You are on page 1of 126

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫هذه املطبوعة تفريغ مجع بني حماضرات عام [‪]2020-2019‬‬

‫وحماضرات [‪ ]2021-2020‬للشّيخ سليم بن صفية يف مشكل‬

‫احلديث‪ ،‬اليت ألقاها يف جامعة خرّوبة‪.‬‬

‫أرج من اهلل أن ال أكون أسأت له بها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫مفهوم مشكل احلديث‪:‬‬
‫باعتباره مركبا إضافيا‪:‬‬
‫املشكل لغة‪:‬‬
‫املشكل اسم فاعل للفعل الثالثي شكل عىل وزن فعل؛ وهو الصواب‪ ،‬وقيل اسم فاعل‬
‫للفعل شكل عىل وزن فعل‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬كام أن الكثري ممن كتبوا يف مشكل احلديث أخطأوا‬
‫بقوهلم أن كلمة املشكل هي من الفعل أشكل‪.‬‬
‫صيغة اسم الفاعل من الفعل فعل اسم الفاعل من الفعل فعل يكون عىل وزن مضارعه‬
‫مع إبدال الياء ميام مضمومة وكرس ما قبل آخره فيقال‪ :‬شكل يشكل مشكل‪.‬‬
‫صيغة اسم الفاعل من الفعل فعل‬
‫اسم الفاعل من الفعل فعل يأيت عىل وزن مفعل‪ ،‬فيقال‪ :‬علم معلم‪.‬‬

‫النتيجة‬
‫وبالتايل من قال بأن املشكل اسم فاعل للفعل شكل عىل وزن فعل أخطأ‪ ،‬والصواب‬
‫هو أن املشكل اسم فاعل للفعل شكل عىل وزن فعل‪.‬‬

‫من استعامالت العرب لكلمة املشكل‪:‬‬


‫‪ Ⅰ‬تستعمل بمعنى املامثلة‪:‬‬
‫املامثلة نشأة بدخول الّشء يف أشكال غريه يقال هذا شكل هذا‪ ،‬بمعنى أنه مماثل له؛ ألنه‬
‫دخل يف أحد أشكاله‪ ،‬ويقال‪ :‬أشكل األمر بمعنى دخل مع غريه يف شكله فحصلت بذلك‬
‫املامثلة‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬يأِت بمعنى اللبس والغموض واخلفاء‪:‬‬
‫أشكل الّشء إذا التبس وغمض‪ ،‬وهذا املعنى متولد والزم عن املامثلة‪ ،‬وذلك ألنه ما‬
‫التبس إال ألنه دخل يف أشكاله وصار بينهام متاثل‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ Ⅲ‬تستعمل بمعنى إزالة اإلشكال‪:‬‬
‫يقال‪ :‬أشكل إذا أزال اإلشكال لذلك يقولون أشكل الكتاب أي أزال الغموض الذي‬
‫يكتنفه وهبذا املعنى يرد عىل بعض املعارصين ممن ترب وأنكر عىل تسمية هذا العلم بمشكل‬
‫احلديث فيقال‪ :‬مشكل احلديث ليس فقط ما التبس وغمض بل هو أيضا عملية إزالة‬
‫اإلشكال‪.‬‬
‫‪ Ⅳ‬يأِت املشكل بمعنى االختالف‪:‬‬
‫يقال‪ :‬هذه أشكال أي ُمتلفة‪ .‬يقال‪ :‬أشكل إذا اختلف عن الّشء اآلخر‪.‬‬

‫تنبيه‬
‫املعنى االصطالحي للمشكل جيب أن ال خيرج عن تلك املعاين اللغوية‪.‬‬
‫ما يستفاد من تلك املعاين‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أن املشكل هو لفظ أهبم وخفي معناه‪ ،‬أي فيه معنى اإلهبام واخلفاء‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬أن منشأ اإلشكال هو دخول اللفظ فيام يامثله من األلفاظ‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬أن منشأ اللبس قد يكون ملعارضة لفظ للفظ آخر وهو الذي سميناه االختالف‪.‬‬
‫‪ Ⅳ‬أن املشكل ليس فقط رصد للغموض واللبس وإنام هو عملية إزالة هذا الغموض‪.‬‬
‫‪ Ⅴ‬أن الغموض واخلفاء يكون‪:‬‬
‫• إما بسبب مقابلة ومعارضة‪.‬‬
‫• وإما أن يكون منفيا باللفظ‪.‬‬
‫يعني أن اخلفاء والغموض يكون‪:‬‬
‫• إما بسبب اختالف اللفظ مع غريه‬
‫• وإما يف ذات اللفظ‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫إما لكثرة معانيه ‪ -‬هذا ما يسمى‬
‫خصوص املشرتك اللفظي‪.-‬‬

‫‪3‬‬
‫وإما أن يلتبس معناه بسبب سياقه‪.‬‬
‫فائدة‬
‫ملاذا دائام يبدأ بالتعريف اللغوي قبل التعريف االصطالحي؟‬
‫اجلواب‬
‫ألن املعاين االصطالحية تنشأ من املعاين اللغوية ولذلك ُتاكم إليها‪ ،‬وتنتقد ملخالفتها‬
‫هلا‪.‬‬
‫فائدة‬
‫املعني االصطالحي هو املعني العريف‪.‬‬
‫والعرف ينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫العرف العام‪ :‬وهو ما تعارف عليه الناس وتعاقبوا عليه‪.‬‬
‫العرف اخلاص‪ :‬وهو عرف أصحاب الفنون؛ كـ علامء احلديث مثال‪.‬‬
‫مثال عن العرف العام‪ :‬ككلمة الغائط بعد ما وضعت عىل األرض املنخفضة الفسيحة‬
‫نقلت إىل معنى عريف عام وهو اخلارج من احدى السبيلني‪.‬‬
‫املشكل يف االصطالح العام‪:‬‬
‫اسم ملا اشتبه معناه‪ ،‬لغموض يف ذات اللفظ أو لسبب سياق الكالم‪ ،‬أو لسبب معارضة‬
‫ظاهره لظاهر غريه بحيث ال يتبني املراد منه إال بقرينة أو دليل خارجي‪.‬‬
‫قولنا‪« :‬اسم ملا اشتبه معناه»‬
‫إذا كل أنواع اإلشكال تشرتك يف االشتباه واخلفاء والغموض‪.‬‬
‫ثم هذا اخلفاء له حاالت ثالثة‪ :‬إما أن يكون‪:‬‬
‫• لغموض يف ذات اللفظ‪.‬‬
‫• وإما بسبب سياق الكالم‪.‬‬
‫• وإما بسبب وجود معارض‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫ذلك التعريف تعريف املشكل يف االصطالح العام فهو معنى للمشكل يف أي علم؛‬
‫القرآن أو احلديث أو غريمها‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫من الكتب التي عنيت بذكر املصطلحات العامة‪:‬‬
‫• الكليات للكفوي‪.‬‬
‫• التعريفات للجرجاين‪.‬‬
‫• التوقيف عىل مهامت التعاريف للمناوي‪.‬‬
‫مشكل احلديث يف االصطالح اخلاص‬
‫تعريف مشكل احلديث نجد فيه اختالف‪.‬‬
‫من أين نشأ هذا اخلالف؟‬
‫اخلالف منشأه عالقة اللفظ باملعنى األلفاظ قوالب للمعاين فاملعاين تزيد بزيادة األلفاظ‬
‫وتنقص بنقصاهنا‪ ،‬ولذلك يقال الزيادة يف املبنى زيادة يف املعنى‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫اإلشكال ينشأ من عالقة اللفظ باملعنى ولكن له أسباب أخرى كذلك‪.‬‬
‫عالقة اللفظ باملعنى عند األصوليني‪:‬‬
‫من حيث الوضع‪:‬‬
‫كقوهلم هذا اللفظ يدل عىل العموم أو عىل اخلصوص أو عىل اإلطالق أو عىل التقييد‪.‬‬
‫من حيث الداللة‪:‬‬
‫اللفظ دل عىل املعنى باملنطوق أو باملفهوم داللة اللفظ عىل املعنى ظاهرة أم خفية اللفظ‬
‫دل عىل املعنى باملجاز أو باحلقيقة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫أّيام أصح الداللة بكرس الدال أو بفتحها؟‬
‫كالمها صحيح ولكن حصل خالف بني أهل العلم يف أّيام أصح‪ ،‬منهم من قال الداللة‬
‫بالفتح‪ .‬ومنهم من قال الداللة بالكرس ومنهم من قال بأن الداللة تكون يف املعاين احلسية‬
‫والداللة تكون يف األمور املعنوية ومنهم من عكسهام‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫يقال أيضا‪[ :‬الدلولة] بضم الدال وقلب األلف واوا‪.‬‬
‫أقسام اللفظ عند األصوليني‪:‬‬
‫باعتبار داللته املعنى‪.‬‬
‫باعتبار الظهور واخلفاء‪:‬‬
‫▪ واضح وظاهر الداللة‪.‬‬
‫▪ خفي ومبهم الداللة‪.‬‬
‫اجلمهور يقسمون اللفظ‪:‬‬
‫باعتبار الوضوح إىل قسمني‪:‬‬
‫[النص ‪ -‬الظاهر]‬
‫باعتبار اخلفاء إىل قسم واحد‪:‬‬
‫[املجمل] بعضهم يضيف‪[ :‬املتشابه]‬
‫األحناف يقسمون اللفظ‪:‬‬
‫باعتبار الوضوح إىل أربعة أقسام‪:‬‬
‫[املحكم ‪ -‬املفرس ‪ -‬الظاهر ‪ -‬النص]‬
‫باعتبار اخلفاء إىل أربعة أقسام‪:‬‬
‫[اخلفي ‪ -‬املتشابه ‪ -‬املجمل ‪ -‬املشكل]‬
‫هل املشكل هو املتشابه؟‬

‫‪6‬‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫من أهل العلم من جعل املشكل هو املتشابه‪.‬‬
‫ممن ذهب إىل ذلك‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬اخلطيب البغدادي يف كتابه الفقيه واملتفقه قال‪ :‬واملتشابه من اللفظ هو املشكل الذي‬
‫دخل يف أشكاله‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬شيخ االسالم ابن تيمية قال‪ :‬ووجود االشكال والتشابه بني األلفاظ عند كثري من‬
‫الناس إنام منشأه من فهمهم‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬بعض األصوليني‪ :‬كالشاش‪ ،‬والبزدوي‪ ،‬وابن فورك‪ ،‬وأبو الوليد الباجي‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫اعرتاض األستاذ عىل ذلك‪:‬‬
‫أحيانا املتشابه يكون مشكل ولكن ليس كل مشكل متشابه؛ ألن اإلشكال له أسباب‬
‫عديدة منها‪ :‬املعارضة‪ ،‬الغموض‪ ،‬السياق‪.‬‬
‫الفرق بني املشكل واخلفي‪:‬‬
‫املشكل‪:‬‬
‫املشكل أشد غموضا من اخلفي؛ ألنه حيتاج يف إزالة غموضه إىل إعامل النظر واالستعانة‬
‫بالقرائن اخلارجية‪.‬‬
‫اخلفي‪:‬‬
‫اخلفي يظهر معناه ابتداء بالرجوع إىل قواميس اللغة أو رشاح الغريب‪.‬‬
‫مثال عن اخلفي‪:‬‬
‫حديث «ويعلو التحوت الوعول»‪ ،‬هذان اللفظان "التحوت" و"الوعول" خفيان‪،‬‬
‫لكن بمجرد الرجوع إىل القواميس أو إىل رشوح الغريب يزال اخلفاء‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫نتيجة‬
‫املشكل هو إهبام وخفاء يف معنى النصوص‪.‬‬
‫سؤال‬
‫ملاذا احتجنا إىل ذكر تلك املقدمة حتى نعرف مشكل احلديث؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫ألن املشكل قد يكون من املتشابه‪ ،‬وقد يكون من املجمل‪ ،‬وقد يكون من اخلفي‪.‬‬
‫فائدة‬
‫من األشياء التي يشرتك فيها املحدثون والفقهاء واألصوليون يف ُمتلف احلديث كام‬
‫قال الدكتور حسام اخلياط‪ :‬وجود نسبة من اخلفاء يف اللفظ املشكل مع تباين سببه‪.‬‬
‫هذا السبب إما أن يكون‪:‬‬
‫▪ يف اللفظ‪.‬‬
‫▪ أو يف السياق‪.‬‬
‫▪ أو معارض‪.‬‬
‫مذاهب مفهوم مشكل احلديث باالستقراء نجد ثالثة مدارس‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬هو غموض يف ظاهر اللفظ احلديثي‪.‬‬
‫من الذين نحو هذا املنحى‪:‬‬
‫اإلمام ابن اجلوزي يف كتابه كشف املشكل من حديث الصحيحني اعتنى فيه باأللفاظ‬
‫وضبطها ورشحها فأراد إزالة الغموض فجعل مشكل احلديث فقط فيام غمض من األلفاظ‬
‫نفسها‪.‬‬
‫من أسباب غموض اللفظ‪:‬‬
‫▪ قلة استعامله‬

‫‪8‬‬
‫▪ أو إلمجال فيه‬
‫▪ أو كونه من األلفاظ املشرتكة‬
‫‪ Ⅱ‬هو جمرد تعارض بني ظواهر األحاديث حيتاج إىل نظر وتأمل أو قرينة لبيان معناه‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬هو املجمل واملتشابه‪.‬‬
‫عىل هذا املذهب مشكل احلديث ال يكون بسبب الغموض وال بسبب املعارضة‪.‬‬
‫‪ Ⅳ‬هو املجمل املتشابـــــه مـــــن ظواهـــــر األحاديث إما لغمــــــوض يف ذات‬
‫اللفـظ أو ملعارضته لغريه‪.‬‬
‫وهو قول أكثر املحققني من األصوليني واملحدثني‪.‬‬
‫ما يالحظ عىل التعريف‪:‬‬
‫مجع بني الغموض الذي يكون يف ظاهر اللفظ والذي يتولد عن التعارض‪.‬‬
‫من الذين ساروا عىل هذا املذهب‪:‬‬
‫‪-‬اإلمام الشافعي يف كتابه اختالف احلديث‪.‬‬
‫‪-‬ابن قتيبة الدينوري يف كتابه تأويل ُمتلف احلديث‪.‬‬
‫‪-‬والطحاوي يف كتابه مشكل اآلثار‪.‬‬
‫‪-‬ابن فورك يف كتابه مشكل احلديث‪.‬‬

‫تنبيه‬
‫اختالف احلديث هو اسم من أسامء مشكل احلديث كام قال إبراهيم العسعس يف بحث‬
‫سامه‪ :‬دراسات يف مشكل احلديث‪ ،‬وذكر بأن من أسامء هذا العلم اختالف احلديث وُمتلف‬
‫احلديث‪.‬‬
‫تأويل ُمتلف احلديث البن قتيبة الدينوري‪:‬‬
‫انتقد عىل تسميته له بتأويل ُمتلف احلديث ألن كتابه يف تأويل مشكل احلديث وليس‬
‫تأويل ُمتلف احلديث‪ ،‬فنجده جاء فيه بأنواع مشكل احلديث‪ ،‬كقوله مثال‪ :‬حديث يكذبه‬

‫‪9‬‬
‫النظر‪ ،‬حديث يعارضه املشاهدة حديث يعارض أوله آخره‪ ،‬ولو ما وجد كتاب له سامه‬
‫مشكل القرآن لقيل بأن صنيعه كصنيع اإلمام الشافعي والذي أراده بتأليفه هلذا الكتاب‪ ،‬هو‬
‫الرد عىل املدرسة العقلية ‪ -‬مدرسة املتكلمني‪ ،-‬خاصة فيام ادعوه من تناقض النصوص‪.‬‬
‫مشكل اآلثار للطحاوي‪:‬‬
‫مشكل اآلثار رصد فيه التعارض احلاصل بني األحاديث‪ ،‬وأحيانا الغموض الذي‬
‫يكون يف ظاهر اللفظ يف ذاته‪.‬‬
‫مشكل احلديث البن فورك‪:‬‬
‫هو أحد املتكلمني‪ ،‬وأراد يف كتابه هذا أن يرد عىل مدرسة االثبات بتأويل أحاديث‬
‫الصفات‪.‬‬
‫قلنا بأن مشكل احلديث هو‪ :‬غموض يف ظاهر اللفظ‪ ،‬أو يف سياقه‪ ،‬أو ملعارضة ظاهر‬
‫آخر‪.‬‬
‫هذا الظاهر املعارض يكون إما‪:‬‬
‫▪ نصا من الكتاب أو السنة‬
‫▪ قاعدة رشعية ثابتة‬
‫▪ حقيقة تارخيية أو علمية أو عقلية‬
‫تعريف بعض املتأخرين ملشكل احلديث‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬نور الدين عرت‪ :‬عرفه يف كتابه منهج النقد يف علوم احلديث‪ ،‬فقال‪ :‬هو ما تعارض‬
‫مع القواعد فأوهم معنى باطال‪ ،‬أو تعارض مع نص رشعي آخر‪.‬‬
‫ما يالحظ عىل هذا التعريف‪:‬‬
‫أنه جعل مشكل احلديث منشأه من التعارض فقط‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ Ⅱ‬الدكتور أسامة خياط‪ :‬عرفه يف كتابه ُمتلف احلديث بني املحدثني واألصوليني‬
‫الفقهاء‪ ،‬فقال‪ :‬هو أحاديث مروية عن رسول اهلل ﷺ بأسانيد مقبولة يوهم ظاهرها معاين‬
‫مستحيلة‪ ،‬أو معارضة لقواعد ثابتة‪.‬‬
‫نأخذ تعريفا ملشكل احلديث‪:‬‬
‫‪Ⅰ‬األحاديث الصحيحة املقبولة التي ظاهرها غموضا يف ذات اللفظ‪ ،‬أو يف سياقه‪ ،‬أو‬
‫لوجود معارض خارجي‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬هو احلديث الثابت أو املقبول الذي التبس وخفي معناه؛ إما بسبب غموض لفظه‪،‬‬
‫أو سياقه‪ ،‬أو ملعارض خارجي‪.‬‬
‫فائدة‬
‫يرى العسعس أنه من اخلطأ أن يقال مشكل احلديث‪ ،‬والصواب يف نظره أن يقال‪:‬‬
‫استشكال احلديث‪ ،‬حتى ال يتوهم بأن ظواهر ألفاظ حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم فيها‬
‫غموض‪.‬‬
‫نقول‪ :‬أن املشكل ليس فقط رصد للغموض‪ ،‬وإنام هو رصد وإزالة‪ ،‬فإذا رصد‬
‫الغموض وأزيل قيل عنه مشكل‪ ،‬وأن هذا الغموض ليس ذاتيا‪ ،‬وإنام هو يف الفهم‪.‬‬
‫أسامء مشكل احلديث‪:‬‬
‫‪ .1‬مشكل احلديث‪ ،‬وهو األشهر‪.‬‬
‫‪ .2‬تأويل مشكل احلديث ‪ -‬اآلثار‪.-‬‬
‫‪ُ .3‬متلف احلديث‪.‬‬
‫‪ .4‬تأويل ُمتلف احلديث‪ ،‬كام سامه ابن قتيبة‪.‬‬
‫‪ .5‬اختالف احلديث‪ ،‬كام سامه الشافعي‪.‬‬
‫‪ .6‬مناقضة احلديث‪.‬‬
‫‪ .7‬علم تلفيق احلديث؛ كام سامه صديق حسن خان يف كتابه احلطة‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫أمهية علم مشكل احلديث‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أنه سبيل للذب عن السنة النبوية؛ فبه تبطل شبهات الطاعنني من املسترشقني‬
‫واحلداثيني وغريهم‪ ،‬املومهة بتعارض السنة‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬فيه تزكية ملنهج املسلمني عامة وألهل السنة خاصة يف تعاملهم مع السنة وفهمها‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬أنه السبيل إلزالة الغموض ودرئ التعارض للعمل والتعبد‪.‬‬
‫‪ Ⅳ‬تعلقه بأكثر علوم الرشيعة إن مل تكن كلها‪ ،‬فنجده يف التفسري‪ ،‬يف العقيدة‪ ،‬يف الفقه‪،‬‬
‫يف األصول‪.‬‬
‫‪ Ⅴ‬أنه من العلوم التي مل ينبغ ومل يؤلف فيها إال جهابذة أهل العلم فقط‪.‬‬
‫‪ Ⅵ‬فيه دربة وترويض للعقل‪.‬‬
‫التصنيف يف علم مشكل احلديث‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬كتاب‪" :‬اختالف احلديث"‪ ،‬لإلمام حممد بن إدريس الشافعي‪ ،‬وهو أول من ألف‬
‫فيه ما يالحظ عىل الكتاب‪:‬‬
‫‪-‬اقترص عىل األحاديث املتعارضة فقط‬
‫‪-‬اقترص عىل األبواب الفقهية فقط‬
‫‪-‬مل يقصد االستيعاب والتقيص كام قال النووي ‪.‬‬
‫منهجه يف درء التعارض يف هذا الكتاب‪:‬‬
‫منهجه منهج اجلمهور‪ ،‬كان جيمع بني النصوص ما أمكن‪ ،‬فإن تعذر قال بالنسخ إن‬
‫وجد‪ ،‬وإال ذهب إىل الرتجيح‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬كتاب‪" :‬تأويل ُمتلف احلديث"‪ ،‬البن قتيبة الدينوري‪:‬‬
‫ما يالحظ عىل الكتاب‪:‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ .1‬األوىل أن يسمى تأويل مشكل احلديث‪ ،‬ألنه تناول علم مشكل احلديث‪ ،‬فتجده‬
‫تناول معارضة األحاديث بعضها لبعض‪ ،‬معارضة احلديث أوله آلخره‪ ،‬للقرآن‪ ،‬للعقل‪،‬‬
‫لإلمجاع‪ ،‬للحس واملشاهدة‪.‬‬
‫‪ .2‬مل يراعى فيه الرتتيب‪.‬‬
‫‪ .3‬فيه عيوب مسيئة للكتاب‪:‬‬
‫كام قال ابن الصالح‪ ،‬فتجده مثال يعارض األحاديث الصحيحة باألحاديث الضعيفة‬
‫أحيانا وأحيانا يسوق األحاديث بال إسناد‪.‬‬
‫أقسام االستشكال‪:‬‬
‫استشكال مذموم‪:‬‬
‫ما قصد به التكذيب والطعن يف األخبار‪.‬‬
‫استشكال حممود‪:‬‬
‫ما أريد به الوصول إىل فهم النصوص ومعرفة احلق واالهتداء للعمل‪.‬‬
‫كام كانت أم املؤمنني عائشة رضوان اهلل عليها‪ ،‬جاء يف صحيح البخاري عن ابن أيب‬
‫مليكة «أهنا كانت ال تسمع شيئا ال تعرفه إال راجعت فيه حتى تعرفه‪.»...‬‬
‫أول من استشكل خطاب اهلل‪:‬‬

‫ابليس اللعني هو أول من استشكل خطاب اهلل‪ ،‬وعارضه بالعقل‪ ،‬ﭽﯬﯭﯮﯯﯰ‬

‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﭼ[ص‪ ، [76 :‬فنشأة استشكال النصوص بدأت مع خلق‬


‫اإلنسان‪.‬‬
‫هل استشكل النبي ﷺ أم ال؟‬
‫استشكل النبي ﷺ‪ ،‬وكان كثريا ما ينتظر الوحي إذا ورده ذلك حتى يزال‪.‬‬
‫مراحل نشأة مشكل احلديث‪:‬‬
‫نقسمه إىل ثالثة مراحل‪:‬‬

‫‪13‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬عرص النبوة‪:‬‬
‫استشكل الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم بعض أحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫وأفعاله‪ ،‬منهم عمر بن اخلطاب‪ ،‬وحفصة‪ ،‬وعبد الرمحن بن عوف‪ ،‬وكانت أم املؤمنني عائشة‬
‫رائدة االستشكال‪ ،‬وأكثر ما روي من استشكاالت الصحابة يف عرص النبوة كان عنها رضوان‬
‫اهلل عليها كام جاء يف صحيح البخاري عن ابن أيب مليكة «أهنا كانت ال تسمع شيئا ال تعرفه‬
‫إال راجعت فيه حتى تعرفه‪.»...‬‬
‫من استشكاالت عائشة رضوان اهلل عليها‪:‬‬

‫قال النبي ﷺ‪« :‬من حوسب عذب»‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬فقلت أوليس يقول اهلل تعاىلﭽﮀ‬

‫ﮁﮂﮃﮄﭼ[االنشقاق‪ ،[8 :‬قالت‪ :‬فقال‪« :‬إنام ذلك العرض‪ ،‬ولكن من نوقش‬


‫احلساب ّيلك»‪ .‬انظر صحيح البخاري‪.‬‬
‫استشكاهلا ريض اهلل عنها لفعل من أفعاله ﷺ‪:‬‬
‫قالت‪ :‬استأذن رجل عىل النبي ﷺ‪ ،‬فلام رآه قال‪« :‬بئس أخو العشرية‪ ،‬وبئس ابن‬
‫العشرية»‪ ،‬فلام جلس تطلق النبي ﷺ يف وجهه وانبسط إليه‪ ،‬فلام انطلق الرجل قالت له‪ :‬يا‬
‫رسول اهلل حني رأيت الرجل قلت له كذا وكذا‪ ،‬ثم تطلقت يف وجهه وانبسطت إليه‪ ،‬فقال‬
‫رسول اهلل ﷺ‪« :‬يا عائشة متى عهدتني فحاشا؟ إن رش الناس عند اهلل منزلة يوم القيامة من‬
‫تركه الناس اتقاء رشه» البخاري‪.‬‬
‫استشكال عبد الرمحن بن عوف‪:‬‬
‫عن جابر قال‪ :‬أن النبي ﷺ أخذ ابنه إبراهيم‪ ،‬ووضعه يف حجره‪ ،‬ثم قال‪« :‬يا إبراهيم‬
‫إنا ال نغني عنك من اهلل شيئا»‪ ،‬ثم ذرفت عيناه‪ ،‬فقال له عبد الرمحن بن عوف‪ :‬يا رسول اهلل‬
‫أتبكي!! أو مل تنه عن البكاء؟ قال‪« :‬ال؛ ولكن هنيت عن النوح وعن صوتني أمحقني‬
‫فاجرين‪ .»...‬انظر املنتخب من مسند عبد بن محيد‪.‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬عرص الصحابة والتابعني‪:‬‬

‫‪14‬‬
‫يعد هذا العرص بداية تشكل النواة احلقيقية لعلم مشكل احلديث‪ ،‬ومتيز باتساع دائرة‬
‫االستشكال عام كانت عليه‪ ،‬وصار االستشكال يزال باالجتهاد بعدما كان يزال بالوحي‪ ،‬فقد‬
‫استشكل الصحابة ‪-‬رضوان اهلل عليهم‪ -‬بعضهم أخبار بعض‪ ،‬وكثر استشكال‬
‫عائشة ‪ -‬رضوان اهلل عليها‪ -‬هلم؛ ملكانتها من النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وعارضت الكثري مما‬
‫رواه املكثرون من الصحابة‪ ،‬كـ أيب هريرة‪ ،‬وعبد اهلل بن عمرو بن العاص‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪،‬‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫مما ألف يف استشكال الصحابة لبعضهم‪:‬‬
‫كتاب‪ :‬االجابة إليراد ما استدركته عائشة عىل الصحابة‪ ،‬لإلمام بدر الدين الزركّش‪.‬‬
‫تنبيه‪:‬‬
‫ليس كل ما ذكر يف هذا الكتاب يدخل يف باب االشكال‪ ،‬بل بعضه اشكال‪ ،‬وبعضه‬
‫مطلق التعارض واالستدراك‪.‬‬
‫مما استشكلته عائشة من عبد اهلل بن عمرو بن العاص ‪-‬ريض اهلل عنهام‪:-‬‬
‫بلغ عائشة أن عبد اهلل بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن‪ ،‬فقالت‪:‬‬
‫«يا عجبا البن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن!! أفال يأمرهن أن حيلقن‬
‫رؤوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم من إناء واحد وال أزيد عىل‬
‫أن أفرغ عىل رأيس ثالث إفراغات» مسلم‪.‬‬
‫استشكال سعيد بن جبري ‪ -‬تابعي‪: -‬‬
‫حدث سعيد بن جبري عن النبي صىل اهلل عليه وسلم حديثا فقال رجل‪ :‬إن اهلل تعاىل قال‬
‫يف كتابه‪ :‬كذا وكذا‪ ،‬فقال‪ :‬أال أراك تعارض حديث رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم بكتاب‬
‫اهلل تعاىل؟ رسول اهلل ﷺ أعلم بكتاب اهلل تعاىل‪ .‬انظر الرشيعة لآلجري‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬ظهور الفرق‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫يف هناية القرن الثاين اّتذ مشكل احلديث منحى جديدا‪ ،‬فبعدما كان االستشكال فرديا‬
‫صار تتبناه فرق‪ ،‬وبعدما كان وسيلة للفهم والوصول إىل احلق صار كثريا ما يستخدم‬
‫يف الطعن ورضب النصوص بعضها ببعض‪.‬‬
‫الشيعة‪:‬‬
‫من أسباب كثرة االستشكال عند الشيعة‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬عدم التزامهم بضوابط املحدثني يف قبول األخبار‪ ،‬فيكتفون مثال يف تصحيح‬
‫احلديث برفع إمام من أئمتهم له إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم؛ ولو بعد مائتي سنة‪ ،‬فيعارضوا‬
‫األحاديث الصحيحة بالضعيفة املكذوبة‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬منهجهم الواهي يف درئ مشكل وتعارض احلديث‪ ،‬قيل للرضا‪ :‬كيف نصنع‬
‫باخلربين املختلفني‪ ،‬فقال‪ :‬إذا ورد عليكم حديثان ُمتلفان فانظروا ما خيالف فيهام العامة‬
‫فخذوه‪ ،‬وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه‪.‬‬
‫اخلوارج‪:‬‬
‫من أسباب قلة االستشكال عند اخلوارج‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أن اخلوارج كفروا الكثري من الصحابة يف مسألة التحكيم وأسقطوا أحاديثهم‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬ردهم لألحاديث التي عارضت القرءان‪ ،‬كام ذكر احلافظ يف الفتح‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬ال يعملون باألحاديث الثابتة الصحيحة إال مع انعقاد اإلمامة‪.‬‬
‫املعتزلة‪:‬‬
‫املدرسة العقلية استشكلت الكثري من األخبار‪ ،‬وعارضتها بالعقل ‪-‬السقيم‪،-‬‬
‫فأسقطوا منها جزءا كبريا‪.‬‬
‫سؤال‬
‫ما الفائدة من معرفة نشأة أي علم؟‬
‫‪ Ⅰ‬الوقوف عىل مراحل تطور هذا العلم‪ ،‬وتطور مصطلحاته‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫‪ Ⅱ‬الوقوف عىل دواعي وأسباب وجود هذا العلم‪ ،‬ألن معرفة السبب تورث العلم‬
‫باملسبب‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬الوقوف عىل جهود العلامء يف خدمة هذا العلم‪.‬‬
‫تعريف ُمتلف احلديث‪:‬‬
‫املختلف لغة‪ :‬مشتق من الفعل الثالثي خلف‪ ،‬وهو ال خيرج عن ثالثة معان‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬إتيان شء مكان شء آخر فيقوم مقامه‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬التغري‪ .‬يقال‪ :‬اختلف عقل فالن؛ أي تغري‪.‬‬
‫‪... Ⅲ‬‬
‫مذاهب مفهوم ُمتلف احلديث‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬هو بمعنى مشكل احلديث‪:‬‬
‫وهذا صنيع‪:‬‬
‫‪ 1‬ابن قتيبة الدينوري يف كتابه تأويل ُمتلف احلديث‪ ،‬أدخل فيه مشكل احلديث‪ ،‬وكان‬
‫األوىل أن يسميه تأويل مشكل احلديث‪.‬‬
‫‪ 2‬اإلمام الطحاوي يف كتابه مشكل اآلثار‪ ،‬وأغلبه يف األحاديث املتعارضة‪ ،‬فكان‬
‫األوىل أن يسميه ُمتلف احلديث‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬هو األحاديث املقبولة املتعارضة ظاهرا التي فقط أمكن اجلمع بينها‪.‬‬
‫وذهب إىل هذا احلافظ ابن حجر‪ ،‬قال يف نزهة النظر‪ :‬فإن أمكن اجلمع فهو النوع‬
‫املسمى ُمتلف احلديث‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬هو األحاديث املقبولة املتعارضة ظاهرا التي جيمع بينها إن أمكن‪ ،‬أو يصار فيها إىل‬
‫القول بالنسخ إن علم الناسخ من املنسوخ‪ ،‬أو يصار فيها إىل الرتجيح‪.‬‬
‫وهذا صنيع‪:‬‬
‫‪ .1‬اإلمام حممد بن إدريس الشافعي يف كتاب اختالف احلديث‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫‪ .2‬وأيضا ابن الصالح‪ ،‬قال يف مقدمته‪ :‬اعلم أن ما يذكر يف هذا الباب ‪ُ-‬متلف‬
‫احلديث‪-‬ينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪:‬‬
‫أن يمكن اجلمع بني احلديثني‪ ،‬فيتعني املصري إىل ذلك والقول هبام معا‪.‬‬
‫القسم الثاين‪:‬‬
‫أن يتضادا بحيث ال يمكن اجلمع بينهام‪ ،‬وذلك عىل رضبني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن يظهر كون أحدمها ناسخا واآلخر منسوخا‪ ،‬فيعمل بالناسخ ويرتك‬
‫املنسوخ‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أن ال تقوم داللة عىل أن الناسخ أّيام واملنسوخ أّيام فيفزع حينئذ إىل الرتجيح‪.‬‬
‫وقال‪ :‬بأن الرتجيح له مخسني وجها وأكثر‪.‬‬
‫وذكر مثاال عن القسم األول‪- :‬ما أمكن اجلمع‪ -‬قال‪ :‬ومثاله حديث‪« :‬ال عدوى وال‬
‫طرية»‪ ،‬مع حديث‪« :‬ال يورد ممرض عىل مصح»‪ ،‬وحديث‪« :‬فر من املجذوم فرارك من‬
‫األسد»‪.‬‬
‫وجه اجلمع بينهام‪ :‬أن هذه األمراض ال تعدي بطبعها‪ ،‬ولكن اهلل تبارك وتعاىل جعل‬
‫ُمالط املريض هبا للصحيح سببا إلعدائه ومرضه‪.‬‬
‫ضبط كلمة ُمتلف‪:‬‬
‫تضبط بفتح الالم [ُمتلف]‪:‬‬
‫اسم مفعول‪ ،‬ويراد هبا التعارض والتناقض الذي يكون بني األحاديث‪.‬‬
‫وتضبط بكرس الالم [ُمتلف]‪ :‬اسم فاعل‪ ،‬ويراد هبا احلديث الذي عارض ظاهره ظاهر‬
‫حديث آخر‪ .‬فيقال‪ :‬أن ُمتلف وُمتلف كالمها صحيح‪.‬‬
‫أقسام التعارض الظاهري‪:‬‬
‫وهم ينقدح يف العقل ال وجود له يف احلقيقة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫احلقيقي‪ :‬التضاد التام بني حجتني متساويتني ثبوتا وداللة وعددا‪ ،‬ومتحدتني زمانا‬
‫ومكانا‪.‬‬
‫التعارض الذي نفاه ابن خزيمة‪:‬‬
‫قال ابن الصالح يف مقدمته‪ :‬وقد روينا عن حممد بن إسحاق بن خزيمة اإلمام أنه قال‪:‬‬
‫«ال أعرف أنه روي عن النبي صىل اهلل عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحني متضادين‪،‬‬
‫فمن كان عنده فليأتني به ألؤلف بينهام»‪.‬‬
‫وقال ابن كثري يف كتابه الباعث احلثيث‪:‬‬
‫وقد كان اإلمام أبو بكر بن خزيمة يقول‪« :‬ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه؛‬
‫ومن وجد شيئا من ذلك فليأيت ألؤلف له بينهام»‪.‬‬
‫فاجلواب هو‪:‬‬
‫أن التعارض الذي نفاه ابن خزيمة هو التعارض احلقيقي التام؛ الذي يكون من كل‬
‫وجه‪.‬‬
‫من دالئل انتفاء التعارض احلقيقي بني النصوص‪:‬‬

