You are on page 1of 31

‫‪11‬‬ ‫شرح السعد‬

‫مقدمة‬
‫يف نشأة علوم البالغة وتارخيها وكلمة موجزة عن أشهر علامئها‬
‫ووصف مؤلفاهتم‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬


‫وصىل اهلل عىل سيدنا حممد‪ ،‬وعىل آله وصحبه‪ ،‬وسلم‬
‫‪-1-‬‬
‫كان أبو أمامة زياد النابغة الذبياين َحك ََم العرب يف اجلاهلية‪ ،‬وكانوا‬
‫يرضبون له ُق َّب ًة من أ َد ٍم بسوق عكاظ‪ ،‬فتأتيه الشعراء‪ ،‬فتعرض عليه أشعارها‪،‬‬
‫فيقول فيها كلمته‪ ،‬فتسري يف الناس ال يستطيع أحد أن ينقضها‪.‬‬
‫(‪ )1‬قالوا‪ :‬جلس النابغة للفصل مرة‪ ،‬وتقاطر عليه الشعراء ينشدون بني‬
‫يديه آخر ما أحدثوه من الشعر‪ ،‬أو أجود ما أحدثوه‪ ،‬وكان فيمن أنشده أبو‬
‫َب ِصري َم ْيمون أعشى بني قيس‪ ،‬فام إن سمع قصيدته حتى قىض له‪ .‬ثم جاء من‬
‫بعده كثري من الشعراء فيهم حسان بن ثابت األنصاري‪ ،‬فأنشدوه‪ ،‬وجاءت‬
‫يف ُأ ْخري ِ‬
‫ات القوم ُتَارض بنت عمرو بن الشَّ ِ يد اخلَن َْساء‪ ،‬فأنشدته رائيتها التي‬ ‫ََ‬
‫ترثي فيها أخاها صخر بن عمرو‪ ،‬والتي تقول فيها‪:‬‬
‫وإن صخـــر ًا إذا ن َْشـــتُو َلن ََّح ُ‬
‫ـــار‬ ‫وإن صخـــر ًا ملوالنـــا وســـ ِّيدنا‬
‫كأنـــه َع َلـــم يف رأســـه نـــار‬ ‫وإن صخـــر ًا لتأتـــم اهلـــداة بـــه‬
‫شرح السعد‬ ‫‪12‬‬

‫أن أبا َب ِصري‬


‫فريوقه هذا القول‪ ،‬ويأخذ بنفسه‪ ،‬فيقول للخنساء‪« :‬لوال َّ‬
‫أنشدين آنف ًا لقلت إنك أشعر اجلن واإلنس» وحسان يسمع ذلك‪ ،‬فتأخذه‬
‫الغرية‪ ،‬ويذهب الغضب بتج ّلده‪ ،‬فيقول له‪« :‬أنا واهلل أشعر منها ومنك ومن‬
‫أبيك» فيقبل عليه أبو أمامة فيسأله‪« :‬حيث تقول ماذا» ؟ فيقول‪ :‬حيث أقول‪:‬‬
‫وأســـيافنا يقطرن من ن َْجـــدَ ٍة دما‬ ‫لنا َ‬
‫اجل َفنَات الغ ُّ‬
‫ُـــر يلمعن بالضحى‬
‫فأكرم بنا خـــاال‪ ،‬وأكـــرم بنا ابنام‬ ‫م ِّرق‬
‫َـــي ُ َ‬
‫ولدنـــا بني العنقـــاء وا ْبن ْ‬
‫فيقبل عليه النابغة فيقول له‪ :‬إنك شاعر‪ ،‬ولكنك أقللت جفناتك‬
‫وسيوفك‪ ،‬وقلت‪« :‬يلمعن بالضحى» ولو قلت‪« :‬يربقن بالدجى» لكان أبلغ‬
‫يف املديح؛ ألن الضيف يف الليل أكثر‪ ،‬وقلت «يقطرن من نجدة دما» ولو قلت‬
‫«جيرين» لكان أكثر النصباب الدم‪ ،‬ولن تستطيع أن تقول‪:‬‬
‫وإن خلت أن املنتأى عنك واســـع‬
‫(((‬
‫فإنـــك كالليل الذي هـــو ُمدْ ركِي‬
‫متـــدُّ هبـــا أي ٍ‬
‫ـــد إليـــك نـــوازع‬ ‫خطاطيـــف ُح ْج ٌن يف حبـــال متينة‬
‫ْ‬
‫(‪ )2‬وقالوا‪:‬قدم النابغة املدينة‪ ،‬فدخل السوق‪ ،‬فنزل عن راحلته‪ ،‬ثم َج َثا‬
‫عىل ركبتيه‪ ،‬ثم اعتمد عىل عصاه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أال رجل ينشد ؟ فتقدم إليه قيس بن‬
‫اخلطيم‪ ،‬فجلس بني يديه‪ ،‬وأنشده‪:‬‬
‫ف رس ًام كَا ِّطراد الـم َذ ِ‬
‫اه ِ‬
‫ب*‬ ‫َ‬ ‫* أ َت ْع ِر ُ َ ْ‬ ‫ ‬
‫فلم يزده عىل نصف بيت حتى قال له‪ :‬أنت أشعر الناس يا ابن أخي!‪.‬‬
‫‪  ‬‬

‫((( البيتان من اعتذارات النابغة الذبياين للنعامن بن املنذر ملك العرب يف احلرية‪ ،‬يريد النابغة‬
‫بكالمه حلسان أنه وإن كان شاعر ًا مل يبلغ درجته‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫شرح السعد‬

‫هكذا حيدثنا الرواة‪ ،‬وليس يعنينا أن تصدق هذه الواقعة أو تكذب‪ ،‬فإن‬
‫هلا عىل كل حال داللة صادقة عىل ما نريد أن نثبته يف هذا املكان؛ فهي تدل ‪-‬عىل‬
‫أقل تقدير‪ -‬عىل أن علامء الصدر األول الذين َر َو ْو شعر العرب قبل اإلسالم‬
‫و َد َّونُوا أخبارهم‪ ،‬ومحلوا هذه األمانة يف أول الناس‪ ،‬تدلنا هذه الرواية عىل َّ‬
‫أن‬
‫هؤالء العلامء كانوا يعرفون للعرب يف جاهليتهم َب َص ًا بالنقد‪ ،‬وعلام بام تقتضيه‬
‫أحوال الكالم‪ :‬من القصد يف القول أحيان ًا‪ ،‬واملبالغة فيه أحيان ًا‪ ،‬وكان هلم مع‬
‫ي ُسن ْ‬
‫أن يستعمل من الكالم يف مواطن كالفخر دون غريه‪ ،‬وبام‬ ‫ذلك خربة بام َ ْ‬
‫ي ُمل باملتكلم ْ‬
‫أن هيجره وال يعمد إليه‪.‬‬ ‫َْ‬
‫كان العلامء يف الصدر األول يعلمون ذلك عن العرب‪ ،‬وال بد أن يكون‬
‫حمل إمجا ٍع منهم‪ ،‬وإال فام بال من ال يعلم ذلك وال ُي ِق ُّره وال يقول ملن‬
‫ذلك َّ‬
‫إنك َو َّضاع خمتلق‪ ،‬من أين للعرب معرف ُة ِ‬
‫مثل‬ ‫يروي عنهم مثل هذه الرواية‪َ :‬‬
‫ذلك ؟ ومن الذي قال هلم‪ :‬إن األسياف واجلفنات َيدُ الَّ ِن عىل أقل العدد ؟ وإن‬
‫معنى (يلمعن) دون معنى (يربقن) وإن مناسبة (الدُّ جى) لكرم الضيفان أشد‬
‫من مناسبة (الضحى)‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ونحن اآلن نس ّلم أن العرب يف جاهليتهم‪ ،‬وقبيل رشوق شمس اإلسالم‬
‫بنوع خاص‪ ،‬كان هلم برص نافذ يدركون به ما نسميه يف مصطلحات علوم‬
‫البالغة مقتضيات األحوال‪ ،‬ويعرفون عن طريقه أن لكل كلمة مع صاحبتها‬
‫مقام ًا‪ ،‬وأن مقام الرثاء يباين مقام اهلجاء‪ ،‬ومقام الفخر غري مقام النسيب‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫يتأت لك‬
‫وأنت ال تستطيع أن جتحد ذلك‪ .‬ولو أنك حاولت إنكاره مل َّ‬
‫أن تقيم من َأو ِد هذا اإلنكار؛ ذلك بأن القرآن الكريم نزل عليهم يف أعىل‬
‫شرح السعد‬ ‫‪14‬‬

‫درجات البالغة‪ .‬وأعلن عن نفسه أنه يف منزلة ال تُدانيها منزلة‪ .‬وأنه ليس‬
‫عش ُس َور من مثل سوره‪ .‬وفهموه‪ ،‬وعرفوا‬ ‫يف مقدور أحد أن يأيت بمثله وال بِ ْ ِ‬
‫له هذه املنزلة؛ فلو مل يكن هلم ما نثبت من البرص والعلم لكان القرآن قد نزل‬
‫بغري لساهنم الذي يتعارفونه‪ .‬ولكانوا قد أعلنوا عنه أنه ال جيري عىل السنن‬
‫الذي يسلكونه يف كالمهم‪ .‬أو مل يكن لِت ََحدي القرآن إياهم فائدة‪ ،‬أو مل يكونوا‬
‫سمو منزلته‪.‬‬
‫ليدركوا َّ‬
‫دليل ناهض عىل ما كان للعرب قبيل نزوله من ِ‬
‫احل ِّس‬ ‫فالقرآن وحده ٌ‬
‫وإيامنم بأنَّه ال‬
‫ُ‬ ‫وتقدير كثري من عقالئهم للقرآن‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املرهف واإلدراك النافذ‪،‬‬
‫سبيل إىل حماكاته‪ ،‬وبأنَّه ال يشبه َس ْجع الكهان‪ ،‬وال َخن َْق السحرة و َن ْف َثهم‪ ،‬كل‬
‫ُون القول وبمراتب الكالم‪.‬‬ ‫أولئك دليل ناهض عىل أهنم كانوا ذوي خربة ب ُفن ِ‬

‫‪  ‬‬
‫ومل تزل هذه القدرة جتري يف عروقهم جمرى الدم؛ ففي صدر اإلسالم‬
‫جتد كثري ًا من املـُثل التي ُت ْعلن عنها ُ َ‬
‫وت ِّليها‪ ،‬وكام جتد هذه املقدرة يف الرجال‬
‫جتدها يف النساء! ومل ال يكون ذلك ؟ أليس البيان العريب حق ًا شائع ًا بني الرجال‬
‫والنساء‪.‬‬
‫(‪ )1‬قالوا‪ :‬قدم ذو الرمة الكوفة‪ ،‬فلقيه الكميت‪ ،‬فقال له‪ :‬إين قد عارضت‬
‫قصيدتك! قال‪ :‬أي القصائد ؟ قال‪ :‬قصيدتك التي تقول يف أوهلا‪:‬‬
‫ٍ‬
‫كأنَّـــه مـــن ك ًُل َم ْف ِر َّيـــة َ َ‬
‫س ُب‬ ‫ينســـكب‬
‫ُ‬ ‫ما بـــال َع ْينك منها املاء‬
‫قال‪ :‬فأي يشء قلت ؟ قال‪ :‬قد قلت‪:‬‬
‫أم هل حيســـن ِمن ِذي َّ ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الش ْي َبة ال َّلع ُ‬
‫ب‬ ‫َّ ُ ْ‬ ‫َه ْل أنت عن طلـــب اإليقاع ُمنْ َقل ُ‬
‫ب‬
‫‪15‬‬ ‫شرح السعد‬

