You are on page 1of 349

1

‫الكتاب‪ :‬الدولة الاجتماعية في املغرب‪ :‬دالالت املفهوم وتجلياته في البرامج والسياسات‬


‫العمومية‬
‫املؤلف‪ :‬إشراف ميلود الر حالي وادريس شكربة‬
‫إلاصدار ألاول‪ :‬شتنبر ‪0202‬‬
‫إلايداع القانوني (ردمك)‪7-2-9920-8802-879 :‬‬
‫البريد إلالكتروني‪cemrap.contact@gmail.com :‬‬
‫املوقع إلالكتروني‪www.cemrap.org :‬‬

‫‪2‬‬
‫مؤسسة بحثية في مجال السياسات العامة تسعى إلى إثراء الثقافة وإشاعة املعرفة والنهوض‬
‫بالبحث العلمي واملساهمة في صناعة القرارات وصياغة السياسات من خالل الدراسات‬
‫وألابحاث‪ ،‬وهو مؤسسة مستقلة وغير ربحية ومنفتحة على كل الرؤى وحريصة على تعزيز‬
‫أواصر التعاون مع كل الفاعلين والباحثين‪.‬‬
‫يهدف املركز إلى‪:‬‬
‫‪ ‬تشجيع البحث العلمي والدراسات حول قضايا املغرب‪ ،‬وتحليل السياسات العامة‪،‬‬
‫ودراسة السيناريوهات‪ ،‬وإعداد البدائل املنسجمة مع مصالح املغرب‪.‬‬
‫‪ ‬دراسة التجارب املقارنة في مجال السياسات العامة‪.‬‬
‫‪ ‬تقديم الخبرة والاستشارة وإبداء الرأي‪ ،‬خاصة في املجاالت السياسية والاقتصادية‬
‫والاجتماعية والثقافية‪.‬‬
‫‪ ‬قياس اتجاهات الرأي العام‪.‬‬
‫‪ ‬تشجيع التواصل بين الباحثين والفاعلين‪.‬‬
‫يقوم املركز بإعداد الدراسات وألابحاث والتقارير‪ ،‬وإصدار الكتب والنشرات والدوريات‬
‫واملبطبوعات املتصصصة‪ ،‬وتنييم الندوات واملؤتمرات وامللتقيات وأورا العمل والدورات‬
‫التكوينية في مجاالت اشتغاله‪ .‬كما يسعى إلى تنمية التواصل والتعاون مع مراكز الدراسات‬
‫وألابحاث الوطنية والدولية ذات الاهتمام املشترك‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫ألافكار الواردة في هذا الكتاب ال تعبر بالضرورة عن‬
‫رأي املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‬

‫‪4‬‬
‫فهرس محتويات الكتاب‬
‫تقديم‪70......................................................................................................................................................................................‬‬
‫أنساق ونماذج الدولة الاجتماعية‪ :‬سياق تبلور املفهوم‪ ،‬ومقاربات سوسيولوجية‬
‫يوسف عمراوي‪07.....................................................................................................................................................................‬‬
‫الدولة الاجتماعية كأفق للتفكير السوسيولوجي‪ :‬استراتيجية فاعلين أم إكراهات نسق‪.‬‬
‫عادل أيت بامو‪82......................................................................................................................................................................‬‬
‫الدولة الاجتماعية‪ :‬دالالت املفهوم في الفكر الليبرالي وفي السياق املغربي‪.‬‬
‫أحمد الصمدي‪54......................................................................................................................................................................‬‬
‫العدالة الاجتماعية من منيور نيريات العدالة الليبرالية‪ ،‬بروس أكرمان وأمرتيا ِسن ومارثا نوسباوم‬
‫محمد أوبلوش‪10.......................................................................................................................................................................‬‬
‫الدولة الاجتماعية» وإشكالية الرابط الاجتماعي في السياق املغربي‬
‫عبد الواحد خواض ي‪07............................................................................................................................................................‬‬
‫بناء الدولة الاجتماعية في سياق مبطالب الحركات الاجتماعية‪ :‬من حركة ‪ 87‬فبراير إلى حراك الهامش‬
‫عبد الواحد أوامن‪070..............................................................................................................................................................‬‬
‫الحراك الاجتماعي وأثره في تعديل تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية‪ :‬حركة ‪ 87‬فبراير نموذجا‬
‫زكرياء عصفور ‪002...................................................................................................................................................................‬‬
‫الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية باملغرب‪ :‬ألادوار‪ ،‬واملواقع واملواقف‬
‫عبد املولى عمراني‪035..............................................................................................................................................................‬‬
‫السياسات العمومية الاجتماعية مدخال لبناء الدولة الحامية‬
‫طارق الحجوجي‪055.................................................................................................................................................................‬‬
‫من دراسة الفقر إلى دراسة الفقراء‪ :‬ألابعاد الاجتماعية للتكييف‬
‫الطاهر بكني‪042........................................................................................................................................................................‬‬
‫مشروع تعميم الحماية الاجتماعية باملغرب‪ :‬الرهانات والتحديات‬
‫محمد رحوتي‪000......................................................................................................................................................................‬‬
‫دور الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية في ظل النموذج التنموي‬
‫محمد أهيري‪022......................................................................................................................................................................‬‬
‫البعد السوسيومجالي لالعدالة في الصحة‪ ،‬حالة الجماعة الترابية القليعة وسيدي بيبي‬
‫بدر الدين أيت العسري‪804....................................................................................................................................................‬‬
‫مساهمة املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر وتحقيق التنمية بين الواقع واملتوقع‬
‫عبد النبي يشو‪837................................................................................................................................................................‬‬
‫الاقتصاد التضامني ورهان إدماج القبطاع غير املهيكل للفئات الهشة‪ ،‬أي دور للحماية الاجتماعية؟‬
‫طارق مرزاق‪843......................................................................................................................................................................‬‬
‫تجليات الدولة الاجتماعية باملغرب خالل أزمة كورونا‪ ،‬بين التدابير الحكومية وإكراهات الواقع‬
‫رداد شمالل ‪812.....................................................................................................................................................................‬‬

‫‪5‬‬
‫الحماية الاجتماعية ودورها في ترسيخ قيم املواطنة‪ .‬برنامج نيام التغبطية الصحية وبرنامج تيسير نموذجا)‬
‫عزيز لعيون‪820......................................................................................................................................................................‬‬
‫دور القضاء املغربي في التنمية الاجتماعية‪ :‬خاليا التكفل وصندوق التكافل نموذجا‬
‫مراد الرايشيي ‪375.................................................................................................................................................................‬‬
‫هشاشة النساء العامالت املنزليات وقضايا الولوج إلى الحماية الاجتماعية‬
‫حبيبة ملوك‪304....................................................................................................................................................................‬‬
‫إلاعاقة باملغرب وسؤال الحماية الاجتماعية‬
‫رجاء ملنبهي‪333......................................................................................................................................................................‬‬

‫‪6‬‬
‫تقديم‬

‫يحيل السياق الغربي مليالد مفهوم "الدولة الاجتماعية" على الوقوف على املفاصل التاريصية لتحول مهام‬
‫الدولة ووظائفها أمام تعقد البنيات الاجتماعية‪ ،‬وتوسع املصالح الاقتصادية‪ ،‬وتشابك الحسابات‬
‫الجيوستراتيجية‪ .‬إال أن إلاجماع حاصل بين املهتمين على أن جيل "الدولة الاجتماعية" إنما هو محبطة‬
‫واعية في إطار استكمال مفهوم "الرأسمالية العادلة"‪ ،‬التي تضمن مصالح الاستثمار وتحمي حقوق الفئات‬
‫الاجتماعية املحتمل سقوطها ضحية املضاربة والجشع‪ .‬وقد تعددت أوجه هذه الحماية من دولة إلى أخرى‪،‬‬
‫إال أنها لم تصرج عن حدين مؤطرين‪ :‬الحماية الاجتماعية والدولة الاجتماعية‪ .‬وإذا كان مفهوم الحماية‬
‫الاجتماعية واسع الانتشار في ألادبيات ألاممية‪ ،‬فإن مفهوم "الدولة الاجتماعية"‪ ،‬وإن كان له وجود في‬
‫أروقة إلاعالم والسياسة والقانون‪ ،‬فإنه يغيب في توصيف العديد من الدول الحديثة‪ ،‬مما قد ينفي عنه‬
‫دقة القياس ووحدة املؤشرات‪.‬‬

‫يكتس ي موضوع "الدولة الاجتماعية" في السياق املغربي الحالي‪ ،‬راهنية تجد مبرراتها ألاساسية في تبني‬
‫الخبطاب الرسمي لهذا املفهوم في التأسيس ملرحلة جديدة من التعاطي مع املعضلة الاجتماعية‪ ،‬كما تجدها‬
‫ِّ‬
‫في ضعف النقا العلمي ألاكاديمي املؤسس الذي ُي ِقلب املفاهيم في بعدها الكوني وخصوصياتها املحلية‪،‬‬
‫وفي سياقاتها املصتلفة‪ ،‬وفي اختالف مضامينها وتعدد تعاريفها‪.‬‬

‫إن مفهوم "الدولة الاجتماعية"‪ ،‬الذي يتم الحديث عنه اليوم في املغرب‪ ،‬ال يقوم على تصور واضح ومعلن‬
‫يمكن تناوله علميا ومنهجيا وفق أدوات البحث املعروفة‪ .‬وفي ظل غياب مؤشرات موحدة لتقييم املفهوم‬
‫وتميهراته‪ ،‬يمكن الرجوع إلى التصريحات الرسمية للنير فيها من مستويين‪ :‬أحدهما بنيوي يروم تقييم‬
‫السياسات العمومية في تعاطيها مع املسألة الاجتماعية‪ ،‬وتفكيك البرامج الكبرى وقياس مساهمة الدولة‬
‫في تحمل ألاعباء الاجتماعية في صورتها املتكاملة‪ ،‬بما فيها تأمين جميع املواطنين من املصاطر الاجتماعية‬
‫املتوقعة بغض النير عن حيثياتهم الاجتماعية وانتماءاتهم البطبقية‪ .‬وثانيهما تقني‪ ،‬يتعلق بتقييم القوانين‬
‫التي تتعلق بالجانب الاجتماعي‪ ،‬وبرصد حجم البرامج الاجتماعية ومساهمتها في تقليص الفقر والتأمين ضد‬
‫مصاطر املرض وفقدان الشغل والشيصوخة وغيرها‪.‬‬

‫يقف الباحث في املسألة الاجتماعية باملغرب‪ ،‬على تقدم ظاهر فيما يصص تنوع البرامج والتشريعات‬
‫املتعلقة بالشأن الاجتماعي‪ ،‬فلقد اعتمد املغرب منذ سنة ‪ 8774‬مشروع "املبادرة الوطنية للتنمية‬
‫البشرية"‪ ،‬وهو مشروع أريد له أن يستوعب كل الجهود‪ ،‬ويدمج كل التدخالت‪ ،‬ويوجه مجموع السياسات‬

‫‪7‬‬
‫الاجتماعية‪ .‬وما إن دخل هذا املشروع مرحلته الثالثة‪ ،‬مصلفا وراءه إنفاقا ماليا استثنائيا ما كان لجزء‬
‫ُ‬
‫منه أن يهدر دون محاسبة‪ ،‬حتى أعلن‪ ،‬سنة ‪ ،8700‬عن فشله في تحقيق طموح الفئات الاجتماعية‬
‫املحتاجة‪ ،‬مما أتى على جدوى النموذج التنموي في نسخته السابقة‪.‬‬

‫يفض ي بنا استعراض هذه الوقائع‪ ،‬إلى الوقوف على عزم الدولة دخول غمار جيل جديد من مسار معالجة‬
‫املعضلة الاجتماعية‪ ،‬إذ إن الخبطاب الرسمي كان يتحدث منذ سنة ‪ 8702‬عن مشروع "السجل الاجتماعي‬
‫املوحد"‪ ،‬الذي ُيفهم منه العزم على ضبط القوائم املستهدفة بالدعم وإلاعانة‪ ،‬لكن ما لبث أن تحول‬
‫للحديث عن "الدولة الاجتماعية" و "تعميم التغبطية الاجتماعية لجميع املغاربة"‪ ،‬وهو ما يبدو أمرا بعيد‬
‫املنال في ظل وجود بعض الاختالالت في املنيومة املقترحة‪.‬‬

‫وإذا كانت القضايا املتعلقة بمشروع "السجل الاجتماعي املوحد" منذ سنة ‪ ،8702‬ومسألة "الدولة‬
‫العمومي‪ .‬إال أن ذلك لم يأخذ‪ ،‬في تقديرنا‪،‬‬ ‫الاجتماعية" بعدها‪ ،‬قد مثلت أحد أبرز موضوعات النقا‬
‫حيه الكافي من النقا العلمي وألاكاديمي‪ ،‬سواء على مستوى تحليل مضامين املفهوم وحيثياته في السياق‬
‫الغربي‪ ،‬أو من حيث خصوصياته في السياق املغربي الحالي‪ ،‬خاصة بعد إعالن فشل النموذج التنموي‪،‬‬
‫وما واكب ذلك من آمال شعبية وخبطابات رسمية رفعت سقف التحدي الاجتماعي إلى أفق "تعميم الحماية‬
‫الاجتماعية لجميع املواطنين" وتحقيق طموح "الدولة الاجتماعية"‪.‬‬

‫وباعتباره مؤسسة تسعى إلى إثراء النقا وإشاعة املعرفة واملساهمة في توجيه السياسات العمومية‪ ،‬من‬
‫خالل الدراسات وألابحاث حول قضايا املغرب واملغاربة‪ ،‬وبمقاربات متعددة ومتنوعة تتحرى العمق‬
‫واملوضوعية‪ ،‬يعرض "املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات"‪ ،‬هذا املؤلف الجماعي ملزيد من النقا‬
‫العلمي الفعال والهادئ‪ .‬يهدف من ورائه إلى تقليب وجهات النير‪ ،‬والتقريب بينها‪ ،‬لعله يكون أرضية‬
‫أكبر‪ ،‬ولبنة في بناء قوة اقتراحية هادئة وبناءة تفض ي إلى تبني مقاربات جديدة من شأنها إلاسهام في‬ ‫لنقا‬
‫النهوض باملغرب وتنميته وتقدمه وازدهاره‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫املحور ألاول‬
‫الدولة الاجتماعية‪ :‬دالالت املفهوم‬

‫‪9‬‬
‫أنساق ونماذج الدولة االجتماعية‪ :‬سياق تبلور المفهوم‪ ،‬ومقاربات سوسيولوجية‬

‫يوسف عمراوي‬
‫باحث في علم الاجتماع‬

‫تقديم عام‬
‫شكل تاريخ املجتمعات الانسانية عبر مصتلف العصور وألازمنة وألامكنة‪ ،‬أحد أكبر املسارات التي تحمل‬
‫معها مصتلف ألاحداث والوقائع الاجتماعية‪ ،‬والتقلبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬وتغيير‬
‫أنيمة بأخرى‪ .‬كما أنه تاريخ مجموعة من اليواهر الاجتماعية كالفقر‪ ،‬والهشاشة والاقصاء‪ ،‬جعل‬
‫البشرية منذ ألازل تعمل على تسخير كل مواردها املمكنة في محاولة لتحقيق ألامن والاستقرار‪ ،‬خاصة‬
‫حاجياتها الضرورية‪ ،‬وتنييم نفسها اجتماعيا واقتصاديا من خالل احترام الاعراف السائدة املعمول بها‬
‫داخل الجماعة الاجتماعية‪ .‬تقوم املجتمعات في السابق على نيام تقليدي واقتصاد محلي‪ ،‬يحقق فقط‬
‫متبطلبات الجماعة لضمان الاستمرارية في الحياة‪ .‬وهذا ما يعني أن هذه املجتمعات التي تتميز بهذا النوع‬
‫من الاقتصاد املحدود‪ ،‬والذي كان أساسه ألاعمال اليدوية‪ ،‬الصيد‪ ،‬الزراعة‪ ،‬وتربية املواش ي‪ ،‬غير قادرة‬
‫على مواجهة املصاطر الاجتماعية التي قد تواجه الجماعة‪ ،‬خاصة عندما ال يكون هناك مصزون لتلبية‬
‫الحاجيات الضرورية‪.‬‬
‫في سياق تبطور املجتمعات الانسانية‪ ،‬عبر انتقالها من نيام آلخر‪ ،‬كانت ظاهرة الفقر مالزمة لهذا التغيير‬
‫وتيهر بأشكال مصتلفة‪ ،‬وتتجسد في مياهر ووضعيات اجتماعية متنوعة‪ ،‬وذلك تبعا لتنوع ألاعمال‬
‫والوظائف التي أصبحت قائمة‪ ،‬إذ أن لكل مجتمع خصائصه ومميزاته‪ ،‬فاملجتمع ما قبل الرأسمالي أي‬
‫الاقبطاعي‪ ،‬كان يتميز بأنماط عيش ونيم اقتصادية مصتلفة عن املجتمع الصناعي‪ ،‬لذلك كان الفقر يأخذ‬
‫أشكاال تصتلف من مجتمع ألخر‪.‬‬

‫تحيل ظاهرة الفقر على العوز والنقص في املوارد ومستلزمات الحياة‪ ،1‬كما أنها حالة اجتماعية يعيشها‬
‫الانسان الفقير‪ ،‬سواء من حيث كونه ال يتوفر على دخل لتلبية حاجياته‪ ،‬أو أنه يتوفر على دخل‪ ،‬لكن‪،‬‬
‫ال يتوفر على حاجيات أخرى‪ ،‬تتمثل في حق الولوج إلى الصحة والتعليم وغيرها‪ .‬تزايد الاهتمام بهذه‬
‫الياهرة سواء على املستوى املعرفي وألاكاديمي‪ ،‬أو من حيث اهتمامات الانيمة السياسية والاقتصادية‪،‬‬
‫بعد ظهور املجتمع الصناعي كمنعرج تاريخي في تبطور البشرية‪ ،‬هذه املرحلة تعتبر حاسمة فيما أصبحت‬
‫عليه املجتمعات البشرية‪ ،‬وما ستؤول إليه؛ على اعتبار أن املجتمع الصناعي الحديث‪ ،‬لم يعد قادرا على‬

‫‪1‬‬
‫‪- Dictionnaire de L'Académie française (5e édition), Paris, 1798, p2313.‬‬

‫‪10‬‬
‫مواجهة هذه املآالت من حيث سيبطرة ظواهر اجتماعية مصتلفة كان سببها الرئيس ي هو الوضعيات‬
‫الجديدة للهشاشة الاجتماعية‪ .1‬لقد تأكد هذا البطرح مع تبطور املجتمع الصناعي الذي أصبح في حلته‬
‫الجديدة؛ أي ما بعد الحداثة يعيش مرحلة انعكاسية‪ ،‬فكل ما أسس له هذا املجتمع الجديد من بنيات‬
‫اقتصادية‪ ،‬اجتماعية‪ ،‬ثقافية‪ ،‬وسياسية جديدة‪ ،‬ال تتماش ى مع املجتمع الصناعي‪ ،‬على حساب املجتمع‬
‫السابق‪ ،‬ساهم هذا الوضع الجديد في ظهور مشاكل اجتماعية وظواهر ترتبط بالفقر‪" .‬يقول أولريش‬
‫بيك " في هذا السياق‪" :‬في القرن التاسع عشر‪ ،‬قض ى التحديث على املجتمع الزراعي أسير النيام‬
‫الاقبطاعي حتى يشرع ببناء بنية املجتمع الصناعي‪ ،‬وآلان أتى التحديث ليمحو حدود املجتمع الصناعي‪.‬‬
‫وها نحن نشهد في تواصل الحداثة وضعية اجتماعية جديدة كليا"‪2‬؛ رغم اختالف ألانيمة الاقتصادية‪،‬‬
‫غير أن املصاطر الاجتماعية ال تتغير وأن املعضالت واليواهر الاجتماعية خاصة الفقر تبقى ثابتة من حيث‬
‫جوهرها‪ .‬بل نفهم من خالل أولريش بيك‪ ،‬أن تلك ألافكار والبطروحات الجديدة التي جاء بها املجتمع‬
‫الصناعي أدت به إلى نتائج سلبية انعكست عليه وعلى العالم بأسره وعرضته إلى مصاطر وتهديدات قد‬
‫تؤدي به إلى الانهيار‪ ،‬وهي انعكاسات سلبية مست املجتمع بالدرجة ألاولى وخاصة الفقراء‪ ،‬وبعدها بايي‬
‫البطبقات الاجتماعية ألاخرى سواء كانت بورجوازية أو فقيرة‪.‬‬

‫حول الدولة الاجتماعية‪ ،‬التي ارتببطت بمسارين‪،‬‬ ‫شكلت هذه السياقات‪ ،‬أرضية خصبة لتبلور النقا‬
‫ألاول‪ ،‬هو أن الدولة الاجتماعية جاءت كرد فعل على وضعية املجتمعات في مرحلة ما بعد الحداثة التي‬
‫أنتجت أشكال جديدة من الفقر والهشاشة‪ ،‬أما الثاني فيصص مجموعة من املبادرات التي قامت بها‬
‫نماذج للدول‪ ،‬ففي أملانيا مثال تم إنشاء أول مؤسسة للتأمين على الوظائف والتأمين ضد الببطالة من‬
‫خالل بنية تحتية تضم من ‪ 03‬مكتبا وأكثر من ‪ 377‬مكتب توظيف‪ ،3‬إضافة إلى عدد مهم من التدابير‬
‫التي دشنت هذه املرحلة الجديدة‪ ،‬حيث شكلت فترة أواخر الستينيات من القرن املاض ي توسع في‬
‫الخدمات الاجتماعية في الدولة واتضحت معالم دولة الرفاه في هذه الحقبة‪ .4‬وبناء على هذه املعبطيات‪،‬‬
‫يمكن طرح إلاشكاالت التالية‪ ،‬كيف تشكلت الدولة الاجتماعية؟ ما هي املقاربات السوسيولوجية املفسرة‬
‫ملفهوم الدولة الاجتماعية؟ إلى أي حد يجيب نموذج الدولة الاجتماعية على املشاكل الاجتماعية الجديدة‬
‫داخل املجتمع؟‬

‫‪1‬‬
‫‪MARYSE BRESSON, Sociologie de la précarité, 2eme Edi, Paris 2015, p‬‬
‫‪2‬بيك‪ ،‬أولريش‪ ،‬مجتمع املصاطرة‪ ،‬ترجمة جورج كتورة والهام الشعراني‪ ،‬املكتبة الشرقية للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت‪ ،8777 ،‬ص‪.88‬‬
‫‪ 3‬سالم‪ ،‬جميل‪ ،‬قراءة في مفهوم الدولة االجتماعية‪ :‬النموذج األلماني‪ ،‬دارسات حول نموذج اقتصاد السوق االجتماعي‪ ،‬سلسلة أوارق بحثية حول‬
‫القانون واالقتصاد (‪ ،)8102/6‬معهد الحقوق ‪-‬جامعة بيرزيت‪ ،8102 ،‬ص‪4‬‬
‫‪ 4‬نفس المرجع‪ ،‬ص‪5‬‬

‫‪11‬‬
‫املحور ألاول‪ :‬سيرورة تشكل الدولة الاجتماعية‪ :‬من التضامن التقليدي إلى السياسة الاجتماعية‬

‫إن الحديث عن تشكل الدولة الاجتماعية‪ ،‬وغاياتها املجتمعة‪ ،‬يرتبط بسياقات تاريصية عرفتها‬
‫املجتمعات‪ ،‬متعلقة بأشكال التضامن التي امتدت عبر أزمنة وأمكنة تصتلف من حقبة ألخرى‪ ،‬ثم ببطبيعة‬
‫الاقتصاد الذي كان سائدا داخل املجتمعات واتصذ أشكال مصتلفة تبعا لصيرورات التغير الاجتماعي‪،‬‬
‫املرتببطة بتحوالت سياسية وثقافية واجتماعية واقتصادية‪ .‬تحيل أشكال التضامن السائدة في املجتمع‬
‫على درجة تماسك أفراده ومستوى عيشهم وتفاعلهم مع الوضعيات الصعبة التي تفرضها ظروف العيش‪،‬‬
‫وقد تبطورت هذه الاشكال وانتقلت من فعل ذاتي يقوم به الفرد تجاه الجماعة أو الجماعة تجاه الفرد‬
‫الحتوائه‪ ،‬إلى فعل مؤسساتي تقوم به الدولة الاجتماعية من خالل سياساتها الاجتماعية من أجل خلق‬
‫تضامن مؤسساتي يقوم على توجهات استراتيجية ومنيم بقوانين وبنيات وظيفية محدثة لهذا الغرض‪.‬‬

‫إن تبلور الدولة الاجتماعية ناتج عن مسار اجتماعي متحول ساهمت فيه ظروف اقتصادية وسياسية‬
‫وثقافية‪ ،‬امتدت من أنماط عيش تقليدية وصوال إلى أنماط عيش حديثة‪ ،‬ويمكن تأصيلها وفق صيرورة‬
‫تضم العناصر التالية‪:‬‬

‫‪ .1‬أشكال التضامن لدى املجتمعات التقليدية‬

‫بعد ظهور املجتمع الصناعي الحديث في صورة املدينة الصناعية‪ ،‬كمجال ظهرت معه عدة أشكال‬
‫اجتماعية جديدة‪ .‬اقتض ى الحال في العديد من الاحيان عند تبلور طروحات سوسيولوجية تجاه املجتمع‪،‬‬
‫العودة إلى فهم املجتمع التقليدي من أجل تفسير مسارات وسيرورات تبطور املجتمع ووضعيته الجديدة‪.‬‬
‫ومن ثمة فإن تبلور مسألة الدولة الاجتماعية ووظائفها املتمثلة في السياسة الاجتماعية‪ ،‬ارتببطت بعدة‬
‫تحوالت تصص مسارات املجتمعات‪ ،‬إذ أن أشكال وأنماط العيش والتعايش للمجتمعات الحديثة شكلت‬
‫مصدرا أساسيا ملبادئ السياسة الاجتماعية‪.‬‬

‫إن تشكل أي جماعة اجتماعية في إطار مجال جغرافي معين‪ ،‬يستوجب من أجل ضمان استمراريتها‬
‫وتبطورها‪ ،‬التوفر على بعض السمات والخصائص التي تمكن أفراد الجماعة من العيش والاستمرارية في‬
‫الحياة‪ .‬وترتكز هذه الخصائص على التشكل التلقائي للجماعة الاجتماعية التقليدية‪ ،‬وهو تشكل يستلهم‬
‫وجوده من خالل سيادة أنماط عيش اجتماعية تضمنها خاصيات التضامن‪ ،‬الاقتصاد الذاتي‪ ،‬التماسك‬
‫الاجتماعي بين افراد الجماعة‪ ،‬التنييم الاجتماعي للجماعة‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫تتشكل خاصية التضامن من خالل قبول أفراد الجماعة للعيش مع بعضهم البعض سواء من خالل‬
‫عالقة الزواج‪ ،‬أو من حيث الاحساس الاجتماعي بعدم وجود تهديد الاخر القريب‪ .‬غير أن خاصية التضامن‬
‫تعد الهدف الاسمى والخفي بالنسبة للجماعات التقليدية‪ ،‬تتحقق من خالل توفر الخصائص الاخرى‪،‬‬
‫وهي خاصية التنييم الاجتماعي بين الافراد التي تكمن بالدرجة ألاولى‪ ،‬في اختيار الجماعة للعنصر الذي‬
‫يعد الزعيم أو رئيس أو مدبر القبيلة‪ ،‬وأن يكون التفاف جماعي حوله‪ ،‬فهذه الخاصية تساهم بشكل كبير‬
‫في تحقيق عملية انصهار أفراد الجماعة‪ ،‬كما تمكن من وضع أعراف داخل الجماعة متفق عليها من‬
‫طرف أفرادها‪ ،‬إذن هي خاصية تحقق بشكل تلقائي عملية الضبط الاجتماعي‪ ،‬كما تساهم في التوفر على‬
‫تنييم داخلي يمكن من حماية الجماعة الاجتماعية من أي تهديد خارجي‪ .‬أما الخاصية الثانية وهي‬
‫التماسك بين أفراد الجماعة‪ ،‬وتتحقق هذه الخاصية بفعل التنييم الاجتماعي من جهة‪ ،‬وأثناء وقوع‬
‫حاالت الصعاب التي قد يواجهها ألافراد من جهة أخرى‪ ،‬فهذه الخاصية تضفي على الجماعة إلاحساس‬
‫بالشعور الجمعي بالقوة‪ ،‬وتحمي الافراد من أي تهديد قد يؤدي إلى الهالك‪.‬‬

‫ثم الخاصية الثالثة وهي الاقتصاد الذاتي‪ ،‬وهي خاصية أساسية إلى بايي الخصائص الاخرى‪ ،‬ذلك ألن‬
‫اقتصاد الجماعة يتشكل من حاجيات مستمدة من البطبيعة من خالل الصيد والزراعة‪ ،‬وهو عمل يحتاج‬
‫إلى جهود جماعية من أجل وفرة املحصول الغذائي‪ ،‬وضمانه لجميع أفراد الجماعة بشكل متساو‪ .‬وذلك‬
‫رغم تفاوت القدرات الفردية في جني الثمار والصيد‪ ...‬إال أن الخاصيتين السابقتين (التماسك وتنييم‬
‫الجماعة) يضمن لألخرين الاستفادة من ثمار الجماعة دون استثناء أي عنصر من عناصر الجماعة‪.‬‬

‫إن استحضارنا لهذه الخصائص التي تتميز بها املجتمعات التقليدية‪ ،‬تمكننا من استصالص طبيعة‬
‫املجتمع التقليدي‪ ،‬وهي طبيعة تقوم على أشكال تضامن اجتماعية تقليدية يشكل فيها كل عنصر أو فرد‬
‫وظيفة معينة‪ ،‬وهذه الوظيفة تندرج في إطار النسق الوظيفي للمجتمع التقليدي‪ ،‬بحيث أنه أي خلل‬
‫فيها‪ ،‬قد يحدث عبطل في النسق الاجتماعي العام الحياة الاجتماعية‪ .‬ومن ثمة سيكون على بايي عناصر‬
‫الجماعة بالتكاثف ومضاعفة الجهود من أجل تعويض النقص الغذائي‪ ،‬في هذا السياق يقول كارل‬
‫بوالنيي‪ ":‬لنأخذ حالة املجتمع القبلي‪ ،‬فمصلحة الفرد الاقتصادية قلما تكون هي الاهم‪ ،‬ألن الجماعة‬
‫السكانية تحافظ على جميع أعضائها من الهالك جوعا‪ ،‬مال تصب هي نفسها بكارثة تصبح فيها مصالحها‬
‫مهددة جماعيا وليس فرديا‪ .‬ومن ناحية أخرى‪ ،‬فإن الحفاظ على الروابط الاجتماعية هو الاهمية بمكان…‬

‫‪13‬‬
‫فمثل هذه الوضعية تفرض ضغوطا مستمرة على الفرد ليتصلى عن مصلحته الاقتصادية الذاتية في‬
‫شعوره‪1"...‬‬

‫يتبين من خالل هذا القول إن املجتمعات التقليدية تعمل بشكل أساس ي للحفاظ على أفرادها ككل‪،‬‬
‫والخوف عليهم من الدمار والشتات وفقدان الوحدة‪ ،‬إذ أن الحفاظ على الروابط الاجتماعية داخل‬
‫املجتمع‪ ،‬كان له أهمية أولى‪ ،‬نيرا ألن الشرف املتفق عليه وأعمال الجود والكرم‪ ،‬كانت هي التي تقوم‬
‫بتنييم هذه الروابط‪.‬‬

‫يتجسد التضامن بوصفه عملية إلعادة إنتاج ألانشبطة التي تقام بشكل تلقائي كلما استدعت الضرورة‬
‫لذلك‪ 2‬من خالل بعض ألافعال الاجتماعية ألفراد الجماعة‪ ،‬وهي أفعال تيهر أثناء املناسبات الاحتفالية‬
‫أو املناسبات التي تحضرها الجماعة‪ ،‬بحيث تيهر فيها خاصية التعاون والشعور بالقوة ويتم فيها تقديم‬
‫الهدايا إلى بعضهم البعض من أجل ضمان عدم وقوع خلل على مستوى املنيومة الوظيفية للنسق‬
‫الاجتماعي للجماعة‪ ،‬ويبين بوالنيي هنا أنه كان يتم التأكيد في مثل هذه املناسبات على أال يكون لدى‬
‫أحدهم سببا للحسد وذلك من أجل الحفاظ على تماسك الروابط الاجتماعية‪ .‬وأن إقامة مثل هذه‬
‫املناسبات الاحتفالية التي يتم فيها تبادل الهدايا هي شكل تضامني يغذي روح الجماعة ويجعل رواببطها‬
‫الاجتماعية متماسكة ‪.3‬‬

‫إن مثل هذه املجتمعات‪ ،‬يقوم تنييمها الاجتماعي على ما هو اقتصادي‪ ،‬وهما هدفان أساسيان‪ ،‬ذلك‬
‫ألن الحفاظ على التماسك الاجتماعي يسهل عملية تنييم الجانب الاقتصادي للجماعة‪ ،‬ويشكل أفراد‬
‫القبيلة والزعيم العناصر الاساسية املكونة لالقتصاد الخاص بجماعتهم أو قبيلتهم‪ .‬ولكن كيف تعمل‬
‫الجماعة من خالل نيامها على تأمين اقتصادها؟ وفي نفس الوقت الحفاظ على التماسك الاجتماعي؟‬
‫لقد وجدنا لهذا السؤال جوابا واضحا في تحليالت بوالنيي‪ ،‬حيث يقول‪ '' :‬ويأتي الجواب بشكل رئيس ي‬
‫من مبدأين للسلوك ال يتصالن مباشرة باالقتصاد وهما‪ :‬التبادلية وإعادة التوزيع‪ 4'' .‬أي أن ما يؤكد‬
‫التماسك الاجتماعي داخل املجتمع‪ ،‬وهما مبدأين أساسيين التبادلية وإعادة التوزيع‪ .‬فاألول يتم بصورة‬
‫رئيسية على التنييم الجنس ي للمجتمع‪ ،‬أي بين العائالت والاقارب‪ .‬أما الثاني يبطبق بالنسبة لكل أولئك‬

‫‪ 1‬كارل بوالنيي‪ ،‬التحول الكبير‪ ،‬الاصول السياسية والاقتصادية لزمننا املعاصر‪ ،‬ترجمة محمد فاضل طباخ‪ .‬املنيمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫ط‪ ،0‬بيروت‪ 8777 ،‬ص‪082‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Raymond Chappuis, La solidarité, France, PUF, 1999, p.57‬‬
‫‪3‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪129‬‬
‫‪ 4‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪130‬‬

‫‪14‬‬
‫الذين يصضعون لزعيم مشترك لهم ولذلك فهو ذو طابع إقليمي‪ ،‬يضم قسما كبيرا من منتوج القبيلة‬
‫الذي يقوم الزعيم أو رئيس الذي يصزنه في املصزن الخاص بالقبيلة‪ ،‬بغرض إعادة توزيعه على أفراد‬
‫القرية من أجل حمايتهم من املصاطر‪ 1.‬غير أن هذه املبادئ التي كانت سائدة في السابق لم تعد قائمة‬
‫بفعل ظهور السوق ذات التنييم الذاتي الذي يعتمد على مبدأ املقايضة والذي يتميز بمؤسسات خاصة‬
‫به‪ .‬تحيل التشكيالت الاجتماعية للمجتمعات التقليدية على سعيها إلى تحقيق هدفها من خالل ضمان‬
‫وحدة الجماعة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬عبر ما يسمى بالتالحم الاجتماعي الذي هو نتاج لنوع من تبطابق كل‬
‫الضمائر الفردية لنمط مشترك الذي وهو نمط نفس ي للمجتمع املعني‪.2‬‬

‫نستنتج من خالل هذه املعبطيات أن أشكال التضامن لدى املجتمع التقليدي‪ ،‬تقوم على عنصرين‪ ،‬ألاول‬
‫هو العنصر الاجتماعي‪ ،‬يتجسد من خالل قبول الجماعة النتماء الفرد لها‪ ،‬أي عنصر جديد (مولود‪ ،‬عابر‬
‫سبيل‪ )...‬ثم تبادل الهدايا وقيام املناسبات الاحتفالية‪ ،‬تساهم في تغذية روح الجماعة واستقرارها‪ ،‬أما‬
‫الثاني هو العنصر الاقتصادي‪ ،‬يصص تماسك الجماعة التي تقوم على تنييم اقتصادي يرتكز على مبادئ‬
‫تضامنية يشارك فيها أفراد الجماعة وزعيمها من تجميع وإعادة توزيع املحصول الغذائي من طرف‬
‫الزعيم وتعويض جهود أحد افراد الجماعة إذ ما لم يتمكن باالنضمام في حالة املرض او العجز ‪ ،‬كما‬
‫يتبين أنها مجتمعات تغيب فيها فكرة الربح ومراكمة الثروة‪ ،‬وهو ما يضمن استمرارية الجماعة من أجل‬
‫بناء اقتصاد ذاتي يحقق التضامن بين أفراد الجماعة‪ .‬والهدف من ذلك هو احتواء الجماعة للفرد‬
‫وضمان غذائه وأمنه وحاجياته الضرورية املمكنة‪.‬‬