‫‪ Ⅰ‬السنة وحي لقوله تعاىل‪ :‬ﭽﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭼ[ النجم‪:‬‬


‫‪ ،[4 - 3‬وقوله ﷺ «أال إين أوتيت القرآن ومثله معه»‪ ،‬وقوله ﷺ لعبد هلل بن عمرو بعد أن‬
‫أشار بيده إىل فيه‪« :‬اكتب‪ ،‬فوالذي نفيس بيده ما خيرج منه إال حق»‪ ،‬فإذا كانت السنة وحيا‬

‫فإن الوحي ال يتعارض وال يتناقض لقوله تعاىل‪ :‬ﭽ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂﮃ ﮄﮅ ﮆﮇ‬

‫ﮈﮉﭼ[النساء‪.]82 :‬‬
‫‪ Ⅱ‬لو كانت نصوص الرشيعة متعارضة تعارضا حقيقيا تاما لكان اخللق مكلفا‬

‫باملحال‪ ،‬واهلل ال يكلف باملحال‪ ،‬لقوله تعاىل‪ :‬ﭽﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﭼ ‪ ،‬وقوله‬

‫تعاىل‪ :‬ﭽﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﭼ[البقرة‪.]185 :‬‬

‫‪19‬‬
‫‪ Ⅲ‬اهلل تعاىل يقول‪ :‬ﭽﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﭼ[النساء‪ ،[59 :‬فلو كانت‬
‫النصوص متعارضة كيف يأمر اهلل تعاىل بالرجوع إىل كتابه وسنة نبيه ﷺ لفك التنازع؟‬
‫الفرق بني ُمتلف احلديث ومشكل احلديث‪.‬‬
‫‪ Ⅰ‬من حيث السبب‪:‬‬
‫ُمتلف احلديث‪ :‬سببه التعارض الظاهر بني األحاديث‪.‬‬
‫مشكل احلديث‪ :‬سببه أعم‪ ،‬إما أن يكون بسبب التعارض‪ ،‬وإما بسبب الغموض؛ سواء‬
‫يف ذات اللفظ‪ ،‬أو يف سياقه‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬من حيث احلكم‪:‬‬
‫ُمتلف احلديث‪ :‬درئ التعارض فيه يكون من خالل النظر يف القواعد التي قررها أهل‬
‫العلم يف ذلك‪.‬‬
‫مشكل احلديث‪ :‬عادة ليست له قواعد تضبطه‪ ،‬وإنام إزالة اإلشكال تكون بالنظر‬
‫والتأمل‪ ،‬وذلك يرجع إىل أهلية املتصدر‪ ،‬وإىل باعه يف الصناعة احلديثية والفقهية‪ ،‬ويف علم‬
‫املعاين‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫عالقة مشكل احلديث بمختلف احلديث‪:‬‬
‫املشكل واملختلف بينهام عموم وخصوص نسبي‪ ،‬سبب مشكل احلديث أعم من سبب‬
‫ُمتلف احلديث‪ ،‬فكل ُمتلف مشكل‪ ،‬وليس كل مشكل ُمتلف‪.‬‬
‫تكليف‪:‬‬
‫استخرج مثاال مما استشكله الصحابة من النصوص مع توجيهه‪ ،‬برشط أن ال يكون من‬
‫كتاب الزركّش اإلجابة‪ ،‬وال مما كتبه أسامة خياط‪ ،‬يعني ابحثوا يف نصوص السنة‪.‬‬
‫حمتويات املادة‪:‬‬
‫‪ .1‬تعريف املشكل‪.‬‬
‫‪ .2‬العالقة بني مشكل وُمتلف احلديث‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ .3‬نشأة علم مشكل احلديث‪.‬‬
‫‪ .4‬أمهية علم مشكل احلديث‪.‬‬
‫‪ .5‬أسباب اإلشكال يف احلديث النبوي‪.‬‬
‫‪ .6‬مسالك العلامء يف حل مشكل احلديث‪.‬‬
‫‪ .7‬اخلالف بني اجلمهور واألحناف يف ترتيب املسالك‪.‬‬
‫‪ .8‬تطبيقات يف حل مشكل احلديث؛ سواء الناشئ عن‪:‬‬
‫▪ احلديث نفسه‬
‫▪ أو سياقه‬
‫▪ أو ملعارضته إما‪:‬‬
‫[القرآن] أو [اإلمجاع] أو [احلديث]‬
‫أو [العقل] أو [احلس واملشاهدة]‪ .‬وغري ذلك‪.‬‬
‫املصنفات يف مشكل احلديث‪:‬‬
‫أول من ألف يف ُمتلف احلديث قال السيوطي‪:‬‬
‫أول من صنف يف املختلف‬
‫الشافعي‪ ،‬فكن بذا النوع حفي‪.‬‬
‫أوال‬
‫اختالف احلديث‪ ،‬ملحمد بن ادريس الشافعي‪[ .‬ت ‪204‬هـ]‬
‫منهج اإلمام الشافعي يف كتابه‪:‬‬
‫أبان اإلمام الشافعي عن منهجه يف مقدمة كتابه حيث ذكر أن كتابه تناول األحاديث‬
‫التي ظاهرها االختالف‪ ،‬فيجمع بينها إن أمكن‪ ،‬فإن تعذر صار إىل النسخ إن عرف املتقدم‬
‫من املتأخر‪ ،‬فإن تعذر صار إىل الرتجيح ‪-‬منهج اجلمهور‪ ،-‬وإىل هذا ذهب ابن الصالح‬

‫‪21‬‬
‫وخالفهم يف ذلك ابن حجر‪ ،‬حيث يرى أن املختلف ما أمكن فيه اجلمع فقط‪ ،‬كام ذكر ذلك‬
‫يف نزهة النظر‪.‬‬
‫ما يالحظ عىل كتاب اإلمام الشافعي‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬توافق وتطابق عنوان كتابه مع حمتواه‪.‬‬
‫سامه ُمتلف احلديث وال حيتوي إال ما اختلف من احلديث‪ ،‬فهو مل يدخل فيه مشكل‬
‫احلديث‪ .‬فال جتد مثال‪:‬‬
‫األحاديث التي عارضت القرآن‪ ،‬أو اإلمجاع‪ ،‬أو القياس‪ ،‬أو العقل والنظر‪ ،‬أو‬
‫األحاديث التي فيها إشكال واشتباه يف نصها‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬حسن الرتتيب والتبويب‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬تضمن أبواب الفقه فقط – أحاديث األحكام ‪.-‬‬
‫‪ Ⅵ‬مل يستوعب مجيع األحاديث املتعلقة باألحكام التي ظاهرها التعارض واالختالف‪.‬‬
‫قال النووي يف التقريب‪« :‬وصنف فيه اإلمام الشافعي‪ ،‬ومل يقصد رمحه اهلل استيفاءه‪ ،‬بل‬
‫ذكر مجلة ينبه هبا عىل طريقه‪ ،‬ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى‪»...‬‬
‫ثانيا‬
‫تأويل ُمتلف احلديث البن قتيبة الدينوري [ت ‪276‬ه]‪.‬‬
‫من منهجه يف كتابه‪:‬‬
‫أنه يستدل باألدلة النقلية‪ ،‬والعقلية‪ ،‬والشواهد‬
‫اللغوية‪ ،‬وغري ذلك يف درئه للتعارض‪.‬‬
‫ما يالحظ عىل كتاب ابن قتيبة‪:‬‬
‫‪ Ⅱ‬ليس مرتبا‪:‬‬
‫وهذا الذي ذكره غري واحد من أهل العلم كالسخاوي‪.‬‬
‫‪ Ⅰ‬عنوان كتابه ال يطابق حمتواه إىل حد ما‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫مل يتضمن فقط األحاديث املتعارضة – ُمتلف احلديث‪ ،-‬بل أورد فيه ما هو من مشكل‬
‫احلديث‪ ،‬لذلك قيل كان األوىل أن يسمى تأويل مشكل احلديث؛ ولو مل يكن له كتاب‬
‫يف مشكل القرآن لقيل عنه أنه ال يرى فرقا بني املختلف واملشكل‪.‬‬
‫تناول كتابه أحاديثا ظاهرها التعارض مع‪:‬‬
‫▪ أحاديث أخرى ‪ُ -‬متلف احلديث‪.-‬‬
‫▪ النص القرآين‪.‬‬
‫▪ العقل والنظر‪.‬‬
‫▪ اإلمجاع‪.‬‬
‫▪ القياس‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬فيه عيوب مسيئة للكتاب‪.‬‬
‫كام قال ابن الصالح يف مقدمته‪:‬‬
‫«وكتاب ُمتلف احلديث البن قتيبة يف هذا املعنى إن يكن قد أحسن فيه من وجه فقد‬
‫أساء يف أشياء منه قرص باعه فيها‪ ،‬وأتى بام غريه أوىل وأقوى» فتجده مثال يعارض احلديث‬
‫الصحيح باحلديث الضعيف‪.‬‬
‫‪ Ⅰ‬تناول املسائل الفقهية وغريها‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬سعة مادته العلمية التي احتواها‪ ،‬وثرائها‪.‬‬
‫ثالثا‬
‫مشكل اآلثار للطحاوي [‪321‬ه]‪:‬‬
‫من منهجه يف كتابه‪:‬‬
‫أبان الطحاوي عن منهجه يف مقدمته‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬سلك مسلك اجلمهور يف إزالة اإلشكال‪:‬‬
‫وذلك إما باجلمع‪ ،‬أو النسخ إن علم املتقدم من املتأخر‪ ،‬أو الرتجيح‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫‪ Ⅱ‬كثيـــرا ما يســـــوق النصــــوص احلديثيــة بأسانيدها‪ ،‬ويتكلم يف عللها‪.‬‬
‫ما يالحظ عىل الكتاب‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬تطابق عنوان كتابه مع حمتواه‪.‬‬
‫تضمن مشكل اآلثار الناشئة عن ظاهر تعارضها مع القرآن‪ ،‬اإلمجاع‪ ،‬القياس‪ ،‬العقل‪،‬‬
‫احلديث ‪ُ-‬متلف احلديث‪.-‬‬
‫‪ Ⅱ‬تضمن املسائل الفقهية وغريها‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬سوء ترتيبه ‪ -‬ليس عىل نسق واحد‪-‬‬
‫رابعا‬
‫مشكل احلديث وبيانه‪ ،‬البن فورك [ت ‪406‬ه]‬
‫موضوع كتابه‪:‬‬
‫مجع أحاديثا يف ظاهرها تشبيه للذات اإلهلية أو جتسيد للصفات اإلالهية‪.‬‬
‫من منهجه يف كتابه‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬يوجه اإلشكال بتأويله عىل منهج املتكلمني‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬قسم كتابه إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫قسم‪ :‬ذكر فيه أحاديث مطلقة ظاهرها التشبيه‪.‬‬
‫قسم‪ :‬خصصه يف الرد عىل ابن خزيمة‪ ،‬مدعيا أنه جمسم مشبه‪.‬‬
‫قسم‪ :‬خصصه للرد عىل أيب بكر الصبغي صاحب ابن خزيمة يف كتابه األسامء والصفاة‪.‬‬
‫ما يالحظ عىل كتاب ابن فورك‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أنه رصف يف أبواب االعتقاد؛ وعىل وجه اخلصوص األسامء والصفاة التي‬
‫ظاهرها التشبيه والتجسيد ‪ -‬فيام ادعاه‪.-‬‬
‫‪ Ⅱ‬أن صاحبه نحى فيه منحى املتكلمني من األشاعرة يف رد النصوص املحكمة يف‬
‫باب األسامء والصفاة‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫‪ Ⅲ‬كثريا ما يعيب صاحبه عىل أهل السنة واجلامعة‪ ،‬ويرميهم بشبه التجسيم والتشبيه‪.‬‬
‫خامسا‬
‫الكشف عن مشكل أحاديث الصحيحني‪ ،‬أليب الفرج ابن اجلوزي [ت ‪597‬ه]‬
‫من منهجه يف الكتاب‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬ال يعالج غريب ألفاظ الصحيحني‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬يعالج املشكل اللغوي يف ألفاظ الصحيحني‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬ال يتناول اإلشكال املتولد عن املعارضة‪ ،‬وإنام اكتفى بمعاجلة مشكل األلفاظ‪.‬‬
‫‪ Ⅳ‬رتب كتابه عىل املسانيد؛ مقتفيا بذلك صنيع احلميدي‪ ،‬ومل يرتبه ترتيب‬
‫الصحيحني عىل األبواب الفقهية‪.‬‬
‫ما يالحظ عىل الكتاب‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬ضبط ألفاظ الصحيحني‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬تضمن ما خيالف رشط مؤلفه من رشح غريب مما ليس من قبيل املشكل‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬تضمن األحاديث الفقهية وغريها‪.‬‬
‫‪ Ⅳ‬تضمن الكثري من تأويل املتكلمني املخالف لعقيدة السلف‪.‬‬
‫‪ Ⅴ‬انتصار مؤلفه ملذهبه الفقهي والعقدي برد األحاديث الصحيحة الرصحية أحيانا‪،‬‬
‫وُتامله عليها‪ ،‬فكان مثال يلقي بالالئمة يف الكثري من األحاديث عىل ترصف الرواة‬
‫يف الرواية‪ ،‬فيقول وهذا من ترصف الرواة يف لفظ احلديث‪.‬‬
‫املصنفات يف ُمتلف ومشكل احلديث‬
‫‪ 1‬اختالف احلديث‪ ،‬ملحمد بن ادريس الشافعي‪[ .‬ت ‪204‬ه]‪.‬‬
‫‪ 2‬تأويل ُمتلف احلديث البن قتيبة الدينوري[ت ‪276‬ه]‪.‬‬
‫‪ 3‬مشكل اآلثار للطحاوي‪[ .‬ت‪321‬ه]‪.‬‬
‫‪ 4‬مشكل حلديث وبيانه‪ ،‬البن فورك[ت ‪406‬ه]‬

‫‪25‬‬
‫‪ 5‬الكشف عن مشكل أحاديث الصحيحني‪ ،‬أليب الفرج ابن اجلوزي [ت ‪597‬ه]‪.‬‬
‫مالحظة‬
‫هذه املصنفات متثل اخلط الزمني والتارخيي للتأليف يف ُمتلف ومشكل احلديث‪.‬‬
‫التعارض‬
‫التعارض لغة‪ :‬هو التضاد والتنافر‪.‬‬
‫التعارض الظاهري‪:‬‬
‫توهم يف ذهن الناظر للتضاد بني النصوص‪ ،‬وال وجود له يف الواقع‪.‬‬
‫التعارض احلقيقي‪:‬‬
‫هو التضاد التام بني نصني أو أكثر متساويان داللة وثبوتا وعددا‪ ،‬ومتحدان زمنا وحمال‪.‬‬
‫ركنا التعارض احلقيقي‪:‬‬
‫احلجية‪.‬‬
‫والتعارض‪.‬‬
‫رشطا التعارض احلقيقي‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬التساوي‪ ،‬ويكون يف ثالثة أمور‪:‬‬
‫▪ الداللة‬
‫▪ الثبوت‪ ،‬ويتحقق بأمرين‪.‬‬
‫‪o‬القبول‬
‫‪o‬درجة القبول‬
‫‪o‬العدد‬
‫‪ Ⅱ‬االُتاد‪ ،‬ويكون يف أمرين‪:‬‬
‫▪ الزمن‬
‫▪ املحل‬

‫‪26‬‬
‫رشطا التعارض احلقيقي‪:‬‬
‫الّشط األول‪:‬‬
‫التساوي‪ ،‬ويكون يف ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬التساوي يف الداللة‪:‬‬
‫دالالت ألفاظ النصوص أنواع‪:‬‬
‫[قطعية] [ظنية الظاهر] [باملنطوق] [باملفهوم]‬
‫فال يمكن أن تكون معارضة حقيقية بني نصوص‬
‫مثال قطعية الداللة ونصوص أخرى ظنية الداللة‬
‫‪ Ⅱ‬التساوي يف الثبوت‪:‬‬
‫التساوي يف الثبوت يتحقق بأمرين اثنني‪:‬‬
‫األمر األول‪ :‬القبول‪.‬‬
‫البد أن تكون النصوص املتعارضة مقبولة‪ ،‬إذ ال يمكن معارضة النصوص املقبولة‬
‫باملردودة معارضة حقيقية كانت أو ظاهرية‪.‬‬
‫فائدة‬
‫احلديث قسامن‪:‬‬
‫مردود‪ :‬يشمل عدة أصناف‪.‬‬
‫مقبول‪ :‬وهو قسامن‪:‬‬
‫حمكم‪ :‬ال معارضة فيه‪.‬‬
‫متشابه‪ :‬ليس ساملا من املعارضة‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬درجة القبول‪.‬‬
‫البد أن تتساوى الدرجة‪ ،‬فال يعارض املتواتر مع اآلحاد‪ ،‬وال القرآن مع اخلرب اآلحاد‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬التساوي يف العدد‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫يعني تساوي عدد النصوص املتعارضة‪.‬‬
‫سؤال‬
‫ملا نحن نتكلم عن هذه األمور؟‬
‫حلاجتنا هلا يف توجيه املشكل‪.‬‬
‫الّشط الثاين‬
‫االّتاد‪ ،‬ويكون يف أمرين‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬من حيث الزمن‪:‬‬
‫حتى يكون التعارض حقيقيا بني النصوص البد أن تكون واردة يف نفس الزمن‪ ،‬فلو‬
‫تقدم أحدمها عىل اآلخر فال تعارض؛ ألن أحدمها ناسخ واآلخر منسوخا‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬من حيث املحل‪:‬‬
‫اُتاد املحل ال يكون إال إذا وجه حكام متعارضا كأن يكون أمرا وهنيا يف مسألة واحدة‪،‬‬
‫لنفس الشخص‪ ،‬ويف نفس الوقت‪.‬‬
‫هل يوجد تعارض حقيقي بني النصوص الّشعية ‪ -‬كتاب‪ ،‬سنة‪-‬؟‬
‫مذهب اجلمهور‪:‬‬
‫ذهب مجهور أهل العلم من السلف واخللف إىل عدم وجود التعارض احلقيقي بني‬
‫األخبار البتة وهو ما رصح به ابن خزيمة‪ ،‬وابن تيمية وابن القيم واملعلمي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ -‬مرجوح‪:-‬‬
‫ذهب إىل أن التعارض احلقيقي ال يوجد بني النصوص القطعية ولكن يوجد بني‬
‫النصوص الظنية وهذا مذهب لبعض األحناف وهو قول مطروح مرجوح‪.‬‬
‫ملاذا ّتدثنا عن التعارض احلقيقي؟‬

‫‪28‬‬
‫ألن احلداثيني والعلامنيني ادعوا وجود تعارض حقيقي بني النصوص ‪ -‬ليس الظاهري‬
‫الذي أقر به أهل العلم ‪ ،-‬ادعوا تعارض النقل الصحيح والعقل الرصيح‪ ،‬تعارض النقل‬
‫واإلمجاع‪ ،‬تعارض بني الكتاب والسنة‪ ،‬فريد عىل هؤالء بانتفاء األركان والرشوط‪.‬‬
‫ملاذا درسنا التعارض الظاهري؟‬
‫حلاجتنا له يف توجيه اإلشكال‪.‬‬
‫أسباب التعارض الظاهري‬
‫[أسباب االستشكال]‬
‫يمكن تقسيمها إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫▪ أسباب ترجع إىل الرواية والرواة‪.‬‬
‫▪ أسباب ترجع إىل املستشكل‪.‬‬
‫▪ أسباب ترجع إىل النص املستشكل‪.‬‬
‫أسباب ترجع إىل الرواية والرواة‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أسباب ترجع إىل الرواية‪:‬‬
‫الرواية مردودة‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬أسباب ترجع إىل الرواة‪:‬‬
‫▪ النقص يف احلفظ‪.‬‬
‫▪ النقص يف اآلداء‪.‬‬
‫أسباب ترجع إىل املستشكل‬
‫▪ سوء الفهم‪ /‬نقص العلم‪ /‬سوء النية‪.‬‬
‫▪ عدم التدبر التام‪ /‬شبهة يف نفس املستشكل‪.‬‬
‫▪ اتباع اهلوى‪.‬‬
‫▪ التعصب والغلو‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫أسباب ترجع إىل النص املستشكل‪.‬‬
‫إما أن يكون االستشكال يف‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬لفظه‬
‫‪ Ⅱ‬تركيبه وهذا يرجع إىل سببني‪:‬‬
‫‪ 1‬اخلفاء واللبس‪ :‬له أسباب‪:‬‬
‫‪o‬اجلهل بسبب ورود النص‬
‫‪o‬تردد النص بني معان حمتملة‬
‫‪o‬ورود النص ناقصا‬
‫‪o‬ظاهر النص غري مراد‬
‫‪ 2‬دالالت العموم واخلصوص‪:‬‬
‫العموم واخلصوص املطلق‬
‫العموم واخلصوص النسبي‬
‫‪ Ⅲ‬معارضته لغريه من النصوص املستشكلة‪.‬‬
‫‪ 1‬النسخ‪:‬‬
‫▪ نسخا رصحيا منصوصا عليه‪.‬‬
‫▪ حمتمال‪.‬‬
‫‪ 2‬تغاير األحوال‪.‬‬
‫أسباب ترجع إىل الرواية والرواة‪.‬‬
‫أوال‬
‫أسباب ترجع إىل الرواية‬
‫أن تكون الرواية مردودة‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫يقول ابن تيمية‪ - :‬درء تعارض العقل والنقل‪...«-‬فال يعلم حديث واحد خيالف‬
‫العقل أو السمع الصحيح إال وهو عند أهل العلم ضعيف‪ ،‬بل موضوع‪»...‬‬
‫ثانيا‬
‫أسباب ترجع إىل الرواة‪:‬‬
‫‪Ⅰ‬‬
‫النقص يف احلفظ‪:‬‬
‫الراوي حفظ احلديث ناقصا‪ ،‬فرواه ناقصا‪ ،‬فيمكن أن حيدث استشكاال‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬حديث مكحول‪ ،‬قيل لعائشة إن أبا هريرة يقول‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وسلم‪« :‬الشؤم يف ثالثة‪ :‬يف الدار واملرأة والفرس»‪ ،‬فقالت عائشة‪ :‬مل حيفظ أبو هريرة؛‬
‫ألنه دخل ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يقول‪ :‬قاتل اهلل اليهود‪ ،‬يقولون إن الشؤم يف ثالثة‪:‬‬
‫يف الدار واملرأة والفرس»‪ ،‬فسمع آخر احلديث ومل يسمع أوله‪ .‬مسند أيب داود‬
‫مثال آخر أورده اإلمام الشافعي‪:‬‬
‫حديث عبادة بن الصامت‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬الذهب‬
‫بالذهب‪ ،‬والفضة بالفضة‪ ،‬والرب بالرب‪ ،‬والشعري بالشعري‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬وامللح بامللح‪ ،‬مثال‬
‫بمثل‪ ،‬سواء بسواء‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد»‬
‫صحيح مسلم‬
‫حديث أسامة بن زيد‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ال ربا إال يف النسيئة» صحيح‬
‫البخاري‬
‫حديث عبادة بن الصامت‪:‬‬
‫يدل بمنطوقه عىل ُتريم نوعني من الربا‪ :‬ربا النسيئة وربا الفضل‪.‬‬
‫حديث أسامة بن زيد‪:‬‬
‫▪ يدل بمنطوقه عىل ُتريم ربا النسيئة‪.‬‬
‫▪ ويدل بمفهومه عىل جواز ربا الفضل‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫فيستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬هل يكون يف الفضل ربا أم ال؟‬
‫قال اإلمام الشافعي يف كتابه اختالف احلديث‪:‬‬
‫«قد حيتمل أن يكون سمع رسول اهلل يسأل عن الربا يف صنفني ُمتلفني‪ :‬ذهب بفضة‪،‬‬
‫ومتر بحنطة‪ ،‬فقال‪« :‬إنام الربا يف النسيئة»‪ ،‬فحفظه‪ ،‬فأدى قول النبي ومل يؤدي مسألة السائل‪،‬‬
‫فكان ما أدى منه عند سمعه أن ال ربا إال يف النسيئة‪.‬‬
‫مسالك العلامء يف دفع هذا التعارض‪:‬‬
‫املسلك األول‪:‬‬
‫ذهب مجهور املحدثني وغريهم إىل اجلمع بني احلديثني‪ ،‬وذلك بأن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم أشار إىل أشد أنواع الربا بقوله‪« :‬ال ربا إال يف النسيئة»‪ ،‬وحديث عبادة بن الصامت ذكر‬
‫نوعي الربا‪ ،‬فال تعارض بني احلديثني‪ ،‬ويعمل بكليهام‪.‬‬
‫املسلك الثاين‪:‬‬
‫األحناف رجحوا حديث عبادة بن الصامت عىل حديث أسامة‪.‬‬
‫املسلك الثالث‪:‬‬
‫مذهب عبد اهلل بن عباس وبعض الصحابة‪ ،‬أنه ال ربا إال يف النسيئة‪ ،‬فرجحوا مفهوم‬
‫حديث أسامة عىل منطوق حديث عبادة‪.‬‬
‫‪Ⅱ‬‬
‫النقص يف اآلداء‪:‬‬
‫قد يكون الراوي حفظ احلديث كامال‪ ،‬إال أنه أداه ُمترصا‪.‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬قال‪« :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬ال خيطب الرجل عىل‬
‫خطبة أخيه» سنن أيب داود‪.‬‬
‫حديث ابن عمر‪ ،‬قال‪« :‬هنى النبي ﷺ أن يبيع بعضكم عىل بيع بعض‪ ،‬وال خيطب‬
‫الرجل عىل خطبة أخيه‪ ،‬حتى يرتك اخلاطب قبله أو يأذن له اخلاطب» البخاري‬
‫أسباب ترجع إىل املستشكل‬

‫‪32‬‬
‫‪ Ⅰ‬سوء الفهم‪ /‬نقص العلم‪ /‬سوء النية‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪...« :‬فإن االختالف تارة ينشأ من سوء الفهم ونقص العلم وتارة من سوء‬
‫القصد‪ »...‬جمموع الفتاوى‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬عدم التدبر التام‪ /‬شبهة يف النفس‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪...« :‬قد يشكل عىل هذا ما يعرفه هذا‪ ،‬وذلك تارة يكون لـ ‪...‬وتارة لشبهة‬
‫يف نفس اإلنسان متنعه من معرفة احلق‪ ،‬وتارة لعدم التدبر التام‪،‬وتارة لغري ذلك‪ »...‬جمموع‬
‫الفتاوى‬
‫‪ Ⅲ‬اتباع اهلوى‪:‬‬
‫قال ابن القيم‪ - :‬الصواعق املرسلة‪...« -‬وأصل كل بلية يف العامل كام قال حممد‬
‫الشهرستاين من معارضة النص بالرأي وتقديم اهلوى عىل الرشع والناس إىل اليوم يف رشور‬
‫هذه املعارضة وشؤم عاقبتها فإىل اهلل املشتكى»‬
‫‪ Ⅳ‬التعصب والغلو‪:‬‬
‫قال ابن القيم‪ - :‬إعالم املوقعني‪«-‬فإن كان احلديثان من كالمه وليس أحدمها منسوخا‬
‫فال تناقض وال تضاد هناك البتة‪ ،‬وإنام من يؤيت هناك من قبل فهمه وُتكيمه آراء الرجال‬
‫وقواعد املذهب عىل السنة؛ فيقع االضطراب والتناقض واالختالف‪ ،‬واهلل املستعان»‬
‫أسباب ترجع إىل النص املستشكل‬
‫االستشكال إما أن يكون يف‪:‬‬
‫لفظه أو يف تركيبه أو يف معارضته لغريه‪:‬‬
‫أوال‬
‫يف لفظه ‪ -‬غرابة اللفظ‪-‬‬
‫وهذا النوع من االستشكال يزول بالرجوع إىل قواميس اللغة وكتب غريب احلديث‪.‬‬
‫ثانيـا‬

‫‪33‬‬
‫يف تركيبه‪ :‬ويرجع إىل سببني‪:‬‬
‫‪Ⅰ‬‬
‫اخلفاء واللبس‪ :‬وله أسباب‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫اجلهل بسبب ورود النص‪:‬‬
‫‪ -‬اجلهل بسبب ورود احلكم‪-‬‬
‫العلم بالسبب يورث العلم باملسبب‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫حديث أم كرز‪ ،‬أهنا سمعت النبي صىل اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬أقروا الطري عىل مكناهتا»‬
‫ابن حبان‪.‬‬
‫فهذا احلديث يشكل فهمه بسبب اجلهل بسبب ورود احلديث‪.‬‬
‫نقل الطحاوي كالم الشافعي يف قوله‪« :‬أقروا الطري عىل مكناهتا»‪ ،‬فقال‪ :‬كان أحدهم‬
‫إذا غدا من منزله يريد أمرا يطريأول طائر يراه فإن سنح عن يساره فاجتال عن يمينه قال‪ :‬هذه‬
‫طري األيامن فمىض يف حاجته ورأى أنه سيستنجحها‪ ،‬وإن سنح عن يمني فمر عن يساره قال‪:‬‬
‫هذه طري األشائم‪ ،‬وقال‪ :‬هذه حاجة مشؤومة‪ ،‬وإذا مل ير طائرا سانحا ورأى طائرا يف وكره‬
‫حركه من وكره؛ ليطري فينظر ما يسلك له من طريق األشائم أو من طريق األيامن ‪»...‬‬
‫فائدة‬
‫من أسباب اجلهل بسبب ورود احلديث الوقوف عىل رواية ناقصة ُمترصة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫تردد النص بني معان حمتملة‪:‬‬
‫‪ -‬تعدد االحتامالت‪-‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬

‫‪34‬‬
‫حديث أنس بن مالك‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬هنى عن اإلقعاء والتورك يف‬
‫الصالة» أمحد‪.‬‬
‫استشكل هذا احلديث‪ ،‬منهم من فهم اإلقعاء بوضع اإلليتني عىل العقبني‪ ،‬ومنهم من‬
‫فهم اإلقعاء بأنه مشاهبة السباع يف افرتاشها‪.‬‬
‫املذهب األول –مذهب أيب حنيفة‪:-‬‬
‫ذهب أبو حنيفة النعامن إىل أن االقعاء املنهي عنه هو وضع اإلليتني عىل العقبني‪،‬‬
‫واستدل يف ذلك بحديث عيل بن أيب طالب؛ حيث قال‪ :‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪:‬‬
‫«يا عيل‪ ،‬أحب لك ما أحب لنفيس‪ ،‬وأكره لك ما أكره لنفيس‪ ...،‬وال تقع بني السجدتني‪»...‬‬
‫البيهقي يف الكربى‪.‬‬
‫املذهب الثاين‪:‬‬
‫اإلقعاء املنهي عنه ليس وضع اإلليتني عىل العقبني‪ ،‬بل هو إقعاء السباع‪:‬‬
‫من أدلة هذا املذهب‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬حديث ابن عباس‪ ،‬قيل له يف اإلقعاء عىل القدمني‪ ،‬فقال‪« :‬هي السنة»‪ ،‬فقيل له‪:‬‬
‫إنا لنراه جفاء بالرجل‪ ،‬فقال ابن عباس‪« :‬بل هي سنة نبيك صىل اهلل عليه وسلم»‪ .‬مسلم‬
‫‪ Ⅱ‬أن اإلقعاء من أوصاف السباع كام جاء يف القصة التي رواها أبو سعيد اخلدري‪:‬‬
‫عدا الذئب عىل شاة‪ ،‬فأخذها فطلبه الراعي‪ ،‬فانتزعها منه‪ ،‬فأقعى الذئب عىل ذنبه‪ »...‬أمحد‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬أن أغلب اهليئات التي هنى عنها النبي صىل اهلل عليه وسلم يف الصالة هي التي فيها‬
‫تشبه باحليوان‪ ،‬كام جاء مثال يف حديث عائشة‪ ،‬أن النبي ﷺ كان ينهى عن عقبة الشيطان‪،‬‬
‫وينهى أن يفرتش الرجل ذراعيه افرتاش السبع» مسلم‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫ورود احلديث ناقصا‪:‬‬