‫أح َس َن ما قلت!‪ .‬إال‬


‫وما زال ينشد حتى أتى عليها‪ .‬فقال له ذو الرمة‪ :‬ما ْ‬
‫أنك إذا شبهت اليشء ال جتيء به جيد ًا كام ينبغي‪ ،‬ولكنك تقع قريب ًا فال يقدر‬
‫إنسان أن يقول‪ :‬أخطأت‪ ،‬وال أصبت‪ ،‬تقع بني ذلك‪ .‬ومل تصف كام وصفت‬
‫شبهت!‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أنا‪ ،‬وال كام‬
‫ثم قال‪ :‬أو تدري مل ذاك ؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬ألنك ت َُش ِّبه شيئ ًا قد رأيته بعينك‪،‬‬
‫وأنا ُأ َش ِّبه ما ُو ِصف يل ومل أره بعيني! فقال‪ :‬صدقت! هو ذاك‪.‬‬
‫ف ُك َث ِّـي عىل مجاعة ُيفيضون فيه ويف مجيل بن َم ْع َمر‪ ،‬أهيام‬
‫(‪ )2‬وقالوا‪ :‬و َق َ‬
‫أصدق عشقا ؟ ومل يكن القوم يعرفون ُك َث ِّي ًا بوجهه‪ ،‬ففضلوا مجي ً‬
‫ال يف عشقه‪،‬‬
‫فقال هلم ُك َثري‪ :‬ظلمتم كثري ًا‪ ،‬كيف يكون مجيل أصدق عشق ًا من ُك َثري‪ ،‬وهذا‬
‫مجيل أتاه عن ُب َث ْينَة ُ‬
‫بعض ما يكره فقال‪:‬‬
‫ُـــر مـــن أنياهبـــا بالقوادحِ‬
‫ويف الغ ِّ‬ ‫َـــي بثينـــة با ْل َق َذى‬
‫َرمـــى اهلل يف َع ْين ْ‬
‫فرمى بثينة بام يعيبها ويؤذهيا‪ ،‬و ُك َث ٌري أتاه عن َع َّز َة بعض ما يكره فقال‪:‬‬
‫لعزَّة مـــن أعراضنا ما اســـتح َّل ِ‬
‫ت‬ ‫ٍ‬
‫امـــر‬‫م‬ ‫هنيئـــ ًا مريئـــ ًا غـــر ِ‬
‫داء ُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قال‪ :‬فام انرصفوا إال عىل تفضييل‪.‬‬
‫(‪ )3‬وقالوا‪ :‬اجتمع يف ضيافة ُس َك ْينَة بنت احلسني ِّ‬
‫السبط بن عيل بن أيب‬
‫جرير والفرزذق و ُك َثري عزة ومجيل بثينة ون َُص ْي ٌ‬
‫ب‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫طالب ‪-‬ريض اهلل عنهم‪-‬‬
‫فمكثوا أيام ًا‪ ،‬ثم أذنت هلم‪ ،‬فدخلوا‪ ،‬فقعدت حيث ال تراهم وال يروهنا‪،‬‬
‫وتسمع كالمهم‪ ،‬وأخرجت إليهم جاري ًة هلا َو ِضي َئ ًة قد روت األشعار‬
‫واألحاديث‪ ،‬فقالت‪ :‬أيكم الفرزدق ؟ فقال الفرزدق‪ :‬ها أنذا‪ ،‬قالت‪ :‬أنت‬
‫القائل‪:‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪16‬‬
‫باز أ ْقتَـــم الريش ِ‬
‫كام ان َق َّض ٍ‬ ‫هـــا َد َّلتَـــاين مـــن ثامنـــن قام ًة‬
‫كاس ْه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َُ‬
‫أحـــي يرجـــى أم قتيل نُح ِ‬
‫ـــاذ ُر ْه‬ ‫فلام اســـتوت رجالي باألرض قا َلتَا‬
‫َ‬ ‫َ ٌّ ُ َ َّ‬

‫يـــت يف أعجـــاز ليل أبـــادر ْه‬


‫ُ‬ ‫وو َّل‬ ‫فقلت‪ْ :‬ار َف َعا األسباب ال يشعروا بنا‬
‫ِ‬
‫مســـام ُر ْه‬ ‫ـــر من ســـاج تئط‬ ‫أحـــاذر َب َّوا َب ْ ِ‬
‫وأح َ‬
‫َْ‬ ‫ـــن قـــد ُوكِّال بنـــا‬
‫ُمغَلقـــ ًة دوين عليهـــا دســـاكر ْه‬ ‫فأصبحت يف القوم القعود وأصبحت‬
‫ُ‬
‫لنـــا بِ ُر َقاها مـــا الذي أنا شـــاكِ ُر ْه‬ ‫يرى أهنا أضحت َح َصان ًا وقد َج َرى‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أنا قلته!‪.‬‬
‫قالت‪ :‬ما دعاك إىل إفشاء رسك ورسها ؟ أفال سرتت عىل نفسك وعليها؟‬
‫خذ هذه األلف الدرهم وانرصف‪ ،‬قال‪ :‬بل ترك َُها واللحاق بأهيل ُ‬
‫أمجل‪.‬‬
‫وخرج ْت فقالت‪ :‬أيكم جرير؟ فقال جرير‪ :‬ها أنذا‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫َ‬ ‫ثم َد َخ َل ْت‬
‫أأنت القائل‪:‬‬
‫حـــن الزيـــارة فارجعي بســـا ِم‬
‫َ‬ ‫طر َقت َ‬
‫ْك صائدة القلـــوب وليس ذا‬
‫ـــر ٌد حتـــدَّ ر عـــن متـــون غام ِم‬
‫َب َ‬ ‫ـــر كأنه‬ ‫ُ ْتري الســـواك عـــى أ َغ َّ‬
‫ـــت ذاك‪ ،‬فكان غـــر رما ِم‬ ‫لوص ْل ِ‬ ‫عهـــدك كالـــذي َحدَّ ْثتِنَا‬
‫ِ‬ ‫لـــو كان‬
‫َ‬
‫ِ ٍ‬
‫بحبـــال ال َصلـــف والَ َل َّ‬
‫ـــوا ِم‬ ‫ـــن أر ْد ُت وصا َلـــه‬ ‫ُ‬
‫أواصـــل َم ْ‬ ‫إين‬
‫ورح ْب َت هبا‪ ،‬وقلت‪:‬‬
‫فقال جرير‪ :‬أنا قلته‪ ،‬قالت‪ :‬أفال أخذت بيدها‪َّ ،‬‬
‫«فادخيل بسالم» أنت رجل ضعيف‪ ،‬خذ هذين األلفني واحلق بأهلك‪.‬‬
‫وخرجت فقالت‪ :‬أيكم ُك َثري ؟ فقال كثري‪ :‬ها أنذا‪ ،‬قالت‪ :‬أنت‬
‫َ‬ ‫ثم دخلت‬
‫القائل‪:‬‬
‫‪17‬‬ ‫شرح السعد‬

‫ٍ‬
‫صـــدق فيك يا عـــز أر َب ُع‬ ‫خالئق‬
‫ُ‬ ‫وأعجبني يـــا عز منك مـــع الصبا‬
‫يطمع‬
‫ُ‬ ‫ورفعك أســـباب اهلوى حني‬ ‫ُـــو ِك حتى يذكـــر الذاهل الصبا‬ ‫ُدن ُّ‬
‫ـــراك أو يتصدّ ُع‬ ‫ِ‬
‫أيشـــتدُّ مـــن َج َّ‬ ‫وأنـــك ال تدريـــن َد ْينًـــا مطلتـــه‬
‫تنفـــع‬
‫ُ‬ ‫وخ َّ‬
‫ـــات املـــكارم‬ ‫لئيـــم َ‬ ‫ومنهن إكـــرا ُم الكريـــم وهفوة الـ‬
‫ويمنع‬
‫ُ‬ ‫فليتـــك ذو لونـــن يعطـــي‬ ‫أدمت لنـــا بالبخل منـــك رضيبة‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أنا قلته‪ .‬قالت‪ :‬ما جعلتها بخيلة تعرف بالبخل وال سخية‬
‫تعرف بالسخاء‪.‬‬
‫لت َو َخ َر َج ْت فقالت‪ :‬أيكم مجيل؟ فقال مجيل‪ :‬ها أنذا‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ثم َد َخ ْ‬
‫أنت القائل‪:‬‬
‫عـــي كالمهـــا‬
‫َّ‬ ‫بثينـــة ال خيفـــى‬ ‫أال ليتنـــي أعمـــى أصـــم تقودين‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬أنا الذي قلته‪ ،‬قالت‪ :‬أفرضيت من نعيم الدنيا وزهرهتا أن‬
‫تكون أعمى أصم إال أنه ال خيفى عليك كالم بثينة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬فوصلته كام‬
‫وصلتهم مجيع ًا‪ ،‬ثم انرصفوا‪.‬‬
‫(‪ )4‬وذكروا أن عبد امللك بن مروان كان يقول‪ :‬لو أن كُثري ًا قد قال بيته‪:‬‬
‫ـــت يوم ًا هلا النفـــس َذ َّل ِ‬
‫ت‬ ‫إذا ُو ِّطن ِ ْ‬ ‫ٍ‬
‫مصيبة‬ ‫فقلـــت هلـــا يـــا َعـــ َّز ُّ‬
‫كل‬
‫يف حرب لكان أشعر الناس‪ ،‬ولو أن ال َق َط ِام َّي قال بيته الذي وصف فيه‬
‫مشية اإلبل بقوله‪:‬‬
‫وال الصـــدور عىل األعجـــاز تتكل‬ ‫يمشـــن َر ْهو ًا فال األعجـــاز خاذل ٌة‬
‫يف النساء لكان أشعر الناس!!‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪18‬‬

‫(‪ )5‬قالوا‪ :‬ودخل ذو الرمة عىل بالل بن أيب ُب ْردة‪ ،‬فمدحه بقصيدة قال‬
‫فيها‪:‬‬
‫لص ْيـــدَ َح انتجعـــي بالال‬
‫فقلـــت َ‬ ‫رأيـــت النـــاس ينتجعـــون غيث ًا‬
‫(وص ْيدَ ح‪ :‬اسم ناقة ذي الرمة) فلام سمع بالل هذا البيت قال‪ :‬يا غال ُم‪،‬‬
‫َ‬
‫اعلفها ق ّت ًا ون ً‬
‫َوى (أراد بذلك قلة فطنة ذي الرمة للمدح)‪.‬‬
‫(‪ )6‬قالوا‪ :‬وكان ُك َثري يعيب عمر بن أيب ربيعة يف قوله‪:‬‬
‫الطـــواف يف ُع َم ِ‬
‫ـــر‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫ُفســـد َّن‬ ‫لت‬ ‫ب هلـــا حتدثهـــا‬ ‫قالـــت لِ ْ‬
‫ـــر ٍ‬

