Professional Documents
Culture Documents
بحث منهجية البحث العلمي
بحث منهجية البحث العلمي
2
امهية البحث
تعد مناهج البحث العلمي الوسيلة الوحيدة والطريقة املثلى لوضع جمموعة من املعلومات بشكل متناسق ومتكامل
احليثيات و اجلزئيات من كل اجلوانب ,وهلا ايضا خاصية التطوير والتقدم فمن خالهلا متكن الباحث من التطور
واكتشاف احلقائق اجملهولة .
دوافع اختيار البحث
_دافع موضوعي
حبث علمي مقدم لسلسة حماضرات منهجية البحث العلمي
دافع شخصي
التعمق يف الدراسة وزايدة املكتسبات العلمية
املناهج املتبعة
منهج االستقراء :فقد مت اتباع هذا املنهج مبالحظة اجلزئيات الصغرية للظاهرة مث التعميم .
و يف هذا البحث اجلزئيات الصغرية هي:
_البحث العلمي و ميكن وضع البحث كجزأ و العلم كجزأ اخر
_ انواع املناهج املتبعة لكتابة حبث علمي ,وهي منقسمة اىل عدة مناهج كاملنهج الوصفي و االستنباط واالستقراء
و التجريب وغريها ....
و الظاهرة املدروسةككل هي مناهج البحث العلمي
منهج االستنباط :يف اسستنتاج النتائج ووضعها يف اخر البحث
منهج حتليل النظم :يف وضع النظام للبحث العلمي مدخالته هي بياانت و معلومات مقتبسة من عدة كتب,
متت معاجلتها و اقتباسها من طريف اان ,و املخرجات حبث موضوعي متكامل و خمتصر
التغذية العكسية
3
املنهج التارخيي:مت اتباع هذا املنهج يف التعرف على الظاهرة املبحوثة و على كيفية و مراحل و على الصعوابت اليت
واجهت االنسان لتوضيح سبل مواجتها
ويف هذا البحث مت اتباعه بوضع نشأة الظاهرة و اترخيها (نشأة البحث العلمي)
املناهج الوصفية
املنهج الوصفي :يف وصف وتفسري الظاهرة ,و حملاولة معرفة ومجع املعلومات عن الظاهرة املدروسة
املنهج التطوري :لفحص وحتليل مع تسلسل الظاهرة بداية من نشأهتا مث تغريها و منوها
أبسلوب تتبعي موضوعي و زمين يف ان واحد
متغريات البحث
البحث العلمي ,مناهج البحث العلمي يف العلوم االقتصادية
خطة البحث
مقدمة
املبحث االول :البحث العلمي
املطلب االول :تعريف اهداف البحث العلمي
املطلب الثاين :انواع البحث العلمي
املطلب الثالث :خصائص البحث العلمي
املبحث الثاين :مناهج البحث العلمي
املطلب االول :املنهج وعلم املناهج
املطلب الثاين :التصنيفات التقليدية ملناهج البحث العلمي
املطلب الثالث :التصنيفات احلديثة ملناهج البحث
خامتة
4
املبحث االول :البحث العلمي
املطلب االول :تعريف البحث العلمي
من خالل استعراض املراجع اليت تناولت البحث العلمي ،جند أنه ليس هناك اتفاق على تعريف واحد له؛ فقد
عرفه البعض أبنه“ :عرض تفصيلي دقيق وعميق لظاهرة معينة ،من أجل الكشف عن حقيقة أو مشكلة موجودة ّ
حل هذه املشكلة بطرق وأساليب علميّة ،من خالل العديد من
وإضافة معلومات جديدة عليها ،والعمل على ّ
الوسائل البحثية املتبعة يف ذلك” .فيما ذهب فريق آخر إىل أن البحث العلمي هو“ :اكتشاف املعارف واحلقائق
وعرضها يف إطار ممنهج لتحقيق التطور والتقدم” .ويعتقد آخرون أبن البحث العلمي هو“ :األسلوب املنظم يف
مجع وترتيب وتصنيف وحتليل البياانت ،وف ًقا لقواعد حمددة اصطلح عليها اخلرباء” .وأخ ًريا ،ميكن تعريف البحث
العلمي أبنه “دراسة اإلشكاليات اليت تواجه البشر ،والعمل على حلها أبسلوب علمي”.
5
املشكلة حتديدا دقيقا عن طريق مجع البياانت ذات العالقة .تتميز البحوث االستكشافية ابملرونة واالعتماد على
قدرة الباحث وخربته يف اكتشاف وتفسري العالقات بني املتغريات املتعلقة ابلظاهرة موضوع البحث .ويف املقابل،
تعاين البحوث االستكشافية من عدم قدرهتا على إعطاء إجاابت حمددة عن األسئلة اليت تثور لدى الباحث،
ويعزى ذلك إىل صغر حجم العينات املدروسة؛ مما جيعل تعميم النتائج أمرا غري ممكن.
حبوث وصفية)(Descriptive Research
وهي تشري إىل تلك البحوث الرامية إىل مجع بياانت ،ومن ممثَّ حتليلها بدقة وموضوعية حلل مشكلة حمددة .وت َعد
البحوث الوصفية ذات فائدة كبرية لصنَّاع القرار ،حينما يكون أمام عدد من البدائل ،وهو حباجة إىل معلومات
تعينه يف تقييمها واختيار البديل األفضل.
وتتميز البحوث الوصفية عن البحوث االستكشافية أبهنا أكثر عمقا من حيث طريقة إعدادها وتصميم إجراءاهتا.
ومن انحية أخرى ،ت ِّ
زود البحوث الوصفية صنَّاع القرار والباحثني برؤاي أعمق وأكثر وضوحاً من البحوث
االستكشافية؛ وذلك ألهنا توفر بياانت وصفية عن خصائص وهيكل جمتمع البحث.
وأتخذ البحوث الوصفية أحد شكلني رئيسني :األول ،دراسة احلاالت؛ اليت ترتكز على اختيار عدد حمدود من
عمقة .أما الشكل الثاين ،فهو يعتمد على الطرق ِّ
وم ّ
العينات املُممثّلة جملتمع البحث ودراستها بصورة شاملة ُ
واألساليب اإلحصائية؛ إذ خيتار الباحث عينة ممَثِّلة جملتمع البحث ويركز على دراسة عدد حمدود من املتغريات اليت
تؤثر على عدد كبري من املفردات .ويتم االعتماد على املقاييس اإلحصائية مثل النسب املئوية واملتوسطات احلسابية
وغريها يف تفسري سلوك مفردات البحث.
حبوث جتريبية)(Experimental Research
وهي البحوث اليت تعتمد على إجراء التجارب العلمية .وتعرب التجربة عن تدبري حم َكم يتدخل الابحث فيه – عن
قصد – يف الظروف احمليطة بظاهرة معينة ،هبدف الوصول إىل نتائج تفسر العالقة بني املتغريات املؤثرة يف الظاهرة
موضوع البحث .وتستَخدم البحوث التجريبية يف اختبار صحة الفروض ودراسة العالقات بني متغريات ،بعضها
سبب (متغري مستقل) واآلخر نتيجة (متغري اتبع) .ويتحكم الباحث يف املتغريات؛ حيث يثبِّتها مجيعها ابستثناء
واحد منها يف كل مرة ،لكي يقيس أثره على سلوك الظاهرة حمل البحث.
6
املنهجية :جيب أن يتصف البحث العلمي ابملنهجية؛ واليت تشري إىل العمل املنظم بناء على أسلوب أو طريقة
علمية وخطوات مدروسة ،وصوال إىل نتائج حمددة وعرضها بصورة تضمن حتقيق الغرض من البحث العلمي.
السببية :ويعرب ذلك عن حتمية وجود علة أو تفسري علمي لسلوك ظاهرة معينة ،حىت لو مل يكن ابإلمكان
إدراكها يف وقت من األوقات ،وميكن الكشف عن تلك العلة من خالل إجراء حبث علمي.
ثبات النتائج :ويعين ذلك أن البحث العلمي يتصف ابلقدرة على الوصول إىل نفس النتائج عند تكرار نفس
اإلجراءات ،بغض النظر عن املكان والزمان.
الرتاكم املعريف :ميكن تشبيه البحث العلمي بعملية البناء؛ حيث يضيف كل ابحث لبنة جديدة إىل الصرح
العلمي يف جمال معني ،منطلقاً أو معتمداً على من سبقوه من الباحثني وحبيث يؤدي ذلك إىل تراكم املعرفة حول
جمال معني.
التفكري املُنظَّم :ال ميكن اعتبار البحث علمياً إال إذا كان قائماً على التفكري املنظم يف الظاهرة حمل البحث.
