Professional Documents
Culture Documents
تابع الباب السادس في ثقافة العمران في العلوم وأصنافها والتعليم وطرقه وسائر وجوهه ومايعرض في ذلك
كله من األحوال وفيه مقدمة
علم ينظر في الوجود المطلق ،في األمورالعامة للجسمانيات والروحانيات من حيث الماهية والوحدة والكثرة
والوجوب واإلمكان ،ثم مبادئ الموجودات وأنها روحانيات ،ثم كيفية صدور الموجودات عن الروحانيات
.ومراتبها ،ثم أحوال النفس بعد مفارقة الجسد وعودتها إلى المبدأ
وترجمت كتب أرسطو في اإللهيات .ولخصها إبن سينا في الشفاء والنجاة ،ولخصها إبن رشد ،ثم رد الغزالي
على الفالسفة ،وحدث خلط بين علم الكالم وعلم اإللهيات ،وغيروا ترتيب المسائل كما فعل إبن الخطيب في
.المباحث الشرقية
واليرى إبن خلدون الخلط بين علمي الكالم واإللهيات ،ألن مسائل علم الكالم عقائد مستقاة من الشريعة كما
نقلها السلف بدون الرجوع إلى العقل ،حيث أن مدارك الشريعة أوسع من العقل ألنها تستمد من األنوار اإللهية
فال تدخل تحت قانون العقل الضعيف ،فإذا هدانا الشرع إلى شئ فينبغي أن نقدمه على مداركنا العقلية ،ولو
.تعارض العقل مع الشرع إعتمدنا على الشرع وفوضنا إليه أمرنا وعزلنا العقل
و( الشرع ) المقصود عند ابن خلدون هو القرآن والسنة ( األحاديث ) التى يعتبرها وحيا ،وسرتفع بها فوق
.العقل
ويرى إبن خلدون أن المتكلمين األوائل لجأوا إلى الحجج العقلية للرد على الملحدين بنفس أسلحتهم دفاعا عن
.العقائد السلفية ،مما أوقعهم في الخلط بين علم الكالم والعلوم الطبيعية واإللهيات
رأي إبن خلدون في الخلط بين الطبيعيات واإللهيات والخلط بين التصوف واإللهيات
ويختلف إبن خلدون مع المتأخرين الذين خلطوا علم الكالم بالطبيعيات واإللهيات في الوضع والتأليف ويرى
أنهما مختلفان في الموضوع .ويقول نفس الشئ عن غالة الصوفية الذين خلطوا التصوف باإللهيات اإلغريقية
وجعلوهما واحدا في كالمهم عن النبوءات واإلتحاد والحلول ووحدة الوجود ،ويرى إبن خلدون أن التصوف
.يخالف علم الكالم كما يخالف اإللهيات ،ألنه يقوم على الوجدان واليقوم على العقل والبرهان
وهوعلم بكيفية إستعداد لدى النفس بالتأثير في العناصر بغير معين أو مساعد .أما الطلسمات فهو علم بكيفية
.إستعداد لدى النفس بالتأثير في العناصر عن طريق معين أو مساعد
كتب فيهما األنباط واألقباط والفراعنة والكلدانيون والبابليون ،ونظرا التهام السحرة بالكفر فلم تترجم تلك
.الكتب للعربية ،وما كتبوه مختلطا بالفالحة قام المسلمون بترجمة الفالحة وتركوا ما اختلط منها بالسحر