‫أخـــت يف َخ َف ِر‬
‫ُ‬ ‫ثـــم ا ْغ ِم ِزيـــه يـــا‬ ‫ي لـــه ل ُي ْب ِصنَـــا‬
‫قومـــي ت ََصـــدَّ ْ‬
‫اســـبطرت تشـــتدُّ يف أثري‬
‫َّ‬ ‫ثـــم‬ ‫قالـــت هلـــا‪ :‬قـــد غمزتـــ ُه فأبى‬
‫ب هبا َفن ََس ْب َت بنفسك‪ ،‬واهلل لو َو َص ْفت هبذا ِه َّرة‬
‫تنس َ‬
‫ويقول‪ :‬أردت أن ُ‬
‫ف املرأة باخلَ َفر‬
‫ُوص ُ‬
‫منزلك كنت قد أسأت صفتها‪ ،‬أهكذا يقال للمرأة؟ إنام ت َ‬
‫ال قلت كام قال األحوص‪:‬‬‫وأهنا مطلوبة ممتَنِعة‪ ،‬ه َّ‬
‫ِ‬ ‫ـــت معرو َف َهـــا أ ُّم جعفر‬
‫وإنّــــي إىل معروفهـــا ل َفق ُ‬
‫ـــر‬ ‫لقـــد من َع ْ‬
‫دور‬ ‫ِ‬ ‫وقد أنكـــروا عند اعـــراف زياريت‬
‫عـــي ُص ُ‬
‫َّ‬ ‫ـــرت فيها‬
‫وقـــد َوغ َ‬
‫بأبياتكـــم مـــا درت حيـــث أدور‬ ‫أدور‪ ،‬ولـــوال أن أرى أم جعفـــر‬

‫‪  ‬‬
‫متشت يف نواحي حياة العرب؛‬ ‫وجاء اإلسالم بتعاليمه‪ ،‬وبنهضته التي َّ‬
‫فبعثهم من َم ْر َقدهم‪ ،‬وأثارت ما ك ََمن فيهم من وسائل احلياة والتدافع يف‬
‫طلب املجد من مجيع وجوهه؛ فشغلهم ذلك حين ًا‪ .‬حتى إذا جاء َد ْو ُر البحث‬
‫أول ما اجتهت أنظارهم إليه‪ ،‬وكان القول يف‬ ‫وطلب العلم كان القرآن وعلومه َ‬
‫‪19‬‬ ‫شرح السعد‬

‫بيان َم ِز ّية القرآن عىل كل قول‪ ،‬ويف بيان ما انفرد به من وجوه احلسن‪ ،‬ثم بيان‬
‫بعض ما اجتهت أنظارهم إليه‪ ،‬وحاو َلت‬ ‫طريق إعجازه‪ ،‬كان القول يف ذلك َ‬
‫جهودهم اإلبانة عنه‪.‬‬
‫ولفت ذلك أنظارهم إىل أساليب الكالم‪ ،‬وألوان اإلبانة عن الغرض؛‬
‫كام لفت أنظارهم إىل وجوه احلسن يف الكالم‪ ،‬وما يتميز به القول عن القول؛‬
‫فكان من جمموع ذلك كله (علوم البالغة)‪.‬‬
‫ُوج ُز لك القول يف ذلك مبينني لك الطريق التي سلكها هذا العلم‬ ‫ونحن ن ِ‬
‫حتى صار إىل ما تراه عليه اليوم‪.‬‬
‫‪-2-‬‬
‫نشأ يف القرنني الثاين والثالث من هجرة النبي صىل اهلل عليه وسلم ثالثة‬
‫ص ِح البالغة‪.‬‬ ‫ـملة العلم واللغة واألدب كان هلم الفضل األول يف بناء َ ْ‬ ‫من َح َ‬
‫أوهلم‪ :‬أبو ُع َب ْيدة َم ْع َمر بن املثنى اللغوي البرصي‪ ،‬موىل بني َت ْي ٍم رهط أيب‬
‫بكر الصديق‪ ،‬وتلميذ يونس بن حبيب شيخ سيبويه إمام نحاة البرصة‪ ،‬وأستاذ‬
‫أمري املؤمنني هارون الرشيد‪ ،‬و ُم َريب العلامء الفحول أيب ُع َبيد القاسم بن َسلَّ م‬
‫وأيب حاتم واملازين‪ ،‬املولود سنة اثنتي عرشة ومائة‪ ،‬واملتوىف سنة تسعة ومائتني‪.‬‬
‫وقد صنف أبو ُع َب ْيدة كتاب ًا سامه (جماز القرآن)((( ت ََو ّخى فيه أن جيمع أنواع‬
‫أساليب القرآن يف الداللة عىل املعنى‪ ،‬من غري أن يزيد عىل رشح لفظ القرآن‬
‫بقدر ما احتمله ِح ْفظ ُه‪ ،‬ومن ذلك الداللة عىل بعض األلفاظ التي أريد هبا غري‬
‫معناها األول يف اللغة‪.‬‬

‫((( يريد أبو عبيدة بكلمة (جماز) التي سمى هبا كتابه معناها اللغوي‪ ،‬فكأنه قصد إىل الطرق التي‬
‫سلكها القرآن للتعبري عن املعاين‪ ،‬ومل يرد املعنى الذي يتعارفه علامء البيان اليوم‪ ،‬فال جرم‬
‫أنك جتد فيه كثري ًا من العبارات املستعملة يف حقائقها‪ ،‬وقد طبع كتابه هذا بمرص يف مطبعة‬
‫السعادة سنة ‪.1935‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪20‬‬

‫وثانيهم‪ :‬أبو عثامن عمرو بن بحر بن حمبوب اجلاحظ‪ ،‬أحد شيوخ املعتزلة‬
‫وأئمتهم‪ ،‬وصاحب القلم الذي ال يأخذه امللل‪ ،‬وال تعرتيه السآمة‪ ،‬وشيخ‬
‫األدباء واملصنفني‪ ،‬واملتوىف سنة مخس ومخسني ومائتني عن نيف وتسعني عام ًا؛‬
‫وله يف كتابه (البيان والتبيني)((( مباحث كثرية يف بيان الفصاحة والبالغة‪،‬‬
‫َب‬
‫حس َن من السجع‪ ،‬وخفت فيه املؤنة‪ ،‬وجان َ‬
‫وفضل حسن البيان‪ ،‬مع بيان ما ُ‬
‫طريق التكلف‪ ،‬وبيان ما ينبغي أن يكون اخلطيب متحلي ًا به من األخالق‪.‬‬
‫وثالثهم‪ :‬أمري املؤمنني أبو العباس املرتيض باهلل عبد اهلل بن املعتز بن‬
‫املتوكل‪ ،‬هو شاعر مطبوع مقتدر عىل الشعر‪ُ ،‬مبدع للمعاين‪ ،‬وقد كان مع‬
‫ذلك من كبار األدباء العلامء‪ ،‬وناهيك بتلميذ املربد وثعلب وأمثاهلام من فحول‬
‫العلامء‪ ،‬وله كتاب (البديع)(((‪ ،‬الذي مجع فيه ما استنبطه من مراجعاته وقراءته‬
‫من أنواع البديع‪ ،‬وذكر أنه مل يسبقه إىل ذلك أحد‪ ،‬وأنه مل يستوف كل األنواع‪،‬‬
‫ب‪،‬‬
‫أح َّ‬
‫وأباح ملن يأيت بعده أن يزيد عليه ما شاء‪ ،‬وأن يسمي ما جاء به بأي اسم َ‬
‫وقد تويف يف عام ‪ 296‬من اهلجرة‪.‬‬

‫((( طبع هذا الكتاب بمرص مرار ًا‪.‬‬


‫((( طبع هذا الكتاب يف أوروبا‪ ،‬وطبع أخري ًا يف مرص‪ .‬وقد نقل العالمة الصبان عنه قال‪« :‬أول‬
‫من اخرتع البديع وسامه هبذا االسم عبد اهلل بن املعتز‪ ،‬قال يف صدر كتابه‪ :‬وما مجع قبيل فنون‬
‫البديع أحد» وانظر مطلع هذا الكتاب‪.‬‬
‫‪21‬‬ ‫شرح السعد‬

‫‪-3-‬‬
‫وظهر يف القرن الرابع اهلجري ثالثة رجال كان هلم فضل كبري يف هذا‬
‫الفن‪:‬‬
‫أوهلم‪ :‬أبو الفرج ُقدَ امة بن جعفر بن قدامة‪ ،‬صاحب كتاب (نقد النثر)‪،‬‬
‫وكتاب (نقد الشعر)‪ ،‬وكتاب (جواهر األلفاظ)(((‪ ،‬واملتوىف يف عام ‪ 337‬من‬
‫اهلجرة‪.‬‬
‫وهو يقول يف مفتتح كتابه نقد النثر‪« :‬أما بعد؛ فإنك ذكرت يل وقوفك‬
‫عىل كتاب عمرو بن بحر اجلاحظ الذي سامه كتاب (البيان والتبيني)‪ ،‬وأنك‬
‫وجدته إنام ذكر فيه أخبار ًا منتخلة‪ ،‬وخطب ًا منتخبة‪ ،‬ومل يأت فيه بوصف البيان‪،‬‬
‫وال أتى عىل أقسامه يف هذا اللسان‪ ،‬وكان عندما وقفت عليه غري مستحق هلذا‬
‫ال من أقسام البيان آتي ًة عىل‬
‫ج ً‬‫ُسب إليه‪ .‬وسألتني أن أذكر لك ُ َ‬
‫االسم الذي ن َ‬
‫أكثر أصوله‪ ،‬حميطة بجامهري فصوله‪ ،‬يعرف هبا املبتدئ معانيه‪ ،‬ويستغني هبا‬
‫الناظر فيه‪ ،‬وأن أخترص لك ذلك لئال يطول له الكتاب»‪.‬‬
‫ثم يبتدئ تصنيفه بتقسيم العقل إىل‪ :‬موهوب ومكسوب‪ ،‬ثم يقسم البيان‬
‫أربعة أقسام ويسمي األول اعتبار ًا‪ ،‬والثاين ما حيصل يف قلب اإلنسان ومل ينطق‬
‫به ويسميه االعتقاد‪ ،‬والثالث نطق اللسان ويسميه العبارة‪ ،‬والرابع البيان‬
‫بالكتابة‪.‬‬
‫ثم يذكر القياس واحلد والوصف واالسم وأنواع البحث والسؤال‪،‬‬
‫ويعقد باب ًا للنثر وأنواعه‪ ،‬ثم باب ًا لالعتقاد وأنواعه‪ ،‬ثم باب ًا للعبارة وأنواعها‪ ،‬ثم‬

‫((( طبع (نقد النثر) يف مرص مرار ًا‪ ،‬وطبع (نقد الشعر) يف اآلستانة ويف مرص‪ ،‬وطبع (جواهر‬
‫األلفاظ) بتحقيقنا يف عام ‪1930 - 1929‬م‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪22‬‬