‫‪35‬‬
‫وذلك أن الراوي إما أن يكون حفظ احلديث ناقصا فأداه ناقصا‪ ،‬وإما أن يكون حفظه‬
‫تاما ولكنه أداه ناقصا‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫ما رواه عبد اهلل ابن عمر‪ :‬أن ابن صياد قال للنبي صىل اهلل عليه وسلم الدخ بعدما قال‬
‫له النبي صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬إين قد خبأت لك خبيئا»‪.‬‬
‫جاء يف رواية البخاري‪...« :‬ثم قال له النبي ﷺ‪«:‬إين قد خبأت لك خبيئا»‪ ،‬فقال ابن‬
‫صياد‪ :‬هو الدخ‪ ،‬فقال‪« :‬اخسأ‪ ،‬فلن تعدو قدرك‪»...‬‬
‫فقد تستشكل كلمة «الدخ»‪ ،‬وال يمكن معرفتها باالعتامد عىل قواميس اللغة‪.‬‬
‫لكن جاء بيان ذلك يف رواية أيب داود‪:‬‬
‫«‪...‬ثم قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ :‬إين قد خبأت لك خبيئة‪ ،‬وخبأ له‪﴿:‬يوم‬
‫تأيت السامء بدخان مبني﴾‪»...‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫جاء يف صحيح البخاري حديث ابن عمر‪ ،‬أنه قال‪ :‬صىل بنا النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫العشاء يف آخر حياته‪ ،‬فلام سلم قام‪ ،‬فقال‪« :‬أرأيتكم ليلتكم هذه‪ ،‬فإن رأس مائة سنة منها ال‬
‫يبقى ممن هو عىل ظهر األرض أحد»‬
‫فقد يستشكل هذا احلديث‪ ،‬فيقال‪ :‬مضت أكثر من مائة سنة ومل تقم الساعة‪.‬‬
‫لكنه جاء كامال عند مسلم‪ :‬زيد عىل ما يف رواية البخاري أن ابن عمر قال‪ :‬فوهل الناس‬
‫يف مقالة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم تلك فيام يتحدثون من هذه األحاديث عن مائة سنة‪،‬‬
‫وإنام قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬ال يبقى ممن هو اليوم عىل ظهر األرض أحد» يريد‬
‫بذلك أن ينخرم ذلك القرن‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫ظاهر النص غري مراد‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪ :‬كان رجل يرسف عىل نفسه‪ ،‬فلام‬
‫حرضه املوت قال لبنيه‪ :‬إذا أنا مت فأحرقوين‪ ،‬ثم اطحنوين‪ ،‬ثم ذروين يف الريح‪ ،‬فواهلل لئن‬
‫قدر عيل ريب ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا‪ ،‬فلام مات فعل به ذلك‪ ،‬فأمر اهلل األرض فقال‪:‬‬
‫امجعي ما فيك منه‪ ،‬ففعلت‪ ،‬فإذا هو قائم‪ ،‬فقال‪ :‬ما محلك عىل ما صنعت؟ قال‪ :‬يا رب‬
‫خشيتك‪ ،‬فغفر له‪ ،‬وقال غريه‪ُ :‬مافتك يا رب‪ .‬صحيح البخاري‪.‬‬
‫وجاء يف حديث معاوية بن حيدة‪ ،‬أن املويص قال‪« :‬ثم اذروين يف الريح لعيل أضل‬
‫اهلل‪ »...‬مشكل اآلثار للطحاوي‪.‬‬
‫فهذا قد يستشكل‪ ،‬فيقال‪ :‬كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة عىل إحياء املوتى؟‬
‫قال الطحاوي يف رشح مشكل اآلثار‪...« :‬ومل يكن مراد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬
‫بالقدرة ذلك‪ -‬صفة هلل‪ ،-‬وإنام هو التضييق‪»...‬‬
‫وقال أيضا‪ :‬غري أن قوما أخرجوا حلديث معاوية بن حيدة معنى‪ ،‬وهو أهنم جعلوا قوله‪:‬‬
‫«لعيل أضل اهلل» جهال منه بلطيف قدرة اهلل مع إيامنه به جل وعز‪ ،‬فجعلوه بخشيته عقوبته‬
‫مؤمنا‪ ،‬وبطمعه أن يضله جاهال‪ ،‬فكان الغفران من اهلل تعاىل له إليامنه‪ ،‬ومل يؤاخذه بجهله‬
‫الذي مل خيرجه من اإليامن به إىل الكفر به تعاىل‪»...‬‬
‫وقال ابن قتيبة‪ :‬قد يغلط يف بعض الصفات قوم من املسلمني فال يكفرون بذلك‪ ،‬ورده‬
‫بن اجلوزي‪ ،‬وقال‪ :‬جحده صفة القدرة كفر اتفاقا‪ ،‬وإنام قيل إن معنى قوله لئن قدر اهلل عيل‬
‫أي ضيق‪ ،‬وهي كقوله‪﴿ :‬ومن قدر عليه رزقه﴾؛ أي ضيق‪ ،‬وأما قوله‪« :‬لعيل أضل اهلل»‪،،‬‬
‫فمعناها لعيل أفوته‪ »...‬فتح الباري البن حجر‬
‫‪Ⅱ‬‬
‫دالالت العموم واخلصوص‪:‬‬
‫اجلهل بدالالت األلفاظ يؤدي إىل توهم التعارض بني األدلة واستشكاهلا‪.‬‬
‫صورتا التعارض بني العام واخلاص‪:‬‬

‫‪37‬‬
‫‪ Ⅰ‬العموم واخلصوص املطلق‪:‬‬
‫تعارض نصني‪ ،‬أحدمها عام واآلخر خاص‪ ،‬يف احلكم واللفظ‪ ،‬ومشرتكان يف املحكوم‬
‫عليه‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬العموم واخلصوص النسبي ‪ -‬الوجهي‪:-‬‬
‫توافق عموم أحد النصني مع خصوص النص الثاين‪ ،‬وتوافق خصوص النص األول‬
‫مع عموم النص الثاين‪.‬‬
‫الفرق بني العموم واخلصوص املطلق والوجهي‪:‬‬
‫املطلق ‪:‬‬
‫يكون بني نصني أحدمها عــــــــام واآلخر خـــاص‪.‬‬
‫الوجهي ‪ -‬النسبي‪:-‬‬
‫أوال‪ :‬يكون بني نصني عامني متفقان من وجه وُمتلفان من وجه آخر‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬يكون عموم األول هو خصوص الثاين‪ ،‬وعموم الثاين هو خصوص األول‪.‬‬
‫مثال عن العموم واخلصوص املطلق‪:‬‬
‫حديث عبادة بن الصامت‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬الذهب بالذهب‪،‬‬
‫والفضة بالفضة‪ ،‬والرب بالرب‪ ،‬والشعري بالشعري‪ ،‬والتمر بالتمر‪ ،‬وامللح بامللح‪ ،‬مثال بمثل‪ ،‬سواء‬
‫بسواء‪ ،‬يدا بيد‪ ،‬فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» صحيح مسلم‪.‬‬
‫حديث عبادة بن الصامت هذا دل بمنطوقه ومفهومه عىل أن الربا يكون يف نوعني اثني؛‬
‫النسيئة والفضل؛ أي يف األصناف الست‪ ،‬النقدين[الذهب والفضة]‪ ،‬واملطعامت األربع [الرب‬
‫والشعري والتمر وامللح]‪.‬‬
‫حديث أسامة بن زيد‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ال ربا إال يف النسيئة» صحيح‬
‫البخاري‪.‬‬
‫حديث أسامة بن زيد دل بمنطوقه عىل أن الربا خاص فقط بنوع واحد‪ ،‬وهو النسيئة‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫فقد يستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬الربا خاص فقط بالنسيئة‪ ،‬أو يكون يف النسيئة والفضل؟‬
‫املذهب األول‪:‬‬
‫أبقوا حديث عبادة بن الصامت عىل ما دل عليه بمنطوقه ومفهومه‪ ،‬وأما حديث أسامة‬
‫بن زيد إنام أراد النبي صىل اهلل عليه وسلم أخص أنواعه وأشنعها‪.‬‬
‫مذهب األحناف‪:‬‬
‫قالوا بأنه ال ربا إال يف النسيئة‪ ،‬فخصصوا العموم هبذا احلديث‪.‬‬
‫املسلك الثالث‪- :‬مل أذكره يف املوضع السابق‪:-‬‬
‫قالوا منطوق حديث عبادة بن الصامت عىل ُتريم نوعي الربا خصص مفهوم حديث‬
‫أسامة بن زيد ‪ -‬ال ربا يف الفضل‪ ،-‬فبذلك ال يكون ربا الفضل إال فيام ذكر يف حديث عبادة‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫اختلف العلامء يف كون العلة هل هي قارصة باألصناف الست املذكورة أو هي متعدية‪.‬‬
‫فائدة‪:‬‬
‫إذا اُتدت األجناس يشرتط التامثل والتقابض‪.‬‬
‫إذا اختلفت األجناس يشرتط التقابض‪.‬‬
‫مثال آخر عن العموم واخلصوص املطلق‪:‬‬
‫حديث عمرو بن يثريب الضمري‪ ،‬أن النبيﷺ قال‪« :‬وال حيل المرئ من مال أخيه إال‬
‫ما طابت به نفسه»‪.‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ال يمنع جار جاره أن يغرز‬
‫خشبه يف جداره» صحيح البخاري‬
‫فقد يستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬حرم النبي ﷺ أخذ مال املسلم إال ما كان برضاه‪ ،‬ثم يأمره‬
‫بأن ال يمنع جاره من غرز شجره عىل ملكه‪.‬‬
‫املذهب األول‪:‬‬

‫‪39‬‬
‫قالوا احلديث األول عام‪ ،‬واحلديث الثاين خاص بغرز اخلشبة يف اجلدار‪ ،‬بمعنى أنه ال‬
‫جيوز للمسلم أن يتعدى عىل مال أخيه املسلم إال بموافقته ورضاه إال يف حال واحد‪ ،‬وهو‬
‫غرز خشبك عىل جداره‪.‬‬
‫مذهب آخر‪:‬‬
‫محلوا النهي عىل التنزيه‪ ،‬يعني له أن يمتنع‪.‬‬
‫مثال العموم واخلصوص الوجهي ‪ -‬النسبي‪:-‬‬
‫حديث ابن عباس‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬من بدل دينه فاقتلوه»‬
‫عموم هذا احلديث‪:‬‬
‫القتل عام جلميع املرتدين‪ ،‬بام فيهم النساء‪.‬‬
‫خصوص احلديث‪:‬‬
‫القتل خاص بعامة من بدل دينه‪ ،‬بام يف ذلك النساء والصبيان‪.‬‬
‫حديث عبد اهلل ابن عمر‪ ،‬قال‪« :‬هنى رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم عن قتل النساء‬
‫والصبيان» البخاري‪.‬‬
‫عموم هذا احلديث‪:‬‬
‫النهي عن القتل عام جلميع النساء والصبيان‪.‬‬
‫خصوص احلديث‪:‬‬
‫النهي عن القتل خاص بعامة النساء والصبيان‪ ،‬دون الرجال‪.‬‬
‫قد يستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬املرأة إن بدلت دينها تقتل أم ال؟‬
‫أوجه االتفاق بني احلديثني‪:‬‬
‫عموم األول [القتل عام جلميع املرتدين‪ ،‬بام فيهم النساء] يمثل خصوص الثاين [النهي‬
‫عن القتل خاص بعامة النساء والصبيان‪ ،‬دون الرجال‪.].‬‬

‫‪40‬‬
‫وعموم الثاين [النهي عن القتل عام جلميع النساء والصبيان] يمثل خصوص األول‬
‫[القتل خاص بعامة من بدل دينه‪ ،‬بام يف ذلك النساء والصبيان]‪.‬‬
‫مسلك اجلمهور‪:‬‬
‫مجعوا بني النصني بحملهم العام عىل اخلاص‪ ،‬فقالوا إن ارتدت املرأة تقتل‪ ،‬ألهنم أبقوا‬
‫قوله صىل اهلل عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه» عىل عمومه‪ ،‬أما هني النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم عن قتل النساء والصبيان فخصوه باحلربية ال املرتدة‪.‬‬
‫مسلك األحناف‪:‬‬
‫رجحوا النص الثاين عىل األول‪ ،‬فقالوا بأن املرأة ال تقتل حربية كانت أو مرتدة‪.‬‬
‫ثالثا‬
‫معارضته لغريه من النصوص املستشكلة‪.‬‬
‫‪Ⅰ‬‬
‫النســـــــخ‪:‬‬
‫النسخ قد يكون‪:‬‬
‫▪ نسخا رصحيا منصوصا عليه‪.‬‬
‫▪ بلسان النبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫▪ من صحايب‪.‬‬
‫▪ نسخا احتامليا [حمتمال]‪.‬‬
‫مثال عن النسخ‪:‬‬
‫حديث األسود وعلقمة‪ ،‬قاال‪ :‬أتينا عبد اهلل بن مسعود يف داره ‪ ...‬فجعل أحدنا عن‬
‫يمينه واآلخر عن شامله‪ ،‬قال‪ :‬فلام ركع وضعنا أيدينا عىل ركبنا‪ ،‬قال‪ :‬فرضب أيدينا وطبق بني‬
‫كفيه‪ ،‬ثم أدخلهام بني فخذيه‪ ،‬قال‪ :‬فلام صىل‪،‬قال‪ ... :‬وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه عىل‬
‫فخذيه‪ ،‬وليجنأ‪ ،‬وليطبق بني كفيه‪ »...‬مسلم‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫حديث محيد‪ ،‬قال عن النبي صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬ثم ركع فوضع يديه عىل ركبتيه كأنه‬
‫قابض عليهام» سنن أيب داود‪.‬‬
‫حديث رفاعة بن رافع‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪...‬وإذا ركعت فضع راحتيك‬
‫عىل ركبتيك‪ »...‬سنن أيب داود‪.‬‬
‫رواية سعد بن أيب وقاص رصحية عىل النسخ‪.‬‬
‫حديث مصعب بن سعد بن أيب وقاص‪ ،‬قال‪ :‬صليت إىل جنب أيب‪ ،‬فلام ركعت شبكت‬
‫أصابعي وجعلتهام بني ركبتي‪ ،‬فرضب يدي‪ ،‬فلام صىل قال‪« :‬قد كنا نفعل هذا‪ ،‬ثم أمرنا أن‬
‫نرفع إىل الركب» صحيح مسلم‪.‬‬
‫‪Ⅱ‬‬
‫تغاير األحوال‪:‬‬
‫بمعنى أن النبي صىل اهلل عليه وسلم حدث بحديث يف حال‪ ،‬وحدث بحديث آخر‬
‫مناقضا للحديث األول يف حال آخر‪.‬‬
‫عىل سبيل املثال‪:‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إذا اشتد احلر فأبردوا بالصالة‪،‬‬
‫فإن شدة احلر من فيح جهنم» البخاري‬
‫تسمى بسنة اإلبراد‪ ،‬وذلك بتأخري صالة الظهرعن وقتها يف شدة احلر‪.‬‬
‫حديث خباب‪ ،‬أنه قال‪« :‬شكونا إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم الصالة يف الرمضاء‪،‬‬
‫فلم يشكنا» مسلم‪.‬‬
‫أي شكوا مشقة صالة الظهر يف أول وقتها يف الرمل احلار‪.‬‬
‫قد يستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬كيف أمر رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم باالبراد‪ ،‬ثم مل‬
‫يرخص هلم به‪.‬‬
‫اجلمع بني احلديثني‪:‬‬

‫‪42‬‬
‫العلامء دفعوا اإلشكال بتغاير األحوال‪ ،‬فقالوا بأن حديث أيب هريرة سيق يف حال‪،‬‬
‫وحديث خباب سيق يف حال آخر‪ ،‬حديث أيب هريرة حيمل عىل شدة حرارة اجلو‪ ،‬أما حديث‬
‫خباب فإنه حيمل عىل احلر املعتاد‪ ،‬فلم يأذن هلم النبي صىل اهلل عليه وسلم ألن الرمضاء التي‬
‫شكوا إليه الصالة فيها تبقى حارة حتى بعد اإلبراد‪ ،‬ومل يشكوا شدة حر اجلو الذي يذهب‬
‫باإلبراد‪.‬‬
‫فائدة‬
‫كيف يتعامل مع الروايات املتعددة‪ ،‬املتحدة املخرج؟‬
‫اّتاد املخرج‪:‬‬
‫يعني أن احلديث خرج يف حال واحدة فقط؛ أي يف نفس املناسبة‪.‬‬
‫احلالة األوىل‪:‬‬
‫إن كانت احدى الروايات تامة وأخرى ناقصة‪ ،‬فإنه جيمع بني الروايات‪.‬‬
‫احلالة الثانية‪:‬‬
‫إن اختلفت الروايات من حيث اللفظ واُتدت من حيث املعنى‪ ،‬فذلك إما لترصف‬
‫الرواة‪ ،‬أو أهنم رووه باملعنى‪ ،‬فيقبلون اجلميع‪.‬‬
‫احلالة الثالثة‪:‬‬
‫إن اختلفت الروايات يف املعنى ويف اللفظ‪ ،‬بحيث يتعذر اجلمع بينهام‪ ،‬فإنه يصار إىل‬
‫القول بالنسخ إن علم‪ ،‬وإال يصار الرتجيح‪.‬‬
‫احلالة الرابعة‪:‬‬
‫إن اتفقت الروايات من وجه‪ ،‬واختلفت من وجه آخر‪ ،‬فهنا كثري من أهل احلديث‬
‫يقبلون ما اتفقت عليه الروايات‪ ،‬ويردون ما اختلفت فيه بعلة االضطراب‪.‬‬
‫مسالك العلامء يف درء التعارض‪.‬‬
‫[طبعا الظاهري]‬

‫‪43‬‬
‫التعارض يف مشكل احلديث يشمل احلجج السمعية والعقلية‪ ،‬ال كام هو احلال يف‬
‫املختلف‪.‬‬

‫ترتيب مسالك دفع التعارض‪:‬‬


‫ترتيب اجلمهور‪:‬‬
‫[اجلمع] ثم [النسخ] ثم [الرتجيح] ثم [التوقف]‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫شذت طائفة‪ ،‬فقالوا بخالف ذلك‪:‬‬
‫قالوا باجلمع‪ ،‬ثم النسخ‪ ،‬ثم ال يعتربون الرتجيح‪ ،‬بل رأوا أن يطلب دليل آخر‪ ،‬فإن مل‬
‫يكن ثمة دليل آخر اختار املجتهد أحد الدليلني‪.‬‬
‫ترتيب األحناف‪:‬‬
‫[النسخ] ثم [الرتجيح] ثم [اجلمع] ثم [التساقط] ثم [العمل باألصل]‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫بعض األحناف قالوا بخالف ذلك‪:‬‬
‫قالوا بالنسخ‪ ،‬ثم اجلمع‪ ،‬ثم الرتجيح‪ ،‬ثم العمل باألصل‪ ،‬وأيضا حيذفون التساقط‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫من املحدثني من اختار ترتيب األحناف‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫توجد مسالك أخرى للرتجيح‪ ،‬منها‪:‬‬
‫التساقط‪ ،‬التوقف‪ ،‬العمل باألصل‪ ،‬االختيار‪ ،‬العمل باألدنى‪.‬‬
‫ملاذا جعلت مسالك دفع االشكال والتعارض الظاهري؟‬

‫‪44‬‬
‫وضعت تلك املسالك صيانة لرشيعة اهلل عز وجل؛ ألن ال تتهم بالتناقض؛ ألن بقاء‬
‫التعارض موهم لوجود التناقض يف هذه الرشيعة‪.‬‬

‫تنبيه‬
‫أغلب ما يدفع به التعارض بني النصوص هو اجلمع أو الرتجيح بينهام‪.‬‬
‫أدلة املذهبني عىل ترتيبهم للمسالك‪:‬‬
‫أدلة اجلمهور عىل تقديمهم اجلمع عىل النسخ والرتجيح‪:‬‬
‫من األدلة العقلية‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬إعامل النصوص الرشعية أوىل من امهاهلا؛ ألهنا نزلت ليعمل هبا‪ ،‬واجلمع هو الذي‬
‫حيقق هذا املقصد‪ ،‬بخالف الرتجيح أو النسخ‪ ،‬فإن فيهام تعطيل هلا‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬احتامل وقوع اخلطأ يف اجلمع أقل من احتامل وقوعه يف الرتجيح والنسخ؛ ألن‬
‫الرتجيح والنسخ مبنامها عىل مسالك اجتهادية‪ ،‬مبنامها عىل أمور احتاملية وظنية‪ ،‬بخالف‬
‫إعامل الدليلني فإنه متسك باألصل‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬القول باجلمع أدعى لنفي التهمة عن الرشيعة بأهنا مضطربة وناقصة ومتناقضة‪.‬‬
‫من األدلة العملية ‪ -‬نقلية‪:-‬‬
‫‪ Ⅰ‬استدلوا بعمل الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم‪ ،‬قالوا بأهنم قدموا اجلمع يف كثري‬
‫مما استشكلوه من النصوص وتعارض عندهم‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫مجع الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم كـ ابن عباس وعكرمة بتغاير األحوال بني‬
‫نصوص تعارض ظاهرها‪ ،‬بعضها يثبت السؤال يوم القيامة‪ ،‬وأخرى تنفيه‪ :‬كـ قوله‬
‫تعاىل‪﴿:‬فيومئذ ال يسأل عن ذنبه إنس وال جان﴾‪ ،‬وقوله‪﴿ :‬فوربك لنسأهنم أمجعني عام كانوا‬
‫يفعلون﴾‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫مجع ابن عباس‪:‬‬
‫جاء يف تفسري الطربي أنه قال‪« :‬ال يسأهلم هل عملتم كذا وكذا؟ ألنه أعلم بذلك منهم‪،‬‬
‫ولكن يقول هلم‪ :‬مل عملتم كذا وكذا؟»‪.‬‬
‫مجع عكرمة‪:‬‬
‫جاء يف تفسري القرطبي أنه قال‪« :‬القيامة مواطن‪ ،‬يسأل يف بعضها وال يسأل يف بعضها»‪.‬‬
‫أدلة األحناف عىل تقديمهم النسخ والرتجيح عىل اجلمع ‪:‬‬
‫من األدلة العقلية‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬النسخ مسقط ألحد الدليلني املتعارضني‪ ،‬وبذلك ينتفي التعارض‪ ،‬وال حاجة بعد‬
‫ذلك للنظر يف أمور أخرى‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬باتفاق العقالء أنه ال جيوز ترجيح املرجوح عىل الراجح أو التسوية بينهام‪ ،‬وتقديم‬
‫اجلمع فيه تسوية بني الراجح واملرجوح‪.‬‬
‫من األدلة العملية ‪ -‬نقلية‪:-‬‬
‫‪ Ⅰ‬استدلوا بفعل الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم‪ ،‬عىل أهنم كانوا جينحون إىل‬
‫الرتجيح عند التعارض وعند االستشكال‪ ،‬ويقدمونه عىل اجلمع‪.‬‬
‫من تلك املواقف‪:‬‬
‫ترجيح الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم ملا اختص به زواجات النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم عىل غريهم‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫حديث رفاعة‪ ،‬ملا اختلف الصحابة يف حكم االغتسال من اجلامع بال إنزال‪ ،‬منهم من‬
‫قال‪ :‬أن املاء ال يكون إال من املاء‪ ،‬ومنهم من قال‪«:‬إذا جاوز اخلتان اخلتان فقد وجب الغسل»‬
‫فقال عيل‪ :‬يا أمري املؤمنني‪ ،‬إن أعلم الناس هبذا أزواج رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فأرسل‬
‫إىل عائشة‪ ،‬فقالت‪« :‬إذا جاوز اخلتان اخلتان وجب الغسل»‪ ...‬مسند أمحد‬

‫‪46‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫حديث أيب بكر بن عبد الرمحن‪ ،‬أنه سمع أبا هريرة يقول‪« :‬من أدركه الفجر جنبا فال‬
‫يصم»‪ ،‬فذكر ذلك ألبيه‪ ،‬فأنكره‪ ،‬وانطلق وسأل عائشة وأم سلمة عن ذلك‪ ،‬فكلتامها قالت‪:‬‬
‫«كان النبي صىل اهلل عليه وسلم يصبح جنبا من غري حلم‪ ،‬ثم يصوم» فجاؤوا أبا هريرة‪ ،‬فقال‬
‫أبو هريرة‪ :‬أمها قالتاه لك؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬مها أعلم‪ ،‬فرجع أبو هريرة عام كان يقول‪ .‬مسلم‬
‫جواب اجلمهور عىل أحد أدلة األحناف‪:‬‬
‫قالوا نحن نتفق معكم عىل أن الصحابة قد سلكوا مسلك الرتجيح‪ ،‬وال ننازعكم يف‬
‫ذلك‪ ،‬لكن ما أوردمتوه إنام هو ترجيح عند تعذر اجلمع‪ ،‬ونحن نقول أيضا بالرتجيح عند‬
‫تعذر اجلمع‪.‬‬
‫القول الراجح يف ترتيب املسالك‪:‬‬
‫[النسخ بالنص ‪ -‬النسخ الرصيح‪ ]-‬ثم [اجلمع] ثم [النسخ الظني] ثم [الرتجيح]‪ ،‬مع‬
‫إمهال املسالك األخرى كالتوقف‪ ،‬والتساقط‪ ،‬والعمل باألدنى‪ ،‬واالختيار‪ ،‬وغري ذلك‪.‬‬
‫النسخ الرصيح‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬إما يرصح به النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ومثال ذلك‪:‬‬
‫حديث ابن بريدة‪ ،‬قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬هنيتكم عن زيارة القبور‬
‫فزوروها‪ »...،‬مسلم‬
‫‪ Ⅱ‬وإما أن يرصح به صحايب‪ ،‬مثال ذلك‪ :‬حديث جابر‪ ،‬قال‪« :‬كان آخر األمرين من‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ترك الوضوء مما غريت النار»‪.‬أبو داود‬
‫أدلة ترجيح ذلك الرتتيب‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬تقديم النسخ بالنص ‪ -‬النسخ الرصيح‪:-‬‬
‫ألن النسخ يسقط أحد النصني املتعارضني‪ ،‬فينتفي التعارض يف األول‪ ،‬ويصري ال حاجة‬
‫يف النظر إىل مسالك أخرى‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫‪ Ⅱ‬تقديم اجلمع عىل النسخ الظني‪:‬‬
‫ألن اجلمع فيه إعامل للدليلني‪ ،‬وإعامل الدليليني أوىل من اسقاط أحدمها‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬تقديم اجلمع عىل الرتجيح‪:‬‬
‫‪-‬ذكرنا أدلة اجلمهور‪-‬‬
‫‪ Ⅳ‬احلجة عىل إمهال املسالك األخرى‪:‬‬
‫هذه مباحث نظرية‪ ،‬ال مثال هلا يف الواقع‪ ،‬ومسالك الرتجيح التي تفوق اخلمسني مل‬
‫تبقي نصني متعارضني‪.‬‬
‫مالحظة‬
‫األحناف أصابوا بتقديمهم النسخ بالنص‪ ،‬واجلمهور أصابوا بتأخريهم النسخ بالظن‬
‫عىل اجلمع‪ ،‬فام ذهبنا إليه إنام هو توفيق بني مذهب اجلمهور ومذهب األحناف‪.‬‬
‫فائدة‬
‫تقديم النسخ الرصيح ‪ -‬بالنص‪ ،-‬أشبه باملسألة التي تعارضت فيها أقوال الرجال‬
‫واختلف فيها‪ ،‬فقبل النظر إىل هذه األقوال والرتجيح بينها ينظر يف كتب اإلمجاع‪ ،‬فإذا ثبت‬
‫االمجاع فال حاجة إىل النظر يف األقوال والرتجيح بينها‪.‬‬
‫قال ابن قدامة يف روضة الناظر‪:‬‬
‫جيب عىل املجتهد يف كل مسألة أن ينظر أول شء إىل اإلمجاع‪ ،‬فإن وجده مل حيتج إىل‬
‫النظر يف سواه‪ ،‬ولو خالفه كتاب أو سنة علم أن ذلك منسوخ‪ ،‬أو متأول؛ لكون اإلمجاع دليال‬
‫قاطعا‪ ،‬ال يقبل نسخا وال تأويال‪.‬‬
‫مثال يربز فيه أثر اختالف ترتيب املسالك عىل األحكام الّشعية‪:‬‬
‫حديث أيب أيوب األنصاري‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إذا أتيتم الغائط فال‬
‫تستقبلوا القبلة وال تستدبروها ببول وال غائط‪ ،‬ولكن رشقوا أو غربوا»‪ ...‬مسلم‪.‬‬
‫تنبيه‬

‫‪48‬‬
‫األمر بالترشيق والتغريب خاص بأهل املدينة‪.‬‬
‫حديث عبد اهلل بن عمر‪ ،‬قال‪« :‬ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم يقيض حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام» البخاري‬
‫اختلف العلامء يف درء هذا التعارض عىل أربعة مسالك‪:‬‬
‫مذهب اجلمهور قالوا باجلمع‬
‫مذهب األحناف قالوا بالرتجيح‬
‫مذهب قالوا بالنسخ‬
‫مذهب قالوا بالتخصيص‬
‫مسلك اجلمهور‪:‬‬
‫قالوا باجلمع بتغاير األحوال‪ ،‬فحملوا حديث أيب أيوب األنصاري عىل حال‪ - ،‬النهي‬
‫يف الفالة والفضاء‪ ،-‬ومحلوا حديث عبد اهلل بن عمر عىل حال أخرى ‪ -‬اجلواز يف البنيان‪،-‬‬
‫وبذلك يكون استقبال القبلة بالبول والغائط منهي عنه يف الفضاء‪ ،‬وجائز يف البنيان‪.‬‬
‫الفريق األول‪:‬‬
‫رأى بخصوص حديث أيب أيوب يف الفضاء بال ُمصص خارجي‪ ،‬مستندين يف ذلك‬
‫عىل عبارة «إذا أتيتم الغائط»‪ ،‬والغائط هو املكان املنخفض ‪ -‬الفالة‪ ،-‬أما حديث عبد اهلل بن‬
‫عمر فإنه متفق عىل خصوصه بالبناء‪.‬‬
‫الفريق الثاين‪:‬‬
‫رأوا بأن النهي الوارد يف حديث أيب أيوب عام يف الفضاء والبنيان‪ ،‬وحديث عبد اهلل بن‬
‫عمر خاص بالبناء‪ ،‬فخصص عموم حديث أيب أيوب بحديث عبد اهلل بن عمر‪.‬‬
‫استشكال قول القائل بجواز استقبال القبلة يف البنيان‪:‬‬

‫‪49‬‬
‫حديث عبد اهلل بن عمر أباح بمنطوقه االستدبار فقط‪ ،‬ومل يبح االستقبال‪ ،‬وحتى‬
‫بمفهومه أيضا ال جييزه‪ ،‬ألن القياس هو إحلاق لألدنى باألعىل أو بام يساويه‪ ،‬واالستقبال أعىل‬
‫من االستدبار‪ ،‬فحديث عبد اهلل بن عمر ال يدل عىل جواز استقبال القبلة يف البنيان‪.‬‬

‫دفع االستشكال‪:‬‬
‫يدفع ذلك االستشكال بطلب أدلة خارجية‪ ،‬منها‪ :‬فهم عبد اهلل بن عمر الدال عىل جواز‬
‫استقبال القبلة يف البناء‪.‬‬
‫قصة مروان األصفر‪ ،‬قال‪ :‬رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة‪ ،‬ثم جلس يبول‬
‫إليها‪ ،‬فقلت‪ :‬يا أبا عبد الرمحن‪ ،‬أليس قد هني عن هذا؟ قال‪ :‬بىل‪ ،‬إنام «هني عن ذلك يف‬
‫الفضاء‪ ،‬فإذا كان بينك وبني القبلة شء يسرتك فال بأس» أيب داود‪.‬‬

‫مسلك األحناف‪:‬‬
‫قالوا بالرتجيح‪ ،‬فرجحوا حديث أيب أيوب األنصاري عىل حديث عبد اهلل بن عمر؛‬
‫ألن النهي عندهم مقدم عىل اإلباحة‪ ،‬وأيضا ألهنم يقدمون الرتجيح عىل اجلمع‪ ،‬وعىل ذلك‬
‫يبقى النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط عىل عمومه؛ يف البنيان كان أو يف الفضاء‪.‬‬
‫مسلك ثالث‪:‬‬
‫قالوا بالنسخ‪ ،‬رأوا بأن حديث عبد اهلل بن عمر ناسخ حلديث أيب أيوب األنصاري‪،‬‬
‫وعىل هذا استقبال القبلة واستدبارها جائز بإطالق؛ يف الفضاء كان أو يف البنيان‪.‬‬
‫وهذا النسخ عضدوه بحديث جابر بن عبد اهلل‪ ،‬قال‪« :‬كان رسول اهلل صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ينهانا أن نستقبل القبلة أو نستدبرها بفروجنا إذا أهرقنا املاء»‪ ،‬قال‪« :‬ثم رأيته قبل موته‬
‫بعام يبول مستقبل القبلة» ابن حبان‬
‫استشكال هذا القول‪:‬‬

