌ َ‬
‫يمةُ َما تَ َعلَّ َق به بَ ْع َد الْبَ َالء إََّّنَا التَّم َ‬
‫ت‪« :‬لَْي َست التَّم َ‬
‫‪ ‬قَالَ ْ‬
‫ني َوَملْ ُخيَِّر َجاهُ احلاكم ح‪ 7506 :‬والبيهقي ِف السنن الكربى ح‪ 19606 :‬فحملت النهي عن التمائم على تعليق التميمة قبل‬ ‫الشْي َخ ْ ِ‬
‫َّ‬
‫نزول البالء كما يفعله أهل اجلاهلية‪.‬‬
‫(‪ )4‬الرتمذي ح‪ 2072 :‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫‪120‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أن قلبه تعلَّق بتلك األوراق‬ ‫خاف واضطرب ونسي أن احلافظ هو اهلل ونسي أن الشاِف هو اهلل‪ ،‬فحقيقة حاله َّ‬
‫وما عليها من جلود ومل يتعلَّق قلبه باهلل العظيم‪ ،‬ولو كان تعلّق الرقى واألذكار كافياً ملا كان لقراءة القرآن‬
‫وأذكار الصباح معىن فيكفي تَ ْعليق ذلك عن قراءته وهو أيسر وأسهل(‪.)1‬‬
‫َح ُد ُك ْم ِِف الن َّْوِم فَ ْليَ ُق ْل‪ :‬أَعُوذُ‬
‫عأَ‬ ‫ال‪" :‬إِ َذا فَ ِز َ‬ ‫ول اللَّ ِه ‪ ،‬قَ َ‬ ‫َن َر ُس َ‬‫‪ -2‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص أ َّ‬
‫ات الشَّي ِ‬ ‫ات ِمن َغضبِ ِه و ِع َقابِِه و َشِّر ِعب ِادهِ‪ ،‬وِمن َمهز ِ‬ ‫َّام ِ‬
‫ات اللَّ ِه الت َّ‬‫بِ َكلِم ِ‬
‫ض ُرو ِن فَِإ َِّنَا لَ ْن تَ ُ‬
‫ضَّرهُ"‪.‬‬ ‫اط ِ‬
‫ني َوأَ ْن َْحي ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ْ ََ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ِ ِ(‪)2‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬
‫صك ُمثَّ َعلَّ َق َها ِِف عُنُقه ‪.‬‬ ‫فَ َكا َن َعْب ُد اللَّه بْ ُن َع ْم ٍرو‪ ،‬يُلَقِّنُ َها َم ْن بَلَ َغ م ْن َولَده‪َ ،‬وَم ْن َملْ يَْب لُ ْغ مْن ُه ْم َكتَبَ َها ِِف َ‬
‫قالوا فالصحايب ابن عمرو كان يعلق التمائم الشرعية على الصغار من أبنائه‪.‬‬
‫وأجيب‪ :‬بأن فعل ابن عمرو اجتهاد منه خيالف عموم النص عن التمائم‪ ،‬كما أنه مل يكن يعلقها على‬
‫أوالده الكبار فحىت لو صح االحتجاج به على الصغار ال يصح االحتجاج بفعله على الكبار‪ ،‬كما أن السنة‬
‫اليت نقلت عن النيب ‪ ‬أنه كان يعوذ احلسن واحلسني بالدعاء من غري تعليق فكان يقول هلما‪« :‬أ ُِعي ُذ ُك َما‬
‫يل‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ني َال َّم ٍة» ُمثَّ يَ ُق ُ‬
‫ان وَه َّام ٍة‪ ،‬وِم ْن ُك ِّل َع ْ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ات اللَّ ِه الت َّ ِ ِ‬ ‫بِ َكلِم ِ‬
‫ول‪َ « :‬كا َن أَبُوُك ْم يُ َع ِّوذُ هب َما إ ْمسَاع َ‬ ‫َ‬ ‫َّامة‪ ،‬م ْن ُك ِّل َشْيطَ َ‬ ‫َ‬
‫اق»(‪ )3‬ومل يكن يعلق ذلك عليهما‪ .‬قال الشوكاين‪( :‬قد ورد ما يدل على عدم جواز التعليق فال يقوم‬ ‫َوإِ ْس َح َ‬
‫بقول عبد اهلل بن عمرو حجة)(‪.)4‬‬
‫ومن نظر ِف واقع التمائم ومحلتها اليوم‪ :‬ال يرتدد ِف النهي عنها؛ فغالب التمائم ال يعرف ما بداخلها مما‬
‫هو مكتوب ومن شرط الرقية أن تكون مبعلوم كما سبق‪ ،‬كما أن الغالب أن باب التمائم نفذ منه املشعوذون‬
‫والسحرة حتت خداع الرقية الشرعية‪.‬‬
‫باإلضافة إىل أ ّن ظاهر اآلثار عن السلف اليت تضمنت التجويز للتمائم‪ :‬ظاهرها أ ّن القصد كتابة الرقى‬
‫ِف ورقة وَنوها لتغسل مباء يغتسل منه املريض أو يتوضأ أو يشربه كما مضى ِف ثالثاً وهذا ال إشكال فيه‪.‬‬
‫نقل البيهقي عن سعيد بن املسيب أنه كان يأمر بتعليق القرآن وقال‪ :‬ال بأس به‪ .‬مث علق البيهقي‬
‫فقال‪(:‬وهذا كله يرج ع إىل ما قلنا من أنه إن رقى مبا ال يعرف أو على ما كان من أهل اجلاهلية من إضافة‬
‫العافية إىل الرقى مل جيز‪ ،‬وإن رقى بكتاب اهلل أو مبا يعرف من ذكر اهلل متربكا به وهو يرى نزول الشفاء من‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حاشية خمتصر املنذري ألمحد شاكر وحممد الفقي ‪ ،534/5‬تعليق األلباين على الكلم الطيب رقم ‪.34‬‬
‫(‪ )2‬الرتمذي ح‪ 3528 :‬وقال حسن غريب‪ ،‬أبو داود ح‪ .3893 :‬وقال األلباين‪ :‬حسن دون قوله فكان عبد اهلل‪..‬‬
‫(‪ )3‬لفظ أيب داود ح‪ 4737 :‬وصححه األلباين‪ .‬وأصل احلديث ِف البخاري ح‪.3371 :‬‬
‫(‪ )4‬حتفة الذاكرين ‪ .89‬وينظر‪ :‬حاشية فتح اجمليد للشيخ حامد الفقي ‪.127‬‬
‫‪121‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اهلل تعاىل فال بأس به)‪ .‬إال أ ّن واقع قلوب محلة التمائم ِف عصرنا معلقة هبذه األوراق واجللود ال برب العاملني‪،‬‬
‫وانصراف القلوب إىل السبب أقل أحواله شرك أصغر‪.‬‬

‫مسائل ذات صلة بكيفية الرقية‪:‬‬


‫أوال‪ :‬رقية الغائب‪ :‬حبيث يرقي غائباً عنه؛ كرقية األب ألطفاله وهو ِف مكان وهم ِف مكان آخر‪.‬‬
‫األصل كما سبق أ ّن باب التداوي أوسع من باب العبادات‪ ،‬وأن كل رقية ثبت نفعها بالتجربة وخلت‬
‫من الشركة فهي جائزة‪.‬‬
‫والبعض شدد ِف هذا ألجل تغليبه جانب التعبد‪ ،‬فاشرتط الدليل اجلزئي على هذه الصورة‪ ،‬واحتج بعدم‬
‫وجود النفث وال وضع اليد على مكان األمل وال مساع املريض املرقي ال الرقية‪ .‬وكل ذلك ال يوجب التحرمي‪،‬‬
‫واألصل أ ّن باب التداوي أوسع من باب التعبد‪ ،‬مث النفث على الصحيح ليس بشرط وال وضع اليد على‬
‫مكان األمل‪ ،‬وكذلك مساع املريض‪ ،‬فاألصم جيوز رقيته وكذلك النائم واملغمى عليه وهو ال يسمع‪.‬‬
‫ورقية الغائب من جنس الدعاء للغائب‪ ،‬والدعاء للغائب ثابت شرعاً ِف أحاديث كثرية‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الرقية عبر وسائل االتصال الحديثة‪ :‬مثل اهلاتف أو برامج االتصال الفيديو فريقي الراقي شخصاً‬
‫ِف مكان بعيد عنه ال جيمعها مكان واحد‪.‬‬
‫األصل كما سبق أ ّن باب التداوي أوسع من باب العبادات‪ ،‬وأن كل رقية ثبت نفعها بالتجربة وخلت‬
‫من الشركة فهي جائزة‪.‬‬
‫ومن شدد ِف هذه الصورة فمرد تشديده أنه غلب جانب التعبد ِف الرقية(‪.)1‬‬
‫ثالثا‪ :‬رقية غير المعين‪ :‬مثل تسجيل رقية شرعية ليسمعها من يشاء أو تشغل عند من حيتاج‪.‬‬
‫يقال ِف ذلك ما قيل سابقاً أ ّن باب التداوي أوسع من باب العبادات‪ ،‬وأن كل رقية ثبت نفعها بالتجربة‬
‫وخلت من الشركة فهي جائزة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ممن أجازها‪ :‬الشيخ يوسف بن عبد اهلل املطلق معرب الرؤى املشهور‪ .‬وممن شدد الشيخ صاحل اللحيدان والشيخ صاحل ابن غصون‪ .‬وعلل‬
‫ابن غصون بعدم حضور املرقي ِف اجمللس نفسه وعدم وجود النفث وسداً للتلبيس على الناس‪.‬‬
‫(‪ )2‬سئلت اللجنة الدائمة لإلفتاء ِف اململكة فتوى رقم ‪ 20361‬وتاريخ ‪1419/4/17‬ه عن ذلك‪ ،‬فأجابت‪( :‬تشغيل جهاز التسجيل‬
‫بالقراءة واألدعية ال يغين عن الرقية؛ ألن الرقية عمل حيتاج إىل اعتقاد ونية حال أدائها مباشرة للنفث على املريض‪ ،‬واجلهاز ال يتأتى‬
‫منه ذلك)‪ .‬أه فلم مينعوا منها وإَّنا قالوا‪ :‬ال يغين‪ .‬وال إشكال إن الرقية املباشرة أفضل وأنفع بأمر اهلل تعاىل‪ .‬لكن البحث ِف اجلواز‬
‫من عدمه‪.‬‬
‫‪122‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫رابعا‪ :‬الرقية على أكثر من شخص في وقت واحد‪ :‬بعض الرقاة يرقي احلاضرين لديه دفعة واحدة عرب‬
‫مكرب الصوت‪.‬‬
‫احلسني «أ ُِعي ُذ ُكما بِ َكلِم ِ‬
‫ات اللَّ ِه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫احلَ َس َن َو ُْ َ ْ َ‬ ‫األصل ِف ذلك‪ :‬حديث ابن عباس قال‪َ :‬كا َن النِ ُّ‬
‫َّيب ‪ ‬يُ َع ِّوذُ ْ‬
‫اق»(‪،)1‬‬ ‫يل َوإِ ْس َح َ‬ ‫ِِ ِ ِ‬ ‫ني َال َّم ٍة» ُمثَّ يَ ُق ُ‬
‫ان وَه َّام ٍة‪ ،‬وِم ْن ُك ِّل َع ْ ٍ‬
‫ٍ‬ ‫الت َّ ِ ِ‬
‫ول‪َ « :‬كا َن أَبُوُك ْم يُ َع ِّوذُ هب َما إ ْمسَاع َ‬ ‫َ‬ ‫َّامة‪ ،‬م ْن ُك ِّل َشْيطَ َ‬
‫فالنيب ‪ ‬عوذ أكثر من شخص ِف وقت واحد فإذا جاز ِف االثنني جيوز ِف العدد عموماً‪.‬‬
‫واألصل ِف ذلك أيضاً‪ :‬أن باب التداوي أوسع من باب العبادات‪ ،‬وأن كل رقية ثبت نفعها بالتجربة‬
‫وخلت من الشركة فهي جائزة(‪.)2‬‬
‫ومن شدد ِف هذه الصورة فمرد تشديده أنه غلب جانب التعبد ِف الرقية(‪.)3‬‬
‫والبعض شدد ليس من جهة التعبد‪ ،‬وإَّنا من جهة انتفاع املرقيني هبذه الطريقة فقال مبنعها للضرر احلاصل‬
‫الناشيء عنها خاصة ِف اجلموع الكثرية(‪.)4‬‬
‫واحلكم يدور مع االنتفاع بالطريقة وخلوها من الشرك كما سبق‪ .‬فإن ثبت الضرر ِف بعض األحوال أو‬
‫األماكن أو األشخاص منعت للضرر‪.‬‬

