Professional Documents
Culture Documents
2
مؤسسة بحثية في مجال السياسات العامة تسعى إلى إثراء الثقافة وإشاعة املعرفة والنهوض
بالبحث العلمي واملساهمة في صناعة القرارات وصياغة السياسات من خالل الدراسات
وألابحاث ،وهو مؤسسة مستقلة وغير ربحية ومنفتحة على كل الرؤى وحريصة على تعزيز
أواصر التعاون مع كل الفاعلين والباحثين.
يهدف املركز إلى:
تشجيع البحث العلمي والدراسات حول قضايا املغرب ،وتحليل السياسات العامة،
ودراسة السيناريوهات ،وإعداد البدائل املنسجمة مع مصالح املغرب.
دراسة التجارب املقارنة في مجال السياسات العامة.
تقديم الخبرة والاستشارة وإبداء الرأي ،خاصة في املجاالت السياسية والاقتصادية
والاجتماعية والثقافية.
قياس اتجاهات الرأي العام.
تشجيع التواصل بين الباحثين والفاعلين.
يقوم املركز بإعداد الدراسات وألابحاث والتقارير ،وإصدار الكتب والنشرات والدوريات
واملبطبوعات املتصصصة ،وتنييم الندوات واملؤتمرات وامللتقيات وأورا العمل والدورات
التكوينية في مجاالت اشتغاله .كما يسعى إلى تنمية التواصل والتعاون مع مراكز الدراسات
وألابحاث الوطنية والدولية ذات الاهتمام املشترك.
3
ألافكار الواردة في هذا الكتاب ال تعبر بالضرورة عن
رأي املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات
4
فهرس محتويات الكتاب
تقديم70......................................................................................................................................................................................
أنساق ونماذج الدولة الاجتماعية :سياق تبلور املفهوم ،ومقاربات سوسيولوجية
يوسف عمراوي07.....................................................................................................................................................................
الدولة الاجتماعية كأفق للتفكير السوسيولوجي :استراتيجية فاعلين أم إكراهات نسق.
عادل أيت بامو82......................................................................................................................................................................
الدولة الاجتماعية :دالالت املفهوم في الفكر الليبرالي وفي السياق املغربي.
أحمد الصمدي54......................................................................................................................................................................
العدالة الاجتماعية من منيور نيريات العدالة الليبرالية ،بروس أكرمان وأمرتيا ِسن ومارثا نوسباوم
محمد أوبلوش10.......................................................................................................................................................................
الدولة الاجتماعية» وإشكالية الرابط الاجتماعي في السياق املغربي
عبد الواحد خواض ي07............................................................................................................................................................
بناء الدولة الاجتماعية في سياق مبطالب الحركات الاجتماعية :من حركة 87فبراير إلى حراك الهامش
عبد الواحد أوامن070..............................................................................................................................................................
الحراك الاجتماعي وأثره في تعديل تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية :حركة 87فبراير نموذجا
زكرياء عصفور 002...................................................................................................................................................................
الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية باملغرب :ألادوار ،واملواقع واملواقف
عبد املولى عمراني035..............................................................................................................................................................
السياسات العمومية الاجتماعية مدخال لبناء الدولة الحامية
طارق الحجوجي055.................................................................................................................................................................
من دراسة الفقر إلى دراسة الفقراء :ألابعاد الاجتماعية للتكييف
الطاهر بكني042........................................................................................................................................................................
مشروع تعميم الحماية الاجتماعية باملغرب :الرهانات والتحديات
محمد رحوتي000......................................................................................................................................................................
دور الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية في ظل النموذج التنموي
محمد أهيري022......................................................................................................................................................................
البعد السوسيومجالي لالعدالة في الصحة ،حالة الجماعة الترابية القليعة وسيدي بيبي
بدر الدين أيت العسري804....................................................................................................................................................
مساهمة املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر وتحقيق التنمية بين الواقع واملتوقع
عبد النبي يشو837................................................................................................................................................................
الاقتصاد التضامني ورهان إدماج القبطاع غير املهيكل للفئات الهشة ،أي دور للحماية الاجتماعية؟
طارق مرزاق843......................................................................................................................................................................
تجليات الدولة الاجتماعية باملغرب خالل أزمة كورونا ،بين التدابير الحكومية وإكراهات الواقع
رداد شمالل 812.....................................................................................................................................................................
5
الحماية الاجتماعية ودورها في ترسيخ قيم املواطنة .برنامج نيام التغبطية الصحية وبرنامج تيسير نموذجا)
عزيز لعيون820......................................................................................................................................................................
دور القضاء املغربي في التنمية الاجتماعية :خاليا التكفل وصندوق التكافل نموذجا
مراد الرايشيي 375.................................................................................................................................................................
هشاشة النساء العامالت املنزليات وقضايا الولوج إلى الحماية الاجتماعية
حبيبة ملوك304....................................................................................................................................................................
إلاعاقة باملغرب وسؤال الحماية الاجتماعية
رجاء ملنبهي333......................................................................................................................................................................
6
تقديم
يحيل السياق الغربي مليالد مفهوم "الدولة الاجتماعية" على الوقوف على املفاصل التاريصية لتحول مهام
الدولة ووظائفها أمام تعقد البنيات الاجتماعية ،وتوسع املصالح الاقتصادية ،وتشابك الحسابات
الجيوستراتيجية .إال أن إلاجماع حاصل بين املهتمين على أن جيل "الدولة الاجتماعية" إنما هو محبطة
واعية في إطار استكمال مفهوم "الرأسمالية العادلة" ،التي تضمن مصالح الاستثمار وتحمي حقوق الفئات
الاجتماعية املحتمل سقوطها ضحية املضاربة والجشع .وقد تعددت أوجه هذه الحماية من دولة إلى أخرى،
إال أنها لم تصرج عن حدين مؤطرين :الحماية الاجتماعية والدولة الاجتماعية .وإذا كان مفهوم الحماية
الاجتماعية واسع الانتشار في ألادبيات ألاممية ،فإن مفهوم "الدولة الاجتماعية" ،وإن كان له وجود في
أروقة إلاعالم والسياسة والقانون ،فإنه يغيب في توصيف العديد من الدول الحديثة ،مما قد ينفي عنه
دقة القياس ووحدة املؤشرات.
يكتس ي موضوع "الدولة الاجتماعية" في السياق املغربي الحالي ،راهنية تجد مبرراتها ألاساسية في تبني
الخبطاب الرسمي لهذا املفهوم في التأسيس ملرحلة جديدة من التعاطي مع املعضلة الاجتماعية ،كما تجدها
ِّ
في ضعف النقا العلمي ألاكاديمي املؤسس الذي ُي ِقلب املفاهيم في بعدها الكوني وخصوصياتها املحلية،
وفي سياقاتها املصتلفة ،وفي اختالف مضامينها وتعدد تعاريفها.
إن مفهوم "الدولة الاجتماعية" ،الذي يتم الحديث عنه اليوم في املغرب ،ال يقوم على تصور واضح ومعلن
يمكن تناوله علميا ومنهجيا وفق أدوات البحث املعروفة .وفي ظل غياب مؤشرات موحدة لتقييم املفهوم
وتميهراته ،يمكن الرجوع إلى التصريحات الرسمية للنير فيها من مستويين :أحدهما بنيوي يروم تقييم
السياسات العمومية في تعاطيها مع املسألة الاجتماعية ،وتفكيك البرامج الكبرى وقياس مساهمة الدولة
في تحمل ألاعباء الاجتماعية في صورتها املتكاملة ،بما فيها تأمين جميع املواطنين من املصاطر الاجتماعية
املتوقعة بغض النير عن حيثياتهم الاجتماعية وانتماءاتهم البطبقية .وثانيهما تقني ،يتعلق بتقييم القوانين
التي تتعلق بالجانب الاجتماعي ،وبرصد حجم البرامج الاجتماعية ومساهمتها في تقليص الفقر والتأمين ضد
مصاطر املرض وفقدان الشغل والشيصوخة وغيرها.
يقف الباحث في املسألة الاجتماعية باملغرب ،على تقدم ظاهر فيما يصص تنوع البرامج والتشريعات
املتعلقة بالشأن الاجتماعي ،فلقد اعتمد املغرب منذ سنة 8774مشروع "املبادرة الوطنية للتنمية
البشرية" ،وهو مشروع أريد له أن يستوعب كل الجهود ،ويدمج كل التدخالت ،ويوجه مجموع السياسات
7
الاجتماعية .وما إن دخل هذا املشروع مرحلته الثالثة ،مصلفا وراءه إنفاقا ماليا استثنائيا ما كان لجزء
ُ
منه أن يهدر دون محاسبة ،حتى أعلن ،سنة ،8700عن فشله في تحقيق طموح الفئات الاجتماعية
املحتاجة ،مما أتى على جدوى النموذج التنموي في نسخته السابقة.
يفض ي بنا استعراض هذه الوقائع ،إلى الوقوف على عزم الدولة دخول غمار جيل جديد من مسار معالجة
املعضلة الاجتماعية ،إذ إن الخبطاب الرسمي كان يتحدث منذ سنة 8702عن مشروع "السجل الاجتماعي
املوحد" ،الذي ُيفهم منه العزم على ضبط القوائم املستهدفة بالدعم وإلاعانة ،لكن ما لبث أن تحول
للحديث عن "الدولة الاجتماعية" و "تعميم التغبطية الاجتماعية لجميع املغاربة" ،وهو ما يبدو أمرا بعيد
املنال في ظل وجود بعض الاختالالت في املنيومة املقترحة.
وإذا كانت القضايا املتعلقة بمشروع "السجل الاجتماعي املوحد" منذ سنة ،8702ومسألة "الدولة
العمومي .إال أن ذلك لم يأخذ ،في تقديرنا، الاجتماعية" بعدها ،قد مثلت أحد أبرز موضوعات النقا
حيه الكافي من النقا العلمي وألاكاديمي ،سواء على مستوى تحليل مضامين املفهوم وحيثياته في السياق
الغربي ،أو من حيث خصوصياته في السياق املغربي الحالي ،خاصة بعد إعالن فشل النموذج التنموي،
وما واكب ذلك من آمال شعبية وخبطابات رسمية رفعت سقف التحدي الاجتماعي إلى أفق "تعميم الحماية
الاجتماعية لجميع املواطنين" وتحقيق طموح "الدولة الاجتماعية".
وباعتباره مؤسسة تسعى إلى إثراء النقا وإشاعة املعرفة واملساهمة في توجيه السياسات العمومية ،من
خالل الدراسات وألابحاث حول قضايا املغرب واملغاربة ،وبمقاربات متعددة ومتنوعة تتحرى العمق
واملوضوعية ،يعرض "املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات" ،هذا املؤلف الجماعي ملزيد من النقا
العلمي الفعال والهادئ .يهدف من ورائه إلى تقليب وجهات النير ،والتقريب بينها ،لعله يكون أرضية
أكبر ،ولبنة في بناء قوة اقتراحية هادئة وبناءة تفض ي إلى تبني مقاربات جديدة من شأنها إلاسهام في لنقا
النهوض باملغرب وتنميته وتقدمه وازدهاره.
8
املحور ألاول
الدولة الاجتماعية :دالالت املفهوم
9
أنساق ونماذج الدولة االجتماعية :سياق تبلور المفهوم ،ومقاربات سوسيولوجية
يوسف عمراوي
باحث في علم الاجتماع
تقديم عام
شكل تاريخ املجتمعات الانسانية عبر مصتلف العصور وألازمنة وألامكنة ،أحد أكبر املسارات التي تحمل
معها مصتلف ألاحداث والوقائع الاجتماعية ،والتقلبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،وتغيير
أنيمة بأخرى .كما أنه تاريخ مجموعة من اليواهر الاجتماعية كالفقر ،والهشاشة والاقصاء ،جعل
البشرية منذ ألازل تعمل على تسخير كل مواردها املمكنة في محاولة لتحقيق ألامن والاستقرار ،خاصة
حاجياتها الضرورية ،وتنييم نفسها اجتماعيا واقتصاديا من خالل احترام الاعراف السائدة املعمول بها
داخل الجماعة الاجتماعية .تقوم املجتمعات في السابق على نيام تقليدي واقتصاد محلي ،يحقق فقط
متبطلبات الجماعة لضمان الاستمرارية في الحياة .وهذا ما يعني أن هذه املجتمعات التي تتميز بهذا النوع
من الاقتصاد املحدود ،والذي كان أساسه ألاعمال اليدوية ،الصيد ،الزراعة ،وتربية املواش ي ،غير قادرة
على مواجهة املصاطر الاجتماعية التي قد تواجه الجماعة ،خاصة عندما ال يكون هناك مصزون لتلبية
الحاجيات الضرورية.
في سياق تبطور املجتمعات الانسانية ،عبر انتقالها من نيام آلخر ،كانت ظاهرة الفقر مالزمة لهذا التغيير
وتيهر بأشكال مصتلفة ،وتتجسد في مياهر ووضعيات اجتماعية متنوعة ،وذلك تبعا لتنوع ألاعمال
والوظائف التي أصبحت قائمة ،إذ أن لكل مجتمع خصائصه ومميزاته ،فاملجتمع ما قبل الرأسمالي أي
الاقبطاعي ،كان يتميز بأنماط عيش ونيم اقتصادية مصتلفة عن املجتمع الصناعي ،لذلك كان الفقر يأخذ
أشكاال تصتلف من مجتمع ألخر.
تحيل ظاهرة الفقر على العوز والنقص في املوارد ومستلزمات الحياة ،1كما أنها حالة اجتماعية يعيشها
الانسان الفقير ،سواء من حيث كونه ال يتوفر على دخل لتلبية حاجياته ،أو أنه يتوفر على دخل ،لكن،
ال يتوفر على حاجيات أخرى ،تتمثل في حق الولوج إلى الصحة والتعليم وغيرها .تزايد الاهتمام بهذه
الياهرة سواء على املستوى املعرفي وألاكاديمي ،أو من حيث اهتمامات الانيمة السياسية والاقتصادية،
بعد ظهور املجتمع الصناعي كمنعرج تاريخي في تبطور البشرية ،هذه املرحلة تعتبر حاسمة فيما أصبحت
عليه املجتمعات البشرية ،وما ستؤول إليه؛ على اعتبار أن املجتمع الصناعي الحديث ،لم يعد قادرا على
1
- Dictionnaire de L'Académie française (5e édition), Paris, 1798, p2313.
10
مواجهة هذه املآالت من حيث سيبطرة ظواهر اجتماعية مصتلفة كان سببها الرئيس ي هو الوضعيات
الجديدة للهشاشة الاجتماعية .1لقد تأكد هذا البطرح مع تبطور املجتمع الصناعي الذي أصبح في حلته
الجديدة؛ أي ما بعد الحداثة يعيش مرحلة انعكاسية ،فكل ما أسس له هذا املجتمع الجديد من بنيات
اقتصادية ،اجتماعية ،ثقافية ،وسياسية جديدة ،ال تتماش ى مع املجتمع الصناعي ،على حساب املجتمع
السابق ،ساهم هذا الوضع الجديد في ظهور مشاكل اجتماعية وظواهر ترتبط بالفقر" .يقول أولريش
بيك " في هذا السياق" :في القرن التاسع عشر ،قض ى التحديث على املجتمع الزراعي أسير النيام
الاقبطاعي حتى يشرع ببناء بنية املجتمع الصناعي ،وآلان أتى التحديث ليمحو حدود املجتمع الصناعي.
وها نحن نشهد في تواصل الحداثة وضعية اجتماعية جديدة كليا"2؛ رغم اختالف ألانيمة الاقتصادية،
غير أن املصاطر الاجتماعية ال تتغير وأن املعضالت واليواهر الاجتماعية خاصة الفقر تبقى ثابتة من حيث
جوهرها .بل نفهم من خالل أولريش بيك ،أن تلك ألافكار والبطروحات الجديدة التي جاء بها املجتمع
الصناعي أدت به إلى نتائج سلبية انعكست عليه وعلى العالم بأسره وعرضته إلى مصاطر وتهديدات قد
تؤدي به إلى الانهيار ،وهي انعكاسات سلبية مست املجتمع بالدرجة ألاولى وخاصة الفقراء ،وبعدها بايي
البطبقات الاجتماعية ألاخرى سواء كانت بورجوازية أو فقيرة.
حول الدولة الاجتماعية ،التي ارتببطت بمسارين، شكلت هذه السياقات ،أرضية خصبة لتبلور النقا
ألاول ،هو أن الدولة الاجتماعية جاءت كرد فعل على وضعية املجتمعات في مرحلة ما بعد الحداثة التي
أنتجت أشكال جديدة من الفقر والهشاشة ،أما الثاني فيصص مجموعة من املبادرات التي قامت بها
نماذج للدول ،ففي أملانيا مثال تم إنشاء أول مؤسسة للتأمين على الوظائف والتأمين ضد الببطالة من
خالل بنية تحتية تضم من 03مكتبا وأكثر من 377مكتب توظيف ،3إضافة إلى عدد مهم من التدابير
التي دشنت هذه املرحلة الجديدة ،حيث شكلت فترة أواخر الستينيات من القرن املاض ي توسع في
الخدمات الاجتماعية في الدولة واتضحت معالم دولة الرفاه في هذه الحقبة .4وبناء على هذه املعبطيات،
يمكن طرح إلاشكاالت التالية ،كيف تشكلت الدولة الاجتماعية؟ ما هي املقاربات السوسيولوجية املفسرة
ملفهوم الدولة الاجتماعية؟ إلى أي حد يجيب نموذج الدولة الاجتماعية على املشاكل الاجتماعية الجديدة
داخل املجتمع؟
1
MARYSE BRESSON, Sociologie de la précarité, 2eme Edi, Paris 2015, p
2بيك ،أولريش ،مجتمع املصاطرة ،ترجمة جورج كتورة والهام الشعراني ،املكتبة الشرقية للنشر والتوزيع ،ط ،0بيروت ،8777 ،ص.88
3سالم ،جميل ،قراءة في مفهوم الدولة االجتماعية :النموذج األلماني ،دارسات حول نموذج اقتصاد السوق االجتماعي ،سلسلة أوارق بحثية حول
القانون واالقتصاد ( ،)8102/6معهد الحقوق -جامعة بيرزيت ،8102 ،ص4
4نفس المرجع ،ص5
11
املحور ألاول :سيرورة تشكل الدولة الاجتماعية :من التضامن التقليدي إلى السياسة الاجتماعية
إن الحديث عن تشكل الدولة الاجتماعية ،وغاياتها املجتمعة ،يرتبط بسياقات تاريصية عرفتها
املجتمعات ،متعلقة بأشكال التضامن التي امتدت عبر أزمنة وأمكنة تصتلف من حقبة ألخرى ،ثم ببطبيعة
الاقتصاد الذي كان سائدا داخل املجتمعات واتصذ أشكال مصتلفة تبعا لصيرورات التغير الاجتماعي،
املرتببطة بتحوالت سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية .تحيل أشكال التضامن السائدة في املجتمع
على درجة تماسك أفراده ومستوى عيشهم وتفاعلهم مع الوضعيات الصعبة التي تفرضها ظروف العيش،
وقد تبطورت هذه الاشكال وانتقلت من فعل ذاتي يقوم به الفرد تجاه الجماعة أو الجماعة تجاه الفرد
الحتوائه ،إلى فعل مؤسساتي تقوم به الدولة الاجتماعية من خالل سياساتها الاجتماعية من أجل خلق
تضامن مؤسساتي يقوم على توجهات استراتيجية ومنيم بقوانين وبنيات وظيفية محدثة لهذا الغرض.
إن تبلور الدولة الاجتماعية ناتج عن مسار اجتماعي متحول ساهمت فيه ظروف اقتصادية وسياسية
وثقافية ،امتدت من أنماط عيش تقليدية وصوال إلى أنماط عيش حديثة ،ويمكن تأصيلها وفق صيرورة
تضم العناصر التالية:
بعد ظهور املجتمع الصناعي الحديث في صورة املدينة الصناعية ،كمجال ظهرت معه عدة أشكال
اجتماعية جديدة .اقتض ى الحال في العديد من الاحيان عند تبلور طروحات سوسيولوجية تجاه املجتمع،
العودة إلى فهم املجتمع التقليدي من أجل تفسير مسارات وسيرورات تبطور املجتمع ووضعيته الجديدة.
ومن ثمة فإن تبلور مسألة الدولة الاجتماعية ووظائفها املتمثلة في السياسة الاجتماعية ،ارتببطت بعدة
تحوالت تصص مسارات املجتمعات ،إذ أن أشكال وأنماط العيش والتعايش للمجتمعات الحديثة شكلت
مصدرا أساسيا ملبادئ السياسة الاجتماعية.
إن تشكل أي جماعة اجتماعية في إطار مجال جغرافي معين ،يستوجب من أجل ضمان استمراريتها
وتبطورها ،التوفر على بعض السمات والخصائص التي تمكن أفراد الجماعة من العيش والاستمرارية في
الحياة .وترتكز هذه الخصائص على التشكل التلقائي للجماعة الاجتماعية التقليدية ،وهو تشكل يستلهم
وجوده من خالل سيادة أنماط عيش اجتماعية تضمنها خاصيات التضامن ،الاقتصاد الذاتي ،التماسك
الاجتماعي بين افراد الجماعة ،التنييم الاجتماعي للجماعة.
12
تتشكل خاصية التضامن من خالل قبول أفراد الجماعة للعيش مع بعضهم البعض سواء من خالل
عالقة الزواج ،أو من حيث الاحساس الاجتماعي بعدم وجود تهديد الاخر القريب .غير أن خاصية التضامن
تعد الهدف الاسمى والخفي بالنسبة للجماعات التقليدية ،تتحقق من خالل توفر الخصائص الاخرى،
وهي خاصية التنييم الاجتماعي بين الافراد التي تكمن بالدرجة ألاولى ،في اختيار الجماعة للعنصر الذي
يعد الزعيم أو رئيس أو مدبر القبيلة ،وأن يكون التفاف جماعي حوله ،فهذه الخاصية تساهم بشكل كبير
في تحقيق عملية انصهار أفراد الجماعة ،كما تمكن من وضع أعراف داخل الجماعة متفق عليها من
طرف أفرادها ،إذن هي خاصية تحقق بشكل تلقائي عملية الضبط الاجتماعي ،كما تساهم في التوفر على
تنييم داخلي يمكن من حماية الجماعة الاجتماعية من أي تهديد خارجي .أما الخاصية الثانية وهي
التماسك بين أفراد الجماعة ،وتتحقق هذه الخاصية بفعل التنييم الاجتماعي من جهة ،وأثناء وقوع
حاالت الصعاب التي قد يواجهها ألافراد من جهة أخرى ،فهذه الخاصية تضفي على الجماعة إلاحساس
بالشعور الجمعي بالقوة ،وتحمي الافراد من أي تهديد قد يؤدي إلى الهالك.
ثم الخاصية الثالثة وهي الاقتصاد الذاتي ،وهي خاصية أساسية إلى بايي الخصائص الاخرى ،ذلك ألن
اقتصاد الجماعة يتشكل من حاجيات مستمدة من البطبيعة من خالل الصيد والزراعة ،وهو عمل يحتاج
إلى جهود جماعية من أجل وفرة املحصول الغذائي ،وضمانه لجميع أفراد الجماعة بشكل متساو .وذلك
رغم تفاوت القدرات الفردية في جني الثمار والصيد ...إال أن الخاصيتين السابقتين (التماسك وتنييم
الجماعة) يضمن لألخرين الاستفادة من ثمار الجماعة دون استثناء أي عنصر من عناصر الجماعة.
إن استحضارنا لهذه الخصائص التي تتميز بها املجتمعات التقليدية ،تمكننا من استصالص طبيعة
املجتمع التقليدي ،وهي طبيعة تقوم على أشكال تضامن اجتماعية تقليدية يشكل فيها كل عنصر أو فرد
وظيفة معينة ،وهذه الوظيفة تندرج في إطار النسق الوظيفي للمجتمع التقليدي ،بحيث أنه أي خلل
فيها ،قد يحدث عبطل في النسق الاجتماعي العام الحياة الاجتماعية .ومن ثمة سيكون على بايي عناصر
الجماعة بالتكاثف ومضاعفة الجهود من أجل تعويض النقص الغذائي ،في هذا السياق يقول كارل
بوالنيي ":لنأخذ حالة املجتمع القبلي ،فمصلحة الفرد الاقتصادية قلما تكون هي الاهم ،ألن الجماعة
السكانية تحافظ على جميع أعضائها من الهالك جوعا ،مال تصب هي نفسها بكارثة تصبح فيها مصالحها
مهددة جماعيا وليس فرديا .ومن ناحية أخرى ،فإن الحفاظ على الروابط الاجتماعية هو الاهمية بمكان…
13
فمثل هذه الوضعية تفرض ضغوطا مستمرة على الفرد ليتصلى عن مصلحته الاقتصادية الذاتية في
شعوره1"...
يتبين من خالل هذا القول إن املجتمعات التقليدية تعمل بشكل أساس ي للحفاظ على أفرادها ككل،
والخوف عليهم من الدمار والشتات وفقدان الوحدة ،إذ أن الحفاظ على الروابط الاجتماعية داخل
املجتمع ،كان له أهمية أولى ،نيرا ألن الشرف املتفق عليه وأعمال الجود والكرم ،كانت هي التي تقوم
بتنييم هذه الروابط.
يتجسد التضامن بوصفه عملية إلعادة إنتاج ألانشبطة التي تقام بشكل تلقائي كلما استدعت الضرورة
لذلك 2من خالل بعض ألافعال الاجتماعية ألفراد الجماعة ،وهي أفعال تيهر أثناء املناسبات الاحتفالية
أو املناسبات التي تحضرها الجماعة ،بحيث تيهر فيها خاصية التعاون والشعور بالقوة ويتم فيها تقديم
الهدايا إلى بعضهم البعض من أجل ضمان عدم وقوع خلل على مستوى املنيومة الوظيفية للنسق
الاجتماعي للجماعة ،ويبين بوالنيي هنا أنه كان يتم التأكيد في مثل هذه املناسبات على أال يكون لدى
أحدهم سببا للحسد وذلك من أجل الحفاظ على تماسك الروابط الاجتماعية .وأن إقامة مثل هذه
املناسبات الاحتفالية التي يتم فيها تبادل الهدايا هي شكل تضامني يغذي روح الجماعة ويجعل رواببطها
الاجتماعية متماسكة .3
إن مثل هذه املجتمعات ،يقوم تنييمها الاجتماعي على ما هو اقتصادي ،وهما هدفان أساسيان ،ذلك
ألن الحفاظ على التماسك الاجتماعي يسهل عملية تنييم الجانب الاقتصادي للجماعة ،ويشكل أفراد
القبيلة والزعيم العناصر الاساسية املكونة لالقتصاد الخاص بجماعتهم أو قبيلتهم .ولكن كيف تعمل
الجماعة من خالل نيامها على تأمين اقتصادها؟ وفي نفس الوقت الحفاظ على التماسك الاجتماعي؟
لقد وجدنا لهذا السؤال جوابا واضحا في تحليالت بوالنيي ،حيث يقول '' :ويأتي الجواب بشكل رئيس ي
من مبدأين للسلوك ال يتصالن مباشرة باالقتصاد وهما :التبادلية وإعادة التوزيع 4'' .أي أن ما يؤكد
التماسك الاجتماعي داخل املجتمع ،وهما مبدأين أساسيين التبادلية وإعادة التوزيع .فاألول يتم بصورة
رئيسية على التنييم الجنس ي للمجتمع ،أي بين العائالت والاقارب .أما الثاني يبطبق بالنسبة لكل أولئك
1كارل بوالنيي ،التحول الكبير ،الاصول السياسية والاقتصادية لزمننا املعاصر ،ترجمة محمد فاضل طباخ .املنيمة العربية للترجمة،
ط ،0بيروت 8777 ،ص082
2
Raymond Chappuis, La solidarité, France, PUF, 1999, p.57
3نفس املرجع ،ص 129
4نفس املرجع ،ص 130
14
الذين يصضعون لزعيم مشترك لهم ولذلك فهو ذو طابع إقليمي ،يضم قسما كبيرا من منتوج القبيلة
الذي يقوم الزعيم أو رئيس الذي يصزنه في املصزن الخاص بالقبيلة ،بغرض إعادة توزيعه على أفراد
القرية من أجل حمايتهم من املصاطر 1.غير أن هذه املبادئ التي كانت سائدة في السابق لم تعد قائمة
بفعل ظهور السوق ذات التنييم الذاتي الذي يعتمد على مبدأ املقايضة والذي يتميز بمؤسسات خاصة
به .تحيل التشكيالت الاجتماعية للمجتمعات التقليدية على سعيها إلى تحقيق هدفها من خالل ضمان
وحدة الجماعة اقتصاديا واجتماعيا ،عبر ما يسمى بالتالحم الاجتماعي الذي هو نتاج لنوع من تبطابق كل
الضمائر الفردية لنمط مشترك الذي وهو نمط نفس ي للمجتمع املعني.2
نستنتج من خالل هذه املعبطيات أن أشكال التضامن لدى املجتمع التقليدي ،تقوم على عنصرين ،ألاول
هو العنصر الاجتماعي ،يتجسد من خالل قبول الجماعة النتماء الفرد لها ،أي عنصر جديد (مولود ،عابر
سبيل )...ثم تبادل الهدايا وقيام املناسبات الاحتفالية ،تساهم في تغذية روح الجماعة واستقرارها ،أما
الثاني هو العنصر الاقتصادي ،يصص تماسك الجماعة التي تقوم على تنييم اقتصادي يرتكز على مبادئ
تضامنية يشارك فيها أفراد الجماعة وزعيمها من تجميع وإعادة توزيع املحصول الغذائي من طرف
الزعيم وتعويض جهود أحد افراد الجماعة إذ ما لم يتمكن باالنضمام في حالة املرض او العجز ،كما
يتبين أنها مجتمعات تغيب فيها فكرة الربح ومراكمة الثروة ،وهو ما يضمن استمرارية الجماعة من أجل
بناء اقتصاد ذاتي يحقق التضامن بين أفراد الجماعة .والهدف من ذلك هو احتواء الجماعة للفرد
وضمان غذائه وأمنه وحاجياته الضرورية املمكنة.
إن خصائص وأشكال التضامن باملجتمع التقليدي ،ال تقل أهمية عن أنماط وأشكال التضامن في
املجتمعات الحديثة ،فالتحول الحاصل على مستوى املجتمع ،صاحبته أشكال عيش للمجتمع التقليدي
الى املجتمعات الحديثة .فإذا كانت املجتمعات التقليدية تقوم على تنييم ذاتي فإن املجتمع الحديث
يقوم على تقسيم العمل الاجتماعي الذي يتداخل فيه الضمير الفردي مع الضمري الجمعي من خالل
التشابه ،ويصبح الفرد مرتبط ارتباطا وثيقا باملجتمع 3ثم تنييم مؤسساتي من قبيل السوق ،املدرسة،
البنوك ،مؤسسات حكومية .ارتبط هذا التحول بشكل كبير مع اندالع الثورة الفرنسية سنة ،0207
15
بوصفها تصتلف كليا عن سابقاتها ،فالثورات السابقة قد حققت بعض املكتسبات واملصالح لفائدة
طبقات بعينها مثل ثورة الفالحين على الاقبطاعيين ،لكن الثورة الفرنسية كان لها وقع اخر ،وهو وقع
شمولي تجسد من خالل تفكيك كلي للنيام الاجتماعي ،ومصتلف البنيات والتشكيالت الافقية التي كانت
سائدة .إضافة إلى الثورة الصناعية التي ظهرت خالل أواخر القرن ،02والتي عرفت تسخير مجموعة
من آلاالت في العملية الانتاجية كبطاقة البصار وغيرها .وهي أشكال جديدة من الادوات الصناعية التي
أصبحت تستعمل في الانتاجات الزراعية .وقد نتج عن الثورتين ما يسمى باملجتمع الصناعي كما أسماه
سان سيمون واملجتمع الرأسمالي الذي نير عنه كارل ماركس. 1
يتميز تبطور املجتمعات باالنتقال التدريجي ،حيث لكل مرحلة خصوصياتها ومميزاتها ،سواء من حيث نمط
عيشها الاقتصادي أو تنييمها الاجتماعي ،أو طبيعة العالقات الاجتماعية السائدة فيها ،وفي ظل هذا
التبطور ظهر املجتمع الصناعي والاشكال الجديدة للحداثة ،التي ستساهم بشكل مباشر في تبطويق تلك
ألانماط التي كانت تعيش وفقها الجماعة بفرضها قوانين السوق الجديدة ،مما نتج عنه تكسير البنيات
السابقة ،التي كانت تقوم على املقدسات الدينية والوالءات التقليدية.
إن ما قامت به الحداثة في البداية من أجل سيبطرتها ،هو التصلص من تلك البنيات التقليدية السابقة
والصلبة ،وهي مهمة صعبة بالنسبة للنيام الرأسمالي الجديد ،فقد عمل على جمع الشتات وتفكك
املجتمعات املصتلفة في إطار املجتمع العالمي الواحد 2الذي يصضع للسلبطة الرأسمالية عبر أسواقها
الاقتصادية ،وقوانينها التي تفرض على إلانسان أن يصبح تابعا لها .هذه العملية أدت إلى ظهور مجموعة
من املشاكل املرتببطة بالفقر ،الهشاشة اجتماعية.
على مستوى الفقر أصبح الانسان في هذه املرحلة الجديدة ،غير مالكا لألرض املصدر الرئيس ي الذي يؤمن
قوته اليومي ،أما من حيث وضعيات الهشاشة الاجتماعية ،فتعلق ألامر بيهور أعمال ووظائف جديدة
داخل املجتمع الصناعي ،حيث أصبح الانسان يعمل داخل املعامل من خالل بيع قوة عمله نيرا لكونه
لم يعد يملك ش يء سوى قوة عمله ،وذلك ناتج عن فصل الانسان عن ألارض .كما أن تلك املرحلة لم
يكن هناك ما يسمى بالدولة الاجتماعية التي تؤمن له الخدمات الضرورية.
1أنبطوني غيدنز ،مقدمة نقدية في علم الاجتماع ،ترجمة أحمد زايد وآخرون ،مركز البحوث والدراسات الاجتماعية ،كلية آلاداب جامعة
القاهرة ،ط ،8771ص80
2زيغمونت باومان ،الحداثة السائلة ،مقدمة في السائل والصلب ،ترجمة حجاج أبو جبير ،الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،ط ،0بيروت ،8106
ص 49
16
أدى التغير الحاصل على مستوى املجتمعات إلى دفعة تقدمية على مستوى التاريخ املجتمعي ،ذلك ألنه
ساهم في الانتقال إلى أنماط عيش جديدة مست ألاسرة التي انتقلت من ألاسرة املمتدة الى ألاسرة النووية،
ثم خلق مورفولوجيا جديدة تصتلف من حيث حجم السكان وأنشبطتهم وتوزيعهم الجغرافي عن
املجتمعات التقليدية ،باإلضافة إلى تقويض املبادئ والقيم والتقاليد السابقة كما هو الحال مع مبدأ
التبادلية وإعادة التوزيع ،فقد تعرضا لالضمحالل ولم تعد قائمة بسبب ظهور قوانين جديدة ومؤسسات
ذات بنية وظيفية أفقية تعتمد على التراتبية السوسيو-اقتصادية .وأول هذه املؤسسات هي ظهور ما
يسمى بالسوق ذات التنييم الذاتي 1الذي يعتمد على مبدأ املقايضة ويتميز بمؤسسات خاصة به ،كما
أصبح هو الذي ينيم املجتمع ،وهكذا فإن تلك الروابط الاجتماعية والتضامنية لم تعد قائمة.
إن إقصاء اليد العاملة من أنشبطة الحياة ألاخرى وإخضاعها لقوانين السوق ،هو بمثابة إلغاء كل نواحي
الوجود الاجتماعي واستبدالها بنوع مصتلف يقوم على مبدأ حرية التعاقد .وهذا ما يعني أن النيم غير
التقليدية كالقرابة ،والجوار والحرفة والعقيدة سوف تجمد ألنها تستوجب والء الفرد لها ،والفرد في ظل
هذا الوضع يكون والئه للسوق وليس للجماعة ،وهذا ما سيحبطم العالقات غير التعاقدية بين ألافراد،
ويمنع إصالحها عفويا ،يقول بوالنيي في هذا السياق” وييهر هذا ألاثر في إقامة سوق لليد العاملة بوضوح
في املناطق املستعمرة اليوم ،إذ يرغم السكان هناك على كسب قوتهم من بيع عملهم .ومن أجل ذلك
يجب إنهاء مؤسساتهم التقليدية ،ومنعها من إصالح ذاتها ،ألن الفرد في املجتمع البدائي بشكل عام ،ال
يتعرض لتهديد الجوع ما لم تتعرض له مجموعة السكان كلها” 2ففي هذا املستوى كان لألرض قيمة
مهمة ،نيرا ألنها كانت تجعل السكان متماسكين كما أنها كانت تشكل املصدر الوحيد ،وملكية جماعية
من خاللها يتحد ألافراد ويصبحون جبهة واحدة وقوية ،غير أن تحويل هذه ألارض إلى سلعة داخل السوق
3 كان لزاما على أصحاب القوى الجديدة على أن تفصل ألارض قبل كل ش يء عن الالتزامات الجماعية.
أدت هذه الوضعية إلى سيبطرت النزعة الفردية وانحدار النزعة الجماعية ،نيرا ألن طبيعة املجتمع
الرأسمالي الجديد ارتكزت فيه الفردنة البورجوازية أساسا على امتالك رأس املال ،ونشر هويته
الاجتماعية والسياسية في إطار النضال ضد النيام التراتبي والقانوني للمجتمع إلاقبطاعي وهذا ما أدى
17
إلى نهاية مجتمع املجموعات الكبيرة الاجتماعية 1عن طريق تهديم البنيات الاجتماعية داخل املجتمعات
التقليدية الكبيرة من طرف املتحكمين في السوق.
هكذا تشكل تدخل الدول وألانيمة في إطار نهجها لسياسات اجتماعية ،في سياق الدولة الاجتماعية،
من خالل خلق برامج وصناديق ملساعدة الفقراء واملحتاجين والفئات املعوزة والعمال ،عبر توفير
التأمينات الصحية ،كما ارتببطت بضرورة تدخل الدولة في السوق ،بغرض التعويض على الاثار السلبية
التي خلفها على حياة الناس الذين يجدون مشقة وصعوبة ،ألسباب ترتبط بتلبية احتياجاتهم الرئيسية2
وهذا ما يعني أن التدخل يرتبط باملجاالت الاجتماعية لتأمينها من اقتصاد السوق .ففي فرنسا كانت
الدولة الاجتماعية ،تعبر عن فكرة أن املجتمع مجزء إلى هيئات وسبطية مثل ألاسرة ،وهذه الهيئات غير
قادرة على أداء دور التضامن ،وهذا ما يفترض على الدولة التدخل من أجل توفير التضامن للمحتاجين.3
أما في أملانيا فكانت الدولة الاجتماعية مع املستشار ألاملاني بسمارك ،تعمل من خالل إنشاء نيام التأمين
الاجتماعي التي من شأنه أن يساهم في القوة الصناعية ،وتقرير الحفاظ على السلم الاجتماعي في البالد،
حيث ارتكز التضامن بشكل أكبر على املستوى املنهي من خالل صناديق تنييم العمال للقضاء على
الصراع الذي كان قائما بين البطبقة العمالية وأصحاب املعامل ،إذ قامت الدولة بسن قانون املساهمة
إلا لزامية صاحب املعمل في صناديق الضمان الاجتماعي .أما في انجلترا فكانت دولة الرفاه Welfare
،Stateتحيل إلى شمولية السياسات الاجتماعية الجديدة التي ارتببطت بعدة مجاالت منها سياسات
التعليم وسياسات الاسكان وتقديم الخدمات الصحية الوطنية ،وتقديم املساعدة والحد الادنى للفئات
املتقاعدة.4
إن ما نستنتجه من خالل هذه املعبطيات ،وهو أن أشكال التضامن التي كانت سائدة في املجتمعات
السابقة ،شكلت صلة ترابط وتماسك اجتماعي بين أفراد الجماعة الاجتماعية ،باعتبارها مصدرا
أفراد الجماعة اقتصاديا واجتماعيا ،كما أن تنييم الاقتصاد الذاتي للجماعة ،كان يدبر النتعا
حاجياتها الضرورية ،غير أن هذا النمط من العيش تغير بسبب عملية الانتقال من املجتمع التقليدي إلى
املجتمع الحديث ،ونتج عنها تفكيك على مستوى البنيات السابقة وتعويضها ببنيات أخرى تمثلت في
قوانين السوق ،وهو ما ساهم في ظهور أشكال جديدة من املشاكل الاجتماعية مما دفع ألانيمة إلى
3 MERRIEN FRANCOIS – XAVIER , L’état providence , PUF , <<paris, que sais-je ?>> 3 Ed, 2007, p 31
4
Ibid,P,P 16,17
18
التفكير في حلول لها ،مما أسفر ذلك عن محاوالت وأنماط للتدخل الاجتماعي أسست ملفهوم الدولة
الاجتماعية.
شكلت مرحلة ما بعد املجتمع الصناعي أرضية خصبة لعدد من العلماء ،بسبب ما خلفته من أشكال
َ
جديدة للفقر واملعاناة واملاس ي ،وارتفاع حجم املشاكل وحاجة الناس إلى املساعدات واملعونات الغذائية
والبطبية ،ثم عدم قدرة النيام الجديد على احتواء الوضع ،وهي مرحلة مهدت التفكير في ظهور الدولة
الاجتماعية كنيام جديد يصتلف عن بايي ألانيمة ألاخرى التقليدية ،وأن وظائفها ذات بعد اجتماعي
يهتم بالدرجة الاولى بحاجيات املواطنين وانقاذهم من وضعيتهم الفقيرة والهشة.
مكن هذا السياق ،بوصفه نسق تحليلي فرعي داخل النسق العام ،العديد من علماء الاجتماع من فتح
املجال أمام فرع جديد من فروع السوسيولوجيا ،والتي نجد لها صدى من خالل مجموعة من املقاربات:
يقدم عالم الاجتماع الفرنس ي "فرنسوا كسافي مريان" مدخال أساسيا حول الدولة الاجتماعية ،وبعض
النماذج من السياسات الاجتماعية التي كان لها السبق في بلورة نماذج من الخدمات التي تحسن وضعية
العمال املأجورين والفقراء ،وخدمة الرعاية الاجتماعية كالتأمين الصحي ،والتأمين على الدخل.
يقيم "مريان" الفرق القائم بين الدولة الاجتماعية والدولة التقليدية بشكل واضح ،فوظائف الدولة
التقليدية ،تتميز بحارس الليل وحضور أشكال تضامن تقليدية ،أما الدولة الاجتماعية تقوم بأدوار مهمة
تتعلق بالوظائف الدفاعية املتمثلة في الحفاظ على الحدود الجغرافية ،وظيفة أمنية دورها تثبيت ألامن
وترسيخ النيام ،ووظيفة اقتصادية ترتبط بصك العملة وتدبير ألانشبطة الاقتصادية1.ما يعني أن الحديث
يتعلق بالحق في املساعدة ،من خالل الانتقال من تضامن ذاتي إلى تضامن موضوعي يقوم على حقوق
املواطنين والعمال والفقراء.
يؤكد "مريان" أن الدولة الاجتماعية ظهرت تاريصيا وتبطورت عبر ثالثة مراحل أساسية ،املرحلة ألاولى
( )0734_ 0207هي مرحلة تميزت بالتصنيع الذي عرفته مصتلف الدول ألاوربية ،وتميزت بتوسيع ألاسواق
ولكن في املقابل افقار الجماهير العمالية ،موازاة مع ذلك تبطورت الحركة الاشتراكية ،وأصبح ألامر واضحا
1
Ibid,P1
19
في مصتلف البلدان ،حيث اتضح أن السياسات التي تم وضعها سابقا لم تعد كافية لتحسين اليروف
املعيشية للمواطنين وتميزت هذه املرحلة باعتماد النموذج "البسماركي" .أما املرحلة الثانية (-0737
،)0707تزامنت مع الكساد الاقتصادي الذي خلفته الازمنة الاقتصادية العاملية .وكان الشكل الجديد
للدولة في هذه املرحلة يتميز بالدولة الكينزية ،التي تسعى إلى تعزيز النمو والتوازن الاقتصاديين ،والتغلب
على املصاطر الاجتماعية وتأمين الوظائف وضمانها من التوزيع العادل للثروة ،ويتحقق هذا الضمان
الاجتماعي على املستوى ألافقي والعمودي ،أي أنه يغبطي أكثر عدد ممكن من السكان وحمايتهم من
املصاطر.1
أما املرحلة الثالثة انبطلقت منذ ( )0707والتي أصبحت فيها الدولة تحت الضغط الاقتصادي والسياس ي
والاجتماعي ،إذ أصبحت هذه الدول (البسماركية والكينزية) غير قادرتا على مواجهة التحديات التي
تواجهها والناتجة عن تبطور الاقتصادات الحديثة ،كما أصبحت غير قادرة على التعامل بشكل جيد مع
املشاكل الداخلية بالكيفية الافضل.2
وفي نفس السياق يبين "كوسطا إسبين أندرسن " من خالل تحليله املتميز ،أن الدولة الاجتماعية شكلت
منذ عدة سنوات ،مادة طازجة للبحوث املتميزة ،وبالنير إلى ما كان يميز الدولة في السابق من حارس
الليل وعدم الاهتمام بالقانون والنيام العام ،وبميزها بأجهزة قمعية في ظل النيام الشمولي ،غير أن
هذه الخصائص ستذوب ليتم استبدالها بصلق مؤسسات تهتم بإنتاج وتوزيع الرفاهية ،وذلك في سياق
وجود الدولة الاجتماعية3.
يستحضر "أندرسن" ثالثة مقاربات مفسرة لبطبيعة املعايير املحددة لوجود الدولة الاجتماعية .الاولى
يمثلها ، Therbornفهو ينبطلق من نقبطة انبطالق التحوالت التاريصية ألنشبطة الدولة ،ويرى على أنه
يجب توجيه غالبية أنشبطة الدولة نحو رفاه ألاسرة ،أي التركيز على قياس مستوى العيش أو الانفاق
الاستهالكي للفرد و ألاسرة4 .
ثم مقاربة ريتشارد تيتموس ،فهو يميز بين نوعين من دول الرفاه ،هناك دولة رفاه اجتماعية ،وأخرى
تتميز بالتنمية واملؤسساتية ،ففي النموذج ألاول تتحمل الدولة مسؤوليتها عندما يكون هناك عجز
1
Ibid, P,8
2
Ibid
3
Costa Esping Anderson, Les trois mondes de L’état providence Essai sur le capitalisme moderne, traduit de
l’anglais par François-Xavier mérienne , Ed le lien social , PUF, 1ER Ed, 1999, Paris, page 15
4
Ibid, P, 33
20
بالنسبة لألسرة حول تلبية حاجياتها ،وكذلك عجز السوق على تقديم الخدمات ألاساسية ،وهنا تتدخل
الدولة في الحاالت القصوى ،ويشمل التدخل هنا فقط الفئات الاجتماعية املعوزة التي تعيش حالة من
الفقر املدقع .ثم النموذج الثاني فهو الذي يعبر عن شمولية الدولة في التدخل لصالح مصتلف املواطنين
والسكان ،فهذا النموذج شمولي يرمز إلى الاعتماد على املؤسسات ،ويهدف أيضا إلى توسيع نبطاق التدخل
ليشمل مصتلف القبطاعات الحيوية للرفاه الاجتماعي 1.أما املقاربة الثالثة تصص باختيار وانتقاء املعايير
التي يجب استصدامها لتقييم حاالت الرفاه.
لكن في مقابل هذه املقاربات الثالث ،سيتجه "أندرسن" نحو تقديم تحليل ماكرو سوسيولوجي ،يرتبط
بسياقات تاريصية ،وما عرفته املجتمعات من تحوالت وخاصة على امليدان الاجتماعي والاقتصادي .تأثر
أندرسن باألفكار التي قدمها كارل بوالنيي وخاصة فيما يتعلق بتحليله للسياقات التاريصية وتحوالتها
ومفهوم "إعادة التوزيع" كآلية توفر الحاجيات الضرورية للفقراء ،فيما سيعمد أندرسن على توظيفه
ملفهوم الالسلعنة La démarchandisationكمفهوم مركزي سيميزه عن بايي التصورات ألاخرى ،فهذا
املفهوم يعتبر آلية للتدخل ،أي تدخل الدولة الاجتماعية عبر سياستها الاجتماعية انبطالقا من الالسلعنة
التي تؤدي إلى إضعاف سيبطرة السوق على الانسان واملجتمع والارض.
يعتبر "أندرسن" مفهوم الالسلعنة نقيضا ملفهوم السلعنة الذي ظهر مع سيبطرة النيام الليبيرالي
الرأسمالي على املجتمع من خالل أسواقه وقوانينه ،وقد سيبطرت السلعنة على املجتمع بعد أن عمل
املجتمع الصناعي البورجوازي على القضاء على كل البنيات التقليدية ،من خالل املجتمع الاقبطاعي الذي
لم تكن فيه أنواع الاستغالل أفيع من مرحلة املجتمع الصناعي ،ذلك ألن دخول القوى املنتجة الجديدة
في تناقض مع عالقات إلانتاج ،وحل محلها املجتمع البطبقي مع امللكية الخاصة ومع استثمار إلانسان
لإلنسان 2،إذ أن وسائل الانتاج ،إذا كانت في أيادي قسم واحد من املجتمع ،بينما الاخر محروم منها،
فإن امللكية ترتدي طابعا خاصا ،وتنبثق حتما في املجتمع عالقات السيبطرة والخضوع.
إن تبطور املجتمع تاريصيا ،أدى إلى نتيجة مفادها أن املجتمع لم يعد قائما على العالقات الاجتماعية
املتعاونة ،ولم يعد فيه منبطق الجماعة متغلغال ،بل أصبحت هناك سيادة ملنبطق الفردنة والانعزال عن
ألاخر ،وأصبح إلانسان وألارض وكل ش يء يرتبط بالبطبيعة واملجتمع معا سلعة .ولذلك كان السبيل
1
Ibid, P, 34
2كيلله فالديسالف ،املادية التاريصية ،دراسة في نيرية املجتمع املاركس ي ،ترجمة إلياس شاهين ،ط ،8دار التقدم موسكو( ،د .ت)
ص113
21
الوحيد للنفاذ من هذه السلعنة هو إبرام الدولة لبرامج وسياسات اجتماعية تهدف إلى تحقيق نوع من
الالسلعنة ويعني ذلك إخراج الخدمات الاجتماعية من سيبطرت السوق لتصبح خدمات مجانية تكفلها
الدولة عبر مؤسساتها لفائدة البطبقات الفقيرة.
يؤكد أندرسن أنه عندما تصبح القوى العاملة سلعة أيضا ،فإن إمكانية البقاء على قيد الحياة خارج
السوق ،هي املشكلة الرئيسية واملتضاربة للسياسة الاجتماعية 1.ومن هنا يمكن القول على أن السياسة
الاجتماعية يجب أن تهتم حسب أندرس بمجالين ،ألاول وهو مجال السوق الذي يحتكر كل ش يء ويتحكم
فيه ،أما الثاني وهو املجال الاجتماعي يسعى إلى التصلص من تسلط املجال الاول ذلك ألن سيبطرت
السوق على املجال الاجتماعي ،هو ما يتعارض مع وضع سياسة الحماية الاجتماعية لألفراد.
يستحضر "أندرسن" في سياق تحليله للمشاكل التي نتجت عن تبطور السوق ،كل من التصورات
الاقتصادية التي حاولت أن تبطرح حلوال للمشاكل التي ستصلفها الليبيرالية ،ويشير هنا إلى آدم سميث،
حيث يرى أن منيري الليبيرالية لم يكن لهم أي تصور إيجابي يدعم فكرة الحماية الاجتماعية ،بل كانوا
على العكس من ذلك ،إذ أن الدولة الليبيرالية وخاصة أمريكا كانت تتدخل فقط في حاالت ألازمات
الكبرى ،فهذا النموذج الليبيرالي يعتبر السوق متحررا ،محققا لالستقالل الذاتي ،له القدرة على تحديد
أهدافه الخاصة في سياق تنييم عالقة الفرد مع السوق.
استنادا إلى مفهوم الالسلعنة ،سيقوم أندرسن بوضع تصنيف ألنساق الرفاه الاجتماعي وذلك تبعا إلى
درجة سيبطرت الالسلعنة في كل نموذج على حدى 2وهي نماذج أوردها عالم الاجتماع إلانجليزي "أنطوني
غيدنز" في كتابه املوسوم ب ((علم الاجتماع)) حيث يرى أن التصور النيري ألندرسن يعرض منيورا
ثالثي ألابعاد واملستويات ألنساق الرفاه .وهذه املستويات تتميز بصفات معينة من الالسلعنة ،أي درجة
تحرر خدمات املعونة والرفاه الاجتماعي عن قيمتها في السوق ،وتتوزع بين ثالثة أنساق:
النسق الاجتماعي الديمقراطي الذي تتسم فيه خدمات الرفاه بياهرة الالسلعنة ،إذ تقوم الدولة
بدعم خدمات الرفاه لجميع املواطنين ،ويبطبق هذا النموذج الديمقراطي الاجتماعي في أغلب
الدول إلاسكندنافية.
1
Ibid,P,51
2
Ibid,P,53
22
النسق املحافظ املشترك كما هو الحال في فرنسا وأملانيا ،قد تكون خدمات الرفاه غير مرهونة
بقيمتها في السوق ،لكنها ليست بالضرورة شاملة لجميع ألافراد.
النسق الليبيرالي :تمثله الواليات املتحدة الامريكية ،وتتمثل قيمة خدمات الرفاه هنا بأثمانها في
السوق ،وتباع ملستصدميها من خالل املؤسسات وألانشبطة التجارية1.
وتبعا لهذا التصنيف فبالنسبة "ألندرسن" يرى أنه كلما كان هناك درجة الالسلعنة مرتفعة كلما كانت
أبعاد السياسة الاجتماعية أكثر فعالية والعكس صحيح ،وتتمثل هذه الابعاد فيما يلي:
البعد الحقويي لألفراد ،ويتعلق بإمكانية حصول ألافراد على التأهيل الاجتماعي وتقييد الحقوق ،أي
الحقوق التي تجعل الفرد يعيش في مستوى الئق من العيش الكريم ،ثم هناك بعد التعويض عن املصاطر،
الذي يرتبط بمستوى الدخل على اعتبار أ ن الحديث عن الدخل املادي للفرد ،يقل أهمية إذا تحدثنا
عنه ،ذلك ألنه إذا كانت السياسات الاجتماعية تعمل على التعويض عن مصتلف املجاالت ،فإن الدخل
هنا لم يعد هو املحدد الرئيس ي للعيش بالنسبة للفرد .لذلك يجب التركيز في هذا البعد على مبدأ
التعويض 2.ثم بعد الحماية الاجتماعية ،يصص التأمين عن املصاطر الاجتماعية ألاساسية كالببطالة
إلاعاقة واملرض والشيصوخة .وهناك بعض النماذج للدول إلاسكندنافية وهولندا ،تعمل على تقديم دخل
مضمون فعليا للمواطنين3.
تعبر هذه الابعاد الثالثة ،عن مستوى مهم في تحقيق الحماية الاجتماعية ،فاالهتمام بالجانب الحقويي
للفرد يمكنه من الحصول على الخدمات ألاساسية املتعلقة في العدل وتحقيق املساواة الاجتماعية بين
مصتلف الافراد .أما بعد التعويض فهو يضمن على الاقل لجميع الافراد دخل يمكنهم من الحصول على
الحاجيات الاساسية وخاصة الغذائية واللباس والسكن .ثم املبدأ الثالث فهو يرتبط بمستقبل الافراد،
من حيث حمايتهم من املصاطر التي يتعرض لها الفرد كالحوادث في السير والعمل وغيرها ،كما يضمن
للفئات املعوزة الحق في العيش وفق شروط الئقة.
إال أن هذه ألابعاد الثالث ،تبقى موزعة بين مصتلف الدول املتقدمة ،إذ أنها ال تحضر كلها داخل املجتمع
الواحد .يشير أندرسن أن في استراليا والواليات املتحدة الامريكية ،نجد هيمنة نيام الرعاية الاجتماعية،
ولكنه مكمل ببرامج أخرى ،ففي و.م.أ يقع النيام الاجتماعي في التأمين الاجتماعي ،أما في كندا ،فهناك
23
نوع من املعاشات التقاعدية الشخصية املرتببطة بالتأمين الاجتماعي .أما في أستراليا فهي تقترب من مبدأ
املعا الشخص ي .وهناك بعض النماذج من الدول املتقدمة في أوربا حاولت إيجاد بديل لهذه السياسات
املعاشية ،كاملعا الاجتماعي في فرنسا الذي يقوم على صندوق التضامن.
تعتبر مقاربة "كوسطا اسبين اندرسن" شاملة ملصتلف املجاالت الاجتماعية ،منها الصحية ،الببطالة،
والحماية من املصاطر ،فهذه املقاربة تأتي في سياق الحديث عن العالقة املتناقضة القائمة بين السوق
واملجتمع .وبين متبطلبات السوق الربحية من جهة وحاجيات حقوق الافراد من جهة اخرى ،إذ أن رغبة
السوق الالمتناهية شملت الحقوق الاجتماعية لألفراد ،وأصبحت هذه الحقوق سلعة في ظل قوانين
ومؤسسات السوق ،وهذا الاختالط جعل تلك الحقوق قيمة مادية يتم الحصول على جزء منها عن طريق
بيع قوة العمل ،فسرعان ما صار املجتمع بأكمله مسلعنا ،جعل الحياة والعيش بالنسبة لألفراد لها
ضريبة مؤدى عنها في ميدان السوق ،مما تولد عن ذلك مجتمع معقد مفتقدا للروابط الاجتماعية،
والحماية ،وانتهاك للحقوق الانسان وصعوبة الحصول على عيش الئق.
وضمن هذا السياق الشمولي والتبطور املحفوف باملصاطر ،اهتم "روبر كاستل" بتحليل وضعيات ألامن
الاجتماعي والحماية الاجتماعية ،حيث ينبطلق في هذا املستوى بحديثه عن السياق التاريخي الذي أدى
إلى ظهور امللكية الخاصة ،وعن البطبقات الاجتماعية التي كانت في السابق ،إذ كانت تتميز بالحرية
املبطلقة ،1وهذا ما أدى إلى ظهور الدولة املدنية التي تتميز بالسلبطة املبطلقة تعبطى بموجب تعاقد ألافراد
مع الحاكم ،من أجل بناء السلم الاجتماعي ،وحماية وضمان املمتلكات الخاصة باألفراد .كما أن "كاستل"
يشير في تحليله إلى جان لوك الذي يقول بأن إلانسان الحديث قادر عبر أنشبطته الحرة وعمله أن يبني
استقالليته ويصبح في النهاية مالكا لذاته وممتلكاته .وهكذا فإن امللكية في نير لوك هي التي تحمي الافراد
وتؤمنهم ضد مصاطر الحياة املتمثلة في املرض والصحة وغيرها 2.فامللكية هي التي تضمن استقالل الفرد
اجتماعيا ،والقول بأن الدولة هي التي تضمن الحماية ملن يملكون ملكية خاصة ،هو قول ليبيرالية في
جوهره يؤسس لنيام ليبيرالي رأسمالي ستعرف فيه البشرية وضع أبشع ،ذلك ألن املكية أدت إلى انشبطار
وانقسام البنية الاجتماعية إلى طبقتين ،فاألولى مالكة وألاخرى غير مالكة.
يعتبر "كاستل" أن املجتمعات التي تسود فيها سلبطة الدولة ،ستعرف ارتفاع البطلب حول الزيادة في طلب
الحريات والاستقاللية ،إذ أن تحقيق ذلك أدى إلى نسيان الفئات ألاخرى التي عرفت فقدان للروابط
1
Robert Castel, l’insécurité sociale, qu’est qu’être protégé ? Ed seuil ,paris , 2003, p 13
2
Ibid,PP,15,16
24
الاجتماعية وال تستفيد من أي مساعدات سواء تقليدية تضامنية أو موضوعية مؤسساتية ،ولذلك أكد
"كاستل" أنه حان الوقت للحديث عن الدولة الاجتماعية التي كان هدفها هو توفير الحماية الاجتماعية
للمواطنين .فهذه الدولة تقوم بتوفير الحماية ضد مصاطر الحياة والتي تسمح للفرد على بناء ذاته
وتحقيقها .وبهذا فإن أهمية الحماية الاجتماعية البد من الرجوع الى ما كانت عليه ألاوضاع في السابق،
وخاصة هؤالء الذين ال يملكون ملكية خاصة ومحرومين وليس لهم سوى قوة عملهم لتدبير عيشهم.
وكذلك املثقلين بالهموم واملعاناة ،أو كما يسميهم القس '' سبين'' بأنهم حشد هائل من ألادوات ذوات
القدمين ،الذين ال يملكون غير أيد ال تكسب إال القليل ،وبنفس مهمومة 1.من هنا يؤكد كاستل على أن
الدولة املدنية عاجزة على توفير الحماية الاجتماعية لكل املواطنين في ظل ارتفاع الألمن الاجتماعي ،بسبب
تزايد املصاطر املرتببطة بالحياة واملرض والشيصوخة والعجز العقلي والبدني.
تشكل امللكية الاجتماعية 2أحد املنبطلقات واملفاهيم الاساسية لكاستل ،إذ أن الدولة الليبيرالية أدت
إلى الوضع الذي كان سائدا في السابق و هو الجدل القائم بين من يملك و من ال يملك و هذا ما جعل
البطبقة التي تملك لها الحق في الكثير من الحاجيات ،أما البطبقة غير املالكة فليس لها الحق في إطار
الدولة املدنية التي عجزت عن تغيير الشروط الاجتماعية لدى العمال ،بمعنى أنها أنتجت نفس الوضعية
السابقة و بأشكال جديدة ،حيث عملت الرأسمالية على تحرير الفالح و القن و العبيد من إلاقبطاعيين
لتجعلهم عبيدا داخل املصنع تحت جلباب عمال.
يؤكد كاستل أن في ظل سيبطرة الألمن الاجتماعي في املجتمعات ،برزت ضرورة مواجهة الألمن من خالل
سياسات اجتماعية تتمثل بشكل أساس ي في اتباع مسارين أساسيين :ألاول يصص إعادة هيكلة الحماية
الاجتماعية التي تعرف في فرنسا باسم الضمان الاجتماعي الذي يشمل التأمين على مستوى املرض والعجز
وحوادث الشغل والببطالة والتعويضات العائلية واملساعدات الاجتماعية .واملسار الثاني يصص تأمين
أوضاع العمل واملسارات املهنية للعمال 3ومن خالل ذلك يستنتج كاستل أن الدولة الاجتماعية هي الحل
ألانسب ملواجهة الألمن الاجتماعي من خالل توفيرها للملكية الاجتماعية التي تمكن الفرد من الحصول
على ملكية الذات وإخراجها من سيادة السوق.
1
Ibid, P,P,26,27
2
Ibid, P,30
3
Ibid, P,66
25
نستنتج من خالل هذه املعبطيات ،أن الدولة الاجتماعية نوع من ألانيمة السياسية الحديثة التي جاءت
في سياق محفوف باملصاطر الاجتماعية ،والتقلبات الاقتصادية التي مست فئات اجتماعية واسعة شملت
الافراد والجماعات الفقير والهشة واملهددة باملصاطر ،أنتجتها بنيات املجتمع الصناعي الحديث ،بسبب
فقدان املجتمع ألشكال التضامن التي كانت سائدة بوصفها عملية جوهرية تساهم في تماسك املجتمع
والحفاظ على أمنه .وفي ظل هذا التحول تبلورت الدولة الاجتماعية نموذج للدولة من أجل التعويض
عن املصاطر وتوفير الحماية الاجتماعية والخدمات ألاساسية ألفراد املجتمع من صحة ،تعليم ،تأمين عن
الشغل...إلخ ،والهدف من ذلك هو تحقيق العيش الكريم لكل فرد من أفراد املجتمع.
خالصة عامة
ارتببطت سيرورة تشكل الدولة الاجتماعية ،بمسارات وتحوالت اقتصادية وسياسية وثقافية ،عرفتها
املجتمعات عبر تبطورها وانتقالها من نيام آلخر ،ومن نمط عيش آلخر ،أدت هذه التحوالت إلى بروز
املجتمع الصناعي الجديد تسوده الفردانية وتفكك الروابط الاجتماعية ،وأشكال ومياهر جديدة من
الفقر والهشاشة ،هذه عوامل ساهمت في ظهور الدولة الاجتماعية باعتبارها النموذج الجديد التي تبنته
الدول املتقدمة ،التي ترتكز على الحق والقانون ،توفير خدمات اجتماعية وضمان العيش الكريم ملواطنيها.
ترتكز الدولة الاجتماعية على مجموعة من ألابعاد ،التي أسست لها مجموعة من املقاربات
السوسيولوجية ،إذ ترتبط هذه الابعاد بعدة جوانب ،منها الجوانب الحقوقية التي ترتبط بضمان الدولة
ملصتلف أفراد املجتمع الحقوق السياسية واملدنية ،تتمثل في الحق في العدالة واملشاركة السياسية
والتعبير عن الرأي ومصتلف الحريات واكتساب الهوية ،ثم حقوق اجتماعية مثل الحق في التعلم
والتبطبيب والتأمين الاجتماعي والتعويص عن املصاطر ،ثم حقوق اقتصادية ترتبط بالحق في الشغل
والتعويض عن فقدان ومصاطر الشغل .وبهذا ،يكمن القول إن استجابة الدولة الاجتماعية ملصتلف
املشاكل الاقتصادية والاجتماعية ،رهين بدرجة توفيرها هذه الحقوق ملواطنيها وحمايتهم من املصاطر
الاقتصادية والاجتماعية ،كما توفير الخدمات ألاساسية خارج نبطاق السوق .تبعا لهذه الخالصة
التركيبية ،يمكننا أن نتساءل كما يلي :إلى أي حد تستوعب الدولة الاجتماعية التي يؤسس لها املغرب في
السياق الراهن ،شروط توفير الخدمات ألاساسية خارج نبطاق السوق؟
26
الئحة املراجع:
أريك وولف ،الحروب الفالحية في القرن العشرين ،ترجمة أكرم الرافعي ،دار الحقيقة ،بيروت ،ط.0770،1
أنتوني غيدنز ،علم الاجتماع ،ترجمة الدكتور فايز الصياغ ،املنيمة العربية للترجمة ،ط ،0بيروت ،أكتوبر
.8774
أنبطوني غيدنز ،مقدمة نقدية في علم الاجتماع ،ترجمة أحمد زايد وآخرون ،مركز البحوث والدراسات
الاجتماعية ،كلية الاداب جامعة القاهرة ،ط.8771
أولريش بيك ،مجتمع املصاطرة ،ترجمة جورج كتورة والهام الشعراني ،املكتبة الشرقية للنشر والتوزيع،
ط ،0بيروت.8777 ،
كارل بوالنيي ،التحول الكبير ،الاصول السياسية والاقتصادية لزمننا املعاصر ،ترجمة محمد فاضل طباخ.
املنيمة العربية للترجمة ،ط ،0بيروت.8777 ،
كيلله فالديسالف ،املادية التاريصية ،دراسة في نيرية املجتمع املاركس ي ،ترجمة إلياس شاهين ،ط ،8دار
التقدم موسكو( ،د .ت ) .
سالم ،جميل ،قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية :النموذج ألاملاني ،دارسات حول نموذج اقتصاد السوق
الاجتماعي ،سلسلة أوراق بحثية حول القانون والاقتصاد ( ،)8702/1معهد الحقوق -جامعة بيرزيت،
،8702ص.5
زيغمونت باومان ،الحداثة السائلة ،مقدمة في السائل والصلب ،ترجمة حجاج أبو جبير ،الشبكة العربية
لألبحاث والنشر ،ط ،0بيروت ،8701ص .53
Dictionnaire de L'Académie française (5e édition), Paris, 1798, p2313.
Costa Esping Anderson, Les trois mondes de L’état providence Essai sur le
capitalisme moderne, traduit de l’anglais par François-Xavier mérienne ,
Ed le lien social , PUF, 1ER Ed, 1999, Paris, page 15
Georges Gurvitch, La vocation actuelle de la sociologie, France, PUF, 4
eme édition, 1968, p.21
José A. Prades, Durkheim, France, PUF, 1990, p.13
MERRIEN FRANCOIS – XAVIER, L’état providence, PUF, <<paris, que
sais-je ?>> 3 Ed, 2007, p 31
Robert Castel, l’insécurité sociale, qu’est qu’être protégé ? Ed seuil, Paris,
2003, p 13
Raymond Chappuis, La solidarité, France, PUF, 1999, p.57
27
الدولة الاجتماعية كأفق للتفكير السوسيولوجي :استراتيجية فاعلين أم إكراهات نسق
عادل أيت بامو
باحث في علم الاجتماع
مق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدمة
سعى املجتمع املغربي مند مرحلة ما بعد الاستقالل إلى غاية اليوم إلى وضع أسس بناء دولة اجتماعية
قائمة على إعادة هيكلة النسق الاجتماعي والاقتصادي والسياس ي ،بما يفيد خلق وتشكيل نموذج
مجتمعي حديث وفريد في نفس الوقت ،يجمع بين الخصائص املحلية (التقليدية)وينفتح من جهة أخرى
على القيم الكونية إلانسانية .فالسياسيات العامة التي باشرت الدولة (كفاعل) في اقتراحها بغض النير
عن طبيعتها (خماسية-ثالثية...إلخ) والخلفيات السياسية والاقتصادية التي ساهمت في بلورتها (سياسة
التقويم الهيكلي وما رافقها من التزامات على كافة املستويات)؛ ليست سوى تعبيرا بمنبطق التحليل
الاستراتيجي على تصادم الستراتيجيات وعقالنيات كافة الفاعلين املتدخلين في هندسة الشأن العام
وتبطويعه بالشكل الذي يصدم مصالح فئات معينة دون أخرى .فاإلكراهات واملشاكل التي عرفها املجتمع
املغربي في هذه الفترة التاريصية كانت تحتاج وبشكل مستعجل إلى بلورة حلول مؤقتة (نسبيا) وورقات
رابحة من أجل تفادي كل تصدع مجتمعي قد يهدد استمرارية سيادة الدولة بعد خروج املستعمر منها
وما خلفه من أزمات.
وفي هذا السياق املتأزم من كافة الجوانب ،سارع الفاعل املركزي(الدولة) إلى بلورة مجموعة من
إلاصالحات الهامة على مستوى التعليمي ،الصحي ،الرعاية الاجتماعية ،هيكلة الاقتصاد ،سياسة
التشغيل ،إلخ .والهدف منها ً
طبعا هو محاولة تأهيل املؤسسات والعنصر البشري على حد سواء وتعبئته
من أجل املساهمة الفعالة في جعل الدولة رائدة محليا وإقليميا ودوليا .وخالل العقدين ألاخيرين وفق ما
جاء في تقرير النموذج التنموي الجديد "عرفت اململكة تقدما ملحوظا ،ساهم في الرفع من سقف املبطالب
وأضفى شرعية على التبطلعات الجديدة ،وانسجاما مع روح الدستور واستنادا على إلارث التاريخي الغني،
فإنه يصبو إلى نفس جديد ،من خالل تعبئة كافة مكوناته وبروح املواطنة وحس التضامن ،بغية بناء
مستقبل مزدهر يؤمن رفاه املواطنين" .1بهذا املعنى فالنموذج املثالي بلغة ماكس فيبر الذي تضعه الدولة
في ربح رهاناتها وتحقيق مشروعها يحتاج إلى مزيد من الاشتغال من أجل ربح الرهان ألاساس ي لكل سياسة
1اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،النموذج التنموي الجديد ،تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه
للجميع ،التقرير العام ،8780 ،ص.7 ،
28
وهو العنصر البشري الذي في يده جميع إلامكانيات من أجل تحقيق النموذج املرغوب فيه أو املساهمة
في عرقلة التقدم كما جاء في مجموعة من التقارير الرسمية.
تهدف هذه الورقة البحثية إلى محاولة املساهمة في النقا العمومي حول بعض النماذج املثالية (الدولة
الاجتماعية) التي استحسنها املجتمع املغربي بغض النير عن خلفيتها (ألايديولوجية ،السياسية،
الاقتصادية ،ألاخالقية ،إلانسانية ،إلخ) لغاية بناء مشروعه الخاص في التنمية املجتمعية .والنقا هنا
سيكون طبعا من خالل توظيف بعض أدوات التحليل السوسيولوجي املعاصر ،بعيدا طبعا عن
الانبطباعات الحسية التي ترافق مثل هذه املواضيع التي تغمرنا كما وكيفا .فموضوع الدولة الاجتماعية
بالنسبة لنا ال يقدم نفسه على أساس أنه طبيعي وعادي ويمكن أن نفهمه بمجرد القبول ببطابعه الكلي
الهوليستي ،بمعنى أن مثل هذه املفاهيم الكبرى تدل على كل ش يء وفي نفس الوقت ال تعبر عن أي ش يء،
فالقبول بها يفيد أن الباحث يتموقع في براديغم معين وينبطلق في تحليله من املفاهيم العامة واملجردة
لغاية إدراك جوهرها وقيمتها ،في حين أن محاولة تفكيك املفهوم وإعادة تركيبه من الداخل يجعل
الباحث يتموقع في وضعية إبستيمولوجية مغايرة تماما للبطرح إلابستيمولوجي ألاول ،من خالل بناء
املوضوع من جديد وفهمه بمنبطق جديد يراعي الانبطالق من املستويات الصغرى (ألافراد الفاعلين) في
اتجاه فهم املستويات الكبرى( النسق).
بهذا املعنى فإن الانتقال املنهجي من خالل هذه الورقة البحثية من البراديغم الهوليستي ،أو املنبطق
الكلي/الشم ولي في النير لإلكراهات املصاحبة لبناء أسس الدولة الاجتماعية؛ إلى براديغم فرداني منهجي
ينبطلق في تحليله من فهم نسق التفاعل بين ألافراد والفاعلين ،يشكل بالنسبة لنا في سياق هذه املحاولة
النيرية ،الخيط الناظم لكل معرفة عميقة حول إلاشكاالت املرتببطة بمسألة بناء نموذج اجتماعي
يستجيب للمبطالب والحاجيات آلانية واملستقبلية لألفراد واملؤسسات على حد سواء ،كما سيساعدنا في
مستوى آخر على إمكانية مساءلة مجموعة من املسلمات واملفاهيم واملقترحات التي يتم توظيفها لغاية
طبعا عن أي محاولة للبحث عن الانتيامات التجاوب مع تعقد هذا الواقع الاجتماعي املعاصر ،بعيدا ً
الخبطية والقوانين السببية والعامة التي تبني هذا الواقع الاجتماعي السائل على حد تعبير زيجمونت
بومان ،بالبحث في ما يميزه من دينامية ومن تغير دائم ،يصضع ملنبطق تغير طموحات وعقالنيات ألافراد
والفاعلين أنفسهم داخل النسق الاجتماعي ،بهذا املعنى يصبح تبني مفهوم الدولة الاجتماعية هنا من
وجهة نير إلاطار النيري الذي نسترشد به هنا ،كاستراتيجية هجومية ودفاعية يتم توظيفها باستمرار
من طرف مصتلف الفاعلين وكورقة رابحة لغاية حماية مصالح مشتركة أو خاصة استشعروا بمصاطر
29
تهدد استمرار الاستفادة منها ،لذلك فإن تعدد التسميات كما جاء في أرضية الكتاب الجماعي (الحماية
الاجتماعية ،الدولة الاجتماعية ،دولة الحق والقانون...،إلخ ).ليست سوى ً
نتاجا وتجسيدا ملنبطق التعدد
والاختالف والصراع املستمر في الزمان واملكان حول املصالح بين العقالنيات والاستراتيجيات .بهذا املعنى
يتم اقتراح مفاهيم عامة أو اقتباسها (قد تدل على كل ش يء وال تعني أي ش يء في نفس الوقت) من أجل
تبطويق أو تأطير املرحلة الجديدة ،بغض النير عن مضمون املفهوم أو مبررات تبنيه والترويج له والدفاع
عنه بمنبطلق التجديد.
بناء على هذا البطرح إذن ،فإن الحديث عن الدولة الاجتماعية (كمشروع مجتمعي جديد) باملنبطق
الفرداني املنهجي ،سيساعدنا أكثر على النفاذ إلى عمق هذا الواقع الذي هو في أصله بناء اجتماعي من
الفاعلين املشكلين له ،فتصادم الاستراتيجيات واختالفها وتضارب أو تداخل املصالح هو ما يجعل املشهد
الاجتماعي املغربي الحالي ،يتسم بضبابية مستمرة ،كما يشكل مصتبرا يقبل بتوظيف املفاهيم واملشاريع
إلاصالحية املسبطرة على جميع املستويات.
ً
وتأسيسا على أرضية الكتاب الجماعي املقترحة ،سنحاول من خالل هذه بناء على ما تقدم من طرح،
الورقة العلمية إلاجابة على السؤال التالي:
هل إشكالية بناء أسس الدولة الاجتماعية باملجتمع املغربي مرتببطة بتعدد استراتيجيات وعقالنيات
الفاعلين داخلها أم أنها مرتببطة بإكراهات نسقية خارجة عن إرادتهم؟
املحور ألاول :سنحاول من خالله التعريف الوجيز باإلطار النيري الذي نسترشد به في قراءة
بعض النماذج املجتمعية املثالية.
املحور الثاني :سيكون محبطة أساسية من أجل توظيف أدوات التحليل الاستراتيجي من أجل
قراءة الواقع الاجتماعي املغربي.
.1املقاربة التحليلية :التحليل الاستراتيجي-الفاعل والنسق" ميشيل كروزي وارهارد فريدبيرغ"
حاولت السوسيولوجيا منذ نشأتها الاهتمام بدراسة املجتمع ومصتلف اليواهر التي برزت في سياق
اجتماع شروط سياسية واقتصادية ودينية في مجال اجتماعي معين ،صاحب هذا الاهتمام ً
طبعا توظيف
أدوات املنهج العلمي في فهم وتفسير الفعل والنسق الاجتماعي ،بعيدا عن الخبطاب الجاهز (الحس
30
املشترك ،التناول الصحفي ،املعرفة الدينية ،الخ .).فاملمارسة السوسيولوجية أفرزت لنا مجموعة من
البراديغمات 1والتي غالبا ما يتم تصنيفها إلى براديغمين مصتلفين :ألاول هوليستي (نسبة إلى إميل دوركايم)
والثاني فرداني منهجي (نسبة إلى ماكس فيبر) ،فاألول يجعل املجتمع كواقعة اجتماعية يتبطلب دراسته
وفق منهجية وضعية ،من خالل الاسترشاد باملناهج املوظفة في العلوم الحقة (الفيزياء ،الرياضيات،
العلوم البطبيعية ).... ،واعتبارها أساس بناء أي معرفة حول اليواهر إلانسانية والاجتماعية ،بهذا املعنى
تصبح الدولة الاجتماعية ،الرعاية الاجتماعية ،املشاركة الاجتماعية ،كعناوين كبرى إلفرازات املجتمع
وإكراهاته املستمرة فضال عن كونها تستجيب للمبطالب التي يحتاجها النسق العام في سياق البحث عن
التوازن الوظيفي بين أجزائه .فاملقاربة الوظيفية مثال ،خاصة مع بارسونز ،نجدها تؤكد على مسألة
الاستقرار والنيام ،وأن كل العناصر املشكلة لهذا النسق وظيفتها إلاجابة على كافة الحاجيات الضرورية،
لغاية الحفاظ على التماسك املنبطقي للمجتمع في صيغته الكلية .فبلورة الدولة لنموذج مجتمعي وفي
ظرف مكاني وزماني معين ،ليس سوى باملنبطق الهوليس ي ،إجابة منبطقية لحاجة النسق العام إلعادة
التوازن والتكيف الدينامي مع املستجدات املحلية والكونية.
فاملنبطق "الكلي" الذي يعود إلى رائده ألاول السوسيولوجي الفرنس ي إميل دوركايم والذي ينبطلق في تحليله
من الكل الاجتماعي من خالل اعتباره كواقعة اجتماعية يمكن للباحث أن يبطوعها ويصضعها للمنبطق
الوضعي حتى تفصح عن جوهرها وقوانينها العامة التي تميزها (باعتبارها أشياء خارجية) وهذه هي وظيفة
كل ممارسة سوسيولوجية علمية حسب دوركايم ،بهذا املعنى فإن القول على أن اقتراح مفاهيم عامة
ومجردة من طرف النسق العام كفيل وفق هذا البطرح بتجاوز السقوط في الجزئية املفرطة التي تعبطي
أولوية للفعل الفردي ،وبالتالي إعادة التوازن املفقود(نسبيا) إلى مكانه ،وبالتالي الحفاظ على استمرارية
املجتمع وديناميته .فمهمة الباحث إذن وفق هذا البطرح هي مد املجتمع بوعي أكبر بذاته وبوحدته ،وتعزيز
الصالت التي تربط ألافراد فيما بينهم وجعلها بارزة للعيان بغية التويي من ألانانية التي تتربص بهم ...في
التحوط من خبطر التفكك والفوضوية التيي تحدق باملجتمع بوصفه كال.2
ونجد باملقابل التقليد الفرداني املنهجي طبعا ،الذي نحن بصدد الاسترشاد به في هذه الورقة البحثية،
والذي يعبطي ألاولوية في الدراسة للفرد في إطار عالقته باملجتمع ،ويعتبر الفعل الفردي هو أصل كل بناء
1هذا التعبير يشير صراحة الى املعتقدات الضمنية التي من خاللها يبني الباحثون فرضياتهم ونيرياتهم وبشكل عام تحدد ألاهداف واملناهج،
كما يعبر املفهوم عن نموذج نيري يؤطر مسار بناء املعرفة العلمية وفق منهجية خاصة ،ملزيد من املعلومات حول املفهوم انير:
Raymond Boudon, Philippe Besnard, Mohamed Cherkaoui, Bernard-pierre Lécuyer, dictionnaire de la sociologie,
France loisirs, paris, 2001, p, 170.
2سيرج بوغام ،ممارسة علم الاجتماع ،ترجمة السعيداني منير ،كتابك للنشر والتوزيع ،ص.022 ،
31
اجتماعي أو ظاهرة اجتماعية (أهمية ألافعال الفردية مقابل الكل الاجتماعي) .حاول هذا التيار املعرفي
أن يتجاوز الهفوات التي سقط فيه التحليل الهوليستي الذي يعبطي قيمة أكبر للمجتمع ويعلي من شأنه
على حساب ألافراد املشكلين له ،كما يهمش حريتهم وقدرتهم من خالل أفعالهم على تشكيل املجتمع
وتحديد وجهته ،بمعنى أن مجموع ألاجزاء أكبر من الكل مقابل الفكرة املحورية للتيار الهوليستي الذي
يؤكد أن مجموع ألاجزاء أصغر من الكل.
في هذا السياق قدم واحد من أبرز ممثلي براديغم الفردانية املنهجية وهو رايمون بودون في كتابه les
méthodes en sociologieعلى أنها تشكل طريقة تهدف إلى تفسير اليواهر الاجتماعية على مرحلتين
مرتببطتين عضويا:1
مرحلة تفسير نثبت من خاللها أن هذه اليواهر الاجتماعية هي محصلة عملية إدماج ،أو تجميع
بين أفعال فردية.
مرحلة فهم تتلخص بإدراك معنى هذه ألافعال ،وبعبارة أدق إيجاد ألاسباب الوجيهة التي دعت
الفاعلين إلى القيام بها.
انبطالقا من هذه الصياغة البودونية ،2فالجمعي/الكلي ليس أصال هنا ،وال يعبر سوى عن نتيجة منبطقية
لتجميع العناصر الفردية ،والتعاطي مع الفعل الفردي باعتباره فعال فرديا في سياق فردي وينتجه فرد،
وأن الفرد له حرية كبيرة وهامش كبير في اختيار أن يقوم بفعل ما بدل أن يقوم بأفعال أخرى (متاحة)
هذا الفهم يجعلنا نؤكد أن هناك مفهومين أساسين في التحليل الفرداني املنهجي ،ألاول هو "مفهوم
الفعل" والثاني هو مفهوم "الدمج أو التجميع" بهذا املعنى تصير كل ظاهرة اجتماعية تجسيد ملجموع
أفعال ألافراد في سياق تفاعالتهم الاجتماعية اليومية وفي عملية التجميع(ألافعال) قد تنتج ظواهر
اجتماعية غير متوقعة من طرف ألافراد املشكلين لها.
إلابستيمولوجي الذي ميز املمارسة السوسيولوجية ،حول أسبقية الفرد أو وفي سياق هذا النقا
املجتمع ،ظهرت نيرية التحليل الاستراتيجي مع كل من ميشيل كروزي وارهارد فريدبيرغ من خالل
معلمتهما l’acteur et le systèmeالصادر سنة ،0700وهي نيرية تأثرت كثيرا بمبادئ العلم الحديث
القائم على قانون النسبية العلمية في فهم وتفسير اليواهر املدروسة ،فالتحليل الاستراتيجي يقع بين
اتجاهيين سوسيولوجيين :اتجاه فينومينولوجي يتمحور حول تيمة الفعل ،واتجاه وظيفي ينصرف أساسا
1
Boudon Raymond, les méthodes en sociologie, Que sais-je ? PUF, pais, 2009, p, 24.
2نسبة إلى رايمون بودون.
32
إلى كشف إكراهات النسق على أفراده ،فلو اقتصر التحليل الاستراتيجي على مقاربة اتجاهات الفاعلين
وميوالتهم ،واملنبطق الذي يسخرونه لتحقيق أهدافهم ،والوسائل التي يلجؤون إليها لتسهيل هذه العملية،
لكان ضربا من التأويل الفينومينولوجي ،ولو اقتصر باملقابل على كشف إلاكراهات القبلية للفعل لكان
ضربا من التأمل ،والنزوع نحو الكشف عن جبرية غير مبررة .1بهذا املعنى ينبطلق الباحثون من مسلمة
أن الواقع هو بناء اجتماعي بامتياز ،ودراسة هذا الواقع الاجتماعي يتبطلب الانبطالق من املستويات
الصغرى (ألافراد في تفاعالتهم وإلاكراهات ،فالتفاعل بين ألافراد يفرز لنا نتائج وظواهر جديدة في إطار
مستوى النسق )2في اتجاه اكتشاف منبطق النسق الذي يمارس إكراها على ألافراد ويحد نسبيا من حريتهم
وعقالنيتهم.
تأس يسا على ما سبق من طرح ،ال يمكن الحديث وفق البطرح الاستراتيجي عن بناء نسق من التنييم
بدون عالقات السلبطة ،وجميع التنييمات قائمة على أساس عالقات السلبطة ،وإمكانية فهمها تمكننا
من رسم صورة حول ظاهرة الاندماج داخل التنييمات3وببطبيعة الحال فإن عالقات السلبطة ليس من
السهل قياسها ،وهناك إمكانية تحقيق ذلك من خالل تحليل املواقف ،ألاحاسيس ،والسلوك الذي
يعكس مصتلف ألادوار التي يتم تبطويرها في التنييم ويتم اعتبارها نسقا اجتماعيا4.بهذا املعنى يمكن أن
نفهم جوهر العبارة التي جاءت في أول ألارضية" انتقل الخبطاب الرسمي الحالي في املغرب من الحديث عن
" الحماية الاجتماعية" إلى" الدولة الاجتماعية" فمبررات الانتقال هي مبررات مرتببطة بمصالح فاعلين
داخل نسق لعبة السلبطة داخل الدولة ،فنهاية خبطاب "الحماية الاجتماعية" يعني نهاية سلبطة فاعل
معين اقترح نموذج من أجل تحقيق مصالح خاصة وبعيدة عن انتيارات ألافراد داخل املجتمع ،كما
يعني من جهة أخرى بداية صعود فاعلين جدد يمتلكون من املوارد املادية والرمزية ما يجعل مقترحهم
ً
(مؤقتا) من طرف عدد مهم من ألافراد داخل املجتمع ،وبالتالي لهم "الدولة الاجتماعية" مرحب به
السلبطة على تدبير اللعبة مؤقتا إلى حين ظهور مفهوم جديد يراعي مبطالب شعبية جديدة ،بهذا الفهم
فنحن هنا أمام ظهور وغياب ملفاهيم عامة ومجردة بعيدة كل البعد عن تحقيق الحاجيات الضرورية
لألفراد وتحقيق طموحاتهم املستقبلية ،وكما سنوضح في املحور املوالي ،أن مفهوم الدولة الاجتماعية
كما جاء في ألارضية ،الذي يتم الحديث عنه اليوم في املغرب ،ال يقوم على تصور واضح ومعلن يمكن
1جمال فزة ،سوسيولوجيا التنييمات ،أسس واتجاهات ،دار ابي رقراق للبطباعة والنشر ،البطبعة ألاولى ،8703 ،ص.040 ،
2
Coleman James. S, Foundation of social theory, first Harvard university press paperback edition, 1994, P, 24.
3
Crozier Michel, the Relationship between Micro and Macrosociology, A study of organizational systems as an
empiricalapproach to the problems of macrosociology, human relations, volume 25 number 3, pp.(239-251)143.
4
Crozier Michel, the Relationship between Micro and Macrosociology, A study of organizationalsystems as an
empiricalapproach to the problems of macrosociology, human relations, volume 25 number 3, pp.(239-251)141.
33
تناوله علميا ومنهجيا وفق أدوات البحث العلمي املعروفة ،وال نجد له توضيحا كافيا وإشارات دقيقة في
البرنامج الحكومي .8781-8780إن الضبابية التي تحوم حول املفهوم هي من طبيعة املفاهيم العامة التي
تتم الاستعانة بها في كل مرحلة سياسية من أجل التفرد وبغية قلب املوازين بما يساعد على تحقيق
مصالح تصدم فئات دون أخرى .فالضبابية بهذا املعنى تدخل في سياق ما يسميه التحليل الاستراتيجي
بمجاالت الاليقين ،التي تغبطي كافة نواحي املجتمع ،ويتم استغاللها من طرف الفاعلين من مصتلف
مراكزهم وتوجهاتهم ووظائفهم بغية التحكم في اللعبة أو على ألاقل ضمان مكان لهم فيها ،بعيدا عن
الجلوس في مقاعد الجماهير للتصفيق على املحاوالت الصائبة والضائعة .فغياب مؤشرات من أجل تقييم
املفاهيم إجرائيا هو جزء من هذا البناء الاجتماعي للواقع ،ففي العتمة/اليالم يتم اقتناص وانتهاز فرص
قد ال تتاح عندما يكون املكان مضيئا .فالفاتورة الاجتماعية هي ثقل على أي فعل تنييمي جماعي وبالتالي
فالتعامل معها يكون دائما وفق استراتيجية هجومية أو دفاعية إن اقتض ى الحال من أجل ضمان
انسيابية تحقيق املصالح الخاصة بعيدا عن أي إرادة لإلصالح والتبطوير والتنمية التي يتم املناداة بها في
كل خروج إعالمي رسمي.
في الواقع يساعدنا التحليل الاستراتيجي من خالل مفاهيم مثل (السلبطة ،العقالنية املحدودة،
الاستراتيجية ،الفاعل ،النسق ،الاليقين ،اللعبة ،إلخ ...على تشريح بعض املفاهيم العامة واملجردة والتي
تعيق أي محاولة من أجل فهمها واستيعاب منبطق اشتغالها ،فالتحليل الاستراتيجي من خالل أدواته
املنهجية ،سيتيح لنا -على املستوى النيري وامليداني -استنتاج مجموعة من الجوانب التي ترافق كل فعل
اجتماعي منيم ،على أساس أن مفهوم الدولة الاجتماعية هو نتاج فاعلين لهم من املوارد ما يجعلهم
يقترحون مفهوما لوسم املرحلة وتأطيرها من كافة النواحي .إن محاولة التفكير من منبطلق مغاير تماما
َ
للبطرح الهوليستي ،يشكل تفكيرا على نحو مغاير على حد تعبير الان تورين في سياق كتابة املشهور" التفكير
على نحو مغاير :علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي" الصادر سنة .8770أو في كتابة براديغم جديد سنة
،8774وهي مشاريع بحثية يدافع من خاللها على أهمية تغيير موقع وزاوية النير إلى ما يشهده العالم
من ظواهر وتغيرات وانتقاالت على كافة مستويات النسق الاجتماعي .ويعتبر بذلك أن موضوع املجتمع
الذي كان في صلب هذا العلم ضمن خريبطة العلوم أضحى ذاته في أزمة من منيور علم الاجتماع بحيث
أدت سياسات العوملة في اقترانها بتصاعد تحرر الرغبات إلى انهيار البناء الاجتماعي وكل النيم واملؤسسات
املرتببطة به؛ وبات تعريف الكائن الاجتماعي من خالل عالقته مع نفسه أهم من تعريفه بموقعه في
املجتمع .لقد أصبح الاجتماعي في عداد املاض ي ولم يعد بإمكانه تفسير الواقع اعتمادا على نفسه وحده؛
34
إذ أصبح الفعل الاجتماعي يصضع إلى ما هو أقل من اجتماعي فيه 1بهذا املعنى فنحن هنا في سياق دعوة
صريحة إلى إيالء الاهتمام بالفعل الاجتماعي بغية تحقيق الفهم والتفسير املالئم لإلكراهات النسقية التي
تستعص ي على الباحث ويوظف بذلك أيسر البطرق وهو التفكير الهوليستي الذي يعلي من شأن الكل على
حساب ألاجزاء ،في حين نحن مبطالبين أن نغير موقع النير إلى ظواهرنا الاجتماعية وإلى النماذج املجتمعية
َ
التي يتم توظيفها ،بحثا عن املعاني والدالالت الخاصة واملميزة لواقع اجتماعي مغاير لواقع اجتماعي اخر.
يمكن من خالل ما سبق أن نوضح ما نصبو إليه من خالل تفكيك حيثيات مفهوم الدولة الاجتماعية
وذلك على الشكل التالي:
خطاطة :1الدولة الاجتماعية والحاجة إلى التفكير على نحو مغاير :من الكلي إلى الفرداني املنهجي
إن املالحية التي يمكن أن يستشفها القارئ من خالل هذه الصياغة النيرية ،هي أننا بصدد مفاهيم
أكثر دقة وعمقا ،ترتبط باملستويات الصغرى وبعيدة عن املنبطق الكلي الذي ينفي أن تكون الدولة
الاجتماعية ،الرعاية الاجتماعية ،التشاركية ،دولة الحق والقانون ،إلخ من شعارات املراحل التاريصية
للدول وألامم تجسيدا أو تميهرا لتعدد الفاعلين وتعدد استراتيجياتهم في تحقيق املصالح والرهانات
1تورين الان ،التفكير على نحو مغاير ،علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي ،ترجمة ورد عبد املالك ،مبطبعة شمس برنت للنشر والتوزيع،
البطبعة ألاولى ،8707 ،ص.1-4 ،
35
الخاصة بهم ،من خالل معرفة قواعد اللعبة والتوفر على موارد السلبطة من أجل التمكن من مجاالت
الاليقين على املستوى الاقتصادي والسياس ي والثقافي ،فمجال الاليقين هنا وفق هذه الورقة البحثية
ترتبط بكل ما هو اجتماعي ،والذي يتم توظيفه وتسخيره لغاية تأطير كل مرحلة تاريصية قد تشهد
تصدعات واختالالت على كافة مستوى البناء الاجتماعي .فالتحكم في مسار الفعل الاجتماعي املنيم هو
لغاية الحفاظ على استمرارية النسق العام وتوازنه باملنبطق الذي قدمه بارسونز في سياق نيريته
الوظيفية البنيوية.
.0الدولة الاجتماعية كأفق للتفكير السوسيولوجي املعاصر :فاتورة الاجتماعي والفعل الاجتماعي
املنظم.
إن املجتمعات إلانسانية تجد نفسها مندرجة كليا أو جزئيا في عمليات انتقال وفي حركة مستمرة...،
وخاضعة بشكل مستمر ومستدام لقوى داخلية وخارجية تقوم بتغيير توجهها وقبلتها وتتصذ هذه
العمليات الانتقالية أشكاال ونماذج مصتلفة ومتباينة في حدتها وفي مدتها ،فتارة تكون هذه التبدالت
فجائية وتارة أخرى ببطيئة وغير ملحوظة ،وفي حاالت نادرة تأخذ صبغة التغير الثوري 1بهذا املعنى فإن
املجتمع املغربي ال يشكل استثناء في هذه الحالة السائلة بلغة السوسيولوجي باومان ،بمعنى أنه يسابق
الزمن من أجل تكييف نسقه العام مع ما تشهده ألانساق ألاخرى من عمليات انتقالية على كافة
املستويات .فرهان "الدولة الاجتماعية" ليس رهانا أو قضية مجتمعية وتمثل الكل الاجتماعي بلغة إميل
دوركايم ،بل هي من منبطلق التحليل الاستراتيجي رهان ظرفي مرتبط بفاعلين لهم من املصالح ما يجعلهم
يقترحون لكل مرحلة تاريصية شعارا وخبطابا ،موظفين بذلك مجموعة من الاستراتيجيات الهجومية
والدفاعية من أجل تحقيق املزيد من ألارباح في ورقة الاجتماعي الذي يتصلله الاليقين من كل جهة.
فاملشاكل التي تصاحب عملية التغيير في نسق التنييمات البيروقراطية ،هي مرتببطة بمنبطق ميشيل
كروزي في سياق كتابه le phénomène bureaucratique :بكون النسق التنييمي البيروقراطي هو نسق
ال يقدر على تصحيح ألاخبطاء التي يفرزها باستمرار 2بمعنى أن التنييمات(البيروقراطية الرسمية) التي
تقترح نماذج سياسات عامة من أجل حل إشكاالت مرتببطة باملجتمع تساهم في تعميق الجرح الاجتماعي،
ويصبح هذا الجرح غير قابل في مرحلة من املراحل للشفاء نيرا لكثرة "الاخفاقات التي اخترقت نسقه
1عبد الخلقي محمد ،مدخل إلى سوسيولوجيا التغير الاجتماعي ،نيريات ومفاهيم ،مؤسسة افاق للنشر ،البطبعة ألاولى ،8788 ،مراكش،
ص.04 ،
Crozier Michel, le phénomène bureaucratique, éditions du seuil, 1963, p, 113.
2
36
ووحدته" بهذا التشبيه الاستعاري ،فال يمكن التأكيد هنا سوى على مسالة أساسية مفادها أن
ً
مناسبا الستراتيجيات وعقالنيات كافة الفاعلين في بلورة السياسات العامة. "الاجتماعي" يشكل مصتبرا
وبالرجوع إلى ما جاء به النموذج التنموي من خالصات ،نجده يؤكد وبشكل صريح على أنه ورغم
إلاصالحات والبرامج العمومية التي تم القيام بها في مجاالت عديدة ،لم يتمكن املغرب من توطيد مساره
التنموي وتتجلى أوجه الضعف على عدة مستويات (اتساع الفوارق الاجتماعية ،سياق يتسم بضعف
الحركية الاجتماعية وبعجز في إدماج بعض الفئات من السكان ،وبكون الحماية الاجتماعية الزالت في
بدايتها ،ضعف جودة خدمات التربية والتكوين والصحة ،فوارق مجالية واضحة بين املدن والقرى...الخ)1.
املصدر :اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،النموذج التنموي الجديد ،تحرير البطاقات واستعادة الثقة
لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع ،التقرير العام ،8780 ،ص.87 :
1اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،النموذج التنموي الجديد ،تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه
للجميع ،التقرير العام ،8780 ،ص.81 ،
37
إن املالحية التي يمكن أن نستقيها من الخبطاطة أعاله بناء على املقابالت التي تم جمعها من طرف اللجنة
املكلفة بإعداد مشروع تنموي جديد ،هي أن اتجاه التمثالث يميل أكثر إلى نفي أهمية شعار املرحلة الحالي
الذي هو الدولة الاجتماعية كأساس لبناء نموذج تنموي يراعي خصوصيات ألافراد والدولة على حد
سواء .فمن خالل ردود ألافعال أعاله ،ييهر على أن مساهمة الدولة في محاولة خلق مساحات كبيرة
وشاسعة " لالجتماعي" يكاد يكون محتشما بالنير إلى ألاولويات ألامنية وإلادارية للدولة ،فما يميز العالقة
بين التنييمات واملؤسسات الرسمية باألفراد هي فك الارتباط ،بمعنى أن التنييمات تصلت عن تأمين
ألافراد من املصاطر التي يعيشها في ظل إلاكراهات النسقية املحلية والدولية ،وبالتالي فنحن هنا نشهد
واضحا بين استراتيجيات الفاعلين وتبادل لالتهامات هنا وهناك فضال عما يسمى التصلي عنً ً
تصادما
املسؤوليات املجتمعية ،التي تعني أن الكل مسؤول وال أحد مسؤول عن الحالة التي تشهدها الساحة
الاجتماعية وهو ما عبر عنه أحد ألافراد في الخبطاطة معتبرا أن املجتمع املغربي يشهد حالة حرب ضحاياه
الشباب ،لتغيب بذلك الثقة وتفش ي الفساد في جميع عناصر النسق العام.
الدولة الاجتماعية في قلب الفعل الاجتماعي :سؤال تعدد الفاعلين واملصالح .1.0
الفعل الاجتماعي هو بناء مبني اجتماعيا وليس معبطى طبيعي ،الش يء الذي يجعل من بروز مشاكل هو
شكال من أشكال الحياة فيه ،فمن خالله فقط يمكن أن نشرح ظروف ظهوره واختفائه 1فاملشاكل التي
يعيشها املجتمع وخصوصا على املستوى الاجتماعي والصعوبات التي يواجهها في تحقيق مشروع مجتمعي
تنموي ليس شيئا طبيعيا ،بل هو من وجهة نير التحليل الاستراتيجي مرتبط بعقالنية الفاعلين داخله
واختالف أهدافهم وتصوراتهم حول الكيفية التي يجب أن يكون عليها املجتمع في الحاضر واملستقبل .من
هذا املنبطلق إذن فإن الشعارات التي جاءت في ألارضية من قبيل" :العهد الجديد" و"دولة الحق والقانون"
و"املشروع املجتمعي الحداثي" و"طي صفحة املاض ي" و"الديمقراطية التشاركية"...إلخ .هذا التعدد على
مستوى الشعارات التي ميزت مراحل معنية في تاريخ املغرب ليست سوى تعبيرا عن تعدد استراتيجيات
وعقالنيات الفاعلين في ربح الرهانات املبطروحة ،بمعنى أن تعدد الفاعلين داخل املشهد السياس ي
والاقتصادي والاجتماعي ،يفرز لنا في سياق تفاعل إن لم نقل صراع السلبطة بينهم ،ظهور مفهوم إلى
الساحة له ما له من القوة والضعف في تأطير املرحلة واستيعاب كافة الاختالالت الوظيفية للنسق الكلي
املعياري .فتعدد الفاعلين هنا في سياق الحديث عن بناء نموذج مثالي(مجتمعي) يشير مباشرة إلى تعدد
املصالح والرهانات التي يشتغلون بها يمتلكونه من موارد من ِّأجل تحقيقها ،وصراع املصالح يجعل
38
املفاهيم والخبطابات تتناسل بين الفينة وألاخرى ،من خالل تصادم املصالح أو وجود هوة كبيرة بينها.
فالفاعلين فيما بينهم يوجدون في سياق نسق وهو ما يمنح الواقع الاجتماعي معناه (إلايجابي/السلبي)
بمعنى أن الصراع بينهم (الياهر والخفي) يساهم بشكل ما في بروز مجموعة من التصدعات والاختالالت
على املستوى الاجتماعي ،وبالتالي قد يكون ألامر هنا بمنبطق رايمون بودون مرتببطا باآلثار الجانبية للفعل
، les effets perversففي عملية تجميع أفعال فردية قد نحصل على نتائج عكسية ،لم تكن واضحة
من البداية (الفقر ،الببطالة ،التشرد ،غياب الحماية الاجتماعية ،ضعف البرامج التعليمية.)...
39
الدولة الاجتماعية كموضوع للصراع بين الفاعلين 1المتالك السلطة .2.0
إذا كانت السلبطة هي القدرة التي يتوفر عليها فاعل ما في أن يدفع فاعال آخر إلى الالتزام بالتصرف على
نحو محدد ،وهو ألامر الذي يحقق له نوعا من الانتصار إلرادته الخاصة داخل عالقة اجتماعية ما؛ فإن
السلبطان إذن غير مرتبط بالضرورة بموارد إلاكراه ،التي يمكن أن تتوفر لدى بعض ألافراد جراء احتاللهم
ً
متقدما في التراتبية إلادارية 2بهذا املعنى فإن الدولة الاجتماعية كشعار سياس ي واقتصادي ً
موقعا
واجتماعي ،ليست سوى موضوعا يتسارع جميع الفاعلين من أجل امتالك حقهم في ممارسة السلبطة
وتنزيل إلاجراءات الخاصة بتبطبيق النموذج في أفق تحقيق نتائج منتيرة تم وضعها بدءا.
فرغبة الدولة كفاعل (مركزي) في إيجاد حلول مناسبة لإلكراهات التي تعيق توازن نسقها العام،
وخصوصا ألامور املرتببطة بالجوانب الاجتماعية ،يرافق ذلك غياب الاستراتيجية الهجومية والدفاعية
على حد تعبير رائدي الفاعل والنسق ،بمعنى أن عملية البناء دائما ما تكون وفق تعدد استراتيجيات
وعقالنيات الفاعلين داخلها ،فلكل فاعل تصوره الخاص حول النموذج الذي يصلح بأن يتم تبطبيقه
إلصالح الاختالالت الوظيفية ،وكل مقترح مشروع حاز لنفسه قوة اليهور ،فإن ذلك يرتبط بالدرجة
ألاولى باملوارد التي يتوفر عليها الفاعلون في هذا املستوى .فالحديث إذن عن الدولة الاجتماعية يعني أن
نفتح الباب أمام مجموعة من ألابعاد الجديدة واملتناقضة أحيانا 3بمعنى أن الدولة الاجتماعية ليست
سوى بعدا جديدا ملرحلة معينة من تاريخ املجتمع ،أو كبرنامج أو بروتوكول مجتمعي ،يضاف إلى بايي
البروتوكوالت السابقة ،وتبقى نتائجها دائما مرتببطة بمدى تقارب أو تباعد املسافة الفاصلة بين عقالنيات
واستراتيجيات ومصالح الفاعلين فيها .فإذا كان من الواجب مراجعة فكرة الصراع مراجعة نقدية ،فمن
ألاولى التذكير بأنها أغنت الفكر السوسيولوجي بشكل مهم للغاية .فقد كسرت كل صور املجتمع باعتباره
ً
1يساهم الفاعل سواء كان فردا أو جماعة في إنجاز فعل ما؛ وذلك نيرا ملا يمثله هذا الفعل ،في جزء ،منه بالبطبع ،من مصلحة للفاعل.
وبهذا املعنى ال يمكن حصر سلوكات الفاعلين داخل تنييم معين في قائمة قبلية من ألادوار ،بل يجب أن نعينها انبطالقا من فعل ملموس،
للمزيد من املعلومات أنير :فزة جمال ،مرجع سابق ،ص .008 ،بناء على هذا التوصيف املعياري للفاعل ،يمكن القول على أن الفاعل في
مشروع بناء الدولة الاجتماعية ،ليس مرتببطا بمؤسسات رسمية (املؤسسة امللكية ،الجامعات ،الجماعات املحلية )... ،أو بتنييمات
اجتماعية (ألاحزاب السياسية ،مؤسسات املجتمع املدني )...،بل املقصود بالفاعل من وجهة نيرنا في هذه الورقة البحثية ،هو كل فاعل
(ظاهرا كان أو خفيا) يتدخل في بناء فعل اجتماعي منيم ،بمعنى أن بناء مشروع مجتمعي مستدام ،ليس حكرا على فاعل دون أخر ،سواء
كان فاعال رسميا أو غير رسمي ،فردا أو جماعة .إن الفعل الاجتماعي بهذا املعنى هو نتيجة منبطقية لتفاعل مجموعة من الفاعلين تتعد
مصالحهم واستراتيجياتهم وعقالنيتهم .ونؤكد في هذا الصدد على الفاعل الخفي الذي يفعل فعله دون أن يكون مرئيا للجميع ويؤثر بشكل
أو بآخر أكثر من الفاعل الياهر الذي يتبنى مشروعية وأسس بناء الدولة الاجتماعية حاليا ،وتبقى محاولة اكتشافه رهينة بضرورة القيام
بأبحاث علمية اكاديمية من مصتلف التصصصات وخاصة من منبطلق علم الاجتماع.
2فزة جمال ،مرجع سابق ،ص.079 ،
3
Risto Erasaari, the new social state? Acta sociologia, vol. 29, N,. 3 (1986) sage publication, pp. 225-241.
40
وحدة مندمجة تؤخذ أو تترك كتلة واحدة1 .وأصبح املجتمع نتاجا موضوعيا لتفاعالت أفراد ،وهذا
التفاعل دائما ما يكون الصراع ميهره الخفي.
إن الدولة ً
حاليا وفي سياق بحثها املستمر عن "الكنز املفقود"(النموذج املجتمعي) ،تنتقل دائما من
الاجتماعي كمحور يهم إلانسان كقيمة في ذاته وكأساس أي بناء مجتمعي ،ومحاولة توظيفه لصالح ما
هو سياس ي ،بمعنى أن الانتقال من مفهوم آلخر ليس سوى استراتيجية هجومية هدفها ألاساس هو تدليل
درجة الاحتقان الاجتماعي وتصدع النسق والبناء الاجتماعيين ،فكثرة املفاهيم العامة واملجردة
والخبطابات الرسمية حولها هو تجسيد للصراع املستمر والدينامي بين الفاعلين داخل املجتمع ،وبهذا
املعنى يمكن القول أن فشل البرامج الاجتماعية املوجهة نحو الفئات الاجتماعية ألاكثر تضررا ،مرتبط
بنتائج غير منتيرة من تجميع السلوكات الفردية للفاعلين في محاولتهم بلورة سياسات من أجل تجاوز
إلاكراهات البنيوية والنسقية.
إن هذا الانتقال من الاجتماعي إلى السياس ي ،ليس انتقاال ميكانيكيا وطبيعيا ،بل هو انتقال استراتيجي،
يتبطلب من الباحث وخصوصا في العلوم الاجتماعية أن يوليه أهمية كبيرة من أجل تحديد اتجاهه وعمقه
1ورين الان ،التفكير على نحو مغاير ،علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي ،ترجمة ورد عبد املالك ،مبطبعة شمس برنت للنشر والتوزيع،
البطبعة ألاولى ،8707 ،ص.018 ،
2فزة جمال ،مرجع سابق ،ص.014 ،
41
ومنبطقه .وإلدراك هذا الانتقال نقترح هنا توظيف نيرية التحليل الاستراتيجي ،فمن خالل ألادوات
املنهجية وإلابستمولوجية 1يمكن أن ندرك منبطق فعلنا الجماعي املنيم وبالتالي فهم طريقة اشتغال
النسق في كليته ،فالبداية دائما يتبطلب أن تكون من تحت وليس من فوق ،فال جدوى وفي ظل إلاكراهات
التي يعيشها املجتمع املغربي حاليا ،من توظيف مقاربات عمرت كثيرا وسيبطرت على الخبطاطة الفكرية
وذهنية الباحثين ،حتى أصبحنا نفكر بشكل هوليستي ٌونرجع جميع إلاخفاقات التي نعيشها إلى العوامل
الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية ،وتناسينا بوعي أو بدون وعي أهمية الفرد املغربي
وعقالنيته واستراتيجيته ،فمن خالل التموقع بلغة بودون مكان الفاعل املركزي (إلانسان املغربي بشكل
عام) يمكن أن نفهم ما هي الدوافع والحوافز التي تقوده نحو اختيار مسار ما دون آخر أو بمعنى أخر
تواجد جدول أفضلياته انبطالقا من ألارباح واملزايا.
خاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمة
في البدء كان السؤال حول ما يلي :هل إشكالية بناء أسس الدولة الاجتماعية باملجتمع املغربي مرتبط
بتعدد استراتيجيات وعقالنيات الفاعلين داخلها أم أنها مرتببطة بإكراهات نسقية خارجة عن إرادتهم؟
فكان الجواب من خالل هذه الورقة البحثية ،هو السفر ً
نيريا ولو بشكل سبطحي مع التحليل
ً
وخصوصا مع التحليل الاستراتيجي الذي قدمه كل من ميشيل كروزي وارهارد فريدبيرغ في السوسيولوجي
سياق كتابهما املعلمة في تاريخ النيريات السوسيولوجية" الفاعل والنسق" ،فمن خالل املفاهيم التي
وظفها هذا التيار النيري الذي ينتمي إلى سوسيولوجيا الفعل الاجتماعي أو امليكرو-سوسيولوجي ،تمكننا
من إثارة بعض النقاط ألاساسية التي تهم مسألة الدولة الاجتماعية في سياق املجتمع املغربي ،فاملفهوم
هنا بقدر ما يقدم نفسه للجميع بكونه "مفهوما أخالقيا "يتقبله الجميع ويتضمن كلمة أساسية ومهمة
هي كلمة "الاجتماعي"؛ بقدر ما يصفي وراءه مجموعة من الرهانات الخاصة بالفاعلين بمصتلف مواقفهم
وتصوراتهم لهذا النموذج الاجتماعي املرغوب فيه اجتماعيا .فالدولة الاجتماعية بهذا املعنى ليست سوى
اعا مستمرا في فترات معنية داخل مؤسسات "ورقة رابحة" بالنسبة للفاعلين ،ومن خاللها نشهد صر ً
رسمية ،لنشهد بذلك نتائج قد تكون عكسية ألسباب ودواعي بلورة املشروع .بهذا الفهم إذن ،يمكن
القول على أننا بحاجة اليوم إلى دراسات ميدانية تهتم باملستويات الصغرى (ألافراد ،الجماعات،
التنييمات )...من أجل فهم املستويات الكبرى (النسق والبناء الاجتماعيين) التي تبقى مستعصية على
الجميع ،ويتم تجاوز هذا النقص باحتضان املنبطق الكلي الذي يلغي كل مسؤولية فردية ويلغي عقالنية
1
42
واستراتيجية الفاعلين املشكلين لهذا الكل الاجتماعي بلغة دوركايم .إننا بحاجة إذن إلى تجديد منهجي،
ينتقل بنا من التصورات العامة واملجردة والكلية إلى مستويات أكثر عمقا ،يمكن من خالل اكتشافها،
أن نبلور نموذجا يراعي خصوصية املجتمع في سياق انفتاحه الكوني .ونستدعي في هذا السياق ما جاء
َ
به السوسيولوجي الان تورين في سياق كتابه براديغما جديدة لفهم عالم اليوم ،حيث يؤكد صراحة بأنه"
في سياق التحوالت الاقتصادية والسياسية ،أصبح مفهوم الاجتماعي ضبابيا وأقص ى مجموعة من
التجارب… ،وبالتالي فنحن بحاجة ماسة إلى براديغم جديد ،وأن ٌنموقع أنفسنا في إطار براديغم جديد
يسمح لنا بمعرفة الفاعلين الجدد والصراعات الجديدة ،ومصتلف التمثالت حول الذات والجماعة.1
فاملشكل إذن وفق هذا البطرح ليس مشكال مرتببطا بتعثر تبطبيق نماذج اجتماعية في مجتمعنا ،أو مقاومة
املجتمع لكل نموذج جديد ،بل نحن أمام مشكل إبستيمولوجي مرتبط باملوقع الذي نرى من خالله ونقرأ
إلاخفاقات املستمرة التي يعرفها النسق الاجتماعي الكلي.
الئحة املراجع:
تورين الان ،التفكير على نحو مغاير ،علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي ،ترجمة ورد عبد املالك،
مبطبعة شمس برنت للنشر والتوزيع ،البطبعة ألاولى.8707 ،
سيرج بوغام ،ممارسة علم الاجتماع ،ترجمة السعيداني منير ،كتابك للنشر والتوزيع.
عبد الخلقي محمد ،مدخل إلى سوسيولوجيا التغير الاجتماعي ،نيريات ومفاهيم ،مؤسسة أفاق
للنشر ،البطبعة ألاولى.8788 ،
فزة جمال ،سوسيولوجيا التنييمات ،أسس واتجاهات ،دار أبي رقراق للبطباعة والنشر ،البطبعة
ألاولى.8703 ،
اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،النموذج التنموي الجديد ،تحرير البطاقات واستعادة الثقة
لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع ،التقرير العام.8780 ،
1
Touraine Alain, a new paradigm for understanding today’s world, translated by Gregory Elliot, polity press,
2007, P.7.
43
:مراجع باللغة ألاجنبية
Boudon Raymond, les méthodes en sociologie, Que sais-je ? PUF, pais,
2009.
Coleman James. S, Foundation of social theory, first Harvard university
press paperback edition.
Crozier Michel, Friedberg Erhard, l’acteur et le système, 1977.
Crozier Michel, le phénomène bureaucratique, éditions du seuil, 1963.
Crozier Michel, the Relationship between Micro and Macrosociology, A
study of organizational systems as an empirical approach to the problems
of macrosociology, human relations, volume 25 number 3, pp. (239-251).
Raymond Boudon, Philippe Besnard, Mohamed Cherkaoui, Bernard-pierre
Lécuyer, dictionnaire de la sociologie, France loisirs, paris, 2001.
Risto Erasaari, the new social state? Acta sociologia, vol. 29, N,. 3 (1986)
sage publication, pp. 225-241.
Touraine Alain, a new paradigm for understanding today’s world,
translated by Gregory Elliot, polity press, 2007.
44
الدولة الاجتماعية :دالالت املفهوم في الفكر الليبرالي وفي السياق املغربي
أحمد الصمدي
باحث في قضايا التنمية
تقديم
استأثر مفهوم الدولة الاجتمااعياة في املغرب بااهتماام كبير ،من لاادن البااحثين و ألاكااديميين على اختالف
تصص ا اصا اااتهم املعرفية ،و قناعاتهم الفكرية و إلايديولوجية ،و قد زاد الاهتمام به أكثر مع أزمة كورونا ،و
إجراءات الدولة لدعم الفئات املعوزة بقص ااد التصفيف من وطأة ألازمة ،و ما اس ااتتبع ذلك من خبطوات
تب اادو "إجرائي ااة" في إيالء املس ا ا ا ا ااأل ااة الاجتم اااعي ااة ألاهمي ااة التي تس ا ا ا ااتحقه ااا ،كم ااا يترجمه ااا ور الحم اااي ااة
الاجتماعية و الساجل الاجتماعي املوحد ،و كلها إشاارات تعبطي للمتأمل الانبطباع بساير املغرب نحو تشييد
صرح "الدولة الاجتماعية" التي طال انتيارها.
و رغم احتاادام الجاادل حول املوض ا ا ا ااوع ،يياال مفهوم "الاادولااة الاجتماااعيااة" ،بكاال مااا يحملااه من دالالت
زئبقيا ينفلت من التحديد و التعريف ،ما لم يتم التعاطي معه ضاامن سااياقه التاريخي في الفكر الليبرالي،
و في الحالة املغربية ،و هو رهان هذه الورقة ،التي تحاول إلامسا ا اااك باملفهوم -موضا ا ااوع الدراسا ا ااة -وفق
مقاربة مفاهيمية ،تسا ا ااتدعي التاريخ و السا ا ااوسا ا اايولوجيا و العلوم الاقتصا ا ااادية ،و تتوسا ا اال بعدة منهجية
تنض ا اابط للتحليل النقدي ،و ذلك عبر محورين رئيس ا اايين ،خصا ا اص ا اانا املحور ألاول لبحث مفهوم الدولة
الاجتمااعياة و املفااهيم املجااورة في س ا ا ا ايااق الفكر الليبرالي ،و أفردنا املحور الثاني للمفهوم ذاته في الحالة
املغربياة ،مع خالص ا ا ا ااة تركيبياة ،منبطلقين في ذلك من إش ا ا ا ااكالية مركزية مفادها :إلى أي حد يمكن اعتبار
إلاجراءات "الاجتماعية" التي تعرفها البالد ،تسااير نحو التأساايس ملا يساامى "بالدولة الاجتماعية" كما دلت
على ذلك التجربة الليبرالية الغربية ؟
املحور ألاول" :الدولة الاجتماعية" في الفكر الليبرالي :ضبط املفهوم وتحديد السياق
درج البااحثون مغاارباة وأجانب ،على اس ا ا ا ااتعمال ش ا ا ا اابكة من املفاهيم املتجاورة عند حديثهم عن "الدولة
الاجتماعية" ،بقصاد أو بغير قصاد ،من غير تمحيص وال مساءلة ،فمن هؤالء من يستعمل "دولة الرعاية
الاجتماعية" أو "دولة الرعاية" ،ومنهم من "يفض ا اال "دولة الرفاهية" ،وثالث يس ا ااتعمل " اقتص ا اااد الس ا ااوق
الاجتمااعي" ،بال أحياانااا نجااد كال هااذه املفاااهيم تحض ا ا ا اار في املقااال الواحاد كمترادفااات ،تؤدي نفس املعنى.
ومهما يكن من أمر ،تبقى هذه الش ا ا ا اابكة املفهومية نتاج الفكر الليبرالي الغربي ،وأن «الدولة الاجتماعية"
كمفهوم وكواقع ول اادت من رحم ه ااذا الفكر من ااذ أواخر القرن الت اااس ا ا ا ااع عش ا ا ا اار ،بغرض تفري الته اادي ااد
45
الاشاتراكي من محتواه على حد تعبير أنتوني جيدنز ،1وترعرعت في أحضاانه ،إلى أن اشتد عودها بصيغها
ُ
املصتلفااة ،وقااد ن ِي َر إلى ألامر بمثااابااة انتص ا ا ا ااار للرأس ا ا ا اماااليااة الليبراليااة ،وقاادرتهااا على تجااديااد نفس ا ا ا اه اا من
الداخل .2وهو ما عبر عنه فوكو ياما بالقول ":إننا بلغنا نقبطة النهاية للتبطور ألايديولوجي للبشا اارية" الذي
يتمثل في كونية "النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي كشااكل نهائي للحكم إلانساااني" ،3وهو ادعاء مردود
عليااه ،ثم نس ا ا ا افااه من قباال العااديااد من الباااحثين .4وفيمااا يلي بس ا ا ا ااط القول في أكثر املفاااهيم ش ا ا ا اايوعااا في
توصيف الدولة الاجتماعية.
على الرغم من مض ا ا ا ا ي أكثر من قرن و نص ا ا ا ااف من الزمن على ظهور مفهوم "الدولة الاجتماعية" ،فإنه ال
يزال محط ج اادل بين الب اااحثين ،فمنهم من يعتبر أن املفهوم غ ااامض ،5و منهم من يراه مص ا ا ا اابطلح ااا أكثر
حيادية ،6في حين يعتبره آخر أنه يتس ا ااع و يض ا اايق حس ا ااب امليول النيرية أو املبدئية للباحث أو املميزات
الخاص ااة للحاالت التي يدرس ااها ،و يفض اال اس ااتصدامه بمعناه الواس ااع، ،7بل هناك من يتحفظ حتى على
مص ا اابطلح "اجتماعي،" 8غير أنهم يجمعون على ارتباط هذا املفهوم بأملانيا ،حيث تم اس ا ااتصدام املص ا اابطلح
ألاملاااني (")Sozialstaatالاادولااة الاجتماااعيااة" منااذ عااام 0207لوص ا ا ا ااف برامج دعم الاادولااة التي وض ا ا ا ااعهااا
"الس ا ا ا اي اااس ا ا ا اايون الاجتم اااعيون" ( )Sozialpolitikerليتم تنفي ااذ خبط ااة (ال اادول ااة الاجتم اااعي ااة) كجزء من
إلاص ا ا ااالحات الوقائية التي قام بها بس ا ا اامارك ،و قد ارتبط هذا التحرك نحو "الدولة الاجتماعية" في أملانيا
بالص اراع السااياس ا ي القائم في إلامبراطورية بين بساامارك و ألاحزاب والنقابات املعارضااة .من خالل إصاادار
)1أنتوني جيدنز ،الطريق الثالث تجديد الديمقراطية الاجتماعية ،ترجمة أحمد زايد ومحمد محي الدين ،مراجعة وتقديم :محمد
الجوهري ،مكتبة ألاسرة ،طبعة ،8708ص.048 .
)2جويس أبلبي ،الرأسمالية ثورة ال تهدأ ،ترجمة رحاب صالح الدين ،مراجعة محمد فتحي خضر ،الناشر مؤسسة هنداوي ،طبعة .8787
33 ) F. Fukuyama, La fin de L’histoire, Commentaire, N° 47, Octobre, 1989, pp.457- 469.
)4في املغرب على سبيل الذكر ال الحصر ،ينير :البطيب بوعزة ،نقد الليبرالية ،البطبعة ألاولى 0537ه8777 -م ،الرياض -السعودية.
5 ) J. Escoffre, J. Lojkine, C. Suarez, « L’état Social Mythe et Réalités », In Nouvelles Fondations, 2007/1 n°5, pp.56-64.
" )6إن مصبطلح الدولة الاجتماعية ،على الرغم من أنه أقل استصداما ،فإنه يتمتع بميزة كونه أكثر حيادية إيديولوجيا ،و ال يزال محتواه و
أهدافه بحاجة إلى توضيح ،"...هذا الكالم لروبير كاستل ،أوردته فيرونيك جيان ،في مقالها:
V. Guienne, « L’État social : les implicites d’un débat », In, Sociologie et sociétés, Volume 33, numéro 2, automne 2001, PP.
203-216.
)7يقول كريستوفر راماوكس متسائال عن ماهية الدولة الاجتماعية ما ترجمته« :ماذا نعني بالدولة الاجتماعية؟ في معيم ألاحيان يتم
استعمال تعريف ضيق يقتصر على نيام الحماية الاجتماعية ،و في بعض ألاحيان يوسع التحليل ليشمل قانون العمل ،و مع ذلك قد يبدو
من املناسب الاحتفاظ بمعنى أوسع من خالل أربع ركائز ،هي :الحماية الاجتماعية ،قانون العمل ،الخدمات العامة ،سياسات الاقتصاد
الكلي لدعم النشاط و التوظيف ».أنير:
- C. Ramaux, « Quelle théorie pour l'État social ? Apports et limites de la référence assurantielle Relire François Ewald 20 ans
après L'État providence », In Revue française des affaires sociales, 2007/1, pp. 13-34.
)8نقال عن املرجع السابق ،ص.874 .
46
تش ا ا ا ااريعات اجتماعية ،تش ا ا ا اامل ش ا ا ا اابكة من التأمينات ،من أجل قبطع البطريق على املعارض ا ا ا ااة ،بإرض ا ا ا اااء
النق اااب ااات والحف اااظ على الني ااام إلامبراطوري ،وليس ألن ااه ك ااان مقتنع ااا ب ااالفكرة ،1ومهم ااا يكن من أمر،
فمفهوم الدولة الاجتماعية ،يحيل على الدولة التي يلقى عليها واجب تقديم املس ا ا اااعدات والعون للفئات
الضااعيفة في املجتمع ،والتي عليها مسااؤولية حماية املواطنين من إمكانية الوقوع ضااحية اقتصاااد السااوق
الرأساامالي .والدولة الاجتماعية تضاامن التوزيع العادل للموارد من خالل عدد من التشااريعات والخدمات
الاجتماعية ،وخص ااوصا اا في مجال التقاعد والش اايصوخة والتأمين ض ااد الحوادث والببطالة والعجز وغيرها
من املصاطر التي تهدد إلانسااان وتضااع ألاساارة تحت حماية قانونية خاصااة ،وهذه التشااريعات يبطلق عليها
مسمى "شبكة التأمينات الاجتماعية".2
بحلول مبطلع القرن العش ا ا ا اارين ،كاان نموذج أملاانياا قاد أثاار انتباه البلدان ألاخرى .وعلى الرغم من أنها لم
تتبن دائمااا النموذج ألاملاااني نفس ا ا ا ااه ،فقااد أباادت مااا ال يقاال عن أربع عش ا ا ا اارة دولااة أوروبيااة 3عنااد اناادالع
الحرب العاملية ألاولى في عام 0705شا ااكال من أشا ااكال برنامج الضا اامان الاجتماعي القانوني .وقد شا ااهدت
عش اارينيات القرن العش اارين وما بعدها نموا للس ااياس ااات الاجتماعية بمعيم البلدان ألاوروبية والواليات
املتحدة بأش ااكال مصتلفة ،إما من جانب الدولة مباش اارة ،وإما بش ااكل غير مباش اار في ظل الرعاية العامة،
وتقدم عبر موظفين أو منيمات العمال.4
ظل مفهوم "الدولة الاجتماعية" حبيس أملانيا ،وهو التعبير ألاملاني املفض ا اال هنالك ،رغم الانتقادات التي
تعرض ا ا ا ا اات إليه ااا جمهوي ااة ف ااايم ااار( 5)Wimarفي الثالثيني ااات لكونه ااا "دول ااة رف اااه "( )Wohlfahrtsstaatألن
"الحقوق الاجتمااعيااة" ،وإلانفاااق املفرطين الااذين اعتماادتهماا قاد حبطمااا في نهااايااة املبطااف ش ا ا ا اارعيتهاا ،لكن
منذ منتصااف القرن العشاارين فصاااعدا كان تعبير "دولة الرفاه" ،قد أصاابح جزء من العقلية و املفردات
اليومية في أوروبا و أماكن أخرى ،6فما املقصود بهذا املصبطلح؟
)1جميل سالم ،قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية :النموذج ألاملاني دراسات حول نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي ،سلسلة أوراق بحثية
حول القانون و الاقتصاد( ،)872/1معهد الحقوق ،جامعة بيرزيت ،ص.5 .
)2املصدر :موسوعة "اقتصاد السوق الاجتماعي" ،السياسات الاقتصادية من ألالف إلى الباء ،مؤسسة كونراد أديناور ،سنة ،8774 :ص.
.512
)3دالي ماري ،الرفاه ،ترجمة عمر سليم ،ومراجعة سعود املولى (سلسلة ترجمان) ،الناشر :املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات،
البطبعة ألاولى بيروت ،كانون ألاول /ديسمبر ،8704ص.080 .
)4املرجع نفسه ،ص.088 .
)5جمهورية فايمار( :)0733 -0707تكونت في أملانيا عقب انهيار النيام إلامبراطوري ،على إثر هزيمتها في الحرب العاملية ألاولى ،و قامت على
أساس الدستور الذي صوت عليه املجلس الوطني في غشت 0707بقرية فايمار.
)6دالي ماري ،الرفاه...،مرجع سابق ،ص.001 .
47
ب) مفهوم دولة الرفاهية )(Welfare State/Etat Providence/ Etat du Bien- être
بعياادا عن أملااانيااا ،و في حقبااة الحرب العااامليااة الثااانيااة ( ،)0754 -0737انتش ا ا ا اار مفهوم "دولااة الرفاااه" في
بلاادان عاادة انبطالقااا من اململكااة املتحاادة ،و قااد كاااناات دولااة الرفاااه ) (Welfare Stareتبطلق مقاااباال دولااة
الحرب) ، ( Warfare Stateبوصاافها تدخال حاسااما ملكافحة علل قائمة في سااياق مجتمع ذلك الوقت كما
تصورها وليام بفريدج) ،(William Beveridgeو هي خمس علل في تقديره :العوز ،و الكسل،و الجهل ،و
البؤس و املرض . 1وعلى الرغم من الاس ا ااتصدام الشا ا ااائع لهذا املصا ا اابطلح ،فإنه ال يوجد أي إجماع حول
الداللة الدقيقة له ،مما يفتح الباب لتعدد التعريفات وتنوعها ،نسوق فيما يلي إثنين منها،
-تعريف نيكوالس بــار" :مفهوم دولااة الرفاااه يعبر عن النش ا ا ا اااطااات الاقتص ا ا ا اااديااة التي تقوم بهااا الاادولااة في
و مجاالت الخدمات الاجتماعية كتقديم إلاعانات النقدية ،و توفير الرعاية الصحية و نشر التعليم،
تقديم الغذاء و املأوى و غيرهما من الخدمات الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق الكفاءة في توجيه املوارد
و العدالة في توزيعها ،مع توافر إلامكانية إلادارية لتحقيق ذلك." 2
-معجم مصـ ـ ــطلحات العلوم الاجتماعية :يعرف أحمد زكي بدوي دولة الرفاهية بالقول" دولة الرفاهية
هي ما يفترضاه املجتمع في الدولة التي تتحمل مسؤولية رسمية وواضحة نحو تحقيق الرفاهية ألاساسية
ألعض ا ا ااائها وتيهر مثل هذه الحالة إذا أص ا ا اابح املجتمع أو الذين يتولون أموره مقتنعين بأن رفاهية الفرد
بجااناب حفظ النياام وألامن القومي من ألاهمياة بمكان بحيث ال يمكن تركها للتقاليد أو التنييمات غير
الرس ا ا ا اامياة واملش ا ا ا ااروعااات الخااص ا ا ا ااة باال هي مس ا ا ا ااؤوليااة الحكوماة .ويقاااباال دولاة الرفاااهياة التي تقوم بااأداء
الخدمات التي يتبطلبها املجتمع الدولة الحارس ااة ) (Gendarme Stateوهي التي تقتص اار وظيفتها على وض ااع
القواعد لصيانة النيام في املجتمع".3
بصرف النير عن الاختالف املوجود بين التعريفين السالفين ،إال أنهما يتقاطعان في ما يلي:
-أوال :التأكيد على دور الدولة و مس ا ا ااؤوليتها في تحقيق الرفاهية ألاس ا ا اااس ا ا ااية ألعض ا ا اااء املجتمع ،فال تترك
الدولة رفاهية الفرد للتقاليد أو التنييمات غير الرساامية واملشااروعات الخاصااة بل تجعل الدولة رفاهية
الفرد من مسؤولية الحكومة.
-ث اااني ااا :الت ااأكي ااد على املق ااارب ااة الحقوقي ااة ،ف ااالتزام دول ااة الرف اااهي ااة بتق ااديم تل ااك الخ اادم ااات و الت ااأمين اات
واملعونات املش ا ا ااار إليها ،ينبعث من حق كل إنس ا ا ااان في الحياة الكريمة ،و من نيرة اجتماعية و إنس ا ا ااانية
تقوم على أس ا ا ا اااس وجود عالقااة قويااة بين رفاااهيااة ألافراد و رفاااهيااة املجتمع ،بحيااث لم ترد في التعاااريف
)3أحمد زكي بدوي ،معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية ،مكتبة لبنان -بيروت ،ط ،0702 ،0.طبعة جديدة ،0728ص.546 .
48
الثالثة أية إشارة تفيد "العمل الخيري إلاحساني" ،املبني على التبطوع ،و على املبادرات التضامنية لألفراد
و للمجتمع املاادني ،لكن تبقى هااذه حااالااة افتراض ا ا ا ايااة كمااا ينبااه إلى ذلااك أحمااد زكي باادوي .وهااذا مااا جعاال
عااالم الاجتماااع الش ا ا ا ااهير ت .اتش مااارش ا ا ا ااال يصلص إلى القول بااأن "دولــة الرفــاه أنهــا خليط محــدد من
الديمقراطية ،الرفاهية ،الرأسمالية" 1
من املص ا ا ا اابطلحاات التي تبطلق على دولاة الرفااهياة أيض ا ا ا ااا ،دولاة الرعااياة الاجتمااعية ،فتارة تس ا ا ا اامى بدولة
الرفاااه ،و تااارة أخرى تس ا ا ا اامى باادولااة الرعااايااة أو الكفااالااة الاجتماااعيااة ،و على ألارجح فااإن مضا ا ا ا ااامين كال
و الاصبطالحين تكاد تكون واحدة فيما يقدمانه لإلنسان من خدمات و إعانات السيما للضعفاء
املهمشا ا ااين ،و لهذا فغالبا ما توصا ا ااف الدول التي تتوسا ا ااع بتقديم الخدمات الاجتماعية إلى مواطنيها بأنها
دولة رفاه ،و يكاد ينبطبق هذا التوصا ا اايف على الكثير من الدول املتقدمة التي تسا ا ااعى إلى تحقيق العدالة
الاجتماعية و الحد من الالمساواة.2
يبطلق على "دولااة الرفاااهيااة" أيض ا ا ا ااا اس ا ا ا اام "الاادولااة الرعويااة" و هي "هيئااة تاادعي الحق في إخض ا ا ا اااع الفرد
ً ً
وحقوقه إخض ا اااعا كامال ملص ا االحتها ،وتزعم بأنها املقاول أورب العمل الرئيسا ا ا ي ومزود املجتمع بالخدمات
التي يحتاجها في آن ،وبكلمات أخرى ،فإن الدولة الرعوية تساتحوذ على مهمات اقتصااادية شاااملة وتسااهر
على مص االحة املواطنين بتزويدهم بالخدمات ألاس اااس ااية كالص ااحية منها والتربوية وإلاس ااكانية .3يبدو أن
هذا التعريف ينير فقط الى دولة الرفاهية الاشتراكية غير الديمقراطية.
بجوار هااذه املفاااهيم الس ا ا ا ااالفااة الااذكر ،يص ا ا ا ااادف الباااحااث املهتم بموض ا ا ا ااوع الاادولااة الاجتماااعيااة مفاااهيم
ومص اابطلحات ال تقل ضاابابية وغموض ااا عن س ااابقتها ،كمفهوم "الطريق الثالث" أو ما يس اامى ب"اقتص ـاد
)1املرجع نفسه.