‫باب ًا لالشتقاق‪ ،‬ثم باب ًا للتشبيه وأقسامه‪ ،‬ثم باب ًا للحن يتكلم فيه عىل التعريض‬
‫للوحي‪ ،‬ثم باب ًا لالستعارة واحلاجة إليها‪ ،‬وباب ًا‬
‫ودواعيه‪ ،‬وباب ًا للرمز‪ ،‬وآخر َ‬
‫لألمثال‪ ،‬وآخر للغز‪ ،‬وباب ًا للحذف ودواعيه‪ ،‬وباب ًا للمبالغة وأقسامها‪ ،‬وباب ًا‬
‫يذكر فيه القطع والعطف‪ ،‬وباب ًا للتقديم والتأخري(((‪.‬‬
‫ويتكلم بعد ذلك عن حماسن الشعر وبعض عيوبه؛ فيذكر يف أثناء ذلك‬
‫بعض أنواع البديع كام يذكر بعض األسباب املخلة بفصاحة الكالم‪ ،‬ثم يتكلم‬
‫الرتس َل‪ ،‬ويأيت بام اختاره من روائع اخلطب وجيدها‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫عىل املنثور ويذكر‬
‫ويتعرض ملا ينبغي أن يكون عليه اخلطيب‪.‬‬
‫وأما كتابه (نقد الشعر) فيفتتحه برشح حد الشعر وأسباب جودته وأحواهلا‬
‫نفسه يف كلمتني ليست ُتنْكر عليه‪ ،‬فإذا‬
‫وأجناسها‪ ،‬ويذكر أن مناقضة الشاعر َ‬
‫أشبع القول يف الشعر عقد فص ً‬
‫ال تكلم فيه عىل النعوت املستحسنة للفظ والوزن‬
‫والقافية‪ ،‬ويذكر يف أثناء ذلك الرتصيع ويكثر التمثيل له‪ ،‬ثم يعقد فص ً‬
‫ال للمعاين‬
‫التي يدل عليها الشعر‪ ،‬وما ينبغي أن يكون عليه يف كل معنى‪ ،‬وال ُييل ذلك من‬
‫ذكر بعض أنواع البديع كاملبالغة‪ ،‬ويفضل الغلو عن احلد األوسط؛ فإذا صار‬
‫إىل نعوت التشبيه ذكر معناه أوالً‪ ،‬ويذكر بعض أنواعه و ُيم ِّثل هلا‪ ،‬ثم يتكلم عىل‬
‫التقسيم‪ ،‬واملقابلة‪ ،‬والتفسري‪ ،‬والتتميم‪ ،‬واملبالغة‪ ،‬والتكافؤ‪ ،‬وااللتفات‪،‬‬
‫واملساواة‪ ،‬واإلشارة(((‪ ،‬واإلرداف(((‪ ،‬والتمثيل‪ ،‬ثم يتكلم عىل ائتالف القافية‪،‬‬
‫ثم يعقد فص ً‬
‫ال يذكر فيه عيوب الشعر‪ ،‬وأجناس هذه العيوب‪ ،‬عىل ترتيب ما‬

‫((( انظر احلديث عن الشيخ عبد القاهر اجلرجاين ص ‪.23‬‬


‫((( هي رضب من اإلجياز‪.‬‬
‫((( هو الكناية يف إصطالح املتأخرين‪.‬‬
‫‪23‬‬ ‫شرح السعد‬

‫ذكره يف نعوهتا‪.‬‬
‫وأما كتابه (جواهر األلفاظ) فهو كتاب صنفه ليجمع فيه ألفاظ ًا وعبارات‬
‫تساوقها يف الوزن أو القافية أو فيهام مجيع ًا‪َ ،‬‬
‫وصدَّ ره بمقدمة ذكر‬ ‫ُ‬ ‫مرتادفة مع‬
‫فيها الرتصيع‪ ،‬والسجع‪ ،‬واتساق البناء‪ ،‬واعتدال الوزن‪ ،‬واشتقاق لفظ من‬
‫لفظ(((‪ ،‬والعكس‪ ،‬واالستعارة‪ ،‬والتقسيم‪ ،‬واملقابلة‪ ،‬واملبالغة‪ ،‬وغري ذلك من‬
‫األنواع‪.‬‬
‫وثاين ثالثة الرجال‪ :‬أبو احلسن عيل بن عبد العزيز القايض اجلرجاين(((‪،‬‬
‫صاحب كتاب (الوساطة بني املتنبي وخصومه) وهو الشاعر املجيد املتوىف‬
‫يف عام ‪ 366‬من اهلجرة‪ ،‬وكتابه هذا من خري كُتب العربية يف النقد وبيان‬
‫وجوه التفاضل بني الكالم وما يشبهه يف معناه‪ ،‬وقد أودعه صاحبه الكثري من‬
‫وصدَّ ره ببيان أخطاء شعراء اجلاهلية‪ ،‬وبعد أن عرض عىل قارئه‬
‫الشواهد‪َ ،‬‬
‫نامذج من الشعر العذب أفاض يف ذكر شواهد االستعارة َح َسنها وقبيحها‪،‬‬
‫وميز النوعني أتم متييز‪ ،‬ثم َجىل لك أنواع ًا من اجلناس والتقسيم‪ ،‬واستشهد‬
‫لكل واحد‪ ،‬ثم عاد إىل ذكر حماسن الشعر وعيوبه‪ ،‬وبعد أن قطع يف ذلك شوط ًا‬
‫طوي ً‬
‫ال ذكر التشبيه واختالف الناس فيه‪ ،‬وعرض الكثري مما يستحسن منه‪ ،‬ثم‬
‫ذكر كثري ًا من الرسقات الشعرية‪.‬‬
‫وثالث هذه الطبقة‪ :‬أبو هالل احلسن بن عبد اهلل بن َس ْهل العسكري‬
‫صاحب كتاب (الصناعتني)‪ ،‬واملتوىف يف عام ‪ 395‬من اهلجرة‪ .‬وقد صدَّ ر‬

‫((( هو رضب من اجلناس‪.‬‬


‫((( ترجم له الثعالبي يف يتيمة الدهر‪ ،‬وابن خلكان يف (وفيات األعيان)‪ ،‬الرتمجة رقم ‪ 397‬يف‬
‫ج‪ 2‬ص‪ 44‬بتحقيقنا‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪24‬‬

‫كتابه ببيان معنى البالغة‪ ،‬واختالف الناس يف التعبري عنها‪،‬ورضب لك األمثلة‬


‫الكثرية‪ ،‬ثم عقد باب ًا لتمييز جيد الكالم من رديئه‪ ،‬وحمموده من مذمومه‪ ،‬وباب ًا‬
‫ف‪ ،‬وباب ًا‬‫ملعرفة صناعة الكالم‪ ،‬وباب ًا أبان فيه عن حسن السبك وجودة الرص ِ‬
‫َ ْ َ َّ ْ‬ ‫َّ ْ‬
‫ذكر فيه اإلجياز واإلطناب‪ ،‬وباب ًا ذكر فيه الرسقات الشعرية‪ ،‬وما حيسن منها‬
‫وما ال حيسن‪ ،‬وباب ًا ذكر فيه التشبيه‪ ،‬وباب ًا ذكر فيه السجع واالزدواج‪ ،‬وباب ًا‬
‫ذكر فيه مخسة وثالثني نوع ًا من البديع‪ ،‬وقد عَدَّ من البديع االستعارة والكناية‬
‫والتعريض والتذييل واالعرتاض‪ ،‬وليست عند املتأخرين منه‪ ،‬وذكر بعد ذلك‬
‫باب ًا أبان فيه عام حيسن من املبادئ واملقاطع وما ال حيسن‪.‬‬
‫‪-4-‬‬
‫وجاء بعد ذلك القرن اخلامس اهلجري‪ ،‬وكان قد نبغ يف أواخر سابقه‪،‬‬
‫وأوائل هذا القرن أربعة رجال كان هلم أكرب الفضل وأعظم املنة يف تشييد هذا‬
‫العلم وتدعيمه‪:‬‬
‫أوهلم‪ :‬شيخ أهل السنة القايض أبو بكر حممد بن الطيب بن حممد بن‬
‫جعفر بن القاسم الباقالين‪ ،‬صاحب كتاب (إعجاز القرآن)‪ ،‬واملتوىف يف عام‬
‫‪ 403‬من اهلجرة‪.‬‬
‫اسم ُه‪ -‬وضع للداللة عىل وجوه‬
‫وكتاب أيب بكر الباقالين ‪-‬كام يدل عليه ُ‬
‫َ‬
‫أقوال العلامء الذين سبقوه‪،‬‬ ‫كتاب اهلل‪ ،‬وقد حكى فيه‬
‫ُ‬ ‫اإلعجاز التي تضمنها‬
‫واختار منها ما رآه ناهض الدليل مستقيم احلجة‪ ،‬وقد نقد كثري ًا من الشعر‬
‫وتعرض لالمية امرئ القيس املع َّلقة فرشحها وبيَّ ما فيها من البديع‪،‬‬
‫العريب‪َّ ،‬‬
‫تعرض لقصيدة المية تعترب عند العلامء من غرر شعر البحرتي‪ ،‬فنقدها‬ ‫كام َّ‬
‫وبيَّ كثري ًا من عيوهبا‪ ،‬وهو يف أثناء ذلك كله يبني ما يعرض له من البديع‪،‬‬
‫‪25‬‬ ‫شرح السعد‬

‫فيذكر تعريف البالغة‪ ،‬ويذكر االستعارة‪ ،‬وحسن التشبيه‪ ،‬والغلو‪ ،‬واملامثلة‪،‬‬


‫والتجنيس‪ ،‬واملقابلة‪ ،‬واملوازنة‪ ،‬واملساواة‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬واإليغال‪ ،‬والتوشيح‪،‬‬
‫والتكافؤ‪ ،‬والكناية‪ ،‬والتعريض‪ ،‬والعكس‪ ،‬والتبديل‪ ،‬واالعرتاض‪ ،‬والرجوع‪،‬‬
‫والتذييل‪ ،‬واالستطراد‪ ،‬والتكرار وغري ذلك‪ ،‬وكلام ذكر نوع ًا من هذه األنواع‬
‫جاء له باألمثلة والشواهد‪ ،‬ثم بيَّ ما ورد منه يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫وثاين هذه الطبقة‪ :‬الشاعر العظيم أبو احلسن حممد بن الطاهر الرشيف‬
‫الريض املوسوي‪ ،‬املولود يف بغداد عام ‪ 359‬واملتوىف يف عام ‪ 406‬من اهلجرة‪،‬‬
‫وله يف موضوع حديثنا كتابان؛‬
‫أحدمها‪ :‬كتاب (تلخيص البيان‪ ،‬عن جمازات القرآن) ومل يقع لنا هذا‬
‫الكتاب‪ ،‬ولكنه حيدثنا عن هنجه الذي سلكه فيه فيقول(((‪« :‬إين عرفت ما‬
‫شافهتني به من استحسانك اخلبيئة التي أطلعتها‪ ،‬والدفينة التي أ َث ْر ُتا‪ ،‬من‬
‫كتايب املوسوم بـ (تلخيص البيان من جمازات القرآن)‪ ،‬وإين سلكت من ذلك‬
‫حمج ًة مل تسلك‪ ،‬وطرقت باب ًا مل يطرق‪ ،‬وما رغبت إ َّيل فيه من سلوك مثل تلك‬
‫ّ‬
‫الطريقة يف عمل كتاب يشتمل عىل جمازات اآلثار الواردة عن رسول اهلل ‪-‬صىل‬
‫اهلل عليه وسلم‪-‬؛ إذ كان فيها كثري من االستعارات البديعة‪ ،‬وملع البيان الغريبة‪،‬‬
‫وأرسار اللغة اللطيفة‪ ،‬يعظم النفع باستنباط معادهنا‪ ،‬واستخراج ك ََوامنها(((‪،‬‬
‫وإطالعها من مكمنها وأكناهنا(((‪ ،‬وجتريدها من ِخ َللها وأجفاهنا‪ ،‬فيكون هذان‬
‫الكتابان بإذن اهلل ملعتني يستضاء هبام‪ ،‬وعرنينني مل أسبق إىل قرع باهبام‪ ،‬فأجبتك‬

‫((( يف مطلع كتابه (املجازات النبوية) ص‪ ،19‬طبع بمرص عام ‪1937‬م‪.‬‬


‫((( كوامن‪ :‬مجع كامن‪ ،‬اسم فاعل فعله (كمن) من باب نرص‪ ،‬ومعناه‪ :‬خفي واسترت‪.‬‬
‫((( أكنان‪ :‬مجع كن ‪ -‬بكرس أوله ‪ -‬وهو املوضع الذي خيبأ فيه ويسترت‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪26‬‬