وينطلق الباحث يف العادة من مؤهالته وخربته يف جمال البحث ،مث يضع الفرضيات اليت يرى أهنا ميكن أن تكون
سبباً يف وجود مشكلة حمددة ،مث يقوم جبمع البياانت وحتليلها وتفسريها ،وخيترب صحة الفرضيات اليت وضعها يف
بداية البحث.
االعتماد على األدلة العلمية :ال يعتمد البحث العلمي على الظن أو التكهن ،بل على النتائج اليت يتوصل إليها
دعمة ابألرقام واإلحصاءات واألدلة
الباحث عن طريق مجع البياانت وحتليلها وتفسريها ،مث تقدمي النتائج امل َّ
ُ
والقرائن.
الدقة :البحث العلمي ليس جمرد تدوينة أو خاطرة حتتمل اخلطأ أو الصواب ،ولذا فإن من أهم خصائصه توخي
الدقة يف حتليل البياانت وتفسريها ودعمها ابألدلة الواقعية املبنية على الدراسة والتفكري املنطقي ،والبعيدة متاماً عن
احلدس أو الشك.1
1
https://educad.me/
7
املبحث الثاين :مناهج البحث العلمي
املطلب االول :املنهج وعلم املناهج
مفهوم املنهج يف اللغة:
املناهج مجع منهج ،واملنهج ( )Methodeيف اللغة يعين الطريق الواضح ،وهنج الطريق ،مبعىن أابنه وأوضحه ،وهنجه
مبعىن سـلكه بوضوح واستبانة.
فاملنهج هو الطريق الواضح املستقيم والبني واملستمر ،للوصول إىل الغرض املطلوب أو حتقيق اهلدف املنشود.
كما يعين كيفية أو طريقة فعل أو تعليم شيء معـني ،وفقـا لـبعض املبادئ بصورة مرتبة ومنسقة ومنظمة.
مفهوم املنهج العلمي كمصطلح:
واملنهج مبعناه الفين العلمي واالصطالحي الدقيق يقصد به" :الطريق األقصر واألسلم للوصول إىل اهلدف
املنشود".كما عرف أنه " :فن التنظيم الصحيح لسلسلة من األفكار العديدة ،إمـا من أجل الكشف عن احلقيقة
حني نكون جاهلني هبا ،إمـا مـن أجـل الربهنة عليها لآلخرين حني نكون عارفني هبا ".أو أنه " :الطريق املؤدي إىل
الكشف عن احلقيقة يف العلوم ،بواسطة طائفة من القواعد العامة اليت هتيمن على سري العقل وحتدد عملياتـه،
حىت يصل إىل نتيجة معلومة .".أو هو " :جمموعة اإلجراءات الذهنية اليت يتمثلهـا الباحـث مقـدما لعميلة املعرفة
اليت سيقبل عليها ،من أجل التوصل إىل حقيقة املـادة اليت يستهدفها ".فاملنهج عملية فكرية منظمة ،أو أسـلوب
أو طريـق مـنظم دقيـق وهادف ،يسلكه الباحث املتميز ابملوهبة واملعرفـة والقـدرة علـى اإلبداع ،مستهدفا إجياد حلول
ملشاكل أو ظاهرة حبثية معينة .ويلتزم الباحث مبجموعة من القواعد والـضوابط الختـاذ القـرارات وإتباع اإلجراءات
املقيدة ملسريته البحثية ،يف إطار املنهاج وإجـراء التجارب الضرورية الالزمة ،مستعينا ابألدوات البحثية األكثر
مالئمة لبحثه ،وإيضاح العالقات والعلل السببية يف إطار حتليل املـشاهدات واملالحظات ،وإجراء املقارانت
املنطقية للوصول إىل نتائج واختبار مدى صحتها ،مث بلورة هذه النتائج فـي إطـار التسلـسل والتـأطري النظري
املنسق ،يف صورة قواعد مربهن على صـحتها ،كحقـائق علمية تقود إىل حل الظاهرة حمل البحث .واملنهج العلمي
1
وفق املفهوم السابق ،يصح تطبيقه فـي كـل العلـوم الطبيعية واالجتماعية بكل تفريعاهتا.
النشأة والتطور:
حبث اإلنسان منذ بداية اخلليقة عن أسـاليب أو طـرق حيـل هبـا املعضالت اليت يواجهها ،خاصة عن طريق املعـارف
واملـدركات العقلية ،وبصفة أساسية العلم ،وسجلت بعض األفكار املتنـاثرة مـن احلضارات القدمية كمالمح منهجية،
خاصـة مـا خلفتـه احلـضارة اليواننية من فكر فلسفي يف القرن الثالث ق م ،ولكن مل ترتسخ هـذه األفكار وترتفع
إىل مستوى منهج علمي متميز ،حىت جاءت احلضارة العربية اإلسالمية ،فأرست دعائم مناهج راسخة وحمددة فـي
شـىت املعارف اإلنسانية ،وبرزت املنـاهج العلميـة فـي مئـات الكتـب منهجية البحث العلمى
1ماثيو جيدير ,ترمجة ملكة لبيض ,منهجية البحث ,دليل الباحث املبتدئ يف موضوعات البحث ورسائل املاجيسرت و الدكتوراة,ص71
8
واملخطوطات العربية ،واليت عرفت أوج نشاطها بداية من منتـصف القرن السابع امليالدي حىت منتصف القرن
اخلامس عشر .وجاءت النهضة األوربية احلديثة لتضيف إىل هذه الثروة املوجـودة الشيء اجلديد ،فكان أول من
كتب عن املناهج العلميـة فـي أوربـا
املعاصرة ( فرنسيس بيكون ) سـنة ،1620حيـث كتـب " قواعـد املنهج" ،تبعه الفيلسوف الفرنسي ( ديكارت )
سـنة ،1637وركـز كالمها على املنهج االستداليل ،مث كتب ( جون لـوك ) كتابـه فـي املناهج سنة ،1690مث
1
توالت البحوث والكتب يف هذا امليدان.
علم املناهج Méthodologie
عرف علم املناهج تطورا كبيـرا نتيجـة لتطـور أنـواع املنـاهج واستعماالهتا املتزايدة ،وبتزايد حركة البحث العلمي وتنوع
جماالتـه ،ازدادت أمهية هذا العلم ،تعـددت املنـاهج وتنـوع االختـصاصات العلمية ،بل إننا جند العلم الواحد يستعني
مبناهج خمتلفة حبـسب مـا يقتضيه موضوع البحث .إن أول من استعمل كلمة "علم املناهج " أو " املنهجية " هو
الفيلسوف األملاين " كانط " ،وذلك عندما قسم املنطق إىل قسمني:
أوال :مذهب املبادئ ،وهو الـذي يبحـث فـي الـشروط والطـرق الصحيحة للحصول على املعرفة.
اثنيا :علم املناهج الذي يهتم بتحديد الشكل العام لكل علـم وبتحديـد
الطريقة اليت يتشكل هبا أي علم من العلوم.
فعلم املناهج هو الذي يبحث يف مناهج البحث العلمي والطرق العلمية اليت يكتشفها ويستخدمها العلماء
والباحثون من أجل الوصـول إلـى احلقيقة .فإذا كانت مناهج البحث العلمي هي الطـرق املؤديـة إلـى معرفـة
احلقائق والكشف عنها يف خمتلف العلوم ـ وذلك بواسطة جمموعـة
من القواعد والقوانني العامة اليت تنظم سري العقل حىت يـصل إلـى نتائج معلومة ـ ،فإن علم املناهج هو العلم
2
الباحث والـدارس هلـذه املناهج العلمية
نشأة علم املناهج
نشأ علم املناهج وازدهر بعد عصر النهضة يف أوراب ،وحتديدا فـي القرن السابع عشر امليالدي ،على يد مجاعـة
كبيـرة مـن العلمـاء والفالسفة أمثال:
فرنسيس بيكون ( 1561ـ ،) 1626وهو أول مفكري عصر النهضة الـذين أكدوا أمهية استخدام املنهج
االستقرائي بغية الوصول إىل القوانني.
رينيه ديكارت ( 1596ـ ) 1650
ووضع قواعد املنهج االستداليل ،فالنتائج تستنبط من مقـدمات واضحة متاما للعقل ،مما جيعله على يقني أهنا
تـصلح أساسـا لكـلمعرفة انجتة عنها ،وقد تضمن كتابه " مقال يف املنهج " إسهاماته يف هذا اجملال.
9
اميانويل كانط ( 1724ـ ،) 1804فيختـه ( 1762ـ ،) 1814
وليم جيمس ( 1842ـ ....) 1910وغريهم من العلماء والفالسفة.
املطلب الثاين :التصنيفات التقليدية ملناهج البحث العلمي
1ـ املنهج التحليلي واملنهج الرتكييب:
املنهج التحليلي االكتشايف أو منهج االخرتاع ،وهو يستهدف الكـشفعن احلقيقة ،أما املنهج الرتكييب أو التأليفي
فهو يـستهدف تركيـب وأتليف احلقائق اليت مت اكتشافها عن طريق املـنهج التحليلـي .وذلك هبدف تعميمها
ونشرها لآلخرين.