‫(‪ )1‬لفظ أيب داود ح‪ 4737 :‬وصححه األلباين‪ .‬وأصل احلديث ِف البخاري ح‪.3371 :‬‬
‫(‪ )2‬وهبذا أفىت الشيخ عبد اهلل بن جربين الفتاوى الذهبية ِف الرقى الشرعية ص ‪ .22‬وقال‪( :‬ذكر بعض القراء أن ذلك جرب فأفاد‪ ،‬وحصل‬
‫الشفاء لكثري من املصابني‪ ،‬وذلك أن مساع املصروع لتلك اآليات واألدعية واألوراد يؤثر ِف اجلان الذي يالبسه‪ ،‬فيحدث أنه يتضرر‬
‫ويفارق اإلنسي‪ ،‬أو أن هذا القرآن هو شفاء كما وصفه اهلل تعاىل فيؤثر ِف السامع ولو مل حيصل من القارئ نفث على املريض) مث‬
‫ذكر أن األصل ِف الرقية النفث واملسح على اجلسد مث قال‪( :‬فعلى هذا مىت تيسر أن يرقى كل واحد منفرداً فهو أفضل‪ ،‬وإن شق عليه‬
‫فعلى ما ذكر من القراءة قرأ ِف املكرب‪ ،‬مع العلم بأن تأثريها أقل من تأثري القراءة الفردية) أه ‪.‬‬
‫(‪ )3‬ومن ذلك فتوى اللجنة الدائمة رقم ‪ 20361‬تاريخ ‪1419/4/17‬ه (الرقية البد أن تكون على املريض مباشرة وال تكون بواسطة‬
‫مكرب الصوت؛ ألن هذا خيالف ما فعله رسول اهلل ‪ ‬وأصحابه ‪ ‬واتباعهم ِف الرقية‪ ،‬وقد قال ‪" :‬من أحدث ِف أمرنا هذا‬
‫ما ليس منه فهو رد"‪.‬‬
‫(‪ )4‬كالراقي املبارك الشيخ عبد اهلل حممد السدحان ِف كتابه قواعد الرقية الشرعية‪ 43-41 .‬وذكر من املضار ما يلي‪-1 :‬أنه ال يكاد يشفى‬
‫من اجلمع الغفري سوى الواحد أو االثنني لفرتة مث يعود عليه املرض‪-2 .‬كثرة املصابني من مرافقي املرضى‪ ،‬والسبب تالعب الشياطني‬
‫جتدها فرصة ساَنة للتالعب بأعصاب الناس‪ ،‬فحينما يشرع الراقي ِف الرقية تقوم الشياطني بصرع املرضى وقيامهم حبركات هبلوانية‬
‫مفزعة فيستخف الناس‪ ،‬ويدب الرعب فيهم‪ ،‬وهنا بالذات حيصل التلبّس ببعض من حضر فيكثر املرضى‪-3 .‬بعض املرضى حياكي‬
‫بعضهم بعضاً ويقلد بعضهم بعضاً فيحصل اللبس على الراقي وال سيما املصابني مبرض نفسي‪-4 .‬أنه ال يتاح للراقي معرفة املشكلة‬
‫وال تاريخ املريض كما لو كانت القراءة فردية‪ -5 .‬أن بعض املرضى يغلبه احلياء وحيب أن ال يعرف مشكلته غري الراقي‪ ،‬والقراءة‬
‫اجلماعية تصرفه عن الراقي‪.‬‬
‫‪123‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مسائل خاصة بالمرأة في باب الرقى‪:‬‬


‫أوال‪ :‬رقية الرجل للمرأة‪ ،‬أو رقية المرأة للرجل‪:‬‬
‫الرقية نوع من التداوي؛ لكن باألدوية الشرعية‪ ،‬فيأخذ حكم الرقية حكم التطبيب باألدوية احلسية‪.‬‬
‫ومداواة املرأة للرجل أو العكس حاجة تنزل منزلة الضرورة وتقدر بقدرها‪.‬‬
‫ويدل على مشروعيتها ِف حال الضرورة أو احلاجة اليت تنزل منزلة الضرورة أحاديث كثرية منها‪ :‬حديث‬
‫ِ‬ ‫ِ ٍِ‬ ‫ال‪َ " :‬كا َن رس ُ ِ‬
‫ني الْ َماءَ‪َ ،‬ويُ َدا ِو َ‬
‫ين‬ ‫صا ِر َم َعهُ إِ َذا َغَزا‪ ،‬فَيَ ْسق َ‬ ‫ول اهلل ‪ ‬يَ ْغ ُزو بِأ ُِّم ُسلَْي ٍم َون ْس َوة م َن ْاألَنْ َ‬ ‫َُ‬ ‫أنس قَ َ‬
‫اجلَْر َحى"(‪ .)1‬وإذا كان باهبا باب الضرورة فال يكون فيها مباشرة وال مس إال ِف حال الضرورة القصوى إىل‬ ‫ْ‬
‫املس باأليدي(‪ .)2‬يستثىن من ذلك مداواة احملارم فاألمر فيه أوسع‪.‬‬
‫ِ‬ ‫الر ُج َل) وذكر حديث َعائِ َشةَ ‪ :‬أ َّ‬ ‫اب ِِف امل ْرأَةِ تَ ْرقِي َّ‬
‫ث‬‫َّيب ‪َ « ‬كا َن يَْنف ُ‬ ‫َن النِ َّ‬ ‫َِ‬ ‫ٌ‬ ‫وقد بوب البخاري (ب‬
‫َ‬
‫ث َعلَْي ِه هبِِ َّن‪ ،‬فَأ َْم َس ُح بِيَ ِد نَ ْف ِس ِه‬ ‫ُ‬
‫ات‪ ،‬فَلَ َّما ثَ ُقل ُكْنت أَنَا أَنِْ‬
‫ف‬ ‫َ ُ‬
‫ِ‬ ‫ذ‬
‫ض ف ُ َ ِّ َ‬
‫و‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫ْ‬ ‫ا‬‫ِ‬‫ب‬ ‫ِ‬
‫يه‬ ‫ِِ ِ‬ ‫ِِ‬
‫َعلَى نَ ْفسه ِِف َمَرضه الَّذي قُبِ َ‬
‫ِ‬ ‫س ب ِن ُحمَ َّم ِد ب ِن ْاألَ ْشع ِ‬ ‫ِ ِ (‪)3‬‬
‫ت"(‪.)4‬‬ ‫ين ُسوءٌ "فَ َرقَ ْت ِين َونَ َفثَ ْ‬ ‫ب ِيب إِ َىل َعائ َشةَ َوِِف َعْي ََّ‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ذ‬
‫َ‬ ‫‪:‬‬ ‫ال‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫‪،‬‬ ‫ث‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ي‬
‫ْ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫وعن‬ ‫‪،‬‬ ‫ل ََربَكت َها»‬
‫احلاصل جيوز رقية الذكر لألنثى أو العكس عند احلاجة اليت تنزل منزلة الضرورة وتقدر الضرورة بقدرها‬
‫من غري خلوة وال شهوة ومع أمن الفتنة(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬مسلم ح‪.)1810( - 135 :‬‬


‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬شرح النووي على مسلم (‪ .)188 / 12‬وقال الشوكاين ِف نيل األوطار (‪( )282 / 7‬جيوز للمرأة األجنبية معاجلة الرجل األجنيب‬
‫للضرورة‪ .‬قال ابن بطال‪ :‬وخيتص اتفاقهم ذلك بذوات احملارم‪ ،‬وإن دعت الضرورة فليكن بغري مباشرة وال مس‪ ،‬ويدل على ذلك‬
‫اتفاقهم على أن املرأة إذا ماتت ومل توجد امرأة تغسلها أن الرجل ال يباشر غسلها باملس بل يغسلها من وراء حائل ِف قول بعضهم‬
‫كالزهري‪ ،‬وِف قول األكثر‪ :‬تيمم‪ .‬وقال األوزاعي تدفن كما هي‪ .‬قال ابن املنري‪ :‬الفرق بني حال املداواة وغسل امليت أن الغسل عبادة‬
‫واملداواة ضرورة‪ ،‬والضرورات تبيح احملظورات اه ‪ .‬وهكذا يكون حال املرأة ِف رد القتلى واجلرحى فال تباشر باملس مع إمكان ما هو‬
‫دونه)‪ .‬وِف مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح (‪( )2536 / 6‬قال ابن اهلمام‪ :‬األوىل ِف إخراج النساء العجائز للمداواة والسقي)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ح‪.5751 :‬‬
‫(‪ )4‬مصنف ابن أيب شيبة ‪ 46/5‬ح‪ .23566 :‬وظاهر السياق أنه كان صبياً‪ .‬وِف تفسري القرطيب ‪ :318/10‬كانت عائشة تقرأ باملعوذتني‬
‫ِ‬
‫ت‬‫ِف إناء مث تأمر أن يصب على املريض‪ .‬وسياقه ِف مصنف ابن أيب شيبة ‪ 40/5‬ح‪َ 23509 :‬ع ْن أَِيب َم ْع َش ٍر‪َ ،‬ع ْن َعائ َشةَ‪« :‬أ ََِّنَا َكانَ ْ‬
‫ِ‬
‫ب َعلَى الْ َم ِر ِ‬
‫يض»‪.‬‬ ‫َال تَ َرى بَأْ ًسا أَ ْن يُ َع َّو َذ ِِف الْ َماء ُمثَّ يُ َ‬
‫ص َّ‬
‫(‪ )5‬ينظر‪ :‬وصييت للراقي واملسرتقي مطاعن ‪.62‬‬
‫‪124‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ثانيا‪ :‬حكم نظر الراقي الرجل للمرأة أثناء الرقية أو لمسها باليد‪:‬‬
‫ال خيلو‪:‬‬
‫‪ -1‬الزوجة‪ :‬فالنظر إليها أو تنظر إليه أو متسه أو يسمها فال إشكال ِف جوازه ِف غري الرقية(‪ ،)1‬وكذلك‬
‫يقال ِف أثناء الرقية‪.‬‬
‫‪-2‬ذوات المحارم‪ :‬وهن النساء اللوايت حيرم عليه الزواج منهن على التأبيد بنسب أو رضاع أو مصاهرة‪.‬‬
‫اتفق الفقهاء على أنه حيرم على الرجل النظر إىل ذوات حمارمه إذا كان ذلك بشهوة‪.‬‬
‫واتفقوا أيضاً على أنه حيرم عليه النظر من ذوات احملارم إىل ما بني السرة والركبة‪ ،‬سواء أكان ذلك بشهوة‬
‫أم بغريها‪ ،‬وعلى أنه يباح له النظر بغري شهوة إىل مواضع الزينة منهن‪ ،‬واختلفوا ِف حتديد مواضع الزينة اليت‬
‫يباح نظر الرجال إليها من ذوات حمارمهم(‪.)2‬‬
‫نشري إىل كالمهم ِف ذلك‪:‬‬
‫احلنفية‪ :‬ينظر الرجل من ذوات حمارمه إىل موضع الزينة الظاهرة والباطنة‪ :‬وهي الوجه والرأس والصدر‬
‫ين ِزينَتَ ُه َّن إَِّال لِبُعُولَتِ ِه َّن﴾ [النور‪ ]31 :‬اآلية‪ ،‬واملراد‬ ‫ِ‬
‫والساقني والعضدين‪ ،‬واألصل فيه قَ ْوله تَ َع َاىل‪َ ﴿ :‬وَال يُْبد َ‬
‫واهلل أعلم مواضع الزينة‪ ،‬وألن البعض يدخل على البعض من غري استئذان‪ ،‬واحتشام‪ ،‬واملرأة ِف بيتها ِف ثياب‬
‫مهنتها عادة‪ ،‬فلو حرم النظر إىل هذه املواضع أدى إىل احلرج‪ .‬وال ينظر إىل الظهر والبطن والفخذ؛ ألِنا‬
‫ليست مواضع الزينة‬
‫قالوا‪ :‬وما يباح أن ينظر إليه منها ال بأس أن ميسه؛ لقلة الشهوة للمحرمية؛ إال إذا كان خياف عليها أو‬
‫على نفسه الشهوة فحينئذ ال ينظر وال ميس(‪.)3‬‬
‫املالكية‪ :‬ينظر إىل ذراعيها إىل الكوعني ووجهها إىل فوق منحرها وأطراف القدمني‪ ،‬وال ينظر إىل ما‬
‫سوى ذلك‪ .‬وشرط إباحة النظر على غري وجه االلتذاذ واالستمتاع‪ .‬ونقل األيب‪ :‬بأن كل ما أبيح النظر فإَّنا‬
‫هو بغري شهوة وأما مع الشهوة فممتنع حىت نظر الرجل إىل ابنته وأمه‪ ،‬وكل ما منع النظر إليه أيضاً من مجيع‬
‫ما تقدم فإَّنا هو لغري حاجة فإن كان حلاجة جاز‪.‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬وال جيوز ترداد النظر وإدامته إىل امرأة شابة من ذوي احملارم أو غريهن إال عند احلاجة إليه‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬حاشية رد احملتار البن عابدين ‪ ،526/9‬مواهب اجلليل ‪ ،22/5‬تكملة اجملموع للمطيعي ‪ ،208/17‬املغين ‪.496/9‬‬
‫(‪ )2‬املوسوعة الكويتية الفقهية ‪.110-109/3‬‬
‫(‪ )3‬البناية على اهلداية ‪ ،157-153/12‬املبسوط للسرخسي ‪.149/10‬‬
‫‪125‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫والضرورة ِف الشهادة وَنوها وإَّنا يباح النظر إىل القواعد الاليت ال يرجون نكاحا والسالمة من ذلك أفضل‬
‫انتهى وقال ابن عبد الرب ِف التمهيد ِف شرح احلديث املتقدم‪ :‬وجائز أن ينظر إىل الوجه والكفني منها كل‬
‫من نظر إليها بغري ريبة وال مكروه وأما النظر للشهوة فحرام تأملها من فوق ثياهبا بالشهوة فكيف بالنظر إىل‬
‫وجهها مسفرة انتهى(‪.)1‬‬
‫الشافعية ‪ :‬قيل حيرم عليه ما بني السرة والركبة وجيوز ما عداه؛ ألن احملرمية حترم املناكحة فكانا كالرجلني‬
‫واملرأتني‪ .‬وقيل‪ :‬إَّنا حيل النظر إىل ما يظهر منها ِف املهنة فقط (الوجه والرأس والعنق واليد إىل املرفق والرجل‬
‫(‪)2‬‬
‫إىل الركبة)؛ ألن ما عدا ذلك ال ضرورة إىل النظر إليه‬
‫احلنابلة‪ :‬حيوز للرجل أن ينظر من ذوات حمارمه إىل ما يظهر غالبا كالرقبة والرأس والكفني والقدمني وَنو‬
‫ذلك وليس له النظر إىل ما يسترت غالبا‪ ،‬كالصدر والظهر وَنومها‪.‬‬
‫والقاضي من احلنابلة وافق قول الشافعية ِف أ ّن حكم الرجل مع ذوات حمارمه حكم الرجل مع الرجل‪،‬‬
‫واملرأة مع املرأة(‪.)3‬‬
‫اخلالصة‪ :‬أن النظر إىل ذوات احملارم ليس بإطالق‪ ،‬كما أن شرطه أال يكون بشهوة وإال منع‪ ،‬وجيوز مس‬
‫ما يباح النظر إليه بشرط عدم االفتتان‪.‬‬
‫‪-3‬األجنبية‪ :‬باتفاق الفقهاء حيرم النظر إليها مع الفتنة أو الشهوة أو خوف الوقوع فيهما أيا كان ّ‬
‫سن‬
‫األجنبية ولو عجوزا‪.‬‬
‫ومع عدم الفتنة وقع اخلالف مع التفريق بني العجوز والشابة‪:‬‬
‫أما الشابة فباتفاق الفقهاء حيرم نظر الرجل إىل عورهتا‪ ،‬واختلفوا ِف حتديد عورهتا‪ :‬فقيل عورهتا‪ :‬ما عدا‬
‫الوجه والكفني‪ ،‬وأما الوجه والكفني فيجوز النظر إليهما إن مل يكن بشهوة‪ ،‬ومل يغلب على الظن وقوع الشهوة‪.‬‬
‫وهذا مذهب احلنفية واملالكية‪ ،‬وهو مقابل الصحيح عند الشافعية‪ ،‬وعند احلنفية يقصد بالكف باطنه فقط‪،‬‬
‫وأما ظهره فيعترب عورة ال جيوز النظر إليها ِف ظاهر الرواية‪ ،‬وعند املالكية ال فرق بني ظاهر الكفني وباطنهما‪،‬‬
‫فال حي رم النظر إليهما بشرط أن ال يكون بقصد اللذة‪ ،‬ومل ختش الفتنة بسببه‪ ،‬وأن يكون الرجل مسلما إذا‬
‫كانت املرأة مسلمة‪ ،‬فأما الكافر فال حيل للمرأة املسلمة أن تبدي له أي عضو من أعضائها‪ ،‬ويعترب مجيع‬