‫‪50‬‬
‫‪ Ⅰ‬حديث عبد اهلل بن عمر جاء فيه أن النبي ﷺ استدبر القبلة‪ ،‬فكيف قالوا بجواز‬
‫استقبال واستدبار القبلة؟‬
‫‪ Ⅱ‬حديث عبد اهلل ابن عمر جاء فيه أن استدبار النبي صىل اهلل عليه وسلم القبلة أثناء‬
‫قضاء حاجته كان يف البنيان فقط‪ ،‬فكيف قالوا بجواز استقبال واستدبار القبلة بإطالق – يف‬
‫البنيان كان أو يف الفضاء‪-‬؟‬
‫مسلك رابع‪:‬‬
‫قالوا بالتخصيص‪ ،‬حديث عبد اهلل بن عمر خاص بالنبي صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫وحجتهم يف ذلك أن عبد اهلل بن عمر لو مل يرقى ملا رأى النبي ﷺ‪ ،‬وملا علمنا بذلك‪ ،‬والنبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم لو أراد إعالم األمة ألعلمهم بقوله كام أعلمهم بالنهي بقوله‪ ،‬أما النهي‬
‫الوارد يف حديث أيب أيوب فإنه يبقى عىل عمومه‪ ،‬يف البنيان كان أو يف الفضاء‪.‬‬
‫التفصيل يف املسالك الثالثة األول‪ -‬اجلمع‪ ،‬النسخ‪ ،‬الرتجيح‪-‬‬

‫مسلك اجلمع‪:‬‬

‫اجلمع لغة‪ :‬هو التوفيق والضم‪.‬‬


‫اصطالحا‪ :‬التأليف بني األدلة التي ظاهرها التعارض‪ ،‬والتوفيق بينها‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫اتفق العلامء عىل األخذ بمسلك اجلمع‪ ،‬ومل ينكره أحد منهم‪ ،‬إال أهنم اختلفوا يف أولوية‬
‫األخذ به‪.‬‬
‫رشوط اجلمع بني األدلة‬
‫ثالثة رشوط متفق عليهام ‪ -‬اجلمهور واألحناف‪-‬‬
‫‪ Ⅰ‬أن يقع تعارض بني األدلة‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫‪ Ⅱ‬حجية وثبوت املتعارضني؛ أدلة نقلية كانت‪ ،‬أو عقلية‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬أن ال يعارض اجلمع إمجاعا‪ ،‬أو معلوما من الدين بالرضورة‪ ،‬أو ّيدم أحد ثوابت‬
‫اإلسالم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫رشطان اختص هبام األحناف فقط‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أن ال يعلم تأخر أحد الدليل عن اآلخر؛ أي‪ :‬اجلهل بالتاريخ‪.‬‬
‫إذا مل يقرتن الدليالن اقرتانا مرتاخيا كان‪،‬أو متأخرا‪ ،‬فإهنم يقولون بالرتجيح‪.‬‬
‫أما إذا علم تأخر أحد الدليلني فإن األحناف يقولون بالنسخ ال باجلمع‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬تساوي املتعارضني يف درجة حجية الثبوت‪.‬‬
‫وعىل هذا ال جيمع عندهم بني املتواتر واآلحاد‪ ،‬وال بني الكتاب والسنة‪ ،‬وال بني‬
‫الصحيح واحلسن‪ ،‬وإن مل يتساويا جنحوا إىل الرتجيح‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫تلك الرشوط وضعها األصوليون‪ ،‬ووافقهم عليها املحدثون‪.‬‬
‫مثال يربز فيه أثر اخلالف يف قضية عدم التساوي بني حجتني‪.‬‬
‫حديث ابن عباس‪« ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قىض بيمني وشاهد» مسلم‬
‫يعني بحلف املدعي‪ ،‬وشهادة شاهد معه‪.‬‬
‫حديث أيب مليكة املشهور‪ ،‬قال‪ :‬كتبت إىل ابن عباس فكتب إيل‪« :‬إن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم قىض أن اليمني عىل املدعى عليه» البخاري‪.‬‬
‫فيستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬احلديث األول قىض النبي صىل اهلل عليه وسلم بيمني املدعي‬
‫وشهادة الشاهد‪ ،‬ويف احلديث الثاين قىض أن البينة عىل املدعي‪ ،‬واليمني عىل املدعى عليه؟‬
‫األحناف‪:‬‬
‫ذهبوا إىل ترجيح احلديث املشهور إسنادا وعمال ‪ -‬الثاين‪ -‬عىل احلديث األول؛ ألنه‬
‫دونه يف احلجية‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫اجلمهور‪:‬‬
‫ذهبوا إىل اجلمع بني الدليلني‪ ،‬وذلك بتخصيص العموم‪ ،‬فقالوا أن قضاء النبي صىل اهلل‬
‫عليه وسلم بيمني املدعي‪ -‬احللف‪ -‬وشهادة الشاهد خاص يف املنازعات املالية ‪ -‬احلقوق‬
‫املالية‪ ،-‬أما حديث اليمني عىل املدعى عليه‪ ،‬فهو يف ما عدا ذلك من املنازعات ‪ -‬احلقوق‬
‫األخرى‪.-‬‬
‫طرق اجلمع بني األدلة املتعارضة‪:‬‬
‫‪ -‬مسالك اجلمع‪-‬‬
‫‪ 1‬اجلمع بحمل العام عىل اخلاص‪.‬‬
‫‪ 2‬اجلمع بحمل املطلق عىل املقيد‪.‬‬
‫‪ 3‬اجلمع بحمل الوجوب عىل الندب‪.‬‬
‫‪ 4‬اجلمع بحمل التحريم عىل الكراهة‪.‬‬
‫‪ 5‬اجلمع بحمل األخذ بالزيادة‪.‬‬
‫‪ 6‬اجلمع بتغاير األحوال‪.‬‬
‫‪ 7‬اجلمع بالتخيري‪.‬‬
‫‪ 8‬اجلمع بحمل احلقيقة عىل املجاز‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫اجلمع بحمل العام عىل اخلاص‪:‬‬
‫‪ -‬اجلمع بتخصيص العام‪-‬‬
‫تنبيه‬
‫محل العام عىل اخلاص ‪ّ -‬تصيص العام‪ -‬من أشهر أنواع اجلمع عند العلامء وأقواها‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫اخلاص ليس هو التخصيص‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫اخلاص‪ :‬ما دل عىل معني‪.‬‬
‫التخصيص‪ :‬قرص حكم العام عىل بعض أفراده‪.‬‬
‫هل اتفق العلامء عىل محل العام عىل اخلاص؟‬
‫اتفقوا بحمل العام عىل اخلاص‪ ،‬ولكن ثمة خالف بني اجلمهور واألحناف‪.‬‬
‫األحناف‪:‬‬
‫اشرتطوا يف محل العام عىل اخلاص رشطان اثنان‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أن يأيت اخلاص بعد العام غري مرتاخ عنه ‪ -‬يعني يأيت مبارشة‪ ،-‬أما إذا أتى مرتاخ‬
‫عنه فإهنم يقولون بالنسخ‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬تساوي قوة الدليلني املتعارضني‪ ،‬وبالتايل ال حيملون العام املتواتر عىل اخلاص‬
‫اآلحاد‪ ،‬وال العام اآلحاد عىل املتواتر اخلاص‪ ،‬إذا مل يتساويا من حيث القوة قالوا بالرتجيح‪.‬‬
‫اجلمهور‪:‬‬
‫يف مجيع األحوال حيملون العام عىل اخلاص؛ سواء تقدم العام عىل اخلاص‪ ،‬أو تأخر‪ ،‬أو‬
‫اقرتنا‪ ،‬أو جهل التاريخ؛ فلم يعلم املتقدم من املتأخر‪.‬‬
‫وجه اخلالف بني اجلمهور واألحناف يف محل العام عىل اخلاص؟‬
‫أوال‪:‬‬
‫إذ جهل تاريخ العام واخلاص‪ ،‬فلم يعلم املتقدم من املتأخر‪.‬‬
‫األحناف‪ :‬يقولون بالرتجيح‪.‬‬
‫اجلمهور‪ :‬يقولون باجلمع‪ ،‬ألهنم ال يشرتطون العلم بالتاريخ‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫جميء اخلاص بعد العام‪.‬‬
‫اجلمهور‪ :‬يقولون باجلمع‪.‬‬
‫األحناف‪ :‬إن مل يكن مرتاخيا قالوا باجلمع وإن كان مرتاخيا قالوا بالنسخ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أمثلة يف محل العام عىل اخلاص‪:‬‬
‫املثال األول‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿ :‬يوصيكم اهلل يف أوالدكم للذكر مثل حظ االنثيني﴾ هذا نص عام‪،‬‬
‫يشمل كل ذكر وأنثى‪.‬‬
‫حديث أسامة بن زيد‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ال يرث املسلم الكافر‪ ،‬وال‬
‫الكافر املسلم» البخاري‪.‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬القاتل ال يرث» ابن ماجه‪.‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إنا معرش األنبياء ال نورث‪ ،‬ما‬
‫تركت بعد مئونة عاميل ونفقة نسائي صدقة» أمحد‬
‫هذه األحاديث خصصت عموم اآلية‪.‬‬
‫مثال آخر‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬العجامء جرحها جبار‪»... ،‬‬
‫البخاري‪.‬‬
‫العجامء‪ :‬البهائم‪.‬‬
‫جرحها‪ :‬ما أتلفته من زرع‪.‬‬
‫جبار‪ :‬ال ضامن فيه‪.‬‬
‫عموم احلديث أن البهائم إذا عدت عىل بستان أو حديقة وأتلفته فال ضامن عليه‪.‬‬
‫حديث حميصة‪ ،‬أن ناقة للرباء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم‪« ،‬فقىض‬
‫ﷺ عىل أهل األموال حفظها بالنهار‪ ،‬وعىل أهل املواش حفظها بالليل» أبو داود‪.‬‬
‫يف هذا احلديث جاء التفصيل‪ ،‬وذلك بالنظر إىل زمن وقوع االعتداء‪ ،‬فإذا وقع بالنهار‬
‫فهو من تفريط صاحب البستان‪ ،‬وإذا وقع بالليل فهو بتفريط من صاحب املاشية‪.‬‬
‫فاحلديث العام خصص‪ ،‬فيكون ال جبار إذا كان االعتداء بالليل‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫اجلمع بحمل املطلق عىل املقيد‪ -‬اجلمع بتقييد املطلق‪:-‬‬
‫املقيد‪ :‬اللفظ الدال عىل املاهية بقيد يقلل شيوعه‪.‬‬
‫املطلق‪ :‬اللفظ الدال عىل املاهية من غري قيد يقلل شيوعه‪.‬‬
‫الفرق بني العام واخلاص وبني العام واملطلق‪:‬‬
‫العام واخلاص‪ :‬داللتهام تكون عىل األفراد واألعيان‪.‬‬
‫املطلق واملقيد‪ :‬داللتهام تكون عىل املاهية واألوصاف‪.‬‬
‫العالقة بني األوصاف واألعيان‪:‬‬
‫األوصاف قد تتعدد يف عني واحدة‪ ،‬مثال‪ :‬رقبة يقال عنها عني واحدة‪ ،‬لكن أوصافها‬
‫قد تتعدد‪ ،‬فقد تكون مسلمة‪ ،‬كافرة‪ ،‬صغرية‪ ،‬كبرية‪ ،‬ذكر‪ ،‬أنثى‪.‬‬
‫الفرق بني محل العام عىل اخلاص ومحل املطلق عىل املقيد‬
‫إذا محل العام عىل اخلاص‪:‬‬
‫فإن العام يبقى عىل عمومه يف بقية األفراد‪ ،‬واخلاص يكون حكام خاصا ألفراده‪.‬‬
‫أما إذا محل املطلق عىل املقيد‪:‬‬
‫فإن املطلق ال يبقى عىل إطالقه‪ ،‬وإنام يعطى حكم النص املقيد‪.‬‬
‫هل اتفق العلامء يف محل املطلق عىل املقيد؟‬
‫اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد اختلفا يف صور‪ ،‬واتفقا يف صور‪.‬‬
‫اجلمهور‪ :‬يرون بحمل املطلق عىل املقيد‪.‬‬
‫األحناف‪ :‬املشهور واألصل أهنم يعملون باملقيد حيث ورد‪ ،‬ويعملون باملطلق عىل‬
‫إطالقه‪ ،‬ولكن عندهم تفصيل‪.‬‬
‫صور وحاالت املطلق مع املقيد‪:‬‬

‫‪56‬‬
‫أحسن من فصل يف املطلق واملقيد هو أبو زرعة العراقي يف الغيث اهلامع رشح مجع‬
‫اجلوامع‪ ،‬ذكر ستة صور للمطلق مع املقيد‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬اُتاد احلكم والسبب مع اإلثبات‪.‬‬
‫‪ 2‬اُتاد احلكم والسبب مع النفي‪.‬‬
‫‪ 3‬اُتاد احلكم والسبب مع التغاير‪.‬‬
‫‪ 4‬اُتاد احلكم واختالف السبب‪.‬‬
‫‪ 5‬اُتاد السبب واختالف احلكم‪.‬‬
‫‪ 6‬اختالف احلكم والسبب‪.‬‬
‫نقسمها عىل غري تقسيم أيب زرعة أفضل‪:‬‬
‫إما أن يتحد احلكم والسبب‪ ،‬وله ثالثة صور‪:‬‬
‫‪ 1‬اُتادمها مع اإلثبات‪.‬‬
‫‪ 2‬اُتادمها مع النفي‪.‬‬
‫‪ 3‬اُتادمها مع التغاير‪.‬‬
‫وإما أن خيتلف احلكم والسبب‪ ،‬وله ثالث صور‪:‬‬
‫‪ 1‬إما أن يتحد احلكم‪ ،‬وخيتلف السبب‪.‬‬
‫‪ 2‬يتحد السبب‪ ،‬وخيتلف احلكم‪.‬‬
‫‪ 3‬خيتلف السبب واحلكم‪.‬‬
‫ما معنى احلكم والسبب؟‬
‫اخلطاب رشعي له موجب ‪-‬السبب‪ ،-‬وله حكم‪«.‬وأقيموا الصالة» هذا خطاب‬
‫رشعي‪ ،‬موجبه‪ :‬إقامة الصالة‪ ،‬وحكمه‪ :‬وجوب إقامتها‪.‬‬
‫«وآتوا الزكاة» هذا خطاب رشعي‪ ،‬موجبه‪ :‬الزكاة‪ ،‬وحكمه‪ :‬وجوب إتياهنا‪.‬‬
‫ما معنى االثبات والنفي والتغاير‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫اإلثبات‪ :‬الفعل الذي مل يدخل عليه نفي أو هني‪.‬‬
‫النفي‪ :‬الفعل الذي دخل عليه نفي أو هني‪.‬‬
‫التغاير‪ :‬أحد النصني مثبت‪ ،‬واآلخر منفي‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫هذه الصور الستة ليست أمثلة‪ ،‬ولو أردنا التمثيل لكفينا مثال واحد‪.‬‬
‫الغاية من وقوفنا عىل هذه الصور الستة فهم اخلالف احلاصل بني اجلمهور واألحناف‬
‫يف محل املطلق عىل املقيد‪ ،‬ألهنم اتفقوا يف بعض الصور‪ ،‬واختلفوا يف الصور األخرى‪ ،‬فهذه‬
‫الصور تبني اخلالف بني املذهبني‪.‬‬
‫اّتاد احلكم والسبب‪ .‬وله ثالث صور‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫اّتاد احلكم والسبب مع االثبات‪:‬‬
‫حكم تقيد املطلق يف هذه الصورة‪:‬‬
‫اتفق اجلمهور مع األحناف يف هذه الصورة عىل وجوب محل املطلق عىل املقيد‪ ،‬لكن‬
‫برشط توفر رشطني عند األحناف‪ ،‬ومها‪:‬‬
‫‪ 1‬تساوي املتعارضني يف درجة حجية الثبوت‬
‫‪ 2‬أن ال يعلم تأخر أحد الدليلني عن اآلخر‬
‫مثال يف اّتاد السبب واحلكم مع اإلثبات‪:‬‬
‫قال تعاىل‪﴿ :‬حرمت عليكم أمهاتكم ‪...‬وأمهاتكم الاليت أرضعنكم﴾‬
‫حديث ابن عباس‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال يف بنت محزة‪« :‬ال ُتل يل‪ ،‬حيرم‬
‫من الرضاع ما حيرم من النسب‪ ،‬هي بنت أخي من الرضاعة» البخاري‬
‫وعن عائشة‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إن الرضاعة ُترم ما حيرم من الوالدة»‬
‫البخاري‬

‫‪58‬‬
‫هذه النصوص الثالثة ‪ -‬اآلية واحلديثني‪ -‬جاءت مطلقة ؛ ألهنا مل تبني عدد الرضاعات‬
‫املحرمات‪.‬‬
‫لكن جاء حديث عائشة‪ ،‬أهنا قالت‪« :‬كان فيام أنزل من القرآن عرش رضعات معلومات‬
‫حيرمن‪ ،‬ثم نسخن بخمس معلومات‪ ،‬فتويف رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم وهن فيام يقرأ من‬
‫القرآن» مسلم‬
‫حديث عائشة األخري مقيد‪.‬‬
‫تلك النصوص مجيعها‪:‬‬
‫اُتد سببها ‪-‬موجبها‪ ،-‬وهو‪ :‬الرضاع‪.‬‬
‫واُتد حكمها‪ ،‬وهو‪ُ :‬تريم ما كان من الرضاعة‪.‬‬
‫ومجيعها مثبت‪ ،‬ليس منفي‪.‬‬
‫اجلمهور‪:‬‬
‫قالوا بتقييد املطلق‪ ،‬وعىل ذلك ال حيرم الرضاع بأقل من مخس رضاعات معلومات‪.‬‬
‫األحناف‪:‬‬
‫مل يقولوا بحمل املطلق عىل املقيد لعدم تكافئ األدلة‪ ،‬اآلية قطعية الثبوت‪ ،‬واحلديثان‬
‫املطلقان من قبيل املتواتر‪ ،‬بخالف حديث عائشة األخري املقيد‪ ،‬فإنه آحاد‪ ،‬وعندهم‬
‫اآلحاد‬
‫ال يقيد املطلق القطعي الثبوت واملتواتر‪ ،‬وعىل ذلك األحناف قالوا بأن الرضاع قليله‬
‫وكثريه يقع به التحريم‪ ،‬ولو مصة واحدة‪ ،‬وأخذ هبذا القول بعض املالكية أيضا‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫اّتاد احلكم والسبب مع النفي‪:‬‬
‫حكم تقييد املطلق يف هذه الصورة‪:‬‬

‫‪59‬‬
‫اختلف اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة‪ ،‬اجلمهور قالوا‬
‫بحمل املطلق عىل املقيد‪ ،‬واألحناف قالوا ال حيمل‪.‬‬
‫مثال عىل هذه الصورة‪:‬‬
‫هذه الصورة ليس هلا شاهد‪ ،‬ال يف القرآن‪ ،‬وال يف السنة‪ ،‬ولكن يرضبون هلا مثال‬
‫بقوهلم‪«:‬ال تعتق مكاتبا»‪ ،‬ثم يقولون‪« :‬ال تعتق مكاتباكافرا»‪.‬‬
‫حكمهام واحد‪ ،‬وهو‪ :‬العتق‪ ،‬وكالمها منفي‪.‬‬
‫وأحدمها مطلق‪ ،‬والثاين مقيد‪.‬‬
‫«ال تعتق مكاتبا»‪ :‬هذا النص له منطوق مطلق‪.‬‬
‫«ال تعتق مكاتبا كافرا»‪ :‬وهذا النص‪:‬‬
‫له منطوق‪ -:‬ال تعتق مكاتبا كافرا‪-‬‬
‫وله مفهوم ‪ -‬اعتق مكاتبا مسلام‪-‬‬
‫األحناف‪:‬‬
‫قالوا املفهوم ال يمكن أن يقيد املنطوق؛ لعدم تكافئهام يف احلجية ويف الداللة‪ ،‬ألن داللة‬
‫املنطوق أقوى من داللة املفهوم‪.‬‬
‫اجلمهور‪:‬‬
‫قالوا بإمكان تقييد املنطوق بمفهوم املخالفة‪ ،‬فمنطوق النص األول «ال تعتق مكاتبا»‬
‫يقيده مفهوم النص اآلخر ‪ -‬اعتقد مكاتبا مسلام‪.-‬‬
‫تنبيه‬
‫تقييد املطلق بداللة املفهوم ال يقول به كل اجلمهور‪ ،‬كام أن الكثري من األصوليني‬
‫يقولون بأن هذا ليس من قبيل املطلق واملقيد‪ ،‬وإنام هو من قبيل العام واخلاص‪ ،‬ألن احلكامن‬
‫‪ -‬العتق‪ -‬مل يدخل عليهام النفي‪ ،‬وإنام دخل عليهام النهي‪ ،‬والنكرة إذا دخل عليها النهي‬
‫أفادت العموم‪ ،‬وال تفيد اإلطالق‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫اّتاد السبب واحلكم مع التغاير‪:‬‬
‫اختلف اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة‪ ،‬اجلمهور يقولون‬
‫بتقيد املطلق باملقيد‪ ،‬واألحناف ال يقولون به‪.‬‬
‫مثال عىل هذه الصورة‪:‬‬
‫هذه الصورة أيضا ليس هلا شواهد يف القرآن وال يف السنة‪ ،‬ولكن يرضبون هلا مثال‬
‫بقوهلم مثال‪« :‬اعتق مكاتبا»‪ ،‬ثم يقولون‪« :‬ال تعتق مكاتبا كافرا»‪.‬‬
‫اختالف احلكم والسبب‪ ،‬وله ثالث صور‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫اّتاد احلكم واختالف السبب‪:‬‬
‫حكم محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة‪:‬‬
‫اختلف اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة‪ ،‬اجلمهور قالوا‬
‫بتقيد املطلق باملقيد‪ ،‬واألحناف قالوا ال‪.‬‬
‫مثال عىل هذه الصورة‪:‬‬
‫كفارة القتل اخلطأ‪﴿ :‬ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة﴾‬
‫كفارة اليمني‪﴿:‬ال يواخذكم اهلل باللغو يف أيامنكم ‪ ...‬أو ُترير رقبة﴾‬
‫كفارة الظهار‪...﴿:‬ثم يعودون ملا قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتامسا﴾‬
‫الرقبة‪ :‬يف كفارة الظهار واليمني جاءت مطلقة‪ ،‬ويف كفارة القتل اخلطأ جاءت مقيدة‬
‫بمؤمنة‪.‬‬
‫هذه اآليات اُتدت يف احلكم‪ ،‬وهو عتق الرقبة‪ .‬واختلفت يف السبب ‪-‬املوجب‪ ،-‬القتل‬
‫اخلطأ‪ ،‬الظهار‪ ،‬احلنث‪.‬‬
‫اجلمهور‪:‬‬

‫‪61‬‬
‫محلوا املطلق عىل املقيد‪ ،‬فعىل ذلك يشرتط يف مجيع الكفارات أن تكون الرقبة املحررة‬
‫مؤمنة‪.‬‬
‫األحناف‪:‬‬
‫مل يقيدوا املطلق‪ ،‬وعىل ذلك ال يشرتط إيامن الرقبة املحررة إال يف كفارة القتل اخلطأ‪.‬‬

‫ثانيا‪:‬‬
‫اّتاد السبب واختالف احلكم‪:‬‬
‫حكم تقييد املطلق يف هذه الصورة‪:‬‬
‫اتفق اجلمهور واألحناف عىل عدم جواز محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة‪.‬‬
‫مثال هذه الصورة‪:‬‬
‫غسل اليد يف الوضوء‪ ،‬ومسحها يف التيمم‪.‬‬
‫قوله تعاىل‪﴿ :‬فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق﴾‬
‫وقوله تعاىل‪﴿ :‬فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾‬
‫اليد‪:‬‬
‫يف آية التيمم جاءت مطلقة‬
‫يف آية الوضوء جاءت مقيدة‪.‬‬
‫هاته اآليتني‪:‬‬
‫اُتدتا يف السبب ‪-‬املوجب‪ ،-‬رفع احلدث‪.‬‬
‫واختلفتا يف احلكم‪ ،‬الغسل واملسح‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫اختالف السبب واحلكم‪:‬‬
‫حكم تقيد املطلق يف هذه الصورة‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫اتفق اجلمهور واألحناف‪ ،‬وأمجع العلامء عىل عدم جواز محل املطلق عىل املقيد يف هذه‬
‫الصورة‪.‬‬
‫مثال هذه الصورة‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪﴿:‬السارق والسارقة فاقطعوا أيدّيام﴾‬
‫وقوله تعاىل‪﴿:‬فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق﴾‬
‫اليد‪:‬‬
‫يف آية حد السارق جاءت مطلقة‪.‬‬
‫يف آية الوضوء جاءت مقيدة باملرافق‪.‬‬
‫وهاتني اآليتني‪:‬‬
‫اختلفتا يف السبب ‪ -‬املوجب‪ :-‬سبب احدامها الرسقة‪ ،‬واألخرى رفع احلدث‪.‬‬
‫واختلفتا يف احلكم‪ :‬احدامها جاء فيها األمر بالقطع‪ ،‬واألخرى جاء فيها األمر‬
‫بالغسل‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫اجلمع بحمل الوجوب عىل الندب صورته‪:‬‬
‫يتعارض نصان‪ ،‬ظاهر أحدمها الوجوب‪ ،‬واآلخر عدمه‪ ،‬فيحمل األمر عىل‬
‫االستحباب ‪ -‬مندوب‪.-‬‬
‫مثال اجلمع بحمل الوجوب عىل الندب‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬من غســـــل ميتا‬
‫فليغتسل‪ ،‬ومن محلـــــه فليتوضأ» أمحد‬
‫وحديث ابن عباس‪ ،‬أن رسول صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬ليس عليكم يف غســـــل‬
‫ميتكم غسل إذا غسلتموه‪ ،‬فإن ميتكم ليس بنجس‪ ،‬فحسبكم أن تغسلوا أيديكم» املستدرك‬
‫للحاكم‬

‫‪63‬‬
‫محل األمر عىل االستحباب‪ ،‬وهذا عىل القول بصحة احلديث‪.‬‬

‫رابعا‪:‬‬
‫اجلمع بحمل التحريم عىل الكراهة‬
‫صورته‪:‬‬
‫أن يتعارض نصان‪ ،‬أحدمها ظاهره التحريم‪ ،‬واآلخر ظاهره الداللة عىل عدمه‪ ،‬فيحمل‬
‫النهي عىل الكراهة التنزّيية‪.‬‬
‫مثال اجلمع بحمل التحريم عىل الكراهة‬
‫حديث ابن عباس‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪«:‬وأنا أهنى أمتي عن الكي»‬
‫البخاري‬
‫وحديث أنس‪« ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة» ابن‬
‫حبان‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫حديث احلكم بن األقرع‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم «هنى أن يتوضأ الرجل بفضل‬
‫طهور املرأة» أبو داود‬
‫حديث ابن عباس‪« ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم كان يتوضأ بفضل ميمونة» ابن‬
‫خزيمة‪.‬‬
‫فحمل هني النبي صىل اهلل عليه وسلم يف كال املثالني عىل الكراهة التنزّيية‪.‬‬
‫خامسا‪:‬‬
‫اجلمع باألخذ بالزيادة‬
‫صورته‪:‬‬

‫‪64‬‬
‫أن يرد نصان متوافقان يف احلكم‪،‬إال أن أحدمها زائد عن اآلخر يف احلكم‪ ،‬فيؤخذ‬
‫بالزيادة‪.‬‬
‫مثال اجلمع باألخذ بالزيادة‬
‫حديث عبد اهلل بن عمر‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪«:‬من اقتنى كلبا‪ ،‬إال كلب‬
‫صيد‪ ،‬أو ماشية‪ ،‬نقص من أجره كل يوم قرياطان» مسلم‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬من اّتذ كلبا إال كلب ماشية‪ ،‬أو‬
‫صيد‪ ،‬أو زرع‪ ،‬انتقص من أجره كل يوم قرياط» مسلم‬
‫حديث أيب هريرة فيه زيادة زرع‪ ،‬فيجمع بني النصني باألخذ بالزيادة‪.‬‬
‫سادسا‪:‬‬
‫اجلمع بتغاير األحوال‬
‫صورته‪:‬‬
‫أن يتعارض نصان‪ ،‬فيجمع بينهام بحمل أحدمها عىل حال‪ ،‬واآلخر عىل حال أخرى‪.‬‬
‫مثال اجلمع بتغاير األحوال‬
‫حديث عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬أن امرأة قالت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن ابني هذا كان بطني له وعاء‪،‬‬
‫وثديي له سقاء‪ ،‬وحجري له حواء‪ ،‬وإن أباه طلقني‪ ،‬وأراد أن ينتزعه مني‪ ،‬فقال هلا رسول اهلل‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬أنت أحق به ما مل تنكحي» أبو داود‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬إن امرأة جاءت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقالت‪ :‬فداك‬
‫أيب وأمي‪ ،‬إن زوجي يريد أن يذهب بابني‪ ،‬وقد نفعني وسقاين من بئر أيب عنبة‪ ،‬فجاء زوجها‬
‫وقال‪ :‬من خياصمني يف ابني؟ فقال‪« :‬يا غالم‪ ،‬هذا أبوك‪ ،‬وهذه أمك‪ ،‬فخذ بيد أّيام شئت»‪،‬‬
‫فأخذ بيد أمه‪ ،‬فانطلقت به‪ .‬سنن النسائي‪.‬‬
‫توجيه العلامء للحديثني‪:‬‬

‫‪65‬‬
‫العلامء قالوا باجلمع بينهام بتغاير األحوال‪ ،‬فحملوا أحدمها عىل حال‪ ،‬واآلخر عىل حال‬
‫أخرى‪ ،‬فقيل أن األصل يف احلضانة أن تبقى لألم‪ ،‬والتخيري محلوه عىل استغناء الطفل عن أمه‪،‬‬
‫أو عىل بلوغه سن التمييز‪.‬‬

‫سابعا‪:‬‬
‫اجلمع بحمل احلقيقة عىل املجاز‬
‫صورته‪ :‬أن يتعارض نصان‪ ،‬أحدمها ظاهره املجاز‪ ،‬واآلخر ظاهره احلقيقة‪ ،‬فتحمل‬
‫احلقيقة عىل املجاز‪.‬‬
‫مثال اجلمع بحمل احلقيقة عىل املجاز‬
‫حديث جابر بن عبد اهلل‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ليس عىل اخلائن قطع» أبو داود‬
‫وحديث عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬كانت امرأة ُمزومية تستعري املتاع وجتحده‪« ،‬فأمر النبي ﷺ أن‬
‫تقطع يدها» مسلم‬
‫اخلائن‪ :‬هو الذي جيحد العارية‪ ،‬أي يستلف الّشء ثم ينكره وجيحده‪.‬‬
‫توجيه العلامء للحديثني‪:‬‬
‫وجه العلامء ذلك بأن قول عائشة‪« :‬وجتحده» خرج ُمرج الوصف‪ ،‬وليس ُمرج‬
‫التعليل‪ ،‬فكام وصفتها باملخزومية وصفتها أيضا بأهنا كانت جتحد املتاع‪ ،‬وأما أمر النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم بقطع يدها فإنه كان بسبب رسقتها‪ ،‬ال بسبب جحدها‪.‬‬
‫ودليل ذلك‪:‬‬
‫حديث جابر‪ ،‬أن امرأة من بني ُمزوم رسقت ‪،‬فأيت هبا النبي صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫فعاذت بأم سلمة زوج النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬واهلل لو‬
‫كانت فاطمة لقطعت يدها»‪ ،‬فقطعت‪ .‬مسلم‬
‫توجيه آخر‪ - :‬ضعيف‪-‬‬

‫‪66‬‬
‫قيل أن قول عائشة «وجتحده» معناه ترسقه‪ ،‬وإن كان هذا التوجيه فيه ضعف‪.‬‬

‫ثامنا‪:‬‬
‫اجلمع بالتخيري‬
‫حديث عبد اهلل بن مسعود‪ ،‬قال‪« :‬وقد رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أكثر ما‬
‫ينرصف عن شامله» أبو داود‬
‫حديث أنس بن مالك‪ ،‬قال‪« :‬أما أنا فأكثر ما رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬
‫ينرصف عن يمينه» مسلم‬
‫كال الصحابيان قال بام ظنه األكثر‪ ،‬فاملصيل ُمري بني االنرصاف عن يمينه أو عن يساره‪.‬‬
‫مسلك النسخ‬
‫النسخ لغة‪ :‬يطلق ويراد به أمران اثنان‪:‬‬
‫‪ 1‬النقل والتحويل‪.‬‬
‫‪ 2‬اإلزالة‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫رفع كيل حلكم دليل رشعي‪ ،‬أو لفظه‪ ،‬بدليل رشعي مرتاخ عنه‪.‬‬
‫[أو لفظه]‪ :‬أحيانا يرفع اللفظ‪ ،‬ويبقى احلكم‪ ،‬كاملنسوخ تالوة ‪ -‬القرآن‪ -‬مع بقاء‬
‫احلكم‪:‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫‪﴿ Ⅰ‬الشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجومها البتة﴾ رفعت تالوته ولفظه‪ ،‬وبقي حكمه‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬حديث عائشة‪ ،‬أهنا قالت‪« :‬كان فيام أنزل من القرآن عرش رضعات معلومات‬
‫حيرمن‪ ،‬ثم نسخن بخمس معلومات‪ ،‬فتويف رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وهن فيام يقرأ‬
‫من القرآن» مسلم‬