ويعاب على هذا التقسيم أنه انقص ،ألنه يتحدث عن األفكار فقط ،واليشمل القوانني والظواهر ،كما أنه ال
يصح لكافة فروع املعرفة.
2ـ املنهج التلقائي واملنهج العقلي:
املنهج التلقائي هو الذي يسري فيه العقل سريا طبيعيا حنو املعرفـة أو احلقيقة ،دون حتديد سابق ألساليب وأصول
وقواعد منظمة ومقصودة،
أما املنهج العقلي التأملي فهو ذلك املنهج الذي يسري فيه العقـل فـي منهجية البحث العلمى نطاق أصول وقواعد
منظمة ومرتبة ومقصودة ،من أجـل اكتـشاف احلقيقة أو احلصول على املعرفة.
وانتقد هذا التقسيم الكالسيكي من حيث أته يتحدث عن طرق ووسـائل احلصول على املعرفة ،وليس على مناهج
1
البحث العلمـي ،كمنـاهج علمية هلا أصوهلا وقوانينها.
املطلب الثالث :التصنيفات احلديثة ملناهج البحث
توجد عدة تصنيفات حديثة ألنواع املناهج العلمية ،لعل من أشهرها:
املنهج االستداليل
يعرف االستدالل أبنه " :هو الربهان الذي يبدأ من قضااي مسلم هبا ،ويسري إىل قضااي أخرى تنتج عنها ابلضرورة,
ودون االلتجاء إىل التجربة ,وهذا السري يكون بواسطة القول أو احلساب ".وذلك مثل العمليات احلسابية اليت
يقوم هبا الرايضي دون إجراء جتارب ,واالستدالالت اليت يستعملها القاضي اعتمادا على ما لديه من قضااي
ومبادئ قانونية.
واالستدالل قد يكون عملية عقلية منطقية أولية ,وهو كل برهان دقيق مثل احلساب والقياس.
10
وقد يكون عبارة عن عملية سلوكية منهجية لتحصيل احلقيقة ,وهو السلوك العام املستخدم يف العلوم والرايضة وهو
التسلسل املنطقي املنتقل من مبادئ وقضااي أولية إىل قضااي أخرى تستخلص وتستنج منها ابلضرورة ,دون
استعمال التجربة ,عكس املنهج التجرييب أو االستقرائي القائم على أساس التجربة.
مبادئ االستدالل:
يتكون النظام االستداليل من املبادئ والنظرايت ,وذلك أن النظام االستداليل يشتمل على ميكانيزم يتسلسل من
قضااي ومبادئ يستنتج منها مبادئ وقضااي مستنتجة كنتائج للعملية االستداللية األوىل ,مث تصبح هذه بدورها
مبادئ وقضااي أولية ابلنسبة للنتائج األخرى ...وهكذا إىل النهاية.
والنتائج املستخرجة من القضااي واملبادئ تسمى " النظرايت " ولذا كان االستدالل يف صورة نظام متكون من
ميكانيزم :املبادئ والنظرايت.
ـ مبادئ االستدالل هي :جمموع القضااي والتصورات األولية غري املستخرجة من غريها يف نظام استداليل معني.
وقد قسم رجال املنطق القدماء مبادئ االستدالل إىل :البديهيات ـ املصادرات ـ التعريفات.
أ ـ البديهيات:
البديهية هي قضية بينة بنفسها ,وليس من املمكن الربهنة عليها ,فهي صادقة بال برهان .وتتميز بثالثة خصائص:
ـ أهنا بينة نفسية :حيث تتبني للنفس تلقائيا وبدون واسطة برهان.
ـ أهنا أولية منطقية :أي أهنا مبدأ أوليا غري مستخلص من غريه من املبادئ والقضااي األخرى.
ـ أهنا قاعدة صورية عامة :أو قضية مشرتكة ألنه مسلم هبا من كافة العقول على السواء ,وألهنا شاملة ألكثر من
علم واحد.
ب ـ املصادرات:
املصادرات قضااي تركيبية ,أقل يقينية من البديهيات ,فهي ليست بينة وغري عامة ومشرتكة ,ولكن يصادر على
صحتها ويسلم هبا تسليما ,ابلرغم من عدم بياهنا بوضوح للعقل ,ولكن نظرا لفائدهتا املتمثلة يف إمكانية استنتاج
منها العديد من النتائج دون الوقوع يف تناقض.
11
وتوجد املصادرات يف الرايضيات والعلوم الطبيعية ويف العلوم اإلنسانية واالجتماعية ,مثل املصادرة القائلة :أن
اإلنسان يفعل أوال طبقا ملا يراه أنفع ,واملصادرة األخالقية القائلة :أن كل إنسان يطلب السعادة.
ج ـ التعريفات:
التعريفات هي قضااي وتصورات جزئية وخاصة بكل علم ,والتعريف هو التعبري عن ماهية املعرف عنه وحده ,وعنه
كله ,أي تعريفا جامعا مانعا ,ويرتكب التعريف من شيئني مها:
املعرف به وهو الشيء املراد تعريفه ,واملعرف وهو القول الذي حيدد خواص وعناصر الشيء املعرف.
والتعريف قد يكون تعريفا رايضيا ,أي تعريفا اثبتا وقبليا وضروراي هنائيا وكليا ,ألنه من عمل العقل الثابت يف
جوهره.
وقد يكون التعريف تعريفا جتريبيا ,كما هو احلال يف العلوم الطبيعية واإلنسانية واالجتماعية والقانونية ,حيث يكون
التعريف تعريفا متحركا ومتطورا ومتدرج يف تكوينه ,حيث يتكون شيئا فشيئا يف ميدان التجربة ,حيث تضيف إليه
التجارب امليدانية عناصر وخواص جديدة ومتحركة ومتغرية.
هذه مبادئ االستدالل الثالثة ,وقد ثبت لرجال املنطق والفلسفة وعلم املنهجية على اخلصوص ,أن هذه املبادئ
الثالثة متداخلة يف ما بينها ,ومتعاونة ومتكاملة يف حتقيق العملية االستداللية من أجل استخراج النتائج والنظرايت
والربهنة على صحتها.
أدوات االستدالل:
أ ـ القياس:
وهو عملية أو قضية عقلية منطقية ،تنطلق من مقدمات مسلم هبا ,أو مسلمات إىل نتائج افرتاضية غري مضمون
صحتها .فالقياس هو حتصيل حاصل مستمر ,عكس الربهان الرايضي الذي أييت دائما حبقيقة جديدة ,مل تكن
موجودة يف املبادئ األولية ال ضمنيا وال صراحة ,فالربهان الرايضي عكس القياس مبدع وخالق للجديد األصيل.
ب ـ التجريب العقلي:
التجريب العقلي خيتلف اختالفا جذراي واتما عن املنهج التجرييب ,والتجريب العقلي هو يف معناه الواسع والعام:
قيام اإلنسان يف داخل عقله بكل الفروض والتحقيقات اليت يعجز عن القيام هبا يف اخلارج ,وقد يكون التجريب
12
العقلي جتريبيا عقليا خياليا ,كما هو يف حاالت مجوع العباقرة والفنانني والشعراء ,وهذا النوع من التجريب العقلي
ليست له قيمة علمية ,ولكن له قيم فنية مجالية خالقة.
وقد يكون التجريب العقلي جتريبا عقليا علميا ,ألنه يقوم على وقائع جيرب عليها اإلنسان األوضاع والفروض
العقلية الداخلية العديدة ,الستخالص النتائج اليت تؤدي إليها هذه الفروض داخل الذهن اإلنساين.
ج ـ الرتكيب:
الرتكيب هو عملية عقلية عكسية ,تبدأ من القضية الصحيحة املعلومة الصحة ,إىل استخراج كل النتائج ومعرفة
كل هذه النتائج املراد استخالصها من هذه القضية الصحيحة واملعلومة.
املنهج التجرييب
يعد املنهج التجرييب من أقرب املناهج إىل الطريقة العلمية الصحيحة واملوضوعية واليقينية يف البحث عن احلقيقة
واكتشافها وتفسريها والتنبؤ هبا والتحكم فيها.
هناك عدة حماوالت لتحديد ماهية ومعىن املنهج التجرييب ,منها اليت تسعى إىل تعريف املنهج التجرييب أبنه" :
املنهج املستخدم حني نبدأ من وقائع خارجة عن العقل ,سواء أكانت خارجة عن النفس إطالقا ,أو ابطنة فيها
كذلك كما يف حالة االستبطان ,لكي نصف هذه الظاهرة اخلارجة عن العقل ونفسرها .ولتفسريها هنيب دائما
ابلتجربة ,وال نعتمد على مبادئ الفكر وقواعد املنطق وحدها".