)2أنتوني جيدنز ،علم الاجتماع ،ترجمة فايز الصباغ ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت -لبنان ،البطبعة ألاولى تشرين ألاول (أكتوبر)
،8774ص.372 .
)3عامر رشيد مبيض موسوعة الثقافة السياسية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية مصطلحات ومفاهيم ،ص(087.نقال عن صفاء ِّ
صابر خليفة محمدين ،نموذج دولة "الرفاهية الاجتماعية" دراسة في إلاشكاليات واملآالت ،املجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية
والعلوم السياسية ،املجلد ،0العدد ،05يوليوز ،8788ص)807 .
49
الس ـ ـ ــوق الاجتماعي" ،1و مفهوم "الرفاهية الاجتماعية" ،2و مفهوم "الاقتص ـ ـ ــاد الاجتماعي و التض ـ ـ ــامني
" ،3و مفهوم "دولة الخدمة الاجتماعية"... 4إلخ
في محص ا ا ا الااة هااذه املقاااربااة املفاااهيميااة ،التي ارتااأينااا من خاللهااا إلامس ا ا ا اااك باااملفاااهيم "الزئبقيااة" للاادولااة
الاجتماعية ،وكشف عناصر التمايز بينها ،نصلص إلى ما يلي:
-أوال :أن الاختالف بين البا اااحثين ،و تها ااافتهم 5في توظيف و اس ا ا ا ااتعما ااال املفا اااهيم املتعلقا ااة با ااالا اادولا ااة
الاجتماااعيااة ،ناااجم من كون هااذه املفاااهيم غير محاااياادة ،ألنهااا تحماال في طياااتهااا ي ا ا ا ااحنااات إيااديولوجيااة
و خاض ا ااعة لذاتية الباحثين ،ذلك أن كل واحد منهم ينتقي منها ما ينتص ا اار به لخلفيته إلايديولوجية التي
يفكر و يحلل من خاللها ،حتى إذا تعذر عليه أمر الانتقاء ،اتجه إلى نحت مصاابطلحات بديلة ،تنسااجم مع
ميوالتاه الفكرياة و النيرياة ،و مثال هاذا الس ا ا ا اجاال حياال مفااهيم الادولاة الاجتمااعية نجده حاض ا ا ا ارا بين
الباحثين في العالم العربي و إلاسالمي.6
-ثــانيــا :تعاادد نماااذج و ص ا ا ا ااي الاادولااة الاجتماااعيااة ،7و عاادم وجود نموذج عااالمي متفق عليااه ،باال هناااك
نماذج مصتلفة غاية الاختالف ل"الدولة الاجتماعية" في دول عديدة .وكذلك مؤشا ا ا ارات القياس للحكم.8
)1أنير :أحمد فراس العوران ،اقتصاد ألامن الاجتماعي ،املعهد العالمي للفكر إلاسالمي -هرندن فرجينيا -الواليات املتحدة ألامريكية،
البطبعة ألاولى 0534ه ،8705/مكتبة ألاردن-عمان ،ص ص.001-007 .
)2صفاء صابر خليفة محمدين ،نموذج "دولة الرفاهية الاجتماعية" ،...مرجع سابق ،ص.802 .
)3رشيد الزعفران ،التفاوتات الاجتماعية وتفكك الرابط في القرن 07وبزوغ مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ،مجلة مؤمنون بال
حدود.8788 ،
)4أحمد مسعود طاهر ،املدخل إلى علم الاجتماع العام ،دار جليس الزمان للنشر والتوزيع ،عمان ،البطبعة ألاولى ،8707ص.70 .
)5كمثال على هذا التهافت نسوق مثال روبير كاستل ،فتارة يستعمل مفهوم "دولة الرفاه" ،و تارة يبتعد عنه و ينتقده ،و يعتمد مفهوم
الدولة الاجتماعية ،و يقول عن ألاول" تعبير دولة الرفاه ينقل ظالما أكثر مما يجلب النور ،يحكم مسبقا عمل الدولة في املجال الذي ال يزال
يتعين تحليل طبيعتها ،و التأثيرات التي ال يمكن إال أن تكون ضارة" ،)Véronique Guienne…, op.cit. p. 205( ،كما يهاجم في مقال آخر
مفهوم "دولة الرعاية الاجتماعية" قائال ":ما نسميه "دولة الرعاية الاجتماعية" ،و إن كان من ألانسب تسميتها بالدولة الاجتماعية ،تفاديا
ألي داللة إحسانية ،إنما تتدخل قبل كل ش يء كأداة الختزال انعدام ألامن الاجتماعي" .أنير :روبير كاستل ،امللكية الاجتماعية ،ترجمة بشير
السباعي ،الحوار املتمدن ،العدد ،80/5/8787 ،1453تاريخ الولوج.8783/78/04 :
)6أنير تعقيبات لكل من محمود عبد الفضيل ،ص ،077 .وإبراهيم العيسوي ،ص ،038 .ضمن ،بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي
نيمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع املعهد السويدي باإلسكندرية ،تحث عنوان دولة الرفاهية الاجتماعية ،البطبعة ألاولى،
بيروت ،أيلول/سبتمبر.8771 ،
)7نور الدين علو ،الفلسفة ألامريكية املعاصرة ،مكتبة مؤمن قريش ،البطبعة ألاولى لبنان/كندا ،8701 ،صص ،02-00 .هامش رقم
.0
)8يذهب بعض الباحثين إلى أن مجرد وجود جهاز خدمات رفاه في دولة معينة يكفي لتعريفها كدولة رفاه .على النقيض من هذا التوجه
الذي يكتفي بحد أدنى من أجل تعريف دولة ما ك"دولة رفاه" ،هناك باحثون آخرون يشددون تحديدا على الفروق الكبيرة بين دول غرب
أوروبا و بين دول شمال أمريكا التي تسمى عادة دول رفاه .املرجع نفسه.
50
وال يصفى على أحد أن هذه التجارب في تبطور وتكيف مساتمر مع ألازمات واملستجدات ،تفرض اجتهادات
نيرية بمفاهيم جديدة.
زد على كال ماا تقادم غيااب نيرياة عن الادولاة الاجتماعية ،توجد املالمح بالتأكيد ،ولكنها ليس ا ا ا اات نيرية
باملعنى الدقيق للكلمة على حد تعبير كريس ا ااتوف راماوكس .1و لعل من أهم الاجتهادات النيرية الجديرة
بالذكر في هذا الس ا ااياق ،التص ا اانيفات الثالثة لدولة الرفاه التي وض ا ااعها غوس ا اابطا إس ا اابين -أندرس ا ااون في
كتابه "العوالم الثالثة" ،2و هي :دولة الرفاه الاجتماعي «الليبرالية» ،دولة نيام رفاه اجتماعي محافظ،
دولة نيام رفاه الديمقراطية الاجتماعية الشمولي
-ثـالثـا :يتفق البااحثون على ض ا ا ا اارورة تادخال الادولاة ،و أن املقولاة التااريصياة املش ا ا ا ااهورة "دعه يعمل دعه
يمر" ) "(laissez faire laissez-passerلم تعااد ممكنااة ،أمااام املش ا ا ا ااكالت الاجتماااعيااة التي أفرزهااا التبطور
الرأسمالي ،و تأكد ذلك مع كتاب "نهاية شعار دعه يعمل " 3سنة ،0781ل جون مينارد كينز ،غير أنهم
يصتلفون حول حاادود هااذا التاادخاال ،و ش ا ا ا اكاال هااذه الاادولااة املتاادخلااة في النش ا ا ا اااط الاقتص ا ا ا ااادي ،و الااذي
اختلف من حقب ااة ألخرى نتيج ااة تبطور املجتمع من جه ااة و من جه ااة ث اااني ااة بسا ا ا ا ااب تبطور العالق اات بين
أفراده ،فاااملجتمع في حركيااة مس ا ا ا ااتمرة بينمااا النيااام س ا ا ا اااكن لااذا يس ا ا ا ااعى املجتمع في كاال مرة إلى تكييف
تنييمه مع ما وص اال إليه من تبطور نتيجة تبطور وس ااائل إلانتاج؛ و عليه وجدت عدة أوص اااف من الدول
أخاذت تس ا ا ا ااميتهاا من الدور امللقى على عاتق الدولة من قبل املجتمع ،فانتقلت من الدولة الحارس ا ا ا ااة إلى
الدولة املتدخلة مرورا بدولة الرفاه ثم العودة من جديد إلى الدولة الضاببطة.4
في املحص ا ا ا االة ،يبقى "مفهوم الدولة الاجتماعية" على الرغم من ض ا ا ا ااعف انتش ا ا ا اااره للش ا ا ا اابهة التي الزمت
ميالده في أواخر القرن التاس ا ااع عش ا اار " ،محايدا" ،و أقرب إلى التعبير الس ا االيم في توص ا اايف طبيعة الدولة
امللقى على عااتقها الاهتمام باملس ا ا ا ااألة الاجتماعية ،الرتكازه على مبررات أخالقية و قانونية ،تفرض ـ ـ ـ ــها
العدالة الاجتماعية ،و ضــرورة التوزيع العادل للثروة ،5يكون القصااد منها دمج املواطنين و تعزيز هذا
الاندماج من خالل الاس ا ا ااتجابة ملبطالبهم و حقوقهم حتى البيئية منها ،6بصالف دولة الرفاهية التي يقال
1 ) C. Ramaux, «Quelle théorie pour l'État social ? », in L’Europe Qui se Fait, Gérard Boismenu et Isabelle Petit (dir.), Paris,
2008.PP. 25- 141.
2 ) Esping- Anderson, G. The Three Worlds of Welfare Capitalism, Cambridge : Polity, 1990.
و التنمية )4محمد عبد املومن ،املفهوم التبطوري للدولة الاجتماعية بين املضامين الاقتصادية و الاجتماعية ،مجلة الاقتصاد
البشرية ،العدد 01جوان ،8700صص.387 -371 .
)5عديلة كورثينا ،مواطنون في العالم نحو نظرية للمواطنة ،ترجمة علي املتوفى ،مكتبة ألاسرة ،8704 ،ص.47 .
6 ) B .Billaudot, « Une théorie de l’Etat social », Revue de la régulation [En ligne], 2 Janvier / January2008:
51
عنها« :دولة تظهر نفس ــها على أنها "دولة اجتماعية" " كمن يعطيك قطا على أنه أرنب ،»1س اايرا على
املثل إلاسباني".
يحلو للعادياد من املؤرخين العودة إلى العص ا ا ا ااور القاديماة ،للبحاث عن إلارهااص ا ا ا ااات ألاولى لجذور الدولة
الاجتمااعياة باأوروباا مناذ عهاد إلامبراطورياة الرومانية ، 2و هو رأي فيه نير ،ذلك أن الدولة الاجتماعية
و دورها في ارتببطت تاريصيا في ظهورها و تبطور أشا ااكالها بالفكر الليبرالي ،و بميالد الدولة الحديثة
مواجهة املش ااكالت الاقتصا اادية و الاجتماعية الناجمة عن تأثيرات الثورة الص ااناعية ،و ما ص اااحب ذلك
من أحداث ،كان لها بال ألاثر في وض ا ااع الدولة ،أمام مس ا ااؤوليتها الاجتماعية و إنهاء أدوارها الكالس ا اايكية
"كحارس" ،و كمحايد ،أمام املعضا ا ا ااالت املسا ا ا ااتعصا ا ا ااية التي وجد املواطن ألاوربي نفسا ا ا ااه فريسا ا ا ااة لها ،و
املرتببطة بتداعيات الحربين الكونيتين ،و الكس ا ا ا اااد الكبير في الثالثينيات .وهكذا س ا ا ا ااتيهر إلى الوجود أول
صاايغة لدولة اجتماعية في سااياق توحيد الدولة ألاملانية عام .0200إذ قامت في عهد املسااتشااار بساامارك
بتبطبيق أول نيام للتأمين الصاحي في العالم عام ،0223ونيام التأمين ضد الحوادث في عام ،0225ثم
نيام التأمين ض ا ااد العجز ومعاش ا ااات لكبار الس ا اان عام .0227وقد تم النير إلى هذه البرامج الاجتماعية
الرائاادة عااامل ًي اا في ذلااك الوقاات من جااانااب الحكومااة ألاملااانيااة باااعتبااارهااا أداة ،ليس فقط ملواجهااة التيااار
ض ا ا ا اا لتعزيز عملية بناء الدولة ألاملانية الاش ا ا ااتراكي ،أو ما كان يصا ا ا اافه بس ا ا اامارك بالتهديد ألاحمر ،وإنما أي ً
املوحدة وجمع والياتها ومناطقها املصتلفة ذات الحكم الذاتي واسا ااع النبطاق في أمة واحدة ،في إطار نيام
ملكي دستوري.3
كاانت النس ا ا ا ااخة ألاولية للدولة الاجتماعية بأملانيا محط اهتمام من طرف بايي دول أوروبا الغربية ،و في
مقاادمتهااا بريبطااانيااا ،التي اتجهاات نحو إقرار برامج للرفاااه الاجتماااعي ،منهااا نيااام الض ا ا ا امااان الاجتماااعي عااام
،0772و التأمين الص ا ا ااحي عام ،0700و عقب ص ا ا اادور تقرير بفيريدج عام ،0758و بداية تنفيذه ،كانت
بريبطااانيااا قااد تحولاات إلى نموذج كاااماال لاادولااة الرفاااه الاجتماااعي ،و هو النموذج الااذي تبنتااه غااالبيااة بلاادان
أوروبا بعد الحرب العاملية الثانية.
أما الواليات املتحدة ألامريكية ،و إلى حدود أزمة الكساد العييم ،0787ظلت تفتقر إلى أية سياسات
اجتماعية جادة يعتد بها للرفاه الاجتماعي ،و هذا مرده إلى عاملين أسا ا ا اااسا ا ا اايين بحسا ا ا ااب بول كروجمان:
يتعلق أح اادهمااا بهيمن ااة املش ا ا ا ااروع الحر ل اادى الس ا ا ا اي اااسا ا ا ا ااة ألامريكي ااة آن ااذاك من الحزبين ال ااديمقراطي و
History Review, New Series, Vol. 60, No. 2, (May 2007) p. 316.
)3بريجيت ه .شولتز ،العوملة والوحدة ،...مرجع سابق ،ص .41
52
الجمهوري ،في حين يتعلق الع ااام اال آلاخر ب ااالتن ااافر العريي ،جراء رفض الجنوبيين البيض تح اادي اادا ألي ااة
س ا ا ااياس ا ا ااة اجتماعية من ش ا ا ااأنها إعادة توزيع الدخل باعتبارها تص ا ا ااب في مص ا ا االحة العرقيات ألاخرى من
الس ا ا ا ااود و الالتين ، 1و لم تص ا ا ا اابح دولاة الرفااه الاجتمااعي حقيقاة قاائمة في الواليات املتحدة ألامريكية إال
بعد الحرب العاملية الثانية ،و ذلك إلى الحد الذي أشااار فيه الرئيس إيزنهاور إلى" أن أي حزب يس ـ ى إلى
إلغاء ما تحقق من هذه البرامج للرفاه الاجتماعي لن يكتب له البقاء في التاريخ الســياسـ ي ألامريكي".2
أما بالنس ا ا اابة لبلدان العالم الثالث ،فقد تبنت الكثير منها بعد اس ا ا ااتقاللها بش ا ا ااكل أو بآخر برامج الرفاه
الاجتمااعي ،تفااوتات فعااليتهاا من حياث نبطااقها وش ا ا ا اامولها فيما بين هذه الدول بحس ا ا ا ااب مس ا ا ا ااتوى نموها
الاقتصادي وتبطورها الاجتماعي.3
وعلى العموم ،يمكن القول بااأن الاادولااة الاجتماااعيااة كمفهوم ،وكحقيقااة واقعااة قااد ولاادت وتبطورت في
سياقات ثالثة ،يمكن إجمالها في:
أ) سـ ـ ــياق اقتصـ ـ ــادي واجتماعي :مرتبط بحركة التص ا ا اانيع التي س ا ا اااهمت في توس ا ا اايع الفجوة بين الرخاء
امل ااادي لألثري اااء والبؤس امل ااادي واملعنوي للبطبق ااات املحروم ااة ببل اادان أوروب ااا الغربي ااة ،فك ااان اات إلاج اااب اات
املحتملة على هذا الس ا ا ااؤال الاجتماعي تتمثل في نقل مس ا ا ااؤولية البطبقات املحرومة إلى الدولة .من خالل
"الترويج إلايجابي لرفاهية العمال" ،بتعبير بسمارك.4
ب) سـ ــياق إبس ـ ــتمولوجي :فرض ا ااه تبطور العلوم إلانس ا ااانية ،وخاص ا ااة العلوم الاجتماعية والنفس ا ااية التي
لعباات دورا مهمااا في لفاات الانتباااه إلى مس ا ا ا ااؤوليااة الاادولااة تجاااه القض ا ا ا ااايااا الاجتماااعيااة حيااث باادأ الاهتمااام
بمعضالة إلانساان الذي عصفت به التحوالت الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد أن كان الاهتمام
منصا اابا على النواحي امليكانيكية والاقتص ا ااادية البحثة .ويجسا ااد هذا التحول مقولة النمس ا اااوي (أوس ا ااكار
بوالك) ":إننا بأمس الحاجة إلى فلســفة إنســانية جديدة منطلقة روحيا وغنية بإنســانياها ،"5ولعل من
أهم العلوم التي كان إلاسا ااهام الفعال في هذا املجال علم الاجتماع الوصا اافي ،حيث أجريت مسا ااوح حول
)1بول كروجمان ،ضمير شخص ليبرالي ،ترجمة مجدى صبحى ،املركز القومي للترجمة ،مركز املحروسة للنشر ،القاهرة ،8702 ،ص ص.
.884 -883
)2املرجع السابق ،ص.27 .
)3أواليوال ارينوشو ،تصور عن نيم الرفاهة الافريقية ،ترجمة سحر املاوردى ،املجلة الدولية للعلوم الاجتماعية ،اليونسكو ،العدد ،057
يونيو ،0775ص ص .075 -77
4 ) Klaus R. Wenger, État social et Démocratie Conceptions et réalisations de l’idée d’État Social en République fédérale
d’Allemagne de 1949 à 1966, In L’Allemagne De Konrad A Denaure, Presses Sorbonne Nouvelle, Paris, 1982, PP. 96- 111.
)5جون فولكوف ،إلانسان و التحدي التكنولوجي(بحث في املعضالت الاجتماعية للثورة التكنولوجية) ،ترجمة سامي كعكي ،جار
البطليعة للبطباعة و النشر ،بيروت ،0707 ،ص.25 .
53
الفقر ،والببطااالااة ،والحوادث ،وألامراض التي يقاااس ا ا ا ا ي منهااا العمااال ،1باااإلض ا ا ا ااافااة إلى مس ا ا ا اااهمااات حقول
معرفية أخرى ،كعلمي الاقتصاد ،والفلسفة.
ج) س ـ ــياق حقو ي :بموازاة مع ذلك ،نمت ألافكار الخاص ا ااة بحقوق إلانس ا ااان تدريجيا التي تؤكد حقه في
حياة كريمة و مالئمة ،2وتكرسات ،بعد التنصايص عليها في إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان سنة ،0752
و بص ا ا ا اادور العهااد الاادولي للحقوق الاقتص ا ا ا اااديااة و الاجتماااعيااة و الثقااافيااة (الجياال الثاااني من الحقوق)، 3
اكتملات ألاس ا ا ا ااس القانونية و الحقوقية للدولة الاجتماعية ،و من ثم س ا ا ا ااار الربط بين مدى التزام و وفاء
الدولة بهذه الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية املعيار الرئيس ي في تصنيفها كدولة اجتماعية.
املحور الثــاني :مفهوم الــدولــة الاجتمــاعيــة في الس ـ ـ ـ ـيــاق املغربي وتجليــاتــه في النص ـ ـ ـ ــوص الــدس ـ ـ ـ ــتوريــة
والبرامج الحكومية
بعد هذه السا ا ا ااردية التاريصية املقتض ا ا ا اابة حول ميالد وتبطور مفهوم الدولة الاجتماعية بالفكر الليبرالي
وتجلياااتااه تنييرا وتنزيال بااالغرب الرأس ا ا ا امااالي ،يحق للمواطن املغربي التسا ا ا ا اااؤل عن حقيقااة هااذا املفهوم
"البطارئ" على الخبطاب الساياسا ي باملغرب ،هل يعبر عن إرادة ملحة وأكيدة للدولة في التعاطي مع الشااأن
الاجتماعي بروح املسؤولية ،املبنية على املقاربة الحقوقية على غرار ما تقدم الحديث عنه؟ أم أن مفهوم
الدولة الاجتماعية ال يعد أن يكون عنوان مرحلة ومجرد ش ااعار يرفع على ش اااكلة ش ااعارات س ااابقة ،ظلت
بعيدة كل البعد عن انتيارات املواطن؟
بصرف النير عن إلاشكاليات التي يبطرحها التحقيب 4والتصنيف ، 5فقد ظل مفهوم الدولة الاجتماعية
على مساتوى التنصايص حاضارا في جميع الدسااتير التي عرفها املغرب بدءا من أول دساتور ساانة ،0718
و التي كان و رغم التعديالت الدس ا ااتورية التي عرفتها البالد س ا اانوات ،0771 ،0778 ،0708 ،0707
)1عبد العزيز جاهمي ،الرعاية الاجتماعية العمالية في التنظيمات الصناعية ،مركز الكتاب ألاكاديمي عمان ،البطبعة ألاولى ،8701ص.
.12
)2املرجع السابق ،ص.10 .
)3أنير جرد وتحليل هذه الحقوق عند :كمال سعدي مصبطفى ،حقوق إلانسان ومعاييرها الدولية ،الناشر دار دجلة ،8707 ،صص-12 .
.20
)4حسن طارق ،تاريخ السياسات الاجتماعية باملغرب :محاولة في التحقيب ،مجلة فكر :العلوم الاقتصادية والقانونية والسياسية ،مج.
،8705ع 30 ( 3 .ديسمبر/كانون ألاول ، )8705ص ص.037 -084 .
)5يبدو أن املغرب ورث نيام الرفاه الاجتماعي املحافظ عن الاستعمار الفرنس ي؛ بحيث ترتهن الاستفادة من الخدمات الاجتماعية بولوج
سوق الشغل ،والانصراط في أحد أنيمة التأمين أو التقاعد أو التعاضد الفئوية ،صحيح أن املغرب ،تبنى سياسات اجتماعية في ميداني
التعليم والصحة والتكوين ،قائمة على شمولية الولوج ،من دون أي اعتبار للوضع البطبقي ،غير أن هذا إلارث الهش ،بدأت تبطبعه دينامية
تسليع وخوصصة ،منذ نهاية التسعينيات .أنير :رشيد بن بيه ،تصنيف نمط الرفاه الاجتماعي املغربي باعتماد منيور النوع الاجتماعي،
مجلة إضافات ،العدد ،57خريف ،8700ص ص.057 -081 .
54
من املفترض أن تساااهم في توضاايح معالم و أسااس الدولة الاجتماعية "املبشاار" بها ،بقي املفهوم غامضااا،
و ال يقوم على تصور واضح و معلن ،يمكن تناوله علميا و منهجيا وفق أدوات البحث العلمي.
وإذا ك ااان دس ا ا ا ااتور ،8700ق ااد كرس ه ااذا املبتغى الاجتم اااعي برأي الب اااحثين ، 1انبطالق ااا من ديب اااجت ااه
ومرورا بمجموعااة من الفص ا ا ا ااول (الفص ا ا ا ااول 2)...034 ،35 ،30 ،07 ،01 ،08 ،2 ،0التي تؤكااد الالتزام
بالتأساايس لدولة حاضاانة للجميع ،من خالل تحقيق العدالة الاجتماعية واملساااواة وتكافؤ الفرص ،و هو
املبتغى الاذي يتبطلاب الانبطالق من تحقيق العادالاة املجاالية في توزيع املوارد الوطنية من طاقات بش ا ا ا اارية
وموارد ماادياة وبنياات تحتياة ،وتعميم الاس ا ا ا ااتفاادة من الخدمات ألاس ا ا ا اااس ا ا ا ااية وتقريبها من املواطنين ،من
البطرق واملواص ا ااالت ،والتزويد باملاء الص ا ااالح للش ا اارب والكهرباء ،والخدمات الص ا ااحية من مس ا ااتش ا اافيات
ومساتوصافات ،ومدارس وغيرها ،فإن حصايلة مساهمة الدولة في تحمل أعباء "الاجتماعي" على مستوى
التنزيل كانت مصيبة لآلمال ،و ال يسامح املقال لبساط القول فيها ،حيث تكفي إلاشارة إلى خالصات تقرير
املجلس الاقتص ااادي و الاجتماعي و البيني لسا اانة ،8702في تقييمه لور الحماية الاجتماعية ،الذي ركز
على تفكك املنيومة من حيث الخدمات و الانس ا ا ااجام و إلانص ا ا اااف و الجودة ، 3مما يحملنا على الاعتقاد
على أن بالدناا لم تتجااوز بعاد منبطق الادولاة الحاامياة ،و أن الهوة بين النص والواقع ال تزال قاائماة ،و أن
املشكل ال يكمن في املفهوم ،بل يرتبط بمدى توفر إلارادة من عدمها.
يبدو أن مبطمح الدولة الاجتماعية سا اابق وأن سا ااعت إليه مجموعة من الفعاليات والقوى الوطنية خالل
الس ا اانوات التي أعقبت مباشا ا اارة رفع الحماية على اململكة املغربية ، 4و من غير شا ا ااك أن الهم الاجتماعي،
لم يكن غااائبااا في جميع البرامج الحكوميااة التي عرفهااا املغرب منااذ الاس ا ا ا ااتقالل إلى اليوم ،غير أن مفهوم
ال اادول ااة الاجتم اااعي ااة لم يعرف طريق ااه إلى الت ااداول الص ا ا ا ااريح و املكثف إال مع البرن ااامج الحكومي -8780
و ، 8781حيااث تردد ذكره كثيرا ،بجااانااب مفاااهيم لص ا ا ا اايقااة من قبياال الاقتص ا ا ا اااد الاجتماااعي
التضا ا ا ااامني ،و التماسا ا ا ااك الاجتماعي ،و العدالة الاجتماعية و التي هي من "عائلة" الدولة الاجتماعية منذ
البداية ،و اعتبر ثورة اجتماعية ،و مشــروعا مــخما للتحول الاجتماعي ، 5و باسااتقراء الصاافحات ألاولى
للبرنااامج ينجلي بعض الغموض الااذي يلف الاادولااة الاجتماااعيااة التي كثر التس ا ا ا اااؤل عن ماااهيتهااا باااعتبااارهااا
)1ياسين الهومات ،مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب وسط تنامي املبطالب الحقوقية ،مجلة قانونك ،العدد ،0555/0553 ،03يوليوز-
شتنبر ،8788ص ص.004 -72 .
واجتماعية". )2ينص الدستور املغربي في فصله ألاول على أن "نيام الحكم باملغرب نيام ملكية دستورية ،ديمقراطية برملانية
املصدر :الدستور الجديد للمملكة املغربية ،سلسلة املعرفة القانونية للجميع ،)48( ،الناشر :دار إلانماء الثقافي ،البطبعة ألاولى ،8700
ص( .07 .أنير أيضا منبطوق الفصول املشار إليها في الصفحات)47 ،37 ،82 ،84 ،85 ،83 ،80 :
)3الحماية الاجتماعية باملغرب ،منشورات املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية رقم ،8702/35ص.37 .
)4ياسين الهومات ،مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب ،...مرجع سابق.071 ،
)5البرنامج الحكومي ،8781 -8780أكتوبر ،8780ص.81 .
55
"دول ـ ــة تحمي املواطنين ،تض ـ ـ ـ ــمن كراماهم و تس ـ ـ ـ ــتجي ـ ــب ألولوي ـ ــاتهم ،من أج ـ ــل مغرب أقوى وأكثر
إنص ــافا" 1،لتكتمل الص ااورة مع املحور ألاول الذي يحدد الركائز ألاربع لهذه الدولة الاجتماعية ،و هي :
تعميم الحماية الاجتماعية ،دعم ألاسـ ـ ــر في وضـ ـ ــعية هشـ ـ ــاشـ ـ ــة ،رعاية صـ ـ ــحية جيدة تصـ ـ ــون كرامة
الجميع ،مــدرس ـ ـ ـ ــة عموميــة منص ـ ـ ـ ـفــة .وبااإمعااان النير في تفاااص ا ا ا اياال هااذه الركااائز كمااا وردت في البرنااامج
الحكومي ال يملااك الباااحااث إال التس ا ا ا االيم بااأهميتهااا ،غير أن املصاااوف وهواجس التنزياال تبقى قااائمااة ،كمااا
سيأتي بيانه.
قاد يباادو من الس ا ا ا ااابق ألواناه ،و من غير املنص ا ا ا ااف وض ا ا ا ااع تجربااة الادولااة الاجتماااعياة الفتيااة ،تحاث مجهر
النقد و التمحيص ،مع حكومة ألول مرة تفصااح عن هويتها "الاجتماعية" ،و كرساات كل مش اااريعها لتنزيل
هذا الور امللكي ،باعتباره رؤية ملكية سااديدة ،غير أن التجارب تصبرنا بأنه كلما كانت الانبطالقة مبنية
على أسااس متينة كلما كانت النتائج محمودة ،و مع ذلك ،نعتبر أن ما يروج من نقاشااات وآراء على ضااوء
ما تحقق إلى آلان ،قد يقود إلى بناء تصور عن ماهية هذه الدولة الاجتماعية ،و إلى أين تمض ي ،فإذا
ما ابتعدنا عن إلاعالم الرس ا ا اامي ،الذي يس ا ا ااوق لهذه الدولة ،و كأنها "املغرب لي بغيناه كاملين" ،2ال تزال
مواقف العديد من املتتبعين من ما يساامى بالدولة الاجتماعية محكومة بهواجس الشااك و الارتياب ،و ال
ييهر من تحليالت جلهم مااا يباادد املصاااوف و يبعااث على الاطمئنااان ،فهااذا الاقتص ا ا ا ااادي نجيااب أقص ا ا ا اابي
يصااف الدولة الاجتماعية "باملشــروع الجميل و العظيم" ،3لكن في نفس الوقت يتساااءل عن مدى توفر
مقوماتها السااياسااية( دولة الحق و القانون ،كما هو متعارف عليها عامليا ،و عقد اجتماعي) ،و الاجتماعية
( س ا ا ا ايااس ا ا ا اياة اجتمااعياة واض ا ا ا احاة املعاالم) ،و املاالياة (توفير موارد ماالياة لتمويلهاا ،من خالل إص ا ا ا ااالحات
ض ا ا ااريبية ،و إال أغرقت البالد في املديونية ،و رهنت القرار الس ا ا اايادي باملنيمات و املؤسا ا ا اس ا ا ااات املانحة)،
ليصلص في تحليله إلى أن الدولة الاجتماعية ش ا ااعار غير واقعي ،لغياب املقومات املش ا ااار إليها .4بينما يعتبر
عبد هللا س ا ا اااعف ،في معرض حديثه بامللتقى الثالث عش ا ا اار لش ا ا اابيبة العدالة والتنمية أن "الوص ا ا ااول إلى
مفهوم الادولااة الاجتماااعياة الش ا ا ا اااماال يس ا ا ا اتادعي تفكيرا مغاايرا ملااا هو س ا ا ا ااائااد" ،و "ال يمكن أن يبرز الوجااه
56
الاجتماعي للدولة إال بحكامة فاعلة وناجعة" .1لم يصتلف موقف عمر الكتاني عن سا ا ا اااعف في النير إلى
الدولة الاجتماعية من حيث كونها ثورة متأخرة تحتاج إلى إصالحات إلنجاحها.2
أماا باالنس ا ا ا اباة لعوام النااس ،فقاد خلق ش ا ا ا اعاار الادولاة الاجتمااعياة انتياارات عريض ا ا ا ااة لديهم ،ورفع من
منسوب تفاؤلهم ،خاصة مع بعض إلاجراءات التي تبدو إجرائية في تنزيل هذه الدولة ،واملتمثلة في الدعم
املباش ا ا اار على هزالته لألس ا ا اار ألاكثر تض ا ا اارر من أزمة كورونا ،والس ا ا ااجل الاجتماعي املوحد ،وور الحماية
الاجتماااعيااة...إلخ ،ورغم كاال مااا يقااال عنهااا اليزال املواطن املغلوب على أمره يتحلى بااالص ا ا ا اابر والتفاااؤل في
انتيار غد أفضل ،لكن الخشية كل الخشية أن ينقلب التفاؤل إلى يأس وخيبة أمل.
خاتمة
في حصاد هذا البحث ،يمكن الجزم بأن الدولة الاجتماعية ،التي أثارت زوبعة إعالمية ،و تصدر الحديث
عنهااا محاااور البرنااامج الحكومي ال تزال حلمااا بعيااد املنااال ،و "عربون حس ا ا ا اان نوايااا" ،فااالس ا ا ا اجاال التاااريخي
ليهور هاذا املفهوم و تبطوره ،و تنزيلاه على أرض الواقع بص ا ا ا اايغاه الثالثاة املعروفاة( النموذج البس ا ا ا ااماركي
املحااافظ ،النموذج البفيردجي/الاش ا ا ا ااتراكيااة الااديمقراطيااة ،النموذج الليبرالي) ،كمااا دلاات التجربااة الغربيااة
"بيئاة النش ا ا ا ااأة و التبطور" يفياد باأن ألامر تبطلاب إص ا ا ا ااالحاات جذرية حقيقية ،بدأت بما هو س ا ا ا ااياس ا ا ا ا ي ثم
و انتقلت إلى ما هو اقتص ا ااادي و اجتماعي ،و تحولت النيرة إلى "رفاهية" املواطنين من "الص ا اادقة
إلاحس ااان" ،الذي تمليه بواعث دينية و أخالقية ،إلى حقوق و تش ااريعات منص ااوص عليها ،قادت في نهاية
املبطاااف إلى بناااء الاادولااة الاجتماااعيااة على ركااائز و أس ا ا ا ااس متينااة بااالرغم من مااا يعتريهااا من أزمااات ،بعكس
الس ااياق املغربي الذي تبدو فيه تجربة الدولة الاجتماعية "جنينية" في بداية البطريق"،بش اارت" بها حكومة
رجال ألاعمال ،الحاض اانة ملواطنيها! ،و بعيدا عن لغة ألارقام و إلاحص ااائيات ،يمكن التس اااؤل عن حقيقة
و هااذه الاادولااة في ظاال تنااامي الببطااالااة و الهجرة ،و تاادني الاجور و اس ا ا ا ااتفحااال التفاااوتااات البطبقيااة
املجالية ،و أزمات التعليم و الصحة و السكن.
)1محمد الراجي ،ساعف ،جائحة "كورونا" تضع املغرب على أعتاب "الدولة الاجتماعية" ،هسبريس 82 ،غشت ،8787على املوقع:
،https://www.hespress.com/orbites/482460.htmlتاريخ الاطالع.8783/75/87 :
)2تصريح عمر الكتاني لفبراير تيفي ،بتاريخ ،8780 /72/04على املوقع ،http://www.Febrayer.com :تاريخ الولوج.8783/75/73 :
57
املصادر املراجع
باللغة العربية:
أبلبي (جويس) ،الرأس اامالية ثورة ال تهدأ ،ترجمة رحاب ص ااالح الدين ،مراجعة محمد فتحي خضا ار ،الناشا اار
مؤسسة هنداوي ،طبعة .8787
أرينوش ا ا ا ااو (أواليوال) ،تص ا ا ا ااور عن نيم الرفااهاة الافريقياة ،ترجماة س ا ا ا ااحر املااوردي ،املجلة الدولية للعلوم
الاجتماعية ،اليونسكو ،العدد ،057يونيو ،0775ص ص.075 -77 .
بدوي (أحمد زكي) ،معجم مصبطلحات العلوم الاجتماعية ،مكتبة لبنان -بيروت ،ط ،0702 ،0.طبعة جديدة،
.0728
بن بيه (رش ا اايد) ،تص ا اانيف نمط الرفاه الاجتماعي املغربي باعتماد منيور النوع الاجتماعي ،مجلة إض ا ااافات،
العدد ،57خريف ،8700ص ص.057 -081 .
بوعزة (البطيب) ،نقد الليبرالية ،البطبعة ألاولى 0537ه8777 -م ،الرياض -السعودية.
جاهمي (عبد العزيز) ،الرعاية الاجتماعية العمالية في التنييمات الصااناعية ،مركز الكتاب ألاكاديمي عمان،
البطبعة ألاولى .8701
جيدنز (أنتوني) ،علم الاجتماع ،ترجمة فايز الصااباغ ،مركز دراسااات الوحدة العربية ،بيروت -لبنان ،البطبعة
ألاولى تشرين ألاول (أكتوبر).8774 ،
جياادنز(أنتوني) ،البطريق الثاالااث تجااديااد الااديمقراطيااة الاجتماااعيااة ،ترجمااة أحمااد زايااد ومحمااد محي الاادين،
مراجعة وتقديم :محمد الجوهري ،مكتبة ألاسرة ،طبعة .8708
دالي (ماري) ،الرفاه ،ترجمة عمر س ا االيم ،ومراجعة سا ااعود املولى (سا االس ا االة ترجمان) ،الناشا اار :املركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة ألاولى بيروت ،كانون ألاول /ديسمبر .8704
الزعفران (رشا ا ا اايد) ،التفاوتات الاجتماعية وتفكك الرابط في القرن 07وبزوغ مفهوم الاقتصا ا ا اااد الاجتماعي
والتضامني ،مجلة مؤمنون بال حدود.8788 ،
س ااالم (جميل) ،قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية :النموذج ألاملاني دراس ااات حول نموذج اقتص اااد السا اوق
الاجتماعي ،سلسلة أوراق بحثية القانون وحول الاقتصاد ( ،)872/1معهد الحقوق ،جامعة بيرزيت.
شاولتز (بريجيت ه ،) .العوملة والوحدة ودولة الرفاهية في أملانيا ،ترجمة سعاد البطويل ،املجلة الدولية للعلوم
الاجتماعية ،اليونسكو ،العدد ،013مارس .8777
صااابر خليفة محمدين (صاافاء) ،نموذج دولة "الرفاهية الاجتماعية" دراس ااة في إلاشااكاليات و املآالت ،املجلة
العلمية لكلية الدراس ا ااات الاقتص ا ااادية و العلوم الس ا ااياس ا ااية ،املجلد ،0العدد ،05يوليوز ،8788ص ص.
.305 -817
طارق (حس اان) ،تاريخ الس ااياس ااات الاجتماعية باملغرب :محاولة في التحقيب ،مجلة فكر :العلوم الاقتص ااادية
والقانونية والسياسية ،مج ،8705 .ع 30 ( 3 .ديسمبر/كانون ألاول ، )8705ص ص.037 -084 .
عبد املومن (محمد) ،املفهوم التبطوري للدولة الاجتماعية بين املض ا ا ااامين الاقتص ا ا ااادية والاجتماعية ،مجلة
الاقتصاد والتنمية البشرية ،العدد 01جوان ،8700ص ص.387 -371 .
علو (نور الدين) ،الفلسفة ألامريكية املعاصرة ،مكتبة مؤمن قريش ،البطبعة ألاولى لبنان/كندا.8701 ،
58
العوران (أحمد فراس) ،اقتص اااد ألامن الاجتماعي ،املعهد العالمي للفكر إلاس ااالمي-هرندن فرجينيا -الواليات
املتحدة ألامريكية ،البطبعة ألاولى 0534ه ،8705/مكتبة ألاردن-عمان.
فولكوف (جون) ،إلانسان والتحدي التكنولوجي (بحث في املعضالت الاجتماعية للثورة التكنولوجية) ،ترجمة
سامي كعكي ،جار البطليعة للبطباعة والنشر ،بيروت.0707 ،
كاس ا ااتل (روبير) ،امللكية الاجتماعية ،ترجمة بش ا ااير الس ا ااباعي ،الحوار املتمدن ،العدد ،80/5/8787 ،1453
تاريخ الولوج.8783/78/04 :
كروجمان (بول) ،ض ا اامير ي ا ااخص ليبرالي ،ترجمة مجدي ص ا اابحي ،املركز القومي للترجمة ،مركز املحروس ا ااة
للنشر ،القاهرة.8702 ،
كمال سعدي (مصبطفى) ،حقوق إلانسان ومعاييرها الدولية ،الناشر دار دجلة.8707 ،
كورثينا (عديلة) ،مواطنون في العالم نحو نيرية للمواطنة ،ترجمة على املتوفى ،مكتبة ألاسرة.8704 ،
مس ااعود طاهر(أحمد) ،املدخل إلى علم الاجتماع العام ،دار جليس الزمان للنش اار والتوزيع ،عمان ،البطبعة
ألاولى .8707
الهومات (ياس ااين) ،مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب وس ااط تنامي املبطالب الحقوقية ،مجلة قانونك ،العدد
،0555/0553 ،03يوليوز -شتنبر ،8788ص ص.004 -72 .
الحماية الاجتماعية باملغرب ،منشورات املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية رقم .8702/35
الدسا ااتور الجديد للمملكة املغربية ،سا االسا االة املعرفة القانونية للجميع ،)48( ،الناشا اار :دار إلانماء الثقافي،
البطبعة ألاولى .8700
البرنامج الحكومي ،8781 -8780أكتوبر .8780
املغرب..لي بغيناه كاملين ،حصيلة السنة ألاولى للحكومة .أكتوبر .8788 -8780
موساوعة "اقتصااد الساوق الاجتماعي" ،الساياساات الاقتصاادية من ألالف إلى الباء ،مؤساسة كونراد أديناور،
سنة.8774 :
باللغات ألاجنبية:
Barre N., Economics of the Wefare State,( Oxford : New York University Press, 2004), PP. 60-
61.
Escoffre J. P, Lojkine P., Cathy S. , « L’état Social Mythe et Réalités », In Nouvelles Fondations,
2007/1 n°5, pp.56-64.
Esping- Anderson, G. The Three Worlds of Welfare Capitalism, Cambridge : Polity, 1990.
Francis, F., La fin de L’histoire, Commentaire, N° 47, Octobre, 1989, pp.457- 469.
Guienne V., « L’État social : les implicites d’un débat », In, Sociologie et sociétés, Volume 33,
numéro 2, automne 2001, PP. 203-216 .
John Maynard Keynes, The End of Laissez-Faire, London, Woolf, 1926.
Kessler D., Temin Peter., « The Organization of the Grain Trade in the Early Roman Empire »,In
)The Economic History Review, New Series, Vol. 60, No. 2, (May 2007
59
Klaus R. W., « État social et Démocratie Conceptions et réalisations de l’idée d’État Social en
République fédérale d’Allemagne de 1949 à 1966 », In L’Allemagne De Konrad A Denaure,
Presses Sorbonne Nouvelle, Paris, 1982, PP. 96- 111.
Ramaux CH. « Quelle théorie pour l'État social ? Apports et limites de la référence Assurantielle
Relire François Ewald 20 ans après L'État providence », In Revue française des affaires sociales
, 2007/1, pp. 13-34.
:مواقع إلكترونية
.8783/75/87 : تاريخ الاطالعhttps://www.hespress.com/orbites/482460.html
.2023 /75/73 : تاريخ الولوج،http://www.Febrayer.com
60
العدالة الاجتماعية من منظور نظريات العدالة الليبرالية
نوسباوم1 بروس أكرمان وأمرتيا ِسن ومارثا
محمد أوبلو
باحث في القانون
مقدمة
ال ُيعد مفهوم العدالة الاجتماعية وليد مرحلة الحرب الباردة إبان وجود صراع فكري وإيديولوجي بين
الحلف الاشتراكي من جهة والحلف الرأسمالي من جهة ثانية كما هو متداول ،بل للمفهوم جذور تاريصية
تعود إلى املرحلتين اليونانية وإلاسالمية ،وأهم املنيرين أفالطون وأرسبطو باليونان ،والفارابي وابن سينا
وابن رشد في الفكر إلاسالمي .ومن ثمة شاع تداول املفهوم في الفلسفة السياسية وألاخالقية بشكل كبير.
فإذا كان مفهوم العدل قد ُبرز مع أرسبطو الذي أصل ملفهوم العدالة وبين الاختالف القائم بين العدالة
التوزيعية والعدالة التصحيحية وأدخل مفهوم إلانصاف في مجال السياسية لتدارك ألاخبطاء التي يمكن
أن تنتج عن املالبسات الواقعية أثناء تبطبيق القانون داخل املجتمع .فإن املفهوم العربي للعدالة ،كما
رسمته آثار الفقهاء واملتكلمين والفالسفة ،يعكس إلى َح ِّد كبير النزعة إلانسانية العربية في حدود املتاح
مليا خالل العصر الوسيط ،بحيث كان الهاجس الذي يشغل بال جميع الفاعلين-آنذاك -هو ًّ
نيريا وع ًّ
ً كيفية الرفع من منسوب العدالة في الواقع ،بجعلها ً
وصفا صادقا للفعل السياس ي .2إن الفكر السياس ي
اليوناني وإلاسالمي لم يعرفا قبطيعة ابستيمية مع الفلسفات التبطبيقية املعاصرة التي تنهل من القانون
وألاخالق ،وبناء على هذا إلارث إلانساني التاريخي ،أثارت مسألة العدل وإلانصاف قضايا جوهرية في
الفلسفة السياسية املعاصرة السيما مع رولز وكميليكا ودوركين ونوسباوم وكوهين وسن وأخرين.
في الفترة الراهنة أي منذ الستينيات ،مع إصدار العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية .أخذت
العدالة الاجتماعية منحى أخر يتجسد في احترام حقوق املجتمع ومنح ألافراد عمال ومواطنين حقوقهم
ً
.1تشترك كل هذه النيريات في كونها تنبطلق من نيرية رولز سواء بالتجاوز وبالنقد أو بالدعم والتأييد .فقد أثارت نيريته في العدالة جدال
بدءا من وضعها الافتراض ي "الوضع ألاصلي "و"حجاب الجهل "كإجراءين تنفيذيين ،الى مبدئها في العدالة ً
واسعا حول مبادئها وأفكارها ً
الاجتماعية السيما الحرية واملساواة ،وأسسها الليبرالية ،حيث كانت ومازالت موضع نقا بين التيارات الليبرالية ألامريكية وألاوروبية .وقد
انصب النقا بين الليبرالية اليسارية املناهضة للفوارق وما تمثله من مصاطر على التماسك الاجتماعي ،وبين النيوليبرالية املناهضة للعدالة
التوزيعية.
ً
أسس رولز نيرية للعدالة كإنصاف على مبدأين أساسين هما أوال" :لكل يخص الحق ذاته والذي ال يمكن إلغاؤه ،في ترسيمة من الحريات
ثانيا" :ويجب أن تحقق ظواهر الالمساواة الاجتماعية ألاساسية املتساوية الكافية ،وهذه الترسيمة متسقة مع نيام الحريات للجميع ذاته"ً .1
والاقتصادية شرطين :أولهما يفيد أن الالمساواة يجب أن تتعلق بالوظائف واملراكز التي تكون مفتوحة للجميع في شروط مساواة منصفة
ً
بالفرص ،وثانيهما يقتض ي أن تكون ظواهر الالمساواة محققة أكبر مصلحة ألعضاء املجتمع الذي هم ألاقل مركزا (وهذا هو مبدأ الفرق)
ً "ِّ .1
يتبين أن رولز ال يرى ً
مانعا في وجود التفاوتات لكن شريبطة أن تكون في صالح فئة ألاقل حيا من الناس.
-2أمحمد جبرون وآخرون ،ما العدالة معالجات في السياق العربي ،بيروت ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة ألاولى،
،8705ص .020
61
كالرعاية الصحية والتعليم وضمان الحق في الشغل .عالوة على ذلك ،فمفهوم العدالة الاجتماعية يحيل
إلى النيام الاقتصادي والاجتماعي الذي تتم في إطاره عملية توزيع املوارد واملنافع والحقوق ذات البطابع
الاقتصادي والاجتماعي .وقد اختلفت نيريات العدالة في الفلسفة السياسية في تحديد ما هو عادل وما
هو غير عادل من منيور العدالة الاجتماعية بشكل يصعب التوفيق بينها ،لكن اجتمعت الفلسفة
السياسية املعاصرة على مبدأ املساواة في الحقوق أمام القانون .إال أن مبدأ املساواة أما القانون ال يعني
التساوي في الدخل والثروة ،وفكرة املساواة في الحقوق لم تريى بالعدالة إلى تحقيق املساواة التوزيعية
في ألاعباء واملوارد ،مما ساهم في خلق راببطة جدلية بين التصورات النيرية حيال العدالة الاجتماعية
وواقع التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية.
ُ ً
بناء على ما سبق ،فأهم قضية يعالجها هذا املقال تلخص في إلاشكالية التالية :إلى أي حد استطاعت
نظريات العدالة وفق املنظور الليبرالي أن تبلور نماذج تطبيقية تساعد في تقليص فجوة التفاوتات
الاجتماعية والطبقية لصالح الدولة الاجتماعية؟ وما العالقة القائمة بين هذه النظريات ذات املنظور
ً
الليبرالي والعدالة الاجتماعية؟ وهل مبادئ هذا املنظور فعال تفض ي إلى تحقيق العدالة؟
منهجية البحث :استعان الباحث أوال :باملنهج التحليلي النقدي الستنباط إجابات فالسفة الفلسفة
السياسية املعاصرة لتحليل نيرياتهم حيال العدالة الاجتماعية .ثانيا :باملنهج الوصفي لوصف املقترحات
النيرية التي تم تحليلها وفق مقاربة مقارنة لبطرح التباينات بين رؤية :سن ونوسباوم وأكرمان .ونقد هذه
الرؤية من زاوية مقارنة.
فرضيات البحث:
ً
ونيريا ملعالجة -0إذا كانت الفلسفة السياسية املعاصرة قد أنتجت نيريات ليبرالية مصتلفة منهجيا
مشكلة العدالة ،فإن النيريات قيد البحث حاولت أن تبلور نيريات نمبطية من شأنها إن دمجت في
سياسات عمومية أن تقلل من التفاوتات القائمة في توزيع الخيرات.
ْ
-8اختالف مرجعيات النيريات الليبرالية التي تناولت قضية العدالة ،أدى إلى ِإثبات أن دور الدولة يجب
أن يركز على تدخلها في املجال الاجتماعي لتقليل الفوارق البطبقية.
هيكلة البحث :تم تقسيم البحث إلى ثالثة محاور أساسية ،يتناول كل محور فقرتين .في املحور ألاول
سنتناول فيه العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند بروس أكرمان ،أما املحور الثاني
فصصص لبحث العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند مارثا نوسباوم ،بينما خصص
املحور الثالث لبحث العدالة الاجتماعية بوصفها تعزيز للقدرات عند ِسن .وتجد إلاشارة إلى أن البدء
بتحليل مقترح أكرمان يعود لكون هذا ألاخير -رغم خلفيته الليبرالية -ضد تراجع دور الدولة في امليادين
أصلت لنيريتها من الاقتصادية والاجتماعية .في حين تم تحليل نيرية نوسباوم في املحور الثاني ألنها َّ
خالل العودة إلى الفلسفة السيما فلسفة كانط .أما تحليل نيرية ِسن في املحور الثالث فيعود لكون ِسن
62
يجمع بين الديمقراطية والحرية والقدرات كحزمة لتحقيق العدالة .مما يعني أنه يقدم لنا رؤية تركيبية
تجمع بين الفلسفة والاقتصاد وعلم السياسية.
أوال :العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند بروس أكرمان
-1السياق النظري ملبدأ الحياد بوصفه ألية لتوزيع املوارد السياسية والاقتصادية
يستهل بروس أكرمان Bruce Ackermanالفيلسوف وأستاذ القانون الدستوري املبرز في جامعة ييل
ألامريكية ،في كتابه "العدالة الاجتماعية في الدولة الليبرالية" Social justice in the liberal stateبوضع
سؤال العدالة الاجتماعية في قلب عملية إسباغ الشرعية على السياسات العمومية للدولة .كما يتناول
فيه تقاليد الفلسفة السياسية يبدأ بأرسبطو ويمر بهوبز ولوك وروسو والعديد من املفكرين كرولز ونوزيك
وآخرين ،يبحث في دور الدولة أثناء تنييمها لسلوك ألافراد؛ ويحاول أن يضع نيرية معيارية للدولة.
ُ
يسلك هذا الكتاب املذكور أعاله ،مقاربة منهجية تسعى إلى استيعاب النموذج التوزيعي للموارد
الاقتصادية في إطار الدفع بالليبرالية الراولزية إلى أبعد مدى .ومن خالل توفير أساس جديد للنيرية
السياسية الليبرالية ،فالعدالة الاجتماعية في تصوره ترتبط بمصادر شرعية السلبطة ،فهو ُيقر في
أطروحته أنه يجب إعادة تنييم النيرية الليبرالية حول فكرة "الحوار املحايد " .وهكذا ،فإن النيرية
السياسية تدور حول توزيع السلبطة ،الخاصة والعامة.
عاما لنيريته يستند فيها إلى مبدأ تبرير السلبطة فالحديث عن العدالة هو الحديث فييضع أكرمان إطا ًرا ً
جوهر الصراع حول السلبطة .إن العدالة الاجتماعية حسب بروس ال يمكن أن تأخذ مسارها الحقيقي
داخل الدولة إال في إطار "الحوار املحايد" بين املواطنين ،لذلك نجده ُيقر أن املواطنون لديهم الحق
الكامل في املبطالبة بأن تكون جميع أشكال الارتباط الخاصة قائمة على املوافقة فقط في عالم تنيمه
سلبطة عادلة ً
تماما -حيث يمكن تبرير إطار املعامالت ونيام التعليم وتوزيع الثروة املادية والهبات الفبطرية
في حوار محايد ً
تماما.1
ً
عد مدخال للخيرات الاقتصادية ،نجد أكرمان ُيصر على أنه في مسألة توزيع الخيرات السياسية التي ُت ُ
يجب توزيع السلبطة بحيث يمكن لكل يخص الدفاع عن نصيبه في املحادثة ،ويصر ً
أيضا أنه يجب
أيضا الحجج الداعية إلى التفوق .إنه يقبل استبعاد تأكيدات التفوق من التحقيق الجاد ،أي يستبعد ً
التأكيد على أن الجميع على ألاقل جيد مثل أي يخص آخر وأن خبطة حياة أي يخص ال تتفوق ببطبيعتها
-فيلسوف أمريكي متصصص في الفلسفة السياسية والقانون الدستوري في جامعة ييل بالواليات املتحدة ألامريكيةُ ،وي َع ُّد اليوم أحد
أهم ألاسماء الفكرية املؤثرة في الفضاء ألانجلوساكسون ،من بين مؤلفاته :مجتمع أصحاب املصلحة املعنيين ،والعدالة الاجتماعية في
الدولة الليبرالية ..ومؤلفات أخرى عديدة.
1
- Ibid, p. 196.
63
على خبطة حياة أي يخص آخر .1وهذا ما يتماش ى مع "مبدأ الحياد" الذي يؤسس لنيريته في توزيع
املوارد.
تتجسد حجة أكرمان في املساواة على نهج مبدأ الحياد وفق تسلسل منبطقي ،يغبطي نواح عامة .إنه يعتقد
أن "مبدأ الحياد" هو املبرر الوحيد للسلبطة في أي مجتمع ،حيث يمكن ألي يخص أن يصوض حوا ًرا
ً
محايدا .يقول" :أنا على ألاقل جيد مثلك" .2ولكن العديد من الليبراليين ال يقبلون نقبطة بداية أكرمان.
فهم يعتقدون أن بعض ألايخاص متفوقون على آلاخرين وأن التوزيع غير املتكافئ للموارد املادية يكون
قائما بشكل صحيح من هذا التفوق.ً
ولشرح املساواة في الحياد يسوق أكرمان املثال الذي يتمثل في حالة سفينة الفضاء ،حيث نجد الحائز
أوال" بالقول إن "ألايخاص الذين يحوزون ً ً
على مكانه في ألارض يحاول تبرير مبدأ "من يأتي أوال يعمل
ً
أوال أفضل من أولئك الذين يحتلون املركز الثاني في الحيازة" .3وفق املثال أعاله ،فكل إنسان أثناء إقامته
على ألارض هو من ممثلي سفينة الفضاء بشكل خاص .مما يعني أن العدالة الاجتماعية ال تصضع ملنبطق
املبطالبة بموارد أكثر بناء على شرعية ألاسبقية في الحضور إلى ألارض .فاألولوية في الحضور ال تمنح
ألافضلية في التفوق.
-0منحة الحظ البدئي بوصفها مقترح لتحقيق العدالة الاجتماعية
يقترح بروس أكرمان في كتابه "مجتمع أصحاب املصلحة املعنيين" ،تأسيس «مساعدة عاملية
للمواطنة« تسمح بإعبطاء قاعدة مالية تكون بداية متساوية لكل شاب في سن الثامنة عشرة التي يحوز
عند بلوغها سن الرشد املدنية ،مهما كانت ظروفه الشخصية ،وذلك لكي يستبطيع دخول الحياة ومعه
ِّ
وسيمول رأس املال ألاساس ي هذا بقيمة 27777دوالر من ضريبة إضافية حيوظ حقيقية بالنجاح.
قيمتها 8في املئة على الدخل ويمكن كل واحد استعمالها كما يشاء ،لتمويل دراسة لخلق مؤسسة،
للمسكن ...إلخُ .4ويعد هذا تحيين لفكرة قديمة-تعود أصولها إلى توماس باين في القرن الثامن عشر-
يبدو أنها تنسجم على نحو ِّ
جيد مع نيرية دووركين .5ويتفق دووركين وأكرمان في مسألة تحقيق العدالة
1
-Lyle A. Downing and Robert B. Thigpen, «Ideology and Truth-Seeking in Liberal Theory: The Case of Ackerman's
"Social Justice in the Liberal State» , The Review of Politics , Jan, Vol. 46, No. 1, Cambridge University Press, 1984,p.49.
2
-Ibid,p.51.
3
- Bruce Ackerman, Social Justice in the Liberal State, p. 32.
-ليس من السهل ترجمة هذا التعبير وهو يتعارض بالتأكيد ،مع املجتمع الرأسمالي للمساهمين Shareholders.وهو ِّ
يرد إلى مجتمع متعاون
حيث يكون لكل واحد مصلحة في نجاح آلاخرين كلهم ،بدال من أن يأمل باالستفادة فقط من هذه النجاحات من دون أن يلتزم فعليا .وقد
أخذت حكومة طوني بلير في إنكلترا هذه العبارة واستصدم مشروع بروس أكرمان أنموذجا لخلق «استثمار دفاتر حساب البطفل( .كاترين
أودار مرجع سابق ،ص ).540
4 -كاترين أودار ،ما الليبرالية؟ ألاخالق ،السياسة ،املجتمع ،ترجمة ،سناء الصاروط ،بيروت :املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات،
البطبعة ألاولى ،8787 ،ص .540
-5ويل كيملشكا ،مرجع سابق ،ص.007
64
الاجتماعية من خالل التوزيع الضريبي ،ألنهما ينتميان إلى اليسار الليبرالي الذي يدافع عن تدخل الدولة
لإلشراف على سياسة التوزيع.
تكمن الغاية من سياسة الحظ البدئي كسياسات عمومية ممولة من الضرائب العامة ،في منح فرص
ً
لألقل حيا وللمعدمين من جهة ،وتعزيز املسؤولية لدى ألافراد داخل املجتمع في عالقاتهم باملال والنفقات
والاستثمار في مشارعهم املستقبلية من جهة ثانية .لذلك يقول أكرمان» الانتصارات والهزائم هي منا».1
يعود الحق لكل واحد في تقرير كيف يستعمل رأس املال البدئي هذا وأن يتحمل نتائج قراراته.
ً
ويهدف مقترح أكرمان إلى دمج املواطنون ألاقل حيا في الحياة الاقتصادية ،من خالل تعزيز مواطنة
املجتمع املدني .فكل مستفيد سيكون مسؤوال عن دفع هذه الا 27777دوالر إلى صندوق مشترك لكي
َ
تستبطيع إعادة التوزيع لألجيال املقبلة أن تستمر ،ف ِح َين يستفيد يخص من املساعدة البدئية ،سيصبح
ً
مسؤوال عن متابعتها لكي يستبطيع آلاخرون الاستفادة منها ً
وفقا ملبدأ أن العدالة في التبادل.2
وفي مسألة الضريبة بكونها مدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية ،فقد تناولها أكرمان في كتابه بعنوان "
وبين أن هناك احتيال وتهرب ضريبي من طرف السياسيين واملقاولين مجتمع أصحاب املصلحة املعنيين " ِّ
مما يجعل أي إصالح ضريبي يصب في عدالة التوزيع بعيد املنال لكن ال ينبغي لنا -حسب أكرمان -أن
ً
مدافعا عن تقنين نتصلى عن الجهد املبذول الستصدام الضرائب لتحقيق العدالة الاجتماعية .3وأضاف
ً الضريبة لتكون ً
موردا قا ًرا يساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية ،قائال " :وفيما يتعلق بالضرائب وإلانفاق،
كانت املحكمة أكثر حذ ًرا .رغم أن هناك جملة من ألاسباب والقرائن ،التي يمكن أن تجعل املحكمة
تقليديا على مر القرون -من خالل دعم سلبطة ً تستجيب ملبادراتنا الضريبية كما استجابت -املحاكم
الحكومة الفيدرالية الستصدام أدوات الضرائب لتعزيز رؤية ألاغلبية للعدالة الاجتماعية.4
موضحا أننا نتحدث بلغة العدالة .لكن مجموعة ثانية من ً ويسترسل أكرمان في تحليله ملسألة الضريبة
الحجج تصبح متاحة بمجرد أن نحول شروطنا إلى أسئلة الكفاءة والحياد الضريبي .كما يصبرك أي
اقتصادي ،فإن ضريبة الرواتب تفرض خسارة "ثقيلة" على اقتصادناً .
نيرا ألن العمال يساهمون بقيمة
أكثر من 04باملائة من أجور الساعة إلى صندوق الضمان الاجتماعي ،فال يمكنهم أخذ مساهمتهم الهامشية
الكاملة في الاعتبار .على سبيل املثال ،إذا كان العامل يستصلص 07دوالرات للساعة ،فإنه يحصل على
2.47دوالرات أمريكية فقط بعد أن تم خصم الضريبة على الرواتب .وهذا بدوره يشو قرار كل يخص
بشأن مدى صعوبة العمل.5
65
وفي نقا أكرمان مع ألاطروحات الليبرالية الجديدة ،مثل أطروحة مايكي كوس Mikey kausالذي يدافع
عن املولود الجديد املوسوم ب ا ا ا "الالتزام املدني" .إذ ُيقر في كتابه "نهاية املساواة" 1إلى زيادة عدم املساواة
الاقتصادية باعتبارها سمة ال هوادة فيها للرأسمالية الحديثة ويحث التقدميين على الاستسالم لفجوة
ً
واسعة بين ألاغنياء والفقراء .بدال من إعادة تأكيد ألاهمية ألاخالقية للعدالة التوزيعية ،كما ُيقر أنه
ً
يجب أن نهدف إلى جعل هذه التفاوتات البطاحنة أكثر قبوال.
يرفض أكرمان أطروحة كوس ألنها ال تهدف إلى إعادة توزيع املوارد الاقتصادية أكثر ما تدافع عن تنشيط
الحياة الديمقراطية في ألاماكن العامة ،وال تتوىى إعادة توزيع الثروة الخاصة .2ونجد ويل كيملشكا
William Kymlickaيتبنى نفس طرح أكرمان ،قائال" :فلماذا يذهب البعض إذن إلى أن "املساواة
الاجتماعية" بديل للمساواة الليبرالية عوض أن تكون ً
افدا لها؟ ملاذا يعتقد البعض أن السبيل الوحيد ر
لتحقيق املساواة هو في التضحية بحق ألافراد في العدالة التوزيعية؟ 3وتجدر إلاشارة إلى أن مشروع
أكرمان ،تم تبطبيقه في بريبطانيا في عهد حكومة توني بلير لخلق استثمار دفاتر حساب البطفل .حيث
اقترحت الحكومة ألول مرة في عام ،8770إنشاء صندوق ائتمان البطفل ،يستهدف جميع ألاطفال
ببريبطانيا السيما املنحدرين من أسر ضعيفة الدخل .وهو صندوق قائم على الادخار ألنه حساب توفير
لألطفال ،كما يمنح لهم إمكانية الوصول إلى منحتهم عندما يبلغون ثمانية عشر ً
عاما من العمر 4.وهذا
يفيد أن نيرية أكرمان ساهمت في تغير وظيفة الدولة ببريبطانيا وجعلتها تنحو منحى اجتماعي.
50220 الجدول رقم ( )1يومح أقسام املنحة كما هي في مشروع حكومة توني بلير سنة
-يرى كوس مثال أن على الليبراليين التصلي عما يسميه "املال الليبرالي" أي التوزيع املتساوي واعتناق ما يسميه ليبرالية مدنية تتوىى
املساواة الاجتماعية أو "املساواة املدنية الديمقراطية".
1
-Mickey Kaus, The End of Equality, Basic Books,1992.
2
- Bruce Ackerman And Anne Alstott, The Stakeholder Society, op, cit, p p .873-878.
-3ويل كيملشكا ،مدخل إلى الفلسفة السياسية املعاصرة ،ترجمة منير الكشو ،تونس :دار سيناترا املركز الوطني للترجمة ،البطبعة ألاولى،
،8707ص .840
4
-Lee Gregory and Mark Drakeford, “RESEARCH NOTE: Social Work, Asset-based Welfare and the Child Trust Fund, The
British Journal of Social Work” , Oxford University Press, Vol. 36, No. 1, 2006, pp. 149-157.
5
-Ibid, pp. 149-157.
66
كصالصة ملا سبق ،نستنتج من خالل تحليل مقترح أكرمان أن هناك مجموعة من املقترحات التي يمكن
أن تقوي أدوار الدولة في املجال الاجتماعي لتحقيق العدالة منها:
-0الدفع بمبدأ الحياد كمدخل للنقا داخل الدولة لتحديد دور كل طرف وللقبطع مع النمط
الاستبدادي للدولة الذي يسعى للهيمنة على السلبطة دون توفير الحد ألادنى للشرائح الاجتماعية.
-8ضرورة مراجعة النيام الضريبي ونيام التشغيل لكونهما مداخل للحد من تفش ي الفوارق الاقتصادية
والاجتماعية داخل املجتمعات .أي البد من توسيع أدوار الدولة في املجاالت الاجتماعية.
-3العمل على محاربة الاحتيال والتهرب الضريبي املتفش ي من طرف السياسيين واملقاولين لضمان إصالح
ضريبي يصدم عدالة التوزيع الستصدام الضرائب في تحقيق العدالة الاجتماعية .إن هذه الانتقادات
ً ِّ ُ
املوجهة للدولة ت ِّبين القصور املتأصل في قدرة الدولة عن تحقيق أهدافها ( )...فعبثا يقلب القارئ النير
في مؤلفات معيم الفالسفة الليبراليين اليساريين (رولز ،دوركين ،كوهين ،رويمر ،آرنسون ،أكرمان) .لكي
ييفر بجواب حول إن كانت الدولة تستبطيع تحقيق مبادئ العدالة التي يدافعون عنها وإلى أي مدى
تستبطيع ذلك.1
ثانيا :العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند مارثا نوسباوم
-1السياق النظري لنظرية نوسباوم
إذا كان بروس أكرمان قد دفع بنيرية رولز عن العدالة إلى أبعد مدى من أجل اقترح تصورات نيرية
تساهم في الحد من الفقر والتفاوتات الاقتصادية ،فإن مارثا نوسباوم أيضا حاولت أن تصوغ نيريتها
ً
منبطلقة من نيرية رولز ،وقد رأت أنه ينبغي عليها تقديم نيرية في العدالة خاصة بها ،من أجل معرفة
أوجه القصور التي أحدثتها نيرية رولز ،أو بمعنى أدق من أجل الوقوف على املشكالت التي تعرضت لها
نيرية رولز ال سيما في الجانب التعاقدي حيث يتم جمع جميع الناس في سلة واحدة بكونهم عقالء
وتجمعهم املصلحة املشتركة .من هنا يمكننا القول ،بأن نيرية نوسباوم في العدالة جاءت لتكميل نيرية
رولز ،في بعض جوانبها التي ترى أنها ماتزال ناقصة السيما ما يتعلق منها بحقوق ذوي إلاعاقة والنساء
واملسنين .لذلك وجهت نقدها إلى نيريات العقد الاجتماعي الحديثة التي وظفها رولز ً
نيريا لبلورة نيريته
العدالة كإنصاف .وترى أن هذه النيريات تتصيل وكالء املساومة الذين يصممون البنية ألاساسية
للمجتمع على أنها تتكون من مواطنين أحرار ،ومتساوون ،ومستقلون" ،وكما أنهم "أعضاء متعاونون
بالكامل في املجتمع على مدى حياة كاملة" .وتصنف مثل هذه املقترحات بصدد تحقيق العدالة
الاجتماعية ،أنها مجرد مقترحات غارقة في العقالنية املثالية.
ترى نوسباوم أن نهج القدرات يوفر إرشادات أفضل للقانون والسياسة العامة .وترى ً
أيضا أن البديل
الذي يمكن أن ُيقدم إجابات عن امليالم الاجتماعية هو "نهج القدرات" ،وهو نهج طورته ببطرق مصتلفة
67
إلى حد ما في الفلسفة ،واعتمدت في ذلك على أفكار كانط من قبيل "وهكذا يمكن أن نضع ألامر العملي
ُ
على الصورة التالية« :افعل الفعل بحيث تعامل إلانسانية في يخصك وفي يخص كل إنسان سواك
َ ً
غاية في ذاتها ،وال تعاملها ً
أبدا كما لو كانت مجرد وسيلة"« .1و طوره بوصفها دائما وفي نفس الوقت
أمارتيا ِسن في الاقتصاد .ويركز استصدام ِسن لهذا النهج على القياس املقارن لنوعية الحياة ،على الرغم
أيضا بقضايا العدالة الاجتماعية ،وعلى النقيض من ذلك ،فقد استصدمت نوسباوم نهج من أنه مهتم ً
القدرات لتوفير ألاساس الفلسفي لحساب استحقاقات إلانسان ألاساسية التي يجب احترامها وتنفيذها
من ِق َبل حكومات جميع الدول ،كحد أدنى ملا يتبطلبه احترام كرامة إلانسان .السيما في مجال املرأة
والتنمية البشرية وفي مجاالت أخرى2.
ً
-0نهج القدرات أو التمكين بوصفه مدخال لتحقيق العدالة
ما هو نهج القدرات كما أسست له نوسباوم؟ "إنه نهج ال يرتبط ً
دائما بشكل كلي بالثروة والدخل ،حتى
عند توزيعها ،إنه نهج يأخذ بعين الاعتبار عناصر مثل متوسط العمر املتوقع ،ووفيات ألاطفال ،وفرص
التعليم ،وفرص العمل ،والحريات السياسية ونوعية العرق والعالقات بين الجنسين 3".وفي املقابل نجد
أداء ً
جيدا في الدخل الفردي النهج الذي يعتمد على مؤشر الدخل الفردي لتقييم أداء البلدان التي تحقق ً
سيئا ألنه ال يقيس مستوى كل عنصر من العناصر السالف ذكرها. من الناتج القومي إلاجمالي ً
تزعم نوسباوم أن أفضل نهج لتحقيق الحد ألادنى الاجتماعي ألاساس ي يتم توفيره من خالل نهج يركز
على "القدرات البشرية ،أي ما يمكن للناس فعله ً
فعليا وأن يكونوا على دراية به ويحفظ كرامتهم" 4 .وقد
حددت قائمة من القدرات البشرية املركزية ،بحجة أن جميعها متضمنة في فكرة حفظ وصيانة الكرامة
إلانسانية.
من وجهة نير نوسباوم يجب أن تكون القدرات التي سيتم تقديمها وإلاشادة بها ،موضوع إجماع متداخل
بين ألايخاص الذين لديهم مفاهيم شاملة مصتلفة عن الصالح العام .فالسعي وراء القدرات يهدف
ملعاملة كل يخص على أنه غاية وليس وسيلة أو أداة لتحقيق أهداف آلاخرين 5.عالوة على ذلك ،ترى
نوسباوم أنه "يجب فهم الهدف الاجتماعي من نهج القدرات بكونه يسعى لجعل املواطنين فوق عتبة
ْ
-1إيمانويل كانت ،تأسيس ميتافيزيقا ألاخالق ،ترجمة عبد الغفار مكاوي ،اململكة املتحدة ،مؤسسة هنداوي ،8787 ،ص.07
2
-Martha C. Nussbaum, Frontiers of justice: disability, nationality, species membership, Harvard University Press
paperback edition, 2007,p.07.
3
-Ibid,p.02.
4
- Ibid,p.07.
5
-Ibid,p.07.
68
اعتبارهم مجرد وسائل ألهداف آلاخرين ،مما يعني أن هدفها الاجتماعي الوحيد املهم :هو توفير توزيع
جزئي ومحدود للعدالة الاجتماعية".1
تقول نوسباوم بصدد نيريتها" :الفكرة البديهية ألاساسية لنسختي من نهج القدرات هي أننا نبدأ بمفهوم
الكرامة إلانسان ،وحياة تستحق تلك الكرامة -حياة يتوفر فيها أداء إنساني حقيقي" ،باملعنى الذي وصفه
ماركس في كتابه "املخطوطات الاقتصادية والفلسفية" عام )...( .1922ويأخذ النهج أيضا تأثيره من
هذه الفكرة ،وأصر على أن القدرات التي يحق لجميع املواطنين الحصول عليها كثيرة وليست واحدة ،وهي
فرص للفعل ،وليست مجرد كميات من املوارد .املوارد غير كافية كمؤشر للرفاه ،ألن البشر لديهم
احتياجات مصتلفة للموارد ،وكذلك قدرات متفاوتة على تحويل املوارد إلى وظيفة .وبالتالي ،قد يصتلف
ً
اختالفا ً
كبيرا في البطرق ألاكثر أهمية للعدالة الاجتماعية2. يخصان لديهما كميات متشابهة من املوارد
تسعى نوسباوم إذن ،للكشف عن أسس العدالة الاجتماعية وتفعل ذلك من خالل تعديد كل تلك
املقدرات التي يحتاج إليها إلانسانًّ ،أيا كان ليعيش حياة أقرب إلى الحياة البطيبة.3
أيضا ،إلى قياس العدالة من خالل سؤاله عن قدرة الدولة على تحقيق قائمة يهدف نهج القدرات ً
القدرات؛ ذلك ألنه نهج يسعى إلى تحقيق الرفاهية لجميع أفراد املجتمع ،وينير إلى العالم من خالل
منيور حقيقي ،ويبطرح تساؤالت تتعلق بكيفية تحقيق العدالة التي تعد من أهم الغايات التي يسعى إلى
تحقيقها .أضف إلى ذلك ،أنه يهدف إلى تحقيق نوع من التعاون الاجتماعي الذى يستبطيع من خالله
جميع أفراد املجتمع أن يعيشوا في عالم يسوده الود ،والذى يسهم في ارتقاء جميع املصلوقات ألاخرى؛ و
"مهما يكن من أمر فإن الهدف العام من نهج القدرات يتمثل في أنه ال يجب أن يتم عزل أي كائن حي أو
منعه من تحقيق فرصة التبطور والريي" .4وتتكون قائمة القدرات التي وضعتها مارثا نوسباوم من عشر
قدرات بشرية وهي:
-0القدرة على الحياة :وتعني القدرة على العيش حياة طبيعية إلى الوفاة .وأال يموت إلانسان قبل ألاوان.
-8القدرة على التمتع بالصحة البدنية :وتعني القدرة على التمتع بصحة جيدة ،بما فيها الصحة إلانجابية
و الحصول على الغذاء الكافي و الحصول على مسكن مالئم.5
-3القدرة على تحقيق التكامل الجسدي :وتعني القدرة على التنقل بحرية تامة من مكان إلى آخر ،وأن
يتمتع إلانسان باألمن والسالمة من الاعتداءات العنيفة (.)...
1
-Ibid,p.00.
2
-Ibid,p.04-05.
-3سري نسيبة" ،مقاربة التمكين من ِسن إلى نوسباوم" ،مجلة تبين ،املجلد ،00العدد ،8788 ،58ص 077
-4علي محمد عليان عبد الرزاق" ،العدالة عند مارثا نوسباوم" ،مصر :املجلة العلمیة لکلیة آلاداب-جامعة أسیوط ،املجلد ،00العدد
،8704 ،45ص 057
5
- Martha C. Nussbaum, Frontiers of justice : disability, nationality, species membership, op. cit, p.76
69
-5القدرة على إلاحساس و الخيال و الفكر :بمعنى أن يكون إلانسان قادرا على استصدام ألاحاسيس
والخيال و التفكير (.1)...
-4القدرة على الشعور والخيال والفكر :القدرة على استصدام الحواس ،للتصيل والتفكير العقلي ()...وقدرة
أيضا على استصدام عقله ببطرق محمية بضمانات حرية التعبير فيما يتعلق بكل من الخبطاب الفرد ً
السياس ي والفني ،والحرية في ممارسة الشعائر الدينية.2
َ ُ َ ْ
-1القدرة على التصبطيط العملي :قدرة املرء على ت َمثل وتش ِكيل مفهوم الخير والانصراط في التفكير
النقدي الذي يتمحور حول التصبطيط لحياته.
-0القدرة على الانتماء :وتعني القدرة على العيش مع آلاخرين والاندماج معهم ،والاعتراف بالبشر آلاخرين
وإبداء الاهتمام بهم ،والانصراط في أشكال مصتلفة من التفاعل الاجتماعي؛ (حماية هذه القدرة تعني
حماية املؤسسات التي تشكل وتغذي مثل هذه ألاشكال من الانتماء ،وكذلك حماية حرية التجمهر والتعبير
السياس ي ).وينبطوي هذا على أحكام عدم التمييز على أساس النوع ،والجنس ،والتوجه الجنس ي ،والعرق،
والبطائفة ،والدين ،وألاصل القومي.3
-2القدرة على العيش مع الكائنات ألاخرى :وتعني القدرة على العيش مع الحيوانات والنباتات وعالم
البطبيعة .والاهتمام بها.4
-7القدرة على اللعب :وتعني القدرة على الضحك واللعب والاستمتاع باألنشبطة الترفيهية.5
-07القدرة على املساهمة في السيبطرة على البيئة السياسية والاقتصادية للفرد :ويشمل التحكم نوعين:
ألاول سياس ي وهو القدرة على املشاركة بفعالية في الخيارات السياسية التي تنيم حياة املرء؛ بما فيها
الحق في املشاركة السياسية وحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات .والنوع الثاني يتوجه للتحكم في
الخيرات الاقتصادية ،وهو القدرة على حيازة املمتلكات (ألاراض ي والسلع املنقولة على حد سواء).6
-2الرعاية الاجتماعية لذوي إلاعاقة واملسنين
من بين املسائل ألاساسية التي اهتمت بها نوسباوم ألنها تتقاطع مع العدالة الاجتماعية ،مسالة ذوي
ً ً
أوال بالسؤال عمن هم ذوي إلاعاقة؟ وقد أجابت قائلة :إنني عندما أتحدث عن ذوي إلاعاقة .اهتمت
ً
مقابال ً إلاعاقة ،فإنني ال أقصد بذلك رعاية كبار السن الذين يدفعون
ماديا من أجل حصولهم علااى
1
-Ibid,p.01.
2
- Ibid,p.01.
3
- Ibid,p.00.
4
- Ibid,p.00.
5
- Ibid,p.00.
6
- Ibid,pp.00-78.
70
ًّ
وبدنيا ،وتمكينهم من أجل أن يعيشوا حي اااة كريمة .1وأثناء منفعتهم ،وإنما أقصد رعاية املعاقين ًّ
ذهنيا
بحثها في النيريات التي تناولت العدالة ،السيما نيريات رولز وسن بهدف معرفة ما إذا كانت هذه
النيريات تولي الاهتمام بذوي إلاعاقة من عدمه في إطار العدالة الاجتماعية ،توصلت إلى نتائج مفادها
أصرت على ضرورة الاعتراف بحقوق أن هذه النيريات ال تمنح الاهتمام الكامل لحقوق ذوي إلاعاقة .لذا َّ
ًّ
وذهنيا ،وكذا بضرورة دعم القائمين على رعايتهم. املعاقين بدنيا
ومن أهم ألامثلة التي ساقتها نوسباوم للدفاع عن حقوق ذوي إلاعاقة ،البطفل جيمي الذي ترى أنه من
املحتمل أن يكون قاد ًرا على العيش بمفرده إلى حد ما والحصول على وظيفة .لكن والديه يعلمان أنه
سيحتاجهم طوال حياته ،أكثر من العديد من ألاطفال .لذا ترى أنه يجب على أي مجتمع الئق أن يلبي
احتياجات ألاطفال ذوي إلاعاقة من الرعاية والتعليم واحترام الذات والنشاط وصداقة ألاصدقاء .
عقليا ودعمففي نيرها يتبطلب التوزيع املنصف للعدالة إلانسانية الاعتراف باملواطنة املتساوية للمعاقين ً
أيضا الاعتراف بالعديد من أنواع إلاعاقة والحاجة والتبعية عمل العناية بهم بشكل مناسب .كما يتبطلب ً
جدا بين الحياة "البطبيعية السليمة"التي يعيشها الناس "العاديون" ،وبالتالي استمرا ية الفجوة الكبيرة ً
ر
وحياة ألايخاص الذين يعانون من إعاقات عقلية مدى الحياة .2وهذا العمل لن تقوم به جمعيات
املجتمع املدني إنما ستقوم به الدولة من خالل بلورة سياسات عمومية اجتماعية .مما يوضح أن
نوسباوم رغم نزعتها الليبرالية فهي تسعى إلى الدفاع عن توسيع أدوار الدولة لتشمل كل ما هو اجتماعي
ً
وترفض أن يبقى دور الدولة مرتببطا فقط بتوفير ألامن وحماية املعامالت الاقتصادية.
ُ ً
تباطا ً
وثيقا بقضايا العدالة بين الجنسين ،حيث إن رعاية املعالين إن مسألة رعاية ذوي إلاعاقة ترتبط ار
غالبا ما تقوم بها النساء .عالوة على ذلك ،فإن الكثير من أعمال رعاية املعال غير مؤدى عنها وال يتحصلً
النساء من هذا العمل أي أجر وال يعترف بها السوق كوظيفة .3وللدفاع عن حقوق ذوي إلاعاقة واملسنين
عليا علىُتقر نوسباوم أن مشكلة رعاية ألايخاص في حالة التبعية غير املتكافئة واسعة النبطاق ،وتؤثر ف ً
كل أسرة وفي كل مجتمع.
ُ
خالصة القول ،نستصلص أن نوسباوم تقر من جهة أولى ،بأن أي حياة ال تتأسس على القدرات أعاله،
هي حياة غير جديرة بكرامة إلانسان .وترى أن قائمة هذه القدرات العشر ،يمكن أن تكون أرضية لإلجماع
والاتفاق بين جميع الثقافات ،على غرار الاتفاقات الدولية التي تم التوصل إليها بشأن حقوق إلانسان
ألاساسية .عالوة على ذلك ،تؤكد من جهة ثانية ،أن نهج القدرات من وجهة نيرها ،ال يقل قيمة وأهمية
عن الصكوك الدولية بشأن حقوق إلانسان ،وما يعزز قولها هو ربط حقوق إلانسان ببطريقة مماثلة
بالكرامة إلانسانية لكل مواطن في كل أمة .وتقول في هذا الصدد ":في الواقع أنا أرى نهج القدرات على أنه
1
-Ibid, p .133.
2
- Ibid,p.134.
3
-Ibid,p.134.
71
نوع واحد من نهج حقوق إلانسان يبني ً
مكانا ً
مهما ملعيار احترام التعددية .1واعتبرت أن قائمة القدرات
مفتوحة وخاضعة للمراجعة املستمرة وإعادة التفكير .كما تعتقد أن خبطاب "املقدرات "و"الاستحقاقات "
ً ً
غموضا "من خبطاب العقل والحقوق.2 أكثر تداوال وفهما لدى عامة الناس ،وأقل "
ثالثا :العدالة الاجتماعية بوصفها تعزيز للقدرات عند ِسن
-1سياق نظرية العدالة عند ِسن
جاءت نيرية ِسن ضد نيرية دولة الرفاه التي تركز على الاقتصاد الرأسمالي الذي يسمح للدولة بأن
تضمن لكل أفراد املجتمع الحد ألادنى من مستويات املعيشة من خالل إعادة توزيع املوارد والضرائب
على شكل سياسات عمومية اجتماعية تشمل الجميع .وقد أسس لنيرية معيارية تقوم على مسألة ما
يجعل الحياة طيبة للكائنات البشرية .واقترح منهج القدرات لتبطبيق نيريته .وقد شكل كتابه "التنمية
حرية" أحد ألاسس النيرية والتفسيرية التي غيرت منيور املؤسسات الدولية لقياس مؤشرات التنمية.
َ
نجادل أنه إذا بسط رولز دور الدولة بصورة خاصة ،ف َد َّون في تنييره الليبرالي للعدالة الاجتماعية شروط
اضبطالع الدولة بدور اجتماعي .3فإن ِسن حاول أن ُيقدم بديل نيري يتجاوز بديل رولز ،واستنتج أن ما
يهم الناس هو قدراتهم؛ أي الحرية بأن يفعلوا ما يريدون ،وأن يكونوا كما يرغبون .وقد انبثق اهتمامه
بالقدرات من استيائه من قيود اقتصاد الرفاه ،وتشبثه بأن مقياس املجتمع الصالح يتجسد في معيار
قدرة الناس على الانصراط في أنواع من ألانشبطة وألاعمال ،وليست املوارد أو السيبطرة على السلع في حد
ذاتها ما يهم في تحديد جودة الحياة أو حتى العدالة .4فتجاوز ِسن لنيرية رولز يعود لكونها اهتمت بالبناء
املؤسساتي كمنهج لتحقيق العدالة وغيبت محددات السلوك الفردي.
أحيانا من سوء فهم أو سوءً يرى ِسن أنه من املهم توضيح سمات مقاربة القدرات بالنير إلى ما ينالها
تفسير .فهذه املقاربة تشير إلى نقبطة تركيز معلوماتي في تقييم ومقارنة املنافع الفردية الشاملة ،وال تقترح،
بحد ذاتها ،أي صي معينة لكيفية استصدام املعلومات بالفعل( )...وقد أتت مارثا نوسباوم وآخرون بعدد
من املساهمات املرموقة في السنوات ألاخيرة حول مسائل التقييم والسياسية الاجتماعية من خالل
الاستصدام القوي ملقاربة القدرة.5
ُُ ً َ ُ
َي ْعت ِرف ِسن صراحة بأن تفكيره في العدالة َي ْن َد ِر ُج في أف ِق تفكير رولز ،وخير دليل على هذا الاعتراف إهداؤه
كتابه فكرة العدالة إليه .لكنه يدعو في كتابه فكرة العدالة إلى تحويل وجهة السؤال في موضوع العدالة.
تصورهم بشأن النيام ألامثل الذي ِّ يقدموا ِّ ِّ
املفكرين في السابق أن ِّ
يحقق العدالة ،بينما فقد كان شغل
1
- Ibid,p.02.
-2سري نسيبة" ،مقاربة التمكين من ِسن إلى نوسباوم" ،مجلة تبين ،املجلد ،00العدد ،8788 ،58ص .77
-3ماري دالي ،الرفاه ،ترجمة ،عمر سليم التل ،بيروت :املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة ألاولى ،8704 ،ص .27
-4املرجع نفسه ،ص .60
-5أمارتيا صن ،فكرة العدالة ،ترجمة مازن جندلي ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،بيروت :البطبعة ألاولى ،8707 ،ص.337
72
يقترح ِسن أن يصاغ السؤال على النحو التالي :ما هي إلامكانات العملية لدعم العدالة وتقليص حاالت
جوهريا عن ِّ
نيريات العدالة التقليدية من كانط إلى ًّ اليلم؟ وعلى هذا ألاساس ،يرى أن مقاربته تصتلف
ِّ ً رولز ،في ثالث نقا :فهي ال ِّتدعي تقديم ِّ
تصور ملجتمع يتسم بالكمال"املدينة الفاضلة "أوال ،وتسلم بإمكان
تعدد الشرعيات في املوضوع الواحد ،وبتباين وجهات النير بما يلغي ادعاء طرف واحد امتالك الحقيقة ِّ
ً
ثانيا ،وتمنح ألاولوية للسلوك الفعلي لألفراد على دور املؤسسات في تحقيق العدالة .1والحالة هذه ،تبين أن
مسألة تحقيق العدالة صعبة املنال لكن هذا ال يمنع في التنيير والتفكير إليجاد حلول عملية قد تحد
على ألاقل من اليلم والجور.
إذا كان حال الديمقراطية في عالقتها بالعدالة تتأسس على مقتض ى الجدل الجوهري بينهما ،فإن هذا يعني
بالضرورة أن بينهما اشكاالت ومفاهيم مشتركة يجب العمل على توضيحها ،كما هو الشأن بالنسبة إلى
عالقتهما بالتنمية والسلبطة السياسية ،وكذا بمسألة الهويات وحقوق إلانسان .مع العلم أن ِسن ،لم تكن
غايته التفكير في مسألة العدالة والوقوف على ماهيتها ،وإنما الوصول إلى تشخيص أعراضها وتجلياتها في
نفس ألامكنة وآلافاق الثقافية املصتلفة التي تيهر فيها .بل إن ألاهم ،بالنسبة لهذا املفكر الهندي ،التركيز
بشكل خاص على املياهر املضادة للعدالة التي تعاني منها البشرية من ظلم وحيف وغصب وبغي وإثم
وتجاوز وإقصاء وهدر للحق واعتداء عليه .فما يحركنا إذن ،على نحو شامل .وحسب ِسن ليس هو مالحية
ً
عادال ً أن العالم لم يصل إلى أن يكون
تماما (من منا ينتير هذا؟) ،ولكن وجود ألوان من اليلم حولنا يمكن
تجنبها ،والعمل على اتقائها .وبالتالي "ال شك ،يمكن استصدام الديمقراطية لتعزيز العدالة الاجتماعية
وجعل السياسات أفضل وأعدل" .2
-0تنمية القدرات كنهج لتحقيق العدالة
ُيجادل ِسن أن الاشتغال على مستوى املؤسسات ،في التنيير للعدالة ،وهو ما يبطلق عليه املقاربة
املؤسسية املا -فوقية ،املرتببطة بنمط تفكير العقد اجتماعي السائد بتأثير من رولز ،ومن تأثر بهم ،کروسو
ً
قاصرا من وكانط ،في الفلسفة السياسية املعاصرة فيما يصص العدالة ،ييل (على الرغم من أهميته)
(سن) فيما يسميه ناحية عدم إيالئه «السلوك الفعلي للناس ،الاهتمام الكافي الذي يشتغل عليه هو ِ
املقاربة املا-تحتية» غير املنبطلقة من افتراض تأخذ به ألاولى ،إذ يقول إن هذا السلوك «متوافق مع قواعد
السلوك املؤسس ي املثالي .وعلى الرغم من أن ِسن ينوه بالجهد الذي قدمه رولز ومن قبله كانط خصوصا،
ً
اجتماعيا»، بشأن البحث في دور «الواجبات ألاخالقية أو السياسية التي ينبطوي عليها السلوك املناسب
فإنه يعيب عليه عدم النير إلى ذلك بوصفه أولوية في تحقيق العدالة إزاء املستوى املؤسس ي ،إذ ييل
- 1محمد الحداد" ،جدلية العدالة والحرية في ضوء الثورات العربية :الديمقراطية باعتبارها عدالة القرن الحادي والعشرون" ،مجلة
تبين ،املجلد ،8العدد ،8703 ،0ص43،
- 2أمارتيا صن ،فكرة العدالة ،مرجع سابق ،ص574،
73
ً
موضع تشكيك في ما يصص قدرته على مقاربة سعة التفكير التي تدعيها العدالة بوصفها انصافا .1لكن،
هذا ال يعني أن املؤسسات ال دور لها في تحقيق العدالة ،بل يرى ِسن أنه "بالرغم من أن مبادئ العدالة
في مقاربتنا هذه ال تعترف باملؤسسات ،بل بحيوات وحريات الناس املعنيين ،ال يمكن إال أن تلعب
مهما في السعي للعدالة .وإن لالختيار السليم للمؤسسات أهمية حاسمة في ً
مساعدا ً املؤسسات دو ًرا
مشروع تعزيز العدالة ،إلى جانب محددات السلوك الفردي واملجتمعي ،تدخل املؤسسات في املعادلة
ببطرق عديدة شتى .فيمكن أن تساهم مباشرة في طرق الحياة التي يستبطيع الناس اتباعها حسب مفهومهم
الفكري [الخاص] للقيمة .ويمكن أن تكون املؤسسات كذلك مهمة لتسهيل قدرتنا على تدارس ما قد
يهمنا من قيم وأولويات ،السيما من خالل فرص النقا العام (ويشمل هذا اعتبارات حرية الكالم وحق
املعرفة وكذا التسهيالت الفعلية للنقا املستنير باملعرفة واملعلومة)".2
وبناءا على الانتقادات التي وجهها ِسن لنيرية رولز في العدالة ،حيث َب َّين أن رولز لم يلتفت إلى أن العالقة
ً
بين فكرتي الخيرات ألاساسية والقدرات ألاساسية ،ذات أهمية حاسمة في جعل ألاولى ذات معنى حقيقي
يستبطيع املرء بمقتضاه الانتفاع بها (الخيرات) ،أي بمعنى التساؤل التالي :ما معنى أن يحصل على هذه
الخيرات من دون أن يكون قاد ًرا على توظيفها بصورة تحقق له أهدافه ،إن في مجال اللذة والسعادة
تقاء وال سيما أن الناس يتفاوتون في القدرات التي علينا املباشرتين ،أو في مجاالت أخرى أكثر تجاو ًزا وار ً
دائما ؟ فذلك يساعد ،بال شك ،على تحديد مواضع اليلم النسبية من أخذ املقارنات بينها بعين الاعتبار ً
أجل العمل على رفعها ،وفق سياسات التنمية التي من شأنها تمكين ألافراد من الانتفاع بالحريات
ً ً ً والحقوقً ،
واقعا ال صورة .3لذلك ،يقترح سن بدال من ذلك تغييرا في النموذج املعياري )paradigm
تغييرا من سلع إلى قدرات ،أو من سلع إلى ما تسمح قدرات الناس باقتنائه وصنعه .فالفرص أكثر أهمية ) ً
عنده من املوارد أو السلع التي تعد وسائل ال (غايات) .هناك رسالة واضحة في عمل سن في ما يتعلق
ً
بأهداف السياسات العامة ،ومفادها أنه بدال من إعادة توزيع الدخل والسلع ،ينبغي أن تركز هذه
ألاهداف على تعزيز القدرات .4السيما الحرية املكفولة بالدستور في نيام ديمقراطي تعددي ،ألن الحرية
السياسية في صورة ترتيبات ديموقراطية تساعد في تأمين وضمان الحرية الاقتصادية (خاصة التحرر
من مجاعة مفرطة) والحرية من أجل البقاء (أي ضد املوت ً
جوعا)".5
تمكينا ،والتمكين ،بوصفه تنمية بشرية ،في سياق التنمية الشاملة ً ُيقدم ِسن الحرية ،بوصفها قدرة أو
ً
املستدامة ،وهو بديل واقعي أكثر مرونة من مقاربة العدالة بوصفها إنصافا كما جاء بها رولز ،في تثبيتها
- 1محمد عثمان محمود ،العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياس ي املعاصر بحث في نموذج راولز ،بيروت :املركز
العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة ألاولى ،8705،ص303-308،
- 2أمارتيا صن ،فكرة العدالة ،مرجع سابق ،ص04،
- 3املرجع نفسه ،ص301 ،
-4ماري دالي ،الرفاه ،مرجع سابق ،ص 60
- 5أمارتيا صن ،التنمية حرية ،ترجمة شويي جالل ،الكويت :عالم املعرفة ،عدد ،8775 ،373ص57 ،
74
للحريات والحقوق ألاساسية ،وفق املبدأ ألاول للعدالة في نيريته ،ومن ثم العمل وفق املبدأ الثاني على
تمكين املواطنين من التمتع بها ،إال أن ِسن في مقاربته للتمكين ،بوصفه تنمية ،يسد ثغرة لم يلتفت رولز
إلى أهمية ملئها في مبدأ الفرق ،ألن ألاخير معني بالتمكين الاقتصادي والتوزيع العادل للثروة فحسب،
ألامر الذي ال يكفي ،على الرغم من أهميته ،الكتمال تحقيق العدالة الاجتماعية بالصورة املثالية التي
ً
تشتغل العدالة بوصفها إنصافا عليها.
يقترح ِسن مبدأ التنمية ،ال لتمكين الناس وتعزيز قدراتهم على ممارسة الحقوق والحريات فحسب ،وإنما
ً ً
لتوفير فرص أكثر عدال وإنصافا لتمكين ألاجيال الالحقة التي ال بد لنا من تحمل مسؤوليتنا ألاخالقية
تجاهها .عالوة على ذلك ،فمنبطلق مفهوم التنمية البشرية الذي يتبناه أمارتيا ِسن ،ينحو منحى اعتبار
الحريات مرادفة للقدرات ،فإن تحقيق العدالة الاجتماعية مرهون بتحقيق الحريات /القدرات ألاساسية
ِّ
لكل فرد في املجتمع ،وتوسيعها بما ُي َمكن كل فرد من اختيار الحياة التي يعتبرها قيمة .فإذا كان العمل
أيضا ومحو ألامية حرية وقدرة .ومن هذا املنيور ،فإن من مقتضيات وإلانتاج حرية وقدرة فإن التعليم ً
العدالة الاجتماعية توسيع نبطاق قدرات /حريات من ال يحيون بقدر معقول منها ،وتمكينهم من اكتسابها
ً أصال .1كما ُيعد الاهتمام بالحرمان النسبي ًً
أساسيا آخر من جوانب التحليل جانبا إن كانوا ال يملكونها
تعرضا للتمييز ،مثل ألايخاص ً بواسبطة "القدرات" ألنه يسلط الضوء على الفئات الاجتماعية ألاكثر
ذوي إلاعاقة أو النساء في املجتمعات الذكورية.2
نستنتج أن ِسن يرفض املقاربة التوزيعية املبنية على توزيع املوارد الاقتصادية كحصص على ألافراد كما
نير لها أكرمان من خالل منحة الحظ البدئي ،ويقترح أن يتم استهداف قدرات ألافراد في عملية التوزيع
لحفظ كرامتهم من جهة وملنحهم الحرية الكامل ليقرروا أولوياتهم ويصبطبطوا ملشاريعهم الشخصية وفق
اختياراتهم واحتياجاتهم الخاصة داخل سياقاتهم الاجتماعية والثقافية .مما يعني أن مقاربته هي تمكين
ألافراد في إطار الحرية واملساواة لتسهيل عملية تنميتهم وإدماجهم في الحياة .وتجدر إلاشارة أن نيرية
ِسن في القدرات تبنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومولوا مشاريع التنمية كقدرات وتمكين في
مجموعة من الدول منها :ميانمار ،كمبوديا ،كوسوفو ،بيرو .3كما عملت الدولة املغربية على تبطبيق
نيرية أمارتيا سن من خالل بلورة وتنزيل مشروع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية املعروفة اختصا ًرا ب
ً
NDHوهي مشروع تنموي انبطلق رسميا بعد الخبطاب امللكي في 02ماي ،8774ويستهدف تحسين ألاوضاع
الاقتصادية والاجتماعية للفئات الهشة والفقيرة وفق نيرية التمكين .فالتمكين يتعلق بالفرص
-1العيساوي إبراهيم ،العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية ،بيروت ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة ألاولى.8705 ،
،ص 083
2
- Laurence Fontaine, « La justice sociale selon Amartya Sen », Esprit , No. 368 , Octobre 2010, p.150.
-3كلمة السيدة كريستين الغارد ،مدير عام صندوق النقد الدولي" ،التمكين -محاضرة أمارتيا صن" ،لندن 1يونيو ،8705أنير:
https://bit.ly/44UUGDRتم الاطالع عليه بتاريخ 05ماي .8703
75
ُ
وفقا ملا َلديه من مواهب وقدرات ُمت َم ِّيزة.
الاقتصادية ،أي قد ة املرء على اختيار مسا ه في الحياة بحرية ً
ر ر
َ َ
والت َم ِكين يتلخص في القضاء على العقبات التي ت ُحول دون الازدهار إلانساني الحقيقي.1
خاتمة
حاولت نيرية مبدأ الحياد لدى أكرمان أن تسلط الضوء على مشكلة توزيع املوارد داخل املجتمعات،
تلك املشكلة املتمثلة في غياب الرؤية الكلية للتعاطي مع أسئلة الكفاءة والحياد الضريبي باعتبارها املدخل
ألاساس ي لتحقيق العدالة الاجتماعية .ال يعترف أكرمان ضمن حديثه عن العدالة بالسياسات الاجتماعية
التي تهدف لتعزيز الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية ،إال من خالل تأكيد إمكانية تعزيز املواطنة
وفق معادلة تحمل ألاعباء واملوارد في إطار املسؤولية والالتزام .ويعتبر أكرمان أن هذه املعادلة يجب أن
توج ُه أكرمان بالحظ البدئي والذي
تصبح املبرر الحقيقي إلعادة توزيع املوارد الاقتصادية .وهو مقترح َ
ً
يهدف إلى دمج املواطنون ألاقل حيا في الحياة الاقتصادية ،من خالل تعزيز مواطنة املجتمع املدني.
أما نوسباوم فقد أسست لنيريتها في نهج القدرات من خالل نقدها لنيرية رولز ألنها تتأسس على أفكار
مثالية ولم تأخذ حقوق ذوي إلاعاقة واملسنين على محمل الجد ،وانتقدت ً
أيضا نيريات املنفعة والرفاه
وفكرة التعاقد الاجتماعي ألنها تضع الجميع في سلة واحدة دون الانتباه إلى الوضعيات الاجتماعية لكل
صت على تضمين خيرات نيرية رولز ألاولية ونيرية الحقوق في نهج القدرات. فئة على حدة .إال أنها َح َر َ
ولتجاوز نيرية رولز أسست لعشر قدرات متوسعة في تحديد معنى "املساواة" و"الكرامة إلانسانية" في
كتاباتها لتضم ما ُيعرف بالحقوق بصفتها قدرات تتوىى التمكين لجميع الفئات ولجميع الثقافات وألامم.
أما ِسن ،فإن كانت غايته من نيريته في العدالة التي تتمثل في تحقيق التوزيع العدال للخيرات
بناء على نهج القدرات والتمكين املقرون بالحرية قريبة من غاية نوسباوم ،فإن وسيلة تحقيقها
هياستصدام الديمقراطية لتعزيز العدالة الاجتماعية وجعل السياسات أفضل وأعدل .كما ُيقدم ِسن
ً ً
تمكينا ،والتمكين ،بوصفه تنمية بشرية ،في سياق التنمية الشاملة املستدامة، الحرية ،بوصفها قدرة أو
ً
وهو بديل واقعي أكثر مرونة من مقاربة العدالة بوصفها إنصافا كما جاء بها رولز.
نرى أن الجمع بين هذه النيريات املذكورة ودمجها لتكون خلفية نيرية واحدة أثناء رسم وتصبطيط
السياسات العمومية الاجتماعية ،من شأنه أن ُيقلص من الفوارق البطبقية بين أبناء املجتمع الواحد.
ويؤسس لسياسة جديدة ترتكز على تعزيز العدالة الاجتماعية ،وتجعل الدولة تتدخل بشكل عقالني
لضمان الرعاية والحماية لألفراد .ألنه ال توجد حتمية ليبرالية أو نيو ليبرالية ،وإنما هناك تجارب إنسانية
يمكن استلهام الناجح منها ،في ظل السياق الاقتصادي العالمي املتسم بالاليقين.
76
املراجع واملصادر
باللغة العربية:
أودار كاترين ،ما الليبرالية؟ ألاخالق ،السياسة ،املجتمع ،ترجمة ،سناء الصاروط ،بيروت ،املركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة ألاولى.8787 ،
جبرون أمحمد وآخرون ،ما العدالة معالجات في السياق العربي ،بيروت ،املركز العربي لألبحاث ودراسة
السياسات ،البطبعة ألاولى.8705 ،
الحداد محمد" ،جدلية العدالة والحرية في ضوء الثورات العربية :الديمقراطية باعتبارها عدالة القرن الحادي
والعشرون" ،مجلة تبين ،املجلد الثاني ،العدد ألاول.8703 ،
دالي ماري ،الرفاه ،ترجمة ،عمر سليم التل ،بيروت :املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة
ألاولى.8704،
رولز جون ،العدالة كإنصاف إعادة صياغة ،ترجمة ،حيدر حاج إسماعيل ،بيروت ،املنيمة العربية للترجمة،
البطبعة ألاولى.8777 ،
صن أمارتيا ،التنمية حرية ،ترجمة شويي جالل ،الكويت ،عالم املعرفة ،عدد.8775 ،373
صن أمارتيا ،فكرة العدالة ،ترجمة مازن جندلي ،بيروت ،الدار العربية للعلوم ناشرون ،البطبعة ألاولى.8707 ،
عليان عبد الرزاق علي محمد" ،العدالة عند مارثا نوسباوم" ،املجلة العلمیة لکلیة آلاداب-جامعة أسیوط،
املجلد ،00العدد .8704 ،45
العيساوي إبراهيم ،العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية ،بيروت ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات،
البطبعة ألاولى.8705 ،
ْ
كانت إيمانويل ،تأسيس ميتافيزيقا ألاخالق ،ترجمة عبد الغفار مكاوي ،اململكة املتحدة ،مؤسسة هنداوي،
.8787
كلمة السيدة كريستين الغارد ،مدير عام صندوق النقد الدولي" ،التمكين-محاضرة أمارتيا صن" ،لندن 1يونيو
،8705أنير.https://bit.ly/44UUGDR :
كيملشكا ويل ،مدخل إلى الفلسفة السياسية املعاصرة ،ترجمة منير الكشو ،تونس ،دار سيناترا املركز الوطني
للترجمة ،البطبعة ألاولى.8707 ،
محمود محمد عثمان ،العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياس ي املعاصر بحث في نموذج
راولز ،بيروت ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،البطبعة ألاولى.8705،
نسيبة سري" ،مقاربة التمكين من ِسن إلى نوسباوم" ،مجلة تبين ،املجلد ،00العدد .8788 ،58
باللغات ألاجنبية:
Ackerman, Bruce A, Social justice in the liberal state, Yale University press,1986.
Ackerman, Bruce And Anne Alstott, The Stakeholder Society, Yale University,1999 .
Fontaine Laurence, « La justice sociale selon Amartya Sen », Esprit, No. 368, Octobre 2010.
Lyle A. Downing and Robert B. Thigpen, «Ideology and Truth-Seeking in Liberal Theory: The Case
of Ackerman's "Social Justice in the Liberal State» , The Review of Politics , Jan, Vol. 46, No. 1,
Cambridge University Press, 1984
77
Nussbaum Martha C., Frontiers of justice: disability, nationality, species membership, Harvard
University Press paperback edition, 2007.
Nussbaum, Martha C, “Capabilities and Disabilities: Justice for Mentally Disabled Citizens”,
Philosophical Topics, No2.Vol,30,2002.
Lee Gregory and Mark Drakeford, “RESEARCH NOTE: Social Work, Asset-based Welfare and the
Child Trust Fund, The British Journal of Social Work” , Oxford University Press, Vol. 36, No. 1, 2006.
78
«الدولة الاجتماعية» وإشكالية الرابط الاجتماعي في السياق املغربي
بدل مفهوم التنمية الذي كان سائدا في العقدين ألاخيرين (وتحديدا بعد اعتماد املبادرة الوطنية للتنمية
البشرية) .وعلى الرغم مما صاحب هذا التوجه الجديد نحو «الدولة الاجتماعية» من إصدار عدة قوانين
وتشريعات ذات الصبغة الاجتماعية ،2إال أن استحضار الوضع الاجتماعي للساكنة ،من خالل القراءة
العلمية ملصتلف مؤشرات التنمية البشرية وتأثيرها على الرابط الاجتماعي هو الكفيل بتمكيننا من فهم
واقع الحماية الاجتماعية باملغرب املعاصر أو ما يمكن تسميته بالنموذج املغربي «للدولة الاجتماعية».
لكننا لن نقتصر على املقاربة القانونية والتقنية في دراستنا لهذا املوضوع ،بالرغم من أهميتها ،بل
سنحاول أن نقارب نموذج «الدولة الاجتماعية» باملغرب في عالقته بإشكالية الرابط الاجتماعي.
تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة العالقة بين الدولة الاجتماعية والرابط الاجتماعي ،من خالل تحليل دور
السياسات العمومية ذات البعد الاجتماعي في بناء دولة املواطنة وتحقيق السلم والاستقرار الاجتماعيين.
كما تحاول فهم كيف يؤثر واقع الرعاية الاجتماعية في املغرب على مستوى ثقة املغاربة في املؤسسات
(من خالل مقارنتها بمؤشرات التنمية البشرية ومؤشر الثقة ومؤشر الرضا عن ألاداء) من جهة ،وعلى
1خصص البرنامج الحكومي الذي تم اعتماده خالل الوالية الحكومية 8781-8780جزءا مهما اللتزامه ألاول (أخذ املحور ألاول حيز 87
صفحة من الوثيقة) لتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية ،من خالل مدخل الحماية الاجتماعية (تعميم الحماية الاجتماعية ،إحداث الدخل
الاجتماعي لتماسك وكرامة ألاسر املغربية ،رعاية صحية لصون كرامة املواطن) ،ومدخل تنمية الرأسمال البشري (مدرسة تكافؤ الفرص،
الاهتمام بالثقافة والرياضة).
2دستور اململكة املغربية ،الفصول 30و08؛ ظهير شريف رقم 0.80.37صادر في 7شعبان 83( 0558مارس )8780بتنفيذ القانون إلاطار
رقم 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية ،الجريدة الرسمية ،عدد 04 ،1704أبريل 8780؛ظهير شريف رقم 0.88.14صادر في 37من ربيع
آلاخر 84( 0555نوفمبر )8788بتنفيذ القانون رقم 80.88القاض ي بتغيير وتتميم القانون رقم 14.77بمثابة مدونة التغبطية الصحية
ألاساسية ،الجريدة الرسمية ،عدد 0050مكرر 37 ،نوفمبر 8788؛ ظهيرا شريف رقم 0.87.44صادرا في 02من ذي الحجة 2( 0550
أغسبطس )8787بتنفيذ القانون رقم 08.02املتعلق بمنيومة استهداف املستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية
للسجالت ،الجريدة الرسمية ،عدد 03 ،1772أغسبطس 8787؛ مرسوم رقم 8.88.070صادر في 5جمادى ألاولى 87( 0555نوفمبر )8788
بتبطبيق القانون رقم 14.77املتعلق بالتأمين إلاجباري ألاساس ي عن املرض ،فيما يصص نيام التأمين إلاجباري ألاساس ي عن املرض الخاص
باأليخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك ،الجريدة الرسمية ،عدد 0050مكرر 37 ،نوفمبر .8788
79
التحوالت الاجتماعية ،خاصة في ما يرتبط بأشكال التضامن الاجتماعي من جهة ثانية .وهذا ما يجعلنا
نعيد التساؤل حول مفهوم الدولة في عمومه.
تأسيسا على ما سبق ،فإن السؤال املركزي لهذه الدراسة هو كاآلتي :إلى أي حد يؤثر ضعف واقع «الدولة
الاجتماعية» باملغرب على استمرار ألاشكال التقليدية للرابط الاجتماعي؟ وتستند هذه الدراسة إلى فرضية
مفادها أن ضعف «الدولة الاجتماعية» باملغرب يؤدي إلى الاستمرار في الاعتماد على التضامن الاجتماعي
القائم على روابط الدم والقرابة والانتماءات الدينية ،وفي املقابل يعيق الانتقال إلى بناء دولة قائمة على
مبادئ املواطنة والثقة والعدالة الاجتماعية.
يجعلنا البحث عن تعريف دقيق وواضح ملفهوم الدولة الاجتماعية نصبطدم بعدد من املفاهيم
واملصبطلحات املتداخلة واملتشابهة فيما بينها :فهناك إلى جانب الدولة الاجتماعية ،من يستصدم دولة
الرعاية الاجتماعية ،أو دولة الرفاه ،أو دولة الرفاهية الاجتماعية ،أو دولة الحماية الاجتماعية ،أو الدولة
الوطنية الاجتماعية.
يشير مفهوم الدولة الاجتماعية باألساس إلى عملية تدخل الدولة في الاقتصاد من أجل ضمان حياة آمنة
لجميع املواطنين ،من خالل توفير الوسائل الالزمة للنمو والتبطور بالنسبة لألفراد .1لكن ال يجب أن
نصتصر هنا مفهوم الدولة الاجتماعية في مجرد الحماية الاجتماعية ،فهو يعني بالدرجة ألاولى تدخل
الدولة في الاقتصاد ،وذلك لتمكين النيام الرأسمالي من الاستمرار ومقاومة النضاالت الاجتماعية للفئات
العاملة عبر تحقيق العدالة الاجتماعية التي تتجلى في توفير ظروف العيش الكريم (الصحة ،التعليم،
السكن ،التقاعد )...ومحاربة الفقر والتهميش وإلاقصاء الاجتماعي والفروقات غير املقبولة اجتماعيا بين
ألافراد والجماعات .وإلى جانب الشرط الرأسمالي ،هناك شرط الدولة ألامة ،بحيث تشكل هذه ألاخيرة
ً ً ً
خاصا من التنييم الاجتماعي متشابكا مع النيام الاقتصادي الرأسمالي ،وميهر أساس ي لوجود شكال
البطبقات في املجتمعات الصناعية الحديثة .2كما أن مفهوم الدولة هنا أساس ي لكونه يمكننا من التمييز
بين الخاص والعام ،فهناك عدة أنماط من الحماية الاجتماعية ،كالتي تقدمها ألاسرة واملؤسسات الدينية
وجماعات الحرفيين ،والتي تدخل ضمن ما يسميه روبرت كاستل «بالحمايات املقربة» (les
1جون ديكسون ووربرت شيريل ،دولة الرعاية الاجتماعية في القرن العشرين :تجارب ألامم املتقدمة في تكريم الانسان ،ترجمة سارة
الذيب ،بيروت :الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،8705 ،ص .03
2علي القادري« ،البنية الفكرية ملفهوم دولة الرفاهية» ،في :دولة الرفاهية الاجتماعية ،بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،8771 ،ص
.22
80
.protections rapprochées)1وهنا يمكن استحضار التعريف الشامل الذي قدمته آسا بريغز (Asa
) Briggsلدولة الرفاه:
ُ
«دولة الرفاه هي دولة تستصدم فيها السلبطة املنيمة بتأن وقصد (وعبر السياسة وإلادارة) في جهد
للتصفيف من تفاعل قوى السوق في ثالثة اتجاهات في ألاقل :أوال ،بضمان دخل أدنى لألفراد وألاسر
وبغض النير عن القيمة السوقية لعملهم أو ملكيتهم؛ ثانيا ،بتضييق مدى انعدام ألامان عبر تمكين
ألافراد وألاسر من تلبية أنواع معينة من "البطوارئ الاجتماعية" (كاملرض والشيصوخة والببطالة) التي تقود
من ناحية أخرى إلى أزمات فردية وأسرية؛ ثالثا ،بضمان أن كل املواطنين من دون تمييز في املكانة أو
البطبقة يحصلون على أفضل املستويات املتاحة في ما يتعلق بنبطاق معين متفق عليه من الخدمات
الاجتماعية».2
كما يبدو فإن للدولة الاجتماعية أربعة مرتكزات أساسية وهي :أوال ،الحماية الاجتماعية التي تعني مجموع
إلاجراءات التي تنصب في مجاالت التقاعد والصحة والببطالة وكذا ألاسرة؛ ثانيا ،تنظيم عالقات الشغل،
وتشمل الحق في الشغل واملفاوضات الجماعية في إطار التجمعات النقابية والنصوص القانونية التي
تتضمن سياسات التشغيل؛ ثالثا ،الخدمات العمومية ،وتشير إلى ألانشبطة التي توجه نحو العموم من
أجل إشباع طلب اجتماعي يهم الشأن العام .وأخيرا السياسات الاقتصادية وتضم سياسة الدخل
والسياسات النقدية والضريبية وسياسات التبادل التجاري والصناعي وغير ذلك.3
إن البحث حول مفهوم الدولة الاجتماعية ،يجعلنا أمام مجموعة من املحبطات التاريصية «املرجعية»
لتبطور هذا املفهوم .ففي املرحلة السابقة للدولة الاجتماعية التي تتحدد زمنيا في ما قبل ثمانينات القرن
التاسع عشر ،كانت املنيمات التبطوعية والدينية واملؤسسات الاجتماعية القائمة على روابط القرابة
والجوار هي املصدر الرئيس ي للرعاية الاجتماعية .4لكن مع الثورة الصناعية التي عرفها العالم الغربي منذ
نهاية القرن الثامن عشر ،أصبحت «املسألة الاجتماعية» خاضعة لقوى السوق ،بفعل التزايد املتسارع
للبطبقة العاملة ،5الش يء الذي خلف انفجارا ديموغرافيا صاحبه بروز مجموعة من املشاكل وألامراض
الاجتماعية كالببطالة ،والفقر ،وانتشار ألامراض وألاوبئة ،وتشغيل ألاطفال والنساء الحوامل ،والعمل
1
Robert Castel, L’insécurité sociale : qu’est-ce qu’être protégé?, Édition du Seuil et La
République des Idées, 2003.
2ماري دالي ،الرفاه ،ترجمة عمر التل ،بيروت :املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،8704 ،ص .002
3
Christophe Ramaux, L’État social : pour sortir du chaos néolibéral, MILLE ET UNE NUITS,
2012, p 8.
4جون دكسون وروبرت شيريل ،دولة الرعاية الاجتماعية في القرن العشرين :تجارب ألامم املتقدمة في تكريم إلانسان ،ترجمة سارة
الذيب ،بيروت :الشبكة العربية لألبحاث والنشر ،8705 ،ص .388
5محمد دويدار وعبد الهادي ودالل« ،تاريخ نشوء وتبطور دولة الرفاهية الاجتماعية والتحوالت البنيوية في اقتصاديات الدول املتقدمة
صناعيا» ،في :دولة الرفاهية الاجتماعية ،بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية ،8771 ،ص .004
81
لساعات طويلة ،وغياب السكن الالئق ،وانتشار السرقة ،والانحراف ،والدعارة ،والانتحار ،وتفكك
مؤسسة ألاسرة وغير ذلك .وهنا برزت مجموعة من التيارات الفكرية التي تدعوا إلى إصالح اجتماعي يقوم
على تدخل الدولة لضمان التماسك والتكامل الاجتماعيين ،والعمل على خلق مجتمع حر وعادل وأكثر
أمانا .1في هذا السياق ،ظهر النموذج ألاول للدولة الاجتماعية ،وتحديدا في مرحلة حكم بسمارك ،2فقد
كان التأمين الاجتماعي بمثابة عالمة فارقة على ظهور الدولة الاجتماعية ألاملانية .3وفي مرحلة العشرينيات
من القرن العشرين ،وتحديدا بعد أزمة ،3313ظهرت النيرية الكينزية التي دعت إلى تدخل الدولة في
النشاط الاقتصادي عن طريق سياسات عمومية ،من أجل دعم الفئات الفقيرة وتشجيعها على
الاستهالك .أما في فترة ما بعد الحرب ( )3370-3340فقد ظهر نموذج الرفاه الاجتماعي القائم على
مبدأ الشمولية الذي يعني «للجميع» ،ومبدأ الاتساع ،الذي يفيد حق املواطنين في الرعاية الاجتماعية
بمصتلف مداخلها .4فقد عرفت هذه املرحلة بالثالثين املجيدة ،حيث تميزت بتوسع الخدمات الصحية
وتوفير مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية ،كما هو الحال في مجال التعليم والسكن والعائلة
وألاطفال والشباب والعمل الاجتماعي وتوفير الرعاية للمرض ى واملواصالت.
كما ساهمت منيمة العمل الدولية ،من خالل املستويين السياس ي والقانوني ،في تحديد مبادئ عامة
من أجل التحقيق التدريجي لحق إلانسان في الضمان الاجتماعي ،حيث قامت بتصميم هيكل قانوني دولي
عام باالعتماد على الهيئات املكونة لهذه املنيمة على مدى 355عام من نشأتها ،وقد أصدرت 13
اتفاقية و 14توصية بشأن الضمان الاجتماعي ،أي ما يزيد على سدس املجموعة الكاملة من معايير
العمل الدولية؛ ويعتبر الضمان الاجتماعي بالتالي «أحد أبرز مجاالت أنشبطة منيمة العمل الدولية .وقد
أعلنت العديد من البلدان عن التزامها بتوفير الحق في الضمان الاجتماعي عن طريق املصادقة على
معاهدات حقوق إلانسان وصكوك منيمة العمل الدولية .وحتى في غياب املصادقة ،تستمر هذه املعايير
مع ذلك بإرشاد وضع ألاطر السياسية والقانونية الوطنية للحماية الاجتماعية ،إضافة إلى الالتزامات
الدولية بتوسيع نبطاق الضمان الاجتماعي ،ال سيما أهداف التنمية املستدامة لألمم املتحدة».5
82
« .2الدولة الاجتماعية» في السياق املغربي :تعدد البرامج وهشاشة الوضع الاجتماعي
إن تحليل مسار «الدولة الاجتماعية» في املغرب ،1يجعلنا نعود إلى قراءة مصتلف السياسات الاجتماعية
وأنيمة الحماية الاجتماعية التي تبنتها الدولة املغربية ،والتي يعود بعضها إلى مرحلة الاستعمار كنيام
التقاعد ،على سبيل املثال ،باإلضافة إلى مصتلف البرامج ومصبطبطات التنمية الاجتماعية التي عرفها البالد
خالل مرحلة الاستقالل ،باعتبارها نقبطة مركزية في تاريخ املغرب الحديث ،والذي عرف بناء الدولة
الوطنية بمؤسساتها الحديثة.
إن الحديث عن السياسات الاجتماعية في املغرب مرتبط بتلك اللحية التي لم تعد فيها شبكات التضامن
التقليدي التي تنهل من املرجعيات الدينية والاجتماعية والعائلية واملهنية ،قادرة على تدبير املجال
الاجتماعي الذي بدأ يصير أكثر تعقيدا وصعوبة .2وقد أقر حسن طارق بتواضع العمق التاريخي لتقاليد
السياسات الاجتماعية باملغرب ،ففي «املغرب ال نعثر طبعا على حقبة قد تعتبر مرجعية في تدبيرها
للسياسات الاجتماعية ،كما أن ضعف النقا العمومي حول "الاجتماعي" ال يفرز نماذج نيرية
متقاطبة».3
شهدت فترة الاستقالل ،إلى غاية سنة ،3361إنشاء صندوق املقاصة (سنة )3306بهدف حماية
القدرة الشرائية للفئات املعوزة ،ثم إنشاء إلانعا الوطني عام 3363الذي يشكل مكونا مهما في
شبكات ألامن الاجتماعي في املغرب .باإلضافة إلى ارتفاع معدل الولوج إلى التربية ألاساسية (انتقل معدل
التمدرس من % 37سنة ،3307-3306إلى % 46.7سنة ،)3364-3361والولوج إلى العالجات
الصحية سواء على مستوى نقل املرض ى أو على مستوى الاستشفاء .4ثم جاءت سياسات التقويم الهيكلي
( )3331-3361لترتكز على الحد من التدخل املالي للدولة في القبطاعات الاجتماعية ،حيث تم تقليص
النفقات املصصصة لتوفير الحاجيات الاجتماعية ،مما نتج عنه آثار سلبية على الشرائح الاجتماعية
الفقيرة والهشة ،من خالل تدهور ألاوضاع الاجتماعية وتفاقم حجم الفوارق الاجتماعية واملجالية.
1تجدر إلاشارة إلى أننا هنا نتحفظ عن استصدام مفهوم الدولة الاجتماعية في املغرب ،نيرا ألن هذا املفهوم يتبطلب توفر مجموعة من
الشروط واملقومات السياسية والاقتصادية التي ال نجدها في السياق املغربي ،هذا باإلضافة إلى أن املغرب يتبنى التوجه الاقتصادي
الرأسمالي ،حيث كان املغرب من بين امللكيات الليبرالية في العالم العربي ،من خالل تبنيه نموذج (رأسمالية الدولة) بعد الاستقالل .أنير:
Myriam CATUSSE, « Maroc : un fragile État social dans la réforme néo-libérale », in : Myriam
Catusse, Blandine Destremau et Eric Verdier (dir), L'Etat face aux débordements social au
Maghreb : Formation, travail et protection sociale, EDITIONS KARTHALA, 2009, p 187-
228.
2حسن طارق« ،تاريخ السياسات الاجتماعية في املغرب :محاولة في التحقيب» ،املجلة املغربية للسياسات العمومية ،8772 ،عدد مزدوج
،3-8ص .0
3املرجع نفسه ،ص .2
4املغرب املمكن :الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية ،8774 ،ص .77
83
كان هذا البرنامج عامال حاسما في تراجع املواطنة ،حيث كانت هذه ألاخيرة ،حسب محمد شقرون،1
تتأسس على نسق الاندماج الاجتماعي القائم على الوظيفة العمومية ،والتي تضمن للشباب تحقيق
الاستقالل الاقتصادي والاجتماعي من التبعية العائلية .لكن التبعات الاقتصادية لنيام التقويم الهيكلي،
أدى إلى عودة مكانة الرابط الاجتماعي ،خاصة القائم على ألاواصر العائلية ،وعلى القرابة بشكل عام.
فمن أجل الحصول على منصب شغل ،لم تعد الفئات الشابة تتوجه إلى العالقات الدوالتية القائمة
على املواطنة ،بل صارت تعتمد على النسيج الاجتماعي املحلي ،وعلى أشكال من التضامن ألاساسية.
أما الفترة املمتدة بين 3331و ،1550فقد عرفت إنشاء مجموعة من البرامج الوطنية ،التي تهدف إلى
تحسين الخدمات الاجتماعية والاقتصادية ألاساسية :كالبرنامج الوطني لبناء البطرق القروية
) ،(PNCRRوبرنامج تزويد الساكنة باملاء الصالح للشرب ) ،(PAGERوبرنامج الكهربة الشاملة
للعالم القروي ،والبرنامج الوطني للتمدرس .2عالوة على انبطالق استراتيجية التنمية الاجتماعية عام
،3331وإطالق الاستراتيجية الوطنية للقضاء على السكن غير الالئق سنة ،1553كما تم إنشاء
مجموعة من املؤسسات التي تسعى إلى محاربة بعض مياهر الفقر والتهميش ،كمؤسسة محمد الخامس
للتضامن ( ،)3333ووكالة التنمية الاجتماعية ( .)3333رغم تميز هذه الفترة بكثرة البرامج وتنوعها ،إال
أن املؤشرات ظلت سلبية وبقي العجز كبيرا مما سيؤدي إلى إلاقرار بحجم «املعضلة الاجتماعية» من
خالل إلاعالن عن املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في 36ماي 1550بهدف محاربة الفقر في املغرب،
و«تعزيز ما تحقق من مكاسب سياسية ،وذلك بالنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية،
ومحاربة الفوارق البطبقية واملجالية».3
حققت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية العديد من املنجزات في مجال التنمية القروية ومحاربة
التهميش ،4إال أن وقعها بقي محدودا على املستوى الاجتماعي ،خاصة فيما يتعلق بالولوج إلى البنيات
التحتية والخدمات ألاساسية (صحة ألاطفال وتمدرسهم) .فقد أكدت دراسة وقع املبادرة الوطنية على
مستوى العيش والتنمية الاجتماعية أن البرامج واملشاريع التي أنجزت في إطار املبادرة لم تحسن بشكل
1
Mohammed CHEKROUN, Citoyenneté et lien social au Maroc, Rabat : Faculté des Lettre et des
Sciences Humaines, 2010.
2املغرب املمكن ،مرجع سابق ،ص .078-070
3املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،املبادرة الوطنية للتنمية البشرية :تحليل وتوصيات ،الرباط ،8703 ،ص .03
4من حيث الكم ،تعد املنجزات التي حققتها املبادرة الوطنية غاية في ألاهمية؛ ففي مرحلتين ألاولى والثانية (الفترة املمتدة ما بين 8774
و )8705حققت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية حوالي 54.205مشروع بغالف مالي قدره 82.4مليار درهم ،وبلغت الحصة الخاصة
باملبادرة 01.7مليار درهم ومساهمة بايي الشركاء 00.0مليار درهم .أما من حيث توزيع املشاريع ،فإن 43.3باملئة منها أطلقت بالوسط
القروي ،و 53.1باملئة يهم الوسط الحضري .ومن حيث توزيع العمليات حسب القبطاعات الثالثة (التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية
والتجهيزات الاجتماعية ألاساسية) فإن قرابة 10باملئة من املشاريع في الوسط الحضري تهم التنمية الاجتماعية .وعلى العكس من ذلك ال
تبل هذه النسبة في العالم القروي سوى 32باملئة ،بينما تحتل املشاريع املتعلقة بتحسين ظروف الحياة حوالي 33.5باملئة .أنير :املرصد
الوطني للتنمية البشرية ،املبادرة الوطنية للتنمية البشرية :8705-8774الحصيلة واملكاسب ،ص .03-07
84
ملموس من وضعية أسر الجماعات القروية املستهدفة ،ونفس الش يء تم تأكيده بصصوص الفقر املتعدد
ألابعاد ،1إذ ال يوجد اختالف في املؤشرات املتعلقة بالفقر متعدد ألابعاد بين املناطق املستهدفة وغير
املستهدفة .كما أن البعدين الرئيسيين للتنمية البشرية املتمثلين في التعليم والصحة ،باعتبارهما عاملين
أساسيين للحد من انتقال الفقر بين ألاجيال ،غير متأثرين باملبادرة الوطنية للتنمية البشرية.2
كل هذا يبين أن املغرب قد عرف ،خالل تاريصه ،العديد من البرامج والتشريعات ذات البعد الاجتماعي،
لكن ما يزال فيه الوضع الاجتماعي مستعصيا ،ومازالت الفوارق الاجتماعية واملجالية بارزة ،وهو ما
تؤكده مصتلف التشخيصات التي أنجزتها املؤسسات الوطنية والدولية.
إن أول مشكل تعاني منه منيومة الحماية الاجتماعية باملغرب ،هو ارتكازها على قوانين وبرامج تقليدية
تعود في مجملها إلى مرحلة الاستعمار ،فال يزال قبطاع التأمين عن حوادث الشغل وألامراض املهنية ،على
سبيل املثال ،يدبر من طرف شركات التأمين ،والذي بدأ العمل به منذ سنة .3317يرتكز التأمين عن
ِّ
املشغل وإلزامه بتحمل التعويض، ِ حوادث الشغل وألامراض املهنية على الافتراض املبطلق ملسؤولية
فاإلبقاء على تدبير املصاطر املتعلقة بحوادث الشغل وألامراض املهنية ضمن نموذج التأمين الخاص،3
وعدم إدراجها في نبطاق الحماية الاجتماعية ،ال ينسجم مع املبادئ الواردة في اتفاقية منيمة العمل
عائقا أمام تحقيق مبادئ الشمولية وإلانصاف وتمكين جميع املغاربة الدولية ( قم .)351كما يشكل ً
ر
النشيبطين وذوي حقوقهم من الاستفادة من نيام متكامل للضمان الاجتماعي.4
أما بصصوص السياسات العمومية املعتمدة للنهوض بالتشغيل وتوفير الحماية لأليخاص في وضعية
ببطالة ال تزال تتسم باملحدودية ،حيث لم يشر القانون إلاطار رقم 53.13إلى التعويض عن الببطالة،
بل اقتصر على «تعميم الاستفادة عن فقدان الشغل لتشمل كل يخص متوفر على شغل قار» .وهذا ما
يبين استمرار العمل بالقانون 51.34املتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل ،والذي اتضحت محدوديته،
1جاء تقرير التنمية البشرية لسنة 8707بمنيور جديد لقياس الفقر ،حيث لم يعد الفقر مقتصرا على عدم كفاية الدخل فحسب ،بل
يتجاوزه إلى أبعاد أخرى ،منها تدهور الصحة وسوء التغذية ،وتدني مستوى التعليم واملهارات ،وعدم كفاية موارد العيش ،وعدم توفر
السكن الالئق ،وإلاقصاء الاجتماعي ،وعدم املشاركة .هذا الفقر الذي يعيشه كثيرون في مصتلف أنحاء العالم .أنير :تقرير التنمية البشرية،
الثروة الحقيقية لألمم :مسارات إلى التنمية البشرية ،واشنبطن :برنامج ألامم املتحدة إلانمائي ،8707 ،ص .71-74
2املرجع نفسه ،ص .27
3تجدر إلاشارة إلى أن القانون إلاطار رقم 77.80قد حدد في املادة 00آليتين للتمويل :ألاولى قائمة على الاشتراك بالنسبة لأليخاص القادرين
على املساهمة في التمويل ،باإلضافة إلى الاشتراكات املستحقة وفق النصوص التشريعية والتنييمية ،ثم الواجبات التكميلية التي تفرضها
الدولة على بعض الفئات املهنية؛ ثانيا ،آلية التضامن لفائدة ألايخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك.
4حسن طارق ،مرجع سابق ،ص .40
85
حيث يحصر خدمة التعويض عن الشغل في حاالت ضيقة ووفق شروط تعجيزية ،فصالل الفترة -1515
1536ينحصر عدد املستفيدين من نيام التعويض عن فقدان الشغل في 74ألفا.1
يشكل قبطاع التعليم مجاال آخر ملساءلة نموذج «الدولة الاجتماعية» باملغرب .فكما أكد املجلس ألاعلى
للتربية والتكوين ،لم تساهم املجهودات املبذولة على مستوى برامج الدعم الاجتماعي املوجهة للتالميذ
الذين هم في وضعية صعبة (برنامج تيسير ،مليون محفية ،الداخليات إلخ) ،في الحد من آثار الفوارق
الاجتماعية في تعلمات التالميذ ومكتسباتهم .2كما أن حجم الانقبطاع الدراس ي املرتفع ،والذي يمس
التالميذ القرويين والفتيات بالخصوص ،يشكل أكبر تجل للفوارق في التعليم ،ولضعف جودة املدرسة
العمومية كما يتضح في املبيان آلاتي.
20
املصدر :املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،ألاطلس املجالي الترابي لالنقطاع الدراس ي ،1533 ،ص .30
من خالل هذه إلاشارة السريعة ملجموعة من العراقيل التي تعاني منها منيومة الرعاية الاجتماعية
باملغرب ،والتي تجد صداها في تدني مؤشرات التنمية البشرية 3وهزالة املراتب التي يحتلها املغربي في
قبطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعي والتشغيل .وتأسيسا على املسار التاريخي للسياسات
«الاجتماعية» في املغرب ،يمكن القول إن نموذج الدولة الاجتماعية في املغرب يتسم بالغموض ،فرغم
1عبد الرفيع زعنون« ،تعميم الحماية الاجتماعية :تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التصلي؟»،
https://mipa.institute/8856
2لليروف الاجتماعية تأثير واضح على نتائج التالميذ ،فمن خالل «املقارنة بين خصائص % 07من التالميذ ألاعلى أداء و % 07من التالميذ
ألادنى أداء يبين أن توفير بعض املوارد البيداغوجية داخل البيت ،كمكتب للعمل خاصة ،وبضعة كتب ،ييل ضمن العوامل املميزة بين
التالميذ ذوي ألاداء ألافضل وغيرهم ممن حصلوا على إنجازات أقل ،سواء تعلق ألامر باللغات أم بالرياضيات» .أنير :املجلس ألاعلى للتربية
والتكوين والبحث العلمي ،مدرسة العدالة الاجتماعية :مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي ،ص .2
3شهد مؤشر التنمية البشرية ارتفاعا من 7,542سنة 0777إلى 7,101سنة ،8702أي أنه عرف تحسنا إجماليا قدره .% 50,0ونتيجة
لذلك ،تم تصنيف املغرب ضمن فئة البلدان ذات التنمية البشرية املتوسبطة ،والتي يبل متوسط مؤشرها .7,135أنير :املندوبية السامية
للتصبطيط ،تقرير حول مؤشرات التنمية البشرية باملغرب لسنة .8787
86
املجهودات املبذولة في إخراج العديد من البرامج واملصبطبطات ،لكن يبقى الوضع الاجتماعي في املغرب،
كما يقر بذلك الخبطاب الرسمي ،دون املستوى املبطلوب .ويعود هذا الفشل إلى عدة أسباب هيكلية،1
ترتبط أساسا ب النموذج الاقتصادي الذي يتبناه املغرب ،حيث ينتمي إلى امللكيات الليبرالية في العالم
العربي ،التي تبنت نموذج (رأسمالية الدولة) بعد الاستقالل .2فقد كان للبرنامج التقويم الهيكلي
ولسياسات الخوصصة آثر بالغة في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للبلد .فاملسألة الاجتماعية في
ً
تباطا ً
وثيقا بالتحوالت التي يمر بها اقتصاده السياس ي ،فهي أحد التعبيرات ألاساسية عن املغرب ترتبط ار
التحوالت التي تشهدها رأسماليتها .ولهذا ،فإن البحث عن حلول مبتكرة للقبطاع الاجتماعي في سوق
الشغل أو خارجه ،تحدده القيود التي تحكم الاقتصاد السياس ي للبالد .3كما أدى تحرير التجارة إلى
الانفتاح على الاستثمار ألاجنبي ،الش يء الذي استدعى خفض أجور العمال من أجل ضمان التنافسية في
السوق الدولية.