‫(‪ )1‬مواهب اجلليل ‪ .500/1‬وينظر‪ :‬التاج واإلكليل ‪.182/2‬‬


‫(‪ )2‬مغين احملتاج ‪.210/4‬‬
‫(‪ )3‬املغين البن قدامة ‪.98/7‬‬
‫‪126‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫جسدها عورة بالنسبة له‪.‬‬


‫وقيل‪ :‬كلها عورة حىت وجهها وكفيها خاف الفتنة أم مل خيف الفتنة فيحرم النظر إليهما‪ .‬وهذا هو قول‬
‫الشافعية على الصحيح‪ ،‬وهو املذهب عند احلنابلة‪ ،‬وظاهر كالم أمحد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يكره النظر إليهما وال حيرم ويندب غض البصر عنهما ولو بغري شهوة‪ .‬وهذا قول بعض املتأخرين‬
‫من احلنفية وأصحاب الفتاوى‪ ،‬وعبارة ابن عابدين أن األحوط عدم النظر مطلقاً‪ ،‬وهو رواية عن أمحد وقول‬
‫القاضي من احلنابلة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬جيوز النظر إىل الوجه والكفني والقدمني من املرأة األجنبية بغري شهوة‪ ،‬وهذا القول رواه احلسن بن‬
‫زياد عن أيب حنيفة‪ ،‬وذكره الطحاوي‪ ،‬وهو قوله بعض فقهاء املالكية‪.‬‬
‫وعن أيب يوسف أنه جيوز النظر إىل الذراعني أيضا عند الغسل والطبخ‪.‬‬
‫وقيل جيوز النظر إىل الساقني إذا مل يكن النظر عن شهوة‪.‬‬
‫أما العجوز‪ :‬فقيل‪ :‬جيوز النظر إىل وجهها وكفيها إذا كانت ال تشتهى وغري متربجة بزينة‪ ،‬وهذا هو قول‬
‫مجهور الفقهاء من احلنفية واملالكية واحلنابلة‪ .‬ونص احلنفية على جواز مس املرأة العجوز اليت ال تشتهى‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ال فرق بني الشابة والعجوز ِف حكم النظر إليهما‪ ،‬فيحرم كله‪ ،‬وال جيوز النظر إىل شيء من بدن‬
‫العجوز وإن مل تكن تشتهى‪ ،‬وهذا القول هو األرجح واملعتمد عند الشافعية‪ ،‬لعموم األدلة املانعة من النظر‬
‫إىل املرأة األجنبية‪ ،‬وألن الشهوة ال تنضبط بضابط‪.‬‬
‫هذا خالصة اخلالف‪ ،‬إال أ ّن االتفاق منعقد على املنع من النظر مع الفتنة أو سوء الزمان‪ .‬كما أ ّن‬
‫االتفاق منعقد على إباحة النظر عند احلاجة أو الضرورة‪.‬‬
‫واملنع من املس ِف الشابة األجنبية حمل اتفاق ولو من غري شهوة لعدم ضرورة املس‪ ،‬أما مع الشهوة فيحرم‬
‫املس لكل امرأة ولو عجوز(‪.)1‬‬
‫وسبق أ ّن الرقية تأخذ حكم التطبيب؛ والتطبيب جيوز للطبيب أن يرى موضع األمل إذا وجدت احلاجة‬
‫أو الضرورة إىل النظر بشرط عدم اخللوة وعدم وجود امرأة حتسن ذلك مع شرط أمانة الطبيب ما أمكن(‪.)2‬‬

‫(‪)1‬يراجع ِف اخلالف املوسوعة الفقهية الكويتية ‪ 109/2‬وما بعدها‪ .‬تكملة فتح القدير ‪ ،34/10‬كشاف القناع ‪ .14/5‬مع استحضار‬
‫أن جملة من الخالف الواقع نشأ عن الخلط بين عورة النظر وعورة الصالة‪ .‬ينظر‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ 109/22‬رسالة‬
‫الشيخ عبد العزيز الطريفي بعنوان احلجاب ِف الشرع والفطرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬تكملة فيتح القدير ‪ 31/10‬حاشية ابن عابدين ‪ ،533/9‬مواهب اجلليل ‪ ،22/5‬تكملة اجملموع ‪ ،207/17‬كشاف القناع ‪.12/5‬‬
‫‪127‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تلك الشروط ِف التطبيب احلسي؛ لكن ِف الرقية ال يوجد ِف الغالب ضرورة تستدعي إىل النظر أو املس‪،‬‬
‫فالرقية عبارة عن قراءة ونفث وهذا ممكن من غري نظر وال مس ِف الغالب‪ِ ،‬بالف عمل الطبيب احلسي الذي‬
‫عمله قد يستوجب النظر أو املس كثرياً(‪.)1‬‬
‫وِف املعيار املعرب للونشريسي‪( :‬سألتم وفقكم اهلل عن النساء يتعرضن لكم بالرقى‪ ،‬فأما الرقى بكالم اهلل‬
‫وبالكالم الطيب فال بأس به لكل من طُلِب منه ذلك‪ ،‬ما مل تكن امرأة ال حتل لك‪ ،‬فال تسرتقي هلا مبس‬
‫شيء من جسدها‪ ..،‬فابتعد عن مالقاة من ال حيل لك النظر إىل وجهها أو شيء من حماسنها بكل وجه‪،‬‬
‫رخص ِف ذلك للخاطب أو شهادة على وجهها أو الطبيب‪ ،‬وأما الراقي فليس له ذلك بوجه)(‪.)2‬‬ ‫وقد ّ‬
‫أما لو دعت ضرورة إىل كشف الراقي حملل اإلصابة وكان الراقي تقياً أمينا خياف على نفسه الفتنة والشهوة‬
‫فأفىت الشيخ ابن عثيمني حبل ذلك مع شرط عدم اخللوة(‪.)3‬‬
‫والذي ينبغي التذكري به‪ :‬أ ّن معصية الراقي تضعف أثر الرقية واالنتفاع هبا‪ ،‬فكيف إذا كانت هذه املعصية‬
‫أثناء الرقية فذلك أحق بعدم انتفاع املريض بالرقية؛ والشيطان أحرص ما يكون على اإلضرار ببين آدم فعداوته‬
‫قدمية ومن ذلك الوسوسة إىل الراقي باملعصية ليجعله من حزبه أو يضعف االنتفاع به أو برقيته ومن ذلك قصة‬
‫برصيصا العابد‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الخلوة بالمرأة األجنبية لغرض الرقية‪:‬‬
‫حذرنا اهلل من خطوات الشيطان‪ ،‬وِف قصة برصيصا العابد للرقاة عربة(‪ ،)4‬والنيب ‪ ‬أخربنا حمذراً‪" :‬ما‬
‫تركت بعدي فتنة أضر على الرجل من النساء"(‪ ،)5‬وِنى النيب ‪ ‬عن اخللوة باألجنبية إال مع حمرم أو وجود‬
‫شخص آخر(‪ ،)6‬وأفاد ‪ ‬بأ ّن اخللوة حيضرها الشيطان "َال َخيْلَُو َّن َر ُج ٌل بِ ْامَرأَةٍ إَِّال َكا َن ثَالِثَ ُه َما الشَّْيطَا ُن"(‪،)7‬‬
‫واخللوة باألجنبية حمرم عند األئمة األربعة(‪.)8‬‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الفتاوى الذهبية ِف الرقى الشرعية الفتوى البن جربين ‪.42‬‬
‫(‪ )2‬املعيار املعرب ‪.226/11‬‬
‫(‪ )3‬الفتاوى الذهبية ِف الرقى الشرعية الفتوى البن عثيمني ‪.96‬‬
‫ان إِ ْذ قَ َال لِ ِْإلنس ِ‬
‫ان ا ْك ُف ْر‪ ﴾..‬آية ‪ 16‬سورة احلشر‪.‬‬ ‫(‪ )4‬سبق ذكر القصة‪ ،‬وتوردها كتب التفسري عند قوله تعاىل‪َ ﴿ :‬كمثَ ِل الشَّيطَ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫(‪ )5‬البخاري ح‪ ،5096 :‬مسلم ح ‪.)2741( - 98‬‬
‫(‪ )6‬البخاري ح‪ ،3006 :‬مسلم ح‪.)1341( - 424 :‬‬
‫(‪ )7‬الرتمذي ح‪ ،2165 :‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )8‬حاشية ابن عابدين ‪ ،529/9‬عقد اجلواهر البن شاس ‪ ،548/3‬اجملموع للنووي ‪ ،69/7‬كشاف القناع ‪.15/5‬‬
‫‪128‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫بل بعض الفقهاء األحناف‪ ،‬قال‪ :‬ينبغي أال خيلو بأخته من الرضاع؛ ألن الغالب هناك الوقوع ِف‬
‫اجلماع(‪ ،)1‬لضعف الغرية عليها‪ .‬وال فرق بني الشابة والكبرية ِف اخللوة فاحلديث ِف النهي عام عن كل امرأة‪،‬‬
‫وألن املرأة مظنة الطمع فيها ومظنة الشهوة ولو كبرية‪ ،‬وقد قالوا لكل ساقطة القطة؛ وإذا حضر الشيطان‬
‫زخرف القبيح وزين الرديء حىت تغلب الشهوة؛ مث إذا غلبت غاب العقل(‪.)2‬‬
‫وال يصح ِف الرقية اخللوة باملرأة حبجة الضرورة للرقية؛ وأن الضرورات تبيح احملظورات وأن الفقهاء ذكروا‬
‫الضرورة عذرا ِف اخللوة باألجنبية ومثلوا لذلك باملرأة املنقطعة ِف السفر كما ِف حادثة األفك وعائشة وصفوان‬
‫بن املعطل السلمي ‪.‬‬
‫ال يصح ذلك ِف الرقية؛ ألن الرقية ميكن تأخريها إال أن تزول اخللوة حبضور حمرم أو جمموعة نساء أو‬
‫جمموعة رجال ثقات؛ ِبالف ضرورة املنقطعة ِف السفر فتأخري محلها حىت تزول اخللوة ليس ممكناً ِف كل‬
‫حال‪.‬‬
‫وهل يصح مجع النساء ِف مكان واحد للرقية من غري حضور رجال؟ اجتماع أكثر من امرأة ال يعد‬
‫خلوة؛ فا خللوة رجل بامرأة أجنبية ال ثالث هلما‪ .‬فإذا وجد ثالث هلما رجل أو امرأة مل يسم خلوة؛ مع شرط‬
‫األمانة من الراقي واألمانة من احلاضر الثالث ليكون سبباً ِف دفع الشيطان املوسوس ال أن يكون الثالث‬
‫احلاضر شيطاناً إنسياً(‪ !)3‬فيجتمع شيطان اجلن واإلنس!‬
‫رابعا‪ :‬الرقية حال الحيض والجنابة‪ .‬ولها أحوال‪:‬‬
‫‪ -1‬املرأة احلائض يرقيها طاهر‪ :‬ال إشكال ِف جواز ذلك سواء كانت الرقية من القرآن أو من األدعية؛‬
‫ألنه ليس من شرط االستماع للقرآن الطهارة من احلدث األكرب أو األصغر‪ ،‬فقد كان ‪ ‬ي ت ِ‬
‫َّك ُئ ِِف َح ْج ِر‬ ‫َ‬
‫ض‪ُ ،‬مثَّ يَ ْقَرأُ ال ُق ْرآ َن‪ .)4(‬والرقية مساع قرآن ودعاء‪ ،‬واحليض ال حيرم عليها االستماع للقرآن‬ ‫ِ‬
‫عائشة وهي َحائ ٌ‬

