Professional Documents
Culture Documents
مشكل الحديث كاملا د. سليمان بن صفية
مشكل الحديث كاملا د. سليمان بن صفية
1
مفهوم مشكل احلديث:
باعتباره مركبا إضافيا:
املشكل لغة:
املشكل اسم فاعل للفعل الثالثي شكل عىل وزن فعل؛ وهو الصواب ،وقيل اسم فاعل
للفعل شكل عىل وزن فعل ،وهذا خطأ ،كام أن الكثري ممن كتبوا يف مشكل احلديث أخطأوا
بقوهلم أن كلمة املشكل هي من الفعل أشكل.
صيغة اسم الفاعل من الفعل فعل اسم الفاعل من الفعل فعل يكون عىل وزن مضارعه
مع إبدال الياء ميام مضمومة وكرس ما قبل آخره فيقال :شكل يشكل مشكل.
صيغة اسم الفاعل من الفعل فعل
اسم الفاعل من الفعل فعل يأيت عىل وزن مفعل ،فيقال :علم معلم.
النتيجة
وبالتايل من قال بأن املشكل اسم فاعل للفعل شكل عىل وزن فعل أخطأ ،والصواب
هو أن املشكل اسم فاعل للفعل شكل عىل وزن فعل.
2
Ⅲتستعمل بمعنى إزالة اإلشكال:
يقال :أشكل إذا أزال اإلشكال لذلك يقولون أشكل الكتاب أي أزال الغموض الذي
يكتنفه وهبذا املعنى يرد عىل بعض املعارصين ممن ترب وأنكر عىل تسمية هذا العلم بمشكل
احلديث فيقال :مشكل احلديث ليس فقط ما التبس وغمض بل هو أيضا عملية إزالة
اإلشكال.
Ⅳيأِت املشكل بمعنى االختالف:
يقال :هذه أشكال أي ُمتلفة .يقال :أشكل إذا اختلف عن الّشء اآلخر.
تنبيه
املعنى االصطالحي للمشكل جيب أن ال خيرج عن تلك املعاين اللغوية.
ما يستفاد من تلك املعاين:
Ⅰأن املشكل هو لفظ أهبم وخفي معناه ،أي فيه معنى اإلهبام واخلفاء.
Ⅱأن منشأ اإلشكال هو دخول اللفظ فيام يامثله من األلفاظ.
Ⅲأن منشأ اللبس قد يكون ملعارضة لفظ للفظ آخر وهو الذي سميناه االختالف.
Ⅳأن املشكل ليس فقط رصد للغموض واللبس وإنام هو عملية إزالة هذا الغموض.
Ⅴأن الغموض واخلفاء يكون:
• إما بسبب مقابلة ومعارضة.
• وإما أن يكون منفيا باللفظ.
يعني أن اخلفاء والغموض يكون:
• إما بسبب اختالف اللفظ مع غريه
• وإما يف ذات اللفظ ،وذلك:
إما لكثرة معانيه -هذا ما يسمى
خصوص املشرتك اللفظي.-
3
وإما أن يلتبس معناه بسبب سياقه.
فائدة
ملاذا دائام يبدأ بالتعريف اللغوي قبل التعريف االصطالحي؟
اجلواب
ألن املعاين االصطالحية تنشأ من املعاين اللغوية ولذلك ُتاكم إليها ،وتنتقد ملخالفتها
هلا.
فائدة
املعني االصطالحي هو املعني العريف.
والعرف ينقسم إىل قسمني:
العرف العام :وهو ما تعارف عليه الناس وتعاقبوا عليه.
العرف اخلاص :وهو عرف أصحاب الفنون؛ كـ علامء احلديث مثال.
مثال عن العرف العام :ككلمة الغائط بعد ما وضعت عىل األرض املنخفضة الفسيحة
نقلت إىل معنى عريف عام وهو اخلارج من احدى السبيلني.
املشكل يف االصطالح العام:
اسم ملا اشتبه معناه ،لغموض يف ذات اللفظ أو لسبب سياق الكالم ،أو لسبب معارضة
ظاهره لظاهر غريه بحيث ال يتبني املراد منه إال بقرينة أو دليل خارجي.
قولنا« :اسم ملا اشتبه معناه»
إذا كل أنواع اإلشكال تشرتك يف االشتباه واخلفاء والغموض.
ثم هذا اخلفاء له حاالت ثالثة :إما أن يكون:
• لغموض يف ذات اللفظ.
• وإما بسبب سياق الكالم.
• وإما بسبب وجود معارض.
4
تنبيه:
ذلك التعريف تعريف املشكل يف االصطالح العام فهو معنى للمشكل يف أي علم؛
القرآن أو احلديث أو غريمها.
فائدة:
من الكتب التي عنيت بذكر املصطلحات العامة:
• الكليات للكفوي.
• التعريفات للجرجاين.
• التوقيف عىل مهامت التعاريف للمناوي.
مشكل احلديث يف االصطالح اخلاص
تعريف مشكل احلديث نجد فيه اختالف.
من أين نشأ هذا اخلالف؟
اخلالف منشأه عالقة اللفظ باملعنى األلفاظ قوالب للمعاين فاملعاين تزيد بزيادة األلفاظ
وتنقص بنقصاهنا ،ولذلك يقال الزيادة يف املبنى زيادة يف املعنى.
تنبيه
اإلشكال ينشأ من عالقة اللفظ باملعنى ولكن له أسباب أخرى كذلك.
عالقة اللفظ باملعنى عند األصوليني:
من حيث الوضع:
كقوهلم هذا اللفظ يدل عىل العموم أو عىل اخلصوص أو عىل اإلطالق أو عىل التقييد.
من حيث الداللة:
اللفظ دل عىل املعنى باملنطوق أو باملفهوم داللة اللفظ عىل املعنى ظاهرة أم خفية اللفظ
دل عىل املعنى باملجاز أو باحلقيقة.
5
أّيام أصح الداللة بكرس الدال أو بفتحها؟
كالمها صحيح ولكن حصل خالف بني أهل العلم يف أّيام أصح ،منهم من قال الداللة
بالفتح .ومنهم من قال الداللة بالكرس ومنهم من قال بأن الداللة تكون يف املعاين احلسية
والداللة تكون يف األمور املعنوية ومنهم من عكسهام.
تنبيه:
يقال أيضا[ :الدلولة] بضم الدال وقلب األلف واوا.
أقسام اللفظ عند األصوليني:
باعتبار داللته املعنى.
باعتبار الظهور واخلفاء:
▪ واضح وظاهر الداللة.
▪ خفي ومبهم الداللة.
اجلمهور يقسمون اللفظ:
باعتبار الوضوح إىل قسمني:
[النص -الظاهر]
باعتبار اخلفاء إىل قسم واحد:
[املجمل] بعضهم يضيف[ :املتشابه]
األحناف يقسمون اللفظ:
باعتبار الوضوح إىل أربعة أقسام:
[املحكم -املفرس -الظاهر -النص]
باعتبار اخلفاء إىل أربعة أقسام:
[اخلفي -املتشابه -املجمل -املشكل]
هل املشكل هو املتشابه؟
6
اجلواب:
من أهل العلم من جعل املشكل هو املتشابه.
ممن ذهب إىل ذلك:
Ⅰاخلطيب البغدادي يف كتابه الفقيه واملتفقه قال :واملتشابه من اللفظ هو املشكل الذي
دخل يف أشكاله.
Ⅱشيخ االسالم ابن تيمية قال :ووجود االشكال والتشابه بني األلفاظ عند كثري من
الناس إنام منشأه من فهمهم.
Ⅲبعض األصوليني :كالشاش ،والبزدوي ،وابن فورك ،وأبو الوليد الباجي
وغريهم.
اعرتاض األستاذ عىل ذلك:
أحيانا املتشابه يكون مشكل ولكن ليس كل مشكل متشابه؛ ألن اإلشكال له أسباب
عديدة منها :املعارضة ،الغموض ،السياق.
الفرق بني املشكل واخلفي:
املشكل:
املشكل أشد غموضا من اخلفي؛ ألنه حيتاج يف إزالة غموضه إىل إعامل النظر واالستعانة
بالقرائن اخلارجية.
اخلفي:
اخلفي يظهر معناه ابتداء بالرجوع إىل قواميس اللغة أو رشاح الغريب.
مثال عن اخلفي:
حديث «ويعلو التحوت الوعول» ،هذان اللفظان "التحوت" و"الوعول" خفيان،
لكن بمجرد الرجوع إىل القواميس أو إىل رشوح الغريب يزال اخلفاء.
7
نتيجة
املشكل هو إهبام وخفاء يف معنى النصوص.
سؤال
ملاذا احتجنا إىل ذكر تلك املقدمة حتى نعرف مشكل احلديث؟
اجلواب:
ألن املشكل قد يكون من املتشابه ،وقد يكون من املجمل ،وقد يكون من اخلفي.
فائدة
من األشياء التي يشرتك فيها املحدثون والفقهاء واألصوليون يف ُمتلف احلديث كام
قال الدكتور حسام اخلياط :وجود نسبة من اخلفاء يف اللفظ املشكل مع تباين سببه.
هذا السبب إما أن يكون:
▪ يف اللفظ.
▪ أو يف السياق.
▪ أو معارض.
مذاهب مفهوم مشكل احلديث باالستقراء نجد ثالثة مدارس:
Ⅰهو غموض يف ظاهر اللفظ احلديثي.
من الذين نحو هذا املنحى:
اإلمام ابن اجلوزي يف كتابه كشف املشكل من حديث الصحيحني اعتنى فيه باأللفاظ
وضبطها ورشحها فأراد إزالة الغموض فجعل مشكل احلديث فقط فيام غمض من األلفاظ
نفسها.
من أسباب غموض اللفظ:
▪ قلة استعامله
8
▪ أو إلمجال فيه
▪ أو كونه من األلفاظ املشرتكة
Ⅱهو جمرد تعارض بني ظواهر األحاديث حيتاج إىل نظر وتأمل أو قرينة لبيان معناه.
Ⅲهو املجمل واملتشابه.
عىل هذا املذهب مشكل احلديث ال يكون بسبب الغموض وال بسبب املعارضة.
Ⅳهو املجمل املتشابـــــه مـــــن ظواهـــــر األحاديث إما لغمــــــوض يف ذات
اللفـظ أو ملعارضته لغريه.
وهو قول أكثر املحققني من األصوليني واملحدثني.
ما يالحظ عىل التعريف:
مجع بني الغموض الذي يكون يف ظاهر اللفظ والذي يتولد عن التعارض.
من الذين ساروا عىل هذا املذهب:
-اإلمام الشافعي يف كتابه اختالف احلديث.
-ابن قتيبة الدينوري يف كتابه تأويل ُمتلف احلديث.
-والطحاوي يف كتابه مشكل اآلثار.
-ابن فورك يف كتابه مشكل احلديث.
تنبيه
اختالف احلديث هو اسم من أسامء مشكل احلديث كام قال إبراهيم العسعس يف بحث
سامه :دراسات يف مشكل احلديث ،وذكر بأن من أسامء هذا العلم اختالف احلديث وُمتلف
احلديث.
تأويل ُمتلف احلديث البن قتيبة الدينوري:
انتقد عىل تسميته له بتأويل ُمتلف احلديث ألن كتابه يف تأويل مشكل احلديث وليس
تأويل ُمتلف احلديث ،فنجده جاء فيه بأنواع مشكل احلديث ،كقوله مثال :حديث يكذبه
9
النظر ،حديث يعارضه املشاهدة حديث يعارض أوله آخره ،ولو ما وجد كتاب له سامه
مشكل القرآن لقيل بأن صنيعه كصنيع اإلمام الشافعي والذي أراده بتأليفه هلذا الكتاب ،هو
الرد عىل املدرسة العقلية -مدرسة املتكلمني ،-خاصة فيام ادعوه من تناقض النصوص.
مشكل اآلثار للطحاوي:
مشكل اآلثار رصد فيه التعارض احلاصل بني األحاديث ،وأحيانا الغموض الذي
يكون يف ظاهر اللفظ يف ذاته.
مشكل احلديث البن فورك:
هو أحد املتكلمني ،وأراد يف كتابه هذا أن يرد عىل مدرسة االثبات بتأويل أحاديث
الصفات.
قلنا بأن مشكل احلديث هو :غموض يف ظاهر اللفظ ،أو يف سياقه ،أو ملعارضة ظاهر
آخر.
هذا الظاهر املعارض يكون إما:
▪ نصا من الكتاب أو السنة
▪ قاعدة رشعية ثابتة
▪ حقيقة تارخيية أو علمية أو عقلية
تعريف بعض املتأخرين ملشكل احلديث:
Ⅰنور الدين عرت :عرفه يف كتابه منهج النقد يف علوم احلديث ،فقال :هو ما تعارض
مع القواعد فأوهم معنى باطال ،أو تعارض مع نص رشعي آخر.
ما يالحظ عىل هذا التعريف:
أنه جعل مشكل احلديث منشأه من التعارض فقط.
10
Ⅱالدكتور أسامة خياط :عرفه يف كتابه ُمتلف احلديث بني املحدثني واألصوليني
الفقهاء ،فقال :هو أحاديث مروية عن رسول اهلل ﷺ بأسانيد مقبولة يوهم ظاهرها معاين
مستحيلة ،أو معارضة لقواعد ثابتة.
نأخذ تعريفا ملشكل احلديث:
Ⅰاألحاديث الصحيحة املقبولة التي ظاهرها غموضا يف ذات اللفظ ،أو يف سياقه ،أو
لوجود معارض خارجي.
Ⅱهو احلديث الثابت أو املقبول الذي التبس وخفي معناه؛ إما بسبب غموض لفظه،
أو سياقه ،أو ملعارض خارجي.
فائدة
يرى العسعس أنه من اخلطأ أن يقال مشكل احلديث ،والصواب يف نظره أن يقال:
استشكال احلديث ،حتى ال يتوهم بأن ظواهر ألفاظ حديث النبي صىل اهلل عليه وسلم فيها
غموض.
نقول :أن املشكل ليس فقط رصد للغموض ،وإنام هو رصد وإزالة ،فإذا رصد
الغموض وأزيل قيل عنه مشكل ،وأن هذا الغموض ليس ذاتيا ،وإنام هو يف الفهم.
أسامء مشكل احلديث:
.1مشكل احلديث ،وهو األشهر.
.2تأويل مشكل احلديث -اآلثار.-
ُ .3متلف احلديث.
.4تأويل ُمتلف احلديث ،كام سامه ابن قتيبة.
.5اختالف احلديث ،كام سامه الشافعي.
.6مناقضة احلديث.
.7علم تلفيق احلديث؛ كام سامه صديق حسن خان يف كتابه احلطة.
11
أمهية علم مشكل احلديث:
Ⅰأنه سبيل للذب عن السنة النبوية؛ فبه تبطل شبهات الطاعنني من املسترشقني
واحلداثيني وغريهم ،املومهة بتعارض السنة.
Ⅱفيه تزكية ملنهج املسلمني عامة وألهل السنة خاصة يف تعاملهم مع السنة وفهمها.
Ⅲأنه السبيل إلزالة الغموض ودرئ التعارض للعمل والتعبد.
Ⅳتعلقه بأكثر علوم الرشيعة إن مل تكن كلها ،فنجده يف التفسري ،يف العقيدة ،يف الفقه،
يف األصول.
Ⅴأنه من العلوم التي مل ينبغ ومل يؤلف فيها إال جهابذة أهل العلم فقط.
Ⅵفيه دربة وترويض للعقل.
التصنيف يف علم مشكل احلديث:
Ⅰكتاب" :اختالف احلديث" ،لإلمام حممد بن إدريس الشافعي ،وهو أول من ألف
فيه ما يالحظ عىل الكتاب:
-اقترص عىل األحاديث املتعارضة فقط
-اقترص عىل األبواب الفقهية فقط
-مل يقصد االستيعاب والتقيص كام قال النووي .
منهجه يف درء التعارض يف هذا الكتاب:
منهجه منهج اجلمهور ،كان جيمع بني النصوص ما أمكن ،فإن تعذر قال بالنسخ إن
وجد ،وإال ذهب إىل الرتجيح.
Ⅱكتاب" :تأويل ُمتلف احلديث" ،البن قتيبة الدينوري:
ما يالحظ عىل الكتاب:
12
.1األوىل أن يسمى تأويل مشكل احلديث ،ألنه تناول علم مشكل احلديث ،فتجده
تناول معارضة األحاديث بعضها لبعض ،معارضة احلديث أوله آلخره ،للقرآن ،للعقل،
لإلمجاع ،للحس واملشاهدة.
.2مل يراعى فيه الرتتيب.
.3فيه عيوب مسيئة للكتاب:
كام قال ابن الصالح ،فتجده مثال يعارض األحاديث الصحيحة باألحاديث الضعيفة
أحيانا وأحيانا يسوق األحاديث بال إسناد.
أقسام االستشكال:
استشكال مذموم:
ما قصد به التكذيب والطعن يف األخبار.
استشكال حممود:
ما أريد به الوصول إىل فهم النصوص ومعرفة احلق واالهتداء للعمل.
كام كانت أم املؤمنني عائشة رضوان اهلل عليها ،جاء يف صحيح البخاري عن ابن أيب
مليكة «أهنا كانت ال تسمع شيئا ال تعرفه إال راجعت فيه حتى تعرفه.»...
أول من استشكل خطاب اهلل:
13
املرحلة األوىل :عرص النبوة:
استشكل الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم بعض أحاديث النبي صىل اهلل عليه وسلم
وأفعاله ،منهم عمر بن اخلطاب ،وحفصة ،وعبد الرمحن بن عوف ،وكانت أم املؤمنني عائشة
رائدة االستشكال ،وأكثر ما روي من استشكاالت الصحابة يف عرص النبوة كان عنها رضوان
اهلل عليها كام جاء يف صحيح البخاري عن ابن أيب مليكة «أهنا كانت ال تسمع شيئا ال تعرفه
إال راجعت فيه حتى تعرفه.»...
من استشكاالت عائشة رضوان اهلل عليها:
قال النبي ﷺ« :من حوسب عذب» ،قالت عائشة :فقلت أوليس يقول اهلل تعاىلﭽﮀ
14
يعد هذا العرص بداية تشكل النواة احلقيقية لعلم مشكل احلديث ،ومتيز باتساع دائرة
االستشكال عام كانت عليه ،وصار االستشكال يزال باالجتهاد بعدما كان يزال بالوحي ،فقد
استشكل الصحابة -رضوان اهلل عليهم -بعضهم أخبار بعض ،وكثر استشكال
عائشة -رضوان اهلل عليها -هلم؛ ملكانتها من النبي صىل اهلل عليه وسلم ،وعارضت الكثري مما
رواه املكثرون من الصحابة ،كـ أيب هريرة ،وعبد اهلل بن عمرو بن العاص ،وعبد اهلل بن عمر،
وغريهم.
مما ألف يف استشكال الصحابة لبعضهم:
كتاب :االجابة إليراد ما استدركته عائشة عىل الصحابة ،لإلمام بدر الدين الزركّش.
تنبيه:
ليس كل ما ذكر يف هذا الكتاب يدخل يف باب االشكال ،بل بعضه اشكال ،وبعضه
مطلق التعارض واالستدراك.
مما استشكلته عائشة من عبد اهلل بن عمرو بن العاص -ريض اهلل عنهام:-
بلغ عائشة أن عبد اهلل بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن ،فقالت:
«يا عجبا البن عمرو هذا يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن!! أفال يأمرهن أن حيلقن
رؤوسهن؟ لقد كنت أغتسل أنا ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم من إناء واحد وال أزيد عىل
أن أفرغ عىل رأيس ثالث إفراغات» مسلم.
استشكال سعيد بن جبري -تابعي: -
حدث سعيد بن جبري عن النبي صىل اهلل عليه وسلم حديثا فقال رجل :إن اهلل تعاىل قال
يف كتابه :كذا وكذا ،فقال :أال أراك تعارض حديث رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم بكتاب
اهلل تعاىل؟ رسول اهلل ﷺ أعلم بكتاب اهلل تعاىل .انظر الرشيعة لآلجري.
املرحلة الثالثة :ظهور الفرق:
15
يف هناية القرن الثاين اّتذ مشكل احلديث منحى جديدا ،فبعدما كان االستشكال فرديا
صار تتبناه فرق ،وبعدما كان وسيلة للفهم والوصول إىل احلق صار كثريا ما يستخدم
يف الطعن ورضب النصوص بعضها ببعض.
الشيعة:
من أسباب كثرة االستشكال عند الشيعة:
Ⅰعدم التزامهم بضوابط املحدثني يف قبول األخبار ،فيكتفون مثال يف تصحيح
احلديث برفع إمام من أئمتهم له إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم؛ ولو بعد مائتي سنة ،فيعارضوا
األحاديث الصحيحة بالضعيفة املكذوبة.
Ⅱمنهجهم الواهي يف درئ مشكل وتعارض احلديث ،قيل للرضا :كيف نصنع
باخلربين املختلفني ،فقال :إذا ورد عليكم حديثان ُمتلفان فانظروا ما خيالف فيهام العامة
فخذوه ،وانظروا ما يوافق أخبارهم فدعوه.
اخلوارج:
من أسباب قلة االستشكال عند اخلوارج:
Ⅰأن اخلوارج كفروا الكثري من الصحابة يف مسألة التحكيم وأسقطوا أحاديثهم.
Ⅱردهم لألحاديث التي عارضت القرءان ،كام ذكر احلافظ يف الفتح.
Ⅲال يعملون باألحاديث الثابتة الصحيحة إال مع انعقاد اإلمامة.
املعتزلة:
املدرسة العقلية استشكلت الكثري من األخبار ،وعارضتها بالعقل -السقيم،-
فأسقطوا منها جزءا كبريا.
سؤال
ما الفائدة من معرفة نشأة أي علم؟
Ⅰالوقوف عىل مراحل تطور هذا العلم ،وتطور مصطلحاته.
16
Ⅱالوقوف عىل دواعي وأسباب وجود هذا العلم ،ألن معرفة السبب تورث العلم
باملسبب.
Ⅲالوقوف عىل جهود العلامء يف خدمة هذا العلم.
تعريف ُمتلف احلديث:
املختلف لغة :مشتق من الفعل الثالثي خلف ،وهو ال خيرج عن ثالثة معان:
Ⅰإتيان شء مكان شء آخر فيقوم مقامه.
Ⅱالتغري .يقال :اختلف عقل فالن؛ أي تغري.
... Ⅲ
مذاهب مفهوم ُمتلف احلديث:
Ⅰهو بمعنى مشكل احلديث:
وهذا صنيع:
1ابن قتيبة الدينوري يف كتابه تأويل ُمتلف احلديث ،أدخل فيه مشكل احلديث ،وكان
األوىل أن يسميه تأويل مشكل احلديث.
2اإلمام الطحاوي يف كتابه مشكل اآلثار ،وأغلبه يف األحاديث املتعارضة ،فكان
األوىل أن يسميه ُمتلف احلديث.
Ⅱهو األحاديث املقبولة املتعارضة ظاهرا التي فقط أمكن اجلمع بينها.
وذهب إىل هذا احلافظ ابن حجر ،قال يف نزهة النظر :فإن أمكن اجلمع فهو النوع
املسمى ُمتلف احلديث.
Ⅲهو األحاديث املقبولة املتعارضة ظاهرا التي جيمع بينها إن أمكن ،أو يصار فيها إىل
القول بالنسخ إن علم الناسخ من املنسوخ ،أو يصار فيها إىل الرتجيح.
وهذا صنيع:
.1اإلمام حممد بن إدريس الشافعي يف كتاب اختالف احلديث.
17
.2وأيضا ابن الصالح ،قال يف مقدمته :اعلم أن ما يذكر يف هذا الباب ُ-متلف
احلديث-ينقسم إىل قسمني:
القسم األول:
أن يمكن اجلمع بني احلديثني ،فيتعني املصري إىل ذلك والقول هبام معا.
القسم الثاين:
أن يتضادا بحيث ال يمكن اجلمع بينهام ،وذلك عىل رضبني:
أحدمها :أن يظهر كون أحدمها ناسخا واآلخر منسوخا ،فيعمل بالناسخ ويرتك
املنسوخ.
الثاين :أن ال تقوم داللة عىل أن الناسخ أّيام واملنسوخ أّيام فيفزع حينئذ إىل الرتجيح.
وقال :بأن الرتجيح له مخسني وجها وأكثر.
وذكر مثاال عن القسم األول- :ما أمكن اجلمع -قال :ومثاله حديث« :ال عدوى وال
طرية» ،مع حديث« :ال يورد ممرض عىل مصح» ،وحديث« :فر من املجذوم فرارك من
األسد».
وجه اجلمع بينهام :أن هذه األمراض ال تعدي بطبعها ،ولكن اهلل تبارك وتعاىل جعل
ُمالط املريض هبا للصحيح سببا إلعدائه ومرضه.
ضبط كلمة ُمتلف:
تضبط بفتح الالم [ُمتلف]:
اسم مفعول ،ويراد هبا التعارض والتناقض الذي يكون بني األحاديث.
وتضبط بكرس الالم [ُمتلف] :اسم فاعل ،ويراد هبا احلديث الذي عارض ظاهره ظاهر
حديث آخر .فيقال :أن ُمتلف وُمتلف كالمها صحيح.
أقسام التعارض الظاهري:
وهم ينقدح يف العقل ال وجود له يف احلقيقة.
18
احلقيقي :التضاد التام بني حجتني متساويتني ثبوتا وداللة وعددا ،ومتحدتني زمانا
ومكانا.
التعارض الذي نفاه ابن خزيمة:
قال ابن الصالح يف مقدمته :وقد روينا عن حممد بن إسحاق بن خزيمة اإلمام أنه قال:
«ال أعرف أنه روي عن النبي صىل اهلل عليه وسلم حديثان بإسنادين صحيحني متضادين،
فمن كان عنده فليأتني به ألؤلف بينهام».