ظل املغرب إلى عهد قريب يتبنى النموذج البسيماركي في الحماية الاجتماعية والذي يرتكز على مبدأ
التأمين ،حيث يجعل من العمل املأجور السبيل ألاساس ي للحصول على خدمات الحماية الاجتماعية.
فقد كان التأمياان الاجتماعااي مشااروطا بالعمال املأجاور فاي القبطااع املهياكل .ومع أن املغرب قام بمجموعة
من التعديالت من أجل توسيع دائرة الحماية الاجتماعية لتشمل فئات املهنين والعمال املستقلين
وألايخاص غير ألاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا ،لكن بالنير إلى آليات التمويل التي تبقى منحصرة
في الاشتراكات بالنسبة لأليخاص القادرين على املساهمة ،ثم آلية التضامن لأليخاص غير القادرين
على تحمل واجبات الاشتراك ،فإن النموذج املغربي مزال محافيا في العديد من جوانبه ،4كونه لم يستبطع
بعد الانتقال إلى الدولة الاجتماعية القائمة على الضريبة التصاعدية على الرأسمال ،والتي تعتبر ،حسب
1هناك مجموعة من الجوانب لهذا الفشل منها أساسا غياب إطار عمل متناسق وسياسة عمومية مندمجة ،وغياب استراتيجية رسمية
ونيام محاسبي مندمج ونيام موحد للمعلومات وللمحاسبة ،حيث نجد ضعف التنسيق بين املؤسسات واملصالح املكلفة بمصتلف ألاورا
والبرامج ذات البعد الاجتماعي (رئاسااة الحكومااة ،ووزارات املاليااة والتشااغيل والشااؤون الاجتماعيااة وألاساارة والتضاماان ،واملجلااس ألاعلاى
ً
للحساابات ،وهيئاة مراقباة التأميناات والاحتيااط الاجتماعاي وغيرهاا) ،فهااذا املجااال يتسم ببطبيعته املجا َّازأة ،حيااث تضاام تشااكيلة ماان الهيئااات
غياار املتضامنااة وغياار املتكاملااة فااي مااا بينهااا ،واملنفصلااة عاان بعضهاا البعاض .هذا باإلضافة إلى عدم ضمان استمرارية املوارد ،وتعدد
التشريعات وتضارب الاختصاصات في التدبير املالي لهذه البرامج.
2
Myriam CATUSSE, op.cit., p 189.
3رشيد أمشنوك« ،الحماية الاجتماعية :أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها» ،في :إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي (تنسيق) ،الحماية
الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد :مقاربات ودراسات نقدية مقارنة ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،8788 ،ص .07
4يشير رشيد بن بيه في تصنيفه لنمط الرفاه الاجتماعي املغربي (باعتماد تصنيف إسبن أنادرساون) إلى أن النموذج املغربي غير مكتمل،
حيث هناك تعايش بين جميع ألاصناف (النمط الليبرالي ،املحافظ ،الديموقراطي الاجتماعي) ،مما يجعله نموذجا هجينا .أنير :رشيد بن
بيه« ،تصنيف نمط الرفاه الاجتماعي املغربي باعتماد منيور النوع الاجتماعي» ،إضافات ،خريف ،8700العدد ،57ص .031
87
توماس بيكيتي ،1املالئمة للقرن الواحد والعشرين .فآليات التمويل التي يقترحها القانون إلاطار 53.13
ال تضمن الاستدامة خاصة في شقها التضامني.2
تشكل الثقة إحدى املؤشرات ألاساسية لفهم وتحليل طبيعة الروابط الاجتماعية السائدة في املجتمع
املغربي ،وطبيعة عالقة املواطنين بمؤسسات الدولة .وتؤكد الدراسات حول مؤشر الثقة الاجتماعية
باملغرب أن ألافراد يثقون باألسرة النووية ثم العائلة املمتدة ،في حين ال يثقون باأليخاص الذين يلتقون
بهم ألول مرة ،كما أنهم ال يثقون باأليخاص املنتمين إلى ديانات أخرى ،أو أصحاب الجنسيات ألاخرى
كما يتبين في املبيان أسفله.
0% 10% 20% 30% 40% 50% 60% 70% 80% 90% 100%
ال أثق على الإلطالق ال أثق نعم أثق إلى حد ما أثق بكل تأكيد
املصدر :املعهد املغربي لتحليل السياسات ،الثقة في إلادارة العمومية خالل عصر الوباء ،1511 ،ص .33
نفس الش يء نجده تقريبا في النسختين ألاولى ( )1515والثانية ( )1513من التقارير حول مؤشر الثقة.
حيث تؤكد هذه التقارير في مجملها أن الثقة الاجتماعية تتجه بمنحى تنازليا كما توسعت الدائرة الضيقة
1توماس بيكيتي« ،الدولة الاجتماعية في القرن الواحد والعشرون» ،في :رأس املال في القرن الحادي والعشرين ،ترجمة وائل جمال وسلمى
حسين ،دار التنوير ،ص .430-474
2عبد املنعم ألانصاري« ،قراءة في القانون إلاطار 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية» ،في :إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي (تنسيق) ،الحماية
الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد :مقاربات ودراسات نقدية مقارنة ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،8788 ،ص .31-34
88
للمؤسسات الاجتماعية (ألاسرة النووية) لتشمل الوحدات الاجتماعية ألاخرى كأفراد العائلة املمتدة ثم
ألاصدقاء والزمالء والجيران وهكذا إلى أن تصتفي الثقة الاجتماعية تقريبا مع الغرباء.1
وفي هذا إلاطار يمكن استحضار ما أكده «تريانديس» ) (Triandisبأن الحذر الاجتماعي ييل خاصية
مميزة للعالقات الاجتماعية في سياق الندرة ،فعندما تقل املوارد الضرورية لتلبية البطلب الاجتماعي على
إشباع الحاجات الفيزيولوجية ،يكثر التنافس بين ألافراد والجماعات ،وتقل مشاعر إلاخاء وتقدير
الذوات.2
أما بصصوص الثقة السياسية ،والتي تصتلف عن الثقة الاجتماعية ،فتتميز بكونها غير مشخصنة وال
تعكس عالقة مباشرة بين ألافراد ،ولكنها تعكس مستوى الثقة تجاه املؤسسات .وتعتبر الثقة في
املؤسسات ،بما يحيط بها من تصورات واتجاهات ،ركيزة أساسية للديموقراطية ،وأحد العوامل
ألاساسية الضامنة الستمرارها والحافية لشرعيتها .وقد توصل التقرير املعهد املغربي لتحليل السياسات
( )1511ارتفاع مستوى الثقة في املؤسسات املنتصبة ،حيث يثق حوالي % 63من املغاربة في الحكومة،
و % 01يثقون في ألاحزاب السياسية ،و % 05في البرملان .إن مقارنة هذه ألارقام مع نتائج السنوات
املاضية ،يبين حدوث تغير مفاجئ خالل سنة ،1511والذي يعود إلى طريقة تدبير جائحة كورونا.
1رشيد أوراز وفرانشيسكو كولين ،مؤشر الثقة في املؤسسات :0202البرملان وما وراءه في املغرب تجديد الثقة من خالل بحث جذور
نقصها ،الرباط :املعهد املغربي لتحليل السياسات ،8787 ،ص .34
2بن أحمد حوكا« ،الرأسمال الاجتماعي وراببطة العيش املشترك :دراسة في الركائز ألاخالقية والثقافية لالجتماع السياس ي في املغرب»،
إضافات ،شتاء-ربيع ،8704العددان ،37-87ص .012
89
مبيان رقم ( :)3تطور مؤشر الثقة في املؤسسات املنتخبة
لكن إذا قمنا باملقارنة هذه النتائج بما توصل إليه البروميتر العربي ،الذي يعتمد على املزيد من املتغيرات
في تحليل مستوى الثقة في املؤسسات ،نجد أقل من 4من كل 35مغاربة يثقون في الحكومة والبرملان.
كما أن الكثيرين ال يثقون في العملية الانتصابية بشكل عام ،ويعتبر املستجوبون ألاعلى تعليما وألافضل
دخال هم ألاكثر إقباال على القول بالثقة في البرملان والحكومة.1
وفي املقابل تتمتع املؤسسات السيادية غير املنتصبة بثقة أكبر باملقارنة باملؤسسات املنتصبة؛ حيث تحيى
الشرطة والجيش بالنسبة للمواطنين املغاربة بأعلى مستوى من الثقة ،حيث تبل نسبة الثقة % 30
(مقارنة با % 63سنة ،)1513بينما تصل نسبة الثقة في الشرطة إلى ( % 31مقارنة با % 66سنة
.)1513وتعتبر الثقة في القضاء مرتفعة أيضا وإن كانت منصفضة باملقارنة مع مؤسستي الشرطة
والجيش ،حيث بلغت حوالي .% 73وهذا ما تؤكده أغلب الدراسات حول مؤشر الثقة في املغرب.2
فبالعودة إلى إلاجراءات التي اتصذت السلبطات املغربية من أجل التصدي لجائحة كورونا ،يمكن فهم هذا
املستوى املرتفع من الثقة ،حيث تم التوجه نحو البعد ألامني ،مقابل إلاهمال النسبي للتنمية الاجتماعية
والاقتصادية .وهذا ما يبين أن املواطنين أكثر رضا عن ألاداء الحكومي فيما يصص توفير ألامن ،مقارنة
بتقديرهم ألداء الحكومة في ما يصص التنمية .وتعتبر الفئات الاجتماعية ذات الدخل واملستوى التعليمي
املرتفعين ،هي ألاكثر تصورا بأن الحكومة تحسن العمل على ملف التنمية .3كما أن مستويات الثقة
املتدنية باملؤسسات العامة في املغرب مرتببطة مع مستويات الرضا املسجلة عن مصتلف الخدمات
1الباروميتر العربي ،املغرب :تقرير استطالعات الرأي العام الدورة السابعة ،8788 ،ص .00-07
2
Cf : Mohamed CHERKAOUI, L’ordre sociopolitique et la confiance dans les institutions au Maroc, Rabat,
IRES, 2010.
3الباروميتر العربي ،مرجع سابق ،ص .7-2
90
العمومية ،كالتعليم والرعاية الصحية وجودة الشوارع والبطرق ،وجمع القمامة .حيث إن مستوى الرضا
عن املنيومة الصحية خالل 1511ال يتجاوز .1% 11
35,0% 32,8%
29,5%
30,0% 27,4%
25,0%
20,0%
15,0%
10,0% 6,1%
3,7%
5,0% 0,5%
0,0%
أوافق بشدة أوافق أعارض أعارض بشدة ال أعرف رفض االجابة
من خالل هذه املعبطيات يتبين أن الاختالفات الكبيرة في التصورات يمكن أن تكون مرتببطة بقدرة
املواطنين للوصول للرعاية الصحية الجيدة ،في حين أن املواطنين الفقراء ومن البطبقة العاملة يعتمدون
فقط على الرعاية الصحية التي تقدمها الدولة .ومن هنا فإن ارتفاع مستوى التفاوتات الاجتماعي وارتفاع
معدل الفقر يرتبط بانصفاض مستويات الثقة السياسية ،وهذا ما يبين الترابط الاحصائي القوي بين
الثقة السياسة ومستوى أداء الحكومة في تقديم الخدمات الاجتماعية ،2حيث إن الثقة في املؤسسات
تكون أعلى لدى املواطنين الذين هم راضون عن الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة ،كالتعليم
الجيد والرعاية الصحية.3
91
مبيان رقم ( :)5العالقة بين مقدار الثقة في الحكومة والرضا حول أدائها
80,0%
70,0% 67,1%
60,0%
54,1% 51,7%
50,0% 48,2%
40,0% 40,8%
30,0% 28,8% 31,3%
20,0% 17,8%
13,4% 14,8%
10,0%
4,3%
3,9% 4,5% 3,4% 5,6%
0,0% 1,7%
أثق بها إلى درجة كبيرة أثق بها أثق بها قليال ال أثق بها على اإلطالق
راض جدا
ٍ أداء الحكومة ككل راض
ٍ أداء الحكومة ككل
راض
ٍ أداء الحكومة ككل غير راض على اإلطالق
ٍ أداء الحكومة ككل غير
إن املقارنة بين مؤشرات الثقة الاجتماعية ومؤشرات الثقة السياسية ،يمكننا من الخروج باستنتاج
سريع حول ألاهمية التي تحتلها املؤسسات الاجتماعية (خاصة في دائرتها الضيقة كاألسرة النووية
وجماعة ألاصدقاء )...لدى املواطنين املغاربة .هذا ما سيؤدي بنا إلى املحور املوالي الذي سيناقش إشكالية
الرابط الاجتماعي في املغرب ،في ظل إلاخفاقات التي عرفتها «الدولة الاجتماعية» في املغرب.
لقد كان السؤال حول دور املؤسسات الاجتماعية في تدبير املسألة الاجتماعية حاضرا في التفكير
السوسيولوجي منذ مرحلة التأسيس .حيث نجد حضورا بارزا ملفهوم التضامن الاجتماعي في أعمال الرواد
ألاوائل ،على سبيل املثال ،أطروحة إميل دوركايم حول تقسيم العمل الاجتماعي ،1وأيضا مارسيل موس
الذي تناول في بحثه حول الهبة أنماط التبادل الاجتماعي في املجتمعات التقاليدية.2
إن التضامن الاجتماعي كان وما يزال أحد املحاور ألاساسية في علم الاجتماع ،خاصة عند الحديث عن
العالقة بين الدولة الاجتماعية والرابط الاجتماعي .ففي غياب الدولة الاجتماعية أو أثناء ضعفها (خاصة
بعد اعتماد املغرب لبرنامج التقويم الهيكلي على سبيل املثال) يتم اللجوء إلى ألاشكال التقليدية للتضامن،
التي تقوم مقام السياسات الاجتماعية .وأكد املصتار الهراس في بحثه حول البطلبة الجامعيين وعالقتهم
بمؤسسة ألاسرة ،أن هذه ألاخيرة تشكل بالنسبة للبطلبة إطارا للحماية ،فقد أكد % 7396من البطلبة
املستجوبين أنهم يثقون في أسرهم ،مقابل % 191فقط ممن يثقون في الدولة .ومن هنا فإن البطلبة
1
Émile DURKHEIM, De la division de travail social, 8e éd, Paris : PUF, 2019.
2مارسيل موس ،بحث في الهبة :شكل التبادل وعلته في املجتمعات القديمة ،ترجمة املولدي ألاحمر ،بيروت :املنيمة العربية للترجمة،
.8700
92
الشباب يثقون في مجالهم الحميمي الذي تؤطره ألاسرة ،وليس في املجال العمومي املتمثل في الدولة
ومؤسساتها ( % 196فقط يثقون في الجامعة) .وهذا ما يؤكد ألاهمية الكبيرة لألسرة في حياة البطالب
سواء من الحيث الدعم املادي (توفير السكن واملستلزمات املالية ملتابعة الدراسة) والنفس ي ،خاصة في
ظل ألازمة الاقتصادية وتراجع دور الدولة في تمويل التعليم العالي .1وهذا ما أكده أيضا البحث الوطني
حول الشباب لسنة ( 1533أنير املبيان رقم .)7
مبيان رقم ( :)6الجهات التي يتوجه إليها الشباب عند مواجهاهم لصعوبات مالية أو اجتماعية
100
80 83,7
76,9
60 69,6
49,2
40 46,8
44,1 38,6
20 28,2 7,2 2
4,1 2,5 1,4
18,5 6,9 7,1 5,3 4,7 4 3,1 3,8 2,7 3,8 2,9
0
االسرة النووية العائلة الممتدة األصدقاء الجيران المنظمات غير الجماعات المحلية خدمات الدولة أخرى
الحكومية
ومن هنا ،فإن لألسرة أهمية كبيرة في حياة ألافراد ،باعتبارها الحاضن ألاول بالنسبة لألطفال والشباب
واملسنين ،فهذه املؤسسة الاجتماعية هي أول من يقدم الدعم املادي والنفس ي عند الحاجة ،كما لها دور
كبير في املحافية على صحة وتوازن ألافراد.
نفس الش يء نجده مع فئة املسنين ،فمع ارتفاع أمد الحياة وغياب سياسات الحماية الاجتماعية ،يضبطر
مجموعة من الشباب إلى البقاء بالقرب من آبائهم ،إذ أن ألاسرة مازالت هي املؤسسة الاجتماعية التي
تقوم برعاية املسنين والتكفل بهم .وحيث إن نسبة مهمة من ألايخاص املسنين يتلقون مساعدات مادية
( ،)% 77وفي معيمها ( )% 31.3تكون من ألابناء ،2خاصة بالنير إلى الضعف الذي يميز أنيمة التقاعد
باملغرب ،إذ أن نسبة ألايخاص املسنين املستفيدين من املعا ظلت منحصرة في % 36.4سنة 1533
( % 16.6في الوسط الحضري ،و % 1.3في الوسط القروي % 11 ،من الرجال و% 4.0من النساء).3
هذا باإلضافة إلى ضعف استفادة ألايخاص املسنين من إحدى أنيمة التغبطية الصحية ،حيث بل
1
Mokhtar ELHARRAS, « l’étudiant et sa famille », in R. BOURQIA, M. EL HARRAS et D.
BENSAÏD, Jeunesse estudiantine marocaine : valeurs et stratégies, Rabat : Publication de la
Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, 1995.
2املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،ألايخاص املسنون في املغرب ،الرباط ،8704 ،ص .50-57
3وزارة ألاسرة والتضامن واملساواة والتنمية الاجتماعية ،التقرير السنوي ألاول حول ألايخاص املسنين ،الرباط ،8702 :ص 81
93
عدد ألايخاص البالغين 65سنة فما فوق ،املستفيدين من نيام التأمين إلاجباري ألاساس ي عن املرض،
حوالي 317.443من مجموع املنصرطين (من بينهم % 6.3مسجلين بالقبطاع الخاص ،و% 36.4
تابعين للقبطاع العام) ،وقد انصفضت هذه النسبة لتصبح % 35.6من املنصرطين خالل سنة 1536
(من بينهم % 6.6مسجلين بالقبطاع الخاص ،و % 34.0بالقبطاع العام).1
من خالل هذه الاشارة السريعة لواقع الحماية الاجتماعية لأليخاص املسنين ،يمكن القول إن هذه
الفئة الاجتماعية الحساسة ماتزال فئة «منسية» ،مما يجعلها تعتمد بشكل شبه كلي على مؤسسة
ألاسرة وعلى التضامن الاجتماعي بين ألاجيال ،والذي يتسم بالتذبذب وعدم الاستقرار خاصة في أوقات
ألازمات (أزمة كورونا نموذجا) .كما أن الاعتماد على التضامن الاجتماعي في تدبير املسألة الاجتماعية لدى
املسنين صار رهينا بالتغيرات الاجتماعية التي أصبحت تعرفها ألاسرة املغربية منذ الاستقالل ،خاصة مع
ما تشهده من « تنامي بعض مؤشرات الفردانية في نبطاقها ،والتي نتجت عن انفتاح املجتمع املغربي على
الحداثة في ميادين بناء هياكل الدولة ،وتشييد البنى التحتية ،واتساع نبطاق العمل املأجور ،وانتشار
التعليم واملؤسسات الصحية وإلاعالمية الكالسيكية والجديدة ،وخروج املرأة للفضاء العام ومشاركتها
في الحياة العامة ،والهجرة ،والتحضر .2»...وهكذا فإنه البد من التأكيد أن ألاسرة لم تعد قادرة على
التكفل باملسنين ،حيث تميل شيئا فشيئا ،إلى التصلي عن هذا الدور الذي ظل يعتبر لوقت طويل ،من
بين أدوراها التقليدية .لذلك فقد خلصت الندوة الدولية التي احتضنتها كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية في مدينة الدار البيضاء ( 11-11نونبر « )1536إلى ضرورة "مأسسة" التكفل
باملسنين ،والعناية بهم .وهنا يبرز دور الدولة».3
كما أن روابط التضامن لدى املغاربة ،خاصة على مستوى املمارسات ،أصبحت يعرف تراجعا في مقابل
تبطور اهتمام بشؤنهم الشخصية ،حيث أكد البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي أن % 03.6من
ألايخاص املستجوبين يعتقدون أن املغاربة يفضلون الاهتمام بشؤونهم الشخصية ،في حين أشار 04.0
%أنهم ليسوا متضامين مع آلاخرين.
94
مبيان رقم ( :)7مواقف املغاربة حول التضامن
80
60
59,6
40 54,5
42,2
37,7
20
0
يفضل المغاربة االهتمام بشؤونهم الشخصية المغاربة متضامنون
نعم ال
ولهذا ،فإن الاعتماد شبه الكلي على الرابط الاجتماعي في تدبير املسألة الاجتماعي في املغرب ،في ظل هذه
التحوالت ،يشكل عائقا أمام بناء دولة املواطنة وحقوق الانسان ،القائمة على توفير شروط العيش
الكريم والاستقالل الفردي ،سواء على املستوى املادي أو املعنوي .كما يشكل الوالء للروابط الاجتماعية
التقليدية القائمة على القرابة والقبيلة واملجموعات الاثنية والعالقات الزبونية 1سبيال الحتدام الصراع
بين الدولة واملجتمع .وهذا ما أكده برهان غليون 2عند قوله :إن الدولة التحديثية أصبحت تتصرف
كمجرد جهاز يحاول بكل الوسائل أن يسيبطر على ألارض والسكان الخاضعين له .فلم يكن الستمرار هذا
التوتر الداخلي بين الدولة واملجتمع آثار كبيرة أو مباشرة عندما كانت الدولة قادرة على تقديم الخدمات
واملكاسب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية« .لكن ألامر اختلف كليا منذ اللحية التي بدأت الدولة
تفتقر إلى إلامكانات .ونجم عن انهيار ما أطلقنا عليه في مكان آخر اسم وطنية الخدمات ،شعور جديد ال
1سبق للعديد من الباحثين السوسيولوجيين وألانثروبولوجيين ،مغاربة وأجانب ،أن اشتغلوا على إشكالية العالقات الزابونية في املغرب،
حيث يعتبر هذا املفهوم واسع الاستعمال خاصة في الخبطاب السياس ي وإلاعالمي .إن الحديث عن الزابونية من منيور سوسيولوجي ،يجعلنا
أمام عالقة اجتماعية بين أطراف لهم مصالح متبادلة وتعتمد استراتيجيات تحافظ من خاللها على تلك املصالح عن طريق إعادة إنتاج
عالقات الهيمنة والتبعية« .تتجلى أهمية دراسة العالقات الزبونية في الواقع املغربي ،في مميزات هذا ألاخير وفي خصوصيات العالقات
الاجتماعية .فقد ترسخت في الحقلين السياس ي والاجتماعي لفترات عديدة ،أنماط من السلوكيات واملمارسات التي تحكمها عالقات متشابكة
يمتزج فيها الوجه القرابي بالعشائري فالزبوني بشكل معقد ومتداخل ،وبكيفية تحولت فيها تلك العالقات إلى منيومة من القيم واملعتقدات،
جعلت جل ألاطاراف (وخاصة عامة الناس) تبحث عن من يحميها ويؤمن لها دور الوساطة في عالقتها بمالكي السلبطة وإلاكراه (املصزن)».
أنير :عبد الغاني شفيق« ،النصب املحلية والعالقات الزبونية :دراسة في بعض آليات إعادة إنتاج النفوذ باملجال القروي املغربي» ،إضافات،
صيف ،8701العدد ،34ص .054
2برهان غليون ،املحنة العربية :الدولة ضد ألامة ،البطبعة الرابعة ،بيروت :املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،8704 ،ص .810
95
يرى في الدولة إال وسيلة تدمير الشخصية ونفي املصالح العمومية .إنها تتماهى أكثر فأكثر في ذهن الشعب
مع مجموعات املصالح الالوطنية ،وتتجلى كأداة للسيبطرة الخارجية».1
يمكن القول إن بناء الدولة (بمفهومها الحديث) ،حسب نوربرت إلياس ،يؤدي إلى زيادة الشعور
بالفردانية ،وتتنامى أهمية الشخصية الفردية لدى إلانسان الفرد وانفصالها عن الروابط التقليدية.
ففي املراحل السابقة لبناء الدولة الحديثة كان ألافراد أكثر ارتباطا بالروابط التي ولدوا ونشؤا فيها (ألاسرة
والعائلة والقبيلة .)...ألن هذه الروابط هي التي كانت تؤمن الحماية واملساعدة في الضرورات الحياتية .أما
في مرحلة بناء الدولة ،فقد صارت هذه ألاخيرة هي املكلفة بتسوية الفروق بين املواطنين ،وال تنير إلى
الشخصية املميزة للفرد .إن الدولة ،بهذا املعنى ،ال تنير إلى املواطنين كإخوة أو أفراد يشتركون روابط
عائلية واحدة ،بل تعتبرهم أفراد منفردون مستقلون في اتصاذ قراراتهم.2
«فمن منا مثال يستبطيع تجاهل استمرار مستوى القيم وألاعراف التقليدية في حياتنا العامة ،وتوجيهها
لسلوك مكونات وازنة من نسيجنا الاجتماعي ،كما هي حال "الثأر" و"العار" والتضامن بفعل قرابة الدم
والاحتماء بالعائلة والقبيلة .لذلك ،وفي سياق امتداد هذا املوروث في البناء الجديد للدولة الوطنية ،تعذر
وصعب عليها خلق التضامن والتالحم على هذه ألاخيرة ترسيخ الشعور بها بوصفها كيانا في وعي الناسُ ،
الالزمين لجعل الوالء لها أولوية تعلو على بايي الوالءات ألاولية القائمة واملألوفة».3
هكذا ،فإن تدخل الدولة في حماية حقوق املواطنين وتمكينهم من سبل العيش الكريم ،يساهم بشكل
كبير في ترسيخ قيم املواطنة والاعتزاز بالوطن ،والذي يتجلى في املشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية،
وتحقيق التالحم والعيش املشترك ،بعيدا عن سياسة الترهيب والقمع.
خالصة
سعت هذه الدراسة إلى تحليل العالقة بين الدولة الاجتماعية والرابط الاجتماعي ،من خالل الوقوف
عند مسار «الدولة الاجتماعية» باملغرب .وقد تبين أن هذا املسار تشوبه العديد من العراقيل حالت دون
تحقيق الاندماج الاجتماعي القائم على قيم املواطنة والثقة والوالء للدولة؛ فما يزال ألافراد يعتمدون
على الروابط الاجتماعية لتلبية حاجياتهم ،وهذا ما يغدي بعض مياهر التعصب لالنتماءات الدينية
والقبلية والوالءات الشخصية وانتشار شبكات املحسوبية وغير ذلك من مياهر ضعف الدولة وعجزها.
96
فبناء الدولة الاجتماعية على أسس متينة ،ال يقتصر فقط في إنجاز برامج وإصدار تشريعات ،بل البد من
النير إلى طبيعة العالقات السائدة في املجتمع ،التي تؤطرها مجموعة من القيم واملعتقدات والرموز
واملؤسسات .إن الاستمرار في الاعتماد على القنوات التي توفرها الروابط الاجتماعية (ألاولية) لتوفير
الرعاية الاجتماعية ،يعيق تحقيق مجتمع املواطنين القائم على قيم الديموقراطية والاستقالل الفردي
واملبادرة الفردية .ومن ثم ،فإن رهان الدولة الاجتماعية هو بناء الثقة بين املواطنين في ما بينهم ،وفي
عالقتهم بالدولة ،من خالل تنمية الشعور باالنتماء والكرامة ،من أجل تحقيق السلم الاجتماعي والعيش
املشترك.
الئحة املراجع
97
دويدار ،محمد ،وودالل ،عبد الهادي« .تاريخ نشوء وتبطور دولة الرفاهية الاجتماعية والتحوالت البنيوية في
اقتصاديات الدول املتقدمة صناعيا» .في :دولة الرفاهية الاجتماعية .بيروت :مركز دراسات الوحدة العربية،
،8771ص .004
ديكسون ،جون وشيريل ،روبرت .دولة الرعاية الاجتماعية في القرن العشرين :تجارب ألامم املتقدمة في تكريم
الانسان .ترجمة سارة الذيب .بيروت :الشبكة العربية لألبحاث والنشر.8705 ،
رشيق ،عبد الرحمان .الحركات الاحتجاجية في املغرب :من التمرد إلى التياهر .ترجمة الحسين سحبان .الرباط:
منتدى بدائل املغرب.8705 ،
زعنون ،عبد الرفيع« .تعميم الحماية الاجتماعية :تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التصلي؟» .في:
https://mipa.institute/8856
سالم ،جميل« .قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية :النموذج ألاملاني دارسات حول نموذج اقتصاد السوق
الاجتماعي» .معهد الحقوق -جامعة بيرزيت.8702 ،
شفيق ،عبد الغاني« .النصب املحلية والعالقات الزبونية :دراسة في بعض آليات إعادة إنتاج النفوذ باملجال
القروي املغربي» .إضافات ،صيف ،8701العدد ،34ص .040-050
طارق ،حسن« .تاريخ السياسات الاجتماعية في املغرب :محاولة في التحقيب» .املجلة املغربية للسياسات
العمومية ،8772 ،عدد مزدوج ( 3-8السياسات الاجتماعية باملغرب بين الهاجس ألامني والضرورة التنموية)،
ص .80-0
غليون ،برهان .املحنة العربية :الدولة ضد ألامة .البطبعة الرابعة .بيروت :املركز العربي لألبحاث ودراسة
السياسات.8704 ،
القادري ،علي« .البنية الفكرية ملفهوم دولة الرفاهية» .في :دولة الرفاهية الاجتماعية .بيروت :مركز دراسات
الوحدة العربية ،8771 ،ص .072-20
قمية ،مصبطفى« .الشيصوخة في أفريقيا :واقع وتحديات (الدار البيضاء 83-88 ،أيلول/سبتمبر .»)8701
إضافات ،ربيع-صيف ،8700العددان ،37-32ص .807-800
اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي .النموذج التنموي الجديد :تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة
التقدم وتحقيق الرفاه للجميع :التقرير العام .أبريل .8780
مالكي ،امحمد« .الاندماج الاجتماعي وبناء مجتمع املواطنة في املغرب الكبير» .في :مجموعة مؤلفين .جدليات
الاندماج الاجتماعي وبناء الدولة وألامة في الوطن العربي .بيروت :املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات،
،8705ص .032-113
املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي .ألاطلس املجالي الترابي لالنقبطاع الدراس ي :تحليل مسار فوج
8702-8705والخرائبطية إلاقليمية.8707 .
املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي .مدرسة العدالة الاجتماعية :مساهمة في التفكير حول النموذج
التنموي .فيhttps://bit.ly/3ZpYFnV :
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني .املبادرة الوطنية للتنمية البشرية :تحليل وتوصيات .الرباط.8703 ،
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،ألايخاص املسنون في املغرب .الرباط .8704 ،في:
https://bit.ly/3zetPE4
98
تغيرات وانتيارات لدى املغاربة: الدراسة امليدانية الوطنية حول القيم وتفعليها املؤسس ي.مجلس النواب
.8788 ، منشورات مجلس النواب: الرباط.)التقرير الكيفي-التقرير الكمي- التقرير الوثائقي:(ملخصات
: في. الحصيلة واملكاسب:8705-8774 املبادرة الوطنية للتنمية البشرية.املرصد الوطني للتنمية البشرية
https://bit.ly/3KdVGdP
املعهد املغربي: رباط. نتائج أولية: الثقة في إلادارة العمومية خالل عصر الوباء. وآخرون، محمد،مصباح
.8788 ،لتحليل السياسات
.8774 . الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية:املغرب املمكن
: في.8787 تقرير حول مؤشرات التنمية البشرية باملغرب لسنة.املندوبية السامية للتصبطيط
https://bit.ly/3ntafl0
من أجل عالم عمل متمحور حول إلانسان (مؤتمر: بناء مستقبل الحمایة الاجتماعية.منيمة العمل الدولية
،8780 ، مكتب العمل الدولي: جنيف،8780 ،077 الدورة.العمل الدولي
: بيروت. ترجمة املولدي ألاحمر. شكل التبادل وعلته في املجتمعات القديمة: بحث في الهبة. مارسيل،موس
.8700 ،املنيمة العربية للترجمة
: الرباط، التقرير السنوي ألاول حول ألايخاص املسنين.وزارة ألاسرة والتضامن واملساواة والتنمية الاجتماعية
.8702
:املراجع باللغات ألاجنبية
Castel, Robert. L’insécurité sociale : qu’est-ce qu’être protégé?. Paris : Édition du Seuil et La
République des Idées, 2003.
CATUSSE, Myriam. « Maroc : un fragile État social dans la réforme néo-libérale ». in : Catusse,
Myriam, Destremau, Blandine et Verdier, Eric (dir). L'Etat face aux débordements social au Maghreb
: Formation, travail et protection sociale. EDITIONS KARTHALA, 2009, p 187-228.
CHEKROUN, Mohammed. Citoyenneté et lien social au Maroc. Rabat : Faculté des Lettre et des
Sciences Humaines, 2010.
CHERKAOUI, Mohamed. L’ordre sociopolitique et la confiance dans les institutions au Maroc.
Rabat, IRES, 2010. (Programme d’études « Lien social au Maroc »).
DURKHEIM, Émile. De la division de travail social. 8e éd. Paris : PUF, 2019.
ELHARRAS, Mokhtar. « L’étudiant et sa famille ». In : BOURQIA, R., EL HARRAS M., et BENSAÏD D.
Jeunesse estudiantine marocaine : valeurs et stratégies. Rabat : Publication de la Faculté des Lettres
et des Sciences Humaines, 1995.
HCP. Enquête Nationale sur les Jeunes. Rabat, 2011.
IRES. L’enquête nationale sur le lien social. Rabat, 2012.
ONDH. Rapport sur le développement humain 2020 : « être jeune au Maroc de nos jours ». Rabat,
2020. https://bit.ly/3U0oGsY
RAMAUX, Christophe. L’État social : pour sortir du chaos néolibéral. Paris : MILLE ET UNE NUITS,
2012
99
املحور الثاني
الدولة الاجتماعية في املغرب:
الخصوصيات والتجليات
100
بناء الدولة الاجتماعية في سياق مطالب الحركات الاجتماعية:
من حركة 87فبراير إلى حراك الهامش
عبد الواحد أوامن
دكتور باحث في القانون
العام والعلوم السياسية
مقدمة
شكل مبطلب الدولة الاجتماعية باملغرب رهانا قائم الذات ،من خالل تيافر الكثير من الدواعي السياسية
والاقتصادية والاجتماعية ،املرتببطة بالسياسات الاجتماعية والتنموية التي تنهجها الدولة .وإن كانت هذه
السياسات لم تعد قادرة على تلبية الحاجيات الاجتماعية للمواطنات واملواطنين ،فإن تزايد التوترات
الاجتماعية نتاج نهائي لالعتراف بنهاية جدوى هذه السياسات التنموية ،وإعالن إعادة النير في البرامج
الاجتماعية القائمة ،وبلورة أخرى تتماش ى مع التحوالت الاجتماعية.
وألجل ذلك ،تستدعي الضرورة تدخل الدولة وبايي الفاعلين ،للحد من الاحتقان الاجتماعي الذي تجسده
الحركات الاجتماعية ،على اعتبار أن املسألة الاجتماعية من ألاولويات املهمة عند هذه الحركات ،سواء
مع أحداث الربيع العربي مع حركة 87فبراير وإن كان ذلك بشكل ثانوي ،أو مع الحركات الاجتماعية
بالريف وجرادة ومناطق أخرى ،والتي جعلت من املسألة الاجتماعية مبطلبا أساسيا لبناء الدولة
الاجتماعية ،سيما بعد جائحة كوفيد 07وما ترتب عنها من آثار وخيمة على الجانب الاجتماعي.
كل هذه املحددات ساهمت بشكل أو بآخر ،في إعادة ترتيب ألاولويات التي صاغتها الدولة في تنفيذ
السياسات العمومية ،وبالتالي فإن أهمية الدراسة تنحو لتشخيص تحول تصور الدولة للمسألة
الاجتماعية ،بناء على املبطالب الاحتجاجية التي تؤكد على أن الجانب الاجتماعي يستدعي بالضرورة
صياغة برامج تنموية تستهدف الفئات الاجتماعية الهشة ،وتعيد التوازن بين البطبقات الاجتماعية مما
سيحقق ألامن املجتمعي املنشود.
وتهدف هذه الدراسة إلى تشخيص محورية املبطالب الاجتماعية لدى الحركات الاجتماعية ،وتحليل دورها
في تقييم السياسات الاجتماعية السائدة ،وبلورة قيم الدولة الاجتماعية .إلى جانب التأكيد على أهمية
البعد الاجتماعي في السياسات العمومية ،ودوره في تحقيق السلم الاجتماعي ،مع إلاشارة إلى أن ما تم
تحقيقه على املستوى الاجتماعي من مبادرات ،وأورا اجتماعية قبل وبعد ألازمة الصحية لكوفيد ،07
كان نتاج مجموعة من العوامل؛ أبرزها احتجاجات الحركات الاجتماعية التي ساهمت في إعادة طرح
املسألة الاجتماعية للنقا باملغرب.
وفي خضم الدينامية السياسية والاجتماعية التي يشهدها املغرب ،منذ عام 8700مع الحراك الاجتماعي
مرورا باحتجاجات الهامش والفضاء الرقمي ،ووصوال إلى تداعيات جائحة كوفيد 07على املجال
ُ
الاجتماعي ،ف ِت َح النقا العمومي حول نموذج تنموي بديل ،قائم على ميثاق وطني من شأنه أن يؤسس
101
ملقومات الدولة الاجتماعية ،عل اعتبار أن املسألة الاجتماعية قد تأخد أشكاال مصتلفة حسب وجهة نير
الدولة أو املجتمع ،فبالنسبة لوجهة نير الدولة؛ يمكن تشخيص املسألة الاجتماعية انبطالقا من سياستها
العمومية القائمة على البرامج الاجتماعية والتنموية الضامنة لحقوق جميع أفراد املجتمع ،إلى جانب
اعتماد مجموعة من التدابير املرتببطة بتعبئة املوارد املالية والبشرية ،والعمل على تأهيل الفاعلين في هذه
العملية ،بما سيسهم في بلورة حلول وفق مقاربات شمولية .أما فيما يصص وجهة نير املجتمع والتي
تجسدها الحركات الاجتماعية ؛ فإنها تستند على العديد من املبطالب والحاجيات التي تسعى من خاللها
إلى الربط بين الاحتجاج والاقتراح .وعلى هذا ألاساس تبطلبت الدراسة طرح إلاشكالية التالية:
إلى أي حد ساهمت الحركات الاجتماعية باملغرب أثناء وبعد أحداث الربيع العربي في دعم مراجعة
الدولة للمسألة الاجتماعية؟
وتقوم هذه الدراسة على فرضية مفادها ،أن مبطلب الدولة الاجتماعية خاضع لتجاذبات الدولة
واملجتمع ،سيما وأنه مبطلب تتداخل فيه املكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،التي تشرف على
تنزيلها الدولة من خالل مؤسساتها ،إال أنها تصضع لتقييم وتتبع املجتمع من خالل الحركات الاجتماعية.
تتبطلع هذه الدراسة إلى الاستعانة باملنهج الوصفي التحليلي ،من أجل رصد املسألة الاجتماعية في
مبطالب الحركات الاجتماعية التي شهدها املغرب مع أحداث الربيع العربي ،وبعده مع احتجاجات الهامش،
إلى جانب تحليل سبل استيعاب محددات الدولة الاجتماعية باملغرب ،انبطالقا من مقومات تنموية
مرتببطة بتبني مسار تنموي جديد ،وأورا اجتماعية تستهدف تحقيق أسس الدولة الاجتماعية ،على
الرغم من إلاكراهات التي تواجه تنزيلها.
وتأسيسا على ما سبق ،سيتم تحليل إلاشكالية املبطروحة وفق محورين:
املحور ألاول :محورية املسألة الاجتماعية عند الحركات الاجتماعية
املحور الثاني :املسألة الاجتماعية بين التوافق املجتمعي وإرساء ركائز الدولة الاجتماعية
102
الاجتماعية كما هو حال حراك الريف ،جرادة وغيرها ،ومن هذا املنبطلق سنرصد ألهمية املسألة
الاجتماعية عند الحركات الاجتماعية أثناء وبعد الربيع العربي.
1محمد فاوبار ،أدوار الشباب الجديدة وسياسات الدولة في إلادماج في املغرب بعد حراك ،8700ضمن مؤلف جماعي :الشباب والانتقال
الديمقراطي في البلدان العربية ،تحرير :عبد الفتاح ماض ي ،عبده موس ى ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألولى،
،8707ص.415-413 :
2محمد الحاجي الدريس ي ،السياسات الاجتماعية باملغرب والتوجهات الهجراتية للشباب املتعلم :أية عالقة؟ ،مجلة الاقتصاد واملجتمع،
معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية ،املجلد ألاول ،العدد الثالث ،أكتوبر -دجنبر ،8788ص.23 :
3حركة احتجاجية مغربية برزت بتاريخ 87فبراير ،8700إذ جسدت نسخة محلية عن ألاحداث التي شهدتها الدول العربية ،والتي أطلق
عليها اسم الربيع العربي ،بفعل تيافر العديد من الدوافع الداخلية والخارجية ،ونجحت الحركة في خلق تفاعل مع هياكل الدولة ،باعتبارها
فاعال جديدا داخل املشهد السياس ي ،وقد تمصض عن هذه الحركة إقرار املراجعة الدستورية.
4عبد الرحيم خالص ،مبطالب الحراك باملغرب بين الخبطاب امللكي والنص الدستوري ،ضمن مؤلف جماعي :مغرب ما بعد حراك 8700
ماذا تغير؟ إشراف وتنسيق :محمد باسك منار ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،البطبعة ألاولى ،8701 ،ص.03 :
103
سبل العيش الكريم .في حين يجسد املبطلب الثالث وألاخير الركن الاقتصادي الذي يدعو إلى القبطع مع
كل أشكال الفساد واقتصاد الريع ،وعدم الجمع بين السلبطة والثروة ورفض املحسوبية والزبونية.1
وبالرجوع إلى البالغ التأسيس ي لتيار "حرية وديمقراطية آلان" الذي يشكل جزءا من حركة 87فبراير إلى
جانب كل من " 87فبراير الشعب يريد التغيير" و" 87فبراير من أجل الكرامة الانتفاضة هي الحل" ،نجده
يضم خمسة مبطالب رئيسية تبدو في مضمونها سياسية ،باستثناء املبطلب الثالث الداعي إلى القيام
بإجراءات فورية حقيقية وملموسة ،للتصفيف من معاناة الشعب املغربي وإحداث صندوق عاجل
للتعويض عن الببطالة ،موجه للشباب املعبطل ،2وتشغيل حاملي الشواهد العليا املعبطلين واتصاذ
سياسات رامية إلى التصفيف من حدة ألازمة الاجتماعية والاقتصادية ،إلى جانب خفض ألاسعار والرفع
من ألاجور .3ألامر الذي يحيل إلى كون املسألة الاجتماعية عند حركة 87فبراير ثانوية ،مقارنة باملبطالب
ذات البعد السياس ي.4
يستشف مما سبق ،أن حركة 87فبراير لم تولي اهتماما بالغا للمسألة الاجتماعية في صياغة ملفها
املبطلبي ،إذ راهنت على البعد السياس ي كأولوية أساسية لبلوغ الديمقراطية ،على أساس أن املدخل
السياس ي حاسم ملعالجة مصتلف إلاشكاالت الاجتماعية في إطار التدرج.
وما يؤكد هذا البطرح ،هو أن الربط بين املدخل السياس ي والاجتماعي في غاية ألاهمية ،على اعتبار أن
املواطن املهمش وغير الفاعل على املستوى السياس ي ،قد ال يتمكن من الحصول على حقوقه الاقتصادية
والاجتماعية ،كما قد يجد صعوبة في التعبير عن حرمانه من هذه الحقوق ،وعلى هذا ألاساس تعتبر
املسألة الاجتماعية راببطا يجمع بين البعد السياس ي والاجتماعي ،سيما وأن الارتباط الفعلي بين هذين
البعدين من شأنه أن يساهم في إيجاد حلول لإلشكاليات املبطروحة.5
1 Joseph H, Les Rapports entre générations dans le mouvement du 20 février, Ouvrage collectif : Le Maroc au Présent : d’une
époque à l’autre, une société en mutation, Edité par : Baudouin Dupret, Zakaria Rhani, Assia Boutaleb, Jean Noel Ferrié, Centre
Jacques Breque- Fondation du Roi Abdul -Aziz Al Saoud pour les Etudes Islamiques et les Sciences Humaines, Casablanca,
2015, p : 671-680.
2الحبيب استاتي زين الدين ،الحركات الاحتجاجية في املغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات،
قبطر ،البطبعة ألاولى ،8707 ،ص.385 :
3سيدي موالي أحمد عيالل ،مدى فاعلية حركة 87فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب ،ضمن مؤلف جماعي :الثورات العربية
عسر التحول الديمقراطي ومآالته ،إعداد وتنسيق :محمد جمال باروت ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألاولى،
،8702ص.800 :
4عبد الرحمان رشيق ،املجتمع ضد الدولة :الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع ،ترجمة :عز الدين العالم ،منشورات ملتقى البطرق،
الدار البيضاء ،8780 ،ص.007 :
5فؤاد الصالحي ،ثورات الربيع العربي ومبطلب العدالة الاجتماعية ،ضمن مؤلف جماعي :العدالة الاجتماعية املفهوم والسياسات بعد
الثورات العربية ،منتدى البدائل العربي للدراسات ومؤسسة روزا لوكسمبورغ ،8708 ،ص.000 :
104
وبما أن للحركات الاجتماعية بعد جماهيري ،فإنها مؤشر دال على وجود اختالل في النسق السياس ي،1
كما أنها نتاج فشل السياسات الاجتماعية على مستوى الهامش ،الذي أفرز العديد من الاحتجاجات بكل
من الريف ،جرادة ،زاكورة ،مباشرة بعد أحداث الربيع العربي.
1عبد الواحد أوامن ،تاريخ الحركات الاحتجاجية بين املفهوم والنيريات ،ضمن مؤلف جماعي :الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي
دراسة في متغيرات الاستقرار والالاستقرار لألنيمة العربية ،تنسيق :املصبطفى بوجعبوط ،املركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية
والسياسية والاقتصادية ،أملانيا ،البطبعة ألاولى ،8707 ،ص.87 :
2حسن أدونيس ،الريف الخصوصيات التاريصية والاجتماعية والاقتصادية ،ضمن مؤلف جماعي :حراك الريف نضال شعبي ببطولي من
أجل الحرية والعدالة الاجتماعية ،جمعية أطاك املغرب ،8702 ،ص.03 :
3مصبطفى جال ،احتجاجات املغرب بين أزمة الوساطات وأزمة التوافقات ،مركز الجزيرة للدراسات ،قبطر 8 ،أبريل ،8702ص.4 :
4محمد سعدي ،حراك الريف ديناميات الهوية الاحتجاجية ،سليكي أخوين ،طنجة ،البطبعة ألاولى ،8707 ،ص.830 :
105
والالفت للنير ،أن الحركات الاجتماعية التي شهدها الفضاء العام باملغرب في السنوات ألاخيرة تشخص
تحوال حاصال في مبطالبها والفضاء الذي تنبطلق منه ،فبالنسبة للعنصر ألاول املتمثل في املبطالب ،يتضح
أن هذه الحركات الاجتماعية تجهر باملبطالب الاجتماعية -الاقتصادية بالدرجة ألاولى ،عكس حركة 87
فبراير التي استندت مبطالبها باألساس على الجوانب السياسية ،هذا من جهة؛ ومن جهة العنصر الثاني
فهو يتمثل في طبيعة الحركات الاجتماعية التي انتقلت من الوسط الحضري إلى الوسط القروي ،أي من
املركز إلى الهامش.1
إن ما يمكن رصده من احتجاجات الهوامش ،أنها تركز على تيلمات ومبطالب اجتماعية صرفة ،إذ ال
تستهويها مبطالب البطبقة املتوسبطة املرتببطة باملساواة واملناصفة على سبيل املثال ،بقدر ما يؤطرها تدبير
الواقع اليومي من مأكل وعمل وصحة.
باإلضافة إلى هذه املحددات ،يمكن القول أن القضايا الاجتماعية املتراكمة واملستمرة ساهمت بشكل أو
بآخر في خرق العقد الاجتماعي ،بين الدولة وساكنة املناطق الهامشية الذين يعانون من ألازمات
الاجتماعية والاقتصادية ،2ترتب عنه أزمة مركبة تواجه مؤسسات الدولة باملغرب ،حيث تجلت مكوناتها
في صعوبة الحصول على شرعية قائمة على تعاقد حقيقي بينها وبين املجتمع ،وذلك بإقامة عالقة وحوار
سليمين بينهما ،في ظل وجود فئات اجتماعية تشعر بأنها مقصية من حقل تدبير الشأن العام ،وال تستفيد
من ثمار التنمية الاجتماعية بشكل عادل ،ألامر الذي ساهم في عدم الاستقرار وتزايد التوترات
الاجتماعية.3
وبما أن الفعل الاحتجاجي في تنامي مستمر ،فقد شهد تبطورا في بنيته مواكبا بذلك التبطور الحاصل في
مجال التكنولوجيا الرقمية ،فما حققته وسائل التواصل الاجتماعي في حشد وتعبئة املحتجين نحو
الفضاء العام ،ساهم في نقل السلوك الاحتجاجي من الفضاء العام إلى الفضاء إلالكتروني باعتباره فعال
احتجاجيا ينضاف إلى ألاشكال املستحدثة لالحتجاج.
وفي هذا الصدد ،برزت حركة املقاطعة 4عام 8702من الفضاء الرقمي ملناقشة املسألة الاجتماعية من
خالل تسليط الضوء على غالء ألاسعار املهدد للقدرة الشرائية للمواطنين ،في ظل إجراءات تحرير ألاسعار
1عبد إلاله سبطي ،احتجاجات الهوامش القشرة وما تصفيه ،املعهد املغربي لتحليل السياسات ،الرباط ،مارس ،8702ص.1 :
2 Nassim H, The Hirak Movement a Revial of the Arab Spring? Collective author: Mutations Politique Comparées au Maroc
au Machrek 7ans Après le Printemps Arabe, ocp Policy center, 2018, p : 47-48.
3عبد الواحد أوامن ،احتجاجات الهامش :دراسة في بنية الفعل الاحتجاجي بمنبطقة الريف باملغرب ،مجلة القانون واملجتمع ،معهد
الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية ،العدد السابع ،أكتوبر ،8788ص.07 :
4حركة اجتماعية شكلت نقلة نوعية في تبطور مجال الاحتجاج باملغرب ،إذ انتقل من الفضاء العام إلى الفضاء الرقمي ،الذي يمنح هامشا
أوسع ملمارسة حرية التعبير والرأي ،بعيدا عن الاشتباكات ألامنية التي تبطال الاحتجاج في الفضاء العام ،كما يتيح إمكانية الاستقبطاب
والتعبئة بين رواد املجال الرقمي بكل سهولة ،وله مزايا أخرى تميزه عن الاحتجاج في الفضاء العام .وقد استهدفت هذه الحركة مقاطعة
استهالك الصناعات الغذائية والبطاقية (الشركة املغربية "سنبطرال دانون" املصتصة بالحليب ومشتقاته ،شركة "أوملاس" للمياه املعدنية،
"مجموعة أكوا" املصتصة بتوزيع الغاز والوقود) التي شهدت ارتفاعا في أسعارها ،وقد شكلت ضغبطا على الفاعلين السياسيين والاقتصاديين.
106
وتجميد ألاجور وإصالح نيام التقاعد ،إذ أجمع رواد هذه الحركة على مقاطعة استهالك بعض املنتوجات
الغذائية والبطاقية كردة فعل على الارتفاع الذي لحق أثمنة هذه املنتوجات.
ومن هذا املنبطلق ،شكلت حركة املقاطعة تعبيرا حيا عن حراك اجتماعي تجاوز ألابعاد املحلية والجهوية
والفئوية ،ونجح في إرباك البطبقة السياسية والاقتصادية املهيمنة على املشهد العام باملغرب ،وفي املقابل
سعت هذه الحركة الاجتماعية إلى إبراز مكامن الخلل في منيومة اقتصادية واجتماعية تصلت فيها الدولة
عن دورها أو جزء من هذا الدور لصالح الخواص ،دون قيود صارمة تضمن مصلحة املستهلك.1
ويستشف مما سبق ،أن فشل السياسات التنموية وانعدام العدالة الاجتماعية واملجالية ،جسد بؤرا
احتجاجية في مناطق املغرب العميق ،وهو ما يستدعي بالضرورة إعادة النير في هذه السياسات خصوصا
مع التحديات التي شهدها املغرب بعد تداعيات جائحة كوفيد 07املستجد ،والتي زادت من تعميق حدة
ألازمات الاجتماعية والاقتصادية ،سيما وأن الحركات الاجتماعية لم تعد تقتصر على الفضاء العام ،بل
تتجلى في أشكال أخرى من داخل الفضاءات الرقمية والرياضية.
املحور الثاني :املسألة الاجتماعية بين مطلب التوافق املجتم ي وإرساء ركائز الدولة الاجتماعية
ساهمت العديد من الدوافع في مراجعة الدولة لتصوراتها اتجاه املسألة الاجتماعية ،من أهمها تزايد
الحركات الاجتماعية املنتقدة للسياسات الاجتماعية املعتمدة ،كما أن ألازمات الاجتماعية والاقتصادية
املترتبة عن تداعيات جائحة كوفيد 07املستجد ،أثرت سلبا على الواقع املعيش للعديد من الفئات
الاجتماعية واملهنية ،كلها مؤشرات ساهمت في طرح النقا حول صياغة نموذج تنموي جديد يعزز من
مرتكزات وأبعاد العدالة الاجتماعية ،ويتيح فرص مراجعة الدولة لتصورها تجاه املسألة الاجتماعية التي
تضع الحماية الاجتماعية كأولوية لتحقيق الدولة التنموية.
ومن هذا املنبطلق ،فإن هذا املحور سيتناول مساهمة الحركات الاجتماعية في طرح النقا حول الدولة
الاجتماعية انبطالقا من نقبطتين أساسيتين ،ترتبط ألاولى باالنبطالق من إلاقرار بفشل نموذج تنموي
محدود في تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية ،إلى إرساء ميثاق وطني جديد أساسه نموذج تنموي ذو
رؤية شمولية ،فيما ترتبط النقبطة الثانية بتعزيز إلارادة نحو بناء أسس الدولة الاجتماعية.
1رضوان قبطبي ،شبكات التواصل الاجتماعي والفعل الاحتجاجي باملغرب حركة املقاطعة نموذجا ،مجلة اتجاهات سياسية ،العدد السابع،
أبريل ،8707ص.78 :
107
يتضمن مبدأ العدالة الاجتماعية كمبدأ أساس ي لتحقيق ركائز الدولة الاجتماعية ،ألامر الذي من شأنه
أن يضمن الاستقرار الاجتماعي.1
فبطرح مسألة الدولة الاجتماعية قائم على وضع اقتصادي يتصلله سوء توزيع الثروة ،ألامر الذي يحيل
ُ
مباشرة على وجود هوة وتمايز شاسع بين من يمتلك الثروة ومن يعمل ،أو ي اقص ى نتيجة عجز البنى
الاقتصادية عن استيعاب القوى العاملة الوافدة إلى سوق العمل ،وبهذا يكون النمط الاقتصادي كذلك
مساهما في عدم تحقيق السلم الاجتماعي ،ألنه يساهم في خلق التمايز بين طبقتين ،ألاولى تمتلك النسبة
ألاكبر من الدخل الوطني ،في حين ال تمتلك البطبقة الثانية والتي تمثل ألاغلبية إال جزءا ضئيال ال يكفيها
للعيش .2وهذا ما أكده التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق إلانسان سنة ،8707والذي أبان عن
وضع اجتماعي يشهد تزايدا في نسب الببطالة والهشاشة في فئة الشباب سيما في املدن ،3ومع تداعيات
أزمة كوفيد 07ارتفعت هذه النسب لتعمق من حدة ألازمة الاجتماعية والاقتصادية ،والتي أرخت بياللها
على البطبقات الاجتماعية ألاكثر هشاشة ،إذ وصل نحو مليون يخص إلى عتبة الفقر وحوالي 777ألف
آخرين تحت خط الهشاشة.4
كل هذه املؤشرات تؤسس للعديد من التفاوتات والاختالالت الاجتماعية التي يبطبعها ضعف الولوج
للحقوق ألاساسية والخدمات الاجتماعية (التعليم ،الصحة ،الببطالة) ،واتساع الهوة في التمييز بين
الفئات الاجتماعية (الشباب ،النساء ،ألايخاص املسنين )..والبطبقات الاجتماعية ،إلى جانب تزايد
الفوارق الاقتصادية (الثروة ،فرص الاستثمار ،الدخل) ،إذ ترتب عنها تحديات كبرى تهدد قيم التماسك
الاجتماعي ،ونجاعة املؤسسات الدستورية ،وتعترف بمحدودية ألاسس التنموية السائدة ،وعدم قدرتها
على الاستجابة ملتبطلبات الشرائح الاجتماعية.5
وقد تمصض عن هذه املؤشرات السلبية ،إقرار امللك محمد السادس بفشل نموذج تنموي استنفذ
كل مقوماته ،وذلك بقوله "إذا كان املغرب قد حقق تقدما ملموسا ،يشهد به العالم ،إال أن النموذج
التنموي الوطني أصبح اليوم ،غير قادر على الاستجابة للمبطالب امللحة ،والحاجيات املتزايدة للمواطنين،
وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات املجالية ،وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية".6
1عبد الواحد أوامن ،الحركات الاحتجاجية ورهان العدالة الاجتماعية ،ضمن مؤلف جماعي ،العدالة الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية
وحقوقية ،إشراف وتنسيق :محمد املودن ،مدني أحميدو ،عبة نعيمة ،عبد الحي الغربة ،إصدارات املركز املتوسبطي للدراسات وألابحاث
املعاصرة ،البطبعة ألاولى ،8780 ،ص.72 :
2سالمة كيلة ،الحركات الاجتماعية ومفهوم العدالة الاجتماعية في الثورات في البلدان العربية ،ضمن مؤلف جماعي ،العدالة الاجتماعية
املفهوم والسياسات بعد الثورات العربية ،مرجع سابق ،ص.37 :
3أنير التقرير السنوي عن حالة حقوق إلانسان باملغرب ،الصادر عن املجلس الوطني لحقوق إلانسان ،8707 ،ص.53 :
4املجلس الوطني لحقوق إلانسان ،حقوق إلانسان :8780تداعيات كوفيد 07على الفئات الهشة ومسارات الفعلية ،فبراير ،8788ص:
.13
5محمد املودن ،العدالة الاجتماعية واملجالية في املسار التنموي املغربي :الاختالالت ،التحديات ومداخل الحكامة ،ضمن مؤلف جماعي،
العدالة الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية وحقوقية ،مرجع سابق ،ص.048 :
6مقتبطف من نص الخبطاب امللكي في افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثانية03 ،من الوالية التشريعية العاشرة ،أكتوبر .8700
108
كما دعا مصتلف الفاعلين لصياغة نموذج جديد ،بقوله "وفي هذا الصدد ،ندعو الحكومة والبرملان،
ومصتلف املؤسسات والهيئات ،كل في مجال اختصاصه ،إلعادة النير في نموذجنا التنموي ملواكبة
التبطورات التي تعرفها البالد".1
جدير بالذكر كذلك ،أن استنفاذ نموذج التنمية ملقوماته ال يرتبط فقط برؤية مقتصرة على املستوى
الوطني ،بل له عالقة أساسية أيضا باملستوى الدولي ،وذلك في الشق املتعلق بالنموذج النيوليبرالي ،وعلى
هذا املنوال يستلزم تناول مسألة التنمية في سياقها الدولي ،مع تفادي النقائص املترتبة عن هذا النموذج
في املجال الاجتماعي ،والانفتاح على الفرص الاقتصادية املتاحة.2
وعلى هذا ألاساس ،عين امللك اللجنة املكلفة بصياغة النموذج التنموي الوطني ،3والتي انكبت على
معالجة مكامن الضعف والاختالالت في شتى ألابعاد الاجتماعية والاقتصادية ،خصوصا وأن جائحة
كوفيد 07املستجد وما ترتب عنها من حجر صحي ،وإغالق شامل في ظل فترة البطوارئ الصحية ،أثرت
على معدالت النمو في الاقتصاد الوطني ،ألامر الذي انعكس سلبا على الفئات الاجتماعية.
وقد تكللت مجهودات اللجنة املكلفة بصياغة النموذج التنموي ،باقتراح مسار تنموي جديد ،في شكل
تقرير يجسد ميثاقا وطنيا يمهد ملقومات الدولة الاجتماعية ،من خالل التركيز على أربع محاور
استراتيجية؛ تجلى أولها في تقوية الاقتصاد الوطني وجعله قبطبا قادرا على التنافسية ،ومصدرا للنمو
وآلية قادرة على إحداث فرص شغل جديدة ،من شأنها املساهمة في إدماج مصتلف الفئات الاجتماعية
في سوق الشغل .في حين ركز املحور الثاني على تعزيز الرأسمال البشري الذي من شأنه تنمية البالد
وإجراء إصالحات أساسية ،تهم مجاالت الصحة والتعليم العالي والتكوين املنهي .ورصد املحور الثالث
لنقبطة أساسية متمثلة في إدماج مصتلف املواطنين واملواطنات في الدينامية الشاملة للتنمية ،وذلك عبر
تجاوز كل مياهر إلاقصاء والتهميش الاجتماعي في الولوج للخدمات الاقتصادية والاجتماعية ،ألامر الذي
سيسهم في الولوج املتكافئ والعادل للفرص الاقتصادية ،والاستفادة من الحماية الاجتماعية وتقوية
الروابط الاجتماعية ،أما املحور الرابع وألاخير من هذه الاستراتيجيات فقد أبرز دور املجاالت الترابية في
العملية التنموية ،باعتبارها فاعال أساسيا في إعداد السياسات العمومية ،وهو ما سيترتب عنه مكاسب
إيجابية تهم تجويد الخدمات الاجتماعية ،والحفاظ على املوارد وغيرها من التبطلعات.4
1نفس املرجع.
2زكرياء أزم ،النقا العمومي حول نموذج التنمية :تساؤالت جدلية ،مجلة القانون واملجتمع ،معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية،
العدد الثالث ،أكتوبر ،8780ص.03-08 :
3لذا قررنا تكليف لجنة خاصة ،مهمتها تجميع املساهمات ،وترتيبها وهيكلتها ،وبلورة خالصاتها ،في إطار منيور استراتيجي شامل ومندمج؛
على أن ترفع إلى نيرنا السامي ،مشروع النموذج التنموي الجديد ،مع تحديد ألاهداف املرسومة له ،وروافد التغيير املقترحة ،وكذا سبل
تنزيله ،أنير :الخبطاب امللكي بمناسبة افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثالثة من الوالية التشريعية العاشرة 08 ،أكتوبر .8702
4التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق
الرفاه للجميع ،أبريل ،8780ص.17 :
109
ومن نافل القول ،أن تواتر الحركات الاجتماعية في السنوات ألاخيرة باملغرب ،وتيافر مبطالبها مع تداعيات
ألازمة الصحية لكوفيد ،07شكل أهم ألاسباب التي أسهمت في الاعتراف بفشل النموذج التنموي السائد،
وذلك لعدم قدرته على الحد من الفوارق الاجتماعية واملجالية ،ومحدودية أبعاده في خلق نمو مستدام
يحد من تنامي الفعل الاحتجاجي ،ويفعل مبدأ العدالة الاجتماعية في إطار تفعيل مسار الدولة
الاجتماعية ،وعلى هذا ألاساس يعتبر النموذج التنموي الوطني بمثابة ميثاق وطني ،يقترح مسارا تنمويا
مغايرا ،ويشكل قبطيعة مع الوضع السابق ،كما يؤسس ملجموعة من املبادئ والحقوق الدستورية القائمة
على التضامن الاجتماعي والحماية الاجتماعية.
إن تنامي الحركات الاجتماعية جعل الدولة تعيد النير في نموذجها التنموي ،وفي طريقة تفاعلها مع
السلوك الاحتجاجي وفق مقاربات تنموية وأكثر شمولية (مشروع الحسيمة منارة املتوسط مثال) ،ترمي
إلى تشخيص دوافع الاحتجاجات الاجتماعية ومحاولة معالجتها من خالل وضع الرهان على املسألة
الاجتماعية ،عبر صياغة نموذج تنموي يريى لتبطلعات مجمل الفئات الاجتماعية ،1وانبطالقة نحو إرساء
طموح جديد ،يتيح تيافر جهود مصتلف الفاعلين السياسيين ،واملمثلين في الدولة واملؤسسات وألاحزاب
السياسية ،وهيئات املجتمع املدني وعموم املواطنين ،بهدف تحقيق مضامينه.2
وتأسيسا على ما سبق ،تقع الدولة الاجتماعية في صلب مبطالب التغيير وإلاصالح في بالدنا ،وذلك راجع
إلى باألساس إلى إلاخفاق الذي لحق النموذج التنموي ،والسياسات الحكومية التي ال تعكس متبطلبات
الفئات الاجتماعية ،ألامر الذي استدعى مراجعة الدولة لتصورها للمسألة الاجتماعية .وفي هذا الصدد
تم الاتجاه نحو بناء الدولة الاجتماعية وفق إرادة سياسية مندمجة ،تسعى لتكريس أسسها انبطالقا من
البرامج والسياسات الهادفة إلى تعزيز الدعامات الاجتماعية.
1محمد الغلبزوري ،الدولة وتدبير حراك الريف :تدبير أزمة أم أزمة تدبير ،سليكي أخوين ،طنجة ،البطبعة ألاولى ،8787 ،ص.320 :
2مقتبطف من الخبطاب امللكي بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة امللك والشعب ،بتاريخ 87غشت .8707
3سعيد خمري ،املغرب ما بعد كورونا :أي دور اجتماعي للدولة وألاحزاب السياسية؟ ضمن مؤلف جماعي ،حالة البطوارئ الصحية :التدابير
القانونية والاقتصادية والسياسية وأبعادها ،تنسيق :عبد الرحيم العالم ،منشورات مركز تكامل للدراسات وألابحاث ،8787 ،ص.803 :
110
إلى جانب التركيز على القضايا الاجتماعية في السياسات والبرامج التنموية ،واملراهنة على اقتصاد اجتماعي
بإمكانه إحداث التوازن داخل املجتمع ،وتحقيق الرفاه الاجتماعي وتغبطية املصاطر الاجتماعية ،ومن هذا
املنبطلق فالدولة الاجتماعية تقوم على تسخير إلامكانات الاقتصادية والاجتماعية ملصتلف الفئات
الاجتماعية ،كما تعمل على توفير اليروف املناسبة لتكافؤ الفرص وتوزيع الحقوق بشكل متساو.1
كما تستند في مضمونها على استراتيجية الاستثمار الاجتماعي ،القائمة على مجموعة من العناصر املرتببطة
بضمان حق التوظيف والرفع من ألاجور الذي سينعكس إيجابا على مصالح ألافراد داخل املجتمع،
وسيحقق نتائج مرتفعة في معدالت النمو الاقتصادي ،باإلضافة إلى الاعتماد على الاستثمار في الرأسمال
البشري ،2من خالل تعزيز القدرات والبطاقات البشرية ،وما يرتبط بها من مجاالت التعليم والتدريب
والبحث والتبطوير والثقافة ،وكل ما يتصل بتنمية قدرات إلانسان وتلبية احتياجاته ألاساسية ،وهي كلها
محددات تساهم في تنمية قدراته.3
وفي هذا الصدد يشير "بول سبيكر "Paul Speakerإلى أن أسس الدولة الاجتماعية تقوم على أربع
محددات رئيسية ومتكاملة فيما بينها ،إذ تكمن في املسؤولية التي تتحملها الدولة بالدرجة ألاولى ،باإلضافة
إلى املوارد الضرورية لتحقيق أهداف الدولة الاجتماعية ،إلى جانب الخدمات العمومية وطريقة تقديمها،
تم البناء التنييمي الذي يؤطر خدمات الدولة الاجتماعية.4
تبعا لذلك ،يتوجب تكريس أسس الدولة الاجتماعية باملغرب لتجاوز ألازمات التي تعترض مسار الدولة،
وذلك من خالل استثمار إلارادة السياسية في مجال تفعيل املشاريع املساهمة في بلورة مقومات التحول
الاجتماعي ،5مع إسناد تفعيل هذه املشاريع إلى كفاءات مكونة سياسيا وتتمتع بالروح الوطنية التي تعبطي
ألاولوية للمصالح العامة على املصالح الخاصة ،كما أن بناء الدولة الاجتماعية يرتكز على ضرورة تفعيل
الديمقراطية التشاركية ،باعتبارها آلية فعالة للتعبير عن مبطالب املواطنين ،ووسيلة للتقييم واملراقبة،
كل هذه املحددات من شأنها أن تساهم في معالجة الاختالالت والصعوبات التي تواجه املجال الاجتماعي.
1رشيد أمشنوك ،الحماية الاجتماعية :أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها ،ضمن مؤلف جماعي ،الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي
الجديد :مقاربات ودراسات نقدية ومقارنة ،تنسيق وتقديم :إبراهيم بلوح ،يونس مجدوبي ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات،
البطبعة ألاولى ،8788 ،ص.88-80 :
2أحمد عبده ،ثورات الربيع العربي بين التحول الديمقراطي وتحديات الجودة الاجتماعية كسياسة تنموية مصر ما بعد ثورة 84يناير
أنموذجا ،ضمن مؤلف جماعي ،السياسات التنموية وتحديات الثورة في ألاقبطار العربية ،إعداد وتنسيق :هدى حوا ،املركز العربي لألبحاث
ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألاولى ،8700 ،ص.447 :
3إبراهيم العيسوي ،العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات،
قبطر ،البطبعة ألاولى ،8705 ،ص.047-057 :
4بول سبيكر ،مبادئ الرعاية الاجتماعية مقدمة للتفكير في دولة الرعاية ،ترجمة :حازم مبطر ،املركز الديمقراطي العربي ،أملانيا،8700 ،
ص.03 :
5محمد حيمود ،املالية العمومية ورهانات السياسات الاجتماعية باملغرب :الحماية الاجتماعية نموذجا ،ضمن مؤلف جماعي ،العدالة
الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية وحقوقية ،مرجع سابق ،ص.035 :
111
باملوازاة مع ذلك ،تقوم الدولة الاجتماعية على أربع مقومات أساسية ،تشمل الجانب السياس ي الذي
يستند على وجود شروط ديمقراطية وحقوق إنسان بشموليتها ،باإلضافة إلى الجانب الاقتصادي الذي
يجب أن يصول اقتصادا منتجا للثروة وقادرا على توزيعها بشكل منصف ،تم الجانب املالي والتمويلي،
والذي يستدعي التوفر على املوارد املالية املستدامة ،وأخيرا الجانب املرتبط ببطبيعة السياسة إلانفاقية،
والتي من خاللها يمكن تشخيص أولويات القبطاعات الاجتماعية في مسألة إلانفاق.
وفي خضم هذه املقومات ،سعت الدولة املغربية لتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية من خالل تحسين
الخدمات العمومية ،وإعادة النير في السياسات الاقتصادية لدعم التشغيل ،وإحداث مناصب شغل
جديدة ،والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين ،إلى جانب تعميم التغبطية الصحية ،وتأهيل املنيومة
الصحية ،باإلضافة إلى دعم اقتناء السكن الرئيس ي ومواصلة الحوار الاجتماعي .وقد شكلت جائحة
كوفيد ،دافعا لتقوية الاتجاه نحو تكريس الدولة الاجتماعية ،إذ اتضحت معالم هذا الاتجاه من خالل
الدعم الحكومي املقدم لألسر للحفاظ على قدرتها الشرائية ،ومساعدة الفئات الهشة بصفة مباشرة؛
إلى جانب ألاسر تم دعم املقاوالت كذلك ،عبر إحداث صناديق للتضامن وتمديد آجال دفع الضرائب،
وغيرها من التدابير الرامية إلى التقليل من آلاثار الاجتماعية والاقتصادية للجائحة.1
ألجل ذلك ،أوص ى املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني باالهتمام بقبطاع التربية والتكوين ،من خالل
بلورة استراتيجية لالرتقاء بجودة تكويناته وتحديث برامجه ،عبر مجموعة من التدابير الرامية إلى تعزيز
املواد العلمية والتكنولوجيا والذكاء الصناعي ،والعمل على مكافحة الهدر املدرس ي إلى جانب تفعيل
الرقمنة في التعليم العالي والتكوين املنهي؛ هذا من جهة ،ومن جهة ثانية أوص ى املجلس ببذل جهود
استثمارية في القبطاع الصحي من خالل إعادة النير في البنيات التحتية ،والتجهيزات واملوارد البشرية،
وتوزيعها بكيفية تضمن التوازن الاجتماعي واملجالي ،وتساعد على الحد من ظاهرة هجرة ألاطر البطبية،
كما دعا املجلس إلى نقبطة في غاية ألاهمية ،واملتمثلة في الاستثمار في مجال البحث والابتكار ،من خالل
الانفتاح على تصنيع ألادوية واللقاحات في املغرب ،وذلك في ظل التحديات املستقبلية املترتبة عن ألاوبئة
والجوائح.2
واملالحظ في هذه التوصيات ،أن املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني أعبطى أولوية بالغة لقبطاعين في
غاية ألاهمية ،هما التعليم والصحة ،نيرا لألدوار التي يضبطلعان بها داخل املجتمع ،كما أن هذين
املكونين شكال على مدار سنوات نقاشا محتدما سواء داخل املشهد السياس ي ،في إطار السياسات
العمومية ،والبرامج الانتصابية وغيرها ،أو في الفضاء العام من لدن الحركات الاجتماعية .وبما أن الرهان
قائم على الدولة الاجتماعية ،فإن الحفاظ على املكتسبات املحققة في هذين املجالين وتبطويرها إلى
املستوى الذي يريى النتيارات املواطنين مسألة مهمة ،سيما وأننا بصدد تنزيل مشروع الحماية
الاجتماعية.
1للتدقيق أكثر أنير :وزارة الاقتصاد واملالية ،التقرير الاقتصادي واملالي ،مشروع قانون املالية لسنة ،8788ص.83 :
2املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،التقرير السنوي ،8787ص.00-07 :
112
وفيما يصص أنيمة التقاعد ،يؤكد املجلس أن مسألة إعادة النير فيها باتت ضرورية ،أمام التحوالت
الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه حقوق ومصالح عموم املواطنين ،ومن هذا املنبطلق يوص ي املجلس
بثالث مداخل رئيسية لتحقيق هذا الهدف متمثلة في تفعيل إلاصالح الهيكلي والشمولي ألنيمة التقاعد،
وإحداث آليات لحكامة هذه ألانيمة ،تم تشخيص سياسة لتمويل هذا إلاصالح.1
من هذا املنبطلق ،يشكل ور الحماية الاجتماعية انبطالقة واعدة لتأسيس مجتمع قائم على العدالة
الاجتماعية واملجالية ،ومدخال أساسيا لتحقيق التنمية بمفهومها الشامل ،من خالل تشييد منيومة
قادرة على الحد من املصاطر الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الفئات الهشة ،وتكريس مبادئ
التضامن وعدم التمييز والاستباق واملشاركة ،وهو ما سيسهم في تحقيق أهداف الحماية الاجتماعية.2
فمن خالل هذا املشروع ،تم تجاوز القصور السائد في منيومة الحماية الاجتماعية من قبل ،إذ كانت
تركز فقط على ألاجراء مقابل إقصاء بعض املهن والحرف ،في فئة الصناعة التقليدية والتجار وفئة
الشباب ،3وهو ما يؤكد على أن املغرب شق مسارا من إلاصالحات التي ميزته عن محيبطه إلافريقي والعربي،
ألامر الذي يدل على توافق إلارادة السياسية ،لبناء دولة ديمقراطية تستجيب لتبطلعات مواطنيها وفق
مقاربات اجتماعية ،تواكب مصتلف املستجدات.4
إن تنزيل مقتضيات القانون إلاطار رقم 77.80يتماش ى مع إلارادة املغربية في بناء مقومات الدولة
الاجتماعية ،انبطالقا من أحكام الفصل 30من الدستور ،ويتوافق كذلك مع الالتزامات الدولية للمملكة
في مجال الحماية الاجتماعية ،بناء على مجموعة من املقاربات القانونية الدولية ،مثل العهد الدولي
الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،وإلاعالن العالمي لحقوق إلانسان ،تم الاتفاقية
رقم 078بشأن املعايير الدنيا للضمان الاجتماعي الصادرة عن منيمة العمل الدولية ،باإلضافة إلى
التوصية رقم 878بشأن ألارضيات الوطنية للحماية الاجتماعية ،إلى جانب خبطة ألامم املتحدة من أجل
تحقيق التنمية املستدامة.
إال أن هذا املشروع تعترضه العديد من إلاكراهات التي تعيق مساره البطموح ،من بين هذه التحديات ما
له عالقة باملجال السياس ي إذ شهد مسار الانتقال الديمقراطي باملغرب تعثرا وصعوبة في تكريس منيومة
حقوق إلانسان ،كما توجد تحديات ترتبط باملجال الاقتصادي متمثلة في كون بنية الاقتصاد املغربي
113
هشة إلى حد ما ،ومبنية على محددات غير موفقة كبعض الاتفاقيات املبرمة في مجاالت الشراكة،
ومحددات أخرى غير متحكم فيها أيضا كاالعتماد على ألامبطار في املجال الفالحي على سبيل املثال .أما فيا
يصص املجال التمويلي فإن الاعتماد على املؤسسات املالية الدولية في مسألة التمويل ،غير كاف على
اعتبار أن هذه املؤسسات ال تعير اهتماما بالغا للمجال الاجتماعي ،وبما أن تمويل مشروع الحماية
الاجتماعية يتبطلب إلغاء صندوق املقاصة مقابل الرفع من التمويل الضريبي للسياسة الاجتماعية ،فإن
ذلك سينعكس سلبا على الفئات الاجتماعية ألامر الذي من شأنه أن يحفز السلوك الاحتجاجي لدى
الحركات الاجتماعية.
وتجدر إلاشارة كذلك ،إلى أن ضعف الحكامة والتنسيق بين الفاعلين في تنفيذ هذا الور الاجتماعي
يعيق تنزيله ،خصوصا وأن غياب استراتيجية شمولية ومندمجة يحول دون تحقيق أهداف الدولة
الاجتماعية ،الرامية إلى تفعيل برامج الدعم الاجتماعي ،التي من شأنها تحديد الفئات املستهدفة وطرق
التمويل.
تجاوزا لهذه إلاكراهات ،يمكن معالجة إشكالية التمويل من خالل البحث عن تمويالت مستدامة ،وذلك
عبر إعادة النير في نمط توزيع الضرائب بما يحقق العدالة الجبائية ويضمن ألامن الضريبي ،طبقا
للفصلين 137و 257من الدستور املغربي ،وهو ما سيمكن من تفادي التمويل القائم على املديونية .وفيما
يصص تحقيق النجاعة يمكن الاعتماد على آليات الاستهداف الاجتماعي املنصوص عليها في القانون رقم
08.02واملتمثلة في السجل الوطني املوحد والسجل الوطني للسكان والوكاالت الوطنية للسجالت ،إذ من
شأن هذه آلاليات حصر املستفيدين ألاساسيين من الحماية الاجتماعية.
إلى جانب هذه املقترحات ،يمكن كذلك الانفتاح على برامج رائدة في تحقيق أهداف الدولة الاجتماعية،
كاستحضار التجربة ألاملانية من خالل نموذج "بسمارك" القائم على املساهمة في التمويل تم الاستفادة،
أو نموذج "بيفريدج" الذي يستند على الضرائب لتمويل الحماية الاجتماعية ،أو نموذج "الليبرالية
ألامريكية" الذي يرتكز على التغبطية الصحية الشاملة ،على اعتبار أن تدخل الدولة محصور في ألازمات
الكبرى والستهداف الفئات ألاكثر هشاشة .كل هذه املحددات من شأنها املساهمة في بناء أسس الدولة
الاجتماعية ،وتحقيق مبطالب الحركات الاجتماعية الداعمة لهذا التوجه.
خاتمة
حاولت الدراسة تحليل جوهر السياسات التي نهجتها الدولة املغربية ،إزاء الفئات الاجتماعية إثر بروز
الحركات الاجتماعية التي ساهمت في الدفع نحو تغيير ألاوضاع الاجتماعية ،والاتجاه نحو إقرار الدولة
الاجتماعية ،وقد تم تفعيل إلارادة السياسية للدولة في هذا الشأن من أجل إقرار مقومات الدولة
1الفصل 37من دستور " :8700على الجميع أن يتحمل ،كل على قدر استبطاعته ،التكاليف العمومية ،التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها،
وفق إلاجراءات املنصوص عليها في هذا الدستور".
2الفصل 57من دستور " :8700على الجميع أن يتحمل ،بصفة تضامنية ،وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها ،التكاليف التي
تتبطلبها تنمية البالد ،وكذا تلك الناتجة عن ألاعباء الناجمة عن آلافات والكوارث البطبيعية التي تصيب البالد".
114
الاجتماعية ،ملا تكتسيه من أهمية بالغة لتحقيق الرفاه املجتمعي ،على اعتبار أن السياسات الاجتماعية
التي كانت سائدة شابها العديد من الاختالالت التي أعاقت ألاهداف التنموية والاجتماعية للدولة.
في هذا إلاطار ،تشكل مراجعة املسألة الاجتماعية وفق تصور جديد ،أمرا تستدعيه مياهر الفقر
والهشاشة وإلاقصاء ،والجوانب املرتببطة بتكلفة املعيشة في ظل ارتفاع أسعار املواد الغذائية ،وصعوبة
الاستفادة من الخدمات العمومية واملرافق الاجتماعية ،فكل هذه العوامل بمثابة محركات للفعل
الاحتجاجي ،وفي خضم هذه املحددات تتجه الحركات الاجتماعية لدعم مبطلب الدولة الاجتماعية ،على
اعتبار أن مسببات الفعل الاحتجاجي هي مبطالب معترف بها قانونا وتم التنصيص عليها دستوريا
ومؤسساتيا ،وتبعا لذلك بات إقرار الدولة الاجتماعية مبطلبا منتيرا وملحا لدى الحركات الاجتماعية.
ولئن كان ور الحماية الاجتماعية يشكل ثورة اجتماعية ،فإن آلامال الاجتماعية معقودة عليه لتحقيق
طفرة حقيقية في املجال الاجتماعي ،وذلك من خالل الحد من الفوارق الاجتماعية واملجالية ،وتحسين
ألاوضاع الاجتماعية للفئات الهشة والفقيرة ،إلى جانب دعم وحماية القدرة الشرائية لألسر ،في ظل
التحوالت إلاقليمية والدولية التي يشهدها املجتمع الدولي (الحرب الروسية ألاوكرانية ،التغيرات
املناخية .)...كل هذه املحددات وأخرى ،ستسهم في تحقيق السلم والرفاه الاجتماعي ،وستحول أيضا دون
تنامي الحركات الاجتماعية.
الئحة املراجع
مراجع باللغة العربية:
إبراهيم العيسوي ،العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها ،املركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألاولى.8705 ،
أحمد عبده هاني خميس ،ثورات الربيع العربي بين التحول الديمقراطي وتحديات الجودة الاجتماعية كسياسة
تنموية مصر ما بعد ثورة 84يناير أنموذجا ،ضمن مؤلف جماعي ،السياسات التنموية وتحديات الثورة في
ألاقبطار العربية ،إعداد وتنسيق :هدى حوا ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألاولى،
.8700
التقرير السنوي عن حالة حقوق إلانسان باملغرب ،الصادر عن املجلس الوطني لحقوق إلانسان.8707 ،
التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة
لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع ،أبريل .8780
الحبيب استاتي زين الدين ،الحركات الاحتجاجية في املغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية ،املركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألاولى.8707 ،
حسن أدونيس ،الريف الخصوصيات التاريصية والاجتماعية والاقتصادية ،ضمن مؤلف جماعي ،حراك الريف
نضال شعبي ببطولي من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية ،جمعية أطاك املغرب.8702 ،
خبطاب ملكي بمناسبة افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثالثة من الوالية التشريعية العاشرة08 ،
أكتوبر .8702
115
خبطاب ملكي بمناسبة افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثانية03 ،من الوالية التشريعية العاشرة،
أكتوبر .8700
خبطاب ملكي بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة امللك والشعب ،بتاريخ 87غشت .8707
دستور اململكة املغربية ،منشور بالجريدة الرسمية ،عدد 4715مكرر ،الصادر بتاريخ 87يوليوز .8700
رشيد أمشنوك ،الحماية الاجتماعية :أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها ،ضمن مؤلف جماعي ،الحماية
الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد :مقاربات ودراسات نقدية ومقارنة ،تنسيق وتقديم :إبراهيم بلوح ،يونس
مجدوبي ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،البطبعة ألاولى.8788 ،
رضوان قبطبي ،شبكات التواصل الاجتماعي والفعل الاحتجاجي باملغرب حركة املقاطعة نموذجا ،مجلة اتجاهات
سياسية ،العدد السابع ،أبريل .8707
زكرياء أزم ،النقا العمومي حول نموذج التنمية :تساؤالت جدلية ،مجلة القانون واملجتمع ،معهد الدراسات
الاجتماعية وإلاعالمية ،العدد الثالث ،أكتوبر .8780
سبيكر بول ،مبادئ الرعاية الاجتماعية مقدمة للتفكير في دولة الرعاية ،ترجمة :حازم مبطر ،املركز الديمقراطي
العربي ،أملانيا.8700 ،
سعيد خمري ،املغرب ما بعد كورونا :أي دور اجتماعي للدولة وألاحزاب السياسية؟ ضمن مؤلف جماعي ،حالة
البطوارئ الصحية :التدابير القانونية والاقتصادية والسياسية وأبعادها ،تنسيق :عبد الرحيم العالم،
منشورات مركز تكامل للدراسات وألابحاث.8787 ،
سيدي موالي أحمد عيالل ،مدى فاعلية حركة 87فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب ،ضمن
مؤلف جماعي ،الثورات العربية عسر التحول الديمقراطي ومآالته ،إعداد وتنسيق :محمد جمال باروت ،املركز
العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألاولى.8702 ،
اليهير الشريف رقم 0.80.37صادر في 7شعبان 83( 0558مارس )8780بتنفيذ القانون إلاطار رقم 77.80
املتعلق بالحماية الاجتماعية ،منشور بالجريدة الرسمية ،عدد 88 ،1704شعبان 4( 0558أبريل .)8780
عبد إلاله سبطي ،احتجاجات الهوامش القشرة وما تصفيه ،املعهد املغربي لتحليل السياسات ،الرباط ،مارس
.8702
عبد الرحمان رشيق ،املجتمع ضد الدولة :الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع ،ترجمة :عز الدين العالم،
منشورات ملتقى البطرق ،الدار البيضاء.8780 ،
عبد الرحيم خالص ،مبطالب الحراك باملغرب بين الخبطاب امللكي والنص الدستوري ،ضمن مؤلف جماعي،
مغرب ما بعد حراك 8700ماذا تغير؟ إشراف وتنسيق :محمد باسك منار ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل
السياسات ،البطبعة ألاولى.8701 ،
عبد الواحد أوامن ،احتجاجات الهامش :دراسة في بنية الفعل الاحتجاجي بمنبطقة الريف باملغرب ،مجلة
القانون واملجتمع ،معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية ،العدد السابع ،أكتوبر .8788
عبد الواحد أوامن ،تاريخ الحركات الاحتجاجية بين املفهوم والنيريات ،ضمن مؤلف جماعي ،الحركات
الاحتجاجية في الوطن العربي دراسة في متغيرات الاستقرار والالاستقرار لألنيمة العربية ،تنسيق :املصبطفى
بوجعبوط ،املركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ،أملانيا ،البطبعة ألاولى،
.8707
116
فؤاد الصالحي ،ثورات الربيع العربي ومبطلب العدالة الاجتماعية ،ضمن مؤلف جماعي ،العدالة الاجتماعية
املفهوم والسياسات بعد الثورات العربية ،منتدى البدائل العربي للدراسات ومؤسسة روزا لوكسمبورغ،
.8708
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،التقرير السنوي .8787
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،التقرير السنوي .8780
املجلس الوطني لحقوق إلانسان ،حقوق إلانسان :8780تداعيات كوفيد 07على الفئات الهشة ومسارات
الفعلية ،فبراير .8788
محمد الحاجي الدريس ي ،السياسات الاجتماعية باملغرب والتوجهات الهجراتية للشباب املتعلم :أية عالقة؟،
مجلة الاقتصاد واملجتمع ،معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية ،املجلد ألاول ،العدد الثالث ،أكتوبر -دجنبر
.8788
محمد الغلبزوري ،الدولة وتدبير حراك الريف :تدبير أزمة أم أزمة تدبير ،سليكي أخوين ،طنجة ،البطبعة ألاولى،
.8787
محمد سعدي ،حراك الريف ديناميات الهوية الاحتجاجية ،سليكي أخوين ،طنجة ،البطبعة ألاولى.8707 ،
محمد فاوبار ،أدوار الشباب الجديدة وسياسات الدولة في إلادماج في املغرب بعد حراك ،8700ضمن مؤلف
جماعي ،الشباب والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية ،تحرير :عبد الفتاح ماض ي ،عبده موس ى ،املركز
العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،قبطر ،البطبعة ألولى.8707 ،
مصبطفى جال ،احتجاجات املغرب بين أزمة الوساطات وأزمة التوافقات ،مركز الجزيرة للدراسات ،قبطر8 ،
أبريل .8702
مؤلف جماعي ،العدالة الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية وحقوقية ،إشراف وتنسيق :محمد املودن ،مدني
أحميدو ،نعيمة عبة ،عبد الحي الغربة ،إصدارات املركز املتوسبطي للدراسات وألابحاث املعاصرة ،البطبعة
ألاولى.8780 ،
وزارة الاقتصاد واملالية ،التقرير الاقتصادي واملالي ،مشروع قانون املالية لسنة.8788
مراجع باللغات ألاجنبية:
Driss Maghraoui, Constitutional Reforms in Morocco: between Consensus and Subaltern Politics,
North Africa’s Arab Spring. Routledge, 2013.
Joseph Hivert, Les Rapports entre générations dans le mouvement du 20 février, Ouvrage collectif
: Le Maroc au Présent : d’une époque à l’autre, une société en mutation, Edité par : Baudouin Dupret,
Zakaria Rhani, Assia Boutaleb, Jean Noel Ferrié, Centre Jacques Breque- Fondation du Roi Abdul -
Aziz Al Saoud pour les Etudes Islamiques et les Sciences Humaines, Casablanca, 2015.
Nassim Hajouji, The Hirak Movement a Revial of the Arab Spring? Collective author: Mutations
Politique Comparées au Maroc au Machrek 7ans Après le Printemps Arabe, Policy center, 2018.
117
الحراك الاجتماعي وأثره في تعديل تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية :حركة 02فبراير نموذجا
زكرياء عصفور
باحث في العلوم السياسية
مقدمة
ينشأ الحراك الاجتماعي كرد فعل على سلوك السلبطة السياسية املنتيمة في هياكل ومؤسسات ،والتي
تتراكب نسقيا لتشكل في نهاية ألامر مفهوم الدولة .إذ أن التحديد املادي والسياس ي لهذه ألاخيرة يرتكز
على وجود بنى قانونية وإدارية قادرة على تدبير الشأن العام ،بحيث يشكل هذا النشاط التدبيري للدولة
في بعده السلبي املتسم بالعجز والقصور في تلبية الحاجيات الاجتماعية لجميع املواطنين ا ا والذي تحيل
عليه جملة من املسميات :فعل عمومي ،سياسة عمومية ،برامج حكومية ...ا ا ا مناطا لتبلور الفكر
الاحتجاجي ،كما يمثل مجاال خصبا ملراكمة الاختالالت والالتوازنات التي تنشأ على هامش ممارسة
السلبطة.
في السياق املغربي تتضح هذه املتالزمة بشكل أوضح ،خصوصا كلما عملنا على استحضار الشروط التي
مهدت النبثاق أكثر من حراك اجتماعي الكبرى .فلحية الربيع العربي التي شكلت موعدا ألغلب الدول
العربية من أجل فك الارتباط مع وضعية عامة ،اتسمت سياسيا بتعثر أو غياب املمارسة الديمقراطية،
واجتماعيا بالتفاوتات البطبقية والاجتماعية ،واقتصاديا بتصلف التنمية وانتشار الفقر والهشاشة ،أفرزت
قدرا كبيرا من الزخم الذي أدى بالنهاية إلى بروز العديد من املبطالب تنوعت بحسب كل قبطر ،حيث
أفض ى في بعضها إلى تغيير ألانيمة السياسية ،وتجسد في البعض آلاخر في صي مغايرة كاملبطالبة بإجراء
إصالحات للمنيومة القانونية القائمة ،بحيث تبطلب ألامر تعديال للدستور وإجراء انتصابات سابقة
ألوانها .وكذلك كان في الحالة املغربية مع حركة 87فبراير ،حيث أسست هذه ألاخيرة تكتيكاتها في منبطق
التغيير على خلق رجات أثرت في طبيعة السلبطة وعملت على إخراجها من مجال كان فيه الاستئثار لفاعل
وحيد ومشاركتها مع فاعلين جددا. 1
في هذا إلاطار تأتي هذه املحاولة لقراءة وتقييم الفعل الاحتجاجي لحركة 87فبراير وأثره في إنتاج سيرورة
أدت إلى إعادة تشكيل الهياكل القانونية والدستورية التي تحكم اشتغال املؤسسات داخل النسق
السياس ي املغربي ،وما كان لذلك من تأثير في تغيير تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية ،ذلك أن مبطلب
العدالة الاجتماعية كان أحد املبطالب املركزية للحركة حينها ،الش يء الذي يجعلنا في صلب إشكالية نووية
تتصل بالتساؤل عن مقدار ألاثر املعياري والقانوني الذي خلفه الحراك الاجتماعي لسنة 8700على تمثل
الدولة املغربية للمسألة الاجتماعية أخذا بعين الاعتبار أن هذا التمثل هو مجال قابل للرصد والقياس
-1الزياني عثمان ،سيناريوهات املغرب السياس ي ملا بعد الانتصابات التشريعية ل ا 84نونبر مقاربة سوسيوسياسية ،وجهة نير ،العدد 40
شتاء 8708،صفحة .85
118
من خالل استقراء مدى التبطور الذي حدث على مستوى املرجعيات والبنى القانونية الكبرى وعلى رأسها
الوثيقة الدستورية ،وأيضا عبر تحليل السياسات العمومية ذات الصلة ،باعتبارها رصدا لسلوك الدولة
في غمار الفعل ،وهو ما يمكن أن نعبر عنه من خالل التساؤل التالي:
إلى أي حد يمكن اعتبار التوجه الحالي للدولة املغربية في مجال السياسات الاجتماعية ،كنتيجة للحراك
الاجتماعي بقيادة حركة 87فبراير ،أو أن ألامر يتعلق بتدبير أزمات مستجدة أفرزتها حالة الاليقين التي
تصيم على تفكير النصب الحاكمة في جميع دول العالم؟
على املستوى املنهجي ،ينبغي الاعتراف أنه من الصعب الاقتصار على منهج واحد في تناول ظاهرة تجد
تجذراتها في حقول معرفية مصتلفة .وبناء عليه كان لزاما علينا اعتماد منهجية عابرة للتصصصات ،بحيث
تمتح من املنهج التاريخي الذي يستوجب البحث في أسباب نشوء الياهرة واملنبطق املتحكم في تبطورها،
وذلك بنفس تحليلي نقدي ملصتلف ألاحداث ألاساسية التي ساهمت في تبطور املسار الدستوري والسياس ي
واملؤسساتي باملغرب ،دون إغفال املقاربة السوسيولوجية التي تستوعب فهم ألابعاد املشكلة لهذه
ألاحداث والوقائع.
حاولت الدراسة الحالية أن تتناول هذه إلاشكالية من خالل أربعة محاور ،بحيث استهدف املحور ألاول
معايرة حضور املبطلب الاجتماعي في حراك 87فبراير ،في حين توجه املحور الثاني إلى استكناه طبيعة
التصور الذي تحصل لدى الدولة املغربية بشأن املسألة الاجتماعية بناء على املراجعة الدستورية ل ا
،8700بينما حاول املحور الثالث إلاجابة عن سؤال :هل تعكس التحوالت الجديدة للدولة بصصوص
تبني مقولة الدولة الاجتماعية قبطيعة مع التصور التقليدي للمسألة الاجتماعية؟ لينتقل املحور الرابع
في ألاخير إلى مناقشة طبيعة العالقة القائمة بين مفهومي الدولة الاجتماعية والديمقراطية ،هل هي عالقة
اقتضاء وتالزم أم أنه ال مجال للحديث عن صلة خاصة بين املفهومين.
تبلور الفعل الاحتجاجي باملغرب كما في بايي ألاقبطار العربية خصوصا منها املغاربية ،على قاعدة متعددة
املبطالب بحيث لم يكن هناك مبطلب ليتميز عن مبطلب ،بل كانت املبطالب تتضافر مجتمعة لتشكل ما
يمكن تسميته ب "الهوية املبطلبية للحراك" .وهكذا أمكن لنا أن نجد املبطلب الاجتماعي متجاورا جنبا إلى
جنب مع املبطلب الحقويي والسياس ي والديمقراطي ،لذلك فإن الواقع العملي يفيد بأن الحركات
الاحتجاجية رببطت الحقوق السياسية واملدنية عضويا بالشرط الاقتصادي والاجتماعي.1
1ا مشواط عزيز ،الحركات الاجتماعية متعدية القوميات :الحالة املغربية ،معهد ألاصفري للمجتمع املدني واملواطنة ،بيروت لبنان 8787
الصفحة .85
119
.1إلارهاصات ألاولى للجيل الجديد من املطالب الاجتماعية باملغرب
لم تؤسس حركة 87فبراير الاحتجاج في املغرب ،بل كان تنامي الاحتجاج على نحو غير مسبوق قد لوحظ
منذ النصف الثاني من العقد ألاول من ألالفية الثالثة ،وكان من أبرز تلك الاحتجاجات ما عرفته مدينة
صفرو في شتنبر 8770ومدينة سيدي إفني في أواخر ماي وبداية يونيو ،8772حيث أدت هذه الحوادث
إلى كثير من الضحايا واملعتقلين كان معيمهم من الشباب .1اندرجت هذه الاحتجاجات في سياق املبطالبة
بالعديد من الحقوق التي تجلت في التياهر ضد ارتفاع ألاسعار وغالء املعيشة ،وعلى ألاوضاع الاجتماعية
الصعبة بدعوة من الجمعية املغربية لحقوق إلانسان ،كما وقع بمدينة صفرو أو كرد فعل على عدم
تلبية مبطالب سابقة - 2كما هو الشأن بالنسبة لسيدي إفني -تمثلت في املبطالبة بجودة الصحة العمومية
ومجانيتها ،وتوفير مناصب الشغل ،وتصصيص تعويضات اجتماعية لذوي الحقوق من عائالت ضحايا
املرحلة الاستعمارية ،وتسليم الشباب العاطلين ما يسمى بالفاسكو (أوراق البحر أو الدفتر البحري)
ليتمكنوا من العمل في مراكب الصيد ،وكذا منحهم رخص الصيد التقليدية.3
إن املستقرئ ألحداث سيدي إفني ،رغم ما شابها من مواجهات عنيفة بين املحتجين والسلبطات
العمومية ،يمكن أن يقف على ملحيين أساسيين؛ ألاول يتعلق بالنقلة النوعية من الاحتجاج التقليدي
الذي عرفه املغرب بعد الاستقالل ،والذي كانت تؤطره عالقات التوتر بين السلبطة من جهة وألاحزاب
السياسية املعارضة والنقابات واملنيمات التابعة لها من جهة ثانية ،إلى احتجاج ذي صبغة شعبية قد
يلقى ردود فعل مساندة أو معارضة من طرف ألاحزاب السياسية أو الهيآت النقابية والعمالية .أما امللحظ
الثاني فيتعلق ببطبيعة املبطالب في حد ذاتها ،فعلى الرغم من أن املبطالب املعبر عنها هي مبطالب اجتماعية
1ا باسك منار محمد ،قراءة في التجربة الدستورية والسياسية في املغرب بعد مرور خمس سنوات على الثورات العربية ،املركز العربي
لألبحاث ودراسة السياسات ،بيروت ،يونيو ،8702طبعة ،0الصفحة .375
2ا أشارت لجنة التقص ي البرملانية التي شكلت إثر ألاحداث التي شهدتها مدينة سيدي إفني يوم 0يونيو 8772إلى أن هذه ألاحداث تعود
جذورها إلى سنة 8773حيث تبطورت بشكل تصاعدي وتسلسلت عبر محبطات مصتلفة نوردها اختصارا كما يلي:
22 -ماي 8774قامت السكرتارية املحلية بتنييم مسيرة احتجاجية إلى مقر باشوية املدينة رافعة مبطالب محددة.
0 -غشت 8774نفس السكرتارية تنيم مسيرة أخرى أعقبها تدخل لقوات ألامن.
88 -فبراير 8771صدور بيان هل السكرتارية يرفع من سقف املبطالب.
37 -يونيو 8771تعرض الوفد الرسمي املشارك في احتفاالت ذكرى استرجاع إلاقليم للرشق بالحجارة اعتقل على إثرها 00فردا من
املحتجين املشتبه فيهم يتم إلافراج عنهم فيما بعد.
84 -يونيو 8770دعوه السكرتارية الى مقاطعة الاحتفاالت الرسمية والانتصابات حتى تحقيق املبطالب.
87 -يونيو 8770الدعوة إلى القيام بمسيره والاعتصام أمام ثكنة رجال مبطافئ 84أبريل 8772إصدار بيان يدعو إلى اعتبار يوم الجمعة.
87أبريل 8772يوما للغضب والاحتجاج.
املصدر :التقرير العام ألعمال اللجنة النيابية لتقص ي الحقائق حول أحداث سيدي إفني يوم ألاربعاء 0يونيو 8772واملعروض أمام أنيار
مجلس النواب بتاريخ ألاربعاء 00دجنبر ،8772متاح على املوقع إلالكتروني الخاص بمجلس النواب
www.chambredesrepresentants.ma
إحدى الوحدات التابعة إلاذاعة والتلفزيون السويسرية www.Swissinfo.ch, visité le 15/02 /2023ا 3
120
صرفة من قبيل توفير الحق في التعليم والصحة والشغل إال أن لها خلفية حقوقية واضحة تلخصها
املتالزمة الشهيرة التي كانت تتردد في جميع الاحتجاجات واملتمثلة في "حرية ،كرامة ،عدالة اجتماعية".
وال شك أن وراء هذا التبطور عوامل ساهمت في حدوثه ،ترتبط خصوصا بالتحوالت الاقتصادية
والاجتماعية التي عرفها املغرب طيلة العقود السابقة ،والتي ترجع في أغلبها إلى الانتقال الديمقراطي
وتوسع املجال الحضري ،واتجاه ألاسرة نحو النموذج النووي ،وارتفاع نسبة الحاصلين على التعليم
ألاساس ي ،وغيرها من التحوالت ألاخرى التي أفرزت نشوء جيل جديد من الحركات بوعاء مبطلبي جديد.1
باإلضافة إلى هذه العوامل سالفة الذكر هناك عوامل عززت الانتقال نحو هذا الجيل الجديد من
الاحتجاجات ،تمثلت في التحول الرقمي الذي ميز ألالفية الجديدة ،والذي برزت معه ظاهرة مواقع
التواصل الاجتماعي التي سمحت باالنفتاح على تجارب بايي الحركات الاجتماعية ،الش يء الذي ساهم في
إذكاء الحس الحقويي لفئات واسعة من املجتمع املغربي.
جسدت حركة 87فبراير النموذج العفوي للحراك الاجتماعي الذي اكتسب زخما متزايدا مع مرور الوقت،
بحيث غداه رافدان أساسيان :أولهما السياق الداخلي املتسم بارتفاع منسوب الاحتجاجات ذات التوجه
الاجتماعي والحقويي ،وثانيهما الدفق الثوري الذي عجت به املنبطقة العربية بفعل ما سمي بالربيع العربي.
كما أنها نجحت في التحرر من عبء الارتهان والخضوع لحسابات املجتمع السياس ي ،وبذلك جاءت مبطالبها
معبرة عن إلارادة الشعبية بصورة مباشرة ،وهنا يمكننا مالحية حضور بعدين مهمين لهذا الحراك :ألاول
يحيل على البعد السيكولوجي والنفس ي ،إذ يمكن النير إلى هذا الاحتجاج بكونه تفريغا للرؤى الكامنة
في ثورة الالشعور ،وتراكم إلاحساس بالحرمان وإلاقصاء و"الحكرة" ،أما الثاني فيرتبط بمنيور علم
الاجتماع التبطبيقي إلاكلينيكي ،بحيث يستهدف تغيير العالقات الاجتماعية السلبية بغرض الوصول إلى
القناعة بقدرتها على تحقيق مبطلب التغيير. 2
بالرجوع إلى الوثائق املؤسسة لنضال الحركةا ا ا وهي في غالبيتها وثائق غير منشورة بحكم اعتمادها على
البيانات املبثوثة على شبكات التواصل الاجتماعي ،خصوصا الفيسبوك -يمكن رصد املسار الزمني الذي
تشكلت عبره املبطالب ألاساسية للحراك ،بحيث يمكن التمييز بين ثالث لحيات مفصلية:
أ .الاختمار وبناء التصور :من خاللها سعى الشباب املنضوي تحت الحراك إلى طرح جملة من املبطالب
والتصورات ألاولية ،ويمكن القول بأن الحركة عاشت خالل هذه املرحلة حالة من التيه التنييمي
121
أدى إلى ظهور مجموعة من املسميات للحركة مثل "الشعب يريد التغيير"" ،حركة حرية وديمقراطية
آلان" ليستقر الاسم في ألاخير على "حركة 87فبراير ،الشعب يريد التغيير"
ب .العمل امليداني :والذي انبطلق فعليا مع لحية النزول إلى الشارع ومحاولة التعبئة والتحشيد
املجتمعي حول املبطالب املرفوعة ،وهنا يالحظ استهداف املسيرات املنيمة للعمق املجتمعي ،حيث
ً
كانت الشعارات املرفوعة في أغلبها تحيل على مبطالب اجتماعية محددة ،باعتبارها جزءا ال يتجزأ
من املبطالب ألاخرى التي تجلت في املبطلب السياس ي والدستوري ،وهنا يمكن القول بأن هذا التكتيك
من جانب الحركة نجح فعال في استقبطاب أعداد متزايدة من املنصرطين في الحراك.1
ُ ِّ
ج ـ املأسسة :وفي هذا املستوى ش ِكلت مجموعة من اللجان الوظيفية التي سعى من خاللها النشبطاء إلى
هيكلة الحركة حسب ما يمليه الفعل امليداني ،وهنا يمكن إلاشارة إلى بعض اللجان من قبيل لجنة
إلاعالم ،لجنة املالية ،واللجنة املكلفة بالشعارات ،ولجنة اللوجستيك ،ولجنة التنسيق ،ولجنة اليقية،
هذا إلى جانب وجود مجلس وطني بمثابة جهاز تنفيذي للحركة.
بدأت مبطالب الحركة تتضح شيئا فشيئا مع التبطور الذي حصل على مستوى بنياتها التنييمية ،لكن
املبطالب التي كانت ألاكثر تعبيرا هي تلك التي وردت في الوثيقة املعنونة ب"ألارضية التأسيسية لحركة 87
فبراير من أجل الكرامة الانتفاضة هي الحل" ،وحملت توقيع اسم مستعار سليم ماض ي حسب ما تم
تداوله على املوقع الاجتماعي فيسبوك ،وهي أول من استعمل عبارة "شباب 87فبراير" ألول مرة ،وقد
ضمت الوثيقة مبطالب سياسية وأخرى اجتماعية نادت بإطالق سراح كافة املعتقلين السياسيين ،وتعيين
حكومة انتقالية يناط بها اتصاذ مبادرات عاجلة من أجل التصفيف من حدة ألازمة الاجتماعية بصفض
ألاسعار ،والزيادة في ألاجور ،وفتح صندوق عاجل للتعويض عن الببطالة ،وتشغيل جميع حاملي
الشهادات املعبطلين فورا دون قيد أو شرط .وقد تال إعالن هذا البيان مجموعة من البيانات الالحقة
كانت تسير في نفس املنحى.2
لقد استبطاعت حركة 87فبراير أن تبطرح حزمة من املبطالب الاجتماعية في تماه تام مع النزعة الحقوقية
للجيل الجديد من الحركات الاجتماعية ،وهو ما يعني أنها أسست للمبطالبة بمأسسة هذه املبطالب على
مستوى إعداد البرامج الحكومية وصنع السياسات العامة من خالل الدعوة إلى دسترتها لتستمد قوتها
1ا تشير تصريحات بعض النشبطاء لبعض القنوات التلفزية ، France 24العربية ،BBCأن أعداد املشاركين فاق 877777في حين قللت
وزارة الداخلية من حجمهم إذ حصرت عدد املتياهرين في مجموع القرى واملدن في 35777متياهر فقط.
2ا نذكر هنا بالبيانات التي كانت تصدر تباعا مؤكدة على املبطالب السابقة أو معززة لها بمبطالب جديدة:
-ألارضية التأسيسية لحركة الشعب يريد التغيير
-ووثيقة "مبطالب الشعب املغربي ا ا النقط 87امللحة
-ثم وثيقة أخرى بعنوان " مسيرة 87فبراير 8700من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية
-بيان موحد من حركات التياهر يوم 87فبراير 8700باملغرب
-وثيقة حملت توقيع شباب 87فبراير
122
الناجزة من سمو الوثيقة الدستورية نفسها ،محاولة بذلك إحداث نوع من الوعي املعياري والقانوني
لدى الدولة بأهمية املسألة الاجتماعية داخل الهندسة الدستورية ،لكن إلى أي حد نجحت الحركة في
هذا املسعى؟
املحور الثاني :تصور الدولة املغربية للمسألة الاجتماعية على ضوء الوثيقة الدستورية ل ـ 0211
ال شك أن الذهاب نحو إقرار دستور 8700جاء نتيجة سياق استثنائي تمصض عن حراك الربيع العربي،
ألامر الذي دفع املؤسسة امللكية إلى إخراج ورقة إلاصالح الدستوري لتوظيفها كورقة سياسية بغية
تهدئة الشارع املغربي.1
شكلت فترة ما قبل إقرار دستور 8700مصاضا صعبا وفرصة تاريصية للنصبة السياسية باملغرب للتعبير
عن طموحاتها وتبطلعاتها السياسية ،كما عرفت دخول وافد جديد معادلة الجدل الدستوري تمثل في
حركة 87فبراير ،حيث لم يعرف النيام السياس ي املغربي انفتاحا على قوى املعارضة كما عرفه في هذه
اللحية ،وبالتالي فإن الوثيقة الدستورية تعكس في واقع ألامر خالصة ما أفض ى إليه صراع موازين القوى
بين فرقاء املسألة الدستورية زمن الحراك ،فإذا ما استبعدنا دور ألاحزاب السياسية من معادلة هذا
التدافع بفعل تسليمها بامتالك امللك للمبادرة الدستورية ،2فإن الصوت ألابرز الذي رفع مبطالب
دستورية حقيقية هو حركة 87فبراير ،بوصفها جسدت مركز الضغط الذي تم إخالؤه بصفة متفاوتة
من طرف جل ألاحزاب ،في حين أن امللكية كسلبطة تأسيسية ظلت تجسد مركز القرار.3
اعتبر خبطاب 9مارس 8700التاريخي جوابا مببطنا على املبطالب املرفوعة من طرف املشاركين في الحراك
وعلى رأسها مبطلب امللكية البرملانية ،جاء ذلك بعد مرور أسبوعين من أول مسيرة ،حيث أعلن امللك عن
مبادرة إلاصالح الذي يؤسس مللكية برملانية بصصوصيات مغربية ،ال تنفصل عن قدسية ثوابت إمارة
املؤمنين والنيام امللكي وإلاسالم بوصفه دينا للدولة ،وذلك بعد دعوته ألاحزاب والنقابات وجمعيات
الشباب وهيآت املجتمع املدني ومؤسسات الفكر إلى املساهمة في بلورة مقتضياته.4
أدرك رأس الهرم السياس ي املغربي خصوصية املرحلة التي تمر منها هذه املواجهة بينه وبين حركة وليدة
الزالت تتلمس سبيلها نحو التجذر الاجتماعي ،كما كان يعي طبيعة التماسك الهش الذي كان يبطبع بنيتها
1ا زين الدين محمد ،الدستور ونيام الحكم باملغرب ،مبطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،8788 ،ص .050
2ا ا باسك منار محمد ،دستور سنة 8700في املغرب :أي سياق ألي مضمون ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،يناير 8705،
صفحة.5
3ا مصدق رقية ،الدستور املغربي الجديد على محك املمارسة ،2014 éditions la croisée des chemins ،صفحة . 07
4ا عيالل سيدي موالي أحمد ،مدى فاعلية حركة 87فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب ،املركز العربي لألبحاث ودراسة
السياسات ،يناير 8705،صفحة .827
123
التنييمية ،لذلك كان يسعى جاهدا إلى استثمار هذا الوضع من خالل املراهنة على حدوث الانقسام
والتصدع في موقف الحركة ،والذي كانت تشير جميع إلارهاصات بوقوعه ،وهو ما حدث فعال إذ انقسم
املجلس العام للحركة إزاء الوعود امللكية بصصوص املراجعة الدستورية إلى ثالث فئات كبرى ،فئة
اعتبرت أن ألامر يتعلق بشراء سلم الشارع ومحاولة توهيم الحركة وجمع القوى السياسية لتجاوز
الحركة ،وآخرون رأوا في الخبطاب جوابا متأخرا شبيها بصبطابات رؤساء كل من تونس ومصر وليبيا ،بينما
اعتبرت فئه ثالثة الخبطاب بمثابة نقد ذاتي للدولة وإرادة حقيقية إلصالح بنيوي ،1وهنا ال ينبغي أن ننس ى
أن الدولة راهنت أيضا على عامل الزمن في إضعاف الحركة وتحويلها إلى أيقونة احتجاجية بدون عمق
جماهيري وال امتداد زمني.
مما ال شك فيه أن الدافع وراء املراجعة الدستورية لسنة 8700كان نتيجة ضغط الحراك الاجتماعي
بقيادة 87فبراير التي انبطلقت في نضالها من وضع جملة من املبطالب ،كان أبرزها تحسين الشروط
الاجتماعية للمجتمع املغربي وإعبطائها بعدا حقوقيا ودستوريا ،وهنا من املناسب أن نتساءل عن مدى
تجاوب الدولة مع هذه املبطالب ،وهل نجحت الحركة في تغيير تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية من خالل
صياغة النص الدستوري؟
لقد كان أهم قرار أقدمت عليه السلبطة السياسية من الناحية الاستراتيجية تحريك مسبطرة الفصل
073من دستور 0771السابق قصد مراجعة الدستور ،كان الرهان وراء الاستجابة السريعة ملبطالب
حركة 87فبراير وعدم اللجوء إلى موقف العنف واملناهضة ،هو املسارعة إلى تحويل الئحة املبطالب
الاجتماعية والسياسية التي أعلنت عنها استراتيجية الشارع في خبطوة إلعادة بناء الفضاء السياس ي
والاقتصادي والحقويي في املغرب إلى استراتيجية الدولة.2
إن النص الدستوري وإن تم اعتماده من دون مساهمة حركة 87فبراير في بلورة بنوده ومقتضياته ،إال
أنه جاء وعلى خالف الدساتير السابقة في مرتبة متقدمة من حيث اشتماله على جيل جديد من
الحقوق تسير في اتجاه إعبطاء املسألة الاجتماعية بعدا دستوريا ،وإيالئها اهتماما متزايدا داخل النسق
الدستوري ،وهو ما يعكس قناعة جديدة تولدت لدى الدولة املغربية بأهمية الشأن الاجتماعي في الكتلة
التشريعية الصلبة للمنيومة القانونية للدولة ،حيث يمكن رصد مؤشرات هذا الوعي التشريعي داخل
الوثيقة بدءا بالفصل ألاول من الدستور الذي ينص على كون نيام الحكم باملغرب نيام ملكية دستورية
ديمقراطية برملانية اجتماعية ،وعلى الرغم من أن هذه العبارة تكررت في جميع الدساتير السابقة إال أن
1
Salhi Montassir, conditions de naissance et évolution d’un mouvement protestataire, septembre 2013, paris,ـ
université saint denis, page 27.
-2الحبيب ستاتي زين الدين ،العشرية الدستورية ورهان التوفيق بين السلبطة واملجتمع ،منتدى السياسات العربية ،مقال منشور على
موقع ، www.alsiasat.com.الصفحة 9تمت الزيارة يوم 8783/78/02
124
ما سيأتي بعدها من الفصول أضفى عليها معنى جديدا ومصتلفا ،وهكذا يمكن لنا أن نرصد حضور
توجه الدولة ملا هو اجتماعي من خالل الفصول التالية:
لكن يبقى السؤال الذي يبطرح نفسه هو هل عكست السياسات العمومية الالحقة على دستور 8700
فعال نص الدستور وروحه على مستوى تفعيل هذه املبادئ والحقوق؟
املحور الثالث :التحوالت الجديدة في تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية بين تجذر القناعة ومقتضيات
املرحلة
ال ينسحب مفهوم التمثل هنا على إلايديولوجيا التي تبني عليها الدولة فلسفتها في الحكم أو تؤسس عليها
ثوابتها العقائدية التي يمكن الركون إليها في تفسير سلوكها السياس ي بقدر ما هو وعي بمركزية قضية
معينة ،ينبغي أن تحيى باالهتمام بالنير إلى أهميتها بالنسبة للدولة أو املجتمع ،وهو أمر ال يمكن التحقق
منه إال بأحد أمرين :أوال من خالل تحليل السياسات العمومية للدولة وتفكيك العوامل املتحكمة في
السيرورة القرارية لهذه السياسات .وثانيا عن طريق التغذية الراجعة من قبل املستهدفين من هذه
السياسات بحيث يعتبر الفعل الاحتجاجي من حيث كثافته وتردده أهم مؤشر على فشل هذه
السياسات.2
يبدو أن تداول املسألة الاجتماعية داخل السياسات العمومية باملغرب ليس وليد السياقات املرتببطة
بالجيل الجديد من الاحتجاجات ،بل هو تحصيل سياسة رسمية كانت تنير إلى الرفاه الاجتماعي كمتغير
126
تابع ملتغير ثابت يتمثل في التقدم الاقتصادي ،غير أن الفترة التي ستعقب بداية الاستقالل إلى حدود
بداية الثمانينات كانت شاهدة على حجم العجز الاجتماعي الذي شهدته املرحلة ،والذي عبر عن نفسه
باندالع انفجارات اجتماعية كبرى في مارس 0714ويونيو ،0720كما اختصر فشل الرهان على ألاولوية
املبطلقة لكل ما هو اقتصادي و نهج سياسة اقتصادية اعتمدت صيغة نمو دون تنمية. 1
كنتيجة لهذا العجز الاجتماعي ،كانت الدولة تلجأ لسياسة البرامج الاجتماعية املجتزأة التي لم ترق إلى
سياسات اجتماعية باملعنى ألاكاديمي للمفهوم ،وهنا يمكن أن نورد على سبيل املثال إعالن الدولة سنة
0773عن وضع استراتيجية للتنمية الاجتماعية بتعاون مع البنك الدولي وضع لها كهدف حينها تقليص
الفقر في العالم القروي ،كما ستشهد سنة 0774انبطالق حزمة من البرامج الاجتماعية تمثلت في البرنامج
الجماعي للتزود باملاء الشروب وبرنامجا خاصا بالكهرباء ،وآخر يتعلق بإنشاء شبكة للبطرق بالوسط
القروي ،كما تم إلاعالن عقب الخبطاب امللكي بتاريخ 87غشت 8770عن خبطة وطنية ملحاربة السكن
غير الالئق.
في واقع ألامر لقد كان للتصور الذي تبنته الدولة في إطار سياسة التقويم الهيكلي ،والذي يقض ي بالقيام
ببعض التضحيات الاجتماعية في سبيل تحقيق بعض التوازنات املاكرو اقتصادية آثارا وخيمة على
مؤشرات الحياة الاجتماعية من قبيل ارتفاع معدل الببطالة ،وتقلص النفقات املوجهة للحاجيات
الاجتماعية ،وتعرض املداخيل ألاجرية للضغط وتراجع مستوى العيش بالنسبة لبعض الفئات الحضرية،
حيث اعتبرت عشرية تبطبيق هذا املصبطط عشرية ضائعة على التنمية البشرية.2
ساهمت حركة 87فبراير في تحويل املسألة الاجتماعية باملغرب إلى أولوية دستورية وقانونية ،جعلت من
الحقوق الاجتماعية لألفراد عالمة على تحول ملحوظ في الوعي التشريعي للدولة ،لكن هل وازى هذا
الوعي تفعيل حقيقي لهذه املقتضيات الدستورية في شكل سياسات عمومية قادرة على إحداث القبطيعة
مع التصور التقليدي للمسألة الاجتماعية؟
في التجربة املغربية يصعب الحديث ا ا كما تمت إلاشارة إليه ا ا عن وجود سياسة اجتماعية باملعنى
الحقيقي للمفهوم ،إذ أن أقص ى ما يمكن أن نرصده في هذا املجال هو وجود برامج ومصبطبطات تابعة
قبطاعيا لوزارات بعينها ،بحكم أن مجال تصصصها يمس جانبا من الحياة الاجتماعية للمغاربة مع مالحية
جوهرية تتعلق بغياب الالتقائية والتنسيق بين هذه الوزارات ،بما يسمح برسم ما يمكن أن نسميه "هوية
-1العوفي نور الدين أحمد حرزني محمد بن سعيد ،التقرير املوضوعاتي حول النمو الاقتصادي والتنمية البشرية ،8774 ،املعد واملنشور
في إطار الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية صفحة .0
-2العوفي نور الدين ،مرجع سابق ،الصفحة 34
127
واضحة لسياسة اجتماعية متكاملة" .بعد الحراك الاجتماعي لسنة 8700وإلى غاية الوالية الحكومية
الحالية فإن عدد تلك البرامج كان في نبطاق محدود ،كما أن تفعيلها على أرض الواقع واجه جملة من
الصعوبات وإلاكراهات ،وفي هذا الصدد يمكن استحضار نموذج نيام املساعدة البطبية راميد الذي تم
تعميمه سنه .8700
شكلت هذه الفترة اختبارا حقيقيا ملدى تفعيل املقتضيات الخاصة بتلبية حقوق ألافراد املنصوص عليها
في الدستور ،والتي أبرزت العديد من املحبطات عدم قدرة السياسات املتبعة على احتواء تداعيات ضعف
الحماية الاجتماعية التي بقيت مغيبة على مدى ما ينيف عن عقد من الزمن منذ اندالع فتيل الحراك
الاجتماعي لسنة ،8700حيث عرت جائحة كوفيدا ا ا 07على الهشاشة متعددة ألابعاد التي يعاني منها
نسيجنا الاجتماعي ،وال سيما منيومتنا الصحية واملستوى املتدني للتغبطية الاجتماعية الصحية ،كما
أظهرت أن ثمة هامشا واسعا للفقر وإلاقصاء لفئة واسعة من املجتمع .1كما تميزت ذات الفترة بتزايد
ملحوظ في وتيرة البطلب الاجتماعي على الحقوق؛ إذ برزت بعد حراك 8700معالم تغير في عالقة املواطن
العادي بالسلبطة ،وفي عالقة الهامش /املحيط باملركز ،وذلك بفعل التزايد املضبطرد في الوعي بالحقوق،
وارتفاع منسوب القلق الترابي وتنامي ثقافة الاحتجاج ،فبحسب املعبطيات الرسمية (تقرير وزارة الداخلية
،8700وتقرير املندوب الوزاري لحقوق إلانسان ،)8707فقد انتقل عدد املياهرات الاحتجاجية من أقل
من 077مياهرة في 8774إلى 02047مياهرة في ،8700وشهدت التجمعات الحضرية باملدن املتوسبطة
والكبيرة نسبة % 18منها.2
يتم في آلاونة ألاخيرة تداول مقولة الدولة الاجتماعية بكثرة من طرف املسؤولين عن الشأن العام باملغرب
في سياق تصيم عليه آلاثار الوخيمة لجائحة كورونا والحرب الروسية ألاوكرانية ،وارتفاع نسبة التضخم،
ألامر الذي انعكس سلبا على تراجع القدرة الشرائية للمغاربة ودخول شريحة واسعة منهم في دائرة الفقر
والهشاشة ،وهو واقع ا ا في ظل غياب تدخل حكومي ملموس ا ا صار يسائل املسؤولين عن وجود سياسة
اجتماعية تؤمن الحماية الاجتماعية للفقراء واملعوزين ،فضال عن الحديث عن دولة اجتماعية تعبطي
ألاولوية للمسألة الاجتماعية ،خصوصا في ظل هذا الواقع املأزوم.
ارتبط نشوء مفهوم الدولة تاريصيا بفكرة تجاوز الاحتراب بين الجماعات إلانسانية ،إذ أن البعد الاجتماعي
كان حاضرا منذ الوهلة ألاولى لتشكل هذا املفهوم من خالل ما سمي بنيرية العقد الاجتماعي ،الذي ربط
1ا الحجيوي نجيب وآخرون ،مغرب ما بعد كورونا :أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع ،املركز الوطني للدراسات
القانونية والحقوقية بأكادير ،البطبعة ألاولى 8780 ،الصفحات 870 / 871
-2اليحياوي مصبطفى ،التحوالت الاجتماعية والثقافية والسياسية خالل العقدين ألاولين من القرن :80املقاربة الترابية بعد 87سنة من
التجريب ،مؤسسة فريدريش إيبرت ،البطبعة ألاولى ،دجنبر ،8788ص .00
128
بين الحاكمين واملحكومين ،مع ما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات لكال البطرفين ،ومع تبطور الفكر
السياس ي صار مبدأ التداول على السلبطة مبطلبا أساسيا الستدامة السلم الاجتماعي ،بحيث صار الشرط
الديمقراطي محددا أساسيا لدولة الرفاهية الاجتماعية ،كما تم بناؤها بعد الحرب العاملية الثانية في
العديد من دول أوروبا الشمالية والغربية والتي شكلت امتدادا لفكرة الدولة الحامية. 1
ال يوحي بادئ التأمل بوجود عالقة صريحة ومباشرة بين الديمقراطية كشكل من أشكال حكم الشعب
نفسه بنفسه -عبر حكم ألاغلبية عن طريق نيام التصويت والتمثيل النيابي -2وبين الدولة الاجتماعية
ككائن قانوني يرتكز في سياساته ومشاريعه التنموية على امللفات الاجتماعية ،وبمراهنته على بناء اقتصاد
اجتماعي قوي قادر على تحقيق التوازن داخل املجتمع وصون كرامة إلانسان وحريته وحماية حقوقه
الاجتماعية والاقتصادية .3غير أن التحوالت الجديدة التي عرفها باراديغم الدولة الديمقراطية ،جعل من
املسألة الاجتماعية أحد املحددات ألاساسية والجوهرية لألنيمة السياسية الديمقراطية ،وبالتالي صارت
الديمقراطية تعني في هذا السياق بأن جميع املواطنين واملواطنات لهم نفس الحقوق في الحرية واملشاركة
السياسية ،كما أن لكل كائن بشري الحق في الكرامة وواجب الاحترام ،وأن حقوقا بعينها كالحق في
التغذية والسكن ،وحقوقا أخرى ينبغي ضمانها مثل الحق في التربية واملعلومة حتى ال تكون الديمقراطية
مجرد صدفة فارغة من املحتوى .إن حقوقا مثل الحماية من مصاطر الفقر وضمان الحق في تربية فعالة
ال ينبغي أن ينير إليها كفعل إرادي إحساني أو تضامني يتفضل به أحد على أحد ،إذ أن الديمقراطية
الحقة ال تتحقق إال في إطار سياسة اجتماعية؛ والدولة الديمقراطية في حاجة دائما إلى الدولة
الاجتماعية.4
وكما أن الدولة الديمقراطية تستلزم وجود الدولة الاجتماعية ،فإن هذه ألاخيرة ال يمكن قيامها بعيدا
عن توفر الشرط الديمقراطي ،حيث إن هذا التالزم يجد مقوماته في املبررات التالية:
العدالة الاجتماعية تسيج الخيار الديمقراطي من الانزياحات الخبطيرة التي تنشأ بمناسبة
الحركات الاجتماعية ذات التأثيرات السلبية والعنيفة على النيام العام.
11- Rasanvallon Pierre, la crise de l’Etat providence paris seuil, 1981, P 20
-2صبري سعيد ،الديمقراطية ،نهضة مصر ،البطبعة ألاولى ،8770 ،الصفحة .0
-3بلوح ابراهيم ويونس املجدوبي ،الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد ،إلاصدار ألاول دجنبر 8788املركز املغربي لألبحاث
وتحليل السياسات صفحه .07
4 - Etat social et démocratie sociale, fondation fridrich Ebert, 1ère édition novembre 2014, P9.
129
الدولة الاجتماعية تقدس القيم التي تحتفي بإنسانية الفرد ومركزيته في السياسات العمومية،
أخذا بعين الاعتبار أن العائد من هذا الاحتفاء ينعكس إيجابا على املشاركة السياسية واملواطنة
وجودا وجودة.
املنهجية الديمقراطية الحقيقية تسمح بتبؤ نصب سياسية مواطنة ملراكز القرار والتي تعبر بصدق
عن حقيقة البنى الاجتماعية املشكلة للنسيج املجتمعي ،وتسعى إلى توفير حقوقها الاجتماعية
والسياسية والثقافية بعيدا عن أي معايير غير معايير الدولة الديمقراطية الاجتماعية.
الدولة الديمقراطية الاجتماعية تمنع من تحويل السلبطة إلى أداة في يد البطبقة السياسية
لتبطويع املجتمع املدني عبر آلية التحكم في التضييق على الحقوق ،بما يصرف كل طرف عن
ممارسة نشاطه الذي من شأنه املساهمة في جودة الحياة العامة.
.0التحول الديمقراطي باملغرب بين تداعيات املرحلة املأزومة ورهانات الدولة الاجتماعية
تميز حراك 8700باملغرب بوصفه حدثا غير كالسيكي ،كان يدرك الفاعل السياس ي من خالله أن له ما
بعده ،خصوصا أنه أفلح إلى حد ما في إدراج املسألة الديمقراطية والاجتماعية في دائرة الاهتمام الشعبي،
حين رفع شعار "حرية ،كرامة ،عدالة اجتماعية" ،وهو ما أدركت معه الدولة العميقة أيضا أن جيال
جديدا من الحركات الاجتماعية قد خرج للوجود ،استقوى بما تتيحه وسائط إلاعالم الجديد ووسائل
التواصل الاجتماعي من إمكانيات في خلق وعي لدى املواطن البسيط ،كما في وعي املثقف املهتم بالشأن
العام بأن املدخالت الديمقراطية السليمة تؤدي بنهاية املبطاف إلى مصرجات اجتماعية تعادلية ،وقد
حرصت الدولة بعد إقرار الدستور الجديد أن تكون التجربة ألاولى بعد هذا إلاقرار تجربة استثنائية
لخلق انبطباع أن تحوال ديمقراطيا حقيقيا باملغرب قيد التشكل .وهو ألامر الذي تم من خالل تعيين
حكومة بقيادة حزب ذي توجه إسالمي ألول مرة سنة 8708بعد حصوله على 127من املقاعد البرملانية،
غير أن أواخر سنة 8703ستعرف نكوصا عن مكسب الانفتاح السياس ي الذي ميز املشهد السياس ي
باملغرب والذي أسست له الوثيقة الدستورية لسنة ،8700ومن بين ألاسباب الرئيسة التي ساهمت في
هذا النكوص تأثر املغرب باالرتدادات الالديمقراطية التي عرفتها بعض بلدان الشرق ألاوسط ،والضغط
الذي مارسته بعض دول الخليج خشية تصاعد املد الانتصابي لإلسالميين.1
إلى جانب العوامل الخارجية التي أرخت بياللها على تعثر التحول الديمقراطي ،هناك في تقديرنا عامالن
رئيسيان ساهما في هذا التعثر ،تجلى ألاول في عدم قدرة رئيس الحكومة حينها على استثمار الصالحيات
املهمة التي خولها له الدستور لتقوية موقع السلبطة التنفيذية .والثاني يمكن النير إليه كنتيجة لهذا
التصلي البطوعي عن الصالحيات القوية املمنوحة لرئاسة الحكومة ،حيث كان يغلب على هذه املؤسسة
-1محمد ضريف .النيام السياس ي املغربي وجمود الانتقال .الحوار املتمدن-العدد . 8 / 1 / 8787 – 1420 :متاح على الرابط التالي :
http://www.ahewar.org/
130
املنبطق التبريري عندما صورت نفسها كحكومة منقذة للدولة املغربية ،سواء من خالل تفادي
سيناريوهات مشابهة لدول عربية أخرى وقعت في حالة الفوض ى أو من خالل القيام بمجموعة من
إلاصالحات على حساب البطبقات الاجتماعية ،وهنا يمكن التذكير بتحرير أسعار املحروقات دون أخذ
التدابير الكفيلة بحماية املستهلك وإقرار نيام التعاقد في التشغيل داخل قبطاع التربية والتكوين وإصالح
نيام التقاعد ،وكلها كانت مؤشرات قوية على الفجوة بين مثالية النص الدستوري وضعف تأويله.
خاتمة
على سبيل الختم ،يمكن القول بأن تجربة الحراك الاجتماعي باملغرب سنة 8700ممثلة في حركة 87
فبراير رغم كونها جاءت نتيجة ظرفية ثورية خاصة شملت املجال العربي في غالبيته وأن ألاسباب التي
ساهمت في وجودها الزالت قائمة ،إال أنها نجحت في تقديم تقييم حقيقي لحصيلة الفعل العمومي في
مجاالت عدة على رأسها املجال الاجتماعي والحقويي والسياس ي ،كما ساهم الضغط الذي مارسته من
خالل خروجها إلى الشارع في الدفع بالدولة إلى القيام بجيل جديد من إلاصالحات الدستورية ،مما يش ي
بوجود تأثير مالحظ من قبل الحركة على قناعة الدولة ،كما يؤكد على ألاثر الذي قد يحدثه املتغير
الاجتماعي على منيومة التوازنات الاجتماعية والسياسية والقيمية على الدولة واملجتمع .وعلى العموم
فقد أمكننا من خالل مقاربتنا ملوضوع هذه الدراسة الوقوف على جملة من الخالصات يمكن إجمالها
كما يلي:
من بين أهم أسباب النجاحات التي حييت بها حركة 87فبراير كونها تبنت مبطالب اجتماعية
واضحة وقامت بعملية التعبئة حولها ،كما أن هذه املبطالب الاجتماعية شكلت عامل توحيد
لفرقاء الحراك على اختالف انتماءاتهم ومشاربهم .لذلك فقد ساهم خفوت املبطلب الاجتماعي
مقابل تصاعد النزعة إلايديولوجية للحراك ،إلى جانب عوامل أخرى ،في تفكك لحمة الحركة
وفقدانها لعمقها الجماهيري.
لئن كانت أهم النتائج املباشرة للحراك الاجتماعي ل ا 8700تتمثل في إعادة صياغة دستور جديد
للبالد وإلاعالن عن تنييم انتصابات سابقة ألوانها ،فإن أهم النتائج غير املباشرة تجلى في خلق
قناعة لدى السلبطة السياسية بكون املسألة الاجتماعية محددا أساسيا في إذكاء أي فعل
احتجاجي.
نجاح حركة 87فبراير في توليد هاجس لدى الدولة ،يتمثل في تفادي اندالع حركات اجتماعية
شبيهه بتلك التي شهدتها سنه ،8700وبالتالي فإن الدولة تتجنب حدوث ذلك من خالل اعتماد
تكتيكات متنوعة ،أبرزها إعادة إنتاج املقاربة الانقسامية ،والنأي عن خلق ذات الشروط التي
مهدت الندالع احتجاجات .8700
131
الشرط الديمقراطي مدخل أساس ي لبناء الدولة الاجتماعية ،ذلك أن اختيار املسؤول السياس ي
هي عملية اجتماعية بالد جة ألاولى تنبني على معرفة قبلية للناخب َ
باملنتصب في سياق اجتماعي ر
معين وتنتهي بمصرجات سياسية في نهاية املبطاف ،وكلما التزمت هذه السيرورة باملنهجية
الديمقراطية وعبرت عن حقيقة الاختيار املجتمعي ،إال وحصلنا على مجتمع سياس ي في خدمة
املجتمع املدني ،بصالف ما يقع في ألانيمة غير الديمقراطية ،حيث ال يتم استحضار أهمية هذا
ألاخير إال عند اللحية الانتصابية ويغيب على مستوى إعداد السياسات العمومية وفي أولويات
التدبير العمومي.