‫‪ .0‬من املجتمع التقليدي إلى املجتمع الحديث وظهور الدولة الاجتماعية‬

‫إن خصائص وأشكال التضامن باملجتمع التقليدي‪ ،‬ال تقل أهمية عن أنماط وأشكال التضامن في‬
‫املجتمعات الحديثة‪ ،‬فالتحول الحاصل على مستوى املجتمع‪ ،‬صاحبته أشكال عيش للمجتمع التقليدي‬
‫الى املجتمعات الحديثة‪ .‬فإذا كانت املجتمعات التقليدية تقوم على تنييم ذاتي فإن املجتمع الحديث‬
‫يقوم على تقسيم العمل الاجتماعي الذي يتداخل فيه الضمير الفردي مع الضمري الجمعي من خالل‬
‫التشابه‪ ،‬ويصبح الفرد مرتبط ارتباطا وثيقا باملجتمع‪ 3‬ثم تنييم مؤسساتي من قبيل السوق‪ ،‬املدرسة‪،‬‬
‫البنوك‪ ،‬مؤسسات حكومية‪ .‬ارتبط هذا التحول بشكل كبير مع اندالع الثورة الفرنسية سنة ‪،0207‬‬

‫‪1‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪131‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Georges Gurvitch, La vocation actuelle de la sociologie, France, PUF, 4 eme édition, 1968, p.21‬‬
‫‪3‬‬
‫‪José A. Prades, Durkheim, France, PUF, 1990, p.93‬‬

‫‪15‬‬
‫بوصفها تصتلف كليا عن سابقاتها‪ ،‬فالثورات السابقة قد حققت بعض املكتسبات واملصالح لفائدة‬
‫طبقات بعينها مثل ثورة الفالحين على الاقبطاعيين‪ ،‬لكن الثورة الفرنسية كان لها وقع اخر‪ ،‬وهو وقع‬
‫شمولي تجسد من خالل تفكيك كلي للنيام الاجتماعي‪ ،‬ومصتلف البنيات والتشكيالت الافقية التي كانت‬
‫سائدة ‪ .‬إضافة إلى الثورة الصناعية التي ظهرت خالل أواخر القرن ‪ ،02‬والتي عرفت تسخير مجموعة‬
‫من آلاالت في العملية الانتاجية كبطاقة البصار وغيرها‪ .‬وهي أشكال جديدة من الادوات الصناعية التي‬
‫أصبحت تستعمل في الانتاجات الزراعية‪ .‬وقد نتج عن الثورتين ما يسمى باملجتمع الصناعي كما أسماه‬
‫سان سيمون واملجتمع الرأسمالي الذي نير عنه كارل ماركس‪. 1‬‬

‫يتميز تبطور املجتمعات باالنتقال التدريجي‪ ،‬حيث لكل مرحلة خصوصياتها ومميزاتها‪ ،‬سواء من حيث نمط‬
‫عيشها الاقتصادي أو تنييمها الاجتماعي‪ ،‬أو طبيعة العالقات الاجتماعية السائدة فيها‪ ،‬وفي ظل هذا‬
‫التبطور ظهر املجتمع الصناعي والاشكال الجديدة للحداثة‪ ،‬التي ستساهم بشكل مباشر في تبطويق تلك‬
‫ألانماط التي كانت تعيش وفقها الجماعة بفرضها قوانين السوق الجديدة‪ ،‬مما نتج عنه تكسير البنيات‬
‫السابقة‪ ،‬التي كانت تقوم على املقدسات الدينية والوالءات التقليدية‪.‬‬

‫إن ما قامت به الحداثة في البداية من أجل سيبطرتها‪ ،‬هو التصلص من تلك البنيات التقليدية السابقة‬
‫والصلبة‪ ،‬وهي مهمة صعبة بالنسبة للنيام الرأسمالي الجديد‪ ،‬فقد عمل على جمع الشتات وتفكك‬
‫املجتمعات املصتلفة في إطار املجتمع العالمي الواحد‪ 2‬الذي يصضع للسلبطة الرأسمالية عبر أسواقها‬
‫الاقتصادية‪ ،‬وقوانينها التي تفرض على إلانسان أن يصبح تابعا لها‪ .‬هذه العملية أدت إلى ظهور مجموعة‬
‫من املشاكل املرتببطة بالفقر‪ ،‬الهشاشة اجتماعية‪.‬‬

‫على مستوى الفقر أصبح الانسان في هذه املرحلة الجديدة‪ ،‬غير مالكا لألرض املصدر الرئيس ي الذي يؤمن‬
‫قوته اليومي‪ ،‬أما من حيث وضعيات الهشاشة الاجتماعية‪ ،‬فتعلق ألامر بيهور أعمال ووظائف جديدة‬
‫داخل املجتمع الصناعي‪ ،‬حيث أصبح الانسان يعمل داخل املعامل من خالل بيع قوة عمله نيرا لكونه‬
‫لم يعد يملك ش يء سوى قوة عمله‪ ،‬وذلك ناتج عن فصل الانسان عن ألارض‪ .‬كما أن تلك املرحلة لم‬
‫يكن هناك ما يسمى بالدولة الاجتماعية التي تؤمن له الخدمات الضرورية‪.‬‬

‫‪ 1‬أنبطوني غيدنز‪ ،‬مقدمة نقدية في علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة أحمد زايد وآخرون‪ ،‬مركز البحوث والدراسات الاجتماعية‪ ،‬كلية آلاداب جامعة‬
‫القاهرة‪ ،‬ط‪ ،8771‬ص‪80‬‬
‫‪2‬زيغمونت باومان‪ ،‬الحداثة السائلة‪ ،‬مقدمة في السائل والصلب‪ ،‬ترجمة حجاج أبو جبير‪ ،‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت ‪،8106‬‬
‫ص ‪49‬‬

‫‪16‬‬
‫أدى التغير الحاصل على مستوى املجتمعات إلى دفعة تقدمية على مستوى التاريخ املجتمعي‪ ،‬ذلك ألنه‬
‫ساهم في الانتقال إلى أنماط عيش جديدة مست ألاسرة التي انتقلت من ألاسرة املمتدة الى ألاسرة النووية‪،‬‬
‫ثم خلق مورفولوجيا جديدة تصتلف من حيث حجم السكان وأنشبطتهم وتوزيعهم الجغرافي عن‬
‫املجتمعات التقليدية‪ ،‬باإلضافة إلى تقويض املبادئ والقيم والتقاليد السابقة كما هو الحال مع مبدأ‬
‫التبادلية وإعادة التوزيع‪ ،‬فقد تعرضا لالضمحالل ولم تعد قائمة بسبب ظهور قوانين جديدة ومؤسسات‬
‫ذات بنية وظيفية أفقية تعتمد على التراتبية السوسيو‪-‬اقتصادية‪ .‬وأول هذه املؤسسات هي ظهور ما‬
‫يسمى بالسوق ذات التنييم الذاتي‪ 1‬الذي يعتمد على مبدأ املقايضة ويتميز بمؤسسات خاصة به‪ ،‬كما‬
‫أصبح هو الذي ينيم املجتمع‪ ،‬وهكذا فإن تلك الروابط الاجتماعية والتضامنية لم تعد قائمة‪.‬‬

‫إن إقصاء اليد العاملة من أنشبطة الحياة ألاخرى وإخضاعها لقوانين السوق‪ ،‬هو بمثابة إلغاء كل نواحي‬
‫الوجود الاجتماعي واستبدالها بنوع مصتلف يقوم على مبدأ حرية التعاقد‪ .‬وهذا ما يعني أن النيم غير‬
‫التقليدية كالقرابة‪ ،‬والجوار والحرفة والعقيدة سوف تجمد ألنها تستوجب والء الفرد لها‪ ،‬والفرد في ظل‬
‫هذا الوضع يكون والئه للسوق وليس للجماعة‪ ،‬وهذا ما سيحبطم العالقات غير التعاقدية بين ألافراد‪،‬‬
‫ويمنع إصالحها عفويا‪ ،‬يقول بوالنيي في هذا السياق” وييهر هذا ألاثر في إقامة سوق لليد العاملة بوضوح‬
‫في املناطق املستعمرة اليوم‪ ،‬إذ يرغم السكان هناك على كسب قوتهم من بيع عملهم‪ .‬ومن أجل ذلك‬
‫يجب إنهاء مؤسساتهم التقليدية‪ ،‬ومنعها من إصالح ذاتها‪ ،‬ألن الفرد في املجتمع البدائي بشكل عام‪ ،‬ال‬
‫يتعرض لتهديد الجوع ما لم تتعرض له مجموعة السكان كلها”‪ 2‬ففي هذا املستوى كان لألرض قيمة‬
‫مهمة‪ ،‬نيرا ألنها كانت تجعل السكان متماسكين كما أنها كانت تشكل املصدر الوحيد‪ ،‬وملكية جماعية‬
‫من خاللها يتحد ألافراد ويصبحون جبهة واحدة وقوية‪ ،‬غير أن تحويل هذه ألارض إلى سلعة داخل السوق‬
‫‪3‬‬ ‫كان لزاما على أصحاب القوى الجديدة على أن تفصل ألارض قبل كل ش يء عن الالتزامات الجماعية‪.‬‬
‫أدت هذه الوضعية إلى سيبطرت النزعة الفردية وانحدار النزعة الجماعية‪ ،‬نيرا ألن طبيعة املجتمع‬
‫الرأسمالي الجديد ارتكزت فيه الفردنة البورجوازية أساسا على امتالك رأس املال‪ ،‬ونشر هويته‬
‫الاجتماعية والسياسية في إطار النضال ضد النيام التراتبي والقانوني للمجتمع إلاقبطاعي وهذا ما أدى‬

‫‪ 1‬كارل بوالنيي‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪66‬‬


‫‪ 2‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪300‬‬
‫‪ 3‬أريك وولف‪ ،‬الحروب الفالحية في القرن العشرين‪ ،‬ترجمة أكرم الرافعي‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪ 0،0770‬ص ‪807‬‬

‫‪17‬‬
‫إلى نهاية مجتمع املجموعات الكبيرة الاجتماعية‪ 1‬عن طريق تهديم البنيات الاجتماعية داخل املجتمعات‬
‫التقليدية الكبيرة من طرف املتحكمين في السوق‪.‬‬

‫هكذا تشكل تدخل الدول وألانيمة في إطار نهجها لسياسات اجتماعية‪ ،‬في سياق الدولة الاجتماعية‪،‬‬
‫من خالل خلق برامج وصناديق ملساعدة الفقراء واملحتاجين والفئات املعوزة والعمال‪ ،‬عبر توفير‬
‫التأمينات الصحية‪ ،‬كما ارتببطت بضرورة تدخل الدولة في السوق‪ ،‬بغرض التعويض على الاثار السلبية‬
‫التي خلفها على حياة الناس الذين يجدون مشقة وصعوبة‪ ،‬ألسباب ترتبط بتلبية احتياجاتهم الرئيسية‪2‬‬

‫وهذا ما يعني أن التدخل يرتبط باملجاالت الاجتماعية لتأمينها من اقتصاد السوق‪ .‬ففي فرنسا كانت‬
‫الدولة الاجتماعية‪ ،‬تعبر عن فكرة أن املجتمع مجزء إلى هيئات وسبطية مثل ألاسرة‪ ،‬وهذه الهيئات غير‬
‫قادرة على أداء دور التضامن‪ ،‬وهذا ما يفترض على الدولة التدخل من أجل توفير التضامن للمحتاجين‪.3‬‬

‫أما في أملانيا فكانت الدولة الاجتماعية مع املستشار ألاملاني بسمارك‪ ،‬تعمل من خالل إنشاء نيام التأمين‬
‫الاجتماعي التي من شأنه أن يساهم في القوة الصناعية‪ ،‬وتقرير الحفاظ على السلم الاجتماعي في البالد‪،‬‬
‫حيث ارتكز التضامن بشكل أكبر على املستوى املنهي من خالل صناديق تنييم العمال للقضاء على‬
‫الصراع الذي كان قائما بين البطبقة العمالية وأصحاب املعامل‪ ،‬إذ قامت الدولة بسن قانون املساهمة‬
‫إلا لزامية صاحب املعمل في صناديق الضمان الاجتماعي‪ .‬أما في انجلترا فكانت دولة الرفاه ‪Welfare‬‬
‫‪ ،State‬تحيل إلى شمولية السياسات الاجتماعية الجديدة التي ارتببطت بعدة مجاالت منها سياسات‬
‫التعليم وسياسات الاسكان وتقديم الخدمات الصحية الوطنية‪ ،‬وتقديم املساعدة والحد الادنى للفئات‬
‫املتقاعدة‪.4‬‬

‫إن ما نستنتجه من خالل هذه املعبطيات‪ ،‬وهو أن أشكال التضامن التي كانت سائدة في املجتمعات‬
‫السابقة‪ ،‬شكلت صلة ترابط وتماسك اجتماعي بين أفراد الجماعة الاجتماعية‪ ،‬باعتبارها مصدرا‬
‫أفراد الجماعة اقتصاديا واجتماعيا‪ ،‬كما أن تنييم الاقتصاد الذاتي للجماعة‪ ،‬كان يدبر‬ ‫النتعا‬
‫حاجياتها الضرورية‪ ،‬غير أن هذا النمط من العيش تغير بسبب عملية الانتقال من املجتمع التقليدي إلى‬
‫املجتمع الحديث‪ ،‬ونتج عنها تفكيك على مستوى البنيات السابقة وتعويضها ببنيات أخرى تمثلت في‬
‫قوانين السوق‪ ،‬وهو ما ساهم في ظهور أشكال جديدة من املشاكل الاجتماعية مما دفع ألانيمة إلى‬

‫‪1‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪882‬‬


‫‪2‬أنتوني غيدنز‪ ،‬علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة الدكتور فايز الصياغ‪ ،‬املنيمة العربية للترجمة‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت‪ ،‬أكتوبر ‪ 8774‬ص ‪2 372‬‬

‫‪3 MERRIEN FRANCOIS – XAVIER , L’état providence , PUF , <<paris, que sais-je ?>> 3 Ed, 2007, p 31‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid,P,P 16,17‬‬

‫‪18‬‬
‫التفكير في حلول لها‪ ،‬مما أسفر ذلك عن محاوالت وأنماط للتدخل الاجتماعي أسست ملفهوم الدولة‬
‫الاجتماعية‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬مقاربات سوسيولوجية للدولة الاجتماعية ونماذج جديدة‬

‫شكلت مرحلة ما بعد املجتمع الصناعي أرضية خصبة لعدد من العلماء‪ ،‬بسبب ما خلفته من أشكال‬
‫َ‬
‫جديدة للفقر واملعاناة واملاس ي‪ ،‬وارتفاع حجم املشاكل وحاجة الناس إلى املساعدات واملعونات الغذائية‬
‫والبطبية‪ ،‬ثم عدم قدرة النيام الجديد على احتواء الوضع‪ ،‬وهي مرحلة مهدت التفكير في ظهور الدولة‬
‫الاجتماعية كنيام جديد يصتلف عن بايي ألانيمة ألاخرى التقليدية‪ ،‬وأن وظائفها ذات بعد اجتماعي‬
‫يهتم بالدرجة الاولى بحاجيات املواطنين وانقاذهم من وضعيتهم الفقيرة والهشة‪.‬‬

‫مكن هذا السياق‪ ،‬بوصفه نسق تحليلي فرعي داخل النسق العام‪ ،‬العديد من علماء الاجتماع من فتح‬
‫املجال أمام فرع جديد من فروع السوسيولوجيا‪ ،‬والتي نجد لها صدى من خالل مجموعة من املقاربات‪:‬‬

‫‪ .1‬مقاربات في سوسيولوجيا الدولة الاجتماعية والسياسة الاجتماعية‬

‫يقدم عالم الاجتماع الفرنس ي "فرنسوا كسافي مريان" مدخال أساسيا حول الدولة الاجتماعية‪ ،‬وبعض‬
‫النماذج من السياسات الاجتماعية التي كان لها السبق في بلورة نماذج من الخدمات التي تحسن وضعية‬
‫العمال املأجورين والفقراء‪ ،‬وخدمة الرعاية الاجتماعية كالتأمين الصحي‪ ،‬والتأمين على الدخل‪.‬‬

‫يقيم "مريان" الفرق القائم بين الدولة الاجتماعية والدولة التقليدية بشكل واضح‪ ،‬فوظائف الدولة‬
‫التقليدية‪ ،‬تتميز بحارس الليل وحضور أشكال تضامن تقليدية‪ ،‬أما الدولة الاجتماعية تقوم بأدوار مهمة‬
‫تتعلق بالوظائف الدفاعية املتمثلة في الحفاظ على الحدود الجغرافية‪ ،‬وظيفة أمنية دورها تثبيت ألامن‬
‫وترسيخ النيام‪ ،‬ووظيفة اقتصادية ترتبط بصك العملة وتدبير ألانشبطة الاقتصادية‪1.‬ما يعني أن الحديث‬
‫يتعلق بالحق في املساعدة‪ ،‬من خالل الانتقال من تضامن ذاتي إلى تضامن موضوعي يقوم على حقوق‬
‫املواطنين والعمال والفقراء‪.‬‬

‫يؤكد "مريان" أن الدولة الاجتماعية ظهرت تاريصيا وتبطورت عبر ثالثة مراحل أساسية‪ ،‬املرحلة ألاولى‬
‫(‪ )0734_ 0207‬هي مرحلة تميزت بالتصنيع الذي عرفته مصتلف الدول ألاوربية‪ ،‬وتميزت بتوسيع ألاسواق‬
‫ولكن في املقابل افقار الجماهير العمالية‪ ،‬موازاة مع ذلك تبطورت الحركة الاشتراكية‪ ،‬وأصبح ألامر واضحا‬
‫‪1‬‬
‫‪Ibid,P1‬‬

‫‪19‬‬
‫في مصتلف البلدان‪ ،‬حيث اتضح أن السياسات التي تم وضعها سابقا لم تعد كافية لتحسين اليروف‬
‫املعيشية للمواطنين وتميزت هذه املرحلة باعتماد النموذج "البسماركي"‪ .‬أما املرحلة الثانية (‪-0737‬‬
‫‪ ،)0707‬تزامنت مع الكساد الاقتصادي الذي خلفته الازمنة الاقتصادية العاملية‪ .‬وكان الشكل الجديد‬
‫للدولة في هذه املرحلة يتميز بالدولة الكينزية‪ ،‬التي تسعى إلى تعزيز النمو والتوازن الاقتصاديين‪ ،‬والتغلب‬
‫على املصاطر الاجتماعية وتأمين الوظائف وضمانها من التوزيع العادل للثروة‪ ،‬ويتحقق هذا الضمان‬
‫الاجتماعي على املستوى ألافقي والعمودي‪ ،‬أي أنه يغبطي أكثر عدد ممكن من السكان وحمايتهم من‬
‫املصاطر‪.1‬‬

‫أما املرحلة الثالثة انبطلقت منذ (‪ )0707‬والتي أصبحت فيها الدولة تحت الضغط الاقتصادي والسياس ي‬
‫والاجتماعي‪ ،‬إذ أصبحت هذه الدول (البسماركية والكينزية) غير قادرتا على مواجهة التحديات التي‬
‫تواجهها والناتجة عن تبطور الاقتصادات الحديثة‪ ،‬كما أصبحت غير قادرة على التعامل بشكل جيد مع‬
‫املشاكل الداخلية بالكيفية الافضل‪.2‬‬

‫وفي نفس السياق يبين "كوسطا إسبين أندرسن " من خالل تحليله املتميز‪ ،‬أن الدولة الاجتماعية شكلت‬
‫منذ عدة سنوات‪ ،‬مادة طازجة للبحوث املتميزة‪ ،‬وبالنير إلى ما كان يميز الدولة في السابق من حارس‬
‫الليل وعدم الاهتمام بالقانون والنيام العام‪ ،‬وبميزها بأجهزة قمعية في ظل النيام الشمولي‪ ،‬غير أن‬
‫هذه الخصائص ستذوب ليتم استبدالها بصلق مؤسسات تهتم بإنتاج وتوزيع الرفاهية‪ ،‬وذلك في سياق‬
‫وجود الدولة الاجتماعية‪3.‬‬

‫يستحضر "أندرسن" ثالثة مقاربات مفسرة لبطبيعة املعايير املحددة لوجود الدولة الاجتماعية‪ .‬الاولى‬
‫يمثلها ‪ ، Therborn‬فهو ينبطلق من نقبطة انبطالق التحوالت التاريصية ألنشبطة الدولة‪ ،‬ويرى على أنه‬
‫يجب توجيه غالبية أنشبطة الدولة نحو رفاه ألاسرة‪ ،‬أي التركيز على قياس مستوى العيش أو الانفاق‬
‫الاستهالكي للفرد و ألاسرة‪4 .‬‬

‫ثم مقاربة ريتشارد تيتموس‪ ،‬فهو يميز بين نوعين من دول الرفاه‪ ،‬هناك دولة رفاه اجتماعية‪ ،‬وأخرى‬
‫تتميز بالتنمية واملؤسساتية‪ ،‬ففي النموذج ألاول تتحمل الدولة مسؤوليتها عندما يكون هناك عجز‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, P,8‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Costa Esping Anderson, Les trois mondes de L’état providence Essai sur le capitalisme moderne, traduit de‬‬
‫‪l’anglais par François-Xavier mérienne , Ed le lien social , PUF, 1ER Ed, 1999, Paris, page 15‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Ibid, P, 33‬‬

‫‪20‬‬
‫بالنسبة لألسرة حول تلبية حاجياتها‪ ،‬وكذلك عجز السوق على تقديم الخدمات ألاساسية‪ ،‬وهنا تتدخل‬
‫الدولة في الحاالت القصوى‪ ،‬ويشمل التدخل هنا فقط الفئات الاجتماعية املعوزة التي تعيش حالة من‬
‫الفقر املدقع‪ .‬ثم النموذج الثاني فهو الذي يعبر عن شمولية الدولة في التدخل لصالح مصتلف املواطنين‬
‫والسكان‪ ،‬فهذا النموذج شمولي يرمز إلى الاعتماد على املؤسسات‪ ،‬ويهدف أيضا إلى توسيع نبطاق التدخل‬
‫ليشمل مصتلف القبطاعات الحيوية للرفاه الاجتماعي‪ 1.‬أما املقاربة الثالثة تصص باختيار وانتقاء املعايير‬
‫التي يجب استصدامها لتقييم حاالت الرفاه‪.‬‬

‫لكن في مقابل هذه املقاربات الثالث‪ ،‬سيتجه "أندرسن" نحو تقديم تحليل ماكرو سوسيولوجي‪ ،‬يرتبط‬
‫بسياقات تاريصية‪ ،‬وما عرفته املجتمعات من تحوالت وخاصة على امليدان الاجتماعي والاقتصادي‪ .‬تأثر‬
‫أندرسن باألفكار التي قدمها كارل بوالنيي وخاصة فيما يتعلق بتحليله للسياقات التاريصية وتحوالتها‬
‫ومفهوم "إعادة التوزيع" كآلية توفر الحاجيات الضرورية للفقراء‪ ،‬فيما سيعمد أندرسن على توظيفه‬
‫ملفهوم الالسلعنة ‪ La démarchandisation‬كمفهوم مركزي سيميزه عن بايي التصورات ألاخرى‪ ،‬فهذا‬
‫املفهوم يعتبر آلية للتدخل‪ ،‬أي تدخل الدولة الاجتماعية عبر سياستها الاجتماعية انبطالقا من الالسلعنة‬
‫التي تؤدي إلى إضعاف سيبطرة السوق على الانسان واملجتمع والارض‪.‬‬

‫يعتبر "أندرسن" مفهوم الالسلعنة نقيضا ملفهوم السلعنة الذي ظهر مع سيبطرة النيام الليبيرالي‬
‫الرأسمالي على املجتمع من خالل أسواقه وقوانينه‪ ،‬وقد سيبطرت السلعنة على املجتمع بعد أن عمل‬
‫املجتمع الصناعي البورجوازي على القضاء على كل البنيات التقليدية‪ ،‬من خالل املجتمع الاقبطاعي الذي‬
‫لم تكن فيه أنواع الاستغالل أفيع من مرحلة املجتمع الصناعي‪ ،‬ذلك ألن دخول القوى املنتجة الجديدة‬
‫في تناقض مع عالقات إلانتاج‪ ،‬وحل محلها املجتمع البطبقي مع امللكية الخاصة ومع استثمار إلانسان‬
‫لإلنسان‪ 2،‬إذ أن وسائل الانتاج‪ ،‬إذا كانت في أيادي قسم واحد من املجتمع‪ ،‬بينما الاخر محروم منها‪،‬‬
‫فإن امللكية ترتدي طابعا خاصا‪ ،‬وتنبثق حتما في املجتمع عالقات السيبطرة والخضوع‪.‬‬

‫إن تبطور املجتمع تاريصيا‪ ،‬أدى إلى نتيجة مفادها أن املجتمع لم يعد قائما على العالقات الاجتماعية‬
‫املتعاونة‪ ،‬ولم يعد فيه منبطق الجماعة متغلغال‪ ،‬بل أصبحت هناك سيادة ملنبطق الفردنة والانعزال عن‬
‫ألاخر‪ ،‬وأصبح إلانسان وألارض وكل ش يء يرتبط بالبطبيعة واملجتمع معا سلعة‪ .‬ولذلك كان السبيل‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, P, 34‬‬
‫‪2‬كيلله فالديسالف‪ ،‬املادية التاريصية‪ ،‬دراسة في نيرية املجتمع املاركس ي‪ ،‬ترجمة إلياس شاهين‪ ،‬ط‪ ،8‬دار التقدم موسكو‪( ،‬د‪ .‬ت)‬
‫ص‪113‬‬

‫‪21‬‬
‫الوحيد للنفاذ من هذه السلعنة هو إبرام الدولة لبرامج وسياسات اجتماعية تهدف إلى تحقيق نوع من‬
‫الالسلعنة ويعني ذلك إخراج الخدمات الاجتماعية من سيبطرت السوق لتصبح خدمات مجانية تكفلها‬
‫الدولة عبر مؤسساتها لفائدة البطبقات الفقيرة‪.‬‬

‫يؤكد أندرسن أنه عندما تصبح القوى العاملة سلعة أيضا‪ ،‬فإن إمكانية البقاء على قيد الحياة خارج‬
‫السوق‪ ،‬هي املشكلة الرئيسية واملتضاربة للسياسة الاجتماعية‪ 1.‬ومن هنا يمكن القول على أن السياسة‬
‫الاجتماعية يجب أن تهتم حسب أندرس بمجالين‪ ،‬ألاول وهو مجال السوق الذي يحتكر كل ش يء ويتحكم‬
‫فيه‪ ،‬أما الثاني وهو املجال الاجتماعي يسعى إلى التصلص من تسلط املجال الاول ذلك ألن سيبطرت‬
‫السوق على املجال الاجتماعي‪ ،‬هو ما يتعارض مع وضع سياسة الحماية الاجتماعية لألفراد‪.‬‬

‫‪ .0‬أنساق الرفاه ونماذج الدولة الاجتماعية‬

‫يستحضر "أندرسن" في سياق تحليله للمشاكل التي نتجت عن تبطور السوق‪ ،‬كل من التصورات‬
‫الاقتصادية التي حاولت أن تبطرح حلوال للمشاكل التي ستصلفها الليبيرالية‪ ،‬ويشير هنا إلى آدم سميث‪،‬‬
‫حيث يرى أن منيري الليبيرالية لم يكن لهم أي تصور إيجابي يدعم فكرة الحماية الاجتماعية‪ ،‬بل كانوا‬
‫على العكس من ذلك‪ ،‬إذ أن الدولة الليبيرالية وخاصة أمريكا كانت تتدخل فقط في حاالت ألازمات‬
‫الكبرى‪ ،‬فهذا النموذج الليبيرالي يعتبر السوق متحررا‪ ،‬محققا لالستقالل الذاتي‪ ،‬له القدرة على تحديد‬
‫أهدافه الخاصة في سياق تنييم عالقة الفرد مع السوق‪.‬‬

‫استنادا إلى مفهوم الالسلعنة‪ ،‬سيقوم أندرسن بوضع تصنيف ألنساق الرفاه الاجتماعي وذلك تبعا إلى‬
‫درجة سيبطرت الالسلعنة في كل نموذج على حدى‪ 2‬وهي نماذج أوردها عالم الاجتماع إلانجليزي "أنطوني‬
‫غيدنز" في كتابه املوسوم ب ((علم الاجتماع)) حيث يرى أن التصور النيري ألندرسن يعرض منيورا‬
‫ثالثي ألابعاد واملستويات ألنساق الرفاه‪ .‬وهذه املستويات تتميز بصفات معينة من الالسلعنة‪ ،‬أي درجة‬
‫تحرر خدمات املعونة والرفاه الاجتماعي عن قيمتها في السوق‪ ،‬وتتوزع بين ثالثة أنساق‪:‬‬

‫‪ ‬النسق الاجتماعي الديمقراطي الذي تتسم فيه خدمات الرفاه بياهرة الالسلعنة‪ ،‬إذ تقوم الدولة‬
‫بدعم خدمات الرفاه لجميع املواطنين‪ ،‬ويبطبق هذا النموذج الديمقراطي الاجتماعي في أغلب‬
‫الدول إلاسكندنافية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid,P,51‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid,P,53‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ ‬النسق املحافظ املشترك كما هو الحال في فرنسا وأملانيا‪ ،‬قد تكون خدمات الرفاه غير مرهونة‬
‫بقيمتها في السوق‪ ،‬لكنها ليست بالضرورة شاملة لجميع ألافراد‪.‬‬
‫‪ ‬النسق الليبيرالي‪ :‬تمثله الواليات املتحدة الامريكية‪ ،‬وتتمثل قيمة خدمات الرفاه هنا بأثمانها في‬
‫السوق‪ ،‬وتباع ملستصدميها من خالل املؤسسات وألانشبطة التجارية‪1.‬‬

‫وتبعا لهذا التصنيف فبالنسبة "ألندرسن" يرى أنه كلما كان هناك درجة الالسلعنة مرتفعة كلما كانت‬
‫أبعاد السياسة الاجتماعية أكثر فعالية والعكس صحيح‪ ،‬وتتمثل هذه الابعاد فيما يلي‪:‬‬

‫البعد الحقويي لألفراد‪ ،‬ويتعلق بإمكانية حصول ألافراد على التأهيل الاجتماعي وتقييد الحقوق‪ ،‬أي‬
‫الحقوق التي تجعل الفرد يعيش في مستوى الئق من العيش الكريم‪ ،‬ثم هناك بعد التعويض عن املصاطر‪،‬‬
‫الذي يرتبط بمستوى الدخل على اعتبار أ ن الحديث عن الدخل املادي للفرد‪ ،‬يقل أهمية إذا تحدثنا‬
‫عنه‪ ،‬ذلك ألنه إذا كانت السياسات الاجتماعية تعمل على التعويض عن مصتلف املجاالت‪ ،‬فإن الدخل‬
‫هنا لم يعد هو املحدد الرئيس ي للعيش بالنسبة للفرد‪ .‬لذلك يجب التركيز في هذا البعد على مبدأ‬
‫التعويض‪ 2.‬ثم بعد الحماية الاجتماعية‪ ،‬يصص التأمين عن املصاطر الاجتماعية ألاساسية كالببطالة‬
‫إلاعاقة واملرض والشيصوخة‪ .‬وهناك بعض النماذج للدول إلاسكندنافية وهولندا‪ ،‬تعمل على تقديم دخل‬
‫مضمون فعليا للمواطنين‪3.‬‬

‫تعبر هذه الابعاد الثالثة‪ ،‬عن مستوى مهم في تحقيق الحماية الاجتماعية‪ ،‬فاالهتمام بالجانب الحقويي‬
‫للفرد يمكنه من الحصول على الخدمات ألاساسية املتعلقة في العدل وتحقيق املساواة الاجتماعية بين‬
‫مصتلف الافراد‪ .‬أما بعد التعويض فهو يضمن على الاقل لجميع الافراد دخل يمكنهم من الحصول على‬
‫الحاجيات الاساسية وخاصة الغذائية واللباس والسكن‪ .‬ثم املبدأ الثالث فهو يرتبط بمستقبل الافراد‪،‬‬
‫من حيث حمايتهم من املصاطر التي يتعرض لها الفرد كالحوادث في السير والعمل وغيرها‪ ،‬كما يضمن‬
‫للفئات املعوزة الحق في العيش وفق شروط الئقة‪.‬‬

‫إال أن هذه ألابعاد الثالث‪ ،‬تبقى موزعة بين مصتلف الدول املتقدمة‪ ،‬إذ أنها ال تحضر كلها داخل املجتمع‬
‫الواحد‪ .‬يشير أندرسن أن في استراليا والواليات املتحدة الامريكية‪ ،‬نجد هيمنة نيام الرعاية الاجتماعية‪،‬‬
‫ولكنه مكمل ببرامج أخرى‪ ،‬ففي و‪.‬م‪.‬أ يقع النيام الاجتماعي في التأمين الاجتماعي‪ ،‬أما في كندا‪ ،‬فهناك‬

‫‪ 1‬أنتوني غيدنز‪ ,‬مرجع مذكور‪ ,‬ص ‪577‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Ibid,P,66‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid,P,67‬‬

‫‪23‬‬
‫نوع من املعاشات التقاعدية الشخصية املرتببطة بالتأمين الاجتماعي‪ .‬أما في أستراليا فهي تقترب من مبدأ‬
‫املعا الشخص ي‪ .‬وهناك بعض النماذج من الدول املتقدمة في أوربا حاولت إيجاد بديل لهذه السياسات‬
‫املعاشية‪ ،‬كاملعا الاجتماعي في فرنسا الذي يقوم على صندوق التضامن‪.‬‬

‫تعتبر مقاربة "كوسطا اسبين اندرسن" شاملة ملصتلف املجاالت الاجتماعية‪ ،‬منها الصحية‪ ،‬الببطالة‪،‬‬
‫والحماية من املصاطر‪ ،‬فهذه املقاربة تأتي في سياق الحديث عن العالقة املتناقضة القائمة بين السوق‬
‫واملجتمع‪ .‬وبين متبطلبات السوق الربحية من جهة وحاجيات حقوق الافراد من جهة اخرى‪ ،‬إذ أن رغبة‬
‫السوق الالمتناهية شملت الحقوق الاجتماعية لألفراد‪ ،‬وأصبحت هذه الحقوق سلعة في ظل قوانين‬
‫ومؤسسات السوق‪ ،‬وهذا الاختالط جعل تلك الحقوق قيمة مادية يتم الحصول على جزء منها عن طريق‬
‫بيع قوة العمل‪ ،‬فسرعان ما صار املجتمع بأكمله مسلعنا‪ ،‬جعل الحياة والعيش بالنسبة لألفراد لها‬
‫ضريبة مؤدى عنها في ميدان السوق‪ ،‬مما تولد عن ذلك مجتمع معقد مفتقدا للروابط الاجتماعية‪،‬‬
‫والحماية‪ ،‬وانتهاك للحقوق الانسان وصعوبة الحصول على عيش الئق‪.‬‬

‫وضمن هذا السياق الشمولي والتبطور املحفوف باملصاطر‪ ،‬اهتم "روبر كاستل" بتحليل وضعيات ألامن‬
‫الاجتماعي والحماية الاجتماعية‪ ،‬حيث ينبطلق في هذا املستوى بحديثه عن السياق التاريخي الذي أدى‬
‫إلى ظهور امللكية الخاصة‪ ،‬وعن البطبقات الاجتماعية التي كانت في السابق‪ ،‬إذ كانت تتميز بالحرية‬
‫املبطلقة‪ ،1‬وهذا ما أدى إلى ظهور الدولة املدنية التي تتميز بالسلبطة املبطلقة تعبطى بموجب تعاقد ألافراد‬
‫مع الحاكم‪ ،‬من أجل بناء السلم الاجتماعي‪ ،‬وحماية وضمان املمتلكات الخاصة باألفراد‪ .‬كما أن "كاستل"‬
‫يشير في تحليله إلى جان لوك الذي يقول بأن إلانسان الحديث قادر عبر أنشبطته الحرة وعمله أن يبني‬
‫استقالليته ويصبح في النهاية مالكا لذاته وممتلكاته‪ .‬وهكذا فإن امللكية في نير لوك هي التي تحمي الافراد‬
‫وتؤمنهم ضد مصاطر الحياة املتمثلة في املرض والصحة وغيرها‪ 2.‬فامللكية هي التي تضمن استقالل الفرد‬
‫اجتماعيا‪ ،‬والقول بأن الدولة هي التي تضمن الحماية ملن يملكون ملكية خاصة‪ ،‬هو قول ليبيرالية في‬
‫جوهره يؤسس لنيام ليبيرالي رأسمالي ستعرف فيه البشرية وضع أبشع‪ ،‬ذلك ألن املكية أدت إلى انشبطار‬
‫وانقسام البنية الاجتماعية إلى طبقتين‪ ،‬فاألولى مالكة وألاخرى غير مالكة‪.‬‬