‫إىل ذلك‪.»...‬‬
‫والكتاب الثاين هو كتاب (املجازات النبوية) الذي مجع فيه مجلة من كالم‬
‫النبي صىل اهلل عليه وسلم املوجز الذي مل يسبق إىل لفظه ومل يفرتع من قبله‪ ،‬مما‬
‫وخ َّر َج بعضه تصفح ًا وقراءة‪ ،‬ثم‬
‫أتقن بعضه رواية‪ ،‬وحصل عىل بعضه إجازة‪َ ،‬‬
‫بني معاين هذه العبارة التي أريدت منهام‪ ،‬كام بني املعاين التي وضعت هلا العبارة‬
‫أوالً‪ ،‬فجاء هذا الكتاب جامع ًا لكثري من التطبيقات يف أسلوب قلام يتأتى لغري‬
‫ومت إليها بأوثق‬
‫الرشيف الرىض وأرضابه ممن تعلق من اللغة بأقوى سبب‪َّ ،‬‬
‫آرصة‪ ،‬وهو يطلق املجاز يف هذا الكتاب ‪ -‬كام يطلق االستعارة ‪ -‬عىل أوسع ما‬
‫تعرفه اللغة العربية هلذين اللفظني من املعنى؛ فالكناية والتشبيه واملجاز املرسل‬
‫واملجاز اللغوي واالستعارة‪ ،‬كل أولئك جماز عنده‪ ،‬وإن شاء فاستعارة‪ ،‬وقد‬
‫كان هذا معروف ًا غري مستنكر إىل هذا الوقت‪ ،‬اسمع إليه يقول(((‪« :‬ومن ذلك‬
‫قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬األنصار كريش وعيبتي»‪ ،‬ويف هذا القول جمازان؛‬
‫أحدمها‪ :‬قوله عليه الصالة والسالم‪« :‬كريش»‪ ،‬وحيتمل ذلك معنيني‪:‬‬
‫أحدمها‪ :‬أن يكون أراد عليه الصالة والسالم أهنم ماديت التي أقوى هبا وأفزع‬
‫اجل َّر ِة منها‪ ،‬واالعتامد عند‬
‫إليها كام تفزع ذوات االجرتار إىل أكراشها يف انتزاع ِ‬
‫فقد املرعى عليها‪ ،‬فأراد أن األنصار رمحة اهلل عليهم يمدّ ونه بأنفسهم‪ ،‬ويكون‬
‫معوله يف الرساء والرضاء عليهم» اهـ‪ .‬ولو أنه كان من املتأخرين لقال‪ :‬إن يف‬
‫ّ‬
‫هذه العبارة تشبيه ًا بليغ ًا؛ فهو عليه الصالة والسالم يشبه األنصار بالكرش‪،‬‬
‫أن كل واحد منهام عليه ُم َع َّو ُل املستنِ ِد إليه واعتامده‪،‬‬
‫واجلامع بني طريف التشبيه َّ‬
‫وإليه َف َزعه عند الشدة‪ ،‬وجلؤه عند الألواء والكربة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫((( يف ص (‪ )63‬من (املجازات النبوية)‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫شرح السعد‬

‫األزدي‪ ،‬املولود يف‬


‫ّ‬ ‫وثالث هؤالء‪ :‬أبو عيل احلسن بن رشيق القريواين‬
‫عام ‪ ،390‬واملتوىف ليلة السبت غرة ذي القعدة من عام ‪ 456‬من اهلجرة‪ ،‬وهو‬
‫صاحب كتاب (العمدة يف حماسن الشعر وآدابه((()‪ ،‬الذي مجع فيه أحسن ما‬
‫قاله كل واحد يف معاين الشعر وحماسنه وآدابه‪ ،‬فإذا فرغ من القول عىل فضل‬
‫الشعر والرد عىل َمن كرهه‪ ،‬وذكر َمن رفعه الشعر ومن َو َضعه‪ ،‬ومن َق َض‬
‫له الشعر ومن قىض عليه‪ ،‬وشفاعات الشعراء وحتريضهم‪ ،‬واحتامء القبائل‬
‫بشعرائها‪ ،‬وفأل الشعر وطريته‪ ،‬وما أشبه ذلك مما يتصل بالشعر والشعراء‪.‬‬
‫ذكر باب ًا للبالغة‪ ،‬وباب ًا لإلجياز‪ ،‬وآخر للبيان وآخر للنظم‪ ،‬وباب ًا للبديع‪،‬‬
‫وباب ًا للمجاز‪ ،‬وباب ًا للتمثيل‪ ،‬وباب ًا للتشبيه‪ ،‬وباب ًا لإلشارة وأنواعها من‬
‫التعريض والكناية والرمز واملحاجاة وغريها‪ ،‬وباب ًا للتتبيع‪ ،‬وباب ًا للتجنيس‪،‬‬
‫وباب ًا للتصدير‪ ،‬وباب ًا للمطابقة‪ ،‬وباب ًا للمقابلة‪ ،‬وباب ًا للموازنة‪ ،‬وباب ًا للتقسيم؛‬
‫وغري ذلك من أنواع البديع‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬هو اإلمام أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرمحن اجلرجاين النحوي‪،‬‬
‫املتوىف يف عام ‪ 474‬من اهلجرة‪ .‬وهو صاحب كتاب (دالئل اإلعجاز)‪ ،‬وكتاب‬
‫(أرسار البالغة((()‪.‬‬
‫ولسنا نعلم أن أحد ًا استطاع أن خيدم هذا العلم بفكره وقلمه وجهده‬
‫البالغ أقىص الوسع قبل االمام عبد القاهر اجلرجاين‪ .‬فإنه أول من حاول‬
‫((( طبع كتاب (العمدة) يف تونس‪ ،‬وطبع يف مرص مرار ًا‪ ،‬وطبع بتحقيقنا مرتني أخرامها يف‬
‫مطبعة السعادة عام ‪.1955‬‬
‫((( لإلمام عبد القاهر اجلرجاين كتب غري هذين الكتابني‪ :‬من أمهها كتاب رشح فيه (اإليضاح)‬
‫الذي صنفه أبو عيل الفاريس يف النحو رشح ًا منقطع النظري‪ ،‬ومن هذا الكتاب نسخة كاملة‬
‫يف املكتبة الظاهرية بدمشق ويوجد نصفه يف دار الكتب املرصية‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪28‬‬

‫الفرق بني أنواع املجاز‪ ،‬وجعل بعضه مرس ً‬


‫ال وبعضه استعارة‪ .‬وهو أول من‬
‫َب ّي الفروق بني األنواع املتشاهبة‪ ،‬وحدَّ للمسائل التي يلتبس بعضها ببعض‬
‫حدود ًا َت ْف ِصل النوع من النوع‪ ،‬ومتيز الصنف من الصنف‪ ،‬وهو ‪-‬مع ذلك‪-‬‬
‫أول من كتب يف الفن الذي اصطلح املتأخرون عىل تسميته‪( :‬فن املعاين((()‪.‬‬
‫وإنك لتعجب أشد العجب حني تقرأ ما ب ّينا لك من كتب الذين سبقوا‬
‫الشيخ عبد القاهر‪ ،‬ثم تقرأ بعد ذلك كتب الشيخ؛ أقول‪ :‬إنك لتعجب أشد‬
‫العجب حني تقرأ ما كُتب قبله‪ ،‬ثم تقرأ ما كتب هو؛ ملا جتده من الفرق الواسع‬
‫واملدى البعيد الذي بني كتب الشيخ وكتب أسالفه من العلامء؛ حتى لنتساءل‬
‫‪-‬ولك أوسع املدى يف احلرية أن تتساءل‪ -‬كيف طفرت مباحث هذا العلم هذه‬
‫الطفرة ؟ وكيف تأتّى للشيخ أن جيمع ما ّ‬
‫تشذر‪ ،‬ويضم ما تفرق يف كتب القوم‪،‬‬
‫أخ ٍ‬
‫اذ‬ ‫ثم أن يضيف إليها من مباحثه أضعاف أضعافها‪ ،‬كل ذلك بأسلوب َّ‬
‫وعبارة فتانة‪ ،‬وإنه ليع ِّلمك البالغة بأسلوبه أكثر مما ُيع ِّلمك إياها بقواعده‪.‬‬
‫وليس يف كتب الشيخ من عيب‪ ،‬إال ما جتده من اإلطناب يف األمر‬
‫واإلكثار من توجيهه نظر قارئه إىل ما يريد‪ ،‬يف عبارة فضفاضة‪ ،‬واسعة النطاق‪،‬‬
‫يمكن أن يفهم آخرها عىل غري الوجه الذي فهم عليه أوهلا‪ ،‬وفيه تتسابق أفهام‬
‫العلامء‪ ،‬وتتجاذب استنباطات املحققني‪ ،‬و ُع ْذر الشيخ يف ذلك أنه حاول‬
‫استنتاج قواعده من األساليب‪ ،‬واألساليب كثرية متشعبة‪َ ،‬ي ْق ُرب بعضها من‬
‫بعض‪ ،‬و َي ْب ُعد بعضها عن بعض أيض ًا‪ ،‬والفرق بني بعضها وبعض قد يكون‬
‫عسري ًا؛ ثم هو أول من قصد هذا النهج من البحث عىل ما حدثناك آنف ًا‪ ،‬ومع‬

‫((( قد تكلم قدامة بن جعفر عىل الفصل والوصل‪ ،‬وعىل التقديم والتأخري‪ ،‬ولكنه كالم ليس يف‬
‫سعة بحث الشيخ عبد القاهر‪ ،‬وانظر ص ‪ 21‬من هذه املقدمة‪.‬‬
‫‪29‬‬ ‫شرح السعد‬

‫هذا كله فال تزال كتب الشيخ عبد القاهر إىل اليوم إمام كل علامء البالغة الذي‬
‫يتوجهون يف بحوثهم إليه‪ ،‬وال يتابعون يف حتقيقاهتم سواه‪.‬‬
‫وهلذا اجلهد اجلاهد الذي بذله الشيخ عبد القاهر جيعله كثري ممن تصدى‬
‫واضع علم البيان‪.‬‬
‫َ‬ ‫لتأريخ هذه العلوم‬
‫‪-5-‬‬
‫فلام كان القرن السادس اهلجري نبغ فيه اإلمام الذي ال يشق ُغ َباره‪ ،‬وال‬
‫يدرك َمدَ اه‪ ،‬وال جيري أحد عىل واسع خطاه‪ ،‬العامل الذي فاق السابقني‪ ،‬وأعجز‬
‫الالحقني‪ ،‬ذلك هو جار اهلل حممود بن عمر الزخمرشي صاحب تفسري القرآن‬
‫الكريم املسمى بـ (الكشاف)‪ ،‬وصاحب كتاب (أساس البالغة((() ‪ ،‬واملتوىف‬
‫يف عام ‪ 538‬من اهلجرة‪.‬‬
‫أما كتابه الكشاف فقد أودعه أرسار العربية وأساليبها‪ ،‬فبيَّ حقائقها‬
‫وجمازاهتا واستعاراهتا وتشبيهاهتا؛ يف حتقيق رصني‪ ،‬وتدقيق بارع‪ ،‬وأبان ما‬
‫ش َعة يصدرون عنها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫عجز عن تصوره الذين سبقوه‪ ،‬ال جرم اختذه العلامء ْ‬
‫ويرتوون منها‪ ،‬وكان هلم املـَن ََار الذي أوضح السبيل‪ ،‬فلست ترى من بعده‬
‫أحد ًا إال والكشاف هاديه ودليله‪.‬‬
‫وكتاب اهلل تعاىل نموذج البالغة العالية‪ ،‬ومثال اإلعجاز اإلهلي الذي‬
‫حتدى مصاقع البيان فأخرسهم وأبطل حجتهم‪ ،‬فإذا انربى إليضاح بالغته‬
‫واإلفصاح عن مكنونات أساليبه عامل فحل مثل جار اهلل أتى بالعجب العاجب‪،‬‬
‫وهذا هو الذي حدث‪ ،‬فأنت لو قرأت الكشاف وجدت مسائل العربية‪،‬‬