‫‪67‬‬
‫يعني مات النبي صىل اهلل عليه وسلم ومن املسلمني من كان يقرأها عىل أهنا قرآن‪ ،‬إال‬
‫أهنا يف الواقع منسوخة‪.‬‬
‫[بدليل رشعي]‪ :‬خيرج الدليل العقيل‪.‬‬
‫الفرق بني النسخ والتخصيص‪.‬‬
‫التخصيص‬
‫▪ رفع جزئي للحكم؛ ألنه يرفع احلكم عن بعـــض األفراد دون بعـــــض‪ ،‬فال يعمل‬
‫به يف أفراد معينني‪ ،‬ويعمل به يف باقي األفراد‪.‬‬
‫▪ يكون يف الدليل العام فقط‪.‬‬
‫▪ هو بيان للمراد بالعام‪.‬‬
‫النسخ‪:‬‬
‫▪ رفع كيل للحكم‪ ،‬ألنه يرفع احلكم عن مجيع األفراد‪ ،‬فال يعمل به أبدا‪.‬‬
‫▪ يكون يف كال الدليلني العام واخلاص‪.‬‬
‫▪ هو رفع حلكم الدليل‪،‬أو لفظه؛ سواء كانا عامني أو خاصني‪.‬‬
‫رشوط النسخ‪:‬‬
‫‪ 1‬رشوط ترجع إىل احلكم املنسوخ‪.‬‬
‫‪ 2‬رشوط ترجع إىل الدليل الناسخ‪.‬‬
‫‪ 3‬رشوط ترجع إىل العالقة بينهام‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫رشوط ترجع إىل احلكم املنسوخ‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬البد أن يكون حكام رشعيا‪ ،‬ليس عقليا‪.‬‬
‫مثال احلكم العقيل‪:‬‬

‫‪68‬‬
‫جميء التكليف بعد الرباءة األصلية ال يعترب نسخا‪ ،‬ألن الرباءة األصلية دليل عقيل‪ ،‬فإذا‬
‫جاء حكم حيكم بحرمة شء أو بنجاسته فإنه ال يعترب نسخا؛ ألنه رفع الرباءة األصلية‪ ،‬التي‬
‫هي حكم عقيل‪ ،‬وليست حكام رشعيا‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬البد أن يكون مما جيوز نسخه‪ ،‬كاألحكام‪.‬‬
‫مما ال جيوز نسخه‪ :‬األخبار‪.‬‬
‫األحكام املؤبدة؛ كـ ُتريم زوجات النبي ﷺ‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫رشوط ترجع إىل الدليل الناسخ‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬أن يكون صحيحا ‪ -‬مقبوال‪.-‬‬
‫‪ Ⅱ‬أن يكون متأخرا‪.‬‬
‫‪ Ⅲ‬أن يكون مرتاخيا عن الدليل املنسوخ‪.‬‬
‫أما إن كان مقرتنا به فإنه ال يعترب ناسخا‪ ،‬وإنام يعترب ُمصصا‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫رشط يرجع إىل العالقة بني الناسخ واملنسوخ‪:‬‬
‫اجلمهور يشرتطون تعذر اجلمع بني املتعارضني حتى يصار إىل النسخ‪.‬‬
‫طرق معرفة النسخ‬
‫إجياد الدليل الناسخ له طرق عدة متفاوتة يف القوة‪:‬‬
‫‪ 1‬تنصيص النبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫‪ 2‬ترصيح الصحايب‪.‬‬
‫‪ 3‬معرفة التاريخ‪.‬‬
‫‪ 4‬تأخر اسالم الراوي‪.‬‬
‫‪ 5‬اإلمجاع‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫تنصيص النبي ﷺ‪ ،‬وهو أقواها‪:‬‬
‫حديث بريدة‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬هنيتكم عن زيارة القبور‪،‬‬
‫فزوروها‪ ،‬وهنيتكم عن حلوم األضاحي فوق ثالث‪ ،‬فأمسكوا ما بدا لكم‪ ،‬وهنيتكم عن النبيذ‬
‫إال يف سقاء‪ ،‬فارشبوا يف األسقية كلها‪ ،‬وال ترشبوا مسكرا» مسلم‬
‫حديث سربة اجلهني‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬يا أّيا الناس‪ ،‬إين قد‬
‫كنت أذنت لكم يف االستمتاع من النساء‪ ،‬وإن اهلل قد حرم ذلك إىل يوم القيامة‪ ،‬فمن كان‬
‫عنده منهن شء فليخل سبيله‪ ،‬وال تأخذوا مما آتيتموهن شيئا»مسلم‬
‫حديث ابن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬كنا نسلم عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم فريد علينا السالم‬
‫حتى قدمنا من أرض احلبشة‪ ،‬فسلمت عليه‪ ،‬فلم يرد عيل‪ ،‬فأخذين ما قرب وما بعد فجلست‬
‫حتى إذا قىض الصالة‪ ،‬قال‪« :‬إن اهلل عز وجل حيدث من أمره ما يشاء‪ ،‬وإنه قد أحدث من‬
‫أمره أن ال يتكلم يف الصالة» النسائي‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫ترصيح الصحايب‪:‬‬
‫حديث جابر‪ ،‬قال‪« :‬كان آخر األمرين من رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ترك الوضوء‬
‫مما غريت النار» أبو داود‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫معرفة التاريخ‪ ،‬وهو كثري‪.‬‬
‫حديث شداد بن أوس‪ ،‬أنه كان آخذا بيد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم زمن الفتح‬
‫فمر برجل حيتجم يف رمضان‪ ،‬فقال‪« :‬أفطر احلاجم واملحجوم» الكربى للنسائي‬
‫حديث ابن عباس‪« ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم احتجم وهو حمرم‪ ،‬واحتجم وهو‬
‫صائم» البخاري‬

‫‪70‬‬
‫مالحظة‬
‫عام الفتح كان سنة ثامن للهجرة‪.‬‬
‫حديث ابن عباس كان يف حجة الوداع‪ ،‬التي كانت عرش للهجرة‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫من أكثر مظان معرفة التواريخ هو معرفة سبب الورود‪.‬‬
‫رابعا‪:‬‬
‫تأخر اسالم الراوي‪:‬‬
‫وذلك يكون برشوط وقرائن‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬الترصيح بسامعه احلديث من النبي ﷺ حتى يتيقن أنه مل يسمعه من صحايب آخر‬
‫أقدم من املعارض له‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬أن يكون مل يتحمل من النبي صىل اهلل عليه وسلم شيئا قبل إسالمه‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫هذه الطريقة مل يتفق العلامء عىل األخذ هبا‪.‬‬
‫خامسا‪:‬‬
‫اإلجـمــــــــــــــــــــــاع‪:‬‬
‫اإلمجاع ال ينسخ وال ينسخ‪ ،‬ولكن يدل عىل النسخ‪.‬‬
‫مثال ذلك‪:‬‬
‫حديث جابر بن عبد اهلل‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إن من رشب اخلمر‬
‫فاجلدوه‪ ،‬فإن عاد يف الرابعة فاقتلوه»‪ ،‬قال‪ :‬ثم أيت النبي صىل اهلل عليه وسلم بعد ذلك برجل‬
‫قد رشب اخلمر يف الرابعة فرضبه ومل يقتله‪.‬‬
‫قال قبيصة بن ذؤيب‪ ،‬وهو ممن رووا ذلك احلديث عن النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ :‬فرفع‬
‫القتل‪ ،‬وكانت رخصة‪ .‬سنن الرتمذي‬

‫‪71‬‬
‫قال االمام الشافعي‪« :‬والقتل منسوخ هبذا احلديث وغريه‪ ،‬وهذا مما ال اختالف فيه»‬
‫األم قال ابن املنذر‪...« :‬فإن تكرر ذلك أربعا قتل‪ ،‬ثم نسخ ذلك باألخبار الثابتة وبإمجاع أهل‬
‫العلم‪ ،‬إال من شذ ممن ال يعد خالفه خالفا» فتح الباري البن حجر‬
‫صور أو حاالت النسخ‬
‫‪ 1‬نسخ السنة للقرآن‪.‬‬
‫‪ 2‬نسخ السنة للسنة‪:‬‬
‫‪ 3‬نسخ القرآن للسنة‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫نسخ السنة للقرآن‪:‬‬

‫أوال‪:‬‬
‫نسخ السنة املتواترة للقرآن‪:‬‬
‫حقيقة هذا النوع من النسخ‪:‬‬
‫ذهب جل املحدثني واألصوليني إىل أن هذا النوع جتويز عقيل‪ ،‬ال حقيقة له يف الواقع‪،‬‬
‫فال مثال للسنة املتواترة التي نسخت القرآن‪.‬‬
‫حكم نسخ السنة املتواترة للسنة‪:‬‬
‫املذهب األول‪:‬‬
‫جواز نسخ السنة املتواترة للقرآن الكريم‪ ،‬وهو قول مجهور األصوليني واملحدثني‪،‬‬
‫واملتكلمني‪ ،‬وهو قول مالك‪.‬‬
‫من أبرز أدلة هذا املذهب‪:‬‬
‫أن املتواتر قد استوى مع القرآن يف أمرين‪:‬‬
‫‪ 1‬كالمها وحي‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ 2‬كالمها قطعي الثبوت‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫ال جيوز عقال وال رشعا نسخ القرآن باملتواتر من السنة‪ ،‬وهو قول اإلمام الشافعي‪،‬‬
‫ورواية عن اإلمام أمحد‪ ،‬وهو قول أهل الظاهر‪.‬‬
‫من أدلتهم‪:‬‬
‫استدلوا هبذه اآلية من وجهني‪:‬‬
‫قوله تعاىل‪﴿:‬ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخري منها أو مثلها أمل تعلم أن اهلل عىل كل‬
‫شءقدير﴾‪ .‬البقرة‬
‫‪ Ⅰ‬اهلل تعاىل قال‪﴿ :‬نأت بخري منها﴾‪ ،‬والسنة ليست خري من القرآن‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬اهلل تعاىل نسب اإلتيان بالناسخ إليه بقوله‪﴿ :‬نأت بخري منها﴾‪ ،‬والسنة قول النبي‬
‫ﷺ‪ ،‬وبعد ذلك قال اهلل تعاىل ‪﴿:‬أمل تعلم بأن اهلل عىل كل شء قدير‪ ،‬أمل تعلم أن اهلل له ملك‬
‫الساموات واألرض﴾‪ ،‬فالذي يأيت باآلية الناسخة هو الذي يملك الساموات واألرض‪ ،‬وهذا‬
‫ليس للنبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫ورد عليهم بردود‪ ،‬نكتفي برد أو ردين‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬قوهلم بأن السنة ليس خري من القرآن‪:‬‬
‫رد عليهم بأن اخلريية ليست مقصورة فقط عىل األلفاظ؛ سواء ألفاظ القرآن أو السنة‪،‬‬
‫وإنام تتعدى إىل احلكم‪ ،‬كأن حيلل شء مثال‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬استدالهلم بأن اهلل تعاىل نسب اإلتيان بالناسخ إليه‪.‬‬
‫رد عليهم بأن سنة النبي صىل اهلل عليه وسلم وحي‪ ،‬فالناسخ من اهلل؛ بالقرآن كان أو‬
‫بالسنة‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫نسخ السنة اآلحاد للقرآن‪:‬‬
‫حقيقة هذا النوع من النسخ‪:‬‬
‫هذا النوع من النسخ موجود حقيقة‪ ،‬وليس جمرد جتويز عقيل‪.‬‬
‫مثال نسخ السنة اآلحاد للقرآن‪:‬‬
‫حديث أنس بن مالك‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬إن اهلل قــــــد‬
‫أعطـــى كل ذي حـــق حقه‪ ،‬أال ال وصية لوارث» ابن ماجه‬
‫هذا حديث آحاد‪ ،‬نسخ قول اهلل عز وجل‪﴿ :‬إذا حرض أحدكم املوت إن ترك خريا‬
‫الوصية للوالدين واألقربني باملعروف﴾‪.‬‬
‫استشكلت شيئا‪ :‬أرى أن تلك اآلية نسخت بآية أخرى‪ ،‬ومل تنسخ بالسنة‪ ،‬ودليل ذلك‪:‬‬
‫قال البخاري‪ :‬باب‪ :‬ال وصية لوارث‪ ،‬ثم أورد حديث ابن عباس‪ ،‬قال‪« :‬كان املال‬
‫للولد‪ ،‬وكانت الوصية للوالدين‪ ،‬فنسخ اهلل من ذلك ما أحب‪ ،‬فجعل للذكر مثل حظ‬
‫األنثيني‪ ،‬وجعل لألبوين لكل واحد منهام السدس‪»...،‬‬
‫حكم نسخ السنة اآلحاد للقرآن‪:‬‬
‫القول األول‪:‬‬
‫ذهب مجع من األصوليني واملحدثني إىل جواز نسخ اآلحاد من السنة للقرآن الكريم‪.‬‬
‫واستدلوا عىل ذلك بأن السنة وحي‪ ،‬فكام تستقل بالترشيع فهي أيضا تقوى عىل النسخ‪.‬‬
‫القول الثاين‪:‬‬
‫اآلحاد ال ينسخ القرآن‪ ،‬لكون القرآن قطعي واآلحاد ظني‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫نسخ السنة للسنة‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫نسخ السنة املتواترة للسنة املتواترة‪.‬‬
‫حقيقة هذا النوع من النسخ‪:‬‬
‫هذا النوع من النسخ ال حقيقة له يف الواقع‪ ،‬فال مثال لنسخ السنة املتواتر للسنة املتواترة‪،‬‬
‫وإنام هو جتويز عقيل؟‬
‫حكمه‪ :‬اجلمهور قالوا بتجويزه وجعل لألبوين لكل واحد منهام السدس‪»...،‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫نسخ السنة اآلحاد للسنة املتواترة‪.‬‬
‫حديث عبد اهلل بن عمر‪ ،‬قال‪ :‬بينا الناس يصلون الصبح يف مسجد قباء إذ جاء جاء‪،‬‬
‫فقال‪« :‬أنزل اهلل عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم قرآنا أن يستقبل الكعبة‪ ،‬فاستقبلوها‪ ،‬فتوجهوا‬
‫إىل الكعبة» البخاري‬
‫استقباهلم للشام كان سنة فعلية متواترة‪ ،‬ثم نسخ بخرب الواحد‪.‬‬
‫تنبيه من أهل العلم من نازع يف ذلك املثال‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫نسخ السنة املتواترة للسنة اآلحاد‪.‬‬
‫هذا النوع من النسخ جرى فيه شبه اتفاق بني القائلني بالنسخ‪.‬‬
‫رابعا‪:‬‬
‫نسخ السنة اآلحاد للسنة اآلحاد ‪.‬‬
‫هذا النوع من النسخ موجود‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬‬
‫نسخ القرآن للسنة‬
‫أوال‪:‬‬

‫‪75‬‬
‫نسخ القرآن للسنة املتواترة‪:‬‬
‫حكم نسخ القرآن للسنة املتواترة‪:‬‬
‫ذهب مجهور القائلني بالنسخ إن مل يكن كلهم إىل جواز نسخ القرآن للمتواتر من السنة‪.‬‬
‫مثال نسخ القرآن للسنة املتواترة ‪:‬‬
‫نسخ السنة الفعلية املتواترة يف استقبال بيت املقدس ‪-‬القبلة‪ -‬بقوله تعاىل‪﴿ :‬قد نرى‬
‫تقلب وجهك يف السامء فول وجهك شطر املسجد احلرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم‬
‫شطره﴾‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫نسخ القرآن للسنة اآلحاد‪:‬‬
‫هل القرآن ينسخ اآلحاد؟‬
‫هل يوجد له نظائر؟‬
‫مسلك الرتجيح‬
‫الرتجيح لغة‪ :‬يطلق ويراد به‪:‬‬
‫التثقيل‪ ،‬التقوية‪ ،‬التفضيل‪ ،‬رجحان امليزان‪.‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬الزركّش يف كتابه البحر املحيط‪ ،‬قال‪ :‬تقوية إحدى اإلمارتني عىل األخرى بام ليس‬
‫ظاهرا ‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬اآلمدي يف كتابه اإلحكام‪ ،‬قال‪ :‬أما الرتجيح‪ :‬فعبارة عن اقرتان أحد الصاحلني‬
‫للداللة عىل املطلوب‪ ،‬مع تعارضهام بام يوجب العمل به وإمهال اآلخر‪.‬‬
‫رشوط الرتجيح‬
‫‪ Ⅰ‬صحة الدليلني‪ .‬استواء الدليلني يف احلجية‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬أن ال يكون بني دليلني قطعيني ‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫ألن األدلة القطيعة داللة وثبوتا ال يمكن أن تتعارض حقيقة‪ ،‬وإنام تتعارض ظاهرا‪.‬‬
‫‪Ⅲ‬أن ال يكون إال بعد تعذر اجلمع ‪.‬‬
‫هذا الرشط خاص باجلمهور غري األحناف ‪،‬ألن األحناف يقدمون الرتجيح عىل‬
‫اجلمع‪.‬‬
‫مسالك الرتجيح‪:‬‬
‫أبرز الكتب التي تناولت مسالك الرتجيح‬
‫أوال‪:‬‬
‫احلازمي يف كتابه االعتبار يف الناسخ واملنسوخ‬
‫من اآلثار‪ ،‬تناول مخسني وجها من أوجه الرتجيح‪ ،‬ثم قال‪« :‬وثم وجوه كثرية أرضبنا‬
‫عن ذكرها كي ال يطول به هذا املخترص‪».‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫احلافظ العراقي يف كتابه التقييد واإليضاح‪ ،‬قال‪ :‬ووجوه الرتجيحات تزيد عىل املائة»‪،‬‬
‫ثم عد ُمترصا عرش ومائة وجه من أوجه الرتجيح‪ ،‬ثم قال‪« :‬وثم وجوه أخر للرتجيح‪».‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫السيوطي يف كتابه تدريب الراوي‪ ،‬بعد عده جلملة من املرجحات‪ ،‬قال‪« :‬فهذه أكثر من‬
‫مائة مرجـــــح‪ ،‬وثم مرجحات أخـــــر ال تنحرص‪ ،‬ومثارها غلبة الظن»‬
‫قال السيوطي‪ :‬وقد رأيتها ‪ -‬املرجحات‪ -‬منقسمة إىل سبعة أقسام‬
‫‪ 1‬الرتجيح بحال الراوي‪ ،‬وذلك بوجوه‪ :‬ذكر فيه أربعني وجها‪.‬‬
‫‪ 2‬الرتجيح بالتحمل‪ ،‬وذلك بوجوه‪ :‬وذكر فيه ثالثة وجوه‪.‬‬
‫‪ 3‬الرتجيح بكيفية الرواية‪ ،‬وذلك بوجوه‪:‬ذكر عرشة وجوه‪.‬‬
‫‪ 4‬الرتجيح بوقت الورود‪ ،‬وذلك بوجوه ‪:‬وذكر ستة وجوه‪.‬‬
‫‪ 5‬الرتجيح بلفظ اخلرب‪ ،‬وذلك بوجوه‪ :‬ذكر فيه مخسة وثالثون وجها‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ 6‬الرتجيح باحلكم‪ ،‬وذلك بوجوه‪ :‬وذكر أربعة وجوه‪.‬‬
‫‪ 7‬الرتجيح بأمر خارجي‪.‬‬
‫خامسا‪:‬‬
‫مجال الدين القاسمي يف قواعد التحديث قسمها إىل أربعة أقسام‪ ،‬قال‪« :‬والرتجيح قد‬
‫يكون باعتبار اإلسناد‪ ،‬وباعتبار املتن‪ ،‬وباعتبار املدلول‪ ،‬وباعتبار أمر خارج‪ ،‬فهذه أربعة‬
‫أنواع»‪ ،‬ثم بدأ بذكر وجوه الرتجيح‪.‬‬
‫‪ 1‬وجوه الرتجيح باعتبار السند‪ :‬وذكر ثامنية عرش وجها‪.‬‬
‫‪ 2‬وجوه الرتجيح باعتبار املتن‪ :‬ذكر سبعة وجوه‪.‬‬
‫‪ 3‬وجوه الرتجيح باعتبار املدلول‪ :‬ذكر أربعة وجوه‪.‬‬
‫‪ 4‬وجوه الرتجيح باعتبار أمور خارجية‪ :‬ذكر سبعة أوجه‪.‬‬
‫نقسم وجوه الرتجيح إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ 1‬باعتبار السند‪:‬‬
‫‪ 2‬باعتبار املتن‪:‬‬
‫‪ 3‬باعتبار أمور خارجية‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح باعتبار السند‪:‬‬
‫الوجه األول‪:‬‬
‫الرتجيح برواية األكثر ‪.‬‬
‫يرجح احلديث األكثر رواية عن النبي ﷺ ‪.‬‬
‫اختالف اجلمهور واألحناف يف الرتجيح برواية األكثر ‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫مذهب اجلمهور ‪:‬‬
‫ذهب اجلمهور إىل الرتجيح بالكثرة‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫من أدلة هذا املذهب ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬من األدلة العقلية ‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬كثر الرواة تعني اجتامع ظني مع ظني فريتقي بذلك اخلرب ويتقوى‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬رواية األكثر تكون أدعى للتذكر واحلفظ‪.‬‬
‫‪Ⅲ‬رواية األكثر أبعد عن وقوع اخلطأ‪ .‬الكذب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من األدلة النقلية‪:‬‬
‫فعل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ثم فعل الصحابة‪ ،‬يف استنادهم إىل الكثرة يف تقوية‬
‫اخلرب‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫من أمثلة فعل النبي صىل اهلل عليه وسلم ‪:‬أكام يقول ذو اليدين؟»‬
‫كام جاء يف حديث أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬صىل بنا النبي صىل اهلل عليه وسلم الظهر ركعتني‪،‬‬
‫ثم سلم‪ ... ،‬ويف القوم يومئذ أبو بكر وعمر‪ ... ،‬ويف القوم رجل‪ ،‬كان رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وسلم يدعوه ذا اليدين‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أنسيت أم قرصت الصالة؟ فقال‪« :‬مل أنس‬
‫ومل تقرص»‪ ،‬فقال« ‪:‬أكام يقول ذو اليدين؟»‪ ،‬فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬فتقدم فصىل ما ترك‪ »...‬البخاري‬
‫فقوى النبي صىل اهلل عليه وسلم قول ذي اليدين بشهادة الصحابة رضوان اهلل عليهم‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫من أمثلة فعل الصحابة‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬حديث عروة‪ ،‬أن عمر نشد الناس‪ :‬من سمع النبي صىل اهلل عليه وسلم قىض يف‬
‫السقط؟ فقال املغرية‪ :‬أنا سمعته «قىض فيه بغرة عبد أو أمة» قال‪ :‬ائت من يشهد معك عىل‬
‫هذا‪ ،‬فقال حممد بن مسلمة‪ :‬أنا أشهد عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم بمثل هذا‪ .‬البخاري‬

‫‪79‬‬
‫‪ Ⅱ‬حديث رافع‪ ،‬قال‪ :‬كنت عند عمر‪ ،‬فقيل له‪ :‬إن زيد بن ثابت يفتي الناس يف‬
‫املسجد‪ ،‬يف الذي جيامع وال ينزل‪ ،-‬فقال ‪ -‬عمر‪ :-‬أعجل به‪....‬قال‪ :‬فجمع الناس‪ ،‬وأصفق‬
‫‪ -‬اتفق‪ -‬الناس عىل أن املاء ال يكون إال من املاء‪ ،‬إال رجلني»‪...‬أمحد‬
‫مجع عمر الناس ليقوي اخلرب‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫مذهب األحناف‪:‬‬
‫األحناف قالوا الكثرة ليست موجبة للتقوية ما مل تبلغ حد التواتر أو الشهرة‪.‬‬
‫من أدلة هذا املذهب‪:‬‬
‫قاسوا عىل الشهادة والفتوى‪ ،‬فقالوا الكثرة ال نعتربها يف الشهاد‪ ،‬فكيف نعتربها يف‬
‫الرواية!! زيادة عدد الشهود عىل االثنان أو األربعة ‪ -‬عىل حسب القضية‪ -‬ال يغري احلكم‪،‬‬
‫ولو شهد مائة‪.‬‬
‫ما رد به عىل األحناف‪:‬‬
‫رد عليهم بأن عدد الشهود ثابت بالنص‪ ،‬إما شاهدان أو أربعة ‪ -‬عىل حسب احلادثة‪-‬‬
‫‪.‬‬
‫فائدة‬
‫ملاذا شدد يف الشهادة ومل يشدد يف الرواية؟‬
‫شدد يف الشهادة باشرتاط شاهدين أو أربعة ‪-‬بحسب الواقعــــــــــة‪ ،-‬ألن دواعي‬
‫الكــــــذب واالختـــــالق والتزوير يف الشهادة أعظم منـــــه يف الروايــــــة‪ ،‬ألن‬
‫الشهادة تكون لواقعة حال‪ .‬واكتفي بروايـــــة الواحـــــــد‪ ،‬ألن األصل يف الرواية نقل‬
‫‪.‬‬ ‫خرب عـــام ال يتعلق بالــــراوي فقــــــــــط‪ ،‬وإنام لعمـــــوم األمــــة‬
‫مثال تعددت فيه مسالك دفع التعارض‪ ،‬وتعددت فيه وجوه الرتجيح‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫حديث برسة بنت صفوان‪ ،‬أهنا سمعت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يقول‪« :‬من مس‬
‫ذكره فليتوضأ» أبو داود‪.‬‬
‫حديث طلق بن عيل‪ ،‬قال‪ :‬قدمنا عىل نبي اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬فجاء رجل كأنه‬
‫بدوي‪ ،‬فقال‪ :‬يا نبي اهلل‪ ،‬ما ترى يف مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال‪« :‬هل هو إال مضغة‬
‫منه»‪ ،‬أو قال« ‪:‬بضعة منه» أبو داود‪.‬‬
‫توجيه احلديثني‪:‬‬
‫العلامء اختلفوا يف توجيه هاذين احلديثني عىل‬
‫ثالثة مسالك‪:‬‬
‫▪ مسلك الرتجيح‬
‫▪ مسلك النسخ‬
‫▪ مسلك اجلمــــع‬
‫أوال‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح ‪:‬‬
‫مالحظة‬
‫أحسن من تكلم يف وجوه ترجيح حديث برسة بنت صفوان عىل حديث طلق‪ ،‬هو‬
‫اإلمام بن القيم يف كتابه هتذيب السنن‪ ،‬وذكر ثامنية وجوه‪.‬‬
‫املذهب األول‪:‬‬
‫رجحوا حديث طلق بن عيل عىل حديث برسة بنت صفوان‪ ،‬وهو قول عيل وعبد اهلل‬
‫بن مسعود ريض اهلل عنهام‪.‬‬
‫املذهب الثاين‪:‬‬

‫‪81‬‬
‫رجحوا حديث برسة بنت صفوان عىل حديث طلق بن عيل‪ ،‬وذهب إىل هذا عبد اهلل بن‬
‫عمر‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪ ،‬وهو قول للاملكية‪ ،‬وإن كان املالكية هلم تفصيل يف املسألة‪ ،‬احلائل‬
‫وبدون حائل‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة بالسند‪:‬‬
‫الوجه األول‪ -:‬الرتجيح بكثرة الرواة‪-‬‬
‫حديث برسة شاركها يف روايته الكثري من الصحابة‪ ،‬منهم‪ :‬أبو هريرة‪ ،‬وعبد اهلل بن‬
‫عمر‪ ،‬وجابر بن عبد اهلل‪ ،‬وسعد بن أيب وقاص‪ ،‬وزيد بن خالد اجلهني‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وميمونة‪،‬‬
‫وأم سلمة‪ ،‬وأم حبيبة‪ ،‬وأروى بنت أنيس‪ ،‬وغريهم من الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم‪،‬‬
‫أما حديث طلق بن عيل‪ ،‬فإنه مل حيض هبذه املشاركة‪ ،‬وربام مل يروه أحد غريه‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ -:‬الرتجيح بقوة اإلسناد‪-‬‬
‫قيل بأن حديث برسة بنت صفوان أقوى سندا من حديث طلق بن عيل‪ ،‬رواة حديث‬
‫برسة احتج هبم البخاري ومسلم يف صحيحيهام‪ ،‬بخالف حديث طلق بن عيل‪ ،‬فإن الشيخني‬
‫مل حيتجا براو من رواته ‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪-:‬الرتجيــــح باألصــــح‪-‬‬
‫حديث برسة بنت صفوان متفق عىل صحته‪ ،‬بخالف حديث طلق بن عيل‪ ،‬فإن من أهل‬
‫العلم من ضعفه‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة باملتن‪:‬‬
‫الوجه األول ‪:‬ترجيح مامل خيتلف فيه عىل الراوي عىل ما اختلف فيه عليه‪.‬‬
‫قيل بأن حديث برسة بنت صفوان مل خيتلف عليها فيه‪ ،‬بخالف حديث طلق بن عيل‪،‬‬
‫فإنه اختلف عليه فيه‪ ،‬كام جاء يف املعجم الكبري للطرباين من طريق قيس بن طلق‪ ،‬عن أبيه ‪-‬‬

‫‪82‬‬
‫طلق‪ ،-‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪« :‬من مس ذكره فليتوضأ»‪ ،‬فهذا احلديث موافق‬
‫حلديث برسة بنت صفوان‪ ،‬وال شك يف أن هذا موهن حلديث طلق‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬ترجيح الناقل عن األصل عىل املبق عىل األصل ‪.‬‬
‫الناقل عن الرباءة األصلية مرجح عىل املوافق هلا قالوا بأن حديث برسة ناقل عن‬
‫األصل‪ ،‬وحديث طلق بن عيل مبق عىل األصل‪ ،‬واألصل أن الوضوء ال ينقض بمس أعضاء‬
‫اجلسم‪ ،‬والناقل عن األصل مقدم عىل املبق‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة بأمور خارجية‪.‬‬
‫الوجه األول‪ -:‬تأخر اسالم الراوي ‪-‬‬
‫قالوا بأن طلق بن عيل تقدم اسالمه‪ ،‬جاء إىل املدينة والصحابة مع النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم يبنون املسجد‪ ،‬وحديث برسة قالوا بأنه متأخر‪ ،‬فرجحوا حديث برسة بنت صفوان عىل‬
‫حديث طلق بن عيل‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫مسلك اجلمع‪.‬‬
‫مجع بينهام بثالثة وجوه ‪:‬‬
‫الوجه األول ‪:‬‬
‫رصفوا األمر الوارد يف حديث برسة بن صفوان بحديث طلق بن عيل من الوجوب إىل‬
‫االستحباب؛ فال تعارض بينهام‪.‬‬
‫الوجه الثاين ‪:‬‬
‫قالوا بأن هذا حممول عىل املس بدون حائل‪،‬والثاين حممول عىل املس بحائل‪ ،‬وهذا‬
‫تفصيل‬
‫املالكية‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫الوجه الثالث ‪:‬‬
‫محلوا حديث برسة عىل الشاب‪ ،‬ألن يف ذلك مضنة لفساد الوضوء‪ ،‬وحديث طلق بن‬
‫عيل محلوه عىل الشيخ الطاعن يف السن‪ ،‬ألنه ليس يف ذلك مضنة لفساد وضوئه‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫مسلك النسخ‪:‬‬
‫القول األول ‪:‬‬
‫حديث برسة بنت صفوان ناسخ حلديث طلق بن عيل‪.‬‬
‫القول الثاين ‪:‬‬
‫حديث طلق بن عيل ناسخ حلديث برسة بنت صفوان‪.‬‬
‫فائدة‬
‫ملاذا مل خيرج البخاري ومسلم حديث برسة بنت صفوان؟‬
‫مل خيرج البخاري ومسلم حديث برسة بنت صفوان بسبب االختالف عىل الراوي‪،‬‬
‫اختلف عىل عروة وعىل هشام ابن عروة‪.‬‬
‫قال البيهقي ‪:‬‬
‫‪«...‬وحديث برسة قد احتجا بجميع رواته‪ ،‬إال أهنام مل خيرجاه لالختالف فيه عىل عروة‬
‫وعىل هشام بن عروة» التلخيص احلبري‬
‫الوجه الثاين ‪:‬‬
‫ترجيح رواية صاحب القصة أو احلادثة‪:‬‬
‫تنبيه‬
‫هذا الوجه الثاين من وجوه الرتجيح باعتبار السند‪.‬‬
‫مثال آخر تعددت فيه مسالك دفع التعارض‪ ،‬وتعددت فيه وجوه الرتجيح‪.‬‬
‫حديث ابن عباس‪« ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حمرم» مسلم‬

‫‪84‬‬
‫حديث ميمونة بنت احلارث‪« ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم تزوجها وهو حالل»‬
‫مسلم‬
‫توجيه احلديثني‪:‬‬
‫العلامء سلكوا يف توجيه احلديثني مسلكني‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح‪.‬‬
‫مسلك اجلمع‪.‬‬
‫أوال ‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح‪:‬‬
‫مذهب األحناف‪.‬‬
‫األحناف رجحوا حديث عبد اهلل بن عباس‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة بالسند‪:‬‬
‫الوجه األول‪-:‬ترجيح الرواية األصح عىل غريها‪-‬‬
‫قالوا رواية ابن عباس أصح من رواية ميمونة ‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة باملتن‪:‬‬
‫الوجه األول‪-:‬ترجيح املثبت عىل النايف‪-‬‬
‫حديث ابن عباس أثبت أن النبي صىل اهلل عليه وسلم تزوجها وهو حمرم‪ ،‬واحلديث‬
‫اآلخر نفى ذلك‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة بأمور خارجية‬
‫الوجه األول‪:‬‬