‫يعتبر "كاستل" أن املجتمعات التي تسود فيها سلبطة الدولة‪ ،‬ستعرف ارتفاع البطلب حول الزيادة في طلب‬
‫الحريات والاستقاللية‪ ،‬إذ أن تحقيق ذلك أدى إلى نسيان الفئات ألاخرى التي عرفت فقدان للروابط‬

‫‪1‬‬
‫‪Robert Castel, l’insécurité sociale, qu’est qu’être protégé ? Ed seuil ,paris , 2003, p 13‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid,PP,15,16‬‬

‫‪24‬‬
‫الاجتماعية وال تستفيد من أي مساعدات سواء تقليدية تضامنية أو موضوعية مؤسساتية‪ ،‬ولذلك أكد‬
‫"كاستل" أنه حان الوقت للحديث عن الدولة الاجتماعية التي كان هدفها هو توفير الحماية الاجتماعية‬
‫للمواطنين‪ .‬فهذه الدولة تقوم بتوفير الحماية ضد مصاطر الحياة والتي تسمح للفرد على بناء ذاته‬
‫وتحقيقها‪ .‬وبهذا فإن أهمية الحماية الاجتماعية البد من الرجوع الى ما كانت عليه ألاوضاع في السابق‪،‬‬
‫وخاصة هؤالء الذين ال يملكون ملكية خاصة ومحرومين وليس لهم سوى قوة عملهم لتدبير عيشهم‪.‬‬
‫وكذلك املثقلين بالهموم واملعاناة‪ ،‬أو كما يسميهم القس '' سبين'' بأنهم حشد هائل من ألادوات ذوات‬
‫القدمين‪ ،‬الذين ال يملكون غير أيد ال تكسب إال القليل‪ ،‬وبنفس مهمومة‪ 1.‬من هنا يؤكد كاستل على أن‬
‫الدولة املدنية عاجزة على توفير الحماية الاجتماعية لكل املواطنين في ظل ارتفاع الألمن الاجتماعي‪ ،‬بسبب‬
‫تزايد املصاطر املرتببطة بالحياة واملرض والشيصوخة والعجز العقلي والبدني‪.‬‬

‫تشكل امللكية الاجتماعية‪ 2‬أحد املنبطلقات واملفاهيم الاساسية لكاستل ‪ ،‬إذ أن الدولة الليبيرالية أدت‬
‫إلى الوضع الذي كان سائدا في السابق و هو الجدل القائم بين من يملك و من ال يملك و هذا ما جعل‬
‫البطبقة التي تملك لها الحق في الكثير من الحاجيات‪ ،‬أما البطبقة غير املالكة فليس لها الحق في إطار‬
‫الدولة املدنية التي عجزت عن تغيير الشروط الاجتماعية لدى العمال‪ ،‬بمعنى أنها أنتجت نفس الوضعية‬
‫السابقة و بأشكال جديدة‪ ،‬حيث عملت الرأسمالية على تحرير الفالح و القن و العبيد من إلاقبطاعيين‬
‫لتجعلهم عبيدا داخل املصنع تحت جلباب عمال‪.‬‬

‫يؤكد كاستل أن في ظل سيبطرة الألمن الاجتماعي في املجتمعات‪ ،‬برزت ضرورة مواجهة الألمن من خالل‬
‫سياسات اجتماعية تتمثل بشكل أساس ي في اتباع مسارين أساسيين‪ :‬ألاول يصص إعادة هيكلة الحماية‬
‫الاجتماعية التي تعرف في فرنسا باسم الضمان الاجتماعي الذي يشمل التأمين على مستوى املرض والعجز‬
‫وحوادث الشغل والببطالة والتعويضات العائلية واملساعدات الاجتماعية‪ .‬واملسار الثاني يصص تأمين‬
‫أوضاع العمل واملسارات املهنية للعمال‪ 3‬ومن خالل ذلك يستنتج كاستل أن الدولة الاجتماعية هي الحل‬
‫ألانسب ملواجهة الألمن الاجتماعي من خالل توفيرها للملكية الاجتماعية التي تمكن الفرد من الحصول‬
‫على ملكية الذات وإخراجها من سيادة السوق‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Ibid, P,P,26,27‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Ibid, P,30‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Ibid, P,66‬‬

‫‪25‬‬
‫نستنتج من خالل هذه املعبطيات‪ ،‬أن الدولة الاجتماعية نوع من ألانيمة السياسية الحديثة التي جاءت‬
‫في سياق محفوف باملصاطر الاجتماعية‪ ،‬والتقلبات الاقتصادية التي مست فئات اجتماعية واسعة شملت‬
‫الافراد والجماعات الفقير والهشة واملهددة باملصاطر‪ ،‬أنتجتها بنيات املجتمع الصناعي الحديث‪ ،‬بسبب‬
‫فقدان املجتمع ألشكال التضامن التي كانت سائدة بوصفها عملية جوهرية تساهم في تماسك املجتمع‬
‫والحفاظ على أمنه‪ .‬وفي ظل هذا التحول تبلورت الدولة الاجتماعية نموذج للدولة من أجل التعويض‬
‫عن املصاطر وتوفير الحماية الاجتماعية والخدمات ألاساسية ألفراد املجتمع من صحة‪ ،‬تعليم‪ ،‬تأمين عن‬
‫الشغل‪...‬إلخ‪ ،‬والهدف من ذلك هو تحقيق العيش الكريم لكل فرد من أفراد املجتمع‪.‬‬

‫خالصة عامة‬

‫ارتببطت سيرورة تشكل الدولة الاجتماعية‪ ،‬بمسارات وتحوالت اقتصادية وسياسية وثقافية‪ ،‬عرفتها‬
‫املجتمعات عبر تبطورها وانتقالها من نيام آلخر‪ ،‬ومن نمط عيش آلخر‪ ،‬أدت هذه التحوالت إلى بروز‬
‫املجتمع الصناعي الجديد تسوده الفردانية وتفكك الروابط الاجتماعية‪ ،‬وأشكال ومياهر جديدة من‬
‫الفقر والهشاشة‪ ،‬هذه عوامل ساهمت في ظهور الدولة الاجتماعية باعتبارها النموذج الجديد التي تبنته‬
‫الدول املتقدمة‪ ،‬التي ترتكز على الحق والقانون‪ ،‬توفير خدمات اجتماعية وضمان العيش الكريم ملواطنيها‪.‬‬

‫ترتكز الدولة الاجتماعية على مجموعة من ألابعاد‪ ،‬التي أسست لها مجموعة من املقاربات‬
‫السوسيولوجية‪ ،‬إذ ترتبط هذه الابعاد بعدة جوانب‪ ،‬منها الجوانب الحقوقية التي ترتبط بضمان الدولة‬
‫ملصتلف أفراد املجتمع الحقوق السياسية واملدنية‪ ،‬تتمثل في الحق في العدالة واملشاركة السياسية‬
‫والتعبير عن الرأي ومصتلف الحريات واكتساب الهوية‪ ،‬ثم حقوق اجتماعية مثل الحق في التعلم‬
‫والتبطبيب والتأمين الاجتماعي والتعويص عن املصاطر‪ ،‬ثم حقوق اقتصادية ترتبط بالحق في الشغل‬
‫والتعويض عن فقدان ومصاطر الشغل‪ .‬وبهذا‪ ،‬يكمن القول إن استجابة الدولة الاجتماعية ملصتلف‬
‫املشاكل الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬رهين بدرجة توفيرها هذه الحقوق ملواطنيها وحمايتهم من املصاطر‬
‫الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬كما توفير الخدمات ألاساسية خارج نبطاق السوق‪ .‬تبعا لهذه الخالصة‬
‫التركيبية‪ ،‬يمكننا أن نتساءل كما يلي‪ :‬إلى أي حد تستوعب الدولة الاجتماعية التي يؤسس لها املغرب في‬
‫السياق الراهن‪ ،‬شروط توفير الخدمات ألاساسية خارج نبطاق السوق؟‬

‫‪26‬‬
‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫‪ ‬أريك وولف‪ ،‬الحروب الفالحية في القرن العشرين‪ ،‬ترجمة أكرم الرافعي‪ ،‬دار الحقيقة‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.0770،1‬‬
‫‪ ‬أنتوني غيدنز‪ ،‬علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة الدكتور فايز الصياغ‪ ،‬املنيمة العربية للترجمة‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت‪ ،‬أكتوبر‬
‫‪.8774‬‬
‫‪ ‬أنبطوني غيدنز‪ ،‬مقدمة نقدية في علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة أحمد زايد وآخرون‪ ،‬مركز البحوث والدراسات‬
‫الاجتماعية‪ ،‬كلية الاداب جامعة القاهرة‪ ،‬ط‪.8771‬‬
‫‪ ‬أولريش بيك‪ ،‬مجتمع املصاطرة‪ ،‬ترجمة جورج كتورة والهام الشعراني‪ ،‬املكتبة الشرقية للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫ط‪ ،0‬بيروت‪.8777 ،‬‬
‫‪ ‬كارل بوالنيي‪ ،‬التحول الكبير‪ ،‬الاصول السياسية والاقتصادية لزمننا املعاصر‪ ،‬ترجمة محمد فاضل طباخ‪.‬‬
‫املنيمة العربية للترجمة‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت‪.8777 ،‬‬
‫‪ ‬كيلله فالديسالف‪ ،‬املادية التاريصية‪ ،‬دراسة في نيرية املجتمع املاركس ي‪ ،‬ترجمة إلياس شاهين‪ ،‬ط‪ ،8‬دار‬
‫التقدم موسكو‪( ،‬د‪ .‬ت ) ‪.‬‬
‫‪ ‬سالم‪ ،‬جميل‪ ،‬قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية‪ :‬النموذج ألاملاني‪ ،‬دارسات حول نموذج اقتصاد السوق‬
‫الاجتماعي‪ ،‬سلسلة أوراق بحثية حول القانون والاقتصاد (‪ ،)8702/1‬معهد الحقوق ‪-‬جامعة بيرزيت‪،‬‬
‫‪ ،8702‬ص‪.5‬‬
‫‪ ‬زيغمونت باومان‪ ،‬الحداثة السائلة‪ ،‬مقدمة في السائل والصلب‪ ،‬ترجمة حجاج أبو جبير‪ ،‬الشبكة العربية‬
‫لألبحاث والنشر‪ ،‬ط‪ ،0‬بيروت ‪ ،8701‬ص ‪.53‬‬
‫‪ Dictionnaire de L'Académie française (5e édition), Paris, 1798, p2313.‬‬
‫‪ Costa Esping Anderson, Les trois mondes de L’état providence Essai sur le‬‬
‫‪capitalisme moderne, traduit de l’anglais par François-Xavier mérienne ,‬‬
‫‪Ed le lien social , PUF, 1ER Ed, 1999, Paris, page 15‬‬
‫‪ Georges Gurvitch, La vocation actuelle de la sociologie, France, PUF, 4‬‬
‫‪eme édition, 1968, p.21‬‬
‫‪ José A. Prades, Durkheim, France, PUF, 1990, p.13‬‬
‫‪ MERRIEN FRANCOIS – XAVIER, L’état providence, PUF, <<paris, que‬‬
‫‪sais-je ?>> 3 Ed, 2007, p 31‬‬
‫‪ Robert Castel, l’insécurité sociale, qu’est qu’être protégé ? Ed seuil, Paris,‬‬
‫‪2003, p 13‬‬
‫‪ Raymond Chappuis, La solidarité, France, PUF, 1999, p.57‬‬

‫‪27‬‬
‫الدولة الاجتماعية كأفق للتفكير السوسيولوجي‪ :‬استراتيجية فاعلين أم إكراهات نسق‬
‫عادل أيت بامو‬
‫باحث في علم الاجتماع‬

‫مق ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــدمة‬

‫سعى املجتمع املغربي مند مرحلة ما بعد الاستقالل إلى غاية اليوم إلى وضع أسس بناء دولة اجتماعية‬
‫قائمة على إعادة هيكلة النسق الاجتماعي والاقتصادي والسياس ي‪ ،‬بما يفيد خلق وتشكيل نموذج‬
‫مجتمعي حديث وفريد في نفس الوقت‪ ،‬يجمع بين الخصائص املحلية (التقليدية)وينفتح من جهة أخرى‬
‫على القيم الكونية إلانسانية‪ .‬فالسياسيات العامة التي باشرت الدولة (كفاعل) في اقتراحها بغض النير‬
‫عن طبيعتها (خماسية‪-‬ثالثية‪...‬إلخ) والخلفيات السياسية والاقتصادية التي ساهمت في بلورتها (سياسة‬
‫التقويم الهيكلي وما رافقها من التزامات على كافة املستويات)؛ ليست سوى تعبيرا بمنبطق التحليل‬
‫الاستراتيجي على تصادم الستراتيجيات وعقالنيات كافة الفاعلين املتدخلين في هندسة الشأن العام‬
‫وتبطويعه بالشكل الذي يصدم مصالح فئات معينة دون أخرى‪ .‬فاإلكراهات واملشاكل التي عرفها املجتمع‬
‫املغربي في هذه الفترة التاريصية كانت تحتاج وبشكل مستعجل إلى بلورة حلول مؤقتة (نسبيا) وورقات‬
‫رابحة من أجل تفادي كل تصدع مجتمعي قد يهدد استمرارية سيادة الدولة بعد خروج املستعمر منها‬
‫وما خلفه من أزمات‪.‬‬

‫وفي هذا السياق املتأزم من كافة الجوانب‪ ،‬سارع الفاعل املركزي(الدولة) إلى بلورة مجموعة من‬
‫إلاصالحات الهامة على مستوى التعليمي‪ ،‬الصحي‪ ،‬الرعاية الاجتماعية‪ ،‬هيكلة الاقتصاد‪ ،‬سياسة‬
‫التشغيل‪ ،‬إلخ‪ .‬والهدف منها ً‬
‫طبعا هو محاولة تأهيل املؤسسات والعنصر البشري على حد سواء وتعبئته‬
‫من أجل املساهمة الفعالة في جعل الدولة رائدة محليا وإقليميا ودوليا‪ .‬وخالل العقدين ألاخيرين وفق ما‬
‫جاء في تقرير النموذج التنموي الجديد "عرفت اململكة تقدما ملحوظا‪ ،‬ساهم في الرفع من سقف املبطالب‬
‫وأضفى شرعية على التبطلعات الجديدة‪ ،‬وانسجاما مع روح الدستور واستنادا على إلارث التاريخي الغني‪،‬‬
‫فإنه يصبو إلى نفس جديد‪ ،‬من خالل تعبئة كافة مكوناته وبروح املواطنة وحس التضامن‪ ،‬بغية بناء‬
‫مستقبل مزدهر يؤمن رفاه املواطنين"‪ .1‬بهذا املعنى فالنموذج املثالي بلغة ماكس فيبر الذي تضعه الدولة‬
‫في ربح رهاناتها وتحقيق مشروعها يحتاج إلى مزيد من الاشتغال من أجل ربح الرهان ألاساس ي لكل سياسة‬

‫‪ 1‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه‬
‫للجميع‪ ،‬التقرير العام‪ ،8780 ،‬ص‪.7 ،‬‬

‫‪28‬‬
‫وهو العنصر البشري الذي في يده جميع إلامكانيات من أجل تحقيق النموذج املرغوب فيه أو املساهمة‬
‫في عرقلة التقدم كما جاء في مجموعة من التقارير الرسمية‪.‬‬

‫تهدف هذه الورقة البحثية إلى محاولة املساهمة في النقا العمومي حول بعض النماذج املثالية (الدولة‬
‫الاجتماعية) التي استحسنها املجتمع املغربي بغض النير عن خلفيتها (ألايديولوجية‪ ،‬السياسية‪،‬‬
‫الاقتصادية‪ ،‬ألاخالقية‪ ،‬إلانسانية‪ ،‬إلخ) لغاية بناء مشروعه الخاص في التنمية املجتمعية‪ .‬والنقا هنا‬
‫سيكون طبعا من خالل توظيف بعض أدوات التحليل السوسيولوجي املعاصر‪ ،‬بعيدا طبعا عن‬
‫الانبطباعات الحسية التي ترافق مثل هذه املواضيع التي تغمرنا كما وكيفا‪ .‬فموضوع الدولة الاجتماعية‬
‫بالنسبة لنا ال يقدم نفسه على أساس أنه طبيعي وعادي ويمكن أن نفهمه بمجرد القبول ببطابعه الكلي‬
‫الهوليستي‪ ،‬بمعنى أن مثل هذه املفاهيم الكبرى تدل على كل ش يء وفي نفس الوقت ال تعبر عن أي ش يء‪،‬‬
‫فالقبول بها يفيد أن الباحث يتموقع في براديغم معين وينبطلق في تحليله من املفاهيم العامة واملجردة‬
‫لغاية إدراك جوهرها وقيمتها‪ ،‬في حين أن محاولة تفكيك املفهوم وإعادة تركيبه من الداخل يجعل‬
‫الباحث يتموقع في وضعية إبستيمولوجية مغايرة تماما للبطرح إلابستيمولوجي ألاول‪ ،‬من خالل بناء‬
‫املوضوع من جديد وفهمه بمنبطق جديد يراعي الانبطالق من املستويات الصغرى (ألافراد الفاعلين) في‬
‫اتجاه فهم املستويات الكبرى( النسق)‪.‬‬

‫بهذا املعنى فإن الانتقال املنهجي من خالل هذه الورقة البحثية من البراديغم الهوليستي‪ ،‬أو املنبطق‬
‫الكلي‪/‬الشم ولي في النير لإلكراهات املصاحبة لبناء أسس الدولة الاجتماعية؛ إلى براديغم فرداني منهجي‬
‫ينبطلق في تحليله من فهم نسق التفاعل بين ألافراد والفاعلين‪ ،‬يشكل بالنسبة لنا في سياق هذه املحاولة‬
‫النيرية‪ ،‬الخيط الناظم لكل معرفة عميقة حول إلاشكاالت املرتببطة بمسألة بناء نموذج اجتماعي‬
‫يستجيب للمبطالب والحاجيات آلانية واملستقبلية لألفراد واملؤسسات على حد سواء‪ ،‬كما سيساعدنا في‬
‫مستوى آخر على إمكانية مساءلة مجموعة من املسلمات واملفاهيم واملقترحات التي يتم توظيفها لغاية‬
‫طبعا عن أي محاولة للبحث عن الانتيامات‬ ‫التجاوب مع تعقد هذا الواقع الاجتماعي املعاصر‪ ،‬بعيدا ً‬
‫الخبطية والقوانين السببية والعامة التي تبني هذا الواقع الاجتماعي السائل على حد تعبير زيجمونت‬
‫بومان‪ ،‬بالبحث في ما يميزه من دينامية ومن تغير دائم‪ ،‬يصضع ملنبطق تغير طموحات وعقالنيات ألافراد‬
‫والفاعلين أنفسهم داخل النسق الاجتماعي‪ ،‬بهذا املعنى يصبح تبني مفهوم الدولة الاجتماعية هنا من‬
‫وجهة نير إلاطار النيري الذي نسترشد به هنا‪ ،‬كاستراتيجية هجومية ودفاعية يتم توظيفها باستمرار‬
‫من طرف مصتلف الفاعلين وكورقة رابحة لغاية حماية مصالح مشتركة أو خاصة استشعروا بمصاطر‬

‫‪29‬‬
‫تهدد استمرار الاستفادة منها‪ ،‬لذلك فإن تعدد التسميات كما جاء في أرضية الكتاب الجماعي (الحماية‬
‫الاجتماعية‪ ،‬الدولة الاجتماعية‪ ،‬دولة الحق والقانون‪...،‬إلخ‪ ).‬ليست سوى ً‬
‫نتاجا وتجسيدا ملنبطق التعدد‬
‫والاختالف والصراع املستمر في الزمان واملكان حول املصالح بين العقالنيات والاستراتيجيات‪ .‬بهذا املعنى‬
‫يتم اقتراح مفاهيم عامة أو اقتباسها (قد تدل على كل ش يء وال تعني أي ش يء في نفس الوقت) من أجل‬
‫تبطويق أو تأطير املرحلة الجديدة‪ ،‬بغض النير عن مضمون املفهوم أو مبررات تبنيه والترويج له والدفاع‬
‫عنه بمنبطلق التجديد‪.‬‬

‫بناء على هذا البطرح إذن‪ ،‬فإن الحديث عن الدولة الاجتماعية (كمشروع مجتمعي جديد) باملنبطق‬
‫الفرداني املنهجي‪ ،‬سيساعدنا أكثر على النفاذ إلى عمق هذا الواقع الذي هو في أصله بناء اجتماعي من‬
‫الفاعلين املشكلين له‪ ،‬فتصادم الاستراتيجيات واختالفها وتضارب أو تداخل املصالح هو ما يجعل املشهد‬
‫الاجتماعي املغربي الحالي‪ ،‬يتسم بضبابية مستمرة‪ ،‬كما يشكل مصتبرا يقبل بتوظيف املفاهيم واملشاريع‬
‫إلاصالحية املسبطرة على جميع املستويات‪.‬‬

‫ً‬
‫وتأسيسا على أرضية الكتاب الجماعي املقترحة‪ ،‬سنحاول من خالل هذه‬ ‫بناء على ما تقدم من طرح‪،‬‬
‫الورقة العلمية إلاجابة على السؤال التالي‪:‬‬

‫هل إشكالية بناء أسس الدولة الاجتماعية باملجتمع املغربي مرتببطة بتعدد استراتيجيات وعقالنيات‬
‫الفاعلين داخلها أم أنها مرتببطة بإكراهات نسقية خارجة عن إرادتهم؟‬

‫لهذه الغاية نقترح في هذا السياق محورين أساسيين‪:‬‬

‫‪ ‬املحور ألاول‪ :‬سنحاول من خالله التعريف الوجيز باإلطار النيري الذي نسترشد به في قراءة‬
‫بعض النماذج املجتمعية املثالية‪.‬‬
‫‪ ‬املحور الثاني‪ :‬سيكون محبطة أساسية من أجل توظيف أدوات التحليل الاستراتيجي من أجل‬
‫قراءة الواقع الاجتماعي املغربي‪.‬‬
‫‪ .1‬املقاربة التحليلية‪ :‬التحليل الاستراتيجي‪-‬الفاعل والنسق" ميشيل كروزي وارهارد فريدبيرغ"‬
‫حاولت السوسيولوجيا منذ نشأتها الاهتمام بدراسة املجتمع ومصتلف اليواهر التي برزت في سياق‬
‫اجتماع شروط سياسية واقتصادية ودينية في مجال اجتماعي معين‪ ،‬صاحب هذا الاهتمام ً‬
‫طبعا توظيف‬
‫أدوات املنهج العلمي في فهم وتفسير الفعل والنسق الاجتماعي‪ ،‬بعيدا عن الخبطاب الجاهز (الحس‬

‫‪30‬‬
‫املشترك‪ ،‬التناول الصحفي‪ ،‬املعرفة الدينية‪ ،‬الخ‪ .).‬فاملمارسة السوسيولوجية أفرزت لنا مجموعة من‬
‫البراديغمات‪ 1‬والتي غالبا ما يتم تصنيفها إلى براديغمين مصتلفين‪ :‬ألاول هوليستي (نسبة إلى إميل دوركايم)‬
‫والثاني فرداني منهجي (نسبة إلى ماكس فيبر)‪ ،‬فاألول يجعل املجتمع كواقعة اجتماعية يتبطلب دراسته‬
‫وفق منهجية وضعية‪ ،‬من خالل الاسترشاد باملناهج املوظفة في العلوم الحقة (الفيزياء‪ ،‬الرياضيات‪،‬‬
‫العلوم البطبيعية‪ ).... ،‬واعتبارها أساس بناء أي معرفة حول اليواهر إلانسانية والاجتماعية‪ ،‬بهذا املعنى‬
‫تصبح الدولة الاجتماعية‪ ،‬الرعاية الاجتماعية‪ ،‬املشاركة الاجتماعية‪ ،‬كعناوين كبرى إلفرازات املجتمع‬
‫وإكراهاته املستمرة فضال عن كونها تستجيب للمبطالب التي يحتاجها النسق العام في سياق البحث عن‬
‫التوازن الوظيفي بين أجزائه‪ .‬فاملقاربة الوظيفية مثال‪ ،‬خاصة مع بارسونز‪ ،‬نجدها تؤكد على مسألة‬
‫الاستقرار والنيام‪ ،‬وأن كل العناصر املشكلة لهذا النسق وظيفتها إلاجابة على كافة الحاجيات الضرورية‪،‬‬
‫لغاية الحفاظ على التماسك املنبطقي للمجتمع في صيغته الكلية‪ .‬فبلورة الدولة لنموذج مجتمعي وفي‬
‫ظرف مكاني وزماني معين‪ ،‬ليس سوى باملنبطق الهوليس ي‪ ،‬إجابة منبطقية لحاجة النسق العام إلعادة‬
‫التوازن والتكيف الدينامي مع املستجدات املحلية والكونية‪.‬‬

‫فاملنبطق "الكلي" الذي يعود إلى رائده ألاول السوسيولوجي الفرنس ي إميل دوركايم والذي ينبطلق في تحليله‬
‫من الكل الاجتماعي من خالل اعتباره كواقعة اجتماعية يمكن للباحث أن يبطوعها ويصضعها للمنبطق‬
‫الوضعي حتى تفصح عن جوهرها وقوانينها العامة التي تميزها (باعتبارها أشياء خارجية) وهذه هي وظيفة‬
‫كل ممارسة سوسيولوجية علمية حسب دوركايم‪ ،‬بهذا املعنى فإن القول على أن اقتراح مفاهيم عامة‬
‫ومجردة من طرف النسق العام كفيل وفق هذا البطرح بتجاوز السقوط في الجزئية املفرطة التي تعبطي‬
‫أولوية للفعل الفردي‪ ،‬وبالتالي إعادة التوازن املفقود(نسبيا) إلى مكانه‪ ،‬وبالتالي الحفاظ على استمرارية‬
‫املجتمع وديناميته‪ .‬فمهمة الباحث إذن وفق هذا البطرح هي مد املجتمع بوعي أكبر بذاته وبوحدته‪ ،‬وتعزيز‬
‫الصالت التي تربط ألافراد فيما بينهم وجعلها بارزة للعيان بغية التويي من ألانانية التي تتربص بهم‪ ...‬في‬
‫التحوط من خبطر التفكك والفوضوية التيي تحدق باملجتمع بوصفه كال‪.2‬‬

‫ونجد باملقابل التقليد الفرداني املنهجي طبعا‪ ،‬الذي نحن بصدد الاسترشاد به في هذه الورقة البحثية‪،‬‬
‫والذي يعبطي ألاولوية في الدراسة للفرد في إطار عالقته باملجتمع‪ ،‬ويعتبر الفعل الفردي هو أصل كل بناء‬

‫‪1‬هذا التعبير يشير صراحة الى املعتقدات الضمنية التي من خاللها يبني الباحثون فرضياتهم ونيرياتهم وبشكل عام تحدد ألاهداف واملناهج‪،‬‬
‫كما يعبر املفهوم عن نموذج نيري يؤطر مسار بناء املعرفة العلمية وفق منهجية خاصة‪ ،‬ملزيد من املعلومات حول املفهوم انير‪:‬‬
‫‪Raymond Boudon, Philippe Besnard, Mohamed Cherkaoui, Bernard-pierre Lécuyer, dictionnaire de la sociologie,‬‬
‫‪France loisirs, paris, 2001, p, 170.‬‬
‫‪ 2‬سيرج بوغام‪ ،‬ممارسة علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة السعيداني منير‪ ،‬كتابك للنشر والتوزيع‪ ،‬ص‪.022 ،‬‬

‫‪31‬‬
‫اجتماعي أو ظاهرة اجتماعية (أهمية ألافعال الفردية مقابل الكل الاجتماعي)‪ .‬حاول هذا التيار املعرفي‬
‫أن يتجاوز الهفوات التي سقط فيه التحليل الهوليستي الذي يعبطي قيمة أكبر للمجتمع ويعلي من شأنه‬
‫على حساب ألافراد املشكلين له‪ ،‬كما يهمش حريتهم وقدرتهم من خالل أفعالهم على تشكيل املجتمع‬
‫وتحديد وجهته‪ ،‬بمعنى أن مجموع ألاجزاء أكبر من الكل مقابل الفكرة املحورية للتيار الهوليستي الذي‬
‫يؤكد أن مجموع ألاجزاء أصغر من الكل‪.‬‬

‫في هذا السياق قدم واحد من أبرز ممثلي براديغم الفردانية املنهجية وهو رايمون بودون في كتابه ‪les‬‬
‫‪ méthodes en sociologie‬على أنها تشكل طريقة تهدف إلى تفسير اليواهر الاجتماعية على مرحلتين‬
‫مرتببطتين عضويا‪:1‬‬

‫‪ ‬مرحلة تفسير نثبت من خاللها أن هذه اليواهر الاجتماعية هي محصلة عملية إدماج‪ ،‬أو تجميع‬
‫بين أفعال فردية‪.‬‬
‫‪ ‬مرحلة فهم تتلخص بإدراك معنى هذه ألافعال‪ ،‬وبعبارة أدق إيجاد ألاسباب الوجيهة التي دعت‬
‫الفاعلين إلى القيام بها‪.‬‬
‫انبطالقا من هذه الصياغة البودونية‪ ،2‬فالجمعي‪/‬الكلي ليس أصال هنا‪ ،‬وال يعبر سوى عن نتيجة منبطقية‬
‫لتجميع العناصر الفردية‪ ،‬والتعاطي مع الفعل الفردي باعتباره فعال فرديا في سياق فردي وينتجه فرد‪،‬‬
‫وأن الفرد له حرية كبيرة وهامش كبير في اختيار أن يقوم بفعل ما بدل أن يقوم بأفعال أخرى (متاحة)‬
‫هذا الفهم يجعلنا نؤكد أن هناك مفهومين أساسين في التحليل الفرداني املنهجي‪ ،‬ألاول هو "مفهوم‬
‫الفعل" والثاني هو مفهوم "الدمج أو التجميع" بهذا املعنى تصير كل ظاهرة اجتماعية تجسيد ملجموع‬
‫أفعال ألافراد في سياق تفاعالتهم الاجتماعية اليومية وفي عملية التجميع(ألافعال) قد تنتج ظواهر‬
‫اجتماعية غير متوقعة من طرف ألافراد املشكلين لها‪.‬‬

‫إلابستيمولوجي الذي ميز املمارسة السوسيولوجية‪ ،‬حول أسبقية الفرد أو‬ ‫وفي سياق هذا النقا‬
‫املجتمع‪ ،‬ظهرت نيرية التحليل الاستراتيجي مع كل من ميشيل كروزي وارهارد فريدبيرغ من خالل‬
‫معلمتهما ‪l’acteur et le système‬الصادر سنة ‪ ،0700‬وهي نيرية تأثرت كثيرا بمبادئ العلم الحديث‬
‫القائم على قانون النسبية العلمية في فهم وتفسير اليواهر املدروسة‪ ،‬فالتحليل الاستراتيجي يقع بين‬
‫اتجاهيين سوسيولوجيين‪ :‬اتجاه فينومينولوجي يتمحور حول تيمة الفعل‪ ،‬واتجاه وظيفي ينصرف أساسا‬

‫‪1‬‬
‫‪Boudon Raymond, les méthodes en sociologie, Que sais-je ? PUF, pais, 2009, p, 24.‬‬
‫‪ 2‬نسبة إلى رايمون بودون‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫إلى كشف إكراهات النسق على أفراده‪ ،‬فلو اقتصر التحليل الاستراتيجي على مقاربة اتجاهات الفاعلين‬
‫وميوالتهم‪ ،‬واملنبطق الذي يسخرونه لتحقيق أهدافهم‪ ،‬والوسائل التي يلجؤون إليها لتسهيل هذه العملية‪،‬‬
‫لكان ضربا من التأويل الفينومينولوجي‪ ،‬ولو اقتصر باملقابل على كشف إلاكراهات القبلية للفعل لكان‬
‫ضربا من التأمل‪ ،‬والنزوع نحو الكشف عن جبرية غير مبررة‪ .1‬بهذا املعنى ينبطلق الباحثون من مسلمة‬
‫أن الواقع هو بناء اجتماعي بامتياز‪ ،‬ودراسة هذا الواقع الاجتماعي يتبطلب الانبطالق من املستويات‬
‫الصغرى (ألافراد في تفاعالتهم وإلاكراهات‪ ،‬فالتفاعل بين ألافراد يفرز لنا نتائج وظواهر جديدة في إطار‬
‫مستوى النسق‪ )2‬في اتجاه اكتشاف منبطق النسق الذي يمارس إكراها على ألافراد ويحد نسبيا من حريتهم‬
‫وعقالنيتهم‪.‬‬

‫تأس يسا على ما سبق من طرح‪ ،‬ال يمكن الحديث وفق البطرح الاستراتيجي عن بناء نسق من التنييم‬
‫بدون عالقات السلبطة‪ ،‬وجميع التنييمات قائمة على أساس عالقات السلبطة‪ ،‬وإمكانية فهمها تمكننا‬
‫من رسم صورة حول ظاهرة الاندماج داخل التنييمات‪3‬وببطبيعة الحال فإن عالقات السلبطة ليس من‬
‫السهل قياسها‪ ،‬وهناك إمكانية تحقيق ذلك من خالل تحليل املواقف‪ ،‬ألاحاسيس‪ ،‬والسلوك الذي‬
‫يعكس مصتلف ألادوار التي يتم تبطويرها في التنييم ويتم اعتبارها نسقا اجتماعيا‪4.‬بهذا املعنى يمكن أن‬
‫نفهم جوهر العبارة التي جاءت في أول ألارضية" انتقل الخبطاب الرسمي الحالي في املغرب من الحديث عن‬
‫" الحماية الاجتماعية" إلى" الدولة الاجتماعية" فمبررات الانتقال هي مبررات مرتببطة بمصالح فاعلين‬
‫داخل نسق لعبة السلبطة داخل الدولة‪ ،‬فنهاية خبطاب "الحماية الاجتماعية" يعني نهاية سلبطة فاعل‬
‫معين اقترح نموذج من أجل تحقيق مصالح خاصة وبعيدة عن انتيارات ألافراد داخل املجتمع‪ ،‬كما‬
‫يعني من جهة أخرى بداية صعود فاعلين جدد يمتلكون من املوارد املادية والرمزية ما يجعل مقترحهم‬
‫ً‬
‫(مؤقتا) من طرف عدد مهم من ألافراد داخل املجتمع‪ ،‬وبالتالي لهم‬ ‫"الدولة الاجتماعية" مرحب به‬
‫السلبطة على تدبير اللعبة مؤقتا إلى حين ظهور مفهوم جديد يراعي مبطالب شعبية جديدة‪ ،‬بهذا الفهم‬
‫فنحن هنا أمام ظهور وغياب ملفاهيم عامة ومجردة بعيدة كل البعد عن تحقيق الحاجيات الضرورية‬
‫لألفراد وتحقيق طموحاتهم املستقبلية‪ ،‬وكما سنوضح في املحور املوالي‪ ،‬أن مفهوم الدولة الاجتماعية‬
‫كما جاء في ألارضية‪ ،‬الذي يتم الحديث عنه اليوم في املغرب‪ ،‬ال يقوم على تصور واضح ومعلن يمكن‬

‫‪1‬جمال فزة‪ ،‬سوسيولوجيا التنييمات‪ ،‬أسس واتجاهات‪ ،‬دار ابي رقراق للبطباعة والنشر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8703 ،‬ص‪.040 ،‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Coleman James. S, Foundation of social theory, first Harvard university press paperback edition, 1994, P, 24.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Crozier Michel, the Relationship between Micro and Macrosociology, A study of organizational systems as an‬‬
‫‪empiricalapproach to the problems of macrosociology, human relations, volume 25 number 3, pp.(239-251)143.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪Crozier Michel, the Relationship between Micro and Macrosociology, A study of organizationalsystems as an‬‬
‫‪empiricalapproach to the problems of macrosociology, human relations, volume 25 number 3, pp.(239-251)141.‬‬