‫((( للزخمرشي كتب كثرية يف اللغة واألدب والنحو وغريها‪ ،‬وأكثرها معروف مشهور‪ ،‬ولكن‬
‫الذي يعنينا من مؤلفاته هذان الكتابان‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪30‬‬

‫نحوها وبالغتها‪ ،‬قد عرضت لك يف ثوب رائع يمثل لك حسن األسلوب‬


‫ودقته‪ ،‬ومجال املعنى وروعته‪ ،‬ويعطيك مع ذلك الفكرة العلمية الدقيقة‪ ،‬وقلام‬
‫وجدت ذلك عند غريه إال الذين َق َف ْوا آثاره فأخذوا عنه‪.‬‬
‫ويف احلق أن الزخمرشي ‪-‬رمحه اهلل تعاىل!‪ -‬قد أفاد علوم القرآن وعلوم‬
‫اللغة العربية بتفسريه هذا أكرب الفائدة‪ ،‬وعاد عليهام منه أعظم النفع‪ ،‬حتى كان‬
‫خليق ًا بام قيل فيه ويف السكاكي‪« :‬لوال األعرجان ُ‬
‫جلهلت بالغة القرآن»‪.‬‬
‫وأما كتابه (أساس البالغة) فهو كتاب ٌ‬
‫فذ يف العربية إىل يوم الناس هذا؛‬
‫فام نعرف أحد ًا من علامء هذه اللغة حاول من قبل الزخمرشي أن يعمد إىل مواد‬
‫اللسان العريب مادة فامدة يبني يف كل مادة منها االستعامالت احلقيقية هلا‪ ،‬ثم‬
‫يبني االستعامالت املجازية؛ كام ال نعلم أحد ًا حاول بعد الزخمرشي أن ينسج‬
‫عىل هذا املنوال‪َ ،‬ف ُيتم البحث ويستقيص ما غاب عن ذهنه من مادة أو استعامل‪،‬‬
‫فدل ذلك كله عىل أن املوضوع جدّ خطري ال جيرس أحد أن خيوض غمراته غري‬
‫الزخمرشي‪ ،‬ومن ذا الذي له مثل فكر الزخمرشي الناضج‪ ،‬وذاكرته الواعية‪،‬‬
‫وعلمه الواسع‪ ،‬وذهنه الصايف‪ ،‬ودقتة الغريبة ؟‪ .‬ثم من ذا الذي له مثل اطالع‬
‫الزخمرشي وعظيم إدراكه ؟‪.‬‬
‫وبقدر ما أفادت علوم البالغة من متثيل الفكرة العلمية يف كتاب الكشاف‬
‫قد أفادت من األمثلة التي تنطبق عىل هذه األفكار يف كتاب أساس البالغة‪.‬‬
‫ولست أنا ببالغ ما أريد أن أقرره يف ذهنك إذا قلت لك‪ :‬إن تفسري‬
‫الكشاف قد تكفل ببيان مسائل العربية كلها‪ ،‬وتعرض آلراء العلامء السابقني‬
‫بالرشح أو الرد‪ ،‬وإنك لو خربته لعرفت مدى صدق هذه الدعوى‪ ،‬ولو أن‬
‫الذين نرشوه لنا جشموا أنفسهم أن يضعوا فهارس وافية ملا َت َعرض له جار اهلل‬
‫‪31‬‬ ‫شرح السعد‬

‫من املسائل لوجدت فيه كل ضالة تنشدها(((‪.‬‬


‫اسمع إليه يقول‪ :‬ﭽﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭼ [الفاحتة‪ ،]٥ :‬إيا‪:‬‬
‫ضمري منفصل للمنصوب‪ ،‬واللواحق التي تلحقه من الكاف واهلاء والياء‬
‫يف قولك إياك وإياه وإياي لبيان اخلطاب والغيبة والتكلم‪ ،‬وال حمل هلا من‬
‫اإلعراب‪ ،‬كام ال حمل للكاف يف أرأيتك‪ ،‬وليست بأسامء مضمرة‪ ،‬وهو مذهب‬
‫األخفش‪ ،‬وعليه املحققون‪ ،‬وأما ما حكاه اخلليل عن بعض العرب (إذا بلغ‬
‫الرجل الستني فإياه وإيا الشواب) فيشء شاذ ال يعول عليه‪ ،‬وتقديم املفعول‬
‫لقصد االختصاص كقوله تعاىل‪ :‬ﭽﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫﭼ [الزمر‪،]٦٤:‬‬
‫ﭽﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﭼ [األنعام‪ ]١٦٤:‬واملعنى نخصك بالعبادة ونخصك بطلب‬
‫املعونة‪ ،‬و ُقرئ إياك بتخفيف الياء‪ ،‬وأياك بفتح اهلمزة والتشديد‪ ،‬وهياك بقلب‬
‫اهلمزة هاء‪ ،‬قال طفيل الغنوي‪:‬‬
‫مـــوارده ضاقت عليـــك املصادر‬ ‫فهيـــاك واألمر الـــذي إن تراحبت‬
‫والعبادة‪ :‬أقىص غاية اخلضوع والتذلل‪ ،‬ومنه ثوب ذو عبدة‪ ،‬إذا كان يف‬
‫غاية الصفاقة وقوة النسج؛ ولذلك مل تستعمل إال يف اخلضوع هلل تعاىل؛ ألنه‬
‫ُم ِ‬
‫ول أعظم النعم‪ ،‬فكان حقيق ًا بأقىص غاية اخلضوع‪ ،‬فإن قلت‪ :‬مل عَدَ َل عن‬
‫لفظ الغيبة إىل لفظ اخلطاب؟ قلت‪ :‬هذا يسمى االلتفات يف علم البيان‪ ،‬قد‬
‫يكون من الغيبة إىل اخلطاب‪ ،‬ومن اخلطاب إىل الغيبة‪ ،‬ومن الغيبة إىل التكلم‪،‬‬
‫كقوله تعاىل‪ :‬ﭽﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭼ [يونس‪ ،]٢٢ :‬وقوله تعاىل‪:‬‬
‫ﭽﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﭼ [فاطر‪ ،]٩ :‬وقد التفت امرؤ القيس‬

‫قسام كبري ًا من هذا الكتاب عدة مرات يف كلية‬


‫((( إين أقول هذا الكالم عن خربة‪ ،‬فقد درست ً‬
‫اللغة العربية‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪32‬‬

‫ثالثة التفاتات يف ثالثة أبيات‪:‬‬


‫ترقـــد‬ ‫ومل‬ ‫اخلـــي‬ ‫ونـــام‬ ‫باألثمـــد‬ ‫ليلـــك‬ ‫تطـــاول‬
‫كليلـــة ذي العائـــر األرمـــد‬ ‫وبـــات وباتـــت لـــه ليلـــة‬
‫بتـــه عـــن أيب األســـود‬
‫وخ ِّ ْ‬
‫ُ‬ ‫وذلـــك مـــن نبـــإٍ جـــاءين‬
‫وذلك عىل عادة افتناهنم يف الكالم وترصفهم فيه‪ ،‬وألن الكالم إذا نقل من‬
‫أح َس َن َت ْطري ًة لنشاط السامع‪ ،‬وإيقاظ ًا لإلصغاء‬
‫أسلوب إىل أسلوب كان ذلك ْ‬
‫إليه من إجرائه عىل أسلوب واحد‪ ،‬وقد ختتص مواقعه بفوائد‪ ،‬ومما اختص به‬
‫هذا املوضع((( أنه ملا ذكر احلقيق باحلمد وأجرى عليه تلك الصفات العظام‪،‬‬
‫تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء وغاية اخلضوع واالستعانة به يف‬
‫املهامت‪ ،‬فخوطب ذلك املعلوم املتميز بتلك الصفات‪ ،‬فقيل‪ :‬إياك يا من هذه‬
‫صفاته نخص بالعبادة واالستعانة‪ ،‬ال نعبد غريك وال نستعينه؛ ليكون اخلطاب‬
‫أدل عىل أن العبادة له لذلك التميز الذي ال حتق العبادة إال به‪.‬‬
‫فإن قلت‪ :‬مل قرنت االستعانة بالعبادة ؟ قلت‪ :‬ليجمع بني ما يتقرب‬
‫به العباد إىل رهبم وبني ما يطلبونه وحيتاجون إليه من جهته‪ .‬فإن قلت‪ :‬فلم‬
‫ُقدِّ مت العبادة عىل االستعانة ؟ قلت‪ :‬ألن تقديم الوسيلة قبل طلب احلاجة‬
‫ليستوجبوا اإلجابة عليها‪ ،‬فإن قلت‪ :‬مل أطلقت االستعانة؟ قلت‪ :‬لتتناول كل‬
‫مستعان فيه‪ ،‬واألحسن أن تراد االستعانة به وبتوفيقه عىل أداء العبادة‪ ،‬ويكون‬
‫قوله ﭽﭧ ﭼ بيان ًا للمطلوب من املعونة‪ ،‬كأنه قيل‪ :‬كيف أعينكم؟ فقالوا‪:‬‬
‫بح َجز‬
‫اهدنا الرصاط املستقيم‪ ،‬وإنام كان أحسن لتالؤم الكالم‪ ،‬وأخذ بعضه ُ‬
‫((( يريد به موضع اآلية‪ ،‬وهي قوله تعاىل‪ :‬ﭽﭢ ﭣﭼ بعد قوله‪ :‬ﭽﭖ ﭗ ﭘ‬
‫ﭙﭼ‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫شرح السعد‬

‫بعض((( اهـ بحروفه‪.‬‬


‫أح ِ‬
‫ص املسائل العلمية التي‬ ‫فإذا قرأت هذه العبارة فأمعن النظر فيها‪ ،‬ثم ْ‬
‫َت َع َّر َض لبياهنا يف تفسري مجلة واحدة‪ ،‬فهو يرشح لك مرة مسألة اختلف فيها‬
‫النحاة ويبني لك الرأي الناضج يف هذه املسالة‪ ،‬ثم يبني لك بعد ذلك سبب ًا‬
‫من األسباب التي تقتيض تقديم املعمول عىل العامل ويستشهد لك عليها‪،‬‬
‫ويرشح مسألة االلتفات ويبني بعض أرساره والدواعي إليه ويستشهد لك‬
‫عليه‪ ،‬ويرشح لك كلمة رشح ًا لغوي ًا ّ‬
‫ويبي هلجات العرب فيه‪ ،‬وهكذا مما‬
‫تعرفه أنت إذا رجعت إىل هذه العبارة‪.‬‬
‫ومع أن جار اهلل الزخمرشي قد حدد أنواع املجاز‪ ،‬و َف َصل بني رضوبه‬
‫املختلفة‪ ،‬وبني املجاز مجل ًة والتشبيه‪ ،‬وبينه وبني الكناية؛ فإنك تراه يف كتابه‬
‫(أساس البالغة) يدخل يف باب املجاز أحيان ًا بعض التشبيهات وأحيان ًا بعض‬
‫يبي املعاين التي‬
‫الكنايات عىل طريقة املتقدمني‪ ،‬وعذره يف ذلك أنه يريد أن ّ‬
‫خرجت إليها األلفاظ سوى املعاين احلقيقية التي وضعت هلا يف أول األمر‪.‬‬
‫انظر إليه يقول يف مادة (ف ل ز) بعد أن ذكر أن الفلز ‪-‬بكرس الفاء والالم‬
‫وتشديد الزاي‪ :-‬هو اسم جامع جلواهر األرض من الذهب والفضة وغريمها‪.‬‬
‫«ومن املجاز قوهلم للبخيل املتشدد (فلز)‪ ،‬شبه هبذا اجلنس ليبسه وجساوته أو‬
‫لنبوه عىل طالبيه» اهـ‪.‬‬
‫ِّ‬