وقال ابن كثري يف كتابه الباعث احلثيث:
وقد كان اإلمام أبو بكر بن خزيمة يقول« :ليس ثم حديثان متعارضان من كل وجه؛
ومن وجد شيئا من ذلك فليأيت ألؤلف له بينهام».
فاجلواب هو:
أن التعارض الذي نفاه ابن خزيمة هو التعارض احلقيقي التام؛ الذي يكون من كل
وجه.
من دالئل انتفاء التعارض احلقيقي بني النصوص:
ﮈﮉﭼ[النساء.]82 :
Ⅱلو كانت نصوص الرشيعة متعارضة تعارضا حقيقيا تاما لكان اخللق مكلفا
19
Ⅲاهلل تعاىل يقول :ﭽﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﭼ[النساء ،[59 :فلو كانت
النصوص متعارضة كيف يأمر اهلل تعاىل بالرجوع إىل كتابه وسنة نبيه ﷺ لفك التنازع؟
الفرق بني ُمتلف احلديث ومشكل احلديث.
Ⅰمن حيث السبب:
ُمتلف احلديث :سببه التعارض الظاهر بني األحاديث.
مشكل احلديث :سببه أعم ،إما أن يكون بسبب التعارض ،وإما بسبب الغموض؛ سواء
يف ذات اللفظ ،أو يف سياقه.
Ⅱمن حيث احلكم:
ُمتلف احلديث :درئ التعارض فيه يكون من خالل النظر يف القواعد التي قررها أهل
العلم يف ذلك.
مشكل احلديث :عادة ليست له قواعد تضبطه ،وإنام إزالة اإلشكال تكون بالنظر
والتأمل ،وذلك يرجع إىل أهلية املتصدر ،وإىل باعه يف الصناعة احلديثية والفقهية ،ويف علم
املعاين ،ونحو ذلك.
عالقة مشكل احلديث بمختلف احلديث:
املشكل واملختلف بينهام عموم وخصوص نسبي ،سبب مشكل احلديث أعم من سبب
ُمتلف احلديث ،فكل ُمتلف مشكل ،وليس كل مشكل ُمتلف.
تكليف:
استخرج مثاال مما استشكله الصحابة من النصوص مع توجيهه ،برشط أن ال يكون من
كتاب الزركّش اإلجابة ،وال مما كتبه أسامة خياط ،يعني ابحثوا يف نصوص السنة.
حمتويات املادة:
.1تعريف املشكل.
.2العالقة بني مشكل وُمتلف احلديث.
20
.3نشأة علم مشكل احلديث.
.4أمهية علم مشكل احلديث.
.5أسباب اإلشكال يف احلديث النبوي.
.6مسالك العلامء يف حل مشكل احلديث.
.7اخلالف بني اجلمهور واألحناف يف ترتيب املسالك.
.8تطبيقات يف حل مشكل احلديث؛ سواء الناشئ عن:
▪ احلديث نفسه
▪ أو سياقه
▪ أو ملعارضته إما:
[القرآن] أو [اإلمجاع] أو [احلديث]
أو [العقل] أو [احلس واملشاهدة] .وغري ذلك.
املصنفات يف مشكل احلديث:
أول من ألف يف ُمتلف احلديث قال السيوطي:
أول من صنف يف املختلف
الشافعي ،فكن بذا النوع حفي.
أوال
اختالف احلديث ،ملحمد بن ادريس الشافعي[ .ت 204هـ]
منهج اإلمام الشافعي يف كتابه:
أبان اإلمام الشافعي عن منهجه يف مقدمة كتابه حيث ذكر أن كتابه تناول األحاديث
التي ظاهرها االختالف ،فيجمع بينها إن أمكن ،فإن تعذر صار إىل النسخ إن عرف املتقدم
من املتأخر ،فإن تعذر صار إىل الرتجيح -منهج اجلمهور ،-وإىل هذا ذهب ابن الصالح
21
وخالفهم يف ذلك ابن حجر ،حيث يرى أن املختلف ما أمكن فيه اجلمع فقط ،كام ذكر ذلك
يف نزهة النظر.
ما يالحظ عىل كتاب اإلمام الشافعي:
Ⅰتوافق وتطابق عنوان كتابه مع حمتواه.
سامه ُمتلف احلديث وال حيتوي إال ما اختلف من احلديث ،فهو مل يدخل فيه مشكل
احلديث .فال جتد مثال:
األحاديث التي عارضت القرآن ،أو اإلمجاع ،أو القياس ،أو العقل والنظر ،أو
األحاديث التي فيها إشكال واشتباه يف نصها.
Ⅱحسن الرتتيب والتبويب.
Ⅲتضمن أبواب الفقه فقط – أحاديث األحكام .-
Ⅵمل يستوعب مجيع األحاديث املتعلقة باألحكام التي ظاهرها التعارض واالختالف.
قال النووي يف التقريب« :وصنف فيه اإلمام الشافعي ،ومل يقصد رمحه اهلل استيفاءه ،بل
ذكر مجلة ينبه هبا عىل طريقه ،ثم صنف فيه ابن قتيبة فأتى»...
ثانيا
تأويل ُمتلف احلديث البن قتيبة الدينوري [ت 276ه].
من منهجه يف كتابه:
أنه يستدل باألدلة النقلية ،والعقلية ،والشواهد
اللغوية ،وغري ذلك يف درئه للتعارض.
ما يالحظ عىل كتاب ابن قتيبة:
Ⅱليس مرتبا:
وهذا الذي ذكره غري واحد من أهل العلم كالسخاوي.
Ⅰعنوان كتابه ال يطابق حمتواه إىل حد ما.
22
مل يتضمن فقط األحاديث املتعارضة – ُمتلف احلديث ،-بل أورد فيه ما هو من مشكل
احلديث ،لذلك قيل كان األوىل أن يسمى تأويل مشكل احلديث؛ ولو مل يكن له كتاب
يف مشكل القرآن لقيل عنه أنه ال يرى فرقا بني املختلف واملشكل.
تناول كتابه أحاديثا ظاهرها التعارض مع:
▪ أحاديث أخرى ُ -متلف احلديث.-
▪ النص القرآين.
▪ العقل والنظر.
▪ اإلمجاع.
▪ القياس.
Ⅲفيه عيوب مسيئة للكتاب.
كام قال ابن الصالح يف مقدمته:
«وكتاب ُمتلف احلديث البن قتيبة يف هذا املعنى إن يكن قد أحسن فيه من وجه فقد
أساء يف أشياء منه قرص باعه فيها ،وأتى بام غريه أوىل وأقوى» فتجده مثال يعارض احلديث
الصحيح باحلديث الضعيف.
Ⅰتناول املسائل الفقهية وغريها.
Ⅱسعة مادته العلمية التي احتواها ،وثرائها.
ثالثا
مشكل اآلثار للطحاوي [321ه]:
من منهجه يف كتابه:
أبان الطحاوي عن منهجه يف مقدمته:
Ⅰسلك مسلك اجلمهور يف إزالة اإلشكال:
وذلك إما باجلمع ،أو النسخ إن علم املتقدم من املتأخر ،أو الرتجيح.
23
Ⅱكثيـــرا ما يســـــوق النصــــوص احلديثيــة بأسانيدها ،ويتكلم يف عللها.
ما يالحظ عىل الكتاب:
Ⅰتطابق عنوان كتابه مع حمتواه.
تضمن مشكل اآلثار الناشئة عن ظاهر تعارضها مع القرآن ،اإلمجاع ،القياس ،العقل،
احلديث ُ-متلف احلديث.-
Ⅱتضمن املسائل الفقهية وغريها.
Ⅲسوء ترتيبه -ليس عىل نسق واحد-
رابعا
مشكل احلديث وبيانه ،البن فورك [ت 406ه]
موضوع كتابه:
مجع أحاديثا يف ظاهرها تشبيه للذات اإلهلية أو جتسيد للصفات اإلالهية.
من منهجه يف كتابه:
Ⅰيوجه اإلشكال بتأويله عىل منهج املتكلمني.
Ⅱقسم كتابه إىل ثالثة أقسام:
قسم :ذكر فيه أحاديث مطلقة ظاهرها التشبيه.
قسم :خصصه يف الرد عىل ابن خزيمة ،مدعيا أنه جمسم مشبه.
قسم :خصصه للرد عىل أيب بكر الصبغي صاحب ابن خزيمة يف كتابه األسامء والصفاة.
ما يالحظ عىل كتاب ابن فورك:
Ⅰأنه رصف يف أبواب االعتقاد؛ وعىل وجه اخلصوص األسامء والصفاة التي
ظاهرها التشبيه والتجسيد -فيام ادعاه.-
Ⅱأن صاحبه نحى فيه منحى املتكلمني من األشاعرة يف رد النصوص املحكمة يف
باب األسامء والصفاة.
24
Ⅲكثريا ما يعيب صاحبه عىل أهل السنة واجلامعة ،ويرميهم بشبه التجسيم والتشبيه.
خامسا
الكشف عن مشكل أحاديث الصحيحني ،أليب الفرج ابن اجلوزي [ت 597ه]
من منهجه يف الكتاب:
Ⅰال يعالج غريب ألفاظ الصحيحني.
Ⅱيعالج املشكل اللغوي يف ألفاظ الصحيحني.
Ⅲال يتناول اإلشكال املتولد عن املعارضة ،وإنام اكتفى بمعاجلة مشكل األلفاظ.
Ⅳرتب كتابه عىل املسانيد؛ مقتفيا بذلك صنيع احلميدي ،ومل يرتبه ترتيب
الصحيحني عىل األبواب الفقهية.
ما يالحظ عىل الكتاب:
Ⅰضبط ألفاظ الصحيحني.
Ⅱتضمن ما خيالف رشط مؤلفه من رشح غريب مما ليس من قبيل املشكل.
Ⅲتضمن األحاديث الفقهية وغريها.
Ⅳتضمن الكثري من تأويل املتكلمني املخالف لعقيدة السلف.
Ⅴانتصار مؤلفه ملذهبه الفقهي والعقدي برد األحاديث الصحيحة الرصحية أحيانا،
وُتامله عليها ،فكان مثال يلقي بالالئمة يف الكثري من األحاديث عىل ترصف الرواة
يف الرواية ،فيقول وهذا من ترصف الرواة يف لفظ احلديث.
املصنفات يف ُمتلف ومشكل احلديث
1اختالف احلديث ،ملحمد بن ادريس الشافعي[ .ت 204ه].
2تأويل ُمتلف احلديث البن قتيبة الدينوري[ت 276ه].
3مشكل اآلثار للطحاوي[ .ت321ه].
4مشكل حلديث وبيانه ،البن فورك[ت 406ه]
25
5الكشف عن مشكل أحاديث الصحيحني ،أليب الفرج ابن اجلوزي [ت 597ه].
مالحظة
هذه املصنفات متثل اخلط الزمني والتارخيي للتأليف يف ُمتلف ومشكل احلديث.
التعارض
التعارض لغة :هو التضاد والتنافر.
التعارض الظاهري:
توهم يف ذهن الناظر للتضاد بني النصوص ،وال وجود له يف الواقع.
التعارض احلقيقي:
هو التضاد التام بني نصني أو أكثر متساويان داللة وثبوتا وعددا ،ومتحدان زمنا وحمال.
ركنا التعارض احلقيقي:
احلجية.
والتعارض.
رشطا التعارض احلقيقي:
Ⅰالتساوي ،ويكون يف ثالثة أمور:
▪ الداللة
▪ الثبوت ،ويتحقق بأمرين.
oالقبول
oدرجة القبول
oالعدد
Ⅱاالُتاد ،ويكون يف أمرين:
▪ الزمن
▪ املحل
26
رشطا التعارض احلقيقي:
الّشط األول:
التساوي ،ويكون يف ثالثة أمور:
Ⅰالتساوي يف الداللة:
دالالت ألفاظ النصوص أنواع:
[قطعية] [ظنية الظاهر] [باملنطوق] [باملفهوم]
فال يمكن أن تكون معارضة حقيقية بني نصوص
مثال قطعية الداللة ونصوص أخرى ظنية الداللة
Ⅱالتساوي يف الثبوت:
التساوي يف الثبوت يتحقق بأمرين اثنني:
األمر األول :القبول.
البد أن تكون النصوص املتعارضة مقبولة ،إذ ال يمكن معارضة النصوص املقبولة
باملردودة معارضة حقيقية كانت أو ظاهرية.
فائدة
احلديث قسامن:
مردود :يشمل عدة أصناف.
مقبول :وهو قسامن:
حمكم :ال معارضة فيه.
متشابه :ليس ساملا من املعارضة.
األمر الثاين :درجة القبول.
البد أن تتساوى الدرجة ،فال يعارض املتواتر مع اآلحاد ،وال القرآن مع اخلرب اآلحاد.
Ⅲالتساوي يف العدد:
27
يعني تساوي عدد النصوص املتعارضة.
سؤال
ملا نحن نتكلم عن هذه األمور؟
حلاجتنا هلا يف توجيه املشكل.
الّشط الثاين
االّتاد ،ويكون يف أمرين:
Ⅰمن حيث الزمن:
حتى يكون التعارض حقيقيا بني النصوص البد أن تكون واردة يف نفس الزمن ،فلو
تقدم أحدمها عىل اآلخر فال تعارض؛ ألن أحدمها ناسخ واآلخر منسوخا.
Ⅱمن حيث املحل:
اُتاد املحل ال يكون إال إذا وجه حكام متعارضا كأن يكون أمرا وهنيا يف مسألة واحدة،
لنفس الشخص ،ويف نفس الوقت.
هل يوجد تعارض حقيقي بني النصوص الّشعية -كتاب ،سنة-؟
مذهب اجلمهور:
ذهب مجهور أهل العلم من السلف واخللف إىل عدم وجود التعارض احلقيقي بني
األخبار البتة وهو ما رصح به ابن خزيمة ،وابن تيمية وابن القيم واملعلمي ،وغريهم.
املذهب الثاين -مرجوح:-
ذهب إىل أن التعارض احلقيقي ال يوجد بني النصوص القطعية ولكن يوجد بني
النصوص الظنية وهذا مذهب لبعض األحناف وهو قول مطروح مرجوح.
ملاذا ّتدثنا عن التعارض احلقيقي؟
28
ألن احلداثيني والعلامنيني ادعوا وجود تعارض حقيقي بني النصوص -ليس الظاهري
الذي أقر به أهل العلم ،-ادعوا تعارض النقل الصحيح والعقل الرصيح ،تعارض النقل
واإلمجاع ،تعارض بني الكتاب والسنة ،فريد عىل هؤالء بانتفاء األركان والرشوط.
ملاذا درسنا التعارض الظاهري؟
حلاجتنا له يف توجيه اإلشكال.
أسباب التعارض الظاهري
[أسباب االستشكال]
يمكن تقسيمها إىل ثالثة أقسام:
▪ أسباب ترجع إىل الرواية والرواة.
▪ أسباب ترجع إىل املستشكل.
▪ أسباب ترجع إىل النص املستشكل.
أسباب ترجع إىل الرواية والرواة:
Ⅰأسباب ترجع إىل الرواية:
الرواية مردودة.
Ⅱأسباب ترجع إىل الرواة:
▪ النقص يف احلفظ.
▪ النقص يف اآلداء.
أسباب ترجع إىل املستشكل
▪ سوء الفهم /نقص العلم /سوء النية.
▪ عدم التدبر التام /شبهة يف نفس املستشكل.
▪ اتباع اهلوى.
▪ التعصب والغلو.
29
أسباب ترجع إىل النص املستشكل.
إما أن يكون االستشكال يف:
Ⅰلفظه
Ⅱتركيبه وهذا يرجع إىل سببني:
1اخلفاء واللبس :له أسباب:
oاجلهل بسبب ورود النص
oتردد النص بني معان حمتملة
oورود النص ناقصا
oظاهر النص غري مراد
2دالالت العموم واخلصوص:
العموم واخلصوص املطلق
العموم واخلصوص النسبي
Ⅲمعارضته لغريه من النصوص املستشكلة.
1النسخ:
▪ نسخا رصحيا منصوصا عليه.
▪ حمتمال.
2تغاير األحوال.
أسباب ترجع إىل الرواية والرواة.
أوال
أسباب ترجع إىل الرواية
أن تكون الرواية مردودة:
30
يقول ابن تيمية - :درء تعارض العقل والنقل...«-فال يعلم حديث واحد خيالف
العقل أو السمع الصحيح إال وهو عند أهل العلم ضعيف ،بل موضوع»...
ثانيا
أسباب ترجع إىل الرواة:
Ⅰ
النقص يف احلفظ:
الراوي حفظ احلديث ناقصا ،فرواه ناقصا ،فيمكن أن حيدث استشكاال.
مثال ذلك :حديث مكحول ،قيل لعائشة إن أبا هريرة يقول :قال رسول اهلل صىل اهلل
عليه وسلم« :الشؤم يف ثالثة :يف الدار واملرأة والفرس» ،فقالت عائشة :مل حيفظ أبو هريرة؛
ألنه دخل ورسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يقول :قاتل اهلل اليهود ،يقولون إن الشؤم يف ثالثة:
يف الدار واملرأة والفرس» ،فسمع آخر احلديث ومل يسمع أوله .مسند أيب داود
مثال آخر أورده اإلمام الشافعي:
حديث عبادة بن الصامت ،قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم« :الذهب
بالذهب ،والفضة بالفضة ،والرب بالرب ،والشعري بالشعري ،والتمر بالتمر ،وامللح بامللح ،مثال
بمثل ،سواء بسواء ،يدا بيد ،فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد»
صحيح مسلم
حديث أسامة بن زيد ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :ال ربا إال يف النسيئة» صحيح
البخاري
حديث عبادة بن الصامت:
يدل بمنطوقه عىل ُتريم نوعني من الربا :ربا النسيئة وربا الفضل.
حديث أسامة بن زيد:
▪ يدل بمنطوقه عىل ُتريم ربا النسيئة.
▪ ويدل بمفهومه عىل جواز ربا الفضل.
31
فيستشكل ذلك ،فيقال :هل يكون يف الفضل ربا أم ال؟
قال اإلمام الشافعي يف كتابه اختالف احلديث:
«قد حيتمل أن يكون سمع رسول اهلل يسأل عن الربا يف صنفني ُمتلفني :ذهب بفضة،
ومتر بحنطة ،فقال« :إنام الربا يف النسيئة» ،فحفظه ،فأدى قول النبي ومل يؤدي مسألة السائل،
فكان ما أدى منه عند سمعه أن ال ربا إال يف النسيئة.
مسالك العلامء يف دفع هذا التعارض:
املسلك األول:
ذهب مجهور املحدثني وغريهم إىل اجلمع بني احلديثني ،وذلك بأن النبي صىل اهلل عليه
وسلم أشار إىل أشد أنواع الربا بقوله« :ال ربا إال يف النسيئة» ،وحديث عبادة بن الصامت ذكر
نوعي الربا ،فال تعارض بني احلديثني ،ويعمل بكليهام.
املسلك الثاين:
األحناف رجحوا حديث عبادة بن الصامت عىل حديث أسامة.
املسلك الثالث:
مذهب عبد اهلل بن عباس وبعض الصحابة ،أنه ال ربا إال يف النسيئة ،فرجحوا مفهوم
حديث أسامة عىل منطوق حديث عبادة.
Ⅱ
النقص يف اآلداء:
قد يكون الراوي حفظ احلديث كامال ،إال أنه أداه ُمترصا.
حديث أيب هريرة ،قال« :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم« :ال خيطب الرجل عىل
خطبة أخيه» سنن أيب داود.
حديث ابن عمر ،قال« :هنى النبي ﷺ أن يبيع بعضكم عىل بيع بعض ،وال خيطب
الرجل عىل خطبة أخيه ،حتى يرتك اخلاطب قبله أو يأذن له اخلاطب» البخاري
أسباب ترجع إىل املستشكل
32
Ⅰسوء الفهم /نقص العلم /سوء النية.
قال ابن تيمية...« :فإن االختالف تارة ينشأ من سوء الفهم ونقص العلم وتارة من سوء
القصد »...جمموع الفتاوى.
Ⅱعدم التدبر التام /شبهة يف النفس.
قال ابن تيمية...« :قد يشكل عىل هذا ما يعرفه هذا ،وذلك تارة يكون لـ ...وتارة لشبهة
يف نفس اإلنسان متنعه من معرفة احلق ،وتارة لعدم التدبر التام،وتارة لغري ذلك »...جمموع
الفتاوى
Ⅲاتباع اهلوى:
قال ابن القيم - :الصواعق املرسلة...« -وأصل كل بلية يف العامل كام قال حممد
الشهرستاين من معارضة النص بالرأي وتقديم اهلوى عىل الرشع والناس إىل اليوم يف رشور
هذه املعارضة وشؤم عاقبتها فإىل اهلل املشتكى»
Ⅳالتعصب والغلو:
قال ابن القيم - :إعالم املوقعني«-فإن كان احلديثان من كالمه وليس أحدمها منسوخا
فال تناقض وال تضاد هناك البتة ،وإنام من يؤيت هناك من قبل فهمه وُتكيمه آراء الرجال
وقواعد املذهب عىل السنة؛ فيقع االضطراب والتناقض واالختالف ،واهلل املستعان»
أسباب ترجع إىل النص املستشكل
االستشكال إما أن يكون يف:
لفظه أو يف تركيبه أو يف معارضته لغريه:
أوال
يف لفظه -غرابة اللفظ-
وهذا النوع من االستشكال يزول بالرجوع إىل قواميس اللغة وكتب غريب احلديث.
ثانيـا
33
يف تركيبه :ويرجع إىل سببني:
Ⅰ
اخلفاء واللبس :وله أسباب:
1
اجلهل بسبب ورود النص:
-اجلهل بسبب ورود احلكم-
العلم بالسبب يورث العلم باملسبب
مثال ذلك:
حديث أم كرز ،أهنا سمعت النبي صىل اهلل عليه وسلم يقول« :أقروا الطري عىل مكناهتا»
ابن حبان.
فهذا احلديث يشكل فهمه بسبب اجلهل بسبب ورود احلديث.
نقل الطحاوي كالم الشافعي يف قوله« :أقروا الطري عىل مكناهتا» ،فقال :كان أحدهم
إذا غدا من منزله يريد أمرا يطريأول طائر يراه فإن سنح عن يساره فاجتال عن يمينه قال :هذه
طري األيامن فمىض يف حاجته ورأى أنه سيستنجحها ،وإن سنح عن يمني فمر عن يساره قال:
هذه طري األشائم ،وقال :هذه حاجة مشؤومة ،وإذا مل ير طائرا سانحا ورأى طائرا يف وكره
حركه من وكره؛ ليطري فينظر ما يسلك له من طريق األشائم أو من طريق األيامن »...
فائدة
من أسباب اجلهل بسبب ورود احلديث الوقوف عىل رواية ناقصة ُمترصة.
2
تردد النص بني معان حمتملة:
-تعدد االحتامالت-
مثال ذلك:
34
حديث أنس بن مالك ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم« :هنى عن اإلقعاء والتورك يف
الصالة» أمحد.
استشكل هذا احلديث ،منهم من فهم اإلقعاء بوضع اإلليتني عىل العقبني ،ومنهم من
فهم اإلقعاء بأنه مشاهبة السباع يف افرتاشها.
املذهب األول –مذهب أيب حنيفة:-
ذهب أبو حنيفة النعامن إىل أن االقعاء املنهي عنه هو وضع اإلليتني عىل العقبني،
واستدل يف ذلك بحديث عيل بن أيب طالب؛ حيث قال :قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم:
«يا عيل ،أحب لك ما أحب لنفيس ،وأكره لك ما أكره لنفيس ...،وال تقع بني السجدتني»...
البيهقي يف الكربى.
املذهب الثاين:
اإلقعاء املنهي عنه ليس وضع اإلليتني عىل العقبني ،بل هو إقعاء السباع:
من أدلة هذا املذهب:
Ⅰحديث ابن عباس ،قيل له يف اإلقعاء عىل القدمني ،فقال« :هي السنة» ،فقيل له:
إنا لنراه جفاء بالرجل ،فقال ابن عباس« :بل هي سنة نبيك صىل اهلل عليه وسلم» .مسلم
Ⅱأن اإلقعاء من أوصاف السباع كام جاء يف القصة التي رواها أبو سعيد اخلدري:
عدا الذئب عىل شاة ،فأخذها فطلبه الراعي ،فانتزعها منه ،فأقعى الذئب عىل ذنبه »...أمحد.
Ⅲأن أغلب اهليئات التي هنى عنها النبي صىل اهلل عليه وسلم يف الصالة هي التي فيها
تشبه باحليوان ،كام جاء مثال يف حديث عائشة ،أن النبي ﷺ كان ينهى عن عقبة الشيطان،
وينهى أن يفرتش الرجل ذراعيه افرتاش السبع» مسلم.
3
ورود احلديث ناقصا:
35
وذلك أن الراوي إما أن يكون حفظ احلديث ناقصا فأداه ناقصا ،وإما أن يكون حفظه
تاما ولكنه أداه ناقصا.
مثال ذلك:
ما رواه عبد اهلل ابن عمر :أن ابن صياد قال للنبي صىل اهلل عليه وسلم الدخ بعدما قال
له النبي صىل اهلل عليه وسلم« :إين قد خبأت لك خبيئا».
جاء يف رواية البخاري...« :ثم قال له النبي ﷺ«:إين قد خبأت لك خبيئا» ،فقال ابن
صياد :هو الدخ ،فقال« :اخسأ ،فلن تعدو قدرك»...
فقد تستشكل كلمة «الدخ» ،وال يمكن معرفتها باالعتامد عىل قواميس اللغة.