‫‪33‬‬
‫تناوله علميا ومنهجيا وفق أدوات البحث العلمي املعروفة‪ ،‬وال نجد له توضيحا كافيا وإشارات دقيقة في‬
‫البرنامج الحكومي ‪ .8781-8780‬إن الضبابية التي تحوم حول املفهوم هي من طبيعة املفاهيم العامة التي‬
‫تتم الاستعانة بها في كل مرحلة سياسية من أجل التفرد وبغية قلب املوازين بما يساعد على تحقيق‬
‫مصالح تصدم فئات دون أخرى‪ .‬فالضبابية بهذا املعنى تدخل في سياق ما يسميه التحليل الاستراتيجي‬
‫بمجاالت الاليقين‪ ،‬التي تغبطي كافة نواحي املجتمع‪ ،‬ويتم استغاللها من طرف الفاعلين من مصتلف‬
‫مراكزهم وتوجهاتهم ووظائفهم بغية التحكم في اللعبة أو على ألاقل ضمان مكان لهم فيها‪ ،‬بعيدا عن‬
‫الجلوس في مقاعد الجماهير للتصفيق على املحاوالت الصائبة والضائعة‪ .‬فغياب مؤشرات من أجل تقييم‬
‫املفاهيم إجرائيا هو جزء من هذا البناء الاجتماعي للواقع‪ ،‬ففي العتمة‪/‬اليالم يتم اقتناص وانتهاز فرص‬
‫قد ال تتاح عندما يكون املكان مضيئا‪ .‬فالفاتورة الاجتماعية هي ثقل على أي فعل تنييمي جماعي وبالتالي‬
‫فالتعامل معها يكون دائما وفق استراتيجية هجومية أو دفاعية إن اقتض ى الحال من أجل ضمان‬
‫انسيابية تحقيق املصالح الخاصة بعيدا عن أي إرادة لإلصالح والتبطوير والتنمية التي يتم املناداة بها في‬
‫كل خروج إعالمي رسمي‪.‬‬

‫في الواقع يساعدنا التحليل الاستراتيجي من خالل مفاهيم مثل (السلبطة‪ ،‬العقالنية املحدودة‪،‬‬
‫الاستراتيجية‪ ،‬الفاعل‪ ،‬النسق‪ ،‬الاليقين‪ ،‬اللعبة‪ ،‬إلخ‪ ...‬على تشريح بعض املفاهيم العامة واملجردة والتي‬
‫تعيق أي محاولة من أجل فهمها واستيعاب منبطق اشتغالها‪ ،‬فالتحليل الاستراتيجي من خالل أدواته‬
‫املنهجية‪ ،‬سيتيح لنا ‪-‬على املستوى النيري وامليداني‪ -‬استنتاج مجموعة من الجوانب التي ترافق كل فعل‬
‫اجتماعي منيم‪ ،‬على أساس أن مفهوم الدولة الاجتماعية هو نتاج فاعلين لهم من املوارد ما يجعلهم‬
‫يقترحون مفهوما لوسم املرحلة وتأطيرها من كافة النواحي‪ .‬إن محاولة التفكير من منبطلق مغاير تماما‬
‫َ‬
‫للبطرح الهوليستي‪ ،‬يشكل تفكيرا على نحو مغاير على حد تعبير الان تورين في سياق كتابة املشهور" التفكير‬
‫على نحو مغاير‪ :‬علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي" الصادر سنة ‪ .8770‬أو في كتابة براديغم جديد سنة‬
‫‪ ،8774‬وهي مشاريع بحثية يدافع من خاللها على أهمية تغيير موقع وزاوية النير إلى ما يشهده العالم‬
‫من ظواهر وتغيرات وانتقاالت على كافة مستويات النسق الاجتماعي‪ .‬ويعتبر بذلك أن موضوع املجتمع‬
‫الذي كان في صلب هذا العلم ضمن خريبطة العلوم أضحى ذاته في أزمة من منيور علم الاجتماع بحيث‬
‫أدت سياسات العوملة في اقترانها بتصاعد تحرر الرغبات إلى انهيار البناء الاجتماعي وكل النيم واملؤسسات‬
‫املرتببطة به؛ وبات تعريف الكائن الاجتماعي من خالل عالقته مع نفسه أهم من تعريفه بموقعه في‬
‫املجتمع‪ .‬لقد أصبح الاجتماعي في عداد املاض ي ولم يعد بإمكانه تفسير الواقع اعتمادا على نفسه وحده؛‬

‫‪34‬‬
‫إذ أصبح الفعل الاجتماعي يصضع إلى ما هو أقل من اجتماعي فيه‪ 1‬بهذا املعنى فنحن هنا في سياق دعوة‬
‫صريحة إلى إيالء الاهتمام بالفعل الاجتماعي بغية تحقيق الفهم والتفسير املالئم لإلكراهات النسقية التي‬
‫تستعص ي على الباحث ويوظف بذلك أيسر البطرق وهو التفكير الهوليستي الذي يعلي من شأن الكل على‬
‫حساب ألاجزاء‪ ،‬في حين نحن مبطالبين أن نغير موقع النير إلى ظواهرنا الاجتماعية وإلى النماذج املجتمعية‬
‫َ‬
‫التي يتم توظيفها‪ ،‬بحثا عن املعاني والدالالت الخاصة واملميزة لواقع اجتماعي مغاير لواقع اجتماعي اخر‪.‬‬

‫يمكن من خالل ما سبق أن نوضح ما نصبو إليه من خالل تفكيك حيثيات مفهوم الدولة الاجتماعية‬
‫وذلك على الشكل التالي‪:‬‬

‫خطاطة ‪ :1‬الدولة الاجتماعية والحاجة إلى التفكير على نحو مغاير‪ :‬من الكلي إلى الفرداني املنهجي‬

‫تعدد االستراتيجيات‬ ‫تعدد المصالح‬


‫والرهانات‬ ‫والغايات‬

‫تعدد الفاعلين‬ ‫الدولة‬ ‫مجاالت الاليقين‬


‫االجتماع‬
‫ية‬

‫تعدد موارد السلطة‬ ‫قواعد اللعبة‬

‫املصدر‪ :‬بناء نيري للباحث‬

‫إن املالحية التي يمكن أن يستشفها القارئ من خالل هذه الصياغة النيرية‪ ،‬هي أننا بصدد مفاهيم‬
‫أكثر دقة وعمقا‪ ،‬ترتبط باملستويات الصغرى وبعيدة عن املنبطق الكلي الذي ينفي أن تكون الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬الرعاية الاجتماعية‪ ،‬التشاركية‪ ،‬دولة الحق والقانون‪ ،‬إلخ من شعارات املراحل التاريصية‬
‫للدول وألامم تجسيدا أو تميهرا لتعدد الفاعلين وتعدد استراتيجياتهم في تحقيق املصالح والرهانات‬

‫‪ 1‬تورين الان‪ ،‬التفكير على نحو مغاير‪ ،‬علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي‪ ،‬ترجمة ورد عبد املالك‪ ،‬مبطبعة شمس برنت للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى‪ ،8707 ،‬ص‪.1-4 ،‬‬

‫‪35‬‬
‫الخاصة بهم‪ ،‬من خالل معرفة قواعد اللعبة والتوفر على موارد السلبطة من أجل التمكن من مجاالت‬
‫الاليقين على املستوى الاقتصادي والسياس ي والثقافي‪ ،‬فمجال الاليقين هنا وفق هذه الورقة البحثية‬
‫ترتبط بكل ما هو اجتماعي‪ ،‬والذي يتم توظيفه وتسخيره لغاية تأطير كل مرحلة تاريصية قد تشهد‬
‫تصدعات واختالالت على كافة مستوى البناء الاجتماعي‪ .‬فالتحكم في مسار الفعل الاجتماعي املنيم هو‬
‫لغاية الحفاظ على استمرارية النسق العام وتوازنه باملنبطق الذي قدمه بارسونز في سياق نيريته‬
‫الوظيفية البنيوية‪.‬‬

‫‪ .0‬الدولة الاجتماعية كأفق للتفكير السوسيولوجي املعاصر‪ :‬فاتورة الاجتماعي والفعل الاجتماعي‬
‫املنظم‪.‬‬

‫إن املجتمعات إلانسانية تجد نفسها مندرجة كليا أو جزئيا في عمليات انتقال وفي حركة مستمرة‪...،‬‬
‫وخاضعة بشكل مستمر ومستدام لقوى داخلية وخارجية تقوم بتغيير توجهها وقبلتها وتتصذ هذه‬
‫العمليات الانتقالية أشكاال ونماذج مصتلفة ومتباينة في حدتها وفي مدتها‪ ،‬فتارة تكون هذه التبدالت‬
‫فجائية وتارة أخرى ببطيئة وغير ملحوظة‪ ،‬وفي حاالت نادرة تأخذ صبغة التغير الثوري‪ 1‬بهذا املعنى فإن‬
‫املجتمع املغربي ال يشكل استثناء في هذه الحالة السائلة بلغة السوسيولوجي باومان‪ ،‬بمعنى أنه يسابق‬
‫الزمن من أجل تكييف نسقه العام مع ما تشهده ألانساق ألاخرى من عمليات انتقالية على كافة‬
‫املستويات‪ .‬فرهان "الدولة الاجتماعية" ليس رهانا أو قضية مجتمعية وتمثل الكل الاجتماعي بلغة إميل‬
‫دوركايم‪ ،‬بل هي من منبطلق التحليل الاستراتيجي رهان ظرفي مرتبط بفاعلين لهم من املصالح ما يجعلهم‬
‫يقترحون لكل مرحلة تاريصية شعارا وخبطابا‪ ،‬موظفين بذلك مجموعة من الاستراتيجيات الهجومية‬
‫والدفاعية من أجل تحقيق املزيد من ألارباح في ورقة الاجتماعي الذي يتصلله الاليقين من كل جهة‪.‬‬
‫فاملشاكل التي تصاحب عملية التغيير في نسق التنييمات البيروقراطية‪ ،‬هي مرتببطة بمنبطق ميشيل‬
‫كروزي في سياق كتابه‪ le phénomène bureaucratique :‬بكون النسق التنييمي البيروقراطي هو نسق‬
‫ال يقدر على تصحيح ألاخبطاء التي يفرزها باستمرار‪ 2‬بمعنى أن التنييمات(البيروقراطية الرسمية) التي‬
‫تقترح نماذج سياسات عامة من أجل حل إشكاالت مرتببطة باملجتمع تساهم في تعميق الجرح الاجتماعي‪،‬‬
‫ويصبح هذا الجرح غير قابل في مرحلة من املراحل للشفاء نيرا لكثرة "الاخفاقات التي اخترقت نسقه‬

‫‪ 1‬عبد الخلقي محمد‪ ،‬مدخل إلى سوسيولوجيا التغير الاجتماعي‪ ،‬نيريات ومفاهيم‪ ،‬مؤسسة افاق للنشر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8788 ،‬مراكش‪،‬‬
‫ص‪.04 ،‬‬
‫‪Crozier Michel, le phénomène bureaucratique, éditions du seuil, 1963, p, 113.‬‬
‫‪2‬‬

‫‪36‬‬
‫ووحدته" بهذا التشبيه الاستعاري‪ ،‬فال يمكن التأكيد هنا سوى على مسالة أساسية مفادها أن‬
‫ً‬
‫مناسبا الستراتيجيات وعقالنيات كافة الفاعلين في بلورة السياسات العامة‪.‬‬ ‫"الاجتماعي" يشكل مصتبرا‬

‫وبالرجوع إلى ما جاء به النموذج التنموي من خالصات‪ ،‬نجده يؤكد وبشكل صريح على أنه ورغم‬
‫إلاصالحات والبرامج العمومية التي تم القيام بها في مجاالت عديدة‪ ،‬لم يتمكن املغرب من توطيد مساره‬
‫التنموي وتتجلى أوجه الضعف على عدة مستويات (اتساع الفوارق الاجتماعية‪ ،‬سياق يتسم بضعف‬
‫الحركية الاجتماعية وبعجز في إدماج بعض الفئات من السكان‪ ،‬وبكون الحماية الاجتماعية الزالت في‬
‫بدايتها‪ ،‬ضعف جودة خدمات التربية والتكوين والصحة‪ ،‬فوارق مجالية واضحة بين املدن والقرى‪...‬الخ)‪1.‬‬

‫وهذا ما يبدو من خالل التمثيل أسفله‪:‬‬

‫املصدر‪ :‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير البطاقات واستعادة الثقة‬
‫لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع‪ ،‬التقرير العام‪ ،8780 ،‬ص‪.87 :‬‬

‫‪1‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه‬
‫للجميع‪ ،‬التقرير العام‪ ،8780 ،‬ص‪.81 ،‬‬

‫‪37‬‬
‫إن املالحية التي يمكن أن نستقيها من الخبطاطة أعاله بناء على املقابالت التي تم جمعها من طرف اللجنة‬
‫املكلفة بإعداد مشروع تنموي جديد‪ ،‬هي أن اتجاه التمثالث يميل أكثر إلى نفي أهمية شعار املرحلة الحالي‬
‫الذي هو الدولة الاجتماعية كأساس لبناء نموذج تنموي يراعي خصوصيات ألافراد والدولة على حد‬
‫سواء‪ .‬فمن خالل ردود ألافعال أعاله‪ ،‬ييهر على أن مساهمة الدولة في محاولة خلق مساحات كبيرة‬
‫وشاسعة " لالجتماعي" يكاد يكون محتشما بالنير إلى ألاولويات ألامنية وإلادارية للدولة‪ ،‬فما يميز العالقة‬
‫بين التنييمات واملؤسسات الرسمية باألفراد هي فك الارتباط‪ ،‬بمعنى أن التنييمات تصلت عن تأمين‬
‫ألافراد من املصاطر التي يعيشها في ظل إلاكراهات النسقية املحلية والدولية‪ ،‬وبالتالي فنحن هنا نشهد‬
‫واضحا بين استراتيجيات الفاعلين وتبادل لالتهامات هنا وهناك فضال عما يسمى التصلي عن‬‫ً‬ ‫ً‬
‫تصادما‬
‫املسؤوليات املجتمعية‪ ،‬التي تعني أن الكل مسؤول وال أحد مسؤول عن الحالة التي تشهدها الساحة‬
‫الاجتماعية وهو ما عبر عنه أحد ألافراد في الخبطاطة معتبرا أن املجتمع املغربي يشهد حالة حرب ضحاياه‬
‫الشباب‪ ،‬لتغيب بذلك الثقة وتفش ي الفساد في جميع عناصر النسق العام‪.‬‬

‫الدولة الاجتماعية في قلب الفعل الاجتماعي‪ :‬سؤال تعدد الفاعلين واملصالح‬ ‫‪.1.0‬‬

‫الفعل الاجتماعي هو بناء مبني اجتماعيا وليس معبطى طبيعي‪ ،‬الش يء الذي يجعل من بروز مشاكل هو‬
‫شكال من أشكال الحياة فيه‪ ،‬فمن خالله فقط يمكن أن نشرح ظروف ظهوره واختفائه‪ 1‬فاملشاكل التي‬
‫يعيشها املجتمع وخصوصا على املستوى الاجتماعي والصعوبات التي يواجهها في تحقيق مشروع مجتمعي‬
‫تنموي ليس شيئا طبيعيا‪ ،‬بل هو من وجهة نير التحليل الاستراتيجي مرتبط بعقالنية الفاعلين داخله‬
‫واختالف أهدافهم وتصوراتهم حول الكيفية التي يجب أن يكون عليها املجتمع في الحاضر واملستقبل‪ .‬من‬
‫هذا املنبطلق إذن فإن الشعارات التي جاءت في ألارضية من قبيل‪" :‬العهد الجديد" و"دولة الحق والقانون"‬
‫و"املشروع املجتمعي الحداثي" و"طي صفحة املاض ي" و"الديمقراطية التشاركية"‪...‬إلخ‪ .‬هذا التعدد على‬
‫مستوى الشعارات التي ميزت مراحل معنية في تاريخ املغرب ليست سوى تعبيرا عن تعدد استراتيجيات‬
‫وعقالنيات الفاعلين في ربح الرهانات املبطروحة‪ ،‬بمعنى أن تعدد الفاعلين داخل املشهد السياس ي‬
‫والاقتصادي والاجتماعي‪ ،‬يفرز لنا في سياق تفاعل إن لم نقل صراع السلبطة بينهم‪ ،‬ظهور مفهوم إلى‬
‫الساحة له ما له من القوة والضعف في تأطير املرحلة واستيعاب كافة الاختالالت الوظيفية للنسق الكلي‬
‫املعياري‪ .‬فتعدد الفاعلين هنا في سياق الحديث عن بناء نموذج مثالي(مجتمعي) يشير مباشرة إلى تعدد‬
‫املصالح والرهانات التي يشتغلون بها يمتلكونه من موارد من ِّأجل تحقيقها‪ ،‬وصراع املصالح يجعل‬

‫‪Crozier Michel, Friedberg Erhard, l’acteur et le système, 1977.p ; 05‬‬


‫‪1‬‬

‫‪38‬‬
‫املفاهيم والخبطابات تتناسل بين الفينة وألاخرى‪ ،‬من خالل تصادم املصالح أو وجود هوة كبيرة بينها‪.‬‬
‫فالفاعلين فيما بينهم يوجدون في سياق نسق وهو ما يمنح الواقع الاجتماعي معناه (إلايجابي‪/‬السلبي)‬
‫بمعنى أن الصراع بينهم (الياهر والخفي) يساهم بشكل ما في بروز مجموعة من التصدعات والاختالالت‬
‫على املستوى الاجتماعي‪ ،‬وبالتالي قد يكون ألامر هنا بمنبطق رايمون بودون مرتببطا باآلثار الجانبية للفعل‬
‫‪ ، les effets pervers‬ففي عملية تجميع أفعال فردية قد نحصل على نتائج عكسية‪ ،‬لم تكن واضحة‬
‫من البداية (الفقر‪ ،‬الببطالة‪ ،‬التشرد‪ ،‬غياب الحماية الاجتماعية‪ ،‬ضعف البرامج التعليمية‪.)...‬‬

‫الدولة الاجتماعية ومناطق الظل أو الخصاص ‪les zones d’incertitude‬‬ ‫‪.0.0‬‬


‫فإذا كان كل تنييم يحتمل وجود عدد كبير من مناطق الخصاص‪ ،‬سواء كان ذلك على مستوى تقني أو‬
‫إنساني أو مالي ‪ ...‬فإن الفاعلين الذين يتمكنون من اكتشاف مناطق الخصاص والتحكم فيها جيدا‪ ،‬سواء‬
‫بفضل املؤهالت التي يتوفرون عليها‪ ،‬أو تحكمهم في شبكة التواصل داخليا وخارجيا‪ ،‬أو معرفتهم الجيدة‬
‫بقواعد التنييم‪ ،‬هم الذين يتمكنون من الحصول على أكبر قدر من السلبطان‪ ،‬وذلك طاملا أن سلوكاتهم‬
‫تبدو بالنسبة لغيرهم غامضة وغير متوقعة‪ 1.‬بهذا املعنى يشكل مفهوم الدولة الاجتماعية مفهوما يحتضن‬
‫في جوهره مجموعة من مناطق الاليقين على املستوى املادي (التكلفة املادية لتحقيق مشروع دولة‬
‫اجتماعية) على املستوى الاقتصادي (أي تكلفة يمكن أن يتحملها الاقتصاد الوطني في إطار الدولة‬
‫الاجتماعية) على املستوى إلانساني‪-‬البشري (ما هي التضحية التي يمكن أن يقدمها كافة املتدخلون في‬
‫املشروع من أجل تحقيقه على أرض الواقع)‪ .‬في الواقع يبدو أن تحقيق مشروع مجتمعي كبير كالدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬يعني أننا بصدد فرص جديدة ليهور أو غياب فاعلين‪ ،‬فاملشاكل التي عاشتها والزالت تعيشها‬
‫الدولة ليست إفرازا آليا‪/‬ميكانيكيا مرتببطا بفترة الاستعمار أو غيرها من العوامل الخارجية املرتببطة‬
‫باملنبطق الاقتصادي والاجتماعي والسياس ي‪ ،‬بل هي كمرحلة أولى مرتببطة بالفاعلين أنفسهم في هذا النسق‬
‫الاجتماعي‪ ،‬ورهاناتهم‪ ،‬وتبطلعاتهم املتصالفة‪ ،‬واملتعددة‪ .‬وهنا دائما يجب أن نستحضر العبارة الشهيرة‬
‫"وانا شنو جاني من هادش ي" فهي عبارة تؤكد على مسألة أساسية مفادها أن كل مشروع كل سياسة‬
‫وكل برنامج يقترح من أجل حل مشكلة أو إكراه معين يواجه الدولة أو إلافراد على حد سواء‪ ،‬تحضر معه‬
‫مسألة ألارباح التي سيجنيها كل متدخل بغض النير عن النتائج املنتيرة التي غالبا ما يتم التعامل معها‬
‫ب "هللا اسامح"‪.‬‬

‫‪1‬فزة جمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.005 ،‬‬

‫‪39‬‬
‫الدولة الاجتماعية كموضوع للصراع بين الفاعلين‪ 1‬المتالك السلطة‬ ‫‪.2.0‬‬
‫إذا كانت السلبطة هي القدرة التي يتوفر عليها فاعل ما في أن يدفع فاعال آخر إلى الالتزام بالتصرف على‬
‫نحو محدد‪ ،‬وهو ألامر الذي يحقق له نوعا من الانتصار إلرادته الخاصة داخل عالقة اجتماعية ما؛ فإن‬
‫السلبطان إذن غير مرتبط بالضرورة بموارد إلاكراه‪ ،‬التي يمكن أن تتوفر لدى بعض ألافراد جراء احتاللهم‬
‫ً‬
‫متقدما في التراتبية إلادارية‪ 2‬بهذا املعنى فإن الدولة الاجتماعية كشعار سياس ي واقتصادي‬ ‫ً‬
‫موقعا‬
‫واجتماعي‪ ،‬ليست سوى موضوعا يتسارع جميع الفاعلين من أجل امتالك حقهم في ممارسة السلبطة‬
‫وتنزيل إلاجراءات الخاصة بتبطبيق النموذج في أفق تحقيق نتائج منتيرة تم وضعها بدءا‪.‬‬

‫فرغبة الدولة كفاعل (مركزي) في إيجاد حلول مناسبة لإلكراهات التي تعيق توازن نسقها العام‪،‬‬
‫وخصوصا ألامور املرتببطة بالجوانب الاجتماعية‪ ،‬يرافق ذلك غياب الاستراتيجية الهجومية والدفاعية‬
‫على حد تعبير رائدي الفاعل والنسق‪ ،‬بمعنى أن عملية البناء دائما ما تكون وفق تعدد استراتيجيات‬
‫وعقالنيات الفاعلين داخلها‪ ،‬فلكل فاعل تصوره الخاص حول النموذج الذي يصلح بأن يتم تبطبيقه‬
‫إلصالح الاختالالت الوظيفية‪ ،‬وكل مقترح مشروع حاز لنفسه قوة اليهور‪ ،‬فإن ذلك يرتبط بالدرجة‬
‫ألاولى باملوارد التي يتوفر عليها الفاعلون في هذا املستوى‪ .‬فالحديث إذن عن الدولة الاجتماعية يعني أن‬
‫نفتح الباب أمام مجموعة من ألابعاد الجديدة واملتناقضة أحيانا‪ 3‬بمعنى أن الدولة الاجتماعية ليست‬
‫سوى بعدا جديدا ملرحلة معينة من تاريخ املجتمع‪ ،‬أو كبرنامج أو بروتوكول مجتمعي‪ ،‬يضاف إلى بايي‬
‫البروتوكوالت السابقة‪ ،‬وتبقى نتائجها دائما مرتببطة بمدى تقارب أو تباعد املسافة الفاصلة بين عقالنيات‬
‫واستراتيجيات ومصالح الفاعلين فيها‪ .‬فإذا كان من الواجب مراجعة فكرة الصراع مراجعة نقدية‪ ،‬فمن‬
‫ألاولى التذكير بأنها أغنت الفكر السوسيولوجي بشكل مهم للغاية‪ .‬فقد كسرت كل صور املجتمع باعتباره‬

‫ً‬
‫‪ 1‬يساهم الفاعل سواء كان فردا أو جماعة في إنجاز فعل ما؛ وذلك نيرا ملا يمثله هذا الفعل‪ ،‬في جزء‪ ،‬منه بالبطبع‪ ،‬من مصلحة للفاعل‪.‬‬
‫وبهذا املعنى ال يمكن حصر سلوكات الفاعلين داخل تنييم معين في قائمة قبلية من ألادوار‪ ،‬بل يجب أن نعينها انبطالقا من فعل ملموس‪،‬‬
‫للمزيد من املعلومات أنير‪ :‬فزة جمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ .008 ،‬بناء على هذا التوصيف املعياري للفاعل‪ ،‬يمكن القول على أن الفاعل في‬
‫مشروع بناء الدولة الاجتماعية‪ ،‬ليس مرتببطا بمؤسسات رسمية (املؤسسة امللكية‪ ،‬الجامعات‪ ،‬الجماعات املحلية‪ )... ،‬أو بتنييمات‬
‫اجتماعية (ألاحزاب السياسية‪ ،‬مؤسسات املجتمع املدني‪ )...،‬بل املقصود بالفاعل من وجهة نيرنا في هذه الورقة البحثية‪ ،‬هو كل فاعل‬
‫(ظاهرا كان أو خفيا) يتدخل في بناء فعل اجتماعي منيم‪ ،‬بمعنى أن بناء مشروع مجتمعي مستدام‪ ،‬ليس حكرا على فاعل دون أخر‪ ،‬سواء‬
‫كان فاعال رسميا أو غير رسمي‪ ،‬فردا أو جماعة‪ .‬إن الفعل الاجتماعي بهذا املعنى هو نتيجة منبطقية لتفاعل مجموعة من الفاعلين تتعد‬
‫مصالحهم واستراتيجياتهم وعقالنيتهم‪ .‬ونؤكد في هذا الصدد على الفاعل الخفي الذي يفعل فعله دون أن يكون مرئيا للجميع ويؤثر بشكل‬
‫أو بآخر أكثر من الفاعل الياهر الذي يتبنى مشروعية وأسس بناء الدولة الاجتماعية حاليا‪ ،‬وتبقى محاولة اكتشافه رهينة بضرورة القيام‬
‫بأبحاث علمية اكاديمية من مصتلف التصصصات وخاصة من منبطلق علم الاجتماع‪.‬‬
‫‪2‬فزة جمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.079 ،‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Risto Erasaari, the new social state? Acta sociologia, vol. 29, N,. 3 (1986) sage publication, pp. 225-241.‬‬

‫‪40‬‬
‫وحدة مندمجة تؤخذ أو تترك كتلة واحدة‪1 .‬وأصبح املجتمع نتاجا موضوعيا لتفاعالت أفراد‪ ،‬وهذا‬
‫التفاعل دائما ما يكون الصراع ميهره الخفي‪.‬‬

‫الدولة الاجتماعية من الاجتماعي إلى السياس ي‪ :‬استراتيجية الانتقال‬ ‫‪.2.0‬‬


‫إن مفهوم الدولة الاجتماعية‪ ،‬الحماية الاجتماعية‪ ،‬ومصتلف البرامج والنماذج التي تهدف إلى الارتقاء‬
‫باالجتماعي إلى أعلى املراتب على غرار بايي الدول الاجتماعية النموذجية‪ ،‬يشكل بالنسبة للتحليل‬
‫الاستراتيجي‪ ،‬كاستراتيجية تتقاطع بين الفاعل والنسق‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬عند تقاطع إلاكراه بالحرية‪،‬‬
‫ويفترض قبل كل ش يء مسلمة أساسية مفادها أن التنييم هو بناء إنساني‪ ،‬أي أنه ليس معبطى طبيعي‬
‫أولي‪2‬من هذه املنبطلق‪ ،‬فإن بلورة فكرة الدولة الاجتماعية كمشروع مجتمعي ليس سوى استراتيجية قد‬
‫تكون من جهة هجومية وقد تكون من جهة أخرى استراتيجية دفاعية‪ ،‬بمعني أن الفاعلين يحاولون من‬
‫خالل فعلهم الاجتماعي املنيم أن يوظفوا مزيدا من آلاليات التي بإمكانها تحقيق املزيد من املزايا والفوائد‬
‫على حساب املجتمع‪ ،‬كما أنها تشكل في نفس الوقت استراتيجية دفاعية عن مصالحهم التي تهدد‬
‫باستمرار نيرا لوجود فاعلين جدد يدخلون اللعبة السياسية في كل لحية من لحيات ألازمة والاحتقان‬
‫الاجتماعي‪.‬‬

‫إن الدولة ً‬
‫حاليا وفي سياق بحثها املستمر عن "الكنز املفقود"(النموذج املجتمعي)‪ ،‬تنتقل دائما من‬
‫الاجتماعي كمحور يهم إلانسان كقيمة في ذاته وكأساس أي بناء مجتمعي‪ ،‬ومحاولة توظيفه لصالح ما‬
‫هو سياس ي‪ ،‬بمعنى أن الانتقال من مفهوم آلخر ليس سوى استراتيجية هجومية هدفها ألاساس هو تدليل‬
‫درجة الاحتقان الاجتماعي وتصدع النسق والبناء الاجتماعيين‪ ،‬فكثرة املفاهيم العامة واملجردة‬
‫والخبطابات الرسمية حولها هو تجسيد للصراع املستمر والدينامي بين الفاعلين داخل املجتمع‪ ،‬وبهذا‬
‫املعنى يمكن القول أن فشل البرامج الاجتماعية املوجهة نحو الفئات الاجتماعية ألاكثر تضررا‪ ،‬مرتبط‬
‫بنتائج غير منتيرة من تجميع السلوكات الفردية للفاعلين في محاولتهم بلورة سياسات من أجل تجاوز‬
‫إلاكراهات البنيوية والنسقية‪.‬‬

‫إن هذا الانتقال من الاجتماعي إلى السياس ي‪ ،‬ليس انتقاال ميكانيكيا وطبيعيا‪ ،‬بل هو انتقال استراتيجي‪،‬‬
‫يتبطلب من الباحث وخصوصا في العلوم الاجتماعية أن يوليه أهمية كبيرة من أجل تحديد اتجاهه وعمقه‬

‫‪1‬ورين الان‪ ،‬التفكير على نحو مغاير‪ ،‬علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي‪ ،‬ترجمة ورد عبد املالك‪ ،‬مبطبعة شمس برنت للنشر والتوزيع‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى‪ ،8707 ،‬ص‪.018 ،‬‬
‫‪ 2‬فزة جمال‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.014 ،‬‬

‫‪41‬‬
‫ومنبطقه‪ .‬وإلدراك هذا الانتقال نقترح هنا توظيف نيرية التحليل الاستراتيجي‪ ،‬فمن خالل ألادوات‬
‫املنهجية وإلابستمولوجية‪ 1‬يمكن أن ندرك منبطق فعلنا الجماعي املنيم وبالتالي فهم طريقة اشتغال‬
‫النسق في كليته‪ ،‬فالبداية دائما يتبطلب أن تكون من تحت وليس من فوق‪ ،‬فال جدوى وفي ظل إلاكراهات‬
‫التي يعيشها املجتمع املغربي حاليا‪ ،‬من توظيف مقاربات عمرت كثيرا وسيبطرت على الخبطاطة الفكرية‬
‫وذهنية الباحثين‪ ،‬حتى أصبحنا نفكر بشكل هوليستي ٌونرجع جميع إلاخفاقات التي نعيشها إلى العوامل‬
‫الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية‪ ،‬وتناسينا بوعي أو بدون وعي أهمية الفرد املغربي‬
‫وعقالنيته واستراتيجيته‪ ،‬فمن خالل التموقع بلغة بودون مكان الفاعل املركزي (إلانسان املغربي بشكل‬
‫عام) يمكن أن نفهم ما هي الدوافع والحوافز التي تقوده نحو اختيار مسار ما دون آخر أو بمعنى أخر‬
‫تواجد جدول أفضلياته انبطالقا من ألارباح واملزايا‪.‬‬

‫خاتـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــمة‬

‫في البدء كان السؤال حول ما يلي‪ :‬هل إشكالية بناء أسس الدولة الاجتماعية باملجتمع املغربي مرتبط‬
‫بتعدد استراتيجيات وعقالنيات الفاعلين داخلها أم أنها مرتببطة بإكراهات نسقية خارجة عن إرادتهم؟‬
‫فكان الجواب من خالل هذه الورقة البحثية‪ ،‬هو السفر ً‬
‫نيريا ولو بشكل سبطحي مع التحليل‬
‫ً‬
‫وخصوصا مع التحليل الاستراتيجي الذي قدمه كل من ميشيل كروزي وارهارد فريدبيرغ في‬ ‫السوسيولوجي‬
‫سياق كتابهما املعلمة في تاريخ النيريات السوسيولوجية" الفاعل والنسق"‪ ،‬فمن خالل املفاهيم التي‬
‫وظفها هذا التيار النيري الذي ينتمي إلى سوسيولوجيا الفعل الاجتماعي أو امليكرو‪-‬سوسيولوجي‪ ،‬تمكننا‬
‫من إثارة بعض النقاط ألاساسية التي تهم مسألة الدولة الاجتماعية في سياق املجتمع املغربي‪ ،‬فاملفهوم‬
‫هنا بقدر ما يقدم نفسه للجميع بكونه "مفهوما أخالقيا "يتقبله الجميع ويتضمن كلمة أساسية ومهمة‬
‫هي كلمة "الاجتماعي"؛ بقدر ما يصفي وراءه مجموعة من الرهانات الخاصة بالفاعلين بمصتلف مواقفهم‬
‫وتصوراتهم لهذا النموذج الاجتماعي املرغوب فيه اجتماعيا‪ .‬فالدولة الاجتماعية بهذا املعنى ليست سوى‬
‫اعا مستمرا في فترات معنية داخل مؤسسات‬ ‫"ورقة رابحة" بالنسبة للفاعلين‪ ،‬ومن خاللها نشهد صر ً‬

‫رسمية‪ ،‬لنشهد بذلك نتائج قد تكون عكسية ألسباب ودواعي بلورة املشروع‪ .‬بهذا الفهم إذن‪ ،‬يمكن‬
‫القول على أننا بحاجة اليوم إلى دراسات ميدانية تهتم باملستويات الصغرى (ألافراد‪ ،‬الجماعات‪،‬‬
‫التنييمات‪ )...‬من أجل فهم املستويات الكبرى (النسق والبناء الاجتماعيين) التي تبقى مستعصية على‬
‫الجميع‪ ،‬ويتم تجاوز هذا النقص باحتضان املنبطق الكلي الذي يلغي كل مسؤولية فردية ويلغي عقالنية‬

‫‪1‬‬

‫‪42‬‬
‫واستراتيجية الفاعلين املشكلين لهذا الكل الاجتماعي بلغة دوركايم‪ .‬إننا بحاجة إذن إلى تجديد منهجي‪،‬‬
‫ينتقل بنا من التصورات العامة واملجردة والكلية إلى مستويات أكثر عمقا‪ ،‬يمكن من خالل اكتشافها‪،‬‬
‫أن نبلور نموذجا يراعي خصوصية املجتمع في سياق انفتاحه الكوني‪ .‬ونستدعي في هذا السياق ما جاء‬
‫َ‬
‫به السوسيولوجي الان تورين في سياق كتابه براديغما جديدة لفهم عالم اليوم‪ ،‬حيث يؤكد صراحة بأنه"‬
‫في سياق التحوالت الاقتصادية والسياسية‪ ،‬أصبح مفهوم الاجتماعي ضبابيا وأقص ى مجموعة من‬
‫التجارب…‪ ،‬وبالتالي فنحن بحاجة ماسة إلى براديغم جديد‪ ،‬وأن ٌنموقع أنفسنا في إطار براديغم جديد‬
‫يسمح لنا بمعرفة الفاعلين الجدد والصراعات الجديدة‪ ،‬ومصتلف التمثالت حول الذات والجماعة‪.1‬‬
‫فاملشكل إذن وفق هذا البطرح ليس مشكال مرتببطا بتعثر تبطبيق نماذج اجتماعية في مجتمعنا‪ ،‬أو مقاومة‬
‫املجتمع لكل نموذج جديد‪ ،‬بل نحن أمام مشكل إبستيمولوجي مرتبط باملوقع الذي نرى من خالله ونقرأ‬
‫إلاخفاقات املستمرة التي يعرفها النسق الاجتماعي الكلي‪.‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫مراجع باللغة العربية‪:‬‬

‫‪ ‬تورين الان‪ ،‬التفكير على نحو مغاير‪ ،‬علم الاجتماع ونهاية الاجتماعي‪ ،‬ترجمة ورد عبد املالك‪،‬‬
‫مبطبعة شمس برنت للنشر والتوزيع‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8707 ،‬‬
‫‪ ‬سيرج بوغام‪ ،‬ممارسة علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة السعيداني منير‪ ،‬كتابك للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ ‬عبد الخلقي محمد‪ ،‬مدخل إلى سوسيولوجيا التغير الاجتماعي‪ ،‬نيريات ومفاهيم‪ ،‬مؤسسة أفاق‬
‫للنشر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8788 ،‬‬
‫‪ ‬فزة جمال‪ ،‬سوسيولوجيا التنييمات‪ ،‬أسس واتجاهات‪ ،‬دار أبي رقراق للبطباعة والنشر‪ ،‬البطبعة‬
‫ألاولى‪.8703 ،‬‬
‫‪ ‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد‪ ،‬تحرير البطاقات واستعادة الثقة‬
‫لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع‪ ،‬التقرير العام‪.8780 ،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Touraine Alain, a new paradigm for understanding today’s world, translated by Gregory Elliot, polity press,‬‬
‫‪2007, P.7.‬‬

‫‪43‬‬
:‫مراجع باللغة ألاجنبية‬
 Boudon Raymond, les méthodes en sociologie, Que sais-je ? PUF, pais,
2009.
 Coleman James. S, Foundation of social theory, first Harvard university
press paperback edition.
 Crozier Michel, Friedberg Erhard, l’acteur et le système, 1977.
 Crozier Michel, le phénomène bureaucratique, éditions du seuil, 1963.
 Crozier Michel, the Relationship between Micro and Macrosociology, A
study of organizational systems as an empirical approach to the problems
of macrosociology, human relations, volume 25 number 3, pp. (239-251).
 Raymond Boudon, Philippe Besnard, Mohamed Cherkaoui, Bernard-pierre
Lécuyer, dictionnaire de la sociologie, France loisirs, paris, 2001.
 Risto Erasaari, the new social state? Acta sociologia, vol. 29, N,. 3 (1986)
sage publication, pp. 225-241.
 Touraine Alain, a new paradigm for understanding today’s world,
translated by Gregory Elliot, polity press, 2007.