لحية الحراك الاجتماعي ل 8700وما بعدها كانت شاهدة على ضعف ألاداء الحزبي والنقابي،
بحيث لم يكد يصدر عن هذه الهيآت أي دور ،سواء على صعيد ممارسة الوساطة بين املجتمع
املدني والسلبطة السياسية ،أو على مستوى أخذ املبادرة في تقديم حلول ناجعة وواقعية لألزمة
حينها.
عادة ما تحاول الحكومات بناء مشروعيتها السياسية الخاصة بها من خالل تبني مقوالت أو
شعارات معينة مستقاة من طبيعة املرحلة التي تتولى فيها تدبير الشأن العام ،فكما أن الحكومة
ألاولى بعد إقرار دستور 8700الذي تال حراك 87فبراير أسست مشروعيتها على مقولة "إلاصالح
في ظل الاستقرار “ وهو شعار استمد داللته من اليرفية التي كانت سائدة في ظل ما سمي بالربيع
العربي ،فإن الحكومة الحالية تسعى ألن تؤسس ملشروعيتها الخاصة انبطالقا من السياق
الاجتماعي والاقتصادي الحالي الذي يتميز بقدر كبير من التأزم ،لذلك فإن أكثر شعار يتناسب
واملرحلة الحالية هو "الدولة الاجتماعية" .
الئحة املراجع:
المراجع بالعربية:
باسك منار محمد ،دستور سنه 8700في املغرب :أي سياق ألي مضمون ،املركز العربي لألبحاث ودراسة
السياسات ،يناير.8705 ،
باسك منار محمد ،قراءة في التجربة الدستورية والسياسية في املغرب بعد مرور خمس سنوات على
الثورات العربية ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،بيروت ،يونيو ،8702طبعه .0
بلوح ابراهيم ويونس املجدوبي ،الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد ،إلاصدار ألاول دجنبر ،8788
املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات.
الحجيوي نجيب وآخرون ،مغرب ما بعد كورونا :أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع، ،
البطبعة ألاولى 8780 ،املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية بأكادير
الزياني عثمان ،سيناريوهات املغرب السياس ي ملا بعد الانتصابات التشريعية ل ا 84نونبر ،مقاربة سوسيو
سياسية وجهه نير العدد 40شتاء .8708
زين الدين محمد ،الدستور ونيام الحكم باملغرب ،مبطبعة النجاح الجديدة ،8788 ،الدار البيضاء.،
132
صبري سعيد ،الديمقراطية ،نهضة مصر ،البطبعة ألاولى.8770 ،
العوفي نور الدين أحمد حرزني محمد بن سعيد ،8774التقرير املوضوعاتي حول النمو الاقتصادي
والتنمية البشرية املعد واملنشور في إطار الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية.
عيالل سيدي موالي أحمد ،مدى فاعلية حركة 87فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب ،املركز
العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،يناير .8705،
مشواط عزيز ،الحركات الاجتماعية متعدية القوميات :الحالة املغربية ،معهد ألاصفري للمجتمع املدني
واملواطنة 8787بيروت لبنان.
مالي عبد الصمد عفيفي ،تحليل السياسات العمومية الاجتماعية في املغرب :سياسات تقليص الفقر
نموذجا 0741ا ،8704أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ،جامعة القاض ي عياض كلية العلوم
القانونية والاقتصادية والاجتماعية ،مراكش8704 ،ا .8701
مصدق رقية ،الدستور املغربي الجديد على محك املمارسة.2014 éditions la croisée des chemins،
اليحياوي مصبطفى ،التحوالت الاجتماعية والثقافية والسياسية خالل العقدين ألاولين من القرن :80
املقاربة الترابية بعد 87سنة من التجريب ،مؤسسة فريدريش إيبرت ،البطبعة ألاولى ،دجنبر .8788
Etat social et démocratie sociale, fondation fridrich Ebert, 1ère édition novembre 2014.
Rasanvallon Pierre, la crise de l’Etat providence paris seuil, 1981.
Salhi Montassir, conditions de naissance et évolution d’un mouvement protestataire, septembre
2013, paris, université saint denis
املواقع الالكترونية:
ضريف محمد ،النيام السياس ي املغربي وجمود الانتقال .الحوار املتمدن-العدد.8 / 1 / 8787 – 1420 :
متاح على الرابط التاليhttp://www.ahewar.org :
الحبيب ستاتي زين الدين ،العشرية الدستورية ورهان التوفيق بين السلبطة واملجتمع ،منتدى السياسات
العربية مقال منشور على موقع . www.alsiasat.com.
www.Swissinfo.ch, visité le 15/02 /2023 إحدى الوحدات التابعة لهيئة إلاذاعة والتلفزيون السويسرية
133
الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية باملغرب :ألادوار ،واملواقع واملواقف
عبد املولى عمراني
باحث في علم الاجتماع
مقدمة
حييت العالقة بين الدولة واملجتمع وحركاته ،باهتمام العديد من املفكرين عبر العصور ،ويمكن التأريخ
لهاته العالقة مع بداية الفكر السياس ي لدى إلاغريق القدامى ،حيث اعتبرت الدولة وحدة التحليل
الرئيسية ،في تناول النيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،...صاحب ذلك فرضية أساسية؛ تقوم
على أن الدولة هي القوة العليا الناتجة عن املجتمع ،واملفروضة عليه في آن واحد ،لهذا تضع الدولة
نفسها فوق املجتمع ،ملا تملكه من سلط ،تنازل عنها ألافراد لتحقيق مصالحهم ،ما جعلها تحيى بقبول
وتأييد من لدن املجتمع بأفراده ،وأحايين أخرى عرفت توترات وتجاذبات.
برزت الحركات الاجتماعية في سياق الصراع السياس ي والاجتماعي ،وفي إطار تاريخي رافقه وجود أحزاب
سياسية ساعية لتمثيل مصالح معينة ،أمام أنيمة سياسية واقتصادية وثقافية في الدول الرأسمالية.
ويمكن إبراز محددات هذا السياق فيما يلي:
في ظل هاته اليروف والخصا ا ا ااوصا ا ا اايات؛ ظهرت الحركات الاجتماعية الحديثة التي تصتلف عن الحركات
الاجتماعية التقليدية ،ألنها ال تسااتهدف الوصااول إلى الساالبطة ،وإنما تسااعى إلى ترجمة عدد من القيم إلى
واقع اجتماعي ،تنبني من خالله أسس نيام سياس ي شامل يحفظ حقوق وحرية املواطنين.1
-1مصطفى كامل السيد" ،دراسات في النظرية السياسية" ،القاهرة ،كلية االقتصاد والعلوم السياسية ،جامعة القاهرة.1554 ،
134
إلاشكالية:
تصعب دراسة الدولة من حيث املفاهيم الناظمة لها ،ألنها تنبني على أرضية متداخلة ،بين ما هو ديني
وفلسفي واجتماعي وتاريخي...؛ وتزداد هاته الصعوبة في ألانيمة الديموقراطية الهجينة .تعتبر الحركات
الاجتماعية استجابة شرطية الستراتيجيات ممارسة السلبطة ،وهي بمنزلة قوى ضغط اجتماعي وسياس ي،
من أجل إحداث واقع جديد ،يؤطره نسق مغاير من القيم واملبادئ.
في هذا السياقِّ ،
فإن إلاشكالية التي تعالجها الورقة البحثية تتلخص في ألاسئلة التالية :ما العالقة التي
تربط الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية باملغرب؟ وما طبيعة ألادوار واملواقع واملواقف لهاته
الحركات في الحالة املغربية؟
إن إلاجابة عن أسئلة هاته إلاشكالية تستدعي فرضيتين أساسيتين؛ ألاولى تفترض جدلية عالئقية بين
الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية ،من زاوية ألادوار واملواقع واملواقف ،من خالل محبطات تاريصية
بارزة في الحراك الاجتماعي والسياس ي باملغرب ،وفق النماذج التحليلية املعتمدة في الدراسات الاجتماعية
في دول الربيع العربي ،وسياقات الانتقال إلى الديمقراطية.
أما الفرضية الثانية؛ فتقول بتأثير فعل الحركات الاجتماعية ،وحركيتها الاحتجاجية وأدوارها املتعددة،
في إعادة توجيه تصور الدولة والسلبطة السياسية في املغرب للسياسات الاجتماعية ،بمضامينها ألاخالقية
ورهاناتها السياسية والاقتصادية.
املحور ألاول :الدولة الاجتماعية :بحث في املفهوم وسؤال عن املقومات – الحالة الغربية نموذجا.-
تعرف أروقة الدولة وصالونات الساسة ،نقاشا حول "الدولة الاجتماعية" ،مفهومها وأسسها ،مقوماتها
ورهاناتها ،هذا املصبطلح تضمنته الفقرة ألاولى من الفصل ألاول من دستور " 8700نيام الحكم باملغرب
نيام ملكية دستورية ،ديمقراطية برملانية واجتماعية" ،وهو أيضا ما أشارت له لجنة النموذج التنموي
في تقريرها العام ،1وأعلن عنه رئيس الحكومة املغربية وبعض وزرائها ،غداة الانتصابات التشريعية 2
شتنبر ،8780على أن الدولة الاجتماعية رهان وهاجس يحكم استراتيجية الحكومة ،من خالل برنامجها
وخبطبطها .كما نيمت ندوات علمية ،وحلقات دراسية ،وسجاالت سياسية وإعالمية ،تدور باألساس حول
مياهر وخصوصيات الدولة املغربية ومدى إمكانية وصفها باالجتماعية.
-1اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" ،التقرير العام للنموذج التنموي الجديد" ،أبريل ،8780ص.7:
135
-0مفهوم الدولة الاجتماعية
ظهر مفهوم الدولة الاجتماعية ،في القاموس السياس ي خالل القرن 07في سياق خاص ،يعود إلى مؤسس
الوحدة ألاملانية بسمارك ، Bismarckحينما قرر إقامة نيام الحماية الاجتماعية ،من أجل تضييق
الخناق على اليهور السياس ي للحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي كان محيورا آنذاك.
وقد اقتصر مفهوم الدولة الاجتماعية في البداية على الحماية الاجتماعية ،واستمر في التبطور ليشمل أربع
ركائز أساسية وهي :الحماية الاجتماعية ،وتقنين عالقات الشغل (الحق في الشغل أو املفاوضة الجماعية)،
وتجويد الخدمات العمومية ،والسياسات الاقتصادية (ميزانياتية ،نقدية ،تجارية ،دخلية…) املدعمة
للنشاط الاقتصادي والتشغيل.
وعليه فإن مفهوم الدولة الاجتماعية ظهر في أوروبا بعد الحرب العاملية الثانية ،نتيجة ما آلت إليه
ألاوضاع الاجتماعية من تردي وانهيار للقيم التي ارتكزت عليها الليبرالية ،التي كانت تعتبر في أفكار
الاشتراكية بمثابة أيديولوجية أصحاب رؤوس ألاموال ،فيما سعى تيار آخر إلى ضبط املجال السياس ي
والتحكم في املجال الاقتصادي منه ،من خالل بسط هيمنة الدولة وبسط نفوذها ،وتقوية سلبطتها ،في
إطار ما سمي بالدولة الضببطية ،Etat Régulateurومع توالي ألازمات الاقتصادية؛ نتيجة توسع سلبطة
الدولة وا ختراق املجال الاقتصادي ،ظهر تيار آخر يدعو إلى التصفيف من سلبطة الدولة في إطار ما سمي
بالدولة التدخلية ،Etat Gendarmeمن أجل مراقبة تدخل الاقتصاد في السياسة ،وتحقيق توازن بين
املجالين ،ونيرا لعدم وضوح الحدود الفاصلة بين الاقتصادي والسياس ي ،ومع تفاقم نتائج الحربين
العامليتين ،وانعكاساتهما السياسية والاقتصادية ،والاجتماعية باألخص ،أعيد مرة أخرى التفكير في
مفهوم الدولة ودورها في التوازن ،في إطار ما سمي بدولة الرعاية الاجتماعية . Etat Providenceلهذا فإن
هاته ألاخيرة تقوم على مقاربة حقوقية ،يتم في غالب ألاحيان انتزاع الحقوق الاجتماعية بفضل نضاالت
وحراكات اجتماعية.
نستدعي النموذج ألاملاني؛ لتوضيع بعض معالم وأسس الدولة الاجتماعية ،حيث تبنت أملانيا مصبطلح
الدولة الاجتماعية سنة ،0207وقد ساهم "السياسيون الاجتماعيون" في بناء الدولة الاجتماعية ،كان
هدفها ألاساس النهوض بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمواطن ألاملاني .تركزت سياسات الحكومة
ألاملانية ،وخاصة بعد انهيار جدار برلين ،على رعاية املواطن ألاملاني ،وتمتيعه بحقوق اجتماعية جديدة،
مع سعي حثيث للقضاء على الفوارق والتفاوتات الاجتماعية.
لهذا تعتبر الدولة ألاملانية نموذجا من نماذج الدولة الاجتماعية ،فهي تحتضن وترعى مواطنيها ،وفق
محددات اجتماعية وصحية وأمنية ،وبقوانين منيمة لكل ما له صلة بحقوق املواطنين ،حتى أصبحت
تنعت أملانيا ب اا"جنة ألاجانب" ،ملا توفره لهم من عمل ،وسكن الئق ،وعيش كريم .إلى جانب نيام تغبطية
136
اجتماعية يعتبر ألافضل في العالم ،ألنه يقوم على الاشتراكات البسيبطة ،املعممة حتى على الفئات ذات
الدخل البسيط.
لهذا توصف الدولة بصفة الاجتماعية ،عندما يكون أداؤها السياس ي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني
التشريعي ،يقوم على خدمة مواطنيها ،وذلك من خالل تأمين وإسداء مجموعة من الخدمات الاجتماعية،
على شكل مساعدات أو إعانات؛ أو تقديم خدمات للفئات الهشة داخل املجتمع .حيث تصبح الدولة
املسؤول ألاول وألاخير عن حماية مواطنيها من الوقوع في مشكالت اقتصاد السوق ،وأزمات الرأسمالية
املتغولة.
تعمل الدولة الاجتماعية ،على ضمان توزيع عادل للموارد بين املواطنين ،من خالل سن مجموعة من
التشريعات ،لتنييم هاته التدخالت والخدمات ذات البطابع الاجتماعي ،التي تهدف إلى حماية الفئات
الهشة في املجتمع ،خاصة تلك التي ال تتوفر على نيام الحماية الاجتماعية؛ الذي يشمل باألساس الضمان
الاجتماعي ،والتغبطية الصحية ،والتأمين ضد حوادث الشغل ،ومشاكل الببطالة والعبطالة عن العمل،
وتوفير املعاشات للفئات املسنة وغيرها .
تقوم الدولة الاجتماعية على مقومات أساسية ،ترتبط بمقومات سياسية ،ترتكز أساسا على تعاقد
اجتماعي ومجتمعي يحميه القانون .ومقومات مادية ومالية؛ لتمويل برامج اجتماعية واضحة ،ونيام
تعليمي يرسخ الانتماء ويصنع مواطنا حرا.
تأسيسا على ما سبق ،إذا حاولنا تقديم استنتاجات ملقومات الدولة الاجتماعية في الحالة املغربية ،فإننا
نستنتج أن هناك أزمات حقيقة وإشكاالت عميقة ،تعوق بناء دولة اجتماعية بمقومات وأسس واضحة،
ومن بين هذه إلاشكاالت نذكر:
أ -استراتيجية معكوسة تقوم على أسبقية تشييد البنيان قبل بناء الانسان :إن الدولة الاجتماعية
تهتم باإلنسان وانتاجيته أكثر من غيره ،ألن الاستثمار في الانسان مآله بناء مجتمع قوي ومتماسك ،وقبطع
مع التفاوتات الاجتماعية ،من خالل مبادرات اجتماعية واضحة ،تنيمها قوانين ،تدعمها مرجعية
واضحة؛ على املستوى التربوي والتعليمي والثقافي ...لتحقيق رفاهية اجتماعية تالمس جميع مناحي حياة
ألافراد داخل املجتمع.
ب -هوة سحيقة بين النصوص القانونية واملمارسة السياسية الاجتماعية :تسعى الدولة املغربية
من خالل النصوص التشريعية والقانونية إلى النهوض بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية...
وذلك من خالل سن ترسانة قانونية ذات صبغة اجتماعية (مدونة الشغل ،قانون التأمين ،قانون
الحماية الاجتماعية ،قانون الضمان الاجتماعي ،قانون التعويض عن حوادث الشغل وألامراض املهنية،
137
قانون حماية املستهلك ،)...إال أن الواقع وبتقارير رسمية تؤكد وجود هوة سحيقة بين النصوص
القانونية ،وممارستها وتبطبيقها على أرض الواقع ،فالزالت معدالت الببطالة مرتفعة خصوصا لدى الفئات
العمرية املتراوحة أعمارهم بين 04و 85سنة ،حوالي 38,0في املائة ،مقابل 00,2في املائة كمعدل وطني
إجمالي .1ناهيك عن ارتفاع نسب الهجرة ،حيث تم توقيف 38ألف مهاجر غير نيامي خالل العام 8788؛
%04منهم مغاربة و %24من جنسيات أجنبية ،2زيادة عن انصفاض معدل ألاجور ،واستمرارية التفاوتات
والفوارق الاجتماعية ،حيث تعرض 3.8مليون مغربي للفقر ،وبالتالي تراجع وضعية الفقر والهشاشة إلى
مستويات سنة .87053
ج -ردة حقوقية تكسر قوائم الدولة الاجتماعية :عرف املغرب في آلاونة ألاخيرة ارتفاعا لوتيرة
الاحتجاجات الاجتماعية ،فمن خالل املعبطيات التي أعلن عنها املجلس الوطني لحقوق الانسان في ندوته
الصحافية بالرباط يوم ألاربعاء 07ماي 8783؛ فقد بل عدد التجمعات والتياهرات خالل سنة 8788
ما مجموعه 00205تجمعا ،شارك فيها حوالي 547520يخصا .4زد على ذلك موجة الغالء في املواد
البطاقية والغذائية ،حيث أبان الوضع بامللموس ،عن ضعف تدخالت الدولة لحلحة ألازمة ،ودعم
البطبقات الهشة والفقيرة املتضررة .ناهيك عن ردة حقوقية على مستوى الحقوق والحريات ،وارتفاع
عدد امللفات الحقوقية فيما يتعلق باألصوات الحرة ،املبطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي العام ،خصوصا
في الفضاء العام وإلالكتروني منه على وجه الخصوص.
عرفت الحركات الاجتماعية انتشارا واسعا في آلاونة ألاخيرة ،حيث اتسعت أدوارها نتيجة عجز املؤسسات
السياسية الرسمية ،وقصورها في تدبير مصاطر تهدد املجتمعات .مقابل ذلك نشهد تزايد هيمنة سلبطة
الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وإلاعالمية...
تنشأ الحركات الاجتماعية الاحتجاجية ،بغرض تحقيق هدف التغيير في قضية عامة ،كتوسيع الحقوق
املدنية لشرائح املجتمع .كما تبرز في املقابل حركات أخرى مضادة تقليدية تسعى إلى الحفاظ على الوضع
القائم ،إما استجابة منها طوعية أو شرطية ،ظاهرة أم خفية ،إال أنها خاضعة لرهانات السلبطة
السياسية.
138
-1زئبقية مفهوم الحركات الاجتماعية
يحيل مفهوم الحركة الاجتماعية إلى "الجهد امللموس واملستمر الذي تبذله جماعة اجتماعية معينة من
أجل الوصول إلى هدف أو مجموعة أهداف مشتركة ،ويتجه هذا الجهد نحو تعديل أو تغير أو تدعيم
موقف اجتماعي قائم" .1كما عرفها إريك نوفو Eric Neuveuعلى أنها" تعبئة النساء والرجال حول آلامال،
العواطف واملصالح وهي كذلك وصفة ممتازة حتى نضع نقا الرهانات الاجتماعية للبحث حول العدل
والالعدل ،كما أنها مناسبة أحيانا لتحريك املجتمع والسياسة للتسجيل في الذاكرة الجماعية" .2ويعرف
تشارليز تيلي اصبطالح الحركات الاجتماعية على أنها "سلسلة من ألاداء املتواصل واملعارضات والحمالت
التي يقوم بها ألايخاص العاديين لرفع مجموعة من املبطالب" .3واعتبر أن الحركات الاجتماعية وسيلة
من الوسائل املهمة التي تسمح لأليخاص العاديين املشاركة في السياسة .كما عرف رايمون بودون
Boudon Raymondالحركة الاجتماعية بصفة عامة على أنها "عمل جماعي يهدف إلى تأسيس نيام
جديد للحياة" .4تتمايز الحركة الاحتجاجية عن الحركة الاجتماعية ،من حيث أنها "فعل اعتراض تقدم
عليه جماعة ضد أخرى ،حول قضية محددة ومحدودة وملحة الوجود ،فهي بهذا مندرجة ضمن منيومة
العمل التاريخي ،ال ضمن منيمة التنييم الاجتماعي".5
لكن رغم الحضور القوي الذي تسجله الحركات الاجتماعية ،في مصتلف ألانساق الاجتماعية
والسياسية ،...فإنه من الصعب إيجاد مفهوم دقيق ومحدد ،نيرا لتنوع هذه الحركات ،واختالف أدوارها
وتعدد أهدافها ،وتباين الاتجاهات النيرية الدارسة لها.6
ساهمت الحركات الاجتماعية في تبطور املجتمع ،من خالل إشاعة قيم الحوار والتفاوض السياس ي
والاجتماعي ،...حتى اضبطر ممارسوا السلبطة ،إلى ضرورة إشراك هاته الحركات في بلورة السياسات العامة
للدول ،خصوصا في ظل املتغيرات والتحوالت التي يعرفها العالم لالنتقال نحو الديمقراطية ،تعزيزا
ملنيومة حقوق إلانسان ،ومبطالبة بمزيد من املشاركة النسوية والشبابية إلبداع نموذج للمواطنة الحرة.
-1غيث محمد عاطف ،قاموس علم الاجتماع ،دار املعرفة الجامعية ،مصر ،8771 ،ص.375
N.Erick, Sociologie De Mouvements Sociaux, Edition La Découverte, 2002, P03. -2
-3تلي تشارلز ،الحركات الاجتماعية ،املجلس ألاعلى للثقافة ،ط ،0مصر ،8774 ،ص.55
4 - R .boudon et autres, Dictionnaire De Sociologie, Impression Bussiere, France, 2005, P159.
-5الشوبكي عمر وآخرون ،الحركات الاحتجاجية بين السياس ي والاجتماعي في الوطن العربي( ،مصر ،املغرب ،لبنان ،البحرين) ،مركز
دراسات الوحدة العربية ،ط ،0لبنان ،8700ص.040
-6نوير عبد السالم ،الحركات الاجتماعية والسياسية ،مجلة الشؤون الاجتماعية ،العدد ،077الشارقة ،إلامارات العربية ،8772 ،ص.84
139
نشر ثقافة التظاهر السلمي :هي ثقافة اجتماعية احترافية تجاورية عقالنية ،جسدتها ألاوضاع
القائمة ،ملا تحمله من دالالت رمزية ،لهذا يعتبر التياهر السلمي وسيلة من وسائل التعبير
الجماعي ،تنوع مع التبطور الاجتماعي والثقافي والسياس ي للمجتمعات .وقد ارتبط ظهور التياهر
السلمي ببداية الحركة النقابية في العالم ،من أجل املبطالبة بالحقوق والحريات ،ثم انتشرت
هذه الوسيلة في أغلب الدول ،السيما الديمقراطية منها ،وحتى غير الديمقراطية ،رغم املنع الذي
يمارس عليها ألجل كسب حقوقها.
إن حرية الاجتماع والتياهر هدفها ألاساس ،الدفاع عن مصالح فئوية ،عن طريق مبطالب تعرض على
الرأي العام ببطريقة سلمية ،وبصفة جماعية .في إطار جماعات اجتماعية؛ باعتبارها أداة للمقاومة تسعى
إلى هدم كل ما هو تقليدي لتكريس واقع جديد.1
إيجاد معارضة منظمة :من الواضح أن ألانيمة الشمولية ،تمثل نموذجا تغيب فيه آليات
السلمية ،ألن ثقافة الهيمنة على السلبطة؛ تساهم في إلغاء أي معارضة حقيقية ،ألامر الذي
يستدعي وجود معارضة منيمة ،سواء كانت تشتغل داخل املؤسسات الرسمية للسلبطة ،أو
خارجها ،في أدوار رقابية ،من أجل إعادة توجيه السياسات العامة ،والتأثير على القرار السياس ي
وفق ما يضمنه القانون.
تأطير الفضاء العام :للفضاء العام دور في إحداث تحوالت وتغييرات سياسية ،اقتصادية
واجتماعية؛ وذلك من خالل تقييم مسارات التحول الديموقراطي ،حيث ظهر مفهوم
"الديمقراطية الرقمية أو إلالكترونية ،2"Cyberdemocracyالتي تشجع على حدوث ُّ
التغير داخل
ألانيمة السياسية ،وعلى رأسها تشكيل قضايا الرأي العام وإعادة بنائها وتوجيهها.3
فالثورة التكنولوجية ،أدت إلى مصادرة سيادة الدولة ولو بشكل جزئي ،بل ومصادرة قدرتها على التحكم
في أوضاعها واستراتيجيات ممارسة سلبطتها ،بفعل اختراق املنيومة القيمية والاجتماعية من قبل الدول
املتقدمة تكنلوجيا.4
-1أحمد عبد الحميد الهندي ،حق التياهر السلمي في القانون الدولي مقارنا باألنيمة القانونية الداخلية ،مركز الدراسات العربية،
القاهرة ،8701 ،ص538
-2في أكتوبر ،8777تم تبني توصية من لجنة وزراء املجلس ألاوروبي بشأن الديمقراطية إلالكترونية ،وأطلق عليها اسم "الديمقراطية
إلالكترونية" ،الهدف من الديمقراطية إلالكترونية هو استصدام تكنولوجيا املعلومات والاتصاالت) (ICTلتحسين الديمقراطية واملؤسسات
الديمقراطية ،لذلك فإن الديمقراطية إلالكترونية تسمح للمواطن باملشاركة في هذه الديمقراطية مع القادة.
-3عادل عبد الصادق ،نحو تعزيز دور الفضاء إلالكتروني في دعم السلم الدولي ،املركز العربي أبحاث الفضاء إلالكتروني بتاريخ 01نونبر
www.accronline.com/article.aspx?id=15479 ،8783ص ،83على الرابط
-4يحاته صيام" ،ثقافة الاحتجاج من الصمت إلى العصيان" ،مصر العربية للنشر والتوزيع ،القاهرة ،8777 ،ص.070 :
140
املحور الثـ ــالـ ــث :الحركـ ــات الاجتمـ ــاعيـ ــة والـ ــدولـ ــة الاجتمـ ــاعيـ ــة :الفعـ ــل الاحتجـ ــاجي وإعـ ــادة توجيـ ــه
السياسات الاجتماعية املغربية.
أضحت الحركات الاجتماعية فاعال ومؤثرا ،في تغيير السياسات العامة ،وتوجيهها نحو نيام حكم أكثر
عدال ،وخدمة لجميع فئات الشعب بدون تمييز .ومع بروز دورها الريادي واملجتمعي؛ استبطاعت الحركات
الاجتماعية امللتزمة بمشاريع التغيير ،أن تبقى ملتزمة بدورها ألاساس ي في التعبير عن مبطالب ذات مياهر
مصتلفة :اجتماعية ،واقتصادية وسياسية ...تركزت باألساس حول مبدأ ديمقراطي أصيل ،وهو السيادة
للشعب.
ساهمت الحركات الاجتماعية الجديدة في وضع معنى مغاير للفعل السياس ي ،ورسمت دينامية جديدة،
حيث أصبح الفعل الاحتجاجي غير مقتصر على القيادات الحزبية السياسية الرسمية ،ذات التجارب
ألايديولوجية الثورية في الثقافة السياسية باملغرب ،بل ساعدت هذه الحركات على إعادة الاعتبار للحياة
السياسية ودمقرطتها ،وتوسيع أفقها ،بتركيزها على هموم وقضايا ذات صلة بالحياة اليومية للمواطنين.
إن الفعل الاحتجاجي في املغرب اليوم ،لم يعد ذو ُبعد دوري أو جزئي ،يرتبط بلحيات ،ويحسب فيه
الفارق بالزمن ،وإنما أصبح فعال على شكل حركة دائمة ومتصلة بقضايا املجتمع وأزماته ،وأصبح سالح
ال مثيل له للدفاع والتعبير عن الحقوق ألاساسية واملبطالب الاجتماعية.
أمام قوة هذا الفعل الاحتجاجي وزخمه؛ يمتلك النيام السياس ي في املغرب قدرة على التأقلم مع موجات
الاحتجاجات ،لعدة أسباب؛ أولها الخبرة التاريصية في احتواء امللفات الاجتماعية املؤرقة ،التي يمكن أن
تضع السلبطة في حرج وضيق ،وثانيها جشع النصبة السياسية وقابليتها للتبطويع والاحتواء.
ولتعميق الفهم حول هاته القضايا البد من العودة لحدثين بارزين هما :احتجاجات حركة 87فبراير
وموجة احتجاجات الريف؛ حيث نصل إلى خالصة أساسية ،التأكيد على الدور ألاساس ي الذي قامت به
هاته الحركات الاجتماعية ،لتحريك سلسلة من املبطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية ،...وبالتالي
تمكنت الحركات الاجتماعية من توسيع رقعة الاحتجاجات جغرافيا ،والرفع من سقف املبطالب السياسية
مع نمو حركة الاحتجاج بالشارع العام .تولد عن هذا املسار ،تفاعل سياس ي للسلبطة؛ ارتبط ألاول منه
ب ااإعادة صياغة دستور جديد بصيغة منقحة "دستور ،"8700بغض النير عن املالحيات الشكلية
141
الذي ال زال مستمرا إلى آلان؛ حول مدى والجوهرية ،واملالبسات الاجتماعية والسياسية ،والنقا
ديموقراطيته وإجابته عن حاجات املجتمع املغربي ورهاناته.
أما الثاني فيرتبط بما اصبطلح عليه إعالميا باا"الزلزال السياس ي" ،الذي جاء عقب احتجاجات الحسيمة
والريف عموما ،وكان من نتائجها إقالة عدد من الوزراء في الحكومة املغربية ،من أجل التقليص من زخم
الاحتجاجات الاجتماعية ،واستثماره رسميا لتأثيث املشهد السياس ي داخليا وخارجيا.
يمكن التأكيد من خالل ما سبق ،على أن الحركات الاجتماعية باملغرب ينمو فعلها الاحتجاجي ويولد بقوة
في الهوامش ،حتى أصبح ما يبطلق عليه با"احتجاجات الهوامش" ،ويتسع ليصل للمدن الحضرية ،ويتبطور
ويتعدد من حيث املبطالب حسب الفئات الاجتماعية املحركة للفعل الاحتجاجي.
خاتمة
إن ارتباااط الاادولااة الاجتماااعيااة بااالحركااات الاجتماااعيااة ليس اعتباااطيااا ،وإنمااا حكمتااه س ا ا ا اياااقااات تاااريصيااة
حركت الفاعلين الرسااميين لتغيير اسااتراتيجيات فعل الدولة املمتد في مجاالت متعددة خاصااة الاجتماعي
منها ،لذلك فالحالة املغربية ال زالت تحتاج إلى دراس ا ا ااات وأبحاث لتعميق النير حول القض ا ا ااايا املرتببطة
بمسألة الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية ،وأهم الاشكاالت التي تتعالق بهما.
إن ما أثار انتباه علماء الاجتماع والسااياسااة في العقد ألاخير من هذا القرن ،الحيوية التي أظهرها املجتمع
في مواجهة الدولة ،رغم وجود الحاالت التي كان ينتير الكثيرون فيها خضا ا ا ااوع املجتمع للدولة خضا ا ا ااوعا
كااامال ،ليتض ا ا ا ااح فيمااا بعااد ،أن هاااتااه املجتمعااات في أحااايين كثيرة تحتفظ بمس ا ا ا ااتوى عااال من الفعاااليااة
والاس ا ا ا ااتقالليااة ،تمكنهااا من إحااداث رجااات ،ته ادف إلى تغييرات طفيفااة ،تجعاال الفاااعلين الرس ا ا ا ااميين في
السلبطة ،يعيدون مراجعة آليات ممارسة السلبطة وتدبير البرامج الاجتماعية والسياسية والاقتصادية...
تحتال الحركاات الاجتمااعياة في وقتناا املعااص ا ا ا اار جاانباا مهماا ،من الدراس ا ا ا ااة والبحث في العلوم الاجتماعية
والساياساية ،كان عدم الاهتمام بها في املاض ي مبررا ،ألنها لم تكن فاعال هاما في السياسة ،لكن في وقتنا
الحاالي؛ فال يمكن إهماال دراس ا ا ا ااتهاا ومواكبة تحوالتها وحركيتها ،نيرا لبطبيعة ألادوار التي تض ا ا ا اابطلع بها في
عااملناا اليوم ،وبالض ا ا ا اابط قدرتها على التأثير والتأطير داخل املجتمع ،من خالل عدد من املواقف واملواقع
التي تحتلها في الس ا اااحة الس ا ااياس ا ااية إزاء عدد من القض ا ااايا ،كما يمكن أن تكون الدولة ذاتها هي مص ا اادر
التغير والتغيير داخل املجتمع ملا تحويه من اسااتقاللية نساابية ،تمكنها من إحداث تعديالت واصاالحات أو
تغيرات أسا ا ا اااسا ا ا ااية في املجتمع ،لكن هذا التغير لن يتم إلى بوجود حركات اجتماعية قوية ،تقوم بواجبها
ومسا اااهمتها التاريصية في تجويد أداء السا االبطة السا ااياسا ااية في مصتلف مسا ااتويات ومجاالت فعلها ،وهو ما
تحتاجه الحالة املغربية ،في ظل وجود س ا االبطة س ا ااياس ا ااية منغلقة ،تتحرك وفق املناس ا ااب الس ا ااتراتيجياتها
ومشاريعها املستقبلية ،وأحيانا أخرى منسجمة لرهانات أجنية.
142
الئحة املراجع:
املراجع بالعربية:
أحمد عبد الحميد الهندي ،حق التياهر السلمي في القانون الدولي مقارنا باألنيمة القانونية الداخلية ،مركز
الدراسات العربية ،القاهرة.8701 ،
بيان صادر عن املديرية العامة لألمن الوطني باملغرب "في الحصيلة السنوية ملصالح ألامن الوطني برسم سنة
،"8788تاريخ 87دجنبر .8788
تلي تشارلز ،الحركات الاجتماعية ،املجلس ألاعلى للثقافة ،ط ،0مصر.8774 ،
يحاته صيام" ،ثقافة الاحتجاج من الصمت إلى العصيان" ،مصر العربية للنشر والتوزيع ،القاهرة.8777 ،
الشوبكي عمر وآخرون ،الحركات الاحتجاجية بين السياس ي والاجتماعي في الوطن العربي( ،مصر ،املغرب ،لبنان،
البحرين) ،مركز دراسات الوحدة العربية ،ط ،0لبنان .8700
غيث محمد عاطف ،قاموس علم الاجتماع ،دار املعرفة الجامعية ،مصر.8771 ،
اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" ،التقرير العام للنموذج التنموي الجديد" ،أبريل .8780
املجلس الوطني لحقوق الانسان ،التقرير السنوي حول حالة حقوق إلانسان باملغرب لسنة " 8788إعادة ترتيب
ألاولويات لتعزيز فعلية الحقوق" أكتوبر .8788
مصبطفى كامل السيد" ،دراسات في النيرية السياسية" ،القاهرة ،كلية الاقتصاد والعلوم السياسية ،جامعة
القاهرة.8775 ،
املندوبية السامية للتصيط -املغرب ،-تقرير "املغرب في أرقام" .8788
نوير عبد السالم ،الحركات الاجتماعية والسياسية ،مجلة الشؤون الاجتماعية ،العدد ،077الشارقة ،إلامارات
العربية.8772 ،
عادل عبد الصادق ،نحو تعزيز دور الفضاء إلالكتروني في دعم السلم الدولي ،املركز العربي أبحاث الفضاء
إلالكتروني بتاريخ 01نونبر ،8783ص ،83على الرابط: www.accronline.com/article.aspx?id=15479
املراجع بالفرنسية:
Hans -Hermann hoppe, Hayek sur l’état et l’évolution sociale, Traduction par
Stéphane Geyres et Daivy Merlijs 2012.
L. Farro antimo ; les mouvements sociaux ; éditeur : Presses de
l’Université de Montréal1555 .
N.Erik, Sociologie de mouvements Sociaux, Edition La Découverte,
2002.
P. Rosanvallon : la crise de l’état-providence, édition du seuil 1992 ; document
numérique a été sé par Nord Compo.
R.Boudon et Autre, dictionnaire De Sociologie, Impression Bussiere,
France, 2005 .
143
السياسات العمومية الاجتماعية مدخال لبناء الدولة الحامية
طارق الحجوجي
باحث في القانون العام
مقدمة
السياسات العمومية الاجتماعية هي مدخل أساس ي للنهوض برفاهية املجتمعات وتقدمها ،لذا يجب
الاهتمام بها وتبطويرها باستمرار ،إذ بفضلها يتم توفير مصتلف الخدمات التي تقدمها الدولة للمجتمع
اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا ،حيث تمتد من قبطاعات الصحة والتعليم والشغل كأساس في بناء
الدول الحديثة ،إلى إعادة توزيع الثروة ،والحفاظ على بيئة نييفة ،وصوال إلى تحقيق العدالة وألامن
الاجتماعيين لجميع مواطناتها ومواطنيها ،حيث تصبح حامية لهم ،ساهرة على التنمية الشاملة للبالد.
شكل مفهوم السياسات العمومية الاجتماعية إطارا إيديولوجيا مؤسسا للحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية الواردة في إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان لعام .0752كما تبناها فيما بعد العهد
الدولي الخاص ،بموجب قرار الجمعية العامة لألمم املتحدة ،في 01دجنبر .0711
وقد برز مفهوم الدولة الاجتماعية في العالم ،بأملانيا في القرن التاسع عشر ،حيث قام بيسمارك بإنشاء
نيام متبطور للحماية الاجتماعية من أجل تحسين أوضاع العمال املعيشية والرفع من مستوى الرفاهية
الاجتماعية للمواطنين ،وفي نفس الوقت من أجل تضييق الخناق على البروز السياس ي للحزب الديمقراطي
الاجتماعي املحيور والوقوف في وجه تغلغل ألافكار الاشتراكية والراديكالية وسط الحركة العمالية.
أما بصصوص املغرب فالبوادر ألاولى لنيام الحماية الاجتماعية تعود إلى نهاية عقد العشرينات من القرن
محور حول أنيمة الضمان الاجتماعي بشكل رئيس ي لفائدة موظفي املاض ي ،من خالل هيئات تعاضديةَ ،ت َ
القبطاع العمومي وأعوان مؤسسات الدولة ،خالل فترة الحماية ،قبل أن يتم ،غداة حصول املغرب على
الاستقالل ،وضع نيام للضمان الاجتماعي لفائدة أجراء القبطاع الخاص .وتبطورت املحاوالت املتتالية إلى
وضع نيام الضمان الاجتماعي لفائدة العمال املستقلين وأصحاب املهن الحرة والبطلبة ،وذلك بهدف
ُ
تعميم الحماية الاجتماعية ،التي ُيقصد بها " جميع آليات الاحتياط الاجتماعي التي تمكن ألافراد أو ألاسر
من مجابهة آلاثار املالية املترتبة عن املصاطر الاجتماعية ،وترتكز على آليتين ،هما :التأمين الاجتماعي
واملساعدة الاجتماعية " .1وألجل تحقيق هذا املشروع الوطني ،تم إصدار القانون إلاطار 277 .80املتعلق
بالحماية الاجتماعية ،الذي نصت املادة الثانية منه على أن الحماية الاجتماعية تشمل " :الحماية من:
-1املوقع الرسمي لوزارة التضامن وإلادماج الاجتماعي وألاسرة ،www.social.gov.ma :تاريخ التصفح ،8788/7/87 :على الساعة .00
-2ظهير شريف رقم 0.80.37صادر في 7شعبان 83( 0558مارس )8780بتنفيذ القانون – إلاطار رقم 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية،
الجريدة الرسمية عدد 1704بتاريخ 88شعبان 4( 0558أبريل ،) 8780ص.8007 :
144
مصاطر املرض ،املصاطر املرتببطة بالبطفولة وتحويل تعويضات لفائدة ألاسر التي ال تشملها هذه الحماية،
املصاطر املرتببطة بالشيصوخة والحماية من مصاطر فقدان الشغل".
إن تبطور السياسات العمومية الاجتماعية نحو ألافضل ،أصبح أمرا ملحا ومبطلبا أساسيا للمواطنات
واملواطنين باملغرب ،وذلك رغبة في التمتع بالحماية الاجتماعية التي أضحت اليوم حقا من حقوق إلانسان
ألاساسية ،بعدما كانت تعتبر ،سلفا ،عمال ذا ُبعد إنساني وشكال من أشكال العمل الخيري وإلاحسان
والبر " .هذا الحق يقع على عاتق كل دولة تجاه مواطنيها ،تم تكريسه في الاتفاقيات الرئيسية لألمم
املتحدة ومنيمة العمل الدولية ومنيمة الصحة العاملية".1
وإذا كان املغرب ،حالياُ ،يعتبر من الدول التي تتبنى فكرة الدولة الاجتماعية ،ويعمل على توفير الحماية
الاجتماعية للمواطنات واملواطنين ،وذلك من خالل العمل على صياغة وإصدار عدة قوانين مؤطرة لتنفيذ
وتنزيل سياسات عمومية اجتماعية فاعلة ،في إطار الالمركزية ،حيث ييهر ذلك التكامل إلايجابي بين
مواصفات وأهداف الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية بشكل كبير ،إذ يهدفان معا إلى تحقيق
العدالة الاجتماعية باملغرب وتحسين مستوى املعيشة وإنصاف جميع فئات الشعب.
لكن من خالل تتبعنا لواقع تنزيل ور الحماية الاجتماعية والتبطبيق الفعلي على أرض الواقع ،نالحظ
عدة مفارقات ما بين النصوص القانونية والبرامج الحكومية حول الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية
باملغرب ،وما يحدث على أرض الواقع ،حيث نالحظ عدم تحقيق كل النتائج املرجوة.
هذه املفارقات املالحية ،جعلتنا نبحث في املوضوع ،وننجز هذه الدراسة ،انبطالقا من طرح إلاشكالية
التالية:
فهل سياسات الحماية الاجتماعية التي تعمل الحكومة املغربية على بلورتها ،تسعى فعال إلى إرساء
ركائز الدولة الاجتماعية بهدف الرفع من املستوى املعيش ي والرفاهية للمواطنات واملواطنين
املغاربة وتحقيق ذلك التكامل املنشود ما بين مفهومي الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية؟
وما هي املفارقات التي أبان عنها واقع تبطبيق هذين املفهومين باملغرب؟ وكيف يمكن تجاوزها من
أجل التحقيق الفعلي للتكامل ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية ببالدنا؟
لإلجابة على التساؤالت املبطروحة ،ولإلحاطة باملوضوع من كل جوانبه ،ارتأينا الاعتماد على املنهج
التاريخي ،من أجل تتبع تبطور السياسات العمومية الاجتماعية باملغرب عبر املراحل التاريصية منذ
الاستقالل إلى صدور دستور 8700وما نتج عنها بصصوص بناء الدولة الحامية ،كما تمت الاستعانة
-1تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب ،واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان
واملساعدة الاجتماعية ،إحالة ذاتية رقم – 8702 / 35ص .00
145
باملنهج التحليلي ،نيرا لبطبيعة املوضوع الذي يحتاج التحليل والتفسير الدقيق ملصتلف مساحات التكامل
واملفارقات ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب.
املحور ألاول :واقع مساحات التكامل ما بين مفهومي الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب؛
املحور الثاني :املفارقات ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب وسبل التجاوز؛
املحور ألاول :واقع مساحات التكامل ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب
قبل القرن الواحد والعشرين ،كان مفهوم السياسات العمومية الاجتماعية ينصب أساسا على خدمات
محدودة كالصحة والتعليم ،وهذا غير كاف لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية متوازنة ،إذ كانت تعتبر
ُ
الحماية الاجتماعية من املسائل الثانوية ترصد لها تمويالت أقل مما تستحق ،بينما يتم التركيز على النمو
الاقتصادي أوال فتزداد الهوة بين الرأسماليين املستثمرين ،من خالل زيادة أرباحهم ورفاهيتهم .باملقابل
كانت فئات هشة ومحرومة من تلك الرفاهية تتكاثر ،مما أدى إلى زيادة التوتر والاستياء الاجتماعي.
يعتبر حراك الربيع العربي لسنة 8700سببا رئيسيا للتبطور امللحوظ على مستوى السياسات العمومية
ُ
الاجتماعية باملغرب ،تجسد بكل وضوح في الدستور الجديد للمملكة الذي وفر مصتلف إلامكانات املتاحة
لل مواطنات واملواطنين للولوج إلى املرافق والخدمات العمومية التي تالئم حاجياتهم ،كما وضح سبل
النهوض بأحوالهم الاجتماعية وقدم آليات وأدوات تحقيق ذلك ،مستحضرا ضرورة الاهتمام بكل مناطق
املغرب في إطار احترام مجالية السياسات العمومية الاجتماعية وفق خصوصيات ومتبطلبات كل جماعة
ترابية اعتمادا على الالمركزية والالتمركز.
يعتبر إعالن "فيالدلفيا" لسنة 0755من أهم املحبطات التي أكدت على اعتماد السياسات الاجتماعية
بعد الحرب العاملية الثانية ،وضرورة توسيع نبطاق تدابير الضمان الاجتماعي ،بحيث تكفل الدول دخال
أساسيا لجميع املحتاجين إلى الحماية الاجتماعية وتوفير رعاية طبية شاملة .وقد ُع ِّ ِرف الضمان الاجتماعي
على أنه حق من حقوق إلانسان ،بموجب املادة 88من إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان لسنة .10752
وفي سبيل تهيئة اليروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية
-1املادة 88من إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان ،تنص على ما يلي " :لكل يخص ،بوصفه عضوا في املجتمع ،حق في الضمان الاجتماعي،
ُ
ومن حقه أن توفر له ،من خالل املجهود القومي والتعاون الدولي ،وبما يتفق مع هيكل كل دولة ومواردها ،الحقوق الاقتصادية والاجتماعية
والثقافية التي ال غنى عنها لكرامته ولتنامي يخصيته في حرية ".
146
والثقافية ،وبحقوقه املدنية والسياسية ،تم تبنيها في العهد الدولي الخاص ،بموجب قرار الجمعية العامة
لألمم املتحدة ،في 01دجنبر .10711
وتبعا لذلك ،تبطور مفهوم السياسات العمومية الاجتماعية في العالم تزامنا مع نمو املجال الاقتصادي
في أغلب الدول ،وكذلك التشبع بقضايا حقوق إلانسان التي من أبرزها تبطبيق سياسات عمومية
اجتماعية تتسم بالعدل وإلانصاف وتكافؤ الفرص بين الجميع .لقد انتقل مفهوم السياسة الاجتماعية
من مفهومه الضيق املتمثل في توفير الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والوظيفة وألامن
الاجتماعي ،إلى مفهوم حديث يهدف إلى التوزيع العادل للثروات وجلب الشعب إلى مراكز صنع السياسات،
بمعنى لم يعد ألامر يتعلق بتقديم الرفاهية املتبقية لألفراد املعنيين ،بل يركز على املشاركة في صنع
القرارات السياسية العمومية الاجتماعية املنبثقة من حاجات جميع ألافراد ،والتي من شأنها ضمان
الاستقرار والتماسك الاجتماعي.
ففي املغرب ،كما في غيره من بقاع العالم ،تغير مفهوم الحماية الاجتماعية من منيوره التقليدي املتمثل
في البعد إلانساني والخيري وإلاحسان ،إلى منيور جديد يتمثل في كونه حقا من حقوق إلانسان ،بموجب
اتفاقيات ألامم املتحدة ومنيمة العمل الدولية ومنيمة الصحة العاملية ،دعمته العديد من املبادرات
الدولية املهمة ،في مقدمتها اعتماد أهداف التنمية املستدامة السبعة عشر ،منذ سنة .28704وتحيل
السياسات الاجتماعية إلى تدخل الفاعلين العموميين في املجال الاجتماعي املتعدد املحاور (التكوين،
التشغيل ،الحماية ،الصحة ،الادماج ،العائلة )...وبذلك فالحديث عن بدايات السياسات الاجتماعية
باملغرب ،يرتبط بالضرورة بتلك اللحية التي لم تعد خاللها شبكات التضامن التقليدية ذات املرجعية
الدينية والاجتماعية والعائلية واملهنية قادرة على تدبير مجال اجتماعي أصبح يبدو أكثر تعقيدا وصعوبة،
ومن الواضح هنا أن الصدمة الاستعمارية شكلت إلاطار الذي انبطلقت معه هذه السياسات ،خاصة مع
البدايات الجنينية ملا يمكن تسميته أنيمة عصرية للحماية الاجتماعية ،وجهت بدءا الستهداف الساكنة
ألاوروبية ليتم توسيعها فيما بعد3.
إن املتتبع لتبطور واقع الحماية الاجتماعية باملغرب ،يالحظ بأن هناك صعوبات تواجه هذا املجال ،بدءا
بتعدد املتدخلين في املوضوع وغياب التنسيق بينهم (قبطاع التشغيل ،قبطاع الاقتصاد واملالية ،قبطاع
الشؤون الاجتماعية ،وغيرها) ،ثم عدم توحيد ألاهداف أو التكامل فيما بينها ،بحيث كل مؤسسة تعتمد
معايير خاصة بها تنسجم مع وضعيتها املالية ونوعية الخدمات املقدمة.
-1هوازن خداج ،السياسات الاجتماعية بين إيديولوجيا السلبطة واملجتمع ،مركز حرمون للدراسات املعاصرة ،سورية .8780/
-2تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب ،واقع الحال ،....مرجع سابق ،ص. 2 :
-1حسن طارق" :رؤية تاريصية ،أي تحقيب للسياسات الاجتماعية باملغرب؟"،املغرب الاجتماعي ،8777-8772 :املجلة املغربية للسياسات
العمومية ،عدد مزدوج ،3/8دار القلم ،الرباط ،سنة ،8777 :ص.04 :
147
فبعدما كان املغرب يعتبر ،غداة حصوله على الاستقالل ،رائدا إقليميا على الصعيدين إلافريقي والعربي،
في مجال تبطوير إلاطار التشريعي والتنييمي الخاص بالحماية الاجتماعية ،أصبح واحدا من أقل البلدان
مصادقة على اتفاقيات منيمة العمل الدولية التي تصص الضمان الاجتماعي 1لكافة أفراد املجتمع ،إذ
لم يصادق ،لحد آلان ،على مجموعة من هذه الاتفاقيات.2
" إن وضعية املغرب فيما يتعلق باملصاطر كحوادث الشغل وألامراض املهنية وفقدان الشغل والببطالة
واملسنون بدون دخل ووضعية إلاعاقة ،وغيرها ،ال زالت مثيرة للقلق .ففي غياب تغبطية هذه املصاطر ،ال
تملك اململكة املغربية حتى اليوم أرضية للحماية الاجتماعية تنسجم مع مبادئ الشمولية والتحسين
املستمر ملستوى الخدمات الاجتماعية التي يدعو إليها املجتمع الدولي اليوم" .3كما أن الوضع املقلق الذي
يعيشه املغرب بصصوص الحماية الاجتماعية وضمان املساواة وإلانصاف في توزيع ثروات البالد على
جميع املواطنات واملواطنين ،تسبب في احتجاجات اجتماعية متعددة (وطنيا أو جهويا أو محليا) ،في
مقدمتها احتجاجات الربيع العربي التي تمصض عنها دستور جديد سنة ،8700تاله القانون إلاطار رقم
77 .80بتاريخ 4أبريل ،8780من أجل رفع تحديات كبرى للنهوض بالحماية الاجتماعية باملغرب.
إن هذا التبطور في مجال السياسات العمومية الاجتماعية باملغرب ،عرف ،خالل سيرورته التاريصية ،عدة
تغيرات ،منها إلايجابية ومنها السلبية .ويمكن تلخيص تبطورها عبر مراحل تاريصية ،كما يلي:
املرحلة ألاولى ( :)0728 – 0741تميزت هذه الفترة باعتبار التقدم الاجتماعي مجرد متغير ميكانيكي تابع
للتقدم الاقتصادي ،نيرا إلعبطاء ألاولوية املبطلقة ،آنذاك ،للمجال الاقتصادي الذي حقق نموا هاما،
بل 4,0في املائة بين سنتي 0710و .0705و 5,1في املائة بين 0704و .0720لكن هذا النمو لم يحرز
تقدما واضحا في املؤشرات الاجتماعية نيرا لضعف النفقات العمومية في القبطاعات ألاكثر أهمية
كالتربية والصحة ،بمقابل التركيز على الهاجس ألامني للبلد والرهان على املجال الاقتصادي لتصفيض
املديونية ،اعتمادا على مردودية الفالحة الخاضعة للتقلبات املناخية.
ومن بين أهم املنجزات الاجتماعية في هذه الفترة التاريصية ،نذكر ما يلي:
-1تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب ،واقع الحال ،....مرجع سابق ،ص.84:
-2من بين الاتفاقيات التي لم يصادق عليها املغرب لحد آلان ،نذكر على سبيل املثال:
-الاتفاقية رقم )0718( 002بشأن املساواة في املعاملة في مجال الضمان الاجتماعي؛
-الاتفاقية رقم ،0715( 080وتم تعديلها في سنة )0727بشأن إعانات إصابات العمل؛
-الاتفاقية رقم )707( 048بشأن السالمة والصحة في عمليات املناولة باملوانئ؛
-الاتفاقية رقم )0722( 012بشأن النهوض بالعمالة والحماية من الببطالة.
-3تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب ،واقع الحال ،....مرجع سابق ،ص.03 :
148
إنشاء صندوق املقاصة سنة ،0741بهدف حماية القدرة الشرائية للفئات املعوزة ودعم إنتاج
املواد الغذائية ألاساسية؛
إنشاء إلانعا الوطني عام ،0710من أجل امتصاص الببطالة واستصدام عدد محدود من اليد
العاملة غير مؤهلة وتتقاض ى أجرة هزيلة ،أغلبها من املناطق املهمشة؛
انتقال معدل التمدرس في الابتدائي من 00في املائة سنة 0741إلى 51,0في املائة سنة 0713؛
إصالح وتوسيع ألانيمة الجماعية للتضامن يصص حوادث الشغل واملعاشات املدنية واملساعدة
الاجتماعية والتقاعد الخاص؛
وبالرغم من مصتلف املجهودات التي ُبذلت خالل هذه الفترة ،إال أن املجال الاجتماعي ظل يعاني من
نقص ملحوظ ،ال سيما ولوج الخدمات والتجهيزات الاجتماعية ومشاكل السكن ،وغيرها.
املرحلة الثانية ( :)0773 – 0723استمر ،خالل هذه املرحلة ،ضعف الاهتمام بالسياسات العمومية
الاجتماعية وهزالة ميزانياتها طيلة عشرية صعبة تميزت بهشاشة اقتصادية كبيرة ،حكمتها إرادة ضبط
التوازنات ألاساسية للميزانية العمومية ،عن طريق برنامج التقويم الهيكلي ،بدعم من صندوق النقد
الدولي والبنك العالمي ،وهذا نتجت عنه آثار سلبية على مستوى التكاليف الاجتماعية التي تقلصت،
وازداد معها معدل الببطالة وتراجع مستوى العيش .فمثال ،كانت النفقات في مجال التعليم تتراوح بين 4
في املائة و 1,4في املائة من الناتج الداخلي بين سنتي 0704و ،0728إال أنها انصفضت إلى ما دون 4في
املائة خالل سنة .0727وهذا الوضع العام زاد في تفاقم الفوارق الاجتماعية داخل املغرب.
املرحلة الثالثة ( :)8774 – 0773عرفت هذه املرحلة الزمنية انفتاحا سياسيا باملغرب ،انبطلق منذ
التسعينات مع التعديالت الدستورية لعامي 0778و ،0771وتعزز مع مجيء حكومة التناوب التوافقي
عام 0772ودخول املغرب عهدا جديدا يتمثل في بداية حكم امللك محمد السادس.
وقد تميزت هذه الفترة باعتماد اتفاقيات وتوصيات وطنية ودولية وبرامج متنوعة للنهوض باملجال
الاجتماعي للمواطنات واملواطنين ،نذكر منها على سبيل املثال:
149
تبطبيق برنامج ألاولويات الاجتماعية ( ) B A Jسنة 0771بتعاون مع البنك الدولي من أجل
النهوض
بمجاالت التربية ألاساسية ،الصحة ،وإلانعا الوطني؛
الالتزام بتحقيق أهداف ألفية التنمية املحددة في بيان ألالفية (شتنبر )8777؛
إلاعالن عن استراتيجية وطنية للقضاء على السكن غير الالئق عقب الخبطاب امللكي 87غشت
8770؛
انبطالق برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعد الخبطاب امللكي بتاريخ 02ماي 18774؛
وتمحورت املبادرة في مرحلتها ألاولى ( )8707-8774حول أربعة برامج ،استهدفت مصتلف الفئات
الاجتماعية ،وتتمثل في إطالق برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي ،وبرنامج محاربة الاقصاء
الاجتماعي في الوسط الحضري ،برنامج محاربة الهشاشة ،إضافة إلى برنامج يهم جميع الجماعات القروية
والحضرية غير املستهدفة2.
املرحلة الرابعة (ما بعد سنة :)8700عرفت هذه املرحلة تقدما ملموسا فيما يصص السياسات العمومية
الاجتماعية باملغرب ،وذلك بفضل مجموعة من التبطورات إلايجابية التي ساهمت في إعادة ترتيب
ألاولويات بجعل السياسات العمومية الاجتماعية على رأس جدول أعمال الحكومات املغربية املتعاقبة.
وقد تميزت هذه املرحلة بصدور دستور جديد سنة ،8700اعتبره مجموعة من الباحثين دستورا
للسياسات العمومية الاجتماعية بامتياز ،ومنبطلقا جديدا ملصتلف التغييرات والتبطورات التي عرفها
املغرب على مستوى جميع املجاالت ،ومن بينها مجال الحماية الاجتماعية.
ومما أكد عليه هذا الدستور 8700في فصله 30هو أن " :الدولة واملؤسسات العمومية والجماعات
الترابية ،تعمل على تعبئة كل الوسائل املتاحة ،لتيسير أسباب استفادة املواطنات واملواطنين ،على قدم
املساواة ،من الحق في:
باإلضافة إلى هذا التبطور ،على مستوى الدستور ،استمر مشروع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في
نسختها الثانية ( )8704-8700ونسختها الثالثة ( ،)8783-8707ثم صدور القانون إلاطار رقم 77.80
-1للمزيد ،أنير :حسن طارق" :رؤية تاريصية ،أي تحقيب للسياسات الاجتماعية باملغرب؟" ،مرجع سابق ،الصفحات.83 – 01 :
-2املوقع الالكتروني :البوابة الوطنية .www.maroc.ma
150
املتعلق بالحماية الاجتماعية بتاريخ 4أبريل 8780الذي جاء ليشكل مرحلة أساسية في تنفيذ التوجيهات
امللكية فيما يتعلق بتعميم التغبطية الاجتماعية لفائدة جميع املواطنات واملواطنين بحلول عام 8784
بالتدرج ،1وفق جدولة زمنية مضبوطة 2وتكلفة مالية محددة ،3كما يوضح ذلك الجدول التالي:
يهدف الاهتمام بالحماية الاجتماعية ،من ِقبل الدولة املغربية ،إلى الحد من التفاوت الاجتماعي وتحسين
اليروف املعيشية لجميع السكان ،وبكافة املناطق (القروية والحضرية) ،كما يهدف إلى تحسين مستوى
التربية والتكوين والرعاية الصحية ،وغيرهما مما سيجعل املغرب ،كما قال ملك البالد " :يتسع املغرب
لكل أبنائه ،ويتمتع فيه الجميع ،دون استثناء أو تمييز ،بنفس الحقوق ونفس الواجبات ،في ظل الحرية
والكرامة إلانسانية" .4وألجل ذلك تم تبطوير السياسات العمومية الاجتماعية ،من خالل إصدار القانون
151
إلاطار 77.80الذي ُيعتبر مدخال أساسيا للنهوض بالعنصر البشري ،باعتباره حلقة أساسية في التنمية،
وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية .1فالدولة الاجتماعية هي بالضرورة دولة ديمقراطية ،تقوم على
أساس الحقوق والحريات ،وهي ليست خيارا إيديولوجيا لحزب بعينه ،أو لحكومة خالل عهدتها ،بل هو
خيار الدولة باعتبارها وظيفة اجتماعية أساسية ومركزية من وظائف الدولة.2
وتتجلى مساحات التكامل بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية في العديد من املجاالت ،كما نصت
على ذلك املرجعيات القانونية ومصتلف قرارات املنيمات ألاممية ذات الصلة ،نذكر منها على سبيل
املثال ،ما يلي:
توفير الخدمات الاجتماعية :حيث تعمل الدولة الاجتماعية على توفير الخدمات الاجتماعية
للمواطنات وامل واطنين ،مثل التعليم والصحة وإلاسكان والنقل والترفيه وغيرها .وتعمل الحماية
ً
احتياجا ،مما يساعد على تحسين الاجتماعية على توفير الدعم املادي واملعنوي للفئات ألاكثر
معيشتهم.
العدالة الاجتماعية :حيث تساعد الدولة الاجتماعية ،من خالل الحماية الاجتماعية التي توفرها،
على تحقيق العدالة الاجتماعية التي تتمثل في تحسين مستوى املعيشة للجميع ،وتقليل الفجوة بين
ألاغنياء والفقراء ،وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة املستدامة وتشجيع
الاستثمارات ودعم الصناعات املحلية ،وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.
ُ
وبذلك تعتبر الحماية الاجتماعية أداة أساسية للدولة ،تعمل ،من خاللها ،على تحقيق التكامل بين تبطوير
وتجويد النصوص القانونية املؤطرة لسياساتها العمومية الاجتماعية وبين تفعيلها على أرض الواقع من
أجل النهوض باملجال الاجتماعي للمواطنات واملواطنين ،وتحقيق التنمية البشرية الشاملة واملستدامة.
فهل واقع تبطبيق الحماية الاجتماعية باملغرب يعكس فعال ذلك التكامل؟ أم هناك مفارقات يجب
تجاوزها؟ ،هذا ما سنراه في املحور الثاني.
املحور الثاني :املفارقات ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب وسبل التجاوز
شهد املغرب تبطورا ملحوظا شمل عدة مجاالت ،كمجال الاستثمار والعمران والاقتصاد وغيرها .هذا
التبطور واكبه اهتمام باملجال الاجتماعي طبعا ،إذ تغير مفهوم السياسة الاجتماعية تغيرا جذريا ،وأصبح
ورشا وطنيا بتوجيهات ملكية ،لكن الحصيلة على مستوى املجاالت الاجتماعية الزالت دون مستوى
-1للمزيد من التفاصيل ،يمكن الرجوع إلى ديباجة القانون إلاطار ،77 .80مرجع سابق.
-2رشيد لزرق ،الدولة الاجتماعية ..أزمة نصبة سياسية أم أزمة خبطاب سياس ي؟ مقال نشر بموقع هبة بريس،https://ar.hibapress.com :
بتاريخ ،15:35 / 2022-09-18 :تاريخ الاطالع 8783-78-08 :على الساعة .88
152
التبطلعات ،بشهادة ملك البالد نفسه ،حين قال..." :ولكننا نعيش اليوم ،في مفارقات صارخة ،من الصعب
فهمها ،أو القبول بها .فبقدر ما يحيى به املغرب من مصداقية ،قاريا ودوليا ،ومن تقدير شركائنا ،وثقة
كبار املستثمرين ...بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع ،بتواضع إلانجازات في بعض املجاالت الاجتماعية،
حتى أصبح من املخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم" .1وبالتالي فإن هذا إلاقرار من طرف أعلى سلبطة
في املغرب ،يؤكد بأن الحق في الحماية الاجتماعية باملغرب مازال يواجه عدة عراقيل بالرغم من بعض
إلانجازات إلانمائية التي تحققت خالل العقدين ألاخيرين.
عرف املغرب ،كما هو الشأن في عدة دول عربية ،اتساع نبطاق الفقر نيرا لغياب املساواة في توزيع ثمار
التنمية ،وإبعاد املواطنات واملواطنين من املشاركة في عمليات صنع القرار ورسم السياسات العمومية
الاجتماعية .وقد جاء ذلك واضحا في تقرير الالمساواة في العالم ،الصادر في سنة 8702الذي أشار إلى
زيادة معدالت التفاوت في الدخل في جميع أقاليم العالم خالل العقدين ألاخيرين.2
وبالرغم من تحديث وتحيين النصوص القانونية املتعلقة بالحماية الاجتماعية في املغرب ،ال بد من إلاقرار
بوجود تحديات اجتماعية صعبة ،نيرا لعدم احترام مقتضيات العدالة الاجتماعية املبنية على املساواة
َ
في الحقوق وتساوي الجميع ،رجاال ونساء ،في الحصول على املوارد والفرص ،وإزالة الحواجز التي تعيق
تمكين الفئات املحرومة من املشاركة في اتصاذ القرارات التي تنيم حياتها .فالعدالة الاجتماعية تبنى على
مبادئ املساواة وإلانصاف والحقوق واملشاركة .3فواقع حال تنفيذ السياسات العمومية الاجتماعية
َ
البطبقتين باملغرب يؤكد بأن" :قرابة ربع املغاربة ما زالوا فقراء أو يواجهون خبطر الفقر ،والفجوة بين
طبقي كبير .باإلضافة إلى ذلك نجدِّ مما يشير إلى تفاوتالاجتماعية الاقتصادية العليا والدنيا واسعةِّ ،
الصحية ضعيفة والتعليم دون البطموحات وألاهداف املسبطرة في برامج إصالحية متتالية كامليثاق ِّ الرعاية
الوطني للتربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية ،8737 - 8704وفوارق واضحة في نسبة الاستثمار
والرفاهية بين املناطق القروية والحضرية ،عامة ،وحتى داخل نفس املنبطقة (الجهة) .وتبقى ببطالة
ِّ ً
أيضا مشكلة ِّ
ملحة في املغرب ،حيث يشكل الشباب (بين 04و 85سنة) 01,1في املئة من الشباب
ِّ ِّ
معدل ببطالة الشباب في املغرب 88في املئة على مستوى الوطن و 57,3في السكان .ففي عام ،8707بل
ِّ
الحضرية".4 املئة في املناطق
-1مقتبطف من الخبطاب امللكي بمناسبة عيد العر املجيد ،بتاريخ 87يوليوز .8700
-2ألامم املتحدة ،دليل تصميم وتنفيذ سياسات قائمة على املساواة في الدول العربية – 8702 ،ص.4 :
-3العدالة الاجتماعية في السياسات العامة للدول العربية ،إلاسكوا – 8705 ،ص.2 :
-4ياسمينة أبو زهور ،التقدم والفرص الضائعة :املغرب يدخل عقده الثالث تحت حكم امللك محمد السادس ،مقال بتاريخ 87يوليوز
،8787مركز بروكنجز ،Brookingsالدوحة .8787 ،وتم تصفحه بتاريخ 87فبراير .8783
153
وبالجوع إلى مستويات املفارقات بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية في املغرب ،نجدها كثيرة
ومتنوعة ،نذكر منها على سبيل املثال ،ما يلي:
وجود فجوة بين الخبطاب الرسمي والتبطبيق الفعلي :في العديد من الحاالت ،تتبنى الدولة الاجتماعية
خبطابا رسميا داعما للحماية الاجتماعية ،لكن التبطبيق الفعلي لهذا الخبطاب يكون غير كاف في
العديد من ألاحيان .وهذا ما نالحيه من خالل إصدار نصوص قانونية مؤطرة للحماية الاجتماعية،
ُ
وإعداد استراتيجيات وبرامج إصالحية للنهوض بها ،لكن على أرض الواقع ال تبطبق كما يجب ،وبالتالي
يكون مآل ما تم تسبطيره الفشل.
عدم قدرة الدولة على توفير الحماية الاجتماعية :في الكثير من الحاالت ،يكون هناك قصور في قدرة
الدولة على توفير الحماية الاجتماعية للمواطنات واملواطنين ،وذلك ليروف اقتصادية ومادية صعبة،
أو لكثرة الفساد وضعف الحكامة في تدبير املوارد املالية واملادية والبشرية ،أو عدم التصبطيط الجيد
لتوفير الخدمات الاجتماعية ومواردها.
الاعتماد على الدعم الخارجي :تعتمد الدولة الاجتماعية في بعض الحاالت على الدعم الخارجي لتوفير
الحماية الاجتماعية ،مما يؤدي إلى تبعية الدولة املغربية للدول أو املؤسسات املانحة ،وقد يؤدي
ذلك إلى تقليل سيادة الدولة وتأثيرها في صنع القرارات الاجتماعية.
التكلفة املالية :يحدث ذلك عندما تواجه الدولة الاجتماعية صعوبات في توفير التمويل الكافي للحماية
الاجتماعية ،وذلك بسبب التكاليف العالية للخدمات الاجتماعية ،مما ُيضعف معه الدعم املادي
ً
احتياجا. واملعنوي للفئات ألاكثر
ألاولويات السياسية :في بعض الحاالت ،تتبنى الدولة الاجتماعية أولويات سياسية أخرى تتعارض مع
الحاجة إلى توفير الحماية الاجتماعية .وهذا ييهر بوضوح خالل الحمالت الانتصابية والبرامج
الاجتماعية لألحزاب املتنافسة ،لكن بمجرد الفوز في الانتصابات وتشكيل الحكومة ،يتغير الوضع،
حسب املتغيرات واملستجدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلد.
-0سبل تجاوز املفارقات ومعيقات بناء الدولة الاجتماعية على ضوء الحماية الاجتماعية
يحتاج املغرب اليوم ،كالعديد من بلدان العالم ،إلى بناء الدولة الاجتماعية الفعلية والعيش املشترك
ملواجهة الهشاشة والفقر ،من خالل اعتماد املساواة وإلانصاف فيما يصص توزيع الثروات الوطنية،
وتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية ،تتبطلب من املغرب املصادقة على عدة اتفاقيات دولية وتفعيلها على
أرض الواقع ،منها على سبيل املثال:1
اتفاقيااة منيمااة العماال الدوليااة رقاام 078لسنة 0748بشااأن املعايياار الدنيااا للضمااان الاجتماعي؛
-1للمزيد من التفاصيل ،أنير تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية ،8702/ 35 :مرجع سابق ،ص.70 :
154
اتفاقية رقم 037لسنة ،0717بشااأن الرعايااة البطبيااة وإعانااات املاارض؛
اتفاقية رقم 012لسنة ،0727بشأن النهوض بالعمالة والحماية من الببطالة؛
اتفاقية رقم 082لسنة ،0710بشأن إعانات العجز والشيصوخة والورثة.
بموازاة ذلك ،يجب وضع استراتيجيات اجتماعية مناسبة ومضبوطة ملواجهة مصتلف ألازمات املتتالية
التي يشهدها العالم" ،من أزمة كوفيد إلى ألازمة ألاوكرانية ،التي خلفت مضاعفات أزمة البطاقة وألامن
الغذائي ،أدى إلى ارتفاع قياس ي لألسعار في ألاسواق العاملية وألاسواق املحلية .وانعكس ذلك سلبا على
القدرات الشرائية للمواطن(ة) في معيم الدول .وتسبب في زيادة نسبة الفقر في العالم".1
من جهة أخرى ،يجب التنزيل الفعلي والكامل للقانون إلاطار 77 .80الذي يحدد ألاحكام واملبادئ
والتوجهات وآلاليات املؤطرة لعمل الدولة في هذا املجال ،مما سيساعد على التقليص من الفقر ،ومحاربة
الهشاشة ،ودعم القدرة الشرائية لألسر ،وتحقيق العدالة الاجتماعية ،والنهوض بالرأسمال البشري
الذي ُيعتبر من الركائز ألاساسية للتنمية الشاملة واملستدامة.
ومن أجل تحقيق ألاهداف املرجوة من هذا إلاصالح ،على السلبطات العمومية املغربية التزامات تتمثل في
السهر على تنسيق عمل كافة املتدخلين املعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية ،باعتبارها أولوية وطنية،
وتبطوير الجوانب املتعلقة بتدبير وحكامة الضمان الاجتماعي ،وضمان التقائية أنيمة الحماية
الاجتماعية ،واتصاذ جميع التدابير ذات البطابع التشريعي والتنييمي واملؤسساتي واملالي التي تمكن من
تفعيل تعميم هذه الحماية الاجتماعية وتحقيق ألاهداف املتوخاة منها .وفي مقدمة هذه التدابير ،نذكر
ما يلي:2
إعداد "السجل الاجتماعي املوحد" 3باعتباره آلية الاستهداف الاجتماعي لضمان نجاعة برامج الحماية
الاجتماعية ،واستهداف من يستحقها.
توحيد برامج الدعم والحماية الاجتماعية بين مصتلف القبطاعات الوزارية واملتدخلين العموميين.
-1املصبطفى رياني ،موقع هسبريس ، https://www.hespress.comألاحد 08فبراير ،03:07 - 8783تاريخ الاطالع :ألاربعاء 04فبراير 8783
على الساعة . 88
ُ
-2للمزيد من التوضيحات ،أنير الخبطاب امللكي بتاريخ 87يوليوز 8702بمناسبة الذكرى 07لعيد العر املجيد.
-3السجل الاجتماعي املوحد (خاص باألسر) :هو آلية تقنية من أجل تنقيط ألاسر بناء على البيانات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها،
والتي يدلي بها املصرح باسم ألاسرة .كما يتكلف السجل بإعداد قوائم ألاسر املستحقة التي تتضمن نتائج التنقيط الخاصة بكل واحدة منها
من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي ،وذلك على أساس العتبة املحددة لكل برنامج من طرف إلادارات والجماعات الترابية
والهيئات العمومية التي تشرف على هذه البرامج.
155
تنزيل وتفعيل مشروع القانون رقم 72.18املتعلق بمنيومة استهداف املستفيدين من برامج الدعم
الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجالت قصد توحيد منيومة الاستهداف الاجتماعي.1
خاتمة
تقوم الدولة الاجتماعية بتنفيذ سياسات الحماية الاجتماعية بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين
ً
احتياجا ،وهذا يعكس رؤية الدولة الاجتماعية في تحقيق التوازن مستوى املعيشة للفئات ألاكثر
الاجتماعي وتعزيز الرفاهية العامة في املجتمع.
وعلى الرغم من إلانجازات التي حققها املغرب في مجال الحماية الاجتماعية بتبني سياسة تعميم التأمين
الاجباري عن املرض وذلك من خالل توفير الرعاية الصحية ألاساسية للمواطنين ،وتشجيع الاستثمار في
القبطاع الصحي الخاص ،وإطالق برنامج تحويل الدعم املباشر ،الذي يهدف إلى تحسين معيشة الفئات
ً
ألاكثر فقرا وضمان حصولها على الحد ألادنى من الدعم املادي الالزم لتلبية احتياجاتها ألاساسية ،فإنه
ال يزال يواجه بعض التحديات في مجال الحماية الاجتماعية ،مثل عدم توفر املوارد املالية الكافية
لتغبطية جميع فئات املجتمع ،والفجوة بين الفئات الغنية والفقيرة.
بشكل عام ،فإن الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب تشكالن مساحات تكاملية ،حيث تهدف
ً
احتياجا ،وتلك الدولة الاجتماعية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى املعيشة للفئات ألاكثر
هي ً
أيضا أهداف الحماية الاجتماعية .وبالتالي ،تعتبر الحماية الاجتماعية ً
جزءا ال يتجزأ من دور الدولة
الاجتماعية في تحقيق الرفاهية العامة.
وفي نفس الوقت ،يمكن أن تواجه الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية بعض املفارقات فيما يتعلق
بتراكم الفقر والببطالة وتقويض مبادئ العدالة والتكافل الاجتماعي ،وكذا بصصوص تمويل السياسات
الاجتماعية والحفاظ على التوازن بين النفقات الاجتماعية واملوارد املالية للدولة وهذا ما سيؤدي بالدولة
املغربية إلى رفع الدعم عن العديد من املواد الاستهالكية ألاساسية وكذا الزيادة في ألاسعار كما نالحظ
تحديا في ظل التحديات الاقتصادية الحالية والضغوط املالية التيً حاليا .ويمكن أن يكون هذا التوازن
تواجه الحكومة.
-1تتشكل منيومة الاستهداف الاجتماعي من سجلين هما :السجل الوطني للسكان( ،يستهدف ألايخاص) ،وهو سجل يهم جميع السكان
(بمن فيهم القاصرون وحديثو الوالدة ،وألاجانب القاطنون باملغرب) ،وهو عبارة عن قاعدة بيانات توثق معبطيات ذات طابع يخص ي لجميع
عرف (سيكتس ي أهمية كبيرة لتحقيقُ ِّ ُ َ ِّ
السكان ،ويمنح لكل يخص مقيد رقما وطنيا خاصا به ،هو "املع ِرف املدني الاجتماعي الرقمي" ،وهذا امل ِ
عرف موحد لبطالبي الاستفادة من الخدمات ُ ِّ
النجاعة املرجوة من منيومة تدبير الدعم الاجتماعي أو الخدمات الاجتماعية ،كونه سيعمل كم ِ
التي تقدمها الدولة أو املؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية بهذا الخصوص) .أما السجل الثاني فهو السجل الاجتماعي املوحد (يستهدف
ألاسر) ،تم تعريه سابقا (الهامش .)81
156
وبالتالي ،يتبطلب تحقيق التوازن املناسب بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية ،التركيز على تنفيذ
سياسات اجتماعية فعالة ومستدامة ،وتوفير إلاطار القانوني املناسب.
وفي ألاخير يتبين لنا أن الدولة املغربية عازمة على إرساء ركائز الدولة الاجتماعية من خالل ألاورا امللكية
والبرنامج الحكومي الحالي الذي ينص على سياسة اجتماعية مبنية على أربعة ركائز (من بينها تعميم
الحماية الاجتماعية كركيزة أولى) و 02إجراء اجتماعيا ،وفي نفس الوقت تبين لنا كذلك أن الحكومة
تستعمل مصبطلحي الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية كأداة ألجل كسب املزيد من الدعم الشعبي
من املواطنات واملواطنين ،ومن أجل خدمة أجندتها السياسية والانتصابية.
الئحة املراجع:
ألامم املتحدة ،دليل تصميم وتنفيذ سياسات قائمة على املساواة في الدول العربية.8702 ،
املصبطفى رياني ،مقال نشر بموقع هسبريس ، https://www.hespress.com :ألاحد 08فبراير .8783
اململكة املغربية ،وزارة الاقتصاد واملالية ،مجلس النواب ،تنزيل ور تعميم الحماية الاجتماعية 83 ،فبراير
.8788
إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان ،باريس 07 ،ديسمبر .0752
الخبطاب امللكي بتاريخ 87يوليوز 8700بمناسبة الذكرى 07لعيد العر املجيد.
الخبطاب امللكي بتاريخ 87يوليوز 2087بمناسبة الذكرى 21لعيد العر املجيد.
العدالة الاجتماعية في السياسات العامة للدول العربية ،إلاسكوا.8705 ،
-القانون إلاطار ،77 .80املتعلق بالحماية الاجتماعية ،صدر تنفيذه بموجب اليهير الشريف رقم،0 .80 .37 :
بتاريخ 83مارس ،8780الجريدة الرسمية عدد 1704بتاريخ 74أبريل .8780
املوقع الرسمي البوابة الوطنية.www.maroc.ma :
املوقع الرسمي لوزارة التضامن وإلادماج الاجتماعي وألاسرة.www.social.gov.ma :
تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب ،واقع الحال ،الحصيلة وسبل
تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية ،إحالة ذاتية رقم .8702/ 35
حسن طارق":رؤية تاريصية ،أي تحقيب للسياسات الاجتماعية باملغرب؟"،املغرب الاجتماعي،8777-8772 :
املجلة املغربية للسياسات العمومية ،عدد مزدوج ،3/8دار القلم ،الرباط ،سنة .8777
-رشيد لزرق ،الدولة الاجتماعية...أزمة نصبة سياسية أم أزمة خبطاب سياس ي؟مقال نشر بموقع هبة بريس:
https://ar.hibapress.comبتاريخ.2022-09-18 :
هوازن خداج ،السياسات الاجتماعية بين إيديولوجيا السلبطة واملجتمع ،مركز حرمون للدراسات املعاصرة،
سورية ،سنة.8780 :
ياسمينة أبو زهور ،التقدم والفرص الضائعة :املغرب يدخل عقده الثالث تحت حكم امللك محمد السادس،
مركز بروكنجز ( ،)Brookingsالدوحة ،سنة.8787 :
157
من دراسة الفقر إلى دراسة الفقراء :ألابعاد الاجتماعية للتكييف
البطاهر بكني
دكتور باحث في الجغرافيا
تقديم
شكل مفهوم الفقر موضع اهتمام العديد من الباحثين من حقول معرفية متعددة نتيجة الفجوة الهائلة
القائمة بين ألاغنياء والفقراء في معيم البلدان بسبب انعدام العدالة الاجتماعية وتفاقم الالمساواة،
حيث تم إنتاجه أو إعادة إنتاجه بواسبطة السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تبطورت مع مرور
الزمن باالستجابة لها أو التحكم فيها .وعلى هذا ألاساس ،يمكن إلاحاطة بمفهوم الفقر بالتركيز على أنه
صورة من صور الحرمان من قدرات أساسية وليس مجرد تدني الدخل .ذلك أن الحرمان من القدرات
ألاولية يمكن أن ينعكس في حاالت مثل الوفاة املبكرة ،ونقص كبير في التغذية (خاصة ألاطفال) ،واملرض
املزمن ،وشيوع ألامية وغير ذلك من مياهر الفشل 1.وعلى الرغم من تعدد الكتابات التي اهتمت بياهرة
الفقر ،ييل هذا ألاخير مفهوما عاما وصعب التحديد نيرا لتعدد املعايير املستعملة ملقاربته؛ فهو يتجاوز
املقاربة إلاحصائية الصرفة املرتببطة باملؤشرات ،ذلك أن مجموعة من العوامل املركبة واملتداخلة تعمل
على إفراز الياهرة وإعبطائها أبعادا مصتلفة تصتلف محدداتها حسب املتغيرات املؤدية إلى الفقر وأساليب
معالجته انبطالقا من اليروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في كل فترة.
تسعى هذه الورقة إلى إبراز تنوع املقاربات النيرية لياهرة الفقر ،وذلك انبطالقا من فرضية تعتبر الفقر
حرمانا من الحاجات ألاساسية ،وما صاحبها من تحول على املستوى النيري من دراسة الفقر كوضع آني
إلى دراسة مدى تأثير ألازمات على وضعية ألافراد ،وأيضا إلى دراسة الاستراتيجيات املتبعة من طرفهم
للخروج من الفقر أو لتجنب الوقوع فيه .ومن أجل ذلك تعرض هذه الورقة الاهتمام بإبراز الواقع
الاجتماعي والتاريخي ملفهوم الفقر باعتباره من املفاهيم ألافقية التي مرت بالعديد من املراحل ،نقلته
من املفهوم الضيق إلى املفهوم الواسع .ويمكن اعتبار النير إلى الفقر باعتباره انعدام الفرص والخيارات2،
أوسع تعريف للفقر .هذا التعريف الذي برز بشكل عام كإحدى النتائج ألاساسية إلعادة الهيكلة وفقا
ملبادئ العوملة التي تمثلت في عملية مزدوجة ييهر فيها التكامل من ناحية والاستبعاد والتحول إلى القبطاع
غير الرسمي من ناحية أخرى .فإذا كانت الدولة هي الكفيل ألاخير بصلق الشروط الضرورية لتحقيق ش يء
1أمارتيا صن ،التنمية حرية ،ترجمة وتقديم شويي جالل ،املركز القومي للترجمة ،العدد ،0457البطبعة ألاولى ،8707 ،ص .32
2نفس املرجع :ص .030
158
الفقراء1 من املساواة بين الفقراء وألاغنياء؛ فقد أدى تقليص نشاطاتها إلى محاباة ألاغنياء على حساب
عبر تدني الدخول وارتفاع تكاليف املعيشة إلى جانب السياسات الاقتصادية التي ركزت على رفع الدعم
الذي يؤدي إلى عن السلع الضرورية وتصفيض إلانفاق الاجتماعي ،باإلضافة إلى الخوصصة والانكما
تقليص فرص العمل .خاصة مع استفحال العيوب البنيوية للرأسمالية والتي تجلت في كونها جيدة في
خلق الثروة ،سيئة في توزيعها ،وفي ميلها إلى تغليب الرأسمال في عالقته مع العمل ،ما يفض ي حتما إلى
اختالالت ترتبط بشدة التفاوت في توزيع الدخل في ظل استصفاف النيوليبرالية بكل دواعي التضامن أو
اعتبارات ألاخالق ،وفي سياق عودة السلبطوية وبروز الشعبوية ،فضال عن ألاوليغارشية التكنوقراطية
التي أفرغت الاقتراع العام من محتواه .وإذا لم يكن في إلامكان تجاهل أبعاد الفقر الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية واملجالية ،فإن فهم الياهرة فهما سليما بهدف محاربتها أو الحد منها يقتض ي
اعتبارها مسألة سياسية ،حيث أن وجود الفقر يعني فشل السياسة أو غيابها.
-1ألاشكال الجديدة للفقر :جدلية املفهوم
ربما يكون من ألافضل تقديم تعريف مصتصر ملفهوم الفقر قبل مناقشة ألاشكال الجديدة منه ،حيث
لم يكن ُينير إليه كياهرة اجتماعية ووضعية اقتصادية تعاني منها فئات من املجتمع بفعل نيام
اقتصادي محدد أو هرمية اجتماعية خاصة ،بالرغم من أوجه القصور املتعددة التي يحيل عليها .وإذا
كانت أصول دراسة الفقر وعدم املساواة نابعة من مجال ألاخالق 2،فإنه غالبا ما كان ُينسب إلى الدول
وليس إلى ألافراد 3.وبالتالي ،كثيرا ما كان يبدو مفهوما غامضا في نير كثير من الباحثين وصانعي
السياسات ،حيث تركز أغلب الجدل الشعبي والسياس ي حول الفقر على أولئك الذين كانوا فقراء في
حينه .وكان من املمكن أن يكون هذا الجدل مبطابقا ملقتض ى الحال لو أن الفقر (وعدم الفقر) كان في
جوهره واحدا من ألاوضاع العامة الدائمة .لكن ألارجح أن ذلك ليس هو شأن الفقر 4.فالفقر حالة أو
وضع يقاس عبر الزمن ،وهو محصلة عدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية
التي يتفاعل بعضها مع بعض في سياق مستمر ،فمن الفقراء من يعيش الفقر املتكرر وآخرون يكابدون
1هورست أفهيلد ،اقتصاد يغدق فقرا ،التحول من دولة التكافل الاجتماعي إلى املجتمع املنقسم على نفسه ،ترجمة عدنان عباس علي،
عالم املعرفة ،العدد ،334يناير ،8770ص .42
2بوشوشة مريم ،مقاربة نيرية حول تبطور مفهوم الفقر من آدم سميث إلى أمارتيا سن ،كلية العلوم الاقتصادية جامعة عبد الحميد
مهري قسنبطينة ،مجلة العلوم إلانسانية ،عدد ،51ديسمبر ،8701املجلد ب ص .2
3حسن قرنفل ،الفقر من إلاحسان إلى التنمية البشرية ،مبطبعة ألامنية ،الرباط ،8700ص .34
4جونز هيلز وآخرون ،الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم ،ترجمة وتقديم :محمد الجوهري ،عالم املعرفة ،العدد ،355أكتوبر ،8770ص
75
159
الفقر الدائم .ويتفق هذا التعريف مع ما ذهب إليه "تاونسند" ( )Peter Townsendمن أن الفقر هو:
«مجموع ألافراد والعائالت الذين يعانون من نقص املوارد للحصول على أنواع من التغذية ،واملشاركة في
ألانشبطة ،والحصول على اليروف املالئمة من الحياة والاحتياجات ألاساسية الالزمة الستهالك ألافراد
واملجتمعات التي ترتبط بها معيشتهم» 1.فالفقير يتعرض خالل أعوام حياته إلى مجموعة من العوامل
تفرض عليه الفقر دوما أو في مرحلة أو أكثر من مراحل حياته .ففي حين يولد بعض الناس فقراء ويقضون
حياتهم أسيري الفقر ،يعيش بعضهم آلاخر "حالة" الفقر في مرحلة أو أكثر من مراحل حياتهم ،وآخرون
يتكرر دخولهم دائرة الفقر وخروجهم منها .وبالرغم من ذلك ،فإن كثيرا ممن يفلتون من الفقر ال يبتعدون
عنه بمسافة كبيرة.
ويصتلف مفهوم الفقر من فكر إلى آخر ،وذلك يعود بالبطبع إلى تباين الخلفيات الفكرية والثقافية
وألاخالقية ،ناهيك عن اختالف املجتمعات والفترات التاريصية التي عانت فيها من الفقر والجوع .فالفقر
الذي يؤدي إلى املوت أو الحرمان املبطلق ،يصتلف ببطبيعة الحال عن الفقر الذي يعبر فقط عن تباين في
توزيع الدخل .إال أن "التعريف ألافضل" للفقر يبقى محل جدل أكاديمي مستمر .وهنا تتضح مرة أخرى
نسبية هذا املفهوم وشدة تشابكه ،باعتباره مفهوم مراوغ سلبي ونسبي 2،يصعب فهمه في ذاته بصورة
مستقلة ومنعزلة عن غيره من املفاهيم ألاخرى املرتببطة به كمفهوم الغنى والرفاهية ،ومستوى املعيشة،
ونوعية الحياة ،والشعور باإلهانة والاستغالل .إال أن ما يلقى قبوال عاما حول مفهوم الفقر هو أن ألافراد
الذين يعيشون في "فقر" يعانون "الحرمان" أي يعيشون في مستوى معيشة يقل عن الحد ألادنى املقبول
من مستويات املعيشة .وإذا كان التعريف ألاكثر شيوعا للفقر هو ذلك الذي يرتكز على عدم القدرة على
سد حاجيات إلانسان الضرورية الخاصة بالتغذية وإعادة إلانتاج البيولوجي ،على اعتبار أن الفقراء هم
الفئة التي تفتقد املوارد الضرورية من أجل الحصول على التغذية العادية ،واملشاركة في ألانشبطة
واملمارسات الاجتماعية ،ومن أجل الحصول على ظروف عيش وسلوكات اجتماعية معتادة في
مجتمعاتهم 3.إال أنه ووجه باعتراضات عدة ،منها اختزال حاجيات إلانسان في حاجياته البيولوجية ،وكأن
إلانسان في حاجة فقط للغذاء من أجل الاستمرار في العيش .ومنه جاء تعريف راونتري ( Benjamin
)Rowntree Seebohmعلى أن الفقر «هو حالة الحرمان املادي الذي تتجلى أهم مياهره في انصفاض
الاحتياجات ألاساسية من الغذاء ،وما يرتبط بها من تدني الحالة الصحية ،واملستوى التعليمي واملتبطلبات
1بيتي آل كوك ،فهم الفقر ،عرض :د .علي الدجوي ،سلسلة كراسات "عروض" اجتهادات حديثة حول العلم واملستقبل ،املكتبة ألاكاديمية،
البطبعة ألاولى ،8777 :ص 32
2هورست أفهيلد ،اقتصاد يغدق فقرا ،مصدر سابق ،ص .870
3حسن قرنفل ،مصدر سابق ،ص .00
160
السكنية عن مستواها املالئم ،والحرمان من تملك السلع الضرورية التي تعد معايير أساسية لوصف
الفقر ،فضال عن الافتقار إلى ألاصول املادية املولدة للدخل ،وفقدان الاحتياطي أو الضمان ملواجهة
وألازمات»1. الحاالت الصعبة ،كاملرض وإلاعاقة والكوارث
وإذا كانت جذور الفقر موجودة في ألاغلب في الهياكل والبنى واملؤسسات الاجتماعية التي تستبعد الفقراء.
فإن نقص الحريات املوضوعية يقترن مباشرة بالفقر الاقتصادي 2.كما أن الاستبعاد الاجتماعي يتم من
خالل عمليات التمييز التي تحرم ألافراد من حقوقهم إلانسانية ،وتؤدي إلى قيام مجتمعات ممزقة وغير
عادلة .ومنه يتصذ الفقر أشكاال متعددة منها التمييز ،والاستبعاد الاجتماعي الذي ال يعدو أن يكون إعادة
تسمية ملا اعتاد الناس تسميته بالفقر يشترك إلى حد ما مع فكرة "صن" عن فقر القدرة .وتعكس هذه
ألامور الثالثة أشكال عدم املشاركة في املجتمع الراجعة إلى الفرض ال إلى الاختيار 3.فحرمان الفرد من
القدرات يمكن أن تكون له صلة وثيقة بتدني الدخل ،بحيث أن الدخل املنصفض يمكن أن يكون سببا
رئيسا لألمية واعتالل الصحة وكذا الجوع ونقص التغذية؛ بينما يساعد التعليم الجيد والصحة الجيدة
مرتفع4. على الحصول على دخل
يرتبط الفقر ارتباطا وثيقا بدخل الناس ،ولذلك كانت أبرز ألاشكال الجديدة للفقر مرتببطة بتدهور سوق
العمل .فلبطاملا كان من املسلم به أن العمل بأجر هو ضمانة ضد الفقر ،في حين لم يعد ألامر كذلك كما
كان في املاض ي ،السيما من خالل العدد املتزايد من العمال الفقراء ،وألايخاص الذين لديهم وظيفة
(بدوام جزئي ،وعقود قصيرة ألاجل ،وحاالت فرعية مصتلفة ،وما إلى ذلك) ولكن دخلهم غير كاف لعيش
حياة الئقة بالكرامة إلانسانية ،والسيما بسبب ألاسرة والوضع الاجتماعي (معزول ،مصدر الدخل الوحيد
داخل ألاسرة ،وما إلى ذلك) .لذلك فإن احتمال وقوع الفرد في الفقر ال يتوقف فقط على ما يتحصل
عليه من دخل أو إعانات ،وإنما يعتمد كذلك على ما يتحصل عليه ألافراد آلاخرون من أعضاء هذه
ألاسرة .وبذلك يتضح أن دخل ألاسرة يعتمد على حجم هذه ألاسرة ،ويعتمد كذلك على الدخل الذي
أعضائها5. يتحصل عليه كل عضو من
وبالرغم من اختالف املفاهيم التي تحاول وصف وتفسير ظاهرة الفقر في العالم؛ إال أن عدم املساواة
والتأثير السياس ي ،وعدم تحديد اتجاه لتقليص الفقر قد أثر كثيرا على مستوى الفقر وتحديده ،خاصة
1بوشوشة مريم ،مقاربة نيرية حول تبطور مفهوم الفقر من آدم سميث إلى أمارتيا سن ،مصدر سابق ،ص .05
2أمارتيا صن ،التنمية حرية ،مصدر سابق ،ص .02
3جونز هيلز وآخرون ،الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم ،مصدر سابق ،ص .38
4أمارتيا صن ،التنمية حرية ،مصدر سابق ،ص 30
5جونز هيلز وآخرون ،الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم ،مصدر سابق ،ص .077
161
فيما يتعلق بمسألة التفاوت في الفرص مقابل التفاوت في العوائد والنتائج 1.وبالتالي فالفقر هو في املقام
ألاول مفهوم سياس ي يؤثر على السلوك النفس ي والاجتماعي والاقتصادي لألفراد واملجتمعات ،ويعبطي
ُ
صورة معقدة ومتغيرة باستمرار تيهر خليط من النماذج املصتلفة للحرمان التي تبطفو وتبطغى من وقت
آلخر .مما يتبطلب إيجاد عملية ديمقراطية للحلول –ولو من الناحية النيرية -إلزالة وتقليص حجم الفقر
ومكافحته ،تلك املهمة يجب أن تشارك فيها الحكومات واملؤسسات؛ للعمل على إيجاد نيم قيمة لألمان
الاجتماعي ،مع وضع استراتيجيات ملقاومة الفقر 2.إذ تعتبر بعض ألادبيات 3أن ضمان فرص متساوية
لكل فرد من أفراد املجتمع في كل مجاالت الحياة مثل التعليم والرعاية الصحية وتأمينات العمالة كفيل
بإرساء العدالة الاجتماعية في املجتمع .وال ريب في أن الفقر يعد في حد ذاته حاجزا يحول دون تكافؤ
ي4. الفرص التعليمية .فالبطفل الجائع أو س يء التغذية من غير املحتمل أن يحسن التركيز في العمل املدرس
وإذا كان تكافؤ الفرص شرط ضروري للعدالة الاجتماعية ،إال أنه ليس شرطا كافيا ،خاصة مع ظهور
عملية التهميش بين قبطاعات عريضة من البطبقات الوسبطى .فلم تعد الخصائص التي كانت تلصق بالفقر
التقليدي (سكنى املناطق املزدحمة ،والعمل املوسمي ،والعمل املتجول في الشوارع ،والعمل اليومي) لم
تعد كل هذه الخصائص مقصورة على الفقراء بل انتشرت بين الشباب املتعلم ،وانتشرت أيضا بين
املوظفين الحكوميين من أصحاب املهارات واملدرسين وأصحاب املهن املتصصصة 5.وبالتالي ،فمع ما قد
يقع من تباين شديد في العوائد أو النتائج ،يلزم إضافة شرط آخر ،أال وهو السعي املستمر إلى تصحيح
الفوارق الشاسعة في توزيع الدخل والثروة والنفوذ.
-0الفقر والفقراء :التفاعالت الديناميكية والتغير الاجتماعي
تبطرح الكتابة عن الفقر عدة إشكاالت منهجية ومعرفية لدى الباحثين ،بعضها مرتبط بمفهوم الفقر في
حد ذاته والبعض آلاخر مرتبط بالكتابة عن الفقر ،وذلك تأثيرا وتأثرا بالتفاعالت الديناميكية والتغير
الاجتماعي ملفاهيم كالثروة والقوة وانعدام القوة ارتبط بها الفقر عبر كل العصور .فالفقر مثل اليواهر
الاجتماعية ألاخرى ال يمكن عزله بمفرده؛ حيث يحكمه حزام التأثيرات الاجتماعية املدعمة باألرقام
والدالئل والقوى الاجتماعية ،والتي تنتشر خالل البيئة والتعليم والفعل الاجتماعي ،بحيث تتركز الصور
162
العامة للفقر في تصميم النيرات وآلاراء الخاصة .وال شك أن الفقر نتاج تاريخي نما وتبطور من خالل
إلايديولوجيات املاضية؛ بحيث أوجدت التقسيمات "للفقير الذي ال يعمل" و"الفقير الذي يعمل" و"الفقير
للفقر1. املستحق" و"الفقير غير املستحق"؛ مما له التأثير القوي على إلايديولوجيات العامة والخاصة
ورغم التجارب التي عرفها التاريخ يبدو وكأن الفقر قدر ال يستبطيع الناس الحياة بدونه أو الفكاك منه،
حيث ظلت أغلبية الشعوب واملجتمعات ترزح تحت وطأته ،مع انتشار بعض الثقافات التي امتد فيها
الفقر نوعا ما بدرجة أكبر إلى أن أصبحت ال تجده عيبا .خاصة مع ظهور نوع جديد من البطوائف الدينية
بيهور أتباع ما يسمى بالفقر الاختياري في أوربا بعدما أشاد آباء الكنيسة بأعمال الصدقة والخير ما بين
القرنين الحادي عشر والرابع عشر ميالدي ،فتحول الفقر بفعل ذلك إلى سلوك تبنته فئات من املجتمع
نتيجة قراءة خاصة لتعاليم الديانة املسيحية 2.في حين عرف العالم إلاسالمي طرقا ومذاهب قلدت
سلوك الفقراء أنفسهم باختيارهم للزهد وانصرافهم عن الدنيا وملذاتها ،انبطلقوا من التصوف واعتمدوا
كجزء من التعبير عن التقوى والزهد بالنفس الخروج والتسول في الشوارع ،وقد أصبحوا عندئذ في
منافسة مع الفقراء الحقيقيين .وبينما ظل املؤرخون عبر العصور يرصدون الفعل السياس ي وتدخالت
الحكام وأفعالهم ،دون اهتمام بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدول واملجتمعات الذي أهمل إهماال
تام3. شبه
وقد عرف مفهوم الفقر عبر مراحل التاريخ اختالفات تباينت مع أنماط إلانتاج والاستهالك؛ فكانت املرحلة
ألاولى عبارة عن مجتمع بدائي رعوي ال طبقي ،تجمع فيه الناس دون أن تميز بعضهم عن بعض آلاخر
ميزة ،ولعدم وجود طبقات لم يكن العمل مصتلفا ولم يكن إلانتاج معقدا أو اجتماعيا .بعدها دخل
املجتمع عهد التجمع ،فبدأت مرحلة الزراعة وبدأ معها مصادر وتعيين وسائل إلانتاج وامللكية 4.وبيهور
التملك أصبحت العبودية موجودة بشكل حتمي ،ووجدت البطبقات العليا والدنيا ،فدخل إلانسان بشكل
إجباري مرحلة املجتمع مع طبقة ،على أساس ملكية ألارض التي ظهر معها إلاقبطاع ،والذي أخذ في النمو
وعلى أساسه برزت عوامل تحمل اسم البرجوازية ،التي ابتدعت طرق العيش باألموال والتجارة والكسب
والحركة والسوق ،ونمت في عملياتها هذه ،وساعدتها الصناعة في نموها .ثم أتت الرأسمالية الصناعية
إلى الوجود ،التي ركزت الثروات في يد قلة من الناس أو بضع شركات .فكان أن وصلت البرجوازية بهذا
163
الشكل إلى الرأسمالية وبشكل أكبر إلى مرحلة الامبريالية (أو الاستعمار الاقتصادي) ،ليصبح إلانتاج
البشر1. والاستهالك العالمي بيد نفر محدود من
إال أنه في مقابل هذا الرأي ،هناك صورة أخرى عن املجتمعات ما قبل الصناعية تشير إلى أنها كانت
تجمع بين الفقر املدقع في القاع ،والثراء املفرط في القمة .فالش يء الوحيد الذي ال شك فيه هو أن
ألاباطرة كانوا أثرياء بشكل مفرط ،لكنهم لم يكونوا ألاثرياء الوحيدين 2.حيث يوجد تقريبا في كل مكان
تنييما كامال للمجتمع في طبقات متباينة ،في مراتب مصتلفة من ألاوضاع الاجتماعية .ففي روما القديمة
كان هناك النبالء فالفرسان فالعامة فالعبيد؛ أما في العصور الوسبطى فكان إلاقبطاعيون ألاسياد ثم
ألاتباع ،ثم معلمي الحرفة ،ثم الصناع ،ثم ألاقنان ،وفضال عن ذلك ،يوجد تقريبا في كل واحدة من هذه
البطبقات مراتب خاصة أو فئوية 3.أما املجتمع البورجوازي ،الذي قام على أنقاض املجتمع إلاقبطاعي،
فلم يقض على التناحر البطبقي .بل لم يفعل غير استبدال البطبقات القديمة ،وشروط الاضبطهاد
جديدة4. القديمة ،وأشكال الصراع القديمة ،ببطبقات جديدة ،وشروط اضبطهاد جديدة وأشكال صراع
إال أنه بالرغم من ذلك ترتبط أهم أحداث التاريخ املعاصر مباشرة بأهمية حرية عقد العمل كنقيض
العمل5. للعبودية والاستبعاد القسري من سوق
وإذا كانت النيرة إلى الفقر قد عرفت تحوال كبيرا مع ظهور الرأسمالية وانتشارها في مصتلف الدول
الغربية ،وتمكنها من تحقيق نجاحات اقتصادية كبرى ،وتحقيق نوع من الرخاء الاقتصادي .إال أن أحزمة
الفقر ال تزال تغبطي مساحات هائلة .ومع انحسار هذه ألاحزمة شيئا فشيئا مع نهاية القرن املاض ي لتضم
إلى الحياة الكريمة ما يتجاوز ملياري يخص ،إال أنها تركت وراءها أمما وشعوبا ما زالت ترزح تحت خط
الفقر .إنها عوائد التجارة واقتصاد الريع التي تقوم عليها بعض الاقتصادات النامية التي قد تصفف من
وطأة الفقر ولكنها ال تقتلعه .حيث لوحظ أن نجاحات الرأسمالية لم تتمكن مع ذلك من القضاء على
الفقر .أكثر من ذلك فالتاريخ املعاصر ييهر أن املجتمعات الصناعية تنتج الفقر كما تنتج الغنى ،بل يمكن
السكان6. القول إنه كلما ازداد غنى مجتمع ما كلما كان مضبطرا إلى تقديم مزيد من الدعم إلى جزء من
164
إن الفقير في املجتمعات البشرية قبل سيبطرة الاقتصاد هو ذلك إلانسان الذي يكسب قوت يومه بصعوبة
أو الذي اختار الكفاف ،بيد أنه ييل عضوا في الجماعة ،لكنه الحقا أصبح ذلك الغريب املتشرد الذي
يتم عزله وتهميشه في الواقع املعيش .فالفقراء متعايشون تماما مع مجتمعهم الذي كان يتقبل وجودهم،
بل ويعتبرونه أمرا عاديا ،على اعتبار أن الجزء ألاكبر من الساكنة كان يحسب على الفقراء ،لغياب ما
نسميه اليوم ببطبقات وسبطى .على الرغم من أن الكثيرين ينيرون إلى الفقراء على أنهم جماعة سلبية
من الناحية السياسية تناضل ببساطة من أجل سد حاجاتها .لم يكن ثمة تفكير في إمكانية محو الفقر،
كان الفقر ببساطة مقبول كأحد ثوابت الحياة .إلاحسان عمل جيد ،فالصدقة للفقراء هي التي تكفر عن
الذنوب وألاخبطاء .وهكذا فإن آليات إلاحسان كانت تتكفل بإعادة بعض التوازن إلى مكونات املجتمع عبر
منح بعض ألاموال والصدقات لألكثر حاجة من السكان ،وبفعل غياب أي نيام للضمان الاجتماعي ،فإن
الفقر كان يعتبر آفة ومصيرا يمكن أن يضرب أي فرد من أفراد املجتمع على اختالف موقعه في التراتب
الاجتماعي 1.ومع ذلك فإن فالتنمية الاجتماعية ليست مجرد شبكة ألامان وتصفيف الفقر والبقاء ،أو
وسائل إلشباع حاجات أساسية ،أو الاعتماد الكلي على إلاحسان واملساعدات ألاجنبية غير الدائمة .بل
إنها تتضمن أيضا تحقيق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي .ويتبطلب ذلك ،وكما
عبر أنيسور رحمان (« )Anisur Rahmanخلق ظرف يمكن للبشر فيه أن يكونوا قادرين على التفكير،
يشاركوا»2. ويستصدموا قدراتهم ،ويتصرفوا بمعنى أن
-2من دراسة الفقر إلى دراسة الفقراء :التحول إلايديولوجي
لبطاملا تم انتقاد الاقتصاديين إلفراطهم في التركيز على الفعالية دون املساواة 3.فإذا كانت املساواة هي
اندماج الناس في مجتمعهم على أصعدة إلانتاج والاستهالك والعمل السياس ي والتفاعل الاجتماعي؛ فإن
الالمساواة على العكس من ذلك هي الاستبعاد أو الحرمان أو إلاقصاء عن هذه املشاركة .وإذا كانت
السياسات الاقتصادية-الاجتماعية قد اتجهت إلى تنمية البشر برفع مستواهم املعرفي والصحي ...باعتبار
ذلك أساس كل نهضة ،إال أن غياب العدالة وتفاقم الالمساواة في الانتفاع بثمرات ذلك شدها يسارا مرة
ويمينا مرات 4.حيث ينزع الحساب النفعي الذي يتسم غالبا بالالمباالة في التوزيع إلى إغفال مياهر عدم
املساواة في توزيع العدالة (إذ يعنيه فقط إجمالي ألامور ،وليس مهما مدى عدم املساواة في التوزيع) .كما
165
أغفلت ذات املقاربة الحقوق والحريات وغيرها من اهتمامات ليست نفعية ،حيث ال تبدي أي اهتمام
أصيل باملبطالبات بالحقوق والحريات (إذ يجري تقييمها على نحو غير مباشر فقط ،وإلى مدى تأثيرها فقط
على املنافع) 1.فيما أدى تجاهل الزيادة في التفاوت وعدم املساواة وفي العمل املنصفض ألاجر إلى تفاقم
الفقر في أثناء العمل 2.وفي هذا السياق ركز "ألن غرينسبان" على ما سماه "عدم ألامان املتزايد للعامل"،
فإذا شعر العمال بعدم ألامان ،وباتوا جزءا مما نسميه اليوم "عدم اليقين" ،وعاشوا وجودا غير مستقر،
فلن يبطرحوا املبطالب ولن يحاولوا زيادة ألاجور ،ولن يحصلوا على املنافع 3.ويعتمد الوقوع في الفقر على
مشاركة ألاسرة في سوق العمل وفي مصادر الدخل ألاخرى ،كما يعتمد على عدد أعضاء ألاسرة؛ لذلك
فإن التغيرات ألاساسية في حالة الفقر تعزى إلى التغيرات في هذه العوامل ،ومن تم ترتبط ديناميات الفقر
العمليات4. بديناميات هذه
وداخل هذه إلايديولوجية ،يبطفو على السبطح خبطاب نقدي دون أن يتصدى لألسس الاجتماعية لنيام
السوق العالمي .ويلعب البنك الدولي في هذا الصدد دورا رئيسيا بتشجيع البحث في الفقر وما يسمى
"ألابعاد الاجتماعية للتكييف" ،ويوفر هذا التركيز ألاخاليي واملقوالت الكامنة خلفه (مثل تصفيف الفقر
وقضايا الجنسين وإلانصاف ).وجها إنسانيا ملؤسسات بريتون وودز ( ،)Bretton Woodsالتي ال تميل إلى
تمويل أي عمل يحمل كلمة "دخل" أو "المساواة في الثروة" في عنوانه ،فهي مستعدة لتمويل أي ش يء
يتعلق بتسكين الفقر ،لكن الالمساواة في مجموعها قضية مصتلفة 5.غير أنه بقدر ابتعاد هذا التحليل
وظيفيا عن فهم إصالحات الاقتصاد الكلي الرئيسية ،فإنه نادرا ما يشكل تهديدا لجدول ألاعمال
الاقتصادي النيوليبرالي 6.وبالبطريقة نفسها ،رفض البنك الدولي أن يسمي تقريره الرئيس حول املوضوع
تقريرا حول الالمساواة ،وبدال من ذلك ،سمي بشكل أكثر تدجينا تقريرا حول "إلانصاف" .والتناقض بين
الاهتمام الواضح بالفقر ونقص الاهتمام بالالمساواة لخصه بشكل جميل املؤرخ الانجليزي ديفيد
كيناستون" :يشعر كل يخص بالسعادة وهو يتحدث عن إزالة الفقر ،ألن ذلك يبدو استجابة محببة
ُ
وأخالقية ملشكلة الالمساواة ،بينما تبقى أبنية القوة من دون أن تمس" 7.ومما يدعو للقلق بوجه خاص
166
الاتجاه املتناقص في تمويل الحماية الاجتماعية وتادابير التوزياع املقترحة ،وذلك نابع ،على ما يبدو ،من
ُ
ضغوط السوق .ونتيجة لذلك ،تم ترك دراسة الفقر من أجل التركيز على دراسة الفقراء ،حيث ترسم
السياسات إلانمائية على نحو ال يمنح ألاهمية إال لبعد واحد من أبعاد الفقر ،من قبيل فقر الدخل أو
فقر التنمية البشرية 1،وأضحى بذلك تصفيف الفقر شرطا التفاقات قروض البنك الدولي .ويساند
تصفيف الفقر هدف خدمة الدين .فتصفيف الفقر املتواصل تحت سيبطرة مؤسسات بريتون وودز يقوم
على تصفيض ميزانيات القبطاع الاجتماعي وإعادة توجيه املصروفات على أساس انتقائي ورمزي لصالح
الفقراء 2.هذا التحول إلايديولوجي وازاه تبطور في املفاهيم وطرق القياس.
وقد جاء التحول الرئيس ي في طرح مسألة الفقر على املستوى الدولي ،بفعل التبطورات الاقتصادية الهامة
التي شهدها العالم منذ ثمانينيات القرن املاض ي .حيث عرف هذا العقد تفاوت بين البلدان في التقدم
نحو تحقيق التنمية ،وهو عقد ألازمات الاقتصادية ومحاوالت تثبيت الاستقرار والتكييف الهيكلي ،فلم
يعط الاقتصاديون اهتماما يذكر لآلثار السلبية املحتملة التي تتركها هذه السياسات على الفئات
الاجتماعية املصتلفة ،خاصة الفقيرة منها .وكان من بين النتائج الاجتماعية لهذه إلاصالحات أن زاد انتشار
الفقر والالمساواة .وفي نفس الوقت ،فإن الدول قد انسحبت تدريجيا من املسؤوليات الاجتماعية التي
ميزت تجربتها التنموية الشعبية املبكرة .وترتب على ذلك أن سحبت الدولة كثير من الخدمات الاجتماعية
التي كانت تقدمها ،وكان على الجماعات منصفضة الدخل أن تعتمد بشكل كبير على نفسها لتحقق بقاءها
في الحياة 3.مما دفع باألمم املتحدة ،من خالل برنامجها إلانمائي ،إلى تبني والدة مفهوم التنمية البشرية،
كمفهوم جديد للتنمية ينير من خالله للناس كوسائل وغايات للتنمية ،في حين عزز إلاعالن النهائي
للقمة العاملية للتنمية الاجتماعية كوبنهاجن رجوع براديغم الفقر بقوة ليصبح من امللفات ذات ألاولوية
في اهتمامات املنيمات العاملية ،وذلك بتبني إلاعالن تعزيز البنيات التحتية والخدمات العمومية بتكثيف
رصد امليزانيات وإلانفاق املالي واملساعدات الخارجية .يتعلق ألامر بتحديد املراحل ألاكثر أهمية في العملية
بشكل عام سواء على املستوى الدولي أو الوطني .وإذا كان تقرير لجنة برونتالند 0720 4يذكر العالم بأن
1أرجون سينغوبتا ،تقرير الخبير املستقل املعني بمسألة حقوق إلانسان والفقر املدقع ،تعزيز وحماية جميع حقوق إلانسان املدنية
والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ،بما في ذلك الحق في التنمية ،الجمعياة العاماة ،مجلس حقوق إلانسان ،الدورة السابعة،
82فبراير .8772
2ميشيل تشوسودوفيسكى ،عوملة الفقر ،مصدر سابق ،ص .18
3آصف بيات ،الحياة سياسة كيف يغير بسبطاء الناس الشرق ألاوسط ،مصدر سابق ،ص .053
4لجنة برونتالند :اللجنة العاملية املعنية بالبيئة والتنمية WCEDأسست سنة 0723لتبطوير املفهوم السياس ي الواسع املتعلق بالتنمية
املستدامة ،وقد كانت لجنة برونتالند القوة الدافعة إلعداد جدول أعمال .80
167
"عالم غير منصف اليوم ال يمكن أن يكون مستدام"؛ 1إال أنه مع ذلك ازداد عدد الفقراء وتفاقم الفقر
والبؤس منذ الاستقالل والتحرر .وتشير املالحية ألاولية إلعالن "كوكويوك" إلى أن العديد من املؤتمرات
بها2. تضع الفقر في صميم اهتماماتها ،إال أنه يقابلها العديد من الالتزامات الدولية التي لم يتم إلايفاء
والحقيقة أن تعريف "أمارتيا صن" للقدرة على أنها "حرية املرء في أن يحيا حياة يصتارها باقتناع" ،هو
تعريف يتجلى فيه تعدد ألابعاد ويجمع بين الدخل والتنمية البشرية باعتبارهما مكونين للقدرة ،ومتغيرين
عالئقيا3. لإلنشاء والفعل على حد ساواء ،كما يقترن باالستبعاد الاجتماعي الذي يضيف إلى الفقر بعدا
فانبطالقا من املوارد يمكن تحرير القدرات والعمل على توجيهها من أجل تحقيق املنفعة ،حيث تضمن
املقاربة بالتمكين حرية الفعل واختيار الفرد ما يريد أن يصبح عليه .فتوفر تعليم أساس ي أفضل ورعاية
صحية أفضل من شأنهما أن يؤديا إلى تحسن نوعية الحياة مباشرة ،بل يزيدان أيضا من قدرة الشخص
على الحصول على الدخل والتحرر من فقر الدخل أيضا .وكلما زاد املدى الذي يتحقق بفضل التعليم
ألاساس ي والرعاية الصحية كلما أصبح من املرجح أكثر أن تتوفر ملن يتوقع حالة من الفقر فرصة أفضل
عوز4. للتغلب على ما يعانيه من
إذا ما تحول انتباهنا من التركيز فقط ودون استثناء على فقر الدخل إلى فكرة أكثر شمولية تتمثل في
الحرمان من القدرة ،فإننا نستبطيع بذلك أن نفهم بصورة أفضل فقر الحياة البشرية 5دون أن تغيب
عن نيرنا حقيقة أساسية ،وهي أن خفض فقر الدخل وحده ربما ال يكون الحافز النهائي للسياسة
املناهضة للفقر .في حين ينبغي أن يكون استئصال شأفة الفقر الهدف الرئيس ي لسياسات التنمية ،وال
يمكن ضامان تحققاه إال بإتباع نهج للتنمية يقوم على مراعاة الحقوق 6.حيث ثمة خبطر من النير إلى
1تميزت العقود الثالث املاضية بسيادة مفهوم التنمية املستدامة والذي تمت صياغته للمرة ألاولى من خالل تقرير "مستقبلنا املشترك"
الذي صدر عام 0720عن اللجنة العاملية للتنمية والبيئة برئاسة رئيسة وزراء النرويج السابقة "جرو هارلم برونتالند" والتي حملت منصب
رئيسة منيمة الصحة العاملية ،كما عملت كمبعوث خاص معني بتغير املناخ لصالح أمين عام ألامم املتحدة بان كي مون.
2أصدرت منيمة ألامم املتحدة بمناسبة انعقاد مؤتمر "كوكويوك" باملكسيك سنة 0705نقدا جذريا للتنمية ونموذج التجارة الحرة
والعالقات بين الشمال والجنوب ،ولكن استنتاجاته سرعان ما دفنت .ويتهم إعالن كوكويوك علنا دكتاتورية زيادة الناتج املحلي الخام "إن
مسار النمو الذي ال يعود بالنفع إال على فئة قليلة ويحافظ أو يزيد من التفاوت بين الدول وداخلها ال يعد نموا بل هو استغالل" .إن مثال
التنمية املدافع عنه في كوكويوك ال يركز على املسائل الاقتصادية ،بل يبرز أهمية طرق العيش والقيم وتحرر الشعوب والحريات الفردية
والجماعية.
3أرجون سينغوبتا ،تقرير الخبير املستقل املعني بمسألة حقوق إلانسان والفقر املدقع ،مصدر سابق.
4أمارتيا صن ،التنمية حرية ،مصدر سابق ،ص .050
5نفس املصدر ،ص .30
6أرجون سينغوبتا ،تقرير الخبير املستقل املعني بمسألة حقوق إلانسان والفقر املدقع ،مصدر سابق.
168
الفقر بمعنى ضيق ومحدود هو الحرمان من الدخل ثم تبرير الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية وغير
الفقر1. ذلك على أساس أنها وسائل جيدة لبلوغ الغاية وهي خفض دخل
على سبيل الختم
يمكن القول إن الفقر ال يعبر فقط عن عجز إلانسان عن إشباع حاجاته البيولوجية كما يذهب إلى ذلك
بعض الاقتصاديين ،بل يعني كذلك عجز البناء الاجتماعي عن توفير مستلزمات إلانسان املادية واملعنوية،
وتأثير ذلك على عمليات الاندماج والعالقات الاجتماعية وتكوين يخصية الفرد في املجتمع وتشكيل
قيمته وثقافته ،بل وتحديد دوره ووزنه السياس ي والاجتماعي والاقتصادي .فالفقر يجب أن ينير إليه
على أنه حالة يعجز فيها إلانسان بسبب مجموعة من العوامل املوضوعية والذاتية عن تلبية حاجاته
املادية واملعنوية في ظل نيام اجتماعي وثقافي محدد.
ولكي تتمكن التنمية من تقليص الفقر ،أو على ألاقل الفقر الذي ينير إليه بالقياس النقدي ،يجب أن
تترجم هذه التنمية في حصول ارتفاع لدخل الفقراء ودون تفاقم في الالمساواة .حيث تستلزم التنمية
بذلك إزالة جميع املصادر الرئيسية الفتقاد الحريات :الفقر والبطغيان ،ويح الفرص الاقتصادية ،وكذا
الحرمان الاجتماعي املنيم .وحينما يكون صاحب القرار العمومي مضبطرا للتحكيم بين السياسات
املاكرواقتصادية املالئمة التي تصبو إلى تحقيق نمو اقتصادي على املدى البطويل ،وبين السياسات ألاكثر
تقليصا للفقر على املدى القريب .فإنه يصتار حتما السياسات ألاولى ،وعندها يصبح من الضروري
مصاحبتها بسياسات وتدابير للحماية ضد الفقر .يتعلق ألامر في هذا إلاطار ببرامج اجتماعية مستهدفة
(التعليم ،الصحة ،مساعدات لصالح الفئات الهشة )....وبعمليات وتدخالت ميكرو اقتصادية (عمليات
الدعم واملساعدة ،القروض الصغرى )....لصالح الفئات الخاصة مثل الفالحين الصغار ،والشباب
الباحث عن أول فرصة عمل ،والنساء املسؤوالت على إعالة أسرهن والعجزة....
إن استمرار النمو الاقتصادي بدون عدالة اجتماعية سيؤدي ال محالة إلى اضبطرابات اجتماعية ناتجة
عن تفاحش الفوارق البطبقية وإلاحساس باليلم ،كما أن وضع سياسات اجتماعية قائمة على العدالة
في التوزيع بدون نمو ستؤدي بدون شك إلى إعادة توزيع الركود .وهذا ما أكده روبيرت ماكنمارا املدير
السابق للبنك الدولي في قوله" :إن الهدفين (نمو اقتصادي وعدالة اجتماعية) مرتببطان ،بالرغم من أن
الحكومات تميل إلى اتباع أحدهما وإهمال آلاخر .وتؤدي هذه املقاربة من الناحية التنموية إلى الفشل
169
دائما ،ألن مواصلة النمو الاقتصادي دون اهتمام معقول وصادق باملساواة وإلانصاف والعدالة
عنيفة"1. الاجتماعية يؤدي إلى نتائج مقلقة ،وكثيرا ما ستكون
170
مشروع تعميم الحماية الاجتماعية باملغرب :الرهانات والتحديات
محمد رحوتي
دكتور باحث في القانون العام
مقدمة
ظل موض ااوع الحماية الاجتماعية محط نقا بين مصتلف الفاعلين في املغرب منذ س اانوات عديدة ،غير
أن تااريخ 05أبريال لس ا ا ا اناة 8780ش ا ا ا اكال لحياة تااريصياة أكثر أهمياة في هذا املجال ،إذ ترأس امللك حفل
إطالق مش ا ا ا ااروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات ألاولى املتعلقة به .1وذلك بعد أن دعا إلى
ضاارورة إعادة النير في طبيعية النموذج التنموي الذي ساااد خالل العقدين املاضاايين .2وقد حض ا ي هذا
املوض ا ااوع باهتمام كبير من طرف مصتلف الفاعلين في املجتمع (إعالميون واقتص ا اااديون وس ا ااياس ا اايون ....
الخ) ،بحيث أضاحى املوضوع ألاكثر هيمنة على املشهد العام باملغرب ،وقبل الخوض في تفاصيل الحماية
الاجتماعية ورهاناتها ال بد من إطاللة على مفهوم هذه ألاخيرة.
يحي اال مفهوم الحم اااي ااة الاجتم اااعي ااة في الوث ااائق الرس ا ا ا اامي ااة وفق م ااا ج اااء في تقرير املجلس الاقتص ا ا ا ا ااادي
والاجتم اااعي والبيني على "الت اادابير وإلاجراءات الق ااائم ااة على الت ااأمين والتض ا ا ا ا ااامن ،اله ااادف ااة إلى تحقيق
الض ا ا اامان الاجتماعي وتقديم املس ا ا اااعدة ،ارتكازا على املس ا ا اااهمات أو دون الارتكاز عليها ،من أجل ض ا ا اامان
القدرة على توفير الرعاية والدخل لجميع ألايخاص وعلى مدى جميع مراحلهم".3
إن مفهوم الحماية الاجتماعية ،يشا ا ا اامل مجموعة من التدابير الحمائية التي تؤهل الفرد للحصا ا ا ااول على
احتياجاته ألاساااسااية من املأكل ،واملسااكن ،وامللبس ،والعالج ،خاصااة في اليروف التي يواجه فيها كوارث
طبيعية أو أزمات اقتص ا ا ااادية ،وض ا ا اامان الحد ألادنى من مس ا ا ااتوى املعيش ا ا ااة .وهذه التدابير الاقتص ا ا ااادية
والاجتماااعيااة هي التي تس ا ا ا اااهم في خلق ألامااان الاجتماااعي أو الاقتص ا ا ا ااادي للناااس الااذي ينبطوي على بعااد
نفس ا ا ا ا ي إلى جانب البعد املادي ،وأكثر الفئات الاجتماعية حاجة لألمن الاقتصا ا ا ااادي هم اليتامى وألارامل
والعجزة ،وذوي الاحتيااجات الخاص ا ا ا ااة ،والش ا ا ا اايوخ ،وألاطفال ،وألاي ا ا ا ااخاص الذين يعانون الفقر املدقع
والعاطلون عن العمل بسبب من ألاسباب الخارجة عن إرادتهم.4
- 1ترأس العاهل املغربي بالقصر امللكي بفاس بتاريخ 05أبريل ،8780حفل إطالق مشروع " تعميم الحماية الاجتماعية «وتوقيع اتفاقيات
تتعلق به ،وذلك بحضور رئيس الحكومة وبعض مستشاريه وعدد من الوزراء ومسؤولين نقابيين.
- 2خبطاب امللك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العر ،بتاريخ 87يوليوز .8707
- 3املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني" ،الحماية الاجتماعية في املغرب :واقع الحال ،الحصيلة سبل تعزيز أنيمة الضمان الاجتماعي
واملساعدة الاجتماعية" تقرير ،إحالة ذاتية رقم ،8702/35ص.00 :
- 4صالح هاشم ،الحماية الاجتماعية للفقراء :قراءة في معنى الحياة لدى املهمشين ،مؤسسة فريدريش ايبرت ،مكتب مصر ،القاهرة ،دجنبر
،8705ص.02 :
171
وإذا كانت الحماية الاجتماعية حق من حقوق إلانس ااان وعنص اار الزم لحفظ كرامته ،فإنها تس اااهم أيض ااا
في تحقيق أهداف عديدة ومتنوعة ،وتش ا ا ااكل وس ا ا اايلة مهمة ض ا ا ااد املصاطر وتعمل على ص ا ا ااون التماس ا ا ااك
الاجتماعي .وقد اهتمت منيمة ألامم املتحدة وعدد من املنيمات املتصصا اص ااة التابعة لها بهذا املوض ااوع
منذ عقود من الزمن ،فعلى س ا اابيل املثال اعتمدت منيمة العمل الدولية بين س ا اانتي 0707و30 ،8708
اتفاقية و 85توصية لها عالقة بالحماية الاجتماعية ،وتشكل الاتفاقية رقم 078املتعلقة باملعايير الدنيا
للضاامان الاجتماعي لس اانة 0748والتوص ااية رقم 878التي اعتمدت س اانة 8708بش ااأن أرض اايات الحماية
الاجتماعية مرجعتين أس ا ا ا اااس ا ا ا اايتين في هذا املجال .كما أن خبطة ألامم املتحدة للتنمية املس ا ا ا ااتدامة لعام
8737التي وضع لها 00هدفا تهدف كلها لتكريس الحماية الاجتماعية أوتعزيزها.
وإذا ك ااان هن اااك إجم اااع من ااذ منتص ا ا ا ااف القرن العش ا ا ا اارين حول اعتب ااار الحم اااي ااة الاجتم اااعي ااة حق ااا تقع
مساؤوليته على الدول ،فإن النقا ال يزال مساتمرا في عدد من البلدان حول كثير من ألاسئلة من قبيل
طبيعة الخدمات التي ينبغي تقديمها ،والفئات التي يمكن اس ا ا ااتهدافها ،ومص ا ا ااادر التمويل ونوعية النيام
املالئم لهذا املشروع .1كما برز نقا خالل السنوات ألاخيرة حول إمكانية إحداث دخل أساس ي شامل،
وفي هذا إلاطار ناقش مجلس حقوق إلانسا ااان التابع لألمم املتحدة في دورته الخامسا ااة والثالثين في يونيو
س ا ا اانة 8700س ا ا اابل توفير الحماية الاجتماعية القائمة على الدخل ألاس ا ا اااس ا ا ا ي الش ا ا ااامل بموجب القانون
الدولي لحقوق إلانسان.
وفي املغرب ،بدأ الاهتمام بهذا املوضوع بشكل مبكر ،إذ عملت الدولة مباشرة بعد الاستقالل على خلق
مجموعة من املؤس ا اس ا ااات كلفت بالس ا ااهر على توفير الض ا اامان الاجتماعي والتغبطية الص ا ااحية ،باملوازاة مع
قيام الدولة بإقرار وتنفيذ مجموعة من البرامج والسا ااياسا ااات تهم تقديم الدعم للفئات املعوزة ،كإنشا اااء
ص ا ا ا انادوق املقاص ا ا ا ااة وتقديم املنح الدراس ا ا ا ااية ألبناء الفقراء املهمش ا ا ا ااين وغيرها ،كما عملت الدولة خالل
الس ا ا ا اانوات ألاخيرة على إطالق ع اادة برامج تروم توفير الحم اااي ااة الاجتم اااعي ااة ك اااملب ااادرة الوطني ااة للتنمي ااة
البش اارية ،ومبادرة مليون محفية لتش ااجيع أبناء الفقراء على الدراس ااة ،ودعم النسا ااء ألارامل وغيرها من
السياسات والبرامج الهادفة إلى توفير الحماية الاجتماعية.
غير أن الس ا ا ا اياااسا ا ا ا ااات الاجتماااعيااة ببالدنااا خالل العقود ألاخيرة تميزت بااالبطااابع التجزيني واليرفي بفعاال
مجموعااة من ألاس ا ا ا اباااب من بينهااا عاادم اتباااع اس ا ا ا ااتراتيجيااة متكاااملااة بصص ا ا ا ااوص التاادابير املتصااذة في إطااار
الحماية الاجتماعية ،ساواء تعلق ألامر بتحساين مؤشارات هذه ألاخيرة أو بمساتوى الاستهداف ،ألامر الذي
أدى إلى تراكم الخص ا اااص والهش ا اااش ا ااة لدى فئات واس ا ااعة من الس ا ااكان ،وقد زادت جائحة "كورونا" من
حدة هذه الهشاشة.
- 1املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،رأي حول "الحماية الاجتماعية باملغرب :واقع الحال و سبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة
الاجتماعية ،إحالة ذاتية رقم " ،8702/35ص.00 :
172
إن ماا يميز الحمااياة الاجتمااعياة هو اتس ا ا ا ااامهاا باالبطاابع الش ا ا ا اامولي واملتكامل ،فهي ال تقتص ا ا ا اار على تقنيات
التأمين الاجتماعي ،وقد أثبتت جائحة "كورونا" أهميتها خاصااة على املسااتوى الصااحي حين بدا أن ألافراد
ال يمكن لهم مقاومة آثار هذه الجائحة خاصاة الاجتماعية والصحية منها بمعزل عن وجود نيام متكامل
للحماية الاجتماعية ،وكلما كان هذا ألاخير ض ااعيفا كلما زادت معاناة املواطنين .وفي الوقت الراهن املتميز
بهيمنة الصا ا اراعات الجيوس ا ااياس ا ااية والتوترات الديبلوماس ا ااية على الس ا اااحة الدولية وما أحدثه ذلك من
تض ا ااخم على مس ا ااتوى الاقتص ا اااد العالمي وتأثيره على الواقع الاقتص ا ااادي والاجتماعي للدول القومية كما
هو الشااأن لبالدنا ،تبرز أهمية الحماية الاجتماعية بشااكل أكبر ،فاملواطن الذي يعاني من الارتفاع املهول
لألسااعار في املواد ألاساااسااية في حاجة ماسااة للدعم وإلاعانة من أجل مواجهة آثار ذلك التضااخم وتجاوز
هذه املرحلة الصعبة.
ومن ثم ،فإن أهمية هذا املوضوع تكمن باألساس في تحقيق أهداف مشروع الحماية الاجتماعية خاصة
الحد من الفقر ومكافحة الهش ا اااش ا ااة وتجويد الخدمات الص ا ااحية وإدماج الاقتص ا اااد غير املهيكل وتحقيق
التنمية املس ا ا ا ااتدامة والعدالة الاجتماعية والتماس ا ا ا ااك الاجتماعي ....وغيرها ،فالرهانات املنتيرة من هذا
املشروع البطموح كثيرة ومتنوعة تتبطلب مجهودات جبارة إلى جانب وجود إرادة سياسية ونفس طويل.
وانبطالقا من تلك ألاهمية تبرز إحدى إلاشااكاليات املرتببطة بهذا املوض ااوع تتمثل باألس اااس في تحديد أهم
الرهانات التي يسااعى مشااروع تعميم الحماية الاجتماعية إلى تحقيقها والتحديات التي يمكن أن تؤثر على
فعاااليااة هااذا البطموح املغربي املتميز .وبتعبير آخر ماااهي الرهااانااات التي يتوخاااهااا مش ا ا ا ااروع تعميم الحمااايااة
الاجتماعية باملغرب؟ وما هي التحديات التي يمكن أن تعترض تحقيق البطموح املغربي في هذا املجال؟
وبناء على هذه إلاشكالية سنعمل على تناول هذه الدراسة وفق التصميم التالي:
يبدو من خالل خبطاب امللك في 87يوليوز 8702بصص ا ا ااوص مش ا ا ااروع تعميم الحماية الاجتماعية وعدد
من الخبطوات التش ا ااريعية والس ا ااياس ا ااات العمومية وما تالها من تص ا ااريحات ونقاش ا ااات من قبل الحكومة
والهيئاات املعنياة باالحمااياة الاجتمااعياة بااملغرب ،أن الرهااناات املعلقاة على مش ا ا ا ااروع الحمااياة الاجتماعية
كثيرة ومتعددة ،غير أننا سانكتفي في هذه الدراسااة بتناول ثالثة رهانات أساااسااية ،بحيث ساانبدأ بدراسااة
رهاان التمااس ا ا ا ااك الاجتمااعي (املبطلاب ألاول) ،ثم ننتقال إلى معاالجة أهمية العدالة الاجتماعية كرهان رام
إلى تحقيق مجموعة من ألاهداف السا ا ااياسا ا ااية والاقتصا ا ااادية والاجتماعية (املبطلب الثاني) ،ونصتم بإبراز
173
دور التنمياة املس ا ا ا اتاداماة كرهاان آخر ملش ا ا ا ااروع الحمااياة الاجتمااعياة والدور الذي يلعبه في ترابط مع بايي
الرهانات املعنية بالحماية الاجتماعية (املبطلب الثالث).