لكن جاء بيان ذلك يف رواية أيب داود:
«...ثم قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم :إين قد خبأت لك خبيئة ،وخبأ له﴿:يوم
تأيت السامء بدخان مبني﴾»...
مثال آخر:
جاء يف صحيح البخاري حديث ابن عمر ،أنه قال :صىل بنا النبي صىل اهلل عليه وسلم
العشاء يف آخر حياته ،فلام سلم قام ،فقال« :أرأيتكم ليلتكم هذه ،فإن رأس مائة سنة منها ال
يبقى ممن هو عىل ظهر األرض أحد»
فقد يستشكل هذا احلديث ،فيقال :مضت أكثر من مائة سنة ومل تقم الساعة.
لكنه جاء كامال عند مسلم :زيد عىل ما يف رواية البخاري أن ابن عمر قال :فوهل الناس
يف مقالة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم تلك فيام يتحدثون من هذه األحاديث عن مائة سنة،
وإنام قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم« :ال يبقى ممن هو اليوم عىل ظهر األرض أحد» يريد
بذلك أن ينخرم ذلك القرن.
4
ظاهر النص غري مراد:
36
مثال ذلك:
حديث أيب هريرة ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال :كان رجل يرسف عىل نفسه ،فلام
حرضه املوت قال لبنيه :إذا أنا مت فأحرقوين ،ثم اطحنوين ،ثم ذروين يف الريح ،فواهلل لئن
قدر عيل ريب ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ،فلام مات فعل به ذلك ،فأمر اهلل األرض فقال:
امجعي ما فيك منه ،ففعلت ،فإذا هو قائم ،فقال :ما محلك عىل ما صنعت؟ قال :يا رب
خشيتك ،فغفر له ،وقال غريهُ :مافتك يا رب .صحيح البخاري.
وجاء يف حديث معاوية بن حيدة ،أن املويص قال« :ثم اذروين يف الريح لعيل أضل
اهلل »...مشكل اآلثار للطحاوي.
فهذا قد يستشكل ،فيقال :كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة عىل إحياء املوتى؟
قال الطحاوي يف رشح مشكل اآلثار...« :ومل يكن مراد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم
بالقدرة ذلك -صفة هلل ،-وإنام هو التضييق»...
وقال أيضا :غري أن قوما أخرجوا حلديث معاوية بن حيدة معنى ،وهو أهنم جعلوا قوله:
«لعيل أضل اهلل» جهال منه بلطيف قدرة اهلل مع إيامنه به جل وعز ،فجعلوه بخشيته عقوبته
مؤمنا ،وبطمعه أن يضله جاهال ،فكان الغفران من اهلل تعاىل له إليامنه ،ومل يؤاخذه بجهله
الذي مل خيرجه من اإليامن به إىل الكفر به تعاىل»...
وقال ابن قتيبة :قد يغلط يف بعض الصفات قوم من املسلمني فال يكفرون بذلك ،ورده
بن اجلوزي ،وقال :جحده صفة القدرة كفر اتفاقا ،وإنام قيل إن معنى قوله لئن قدر اهلل عيل
أي ضيق ،وهي كقوله﴿ :ومن قدر عليه رزقه﴾؛ أي ضيق ،وأما قوله« :لعيل أضل اهلل»،،
فمعناها لعيل أفوته »...فتح الباري البن حجر
Ⅱ
دالالت العموم واخلصوص:
اجلهل بدالالت األلفاظ يؤدي إىل توهم التعارض بني األدلة واستشكاهلا.
صورتا التعارض بني العام واخلاص:
37
Ⅰالعموم واخلصوص املطلق:
تعارض نصني ،أحدمها عام واآلخر خاص ،يف احلكم واللفظ ،ومشرتكان يف املحكوم
عليه.
Ⅱالعموم واخلصوص النسبي -الوجهي:-
توافق عموم أحد النصني مع خصوص النص الثاين ،وتوافق خصوص النص األول
مع عموم النص الثاين.
الفرق بني العموم واخلصوص املطلق والوجهي:
املطلق :
يكون بني نصني أحدمها عــــــــام واآلخر خـــاص.
الوجهي -النسبي:-
أوال :يكون بني نصني عامني متفقان من وجه وُمتلفان من وجه آخر.
ثانيا :يكون عموم األول هو خصوص الثاين ،وعموم الثاين هو خصوص األول.
مثال عن العموم واخلصوص املطلق:
حديث عبادة بن الصامت ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :الذهب بالذهب،
والفضة بالفضة ،والرب بالرب ،والشعري بالشعري ،والتمر بالتمر ،وامللح بامللح ،مثال بمثل ،سواء
بسواء ،يدا بيد ،فإذا اختلفت هذه األصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» صحيح مسلم.
حديث عبادة بن الصامت هذا دل بمنطوقه ومفهومه عىل أن الربا يكون يف نوعني اثني؛
النسيئة والفضل؛ أي يف األصناف الست ،النقدين[الذهب والفضة] ،واملطعامت األربع [الرب
والشعري والتمر وامللح].
حديث أسامة بن زيد ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :ال ربا إال يف النسيئة» صحيح
البخاري.
حديث أسامة بن زيد دل بمنطوقه عىل أن الربا خاص فقط بنوع واحد ،وهو النسيئة.
38
فقد يستشكل ذلك ،فيقال :الربا خاص فقط بالنسيئة ،أو يكون يف النسيئة والفضل؟
املذهب األول:
أبقوا حديث عبادة بن الصامت عىل ما دل عليه بمنطوقه ومفهومه ،وأما حديث أسامة
بن زيد إنام أراد النبي صىل اهلل عليه وسلم أخص أنواعه وأشنعها.
مذهب األحناف:
قالوا بأنه ال ربا إال يف النسيئة ،فخصصوا العموم هبذا احلديث.
املسلك الثالث- :مل أذكره يف املوضع السابق:-
قالوا منطوق حديث عبادة بن الصامت عىل ُتريم نوعي الربا خصص مفهوم حديث
أسامة بن زيد -ال ربا يف الفضل ،-فبذلك ال يكون ربا الفضل إال فيام ذكر يف حديث عبادة.
فائدة:
اختلف العلامء يف كون العلة هل هي قارصة باألصناف الست املذكورة أو هي متعدية.
فائدة:
إذا اُتدت األجناس يشرتط التامثل والتقابض.
إذا اختلفت األجناس يشرتط التقابض.
مثال آخر عن العموم واخلصوص املطلق:
حديث عمرو بن يثريب الضمري ،أن النبيﷺ قال« :وال حيل المرئ من مال أخيه إال
ما طابت به نفسه».
حديث أيب هريرة ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :ال يمنع جار جاره أن يغرز
خشبه يف جداره» صحيح البخاري
فقد يستشكل ذلك ،فيقال :حرم النبي ﷺ أخذ مال املسلم إال ما كان برضاه ،ثم يأمره
بأن ال يمنع جاره من غرز شجره عىل ملكه.
املذهب األول:
39
قالوا احلديث األول عام ،واحلديث الثاين خاص بغرز اخلشبة يف اجلدار ،بمعنى أنه ال
جيوز للمسلم أن يتعدى عىل مال أخيه املسلم إال بموافقته ورضاه إال يف حال واحد ،وهو
غرز خشبك عىل جداره.
مذهب آخر:
محلوا النهي عىل التنزيه ،يعني له أن يمتنع.
مثال العموم واخلصوص الوجهي -النسبي:-
حديث ابن عباس ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :من بدل دينه فاقتلوه»
عموم هذا احلديث:
القتل عام جلميع املرتدين ،بام فيهم النساء.
خصوص احلديث:
القتل خاص بعامة من بدل دينه ،بام يف ذلك النساء والصبيان.
حديث عبد اهلل ابن عمر ،قال« :هنى رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم عن قتل النساء
والصبيان» البخاري.
عموم هذا احلديث:
النهي عن القتل عام جلميع النساء والصبيان.
خصوص احلديث:
النهي عن القتل خاص بعامة النساء والصبيان ،دون الرجال.
قد يستشكل ذلك ،فيقال :املرأة إن بدلت دينها تقتل أم ال؟
أوجه االتفاق بني احلديثني:
عموم األول [القتل عام جلميع املرتدين ،بام فيهم النساء] يمثل خصوص الثاين [النهي
عن القتل خاص بعامة النساء والصبيان ،دون الرجال.].
40
وعموم الثاين [النهي عن القتل عام جلميع النساء والصبيان] يمثل خصوص األول
[القتل خاص بعامة من بدل دينه ،بام يف ذلك النساء والصبيان].
مسلك اجلمهور:
مجعوا بني النصني بحملهم العام عىل اخلاص ،فقالوا إن ارتدت املرأة تقتل ،ألهنم أبقوا
قوله صىل اهلل عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه» عىل عمومه ،أما هني النبي صىل اهلل عليه
وسلم عن قتل النساء والصبيان فخصوه باحلربية ال املرتدة.
مسلك األحناف:
رجحوا النص الثاين عىل األول ،فقالوا بأن املرأة ال تقتل حربية كانت أو مرتدة.
ثالثا
معارضته لغريه من النصوص املستشكلة.
Ⅰ
النســـــــخ:
النسخ قد يكون:
▪ نسخا رصحيا منصوصا عليه.
▪ بلسان النبي صىل اهلل عليه وسلم.
▪ من صحايب.
▪ نسخا احتامليا [حمتمال].
مثال عن النسخ:
حديث األسود وعلقمة ،قاال :أتينا عبد اهلل بن مسعود يف داره ...فجعل أحدنا عن
يمينه واآلخر عن شامله ،قال :فلام ركع وضعنا أيدينا عىل ركبنا ،قال :فرضب أيدينا وطبق بني
كفيه ،ثم أدخلهام بني فخذيه ،قال :فلام صىل،قال ... :وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه عىل
فخذيه ،وليجنأ ،وليطبق بني كفيه »...مسلم.
41
حديث محيد ،قال عن النبي صىل اهلل عليه وسلم« :ثم ركع فوضع يديه عىل ركبتيه كأنه
قابض عليهام» سنن أيب داود.
حديث رفاعة بن رافع ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال...وإذا ركعت فضع راحتيك
عىل ركبتيك »...سنن أيب داود.
رواية سعد بن أيب وقاص رصحية عىل النسخ.
حديث مصعب بن سعد بن أيب وقاص ،قال :صليت إىل جنب أيب ،فلام ركعت شبكت
أصابعي وجعلتهام بني ركبتي ،فرضب يدي ،فلام صىل قال« :قد كنا نفعل هذا ،ثم أمرنا أن
نرفع إىل الركب» صحيح مسلم.
Ⅱ
تغاير األحوال:
بمعنى أن النبي صىل اهلل عليه وسلم حدث بحديث يف حال ،وحدث بحديث آخر
مناقضا للحديث األول يف حال آخر.
عىل سبيل املثال:
حديث أيب هريرة ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :إذا اشتد احلر فأبردوا بالصالة،
فإن شدة احلر من فيح جهنم» البخاري
تسمى بسنة اإلبراد ،وذلك بتأخري صالة الظهرعن وقتها يف شدة احلر.
حديث خباب ،أنه قال« :شكونا إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم الصالة يف الرمضاء،
فلم يشكنا» مسلم.
أي شكوا مشقة صالة الظهر يف أول وقتها يف الرمل احلار.
قد يستشكل ذلك ،فيقال :كيف أمر رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم باالبراد ،ثم مل
يرخص هلم به.
اجلمع بني احلديثني:
42
العلامء دفعوا اإلشكال بتغاير األحوال ،فقالوا بأن حديث أيب هريرة سيق يف حال،
وحديث خباب سيق يف حال آخر ،حديث أيب هريرة حيمل عىل شدة حرارة اجلو ،أما حديث
خباب فإنه حيمل عىل احلر املعتاد ،فلم يأذن هلم النبي صىل اهلل عليه وسلم ألن الرمضاء التي
شكوا إليه الصالة فيها تبقى حارة حتى بعد اإلبراد ،ومل يشكوا شدة حر اجلو الذي يذهب
باإلبراد.
فائدة
كيف يتعامل مع الروايات املتعددة ،املتحدة املخرج؟
اّتاد املخرج:
يعني أن احلديث خرج يف حال واحدة فقط؛ أي يف نفس املناسبة.
احلالة األوىل:
إن كانت احدى الروايات تامة وأخرى ناقصة ،فإنه جيمع بني الروايات.
احلالة الثانية:
إن اختلفت الروايات من حيث اللفظ واُتدت من حيث املعنى ،فذلك إما لترصف
الرواة ،أو أهنم رووه باملعنى ،فيقبلون اجلميع.
احلالة الثالثة:
إن اختلفت الروايات يف املعنى ويف اللفظ ،بحيث يتعذر اجلمع بينهام ،فإنه يصار إىل
القول بالنسخ إن علم ،وإال يصار الرتجيح.
احلالة الرابعة:
إن اتفقت الروايات من وجه ،واختلفت من وجه آخر ،فهنا كثري من أهل احلديث
يقبلون ما اتفقت عليه الروايات ،ويردون ما اختلفت فيه بعلة االضطراب.
مسالك العلامء يف درء التعارض.
[طبعا الظاهري]
43
التعارض يف مشكل احلديث يشمل احلجج السمعية والعقلية ،ال كام هو احلال يف
املختلف.
44
وضعت تلك املسالك صيانة لرشيعة اهلل عز وجل؛ ألن ال تتهم بالتناقض؛ ألن بقاء
التعارض موهم لوجود التناقض يف هذه الرشيعة.
تنبيه
أغلب ما يدفع به التعارض بني النصوص هو اجلمع أو الرتجيح بينهام.
أدلة املذهبني عىل ترتيبهم للمسالك:
أدلة اجلمهور عىل تقديمهم اجلمع عىل النسخ والرتجيح:
من األدلة العقلية:
Ⅰإعامل النصوص الرشعية أوىل من امهاهلا؛ ألهنا نزلت ليعمل هبا ،واجلمع هو الذي
حيقق هذا املقصد ،بخالف الرتجيح أو النسخ ،فإن فيهام تعطيل هلا.
Ⅱاحتامل وقوع اخلطأ يف اجلمع أقل من احتامل وقوعه يف الرتجيح والنسخ؛ ألن
الرتجيح والنسخ مبنامها عىل مسالك اجتهادية ،مبنامها عىل أمور احتاملية وظنية ،بخالف
إعامل الدليلني فإنه متسك باألصل.
Ⅲالقول باجلمع أدعى لنفي التهمة عن الرشيعة بأهنا مضطربة وناقصة ومتناقضة.
من األدلة العملية -نقلية:-
Ⅰاستدلوا بعمل الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم ،قالوا بأهنم قدموا اجلمع يف كثري
مما استشكلوه من النصوص وتعارض عندهم.
مثال ذلك:
مجع الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم كـ ابن عباس وعكرمة بتغاير األحوال بني
نصوص تعارض ظاهرها ،بعضها يثبت السؤال يوم القيامة ،وأخرى تنفيه :كـ قوله
تعاىل﴿:فيومئذ ال يسأل عن ذنبه إنس وال جان﴾ ،وقوله﴿ :فوربك لنسأهنم أمجعني عام كانوا
يفعلون﴾.
45
مجع ابن عباس:
جاء يف تفسري الطربي أنه قال« :ال يسأهلم هل عملتم كذا وكذا؟ ألنه أعلم بذلك منهم،
ولكن يقول هلم :مل عملتم كذا وكذا؟».
مجع عكرمة:
جاء يف تفسري القرطبي أنه قال« :القيامة مواطن ،يسأل يف بعضها وال يسأل يف بعضها».
أدلة األحناف عىل تقديمهم النسخ والرتجيح عىل اجلمع :
من األدلة العقلية:
Ⅰالنسخ مسقط ألحد الدليلني املتعارضني ،وبذلك ينتفي التعارض ،وال حاجة بعد
ذلك للنظر يف أمور أخرى.
Ⅱباتفاق العقالء أنه ال جيوز ترجيح املرجوح عىل الراجح أو التسوية بينهام ،وتقديم
اجلمع فيه تسوية بني الراجح واملرجوح.
من األدلة العملية -نقلية:-
Ⅰاستدلوا بفعل الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم ،عىل أهنم كانوا جينحون إىل
الرتجيح عند التعارض وعند االستشكال ،ويقدمونه عىل اجلمع.
من تلك املواقف:
ترجيح الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم ملا اختص به زواجات النبي صىل اهلل عليه
وسلم عىل غريهم.
مثال ذلك:
حديث رفاعة ،ملا اختلف الصحابة يف حكم االغتسال من اجلامع بال إنزال ،منهم من
قال :أن املاء ال يكون إال من املاء ،ومنهم من قال«:إذا جاوز اخلتان اخلتان فقد وجب الغسل»
فقال عيل :يا أمري املؤمنني ،إن أعلم الناس هبذا أزواج رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،فأرسل
إىل عائشة ،فقالت« :إذا جاوز اخلتان اخلتان وجب الغسل» ...مسند أمحد
46
مثال آخر:
حديث أيب بكر بن عبد الرمحن ،أنه سمع أبا هريرة يقول« :من أدركه الفجر جنبا فال
يصم» ،فذكر ذلك ألبيه ،فأنكره ،وانطلق وسأل عائشة وأم سلمة عن ذلك ،فكلتامها قالت:
«كان النبي صىل اهلل عليه وسلم يصبح جنبا من غري حلم ،ثم يصوم» فجاؤوا أبا هريرة ،فقال
أبو هريرة :أمها قالتاه لك؟ قال :نعم ،قال :مها أعلم ،فرجع أبو هريرة عام كان يقول .مسلم
جواب اجلمهور عىل أحد أدلة األحناف:
قالوا نحن نتفق معكم عىل أن الصحابة قد سلكوا مسلك الرتجيح ،وال ننازعكم يف
ذلك ،لكن ما أوردمتوه إنام هو ترجيح عند تعذر اجلمع ،ونحن نقول أيضا بالرتجيح عند
تعذر اجلمع.
القول الراجح يف ترتيب املسالك:
[النسخ بالنص -النسخ الرصيح ]-ثم [اجلمع] ثم [النسخ الظني] ثم [الرتجيح] ،مع
إمهال املسالك األخرى كالتوقف ،والتساقط ،والعمل باألدنى ،واالختيار ،وغري ذلك.
النسخ الرصيح:
Ⅰإما يرصح به النبي صىل اهلل عليه وسلم ،ومثال ذلك:
حديث ابن بريدة ،قال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم« :هنيتكم عن زيارة القبور
فزوروها »...،مسلم
Ⅱوإما أن يرصح به صحايب ،مثال ذلك :حديث جابر ،قال« :كان آخر األمرين من
رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ترك الوضوء مما غريت النار».أبو داود
أدلة ترجيح ذلك الرتتيب:
Ⅰتقديم النسخ بالنص -النسخ الرصيح:-
ألن النسخ يسقط أحد النصني املتعارضني ،فينتفي التعارض يف األول ،ويصري ال حاجة
يف النظر إىل مسالك أخرى.
47
Ⅱتقديم اجلمع عىل النسخ الظني:
ألن اجلمع فيه إعامل للدليلني ،وإعامل الدليليني أوىل من اسقاط أحدمها.
Ⅲتقديم اجلمع عىل الرتجيح:
-ذكرنا أدلة اجلمهور-
Ⅳاحلجة عىل إمهال املسالك األخرى:
هذه مباحث نظرية ،ال مثال هلا يف الواقع ،ومسالك الرتجيح التي تفوق اخلمسني مل
تبقي نصني متعارضني.
مالحظة
األحناف أصابوا بتقديمهم النسخ بالنص ،واجلمهور أصابوا بتأخريهم النسخ بالظن
عىل اجلمع ،فام ذهبنا إليه إنام هو توفيق بني مذهب اجلمهور ومذهب األحناف.
فائدة
تقديم النسخ الرصيح -بالنص ،-أشبه باملسألة التي تعارضت فيها أقوال الرجال
واختلف فيها ،فقبل النظر إىل هذه األقوال والرتجيح بينها ينظر يف كتب اإلمجاع ،فإذا ثبت
االمجاع فال حاجة إىل النظر يف األقوال والرتجيح بينها.
قال ابن قدامة يف روضة الناظر:
جيب عىل املجتهد يف كل مسألة أن ينظر أول شء إىل اإلمجاع ،فإن وجده مل حيتج إىل
النظر يف سواه ،ولو خالفه كتاب أو سنة علم أن ذلك منسوخ ،أو متأول؛ لكون اإلمجاع دليال
قاطعا ،ال يقبل نسخا وال تأويال.
مثال يربز فيه أثر اختالف ترتيب املسالك عىل األحكام الّشعية:
حديث أيب أيوب األنصاري ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :إذا أتيتم الغائط فال
تستقبلوا القبلة وال تستدبروها ببول وال غائط ،ولكن رشقوا أو غربوا» ...مسلم.
تنبيه
48
األمر بالترشيق والتغريب خاص بأهل املدينة.
حديث عبد اهلل بن عمر ،قال« :ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت النبي صىل اهلل عليه
وسلم يقيض حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام» البخاري
اختلف العلامء يف درء هذا التعارض عىل أربعة مسالك:
مذهب اجلمهور قالوا باجلمع
مذهب األحناف قالوا بالرتجيح
مذهب قالوا بالنسخ
مذهب قالوا بالتخصيص
مسلك اجلمهور:
قالوا باجلمع بتغاير األحوال ،فحملوا حديث أيب أيوب األنصاري عىل حال - ،النهي
يف الفالة والفضاء ،-ومحلوا حديث عبد اهلل بن عمر عىل حال أخرى -اجلواز يف البنيان،-
وبذلك يكون استقبال القبلة بالبول والغائط منهي عنه يف الفضاء ،وجائز يف البنيان.
الفريق األول:
رأى بخصوص حديث أيب أيوب يف الفضاء بال ُمصص خارجي ،مستندين يف ذلك
عىل عبارة «إذا أتيتم الغائط» ،والغائط هو املكان املنخفض -الفالة ،-أما حديث عبد اهلل بن
عمر فإنه متفق عىل خصوصه بالبناء.
الفريق الثاين:
رأوا بأن النهي الوارد يف حديث أيب أيوب عام يف الفضاء والبنيان ،وحديث عبد اهلل بن
عمر خاص بالبناء ،فخصص عموم حديث أيب أيوب بحديث عبد اهلل بن عمر.
استشكال قول القائل بجواز استقبال القبلة يف البنيان:
49
حديث عبد اهلل بن عمر أباح بمنطوقه االستدبار فقط ،ومل يبح االستقبال ،وحتى
بمفهومه أيضا ال جييزه ،ألن القياس هو إحلاق لألدنى باألعىل أو بام يساويه ،واالستقبال أعىل
من االستدبار ،فحديث عبد اهلل بن عمر ال يدل عىل جواز استقبال القبلة يف البنيان.
دفع االستشكال:
يدفع ذلك االستشكال بطلب أدلة خارجية ،منها :فهم عبد اهلل بن عمر الدال عىل جواز
استقبال القبلة يف البناء.
قصة مروان األصفر ،قال :رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة ،ثم جلس يبول
إليها ،فقلت :يا أبا عبد الرمحن ،أليس قد هني عن هذا؟ قال :بىل ،إنام «هني عن ذلك يف
الفضاء ،فإذا كان بينك وبني القبلة شء يسرتك فال بأس» أيب داود.
مسلك األحناف:
قالوا بالرتجيح ،فرجحوا حديث أيب أيوب األنصاري عىل حديث عبد اهلل بن عمر؛
ألن النهي عندهم مقدم عىل اإلباحة ،وأيضا ألهنم يقدمون الرتجيح عىل اجلمع ،وعىل ذلك
يبقى النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط عىل عمومه؛ يف البنيان كان أو يف الفضاء.
مسلك ثالث:
قالوا بالنسخ ،رأوا بأن حديث عبد اهلل بن عمر ناسخ حلديث أيب أيوب األنصاري،
وعىل هذا استقبال القبلة واستدبارها جائز بإطالق؛ يف الفضاء كان أو يف البنيان.
وهذا النسخ عضدوه بحديث جابر بن عبد اهلل ،قال« :كان رسول اهلل صىل اهلل عليه
وسلم ينهانا أن نستقبل القبلة أو نستدبرها بفروجنا إذا أهرقنا املاء» ،قال« :ثم رأيته قبل موته
بعام يبول مستقبل القبلة» ابن حبان
استشكال هذا القول:
50
Ⅰحديث عبد اهلل بن عمر جاء فيه أن النبي ﷺ استدبر القبلة ،فكيف قالوا بجواز
استقبال واستدبار القبلة؟
Ⅱحديث عبد اهلل ابن عمر جاء فيه أن استدبار النبي صىل اهلل عليه وسلم القبلة أثناء
قضاء حاجته كان يف البنيان فقط ،فكيف قالوا بجواز استقبال واستدبار القبلة بإطالق – يف
البنيان كان أو يف الفضاء-؟
مسلك رابع:
قالوا بالتخصيص ،حديث عبد اهلل بن عمر خاص بالنبي صىل اهلل عليه وسلم،
وحجتهم يف ذلك أن عبد اهلل بن عمر لو مل يرقى ملا رأى النبي ﷺ ،وملا علمنا بذلك ،والنبي
صىل اهلل عليه وسلم لو أراد إعالم األمة ألعلمهم بقوله كام أعلمهم بالنهي بقوله ،أما النهي
الوارد يف حديث أيب أيوب فإنه يبقى عىل عمومه ،يف البنيان كان أو يف الفضاء.
التفصيل يف املسالك الثالثة األول -اجلمع ،النسخ ،الرتجيح-
مسلك اجلمع:
51
Ⅱحجية وثبوت املتعارضني؛ أدلة نقلية كانت ،أو عقلية.