‫(‪ )1‬حاشية ابن عابدين ‪.530/9‬‬


‫(‪ )2‬ينظر شرح مسلم للنووي ‪ ،105/9‬حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباين (‪ ،)488 / 2‬الشرح املمتع على زاد املستقنع (‪/ 10‬‬
‫‪ )113‬البن عثيمني‪.‬‬
‫ان» قال النووي‬‫«ال ي ْدخلَ َّن رجل‪ ،‬ب ع َد ي وِمي ه َذا‪ ،‬علَى مغِيب ٍة‪ ،‬إَِّال ومعه رجل أَ ِو اثْنَ ِ‬
‫َََُ َ ُ ٌ‬ ‫(‪ )3‬جاء عند مسلم ح‪ )2173( - 22 :‬أنه‪ ‬قال‪َ ُ َ َ ْ َ ْ َ ٌ ُ َ ُ َ َ :‬‬
‫ِف شرح مسلم (‪( :)155 / 14‬ظاهر هذا احلديث جواز خلوة الرجلني أو الثالثة باألجنبية واملشهور عند أصحابنا حترميه فيتأول‬
‫احلديث على مجاعة يبعد وقوع املواطأة منهم على الفاحشة لصالحهم أو مروءهتم أو غري ذلك وقد أشار القاضي إىل َنو هذا‬
‫التأويل)‪ .‬وينظر‪ :‬الفتاوى الذهبية ِف الرقى الشرعية ‪ 26‬فتاوى اللجنة الدائمة رقم ‪.7323‬‬
‫(‪ )4‬البخاري ح‪ 297 :‬مسلم ح‪.)301( - 15‬‬
‫‪129‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫أو الذكر‪ ،‬والرقية ال خترج عن ذلك‪.‬‬


‫‪-2‬املرأة احلائض ترقي غريها‪:‬‬
‫أما رقيتها باألدعية غير القرآن‪ :‬فال إشكال ِف جوازه؛ ألنه ليس من شرط الدعاء الطهارة من احلدث‬
‫َحيَانِه(‪ )1‬وحكى النووي اإلمجاع على جواز ذكر‬ ‫األكرب أو األصغر؛ وقد َكا َن النِ ُّ‬
‫َّيب ‪ ‬يَ ْذ ُك ُر اهللَ َعلَى ُك ِّل أ ْ‬
‫اهلل تعاىل بالتسبيح والتهليل والتكبري والتحميد وشبهها من األذكار غري القرآن للحائض واجلنب على‬
‫خالف(‪ .)2‬ومعلوم أن احلائض يشرع هلا التلبية والدعاء ِف عرفة ومزدلفة وعند اجلمرة كغريها من النساء‪ .‬والرقية‬
‫باألدعية من جنس ذلك‪.‬‬
‫أما رقيتها بالقرآن‪ :‬فيتخرج على خالف العلماء ِف حكم قراءة احلائض للقرآن‪:‬‬
‫وقد اختلفوا على قولني‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬مجهور العلماء أنه ال جيوز هلا أن تقرأ شيئاً من القرآن(‪)3‬؛ خلرب ابن عمر ‪ ‬مرفوعاً‪َ" :‬ال‬
‫تَ ْقرأِ احلائِض‪ ،‬وَال اجلنُب َشيئًا ِمن ال ُقر ِ‬
‫آن"(‪.)4‬‬‫َ َ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ‬
‫القول الثاين‪ :‬هلا أن تقرأ القرآن وهذا قول املالكية والشافعية ِف القدمي واختيار ابن تيمية(‪ .)5‬وحجتهم‪:‬‬
‫أنه مل يرد نص صريح صحيح ِف منع احلائض من قراءة القرآن‪ ،‬وحديث ابن عمر قال ابن تيمية‪( :‬حديث‬
‫ضعيف باتفاق أهل املعرفة باحلديث)‪ ،‬وقال‪( :‬ومعلوم أ ّن النساء كن حيضن على عهد رسول اهلل ‪ ،‬ومل‬

‫ول فَ َسلَّ َم‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬


‫(‪ )1‬مسلم ح‪ )373( - 117 :‬وإن كان املستحب الطهارة عند الذكر حلديث الْ ُم َهاج ِر بْ ِن قُْن ُفذ‪ ،‬أَنَّهُ أَتَى النِ َّ‬
‫َّيب ‪َ ‬وُه َو يَبُ ُ‬
‫ت أَ ْن أَذْ ُكَر اللَّهَ ‪ ‬إَِّال َعلَى طُ ْه ٍر أ َْو قَ َ‬ ‫ِ‬ ‫َعلَْي ِه‪ ،‬فَلَ ْم يَ ُرَّد َعلَْي ِه َح َّىت تَ َو َّ‬
‫ال‪َ :‬علَى طَ َه َارةٍ " رواه أبو داود‬ ‫ضأَ‪ُ ،‬مثَّ ْاعتَ َذ َر إِلَْيه فَ َق َال "إِ ِّين َك ِرْه ُ‬
‫ح‪ 17 :‬وصححه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )2‬شرح النووي على مسلم ‪.68/4‬‬
‫(‪ )3‬فتح القدير البن اهلمام ‪ ،169/1‬اجملموع للنووي ‪ ،387/1‬حاشية ابن قاسم احلنبلي ‪.278/1‬‬
‫(‪ )4‬الرتمذي ح‪ 131 :‬وقال‪ :‬وِف الباب عن علي‪ ،‬حديث ابن عمر حديث ال نعرفه إال من حديث إمساعيل بن عياش‪ ،‬عن موسى بن‬
‫عقبة‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬عن النيب صلى ‪ ‬قال‪« :‬ال تقرأ اجلنب وال احلائض» وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النيب‬
‫‪ ،‬والتابعني‪ ،‬ومن بعدهم مثل‪ :‬سفيان الثوري‪ ،‬وابن املبارك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأمحد وإسحاق‪ ،‬قالوا‪ :‬ال تقرأ احلائض وال اجلنب من‬
‫القرآن شيئا‪ ،‬إال طرف اآلية واحلرف وَنو ذلك‪ ،‬ورخصوا للجنب واحلائض ِف التسبيح والتهليل‪ ،‬ومسعت حممد بن إمساعيل‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫«إن إمساعيل بن عياش يروي عن أهل احلجاز‪ ،‬وأهل العراق أحاديث مناكري‪ ،‬كأنه ضعف روايته عنهم فيما يتفرد به»‪ ،‬وقال‪« :‬إَّنا‬
‫حديث إمساعيل بن عياش عن أهل الشأم» وقال أمحد بن حنبل‪« :‬إمساعيل بن عياش أصلح من بقية‪ ،‬ولبقية أحاديث مناكري عن‬
‫الثقات»‪ .‬حدثين بذلك أمحد بن احلسن‪ ،‬قال‪ :‬مسعت أمحد بن حنبل يقول ذلك‪ .‬اه ‪ .‬واحلديث قال عنه األلباين‪ :‬منكر‪.‬‬
‫(‪ )5‬بداية اجملتهد ‪ ،49/1‬حاشية الدسوقي ‪ ،284/1‬اجملموع للنووي ‪ ،387/1‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪.460/21‬‬
‫‪130‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫يكن ينههن عن قراءة القرآن‪ ،‬كما مل يكن ينههن عن الذكر والدعاء)‪.‬‬


‫قالوا‪ :‬وال يصح قياس احلائض على اجلنب؛ ألن اجلنابة مدهتا قصرية وميكن رفعها باالغتسال مىت أراد‬
‫ذلك اجلنب‪ ،‬أما احليض فمدهتا تطول غالباً وليس باختيار املرأة رفعه حىت تطهر بأمر اهلل تعاىل‪ .‬ولعل هذا‬
‫القول هو األقرب‪.‬‬
‫وعلى القول الثاين جيوز أن تتضمن رقية احلائض آيات من القرآن‪.‬‬
‫‪-3‬أما اجلنب‪ :‬فال خيلو‪:‬‬
‫طاهر يرقي جنبا فالجنب هو المرقي‪ :‬األوىل واألنفع اغتسال اجلنب قبل الرقية أو وضوئه على األقل؛‬
‫ليكون أعون له ِف االنتفاع من الرقية‪ ،‬فإن اجلنب ال تقربه املالئكة حىت يتوضأ حلديث عمار بن ياسر أنه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ضأَ"(‪ .)1‬وحضور‬ ‫ب‪ ،‬إَِّال أَ ْن يَتَ َو َّ‬
‫اجلُنُ ُ‬
‫اخلَلُ ِ‬
‫وق‪َ ،‬و ْ‬ ‫‪ ‬قال‪" :‬ثََالثَةٌ َال تَ ْقَرُهبُ ُم الْ َم َالئِ َكةُ‪ :‬جي َفةُ الْ َكاف ِر‪َ ،‬والْ ُمتَ َ‬
‫ض ِّم ُخ بِ ْ‬
‫املالئكة أعون له ِف االنتفاع وأبعد له عن الشياطني‪ .‬والسياق عن األنفع ال عن احلكم الشرعي‪ .‬أما من‬
‫حيث احلكم الشرعي فليس من شرط مساع القرآن أو الذكر الطهارة من احلدث األكرب كما سبق اإلشارة إليه‬
‫ِف احلائض‪.‬‬
‫جنب يرقي غيره أو نفسه فالجنب هو الراقي‪ :‬فإن كانت الرقية باألدعية واألذكار غري القرآن؛ فكما‬
‫سبق أنه ليس من شرط الذكر والدعاء الطهارة من احلدث األكرب‪.‬‬
‫وإن كانت الرقية بالقرآن‪ ،‬فيتخرج على اخلالف ِف حكم قراءة اجلنب للقرآن‪ ،‬وقد اختلفوا على قولني‬
‫مشهورين أو ثالثة‪:‬‬
‫ول‬‫القول األول‪ :‬مجهور أهل العلم مينع اجلنب من قراءة شيء من القرآن(‪ .)2‬حلديث علي ‪ ‬إِ َّن َر ُس َ‬
‫اللَّ ِه ‪َ ‬كا َن َخيُْر ُج ِم َن اخلََال ِء فَيُ ْق ِرئُنَا الْ ُق ْرآ َن‪َ ،‬ويَأْ ُك ُل َم َعنَا اللَّ ْح َم َوَملْ يَ ُك ْن َْحي ُجبُهُ ‪ -‬أ َْو قَ َ‬
‫ال‪َْ :‬حي ِج ُزهُ ‪َ -‬ع ِن‬
‫اجلَنَابَةَ(‪ .)3‬قال ابن تيمية‪( :‬األئمة األربعة متفقون على منعه من ذلك)‪ ،‬وقال الكاساين‪:‬‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬
‫الْ ُق ْرآن َش ْيءٌ لَْي َ‬