كما حاول البحث أن حيدد معناه من خالل حتديد معىن التجربة أو التجريب ,اليت هي إحدى مراحل وعناصر
املنهج التجرييب ,ومنها:
" إن التجريب ما هو إال مالحظة حتت ظروف حمكومة عن طريق اختيار بعض احلاالت أو عن طريق تطويع
بعض العوامل".
ومنها " :التجربة ...هي مالحظة مقصودة حتت ظروف حمكومة ,يقوم هبا الباحث الختبار الفرض للحصول
على العالقات السببية".
13
فمضمون املنهج التجرييب ,يتمثل يف االعتماد على املالحظة والتجربة ,وهو لذلك استقرائي اختباري مع تدخل
العقل بسلسلة من عملية االستنباط املنطقي تنتهي ابالرتقاء بنتائج عدد حمدد من احلاالت إىل قانون مفسر لشىت
حاالت الواقع ,وذلك إىل ما الهناية.
وخيتلف املنهج التجرييب عن بقية املناهج العلمية األخرى ,خاصة املنهج االستداليل ,من حيث كون املنهج
التجرييب سلوك علمي وموضوعي وعملي خارجي.
واملنهج التجرييب موضوعه الظواهر والوقائع اخلارجية ,بينما موضوع املنهج االستداليل هو املخلوقات العقلية
الداخلية.
1ـ املالحظـة:
وهي اخلطوة األوىل يف البحث العلمي وهي من أهم عناصر البحث التجرييب ,وأكثرها أمهية وحيوية ,ألهنا احملرك
األساسي لبقية عناصر املنهج التجرييب ,حيث أن املالحظة هي اليت تقود إىل وضع الفرضيات وحتمية إجراء
عملية التجريب على الفرضيات ,الستخراج القوانني والنظرايت العلمية اليت تفسر الظواهر والوقائع.
واملالحظة أو املشاهدة يف معناها العام والواسع :هي االنتباه العفوي إىل حادثة أو واقعة أو ظاهرة أو أمر ما ,دون
قصد أو سابق إصرار وتعمد.
أما املالحظة العلمية فهي :املشاهدة احلسية املقصودة واملنظمة والدقيقة للحوادث واألمور والظواهر ,بغية اكتشاف
أسباهبا وقوانينها ونظرايهتا ,عن طريق القيام بعملية النظر يف هذه األشياء واألمور والوقائع ,وتعريفها وتوصيفها
وتصنيفها يف أسر وفصائل ,وذلك قبل حتريك عملييت وضع الفرضيات والتجريب .
14
شروط املالحظة العلمية:
ـ جيب أن تكون املالحظة كاملة ,فيجب أن يالحظ الباحث كافة العوامل واألسباب والوقائع والظواهر واألشياء
املؤثرة يف وجود الظاهرة ,أو املتصلة هبا .وأن إغفال أي عامل من العوامل له صلة ابلواقعة أو الظاهرة ,يؤدي إىل
عدم املعرفة الكاملة والشاملة للظاهرة ,ويؤدي إىل وقوع أخطاء يف بقية مراحل املنهج التجرييب.
ـ جيب أن تكون املالحظة العلمية نزيهة وموضوعية وجمردة ,أي جيب أال تتأثر أبشياء وأحاسيس وفرضيات سابقة
على عملية املالحظة.
ـ جيب أن تكون منظمة ومضبوطة ودقيقة ,أي جيب على العامل الباحث أن يستخدم الذكاء والدقة العلمية ,وأن
يستعمل وسائل القياس والتسجيل والوزن واملالحظة العلمية التكنولوجية يف مالحظته.
ـ جيب أن يكون العامل الباحث مؤهال وقادرا على املالحظة ,أن يكون ذكيا متخصصا ,عاملا يف ميدانه ,سليم
احلواس ,هادئ الطبع سليم األعصاب ,مراتح النفس قادرا على الرتكيز واالنتباه.
تعترب الفرضية العنصر الثاين والالحق لعنصر املالحظة العلمية يف املنهج التجرييب ,وهي عنصر حتليل.
والفرضية يف اللغة تعين التخمني أو االستنتاج ,أو افرتاض ذكي يف إمكانية حتقق واقعة أو شيء ما أو عدم حتققه
وصحته.
أما مفهومها يف االصطالح فهو " :تفسري مؤقت لوقائع وظواهر معينة ,ال يزال مبعزل عن امتحان الوقائع ,حىت
إذا ما امتحن يف الوقائع ,أصبحت بعد ذلك فرضيات زائفة جيب العدول عنها إىل غريها من الفرضيات األخرى,
أو صارت قانوان يفسر جمرى الظواهر".
أو أن الفرضية هي " :ختمني ذكي أو استنتاج ذكي ,يصوغه الباحث ويتبناه مؤقتا ,لشرح بعض ما يالحظه من
الظواهر احلقائق ,وليكون هذا الفرض كمرشد له يف البحث والدراسة اليت يقوم هبا".
وتتميز الفرضية بذلك عن غريها من املصطلحات العلمية األخرى مثل :النظرية ,القانون ,املفهوم ,اإليديولوجية.
ـ ونستطيع تعريف النظرية أبهنا :كل جمموعة من فروض منسجمة فيما بينها ,ثبتت صحتها عن طريق التدليل
العقلي فهي لذلك" نظرية فلسفية " ,أو عن طريق التجريب فهي" نظرية علمية ".
15
فتختلف بذلك الفرضية عن النظرية ,يف الدرجة وليس يف النوع.
وأصل النظرية أهنا فرضية أجريت عليها اختبارات وجتارب فأصبحت نظرية.
ـ أما القانون فهو النظام أو العالقة الثابتة وغري املتحولة بني ظاهرتني أو أكثر.
ـ أما املفهوم فهو :جمموعة من الرموز والدالالت اليت يستعني هبا الفرد لتوصيل ما يريده من معاين إىل غريه من
الناس ,ويشرتط يف املفهوم ربطه ابلتعريفات األخرى املتصلة به ,كما يشرتط فيه الدقة والوضوح والعمومية.
أو نستطيع القول أنه :التمثل العقلي لطائفة من احملسوسات من ثنااي خواصها الرئيسة املشرتكة ,فنقول " إنسان"
مثال ونعين به كمفهوم التعبري العام املطلق عن كل حاالت أو أفراد احليوان املفكر الناطق ,فهو انتقال من احملسوس
إىل التجريد.
أما اإليديولوجية :يف جمموعة النظرايت والقيم واملفاهيم الدينية واالجتماعية واالقتصادية والقانونية العامة املتناسقة,
املرتابطة ,املتكاملة واملتداخلة يف تركيب وتكوين كيان عقائدي كلي وعام .وتستند إىل أسس ومفاهيم السمو
والقداسة يف سيادهتا على اجملتمع.
تؤدي الفرضيات دورا هاما وحيواي يف استخراج النظرايت والقوانني والتفسريات العلمية للظواهر ,وهي تنبئ عن
عقل خالق وخيال مبدع وبعد نظر .كما تظهر أمهيتها أيضا يف تسلسل وربط عملية سري املنهج التجرييب من
مرحلة املالحظة العلمية ,إىل مرحلة التجريب واستخراج القوانني ,واستنباط النظرايت العلمية.
وقيمة الفرضيات مل يعرتف هبا إال يف بداية القرن التاسع عشر ,حيث عارض العلماء قبل ذلك وضع الفرضيات
وحذروا منها ,وهو ما فعله كل من كلود برانرد وبيكون.
ـ جيب أن تبدأ الفرضيات من مالحظات علمية ,أي تبدأ من وقائع حمسوسة مشاهدة ,وليس من أتثري اخليال
اجلامح ,وهذا حىت تكون الفرضيات أكثر واقعية,
16
ـ جيب أن تكون الفرضيات قابلة للتجريب واالختبار والتحقق.
ـ جيب أن تكون شاملة ومرتابطة ,أي جيب أن تكون معتمدة على كل اجلزئيات واخلصوصيات املتوفرة ,وعلى
التناسق مع النظرايت السابقة.
بعد عملية إنشاء الفرضيات العلمية ,أتيت عملية التجريب على الفرضيات ,إلثبات مدى سالمتها وصحتها ,عن
طريق استبعاد الفرضيات اليت يثبت يقينا عدم صحتها وعدم صالحيتها لتفسري الظواهر والوقائع علميا ,واثبات
صحة الفرضيات العلمية بواسطة إجراء عملية التجريب يف أحوال وظروف وأوضاع متغايرة وخمتلفة ,واإلطالة
والتنوع يف التجريب على ذات الفرضيات.
وإذا ما ثبتت صحة الفرضيات علميا ويقينيا ,تتحول إىل قواعد اثبتة وعامة ,ونظرايت علمية تكشف وتفسر
وتتنبأ ابلوقائع والظواهر.