Ⅲأن ال يعارض اجلمع إمجاعا ،أو معلوما من الدين بالرضورة ،أو ّيدم أحد ثوابت
اإلسالم ،ونحو ذلك.
رشطان اختص هبام األحناف فقط:
Ⅰأن ال يعلم تأخر أحد الدليل عن اآلخر؛ أي :اجلهل بالتاريخ.
إذا مل يقرتن الدليالن اقرتانا مرتاخيا كان،أو متأخرا ،فإهنم يقولون بالرتجيح.
أما إذا علم تأخر أحد الدليلني فإن األحناف يقولون بالنسخ ال باجلمع.
Ⅱتساوي املتعارضني يف درجة حجية الثبوت.
وعىل هذا ال جيمع عندهم بني املتواتر واآلحاد ،وال بني الكتاب والسنة ،وال بني
الصحيح واحلسن ،وإن مل يتساويا جنحوا إىل الرتجيح.
تنبيه
تلك الرشوط وضعها األصوليون ،ووافقهم عليها املحدثون.
مثال يربز فيه أثر اخلالف يف قضية عدم التساوي بني حجتني.
حديث ابن عباس« ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قىض بيمني وشاهد» مسلم
يعني بحلف املدعي ،وشهادة شاهد معه.
حديث أيب مليكة املشهور ،قال :كتبت إىل ابن عباس فكتب إيل« :إن النبي صىل اهلل عليه
وسلم قىض أن اليمني عىل املدعى عليه» البخاري.
فيستشكل ذلك ،فيقال :احلديث األول قىض النبي صىل اهلل عليه وسلم بيمني املدعي
وشهادة الشاهد ،ويف احلديث الثاين قىض أن البينة عىل املدعي ،واليمني عىل املدعى عليه؟
األحناف:
ذهبوا إىل ترجيح احلديث املشهور إسنادا وعمال -الثاين -عىل احلديث األول؛ ألنه
دونه يف احلجية.
52
اجلمهور:
ذهبوا إىل اجلمع بني الدليلني ،وذلك بتخصيص العموم ،فقالوا أن قضاء النبي صىل اهلل
عليه وسلم بيمني املدعي -احللف -وشهادة الشاهد خاص يف املنازعات املالية -احلقوق
املالية ،-أما حديث اليمني عىل املدعى عليه ،فهو يف ما عدا ذلك من املنازعات -احلقوق
األخرى.-
طرق اجلمع بني األدلة املتعارضة:
-مسالك اجلمع-
1اجلمع بحمل العام عىل اخلاص.
2اجلمع بحمل املطلق عىل املقيد.
3اجلمع بحمل الوجوب عىل الندب.
4اجلمع بحمل التحريم عىل الكراهة.
5اجلمع بحمل األخذ بالزيادة.
6اجلمع بتغاير األحوال.
7اجلمع بالتخيري.
8اجلمع بحمل احلقيقة عىل املجاز.
أوال:
اجلمع بحمل العام عىل اخلاص:
-اجلمع بتخصيص العام-
تنبيه
محل العام عىل اخلاص ّ -تصيص العام -من أشهر أنواع اجلمع عند العلامء وأقواها.
تنبيه
اخلاص ليس هو التخصيص.
53
اخلاص :ما دل عىل معني.
التخصيص :قرص حكم العام عىل بعض أفراده.
هل اتفق العلامء عىل محل العام عىل اخلاص؟
اتفقوا بحمل العام عىل اخلاص ،ولكن ثمة خالف بني اجلمهور واألحناف.
األحناف:
اشرتطوا يف محل العام عىل اخلاص رشطان اثنان:
Ⅰأن يأيت اخلاص بعد العام غري مرتاخ عنه -يعني يأيت مبارشة ،-أما إذا أتى مرتاخ
عنه فإهنم يقولون بالنسخ.
Ⅱتساوي قوة الدليلني املتعارضني ،وبالتايل ال حيملون العام املتواتر عىل اخلاص
اآلحاد ،وال العام اآلحاد عىل املتواتر اخلاص ،إذا مل يتساويا من حيث القوة قالوا بالرتجيح.
اجلمهور:
يف مجيع األحوال حيملون العام عىل اخلاص؛ سواء تقدم العام عىل اخلاص ،أو تأخر ،أو
اقرتنا ،أو جهل التاريخ؛ فلم يعلم املتقدم من املتأخر.
وجه اخلالف بني اجلمهور واألحناف يف محل العام عىل اخلاص؟
أوال:
إذ جهل تاريخ العام واخلاص ،فلم يعلم املتقدم من املتأخر.
األحناف :يقولون بالرتجيح.
اجلمهور :يقولون باجلمع ،ألهنم ال يشرتطون العلم بالتاريخ.
ثانيا:
جميء اخلاص بعد العام.
اجلمهور :يقولون باجلمع.
األحناف :إن مل يكن مرتاخيا قالوا باجلمع وإن كان مرتاخيا قالوا بالنسخ.
54
أمثلة يف محل العام عىل اخلاص:
املثال األول
قال اهلل تعاىل﴿ :يوصيكم اهلل يف أوالدكم للذكر مثل حظ االنثيني﴾ هذا نص عام،
يشمل كل ذكر وأنثى.
حديث أسامة بن زيد ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :ال يرث املسلم الكافر ،وال
الكافر املسلم» البخاري.
حديث أيب هريرة ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :القاتل ال يرث» ابن ماجه.
حديث أيب هريرة ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :إنا معرش األنبياء ال نورث ،ما
تركت بعد مئونة عاميل ونفقة نسائي صدقة» أمحد
هذه األحاديث خصصت عموم اآلية.
مثال آخر
حديث أيب هريرة ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :العجامء جرحها جبار»... ،
البخاري.
العجامء :البهائم.
جرحها :ما أتلفته من زرع.
جبار :ال ضامن فيه.
عموم احلديث أن البهائم إذا عدت عىل بستان أو حديقة وأتلفته فال ضامن عليه.
حديث حميصة ،أن ناقة للرباء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدته عليهم« ،فقىض
ﷺ عىل أهل األموال حفظها بالنهار ،وعىل أهل املواش حفظها بالليل» أبو داود.
يف هذا احلديث جاء التفصيل ،وذلك بالنظر إىل زمن وقوع االعتداء ،فإذا وقع بالنهار
فهو من تفريط صاحب البستان ،وإذا وقع بالليل فهو بتفريط من صاحب املاشية.
فاحلديث العام خصص ،فيكون ال جبار إذا كان االعتداء بالليل.
55
ثانيا:
اجلمع بحمل املطلق عىل املقيد -اجلمع بتقييد املطلق:-
املقيد :اللفظ الدال عىل املاهية بقيد يقلل شيوعه.
املطلق :اللفظ الدال عىل املاهية من غري قيد يقلل شيوعه.
الفرق بني العام واخلاص وبني العام واملطلق:
العام واخلاص :داللتهام تكون عىل األفراد واألعيان.
املطلق واملقيد :داللتهام تكون عىل املاهية واألوصاف.
العالقة بني األوصاف واألعيان:
األوصاف قد تتعدد يف عني واحدة ،مثال :رقبة يقال عنها عني واحدة ،لكن أوصافها
قد تتعدد ،فقد تكون مسلمة ،كافرة ،صغرية ،كبرية ،ذكر ،أنثى.
الفرق بني محل العام عىل اخلاص ومحل املطلق عىل املقيد
إذا محل العام عىل اخلاص:
فإن العام يبقى عىل عمومه يف بقية األفراد ،واخلاص يكون حكام خاصا ألفراده.
أما إذا محل املطلق عىل املقيد:
فإن املطلق ال يبقى عىل إطالقه ،وإنام يعطى حكم النص املقيد.
هل اتفق العلامء يف محل املطلق عىل املقيد؟
اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد اختلفا يف صور ،واتفقا يف صور.
اجلمهور :يرون بحمل املطلق عىل املقيد.
األحناف :املشهور واألصل أهنم يعملون باملقيد حيث ورد ،ويعملون باملطلق عىل
إطالقه ،ولكن عندهم تفصيل.
صور وحاالت املطلق مع املقيد:
56
أحسن من فصل يف املطلق واملقيد هو أبو زرعة العراقي يف الغيث اهلامع رشح مجع
اجلوامع ،ذكر ستة صور للمطلق مع املقيد ،وهي:
1اُتاد احلكم والسبب مع اإلثبات.
2اُتاد احلكم والسبب مع النفي.
3اُتاد احلكم والسبب مع التغاير.
4اُتاد احلكم واختالف السبب.
5اُتاد السبب واختالف احلكم.
6اختالف احلكم والسبب.
نقسمها عىل غري تقسيم أيب زرعة أفضل:
إما أن يتحد احلكم والسبب ،وله ثالثة صور:
1اُتادمها مع اإلثبات.
2اُتادمها مع النفي.
3اُتادمها مع التغاير.
وإما أن خيتلف احلكم والسبب ،وله ثالث صور:
1إما أن يتحد احلكم ،وخيتلف السبب.
2يتحد السبب ،وخيتلف احلكم.
3خيتلف السبب واحلكم.
ما معنى احلكم والسبب؟
اخلطاب رشعي له موجب -السبب ،-وله حكم«.وأقيموا الصالة» هذا خطاب
رشعي ،موجبه :إقامة الصالة ،وحكمه :وجوب إقامتها.
«وآتوا الزكاة» هذا خطاب رشعي ،موجبه :الزكاة ،وحكمه :وجوب إتياهنا.
ما معنى االثبات والنفي والتغاير:
57
اإلثبات :الفعل الذي مل يدخل عليه نفي أو هني.
النفي :الفعل الذي دخل عليه نفي أو هني.
التغاير :أحد النصني مثبت ،واآلخر منفي.
تنبيه
هذه الصور الستة ليست أمثلة ،ولو أردنا التمثيل لكفينا مثال واحد.
الغاية من وقوفنا عىل هذه الصور الستة فهم اخلالف احلاصل بني اجلمهور واألحناف
يف محل املطلق عىل املقيد ،ألهنم اتفقوا يف بعض الصور ،واختلفوا يف الصور األخرى ،فهذه
الصور تبني اخلالف بني املذهبني.
اّتاد احلكم والسبب .وله ثالث صور:
أوال:
اّتاد احلكم والسبب مع االثبات:
حكم تقيد املطلق يف هذه الصورة:
اتفق اجلمهور مع األحناف يف هذه الصورة عىل وجوب محل املطلق عىل املقيد ،لكن
برشط توفر رشطني عند األحناف ،ومها:
1تساوي املتعارضني يف درجة حجية الثبوت
2أن ال يعلم تأخر أحد الدليلني عن اآلخر
مثال يف اّتاد السبب واحلكم مع اإلثبات:
قال تعاىل﴿ :حرمت عليكم أمهاتكم ...وأمهاتكم الاليت أرضعنكم﴾
حديث ابن عباس ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال يف بنت محزة« :ال ُتل يل ،حيرم
من الرضاع ما حيرم من النسب ،هي بنت أخي من الرضاعة» البخاري
وعن عائشة ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :إن الرضاعة ُترم ما حيرم من الوالدة»
البخاري
58
هذه النصوص الثالثة -اآلية واحلديثني -جاءت مطلقة ؛ ألهنا مل تبني عدد الرضاعات
املحرمات.
لكن جاء حديث عائشة ،أهنا قالت« :كان فيام أنزل من القرآن عرش رضعات معلومات
حيرمن ،ثم نسخن بخمس معلومات ،فتويف رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم وهن فيام يقرأ من
القرآن» مسلم
حديث عائشة األخري مقيد.
تلك النصوص مجيعها:
اُتد سببها -موجبها ،-وهو :الرضاع.
واُتد حكمها ،وهوُ :تريم ما كان من الرضاعة.
ومجيعها مثبت ،ليس منفي.
اجلمهور:
قالوا بتقييد املطلق ،وعىل ذلك ال حيرم الرضاع بأقل من مخس رضاعات معلومات.
األحناف:
مل يقولوا بحمل املطلق عىل املقيد لعدم تكافئ األدلة ،اآلية قطعية الثبوت ،واحلديثان
املطلقان من قبيل املتواتر ،بخالف حديث عائشة األخري املقيد ،فإنه آحاد ،وعندهم
اآلحاد
ال يقيد املطلق القطعي الثبوت واملتواتر ،وعىل ذلك األحناف قالوا بأن الرضاع قليله
وكثريه يقع به التحريم ،ولو مصة واحدة ،وأخذ هبذا القول بعض املالكية أيضا.
ثانيا:
اّتاد احلكم والسبب مع النفي:
حكم تقييد املطلق يف هذه الصورة:
59
اختلف اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة ،اجلمهور قالوا
بحمل املطلق عىل املقيد ،واألحناف قالوا ال حيمل.
مثال عىل هذه الصورة:
هذه الصورة ليس هلا شاهد ،ال يف القرآن ،وال يف السنة ،ولكن يرضبون هلا مثال
بقوهلم«:ال تعتق مكاتبا» ،ثم يقولون« :ال تعتق مكاتباكافرا».
حكمهام واحد ،وهو :العتق ،وكالمها منفي.
وأحدمها مطلق ،والثاين مقيد.
«ال تعتق مكاتبا» :هذا النص له منطوق مطلق.
«ال تعتق مكاتبا كافرا» :وهذا النص:
له منطوق -:ال تعتق مكاتبا كافرا-
وله مفهوم -اعتق مكاتبا مسلام-
األحناف:
قالوا املفهوم ال يمكن أن يقيد املنطوق؛ لعدم تكافئهام يف احلجية ويف الداللة ،ألن داللة
املنطوق أقوى من داللة املفهوم.
اجلمهور:
قالوا بإمكان تقييد املنطوق بمفهوم املخالفة ،فمنطوق النص األول «ال تعتق مكاتبا»
يقيده مفهوم النص اآلخر -اعتقد مكاتبا مسلام.-
تنبيه
تقييد املطلق بداللة املفهوم ال يقول به كل اجلمهور ،كام أن الكثري من األصوليني
يقولون بأن هذا ليس من قبيل املطلق واملقيد ،وإنام هو من قبيل العام واخلاص ،ألن احلكامن
-العتق -مل يدخل عليهام النفي ،وإنام دخل عليهام النهي ،والنكرة إذا دخل عليها النهي
أفادت العموم ،وال تفيد اإلطالق.
60
ثالثا:
اّتاد السبب واحلكم مع التغاير:
اختلف اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة ،اجلمهور يقولون
بتقيد املطلق باملقيد ،واألحناف ال يقولون به.
مثال عىل هذه الصورة:
هذه الصورة أيضا ليس هلا شواهد يف القرآن وال يف السنة ،ولكن يرضبون هلا مثال
بقوهلم مثال« :اعتق مكاتبا» ،ثم يقولون« :ال تعتق مكاتبا كافرا».
اختالف احلكم والسبب ،وله ثالث صور:
أوال:
اّتاد احلكم واختالف السبب:
حكم محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة:
اختلف اجلمهور واألحناف يف محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة ،اجلمهور قالوا
بتقيد املطلق باملقيد ،واألحناف قالوا ال.
مثال عىل هذه الصورة:
كفارة القتل اخلطأ﴿ :ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة﴾
كفارة اليمني﴿:ال يواخذكم اهلل باللغو يف أيامنكم ...أو ُترير رقبة﴾
كفارة الظهار...﴿:ثم يعودون ملا قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتامسا﴾
الرقبة :يف كفارة الظهار واليمني جاءت مطلقة ،ويف كفارة القتل اخلطأ جاءت مقيدة
بمؤمنة.
هذه اآليات اُتدت يف احلكم ،وهو عتق الرقبة .واختلفت يف السبب -املوجب ،-القتل
اخلطأ ،الظهار ،احلنث.
اجلمهور:
61
محلوا املطلق عىل املقيد ،فعىل ذلك يشرتط يف مجيع الكفارات أن تكون الرقبة املحررة
مؤمنة.
األحناف:
مل يقيدوا املطلق ،وعىل ذلك ال يشرتط إيامن الرقبة املحررة إال يف كفارة القتل اخلطأ.
ثانيا:
اّتاد السبب واختالف احلكم:
حكم تقييد املطلق يف هذه الصورة:
اتفق اجلمهور واألحناف عىل عدم جواز محل املطلق عىل املقيد يف هذه الصورة.
مثال هذه الصورة:
غسل اليد يف الوضوء ،ومسحها يف التيمم.
قوله تعاىل﴿ :فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق﴾
وقوله تعاىل﴿ :فامسحوا بوجوهكم وأيديكم﴾
اليد:
يف آية التيمم جاءت مطلقة
يف آية الوضوء جاءت مقيدة.
هاته اآليتني:
اُتدتا يف السبب -املوجب ،-رفع احلدث.
واختلفتا يف احلكم ،الغسل واملسح.
ثالثا:
اختالف السبب واحلكم:
حكم تقيد املطلق يف هذه الصورة:
62
اتفق اجلمهور واألحناف ،وأمجع العلامء عىل عدم جواز محل املطلق عىل املقيد يف هذه
الصورة.
مثال هذه الصورة:
قوله تعاىل﴿:السارق والسارقة فاقطعوا أيدّيام﴾
وقوله تعاىل﴿:فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إىل املرافق﴾
اليد:
يف آية حد السارق جاءت مطلقة.
يف آية الوضوء جاءت مقيدة باملرافق.
وهاتني اآليتني:
اختلفتا يف السبب -املوجب :-سبب احدامها الرسقة ،واألخرى رفع احلدث.
واختلفتا يف احلكم :احدامها جاء فيها األمر بالقطع ،واألخرى جاء فيها األمر
بالغسل.
ثالثا:
اجلمع بحمل الوجوب عىل الندب صورته:
يتعارض نصان ،ظاهر أحدمها الوجوب ،واآلخر عدمه ،فيحمل األمر عىل
االستحباب -مندوب.-
مثال اجلمع بحمل الوجوب عىل الندب
حديث أيب هريرة ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :من غســـــل ميتا
فليغتسل ،ومن محلـــــه فليتوضأ» أمحد
وحديث ابن عباس ،أن رسول صىل اهلل عليه وسلم قال« :ليس عليكم يف غســـــل
ميتكم غسل إذا غسلتموه ،فإن ميتكم ليس بنجس ،فحسبكم أن تغسلوا أيديكم» املستدرك
للحاكم
63
محل األمر عىل االستحباب ،وهذا عىل القول بصحة احلديث.
رابعا:
اجلمع بحمل التحريم عىل الكراهة
صورته:
أن يتعارض نصان ،أحدمها ظاهره التحريم ،واآلخر ظاهره الداللة عىل عدمه ،فيحمل
النهي عىل الكراهة التنزّيية.
مثال اجلمع بحمل التحريم عىل الكراهة
حديث ابن عباس ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال«:وأنا أهنى أمتي عن الكي»
البخاري
وحديث أنس« ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة» ابن
حبان.
مثال آخر:
حديث احلكم بن األقرع ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم «هنى أن يتوضأ الرجل بفضل
طهور املرأة» أبو داود
حديث ابن عباس« ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم كان يتوضأ بفضل ميمونة» ابن
خزيمة.
فحمل هني النبي صىل اهلل عليه وسلم يف كال املثالني عىل الكراهة التنزّيية.
خامسا:
اجلمع باألخذ بالزيادة
صورته:
64
أن يرد نصان متوافقان يف احلكم،إال أن أحدمها زائد عن اآلخر يف احلكم ،فيؤخذ
بالزيادة.
مثال اجلمع باألخذ بالزيادة
حديث عبد اهلل بن عمر ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال«:من اقتنى كلبا ،إال كلب
صيد ،أو ماشية ،نقص من أجره كل يوم قرياطان» مسلم
حديث أيب هريرة ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :من اّتذ كلبا إال كلب ماشية ،أو
صيد ،أو زرع ،انتقص من أجره كل يوم قرياط» مسلم
حديث أيب هريرة فيه زيادة زرع ،فيجمع بني النصني باألخذ بالزيادة.
سادسا:
اجلمع بتغاير األحوال
صورته:
أن يتعارض نصان ،فيجمع بينهام بحمل أحدمها عىل حال ،واآلخر عىل حال أخرى.
مثال اجلمع بتغاير األحوال
حديث عبد اهلل بن عمرو ،أن امرأة قالت :يا رسول اهلل ،إن ابني هذا كان بطني له وعاء،
وثديي له سقاء ،وحجري له حواء ،وإن أباه طلقني ،وأراد أن ينتزعه مني ،فقال هلا رسول اهلل
صىل اهلل عليه وسلم« :أنت أحق به ما مل تنكحي» أبو داود
حديث أيب هريرة ،قال :إن امرأة جاءت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،فقالت :فداك
أيب وأمي ،إن زوجي يريد أن يذهب بابني ،وقد نفعني وسقاين من بئر أيب عنبة ،فجاء زوجها
وقال :من خياصمني يف ابني؟ فقال« :يا غالم ،هذا أبوك ،وهذه أمك ،فخذ بيد أّيام شئت»،
فأخذ بيد أمه ،فانطلقت به .سنن النسائي.
توجيه العلامء للحديثني:
65
العلامء قالوا باجلمع بينهام بتغاير األحوال ،فحملوا أحدمها عىل حال ،واآلخر عىل حال
أخرى ،فقيل أن األصل يف احلضانة أن تبقى لألم ،والتخيري محلوه عىل استغناء الطفل عن أمه،
أو عىل بلوغه سن التمييز.
سابعا:
اجلمع بحمل احلقيقة عىل املجاز
صورته :أن يتعارض نصان ،أحدمها ظاهره املجاز ،واآلخر ظاهره احلقيقة ،فتحمل
احلقيقة عىل املجاز.
مثال اجلمع بحمل احلقيقة عىل املجاز
حديث جابر بن عبد اهلل ،أن رسول اهلل ﷺ قال« :ليس عىل اخلائن قطع» أبو داود
وحديث عائشة ،قالت :كانت امرأة ُمزومية تستعري املتاع وجتحده« ،فأمر النبي ﷺ أن
تقطع يدها» مسلم
اخلائن :هو الذي جيحد العارية ،أي يستلف الّشء ثم ينكره وجيحده.
توجيه العلامء للحديثني:
وجه العلامء ذلك بأن قول عائشة« :وجتحده» خرج ُمرج الوصف ،وليس ُمرج
التعليل ،فكام وصفتها باملخزومية وصفتها أيضا بأهنا كانت جتحد املتاع ،وأما أمر النبي صىل
اهلل عليه وسلم بقطع يدها فإنه كان بسبب رسقتها ،ال بسبب جحدها.
ودليل ذلك:
حديث جابر ،أن امرأة من بني ُمزوم رسقت ،فأيت هبا النبي صىل اهلل عليه وسلم،
فعاذت بأم سلمة زوج النبي صىل اهلل عليه وسلم ،فقال النبي صىل اهلل عليه وسلم« :واهلل لو
كانت فاطمة لقطعت يدها» ،فقطعت .مسلم
توجيه آخر - :ضعيف-
66
قيل أن قول عائشة «وجتحده» معناه ترسقه ،وإن كان هذا التوجيه فيه ضعف.
ثامنا:
اجلمع بالتخيري
حديث عبد اهلل بن مسعود ،قال« :وقد رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أكثر ما
ينرصف عن شامله» أبو داود
حديث أنس بن مالك ،قال« :أما أنا فأكثر ما رأيت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم
ينرصف عن يمينه» مسلم
كال الصحابيان قال بام ظنه األكثر ،فاملصيل ُمري بني االنرصاف عن يمينه أو عن يساره.
مسلك النسخ
النسخ لغة :يطلق ويراد به أمران اثنان:
1النقل والتحويل.
2اإلزالة.
اصطالحا:
رفع كيل حلكم دليل رشعي ،أو لفظه ،بدليل رشعي مرتاخ عنه.
[أو لفظه] :أحيانا يرفع اللفظ ،ويبقى احلكم ،كاملنسوخ تالوة -القرآن -مع بقاء
احلكم:
مثال ذلك:
﴿ Ⅰالشيخ والشيخة إذا زنيا فارمجومها البتة﴾ رفعت تالوته ولفظه ،وبقي حكمه.
Ⅱحديث عائشة ،أهنا قالت« :كان فيام أنزل من القرآن عرش رضعات معلومات
حيرمن ،ثم نسخن بخمس معلومات ،فتويف رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،وهن فيام يقرأ
من القرآن» مسلم
67
يعني مات النبي صىل اهلل عليه وسلم ومن املسلمني من كان يقرأها عىل أهنا قرآن ،إال
أهنا يف الواقع منسوخة.
[بدليل رشعي] :خيرج الدليل العقيل.
الفرق بني النسخ والتخصيص.
التخصيص
▪ رفع جزئي للحكم؛ ألنه يرفع احلكم عن بعـــض األفراد دون بعـــــض ،فال يعمل
به يف أفراد معينني ،ويعمل به يف باقي األفراد.
▪ يكون يف الدليل العام فقط.
▪ هو بيان للمراد بالعام.
النسخ:
▪ رفع كيل للحكم ،ألنه يرفع احلكم عن مجيع األفراد ،فال يعمل به أبدا.
▪ يكون يف كال الدليلني العام واخلاص.
▪ هو رفع حلكم الدليل،أو لفظه؛ سواء كانا عامني أو خاصني.
رشوط النسخ:
1رشوط ترجع إىل احلكم املنسوخ.
2رشوط ترجع إىل الدليل الناسخ.
3رشوط ترجع إىل العالقة بينهام.
أوال:
رشوط ترجع إىل احلكم املنسوخ:
Ⅰالبد أن يكون حكام رشعيا ،ليس عقليا.
مثال احلكم العقيل:
68
جميء التكليف بعد الرباءة األصلية ال يعترب نسخا ،ألن الرباءة األصلية دليل عقيل ،فإذا
جاء حكم حيكم بحرمة شء أو بنجاسته فإنه ال يعترب نسخا؛ ألنه رفع الرباءة األصلية ،التي
هي حكم عقيل ،وليست حكام رشعيا.