‫(‪ )1‬أبو داود ح‪ 4180 :‬وحسنه األلباين‪.‬‬


‫(‪ )2‬فتح القدير البن اهلمام ‪ ،169/1‬اجملموع للنووي ‪ ،189/1‬حاشية ابن قاسم على الروض ‪.387/1‬‬
‫(‪ )3‬رواه أبو داود ح‪ 229 :‬وممن صحح هذا احلديث من األئمة‪ :‬الرتمذي وابن خزمية وابن حبان واحلاكم والبغوي وعبد احلق اإلشبيلي‬
‫ال اإلمام‬
‫وابن عبد الرب‪ .‬ومن املتأخرين‪ :‬الشيخ أمحد شاكر وابن باز رحم اهلل اجلميع‪ .‬ولكن أكثر أهل احلديث على تضعيفه‪ .‬قَ َ‬
‫الشَّافِعِي‪" :‬أهل احلَ ِديث َال يثبتونه" انتهى من "خالصة األحكام" (‪ .)207/1‬واحلديث وإن كان متكلماً فيه سنده إال أنه له شواهد‬
‫ترتفع به إال رتبة احلسن لغريه‪ .‬ومما يقويه أنه نقل عن مخسة من الصحابة ‪ ‬منع اجلنب من قراءة القرآن‪ ،‬قال أبو احلسن املاوردي‪:‬‬
‫الص َحابَِة ُمْنتَ ِشًرا ِعْن َد الْ َكافَِّة َح َّىت َال َخيْ َفى َعلَى ِر َجاهلِِ ْم َونِ َسائِ ِه ْم) احلاوي الكبري ‪.148/1‬‬ ‫( َْحت ِرميَ الْ ِقَراءَةِ َعلَى ْ‬
‫اجلُنُ ِ‬
‫ب قَ ْد َكا َن َم ْش ُه ًورا ِِف َّ‬
‫‪131‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫(وال يباح للجنب قراءة القرآن عند عامة العلماء)(‪.)1‬‬


‫القول الثاين‪ :‬جيوز للجنب قراءة اليسري من القرآن إذا قصد االستعاذة –كآية الكرسي واملعوذات‪ -‬أو‬
‫الذكر أو االستدالل على حكم‪ .‬وهو قول بعض املالكية(‪ .)2‬ولعلهم استدلوا مبا نقل عن ابن عباس أنه كان‬
‫ال يرى بأساً أن يقرأ اجلنب اآلية واآليتني‪ ،‬ومبا نقل عنه ‪ ‬أنه كان يقرأ ورده من القرآن وهو جنب(‪.)3‬‬
‫وأجيب بأن القصد بالورد الذكر ال القرآن‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬جيوز للجنب قراءة القرآن مطلقاً‪ .‬وهذا مذهب الظاهرية‪ .‬ومما استدلوا به على اجلواز‪:‬‬
‫َحيَانِِه‪ .‬رواه مسلم(‪ .)4‬ومن األحيان حال اجلنابة‪،‬‬ ‫حديث عائشة ‪َ :‬كا َن النِ ُّ‬
‫َّيب ‪ ‬يَ ْذ ُك ُر اهللَ َعلَى ُك ِّل أ ْ‬
‫والذكر يشمل القرآن‪ .‬وأجيب‪ :‬بأن ذكر اهلل إذا أطلق ال يراد به القرآن(‪ )5‬قال ابن عبد الرب‪( :‬ش َذ داود عن‬
‫اجلماعة بإجازة قراءة القرآن للجنب)(‪.)6‬‬
‫هذا خالفهم ِف قراءة اجلنب للقرآن وعلى هذا اخلالف يتخرج لنا ثالثة أقوال ِف حكم رقية اجلنب‬
‫بآيات من القرآن‪.‬‬

‫وقال ابن رجب‪( :‬واالعتماد ِف املنع على ما روي عن الصحابة) انتهى من فتح الباري ‪ .49/2‬بواسطة موقع اإلسالم سؤال وجواب‪.‬‬
‫(‪ )1‬جمموع الفتاوى البن تيمية ‪ ،344/21‬بدائع الصنائع ‪ .37/1‬وينظر‪ :‬جمموع الفتاوى البن تيمية أيضاً ‪.12/17 ،190/26‬‬
‫(‪ )2‬ينظر‪ :‬حاشية الدسوقي ‪.228/1‬‬
‫(‪ )3‬ينظر‪ :‬األوسط البن املنذر (‪ ،)98/2‬تغليق التعليق (‪ )171/2‬بواسطة اإلسالم سؤال وجواب‪.‬‬
‫(‪ )4‬احمللى ‪.77/1‬‬
‫(‪ )5‬ذكره ابن رجب ِف فتح الباري ‪.45/2‬‬
‫(‪ )6‬االستذكار ‪ .474/2‬استفيد ِف مسألة قراءة القرآن للجنب من موقع اإلسالم سؤال وجواب بإشراف الشيخ حممد املنجد‪.‬‬
‫‪132‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫كيفية الرقية‪:‬‬
‫مضى منثوراًكيفيات وصفات خاصة لبعض األمراض‪ ،‬كما مضى حبث وضع اليد والنفث‪ ..‬لكن نوجز‬
‫هنا صفة الرقية عموماً‪:‬‬
‫‪-1‬ينوي النية احلسنة املباركة عند بدء الرقية‪ :‬التعبد هلل تعاىل والسعي ِف حاجة مسلم ‪-‬إذا كان يرقي‬
‫غريه‪ -‬وينوي برقيته طلب الشفاء والعافية واهلداية للجان‪.‬‬
‫وحيرص على التحصني لنفسه ومكانه باألذكار واألوراد لئال تؤذيه اجلن وقد سبق إرشاد ابن تيمية إىل‬
‫ذلك‪ .‬ومن ذلك أيضاً أن حيرص على تعاهد أهله وولده بالتحصني وتذكريهم باألوراد –أذكار الصباح‬
‫واملساء‪ -‬لئال تؤذي اجلن الراقي ِف أهله أو تعبث هبم؛ إذ إن الراقي كاحملارب للجن‪ ،‬واجلن فيهم جهل وظلم‬
‫فإذا عجزوا عن إحلاق األذى بالراقي فقد يقصدون إحلاق األذى بأهله أو ولده انتقاماً منه‪.‬‬
‫‪-2‬توضع اليد على موضع األمل خاصة أو على الرأس والصدر عامة‪.‬‬
‫وتعرف على ش ّدة املرض‪ ،‬واخلبري بالعالج قد يعرف العلة من‬ ‫ومن فائدة وضع اليد تأنيس للمريض‪ّ ،‬‬
‫املس فيصف من الدواء الطبيعي ما يناسب الداء باإلضافة للرقية‪ ،‬كما أ ّن هلا أثر ِف تسكني النفس(‪ .)1‬وإَّنا‬
‫توضع اليد ِف احلاالت اليت جيوز وضع اليد كما سبق تفصيله‪.‬‬
‫‪-3‬يبدأ برتتيل الرقية بصوت مسموع ِبشوع قلب وحضور فكر وتدبر لآليات‪.‬‬
‫ومن فائدة إظهار الصوت‪ :‬التمييز بني الراقي وبني املشعوذ الذي يتمتم مبا ال يسمع خيفي شيئاً ويظهر‬
‫شيئاً؛ وألن مساع الرقية من املريض أدعى حلصول السكينة خاصة إذا كان صوت الراقي حسناً‪.‬‬
‫وال جيب أن يكون الصوت مسموعاً؛ لكن ذلك أفضل‪.‬‬
‫‪-4‬خيتار من اآليات واألدعية ما يناسب املرض‪ ،‬أو يرقى بالرقى العامة اليت تصلح لكل مرض‪ ،‬كما‬
‫سبق‪ .‬وال يطيل ِف الرقية إطالة تضجر املريض فذاك الصحايب رقى بالفاحتة فقط‪.‬‬
‫‪-5‬التكرار ِف الرقية سواء ِف جملس واحد بأن يكرر آيات أو سورة‪ ،‬وسواء ِف ذلك تكرارها ِف جملس‬
‫واحد كما نقل تكرارها ثالثاً وسبعاً‪ ،‬أو ِف جمالس بأن يرقي اليوم مث يرقي ِف يوم آخر وثالث‪ ..‬وقد سبق بيان‬
‫ذلك ِف كيفيات الرقية املنقولة عن النيب‪.‬‬
‫وتكرار استعمال الدواء ليقاوم الداء فيذهبه من أكرب قواعد الطب الطبيعي والطب اإلهلي(‪ )2‬سواء ِف‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬فتح الباري ‪ .120 /10‬باب وضع اليد على املريض‪ ،‬زاد املعاد ‪.157/4‬‬
‫(‪ )2‬إرشاد الساري ‪ .415/12‬وينظر‪ :‬الرقية الشرعية من الكتاب والسنة للجوراين‪.‬‬
‫‪133‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫تكرار الرقية أو ِف تكرار الدعاء فالنيب ‪ ‬دعا ودعا مث دعا حىت كشف اهلل له مكان السحر كما سبق‪.‬‬
‫‪-6‬حيرص على أال يتكلم مع اجلين ابتداءً؛ فإن نطق ال ينشغل باحلديث معه لئال يصرفه عن الرقية‬
‫ويقتصر على السؤال عن مكان السحر أو طلب اخلروج من جسد املريض ويرغبه ِف ذلك؛ فإن خرج وإال‬
‫انتهره وهدده ولعنه فإن مل ينفع فممكن يضربه إذا كان يعرف كيف يضرب؟ وأين يضرب؟ –وقد سبق‬
‫تفصيل ذلك‪.-‬‬
‫والراقي إذا قرأ الرقية على املريض سيواجه حالة من ثالث حاالت غالباً(‪:)1‬‬
‫ينص ِرع املريض مباشرةً فيصرخ ُّ‬
‫اجلان وينطق على لسانه‪:‬‬ ‫احلالة األوىل‪ :‬أ ْن َ‬
‫وع مبا ظهر لديه‪ ،‬أو عرفه عن حالة املريض‪ .‬فإن‬ ‫املصر ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وحينها خياطبه الراقي بال توس ٍع على َح َسب حالة ُ‬
‫حر إ ْن كان السحر ِف دخل اجلسد بالشرب أو األكل وَنو‬ ‫كانت احلالة ِس ْحراً؛ يؤمر اجلان بأ ْن يستفرغ ِّ‬
‫الس َ‬
‫ذلك‪َّ .‬أما إ ْن كان السحر مت بعمل سحري موضوع ِف مكان "ما" فيؤمر اجلان بأ ْن ُخيرب مبكانه‪ ،‬مع استحضار‬
‫أن اجلين كذوب مراوغ‪.‬‬
‫وإذا عرف مكان العمل السحري استخرج ويتم حله حبسب نوع العمل السحري كما سبق تفصيله‪ .‬مث‬
‫السحر‪ -‬باخلروج طاعةً هلل تعاىل‪ ،‬وخيرب بأ ّن هذا ال َحي ُّل له‪ ،‬وأنه ظُْل ٌم‬ ‫يؤمر العارض اجلان املتلبِّس ‪-‬خادم ِّ‬
‫ُ‬
‫كرر الرقية عليه حىت اليقني من حصول الشفاء‪ .‬وإ ْن عاد اجلين فتعاد الرقية‪.‬‬ ‫وحر ٌام‪ ،‬وتُ ّ‬
‫اجلن؛ فهنا يؤمر‬‫بعارض من ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫العني مصحوبةً‬ ‫وع َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أن به َعْيناً؛ فقد تكون ُ‬ ‫املصر ِ‬
‫وإ ْن ظهر للراقي من حال ُ‬
‫اجلان بأ ْن يستفرغها أو خيرجها‪ ،‬مث يؤمر باخلروج من جسد املعيون‪ ،‬وستزول العني حبول اهلل تعاىل بالرقية‪ .‬وإ ْن‬
‫الرقية يذهبها اهلل تعاىل حبوله وقدرته‪ ،‬والعني اليت بدون عارض أسرع ِف‬ ‫لمت من ذلك العارض؛ فمع ُّ‬ ‫سِ‬
‫َ‬
‫التشاِف بأمر اهلل تعاىل(‪.)2‬‬
‫تدي‪ ،‬ويُشدَّد عليه حىت ُخيرجه اهلل‬ ‫وإن كانت احلالة م َّساً؛ أي‪ :‬تلَبُّساً؛ فيعامل اجلان معاملة الصائل املع ِ‬
‫ُْ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫تعاىل‪.‬‬
‫ور نوعان‪-1:‬‬ ‫احلض ُ‬
‫ضور للجان على جسد املريض‪ ،‬و ُ‬ ‫احلالة الثانية‪ :‬أ ْن ال يُصرع املريض‪ ،‬ويكون هناك ُح ٌ‬