‫‪85‬‬
‫وجهوا حديث عثامن بن عفان املعارض حلديث ابن عباس‪ ،‬بأنه قصد بالنكاح الوطء‪.‬‬
‫ولكن أجاهبم اجلمهور بأن الوطء حقيقة عرفية ال رشعية‪ ،‬وإذا تعارضا تقدم احلقيقة‬
‫الرشعية‪.‬‬
‫مذهب اجلمهور‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة باإلسناد‪:‬‬
‫الوجه األول ‪-:‬ترجيح رواية صاحب القصة‪-‬‬
‫ميمونة هي صاحبة الواقعة فرتجح روايتها‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬الرتجيح برواية مالبس القصة ‪ -‬الواقعة‪-‬‬
‫حديث أيب رافع‪ ،‬قال‪« :‬تزوج النبي صىل اهلل عليه وسلم ميمونة بنت احلارث وهو‬
‫حالل‪ ،‬وبنى هبا وهو حالل وكنت الرسول بينهام» الدارقطني‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪-:‬الرتجيح برواية األكثر‪. -‬‬
‫قال ابن عبد الرب يف التمهيد‪« :‬والروايــــــــة أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم تزوج‬
‫ميمونة وهو حالل متواترة عن ميمونة بعينها‪ ،‬وعن أيب رافع موىل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫وعن سليامن بن يسار موالها‪ ،‬وعن يزيد بن األصم‪ ،‬وهو ابن أختها‪ ... ،‬وما أعلم أحدا من‬
‫الصحابة روى أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم نكح ميمونة وهو حمرم إال عبد اهلل بن‬
‫عباس‪ ،‬ورواية من ذكرنا معارضة لروايته»‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫من وجوه الرتجيح املتعلقة بأمور خارجية‪.‬‬
‫الوجه األول‪- :‬ترجيح املوافق لألصل عىل املخالف‪-‬‬
‫حديث ميمونة موافق حلديث عثامن بن عفان‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«ال ينكح املحرم‪ ،‬وال ينكح‪ ،‬وال خيطب» مسلم‪ ،‬بخالف حديث ابن عباس‪ ،‬فإنه معارض‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫الوجه الثاين‪-:‬تقديم حارض القصة عىل غريه‪-‬‬
‫قال الشافعي يف كتابه اختالف احلديث« ‪:‬وعثامن متقدم الصحبة‪ ،‬ومن روى أن النبي‬
‫ينكحها حمرما ‪-‬ابن عباس‪ -‬مل يصحبه إال بعد السفر الذي نكح فيه ميمونة‪ ،‬وإنام نكحها قبل‬
‫عمرة القضية»‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫مسلك اجلمع‪.‬‬
‫الوجه األول ‪:‬‬
‫قيل أن ابن عباس كان يرى أن اإلحرام حيصل بتقليد اهلدي‪ ،‬فيكون النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم عقد عليها يف املدينة بعد تقليده اهلدي وقبل أن حيرم‪ ،‬ونكحها يف عمرته بعد أن ُتلل ‪.‬‬
‫الوجه الثاين ‪:‬‬
‫قيل بأن مراد ابن عباس من قوله‪« :‬تزوجها وهو حمرم» أن النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫نكحها وهو يف الشهر احلرام أو يف البلد احلرام‪.‬‬
‫السؤال‬
‫هل وهم عبد اهلل بن عباس ملا قال تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو حمرم؟‬
‫اجلواب‪:‬‬
‫ال؛ مل ّيم ابن عباس؛ ألنه مل ينفرد بذلك القول حتى يقال عنه أنه وهم‪ ،‬وإنام صح عن‬
‫عائشة وأيب هريرة مثل حديثه‪.‬‬
‫ما اعتذر به البن عباس‪:‬‬
‫التوجيه األول ‪:‬‬
‫أن ابن عباس يرى أن من قلد اهلدي صار حمرما‪ ،‬والنبي صىل اهلل عليه وسلم يف عمرته‬
‫التي نكح فيها ميمونة كان قد قلد اهلدي‪ ،‬فيكون قول ابن عباس ‪ :‬تزوجها وهو حمرم» أن‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم عقد عليها بعد تقليده اهلدي وقبل أن حيرم‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫التوجيه الثاين‪:‬‬
‫أن قول ابن عباس «تزوجها وهو حمرم» يقصد نكحها وهو يف شهر اهلل احلرام‪ ،‬كام قال‬
‫الراعي النمريي ‪:‬‬
‫قتلوا ابن عفان اخلليفة حمرما ‪...‬‬
‫ودعا فلم أر مثله ُمذوال‬
‫وعثامن قتل يف املدينة‪ ،‬يف شهر اهلل احلرام‪ ،‬ومل يكن حمرما‪.‬‬
‫يرى األعشى أن «حمرما» قصد هبا شهر اهلل احلرام‪.‬‬
‫لكن جاء يف تاريخ بغداد أن األصمعي سئل عن بيت الراعي النمريي‪ :‬فقال‪« :‬كل من‬
‫مل يأت شيئا يوجب عليه عقوبة فهو حمـــــــــرم‪ ،‬ال حيل شء منه‪».‬‬
‫أي أن عثامن مل يأت بّشء حيل دمه‪.‬‬
‫من وجوه الرتجيح باعتبار املتن‪:‬‬
‫‪ 1‬ترجيح القول عىل الفعل‪.‬‬
‫‪ 2‬ترجيح املنطوق عىل املفهوم‪.‬‬
‫‪ 3‬ترجيح مفهوم املوافقة عىل املخالفة‪.‬‬
‫‪ 4‬ترجيح احلقيقة عىل املجاز‪.‬‬
‫‪ 5‬ترجيح احلقيقة العرفية والرشعية عىل احلقيقة‬
‫اللغوية‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫من أشهر وجوه الرتجيح باعتبار املتن ترجيح القول عىل الفعل‪.‬‬
‫حكم ترجيح القول عىل الفعل‪.‬‬
‫اجلمهور‪ :‬قالوا برتجيح القول عىل الفعل‪.‬‬
‫من أدلة اجلمهور‪:‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ Ⅰ‬أن القول داللته ذاتية‪ ،‬بخالف الفعل فإن داللته اعتبارية ‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬أن القول له عموم يعم األزمنة واألمكنة واأللفاظ‪ ،‬بخالف الفعل فإنه ال عموم‬
‫له‪.‬‬
‫مثال تعددت فيه مسالك دفع التعارض‪ ،‬وتعددت فيه وجوه الرتجيح باملتن‪.‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال«‪:‬إذا سجد أحدكم فال يربك‬
‫كام يربك البعري‪ ،‬وليضع يديه قبل ركبتيه» أبو داود‬
‫حديث وائل بن حجر‪ ،‬أنه رأى رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪« :‬إذا سجد يضع ركبتيه‬
‫قبل يديه‪ ،‬وإذا هنض رفع يديه قبل ركبتيه» سنن الدارمي‬
‫توجيه احلديثني‪:‬‬
‫العلامء سلكوا يف توجيه هاذين احلديثني عىل ثالثة مسالك‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح‪.‬‬
‫مسلك النسخ‪.‬‬
‫مسلك اجلمع‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح‪.‬‬
‫املذهب األول ‪:‬رجحوا حديث أيب هريرة‪.‬‬
‫أوال ‪:‬من وجوه الرتجيح املتعلقة باملتن‪:‬‬
‫الوجه األول‪- :‬ترجيح القول عىل الفعل‪-‬‬
‫رجح حديث أيب هريرة لكونه قوال واآلخر فعال ‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪- :‬ترجيح األيرس واألرفق ‪-‬‬
‫رجح حديث أيب هريرة‪ ،‬ألن تقديم اليدين أرفق بركبتي املصيل حال هويه للسجود‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪-:‬ترجيح اهليئة املخالفة هليئة احليوان ‪-‬‬

‫‪89‬‬
‫رجح حديث أيب هريرة‪ ،‬ألن تقديم الركبتني مشابه لصفة بروك البعري ‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬من وجوه الرتجيح املتعلقة بالسند‪:‬‬
‫الوجه األول‪-:‬الرتجيـــح باألصــــح‪-‬‬
‫حديث وائل بن حجر ضعفه كثري من أهل العلم لسوء حفظ رشيك‪ ،‬فرجح حديث‬
‫أيب هريرة ‪.‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬رجحوا حديث حجر بن وائل‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬مسلك اجلمع‪.‬‬
‫مجعوا بني احلديثني بالتخيري‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪« :‬أما الصالة بكليهام فجائزة باتفاق العلامء؛ إن شاء املصيل يضع ركبتيه‬
‫قبل يديه‪ ،‬وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه‪ ،‬وصالته صحيحة باتفاق العلامء‪ ،‬ولكن تنازعوا يف‬
‫األضل» املجموع‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬مسلك النسخ‪.‬‬
‫قال ابن خزيمة بنسخ حديث أيب هريرة ‪.‬‬
‫قال ابن خزيمة يف صحيحه‪« :‬باب ذكر الدليل عىل أن األمر بوضع اليدين قبل الركبتني‬
‫عند السجود منسوخ‪ ،‬وأن وضع الركبتني قبل اليدين ناسخ‪ »...‬ثم ساق حديث سعد‪ ،‬أنه‬
‫قال‪ :‬كنا نضع اليدين قبل الركبتني‪ ،‬فأمرنا بالركبتني قبل اليدين» ضعيف‬
‫من وجوه الرتجيح باعتبار أمور خارجية‪:‬‬
‫‪ 1‬ترجيح ما عضد بأدلة أخرى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ترجيح ما وافقه عمل السلف‪.‬‬
‫‪ 3‬ترجيح ما وافق ظاهر القرآن‪.‬‬
‫معارضة احلديث للقرآن‪:‬‬
‫هل يعارض القرآن باحلديث؟‬

‫‪90‬‬
‫مذهب اجلمهور‪:‬‬
‫قالوا بإمكان معارضة القرآن باحلديث‪.‬‬
‫مذهب األحناف‪:‬‬
‫اشرتطوا تساوي الدليلني يف القوة‪ ،‬وعىل ذلك يشرتط يف احلديث املعارض للقرآن أن‬
‫يكون قطعي الثبوت ‪.‬‬
‫من وجوه تعارض األحاديث املفرسة للقرآن‪:‬‬
‫‪ 1‬تعارض احلديث املفرس مع ظاهر القرآن‪.‬‬
‫‪ 2‬تعارض األحاديث املفرسة للقرآن فيام بينها‪.‬‬
‫‪ 3‬تعارض احلديث املفرس للقرآن مع أحد‬
‫األدلة العقلية كـ اإلمجاع‪ ،‬أو القياس‪ ،‬وغريمها‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫هذه الوجوه الثالثة تناوهلا الطربي‪ ،‬وابن كثري‪ ،‬وابن حيان‪ ،‬وابن عطية‪ ،‬وغريهم يف‬
‫تفاسريهم‪.‬‬
‫مثال لتعارض احلديث مع القرآن‪:‬‬
‫قال اهلل تعاىل‪﴿:‬وال يظلم ربك أحدا﴾ الكهف‬
‫وقال‪﴿:‬وما كنا معذبني حتى نبعث رسوال﴾‬
‫وقال‪﴿:‬وما ربك بظالم للعبيد﴾ فصلت‬
‫وقال‪﴿:‬إن اهلل ال يظلم مثقال ذرة﴾ النساء‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬من طريق صالح بن كيسان‪ ،‬عن األعرج‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم قال‪« :‬اختصمت اجلنة والنار إىل رهبام‪ ...،‬قــال [النبي ﷺ‪]:‬فأما اجلنة فإن اهلل ال يظلم‬
‫من خلقه أحدا‪،‬وإنه ينشئ للنار من يشاء‪ »...‬البخاري‬
‫ظاهر تلك اآليات‪ :‬أن اهلل ال يظلم خلقه‪ ،‬وال يعذهبم إال بعد إقامته احلجة عليهم‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫وظاهر احلديث «وإنه ينشئ للنار من يشاء »أن اهلل خيلق للنار من يشاء ليعذهبم فيها‪.‬‬
‫فقد يستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪ :‬اهلل نفى الظلم عن نفسه‪ ،‬وأخرب عن نفسه أنه ال يعذب‬
‫خلقه‬
‫إال بعد إقامته احلجة عليهم‪ ،‬فكيف يقول النبي ﷺ أن اهلل تعاىل «ينشئ للنار من‬
‫يشاء»؟؟‬
‫درء التعارض‪:‬‬
‫سلك العلامء يف درء هذا تعارض مسلكني ‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح‪.‬‬
‫مسلك اجلمع ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مسلك الرتجيح ‪.‬‬
‫ترجيح النصوص التي جاء فيها نفي ظلم اهلل للخلق‪ ،‬وتضعيف رواية صالح بن‬
‫كيسان‪.‬‬
‫وذهب إىل ذلك‪ :‬ابن القيم‪ ،‬والبلقيني‪ ،‬وغريمها‪.‬‬
‫تضعيف رواية صالح بن كيسان ما ضعف متن هذه الرواية ‪:‬‬
‫‪ 1‬انقلب موضع يف متن الرواية‪.‬‬
‫‪ُ 2‬مالفة الرواية لظاهر اآليات ولإلمجاع‪.‬‬
‫‪ 3‬إعراض أصحاب املصنفات احلديثية عن إخراج هذه الرواية يف كتبهم غري البخاري‪.‬‬
‫ما ضعف سند هذه الرواية‪:‬‬
‫‪ 1‬ثبوت اخلطء والوهم من صالح بن كيسان أو ممن رووا عنه احلديث‪.‬‬
‫أوال ‪:‬ما ضعف متن الرواية‬
‫أوال‪:‬‬

‫‪92‬‬
‫انقلب موضع يف متن الرواية ‪.‬بدل أن يقول الراوي‪« :‬وإنه ينشئ للجنة من يشاء» كام‬
‫ثبت يف مجيع الروايات األخرى‪ ،‬قلبها‪ ،‬فقال‪« :‬وإنه ينشئ للنار من يشاء‪».‬‬
‫قال ابن القيم‪...« :‬وأما اللفظ الذي وقع يف صحيح البخاري يف حديث أيب هريرة «وإنه‬
‫ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول هل من مزيد» فغلط من بعض الرواة انقلب عليه لفظه‪،‬‬
‫والروايات الصحيحة‪ ،‬ونص القرآن يرده» حادي األرواح‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪« :‬وقد قال مجاعة من األئمة إن هذا املوضع مقلوب» فتح الباري‬
‫قال أبو احلسن القابيس‪« :‬وال أعلم يف شء من األحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إال هذا»‬
‫الفتح‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫ُمالفة الرواية لظاهر اآليات ولإلمجاع ‪.‬‬
‫األمر األول‪ :‬إنشاء اهلل خلقا ليدخلهم النار ُمالف ملا جاء به القرآن‪ ،‬الذي جاء به القرآن‬
‫هو أن اهلل أنشأ خلقا للجنة‪ ،‬والنار توعد بملئها بإبليس وأتباعه‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪...« :‬وأما اللفظ الذي وقع يف صحيح البخاري يف حديث أيب هريرة‬
‫«وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول هل من مزيد فغلط من بعض الرواة انقلب عليه‬
‫لفظه‪ ،‬والروايات الصحيحة ونص القرآن يرده‪ ،‬فإن اهلل سبحانه أخرب أنه يملئ جهنم من‬
‫إبليس وأتباعه‪ »...‬حادي األرواح‪.‬‬
‫ما جاء يف ملئ اهلل النار بإبليس وأتباعه‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬قال تعاىل‪﴿:‬ولكن حق القول منى ألمألن جهنم من اجلنة والناس أمجعني﴾‬
‫السجدة‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬وقال أيضا‪﴿:‬ألمألن جهنم منك وممن تبعك منهم أمجعني﴾ ص‬
‫ما جاء يف إنشاء اهلل خلقا للجنة‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬قال تعاىل عن نساء اجلنة‪﴿:‬إنا أنشأناهن إنشاء‪ ،‬فجعلناهن أبكارا‪ ،‬عربا أترابا﴾‬

‫‪93‬‬
‫‪ Ⅱ‬وقـــال أيضا‪﴿:‬فيهــــن قارصات الطــرف مل يطمثهن إنس قبلهم وال جان﴾‬
‫‪Ⅲ‬وقال عن ولدان اجلنة‪﴿ :‬يطوف عليهم ولدان ُملدون﴾‬
‫األمر الثاين ‪ :‬إنشاء اهلل خلقا للنار ليعذهبـــــم فيها ُمالــــــف لظاهـــــر اآليات‬
‫التي نفى اهلل فيها الظلم عــن نفسه‪ ،‬وُمالف أيضا لإلمجاع‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪« :‬وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني‪ ،‬واحتج بقوله وال يظلم ربك أحدا»‬
‫فتح الباري‪.‬‬
‫من تلك اآليات‪:‬‬
‫‪ Ⅰ‬قوله تعاىل‪﴿ :‬وما كنا معذبني حتى نبعث رسوال﴾ اإلرساء‪.‬‬
‫‪ Ⅱ‬وقوله أيضا‪﴿:‬وال يظلم ربك أحدا﴾ الكهف‬
‫ثالثا‪ :‬إعراض أصحاب املصنفات احلديثية عن إخراج هذه الرواية يف كتبهم غري‬
‫البخاري‪.‬‬
‫الرواية مل يروها أحد من أصحاب كتب احلديث إال البخاري‪ ،‬مع أهنم أخرجوا‬
‫األحاديث الثالثة وبروايات عدة‪ ،‬كـ اإلمام أمحد يف مسنده‪ ،‬واإلمام مسلم يف صحيحه‪،‬‬
‫والنسائي يف الكربى‪،‬وابن حبان يف صحيحه‪ ،‬واحلميدي يف اجلمع بني الصحيحني‪ ،‬فال شك‬
‫أن إعراض هؤالء عن إخراج هذه الرواية تعليل هلا‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫تضعيف متن الرواية بحجة أنه نفي فيها الظلم عن اهلل عند ذكر اجلنة ادعاء وزعم باطل‬
‫من وجوه‪ ،‬منها‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬ال أحد ممن رشحوا كتب السنة ‪-‬يف حد علمي‪ ،-‬أو من األئمة أنكر‬
‫الرواية بسبب هذا اللفظ« فأما اجلنة فإن اهلل ال يظلم من خلقه أحدا»‪ ،‬وإنام أنكروا الرواية‬
‫بسبب هذه العبارة‪« :‬وإنه ينشئ للنار من يشاء»‪ ،‬مما جاء يف ذلك‪:‬‬

‫‪94‬‬
‫قول ابن حجر‪« :‬وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني‪ ،‬واحتج بقوله وال يظلم ربك أحدا»‬
‫فتح الباري‪.‬‬
‫قول أبو احلسن القابيس‪« :‬وال أعلم يف شء من األحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إال‬
‫هذا »فتح الباري‪.‬‬
‫الوجه الثاين ‪:‬جاء احلديث من طرق أخرى موافق هلذه الرواية‪ ،‬نفي الظلم فيها عن اهلل‬
‫عند ذكر اجلنة‪.‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬من طريق حممد بن سريين‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪:‬‬
‫«‪...‬فأما اجلنة فإن اهلل عز وجل ال يظلم من خلقه أحدا‪ ،‬وإنه ينشئ هلا من خلقه ما شاء‪»...‬‬
‫أمحد‬
‫وأيضا حديث أيب هريرة‪ ،‬من طريق أيب الزناد‪ ،‬عن عبد الرمحن األعرج‪ ،‬عن أيب هريرة‪،‬‬
‫أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال‪...« :‬وأما اجلنة فال يظلم اهلل من خلقه أحدا» السنن الكربى‬
‫للنسائي‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬ما ضعف سند الرواية‪.‬‬


‫أمر واحد‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫ثبوت اخلطأ والوهم من صالح بن كيسان أو ممن رووا عنه احلديث‪.‬‬
‫لبيان ذلك نرسم شجرة رواة احلديث‪:‬‬
‫احلديث رواه ثالثة من الصحابة‬
‫أبو هريرة‪ :‬روي عنه من ثالثة طرق ‪:‬‬
‫عبد الرمحن األعرج‪ ،‬من طريقني‪:‬‬
‫صالح بن كيسان‪[ :‬البخاري ]‬
‫أبو الزناد‪[ :‬الكربى للنسائي ]‬
‫مهام بن منبه‪[ :‬البخاري‪ /‬مسلم]‬

‫‪95‬‬
‫حممد بن سريين‪[ :‬الكربى‪ /‬أمحد]‬
‫أبو سعيد اخلدري‪[ :‬أمحد‪ /‬ابن حبان]‬
‫أنس بن مالك‪[ :‬البخاري‪ /‬مسلم]‬
‫بيان مصدر اخلطأ والوهم‪:‬‬
‫اخلطأ والوهم مل يكن من أيب هريرة وال من األعرج‪ ،‬وإنام كان من صالح بن كيسان أو‬
‫ممن رووا عنه هذه الرواية‪ ،‬وبيان ذلك كاآليت‪:‬‬
‫احلديث روي عن أيب هريرة من ثالثة طرق‪:‬‬
‫طريق مهام بن منبه وطريق حممد بن سريين واحدى طريقي األعرج وهي طريق أيب‬
‫الزناد ثالثتهم جاءت موافقة حلديث أيب سعيد‬
‫وحديث أنس‪ ،‬أن النبي ﷺ أثبت إنشاء اهلل خلقا للجنة‪ ،‬قال‪« :‬وأما اجلنة‪ :‬فإن اهلل‬
‫عزوجل ينشئ هلا خلقا»‪ ،‬وبقي طريق واحد جاء ُمالف هلم مجيعا‪ ،‬وهو طريق صالح بن‬
‫كيسان عن األعرج عن أيب هريرة‪ ،‬جاء فيه أن النبي ﷺ أثبت إنشاء اهلل خلقا للنار‪ ،‬قال‪« :‬وإنه‬
‫ينشئ للنار من يشاء‪ ،»...‬فعىل هذا يتبني أن اخلطأ والوهم مل يكن من أيب هريرة‪ ،‬ألنه لو كان‬
‫منه التفقت مجيع الروايات التي رويت عنه‪ ،‬وأيضا لو كان من األعرج التفقت روايتي‬
‫صالح بن كيسان وأيب الزناد‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مسلك اجلمع‪.‬‬
‫القول بصحة رواية صالح بن كيسان ومجعها مع اآليات‪ ،‬وفيه مسلكان اثنان‪:‬‬
‫املسلك األول ‪:‬‬
‫األخذ برواية صالح بن كيسان مع تأويلها وهذا مذهب‪ :‬ابن حجر‪.‬‬
‫قال ابن حجر عن عبارة «وإنه ينشئ للنار من يشاء»‪« :‬ويمكن التزام أن يكونوا من‬
‫ذوي األرواح؛ ولكن ال يعذبون كام يف اخلزنة» الفتح‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫وقال‪« :‬وحيتمل أن يراد باإلنشاء ابتداء إدخال الكفار النار‪ ،‬وعرب عن ابتداء اإلدخال‬
‫باإلنشاء‪ ،‬فهو إنشاء اإلدخال ال اإلنشاء بمعنى ابتداء اخللق‪ ،‬بدليل قوله‪« :‬فيلقون فيها‪،‬‬
‫وتقول هل من مزيد»‪ ،‬وأعادها ثالث مرات‪ ،‬ثم قال‪ :‬حتى يضع فيها قدمه‪ ،‬فحينئذ متتلئ‪،‬‬
‫فالذي يملئها حتى تقول حسبي هو القدم كام هو رصيح اخلرب‪».‬‬
‫املذهب الثاين ‪ :‬األخذ برواية صالح بن كيسان مع محلها عىل احلقيقة‪.‬‬
‫وهذا مذهب‪ :‬املهلب‪ ،‬والقايض عياض‪ ،‬والنووي‪ ،‬والكرماين‪.‬‬
‫قال املهلب‪ :‬وفيه حجة ألهل السنة يف قوهلم إن هلل أن يعذب من مل يكن يكلفه عبادته‬
‫يف الدنيا وال خيرجه إليها لقوله‪﴿ :‬ويفعل اهلل ما يشاء﴾‪ ،‬بخالف من يقول‪ :‬إن اهلل لو عذب‬
‫من مل يكلفه لكان ظاملا‪ ،‬وهذا احلديث حجة عليهم» رشح ابن بطال‬
‫وقال ابن حجر‪« :‬وأهل السنة إنام متسكوا يف ذلك بقوله تعاىل ﴿ال يسئل عام يفعل‬
‫ويفعل ما يشاء﴾‪ ،‬وغري ذلك‪ ،‬وهو عندهم من جهة اجلواز‪ ،‬وأما الوقوع ففيه نظر‪ ،‬وليس يف‬
‫احلديث حجة لالختالف يف لفظه ولقبوله التأويل» فتح الباري‪.‬‬
‫قال القايض عياض‪« :‬ويف هذا احلديث حجة ألهل السنة أن الثواب والعقاب غري‬
‫مستحق باألعامل‪ ،‬وقمع للمعتزلة والقدرية يف إثباهتم الثواب والعقاب عىل جهة‬
‫العقل‪...،‬وانظر كيف قال هنا للجنة‪« :‬فينشئ اهلل هلا خلقا مما يشاء»‪،‬يدل أهنم ممن مل يوجد‪،‬‬
‫وكان هذا ظاهره» إكامل املعلم‬
‫وقال أيضا‪« :‬وقوله يف آخر احلديث‪« :‬وال يظلم اهلل من خلقه أحدا»‪ :‬حيتمل أنه راجع‬
‫إىل ما قلناه‪ ،‬وأنه تعاىل يعذب من يشاء ابتداء وخيلقه لذلك‪ ،‬غري ظامل له‪ ،‬كام قال‪« :‬أعذب بك‬
‫من أشاء من عبادي»‪ ،‬وحيتمل أنه راجع إىل ذكر حماجة اجلنة والنار‪ ،‬وأن الذي جعل لكل‬
‫واحد منهام عدل منه وحكمة‪ ،‬باستحقاق كل طائفة منهم لذلك‪ ،‬ومل يظلم أحدا منهم »إكامل‬
‫املعلم‬

‫‪97‬‬
‫قال النووي‪« :‬الظلم مستحيل يف حق اهلل تعاىل‪ ،‬فمن عذبه بذنب أو بال ذنب‪ ،‬فذلك‬
‫عدل منه سبحانه وتعاىل» رشحه عىل مسلم‬
‫قال الكرماين‪...« :‬وقيل هذا وهم من الراوي إذ تعذيب غري العايص ال يليق بكرم اهلل‬
‫تعاىل بخالف اإلنعام عىل غري املطيع‪ .‬أقول‪ :‬ال حمذور يف تعذيب اهلل تعــــــــــاىل من ال‬
‫ذنب له‪ ،‬إذ القاعدة القائلة باحلسن والقبح باطلة‪ ،‬فلو عذبه لكان عدال‪ ،‬واإلنشاء للجنة ال‬
‫ينايف اإلنشاء للنار‪ ،‬واهلل تعاىل يفعل ما يشاء‪ ،‬فال حاجة إىل احلمل عىل الوهم» الكواكب‬
‫الدراري‬
‫تنبيه‬
‫أهل السنة واجلامعة يقولون باإلمكان العقيل‪ ،‬فلو أنشئ اهلل للنار خلقا فعذهبم ملا كان‬
‫ظاملا هلم‪ ،‬ولكن ال يقع ملا ثبت بالنصوص القطعية كـ قوله تعاىل ﴿وال يظلم ربك أحدا﴾‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫احلداثيون اّتذوا رواية صالح بن كيسان التي أخرجها البخاري يف صحيحه سبيال‬
‫للطعن يف صحيحه‪ ،‬فقالوا‪ :‬كيف ينشئ اهلل خلقا للنار يعذهبم فيها وهو العادل الذي نفى‬
‫الظلم عن نفسه‪.‬‬
‫مثال آخر لتعارض احلديث مع القرآن‪:‬‬
‫‪ -‬مدة خلق الساموات واألرض‪-‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪ :‬ﭽ ﭰ ﭱ ﭲﭳﭴ ﭵﭶ ﭷﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬

‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﭼ[ السجدة‪.]4 :‬‬

‫وقال تعاىل‪ :‬ﭽ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪﮫ ﮬ ﮭ‬

‫ﮮﮯ ﮰﮱﯓ ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡ‬


‫ﯢﯣ ﯤﯥﯦ ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭ ﯮﯯﯰﯱﭼ فصلت‪- 9 :‬‬
‫‪.]11‬‬

‫‪98‬‬
‫حديث أيب هريرة‪ ،‬قال‪ :‬أخذ رسول اهلل ﷺ بيدي فقال‪« :‬خلق اهلل عز وجل الرتبة يوم‬
‫السبت‪ ،‬وخلق فيها اجلبال يوم األحد‪ ،‬وخلق الشجر يوم االثنني‪ ،‬وخلق املكروه‬
‫يــــــــــوم الثالثاء‪ ،‬وخلق النور يوم األربعاء‪ ،‬وبث فيها الدواب يوم اخلميس‪ ،‬وخلق آدم‬
‫عليه السالم بعد العرص من يوم اجلمعة‪ ،‬يف آخر اخللق‪ ،‬يف آخر ساعة من ساعات اجلمعة‪ ،‬فيام‬
‫بني العرص إىل الليل» مسلم وغريه‪.‬‬
‫املعنى الظاهر للنصوص الثالثة ‪:‬‬
‫اآلية األوىل‪ :‬معناه الظاهر هو أن اهلل خلق كل من [الساموات واألرض وما بينهام] يف‬
‫ستةأيام‪.‬‬
‫اآلية الثانية ‪:‬قال القرطبي يف قوله تعاىل ﴿يف أربعة أيام﴾ ‪:‬يعني يف تتمة أربعة أيام‪،‬‬
‫ومثاله قول القائل ‪:‬خرجت من البرصة إىل بغداد يف عرشة أيام‪ ،‬وإىل الكوفة يف مخسة عرشة‬
‫يوما‪ ،‬أي يف تتمة مخسة عرش يوما» تفسريه‬
‫فيكون خلق [األرض فقط] يف يومني‪ ،‬وخلق ما عليها] يف يومني‪ ،‬وخلق [الساموات‬
‫فقط ]يف يومني‪ ،‬وخلق [األرض وما عليها فقط] كان يف أربعة أيام وخلق كل من [األرض‬
‫وما عليها والساموات] كان يف ستة أيام‪.‬‬
‫احلديث‪:‬‬
‫معناه الظاهر هو أن خلق [األرض وما عليها فقط‪ ،‬غري خلق الساموات] كان يف سبعة‬
‫أيام‪.‬‬
‫فقد يستشكل ذلك‪ ،‬فيقال ‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫اهلل تعاىل أخرب يف كال اآليتني أنه خلق كل من الساموات واألرض وما بينهام] يف ستة‬
‫أيام فقط‪ ،‬وظاهر كالم النبي ﷺ أن اهلل تعاىل خلق [األرض وما عليها فقط] يف سبعة أيام‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬‬

‫‪99‬‬
‫يقال أيضا أن ظاهر اآلية الثانية يدل عىل أن اهلل تعاىل خلق [األرض وما عليها] يف أربعة‬
‫أيام فقط‪ ،‬وظاهر كالم النبي ﷺ أن اهلل تعاىل خلق [األرض وما عليها] يف سبعة أيام‪.‬‬
‫درء التعارض‪:‬‬
‫العلامء سلكوا يف درئ هذا التعارض مسلكني‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح‪.‬‬
‫ترجيح ظاهر اآليات‪ ،‬وتضعيف الرواية‪.‬‬
‫مسلك اجلمع‪.‬‬
‫تصحيح الرواية‪ ،‬واجلمع بينها وبني اآليات‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مسلك الرتجيح‪.‬‬
‫ترجيح ظاهر اآليات وتضعيف احلديث‪.‬‬
‫ممن ذهبوا إىل هذا‪ :‬البيهقي‪ ،‬عيل بن املديني‪ ،‬البخاري‪ ،‬ابن كثري‪ ،‬ابن القيم‪ ،‬ابن تيمة‪.‬‬
‫تضعيف الرواية سندا ومتنا‪.‬‬
‫ما عللوا به سند الرواية ‪:‬‬
‫‪ 1‬احلديث أخذ عن راو مرتوك‪ ،‬وهو إبراهيم بن أيب حييى‪.‬‬
‫‪ 2‬احلديث رفع للنبي ﷺ خطأ‪ ،‬وإال هو من كالم كعب األحبار‪ - .‬إرسائيليات‪-‬‬
‫ما عللوا به متن الرواية‪:‬‬
‫‪ 1‬احلديث يقتيض أن مدة التخليق سبعة أيام‪ ،‬وهـــــذا ُمالـــــف للثابت بالكتاب‬
‫والسنة واإلمجاع‪ ،‬ألهنا كانت يف ستة أيام فقط‪.‬‬
‫‪ 2‬احلديث يقتيض أن خلق [األرض وما فيها فقط‪ ،‬غري ذكر خلق الساموات] كان يف‬
‫سبعة أيام‪ ،‬وظاهر القرآن أن ذلك كان يف أربعة أيام فقط‪.‬‬
‫‪ 3‬احلديث جاء فيه أن بدأ التخليق كان يوم السبت‪ ،‬وهذا ُمالف ملا جاءت به اآلثار‪،‬‬
‫وُمالف إلمجاع السلف من أهل العلم؛ ألن بدأ التخليق كان يوم األحد‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫سند احلديث ‪:‬‬
‫قال اإلمام مسلم‪ :‬حدثني رسيج بن يونس وهارون بن عبد اهلل‪ ،‬قاال‪ :‬حدثنا حجاج بن‬
‫حممد‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن جريج‪ ،‬أخربين إسامعيل بن أمية‪ ،‬عن أيوب بن خالد‪ ،‬عن عبد اهلل بن‬
‫رافع موىل أم سلمة‪ ،‬عن أيب هريرة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬ما ضعف السند ‪:‬‬
‫أوال‪ :‬احلديث مأخوذ من راو مرتوك ‪:‬‬
‫إسامعيل بن أمية مل يأخذ هذا احلديث مبارشة عن أيوب بن خالد‪ ،‬وإنام أخذه من رجل‬
‫مرتوك بينهام‪ ،‬وهو إبراهيم بن أيب حييى‪.‬‬
‫قال عليه بن املديني‪« :‬وما أرى إسامعيل بن أمية أخذ هذا إال من إبراهيم بن أيب‬
‫حييى»األسامء والصفات للبيهقي‪.‬‬
‫قال البيهقي‪« :‬هذا حديث قد أخرجه مسلم يف كتابه عن رسيج بن يونس وغريه‪ ،‬عن‬
‫حجج بن حممد‪ ،‬وزعم بعضهم أن إسامعيل بن أمية إنام أخذه عن إبراهيم بن أيب حييى عن‬
‫أيوب بن خالد‪ ،‬وإبراهيم غري حمتج به» األسامء والصفات‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫الكالم من إرسائيليات كعب األحبار ‪.‬‬
‫قيل الصواب أن أبا هريرة مل يرو ذلك الكالم عن النبي ﷺ‪ ،‬وإنام هو من كالم كعب‬
‫األحبار أخذه عنه‪ ،‬ورفعه بعض الرواة خطأ للنبي ﷺ‪.‬‬
‫قال البخاري‪« :‬وروى إسامعيل بن أمية‪ ،‬عن أيوب بن خالد األنصاري‪ ،‬عن عبد اهلل‬
‫بن رافع‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن النبي ﷺ‪ ،‬قال ‪:‬خلق اهلل الرتبة يوم السبت ‪».‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن كعب‪ ،‬وهو أصح»‪ .‬التاريخ الكبري للبخاري‬