وعن الخلط بين الكيمياء والسحر يقول ابن خلدون أنه ظهر جابر بن حيان كبير السحرة في هذه الملة فكتب في
صناعة السحر والكيمياء ألن إحالة األجسام من صورة إلى أخرى اليكون إال بالقوة النفسية ال بالصناعة العملية
،فهو من قبيل السحر ،ثم ظهر مسلمة المجريطي في األندلس فلخص كتب السابقين في السحر في كتابه "
".غاية الحكيم
يرى إبن خلدون أن النفوس أنواع لكل نوع خواص مميزة ،فنفوس األنبياء لديها استعداد للمعرفة الربانية
ومخاطبة المالئكة والتأثير في الكون ،وذلك بالمدد اإللهي ،ونفوس الكهنة لديها استعداد لمعرفة الغيب بالقوى
الشيطانية .والنفوس الساحرة لها ثالث مراتب ،األولى التأثير بالهمة الذاتية وهو السحر ،الثانية التأثير بمزاج
األفالك والعناصر واألعداد ،وهو الطلسمات ،وهو أضعف رتبة ،والثالث تأثير عن طريق الخيال واإليحاء
.والمحاكاة ،وهو الشعوذة
وألن السحر توجه لعبادة األفالك والشياطين حكم الفقهاء بكفر السحرة ،ولكنهم أختلفوا في حكم قتله
.ألختالفهم في خاصية السحر ،هل هو حقيقة أم توهم و خيال
رأي إبن خلدون في حقيقة السحر
ويرى إبن خلدون أن السحر حقيقة ،واستدل على ذلك بآية هاروت وماروت وأحاديث سحر النبي وقصة
السحرة مع فرعون وموسى ،واستدل ابن خلدون بما شهده في عصره وحكى طرفا من ذلك ،وما سمعه من
حكايات من الهند والسودان ،وروى عمل الطلسمات ( أو األعمال السحرية ) وقال إنها مجربة ،ونقل ذلك عن
كتاب المجريطي ،و قال أن أهل المغرب ينسبون كتابا لإلمام الفخر بن الخطيب في السحر اسمه السر المكتوم
ال يعرفه أهل المشرق .وبسبب رواج السحر في المغرب فقد تحدث إبن خلدون عن طائفة السحرة البعاجين
.الذين يشيرون إلى الغنم فيبعجون بطونها ويسترزقون من تهديد الرعاة بذلك ،وقال أنه شاهد ذلك بنفسه
وقال إن الفالسفة يثبتون تأثير السحر والطلسمات ،وقالوا إنه تأثير عارض من كيفيات األرواح ومن جهة
.التصورات واإليحاء
أما من حيث الفرق بينهما فالسحر اليحتاج إلى معين ،والطلسم يحتاج إلى روحانيات الكواكب واإلعداد ،
والسحر إتحاد روح بروح والطلسم اتحاد روح بجسم والساحر مفطور على السحر اليكتسب سحره ،أما
.صاحب الطلسمات فيستعين بالتنجيم وغيره
ويرى الفالسفة أن المعجزة قوة إلهية من روح هللا للخير ،أما السحر فمصدره ذات الساحر وبمدد الشياطين
وفي الشر .وقد توجد كرامات لبعض الصوفية بالمدد اإللهي تبعا للنبوة وعلى قدر إيمان الولي وحاله وبعد
اإلذن اإللهي .وألن المعجزة مدد إلهي فال يقوى السحر على مواجهتها كما حدث مع سحرة فرعون أمام موسى
.