املنهج الدايلكتيكي:
يقوم املنهج الدايليكتيكي على أساس احلقيقة القائلة " :أن كل األشياء والظواهر والعمليات واحلقائق الطبيعية
واإلنسانية واالقتصادية والسياسية يف العامل هي دائما يف حاالت ترابط وتشابك وتداخل مستمر ,وهي دائما يف
حاالت تناقض وصراع وتفاعل داخلي قوي حمرك ودافع وابعث على احلركة والتغري والتطور واالرتقاء والتقدم من
شكل إىل شكل ,ومن حالة إىل حالة ,ومن صورة إىل صورة جديدة أخرى ...وهكذا .ونتيجة للتناقض والتضاد
والصراع الداخلي بني عناصر األشياء الداخلية ,توجد الظواهر واحلقائق.
وحيتوي املنهج الدايلكتيكي على العديد من القوانني والقواعد واملفاهيم العلمية املرتابطة واملتكاملة يف بناء هيكل
الدايليكتيك كمنهج حبث علمي .ومن أهم قوانني املنهج:
قانون التغري والتحول ,والتغريات الكمية إىل تغريات نوعية يف طبيعة الشيء أو احلقيقة أو الظاهرة ,وقانون وحدة
وصراع املتناقضات واألضداد ,وقانون نفي النفي.
17
هذه القوانني الثالثة اليت تعد أبرز وأهم قوانني الدايلكتيك.
نشأته:
يعترب منهج الدايلكتيك منهجا قدميا يف فلسفته وأساسه وفرضياته ,وحديثا يف اكتمال وإمتام صياغته وبنائه ,فلقد
ظهرت نظرية الدايلكتيك قدميا عند اإلغريق على يد الفيلسوف اليوانين هريقليدس ( 470 / 530ق م ) الذي
صاغ أساس نظرية الدايلكتيك عندما اكتشف وأعلن أن كل شيء يتحرك ,كل شيء يتغري ,كل شيء جيري .ودلل
على قوله هذا مبثال من الطبيعة بقوله أنين عندما أدخل مرة اثنية للنهر وأضع قدمي يف نفس املوضع األول,
سأتلمس ماء جديدا ومغايرا للماء الذي تلمسته يف املرة السابقة ,ألن التيار قد جرفه وأبعده إىل األمام.
ولقد تطورت الدايلكتيك تطورا جديدا على يـد الفيلسوف " هيجل " الذي بلور وجسد هذه النظرية وصاغها
صياغة علمية شاملة وكاملة واضحة وواعية ,كمنهج علمي لدراسة وحتليل األشياء واحلقائق والظواهر ,حيث أن
هيجل هو الذي اكتشف أهم القوانني والقواعد األساسية اليت يتضمنها املنهج الدايلكتيك .فقد أكد هيجل
حقيقة أن كل األشياء والظواهر والعمليات هي يف حالة تغري وحركة وتطور ارتقائي مستمر ومتدرج ,وأن املنهج
العلمي الصحيح لدراسة وتفسري الظواهر واألشياء هو الدايلكتيك ,الذي يعد قانون تفسري التطور.
1ـ قانون حتول التبدالت الكمية إىل تبدالت نوعية :ويقوم هذا القانون ببيان كيفية تعرض األشياء والظواهر
للتحوالت والتبدالت الكمية بصورة تدرجيية ومنسجمة إىل أن تبلغ معيارا واحدا معينا ,لتحدث نتيجة ذلك
تبدالت وحتوالت نوعية يف طبيعة األشياء والظواهر ,من صورة وشكل قدمي إىل طبيعة جديدة متضمنة يف ذات
الوقت عناصر من الشيء أو الظاهرة أو العملية القدمية املتغرية.
فمضمون هذا القانون أن :كل تطور وحتول وتبدل لألشياء والظواهر والعمليات ,يتم نتيجة حدوث تبدالت
وتغريات مستمرة ومطردة ومتدرجة ومتسلسلة يف حالة وكمية الشيء أو الظاهرة ,أي يف حاالت وخصائص الشيء
مثل حجمه ومقداره ,النطاق العدد السرعة القوة اللون...اخل ,حىت يبلغ حدا معينا ومعيارا فاصال ,فيتحول ويتغري
ويتطور ,فتقدم بذلك النوعية والطبيعة القدمية الفانية وحتل حملها الطبيعة والنوعية اجلديدة للشيء أو الظاهرة .مثال
ذلك يف الطبيعة :أن عملية تسخني املاء املستمرة ,جتعل املاء املعرض لعملية التسخني يف حالة تطور وحتول كمي
مستمر مع بقاء النوعية والرتكيبة الطبيعية والكيمائية للماء موجودة ,ولكن عندما تبلغ عملية التسخني معيار
وحد الغليان ,فإن املاء املسخن واملغلى يتغري ويتبدل يف نوعيته وطبيعته اجلوهرية حيث يفقد نوعيته وطبيعته
السابقة القدمية ,إذ يتحول إىل خبار.
18
2ـ قانون وحدة وصراع األضداد واملتناقضات :الذي يقوم بعملية الكشف عن مصادر وأسباب كل حركة وتطور
وتغري داخلي ,والكشف عن أسباب ومصادر القوة الداخلية الدافعة واحملركة للتطور ,نتيجة الصراع الدائم والذايت
داخل األشياء والظواهر والعمليات بني عناصرها وأجزائها املتضادة واملتناقضة نتيجة حلركيتها وديناميكيتها.
ومضمون هذا القانون أن كل األشياء والظواهر والعمليات هي دائما يف حالة حركة وتغري وتطور سرمدي ,وأن
سبب هذا التحول القوة الدافعة واحملركة حلالة التغري واحلركة يف األشياء والظواهر.
ذلك أن كل شيء أو ظاهرة ,هي عبارة عن كتلة أو وحدة مرتابطة من العناصر واخلصائص والصفات املختلفة
واملتناقضة واملتضادة واملتفاعلة بطريقة تنابذ وجتاذب .وأن هذا الصراع والتنازع والتوازن بني األضداد واملتناقضات
املكونة لرتكيب وصفات األشياء ,يولد طاقة وقوة داخلية دافعة حلركة التغري والتطور.
وقد يكون صراع األضداد داخليا بني عناصر الشيء الواحد ,وقد يكون خارجيا بني األشياء والظواهر والعمليات
بسبب التفاعل والتأثر والتأثري ,فهناك ترابط وتكامل بني املتناقضات واألضداد الداخلية ,وصراع األضداد
واملتناقضات اخلارجية.
وصراع األضداد واملتناقضات الداخلية ,هي الطاقة والقوة األصلية واألساسية حلركة التغري ,أما صراع األضداد
واملتناقضات اخلارجية ,فهي تلعب دورا اثنواي وتكميليا يف حركة التغري والتطور.
ويؤدي الصراع والتنازع إىل إجياد التوازانت يف األشياء والظواهر ,ويعمل على تبدل وتطور هذه التوازانت بني
األشياء.
3ـ قانون نفي النفي :الذي يقوم بعكس وتفسري العالقة بني خمتلف مراحل التطور والتبدل واالرتقاء والنتيجة
النامجة عن ذلك.
فيقوم هذا القانون ببيان وتفسري نتائج مراحل دايلكتيك تطور األشياء والظواهر والعمليات واألفكار ,من أفكار
وحقائق ( ) Theseإىل حالة وجود أفكار وحقائق متعارضة متقابلة ومتناقضة داخل الشيء الواحد أو العملية
الواحدة (م مَ مَ , ) Antitheseمث ما ينتج عن ذلك من الظواهر واحلقائق والعمليات واألفكار السابقة الفانية(
) Synthese
وهكذا يظل نفي النفي يعمل ابنتظام واطراد وبصورة مثمرة وبناءة وتركيبية وبطريقة متواصلة ومتسلسلة ومتجددة,
فنفي النفي هو شرط التطور والبناء التصاعدي إىل األمام ،وهلذا يسمى بـ " قانون التطور والتقدم يف األشياء".
19
وقد استخدم هيجل منهج الدايلكتيك يف تفسري بعض الظواهر االجتماعية والسياسية ,مثل ظاهريت :األمة
والدولة.
ويتسم منهج الدايلكتيك عند هيجل أبنه دايلكتيك مثايل معنوي ,ألنه استخدمه يف جمال الفكر واملعرفة ,فالتغري
والتطور عند هيجل هو يف الفكر والعقل والوعي ,ومن مث مسيت نظرية الدايلكتيك عند هيجل بـ " النظرية
الدايلكتيكية املثالية ".
واكتسب الدايليكتيك تطورا وتغريا جديدا على يد الفيلسوف األملاين فيورابخ ( 1804ـ ) 1872الذي انتقد
النزعة املثالية عند هيجل ,واندى عام بضرورة اتصاف الدايلكتيك ابلنزعة املادية حىت يصبح منهجا موضوعيا
وواقعيا وعمليا ,وحىت يكون أكثر واقعية ومنطقية يف دراسة األشياء والظواهر وحتليلها ,لكنه ذهب يف انتقاده إىل
حد إنكار ورفض املنهج الدايلكتيكي برمته.