Ⅱالبد أن يكون مما جيوز نسخه ،كاألحكام.
مما ال جيوز نسخه :األخبار.
األحكام املؤبدة؛ كـ ُتريم زوجات النبي ﷺ.
ثانيا:
رشوط ترجع إىل الدليل الناسخ:
Ⅰأن يكون صحيحا -مقبوال.-
Ⅱأن يكون متأخرا.
Ⅲأن يكون مرتاخيا عن الدليل املنسوخ.
أما إن كان مقرتنا به فإنه ال يعترب ناسخا ،وإنام يعترب ُمصصا.
ثالثا:
رشط يرجع إىل العالقة بني الناسخ واملنسوخ:
اجلمهور يشرتطون تعذر اجلمع بني املتعارضني حتى يصار إىل النسخ.
طرق معرفة النسخ
إجياد الدليل الناسخ له طرق عدة متفاوتة يف القوة:
1تنصيص النبي صىل اهلل عليه وسلم.
2ترصيح الصحايب.
3معرفة التاريخ.
4تأخر اسالم الراوي.
5اإلمجاع.
69
أوال:
تنصيص النبي ﷺ ،وهو أقواها:
حديث بريدة ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :هنيتكم عن زيارة القبور،
فزوروها ،وهنيتكم عن حلوم األضاحي فوق ثالث ،فأمسكوا ما بدا لكم ،وهنيتكم عن النبيذ
إال يف سقاء ،فارشبوا يف األسقية كلها ،وال ترشبوا مسكرا» مسلم
حديث سربة اجلهني ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :يا أّيا الناس ،إين قد
كنت أذنت لكم يف االستمتاع من النساء ،وإن اهلل قد حرم ذلك إىل يوم القيامة ،فمن كان
عنده منهن شء فليخل سبيله ،وال تأخذوا مما آتيتموهن شيئا»مسلم
حديث ابن مسعود ،قال :كنا نسلم عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم فريد علينا السالم
حتى قدمنا من أرض احلبشة ،فسلمت عليه ،فلم يرد عيل ،فأخذين ما قرب وما بعد فجلست
حتى إذا قىض الصالة ،قال« :إن اهلل عز وجل حيدث من أمره ما يشاء ،وإنه قد أحدث من
أمره أن ال يتكلم يف الصالة» النسائي
ثانيا:
ترصيح الصحايب:
حديث جابر ،قال« :كان آخر األمرين من رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ترك الوضوء
مما غريت النار» أبو داود
ثالثا:
معرفة التاريخ ،وهو كثري.
حديث شداد بن أوس ،أنه كان آخذا بيد رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم زمن الفتح
فمر برجل حيتجم يف رمضان ،فقال« :أفطر احلاجم واملحجوم» الكربى للنسائي
حديث ابن عباس« ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم احتجم وهو حمرم ،واحتجم وهو
صائم» البخاري
70
مالحظة
عام الفتح كان سنة ثامن للهجرة.
حديث ابن عباس كان يف حجة الوداع ،التي كانت عرش للهجرة.
تنبيه
من أكثر مظان معرفة التواريخ هو معرفة سبب الورود.
رابعا:
تأخر اسالم الراوي:
وذلك يكون برشوط وقرائن ،منها:
Ⅰالترصيح بسامعه احلديث من النبي ﷺ حتى يتيقن أنه مل يسمعه من صحايب آخر
أقدم من املعارض له.
Ⅱأن يكون مل يتحمل من النبي صىل اهلل عليه وسلم شيئا قبل إسالمه.
تنبيه
هذه الطريقة مل يتفق العلامء عىل األخذ هبا.
خامسا:
اإلجـمــــــــــــــــــــــاع:
اإلمجاع ال ينسخ وال ينسخ ،ولكن يدل عىل النسخ.
مثال ذلك:
حديث جابر بن عبد اهلل ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :إن من رشب اخلمر
فاجلدوه ،فإن عاد يف الرابعة فاقتلوه» ،قال :ثم أيت النبي صىل اهلل عليه وسلم بعد ذلك برجل
قد رشب اخلمر يف الرابعة فرضبه ومل يقتله.
قال قبيصة بن ذؤيب ،وهو ممن رووا ذلك احلديث عن النبي صىل اهلل عليه وسلم :فرفع
القتل ،وكانت رخصة .سنن الرتمذي
71
قال االمام الشافعي« :والقتل منسوخ هبذا احلديث وغريه ،وهذا مما ال اختالف فيه»
األم قال ابن املنذر...« :فإن تكرر ذلك أربعا قتل ،ثم نسخ ذلك باألخبار الثابتة وبإمجاع أهل
العلم ،إال من شذ ممن ال يعد خالفه خالفا» فتح الباري البن حجر
صور أو حاالت النسخ
1نسخ السنة للقرآن.
2نسخ السنة للسنة:
3نسخ القرآن للسنة.
أوال:
نسخ السنة للقرآن:
أوال:
نسخ السنة املتواترة للقرآن:
حقيقة هذا النوع من النسخ:
ذهب جل املحدثني واألصوليني إىل أن هذا النوع جتويز عقيل ،ال حقيقة له يف الواقع،
فال مثال للسنة املتواترة التي نسخت القرآن.
حكم نسخ السنة املتواترة للسنة:
املذهب األول:
جواز نسخ السنة املتواترة للقرآن الكريم ،وهو قول مجهور األصوليني واملحدثني،
واملتكلمني ،وهو قول مالك.
من أبرز أدلة هذا املذهب:
أن املتواتر قد استوى مع القرآن يف أمرين:
1كالمها وحي.
72
2كالمها قطعي الثبوت.
القول الثاين:
ال جيوز عقال وال رشعا نسخ القرآن باملتواتر من السنة ،وهو قول اإلمام الشافعي،
ورواية عن اإلمام أمحد ،وهو قول أهل الظاهر.
من أدلتهم:
استدلوا هبذه اآلية من وجهني:
قوله تعاىل﴿:ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخري منها أو مثلها أمل تعلم أن اهلل عىل كل
شءقدير﴾ .البقرة
Ⅰاهلل تعاىل قال﴿ :نأت بخري منها﴾ ،والسنة ليست خري من القرآن.
Ⅱاهلل تعاىل نسب اإلتيان بالناسخ إليه بقوله﴿ :نأت بخري منها﴾ ،والسنة قول النبي
ﷺ ،وبعد ذلك قال اهلل تعاىل ﴿:أمل تعلم بأن اهلل عىل كل شء قدير ،أمل تعلم أن اهلل له ملك
الساموات واألرض﴾ ،فالذي يأيت باآلية الناسخة هو الذي يملك الساموات واألرض ،وهذا
ليس للنبي صىل اهلل عليه وسلم.
ورد عليهم بردود ،نكتفي برد أو ردين:
Ⅰقوهلم بأن السنة ليس خري من القرآن:
رد عليهم بأن اخلريية ليست مقصورة فقط عىل األلفاظ؛ سواء ألفاظ القرآن أو السنة،
وإنام تتعدى إىل احلكم ،كأن حيلل شء مثال.
Ⅱاستدالهلم بأن اهلل تعاىل نسب اإلتيان بالناسخ إليه.
رد عليهم بأن سنة النبي صىل اهلل عليه وسلم وحي ،فالناسخ من اهلل؛ بالقرآن كان أو
بالسنة.
73
ثانيا:
نسخ السنة اآلحاد للقرآن:
حقيقة هذا النوع من النسخ:
هذا النوع من النسخ موجود حقيقة ،وليس جمرد جتويز عقيل.
مثال نسخ السنة اآلحاد للقرآن:
حديث أنس بن مالك ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال« :إن اهلل قــــــد
أعطـــى كل ذي حـــق حقه ،أال ال وصية لوارث» ابن ماجه
هذا حديث آحاد ،نسخ قول اهلل عز وجل﴿ :إذا حرض أحدكم املوت إن ترك خريا
الوصية للوالدين واألقربني باملعروف﴾.
استشكلت شيئا :أرى أن تلك اآلية نسخت بآية أخرى ،ومل تنسخ بالسنة ،ودليل ذلك:
قال البخاري :باب :ال وصية لوارث ،ثم أورد حديث ابن عباس ،قال« :كان املال
للولد ،وكانت الوصية للوالدين ،فنسخ اهلل من ذلك ما أحب ،فجعل للذكر مثل حظ
األنثيني ،وجعل لألبوين لكل واحد منهام السدس»...،
حكم نسخ السنة اآلحاد للقرآن:
القول األول:
ذهب مجع من األصوليني واملحدثني إىل جواز نسخ اآلحاد من السنة للقرآن الكريم.
واستدلوا عىل ذلك بأن السنة وحي ،فكام تستقل بالترشيع فهي أيضا تقوى عىل النسخ.
القول الثاين:
اآلحاد ال ينسخ القرآن ،لكون القرآن قطعي واآلحاد ظني.
ثانيا:
نسخ السنة للسنة.
أوال:
74
نسخ السنة املتواترة للسنة املتواترة.
حقيقة هذا النوع من النسخ:
هذا النوع من النسخ ال حقيقة له يف الواقع ،فال مثال لنسخ السنة املتواتر للسنة املتواترة،
وإنام هو جتويز عقيل؟
حكمه :اجلمهور قالوا بتجويزه وجعل لألبوين لكل واحد منهام السدس»...،
ثانيا:
نسخ السنة اآلحاد للسنة املتواترة.
حديث عبد اهلل بن عمر ،قال :بينا الناس يصلون الصبح يف مسجد قباء إذ جاء جاء،
فقال« :أنزل اهلل عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم قرآنا أن يستقبل الكعبة ،فاستقبلوها ،فتوجهوا
إىل الكعبة» البخاري
استقباهلم للشام كان سنة فعلية متواترة ،ثم نسخ بخرب الواحد.
تنبيه من أهل العلم من نازع يف ذلك املثال.
ثالثا:
نسخ السنة املتواترة للسنة اآلحاد.
هذا النوع من النسخ جرى فيه شبه اتفاق بني القائلني بالنسخ.
رابعا:
نسخ السنة اآلحاد للسنة اآلحاد .
هذا النوع من النسخ موجود.
ثالثا:
نسخ القرآن للسنة
أوال:
75
نسخ القرآن للسنة املتواترة:
حكم نسخ القرآن للسنة املتواترة:
ذهب مجهور القائلني بالنسخ إن مل يكن كلهم إىل جواز نسخ القرآن للمتواتر من السنة.
مثال نسخ القرآن للسنة املتواترة :
نسخ السنة الفعلية املتواترة يف استقبال بيت املقدس -القبلة -بقوله تعاىل﴿ :قد نرى
تقلب وجهك يف السامء فول وجهك شطر املسجد احلرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم
شطره﴾.
ثانيا:
نسخ القرآن للسنة اآلحاد:
هل القرآن ينسخ اآلحاد؟
هل يوجد له نظائر؟
مسلك الرتجيح
الرتجيح لغة :يطلق ويراد به:
التثقيل ،التقوية ،التفضيل ،رجحان امليزان.
اصطالحا:
Ⅰالزركّش يف كتابه البحر املحيط ،قال :تقوية إحدى اإلمارتني عىل األخرى بام ليس
ظاهرا .
Ⅱاآلمدي يف كتابه اإلحكام ،قال :أما الرتجيح :فعبارة عن اقرتان أحد الصاحلني
للداللة عىل املطلوب ،مع تعارضهام بام يوجب العمل به وإمهال اآلخر.
رشوط الرتجيح
Ⅰصحة الدليلني .استواء الدليلني يف احلجية.
Ⅱأن ال يكون بني دليلني قطعيني .
76
ألن األدلة القطيعة داللة وثبوتا ال يمكن أن تتعارض حقيقة ،وإنام تتعارض ظاهرا.
Ⅲأن ال يكون إال بعد تعذر اجلمع .
هذا الرشط خاص باجلمهور غري األحناف ،ألن األحناف يقدمون الرتجيح عىل
اجلمع.
مسالك الرتجيح:
أبرز الكتب التي تناولت مسالك الرتجيح
أوال:
احلازمي يف كتابه االعتبار يف الناسخ واملنسوخ
من اآلثار ،تناول مخسني وجها من أوجه الرتجيح ،ثم قال« :وثم وجوه كثرية أرضبنا
عن ذكرها كي ال يطول به هذا املخترص».
ثانيا:
احلافظ العراقي يف كتابه التقييد واإليضاح ،قال :ووجوه الرتجيحات تزيد عىل املائة»،
ثم عد ُمترصا عرش ومائة وجه من أوجه الرتجيح ،ثم قال« :وثم وجوه أخر للرتجيح».
ثالثا:
السيوطي يف كتابه تدريب الراوي ،بعد عده جلملة من املرجحات ،قال« :فهذه أكثر من
مائة مرجـــــح ،وثم مرجحات أخـــــر ال تنحرص ،ومثارها غلبة الظن»
قال السيوطي :وقد رأيتها -املرجحات -منقسمة إىل سبعة أقسام
1الرتجيح بحال الراوي ،وذلك بوجوه :ذكر فيه أربعني وجها.
2الرتجيح بالتحمل ،وذلك بوجوه :وذكر فيه ثالثة وجوه.
3الرتجيح بكيفية الرواية ،وذلك بوجوه:ذكر عرشة وجوه.
4الرتجيح بوقت الورود ،وذلك بوجوه :وذكر ستة وجوه.
5الرتجيح بلفظ اخلرب ،وذلك بوجوه :ذكر فيه مخسة وثالثون وجها.
77
6الرتجيح باحلكم ،وذلك بوجوه :وذكر أربعة وجوه.
7الرتجيح بأمر خارجي.
خامسا:
مجال الدين القاسمي يف قواعد التحديث قسمها إىل أربعة أقسام ،قال« :والرتجيح قد
يكون باعتبار اإلسناد ،وباعتبار املتن ،وباعتبار املدلول ،وباعتبار أمر خارج ،فهذه أربعة
أنواع» ،ثم بدأ بذكر وجوه الرتجيح.
1وجوه الرتجيح باعتبار السند :وذكر ثامنية عرش وجها.
2وجوه الرتجيح باعتبار املتن :ذكر سبعة وجوه.
3وجوه الرتجيح باعتبار املدلول :ذكر أربعة وجوه.
4وجوه الرتجيح باعتبار أمور خارجية :ذكر سبعة أوجه.
نقسم وجوه الرتجيح إىل ثالثة أقسام:
1باعتبار السند:
2باعتبار املتن:
3باعتبار أمور خارجية:
من وجوه الرتجيح باعتبار السند:
الوجه األول:
الرتجيح برواية األكثر .
يرجح احلديث األكثر رواية عن النبي ﷺ .
اختالف اجلمهور واألحناف يف الرتجيح برواية األكثر :
أوال:
مذهب اجلمهور :
ذهب اجلمهور إىل الرتجيح بالكثرة.
78
من أدلة هذا املذهب :
أوال :من األدلة العقلية :
Ⅰكثر الرواة تعني اجتامع ظني مع ظني فريتقي بذلك اخلرب ويتقوى.
Ⅱرواية األكثر تكون أدعى للتذكر واحلفظ.
Ⅲرواية األكثر أبعد عن وقوع اخلطأ .الكذب.
ثانيا :من األدلة النقلية:
فعل النبي صىل اهلل عليه وسلم ،ثم فعل الصحابة ،يف استنادهم إىل الكثرة يف تقوية
اخلرب.
أوال:
من أمثلة فعل النبي صىل اهلل عليه وسلم :أكام يقول ذو اليدين؟»
كام جاء يف حديث أيب هريرة ،قال :صىل بنا النبي صىل اهلل عليه وسلم الظهر ركعتني،
ثم سلم ... ،ويف القوم يومئذ أبو بكر وعمر ... ،ويف القوم رجل ،كان رسول اهلل صىل اهلل
عليه وسلم يدعوه ذا اليدين ،فقال :يا رسول اهلل ،أنسيت أم قرصت الصالة؟ فقال« :مل أنس
ومل تقرص» ،فقال« :أكام يقول ذو اليدين؟» ،فقالوا :نعم ،فتقدم فصىل ما ترك »...البخاري
فقوى النبي صىل اهلل عليه وسلم قول ذي اليدين بشهادة الصحابة رضوان اهلل عليهم.
ثانيا:
من أمثلة فعل الصحابة:
Ⅰحديث عروة ،أن عمر نشد الناس :من سمع النبي صىل اهلل عليه وسلم قىض يف
السقط؟ فقال املغرية :أنا سمعته «قىض فيه بغرة عبد أو أمة» قال :ائت من يشهد معك عىل
هذا ،فقال حممد بن مسلمة :أنا أشهد عىل النبي صىل اهلل عليه وسلم بمثل هذا .البخاري
79
Ⅱحديث رافع ،قال :كنت عند عمر ،فقيل له :إن زيد بن ثابت يفتي الناس يف
املسجد ،يف الذي جيامع وال ينزل ،-فقال -عمر :-أعجل به....قال :فجمع الناس ،وأصفق
-اتفق -الناس عىل أن املاء ال يكون إال من املاء ،إال رجلني»...أمحد
مجع عمر الناس ليقوي اخلرب.
ثانيا:
مذهب األحناف:
األحناف قالوا الكثرة ليست موجبة للتقوية ما مل تبلغ حد التواتر أو الشهرة.
من أدلة هذا املذهب:
قاسوا عىل الشهادة والفتوى ،فقالوا الكثرة ال نعتربها يف الشهاد ،فكيف نعتربها يف
الرواية!! زيادة عدد الشهود عىل االثنان أو األربعة -عىل حسب القضية -ال يغري احلكم،
ولو شهد مائة.
ما رد به عىل األحناف:
رد عليهم بأن عدد الشهود ثابت بالنص ،إما شاهدان أو أربعة -عىل حسب احلادثة-
.
فائدة
ملاذا شدد يف الشهادة ومل يشدد يف الرواية؟
شدد يف الشهادة باشرتاط شاهدين أو أربعة -بحسب الواقعــــــــــة ،-ألن دواعي
الكــــــذب واالختـــــالق والتزوير يف الشهادة أعظم منـــــه يف الروايــــــة ،ألن
الشهادة تكون لواقعة حال .واكتفي بروايـــــة الواحـــــــد ،ألن األصل يف الرواية نقل
. خرب عـــام ال يتعلق بالــــراوي فقــــــــــط ،وإنام لعمـــــوم األمــــة
مثال تعددت فيه مسالك دفع التعارض ،وتعددت فيه وجوه الرتجيح:
80
حديث برسة بنت صفوان ،أهنا سمعت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم يقول« :من مس
ذكره فليتوضأ» أبو داود.
حديث طلق بن عيل ،قال :قدمنا عىل نبي اهلل صىل اهلل عليه وسلم ،فجاء رجل كأنه
بدوي ،فقال :يا نبي اهلل ،ما ترى يف مس الرجل ذكره بعدما يتوضأ؟ فقال« :هل هو إال مضغة
منه» ،أو قال« :بضعة منه» أبو داود.
توجيه احلديثني:
العلامء اختلفوا يف توجيه هاذين احلديثني عىل
ثالثة مسالك:
▪ مسلك الرتجيح
▪ مسلك النسخ
▪ مسلك اجلمــــع
أوال:
مسلك الرتجيح :
مالحظة
أحسن من تكلم يف وجوه ترجيح حديث برسة بنت صفوان عىل حديث طلق ،هو
اإلمام بن القيم يف كتابه هتذيب السنن ،وذكر ثامنية وجوه.
املذهب األول:
رجحوا حديث طلق بن عيل عىل حديث برسة بنت صفوان ،وهو قول عيل وعبد اهلل
بن مسعود ريض اهلل عنهام.
املذهب الثاين:
81
رجحوا حديث برسة بنت صفوان عىل حديث طلق بن عيل ،وذهب إىل هذا عبد اهلل بن
عمر ،وسعيد بن املسيب ،وهو قول للاملكية ،وإن كان املالكية هلم تفصيل يف املسألة ،احلائل
وبدون حائل.
أوال:
من وجوه الرتجيح املتعلقة بالسند:
الوجه األول -:الرتجيح بكثرة الرواة-
حديث برسة شاركها يف روايته الكثري من الصحابة ،منهم :أبو هريرة ،وعبد اهلل بن
عمر ،وجابر بن عبد اهلل ،وسعد بن أيب وقاص ،وزيد بن خالد اجلهني ،وعائشة ،وميمونة،
وأم سلمة ،وأم حبيبة ،وأروى بنت أنيس ،وغريهم من الصحابة رضوان اهلل تعاىل عليهم،
أما حديث طلق بن عيل ،فإنه مل حيض هبذه املشاركة ،وربام مل يروه أحد غريه.
الوجه الثاين -:الرتجيح بقوة اإلسناد-
قيل بأن حديث برسة بنت صفوان أقوى سندا من حديث طلق بن عيل ،رواة حديث
برسة احتج هبم البخاري ومسلم يف صحيحيهام ،بخالف حديث طلق بن عيل ،فإن الشيخني
مل حيتجا براو من رواته .
الوجه الثالث-:الرتجيــــح باألصــــح-
حديث برسة بنت صفوان متفق عىل صحته ،بخالف حديث طلق بن عيل ،فإن من أهل
العلم من ضعفه.
ثانيا :
من وجوه الرتجيح املتعلقة باملتن:
الوجه األول :ترجيح مامل خيتلف فيه عىل الراوي عىل ما اختلف فيه عليه.
قيل بأن حديث برسة بنت صفوان مل خيتلف عليها فيه ،بخالف حديث طلق بن عيل،
فإنه اختلف عليه فيه ،كام جاء يف املعجم الكبري للطرباين من طريق قيس بن طلق ،عن أبيه -
82
طلق ،-أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :من مس ذكره فليتوضأ» ،فهذا احلديث موافق
حلديث برسة بنت صفوان ،وال شك يف أن هذا موهن حلديث طلق.
الوجه الثاين :ترجيح الناقل عن األصل عىل املبق عىل األصل .
الناقل عن الرباءة األصلية مرجح عىل املوافق هلا قالوا بأن حديث برسة ناقل عن
األصل ،وحديث طلق بن عيل مبق عىل األصل ،واألصل أن الوضوء ال ينقض بمس أعضاء
اجلسم ،والناقل عن األصل مقدم عىل املبق.
ثالثا :
من وجوه الرتجيح املتعلقة بأمور خارجية.
الوجه األول -:تأخر اسالم الراوي -
قالوا بأن طلق بن عيل تقدم اسالمه ،جاء إىل املدينة والصحابة مع النبي صىل اهلل عليه
وسلم يبنون املسجد ،وحديث برسة قالوا بأنه متأخر ،فرجحوا حديث برسة بنت صفوان عىل
حديث طلق بن عيل.
ثانيا:
مسلك اجلمع.
مجع بينهام بثالثة وجوه :
الوجه األول :
رصفوا األمر الوارد يف حديث برسة بن صفوان بحديث طلق بن عيل من الوجوب إىل
االستحباب؛ فال تعارض بينهام.
الوجه الثاين :
قالوا بأن هذا حممول عىل املس بدون حائل،والثاين حممول عىل املس بحائل ،وهذا
تفصيل
املالكية.
83
الوجه الثالث :
محلوا حديث برسة عىل الشاب ،ألن يف ذلك مضنة لفساد الوضوء ،وحديث طلق بن
عيل محلوه عىل الشيخ الطاعن يف السن ،ألنه ليس يف ذلك مضنة لفساد وضوئه.
ثالثا:
مسلك النسخ:
القول األول :
حديث برسة بنت صفوان ناسخ حلديث طلق بن عيل.
القول الثاين :
حديث طلق بن عيل ناسخ حلديث برسة بنت صفوان.
فائدة
ملاذا مل خيرج البخاري ومسلم حديث برسة بنت صفوان؟
مل خيرج البخاري ومسلم حديث برسة بنت صفوان بسبب االختالف عىل الراوي،
اختلف عىل عروة وعىل هشام ابن عروة.
قال البيهقي :
«...وحديث برسة قد احتجا بجميع رواته ،إال أهنام مل خيرجاه لالختالف فيه عىل عروة
وعىل هشام بن عروة» التلخيص احلبري
الوجه الثاين :
ترجيح رواية صاحب القصة أو احلادثة:
تنبيه
هذا الوجه الثاين من وجوه الرتجيح باعتبار السند.
مثال آخر تعددت فيه مسالك دفع التعارض ،وتعددت فيه وجوه الرتجيح.
حديث ابن عباس« ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حمرم» مسلم
84
حديث ميمونة بنت احلارث« ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم تزوجها وهو حالل»
مسلم
توجيه احلديثني:
العلامء سلكوا يف توجيه احلديثني مسلكني:
مسلك الرتجيح.
مسلك اجلمع.
أوال :
مسلك الرتجيح:
مذهب األحناف.
األحناف رجحوا حديث عبد اهلل بن عباس.
أوال:
من وجوه الرتجيح املتعلقة بالسند:
الوجه األول-:ترجيح الرواية األصح عىل غريها-
قالوا رواية ابن عباس أصح من رواية ميمونة .
ثانيا:
من وجوه الرتجيح املتعلقة باملتن:
الوجه األول-:ترجيح املثبت عىل النايف-
حديث ابن عباس أثبت أن النبي صىل اهلل عليه وسلم تزوجها وهو حمرم ،واحلديث
اآلخر نفى ذلك.
ثالثا:
من وجوه الرتجيح املتعلقة بأمور خارجية
الوجه األول:
85
وجهوا حديث عثامن بن عفان املعارض حلديث ابن عباس ،بأنه قصد بالنكاح الوطء.
ولكن أجاهبم اجلمهور بأن الوطء حقيقة عرفية ال رشعية ،وإذا تعارضا تقدم احلقيقة
الرشعية.