44
‫الدولة الاجتماعية‪ :‬دالالت املفهوم في الفكر الليبرالي وفي السياق املغربي‬

‫أحمد الصمدي‬
‫باحث في قضايا التنمية‬
‫تقديم‬

‫استأثر مفهوم الدولة الاجتمااعياة في املغرب بااهتماام كبير‪ ،‬من لاادن البااحثين و ألاكااديميين على اختالف‬
‫تصص ا اصا اااتهم املعرفية‪ ،‬و قناعاتهم الفكرية و إلايديولوجية‪ ،‬و قد زاد الاهتمام به أكثر مع أزمة كورونا‪ ،‬و‬
‫إجراءات الدولة لدعم الفئات املعوزة بقص ااد التصفيف من وطأة ألازمة‪ ،‬و ما اس ااتتبع ذلك من خبطوات‬
‫تب اادو "إجرائي ااة" في إيالء املس ا ا ا ا ااأل ااة الاجتم اااعي ااة ألاهمي ااة التي تس ا ا ا ااتحقه ااا‪ ،‬كم ااا يترجمه ااا ور الحم اااي ااة‬
‫الاجتماعية و الساجل الاجتماعي املوحد‪ ،‬و كلها إشاارات تعبطي للمتأمل الانبطباع بساير املغرب نحو تشييد‬
‫صرح "الدولة الاجتماعية" التي طال انتيارها‪.‬‬

‫و رغم احتاادام الجاادل حول املوض ا ا ا ااوع‪ ،‬يياال مفهوم "الاادولااة الاجتماااعيااة"‪ ،‬بكاال مااا يحملااه من دالالت‬
‫زئبقيا ينفلت من التحديد و التعريف‪ ،‬ما لم يتم التعاطي معه ضاامن سااياقه التاريخي في الفكر الليبرالي‪،‬‬
‫و في الحالة املغربية‪ ،‬و هو رهان هذه الورقة‪ ،‬التي تحاول إلامسا ا اااك باملفهوم ‪ -‬موضا ا ااوع الدراسا ا ااة‪ -‬وفق‬
‫مقاربة مفاهيمية‪ ،‬تسا ا ااتدعي التاريخ و السا ا ااوسا ا اايولوجيا و العلوم الاقتصا ا ااادية‪ ،‬و تتوسا ا اال بعدة منهجية‬
‫تنض ا اابط للتحليل النقدي‪ ،‬و ذلك عبر محورين رئيس ا اايين‪ ،‬خصا ا اص ا اانا املحور ألاول لبحث مفهوم الدولة‬
‫الاجتمااعياة و املفااهيم املجااورة في س ا ا ا ايااق الفكر الليبرالي‪ ،‬و أفردنا املحور الثاني للمفهوم ذاته في الحالة‬
‫املغربياة‪ ،‬مع خالص ا ا ا ااة تركيبياة‪ ،‬منبطلقين في ذلك من إش ا ا ا ااكالية مركزية مفادها‪ :‬إلى أي حد يمكن اعتبار‬
‫إلاجراءات "الاجتماعية" التي تعرفها البالد‪ ،‬تسااير نحو التأساايس ملا يساامى "بالدولة الاجتماعية" كما دلت‬
‫على ذلك التجربة الليبرالية الغربية ؟‬

‫املحور ألاول‪" :‬الدولة الاجتماعية" في الفكر الليبرالي‪ :‬ضبط املفهوم وتحديد السياق‬

‫‪ )1‬مفهوم الدولة الاجتماعية واملفاهيم املجاورة‪ :‬جدل التعريفات وعناصر التمايز‬

‫درج البااحثون مغاارباة وأجانب‪ ،‬على اس ا ا ا ااتعمال ش ا ا ا اابكة من املفاهيم املتجاورة عند حديثهم عن "الدولة‬
‫الاجتماعية"‪ ،‬بقصاد أو بغير قصاد‪ ،‬من غير تمحيص وال مساءلة‪ ،‬فمن هؤالء من يستعمل "دولة الرعاية‬
‫الاجتماعية" أو "دولة الرعاية"‪ ،‬ومنهم من "يفض ا اال "دولة الرفاهية"‪ ،‬وثالث يس ا ااتعمل " اقتص ا اااد الس ا ااوق‬
‫الاجتمااعي"‪ ،‬بال أحياانااا نجااد كال هااذه املفاااهيم تحض ا ا ا اار في املقااال الواحاد كمترادفااات‪ ،‬تؤدي نفس املعنى‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمر‪ ،‬تبقى هذه الش ا ا ا اابكة املفهومية نتاج الفكر الليبرالي الغربي‪ ،‬وأن «الدولة الاجتماعية"‬
‫كمفهوم وكواقع ول اادت من رحم ه ااذا الفكر من ااذ أواخر القرن الت اااس ا ا ا ااع عش ا ا ا اار‪ ،‬بغرض تفري الته اادي ااد‬

‫‪45‬‬
‫الاشاتراكي من محتواه على حد تعبير أنتوني جيدنز‪ ،1‬وترعرعت في أحضاانه‪ ،‬إلى أن اشتد عودها بصيغها‬
‫ُ‬
‫املصتلفااة‪ ،‬وقااد ن ِي َر إلى ألامر بمثااابااة انتص ا ا ا ااار للرأس ا ا ا اماااليااة الليبراليااة‪ ،‬وقاادرتهااا على تجااديااد نفس ا ا ا اه اا من‬
‫الداخل‪ .2‬وهو ما عبر عنه فوكو ياما بالقول‪ ":‬إننا بلغنا نقبطة النهاية للتبطور ألايديولوجي للبشا اارية" الذي‬
‫يتمثل في كونية "النموذج الديمقراطي الليبرالي الغربي كشااكل نهائي للحكم إلانساااني"‪ ،3‬وهو ادعاء مردود‬
‫عليااه‪ ،‬ثم نس ا ا ا افااه من قباال العااديااد من الباااحثين‪ .4‬وفيمااا يلي بس ا ا ا ااط القول في أكثر املفاااهيم ش ا ا ا اايوعااا في‬
‫توصيف الدولة الاجتماعية‪.‬‬

‫أ) مفهوم الدولة الاجتماعية‬

‫على الرغم من مض ا ا ا ا ي أكثر من قرن و نص ا ا ا ااف من الزمن على ظهور مفهوم "الدولة الاجتماعية"‪ ،‬فإنه ال‬
‫يزال محط ج اادل بين الب اااحثين‪ ،‬فمنهم من يعتبر أن املفهوم غ ااامض‪ ،5‬و منهم من يراه مص ا ا ا اابطلح ااا أكثر‬
‫حيادية‪ ،6‬في حين يعتبره آخر أنه يتس ا ااع و يض ا اايق حس ا ااب امليول النيرية أو املبدئية للباحث أو املميزات‬
‫الخاص ااة للحاالت التي يدرس ااها‪ ،‬و يفض اال اس ااتصدامه بمعناه الواس ااع‪، ،7‬بل هناك من يتحفظ حتى على‬
‫مص ا اابطلح "اجتماعي‪،" 8‬غير أنهم يجمعون على ارتباط هذا املفهوم بأملانيا‪ ،‬حيث تم اس ا ااتصدام املص ا اابطلح‬
‫ألاملاااني (‪")Sozialstaat‬الاادولااة الاجتماااعيااة" منااذ عااام ‪ 0207‬لوص ا ا ا ااف برامج دعم الاادولااة التي وض ا ا ا ااعهااا‬
‫"الس ا ا ا اي اااس ا ا ا اايون الاجتم اااعيون" (‪ )Sozialpolitiker‬ليتم تنفي ااذ خبط ااة (ال اادول ااة الاجتم اااعي ااة) كجزء من‬
‫إلاص ا ا ااالحات الوقائية التي قام بها بس ا ا اامارك‪ ،‬و قد ارتبط هذا التحرك نحو "الدولة الاجتماعية" في أملانيا‬
‫بالص اراع السااياس ا ي القائم في إلامبراطورية بين بساامارك و ألاحزاب والنقابات املعارضااة‪ .‬من خالل إصاادار‬

‫‪ )1‬أنتوني جيدنز‪ ،‬الطريق الثالث تجديد الديمقراطية الاجتماعية‪ ،‬ترجمة أحمد زايد ومحمد محي الدين‪ ،‬مراجعة وتقديم‪ :‬محمد‬
‫الجوهري‪ ،‬مكتبة ألاسرة‪ ،‬طبعة ‪ ،8708‬ص‪.048 .‬‬
‫‪ )2‬جويس أبلبي‪ ،‬الرأسمالية ثورة ال تهدأ‪ ،‬ترجمة رحاب صالح الدين‪ ،‬مراجعة محمد فتحي خضر‪ ،‬الناشر مؤسسة هنداوي‪ ،‬طبعة ‪.8787‬‬
‫‪33 ) F. Fukuyama, La fin de L’histoire, Commentaire, N° 47, Octobre, 1989, pp.457- 469.‬‬

‫‪ )4‬في املغرب على سبيل الذكر ال الحصر‪ ،‬ينير‪ :‬البطيب بوعزة‪ ،‬نقد الليبرالية‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪0537‬ه‪8777 -‬م‪ ،‬الرياض‪ -‬السعودية‪.‬‬
‫‪5 ) J. Escoffre, J. Lojkine, C. Suarez, « L’état Social Mythe et Réalités », In Nouvelles Fondations, 2007/1 n°5, pp.56-64.‬‬

‫‪" )6‬إن مصبطلح الدولة الاجتماعية‪ ،‬على الرغم من أنه أقل استصداما‪ ،‬فإنه يتمتع بميزة كونه أكثر حيادية إيديولوجيا‪ ،‬و ال يزال محتواه و‬
‫أهدافه بحاجة إلى توضيح‪ ،"...‬هذا الكالم لروبير كاستل‪ ،‬أوردته فيرونيك جيان‪ ،‬في مقالها‪:‬‬
‫‪V. Guienne, « L’État social : les implicites d’un débat », In, Sociologie et sociétés, Volume 33, numéro 2, automne 2001, PP.‬‬
‫‪203-216.‬‬
‫‪ )7‬يقول كريستوفر راماوكس متسائال عن ماهية الدولة الاجتماعية ما ترجمته‪« :‬ماذا نعني بالدولة الاجتماعية؟ في معيم ألاحيان يتم‬
‫استعمال تعريف ضيق يقتصر على نيام الحماية الاجتماعية‪ ،‬و في بعض ألاحيان يوسع التحليل ليشمل قانون العمل‪ ،‬و مع ذلك قد يبدو‬
‫من املناسب الاحتفاظ بمعنى أوسع من خالل أربع ركائز‪ ،‬هي‪ :‬الحماية الاجتماعية‪ ،‬قانون العمل‪ ،‬الخدمات العامة‪ ،‬سياسات الاقتصاد‬
‫الكلي لدعم النشاط و التوظيف‪ ».‬أنير‪:‬‬
‫‪- C. Ramaux, « Quelle théorie pour l'État social ? Apports et limites de la référence assurantielle Relire François Ewald 20 ans‬‬
‫‪après L'État providence », In Revue française des affaires sociales, 2007/1, pp. 13-34.‬‬
‫‪ )8‬نقال عن املرجع السابق‪ ،‬ص‪.874 .‬‬

‫‪46‬‬
‫تش ا ا ا ااريعات اجتماعية‪ ،‬تش ا ا ا اامل ش ا ا ا اابكة من التأمينات‪ ،‬من أجل قبطع البطريق على املعارض ا ا ا ااة‪ ،‬بإرض ا ا ا اااء‬
‫النق اااب ااات والحف اااظ على الني ااام إلامبراطوري‪ ،‬وليس ألن ااه ك ااان مقتنع ااا ب ااالفكرة‪ ،1‬ومهم ااا يكن من أمر‪،‬‬
‫فمفهوم الدولة الاجتماعية‪ ،‬يحيل على الدولة التي يلقى عليها واجب تقديم املس ا ا اااعدات والعون للفئات‬
‫الضااعيفة في املجتمع‪ ،‬والتي عليها مسااؤولية حماية املواطنين من إمكانية الوقوع ضااحية اقتصاااد السااوق‬
‫الرأساامالي‪ .‬والدولة الاجتماعية تضاامن التوزيع العادل للموارد من خالل عدد من التشااريعات والخدمات‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وخص ااوصا اا في مجال التقاعد والش اايصوخة والتأمين ض ااد الحوادث والببطالة والعجز وغيرها‬
‫من املصاطر التي تهدد إلانسااان وتضااع ألاساارة تحت حماية قانونية خاصااة‪ ،‬وهذه التشااريعات يبطلق عليها‬
‫مسمى "شبكة التأمينات الاجتماعية"‪.2‬‬

‫بحلول مبطلع القرن العش ا ا ا اارين‪ ،‬كاان نموذج أملاانياا قاد أثاار انتباه البلدان ألاخرى‪ .‬وعلى الرغم من أنها لم‬
‫تتبن دائمااا النموذج ألاملاااني نفس ا ا ا ااه‪ ،‬فقااد أباادت مااا ال يقاال عن أربع عش ا ا ا اارة دولااة أوروبيااة‪ 3‬عنااد اناادالع‬
‫الحرب العاملية ألاولى في عام ‪ 0705‬شا ااكال من أشا ااكال برنامج الضا اامان الاجتماعي القانوني‪ .‬وقد شا ااهدت‬
‫عش اارينيات القرن العش اارين وما بعدها نموا للس ااياس ااات الاجتماعية بمعيم البلدان ألاوروبية والواليات‬
‫املتحدة بأش ااكال مصتلفة‪ ،‬إما من جانب الدولة مباش اارة‪ ،‬وإما بش ااكل غير مباش اار في ظل الرعاية العامة‪،‬‬
‫وتقدم عبر موظفين أو منيمات العمال‪.4‬‬

‫ظل مفهوم "الدولة الاجتماعية" حبيس أملانيا‪ ،‬وهو التعبير ألاملاني املفض ا اال هنالك‪ ،‬رغم الانتقادات التي‬
‫تعرض ا ا ا ا اات إليه ااا جمهوي ااة ف ااايم ااار(‪ 5)Wimar‬في الثالثيني ااات لكونه ااا "دول ااة رف اااه "(‪ )Wohlfahrtsstaat‬ألن‬
‫"الحقوق الاجتمااعيااة"‪ ،‬وإلانفاااق املفرطين الااذين اعتماادتهماا قاد حبطمااا في نهااايااة املبطااف ش ا ا ا اارعيتهاا‪ ،‬لكن‬
‫منذ منتصااف القرن العشاارين فصاااعدا كان تعبير "دولة الرفاه"‪ ،‬قد أصاابح جزء من العقلية و املفردات‬
‫اليومية في أوروبا و أماكن أخرى‪ ،6‬فما املقصود بهذا املصبطلح؟‬

‫‪ )1‬جميل سالم‪ ،‬قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية‪ :‬النموذج ألاملاني دراسات حول نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي‪ ،‬سلسلة أوراق بحثية‬
‫حول القانون و الاقتصاد(‪ ،)872/1‬معهد الحقوق‪ ،‬جامعة بيرزيت‪ ،‬ص‪.5 .‬‬
‫‪ )2‬املصدر‪ :‬موسوعة "اقتصاد السوق الاجتماعي"‪ ،‬السياسات الاقتصادية من ألالف إلى الباء‪ ،‬مؤسسة كونراد أديناور‪ ،‬سنة‪ ،8774 :‬ص‪.‬‬
‫‪.512‬‬
‫‪ )3‬دالي ماري‪ ،‬الرفاه‪ ،‬ترجمة عمر سليم‪ ،‬ومراجعة سعود املولى (سلسلة ترجمان)‪ ،‬الناشر‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى بيروت‪ ،‬كانون ألاول‪ /‬ديسمبر ‪ ،8704‬ص‪.080 .‬‬
‫‪ )4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.088 .‬‬
‫‪ )5‬جمهورية فايمار(‪ :)0733 -0707‬تكونت في أملانيا عقب انهيار النيام إلامبراطوري‪ ،‬على إثر هزيمتها في الحرب العاملية ألاولى‪ ،‬و قامت على‬
‫أساس الدستور الذي صوت عليه املجلس الوطني في غشت ‪ 0707‬بقرية فايمار‪.‬‬
‫‪ )6‬دالي ماري‪ ،‬الرفاه‪...،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.001 .‬‬

‫‪47‬‬
‫ب) مفهوم دولة الرفاهية )‪(Welfare State/Etat Providence/ Etat du Bien- être‬‬

‫بعياادا عن أملااانيااا‪ ،‬و في حقبااة الحرب العااامليااة الثااانيااة (‪ ،)0754 -0737‬انتش ا ا ا اار مفهوم "دولااة الرفاااه" في‬
‫بلاادان عاادة انبطالقااا من اململكااة املتحاادة‪ ،‬و قااد كاااناات دولااة الرفاااه )‪ (Welfare Stare‬تبطلق مقاااباال دولااة‬
‫الحرب)‪ ، ( Warfare State‬بوصاافها تدخال حاسااما ملكافحة علل قائمة في سااياق مجتمع ذلك الوقت كما‬
‫تصورها وليام بفريدج)‪ ،(William Beveridge‬و هي خمس علل في تقديره‪ :‬العوز‪ ،‬و الكسل‪،‬و الجهل‪ ،‬و‬
‫البؤس و املرض‪ . 1‬وعلى الرغم من الاس ا ااتصدام الشا ا ااائع لهذا املصا ا اابطلح‪ ،‬فإنه ال يوجد أي إجماع حول‬
‫الداللة الدقيقة له‪ ،‬مما يفتح الباب لتعدد التعريفات وتنوعها‪ ،‬نسوق فيما يلي إثنين منها‪،‬‬

‫‪-‬تعريف نيكوالس بــار‪" :‬مفهوم دولااة الرفاااه يعبر عن النش ا ا ا اااطااات الاقتص ا ا ا اااديااة التي تقوم بهااا الاادولااة في‬
‫و‬ ‫مجاالت الخدمات الاجتماعية كتقديم إلاعانات النقدية‪ ،‬و توفير الرعاية الصحية و نشر التعليم‪،‬‬
‫تقديم الغذاء و املأوى و غيرهما من الخدمات الاجتماعية التي تهدف إلى تحقيق الكفاءة في توجيه املوارد‬
‫و العدالة في توزيعها‪ ،‬مع توافر إلامكانية إلادارية لتحقيق ذلك‪." 2‬‬

‫‪ -‬معجم مصـ ـ ــطلحات العلوم الاجتماعية‪ :‬يعرف أحمد زكي بدوي دولة الرفاهية بالقول" دولة الرفاهية‬
‫هي ما يفترضاه املجتمع في الدولة التي تتحمل مسؤولية رسمية وواضحة نحو تحقيق الرفاهية ألاساسية‬
‫ألعض ا ا ااائها وتيهر مثل هذه الحالة إذا أص ا ا اابح املجتمع أو الذين يتولون أموره مقتنعين بأن رفاهية الفرد‬
‫بجااناب حفظ النياام وألامن القومي من ألاهمياة بمكان بحيث ال يمكن تركها للتقاليد أو التنييمات غير‬
‫الرس ا ا ا اامياة واملش ا ا ا ااروعااات الخااص ا ا ا ااة باال هي مس ا ا ا ااؤوليااة الحكوماة‪ .‬ويقاااباال دولاة الرفاااهياة التي تقوم بااأداء‬
‫الخدمات التي يتبطلبها املجتمع الدولة الحارس ااة )‪ (Gendarme State‬وهي التي تقتص اار وظيفتها على وض ااع‬
‫القواعد لصيانة النيام في املجتمع‪".3‬‬

‫بصرف النير عن الاختالف املوجود بين التعريفين السالفين‪ ،‬إال أنهما يتقاطعان في ما يلي‪:‬‬

‫‪-‬أوال‪ :‬التأكيد على دور الدولة و مس ا ا ااؤوليتها في تحقيق الرفاهية ألاس ا ا اااس ا ا ااية ألعض ا ا اااء املجتمع‪ ،‬فال تترك‬
‫الدولة رفاهية الفرد للتقاليد أو التنييمات غير الرساامية واملشااروعات الخاصااة بل تجعل الدولة رفاهية‬
‫الفرد من مسؤولية الحكومة‪.‬‬

‫‪-‬ث اااني ااا‪ :‬الت ااأكي ااد على املق ااارب ااة الحقوقي ااة‪ ،‬ف ااالتزام دول ااة الرف اااهي ااة بتق ااديم تل ااك الخ اادم ااات و الت ااأمين اات‬
‫واملعونات املش ا ا ااار إليها‪ ،‬ينبعث من حق كل إنس ا ا ااان في الحياة الكريمة‪ ،‬و من نيرة اجتماعية و إنس ا ا ااانية‬
‫تقوم على أس ا ا ا اااس وجود عالقااة قويااة بين رفاااهيااة ألافراد و رفاااهيااة املجتمع‪ ،‬بحيااث لم ترد في التعاااريف‬

‫‪ )1‬نفسه‪ ،‬ص‪.000 .‬‬


‫‪2 ) N. Barre, Economics of the Wefare State,( Oxford : New York University Press, 2004), PP. 60-61.‬‬

‫‪ )3‬أحمد زكي بدوي‪ ،‬معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية‪ ،‬مكتبة لبنان‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،0702 ،0.‬طبعة جديدة ‪ ،0728‬ص‪.546 .‬‬

‫‪48‬‬
‫الثالثة أية إشارة تفيد "العمل الخيري إلاحساني"‪ ،‬املبني على التبطوع‪ ،‬و على املبادرات التضامنية لألفراد‬
‫و للمجتمع املاادني‪ ،‬لكن تبقى هااذه حااالااة افتراض ا ا ا ايااة كمااا ينبااه إلى ذلااك أحمااد زكي باادوي‪ .‬وهااذا مااا جعاال‬
‫عااالم الاجتماااع الش ا ا ا ااهير ت‪ .‬اتش مااارش ا ا ا ااال يصلص إلى القول بااأن "دولــة الرفــاه أنهــا خليط محــدد من‬
‫الديمقراطية‪ ،‬الرفاهية‪ ،‬الرأسمالية‪" 1‬‬

‫ج) مفهوم دولة الرعاية‪ /‬أو الكفالة الاجتماعية‬

‫من املص ا ا ا اابطلحاات التي تبطلق على دولاة الرفااهياة أيض ا ا ا ااا‪ ،‬دولاة الرعااياة الاجتمااعية‪ ،‬فتارة تس ا ا ا اامى بدولة‬
‫الرفاااه‪ ،‬و تااارة أخرى تس ا ا ا اامى باادولااة الرعااايااة أو الكفااالااة الاجتماااعيااة‪ ،‬و على ألارجح فااإن مضا ا ا ا ااامين كال‬
‫و‬ ‫الاصبطالحين تكاد تكون واحدة فيما يقدمانه لإلنسان من خدمات و إعانات السيما للضعفاء‬
‫املهمشا ا ااين‪ ،‬و لهذا فغالبا ما توصا ا ااف الدول التي تتوسا ا ااع بتقديم الخدمات الاجتماعية إلى مواطنيها بأنها‬
‫دولة رفاه‪ ،‬و يكاد ينبطبق هذا التوصا ا اايف على الكثير من الدول املتقدمة التي تسا ا ااعى إلى تحقيق العدالة‬
‫الاجتماعية و الحد من الالمساواة‪.2‬‬

‫يبطلق على "دولااة الرفاااهيااة" أيض ا ا ا ااا اس ا ا ا اام "الاادولااة الرعويااة" و هي "هيئااة تاادعي الحق في إخض ا ا ا اااع الفرد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وحقوقه إخض ا اااعا كامال ملص ا االحتها‪ ،‬وتزعم بأنها املقاول أورب العمل الرئيسا ا ا ي ومزود املجتمع بالخدمات‬
‫التي يحتاجها في آن‪ ،‬وبكلمات أخرى‪ ،‬فإن الدولة الرعوية تساتحوذ على مهمات اقتصااادية شاااملة وتسااهر‬
‫على مص االحة املواطنين بتزويدهم بالخدمات ألاس اااس ااية كالص ااحية منها والتربوية وإلاس ااكانية ‪ .3‬يبدو أن‬
‫هذا التعريف ينير فقط الى دولة الرفاهية الاشتراكية غير الديمقراطية‪.‬‬

‫بجوار هااذه املفاااهيم الس ا ا ا ااالفااة الااذكر‪ ،‬يص ا ا ا ااادف الباااحااث املهتم بموض ا ا ا ااوع الاادولااة الاجتماااعيااة مفاااهيم‬
‫ومص اابطلحات ال تقل ضاابابية وغموض ااا عن س ااابقتها‪ ،‬كمفهوم "الطريق الثالث" أو ما يس اامى ب"اقتص ـاد‬

‫‪ )1‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ )2‬أنتوني جيدنز‪ ،‬علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة فايز الصباغ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬البطبعة ألاولى تشرين ألاول (أكتوبر)‬
‫‪ ،8774‬ص‪.372 .‬‬
‫‪ )3‬عامر رشيد مبيض موسوعة الثقافة السياسية الاجتماعية الاقتصادية العسكرية مصطلحات ومفاهيم‪ ،‬ص‪(087.‬نقال عن صفاء‬ ‫ِّ‬
‫صابر خليفة محمدين‪ ،‬نموذج دولة "الرفاهية الاجتماعية" دراسة في إلاشكاليات واملآالت‪ ،‬املجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية‬
‫والعلوم السياسية‪ ،‬املجلد ‪ ،0‬العدد ‪ ،05‬يوليوز ‪ ،8788‬ص‪)807 .‬‬

‫‪49‬‬
‫الس ـ ـ ــوق الاجتماعي"‪ ،1‬و مفهوم "الرفاهية الاجتماعية"‪ ،2‬و مفهوم "الاقتص ـ ـ ــاد الاجتماعي و التض ـ ـ ــامني‬
‫"‪ ،3‬و مفهوم "دولة الخدمة الاجتماعية"‪... 4‬إلخ‬

‫في محص ا ا ا الااة هااذه املقاااربااة املفاااهيميااة‪ ،‬التي ارتااأينااا من خاللهااا إلامس ا ا ا اااك باااملفاااهيم "الزئبقيااة" للاادولااة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وكشف عناصر التمايز بينها‪ ،‬نصلص إلى ما يلي‪:‬‬

‫‪-‬أوال‪ :‬أن الاختالف بين البا اااحثين‪ ،‬و تها ااافتهم‪ 5‬في توظيف و اس ا ا ا ااتعما ااال املفا اااهيم املتعلقا ااة با ااالا اادولا ااة‬
‫الاجتماااعيااة‪ ،‬ناااجم من كون هااذه املفاااهيم غير محاااياادة‪ ،‬ألنهااا تحماال في طياااتهااا ي ا ا ا ااحنااات إيااديولوجيااة‬
‫و خاض ا ااعة لذاتية الباحثين‪ ،‬ذلك أن كل واحد منهم ينتقي منها ما ينتص ا اار به لخلفيته إلايديولوجية التي‬
‫يفكر و يحلل من خاللها‪ ،‬حتى إذا تعذر عليه أمر الانتقاء‪ ،‬اتجه إلى نحت مصاابطلحات بديلة‪ ،‬تنسااجم مع‬
‫ميوالتاه الفكرياة و النيرياة‪ ،‬و مثال هاذا الس ا ا ا اجاال حياال مفااهيم الادولاة الاجتمااعية نجده حاض ا ا ا ارا بين‬
‫الباحثين في العالم العربي و إلاسالمي‪.6‬‬

‫‪-‬ثــانيــا‪ :‬تعاادد نماااذج و ص ا ا ا ااي الاادولااة الاجتماااعيااة‪ ،7‬و عاادم وجود نموذج عااالمي متفق عليااه‪ ،‬باال هناااك‬
‫نماذج مصتلفة غاية الاختالف ل"الدولة الاجتماعية" في دول عديدة‪ .‬وكذلك مؤشا ا ا ارات القياس للحكم‪.8‬‬

‫‪ )1‬أنير‪ :‬أحمد فراس العوران‪ ،‬اقتصاد ألامن الاجتماعي‪ ،‬املعهد العالمي للفكر إلاسالمي‪ -‬هرندن فرجينيا‪ -‬الواليات املتحدة ألامريكية‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى ‪0534‬ه‪ ،8705/‬مكتبة ألاردن‪-‬عمان‪ ،‬ص ص‪.001-007 .‬‬
‫‪ )2‬صفاء صابر خليفة محمدين‪ ،‬نموذج "دولة الرفاهية الاجتماعية"‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.802 .‬‬
‫‪ )3‬رشيد الزعفران‪ ،‬التفاوتات الاجتماعية وتفكك الرابط في القرن ‪ 07‬وبزوغ مفهوم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني‪ ،‬مجلة مؤمنون بال‬
‫حدود‪.8788 ،‬‬
‫‪ )4‬أحمد مسعود طاهر‪ ،‬املدخل إلى علم الاجتماع العام‪ ،‬دار جليس الزمان للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪ ،8707‬ص‪.70 .‬‬
‫‪ )5‬كمثال على هذا التهافت نسوق مثال روبير كاستل‪ ،‬فتارة يستعمل مفهوم "دولة الرفاه"‪ ،‬و تارة يبتعد عنه و ينتقده‪ ،‬و يعتمد مفهوم‬
‫الدولة الاجتماعية‪ ،‬و يقول عن ألاول" تعبير دولة الرفاه ينقل ظالما أكثر مما يجلب النور‪ ،‬يحكم مسبقا عمل الدولة في املجال الذي ال يزال‬
‫يتعين تحليل طبيعتها‪ ،‬و التأثيرات التي ال يمكن إال أن تكون ضارة"‪ ،)Véronique Guienne…, op.cit. p. 205( ،‬كما يهاجم في مقال آخر‬
‫مفهوم "دولة الرعاية الاجتماعية" قائال‪ ":‬ما نسميه "دولة الرعاية الاجتماعية"‪ ،‬و إن كان من ألانسب تسميتها بالدولة الاجتماعية‪ ،‬تفاديا‬
‫ألي داللة إحسانية‪ ،‬إنما تتدخل قبل كل ش يء كأداة الختزال انعدام ألامن الاجتماعي"‪ .‬أنير‪ :‬روبير كاستل‪ ،‬امللكية الاجتماعية‪ ،‬ترجمة بشير‬
‫السباعي‪ ،‬الحوار املتمدن‪ ،‬العدد ‪ ،80/5/8787 ،1453‬تاريخ الولوج‪.8783/78/04 :‬‬
‫‪ )6‬أنير تعقيبات لكل من محمود عبد الفضيل‪ ،‬ص‪ ،077 .‬وإبراهيم العيسوي‪ ،‬ص‪ ،038 .‬ضمن‪ ،‬بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي‬
‫نيمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون مع املعهد السويدي باإلسكندرية‪ ،‬تحث عنوان دولة الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬أيلول‪/‬سبتمبر‪.8771 ،‬‬
‫‪ )7‬نور الدين علو ‪ ،‬الفلسفة ألامريكية املعاصرة‪ ،‬مكتبة مؤمن قريش‪ ،‬البطبعة ألاولى لبنان‪/‬كندا‪ ،8701 ،‬صص‪ ،02-00 .‬هامش رقم‬
‫‪.0‬‬
‫‪ )8‬يذهب بعض الباحثين إلى أن مجرد وجود جهاز خدمات رفاه في دولة معينة يكفي لتعريفها كدولة رفاه‪ .‬على النقيض من هذا التوجه‬
‫الذي يكتفي بحد أدنى من أجل تعريف دولة ما ك"دولة رفاه"‪ ،‬هناك باحثون آخرون يشددون تحديدا على الفروق الكبيرة بين دول غرب‬
‫أوروبا و بين دول شمال أمريكا التي تسمى عادة دول رفاه‪ .‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫وال يصفى على أحد أن هذه التجارب في تبطور وتكيف مساتمر مع ألازمات واملستجدات‪ ،‬تفرض اجتهادات‬
‫نيرية بمفاهيم جديدة‪.‬‬

‫زد على كال ماا تقادم غيااب نيرياة عن الادولاة الاجتماعية‪ ،‬توجد املالمح بالتأكيد‪ ،‬ولكنها ليس ا ا ا اات نيرية‬
‫باملعنى الدقيق للكلمة على حد تعبير كريس ا ااتوف راماوكس‪ .1‬و لعل من أهم الاجتهادات النيرية الجديرة‬
‫بالذكر في هذا الس ا ااياق‪ ،‬التص ا اانيفات الثالثة لدولة الرفاه التي وض ا ااعها غوس ا اابطا إس ا اابين ‪ -‬أندرس ا ااون في‬
‫كتابه "العوالم الثالثة"‪ ،2‬و هي ‪ :‬دولة الرفاه الاجتماعي «الليبرالية»‪ ،‬دولة نيام رفاه اجتماعي محافظ‪،‬‬
‫دولة نيام رفاه الديمقراطية الاجتماعية الشمولي‬

‫‪-‬ثـالثـا‪ :‬يتفق البااحثون على ض ا ا ا اارورة تادخال الادولاة‪ ،‬و أن املقولاة التااريصياة املش ا ا ا ااهورة "دعه يعمل دعه‬
‫يمر" )‪ "(laissez faire laissez-passer‬لم تعااد ممكنااة‪ ،‬أمااام املش ا ا ا ااكالت الاجتماااعيااة التي أفرزهااا التبطور‬
‫الرأسمالي‪ ،‬و تأكد ذلك مع كتاب "نهاية شعار دعه يعمل‪ " 3‬سنة ‪ ،0781‬ل جون مينارد كينز ‪ ،‬غير أنهم‬
‫يصتلفون حول حاادود هااذا التاادخاال‪ ،‬و ش ا ا ا اكاال هااذه الاادولااة املتاادخلااة في النش ا ا ا اااط الاقتص ا ا ا ااادي‪ ،‬و الااذي‬
‫اختلف من حقب ااة ألخرى نتيج ااة تبطور املجتمع من جه ااة و من جه ااة ث اااني ااة بسا ا ا ا ااب تبطور العالق اات بين‬
‫أفراده‪ ،‬فاااملجتمع في حركيااة مس ا ا ا ااتمرة بينمااا النيااام س ا ا ا اااكن لااذا يس ا ا ا ااعى املجتمع في كاال مرة إلى تكييف‬
‫تنييمه مع ما وص اال إليه من تبطور نتيجة تبطور وس ااائل إلانتاج؛ و عليه وجدت عدة أوص اااف من الدول‬
‫أخاذت تس ا ا ا ااميتهاا من الدور امللقى على عاتق الدولة من قبل املجتمع‪ ،‬فانتقلت من الدولة الحارس ا ا ا ااة إلى‬
‫الدولة املتدخلة مرورا بدولة الرفاه ثم العودة من جديد إلى الدولة الضاببطة‪.4‬‬

‫في املحص ا ا ا االة‪ ،‬يبقى "مفهوم الدولة الاجتماعية" على الرغم من ض ا ا ا ااعف انتش ا ا ا اااره للش ا ا ا اابهة التي الزمت‬
‫ميالده في أواخر القرن التاس ا ااع عش ا اار ‪" ،‬محايدا"‪ ،‬و أقرب إلى التعبير الس ا االيم في توص ا اايف طبيعة الدولة‬
‫امللقى على عااتقها الاهتمام باملس ا ا ا ااألة الاجتماعية‪ ،‬الرتكازه على مبررات أخالقية و قانونية‪ ،‬تفرض ـ ـ ـ ــها‬
‫العدالة الاجتماعية‪ ،‬و ضــرورة التوزيع العادل للثروة‪ ،5‬يكون القصااد منها دمج املواطنين و تعزيز هذا‬
‫الاندماج من خالل الاس ا ا ااتجابة ملبطالبهم و حقوقهم حتى البيئية منها‪ ،6‬بصالف دولة الرفاهية التي يقال‬

‫‪1 ) C. Ramaux, «Quelle‬‬ ‫‪théorie pour l'État social ? », in L’Europe Qui se Fait, Gérard Boismenu et Isabelle Petit (dir.), Paris,‬‬
‫‪2008.PP. 25- 141.‬‬
‫‪2 ) Esping- Anderson, G. The Three Worlds of Welfare Capitalism, Cambridge : Polity, 1990.‬‬