‫(‪ )1‬من هنا إىل آخر احلالة الثالثة منقول بتصرف من كتاب اجلوراين الرقية الشرعية ‪.106-104‬‬
‫يستقر ِف البطن وتزول باالستفراغ‪ ،‬وهو الغالب‪ ،‬ومنها ما يذهب ِبروج بقع على اليدين والقدمني‬ ‫(‪ )2‬خلروج العني صور كثرية‪ :‬فمنها ما ُّ‬
‫وكأِنا حروق أو كدمات تزول بعد حني‪ ،‬ورمبَّا ظهرت على املكان احملسود عليه فيشعر حبرارة شديدة مع محُْرة قوية ِف الوجه أو الصدر‬
‫ضور‬
‫ط؛ فل ُك ِّل جان ُح ٌ‬
‫أو اليدين مث يزول‪ ،‬ورمبا صرفها اهلل من غري سبب ظاهر ويشعر املصاب بالعافية‪ .‬والعالمات ال جيمعها ضاب ٌ‬
‫صه‪ ،‬وقد تتشابه فيما بينها‪ ،‬وقد يظهر لر ٍاق ما ال يظهر آلخر‪ ،‬وهلل ِف خلقه شؤون‪.‬‬‫وعالمات َخت ُّ‬
‫ٌ‬ ‫خاص به‪،‬‬
‫ٌّ‬
‫‪134‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ٍ‬
‫لغايات يريدها لإلفساد‬ ‫حضور ُكلِّي‪ :‬وهنا ي ِ‬
‫فق ُد املريض َو ْعيه‪ ،‬ورمبَّا أمسعه ُّ‬
‫اجلان‪ ،‬أو أراه بعض ما يَ ُدور حوله‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ٌ ٌّ‬
‫ظهر بعالمات ظاهرة على يده أو لسانه‬ ‫ِ‬
‫ئي‪ :‬بدون فَ ْقد الوعي‪ ،‬لكن يَ ُ‬‫ور ُجز ٌّ‬
‫ضٌ‬ ‫وح ُ‬
‫والتَّمويه على املريض‪ُ -2 .‬‬
‫عالمات االقرت ِان واضحةً جداً؛‬
‫ُ‬ ‫الغالب عليه أن ال يتكلَّم اجلان‪ ،‬ولكن تظهر‬‫ُ‬ ‫أو ِف صدره‪ ،‬وِف هذه احلالة‬
‫بب‪ ،‬وخروج الدَّمع من غري ٍ‬
‫بكاء‪ ،‬والضَّحك بسخر ٍية ُّ‬
‫وهتك ٍم‪،‬‬ ‫كالصراخ‪ ،‬واالهتزاز السريع بقوةٍ‪ ،‬والبكاء بال َس ٍ‬ ‫ُّ‬
‫قاسية ِف املعدةِ‪ ،‬أو‬
‫وآالم ٍ‬‫الرقية‪ ،‬أو طرفهما طَرفاً شديداً‪ ،‬وانتفاخ البطن‪ٍ ،‬‬
‫ْ‬ ‫وتقلُّب العينني وامحرارمها ِف وقت ُّ‬
‫َ‬ ‫خروج أصو ٍ‬
‫ات‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫كرر الرقيةَ عليه‪ ،‬ويؤمر املريض بقراءة أو مساع السور اليت له أثر على اجلن كالبقرة‪،‬‬ ‫وِف هذه احلالة تُ ِّ‬
‫والصافات‪ ،‬واحلاقة‪ ،‬واجلن‪ ،‬والقرآن عموماً كلها شفاء‪ .‬وينصح مبواصلة الرقية واالستمرار‪ .‬وإذا تكلم اجلان‬
‫فيعمل معه ما سبق ِف احلالة األوىل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء ألبتَّة‪ ،‬مع تكرار القراءة عليه؛ فهذا ِف الغالب والعلم عند‬ ‫احلالة الثالثة‪ :‬أ ْن ال يشعر املقروء عليه‬
‫سليم ُمعاىف؛ فإ ْن كان به مرض عضوي فرياجع الطبيب والشاِف هو اهلل‪.‬‬ ‫اهلل؛ أنه ٌ‬

‫‪135‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫آيات وأحاديث في ألفاظ الرقية‪:‬‬


‫سبق اإلشارة إىل إنه ال يشرتط ِف الرقية أن تكون بسور املعوذات أو بآيات معينة؛ إال أن املعوذات من‬
‫خري ما يرقى به؛ كما أنه ال يشرتط أن تكون ألفاظ الرقية مما ورد ِف القرآن أو السنة النبوية‪ ،‬فقد أقر النيب‬
‫‪ ‬أي رقية نافعة خلت من الشرك‪.‬‬
‫وقد سبق ِف ثنايا الكتاب إيراد آيات وأحاديث ِف رقية أمراض معينة على وجه اخلصوص أو رقى عامة‬
‫تصلح لكل مرض‪ .‬ونورد ِف خامتة الكتاب آيات وأحاديث عامة للرقية(‪:)1‬‬
‫‪-‬سورة الفاحتة‪ .‬أول ‪ 5‬آيات من سورة البقرة وآية الكرسي وآخر آيتني من البقرة وأول آل عمران وآية‬
‫ني َعلَى م ْل ِ‬ ‫ِ‬
‫ك ُسلَْي َما َن﴾ واليت تليها من البقرة ‪.103-102‬‬ ‫ُ‬ ‫﴿ َواتَّبَ عُواْ َما تَ ْت لُواْ الشَّيَاط ُ‬
‫َنزلْنَا َه َذا الْ ُق ْرآ َن َعلَى َجبَ ٍل﴾ إىل ِنايتها‪ ،‬وأول الصافات ‪.10-1‬‬ ‫‪-‬آخر سورة احلشر من ﴿لَ ْو أ َ‬
‫‪-‬اإلخالص‪ ،‬والفلق‪ ،‬والناس‪ ،‬والكافرون‪ ،‬والزلزلة‪ ،‬وأمل نشرح‪ ،‬والطارق‪.‬‬
‫نس‬ ‫اجلِ َّن َو ِْ‬
‫اإل‬ ‫ت ْ‬ ‫‪-‬اآليات اليت فيها دعوة اجلن‪ :‬األحقاف ‪ ،32-29‬وأول سورة اجلن ‪َ ﴿ ،9-1‬وَما َخلَ ْق ُ‬
‫َ‬
‫ون﴾ وآخر سورة املؤمنون ‪ ،118-115‬وآل عمران ‪َ ﴿ 19-18‬ش ِه َد اللّهُ أَنَّهُ الَ إِلَهَ إِالَّ ُه َو‬ ‫إَِّال لِي عب ُد ِ‬
‫َ ُْ‬
‫َوالْ َمالَئِ َكةُ َوأ ُْولُواْ الْعِْل ِم قَآئِ َماً بِالْ ِق ْس ِط﴾ واآلية اليت تليها‪.‬‬
‫صا ِرِه ْم لَ َّما َِمسعُوا ِّ‬ ‫ِ‬ ‫‪-‬اآليات اليت فيها ذكر العني واحلسد‪﴿ :‬وإِن ي َك َّ ِ‬
‫الذ ْكَر‬ ‫ك بِأَبْ َ‬‫ين َك َف ُروا لَيُ ْزل ُقونَ َ‬
‫اد الذ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫ضلِ ِه﴾ وأول سورة تبارك إىل قوله تعاىل‬ ‫اه ُم اللّهُ ِمن فَ ْ‬ ‫َّاس َعلَى َما آتَ ُ‬ ‫ِ‬
‫َويَ ُقولُو َن إنَّهُ لَ َم ْجنُو ٌن﴾ ﴿أ َْم َْحي ُس ُدو َن الن َ‬
‫اب لَ ْو يَُرُّدونَ ُكم ِّمن بَ ْع ِد إِميَانِ ُك ْم ُكفَّاراً‬ ‫اسأً وُهو ح ِسري﴾ ﴿وَّد َكثِري ِّمن أ َْه ِل الْ ِكتَ ِ‬
‫ص ُر َخ َ َ َ ٌ َ ٌ ْ‬
‫ِ‬
‫ك الْبَ َ‬ ‫ب إِلَْي َ‬
‫ِ‬
‫﴿يَن َقل ْ‬
‫ك إِ َىل َما َمت َّْعنَا بِِه أ َْزَواجاً ِّمْن ُه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِِ ِ‬
‫َّن َعْي نَ ْي َ‬‫احلَ ُّق﴾ اآلية ﴿ َوَال متَُد َّ‬ ‫ني َهلُ ُم ْ‬ ‫َح َسداً ِّم ْن عند أَن ُفس ِهم ِّمن بَ ْعد َما تَبَ َّ َ‬
‫احلياةِ الدُّنيا لِنَ ْفتِنَهم فِ ِيه وِرْز ُق ربِّك خري وأَب َقى﴾ ﴿فَنَظَر نَظْرةً ِِف النُّج ِوم * فَ َق َ ِ ِ‬
‫يم * فَتَ َولَّْوا َعْنهُ‬‫ال إ ِّين َسق ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ َ ٌْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َزْهَرةَ ََْ‬
‫نك َماالً َوَولَداً﴾‪.‬‬ ‫ت َما َشاء اللَّهُ َال قُ َّوةَ إَِّال بِاللَّ ِه إِن تَُرِن أَنَا أَقَ َّل ِم َ‬ ‫ك قُ ْل َ‬ ‫ين﴾ ﴿ َولَ ْوَال إِ ْذ َد َخ ْل َ‬
‫ت َجنَّتَ َ‬ ‫ِ‬
‫ُم ْدب ِر َ‬
‫‪-‬اآليات اليت فيها سحرة فرعون وعاقبة سحرهم‪ :‬األعراف ‪ 122-117‬واألعراف ‪ ،137‬يونس ‪-79‬‬
‫‪ ،82‬طه ‪.70-65‬‬
‫‪-‬اآليات اليت فيها كشف البالء واستجابة الدعاء ومدافعة اهلل عن املؤمنني‪ :‬األنبياء ‪﴿ 90-83‬أ ََّمن‬
‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين َآمنُوا إِ َّن اللَّهَ‬ ‫ض﴾ ﴿إ َّن اللَّهَ يُ َداف ُع َع ِن الذ َ‬
‫ِ‬ ‫السوءَ َوَْجي َعلُ ُك ْم ُخلَ َفاء ْاأل َْر ِ‬ ‫ف ُّ‬ ‫ضطََّر إِ َذا َد َعاهُ َويَكْش ُ‬ ‫يب الْ ُم ْ‬ ‫ُجي ُ‬
‫َّ ِ‬ ‫ب ُك َّل خ َّو ٍان َك ُفوٍر * أ ُِذ َن لِلَّ ِذين ي َقاتَلُو َن بِأ ََِّنُم ظُلِموا وإِ َّن اللَّه علَى نَ ِ ِ‬ ‫َال ُِحي ُّ‬
‫ص ِره ْم لََقد ٌير﴾ ﴿ َوَرَّد اللَّهُ الذ َ‬
‫ين‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ ُ َ‬ ‫َُ‬ ‫َ‬