مذهب اجلمهور.
أوال:
من وجوه الرتجيح املتعلقة باإلسناد:
الوجه األول -:ترجيح رواية صاحب القصة-
ميمونة هي صاحبة الواقعة فرتجح روايتها.
الوجه الثاين :الرتجيح برواية مالبس القصة -الواقعة-
حديث أيب رافع ،قال« :تزوج النبي صىل اهلل عليه وسلم ميمونة بنت احلارث وهو
حالل ،وبنى هبا وهو حالل وكنت الرسول بينهام» الدارقطني.
الوجه الثالث -:الرتجيح برواية األكثر. -
قال ابن عبد الرب يف التمهيد« :والروايــــــــة أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم تزوج
ميمونة وهو حالل متواترة عن ميمونة بعينها ،وعن أيب رافع موىل النبي صىل اهلل عليه وسلم،
وعن سليامن بن يسار موالها ،وعن يزيد بن األصم ،وهو ابن أختها ... ،وما أعلم أحدا من
الصحابة روى أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم نكح ميمونة وهو حمرم إال عبد اهلل بن
عباس ،ورواية من ذكرنا معارضة لروايته»
ثانيا:
من وجوه الرتجيح املتعلقة بأمور خارجية.
الوجه األول- :ترجيح املوافق لألصل عىل املخالف-
حديث ميمونة موافق حلديث عثامن بن عفان ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال:
«ال ينكح املحرم ،وال ينكح ،وال خيطب» مسلم ،بخالف حديث ابن عباس ،فإنه معارض.
86
الوجه الثاين-:تقديم حارض القصة عىل غريه-
قال الشافعي يف كتابه اختالف احلديث« :وعثامن متقدم الصحبة ،ومن روى أن النبي
ينكحها حمرما -ابن عباس -مل يصحبه إال بعد السفر الذي نكح فيه ميمونة ،وإنام نكحها قبل
عمرة القضية»
ثانيا:
مسلك اجلمع.
الوجه األول :
قيل أن ابن عباس كان يرى أن اإلحرام حيصل بتقليد اهلدي ،فيكون النبي صىل اهلل عليه
وسلم عقد عليها يف املدينة بعد تقليده اهلدي وقبل أن حيرم ،ونكحها يف عمرته بعد أن ُتلل .
الوجه الثاين :
قيل بأن مراد ابن عباس من قوله« :تزوجها وهو حمرم» أن النبي صىل اهلل عليه وسلم
نكحها وهو يف الشهر احلرام أو يف البلد احلرام.
السؤال
هل وهم عبد اهلل بن عباس ملا قال تزوج النبي ﷺ ميمونة وهو حمرم؟
اجلواب:
ال؛ مل ّيم ابن عباس؛ ألنه مل ينفرد بذلك القول حتى يقال عنه أنه وهم ،وإنام صح عن
عائشة وأيب هريرة مثل حديثه.
ما اعتذر به البن عباس:
التوجيه األول :
أن ابن عباس يرى أن من قلد اهلدي صار حمرما ،والنبي صىل اهلل عليه وسلم يف عمرته
التي نكح فيها ميمونة كان قد قلد اهلدي ،فيكون قول ابن عباس :تزوجها وهو حمرم» أن
النبي صىل اهلل عليه وسلم عقد عليها بعد تقليده اهلدي وقبل أن حيرم.
87
التوجيه الثاين:
أن قول ابن عباس «تزوجها وهو حمرم» يقصد نكحها وهو يف شهر اهلل احلرام ،كام قال
الراعي النمريي :
قتلوا ابن عفان اخلليفة حمرما ...
ودعا فلم أر مثله ُمذوال
وعثامن قتل يف املدينة ،يف شهر اهلل احلرام ،ومل يكن حمرما.
يرى األعشى أن «حمرما» قصد هبا شهر اهلل احلرام.
لكن جاء يف تاريخ بغداد أن األصمعي سئل عن بيت الراعي النمريي :فقال« :كل من
مل يأت شيئا يوجب عليه عقوبة فهو حمـــــــــرم ،ال حيل شء منه».
أي أن عثامن مل يأت بّشء حيل دمه.
من وجوه الرتجيح باعتبار املتن:
1ترجيح القول عىل الفعل.
2ترجيح املنطوق عىل املفهوم.
3ترجيح مفهوم املوافقة عىل املخالفة.
4ترجيح احلقيقة عىل املجاز.
5ترجيح احلقيقة العرفية والرشعية عىل احلقيقة
اللغوية.
تنبيه
من أشهر وجوه الرتجيح باعتبار املتن ترجيح القول عىل الفعل.
حكم ترجيح القول عىل الفعل.
اجلمهور :قالوا برتجيح القول عىل الفعل.
من أدلة اجلمهور:
88
Ⅰأن القول داللته ذاتية ،بخالف الفعل فإن داللته اعتبارية .
Ⅱأن القول له عموم يعم األزمنة واألمكنة واأللفاظ ،بخالف الفعل فإنه ال عموم
له.
مثال تعددت فيه مسالك دفع التعارض ،وتعددت فيه وجوه الرتجيح باملتن.
حديث أيب هريرة ،أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قال«:إذا سجد أحدكم فال يربك
كام يربك البعري ،وليضع يديه قبل ركبتيه» أبو داود
حديث وائل بن حجر ،أنه رأى رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم« :إذا سجد يضع ركبتيه
قبل يديه ،وإذا هنض رفع يديه قبل ركبتيه» سنن الدارمي
توجيه احلديثني:
العلامء سلكوا يف توجيه هاذين احلديثني عىل ثالثة مسالك:
مسلك الرتجيح.
مسلك النسخ.
مسلك اجلمع.
أوال:
مسلك الرتجيح.
املذهب األول :رجحوا حديث أيب هريرة.
أوال :من وجوه الرتجيح املتعلقة باملتن:
الوجه األول- :ترجيح القول عىل الفعل-
رجح حديث أيب هريرة لكونه قوال واآلخر فعال .
الوجه الثاين- :ترجيح األيرس واألرفق -
رجح حديث أيب هريرة ،ألن تقديم اليدين أرفق بركبتي املصيل حال هويه للسجود.
الوجه الثالث-:ترجيح اهليئة املخالفة هليئة احليوان -
89
رجح حديث أيب هريرة ،ألن تقديم الركبتني مشابه لصفة بروك البعري .
ثانيا :من وجوه الرتجيح املتعلقة بالسند:
الوجه األول-:الرتجيـــح باألصــــح-
حديث وائل بن حجر ضعفه كثري من أهل العلم لسوء حفظ رشيك ،فرجح حديث
أيب هريرة .
املذهب الثاين :رجحوا حديث حجر بن وائل.
ثانيا :مسلك اجلمع.
مجعوا بني احلديثني بالتخيري.
قال ابن تيمية« :أما الصالة بكليهام فجائزة باتفاق العلامء؛ إن شاء املصيل يضع ركبتيه
قبل يديه ،وإن شاء وضع يديه ثم ركبتيه ،وصالته صحيحة باتفاق العلامء ،ولكن تنازعوا يف
األضل» املجموع.
ثالثا:مسلك النسخ.
قال ابن خزيمة بنسخ حديث أيب هريرة .
قال ابن خزيمة يف صحيحه« :باب ذكر الدليل عىل أن األمر بوضع اليدين قبل الركبتني
عند السجود منسوخ ،وأن وضع الركبتني قبل اليدين ناسخ »...ثم ساق حديث سعد ،أنه
قال :كنا نضع اليدين قبل الركبتني ،فأمرنا بالركبتني قبل اليدين» ضعيف
من وجوه الرتجيح باعتبار أمور خارجية:
1ترجيح ما عضد بأدلة أخرى .
2ترجيح ما وافقه عمل السلف.
3ترجيح ما وافق ظاهر القرآن.
معارضة احلديث للقرآن:
هل يعارض القرآن باحلديث؟
90
مذهب اجلمهور:
قالوا بإمكان معارضة القرآن باحلديث.
مذهب األحناف:
اشرتطوا تساوي الدليلني يف القوة ،وعىل ذلك يشرتط يف احلديث املعارض للقرآن أن
يكون قطعي الثبوت .
من وجوه تعارض األحاديث املفرسة للقرآن:
1تعارض احلديث املفرس مع ظاهر القرآن.
2تعارض األحاديث املفرسة للقرآن فيام بينها.
3تعارض احلديث املفرس للقرآن مع أحد
األدلة العقلية كـ اإلمجاع ،أو القياس ،وغريمها.
تنبيه
هذه الوجوه الثالثة تناوهلا الطربي ،وابن كثري ،وابن حيان ،وابن عطية ،وغريهم يف
تفاسريهم.
مثال لتعارض احلديث مع القرآن:
قال اهلل تعاىل﴿:وال يظلم ربك أحدا﴾ الكهف
وقال﴿:وما كنا معذبني حتى نبعث رسوال﴾
وقال﴿:وما ربك بظالم للعبيد﴾ فصلت
وقال﴿:إن اهلل ال يظلم مثقال ذرة﴾ النساء
حديث أيب هريرة ،من طريق صالح بن كيسان ،عن األعرج ،أن النبي صىل اهلل عليه
وسلم قال« :اختصمت اجلنة والنار إىل رهبام ...،قــال [النبي ﷺ]:فأما اجلنة فإن اهلل ال يظلم
من خلقه أحدا،وإنه ينشئ للنار من يشاء »...البخاري
ظاهر تلك اآليات :أن اهلل ال يظلم خلقه ،وال يعذهبم إال بعد إقامته احلجة عليهم.
91
وظاهر احلديث «وإنه ينشئ للنار من يشاء »أن اهلل خيلق للنار من يشاء ليعذهبم فيها.
فقد يستشكل ذلك ،فيقال :اهلل نفى الظلم عن نفسه ،وأخرب عن نفسه أنه ال يعذب
خلقه
إال بعد إقامته احلجة عليهم ،فكيف يقول النبي ﷺ أن اهلل تعاىل «ينشئ للنار من
يشاء»؟؟
درء التعارض:
سلك العلامء يف درء هذا تعارض مسلكني :
مسلك الرتجيح.
مسلك اجلمع .
أوال :مسلك الرتجيح .
ترجيح النصوص التي جاء فيها نفي ظلم اهلل للخلق ،وتضعيف رواية صالح بن
كيسان.
وذهب إىل ذلك :ابن القيم ،والبلقيني ،وغريمها.
تضعيف رواية صالح بن كيسان ما ضعف متن هذه الرواية :
1انقلب موضع يف متن الرواية.
ُ 2مالفة الرواية لظاهر اآليات ولإلمجاع.
3إعراض أصحاب املصنفات احلديثية عن إخراج هذه الرواية يف كتبهم غري البخاري.
ما ضعف سند هذه الرواية:
1ثبوت اخلطء والوهم من صالح بن كيسان أو ممن رووا عنه احلديث.
أوال :ما ضعف متن الرواية
أوال:
92
انقلب موضع يف متن الرواية .بدل أن يقول الراوي« :وإنه ينشئ للجنة من يشاء» كام
ثبت يف مجيع الروايات األخرى ،قلبها ،فقال« :وإنه ينشئ للنار من يشاء».
قال ابن القيم...« :وأما اللفظ الذي وقع يف صحيح البخاري يف حديث أيب هريرة «وإنه
ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول هل من مزيد» فغلط من بعض الرواة انقلب عليه لفظه،
والروايات الصحيحة ،ونص القرآن يرده» حادي األرواح.
قال ابن حجر« :وقد قال مجاعة من األئمة إن هذا املوضع مقلوب» فتح الباري
قال أبو احلسن القابيس« :وال أعلم يف شء من األحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إال هذا»
الفتح.
ثانيا:
ُمالفة الرواية لظاهر اآليات ولإلمجاع .
األمر األول :إنشاء اهلل خلقا ليدخلهم النار ُمالف ملا جاء به القرآن ،الذي جاء به القرآن
هو أن اهلل أنشأ خلقا للجنة ،والنار توعد بملئها بإبليس وأتباعه.
قال ابن القيم...« :وأما اللفظ الذي وقع يف صحيح البخاري يف حديث أيب هريرة
«وإنه ينشئ للنار من يشاء فيلقى فيها فتقول هل من مزيد فغلط من بعض الرواة انقلب عليه
لفظه ،والروايات الصحيحة ونص القرآن يرده ،فإن اهلل سبحانه أخرب أنه يملئ جهنم من
إبليس وأتباعه »...حادي األرواح.
ما جاء يف ملئ اهلل النار بإبليس وأتباعه:
Ⅰقال تعاىل﴿:ولكن حق القول منى ألمألن جهنم من اجلنة والناس أمجعني﴾
السجدة.
Ⅱوقال أيضا﴿:ألمألن جهنم منك وممن تبعك منهم أمجعني﴾ ص
ما جاء يف إنشاء اهلل خلقا للجنة:
Ⅰقال تعاىل عن نساء اجلنة﴿:إنا أنشأناهن إنشاء ،فجعلناهن أبكارا ،عربا أترابا﴾
93
Ⅱوقـــال أيضا﴿:فيهــــن قارصات الطــرف مل يطمثهن إنس قبلهم وال جان﴾
Ⅲوقال عن ولدان اجلنة﴿ :يطوف عليهم ولدان ُملدون﴾
األمر الثاين :إنشاء اهلل خلقا للنار ليعذهبـــــم فيها ُمالــــــف لظاهـــــر اآليات
التي نفى اهلل فيها الظلم عــن نفسه ،وُمالف أيضا لإلمجاع.
قال ابن حجر« :وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني ،واحتج بقوله وال يظلم ربك أحدا»
فتح الباري.
من تلك اآليات:
Ⅰقوله تعاىل﴿ :وما كنا معذبني حتى نبعث رسوال﴾ اإلرساء.
Ⅱوقوله أيضا﴿:وال يظلم ربك أحدا﴾ الكهف
ثالثا :إعراض أصحاب املصنفات احلديثية عن إخراج هذه الرواية يف كتبهم غري
البخاري.
الرواية مل يروها أحد من أصحاب كتب احلديث إال البخاري ،مع أهنم أخرجوا
األحاديث الثالثة وبروايات عدة ،كـ اإلمام أمحد يف مسنده ،واإلمام مسلم يف صحيحه،
والنسائي يف الكربى،وابن حبان يف صحيحه ،واحلميدي يف اجلمع بني الصحيحني ،فال شك
أن إعراض هؤالء عن إخراج هذه الرواية تعليل هلا.
تنبيه
تضعيف متن الرواية بحجة أنه نفي فيها الظلم عن اهلل عند ذكر اجلنة ادعاء وزعم باطل
من وجوه ،منها:
الوجه األول :ال أحد ممن رشحوا كتب السنة -يف حد علمي ،-أو من األئمة أنكر
الرواية بسبب هذا اللفظ« فأما اجلنة فإن اهلل ال يظلم من خلقه أحدا» ،وإنام أنكروا الرواية
بسبب هذه العبارة« :وإنه ينشئ للنار من يشاء» ،مما جاء يف ذلك:
94
قول ابن حجر« :وكذا أنكر الرواية شيخنا البلقيني ،واحتج بقوله وال يظلم ربك أحدا»
فتح الباري.
قول أبو احلسن القابيس« :وال أعلم يف شء من األحاديث أنه ينشئ للنار خلقا إال
هذا »فتح الباري.
الوجه الثاين :جاء احلديث من طرق أخرى موافق هلذه الرواية ،نفي الظلم فيها عن اهلل
عند ذكر اجلنة.
حديث أيب هريرة ،من طريق حممد بن سريين ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال:
«...فأما اجلنة فإن اهلل عز وجل ال يظلم من خلقه أحدا ،وإنه ينشئ هلا من خلقه ما شاء»...
أمحد
وأيضا حديث أيب هريرة ،من طريق أيب الزناد ،عن عبد الرمحن األعرج ،عن أيب هريرة،
أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال...« :وأما اجلنة فال يظلم اهلل من خلقه أحدا» السنن الكربى
للنسائي.
95
حممد بن سريين[ :الكربى /أمحد]
أبو سعيد اخلدري[ :أمحد /ابن حبان]
أنس بن مالك[ :البخاري /مسلم]
بيان مصدر اخلطأ والوهم:
اخلطأ والوهم مل يكن من أيب هريرة وال من األعرج ،وإنام كان من صالح بن كيسان أو
ممن رووا عنه هذه الرواية ،وبيان ذلك كاآليت:
احلديث روي عن أيب هريرة من ثالثة طرق:
طريق مهام بن منبه وطريق حممد بن سريين واحدى طريقي األعرج وهي طريق أيب
الزناد ثالثتهم جاءت موافقة حلديث أيب سعيد
وحديث أنس ،أن النبي ﷺ أثبت إنشاء اهلل خلقا للجنة ،قال« :وأما اجلنة :فإن اهلل
عزوجل ينشئ هلا خلقا» ،وبقي طريق واحد جاء ُمالف هلم مجيعا ،وهو طريق صالح بن
كيسان عن األعرج عن أيب هريرة ،جاء فيه أن النبي ﷺ أثبت إنشاء اهلل خلقا للنار ،قال« :وإنه
ينشئ للنار من يشاء ،»...فعىل هذا يتبني أن اخلطأ والوهم مل يكن من أيب هريرة ،ألنه لو كان
منه التفقت مجيع الروايات التي رويت عنه ،وأيضا لو كان من األعرج التفقت روايتي
صالح بن كيسان وأيب الزناد.
ثانيا :مسلك اجلمع.
القول بصحة رواية صالح بن كيسان ومجعها مع اآليات ،وفيه مسلكان اثنان:
املسلك األول :
األخذ برواية صالح بن كيسان مع تأويلها وهذا مذهب :ابن حجر.
قال ابن حجر عن عبارة «وإنه ينشئ للنار من يشاء»« :ويمكن التزام أن يكونوا من
ذوي األرواح؛ ولكن ال يعذبون كام يف اخلزنة» الفتح.
96
وقال« :وحيتمل أن يراد باإلنشاء ابتداء إدخال الكفار النار ،وعرب عن ابتداء اإلدخال
باإلنشاء ،فهو إنشاء اإلدخال ال اإلنشاء بمعنى ابتداء اخللق ،بدليل قوله« :فيلقون فيها،
وتقول هل من مزيد» ،وأعادها ثالث مرات ،ثم قال :حتى يضع فيها قدمه ،فحينئذ متتلئ،
فالذي يملئها حتى تقول حسبي هو القدم كام هو رصيح اخلرب».
املذهب الثاين :األخذ برواية صالح بن كيسان مع محلها عىل احلقيقة.
وهذا مذهب :املهلب ،والقايض عياض ،والنووي ،والكرماين.
قال املهلب :وفيه حجة ألهل السنة يف قوهلم إن هلل أن يعذب من مل يكن يكلفه عبادته
يف الدنيا وال خيرجه إليها لقوله﴿ :ويفعل اهلل ما يشاء﴾ ،بخالف من يقول :إن اهلل لو عذب
من مل يكلفه لكان ظاملا ،وهذا احلديث حجة عليهم» رشح ابن بطال
وقال ابن حجر« :وأهل السنة إنام متسكوا يف ذلك بقوله تعاىل ﴿ال يسئل عام يفعل
ويفعل ما يشاء﴾ ،وغري ذلك ،وهو عندهم من جهة اجلواز ،وأما الوقوع ففيه نظر ،وليس يف
احلديث حجة لالختالف يف لفظه ولقبوله التأويل» فتح الباري.
قال القايض عياض« :ويف هذا احلديث حجة ألهل السنة أن الثواب والعقاب غري
مستحق باألعامل ،وقمع للمعتزلة والقدرية يف إثباهتم الثواب والعقاب عىل جهة
العقل...،وانظر كيف قال هنا للجنة« :فينشئ اهلل هلا خلقا مما يشاء»،يدل أهنم ممن مل يوجد،
وكان هذا ظاهره» إكامل املعلم
وقال أيضا« :وقوله يف آخر احلديث« :وال يظلم اهلل من خلقه أحدا» :حيتمل أنه راجع
إىل ما قلناه ،وأنه تعاىل يعذب من يشاء ابتداء وخيلقه لذلك ،غري ظامل له ،كام قال« :أعذب بك
من أشاء من عبادي» ،وحيتمل أنه راجع إىل ذكر حماجة اجلنة والنار ،وأن الذي جعل لكل
واحد منهام عدل منه وحكمة ،باستحقاق كل طائفة منهم لذلك ،ومل يظلم أحدا منهم »إكامل
املعلم
97
قال النووي« :الظلم مستحيل يف حق اهلل تعاىل ،فمن عذبه بذنب أو بال ذنب ،فذلك
عدل منه سبحانه وتعاىل» رشحه عىل مسلم
قال الكرماين...« :وقيل هذا وهم من الراوي إذ تعذيب غري العايص ال يليق بكرم اهلل
تعاىل بخالف اإلنعام عىل غري املطيع .أقول :ال حمذور يف تعذيب اهلل تعــــــــــاىل من ال
ذنب له ،إذ القاعدة القائلة باحلسن والقبح باطلة ،فلو عذبه لكان عدال ،واإلنشاء للجنة ال
ينايف اإلنشاء للنار ،واهلل تعاىل يفعل ما يشاء ،فال حاجة إىل احلمل عىل الوهم» الكواكب
الدراري
تنبيه
أهل السنة واجلامعة يقولون باإلمكان العقيل ،فلو أنشئ اهلل للنار خلقا فعذهبم ملا كان
ظاملا هلم ،ولكن ال يقع ملا ثبت بالنصوص القطعية كـ قوله تعاىل ﴿وال يظلم ربك أحدا﴾.
تنبيه
احلداثيون اّتذوا رواية صالح بن كيسان التي أخرجها البخاري يف صحيحه سبيال
للطعن يف صحيحه ،فقالوا :كيف ينشئ اهلل خلقا للنار يعذهبم فيها وهو العادل الذي نفى
الظلم عن نفسه.
مثال آخر لتعارض احلديث مع القرآن:
-مدة خلق الساموات واألرض-
98
حديث أيب هريرة ،قال :أخذ رسول اهلل ﷺ بيدي فقال« :خلق اهلل عز وجل الرتبة يوم
السبت ،وخلق فيها اجلبال يوم األحد ،وخلق الشجر يوم االثنني ،وخلق املكروه
يــــــــــوم الثالثاء ،وخلق النور يوم األربعاء ،وبث فيها الدواب يوم اخلميس ،وخلق آدم
عليه السالم بعد العرص من يوم اجلمعة ،يف آخر اخللق ،يف آخر ساعة من ساعات اجلمعة ،فيام
بني العرص إىل الليل» مسلم وغريه.
املعنى الظاهر للنصوص الثالثة :
اآلية األوىل :معناه الظاهر هو أن اهلل خلق كل من [الساموات واألرض وما بينهام] يف
ستةأيام.
اآلية الثانية :قال القرطبي يف قوله تعاىل ﴿يف أربعة أيام﴾ :يعني يف تتمة أربعة أيام،
ومثاله قول القائل :خرجت من البرصة إىل بغداد يف عرشة أيام ،وإىل الكوفة يف مخسة عرشة
يوما ،أي يف تتمة مخسة عرش يوما» تفسريه
فيكون خلق [األرض فقط] يف يومني ،وخلق ما عليها] يف يومني ،وخلق [الساموات
فقط ]يف يومني ،وخلق [األرض وما عليها فقط] كان يف أربعة أيام وخلق كل من [األرض
وما عليها والساموات] كان يف ستة أيام.
احلديث:
معناه الظاهر هو أن خلق [األرض وما عليها فقط ،غري خلق الساموات] كان يف سبعة
أيام.
فقد يستشكل ذلك ،فيقال :
أوال:
اهلل تعاىل أخرب يف كال اآليتني أنه خلق كل من الساموات واألرض وما بينهام] يف ستة
أيام فقط ،وظاهر كالم النبي ﷺ أن اهلل تعاىل خلق [األرض وما عليها فقط] يف سبعة أيام.
ثانيا :
99
يقال أيضا أن ظاهر اآلية الثانية يدل عىل أن اهلل تعاىل خلق [األرض وما عليها] يف أربعة
أيام فقط ،وظاهر كالم النبي ﷺ أن اهلل تعاىل خلق [األرض وما عليها] يف سبعة أيام.
درء التعارض:
العلامء سلكوا يف درئ هذا التعارض مسلكني:
مسلك الرتجيح.
ترجيح ظاهر اآليات ،وتضعيف الرواية.
مسلك اجلمع.
تصحيح الرواية ،واجلمع بينها وبني اآليات.
أوال :مسلك الرتجيح.
ترجيح ظاهر اآليات وتضعيف احلديث.
ممن ذهبوا إىل هذا :البيهقي ،عيل بن املديني ،البخاري ،ابن كثري ،ابن القيم ،ابن تيمة.
تضعيف الرواية سندا ومتنا.
ما عللوا به سند الرواية :
1احلديث أخذ عن راو مرتوك ،وهو إبراهيم بن أيب حييى.
2احلديث رفع للنبي ﷺ خطأ ،وإال هو من كالم كعب األحبار - .إرسائيليات-
ما عللوا به متن الرواية:
1احلديث يقتيض أن مدة التخليق سبعة أيام ،وهـــــذا ُمالـــــف للثابت بالكتاب
والسنة واإلمجاع ،ألهنا كانت يف ستة أيام فقط.
2احلديث يقتيض أن خلق [األرض وما فيها فقط ،غري ذكر خلق الساموات] كان يف
سبعة أيام ،وظاهر القرآن أن ذلك كان يف أربعة أيام فقط.
3احلديث جاء فيه أن بدأ التخليق كان يوم السبت ،وهذا ُمالف ملا جاءت به اآلثار،
وُمالف إلمجاع السلف من أهل العلم؛ ألن بدأ التخليق كان يوم األحد.