يقص ااد بالتماس ااك الاجتماعي قوة الروابط الاجتماعية والحضا ااارية بين ألافراد ومكونات املجتمع وإثنياته
والانسا ا ااجام بين وحداته الاجتماعية ،فهو عامل أسا ا اااس ا ا ا ي لحماية املجتمع من الاضا ا اابطرابات الاجتماعية
ومياهر التفكك الثقافي والتمييز العنص ااري واملركزية الثقافية وإلاقص اااء .ومن ثم ،فإن وجود قيم ثقافة
في مجتمع ماا مقااوماة لإلقص ا ا ا اااء الاجتمااعي على س ا ا ا اابيال املثال ،يعد مؤش ا ا ا ارا على التماس ا ا ا ااك الاجتماعي،
يساااهم في تعزيز الانتماء إلى الجماعة وينمي كثيرا من القيم املشااتركة ،أهمها إلايمان باآلخر واحترام تميزه
الثقافي والاجتماعي في إطار فلساافة التعدد برعاية إلارادة السااياسااية إلى جانب وجود الحريات السااياسااية
والثقافية.1
ويرى مكتااب العماال الاادولي أنااه من الض ا ا ا ااروري أن يتوىى أي نيااام وطني متماااس ا ا ا ااك للحمااايااة الاجتماااعيااة
هاادفين وهمااا :توس ا ا ا اايع الاس ا ا ا ااتهااداف لتوفير حااد أدني من الحمااايااة الاجتماااعيااة لجميع النس ا ا ا اااء والرجااال
وألاطفال ،والثاني يتمثل في التعهد بتوفير مساتويات أعلى من ألامن ألكبر عدد ممكن من الساكان حسب
إمكانيات نمو الاقتصاد الوطني.2
فاملجتمع املتماسااك يعمل على تحقيق حياة أفض اال ألعضااائه ويكافح ض ااد ظاهرتي الاس ااتعباد والتهميش،
ويصلق الش ا ااعور باالنتماء ،ويدعو إلى الثقة ويتيح لألعض ا اااء فرص ا ااا للحراك الاجتماعي .فهو هدف قيم في
حاد ذاتاه ،يتحقق عنااد وجود س ا ا ا اياااس ا ا ا ااات متعاااونااة عنااد وض ا ا ا ااع خبطط الض ا ا ا ارائاب ،التوظيف ،الحماايااة
الاجتماعية ،الخدمة املدنية ،التعليم والهجرة ،وذلك لتفاعل السا ااياسا ااات في املجاالت املتعددة وتأثيراتها
على املصرجات الاجتماعية.3
وفي هاذا الص ا ا ا اادد ،عملات الادولاة املغربية منذ عقود على وض ا ا ا ااع برامج عدة ترتبط بالحماية الاجتماعية
بغرض تعزيز التماس ا ااك الاجتماعي ،كبرنامج تقديم الدعم املباش ا اار للنس ا اااء ألارامل في وض ا ااعية هش ا اااش ا ااة
الحاض ا ا اانات ألطفالهن اليتامى ،الذي تم وض ا ا ااعه س ا ا اانة ،8705حيث يتم منح ألارملة مبلغا ش ا ا ااهريا قدره
- 1رشيد أمشنوك" ،الحماية الاجتماعية :أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها" ،ضمن كتاب جماعي ،الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي
الجديد :مقاربات ودراسات نقدية مقارنة ،تنسيق ابراهيم بلوح ويونس املجدوبي ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،دجنبر ،8788
ص.05 :
- 2مكتب العمل الدولي" ،تبطوير أنيمة الحماية الاجتماعية املناسبة وحماية السكان في املنبطقة العربية" ،ورقة عمل ،املنتدى العربي
للتشغيل ،بيروت-لبنان ،أكتوبر ،8777ص :ص.2-0 :
- 3هدى مجاهد" ،التماسك الاجتماعي مفهوم مثير للجدل" ،املجلة الاجتماعية القومية(مصر) ،املجلد الرابع والخمسون ،العدد ألاول،
يناير ،8705ص.41 :
174
347درهما عن كل طفل يتيم ال يتجاوز عمره 80س اانة ،ش ااريبطة متابعته الدراس ااة أوالتكوين .وص ااندوق
التكافل الذي يمنح في حالة غياب ألاب أو إعس اااره ،تس اابيقا ،برس اام املبل املحدد للنفقة لفائدة ال ا ا ا ا اامرأة
املعوزة املبطلقة وأطفالها ،يسا ا ا اااوي املبل املصصا ا ا ااص في إطار برنامج الدعم املباشا ا ا اار لألرملة في وضا ا ا ااعية
هش ا اااش ا ااة على أال يتجاوز مبل 0747درهم لألس ا اارة الواحدة .وبرنامج تيس ا ااير الذي يقوم على التحويالت
املالية املش ااروطة ،املوجه لألس اار القاطنة بالجماعات ألاكثر فقرا ،والذي يرمي إلى مكافحة الهدر املدرس ا ي
ملدة عشا ا اارة أش ا ا ااهر من السا ا اانة ،يمنح للمس ا ا ااتفيدين من هذا البرنامج مبلغا ش ا ا ااهريا يتراوح بين 17و057
درهما حسا ا ا ااب املسا ا ا ااتويات الدراسا ا ا ااية شا ا ا ااريبطة مواظبة البطفل على متابعة الدروس وعدم التغيب عن
الدراس ا ا ااة أكثر من أربع مرات في الش ا ا ااهر .وبرامج أخرى ،كاملبادرة امللكية "مليون محفية" التي تسا ا ا ااتدف
مكاافحاة الهادر املادرس ا ا ا ا ي والتي تركز على العالم القروي الس ا ا ا اايما تالميذ الس ا ا ا االكين الابتدائي وإلاعدادي،
ناهيك عن تحسا ااين تمدرس ألاطفال في وضا ااعية إعاقة خاصا ااة في إطار اتفاقية ش ا اراكة مبرمة بين الدولة
والتعاون الدولي سنة .18704
وفي الواقع ،مكن اات برامج كثيرة في املغرب من إعبط اااء نت ااائج مهم ااة كبرن ااامج املب ااادرة الوطني ااة للتنميا ااة
البش ا ا ا ااريااة ،ونيااام املسا ا ا ا اااع اادة البطبيااة ،وبرامج تقليص الفوارق املاااليااة والاجتماااعيااة وخلق التضا ا ا ا ااامن
التعاضاادي ،حيث تمكنت هذه البرامج من تقليص نساابة الفقر والهشاااشااة وتعزيز التماسااك الاجتماعي،2
لكنها لم تكن كافية وقادرة على الحد من املصاطر الاقتصا ا ااادية والاجتماعية والصا ا ااحية ،خاصا ا ااة وسا ا ااط
الفئات ألاكثر هشاااشااة ،الساايما التي ال تتوفر على أية حماية اجتماعية .وقد برز ذلك بشااكل واضااح إبان
فترة تفشا ي جائحة "كورونا" مع بداية ساانة ،8787حيث خلف هذا الوباء أزمة اجتماعية وصااحية كبيرة
وطنيا ودوليا.3
غير أناه باالرغم من املجهودات املباذولاة من قبال الاادولاة املغربياة فيماا يصص تعزيز التمااس ا ا ا ااك الاجتماااعي
من خالل البرامج املصتلفااة الهاادفااة إلى خادمااة الرعاايااة الاجتماااعيااة ،إال أن نتااائج ذلااك تبقى ناااقص ا ا ا ااة وفي
حاااجااة ملزيااد من إلاجراءات التي من ش ا ا ا ااأنهااا الريي بمس ا ا ا ااتوى الحمااايااة الاجتماااعيااة على وجااه يس ا ا ا ااتجيااب
ملتبطلبات أفراد املجتمع وفق ما تقتضا ا اايه املعايير الدولية املعنية بذلك ،خاص ا ا ااة توجيهات منيمة العمل
الدولية بهذا الخصا ا ااوص ،فاملغرب وعدد من دول شا ا اامال إفريقيا والشا ا اارق ألاوسا ا ااط ال تزال متأخرة من
- 1محمد رحوتي " :نيام الحامية الاجتماعية باملغرب" ،مجلة استشراف للدراسات وألابحاث القانونية ،العدد ،00ص :ص.887-880 :
- 2على سبيل املثال ،ذكرت املندوبية السامية للتصبطيط أن الفقر النقدي باملغرب تقلص من نسبة 2.7باملائة سنة 8770إلى نسبة 5,2
باملائة سنة ، 8705وهي فترة فعل فيها برنامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،ملزيد من املعلومات يرجى الاطالع على هذه الوثيقة على
املوقع الرسمي ملنيمة "الاسكوا" على الرابط التالي ،www.unescwa.org/files/u593/tjrb_lmgrb_fy_qys_kht_lfqr_lwtny.pdf :تاريخ
الزيارة 03ماي .8783
- 3الجراري أحمد" ،تعميم الحماية الاجتماعية باملغرب بين جهود بذل العناية وصعوبة تحقيق الغاية" ،مجلة القانون الدستوري والعلوم
الادارية ،العدد السابع عشر ،املركز الديموقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ،املانيا/برلين ،نونبر ،8788 ،ص:
.054
175
حيث جودة برامج الحماية الاجتماعية .ألامر الذي يؤثر بش ااكل أو بآخر على التماس ااك الاجتماعي كما يؤثر
على جوانب أخرى.
إن الواقع الراهن يتبطلب بذل مزيد من الجهود لتعزيز ما تم تنزيله وما سا ا ا اايتم تنفيذه على أرض الواقع،
وذلك باعتماد تش ااخيص كامل ملكامن الض ااعف في املجال الاجتماعي وس اان س ااياس ااات عمومية قادرة على
إيجااد حلول لعجز الض ا ا ا اماان الاجتماعي الذي لم يتم معالجته ،إلى جانب العمل على تنمية روح املبادرة
الفرديااة لاادى كااافااة املواطنين الااذين أبااانوا عن قاادرات إبااداعيااة والااذين هم في حاااجااة إلى التحفيز املااادي
واملعنوي كي يجتهاادوا أكثر ،ويعملوا على ترجمااة إبااداعاااتهم وابتكاااراتهم على أرض الواقع بااالش ا ا ا اكاال الااذي
يعود بالنفع على الفرد والدولة واملجتمع.1
وعلى غرار برنامج "فرص ا ا ااة" الذي تم اعتماده مؤخرا ،من املهم أن تواص ا ا اال الدولة ومؤس ا ا اس ا ا اااتها املعنية
التفكير في برامج حكومية وس ا ا ا ااياس ا ا ا ااات عمومية أخرى أكثر جرأة وحماس ا ا ا ااة إليقاظ روح املبادرة الفردية
لدى حاملي املش اااريع الص ااغيرة واملتوس اابطة ،وتش ااجيع الش ااباب على بلورة أفكار وتص ااورات إبداعية مهنية
وحرفية وخدماتية من شأنها بلوغ مستوى الريادة على املستوين الوطني والدولي.2
إن دور الحماية الاجتماعية في دعم التماس ااك الاجتماعي أض ااحى أكثر أهمية من أي وقت مضا ا ى ،خاص ااة
مع ظاهرة الغالء املعيشا ي والتضااخم الذي تعرفه بالدنا ،لذلك فإنه من املهم أن تتدخل الدولة عبر ساان
برامج واتصااذ إجراءات عااجلاة ترمي إلى الحاد من معاناة املواطنين ،وذلك في أقص ا ا ا اار آلاجال املمكنة حتى
يمكن تفااادي إمكااانيااة تراجع مس ا ا ا ااتوى ألامن املجتمعي وتماااس ا ا ا اكااه ،ومن ثم فقاادان الس ا ا ا االم الاجتماااعي.
فاسااتمرار الوضااع على حاله من شااأنه أن يزيد من نساابة املغاربة املصاانفين ضاامن الفئات ألاكثر هشاااشااة
وفقرا ،ألامر الذي س ا اايزيد من ص ا ااعوبة توفير الحماية الاجتماعية في املس ا ااتقبل لهذا العدد املفترض فيهم
الحاجة إلى تدخل الدولة لحمايتهم اجتماعيا ،فكلما زاد عدد الذين هم في حاجة ماس ا ا ا ااة لتدخل الدولة
كلما تبطلب ذلك ميزانية أكبر ،وقد تعجز الدولة عن الاس ا ا ااتجابة لها في املس ا ا ااتقبل ،لذلك فإن التص ا ا اادي
للخبطر املحدق في هذا الوقت ستكون تكلفته أقل على جميع املستويات بما في ذلك التماسك الاجتماعي.
يقترح أحااد الباااحثين تعريفااا للعاادالااة الاجتماااعيااة على النحو التااالي" :العاادالااة الاجتماااعيااة هي تلااك الحااالااة
التي ينتفي فيها اليلم والاس ااتغالل والقهر والحرمان من الثروة أو الس االبطة أو من كليهما ،والتي يغيب فيها
- 1ياسين الهومات" ،مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب وسط تنامي املبطالب الحقوقية" ،مجلة قانونك ،العدد ،03املوسم الثالث ،يوليوز-
شتنبر ،8788ص.008 :
- 2املرجع نفسه.
176
الافاقار والاتاهاماياش وإلاقص ا ا ا ا ا اااء الاجاتام ا ااعاي ،وتنع ا اادم في ا ااه الفروق غير املقبول ا ااة اجتم ا اااعي ا ااا بين ألافراد
والجماعيات وألاقاليم داخل الدولة.1
إن تحقيق العدالة الاجتماعية رهان أس اااسا ا ي تروم الحماية الاجتماعية تحقيقه على مصتلف ألاص ااعدة،
وذلك حتى يتمتع الفرد بكامل حقوقه ،ويتحرر من أي مرجعية ثقافية وس ااياس ااية تقيد وجوده .ومن ثم،
فاإن الحمااياة الاجتمااعياة التي يتمثال دورهاا ألاس ا ا ا اااس ا ا ا ا ي في حماية الوجود إلانس ا ا ا اااني في أبعاده املصتلفة
الفكريااة والثقااافيااة واملاااديااة إلى جااانااب تحقيق التوازن الااذاتي والجماااعي ،في حاااجااة إلى مقاااربااة قااائمااة على
الديمقراطية التشاركية واتباع نموذج تنموي كفيل بتشييد متين ومستدام.2
وفي املغرب ،تعبر الوثاائق الرس ا ا ا اامية والتش ا ا ا ااريعات على رغبة الدولة في املض ا ا ا ا ي قدما بمش ا ا ا ااروع الحماية
الاجتماعية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية بش ااكل أكثر وض ااوحا ،حيث تناول الدس ااتور هذا املوض ااوع في
أكثر من مناساابة بدء من ديباجته ،إذ أكد على ضاارورة توطيد وتقوية املؤساسااات الحديثة وفق مرتكزات
التعددية والحكامة الجيدة وإرس اااء دعائم مجتمع متض ااامن يتمتع فيه الجميع باألمن والحرية واملس اااواة
والكراماة وتكاافؤ الفرص والعاادالاة الاجتماااعياة ومقوماات العيش الكريم .ولم يقف عنااد هااذا الحاد ،باال
زاد وفصال في ضارورة تمتع املواطن املغربي بحقه في الحماية الاجتماعية والاقتصاادية من خالل الفصل
الثاني الثالثين ،ودافع عن مشا ا ا اااركة الشا ا ا ااباب في التنمية الاقتصا ا ا ااادية والاجتماعية من خالل الفصا ا ا اال
الثالث والثالثين ،وعن حق امللكية وتحقيق تنمية بش اارية من ش ااأنها تعزيز العدالة الاجتماعية من خالل
الفصا ا اال الخامس والثالثين مع تأكيده على عدم السا ا ااماح بتنازع املصا ا ااالح أو إلاخالل بالتنافس النزيه في
الفص ا ا ا اال الس ا ا ا ااادس و الثالثين مناه ،بينماا جمع ثلاة من الحقوق الاقتص ا ا ا ااادياة والاجتمااعية في الفص ا ا ا اال
الواحاد والثالثين ومنهاا على الخص ا ا ا ااوص التاأكياد على الحق في الحمااياة الاجتمااعياة والتغبطياة الص ا ا ا ااحية
والعنااايااة البطبي اة والاادعم في الحص ا ا ا ااول على التش ا ا ا ااغياال وعاادد من الحقوق ألاخرى التي تاادخاال في مجااال
تحقيق العدالة الاجتماعية.
إن تحقيق العاادالااة الاجتماااعيااة باااملغرب يفرض على الاادولااة اتصاااذ مجموعااة من الخبطوات وإلاجراءات،
وتغيير بعض الس ااياس ااات والبرامج .فعلى س اابل املثال ،هناك حاجة ملكافحة الفس اااد والعمل على تحقيق
الش ا اافافية وتجاوز س ا ااياس ا ااات قديمة كانت تعتمد من الريع مبدأ في الاقتص ا اااد الوطني ،فالفس ا اااد يكلف
الدولة واملجتمع ثمنا غاليا .إذ أن غياب الش اافافية يؤدي إلى تفش ا ي الريع ،بحيث تصس اار بالدنا نقبطة من
- 1إبراهيم العيسوي ،العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها ،البطبعة ألاولى ،املركز العربي لألبحاث
ودراسة السياسات ،الدوحة-قبطر ،أبريل ،8705ص :ص.71-74 :
- 2رشيد أمشنوك ،مرجع سابق ،ص.01 :
177
الناتج إلاجمالي الخام أي حوالي 277ألف منصاب شاغل بساابب الفسااد وتصساار حولي 8مليار دوالر ،وهو
ما يساهم في بناء العديد من املؤسسات واملدارس 1.
وعلى مساتوى ساوق الشاغل ،البد من مراجعة ظروف العمال واملستصدمين ،خاصة في القبطاع الخاص،
ويأتي في مقدمة ما ينبغي مراجعته هو معدل ألاجور الذي يتقاضااه مساتصدمي القاع الخاص ،إذ يالحظ
تذمر كبير بين صاافوف املغاربة النشاايبطين فيما يصص مسااتوى ألاجور التي يتقاضااونها كمقابل لخدماتهم
والتي غالبا ما تكون دون املستوى وفق ما تقتضيه املعايير الدولية خاصة وسط إلاناث.
وفي هذا الص اادد ،تش ااير تقارير منيمة العمل الدولية بأن النمو في ألاجور كان أقل من النمو في إلانتاجية
في كل 0من 07دول متاح عنها بيانات ما بين ساانة 0772و .8707وزادت إلانتاجية املتوساابطة في العمل
في الاقتصاااديات املتقدمة بما يزيد قليال عن 07في املائة ،أي أكثر من ضااعف الزيادة في متوسااط ألاجور
خالل الفترة ما بين س ا اانتي 0777و .8700وثمة نموذج مماثل في 01دولة ص ا اااعدة ونامية من أص ا اال 80
دولااة تااابعاات منيمااة العماال الاادوليااة أوض ا ا ا اااعهااا .وبينمااا تراجع متوس ا ا ا ااط ألاجر الحقيقي في مجموعااة من
الدول بشمال إفريقيا والشرق ألاوسط بنسبة 4.1في املائة خالل الفترة ما بين سنتي .2 8700- 8777
ومن املهم تبطوير إلامكانيات املحلية والاسااتفادة من ألانيمة ألاجنبية التي تعرف نجاحات كما هو الشااأن
بالنسا اابة للدول الاسا ااكندنافية على سا اابيل املثال ،يسا ااعى نيام الرفاه الاجتماعي في الدول الاسا ااكندنافية
للتقليال من هاامش الفاارق بين طبقاات املجتمع عن طريق توزيع الادخال والوص ا ا ا ااول إلى درجة معنية من
العدالة الاجتماعية ويتم تحقيق ذلك من خالل ثالثة طرق و هي :إعادة التوزيع العمودي القائم أس ا اااس
أنيمة الضرائب (من ألاغنياء إلى الفقراء) ،وإعادة التوزيع ألافقي القائم على أساس دورة حياة إلانسان
( التقاااعااد ،مصص ا ا ا اص ا ا ا ااات ألاطفااال ،مصص ا ا ا اص ا ا ا ااات ألابوة ،)...ثم إعااادة التوزيع على أس ا ا ا اااس املصاااطر
(مصص اص ااات الض اامان الص ااحي وحوادث العمل و تعويض ااات الببطالة) .مع انبطواء هذه ألاخيرة على درجة
معينااة من التوزيع العمودي ،ألن مص اااطر املرض وحوادث الش ا ا ا اغاال والببط ااالااة تكون عااادة واس ا ا ا اعااة بين
ألاوساط الفقيرة من السكان ،لكن توجه أي سياسة إلعادة التوزيع إلى الفئات املحتاجة.3
يمكن للدولة املغربية تحقيق رهان العدالة الاجتماعية إذا ما قامت باتباع س ااياس ااات فعالة فيما يصص
تعزيز الحمااايااة الاجتماااعيااة ،فااالحااد من الفقر وتوفير الرعااايااة الص ا ا ا ااحيااة وتقااديم املسا ا ا ا اااعاادات الاادائمااة
للمعوزين من الفئات ألاكثر هش اااش ااة إلى جانب الدعم املدرس ا ي والتعويض عن الببطالة ...إلخ ،يمكن أن
- 1محمد رحوتي" ،البرنامج املندمج لدعم وتمويل املقاوالت في أفق النموذج التنموي الجديد" ،مجلة الخزامى للدراسات القانونية
والاجتماعية ،عدد مزدوج الرابع والخامس ،8787 ،ص.828 :
- 2ابراهيم العيسوي ،مرجع سابق ، ،ص.20 :
- 3هادي حسن" ،النموذج الاجتماعي الديموقراطي :دراسة مقارنة بين السويد و النرويج والدنمارك وفلندا" ،ضمن مؤلف جماعي ،أحمد
السيد النجار و آخرون ،دولة الرفاهية الاجتماعية ،بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نيمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون
مع املعهد السويدي باإلسكندرية ،البطبعة الاولى ،بيروت ،شتنبر ،8771ص.852 :
178
تحقق حادا أدنى من العاادالااة الاجتماااعيااة حس ا ا ا اب املعاايير الادوليااة املعنياة ،حيااث أناه كلمااا كاااناات هنااالااك
حماية اجتماعية قوية ،كلما تم الريي بمستوى العدالة الاجتماعية ،فهما في عالقة اطراد دائم.
من بين الرهااانااات ألاخرى التي تهاادف إليهااا الحمااايااة الاجتماااعيااة هي التفكير التنموي املس ا ا ا اتاادام ،بحيااث
تس ا ا ا ااتفياد ألاجياال الحاااض ا ا ا اارة من الخيرات املتااحااة والزياادة منهااا ،دون أن يتعادى ذلاك املس ا ا ا اااس بحقوق
ألاجيال املقبلة لكي ال يصتل التوازن إلايكولوجي والاجتماعي والاقتصاادي ،فالتنمية املستدامة تقوم على
ثالث ركااائز وهي :الركيزة الاجتماااعياة ،والركيزة الاقتص ا ا ا اااديااة والركيزة البيئيااة ،بحيااث ينتير منهااا أن تحرر
إلانسا ا ااان من الحاجة والفقر والعوز ،وتوفر له مصا ا اادر عيشا ا ااه وعمال يسا ا ااعده ويريحه ،إلى جانب حماية
البيئة والحفاظ على توازنها.1
فاالحمااياة الاجتمااعياة تس ا ا ا اااهم ببطريقاة فعاالة في تحقيق التنمية املس ا ا ا ااتدامة ،في مقابل ذلك تلعب هذه
ألاخيرة دورا مهماا في الريي بمس ا ا ا ااتوى الحمااياة الاجتمااعياة .فاالعالقاة بينهماا عالقاة تاأثير وتاأثر بحياث كلمااا
كانت هناك حماية اجتماعية قوية إال وساهمت بفعالية كبيرة في املض ي قدما في تحقيق أهداف التنمية
املستدامة.
إن أهمية الحماية الاجتماعية ودورها املهم في تحقيق التنمية املستدامة دفع باألمين العام ملنيمة ألامم
املتحدة إلى إدراجها في التقرير التجميعي املقدم بشا ااأن خبطة التنمية ملا بعد سا اانة 8704ضا اامن الثغرات
الرئيس ا ااية في التنمية املس ا ااتدامة التي لم تركز عليها ألاهداف إلانمائية لأللفية ،والدول ألاعض ا اااء مبطالبة
بالعمل على س ا اادها .وقد دعا التقرير ص ا اراحة إلى وض ا ااع حد أدنى للحماية الاجتماعية كأس ا اااس ال محيد
عنه في معالجة إلاقصاء.2
تعتبر منيمة العمل الدولية أن الحماية الاجتماعية ش ا ا اارط مس ا ا اابق من أجل تنمية مس ا ا ااتدامة ومواجهة
آلاثااار الناااجمااة عن العوملااة ،خاااص ا ا ا ااة في س ا ا ا اياااق ارتفاااع مس ا ا ا ااتويااات الفقر وانعاادام املس ا ا ا اااواة والتهميش
الاجتماعي في العديد من البلدان ،العائد إلى تصا اااعد معدالت الببطالة سا ااواء بشا ااكل كلي أو جزئي وزيادة
مروناة أس ا ا ا ااواق العمل وإلغاء الض ا ا ا ااوابط فيها .وقد أثبتت التجارب في عدد من الدول فعالية التحويالت
الاجتماعية والوصول الفعال إلى الرعاية الصحية كشكل من أشكال تصحيح الوضع.3
179
وفي املغرب ،كان للتنمية املساتدامة حيزا واسااعا ضامن مشااروع تعميم الحماية الاجتماعية ،وبرز ذلك في
كثير من البرامج وألاورا وتكرس ا ا ا اات في القااانون إلاطااار رقم 80.77املتعلق بااالحمااايااة الاجتماااعيااة ،حيااث
أكد هذا ألاخير على ضا اارورة العمل من أجل غايات أسا اااسا ااية ،وهي الحماية من مصاطر املرض ،واملصاطر
املرتببطاة باالبطفولاة واملصااطر املتعلقاة بالش ا ا ا اايصوخة ومصاطر فقدان الش ا ا ا ااغل .1هذه الغيات الكبرى التي
يس ا ا ا ااتهدفها مش ا ا ا ااروع الحماية الاجتماعية باملغرب تراهن على بلوغ التنمية املس ا ا ا ااتدامة إلى جانب رهانات
أخرى ،فالصا ا ااحة الجيدة تعني مجتمع صا ا ااحي قادر على العمل والنشا ا اااط ،وهو اسا ا ااتثمار اسا ا ااتراتيجي من
شااأنه أن يؤثر بإيجابية على التنمية املسااتدامة ،كما أن حماية ألاطفال ودعمهم ملواصاالة تعليمهم ينتير
منه نتائج مهمة في مجال التعليم في بالدنا كما وكيفا ،وهو ما س ا ا اايؤثر على تحس ا ا ااين املس ا ا ااتوى املعيشا ا ا ا ي
للمجتمع ككاال ويحاد من الفقر ويش ا ا ا ااجع على تبني ثقااافااة اس ا ا ا ااتهالكيااة وإنتاااجيااة تحترم ش ا ا ا ااروط التنميااة
املس ا ااتدامة .كما أن املصاطر املتعلقة بالش ا اايصوخة خبطوة مهمة من ش ا ااأنها أن تحمي عددا كبيرا من كبار
الس ا اان الذين لم تعد لهم القدرة على العمل .ومن ثم ،يكون املجتمع املغربي محص ا اانا ض ا ااد ظواهر كثيرة
من قبيل التسا ااول وتشا اارد الفئات الهشا ااة وغيرها من اليواهر التي تنتج عن التهميش والحاجة ،فتحفظ
بذلك كرامة هؤالء من جهة ،وتصلق أجواء نفس ااية واجتماعية تس ااود فيها البطمأنينة من جهة ثانية .وكل
هذه ألاهداف تضمنتها خبطة التنمية املستدامة التي وضعتها منيمة ألامم املتحدة لعام .28737
ومن جهة أخرى ،يس ا ا ا ااعى مش ا ا ا ااروع تعميم الحماية الاجتماعية كذلك إلى دعم العالم القروي وتش ا ا ا ااجيع
الفالحين على مواصا ا ا االة إلانتاج بشا ا ا ااكل أكثر انسا ا ا ااجاما مع أهداف التنمية املسا ا ا ااتدامة ،ألامر الذي يعزز
الاقتصا اااد ألاخضا اار .وهو ما دعا إليه تقرير النموذج التنموي ،فتوفر الحماية الاجتماعية لسا ااكان العالم
القروي من خالل تقا ااديم خا اادما ااات ص ا ا ا ااحيا ااة ذات جودة ،وتحفيز الفالحين من أجا اال إلانتا اااج الزراعي
املس ا ا ا اتادام مع ض ا ا ا اارورة إنش ا ا ا اااء الحاد ألادنى من البنياة التحتية إلى جانب تقديم التكوين والتوجيه ،من
شااأنه أن يؤثر بشااكل إيجابي ويوجه الفالحين على تنفيذ مصبطبطات إنتاج زراعي وفالحي مسااتدامين .ومن
ثم ،س ا ا ا اايكون من املهم أن تعمال الادولاة على تبطوير برامج الحمااية الاجتماعية وتبذل مزيدا من الجهود،
وتقاادم مزياادا من التحفيزات في هااذا إلاطااار حتى تس ا ا ا اااعااد أكثر على تنويع وتعزيز إنتاااج فالحي مس ا ا ا اتاادام
انسجاما مع أهداف استراتيجية "الجيل ألاخضر.3" 8737-8787
180
ومن املهم إلاشا ا ا ا ااارة إلى أن الاادولااة املغربي ااة قاااماات بمجهودات كبيرة فيمااا يصص العماال على تحقيق
التنميااة املس ا ا ا اتاادامااة وتعزيز الحمااايااة الاجتماااعيااة ،وراهناات على هااذه ألاخيرة كوس ا ا ا اايلااة لتحقيق أهااداف
ألالفي ااة ،غير أن النت ااائج املحقق ااة على أرض الواقع ال تواك ااب طموح ااات البالد .ولع اال أح ااد ألاس ا ا ا اب اااب
الرئيسااية في ذلك تعزى إلى فشاال النموذج التنموي املعترف به ص اراحة من أعلى ساالبطة في البالد .1ومن
ثم ،فإن املغرب في حاجة إلى نموذج تنموي ينصرط فيه الكل ،وتكون عوائده شاملة للجميع في إطار نوع
من التوازن في توزيع املوارد والتضامن وتعزيز حس الانتماء ،يكون املواطن هو محوره ألاساس ي.
إن تااأكيااد امللااك على ض ا ا ا اارورة تعميم الحمااايااة الاجتماااعيااة باااملغرب والحماااس الااذي عبرت عنااه الحكومااة
بش ا ا ا ااأن ذلاك أمر يس ا ا ا ااتحق التنوياه ،فاالتعبير على مثال هاذا البطموح يبعث بإش ا ا ا ااارات إيجابية في مصتلف
الاتجاهات ،إذ س ا اايعود هذا املش ا ااروع الكبير بالنفع على مصتلف ألاطراف باملجتمع ،غير أن هذا البطموح
من شأنه أن يصبطدم بواقع يكبح من سرعة إنجازه وقد يحد من بلوغ نتائجه املسبطرة .بحيث يمكن أن
تحد عوامل س ا ااياس ا ااية وعملية من كس ا ااب الرهانات (املبطلب ألاول) ،كما أن املوارد املالية يمكن أن تؤثر
على مسار ومصير هذه الرهانات أيضا (املبطلب الثاني).
من التحااديااات التي تقف كعااائق في طريق تعميم الحمااايااة الاجتماااعيااة في املغرب ودول ش ا ا ا امااال إفريقيااا
والشا ا ا اارق ألاوس ا ا ا ااط بشا ا ا ااكل عام عدم تبطوير أنيمة وطنية متماس ا ا ا ااكة للضا ا ا اامان الاجتماعي راس ا ا ا ااخة في
الس ا ااياس ا ااات الاقتص ا ااادية والاجتماعية ألاوس ا ااع ،إذ تقتض ا ا ي س ا ااياس ا ااة الحماية الاجتماعية وجود مقاربة
منس ا ا ا اقاة وش ا ا ا اااملاة تراعي درجاة تعقيااد وتاداخال الس ا ا ا ايااس ا ا ا ااات الاجتمااعياة .ولكي يحقق نياام الض ا ا ا امااان
الاجتماعي فعالية أكثر يفض ا ا ا اال أن تتبع مقاربة تجمع بين مصتلف أنواع البرامج واملجموعات املس ا ا ا ااتهدفة
وأنماط تقديم إلاعانات ضا ا ا اامن إطار سا ا ا ااياس ا ا ا ا ي مشا ا ا ااترك مع الحرص على تعزيز التنسا ا ا اايق والتكامل بين
مصتلف عنااص ا ا ا اار نياام الض ا ا ا اامان الاجتماعي الوطني ،وتتس ا ا ا اام هذه املقاربة باملرونة الكافية وتس ا ا ا ااتوعب
إلاعااناات املقادماة من الجهاات الخااص ا ا ا ااة تحاات مس ا ا ا ااؤولياة الادولاة .فال تفرض املعاايير الادولياة للض ا ا ا امااان
الاجتماعي ضا اارورة تولي الدولة مسا ااؤولية توفير الضا اامان الاجتماعي .ولكن في مقابل ،تصا اار على أن يكون
للدولة دورا فعاال أقله تحديد إطار السا ا ااياسا ا ااة وإلاش ا ا اراف على خدمات الضا ا اامان الاجتماعي التي تقدمه
جهات أخرى.2
- 1خبطاب امللك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العر ،بتاريخ 87يوليوز .8707
- 2مكتب العمل الدولي ،مرجع سابق ، ،ص.0 :
181
ومن هاذا املنبطلق ،ينبغي على الادولاة املغربياة نهج س ا ا ا ايااس ا ا ا ااات بديلة ،واتصاذ قرارات أكثر جرأة لتحقيق
مش ا ا ا ااروع تعميم الحمااياة الاجتمااعياة تهادف إلى إعادة النير في منيومة الحماية الاجتماعية الحالية من
خالل تجديد هيكلة املؤس ا اسا ااات املعنية وتوحيد ما يمكن توحيده ،ومن ثم التأسا اايس اللتقائية برامجها
وتوسيع قاعدة الفئات املستفيدة منها.
فااملغرب مبطاالاب بتوفير نياام منادمج ومتنااس ا ا ا ااق للحماية الاجتماعية يص ا ا ا اابو إلى إحقاق الحماية للفئات
الهش ااة وفق مبادئ العدل ،والفعالية ،وإلانص اااف والش اافافية .ولتحقيق ذلك ،ينبغي على بالدنا مراجعة
هذه املنيومة الحالية وتقييم مدة نجاعتها وفعاليتها وقدرتها على إحداث ألاثر املتوىى منها ،خاصا ا ااة على
الش ا ا ا ارائح الاجتمااعياة التي تعاني الفقر والهش ا ا ا اااش ا ا ا ااة ،حتى تتمكن من تثمين املكتس ا ا ا اابات والوقوف على
الاختالالت إلصالحها ،وتوسيع نبطاق التغبطية والرفع من جودة حكامتها.1
فرغم كون مصتلف التش ااخيص ااات تؤكد على أن الس االبطات العمومية املعنية بالحماية الاجتماعية بذلت
خالل آلاونة ألاخيرة جهودا كبيرة من أجل مكافحة الهشا ا اااشا ا ااة الاقتصا ا ااادية والاجتماعية ،حيث أرسا ا اات
بشكل تدريجي منيومة متنوعة للحماية الاجتماعية من املصاطر الاقتصادية والاجتماعية ،إال أنها التزال
تفتقر إلى وجود رؤية ش ا اااملة وموحدة تتض ا اامن أهدافا وأولويات واض ا ااحة ،وتوزيعا لألدوار واملس ا ااؤوليات
بين مصتلف املتدخلين ،ألامر الذي يجعل نيام الحماية الاجتماعية يتميز بالتش ا ا ا ااتت املفرط .فالعناص ا ا ا ار
املتعددة املكونة له ،تم تص ا ااميمها وإرس ا ااائها عبر مراحل وفي ظروف خاص ا ااة لتوفير الاحتياجات الخاص ا ااة
لفئات معينة من السا ا اااكنة دون رؤية شا ا اااملة ،ودون إلاملام بآثارها املتقاطعة .ويؤدي تعدد املتدخلين في
هذا النيام وضاعف التنسايق فيما بينهم في بعض ألاحيان ،إلى تداخل البرامج وارتفاع كلفتها مع صااعوبة
تحديد املسا ااؤوليات .ناهيك عن اتسا ااام هذا املجال بغياب منيومة مندمجة للتتبع والتقييم ،ألامر الذي
يؤدي إلى فقر املعلوماات حول النفقاات الحقيقياة في هاذا املجال واملس ا ا ا ااتفيدين فعليا وأثرها على ظروف
عيشهم .2
كما أن إعداد الاس ااتراتيجيات ومش اااريع الاص ااالحات بص اافة معزولة دون مقاربة مندمجة وإدماجية ،يؤثر
سا البا على تقاس اام الوس ااائل والجهود ،ألامر الذي ينبطبق على القانون الاطار املتعلق بالحماية الاجتماعية
في بعدين أساسيين على ألاقل وهما :.3
-بعاد يرتبط بماادى اعتماااد املقااارباة إلادمااجيااة في بلورة القااانون إلاطااار ،وبااالتاالي تكااثف الجهود
في تنزيله؛
- 1محمد رحوتي ،نيام الحماية الاجتماعية في املغرب في أفق التعميم" ،مرجع سابق ،ص.832 :
- 2املرجع نفسه.
- 3عبد املنعم ألانصاري" ،قراءة في القانون إلاطار 80.77املتعلق بالحماية الاجتماعية" ،ضمن مؤلف جماعي ،الحماية الاجتماعية والنموذج
التنموي الجديد :مقاربات ودراسات نقدية مقارنة ،مرجع سابق ،ص :ص.30-31 :
182
-بعااد يتعلق بماادى اعتبااار مبااادئ وأهااداف وتاادابير القااانون إلاطااار املرتبط بااالحمااايااة الاجتماااعيااة
عنااد بلورة الاس ا ا ا ااتراتيجيااات واملصبطبطااات بااالرغم من املجهودات التي تقوم بهااا الاادولااة املغربيااة
بش ااأن توس اايع الاس ااتفادة من الحماية الاجتماعية خاص ااة املوجهة للبطبقات الاجتماعية ألاكثر
فقرا ،إال أنها تساقط أحيانا في أخبطاء تتعلق بتحديد ألايااخاص ألاكثر حاجة لهذه الخدمات،
إذ يحادث في بعض ألاحياان أن يس ا ا ا ااتفيااد من هاذه الخادماات أفراد في غنى عنهاا مقاابال حرمااان
آخرين في املجتمع هم في حاجة ماسة إليها.
كما أن الحوار مع الفرقاء املعنيين ييل مسا ا ا ااألة ضا ا ا اارورية للدفع بهذه املنيومة نحو ألافضا ا ا اال عبر إقرار
سياسات تعتمد التوافق بين مصتلف وجهات النير حتى تتمكن الدولة من صياغة مشروعها على أسس
أكثر موضوعية وديموقراطية لكي يحقق أكبر نسبة من الشرعية في املجتمع.
من تحديات نيام الحماية الاجتماعية باملغرب أيضاا ،عدم اساتكمال الدولة املغربية التوقيع واملصادقة
على بعض الاتفاقيات الدولية املتعلقة بذلك ،إذ لم توقع بعد على معايير منيمة العمل الدولية بش ا ا ااأن
الحماية الاجتماعية في مجال التش ااغيل ،الساايما الاتفاقية )0748( 078املتعلقة باملعايير الدنيا للض اامان
الاجتماعي التي تنص ضا اامن فروعها التسا ااعة على توفير إعانة للببطالة ،والاتفاقية رقم 012سا اانة 0772
بش ااأن النهوض بالعمالة والحماية من الببطالة .كما أن الس ااياس ااات العمومية ال تراعي ض اارورة الانس ااجام
مع توص ااية منيمة العمل الدولية رقم 10لس اانة 0755بش ااأن تأمين الدخل والتوص ااية رقم 001لس اانة
0722املتعلقة بالنهوض بالعمالة والحماية من الببطالة.1
إذن ،يمكن القول إن ض اارورة مراجعة بعض الس ااياس ااات والبرامج في اتجاه وض ااع س ااياس ااية ش اامولية فيها
أقصا ى ما يمكن من الانسجام والالتقائية في البرامج ،البد منها من أجل تجاوز تحديات مشروع الحماية
الاجتماعية ،وتحقيق رهاناتها خاصة ما يرتبط بالتنمية املستدامة.
إن التذرع بنقص املوارد املالية فيما يتعلق بتوفير الحد ألادنى من الحماية الاجتماعية ،لم يعد مرفوضااا
فقط على املسا ا ا ااتوى الداخلي حيث أصا ا ا اابح املواطنون أكثر الحاحا على توفير الرعاية الاجتماعية ،بل إن
مصرجات عدد من املواثيق والعهود الدولية تحث على ذلك وتدعو باستمرار إلى تنفيذ سياسة اجتماعية
تض اامن كرامة املواطنين بحس اان نية .فعلى س اابيل املثال ،ترى اللجنة الاقتص ااادية والاجتماعية والثقافية
الت ااابع ااة لألمم املتح اادة على أن ااه" ...يقع على ع اااتق ك اال دول ااة من ال اادول ألاطراف ح اادا أدنى من الالتزام
ألاساااس ا ي بضاامان الوفاء ،على أقل تقدير ،باملسااتويات ألاساااس ااية الدنيا لكل حق من الحقوق .ومن ثم،
فإن الدولة البطرف التي يحرم فيها أي عدد هام من ألافراد من املواد الغذائية ألاساااسااية ،أو من الرعاية
183
الصاحية ألاولية ألاسااساية ،أو من املأوى واملساكن ألاسااسيين ،أو من أشكال التعليم ألاساسية ،تعتبر،
باداهاة ،متصلفاة عن الوفااء باالتزامااتهاا بمقتض ا ا ا ا ى العهاد ،فاإذا قرئ العهاد على نحو ال يحادد هذا الالتزام
ألاساااسا ي ألادنى ،يكون قد جرد إلى حد كبير من ساابب وجوده" 1بل أكثر من ذلك ،انتبهت هذه اللجنة إلى
إقدام بعض الدول ألاطراف في الاتفاقية على بعض التراجعات عن الالتزامات التي تعتبر مكسبا بالنسبة
ملواطنيها لهذا نبهت إلى ذلك.
والتزال الس ااياس ااات املتبعة من قبل الدولة املغربية فيما يصص هذا املوض ااوع ،لم تبل بعد الحد ألادنى
من املستويات املبطلوبة خاصة على مستوى التمويل ،إذ أن إلانفاق في هذا املجال لم يبل املبطلوب بعد.
فاالحمااايااة الاجتمااعيااة ال ينبغي اعتبااارهاا نوعااا من التعااطف والكرم وإلاحس ا ا ا ااان ،باال هي حق لكاال فرد في
املجتمع ،ومن واجب الدولة إعماله وتجاوز املبرر القائم على اعتبار محدودية املوارد الاقتص ااادية عقبة،
باال يتعين عليهااا الانبطالق من ذلااك كمحفز إض ا ا ا ااافي لتبطوير الحمااايااة الاجتماااعيااة بوص ا ا ا اافهااا أداة لتقليص
املصاطر الاجتماعية ،وعامال مس ا ا اااهما في تعزيز التماس ا ا ااك الاجتماعي ،وآلية إلعادة توزيع املوارد ،ورافعة
لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
إن تبرير عادم الالتزام الكاامال بتوفير ش ا ا ا ااروط تحقيق حمااياة اجتمااعياة جيدة بض ا ا ا ااعف إلامكانات املالية
ليس ص ا ا ا ااحيحاا دائماا .فعلى س ا ا ا اابياال املثاال ،وفقاا ملقااارناة قاامات بهااا منيماة العمال الاادولياة حول إمكاانيااة
تبطبيق أرض ا ا ا اياات الحمااياة الاجتمااعياة في البلادان ذات الادخل املنصفض أو املتوس ا ا ا ااط ،تبين أنه بإمكان
املغرب من خالل اقتبطاع نسا اابة 8.5في املائة من ناتجه الداخلي الخام ،توفير تعويضا ااات تصا اال إلى 077
في املااائااة من عتبااة الفقر لفااائاادة أطفااال ألاس ا ا ا اار املعوزة ،و 47في املااائااة من الحااد ألادنى لألجور لفااائاادة
ألايااخاص في وضااعية فقر البالغين 14ساانة فما فوق ،وإعالة عن الببطالة بنساابة 07في املائة من الحد
ألادنى لألجور لفائدة ياخص واحد لكل أسرة في وضعية هشاشة ملدة 077يوم في السنة ،وإعانة تصل
إلى 077في املااائااة من عتبااة الفقر لفااائاادة جميع ألاي ا ا ا اخاااص ذوي إلاعاااقااات العميقااة ،وتعويض ا ا ا ااا يعااادل
أربعة أش ا ااهر من نس ا اابة 077من الحد ألادنى لألجور لفائدة جميع أمهات ألاطفال حديثي الوالدة .وهو ما
سيحقق للمغرب خمسة أهداف من ألاهداف السبعة عشر للتنمية املستدامة .2
إن وضااع برنامج مصاامم التنييم لضاامان الحد ألادنى من الحماية الاجتماعية أقل تكلفة من غياب هذه
ألاخيرة ،باالنير إلى تبعات الفقر والض ا ا ا ااعف ،والانحالل الاجتماعي ،وتدني مس ا ا ا ااتوى التحص ا ا ا اايل العلمي،
وفقادان ألاص ا ا ا ااول وآلاثاار ذات الص ا ا ا الاة في القادرات إلانتااجياة ،بال يمكن لهاذه البرامج أن تغبطي تكاليفها
- 1التعليق رقم ،3الفقرة 07للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة ملنيمة ألامم املتحدة.
- 2املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،مرجع سابق ،ص :ص.01-04 :
184
بنفس ا ا ا اهااا على املاادى البطوياال عن طريق تعزيز إنتاااجيااة القوة العاااملااة وقاادرة التكيف مع املجتمع ،وزيااادة
إيرادات الضرائب التي تضيع في العادة نيرا لعدم كفاءة التحصيل .1
وقد اقترحت منيمة العمل الدولية مجموعة من الخيارات لتمويل س ا ا ااياس ا ا ااات الحماية الاجتماعية منها
إعادة ترتيب اولويات النفقات العامة ،وزيادة إلايرادات الض ا ااريبية ،وتوس ا اايع نبطاق اش ا ااتراكات الض ا اامان
الاجتمااعي ،والاقتراض أو إعاادة الاديون القاائماة ،والحد من التدفقات املالية غير املش ا ا ا ااروعة ،والاعتماد
على املس ا ا ا اااعاادة إلانمااائيااة الرس ا ا ا ااميااة والتحويالت املاااليااة ،واس ا ا ا ااتصاادام الاحتياااطي املااالي واحتياااطي النقاد
الاجنبي في املصرف املركزي ،واعتماد أطر أكثر مرونة في الاقتصاد الكلي.2
كما أن اسا ااتفادة الدولة املغربية من تجارب بعض الدول من شا ااأنه أن يؤثر بشا ااكل إيجابي على منيومة
الحماية الاجتماعية ببالدنا نحو ألافض ا ا اال .فعلى س ا ا اابيل املثال ،تبين التجارب من مصتلف انحاء العالم،
أن البلدان التي دمجت تدابير الحماية الاجتماعية ض اامن اس ااتراتيجيات التنمية الاجتماعية الاقتصا ااادية
ألاوس ا ا ا ااع نبطااقاا ،هي التي نجحات في الحاد من الفقر وبنااء التمااس ا ا ا ااك الاجتماعي ،بينما لم تحقق البلدان
التي اعتمدت التدخالت نفس الفعالية في هذا املجال.3
إن الاس ااتمرار في نفس النهج فيما يصص طرق تدبير املوارد املالية الخاص ااة بالحماية الاجتماعية ال يمكن
أن يحقق رهااانااات الاادولااة املغربيااة في ذلااك .وبااالتااالي ،فااإن البحااث عن التموياال يمثاال تحااديااا حقيقااا أمااام
الساياسااات الاجتماعية باملغرب ،ألامر الذي يترتب على الدولة اتصاذ إجراءات وقرارات اسااتراتيجية تمكن
من استدامة تمويل هذا الور الكبير على وجه يضمن تحقيق الرهانات املنتيرة منه.
خاتمة
يبدو من خالل ما ساابق ،أن رهانات مشااروع الحماية الاجتماعية في املغرب كثيرة ،إذ تهدف باألساااس إلى
تحقيق التماس ا ااك الاجتماعي وتعزيز الس ا االم الاجتماعي والاس ا ااتقرار الس ا ااياس ا ا ي ،ألامر الذي يفس ا ااح املجال
لبروز مناخ جيد لألعمال وتنش ا ا اايط الاقتص ا ا اااد القومي بش ا ا ااكل أفض ا ا اال ،كما تس ا ا ااعى إلى تحقيق العدالة
الاجتماااعيااة من خالل إعااادة النير في توزيع ثمااار النمو س ا ا ا ااواء بين ألافراد أو بين الجهااات .فمسا ا ا ا اااهمااة
الحمااايااة الاجتماااعيااة في تحقيق العاادالااة الاجتماااعيااة مبني على ماادى توظيف س ا ا ا اياااس ا ا ا ااات اقتص ا ا ا اااديااة
واجتماعية فعالة تجاه املواطنين الساايما إزاء الفئات ألاكثر هشاااشااة في املجتمع وضاارورة اعتماد التوازن
في توزيع ثماار التنمياة .كما أن التنمية املس ا ا ا ااتدامة رهان آخر من رهانات الحماية الاجتماعية في املغرب،
185
إذ تس ااتوجب كل س ااياس ااة تنموية ض اارورة خض ااوع املنوال التنموي لس ااياس ااات واس ااتراتيجيات تقوده إلى
الحف اااظ على التوازن إلايكولوجي والاجتم اااعي ويض ا ا ا اامن حق ألاجي ااال املقبل ااة في ااه .لكن ه ااذه الره ااان ااات
والبطموحااات املغربيااة يمكن أن تصا ا ا ا اادم ببعض التحااديااات كض ا ا ا ااعف الالتقااائيااة في البرامج ومحاادوديااة
الاس ا ا ا ااته ااداف ونقص التمويا اال وغيرها ااا .وعلى العموم ،ف ااإن تحقيق ره ااانا ااات مش ا ا ا ااروع تعميم الحم ااايا ااة
الاجتماعية باملغرب يقتض ي أن يدبر هذا امللف وفق مجموعة من الشروط أهمها:
النير إلى الحماية الاجتماعية كاسااتثمار يساااهم في الاسااتقرار الاجتماعي والسااياس ا ي وليس كعبء
على الدولة ،ومن ثم وجب إدخالها في قلب السياسات العمومية بشكل دائم؛
اعتماد س ا ااياس ا ااات وبرامج منس ا ااجمة للحماية الاجتماعية بحيث يس ا ااير نيام الحماية الاجتماعية
باملغرب أكثر حرفية وفعالية مستجيبا بذلك للحد ألادنى من املعايير الدولية املعنية بذلك؛
لتبطبيق أفض ا ا ا اال الس ا ا ا اياااس ا ا ا ااات في هااذا املجااال ،البااد من الحرص على الاس ا ا ا ااتفااادة من التجااارب
النااجحاة دولياا واعتمااد نهج مصتلفاة بحاد أدنى من الحمااية الاجتماعية ،من أجل التوص ا ا ا اال إلى
أكثر الخيارات فعالية في تقديم املستحقات حسب ظروف البالد؛
تصصا ا ا اايص نسا ا ا اابة من املداخيل في إطار امليزانية السا ا ا اانوية بشا ا ا ااكل رسا ا ا اامي للحماية الاجتماعية
باعتبارها واجبا على الدولة وتجاز التمويل القائم على مفاهيم الكرم واملساعدة الاجتماعية.
الئحة املراجع:
الكتب
إبراهيم العيسا ااوي ،العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مص ا اار وثورتها ،البطبعة
ألاولى ،املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات ،الدوحة-قبطر ،أبريل .8705
صالح هاشم ،الحماية الاجتماعية للفقراء :قراءة في معنى الحياة لدى املهمشين ،مؤسسة فريدريش ايبرت،
مكتب مصر ،القاهرة ،دجنبر .8705
املقاالت
ألانصاري عبد املنعم" ،قراءة في القانون إلاطار 80.77املتعلق بالحماية الاجتماعية" ،ضمن مؤلف جماعي،
الحمااياة الاجتمااعية والنموذج التنموي الجديد :مقاربات ودراس ا ا ا ااات نقدية مقارنة ،تنس ا ا ا اايق ابراهيم بلوح
ويونس املجدوبي ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،دجنبر .8788
الجراري أحمااد" ،تعميم الحمااايااة الاجتماااعيااة باااملغرب بين جهود بااذل العنااايااة وصا ا ا ااعوبااة تحقيق الغااايااة"،
مجلة القانون الدسا ا ااتوري والعلوم الادارية ،العدد السا ا ااابع عشا ا اار ،املركز الديموقراطي العربي للدراسا ا ااات
الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية ،املانيا/برلين ،نونبر .8788
الهوماات يااسا ا ا ااين" ،مبطمح الاادولاة الاجتماااعياة بااملغرب وسا ا ا ااط تنااامي املبطااالااب الحقوقيااة" ،مجلااة قااانونااك،
العدد ،03املوسم الثالث ،يوليوز-شتنبر .8788
186
أمش ا ا اانوك رش ا ا اايد" ،الحماية الاجتماعية :أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها" ،ض ا ا اامن كتاب جماعي ،الحماية
الاجتماااعيااة والنموذج التنموي الجااديااد :مقاااربااات ودراس ا ا ا ا ااات نقااديااة مقااارنااة ،تنس ا ا ا اايق ابراهيم بلوح ويونس
املجدوبي ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،دجنبر .8788
حسا ا ا اان هادي" ،النموذج الاجتماعي الديموقراطي :دراسا ا ا ااة مقارنة بين السا ا ا ااويد والنرويج والدنمارك وفلندا"،
ض ا ا اامن مؤلف جماعي ،أحمد الس ا ا اايد النجار وآخرون ،دولة الرفاهية الاجتماعية ،بحوث ومناقش ا ا ااات الندوة
الفكرية التي نيمها مركز دراساات الوحدة العربية بالتعاون مع املعهد الساويدي باإلسكندرية ،البطبعة ألاولى،
بيروت ،شتنبر .8771
مجاهد هدى" ،التماسا ا ا ااك الاجتماعي مفهوم مثير للجدل" ،املجلة الاجتماعية القومية(مصا ا ا اار) ،املجلد الرابع
والخمسون ،العدد ألاول ،يناير .8705
رحوتي محمد " :نيام الحامية الاجتماعية باملغرب" ،مجلة اس ااتش اراف للدراس ااات وألابحاث القانونية ،العدد
.8780 ،00
رحوتي محمااد" ،البرنااامج املناادمج لاادعم وتموياال املقاااوالت في أفق النموذج التنموي الجااديااد" ،مجلااة الخزامى
للدراسات القانونية والاجتماعية ،عدد مزدوج الرابع والخامس.8787 ،
-الوثائق والتقارير
أ) التقارير
الجمعية العامة ملنيمة الامم املتحدة ،تعزيز حقوق إلانسا ااان وحمايتها :مسا ااائل حقوق إلانسا ااان ،بما في ذلك
النهج البديلة لتحس ااين التمتع الفعلي بحقوق إلانس ااان والحريات ألاس اااس ااية ،تقرير الخبيرة املس ااتقلة املعنية
بحقوق إلانسان والفقر املدقع ،الدورة الرابعة والستون 00 ،غشت .8777
منيمااة العماال الاادوليااة ،بناااء مسا ا ا ااتقباال الحمااايااة الاجتماااعيااة من أجاال عااالم عماال متمحور حول إلانسا ا ا ا ااان،
التقرير الخامس ،الدورة .8780 ،077
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني " ،التقرير السنوي".8700 ،
اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي" ،النموذج التنموي الجديد :تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة
التقدم وتحقيق الرفاه للجميع" ،التقرير العام ،ابريل .8780
ب) الوثائق
التعليق رقم ،3الفقرة 07للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة ملنيمة ألامم املتحدة.
اللجنة الاقتصا ااادية والاجتماعية لغربي آسا اايا (الاسا ااكوا) " ،الحماية الاجتماعية أداة للعدالة" ،نشا اارة التنمية
الاجتماعية ،املجلد ،4العدد .8
مكتب العمل الدولي" ،تبطوير أنيمة الحماية الاجتماعية املناسابة وحماية السكان في املنبطقة العربية" ،ورقة
عمل ،املنتدى العربي للتشغيل ،بيروت-لبنان ،أكتوبر .8777
منيمااة العماال الاادوليااة" ،الحمااايااة الاجتماااعيااة في ظاال التغيرات في عااالم العماال :نحو مسا ا ا ااتقباال تتوافر فيااه
الحمااايااة الاجتماااعيااة للجميع في الاادول العربيااة" ،الاجتماااع العربي الثالثي حول مسا ا ا ااتقباال العماال ،بيروت3 ،
ابريل.8700 ،
خبطاب امللك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العر ،بتاريخ 87يوليوز .8707
املجلس الاقتصا ا ا ا ااادي والاجتماااعي والبيني ،رأي حول "الحمااايااة الاجتماااعيااة باااملغرب :واقع الحااال ،الحص ا ا ا اايلااة
وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية ،إحالة ذاتية رقم .8702/35
187
دور الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية في ظل النموذج التنموي
محمد أهيري
باحث في القانون
مقدمة
عرف املغرب منذ الاستقالل مسارا طويال من إلاصالحات استهدف جميع املجاالت خاصة ما يتعلق باملجال
الاجتماعي ،هذا إلاصالح رافقه مجموعة من املتغيرات والتبطورات منها ما هو قانوني وتدبيري وسياس ي
واجتماعي ،ومنها ما هو مؤسساتي .وواكب هذا املسار تبطور في أدوار بعض الفاعلين آلاخرين خاصة
الجماعات الترابية التي تتمتع بمجموعة من الصالحيات في املجال الاجتماعي والتنموي معا ،بحيث
أصبحت تتحمل إلى جانب الدولة مسؤولية الاستجابة النتيارات وحاجيات املواطن .لقد تمكن املغرب
من تحقيق عدة مكتسبات باملجال الاجتماعي ،وهو ما تشهد عليه سلسلة من ألاورا التنموية
والاجتماعية في ظل الدولة الديموقراطية الاجتماعية التضامنية هدفها جعل العنصر البشري ضمن
ألاولويات املرتببطة بمسار إلاصالح اخرها ور الحماية الاجتماعية.
لقد برزت مقومات الدولة الاجتماعية مع مجيء دستور ،8700واملنيومة القانونية والتدبيرية عامة من
خالل مبادئ التضامن والتكافل الاجتماعي والوحدة الترابية واملجتمعية للمغرب ،ثم التنصيص على
الحكامة الجيدة ضمنها آلاليات وألاساليب التدبيرية الجديدة من أجل تحديد وتوضيح أهداف املشاريع
والبرامج التنموية وتحقيق الانسجام والفعالية والنجاعة الغائبة عن التدبير الترابي ،وكذلك تقوية دور
بعض الفاعلين واملؤسسات املرتببطة بانتيارات وحاجيات املواطنين ،إذ أن مرحلة التبطور الديمقراطي
والاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه املغرب ال ترتبط بالدولة فقط ،بل يبطال أيضا الجماعات الترابية.
وعزز النموذج التنموي من أهمية املجاالت الترابية في مواكبة مسلسل التنمية التي أطلقها املغرب،
فتجديد النموذج التنموي يتبطلب انصراط جميع الفاعلين بما فيهم الجماعات الترابية التي تبرز أهميتها
وقدرتها على تحقيق نمو مستدام وعادل يدعم الاستقرار والتمساك الاجتماعي ،إضافة إلى املساهمة في
بناء اقتصاد متنوع وتنافس ي ودامج بشكل إيجابي ملصتلف الشرائح الاجتماعية ،وذلك من أجل تعزيز
حقوق إلانسان في مصتلف تجلياتها بما يضمن العدالة الاجتماعية واملجالية ،وتقوية الروابط بين جميع
الفاعلين واملجاالت الترابية والفئات الاجتماعية لبناء دولة قوية.
ُمنحت الجماعات الترابية أدوار وصالحيات من أجل تحقيق التنمية والنهوض باملجال الاجتماعي باعتبارها
فاعال أساسيا في تحقيق التنموية ،خاصة في ظل تبطور وتحديث أدوارها وأدوات تدخلها للقيام بمشاريع
وبرامج اجتماعية تنموية ،وذلك من خالل البرامج التنموية الترابية واملصبطبطات الاستراتيجية ،واملساهمة
188
في تفعيل السياسات العمومية الترابية ،بناء على احترام ألادوار واملسؤوليات وتفعيل مبادئ الحكامة
الجيدة.
وترتبط أهمية هذه الدراسة بأهمية الجماعات الترابية ودورها ألاساس ي في إنجاح الدولة الاجتماعية من
خالل صالحياتها في تنزيل وتفعيل السياسات العمومية الاجتماعية على املستوى الترابي ،بل إن تلك
ألاهمية تعاظمت في السنوات ألاخيرة في املغرب نتيجة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية،
وتبطور وتزايد أدوار الدولة وتشعبها ،ثم هدف التصفيف من مركزية القرار وتحمل املسؤوليات إلى جانب
الدولة في ظل بروز مفاهيم التدبير العمومي كالتدبير التشاركي والتعاقدي للتنمية املندمجة ،وتبطور فكرة
حكامة تدبير الشأن العام الترابي ،وكذا بروز املجال الترابي كنقبطة جذب ومصدر لألزمات والحلول
التنموية ،وفي نفس الوقت كشريك للدولة في تحقيق التنمية املستدامة وتنزيل النموذج التنموي الجديد.
إن الحديث عن الجماعات الترابية كآلية تهدف إلى حل املشاكل الاقتصادية والاجتماعية ،ووسيلة تسعى
من خاللها الدولة إلى فعالية ونجاعة تدبير السياسات العمومية الاجتماعية وكل التدخالت العمومية
على املستوى الترابي ،يحيلنا إلى طرح إلاشكالية املحورية للموضوع :ما هي وسائل وآليات مساهمة
الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية؟
وللتأكد من صحة إلاشكالية والاسئلة املثارة سنستند في إلاجابة عنها على فرضيات تشكل صلب موضوع
الدراسة:
-الفرضية ألاولى :أن الجماعات الترابية لها من آلاليات وإلامكانيات ما يجعلها قادرة على
املساهمة في تحقيق هدف الدولة الاجتماعية.
-الفرضية الثانية :رغم الصالحيات والاختصاصات املمنوحة للجماعات الترابية إال أنها تواجه
صعوبات ومشاكل في املساهمة في بناء الدولة الاجتماعية.
وسنعتمد في مقاربتنا لهذه إلاشكالية وإلاحاطة باألسئلة املبطروحة والتحقق من الفرضيات املثارة ،باعتبار
مسألة بناء الدولة الاجتماعية هي مسألة جد مركبة يتداخل فيها ما هو تدبيري واقتصادي وسياس ي
واجتماعي ...على املناهج واملقتربات التالية:
189
املقترب القانوني لكونه املدخل الصحيح لفهم قواعد وطبيعة تدخل الجماعات الترابية من خالل
املبادئ وآلاليات التدبيرية الجديدة ،وكل الفاعلين املتدخلين في التنمية الترابية ،وكذا دوره في
إبراز أهمية كل هؤالء الفاعلين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية...
املنهج الوظيفي لإلحاطة بدور الجماعات الترابية وكل املتدخلين على املستوى الترابي من خالل
التركيز على الوظائف والاختصاصات املنوطة بهم للمساهمة في بناء الدولة الاجتماعية.
وحتى نتمكن من إلاجابة وإلاحاطة بهذه الاشكالية ودراستها اعتمدنا على التقسيم آلاتي:
املحور ألاول :إلاطار القانوني والتنييمي لتدخل الجماعات الترابية على املستوى الاجتماعي
املحور الثاني :آليات الجماعات الترابية لتدبير التنمية وبناء الدولة الاجتماعية
املحور ألاول :إلاطار القانوني والتنظيمي لتدخل الجماعات الترابية على املستوى الاجتماعي
ييهر دور الجماعات الترابية كفاعل ومتدخل في بناء الدولة الاجتماعية من جهة من خالل أهميتها
الدستورية في صياغة السياسات التنموية ،ومن جهة أخرى من خالل حاجة الدولة إلى شريك في تحمل
كل ألاعباء التنموية.
نص دستور سنة 8700على أن املغرب دولة ديمقراطية مرتكزاتها املشاركة والتعددية ،وذات مؤسسات
حديثة قائمة على الحكامة الجيدة ،تسود فيها حقوق إلانسان في ظل القانون كاألمن والحرية والكرامة
والعدالة الاجتماعية.
الدستور
ارتقى دستور 8700بالجماعات الترابية إلى مصاف الفاعلين الرئيسيين في تدبير الشأن العام الوطني
والتراب ي ،ما يعني أن تدبير التنمية الترابية تتقاسمها كل من السلبطة املركزية واملجالس املنتصبة أو
الجماعات ،إذ أن املنبطق الجديد لتفعيل السياسات العمومية الترابية وخاصة ما يتعلق باملجال
الاجتماعي يتبطلب تفعيل املقاربة التشاركية باعتبار الجماعات الترابية أكثر قرب إلى مشاكل ومبطالب
الساكنة املحلية.
وأعبطيت كذلك للجماعات الترابية أهمية كبيرة للمساهمة في تحديث وتبطوير الدولة من خالل تمثيلية
الجماعات الترابية بالبرملان ودورها في تنزيل السياسات العمومية الترابية ،وييل الرهان ألاساس ي هو
190
التوفيق بين الاستراتيجية العامة للدولة وبين السياسات العمومية والبرامج التنموية الترابية وجعلهما
يصدمان هدف الدولة الاجتماعية.1
غير أن قراءة الفصل 030من الدستور توضح أن الجماعات الترابية ال تملك الصالحية التامة لتصور
وإعداد وتنفيذ السياسات العمومية الترابية ،بل فقط تساهم في تفعيل السياسة العامة للدولة
والسياسات العمومية الترابية ،والواقع أن الجماعات الترابية باعتبارها منبثقة من اختيار املواطن
والقريبة من تبطلعات وحاجيات املجتمع ،وتصصيصها مجموعة من املوارد التدبيرية والقانونية واملالية
واملؤسساتية 2التي جاءت بها مصتلف القوانين والنصوص التنييمية ،فإنها مبطالبة باملساهمة في تحقيق
ألاهداف التنموية الاجتماعية كما أشار إليها الدستور.
أصبحت الجهة ،3إلى جانب الجماعات الترابية ألاخرى4بموجب الدستور فاعلين ترابيين مهمين في تدبير
التنمية ،إذ أن مساعي الدولة في بناء نيام اجتماعي متماسك أساسه العدالة ال يستقيم إال بجهود كل
املتدخلين الترابيين ،فتحقيق التنمية الترابية يتبطلب الانسجام والالتقائية بين البرامج التنموية املصتلفة
لخلق التكامل التنموي والاجتماعي بين املجاالت الترابية ،وعليه كان البد من تعزيز أدوار الجماعات
الترابية في مجال التنمية واملجال الاجتماعي على وجه الخصوص ،في انسجام تام مع مشروع الجهوية
املتقدمة التي تعتبر مدخال حقيقيا لتحقيق التنمية في كل أبعادها رغم عدم استكمال وتحقيق هذا
الور املهم بعد مرور أكثر من عقد من الزمن ،5وذلك ألسباب تتعلق بصعوبة مواصلة تنزيل بايي
النصوص والاستراتيجيات املتعلقة بالجهوية كما هو الحال مليثاق الالتمركز إلاداري الذي يعرف تعثرا في
تنزيله على أرض الواقع.
وتستند الجماعات الترابية أيضا في تفعيل السياسات العمومية الاجتماعية واملساهمة في بناء الدولة
الاجتماعية على القوانين التنييمية للجماعات الترابية كآلية مهمة نصت على مجموعة من الاختصاصات
1علي الحنودي :الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية ،املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،عدد ،135-136ماي – غشت ،2017
ص .183
2مثال صندوق التضامن الجهوي وصندوق التأهيل الاجتماعي
3تنص املادة الثالثة من القانون التنييمي رقم 05.000املتعلق بالجهات الصادر بشأنه اليهير الشريف رقم 1.15.83بتاريخ 20من رمضان
7( 1436يوليو ،)2015الجريدة الرسمية عدد ،6380بتاريخ 23يوليوز ،2015ص ،6585على أن الجهة "هي جماعة ترابية خاضعة
للقانون العام ،تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقالل إلاداري واملالي ،وتشكل أحد مستويات التنييم الترابي للمملكة ،باعتباره تنييما ال
مركزيا يقوم على الجهوية املتقدمة".
4العماالت وألاقاليم ،والجماعات.
5الخبطاب امللكي بمناسبة الذكرى الثالثة والثالثين للمسيرة الخضراء ،بتاريخ 1نونبر ..." ،8772لذلك قررنا ،بعون هللا ،فتح صفحة
جديدة في نهج إلاصالحات املتواصلة الشاملة التي نقودها ،بإطالق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة ،تشمل كل مناطق اململكة ،وفي مقدمتها
جهة الصحراء املغربية.:...
191
املادية2 ملواكبة العملية التنموية وكل ما يتعلق بالفعل الاجتماعي ،1ثم تمكينها بمجموعة من الوسائل
والبشرية ،3واملؤسساتية التي ستمكنها من لعب دور أساس ي على املستوى الترابي في ظل مبدأ التدبير
الحر ،واملبادئ ألاخرى 4ذات الصلة بسلبطات واختصاصات الجماعات الترابية.
وتضمنت القوانين التنييمية كذلك آليات تدبيرية أخرى ،كالبرامج واملصبطبطات التنموية5من أجل تدبير
التنمية والسهر على رفاهية املواطن ،والتي يجب أن تكون في تناغم وانسجام ،وأن تواكب التوجهات
الاستراتيجية لسياسة الدولة بالنسبة للجهة .6إضافة الى مجموعة من آلاليات التي يمكن أن تساهم في
بلورة السياسات العمومية الترابية من قبيل املؤسسات املحلية ،7والكفاءة التدبيرية للجماعات الترابية
عبر الابتكار والتفكير ،وتفعيل أدوارها في مصتلف املجاالت وخاصة تفعيل وتنزيل السياسات العمومية
الترابية.
تعتبر الحماية الاجتماعية من أهم عناصر قيام الدولة الاجتماعية ،فبعد سنوات من غياب الحماية
الاجتماعية لبعض الفئات بما نتج عنها من فوارق اجتماعية وهشاشة وإقصاء ،جاء قانون إلاطار رقم
77-80ليضمن استفادة كل املواطنين من ذوي الدخل املحدود من مجموعة من الحقوق خاصة فقدان
الشغل ،إلى جانب حقوق أخرى كاملساعدة على ألامراض واملصاطر والشيصوخة ومصتلف الخدمات
العالجية .ويجسد هذا القانون إلاطار ور الحماية الاجتماعية للمواطن حيث حدد املبادئ وألاهداف
املرتببطة بإصالح منيومة الحماية الاجتماعية خالل الخمس سنوات القادمة ،وحدد أيضا التزامات كل
من الدولة والجماعات الترابية واملؤسسات واملقاوالت العمومية والقبطاع الخاص واملجتمع املدني
ومصتلف الهيئات العامة والخاصة ألاخرى واملواطنين.
1اختصاصات الجماعات الترابية :انير القسم الثاني ،املواد 80إلى 74من القانون التنييمي للجهة رقم ،111.14القسم الثاني ،املواد 78
إلى 90من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم ،112.14القسم الثاني ،املواد 77إلى 91من القانون التنييمي للجماعات رقم
.113.14
2املادة 165وما يليها من القانون التنييمي للجهة رقم ،111.14املادة 144وما يليها من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم،112.14
املادة 152وما يليها من القانون التنييمي للجماعات رقم .113.14
3املادة 9وما يليها من القانون التنييمي للجهة رقم ،111.14املادة 8وما يليها من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم ،112.14املادة
7وما يليها من القانون التنييمي للجماعات رقم .113.14
4مبدأ التفريع ،التمايز والتدرج ،الشراكة واملشاركة،
5بالنسبة ملجلس الجهة فإنها تضع برنامج التنمية الجهوية ،ونفس الش يء للعمالة أو إلاقليم التي تضع بدورها برنامج التنمية ،أما الجماعة
فيسمى برنامجها برنامج عمل.
6الفقرة الرابعة من 83املادة من القانون التنييمي املتعلق بالجهات رقم .111.14
7انير التفاصيل في املحور الثاني الخاص باإلطار املؤسساتي للسياسات العمومية الترابية.
192
إن ألاهم في هذا الور هو ألاخذ بعين الاعتبار الوضعية الاجتماعية لكل مواطن من مصتلف الفئات
مهنيين وعمال مستقلين ،فضال عن القيام بإصالحات هيكلية على مستوى القبطاعات املعنية كالصحة
والقبطاعات الاجتماعية ألاخرى لتلبية مبطالب وحاجيات املواطن ،من خالل رصد موارد مالية لفائدة
مصتلف القبطاعات والجماعات الترابية ،وتصصيص بنيات تحتية توفر خدمات ذات جودة من استقبال،
وتوفير كل الدعم الاجتماعي للفئات الهشة وتغبطية كل ألامراض .إضافة إلى ضرورة إحداث هيئة أو
وحدات خاصة لإلشراف على تنزيل ور الحماية الاجتماعية على مستوى الجماعات الترابية.
تلعب آلاليات التنييمية إلى جانب القوانين املؤطرة للفعل الاجتماعي دورا هاما في تدبير التنمية
الاجتماعية ،وتتمثل هذه آلاليات في مجموعة من الوسائل التي تيسر عمل الجماعات الترابية في تنزيل
السياسات الاجتماعية ،واملساهمة في بناء الدولة الاجتماعية انبطالقا من املستوى الترابي.
يشكل الالتمركز إلاداري رافعة أساسية لدعم بناء الدولة الاجتماعية في تناسق مع الدينامية الجديدة
التي يعرفها املستوى الترابي ،وكذا التعبئة من أجل التنييم الجديد للمصالح إلادارية من خالل إعادة
تمركز الاختصاصات والسلط التقريرية والوسائل املادية والبشرية على مستوى املصالح الالممركزة لجعل
الالمركزية-الجهوية والالتمركز أداة فعالة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ال شك أن مواكبة التحوالت الاجتماعية وغيرها من التحوالت ألاخرى لبناء الدولة الاجتماعية ،تتبطلب
تفعيل صالحيات الجماعات الترابية في عالقة تكامل مع الالتمركز إلاداري عبر تحديد ألادوار
والاختصاصات وتحقيق التقائيتها ،من خالل ضمان نجاعة وشفافية في تدبير الشأن الترابي ،وتحقيق
الالتقائية على مستوى السياسات العمومية الوطنية والترابية ،وعلى مستوى برمجة مصتلف املشاريع
القبطاعية ،1وكذا الانسجام التام مع البرامج التنموية للجماعات الترابية.
إن الهدف ألاساس ي من الالتمركز هو الفعالية والنجاعة 2في الفعل التنموي والاجتماعي ،وكل الخدمات
املوجهة للمواطن من تبسيط الوسائل واملساطر ،ألن الالتمركز إلاداري ال يعني فقط عملية نقل للسلط
من املركز إلى املصالح الخارجية في مصتلف الجهات ،بل هو مرتبط كذلك باعتماد مقاربات تنموية في
عالقتها بالجماعات الترابية كما أكد على ذلك ميثاق الالتمركز بأن الجهة والجماعات الترابية تعتبر
1البند الخامس من املادة 7من مرسوم رقم 2.17.618صادر في 18من ربيع آلاخر 26( 1440دجنبر )2018بمثابة ميثاق وطني لالتمركز
إلاداري ،الجريدة الرسمية عدد 6738صادرة بتاريخ 27دجنبر ،2018ص .9787
2البند السادس من املادة 7من مرسوم رقم 2.17.618بمثابة ميثاق وطني لالتمركز إلاداري.
193
الفضاء الترابي املالئم لبلورة السياسة الوطنية في كل املجاالت وخاصة تنزيل وتفعيل السياسات
العمومية الاجتماعية.
وعليه ،ورغم الدور املهم لنيام الالتمركز إلاداري في قيام الدولة الاجتماعية ،ودوره في البناء املؤسساتي
والتنموي ،إال أنه يمكن القول إن الهدف لم يتم تحقيقه بسبب عدم تحويل الاختصاصات إلى املصالح
الالممركزة ،إذ ظلت السلبطة مركزة في يد إلادارة املركزية باستثناء بعض إلاجراءات ،1ثم غياب تمثيليات
بعض القبطاعات على املستوى الترابي ،2في حين يالحظ أن قبطاعين فقط هما من واكبا تنزيل الالتمركز
على أرض الواقع كما هو الشأن لقبطاع التربية الوطنية الذي فوض جميع الاختصاصات والقرارات
لألكاديميات الجهوية للتربية والتكوين ،كالتوظيف وألاجور ،ثم قبطاع الاقتصاد واملالية.
البرنامج الحكومي
في إطار التكامل بين املركز والالمركزية أو املجال الترابي ،وبين الاستراتيجية الحكومية والفعل الترابي،
يلعب البرنامج الحكومي دورا مهما في تنزيل السياسات الاجتماعية وبرامج التنمية البشرية .فالبرنامج
الحكومي عبارة عن وثيقة للتصبطيط التنموي تبين مصتلف املشاريع والقوانين والسياسات التنموية املزمع
تنزيلها عبر سياسات عمومية وقبطاعية ،3وحتى السياسات العمومية الترابية وبرامج متعددة السنوات
على أرض الواقع.
ال يمكن للحكومة أن تمارس مهامها من خالل ترجمة مضامين البرنامج الحكومي إال بعد تقديمه أمام
البرملان بمجلسيه معا ،4فدور الحكومة إلى جانب فاعلين آخرين كالجماعات الترابية وبايي القبطاعات
ألاخرى يتجلى في تعزيز التقائية ونجاعة السياسات العمومية والسياسات العمومية الترابية من أجل
تحسين أداء ونجاعة إلانفاق العام ،ألن السياسة الفعالة هي السياسة التي تحقق أهدافها كما حددها
-1مواكبة املديريات املصالح الالممركزة باملوارد البشرية كتوزيع املناصب املالية وتدبير التوظيفات؛
-إعادة توزيع بعض إلاجراءات إلادارية املفوضة للمدراء الجهويين ليتم تدبيرها على صعيد املندوبيات ،كما هو الشأن ملراقبة ومعاينة
بعض املصالفات املتعلقة بالتعمير؛
-إعداد دالئل حول تدبير إلاجراءات إلادارية املفوضة إلى املصالح الالممركزة؛
-إعادة تنييم املصالح املركزية للوزارات ومراجعة النفوذ الترابي لبعض املصالح الالممركزة؛
-وضع نيام معلوماتي لتسهيل عملية تتبع انجازات املصالح الالممركزة وتسهيل التواصل بين املديريات املركزية والالممركزة ،في إطار
آليات التتبع والحكامة؛
2قبطاع السياحة؛ قبطاع النقل...
3إلاطار املرجعي لتقييم السياسات العمومية ،منشورات مجلس النواب ،2017 ،ص. 30
4الفقرة ألاخيرة من الفصل 88من دستور .2011
194
صانعو القرار ،وعدم وضوح ألاهداف ُي ِّ
صعب من الحكم على إنجازات السياسات والبرامج العمومية
وعلى قدرة استدامتها.1
تضمن البرنامج الحكومي مجموعة من الالتزامات الاجتماعية لتحقيق هدف الدولة الاجتماعية ،كان
أبرزها تعميم الحماية الاجتماعية ،ثم املساعدة الاجتماعية لفائدة ألاسر ألاكثر هشاشة ،وتعويض الاسر
وكبار السن وغيرها ،2...إال أن واقع املواطن ال يوحي بإمكانية قيام الدولة الاجتماعية ،نيرا للصعوبات
املتعلقة بالولوج إلى الخدمات الصحية والاجتماعية ،والفوارق الاقتصادية بين املناطق وبين املواطنين
بسبب ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني واملحلي ،3وتدني نسب النمو ومعه القدرة الشرائية للمواطن.
تشكل البرامج التنموية للجماعات الترابية أهم آلية لتفعيل الدولة الاجتماعية عبر السياسات العمومية
الترابية التي جاءت ضمن محاور هذه البرامج انبطالقا من التصبطيط وتحديد ألاهداف التنموية ذات
ألاولوية .والبرنامج التنموي الترابي يرتكز على مرجعية قانونية وتنييمية ،4وهو في حد ذاته وثيقة توضح
مصتلف املشاريع والخبطط التي سيتم ترجمتها إلى سياسات عمومية ترابية ،مع مراعاة مصتلف املشاكل
وإلاكراهات املمكن مواجهتها.
تقوم البرامج التنموية للجماعات الترابية على تشخيص حاجياتها وإمكانياتها ،وتحديد ألاولويات ،وتقييم
مواردها ونفقاتها التقديرية 5لتحقيق الفعالية والنجاعة التنموية على املستوى الترابي .ولبلوغ هدف بناء
الدولة الاجتماعية ،تيل البرامج التنموية للجماعات الترابية الرهان ألاساس ي لتوطين السياسات
العمومية على املستوى الترابي ،بحيث يتعين وضع برامج اجتماعية تنموية من خالل تفعيل اختصاصات
املجالس الترابية في إطار مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع ،وكذا تفعيل آلية التنسيق والتعاقد بين جميع
الفاعلين املحليين :6مؤسسات الدولة ومصالحها الخارجية ،والقبطاع الخاص ،ثم الجمعيات املهنية
1 SOCIAL POLICY, PUBLIC POLICY From problem to practice: Meredith Edwards with Cosmo Howard and Robin Miller, ALLEN
195
واملجتمع املدني ،ومن جهة ثانية يتعين تشخيص واستغالل جميع عناصر املجال الترابي البطبيعية
والبشرية بشكل عقالني ليكون في خدمة الدولة الاجتماعية.1
إن الواقع يبين عجز الجماعات الترابية عن تفعيل اختصاصاتها وآلياتها ،وهو ما أكده تقرير املجلس
ألاعلى للحسابات ألاخير ،2حيث لم تقم بعض الجماعات بإعداد مصبطبطاتها الجماعية للتنمية ،3ولم يتم
احترام الجدولة الزمنية لتنفيذ املشاريع املبرمجة ،كما لم يتم تصصيص التمويالت الالزمة لهذه املشاريع
أو املساهمات الخاصة بتمويل املشاريع املبرمجة أو تم إنجازها خارج املصبطبطات التنموية .4إضافة إلى
تأخر في إعداد بعض برامج عمل ،وقصور في اعتماد املقاربة التشاركية في إعدادها ،وعدم تقييمها للوالية
الانتدابية 8780-8704ما أدى إلى عدم استفادة منها الساكنة املحلية.5
1عبد القادر الخاضري":الجماعات الترابية باملغرب – من التسيير إلاداري إلى تدبير اقتصاد التنمية – مقاربة قانونية وسياسية" ،املجلة
املغربية للسياسات العمومية ،العدد 85صيف ،8704ص .077
2تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي 8707و ،8787الجريدة الرسمية عدد 0703مكرر ،ص 05 ،0855مارس
8788
3ت قرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي 8707و ،8787مرجع سابق ،ص .0108
4تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي 8707و ،8787مرجع سابق ،ص .0105
5تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي 8707و ،8787مرجع سابق ،ص .0101
6املرجع سابق ،ص .47-48
7النموذج التنموي "تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع" :التقرير العام ،ابريل ،2021ص .21
8املرجع سابق ،ص .31
196
محدودية القاادرات لدى للقبطاااع العمومااي فيمااا يصااص تصااور وتنفيااذ ُسياسااات وخدمااات عموميااة ذات
جااودة ومتاحااة للجميااع تهم املواطن ،وكذا التعقيدات املسبطرية وضعف الحماية التي حدت من املبادرة
والابداع.1
إن تحقيق هدف الدولة الاجتماعية يتبطلب إشراك فاعلين آخرين كالجماعات الترابية كمساهم رئيس ي
في ترسيخ أسس التنمية على املستوى الترابي ،ألن الجماعات الترابية تعتبر شريكا أساسيا للدولة في إعداد
وتنفيذ السياسات العمومية ومصتلف البرامج التنموية ،وبالتالي القضاء على الفوارق املجالية
والاجتماعية .فتقرير النموذج التنموي ذهب في نفس اتجاه الدستور حينما دعا إلى مغرب الجهات ضمانا
اللتقائية ونجاعة السياسات العمومية على املستوى الترابي ،لكن ال يمكن انجاز هذا املبطلب دون تفعيل
وتسريع تنزيل الجهوية املتقدمة ونيام الالتمركز إلاداري كدعامات إلنجاح التنمية الترابية.2
تشكل آلاليات املؤسساتية أداة مهمة لتحقيق التنمية الترابية واملساهمة في بناء الدولة الاجتماعية من
خالل مجموعة من الفاعلين واملؤسسات ،وتتوزع آلاليات املؤسساتية بين فاعلين وأجهزة إدارية
ومؤسسات عمومية وترابية تتولى تدبير وتنزيل كل املصبطبطات التنموية بحسب اختالف أدوارها وتدخالتها.
تصتلف تدخالت كل فاعل حسب املكانة الدستورية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ،ودرجة قدرته
على تصور وتنزيل املشاريع والبرامج التنموية ،ومدى تأثيره على صناعة القرار ،وكذا تفاعل هؤالء
بمحيبطهم ومدى فعاليتهم.
املؤسسة امللكية
تحتل املؤسسة امللكية مكانة هامة في املنيومة التدبيرية باملغرب بحكم الدستور واملمارسة التدبيرية
املغربية البطويلة منذ الاستقالل ،3نيرا لدورها الفعال في التوجيه وإلاشراف الاستراتيجي على كل ما
يتعلق بالتنمية واملشاكل الاجتماعية وتدبير الشأن العام عامة ،وذلك بواسبطة مجموعة من آلاليات
القانونية والتدبيرية والتنييمية .فالدستور كرس الدور الرئيس ي للمؤسسة امللكية في تحديد أجندة
السياسات التنموية للدولة واختياراتها الاستراتيجية عبر رئاسة املجلس الوزاري ،وكذا حرصها على إنجاح
السياسات العمومية املنبثقة من هذه الاستراتيجيات.
197
ويتمثل أيضا التدخل امللكي في الخبطب 1والرسائل املوجهة للفاعل العمومي في مجال السياسات العمومية
املتعلقة بالتدبير الترابي طبقا ملضامين الفصل 58من الدستور لتبني استراتيجيات تنموية واجتماعية
واستراتيجية كالجهوية املتقدمة ،والنموذج التنموي الجديد ،إلى جانب آليات أخرى كبالغات الديوان
امللكي ،والتعليمات وألاوامر ،جلسات العمل ،الرسائل وحتى الزيارات امليدانية واللقاءات باملسؤولين فيما
يتعلق بالعمل الاجتماعي كالصحة والتنمية البشرية .وقد أثبتت التجربة املغربية دور املؤسسة امللكية في
تبطوير التنمية الترابية في مجاالت عدة خاصة املجال الاجتماعي.
السلطة التشريعية
يلعب البرملان باعتباره مؤسسة تمثيلية دورا مهما إلى جانب املؤسسات ألاخرى في تحقيق التنمية وتجويد
والخدمات العمومية املقدمة للمواطن ،لكونه نتاج املواطن الناخب بكافة شرائحه وتوجهاته ،وهو يمارس
مهامه للدفاع عن إلارادة الفعلية لألمة في رعاية مصالح املواطن عن طريق ممارسة مجموعة من
الاختصاصات التشريعية والتقييمية والرقابية...
وفي هذا إلاطار ،فإن البرملان يملك مجموعة من الاختصاصات للمساهمة في بلورة وبناء الدولة
الاجتماعية ،سواء على مستوى التشريع 2لتأطير مجموعة من القضايا التي تهم املواطن خاصة القوانين
املتعلقة باملجال الاجتماعي ،أو على مستوى املراقبة بواسبطة ألاسئلة املوجهة للحكومة ملناقشة السياسة
العامة ،3فضال عن التقييم ملتابعة جودة السياسات العمومية الاجتماعية وتقييم آثارها.4
وتأكدت أهمية البرملان في عالقته بالجماعات الترابية على مستوى بناء الدولة الاجتماعية حينما نص
دستور سنة 8700على مساهمتها في اعداد سياسات العمومية الترابية ،بحيث جاء في الفصل 030
مساهمة الجماعات الترابية في تفعيل السياسة العامة للدولة ،وفي إعداد السياسات الترابية ،5وذلك
من خالل تمثيلية الجماعات الترابية داخل الغرفة الثانية للبرملان ،ومن خالل الوسائل الخاصة بها.
1الخبطاب امللكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،بتاريخ 02ماي ،8774والرسالة امللكية املوجهة إلى املشاركين في الدورة ألاولى للمناظرة
الوطنية للتنمية البشرية سنة .8707
2الفصل 70و 71من الدستور.
ُ
3الفقرة ألاخيرة من الفصل 100من دستور " 2011تقدم ألاجوبة على ألاسئلة املتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة،
ُ
وتصصص لهذه ألاسئلة جلسة واحدة كل شهر ،وتقدم ألاجوبة عنها أمام املجلس الذي يعنيه ألامر خالل الثالثين يوما املوالية إلحالة ألاسئلة
إلى رئيس الحكومة".
4الفصل 70من الدستور
5الفصل " 37تساهم الجهات والجماعات الترابية ألاخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة ،وفي إعداد السياسات الترابية ،من خالل ممثليها
في مجلس املستشارين".
198
السلطة املحلية :الوالي أو العامل
يمارس الوالي أو العامل وظيفة مهمة ال تتمثل فقط في تمثيل الدولة على املستوى الترابي ،بل أصبحت
له أدوار تدبيرية مهمة خاصة في املجال الاجتماعي كما هو الشأن للتنمية البشرية ،إذ أن الوالي أو العامل
يملك إمكانيات للمساهمة والعمل على مساعدة الجماعات الترابية واملصالح الخارجية الالممركزة في
جهودها املتعلقة بالتنمية الترابية والاستجابة ملبطالب وحاجيات املواطن ،ومواكبة النموذج التنموي عبر
املشاركة في إعداد مسار التنمية وتنزيل السياسات العمومية والترابية ،1من خالل املشاركة في اتصاذ
القرارات املناسبة أو على مستوى املبادرة والتنسيق ،أو التتبع والتقييم ،2ألن إمكانية وموارد الوالة
والعمال ،واملعبطيات التقنية التي ال تتوفر عليها إدارات الجماعات الترابية ،وبالتالي استقاللها عن السلبطة
املحلية في تدبير شؤونها املحلية.3
يترجم دور الوالي أو العامل الفصل 145من دستور ،2011ومضامين ميثاق الالتمركز إلاداري ،وكذا
القوانين التنييمية الجديدة للجماعات الترابية من خالل ما أنيط للوالي أو العامل من أدوار للتنسيق
واملواكبة في املجاالت الاقتصادية والاجتماعية وعلى كل املستويات .وعليه ،فإن للوالي أو العامل القدرة
على اقتراح مشاريع وبرامج اجتماعية وقيادتها كما هو الحال ملشاريع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية،
وكذا رقابة الفعل الاجتماعي الترابي عبر ممارسة الرقابة على ممارسة الجماعات الترابية بصفة عامة
الختصاصاتها.4
تقوم مساهمة الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية على وجود نصب ترابية قادرة على التفكير
والابتكار ومعرفة الحاجيات الترابية وتفعيل السياسات العمومية الاجتماعية ،فتدبير إلاشكاالت
الاجتماعية والتنموية وإيجاد الحلول املناسبة البد وأن تنبطلق من هذه النصبة املحلية ،5ألن الجماعات
1بجيجة العربي :ممثل السلبطة املركزية بالجماعات الترابية "أي دور للوالة/العمال من خالل الدستور؟" ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة
والاقتصاد ،مبطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،العدد ،29/30السنة ،2015ص .154
2عماد ابركان :الوالة والعمال في النموذج املغرب لإلدارة املحلية وسؤال الحكامة الترابية ،مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد،
مبطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،العدد ،32/31السنة ،2015ص .94
3عادل تميم :البعد الجهوي في سياسات تدبير الاستثمار وانعكاسه على التنمية –على ضوء الجهوية املتقدمة ،جامعة عبد املالك السعدي
كلية العلوم القانونية ،الاقتصادية والاجتماعية –طنجة ،8701-8704 ،ص .304
4املادة 113من القانون التنييمي للجهات رقم ،111.14املادة 107القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم ،112.14املادة 116القانون
التنييمي للجماعات رقم 113.14
5عبد هللا شنفار :الفاعلون املحليون والسياسات العمومية املحلية" :دراسة في القرار املحلي" ،مبطبوعات املعرفة -مراكش ،البطبعة ألاولى،
،2015ص .132
199
الترابية هي التي أفرزت هذه النصب لخدمة مبطالب الساكنة املحلية في إطار تعاقدي ،1بدل الركون إلى
الجانب السياس ي وعدة اعتبارات ال عالقة لها بالتنمية.
إن تدبير التنمية الترابية واملساهمة في بناء الدولة الاجتماعية يحتاج إلى نصب ذات فكر مقاوالتي قادرة
على إلاعداد والتنفيذ انبطالقا من كفاءتها ومصداقيتها وواجبها اتجاه املهمة املوكولة لهم من قبل الدولة
واملواطن ،ثم توفر رغبة سياسية وتدبيرية من أجل تفعيل صالحيات واختصاصات املجالس الترابية،
بناء على مجموعة من الوسائل القانونية والتدبيرية كالبرامج التنموية ،2لتحقيق كل ألاهداف التنموية
بشكل فعال ودقيق يستجيب للحاجيات الترابية.
ال يمكن تحقيق الدولة الاجتماعية إال من خالل وجود نصب قادرة على اتصاذ املبادرة ،والجرأة في تفعيل
أدوارها ومهامها القانونية ،ومن الواضح أن النصب الترابية تحتاج الى ثقافة سياسية وقانونية ومن َّ
ثم
ثقافية تدبيرية .وقد أشار املجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره حول الحكامة الترابية إلى ضعف
املنتصبين من حيث تملكهم لبطارق التدبيار الجديادة املنصاوص عليهاا فاي القوانيان التنييمياة وقدرتهم
على تفعيلها وتحقيق ألاهداف املرجوة ،ألنها طارق تتبطلاب فهماا حقيقياا ألدوار ومساؤوليات كل فاعال
متدخال فاي املجاال التراباي علاى حادة ،3والحال أن أغلب املنتصبين ال يتوفرون على مستوى دراس ي أو
مستوى فكري وإبد اعي ملواكبة مبطالب وحاجيات املجاالت الترابية آلانية واملستقبلية .كما أشار إلى ذلك
أيضا تقرير املجلس ألاعلى للحسابات فيما يتعلق بقصور العماالت والاقاليم في إرساء قواعد الحكامة
الجيدة في تدبير شؤونها وممارسة الاختصاصات املوكلة لها ،ثم ضعف مردودية اللجان الدائمة وعدم
تبنني آليات تدبيرية كالتشخيص وإلاعداد الجيد للبرامج التنموية.4
القطاع الخاص
يعد القبطاع الخاص من أهم الفاعلين والشركاء الرئيسيين في مساعدة الجماعات الترابية في عملية
التنمية ومواكبة تفعيل الجهوية املتقدمة ،5وخاصة بناء الدولة الاجتماعية عبر املساعدة في تنزيل
املشاريع والبرامج التنموية الاجتماعية وكل السياسات الترابية ،إذ أن الشراكة تعد مفتاحا للتغلب على
1عبد الرفيع زعنون :تدبير التنمية الترابية وسؤال الديموقراطية :الفرص واملصاطر ،مؤلف مشترك ،مركز تكامل للدراسات وألابحاث،
مبطبعة قرطبة –اكادير ،8787 ،ص .087
2عبد الحافظ ادمينو :التعاقد بين املديريات املركزية واملديريات الجهوية وترسخ التدبير الالمتمركز ،املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية،
العدد ،140ماي – يونيو ،8702ص .28
3تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني :الحكامة الترابية رافعة للتنمية املنصفة واملستدامة ،إحالة ذاتية رقم ،8707/58ص .08
4تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي 8707و ،8787املرجع السابق ،ص .0124
5اللجنة الاستشارية للجهوية :الكتاب الثالث "الجهوية املتقدمة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية" ،ص .173املوقع الالكتروني
./http://www.regionalisationavancee.ma
200
كل مصادر العجز ومواجهة نقص التمويل والخبرات التقنية الضرورية لتفعيل املشاريع والبرامج التنموية
وتنزيلها على أرض الواقع ،واملساهمة في تحقيق التنمية املندمجة واملستدامة.1
إن صياغة القرار التنموي الترابي يحتاج إلى وسائل وآليات كالشراكة خاصة ما يتعلق بابتكار البرامج
وتنفيذها ومتابعتها ،ألن العمل إلى جانب القبطاع الخاص مفيد في الجانب املتعلق بالتنزيل على أرض
الواقع ،باإلضافة إلى عنصر مهم مفقود في املغرب هو تجويد الخدمات الاجتماعية املقدمة للمواطن على
املستوى الوطني والترابي خاصة الصحة ،وتوسيع املشاركة والتشارك بين جميع الفاعلين دون إقصاء
وتهميش أي طرف .2بحيث أن غياب الاستثمار أو السياسات العمومية في املجال الاجتماعي طغى عليها
الجانب الاقتصادي بسبب توجه إلادارة أو املدبر العمومي نحو القبطاع الخاص ،3وهو ما يتضح مثال من
قبطاع الصحة الذي يعرف فوارق جهوية كبيرة من حيث تركيز الخدمات الصحية العمومية والخصوصية
على مستوى الجهات التي تعرف نشاطا اقتصاديا كبير ،مقابل جهات فقيرة ال تستقبطب الاستثمار في مثل
هذه الخدمات.
وفي هذا إلاطار ،فإنه يجب أوال توجيه القبطاع الخاص نحو املجاالت الاجتماعية خاصة الصحة والتعليم
وتبطوير قدرات املوارد البشرية الترابية ،أي القيام بتشخيص الحاجيات الاجتماعية الترابية ألاساسية،
وتوفير كل الوسائل وآلاليات القادرة على إنجاح توطين الاستثمارات الاجتماعية لتفعيل دور القبطاع
الخاص ،إضافة إلى تفعيل آليات التتبع واملراقبة من أجل الفعالية والنجاعة .ألن الواقع يبين أن جل
املشاريع التي تم تنفيذها بشراكة مع القبطاع الخاص أو تم تفويضها عرفت اختالالت عديدة أثرت على
الجماعات الترابية خاصة ما يتعلق باملديونية وعلى حكامة التدبير املالي املحلي عامة ،فقد عرف تبطبيق
التدبير املفوض مثال مجموعة من الاختالالت املالية والتدبيرية كانت مفوضة للقبطاع الخاص ألاجنبي،
فصدمات جمع النفايات املنزلية بجهة الرباط سال القنيبطرة ارتفعت تكاليفها بشكل مبطرد مما أثر على
قدرتها املالية ،إذ مثلت تكلفة خدمة التدبير املفوض نسبة مهمة من ميزانيتها ،بحيث ارتفعت التكلفة
السنوية لهذه العقود من 807مليون درهم سنة 8708إلى 475مليون درهم سنة ، 8702بزيادة قدرها
% 27على مدى 1سنوات ،4والسبب يعود إلى عدم الامتثال للشروط إلادارية والقانونية ،وعدم تفعيل
املحاسبة ،وكذا عدم تحمل املدبر العمومي للمسؤولية إما عن قصد أو لغياب ثقافة التدبير.
1 Khalid ragragui : « Les politiques publiques locales », mémoire pour l’obtention du diplôme du master, université Moulay
Ismail faculté des sciences juridiques économiques et sociales Meknès, année universitaire 2010/2011, P 62.
2محمد أهيري :تدبير املشاريع العمومية "البطرق السيارة نموذجا" ،رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون العام والعلوم السياسية ،جامعة
محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال – الرباط ،2017-2016 ،ص .170
3عادل تميم :البعد الجهوي في سياسات تدبير الاستثمار وانعكاسه على التنمية –على ضوء الجهوية املتقدمة ،مرجع سابق ،ص .830
4 Evaluation_exécution_contrats de gestion déléguée_Région Rabat-Salé-Kénitra, Septembre 2020.P 81.
201
ب) املؤسسات العمومية الترابية فاعل أساس ي في التنمية الترابية
املراكز الجهوية لالستثمار
تشكل املراكز الجهوية لالستثمار أداة مهمة للمساهمة في تحقيق التنمية ،وتشجيع الاستثمار على الصعيد
الترابي ،وهي من بين الوسائل املعتمدة في التعريف باإلمكانات الاقتصادية للجماعات الترابية التي تتمركز
فيها لتحقيق أهداف تنموية خاصة على املستوى الاقتصادي .وعليه ،فإن تبطوير الجانب الاجتماعي وبناء
الدولة الاجتماعية ييل قائما على دور واستراتيجية الاستثمار الخاصة بالجماعات الترابية على مستوى
مجالها الترابي في ظل التعاون والتنسيق مع املراكز الجهوية لالستثمار ،ثم اعتماد آليات ومقاربات تدبيرية
مقاوالتية مبنية على الشفافية كالتشخيص والتصبطيط والتتبع1والتقييم ،وتوجيه املستثمر نحو مشاريع
اجتماعية ،وتبسيط املساطر وتوفير املعلومات ووضعها رهن إشارة الفاعلين الاقتصاديين.
يفرض إنعا الاستثمار في املجال الاجتماعي والتنمية الترابية ،أوال على الجماعات الترابية تحديد
ألاولويات على مستوى املجال الترابي املعني خاصة كل ما يتعلق بالجانب الاجتماعي في إطار التنسيق
والتشارك مع املراكز الجهوية لالستثمار عبر تقديم الدعم الضروري وإلارشاد والتوجيه للمستثمرين2
وللجماعات الترابية أيضا ،وتصصيص مجموعة من املوارد املالية لتمويل الاستثمارات .ومن جهة أخرى
دعم املقاوالت والفاعلين في املجال الاجتماعي ،وتبطوير املناطق املصصصة لالستثمار وتحديد طبيعة
املشاريع املوجهة للتنمية الاجتماعية عبر دراسة الحاجيات واملبطالب الترابية الاجتماعية امللحة من أجل
الاستجابة لها بفعالية ونجاعة.
تعتبر الوكالة الجهوية لتنفيذ املشاريع آلية حديثة في التدبير العمومي باملغرب ،ودعامة أساسية للفعل
الترابي التنموي ،وهذه الوكالة هي آلية لتمكين الجهات والجماعات الترابية عامة من تدبير التنمية وتنزيل
السياسات العمومية الترابية 3ملحاربة كل أشكال التفاوت املجالي والاجتماعي ،فالهدف من وراء إحداث
1املادة 29من القانون رقم 47.18املتعلق بإصالح املراكز الجهوية لالستثمار وبإحداث اللجان الجهوية املوحدة لالستثمار.
2البند ألاول والثاني من الفقرة ألاولى من املادة 4القانون رقم 47.18املتعلق بإصالح املراكز الجهوية لالستثمار وبإحداث اللجان الجهوية
املوحدة لالستثمار.
3املادة 128من القانون التنييمي رقم 111.14املتعلق بالجهات.
202
هذه الوكالة هو تبطوير التصبطيط وتقوية القدرات التدبيرية للمجالس الترابية خاصة ما يتعلق باملجال
الاجتماعي وإنعا الاقتصاد والتنمية الترابية.
بناء على الدور املنوط بالوكالة الجهوية لتدبير املشاريع واملتمثل في تقديم املساعدة بكل أشكالها املالية
والتقنية والهندسية ،فان للوكالة أدوار اجتماعية خاصة في ظل قربها من الحاجيات الترابية وقدرتها على
تشخيص ودراسة الحاجيات واملشاريع ذات ألاولوية الاجتماعية ،وتقدير وتحديد مقدار تمويلها ،وتدبير
واستغالل بعض املشاريع الاجتماعية التي ستنعكس على الساكنة املحلية ،ثم اقتراح مشاريع اجتماعية
تساهم في تفعيل العدالة املجالية والاجتماعية وتذليل كل الفوارق ،إضافة إلى قدرتها على تنفيذ املشاريع
والبرامج الاجتماعية التي يقرها مجلس الجهة.
املحور الثاني :آليات تدخل الجماعات الترابية لتدبير التنمية وبناء الدولة الاجتماعية
إن بناء الدولة الاجتماعية ال يتوقف فقط على سن تشريعات ونصوص قانونية وتنييمية ،وإحداث
مؤسسات وطنية وترابية ملواكبة التنمية وبناء الدولة الاجتماعية ،بل يجب أن يكون إلانسان محور
تدخالت الدولة خاصة تلك املتعلقة بحماية حقوقه ألاساسية واحترام كرامته ،من خالل توفير كل
البنيات التحتية الالزمة لضمان التنمية والتأسيس آلليات تدبيرية تساهم في قيام الدولة.
يعد الاقتصاد والاجتماعي والتضامني من الدعامات الرئيسية ألي اقتصاد من الدول النامية والفقيرة في
ظل املشاكل وألازمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها املواطن ،التي أدت إلى ضعف مؤشرات
التنمية وتفاقم الفوارق الاجتماعية وغياب العدالة املجالية .وعلى أساس ذلك يشكل الاقتصاد التعاوني
آلية بديلة للنهوض بأوضاع املواطن والاستجابة ملبطالبه وحاجياته على املستوى الترابي ،وكذا إعادة توزيع
ثمار النمو بين مصتلف املناطق املهمشة ،وبالتالي التوفيق بين أهداف النمو والتنمية ومبدأ العدالة
الاجتماعية.1
أصبح الاقتصاد التضامني والاجتماعي من ألادوات املهمة لبناء الدولة الاجتماعية انبطالقا من املجاالت
الترابية ملواجهة تحديات التنمية ومصتلف ألازمات كما عبر عن ذلك تقرير النموذج التنموي ،خاصة في
ظل تفاقم مشكلة التغيرات املناخية والجفاف ونتائج ألازمات الصحية والحروب ،إضافة إلى معبطى رئيس ي
1البطاهر بكني :الاقتصاد التضامني :إعادة اختراع الرأسمالية أم تضميد لجروحها؟ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ورهانات التنمية العادلة-
مؤلف جماعي ،مركز تكامل للدراسات وألابحاث ،مبطبعة قرطبة –اكادير ،8787 ،ص .35
203
هو تمكين الفئات الهشة واملقصية من الوصول إلى فرص الشغل والتمويل واليات إلانتاج ،والحصول
على املعلومة املرتببطة بالسوق واملعرفة خاصة التكنولوجية للمساهمة في تقوية ركائز الدولة الاجتماعية.
يقوم هدف الاقتصاد التضامني والاجتماعي على تثمين مصتلف املوارد املحلية واستغاللها لتبطوير
الاقتصاد املحلي والوطني معا ،وابتكار طرق مصتلفة لتوطين املوارد ألاخرى والحفاظ عليها لضمان
استدامة واستمرارية آثار التنمية والبيئة وإلانسان ،ثم ضمان إدماج إلانسان عبر إعمال مقاربة النوع
وإشراك النساء والشباب وخاصة إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في سيرورة الاقتصاد والتنمية ،وبالتالي
التوزيع العادل لثمار النمو بين ألاجيال الحاضرة واملستقبلية.
تتمثل مبادئ الدولة الاجتماعية في املساواة والعدالة الاجتماعية واملجالية في توزيع املوارد والثروات وفي
املشاركة والاستفادة من الخدمات املقدمة ،وسهولة الوصول إلى السلع والخدمات ،1ثم بناء التضامن
والتآزر بين مصتلف الفئات الاجتماعية .إن بناء الدولة الاجتماعية مرتبط بفعالية الفعل التنموي ،وخلق
مبادرات ابتكارية من قلب املجتمع املحلي لتبطوير املوارد املحلية من أجل إشباع الحاجيات ،والهدف هو
تبطوير إلانسان واملناطق املعزولة املحرومة من التنمية.
يتميز الاقتصاد التضامني والتعاوني بكونه يجعل من أولوياته التشغيل واملبادرة الذاتية ،ومحاربة الفوارق
الاجتماعية واملجالية ،من خالل الارتقاء بالفرد وإدماجه في الدورة الاقتصادية ،وبالتالي إعادة التوازن
للمجتمع والحد من التفاوت والاختالالت الاجتماعية .وعلى هذا ألاساس ،فان إعبطاء أهمية للحرف
والصناعة التقليدية وأدوات التنقل وإلانتاج وتبطوير املناطق املصصصة لذلك هو من أولويات الجماعات
الترابية في البرامج التنموية واملصبطبطات واملشاريع العمومية املعتمدة من طرف املجالس املنتصبة،
ومساعدة حاملي املشاريع وملفات التعاونيات والتعاضديات عبر تبسيط املساطر إلادارية ،وتوفير الوسائل
املادية من تمويل وتسهيل القروض ،واملساعدات اللوجيستية والتقنية بواسبطة كل وسائل العمل
والتحويل ،إضافة إلى التكوين املستمر.
تعاني الجماعات الترابية من عدة إكراهات واختالالت تنموية وفوارق في مؤشر التنمية بين جهات اململكة،
ومن آلاليات التي يمكن أن تلعب إلى جانب املجالس الترابية املنتصبة دورا مهما في تحقيق املبطالب
التنموية ،وتقوية وتحديث أدوار الجماعات الترابية ملواجهة العجز الذي تواجهه في مجال التنمية
والاستجابة لحاجيات املواطنين ،نجد كلمن صندوق التضامن الجهوي وصندوق التأهيل الاجتماعي
كآليات تدبيرية مؤسساتية.
1جون رولز :العدالة كإنصاف "إعادة الصياغة" ،ترجمة حيدر حاج إسماعيل ،املنيمة العربية للترجمة ،البطبعة ألاولى – بيروت ،دجنبر
،8777ص .57
204
يشكل التضامن وسيلة فعالة ملواجهة الفوارق التنموية بين جهات اململكة ،وآلية فعالة لترسيخ املساواة
والعدالة الاجتماعية .يتم تفعيل التضامن من خالل إعادة توزيع املوارد بين جميع املناطق والفئات
الاجتماعية على أساس وجود جهات غنية وأخرى فقيرة تضم فئات وطبقات اجتماعية هشة .وتبعا
لذلك ،تم إحداث آليات مؤسساتية تحت اسم "صندوق التضامن بين الجهات" 1الذي عوض مؤسسة
"صندوق املوازنة والتنمية والجهوية" ،والصندوق الجهوي للتأهيل الاجتماعي.
جاء صندوق التضامن بين الجهات لتعزيز مشروع الجهوية املتقدمة ،2ومواكبة محدودية املوارد
املصصصة للجماعات الترابية ومساعدتها على الرفع من مؤشر التنمية وتقليص التفاوتات املجالية،
والعمل على التوزيع العادل للموارد قصد التقليص من التفاوتات بين الجهات ،3بحيث نجد أن هناك
جهات تحقق نسب نمو كبيرة مقارنة ببعض الجهات ألاخرى ،4وهو ما يعرقل هدف بناء الدولة الاجتماعية
ُ
حينما ال توجد عدالة في النمو وفي التنمية فإن النتيجة هي تكريس العجز العمومي .ونفس الهدف أحدث
له صندوق التأهيل الاجتماعي ملواجهة تعثر التنمية وتبطوير مؤشر الدخل الفردي والقضاء على الهشاشة
والفقر وإلاقصاء الاجتماعي.
وفي نفس السياق ،نص دستور 52011على آلية الصندوق الجهوي للتأهيل الاجتماعي 6من أجل سد
العجز الحاصل في التنمية البشرية ،وكل ما يتعلق بالتجهيزات ألاساسية السيما املتعلقة باملاء الصالح
للشرب والكهرباء ،والصحة ،7وهي شروط أساسية لبناء الدولة الاجتماعية وتحقيق عدالة اجتماعية
1املواد 835إلى 831من الباب الثاني من القانون التنييمي رقم 000.05املتعلق بالجهات ،لجريدة الرسمية عدد 1327الصادرة بتاريخ 1
شوال 83( 0531يوليو ،)8704ص .1424واملرسوم رقم 110.00.8الصادر في فاتح ربيع ألاول 87( 0537نونبر )8700بتحديد معايري
توزيع مداخيل صندوق التضامن بني الجهات.
2انير الكتاب الثالث " الجهوية املتقدمة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية " ،مرجع سابق ،ص .013
3املادة 234من القانون التنييمي للجهات رقم 111.14
4خالل 8707تم خلق 42.0باملائة من الثروة الوطنية ،حيث بلغت نسبة الدار البيضاء سبطات %30.2والرباط سال القنيبطرة %04.3
وطنجة تبطوان الحسيمة https://www.maroc.ma.%07.7نشر بتاريخ 26يوليوز ،8780تم الاطالع عليه بتاريخ .8780/00/83
5الفصل 142من الدستور
6املواد 887إلى 833من الباب الثاني من القانون التنييمي رقم 000.05املتعلق بالجهات ،واملرسوم رقم 472.00.8الصادر في فاتح ربيع
ألاول 87( 0537نونبر )8700بتبطبيق أحكام املادة 830من القانون التنييمي رقم 05.000املتعلق بالجهات فيما يصص صندوق التأهيل
الاجتماعي.
7املادة 229من القانون التنييمي للجهات :يهدف صندوق التأهيل الاجتماعي املحدث بموجب الفصل 058من الدستور ،إلى سد العجز
في مجاالت التنمية البشرية ،والبنيات التحتية ألاساسية والتجهيزات ،السيما في املجاالت التالية:
املاء الصالح للشرب والكهرباء؛
السكن غير الالئق؛
الصحة؛
التربية؛
شبكة البطرق واملواصالت.
205
ومجالية بين مصتلف مكونات الجماعات الترابية .بالتأكيد هناك تفاوتات كبيرة بين الجماعات الترابية
تتضح من مؤشرات التنمية خاصة فيما يتعلق بالولوج إلى التربية والتكوين والتشغيل ،ناهيك عن البنيات
التحتية املرتببطة بالبطرق وجميع املواصالت ،وتوفير املاء والكهرباء ،إضافة إلى كل ما يتعلق بالصحة
ومرافقها ،ومدى تأثيرها على التوزيع املتوازن للسكان ،وتحسين مستوى العيش الذي يسمح باملساهمة
في خلق الثروة والتنمية ،ومحاربة الهجرة.
إن الهدف من إحداث هذه الصناديق هو الريي باملستوى الاجتماعي للمواطن املحلي ،وإعادة الاعتبار
للمناطق املهمشة عبر توجيه وتوزيع التجهيزات والبنيات التحتية بنفس الوثيرة ،ثم توجيه السياسات
والبرامج العمومية بشكل متساو بين مصتلف املناطق .فالحديث عن التضامن والتأهيل على املستوى
الترابي يجب أن يرتكز على تقاسم إلامكانات املادية والتجهيزات ألاساسية ،وتقديم املساعدات لفائدة
الجماعات الترابية الفقيرة ،فالتنمية الترابية في حاجة إلى تشخيص الحاجيات وتحديد ألاهداف والنتائج
وتقديم الحساب على ذلك ،إضافة وجود الفكر املقاوالتي لدى املدبر الترابي من خالل ابتكار أدوات
للتنمية والارتقاء باملجاالت الترابية.
يعتبر التتبع والتقييم من آلاليات الحديثة املعتمدة في التدبير املبني على النتائج ،وهي وسيلة للوقوف على
تقدم انجاز املشاريع والبرامج التنموية املعتمدة من طرف الجماعات الترابية وحسن تدبيرها ،ومراقبة
النتائج وألاهداف املتوقعة واملحققة على أرض الواقع ،ومدى احترام ومالءمة املوارد مع مصتلف ألانشبطة
لبلوغ النتائج املنتيرة .إن ما يعوز تجويد التدبير الترابي والرفع من مساهمة الجماعات الترابية في نسبة
النمو باملغرب هو غياب التتبع والتقييم للمشاريع والبرامج التنموية ،وبالتالي فشلها وعدم تحقيقها
لألهداف املسبطرة.1
إن تتبع وتقييم السياسات والبرامج العمومية أصبح اليوم مبطلبا أساسيا في تدبير التنمية باملغرب ،ألن
جودة تدبير املصبطبطات والبرامج واملشاريع التنموية وتحقيق ألاهداف املسبطرة ،والاستعمال ألامثل للموارد
املصصصة للتنمية يساهم في بناء الدولة الاجتماعية .فالتقييم مرتبط بالتنمية الوطنية املؤدي إلى قيام
دولة اجتماعية ،إذ أنه لم يعد ألامر يقتصر فقط على متابعة تنزيل مشاريع موجهة ألغراض تنموية تهدف
إلى امتصاص املبطالب والاحتياجات ،بل يجب أن تكون هذه السياسات ومصتلف البرامج لها أهداف
وطنية كالتنمية املستدامة ،والرفع من نسبة النمو إلى جانب التنمية ،واملساهمة في الناتج الوطني.
1أشار تقرير املجلس ألاعلى للحسابات إلى ضعف آلية تتبع وتقييم تنفيذ برامج عمل الجماعات ولم يتم من خاللها إعداد تقارير سنوية
عن تنفيذ برامج عملها ،تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي 8707و ،8787مرجع سابق ،ص .0127
206
ث) ربط قيام الدولة الاجتماعية باملسؤولية وباملحاسبة وتقديم النتائج
دائما ما تكون النتائج وتحقيق ألاهداف مرتببطة باملساءلة والحساب ،فالدستور وغيره من
القوانين جاءت بعدة مقتضيات ومستجدات ترتبط بالحكامة الجيدة ،1خاصة الفصل 045الذي
نص على مجموعة من القيم واملبادئ ألاساسية للحكامة املالية والتدبيرية في شكل معايير الجودة،
الشفافية ،املحاسبة واملسؤولية ،واحترام القانون ،فمبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة يمكن رببطه
أيضا بما جاء في القانون التنييمي للمالية رقم 037.03بما يهم الشفافية والصدقية ،وأهمية
املعبطيات والوثائق املقدمة للب رملان ،وتحديد ألاهداف وتقييمها.2
ال يتوقف بناء الدولة الاجتماعية عند تبطوير ومساعدة ألافراد ،بل يفترض أيضا وجود مؤسسات ومرافق
تساهم في تنزيل النصوص وآلاليات واملساعدات لفائدة املواطن ،فاملرافق العمومية لها مهمة تقديم
الخدمات خاصة الاجتماعية من صحة وتعليم وتشغيل ...ولذا هناك ضرورة لتفعيل املحاسبة عن
تدبيرها لألموال العمومية ،ولدرجة تجويد خدماتها طبقا للقوانين الجاري بها العمل ،مع إخضاعها
للمراقبة والتقييم .3ونفس الش يء بالنسبة للفاعلين خاصة وان هناك تقارير ضد بعض النصب
الترابية.4
يشكل تفعيل مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة عموما أداة أساسية إلنجاح البرامج التنموية
الترابية ،من خالل مراق بة النفقات العمومية املصصصة للجماعات الترابية واملوجهة لخدمة
املصالح املجتمعية من تدبير املرافق العمومية وتنزيل السياسات العمومية الترابية وإقامة بنيات
وتجهيزات أساسية .وعليه ،يفرض تفعيل املبدأ نفسه سواء من طرف الب رملان أو الحكومة نفسها
أو من خالل املجلس ألاعلى للحسابات إلى جانب املجالس الجهوية للحسابات 5التي تتولى مراقبة
حسابات الجهات والجماعات الترابية وهيئاتها.
207
.0وسائل إبراز الدور الاجتماعي للجماعات الترابية في تدبير البرامج واملوارد
أ) أولوية الخدمات الاجتماعية في البرامج واملخططات الترابية
ال يقتصر دور الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية فقط على توفير سبل العيش الكريم املتعلق
بضمان وجود املواد ألاساسية وكل متبطلبات الحياة اليومية ،بل يبطال كل وسائل التمكين والاستدامة،
إذ أن من أهم الخصائص التي تبطبع املشاريع والبرامج املوجهة لخدمة إلانسان هي طبيعتها الاجتماعية
وسهولة الوصول والحصول على جميع الخدمات ،أي فك العزلة عن املناطق النائية واملهمشة بتوفير
النيات التحتية ،وتوطين جميع ألانشبطة املدرة للدخل سواء كانت صناعية أو تجارية أو زراعية .وتدخل
الجماعات الترابية يجب أن يتم على أربعة جوانب والتي تشكل سلسلة متراببطة ،ويتمثل ألاول في اختيار
ألاهداف التي ِّ
يوجه إليها جهد التغيير ،ثم تحديد نقبطة التغيير ،إضافة إلى اختيار الوسائل املستصدمة
لتنفيذ التدخل ،وأخيرا تقييم نتائج التدخل.1
إن التأسيس لدولة اجتماعية بمشاركة الجماعات الترابية يقتض ي اعتمادها برامج تنموية شاملة تضمن
جميع الحقوق والحاجيات الضرورية ،وتعميم الاستفادة من الخدمات ألاساسية وتقريبها من املواطنين،
كالبنيات التحتية املتعلقة باملاء والكهرباء ،والبطرق ،والخدمات الصحية من مستشفيات ومستوصفات،
والتعليم كتوسيع أسبطول النقل املدرس ي ،وهي آليات تحقيق التماسك الاجتماعي وعدم التمييز بين أفراد
املجتمع ،2والتي تأخذ بعين الاعتبار إلانسان كفاعل ومستفيد في نفس الوقت.
وتتميز الجماعات الترابية بكونها الفضاء املالئم البتكار الحلول التنموية عن طريق توفير اليروف املالئمة
للعيش لكافة املواطنين ،فالتنمية تهدف إلى تحسين رفاهية السكان ،وتلبية حاجياتهم ومبطالبهم ألاساسية
املرتببطة بتبطوير بعض القبطاعات كالصحة والسكن وكل الخدمات العمومية ،3من خالل مهمة تجويد
إعداد البرامج التنموية وتحديد أولوياتها ،ألن دور الجماعات الترابية هو دور تنموي ،ولذا تشكل البرمجة
ومراعاة امليزانية ألاساس الذي ترتكز عليه ترجمة املشاريع والبرامج التنموية على أرض الواقع .وعلى
أساس ذلك يكون من الالزم تبطبيع املشاريع واملصبطبطات التنموية املزمع توطينها على املستوى الترابي
بالصفة الاجتماعية ،من خالل إعبطاء ألاولوية للبرامج واملشاريع الاجتماعية في البرامج واملصبطبطات
التنموية.
وتتوفر الجماعات الترابية على اختصاصات مهمة في املجال الاجتماعي ،فاملجلس املنتصب يمتلك
صالحيات قانونية وتدبيرية لتيسير الفعل التنموي ،ويتجلى دور املجلس في خلق وابتكار مجموعة من
البرامج التي تستهدف الفئات الهشة واملقصية من املجتمع ،كذوي الاحتياجات الخاصة وتسهيل وصولها
1 Walls and Bridges : Anthony J. Cortese, STATE UNIVERSITY OF NEWYORK PRESS ALBANY, 2003, P 162.
3 Ibid.
208
وحصولها على الخدمات املصتلفة ،وإحداث دور لإليواء وألارامل والعجزة والبطفولة ومؤسسات تأهيلها
وتكوينها ،والاهتمام ببعض القبطاعات الحيوية ألاخرى وإن كانت من اختصاصات القبطاعات الوصية في
إطار الذكاء والابتكار الترابي والتعاون والشراكة.
إن العمل على بناء الدولة الاجتماعية يمر من خالل توفير شروط التنمية ،فالدولة الاجتماعية ليست
مجرد تصصيص تشريعات تؤطر العمل الخيري أو تقديم الدعم الاجتماعي للمواطن والفئات الهشة
واملقصية ،بل يتبطلب كذلك العمل على ضمان آليات وأدواة وإجراءات اقتصادية للوصول إلى اقتصاد
اجتماعي يضم جميع الفئات الاجتماعية ،من خالل تبطوير مجاالت أخرى لها عالقة مباشرة مع املواطن
كما هو الشأن لالقتصاد الاجتماعي والتضامني وتبطوير التعاونيات ومساعدتها ،إضافة إلى حث الفاعلين
الاقتصاديين على الانصراط في املجهودات املبذولة من طرف الدولة خاصة في تبطوير وتمويل املشاريع
ذات الصبغة الاجتماعية أو مواكبة حاملي هذه املشاريع.
ال يمكن تحقيق التنمية على املستوى الترابي في ظل الفوارق املجالية والاجتماعية ،ومصتلف أنواع التمييز
في بعض املجاالت كما هو الشأن ألداء الضريبة .فالدول تقوم على مداخيل الضرائب والرسوم وغيرها
من املوارد ،إذ أن امليزانية العامة للدولة والجماعات الترابية هي ألاداة الرئيسية لتفعيل العدالة
الاجتماعية ،وتذليل الفوارق البطبقية والاجتماعية واملجالية بناء على الديمقراطية والحق والقانون
والتعددية والتضامن واملساءلة وتكافؤ الفرص ،ومقومات العيش الكريم للجميع ،في نبطاق التالزم بين
حقوق وواجبات املواطنة كما جاء في الدستور.
إن أساس املشاركة في التمويل عبر أداء الضريبة والرسوم املحلية يقوم على التضامن الاجتماعي من أجل
توفير موارد مالية ملواجهة أعباء والتزامات عامة ،وأداء الضريبة يقوم على العدل بين املواطنين حسب
القدرة التكليفية والاستفادة من ثمارها .والغاية من أداء الضريبة والرسوم هو تحقيق عدة أهداف
خاصة ما يتعلق بإعادة تمويل مشاريع أخرى لها تأثير كبير على املواطن ،وييل التوجيه الصحيح للضريبة
والرسوم هو أساس التدبير الترابي من أجل خلق الثروة وابتكار مشاريع وبرامج تنموية اجتماعية تساهم
في تقوية وصمود الجماعات الترابية في وجه بعض املشاكل وألازمات كما هو الشأن ألزمة كورونا.
وانبطالقا من واقع الجماعات الترابية ،يالحظ غياب العدالة الضريبية بين الجهات 1والجماعات الترابية،
وضعف مردودية الرسوم بسبب ضعف قيمة املشاريع املحدثة على مستوى الجماعات الترابية ،وكذا
إشكالية التهرب الضريبي ،ثم عدم قدرة املدبر الترابي على الابتكار في تسويق املنتوج والخصائص املحلية،
بدل الاتكال على قرارات السلبطة الوصية وانتيار تحويالت ومساهمات الدولة .وعلى هذا ألاساس ،فإن
1مثال الرسوم على الخدمات املقدمة باملوانئ ،والرسم على رخص الصيد البحري...
209
إعادة توزيع بعض الضرائب واملوارد بين الجماعات الترابية الفقيرة والغنية داخل نفس املجال الترابي
بناء على تحديد ألاولويات الترابية ،ثم تجاوز املنبطق التقليدي للتحويالت املالية من الدولة إلى الجماعات
ُ
الترابية 1على أساس التنمية واملساهمة في إنجاز مشاريع تنموية ملموسة تر َاعى فيها الدقة في الدراسات
والتشخيص ،وتحديد النتائج ،ودقة البرمجة والتصبطيط ،ثم املتابعة واملراقبة كمفتاح إنجاح الدولة
الاجتماعية والارتقاء بنسب النمو والتنمية.
يساهم إعادة توزيع املداخيل واملوارد الترابية بشكل كبير في تحقيق التكامل والتجانس بين الجماعات
الترابية املنضوية داخل نفس الجهة ،من خالل إيالء ألاهمية وألاولوية في البرامج التنموية الترابية بناء
على حاجيات وأولويات املجاالت الترابية الفقيرة داخل نفس الجهة ،بحيث أن البرنامج يساهم في تحديد
الحاجيات وألاولويات انبطالقا من خصوصيات كل جهة ،وبالتالي بناء عالقة أكثر توازنا بين الوحدات
الترابية ،وبين املواطنين داخل نفس املجال الترابي املعني خاصة في ظل الولوج غير املتكافئ للخدمات
ألاساسية من تعليم وصحة وتشغيل وسكن وتعقيد املساطر ...بالنير إلى أهميتها الاستراتيجية ودورها
ألاساس ي في بناء مجتمع متكامل ومتجانس.
يقوم رؤساء مجالس الجهات والجماعات الترابية ألاخرى بتنفيذ مداوالت مجالسها ومقرراتها ،2في إطار
مبادئ التدبير الحر والتفريع ...وفي ظل كذلك الاختصاصات املنوطة بالجماعات الترابية في مجاالت عدة
متصلة مباشرة بالفئات الاجتماعية الهشة واملقصية كالصحة والتعليم والسكن ...لذلك فإن توجيه
املوارد املالية وتركيزها على هذه القبطاعات ذات ألاولوية الاجتماعية يعد من صميم الحكامة التدبيرية.
وفي هذا الصددُ ،وضعت تحت سلبطة الجماعات الترابية آليات مهمة للنهوض باملجال الاجتماعي وتمويله،
كشركات التنمية املحلية وصناديق التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات عبر ضخ ألاموال الالزمة
لذلك ،وتتبعها وتوجيهها نحو الهدف ألاساس ي بواسبطة تمويل املشاريع بالضرائب والرسوم وكل
املساعدات املحصل عليها من طرف الجماعات الترابية ،من أجل الاستجابة لحاجيات جميع املواطنين
من خالل تيسير الولوج والحصول على الخدمات ألاساسية ومواجهة كل املصاطر.
ال يمكن تحقيق كل ألاهداف بدون توفر الجماعات الترابية على موارد مالية مهمة وقارة ،فثروة الجماعات
الترابية تتشكل من موارد ذاتية ومساهمات الدولة والاقتراضات وألامالك ،فضال عن بعض املشاريع
املدرة للدخل رغم قلتها .وعليه ،جاء القانون رقم 87-70بمجموعة من املقتضيات للرفع من مداخيل
الجماعات الترابية وتبطوير أدائها وتدخالتها في مصتلف املجاالت والقبطاعات ،لكن رغم ذلك ظلت نفس
210
الوضعية السابقة على حالها حيث تكريس التفاوت الجبائي ،أو لضعف املردودية الضعيفة لبعض
الرسوم.
خاتمة
تبقى الجماعات الترابية فاعال مهما في تحقيق التنمية كنتيجة ملجموعة من التبطورات والتغيرات التي
أملتها اليروف الحالية ،من خالل مجموعة من الوسائل التي تمتلكها سواء كانت قانونية أو تدبيرية أو
مؤسساتية ،فبناء الدولة الاجتماعية غير محصورة فقط في الدولة ،بل هناك فاعلين آخرين قادرين على
املساهمة في تحقيق هذا الهدف .فاملقاربة الترابية في بناء الدولة الاجتماعية تعد من ركائز تحقيق هذا
الهدف لكون املجاالت الترابية فضاء مالئما لخلق بدائل وحلول ،وبفعل كذلك قرب الجماعات الترابية
من الحاجيات واملبطالب الاجتماعية املحلية املتجددة واملتبطورة ،وقدرتها على مواكبتها وتشخيصها بشكل
فعال.
وعموما تتمثل الدولة الاجتماعية كما جاء في تقرير النموذج التنموي بتفعيل العدالة املجالية
والاجتماعية من خالل التوزيع العادل للموارد والخدمات وضمان الولوج إلى الحقوق الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية والبيئية للحد من الفوارق البطبقية والتفاوتات الترابية .وعليه ،فإن املساهمة في
بناء الدولة الاجتماعية انبطالقا من املستوى الترابي يتبطلب تفعيل إمكانيات الجماعات الترابية وتبطويرها،
وكذا التجديد في آلاليات املعتمدة لتدبير التنمية ومتابعتها.
الئحة املراجع:
املراجع باللغة العربية:
الكتب
البطاهر بكني :الاقتصاد التضامني :إعادة اختراع الرأسمالية أم تضميد لجروحها؟ الاقتصاد الاجتماعي
والتضامني ورهانات التنمية العادلة-مؤلف جماعي ،مركز تكامل للدراسات وألابحاث ،مبطبعة قرطبة –
اكادير.8787 ،
جون رولز :العدالة كإنصاف "إعادة الصياغة" ،ترجمة حيدر حاج إسماعيل ،املنيمة العربية للترجمة،
البطبعة ألاولى – بيروت ،دجنبر .8777
الرسائل وألاطروحات
عادل تميم :البعد الجهوي في سياسات تدبير الاستثمار وانعكاسه على التنمية –على ضوء الجهوية
املتقدمة ،جامعة عبد املالك السعدي كلية العلوم القانونية ،الاقتصادية والاجتماعية –طنجة-8704 ،
.8701
211
محمد أهيري :تدبير املشاريع العمومية "البطرق السيارة نموذجا" ،رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون
العام والعلوم السياسية ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –
أكدال – الرباط.2017-2016 ،
املجالت العلمية
عبد هللا شنفار :الفاعلون املحليون والسياسات العمومية املحلية" :دراسة في القرار املحلي" ،مبطبوعات
املعرفة -مراكش ،البطبعة ألاولى.2015 ،
املقاالت العلمية
عبد الرفيع زعنون :تدبير التنمية الترابية وسؤال الديموقراطية :الفرص واملصاطر ،مؤلف مشترك ،مركز
تكامل للدراسات وألابحاث ،مبطبعة قرطبة –اكادير.8787 ،
عبد الحافظ ادمينو :التعاقد بين املديريات املركزية واملديريات الجهوية وترسخ التدبير الالمتمركز املجلة
املغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،العدد ،140ماي – يونيو .8702
علي الحنودي :الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية ،املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية ،عدد
،135-136ماي – غشت .2017
بجيجة العربي :ممثل السلبطة املركزية بالجماعات الترابية "أي دور للوالة/العمال من خالل الدستور؟"،
مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد ،مبطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،العدد ،29/30
السنة .2015
عماد أبركان :الوالة والعمال في النموذج املغرب لإلدارة املحلية وسؤال الحكامة الترابية ،مجلة مسالك
في الفكر والسياسة والاقتصاد ،مبطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،العدد ،32/31السنة .2015
عبد القادر الخاضري" :الجماعات الترابية باملغرب – من التسيير إلاداري إلى تدبير اقتصاد التنمية –
مقاربة قانونية وسياسية" ،املجلة املغربية للسياسات العمومية ،العدد ،85صيف .8704
النصوص القانونية والتنظيمية
القانون التنييمي رقم 000.05املتعلق بالجهات الصادر بشأنه اليهير الشريف رقم 1.15.83بتاريخ 20
من رمضان 7( 1436يوليو ،)2015الجريدة الرسمية عدد ،6380بتاريخ 23يوليوز ،2015ص .6585
القانون التنييمي رقم 112.14املتعلق بالعماالت وألاقاليم الصادر بتنفيذها ليهير الشريف رقم
1.15.84صادر في 20رمضان 7( 1436يوليوز ،)2015الجريدة الرسمية عدد 6380الصادرة في 6شوال
( 23يوليوز .)2015
القانون التنييمي رقم 113.14املتعلق بالجماعات الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم 1.15.85صادر
في 20رمضان 7( 1436يوليوز ،)2015الجريدة الرسمية عدد 6380الصادرة في 6شوال ( 23يوليوز
.)2015
القانون التنييمي للمالية رقم ،03-037الصادر بشأنه اليهير الشريف رقم 0-04-18صادر في 05من
شعبان 8( 0531يونيو ،)8704الجريدة الرسمية عدد – 1307فاتح رمضان 02( 0531يونيو ،)8704
ص .4207
212
القانون رقم 47.18املتعلق بإصالح املراكز الجهوية لالستثمار وبإحداث اللجان الجهوية املوحدة
لالستثمار الصادر بشأنه ظهير رقم 0.07.02صادر في 03فبراير ،8707الجريدة الرسمية عدد 1045
الصادر ب 04جمادى الاخرة 80( 0557فبراير ،)8707ص .235
مرسوم رقم 2.17.618صادر في 18من ربيع آلاخر 26( 1440دجنبر )2018بمثابة ميثاق وطني لالتمركز
إلاداري ،الجريدة الرسمية عدد 6738صادرة بتاريخ 27دجنبر ،2018ص .9787
املرسوم رقم 110.00.8الصادر في فاتح ربيع ألاول 87( 0537نونبر )8700بتحديد معايير توزيع مداخيل
صندوق التضامن بني الجهات ،الجريدة الرسمية عدد 5( 1180دجنبر ،)8700ص .1210
الخطب والرسائل امللكية
الخبطاب امللكي بمناسبة الذكرى الثالثة والثالثين للمسيرة الخضراء ،بتاريخ 1نونبر .8772
الخبطاب امللكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،بتاريخ 02ماي .8774
الرسالة امللكية املوجهة إلى املشاركين في الدورة ألاولى للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية سنة .8707
التقارير
تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي 8707و ،8787الجريدة الرسمية عدد 0703
مكرر ،ص 05 ،0855مارس .8788
النموذج التنموي "تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع" :التقرير
العام ،ابريل .2021
تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني :الحكامة الترابية رافعة للتنمية املنصفة واملستدامة ،إحالة
ذاتية رقم .8707/58
إلاطار املرجعي لتقييم السياسات العمومية ،منشورات مجلس النواب.2017 ،
اللجنة الاستشارية للجهوية :الكتاب الثالث "الجهوية املتقدمة في خدمة التنمية الاقتصادية
والاجتماعية".
213
Rapports :
Evaluation_exécution_contrats de gestion déléguée_Région Rabat-Salé-Kénitra, Septembre
2020.
:املواقع الالكترونية
https://www.maroc.ma
http://www.regionalisationavancee.ma
214
البعد السوسيومجالي لالعدالة في الصحة وسؤال الحماية الاجتماعية بأكادير الكبير:
حالة الجماعة الترابية القليعة وسيدي بيبي
بدر الدين أيت العسري
أستاذ جامعي
تصصص جغرافيا
مقدمة
يعتبر أكادير الكبير قبطبا حضريا بارزا في هيكلة التراب املغربي ،يضمن به املغرب ازدهاره الاقتصادي
ويشكل إحدى أذرعه الواقية أمام تحديات العوملة .فهو نافذة عاملية حقق نجاحات في قبطاع الفالحة
والتجارة والسياحة .إال أن خلف هذه املكانة املتميزة تحتجب عدة اختالالت عمرانية واجتماعية تحتاج
إلى تدخالت إرادية وقوية.