‫((( انظر الكشاف ج‪ 1‬ص‪ ،48‬طبع بوالق‪ ،‬سنة ‪ 1218‬من اهلجرة‪.‬‬


‫شرح السعد‬ ‫‪34‬‬

‫‪-6-‬‬
‫ثم جاء بعد ذلك أبو يعقوب يوسف بن أيب بكر حممد بن عيل السكاكي‬
‫املتوىف يف عام ‪ 626‬من اهلجرة‪ ،‬وهو إمام جليل‪َ ،‬د َر َج أوالً يف حجر الفلسفة‪،‬‬
‫وأولع هبا‪ ،‬فملكت عليه نفسه‪ ،‬واستولت عىل تفكريه كله‪ ،‬فهو مفتون هبا‪،‬‬
‫ُم ْغرى بنظامها وحسن هتذيبها للفكر والعمل مع ًا‪ ،‬وهو من أجل هذا يريد أن‬
‫جيعلها حك ًام يف كل علم‪ ،‬وال يريد أن يقف عند حد من احلدود التي وضعها‬
‫أسالفه‪ ،‬إال أن يكون ذلك احلد ال يدخله اخلطأ‪ ،‬وال يعرتيه اخللل يف َط ْرده أو‬
‫عكسه‪.‬‬
‫وكان ذلك ‪-‬يف احلق‪ ،‬وإن مل يرض هبذا احلق أكثر الناس اليوم‪ -‬من‬
‫أعظم الدواعي وأجلها لتحديد مسائل هذه العلوم حتديد ًا علمي ًا دقيق ًا‪ ،‬غاية يف‬
‫الدقة‪ ،‬وكان أبو يعقوب السكاكي صاحب الفضل الكبري عىل الناس إىل يوم‬
‫الناس هذا يف دراسة علوم البالغة كامدة علمية هلا قواعد متقررة ثابتة‪ ،‬وقضايا‬
‫متميزة بعضها عن بعض أتم متيز‪ ،‬وله الفضل الكبري يف حتديد األنواع وضبطها‬
‫ِ‬
‫ضبط ًا يرد كل يشء إىل ن َصابه من غري أن يبقى ٌ‬
‫كثري من فروع هذا العلم مرتددة‬
‫متذبذبة بني األنواع‪ ،‬تارة إىل هذا‪ ،‬وتارة إىل ذلك‪.‬‬
‫ونحن نعلم أن كلمتنا هذه ستغضب كثري ًا من الناس الذين ال يعرفون‬
‫للسكاكي هذه املزية‪ ،‬وال يدينون له هبذا الفضل‪ ،‬وهم يمألون الدنيا عليه‬
‫وصاخ ًا‪ ،‬وينسبون له أنه َش َ‬
‫اك عىل املتعلمني ُط ُر َق البالغة‪ ،‬و َع ّقد عليهم‬ ‫جلبة ُ َ‬
‫مسالكها‪ ،‬ووضع هلم العراقيل دون الوصول إليها‪ ،‬بام حاول من إخضاعها‬
‫لقواعد الفلسفة‪ ،‬وبام حاط بحوثها من اجلدل والفروض اخليالية‪ ،‬دون أن‬
‫يرجع إىل أساليب من العربية واضحة املآخذ منرية املعامل‪ ،‬ودون أن يكون‬
‫‪35‬‬ ‫شرح السعد‬

‫له من أسلوبه نفسه ما يرغب الباحثني يف أبحاثه‪ ،‬ويشوق نفوسهم إىل اقتفاء‬
‫آثاره‪.‬‬
‫نحن نعلم أن كلمتنا هذه ستغضب هؤالء الباحثني‪ ،‬ولكنا ‪-‬مع ذلك‪-‬‬
‫ُص عليها‪ ،‬ونقرها يف هدوء املستيقن‪ ،‬ورزانة َم ْن ال تداخله خلجة شك فيها؛‬ ‫ِ‬
‫ن ُّ‬
‫التشزز‬
‫(((‬
‫ُّ‬ ‫ونقول‪ :‬إنا ال ندري ما كان عسى أن يصيب مسائل هذه العلوم من‬
‫والشتات‪ ،‬وتفرق األهواء لو مل ُيت َْح هلا مثل عقل السكاكي العجيب‪.‬‬
‫وبحسبك أنك ال جتد كاتب ًا بعد السكاكي إال رأيته قد سار عىل طريقته‬
‫وتبع َق ْف َوه‪ ،‬وتنكب طريق الناس أمجعني‪.‬‬
‫وليس بنا من حاجة إىل أن نذكر لك مج ً‬
‫ال من كتابه (مفتاح العلوم) الذي‬
‫مجع فيه خالصة علم الرصف وعلم النحو وعلوم البالغة (املعاين والبيان‬
‫والبديع) وعلم االستدالل (املنطق) وعلم العروض والقافية‪ ،‬وذلك ألن يف‬
‫استطاعتك أن تدرك من النظرة األوىل يف القسم الثالث من هذا الكتاب ‪-‬وهو‬
‫القسم الذي خصه بالكالم عىل البالغة وعلومها‪ -‬مقدار ما بذله من اجلهد‬
‫لضبط مسائل هذه العلوم عىل النحو الذي قررناه لك‪.‬‬
‫وإن مل يكن لنا بد من مالحظة عىل السكاكي فهي ال تعدو أنه أخىل كتابه‬
‫من العبارة الرنانة وكثرة التمثيل‪ ،‬فجاء كتابه تقرير ًا للقواعد‪ ،‬وحتديد ًا دقيق ًا‬
‫ملشتبه مسائلها‪ ،‬وتفرقة بني األمثال والنظائر‪ ،‬وتقريب ًا بني املتباينات‪ .‬ولو أنه‬
‫حاول ذلك يف مثل أسلوب عبد القاهر ونَصاعة بيانه وسحر عبارته‪ ،‬ثم أكثر‬
‫من األمثلة والشواهد‪ ،‬لكان مرضي ًا عنه من الناس أمجعني‪.‬‬

‫((( التشزز‪ :‬الشزازة‪ :‬اليبس الشديد‪ .‬لسان العرب (شزز) (صالح)‪.‬‬


‫شرح السعد‬ ‫‪36‬‬

‫‪-7-‬‬
‫ثم جاء من بعد أولئك ضياء الدين أبو الفتح نرص اهلل بن أيب الكرم‬
‫جلزري‪،‬‬
‫حممد بن حممد بن عبد الكريم املوصيل الشافعي املعروف بابن األثري ا َ‬
‫صاحب كتاب (املثل السائر)‪ ،‬وكتاب (اجلامع الكبري يف صناعة املنظوم من‬
‫الكالم واملنثور)(((‪.‬‬
‫وضياء الدين بن األثري ثالث ثالثة إخوة كان كل واحد منهم من أساطني‬
‫العلامء يف فنه‪ .‬وثانيهم عمدة املؤرخني أبو احلسن عز الدين عيل بن أيب الكرم‬
‫حممد بن حممد بن عبد الكريم صاحب كتاب (الكامل) يف التاريخ‪ ،‬واملتوىف يف‬
‫عام ‪ 630‬من اهلجرة‪.‬‬
‫وثالثهم أبو السعادات جمد الدين املبارك بن أيب الكرم حممد بن حممد بن‬
‫عبد الكريم‪ ،‬أشهر العلامء ذكر ًا‪ ،‬وأكربهم قدر ًا‪ ،‬وأنبلهم شأن ًا‪ ،‬وهو من كبار‬
‫املحدثني‪ ،‬ومن تصانيفه كتاب (جامع األصول يف أحاديث الرسول)‪ ،‬مجع فيه‬
‫بني كتب السنة الستة املوثوق هبا‪ ،‬واملعول بني علامء األمصار عليها‪ ،‬وله كتاب‬
‫(النهاية يف غريب احلديث واألثر) وهو كتاب فريد الوضع غريب الصنع‪،‬‬
‫رشح فيه املفردات الغريبة التي تدور يف أحاديث الرسول صىل اهلل عليه وسلم‪،‬‬
‫وكان كتابه هذا أحد الكتب التي مجعها ابن منظور يف كتابه (لسان العرب)‪،‬‬
‫وتويف جمد الدين عام ‪ 606‬من اهلجرة‪.‬‬
‫وابن األثري األديب حيدثك عن َج ْهده الذي بذله يف علوم البالغة يف‬
‫مفتتح كتابه (اجلامع الكبري) فيقول‪« :‬أما بعد‪ ،‬فلام كان تأليف الكالم مما ال‬

‫((( طبع كتاب (املثل السائر) مرار ًا بمرص‪ ،‬وطبع بتحقيقنا طبع ًا أنيق ًا يف سنة ‪ ،1939‬وأما كتاب‬
‫(اجلامع الكبري) فلم يطبع إىل اليوم‪ ،‬ومنه نسخة خطية يف مكتبتنا اخلاصة جزء منها‪.‬‬
‫‪37‬‬ ‫شرح السعد‬

‫يوقف عىل َغ ْوره‪ ،‬وال يعرف كنه أمره‪ ،‬إال باالطالع عىل علم البيان الذي هو‬
‫هلذه الصناعة بمنزلة امليزان‪ ،‬احتجت حني شدوت نبذة من الكالم املنثور‪ ،‬إىل‬
‫معرفة هذا العلم املذكور‪ ،‬فرشعت عند ذلك يف تطلبه‪ ،‬والبحث عن تصانيفه‬
‫ال إال َنَ ْجته‪ ،‬وال غادرت يف إدراكه باب ًا إال‬
‫وكتبه‪ ،‬فلم أترك يف حتصيله سبي ً‬
‫وجلته‪ ،‬حتى اتضح عندي باديه وخافيه‪ ،‬وانكشفت يل أقوال األئمة املشهورين‬
‫فيه‪ ،‬كأيب احلسن عيل بن عيسى الرماين‪ ،‬وأيب القاسم احلسن بن برش اآلمدي‪،‬‬
‫وأيب عثامن اجلاحظ‪ ،‬وقدامة بن جعفر الكاتب‪ ،‬وأيب هالل العسكري‪،‬‬
‫وأيب العالء حممد بن غانم املعروف بالغانمي‪ ،‬وأيب حممد عبد اهلل بن سنان‬
‫اخلفاجي‪ ،‬وغريهم ممن له كتاب ُيشار إليه‪ ،‬وقول تعقد اخلَنَارص عليه‪ ،‬ثم ملا‬
‫الوة من الدهر‪ ،‬وانقىض دونه برهة من العمر‪ ،‬ملحت يف أثناء‬
‫مىض عىل ذلك َم َ‬
‫القرآن الكريم من هذا النحو أشياء ظريفة‪ ،‬ووجدت يف مطاويه من هذا النوع‬
‫نكت ًا دقيقة لطيفة‪ ،‬فعرضتها عند ذلك عىل األقسام التي ذكرها هؤالء العلامء‬
‫ورشحوها‪ ،‬واألصناف التي ب َّينوها يف تصانيفهم وأوضحوها‪ ،‬فألفيتهم قد‬
‫غفلوا عنها‪ ،‬ومل ينبهوا عىل يشء منها؛ فكان ذلك باعث ًا يل عىل تصفح آيات‬
‫القرآن العزيز والكشف عن رسه املكنون‪ ،‬فاستخرجت منه حينئذ ثالثني رضب ًا‬
‫من علم البيان‪ ،‬مل يأت هبا أحد من أولئك العلامء األعيان‪ ،‬وكان ما ظفرت به‬
‫أصل هذا الفن وعمدته‪ ،‬وخالصة هذا العلم وزبدته‪»...‬‬
‫فهو يعكف أوالً عىل دراسة كتب السلف من العلامء‪ ،‬ثم يعكف عىل‬
‫قراءة األمثال والشواهد‪ ،‬ومن بني ذلك آيات القرآن الكريم‪ ،‬ثم يقارن بني‬
‫ما فهمه من هذه الشواهد وبني ما ذكره السابقون‪ ،‬فيبِ ُ‬
‫ني له أهنم مل يستوعبوا‬
‫األنواع ويستدرك عليهم ثالثني نوع ًا أغفلوها‪ ،‬ثم يصنف كتابه هذا يف قطبني‪:‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪38‬‬