فقام الفيلسوف كارل ماركس ـ وهو من أنصار الدايلكتيك اهليجلي ـ إبعادة صياغة النظرية صياغة مادية عملية
على ضوء النقد الذي وجهه هلا فيورابخ.
أبقى ماركس على أسس النظرية الدايلكتيكية ,لكنه نزع عنها الصبغة املثالية البحتة ,وأعاد صياغتها صياغة مادية
وواقعية ,وجعلها نظرية كاملة وشاملة وطبقها على كل األشياء واحلقائق والظواهر ,ويف كافة اجملاالت والعلوم
الطبيعية ,االجتماعية ,االقتصادية ,السياسية ,اإلدارية.....
ويف جمال العلوم القانونية ,قام املنهج الدايلكتيكي بقسط كبري يف اكتشاف وتفسري النظرايت والقوانني العلمية,
والتنبؤ هبا.
مثل تفسري أصل وغاية الدولة ,نشأة وتطور القانون ,وأصل وغاية القانون يف اجملتمع ,فكرة السلطة وعالقتها
ابلقانون واحلرية ,تفسري ظاهرة الثورة وعالقتها ابلقانون ومبدأ الشرعية القانونية ,تفسري ظاهرة التغري االجتماعي
وأثرها على النظام القانوين يف الدولة واجملتمع.
كما يؤدي املنهج اجلديل دورا كبريا يف تفسري وتطبيق القانون يف واقع احلياة ,حيث ميكن للباحث والقاضي
واملشرع يف جمال العلوم القانونية واإلدارية ,أن يستخدم املنهج اجلديل يف تفسري بعض النظرايت والفرضيات
القانونية والتنظيمية واخلروج ابلنتائج واحللول العلمية لبعض اإلشكاالت واملسائل القانونية.
والذي خنلص إليه أن املنهج اجلديل بقوانينه وخصائصه الذاتية من أكثر مناهج البحث صالحية ومالئمة
للدراسات العلمية االجتماعية واالقتصادية والقانونية والسياسية ,فهو املنهج الوحيد القادر على الكشف والتفسري
20
للعالقات والروابط والتفاعالت الداخلية للظواهر االجتماعية واالقتصادية والقانونية والسياسية ,وطبيعة القوى
الدافعة هلذه الظواهر ,وكيفية التحكم يف توجيه وقيادة مسار تقدم هذه الظواهر ,وكيفية التنبؤ ابلنتائج والنهاايت
اجلدية.
هذا فضال عن القيمة الفكرية هلذا املنهج واملنبثقة من الفلسفة القائمة على االختالف والتضاد والتصارع بني
األفكار واحلقائق واألشياء ,واملؤدي يف األخري إىل ظهور احلقيقة.
املنهج الوصفي:
إن املتتبع لتطور العلوم يستطيع أن يلمس األمهية اليت احتلها املنهج الوصفي يف هذا التطور ,ويرجع ذلك إىل
مالئمته لدراسة الظواهر االجتماعية ,ألن هذا املنهج :يصف الظواهر وصفا موضوعيا من خالل البياانت اليت
يتحصل عليها ابستخدام أدوات وتقنيات البحث العلمي.
وقد ارتبطت نشأة هذا املنهج ابملسوح االجتماعية وابلدراسات املبكرة يف فرنسا وانكلرتا ,وكذا ابلدراسات
األنثربولوجية يف الوالايت املتحدة.
ويقوم املنهج الوصفي على مجع احلقائق واملعلومات ومقارنتها وحتليلها وتفسريها للوصول إىل تعميمات مقبولة ,أو
هو دراسة وحتليل وتفسري الظاهرة من خالل حتديد خصائصها وأبعادها وتوصيف العالقات بينها ,هبدف الوصول
إىل وصف علمي متكامل هلا.
لذلك فهو يشتمل على عدد من املناهج الفرعية واألساليب املساعدة ,كأن يعتمد مثال على دراسة احلالة أو
الدراسات امليدانية أو التارخيية أو املسوح االجتماعية .
وال يقتصر املنهج الوصفي على التعرف على معامل الظاهرة وحتديد أسباب وجودها ,وإمنا يشمل حتليل البياانت
وقياسها وتفسريها والتوصل إىل وصف دقيق للظاهرة ونتائجها.
أ ـ دراسة احلالة :تعترب أحد أساليب البحث والتحليل الوصفي املطبقة يف جماالت علمية خمتلفة ,وقد تكون احلالة
املدروسة :شخصا ,مجاعة ,مؤسسة ,مدينة.
21
فعامل النفس :يستخدم الفرد كحالة للدراسة يف حتليل النفسي ,وقد تكون املؤسسة كحالة للدراسة يف جماالت
علمية خمتلفة ,فقد ندرسها من الناحية البشرية أو املالية أو اإلنتاجية ,وذلك حسب جمال اختصاص الباحث
وطبيعة وأهداف البحث.
ب ـ املسح االجتماعي :ساهم هذا النوع من البحوث يف بناء وتطور الدراسات العلمية يف جمال العلوم
االجتماعية ,مبا قدمه من مناهج وطوره من أدوات جلمع البياانت ,وتعترب هذه الدراسة مسامهة يف وضع األسس
والقواعد املنهجية للبحث العلمي ,والتعبري عن الظواهر واملوضوعات االجتماعية تعبريا كميا ,ابستعمال األدوات
املنهجية اليت متكن الباحث من مجع بياانت دقيقة والوصول إىل نتائج موضوعية.
ج ـ دراسة الرأي العام :للرأي العام أتثري كبري على سياسة أية دولة ,لذلك هتتم به السلطات السياسية ورجال
األعمال والشركات وغريها.
فاالستفتاء من أهم وسائل قياس الرأي العام وخاصة يف الدول اليت تتمتع حبرية التعبري وممارسة الدميقراطية .وهتدف
الدراسات يف هذا اجملال إىل استطالع الرأي العام حول قضية أو مسألة ذات طابع عام ,وقد اختذت البحوث يف
هذا اجملال عدة اجتاهات منها:
املنهج املقارن:
يستخدم املنهج املقارن استخداما واسعا يف الدراسات القانونية واالجتماعية ,كمقارنة ظاهرة اجتماعية بنفس
الظاهرة يف جمتمع آخر ,أو مقارنتهما يف بعض اجملاالت االقتصادية والسياسية والقانونية.
ويتيح استخدام هذا املنهج املقارن ,التعمق والدقة يف الدراسة والتحكم يف موضوع البحث والتعمق يف جانب من
جوانبه ,فعلى سبيل املثال ميكن أن ندرس جانبا واحدا من جوانب املؤسسة االقتصادية :األداء أو املواد البشرية...
وميكن أن تكون املقارنة إلبراز خصائص ومميزات كل موضوع من موضوعات املقارنة ,وإظهار أوجه الشبه
واالختالف بينهما.
وتطور علم السياسة مثال مدين إ ىل حد بعيد للمنهج املقارن ،فلقد استخدمه اليوانن الذين مثلت لديهم الدول
اليواننية ( املدن اليواننية ) جماال لدراسة أنظمتها السياسية عن طريق املقارنة ,وقد قام أرسطو مبقارنة 158دستورا
من دساتري هذه الدول ,ويعترب ذلك ثورة منهجية يف علم السياسة .
22
واجلدير ابلذكر أن الدراسات املقارنة للنظم االجتماعية وعمليات التغيري من بني االهتمامات الرئيسة يف العديد
من الدراسات التارخيية والقانونية والسياسية وغريها ,وقد استعمل رواد الفكر الغريب من أمثال :كومت ,سبنسر,
هوبنز ,وغريهم التحليالت املقارنة للظواهر والنظم االجتماعية هبدف الكشف عن أمناط التطور واجتاهاته ,كما
جند مناذج أخرى من الدراسة املقارنة لدى الكثري من رواد العلوم االجتماعية يف أعمال دوركامي وخاصة يف مناقشته
لقواعد املنهج.
وطورت املدرسة الغربية وخباصة بعد إسهامات " دايف " و" موريه " يف الدراسات املقارنة للنظرية السياسية
والقانونية.
كما القت الدراسة املقارنة اهتماما معتربا لدى رجال القانون واملؤرخني واالقتصاديني ,رغم أن املقارنة ابملفهوم
احلديث كمنهج قائم بذاته ,حديثة النشأة ,فإن عملية املقارنة قدمية قدم الفكر اإلنساين ,فقد استخدم كل من
أرسطو وأفالطون املقارنة كوسيلة للحوار يف املناقشة ,قصد قبول أو رفض القضااي واألفكار املطروحة للنقاش.