‫‪3 ) J. M. Keynes, The End of Laissez-Faire, London, Woolf, 1926.‬‬

‫و التنمية‬ ‫‪ )4‬محمد عبد املومن‪ ،‬املفهوم التبطوري للدولة الاجتماعية بين املضامين الاقتصادية و الاجتماعية‪ ،‬مجلة الاقتصاد‬
‫البشرية‪ ،‬العدد ‪ 01‬جوان ‪ ،8700‬صص‪.387 -371 .‬‬
‫‪ )5‬عديلة كورثينا‪ ،‬مواطنون في العالم نحو نظرية للمواطنة‪ ،‬ترجمة علي املتوفى‪ ،‬مكتبة ألاسرة‪ ،8704 ،‬ص‪.47 .‬‬
‫‪6 ) B .Billaudot, « Une théorie de l’Etat social », Revue de la régulation [En ligne], 2 Janvier / January2008:‬‬

‫‪http://journals.openedition.org/ régulation, date d'accès : 2023/03/15.‬‬

‫‪51‬‬
‫عنها‪« :‬دولة تظهر نفس ــها على أنها "دولة اجتماعية" " كمن يعطيك قطا على أنه أرنب‪ ،»1‬س اايرا على‬
‫املثل إلاسباني"‪.‬‬

‫‪ )0‬السياق التاريخي مليالد وتطور الدولة الاجتماعية‬

‫يحلو للعادياد من املؤرخين العودة إلى العص ا ا ا ااور القاديماة‪ ،‬للبحاث عن إلارهااص ا ا ا ااات ألاولى لجذور الدولة‬
‫الاجتمااعياة باأوروباا مناذ عهاد إلامبراطورياة الرومانية‪ ، 2‬و هو رأي فيه نير‪ ،‬ذلك أن الدولة الاجتماعية‬
‫و دورها في‬ ‫ارتببطت تاريصيا في ظهورها و تبطور أشا ااكالها بالفكر الليبرالي‪ ،‬و بميالد الدولة الحديثة‬
‫مواجهة املش ااكالت الاقتصا اادية و الاجتماعية الناجمة عن تأثيرات الثورة الص ااناعية‪ ،‬و ما ص اااحب ذلك‬
‫من أحداث‪ ،‬كان لها بال ألاثر في وض ا ااع الدولة‪ ،‬أمام مس ا ااؤوليتها الاجتماعية و إنهاء أدوارها الكالس ا اايكية‬
‫"كحارس"‪ ،‬و كمحايد‪ ،‬أمام املعضا ا ا ااالت املسا ا ا ااتعصا ا ا ااية التي وجد املواطن ألاوربي نفسا ا ا ااه فريسا ا ا ااة لها‪ ،‬و‬
‫املرتببطة بتداعيات الحربين الكونيتين‪ ،‬و الكس ا ا ا اااد الكبير في الثالثينيات‪ .‬وهكذا س ا ا ا ااتيهر إلى الوجود أول‬
‫صاايغة لدولة اجتماعية في سااياق توحيد الدولة ألاملانية عام ‪ .0200‬إذ قامت في عهد املسااتشااار بساامارك‬
‫بتبطبيق أول نيام للتأمين الصاحي في العالم عام ‪ ،0223‬ونيام التأمين ضد الحوادث في عام ‪ ،0225‬ثم‬
‫نيام التأمين ض ا ااد العجز ومعاش ا ااات لكبار الس ا اان عام ‪ .0227‬وقد تم النير إلى هذه البرامج الاجتماعية‬
‫الرائاادة عااامل ًي اا في ذلااك الوقاات من جااانااب الحكومااة ألاملااانيااة باااعتبااارهااا أداة‪ ،‬ليس فقط ملواجهااة التيااار‬
‫ض ا ا ا اا لتعزيز عملية بناء الدولة ألاملانية‬ ‫الاش ا ا ااتراكي‪ ،‬أو ما كان يصا ا ا اافه بس ا ا اامارك بالتهديد ألاحمر‪ ،‬وإنما أي ً‬
‫املوحدة وجمع والياتها ومناطقها املصتلفة ذات الحكم الذاتي واسا ااع النبطاق في أمة واحدة‪ ،‬في إطار نيام‬
‫ملكي دستوري‪.3‬‬

‫كاانت النس ا ا ا ااخة ألاولية للدولة الاجتماعية بأملانيا محط اهتمام من طرف بايي دول أوروبا الغربية‪ ،‬و في‬
‫مقاادمتهااا بريبطااانيااا‪ ،‬التي اتجهاات نحو إقرار برامج للرفاااه الاجتماااعي‪ ،‬منهااا نيااام الض ا ا ا امااان الاجتماااعي عااام‬
‫‪ ،0772‬و التأمين الص ا ا ااحي عام ‪ ،0700‬و عقب ص ا ا اادور تقرير بفيريدج عام ‪ ،0758‬و بداية تنفيذه‪ ،‬كانت‬
‫بريبطااانيااا قااد تحولاات إلى نموذج كاااماال لاادولااة الرفاااه الاجتماااعي‪ ،‬و هو النموذج الااذي تبنتااه غااالبيااة بلاادان‬
‫أوروبا بعد الحرب العاملية الثانية‪.‬‬

‫أما الواليات املتحدة ألامريكية‪ ،‬و إلى حدود أزمة الكساد العييم ‪ ،0787‬ظلت تفتقر إلى أية سياسات‬
‫اجتماعية جادة يعتد بها للرفاه الاجتماعي‪ ،‬و هذا مرده إلى عاملين أسا ا ا اااسا ا ا اايين بحسا ا ا ااب بول كروجمان‪:‬‬
‫يتعلق أح اادهمااا بهيمن ااة املش ا ا ا ااروع الحر ل اادى الس ا ا ا اي اااسا ا ا ا ااة ألامريكي ااة آن ااذاك من الحزبين ال ااديمقراطي و‬

‫‪ )1‬عديلة كورثينا‪ ،‬مواطنون‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬صص‪ 45 .‬و ‪.18‬‬


‫‪2 ) Kessler, David and Temin, Peter, "The Organization of the Grain Trade in the Early Roman Empire",In The Economic‬‬

‫‪History Review, New Series, Vol. 60, No. 2, (May 2007) p. 316.‬‬
‫‪ )3‬بريجيت ه‪ .‬شولتز‪ ،‬العوملة والوحدة ‪ ،...‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.41‬‬

‫‪52‬‬
‫الجمهوري‪ ،‬في حين يتعلق الع ااام اال آلاخر ب ااالتن ااافر العريي‪ ،‬جراء رفض الجنوبيين البيض تح اادي اادا ألي ااة‬
‫س ا ا ااياس ا ا ااة اجتماعية من ش ا ا ااأنها إعادة توزيع الدخل باعتبارها تص ا ا ااب في مص ا ا االحة العرقيات ألاخرى من‬
‫الس ا ا ا ااود و الالتين‪ ، 1‬و لم تص ا ا ا اابح دولاة الرفااه الاجتمااعي حقيقاة قاائمة في الواليات املتحدة ألامريكية إال‬
‫بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬و ذلك إلى الحد الذي أشااار فيه الرئيس إيزنهاور إلى" أن أي حزب يس ـ ى إلى‬
‫إلغاء ما تحقق من هذه البرامج للرفاه الاجتماعي لن يكتب له البقاء في التاريخ الســياسـ ي ألامريكي"‪.2‬‬

‫أما بالنس ا ا اابة لبلدان العالم الثالث‪ ،‬فقد تبنت الكثير منها بعد اس ا ا ااتقاللها بش ا ا ااكل أو بآخر برامج الرفاه‬
‫الاجتمااعي‪ ،‬تفااوتات فعااليتهاا من حياث نبطااقها وش ا ا ا اامولها فيما بين هذه الدول بحس ا ا ا ااب مس ا ا ا ااتوى نموها‬
‫الاقتصادي وتبطورها الاجتماعي‪.3‬‬

‫وعلى العموم‪ ،‬يمكن القول بااأن الاادولااة الاجتماااعيااة كمفهوم‪ ،‬وكحقيقااة واقعااة قااد ولاادت وتبطورت في‬
‫سياقات ثالثة‪ ،‬يمكن إجمالها في‪:‬‬

‫أ) سـ ـ ــياق اقتصـ ـ ــادي واجتماعي‪ :‬مرتبط بحركة التص ا ا اانيع التي س ا ا اااهمت في توس ا ا اايع الفجوة بين الرخاء‬
‫امل ااادي لألثري اااء والبؤس امل ااادي واملعنوي للبطبق ااات املحروم ااة ببل اادان أوروب ااا الغربي ااة‪ ،‬فك ااان اات إلاج اااب اات‬
‫املحتملة على هذا الس ا ا ااؤال الاجتماعي تتمثل في نقل مس ا ا ااؤولية البطبقات املحرومة إلى الدولة‪ .‬من خالل‬
‫"الترويج إلايجابي لرفاهية العمال"‪ ،‬بتعبير بسمارك‪.4‬‬

‫ب) سـ ــياق إبس ـ ــتمولوجي‪ :‬فرض ا ااه تبطور العلوم إلانس ا ااانية‪ ،‬وخاص ا ااة العلوم الاجتماعية والنفس ا ااية التي‬
‫لعباات دورا مهمااا في لفاات الانتباااه إلى مس ا ا ا ااؤوليااة الاادولااة تجاااه القض ا ا ا ااايااا الاجتماااعيااة حيااث باادأ الاهتمااام‬
‫بمعضالة إلانساان الذي عصفت به التحوالت الاقتصادية والسياسية والاجتماعية بعد أن كان الاهتمام‬
‫منصا اابا على النواحي امليكانيكية والاقتص ا ااادية البحثة‪ .‬ويجسا ااد هذا التحول مقولة النمس ا اااوي (أوس ا ااكار‬
‫بوالك)‪ ":‬إننا بأمس الحاجة إلى فلســفة إنســانية جديدة منطلقة روحيا وغنية بإنســانياها‪ ،"5‬ولعل من‬
‫أهم العلوم التي كان إلاسا ااهام الفعال في هذا املجال علم الاجتماع الوصا اافي‪ ،‬حيث أجريت مسا ااوح حول‬

‫‪ )1‬بول كروجمان‪ ،‬ضمير شخص ليبرالي‪ ،‬ترجمة مجدى صبحى‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬مركز املحروسة للنشر‪ ،‬القاهرة‪ ،8702 ،‬ص ص‪.‬‬
‫‪.884 -883‬‬
‫‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.27 .‬‬
‫‪ )3‬أواليوال ارينوشو‪ ،‬تصور عن نيم الرفاهة الافريقية‪ ،‬ترجمة سحر املاوردى‪ ،‬املجلة الدولية للعلوم الاجتماعية‪ ،‬اليونسكو‪ ،‬العدد ‪،057‬‬
‫يونيو ‪ ،0775‬ص ص ‪.075 -77‬‬
‫‪4 ) Klaus R. Wenger, État social et Démocratie Conceptions et réalisations de l’idée d’État Social en République fédérale‬‬

‫‪d’Allemagne de 1949 à 1966, In L’Allemagne De Konrad A Denaure, Presses Sorbonne Nouvelle, Paris, 1982, PP. 96- 111.‬‬
‫‪ )5‬جون فولكوف‪ ،‬إلانسان و التحدي التكنولوجي(بحث في املعضالت الاجتماعية للثورة التكنولوجية)‪ ،‬ترجمة سامي كعكي‪ ،‬جار‬
‫البطليعة للبطباعة و النشر‪ ،‬بيروت‪ ،0707 ،‬ص‪.25 .‬‬

‫‪53‬‬
‫الفقر‪ ،‬والببطااالااة‪ ،‬والحوادث‪ ،‬وألامراض التي يقاااس ا ا ا ا ي منهااا العمااال‪ ،1‬باااإلض ا ا ا ااافااة إلى مس ا ا ا اااهمااات حقول‬
‫معرفية أخرى‪ ،‬كعلمي الاقتصاد‪ ،‬والفلسفة‪.‬‬

‫ج) س ـ ــياق حقو ي‪ :‬بموازاة مع ذلك‪ ،‬نمت ألافكار الخاص ا ااة بحقوق إلانس ا ااان تدريجيا التي تؤكد حقه في‬
‫حياة كريمة و مالئمة‪ ،2‬وتكرسات‪ ،‬بعد التنصايص عليها في إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان سنة ‪،0752‬‬
‫و بص ا ا ا اادور العهااد الاادولي للحقوق الاقتص ا ا ا اااديااة و الاجتماااعيااة و الثقااافيااة (الجياال الثاااني من الحقوق)‪، 3‬‬
‫اكتملات ألاس ا ا ا ااس القانونية و الحقوقية للدولة الاجتماعية‪ ،‬و من ثم س ا ا ا ااار الربط بين مدى التزام و وفاء‬
‫الدولة بهذه الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية املعيار الرئيس ي في تصنيفها كدولة اجتماعية‪.‬‬

‫املحور الثــاني‪ :‬مفهوم الــدولــة الاجتمــاعيــة في الس ـ ـ ـ ـيــاق املغربي وتجليــاتــه في النص ـ ـ ـ ــوص الــدس ـ ـ ـ ــتوريــة‬
‫والبرامج الحكومية‬

‫بعد هذه السا ا ا ااردية التاريصية املقتض ا ا ا اابة حول ميالد وتبطور مفهوم الدولة الاجتماعية بالفكر الليبرالي‬
‫وتجلياااتااه تنييرا وتنزيال بااالغرب الرأس ا ا ا امااالي‪ ،‬يحق للمواطن املغربي التسا ا ا ا اااؤل عن حقيقااة هااذا املفهوم‬
‫"البطارئ" على الخبطاب الساياسا ي باملغرب‪ ،‬هل يعبر عن إرادة ملحة وأكيدة للدولة في التعاطي مع الشااأن‬
‫الاجتماعي بروح املسؤولية‪ ،‬املبنية على املقاربة الحقوقية على غرار ما تقدم الحديث عنه؟ أم أن مفهوم‬
‫الدولة الاجتماعية ال يعد أن يكون عنوان مرحلة ومجرد ش ااعار يرفع على ش اااكلة ش ااعارات س ااابقة‪ ،‬ظلت‬
‫بعيدة كل البعد عن انتيارات املواطن؟‬

‫‪ )1‬مفهوم الدولة الاجتماعية في املغرب بين التنصيص والتنزيل‬

‫بصرف النير عن إلاشكاليات التي يبطرحها التحقيب‪ 4‬والتصنيف‪ ، 5‬فقد ظل مفهوم الدولة الاجتماعية‬
‫على مساتوى التنصايص حاضارا في جميع الدسااتير التي عرفها املغرب بدءا من أول دساتور ساانة ‪،0718‬‬
‫و التي كان‬ ‫و رغم التعديالت الدس ا ااتورية التي عرفتها البالد س ا اانوات ‪،0771 ،0778 ،0708 ،0707‬‬

‫‪ )1‬عبد العزيز جاهمي‪ ،‬الرعاية الاجتماعية العمالية في التنظيمات الصناعية‪ ،‬مركز الكتاب ألاكاديمي عمان‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪ ،8701‬ص‪.‬‬
‫‪.12‬‬
‫‪ )2‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.10 .‬‬
‫‪ )3‬أنير جرد وتحليل هذه الحقوق عند‪ :‬كمال سعدي مصبطفى‪ ،‬حقوق إلانسان ومعاييرها الدولية‪ ،‬الناشر دار دجلة‪ ،8707 ،‬صص‪-12 .‬‬
‫‪.20‬‬
‫‪ )4‬حسن طارق‪ ،‬تاريخ السياسات الاجتماعية باملغرب‪ :‬محاولة في التحقيب‪ ،‬مجلة فكر‪ :‬العلوم الاقتصادية والقانونية والسياسية‪ ،‬مج‪.‬‬
‫‪ ،8705‬ع‪ 30 ( 3 .‬ديسمبر‪/‬كانون ألاول ‪ ، )8705‬ص ص‪.037 -084 .‬‬
‫‪ )5‬يبدو أن املغرب ورث نيام الرفاه الاجتماعي املحافظ عن الاستعمار الفرنس ي؛ بحيث ترتهن الاستفادة من الخدمات الاجتماعية بولوج‬
‫سوق الشغل‪ ،‬والانصراط في أحد أنيمة التأمين أو التقاعد أو التعاضد الفئوية‪ ،‬صحيح أن املغرب‪ ،‬تبنى سياسات اجتماعية في ميداني‬
‫التعليم والصحة والتكوين‪ ،‬قائمة على شمولية الولوج‪ ،‬من دون أي اعتبار للوضع البطبقي‪ ،‬غير أن هذا إلارث الهش‪ ،‬بدأت تبطبعه دينامية‬
‫تسليع وخوصصة‪ ،‬منذ نهاية التسعينيات‪ .‬أنير‪ :‬رشيد بن بيه‪ ،‬تصنيف نمط الرفاه الاجتماعي املغربي باعتماد منيور النوع الاجتماعي‪،‬‬
‫مجلة إضافات‪ ،‬العدد ‪ ،57‬خريف‪ ،8700‬ص ص‪.057 -081 .‬‬

‫‪54‬‬
‫من املفترض أن تساااهم في توضاايح معالم و أسااس الدولة الاجتماعية "املبشاار" بها‪ ،‬بقي املفهوم غامضااا‪،‬‬
‫و ال يقوم على تصور واضح و معلن‪ ،‬يمكن تناوله علميا و منهجيا وفق أدوات البحث العلمي‪.‬‬

‫وإذا ك ااان دس ا ا ا ااتور ‪ ،8700‬ق ااد كرس ه ااذا املبتغى الاجتم اااعي برأي الب اااحثين‪ ، 1‬انبطالق ااا من ديب اااجت ااه‬
‫ومرورا بمجموعااة من الفص ا ا ا ااول (الفص ا ا ا ااول ‪ 2)...034 ،35 ،30 ،07 ،01 ،08 ،2 ،0‬التي تؤكااد الالتزام‬
‫بالتأساايس لدولة حاضاانة للجميع‪ ،‬من خالل تحقيق العدالة الاجتماعية واملساااواة وتكافؤ الفرص‪ ،‬و هو‬
‫املبتغى الاذي يتبطلاب الانبطالق من تحقيق العادالاة املجاالية في توزيع املوارد الوطنية من طاقات بش ا ا ا اارية‬
‫وموارد ماادياة وبنياات تحتياة‪ ،‬وتعميم الاس ا ا ا ااتفاادة من الخدمات ألاس ا ا ا اااس ا ا ا ااية وتقريبها من املواطنين‪ ،‬من‬
‫البطرق واملواص ا ااالت‪ ،‬والتزويد باملاء الص ا ااالح للش ا اارب والكهرباء‪ ،‬والخدمات الص ا ااحية من مس ا ااتش ا اافيات‬
‫ومساتوصافات‪ ،‬ومدارس وغيرها‪ ،‬فإن حصايلة مساهمة الدولة في تحمل أعباء "الاجتماعي" على مستوى‬
‫التنزيل كانت مصيبة لآلمال‪ ،‬و ال يسامح املقال لبساط القول فيها‪ ،‬حيث تكفي إلاشارة إلى خالصات تقرير‬
‫املجلس الاقتص ااادي و الاجتماعي و البيني لسا اانة ‪ ،8702‬في تقييمه لور الحماية الاجتماعية‪ ،‬الذي ركز‬
‫على تفكك املنيومة من حيث الخدمات و الانس ا ا ااجام و إلانص ا ا اااف و الجودة‪ ، 3‬مما يحملنا على الاعتقاد‬
‫على أن بالدناا لم تتجااوز بعاد منبطق الادولاة الحاامياة‪ ،‬و أن الهوة بين النص والواقع ال تزال قاائماة‪ ،‬و أن‬
‫املشكل ال يكمن في املفهوم‪ ،‬بل يرتبط بمدى توفر إلارادة من عدمها‪.‬‬

‫‪ )0‬مفهوم الدولة الاجتماعية في البرنامج الحكومي ‪0202 -0201‬‬

‫يبدو أن مبطمح الدولة الاجتماعية سا اابق وأن سا ااعت إليه مجموعة من الفعاليات والقوى الوطنية خالل‬
‫الس ا اانوات التي أعقبت مباشا ا اارة رفع الحماية على اململكة املغربية‪ ، 4‬و من غير شا ا ااك أن الهم الاجتماعي‪،‬‬
‫لم يكن غااائبااا في جميع البرامج الحكوميااة التي عرفهااا املغرب منااذ الاس ا ا ا ااتقالل إلى اليوم‪ ،‬غير أن مفهوم‬
‫ال اادول ااة الاجتم اااعي ااة لم يعرف طريق ااه إلى الت ااداول الص ا ا ا ااريح و املكثف إال مع البرن ااامج الحكومي ‪-8780‬‬
‫و‬ ‫‪ ، 8781‬حيااث تردد ذكره كثيرا‪ ،‬بجااانااب مفاااهيم لص ا ا ا اايقااة من قبياال الاقتص ا ا ا اااد الاجتماااعي‬
‫التضا ا ا ااامني‪ ،‬و التماسا ا ا ااك الاجتماعي‪ ،‬و العدالة الاجتماعية و التي هي من "عائلة" الدولة الاجتماعية منذ‬
‫البداية‪ ،‬و اعتبر ثورة اجتماعية‪ ،‬و مشــروعا مــخما للتحول الاجتماعي‪ ، 5‬و باسااتقراء الصاافحات ألاولى‬
‫للبرنااامج ينجلي بعض الغموض الااذي يلف الاادولااة الاجتماااعيااة التي كثر التس ا ا ا اااؤل عن ماااهيتهااا باااعتبااارهااا‬

‫‪ )1‬ياسين الهومات‪ ،‬مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب وسط تنامي املبطالب الحقوقية‪ ،‬مجلة قانونك‪ ،‬العدد ‪ ،0555/0553 ،03‬يوليوز‪-‬‬
‫شتنبر ‪ ،8788‬ص ص‪.004 -72 .‬‬
‫واجتماعية"‪.‬‬ ‫‪ )2‬ينص الدستور املغربي في فصله ألاول على أن "نيام الحكم باملغرب نيام ملكية دستورية‪ ،‬ديمقراطية برملانية‬
‫املصدر‪ :‬الدستور الجديد للمملكة املغربية‪ ،‬سلسلة املعرفة القانونية للجميع‪ ،)48( ،‬الناشر‪ :‬دار إلانماء الثقافي‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪،8700‬‬
‫ص‪( .07 .‬أنير أيضا منبطوق الفصول املشار إليها في الصفحات‪)47 ،37 ،82 ،84 ،85 ،83 ،80 :‬‬
‫‪ )3‬الحماية الاجتماعية باملغرب‪ ،‬منشورات املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ ،8702/35‬ص‪.37 .‬‬
‫‪ )4‬ياسين الهومات‪ ،‬مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب ‪ ،...‬مرجع سابق‪.071 ،‬‬
‫‪ )5‬البرنامج الحكومي ‪ ،8781 -8780‬أكتوبر ‪ ،8780‬ص‪.81 .‬‬

‫‪55‬‬
‫"دول ـ ــة تحمي املواطنين‪ ،‬تض ـ ـ ـ ــمن كراماهم و تس ـ ـ ـ ــتجي ـ ــب ألولوي ـ ــاتهم‪ ،‬من أج ـ ــل مغرب أقوى وأكثر‬
‫إنص ــافا"‪ 1،‬لتكتمل الص ااورة مع املحور ألاول الذي يحدد الركائز ألاربع لهذه الدولة الاجتماعية‪ ،‬و هي ‪:‬‬
‫تعميم الحماية الاجتماعية‪ ،‬دعم ألاسـ ـ ــر في وضـ ـ ــعية هشـ ـ ــاشـ ـ ــة‪ ،‬رعاية صـ ـ ــحية جيدة تصـ ـ ــون كرامة‬
‫الجميع‪ ،‬مــدرس ـ ـ ـ ــة عموميــة منص ـ ـ ـ ـفــة‪ .‬وبااإمعااان النير في تفاااص ا ا ا اياال هااذه الركااائز كمااا وردت في البرنااامج‬
‫الحكومي ال يملااك الباااحااث إال التس ا ا ا االيم بااأهميتهااا‪ ،‬غير أن املصاااوف وهواجس التنزياال تبقى قااائمااة‪ ،‬كمااا‬
‫سيأتي بيانه‪.‬‬

‫‪" )3‬الدولة الاجتماعية" باملغرب تحث املجهر ‪ :‬آراء و مواقف‬

‫قاد يباادو من الس ا ا ا ااابق ألواناه‪ ،‬و من غير املنص ا ا ا ااف وض ا ا ا ااع تجربااة الادولااة الاجتماااعياة الفتيااة‪ ،‬تحاث مجهر‬
‫النقد و التمحيص‪ ،‬مع حكومة ألول مرة تفصااح عن هويتها "الاجتماعية"‪ ،‬و كرساات كل مش اااريعها لتنزيل‬
‫هذا الور امللكي‪ ،‬باعتباره رؤية ملكية سااديدة‪ ،‬غير أن التجارب تصبرنا بأنه كلما كانت الانبطالقة مبنية‬
‫على أسااس متينة كلما كانت النتائج محمودة‪ ،‬و مع ذلك‪ ،‬نعتبر أن ما يروج من نقاشااات وآراء على ضااوء‬
‫ما تحقق إلى آلان‪ ،‬قد يقود إلى بناء تصور عن ماهية هذه الدولة الاجتماعية‪ ،‬و إلى أين تمض ي‪ ،‬فإذا‬
‫ما ابتعدنا عن إلاعالم الرس ا ا اامي‪ ،‬الذي يس ا ا ااوق لهذه الدولة‪ ،‬و كأنها "املغرب لي بغيناه كاملين"‪ ،2‬ال تزال‬
‫مواقف العديد من املتتبعين من ما يساامى بالدولة الاجتماعية محكومة بهواجس الشااك و الارتياب‪ ،‬و ال‬
‫ييهر من تحليالت جلهم مااا يباادد املصاااوف و يبعااث على الاطمئنااان‪ ،‬فهااذا الاقتص ا ا ا ااادي نجيااب أقص ا ا ا اابي‬
‫يصااف الدولة الاجتماعية "باملشــروع الجميل و العظيم"‪ ،3‬لكن في نفس الوقت يتساااءل عن مدى توفر‬
‫مقوماتها السااياسااية( دولة الحق و القانون‪ ،‬كما هو متعارف عليها عامليا‪ ،‬و عقد اجتماعي)‪ ،‬و الاجتماعية‬
‫( س ا ا ا ايااس ا ا ا اياة اجتمااعياة واض ا ا ا احاة املعاالم)‪ ،‬و املاالياة (توفير موارد ماالياة لتمويلهاا‪ ،‬من خالل إص ا ا ا ااالحات‬
‫ض ا ا ااريبية‪ ،‬و إال أغرقت البالد في املديونية‪ ،‬و رهنت القرار الس ا ا اايادي باملنيمات و املؤسا ا ا اس ا ا ااات املانحة)‪،‬‬
‫ليصلص في تحليله إلى أن الدولة الاجتماعية ش ا ااعار غير واقعي‪ ،‬لغياب املقومات املش ا ااار إليها‪ .4‬بينما يعتبر‬
‫عبد هللا س ا ا اااعف‪ ،‬في معرض حديثه بامللتقى الثالث عش ا ا اار لش ا ا اابيبة العدالة والتنمية أن "الوص ا ا ااول إلى‬
‫مفهوم الادولااة الاجتماااعياة الش ا ا ا اااماال يس ا ا ا اتادعي تفكيرا مغاايرا ملااا هو س ا ا ا ااائااد"‪ ،‬و "ال يمكن أن يبرز الوجااه‬

‫‪ )1‬البرنامج الحكومي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.05 .‬‬


‫‪ )2‬املغرب‪..‬لي بغيناه كاملين‪ ،‬حصيلة السنة ألاولى للحكومة‪ .‬أكتوبر ‪.8788 -8780‬‬
‫‪ )3‬نجيب أقصبي‪" ،‬الدولة الاجتماعية‪ :‬املسار واملقومات "‪ ،‬محاضرة ألقيت خالل املناظرة التي نيمها مركز محمد بنسعيد أيت إيدر لألبحاث‬
‫والدراسات‪ ،‬الدار البيضاء‪ 1 ،‬يناير ‪ ،8783‬بفندق فرح (موقع‪ :‬العمق املغربي)‬
‫‪ )4‬نفسه‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫الاجتماعي للدولة إال بحكامة فاعلة وناجعة"‪ .1‬لم يصتلف موقف عمر الكتاني عن سا ا ا اااعف في النير إلى‬
‫الدولة الاجتماعية من حيث كونها ثورة متأخرة تحتاج إلى إصالحات إلنجاحها‪.2‬‬

‫أماا باالنس ا ا ا اباة لعوام النااس‪ ،‬فقاد خلق ش ا ا ا اعاار الادولاة الاجتمااعياة انتياارات عريض ا ا ا ااة لديهم‪ ،‬ورفع من‬
‫منسوب تفاؤلهم‪ ،‬خاصة مع بعض إلاجراءات التي تبدو إجرائية في تنزيل هذه الدولة‪ ،‬واملتمثلة في الدعم‬
‫املباش ا ا اار على هزالته لألس ا ا اار ألاكثر تض ا ا اارر من أزمة كورونا‪ ،‬والس ا ا ااجل الاجتماعي املوحد‪ ،‬وور الحماية‬
‫الاجتماااعيااة‪...‬إلخ‪ ،‬ورغم كاال مااا يقااال عنهااا اليزال املواطن املغلوب على أمره يتحلى بااالص ا ا ا اابر والتفاااؤل في‬
‫انتيار غد أفضل‪ ،‬لكن الخشية كل الخشية أن ينقلب التفاؤل إلى يأس وخيبة أمل‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫في حصاد هذا البحث‪ ،‬يمكن الجزم بأن الدولة الاجتماعية‪ ،‬التي أثارت زوبعة إعالمية‪ ،‬و تصدر الحديث‬
‫عنهااا محاااور البرنااامج الحكومي ال تزال حلمااا بعيااد املنااال‪ ،‬و "عربون حس ا ا ا اان نوايااا"‪ ،‬فااالس ا ا ا اجاال التاااريخي‬
‫ليهور هاذا املفهوم و تبطوره‪ ،‬و تنزيلاه على أرض الواقع بص ا ا ا اايغاه الثالثاة املعروفاة( النموذج البس ا ا ا ااماركي‬
‫املحااافظ‪ ،‬النموذج البفيردجي‪/‬الاش ا ا ا ااتراكيااة الااديمقراطيااة‪ ،‬النموذج الليبرالي)‪ ،‬كمااا دلاات التجربااة الغربيااة‬
‫"بيئاة النش ا ا ا ااأة و التبطور" يفياد باأن ألامر تبطلاب إص ا ا ا ااالحاات جذرية حقيقية‪ ،‬بدأت بما هو س ا ا ا ااياس ا ا ا ا ي ثم‬
‫و‬ ‫انتقلت إلى ما هو اقتص ا ااادي و اجتماعي‪ ،‬و تحولت النيرة إلى "رفاهية" املواطنين من "الص ا اادقة‬
‫إلاحس ااان"‪ ،‬الذي تمليه بواعث دينية و أخالقية‪ ،‬إلى حقوق و تش ااريعات منص ااوص عليها‪ ،‬قادت في نهاية‬
‫املبطاااف إلى بناااء الاادولااة الاجتماااعيااة على ركااائز و أس ا ا ا ااس متينااة بااالرغم من مااا يعتريهااا من أزمااات‪ ،‬بعكس‬
‫الس ااياق املغربي الذي تبدو فيه تجربة الدولة الاجتماعية "جنينية" في بداية البطريق‪"،‬بش اارت" بها حكومة‬
‫رجال ألاعمال‪ ،‬الحاض اانة ملواطنيها!‪ ،‬و بعيدا عن لغة ألارقام و إلاحص ااائيات‪ ،‬يمكن التس اااؤل عن حقيقة‬
‫و‬ ‫هااذه الاادولااة في ظاال تنااامي الببطااالااة و الهجرة‪ ،‬و تاادني الاجور و اس ا ا ا ااتفحااال التفاااوتااات البطبقيااة‬
‫املجالية‪ ،‬و أزمات التعليم و الصحة و السكن‪.‬‬

‫‪ )1‬محمد الراجي‪ ،‬ساعف‪ ،‬جائحة "كورونا" تضع املغرب على أعتاب "الدولة الاجتماعية"‪ ،‬هسبريس‪ 82 ،‬غشت ‪ ،8787‬على املوقع‪:‬‬
‫‪ ،https://www.hespress.com/orbites/482460.html‬تاريخ الاطالع‪.8783/75/87 :‬‬
‫‪ )2‬تصريح عمر الكتاني لفبراير تيفي‪ ،‬بتاريخ ‪ ،8780 /72/04‬على املوقع‪ ،http://www.Febrayer.com :‬تاريخ الولوج‪.8783/75/73 :‬‬