رأي الفقهاء :لم يفرق الفقهاء بين السحر والطلسمات ،إذ حظروهما معا وحظروا معها التنجيم ،واعتبروا
.التحدي فارقا بين السحر والمعجزة واعتبروا الساحر كاذبا ال يستطيع التحدي
يراها إبن خلدون تأثيرا من الحاسد يأتيه بفطرته ،عندما يستحسن شيئا بشدة ويتمنى زواله ،فيزول ويرى أن
.الحاسد مجبور في صدور الحسد عنه
ماهيته ونشأته
هو علم السيمياء ،وهو علم حادث في تاريخ المسلمين ،إبتدعه غالة الصوفية في رغبتهم في علم الغيب
.وافتعال الكرامات على أساس عقيدتهم في وحدة الوجود أو تنزل الوجود عن الواجد
ويقوم هذا العلم على أساس أن الكمال األسمائي للخالق يظهر في أرواح األفالك والكواكب وأن للحروف طبائع
تسري في الكون وفق هذا النظام منذ أن أبدع هللا تعالى الكون ،وتنتقل في أطواره وتكشف عن أسراره ،وهذه
هي أسرار علم الحرف ،الذي كان من فروع علم السيمياء ثم أصبح يطلق عليه إسم السيمياء من باب اطالق
.العام على الخاص
وقد كتب فيه إبن عربي والبوني وغيرهما ،وثمرة هذا العلم هو أن النفوس الربانية ( الصوفية ) تستطيع أن
تتصرف في الكون ( بالكرامات ) عن طريق األسماء الحسنى والكلمات اإللهية الناشئة عن الحروف المحيطة
.باألسرار السارية في الكون
وقسمت الحروف إلى أربعة أصناف مثل العناصر ،واختص كل صنف في الطبيعة بما يناسبه من الحروف
يتصرف فيه الحرف طبقا لقانون صناعي اسمه التكسير ،وبالتكسير تتنوع الحروف إلى نارية وهوائية ومائية
:وترابية ،كما باالسفل
،لعنصر النار حروف سبعة وهي األلف والهاء والطاء والميم والفاء والسين والذال
.ولعنصر الهواء سبعة حروف وهي الباء والواو والياء والنون والضاد والتاء والظاء
.ولعنصر الماء سبعة حروف وهى الجيم والزاي والكاف والصاد والقاف والثاء والغين
.ولعنصر التراب سبعة حروف وهي الدال والحاء والالم والعين والراء والخاء والشين
وقالوا أن الحروف النارية لعالج األمراض الباردة ومضاعفة قوة الحرارة في الجسم ،أما الحروف المائية فهي
.لدفع األمراض الحارة ولتضعيف القوى الباردة
والرأي الثاني أن سر تصرف الحرف بقيمته العددية ،وذلك وفقا لجدول يبين قيمة كل حرف حسبما كان )ب(
.معتادا في ترتيب الحروف العربية وقيمة كل حرف
وسر التناسب بين الحروف وأمزجة الطبائع أو بينهما وبين األعداد أمر عسير على الفهم ،إذ ليس من قبيل
العلوم والقياسات ،وإنما يقوم على الذوق الصوفي أو الكشف أي العلم اللدني بالغيب والتوفيق اإللهي ،ومن هنا
يرى إبن خلدون أن تصرفهم في الطبيعة بهذه الحروف أمر ثابت الينكره أحد ،وقد تواترت أخباره عنهم .أي
.أن األمر يحتاج إلى اإليمان والتسليم بدون إنكار
الفرق بين مقدرة أصحاب الطلسمات السحرية ومقدرة أصحاب علم الحرف
التصرف يعني المقدرة على األتيان بالخوارق ،ويرى إبن خلدون أن التصرف في عالم الطبيعة كله إنما
.هو للنفس اإلنسانية والهمم البشرية ،حيث أن النفس البشرية محيطة بالطبيعة وحاكمة لها
وأصحاب الطلسمات يتصرفون في الطبيعة باستنزال روحانية األفالك وربطها بالصور أو بالنسب العددية حتى
يحصل من ذلك نوع من المزاج يفعل اإلحالة أو قلب األشياء إلى أشياء أخرى أي اإلتيان بالمعجزة ،وذلك
.بالقهر والغلبة
أما تصرف أصحاب األسماء فيحدث لهم بالمجاهدة الصوفية والعلم اللدني الغيبي أي الكشف اآلتي من النور
اإللهي والمدد الرباني فيستطيع بهذه القوة أن يسخر الطبيعة دون حاجة إلى إستمداد المقدرة من األفالك ،ألن