‫(‪ )1‬ينظر‪ :‬الرقية الشرعية حملمد اجلوراين‪.222-197 :‬‬


‫‪136‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ال َوَكا َن اللَّهُ قَ ِويّاً َع ِزيزاً﴾‪.‬‬ ‫ني الْ ِقتَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫َك َف ُروا بِغَْيظ ِه ْم َملْ يَنَالُوا َخ ْرياً َوَك َفى اللَّهُ الْ ُم ْؤمن َ‬
‫اط َل َكا َن َزُهوقاً﴾ ﴿ َوقَ ِد ْمنَا إِ َىل َما َع ِملُوا ِم ْن َع َم ٍل فَ َج َع ْلنَاهُ َهبَاء‬ ‫اطل إِ َّن الْب ِ‬ ‫ِ‬
‫احلَ ُّق َوَزَه َق الْبَ ُ َ‬ ‫‪َ ﴿ -‬وقُ ْل َجاء ْ‬
‫ني‬ ‫ص ُفو َن﴾ ﴿و ِ‬ ‫اط ِل فَي ْدمغُه فَِإذَا هو َز ِاهق ولَ ُكم الْويل ِممَّا تَ ِ‬ ‫احل ِّق علَى الْب ِ‬ ‫ف بِ‬ ‫َّمنثوراً﴾ ﴿بل نَ ْق ِ‬
‫يل بَْي نَ ُه ْم َوبَْ َ‬ ‫َ‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫َْ‬ ‫ُ‬
‫يب﴾‪.‬‬ ‫اع ِهم ِّمن قَ ْبل إِ َِّنُ ْم َكانُوا ِِف َشك ُّم ِر ٍ‬ ‫ما ي ْشتَ هو َن َكما فُعِل بِأَ ْشي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُ َ َ َ‬
‫َّاس﴾ ﴿ َونُنَ ِّزُل‬ ‫الص ُدوِر﴾ ﴿فِ ِيه ِش َفاء لِلن ِ‬ ‫ني﴾ ﴿ َو ِش َفاء لِّ َما ِِف ُّ‬ ‫ف ص ُد ٍ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ور قَ ْوم ُّم ْؤمن َ‬ ‫‪-‬آيات الشفاء (﴿ َويَ ْش ُ َ‬
‫ين َآمنُوا ُه ًدى َو ِش َفاء﴾)‪.‬‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ت فَ ُه َو يَ ْشفني﴾ ﴿قُ ْل ُه َو للَّذ َ‬ ‫ضُ‬ ‫ني﴾ ﴿ َوإِذَا َم ِر ْ‬ ‫م َن الْ ُق ْرآن َما ُه َو ش َفاء َوَر ْمحَةٌ لِّْل ُم ْؤمن َ‬
‫وت فِ ِيه َس ِكينَةٌ ِّمن َّربِّ ُك ْم َوبَِقيَّةٌ ِّممَّا تَ َرَك‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫‪-‬آيات السكينة‪﴿( :‬وقَ َ ِ‬
‫ال َهلُ ْم نبِيُّ ُه ْم إِ َّن آيَةَ ُم ْلكه أَن يَأْتيَ ُك ُم التَّابُ ُ‬ ‫َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ض ِمبَا‬ ‫ت َعلَْي ُك ُم األ َْر ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬‫ني﴾ ﴿ َو َ‬ ‫ك آليَةً لَّ ُك ْم إِن ُكنتُم ُّم ْؤمن َ‬ ‫آل َه ُارو َن َْحت ِملُهُ الْ َمآلئِ َكةُ إِ َّن ِِف َذل َ‬ ‫وسى َو ُ‬ ‫آل ُم َ‬ ‫ُ‬
‫عذ َّ ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َر ُحبَ ْ َّ‬
‫ين‬
‫ب الذ َ‬ ‫َنزَل ُجنُوداً َّملْ تَ َرْوَها َو َّ َ‬ ‫ني َوأ َ‬ ‫ين * ُمثَّ أَنَ َزل اللّهُ َسكينَتَهُ َعلَى َر ُسوله َو َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫ت ُمثَّ َولْيتُم ُّم ْدب ِر َ‬
‫ني إِ ْذ ُمهَا ِِف الْغَا ِر‬ ‫َخر َجهُ الَّ ِذين َك َفرواْ ثَ ِاين اثْنَ ْ ِ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ذ‬
‫ْ‬ ‫صرهُ اللّهُ إِ‬‫َ‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫د‬‫ْ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫وه‬
‫ُ‬ ‫ر‬ ‫نص‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ال‬ ‫ك َجَزاء الْ َكافِ ِرين﴾ ﴿إِ‬ ‫َ‬
‫َك َفرواْ وذَلِ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ َّ ِ‬ ‫ِ ٍ َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ول لِ ِ ِ‬
‫ين َك َف ُرواْ‬ ‫َنزَل اللّهُ َسكينَتَهُ َعلَْيه َوأَيَّ َدهُ جبُنُود ملْ تَ َرْوَها َو َج َع َل َكل َمةَ الذ َ‬ ‫صاحبِه الَ َْحتَز ْن إِ َّن اللّهَ َم َعنَا فَأ َ‬ ‫إِ ْذ يَ ُق ُ َ‬
‫ني لِيَ ْزَد ُادوا إِميَاناً‬ ‫الس ِكينَةَ ِِف قُلُ ِ ِ ِ‬
‫وب الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫َنزَل َّ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾ ﴿ ُه َو الَّذي أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫الس ْفلَى َوَكل َمةُ اللّه ه َي الْعُْليَا َواللّهُ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬ ‫ُّ‬
‫ني إِ ْذ يُبَايِعُونَ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫السماو ِ‬ ‫ِِ ِ ِ‬
‫ك‬ ‫ض َوَكا َن اللَّهُ َعليماً َحكيماً﴾ ﴿لََق ْد َرض َي اللَّهُ َع ِن الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ود َّ َ َ‬ ‫َّم َع إِميَاِن ْم َوللَّه ُجنُ ُ‬
‫ين َك َف ُروا ِِف قُلُوهبِِ ُم‬ ‫َّ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َْحتت الشَّجرةِ فَعلِم ما ِِف قُلُوهبِِم فَأَنزَل َّ ِ‬
‫السكينَةَ َعلَْيه ْم َوأَثَ َاهبُ ْم فَ ْتحاً قَ ِريباً﴾ ﴿إ ْذ َج َع َل الذ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ََ َ َ َ‬
‫َح َّق ِهبَا َوأ َْهلَ َها‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫محيَّةَ ْ ِ ِ ِ‬ ‫احل ِميَّةَ َِ‬
‫ني َوأَلَْزَم ُه ْم َكل َمةَ التَّ ْق َوى َوَكانُوا أ َ‬ ‫َنزَل اللَّهُ َسكينَتَهُ َعلَى َر ُسوله َو َعلَى الْ ُم ْؤمن َ‬ ‫اجلَاهليَّة فَأ َ‬ ‫َْ‬
‫َوَكا َن اللَّهُ بِ ُك ِّل َش ْي ٍء َعلِيماً﴾ )‪.‬‬
‫السمو ِ‬ ‫العظيِ ُم‪ ،‬ال إلَه َّإال اهلل َر ُّ‬ ‫العظيِ ُم احلليِ ُم‪ ،‬ال إلَه َّإال اهلل َر ُّ‬
‫ب‬ ‫ات َور ُّ‬ ‫ب َّ َ‬ ‫رش َ‬ ‫الع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫‪"-‬ال إلَه َّإال اهلل َ‬
‫رش الك ِرِمي"(‪.)1‬‬ ‫الع ِ‬‫ب َ‬ ‫ِ‬
‫األرض‪َ ،‬ور ُّ‬
‫العليِ ُم" ثالثاً(‪.)2‬‬ ‫ماء وهو َّ ِ‬ ‫الس ِ‬ ‫ضُّر مع ِ‬ ‫ِ‬
‫يع َ‬ ‫السم ُ‬ ‫األرض وال ِف َّ‬ ‫ِ‬ ‫امسه شيءٌ ِف‬ ‫‪"-‬با ْس ِم اهلل الذي ال يَ ُ َ َ‬
‫شر ما ِأج ُد وأ ِ‬ ‫در ِته ِمن ِّ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ُحاذ ُر" سبعاً(‪.)3‬‬ ‫‪"-‬با ْس ِم اهلل" ثَالثَاً "أعُوذُ بعَّزة اهلل وقُ َ‬
‫شر ما خلَ َق"(‪.)4‬‬ ‫ات ِمن ِّ‬ ‫َّام ِ‬
‫ات اهلل الت َّ‬ ‫بكلم ِ‬
‫‪"-‬أعوذُ ِ‬
‫ُ‬

‫(‪ )1‬البخاري ح‪ ،6346 :‬ومسلم ح‪.)2730( - 83 :‬‬


‫(‪ )2‬أبو داود ح‪ .5088 :‬وصححه احلاكم ووافقه الذهيب وصححه األلباين‪.‬‬
‫(‪ )3‬مسلم ح‪.)2202( - 67 :‬‬
‫(‪ )4‬مسلم ح‪.)2708( - 54 :‬‬
‫‪137‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ات الش ِ ِ‬
‫َّياطني‪ ،‬وأن‬ ‫ومن َمهز ِ‬ ‫وشر ِعب ِاده‪ِ ،‬‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫ات اهلل الت َّ ِ ِ‬ ‫بكلم ِ‬
‫‪"-‬أعوذُ ِ‬
‫ََ‬ ‫َّامات من َغضبه‪ ،‬وع َقابه‪َ ِّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫ون")‪.(1‬‬ ‫ضر ِ‬
‫َحي ُ ُ‬
‫الم ٍة"(‪.)2‬‬
‫ني َّ‬ ‫كل َع ٍ‬
‫ومن ِّ‬ ‫وهام ٍة‪ِ ،‬‬
‫شيطان َّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّام ِة‪ِ ،‬من ِّ‬
‫كل‬ ‫ات اهلل الت َّ‬‫بكلم ِ‬
‫‪"-‬أعوذُ ِ‬
‫ُ‬
‫شر ما يَن ِزُل‬ ‫شر ما خلَق وب رأ و َذرأ‪ِ ،‬‬ ‫فاجٌر‪ِ ،‬من ِّ‬ ‫هن ب ٌّر وال ِ‬ ‫ات اهلل الت َّ ِ‬ ‫بكلم ِ‬
‫‪"-‬أعوذُ ِ‬
‫ومن ِّ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َّامات اليت ال ُجيا ِوُز َّ َ‬ ‫ُ‬
‫شر ِ ِ‬
‫فنت اللَّ ِيل‬ ‫ومن ِّ‬ ‫شر ما َخيرج منها‪ِ ،‬‬ ‫ومن ِّ‬ ‫األرض‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫شر ما َذ َرأ ِف‬ ‫ومن ِّ‬ ‫شر ما يعرج فيِها‪ِ ،‬‬ ‫ِمن َّ ِ ِ‬
‫ُُ‬ ‫السماء‪ ،‬ومن ِّ َ ُ ُ‬ ‫َ‬
‫طر ُق ِب ٍري يا َرمحَ ُن" ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬ ‫شر ِّ ِ ٍ َّ ِ‬ ‫النها ِر‪ِ ،‬‬
‫كل طارق‪ ،‬إال طارقَاً يَ ُ‬ ‫ومن ِّ‬ ‫و َّ‬
‫العظيِ ِم" سبعاً(‪.)4‬‬ ‫رش َ‬ ‫الع ِ‬ ‫ب َ‬ ‫لت‪ ،‬وهو َر ُّ‬ ‫‪"-‬حس ِيب اهلل ال إلَه َّإل ُهو‪ ،‬عليه تَوَّك ُ‬
‫نياي وأهلِي‬ ‫ود َ‬
‫ِ‬
‫الع ْفو والعافيِة ِف د ِيين ُ‬ ‫إين أسألُك َ‬ ‫اآلخَرةِ‪ ،‬اللَّ َّ‬
‫هم ِّ‬ ‫إين أسألُك العافيِةَ ِف الدُّنيا و ِ‬ ‫‪"-‬اللَّ َّ‬
‫هم ِّ‬
‫ومن خلفي‪ ،‬وعن َميِ ِيين‪ ،‬وعن ِمش ِايل‪،‬‬ ‫ي‪ِ ،‬‬ ‫هم اح َفظين ِمن بَ ِ‬
‫ني يَ َد َّ‬ ‫وع ِيت‪ ،‬اللَّ َّ‬ ‫ِ‬
‫اسرت َع َورِيت‪ ،‬وآمن َر َ‬‫هم ُ‬ ‫ومايل‪ ،‬اللَّ َّ‬
‫ِ‬
‫ُغتال ِمن َحتيت"(‪.)5‬‬ ‫ومن فَوقِي‪ ،‬وأعُوذُ َبعظَ َمتِك أن أ َ‬ ‫ِ‬
‫ضاؤك‪،‬‬ ‫ِف قَ ُ‬ ‫كمك‪َ ،‬ع ْد ٌل َّ‬ ‫ِف ُح ُ‬ ‫اصيَيت بيَ ِدك‪ٍ ،‬‬
‫ماض ِ َّ‬ ‫تك‪ ،‬نَ ِ‬ ‫بدك‪ ،‬وابن أم ِ‬
‫ُ َ‬
‫بدك‪ ،‬وابن ع ِ‬
‫ُ َ‬ ‫إين َع ُ‬
‫هم ِّ‬‫‪"-‬اللَّ َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يت به نَفسك‪ ،‬أو أنزلتَه ِف كتِ ِ‬
‫ابك‪ ،‬أو َعلَّمتَه أحداً من خلقك‪ ،‬أ ِو استَأثَ َ‬
‫رت‬ ‫َ‬ ‫بكل اس ٍم هو لَك‪ ،‬مسَّ َ‬ ‫أسألُك ِّ‬
‫هاب َمهِّي"(‪.)6‬‬ ‫وجالءَ ُح ِ‬ ‫يب عندك‪ ،‬أن َجتعل ال ُقرآ َن ربيِع قَل ِيب‪ ،‬ونُور صد ِري‪ِ ،‬‬ ‫به ِف ِعل ِم الغَ ِ‬
‫زين‪ ،‬و َذ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ََ‬
‫كل ِذي َع ٍ‬ ‫حاس ٍد إذَا َ‬ ‫شر ِ‬ ‫شفيك‪ِ ،‬‬ ‫ومن كل د ٍاء ي ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني"(‪.)7‬‬ ‫وشر ِّ‬‫حسد‪ِّ ،‬‬ ‫وم ْن ِّ‬ ‫‪"-‬با ْس ِم اهلل يُِْربيك‪َ َ ِّ ْ ،‬‬
‫باس ِم اهلل‬ ‫فس أو ع ِ ِ ٍ‬ ‫ؤذيك‪ِ ،‬م ْن ِّ‬ ‫‪"-‬باِس ِم اهلل أرقِيك‪ِ ،‬من كل ٍ‬
‫شيء ي ِ‬
‫ني حاسد‪ ،‬اهلل يَشفيك‪ْ ،‬‬ ‫كل نَ ٍ َ‬ ‫شر ِّ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ِّ‬ ‫ْ‬
‫أرقِيك"(‪.)8‬‬
‫أنت الشَّاِف‪ ،‬ال ِش َفاءَ َّإل ِش َف ُاؤك‪ِ ،‬ش َفاءً ال يُغَ ِاد ُر س َقماً")‪.(9‬‬ ‫ب الباس‪ ،‬ا ْش ِفه و ِ‬ ‫ِ‬
‫ب الناَّس‪ ،‬أذه ِ َ‬ ‫‪"-‬اللَّ َّ‬
‫هم َر َّ‬