‫‪57‬‬
‫املصادر املراجع‬

‫باللغة العربية‪:‬‬
‫أبلبي (جويس)‪ ،‬الرأس اامالية ثورة ال تهدأ‪ ،‬ترجمة رحاب ص ااالح الدين‪ ،‬مراجعة محمد فتحي خضا ار‪ ،‬الناشا اار‬ ‫‪‬‬
‫مؤسسة هنداوي‪ ،‬طبعة ‪.8787‬‬
‫أرينوش ا ا ا ااو (أواليوال)‪ ،‬تص ا ا ا ااور عن نيم الرفااهاة الافريقياة‪ ،‬ترجماة س ا ا ا ااحر املااوردي‪ ،‬املجلة الدولية للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعية‪ ،‬اليونسكو‪ ،‬العدد ‪ ،057‬يونيو ‪ ،0775‬ص ص‪.075 -77 .‬‬
‫بدوي (أحمد زكي)‪ ،‬معجم مصبطلحات العلوم الاجتماعية‪ ،‬مكتبة لبنان‪ -‬بيروت‪ ،‬ط‪ ،0702 ،0.‬طبعة جديدة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.0728‬‬
‫بن بيه (رش ا اايد)‪ ،‬تص ا اانيف نمط الرفاه الاجتماعي املغربي باعتماد منيور النوع الاجتماعي‪ ،‬مجلة إض ا ااافات‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫العدد ‪ ،57‬خريف‪ ،8700‬ص ص‪.057 -081 .‬‬
‫بوعزة (البطيب)‪ ،‬نقد الليبرالية‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪0537‬ه‪8777 -‬م‪ ،‬الرياض‪ -‬السعودية‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫جاهمي (عبد العزيز)‪ ،‬الرعاية الاجتماعية العمالية في التنييمات الصااناعية‪ ،‬مركز الكتاب ألاكاديمي عمان‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫البطبعة ألاولى ‪.8701‬‬
‫جيدنز (أنتوني)‪ ،‬علم الاجتماع‪ ،‬ترجمة فايز الصااباغ‪ ،‬مركز دراسااات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ -‬لبنان‪ ،‬البطبعة‬ ‫‪‬‬
‫ألاولى تشرين ألاول (أكتوبر)‪.8774 ،‬‬
‫جياادنز(أنتوني)‪ ،‬البطريق الثاالااث تجااديااد الااديمقراطيااة الاجتماااعيااة‪ ،‬ترجمااة أحمااد زايااد ومحمااد محي الاادين‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مراجعة وتقديم‪ :‬محمد الجوهري‪ ،‬مكتبة ألاسرة‪ ،‬طبعة ‪.8708‬‬
‫دالي (ماري)‪ ،‬الرفاه‪ ،‬ترجمة عمر س ا االيم‪ ،‬ومراجعة سا ااعود املولى (سا االس ا االة ترجمان)‪ ،‬الناشا اار‪ :‬املركز العربي‬ ‫‪‬‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى بيروت‪ ،‬كانون ألاول‪ /‬ديسمبر ‪.8704‬‬
‫الزعفران (رشا ا ا اايد)‪ ،‬التفاوتات الاجتماعية وتفكك الرابط في القرن ‪ 07‬وبزوغ مفهوم الاقتصا ا ا اااد الاجتماعي‬ ‫‪‬‬
‫والتضامني‪ ،‬مجلة مؤمنون بال حدود‪.8788 ،‬‬
‫س ااالم (جميل)‪ ،‬قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية‪ :‬النموذج ألاملاني دراس ااات حول نموذج اقتص اااد السا اوق‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعي‪ ،‬سلسلة أوراق بحثية القانون وحول الاقتصاد (‪ ،)872/1‬معهد الحقوق‪ ،‬جامعة بيرزيت‪.‬‬
‫شاولتز (بريجيت ه‪ ،) .‬العوملة والوحدة ودولة الرفاهية في أملانيا‪ ،‬ترجمة سعاد البطويل‪ ،‬املجلة الدولية للعلوم‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعية‪ ،‬اليونسكو‪ ،‬العدد ‪ ،013‬مارس ‪.8777‬‬
‫صااابر خليفة محمدين (صاافاء) ‪ ،‬نموذج دولة "الرفاهية الاجتماعية" دراس ااة في إلاشااكاليات و املآالت‪ ،‬املجلة‬ ‫‪‬‬
‫العلمية لكلية الدراس ا ااات الاقتص ا ااادية و العلوم الس ا ااياس ا ااية‪ ،‬املجلد ‪ ،0‬العدد ‪ ،05‬يوليوز ‪ ،8788‬ص ص‪.‬‬
‫‪.305 -817‬‬
‫طارق (حس اان)‪ ،‬تاريخ الس ااياس ااات الاجتماعية باملغرب‪ :‬محاولة في التحقيب‪ ،‬مجلة فكر‪ :‬العلوم الاقتص ااادية‬ ‫‪‬‬
‫والقانونية والسياسية‪ ،‬مج‪ ،8705 .‬ع‪ 30 ( 3 .‬ديسمبر‪/‬كانون ألاول ‪ ، )8705‬ص ص‪.037 -084 .‬‬
‫عبد املومن (محمد)‪ ،‬املفهوم التبطوري للدولة الاجتماعية بين املض ا ا ااامين الاقتص ا ا ااادية والاجتماعية‪ ،‬مجلة‬ ‫‪‬‬
‫الاقتصاد والتنمية البشرية‪ ،‬العدد ‪ 01‬جوان ‪ ،8700‬ص ص‪.387 -371 .‬‬
‫علو (نور الدين)‪ ،‬الفلسفة ألامريكية املعاصرة‪ ،‬مكتبة مؤمن قريش‪ ،‬البطبعة ألاولى لبنان‪/‬كندا‪.8701 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫‪58‬‬
‫‪ ‬العوران (أحمد فراس)‪ ،‬اقتص اااد ألامن الاجتماعي‪ ،‬املعهد العالمي للفكر إلاس ااالمي‪-‬هرندن فرجينيا‪ -‬الواليات‬
‫املتحدة ألامريكية‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪0534‬ه‪ ،8705/‬مكتبة ألاردن‪-‬عمان‪.‬‬
‫‪ ‬فولكوف (جون)‪ ،‬إلانسان والتحدي التكنولوجي (بحث في املعضالت الاجتماعية للثورة التكنولوجية)‪ ،‬ترجمة‬
‫سامي كعكي‪ ،‬جار البطليعة للبطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.0707 ،‬‬
‫‪ ‬كاس ا ااتل (روبير)‪ ،‬امللكية الاجتماعية‪ ،‬ترجمة بش ا ااير الس ا ااباعي‪ ،‬الحوار املتمدن‪ ،‬العدد ‪،80/5/8787 ،1453‬‬
‫تاريخ الولوج‪.8783/78/04 :‬‬
‫‪ ‬كروجمان (بول)‪ ،‬ض ا اامير ي ا ااخص ليبرالي‪ ،‬ترجمة مجدي ص ا اابحي‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬مركز املحروس ا ااة‬
‫للنشر‪ ،‬القاهرة‪.8702 ،‬‬
‫‪ ‬كمال سعدي (مصبطفى)‪ ،‬حقوق إلانسان ومعاييرها الدولية‪ ،‬الناشر دار دجلة‪.8707 ،‬‬
‫‪ ‬كورثينا (عديلة)‪ ،‬مواطنون في العالم نحو نيرية للمواطنة‪ ،‬ترجمة على املتوفى‪ ،‬مكتبة ألاسرة‪.8704 ،‬‬
‫‪ ‬مس ااعود طاهر(أحمد)‪ ،‬املدخل إلى علم الاجتماع العام‪ ،‬دار جليس الزمان للنش اار والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬البطبعة‬
‫ألاولى ‪.8707‬‬
‫‪ ‬الهومات (ياس ااين)‪ ،‬مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب وس ااط تنامي املبطالب الحقوقية‪ ،‬مجلة قانونك‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،0555/0553 ،03‬يوليوز‪ -‬شتنبر ‪ ،8788‬ص ص‪.004 -72 .‬‬
‫‪ ‬الحماية الاجتماعية باملغرب‪ ،‬منشورات املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪.8702/35‬‬
‫‪ ‬الدسا ااتور الجديد للمملكة املغربية‪ ،‬سا االسا االة املعرفة القانونية للجميع‪ ،)48( ،‬الناشا اار‪ :‬دار إلانماء الثقافي‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى ‪.8700‬‬
‫‪ ‬البرنامج الحكومي ‪ ،8781 -8780‬أكتوبر ‪.8780‬‬
‫‪ ‬املغرب‪..‬لي بغيناه كاملين‪ ،‬حصيلة السنة ألاولى للحكومة‪ .‬أكتوبر ‪.8788 -8780‬‬
‫‪ ‬موساوعة "اقتصااد الساوق الاجتماعي"‪ ،‬الساياساات الاقتصاادية من ألالف إلى الباء‪ ،‬مؤساسة كونراد أديناور‪،‬‬
‫سنة‪.8774 :‬‬
‫باللغات ألاجنبية‪:‬‬
‫‪ Barre N., Economics of the Wefare State,( Oxford : New York University Press, 2004), PP. 60-‬‬
‫‪61.‬‬
‫‪ Escoffre J. P, Lojkine P., Cathy S. , « L’état Social Mythe et Réalités », In Nouvelles Fondations,‬‬
‫‪2007/1 n°5, pp.56-64.‬‬
‫‪ Esping- Anderson, G. The Three Worlds of Welfare Capitalism, Cambridge : Polity, 1990.‬‬
‫‪ Francis, F., La fin de L’histoire, Commentaire, N° 47, Octobre, 1989, pp.457- 469.‬‬
‫‪ Guienne V., « L’État social : les implicites d’un débat », In, Sociologie et sociétés, Volume 33,‬‬
‫‪numéro 2, automne 2001, PP. 203-216 .‬‬
‫‪ John Maynard Keynes, The End of Laissez-Faire, London, Woolf, 1926.‬‬
‫‪ Kessler D., Temin Peter., « The Organization of the Grain Trade in the Early Roman Empire »,In‬‬
‫)‪The Economic History Review, New Series, Vol. 60, No. 2, (May 2007‬‬

‫‪59‬‬
 Klaus R. W., « État social et Démocratie Conceptions et réalisations de l’idée d’État Social en
République fédérale d’Allemagne de 1949 à 1966 », In L’Allemagne De Konrad A Denaure,
Presses Sorbonne Nouvelle, Paris, 1982, PP. 96- 111.
 Ramaux CH. « Quelle théorie pour l'État social ? Apports et limites de la référence Assurantielle
Relire François Ewald 20 ans après L'État providence », In Revue française des affaires sociales
, 2007/1, pp. 13-34.

:‫مواقع إلكترونية‬
.8783/75/87 : ‫ تاريخ الاطالع‬https://www.hespress.com/orbites/482460.html 
.2023 /75/73 : ‫ تاريخ الولوج‬،http://www.Febrayer.com 

60
‫العدالة الاجتماعية من منظور نظريات العدالة الليبرالية‬
‫نوسباوم‪1‬‬ ‫بروس أكرمان وأمرتيا ِسن ومارثا‬
‫محمد أوبلو‬
‫باحث في القانون‬
‫مقدمة‬
‫ال ُيعد مفهوم العدالة الاجتماعية وليد مرحلة الحرب الباردة إبان وجود صراع فكري وإيديولوجي بين‬
‫الحلف الاشتراكي من جهة والحلف الرأسمالي من جهة ثانية كما هو متداول‪ ،‬بل للمفهوم جذور تاريصية‬
‫تعود إلى املرحلتين اليونانية وإلاسالمية‪ ،‬وأهم املنيرين أفالطون وأرسبطو باليونان‪ ،‬والفارابي وابن سينا‬
‫وابن رشد في الفكر إلاسالمي‪ .‬ومن ثمة شاع تداول املفهوم في الفلسفة السياسية وألاخالقية بشكل كبير‪.‬‬
‫فإذا كان مفهوم العدل قد ُبرز مع أرسبطو الذي أصل ملفهوم العدالة وبين الاختالف القائم بين العدالة‬
‫التوزيعية والعدالة التصحيحية وأدخل مفهوم إلانصاف في مجال السياسية لتدارك ألاخبطاء التي يمكن‬
‫أن تنتج عن املالبسات الواقعية أثناء تبطبيق القانون داخل املجتمع‪ .‬فإن املفهوم العربي للعدالة‪ ،‬كما‬
‫رسمته آثار الفقهاء واملتكلمين والفالسفة‪ ،‬يعكس إلى َح ِّد كبير النزعة إلانسانية العربية في حدود املتاح‬
‫مليا خالل العصر الوسيط‪ ،‬بحيث كان الهاجس الذي يشغل بال جميع الفاعلين‪-‬آنذاك ‪-‬هو‬ ‫ًّ‬
‫نيريا وع ًّ‬
‫ً‬ ‫كيفية الرفع من منسوب العدالة في الواقع‪ ،‬بجعلها ً‬
‫وصفا صادقا للفعل السياس ي‪ .2‬إن الفكر السياس ي‬
‫اليوناني وإلاسالمي لم يعرفا قبطيعة ابستيمية مع الفلسفات التبطبيقية املعاصرة التي تنهل من القانون‬
‫وألاخالق‪ ،‬وبناء على هذا إلارث إلانساني التاريخي‪ ،‬أثارت مسألة العدل وإلانصاف قضايا جوهرية في‬
‫الفلسفة السياسية املعاصرة السيما مع رولز وكميليكا ودوركين ونوسباوم وكوهين وسن وأخرين‪.‬‬
‫في الفترة الراهنة أي منذ الستينيات‪ ،‬مع إصدار العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية‪ .‬أخذت‬
‫العدالة الاجتماعية منحى أخر يتجسد في احترام حقوق املجتمع ومنح ألافراد عمال ومواطنين حقوقهم‬

‫ً‬
‫‪ .1‬تشترك كل هذه النيريات في كونها تنبطلق من نيرية رولز سواء بالتجاوز وبالنقد أو بالدعم والتأييد‪ .‬فقد أثارت نيريته في العدالة جدال‬
‫بدءا من وضعها الافتراض ي "الوضع ألاصلي "و"حجاب الجهل "كإجراءين تنفيذيين‪ ،‬الى مبدئها في العدالة‬ ‫ً‬
‫واسعا حول مبادئها وأفكارها ً‬
‫الاجتماعية السيما الحرية واملساواة‪ ،‬وأسسها الليبرالية‪ ،‬حيث كانت ومازالت موضع نقا بين التيارات الليبرالية ألامريكية وألاوروبية‪ .‬وقد‬
‫انصب النقا بين الليبرالية اليسارية املناهضة للفوارق وما تمثله من مصاطر على التماسك الاجتماعي‪ ،‬وبين النيوليبرالية املناهضة للعدالة‬
‫التوزيعية‪.‬‬
‫ً‬
‫أسس رولز نيرية للعدالة كإنصاف على مبدأين أساسين هما أوال‪" :‬لكل يخص الحق ذاته والذي ال يمكن إلغاؤه‪ ،‬في ترسيمة من الحريات‬
‫ثانيا‪" :‬ويجب أن تحقق ظواهر الالمساواة الاجتماعية‬ ‫ألاساسية املتساوية الكافية‪ ،‬وهذه الترسيمة متسقة مع نيام الحريات للجميع ذاته"‪ً .1‬‬
‫والاقتصادية شرطين‪ :‬أولهما يفيد أن الالمساواة يجب أن تتعلق بالوظائف واملراكز التي تكون مفتوحة للجميع في شروط مساواة منصفة‬
‫ً‬
‫بالفرص‪ ،‬وثانيهما يقتض ي أن تكون ظواهر الالمساواة محققة أكبر مصلحة ألعضاء املجتمع الذي هم ألاقل مركزا (وهذا هو مبدأ الفرق)‬
‫ً‬ ‫"‪ِّ .1‬‬
‫يتبين أن رولز ال يرى ً‬
‫مانعا في وجود التفاوتات لكن شريبطة أن تكون في صالح فئة ألاقل حيا من الناس‪.‬‬
‫‪ -2‬أمحمد جبرون وآخرون‪ ،‬ما العدالة معالجات في السياق العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪ ،8705‬ص ‪.020‬‬

‫‪61‬‬
‫كالرعاية الصحية والتعليم وضمان الحق في الشغل‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فمفهوم العدالة الاجتماعية يحيل‬
‫إلى النيام الاقتصادي والاجتماعي الذي تتم في إطاره عملية توزيع املوارد واملنافع والحقوق ذات البطابع‬
‫الاقتصادي والاجتماعي‪ .‬وقد اختلفت نيريات العدالة في الفلسفة السياسية في تحديد ما هو عادل وما‬
‫هو غير عادل من منيور العدالة الاجتماعية بشكل يصعب التوفيق بينها‪ ،‬لكن اجتمعت الفلسفة‬
‫السياسية املعاصرة على مبدأ املساواة في الحقوق أمام القانون‪ .‬إال أن مبدأ املساواة أما القانون ال يعني‬
‫التساوي في الدخل والثروة‪ ،‬وفكرة املساواة في الحقوق لم تريى بالعدالة إلى تحقيق املساواة التوزيعية‬
‫في ألاعباء واملوارد‪ ،‬مما ساهم في خلق راببطة جدلية بين التصورات النيرية حيال العدالة الاجتماعية‬
‫وواقع التفاوتات الاقتصادية والاجتماعية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬فأهم قضية يعالجها هذا املقال تلخص في إلاشكالية التالية‪ :‬إلى أي حد استطاعت‬
‫نظريات العدالة وفق املنظور الليبرالي أن تبلور نماذج تطبيقية تساعد في تقليص فجوة التفاوتات‬
‫الاجتماعية والطبقية لصالح الدولة الاجتماعية؟ وما العالقة القائمة بين هذه النظريات ذات املنظور‬
‫ً‬
‫الليبرالي والعدالة الاجتماعية؟ وهل مبادئ هذا املنظور فعال تفض ي إلى تحقيق العدالة؟‬
‫منهجية البحث‪ :‬استعان الباحث أوال‪ :‬باملنهج التحليلي النقدي الستنباط إجابات فالسفة الفلسفة‬
‫السياسية املعاصرة لتحليل نيرياتهم حيال العدالة الاجتماعية‪ .‬ثانيا‪ :‬باملنهج الوصفي لوصف املقترحات‬
‫النيرية التي تم تحليلها وفق مقاربة مقارنة لبطرح التباينات بين رؤية‪ :‬سن ونوسباوم وأكرمان‪ .‬ونقد هذه‬
‫الرؤية من زاوية مقارنة‪.‬‬
‫فرضيات البحث‪:‬‬
‫ً‬
‫ونيريا ملعالجة‬ ‫‪-0‬إذا كانت الفلسفة السياسية املعاصرة قد أنتجت نيريات ليبرالية مصتلفة منهجيا‬
‫مشكلة العدالة‪ ،‬فإن النيريات قيد البحث حاولت أن تبلور نيريات نمبطية من شأنها إن دمجت في‬
‫سياسات عمومية أن تقلل من التفاوتات القائمة في توزيع الخيرات‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪-8‬اختالف مرجعيات النيريات الليبرالية التي تناولت قضية العدالة‪ ،‬أدى إلى ِإثبات أن دور الدولة يجب‬
‫أن يركز على تدخلها في املجال الاجتماعي لتقليل الفوارق البطبقية‪.‬‬
‫هيكلة البحث‪ :‬تم تقسيم البحث إلى ثالثة محاور أساسية‪ ،‬يتناول كل محور فقرتين‪ .‬في املحور ألاول‬
‫سنتناول فيه العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند بروس أكرمان‪ ،‬أما املحور الثاني‬
‫فصصص لبحث العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند مارثا نوسباوم‪ ،‬بينما خصص‬
‫املحور الثالث لبحث العدالة الاجتماعية بوصفها تعزيز للقدرات عند ِسن‪ .‬وتجد إلاشارة إلى أن البدء‬
‫بتحليل مقترح أكرمان يعود لكون هذا ألاخير ‪ -‬رغم خلفيته الليبرالية‪ -‬ضد تراجع دور الدولة في امليادين‬
‫أصلت لنيريتها من‬ ‫الاقتصادية والاجتماعية‪ .‬في حين تم تحليل نيرية نوسباوم في املحور الثاني ألنها َّ‬
‫خالل العودة إلى الفلسفة السيما فلسفة كانط‪ .‬أما تحليل نيرية ِسن في املحور الثالث فيعود لكون ِسن‬

‫‪62‬‬
‫يجمع بين الديمقراطية والحرية والقدرات كحزمة لتحقيق العدالة‪ .‬مما يعني أنه يقدم لنا رؤية تركيبية‬
‫تجمع بين الفلسفة والاقتصاد وعلم السياسية‪.‬‬
‫‪‬‬
‫أوال‪ :‬العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند بروس أكرمان‬
‫‪-1‬السياق النظري ملبدأ الحياد بوصفه ألية لتوزيع املوارد السياسية والاقتصادية‬
‫يستهل بروس أكرمان ‪ Bruce Ackerman‬الفيلسوف وأستاذ القانون الدستوري املبرز في جامعة ييل‬
‫ألامريكية‪ ،‬في كتابه "العدالة الاجتماعية في الدولة الليبرالية"‪ Social justice in the liberal state‬بوضع‬
‫سؤال العدالة الاجتماعية في قلب عملية إسباغ الشرعية على السياسات العمومية للدولة‪ .‬كما يتناول‬
‫فيه تقاليد الفلسفة السياسية يبدأ بأرسبطو ويمر بهوبز ولوك وروسو والعديد من املفكرين كرولز ونوزيك‬
‫وآخرين‪ ،‬يبحث في دور الدولة أثناء تنييمها لسلوك ألافراد؛ ويحاول أن يضع نيرية معيارية للدولة‪.‬‬
‫ُ‬
‫يسلك هذا الكتاب املذكور أعاله‪ ،‬مقاربة منهجية تسعى إلى استيعاب النموذج التوزيعي للموارد‬
‫الاقتصادية في إطار الدفع بالليبرالية الراولزية إلى أبعد مدى‪ .‬ومن خالل توفير أساس جديد للنيرية‬
‫السياسية الليبرالية‪ ،‬فالعدالة الاجتماعية في تصوره ترتبط بمصادر شرعية السلبطة‪ ،‬فهو ُيقر في‬
‫أطروحته أنه يجب إعادة تنييم النيرية الليبرالية حول فكرة "الحوار املحايد "‪ .‬وهكذا‪ ،‬فإن النيرية‬
‫السياسية تدور حول توزيع السلبطة‪ ،‬الخاصة والعامة‪.‬‬
‫عاما لنيريته يستند فيها إلى مبدأ تبرير السلبطة فالحديث عن العدالة هو الحديث في‬‫يضع أكرمان إطا ًرا ً‬
‫جوهر الصراع حول السلبطة‪ .‬إن العدالة الاجتماعية حسب بروس ال يمكن أن تأخذ مسارها الحقيقي‬
‫داخل الدولة إال في إطار "الحوار املحايد" بين املواطنين‪ ،‬لذلك نجده ُيقر أن املواطنون لديهم الحق‬
‫الكامل في املبطالبة بأن تكون جميع أشكال الارتباط الخاصة قائمة على املوافقة فقط في عالم تنيمه‬
‫سلبطة عادلة ً‬
‫تماما ‪-‬حيث يمكن تبرير إطار املعامالت ونيام التعليم وتوزيع الثروة املادية والهبات الفبطرية‬
‫في حوار محايد ً‬
‫تماما‪.1‬‬
‫ً‬
‫عد مدخال للخيرات الاقتصادية‪ ،‬نجد أكرمان ُيصر على أنه‬ ‫في مسألة توزيع الخيرات السياسية التي ُت ُ‬
‫يجب توزيع السلبطة بحيث يمكن لكل يخص الدفاع عن نصيبه في املحادثة‪ ،‬ويصر ً‬
‫أيضا أنه يجب‬
‫أيضا الحجج الداعية إلى التفوق‪ .‬إنه يقبل‬ ‫استبعاد تأكيدات التفوق من التحقيق الجاد‪ ،‬أي يستبعد ً‬
‫التأكيد على أن الجميع على ألاقل جيد مثل أي يخص آخر وأن خبطة حياة أي يخص ال تتفوق ببطبيعتها‬

‫‪ -‬فيلسوف أمريكي متصصص في الفلسفة السياسية والقانون الدستوري في جامعة ييل بالواليات املتحدة ألامريكية‪ُ ،‬وي َع ُّد اليوم أحد‬
‫أهم ألاسماء الفكرية املؤثرة في الفضاء ألانجلوساكسون‪ ،‬من بين مؤلفاته‪ :‬مجتمع أصحاب املصلحة املعنيين‪ ،‬والعدالة الاجتماعية في‬
‫الدولة الليبرالية‪ ..‬ومؤلفات أخرى عديدة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪- Ibid, p. 196.‬‬

‫‪63‬‬
‫على خبطة حياة أي يخص آخر‪ .1‬وهذا ما يتماش ى مع "مبدأ الحياد" الذي يؤسس لنيريته في توزيع‬
‫املوارد‪.‬‬
‫تتجسد حجة أكرمان في املساواة على نهج مبدأ الحياد وفق تسلسل منبطقي‪ ،‬يغبطي نواح عامة‪ .‬إنه يعتقد‬
‫أن "مبدأ الحياد" هو املبرر الوحيد للسلبطة في أي مجتمع‪ ،‬حيث يمكن ألي يخص أن يصوض حوا ًرا‬
‫ً‬
‫محايدا‪ .‬يقول‪" :‬أنا على ألاقل جيد مثلك"‪ .2‬ولكن العديد من الليبراليين ال يقبلون نقبطة بداية أكرمان‪.‬‬
‫فهم يعتقدون أن بعض ألايخاص متفوقون على آلاخرين وأن التوزيع غير املتكافئ للموارد املادية يكون‬
‫قائما بشكل صحيح من هذا التفوق‪.‬‬‫ً‬

‫ولشرح املساواة في الحياد يسوق أكرمان املثال الذي يتمثل في حالة سفينة الفضاء‪ ،‬حيث نجد الحائز‬
‫أوال" بالقول إن "ألايخاص الذين يحوزون‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫على مكانه في ألارض يحاول تبرير مبدأ "من يأتي أوال يعمل‬
‫ً‬
‫أوال أفضل من أولئك الذين يحتلون املركز الثاني في الحيازة"‪ .3‬وفق املثال أعاله‪ ،‬فكل إنسان أثناء إقامته‬
‫على ألارض هو من ممثلي سفينة الفضاء بشكل خاص‪ .‬مما يعني أن العدالة الاجتماعية ال تصضع ملنبطق‬
‫املبطالبة بموارد أكثر بناء على شرعية ألاسبقية في الحضور إلى ألارض‪ .‬فاألولوية في الحضور ال تمنح‬
‫ألافضلية في التفوق‪.‬‬
‫‪-0‬منحة الحظ البدئي بوصفها مقترح لتحقيق العدالة الاجتماعية‬
‫يقترح بروس أكرمان في كتابه "مجتمع أصحاب املصلحة املعنيين"‪ ،‬تأسيس «مساعدة عاملية‬
‫للمواطنة« تسمح بإعبطاء قاعدة مالية تكون بداية متساوية لكل شاب في سن الثامنة عشرة التي يحوز‬
‫عند بلوغها سن الرشد املدنية‪ ،‬مهما كانت ظروفه الشخصية‪ ،‬وذلك لكي يستبطيع دخول الحياة ومعه‬
‫ِّ‬
‫وسيمول رأس املال ألاساس ي هذا بقيمة ‪ 27777‬دوالر من ضريبة إضافية‬ ‫حيوظ حقيقية بالنجاح‪.‬‬
‫قيمتها ‪ 8‬في املئة على الدخل ويمكن كل واحد استعمالها كما يشاء‪ ،‬لتمويل دراسة لخلق مؤسسة‪،‬‬
‫للمسكن ‪ ...‬إلخ‪ُ .4‬ويعد هذا تحيين لفكرة قديمة‪-‬تعود أصولها إلى توماس باين في القرن الثامن عشر‪-‬‬
‫يبدو أنها تنسجم على نحو ِّ‬
‫جيد مع نيرية دووركين‪ .5‬ويتفق دووركين وأكرمان في مسألة تحقيق العدالة‬

‫‪1‬‬
‫‪-Lyle A. Downing and Robert B. Thigpen, «Ideology and Truth-Seeking in Liberal Theory: The Case of Ackerman's‬‬
‫‪"Social Justice in the Liberal State» , The Review of Politics , Jan, Vol. 46, No. 1, Cambridge University Press, 1984,p.49.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ibid,p.51.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Bruce Ackerman, Social Justice in the Liberal State, p. 32.‬‬
‫‪ -‬ليس من السهل ترجمة هذا التعبير وهو يتعارض بالتأكيد‪ ،‬مع املجتمع الرأسمالي للمساهمين ‪ Shareholders.‬وهو ِّ‬
‫يرد إلى مجتمع متعاون‬
‫حيث يكون لكل واحد مصلحة في نجاح آلاخرين كلهم‪ ،‬بدال من أن يأمل باالستفادة فقط من هذه النجاحات من دون أن يلتزم فعليا‪ .‬وقد‬
‫أخذت حكومة طوني بلير في إنكلترا هذه العبارة واستصدم مشروع بروس أكرمان أنموذجا لخلق «استثمار دفاتر حساب البطفل‪( .‬كاترين‬
‫أودار مرجع سابق‪ ،‬ص ‪).540‬‬
‫‪ 4 -‬كاترين أودار‪ ،‬ما الليبرالية؟ ألاخالق‪ ،‬السياسة‪ ،‬املجتمع‪ ،‬ترجمة‪ ،‬سناء الصاروط‪ ،‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى‪ ،8787 ،‬ص ‪.540‬‬
‫‪ -5‬ويل كيملشكا‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.007‬‬

‫‪64‬‬
‫الاجتماعية من خالل التوزيع الضريبي‪ ،‬ألنهما ينتميان إلى اليسار الليبرالي الذي يدافع عن تدخل الدولة‬
‫لإلشراف على سياسة التوزيع‪.‬‬
‫تكمن الغاية من سياسة الحظ البدئي كسياسات عمومية ممولة من الضرائب العامة‪ ،‬في منح فرص‬
‫ً‬
‫لألقل حيا وللمعدمين من جهة‪ ،‬وتعزيز املسؤولية لدى ألافراد داخل املجتمع في عالقاتهم باملال والنفقات‬
‫والاستثمار في مشارعهم املستقبلية من جهة ثانية‪ .‬لذلك يقول أكرمان» الانتصارات والهزائم هي منا»‪.1‬‬
‫يعود الحق لكل واحد في تقرير كيف يستعمل رأس املال البدئي هذا وأن يتحمل نتائج قراراته‪.‬‬
‫ً‬
‫ويهدف مقترح أكرمان إلى دمج املواطنون ألاقل حيا في الحياة الاقتصادية‪ ،‬من خالل تعزيز مواطنة‬
‫املجتمع املدني‪ .‬فكل مستفيد سيكون مسؤوال عن دفع هذه الا ‪ 27777‬دوالر إلى صندوق مشترك لكي‬
‫َ‬
‫تستبطيع إعادة التوزيع لألجيال املقبلة أن تستمر‪ ،‬ف ِح َين يستفيد يخص من املساعدة البدئية‪ ،‬سيصبح‬
‫ً‬
‫مسؤوال عن متابعتها لكي يستبطيع آلاخرون الاستفادة منها ً‬
‫وفقا ملبدأ أن العدالة في التبادل‪.2‬‬
‫وفي مسألة الضريبة بكونها مدخل لتحقيق العدالة الاجتماعية‪ ،‬فقد تناولها أكرمان في كتابه بعنوان "‬
‫وبين أن هناك احتيال وتهرب ضريبي من طرف السياسيين واملقاولين‬ ‫مجتمع أصحاب املصلحة املعنيين " ِّ‬
‫مما يجعل أي إصالح ضريبي يصب في عدالة التوزيع بعيد املنال لكن ال ينبغي لنا‪ -‬حسب أكرمان‪ -‬أن‬
‫ً‬
‫مدافعا عن تقنين‬ ‫نتصلى عن الجهد املبذول الستصدام الضرائب لتحقيق العدالة الاجتماعية‪ .3‬وأضاف‬
‫ً‬ ‫الضريبة لتكون ً‬
‫موردا قا ًرا يساهم في تعزيز العدالة الاجتماعية‪ ،‬قائال‪ " :‬وفيما يتعلق بالضرائب وإلانفاق‪،‬‬
‫كانت املحكمة أكثر حذ ًرا‪ .‬رغم أن هناك جملة من ألاسباب والقرائن‪ ،‬التي يمكن أن تجعل املحكمة‬
‫تقليديا على مر القرون ‪ -‬من خالل دعم سلبطة‬ ‫ً‬ ‫تستجيب ملبادراتنا الضريبية كما استجابت‪ -‬املحاكم‬
‫الحكومة الفيدرالية الستصدام أدوات الضرائب لتعزيز رؤية ألاغلبية للعدالة الاجتماعية‪.4‬‬
‫موضحا أننا نتحدث بلغة العدالة‪ .‬لكن مجموعة ثانية من‬ ‫ً‬ ‫ويسترسل أكرمان في تحليله ملسألة الضريبة‬
‫الحجج تصبح متاحة بمجرد أن نحول شروطنا إلى أسئلة الكفاءة والحياد الضريبي ‪.‬كما يصبرك أي‬
‫اقتصادي‪ ،‬فإن ضريبة الرواتب تفرض خسارة "ثقيلة" على اقتصادنا‪ً .‬‬
‫نيرا ألن العمال يساهمون بقيمة‬
‫أكثر من ‪ 04‬باملائة من أجور الساعة إلى صندوق الضمان الاجتماعي‪ ،‬فال يمكنهم أخذ مساهمتهم الهامشية‬
‫الكاملة في الاعتبار‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬إذا كان العامل يستصلص ‪ 07‬دوالرات للساعة‪ ،‬فإنه يحصل على‬
‫‪ 2.47‬دوالرات أمريكية فقط بعد أن تم خصم الضريبة على الرواتب‪ .‬وهذا بدوره يشو قرار كل يخص‬
‫بشأن مدى صعوبة العمل‪.5‬‬

‫‪ -1‬كاترين أودار مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.548‬‬


‫‪ -2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.548‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Bruce Ackerman And Anne Alstott, The Stakeholder Society, publishers, Yale University,1999,p.102.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Ibid,p.124.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Ibid,p.115.‬‬

‫‪65‬‬
‫وفي نقا أكرمان مع ألاطروحات الليبرالية الجديدة‪ ،‬مثل أطروحة مايكي كوس ‪ Mikey kaus‬الذي يدافع‬
‫عن املولود الجديد املوسوم ب ا ا ا "الالتزام املدني"‪ .‬إذ ُيقر في كتابه "نهاية املساواة"‪ 1‬إلى زيادة عدم املساواة‬
‫الاقتصادية باعتبارها سمة ال هوادة فيها للرأسمالية الحديثة ويحث التقدميين على الاستسالم لفجوة‬
‫ً‬
‫واسعة بين ألاغنياء والفقراء‪ .‬بدال من إعادة تأكيد ألاهمية ألاخالقية للعدالة التوزيعية‪ ،‬كما ُيقر أنه‬
‫ً‬
‫يجب أن نهدف إلى جعل هذه التفاوتات البطاحنة أكثر قبوال‪.‬‬
‫يرفض أكرمان أطروحة كوس ألنها ال تهدف إلى إعادة توزيع املوارد الاقتصادية أكثر ما تدافع عن تنشيط‬
‫الحياة الديمقراطية في ألاماكن العامة‪ ،‬وال تتوىى إعادة توزيع الثروة الخاصة‪ .2‬ونجد ويل كيملشكا‬
‫‪ William Kymlicka‬يتبنى نفس طرح أكرمان‪ ،‬قائال‪" :‬فلماذا يذهب البعض إذن إلى أن "املساواة‬
‫الاجتماعية" بديل للمساواة الليبرالية عوض أن تكون ً‬
‫افدا لها؟ ملاذا يعتقد البعض أن السبيل الوحيد‬ ‫ر‬
‫لتحقيق املساواة هو في التضحية بحق ألافراد في العدالة التوزيعية؟ ‪ 3‬وتجدر إلاشارة إلى أن مشروع‬
‫أكرمان‪ ،‬تم تبطبيقه في بريبطانيا في عهد حكومة توني بلير لخلق استثمار دفاتر حساب البطفل‪ .‬حيث‬
‫اقترحت الحكومة ألول مرة في عام ‪ ،8770‬إنشاء صندوق ائتمان البطفل‪ ،‬يستهدف جميع ألاطفال‬
‫ببريبطانيا السيما املنحدرين من أسر ضعيفة الدخل‪ .‬وهو صندوق قائم على الادخار ألنه حساب توفير‬
‫لألطفال‪ ،‬كما يمنح لهم إمكانية الوصول إلى منحتهم عندما يبلغون ثمانية عشر ً‬
‫عاما من العمر‪ 4.‬وهذا‬
‫يفيد أن نيرية أكرمان ساهمت في تغير وظيفة الدولة ببريبطانيا وجعلتها تنحو منحى اجتماعي‪.‬‬
‫‪50220‬‬ ‫الجدول رقم (‪ )1‬يومح أقسام املنحة كما هي في مشروع حكومة توني بلير سنة‬

‫‪ -‬يرى كوس مثال أن على الليبراليين التصلي عما يسميه "املال الليبرالي" أي التوزيع املتساوي واعتناق ما يسميه ليبرالية مدنية تتوىى‬
‫املساواة الاجتماعية أو "املساواة املدنية الديمقراطية"‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫‪-Mickey Kaus, The End of Equality, Basic Books,1992.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Bruce Ackerman And Anne Alstott, The Stakeholder Society, op, cit, p p .873-878.‬‬
‫‪ -3‬ويل كيملشكا‪ ،‬مدخل إلى الفلسفة السياسية املعاصرة‪ ،‬ترجمة منير الكشو‪ ،‬تونس‪ :‬دار سيناترا املركز الوطني للترجمة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪ ،8707‬ص ‪.840‬‬
‫‪4‬‬
‫‪-Lee Gregory and Mark Drakeford, “RESEARCH NOTE: Social Work, Asset-based Welfare and the Child Trust Fund, The‬‬
‫‪British Journal of Social Work” , Oxford University Press, Vol. 36, No. 1, 2006, pp. 149-157.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Ibid, pp. 149-157.‬‬

‫‪66‬‬
‫كصالصة ملا سبق‪ ،‬نستنتج من خالل تحليل مقترح أكرمان أن هناك مجموعة من املقترحات التي يمكن‬
‫أن تقوي أدوار الدولة في املجال الاجتماعي لتحقيق العدالة منها‪:‬‬
‫‪-0‬الدفع بمبدأ الحياد كمدخل للنقا داخل الدولة لتحديد دور كل طرف وللقبطع مع النمط‬
‫الاستبدادي للدولة الذي يسعى للهيمنة على السلبطة دون توفير الحد ألادنى للشرائح الاجتماعية‪.‬‬
‫‪-8‬ضرورة مراجعة النيام الضريبي ونيام التشغيل لكونهما مداخل للحد من تفش ي الفوارق الاقتصادية‬
‫والاجتماعية داخل املجتمعات‪ .‬أي البد من توسيع أدوار الدولة في املجاالت الاجتماعية‪.‬‬
‫‪-3‬العمل على محاربة الاحتيال والتهرب الضريبي املتفش ي من طرف السياسيين واملقاولين لضمان إصالح‬
‫ضريبي يصدم عدالة التوزيع الستصدام الضرائب في تحقيق العدالة الاجتماعية‪ .‬إن هذه الانتقادات‬
‫ً ِّ‬ ‫ُ‬
‫املوجهة للدولة ت ِّبين القصور املتأصل في قدرة الدولة عن تحقيق أهدافها (‪ )...‬فعبثا يقلب القارئ النير‬
‫في مؤلفات معيم الفالسفة الليبراليين اليساريين (رولز‪ ،‬دوركين‪ ،‬كوهين‪ ،‬رويمر‪ ،‬آرنسون‪ ،‬أكرمان)‪ .‬لكي‬
‫ييفر بجواب حول إن كانت الدولة تستبطيع تحقيق مبادئ العدالة التي يدافعون عنها وإلى أي مدى‬
‫تستبطيع ذلك‪.1‬‬
‫ثانيا‪ :‬العدالة الاجتماعية وتوزيع الخيرات الاقتصادية عند مارثا نوسباوم‬
‫‪-1‬السياق النظري لنظرية نوسباوم‬
‫إذا كان بروس أكرمان قد دفع بنيرية رولز عن العدالة إلى أبعد مدى من أجل اقترح تصورات نيرية‬
‫تساهم في الحد من الفقر والتفاوتات الاقتصادية‪ ،‬فإن مارثا نوسباوم أيضا حاولت أن تصوغ نيريتها‬
‫ً‬
‫منبطلقة من نيرية رولز‪ ،‬وقد رأت أنه ينبغي عليها تقديم نيرية في العدالة خاصة بها‪ ،‬من أجل معرفة‬
‫أوجه القصور التي أحدثتها نيرية رولز‪ ،‬أو بمعنى أدق من أجل الوقوف على املشكالت التي تعرضت لها‬
‫نيرية رولز ال سيما في الجانب التعاقدي حيث يتم جمع جميع الناس في سلة واحدة بكونهم عقالء‬
‫وتجمعهم املصلحة املشتركة‪ .‬من هنا يمكننا القول‪ ،‬بأن نيرية نوسباوم في العدالة جاءت لتكميل نيرية‬
‫رولز‪ ،‬في بعض جوانبها التي ترى أنها ماتزال ناقصة السيما ما يتعلق منها بحقوق ذوي إلاعاقة والنساء‬
‫واملسنين‪ .‬لذلك وجهت نقدها إلى نيريات العقد الاجتماعي الحديثة التي وظفها رولز ً‬
‫نيريا لبلورة نيريته‬
‫العدالة كإنصاف‪ .‬وترى أن هذه النيريات تتصيل وكالء املساومة الذين يصممون البنية ألاساسية‬
‫للمجتمع على أنها تتكون من مواطنين أحرار‪ ،‬ومتساوون‪ ،‬ومستقلون"‪ ،‬وكما أنهم "أعضاء متعاونون‬
‫بالكامل في املجتمع على مدى حياة كاملة"‪ .‬وتصنف مثل هذه املقترحات بصدد تحقيق العدالة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬أنها مجرد مقترحات غارقة في العقالنية املثالية‪.‬‬
‫ترى نوسباوم أن نهج القدرات يوفر إرشادات أفضل للقانون والسياسة العامة‪ .‬وترى ً‬
‫أيضا أن البديل‬
‫الذي يمكن أن ُيقدم إجابات عن امليالم الاجتماعية هو "نهج القدرات"‪ ،‬وهو نهج طورته ببطرق مصتلفة‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.808‬‬