‫القطب األول ينقسم إىل فنَّني‪ :‬أحدمها فيام جيب عىل مؤلف الكالم‬
‫االبتداء به‪ ،‬ويستويف ما أراد من ذلك يف أربعة أبواب‪ ،‬وثانيهام يف الكالم عىل‬
‫األلفاظ واملعاين وتفضيل الكالم املنثور عىل املنظوم‪ ،‬ويبلغ من ذلك ما أراد يف‬
‫ثالثة أبواب‪.‬‬
‫والقطب الثاين ينقسم إىل فنَّني أيض ًا‪ :‬الفن األول يف الفصاحة والبالغة‪،‬‬
‫والفن الثاين‪ :‬يف ذكر أصناف البيان وانقساماهتا‪ ،‬وجيعله عىل بابني‪ :‬الباب‬
‫األول يف الصناعة املعنوية‪ ،‬وتنقسم عنده إىل تسعة وعرشين نوع ًا يذكر‬
‫منها‪ :‬االستعارة‪ ،‬والتشبيه‪ ،‬واإلجياز‪ ،‬واإلطناب‪ ،‬والكناية‪ ،‬والتعريض‪،‬‬
‫والتفسري بعد اإلهبام‪ ،‬والتقديم والتأخري‪ ،‬والتخلص واالقتضاب‪ ،‬واملبادي‬
‫واالفتتاحات‪ ،‬وقوة اللفظ لقوة املعنى والباب الثاين يف الصناعة اللفظية‪ ،‬وهي‬
‫عنده سبعة أنواع‪ :‬السجع‪ ،‬واالزدواج‪ ،‬والتجنيس‪ ،‬والرتصيع‪ ،‬ولزوم ما ال‬
‫يلزم‪ ،‬واملوازنة واختالف صيغ األلفاظ‪ ،‬وتكرير احلروف‪.‬‬
‫وكتابه (املثل السائر) جيري عىل النحو الذي خلصنا لك طريقته؛ فهو‬
‫يفتتحه باخلطبة التي ال خترج يف املعنى عام نقلناه لك من خطبة (اجلامع الكبري)‪،‬‬
‫وهو بعد ذلك يبني الكتاب عىل مقدمة ومقالتني‪ ،‬فيذكر يف املقدمة أصول‬
‫البيان‪ ،‬ويذكر يف املقالتني فروعه‪ ،‬وخيتص أوالمها بذكر الصناعة اللفظية‪،‬‬
‫والثانية بذكر الصناعة املعنوية‪.‬‬
‫وقد تويف ضياء الدين بن األثري يف عام ‪ 637‬من اهلجرة‪.‬‬
‫‪39‬‬ ‫شرح السعد‬

‫‪-8-‬‬
‫ثم جاء بعد ذلك اإلمام أبو املعايل جالل الدين قايض القضاة حممد بن‬
‫عبد الرمحن بن عمر بن أمحد بن حممد بن عبد الكريم بن احلسن بن عيل بن‬
‫إبراهيم‪ ،‬القزويني‪ ،‬الشافعي‪ ،‬املولود يف سنة ‪666‬؛ واملتوىف يف سنة ‪ 739‬من‬
‫اهلجرة‪ ،‬فأراد أن جيمع بني طريقتي اإلمامني الشيخ عبد القاهر اجلرجاين‪،‬‬
‫صاحب (دالئل اإلعجاز) و(أرسار البالغة) وأيب يعقوب السكاكي صاحب‬
‫(مفتاح العلوم) ويضم إىل مباحثهام ما استدركه العالمة ابن األثري صاحب‬
‫(اجلامع الكبري) و(املثل السائر) من األنواع عىل من سبقه من العلامء؛ فبدأ‬
‫عمله هذا بتلخيص القسم الثالث من (مفتاح العلوم)‪ ،‬الذي صنفه أبو يعقوب‬
‫يوسف السكاكي؛ ألنه فيام رأى «أعظم ما ُصنف يف علم البالغة من الكتب‬
‫املشهورة نفع ًا‪ ،‬لكونه أحسنها ترتيب ًا‪ ،‬وأمتها حترير ًا‪ ،‬وأكثرها لألصول مجع ًا»(((‪،‬‬
‫وأراد أن يكون كتابه خري ًا من كتاب السكاكي؛ فجعله «مشتم ً‬
‫ال عىل ما حيتاج‬
‫إليه من األمثلة والشواهد‪ ،‬ومل يأل جهد ًا يف حتقيقه وهتذيبه‪ ،‬ورتبه ترتيب ًا أقرب‬
‫تناوالً من ترتيبه‪ ...‬وأضاف إىل ذلك فوائد عثر يف بعض كتب القوم عليها‪،‬‬
‫وزوائد مل يظفر يف كالم أحد بالترصيح هبا‪ ،‬وال اإلشارة إليها»‪.‬‬
‫ويظهر أنه بدا له بعد أن أكمل تصنيف هذا الكتاب أنه قد جاء خمترص ًا أكثر‬
‫وشط عىل نفسه‪ ،‬وأنه مل يأت فيه بام َين َقع الغلة من األمثلة والشواهد‪،‬‬
‫مما أراد َ َ‬
‫فأراد أن يبسط عبارته بعض البسط‪ ،‬ويكثر من التمثيل واالستشهاد‪ ،‬مع عدم‬
‫اإلخالل بام وضعه عليه من الرتتيب والضبط؛ ألن يف ذلك كله تقريب ًا للكتاب‬
‫من كتب الشيخ؛ إذ كان املخترص أقرب إىل تدقيق السكاكي‪ ،‬فوضع هلذه الغاية‬
‫((( هذه العبارات من خطبة اخلطيب يف مفتتح كتابه (تلخيص املفتاح)‪.‬‬
‫شرح السعد‬ ‫‪40‬‬

‫كتابه (اإليضاح) وهو يقول يف مفتتحه‪« :‬أما بعد‪ :‬فهذا كتاب يف علم البالغة‬
‫وتوابعها ترمجته باإليضاح‪ ،‬وجعلته عىل ترتيب خمترصي الذي سميته تلخيص‬
‫املفتاح‪ ،‬وبسطت فيه القول ليكون كالرشح له‪ ،‬فأوضحت مواضعه املشكلة‪،‬‬
‫وفصلت معانيه املجملة‪ ،‬وعمدت إىل ما خال عنه املخترص مما تضمنه مفتاح‬
‫َّ‬
‫العلوم‪ ،‬وإىل ما خال عنه املفتاح من كالم الشيخ اإلمام عبد القاهر اجلرجاين‬
‫‪-‬رمحه اهلل‪ -‬يف كتابيه (دالئل اإلعجاز وأرسار البالغة)‪ ،‬وإىل ما تيرس النظر فيه‬
‫من كالم غريمها‪ ،‬فاستخرجت زبدة ذلك كله وهذبتها ورتبتها‪ ،‬حتى استقر‬
‫كل يشء منها يف حمله‪ ،‬وأضفت إىل ذلك ما أدى إليه فكري‪ ،‬ومل أجده لغريي‪،‬‬
‫فجاء بحمد اهلل جامع ًا ألشتات هذا العلم»(((‪.‬‬
‫‪-9-‬‬
‫وقد و َق َفت بعد اخلطيب القزويني جهود العلامء‪ .‬وثبت العلم يف املكان‬
‫الذي تركه اخلطيب فيه‪ ،‬فبعد أن كان كل واحد منهم يأيت مستدرك ًا عىل َم ْن‬
‫سبقه بعد أن جييد كتبهم بحث ًا‪ ،‬ويطيل النظر يف األساليب العربية حماوالً أن يقع‬
‫منها عىل ما مل يظفر به أحد‪ ،‬بعد هذا كله صارت كتب الناس منذ ذلك الوقت‬
‫إىل هذه اللحظة التي نكتب فيها كلمتنا هذه‪ ،‬عبارة عن اختصار كتاب مطول‪،‬‬
‫إو إطالة كتاب خمترص‪.‬‬
‫ومن هذا النحو مجيع رشاح كتاب (تلخيص املفتاح)‪ ،‬فليس يف واحد من‬
‫ال واختصار ًا‪ -‬زيادة مسألة واحدة‬
‫هذه الرشوح ‪-‬عىل كثرهتا واختالفها تطوي ً‬
‫يف مسائل العلم‪ ،‬وليس يف املخترصات التي حاول أصحاهبا تبسيط كتاب‬
‫التلخيص وتقريبه إىل أذهان الطالب جمهود موفق حاول صاحبه أن جيعل به‬
‫((( من خطبة كتابه (اإليضاح)‪.‬‬
‫‪41‬‬ ‫شرح السعد‬

‫مسألتني أو أكثر مسألة واحدة‪ .‬وإنام انحرص جهد الباحثني وقوة املجتهدين يف‬
‫اختصار العبارة أو إطالتها‪ ،‬ويف االعرتاض عىل عبارة اخلطيب أو الدفاع عنها‬
‫عىل طريقة الفالسفة وأهل اجلدل ال عىل طريقة األدباء وعلامء النقد اللغوي‪.‬‬
‫ومن رشاح هذا الكتاب الشيخ اإلمام العالمة سعد الدين مسعود بن‬
‫عمر بن عبد اهلل التفتازاين الشافعي‪ ،‬املولود يف عام ‪ ،712‬واملتوىف يف عام ‪791‬‬
‫من اهلجرة‪.‬‬
‫وهو من العلامء الذين غلبت عليهم قواعد الفلسفة واجلدل‪ ،‬فصنَّف‬
‫يف أكثر العلوم عىل طريقة واحدة‪ :‬صنَّف يف النحو‪ ،‬ويف الرصف‪ ،‬ويف علوم‬
‫البالغة‪ ،‬ويف أصول الفقه‪ ،‬ويف علم الكالم‪ ،‬ويف املنطق‪ ،‬ويف التفسري‪ ،‬وأخذ‬
‫علمه عن القطب والعضد‪ ،‬وكان عامل ًا من فحول العلامء‪ ،‬له باع طويل‬
‫يف التحقيق الدقيق ويف االعرتاض عىل العبارة واجلواب عنها‪ ،‬ولكنه كان‬
‫صاحب لكنة يف لسانه‪ ،‬وكانت هذه اللكنة سبب ًا يف تفوق تلميذه ‪-‬السيد‬
‫الرشيف اجلرجاين عيل بن حممد بن حممد بن عيل احلنفي املتوىف يف عام ‪816‬‬
‫من اهلجرة‪ -‬عليه‪ ،‬رمحهام اهلل تعاىل!‪.‬‬
‫نسأل اهلل سبحانه أن يوفق ويعني بمنه وفضله‪ ،‬إنه ويل ذلك كله‪.‬‬

‫كتبه املعتز باهلل تعاىل أبو رجاء‬ ‫ ‬


‫حممد حميي الدين عبد احلميد‬ ‫ ‬
‫القاهرة يف ذي القعدة ‪1356‬‬ ‫ ‬
‫يناير من عام ‪1938‬‬ ‫ ‬

You might also like