املنهج التارخيي
يتكون التاريخ من الوقائع واألحداث واحلقائق التارخيية ,اليت حدثت وظهرت يف املاضي ومرة واحدة ,ولن تتكرر
أبدا ,على أساس أن التاريخ يستند إىل عنصر الزمن املتجه دوما إىل األمام ,دون تكرار أو رجوع إىل الوراء .
ولدراسة الوقائع واألحداث أمهية كربى يف فهم ماضي األفكار واحلقائق والظواهر واحلركات واملؤسسات والنظم,
ويف حماولة فهم حاضرها والتنبؤ أبحكام وأحوال مستقبلها.
لذلك ظهرت أمهية وحتمية الدراسات التارخيية والبحوث العلمية التارخيية ,اليت حتاول بواسطة علم التاريخ ـ واملنهج
التارخيي ـ أن تستعيد وتركب أحداث ووقائع املاضي بطريقة علمية يف صورة حقائق علمية اترخيية ,لفكرة من
األفكار ,أو نظرية من النظرايت ,أو مدرسة من املدارس ,أو مؤسسة من املؤسسات االجتماعية واإلنسانية
والسياسية واالقتصادية.
ولدراسة الوقائع واحلوادث والظواهر التارخيية ,دراسة علمية تعتمد على العقل واملنطق ,البد من استخدام املنهج
العلمي التارخيي.
23
مفهومـه:
عرف املنهج التارخيي عدة تعريفات عامة وخاصة ,منها التعريف العام الذي يقرر صاحبه أنه " :الطريقة التارخيية
اليت تعمل على حتليل وتفسري احلوادث التارخيية ,كأساس لفهم املشاكل املعاصرة ,والتنبؤ مبا سيكون عليه
املستقبل".
ومنها التعريف التايل الذي يتميز بنوع من الدقة " :هو وضع األدلة املأخوذة من الواثئق واملسجالت مع بعضها
بطريقة منطقية ,واالعتماد على هذه األدلة يف تكوين النتائج اليت تؤدي إىل حقائق جديدة ,وتقدم تعميمات
سليمة عن األحداث املاضية أو احلاضرة أو على الدوافع والصفات اإلنسانية.".
ومن التعريفات اليت تتميز ابلدقة أيضا أنه " :جمموعة الطرائق والتقنيات اليت يتبعها الباحث التارخيي واملؤرخ,
للوصول إىل احلقيقة التارخيية وإعادة بناء املاضي بكل دقائقه وزواايه ,وكما كان عليه يف زمانه ومكانه ,وجبميع
تفاعالت احلياة فيه ,وهذه الطرائق قابلة دوما للتطور والتكامل ,مع جمموع املعرفة اإلنسانية وتكاملها,وهنج
اكتساهبا".
وميكننا القول أن املنهج التارخيي هو منهج حبث علمي ,يقوم ابلبحث والكشف عن احلقائق التارخيية ,من خالل
حتليل وتركيب األحداث والوقائع املاضية املسجلة يف الواثئق واألدلة التارخيية ,وإعطاء تفسريات وتنبؤات علمية
عامة يف صورة نظرايت وقوانني عامة واثبتة نسبيا.
يتألف املنهج التارخيي من عناصر ومراحل متشابكة ومتداخلة ومرتابطة ومتكاملة ,يف تكوين بناء املنهج التارخيي
ومضمونه ,وهي:
أي حتديد املشكلة أو الفكرة العلمية التارخيية اليت تقوم حوهلا التساؤالت واالستفسارات التارخيية ,األمر الذي
يؤدي إىل حتريك عملية البحث التارخيي ,الستخراج فرضيات علمية ت ّكون اإلجابة الصحيحة والثابتة هلذه
التساؤالت.
وتعترب عملية حتديد املشكلة حتديدا واضحا ودقيقا ,من أول وسائل جناح البحث التارخيي ،يف الوصول إىل احلقيقة
التارخيية .لذا يشرتط يف عملية حتديد املشكلة الشروط التالية:
24
ـ جيب أن تكون املشكلة معربة عن العالقة بني متحولني أو أكثر.
بعد عملية حتديد املشكلة ,أتيت مرحلة مجع كافة احلقائق والوقائع املتعلقة ابملشكلة ,وذلك عن طريق حصر ومجع
كافة املصادر والواثئق واآلاثر التسجيالت املتصلة بعناصر املشكلة ,ودراسة وحتليل هذه الواثئق بطريقة علمية
للتأكد من صحتها وسالمة مضموهنا .
ونظرا ألمهية وحيوية هذه املرحلة أطلق البعض على املنهج التارخيي اسم " منهج الواثئق" ,فالواثئق التارخيية هي
جوهر املنهج التارخيي.
وهي مأخوذة من وثق يثق ثقة أي ائتمنه ,الشيء الوثيق الشيء احملكم.
أما يف االصطالح فهي" :مجيع اآلاثر اليت خلفتها أفكار البشر القدماء".
والواثئق أوسع من النص املكتوب ,حيث تشمل كافة الواثئق واملصادر واألدلة والشواهد التارخيية ,أصيلة وأولية,
أو اثنوية وتكميلية ,مكتوبة أو غري مكتوبة ,رمسية أو غري رمسية ,مادية أو غري مادية ,واليت تتضمن تسجيال
حلوادث ووقائع اترخيية ,أو لبعض أجزائها وعناصرها ,يعتمد عليها يف البحث والتجريب للوصول إىل احلقيقة
1
التارخيية املتعلقة ابملشكلة حمل الدراسة والبحث .
املنهج االستقرائي
وهي كلمة يواننية تعين يقود ،وتعين حسب التعريف اليوانين أن العقل هو الذي يقود إىل اإلنسان للقيام
ابلتجارب واالختبارات اليت تؤدي إىل اكتشاف القوانني ويهدف املنهج االستقرائي إىل مجع البياانت والعالقات
حممود أمحد درويش ,مناهج البحث يف العلوم اإلنسانية,مؤسسة االمة العربية للنشر والتوزيع 2018,الطبعة االوىل ,ص 66اىل88 1
25
املرتابطة بطريقة دقيقة من أجل الربط بينها مبجموعة من العالقات الكلية العامة .ومن خالل املنهج
االستقرائي يقوم الباحث بتعميم الدراسة اخلاصة اليت قام هبا على الدراسة العامة املتعلقة ابملوضوع .
ويتميز هذا املنهج ابنتقال الباحث فيه من اجلزء حنو الكل ،أو من اخلاص إىل العامل ،حيث ينتقل الباحث يف
حبثه من اجلزء إىل الكل أو من اخلاص إىل العام ،فيقوم الباحث يف بداية األمر بتعميم النتائج على اجلزء وبعد أن
يتأكد من صحتها يقوم بتعميمها على الكل .
ويعد املنهج االستقرائي هو املنهج الذي يعاكس املنهج االستداليل ،حيث أن املنهج االستقرائي يقوم إبنتاج
تعليمات واسعة من جمموعة حمددة من املالحظات ،بينما األمر يكون معاكسا ابلنسبة للمنهج االستداليل أو
االستنباطي.
ومن خالل املنهج االستقرائي يقوم الباحث بتحويل العديد من املالحظات إىل قواعد عامة ،بينما يف املنهج
االستنباطي يكون األمر معكوسا متاما حيث تتجزأ القاعدة الكيلة إىل جمموعة من املالحظة ،واجتماع هذه
املالحظات مرة أخرى سيؤدي إىل إعادة تشكيل القاعدة الكلية.
ولقد عرب واسرتيل مسولر عن العالقة بني املنهج االستقرائي واملنهج االستباطي فقال :يف العلم يوجد هناك تفاعل
يستمر بشكل دائم بني املنهج االستقرائي والذي يستند إىل املالحظات ،وبني االستدالل االستنتاجي والذي
يعتمد على أساس النظرية ،ومن خالهلما نستطيع االقرتاب من احلقيقة.
وللمنهج االستقرائي مكانة كبرية لدى العلماء ،ولدى املنهج العلمي ،حيث أن العلماء يعتمدون عليه بشكل
رئيسي من أجل أن يقوموا بتشكيل الفرضيات والنظرايت ،بينما يلجؤون إىل املنهج االستداليل أو االستنباطي من
أجل أن يقوموا بتطبيق هذه النظرايت والفرضيات ،ويتأكدوا من صحتها ،لكن على نظرايت وحاالت حمددة
فقط.
ولقد مت توجيه العديد من اإلشكاليات للمنهج االستقرائي ،وكانت هذه اإلشكاليات منطقية فلسفية ،ومن أبرز
هذه اإلشكاليات نذكر :
أ -كيف يقوم الباحث بتعميم نتيجة حبثه على كافة أفراد جمتمع الدراسة يف حني أنه مل يقوم بدراسة إال جزء حمدد
منهم.