مدده أعلى منها .وبينما يحتاج أهل الطلسمات إلى رياضيات ومجاهدات قليلة تمكنهم من إستخدام روحانيات
األفالك فإن أهل الحروف يحتاجون إلى رياضيات كبرى ومجاهدات عليا ليحصلوا على الكرامات التي تعطيهم
.المقدرة على التصرف واإلتيان بالمعجزات
فإذا وصل صاحب علم الحروف بالمجاهدات الكبرى إلى الكشف والعلم اللدني الرباني واقتصر في عمله على
مناسبات األسماء وطبائع الحروف كان من أصحاب السيمياء ،ولم يعد هناك فارق كبير بينه وبين أصحاب
الطلسمات السحرية ،بل أن صاحب الطلسمات أوثق منه ألنه يرجع إلى أصول طبيعية علمية وقوانين مرتبة ،
وأما صاحب األسماء إذا فاته الكشف األكبر الذي يطلع به على حقائق الكلمات وآثار المناسبات فليس له في
.العلوم اإلصطالحية قانون برهاني
وبعض أصحاب األسماء والحروف يمزج قوى الكلمات واألسماء بقوى الكواكب فيعين لذكر األسماء الحسنى
ولسائر األسماء أوفاقا أو أوقاتا تكون من حظوظ الكوكب الذي يناسب ذلك اإلسم ،وذلك مافعله البوني في
كتابه " األنماط " .وهذا المزج يأتي عندهم من لدن الحضرة العمائية وهي برزخية الكمال األسمائي ،ويتنزل
تفصيلها في الحقائق على ماهي عليه من المناسبة ،وإثبات هذه المناسبة عندهم بحكم المشاهدة التي تأتي
للعارفين من األولياء الصوفية ،فإذا لم يصل صاحب علم الحرف إلى هذه الدرجة وتلقى تلك المناسبة تقليدا
.أصبح في منزلة صاحب الطلسمات السحرية ،بل يكون صاحب الطلسمات أوثق منه
المزج بين الطلمسات والدعوات المكونة من أسماء وحروف
وقد يمزج صاحب الطلسمات بين عمله وقوى الكواكب وبين قوى الدعوات المؤلفة من كلمات مخصوصة
بحيث تكون هناك مناسبة بين الكلمات والكواكب وتقوم هذه المناسبة على اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم
المكونات من جواهر وأعراض وذوات ومعاني ،ومن بينها الحروف واألسماء ،فلكل كوكب حظه من هذه
األسماء والحروف ،وعلى ذلك يقسمون آيات القرآن وسور القرآن تقسيمات غريبة كما فعل مسلمة المجريطي
في كتابه " الغاية " ،وذلك مايبدو في كتاب " األنماط " للبوني حين تعرض للدعوات وتقسيمها على ساعات
الكواكب السبعة ،وحديثه عن قيامات الكواكب أو الدعوات التي تختص بكل كوكب .وفي النهاية يقرر إبن
خلدون إيمانه بكل ذلك حيث يقول " وما أوتيتم من العلم إال قليال ،وليس كل ما حرمه الشارع من العلوم بمنكر
".الثبوت ،فقد ثبت أن السحر حق مع حظره ،لكن حسبنا من العلم ماعلمنا
إحدى فروع السيمياء ،وذلك عن طريق إرتباط بين الكلمات والحروف ،وتدخل ضمن الزايرجة ،ولهم في
ذلك أدعية وقصائد ومنها قصيدة السبتي ،وقد أوردها إبن خلدون ،وقسم أبياتها على عناوين ،مثل :الكالم
على استخراج نسبة األوزان وكيفياتها ..فيما يخص السيمياء ،والطب الروحاني ومواليد الملوك وبتيهم
.واالنفعال الروحاني واالنقياد الرباني ،ومقامات المحبة والعشق والطاعة ..الخ
ثم أسهب إبن خلدون في شرح كيفية العمل في إستخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم ،مما نقله إبن
خلدون عن القائمين بهذا العلم ،وتلخيص هذا الكالم أو عرضه ليس إال مضيعة للوقت ،وإن كان يدلنا على
.أن عقلية إبن خلدون كانت تؤمن بهذا الكالم
ثم عقد فصال في اإلستدالل على ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية ..وهي طريقة تنفع الدجالين في
.عصرنا حين يتصدون لما يسمى بالعالج الروحاني ،ونحن نقصد أنها تنفعهم في خداع البسطاء