ومن بين الجوانب التي تتبطلب التدخل نجد ضعف مبادئ العدالة في التنييم املجالي والاجتماعي ،ومن
مياهره استفحال التفاوتات السوسيواقتصادية واملجالية في الصحة والولوج للعالج .تعود جذورها
باألساس إلى الفوارق في اليروف املعيشية ما بين مركز املدينة أكادير املزدهر واملنيم واملجاالت الهامشية
املحيبطة بمدينة أكادير التي تعيش على وقع الهشاشة والعشوائية ،والتهميش املجالي والاجتماعي،
والقصور في التنييم العمراني والخصاص في الخدمات الاجتماعية .كما ترتبط بالتدبير غير املندمج
للصحة وبصفة عامة ترتهن بجودة إطار حياة السكان.
في هذا الصدد تبرز هذه الورقة بعض مياهر ضعف العدالة السوسيومجالية في الصحة ،كما تكشف
عن املحددات البيئية املعيشية وعالقتها بأوجه الفوارق الترابية في الحالة الصحية والولوج للعالج.
ويحدونا ألامل إلاسهام في توفير جوانب من املعرفة وألاسس العلمية التي ينبغي أن تسند عليها الخريبطة
الصحية بهدف تحديد أولويات السياسات العمومية الترابية ونيام الحماية الاجتماعية في ميدان
الصحة ،كمدخل أساس ي للرفع من درجة التماسك الترابي والعدالة السوسيومجالية بأكادير الكبير،
إسهاما في ترسيخ مبادئ الدولة الاجتماعية.
.1إلاشكالية
تتجلى إشكالية هذه الورقة البحثية في تشخيص واقع العدالة والالعدالة السوسيومجالية باملجال
الحضري أكادير الكبير ،عبر رصد مياهر التفاوتات والفوارق الترابية في الصحة والولوج للعالج باملجاالت
الهامشية املحيبطة بمدينة أكادير التي تتصف بالهشاشة والتهميش ،على الرغم من الوظائف وألادوار
العمرانية الحيوية التي تقدمها ملركز املدينة أكادير ،الذي يعيش في ظل الازدهار والحيوة الاقتصادية،
ووفرة الخدمات والاستفادة من برامج التنمية الحضرية .ومن شأن هذه الاختالالت أن تفرض تحديات
على أهداف التنمية الحضرية املندمجة ،والتي من أبعادها الحق في الصحة كعنصر أساس ي من عناصر
التنمية البشرية ومكون ال محيد عنه لتنزيل ور الحماية الاجتماعية وبناء الدولة الاجتماعية.
215
يتفرع عن هذه إلاشكالية ألاسئلة التالية :ماهي مياهر الفوارق السوسيومجالية في الصحة وفي الولوج
للعالج؟ هل تتكرس تبعية الهامش للمركز في الولوج للعالج والانتفاع منه ،بذلك تعيد إنتاج التفاوتات
السوسيومجالية التي تبطبع بايي املؤشرات الاجتماعية والاقتصادية وتعيق الاندماج الترابي؟ ما نوع
وطبيعة املحددات والعوامل املؤثرة في تفاوت الحالة الصحية للسكان وفي الولوج للعالج باملجال الهامش ي
املحيط ألكادير الكبير؟
ماهي أولويات التدخل لتقليص الفوارق الترابية؟ وماهي مداخل تعزيز الحماية الاجتماعية في الصحة
الستفادة السكان من الحق في الصحة ،وفي الولوج لخدمات الصحة ،باعتبارها حقا من حقوق إلانسان
ومكونا مهما من مكونات التنمية الحضرية.
بناء على هذه إلاشكالية تم وضع الفرضيات التالية:
ال تبطرح إشكالية التفاوتات في الصحة وفي الولوج للخدمات الصحية بالجماعة الترابية القليعة وسيدي
بيبي بفضل توفرهما على عدة مؤهالت اقتصادية مشجعة ،واستفادتهما من الانتماء للمجال الحضري
أكادير الكبير املزدهر اقتصاديا.
أفرزت الدينامية العمرانية العشوائية محددات غير مرضية وغير معززة للصحة وللولوج للعالج والانتفاع
منه.
.0إلاطار املجالي والزمني للدراسة
يتحدد إلاطار املجالي للدراسة في املجال الحضري أكادير الكبير ،وقد اخترنا كل من الجماعة الترابية
القليعة وسيدي بيبي باعتبارهما مجاالت هامشية محيبطة وقريبة من مركز املدينة أكادير (خريبطة .)0
كما يتصفان
216
الخريطة :1مجال الدراسة في سياقه الوطني والجهوي واملحلي
بدينامية عمرانية أفرزت محددات وظروف بيئية معيشية ،عبطوبة وهشة ،ومتفاوتة سوسيومجاليا .مما
سيمكننا من مقاربة موضوع البعد السوسيومجالي للعدالة واستجالء خصوصيات الفوارق الترابية في
الصحة وفي الولوج للعالج.
أما بالنسبة لإلطار الزمني فقد حصرنا معبطيات الدراسة في السلسلة الزمنية من الفترة الزمنية ما بين
(.)8788-8705
.2مفاهيم ومصطلحات الدراسة
محددات الصحة البيئية املعيشية :هي اختزال للمحددات البطبيعية والاجتماعية والاقتصادية
والثقافية والسياسية والبطبية وتتأثر بالخيارات السياسية وتوزيع الدخل والثروة والسلبطة والنفوذ.
وتهيكل اليروف املعيشية للفرد ونمط حياته وتؤثر في حالته الصحية .تفاوت هذه املحددات ينتج عنه
تفاوت وفوارق في الحالة الصحية للسكان وفي الولوج للعالج والانتفاع منه.
تفاوت أو تباين الصحة :نعني بها تفاوت في الحالة الصحية للسكان ،بسبب تباين املحددات البطبية
والاجتماعية املؤثرة فيها ،وتعد ألاسباب الرئيسة في نشوء الالعدالة في الصحة.
217
الحالة الصحية :هي قياس ملستوى صحة الفرد أو املجتمع من خالل مؤشرات :املراضة ،إلاعاقة
والوفيات.
العدالة في الصحة :العدالة تعني إلانصاف والعدالة في الصحة تعني أن احتياجات الناس هي التي توجه
توزيع فرص املعافاة بينهم ،كما أنها تعني تقليص فجوات إلاجحاف في صحة الفئات الاجتماعية
واملستويات املجالية املصتلفة ومحدداتها.
ولوجية الخدمات الصحية :نقصد بالولوجية إلى الخدمات الصحية قدرة املريض أو املجتمع على
استعمال ما يلزمه من الخدمات الصحية ارتباطا بصصائص نيام تقديم الخدمات الصحية من جانب
تنييمها وتوافرها وتمويلها وخصائص السكان على املستوى الديمغرافي والدخل والسلوكات ،وما إذا كانت
تلبي أو ال تلبي الاحتياجات البطبية ألاساسية للفرد أو للجماعات بالقدر الكافي .وتعتبر التفاوتات الاجتماعية
والاقتصادية واملجالية السبب الرئيس ي في الالعدالة في الولوج إلى الخدمات الصحية واستعمالها سواء
ما بين املناطق املعزولة وغير املعزولة ،أو ما بين الجهات وألاقاليم والوسط القروي والحضري وما بين
الاجتماعية1. الفئات
الولوجية الجغرافية :فالتوزيع غير عادل للبنيات الصحية واملوارد البشرية قد يؤثر في الاستفادة من
املساعدة البطبية وبالتالي تتأثر صحة إلانسان لدرجة املوت ،حيث أن البعد أو القرب من العالج حاضر
بقوة ضمن ألاسباب املؤدية للوفاة خصوصا في املناطق التضاريسية الوعرة واملعزولة .ومن بين مؤشرات
تقييم مستوى الولوجية الجغرافية نشير إلى املسافة ،مدة التنقل ،الوقت الضائع ،كلفة التنقل ،وسائل
النقل ،التضاريس واملناخ ....
الولوجية الاقتصادية الاجتماعية :ترتبط بكلفة العالج وشراء ألادوية ودخل الفرد ....
الولوجية الثقافية السلوكية النفسية :حيث أن الثقافة يمكن أن تعيق استفادته من الخدمات
الصحية بل أكثر من ذلك إلاضرار بصحته كمثال حاجز اللغة واملعتقدات وبعض املمارسات السحرية
وسلوكات ألافراد اتجاه املرض.
العدالة في الرعاية الصحية :تعني املوارد املتاحة للرعاية الصحية تصصص بحسب الحاجة ،وأن دفع
تكاليف هذه الخدمات يتم بحسب القدرة على الدفع وعدالة الرعاية الصحية تعني ضمنيا التزاما بضمان
وجود مستويات عالية من إتاحة الخدمات (فعليا وليس نيريا) فضال عن وجود الخدمات الصحية
وقبولها لدى الجميع.
-1د.توفيق بن أحمد خوجة_ املدخل في تحسين جودة الخدمات الصحية :الرعاية الصحية ألاولية_ البطبعة الثالثة_ شعبان 0581هجرية
املوافق لسبتمبر 8774م ،الرياض ،اململكة العربية السعودية .ص .000
218
املخاطر الصحية :حدوث أو تبطور أو انتشار مرض أو إصابة أو إعاقة أو وفاة أو احتمال وقع ذلك ارتباطا
بالعديد من العوامل ،من ضمنها البيئية ،والتي يمكن قياسها كمؤشرات ومتغيرات سببية مستقلة أو
تابعة1.
البيئة :هي مجموعة من العناصر في الوقت الواحد واملحدد ،املادية واملعنوية ،والبيولوجية ،والعوامل
الاجتماعية القابلة للتأثير على إلانسان بصفة مباشرة أو غير مباشرة ،آنية أو آجلة ،املؤثرة في ألاعضاء
الحية ونشاط إلانسان".2
التفاوتات املكانية والاجتماعية للحالة الصحية :فتعني تلك الفوارق في توزيع املؤشرات الثالثة املوظفة
عادة في دراسة الحالة الصحية وهي املراضة ،الوفاة ،إلاعاقة .وذلك حسب املستويات الترابية والفئات
الاجتماعية وحسب املحددات والعوامل املباشرة وغير املباشرة الصحية منها والاجتماعية والاقتصادية
والبيئية والبطبية والوبائية .هنا تبطرح مسألة التفاوت في ولوج الخدمات الصحية موضوع الالمساواة
وغياب العدالة في حق التمتع بصحة جيدة بين أفراد املجتمع.
نسبة سريانية أو معدل انتشار املرض أو إلاصابة في املجتمع ،مؤشر مراضة يقاس بقسمة العدد
إلاجمالي لحاالت املرض أو إلاصابة املالحية داخل ساكنة معينة في مجال معين وفي نقبطة زمنية محددة
أو في فترة زمنية معينة على مجموع هذه الساكنة3.
الاندماج الترابي :املشاركة الكاملة غير املنقوصة في الاستفادة من الخيرات واملوارد ومن تكافؤ الفرص في
الرفاهية الاجتماعية ،والولوج للخدمات ،لكل فئات املجتمع واملستويات املجالية بناء على قيم فلسفة
العدالة السوسيومجالية .ملا يغيب الاندماج الترابي تنتشر مياهر الاختالل وإلاقصاء والانحراف والتمرد
والتمييز .يعد بذلك تحقيق الاندماج الترابي أحد املبادئ ألاساسية إلعداد التراب وتوجيه السياسات
العمومية الترابية ضمانا الستقرار املجتمع واملجاالت.
الحماية الاجتماعية :مجموعة من ألاليات والتدابير املسخرة إلدارة املصاطر الاجتماعية للحد من فقر
ألاسر وتعزيز التماسك والاستقرار الاجتماعي وإلاسهام في تقليص مياهر الالمساواة والفوارق .وتقوم
الحماية الاجتماعية باملغرب وفق قانون-إطار رقم 77-80على مبدأ التضامن في أبعاده الاجتماعي والترابية
ومبدأ عدم التمييز في الولوج إلى خدمات الحماية الاجتماعية.
-1أنفلوس محمد ،معجم تفسير املصبطلحات في جغرافية الصحة ،دفاتر البحث العلمي رقم ،8 :كلية آلاداب والعلوم إلانسانية املحمدية،
مبطبعة ، FOLIOتمارة ،سنة .8700ص .880-007
-2أنفلوس ،محمد .تحوالت املجال املغربي واملجتمع ،دراسة في جغرافية الصحة بالوسط الحضري ،أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في
الجغرافية ،جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم إلانسانية املحمدية .8770.ص .83
-3أنفلوس محمد )8700( ،املرجع السابق .ص 005
219
.2متغيرات ومؤشرات الدراسة
الاعتماد على متغيرات مستقلة تتعلق بمحددات بيئية معيشية تؤثر وتفسر مياهر الفوارق
السوسيومجالية في الحالة الصحية والولوج للعالج والانتفاع منه :الفقر ،الهشاشة ،ألامية والجهل،
الدخل ،نقص التغذية ،الولوج للعالج ،التلوث ،العنف ،املاء الصالح للشرب .....الاستشارة البطبية قبل
الوالدة ،الاستشارة البطبية بعد الوالدة ،الولوج للعالج (املسافة املجالية-املسافة الاجتماعية الثقافية،
كلفة التنقل ،مدة التنقل ،وسائل النقل ،)...التغبطية البطبية بالتلقيح ،ألاداء الوظيفي للمؤسسات
الصحية.......
كما اعتمدنا على متغيرات تابعة متصلة بدليل الحالة الصحية تتأثر باملحددات البيئية
املعيشية وبتفاوتها :أمراض القلب والشرايين ،مرض السل ،مرض السكري ،التعفنات ،الحصبة ،الهزال،
إلاسهال ،الربو ،السيدا.........
.1املنهجية
اعتمدنا على قراءات ببليوغرافية استهدفت موضوع التمدين وعواقبه السلبية ،وتتعلق كذلك وبشكل
خاص بموضوع الصحة في املجال الحضري ،كما استحضرنا نيرية مركز هامش ونيرية العدالة
والالعدالة السوسيومجالية في التحليل املجالي ملعبطيات الدراسة.
أنجزت الدراسة وفق منيور جغرافي ،يتجاوز املقاربة ألاحادية إلى الرؤية الشمولية املندمجة في معالجة
قضية حق املجتمع في الصحة .وتتأطر في إطار مقاربة جغرافية الصحة كتصصص تحت ميلة الجغرافيا
الاجتماعية التي تتبنى النموذج الاجتماعي والبيني والبطبي في تشخيص وتحليل وتفسير عالقة البيئة
بالصحة ورصد التفاوتات املكانية والاجتماعية في الحالة الصحية ،وفي عرض العالج الصحي والولوج
إليه .مع ما يتبطلبه ألامر من استحضار التوجهات النيرية املعتمدة في دراسة موضوع الصحة ،الخاصة
بعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وألانثروبولوجيا وعلم التاريخ ،فهي مقاربة تنير إلى الحالة الصحية للفرد
بشكل أوسع من نيرة اختصاص البطب السريري والبيولوجي.
تم جمع معبطيات إحصائية كمية ونوعية خاصة بمحددات معيشية متعلقة بالجانب الاجتماعي والثقافي
والاقتصادي والبطبي والتلوث البيني ....والتي يمكن أن تشكل سببا في نشوء التفاوتات الترابية في الصحة
وفي الولوج للعالج.
كما تم توظيف العمل امليداني القائم على الاستمارة امليدانية ،ألنها تكشف الواقع الحقيقي ملؤشرات
الحالة الصحية وعالقتها بمحددات الصحة ،عكس املعبطيات الرسمية التي تيل تعبر عما هو مصرح به
دون ألاخذ بعين الاعتبار وجود حاجيات صحية محسوسة وغير معبر عنها أو حاجيات صحية غير
محسوسة وغير معبر عنها.1
1 -أيت لعسري ،بدرالدين .التباينات الجغرافية للوضعية الصحية .حالة الدار البيضاء الكبرى .أطروحة لنيل الدكتوراه في الجغرافيا،
جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم إلانسانية باملحمدية.8705 .
220
ونتوىى من الاستمارة امليدانية بواسبطة السحب العشوائي البطبقي ،دراسة مياهر الفوارق الترابية في
الصحة وفي الولوج للعالج واملحددات املسؤولة عن ذلك ،وقد وزعت باعتبار نوع السكن باستهداف 077
أسرة بالجماعة الترابية القليعة (حي الجنان 87أسرة ،حي بن عنفر 07أسرة ،حي الخمايس 88أسرة،
حي تالسينت 87أسرة ،حي العرب 07أسرة)( .صورة جوية .)0
كما استهدف العمل امليداني 077أسرة بالجماعة الترابية سيدي بيبي وزعت كاآلتي :مركز سيدي بيبي
37أسرة ،ودوار تكاض 37أسرة ،ودوار حاس ي البقر 01أسرة ،ودوار برج حمدان 05أسرة ،ودوار روايس
2أسر (خريبطة .)8
221
خريطة رقم :2المركز الترابي والدواوير المشكلة للجماعة الترابية سيدي بيبي
1
- jean GOTTMAN. La politique des Etats et leur géographie. Revue française de science politique. 1952.P 832
222
"،l’espace habitéسنة 0711إلى أن علم الجغرافيا معني بدراسة العدالة في توزيع املوارد في املجال
السوسيومجالية1. الجغرافي ،كمبدأ أساس ي من مبادئ تنييم املجال الترابي للتقليل من التفاوتات
في هذا السياق عرف مفهوم العدالة استعماال متزايدا في الدراسات الجغرافية منذ السبعينات
والثمانينات مما يجع الباحثين الجغارفة على إنتاج نيريات العدالة والالعدالة املجالية-الاجتماعية،2
لتحليل وتفسير التفاوتات السوسيومجالية بناء على املنيور الجغرافي البيني ،موظفين ألافكار واملبادئ
السياسية والفلسفية التي نادت بها نيرية العدالة كإنصاف في كتاب " نيرية العدالة" لصاحبه
الفيلسوف ألامريكي "جون رولز" سنة .0700
يعتقد "جون رولز "،أن العدالة ينبغي أن تكون لها أولوية لتنييم املجتمع منبطلقا من " ظروف الواقع
التاريخي املعا حيث وجد العديد من حاالت اليلم والانتهاكات للحقوق والحريات ألاساسية وزيادة
معدالت الفقر مقابل زيادة الثراء عند ألاغنياء".3
لذلك عرف العدالة الاجتماعية أنها تعني الفرص العادلة واملتكافئة للجميع ،لتحقيق الخيرات واملنافع
وحماية الفئات الاجتماعية املستضعفة وألاقل حيا .وال يمكن تحقيقها إال باعتبار املبادئ آلاتية:
-ضمان الحريات ألاساسية للجميع دون املساس باملساواة في التوزيع ،وإذا كانت الحرية تنتج الفوارق
يمكن تنييمها لفائدة أو مصلحة ألاقل حيا ،فدور الدولة ال يكمن فقط في حفظ النيام والاستقرار
بل كذلك في إعادة توزيع الخيرات واملنافع؛
-تكافؤ الفرص دون انتهاك الحريات ألاساسية؛
-الرعاية الخاصة للفئات الهشة وألاقل حيا" .يجب على النيام الاجتماعي أال يرسخ ويحمي إمكانات
ً
حاال ،إال إذا كان القيام بهذا ملنفعة أولئك ألاقل حيا" 4 النجاح ألاكثر جاذبية ألولئك ألافضل
من هذا املنبطلق يصتلف مفهوم العدالة عن املساواة ،فالعدالة الاجتماعية هي مساواة أي تكافؤ الفرص
املمنوحة للمجتمع لالستفادة من الخيرات والخدمات ،مع اعتبار عدة شروط حددها "جون رولز" في
املبادئ السالفة الذكر .فتبطبيق املساواة بمعناها الدقيق غير ممكن نيرا لعدة اعتبارات مبررة ،لذلك
ال يرى (جون رولز) مانعا في بقاء الالمساواة ،لكن شرط أن تكون ملصلحة ألاكثر حرمانا وألاقل حيا،
1
- jean GOTTMAN. Essais sur l’aménagement de l’espace habité. Paris. Mouton.1966
-2يعد الجغرافي "دايفد هارفي" أول من استصدم مفهوم "العدالة السوسيو ترابية" بفرنسا ،لتبطبيقها ضمن الدراسات الجغرافية الحضرية
من خالل نشره لكتاب "العدالة الاجتماعية واملدينة" الصادر سنة .0703تبعته العديد من ألاعمال «أالن رينو" (مفهوم العدالة املجالية
سنة " .)0720دايفد سميث" (الجغرافيا ،التفاوت واملجتمع " ..)0720بيرنارد بريت (تفسير التفاوتات السوسيومجالية على ضوء نيرية
جون رولز .)8777كلها أعمال ال الحصر ،أسهمت في فهم التفاوتات السوسيومجالية مابين املكونات املشكلة للمجال الحضري كمصتبر
حقيقي للكشف عن أوجه الالعدالة السوسيومجالية.
3 -شيماء الشامي .نيرية العدالة عند جون رولز .ألابعاد السياسية وألاخالقية .البطبعة ألاولى .لبنان .كندا8701 .
4 -شيماء الشامي .املرجع نفسه.
223
أي ضحايا النيام الرأسمالي .لكن تثير هذه املبادئ عدة انتقادات أهمها سقوط "جون رولز" في التناقض
حيث يدعو إلى الحرية وفي نفس الوقت ينتقد النيام الرأسمالي.
استقبطبت هذه القيم الفلسفية في نيرية "جون رولز" العديد من الدراسات الجغرافية لتحليل وتفسير
حاالت الالمساواة والالعدالة التي تميز املجاالت الحضرية .لكن يبقى الجغرافي ألامريكي " إدوارد صوجا"،
من أهم املنيرين لياهرة العدالة والالعدالة ،واضعا العديد من املرتكزات النيرية ملقاربة الياهرة ،من
منيور جغرافي .نقدم بعض مضامين نيريته من خالل قراءة أحد مقاالته املهمة.1
ِّ
يتضمن ذلك التوزيع العادل عرف "إدوارد صوجا" العدالة املجالية بأنها البعد الجغرافي للعدالة أوغيابها. ُي ِّ
للموارد والفرص والخدمات وإمكانية استصدامها .والعدالة املجالية ال تعني تحقيق املساواة ما بين
ً
املجاالت الجغرافية ،وفي حد ذاتها ليست بديال للعدالة السوسيواقتصادية ،بل منيور جغرافي نقدي
لفحص العدالة السوسيواقتصادية ومياهر اليلم الاجتماعي في العديد من املجاالت الجغرافية.
فالعدالة املجالية هي تصحيح لليلم السوسيو-املجالي ،تهدف إلى تنييم املجال تنييما متسقا مع مشروع
مجتمع أكثر عدالة وإنصافا ،بإعادة التوزيع الاجتماعي واملكاني .2للحد من مياهر الالعدالة
السوسيومجالية نتيجة التفاوتات السوسيومجالية ،والتقليص بذلك من النتائج الاجتماعية غير املرضية
لالعدالة من قبيل الاقصاء والتهميش والحرمان والحقد الاجتماعي والاحتجاجات الاجتماعية والفقر
والتمييز...
ِّ
ويمكننا أن نفهم كيف تتشكل العدالة الاجتماعية من خالل فهمنا لواقع املجال الجغرافي ،فكلما تعمقت
ً
التفاوتات املجالية تعمقت التفاوتات الاجتماعية .تماما كما تنتج التفاوتات الاجتماعية التفاوتات املجالية
تصير بذلك العدالة املجالية والعدالة الاجتماعية وجهان لعملة واحدة ،ضمنيا فالالعدالة املجالية هي
الالعدالة السوسيومجالية.
وقد حدد "ادوارد صوجا" عدة عوامل ترسخ الالعدالة املجالية الاجتماعية ،وهي الخلل في التنييم
السياس ي للمجال وفي تنييم الاستثمارات ،والفصل العنصري والاجتماعي في توزيع الخدمات ،ووجود
الامتيازات وفق نموذج مركز هامش .وقد أعبطى أمثلة عن ذلك في النيام الحضري للعديد من املدن
الكبرى التي تصضع لدورة الرأسمال والربح لفائدة الفئات الغنية.
عموما تتلخص سمات وخصائص مفهوم العدالة املجالية عند "إدوارد صوجا" في السمة ألاولى و هي
الوعي املكاني والذي يعتمد على كيفية تصيلنا للمدينة (املجال املعا ) ،واملناطق الجغرافية التي تتكون
1
- Edward W. Soja, “The city and spatial justice” [« La ville et la justice spatiale », traduction : Sophie Didier, Frédéric
Dufaux], justice spatiale | spatial justice | n° 01 septembre | septembre 2009 | http://www.jssj.org
2
- Bernard Bret. Interpréter les inégalités socio-spatiales à la lumière de la théorie de la Justice de John Rawls. Dans Annales
de géographie 2009/1-2 (n° 665-666).P22
224
منها املدينة .والسمة الثانية الديمقراطية التشاركية في تشكيل وإعادة تشكيل املجال الحضري بإدماج
املواطنين في صنع القرار املجالي والاجتماعي1.
استلهم العديد من الباحثين الجغارفة ألاسس النيرية واملفاهيمية املتعلقة بنيريات العدالة والالعدالة
السوسيومجالية ،إلنتاج أعمال علمية تكشف وتحلل البعد املجالي والاجتماعي للتفاوتات في الصحة
واملرض ،والولوج للعالج والانتفاع منه .بذلك تعد الصحة من منيور جغرافي مدخل أساس ي لفهم البعد
املجالي للتفاوتات الاجتماعية .من بين تلك ألاعمال:
درس الباحث" أدم غوستاف" 2في مقال أعده سنة ،8778التفاوتات في الصحة مابين الفئات الاجتماعية
الفقيرة وغير الفقيرة ،وخلص إلى أن الاعتالل في الصحة يرفع من حجم النفقات الصحية وبالنتيجة
إمالق وتفقير ألاسر وتوسيع دائرة الفقر ،والهشاشة وتعميق الالمساواة.
وفي جانب آخر فقد توصل كل من " باتريك ديبوزير وبينيلوب فيزمان " سنة 3 8777إلى استمرار
التفاوتات في الحالة الصحية بين الفئات الديمغرافية والسوسيواقتصادية بين املناطق البلجيكية .وتبرز
املعدالت العامة ارتفاع درجة الرض ى عند املواطنين تجاه حالتهم الصحية ببروكسيل مقارنة ببايي املناطق.
ولكنها تصفي الكثير من التباينات داخل نفس املنبطقة ،لذلك أوص ى الباحثان في دراستهما إلى أن من
املهم تحليل التفاوتات السوسيومجالية في الصحة في وحدات مجالية صغيرة ،حيت تتضح أكثر التباينات
املكانية والاجتماعية في الصحة كميا ونوعيا تبعا للتأثر باملحددات البيئية للصحة.
تفرز حاالت الالعدالة السوسيواقتصادية تراتبية سوسيومجالية ،تشكل مجاالت مركزية ذات استقبطاب
وجذب ،ومجاالت هامشية تعاني التهميش والاستغالل وضعف الاندماج الترابي والتبعية .مما يرسخ عدم
املساواة وإعادة إنتاج التفاوتات الاجتماعية بين الفئات الاجتماعية واملستويات املجالية ،ويدخل مثال
مركز املدينة ومجالها الضاحوي في عالقات مكانية غير متكاملة وغير متوازنة .الش يء الذي يبطرح إشكالية
الولوج العادل في تلقي والانتفاع من العالجات الصحية املقدمة بين املستويات املجالية والفئات
الاجتماعية4.
على سبيل املثال ،فاملجاالت الترابية املحيبطة بمدينة الدار البيضاء ،يكابد سكانها قلة البنيات الصحية
بل أيضا من انتشارها املجالي غير املالئم مما يضعف ولوجية السكان إليها ،وتضبطر غالبية السكان التنقل
1-مصبطفى اليحياوي ،صالح الدين زهلي .الالعدالة املجالية والاجتماعية وانعكاساتها على املجال بالدار البيضاء :حالة مقاطعتي أنفا
وموالي رشيد .مجلة العلوم الاجتماعية-املركز الديمقراطي العربي أملانيا-برلين العدد 7جوان .8780 .ص .888
2 Wagstaff Adam. Pauvreté et inégalités dans le secteur de la santé / Adam Wagstaff. Bulletin de l' Organisation mondiale de
225
في اتجاه املراكز الحضرية الكبرى للتبطبيب .1مما يؤدي إلى سوء التمفصل ما بين مركز املدينة واملجال
الضاحوي.
وبالنير إلى املستوى الاجتماعي ملعيم سكان الهوامش تتصذ هذه التفاوتات املجالية صبغة اجتماعية
ويصبح الفرق مثال بين جماعة سيدي بليوط وجماعة سيدي مومن ليس فرقا بين مركز املدينة وهوامشها
بل تباينا اجتماعيا .هكذا يتضح أن ال تراجع الذي يعرفه التأطير الصحي العمومي يرجع إلى تفاقم عجز
هذا التأطير بالنسبة لألحياء الحضرية"2
إن هذه التفاوتات السوسيومجالية في توزيع ألامراض والوفيات ،وفي الديمغرافيا البطبية والبنيات
الصحية والولوج إليها ،ينشأ عنها حاالت الالمساواة والفوارق في الصحة ،كميهر من مياهر الالعدالة
السوسيومجالية .تتعلق بعدم موافقة ومواكبة العرض الاجتماعي والصحي للحاجيات الصحية النوعية
والكمية لكل أفراد املجتمع ،دون قيد أو شرط أو تمييز.3
.7النتائج
1-7زيادة سكانية ضاغطة تطرح تحديات مواكبة الحاجيات الصحية كميا ونوعيا بميدان الدراسة
على غرار بايي املجاالت الترابية الهامشية باملجاالت الحضرية الكبرى ،فإن كل من الجماعة الترابية سيدي
بيبي والقليعة ،يسجالن أعلى الزيادات السكانية في العقدين ألاخيرين ( 3.22في املائة و 4.17في املائة على
التوالي) تجاوزت املسجلة بمدينة أكادير وإنزكان وأيت ملول (الجدول .)0
ووفقا لإلحصاء العام للسكان والسكنى لسنة ،8705يبل عدد سكان الجماعة الترابية سيدي بيبي 377
32نسمة ،مقابل 83 777نسمة في عام ( ،8775املبيان ،)0أي بزيادة إجمالية وصلت إلى % 13وبمعدل
نمو سنوي اقترب من .% 5
-1امدافعي محمد .إنتاج التجهيزات والبنايات الجماعية في الجماعات الضاحوية ملدينة الدار البيضاء .مجلة جغرافية املغرب ،عدد
0و ،8مجلد.8771..
-2الشويكي املصبطفى) .الدار البيضاء مقاربة سوسيومجالية .بحث لنيل الدكتوراه .جامعة الحسن الثاني كلية آلاداب والعلوم
إلانسانية .سنة .0771
3
Bernard Baertschi. Justice et santé. Chacun doit-il recevoir des soins en proportion de ses besoins ? Dans Revue de
métaphysique et de morale 2002/1 (n° 33), pages 83 à 101
226
الجدول :1معدل النمو السكاني السنوي حسب الجماعات الحضرية بسوس ماسة ()0212-0222
معدل النمو السكاني السنوي الجماعات الحضرية
4.17 القليعة
5.12 أوالد برحيل
3.22 سيدي بيبي
3.13 أيت إعزا
3.45 بيوكرى
3.74 أوالد تايمة
8.73 الكردان
8.27 أيت ملول
8.07 تزنيت
8.78 طاطا
8.77 أكادير
0.04 أيت باها
0.51 إنزكان
0.01 الدشيرة
جهة سوس ماسة .املصبطط الجهوي إلعداد التراب بجهة سوس ماسة . https://www.soussmassa.ma/ar/srat.8787 .تاريخ الاطالع
8780
املبيان رقم :1تطور عدد سكان الجماعة الترابية سيدي بيبي (.)0212-1882
45000
عدد السكان
40000
35000
30000
25000
20000
15000
10000
5000
0
1994 2004 2014
1 -مقابلة مع ممرض الدائرة الصحية باملركز الصحي بسيدي بيبي يوم8788/73/80 :
228
املندوبية الصحية إنزكان أيت ملول أثناء مقابلته ،بانتشار عدة أمراض معدية بمركز الجماعة الترابية في
مقدمتها السل والربو ،وألامراض املنقولة جنسيا التي بلغت حاالتها باملركز مستويات عالية على الصعيد
الجهوي والوطني ،تناهز 471حالة مستجدة سنة 8780بالجماعة الترابية القليعة.
تستهدف خصوصا النساء العامالت في الضيعات الفالحية اللواتي يعشن الفقر والهشاشة وألامية .ناهيك
عن التعاطي للمصدرات من طرف الشباب بسبب التهميش والببطالة ،مما يشجع الجريمة والسرقة
ومصتلف مياهر العنف املهددة لصحة السكان.
يزداد عبء املراضة بالجماعة الترابية القليعة بانتشار عدة أمراض مزمنة غير سارية سنة ،8780
كأمراض القلب والشرايين ( 8510حالة) والسكري ( 1171حالة) وسرطان الثدي (0015حالة) في صفوف
النساء اللواتي يكابدن عناء التنقل للعالج خارج املركز ويثقل أسرهن بمصاريف العالج .وقد كشفت
نتائج البحث امليداني بمركز الجماعة الترابية سيدي بيبي أن أمراض القلب والشرايين وأمراض الضغط
الدموي والسكري وفقر الدم وألامراض النفسية في مقدمة ألامراض التي تعرض الحالة الصحية للسكان
لالعتالل (الجدول .)3
جدول رقم :3أنواع ألامراض املنتشرة باملركز الترابي سيدي بيبي
النسبة املئوية عدد املصابين أنواع ألامراض
1,1 1 أمراض الجلد
1,1 1 الربو
2,2 2 التوحد
2,2 2 السرطان
3,4 3 آالم العيام
3,4 3 الجهاز البولي
3,4 3 ضعف البصر
3,4 3 غدة درقية
4,5 4 أمراض نفسية
5,6 5 أمراض القلب
6,7 6 أمراض تنفسية
7,9 7 آالم اليهر
7,9 7 الضغط
9,0 8 الحساسية
11,2 10 فقر الدم
12,4 11 الجهاز الهضمي
14,6 13 السكري
100,0 89 املجموع
املصدر :الدراسة امليدانية.
يسجل مركز الجماعة الترابية القليعة أكبر معدالت حدوثية إلاعاقة في الوسط الحضري بجهة سوس
ماسة ،وبأكادير الكبير .بمعدل 5.85في املائة .بينما يبل املعدل في الجماعة الترابية سيدي بيبي% 3.7 ،
229
وفقا لإلحصاء العام للسكان والسكنى 8705وهو معدل يعد نسبيا ضعيفا باملقارنة مع املعدل الجهوي
واملعدل الوطني ،الذي بل ،%4.0أي بفارق 0.8نقبطة.
الا أن هذا املعدل يصفي تفاوتا واضحا في انتشار ألايخاص في حالة إعاقة بين الوسبطين الحضري
والقروي ،حيث أنها مرتفعة أكثر بالوسط الحضري ،%5.8في حين أنها ال تمثل سوى %8.8باملجال
القروي1.
230
املستوى الخامس منازل ذات كثافة سكانية عالية خاصة باألحياء السكنية الشعبية.
عالوة على ذلك فإن أكثر من 27في املائة (إلاحصاء العام للسكان والسكنى )8705من ألاسر تستعمل
حفرا صحية لتصريف املياه املستعملة أو القذف بها في أزقة ألاحياء السكنية بسبب ضعف شديد
بالتغبطية بشبكة الصرف الصحي ،وغياب محبطة ملعالجة املياه العادمة .مما يعرض ألاحياء السكنية
للتلوث ،والعفونة وألاوساخ التي تنفث عدة حشرات ضارة بالصحة الجماعية( .الصورة)0
الصورة :1تصريف عشوائي للمياه العادمة باألزقة
2-7ظروف سوسيواقتصادية هشة ومتفاوتة تؤثر وتعمق الفوارق الترابية في الولوج للعالج
صرحت 25أسرة من أصل 087أسرة بإجرائها لالستشارة البطبية وحسب الفئة الاجتماعية فقد بل
عددها 57استشارة بالنسبة للفئة املحدودة الدخل و 81استشارة بالنسبة للفئة الاجتماعية مابين
4777-3777ده أما امليسورة في حدود 02استشارة.
يالحظ أن أغلب ألاسر ذوات الدخل املحدود تلجأ إلى املركز الصحي من أجل التشخيص البطبي والعالج
وكذا الولوج إلى املستشفى إلاقليمي إنزكان الذي يبعد بحوالي 00كلم عن الجماعة الترابية القليعة وبأكثر
من 87كلم عن الجماعة الترابية سيدي بيبي في حين أن أكثر من 47في املائة من أسر الفئة الاجتماعية
املتوسبطة وامليسورة تصتار العيادات الخاصة بحكم دخلها املادي واستفادتها من التغبطية الصحية.
(الجدول )4
231
جدول رقم :1توزيع أسر الفئات الاجتماعية حسب مؤسسة الاستشارة الطبية
أكثر من 4777ده ما بين 3777ده و4777ده أقل من 3777ده نوع املؤسسة
17 13 10 عيادة خاصة
1 4 7 مستشفى
0 9 18 مركز صحي
0 0 5 مستوصف
18 26 40 املجموع
املصدر :بحث ميداني
بينما الفئة الاجتماعية محدودة الدخل فضعف دخلها املادي يشكل حدا فاصال للولوج لخدمات القبطاع
الخاص خاصة وأن أكثر من 32في املائة من مجتمع الدراسة ال يتمتعون بأية تغبطية صحية وأقل من
03في املائة فقط تستفيد من نيام املساعدة البطبية مما يفاقم وضعية الهشاشة والحرمان في الصحة
خاصة بالنسبة لألسر ذوات الدخل املحدود ..ويزيد من صعوبة الولوج للعالج.
تقبطن نسبة 78في املائة من العينة السكانية املدروسة بالجماعة الترابية القليعة على بعد أقل من 3
كلم عن املركز صحي و 2في املائة بما بين 1-3كلم .1 .وهو معبطى مشجع على الولوج املجالي لالنتفاع من
العالج الوقائي داخل املركز.
لكن الحينا ضعفا كبيرا فيما يصص ألاداء الوظيفي للمؤسسات الصحية التي تفتقر لعدة تجهيزات ،وال
يتجاوز عددها ثالثة مؤسسات ،وعمليا تشتغل مؤسسة واحدة فقط لتلبية طلبات املرتفقين ،كما نسجل
غياب عرض العالج الاستشفائي أو ما يسمى بمستشفى القرب.
وأمام ضعف التأطير الصحي داخل الجماعة الترابية سيدي بيبي تضبطر نسبة 47في املائة من ألاسر إلى
التنقل خارج جماعة إلاقامة سيدي بيبي في اتجاه أكادير وإنزكان وأيت ملول قصد إجراء استشارات طبية
أو الحصول على العالج .مع وجود فوارق اجتماعية فمن الواضح أن الفئة الاجتماعية امليسورة يسعفها
دخلها للتنقل خارج املركز مقارنة بالفئة الاجتماعية املحدودة الدخل (الجدول .)1وفي املقابل فإن العديد
من املستجوبين من أرباب ألاسر عبروا تذمرهم وسخبطهم إزاء ضعف الخدمات الصحية باملركز.
232
جدول رقم :2وجهة الاستشارة الطبية التي يلجأ اليها املريض حسب الدخل الفردي.
املجموع أكثر من 4777ده ما بين 3777ده و4777ده أقل من 3777ده وجهة الاستشارة
34 15 9 10 أكادير
1 1 0 0 أيت ملول
8 0 6 3 إنزكان
2 0 0 2 بيوكرى
38 2 11 25 سيدي بيبي
23 18 26 40 املجموع
املصدر :الدراسة امليدانية
أمام ضعف الدخل وضعف الخدمات الصحية املقدمة فإن نسبة 37من ألاسر ال تلجأ إلجراء استشارة
طبية رغم أن لديهم حاجيات صحية محسوسة متمثلة في وجود املرض والاعتالل وقد صرح بعض
مستجوبين " نفضل إلاحساس باأللم على أننا نذهب إلى املركز الصحي أو املستشفى ،غادي غير نزيدو
نمرضو".
يفضل العديد من املستجوبين املرض وآالمه على الذهاب للمركز الصحي أو املستشفى إلجراء استشارة
طبية لتذمرهم وسخبطهم من ألاداء الوظيفي السيئ للخدمات الصحية ،مما يزيد من إضعاف ثقة
املواطن في مؤسسات الدولة.
يتم الاستعانة بالتداوي باألعشاب بنسبة 50في املائة من ألاسر خاصة من لدن أسر الفئة الاجتماعية
محدودة الدخل لكنها طرق عالجية غير مؤمنة .محفوفة بعدة أخبطار فقد يؤدي استعمالها إلى التسممات
كما يمكن أن تشكل خبطرا على صحة ألام والجنين أثناء فترة الحمل خاصة مع الجهل بمكوناتها وطرق
وجرع تناولها( .املبيان )8
مبيان رقم :0عالقة التداوي باألعشاب بالدخل الشهري ب ( )%بالجماعة الترابية سيدي بيبي.
233
فاألمية والجهل يضعفان مستوى الثقافة الصحية 1ويحدان من الولوج للعالج وتستفحل ارتباطا بضعف
الدخل وعدم إدماج مقررات تربوية تكوينية خاصة بالتثقيف الصحي 2.فرغم املجهودات التي قام بها
املغرب في سبيل الخفض من نسب ألامية والهدر املدرس ي إال أن الياهرة مازالت تصيم بياللها في العديد
من املناطق خاصة الهامشية والتي من بينها الجماعة الترابية سيدي بيبي والقليعة التي تبل بهما نسبة
ألامية في صفوف النساء أكثر من 57في املائة حسب إلاحصاء العام للسكان والسكنى .8705
ولألمية عدة مياهر تؤثر في تلقي العالج من بينها عدم القدرة على استيعاب استعمال ألادوية ،فقد
توصلت الدراسة إلى أن 57في املائة من ألاسر ليست لها القدرة على قراءة واستعمال ألادوية (املبيان .)3
كما أن انتشارها يؤثر على طريقة تعامل وتفاعل السكان مع ألامراض التي تصيبهم خاصة في صفوف
النساء .فالكثير من ألامراض والحاالت الوبائية التي يسجل انتشارها في بعض املناطق تكون نتيجة للجهل
بصبطورتها أوال ثم الجهل بوسائل الوقاية منها والتصدي لها أو بسبب غياب التأطير البطبي.
إن الجهل بوسائل الوقاية يتجلى في عدم الاهتمام بالنيافة العامة ،كنيافة املكان وامللبس وألاغذية
واملاء الشروب وكذلك الجهل بصبطورة املرض عند إلاصابة به ،وتوجه املريض إلى ألاضرحة أو إلى أيخاص
ال عالقة لهم بالتبطبيب كاملشعوذين أو استعمال وسائل التداوي التقليدية في حاالت تقدمت فيها إلاصابة
وأصبحت تستدعي تدخل البطبيب ،واستعمال املضادات ألادوية غير املناسبة .مما قد يسبب مضاعفات
قد تصاحب الفرد ملدة طويلة إذا لم يعالج املرض في حينه بصفة نهائية3.
مبيان رقم :2توزيع ألاسر حسب القدرة على استيعاب استعمال ألادوية
1 -بأوسع معانيها ،تتضمن كل مجاالت معرفة الفرد أو الجماعة أو املجتمع التي تؤثر في املواقف وألاراء والسلوكيات فيما يتعلق بالصحة،
فضال عن العمليات وألانشبطة املؤدية إلى تغييرات لصالح الصحة والبؤرة ألاساسية لتثقيف الصحي هي الناس وسلوكياتهم ،ومرامي
التثقيف الصحي هي الوصول إلى مستوى يمكن الناس من القيام بردود فعل ايجابية اتجاه حالة املرض أو الاصابة واستعمال الخدمات
الصحية املتوفرة على نحو رشيد وصحيح وأيضا الوعي بضرورة الحفاظ على البيئة.
2-أيت لعسري ،بدرالدين .املرجع السابق
3 -الفاس ي عبد الواحد .ألامية والصحة ،في مجلة عالم التربية ،العدد 8772. 2
234
ال أحد يجادل أن املرض له ارتباط وثيق بالثقافة ،فإما أن تقودنا إلى الابتعاد عن الاعتالل بتفادي
السلوكات املسببة له واتباع ألاساليب التي يمكن أن تقلل منه وإما أن تؤدي إلى جعلنا أكثر عرضة
لألمراض ومشكالت صحية خبطيرة.
إن املعتقدات والتقاليد والثقافات الشعبية التي تسود في املجتمع املغربي ،تؤثر في تعامله مع املرض
فكل وتمثالته ،فمثال من الناس من ينيرون إلى املرض على أنه سوء حظ وآخرون يعتبرونه نوع من
الحسد أو بسبب كائنات خفية (الجن والشياطين) وألارواح الخفية ،دون النير إلى ألاسباب العلمية.
وبالتالي سيكون العالج كل حسب معتقداته ،فيلجؤون إلى أساليب وممارسات خرافية ،كاللجوء إلى
الشعوذة والسحرة وإلى ألاولياء وألاضرحة ،حيث أن الكثير يرجع مرضه إلى التقصير في حق الوالي أو
لفعله لذنب ما ،وهذا يجعله بعيدا عن اللجوء إلى هللا ،ومن ألامثلة الشعبية املغربية الدالة على ارتباط
الفرد املغربي باملعتقدات والتقاليد (سول املجرب وماتسولش الطبيب) .مما يضع تحديا كبيرا أمام
البطب الحديث ،ويحتاج إلى تعميق البحث من طرف أهل الاختصاص في ألانثروبولوجيا البطبية.
.9خالصات ومناقشة نتائج الدراسة
تعيش املجاالت الهامشية املحيبطة بمدينة أكادير على إيقاع الضغط الحضري " "le stress urbainحالة
الجماعة الترابية سيدي بيبي والقليعة .وهو تحدي يؤثر سلبا في نوعية وجودة البيئة الحضرية ،بتعرضها
النتشار أشكال الهشاشة والعجز والفقر وإلاقصاء ومصتلف مياهر التفاوتات السوسيواقتصادية،
وانتشار السكن غير الالئق ،وتنامي مصاطر التلوث ،وقصور خدمات الصرف الصحي والربط باملياه
الصالحة للشرب .والتصلص من النفايات املنزلية الصلبة والسائلة،
تضافرت هذه اليروف البيئية املعيشية ،مع بعضها البعض بشكل مركب ،لتفرز واقعا اجتماعيا ومجاليا
يعاني غياب شروط تضمن حالة صحية جيدة للسكان .مع تفاوتها سوسيومجاليا ،تبعا لتباين املؤشرات
السوسيواقتصادية املؤثرة في الحالة الصحية .تحول دون عدالة العيش وتجويد صحة املجتمع السكاني
الحضري ،وتحقيق شروط التنمية الحضرية املندمجة والتي من مكوناتها الحق في الصحة.
وتعزى تلك اليروف إلى ما تشهده الجماعة الترابية سيدي بيبي والقليعة من تبطورات سوسيومجالية
واقتصادية مستمرة خلقت منهما مجاال شبه حضري ،بتمدين عشوائي ،يتسم بالهشاشة وعدم الانسجام
والاندماج الحضري والخصاص في الخدمات .بالرغم من وجودهما وانتمائهما ملنبطقة أكادير الكبير التي
تمثل قبطبا حضريا مزدهرا اقتصاديا في الهيكلة املجالية للتراب املغربي.
إن ضعف الدخل والبعد عن الخدمات الصحية يشكالن عاملين أساسين يعيقان الولوج إلى العالج
والانتفاع منه ،كما ينتج عن تفاوتهما بين الفئات الاجتماعية واملستويات املجالية تكريس الالعدالة
املجالية والاجتماعية في الولوج إلى العالج.
وإذا كان تفاوت الحالة الصحية مرتببطا أشد ما يكون الارتباط بتفاوت اليروف السوسيواقتصادية ما
بين الفئات الاجتماعية واملستويات املجالية ،فإنها تتأثر بشكل قوي بتدهور البيئة وذلك بغض النير عن
235
املكانة واملنزلة الاجتماعية لألفراد .وهذا كله يوحي بضعف العدالة في الصحة والولوج للخدمات الصحية
والانتفاع منها.
وينتج عن هذه الوضعية صدع وثنائية مجالية بعالقات مكانية غير متعادلة وغير متكافئة بين مجاالت
املركز ومجاالت الهامش ،بسبب عجزها عن تلبية املتبطلبات الصحية لسكانها ،مما يزيد من خبطورة تأثير
املحددات البيئية املعيشية على الحالة الصحية للسكان .وتبطرح بذلك إشكالية الولوج إلى العالج بعدالة
ومساواة بين أفراد املجتمع كحق من حقوق إلانسان دون تمييز وطبقي ،مما يعيق التدبير الحضري
والهيكلة املجالية والاجتماعية.
تتعزز نتائج دراستنا مع ما توصل إليه تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني سنه 8705الذي
أكد أن " النيااام الصحااي يتبطااور فااي سااياق يتساام بالتفاااوت فااي توزيااع املااوارد بياان مناطااق الت اراب الوطناي،
مان جهاة ،وتزاياد تبطلعاات السااكنة الراغباة فاي الاستفادة مان خدماات صحياة جيادة .وفاي هاذا الصادد،
تكشااف أغلااب املؤش ارات املرتببطااة بالوضعيااة الصحيااة باملغاارب عاان وجااود تفاوتااات بياان الجهااات وداخاال
الجهااة الواحادة وبيان الوسابطين القاروي والحضاري"1.
وبالنتيجة هضم حق السكان في الصحة ،والشعور بانحبطاط الكرامة .وقد أثبتت جائحة "كورونا" أن
صحة إلانسان لها أبعاد تتجاوز البعد البيولوجي والبطبي ،تكمن وتمس البعد الاقتصادي والاجتماعي
والسياس ي ،وأن اختاللها يهدد الاستقرار والسلم ،وبالتالي فإن مواجهة املصاطر الوبائية ال بد أن يمر عبر
سياسات ترابية عمومية ترتكز على فلسفة الحماية الاجتماعية.
ونقترح من بين مداخلها ال الحصر ،مراعاة النيام املركب في الاعتالل الصحي وفي الولوج للعالج،
واستهداف الفئات الاجتماعية والديمغرافية الهشة ألاكثر تعرضا للخبطر الصحي بناء على دراسات ميدانية
وليس الاكتفاء بسجالت املراكز الصحية واملستشفيات ،بل إجراء أبحاث ميدانية دقيقة ومتعددة
التصصصات مع ما يتبطلبه ألامر من إشراك الجامعات واملصتبرات العلمية وجمعيات املجتمع املدني ......
فال يمكن لوزارة الصحة أن تعمل لوحدها في قبطاع متعدد ألابعاد ال يتعلق فقط بالجانب البطبي
والبيولوجي .....فالصحة صارت اختيارا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا.
236
الئحة املصادر واملراجع:
املصادر:
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني .التقرير السنوي.8705 .
وزارة الداخلية .الوكالة الجهوية لتنفيذ املشاريع .التصميم الجهوي إلعداد التراب لجهة سوس
ماسة.8787.
الجماعة الترابية القليعة .مونوغرافية القليعة .8788
الجماعة الترابية سيدي بيبي .مونوغرافية سيدي بيبي .8787
املراجع
مصبطفى اليحياوي ،صالح الدين زهلي ،الالعدالة املجالية والاجتماعية وانعكاساتها على املجال بالدار
البيضاء :حالة مقاطعتي أنفا وموالي رشيد ،مجلة العلوم الاجتماعية-املركز الديمقراطي العربي
أملانيا-برلين ،العدد 7جوان ،8780 ،ص .888
أيت لعسري ،بدرالدين .التباينات الجغرافية للوضعية الصحية .حالة الدار البيضاء الكبرى .أطروحة
لنيل الدكتوراه في الجغرافيا ،جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم إلانسانية
باملحمدية.8705 .
شيماء الشامي .نيرية العدالة عند جون رولز .ألابعاد السياسية وألاخالقية .البطبعة ألاولى .لبنان.
كندا8701 .
د .توفيق بن أحمد خوجة_ املدخل في تحسين جودة الخدمات الصحية :الرعاية الصحية ألاولية_
البطبعة الثالثة_ شعبان 0581هجرية املوافق لسبتمبر 8774م ،الرياض ،اململكة العربية السعودية.
ص .000
أنفلوس محمد ،معجم تفسير املصبطلحات في جغرافية الصحة ،دفاتر البحث العلمي رقم ،8 :كلية
آلاداب والعلوم إلانسانية املحمدية ،مبطبعة ،FOLIOتمارة ،سنة .8700ص .880-007
أنفلوس ،محمد .تحوالت املجال املغربي واملجتمع ،دراسة في جغرافية الصحة بالوسط الحضري ،
أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الجغرافية ،جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم
إلانسانية املحمدية .8770.ص .83
منيمة الصحة العاملية .الكشف عن التفاوتات الصحية في املناطق الحضرية والتغلب عليها8707.
الفاس ي عبد الواحد .ألامية والصحة ،في مجلة عالم التربية ،العدد 8772. 2
امدافعي محمد .إنتاج التجهيزات والبنايات الجماعية في الجماعات الضاحوية ملدينة الدار
البيضاء .مجلة جغرافية املغرب ،عدد 0و ،8مجلد.8771.
خليل عمر مضر أحمد عقله املومني محمد ،جغرافية املشكالت الاجتماعية ،دار الكندي للنشر
والتوزيع .البطبعة ألاولى .إربد ألاردن ص 8777 .04
237
جامعة الحسن. بحث لنيل الدكتوراه. الدار البيضاء مقاربة سوسيومجالية. الشويكي املصبطفى
.0771 سنة.الثاني كلية آلاداب والعلوم إلانسانية
ARNAUD Brennetot. Les géographes et la justice spatiale : généalogie d’une relation
compliquée. Dans Annales de géographie 2011/2 (n°678). P116.
jean GOTTMAN. La Politique des Etats et leur géographie. Revue française de science
politique. 1952.P 832
jean GOTTMAN. Essais sur l’aménagement de l’espace habité. Paris.Mouton.1966
Edward W. Soja, “The city and spatial justice” [« La ville et la justice spatiale », traduction :
Sophie Didier, Frédéric Dufaux], justice spatiale | spatial justice | n° 01 septembre |
septembre 2009 | http://www.jssj.org
Bernard Bret. Interpréter les inégalités socio-spatiales à la lumière de la Théorie de la Justice
de John Rawls. Dans Annales de géographie 2009/1-2 (n° 665-666).P22
238
مساهمة املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر وتحقيق التنمية بين الواقع واملتوقع
إن املتتبع ملسار التنمية البشرية والحماية الاجتماعية باملغرب ،يمكنه أن يدرك حجم املجهودات املبذولة،
واملوارد املرصودة من قبل الدولة في هذا املجال ،ويقف على توجه الخبطابات الرسمية نحو التركيز على
أهمية الخيار التنموي ،الذي يشكل التزاما دوليا من جهة ،وانصراطا ضمن عملية وطنية تنموية شاملة
من جهة ثانية ،لذلك جاءت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،التي أعلن عنها امللك محمد السادس
بتاريخ 02ماي ،8774بوصفها خبطة تنموية استراتيجية مصتصة ،لتجعل من تنمية العنصر البشري
الهدف ألاسمى ،من خالل تحقيق أهداف استراتيجية ،تتمثل بشكل أساس ي في الحد من الفقر والهشاشة،
وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر الرفع من مؤشر الدخل .وفي هذا السياق ،عملت الدولة املغربية على
تبني سياسة اجتماعية ،قصد التصفيف من حدة التفاوتات الاجتماعية ،والتي تفاقمت بعد جائحة
كوفيد .07
نسعى في هذا إلاطار إلى املساهمة في إغناء وتعميق النقا الذي يدور حول مسألة الحماية الاجتماعية
باملغرب ،وعلى وجه التحديد ،دور املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر ،وتحقيق التنمية
املنشودة ،انبطالقا من رصد وتحليل برامج املبادرة عبر مراحلها الثالث.
ُّ
وتدخل مصتلف الفاعلين إن أهمية هذا املوضوع تكمن أساسا في ارتباطه بالسياسات العمومية للدولة،
الحكوميين وغير الحكوميين ،ثم باعتباره موجها نحو العنصر البشري ،الذي يعتبر ِّ
املحرك ألاساس ي ألي
تنمية في املجتمع ،باإلضافة إلى ذلك ،فإن موضوع التنمية البشرية يستهدف بشكل أساس ي الفئات
ِّ
الفقيرة والهشة في املجتمع ،من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية ،والرفاه الاجتماعي.
لذلك ،نبطمح من خالل هذا البحث إلى إلاجابة عن إلاشكالية املتمثلة في السؤال املركزي التالي؛
إلى أي حد استبطاعت برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،محاربة الفقر وتحقيق التنمية باملغرب؟
ما املقصود باملبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ وما أهم مقومات برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية
باملغرب؟ ثم ما مدى مساهمة هذه البرامج في محاربة الفقر وإرساء قواعد التنمية باملغرب؟
239
ويمكن أن ننبطلق من فرضيتين أساسيتين بصصوص هذا املوضوع:
ُ
-تحدث برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعض التأثيرات املحدودة ،في الواقع الاجتماعي للفئات
املستهدفة.
-هناك ضعف على مستوى الانسجام والتكامل بين تصورات املبادرة الوطنية للتنمية البشرية من
جهة ،وبين املنجزات وتأثيرها الحقيقي في محاربة الفقر وإرساء التنمية من جهة أخرى.
وسيتم الاعتماد في تناول هذا البحث على منهج يجمع بين الوصف والتحليل واملقارنة ،من أجل تفكيك
أبرز عناصر املوضوع ،انبطالقا من تشخيص واقع التنمية البشرية باملغرب ،وبيان التصورات التي تتأسس
عليها املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،ثم الكشف عن املنجزات التي تم تحقيقها في هذا املجال ،وإبراز
مدى فعاليتها ومالءمتها للواقع الاجتماعي.
كما سنعتمد بعض املفاهيم ألاساسية في تناول هذا البحث ،مما يفرض بيان داللتها ،وكشف معانيها،
وهي كاآلتي؛
تروم املبادرة الوطنية للتنمية البشرية محاربة الفقر والهشاشة وإلاقصاء الاجتماعي ،ومساهمة املواطنين
املعنيين في تشخيص حاجاتهم ومبطالبهم وتحقيقها ،إضافة إلى الحكامة الجيدة ،مع إشراك كل الفاعلين
في التنمية وفي اتصاذ القرار ،وتنبني على مقاربة تشاركية تقوم على أساس التشارك والتشاور مع كافة
الفاعلين املحليين ،خاصة هيئات املجتمع املدني والساكنة املستهدفة في إنجاز "التشخيص التشاركي" من
أجل رصد الاختالالت وتحديد الحاجات ووضع ألاهداف وألاولويات ،وبلورة البرامج واملشاريع وتنفيذها
وتتبعها ،كما أنها ليست مشروعا خيريا ،وإنما هي فلسفة اقتصادية واجتماعية جديدة ،تنسجم مع
ألاهداف الكونية للتنمية البشرية املستدامة والرفاه الاجتماعي ،كما هي متعارف عليها في املنتيم الدولي.
1
240
-0الفقر
يعتبر الفقر حالة ماان الحرمان املادي التي تتجلى أهاام مياهرها في انصفاض استهالك الغذاء كما ونوعا
وتادني الحالاة الصحیة واملساتوى التعلیمي والوضع السكني ،والحرمان من تملك السلع املعمرة وألاصول
املادیة ألاخرى وفقادان الاحتیاطي املالي ،أو الضمان ملواجهاة الحيااة الصعبة كااملرض وإلاعاقاة والببطالة
والكاوارث وألازمات1 .
ويعني كذلك ،تلاك الحالاة املادیاة التاي ال یساتبطیع إلانسان مان خاللهاا تحقیاق الحاد ألادناى ملتبطلبات
حیاته ،إماا لعادم كفایة دخلاه بصورة كبيرة ،أو لعدم وجود دخل على إلاطالق2 .
واملفهوم الاجتماعي للفقر يعني حصار الحاجة ،ومعاناة الحرمان لقبطاع كبير من سكان املجتمع وصعوبة
حصولهم على الحاجات ألاساسية ،أو الحدود الدنيا لهذه الحاجات ،يضاف إلى ذلك فقر القدرات والذي
يسهم بدوره في تهميش الكثير من الفئات الاجتماعية ويدرجها ضمن جموع الفقراء ،والفقر ليس فقط
الحرمان من البطعام والحاجات ألاساسية الالزمة للحياة ،ونقص الرعاية الصحية والاجتماعية ،ولكنه
ينبطوي على حرمان الفقراء من إلاعداد الذي يجعلهم أفرادا أكثر فاعلية في املجتمع ،وأكثر مشاركة ،ومن
ثم يفرض ذلك عليهم مزيد من العزلة وعدم الاستقرار السياس ي والاجتماعي ،ونقص فرص التنمية
الاجتماعية والبشرية التي تساعد على توليد الدخل ،وتحسين نوعية الحياة3 .
-2التنمية
عملية ديناميكية تتكون من سلسلة من التغيرات الهيكلية والوظيفية في املجتمع ،وتحدث نتيجة للتدخل
في توجيه حجم ونوعية املوارد املتاحة للمجتمع ،وذلك لرفع مستوى رفاهية الغالبية من أفراد املجتمع
عن طريق زيادة فاعلية أفراده في استثمار طاقات املجتمع إلى الحد ألاقص ى4 .
وتعني كذلك؛ توفير عمل منتج ونوعية من الحياة ألافضل لجميع الشعوب ،وهو ما يحتاج إلى نمو كبير
في إلانتاجية والدخل وتبطوير للمقدرة البشرية ،وحسب هذه الرؤية فإن هدف التنمية ليس مجرد زيادة
إلانتاج ،بل تمكين الناس من توسيع نبطاق خياراتهم ،وهكذا تصبح عملية التنمية هي عملية تبطوير
القدرات وليست عملية تعييم املنفعة أو الرفاهية الاقتصادية فقط ،بل الارتفاع باملستوى الثقافي
والاجتماعي والاقتصادي ،و يبين ذلك أن حاجات إلانسان كفرد ليست كلها مادية ،ولكن تحتوي أيضا
-1عبد الرزاق الفارس.الفقر و توزيع الدخل في الوطن العربي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،2001 ،ص.87،
-2علي محمد جعفر ،ألاحداث املنحرفون( :عوامل الانحراف ،املسؤولية الجزائية ،التدابير) ،دراسة مقارنة ،املؤسسة الجامعية للدراسات
والنشر والتوزيع ،بيروت (لبنان) ،1984 ،ص.077 ،
-3يحيى محمد محمد هاشم ،التجارب الدولية لشبكات الحماية الاجتماعية كآلية ملواجهة الفقر ،دراسة تحليلية ،مجلة البحث العلمي
في آلاداب ،العدد ،02جامعة عين شمس كلية البنات لآلداب والعلوم والتربية ،مصر ،دجنبر ،8700ص.4 ،
-4مدحت محمد أبو النصر ،إدارة وتنمية املوارد البشرية ،الاتجاهات املعاصرة ،مجموعة النيل العربية ،القاهرة ،8770،ص.189 ،
241
على العلم والثقافة وحق التعبير والحفاظ على البيئة وممارسة ألانشبطة وحق املشاركة في تقرير شؤون
ألافراد بين ألاجيال الحالية واملقبلة1 .
ويمكن القول إن التنمية عملية شاملة ،ينتقل عبرها املجتمع من وضعية التصلف إلى وضعية التقدم،
مما يترتب عنه حيوية ونشاطا على املستوى الاقتصادي ،وارتفاع مستوى الدخل الفردي ،واختفاء مياهر
الفقر والتهميش والهشاشة.
راكمت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مدى 03سنة ،تجارب وإنجازات متعددة من خالل؛ مرحلتها
ألاولى ( ،)8707 - 8774التي تمحورت حول أربعة برامج ،استهدفت مصتلف الفئات الاجتماعية ،وتتمثل
في إطالق برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي ،وبرنامج محاربة إلاقصاء الاجتماعي في الوسط
الحضري ،وبرنامج محاربة الهشاشة ،إضافة إلى برنامج يهم جميع الجماعات القروية والحضرية غير
املستهدفة .ومرحلتها الثانية ( ،) 8702 - 8700التي منحت دفعة للمبادرة ،تجلت في الرفع من الغالف
املالي املصصص لها ،واستهداف مئات من الجماعات القروية وألاحياء الحضرية الفقيرة ،إضافة إلى
استهداف مليون مستفيد قاطن ب 3377دوار ،ينتمي إلى 88إقليم معزول أو في مناطق جبلية .2وقد
عرفت املرحلتان السابقتان إكراهات مرتببطة بمحدودية الالتقائية بين القبطاعات والتدخالت العمومية،
وضعف متابعة وقع وتأثير املشاريع املنجزة.
وتبقى أهم الرافعات ألاساسية للتنمية البشرية ،وأبرز التحديات التي تواجه هذه البرامج التنموية،
وتعرقل مسار املبادرة برمتها ،تحسين الدخل ،وهذا يقتض ي السعي الدائم إلى مضاعفة نتائج مشاريع
املبادرة وتنويع مداخلها واملستفيدين منها؛ إذ لم تستهدف أغلب املشاريع التي تم إطالقها خالل املرحلتين
ألاولى والثانية فئة الشباب ،كما أنها تبطلبت مبال مالية ضعيفة ( أقل من 877 777ألف درهم )،
باإلضافة إلى عدم استمرارية العديد من املشاريع ،نيرا للصعوبات املوجودة على مستوى التدبير
والتسويق ،مع غياب املواكبة القبلية والبعدية إلحداثها3 .
إن تحقيق آلامال املعقودة على املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،يقتض ي الاهتمام باملوارد البشرية،
والتركيز على هذا املدخل ألاساس ي ،باعتبار إلانسان هو املنفذ ملقتضيات املبادرة الوطنية ،وهو املسؤول
ألاول عن نجاحها وتحقيق أهدافها ،إلى جانب بايي املوارد اللوجستية واملالية ،ويمكن أن يتصذ هذا
-1خالد مصبطفى قاسم ،إدارة البيئة والتنمية املستدامة في ظل العوملة املعاصرة ،الدار الجامعية ،إلاسكندرية ،8770،ص.07،
-2املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،يناير https://ar.wikipedia.org/wiki ،8788
-3التنسيقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،تقديم املرحلة الثالثة ( ،) 8783 – 8707املندوبية السامية للتصبطيط،8702 ،
ص.35،
العنوان إلالكترونيhttp://www.indh.ma/wp-content/uploads/2019/09/Livret_INDH_VAR.pdf ،
242
الاهتمام ،أشكاال متعددة؛ كالتكوين والتدريب ،واملتابعة واملحاسبة ،والتحفيز من خالل توفير شروط
الاشتغال املناسبة واملالئمة ،والعمل بشكل أساس ي على بناء املواطن املسؤول والبطموح ،الذي يسعى
لخدمة وطنه ومجتمعه ،دون تقصير أو إخالل بالواجب ،وهذا يتبطلب عقودا وجهودا على مدى ألاجيال
القادمة ،كما يستدعي وعي جميع الفاعلين السياسيين والجمعويين والحكوميين وغيرهم بذلك ،والسعي
إلى تحقيقه ،كل حسب موقعه وزاوية تأثيره.
وبناء على الخالصات التي تم استنتاجها عبر تقييم منجزات املبادرة الوطنية و التحديات املستقبلية التي
ستواجه برامجها ،تأتي املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة ( ،) 8783 - 8707التي أشرف
امللك على انبطالقتها يوم ألاربعاء 19شتنبر ،8702من أجل تحقيق الاستمرارية للمرحلتين السابقتين،
والسعي إلى بلوغ الغاية التي أطلقت من أجلها املبادرة ،واملتمثلة في ضمان ظروف العيش الكريم للفئة
املحتاجة ،وتكريس موقع املبادرة كفاعل أساس ي في التنمية البشرية1 .
وتسعى الدولة من خالل املرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى إعبطاء أهمية قصوى
لالنصراط الجاد للفاعلين الجمعويين ،وإلى ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والكرامة ،واستشراف
املستقبل وزرع ألامل .وكذا تحقيق التجديد في إطار الاستمرارية ،باعتماد أربعة برامج استباقية ،تمت
بلورتها لتعزيز التنمية ،مع وضع آليات متجددة للحكامة البشرية 2 .وتتغيى هذه املرحلة الانصراط في سياق
العمل الاستبايي ،وجعل املبادرة الوطنية إلاطار العام التنسيقي الذي يتدخل من خالله كل الفاعلين في
مجال التنمية البشرية ،ونستعرض برامج املرحل الثالثة ألاربعة:
ويهدف البرنامج ألاول إلى تحصين مكتسبات املرحلتين ألاولى والثانية ،مع مواصلة العمل على تدارك جزء
من العجز املسجل حسب مؤشرات خريبطة الفقر متعدد ألابعاد في ما يصص الولوج للبنيات التحتية
والخدمات ألاساسية .وستهم تدخالت هذا البرنامج خمسة محاور ذات أولوية تتمثل في الصحة والتعليم
والكهربة القروية والتزويد باملاء الصالح للشرب ،باإلضافة إلى إنجاز البطرق واملسالك القروية واملنشآت
الفنية.
يهم البرنامج الثاني باألساس تعزيز وتوسيع نبطاق التدخالت التي باشرتها املبادرة الوطنية للتنمية البشرية
خالل املرحلتين ألاولى والثانية لفائدة مصتلف فئات ألايخاص في وضعية هشة ،مع العمل في إطار
شبكات من الجمعيات الرائدة في مجال تصصصها ،بهدف نشر قواعد املمارسات الجيدة والارتقاء بجودة
243
الخدمات .وستشمل تدخالت هذا البرنامج إحدى عشرة فئة ذات أولوية من ألايخاص الذين يوجدون
في وضعية هشة ،وذلك بالعمل على مستوى ثالثة محاور أساسية؛ مساعدة خمس فئات من ألايخاص
ذوي الاحتياجات الخاصة واملرض ى واملسنين املفتقرين للموارد ،ودعم إعادة إلادماج السوسيو -اقتصادي
ألربع فئات تضم النساء في وضعية هشة ،والسجناء السابقين بدون موارد ،واملتسولين واملتشردين
واملدمنين ،إضافة إلى حماية فئتين من ألاطفال والشباب ،تتكون من ألاطفال املتصلى عنهم ،وأطفال
الشوارع والشباب بدون مأوى .يندرج البرنامجان ألاول والثاني في إطار الاستمرارية من أجل تحصين
مكتسبات املرحلتين ألاولى والثانية ،مع مواصلة الخصاص على مستوى الدينامية التي تم إطالقها لتدارك
البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية ألاساسية وكذا محاربة الهشاشة1 .
ووعيا بالتأثير املباشر ملستوى الدخل على مؤشرات التنمية البشرية ،وبضرورة تغيير الثقافة القائمة على
املساعدة وتبني مقاربة طموحة تعتمد فكرة املشروع من أجل إرساء قيم التنمية املستدامة ،يروم
البرنامج الثالث باألساس توفير الدخل وخلق فرص عمل للشباب ،وذلك من خالل الاشتغال على ثالثة
دعائم أساسية .وتهم هذه الدعائم الاهتمام بالعنصر البشري من خالل اعتماد إجراءات دعم التكوين
واملواكبة بهدف إدماج املقاولين وحاملي املشاريع ،واعتماد خارطة طريق للتنمية الاقتصادية املحلية
بهدف تبطوير ألانشبطة الاقتصادية وتيسير إلادماج السوسيو -اقتصادي للشباب ،عالوة على تحديد
املشاريع ذات الوقع إلايجابي.
ويشكل هذا البرنامج أهم ألاورا التي تهتم بها املرحلة الثالثة ،الرتباطه بالدخل والشباب ،وفي هذا
الصدد ،الزالت هناك تحديات كبيرة بصصوص إدماج الشباب وتحسين الدخل.
يهم البرنامج الرابع الدعم املوجه للتنمية البشرية لألجيال الصاعدة ،ويعتبر لبنة جديدة في بناء صرح
املنيومة املندمجة للتنمية املستدامة ،ويهدف باألساس إلى التصدي ببطريقة استباقية ألحد ألاسباب
الرئيسية للتأخر الحاصل في مجال التنمية البشرية ،وذلك عبر الاستثمار في الرأسمال البشري منذ املراحل
املبكرة للفرد ،وذلك بتركيز تدخالت املبادرة على محورين جوهريين؛ محور تنمية البطفولة املبكرة ،وسيتم
في إطاره استهداف النساء الحوامل واملرضعات وكذا ألاطفال أقل من 1سنوات املنحدرين من ألاوساط
الفقيرة واملعوزة ،ومحور مواكبة البطفولة والشباب ،الذي يستهدف ألاطفال في سن التمدرس والشباب
في نهاية مسارهم الدراس ي.
244
وتأسيسا على هذا النسق ،تم على مستوى محور تنمية البطفولة املبكرة ،تحديد ثالثة أولويات لتفعيله،
باعتماد املساهمة في تقوية نيام صحة ألام والبطفل ،واملساهمة في تحسين جودة تغذية البطفل وتقليص
نسب إلاخفاق املدرس ي ،من خالل دعم تعميم التعليم ألاولي.
أما على مستوى املحور الثاني املرتبط بمواكبة ألافراد في مرحلة البطفولة والشباب ،والذي يروم التصفيف
من مياهر التفاوتات على مستوى التعلم ومحاربة الهدر املدرس ي ودعم الانفتاح ،فسيتم أجرأته عبر
مباشرة التدابير ذات ألاولوية ،والتي تهم دعم التفوق ومحاربة الهدر املدرس ي من خالل العمل على توفير
البنيات والتجهيزات ألاساسية ،كدار البطالب والبطالبة ،والنقل املدرس ي ،وتعميم دروس التقوية وكذا
دعم إعادة إلادماج املدرس ي ،وتكثيف برامج التربية غير النيامية.
ويتعلق ألامر أيضا باملساهمة في مواكبة التالميذ عند مرحلة التوجيه ،عبر استهداف أفواج السنوات
النهائية للسلكين إلاعدادي والثانوي ،ومالءمة مؤهالتهم التعليمية ومساراتهم الدراسية مع متبطلبات
سوق الشغل ،وتعزيز الانفتاح لدى ألاطفال والشباب من خالل تسهيل الولوج لألنشبطة الفنية والثقافية
والرياضية املوازية ،ودعم إحداث املزيد من البنيات التحتية الالزمة كدور الشباب ،واملالعب الرياضية
واملكتبات ،مع تعزيز الشراكة مع النسيج الجمعوي.
يهدف البرنامجان الجديدان الثالث والرابع إلى التصدي ألبرز املعيقات على مستوى التنمية البشرية
طيلة مراحل حياة الفرد ،وذلك عبر خلق فرص للشغل والحد من التفاوتات على مستوى الدخل،
ومواكبة ألاطفال والشباب املنتمين للفئات الهشة1 .
وعموما تروم املرحلة الثالثة ماان املبادرة الوطنية للتنمية البشرية تبني حكامة متجااددة لتحقيق الالتقائية
الضرورية والفعالية املتوخاة ،وخلااق املزيد من املستجدات .وفي هااذا الصادد ،سااتعمل هيئاات الحكامة
املحدثة على تكريس مبادئ التدبير املحكم ،وقدرة املبادرة على القيام بدور الرافعة في جميع الجهات،
والالتقائية بين مصتلف املتدخلين ،والارتقاء بمكانة الفاعلين الجمعويين والرفع من مهنيتهم .وفي هذا
إلاطار ،سيتم أيضا تفعيل برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خالل ست هيئات متجددة
للحكامة على املستوى الوطني والجهوي والاقليمي واملحلي .وبصصوص التمويل ،سيكلف تنزيل املرحلة
الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ( ،)8783-8707مبلغا ماليا يقدر با 02مليار درهم .وتتوزع هذه
الاعتمادات ما بين برنامج تدارك الخصاص املسجل على مستوى البنيات التحتية ،والخدمات ألاساسية،
باملجاالت الترابية ألاقل تجهيزا ( 5ماليير درهم) ،وبرنامج مواكبة ألايخاص في وضعية هشة ( 5ماليير
درهم) ،وبرنامج تحسين الدخل وإلادماج الاقتصادي للشباب ( 5ماليير درهم) ،وبرنامج دعم التنمية
البشرية لألجيال الصاعدة ( 1ماليير درهم) .وتجدر إلاشارة إلى أن املبادرة الوطنية للتنمية البشرية،
245
سجلت خالل مرحلتيها ألاولى والثانية ،إنجاز 53ألف مشروع بمبل مالي قدره 53مليار درهم ،ساهمت
فيها املبادرة بمبل 82مليار درهم .1
إن تحقيق أهداف املبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خالل مرحلتها الثالثة ،وتجاوز العثرات والهفوات
السابقة التي عرفتها خالل املرحلتين ألاولى والثانية ،يستدعي تجديد الكيفية التي يتم بها تحديد أعضاء
اللجان إلاقليمية واللجان املحلية للتنمية البشرية ،وجلب كفاءات ذات مؤهالت مناسبة ،بصصوص
أقسام العمل الاجتماعي ومجموعات تنشيط ألاحياء والجماعات ،وإلاسراع بصرف الاعتمادات املالية،
ووضع خبطة واضحة ومساطر خاصة لتفعيل الالتقائية والتكامل بين البرامج القبطاعية وبرامج املبادرة
الوطنية للتنمية البشرية ،وتحديد العوامل التي ساهمت في عدم إنجاز املشاريع ،قبل مباشرة تنفيذها
وتنزيلها ،وفي هذا السياق تعتبر املشكلة الرئيسية باملغرب ،تحول التمييز لصالح البطبقات الغنية إلى
توسيع الريع والجمع بين الثروة والسلبطة ،فينتج عن ذلك تزايد الفوارق ،وترتفع أعداد الفقراء
واملهمشين ،وتضعف القدرة الشرائية لجل الشرائح الاجتماعية2 .
وتدخل هذه املرحلة من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ضمن خيار استراتيجي ،يتمثل في النموذج
التنموي الذي تبناه املغرب ،وتعتمد الدولة منهجية اللجن الخاصة بالنموذج التنموي ،التي تعيق ربط
املسؤولية باملحاسبة ،ويعتبر ذلك آفة سياسية ،تالزم إنجاز املشاريع التنموية باملغرب ،مما يساهم في
تعميق الفجوة بين من يتم تعيينهم وبين املواطنين ،ومن ثم يبقى التصبطيط التنموي بعيدا عن املنهجية
الديمقراطية الحقيقية 3 .ويزداد حجم التناقضات بين التصورات واملنجزات.
ثانيا :تقييم مساهمة برامج املبادرة الوطنية في محاربة الفقر وإرساء التنمية باملغرب
ذكر تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني إكراهات تعرقل مسار التنمية والحماية الاجتماعية
باملغرب ،منها؛ "غيااب رؤياة سياساية مشاتركة ،واساتراتيجية رسامية ونياام محاسابي مندماج ،ونياام موحاد
للمعلوماات وللمحاسابة فاي ماا يتعلاق بااألداء فاي مجاال التغبطياة الاجتماعية؛ وتعادد املصالاح التقنياة
الوصياة وهيئاات الرقاباة ،وضعاف مساتوى التنسايق بينهاا (رئاسااة الحكومااة ،ووزارات املاليااة والتشااغيل
والشااؤون الاجتماعية وألاسارة والتضامن ،واملجلااس ألاعلاى للحساابات ،وهيئاة مراقباة التأميناات
والاحتيااط الاجتماعاي وغيرهاا) ...وضعااف إش اراك الشااركاء الاجتماعيياان فااي هيئااات الحكامااة وإلاش اراف
والرقابة املعنيااة بالضمان الاجتماعي؛ وعاادم إعمال التوصيات الصادرة عاان هيئات املراقبة ،كاملجلااس
-1سناء بنصري ،املرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية :توجه جديد ينبطوي على آمال واعدة في مجال التنمية البشرية ،دجنبر
http://www.mapexpress.ma/ar/actualite/ .8702
-2ميلود الرحالي ،جدلية النموذج والسياق :بوصلة املغرب بين نموذجين تنمويين ،8780 /8771املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات،
در القلم للبطباعة والنشر والتوزيع ،ط ،8788 ،0 ،ص814 ،
-3نفس املرجع ،ص810 - 811 ،
246
ألاعلااى للحساابات أو التوصياات الاواردة فاي الدراسات التاي تنجزهاا مؤسسات مان قبيال مكتاب العمل
الدولي" .1
وحسب املرصد الوطني للتنمية البشرية 2فقد تم تصصيص مبل قدره 07مليار درهم مع بداية سنة
2005ومع إعادة توزيعه ما بين 2005و 8707بل 14.6مليار درهم لفائدة الساكنة بمجموع التراب
الوطني ،وخالل املرحلة املمتدة من 2005إلى 2015تم إنجاز أزيد من 40ألف مشروع بينهما 8300
مشروع مدر للدخل لفائدة 10ماليير مستفيد يتمركزون في %50بالوسط القروي بغالف مالي قدره
37.4مليار ،لكن الحصيلة املبطلوب تحقيقها من وراء هذه املشاريع والبرامج املنجزة ،لم تعبر عما كان
منتيرا منها ،بسبب التفاوت والاختالف الحاصل بين البرامج والاعتمادات املرصودة وكذلك بين عدد
املستفيدين ،ونتيجة لالختالالت التي تعرفها املبادرة على مستوى توزيع وتدبير املبال املالية من قبل
الفاعلين في املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،إضافة إلى تأخر إنجازات هذه املشاريع نيرا لتعقد املساطر
الخاصة باالنتقاء وتمويل املشاريع التي قد تستغرق وقتا طويال من أجل صرفها ،كما أن غالبية هذه
البرامج ال تعكس حاجيات املستفيدين ،بحيث ال يتم إشراك السكان من أجل اختيار املشاريع املالئمة
لهم ،مما يؤدي إلى تمركز البرامج في منبطقة واحدة دون تحقيق أهدافه ،ولتجاوز ذلك ،البد من القيام
ببحوث ميدانية ،من أجل تحديد نوعية املشاريع التي تحتاجها الفئة املستهدفة ،وأخذ التحوالت
الديمغرافية والاجتماعية واملجتمعية ،بعين الاعتبار .وييل الوضع الاجتماعي باملغرب متسما بببطالة
الشباب ،وعدم املساواة والفوارق الاجتماعية والتفاوتات املجالية .مما يبطرح ،مسألة الاستهداف الجغرافي
والاجتماعي للسياسات العمومية املتعلقة بالحماية الاجتماعية ،وهي املسألة التي تشكل بالفعل عامال
حاسما من أجل إرساء تكافؤ الفرص والوضعيات3 .
نشير في هذا الصدد إلى املقاربة التي تتبناها مؤسسة البنك الدولي ،ملا لهذه ألاخيرة من سلبطة اقتصادية
وسياسية على البلدان النامية ،تتحكم من خاللها في توجيه بوصلة التنمية بالنسبة لتلك الدول ،ويعلق
الصحفي وأستاذ الفلسفة ألاملاني أرنست فولف على صياغة أهداف صندوق البنك الدولي بقوله " :إنها
ترن في أذن السامع كأن صندوق النقد مؤسسة حيادية ...يكمن هدفها الرئيس ي في ترك العالم الاقتصادي
يعمل بأكبر قدر ممكن من النيام ،و في تصحيح الاختالالت بأسرع وقت متاح ...ولكنها إحدى املؤسسات
-1تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان
واملساعدة الاجتماعية ،إحالة ذاتية رقم ،8702/35 ،ص.05 -03 ،
-2حكيمه ماهير ،املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،أية استراتيجية؟ مجلة القانون وألاعمال الدولية ،جامعة الحسن ألاول 4 ،أبريل،
https://www.droitetentreprise.com .8707
-3تقييم منجزات املرحلة ألاولى من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية 8707 - 8774وآثارها على الساكنة املستهدفة ،املرصد الوطني للتنمية
البشرية ،تقرير التنمية البشرية .8703
247
التي أنشأتها القوة العيمى الجديدة لتفرض ليس هيمنتها العسكرية فحسب ،بل هيمنتها الاقتصادية
أيضا على العالم " .1
ويعتبر البنك الدولي أن برامج الحماية الاجتماعية تساعد ألافراد وألاسر ،السيما الفقراء منهم ،على
مواجهة ألازمات والصدمات ،والاستثمار في صحة وتعليم أطفالهم ،ودعم الشباب من خالل تبطوير
مهاراتهم والعثور على فرص عمل ،وحماية املسنين ،ويتبطلب ذلك تحقيق الانسجام بين سياسات الحماية
الاجتماعية ،والبرامج وأنيمة إلادارة ،وتوسيع الحيز املالي املتاح لتوسيع نبطاق شبكة الحماية الاجتماعية
الشاملة ،تزامنا مع التصدي لنقاط الاختناق ودمج الحماية الاجتماعية الشاملة بالشكل الالئق في
وتنبئنا دروس التاريخ بأن ألازمات غالبا ما تؤدي إلى تسريع وتيرة النهوض
الاستراتيجية الوطنية للتنميةِ .
بالحماية الاجتماعية بفضل زيادة التقدير ألهميتها ،والدروس املستفادة بشأن أوجه النقص في ألانيمة
التي تتكشف بين ثنايا ألازمة ،والدراية التي تتولد من رحم الاستجابة ،ويصدق ذلك تماما على حالة
الجائحة.
لقد حددت مؤسسة البنك الدولي ،خمسة مجاالت تركيز استراتيجية رئيسية ملساندة البلدان في هذه
ألاجندة2 :
أوال ،لوضع أنيمة للحماية الاجتماعية الشاملة تتسم باالستدامة من الناحيتين املالية والسياسية ،يجب
على البلدان رسم رؤية أطول أجال للقبطاع تسترشد بها في تبطوير مؤسساتها وبرامجها .ويساعد الوضوح
في الرؤية الحكومات على السعي من أجل الحماية الاجتماعية الشاملة من خالل نهج تدريجي متماسك،
وتجنب اتصاذ أي خبطوات قد تعوق تحقيقها.
ثانيا ،بالنير إلى الفجوات الكبيرة املوجودة ،يجب العمل لتحقيق توسعة كبيرة للتغبطية الفعالة لبرامج
الحماية الاجتماعية من أجل تلبية الاحتياجات املصتلفة لجميع السكان ،وفي هذا إلاطار ،نشدد على زيادة
املساندة املقدمة للمناطق التي تعاني أوضاع الهشاشة والصراع ،والحرص على أن تراعي البرامج
ُ
الاحتياجات املحددة لكثير من الفئات التي تواجه حواجز تحول دون استفادتها.
ثالثا ،يجب على البلدان أن تضع برامج تتسم بقدر أكبر من القدرة على الصمود في وجه الصدمات
والتكيف والديناميكية ،وقد يساعد هذا على الاستفادة من التقدم املهم الذي تحقق في مجال الحماية
الاجتماعية التكيفية في السنوات ألاخيرة ،بالتركيز املتزايد على قدرات أنيمة الحماية الاجتماعية للتكيف
مع الصدمات الخاصة التي تصيب ألافراد وألاسر وكذلك الصدمات املجتمعية ألاوسع.
-1أحمد كرد ،صندوق النقد الدولي ...مؤسسة للتنمية أم أداة للتبعية ،ماي https://www.aljazeera.net/blogs/ .8787
-2ميكال روتكوفسكي ،شق طريق نحو الحماية الاجتماعية الشاملة ،شتنبر https://blogs.worldbank.org ،8788
248
رابعا ،يجب العمل لتحقيق زيادة كبيرة لنبطاق وجودة برامج الشمول الاقتصادي وسوق العمل ،وملاليين
الفقراء العاملين في وظائف منصفضة إلانتاجية وليس لديهم سوى القليل من سبل الحماية ،ومن هم
خارج سوق العمل كلية ،تتيح هذه البرامج مساندة تشتد الحاجة إليها للحصول على فرص اقتصادية
أفضل .
أخيرا ،سيتبطلب التحقيق التدريجي للحماية الاجتماعية الشاملة توفير حيز مالي أوسع ،لإلنفاق في إطار
املالية العامة على الحماية الاجتماعية ،وما من شك في أن أحد املكونات الرئيسية لهذا النهج يجب أن
َّ
يكون زيادة كفاءة النفقات الحالية ،وقد يتبطلب هذا بعض الخيارات الصعبة فيما يتعلق بالبرامج
الحالية ،عالوة على ذلك ،سيتعين على كثير من البلدان تعبئة مزيد من املوارد املحلية من خالل إلاصالح
الضريبي وكذلك العمل مع املانحين بشأن زيادة الاتساق والتنسيق بين النفقات.
وقد اعتبرت منيمة " أوكسفام" أن اعتماد املغرب الحماية الاجتماعية يشكل مدخال ملحاربة الفقر
والالمساواة وتحقيق الكرامة ،وأكدت "أوكسفام" أن تعميم الحماية الاجتماعية يعد خبطوة استراتيجية
لتدارك الاختالالت التي تمس جوهر منيومة الحماية الاجتماعية باملغرب .وضمن تقريرها املعنون با"
ضريبة عادلة من أجل مغرب منصف " أكدت الهيئة ذاتها أن اختالالت الخدمات الاجتماعية والببطالة
وعدم الاستقرار املنهي ،والتمييز ضد النساء ،والنيام الجبائي غير العادل ،تعبطل التنمية الاجتماعية
باملغرب وتعمق الفجوة بين ألاغنياء والفقراء؛ كما نبهت املغرب إلى " الالمساواة التي أفرزتها سياسات
واختيارات اقتصادية واجتماعية غير منصفة " ،وجاء اندالع جائحة فيروس كورونا والتدابير الاحترازية
املواكبة له ليشدد من وطأتها1 .
يحتل تعزيز أنيمة الحماية الاجتماعية مكانة أساسية في تحقيق أهداف التنمية املستدامة؛ فمن خالل
ضمان تمتع ألايخاص بحقوقهم في الضمان الاجتماعي ،تعزز الدولة التنمية البشرية ،والاستقرار
السياس ي والنمو الشامل ،وتساهم بذلك ،في تقليص حدة الفقر وإزالة أوجه عدم املساواة ،والتشجيع
على إعادة التوزيع العادل للثروة الاقتصادية ،بما يتماش ى مع أهداف التنمية املستدامة .فلنذكر هنا
بأن الهدف ألاول لألجندة 2030في استراتيجية ألامم املتحدة للتنمية املستدامة هو القضاء على الفقر.2
لقد تبنت جل الخبطابات الرسمية باملغرب العديد من الشعارات واملفاهيم ،كالرأسمال البشري ،وتحقيق
الرفاه للجميع ،والانتقال الديمقراطي ،...لكن الواقع يتنافى ويتعارض مع تلك الشعارات؛ إذ هناك استمرار
في ارتفاع غالء ألاسعار ،وغياب سياسة حكومية واضحة ترمي إلى الحد من هذه الزيادات املهولة في شتى
املواد الغذائية وألاساسية ،باملوازاة مع ذلك هناك انتشار للريع ،والتهرب الضريبي ،وغياب الشفافية في
إلادارة ،وتعقيد املساطر إلادارية الخاصة باالستثمارات ،وقد تم تأكيد ذلك والاعتراف به في العديد من
-1أوكسفام :الحماية الاجتماعية الشاملة مدخل ملحاربة الفقر والالمساواة باملغرب ،هسبريسhttps://www.hespress.com ،
-2مارلين حيدر نجار ،استراتيجيات ألامن الاجتماعي :قراءة في الواقع اللبناني ،مجلة العلوم الاجتماعية ،العدد ،8788 ،85/ 83ص.85 ،
249
الخبطابات امللكية نفسها ،باإلضافة إلى غياب املحاسبة ،وتعيين نصب بعيدة عن املجتمع ثقافيا وسياسيا،
ناهيك عن عدم تعبير الدولة عن إرادة سياسية في تغيير نمط الاشتغال ،وآليات املتابعة ،لتحقيق التنمية
املنشودة.
ويقتض ي تحقيق التنمية املبطلوبة؛ تفعيل املقاربة التشاركية بين مصتلف القبطاعات وإلادارات املركزية
والالمركزية وبين مصتلف الفاعلين والشركاء واملتدخلين ،واعتماد الاقتصاد التضامني الاجتماعي الذي
يسعى إلى التوفيق بين أهداف النمو والتنمية الاقتصادية من جهة ،ومبادئ إلانصاف والعدالة
الاجتماعية من جهة أخرى ،ويجعل إلانسان في صلب اهتمامات عملية التنمية وفوق أي اعتبارات
اقتصادية صرفه ،مثل الربح أو التراكم .ووفق العديد من الخبراء وأبرزهم جوزيف ستيغليتز؛ يعد
الاقتصاد التضامني دعامة ثالثة ،إلى جانب كل من القبطاعين العمومي والخاص ،ينبغي أن يتأسس عليها
أي اقتصاد يهدف إلى تحسين أدائه وتعزيز التماسك الاجتماعي ،وإدماج شرائح واسعة من املجتمع ،وال
يشكل الاقتصاد التضامني بديال عن اقتصاد السوق املهيمن في العالم حاليا ،ولكن بإمكانه أن يكون
ُ
اقتصادا موازيا قادرا على تحرير ديناميات النمو املدمج وإعادة التوازن للمجتمعات عن طريق الحد من
حجم التفاوت والفوارق الاجتماعية الصارخة.1
وتجدر إلاشارة إلى حضور هذا النوع من الاقتصاد في املجتمع املغربي ،سببه أن العديد من املبادرات
تعود أصولها إلى التقاليد املغربية وإلى قيم التضامن وتبطوير املنبطق التعاوني ،واستنادا إلى التحديات
التي تواجه املغرب ،فإن من شأن الاقتصاد الاجتماعي التضامني أن يشكل في املستقبل جسرا حقيقيا
بين ألاجيال الجديدة للتضامن وبين التقدم الاقتصادي للمجتمع ،ويصبح قبطاعا كامال من حيث قدرته
على خلق القيمة الاقتصادية.2
خاتمة
إن تقييم مساهمة برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر ،وتحقيق التنمية باملغرب،
خالل املرحلتين ألاولى والثانية ،باإلضافة إلى مرحلتها الثالثة ( ،) 8783 -8707التي الزالت قيد إلانجاز
والتفعيل ،يتبطلب مزيدا من الوقت والجهد والبحث ،من أجل الوقوف على مكامن القوة والضعف على
مستوى برامج املرحلة الثالثة على وجه الخصوص ،كونها آخر مرحلة ،والتي يمكن أن تشكل مصرجات
املبادرة ،لكن انبطالقا من املرحلتين ألاولى والثانية للمبادرة ،ومن خالل برامج ومشاريع ذات صلة بهذا
املجال ،واعتمادا على مجموعة من التقارير املحلية والدولية ،يمكن تسجيل العديد من املالحيات حول
مسار وسير التنمية الاجتماعية والبشرية باملغرب ،خاصة في ما يرتبط بمحاربة الفقر ،وتحقيق التنمية،
إذ يالحظ أن السياسات والبرامج الاجتماعية باملغرب ،متسمة بالصبغة التجزيئية واليرفية ،ومرتببطة
250
بالسياقات السياسية والاجتماعية اللحيية التي تتحكم فيها وتوجهها؛ بمعنى يغلب عليها البطابع الشكلي
والاستهالك إلاعالمي ،من أجل تلميع صورة املغرب في الداخل والخارج ،حيث تواجه معيم التدابير
وإلاجراءات املتصذة في هذا املجال ،صعوبات في مواكبة حجم الاحتياجات والتبطلعات الاجتماعية
املتزايدة ،خاصة فيما يرتبط بتبطوير مؤشرات الحماية الاجتماعية ،والزيادة في عدد املستفيدين من
الدعم الاجتماعي ،...مما قد ينجم عنه ارتفاع حدة الهشاشة والفقر ،لدى فئات اجتماعية واسعة
باملغرب.
و في هذا الصدد ،يمكن تسجيل العديد من الاختالالت التي يعرفها الوضع الاجتماعي باملغرب ،سواء على
مستوى محاربة الفقر أو السعي إلى تحقيق التنمية املأمولة ،تبقى الفوارق الاجتماعية في املغرب في
مستويات املعيشة والفقر النسبي مستقرة في نسب مرتفعة ،مما يحتم ضرورة الانتباه إلى مسألة
الاستهداف الجغرافي والاجتماعي للسياسات العمومية املتعلقة بالحماية الاجتماعية ،وهي املسألة التي
تشكل بالفعل عامال حاسما من أجل إرساء تكافؤ الفرص والوضعيات ،ناهيك عن انتشار الببطالة خاصة
في صفوف الشباب وذوي الشهادات العليا ،بسبب غياب تكافؤ الفرص ،والتفاوت بين الكفاءات املتوفرة
والكفاءات املبطلوبة ،ومن املشاكل التي تؤثر على تنزيل البرامج التنموية ،وعلى استهدافها لحل ألازمات
الاجتماعية ،وتحقيق املنجزات املبطلوبة ،تلك املفارقات والتناقضات الحاصلة على مستوى العالقة بين
التصورات واملنبطلقات التي تعتمدها مؤسسات الدولة وتروج لها ،وبين املنجزات التي يتم تحقيقها
وتنفيذها في الواقع ،ومع غياب التكامل والانسجام بين املعلن واملنجز ،تزداد حالة الارتباك لدى مصتلف
الفاعلين ،وقد يدخلون في مرحة الشك والتشكيك ،وتبادل التهم حول إلاخفاقات املتتالية ،مما يفقد
هذه البرامج واملشاريع مصداقيتها لدى املجتمع ،خاصة الفئات املستهدفة ،ومن ثم يتم السقوط في فخ
إعادة إنتاج الفشل ،إضافة إلى ضعف الشفافية واملحاسبة ،التي تؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدولة،
وتساهم في انصفاض م نسوب الثقة بالنصب واملؤسسات ،وهذا يمثل سببا أساسيا في الرفع من حدة
الاحتقان الاجتماعي والسياس ي بالبالد.
إن محاربة الفقر وتحقيق التنمية باملغرب ،يقتض ي امتالك إرادة سياسية قوية ،لدى الفاعلين
واملسؤولين ،ويتبطلب صياغة ووضع برامج الحماية الاجتماعية واملشاريع التنموية ضمن استراتيجية
منسجمة ومتكاملة ،مبنية على قواعد وأسس متينة ومعتبرة ،تستحضر املنجزات السابقة بما لها وما
عليها ،وتستفيد من التقييمات املرتببطة بها ،وتستجيب ملتبطلبات وتحديات املرحلة ،في انسجام تام مع
حاجات الفئات الفقيرة والهشة ،عبر عمل تشخيص ي تشاركي مؤسساتي ،وتتبطلع لبناء مستقبل أفضل،
في إطار مقاربة تعتمد ربط املسؤولية باملحاسبة ،باإلضافة إلى استحضار املالحيات والتوصيات الواردة
في الكثير من التقارير ،والتي تنبه املسؤولين باملغرب إلى العمل على اعتمادها واستحضارها أثناء التصبطيط
والتنزيل ،لتيسير عملية محاربة الفقر وتحقيق التنمية ،كإشراك الفاعلين والشركاء وحسن التنسيق
بينهم ،وإلانصات إلى الفئات املستهدفة ،وإنجاز بحوث ميدانية قصد التشخيص وتحديد إلاشكاالت ،ثم
251
تجاوز غلبة منبطق التعيين على الانتصاب في إنجاز البرامج واملشاريع التنموية ومتابعتها ،والتنسيق الفعلي
بين السياسات القبطاعية والبرامج التنموية التي تدخل في إطار املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،ودرء
التعارض الذي يحصل بين املؤسسة امللكية والفاعلين الحكوميين في تنزيل وتتبع برامج الحماية
الاجتماعية واملشاريع التنموية ،لتجاوز التملص من تحمل املسؤولية ومن املحاسبة.
الئحة املراجع:
أحمد كرد ،صندوق النقد الدولي ...مؤسسة للتنمية أم أداة للتبعية ،ماي .8787
التنسيقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،تقديم املرحلة الثالثة ( ،)8783 – 8707املندوبية
السامية للتصبطيط.8702 ،
الورياغلي سليم محمد ،النموذج التنموي الجديد :قراءة في السياق وسؤال التنمية باملغرب ،منشورات مجلة
املنارة للدراسات القانونية وإلادارية ،دار القلم للبطباعة ،الرباط ،يونيو .8787
تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل
تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية ،إحالة ذاتية رقم.8702/35 ،
تقييم منجزات املرحلة ألاولى من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ( )8707 – 8774وآثارها على الساكنة
املستهدفة ،املرصد الوطني للتنمية البشرية ،تقرير التنمية البشرية .8703
حكيمه ماهير ،املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،أية استراتيجية؟ مجلة القانون وألاعمال الدولية ،جامعة
الحسن ألاول 4 ،أبريل.8707 ،
خالد مصبطفى قاسم ،إدارة البيئة والتنمية املستدامة في ظل العوملة املعاصرة ،الدار الجامعية ،إلاسكندرية،
.8770
سناء بنصري ،املرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية :توجه جديد ينبطوي على آمال واعدة في مجال
التنمية البشرية ،دجنبر .8702
عبد الرزاق الفارس ،الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت.2001 ،
علي محمد جعفر ،ألاحداث املنحرفون( :عوامل الانحراف ،املسؤولية الجزائية ،التدابير) ،دراسة مقارنة،
املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ،بيروت(لبنان).1984 ،
مارلين حيدر نجار ،استراتيجيات ألامن الاجتماعي :قراءة في الواقع اللبناني ،مجلة العلوم الاجتماعية ،العدد
.8788 ،85/ 83
مدحت محمد أبو النصر ،إدارة وتنمية املوارد البشرية ،الاتجاهات املعاصرة ،مجموعة النيل العربية،
القاهرة.8770،
ميلود الرحالي ،جدلية النموذج والسياق :بوصلة املغرب بين نموذجين تنمويين ،8780 /8771املركز املغربي
لألبحاث وتحليل السياسات ،دار القلم للبطباعة والنشر والتوزيع ،ط.8788 ،0 ،
-يحيى محمد محمد هاشم ،التجارب الدولية لشبكات الحماية الاجتماعية كآلية ملواجهة الفقر ،دراسة
تحليلية ،مجلة البحث العلمي في آلاداب ،العدد ،02جامعة عين شمس كلية البنات لآلداب والعلوم والتربية،
مصر ،دجنبر .8700
252
الاقتصاد التضامني ورهان إدماج القطاع غير املهيكل للفئات الهشة
أي دور للحماية الاجتماعية؟
طارق مرزاق
باحث في القانون
مقدمة
انصرط املغرب في ور الحماية الاجتماعية الذي أعبطى انبطالقته امللك محمد السادس في خبطاب العر
لسنة ،8787حيث أتى في سياق التحوالت الاجتماعية والاقتصادية املضبطربة التي يشهدها العالم وكذا
رغبة املغرب في التحول نحو دولة اجتماعية ،غير ان هذا التحول لن يتم وفق الاقتصاد التقليدي القائم
على تحرير السوق بهدف خلق أعلى معدل من النمو ومراكمة الرأسمال دون الحاجة للتنمية الاجتماعية.
فيما ينير إلى الاقتصاد غير املهيكل كعقبة تعيق نجاعة الدولة الاجتماعية ،وتحرم الفئات املفترض
استهدافها من خالل السياسات الاجتماعية.
وهنا يبرز الاقتصاد التضامني املبني على أسس الرأسمال الاجتماعي كحل إلعادة بناء القبطاع غير املهيكل
الذي تمتهنه الفئات الهشة وادماجه داخل عجلة الاقتصاد ،بهدف حماية البطبقات الدنيا من ألاضرار
الناتجة عن النيوليبرالية التي عمقت من الفوارق الاجتماعية واملجالية وارتفعت معها معدالت الفقر
والببطالة ،مما جعل البطبقات الفقيرة تعيش في عزلة اجتماعية وانعكس سلبا على طموحهم في التريي
الاقتصادي والاجتماعي .وهكذا وجدت الدولة نفسها مضبطرة الى التدخل في كل أزمة اقتصادية و /أو
اجتماعية لفائدة الفئات الهشة ،سواء عن طريق الدعم املباشر كما حدث خالل أزمة كوفيد ،07أو في
الحرب الروسية ألاوكرانية ،حيث عمل املغرب خالل هذه ألازمات على ضمان التمويل الهادف لضبط
أسعار املواد ألاكثر استهالكا وتقديم الدعم املباشر للعاملين داخل القبطاع غير املهيكل وكال ألامرين مكلف
ملالية الدولة.
ويرجع اعتماد الدولة على هذه الوسائل املكلفة إلى صعوبة استهداف وحصر هذه الفئات النصراطها في
الاقتصاد غير املهيكل والذي يشغل ما نسبته 28,7%من إجمالي اليد العاملة ،فيما بلغت مساهمته في
الناتج الداخلي الخام ،1%00لذا ،يمكن ملؤسسات الاقتصاد التضامني أن تصفف من ألاعباء املالية
وإلادارية التي تثقل كاهل الدولة وتوفر التأمين الاجتماعي عبر التصفيف من حدة الببطالة وتضمن التمويل
والتدريب وتعزز القدرة املعيشية للعاملين داخل هياكلها التشغيلية.
1ملياء الغاز ،ياسمين بوزينب ،القبطاع غير املهيكل :الخصائص الرئيسية ووتيرة التبطور ،مصتصرات املندوبية السامية للتصبطيط ،عدد
8 ،01مارس ،8780ص .0
253
ورغم قدرة االقتصاد التضامني على إدماج القبطاع غير املهيكل الذي تمارسه الفئات الهشة وتوليد الدخل
والثروة لهذه الفئات والحد من الفوارق الاجتماعية واملجالية ،إال أنه يواجه صعوبات املرتببطة بحجم
الاقتصاد غير املهيكل في السوق ،وكذا ضعف التمويل وسوء الحكامة إضافة لتشتت السياسات الهادفة
للنهوض بهذا القبطاع والتي من شأنها أن تعيق هذا إلادماج .مما يتبطلب حال فعاال يسهم في تحسين
ألاوضاع الاجتماعية ،وهنا يأتي دور تعميم الحماية الاجتماعية كألية محفزة ،تدفع الفئات الضعيفة
لتقنين أنشبطتها وتنييمها ضمن جمعيات وتعاونيات لالستفادة من الخدمات التأمينية التي تقدمها
الاقتصادية عبر مؤسسات الاقتصاد التضامني.
مشكلة الدراسة :من خالل ما سبق ستناقش هذه الورقة رهان إدماج الاقتصاد التضامني للقبطاع غير
املهيكل للفئات الهشة وما يفرضه الواقع من تحديات تحول دون تحقيق هذه الغاية ،كما أنها ستسلط
الضوء على استراتيجية الدولة لتقوية الاقتصاد التضامني ،سيما الفرص التي يتيحها ور تعميم
الحماية الاجتماعية ومدى تأثيرها على الاستقرار الاجتماعي للفاعلين في الاقتصاد التضامني.
منهج الدراسة :على ضوء إلاشكالية املبطروحة ستعتمد هذه الدراسة على املنهج التحليلي والاستقرائي
بغية التعرف على:
أوال :العقبات التي تحول دون تمكن الاقتصاد التضامني من إدماج القبطاع غير املهيكل الذي تشتغل فيه
الفئات الهشة .إضافة لنقد وتقويم استراتيجيات مؤسسة تنمية التعاون كنموذج.
ثانيا :استكشاف الحوافز التي يوفرها ور الحماية الاجتماعية إلدماج القبطاع غير املهيكل وتحليل مدى
قدرته على مواجهة إكراهات مرتببطة بالتمويل والاستدامة.
عرف الاقتصاد الوطني مستويات مرتفعة من النمو منذ سنوات ،8777لكن هذه املعدالت لم تكن كافية
لتوليد الثروة وحل مشكلة الببطالة التي تشهد ارتفاعا مضبطردا سنة تلو ألاخرى ،كما تراجعت وتيرة نمو
الاقتصاد الوطني من 4,8%كمعدل سنوي خالل الفترة 8777-8777إلى 3,5%خالل العقد ألاخير ،إذ
إن نسبة 8,84%كمعدل نمو في العشرية ألاخيرة ما بين 18787-8700ال تساعد في خلق 377777منصب
شغل سنويا ،2مما دفع بفئات عديدة والسيما تلك التي في وضعية هشاشة بالتوجه نحو السوق السوداء
لتوفير احتياجاتها والانصراط في القبطاع غير املهيكل لتفادي مشكل الببطالة وتداعياتها.
1إلادماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة املتجولين ،رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية ،مبطبعة سيباما،
الرباط ،8780،ص04 :
2هو معدل ألافراد الوافدين على سوق الشغل سنويا
254
ونرصد هنا العوامل التي ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي :والتي ترتبط بتباطؤ في التحول الهيكلي
لالقتصاد إضافة للفوارق الاجتماعية التي الزالت في مستوى مرتفع بفعل العجز الحاصل في إدماج بعض
الفئات من السكان في ألانشبطة الاقتصادية والاجتماعية ،حيث تعاني هذه ألاخيرة خصوصا الشباب
والنساء من ضعف املشاركة والتهميش لعدم إمكانية الولوج إلى فرص تحقق لهم الاستقاللية في غياب
شبكات ألامان الاجتماعي .1وقد نتج عن هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة إعادة الاهتمام باالقتصاد
التضامني ضمن النموذج التنموي الجديد وتبوأ مكانة خاصة كدعامة ثالثة للتنمية إلى جانب القبطاع
الخاص والعام ،إذ ان دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني سيمكن املغرب من الاستجابة لبعض
الحاجيات السوسيو-اقتصادية وتوزيع أفضل للثروات وتوفير فرص الشغل للشباب والنساء .2في حين
توقعت الوزيرة املشرفة على القبطاع أن يساهم هذا ألاخير مستقبال بنسبة 2باملائة في الناتج الداخلي
الوطني عوض 8باملائة حالياا وفي خلق 47ألف منصب شغل جديد سنويا.3
وبالتالي فإن هذا املحور سيناقش في الجزء ألاول تحديات ورهانات الاقتصاد التضامني في سبيل إدماج
القبطاع غير املهيكل وتحقيق التنمية املستدامة ،خصوصا تلك املرتببطة بتفش ي الببطالة وتضخم حجم
الاقتصاد غير املهيكل وغياب الحماية الاجتماعية ،ثم ستتم مناقشة محدودية استراتيجيات مؤسسة
تنمية التعاون كنموذج في الجزء الثاني من هذا املحور.
.1تحديات وآفاق الاقتصاد التضامني في إدماج القطاع غير املهيكل
يمكن لالقتصاد التضامني أن يساعد في حل مشكلة الاقتصاد غير املهيكل الذي يشكل مصدر قلق
للفاعلين السياسيين والاقتصاديين ،فحجمه يصل إلى 37فاي املائاة مان الناتاج الداخلاي إلاجمالاي حساب
معبطياات بناك املغارب لسانة 4 8702ويشغل ما بين 17و 27فاي املائاة مان السااكنة النشايبطة املشاتغلة
باملغارب .5ويقصد باالقتصاد غير املنيم "جميـع ألانشـطة الاقتصاديـة التـي ال تشملها الترتيبات
النظامية أو ال تتطرق لها بما فيه الكفاية في القانون أو في املمارسة " ،6ومن بين ألاسباب التي تساهم
في هيمنة اقتصاد غير املهيكل ؛ الهجرة القروية وتأهيل ضعيف لليد العاملة مما يحرمها من فرص الشغل
1اللجنة الخاصة بالنموذج "التنموي ،النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه
للجميع ،التقرير العام ،8780،ص.81 85- :
2نفس املرجع السابق ،ص. 00:
3بالغ لوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتاريخ 06يناير ،8788تصريح للوزيرة املشرفة على القبطاع.
نص التصريح منشور على الزقع الالكتروني لوكالة املغرب العربي لألنباء / https://www.mapnews.ma
4تعرف ألارقام املتعلقة بهذا الشأن تضاربا بين الهيئات الرسمية وتبقى هذه ألارقام مجرد تقديرات لصعوبة إحصاء هذه الفئات وحصر
أنشبطتها.
5مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير املنيم باملغرب ،رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية ،مبطبعة سيباما،
الرباط، 8780 ،ص. 0 :
6منيمة العمل الدولية ،الاقتصاد غير املنيم والعمل الالئق :دليل موارد السياسات لدعم الانتقال الى السمة املنيمة ،جنيف 82،ماي
،8704املرجع،(PDF)[ISBN] 978-92-2-626963-7 :ص.5 :
255
في القبطاع املهيكل ،انعدام الحوافز الاجتماعية في القبطاع املنيم –ومن ضمنه الاقتصاد التضامني -مثل
ضعف برامج الحماية الاجتماعية ،ثم الصعوبات القانونية والتنييمية التي تواجه إدماج الاقتصاد غير
املهيكل ،إضافة لصعوبات مرتببطة بالتمويل وغياب املواكبة.1
يحتاج إدماج اقتصاد املهيكل الى تقوية الاقتصاد التضامني إضافة الى خلق عالقة ديناميكية تفاعلية
ومتوازنة بين املجتمع والدولة والسوق ،بحيث يصبح الاقتصاد برمته مبني على التوزيع العادل للثروة
ويحقق الاكتفاء الذاتي والتنمية الاجتماعية وليس فقط الاقتصادية الهادفة ملراكمة الرأسمال ،2فتفكيك
الاقتصاد غير املنيم دون إدماجه داخل سلسلة إنتاجية من شأنه تهديد التماسك الاجتماعي.
ويساهم الاقتصاد التضامني كذلك على التفكيك السلس القتصاد غير املهيكل لقدرته على الاستفادة
من القوة العاملة واستغالل املوارد املتاحة لتلبية الحاجيات ألاساسية وتحسين ظروف العمل للفاعلين
في القبطاع غير املنيم ،وهذا ألامر تؤكده املعبطيات حيث أن القروض الصغرى تؤشر على توفير أزيد من
1777منصب شغل في الشبكات الخاصة بها ،ودعم ما يقرب من ِّ 5،4ماليين مشروع مولد للدخل
منصب شغل مؤقت والشغل ،كما أن الجمعيات لوحدها تشغل 80707مستصدما دائما ،و ْ 41485
.3عالوة على ذلك يمكن اعتبار التعاونيات إلى جانب التعاضديات 4كأهم ركيزتين لالقتصاد التضامني التي
يمكن الاستفادة من قدراتهما في الجهود املبذولة للحد من القبطاع غير املهيكل ،حيث تشمل أنشبطتهما
الفالحة والصناعة والسكن وهي أنشبطة يستحوذ اقتصاد غير املهيكل على جزأ كبير من إنتاجيتها في غياب
الحماية الاجتماعية وألاجور املتدنية وانعدام عقود العمل .مثال حققت التعاونيات التي تشتغل في قبطاع
الحليب رقم معامالت َيقدر بأكثر من 04مليون درهم ،كما توفر فرص عمل ألكثر من 04777عامل
وعشرات آلاالف من مناصب الشغل املؤقتة أو غير املباشرة تضاف لها 347777ممن يشغلون أنفسهم
بشكل ذاتي أو يواصلون عملهم داخل إطار تعاونياتهم ،وتشمل أنشبطتهم قبطاع الفالحة الخضر والحبوب
وإنتاج البواكر والحوامض ،والصناعة التقليدية ،تربية املواش ي ،والصيد البحري ،5وهو ما يمكن من
خلق مناصب الشغل في العالم القروي وتأهيل اليد العاملة والحد من الهجرة القروية التي تعد من
أسباب توسع الاقتصاد غير املهيكل .أما املؤسسة ألاخرى التي تحيى بقدرات تمويلية معتبرة فهي
التعاضديات التي يتوزع مجال نشاطها بين الصحة وتعاضديات التأمين ومؤسسات التكافل ،بحيث
ضمت سنة 8708حوالي 0.4مليون منصرط واستفاد من خدماتها 5.4مليون مستفيد وبالتالي يمكن ان
256
تكون الخدمات التي تقدمها خصوصا في مجال الصحة والتكافل حافزا للعاملين في اقتصاد غير املهيكل
من أجل تنييم نشاطهم والاستفادة من هاته الخدمات.
غير أن ما يحد من إمكانات الاقتصاد التضامني في مقابل هيمنة اقتصاد غير املهيكل هو مجموعة من
العقبات من ضمنها أن هذا القبطاع بدوره نادرا ما يحيى الفاعلون فيه بالحماية الاجتماعية ،كما أن
مناصب الشغل في الغالب ال تكون مقننة بعقود عمل تراعي تبطلعات العمال وتغري الناشبطين في اقتصاد
غير املهيكل بتنييم أنشبطتهم ،وفيما يصص اليد العاملة في هذا القبطاع فإنها ال تتجاوز 3,1في املائة من
الساكنة النشيبطة العاملة ،1وهي نصف عتبة إلاقالع التي حددها التحالف التعاوني الدولي املتمثلة في 6
في املائة وال تقارن بنسبة التشغيل في القبطاع غير املهيكل ،2أما في ما يتعلق بصلق مناصب الشغل الدائمة
فما زال منصفضا ،إذ أن هذا القبطاع يتجه دائما لتشغيل اليد العاملة املوسمية خصوصا تلك املرتببطة
باملجال الفالحي.
هذا ،إضافة إ لى عدم تجانس عمل الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات مع تغليب الربح على ما هو
اجتماعي وهو ما يتعارض والهدف من إنشاء هذه املؤسسات ،فرغم أن القروض الصغرى لها أهمية بالغة
في تمويل املشاريع الصغرى ومنيمة ضمن فيدراليات ،وييهر أثرها امللموس خصوصا في دعم كل من
فئات املنتجين الصغار جدا وكذا املبادرات الذاتية النسائية ،3بغية إدماجهم في النشاط الاقتصادي
إضافة إلى خلق مناصب الشغل؛ إال أن هذا التمويل ال يحقق الغايات املتوخاة منه ويؤدي إلى تضخم
القبطاع غير املهيكل وذلك لسهولة الاستفادة منه دون التوفر على هيكلة إدارية أو إطار مؤسساتي -
للمشروع املراد دعمه-وبفوائد ضخمة تتجاوز 21في املائة، 4حيث يوجه غالبا نحو الاستهالك وهذا ما
يتنافى والهدف من وراء تأسيس هذه الجمعيات ذات البطابع غير الربحي ،5كما يصعب التحقق على أرض
الواقع مما إذا كانت هذه الفئات قد استفادت من قرض لتمويل املشروع أم ال ،6وترجع هذه الصعوبات
إلى ثالثة عوامل رئيسية وهي النمو غير املستدام بفعل التساهل في منح القروض بما في ذلك دعم بعض
املشاريع التي تعمل في القبطاع غير املنيم مثل تمويل الباعة املتجولين ،وأنيمة معلوماتية متقادمة،
1سبق التبطرق إلى أن اليد العاملة التي تشتغل في القبطاع غير املهيكل تتراوح بين 60%و 80%
2مرجع سابق ،ص10 :
3مرجع سابق ،ص03 :
4مقال حول فوائد مؤسسات القروض الصغرى تثقل كاهل الفقراء باملغرب ،شوهد في ،83/73/8783فيhttps://www.hespress.com :
5نفس املرجع السابق
6وجهت انتقادات إلى طريقة عمل هذه الجمعيات من طرف خبراء اقتصاديون وفاعلون مدنيون بسبب نسب الفوائد املرتفعة وإلاجراءات
القاسية املتصذة في حق املتصلفين عن السداد ،مثال اعترها بوعزة الخراطي رئيس جمعية حماية املستهلك في حديث للجزيرة نت سنة 8702
انها وسيلة لتفقير الفقراء وإغناء ألاغنياء
257
وضعف الحكامة والرقابة.1فهذا ما يجعل تمويل اقتصاد غير املهيكل أكثر يسرا من دعم مشاريع الاقتصاد
التضامني.
.0إطار مؤسساتي باستراتيجيات محدودة مكتب تنمية التعاون نموذجا
يمثل مكتب تنمية التعاون ،الجهاز العمومي املنوط به مرافقة التعاونيات في ميادين التكوين وإلاعالم
واملساعدة القانونية ،تشجيع املبادرات الفردية ،تأهيل ألافراد ،التدريب ،توفير املعلومات واملوارد الالزمة
والتنسيق مع الجهات ألاكاديمية من أجل الاستفادة من خبراتها في مجال تبطوير الاقتصاد التضامني.2
كما وسع القانون رقم 3 008 -08من مهامه ليجعل من مكتب تنمية التعاون ،الجهاز املكلف بتنفيذ
السياسة الحكومية في مجال التعاونيات ،إذ أن الهدف املعلن جعل الاقتصاد التضامني يحقق انصراط
ما نسبته %07من عدد الساكنة النشبطة في هذا املجال ،واملساهمة بنسبة % 3من الناتج الداخلي
الخام ،بيد أنه لم يساهم في إدماج اقتصاد غير املهيكل داخل منيومة الاقتصاد التضامني بحيث أن
أصحاب الشهادات وألافراد العاملين في الاقتصاد غير املهيكل مبطالبون بتقديم ما يثبت على ان مجال
نشاطهم يدخل في مجال عمل التعاونيات من أجل قبول طلباتهم ،إضافة إلى أن املكتب ال ينسق مع
الجهات الرسمية للتمييز بين أنشبطة الاقتصاد التضامني و الشركات عند فرض الضرائب.
على صعيد أخر ،قام مكتب تنمية التعاون بإطالق العديد من املبادرات للنهوض باالقتصاد التضامني
مثل برنامج "مرافقة" ،بغية دعم ومواكبة الجمعيات حديثة التأسيس ،هذا البرنامج امتد لخمس سنوات
2011 – 2015وهدف إلى تقوية أداء 8777جمعية حديثة وذلك لتحسين دخل 200000مستفيد
ومستفيدة ،واعتمدت استراتيجيته أساسا على دعم الابتكار وتقوية البعد املحلي لتندمج الجمعية مع
خصوصيات محيبطها وتعزيز دور املرأة وتمكينها من فرص توليد الدخل ،في مالئمة مع البرامج التنموية
ألاخرى خصوصا املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،وكذلك دعم ألانشبطة التي تراعي البيئة إضافة للتتبع
والتقييم والتدخل عند الضرورة لضمان نجاح املشروع من خالل التشخيص وتكوين املسيرين والتدريب
والتأطير.4
ولئن كانت الدولة قد عهدت لهذا الجهاز بتبطوير الاقتصاد التضامني ودعم الفاعلين من جمعيات
وتعاونيات وتعاضديات ،فإن مبادراته تبقى ضعيفة ،وبقيت محصورة في دعم الاستراتيجيات الجهوية
عوضا عن الاستراتيجيات الوطنية ،كما لم يتجاوز عدد البرامج املعلن عنها منذ سنة 8700إلى حدود
1املجموعة الاستشارية لدعم الفقراء ،صعود هبوط وانتعا قبطاع التمويل ألاصغر في املغرب ،موجز ،8777،موقع وثائق وتقارير البنك
الدولي ، https://2u.pw/vsnW0 ،شوهد في ،80/70/8788ص. 8
2القانون رقم 008 -08املتعلق بالتعاونيات ،الصادر بتاريخ 80نوفمبر ،8705املنشور بالجريدة الرسمية عدد 1302بتاريخ 02ديسمبر
.8705
3نفس املرجع السابق.
4املوقع الرسمي ملكتب تنمية التعاون ، /http://www.odco.gov.maشوهد بتاريخ .26/03/2023
258
ألان ثالثة برامج .فبرنامج مرافقة وإن كان واضح ألاهداف وذو توجه استراتيجي للنهوض بالقبطاع ،إال أنه
وضع عراقيل وشروط غير واضحة في طريق املستفيدين حيث نص على ضرورة أن تقوم الجمعية بإحداث
تأثير إيجابي على املجتمع ،وأن تكون منصرطة في سلسلة إنتاج واعدة ،1إذ أن املفروض في برامج من هذا
النوع هو مواكبة الجمعيات املتعثرة في املقام ألاول .هذا ،إضافة إلى أن مواكبته الزمنية للجمعيات
محدودة ،حيث ال تتجاوز سنتين ،ولم يصضع للتقييم للتأكد من مدى تحقيقه لألهداف املسبطرة .أما
"البرنامج التعاقدي لتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لجهة الرباط-سال-زمور-زعير" -حسب
التقسيم السابق -فهو ضعيف ومحدود ألاثر مجاليا واجتماعيا ،2ويقتصر على هذه الجهة دون بايي
الجهات ويكرس الالعدالة املجالية.3
ومن أجل تجاوز هذه التحديات التي تعترض النهوض باالقتصاد التضامني وجب على الدولة اتصاذ جملة
من إلاجراءات ،أهمها إنشاء هيئة موحدة تضم جميع أجهزة الدولة من وزارة وصية وهيئات املواكبة
إضافة لجميع املتدخلين في القبطاع .وتقوم هذه الهيئة بدمج مكتب تنمية التعاون ووكالة التنمية
الاجتماعية "ومغرب تسويق" ،4وذلك لتحقيق مبدأ التقائية السياسات العمومية وضمان نجاعتها عبر
اشراك جميع الفاعلين أفقيا قبل أي تنزيل عمودي لهذه الاستراتيجيات.
وتماشيا مع ما تم ذكره فإنه البد من قانون إطار لالقتصاد الاجتماعي والتضامني يكون بمثابة مدونة
شاملة تنيم هذا القبطاع وتحدد مبادئه ،تمكن من مأسسته ،تحدد حقوق وواجبات كل الفاعلين داخل
مجال الاقتصاد التضامني وكذا عالقة املنصرطين بتعاونياتهم وعالقة هذه ألاخيرة بمحيبطها ،فمبدأ
التعاونيات ينص على أن ألاسهم الاجتماعية غير قابلة للتفاوض وال يسري عليها ما يسري على غيرها من
أسهم الشركات ،إذ إن الغرض من هذا التحصين لرأسمالها هو ضمان حقوق ألاعضاء الذين قد يتحولون
إلى أقلية هشة ،مما قد يضبطرها الى الانصراط في القبطاع غير املهيكل .فدعم مستصدمي القبطاع التضامني
لشراء أسهم التعاونيات واملقاوالت الاجتماعية التي يعملون بها من شأنه خلق مناصب عمل وضمان
ديمومة املقاولة وتحفيز عمالة اقتصاد غير املهيكل بالتوجه نحو هيكلة أنشبطتها.
املحور الثاني :الحماية الاجتماعية للعاملين داخل الاقتصاد التضامني
تتجلى الصلة بين الحماية الاجتماعية والاقتصاد التضامني في أن كال املفهومين لهما هدف مشترك يتمثل
في تحقيق الرفاه ،حيث أن الحماية الاجتماعية تهدف إلى تحقيق الرفاه والاهتمام بمناحي الحياة لألفراد
259
بصفة عامة ،أما الاقتصاد التضامني فقد ارتكز منذ نشأته على الاهتمام برفاه أعضائه .لقد تميز
الاقتصاد التضامني بكونه مرن وفعال ويمكن تكييفه لتحقيق أهداف متعددة مثل املنفعة املتبادلة التي
تحقق الرفاهية الجماعية ،فالتعاضديات مثال لها دور بارز في مجال التأمين ضد املرض ،والشيصوخة
أو الوفاة .أما التعاونيات فقد مكنت البطبقة العاملة من تلبية حاجياتها ألاساسية من طعام وسكن الئق
ورعاية أطفالها مما جنبها الفقر خصوصا فترة ألازمات ،ألامر الذي يفسر الامتيازات املمنوحة لها ،بحيث
تعمل البطبقة النشبطة ضمن التعاونيات على إنتاج سلع وخدمات بأسعار تنافسية مقارنة بالشركات
الرأسمالية ،وهو ما ينعكس إيجابا على استقرار السوق .لكن ورغم املبادرات الفعالة لالقتصاد التضامني
في سبيل تحقيق الحماية الاجتماعية ألعضائه ،إال أن هذه ألاخيرة تواجه إلكراهات أبرزها التمويل
والاستدامة املالية.
1 Yannick Marec,Patricia Toucas-Truyen. Économie sociale, protection sociale et bien-être de
1830 à 1970, Revue internationale de l'économie sociale(RECMA),N° 336, avril 2015,
p. 51–65
2نص الخبطاب امللكي ل 87يوليوز 8787بمناسبة الذكرى ال 80لعيد العر ،شوهد في 87يوليوز 8788في املوقع الرسمي لوزارة
الشؤون الخارجية والتعاون إلافريقي واملغارية املقيمين بالخارج https://2u.pw/mU5RS
260
املنتجين وذويهم ،1مثل ضمان تمدرس أبنائهم وتكوينهم مهنيا خصوصا الجمعيات والتعاونيات املتواجدة
في املناطق املعزولة ،وكذا العمل على دعم املبادرات الفردية لأليخاص ذوي إلاعاقة العاملين في هذا
املجال.
وتقدم التعاضديات مجموعة من الخدمات ممثلة في:
261
الشكل رقم :1توزيع التعاضديات التي تقدم خدمات صحية حسب القطاعات
25%
ويالحظ من نسب توزيع التعاضديات التي تقدم تغبطية صحية تكميلية ان التعاضديات التابعة
للموظفين العاملين في القبطاع العام وشبه العام هما املهيمنتين بما نسبته 37%و 84%تواليا ،اما
التعاضديات التابعة لكل من القبطاع الخاص والذين يزالون مهنا حرة لم تتجاوز النسبة املجتمعة 231%
في كال القبطاعين ،وهو ما يبين ضعف التغبطية الصحية للعاملين خارج إطار القبطاع العام.
ومن أجل تقليص حجم اقتصاد غير املهيكل فإن املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني يوص ي بتشجيع
إحداث تعاضديات خاصة ومستقلة مصتلفة عن التعاضديات املهنية لألجراء لدعم الفئات السوسيو-
مهنية التي تشتغل في القبطاع غير املهيكل مثل املهن الحرة والصناع التقليديون والتجار.3
.0إكراهات التمويل
أعلن املغرب عن إطالق برنامج شامل يتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية ليشمل فئات واسعة من
املواطنين ،ويهدف هذا الور لصون كرامة املغاربة ودعم قدرتهم الشرائية وإدماج القبطاع غير املهيكل
الذي يشغل الفئات الهشة مما سيمكنها من حقوقها ويصون كرامتها في إطار العدالة الاجتماعية
واملجالية ،خصوصا مع تنامي املصاطر الاقتصادية ،وقد حرصت الحكومة على أجرأة هذا البرنامج
باملصادقة على القانون إلاطار ،77.80الذي يعد موجها لألجهزة التنفيذية في جهودها الرامية لتوفير
الحماية للعاملين في اقتصاد غير املهيكل وذلك وفق جدولة زمنية خالل سنتي 8780و 8788تعبطي أولوية
الاستفادة للفئات املعوزة املستفيدة من نيام املساعدة البطبية ،وفئات املهنيين والعمال املستقلين
وألايخاص غير ألاجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا ،حيث سيتمكن 88مليون مستفيد من تغبطية
262
تكاليف العالج وألادوية والاستشفاء.في املقابل سيتم تعميم التعويضات العائلية خالل سنتي 2023
و 8785عبر الاستفادة من تعويضات للحماية من املصاطر املرتببطة بالبطفولة .أما املحور املتعلق بالتقاعد
فسيتم توسيع قاعدة املستفيدين سنة ،12025لتعمم على فئات املهنيين والعمال املستقلين وألايخاص
غير ألاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا عبر إحداث نيام معاشات خاص بهم ،فهذه الفئات هي التي
تنصرط في أنشبطة اقتصاد غير املهيكل دون أدنى تأمين اجتماعي ويبقى التعويض عن فقدان الشغل
الذي ينتير تعميمه سنة 8784من الحوافز املهمة إلقناع الفئات العاملة في القبطاع غير املهيكل بتنييم
وتقنين أنشبطتها الاقتصادية ،إذ من شروط الحكومة التوفر على شغل قار لالستفادة من هذا التعويض.
ووحدة القول أن تنزيل هذا البرنامج تعترضه مجموعة من الصعوبات املرتببطة بالتمويل والاستهداف،
هذا وبالرغم من تصصيص الحكومة ملبال مالية مهمة تقدر با 40مليار درهم،إال أن السياق العالمي
املضبطرب وارتفاع مستوى التضخم قد يعيق تمويل هذا الور ،كما أن التزام الدولة بتحمل تكاليف
الاشتراكات ل 00مليون منصرط في نيام املساعدة البطبية راميد وهم املنتمون للفئات الهشة والفقيرة
يثير العديد من الشكوك -بفعل املؤشرات الاقتصادية السلبية ،-حيث إن هذه الاشتراكات تناهز 7ماليير
درهم .2في حين أن فئات املهنيين وألايخاص غير ألاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا والتجار والحرفيين
ومقدمي الخدمات واملقاولين الذاتيين ،فستكون استفادتهم من هذه الخدمات التي توفرها الحماية
الاجتماعية رهينة بأداء مبال الاشتراك للجهة املفوضة بتدبير ألانيمة الاجتماعية الخاصة بهم ،وستتكفل
الدولة بسداد الواجبات التكميلية أخدة بعين الاعتبار مستوى الدخل لكل فئة.
ولتجاوز هذه إلاكراهات سعت الدولة لتنويع مصادر تمويلها عبر احداث آليتين تهم ألاولى الاشتراك (82
مليار درهم) بالنسبة لأليخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على املساهمة في تمويل التغبطية الاجتماعية،
أما الثانية فتقوم على التضامن ( 83مليار درهم) بالنسبة لأليخاص الذين ال تتوفر لهم القدرة على
املساهمة في التمويل .3وقد تبطرح الاليتين إشكاالت عديدة منها:
يرتكز تمويل كال اليتين في ألاساس على التمويل الجبائي الذي يحدد مساهمة اجتماعية على ألارباح
ً
والدخل على كل موظف أو أجير يساوي أو يفوق أجره الشهري 87ألف درهم شهريا في حدود %0,4من
ألاجر الصافي ،4وقد تم تعديل عتبة املساهمة بعدما كان مشروع القانون يفرضها على كل من يفوق أجره
1حفل إطالق مشروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات ألاولى املتعلقة به ،8780/75/05 :كلمة السيد محمد ينشعبون وزير
الاقتصاد واملالية وإصالح إلادارة .انير املوقع الالكتروني لوزارة الاقتصاد واملالية .https://www.finances.gov.ma
2الدراسة والتصويت على مشروع القانون إلاطار رقم 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية عرض السيد وزير الاقتصاد واملالية وإصالح
إلادارة أمام الجلسة العامة بمجلس النواب الاثنين 04مارس .8780
3تقرير لجنة القبطاعات الاجتماعية بمجلس النواب مشروع القانون إلاطار رقم 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية ،الدورة الاستثنائية
برسم السنة التشريعية الخامسة من الوالية التشريعية العاشرة ،8780ص 4
4قانون املالية رقم 14.87للسنة املالية 8780الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم 0.87.77الصادر في فاتح جمادى ألاولى ( 01ديسمبر
،)8787جريدة رسمية عدد 1755مكرر 3-جمادى ألاولى 02( 0558ديسمبر .)8787
263
07ألف درهم ،ويدل هذا على أن الحكومة ال تمتلك تصورا واضحا لكيفية تمويل الحماية الاجتماعية
انبطالقا الية التضامن ،بحيث كان من ألاجدر التوجه نحو اليات أخرى كفرض ضريبة على الثروة
والاستفادة من استثمارات أمالك الحبوس مما ينعكس إيجابا على حجم الوعاء املالي املصصص لهذا
الغرض.
ويبدو أن الحكومة واعية بعدم كفاية التمويل الذي يعتمد على املساهمة والتضامن ،لذلك سعت لتوجيه
تكاليف صندوق املقاصة نحو آليات مندمجة للحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي املوحد مع التركيز
على تمويل تكاليف ا لتغبطية الصحية ولو على حساب دعم استقرار أسعار املواد ألاولية ،الش يء الذي
يعني توفير الحماية الاجتماعية لفئات على حساب فئات أخرى.1ورغم سعي الدولة لتنويع مصادر تمويلها
لهذا الور إال أن عملية تحديد التكلفة الالزمة لتمويل برامج الحماية الاجتماعية إال أن انصراط فئات
واسعة في الاقتصاد غير املهيكل يصعب من مهمة تحديد التكلفة الالزمة لهذه البرامج ،إضافة إلمكانية
استفادة فئات أخرى من الالية القائمة على التضامن رغم عدم توفرها على الشروط.
.2الاستدامة املالية
يمكن التأكيد أن صناديق التأمينات الاجتماعية ،تلعب دورا ر ً
ئيسيا لتوفير الحماية الاجتماعية ،فهي من
املؤسسات الفاعلة في مجال الحماية الاجتماعية ،وتمتلك موارد مالية هامة تنبع من املساهمات املالية
للمشتركين ،باإلضافة إلى تمويالت الدولة .ومع ذلك .لكن سوء التدبير الناتج عن افتقارها إلى الشفافية
وغياب املحاسبة وضعف الحكامة تضع الاستدامة املالية لبرامج الحماية الاجتماعية على املحك ويجعل
ً
العاملين في القبطاع الخاص يفتقرون إلى أدنى درجات الحماية الاجتماعية ،فضال عن العاملين في
الاقتصاد التضامني .ومن هنا يبطرح السؤال عن آلالية التي ستتبعها الدولة لتمويل انصراط هذه الفئة
في سياق اقتصادي صعب ،يتسبب في زيادة ألاعباء على مالية الدولة .وينبغي ضمان التوازن بين النفقات
التأمينية وإلايرادات الناتجة عن الاشتراكات واملساهمات ،2لتفادي عجز تلك الصناديق والحد من حجم
ُ
املوارد التي تقدم من ِق َبل الدولة.