‫(‪ )1‬الرتمذي ح‪ ،3528 :‬وأبو داود ح‪ 3893 :‬وقال احلاكم صحيح اإلسناد متصل‪.‬‬
‫(‪ )2‬البخاري ح‪.3371 :‬‬
‫(‪ )3‬أمحد ح‪.15035 :‬‬
‫(‪ )4‬أبو داود ح‪ 5081 :‬موقوفاً على أيب الدرداء وابن السين ِف عمل اليوم والليلة ح‪ .71 :‬وقال األلباين‪ :‬موضوع‪.‬‬
‫(‪ )5‬أبو داود ح‪ .5074 :‬وقال األلباين‪ :‬صحيح‪.‬‬
‫(‪ )6‬أمحد ح‪.3704 :‬‬
‫(‪ )7‬مسلم ح‪.)2185( - 39 :‬‬
‫(‪ )8‬مسلم ح‪.)2186( - 40 :‬‬
‫(‪ )9‬البخاري ح‪ ،5743 :‬ومسلم ح‪.)2191( - 46 :‬‬
‫‪138‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫العظيِ ِم أ ْن يَشفيك" سبعاً(‪.)1‬‬


‫رش َ‬‫الع ِ‬
‫ب َ‬ ‫العظيِ َم‪َ ،‬ر َّ‬
‫أسأل اهلل َ‬
‫‪ُ "-‬‬
‫هم رمحتَك أرجو‪ ،‬فَال تَكلِين إىل نَ ِ‬
‫فسي طرفةَ َع ٍ‬
‫لح يل شأين ُكلَّه‪ ،‬ال إلَه َّإال َ‬
‫أنت"(‪.)2‬‬ ‫أص ِ‬
‫ني‪ ،‬و ْ‬ ‫ْ‬ ‫‪"-‬اللَّ َّ َ َ ْ ُ‬

‫مت حبمد اهلل‪ ،‬واهلل أسأل يل ولوالدي ولذرييت وجلميع املسلمني التوفيق والسداد‪ ،‬وأن يستعملنا ِف طاعته‪،‬‬
‫وأن ميلء قلوبنا يقينا صادقاً وتوكالً عليه حق التوكل‪ ،‬وهو حسبنا ونعم الوكيل‪ .‬مكة املكرمة ذو احلجة‬
‫‪.1442‬‬

‫(‪ )1‬أبو داود ح‪ 3106 :‬وصححه األلباين‪.‬‬


‫(‪ )2‬أبو داود ح‪ 5090 :‬وحسنه األلباين‪.‬‬
‫‪139‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪‬‬

‫الصفحة‬ ‫الموض وع‬


‫‪1‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪3‬‬ ‫تعريف الرقية‬
‫فضل الرقية‬
‫نشأة الرقية وتارخيها‬
‫حكم طلب العالج‬
‫هل االسرتقاء يناِف التوكل؟‬
‫الفرق بني الرقية وبني التميمة والتولة والنشرة والودعة‬
‫التميمة‬
‫التولة‬
‫النشرة‬
‫الودعة‬
‫‪13‬‬ ‫أركان الرقية‬
‫‪13‬‬ ‫الركن األول‪ :‬الراقي‬
‫شروطه‬
‫اإلسالم‬
‫التقوى‬
‫حسن االعتقاد‬

‫‪140‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫اإلخالص هلل وحسن القصد‬


‫معرفة حقائق اجلن ومكائدهم‬
‫أال تتضمن الرقية هيئة حمرمة‬
‫عدم استخدام اجلن‬
‫أن حيسن قراءة القرآن ويفهم معناه‪ ،‬ويقرأ قراءة تصويرية يتصور فيها معاين اآليات‬
‫الطهارة من احلدث‬
‫كتمان السر واألمانة على أسرار املريض‬
‫معرفة أحوال وأمارات مرضى األرواح اخلبيثة‬
‫آداب الراقي‬
‫القدوة‬
‫االهتمام بالدعوة إىل اهلل‬
‫الرفق واللني مع املرضى‬
‫تبشري املريض‬
‫أن يتفقه ِف حيل الشياطني ومكرهم‬
‫عدم الطمع ِف أموال الناس‬
‫درجات الرقاة‬
‫حكم الرقية على الراقي‬
‫‪30‬‬ ‫الركن الثاني‪ :‬المرقي‬
‫شروطه‬
‫التداوي برقية مشروعة ال حمرمة‬
‫ال يشرتط اإلسالم ِف املرقي‬
‫صدق القصد‬
‫الصرب‬
‫آداب املرقي واملريض عموماً‬

‫‪141‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫‪37‬‬ ‫الركن الثالث‪ :‬المرقي منه‬


‫أنواع األمراض‬
‫التخويف والرتويع‬
‫األمراض النفسية والعصبية‬
‫األمراض العضوية‬
‫األخذ بالعيون وإحداث اخلياالت‬
‫إيقاع العداوة والفرقة‬
‫األمراض اخلاصة عند النساء‬
‫األمراض اجلنسية‬
‫عبث اجلن باملمتلكات‬
‫‪42‬‬ ‫الركن الرابع‪ :‬المرقي به‬
‫أنواع الرقية‬
‫أوال‪ :‬الرقية املشروعة‬
‫ً‬
‫من كيفيات الرقية املنقولة عن النيب ‪‬‬
‫تكرار ألفاظ الرقية‬
‫مسح اجلسد باليد ووضعها على موضع األمل أثناء الرقية‬
‫النفث وموضعه‬
‫ثانياً‪ :‬الرقية املمنوعة‬
‫َّناذج من الرقى الشركية‬
‫السحر والشعوذة وعالمات الساحر‬
‫كيفية العالج بالرقية املشروعة وألفاظها‬
‫الرقية قبل وقوع الداء‬
‫الرقية بعد وقوع الداء‬
‫بيان ما جاء ِف رقية األمراض العضوية‬
‫رقية اللديغ‬
‫‪142‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫رقية النملة (القروح) والبثور‬


‫رقية أمراض عضوية أخرى‬
‫األخبار اليت جاءت ِف الرقية بعد وقوع الداء لألمراض غري العضوية "الروحية" (السحر‬
‫والعني واملس)‬
‫رقية السحر‬
‫الطرق الشرعية لعالج السحر‬
‫الطريق األول‪ :‬استخراج السحر وإبطاله‬
‫الطريق الثاين‪ :‬النشرة‬
‫بيان ما نُِق َل من كيفيات النشرة الشرعية‬
‫رقية العني‬
‫مسائل ذات صلة ِف العني‬
‫املسألة األوىل‪ :‬كيف تصيب العني‬
‫املسألة الثانية‪ :‬عالمات العني؟ وممن تكون العني؟ ومن تصيب؟‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬الطرق املشروعة التقاء العني‬
‫أوالً‪ :‬التزام الرقية قبل وقوع الداء‬
‫ثانياً‪ :‬ذكر اهلل كلما رأى شيئاً أعجبه والدعاء بالربكة‬
‫ثالثًا‪ :‬سرت النعمة عند اخلوف من العني‬
‫املسألة الرابعة‪ :‬عالج اإلصابة بالعني‬
‫رقية املس والصرع‬
‫املس‬
‫الصرع‬
‫املسألة األوىل‪ :‬أسباب صرع ومس اجلن لإلنسان‬
‫املسألة الثانية‪ :‬أعراض املس والصرع وعالماته‬
‫املسألة الثالثة‪ :‬عالج املس والصرع‬
‫الرقية ألمراض روحية أخرى‬
‫‪143‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫مسائل فقهية متعلقة بالرقية‬


‫مسألة‪ :‬ضمان الراقي‬
‫مسألة‪ :‬حكم الضرب واخلنق ِف الرقية‬
‫مسألة‪ :‬حكم أخذ األجرة على الرقية‬
‫مسائل ذات صلة باملرقي فيه‬
‫أوال‪ :‬الرقية ِف املاء مث شربه أو االغتسال فيه‬
‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬استخدام عناصر طبيعية مع الرقية واجلمع بينهما‬
‫‪-1‬استفراغ الدم عرب احلجامة‬
‫‪-2‬استفراغ البطن عرب السنا‬
‫ثالثًا‪ :‬خلط بعض الرتاب مع الريق‬
‫ابعا‪ :‬كتابة الرقية ِف ورقة أو إناء مث حموها باملاء وشربه أو االغتسال فيه‬
‫رً‬
‫خامسا‪ :‬كتابة الرقية مباشرة على اجلسد على موضع الداء‬
‫ً‬
‫سادسا‪ :‬كتابة الرقية وتعليقها على املرقي أو محلها معه‬
‫ً‬
‫مسائل ذات صلة بكيفية الرقية‬
‫أوال‪ :‬رقية الغائب‬
‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬الرقية عرب وسائل االتصال احلديثة‬
‫ثالثًا‪ :‬رقية غري املعني‬
‫ابعا‪ :‬الرقية على أكثر من شخص ِف وقت واحد‬
‫رً‬
‫مسائل خاصة باملرأة ِف باب الرقى‬
‫أوال‪ :‬رقية الرجل للمرأة‪ ،‬أو رقية املرأة للرجل‬
‫ً‬
‫ثانيًا‪ :‬حكم نظر الراقي الرجل للمرأة أثناء الرقية أو ملسها باليد‬
‫‪-1‬الزوجة‬
‫‪-2‬ذوات احملارم‬
‫‪-3‬األجنبية‬
‫ثالثًا‪ :‬اخللوة باملرأة األجنبية لغرض الرقية‬
‫‪144‬‬

‫‪‬‬
‫ﺷﺒﻜﺔ‬
‫‪www.alukah.net‬‬

‫ابعا‪ :‬الرقية حال احليض واجلنابة‪.‬‬


‫رً‬
‫‪133‬‬ ‫ملخص صفة الرقية‬
‫‪135‬‬ ‫خامتة آيات وأحاديث ِف ألفاظ الرقية‬
‫‪140‬‬ ‫فهرس‬

‫‪145‬‬

‫‪‬‬

You might also like