100
سند احلديث :
قال اإلمام مسلم :حدثني رسيج بن يونس وهارون بن عبد اهلل ،قاال :حدثنا حجاج بن
حممد ،قال :قال ابن جريج ،أخربين إسامعيل بن أمية ،عن أيوب بن خالد ،عن عبد اهلل بن
رافع موىل أم سلمة ،عن أيب هريرة.
أوال :ما ضعف السند :
أوال :احلديث مأخوذ من راو مرتوك :
إسامعيل بن أمية مل يأخذ هذا احلديث مبارشة عن أيوب بن خالد ،وإنام أخذه من رجل
مرتوك بينهام ،وهو إبراهيم بن أيب حييى.
قال عليه بن املديني« :وما أرى إسامعيل بن أمية أخذ هذا إال من إبراهيم بن أيب
حييى»األسامء والصفات للبيهقي.
قال البيهقي« :هذا حديث قد أخرجه مسلم يف كتابه عن رسيج بن يونس وغريه ،عن
حجج بن حممد ،وزعم بعضهم أن إسامعيل بن أمية إنام أخذه عن إبراهيم بن أيب حييى عن
أيوب بن خالد ،وإبراهيم غري حمتج به» األسامء والصفات.
ثانيا:
الكالم من إرسائيليات كعب األحبار .
قيل الصواب أن أبا هريرة مل يرو ذلك الكالم عن النبي ﷺ ،وإنام هو من كالم كعب
األحبار أخذه عنه ،ورفعه بعض الرواة خطأ للنبي ﷺ.
قال البخاري« :وروى إسامعيل بن أمية ،عن أيوب بن خالد األنصاري ،عن عبد اهلل
بن رافع ،عن أيب هريرة ،عن النبي ﷺ ،قال :خلق اهلل الرتبة يوم السبت ».
وقال بعضهم :عن أيب هريرة ،عن كعب ،وهو أصح» .التاريخ الكبري للبخاري
101
قال ابن كثري« :وهذا احلديث من غرائب صحيح مسلم ،وقد تكلم عليه عيل بن املديني
والبخاري وغري واحد من احلفاظ ،وجعلوه من كالم كعب ،وأن أبا هريرة إنام سمعه من كالم
كعب األحبار ،وإنام اشتبه عىل بعض الرواة فجعلوه مرفوعا ،وقد حرر ذلك البيهقي» تفسريه
قال ابن القيم« :ويشبه هذا ما وقع فيه الغلط من حديث أيب هريرة «خلق اهلل الرتبة
يوم السبت »...احلديث ،وهو يف صحيح مسلم ،ولكن وقع الغلط يف رفعه ،وإنام هو من قول
كعب األحبار »...املنار املنيف.
ثانيا:ما ضعفوا به املتن:
أوال:
احلديث يقتيض أن مدة التخليق سبعة أيام ،وهـــــذا ُمالـــــــــف للثابت بالكتاب
والسنة واإلمجاع ،ألهنا كانت يف ستة أيام فقط.
قال ابن كثري« :فقد رواه مسلم بن احلجاج يف صحيحه والنسائي من غري وجه ،عن
حجاج ،وهو ابن حممد األعور عن ابن جريج به ،وفيه استيعاب األيام السبعة ،واهلل تعاىل قد
قال يف ستة أيام» تفسريه.
قال ابن تيمية...« :فبينوا أن هذا غلط ليس من كالم النبي ﷺ ،واحلجة مع هؤالء ،فإنه
قد ثبت بالكتاب والسنة واإلمجاع أن اهلل تعاىل خلق الساموات واألرض يف ستة أيام ،وأن آخر
ما خلقه هو آدم ،وكان خلقه يوم اجلمعة ،وهذا احلديث املختلف فيه يقتيض أنه خلق ذلك يف
األيام السبعة» قاعدة جليلة.
قال ابن القيم« :وهو يف صحيح مسلم ،ولكن وقع الغلط يف رفعه ،وإنام هو من قول
كعب األحبار ...،وهو كام قالوا ألن اهلل أخرب أنه خلق الساموات واألرض وما بينهام يف ستة
أيام ،وهذا احلديث يقتيض أن مدة التخليق سبعة أيام ،واهلل تعاىل أعلم» املنار املنيف.
ثانيا :احلديث يقتيض أن خلق [األرض وما فيها فقط ،غري خلق الساموات] كان يف
سبعة أيام ،وظاهــــــر القــــــرآن أن ذلك كان يف أربعة أيام فقط.
102
قال ابن كثري...« :ثم يف متنه غرابة شديدة ،فمن ذلك :أنه ليس فيه ذكر خلق الساموات،
وفيه ذكر خلق األرض وما فيها يف سبعة أيام ،وهذا خالف القرآن ،ألن األرض خلقت يف
أربعة أيام ،ثم خلقت الساموات يف يومني من دخان» البداية والنهاية.
ثالثا :أن احلديث جاء فيه أن بدأ التخليق كان يوم السبت ،وهذا ُمالف ملا جاءت به
اآلثار ،وُمالف إلمجاع السلف من أهل العلم؛ ألن بدأ التخليق كان يوم األحد.
قال الطربي« :واختلف السلف يف اليوم الذي ابتدأ اهلل عز وجل فيه يف خلق الساموات
واألرض ... ،وأوىل القولني يف ذلك عندي بالصواب قول من قال :اليوم الذي ابتدأ اهلل تعاىل
ذكره فيه خلق الساموات واألرض يوم األحد ،إلمجاع السلف من أهل العلم عىل ذلك».
تاريخ الطربي.
وقال ابن تيمية ...« :والبيهقي وغريه وافقوا الذين ضعفوه ،وهذا هو الصـــــــواب؛
ألنه قــد ثبت بالتواتر أن اهلل خلق الساموات واألرض وما بينهام يف ستة أيام ،وثبت أن آخر
اخللق كان يوم اجلمعة فيلزم أن يكون أول اخللق يوم األحد ،وهكذا هو عند أهل الكتاب،
وعىل ذلك تدل أسامء األيام ،وهذا هو املنقول الثابت يف أحاديث وأثار أخر ،ولو كان أول
اخللق يوم السبت وآخره يوم اجلمعة لكان قد خلق يف األيام السبعة؛ وهو خالف ما أخرب به
القرآن ،مع أن حذاق أهل احلديث يثبتون علة هذا احلديث من غري هذه اجلهة» جمموع
الفتاوى.
ثانيا :مسلك اجلمع:
تصحيح الرواية ،واجلمع بينها وبني اآليات.
ممن ذهبوا إىل هذا :املعلمي ،األلباين ،أبو حيان األندليس.
رد املعلمي عىل ما أعل به سند احلديث.
أوال :قول ابن املديني« :وما أرى إسامعيل بن أمية أخذ هذا إال من إبراهيم بن أيب حييى»
[إبراهيم بن أيب حييى رمي بالكذب]
103
قال املعلمي« :ويرد عىل هذا أن إسامعيل بن أمية ثقة عندهم غري مدلس» .األنوار
الكاشفة.
ثانيا:قال البخاري« :وقال بعضهم :عن أيب هريرة ،عن كعب ،وهو أصح» [يعني ليس
مرفوعا]
قال املعلمي« :الرواية التي أشــــــار إليهـا بقوله وقال بعضهم»...ويدل عىل ضعفها
أن املحفوظ عن كعب وعبد اهلل بن سالم ووهب بن منبه ومن يأخذ عنهم أن ابتداء اخللـــــق
كان يــــوم األحد ،وهو قــــــــول أهل الكتاب املذكور يف كتبهم ،وعليه يبنوا قوهلم يف
السبت ... ،فهــــذا يدفع أن يكون ما يف احلديث من قول كعب »األنوار الكاشفة.
أوال:
مجع املعلمي.
أوال :كون احلديث مل يذكر خلق السامء.
أجاب عليه بقوله« :فيجاب عنه بأن احلديث وإن مل ينص عىل خلق السامء فقد أشار
بذكره يف اليوم اخلامس النور ويف السادس الدواب وحياة الدواب حمتاجة إىل احلرارة ،والنور
واحلرارة مصدرمها األجرام الساموية.
ثانيا :
كون احلديث اقتىض أن خلق [األرض وما عليها
فقط ،غري الساموات] كان يف سبعة أيام ،وجاءيف القرآن أن ذلك كان يف أربعة أيام.
أجاب عليه بقوله :والذي فيه -احلديث -أن خلق األرض نفسها كان يف أربعة أيام كام يف
القرآن ،والقرآن إذ ذكر خلق األرض يف أربعة أيام مل يذكر ما يدل عىل أن مجلة ذلك خلق النور
والدواب ،وإذ ذكر خلق السامء يف يومني مل يذكر ما يدل عىل أنه يف أثناء ذلك مل حيدث يف
األرض شيئا.
تنبيه
104
مبنى جوابه هذا أن احلديث جاء مفصل ملا خلقه اهلل عىل األرض ،واآلية مل تفصل.
ثالثا :
كون احلديث جعل اخللق يف [سبعة أيام]،
والقرآن يبني أن خلق الساموات واألرض كان يف [ستة أيام فقط] ،أربعة منها لألرض،
ويومان للسامء.
أجاب عليه بقوله :وجياب عن الوجه الثاين بأنه ليس يف هذا احلديث أنه خلق يف اليوم
السابع غري آدم ،وليس يف القرآن ما يدل عىل أن خلق آدم كان يف األيام الستة بل هذا معلوم
البطالن.
تنبيه
مبنى جوابه هذا أن احلديث فصل ،واآلية مل تفصل.
ثم ذكر كالما يقوي جوابه ،فقال« :ويف آيات خلق آدم أوائل البقرة وبعض اآلثار ما
يؤخذ منه أنه قد كان يف األرض عامر قبل آدم عاشوا فيها دهرا ،فهذا يساعد القول بأن خلق
آدم متأخر بمدة عن خلق السموات واألرض»
رابعا :
كــون احلديث ُمالــف لآلثار القائلة :إن أول الستة يوم األحد ،وهو الذي تدل عليه
أسامء األيام :األحــــد ،االثنني ،الثالثـــاء ،األربعـــاء ،اخلميس.
جوابه عليه« :وأما الوجه الثالث فاآلثار القائلة أن ابتداء احلق اخللقي يوم األحد ما كان
منها مرفوعا فهو أضعف من هذا احلديث بكثري ،وأما غري املرفوع فعامته من قول عبد اهلل بن
سالم ،وكعب ،ووهب ،ومن يأخذ عن االرسائيليات».
ثانيا:
مجع األلباين
تعليق األلباين عىل احلديث الذي رواه مسلم.
105
قال« :وال مطعن يف إسناده البتة ،وليس هو بمخالف للقرآن بوجه من الوجوه ،خالفا
ملا
تومهه بعضهم ،فإن احلديث يفصل كيفية اخللق عىل األرض وحدها ،وأن ذلك كان يف سبعة
أيام ،ونص القرآن عىل أن خلق الساموات واألرض كان يف ستة أيام ،واألرض يف يومني ال
يعارض ذلك ،الحتامل أن هذه األيام من مراحل تطور اخللق عىل وجه األرض حتى صارت
صاحلة للسكنى ،ويؤيده أن القرآن يذكرأن بعض األيام عند اهلل تعاىل كألف سنة ،وبعضها
مقداره مخسون ألف سنة ،فام املانع أن تكون األيام الستة من هذا القبيل؟ واأليام السبعة من
أيامنا هـــــــذه؟ كام هـــــو رصيح احلديث ،وحينئــــذ فــــــال تعـــارض بينه وبني
القرآن» مشكاة املصابيح احلديث رقم 5734
تعليــــق األلباين عىل حديث األخضــر بــــن عجالن الذي أخرجه النسائي يف
الكربى:
أوال :ذكر نص احلديث:
األخرض بن عجالن ،عن ابن جريج املكي ،عن عطاء ،عن أيب هريرة ،أن النبي ﷺ
أخذ بيدي قال« :يا أبا هريرة ،إن اهلل خلق الساموات واألرضني وما بينهام يف ستة أيام ،ثم
استوى عىل العرض يوم السابع ،وخلق الرتبة يوم السبت ،واجلبال يوم األحد ،والشجر يوم
االثنني ،والتقن يوم الثالثاء ،والنور يوم األربعاء ،والدواب يوم اخلميس ،وآدم يوم اجلمعة
يف آخر ساعة من النهار بعد العرص ،وخلق أديم األرض أمحرها وأسودها ،وطيبها وخبيثها،
من أجل ذلك جعل اهلل عز وجل من آدم الطيب واخلبيث» النسائي يف الكربى.
تعليق األلباين عىل حديث األخرض بن عجالن:
قال األلباين...« :وقد خرجته يف الصحيحة رقم [1833وقد توهم بعضهم أنه ُمالف
لآلية املذكورة يف أول احلديث ،وهي أول سورة السجدة ،وليس كذلك كام كنت بينته فيام
علقته عىل املشكاة [ ،]5735وخالصة ذلك أن األيام السبعة يف احلديث هي غري األيام الستة
106
يف القرآن ،وأن احلديث يتحدث عن شء من التفصيل الذي أجراه اهلل عىل األرض ،فهو يزيد
عىل القرآن ،وال خيالفه ،وكان هذا اجلمع قبل أن أقف عىل حديث األخرض ،فإذا هو رصيح
فيام كنت ذهبت إليه اجلمع ،فاحلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات »ُمترص العلو
تعليـــق األستاذ عىل حديث األخرض بـــن عجالن الذي أخرجه النسائي يف الكربى :
رواية األخرض ابن عجالن هذه التي أخرجها النسائي معلولة ،منها ُمالفة األخرض ابن
عجالن غريه من الرواة الذين رووه عن ابن جريج ،ومن هؤالء الذين خالفهم احلجاج ابن
حممد الذي هو أثبت الرواة عن ابن جريج.
ثالثا :
مجع أيب حيان األندليس :
قال ابن حيان ،يف تفسريه لقوله تعاىل :
﴿إن ربكم اهلل الذي خلق الساموات واألرض يف ستة أيام ثم استوى عىل العرش﴾:
والذي أقول :إنه متى أمكن محل الّشء عىل ظاهره أو عىل قريب من ظاهره كان أوىل من محله
عىل ما ال يشمله العقل أو عىل ما خيالف الظاهر مجلة ،وذلك بأن جيعل قوله يف ستة أيام ظرفا
خللق األرض ال ظرفا خللق الساموات واألرض ،فيكون يف ستة أيام مدة خللق األرض برتبتها
وجباهلا وشجرها ومكروهها ونورها ودواهبا وآدم عليه السالم ،وهذا يطابق احلديث الثابت
يف الصحيح ،وتبقى ستة أيام عىل ظاهرها من العددية ومن كوهنا أياما باعتبار امتياز اليوم عن
الليلة بطلوع الشمس وغروهبا»
تعليق األستاذ:
وصف مجع أيب حيان هذا بأنه غريب.
تكليف:
تكليف يف معارضة احلديث إما إلمجاع ،أو للعقل ،أو للحس واملشاهدة ،أو للقياس،
أو ومعارضة احلديث بعضه لبعض ،برشط أن ال يكون من كتاب ُمتلف احلديث البن قتيبة
107
أو مشكل احلديث للطحاوي ،ويذكر وجه املعارضة ،وتذكر مسالك اجلمع ،وحبذ أن يكون
مما أثاره احلداثيون يف هذا العرص.
فوائد
فائدة
األصل عند األحناف أن ال يعمل وال يأخذ بمفهوم املخالفة مطلقا ،ولكن جتدهم يف
بعض األحكام يعملون به.
فائدة
ملاذا كثريا ما خيتلف األحناف مع اجلمهور:
األحناف :
أخذوا واستمدوا القواعد من الفروع ،قواعدهم بنوها عىل الفروع التي هي فتاوى
املذهب،كفتاوى أيب حنيفة ،ولذلك قواعدهم ليست جامعة ،وغري مطردة ،ويكثر فيها
االستثناء.
اجلمهور :
استمدوا القواعد من النصوص الرشعية ،بنوها عن طريق ما يسمى بالسرب والتقسيم
للنصوص الرشعية ،والنظر يف دالالت األلفاظ.
فائدة
مراحل االنتقال من املصدر إىل احلكم:
أوال:
تصور املسألة؛ ألن احلكم عىل الّشء فرع عن تصوره.
ثانيا:
البحث يف املصادر عن األدلة املوافقة لصورة املسألة ،ومجع هذه األدلة.
ثالثا:
108
التوفيق بني األدلة بإحدى املسالك.
رابعا:
كيفية اسقاط احلكم عىل الواقع؛ ألن احلكم قد يتطابق مع املصدر ،ولكن الوقائع قد
تغري هذا احلكمّ ،تضع لألعراف واملصالح واملفاسد.
خامسا :
النظر يف املآالت واملقاصد ،ألنه أحيانا لو يفتي املفتي بحكم ما قد يتولد عنه مفاسد
مستقبال .
109
-قتل شارب اخلمر يف املرة الرابعة :-حديث معاوية وغريه ،أن رسول اهلل صىل اهلل
عليه وسلم قال« :من رشب اخلمر فاجلدوه ،فإن عاد يف الرابعة فاقتلوه» سنن الرتمذي
والكثري من أئمة املسلمني :قالوا باإلمجاع عىل أن ال يقتل شارب اخلمر؛ وإن تكرر ذلك
منه فوق الثالث.
فقد يستشكل ذلك ،فيقال:
ظاهر احلديث الثابت أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم أمر بقتل شارب اخلمر يف
الرابعة حدا ،والكثري من أئمة املسلمني يقولون باإلمجاع عىل أن ال يقتل ،فام السبيل يف ذلك؟؟
درء التعارض:
سلك العلامء يف درء هذا التعارض مسلكني:
مسلك الرتجيح ،وفيه ثالثة مذاهب.
مسلك التوقف مع إنكار اإلمجاع.
مذاهب مسلك الرتجيح:
املذهب األول :رجحوا ما دل عليه اإلمجاع؛ أنه ال يقتل شارب اخلمر مطلقا.
وذهب إىل هذا :الشافعـــــي ،والرتمــــــذي ،وابن املنذر ،واخلطـــــــــايب،
والقايض عياض ،والنووي ،وابن الصالح ،وابـــن حجر ،وغريهم.
املذهب الثاين :أنكروا اإلمجاع ،ورجحوا األحاديث القائلة بقتل الشارب يف الرابعة؛
بحمل األمر الوارد فيها عىل ظاهره.
وذهب إىل هذا :ابن حزم األندليس القرطبي ،والسيوطي ،وأمحد حممد شاكر.
املذهب الثالث :أنكروا اإلمجاع ،ورجحوا األحاديث؛ بحمل األمر الوارد فيها عىل
التعزير بحسب املصلحة.
وذهب إىل هذا :ابن القيم ،واأللباين.
مسلك التوقف مع إنكار اإلمجاع:
110
أنكر اإلمجاع ،ثم توقف ،ال هو رصح بحمل األحاديث عىل ظاهرها ،وال هو قال
بنسخها ،وال هو محلها عىل التعزير بحسب املصلحة وذهب إىل هذا :العراقي.
املذهب األول :رجحوا ما دل عليه اإلمجاع؛ أنه ال يقتل شارب اخلمر مطلقا.
قال الشافعي بعدما ساق حديث قبيصة بن ذؤيب« :والقتل منسوخ هبذا احلديث
وغريه ،وهذا مما ال اختالف فيه بني أحد من أهل العلم علمته» األم وقال الرتمذي بعد ذكره
حلديث جابر وقبيصة يف رفع حكم قتل شارب اخلمر يف الرابعة« :والعمل عىل هذا احلديث
عند عامة أهل العلم ال نعلم بينهام اختالفا يف ذلك يف القديم واحلديث ،ومما يقوي هذا ما
روي عن النبي صىل اهلل عليه وسلم من أوجه كثرية أنه قال« :ال حيل دم امرئ مسلم يشهد أن
ال إله إال اهلل وأين رسول اهلل ،إال بإحدى ثالث :النفس بالنفس ،والثيب الزاين ،والتارك
لدينه» سننه
وقال ابن املنذر« :ثم أزيل القتل عن الشارب يف املرة الرابعة بخرب رسول ﷺ ،وبإمجاع
عوام أهل العلم من أهل احلجاز ،والعراق ،والشام ،مرص ،وكل من نحفظ عنه من أهل العلم
إال شاذا من الناس ال يعد خالفهم خالفا» اإلرشاف وقال اخلطايب« :وقد حيتمل أن يكون
القتل يف اخلامسة واجبا ،ثم نسخ حلصول اإلمجاع من األمة عىل أنه ال يقتل ،وقد روي عن
قبيصة بن ذؤيب ما يدل عىل ذلك» معامل السنن.
وقال القايض عياض :أمجــــع املسلمــــــون عىل وجوب احلد يف اخلمر ،وأمجعوا أنه
ال يقتل إذا تكرر منه ذلك ،إال طائفة شاذة قالوا :يقتل بعد حده أربع مرات ،احلديث الوارد
يف ذلك ،وهو عند الكافة منسوخ بقوله عليه السالم :ال حيل دم مسلم إال بثالث :النفس
بالنفس ،والثيب الزاين ،والتارك لدينه املفارق ،وحديث النعامن ،وأن النبي صىل اهلل عليه
وسلم حده ثالث مرات ومل يقتله ،وهنى عن لعنه ،ودل عىل نسخه إمجاع الصحابة عىل ترك
العمل به» إكامل املعلم
111
وقال النووي« :وأما اخلمر فقد أمجع املسلمون عىل ُتريم رشب اخلمر ،وأمجعوا عىل
وجوب احلد عىل شارهبا؛ سواء رشب قليال أو كثريا ،وأمجعوا عىل أنه ال يقتل برشهبا وإن
تكرر ذلك منه» .رشحه عىل مسلم
وقال ابن الصالح ...« :كحديث قتل شارب اخلمر يف املرة الرابعة ،فإنه منســـوخ،
عـــرف نسخه بانعقاد اإلمجاع عىل تـــــــرك العمل به ،واإلمجاع ال ينسخ وال ينسخ ،ولكن
يدل عىل وجود ناسخ غريه ،واهلل أعلم بالصواب» مقدمته وقال ابن حجر« :وقد استقر
اإلمجاع عىل ثبوت حد اخلمر ،وأن ال قتل فيه» فتح الباري
املذهب الثاين:
أنكروا اإلمجاع ،ورجحوا األحاديث القائلة بقتل الشارب يف الرابعة؛ بحمل األمر
الوارد فيها عىل ظاهره.
وذهب إىل هذا :ابن حزم األندليس القرطبي،والسيوطي ،وأمحد حممد شاكر.
قال ابن حزم« :اختلــــف النـــاس يف شارب اخلمر حيد فيها ... ،ثم يرشهبا الرابعة،
فقالت طائفة :يقتل ،وقالت طائفة ال يقتل ...فلام اختلفوا كام ذكرنا وجب أن ننظر يف ذلك،
فوجدنا من رأى قتله» املحىل
قال السيوطي...« :فهذه بضعة عرش حديثا كلها صحيحة رصحية يف قتل شارب اخلمر
يف الرابعة ،وليس هلا معارض رصيح» قوت
قال حممد شاكر« :وما أرى إال أن القتل يف هذه احلال حكم ثابت حمكم جيب األخذ به
يف كل حال ،وممن ذهب إىل هذا من املتأخرين السيوطي »...تعليقه عىل مسند أمحد
املذهب الثالث:
أنكروا اإلمجاع ،ورجحوا األحاديث؛ بحمل األمر الوارد فيها عىل التعزير بحسب
املصلحة.
وذهب إىل هذا :ابن القيم ،واأللباين.
112
قال ابن القيم« :أما دعوى اإلمجاع عىل خالفه فال إمجاع ،قال عبد اهلل بن عمر وعبد اهلل
بن عمرو ائتوين به يف الرابعة فعيل أن أقتله ،وهذا مذهب بعض السلف» هتذيب السنن
قال ابن القيم« :والذي يقتضيه الدليل أن األمر بقتله ليس حتام ،ولكنه تعزير بحسب
املصلحة ،فإذا أكثر الناس من اخلمر ومل ينزجروا باحلد فرأى اإلمام أن يقتل فيه قتل ،وهلذا
كان عمر ينفي فيه مرة وحيلق فيه الرأس مرة ،وجلد فيه ثامنني ،وقد جلد فيه رسول اهلل ﷺ
وأبو بكر أربعني ،فقتله يف الرابعة ليس حدا ،وإنام هو تعزير بحسب املصلحة ،وعىل هذا
يتخرج حديث األمر بقتل السارق إن صح واهلل أعلم» هتذيب السنن
قال األلباين...« :وقد قيل إنه حديث منسوخ ،وال دليل عىل ذلك ،بل هو حمكم غري
منسوخ... ،ولكنا نرى أنه من باب التعزير ،إذا رأى اإلمام قتل ،وإن مل يره مل يقتل ،بخالف
اجللد فإنه البد منه يف كل مرة ،وهو الذي اختاره اإلمام ابن القيم رمحه اهلل تعاىل» سلسلة
األحاديث الصحيحة.
مسلك التوقف مع إنكار اإلمجاع :
أنكر اإلمجاع ،ثم توقف ،ال هو رصح بحمل األحاديث عىل ظاهرها ،وال هو قال
بنسخها ،وال هو محلها عىل التعزير بحسب املصلحة.
وذهب إىل هذا :العراقي.
قال العراقي ...« :أن دعوى اإلمجاع يف هذا ليس بجيد» التقييد واإليضاح
قال العراقي أيضا...« :وإن قلنا إن خالف أهل الظاهر ال يقدح يف اإلمجاع عىل أحد
القولني فقد قال به بعض الصحابة والتابعني واهلل أعلم» التقييد
ما يقوي ويعضد اإلمجاع عىل رفع القتل:
املعضد االول :ترصيح بعض الصحابة عىل نسخ حكم قتل شارب اخلمر يف الرابعة.