ويتبطلب تجاوز إشكالية التمويل انصراط كافة الشركاء املعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية مثل
الجماعات الترابية واملؤسسات العمومية والشركات واملقاوالت الخاصة مع مالحية أن هذه الاخيرة ال
1عبد الرفيع زعنون ،تعميم الحماية الاجتماعية :تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التصلي؟،املعهد املغربي لتحليل السياسات
https://mipa.institute/8856شوهد بتاريخ 26/05/2023
2الوضعية الحالية لنيام املعاشات املدنية بعد إلاصالح املقياس ي الذي عرفه سنة ،8701حذرت من أن النيام سيستنفذ احتياطياته
( 07مليار درهم) بحلول سنة ،8782ومن أجل الوفاء بالتزاماته بعد ذلك ،سيحتاج الصندوق املغربي للتقاعد ما يناهز 05مليار درهم
سنويا لتمويل عجز النيام.
264
تصرح بأجرائها ،1وتعترف الحكومة بهذا ألامر .2وفي هذا الصدد يجب التأكيدعلى أن توسيع الحماية
الاجتماعية للعاملين رهين بمراقبة محكمة إللزامية انصراط ألاجراء وكذا العاملين غير ألاجراء في
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ،مع الالتزام بمواكبة أرباب العمل ألداء استحقاقات ألاجراء في
مواعيدها املحددة واتصاذ إجراءات زجرية عند الاقتضاء
عالوة على إحداث صندوق خاص يتم تمويله من صندوق التأهيل الاجتماعي ،وال ينحصر دوره في دعم
الاستثمار الاجتماعي فقط بل يتم توجيه جزأ من موارده لتمويل أنيمة الحماية الاجتماعية لهذه الفئة،
كما يجب أن يتم ضخ قيمة الضريبة التفضيلية املفروضة على التعاونيات في تمويل برامج الرعاية
الاجتماعية حصرا لهذه الفئات.
خاتمة
أبرزت اليروف التي يمر منها املغرب اليوم أن الاقتصاد التضامني والاجتماعي يلعب دورا مهما في الحد
من الفوارق الاجتماعية واملجالية وخلق فرص الشغل وتحقيق املنفعة املتبادلة ليس ألعضائه فقط
وإنما ملحيبطه ،غير أنه من الواضح أن هذا القبطاع يواجه تحديات راجعة لهيمنة اقتصاد غير املهيكل
على ألانشبطة الاقتصادية ،في الوقت ذاته تتميز البرامج الرامية لإلقالع بهذا القبطاع بالتشتت ومحدودية
الاستهداف ،وتصبطدم الجمعيات والتعاونيات الراغبة في الاستفادة من الدعم املصصص من طرف الدولة
بالبيروقراطية الادارية وكثرة الشروط وغموضها ،إضافة إلكراهات تصص التمويل وضعف التكوين ألطر
التعاونيات والجمعيات.
وفضال عن ذلك تواجه البطبقة النشبطة في الاقتصاد التضامني املصاطر الاجتماعية دون أدنى حماية من
طرف الدولة ،فرغم إطالق الحكومة لور الحماية الاجتماعية إال أنه لم يتم إيالء ألاهمية الالزمة لهذه
الفئة ،فضال عن عدم التبطرق ألليات استهدافها وطرق تمويل برامج الرعاية الاجتماعية.
ولهذه الغاية يمكن تقديم التوصيات التالية:
)0إصدار قانون إطار شامل يوضح شروط الانصراط في هذا القبطاع ويكون محفزا للفاعلين في اقتصاد
غير املهيكل من أجل هيكلة أنشبطتهم عبر إنشاء تعاونيات ،ويمكن أن يكون هذا القانون بمثابة مدونة
تنص على ما يلي:
أ.حوافز ضريبية محددة وفق سلم ضريبي واضح.
1عبد الحفيظ ماموح ،السياسية الجديدة للمغرب في مجال الحماية الاجتماعية مقاربة حقوقية ورقة سياسات ،املنيمة العربية للقانون
الدستوري الدورة السابعة ،8788ص.07 :
2جواب رئيس الحكومة السيد عزيز أخنو على أسئلة السيدات والسادة املستشارين املتعلقة بالسؤال املحوري" :تفعيل ور التغبطية
الصحية والاجتماعية باملغرب لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية".
265
ب.استفادة للتعاونيات املتعثرة من الدعم مع مواكبتها وتوفير املعلومات املتعلقة بالسوق
ومساعدتها على تسويق منتجاتها.
ج.مالئمة البرامج لنوعية أنشبطة التعاونيات بحيث يعهد لهيئة وطنية بتنزيل السياسات في هذا
الشأن.
)8تأدية الدولة الشتراكات املنتجين في صناديق الرعاية الاجتماعية وفرض تعريفة تفضيلية للتعاونيات
التي تحقق أرباحا تمكنها من الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية لعمالها ،على أن يتم تأديتها بعد خمس
سنوات من إنشائها.
)3توجه الضرائب-التفضيلية-املفروضة على هذا القبطاع لتمويل صندوق ائتماني تضاف إليه مساهمة
الدولة لالستثمار في املجاالت الاجتماعية ،وذلك لدعم الفئات العاملة في هذا القبطاع ،وتقديم قروض
)5وحوافز للعاملين في الاقتصاد غير املهيكل لتشجيعهم على تقنين أنشبطتهم ضمن تعاونيات.
الئحة املراجع:
مراجع باللغة العربية:
إلادماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة املتجولين ،رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية،
مبطبعة سيباما ،الرباط.8780،
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنمو مدمج ،تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني،إحالة ذاتية
رقم ،8704/19مبطبعة سيباما ،الرباط.8704،
الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنمو مدمج ،رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني " ،إحالة ذاتية
رقم ،8704/19مبطبعة سيباما ،الرباط.8704،
الخبطاب امللكي بتاريخ 87يوليوز 8787بمناسبة الذكرى ال 80لعيد العر .
عبد الحفيظ ماموح ،السياسية الجديدة للمغرب في مجال الحماية الاجتماعية مقاربة حقوقية ورقة
سياسات ،املنيمة العربية للقانون الدستوري الدورة السابعة ،8788ص .07 :
قانون املالية رقم 14.87للسنة املالية 8780الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم 0.87.77الصادر في فاتح
جمادى ألاولى ( 01ديسمبر ،)8787جريدة رسمية عدد 1755مكرر 3-جمادى ألاولى 02( 0558ديسمبر
.)8787
اللجنة الخاصة بالنموذج "التنموي ،النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة
التقدم وتحقيق الرفاه للجميع ..التقرير العام” .8780
ملياء الغاز ،ياسمين بوزينب القبطاع غير املهيكل :الخصائص الرئيسية ووتيرة التبطور ،مصتصرات املندوبية
السامية للتصبطيط ،عدد 8 ،01مارس .8780
مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير املنيم باملغرب ،املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة
ذاتية ،مبطبعة سيباما ،الرباط.8780 ،
منيمة العمل الدولية ،الاقتصاد غير املنيم والعمل الالئق :دليل موارد السياسات لدعم الانتقال الى السمة
املنيمة ،جنيف 82،ماي .8704
266
:مراجع باللغة الفرنسية
Diana Sarrade Cobos, L’économie populaire et solidaire en Equateur : vers la matérialisation du
principe constitutionnel du bien-vivre ? Revue internationale de l'économie sociale(RECMA),N°
337, juillet 2015,
Jean-Claude Barbier, ÉCONOMIE SOCIALE ET SOLIDAIRE ET ÉTAT À la recherche d'un partenariat
pour l'action Institut de la gestion publique et du développement économique, Paris, 2017
Yannick Marec,Patricia Toucas-Truyen, Économie sociale, protection sociale et bien-être de 1830 à
1970, Revue internationale de l'économie sociale(RECMA),N° 336, avril 2015.
:املواقع الالكترونية
http://www.odco.gov.ma
https://documents.albankaldawli.org/ar/publication/documents-reports
https://www.mapnews.ma
https://www.diplomatie.ma/ar
https://www.hespress.com
https://www.acaps.ma
https://www.mamda-mcma.ma
https://www.finances.gov.ma
https://mipa.institute/8856
267
تجليات الدولة الاجتماعية باملغرب خالل أزمة كورونا
بين التدابير الحكومية وإكراهات الواقع.
رداد شمالل
باحثة في القانون
مقدمة
ال مناص أن أزمة كورونا شكلت منعبطفا هاما في مسار بناء "الدولة الاجتماعية" باملغرب ،حيث فرضت
تداعياتها نفسها بقوة على الدخول الاجتماعي الحالي ،وقد أفرزت هذه اليرفية الاستثنائية سلسلة من
التحديات املستجدة التي فرض على املغرب مواجهتها على عدة جبهات ،فقد وجدت الدولة نفسها بفعل
الجائحة أمام وضع جديد معقد وغير مألوف ،لم يسبق لها أن واجهت مثله بنفس الحدة على مر تاريخها،
ورغم هذا الوضع املتأزم وغير املسبوق ،فقد أحسن املغرب التعاطي مع هذا الوباء القاتل ،حيث لقيت
تدابيره وإجراءاته املتخذة الصدى وإلاشادة على الصعيد العالمي ،بما جعله نموذجا للبلد املتيقظ املهتم
بصحة املواطنين وسالمة الوطن.
وفي خضم اللحظة املتسمة باستعجالية التدخل ،عملت الدولة على تعبئة جميع مواردها وإمكانياتها
لتأمين استمرارية خدماتها بشكل يحد من آثار الصدمة والتحديات الناجمة عن الوباء ،وبما يتالءم مع
مخاطر املرحلة ،وقد تعددت أنماط تدخلها على مستويات عدة وفي مجاالت متنوعة ،وهو ما أحدث
تجربة غنية ومفيدة يمكن تطويرها الستشراف مرحلة ما بعد انحسار فيروس كورونا.
وقد جعلت هذه الجائحة ألامن الصحي يعود للواجهة في سلم ألاولويات ،إلى جانب الخيارات الاجتماعية
ألاخرى )التعليم ،الرعاية الاجتماعية ،الخدمات العمومية ،(...السيما وأن تلك اللحظة التاريخية
الاستثنائية في تاريخ املغرب وتأثيراتها السلبية الصعبة على الاقتصاد الوطني وانعكاس ذلك على الوضع
الاجتماعي ،تؤسس بما ال يدع مجاال للشك ملرحلة فارقة ومهمة في تحول جوهري في وظيفة الدولة ،من
خالل العودة بقوة إلى الدولة الاجتماعية الراعية للوظائف الاجتماعية.1
وفي ضوء ما تقدم ،تبرز إلاشكالية املحورية للدراسة في التساؤل التالي :أي دور ألزمة كورونا في توجيه
املقاربة الاجتماعية باملغرب؟
لتتفرع عنها مجموعة من التساؤالت الفرعية :كيف تعاملت الحكومة املغربية في ظل أزمة كورونا مع
الوضع الاجتماعي؟ ما هي نقاط الضعف ونقاط القوة التي يتوفر عليها املغرب والتي كشفت عنها ظروف
الجائحة؟ ما مدى استفادة الدولة من ألازمة في تحويلها إلى فرصة للنهوض بالشأن الاجتماعي؟
1خليل اللواح ،نموذج مغرب مابعد الجائحة ،مقال منشور باملؤلف الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا :أي تحوالت على السياسة
والقانون والاقتصاد واملجتمع؟" ،إصدارات املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية –أكادير ،-البطبعة ألاولى ،8780ص .30
268
وملقاربة متغيرات إلاشكال املطروح ،وملحاولة إلاجابة عن التساؤالت املتفرعة عنه ،ارتئينا تقسيم الدراسة
إلى محورين أساسيين ينطوي ألاول على قراءة في املقاربة الوطنية للتصدي لجائحة كورونا ،ثم املحور
الثاني للتحديات وإلاكراهات البنيوية التي أفرزتها أزمة كورونا.
شكلت اليرفية الحرجة التي مر منها املغرب ،على غرار بايي دول العالم ،جراء تفش ي وباء كورونا “كوفيد-
”07اختبارا حقيقيا ملدى جدية العديد من املفاهيم التي تتبناها الدولة .فمنذ ظهور الوباء باملغرب
سارعت الحكومة إلى اتصاذ العديد من التدابير الرامية إلى مواجهته والحد من مصاطر تفشيه.
ومعلوم أن أزمة كورونا ساهمت بشكل أو بآخر في إعادة ألادوار التقليدية للدولة املغربية ،1وذلك على
ضوء توجهات امللك محمد السادس الذي كان سباقا في الدعوة إلى إحداث "صندوق جائحة فيروس
كورونا" 2ملواجهة هذه الجائحة ،أو من خالل اتصاذ جملة من إلاجراءات والقرارات من طرف لجنة اليقية
الاقتصادية 3بصصوص التداعيات وآلاثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية في خضم إقرار الحجر
الصحي وفرض حالة البطوارئ الصحية باملغرب.4
وسنعرض ألهم التدابير وإلاجراءات املتخذة في هذا الصدد:5
.1التدابير الصحية للحد من انتشار الوباء
لقد تم اتخاذ جملة من التدابير في املجال الصحي ،إن على مستوى الرصد واليقية أو على مستوى الرفع
من قدرات املنظومة الصحية الوطنية أو على مستوى التكفل بالحاالت املصابة بالفيروس:
أ-الرصد واليقظة الوبائية:6
1محمد البغدادي" ،التجربة املغربية في تدبير أزمة جائحة فيروس كورونا" ،مجلة القانون و ألاعمال الدولية ،على املوقع:
www.droitetentreprise.comتاريخ الاطالع.8783/73/73 :
2أحدث هذا الصندوق بموجب املرسوم رقم 8.87.817الذي تم نشره بالجريدة الرسمية ليوم الثالثاء في 88رجب 00( 0550مارس
،)8787بعد املصادقة عليه من لدن مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ 01مارس .8787كما تم إخبار اللجنتين املكلفتين باملالية بالبرملان
بإحداث هذا الصندوق ،وهما لجنة املالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب ،ولجنة املالية والتصبطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس
املستشارين ،طبقا للمقتضيات القانونية.
3يتمثل الهدف من إحداث هذه اللجنة في رصد وتتبع الانعكاسات الاقتصادية لألزمة الوبائية على الاقتصاد الوطني ،ومواكبة النشاطات
ألاكثر عرضة للصدمات الناجمة عن هذه ألازمة.
4رداد شمالل" ،بناء الدولة الاجتماعية باملغرب (الكرونولوجيا واملقومات)" ،مجلة الباحث ،العدد /48مارس ،8783ص.821
5تم إلاعتماد على وجه الخصوص في هذه النقطة على :جواب رئيس الحكومة السابقة ،سعد الدين العثماني ،حول السؤال املحوري
"التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية النتشار وباء فيروس كورونا كوفيد 19-وإلاجراءات املتخذة ملواجهة هذه الجائحة" الجلسة
الشهرية املتعلقة بالسياسة العامة )املادة 100من الدستور( ،مجلس النواب 19شعبان 13)1441أبريل .(2020
6تجدر إلاشارة إلى أن بالدنا تتوفر منذ شتنبر 2019على منظومة للرصد الوبائي من خالل مركز وطني ومراكز جهوية لعمليات الطوارئ في
مجال الصحة العامة ،وهي املنظومة التي تم إحداثها في إطار تفعيل "املخطط الوطني للصحة "2025بهدف تعزيز قدرات املغرب في مجال
الرصد املبكر ،والاستعداد ،والاستجابة بشكل سريع وفعال لحالة الطوارئ في مجال الصحة العامة.
269
لقد كان عمل هذه املنظومة فعاال في رصد وتتبع جميع إلاشعارات املتعلقة بفيروس كورونا منذ بداية
ظهوره على املستوى العالمي ،وبفضل هذه املنظومة الرصدية املتكاملة فقد استبطاع املغرب ،من رفع
مستوى اليقضة على صعيد املركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة العامة منذ إلاعالن عن الحاالت ألاولى
بالصين ،وزيادة عدد ألاطر العاملة به ،ثم وضع ونشر الخطة الوطنية لرصد وباء كورونا املستجد
والتصدي له ومراقبة وتتبع الحاالت الوبائية الدولية للفيروس ،وتقييم يومي للخطر مع التحديث املنتظم
إلجراءات التصدي للفيروس وتعزيز النظام الوطني للمراقبة الوبائية لألمراض التنفسية الحادة ،إضافة
إلى تفعيل مراكز إلاتصال الخاصة بالتواصل مع ألاطر الصحية واملواطنين عامة للتبليغ عن الحاالت
املحتملة ،ثم وضع برنامج لتكوين ألاطر الصحية على مستوى الجهات وألاقاليم.
ب-الرفع من قدرات املنظومة الصحية الوطنية:
تنفيذا للتعليمات امللكية املتعلقة بالرفع من قدرات املنظومة الصحية الوطنية ملواجهة وباء فيروس
كورونا ،رصد مبلغ 2مليار درهم من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا 1لتغطية النفقات
املتعلقة أساسا بشراء املعدات الطبية ومعدات املستشفيات ،وشراء املعدات الضرورية للتحاليل وشراء
ألادوية ،...وباملوازاة مع ذلك ،تمت تعبئة املوارد البشرية الالزمة لتلبية حاجيات املراكز الصحية املعدة
ملواجهة الحاالت الوافدة .2
كما يندرج في هذا السياق إعداد وتجهيز مستشفيات عسكرية ميدانية لتنضاف إلى بنيات إلاستقبال
ألاخرى املخصصة الستقبال املرض ى املصابين بفيروس كورونا.
ت-منظومة التكفل بالحاالت املصابة:
عمل قطاع الصحة منذ ألايام ألاولى لظهور الوباء ،على إعداد وإصدار خطة ودوريات ومساطر مدققة،
لتنظيم عمليات تدخل ألاطقم الطبية في مختلف مراحل إلاصابة .ونذكر في هذا الصدد بالعمليات التالية:
إصدار دورية حول سبل التكفل بالحاالت املصابة ببروتوكول عالجي بعد املصادقة عليه من
طرف اللجنة العلمية والتقنية الوطنية.
إصدار دورية للخطة التنظيمية للتكفل بالحاالت املحتملة واملؤكدة باملؤسسات الصحية.
وضع الئحة املستشفيات املستقبلة الستقبال الحاالت املحتملة.
تأهيل املختبرات الوطنية املدنية والعسكرية منها لتشخيص املرض.
توسيع عدد املختبرات لتشخيص الفيروس بما فيها املختبرات التابعة للمستشفيات الجامعية
التابعة للقطاع العام والخاص.
توفير وتعزيز الرعاية الصحية في معزل بالنسبة للحاالت املحتملة.
1صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ 00مارس 8787املرسوم املتعلق بإحداث حساب مرصد ألمور خصوصية يحمل إسم الصندوق الخاص
بتدبير جائحة كورونا "كوفيد."07-
2جلسات إنصات مع وزير الصحة السيد خالد أيت البطالب ،املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني 7 ،شتنبر .8787
270
تحسين ظروف إلايواء وإلاطعام.
.0إلاجراءات املواكبة لتنفيذ حالة الطوارئ الصحية
سارعت الحكومة املغربية التخاذ مجموعة من إلاجراءات الصارمة والتدابير الوقائية والاحترازية غير
املسبوقة ،بهدف الحد من انتشار جائحة كورونا كوفيد ،19-لكن مقابل ما فرضته من إجراءات وتدابير
املنع والتضييق على الحريات الفردية كان البد لها من إعطاء ضمانات والقيام بتدابير للتخفيف من حدة
حالة الطوارئ الصحية.1
أ-استمرار العملية التعليمية من خالل التعليم عن بعد
تفاعال مع إجراءات الحجر الصحي املعلنة ،قررت وزارة التربية الوطنية بتاريخ 03مارس 8787وبصفة
استثنائية ،تعليق الدارسة الحضورية ،انبطالقا من يوم الاثنين 01مارس ،8787بجميع املؤسسات
التعليمية والجامعية وكذا مؤسسات التكوين املنهي وتكوين ألاطر ،سواء العمومية أو الخصوصية ،وكذا
مدارس البعثات ألاجنبية ومراكز اللغات ومراكز الدعم التربوي.
ومباشرة بعد تعليق التعليم الحضوري ،عملت الوزارة على تنزيل خبطة وطنية من أجل ضمان
الاستمرارية البيداغوجية وذلك من خالل إطالق عملية "التعليم عن بعد" 2مع التأكيد على أن ألامر ال
يتعلق بتاتا بعبطلة مدرسية استثنائية بل بتعويض التعليم الحضوري بالتعليم عن بعد وبالتالي دعوة
املتعلمين واملتعلمات إلى ضرورة مواصلة تحصيلهم الدراس ي .واتصذت الحكومة عددا من إلاجراءات لتوفر
العملية التعليمية عن بعد ،من قبيل مجموعة من الدعامات الرقمية ،بفضل انصراط قوي وجهود
متواصلة لألطر التعليمية والتربوية والتقنية ،نعرضها كالتالي :
تم الشروع ابتداء من يوم 01مارس 8787في تنزيل عملية التعليم عن بعد من خالل إطالق البوابة
إلالكترونية ،TelmidTICEوالتي توفر مضامين رقمية مصنفة تغبطي كافة ألاسالك واملستلزمات التعليمية
ومجموع املواد الدراسية ،حيث تم توفير 5477مادة رقمية .ويبل عدد مستعملي هذه املنصة ما يفوق
1777مستعمل ومستعملة يوميا .كما تم تعبئة قنوات القبطب العمومي لبث الدروس املصورة ،ما مكن
من تغبطية جميع املستويات الدراسية من السنة ألاولى إبتدائي إلى السنة الثانية بكالوريا ،لكي تصل
الدروس أيضا إلى التالميذ الذين ال يستبطيعون الولوج إلى الانترنيت ،السيما من أبناء القرى ،الذين يتوفر
%70من سكانه على التلفاز ،حسب آخر إحصاء يهم املوضوع.
1مراد فارس ي" ،حالة الطوارئ الصحية باملغرب :التنزيل القانوني وإلاجراءات املواكبة" ،مجلة الباحث-ملف خاص-3-جائحة كورونا
"الطوارئ الصحية" ،العدد ،19يونيو .2020
2ملزيد من التفصيل أنظر :ندوة عن ُبعد ،نيمها املجلس الوطني لحقوق إلانسان مساء الجمعة 81يونيو ،8787تحت عنوان "تأثير
التفاوتات الاجتماعية واملجالية على مبدأ تكافؤ الفرص لدى املتمدرسين في ظل اعتماد التعليم عن بعد خالل الحجر الصحي كآلية جديدة
في التدبير التربوي وتعويض التعليم الحضوري" .على الرابط.https://urlz.fr/dqGf :
271
ومن أجل تمكين ألاساتذة من التواصل املباشر مع تالميذهم ،وكذا تنييم دورات للتعليم عن بعد ،تم
إطالق العمل بالخدمة التشاركية املدمجة في منيومة "مسار".1
تم العمل على تأمين آليات التكوين عن بعد وكذا مواصلة توفر البرنامج التكويني عن بعد ،وبشكل
متكامل ،من خالل جملة من التدابير من أهمها:
وضع دعامات رقمية لألقسام الافتراضية ،يتم تحميلها من طرف املتدربين اعتمادا على الحسابات
التي يتوفرون عليها سلفا والتي شرع العمل بها رسميا ابتداء من تاريخ 07مارس ،8787باإلضافة إلى
الوسائل ألاخرى كالبريد إلالكتروني ،وتبطبيقات التواصل الاجتماعي.
توفر محتويات التكوين الالزمة على املنصة إلالكترونية لفائدة املكونين تهم كافة قبطاعات التكوين.
إعبطاء الدروس عن بعد بالنسبة ملؤسسات التكوين املنهي الخاص ،باعتماد الحلول الرقمية ،ووضع
دليل للتكوين املنهي الخاص عن بعد ،وهي حلول موجهة لفائدة 28.777متدرب ومتدربة.
بصصوص هذا القبطاع ،عملت املؤسسات الجامعية على تمكين البطلبة من التحصيل الجامعي ،عبر
دعامات متعددة منها البوابات واملواقع إلالكترونية واملؤسسات الجامعية ومنصات مؤسسات التعليم
العالي غير التابعة للجامعات وكذا مؤسسات التعليم العالي الخاص ،كما تم العمل عبر مجموعة من
املنصات الرقمية التفاعلية املعروفة التي تتيح للبطالب خاصية املشاركة وألاخذ والعبطاء عن بعد مع
ألاستاذ فضال عن إلاذاعة والتلفزة.
وارتباطا بمجال البحث العلمي ،أطلقت الحكومة برنامجا لدعم البحث العلمي والتكنولوجي املتعلق
بفيروس كورونا املستجد بدعم مالي قدره 07ماليين درهم ،بهدف تعبئة فرق البحث املغربية من أجل
عمل مشاريع البحث العلمي في املجاالت املتعلقة بهذا الوباء في أقرب وقت ممكن.
1تدبير حالة الطوارئ الصحية باملغرب ،الحكامة ألامنية وحقوق إلانسان ،تقرير ملركز دراسات حقوق إلانسان والديمقراطية بشراكة مع
مركز جنيف لحوكمة قطاع ألامن ،ص 57وما بعدها.
2مرسوم بقانون رقم 8.87.878صادر في 82من رجب 83( 0550مارس )8787املتعلق بسن أحكام خاصة بحالة البطوارئ الصحية
وإجراءات إلاعالن عنها.
272
وبالرجوع إلى املرسوم السالف الذكر نجده ينص في الفقرة الثانية من مادته الثالثة على أن التدابير
املتصذة في إطار الحجر الصحي ال يجب أن تحول دون ضمان استمرارية املرافق العمومية الحيوية ،وتأمين
الخدمات التي تقدمها للمرتفقين وضمان التنقل من محالت السكنى إلى مقرات العمل ،والسيما في املرافق
العمومية الحيوية ،وهذا تأكيد على مبدأ استمرارية املرفق العام.
إضافة إلى أن منشور وزير الاقتصاد واملالية وإصالح إلادارة عدد 8787/ 0بتاريخ 01مارس 8787املوجه
إلى الوزراء واملندوبين السامين واملندوب العام ،يؤكد على مبدأ الاستمرارية كمبدأ أساس ي من مبادئ
املرفق العام ،وكذلك منشور آخر له عدد 8787/8بتاريخ 0أبريل 8787حول الخدمة الرقمية للمراسالت
إلادارية.1
وفي هذا إلاطار اتصذت الحكومة جملة من إلاجراءات والقرارات املواكبة في إطار الحرص على استمرارية
املرافق العمومية في تقديم خدماتها للمرتفقين ،مع ضمان الحفاظ على صحة وسالمة العاملين باإلدارات
العمومية والجماعات الترابية واملؤسسات واملقاوالت العمومية ،والوافدين عليها ،ووقايتهم من انتشار
وباء فيروس كورونا.
التدابير الاحترازية والوقائية لفائدة العاملين
لقد أصدرت الحكومة منشورا وزاريا يقض ي باتخاذ التدبير الوقائية من خطر انتشار وباء كورونا باإلدارات
العمومية والجماعات الترابية واملؤسسات واملقاوالت العمومية على الصعيد املركزي الجهوي وإلاقليمي.
ومن ضمن إلاجراءات التي اتخذت نذكر على الخصوص ما يلي:
الحد من عقد الاجتماعات ،مع الحرص على تقليص عدد املشاركين فيها ،واستعمال التقنيات
الحديثة "" Audio/Visio-conféranceمتى كان ذلك متاحا.
العمل قدر إلامكان ،على توفير الخدمات إلادارية املقدمة للمرتفقين على الخط ،وكذا توفير جميع
وسائل التواصل املالئمة املتوفرة.
تنظيم عمليات استقبال املرتفقين في الحاالت الضرورية ،في ظل الاحترام الصارم للتدابير الوقائية
الصادرة عن السلبطات املختصة.
تعليق انعقاد الجلسات بمختلف محاكم اململكة ابتداء من 17مارس ،2020بتنسيق مع املجلس
ألاعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة باستثناء الجلسات املتعلقة بقضايا املعتقلين
والقضايا الاستعجالية ،وقضاء التحقيق.
1خالد بوشمال ،هذه الدروس القانونية "لكورونا" في فترة "البطوارئ الصحية "باملغرب ،مقال منشور بجريدة هسبريس ،على املوقع:
www.hespress.comتم إلاطالع عليه بتاريخ 3 :مارس .8783على الساعة .08:77
273
تطوير الخدمات الرقمية لتفعيل العمل عن بعد
إن ألازمة الصحية املرتببطة بكوفيد 07-سرعت التحول الرقمي داخل إلادارات العمومية ،التي كانت
مضبطرة إلى تشجيع وتعزيز أنيمتها املعلوماتية بهدف الاستجابة النتيارات املواطنين.1
عمال بالتدابير الاحترازية والوقائية ،ولكون التعامالت والتبادالت الورقية تمثل عامل خطر النتشار عدوى
وباء كورونا ،تم تطوير جملة من الخدمات إلادارية من طرف وكالة التنمية الرقمية ،وذلك بهدف تمكين
املرتفقين وإلادارات من تبادل امللفات واملراسالت ،وتتبع معالجتها عن بعد بطريقة رقمية ويتعلق ألامر
بالخدمات التالية:
بوابة مكتب الضبط الرقمي للمراسالت إلادارية ،التي تهدف إلى تمكين إلادارات واملرتفقين على
حد سواء من إيداع مراسالتهم عن بعد لدى إلادارات املعنية مقابل وصل رقمي بتأكيد الاستالم.
الشباك إلالكتروني للمراسالت إلادارية ،الذي يمكن إلادارات في تعاملها فيما بينها ،من تدبير
مراسالتها الواردة والصادرة ،وكذا املراسالت ما بين مصالحها الداخلية ،على الصعيد املركزي
والالممركز.
الخدمة إلالكترونية "الحامل إلالكتروني "Parapheur électroniqueالتي تمكن إلادارات
املنخرطة في هذه الخدمة من التجريد املادي والكامل ملختلف الوثائق إلادارية والتوقيع
إلالكتروني على الوثائق إلادارية ،والتدبير الالمادي إلدارة سير العمل.
.2التدابير املتخذة للتخفيف من آلاثار الاجتماعية
أدت الصدمة الوبائية والحجر الصحي الذي فرض على الساكنة إلى توقف العديد من املقاوالت وفقدان
مناصب شغل وبالتالي فقدان مداخيل الشغيلة ،من أجراء القطاع املهيكل ،والنشيطين في القطاع غير
املهيكل .ولهذا رصدت مساعدة مالية لدعم مختلف فئات ألاشخاص الذين تأثرت قدرتهم الشرائية
وأوضاع معيشتهم بتدابير حالة الطوارئ الصحية ،عهد بتدبير املساعدة إلى الصندوق الخاص بتدبير
جائحة فيروس كورونا كوفيد.219-
أ-تدابير لجنة اليقظة الاقتصادية لفائدة املأجورين املؤرخة في 18مارس :0202
استفادة جميع املأجورين املصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في فبراير ،2020
املتوقفون عن العمل من طرف مقاولة في وضعية صعبة ،من تعويض شهري ثابت وصافي قدره
8777درهم ،باإلضافة إلى التعويضات العائلية وتلك املتعلقة بالتأمين إلاجباري عن املرض
(AMO
1أحمد العمومري" ،إلادارة إلالكترونية ..الرقمنة تتبطلب حاليا التفكير في الوسائل الكفيلة بضمان استدامتها" ،مقال منشور على موقع
البوابة إلالكترونية ،على الرابط https://www.maroc.ma/ar :تاريخ إلاطالع.2023/01/01 :
2استراتيجة املغرب في مواجهة كوفيد ،07-مجلة ألاوراق السياسية ،مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد ،العدد ،87-70أبريل
،8787
ص .02
274
تمكين هؤالء ألاجراء ً
أيضا من الاستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض إلاستهالك
وقروض السكن) إلى غاية 37يونيو .18787
ج-تدابير لجنة اليقظة الاقتصادية بشأن عملية الدعم املؤقت لألسر العاملة في القطاع غير املهيكل
املتضررة من فيروس كورونا املؤرخة في 08مارس :0202
كما ركزت لجنة اليقية الاقتصادية في اجتماعها ليوم الاثنين 83مارس 8787على تدابير دعم القبطاع
غير املهيكل املتأثر مباشرة بالحجر الصحي .ونيرا لتعقيد هذه إلاشكالية ،اتصذ القرار ملعالجتها على
مرحلتين:
املرحلة ألاولى :تهم ألاسر التي تستفيد من خدمة راميد وتعمل في القبطاع غير املهيكل وأصبحت ال تتوفر
على مدخول يومي إثر الحجر الصحي .هذه ألاسر يمكنها الاستفادة من مساعدة مالية تمكنها من املعيش
والتي تم منحها من موارد صندوق محاربة جائحة كورونا الذي أنشأ تبعا لتعليمات امللك محمد السادس.
275
املرحلة الثانية :بالنسبة لألسر التي ال تستفيد من خدمة راميد والتي تعمل في القبطاع غير املهيكل والتي
سابقا.1 توقفت عن العمل بسبب الحجر الصحي ،تم منحها نفس املبال املذكورة
1تدابير لجنة اليقية الاقتصادية بشأن عملية الدعم املؤقت لألسر العاملة في القبطاع غير املهيكل املتضررة من فيروس كورونا املؤرخة
في 87مارس .8787
2جميلة املصلي ،وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية وألاسرة املغربية ،حوار صحفي مع مجلة ألاناضول ،مؤرخ ب .2020/10/22
276
ألاشخاص في وضعية الشارع
عملت الحكومة على توفير خدمات املساعدة الاجتماعية لفائدة ألاشخاص في وضعية الشارع وحمايتهم
من خطر انتشار جائحة فيروس كورونا املستجد ،وذلك من خالل تعبئة وتهييئ وتجهيز فضاءات للتكفل
بهم ،وتقديم الخدمات الضرورية لهم ،كاالستقبال وإلايواء وإلاطعام.
وخالل اجتماع عمل عن بعد ،لوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية واملساواة وألاسرة بمناسبة الذكرى
13لتأسيس مؤسسة التعاون الوطني ،أكدت السيدة الوزيرة أنه بتضافر جهود جميع املتدخلين تم إنجاز
أكبر عملية إيواء لأليخاص في وضعية الشارع باملغرب ،وأن ألامر يتعلق بإنجاز مشرف للمملكة ،حيث
تم إلى حدود 82أبريل 8787إيواء 1385يخصا بدون مأوى وإرجاع 8717آخرين إلى أسرهم.1
كبار السن
لقد سلبطت جائحة كوفيد 07-الضوء على حقوق كبار السن وصحتهم في ظل هذه اليروف ،حيث إن
أغلب ضحايا هذا الفيروس في العالم هم من الذين تبل أعمارهم 14عاما أو ما فوق ،على اعتبار أنهم
من أكثر الفئات هشاشة وأكثرها عرضة لإلصابة بهذا الوباء .وتزداد هذه الهشاشة في أوساط كبار السن
املوضوعين في مراكز الرعاية الاجتماعية أو الذين يعيشون في وضعية الشارع ،وتشمل حقوق ألايخاص
املسنين الحصول على ما يكفي من الغذاء واملاء واملأوى وامللبس والرعاية الصحية.2
وقد تم إطالق "عملية سالمة" ،لدعم كبار السن وألاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ،باعتبارهم الفئة
الاجتماعية ألاكثر عرضة للخطر بسبب جائحة فيروس كورونا.
وتهدف هذه الخطوة إلى توفير "عدة السالمة" للنظافة والوقاية من فيروس كورونا املستجد في مؤسسات
الرعاية الاجتماعية ،وذلك كتدبير لتعزيز الحفاظ على صحة هذه الفئة الاجتماعية وتقديم الرعاية
والدعم ألاساسيين بشكل يالئم احتياجاتها الجديدة في سياق جائحة فيروس كورونا ،كما تحدد "عدة
السالمة " مجموع التدابير الواجب اتباعها للوقاية من الفيروس.
ج-حماية صحة وسالمة ألاشخاص املحرومون من حرياهم
قررت املندوبية العامة إلدارة السجون وإعادة إلادماج ،تماشيا مع إلاجراءات املتصذة من طرف املصالح
املصتصة من أجل محاربة انتشار فيروس (كوفيد ،)07واضبطالعا منها بمسؤوليتها في حماية أمن
املؤسسات السجنية وسالمة نزالئها ،اعتماد مجموعة من إلاجراءات الوقائية التي كانت محل مذكرة تم
تعميمها على جميع املديريات الجهوية واملؤسسات السجنية ،3من أبرزها:
التقليص من عدد الزوار والاكتفاء بزائر واحد فقط.
1بالغ إخباري :جميلة املصلي ،املغرب أنجز أكبر عملية إيواء أليخاص في وضعية الشارع خالل زمن "كورونا" ،مجلة (تيل-كيل عربي) على
املوقع . ar.telquel.ma :تاريخ إلاطالع.8787/71/71 :
2كوفيد :07-وضع استثنائي وتمرين حقويي جديد –التقرير السنوي 8787عن حالة حقوق إلانسان باملغرب -املجلس الوطني لحقوق
إلانسان ،مارس .8780
3بالغ صحفي للمندوبية العامة إلدارة السجون و إعادة إلادماج بتاريخ 03مارس.
277
عزل ومراقبة السجناء الجدد القادمين من بلدان أجنبية.
إيالء الفئات الهشة من السجناء مزيدا من العناية والاهتمام.
إخضاع السجناء العائدين من املحاكم ومن املستشفيات للفحوصات الطبية قبل إيداعهم
بغرف إلايواء.
ح –الاهتمام بوضعية املغاربة بالخارج
قبل 04يوليوز ،8787كان العدد الكبير من املغاربة العالقين في الخارج ،والذين قدر عددهم بحوالي
7000شخص محط انشغال الرأي العام ،السيما أمام غياب أي رؤية واضحة وال أفق زمني بشأن هذا
امللف ،وباألخص النعدام التواصل بهذا الخصوص.1
وتنفيذا للتعليمات امللكية ،فقد عملت البعثات الدبلوماسية واملراكز القنصلية التابعة للمملكة على
تقديم الدعم واملساعدة ذات الطابع ألاولوي والضروري من خالل حزمة من إلاجراءات الاستعجالية،
نذكر منها:
إحداث خاليا تعنى بتتبع وضعية املغاربة العالقين بالخارج ،على مستوى إلادارة املركزية والبعثات
الدبلوماسية واملراكز القنصلية.
توفير السكن لغير القادرين على تغطية تكاليف إقامتهم وتوفير كفافهم من حيث الغذاء.
تغطية تكاليف اقتناء ألادوية لفائدة ألاشخاص الذين يعانون من بعض ألامراض املزمنة
)السكري ،ارتفاع ضغط الدم ،القلب (...وتحمل تكاليف العمليات الجراحية الطارئة.
وضع فريق طبي رهن إشارة ألاشخاص العالقين بالخارج لتقديم خدمات واستشارات طبية
مجانية لفائدتهم.
مرافقة املغاربة العالقين بالخارج ومساعدتهم التواصل املستمر والدائم معهم ،عبر إحداث
بوابات ومنصات إلكترونية وأرقام هواتف محمولة مرصودة لهذا الغرض ،على مستوى إلادارة
املركزية والبعثات الدبلوماسية واملراكز القنصلية.
التدخل لدى السلطات ألاجنبية املختصة لتمديد فترة إقامتهم بعد انتهاء صالحية تأشيرتهم
واستيفائها لآلجال القانونية.
التكفل بمصاريف الدفن في املقابر إلاسالمية لفائدة املغاربة املتوفين في الخارج خالل هذه
الظروف الوبائية الاستثنائية العاملية.
بعد الوقوف على أهم التدابير الحكومية املتصذة للتصفيف من التداعيات الاجتماعية -على وجه
الخصوص -لجائحة فيروس كورونا ،يمكن القول أنه وعلى الرغم من الصدى إلايجابي للعديد من التدابير
التي اتصذتها الحكومة في هذا الصدد ،والتي لقيت إشادة دولية واسعة النبطاق ،حتى أصبح يضرب املثل
بالنموذج املغربي على مستوى املقاربة الاجتماعية للتصدي لهذا الوباء ،إال أن ذلك لم يحجب مدى
1جلسة إنصات مع مجلس الجالية املغربية بالخارج ،املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،يوليوز .8787
278
الارتجالية التي اتسم بها التعامل الحكومي مع هذه اليرفية الحرجة ،مما يدل عن غياب رؤية واضحة
للتعامل مع مثل هذا النوع من ألازمات ،وهذا ما سنتبطرق له في املحور الثاني من الدراسة.
إن الانعكاسات التي تم تدبيرها بإعطاء ألاولوية للبعد الصحي ،اعتبارا لسمو الحق في الحياة ،قبل أن
يتم التوجه نحو البعدين الاجتماعي والاقتصادي في تدبير أزمة كوفيد ،19-قد احتدت جراء وجود
الهشاشات البنيوية التي تعاني منها بالدنا في عدة مستويات.
فعلى مستوى خدمات الرعاية الصحية ألاساسية ،تبين أن املنظومة الصحية الوطنية تتسم بهيمنة
الطب العالجي على حساب الطب الوقائي ،الذي ال يسمح باالستجابة النتظارات املرتفقين ،أما بالنسبة
للمنظومة التعليمية فإن الرقمنة لم يتم إدراجها بعد بكيفية هيكلية في املناهج والبرامج .1وبخصوص
منظومة الحماية الاجتماعية فهي غير مؤهلة للتخفيف من آثار حاالت التسريح الجماعي لألجراء ،وتنامي
أنشطة القطاع غير املنظم وتفاقم ألامراض وارتفاع الطلب على العالجات ،والحال أن وحدات إلانتاج
غير املهيكلة تشغل حيزا مهما من النسيج الاقتصادي الوطني.
أوال :على مستوى املنظومة الصحية
تتسم املنظومة الصحية الوطنية ،بهيمنة الطب العالجي على حساب الطب الوقائي ،2خالفا للتوصيات
الدولية في هذا املجال ،كما أنها تعاني من مشاكل بنيوية ،نعرضها كاآلتي:
صعوبة الولوج للعالجات.
خدمات صحية دون الحاجيات وإلانتظارات.
ارتفاع النفقات الصحية الواقعة على عاتق ألاسر ).3)%50.7
النقص الحاد في املوارد البشرية املؤهلة يؤثر سلبا على جودة الخدمات الصحية.4
ضعف تجهيزات املؤسسات البطبية العمومية ،ارتفاع كلفة العالج باملؤسسات البطبية الخاصة.
الكلفة املرتفعة لألدوية باملقارنة مع القدرة الشرائية للبطبقات الوسبطى واملعوزة.
توزيع غير عادل للموارد املادية والبشرية على مستوى التراب الوطني.
من جهة أخرى يشهد التأمين إلاجباري الصحي عن املرض جملة من أوجه القصور ،من قبيل إجبارية
أداء تسبيق تكاليف العالج في انتيار استردادها ،والفروقات بين القبطاعين العام والخاص ،وارتفاع
النفقات بشكل يهدد التوازن املالي للمنيومة الصحية ،كما أن نيام املساعدة البطبية ( ) RAMEDتعتريه
1مدرسة العدالة االجتماعية ،مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي ،المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.8102 ،
2المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي ،دراسة بعنوان :االنعكاسات الصحية واالقتصادية واالجتماعية لفيروس كورونا "كوفيد "03-والسبل
الممكنة لتجاوزها 88 ،أكتوبر .8181
3
Stratégie de L’ANAM 8181-2024 ¨ Vers une couverture-santé universelle¨.
4حسب تقدير وزير الصحة ،فإن هذا العجز يصل إلى 36111مهني منهم 98111طبيب و 64111من األطر شبه الطبية .المصدر :جلسات
إنصات مع وزير الصحة السيد خالد أيت الطالب ،المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي 3 ،شتنبر .8181
279
العديد من الاختالالت تهم بشكل خاص عدم كفاية التمويالت ،وعدم استفادة جزء من ألاسر من هذا
النيام ،وضعف جودة الخدمات.
لقد كشفت الجائحة جملة من نقاط الضعف البنيوية ،تتمثل على الخصوص فيما يلي:
النقص الحاصل في العالجات الصحية.
الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لشريحة كبيرة من الساكنة.
عجز املنيومة الصحية على املستوى الجهوي ،وعدم قدرة العديد من الجهات بالتكفل بمرض ى
كوفيد.07-
نقص وسائل الكشف واملصتبرات الفعالة في جميع أنحاء التراب الوطني.
ضعف الجهود املبذولة لرفع مستوى الوعي وتحسيس الساكنة باملسؤولية.
عدم اشراك القبطاع الخاص في الجهود املبذولة في مكافحة كوفيد ،07-وعدم القدرة على إقامة
شراكة حقيقية بين القبطاع العام والخاص.
غياب إدماج تدبير املصاطر الصحية املرتببطة بالكوارث البطبيعية وألازمات الصحية في السياسات
العمومية ،مع غياب ملحوظ ملصبطط استئناف النشاط الذي يمكن أن يضمن استمرارية
وصمودا جيدا للمنيومة الصحية في وقت ألازمة.
كما كشفت فترة انتشار الجائحة بامللموس عن غياب سياسة للبحث والتبطوير في قبطاع الصحة .إذ هناك
عامالن بنيويان رئيسيان يفسران الوضعية الحالية للبحث والتبطوير البطبي باملغرب:
ال تضبطلع الجامعة باالنصراط الكافي بدورها في النهوض بالبحث العلمي.
عدم وجود بيئة تشجع على استثمار القبطاع الخاص في البحث العلمي.
ثانيا :على مستوى املنظومة التعليمية
نالحظ أن التفاوتات الاجتماعية الصارخة الحاصلة بين الوسط القروي والحضري ،والفقر والهشاشة
وألامية التقليدية والرقمية ،وعدم تملك ألاسر للمعرفة الرقمية وطرق استعمالها ،كلها عوامل تؤثر سلبا
على التدابير التي اتصذتها السلبطات العمومية.
وحسب املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،1فإن البنية التحتية التكنولوجية ليست متوفرة
دائما في متناول املدارس ،كما أن الفوارق في هذا املجال التزال قائمة بين الوسبطين القروي والحضري
السيما وأن بعض املدارس لم تزود بعد بالكهرباء.
وفي ما يتعلق بتغبطية البرنامج الدراس ي ،تبين ألارقام الصادرة عن املندوبية السامية للتصبطيط أن %00.3
من التالميذ أو البطلبة الذين تابعو دراساتهم عن بعد خالل فترة الحجر الصحي ،يعتبرون أن هذه الدروس
قد غبطت البرنامج الدراس ي السنوي بكامله ،منهم %07.3من بين ساكنة املدن و % 08.7من ساكنة
العالم القروي ،و %80.8من بين تالميذ و طلبة القبطاع الخاص ،مقابل %04.2من القبطاع العمومي.
1مدرسة العدالة الاجتماعية ،مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي ،املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي.8702 ،
280
في املقابل يعتبر %12.3من هؤالء التالميذ أن هذه الدروس لم تمكن من تغبطية كامل فقرات املقرر
الدراس ي ،في حين لم يستبطع %05.5منه إلادالء برأيهم بهذا الشأن .وبالنسبة للمرحلة الابتدائية فقد
اعتبر حوالي نصف التالميذ أن هذه العملية لم تغبطي البرنامج الدراس ي بأكمله مقارنة مع السنوات
السابقة .1 %54.2
كما أن تجربة التعليم عن بعد كشفت عن ضعف مشاركة جمعيات آباء وأولياء التالميذ ،إذ لم يتم
إشراكها وفق مقاربة تشاركية ،في إرساء آلية التعليم عن بعد.
كما أن عدم وجود منصات مناسبة قادرة على تحمل العدد املتزايد من الوحدات الدراسية املقترحة
بالنسبة لكل مستوى من مستويات التعليم العالي والتكوين املنهي (أكثر من 4777حسب قبطاع التكوين
املنهي بوزارة التربية الوطنية والتكوين املنهي والتعليم العالي والبحث العلمي ،و 00.4777من املوارد الرقمية
املصتلفة املتعلقة بمجاالت التعليم العالي) ،قد أدى إلى توقف الدروس التبطبيقية ،باإلضافة إلى ذلك،
فإن قلة من املوارد املتوفرة تم إعدادها في احترام تام لقواعد ومبادئ التعليم عبر املنصات الالكترونية.
وأخيرا ،فقد كانت إلاكراهات املتعلقة بالسكنى-خاصة بالنسبة للساكنة ألاكثر هشاشة ،-تأثير سلبي كبير
على إمكانية الاستفادة من الدروس عن بعد .ذلك أن إلاقامة في سكن عشوائي أو بمساحة صغيرة
بالنسبة لألسر متعددة ألافراد ،ال يمكنها في ظروف الحجر الصحي أن توفر للمتعلم شروط التركيز والتعلم
في مناخ مالئم ،وهو ألامر الذي ساهم في صعوبة متابعة الدروس سواء كانت مبثوتة عبر ألانترنت أو عبر
قنوات التلفزة.2
ثالثا :على مستوى منظومة الحماية الاجتماعية:
يعد إصالح منيومة الحماية الاجتماعية الوطنية ،من ضمن أولويات الاستراتيجية التنموية للمؤسسة
امللكية ،3حيث كانت موضوع عدة خبطب ملكية ،وآخرها خبطاب افتتاح الدورة ألاولى من السنة
التشريعية الخامسة من الوالية التشريعية العاشرة ،ليوم 7أكتوبر ،8787الذي أطلق من خالله امللك
محمد السادس مشروعا كبيرا وغير مسبوق لتعميم التغبطية الاجتماعية .4باملوازاة مع الدعوة إلى بلورة
النموذج التنموي الجديد ،وذلك من أجل بناء منيومة وطنية للحماية الاجتماعية قوامها إلانصاف
والنجاعة والاستدامة.
1املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،دراسة بعنوان :الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا "كوفيد"07-
والسبل املمكنة لتجاوزها 88 ،أكتوبر .8787
2املرجع نفسه.
3أمينة رضوان ،التوجهات امللكية السامية ملواجهة جائحة كورونا ،مجلة الباحث للدراسات وألابحاث القانونية والقضائية ،العدد
،02ماي ،8787ص :من 03إلى .37
4مقتبطف من الخبطاب..." :إننا نحرص دائما على تالزم تحقيق التنمية إلاقتصادية ،بالنهوض باملجال الاجتماعي ،وتحسين ظروف عيش
املواطنين .لذلك دعونا لتعميم التغبطية إلاجتماعية لجميع املغاربة ،وهو مشروع وطني كبير وغير مسبوق"...
281
وتشير مصتلف الدراسات 1والتقارير 2والفاعلين ،3إلى الضعف والهشاشة والاختالالت البنيوية ألنيمة
الحماية الاجتماعية الوطنية بمصتلف مكوناتها ،كما أن السياسات العمومية في هذا املجال تتسم
بالتشتت املفرط للبرامج الاجتماعية ،وضعف التنسيق الذي يحول دون فعاليتها وحكامتها ،وهو ألامر
الذي تجسد بامللموس في ظل جائحة كوفيد 07-التي كشفت عن اختالالت ومياهر العجز ،حيث عرت
على الهشاشة املتعددة ألابعاد التي يعاني منها النسيج الاجتماعي ،والسيما املنيومة الصحية واملستوى
املتدني للتغبطية الاجتماعية الصحية.
وأظهرت أيضا أن ثمة هامشا واسعا للفقر وإلاقصاء لفئة واسعة في املجتمع ،مما يساهم على ما يبدو
في وضع اململكة املغربية في مراتب متدنية في هذا املجال ،4حتى قيل بأن الجائحة لم تقم بغير الكشف
عن الخصاص الذي يعانيه املغرب في كل ش يء ،وبأن الحاجة اليوم ملحة إلعادة الاعتبار للمسألة
الاجتماعية وتعزيز دور الدولة في املجتمع والاقتصاد.
وتصف منيمة العمل الدولية الحماية الاجتماعية بأنها آلية ال غنى عنها لتقديم الدعم لألفراد أثناء
ألازمة ،وتؤكد على أنه بالرغم من أن الفيروس ال يميز بين ألاغنياء والفقراء ،إال أن تداعياته متفاوتة
للغاية.
ووفقا ملنيمة العمل الدولية ،فإن %44من سكان العالم غير مشمولين بهذه املنيومة مع وجود %87
فقط من العاطلين عن العمل الذين يستفيدون من التعويضات عن الببطالة.
وحسب منيمة العمل الدولية ،يعد املغرب من البلدان ألاقل استثمارا في هذا امليدان ،حيث تمثل
النفقات العمومية في هذا املجال أقل من %4من الناتج إلاجمالي الداخلي.5
وقد أدى انصفاض معدل التغبطية الاجتماعية وعدم تجانس أنيمة الحماية الاجتماعية إلى خلق
صعوبات بالنسبة للسلبطات العمومية في تدبير ألازمة الوبائية ،حيث إن التحويالت املالية التي تم صرفها
1الوثيقة الختامية للمنتدى البرملاني الرابع للعدالة الاجتماعية املنعقد تحت شعار "الحماية الاجتماعية باملغرب :الحكامة ورهانات
الاستدامة والتعميم" بتاريخ 87فبراير .8707واملذكرة التأطيرية للمناظرة الوطنية ألاولى للحماية الاجتماعية ،تحت شعار" :جميعا من أجل
منيومة مندمجة ومستدامة للحماية إلاجتماعية " ،املنعقدة بالصخيرات يومي 08و 03نونبر .8702
2تقرير ورأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني الصادر في إطار إحالة ذاتية رقم ،8702/35حول موضوع " الحماية الاجتماعية
باملغرب :واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية".
3جاء في خبطاب العر ليوم 87يوليوز " ،8702فليس من املنبطق أن نجد أكثر من مائة برنامج للدعم والحماية الاجتماعية من مصتلف
ألاحجام ،ونرصد لها عشرات املليارات من الدراهم ،مشتتة بين العديد من القبطاعات الوزارية ،واملتدخلين العموميين .وباإلضافة إلى ذلك،
فهي تعاني من التداخل ،ومن ضعف التناسق فيما بينها ،وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها .فكيف لهذه البرامج ،في ظل
هذا الوضع ،أن تستجيب بفعالية لحاجيات املواطنين وأن يلمسوا أثرها؟".
4نجيب الحجوي ،تحديات السياسة الاجتماعية باملغرب في ظل جائحة كوفيد" 07-الحماية إلاجتماعية أنموذجا" مقال منشور باملؤلف
الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا :أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع؟" ،إصدارات املركز الوطني للدراسات
القانونية والحقوقية –أكادير ،-البطبعة ألاولى ،8780ص .874
5تقرير منيمة العمل الدولية حول الحماية الاجتماعية العالمي ،8707-8700الحماية الاجتماعية الشاملة لتحقيق أهداف التنمية
املستدامة ،جنيف .8700
282
عبر الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا لم يكن بمقدورها بأي حال من ألاحول الاستجابة لحجم
البطلب املعبر عنه ،وال معالجة تداعيات ألازمة الوبائية.
وأمام هذه التشخيصات ،أطلق امللك محمد السادس ورشا مهما إلصالح نيام الحماية الاجتماعية ،في
خبطابه ليوم 7أكتوبر ،8787لتعميم التغبطية الاجتماعية الشاملة ،1يرتكز على أربعة مكونات أساسية
وهي:
أ-تعميم التغبطية الصحية إلاجبارية ،لصالح 88مليون مستفيد إضافي ،من التأمين ألاساس ي على
املرض ،سواء ما يتعلق بمصاريف التبطبيب والدواء ،أو الاستشفاء والعالج.
ب-تعميم التعويضات العائلية ،لتشمل ما يقارب سبعة ماليين طفل في سن الدراسة ،تستفيد منها
ثالثة ماليين أسرة.
ت-توسيع الانصراط في نيام التقاعد ،لحوالي خمسة ماليين من املغاربة ،الذين يمارسون عمال ،وال
يستفيدون من معا .
ث-تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل ،بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون
على عمل قار.
حيث يتوىى من هذا املشروع إصالح دقيق ألنيمة وبرامج الحماية الاجتماعية ببالدنا.
خاتمة
ختاما ملا تقدم يتضح أنه بقدر ما أعاد الوباء للدولة بريقها وهيبتها ،بقدر ما فتح بابا من التساؤالت
والنقاشات العميقة بخصوص وظائفها-،السيما وأن الدولة على امتداد سنوات خلت ،اتسمت سياساتها
بالتخلي التدريجي عن القطاعات الاجتماعية ،اعتقادا منها أنها قطاعات مستهلكة غير منتجة تستنزف
فقط امليزانية العامة ،-وأمام هذه التساؤالت يبقى ش يء واحد أكيد ومؤكد ،يتمثل في نهاية براديغمات
ونماذج ألامس ،خاصة بعد أن استرجعت الدولة مكانتها الاجتماعية خالل ألازمة ،حيث برزت مسلمة
أساسية مفادها أن الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية ليست فقط حقوقا أساسية بل إنها ركائز لكل
دولة تطمح ألن يكون أداؤها فعاال ومقاوما للصدمات وألازمات.
لقد سمحت هذه ألازمة للدولة املغربية بالوقوف بشكل ملموس على حجم ومكامن الضعف وأشكال
الهشاشة التي تعاني منها ،ولكنها في املقابل مكنتها من إدراك نقاط قوتها وقدرتها على إطالق ديناميات
التغيير على جميع املستويات.
وفي إطار استخالص الدروس التي خلفتها الجائحة والاستفادة منها وبلورتها من أجل النهوض بدولة
اجتماعية ليس فقط على املستوى املفاهيمي بل على املستوى البنيوي نقترح التالي:
1ظهير شريف رقم 0.08.37صادر في 7شعبان 83( 0558مارس )8780بتنفيذ القانون-إلاطار رقم 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية.
283
ضرورة التوفر على رؤية وطنية في املجال الرقمي تكون في مستوى طموحات وتحديات املغرب.
الاستفادة من ألازمة إلحداث تحول عميق في املنظومة التربوية خصوصا فيما يتعلق بالتعليم
عن بعد.
إحداث صندوق وطني خاص بالتصدي لحاالت البطوارئ.
تزود الدولة بوسائل الرصد والاستباق في تدبير ألازمات لضمان ولوج الجميع إلى الحقوق
ألاساسية.
تعميم مؤسسات الرعاية الاجتماعية الكفيلة بإيواء ألايخاص في وضعية الشارع ،خاصة في
وقت ألازمات.
التوفر على رؤية شمولية لقبطاع الصحة ،لضمان الحقوق الاجتماعية للساكنة ،بما في ذلك
حصولهم على عالجات ذات جودة في جميع أنحاء التراب الوطني.
الئحة املراجع:
باللغة العربية:
الكتب واملؤلفات:
استراتيجية املغرب في مواجهة كوفيد ،07-مجلة ألاوراق السياسية ،مركز السياسات من أجل الجنوب
الجديد ،العدد 87-70أبريل .8787
تدبير حالة البطوارئ الصحية باملغرب ،الحكامة ألامنية وحقوق إلانسان ،تقرير ملركز دراسات حقوق إلانسان
والديمقراطية بشراكة مع مركز جنيف لحوكمة قبطاع ألامن.
تقرير منيمة العمل الدولية حول الحماية الاجتماعية العالمي ،8707-8700الحماية الاجتماعية الشاملة
لتحقيق أهداف التنمية املستدامة ،جنيف .8700
تقرير ورأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني الصادر في إطار إحالة ذاتية رقم ،8702/35حول موضوع:
"الحماية الاجتماعية باملغرب :واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية".
كوفيد :07-وضع استثنائي وتمرين حقويي جديد –التقرير السنوي 8787عن حالة حقوق إلانسان باملغرب-
املجلس الوطني لحقوق إلانسان ،مارس .8780
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،دراسة بعنوان :الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية
لفيروس كورونا "كوفيد "07-والسبل املمكنة لتجاوزها 88 ،أكتوبر .8787
مدرسة العدالة الاجتماعية ،مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي ،املجلس ألاعلى للتربية والتكوين
والبحث العلمي.8702 ،
املقاالت:
أحمد العمومري" ،إلادارة إلالكترونية .الرقمنة تتبطلب حاليا التفكير في الوسائل الكفيلة بضمان استدامتها" ،مقال
منشور على موقع البوابة إلالكترونية ،على الرابط.https://www.maroc.ma/ar :
284
أمينة رضوان ،التوجهات امللكية السامية ملواجهة جائحة كورونا ،مجلة الباحث للدراسات وألابحاث القانونية
والقضائية ،العدد ،02ماي .8787
خالد بوشمال ،هذه الدروس القانونية "لكورونا" في فترة "البطوارئ الصحية "باملغرب ،مقال منشور بجريدة
هسبريس ،على املوقع . www.hespress.com :
خليل اللواح" ،نموذج مغرب ما بعد الجائحة " ،مقال منشور باملؤلف الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا:
أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع؟" ،إصدارات املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية
–أكادير ،-البطبعة ألاولى ،8780ص .30
رداد شمالل" ،بناء الدولة الاجتماعية باملغرب (الكرونولوجيا واملقومات)" ،مجلة الباحث ،العدد /48مارس .8783
مراد فارس ي" ،حالة البطوارئ الصحية باملغرب :التنزيل القانوني وإلاجراءات املواكبة" ،مجلة الباحث-ملف خاص-
-3جائحة كورونا "البطوارئ الصحية" ،العدد ،07يونيو .8787
نجيب الحجوي ،تحديات السياسة الاجتماعية باملغرب في ظل جائحة كوفيد" 07-الحماية الاجتماعية أنموذجا"
مقال منشور باملؤلف الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا :أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد
واملجتمع؟" ،إصدارات املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية –أكادير ،-البطبعة ألاولى .8780
القوانين:
ظهير شريف رقم 0.08.37صادر في 7شعبان 83( 0558مارس )8780بتنفيذ القانون-إلاطار رقم 77.80املتعلق
بالحماية الاجتماعية.
املراسيم:
املرسوم التبطبيقي رقم 8.87.817صادر في 80من رجب ) 160550مارس )8787املتعلق بإحداث حساب
مرصد ألمور خصوصية يحمل اسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا – كوفيد ،-07منشور
بالجريدة الرسمية عدد 1214مكرر بتاريخ 88رجب ) 170550مارس.)8787
مرسوم بقانون رقم 8.87.878صادر في 82من رجب 83( 0550مارس )8787املتعلق بسن أحكام خاصة
بحالة البطوارئ الصحية وإجراءات إلاعالن عنها.
املرسوم التبطبيقي بقانون رقم 8.87.873صادر في 87من رجب ) 24 0550مارس ،)8787املتعلق بإعالن
حالة البطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا –كوفيد ،-07منشور
بالجريدة الرسمية عدد 1210مكرر بتاريخ 87رجب ) 24 0550مارس .)8787
املرسوم التبطبيقي رقم 8.87.130صادر في 87من محرم ) 9 0558ديسمبر )8787بتمدبد مدة سريان
مفعول حالة البطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا –كوفيد،-07
منشور بالجريدة الرسمية عدد 1704مكرر 87-محرم )9 0558سبتمبر .)8787
القرارات التنظيمية:
285
الوثائق الرسمية:
بالغ مشترك بين وزارة العدل واملجلس ألاعلى للسلبطة القضائية ورئاسة النيابة العامة املؤرخ في 1مارس
8787حول تعليق انعقاد الجلسات باملحاكم ابتداء من 00مارس إلى إشعار آخر ،باستثناء الجلسات
املتعلقة بالبت في قضايا املعتقلين والجلسات املتعلقة بالبت في القضايا الاستعجالية وقضاء التحقيق.
جواب رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني في السؤال املحوري التداعيات الصحية والاقتصادية
والاجتماعية النتشار وباء فيروس كورونا “كوفيد ”07-وإلاجراءات املتصذة ملواجهة هذه الجائحة الجلسة
الشهرية املتعلقة بالسياسة العامة (املادة 077من الدستور) مجلس النواب -الاثنين 07شعبان 0550
( 03أبريل .)8787
الوثيقة الختامية للمنتدى البرملاني الرابع للعدالة الاجتماعية املنعقد تحت شعار "الحماية الاجتماعية باملغرب:
الحكامة ورهانات الاستدامة والتعميم" بتاريخ 87فبراير .8707واملذكرة التأطيرية للمناظرة الوطنية ألاولى
للحماية الاجتماعية ،تحت شعار":جميعا من أجل منيومة مندمجة ومستدامة للحماية الاجتماعية "،
املنعقدة بالصخيرات يومي 08و 03نونبر .8702
الندوات وامللتقيات:
جلسات إنصات مع وزير الصحة السيد خالد أيت البطالب ،املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني 7 ،شتنبر
.8787
جلسة إنصات مع مجلس الجالية املغربية بالخارج ،املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،يوليوز .8787
ندوة عن ُبعد ،نيمها املجلس الوطني لحقوق إلانسان مساء الجمعة 81يونيو ،8787تحت عنوان "تأثير
التفاوتات الاجتماعية واملجالية على مبدأ تكافؤ الفرص لدى املتمدرسين في ظل اعتماد التعليم عن بعد خالل
الحجر الصحي كآلية جديدة في التدبير التربوي وتعويض التعليم الحضوري" .على الرابط:
.https://urlz.fr/dqGf
بالغات إخبارية:
بالغ إخباري :جميلة املصلي ،املغرب أنجز أكبر عملية إيواء أليخاص في وضعية الشارع خالل زمن "كورونا"،
مجلة (تيل-كيل عربي) على املوقع ar.telquel.ma :تاريخ إلاطالع.8787/71/71 :
بالغ صحفي للمندوبية العامة إلدارة السجون وإعادة إلادماج بتاريخ 03مارس.
جميلة املصلي ،وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية وألاسرة املغربية ،حوار صحفي مع مجلة ألاناضول ،مؤرخ
ب .8787/07/88
باللغة الفرنسية:
286
الحماية الاجتماعية ودورها في ترسيخ قيم املواطنة:
برنامج نظام التغطية الصحية وبرنامج تيسير نموذجا
عزيز لعيون
باحث في السوسيولوجيا
تقديم
تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على دور الحماية الاجتماعية في ترسيخ قيم املواطنة ،من
خالل استحضار ثقافة الحق والواجب .وبالتالي فإن الحماية الاجتماعية استراتيجية عقالنية تقوم على
آليتي الضمان الاجتماعي واملساعدة الاجتماعية( ،هناك نتحدث عن برنامج نيام التغبطية الصحية)
الذي يهدف لتقليص الفوارق السوسيومجالية بين البطبقات الاجتماعية ،وتحقيق التوزيع العادل
للثروات لخلق فرص النجاح الاجتماعي لألفراد والفئات لالرتقاء املنهي والاجتماعي .ويتم ذلك من خالل
تحسين املسارات الدراسية للمتعلمات وللمتعلمين في ألاوساط املهمشة ،وتوفير الخدمات الصحية
الجيدة ،بمعنى إرساء دعائم العدالة املجالية كفعل عمومي ،وسياسة اجتماعية واقتصادية تستهدف
الفئات املحرومة اجتماعيا ،ويتم ذلك من خالل حكامة جيدة ،وتفويض السلبطة للجماعات الترابية
القائمة حسب النموذج التنموي الجديد القائم على مبدأ التدبير الحر .وتقوية املقاربة التشاركية
والجماعية والالمركزية ،التي تستهدف باألساس الساكنة املنعزلة ،التي تعيش واقعا يتسم بالحرمان
وإلاقصاء والهشاشة الاجتماعية وضعف ألامن والحماية الاجتماعية .ألامر الذي سيعمق التفاوتات
املجالية والتباينات الاجتماعية ،التي كانت سببا مباشر ا في ظهور اختالالت اجتماعية ،منها تردي مستوى
الخدمات الصحية وتدني مستوى عيش ألاسر املؤدي بدوره إلى انتشار ظواهر كالهدر املدرس ي( .هنا نتحدث
عن برنامج تيسير) .الذي يسعى إلى التقليص من هذا ألاخير.
-1إشكالية الدراسة
"يستمد مشروع الحماية الاجتماعية باملغرب ركائزه من ور ملكي مجتمعي ،أعبطى صاحب الجاللة
انبطالقته بيهير شريف رقم 0.80.37صادر في 7شعبان 83( 0558مارس) 8780املتعلق بتنفيذ القانون
رقم 77.80بصصوص الحماية الاجتماعية "1
ومنذ ذلك الحين صار مفهوم الحماية الاجتماعية ركيزة أساسية من ركائز الدولة املغربية الحديثة،
و"أضحت هذه الحماية حقا من حقوق إلانسان ألاساسية ،بعدما كانت تعتبر على مدى قرون من الزمن،
1إلاطار رقم 77-80املتعلق بالحماية الاجتماعية ،الجريدة الرسمية ،عدد 4 ،1704أبريل ،8780ص .70
287
من حيث املفهوم واملمارسة في املغرب وفي غيره من بقاع العالم ،عمال ذو بعد إنساني وشكال من أشكال
العمل الخيري وإلاحسان والبر".1
ارتأى املغرب منذ سنين إلى اعتماد العديد من البرامج والسياسات التنموية الهادفة إلى تحقيق العدالة
الاجتماعية واملجالية ،وتحسين اليروف املعيشية للمواطنين ،عبر الولوج والاستفادة من مصتلف
الخدمات ألاساسية منها( :املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ،نيام املساعدة البطبية ،برنامج تقليص
الفوارق املجالية والاجتماعية ،برنامج دعم تمدرس ألاطفال مثل برنامج تيسير ،برنامج دعم ألارامل).
وعلى هذا ألاساس صارت مسألة الحماية الاجتماعية تحيى باهتمام متزايد في جل تقارير وبرامج
املؤسسات الوطنية .حيث نسعى من خالل هذه الدراسة إلى رصد آثار البعض من هذه البرامج خصوصا
املتعلقة منها بنيام التغبطية الصحية وبرنامج تيسير املتعلق بصرف املنح املالية لدعم ألاسر املعوزة في
تعليم أبنائها.
هل تفعيل برنامج تيسير ساهم بشكل أو بآخر في التصفيف من حدة ظاهرة الهدر املدرس ي؟
إلى أي مدى ساعد برنامج نيام التغبطية الصحية في تحسين الولوج والاستفادة من الخدمات
العالجية والبطبية؟
1املجلس الاقتصادي والاجتم اعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل التعزيز أنيمة الضمان واملساعدة
الاجتماعية ،8702 ،ص .00
2 Serge Paugam, compter sur et compter pour, les deux faces complémentaires du lien social, dans changements et pensées
288
-0منهجية الدراسة وعينة البحث
من أجل مقاربة برنامج تيسير سوسيولوجيا اعتمدت في هذه الدراسة بعض الاحصائيات الرسمية حول
املسارات الدراسية للمتعلمات واملتعلمين ،نيرا لصعوبة الحصول على قاعدة البيانات الرقمية .وذلك
بالتركيز على مجموعة من املتغيرات (الجنس – املستوى التعليمي – املجال الجغرافي – التأخر التعليمي
– الانقبطاع الدراس ي) .لتبيان أن املواطنة املدرسية تتحقق من خالل إحقاق الحقوق ألاساسية للمتعلمين
واملتعلمات ،وذلك بالتركيز على الوثائق الرسمية (أي تحليل الوثائقي).
املقاربة الكيفية للخدمات الصحية باملركز الاستشفائي محمد السادس بمراكش ،التي تتبطلب استقراء
مواقف وآراء املبحوثات واملبحوثين لتقييم هذه الخدمات .وذلك بالتركيز على مجموعة من املتغيرات
(جودة املرافق الصحية حسب طبيعة املجال الجغرافي – عدد أطر البطبية حسب املراكز الاستشفائية –
توفير ألادوية ثم الوعي الصحي).
-2التحديدات املفاهيمية
:1-2الحماية الاجتماعية
على الرغم من أن الحماية الاجتماعية مصبطلح استصدم في فرنسا ألول مرة في عام 0215من قبل إميل
أوليفير )0703- 0284( émile ollivierوهو سياس ي يعارض بشدة تبطور تدخل الدولة ،إال أن هذا
املصبطلح ولد حقا في أوروبا مع خبطط التأمين الاجباري التي وضعها املستشار ألاملاني أوتو فون سمارك
Otto Von Bismarckومع مقترحات اللورد وليام بيفريدج في تقريره عام ،0758وتبطورت الحماية
الاجتماعية في الاقتصادات ذات النمو القوي حيث كانت القوى العاملة والديموغرافية مزدهرة وألاسرة
مستقرة (ألاب في العمل – ألام في املنزل)".1
باعتبار الحماية الاجتماعية أداة مميزة لتحقيق ألاهداف إلانمائية ،يرفعها البنك الدولي الى مرتبة ألادوات
الرئيسية كاستراتيجيات للحد من الفقر على املستوى الدولي (إدارة املصاطر الاجتماعية gestion des
.2")Risques socialesوفي ذات السياق اعتمدت "لجنة ألامم املتحدة املعنية بالحقوق الاقتصادية
1 Chantal Euzéby et julien Reysz, caractéristiques et définitions de protection sociale, dans la dynamique de la protection
sociale en Europe (2014) p 13.
2 François- Xavier Merrien, la protection sociale comme politique de développement un nouveau programme d’action
289
والاجتماعية والثقافية سنة ( 8770التعليق العام رقم )07الذي يؤطر مضمون الحق في الضمان
الاجتماعي باملبادئ الثالثة التالية :أوال الضمان الاجتماعي هو حق من حقوق الانسان وضرورة اقتصادية
واجتماعية من أجل تحقيق التنمية والتقدم ،ثانيا إن جوهر الضمان الاجتماعي هو إعادة توزيع املوارد
كما أنه يعزز الادماج الاجتماعي ،ثالثا تقع مسؤولية إعمال الحق في الضمان الاجتماعي عموما وفي املقام
ألاول على عاتق الدولة" .1بحيث هناك مجموعة من برنامج الحماية الاجتماعية منها على سبيل املثال
وليس الحصر:
نظام التغطية الصحية :يعني أن يحصل جميع ألافراد والفئات الاجتماعية على الخدمات
الصحية والعالجية الجيدة الالزمة متى وأينما يحتاجون إليها دون التعرض لضائقة مالية.
برنامج تيسير :هو البرنامج الذي يقدم دعما ماديا لألسر املعوزة ،بهدف الحد من الهدر املدرس ي،
ويستهدف البطبقات الفقيرة التي تعاني من الاكراهات املجالية والاجتماعية والاقتصادية لتوفير
املتبطلبات ألاساسية ألبنائهم من أجل املواكبة الجيدة واملستمرة ملساراتهم الدراسية.
:0-2املواطنة
تعرف املواطنة على أنها "انتماء وعضوية كاملة ومتساوية في املجتمع وما يترتب عنها من واجبات وحقوق،
وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون تمييز أدنى قائم على
(الدين ،الجنس ،اللون ،املستوى الاقتصادي ،الانتماء السياس ي واملوقف الفكري)" .2لهذا اقترن مفهوم
املواطنة بمبدأ املساواة بغض النير عن الاختالفات املوجودة بين ألافراد.
إن تبطور مفهوم "املواطنة" أخذ معنى أكثر عمقا وتعقيدا يتجاوز الجانب الخاص بالحقوق السياسية
املباشرة للمواطن ليستوعب الحقوق املدنية التي تشمل الحرية الفردية ،التعبير ،الاعتقاد ،امللكية،
العدالة ثم الحقوق الاجتماعية الضامنة للرفاه الاجتماعي والتمتع بحياة انسانية تصون كرامة الفرد
وفقا ملعايير متفق عليها .وهو ما يجسده نيام التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية".3
: 2-2العدالة املجالية
تحيل العدالة املجالية على الاستفادة العادلة لألفراد من الخدمات التي تقدمها املؤسسات العمومية،
وتشمل هذه الخدمات القبطاع الصحي (الاستشفاء وألادوية والعالج) .إلى جانب القبطاع التعليمي (مدرسة
1املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب :واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة
الاجتماعية ،8702 ،ص .7
2املجلس الوطني لحقوق إلانسان ،التربية على املواطنة وحقوق الانسان :فهم مشترك للمبادئ واملنهجيات ،8705 ،ص.2
3عماد صيام ،املواطنة ،نهضة مصر للبطباعة والنشر والتوزيع ،البطبعة ألاولى ،8770ص .04
290
عادلة مؤسسة على مبدأ تكافؤ الفرص ،املنح ،تجويد البنيات التحتية للمدرسة العمومية ،برنامج تيسير
.)...
يمكن تعريف العدالة املجالية كذلك على أنها "املساواة في الوصول إلى بيئة صحية ونييفة ،أي التوزيع
العادل la distribution équitableللخيرات البطبيعية مثل الوصول الى املساحات الخضراء والهواء
النقي ووسائل النقل العام.1" .
إن مفهوم "العدالة املجالية" ظهر ألول مرة في املجال الجغرافي ،بحيث "يعد الجغرافي إلانجليزي دافيد
هارفي* أول من استصدم مفهوم "العدالة السوسيومجالية" لتبطبيقها ضمن الدراسات الجغرافية
الحضرية من خالل نشره لكتاب " العدالة الاجتماعية واملدينة" الصادر سنة 0703بهدف دراسة
التمايزات والتفاوتات داخل املجال الحضري".2
إن العدالة املجالية ترتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم "فرص الحياة chances de vieوهو قدرة ألاسر وألافراد
على الوصول الى الفرص التعليمية والاقتصادية والبيئية وتصميم حياتهم بشكل تصاعدي .بحيث
تساهم في ظهور متعدد للحركات الاجتماعية (النسوية – الايكولوجية 3")...كما أنها عنصر من عناصر
الاستدامة ،وهي تقتض ي تكامل ألابعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية ،والتي تمكن ألاجيال القادمة
من جودة العيش .la qualité de vieباإلضافة إلى ذلك فهي عنصر أساس ي من عناصر الديموقراطية.
: 2-2الالعدالة املجالية
تحيل الالعدالة املجالية على الاستفادة غير املتكافئة من مصتلف الخدمات العمومية (النقل ،الصحة،
الخدمات التعليمية والثقافية )...والتي يمكن قياسها بمؤشرات واقعية ملموسة تتجلى في التفاوتات
الاجتماعية les inégalités socialesوالفوارق السوسيومجالية خصوصا في املجالين القروي
والحضري.
1 Michael ash, james K, Boyce, Éloi laurent, justice environnementale et performance des entreprises nouvelles perspectives
et nouveaux outils, dans Revue de l’OFCE, 2012/ 1(N 120) p 73 a 98.
* ولد دافيد هارفي عام 0734هو منير اجتماعي وجغرافي ماركس ي من أصل بريبطاني وأستاذ لعلم إلانسان بمركز الدراسات العليا لجامعة
نيويورك وأحد أهم الجغرافيين في العالم .بجانب كتاباته الجغرافية وألانثروبولوجية يتناول هارفي مواضيع متنوعة كالعدالة الاجتماعيةا
منبطق الرأسمالية ...ومن بين أعماله املشهورة نجد الامبريالية الجديدة – الليبرالية الجديدة – حالة ما بعد الحداثة ثم العدالة الاجتماعية
واملدينة.
2عبد السالم بوغابة ،العدالة املجالية من محاولة الفهم الى إمكانية التبطبيق ،مقالة خاصة بباب "مقاالت" على موقع كلية آلاداب والعلوم
إلانسانية بجامعة عبد امللك السعدي 04 ،يونيو ،8787ص .5-3
3 Philippe Gervais, frédéric dufaux, justice … spatiale!, dans annales de Géographie, 2009/1-2N° 665-666, P2.
291
املحور ألاول :برنامج تيسير والعدالة املدرسية
املصدر :وزارة التربية الوطنية والتعليم ألاولي والرياضة ،مؤشرات التربية ،البحث الوطني حول مصادر الدخل .8707
يعتبر الدخل معيارا أساسيا لقياس التمايزات الفردية والاجتماعية ،بحيث "هناك عالقة مباشرة بين
عدم املساواة بين الدخل وآلافاق املستقبلية ،وحسب النيرية الكالسيكية فالحراك بين ألاجيال la
mobilité intergénérationnelleيعتمد مصير ألاطفال على الاستثمار في الرأسمال البشري من طرف
آلاباء وبالتالي هناك عالقة وثيقة بين آلافاق املستقبلية لألطفال وأصلهم الاجتماعي".1
80- 8787 87- 8707 07- 8702 02- 8700 00- 8701 01- 8704 04-8705 السنة
0740583 0423078 0573847 550117 551174 583204 573033 عدد ألاسر برنامج
8570170 8534748 8370200 077732 070427 171284 274051 عدد التالميذ تيسير
املصدر :وزارة التربية الوطنية والتعليم ألاولي والرياضة ،مؤشرات التربية ،البحث الوطني حول مصادر الدخل 8707
يوضح الجدول أعاله عدد املستفيدين من برنامج تيسير بين سنة 8705و ،8780بحيث ازداد عدد
املستفيدين ،وذلك حسب عدد ألاسر والتالميذ .وذلك من أجل محاربة الهدر املدرس ي وتحقيق املواطنة
املدرسية والعدالة الاجتماعية واملجالية .وتشجيع مواكبة التالميذ ملساراتهم التعليمية.
1
Gosta Esping –Andersen, évolution de la distribution des revenus : perspectives sociologiques, dans recherches
familiales 2008/1 (N°5), p 55.
292
العدالة املجالية والفوارق املدرسية
إن الالعدالة املجالية تتميهر من خالل الاختالفات والتباينات البطبقية والاجتماعية بين أفراد املجتمع،
تمس كذلك البنيات السوسيوثقافية للمجتمع .والتي يترتب عنها ما أصبطلح عليه ب "أزمة التربية واملتمثلة
في انعدام املساواة وتعميق الفوارق ،والحال أن مهمة املدرسة هي فك الارتباط بين الفوارق الاجتماعية
ألاصلية املوجودة بين التالميذ ومستقبلهم املدرس ي والاجتماعي .وهكذا يتفاقم العجز التربوي بالفوارق
الاجتماعية التي تنتجها وترسخها املدرسة على كافة املستويات من خالل ما يعتري حكامة منيومة التربية
والتكوين من أعبطاب ،ومقاومتها لكل تجديد الش يء الذي تتحول معه كل إرادة للتغيير إلى إصالحات غير
مكتملة".1
إن تفعيل القدرات والكفاءات ألاساسية وتسخير املؤهالت البشرية وتأهيلها ،وتوفير كل ما يتبطلبه ذلك
من موارد مادية ،من شأنه أن يؤسس للعدالة املجالية التي نتوىى من خاللها تغييرات على بنية الذهنيات
والعقليات ،وترسيخ ثقافة الحق والواجب ،وتوفير كل الخدمات ألاساسية من املاء والكهرباء وتجهيز
البنيات التحتية وتحسين الدخل الفردي وتوفير النقل املدرس ي خصوصا في العالم القروي والاستثمار في
املورد البشري "بحيث أن اتساع فوارق الدخل يدفع الفئات ألاشد حرمانا إلى التقليل من الاستثمار في
الرأسمال البشري ،وخاصة في التربية وهو ما يؤثر سلبا في التنمية الاقتصادية وفي الروابط الاجتماعية
والعمليات السياسية ،واملحافية على الرأسمال البطبيعي ،ذلك أن نموذج التنمية البشرية املستدامة
الذي يجب أن تتبناه كل أمة يهدف الى الخروج من دائرة الفقر والهشاشة ،وضمان صحة جيدة للسكان
والحفاظ على هذه ألارض لألجيال القادمة ،وبناء مجتمعات تنعم باألمن والسلم مفتوحة للجميع حتى
يتمكن كل مواطن من العيش بكرامة" .2لهذا فإن ضعف املستويات الدراسية في العالم القروي
والحضري معا جاء نتيجة ملجموعة من العوامل أساسها الفقر .بحيث نجد " أن حوالي 54في املئة من
املغاربة يعتبرون في 8707فقراء ذاتيا) 38,6%في الوسط الحضري و 58,4%في الوسط القروي (
مسجلة أن الفقر الذاتي يبطال جميع البطبقات الاجتماعية ولكن بمستويات مصتلفة" .3إلى جانب هشاشة
البنيات املدرسية والاكتياظ الدراس ي وضعف التوجيه...
باإلضافة إلى ذلك فإن هشاشة اليروف الاجتماعية والاقتصادية لألسر سوف تساهم في ظهور مجموعة
من إلاكراهات التي تواجه الفرد خالل حياته )مسار الحياة ، ( parcours de vie
1املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،مدرسة العدالة الاجتماعية مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي ،8700 ،ص -3
.5
2التقرير أعاله ،ص .5
3املرصد الوطني للتنمية البشرية ،دينامية الفقر في املغرب ،ندوة رقمية.8780 ،
293
أي صعوبة الارتقاء الاجتماعي وتغيير نمط العيش والوضعيات الفردية .الهدف ألاساس ي من عيش واقع
يتسم بالحرمان والفقر والهشاشة ،ليس إعادة إنتاج نفس الوضع القائم .بل البحث عن البدائل املمكنة
للعيش (الاستفادة من الدعم نموذجا) .يقتض ي الخروج من الوضعية الصعبة واليروف الاجتماعية
القاهرة .هذه البدائل تكمن في الاستفادة الجيدة من الخدمات العمومية (الصحة-التعليم-الشغل(
وتحسين اليروف الاقتصادية والاجتماعية لألسر وتجويد الحياة املدرسية وتقديم الدعم الاجتماعي
وألاسري .وذلك بهدف مواصلة ألابناء ملسارهم الدراس ي .le parcours scolaireلهذا يمكن القول بأن
الفوارق املدرسية جاءت نتيجة ملجموعة من العوامل منها اختالف " ألاصل الاجتماعي والجنس".1
اقترح مورتون دويتش في عام " Morton Deutsch 0723تركيبا ال يزال مرجعا ،وميز في مسائل العدالة
ثالثة جوانب :الجدارة le méritéواملساواة l’égalitéوالحاجات .les besoinsكل هذه الجوانب
الثالثة لها شرعيتها تتبطلب العدالة الاعتراف بالجدارة ومكافأتها السيما في املجال الاقتصادي".2
كما أن للعدالة أبعاد في التحليل السوسيولوجي ،بالبطريقة التي فتحها لوك بولتانسكي Luc
*Boltanskiوثيفينوت .Laurent Thévenotاللذان كانا مهتما بالعدالة الاجتماعية من خالل التركيز
على إعادة توزيع الثروة ،وذلك باالنتقال من املصلحة الفردية إلى املصلحة الجماعية ،ألامر الذي يجسد
شروط التضامن ".3
لهذا فإن الالعدالة املجالية التي يعرفها املجتمع تتميهر من خالل "ما تعرفه منيومة التربية والتكوين
من فوارق اجتماعية ومجالية كبيرة – الوسط الحضري في مقابل الوسط القروي – وفوارق على مستوى
النوع ،كما يعرف التعليم الابتدائي قصورا في الوسط القروي ،بينما يشهد تبطورا متسارعا في الوسط
الحضري خصوصا في القبطاع الخاص .كما تعاني املنيومة من الارتفاع الكبير لياهرتي التكرار والهدر
املدرس ي".4
1
Marianne Blanchard, Joanie Cayouette, Remblière, des parcours scolaires qui restent
différenciés, dans sociologie de l’école, 2016, p 27.
2
Olivier Galland, les principes de la justice sociale, réalisée par Ludovic viévard, 2019.
*يعتبر لوك بولتانسكي من بين علماء الاجتماع الذين ساهموا بشكل كبير في مجال السوسيولوجيا .وساهم في بناء "علم الاجتماع السياس ي
وألاخاليي" بحيث تبطور هذا ألاخير كبرنامج بحث باملعنى الذي اقترحه إمري الكاتوس حول نواة مفاهيمية قائمة على التفكير الدوركايمي
كمنبطلق علمي وابستمولوجي.
*أستاذ فصري في قسم علم الاجتماع بجامعة جنيف ،حاصل على دكتوراه في الاقتصاد والعلوم إلاجتماعية ،ومن بين املجاالت التي يبحث
فيها نجد ديناميات الفئات الاجتماعية والسيما ألاسرة والجمعيات ،وفسر على وجه الخصوص مسائل الزواج والبطالق والتعليم والشباب
والقيم في املجتمعات الحديثة ،التي لها عالقة وطيدة بمفاهيم مثلالعدالة واملسؤولية والانحراف.
3
Véronique Guienne, Du sentiment d’injustice a la justice sociale, dans cahiers internationaux de sociologie
2001/1 (110) p 131 à 142.
4تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،تنمية العالم القروي التحديات وآلافاق ،8700 ،ص .04
294
إن تتبع املسارات الفردية التعليمية التي تتسم في بعض ألاحيان بالتكرارات والتوبيخ والانقبطاع الدراس ي
جاءت نتيجة عوامل مجتمعية وبنيوية (ضعف الدخل ألاسري ،هشاشة البنيات التحتية املدرسية،
ضعف التكوين والتوجيه املدرس ي ،الاكتياظ والبعد عن املدارس )...كلها عوامل تكرس الالتكافؤ
السوسيومجالي والالعدالة الاجتماعية والتعليمية.
الالعدالة املدرسية ،هي ذات طابع بنيوي ) الهدر املدرس ي– التأخر والانقبطاع الدراس ي – الهشاشة اللغوية
– ضعف الكفاءة الابداعية والفكرية )...كلها إكراهات واقعية تجعل املتعلم (ة) ،يعيش نوعا من التهميش
والاقصاء والوصم الاجتماعي " la stigmatisation socialeينقسم هذا ألاخير سوسيولوجيا إلى ثالثة
أقسام :الوصم املتعلق بالعيوب الفزيقية للجسد والوصم الذي يأتي نتيجة الانفعال وتعاطي املصدرات
والكحول واملثلية الجنسية والببطالة ثم الوصم القائم على أساس الجنسية والعرق والدين".1
تحد الالعدالة املدرسية من القدرات الفردية للمتعلمين خصوصا للذين يبطمحون لتحسين مستواهم
التعليمي وتنمية كفاءاتهم اللغوية واملعرفية ،هذه الالعدالة تعبر عن التمايزات الاجتماعية والتفاوتات
املجالية القائمة بين العالم الحضري والقروي " .لهذا فإن مستوى التنمية البشرية مثير للقلق ،بحيث
أن 56%من الساكنة التي تعيش في هذه املناطق تعاني من ألامية ،مقابل 39%خارج املناطق الجبلية.
ومعدل الفقر يصل الى .2" 22%لهذا ييل الفقر والتباين املجالي من العوامل ألاساسية التي تساهم في
ضعف املواطنة املدرسية.
من املالمح ألاساسية التي تشكل جوهر الالعدالة املجالية يمكن قياسها على مجموعة من ألاصعدة منها
على سبيل املثال إلاقصاء املدرس ي " أي ألاطفال خارج النيام التربوي ،والذي يأخذ بعدين أساسيين
ألاطفال الذين لم يلجوا املدرسة باملبطلق وألاطفال الذين يلجونها في سن متأخر"3
إلى جانب هذه املالمح ألاساسية لإلقصاء املدرس ي la disqualification scolaireهناك كذلك ما هو
بنيوي و املتمثل في الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والفقر والببطالة ...وفي هذا الصدد كشفت دراسة
أجراها املرصد الوطني للتنمية البشرية بشراكة مع البنك الدولي بصصوص الخدمات املقدمة من طرف
املؤسسات التعليمية املغربية العمومية عن معبطيات وحقائق صادمة حول واقع التعليم في العالم
القروي ،حيث أن عدد التالميذ املنقبطعين عن الدراسة يصل إلى حوالي 577ألف تلميذ سنويا ،و 50%
من املدارس القروية ال تتوفر على الحد ألادنى من البنيات التحتية كالصرف الصحي وإلانارة ،وأن ألامية
1
Erving Goffman, stigmate les usages sociaux des handicaps, les éditions de minuit, 1975, p14.
2املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،تنمية العالم القروي التحديات وآلافاق ،تقرير ،8700 ،ص .01
3
Rapport national sur les enfants non scolarisés, Unicef, mais 2015, p 7.
295
في الوسط القروي تبل ما بين 30%لى 70%في صفوف الشباب الذين يتراوح أعمارهم مابين 04الى 85
سنة .84%
إن الحماية الاجتماعية استراتيجية عقالنية مبنية على آليتي الضمان الاجتماعي واملساعدة الاجتماعية
وتهدف إلى تقليص الفوارق السوسيومجالية التي باتت تشكل عائقا للريي أمام ألافراد والجماعات ،كما
أن الحماية الاجتماعية هي تلك املقاربة الشمولية التي تستهدف الفئات الاجتماعية املهمشة بغض النير
عن أصلها الاجتماعي وانتمائها الجغرافي ،في إطار تفعيل الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية
والجهوية املتقدمة.
إن الحماية الاجتماعية مسؤولية مشتركة هدفها إرساء دعائم املجتمع الديمقراطي القائم على احترام
الحريات ألاساسية وصيانة كرامة املواطنين وترسيخ ثقافة الحق والواجب ،كأساس متين لتقوية الروابط
الاجتماعية بين ألافراد واملؤسسات .في هذا السياق نص الفصل 30من الدستور على حث كل مكونات
الدولة من مؤسسات عمومية وجماعات ترابية على تعبئة كل الوسائل املتاحة ،لتيسير قنوات استفادة
املواطنات واملواطنين على قدم املساواة ،من الحق في العالج والحماية الاجتماعية والتغبطية الصحية
والتضامن التعاضدي املنيم من قبل الدولة ،ثم الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذو جودة".1
الجدول الثاني :يبين نسبة تمدرس ألاطفال بين 12 – 2سنة حسب متغيري الجنس واملجال الجغرافي
نسبة تمدرس أطفال 01 – 1سنة الجنس
السنوات
80-8787 87 -8707 07 -8702 02 -8700 00 -8701 01- 8704 04 -8705
98 ,3% 96,9% 96,2% 95,4% 95% 93,6% 92% ذكور حضري
99,2% 97,6% 96,6% 95,6% 94,7% 93,2% 90,7% إناث
96% 92,5% 90,8% 89% 87,6% 85,6% 84,2% ذكور قروي
91,4% 87,7% 85,1% 82,4% 80,1% 77,3% 75,6% إناث
97,3% 95% 93,9% 92,9% 91,8% 90,1% 88,5% ذكور املجموع
95,9% 93,4% 91,7% 89,9% 88,3% 86,3% 84,1% إناث
املصدر :وزارة التربية الوطنية والتعليم ألاولي والرياضة ،مؤشرات التربية ،البحث الوطني حول مصادر الدخل 8707
إن محاربة الهدر املدرس ي يهدف إلى تقليص الفوارق السوسيومجالية وتحقيق املواطنة املدرسية la
citoyenneté scolaireوإعبطاء الفرصة ألبناء الفئات الفقيرة لتجويد مساراتها التعليمية والتعلمية،
1دستور اململكة املغربية ،8700مركز الدراسات وأبحاث السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو ،سلسلة نصوص قانونية
شتنبر ،8700العدد ،07ص.84
296
من خالل اكتساب الكفاءة اللغوية والفكرية واملعرفية أو ما يسميه السوسيولوجي الفرنس ي بيير بورديو
الرأسمال الثقافي .le capital culturel
من خالل القراءة ألاولية لهذه املعبطيات الرقمية املتعلقة بنسبة التمدرس ،يتبين لنا زيادة نسبة التمدرس
بين سنة 8705و 8780بحيث انتقلت نسبة تمدرس الذكور في الوسط الحضري من 92%إلى 98,3%
ونسبة الاناث من 90,7%الى 99,2%وهذا التبطور الحاصل على مستوى نسبة التمدرس جاءت نتيجة
املجهودات ألاساسية التي تقوم بها الجهات الوصية للتصفيف من وطأة الهدر املدرس ي.
في حين أن الوسط القروي بدوره يعرف زيادة في نسب التمدرس ،حيث انتقلت نسبة الذكور من 84,2%
الى 96%وإلاناث من 75,6%الى 91,4%رغم هذا التبطور الحاصل على مستوى التمدرس إال أن املسارات
التعليمية والدراسية للمتعلمين ،ما تزال تعرف إكراهات واختالالت واضحة تمس بجودة املنيومة
التربوية منها :الاكتياظ – الهدر املدرس ي – قلة أطر التكوين والتدريس – ضعف التوجيه والدعم
التربوي ...كما أن هذه الاكراهات تعزى إلى "عجز السياسة التربوية والنيام التعليمي عموما عن تحقيق
الدمقرطة الحقيقية والتكافؤ الشامل للفرص التعليمية والاجتماعية بين املناطق وألاقاليم والجهات
الجغرافية املصتلفة ،وبين الوسط الحضري والقروي و مكونات الوسط الواحد ،وبين الجنسين من ذكور
وإناث وبين الفئات والشرائح والبطبقات الاجتماعية".1
إن تمركز املستشفيات الصحية العمومية في املدينة وضعفها في العالم القروي وقلة ألاطر البطبية هو ما
يشكل جوهر وأساس الالعدالة الاجتماعية .التي تتميهر من خالل غياب حقوق الفئات الاجتماعية (حق
1مصبطفى محسن ،الخبطاب الاصالحي التربوي بين أسئلة ألازمة وتحديات التحول الحضري رؤية سوسيولوجية نقدية ،بيروت ،املركز
الثقافي العربي ،البطبعة ألاولى ،0777ص .80
297
في التبطبيب والصحة الجيدة والتغبطية الصحية )...لهذا فإن الجهات الوصية تعمل قدر إلامكان على
تفعيل الاستراتيجيات وآلاليات الكفيلة من أجل تقليص الفوارق املجالية والاجتماعية بالعالم القروي،
لهذا فإن وجودة الخدمات الصحية ال تقاس فقط بالتجهيزات ألاساسية ،بل بتوفر على عدد كافي من
ألاطر البطبية .وبالتالي ضعف هذه الجودة راجع باألساس كما جاء على لسان املبحوثين إلى "عدد ألاطر
البطبية في املستشفيات ال يكفي لتلبية الخدمات الصحية نيرا لقلة عدد ألاطر خاصة ألاطباء
املتصصصين وقلة التجهيزات مقابل عدد كبير من املرض ى"1
إن وجود الاكراهات بالعالم القروي ،والتي تتمثل في ضعف الخدمات ألاساسية كالصحة والتعليم
والتجهيزات وهشاشة البنيات التحتية وقلة املداخيل الفردية وألاسرية ،تجعل هذه الفئات الاجتماعية
تعيش نوعا من الحرمان وإلاقصاء .لهذا فإن تحقيق العدالة السوسيومجالية تتم من خالل تجسيد
الديمقراطية املحلية وإدماج شريحة من الفئات الاجتماعية في ألانشبطة املدرة للدخل لتلبية الحاجيات
واملتبطلبات ألاساسية والضرورية هي وحدها الشروط الكفيلة لتحقيق الاستقرار .باإلضافة إلى الهدف
الذي من أجله جاءت الحماية الاجتماعية ،والذي يتمثل في تعميم التغبطية الصحية إلاجبارية بحلول
نهاية سنة 8788بحيث سيتمكن 88مليون مستفيد إضافي من الاستفادة من التأمين الاجباري عن
املرض الذي يغبطي تكاليف العالج وألادوية والاستشفاء.
"بالنسبة للسوسيولوجي روبرت كاستل Robert Castelظهور الالنتماء الاجتماعي يتم على أساس
ضعف الرابط الاجتماعي و تضامن القرب) الفقر -التهميش – سوء التوافق الاجتماعي – التفكك –
الهشاشة (...وبالتالي يتعرض الفرد لخبطر العزلة الاجتماعية la solitude socialeوالشعور باالستبعاد
الاجتماعي وضعف العالقات الاجتماعية التي تربط الفرد باآلخرين ) ألاسرة – الشبكات الاجتماعية –
املجتمع وداخل املقاولة("2
إن ضعف املداخيل وغياب فرص العمل الالئقة في مناطق عديدة جعلت ألافراد والفئات الاجتماعية
املتواجدة في هذه املناطق املهمشة تبحث عن البدائل املتاحة للخروج من هذه اليروف القاسية والتي
ال تشجع على الابتكار الاجتماعي وإلابداع الفردي ،بل تكرس لعيش يتسم بالغربة والعزلة الاجتماعية
والحرمان الاجتماعي " .3مما يولد لدى الفرد الشعور وإلاحساس بالعيش على هامش املجتمع ،والاغتراب
عن ذاته .تحقيق الذات يتبطلب مصادر التغيير (العلم -العمل).
1المقابلة األولى.
2
Olivier Meier, Robert Castel et la désaffiliation sociale, RSE magazine,2021.
3
Anna Amelina, Kenneth Horvath, sociology of migration, in book « the cambridge handbook
of sociology core areas in sociology and the development of the discipline, p 455.
298
إن تفعيل التغبطية الصحية كإستراتيجية وأولوية بهدف تحقيق التوزيع العادل واملتكافئ للخدمات
الصحية ،ظل رهينا بمجموعة من ألاورا التنموية الكبرى " بحيث تفرض حماية الصحة على الدولة
التزاما بتوفير الخدمات الصحية الوقائية مجانا لفائدة جميع املواطنين أفرادا وجماعات ،باإلضافة إلى
سهرها على تنييم مجال تقديم خدمات صحية نوعية موزعة توزيعا متكافئا على سائر أرجاء التراث
الوطني ،وضمان الاستفادة من هذه الخدمات لفائدة جميع الشرائح الاجتماعية عن طريق التكفل
الجماعي والتضامني بالنفقات الصحية".1
املواطنة هي الاعتراف بهوية ووجود ألافراد كأعضاء في املجتمع السياس ي ،والذي يمنحهم مجموعة من
الحقوق والالتزامات في عالقاتهم بالسلبطة السياسية للمجتمع املعني.
في "محاضرة ألقيت في عام ،0757قدم عالم الاجتماع البريبطاني تي إتش مارشال تفسيرا أصبح ذا تأثير
كبير على تبطور الدول الاجتماعية ،تكمن أصالتها في إبراز كيف أن هذا التغيير في هيكل وعمل الدول يمثل
تحوال عميقا للمواطنة ،كتجربة ومعنى بالنسبة ملارشال فإن املواطنة الحديثة تتكون من ثالثة أبعاد :أوال
املواطنة املدنية la citoyenneté civileتشمل الحقوق الالزمة للحرية الفردية ويستشهد مارشال
بحرية التعبير والفكر والدين وحرية التأسيس والحق في امللكية ،الحق في إبراز عقود سارية ،الحق في
العدالة".2
املواطنة املدنية كذلك حسب مارشال هي العنصر الاقتصادي املتمثل في الحق في العمل ،الذي يفهم
هنا على أنه الحق في الحصول على وظيفة والحرية في إبرام عقد العمل .وبالتالي ظهور هذا الحق يشير
الى الانتقال من العمل بالسخرة الى العمل الحر .ثانيا املواطنة السياسية التي تتمثل في املشاركة في
ممارسة السلبطة السياسية كهيئة مصولة بسلبطة سياسية أو كناخب ألعضاء هذه الهيئة .ثالثا املواطنة
الاجتماعية والتي تتمثل في الانتقال من الحق في الحد ألادنى من الرفاه الاقتصادي وألامن إلى الحق في
املشاركة الكاملة لإلرث الاجتماعي وبالتالي عيش حياة كائن متحضر وفقا للمعايير املوجودة في املجتمع".3
كما أن املواطنة الاجتماعية "تعني القدرة للحصول على الحد ألادنى من املوارد والحقوق ألاساسية
لضمان استقالل اجتماعي معين .في هذا السياق نجد روبرت كاستل Robert castelلم يربط املواطنة
1القانون رقم 14-77بمثابة مدونة التغبطية الصحية ألاساسية ،صيغة محينة بتاريخ 00أكتوبر ،8702ص .5
– 2 Jean François Bickel, significations- histoire et renouvellement de la citoyenneté, dans gérontologie et société 2007/1 (vol
n°120) p20.
3 Ibid, p20.
299
الاجتماعية باملساواة في اليروف الاجتماعية ،وإنما بمسألة الحد ألادنى من الاستقالل الاجتماعي الذي
يتمتع به الفرد في خياراته". 1
إن التأكيد على الحقوق الاجتماعية لم يتم فقط ردا على النقد الاشتراكي عقب ثورات ،0252فهذه
الحقوق تنشأ عن مبادئ الحداثة السياسية ذاتها" .2الحقوق الاجتماعية املتعلقة أساسا بالحماية
الاجتماعية بحيث "تساعد هذه ألاخيرة ألافراد وألاسر وخاصة الفقيرة والضعيفة ،على التعامل مع
ألازمات واملصاطر الاجتماعية ،وإيجاد فرص عمل وزيادة الانتاجية والاستثمار في صحة وتعليم أطفالهم،
وحماية املسنين ،وتلعب برامج الحماية الاجتماعية دورا حاسما في الجهود املبذولة لبناء الرأسمال
البشري وتجويد الخدمات الصحية والتعليمية لألطفال ".3
خاتمة
إن تحقيق املواطنة العادلة ،يتم من خالل تمتع الفرد بحقوقه ألاساسية والضرورية (الحق في الصحة
– التعليم – ألامن – الحماية – الانتماء )...في إطار تفعيل قانون الحماية الاجتماعية والحكامة الجيدة
والجهوية املتقدمة ،وتنزيل البرامج التنموية لتقليص الفوارق الاجتماعية املوجودة بين البطبقات
الاجتماعية والفئات املهنية وبين العالم القروي والحضري.
كما أن تفعيل برامج الحماية الاجتماعية مثل برامج تيسير وبرنامج نيام التغبطية الصحية ،بهدف تقليص
الفوارق البطبقية بين الفئات الاجتماعية ،ينمي لدى الفرد حس املواطنة.
إن الحماية الاجتماعية استراتيجية عقالنية تهدف إلى تقليص الفوارق البطبقية ومحاربة كل أشكال
الهشاشة ،la vulnérabilitéبما فيها تعميم التأمين الصحي على املرض وتقريب الخدمات ألاساسية
من املواطنين مع استحضار واستهداف املناطق الهامشية ألاكثر فقرا وتضررا.
1 Robert Castel, la citoyenneté sociale menacée, dans cités 2008/3 (n°35) P 133 à 141.
2دومينيك شنابر وكريستيان باشولييه ،ما املواطنة ،القاهرة ،املركز القومي للترجمة ،البطبعة ألاولى ،8701ص .34
3
La banque mondiale, protection sociale : les systèmes de protection sociale aident les ménages
pauvres et vulnérables à affronter les crises et les chocs trouver un emploi investir dans la santé
et l’éducation de leurs enfants et protéger ceux qui vieillissent, 2022.
300
امللحق
الخامسة الرابعة الثالثة الثانية املقابلة ألاولى ألاسئلة
عدد البطر البطبية والعالجية في ألاطر البطبية ألن عدد ألاطر البطبية أو عدد ال عدد ألاطر ال، السؤال ألاول :في
املستشفيات العمومية غير كافي ،ألن الصحية غير كافي لتلبية والتمريضية غير كافي لتلبية في املستشفيات البطبية نيرك هل عدد
املستشفى الجامعي يستقبطب عددا الصحية الخدمات الصحية للمرض ى الخدمات املستشفيات ال العمومية اطر البطبية
هائال من املرض ى يفوق طاقته لتلبية تعرف نقص خاصة في املستشفيات وهناك خصاص مهول في يكفي والعالجية
الاستيعابية ،هناك مرض ى كان ألاطر الجامعية نيرا لتوافد ألاطر البطبية باملغرب الخدمات الصحية في املتواجدة في
باإلمكان أن تتم معالجتهم داخل خصوصا في املستشفيات عدد كبير من املرض ى نيرا لقلة عدد البطبية املستشفيات
املراكز الجهوية يلتحقون باملستشفى العمومية. وخاصة وضعف ألاطر العمومية كافي
الجامعي لذا فال يجب إهمال مشكل التجهيزات ألاطباء لتلبية الخدمات
التنييم الجهوي والولوج الالمشروط الصحية للمرض ى؟ املتصصصين وقلة
للمستشفى. التجهيزات مقابل
عدد كبير من
املرض ى.
الخدمات الصحية سواء في ال ليست نفس بالتأكيد ال ألن الخدمات الصحية سواء فيما يصص الخدمات السؤال الثاني :في
املؤسسات العمومية أو الخصوصية على صعيد املؤسسات الصحية التي توفرها ففي املراكز الخدمات نيرك هل
هي نفسها ،لكن ظروف متباينة جدا. الاستشافئية العمومية املؤسسات العمومية هي لخدمات الصحية املراكز الخاصة العالجية
املؤسسات نفسها التي تقدمها املراكز أو يتلقى املريض رعاية الخصوصية التي توفرها
الخاصة. خاصة ،التيس توفر املعدات الخصوصية هي نفسها الصحية املؤسسات
إال أن التباين املوجود في الاختالف موجود في نوعية تتوفر على ألاجهزة وإمكانيات الاستشفائية
عدد املرض ى الذين املرض ،حيث أن غالبية البطبية التي تسهل العالج العمومية هي
يتوافدون لكل مؤسسة املرض ى الذين يتوافدون الى نفسها التي تقدمها على البطاقم البطبي
وكذلك اختالف في املستشفيات العمومية من التشخيص املراكز العالجية
البطبقة الهشة وذات دخل املعدات وتوفرها. والتدخل السريع في الخصوصية؟
محدود. الحاالت
في املستعجلة،
املقابل
املستشفيات
التي العمومية
تعاني من قلة
التجهيزات وضعف
جودة الخدمات
واملواعيد البعيدة
...
بالبطبع ،فمن أجل خدمات صحية السؤال الثالث :بالبطبع آلن جودة نعم فجودة نعم قلة املستشفيات نعم قلة ألاطر البطبية
جيدة يتوجب على ألاطر البطبية وقلة وقلة املعدات وألاجهزة والتمريضية هل ضعف البنيات الخدمات الصحية الخدمات
إعبطاء الوقت الضروري لكل حالة، وكذلك قلة ألاطر التجهيزات البطبية واملعدات التحتية الصحية ،كما جاء في نيام الصحية
والتجهيزات الصحية نحن نواجه الصحية يؤثر سلبا على ومستلزمات العالج يؤثر قلة الحماية الاجتماعية مرتببطة بمعنى
تباينا كبيرا في توزيع املوارد البشرية جودة الخدمات الصحية سلبا على جودة الخدمات لتغبطية بالبنيات جاءت املستشفيات
واملوارد والبنيات التحتية ما يترتب الصحية .باإلضافة الى العالج التحتية املراكز تكاليف وتواجد
عليه العجز في تقديم خدمات صحية. التوزيع غير العادل للبنيات الاستشفائية في وألادوية تحت ما البطبية،
التحتية الصحية في بالاتأمين فنقص املراكز املجال الحضري يسمى
الخريبطة الصحية املغربية يؤثر سلبا على الاجباري عن املرض الصحية
وتمركزها في املدن والجهات وافتقارها الى جودة الخدمات
على حساب الجهات التجهيزات الصحية؟
ألاخرى. البطبية الالزمة
وألاطر البطبية
الى يؤدي
301
تقديم
خدمات
صحية غير
مرضية
للمواطنين
يعد تبطبيقه على أرض الواقع نحن في الصحي الجديد الور نعم إننا ننتير النيام لدي نعم ليست السؤال الرابع :هل
ترقب مستمر وإعادة هيكلة املنيومة الجديد واعتقد أنه معلومات كافية فالسياسات أنت متفائل فيما
الصحية املغربية ،ظاهريا سيكون فعال خاصة أنه يصص العمومية فيما يصص السياسات
يحيل على التفاؤل يبطمح للرفع من عدد الجديدة السياسات العمومية الجديدة
خصوصا الرفع من عدد ألاطر الصحية وتحسين إلى العمومية الجديدة تهدف في قبطاع الصحة
مهنييي قبطاع الصحة الخدمات جودة في قبطاع الصحة تحفيز ألاطقم والحماية
وتبطبيق الجهوية املتقدمة العالجية . البطبية والحماية الاجتماعية؟
لكن يبقى كل هذا رهين الاجتماعية لكن وضمان
بتبطبيقه على أرض الواقع أمل أن تتغير واستدامة
وتيافر كل الجهود إلنجاح ألاحوال لألفضل ومرونة
ملصلحة هذا الور فيما يتعلق بقبطاع املؤسسات
املريض أوال. الصحية الصحة
ومرافقها
وتوفير ألاطقم
البطبية على
مستوى
ألاقاليم
وتنزيل
منيومة
الحماية
الاجتماعية
الئحة املراجع
املراجع باللغة العربية:
دستور اململكة املغربية ،8700مركز الدراسات وأبحاث السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو،
سلسلة نصوص قانونية شتنبر ،8700العدد .07
دومينيك شنابر وكريستيان باشولييه ،ما املواطنة ،القاهرة ،املركز القومي للترجمة ،البطبعة ألاولى .8701
السالم بوغابة ،العدالة املجالية من محاولة الفهم الى إمكانية التبطبيق ،مقالة خاصة بباب "مقاالت" على موقع
كلية آلاداب والعلوم إلانسانية بجامعة عبد امللك السعدي ،جميع الحقوق محفوظة 04 ،يونيو .8787
عماد صيام ،املواطنة ،نهضة مصر للبطباعة والنشر والتوزيع ،البطبعة ألاولى .8770
القانون رقم 14-77بمثابة مدونة التغبطية الصحية ألاساسية ،صيغة محينة بتاريخ 00أكتوبر .8702
املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي ،مدرسة العدالة الاجتماعية مساهمة في التفكير حول النموذج
التنموي.8700 ،
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل التعزيز أنيمة
الضمان واملساعدة الاجتماعية.8702 ،
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،تنمية العالم القروي التحديات وآلافاق ،تقرير.8700 ،
املجلس الوطني لحقوق الانسان ،التربية على املواطنة وحقوق الانسان :فهم مشترك للمبادئ واملنهجيات.8705 ،
302
.8780 ، ندوة رقمية، دينامية الفقر في املغرب، املرصد الوطني للتنمية البشرية
الخبطاب الاصالحي التربوي بين أسئلة ألازمة وتحديات التحول الحضري رؤية سوسيولوجية، مصبطفى محسن
0777 البطبعة ألاولى، املركز الثقافي العربي، بيروت،نقدية
303
دور القضاء املغربي في التنمية الاجتماعية :خاليا التكفل وصندوق التكافل نموذجا
مراد الرايشيي
دكتور باحث في القانون
مقدمة
تش ا ا اامل التنمية الاجتماعية مجموعة كبيرة من القض ا ا ااايا ،مثل حماية ألاس ا ا اارة والحد من عدم املس ا ا اااواة
والقض اااء على الفقر وتحس ااين مس ااتوى الص ااحة وتوليد فرص العمل وحماية ألاطفال واملس اانين والنس اااء
وذوي الاحتياجات الخاص ا ااة .وقد أص ا اابح املغرب يولي اهتماما كبيرا للتنمية الاجتماعية ،ويتجلى ذلك من
خالل انصراطه املكثف في آلاليات الدولية املتعلقة بها ،واتصاذ عدة إجراءات داخلية سااياسااية وقانونية.
كما انصرط القض ا ا اااء في العملية من خالل دوره في حماية الفئات الهش ا ا ااة ،حيث تزايد اهتمام القض ا ا اااء
املغربي بالبعد الاجتماعي بصاادور مدونة الشااغل ساانة 8773ومدونة ألاساارة ساانة ،8775وإنشاااء أقسااام
خاصاة بقضاء ألاسرة ،مع إمكانية إحداث محاكم اجتماعية مستقلة تضم قضاء ألاسرة وقضاء الشغل
كما حصل بالدار البيضاء.
تض ا اااعف الدور الاجتماعي للقض ا اااء املغربي مع إص ا ااالح منيومة العدالة بتصص ا اايص مقتض ا اايات قانونية
ذات بعد اجتماعي من قبيل مؤسا ا اس ا ااتي املس ا اااعدة القض ا ااائية والص ا االح القض ا ااائي وأخرى نوعية لحماية
ألاحداث في خالف مع القانون والنسا اااء وألاطفال ضا ااحايا العنف إضا ااافة إلى ألاطفال املتصلى عنهم ،وهي
مقتض ا ا اايات س ا ا ااهمت في إقرار مقاربة النوع على مس ا ا ااتوى القض ا ا اااء الجنائي ،غير أن تبطبيق املقتض ا ا اايات
الس ا ا ا ااابقاة ش ا ا ا ااابتاه عادة نواقص كش ا ا ا افات عن قص ا ا ا ااور آلالياات التقليادياة في تعزيز الوظيفاة الاجتمااعيااة
للقضا ا ا ا اااء املغربي ،وبناااء على ذلااك تم اس ا ا ا ااتحااداث آليااات أخرى على مس ا ا ا ااتوى املحاااكم كصاليااا التكفاال
القضائي وصندوق التكافل العائلي.
إلاشكالية والفرضية:
ش ا ااكلت آلاليتان املذكورتان محاولة لتنزيل مفهوم الدولة الاجتماعية على مس ا ااتوى املحاكم املغربية ،غير
أن التجربة اص اابطدمت بإش ااكالية الفارق بين ارتفاع س ااقف البطموح ومحدودية ألاثر ،وهي املالحية التي
تنبطبق على العالقاة بين جال مادخالت س ا ا ا ايااس ا ا ا ااة إص ا ا ا ااالح منيوماة العادالاة ومصرجااتها ،بل وعلى أغلب
الس ااياسا ااات العمومية املغربية التي تعرف تفاوتا ملحوظا بين ألاهداف املسا اابطرة والنتائج املحققة .ورغم
أن املؤسستين موضوع هذه الدراسة ال تدخالن ضمن البرامج املنصوص عليها في القانون إلاطار للحماية
الاجتمااعياة رقم 77.80الص ا ا ا ااادر س ا ا ا اانة 8780إال أن طغيان البطابع الاجتماعي عليهما يبرر تص ا ا ا اانيفهما
ضمن آليات الحماية الاجتماعية ،باإلضافة إلى طبيعتهما القضائية.
304
بعد مرور أكثر من عقد على تبني املؤس ا ا ا اسا ا ا ااتين موضا ا ا ااوع الدراسا ا ا ااة ،يبدو أن النتائج املحققة ال تريى إلى
مس ا ا ا ااتوى التبطلعااات املتعلقااة بهمااا .وترتبط محاادودياة ألاثر الاجتماااعي لخاليااا التكفاال وص ا ا ا انادوق التكااافاال
باملحاكم بعوامل مباش اارة تتعلق بض ااعف جودة النص ااوص القانونية املنيمة أو بس ااوء تبطبيقها ،وعوامل
غير مباش ا ا ا اارة تصتلط فيها معبطيات نفس ا ا ا ااية واجتماعية وثقافية لتش ا ا ا ااكل حاجزا أمام اس ا ا ا ااتفادة الفئات
الهشة من إلامكانات التي تتيحها املؤسستين املعنيتين.
املنهج املتبع:
تعتمد هذه الدراس ااة على منهج التحليل القانوني في تقييم مؤسا اس ااتي خاليا التكفل القض ااائي وص ااندوق
التكاافال العاائلي ،حيث س ا ا ا اايتم عرض املواد القانونية ذات الص ا ا ا االة باملوض ا ا ا ااوع وتحديد نقط الض ا ا ا ااعف
املتعلقاة بهاا واملالحياات املرتببطة بتنزيلها على أرض الواقع .كما س ا ا ا اايتم رببطها بالس ا ا ا ااياقات الس ا ا ا ااياس ا ا ا ااية
والاجتماااعيااة والاقتص ا ا ا اااديااة والثقااافيااة للكش ا ا ا ااف عن العواماال التي تحااد من فعاااليتهااا تقااديم املقترحااات
الكفيلة بتجويدها والرفع من حكامتها ،وذلك في محورين يصصاص ألاول لخاليا التكفل القضائي والثاني
لصندوق التكافل العائلي.
تم إدخال املساعدة الاجتماعية للمحاكم من خالل خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا
العنف التي أحدثت أول مرة ،18775إال أن تفعيلها لم يبدأ إال سنة 8772مع تصصيص مقر دائم
ومستقل وفق شروط معينة ،2كما تم تعزيزها سنة 8707بإحداث لجان محلية وجهوية .3وتزايد الاهتمام
بها منذ سنة ،8703مستفيدة من ارتفاع منسوب الاهتمام بمقاربة النوع على مستوى السياسات
العمومية ومن تنزيل توصيات امليثاق الوطني إلصالح منيومة العدالة على عدة مستويات ،حيث شكلت
أبرز آليات الحماية التي نص عليها القانون املتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ،4073.03كما تغير اسمها
-1دورية وزير العدل بتاريخ 30دجنبر ،8775حول إحداث خلية التكفل بالنساء و ألطفال ضحايا العنف.
-2منشور وزير العدل عدد 84س 3في 70أكتوبر 8772بشأن تنييم خاليا التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف.
-3دورية وزير العدل عدد 87س 3لسنة 8707حول إحداث اللجان املحلية والجهوية لخاليا التكفل بالنساء وألاطفال ،تضم إلى جانب
أعضاء الخاليا ممثلين عن الشرطة والدرك ومديريات الصحة والشغل والشباب ومؤسسات إلايداع وإلايواء والرعاية وممثلي املجتمع املدني
وكل جهة مفيدة ،ويمتد عمل هذه ألاجهزة ليشمل حماية ألاطفال في وضعية مصالفة للقانون.
4خصص القانون 073.03الباب الرابع منه آلليات التكفل بالنساء ضحايا العنف ،حيث نصت املادة التاسعة على أن "تحدث ،للتكفل
بالنساء ضحايا العنف ،خاليا ولجان مشتركة بين القبطاعات وفقا للمنصوص عليه في هذا الباب" .فإضافة إلى اللجنة الوطنية املنصوص
عليها في املادة الحادية عشر ،والتي تضم بين أعضائها ممثلين عن السلبطة الحكومية املكلفة بالعدل واملجلس ألاعلى للسلبطة الحكومية
ورئاسة النيابة العامة ،نصت الفقرة ألاولى من املادة العاشرة على أن "تحدث خاليا التكفل بالنساء ضحايا العنف باملحاكم الابتدائية
ومحاكم الاستئناف وباملصالح املركزية والالممركزة للقبطاعات املكلفة بالعدل وبالصحة وبالشباب وباملرأة ،وكذا باملديرية العامة لألمن
الوطني والقيادة العليا للدرك امللكي".
305
ليصبح "خاليا التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر بعد صدور القانون املتعلق
بمكافحة الاتجار بالبشر.1
باملوازاة مع ما سبق ،تم توسيع تجربة املساعدة الاجتماعية القضائية لتشمل أقسام قضاء ألاسرة في
إطار برنامج "دعم تبطبيق مدونة ألاسرة من خالل تبطوير ولوج النساء وألاطفال لخدمات العدالة" .وقد
بدأت التجربة بصمسة محاكم هي الدار البيضاء وطنجة وسال وبنسليمان وإنزكان ،قبل أن يتم تعميمه
على أقسام قضاء ألاسرة ببايي محاكم املغرب .2غير أن هذه ألاقسام غير ممثلة على مستوى خاليا التكفل
القضائي ولجانها املحلية والجهوية ،ال بواسبطة قضاتها وال عبر موظفيها املكلفين باملساعدة الاجتماعية،
والذين يملكون مداخل مهمة للمساعدة على حماية النساء من العنف الاقتصادي والاجتماعي والجنس ي
بناء على عدة مقتضيات قانونية صريحة في مدونة ألاسرة.3
كما عملت وزارة العدل على إدماج املساعدة الاجتماعية ،كوظيفة نوعية ،في مرجعية الوظائف
والكفاءات الخاصة بالقبطاع وكذلك في النيام ألاساس ي لهيئة كتابة الضبط ،وذلك بعد العمل على
توظيف عدة أفواج من املتصصصين في املساعدة الاجتماعية .4ورغم ذلك فإن الخصاص الزال مستمرا
على مستوى رئاسة مجموعة من املحاكم ،كما أن مراكز القضاة املقيمين ال تحيى باهتمام كبير في مسألة
املساعدة الاجتماعية القضائية .وينضاف الخصاص الكمي للقصور النوعي املتمثل في ضعف التكوين
التكاملي لدى أعضاء خاليا التكفل القضائي بالنساء ،ففي الوقت الذي يعاني فيه موظفو املساعدة
الاجتماعية باملحاكم من نقص في التكوين القانوني الذي يعتمد باألساس على الاحتكاك الوظيفي اليومي،
فإن التكوين التصصص ي للقضاة على مستوى مادة املساعدة الاجتماعية لم يريى بعد للمستوى املبطلوب،
مما يولد فجوة بين الوظيفتين.5
-1القانون رقم 80.05الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم 0.03.080الصادر في الجريدة الرسمية عدد 1470بتاريخ 07شتنبر 8701ص
،1155ينص في مادته الرابعة على أن "تكفل الدولة في حدود الوسائل املتاحة توفير الحماية والرعاية الصحية والدعم النفس ي والاجتماعي
لفائدة ضحايا الاتجار بالبشر والعمل على توفير أماكن إليوائهم بصفة مؤقتة وتقديم املساعدة القانونية لهم ،وتيسير سبل اندماجهم في
الحياة الاجتماعية أو تيسير عودتهم البطوعية إلى بلدهم ألاصلي أو بلد إقامتهم حسب الحالة إذا كانوا أجانب" .كما يستفيد ضحايا الاتجار
بالبشر من املساعدة القضائية بحكم الشاملة لجميع أطوار الدعوى بحجم القانون ،إضافة إلى إلاعفاء من الرسوم القضائية املرتببطة
بالدعوى املدنية بناء على املادة الخامسة من القانون املذكور.
-2دورية وزير العدل عدد 042س 3بتاريخ 04يونيو 8777حول إدماج املساعدة الاجتماعية بقسم قضاء ألاسرة.
-3املادة 87من مدونة ألاسرة أعبطت للقاض ي إمكانية ألامر إمكانية الاستعانة ببحث اجتماعي في إلاذن بزواج القاصر ،واملادة 008من
نفس القانون نصت على أن "للمحكمة الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجيات
الضرورية املادية واملعنوية".
-4مرجعية الوظائف والكفاءات ،املجال الوظيفي الثالث ،العدالة وحماية الحقوق ،من ص 441إلى ص ،410وزارة العدل .8708
-5سفيان شاو :التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي على ضوء قانون محاربة العنف ضد النساء ،املحكمة الابتدائية لبوملان
بميسور نموذجا ،رسالة نهاية التدريب الستكمال وحدات املاستر ،كلية الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفاس ،السنة الجامعية
،8787/8707ص.15
306
أول مالحية يمكن تسجيلها حول خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف هي املنهجية
القانونية املعكوسة إلحداثها ،حيث تم ذلك بناء على دوريات متفرقة على مدى سنوات قبل أن يتم
التنصيص عليها في قانون محاربة العنف ضد النساء الذي لم يحدد أنواع الخاليا املذكورة .وتجدر
إلاشارة إلى أن غياب التنصيص على املساعدة الاجتماعية القضائية في القوانين املرتببطة بمنيومة
العدالة أثر على وظيفتها ،وهو ألامر الذي تداركه قانون التنييم القضائي الجديد من خالل املادة ،147
ويسير على نهجه مشروع قانون املسبطرة الجنائية.2
انعكس تنزيل توصيات امليثاق الوطني إلصالح منيومة العدالة إيجابا على خاليا التكفل القضائي بالنساء
وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر ،لكنها مازالت تعاني من عدة صعوبات قانونية وواقعية .فتبطوير
البنية التحتية للمحاكم سمح بوفير فضاءات خاصة بصاليا التكفل باملحاكم الاستئناف واملحاكم
الابتدائية ،لكن ألامر لم يشمل املراكز القضائية .والتوظيف املتصصص سمح بوجود متصصصين في
املساعدة الاجتماعية على مستوى خاليا التكفل القضائي ،لكن ضعف التكوين املستمر وعدم احترام
التصصص في توزيع ألاشغال يؤثر سلبا على مردودية الخاليا .ومشروع املحكمة الرقمية سمح بضبط
إلاحصائيات ،لكنه لم يعزز التنسيق بين مكونات الخلية في ظل اقتصار املشروع على املحكمة دون
شركائها.
-1قانون التنييم القضائي رقم 32.04الصادر ألامر بتنفيذه اليهير الشريف رقم 0.88.32واملنشور في الجريدة الرسمية عدد 0072بتاريخ
05يوليوز 8788نص في املادة 47على ما يلي" :يمارس املساعدون الاجتماعيون املنتمون لهيئة كتابة الضبط بمكتب املساعدة الاجتماعية
بكل من املحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف ،عالوة على املهام املسندة إليهم بموجب النصوص التنييمية والتشريعية الجاري بها العمل،
وبتكليف من الجهات القضائية املصتصة املهام التالية :القيام باالستقبال والاستماع والتوجيه ومواكبة الفئات الخاصة ،إجراء ألابحاث
الاجتماعية ،ممارسة الوساطة أو الصلح في النزاعات املعروضة على القضاء ،القيام بزيارات تفقدية ألماكن إلايداع وأماكن إلايواء ،تتبع
تنفيذ العقوبات والتدابير القضائية ،تتبع وضعية ضحايا الجرائم ،تتبع النساء ضحايا العنف .يرفع مكتب املساعدة الاجتماعية تقارير إلى
املسؤولين القضائيين وإلاداريين باملحكمة ،حول إلاحصائيات والدراسات والصعوبات والاكراهات املبطروحة ،كل سنة أو كلما طلبت الهيئة
القضائية منه ذلك .كما ينجز مكتب املساعدة الاجتماعية تقارير إدارية حول سير أشغاله والصعوبات التي تعترضه والحلول الكفيلة بتبطوير
عمله ،ترفع إلى السلبطة الحكومية املكلفة بالعدل .يتم تنييم مكتب املساعدة الاجتماعية بموجب النص التنييمي املشار إليه في املادة 88
أعاله" .ويذكر أن املادة 88تنص على ما يلي" تحدد الهيكلة إلادارية للمحاكم بنص تنييمي بعد استبطالع رأي املجلس ألاعلى للسلبطة
القضائية ورئاسة النيابة العامة".
-2جاء في املادة 28-4-3من مشروع قانون املسبطرة الجنائية" :يتم إشعار الضحايا لزوما من قبل الجهات القضائية املعروض عليها القضية
بالحماية التي يكفلها لهم القانون .يتولى مكتب املساعدة الاجتماعية باملحكمة عملية الاستقبال ألاولى للضحايا من النساء وألاطفال بمكتب
خاص مجهز بما يراعي خصوصية أوضاعهم ،ويعمل على تقديم الدعم النفس ي لهم والاستماع إليهم ومواكبتهم داخل املحكمة وخارجها عند
الاقتضاء .يجوز تكليف مكتب املساعدة الاجتماعية باملحكمة من قبل القضاة ،كل حسب اختصاصه ،بإجراء ألابحاث الاجتماعية ذات
الصلة باالتجار بالبشر وبقضايا العنف وسوء املعاملة والاعتداءات الجنسية ضد النساء وألاطفال .يلتزم املساعدات واملساعدون بالحفاظ
على السرية" .كما أعبطى املشروع للنيابة العامة وقاض ي ألاحداث إمكانية الاستعانة بمكتب املساعدة الاجتماعية في استقبال الضحايا
(املادة ،)407وتتبع وضعية الحدث (املادة ،)404وإنجاز التقارير (املادة ،)401وزيارة مراكز إلايداع واملؤسسات السجنية ( املادة ،)101
باإلضافة إلى عضوية املساعد(ة) الاجتماعي(ة) في لجنة املراقبة املنصوص عليها في املادة .187
307
رغم التبطور امللحوظ فإن خاليا التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر على مستوى
النيابات العامة باملحاكم ،رغم تراكم املناشير والدوريات واملبطويات والدالئل ،1فإن ممارسة الخلية ملهامها
تشوبها العديد من الصعوبات القانونية املرتببطة أساسا بالفراغات التي تسود عالقتها على مستوى
املحكمة بالنيابة العامة من جهة وقضاة التحقيق وألاحداث والحكم من جهة وعالقاتها الخارجية مع
الشركاء ومع الضحايا .كما أن قانون محاربة العنف ضد النساء أغفل عدة جوانب مهمة في تنييمه
لخاليا التكفل القضائي ،فاختيار ألاعضاء ،باستثناء املساعد(ة) الاجتماعي(ة) ال يتم بناء على معايير
محددة سلفا بل يصضع للسلبطة التقديرية لجهة التعيين ،كما أغفل القانون املذكور التنصيص على
التحفيز والتكوين التصصص ي ألعضاء الخاليا واللجان املذكورة.2
تجدر إلاشارة إلى أن ثقل املهام امللقاة على على عاتق القضاة وتنوعها وتعددها ،يلقي بيله على اهتمامات
أعضاء خلية التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف والاتجار بالبشر .وينعكس ذلك على اللجان املحلية
والجهوية التي تعاني من عدم انتيام اجتماعاتها وغياب بعض أعضائها ،حيث أصبح يبطغى عليها البطابع
الشكلي املرتبط باإلحصائيات والتقارير على حساب اقتراح وتفعيل حلول واقعية للمشاكل املبطروحة.
وتزداد ألامور تعقيدا في العالقة مع مؤسسات التكفل الخارجي كصاليا املستشفيات ومراكز إلايواء التي
ال تغبطي كافة الدوائر القضائية ،وحتى وإن وجدت فأغلبها ال يستجيب للشروط النموذجية للتكفل
بالنساء ،وخصوصا في حالة مرافقة أبنائهن.3
يبقى أهم إكراه يواجه عمل خاليا التكفل القضائي ذلك املتعلق بحصر مهام املساعد(ة) الاجتماعي(ة) في
الاستقبال وتجميد بايي الاختصاصات ،ما دام أن النصوص القانونية جعلت مسألة استعانة النيابة
العامة والقضاة بمكتب املساعدة الاجتماعية اختيارية .وفي ظل ضعف التكوين القضائي في مجال
املساعدة الاجتماعية فإن التمثالت التي يحملها بعض القضاة عن مهنة املساعدة الاجتماعية القضائية
تبقى سلبية ،وتنضاف إلى ضعف الوعي القانوني لدى الضحايا وبعض املآخذات على رؤية بعض
املساعدين الاجتماعيين أنفسهم للمهام املنوطة بهم ،لتشكل مجتمعة حدودا ثقافية لتفعيل خاليا
التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر ،على اعتبار أن املساعدة الاجتماعية
تشكل العمود الفقري للخاليا املذكورة.4
-1نذكر في هذا الصدد الدليل العملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء وألاطفال ،الصادر عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو
بوزارة العدل ،سنة .8707
-2أنس سعدون :مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء باملغرب :أي جديد؟ مجلة ألابحاث الجسد والجندر ،املجلد 0العدد ألاول،
،8704ص .044
-3الاتجار بالنساء وألاطفال في املغرب ،وزارة العدل والحريات – هيئة ألامم املتحدة للمرأة ،8704 ،ص.05
-4محمد صولحي :املساعدة الاجتماعية في أقسام قضاء ألاسرة ،الواقع والانتيارات والاكراهات ،دراسة سوسيو -قانونية ،مكتبة دار
السالم ،الرباط ،البطبعة ألاولى ،8702ص.03
308
املحور الثاني :صندوق التكافل العائلي بين أهمية إلانجاز ومحدودية ألاثر
جاءت فكرة صندوق التكافل العائلي أول مرة في الخبطاب امللكي بمناسبة افتتاح السنة القضائية بتاريخ
87يناير ،18773لكن إحداثه لم يتم إال بمقتض ى املادة 01مكرر من قانون مالية ،28707بينما حددت
املادة 07من قانون مالية 8700موارده ونفقاته .3وقد تم تحديد وزير العدل آمرا بالقبض والصرف ،مع
تكليف صندوق إلايداع والتدبير بتدبير عمليات الصندوق.4
وكان القانون رقم ،50.07املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي ،قد
حصر الفئات املستفيدة من الصندوق في ألام املعوزة املبطلقة ومستحقو النفقة من ألاطفال بعد انحالل
ميثاق الزوجية .غير أن ضيق دائرة الاستفادة من الصندوق وتعقد إجراءاتها أثار العديد من الانتقادات،
مما دفع وزارة العدل إلى إجراء تقييم شامل لتجربة الصندوق خلصت بعده إلى ضرورة إدخال تعديالت
جوهرية على القانون املنيم له ،وهو ما تم سنة 8702من خالل القانون رقم 23.00الذي وسع من
دائرة املستفيدين.5
حدد الباب ألاول من التعديل املذكور الفئات املستفيدة من الصندوق ،حيث تم توسيعها لتشمل،
مستحقو النفقة من ألاوالد خالل قيام عالقة الزوجية أو بعد انحالل ميثاق الزوجية بعد ثبوت عوز
ألام أو وفاتها ،ومستحقو النفقة من ألاطفال املكفولين ،والزوجة املعوزة املستحقة للنفقة .وتجدر إلاشارة
إلى أن الاستفادة كانت تقتصر على ألام املعوزة املبطلقة ومستحقو النفقة من ألاطفال بعد انحالل ميثاق
الزوجية ،لكن رغم توسيع الفئات املستفيدة فقد تم استثناء آلاباء وألامهات من الاستفادة في حالة
-1جاء في الخبطاب املذكور "بدال من إحداث صندوق للنفقة قد يفهم منه التشجيع غير املقصود على أبغض الحالل عند هللا وتشتيت
شمل ألاسرة فإننا نصدر توجيهاتنا إلى حكومتنا قصد الدراسة املتأنية إليجاد صندوق للتكافل العائلي يعتمد في جزء من موارده على طوابع
ذات قيمة رمزية توضع على الوثائق املرتببطة بالحياة الشخصية والعائلية وترصد نفقاته على أساس معايير مدققة مستهدفين من ذلك
ضمان حقوق ألام املعوزة وحماية ألاطفال من التشرد الناتج عن البطالق".