‫‪101‬‬
‫قال ابن كثري‪« :‬وهذا احلديث من غرائب صحيح مسلم‪ ،‬وقد تكلم عليه عيل بن املديني‬
‫والبخاري وغري واحد من احلفاظ‪ ،‬وجعلوه من كالم كعب‪ ،‬وأن أبا هريرة إنام سمعه من كالم‬
‫كعب األحبار‪ ،‬وإنام اشتبه عىل بعض الرواة فجعلوه مرفوعا‪ ،‬وقد حرر ذلك البيهقي» تفسريه‬
‫قال ابن القيم‪« :‬ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أيب هريرة «خلق اهلل الرتبة‬
‫يوم السبت‪ »...‬احلديث‪ ،‬وهو يف صحيح مسلم‪ ،‬ولكن وقع الغلط يف رفعه‪ ،‬وإنام هو من قول‬
‫كعب األحبار‪ »...‬املنار املنيف‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬ما ضعفوا به املتن‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫احلديث يقتيض أن مدة التخليق سبعة أيام‪ ،‬وهـــــذا ُمالـــــــــف للثابت بالكتاب‬
‫والسنة واإلمجاع‪ ،‬ألهنا كانت يف ستة أيام فقط‪.‬‬
‫قال ابن كثري‪« :‬فقد رواه مسلم بن احلجاج يف صحيحه والنسائي من غري وجه‪ ،‬عن‬
‫حجاج‪ ،‬وهو ابن حممد األعور عن ابن جريج به‪ ،‬وفيه استيعاب األيام السبعة‪ ،‬واهلل تعاىل قد‬
‫قال يف ستة أيام» تفسريه‪.‬‬
‫قال ابن تيمية‪...« :‬فبينوا أن هذا غلط ليس من كالم النبي ﷺ‪ ،‬واحلجة مع هؤالء‪ ،‬فإنه‬
‫قد ثبت بالكتاب والسنة واإلمجاع أن اهلل تعاىل خلق الساموات واألرض يف ستة أيام‪ ،‬وأن آخر‬
‫ما خلقه هو آدم‪ ،‬وكان خلقه يوم اجلمعة‪ ،‬وهذا احلديث املختلف فيه يقتيض أنه خلق ذلك يف‬
‫األيام السبعة» قاعدة جليلة‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬وهو يف صحيح مسلم‪ ،‬ولكن وقع الغلط يف رفعه‪ ،‬وإنام هو من قول‬
‫كعب األحبار‪ ...،‬وهو كام قالوا ألن اهلل أخرب أنه خلق الساموات واألرض وما بينهام يف ستة‬
‫أيام‪ ،‬وهذا احلديث يقتيض أن مدة التخليق سبعة أيام‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم» املنار املنيف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬احلديث يقتيض أن خلق [األرض وما فيها فقط‪ ،‬غري خلق الساموات] كان يف‬
‫سبعة أيام‪ ،‬وظاهــــــر القــــــرآن أن ذلك كان يف أربعة أيام فقط‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫قال ابن كثري‪...« :‬ثم يف متنه غرابة شديدة‪ ،‬فمن ذلك‪ :‬أنه ليس فيه ذكر خلق الساموات‪،‬‬
‫وفيه ذكر خلق األرض وما فيها يف سبعة أيام‪ ،‬وهذا خالف القرآن‪ ،‬ألن األرض خلقت يف‬
‫أربعة أيام‪ ،‬ثم خلقت الساموات يف يومني من دخان» البداية والنهاية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن احلديث جاء فيه أن بدأ التخليق كان يوم السبت‪ ،‬وهذا ُمالف ملا جاءت به‬
‫اآلثار‪ ،‬وُمالف إلمجاع السلف من أهل العلم؛ ألن بدأ التخليق كان يوم األحد‪.‬‬
‫قال الطربي‪« :‬واختلف السلف يف اليوم الذي ابتدأ اهلل عز وجل فيه يف خلق الساموات‬
‫واألرض‪ ... ،‬وأوىل القولني يف ذلك عندي بالصواب قول من قال‪ :‬اليوم الذي ابتدأ اهلل تعاىل‬
‫ذكره فيه خلق الساموات واألرض يوم األحد‪ ،‬إلمجاع السلف من أهل العلم عىل ذلك»‪.‬‬
‫تاريخ الطربي‪.‬‬
‫وقال ابن تيمية‪ ...« :‬والبيهقي وغريه وافقوا الذين ضعفوه‪ ،‬وهذا هو الصـــــــواب؛‬
‫ألنه قــد ثبت بالتواتر أن اهلل خلق الساموات واألرض وما بينهام يف ستة أيام‪ ،‬وثبت أن آخر‬
‫اخللق كان يوم اجلمعة فيلزم أن يكون أول اخللق يوم األحد‪ ،‬وهكذا هو عند أهل الكتاب‪،‬‬
‫وعىل ذلك تدل أسامء األيام‪ ،‬وهذا هو املنقول الثابت يف أحاديث وأثار أخر‪ ،‬ولو كان أول‬
‫اخللق يوم السبت وآخره يوم اجلمعة لكان قد خلق يف األيام السبعة؛ وهو خالف ما أخرب به‬
‫القرآن‪ ،‬مع أن حذاق أهل احلديث يثبتون علة هذا احلديث من غري هذه اجلهة» جمموع‬
‫الفتاوى‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مسلك اجلمع‪:‬‬
‫تصحيح الرواية‪ ،‬واجلمع بينها وبني اآليات‪.‬‬
‫ممن ذهبوا إىل هذا‪ :‬املعلمي‪ ،‬األلباين‪ ،‬أبو حيان األندليس‪.‬‬
‫رد املعلمي عىل ما أعل به سند احلديث‪.‬‬
‫أوال‪ :‬قول ابن املديني‪« :‬وما أرى إسامعيل بن أمية أخذ هذا إال من إبراهيم بن أيب حييى»‬
‫[إبراهيم بن أيب حييى رمي بالكذب]‬

‫‪103‬‬
‫قال املعلمي‪« :‬ويرد عىل هذا أن إسامعيل بن أمية ثقة عندهم غري مدلس»‪ .‬األنوار‬
‫الكاشفة‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬قال البخاري‪« :‬وقال بعضهم‪ :‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن كعب‪ ،‬وهو أصح» [يعني ليس‬
‫مرفوعا]‬
‫قال املعلمي‪« :‬الرواية التي أشــــــار إليهـا بقوله وقال بعضهم»‪...‬ويدل عىل ضعفها‬
‫أن املحفوظ عن كعب وعبد اهلل بن سالم ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء اخللـــــق‬
‫كان يــــوم األحد‪ ،‬وهو قــــــــول أهل الكتاب املذكور يف كتبهم‪ ،‬وعليه يبنوا قوهلم يف‬
‫السبت‪ ... ،‬فهــــذا يدفع أن يكون ما يف احلديث من قول كعب »األنوار الكاشفة‪.‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫مجع املعلمي‪.‬‬
‫أوال‪ :‬كون احلديث مل يذكر خلق السامء‪.‬‬
‫أجاب عليه بقوله‪« :‬فيجاب عنه بأن احلديث وإن مل ينص عىل خلق السامء فقد أشار‬
‫بذكره يف اليوم اخلامس النور ويف السادس الدواب وحياة الدواب حمتاجة إىل احلرارة‪ ،‬والنور‬
‫واحلرارة مصدرمها األجرام الساموية‪.‬‬
‫ثانيا ‪:‬‬
‫كون احلديث اقتىض أن خلق [األرض وما عليها‬
‫فقط‪ ،‬غري الساموات] كان يف سبعة أيام‪ ،‬وجاءيف القرآن أن ذلك كان يف أربعة أيام‪.‬‬
‫أجاب عليه بقوله‪ :‬والذي فيه ‪ -‬احلديث‪ -‬أن خلق األرض نفسها كان يف أربعة أيام كام يف‬
‫القرآن‪ ،‬والقرآن إذ ذكر خلق األرض يف أربعة أيام مل يذكر ما يدل عىل أن مجلة ذلك خلق النور‬
‫والدواب‪ ،‬وإذ ذكر خلق السامء يف يومني مل يذكر ما يدل عىل أنه يف أثناء ذلك مل حيدث يف‬
‫األرض شيئا‪.‬‬
‫تنبيه‬

‫‪104‬‬
‫مبنى جوابه هذا أن احلديث جاء مفصل ملا خلقه اهلل عىل األرض‪ ،‬واآلية مل تفصل‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬‬
‫كون احلديث جعل اخللق يف [سبعة أيام]‪،‬‬
‫والقرآن يبني أن خلق الساموات واألرض كان يف [ستة أيام فقط]‪ ،‬أربعة منها لألرض‪،‬‬
‫ويومان للسامء‪.‬‬
‫أجاب عليه بقوله‪ :‬وجياب عن الوجه الثاين بأنه ليس يف هذا احلديث أنه خلق يف اليوم‬
‫السابع غري آدم‪ ،‬وليس يف القرآن ما يدل عىل أن خلق آدم كان يف األيام الستة بل هذا معلوم‬
‫البطالن‪.‬‬
‫تنبيه‬
‫مبنى جوابه هذا أن احلديث فصل‪ ،‬واآلية مل تفصل‪.‬‬
‫ثم ذكر كالما يقوي جوابه‪ ،‬فقال‪« :‬ويف آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض اآلثار ما‬
‫يؤخذ منه أنه قد كان يف األرض عامر قبل آدم عاشوا فيها دهرا‪ ،‬فهذا يساعد القول بأن خلق‬
‫آدم متأخر بمدة عن خلق السموات واألرض»‬
‫رابعا ‪:‬‬
‫كــون احلديث ُمالــف لآلثار القائلة‪ :‬إن أول الستة يوم األحد‪ ،‬وهو الذي تدل عليه‬
‫أسامء األيام‪ :‬األحــــد‪ ،‬االثنني‪ ،‬الثالثـــاء‪ ،‬األربعـــاء‪ ،‬اخلميس‪.‬‬
‫جوابه عليه‪« :‬وأما الوجه الثالث فاآلثار القائلة أن ابتداء احلق اخللقي يوم األحد ما كان‬
‫منها مرفوعا فهو أضعف من هذا احلديث بكثري‪ ،‬وأما غري املرفوع فعامته من قول عبد اهلل بن‬
‫سالم‪ ،‬وكعب‪ ،‬ووهب‪ ،‬ومن يأخذ عن االرسائيليات‪».‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫مجع األلباين‬
‫تعليق األلباين عىل احلديث الذي رواه مسلم‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫قال‪« :‬وال مطعن يف إسناده البتة‪ ،‬وليس هو بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه‪ ،‬خالفا‬
‫ملا‬
‫تومهه بعضهم‪ ،‬فإن احلديث يفصل كيفية اخللق عىل األرض وحدها‪ ،‬وأن ذلك كان يف سبعة‬
‫أيام‪ ،‬ونص القرآن عىل أن خلق الساموات واألرض كان يف ستة أيام‪ ،‬واألرض يف يومني ال‬
‫يعارض ذلك‪ ،‬الحتامل أن هذه األيام من مراحل تطور اخللق عىل وجه األرض حتى صارت‬
‫صاحلة للسكنى‪ ،‬ويؤيده أن القرآن يذكرأن بعض األيام عند اهلل تعاىل كألف سنة‪ ،‬وبعضها‬
‫مقداره مخسون ألف سنة‪ ،‬فام املانع أن تكون األيام الستة من هذا القبيل؟ واأليام السبعة من‬
‫أيامنا هـــــــذه؟ كام هـــــو رصيح احلديث‪ ،‬وحينئــــذ فــــــال تعـــارض بينه وبني‬
‫القرآن» مشكاة املصابيح احلديث رقم ‪5734‬‬
‫تعليــــق األلباين عىل حديث األخضــر بــــن عجالن الذي أخرجه النسائي يف‬
‫الكربى‪:‬‬
‫أوال‪ :‬ذكر نص احلديث‪:‬‬
‫األخرض بن عجالن‪ ،‬عن ابن جريج املكي‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن أيب هريرة‪ ،‬أن النبي ﷺ‬
‫أخذ بيدي قال‪« :‬يا أبا هريرة‪ ،‬إن اهلل خلق الساموات واألرضني وما بينهام يف ستة أيام‪ ،‬ثم‬
‫استوى عىل العرض يوم السابع‪ ،‬وخلق الرتبة يوم السبت‪ ،‬واجلبال يوم األحد‪ ،‬والشجر يوم‬
‫االثنني‪ ،‬والتقن يوم الثالثاء‪ ،‬والنور يوم األربعاء‪ ،‬والدواب يوم اخلميس‪ ،‬وآدم يوم اجلمعة‬
‫يف آخر ساعة من النهار بعد العرص‪ ،‬وخلق أديم األرض أمحرها وأسودها‪ ،‬وطيبها وخبيثها‪،‬‬
‫من أجل ذلك جعل اهلل عز وجل من آدم الطيب واخلبيث» النسائي يف الكربى‪.‬‬
‫تعليق األلباين عىل حديث األخرض بن عجالن‪:‬‬
‫قال األلباين‪...« :‬وقد خرجته يف الصحيحة رقم ‪[1833‬وقد توهم بعضهم أنه ُمالف‬
‫لآلية املذكورة يف أول احلديث‪ ،‬وهي أول سورة السجدة‪ ،‬وليس كذلك كام كنت بينته فيام‬
‫علقته عىل املشكاة [‪ ،]5735‬وخالصة ذلك أن األيام السبعة يف احلديث هي غري األيام الستة‬

‫‪106‬‬
‫يف القرآن‪ ،‬وأن احلديث يتحدث عن شء من التفصيل الذي أجراه اهلل عىل األرض‪ ،‬فهو يزيد‬
‫عىل القرآن‪ ،‬وال خيالفه‪ ،‬وكان هذا اجلمع قبل أن أقف عىل حديث األخرض‪ ،‬فإذا هو رصيح‬
‫فيام كنت ذهبت إليه اجلمع‪ ،‬فاحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات »ُمترص العلو‬
‫تعليـــق األستاذ عىل حديث األخرض بـــن عجالن الذي أخرجه النسائي يف الكربى ‪:‬‬
‫رواية األخرض ابن عجالن هذه التي أخرجها النسائي معلولة‪ ،‬منها ُمالفة األخرض ابن‬
‫عجالن غريه من الرواة الذين رووه عن ابن جريج‪ ،‬ومن هؤالء الذين خالفهم احلجاج ابن‬
‫حممد الذي هو أثبت الرواة عن ابن جريج‪.‬‬
‫ثالثا ‪:‬‬
‫مجع أيب حيان األندليس ‪:‬‬
‫قال ابن حيان‪ ،‬يف تفسريه لقوله تعاىل ‪:‬‬
‫﴿إن ربكم اهلل الذي خلق الساموات واألرض يف ستة أيام ثم استوى عىل العرش﴾‪:‬‬
‫والذي أقول‪ :‬إنه متى أمكن محل الّشء عىل ظاهره أو عىل قريب من ظاهره كان أوىل من محله‬
‫عىل ما ال يشمله العقل أو عىل ما خيالف الظاهر مجلة‪ ،‬وذلك بأن جيعل قوله يف ستة أيام ظرفا‬
‫خللق األرض ال ظرفا خللق الساموات واألرض‪ ،‬فيكون يف ستة أيام مدة خللق األرض برتبتها‬
‫وجباهلا وشجرها ومكروهها ونورها ودواهبا وآدم عليه السالم‪ ،‬وهذا يطابق احلديث الثابت‬
‫يف الصحيح‪ ،‬وتبقى ستة أيام عىل ظاهرها من العددية ومن كوهنا أياما باعتبار امتياز اليوم عن‬
‫الليلة بطلوع الشمس وغروهبا»‬
‫تعليق األستاذ‪:‬‬
‫وصف مجع أيب حيان هذا بأنه غريب‪.‬‬
‫تكليف‪:‬‬
‫تكليف يف معارضة احلديث إما إلمجاع‪ ،‬أو للعقل‪ ،‬أو للحس واملشاهدة‪ ،‬أو للقياس‪،‬‬
‫أو ومعارضة احلديث بعضه لبعض‪ ،‬برشط أن ال يكون من كتاب ُمتلف احلديث البن قتيبة‬

‫‪107‬‬
‫أو مشكل احلديث للطحاوي‪ ،‬ويذكر وجه املعارضة‪ ،‬وتذكر مسالك اجلمع‪ ،‬وحبذ أن يكون‬
‫مما أثاره احلداثيون يف هذا العرص‪.‬‬
‫فوائد‬
‫فائدة‬
‫األصل عند األحناف أن ال يعمل وال يأخذ بمفهوم املخالفة مطلقا‪ ،‬ولكن جتدهم يف‬
‫بعض األحكام يعملون به‪.‬‬
‫فائدة‬
‫ملاذا كثريا ما خيتلف األحناف مع اجلمهور‪:‬‬
‫األحناف ‪:‬‬
‫أخذوا واستمدوا القواعد من الفروع‪ ،‬قواعدهم بنوها عىل الفروع التي هي فتاوى‬
‫املذهب‪،‬كفتاوى أيب حنيفة‪ ،‬ولذلك قواعدهم ليست جامعة‪ ،‬وغري مطردة‪ ،‬ويكثر فيها‬
‫االستثناء‪.‬‬
‫اجلمهور ‪:‬‬
‫استمدوا القواعد من النصوص الرشعية‪ ،‬بنوها عن طريق ما يسمى بالسرب والتقسيم‬
‫للنصوص الرشعية‪ ،‬والنظر يف دالالت األلفاظ‪.‬‬
‫فائدة‬
‫مراحل االنتقال من املصدر إىل احلكم‪:‬‬
‫أوال‪:‬‬
‫تصور املسألة؛ ألن احلكم عىل الّشء فرع عن تصوره‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬‬
‫البحث يف املصادر عن األدلة املوافقة لصورة املسألة‪ ،‬ومجع هذه األدلة‪.‬‬
‫ثالثا‪:‬‬

‫‪108‬‬
‫التوفيق بني األدلة بإحدى املسالك‪.‬‬
‫رابعا‪:‬‬
‫كيفية اسقاط احلكم عىل الواقع؛ ألن احلكم قد يتطابق مع املصدر‪ ،‬ولكن الوقائع قد‬
‫تغري هذا احلكم‪ّ ،‬تضع لألعراف واملصالح واملفاسد‪.‬‬
‫خامسا ‪:‬‬
‫النظر يف املآالت واملقاصد‪ ،‬ألنه أحيانا لو يفتي املفتي بحكم ما قد يتولد عنه مفاسد‬
‫مستقبال ‪.‬‬

‫معارضة احلديث لإلمجاع‪:‬‬


‫اإلمجاع اصطالحا‪:‬‬
‫هو عبارة عن اتفاق املجتهدين يف مسألة من املسائل بعد وفاة النبيﷺ‪.‬‬
‫ُمالفة اإلمجاع للنص‪:‬‬
‫قال ابن تيمة‪ :‬واإلمجاع نوعان‪:‬‬
‫قطعي‪ :‬فهذا ال سبيل إىل أن يعلم إمجاع قطعي عىل خالف النص‪.‬‬
‫وأما الظني‪ :‬فهو اإلمجاع اإلقراري واالستقرائي‪ :‬بأن يستقرئ أقوال العلامء فال جيد يف‬
‫ذلك خالفا‪ ،‬أو يشتهر القول يف القرآن وال يعلم أحدا أنكره‪ ،‬فهذا اإلمجاع وإن جاز‬
‫االحتجاج به فال جيوز أن تدفع النصوص املعلومة به‪ ،‬ألن هذا حجة ظنية ال جيزم اإلنسان‬
‫بصحتها» جمموع الفتاوى‬
‫تنبيه‬
‫اإلمجاع القطعي هو اإلمجاع الرصيح‪.‬‬
‫اإلمجاع الظني هو اإلمجاع السكويت‪.‬‬
‫مثال لتعارض احلديث مع اإلمجاع‪:‬‬

‫‪109‬‬
‫‪ -‬قتل شارب اخلمر يف املرة الرابعة‪ :-‬حديث معاوية وغريه‪ ،‬أن رسول اهلل صىل اهلل‬
‫عليه وسلم قال‪« :‬من رشب اخلمر فاجلدوه‪ ،‬فإن عاد يف الرابعة فاقتلوه» سنن الرتمذي‬
‫والكثري من أئمة املسلمني‪ :‬قالوا باإلمجاع عىل أن ال يقتل شارب اخلمر؛ وإن تكرر ذلك‬
‫منه فوق الثالث‪.‬‬
‫فقد يستشكل ذلك‪ ،‬فيقال‪:‬‬
‫ظاهر احلديث الثابت أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أمر بقتل شارب اخلمر يف‬
‫الرابعة حدا‪ ،‬والكثري من أئمة املسلمني يقولون باإلمجاع عىل أن ال يقتل‪ ،‬فام السبيل يف ذلك؟؟‬
‫درء التعارض‪:‬‬
‫سلك العلامء يف درء هذا التعارض مسلكني‪:‬‬
‫مسلك الرتجيح‪ ،‬وفيه ثالثة مذاهب‪.‬‬
‫مسلك التوقف مع إنكار اإلمجاع‪.‬‬
‫مذاهب مسلك الرتجيح‪:‬‬
‫املذهب األول‪ :‬رجحوا ما دل عليه اإلمجاع؛ أنه ال يقتل شارب اخلمر مطلقا‪.‬‬
‫وذهب إىل هذا‪ :‬الشافعـــــي‪ ،‬والرتمــــــذي‪ ،‬وابن املنذر‪ ،‬واخلطـــــــــايب‪،‬‬
‫والقايض عياض‪ ،‬والنووي‪ ،‬وابن الصالح‪ ،‬وابـــن حجر‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫املذهب الثاين‪ :‬أنكروا اإلمجاع‪ ،‬ورجحوا األحاديث القائلة بقتل الشارب يف الرابعة؛‬
‫بحمل األمر الوارد فيها عىل ظاهره‪.‬‬
‫وذهب إىل هذا‪ :‬ابن حزم األندليس القرطبي‪ ،‬والسيوطي‪ ،‬وأمحد حممد شاكر‪.‬‬
‫املذهب الثالث‪ :‬أنكروا اإلمجاع‪ ،‬ورجحوا األحاديث؛ بحمل األمر الوارد فيها عىل‬
‫التعزير بحسب املصلحة‪.‬‬
‫وذهب إىل هذا‪ :‬ابن القيم‪ ،‬واأللباين‪.‬‬
‫مسلك التوقف مع إنكار اإلمجاع‪:‬‬

‫‪110‬‬
‫أنكر اإلمجاع‪ ،‬ثم توقف‪ ،‬ال هو رصح بحمل األحاديث عىل ظاهرها‪ ،‬وال هو قال‬
‫بنسخها‪ ،‬وال هو محلها عىل التعزير بحسب املصلحة وذهب إىل هذا‪ :‬العراقي‪.‬‬
‫املذهب األول‪ :‬رجحوا ما دل عليه اإلمجاع؛ أنه ال يقتل شارب اخلمر مطلقا‪.‬‬
‫قال الشافعي بعدما ساق حديث قبيصة بن ذؤيب‪« :‬والقتل منسوخ هبذا احلديث‬
‫وغريه‪ ،‬وهذا مما ال اختالف فيه بني أحد من أهل العلم علمته» األم وقال الرتمذي بعد ذكره‬
‫حلديث جابر وقبيصة يف رفع حكم قتل شارب اخلمر يف الرابعة‪« :‬والعمل عىل هذا احلديث‬
‫عند عامة أهل العلم ال نعلم بينهام اختالفا يف ذلك يف القديم واحلديث‪ ،‬ومما يقوي هذا ما‬
‫روي عن النبي صىل اهلل عليه وسلم من أوجه كثرية أنه قال‪« :‬ال حيل دم امرئ مسلم يشهد أن‬
‫ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل‪ ،‬إال بإحدى ثالث‪ :‬النفس بالنفس‪ ،‬والثيب الزاين‪ ،‬والتارك‬
‫لدينه» سننه‬
‫وقال ابن املنذر‪« :‬ثم أزيل القتل عن الشارب يف املرة الرابعة بخرب رسول ﷺ‪ ،‬وبإمجاع‬
‫عوام أهل العلم من أهل احلجاز‪ ،‬والعراق‪ ،‬والشام‪ ،‬مرص‪ ،‬وكل من نحفظ عنه من أهل العلم‬
‫إال شاذا من الناس ال يعد خالفهم خالفا» اإلرشاف وقال اخلطايب‪« :‬وقد حيتمل أن يكون‬
‫القتل يف اخلامسة واجبا‪ ،‬ثم نسخ حلصول اإلمجاع من األمة عىل أنه ال يقتل‪ ،‬وقد روي عن‬
‫قبيصة بن ذؤيب ما يدل عىل ذلك» معامل السنن‪.‬‬
‫وقال القايض عياض‪ :‬أمجــــع املسلمــــــون عىل وجوب احلد يف اخلمر‪ ،‬وأمجعوا أنه‬
‫ال يقتل إذا تكرر منه ذلك‪ ،‬إال طائفة شاذة قالوا‪ :‬يقتل بعد حده أربع مرات‪ ،‬احلديث الوارد‬
‫يف ذلك‪ ،‬وهو عند الكافة منسوخ بقوله عليه السالم‪ :‬ال حيل دم مسلم إال بثالث‪ :‬النفس‬
‫بالنفس‪ ،‬والثيب الزاين‪ ،‬والتارك لدينه املفارق‪ ،‬وحديث النعامن‪ ،‬وأن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم حده ثالث مرات ومل يقتله‪ ،‬وهنى عن لعنه‪ ،‬ودل عىل نسخه إمجاع الصحابة عىل ترك‬
‫العمل به» إكامل املعلم‬

‫‪111‬‬
‫وقال النووي‪« :‬وأما اخلمر فقد أمجع املسلمون عىل ُتريم رشب اخلمر‪ ،‬وأمجعوا عىل‬
‫وجوب احلد عىل شارهبا؛ سواء رشب قليال أو كثريا‪ ،‬وأمجعوا عىل أنه ال يقتل برشهبا وإن‬
‫تكرر ذلك منه»‪ .‬رشحه عىل مسلم‬
‫وقال ابن الصالح‪ ...« :‬كحديث قتل شارب اخلمر يف املرة الرابعة‪ ،‬فإنه منســـوخ‪،‬‬
‫عـــرف نسخه بانعقاد اإلمجاع عىل تـــــــرك العمل به‪ ،‬واإلمجاع ال ينسخ وال ينسخ‪ ،‬ولكن‬
‫يدل عىل وجود ناسخ غريه‪ ،‬واهلل أعلم بالصواب» مقدمته وقال ابن حجر‪« :‬وقد استقر‬
‫اإلمجاع عىل ثبوت حد اخلمر‪ ،‬وأن ال قتل فيه» فتح الباري‬
‫املذهب الثاين‪:‬‬
‫أنكروا اإلمجاع‪ ،‬ورجحوا األحاديث القائلة بقتل الشارب يف الرابعة؛ بحمل األمر‬
‫الوارد فيها عىل ظاهره‪.‬‬
‫وذهب إىل هذا‪ :‬ابن حزم األندليس القرطبي‪،‬والسيوطي‪ ،‬وأمحد حممد شاكر‪.‬‬
‫قال ابن حزم‪« :‬اختلــــف النـــاس يف شارب اخلمر حيد فيها‪ ... ،‬ثم يرشهبا الرابعة‪،‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬يقتل‪ ،‬وقالت طائفة ال يقتل‪ ...‬فلام اختلفوا كام ذكرنا وجب أن ننظر يف ذلك‪،‬‬
‫فوجدنا من رأى قتله» املحىل‬
‫قال السيوطي‪...« :‬فهذه بضعة عرش حديثا كلها صحيحة رصحية يف قتل شارب اخلمر‬
‫يف الرابعة‪ ،‬وليس هلا معارض رصيح» قوت‬
‫قال حممد شاكر‪« :‬وما أرى إال أن القتل يف هذه احلال حكم ثابت حمكم جيب األخذ به‬
‫يف كل حال‪ ،‬وممن ذهب إىل هذا من املتأخرين السيوطي‪ »...‬تعليقه عىل مسند أمحد‬
‫املذهب الثالث‪:‬‬
‫أنكروا اإلمجاع‪ ،‬ورجحوا األحاديث؛ بحمل األمر الوارد فيها عىل التعزير بحسب‬
‫املصلحة‪.‬‬
‫وذهب إىل هذا‪ :‬ابن القيم‪ ،‬واأللباين‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬أما دعوى اإلمجاع عىل خالفه فال إمجاع‪ ،‬قال عبد اهلل بن عمر وعبد اهلل‬
‫بن عمرو ائتوين به يف الرابعة فعيل أن أقتله‪ ،‬وهذا مذهب بعض السلف» هتذيب السنن‬
‫قال ابن القيم‪« :‬والذي يقتضيه الدليل أن األمر بقتله ليس حتام‪ ،‬ولكنه تعزير بحسب‬
‫املصلحة‪ ،‬فإذا أكثر الناس من اخلمر ومل ينزجروا باحلد فرأى اإلمام أن يقتل فيه قتل‪ ،‬وهلذا‬
‫كان عمر ينفي فيه مرة وحيلق فيه الرأس مرة‪ ،‬وجلد فيه ثامنني‪ ،‬وقد جلد فيه رسول اهلل ﷺ‬
‫وأبو بكر أربعني‪ ،‬فقتله يف الرابعة ليس حدا‪ ،‬وإنام هو تعزير بحسب املصلحة‪ ،‬وعىل هذا‬
‫يتخرج حديث األمر بقتل السارق إن صح واهلل أعلم» هتذيب السنن‬
‫قال األلباين‪...« :‬وقد قيل إنه حديث منسوخ‪ ،‬وال دليل عىل ذلك‪ ،‬بل هو حمكم غري‬
‫منسوخ‪... ،‬ولكنا نرى أنه من باب التعزير‪ ،‬إذا رأى اإلمام قتل‪ ،‬وإن مل يره مل يقتل‪ ،‬بخالف‬
‫اجللد فإنه البد منه يف كل مرة‪ ،‬وهو الذي اختاره اإلمام ابن القيم رمحه اهلل تعاىل» سلسلة‬
‫األحاديث الصحيحة‪.‬‬
‫مسلك التوقف مع إنكار اإلمجاع ‪:‬‬
‫أنكر اإلمجاع‪ ،‬ثم توقف‪ ،‬ال هو رصح بحمل األحاديث عىل ظاهرها‪ ،‬وال هو قال‬
‫بنسخها‪ ،‬وال هو محلها عىل التعزير بحسب املصلحة‪.‬‬
‫وذهب إىل هذا‪ :‬العراقي‪.‬‬
‫قال العراقي‪ ...« :‬أن دعوى اإلمجاع يف هذا ليس بجيد» التقييد واإليضاح‬
‫قال العراقي أيضا‪...« :‬وإن قلنا إن خالف أهل الظاهر ال يقدح يف اإلمجاع عىل أحد‬
‫القولني فقد قال به بعض الصحابة والتابعني واهلل أعلم» التقييد‬
‫ما يقوي ويعضد اإلمجاع عىل رفع القتل‪:‬‬
‫املعضد االول‪ :‬ترصيح بعض الصحابة عىل نسخ حكم قتل شارب اخلمر يف الرابعة‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫حديث جابر بن عبد اهلل‪ ،‬أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« ‪:‬إن من رشب اخلمر‬
‫فاجلدوه‪ ،‬فإن عاد يف الرابعة فاقتلوه»‪ ،‬قال‪ :‬ثم أيت النبي صىل اهلل عليه وسلم بعد ذلك برجل‬
‫قد رشب اخلمر يف الرابعة فرضبه ومل يقتله‪ .‬سنن الرتمذي‬
‫وحديث قبيصة بن ذؤيب‪ ،‬نحو حديث جابر‪ ،‬ثم قال‪ :‬فرفع القتل‪ ،‬وكانت رخصة‪.‬‬
‫الرتميذي‬
‫ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد‪:‬‬
‫قال ابن حزم‪« :‬أما حديث جابر بن عبد اهلل يف نسخ الثابت من األمر بقتل شارب اخلمر‬
‫يف الرابعة فإن ال يصح‪ ،‬ألنه مل يروه عن ابن املنكدر أحد متصال‪ ،‬إال رشيك القايض‪ ،‬وزياد‬
‫بن عبد اهلل البكائي عن حممد بن إسحاق عن ابن املنكدر‪ ،‬ومها ضعيفان» املحىل‬
‫قال ابن حزم أيضا‪« :‬وأما حديث قبيصة بن ذؤيب فمنقطع‪ ،‬وال حجة يف منقطع» املحىل‬
‫قال السيوطي‪« :‬وقول من قال بالنسخ ال يعضده دليل‪ ،‬وقوهلم أنه صىل اهلل عليه وسلم‬
‫"أتى برجل قد رشب يف الرابعــــــة فرضبــــــه‪ ،‬ومل يقتله "‬
‫ال يصلح ردا هلذه األحاديث لوجوه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه مرسل‪ ،‬ألن راويه قبيصة ولد يوم الفتح‪ ،‬فكان عمره عند وفاة النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم سنتني وأشهرا‪ ،‬فلم يدرك شيئا يرويه‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬أنه لو كان متصال صحيحا لكانت تلك األحاديث مقدمة عليه‪ ،‬ألهنا أصح‬
‫وأكثر‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن هذه واقعة عني ال عموم هلا‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬أن هذا فعل‪ ،‬والقول مقدم عليه‪ ،‬ألن القول ترشيع عام‪ ،‬والفعل قد يكون‬
‫خاصا‪.‬‬
‫واخلامس‪ :‬أن الصحابة خصوا يف ترك احلدود بام مل خيص به غريهم‪ ،‬وهلذا ال يفسقون‬
‫بام يفس به غريهم خصوصية هلم‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫قال حممد شاكر‪« :‬وأما ما جاء يف بعض روايات حديث جابر‪ ،‬مثل "فرأى املسلمون أن‬
‫احلد قد وقع‪ ،‬وأن القتل قد رفع"‪ ،‬ومثل "فثبت اجللد ودرئ القتل"‪ ،‬ومثل "فكان نسخا"‪،‬‬
‫فإن السياق فيها كلها يدل عىل أن هذا الكالم ليس مرفوعا إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وال‬
‫من قول الصحايب‪ ،‬بل إن الكلمة نفسها‪ ،‬عىل اختالف رواياهتا‪ ،‬تشعر بأهنا من كالم رجل بعد‬
‫الصحابة‪ ،‬والراجح أهنا من كالم حممد بن املنكدر‪ ،‬فهم هو من ذلك أن هذا نسخ‪ ،‬وأن القتل‬
‫قد رفع »‪...‬تعليقه عىل مسند أمحد‬
‫قال حممد شاكر أيضا‪« :‬وأما ما جاء يف بعض رواياته «فصارت رخصة»‪« ،‬فرفع القتل‬
‫عن الناس‪ ،‬وكانت رخصة‪ ،‬فثبتت»‪« ،‬فرأى املسلمون أن القتل قد أخر‪ ،‬وأن الرضب قد‬
‫وجب»‪ ،‬و«وضع القتل عن الناس»‪ ،‬فإهنا كلها من كالم الزهري‪ ،‬ال نشك يف ذلك؛ لداللة‬
‫السياق عليه‪ ،‬يف جمموع الروايات‪ ،‬إذا ما تأملناها وفقهنا داللتها» تعليقه عىل مسند أمحد‬