113
حديث جابر بن عبد اهلل ،أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال« :إن من رشب اخلمر
فاجلدوه ،فإن عاد يف الرابعة فاقتلوه» ،قال :ثم أيت النبي صىل اهلل عليه وسلم بعد ذلك برجل
قد رشب اخلمر يف الرابعة فرضبه ومل يقتله .سنن الرتمذي
وحديث قبيصة بن ذؤيب ،نحو حديث جابر ،ثم قال :فرفع القتل ،وكانت رخصة.
الرتميذي
ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد:
قال ابن حزم« :أما حديث جابر بن عبد اهلل يف نسخ الثابت من األمر بقتل شارب اخلمر
يف الرابعة فإن ال يصح ،ألنه مل يروه عن ابن املنكدر أحد متصال ،إال رشيك القايض ،وزياد
بن عبد اهلل البكائي عن حممد بن إسحاق عن ابن املنكدر ،ومها ضعيفان» املحىل
قال ابن حزم أيضا« :وأما حديث قبيصة بن ذؤيب فمنقطع ،وال حجة يف منقطع» املحىل
قال السيوطي« :وقول من قال بالنسخ ال يعضده دليل ،وقوهلم أنه صىل اهلل عليه وسلم
"أتى برجل قد رشب يف الرابعــــــة فرضبــــــه ،ومل يقتله "
ال يصلح ردا هلذه األحاديث لوجوه:
أحدها :أنه مرسل ،ألن راويه قبيصة ولد يوم الفتح ،فكان عمره عند وفاة النبي صىل
اهلل عليه وسلم سنتني وأشهرا ،فلم يدرك شيئا يرويه.
الثاين :أنه لو كان متصال صحيحا لكانت تلك األحاديث مقدمة عليه ،ألهنا أصح
وأكثر.
والثالث :أن هذه واقعة عني ال عموم هلا.
والرابع :أن هذا فعل ،والقول مقدم عليه ،ألن القول ترشيع عام ،والفعل قد يكون
خاصا.
واخلامس :أن الصحابة خصوا يف ترك احلدود بام مل خيص به غريهم ،وهلذا ال يفسقون
بام يفس به غريهم خصوصية هلم.
114
قال حممد شاكر« :وأما ما جاء يف بعض روايات حديث جابر ،مثل "فرأى املسلمون أن
احلد قد وقع ،وأن القتل قد رفع" ،ومثل "فثبت اجللد ودرئ القتل" ،ومثل "فكان نسخا"،
فإن السياق فيها كلها يدل عىل أن هذا الكالم ليس مرفوعا إىل النبي صىل اهلل عليه وسلم ،وال
من قول الصحايب ،بل إن الكلمة نفسها ،عىل اختالف رواياهتا ،تشعر بأهنا من كالم رجل بعد
الصحابة ،والراجح أهنا من كالم حممد بن املنكدر ،فهم هو من ذلك أن هذا نسخ ،وأن القتل
قد رفع »...تعليقه عىل مسند أمحد
قال حممد شاكر أيضا« :وأما ما جاء يف بعض رواياته «فصارت رخصة»« ،فرفع القتل
عن الناس ،وكانت رخصة ،فثبتت»« ،فرأى املسلمون أن القتل قد أخر ،وأن الرضب قد
وجب» ،و«وضع القتل عن الناس» ،فإهنا كلها من كالم الزهري ،ال نشك يف ذلك؛ لداللة
السياق عليه ،يف جمموع الروايات ،إذا ما تأملناها وفقهنا داللتها» تعليقه عىل مسند أمحد
115
قال ابن القيم« :وأما ادعاء نسخه بحديث عبد اهلل بن محار فإنام يتم بثبوت تأخره،
واإلتيان به بعد الرابعة ،ومنافاته لألمر بقتله» هتذيب
قال السيوطي« :وقـــد ورد يف قصــــــة نعيامن ملا قال عمر :أخزاه اهلل ،ما أكثر ما
يؤتى به !! فقـــــال النبي صىل اهلل عليه وسلم" :ال تلعنه ،فإنـــه حيب اهلل ورسوله" ،فعلم
صىل اهلل عليه وسلم من باطنه صدق حمبته هلل ورسوله فأكرمه برتك القتل ،وله صىل اهلل عليه
وسلم أن خيص من شاء بام شاء من األحكام »...قوت
قال حممد شاكر ...« :فيكون ترك قتله هو هلذه العلة [حيب اهلل ورسوله] ،أو تلك [شهد
بدرا] أو ألجلهام معا» تعليقه عىل مسند أمحد
وقال حممد شاكر أيضا ...« :وهذا املعنى اخلاص هو تعليل عدم قتل النعيامن بأنه شهد
بدرا ،وألهل بدر خصوصية ال يستطيع أحد أن ينكرها ،ذكرها رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم
يف موقف أشد من موقف الرشب يف الرابعة ،وذلك يف قصة حاطب بن أيب بلتعة ،حني كتب
لقريش ،ثم استأذن عمر يف رضب عنقه ،فقال رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم" :إنه قد شهد
بدرا ،وما يدريك لعل اهلل قد اطلع عىل أهل بدر فقال :اعملوا ما شئتم ،فقد غفرت لكم»»...
تعليقه عىل مسند أمحد.
املعضد الثاين :
حديث ّتريم دم املسلم إال من ثالث:
عن عبد اهلل بن مسعود وغريه :أن رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم قــــال« :ال حيل دم
امرئ مسلم يشهد أن ال إله إال اهلل ،وأين رسول اهلل ،وإال بإحـــدى ثالث :الثيب الزاين،
والنفس بالنفس ،والتارك لدينه املفارق للجامعة» مسلم
ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد:
قال ابن حزم« :فلو أن املالكيني واحلنفيني والشافعيني احتجوا عىل أنفسهم هبذا اخلرب
يف قتلهم من مل يبح اهلل تعاىل قتله قط ،وال رسوله عليه السالم :كقتل املالكيني بدعوى
116
املريض ،وقسامة اثنني يف ذلك وقتلهم ،والشافعيني من فعل فعل قوم لوط ،ومن أقر بفرض
صالة وقال :ال أصيل ،وكقتل احلنفيني واملالكيني الساحر ،وكل هؤالء مل يكفر ،وال زنا وهو
حمصن ،وال قتل نفســـــــا ،فهــــذا كله نقض احتجاجهم يف قتل شارب اخلمر يف الرابعة
بقول النبي صىل اهلل عليه وآله وسلم» املحىل
قال ابن القيم« :أما دعوى نسخه بحديث ال حيل دم امرئ مسلم إال بإحدى ثالث فال
يصح؛ ألنه عام وحديث القتل خاص» هتذيب السنن
املعضد الرابع:
ترك الصحابة قتل شارب اخلمر يف الرابعة:
قال ابن حجر« :وقــد عمــــل بالنـــــاسخ بعـــــض الصحابة ،فأخرج عبد
الرزاق يف مصنفه بسند لني عن عمر بن اخلطــــاب أنه جلد أبـا حمجن الثقفي يف اخلمر ثامن
مرار ،وأورد نحو ذلك عن سعد بن أيب وقاص ،وأخرج محاد بن سلمة يف مصنفه من طريق
أخرى رجاهلا ثقات أن عمر جلد أبا حمجن يف اخلمر أربع مرار ،ثم قال له :أنت خليع .فقال:
أما إذ خلعتني فال أرشهبا أبدا» فتح الباري
ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد:
قال السيوطي« :وقد ترك عمر إقامة حد اخلمر عىل ...؛ لكونه من أهل بدر ،وقد ورد
فيهم" :اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ،وترك سعد بن أيب وقاص إقامته عىل أيب حمجن؛
حلسن بالئه يف قتل الكفار ،والصحابة رضوان اهلل عليهم جديرون بالرخصة ،إذا بدرت من
أحدهم الزلة يف احلني ،وأما هؤالء املدمنون للخمر ،الفسقة ،املعروفون بأنواع الفساد ،وظلم
العباد ،وترك الصالة ،وجماوزة األحكام الرشعية ،وإطالق ألسنتهم يف حال سكرهم
بالكفريات وما قارهبا ،فهؤالء يقتلون يف الرابعة ال شك يف ذلك وال ارتياب» قوت املغتذي
مستند منكري اإلمجاع
الناقض األول :
117
أثر عبد اهلل بن عمرو بن العاص.
األثر الذي أخرجه أمحد يف مسنده ،والطحاوي يف رشح معاين اآلثار ،من طريق احلسن
البرصي عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص أنه قال« :ائتوين برجل أقم عليه احلد ثالث مرات،
فإن مل أقتله فأنا كذاب» رشح معاين اآلثار.
وروي يف مسند أمحد أنه قال« :ائتوين برجل قد رشب اخلمر يف الرابعة ،فلكم عيل أن
أقتله »ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املستند:
قال ابن حجر« :وهـــــذا منقطـــــع ألن احلسن مل يسمع من عبد اهلل بن عمرو كام
جزم به بن املديني وغريه ،فال حجة فيه ،وإذا مل يصح هذا عن عبد اهلل بن عمرو مل يبق ملن رد
اإلمجاع عىل ترك القتل متمسك» فتح الباري قال ابن حجر أيضا« :حتى ولــــو ثبت عن
عبد اهلل بن عمرو لكان عذره أنه مل يبلغ النسخ» فتح الباري.
املستند الثاين:
كون احلسن البرصي روى حديث عبد اهلل بن عمرو املنقطع ومل يبني أن حكمه منسوخ.
قال أمحد شاكر...« :فليس يف األمر إمجاع مع قول عبد اهلل بن عمرو" :ايتوين برجل قد
رشب اخلمر يف الرابعة ،فلكم عيل أن أقتله" ،وهو منقطع؛ ألن احلسن البرصي مل يسمعه من
عبد اهلل بن عمرو ،وهذا ال يؤثـــر يف االحتجاج به؛ لنقض ما دعي من اإلمجاع؛ ألنه إذا مل
يكن قول عبد اهلل بن عمرو كان عىل األقل مذهب احلسن البرصي؛ ألنه لو كان يرى غري
ذلك لبني أن هذا احلكم الذي نسبه لعبد اهلل بن عمرو حكم منسوخ أداء ألمانة العلم ،وذلك
الظن به» تعليقه عىل.
تعليق األستاذ :
احلسن البرصي مل يرصح بأن ذلك مذهبه ،وليس بالزم أن يكون ما رواه مذهبا له ،فال
يمكن أن ينتقض اإلمجاع بالظن .
املستند الثالث:
118
حكاية عن عثامن أنه قتل يف الرابعة:
ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املعضد:
قال املاوردي« :قتل الشـــــارب يف اخلامسة انعقـــــد اإلمجاع من الصحابة عىل
خالفـــــه ،وال خيدش اإلمجاع بام ...وال بحكاية القتل يف الرابعة أيضا عن عثامن » فتح
املغيث.
املستند الرابع:
ثبوت اخلالف بني املسلمني:
قال السيوطي« :وقول املصنف [الرتمذي" ]:ال نعلم خالفا" رده العراقي بأن اخلالف
ثابت حمكي عن طائفة» قوت املغتذي.
ردود وأجوبة املخالفني عىل ذلك املستند:
قال السخاوي« :وأما خالف الظاهريـــــة فــال يقدح يف اإلمجاع» فتح املغيث
تعليق األستاذ:
نقض اإلمجاع بدعوى ُمالفة الظاهرية باطل؛ ألن اإلمجاع انعقد قبل ظهور الظاهرية.
ما رجحه األستاذ :
رجح اإلمجاع عىل أنه ال يقتل شارب اخلمر مطلقا.
فائدة
هل ينقض اإلمجاع بقول جمتهد واحد؟
إذا ثبت أن هذا املجتهد كان يف عرص انعقاد اإلمجاع وخالف فإنه ال ينعق اإلمجاع هذا
عىل قول مجهور العلامء من األصوليني والفقهاء ،وخالف يف ذلك اإلمام الطربي ،فله مسلك
يف هذا الشأن فإنه ال يعتد بمخالفة الواحد واالثنني.
إثبات وجود ُمالف واحد ناقض لإلمجاع.
مثال آخر:
119
يف عصمة األنبياء عليهم السالم ،انعقد إمجاع أهل السنة واجلامعة وتبعهم يف ذلك حتى
الشيعة واملعتزلة عىل أن األنبياء معصومون عصمة تامة يف باب االعتقاد وعن كبائر الذنوب.
وردت بعض األحاديث التي توهم يف ظاهرها أنه تنقض هذا اإلمجاع عىل أن األنبياء
معصومون يف عقائدهم ويف كبائر الذنوب ،من ذلك ما جاء يف الصحيحني حديث أيب هريرة
ريض اهلل عنه أن النبي صىل اهلل عليه وسلم قال أنا أحق بالشك من إبراهيم عليه السالم ﭽ
120
ما جاء يف الصحيحني أيضا حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه أن النبي صىل اهلل عليه وسلم
قال :ما كذب إبراهيم قط إال ثالث كذبات ،ثنتني يف ذات اهلل ثم ذكر النبي صىل اهلل عليه
وسلم ثم ذكر الكذبات الثالث ،قوله إين سقيم ،بل فعله كبريهم هذا فاسألوهم إن كانوا
ينطقون ،وقوله جلبار تلك القرية عن سارة أهنا أخته واملقصود أهنا أخته يف اإلسالم كام جاءت
الرواية.
هذا احلديث قد يوهم بظاهره أنه يثبت إلبراهيم عليه السالم الكذب ،والكذب من
الكبائر كبائر الذنوب املنزه عنها األنبياء عليهم السالم ،كيف واجه العلامء بني اإلمجاع وبني
هذا احلديث ،هناك مسلكان اثنان.
املسلك األول :قالوا بأن الكذب هاهنا إنام هو التعريض – التورية-.
التعريض أو التورية هو أن يكون للفظ معنيني ،أحدمها قريب واآلخر بعيد تطلق اللفظ
وتريد به املعنى البعيد ،والسامع يفهم املعنى القريب.
هذا املسلك أورد عليه شبهات ،من بينها أن النبي صىل اهلل عليه وسلم سامها كذبات،
واللفظ إنام حيمل عىل ظاهره وعىل حقيقته .الشبهة األوىل أنه سامه كذب.
األمر الثاين :قالوا إن كان هذه الكذبات الثالث إنام هي معاريض ،فلامذا عدل النبي
صىل اهلل عليه وسلم عن اللفظ األخف إىل اللفظ املستهجن املستقبح ،كان بإمكان النبي صىل
اهلل عليه وسلم يقول ما كذب إبراهيم قط ،إال أنه عرض يف ثالث مواقف عىل سبيل املثال،
فلامذا ينسب إلبراهيم عليه السالم أشنع األوصاف وهو يف حقيقته معاريض .
املسلك الثاين :قال أن الكذب هاهنا كذب حقيقي .
كيف نجيب عن الشبهة األوىل ،وكيف نجيب عن الشبهة الثانية؟
اجلواب هو أهنم انتقلوا معهم إىل املسلك الثاين أننا نسلم أهنا كذبات وليست معاريض،
وعمل النبي صىل اهلل عليه وسلم هبا كذبات ،ووجهوا الكذب هاهنا من الكذب املحمود
وليس من الكذب املذموم ،ألن الكذب عىل نوعني حممود ومذموم ،لذلك جاء يف صحيح
121
مسلم أن النبي صىل اهلل عليه وسلم ليس بالكاذب أو الكذاب من يصلح بني الناس فينمي
خريا أو يقول خريا .ويقول حممد بن شهاب الزهري قال ما سمعتهم يرخصون يف الكذب إال
يف ثالث مواطن ،يف احلرب ويف اإلصالح بني الناس ،وكذب الرجل عىل زوجته والزوجة
عىل زوجها .فهذا من الكذب املحمود.
حديث الشفاعة ورد فيه الكذب إبراهيم كذبت ...هذا الذي يؤيد بأن الكذب هنا ليس
مقصودا به التورية ،وإنام كذبات ،ولكن كذبات اقتضتهم املصلحة ،فقوله إين سقيم حتى ال
يشهد معهم عيد الكفر والرشك ،وقوله بل فعله كبريهم هذا حتى يقيم يصيب عليهم احلجة،
وقوله هذه أختي حتى يدفع عن عرضه ،فهنا اقتضت مصلحة فإذا وجدت املصلحة وناحة
املفسدة فيتعني أحيانا الكذب.
كيف جياب عن الشبهة الثانية؟
ملاذا اختار النبي صىل اهلل عليه وسلم إذا كانت تورية فلامذا سامها النبي صىل اهلل عليه
وسلم كذبات ،وملاذا اختار أشنع األلفاظ؟
جياب عن ذلك بأن الكذب املقصود هو الكذب املمدوح ،والقرينة أنه ثالث كذبات،
ثنتني يف ذات اهلل ،وهذا حممود وليس مذموم.
املسلك الثاين :قالوا أنه كذب حقيقي.
وهو ما دل عليه ظاهر النص أنه كذب ثالث كذبات ،ولكنها من الكذب املحمود
وليست من الكذب املذموم.
تعارض بني احلديث والعقل وهو كثري:
املقرر عند أهل السنة واجلامعة أن النص الصحيح ال يمكن أن يعارض العقل الرصيح،
وشيخ اإلسالم ابن تيمية حامل لواء هذا األمر نقض التأسيس أو درئ تعارض العقل
والنقل ،فإما إذا تعارضا ظاهرا إما أن يكون احلديث ضعيفا أو داللته غري مرادة ،وإما أن
122
يكون العقل سقيام ،أما إذا كان العقل تاما واحلديث صحيح ،وداللته نصا ظاهرا واضحا ال
يمكن.
من أشهر األمثلة يف معارضة احلديث للعقل والواقع :
حديث الذباب –ذكره ابن قتيبة -املشهور يف صحيح البخاري أن النبي صىل اهلل عليه
وسلم قال :إذا وقع الذباب يف إناء أحدكم فلينقله فليغمسه كله ثم ينزعه فإن يف أحد جناحيه
داء ويف اآلخر دواء.
التجربة وكالم العقالنيني ،قالوا كيف نرتك جتارب األطباء الكثرية واملتخصصني يف
حقيقة الذباب ،ويقال أن الذباب بؤرة اجلراثيم ،يقال أوهى من الذباب إذا أرادوا أن يمثلوا
أو يشبهوا شيئا قذرا .الذباب ال يقع إال عىل القاذورات والنجاسات ووقعه عىل مثل ذلك ال
شك أنه سيحمل األمراض هذا الذي دل عليه العقل والتجربة ،وبالتايل عارضوا هذا احلديث
بالواقع وبالعقل وبالتجربة وغري ذلك .طعنوا يف إسناده وطعنوا يف متنه ،هذه املعارضة –من
احلداثيني -جاءت من حيث اإلسناد قالوا إنام هو من رواية عبيد بن حنني موىل بني جريج،
وهذا الراوي ليس بمشهور ،وليس له يف البخاري إال رواية واحدة ،قالوا كيف رواية واحد
نرد هبا كالم آالف وماليني األطباء عىل مد العصور!! قالوا هذا احلديث إنام تساهل من
البخاري وأورده يف صحيحه .
فأتى أهل احلديث بـ اثنني وأربعني طريقا ،ليست من رواية أيب هريرة فقط ،شاركه أبو
سعيد اخلدري ،أنس بن مالك ،عيل بن أيب طالب ،أيضا مل ينفرد به عبيد بن حنني عن أيب
هريرة ،وإنام شاركه حممد بن سريين ،وأبو صالح ذكوان السامن ،وغري هؤالء كلهم شاركوا
فلم ينفرد ،فإسناده كالضوء كالنجم الالمع.
من ناحية املتن :قالوا كيف إذا وقع الذباب يف إناء أحدكم فليغمسه كيف حيمل الداء
والدواء يف نفس الوقت ،جاء يف رواية أخرى أنه يضع اجلناح الذي فيه داء ،احلافظ ابن حجر
يقول تتبعت مجيع الروايات فلم أجد ُتديدا متعينا للجناح وقد تلمسها بعضهم ،يعني ال حظ
123
الذباب فوجد أنه يسبق اجلناح األيرس ،ابن اجلوزي واخلطايب وهو أكثر من رد عىل هذه الشبهة
قال بأن اهلل عز وجل جيمع بني النقيضني وجيمع بني الداء والدواء ،األفعى سمها داء وفيه
دواء ،أما قضية أهنا جتمع بني الداء والدواء قالوا هذا من رمحة اهلل عز وجل بعباده ،ثم بعد
ذلك هؤالء تكلموا يف مسألة أخرى ،احلداثيون قالوا بإثباتكم هلذا احلديث تشوهون نظرة
اإلسالم بأن هذا اإلسالم بعيد عن النظافة بدل ما هترق ما وقع يف الذباب تغمسه ،قال إذا
وقع الذباب يف إناء أحدكم فليغمسه –التعقيب -ثم ينزعه ،جاءت رواية عن أنس يف مسند
البزار أنه غمسه ثالث مرات ،نقعه ثالث مرات ،ثم أخرجه ،وهذا ليس فيه تشويه لإلسالم
ألن ليس يف احلديث إجياب لرشب ما يف اإلناء ،فإن هذا موكول لطبائع الناس فيام ألفوه ،أنت
اآلن ،كالضب ،اخلطايب قال :كيف نسلم هلؤالء األطباء الذين مبنى علمهم عىل التجربة
ونحن معتمدنا عىل الوحي.
مثال آخر ملناقضة احلديث للتجربة
حديث عائشة ريض اهلل عنها ملا قال النبي صىل اهلل عليه وسلم احلبة السوداء شفاء من
كل داء إال السام يف الصحيحني.
قالوا أن التجربة تدل عىل أن الكثري من املرىض لو أعطيناهم احلبة السوداء ملا شفوا
وكيف احلديث يقول :احلبة السوداء شفاء من كل داء إال السام ،فهذا تعارض بني احلديث
وبني التجربة ،ولذلك العلامء يف توجيه هذا التعارض سلكوا ثالثة مسالك:
القول بالعموم
القول بالتخصيص
القول باجلمع
القول بالعموم :قالوا بأن قول النبي صىل اهلل عليه وسلم احلبة السوداء شفاء من كل
داء يبقى عىل عمومه ،وأما ما يدعيه هؤالء من أن احلبة السوداء ال تشفي يقال ألن اهلل مل يقدر
هلا الشفاء ،الثابت أن الدواء الفالين بالتجربة أنه عالج ولكن قد يأخذه فالن فيشفى ويأخذه
124
الفالن الثاين ال يشفى ،هؤالء ذهبوا إىل القول بالعموم ،قالوا حصول الشفاء إنام هو بأمر اهلل
سبحانه وتعاىل ،أما كونه شفاء وعالج لكل األمراض فهو عالج لكل األمراض ،قال وما
ذكره األطباء إنام هو مبني عىل التجربة وال نرتك الوحي لقول هؤالء ،هذا قيل ابن أيب مجرة
وغريه حكاه اإلمام اخلطايب وحكاه ابن القيم يف الزاد.
القول بالتخصيص :قالوا بأن احلبة السوداء شفاء من كل داء مل يرد به العموم الباقي
عىل عمومه وإنام عموم ُمصوص ،خصته التجربة ،ألن هذا من االستثناء املنقطع ،يعني احلبة
السوداء شفاء من كل داء إال السام ،أوال السام الذي هو املوت ،ليس مرضا ،ألن املستثنى
ليس من جنس املستثنى منه فلذلك االستثناء منقطع ،كأنه يقول احلبة السوداء شفاء من كل
داء ولكن .مثل قولك جاء التالميذ إال عمر ،هذا استثناء متصل ،وملا تقول جاء التالميذ إال
مجل ،مجل ليس من جنس التالميذ ،فيقال عنه استثناء منقطعا .لفظ كل ليس قطعي الداللة،
قال األصوليون ليس دليال عىل العموم املطلق ،ولذلك حيتاج العموم املطلق إىل مؤكد آخر،
فسجد املالئكة كلهم أمجعون ،لو كان كل دليال عىل العموم املطلق ملا احتاج إىل تأكيد املعونة،
فكل ليس من ألفاظ العموم املطلق ،فقالوا بالتخصيص يعني يشفي األمراض التي هي من
جنسه.
مسلك اجلمع:
ذهب إليه احلافظ ابن حجر قال بأن احلبة السوداء شفاء من كل داء ولكن ليست
منفردة ،وإنام جتمع بغريها من األدوية ،يعني كل دواء يمكن أن تدخل شء من احلبة السوداء
فتزيد من فعاليته ،شفاء من كل داء ليس بمفردها وإنام تضاف .القول بالتخصيص يعني تكون
شفاء لبعض األمراض فقط التي كانت يف زمن النبي صىل اهلل عليه وسلم أو ثبت بالتجربة
أهنا تشفيها .الذين قالوا باجلمع أبقوا عىل العموم ولكن وجهوه توجيها أنه يضاف إىل غريه
من األدوية ،مسلك اجلمع يعني اجلمع بني العموم والتخصيص هذا الذي قصدته ،وليس
اجلمع بني النص والتجربة ،هذا ّتصيص للنص ،وهذا مجع بني العموم والتخصيص.
125
الراجح واهلل تعاىل أعلم هو القول بالتخصيص أن احلبة السوداء شفاء ولكن فيام ثبت
نفعه.
مقرر امتحان عام []:2020-2019
1الفرق بني اخلفي واملشكل.
2عالقة ُمتلف احلديث بمشكل احلديث.
3أسباب مشكل احلديث.
4أسباب التعارض الظاهري.
5مسالك دفع التعارض واالستشكال.
6مسالك اجلمع.
7طرق اثبات النسخ.
8مسالك الرتجيح .
126