-2جاء في املادة املذكورة "يحدث ابتداء من فاتح يناير 8700حساب خصوص ي للخزينة يسمى صندوق التكافل العائلي ،يتعين قبل التاريخ
املذكور صدور تشريع يحدد على الخصوص الفئات املعنية بعمليات الصندوق وكذا الشروط واملساطر الواجب استيفاؤها لالستفادة من
موارد الصندوق ،ولتبطبيق أحكام التشريع املشار إليه في الفقرة السابقة سيحدد قانون املالية للسنة املالية 8700صنف هذا الحساب
الخصوص ي للخزينة وآلامر بالصرف ومداخيل ونفقات الحساب".
-3جاء في الفقرة الثانية من املادة املذكورة "يتضمن هذا الحساب في الجانب الدائن 87في املائة من حصيلة الرسوم القضائية ،حصيلة
استرجاع التسبيقات املدفوعة من طرف الصندوق ،استرجاع املوارد املدفوعة من الحساب بدون حق مع احتمال زيادة الجزاءات ،املوارد
املمكن رصدها لفائدة الحساب بموجب تشريع أو تنييم ،الهبات والوصايا ،املوارد املصتلفة .في الجانب املدين املبال املدفوعة كتسبيق
من أجل النفقة لفائدة ألام املعوزة املبطلقة وأبنائها الواجبة لهم النفقة بعد حل ميثاق الزوجية وذلك وفق الشروط املحددة بالتشريع
والتنييم املتعلقين بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي".
- 4القرار املشترك بين وزير العدل والحريات ووزير الاقتصاد واملالية ،ج ر عدد 1753بتاريخ 37أبريل ،8708ص .8751
-5القانون رقم 23.00بتغيير القانون رقم 50.07املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي ،ج ر عدد 1144
بتاريخ 08مارس ،8702ص.0541
309
عجزهم عن تنفيذ حكم النفقة في حق أبنائهم ،وذلك عكس بعض التشريعات املقارنة كالقانون البحريني
املنيم لصندوق النفقة لسنة .18774
تجدر إلاشارة إلى أن مجلس النواب املغربي صادق بتاريخ 83يناير 8783على مقترح قانون بتغيير املادتين
الثانية والرابعة من القانون املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي،
وذلك بإضافة الوالدين املعوزين مستحقي النفقة من الاستفادة من تسبيقات الصندوق .وبعد هذا
التعديل يبقى إلاشكال فقط بالنسبة لألبناء من أمهات عازبات في حالة ثبوت النسب ،وهي الفئة التي
تعهد وزير العدل بإيجاد حل لها ،وذلك بمناسبة دراسة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب ملقترح
تعديل القانون املذكور بتاريخ 00يناير .8783
تبطرق الباب الثاني إلجراءات الاستفادة من الصندوق ،بدءا بشكليات البطلب ،ومرورا بالبت فيه من
طرف رئيس املحكمة ،ووصوال إلحالته على الجهة املصتصة بصرف التسبيقات ،وقد تم تحديد الوثائق
الواجب إرفاقها ببطلب الاستفادة من الصندوق بنص تنييمي .2وإذا كانت أغلب الوثائق ال تثير إشكاال
فإن إثبات حالة العوز يتم باإلدالء بببطاقة املساعدة البطبية (راميد) أو بشهادة عوز مسلمة من طرف
السلبطة املحلية ،وكان أحرى باملشرع املغربي أن يسند أمر إثبات حالة العوز للمحكمة عن طريق ألامر
بصبرة قضائية أو بحث اجتماعي أو تفعيل حق إلاطالع املنيم بمقتض ى مدونة تحصيل الديون العمومية،
وذلك تفاديا ألي تحايل أو تزوير.3
نيم الباب الثالث استرجاع التسبيقات املالية من امللزم بالنفقة ،حيث نصت املادة ألاولى من القانون
املذكور على إسناد تدبير عمليات صندوق التكافل العائلي لصندوق إلايداع والتدبير ،وذلك بنص تنييمي.
ونصت املادة 07من قانون مالية 8700على أن صندوق التكافل العائلي يستأثر بحصة 87في املائة من
حصيلة الرسوم القضائية ،ومعلوم أن استصالص الرسوم القضائية من اختصاص كتابة الضبط بناء
على املادة 50من قانون مالية 0773واملادة الثالثة من مدونة تحصيل الديون العمومية .وتنقسم
الرسوم القضائية إلى رسوم أصلية وتستصلص من طرف مكتب الرسوم القضائية والحسابات ،ورسوم
تكميلية يتم تحصيلها من طرف وحدة التبلي والتحصيل باملحاكم.4
- 1فريد بوشن :صندوق التكافل العائلي ودوره في تنفيذ ألاحكام القضائية املتعلقة بالنفقة ،مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية،
سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة ،العدد ،34يوليوز ،8787ص .077
-2مرسوم رقم 00.8.074بتبطبيق أحكام القانون املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي ،منشور بالجريدة
الرسمية عدد 4702بتاريخ 04شتنبر 8700،ص.5474
-3هجيرة بن عزي :تفعيل صندوق التكافل العائلي ،مجلة العلوم القانونية ،عدد مزدوج 4/5بعنوان "مدونة ألاسرة بين القانون واملمارسة
على ضوء أهم الاجتهادات القضائية ،الجزء ألاول ،مبطبعة ألامنية بالرباط ،8704 ،ص.012
- 4مراد الرايش ي :أبعاد وحدود سياسة إصالح منيومة العدالة باملغرب ،أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه ،كلية العلوم القانونية
والاقتصادية والاجتماعية ببطنجة ،جامعة عبد امللك السعدي ،املوسم الجامعي .8780/8787
310
إضافة إلى ما سبق نصت املادة 05من القانون املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق
التكافل العائلي على أن "تسترجع كتابة الضبط ،من امللزم بالنفقة ،التسبيقات املالية املؤداة ،طبقا
للمقتضيات املتعلقة بتحصيل الديون العمومية ،وتقوم بدفعها للمحاسب العمومي املكلف وفق نقس
إلاجراءات املبينة في الفقرة ألاخيرة من املادة 03أعاله ،وتنص الفقرة املذكورة على "أن تقوم كتابة
الضبط بتحصيل التسبيقات (غير املستحقة) التي صدر ألامر باسترجاعها مع الغرامات املفروضة عند
الاقتضاء ،ودفعها للمحاسب العمومي املكلف ،من أجل إدراجها ضمن مداخيل الحساب املرصد ألمور
خصوصية املسمى صندوق التكافل العائلي ويتم إشعار الهيئة املصتصة بذلك".1
تبطبيق املقتضيات السابقة تعتريه عدة صعوبات ،فأمر رئيس املحكمة استرجاع التسبيقات غير املستحقة
املنصوص عليها في املادة 03والغرامات املرتببطة بها في حالة سوء النية يتوقف على تصريح املستفيد
نفسه ،وهو أمر غير منبطقي .أما استرجاع التسبيقات املذكورة من امللزم بالنفقة ،كما نصت على ذلك
املادة ،05فهو مقتض ى غير واقعي على اعتبار أن الاستفادة من صندوق التكافل العائلي تتبطلب إلادالء
بما يثبت تعذر أو تأخر التنفيذ على امللزم بالنفقة ،ففي حالة تأخر التنفيذ قد يكون مقتض ى الاسترجاع
معقوال ،أما في حالة تعذر التنفيذ فإن املحضر املدلى به غالبا ما يكون "محضر امتناع وعدم وجود ما
يحجز" ،فكيف يتصور استرجاع أموال من العاجز أصال عن أداء النفقة؟ كما أن تعريضه لإلكراه البدني
بسبب امتناعه عن إرجاع التسبيقات يتنافى مع مبدأ أحادية العقوبة.2
يبقى أكبر انتقاد يمكن توجيهه لصندوق التكافل العائلي هو ذلك املتعلق بقيمة التسبيق املصصص لكل
مستفيد ( 347.77درهما) ،وهو مبل هزيل جدا إذا ما قورن بارتفاع ألاسعار وتغير مستوى املعيشة .كما
أن تحديد سقف الاستفادة في مبل 0747.77درهم ال معنى له سوى تغليب الهواجس املالية على
الاعتبارات الاجتماعية ،خصوصا وأن الصندوق يحقق فائضا سنويا كبيرا .3كما أنه باإلمكان تعزيز موارد
-1تجدر إلاشارة إلى أن الفقرة ألاولى من املادة 03نصت على أنه "يتعين على كل مستفيد من التسبيقات املالية للصندوق إشعار رئيس
املحكمة املصدرة لألمر أو الهيئة املصتصة ،بكل تغيير يؤدي إلى سقوط حقه في الاستفادة من الصندوق ألي سبب من ألاسباب والسيما
الحالتين املنصوص عليهما في الفقرة الثانية من املادة ،"07وتنص هذه الفقرة على أن "تواصل الهيئة املصتصة صرف التسبيق املالي
للمستفيدين منه إلى حين سقوط حق املحكوم له في النفقة ،أو إلى حين ثبوت تنفيذها من لدن املحكوم عليه" .وتنص املادة الفقرة الثالثة
من املادة 03على أن "يأمر املحكمة أو من ينوب عنه ،مع ألاخذ بعين الاعتبار وضعية القاصر املنصوص عليها في البند 1من املادة 5أعاله،
كل من تسلم تسبيقات مالية غير مستحقة بإرجاعها إلى صندوق املحكمة داخل أجل يحدده .وفي حالة ثبوت سوء نية املتسلم يأمر رئيس
املحكمة أو من ينوب عنه إضافة إلى إرجاع التسبيقات املالية ،بغرامة تحدد في ضعف مبل التسبيقات املالية املذكورة ،وذلك بصرف
النير عن املتابعات الجنائية".
-2دوريتي وزير العدل عدد 00س 8/5لسنة 8788و83س 8/5لسنة 8783حول استرجاع التسبيقات املالية لصندوق التكافل العائلي.
-3تصريح وزير العدل خالل تقديم امليزانية الفرعية بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب بتاريخ 78نونبر ،8780حيث فاقت اعتمادات
الصندوق سنة 8780ما مجموعه 074مليون درهم في حين أن التزاماته لم تتجاوز 007مليون درهم.
311
صندوق التكافل العائلي بأموال أخرى ذات مصدر قضائي ،وذلك من خالل تقنين إعادة بيع محجوزات
الكحول والقنب الهندي بدل إتالفها.
خاتمة
يملك القضاء املغربي مجموعة من آلاليات التي تمكنه من املساهمة في تكريس مفهوم الدولة الاجتماعية،
وذلك من خالل دوره في تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الهشة .فإضافة إلى الخصوصيات املرتببطة
بقضاء الشغل وقضاء ألاسرة والامتيازات التي توفرها مسبطرة املساعدة القضائية ،تم استحداث آليات
أخرى على مستوى املحاكم لتعزيز ولوج املرأة والبطفل للعدالة وتوفير بدائل مناسبة لتغبطية عجز املساطر
التقليدية ،وأبرزها خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر وصندوق
التكافل العائلي اللذان يعانيان من عدة صعوبات قانونية وواقعية تحد من فعاليتهما.
من شأن خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر أن تلعب دورا فعاال
في الحماية الاجتماعية للفئات املعنية من خالل تسهيل ولوج املرأة والبطفل للعدالة والقانون وحمايتهما
من العنف بمصتلف أشكاله ،شريبطة تفعيل كافة إلامكانيات القانونية املتاحة لها ،مع التقييم املستمر
لهذه التجربة قصد العمل على تبطوير إلايجابيات ورفع املعيقات التي تحول دون تحقيق ألاهداف
املنشودة منها .ويتبطلب ألامر احترام خصوصية مهنة املساعدة الاجتماعية باملحاكم باعتبارها املكون
ألاساس ي للخاليا املذكورة وتوسيع صالحياتها املرتببطة بالصلح وإجراء ألابحاث الاجتماعية ،إضافة إلى
توسيع مفهوم العنف املرتبط بعمل خاليا التكفل ليشمل املياهر النفسية والاقتصادية.
صندوق التكافل العائلي يمثل تنزيال مباشرا ملفهوم الدولة الاجتماعية على املستوى القضائي ،غير
محدودية التسبيقات وتسقيفها يحد من أثرها الاجتماعي ،إضافة إلى صعوبة استرجاع التسبيقات
املذكورة .واملبطلوب تعزيز مداخيل الصندوق بموارد إضافية ،وتوسيع الفئات املستفيدة لتشمل الوالدين
وألابناء املولودين خارج مؤسسة الزواج ،والرفع من املبل املصصص لكل مستفيد وإلغاء السقف املحدد
لكل أسرة ،وإقرار آليات رقابية لكشف التحايل من طرف املستفيدين من الصندوق من جهة وتغير
الوضعية املالية للملزمين بالنفقة من جهة أخرى ،مع استغالل التبطبيقات املعلوماتية لهذا الغرض.
إضافة إلى إصالح مؤسستي خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر
وصندوق التكافل العائلي ،يمكن تعزيز دور القضاء في الحماية الاجتماعية من خالل مداخل أخرى من
قبيل تبطوير نيام املساعدة القضائية وإقرار نيام املساعدة القانونية وتصفيض الرسوم القضائية
وتبسيط مساطر التحلل من الغرامات وإلادانات النقدية ،وخصوصا بالنسبة للجرائم البسيبطة املرتكبة
من طرف الفئات الهشة.
312
الئحة املصادر واملراجع:
الئحة املصادر:
اليهير الشريف رقم 0.03.080الصادر بتنفيذ القانون رقم ،80.05الجريدة الرسمية عدد 1470
بتاريخ 07شتنبر 8701ص 1155
اليهير الشريف رقم 0.02.07الصادر بتنفيذ القانون رقم ،073.03الجريدة الرسمية عدد 1144
بتاريخ 08مارس 8702ص0557
اليهير الشريف رقم 0.88.32الصادر بتنفيذ قانون التنييم القضائي رقم ،32.04الجريدة الرسمية
عدد 0072بتاريخ 05يوليوز 8788
اليهير الشريف رقم 0.0.070الصادر في 03دجنبر 8787بتنفيذ القانون رقم 50.07املتعلق بتحديد
شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي ،واملنشور بالجريدة الرسمية عدد 4775
بتاريخ 37دجنبر ،8707ص .4410
اليهير الشريف رقم 0.02.87الصادر بتنفيذ القانون رقم ،23.00الجريدة الرسمية عدد 1144
بتاريخ 08مارس ،8702ص ،0541بتعديل القانون 50.07الخاص بصندوق التكافل العائلي
اليهير الشريف رقم 0.77.853صادر بتنفيذ قانون املالية رقم 52.77لسنة ،8707الجريدة الرسمية
عدد ،4277بتاريخ 30دجنبر ،8777ص.1774
اليهير الشريف رقم 0.07.877صادر بتنفيذ قانون املالية رقم 53.07لسنة ،8700الجريدة الرسمية
عدد ،4775بتاريخ 37دجنبر ،8707ص4520
املرسوم رقم 8.02.241املتعلق بتنفيذ قانون محاربة العنف ضد النساء ،منشور في الجريدة
الرسمية عدد 1005بتاريخ 78ماي 8707ص 0557
دورية وزير العدل بتاريخ 30دجنبر 8775بشأن تأسيس خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال
ضحايا العنف
منشور وزير العدل عدد 84س 3بتاريخ 70أكتوبر 8772بشأن تنييم خاليا التكفل بالنساء وألاطفال
ضحايا العنف
مرجعية الوظائف والكفاءات ،املجال الوظيفي الثالث ،العدالة وحماية الحقوق ،من ص 441إلى
ص ،410وزارة العدل والحريات8708 ،
الدليل العملي للمساعد(ة) الاجتماعي(ة) القضائي(ة) الصادر عن وزارة العدل بشراكة مع هيئة ألامم
املتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين املرأة ،دون تاريخ نشر
الدليل العملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء وألاطفال ،الصادر عن مديرية الشؤون
الجنائية والعفو بوزارة العدل ،سنة 8707
دراسة تشخيصية للتكفل بالنساء ضحايا العنف باملغرب :مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة
العدل ،ماي 8772
313
الاتجار بالنساء وألاطفال في املغرب ،وزارة العدل والحريات – هيئة ألامم املتحدة للمرأة8704 ،
تقرير حصيلة ومنجزات وزارة العدل والحريات تحت عنوان "معالم على درب إلاصالح الشامل
والعميق ملنيومة العدالة" ،سنة 8703
دورية وزير العدل عدد 042س 3بتاريخ 04يونيو 8777حول إدماج املساعدة الاجتماعية بقسم
قضاء ألاسرة.
دورية وزير العدل عدد 87س 3بتاريخ 08أكتوبر 8707حول إحداث اللجان املحلية والجهوية لخاليا
التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف.
مشروع قانون املسبطرة الجنائية رقم ،70.02موقع وزارة العدل على ألانترنيت ،صيغة نونبر .8780
الئحة املراجع:
أنس سعدون :مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء باملغرب :أي جديد؟ مجلة ألابحاث الجسد
والجندر ،املجلد 0العدد ألاول8704 ،
سفيان شاو :التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي على ضوء قانون محاربة العنف
ضد النساء ،املحكمة الابتدائية لبوملان بميسور نموذجا ،رسالة نهاية التدريب الستكمال وحدات
املاستر ،كلية الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفاس ،السنة الجامعية 8787/8707
فريد بوشن :صندوق التكافل العائلي ودوره في تنفيذ ألاحكام القضائية املتعلقة بالنفقة ،مجلة
الباحث للدراسات القانونية والقضائية ،سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة ،العدد ،34يوليوز
.8787
محمد صوالحي :املساعدة الاجتماعية في أقسام قضاء ألاسرة ،الواقع والانتيارات والاكراهات،
دراسة سوسيو -قانونية ،مكتبة دار السالم ،الرباط ،البطبعة ألاولى 8702
مراد الرايش ي :أبعاد وحدود سياسة إصالح منيومة العدالة باملغرب ،أطروحة لنيل شهادة
الدكتوراه ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ببطنجة ،جامعة عبد امللك السعدي،
املوسم الجامعي 8780/8787
هجيرة بن عزي :تفعيل صندوق التكافل العائلي ،مجلة العلوم القانونية ،عدد مزدوج 4/5بعنوان
"مدونة ألاسرة بين القانون واملمارسة على ضوء أهم الاجتهادات القضائية ،الجزء ألاول ،مبطبعة
ألامنية بالرباط.8704 ،
314
هشاشة النساء العامالت املنزليات وقضايا الولوج إلى الحماية الاجتماعية
-دراسة حالة -
حبيبة ملوك
باحثة في علوم التربية
تقديم
يشكل العمل املنزلي أو العمالة املنزلية إحدى املهن التي تقترن بالنساء ،فهن يمارسن هذا العمل غير
املعترف به اجتماعيا ،إذ تقوم النساء بمهام الخدمات املنزلية وتقديم الرعاية ألفراد ألاسر ،وإنجاز
مصتلف ألاشغال املرتببطة باملنزل أو باألسرة ،وذلك بصفة دائمة واعتيادية ،مقابل أجر محدد.
وتعد فئة النساء العامالت املنزليات إحدى الفئات الاجتماعية ألاكثر عرضة للفقر والهشاشة ،إذ تعيش
هذه الفئة وضعيات صعبة ،والتي تتجلى في أجور هزيلة وفي بيئة عمل غير مالئمة ،إضافة إلى ظروف
حياتهن الهشة ،إنها وضعيات الالاستقرار الاجتماعي؛ فهن عرضة إلى كثير من املصاطر ،وذلك في ظل
غياب أو محدودية الحماية القانونية والاجتماعية للعامالت.
إن ولوج املرأة املغربية إلى الاشتغال في ألاعمال املنزلية وبدون أي حماية اجتماعية ،نيير مسألتين ،أوال،
طبيعة التقسيم الاجتماعي للعمل ،حيث أن ألاعمال املنزلية من اختصاص النساء ،وهو ما يفسر امتهان
النساء لهذه املهن .أما املسألة الثانية ،فهي نتيجة غياب فرص عمل في ميادين أخرى ،وارتفاع نسب
ألامية والجهل بين إلاناث باملقارنة مع الذكور ،وهو ما ينتج عامالت محتمالت.
وفي هذا السياق ،فإن الحديث عن هشاشة النساء العامالت املنزليات يقتض ي الحديث عن أشكال
وأنيمة الحماية الاجتماعية ،إذ عرفت مسألة الحماية الاجتماعية باملغرب اهتماما متزايدا منذ النصف
الثاني من القرن العشرين ،سواء من طرف املؤسسات أو مصتلف الفاعلين؛ باحثين وسياسيين ،...وذلك
بهدف مساعدة الفئات الفقيرة والهشة والنهوض بحقوقها ،وأضحت الحماية الاجتماعية حقا من حقوق
إلانسان خصوصاللبطبقة العاملة ،بعد أن كانت فيما مض ى تنبني على املنبطق إلاحساني والخيري ،إذ
''كانت خدمات الحماية الاجتماعية تتم عبر نيام الوقف وبعض املؤسسات التقليدية مثل الزوايا،
والبطوائف ومصتلف أشكال التضامن الاجتماعي القبلي وألاسري .
1
عرفت الحماية الاجتماعية باملغرب تبطورا ملحوظا ،حيث لم يتم الاقتصار على الشكل التقليدي ،بل
أشكاال جديدة من خالل تدخل أنيمة مؤسساتية للحماية الاجتماعية ،إال أن الولوج إلى هذه ألانيمة ال
يتحقق إال عن طريق الولوج إلى الشغل ،مما يشكل عائقا أمام فئات عريضة في املجتمع تشتغل بدون
عقود عمل خصوصا فئة النساء العامالت املنزليات ،والتي حرمن من أبسط حقوقهن.
1رشيد بن بيه ،أنـظمة الحماية الاجتماعية بـاملغرب ،الـتحديات وآلافـاق ،أفريقيا الشرق ،البطبعة ألاولى ،8703ص .5
315
ويتضح أن هذه الفئة -العامالت املنزليات -لم تتلق اهتماما كافيا من طرف الباحثين والدارسين املهتمين
بالحماية الاجتماعية ،وكذلك من طرف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين ،وأمام هذا القصور ،تأتي
أهمية هذه الورقة البحثية من خالل دراسة وتحليل هشاشة النساء العامالت املنزليات اللواتي يعشن
وضعيات فقر وهشاشة وذلك وفق مقاربة سوسيولوجية ،مع الوقوف عند أبرز برامج الحماية الاجتماعية
التي تستهدف النساء عموما ،والنساء العامالت املنزليات على وجه الخصوص ،وإبراز تحديات وإكراهات
الولوج والاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية ،ثم أخيرا دراسة حالة عاملة منزلية قصد فهم أكثر
ملصاطر الشغل في ظل غياب /محدودية أنيمة الحماية الاجتماعية ،وفي هذا الصدد نتساءل :إلى أي حد
يمكن دراسة وتحليل موضوع النساء العامالت املنزليات بين الهشاشة والحماية الاجتماعية؟.
.0هشاشة العامالت املنزليات :مقاربة سوسيولوجية
تعد فئة العامالت املنزليات من بين إحدى الفئات الاجتماعية التي تعيش في وضعيات صعبة وهشة،
نيرا لبطبيعة العمل املنزلي من جهة ،ومحدودية الحماية الاجتماعية والقانونية من جهة أخرى ،ويكتس ي
البحث في موضوع فئة العامالت املنزليات أهمية بالغة في تصصص سوسيولوجية الهشاشة ،1لكونه
يمكننا من رصد وتحليل الوضعيات الهشة ملصتلف الفئات الاجتماعية ،وقياس درجات الهشاشة،
باإلضافة إلى تقييم أشكال التدخل العمومي املوجه لصالح هذه الفئة الاجتماعية.
والجدير بالذكر أن سوسيولوجية الهشاشة ظهرت منذ القرن التاسع عشر كحقل علمي لدراسة
التحوالت الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت الثورة الصناعية والتغير الاجتماعي ،إذ وجد علماء
الاجتماع أنفسهم أمام "املسألة الاجتماعية" la question sociale 2؛حيث ارتبط تحليل الهشاشة آنذاك
بوضعية العمل والعمال ،والوضعية الصعبة التي عاشها العمال ،ومن الباحثين ألاوائل الذين انتبهوا إلى
هذه الوضعيات منهم اميل دوركايم في مقاربته التضامن الاجتماعي ومسألة تقسيم العمل ،وكذلك
الباحث الاقتصادي كارل ماركس من خالل دراسته لبطبقات الاجتماعية.3
كما أبدى بعض الباحثين املتصصصين في علم الاجتماع نوعا من الاهتمام بقضايا العمل والعمال ،وقد
كانت دراسة بيار بورديو حول ''العمل والعمال بالجزائر'' 4من أبرز ألاعمال التي تناولت هذه القضية من
1تصصص سوسيولوجية الهشاشة ) (Sociology of Precarityهو فرع من فروع علم الاجتماع يتناول اليروف الحياتية والاقتصادية التي
يعيشها ألافراد في مجتمعات العالم املتقدمة والنامية ،والتي تؤدي إلى العيش في وضعية الالاستقرار وعدم اليقين بشأن املستقبل ،وقد
تبطور هذا التصصص على يد مجموعة من الباحثين الفرانكفونيين وألانجلوساكسونيين ،من أهمهم ماريس بروسون Maryse Bressonو
سرج بوغام Serge Paugamو روبرت كاستل Robert castelو أولريش بيك Ulrich Beckوآخرون.
2
BRESSON, Maryse. Sociologie de la précarité, sous la direction François de singly, Armand
Colin édition, 2007, P 5.
3 Ibid. P 5.
4 BOURDIEU, Pierre. Travail et travailleurs en Algérie: Étude sociologique. Editions de la
Maison des sciences de l'Homme, 1963.
316
وجهة نير سوسيولوجية .باإلضافة إلى الدراسات السوسيولوجيا ألامريكية ألاولية والتي اهتمت بشكل
عام بتنمية املقاوالت ومنها تحسين ظروف العمال وغيرها من ألاعمال املبكرة ،ومن بين أهم الباحثين في
دراسة وتحليل الشغل ،الباحث الفرنس ي روبرت كاستل والذي يصف في كتابه Métamorphoses Les
de la question sociale1الهزة العميقة لا "حضارة العمل "بأكملها ،والتي تم توحيدها تار ً
يصيا تحت رعاية
العمل املأجور .وبذلك يشير تعبير "ألاجير" إلى الرابط بين عقد العمل والحقوق املرتببطة به ،بما في ذلك
الحماية الاجتماعية .ومع انتشار ألاشكال الخاصة بالشغل ،أصبح مستقبل نيام الشغل أكثر عشوائية.
وتبطورت الهشاشة الجماعية ،مما يبرز الهاجس الشعبي القديم املتمثل في الاضبطرار إلى العيش « ً
يوما
بعد يوم».2
ومن الباحثين الذين ربط الهشاشة باملصاطر نجد ولريش بيك خصوصا في عمله البحثي حول مجتمع
املصاطرة ،société du risque3-0721والذي تأسس معه الاهتمام الفعلي باملجتمعات املعاصرة كمجتمع
مصاطر ،لتتجه بعد ذلك ألابحاث السوسيولوجية إلى اعتبار الهشاشة هي حالة مصاطر ،أو باألحرى حالة
الخوف من املصاطر ،وحالة الالأمن الاجتماعي ،وحالة الشك والاليقين أو الارتياب ،السيما مع الباحثين
الفرنسيين ماريس بروسون وسرج بوغام و روبرت كاستل ...ويلتقي هؤالء الباحثون في كون الهشاشة
ترتبط بمصتلف التحوالت الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.
أما بصصوص الدراسات النسائية ومقاربة النوع الاجتماعي فقد ارتكزت الكثير من الدراسات على قضايا
املساواة بين الجنسين وحقوق النساء باملجتمع املغربي ،إذ ''تزايد الاهتمام السوسيولوجي بموضوع املرأة
منذ بداية عقد الثمانينات ،وتزايدت أعداد الباحثات املهتمات باملوضوع؛ نتيجة الدعم املالي املمنوح من
طرف بعض املنيمات الدولية لألبحاث حول وضعية املرأة والبطفل ،أما املرحلة الراهنة في الخبطاب
السوسيولوجي باملغرب ،فتتميز بسيادة خبطاب سوسيولوجي بامتياز كما ونوعا ،لكنه ال يزال ض ً
عيفا
كيفيا ،4''..السيما دراسة موضوع العمل املنزلي والذي يشكل عمال غير مرئيا وغير معترف به اجتماعيا
بتعبير الباحثة املغربية فاطمة املرنيس ي ،إذ تؤكد هذه الباحثة أن ''العمل الضخم الذي تقوم به املرأة
1
ROBERT, Castel. Les métamorphoses de la question sociale : une chronique du salariat, Fayard, Paris, 1995,
réédition Folio-Gallimard, Paris, 2000.
2
BRESSON, Maryse. Sociologie de la précarité, op.cit. P42.
3
BECK, Ulrich. La société du risque. Sur la voie d’une autre modernité, Paris, Éditions Aubier, 2001; édition
originale: Risikogesellschaft, Francfort. 1986.
4ياسين عتنا ،قراءة في كتاب'' :املرأة في العلوم الاجتماعية :من متغير الجنس إلى سؤال النوع :للباحث فوزي بوخريص'' ،منشورات
مجلة تجسير ،املجلد ألاول ،العدد ،8787 ،8مركز ابن خلدون للعلوم إلانسانية والاجتماعية-جامعة قبطر ،ص .045
317
ال يقابله أجر في غالب ألاحيان .ووضعية النساء ألاكثر في القبطاع الابتدائي هي 'مساعدة العائلة' أي عاملة
بدون أجر''.1
ويحيل العمل املنزلي عادة إلى مجموعة من املهام الجسدية مثل البطهي والتنييف والتسوق .يشير علماء
ً
أحيانا إلى ألانشبطة غير الجسدية املتعلقة با "تدبير املنزل" ،ولكن هذه ألانشبطة عادة ما تذكر الاجتماع
بشكل غير دقيق أو تعامل على أنها مكافئة للمهام الجسدية.2
إن دراسة وضعيات العامالت املنزلياتلم تحظ باهتمام الباحثين والدارسين بالشكل الكافي واملبطلوب،
وذلك حسب ما أتيح لنا الاطالع عليه السيما في تصصص سوسيولوجية هشاشة الشغل ،وقد ارتكز
الباحثين على مواضيع قريبة مثل خروج املرأة إلى العمل ،الوضعية السوسيو-اقتصادية للعامالت في
املصانع واملقاوالت وألاعمال الزراعية والفالحية ،لذلك يبقى فهم وتحليل هذا املوضوع محدودا إذا
اقتصرنا على الجوانب السوسيو-ثقافية والعالئقية للعامالت الالئي تزاولن عمال هشا.
إن دراسة وتحليل ''هشاشة العامالت املنزليات'' يقتض ي رصد الواقع الحالي للياهرة في شكل أرقام ،إذ
حاولت بعض التقارير رصد معاناة النساء العامالت املنزليات باملغرب ،ولعل أبرزها دراسة ''داخل املنزل،
خارج القانون إساءة معاملة عامالت املنازل ألاطفال في املغرب'' من إعداد منيمة مراقبة حقوق الانسان،
والتي حاولت الوقوف عند وضعيات عينة من عامالت املنزليات باإلضافة إلى اقتراح جملة من التوصيات
لتحسين ظروف عملهن .كما توصلت إحدى الدراسات الحكومية لسنة 8770حول عمال املنازل ألاطفال
ً ُ
في الدار البيضاء إلى أن 8.47من الفتيات العامالت باملنازل آن تحت سن 04عاما ،كما انتهت دراسة
ً
جمعية إنصاف لعام 8707الخاصة بعامالت املنازل القاصرات تحت سن 04عاما (من 877أسرة
ً
مرسلة لعمالة ألاطفال) إلى أن 18في املائة من العامالت ،يتراوح عمرهن بين 03و 04عاما ،وأن 32في
املائة منهن أعمارهن بين 2و 08عاما.3
وأمام التحديات الكثيرة التي بات يفرضها واقع حقوق إلانسان ،أظهرت الدولة في السنوات املاضية
بعض الاهتمام لهذه الفئة ،من خالل دراسة بعض القوانين واملراسيم بهدف معالجة بعض القضايا
املتصلة بهذه الفئة .وفي هذا السياق أصدر املشرع املغربي ظهير تنفيذ القانون رقم 07.08بتحديد شروط
1فاطمة املرنيس ي،ما وراء الحجاب الهندسة الاجتماعية للجنس ،ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل نشر الفنك -املركز الثقافي العربي،
الدارالبيضاء -املغرب ،البطبعة الرابعة ،8774ص .007
2
Daminger, Allison. "The cognitive dimension of household labor." American Sociological Review 84.4
(2019).P609.
3دراسة الخدمة في العزلة -عامالت املنازل القاصرات في املغرب ،منشورات هيومان رايتس ووتش ،8708 ،ص .03
318
الشغل والتشغيل املتعلق بالعامالت والعمال املنزليين ،1ذلك ألجل حماية وصيانة كافة حقوق العامالت
املنزليات.
وبناء على استبطالع ميداني 2اكتشفنا من خالل عينة مدروسة من العامالت املنزليات ظروف عملهن
الهش والخارج عن إلاطار القانوني ،فغالبيتهن تشتغلن بدون عقود عمل وال تحديد ساعات العمل ،بحيث
يتبين أن جل أرباب العمل/الشغل يتفادون التفاوض حول عقود العمل وتحديد ساعاته ،عالوة على
وجود صعوبات ومصاطر تهدد استقرارهن في الحياة املهنية وألاسرية ،السيما مع وجود احتمالية إلاصابة
أو السقوط في أمراض نتيجة لبطبيعة العمل من جهة وغياب التغبطية الصحية والاجتماعية من جهة
أخرى.
.0برامج الحماية الاجتماعية للعامالت املنزليات :قراءة سوسيو-قانونية
في املاض ي كانت الحماية الاجتماعية قائمة على منبطق إلاحساني والخيري ،أو باألحرى كانت تتصذ شكال
غير مؤسساتي أي بدون قانون يحدد حقوق وواجبات العمال/ألاجراء بشكل واضح ويحمي حقوق جميع
ألاطراف ألاجير واملشغل؛ في حين باتت في الوقت الراهن مبطلبا دوليا ،يفرضه النيام الدولي وهو ما يبرز
من خالل الالتزامات والاتفاقيات واملنيمات الدولية كمنيمة العمل الدولي ومنيمة الصحة العاملية،...
وبذلك أصبحت الحماية الاجتماعية من العناصر التي يتم عبرها تقييم مدى استكمال شروط دمقرطة
املجتمع.
وحسب بيانات منيمة العمل الدولية؛ ال تزال عامالت املنازل من أقل فئات العمال حماية بموجب
قانون العمل املنزلي ،3لذلك فإن وضعية العمالة في مجتمعنا املعاصر ،تفرض علينا قوتها من خالل
بعض ألارقام املصرح بها سواء على املستوى املحلي أو الدولي ،فحسب التقرير الصادرة عن منيمة العمل
الدولية لسنة 2019تبين أنه يتم تسجيل سنويا حوالي 2.78مليون حالة وفاة في العالم نتيجة لحوادث
واصابات مهنية ،منها 2.4مليون حالة وفاة لها ارتباط بأمراض مهنية ،وفي نفس التقرير ،تقدر الخسارة
الناجمة عن إشكاليات الصحة والسالمة املهنية ما قيمته ٪4من إجمالي الناتج العالمي الخام ،وتبل
هذه النسبة أحيانا ٪6من الناتج الوطني إلاجمالي لبعض الدول.4
ص.3
319
أما على املستوى الوطني ،فحسب إحصائيات وزارة الشغل وإلادماج املنهي ،فإن عدد حوادث الشغل
باملغرب بلغت سنة 2018أكثر من 50000حادثة ،تسببت في 756حالة وفاة و 03872حالة عجز مؤقت
و 36561حالة عجز دائم ،وهو ما يعكس حجم الخسائر وألاضرار الاجتماعية والاقتصادية املرتببطة
بغياب ظروف العمل الالئق وبحوادث الشغل.1
وال شك أن الحماية الاجتماعية باإلضافة إلى كونها موضوعا مغريا للبحث فهي باألساس من املوضوعات
التي تندرج بشكل أساس ي ضمن ''القضايا الحقوقية'' ،إذ يالحظ كيف تبطورت حقوق إلانسان والذي
يوازيه تحول في شكل الدولة ،من دولة الرعاية إلى الدولة الاجتماعية ووصوال إلى دولة الرفاه.2
إن الحديث عن الحماية الاجتماعية يقتض ي أوال الحديث عن كيفية استعمال املقاربات واملفاهيم
املرتببطة بالحماية الاجتماعية خصوصا مفهومي الفقر والهشاشة .فمفهوم الفقر املرتكز على الدخل
والذي تعرض لعدة انتقادات من طرف باحثين وأكاديميين ،إذ نجد دراسة SakikoFukuda-Parr3تدعو
إلى عدم التركيز على بعد الدخل بل على بعد الفقر البشري ،فهذا ألاخير يركز على أبعاد أخرى متجاوزا
فقر الدخل ومفسرا له .وفي هذا الصدد نجد أمارتيا صن يرى أن القدرات التي يملكها ألايخاص هي
ألاولى باالهتمام في املقام ألاول ،فالقدرات التي يملكها يخص ما للقيام بهذا الش يء أو ذاك يمكن رببطها
مباشرة بوضعية هذا الشخص ،مقارنة بما يملكه آلاخرون أو يستعملونه ،4كما يرى ( )senأن مفهوم
الحرمان النسبي يترجم إلى وجود نقص نسبي في مجال املمتلكات أو في مجال املداخيل الضرورية للحصول
عليها ،ويكون من نتائجها حرمان مبطلق فيما يصص القدرات.5
ُ
لذلك فإن املقارنة بين النساء والرجال خصوصا في مجال الشغل والولوج إلى املهن؛ تبين أن النساء في
قيودا على خياراتهن وفرصهن أكثر من الرجال ،خاصة عندما جميع املجتمعات بشكل متفاوت؛ تواجه ً
يتعلق ألامر باملجتمعات النامية ،حيث تؤكد إحدى الدراسات بأن هناك مجموعة من املؤشرات مثل
مؤشر تنمية النوع الاجتماعي ( )GDIوقياس تمكين النوع ( - )GEMوهي مؤشرات مفيدة تبين مدى التباين
ً ً
بين الرجال والنساء في خياراتهم وفرصهم ،والتي تيهر تمييزا قويا ضد املرأة في مجاالت الفرص السياسية
والاقتصادية ،6إال أنه لم يتم اعتمادها ،وهو ما يدل على الحرمان الذي تعاني منه املرأة في مصتلف
املجاالت وامليادين .إن إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في برامج التنمية البشرية أصبحت ضرورة مؤكدة
320
ملحاربة الفقر والهشاشة ،خصوصا وأنه ماتزال النساء تعانين ماان الفقاار وإلاقصاء والتميياز والاستغالل
املفرط ،والسيما في الوساط القروي ،ثام إن التميياز يعوق الولوج إلى موارد إلانتاج املالية (الدخل
والادخار والقاروض) واملادية (الولوج إلاى ألاراض ي والساكن والتكنولوجي).1
وبالنسبة للمغرب فإن تمكين املرأة وإدماجها في التنمية انبطلق منذ نهاية القرن املاض ي وبداية ألالفية
الثالثة ،حيث أطلقت الحكومة املغربية عددا من البرامج ألجل لتحسين وضع املرأة وتمكينها في مصتلف
املجاالت ،وقد ارتكزت هذه البرامج على تنمية قدرات النساء ،أو بتعبير أدق على محاربة الهشاشة؛ إنها
برامج تشير على مستوى الخبطاب إلى مفهوم الهشاشة ،إال أنه يستحيل الحديث عنها على مستوى
املمارسة أو التبطبيق ،فالحديث عن النساء في وضعية فقر وهشاشة بصفة عامة هو حديث مضلل ألنهن
لسن فئة اجتماعية متجانسة بل فئات متفاوتة من حيث درجات الهشاشة .إن استعمال مفهوم
الهشاشة بشكل كثيف في البرامج الاجتماعية ،لم يكن مفهوما دقيقا وواضحا ،كما أن البرامج قلصت
مجال الهشاشة وقيدته بعدة شروط جعلت الفئات املستفيدة محدودة ،ومن بين أبرز هذه الشروط
محدودية أو غياب الدخل ،التوفر على ببطاقة راميد ،وعدم التسجيل في أنيمة التغبطية والحماية
الاجتماعية.
وفي هذا السياق فإن فئة العامالت املنزليات ُحرمن من أبرز حقوقهن الاجتماعية والقانونية ،السيما أن
هناك اختالل عميق في القوة بين أصحاب العمل وعمال املنازل ،مما يجعل من الصعب للغاية على
العامل التفاوض بشأن ظروف عمل عادلة ،واملبطالبة بحقوقهم ،أو رفض طلب صاحب العمل .2وموازاة
مع ذلك ،لم يتم إدراج هذه الفئة ضمن قانون الشغل (مدونة الشغل) ،وهو ما دفع باملشرع املغربي إلى
التفكير في مشروع قانون حماية العامالت املنزليات ،وبذلك صدر قانون رقم 07.08واملتعلق بتحديد
شروط الشغل والتشغيل املتعلقة بالعامالت والعمال املنزليين.3
ويشكل هذا القانون أول وسيلة لحماية العامالت املنزليات من كل أشكال الاستغالل بدءا بمنع أعمال
الوساطة في تشغيل هذه الفئة ،وتحديد الحد ألادنى لسن تشغيل ألايخاص بصفتهن عامالت منزليات،
وكذلك منع املشغل من الاستغالل أو أداء الشغل قهرا أو جبرا ،باإلضافة إلى ضرورة إبرام عقود عمل
تحمي املشغل والشغيل ويضمن كافة حقوقهما ،لكون هذه العقود تضم كافة شروط التشغيل واملهام
وكذا أوقات العمل ،ومدة العمل وأيام العبطل ،عالوة على الاستفادة من الرخص التغيب ألسباب عائلية،
كما يلزم هذا القانون على املشغل بصفة عامة أن يتصذ جميع التدابير الالزمة لحماية سالمة العامالت
1تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،تنمية العالم القروي ،التحديات وآلافاق ،8700 ،ص .50
2DEMARSO, YaredKefyalew et ABBA, BogaleAnja, Ibid., P.771.
3ظهير شريف رقم 0.01.080صادر في 1ذي القعدة 07 ( 0530أغسبطس ) 8701بتنفيذ القانون رقم 07.08بتحديد شروط الشغل والتشغيل املتعلقة
بالعامالت والعمال املنزلیين ،الجريدة الرسمية عدد 1573صادرة في 02ذو القعدة 88( 0530أغسبطس ،)8701ص .1004
321
أو العمال املنزليين وصحتهم وكرامتهم ،السيما القيام بفحص طبي كل ستة أشهر على نفقة املشغل
للعامالت والعمال املنزليين ،ودون إغفال تغيير اسم خادمات بيوت إلى العامالت املنازل ،وفرض عقوبات
على كل من يمس بحقوق العامالت املنزليات والتي يصونها هذا القانون ،...07.08وغيرها من املواد
القانونية التي تحمي هاته الفئة.
وبالرغم من صدور ظهير تنفيذ هذا القانون والذي ينص على مجموعة من الشروط التي تحمي هاته
الفئة الشغيلة ،فإن الواقع في كثير من ألاحيان يفارق النص ،حيث ظل هذا القانون حاليا معلقا بالنير
لغياب هياكل ولجن املراقبة وتتبع تنفيذ القانون على أرضية الواقع ،باإلضافة إلى وجود صعوبات ميدانية
لرصد وتتبع حاالت نفاذ القانون ،خاصة وأننا أمام ظاهرة اجتماعية يمكن وصفها بياهرة معقدة
ومغلقة ،بمعنى أن رصد نافذ القانون بحاجة إلى الولوج إلى فضاء العمل والذي هو ''املنزل'' وهو فضاء
مغلق يصعب اختراقه ملا يتسم بنوع من الخصوصية من جهة ،وقانون العقوبات الذي يمنع اقتحام
وانتهاك حرمة املنازل من جهة أخرى.
إلى جانب هذا القانون الذي يحمي العامالت من هشاشة الشغل ،فإن للعامالت املنزليات لهن الحق في
الولوج والاستفادة من عدة برامج اجتماعية ،1بدءا باملجال التعليمي من برامج محاربة ألامية التي تشرف
عليها قبطاع التربية الوطنية ووزارة ألاوقاف والشؤون إلاسالمية ،وفي الجانب الصحي الولوج والاستفادة
من نيام املساعدة البطبية ''راميد'' باإلضافة إلى خدمات صحة ألامومة من تشخيص وعالج وتتبع النساء
الحوامل وخدمات الوالدة ،والاستفادة كذلك من خدمات صحية للنساء املصابات بأمراض مزمنة،..
وفي املجال الاقتصادي نجد تحسين الدخل حيث يمكن للنساء ألارامل الحصول على دعم النساء ألارامل
الحاضنات لألطفال اليتامى ،وكذلك استفادة النساء في وضعية طالق من دعم صندوق التكافل العائلي...
وغيرها من البرامج وإلاجراءات الرامية إلى تقليص حدة الفقر وهشاشة النساء ،وفي هذا الصدد سنتناول
تحليال ألهم إكرهات وتحديات ولوج النساء العامالت املنزليات إلى البرامج الاجتماعية :
1.0املجال الاقتصادي
1يتضح أن النساء العامالت املنزليات يمكن لهن الاستفادة من البرامج العمومية خصوصا املوجهة لنساء حسب حالتهن العائلية ،مثل
النساء املبطلقات في وضعية هشاشة وألارامل الحاضنات ألطفال يتامى ،وليس هناك برنامج محدد وموجه لنساء العامالت املنزليات.
322
ُ
بقدر ما هو مرتبط بالشروط السالفة الذكر ،مما يجعل الكثير من أسر ألارامل تستبعد من الاستفادة
من هذا البرنامج ،خاصة حينما نتحدث عن نساء عامالت ومعيالت أسر تضم أطفال في وضعية هشة
(مثال أطفال ذوي إعاقة) وأيخاص يتجاوز أعمارهم 02سنة ،ويعانون من الببطالة خصوصا مع قلة
فرص الشغل ،...ومن بين كذلك املعيقات التي تعيق فعالية هذا البرنامج هو رببطه بببطاقة راميد
( ، (RAMEDحيث ال يحق للنساء الاستفادة من برنامج دعم ألارامل إال بعد حصولهن على ببطاقة راميد.
0.1.0صندوق التكافل العائلي
تكمن أهمية صندوق التكافل العائلي في تحسين الدخل للنساء املبطلقات ومساعدتهن في إعالة أطفالهن،
بمعنى يندرج هذا البرنامج في تقليص الهوة املادية الناشئة عن حالة البطالق ،أو غياب ألاب املعيل ،بمعنى
ينحصر دعمه في النساء املبطلقات اللواتي ال يستفدن من نفقة الزوج على أبنائه ،وهنا تكمن محدودية
دعم هذا البرنامج أي استبعاد فئات واسعة من نساء مبطلقات ،خاصة إذا علمنا أن النفقة العائلية ال
تستبطيع وحدها أن تحد من هشاشة هذه الفئة الاجتماعية ،باإلضافة إلى املساطر إلادارية املعقدة
وغياب معلومات عن البرنامج ،والتي تضاعف من محدودية البرنامج وتقلص من استفادة هذه الفئات،
خاصة أن الجهات املسؤولة عن الترخيص ومنح حق الاستفادة في القضاء (املحكمة) .مما يتبطلب جملة
من إلاجراءات إلاضافية ،والتي تثقل كاهل الزوجات املبطلقات (مصاريف إدارية ،التنقل .)..خصوصا
النساء املبطلقات بالعالم القروي ،والالئي يعانين من التهميش والعزلة.
2.2املجال الصحي
1.2.2نظام املساعدة الطبية
انبطلق برنامج نيام املساعدة البطبية منذ تاريخ 3مارس ،8708والذي يهدف بشكل أساس ي إلى مجانية
الخدمات البطبية لفائدة الفئات الفقيرة والهشة ،بما فيه النساء العامالت املنزليات في وضعية هشاشة،
إال أنه عرف مجموعة من التحديات نجد برنامج راميد ( (RAMEDوالذي يعرف جملة من الصعوبات أو
باألحرى مجموعة من العراقيل ذات طابع إداري ومعلوماتي؛ والتي تحول دون تحقيق أهدفه املنشودة.
عالوة على ذلك يتضح وجود التباس معايير الاستحقاق 1والتي ال تزال غير واضحة ،وكذا بطء عملية
التسجيل في الوسط القروي باملقارنة مع الوسط الحضري بفعل البعد عن املركز وتعقيدات مسلسل
إيداع وتتبع امللف ،عالوة على غياب املعلومة حول إعادة التسجيل بالنسبة للمسجلين السابقين ،وغيرها
1حسب إحدى الدراسات التي أنجزها مركز الدراسات والبحوث في الشؤون البرملانية املغربي 8780؛ حول ''الاستهداف الاجتماعي :املفهوم،
آلاليات ومعوقات التنزيل''؛ فإن الاستهداف يتبطلب تحديد مستوى فقر ألاسر .لكن هذا التحديد يكون في الغالب غير كامل نيرا لتعقيده،
وللكلفة العالية لآلليات املستصدمة في جمع املعلومات حول الفقر والهشاشة .من جهة أخرى ،على مستوى الاقتصاد السياس ي لالستهداف،
وبما أن الاستهداف هو استبعاد لفئة من الاستفادة ،فإن هذه البرامج ال تحيى بالدعم السياس ي ،مما يؤدي إلى نقص التمويل أو التصلي
عنها في كثير من ألاحيان .وهذا ما يعرض الاستهداف لنوعين من أخبطاء تحديد الفئات خبطأ إلادراج وخبطأ الاستبعاد.
323
من العراقيل وإلاجراءات املعقدة .كما أنه على مستوى التغبطية الصحية ألاساسية؛ ال تستفيد الساكنة
القروية كثيرا من الخدمات التي تستفيد منها ساكنة املدن ،كما ِّأنها تضبطر في الوقت نفسه مواجهة
ِّ
ارتفاع النفقات املرتببطة ببعد املراكز الصحية.
تعد إلاجراءات إلادارية من بين أهم عراقيل استفادة فئات واسعة من النساء في وضعية هشاشة ،حيث
تسلم بطاقة "راميد" إلى النساء غير منصرطات في أي نيام إجباري للتأمين على املرض ،كما أن هذه
الفئة "ألامهات العازبات" ال يستبطعن الحصول على هذه الببطاقة إال بعد صعوبات كبيرة ألنهن يجب أن
يستيهرن بشهادة إقامة للحصول عليها ،ومثاال أخر نجد أن املرأة القروية ال يحق لها التوجه إلى
املستشفى إلاقليمي إال بعد حصولها على ترخيص أو ما يسمى با"ورقة التنقيل" من املركز الصحي القريب
من محل ساكناها .لذلك تبطرح مسألة البعد عن املركز والتنقل أسئلة جوهرية في مسلسل تقييم فعالية
هذه البرامج ،واستفادة النساء منها بشكل مباشر.
وبسبب العديد من إلاكراهات فإن الحكومة املغربية ،عملت على تحويل املستفيدين من نيام املساعدة
البطبية ''راميد'' إلى نيام التأمين إلاجباري عن املرض ) ،(AMOوتتحمل الدولة واجبات الانصراط في هذا
البرنامج بالنسبة لأليخاص غير القادرين على أدائها .إال أن نسبة التعويض عن الخدمات البطبية تتراوح
ما بين 07%و 077%بناء على التعريفة الوطنية املرجعية1؛ إال أن هذه التعريفة لم يتم تحينها ،ولم يتم
مراعاة أ سعار ألادوية والعالج ومصتلف الخدمات الصحية الحديثة ،لذلك سيضبطر املستفيدين ومن
بينهم النساء العامالت من دفع أكثر والاستفادة بشكل أقل ،هذا باستثناء العالجات والخدمات التي يتم
تعويضها بنسبة 077في املئة السيما ألامراض املزمنة .وفي هذا السياق يؤكد تقرير املجلس الاقتصادي
والاجتماعي والبيني بأنه؛ ال يازال النيامان (املساعدة البطبية والتأمين إلاجباري ألاساس ي عان املرض)
يواجهاان العدياد مان أوجاه القصور تتعلاق ببنيتهما وبحكاماتهماا ،السايما ارتفااع حصاة املصاريف املتبقية
علاى عاتق املستفيدين مان نياام التأميان إلاجباري ألاساس ي عان املرض وانصفاض معدل تجديد ببطاقات
راميد.2
3.2املجال التعليمي
إن البرامج املوجهة للمرأة تسعى إلى تقوية قدراتها سواء عن طريق التعليم أو عن طريق تقوية مواردها
املادية (الدخل) ،أو الاهتمام بجانب الصحي للمرأة من خالل املساعدة البطبية ،كل ذلك يصب في تقوية
استقاللية املرأة وقدرتها على الانصراط في تنميتها الذاتية وتحسين ظروف عيشها .خاصة وأن حصولها
1لالستزادة يمكن الاطالع على دليل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي''،الانتقال من نيام املساعدة البطبية إلى التأمين إلاجباري عن
املرض'':
https://www.cnss.ma/sites/default/files/files/FAQ%20Ramedistes-01_12_2022.pdf
2التقرير السنوي ،للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،8702 ،ص.02
324
على دخل قار وصحة جيدة سيعزز من هذه الاستقاللية ،لكن يبقى العائق ألاكبر الذي يحول دون هذه
الاستقاللية هو آفة ألامية.
إذا كانت ألامية تشير في معناها البسيط إلى العجز عن القراءة والكتابة وما تيسر من آليات الحساب،
فإن معناها اليوم اتصذ مسارات جديدة تربط الياهرة بقضايا أكثر تعقدا وتشابكا ،لعل أعقدها تلك
التي تنسج خيوطها الفعلية مع التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية،1
كماا أن ألامية املنتشرة في صفاوف النساء خصوصا في الوسط القروي ،وصلت إلى 50.0في املائة في
الوساط القروي سنة .28705
أما على مستوى البعد التعليمي فإننا نجد برامج محو ألامية والتي تقوم بها وزارة ألاوقاف والشؤون
إلاسالمية أو وزارة التربية الوطنية بتنسيق مع جمعيات املجتمع املدني ،إال أنه تم مؤخرا إحداث وكالة
محاربة ألامية لوجود صعوبات في التنسيق بين مصتلف أصحاب املصلحة.
إن طبيعة العمل املنزلي الشاق والذي تقوم به املرأة طوال اليوم ولساعات طويلة منذ الساعات ألاولى
للصباح إلى املساء ،ال يساعد على تمكين املرأة من التعليم والولوج إلى املعرفة ،وحتى إن كان لها وقت
فراغ فإنها تستغله في قضاء احتياجاتها اليومية ،لذلك يشكل استفادة النساء العامالت املنزلية من
دروس التعليم ومحاربة ألامية أمرا عسيرا ،وحتى إن كانت هناك فرص لتعليم فيجب أن تتوافق مع
جميع مستويات املستفيدات وذلك من حيث اختالف في السن وكذلك من حيث طرق ومناهج التدريس.
وبالتالي يمكن القول أن البرامج الاجتماعية تعرف صعوبات وإكراهات في مسألة الولوج والاستفادة منها،
لذلك ستبقى محدودة ألاثر خصوصا لفائدة نساء العامالت املنزليات والالئي لم يتم الاهتمام بهن في
السياسات العمومية ،كما أن الكثير من البرامج ذات طابع خاص ومحدد من حيث أنها كانت تستهدف
قبطاعا معينا أو شريحة اجتماعية معينة) برنامج تيسير ،مليون محفية ،مدونة آلاسرة ،القانون املتعلق
بمحاربة العنف ضد النساء ،برامج املقاولة الذاتية ،نيام املساعدة البطبية (راميد( التأمين إلاجباري عن
املرض.3)...
َ ُ
ت ْعرف البرامج الاجتماعية املوجهة للنساء اللواتي يعشن في وضعية هشة عموما والنساء العامالت
املنزليات خصوصا ،عدة إكراهات وعوائق تحد من استفادتهن من البرامج الاجتماعية ،ومن أهمها الولوج
إلى املعلومة باإلضافة إلى إلاجراءات إلادارية والقانونية املعقدة ،باإلضافة إلى ألامية والعزلة الش يء الذي
ً
يشكل عائقا أمام استفادة النساء من هاته البرامج والسياسات الاجتماعية.
1نزهة العوداتي ،واقع املرأة القروية ،باملغرب وسؤال التنمية ،مجلة علوم التربية العدد ،8703 ،40ص .71
2إحصائيات املندوبية السامية للتصبطيط.8705 ،
3مجموعة مؤلفين ،الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي مقاربات ودراسات نقدية مقارنة ،تنسيق إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي،
املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات ،8788 ،ص .25
325
وأمام هذا الوضع ،يشكل توفير الحماية الاجتماعية لفئة العامالت املنزليات ،ضرورة اجتماعية وإنسانية،
وحقا من حقوقهن ألاساسية ،والتي يمكن أن تساهم في تحقيق التماسك الاجتماعي وتعزيز العدالة
الاجتماعية ،وذلك من خالل إعداد سياسات عمومية وبرامج اجتماعية وفق مقاربات علمية وتشاركية
وحقوقية ،تدمج جهود كل الفاعلين ،وتراعي البعد الجغرافي والترابي ،وذلك ألجل الاستجابة إلى متبطلبات
الحياة املعاصرة ،خصوصا للفئات النساء العامالت املنزليات اللواتي يعشون في وضعية هشاشة.
.2العامالت املنزليات بين املخاطر والحماية الاجتماعية :دراسة حالة
تتعرض العديد من النساء العامالت في املنازل إلى مجموعة من املصاطر ،لذلك حاولنا الوقوف عند
دراسة حالة 1خادمة منزل ،ألجل فهم وتحليل وضعياتها الهشة والتي تتسم بغياب آلامن والاستقرار
الاجتماعيين.
1.2وصف ملشاركة في البحث
تنتمي الحالة املشاركة في البحث إلى جنوب املغرب ،وبالتحديد منبطقة (الدشيرة الواقعة بتراب جهة
سوس ماسة -املغرب) ،حيث ال يتجاوز عمرها ثالثة وأربعين سنة ،وهي أرملة معيلة ألسرة تتكون من
ثالث أبناء ،وتشتغل الارملة كعاملة منزلية ملدة تزيد عن عقدين ،حيث بدأت املبحوثة الاشتغال كصادمة
مند بلوغها سن 00سنة ،بسبب وضعية أسرتها الهشة والتي ال تمتلك موارد كافية لتلبية حاجيات
ألاسرة ،الش يء الذي دفع بأهلها إلى تشغيلها وهي طفلة ،لتبدأ حياة املعاناة والعمل الشاق والحرمان من
مصتلف حقوقها التربوية والتعليمية والرعاية ألاسرية ..إلى العيش في حالة وضعية هشة محفوفة بالخوف
واملصاطر.
وفي هذا السياق فإننا لن نستعرض مسار الحالة بأكمله بالقدر الذي سنحاول دراسة وضعيات ألاضرار
واملصاطر والتي يمكن إجمالها في املستويات التالية:
مصاطر على مستوى الشغل؛ -
مصاطر على مستوى الصحة؛ -
من العيش في املصاطر إلى البحث عن الاعتراف؛ -
الولوج إلى الحماية الاجتماعية. -
1يعتبر منهج دراسة الحالة من املناهج التي تبحث عن دراسة متعمقة لياهرة أو حالة بعينها ،حيث أصبح العديد من الباحثين يلجأ إلى هذا
املنهج الذي يوفر معلومات كافية عن الحاالت املستهدفة بالدراسة ،وتعد أكثر استصداما في الدراسات الكيفية وفي البحوث الاجتماعية التي
تنشد الحصول على عمق وتفصيالت في البيانات أكثر من اتساع املدى أو املجال( .ميادة القاسم ،مناهج البحث الاجتماعي وتطبيقاتها في
علم الاجتماع" :دراسة سوسيولوجية تحليلية املجلة العربية للنشر العلمي -ألاردن ،العدد ،8780 ، ،30ص .)457
326
0.2مخاطر في طبيعة العمل
تشكل املصاطر ميهر من مياهر الهشاشة التي أصبح يعرفها الوضع املنهي ،إذاتسع مدلول الهشاشة ولم
يعد يقتصر على ألافراد والجماعات ألادنى في السلم الاجتماعي ،وإنما حتى ما يسمى بالبطبقة املتوسبطة،
والتي أصبحت هي ألاخرى تعيش وضعية الببطالة والارتياب والخوف من املصاطر ،1خاصة الخوف من
فقدان العمل واملصاطر التي سينتج عنها .لذلك يشكل ''ولوج النساء إلى الشغل رهانا أساسيا في محاربة
الهشاشة''.2
إن هذا الخوف والارتياب يدفع بالحالة املدروسة إلى الاستمرارية في ظروف عمل شاقة وغير قانونية،
وكذلك بأجور زهيدة؛ وبتعبير املبحوثة''عانيت كثيرا ،...ال توجد أية عقود عمل ،وال زلت اشتغل بأجر
اليزيد عن 2000درهم في شهر ،كما أنني أقوم بمختلف ألاعمال املنزلية ،الطبخ والنظافة والتربية،
أقوم بكل ش يء ،أسرتي تعيش وضعية فقر ،وبماذا أنا سأساعد أسرتي وأنا لدي مصاريف كثيرة من
كراء ،كهرباء ،املاء ،احتياجات الطعام ...نعيش أنا وأطفالي في وضعية شاقة''.
يشكل البطرد التعسفي من بين إحدى مصاطر الشغل؛ والتي يشهدها كل عمل غير مهيكل ،حيث تعرضت
املبحوثة إلى طرد تعسفي مرارا ،واتهمت بالسرقة أحيانا ،ولم تحصل على أي تعويض بل لم يكن لها
الحق في املبطالبة بحق التعويض لكونها تشتغل بدون حماية قانونية؛ ''...وفي كل فترة أفقد فيها العمل
أقوم بالبحث عن أعمال أخرى فقط لسد القوت اليومي ،وسبقت أن زاولت التجارة " الفراشة"
لكن أجد صراعات مع ''الفراشة" آخرين لكونهم سنوات وهم يشتغلون وسباقين إلى تلك ألاماكن
التي يبيعون فيها''.
بعد البطرد أو فقدان العمل تبدأ عملية البحث عن فرص عمل واللجوء إلى وسبطاء ،لتتعرض املبحوثة
إلى مصاطر الاستغالل؛'' عندما تخرجين من منزل للبحث عن عمل تتجهين في البداية إلى الوسيطة "
ح.ف" والتي بدورها تجعلك تعيشين وضعية مزرية من خالل استغاللك والتالعب بك ،...مثال هنا في
الدشيرة أو إنزكان تلجأ العديد من النساء إلى شركات توظيف العامالت املنزليات والتي تقتطع لك
من الدخل حوالي 102درهم أسبوعيا ،واملشكل أن هذه الفرص التي تجدها لك تدوم فقط ألسبوع
وبعدها تنتهي مدة عملك''.
2GILLOT, Gaëlle. Les coopératives, une bonne mauvaise solution à la vulnérabilité des femmes au Maroc?. Espace populations
sociétés, 2016/3.
https://journals.openedition.org/eps/6619.
327
1 .0.2مخاطر صحية
اتضح كذلك أن املبحوثة تعيش في ظروف صعبة ومصاطر متعددة ،وذلك في ظل غياب حماية اجتماعية
من طرف املشغل ،والتي كان من نتائجها التعرض للعنف الجسدي واملتمثل في الضرب خصوصا حينما
كانت صغيرة ولم تبل سن الرشد ،وكذلك البطرد التعسفي والتهديد الذي له أثار نفسية ،باإلضافة إلى
التحر ...وتصرح املبحوثة''عشت وضعية مزرية لكوني سبق وأن تلقيت ضربا لدى صاحبات البيوت
ُ
عندما كنت صغيرة ،ناهيك عن حوادث الشغل التي ال نحصل فيها على اية تعويضات ،أصبت مؤخرا
بجرح على مستوى الكتف ،وهذا أثناء مزاولتي للعمل ،وسبق أن تعرضت للتحرش الجنس ي ..
باإلضافة إلى حاالت كثيرة من إلاصابات والطرد وبدون مساعدة مادية من طرف املشغلين واملشغالت،
كما أنني أصبحت أعاني من مجموعة من املشاكل الصحية ،مثل ارتفاع ضغط الدم واملعاناة من
ألارق املستمر بسبب أالم الرأس''.
0 .0.2البحث عن الاعتراف والتقدير
إن فقدان العمل يؤدي إلى فقدان الاعتراف والتقدير الاجتماعيين ،وتعد فئة العامالت املنزليات من
الفئات التي تتعرض في كثير من ألاحيان إلى الوصم وإلاقصاء الاجتماعي ،وبالتالي يمكن أن نصف هذه
الفئة بأن لها هوية سلبية identité négativeبتعبير سرج بوغام في أطروحته فقدان ألاهلية الاجتماعية،1
وذلك نتيجة لبطبيعة عملها وعدم اندماجها في املجتمع بشكل إيجابي .وفي سياق البحث عن الاعتراف
تقول املبحوثة'' :بعض ألاشخاص يشعرون بما أمر منه وبظروف العمل التي أشتغل فيها ويعلمون
أنني أمارس مهنة العمل املنزلي ويمنحونني مبلغا محترما ،باإلضافة إلى قسط من الراحة والتعامل
الجيد ،...لكن مع ألاسف الكثيرون ال يقدرون وال يعترفون باملجهودات واملعاناة التي أقوم بها ،سواء
أرباب العمل أو الناس عموما''.
2 .0.2الولوج والاستفادة من البرامج الاجتماعية
إن تحسين وضعية النساء عموما والنساء في وضعية هشاشة ،قائم على الولوج والاستفادة من البرامج
الاجتماعية ومصتلف الخدمات واملساعدات الاجتماعية ،وتقوية قدراتهن ،إال أن املبحوثة تؤكد على أن
ألافراد في وضعية فقر ال يمكن أن يعولوا على املساعدات العمومية ،خصوصا في الوقت الراهن الذي
يشهد غالء املعيشة ،وفي هذا الصدد تقول املبحوثة '' :البرنامج الوحيد الذي أعرفه هو نظام املساعدة
الطبية (راميد) وقد استفدت منه سابقا ،كما يمكنني الاستفادة من دروس محو ألامية ولدي رغبة
في متابعة التعلم من خالل إعداد وإنجاز الدروس التي تقدم في التلفاز ،لكن مع ألاسف ليس لدي
1
PAUGAM, Serge. La disqualification sociale: essai sur la nouvelle pauvreté. Paris : Presses universitaires de
France, 1991.
328
الوقت الكافي ملتابعة الدراسة والتعليم ،...وأما بخصوص البرامج ألاخرى فقط أسمع بها مثل املبادرة
الوطنية والتي تدعم التعاونيات ،أما البرامج ألاخرى لم أسمع بها وال أعرف طريقة الولوج إليها''.
ومن خالل ما سبق يتضح جليا أن الحالة املشاركة في البحث تعاني من عدة مشاكل مثل تدني وضعف
الدخل والذي يجعلها في وضعية هشاشة ،إضافة إلى القيام بأنشبطة محفوفة باملصاطر وغير آمنة ،لذلك
ال ينحصر وضع الخبطر في مؤشر الدخل أو الاستقرار املادي...وكما يتبين لنا أن العاملة املنزلية من بين
الفئات التي تعيش وضعية هشاشة مهنية وصحية جراء مزاولتها للعمل وألشغال محفوفة باملصاطر.
ويمكن القول إن صعوبة العمل املنزلي ال تقتصر في العمل الشاق لساعات طويلة وبأجور زهيدة ،بل
تشمل أيضا التعرض أحيانا للعنف بشتى ألانواع سواء كان ضربا أو استفزازا وأحيانا جنسيا أو استغالال،
كما أن حماية هذه الفئة ''تعتمد على الاعتراف وتقييم عملها .1إضافة إلى أن الحالة الاجتماعية للعاملة
املنزلية تضم مسؤوليات أسرية تجاه أسرتها كأبناء والزوج وألابوين في بعض ألاحيان ،مما يزيد من معاناة
هذه الفئة.
خاتمة
لقد حاولنا في هذه الورقة البحثية إبراز تجليات هشاشة العامالت املنزليات وإشكالية الولوج والاستفادة
من برامج الحماية الاجتماعية ،وذلك وفق مقاربة سوسيولوجية ،ارتكزت على دراسة حالة المرأة تمتهن
العمل املنزلي ،وارتأينا الوقوف على دراسة وتشخيص ألهم مشكالتها ومعاناتها وذلك في ظل غياب أنيمة
الحماية الاجتماعية للعامالت املنزليات ،اللهم بعض البرامج املحدودة والتي تستهدف النساء عموما خاصة
في وضعية صعبة وهشة ،واتضح كذلك في ظل مجهودات الدولة أن املشرع املغربي أصدر قانون رقم
07.08واملتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل املتعلقة بالعامالت والعمال املنزلیين ،والتي تروم
تحسين وضعية هذه الفئة الهشة وحمايتها من مصتلف املصاطر املهنية والاجتماعية.
ويمكن القول ،إن هشاشة النساء العامالت املنزليات ال تنحصر في الوضع املنهي وفي الشغل ،وإنما تمتد
لتشمل مصتلف الوضعيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ،صحيح أن بعض الدراسات املعاصرة
ترجع الهشاشة إلى عدة عوامل منها تفكك الروابط ألاسرية والالاستقرار في العمل وغيرها ،وهذا ما جعلنا
نؤكد أن محاربة الهشاشة تقتض ي ألاخذ بعين الاعتبار عدة مؤشرات وأبعاد ليس فقط الروابط
الاجتماعية سواء كانت أسرية أو مدنية أو وطنية ،بل الهشاشة تنبطلق من املجال؛ نقصد بذلك السكن
أو العمل ،واملستوى التعليمي ،والصحة ،إضافة إلى وضعية ألاسرة بشكل عام والحالة العائلية.
1
SAVI, Caroline. Femmes et travail domestique: le cas des badanti en Italie et des auxiliaires
de vie en France. Mémoire (s), identité (s), marginalité (s) dans le monde occidental
contemporain. Cahiers du MIMMOC, 2022, no 28.P 3.
329
لقد أضحى من الضروري اليوم وفي ظل الواقع الراهن الذي يعرف أزمات متعددة ،تكثيف الجهود من
أجل بناء منيومة قوية توفر الحماية الاجتماعية ،خصوصا لفائدة النساء في وضعية صعبة والتي تتعرض
ملصتلف املصاطر الصحية واملهنية والتعليمية ،..وإلى جانب ذلك من الالزم تكثيف الدراسات والبحوث
العلمية في هذا املجال ألجل النهوض بهذه الشريحة الاجتماعية ،للتعرف أكثر على واقع الفئات الهشة
ورسم خريبطة التدخل من خالل السياسات واملصبطبطات والبرامج الاجتماعية.
الئحة املراجع:
املراجع باللغة العربية:
بن بيه ،رشيد .أنايمة الحماية الاجتماعية بااملغرب ،الاتحديات وآلافااق ،أفريقيا الشرق ،البطبعة
ألاولى .8703
دراسة الخدمة في العزلة -عامالت املنازل القاصرات في املغرب .8708 ،منشورات ،هيومان رايتس
ووتش
دراسة حول ''الاستهداف الاجتماعي :املفهوم ،آلاليات ومعوقات التنزيل ''مركز الدراسات والبحوث
في الشؤون البرملانية املغربي .8780
دليل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي'' ،الانتقال من نيام املساعدة البطبية إلى التأمين
إلاجباري عن املرض '':
https://www.cnss.ma/sites/default/files/files/FAQ%20Ramedistes-01_12_2022.pdf
صابر خليفة محمدين ،صفاء .نموذج دولة " الرفاهية الاجتماعية" دراسة في إلاشكاليات واملآالت،
املجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية -جامعة إلاسكندرية.8788 ،
عتنا ،ياسين .قراءة في كتاب'' :املرأة في العلوم الاجتماعية :من متغير الجنس إلى سؤال النوع:
للباحث فوزي بوخريص'' ،منشورات مجلة تجسير ،مركز ابن خلدون للعلوم إلانسانية
والاجتماعية-جامعة قبطر ،املجلد ألاول ،العدد .8787 ،8
العوداتي ،نزهة .واقع املرأة القروية ،باملغرب وسؤال التنمية ،مجلة علوم التربية العدد ،40
.8703
القاسم ،ميادة .مناهج البحث الاجتماعي وتبطبيقاتها في علم الاجتماع" :دراسة سوسيولوجية
تحليلية املجلة العربية للنشر العلمي-ألاردن ،العدد .8780 ،30
قرنفل ،حسن .الفقر من إلاحسان إلى التنمية ،دار ألامان ،الرباط البطبعة ألاولى .8700
مجموعة مؤلفين ،الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي مقاربات ودراسات نقدية مقارنة،
تنسيق إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي ،املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات.8788 ،
330
ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل، ما وراء الحجاب الهندسة الاجتماعية للجنس. فاطمة، املرنيس ي
.8774 البطبعة الرابعة،املغرب- الدارالبيضاء،املركز الثقافي العربي- نشر الفنك
:التقارير
.8705 ، إحصائيات املندوبية السامية للتصبطيط
.8700 ، التحديات وآلافاق، تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني تنمية العالم القروي
.8702 ، التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني
دعامة أساسية: الصحة والسالمة في العمل، تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني
.8787 ،للتنمية الاقتصادية والاجتماعية
:الظهائر والقوانين
) بتنفيذ القانون8701 أغسبطس07 ( 0530 ذي القعدة1 صادر في0.01.080 ظهير شريف رقم
الجريدة، بتحديد شروط الشغل والتشغيل املتعلقة بالعامالت والعمال املنزلیين07.08 رقم
.1004 ص،)8701 أغسبطس88( 0530 ذو القعدة02 صادرة في1573 الرسمية عدد
.)2017 أكتوبر14392) محرم11 تاريخ6609 عدد، الجريدة الرسمية
:املراجع باللغة ألاجنبية
BECK, Ulrich. La société du risque. Sur la voie d’une autre modernité, Paris, Éditions
Aubier, 2001 ; édition originale : Risikogesellschaft, Francfort. 1986.
BOURDIEU, Pierre. Travail et travailleurs en Algérie : Étude sociologique. Editions de la
Maison des sciences de l'Homme, 1963.
BRESSON, Maryse. Sociologie de la précarité, sous la direction François de singly,
Armand Colin édition, 2007.
Daminger, Allison. "The cognitive dimension of household labor." American
Sociological Review 84.4, 2019.
DEMARSO, YaredKefyalew et ABBA, BogaleAnja. Legal Protection for Domestic
Workers: The Case of WolaitaSodo Town, Ethiopia. Beijing L. Rev., vol. 11, 2020.
FUKUDA-PARR, Sakiko. What does feminization of poverty mean? It isn't just lack of
income. Feminist economics,, vol. 5, no 2, 1999.
GILLOT, Gaëlle. Les coopératives, une bonne mauvaise solution à la vulnérabilité des
femmes au Maroc? Espace populations sociétés. Space populations societies,
2016/3.https://journals.openedition.org/eps/6619
331
PAUGAM, Serge. La disqualification sociale : essai sur la nouvelle pauvreté. Paris :
Presses universitaires de France, 1991.
ROBERT, Castel. Les métamorphoses de la question sociale : une chronique du salariat,
Fayard, Paris, 1995, réédition Folio-Gallimard, Paris, 2000.
SAVI, Caroline. Femmes et travail domestique : le cas des badanti en Italie et des
auxiliaires de vie en France. Mémoire (s), identité (s), marginalité (s) dans le monde
occidental contemporain. Cahiers du MIMMOC, no 28, 2022.
332
إلاعاقة باملغرب وسؤال الحماية الاجتماعية
رجاء ملنبهي
باحثة متصصصة في التربية الخاصة
مقدمة
أصبحت الحماية الاجتماعية موضوع نقا عابر للقارات ملا لها من أهمية ،فهي لم تعد مجرد ميهر من
مياهر العمل إلاحساني ،بل أصبحت حقا من حقوق إلانسان باعتبارها ركيزة أساسية يقوم عليها العقد
الاجتماعي ،وهذا ما كرسته أدبيات ألامم املتحدة ومنيمة العمل الدولية ومنيمة الصحة العاملية من
خالل العهود واملواثيق منذ إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان ( )0752وما تاله من اتفاقيات وصوال إلى
إلاعالنات والتوصيات التي تصدرها اللجنة املكلفة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة
لألمم املتحدة مدعومة بمبادرات عابرة للقارات كأهداف التنمية املستدامة السبعة عشر التي اعتبرت
أنيمة الحماية الاجتماعية ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية املستدامة ،فهي الضامنة لتماسك
املجتمعات وازدهارها من خالل صون كرامة املواطنين وتوفير وسائل العيش النقدية والخدماتية تحقيقا
ملبدأ إلانصاف والعدالة الاجتماعية لكل املواطنين دون تمييز.
وتبقى الفئات ألاكثر هشاشة املتضرر ألاكبر من غياب هذا الحق وخاصة ألايخاص في وضعية إعاقة
وهم في تزايد مستمر ،فحسب البنك الدولي فإن 87في املائة من ألايخاص ألاكثر فقرا هم في وضعية
إعاقة وهو ما تؤكده وضعية هذه الفئة ببالدنا.
فرغم مصادقة املغرب على اتفاقية حقوق ألايخاص في وضعية إعاقة سنة 8777التي تقر بحق هذه
الفئة في الحماية الاجتماعية دون تمييز بسبب إلاعاقة ،ورغم تنصيص املشرع املغربي (القانون إلاطار
)70.03على وضع نيام للدعم الاجتماعي والتشجيع واملساندة لفائدة ألايخاص في وضعية إعاقة تبقى
هذه الفئة عرضة للمصاطر وإلاقصاء والتهميش في تجاوز لكل القوانين الدولية والوطنية وفي ضرب صارخ
ملبدأ إلانصاف والعدالة الاجتماعية ،ولعل ذلك ما دفع اللجنة ألاممية في دورتها 8700/02إلى إبداء
قلقها بشأن هذه الفئة .وهو ما يدفعنا للتساؤل :ملاذا تفتقر أنيمة الحماية الاجتماعية وخاصة املرتببطة
باإلعاقة إلى النجاعة والفاعلية رغم الدينامية التي يشهدها املغرب من حيت التشريعات والبرامج
واملبادرات؟ أين الخلل؟ وما السبيل لتعزيز آليات الحماية الاجتماعية لهذه الفئة إرساء ملبادئ إلانصاف
والعدالة الاجتماعية؟ هذا ما نصبو ملناقشته وإلاحاطة به من خالل محورين أساسيين أخصص ألاول
منهما للحماية الاجتماعية مكانتها ودورها في تعزيز التماسك الاجتماعي تاركة الحديث عن واقع الحماية
الاجتماعية لأليخاص في وضعية إعاقة باملغرب وسبل تجاوزه للمحور الثاني.
.1الحماية الاجتماعية :مكاناها ودورها في تعزيز التماسك الاجتماعي
إضافة إلااى كااون الحمايااة الاجتماعية حقااا ماان حقااوق إلانسااان ألاساسااية غياار املشااروطة التااي تكفاال
الكرامااة لااكل مواطاان ،فإنهااا تساااهم فااي تحقيااق ألاهااداف املجتمعيااة والاقتصاديااة الكباارى وهااي كذلااك
333
أداة مهمااة ملنااع املصاطاار وصااون التماسااك الاجتماعااي .لذلك تحض ي بمكانة مهمة في التشريعات الدولية
والوطنية.
أ :الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي
تعتبر الحماية الاجتماعية فااي معناااها الواسااع ،مجموعااة ماان التدابير القائمة علااى التأمياان والتضاماان،
الهادفااة إلااى تحقيااق الضمااان الاجتماعااي وتقدياام املساااعدة ،ارتااكازا علااى املساااهمات أو دون الارتااكاز
عليااها ،ماان أجاال ضمااان القاادرة علااى توفياار الرعايااة والدخاال لجميااع ألاشااصاص وعلااى ماادى جميااع مراحاال
حياتهاام.1
وعلى هذا ألاساس فإن منيومة الحماية الاجتماعية تستوجب قناعات رسمية ومؤسسية تعكسها
سياسات اجتماعية واقتصادية واضحة ،ملحاربة الفقر وآثاره النفسية والاجتماعية ،وضمان تغبطية
صحية شاملة ،وتوفير فرص العمل وشروطه العادلة ،وهو السياق الذي بإمكانه أن يساهم في تحقيق
نمو اقتصادي مهم ويعزز لحمة املجتمع وقوة أنساقه ،وعدا هذه ألارضية فإن الدولة تفتح مصراعيها
على اختيارات وخيمة العواقب ،ألن الحماية الاجتماعية هي الركيزة ألاساس ألي عقد اجتماعي يروم
إنصاف املواطنين وضمان حقوقهم .ففلسفة الحماية الاجتماعية هي انتفاء اليلم والاستغالل والحرمان
من الثروة وبذلك يغيب الفقر وإلاقصاء الاجتماعي بأشكاله ومياهره ،وتنعدم الفوارق بين ألافراد،
ويتمتع الجميع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية إعماال ملبدأ تكافؤ الفرص.
إن الحماية الاجتماعية بهذا املعنى منيومة متكاملة تتغيا حماية الوجود إلانساني في أبعاده املصتلفة
الفكرية والثقافية واملادية ،وتروم تحقيق التوازن الذاتي والجماعي ،وبذلك ترتبط هذه الرؤية الشاملة
لفلسفة الحماية الاجتماعية ،بشروط إنجاز تنمية مستقلة مقترنة بالعدالة الاجتماعية والكرامة
والحرية2
وتشمل الحماية الاجتماعية ،ضمااان الدخاال والحصااول علااى الرعايااة الصحيااة لجميااع فئااات السااكان وفااي
كل مرحلااة ماان مراحاال حياتهاام (:الرعايااة البطبيااة ،وحااوادث الشااغل وألام اراض املهنيااة ،ومعاش اات
التقاعااد ،والتغبطيااة الاجتماعية للمساانين ،والتغبطيااة الاجتماعية عاان الببطالااة ،والتغبطيااة الاجتماعية
لألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ،والتغبطيااة الاجتماعية لألطفااال )...فهي تعكس نوعا من إلانصاف خاصة
للفئات املستضعفة واملهمشة وبذلك تقلص من حدة التشنجات املجتمعية الناتجة عن الفوارق
الاجتماعية والعدالة على جميع املستويات.
وقد أعلن البنااك الدولااي ومنيمااة العماال الدوليااة في إعالن مشترك باأن تعمياام الحمايااة الاجتماعية ماان
شااأنه تيسااير املهااام املنوطااة باملؤسسااتين .ويسااتعرض هذا إلاعالن ( )8704مساااهمات الحمايااة الاجتماعية
:0الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية" تقرير املجلس الاقتصادي
والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية رقم 8702/35إعداد لجنة القضايا الاجتماعية والتضامن طباعة كنا برايت ص00
:8رشيد أمشنوك :الحماية الاجتماعية أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها مؤلف جماعي حول الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي
الجديد :مقاربات ودراسات نقدية مقارنة تنسيق إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي إلاصدار ألاول دجنبر 8788ص01
334
وهااي :منااع الفقاار والحااد منااه ،واملساااهمة فااي الاندماااج الاجتماعااي وفااي صااون كرامااة الفئااات الهشااة،
واملساااهمة فااي النمااو الاقتصااادي ماان خااالل زيااادة املداخياال التااي ترفااع ماان حجاام الاسااتهالك والادخااار
والاسااتثمار بالنساابة لألساار وتزيااد ماان حجاام البطلااب املحلااي علااى املسااتوى املاكاارو اقتصااادي ،والتنميااة
البشاارية1
ومن الناحية السياسية تساعد الحماية الاجتماعية على استقرار ألانيمة السياسية وتوطد التماسك
بين النيام السياس ي القائم وفئات الشعب املتنوعة خاصة إذا كانت دولة رعاية اجتماعية تتولى تغبطية
املصاطر الاجتماعية ألاساسية وتهتم باألسر إال أنه في بعض ألانيمة غير الديمقراطية غالبا ما تتحول
سياسة الحماية الاجتماعية وأدواتها إلى وسائل ريعية تمييزية واستقبطاب اجتماعي لحشد املزيد من
الدعم الشعبي للسياسات القائمة ،خاصة عندما ترتبط سياسات الحماية الاجتماعية بالعبطايا
واملناسبات وألايخاص أو بعض املؤسسات الخاصة.
ب :موقع الحماية الاجتماعية لألشخاص في وضعية إعاقة باملغرب من املقتضيات القانونية
املحلية والدولية
إن الحماية الاجتماعية لأليخاص في وضعية إعاقة تستند على كل القوانين الدولية والوطنية املتعلقة
بالحماية الاجتماعية باعتبارهم مواطنين يؤدون واجباتهم شأنهم شأن بايي أفراد املجتمع إضافة إلى
قوانين خاصة بهم تضمن لهم نوعا من تكافؤ الفرص نيرا لخصوصياتهم وكثرة الصعوبات الحياتية التي
يواجهونها على جميع املستويات.
تحيى الحماية الاجتماعية في العهود واملواثيق الدولية وأدبيات ألامم املتحدة بمكانة هامة حيث نص
إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان( )0752في مادته 88علااى أن :لااكل شااصص ،بوصفااه عضااوا ً فااي املجتمااع،
ُ َّ
حقاه أن توفاار لااه ماان خااالل املجهااود القومااي والتعاااون الدولااي وبمااا
الحااق فااي الضمااان الاجتماعااي ،وماان ِ
َّيتفااق مااع هيااكل كل دولااة ومواردهااا ،الحقااوق الاقتصاديااة والاجتماعية والثقافيااة ،التااي ال غنااى عنهااا
لكرامتااه ولتنامااي شااصصيته فااي حرية.
َّ
كما أكااد العهااد الدولااي الخاااص بالحقااوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيااة (املادتان 7و )07حق كل
يخص فااي الضمااان الاجتماعااي ،بمااا فااي ذلااك التأمينااات الاجتماعية.
الصادرة عن منيمة العمل الدولية( )8708بشأن أرضيات الحماية الاجتماعية 202 ،وتقدم التوصية
مبااادئ توجيهيااة عامااة م ان خالل إقامااة أرضيااات وطنيااة للحمايااة الاجتماعية من أجاال توساايع نبطاااق أنيمااة
الضمااان الاجتماعي وتتميمهااا ،تكااون فااي متناااول جميااع املحتاجياان .وتدعااو هااذه التوصيااة إلااى توفياار
الحمايااة الاجتماعية لألشااصاص غياار املحميياان والفق اراء والفئااات الهشااة ،بماان فااي ذلااك العاملااون فااي
:3الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية ،مرجع سابق ص85
335
القبطاااع غياار املنياام وأساارهم .ويتمثاال الهاادف ماان هااذه التوصيااة فااي أن يسااتفيد جميع أف اراد املجتمااع
علااى ألاقاال ماان مسااتوى أساسااي ماان الضمااان الاجتماعااي طااوال حياتهاام1.
وتعتبر الاتفاقية املرجعية رقم 078بشأن املعايير الدنيا للضمان الاجتماعي الصادرة عن منيمة العمل
الدولية التي رغم كونها تعد من التشريعات القديمة التي اعتمدتها منيمة العمل الدولية ()0747
مرجعا أساسيا لتوجيه سياسات الحماية الاجتماعية الوطنية ،ألنها حددت املعايير الدنيا التي ينبغي أن
يتجلى فيها الحق في الحماية الاجتماعية ،وأهمها التغبطية الصحية والتعويض عن املرض والببطالة،
والحماية من مصاطر الشغل ،ورعاية الفئات الهشة ،والتعويضات العائلية.
كما تاام إق ارار مباادأ تعمياام الحمايااة الاجتماعية فااي أهااداف التنميااة املسااتدامة ،8704وفااي إعالنااات ذات
صبغااة دوليااة صااادرة عاان الاتحاااد إلافريقااي وراببطة دول جنااوب شرق أسيا واملفوضية ألاوربية ومجموعة
OCDEوألامم املتحدة2 العشرين ومنيمة التعاون والتنمية في امليدان الاقتصادي
فصبطة ألامم املتحدة من أجل تحقيق أهداف التنمية املستدامة تعكس التصور الجديد للتنمية من
منيور ألامم املتحدة املعتمد سنة 8704أساسه القضاء على الفقر وحماية كوكب ألارض بكل موارده
وضمان تمتع كل املواطنين (مواطني العالم) باألمن وألامان في أفق سنة .8737وتتوزع الخبطة في 00
هدفا ،تتكامل في كونها تؤسس ثالثية التنمية املستدامة :الاقتصادي والاجتماعي والبيني كما تقر الدول
ألاطراف في اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة بحق هؤالء في الحماية الاجتماعية ،والتمتع بهذا الحق
دون تمييز بسبب إلاعاقة ،وتتصذ الخبطوات املناسبة لصون هذا الحق وتعزيز إعماله ،بما في ذلك تدابير
ترمى إلى تلبية الاحتياجات املرتببطة باإلعاقة ،والاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية وبرامج الحد من
الفقر خصوصا ً النساء والفتيات وكبار السن ،وضمان استفادة الذين يعيشون في حالة فقر وأسرهم
من املساعدة التي تقدمها الدولة لتغبطية النفقات املتعلقة باإلعاقة ،بما فيها التدريب املناسب وإسداء
املشورة واملساعدة املالية والرعاية املؤقتة وكاذلك الاستفادة من برامج إلاسكان العاام وبرامج التقاعد3
وتجدر إلاشارة إلى أنه إلى حدود فبراير 8702صادق املغرب على 18اتفاقية ملنيمة العمل الدولية (بما
في ذلك 40اتفاقية تقنية من أصل ما مجموعه 000اتفاقية معيارية ومن بين الاتفاقيااات ال 18التي
صادقت عليها اململكة هناك 52اتفاقيااة سااارية املفعااول ،وتاام الاعت اراض علااى 00اتفاقية وإلغاء 3
صكوك) .ولاام يصااادق املغاارب علااى أي اتفاقيااة فااي الساانوات الخمااس ألاخياارة ،وتعااود املعاهاادات التااي
صااادق عليهااا املغاارب إلااى ساانة .48703
وحيث إن مسؤولية إرساء آليات الحماية الاجتماعية تقع على عاتق الدولة بشكل أساس ي فإن املغرب
336
كغيره من الدول سعى ملالئمة تشريعاته وتكييف برامجه وسياساته ومبادراته مع التوجهات الدولية بهذا
الشأن.
إن إلاطار التشريعي والتنييمي الخاص بالحماية الاجتماعية والذي كان املغرب سباقا (إقليميا) في تبطويره
توج بدسترة الحماية الاجتماعية بدون تمييز وسن القانون املتعلق بالحماية الاجتماعية 77.80وغيرها
من القوانين واملبادرات والبرامج املهمة .إال أن واقع الحال ال يعكس هذه الدينامية وهو ما جاء في خبطاب
العر 8787وأكده الخبطاب امللكي الافتتاحي للدورة الخريفية للبرملان من نفس السنة وما تالها من
خبطابات .كما أشار تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني إلى وجود اختالالت بنيوية في أنيمة
الحماية الاجتماعية باملغرب مع وجود فرص وإمكانية التحقق.
ُ
الم يعتمااد املغاارب لحااد آلان مقتضيااات ملناهضااة التمييااز تحياال صراحااة علااى حمايااة ألاشااصاص فااي
وضعية إعاقة وعلى توفير الحماية الاجتماعية لهم إما في شكل مساعدة طبيااة وشاابه طبيااة أو في صورة
دخل أساس ي .فليااس هناااك لغايااة اليااوم أي نااص قانونااي أو تنييمااي خاص ينيم الحمايااة الاجتماعية
لألشااصاص ذوي إلاعاقااة ،والحال أن دستور 8700ينص في الفصل 35منااه علااى أن الساالبطات العموميااة
تقااوم "بوضااع وتفعياال سياسااات موجهااة إلااى ألاشااصاص والفئااات ماان ذوي الاحتياجااات الخاصااة .ولهااذا
الغاارض تسااهر خصوصااا علااى ( )...إعااادة تأهياال ألاشااصاص الذياان يعانااون ماان إعاقااة جساادية ،أو حسااية
حركيااة ،أو عقليااة ،وإدماجهاام فااي الحياااة الاجتماعية واملدنيااة ،وتيسااير تمتعهاام بالحقااوق والحريااات
املعتاارف بهااا للجميااع .وبذلك تصبح حقوق ألايخاص في وضعية إعاقة وحمايتهم حقا دستوريا ملزما
للدولة وليس عمال إحسانيا .وهو ما تم تبنيه في القانون إلاطار رقم 70.03املتعلااق بحمايااة حقوق
ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة والنهااوض بهااا والصادر في 80أبريل 8701بحمايااة حقوق حيث تنص املادة
1منه على وضع" نيام للدعم الاجتماعي والتشجيع واملساااندة لفائاادة ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة"،
لكاان علااى أن « ُيحاادد نيااام الدعاام الاجتماعي املذكااور وأشكاله ومصااادر تمويلااه وكيفيااات تدبيااره وشااروط
الاسااتفادة منااه بنااص تشااريعي»1.
ورغم أهمية هذا القانون الذي يعد مرجعا مهما لحماية هذه الفئة استجابة لالتفاقيات الدولية إال أنه
على حد تعبير ألاستاذ أحمد ايت إبراهيم 2كثير ألاعبطاب ،ومن بين ألاعبطاب التي ذكرها أنه لم يتم
التنصيص على جدولة زمنية لتنفيذه وبقي النص التشريعي بدون مدى زمني لدخوله حيز التنفيذ
والعبطب الثاني أن الفاعل العمومي املعني بتنزيل القانون كان يفترض فيه وضع مصبطط للتنزيل أسوة
ببايي القوانين ذات الصبغة التأطيرية للسياسات العمومية وهو مالم يتم حتى اليوم ،ولم تصدر2
نصوص تبطبيقية بالغة ألاهمية ذات صبغة تنييمية وتشريعية منها املواد()-83-87-01-04-03-7-0-1
:2اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة ،اللجنة املعنية بحقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة ،املالحيات الختامية بشأن التقرير ألاولي
للمغرب 2017CRPD/C/MAR/CO1 .النقبطتان 45-43
:7أحمد ايت إبراهيم أستاذ وباحث في قضايا إلاعاقة والتربية الدامجة ،يشغل منصب رئيس مصلحة الاندماج الاجتماعي لأليخاص في
وضعية إعاقة بوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية واملساواة وألاسرة ،راكم بحكم وظيفته وأبحاثه تجربة وخبرة كبيرة.
337
وتجدر إلاشارة أن هذه املواد لها ارتباط مباشر بإعمال الحقوق كالدعم الاجتماعي واملساندة والخدمات
والشغل والسكن والتمدرس وببطاقة إلاعاقة.
كما أن هناك تأخر واضح في إرساء منيومة جديدة لتقييم إلاعاقة لتسليم الببطاقة كما هو منصوص
عليه في املادة 83من القانون إلاطار ،ذلك أن املشرع وضع تعريفا جديدا لإلعاقة ينتمي إلى النموذج
النسقي التفاعلي ،في حين تسلم شهادة إلاعاقة اليوم وفق تعريف قديم للقانون 70.78الذي يعتمد على
النموذج البطبي .إضافة للتأخر في إرساء منيومة معلوماتية كسجل وطني لإلعاقة وكذلك التأخر في إخراج
نيام للدعم الاجتماعي واملساندة املنصوص عليه في املادة 1من نفس القانون وهو النيام الذي
سيتضمن على ألاقل 03خدمة للدعم الاجتماعي لأليخاص في وضعية إعاقة .وقد ترتب عن ذلك عدم
إدراج مكون إلاعاقة في الصيغة الحسابية للمؤشر الاجتماعي لتنقيط ألاسر في السجل الاجتماعي املوحد
علما أن الدراسة بينت أن إلاعاقة تفقر ألايخاص وأسرهم ،وأن السجل الاجتماعي املوحد هو آلالية
التي ستعتمد الستهداف ألاسر املستفيدة من الدعم الاجتماعي من خالل تنقيبطها وإعبطائها مؤشرا
اجتماعيا والتي تشرف عليها إلادارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية من أجل ترشيد
الدعم العمومي .وبقي قانون الرعاية الاجتماعية 70.78مفعال ومرجعا وهو ما وصفه أحمد آيت إبراهيم
باملفارقة غير مقبولة فالقانون الجديد رغم أهميته لم يتم تنزيله وتنفيذه بالشكل الصحيح واملبطلوب في
هدر زمني واضح.
كما أن املغرب لم يضع بعد تشريعا مناهضا للتمييز أو منيومة للحماية الاجتماعية خاصة بهذه الفئة
أو نصا تنييميا يتالءم مع خصوصيتها الش يء الذي يجعلها عرضة للمصاطر وإلاقصاء والتهميش في تجاوز
لكل القوانين الدولية والوطنية وفي ضرب صارخ ملبدأ إلانصاف والعدالة الاجتماعية .ولعل ذلك ما دفع
اللجنة ألاممية في دورتها 8700/02إلى إبداء قلقها بشأن هذه الفئة باملغرب (أشرت إليه في املقدمة).
كما تم إصدار القانون إلاطار 77-80املتعلق بالحماية الاجتماعية تماشيا مع الفصل 00من الدستور
املغربي لسنة ( 8700والذي ينص على أن للبرملان صالحية التصويت على قوانين تضع إطارا لألهداف
ألاساسية لنشاط الدولة ،في امليادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية) وبهذا يعتبر القانون
إلاطار املتعلق بالحماية الاجتماعية ،قانونا يضع إطارا لألهداف ألاساسية لنشاط الدولة في امليدان
الاجتماعي .وكونه قانون إطار يعني أنه يكتسب قوة إلزامية أكبر من بايي القوانين العادية ،فقوانين إلاطار
يتم تداولها باملجلس الوزاري مما يجعله يسمو في تراتبية النصوص القانونية على التشريعات وألانيمة
سواء تلك التي ينص عليها ،أو بايي القوانين العادية التي ترتبط به .إن التنصيص على أهداف الحماية
الاجتماعية في قانون إطار من شأنه أن يحدد الرؤية على املدى
البعيد ،ويضمن التبطبيق ألامثل ملستلزماته ويؤمن استمراريته باعتباره مرجعية تشريعية ملزمة في اتصاذ
النصوص التشريعية والتنييمية الالزمة لبلورة ألاهداف والتوجيهات واملبادئ1
:07عبد املنعم ألانصاري :قراءة في القانون إلاطار 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية مؤلف جماعي حول :الحماية الاجتماعية والنموذج
التنموي الجديد مقاربات ودراسات نقدية مقارنة ،مرجع سابق ص82
338
إن تحديد الهدف من القانون إلاطار باعتباره إطارا قانونيا يستهدف حماية بعض الفئات املجتمعية التي
ظلت خارجة عن الاستفادة من حق الحماية الاجتماعية ،وإشارة املادة الرابعة من القانون إلاطار إلى أنه
يعد مكمال لالستراتيجيات والبرامج ألاخرى املتعلقة بالحماية الاجتماعية ،يبين أن القانون إلاطار املتعلق
بالحماية الاجتماعية ال يعد إطارا شامال لتغبطية الحق في الحماية الاجتماعية لجميع الفئات املجتمعية
وهو ما يدل على عدم شموليته لكل املواطنين وهي نقيصة ينبغي تداركها.
فرغم انبطالقه من مرتكزات الخبطاب امللكي ل 7أكتوبر 8787إال أن هذا القانون تبنى موقفا مصتلفا من
الحماية الاجتماعية باقتصاره على مشروع "التوسيع" عوض مشروع "التعميم" الذي تحدث عنه
الخبطاب واعتماد التأمين إلاجباري عوض التغبطية الصحية إلاجبارية وربط التمويل بإصالحات صندوق
املقاصة والهبات والوصايا باعتبارها موارد قارة (وهي غير قارة)
كما أن هذا القانون لم ينص على مسؤولية الدولة عن أعمالها في مجال الحماية الاجتماعية ،خاصة
أنه لم ينص صراحة على التزام الدولة املغربية تحقيق الهدف املعلن في القانون إلاطار ،واملبادئ املؤطرة
له وتجدر إلاشارة كذلك إلى أن الفرق واملجموعات النيابية لم تقدم أي اقتراح تعديل على مشروع
القانون 77.80وتم التصويت على مواده وعلى املشروع برمته باإلجماع كما أحيل من مجلس املستشارين.
ألامر الذي يبطرح من جهة سؤال جودة النص التشريعي ،ومن جهة أخرى سؤال توفر ألاحزاب السياسية
على كفاءات وقدرات كفيلة بضمان الاحتياجات الحقيقية للمواطن املغربي في املجال الاجتماعي1
ويأتي إصدار هذا القانون إلاطار في سياق مؤشرات تبين هشاشة وعدم إنصاف منيومة الحماية
الاجتماعية املغربية نتيجة تراكمات السياسات والبرامج العمومية املتبعة على مدى عقود والتي افتقرت
للنجاعة والفاعلية ،أبرزها سياسة التقويم الهيكلي وما خلفته من مضاعفات اجتماعية نتيجة تقليص
املوارد املالية العمومية املوجهة للقبطاعات الاجتماعية وسياسة التقشف التي فرضتها املؤسسات املالية
الدولية ،وهي التداعيات التي اعترف بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و التي شكلت نقبطة تحول
في تاريخ املغرب ،عرف بعدها تراجعا على مستوى تدخل الدولة في املجال الاجتماعي.
أما بالنسبة للنموذج التنموي الجديد فقد شكلت الحماية الاجتماعية أولوية لتحقيق إلاقالع التنموي
املنشود ،وكانت في صلبه سواء كان ذلك على مستوى التشخيص ،حيث تم إلاقرار بواقع يتسم بضعف
آليات الحماية الاجتماعية ،وبكون هذه ألاخيرة ال تزال في بدايتها ،أو كان على مستوى املقترحات واملحاور
الاستراتيجية للتحول ،حيث تمت الدعوة إلى تسريع إنشاء قاعدة موسعة وفعالة للحماية الاجتماعية،
وانبطلق ا لنموذج الجديد من ضرورة ارتكاز الحماية الاجتماعية على عقد اجتماعي يجعل الدولة
واملواطنين يتحملون مسؤولياته م ،ويميز ما بين حماية أساسية معممة على جميع املواطنين ،وحماية
خاصة تستهدف الفئات ألاكثر هشاشة مثل الفقراء وألايخاص في وضعية إعاقة .ومقابل التزام الدولة
339
يدعوا النموذج إلى التزام مماثل من قبل املواطنين في تمويل الخدمات العمومية والحماية الاجتماعية
من خالل إض فاء البطابع املنيم على ألانشبطة املهنية وأداء الضرائب وبايي املساهمات الاجتماعية1
.0الحماية الاجتماعية لألشخاص في وضعية إعاقة باملغرب :إكراهات الواقع وسبل التجاوز
ُيقاادر عاادد ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة باملغاارب بحوالي 8،8مليون يخص أي بنسبة انتشار تبل 1،2
فااي املائااة ماان إجمالااي الساااكنة في املجتمع ،حسااب مااا جاااء فااي البحااث الوطنااي الثانااي حااول إلاعاقااة
باملغاارب الااذي أنجزتااه وزارة التضاماان وامل ارأة وألاساارة والتنميااة الاجتماعية .وارتااكازا علااى معبطيااات
إلاحصاااء العااام للسااكان والسااكنى لسنة 8705حااددت املندوبيااة السااامية للتصبطيااط ماان جانبهااا نساابة
انتشااار إلاعاقااة فااي املجتمااع فااي 4،0في املائااة ماان مجمااوع عاادد الساااكنة.
ورغم تزايد عدد ألايخاص في وضعية إعاقة ووجود قوانين وبرامج وتنوع املشاريع التي تهم هذه الفئة
إال أن الواقع مثقل باإلكراهات وهذه الفئة لم تحض بعد بحماية اجتماعية كفيلة بحمايتها من املصاطر
الاجتماعية والثقافية والبيئية كما هي منصوص عليها في الاتفاقيات الدولية ولم يرق الواقع بعد إلى ما
ترفعه الدولة من شعارات من خالل خبطابها الرسمي ألامر الذي يتبطلب مزيدا من العمل الجاد واملسؤول
ألن إمكانية إلاصالح تيل ممكنة لتدارك ما يمكن تداركه.
أ :إلاعاقة باملغرب :واقع مثقل باإلكراهات
تعتباار ألارقااام املدلى بها سابقا حول عد ألايخاص في وضعية إعاقة ونسبة انتشار إلاعاقة باملغرب" أقاال
بكثياار ماان املعاادالت املس اجلة علااى املسااتوى العاملااي .فحسااب منيمااة الصحااة العامليااة يعيااش حوالي 07في
املائااة ماان سااكان العالاام أي تقريبااا 147مليون نسمة بنوع ما من إلاعاقة ،وتشكل هذه الفئة أكبر أقلية
تعاني من الهشاشة في العالاام"2
هذه الفئة كغيرها من فئات املجتمع املغربي تعاني الفقر والهشاشة وغياب آليات الحماية الاجتماعية
املناسبة لكن خصوصية إلاعاقة وإلاكراهات واملعيقات التي تواجهها تجعل واقعها أكثر قتامة.
إن خيارات املغرب وسياساته في مجال الحماية الاجتماعية ال تتوافق مع مضمون الاتفاقيات والتوصيات
الدولية السابقة الذكر أو لم تنضج بالشكل الكافي الذي يجعله قادرا على الوفاء بالتزاماته القانونية بعد
املصادقة على هذه الاتفاقيات ،باإلضافة إلى الصعوبات التي تجدها الحكومات في إقناع شركائها من
القبطاع الخاص لالنصراط في السياسات الاجتماعية التي تتبطلبها اتفاقيات منيمة العمل الدولية ،ناهيك
عن التكلفة الاقتصادية التي يستلزمها تنزيل هذه الاتفاقيات على أرض الواقع.
هناك خلال بنيويا يعتري سياسات الحماية الاجتماعية الوطنية "أال وهو غياب الرؤية املندمجة التي تجعل
من الحماية مشروعا تنمويا لتثمين الفاعل والرابط الاجتماعيين ،عكس ألاطروحة الرسمية التي تتأسس
على خلفية اقتصادية تحرص الدولة فيها على عدم إلانفاق املباشر على التنمية الاجتماعية ،ما يحول
:0ميلود الرحالي "مشروع تعميم الحماية الاجتماعية بين ثقل الواقع وتوصيات الوثائق الرسمية ،نفس املرجع ،ص 077
:2الحماية إلاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة إلاجتماعية ،مرجع سابق ص18
340
سياسات الحماية إلى مجرد مشاريع متجددة لتكثيف الخبطاب وتنويع املداخيل واملياهر ،دون قدرة
كافية على تحقيق الرعاية والحماية املبطلوبة"1
مع العلم أن هناك إمكانيات مادية حسب املجلس الاقتصادي والاجتماعي وحسااب تقرير صدر عاان
منيمة العمل الدولية بشأن إمكانيات تغبطية خدمات أرضيات الحماية الاجتماعية نقدا قياسا باملوارد
املتاحة (الضرائب واملساعدات إلانمائية العمومية) حيث يصنف املغرب من بين البلدان التااي تتوفاار على
إمكانيااة عاليااة للتغبطيااة النقديااة ألرضيااات الحمايااة الاجتماعية ،ولكنااه يصنااف أيضااا ضماان البلاادان التااي
لديهااا مسااتوى منصفااض ماان إلارادة السياسااية لالسااتثمار فااي القبطاااع الاجتماعي2
إن مبطلب البحث عن إعادة هيكلة وتنييم وتوزيع الثروة وتمويل ور الحماية الاجتماعية من أجل
ألامان الاجتماعي عملية معقدة خاصة بعد رببطها بالتمويل التضامني وتفكيك صندوق املقاصة .مما
يجعل مواردها غير قارة ،وفي ظل هيمنة وزارة الداخلية على تحديد الفئات املستحقة سيتحول مشروع
"السجل املوحد" أو جزء كبير منه على ألاقل إلى أداة للتحكم والريع الاجتماعي كما حدث مع غيره من
املشاريع والبرامج .كما أن الاشتغال في القبطاع الغير مهيكل يبطرح مشكال كبيرا تتجلى بوضوح أوجااه
القصااور والصعوبااات التااي تواجههااا منيومااة الحمايااة الاجتماعية فااي املغرب حيث تتساام املبااادرات
العموميااة فااي هااذا املجااال ببطابعهااا املتجاازئ وتعاادد البرامااج واملتدخلياان ومرجعيااات ألاهااداف وأساااليب
تقيياام النتائااج ،فااي غياااب أي تنساايق حقيقااي أو رؤيااة علااى املاادى البطوياال (وزارات التشااغيل ،والشااؤون
الاجتماعية ،واملاليااة ،واملصالااح التقنيااة املشاارفة وغيرهااا) .وينبطااوي هااذا الوضااع علااى مصاطاار تتعلااق بهاادر
الوقاات والكفاااءات ،وبعاادم تفعياال التوصيااات والغايااات املنبثقااة عاان الدراسااات التقنيااة ،أو الحااوار
الاجتماعااي ،أو مؤسسااات الحكامااة واملراقبااة كاملجلااس ألاعلااى للحسااابات .وتتساام منيومااة الحمايااة
الاجتماعية في املغرب بعدم انتيامها حول رؤية موحدة وأهداف متجانسة .وال توجااد آليااات للتضاماان أو
حتااى التكاماال بياان مكوناتهااا .وتواجااه هااذه املكونااات بشااكل فردي ودون تجانااس ،كل فااي إطاااره املؤسسااي
الخاااص ومعاييااره التقنيااة ونيامااه الخاااص للحكامااة الرهانااات املتعلقااة بالتااوازن املالااي ،والاسااتدامة
وجااودة الخدمااات دون قاادرة أو توجااه نحااو حمايااة جميااع املواطنياان باادءا ً ماان ألاشااصاص والفئااات الهشااة
ضااد املصاطاار الاجتماعية والاقتصاديااة.3
أما بالنسبة لخيااار الدخل الشامل املنصوص عليه في الاتفاقيات والتوصيات الدولية وحسب تقرير
املجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيني فإنه ال يباادو فااي الوقاات الراهاان أم ارا ً قاباال للتنفيذ بالنسبة
للمغرب ،ألانسااب التوجااه نحااو اعتماااد دخاال أساسااي لفائاادة الفئااات الهشااة ،وفااق الوسااائل املتاحااة،
:1ميلود الرحالي :مشروع تعميم الحماية الاجتماعية بين ثقل الواقع وتوصيات الوثائق الرسمية ،مرجع سابق ،ص003
:04منيمة العمل الدولية :أرضيات الحماية الاجتماعية الشاملة :تقدير التكاليف والقدرة على تحمل التكاليف في 40دولة منصفضة
الدخل 8700ص 38
:01الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية ،مرجع سابق الصفحتين -35
34بتصرف
341
الساايما لفائاادة ألاطفااال ،وألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ،وألاشااصاص غياار املشاامولين بتغبطيااة صحيااة
وهو ما ال ينسجم مع توجهات منيمة العمل الدولية التي تؤكد اعتماد دخل أساس ي لفائدة الفئات
الهشة حتى تتمكن من توفير حاجياتها الضرورية.
إن إنصاف ألايخاص في وضعية إعاقة باعتبارهم جزء من النسيج املجتمعي ال يمكن عزله عن إنصاف
املغاربة ككل لذلك من الضروري الحديث عن منيومة الحماية الاجتماعية ككل إضافة لتدابير خاصة
بهذه الفئة تحقيقا ملبدأ تكافؤ الفرص.
إن املعمول به حاليا أن تنفيااذ آليااات للدعاام لفائاادة ذوي إلاعاقة يتم ماان خاالل املصالااح املصتصااة
(مؤسسااات ومراكااز الحمايااة الاجتماعية املكلفااة باألشااصاص ذوي إلاعاقااة أو ماان خااالل املبادرة الوطنيااة
للتنميااة البشاارية وبرنامااج تيسااير )...وعباار مساااهمة صناادوق التماسااك الاجتماعااي الذي تعتبر تعبئته آلالية
ألابرز لتنفيااذ البرنامااج الحكومااي فااي مجااال العنايااة باألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ويشمل هذا الصندوق
أربعااة محاااور للتدخاال:
تحسااين تماادرس ألاطفال في وضعية إعاقة (الخدمااات التربويااة والتأهيليااة والتكوينيااة والعالجيااة
الوظيفيااة التااي تقدمهااا الجمعيااات داخاال املؤسسااات املتصصصااة أو املؤسسااات التعليميااة
الدامجااة).
اقتناااء ألاجهاازة الخاصااة واملساااعدات التقنيااة ألاخاارى (ألاجهاازة وألانيمااة التااي يسااتعملها
الشااصص فاي وضعي اة إعاقااة ماان أجاال الوقايااة أو التصفيااف ماان حاادة العجااز).
تشااجيع الاندماااج املهنااي وألانشاابطة املاادرة للدخاال (إنتاااج مااواد أو خدمااات ماادرة للدخاال).
املساااهمة فااي إحااداث وتساايير مراكااز الاسااتقبال (تهيئااة وتجهيااز فضاااءات تابعااة للتعاااون الوطنااي
كمراكااز لالسااتقبال والتوجيااه وتقدياام خدمااات صناادوق دعاام التماسااك الاجتماعااي) .ورغم
أهمية هذا الصندوق إال أنه بدوره ال يصلو من اختالالت وعلى رأسها التمييز بين ذوي إلاعاقة
أنفسهم فهو موجه فقط للفئة الهشة والفقيرة التي تحتضنها املؤسسات وفق معايير غير منصفة
ودون تمييز بين مستويات إلاعاقة مع العلم أن هناك شرائح واسعة من هذه الفئة خارج
املؤسسات والجمعيات والتعاونيات بسبب العوائق املادية واملعنوية التي تجدها ألاسر والتي
تسبب عجزها عن إيجاد مؤسسات حاضنة ألبنائها فال غرابة إن أعرباات اللجنااة املعنيااة بحقااوق
ألاشااصاص ذوي إلاعاقة فااي مالحياتهااا الختامية التااي اعتمدتهااا فااي دورتهااا الثامنااة عشاار (-05
30غشاات)8700حااول إعمااال أحااكام اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة عاان قلقهااا بساابب
ارتفاااع نساابة ألاشااصاص ذوي إلاعاقااة الذياان ليااس لديهاام دخاال منتياام ،وعاادم وجااود نيااام
342
شااامل للحمايااة الاجتماعية يضماان لألشااصاص ذوي إلاعاقااة وألساارهم إمكانيااة الحصااول علااى
مسااتوى معيشااي الئااق ،بمااا فااي ذلااك مصصصااات ماليااة لتغبطيااة النفقااات املرتببطااة باإلعاقااة.1
لألسف فإن ثلثي ألايخاص ذوي إلاعاقة ال يستفيدون من أي نيام للضمان الاجتماعي في حين يستفيد
فقط 07،5فااي املائااة من ألايخاص في وضعية إعاقة من الحماية الاجتماعية وهو ولوج ضعيف
للمنيومة ،وحسب البحث الوطني حول إلاعاقة لسنة 8705فإن 17.2في املائة من ألايخاص في وضعية
إعاقة ال يستبطيعون الولوج إلى الخدمات الصحيااة باملغاارب ،وذلااك راجااع أساسااا ألسااباب ماليااة أو بساابب
عاادم وجااود مؤسسااة أو بنيااة طبيااة أو ُبعدهااا عنهاام ،كما أن أزيااد ماان ثلااث( 30،4فااي املائااة) ألاشااصاص
ذوي إلاعاقااة املتراوحااة مااا بياان املتوساابطة والعميقااة جدا يحتاجون ملعينات تقنية2.
أما الببطالة فهي ضاربة في صفوف هذه الفئة رغم تنصيص املشرع على تصصيص نسبة 0في املائة
لتشغيل ألايخاص في وضعية إعاقة ،وقد قادر معاادل التشااغيل لاادى ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة فااي
ساان النشاااط حسااب البحااث الوطني املشار إليه ب 03،1في املائة أي ما يقل بثالث م ارات عاان معاادل
التشااغيل على املسااتوى الوطنااي .ممااا يفاقاام إقصاااء هااذه الفئااة ماان الاسااتفادة ماان أنيمااة التغبطيااة
الاجتماعية .ويبرز البحث أن معاادل الببطالااة فااي صفااوف ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ماان متوساابطة
إلااى عميقااة جاادا يبل 10.04في املائة .أي 005575وهو معدل أعلى بساات م ارات ماان املعاادل الوطنااي.
وحسااب املصاادر ذاتااه ،فااإن النساااء فااي وضعيااة إعاقااة يواجهاان صعوبااات جمااة فااي مجااال التشااغيل ،إذ
يبل ا معاادل التشااغيل فااي صفوفهاان 8،0في املائة علااى الصعيااد الوطنااي .وتقاال حيااوظ حصااول إلاناااث
فااي وضعيااة إعاقااة علااى عماال بتسااع م ارات عاان حيااوظ الذكااور فااي وضعيااة إعاقااة (الذياان يبل ا معاادل
التشااغيل فااي صفوفهام 88في املائة) مع العلم أن الارتقاء بيروف العمل ضرورة ملحة ،من أجل ضمان
العيش الكريم لإلنسان ،والتقدم والتنمية املستدامة للمجتمع ،ألامر الذي يستدعي تكييف الاقتصاديات
الوطنية واملؤسسات الوطنية مع التغيير العالمي ،وكذا تكييف التغيير العالمي مع حاجيات البشر .لذلك
فإننا في حاجة اليوم إلى توفير مناصب الشغل للجميع3
ويبقى ذوي إلاعاقة أكثر حاجة للشغل لتحسين ظروفهم ،لكن فرصهم في إيجاد شغل نادرة .ورغم
املجهودات التي تقوم بها الدولة عبر اعتماد برامج مصتلفة لدعم قابلية التشغيل وإلادماج املنهي إالأن
343
النتائج املحققة ال تعكس املستوى املبطلوب والتزال دون الاحتياجات حسب تقرير اللجنة الخاصة
بالنموذج التنموي 1
من املعلوم أنه ال يمكن تحقيق نمو اقتصادي قوي ومحدث ملناصب الشغل مساهم في ترسيخ ركائز
مشروع الحماية الاجتماعية إال من خالل تأهيل الاقتصاد الوطني ،وتبطوير الاستثمار .لكن لألسف لم
تسمح وثيرة النمو الاقتصادي املسجلة لحد آلان باالستجابة للحاجيات ألاساسية املتزايدة للسكان ،وعلى
رأسها التشغيل ،بسبب عدة عوامل منها ما هو مرتبط بأداء املقاوالت ،ومنها ما تعود مسبباته إلى املحيط
الاقتصادي الوطني والدولي2
كما أن ألامر رهين أيضا بموقع الحماية الاجتماعية في السياسات العمومية واملكانة التي تمنحها هااذه
السياسااات للتماسااك الاجتماعااي ،وماادى قاادرة هااذه السياسااات علااى إرساااء مباادأ إلانصاااف فااي إعااادة
توزيااع الثااروة ،وتوزيااع أعباااء تموياال الحمايااة الاجتماعية بياان الضرائااب ،واملداخياال املتأتيااة ماان رأس املااال
وماان الثااروة وتلااك املسااتمدة ماان الشااغل.3
إن ما تقوم به مؤسسات الدولة رغم أهميته ال يلبي حاجيات ذوي إلاعاقة وأسرهم ولم يرق بعد لتبطلعات
الجمعيات العاملة في مجال إلاعاقة نيرا لببطئه إكراهات تنزيله.
وقد صرحت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية واملساواة وألاسرة في كلمة لها خالل الاجتماع الثاني
للجنة املنبثقة عن اللجنة الوزارية املكلفة بتتبع تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج املتعلقة بالنهوض بحقوق
ألايخاص في وضعية إعاقة على عزم الوزارة على إعداد املصبطط الوطني الثاني لتنفيذ السياسات
العمومية 8781/8788على ضوء مصرجات الدراسة التقييمية ملصبطط العمل الوطني للنهوض بحقوق
ألايخاص في وضعية إعاقة 8780/8700مع إشارة إلى أنه تم إعداد مشروع مرسوم إلصدار الببطاقة
املنصوص عليها في املادة 83من قانون إلاطار وهذا يدل على طول املسافة الزمنية بين إصدار القوانين
وإطالق املشاريع وتنفيذها ناهيك عن الاختالالت التي تبطبع التنزيل.
ب :سبل التجاوز
خلااص املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني إلااى نتيجااة رئيسااية مفادهااا أنااه ليااس هناااك مزيااد ماان
الوقاات لنضيعااه :إن املغاارب بحاجااة إلااى إصاالح جدري ملنيومتااه الخاصااة بالضمااان واملساااعدة
الاجتماعيياان ،بمااا يكفاال لااه تمكياان املواطنااات واملواطنياان ماان تغبطيااة الئقااة فااي جميااع مراحاال حياتهاام.
:87النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع ،اللجنة الخاصة بالنموذج
التنموي ،التقرير العام ،أبريل8780ص87
:2عبد النبي يشو ،ألاشكال الجديدة للتشغيل وسؤال الحماية الاجتماعية :الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد ،مقاربات
ودراسات نقدية مقارنة ،مرجع سابق ص27
:3الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية ،مرجع سابق ،ص00
344
فاإلنسان خلقه هللا تعالى ليكرم وسخر له ما في ألارض جميعا فال ينبغي إهانته وقهره بل يجب أن توفر
له ظروف حياتية مالئمة ووسائل عيش كفيلة بحمايته اجتماعيا انسجاما مع حقوقه البطبيعية وتفعيال
الدولية. للمقتضيات
إن إرساء نيااام للحمايااة الاجتماعية لألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة أماار ضااروري وممكاان فااي آلان ذاته
حيث دعت منيمااة العماال الدوليااة فااي توصيتهااا رقاام( 878بشأن أرضيات الحماية الاجتماعية
)8708الدول إلى إرساااء أرضيااات الحمايااة الاجتماعية والتااي تشاامل ضمانااات أساسااية ماان الضمااان
الاجتماعااي الساايما توفياار أماان الدخاال ألاساسااي ،علااى ألاقاال عنااد املسااتوى ألادنااى املحاادد علااى الصعيااد
الوطنااي لألشااصاص فااي ساان العماال غياار القادرياان علااى كسااب دخاال كاف ،ال ساايما فااي حالااة املاارض
والببطالااة وألامومااة وإلاعاقة.
وقااد قاادرت آلاليااة العامليااة الحتساااب كلافاة أرضيااة الحمايااة الاجتماعية التااي وضعهااا مكتااب العماال الدولي
سنة 8702تكلفااة تقدياام إعانااات تعااادل 077فااي املائااة ماان عتبااة الفقاار لفائاادة جمياع ألاشااصاص ماان
ذوي إلاعاقااة العميقااة في 7،3في املائة من الناتج الداخلي الخام1
وينبغااي ق اراءة نساابة هااذه التكلفااة ( 7،3في املائة من الناتج الداخلي الخام) في ضوء التكلفة
8في املائة املترتبااة عاان إقصاااء ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ماان سااوق الشااغل والتااي تبل ا نساابتها
من الناتج الداخلي الخام و 3في املائة ماان مجمااوع الاسااتهالك الساانوي لألساار حسب ما جاء في الدراسة
التي جاارى إنجازهااا ببطلااب ماان التحالااف ماان أجاال النهااوض بحقااوق ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقة وتم
نشرها سنة.8707
فإلااى جانااب مااا سيساامح بااه ماان إعمااال للحقااوق إلانسااانية لااذوي إلاعاقااة ،ماان شااأن الاسااتثمار فااي إلادماااج
الاجتماعااي لألشااصاص حاملااي إلاعاقااة والنهااوض بمشاااركتهم فااي سااوق الشااغل أن يكااون لااه وقااع اقتصااادي
إيجابااي علااى مجمااوع املواطنين2
إن تمكين ألايخاص في وضعية إعاقة من الحماية الاجتماعية رهين باتصاذ مجموعة من التدابير منها:
تعميم التغبطية الصحية ألاساسية حيث يدعااو املجلااس الاقتصااادي والاجتماعي والبيئااي مجمااوع
أصحاااب الق ارار واملتدخلياان فااي السياسااات العموميااة إلااى الحاارص علااى احت ارام وإعمااال املبااادئ
ألاساسااية التااي تقااوم عليهااا التغبطيااة الصحيااة ألاساسااية كمااا أقرهااا الفصاال30ماان الدسااتور
والقانااون بمثابة مدونة التغبطيااة الصحيااة ألاساسااية والتي تستوجب استفادة كل املواطنياان علااى
قاادم املساااواة ماان الحااق فااي العاالج والعنايااة الصحيااة والحمايااة الاجتماعية والتغبطيااة الصحيااة.
345
من املهاام أيضااا إرساااء فااروع جدياادة للضمااان الاجتماعااي تتضماان خدمااات جدياادة لتمكياان
ألافراد ماان مواجهااة مصاطاار كباارى غياار مشاامولة بالضمااان الاجتماعااي بشااكل كاف أو غياار مشاامولة
بااه إطالقاا (حااوادث الشااغل وألام اراض املهنيااة فقاادان الشااغل والببطالااة ،وألاطفااال واملساانون
باادون دخاال ،ووضعيااة إلاعاقااة) .إن وضعيااة املغاارب فاايمااا يتعلااق بهااذه املصاطاار مثياارة للقلااق .ففااي
غياااب تغبطيااة هااذه املصاطاار ال تملااك اململكااة حتااى اليااوم أرضيااة للحمايااة الاجتماعية تنسااجم مااع
مبااادئ الشاامولية والتحسااين املسااتمر ملسااتوى الخدمااات الاجتماعية ،التااي يدعااو إليهااا املجتمااع
الدولااي اليوم.
ُ
لقد شااكلت الحمايااة الاجتماعية موضااوع نقااا دولااي انبثقاات عنااه فكاارة الدخاال ألاساسااي امل َع َّماام
وغياار املشااروط .وترتكااز هااذه الفكاارة علااى مباادأ مفاااده أنااه بمااا أن الحمايااة الاجتماعية حااق
َّ
أساسااي ماان حقااوق إلانسااان ،وأن لااكل شااصص حقااوق علااى املجتمااع ،فيجااب أن ُي َوفاار لااكل
مواطاان وساايلة عيااش نقديااة ،وذلااك دون أي مقاباال وهو ما أشار إليه تقرير املجلس الاقتصادي
والاجتماعي والبيني ولكن يرى أنه غير قابل للتحقيق حاليا الش يء الذي يترتب عنه البحث عن
آليات لتمويل ور الحماية الاجتماعية بشكل مضمون ومستدام ويقتض ي ذلك تصصيص
ميزانية للحماية الاجتماعية بموارد قارة يتاام إلحاقهااا بقانااون املاليااة وتصضااع للمراقبااة
الديمقراطيااة والتصوياات ماان لاادن غرفتااي البرملااان ،بعااد التش ااور مااع الشااركاء الاجتماعيياان وإبااداء
املجلااس الاقتصااادي والاجتماعااي والبيئااي لرأيااه بشأنها .وذلك لتحقيق فكرة الدخل ألاساس ي
املعمم وغير املشروط ألنه السبيل ألاساس ي لحفظ كرامة ألايخاص في وضعية إعاقة.
استكمال إلاطااار القانونااي والتنييمااي لحمايااة ألاشااصاص في وضعيااة إعاقااة ووضع تدابياار ردعيااة
ألشااكال العنااف وسااوء املعاملااة والتمييااز إزاء هااذه الفئااة ماان ألاشااصاص ،سااواء داخاال ألاساارة أو
في أماكاان العماال أو فااي مااا يتصاال بالولااوج إلااى التشااغيل والخدمااات العموميااة.
العماال علااى تفعياال املقتضااى التشااريعي املحاادث لنيااام للدعاام الاجتماعااي والتشااجيع واملساااندة
لفائاادة ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة تفعيال للمادة 1من القانون إلاطار 70-03وقد حدده تقرير
املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني 8702في مدة سنة لم يتم الالتزام بها حتى آلان.
-القضاااء علااى أشااكال التمييااز فااي حااق هااذه الفئااة فااي أنيمااة التأمياان إلاجباريااة والتكميليااة التااي
تتولااى تدبيرهااا شااركات القبطاااع الخاااص ،وإلغاااء البنااود التااي تااؤدي إلااى إقصائهاام ماان هااذه ألانيمااة
وتبطوي ار خدمااات املساااعدة الاجتماعية لألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة علااى املسااتوى املحلااي
والجهااوي والوطنااي -تفعياال إحااداث مراكااز اسااتقبال وتوجيااه ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة
والحاارص علااى التعريااف بهااا مااع العماال علااى ضمااان تكوياان مساابق ومسااتمر للمهنيياان املشاارفين
عليهااا ،وتعمياام هااذه املراكز على مجمااوع الت اراب الوطنااي وفتااح الولااوج إليهااا فااي وجااه الجميااع
(مباادأ الولااوج الشااامل).
346
إحااداث تصصصااات مهنيااة فااي مجااال التكفاال باألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة (مهاان الاسااتقبال،
تساايير املؤسسااات املوجهااة لااذوي إلاعاقااة ،املشاارفون التربويااون املصتصااون).
ا وضااع ونشاار مؤش ارات لتقيياام وتتبااع وضعيااة ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة وتدابياار الحمايااة
الاجتماعية املصصصااة لهاام ،مااع تسااليط الضااوء علااى املعبطيااات املتعلقااة باألشااصاص حاملااي إلاعاقااة
ضماان مؤش ارات تتبااع إعمااال أهااداف التنميااة املسااتدامة.
العمل على الرفع من نسبة تشغيل هذه الفئة في القبطاعين العام والخاص وتعزيز حماية
ألايخاص في وضعية إعاقة من الفصل التعسفي من الشغل ،وتعزيز حقهم في التيلم.
ماان املهاام أيضا أن يتاام وضااع برامااج املساااعدة الاجتماعية وتنفيذها بمااا يتماشااى مااع مبااادئ
احت ارام كرامااة ألاف اراد وحقوقهاام ألاساسااية ،فااي إطااار منبطااق لإلدماج والوقايااة ماان مياهاار التمييااز
والتقليااص ماان حدتهااا ،والعماال ماان أجاال ترساايخ تكافااؤ الفاارص ،وليااس فقااط فااي إطااار منبطااق
إلاحسان والتعاطااف ماان أجاال التصفيااف ماان مياهاار الحرمااان.
إعااداد استراتيجية وطنيااة يتاام إكسااابها الصفااة التشااريعية ماان خالل إصدارهااا فااي شااكل قانااون
إطااار تنبثااق عاان حااوار اجتماعااي وطنااي وتكااون بمثابااة ميثاااق أجيااال ،وهادفااة إلااى تعمياام الحمايااة
الاجتماعية والتحسااين املسااتمر ملسااتويات التأمياان ،ارتااكازا علااى إقامااة تااوازن واضح ودينامي بياان
حاجيااات الباالد فااي مجااال الحمايااة الاجتماعية وبياان مااا تتوفاار عليااه ماان مااوارد .ويجب إشراك
مؤسسات املجتمع املدني الوطنية والجهوية العاملة في مجال إلاعاقة نيرا ملواكبتها لهذه الفئة
وتتبع ظروفها عن قرب من خالل الجمعيات العاملة في مجال إلاعاقة.
إن تفعيل القوانين وإرساء ألاورا التي ستمكن ألايخاص في وضعية إعاقة من التمتع
بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رهين بارتكاز السلبطات العمومية في سياساتها على
مبادئ عمل ملموسة وقابلة للقياس ورهين أيضا بوضع هندسة حكومية جديدة لتموقع القبطاع
املكلف باإلعاقة بصلفية سياسية ورؤية استراتيجية استشرافية تضمن إلالتقائية والتنزيل
الترابي ،مع إلاسراع بإرساء قبطب اجتماعي قوي بأقبطاب اجتماعية جهوية وال سيما تجميع وكالة
التنمية الاجتماعية والتعاون الوطني ومكتب تنمية التعاون لتكوين قبطب اجتماعي فعال وناجع
وهو الدمج الذي سيمكن من تقوية وتكامل الصالحيات وتعاضد املوارد وترشيد العمل الاجتماعي
لتنزيل السياسات والبرامج الاجتماعية وتكون ألاقبطاب الاجتماعية الجهوية مواكبة للجماعات
الترابية ومنشبطة بجانب السلبطات على املستوى الترابي .حسب تعبير ألاستاذ أحمد آيت إبراهيم
الذي يواكب كل املستجدات املتعلقة باإلعاقة من خالل مهامه في الوزارة.
خاتمة
إن الحماية الاجتماعية ال تنبع من قيم التعاطف والكرم وإلاحسان بل إنها حق ودين لكل فرد على
املجتمع ومن واجب الدولة ضمان إعماله ،فنصرة املستضعفين وعلى رأسهم ذوي إلاعاقة يجب أن تصبح
347
عقيدة دولة وليس شعارا سياسيا .وتجدر إلاشارة إلى أن الحديث عن الحماية الاجتماعية عموما ال يمكن
فصله عن العدل في توزيع الثروات ،وأن عدل القسمة وعدل الحكم متالزمان فالحديث عن حماية
اجتماعية حقيقية دون حديث عن التنمية والديمقراطية فالحماية الاجتماعية تتبطلب إرادة سياسية
وقدرة على إلانصات لصوت املواطنين ومالمسة همومهم والقوة في اتصاذ القرار املناسب في الوقت
املناسب وتفعيله بنجاعة .وال ينبغااي اعتبااار محدوديااة املااوارد الاقتصاديااة عقبااة أساسااية باال محف ازا
إضافيااا لتبطوياار الحمايااة الاجتماعية بوصفهااا أداة ،بل يجب مالئمة السياسات العمومية املتعلقة
بالحماية الاجتماعية لذوي إلاعاقة مع املعايير الدولية وحاجيات املجتمع لحمايتهم من املصاطر املحتملة.
صحيح أن الخبطاب الرسمي(كما عالجنا في هذا املقال) يولي أهمية واضحة لحماية ألايخاص في وضعية
إعاقة لكن التوصيات الدولية وكذا توصيات املجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيني بهذا الشأن لم تر
النور ،وكما تبين من خالل هذا املقال فإن هذه الفئة لم تنعم بعد بالحماية الاجتماعية وال زالت مجرد
حلم يراودها ألن ما تحقق على املستوى التشريعي وعلى مستوى السياسات العمومية ليحتاج ملزيد من
الفاعلية والنجاعة حتى يستجيب لتبطلعات هذه الشريحة املشروعة ألامر الذي يتبطلب إرادة سياسية
كفيلة بتدليل العقبات من أجل إنصاف هذه الفئة وضمان تكافؤ الفرص بين املواطنين.
الئحة املراجع:
اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة ،اللجنة املعنية بحقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة،
املالحيات الختامية بشأن التقرير ألاولي للمغرب.2017CRPD/C/MAR/CO1
منيمااة العماال الدوليااة ،التقرياار العاملااي للحمايااة الاجتماعية :8700-8707حمايااة اجتماعيااة
شاااملة لتحقيااق أهااداف التنمية املسااتدامة .8700
منيمااة العماال الدوليااة ،أرضيااات الحمايااة الاجتماعية الشاااملة ،تقدياار التكاليااف والقاادرة علااى
تحمل التكاليف في 40دول منصفضة الدخل .8700
القانااون إلاطااار رقاام 03-70املتعلااق بحمايااة حقااوق ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة والنهااوض بهااا
الصااادرة ،الجرياادة الرساامية عاادد 1511في 80أبرياال .8701
القانون إلاطار رقم 77.80املتعلق بالحماية الاجتماعية ،الجريدة الرسمية عدد 1704بتاريخ 4
أبريل .8780
الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال ،الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة
الاجتماعية ،تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ،إحالة ذاتية رقم 8702/35إعداد
لجنة القضايا الاجتماعية والتضامن طباعة كانابرانت.
الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد :مقاربات ودراسات نقدية مقارنة ،تنسيق إبراهيم
بلوح ويونس املجدوبي ،إلاصدار ألاول دجنبر 8788
348
املناولة وعالقات الشغل من أجل النهوض بالعمل الالئق وإلاستدامة ،تقرير املجلس إلاقتصادي
وإلاجتماعي والبيني رقم8702-33
النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه
للجميع ،اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي ،التقرير العام ،أبريل.8780
البحث الوطني حول إلاعاقة الااذي أنجزتااه وزارة التضاماان وامل ارأة وألاساارة والتنميااة فبراير .2014
دراسااة حااول التكلفااة الاقتصاديااة إلقصاااء ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ماان سااوق الشااغل
باملغاارب ،مكتب دراسات L.G consultingلحساااب التحالااف ماان أجاال النهااوض بحقااوق
ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ،أبرياال8700
رأي املجلااس الاقتصااادي والاجتماعااي والبيئااي حااول مشااروع القانون إلاطار 70.03املتعلق بحماية
حقااوق ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة والنهااوض بهااا إحالااة رقاام8704/04
349