‫املعضد الثالث ‪:‬‬


‫قصة نعيامن بن عمرو األنصاري‪:‬‬
‫عن عمر بن اخلطاب‪ :‬أن رجال عىل عهد النبي صىل اهلل عليه وسلم كان اسمه عبد اهلل‪،‬‬
‫وكان يلقب محارا‪ ،‬وكان يضحك رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وكان النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم قد جلده يف الرشاب‪ ،‬فأيت به يوما فأمر به فجلد‪ ،‬فقال رجل من القوم‪ :‬اللهم العنه‪ ،‬ما‬
‫أكثرما يؤتى به؟ فقال النبي ﷺ‪« :‬ال تلعنوه‪ ،‬فواهلل ما علمت إنه حيب اهلل ورسوله» البخاري‬
‫ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد‪:‬‬
‫قال ابن حزم‪ ...« :‬ثم لو صح ملا كانت فيه حجة؛ ألنه ليس فيه أن ذلك كان بعد أمر‬
‫رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم بالقتل‪ »...‬املحىل‬
‫وقال ابن حزم أيضا‪« :‬فإنام كان يكــون حجة لو كان فيه أنه أيت به أربع مرات بعد أمره‬
‫عليه السالم بقتله يف الرابعة» املحىل‬

‫‪115‬‬
‫قال ابن القيم‪« :‬وأما ادعاء نسخه بحديث عبد اهلل بن محار فإنام يتم بثبوت تأخره‪،‬‬
‫واإلتيان به بعد الرابعة‪ ،‬ومنافاته لألمر بقتله» هتذيب‬
‫قال السيوطي‪« :‬وقـــد ورد يف قصــــــة نعيامن ملا قال عمر‪ :‬أخزاه اهلل‪ ،‬ما أكثر ما‬
‫يؤتى به !! فقـــــال النبي صىل اهلل عليه وسلم‪" :‬ال تلعنه‪ ،‬فإنـــه حيب اهلل ورسوله"‪ ،‬فعلم‬
‫صىل اهلل عليه وسلم من باطنه صدق حمبته هلل ورسوله فأكرمه برتك القتل‪ ،‬وله صىل اهلل عليه‬
‫وسلم أن خيص من شاء بام شاء من األحكام‪ »...‬قوت‬
‫قال حممد شاكر‪ ...« :‬فيكون ترك قتله هو هلذه العلة [حيب اهلل ورسوله]‪ ،‬أو تلك [شهد‬
‫بدرا] أو ألجلهام معا» تعليقه عىل مسند أمحد‬
‫وقال حممد شاكر أيضا‪ ...« :‬وهذا املعنى اخلاص هو تعليل عدم قتل النعيامن بأنه شهد‬
‫بدرا‪ ،‬وألهل بدر خصوصية ال يستطيع أحد أن ينكرها‪ ،‬ذكرها رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬
‫يف موقف أشد من موقف الرشب يف الرابعة‪ ،‬وذلك يف قصة حاطب بن أيب بلتعة‪ ،‬حني كتب‬
‫لقريش‪ ،‬ثم استأذن عمر يف رضب عنقه‪ ،‬فقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪" :‬إنه قد شهد‬
‫بدرا‪ ،‬وما يدريك لعل اهلل قد اطلع عىل أهل بدر فقال‪ :‬اعملوا ما شئتم‪ ،‬فقد غفرت لكم»‪»...‬‬
‫تعليقه عىل مسند أمحد‪.‬‬
‫املعضد الثاين ‪:‬‬
‫حديث ّتريم دم املسلم إال من ثالث‪:‬‬
‫عن عبد اهلل بن مسعود وغريه‪ :‬أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قــــال‪« :‬ال حيل دم‬
‫امرئ مسلم يشهد أن ال إله إال اهلل‪ ،‬وأين رسول اهلل‪ ،‬وإال بإحـــدى ثالث‪ :‬الثيب الزاين‪،‬‬
‫والنفس بالنفس‪ ،‬والتارك لدينه املفارق للجامعة» مسلم‬
‫ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد‪:‬‬
‫قال ابن حزم‪« :‬فلو أن املالكيني واحلنفيني والشافعيني احتجوا عىل أنفسهم هبذا اخلرب‬
‫يف قتلهم من مل يبح اهلل تعاىل قتله قط‪ ،‬وال رسوله عليه السالم‪ :‬كقتل املالكيني بدعوى‬

‫‪116‬‬
‫املريض‪ ،‬وقسامة اثنني يف ذلك وقتلهم‪ ،‬والشافعيني من فعل فعل قوم لوط‪ ،‬ومن أقر بفرض‬
‫صالة وقال‪ :‬ال أصيل‪ ،‬وكقتل احلنفيني واملالكيني الساحر‪ ،‬وكل هؤالء مل يكفر‪ ،‬وال زنا وهو‬
‫حمصن‪ ،‬وال قتل نفســـــــا‪ ،‬فهــــذا كله نقض احتجاجهم يف قتل شارب اخلمر يف الرابعة‬
‫بقول النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» املحىل‬
‫قال ابن القيم‪« :‬أما دعوى نسخه بحديث ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث فال‬
‫يصح؛ ألنه عام وحديث القتل خاص» هتذيب السنن‬
‫املعضد الرابع‪:‬‬
‫ترك الصحابة قتل شارب اخلمر يف الرابعة‪:‬‬
‫قال ابن حجر‪« :‬وقــد عمــــل بالنـــــاسخ بعـــــض الصحابة‪ ،‬فأخرج عبد‬
‫الرزاق يف مصنفه بسند لني عن عمر بن اخلطــــاب أنه جلد أبـا حمجن الثقفي يف اخلمر ثامن‬
‫مرار‪ ،‬وأورد نحو ذلك عن سعد بن أيب وقاص‪ ،‬وأخرج محاد بن سلمة يف مصنفه من طريق‬
‫أخرى رجاهلا ثقات أن عمر جلد أبا حمجن يف اخلمر أربع مرار‪ ،‬ثم قال له ‪ :‬أنت خليع‪ .‬فقال‪:‬‬
‫أما إذ خلعتني فال أرشهبا أبدا» فتح الباري‬
‫ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد‪:‬‬
‫قال السيوطي‪« :‬وقد ترك عمر إقامة حد اخلمر عىل ‪...‬؛ لكونه من أهل بدر‪ ،‬وقد ورد‬
‫فيهم" ‪:‬اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"‪ ،‬وترك سعد بن أيب وقاص إقامته عىل أيب حمجن؛‬
‫حلسن بالئه يف قتل الكفار‪ ،‬والصحابة رضوان اهلل عليهم جديرون بالرخصة‪ ،‬إذا بدرت من‬
‫أحدهم الزلة يف احلني‪ ،‬وأما هؤالء املدمنون للخمر‪ ،‬الفسقة‪ ،‬املعروفون بأنواع الفساد‪ ،‬وظلم‬
‫العباد‪ ،‬وترك الصالة‪ ،‬وجماوزة األحكام الرشعية‪ ،‬وإطالق ألسنتهم يف حال سكرهم‬
‫بالكفريات وما قارهبا‪ ،‬فهؤالء يقتلون يف الرابعة ال شك يف ذلك وال ارتياب» قوت املغتذي‬
‫مستند منكري اإلمجاع‬
‫الناقض األول ‪:‬‬

‫‪117‬‬
‫أثر عبد اهلل بن عمرو بن العاص‪.‬‬
‫األثر الذي أخرجه أمحد يف مسنده‪ ،‬والطحاوي يف رشح معاين اآلثار‪ ،‬من طريق احلسن‬
‫البرصي عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص أنه قال‪« :‬ائتوين برجل أقم عليه احلد ثالث مرات‪،‬‬
‫فإن مل أقتله فأنا كذاب» رشح معاين اآلثار‪.‬‬
‫وروي يف مسند أمحد أنه قال‪« :‬ائتوين برجل قد رشب اخلمر يف الرابعة‪ ،‬فلكم عيل أن‬
‫أقتله »ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املستند‪:‬‬
‫قال ابن حجر‪« :‬وهـــــذا منقطـــــع ألن احلسن مل يسمع من عبد اهلل بن عمرو كام‬
‫جزم به بن املديني وغريه‪ ،‬فال حجة فيه‪ ،‬وإذا مل يصح هذا عن عبد اهلل بن عمرو مل يبق ملن رد‬
‫اإلمجاع عىل ترك القتل متمسك» فتح الباري قال ابن حجر أيضا‪« :‬حتى ولــــو ثبت عن‬
‫عبد اهلل بن عمرو لكان عذره أنه مل يبلغ النسخ» فتح الباري‪.‬‬
‫املستند الثاين‪:‬‬
‫كون احلسن البرصي روى حديث عبد اهلل بن عمرو املنقطع ومل يبني أن حكمه منسوخ‪.‬‬
‫قال أمحد شاكر‪...« :‬فليس يف األمر إمجاع مع قول عبد اهلل بن عمرو‪" :‬ايتوين برجل قد‬
‫رشب اخلمر يف الرابعة‪ ،‬فلكم عيل أن أقتله"‪ ،‬وهو منقطع؛ ألن احلسن البرصي مل يسمعه من‬
‫عبد اهلل بن عمرو‪ ،‬وهذا ال يؤثـــر يف االحتجاج به؛ لنقض ما دعي من اإلمجاع؛ ألنه إذا مل‬
‫يكن قول عبد اهلل بن عمرو كان عىل األقل مذهب احلسن البرصي؛ ألنه لو كان يرى غري‬
‫ذلك لبني أن هذا احلكم الذي نسبه لعبد اهلل بن عمرو حكم منسوخ أداء ألمانة العلم‪ ،‬وذلك‬
‫الظن به» تعليقه عىل‪.‬‬
‫تعليق األستاذ ‪:‬‬
‫احلسن البرصي مل يرصح بأن ذلك مذهبه‪ ،‬وليس بالزم أن يكون ما رواه مذهبا له‪ ،‬فال‬
‫يمكن أن ينتقض اإلمجاع بالظن ‪.‬‬
‫املستند الثالث‪:‬‬

‫‪118‬‬
‫حكاية عن عثامن أنه قتل يف الرابعة‪:‬‬
‫ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد‪:‬‬
‫قال املاوردي‪« :‬قتل الشـــــارب يف اخلامسة انعقـــــد اإلمجاع من الصحابة عىل‬
‫خالفـــــه‪ ،‬وال خيدش اإلمجاع بام ‪ ...‬وال بحكاية القتل يف الرابعة أيضا عن عثامن » فتح‬
‫املغيث‪.‬‬
‫املستند الرابع‪:‬‬
‫ثبوت اخلالف بني املسلمني‪:‬‬
‫قال السيوطي‪« :‬وقول املصنف [الرتمذي" ‪]:‬ال نعلم خالفا" رده العراقي بأن اخلالف‬
‫ثابت حمكي عن طائفة» قوت املغتذي‪.‬‬
‫ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املستند‪:‬‬
‫قال السخاوي‪« :‬وأما خالف الظاهريـــــة فــال يقدح يف اإلمجاع» فتح املغيث‬
‫تعليق األستاذ‪:‬‬
‫نقض اإلمجاع بدعوى ُمالفة الظاهرية باطل؛ ألن اإلمجاع انعقد قبل ظهور الظاهرية‪.‬‬
‫ما رجحه األستاذ ‪:‬‬
‫رجح اإلمجاع عىل أنه ال يقتل شارب اخلمر مطلقا‪.‬‬
‫فائدة‬
‫هل ينقض اإلمجاع بقول جمتهد واحد؟‬
‫إذا ثبت أن هذا املجتهد كان يف عرص انعقاد اإلمجاع وخالف فإنه ال ينعق اإلمجاع هذا‬
‫عىل قول مجهور العلامء من األصوليني والفقهاء‪ ،‬وخالف يف ذلك اإلمام الطربي‪ ،‬فله مسلك‬
‫يف هذا الشأن فإنه ال يعتد بمخالفة الواحد واالثنني‪.‬‬
‫إثبات وجود ُمالف واحد ناقض لإلمجاع‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬

‫‪119‬‬
‫يف عصمة األنبياء عليهم السالم‪ ،‬انعقد إمجاع أهل السنة واجلامعة وتبعهم يف ذلك حتى‬
‫الشيعة واملعتزلة عىل أن األنبياء معصومون عصمة تامة يف باب االعتقاد وعن كبائر الذنوب‪.‬‬
‫وردت بعض األحاديث التي توهم يف ظاهرها أنه تنقض هذا اإلمجاع عىل أن األنبياء‬
‫معصومون يف عقائدهم ويف كبائر الذنوب‪ ،‬من ذلك ما جاء يف الصحيحني حديث أيب هريرة‬

‫ريض اهلل عنه أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال أنا أحق بالشك من إبراهيم عليه السالم ﭽ‬

‫ﭑﭒﭓ ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭜﭝ ﭼ[ البقرة‪ ، [260 :‬طبعا هذا قول‬


‫النبي صىل اهلل عليه وسلم أنا أحق بالشك شك املؤمن يف قدرة اهلل عز وجل يعترب كفرا‪ ،‬فقالوا‬
‫بأن هذا ظاهره يوهم أن النبي صىل اهلل عليه وسلم شك وهذا يقدح يف عصمته بل يف إيامنه‪،‬‬
‫ولكن العلامء كيف تعاملوا مع هذا التعارض الظاهري‪ ،‬قالوا من خالل السياق يتبني املفهوم‪،‬‬
‫ملا قال النبي صىل اهلل عليه وسلم أنا أحق بالشك من إبراهيم‪ ،‬هنا املقابلة بني شك إبراهيم‬
‫وشكل النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬بمعنى لو شك إبراهيم لكنت أنا أحق بالشك منه‪ ،‬ولكن‬
‫إبراهيم مل يشك‪ ،‬فلام مل يشك إبراهيم مل يشك النبي صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وإنام خص إبراهيم‬
‫عليه السالم ألن فعله وقوله قد يوهم أن فيه شك‪ ،‬وحتى يدفع عن أمته هذا املزلق نبه النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم عن ذلك‪ ،‬وأيضا قوله أنا أحق بالشك من إبراهيم عليه السالم هذا‬
‫تواضع من النبي صىل اهلل عليه وسلم وإال هو أفضل من إبراهيم‪ ،‬وقيل بأن هذه املقالة من‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم كانت قبل أن يعلم أنه سيد ولد آدم‪.‬‬
‫فيه مسلك واحد‪ ،‬ال يمكن أن تثبت الشك للنبي صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫مثال آخر ‪:3‬‬
‫أيضا يف عصمة األنبياء عليهم السالم‪ ،‬الكثري من احلداثيني خصوصا يطعنون يف‬
‫الصحيحني إلّيام الناس بأن هذه الكتب تطعن يف املقدسات وتطعن يف عصمة األنبياء عليهم‬
‫السالم فأكثروا إيراد مثل هذه النامذج كـ حممد شحرور أبو رية حنفي‪.‬‬
‫مثال آخر ‪:4‬‬

‫‪120‬‬
‫ما جاء يف الصحيحني أيضا حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه أن النبي صىل اهلل عليه وسلم‬
‫قال‪ :‬ما كذب إبراهيم قط إال ثالث كذبات‪ ،‬ثنتني يف ذات اهلل ثم ذكر النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم ثم ذكر الكذبات الثالث‪ ،‬قوله إين سقيم‪ ،‬بل فعله كبريهم هذا فاسألوهم إن كانوا‬
‫ينطقون‪ ،‬وقوله جلبار تلك القرية عن سارة أهنا أخته واملقصود أهنا أخته يف اإلسالم كام جاءت‬
‫الرواية‪.‬‬
‫هذا احلديث قد يوهم بظاهره أنه يثبت إلبراهيم عليه السالم الكذب‪ ،‬والكذب من‬
‫الكبائر كبائر الذنوب املنزه عنها األنبياء عليهم السالم‪ ،‬كيف واجه العلامء بني اإلمجاع وبني‬
‫هذا احلديث‪ ،‬هناك مسلكان اثنان‪.‬‬
‫املسلك األول‪ :‬قالوا بأن الكذب هاهنا إنام هو التعريض – التورية‪-.‬‬
‫التعريض أو التورية هو أن يكون للفظ معنيني‪ ،‬أحدمها قريب واآلخر بعيد تطلق اللفظ‬
‫وتريد به املعنى البعيد‪ ،‬والسامع يفهم املعنى القريب‪.‬‬
‫هذا املسلك أورد عليه شبهات‪ ،‬من بينها أن النبي صىل اهلل عليه وسلم سامها كذبات‪،‬‬
‫واللفظ إنام حيمل عىل ظاهره وعىل حقيقته‪ .‬الشبهة األوىل أنه سامه كذب‪.‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬قالوا إن كان هذه الكذبات الثالث إنام هي معاريض‪ ،‬فلامذا عدل النبي‬
‫صىل اهلل عليه وسلم عن اللفظ األخف إىل اللفظ املستهجن املستقبح‪ ،‬كان بإمكان النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم يقول ما كذب إبراهيم قط‪ ،‬إال أنه عرض يف ثالث مواقف عىل سبيل املثال‪،‬‬
‫فلامذا ينسب إلبراهيم عليه السالم أشنع األوصاف وهو يف حقيقته معاريض ‪.‬‬
‫املسلك الثاين‪ :‬قال أن الكذب هاهنا كذب حقيقي ‪.‬‬
‫كيف نجيب عن الشبهة األوىل‪ ،‬وكيف نجيب عن الشبهة الثانية؟‬
‫اجلواب هو أهنم انتقلوا معهم إىل املسلك الثاين أننا نسلم أهنا كذبات وليست معاريض‪،‬‬
‫وعمل النبي صىل اهلل عليه وسلم هبا كذبات‪ ،‬ووجهوا الكذب هاهنا من الكذب املحمود‬
‫وليس من الكذب املذموم‪ ،‬ألن الكذب عىل نوعني حممود ومذموم‪ ،‬لذلك جاء يف صحيح‬

‫‪121‬‬
‫مسلم أن النبي صىل اهلل عليه وسلم ليس بالكاذب أو الكذاب من يصلح بني الناس فينمي‬
‫خريا أو يقول خريا‪ .‬ويقول حممد بن شهاب الزهري قال ما سمعتهم يرخصون يف الكذب إال‬
‫يف ثالث مواطن‪ ،‬يف احلرب ويف اإلصالح بني الناس‪ ،‬وكذب الرجل عىل زوجته والزوجة‬
‫عىل زوجها‪ .‬فهذا من الكذب املحمود‪.‬‬
‫حديث الشفاعة ورد فيه الكذب إبراهيم كذبت‪ ...‬هذا الذي يؤيد بأن الكذب هنا ليس‬
‫مقصودا به التورية‪ ،‬وإنام كذبات‪ ،‬ولكن كذبات اقتضتهم املصلحة‪ ،‬فقوله إين سقيم حتى ال‬
‫يشهد معهم عيد الكفر والرشك‪ ،‬وقوله بل فعله كبريهم هذا حتى يقيم يصيب عليهم احلجة‪،‬‬
‫وقوله هذه أختي حتى يدفع عن عرضه‪ ،‬فهنا اقتضت مصلحة فإذا وجدت املصلحة وناحة‬
‫املفسدة فيتعني أحيانا الكذب‪.‬‬
‫كيف جياب عن الشبهة الثانية؟‬
‫ملاذا اختار النبي صىل اهلل عليه وسلم إذا كانت تورية فلامذا سامها النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم كذبات‪ ،‬وملاذا اختار أشنع األلفاظ؟‬
‫جياب عن ذلك بأن الكذب املقصود هو الكذب املمدوح‪ ،‬والقرينة أنه ثالث كذبات‪،‬‬
‫ثنتني يف ذات اهلل‪ ،‬وهذا حممود وليس مذموم‪.‬‬
‫املسلك الثاين‪ :‬قالوا أنه كذب حقيقي‪.‬‬
‫وهو ما دل عليه ظاهر النص أنه كذب ثالث كذبات‪ ،‬ولكنها من الكذب املحمود‬
‫وليست من الكذب املذموم‪.‬‬
‫تعارض بني احلديث والعقل وهو كثري‪:‬‬
‫املقرر عند أهل السنة واجلامعة أن النص الصحيح ال يمكن أن يعارض العقل الرصيح‪،‬‬
‫وشيخ اإلسالم ابن تيمية حامل لواء هذا األمر نقض التأسيس أو درئ تعارض العقل‬
‫والنقل‪ ،‬فإما إذا تعارضا ظاهرا إما أن يكون احلديث ضعيفا أو داللته غري مرادة‪ ،‬وإما أن‬

‫‪122‬‬
‫يكون العقل سقيام‪ ،‬أما إذا كان العقل تاما واحلديث صحيح‪ ،‬وداللته نصا ظاهرا واضحا ال‬
‫يمكن‪.‬‬
‫من أشهر األمثلة يف معارضة احلديث للعقل والواقع ‪:‬‬
‫حديث الذباب –ذكره ابن قتيبة‪ -‬املشهور يف صحيح البخاري أن النبي صىل اهلل عليه‬
‫وسلم قال‪ :‬إذا وقع الذباب يف إناء أحدكم فلينقله فليغمسه كله ثم ينزعه فإن يف أحد جناحيه‬
‫داء ويف اآلخر دواء‪.‬‬
‫التجربة وكالم العقالنيني‪ ،‬قالوا كيف نرتك جتارب األطباء الكثرية واملتخصصني يف‬
‫حقيقة الذباب‪ ،‬ويقال أن الذباب بؤرة اجلراثيم‪ ،‬يقال أوهى من الذباب إذا أرادوا أن يمثلوا‬
‫أو يشبهوا شيئا قذرا‪ .‬الذباب ال يقع إال عىل القاذورات والنجاسات ووقعه عىل مثل ذلك ال‬
‫شك أنه سيحمل األمراض هذا الذي دل عليه العقل والتجربة‪ ،‬وبالتايل عارضوا هذا احلديث‬
‫بالواقع وبالعقل وبالتجربة وغري ذلك‪ .‬طعنوا يف إسناده وطعنوا يف متنه‪ ،‬هذه املعارضة –من‬
‫احلداثيني‪ -‬جاءت من حيث اإلسناد قالوا إنام هو من رواية عبيد بن حنني موىل بني جريج‪،‬‬
‫وهذا الراوي ليس بمشهور‪ ،‬وليس له يف البخاري إال رواية واحدة‪ ،‬قالوا كيف رواية واحد‬
‫نرد هبا كالم آالف وماليني األطباء عىل مد العصور!! قالوا هذا احلديث إنام تساهل من‬
‫البخاري وأورده يف صحيحه ‪.‬‬
‫فأتى أهل احلديث بـ اثنني وأربعني طريقا‪ ،‬ليست من رواية أيب هريرة فقط‪ ،‬شاركه أبو‬
‫سعيد اخلدري‪ ،‬أنس بن مالك‪ ،‬عيل بن أيب طالب‪ ،‬أيضا مل ينفرد به عبيد بن حنني عن أيب‬
‫هريرة‪ ،‬وإنام شاركه حممد بن سريين‪ ،‬وأبو صالح ذكوان السامن‪ ،‬وغري هؤالء كلهم شاركوا‬
‫فلم ينفرد‪ ،‬فإسناده كالضوء كالنجم الالمع‪.‬‬
‫من ناحية املتن‪ :‬قالوا كيف إذا وقع الذباب يف إناء أحدكم فليغمسه كيف حيمل الداء‬
‫والدواء يف نفس الوقت‪ ،‬جاء يف رواية أخرى أنه يضع اجلناح الذي فيه داء‪ ،‬احلافظ ابن حجر‬
‫يقول تتبعت مجيع الروايات فلم أجد ُتديدا متعينا للجناح وقد تلمسها بعضهم‪ ،‬يعني ال حظ‬

‫‪123‬‬
‫الذباب فوجد أنه يسبق اجلناح األيرس‪ ،‬ابن اجلوزي واخلطايب وهو أكثر من رد عىل هذه الشبهة‬
‫قال بأن اهلل عز وجل جيمع بني النقيضني وجيمع بني الداء والدواء‪ ،‬األفعى سمها داء وفيه‬
‫دواء‪ ،‬أما قضية أهنا جتمع بني الداء والدواء قالوا هذا من رمحة اهلل عز وجل بعباده‪ ،‬ثم بعد‬
‫ذلك هؤالء تكلموا يف مسألة أخرى‪ ،‬احلداثيون قالوا بإثباتكم هلذا احلديث تشوهون نظرة‬
‫اإلسالم بأن هذا اإلسالم بعيد عن النظافة بدل ما هترق ما وقع يف الذباب تغمسه‪ ،‬قال إذا‬
‫وقع الذباب يف إناء أحدكم فليغمسه –التعقيب‪ -‬ثم ينزعه‪ ،‬جاءت رواية عن أنس يف مسند‬
‫البزار أنه غمسه ثالث مرات‪ ،‬نقعه ثالث مرات‪ ،‬ثم أخرجه‪ ،‬وهذا ليس فيه تشويه لإلسالم‬
‫ألن ليس يف احلديث إجياب لرشب ما يف اإلناء‪ ،‬فإن هذا موكول لطبائع الناس فيام ألفوه‪ ،‬أنت‬
‫اآلن‪ ،‬كالضب‪ ،‬اخلطايب قال‪ :‬كيف نسلم هلؤالء األطباء الذين مبنى علمهم عىل التجربة‬
‫ونحن معتمدنا عىل الوحي‪.‬‬
‫مثال آخر ملناقضة احلديث للتجربة‬
‫حديث عائشة ريض اهلل عنها ملا قال النبي صىل اهلل عليه وسلم احلبة السوداء شفاء من‬
‫كل داء إال السام يف الصحيحني‪.‬‬
‫قالوا أن التجربة تدل عىل أن الكثري من املرىض لو أعطيناهم احلبة السوداء ملا شفوا‬
‫وكيف احلديث يقول‪ :‬احلبة السوداء شفاء من كل داء إال السام‪ ،‬فهذا تعارض بني احلديث‬
‫وبني التجربة‪ ،‬ولذلك العلامء يف توجيه هذا التعارض سلكوا ثالثة مسالك‪:‬‬
‫القول بالعموم‬
‫القول بالتخصيص‬
‫القول باجلمع‬
‫القول بالعموم‪ :‬قالوا بأن قول النبي صىل اهلل عليه وسلم احلبة السوداء شفاء من كل‬
‫داء يبقى عىل عمومه‪ ،‬وأما ما يدعيه هؤالء من أن احلبة السوداء ال تشفي يقال ألن اهلل مل يقدر‬
‫هلا الشفاء‪ ،‬الثابت أن الدواء الفالين بالتجربة أنه عالج ولكن قد يأخذه فالن فيشفى ويأخذه‬

‫‪124‬‬
‫الفالن الثاين ال يشفى‪ ،‬هؤالء ذهبوا إىل القول بالعموم‪ ،‬قالوا حصول الشفاء إنام هو بأمر اهلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬أما كونه شفاء وعالج لكل األمراض فهو عالج لكل األمراض‪ ،‬قال وما‬
‫ذكره األطباء إنام هو مبني عىل التجربة وال نرتك الوحي لقول هؤالء‪ ،‬هذا قيل ابن أيب مجرة‬
‫وغريه حكاه اإلمام اخلطايب وحكاه ابن القيم يف الزاد‪.‬‬
‫القول بالتخصيص‪ :‬قالوا بأن احلبة السوداء شفاء من كل داء مل يرد به العموم الباقي‬
‫عىل عمومه وإنام عموم ُمصوص‪ ،‬خصته التجربة‪ ،‬ألن هذا من االستثناء املنقطع‪ ،‬يعني احلبة‬
‫السوداء شفاء من كل داء إال السام‪ ،‬أوال السام الذي هو املوت‪ ،‬ليس مرضا‪ ،‬ألن املستثنى‬
‫ليس من جنس املستثنى منه فلذلك االستثناء منقطع‪ ،‬كأنه يقول احلبة السوداء شفاء من كل‬
‫داء ولكن‪ .‬مثل قولك جاء التالميذ إال عمر‪ ،‬هذا استثناء متصل‪ ،‬وملا تقول جاء التالميذ إال‬
‫مجل‪ ،‬مجل ليس من جنس التالميذ‪ ،‬فيقال عنه استثناء منقطعا‪ .‬لفظ كل ليس قطعي الداللة‪،‬‬
‫قال األصوليون ليس دليال عىل العموم املطلق‪ ،‬ولذلك حيتاج العموم املطلق إىل مؤكد آخر‪،‬‬
‫فسجد املالئكة كلهم أمجعون‪ ،‬لو كان كل دليال عىل العموم املطلق ملا احتاج إىل تأكيد املعونة‪،‬‬
‫فكل ليس من ألفاظ العموم املطلق‪ ،‬فقالوا بالتخصيص يعني يشفي األمراض التي هي من‬
‫جنسه‪.‬‬
‫مسلك اجلمع‪:‬‬
‫ذهب إليه احلافظ ابن حجر قال بأن احلبة السوداء شفاء من كل داء ولكن ليست‬
‫منفردة‪ ،‬وإنام جتمع بغريها من األدوية‪ ،‬يعني كل دواء يمكن أن تدخل شء من احلبة السوداء‬
‫فتزيد من فعاليته‪ ،‬شفاء من كل داء ليس بمفردها وإنام تضاف‪ .‬القول بالتخصيص يعني تكون‬
‫شفاء لبعض األمراض فقط التي كانت يف زمن النبي صىل اهلل عليه وسلم أو ثبت بالتجربة‬
‫أهنا تشفيها‪ .‬الذين قالوا باجلمع أبقوا عىل العموم ولكن وجهوه توجيها أنه يضاف إىل غريه‬
‫من األدوية‪ ،‬مسلك اجلمع يعني اجلمع بني العموم والتخصيص هذا الذي قصدته‪ ،‬وليس‬
‫اجلمع بني النص والتجربة‪ ،‬هذا ّتصيص للنص‪ ،‬وهذا مجع بني العموم والتخصيص‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫الراجح واهلل تعاىل أعلم هو القول بالتخصيص أن احلبة السوداء شفاء ولكن فيام ثبت‬
‫نفعه‪.‬‬
‫مقرر امتحان عام [‪]:2020-2019‬‬
‫‪ 1‬الفرق بني اخلفي واملشكل‪.‬‬
‫‪ 2‬عالقة ُمتلف احلديث بمشكل احلديث‪.‬‬
‫‪ 3‬أسباب مشكل احلديث‪.‬‬
‫‪ 4‬أسباب التعارض الظاهري‪.‬‬
‫‪ 5‬مسالك دفع التعارض واالستشكال‪.‬‬
‫‪ 6‬مسالك اجلمع‪.‬‬
‫‪ 7‬طرق اثبات النسخ‪.‬‬
‫‪ 8‬مسالك الرتجيح ‪.‬‬

‫‪126‬‬

You might also like