ب -وكيف يقوم الباحث بتعميم نتائج دراسته على الزمن املستقبل مع أنه قام بفحص األفراد يف الفرتة احلالية أو
يف فرتة سابقة؟.
أنواع املنهج االستقرائي
26
-1االستقراء الكامل :وهو عبارة عن استقراء يقيين يقوم الباحث من خالله مبراقبة مجيع مفردات الظاهرة اليت
يقوم بدراستها ،إلصدار احلكم النهائي على هذه املفردات ،ويعد هذا النوع من االستقراء بطيئا وذلك ألن
حيتاج إىل وقت طويل حيث يتوجب على الباحث مراقبة الظاهرة بدقة كبرية وحرص شديد .
وقد وضع تعريف آخر لالستقراء الكامل ،وهو انتقال الذهن من احلكم على مجيع اجلزئيات إىل احلكم على كلية،
وذلك من خالل أتكد الباحث من أن هذا األثر هو أمر شامل ومستمر على مجيع أفراد عينة الدراسة اليت يقوم
بدراستها.
ومن خالل هذا النوع من االستقراء يتأكد الباحث من صحة النتيجة ويقوم بتعميمها ،ومن مث يقوم ببناء قاعدة
كلية ذات أساس علمي واضح واثبت عليها.
ولكن لن يستطيع الباحث تعميم نتيجة االستقراء الكامل إال بعد أن تتوفر ثالثة من الشروط وهي:
أ -جيب أن تكون نتيجة االستقراء مت تكرار تقريرها يف النصوص أو املالحظات ،أو يف القواعد اليت تتصل بتلك
الظاهرة أو املشكلة املبحوثة.
ب -التأكيد أبن نتيجة االستقراء قد مت أتكيد مضموهنا يف مواضع كثرية ،حبيث جيب أن يكون املضمون صحيحا
وغري خمتل ،كما جيب أن ال يتغري املضمون ،وال يظهر بنفس النتيجة اليت ظهر فيها يف مواضع اثنية سابقة.
ت -االنتشاروهذا يعين أن ينتشر املعىن يف اجملاالت اليت تتعلق ابملشكلة أو الظاهرة اليت يتم دراستها ،بشرط أال
يقتصر االنتشار على ابب واحد من أبواب هذه املشكلة.
إما يف حال كان اجلزئيات اليت مت استقراؤها يف قضية واحدة أو مشكلة واحدة فإن مسألة انتظام االستقراء
وتعميمه وانتشاره ومشوله قد ال يكون قطعيا ،وذلك ألن نتيجة االستقراء قد تكون ظنية وغري مقطوع هبا.
-2االستقراء الناقص :ويطلق عليه االستقراء غري اليقيين ،وهو انتقال الذهن من احلكم على اجلزئيات إىل
احلكم على الكليات ،أي أن الباحث ينتقل فيه من اجلزء إىل الكل ،ومن خالله يقوم الباحث بدراسة جزء من
مفردات الظاهرة ،حبيث يتناول هذا اجلزء من كافة جوانبه فيحدد طبيعته ،ويقوم بوضع األمثلة عليه ،وبعد أن
يصل إىل النتيجة يقوم بتعميمها على الكل ،وعلى الرغم من شيوع استخدامه إال أنه ال يقدم معلومات كافية ،
فقد يتنسى الباحث دراسة معلومات مهمة فيه .
ومن أهم مساته أن االستدالل به استدالل معرض لالختالل والحتمال سقوطه وذلك ألن الباحث لن يقوم
ابستقراء كافة اجلزئيات ،حيث أن االستقراء الناقص لن يتيح للباحث املرور على كافة اجلزئيات ليقوم ابلتأكد من
األثر هو عينة يف كافة اجلزئيات.
27
خطوات املنهج االستقرائي
-1املالحظات :وهي عبارة عن بياانت يقوم الباحث جبمعها حتليلها وتصنيفها ،و من مث يلخصها لكي يساهم
يف إدراك املنهج االستقرائي ،وللمالحظات نوعني :
أ -املالحظة املقصودة :وفيها يقوم الباحث بتحديد نص أو معلومة يتوقع الباحث أبهنا ستساعده يف الوصول إىل
وصف مناسب ملنهج البحث .
ب -املالحظة البسيطة :هي املالحظة اليت أتيت يف ابل املالحظة بشكل مفاجئ ودون تفكري مسبق ،ويطلق
على هذه املالحظة اسم االكتشاف .
-2الفرضيات :وهي األفكار اليت يقوم الباحث بطرحها وافرتضها معتقدا أهنا ستقوم بوضع تفسري مناسب
للمنهج االستقرائي ،ويف العادة يقوم الباحث بوضع أكثر من فرضية لكي يقارن بينها وخيتار من بينها الفرضية
اليت تناسب حبثه .
-3التجارب :وهي عبارة عن االختبارات اليت يقوم الباحث إبجرائها حىت يعرف مدى نسبة جناح املنهج الذي
يطبقه ضمن اإلطار املخصص له 1.
1
https://www.bts-academy.com/
28
ﺧﺎﺗﻤﺔ
ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﺫﻛﺮﻩ ﻧﺴﺘﻨﺘﺞ ﺃﻥ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﺃﺳﺎﻟﻴﺒﻪ ﻭﻃﺮﻗﻪ ﻳﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺞ ﻣﻨﻈﻢ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ
ﺍﻟﻌﻘﻠﻲ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﻣﺤﻞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺔ ﺑﻞ ﺃﻥ ﺍﻟﺘﻘﺪﻡ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺍﻟﺮﺍﻫﻦ ﻳﺮﺟﻊ ﺍﻟﻔﻀﻞ ﻓﻴﻪ ﻻﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﻨﻬﺞ
ﺍﻟﺒﺤﺚ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻛﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ ،ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻻﻛﺘﺸﺎﻓﺎﺕ ﺍﻟﺒﺎﻫﺮﺓ ﻣﻨﺬ ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻨﻬﻀﺔ ﺇﻟﻰ ﻳﻮﻣﻨﺎ ﻫﺬﺍ ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﻣﺮﺗﺒﻄﺔ
ﺑﺎﻟﺘﺤﻮﻻﺕ ﻓﻲ ﻣﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ،ﻭﺇﻥ ﻣﺎ ﺯﺍﺩ ﻓﻲ ﺍﻻﺿﻄﺮﺍﺏ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻣﻴﺔ ﻫﻮ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻻﻋﺘﻨﺎﺀ ﺑﻤﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺒﺤﺚ
ﺇﺫ ﺃﺻﺒﺤﺖ ﺟﻞ ﺍﻟﺪﺭﺍﺳﺎﺕ ﻭﺍﻟﺒﺤﻮﺙ ﻣﺠﺮﺩ ﻣﻌﻠﻮﻣﺎﺕ ﻳﺘﻢ ﺗﺪﻭﻳﻨﻬﺎ ﺩﻭﻥ ﺍﻻﻋﺘﻤﺎﺩ ﻋﻠﻰ ﻣﻨﻬﺞ ﻭﺍﺿﺢ ﻟﻠﺘﻔﻜﻴﺮ
ﻭﺍﻟﺘﺤﻠﻴﻞ ،ﻭﻣﻦ ﺛﻢ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻏﻴﺎﺏ ﺍﻹﺑﺪﺍﻉ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻻﺑﺘﻌﺎﺩ ﻋﻦ ﺗﺄﺛﻴﺮﺍﺗﻪ ﺍﻹﻳﺠﺎﺑﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺟﻮﺍﻧﺐ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ
ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﻤﺠﺘﻤﻌﻨﺎ.
ﻗﺎﺋﻤﺔ ﺍﻟﻤﺮﺍﺟﻊ
_ https://educad.me/27/12/2019
_ https://www.bts-academy.com27/12/2019
_ﻣﺎﺛﻴﻮ ﺟﻴﺪﻳﺮ ,ﺗﺮﺟﻤﺔ ﻣﻠﻜﺔ ﻟﺒﻴﺾ ,ﻣﻨﻬﺠﻴﺔ ﺍﻟﺒﺤﺚ ,ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻟﺒﺎﺣﺚ ﺍﻟﻤﺒﺘﺪﺉ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻋﺎﺕ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻭﺭﺳﺎﺋﻞ
PDF ﺍﻟﻤﺎﺟﻴﺴﺘﺮ ﻭ ﺍﻟﺪﻛﺘﻮﺭﺍﺓ
_ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺃﺣﻤﺪ ﺩﺭﻭﻳﺶ ,ﻣﻨﺎﻫﺞ ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ,ﻣﺆﺳﺴﺔ ﺍﻻﻣﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﻟﻠﻨﺸﺮ ﻭﺍﻟﺘﻮﺯﻳﻊ ,ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ
ﺍﻻﻭﻟﻰwww .GOOGLE BOOKS.COM 2018 ,