‫‪67‬‬
‫إلى حد ما في الفلسفة‪ ،‬واعتمدت في ذلك على أفكار كانط من قبيل "وهكذا يمكن أن نضع ألامر العملي‬
‫ُ‬
‫على الصورة التالية‪« :‬افعل الفعل بحيث تعامل إلانسانية في يخصك وفي يخص كل إنسان سواك‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫غاية في ذاتها‪ ،‬وال تعاملها ً‬
‫أبدا كما لو كانت مجرد وسيلة"«‪ .1‬و طوره‬ ‫بوصفها دائما وفي نفس الوقت‬
‫أمارتيا ِسن في الاقتصاد ‪ .‬ويركز استصدام ِسن لهذا النهج على القياس املقارن لنوعية الحياة‪ ،‬على الرغم‬
‫أيضا بقضايا العدالة الاجتماعية‪ ،‬وعلى النقيض من ذلك‪ ،‬فقد استصدمت نوسباوم نهج‬ ‫من أنه مهتم ً‬
‫القدرات لتوفير ألاساس الفلسفي لحساب استحقاقات إلانسان ألاساسية التي يجب احترامها وتنفيذها‬
‫من ِق َبل حكومات جميع الدول‪ ،‬كحد أدنى ملا يتبطلبه احترام كرامة إلانسان‪ .‬السيما في مجال املرأة‬
‫والتنمية البشرية وفي مجاالت أخرى‪2.‬‬

‫ً‬
‫‪-0‬نهج القدرات أو التمكين بوصفه مدخال لتحقيق العدالة‬
‫ما هو نهج القدرات كما أسست له نوسباوم؟ "إنه نهج ال يرتبط ً‬
‫دائما بشكل كلي بالثروة والدخل‪ ،‬حتى‬
‫عند توزيعها‪ ،‬إنه نهج يأخذ بعين الاعتبار عناصر مثل متوسط العمر املتوقع‪ ،‬ووفيات ألاطفال‪ ،‬وفرص‬
‫التعليم‪ ،‬وفرص العمل‪ ،‬والحريات السياسية ونوعية العرق والعالقات بين الجنسين‪ 3".‬وفي املقابل نجد‬
‫أداء ً‬
‫جيدا في الدخل الفردي‬ ‫النهج الذي يعتمد على مؤشر الدخل الفردي لتقييم أداء البلدان التي تحقق ً‬
‫سيئا ألنه ال يقيس مستوى كل عنصر من العناصر السالف ذكرها‪.‬‬ ‫من الناتج القومي إلاجمالي ً‬

‫تزعم نوسباوم أن أفضل نهج لتحقيق الحد ألادنى الاجتماعي ألاساس ي يتم توفيره من خالل نهج يركز‬
‫على "القدرات البشرية‪ ،‬أي ما يمكن للناس فعله ً‬
‫فعليا وأن يكونوا على دراية به ويحفظ كرامتهم"‪ 4 .‬وقد‬
‫حددت قائمة من القدرات البشرية املركزية‪ ،‬بحجة أن جميعها متضمنة في فكرة حفظ وصيانة الكرامة‬
‫إلانسانية‪.‬‬
‫من وجهة نير نوسباوم يجب أن تكون القدرات التي سيتم تقديمها وإلاشادة بها‪ ،‬موضوع إجماع متداخل‬
‫بين ألايخاص الذين لديهم مفاهيم شاملة مصتلفة عن الصالح العام‪ .‬فالسعي وراء القدرات يهدف‬
‫ملعاملة كل يخص على أنه غاية وليس وسيلة أو أداة لتحقيق أهداف آلاخرين‪ 5.‬عالوة على ذلك‪ ،‬ترى‬
‫نوسباوم أنه "يجب فهم الهدف الاجتماعي من نهج القدرات بكونه يسعى لجعل املواطنين فوق عتبة‬

‫ْ‬
‫‪ -1‬إيمانويل كانت‪ ،‬تأسيس ميتافيزيقا ألاخالق‪ ،‬ترجمة عبد الغفار مكاوي‪ ،‬اململكة املتحدة‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪ ،8787 ،‬ص‪.07‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Martha C. Nussbaum, Frontiers of justice: disability, nationality, species membership, Harvard University Press‬‬
‫‪paperback edition, 2007,p.07.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Ibid,p.02.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid,p.07.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-Ibid,p.07.‬‬

‫‪68‬‬
‫اعتبارهم مجرد وسائل ألهداف آلاخرين‪ ،‬مما يعني أن هدفها الاجتماعي الوحيد املهم‪ :‬هو توفير توزيع‬
‫جزئي ومحدود للعدالة الاجتماعية"‪.1‬‬
‫تقول نوسباوم بصدد نيريتها‪" :‬الفكرة البديهية ألاساسية لنسختي من نهج القدرات هي أننا نبدأ بمفهوم‬
‫الكرامة إلانسان‪ ،‬وحياة تستحق تلك الكرامة ‪ -‬حياة يتوفر فيها أداء إنساني حقيقي"‪ ،‬باملعنى الذي وصفه‬
‫ماركس في كتابه "املخطوطات الاقتصادية والفلسفية" عام ‪ )...( .1922‬ويأخذ النهج أيضا تأثيره من‬
‫هذه الفكرة‪ ،‬وأصر على أن القدرات التي يحق لجميع املواطنين الحصول عليها كثيرة وليست واحدة‪ ،‬وهي‬
‫فرص للفعل‪ ،‬وليست مجرد كميات من املوارد‪ .‬املوارد غير كافية كمؤشر للرفاه‪ ،‬ألن البشر لديهم‬
‫احتياجات مصتلفة للموارد‪ ،‬وكذلك قدرات متفاوتة على تحويل املوارد إلى وظيفة‪ .‬وبالتالي‪ ،‬قد يصتلف‬
‫ً‬
‫اختالفا ً‬
‫كبيرا في البطرق ألاكثر أهمية للعدالة الاجتماعية‪2.‬‬ ‫يخصان لديهما كميات متشابهة من املوارد‬
‫تسعى نوسباوم إذن‪ ،‬للكشف عن أسس العدالة الاجتماعية وتفعل ذلك من خالل تعديد كل تلك‬
‫املقدرات التي يحتاج إليها إلانسان‪ًّ ،‬أيا كان ليعيش حياة أقرب إلى الحياة البطيبة‪.3‬‬
‫أيضا‪ ،‬إلى قياس العدالة من خالل سؤاله عن قدرة الدولة على تحقيق قائمة‬ ‫يهدف نهج القدرات ً‬
‫القدرات؛ ذلك ألنه نهج يسعى إلى تحقيق الرفاهية لجميع أفراد املجتمع‪ ،‬وينير إلى العالم من خالل‬
‫منيور حقيقي‪ ،‬ويبطرح تساؤالت تتعلق بكيفية تحقيق العدالة التي تعد من أهم الغايات التي يسعى إلى‬
‫تحقيقها‪ .‬أضف إلى ذلك‪ ،‬أنه يهدف إلى تحقيق نوع من التعاون الاجتماعي الذى يستبطيع من خالله‬
‫جميع أفراد املجتمع أن يعيشوا في عالم يسوده الود‪ ،‬والذى يسهم في ارتقاء جميع املصلوقات ألاخرى؛ و‬
‫"مهما يكن من أمر فإن الهدف العام من نهج القدرات يتمثل في أنه ال يجب أن يتم عزل أي كائن حي أو‬
‫منعه من تحقيق فرصة التبطور والريي"‪ .4‬وتتكون قائمة القدرات التي وضعتها مارثا نوسباوم من عشر‬
‫قدرات بشرية وهي‪:‬‬
‫‪-0‬القدرة على الحياة‪ :‬وتعني القدرة على العيش حياة طبيعية إلى الوفاة‪ .‬وأال يموت إلانسان قبل ألاوان‪.‬‬
‫‪ -8‬القدرة على التمتع بالصحة البدنية‪ :‬وتعني القدرة على التمتع بصحة جيدة‪ ،‬بما فيها الصحة إلانجابية‬
‫و الحصول على الغذاء الكافي و الحصول على مسكن مالئم‪.5‬‬
‫‪-3‬القدرة على تحقيق التكامل الجسدي‪ :‬وتعني القدرة على التنقل بحرية تامة من مكان إلى آخر‪ ،‬وأن‬
‫يتمتع إلانسان باألمن والسالمة من الاعتداءات العنيفة (‪.)...‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-Ibid,p.00.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪-Ibid,p.04-05.‬‬
‫‪ -3‬سري نسيبة‪" ،‬مقاربة التمكين من ِسن إلى نوسباوم"‪ ،‬مجلة تبين‪ ،‬املجلد ‪ ،00‬العدد ‪ ،8788 ،58‬ص ‪077‬‬
‫‪ -4‬علي محمد عليان عبد الرزاق‪" ،‬العدالة عند مارثا نوسباوم"‪ ،‬مصر‪ :‬املجلة العلمیة لکلیة آلاداب‪-‬جامعة أسیوط‪ ،‬املجلد ‪ ،00‬العدد‬
‫‪ ،8704 ،45‬ص ‪057‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Martha C. Nussbaum, Frontiers of justice : disability, nationality, species membership, op. cit, p.76‬‬

‫‪69‬‬
‫‪ -5‬القدرة على إلاحساس و الخيال و الفكر‪ :‬بمعنى أن يكون إلانسان قادرا على استصدام ألاحاسيس‬
‫والخيال و التفكير (‪.1)...‬‬
‫‪-4‬القدرة على الشعور والخيال والفكر‪ :‬القدرة على استصدام الحواس‪ ،‬للتصيل والتفكير العقلي (‪)...‬وقدرة‬
‫أيضا على استصدام عقله ببطرق محمية بضمانات حرية التعبير فيما يتعلق بكل من الخبطاب‬ ‫الفرد ً‬
‫السياس ي والفني‪ ،‬والحرية في ممارسة الشعائر الدينية‪.2‬‬
‫َ ُ َ ْ‬
‫‪ -1‬القدرة على التصبطيط العملي‪ :‬قدرة املرء على ت َمثل وتش ِكيل مفهوم الخير والانصراط في التفكير‬
‫النقدي الذي يتمحور حول التصبطيط لحياته‪.‬‬
‫‪-0‬القدرة على الانتماء‪ :‬وتعني القدرة على العيش مع آلاخرين والاندماج معهم‪ ،‬والاعتراف بالبشر آلاخرين‬
‫وإبداء الاهتمام بهم‪ ،‬والانصراط في أشكال مصتلفة من التفاعل الاجتماعي؛ (حماية هذه القدرة تعني‬
‫حماية املؤسسات التي تشكل وتغذي مثل هذه ألاشكال من الانتماء‪ ،‬وكذلك حماية حرية التجمهر والتعبير‬
‫السياس ي‪ ).‬وينبطوي هذا على أحكام عدم التمييز على أساس النوع‪ ،‬والجنس‪ ،‬والتوجه الجنس ي‪ ،‬والعرق‪،‬‬
‫والبطائفة‪ ،‬والدين‪ ،‬وألاصل القومي‪.3‬‬
‫‪-2‬القدرة على العيش مع الكائنات ألاخرى‪ :‬وتعني القدرة على العيش مع الحيوانات والنباتات وعالم‬
‫البطبيعة‪ .‬والاهتمام بها‪.4‬‬
‫‪ -7‬القدرة على اللعب‪ :‬وتعني القدرة على الضحك واللعب والاستمتاع باألنشبطة الترفيهية‪.5‬‬
‫‪ -07‬القدرة على املساهمة في السيبطرة على البيئة السياسية والاقتصادية للفرد‪ :‬ويشمل التحكم نوعين‪:‬‬
‫ألاول سياس ي وهو القدرة على املشاركة بفعالية في الخيارات السياسية التي تنيم حياة املرء؛ بما فيها‬
‫الحق في املشاركة السياسية وحماية حرية التعبير وتكوين الجمعيات‪ .‬والنوع الثاني يتوجه للتحكم في‬
‫الخيرات الاقتصادية‪ ،‬وهو القدرة على حيازة املمتلكات (ألاراض ي والسلع املنقولة على حد سواء)‪.6‬‬
‫‪-2‬الرعاية الاجتماعية لذوي إلاعاقة واملسنين‬
‫من بين املسائل ألاساسية التي اهتمت بها نوسباوم ألنها تتقاطع مع العدالة الاجتماعية‪ ،‬مسالة ذوي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أوال بالسؤال عمن هم ذوي إلاعاقة؟ وقد أجابت قائلة‪ :‬إنني عندما أتحدث عن ذوي‬ ‫إلاعاقة‪ .‬اهتمت‬
‫ً‬
‫مقابال ً‬ ‫إلاعاقة‪ ،‬فإنني ال أقصد بذلك رعاية كبار السن الذين يدفعون‬
‫ماديا من أجل حصولهم علااى‬

‫‪1‬‬
‫‪-Ibid,p.01.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid,p.01.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- Ibid,p.00.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid,p.00.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪- Ibid,p.00.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- Ibid,pp.00-78.‬‬

‫‪70‬‬
‫ًّ‬
‫وبدنيا‪ ،‬وتمكينهم من أجل أن يعيشوا حي اااة كريمة‪ .1‬وأثناء‬ ‫منفعتهم‪ ،‬وإنما أقصد رعاية املعاقين ًّ‬
‫ذهنيا‬
‫بحثها في النيريات التي تناولت العدالة‪ ،‬السيما نيريات رولز وسن بهدف معرفة ما إذا كانت هذه‬
‫النيريات تولي الاهتمام بذوي إلاعاقة من عدمه في إطار العدالة الاجتماعية‪ ،‬توصلت إلى نتائج مفادها‬
‫أصرت على ضرورة الاعتراف بحقوق‬ ‫أن هذه النيريات ال تمنح الاهتمام الكامل لحقوق ذوي إلاعاقة‪ .‬لذا َّ‬
‫ًّ‬
‫وذهنيا‪ ،‬وكذا بضرورة دعم القائمين على رعايتهم‪.‬‬ ‫املعاقين بدنيا‬
‫ومن أهم ألامثلة التي ساقتها نوسباوم للدفاع عن حقوق ذوي إلاعاقة‪ ،‬البطفل جيمي الذي ترى أنه من‬
‫املحتمل أن يكون قاد ًرا على العيش بمفرده إلى حد ما والحصول على وظيفة‪ .‬لكن والديه يعلمان أنه‬
‫سيحتاجهم طوال حياته‪ ،‬أكثر من العديد من ألاطفال‪ .‬لذا ترى أنه يجب على أي مجتمع الئق أن يلبي‬
‫احتياجات ألاطفال ذوي إلاعاقة من الرعاية والتعليم واحترام الذات والنشاط وصداقة ألاصدقاء ‪.‬‬
‫عقليا ودعم‬‫ففي نيرها يتبطلب التوزيع املنصف للعدالة إلانسانية الاعتراف باملواطنة املتساوية للمعاقين ً‬
‫أيضا الاعتراف بالعديد من أنواع إلاعاقة والحاجة والتبعية‬ ‫عمل العناية بهم بشكل مناسب‪ .‬كما يتبطلب ً‬
‫جدا بين الحياة "البطبيعية السليمة"‬‫التي يعيشها الناس "العاديون"‪ ،‬وبالتالي استمرا ية الفجوة الكبيرة ً‬
‫ر‬
‫وحياة ألايخاص الذين يعانون من إعاقات عقلية مدى الحياة‪ .2‬وهذا العمل لن تقوم به جمعيات‬
‫املجتمع املدني إنما ستقوم به الدولة من خالل بلورة سياسات عمومية اجتماعية‪ .‬مما يوضح أن‬
‫نوسباوم رغم نزعتها الليبرالية فهي تسعى إلى الدفاع عن توسيع أدوار الدولة لتشمل كل ما هو اجتماعي‬
‫ً‬
‫وترفض أن يبقى دور الدولة مرتببطا فقط بتوفير ألامن وحماية املعامالت الاقتصادية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫تباطا ً‬
‫وثيقا بقضايا العدالة بين الجنسين‪ ،‬حيث إن رعاية املعالين‬ ‫إن مسألة رعاية ذوي إلاعاقة ترتبط ار‬
‫غالبا ما تقوم بها النساء‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فإن الكثير من أعمال رعاية املعال غير مؤدى عنها وال يتحصل‬‫ً‬
‫النساء من هذا العمل أي أجر وال يعترف بها السوق كوظيفة‪ .3‬وللدفاع عن حقوق ذوي إلاعاقة واملسنين‬
‫عليا على‬‫ُتقر نوسباوم أن مشكلة رعاية ألايخاص في حالة التبعية غير املتكافئة واسعة النبطاق‪ ،‬وتؤثر ف ً‬
‫كل أسرة وفي كل مجتمع‪.‬‬
‫ُ‬
‫خالصة القول‪ ،‬نستصلص أن نوسباوم تقر من جهة أولى‪ ،‬بأن أي حياة ال تتأسس على القدرات أعاله‪،‬‬
‫هي حياة غير جديرة بكرامة إلانسان‪ .‬وترى أن قائمة هذه القدرات العشر‪ ،‬يمكن أن تكون أرضية لإلجماع‬
‫والاتفاق بين جميع الثقافات‪ ،‬على غرار الاتفاقات الدولية التي تم التوصل إليها بشأن حقوق إلانسان‬
‫ألاساسية‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬تؤكد من جهة ثانية‪ ،‬أن نهج القدرات من وجهة نيرها‪ ،‬ال يقل قيمة وأهمية‬
‫عن الصكوك الدولية بشأن حقوق إلانسان‪ ،‬وما يعزز قولها هو ربط حقوق إلانسان ببطريقة مماثلة‬
‫بالكرامة إلانسانية لكل مواطن في كل أمة‪ .‬وتقول في هذا الصدد‪ ":‬في الواقع أنا أرى نهج القدرات على أنه‬

‫‪1‬‬
‫‪-Ibid, p .133.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Ibid,p.134.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪-Ibid,p.134.‬‬

‫‪71‬‬
‫نوع واحد من نهج حقوق إلانسان يبني ً‬
‫مكانا ً‬
‫مهما ملعيار احترام التعددية‪ .1‬واعتبرت أن قائمة القدرات‬
‫مفتوحة وخاضعة للمراجعة املستمرة وإعادة التفكير‪ .‬كما تعتقد أن خبطاب "املقدرات "و"الاستحقاقات "‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫غموضا "من خبطاب العقل والحقوق‪.2‬‬ ‫أكثر تداوال وفهما لدى عامة الناس‪ ،‬وأقل "‬
‫ثالثا‪ :‬العدالة الاجتماعية بوصفها تعزيز للقدرات عند ِسن‬
‫‪-1‬سياق نظرية العدالة عند ِسن‬
‫جاءت نيرية ِسن ضد نيرية دولة الرفاه التي تركز على الاقتصاد الرأسمالي الذي يسمح للدولة بأن‬
‫تضمن لكل أفراد املجتمع الحد ألادنى من مستويات املعيشة من خالل إعادة توزيع املوارد والضرائب‬
‫على شكل سياسات عمومية اجتماعية تشمل الجميع‪ .‬وقد أسس لنيرية معيارية تقوم على مسألة ما‬
‫يجعل الحياة طيبة للكائنات البشرية‪ .‬واقترح منهج القدرات لتبطبيق نيريته‪ .‬وقد شكل كتابه "التنمية‬
‫حرية" أحد ألاسس النيرية والتفسيرية التي غيرت منيور املؤسسات الدولية لقياس مؤشرات التنمية‪.‬‬
‫َ‬
‫نجادل أنه إذا بسط رولز دور الدولة بصورة خاصة‪ ،‬ف َد َّون في تنييره الليبرالي للعدالة الاجتماعية شروط‬
‫اضبطالع الدولة بدور اجتماعي‪ .3‬فإن ِسن حاول أن ُيقدم بديل نيري يتجاوز بديل رولز‪ ،‬واستنتج أن ما‬
‫يهم الناس هو قدراتهم؛ أي الحرية بأن يفعلوا ما يريدون‪ ،‬وأن يكونوا كما يرغبون‪ .‬وقد انبثق اهتمامه‬
‫بالقدرات من استيائه من قيود اقتصاد الرفاه‪ ،‬وتشبثه بأن مقياس املجتمع الصالح يتجسد في معيار‬
‫قدرة الناس على الانصراط في أنواع من ألانشبطة وألاعمال‪ ،‬وليست املوارد أو السيبطرة على السلع في حد‬
‫ذاتها ما يهم في تحديد جودة الحياة أو حتى العدالة‪ .4‬فتجاوز ِسن لنيرية رولز يعود لكونها اهتمت بالبناء‬
‫املؤسساتي كمنهج لتحقيق العدالة وغيبت محددات السلوك الفردي‪.‬‬
‫أحيانا من سوء فهم أو سوء‬‫ً‬ ‫يرى ِسن أنه من املهم توضيح سمات مقاربة القدرات بالنير إلى ما ينالها‬
‫تفسير‪ .‬فهذه املقاربة تشير إلى نقبطة تركيز معلوماتي في تقييم ومقارنة املنافع الفردية الشاملة‪ ،‬وال تقترح‪،‬‬
‫بحد ذاتها‪ ،‬أي صي معينة لكيفية استصدام املعلومات بالفعل(‪ )...‬وقد أتت مارثا نوسباوم وآخرون بعدد‬
‫من املساهمات املرموقة في السنوات ألاخيرة حول مسائل التقييم والسياسية الاجتماعية من خالل‬
‫الاستصدام القوي ملقاربة القدرة‪.5‬‬
‫ُُ‬ ‫ً‬ ‫َ ُ‬
‫َي ْعت ِرف ِسن صراحة بأن تفكيره في العدالة َي ْن َد ِر ُج في أف ِق تفكير رولز‪ ،‬وخير دليل على هذا الاعتراف إهداؤه‬
‫كتابه فكرة العدالة إليه ‪ .‬لكنه يدعو في كتابه فكرة العدالة إلى تحويل وجهة السؤال في موضوع العدالة‪.‬‬
‫تصورهم بشأن النيام ألامثل الذي ِّ‬ ‫يقدموا ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املفكرين في السابق أن ِّ‬
‫يحقق العدالة‪ ،‬بينما‬ ‫فقد كان شغل‬

‫‪1‬‬
‫‪- Ibid,p.02.‬‬
‫‪ -2‬سري نسيبة‪" ،‬مقاربة التمكين من ِسن إلى نوسباوم"‪ ،‬مجلة تبين‪ ،‬املجلد ‪ ،00‬العدد ‪ ،8788 ،58‬ص ‪.77‬‬
‫‪ -3‬ماري دالي‪ ،‬الرفاه‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عمر سليم التل‪ ،‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8704 ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪ -4‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.60‬‬
‫‪ -5‬أمارتيا صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬ترجمة مازن جندلي‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬بيروت‪ :‬البطبعة ألاولى‪ ،8707 ،‬ص‪.337‬‬

‫‪72‬‬
‫يقترح ِسن أن يصاغ السؤال على النحو التالي‪ :‬ما هي إلامكانات العملية لدعم العدالة وتقليص حاالت‬
‫جوهريا عن ِّ‬
‫نيريات العدالة التقليدية من كانط إلى‬ ‫ًّ‬ ‫اليلم؟ وعلى هذا ألاساس‪ ،‬يرى أن مقاربته تصتلف‬
‫ِّ‬ ‫ً‬ ‫رولز‪ ،‬في ثالث نقا‪ :‬فهي ال ِّتدعي تقديم ِّ‬
‫تصور ملجتمع يتسم بالكمال"املدينة الفاضلة "أوال‪ ،‬وتسلم بإمكان‬
‫تعدد الشرعيات في املوضوع الواحد‪ ،‬وبتباين وجهات النير بما يلغي ادعاء طرف واحد امتالك الحقيقة‬ ‫ِّ‬
‫ً‬
‫ثانيا‪ ،‬وتمنح ألاولوية للسلوك الفعلي لألفراد على دور املؤسسات في تحقيق العدالة‪ .1‬والحالة هذه‪ ،‬تبين أن‬
‫مسألة تحقيق العدالة صعبة املنال لكن هذا ال يمنع في التنيير والتفكير إليجاد حلول عملية قد تحد‬
‫على ألاقل من اليلم والجور‪.‬‬
‫إذا كان حال الديمقراطية في عالقتها بالعدالة تتأسس على مقتض ى الجدل الجوهري بينهما‪ ،‬فإن هذا يعني‬
‫بالضرورة أن بينهما اشكاالت ومفاهيم مشتركة يجب العمل على توضيحها‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة إلى‬
‫عالقتهما بالتنمية والسلبطة السياسية‪ ،‬وكذا بمسألة الهويات وحقوق إلانسان‪ .‬مع العلم أن ِسن‪ ،‬لم تكن‬
‫غايته التفكير في مسألة العدالة والوقوف على ماهيتها‪ ،‬وإنما الوصول إلى تشخيص أعراضها وتجلياتها في‬
‫نفس ألامكنة وآلافاق الثقافية املصتلفة التي تيهر فيها‪ .‬بل إن ألاهم‪ ،‬بالنسبة لهذا املفكر الهندي‪ ،‬التركيز‬
‫بشكل خاص على املياهر املضادة للعدالة التي تعاني منها البشرية من ظلم وحيف وغصب وبغي وإثم‬
‫وتجاوز وإقصاء وهدر للحق واعتداء عليه ‪ .‬فما يحركنا إذن‪ ،‬على نحو شامل‪ .‬وحسب ِسن ليس هو مالحية‬
‫ً‬
‫عادال ً‬ ‫أن العالم لم يصل إلى أن يكون‬
‫تماما (من منا ينتير هذا؟)‪ ،‬ولكن وجود ألوان من اليلم حولنا يمكن‬
‫تجنبها‪ ،‬والعمل على اتقائها‪ .‬وبالتالي "ال شك‪ ،‬يمكن استصدام الديمقراطية لتعزيز العدالة الاجتماعية‬
‫وجعل السياسات أفضل وأعدل" ‪.2‬‬
‫‪-0‬تنمية القدرات كنهج لتحقيق العدالة‬
‫ُيجادل ِسن أن الاشتغال على مستوى املؤسسات‪ ،‬في التنيير للعدالة‪ ،‬وهو ما يبطلق عليه املقاربة‬
‫املؤسسية املا‪ -‬فوقية‪ ،‬املرتببطة بنمط تفكير العقد اجتماعي السائد بتأثير من رولز‪ ،‬ومن تأثر بهم‪ ،‬کروسو‬
‫ً‬
‫قاصرا من‬ ‫وكانط‪ ،‬في الفلسفة السياسية املعاصرة فيما يصص العدالة‪ ،‬ييل (على الرغم من أهميته)‬
‫(سن) فيما يسميه‬ ‫ناحية عدم إيالئه «السلوك الفعلي للناس‪ ،‬الاهتمام الكافي الذي يشتغل عليه هو ِ‬
‫املقاربة املا‪-‬تحتية» غير املنبطلقة من افتراض تأخذ به ألاولى‪ ،‬إذ يقول إن هذا السلوك «متوافق مع قواعد‬
‫السلوك املؤسس ي املثالي‪ .‬وعلى الرغم من أن ِسن ينوه بالجهد الذي قدمه رولز ومن قبله كانط خصوصا‪،‬‬
‫ً‬
‫اجتماعيا»‪،‬‬ ‫بشأن البحث في دور «الواجبات ألاخالقية أو السياسية التي ينبطوي عليها السلوك املناسب‬
‫فإنه يعيب عليه عدم النير إلى ذلك بوصفه أولوية في تحقيق العدالة إزاء املستوى املؤسس ي‪ ،‬إذ ييل‬

‫‪ - 1‬محمد الحداد‪" ،‬جدلية العدالة والحرية في ضوء الثورات العربية‪ :‬الديمقراطية باعتبارها عدالة القرن الحادي والعشرون"‪ ،‬مجلة‬
‫تبين‪ ،‬املجلد‪ ،8‬العدد‪ ،8703 ،0‬ص‪43،‬‬
‫‪ - 2‬أمارتيا صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪574،‬‬

‫‪73‬‬
‫ً‬
‫موضع تشكيك في ما يصص قدرته على مقاربة سعة التفكير التي تدعيها العدالة بوصفها انصافا‪ .1‬لكن‪،‬‬
‫هذا ال يعني أن املؤسسات ال دور لها في تحقيق العدالة‪ ،‬بل يرى ِسن أنه "بالرغم من أن مبادئ العدالة‬
‫في مقاربتنا هذه ال تعترف باملؤسسات‪ ،‬بل بحيوات وحريات الناس املعنيين‪ ،‬ال يمكن إال أن تلعب‬
‫مهما في السعي للعدالة‪ .‬وإن لالختيار السليم للمؤسسات أهمية حاسمة في‬ ‫ً‬
‫مساعدا ً‬ ‫املؤسسات دو ًرا‬
‫مشروع تعزيز العدالة‪ ،‬إلى جانب محددات السلوك الفردي واملجتمعي‪ ،‬تدخل املؤسسات في املعادلة‬
‫ببطرق عديدة شتى‪ .‬فيمكن أن تساهم مباشرة في طرق الحياة التي يستبطيع الناس اتباعها حسب مفهومهم‬
‫الفكري [الخاص] للقيمة‪ .‬ويمكن أن تكون املؤسسات كذلك مهمة لتسهيل قدرتنا على تدارس ما قد‬
‫يهمنا من قيم وأولويات‪ ،‬السيما من خالل فرص النقا العام (ويشمل هذا اعتبارات حرية الكالم وحق‬
‫املعرفة وكذا التسهيالت الفعلية للنقا املستنير باملعرفة واملعلومة)"‪.2‬‬
‫وبناءا على الانتقادات التي وجهها ِسن لنيرية رولز في العدالة‪ ،‬حيث َب َّين أن رولز لم يلتفت إلى أن العالقة‬
‫ً‬
‫بين فكرتي الخيرات ألاساسية والقدرات ألاساسية‪ ،‬ذات أهمية حاسمة في جعل ألاولى ذات معنى حقيقي‬
‫يستبطيع املرء بمقتضاه الانتفاع بها (الخيرات)‪ ،‬أي بمعنى التساؤل التالي‪ :‬ما معنى أن يحصل على هذه‬
‫الخيرات من دون أن يكون قاد ًرا على توظيفها بصورة تحقق له أهدافه‪ ،‬إن في مجال اللذة والسعادة‬
‫تقاء وال سيما أن الناس يتفاوتون في القدرات التي علينا‬ ‫املباشرتين‪ ،‬أو في مجاالت أخرى أكثر تجاو ًزا وار ً‬
‫دائما ؟ فذلك يساعد‪ ،‬بال شك‪ ،‬على تحديد مواضع اليلم النسبية من‬ ‫أخذ املقارنات بينها بعين الاعتبار ً‬
‫أجل العمل على رفعها‪ ،‬وفق سياسات التنمية التي من شأنها تمكين ألافراد من الانتفاع بالحريات‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫والحقوق‪ً ،‬‬
‫واقعا ال صورة‪ .3‬لذلك‪ ،‬يقترح سن بدال من ذلك تغييرا في النموذج املعياري )‪paradigm‬‬
‫تغييرا من سلع إلى قدرات‪ ،‬أو من سلع إلى ما تسمح قدرات الناس باقتنائه وصنعه‪ .‬فالفرص أكثر أهمية‬ ‫) ً‬
‫عنده من املوارد أو السلع التي تعد وسائل ال (غايات)‪ .‬هناك رسالة واضحة في عمل سن في ما يتعلق‬
‫ً‬
‫بأهداف السياسات العامة‪ ،‬ومفادها أنه بدال من إعادة توزيع الدخل والسلع‪ ،‬ينبغي أن تركز هذه‬
‫ألاهداف على تعزيز القدرات‪ .4‬السيما الحرية املكفولة بالدستور في نيام ديمقراطي تعددي‪ ،‬ألن الحرية‬
‫السياسية في صورة ترتيبات ديموقراطية تساعد في تأمين وضمان الحرية الاقتصادية (خاصة التحرر‬
‫من مجاعة مفرطة) والحرية من أجل البقاء (أي ضد املوت ً‬
‫جوعا)"‪.5‬‬
‫تمكينا‪ ،‬والتمكين‪ ،‬بوصفه تنمية بشرية‪ ،‬في سياق التنمية الشاملة‬ ‫ً‬ ‫ُيقدم ِسن الحرية‪ ،‬بوصفها قدرة أو‬
‫ً‬
‫املستدامة‪ ،‬وهو بديل واقعي أكثر مرونة من مقاربة العدالة بوصفها إنصافا كما جاء بها رولز‪ ،‬في تثبيتها‬

‫‪ - 1‬محمد عثمان محمود‪ ،‬العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياس ي املعاصر بحث في نموذج راولز‪ ،‬بيروت‪ :‬املركز‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8705،‬ص‪303-308،‬‬
‫‪ - 2‬أمارتيا صن‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪04،‬‬
‫‪ - 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪301 ،‬‬
‫‪ -4‬ماري دالي‪ ،‬الرفاه‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪60‬‬
‫‪ - 5‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة شويي جالل‪ ،‬الكويت‪ :‬عالم املعرفة‪ ،‬عدد‪ ،8775 ،373‬ص‪57 ،‬‬

‫‪74‬‬
‫للحريات والحقوق ألاساسية‪ ،‬وفق املبدأ ألاول للعدالة في نيريته‪ ،‬ومن ثم العمل وفق املبدأ الثاني على‬
‫تمكين املواطنين من التمتع بها‪ ،‬إال أن ِسن في مقاربته للتمكين‪ ،‬بوصفه تنمية‪ ،‬يسد ثغرة لم يلتفت رولز‬
‫إلى أهمية ملئها في مبدأ الفرق‪ ،‬ألن ألاخير معني بالتمكين الاقتصادي والتوزيع العادل للثروة فحسب‪،‬‬
‫ألامر الذي ال يكفي‪ ،‬على الرغم من أهميته‪ ،‬الكتمال تحقيق العدالة الاجتماعية بالصورة املثالية التي‬
‫ً‬
‫تشتغل العدالة بوصفها إنصافا عليها‪.‬‬
‫يقترح ِسن مبدأ التنمية‪ ،‬ال لتمكين الناس وتعزيز قدراتهم على ممارسة الحقوق والحريات فحسب‪ ،‬وإنما‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لتوفير فرص أكثر عدال وإنصافا لتمكين ألاجيال الالحقة التي ال بد لنا من تحمل مسؤوليتنا ألاخالقية‬
‫تجاهها‪ .‬عالوة على ذلك‪ ،‬فمنبطلق مفهوم التنمية البشرية الذي يتبناه أمارتيا ِسن‪ ،‬ينحو منحى اعتبار‬
‫الحريات مرادفة للقدرات‪ ،‬فإن تحقيق العدالة الاجتماعية مرهون بتحقيق الحريات ‪/‬القدرات ألاساسية‬
‫ِّ‬
‫لكل فرد في املجتمع‪ ،‬وتوسيعها بما ُي َمكن كل فرد من اختيار الحياة التي يعتبرها قيمة‪ .‬فإذا كان العمل‬
‫أيضا ومحو ألامية حرية وقدرة‪ .‬ومن هذا املنيور‪ ،‬فإن من مقتضيات‬ ‫وإلانتاج حرية وقدرة فإن التعليم ً‬
‫العدالة الاجتماعية توسيع نبطاق قدرات‪ /‬حريات من ال يحيون بقدر معقول منها‪ ،‬وتمكينهم من اكتسابها‬
‫ً‬ ‫أصال‪ .1‬كما ُيعد الاهتمام بالحرمان النسبي ً‬‫ً‬
‫أساسيا آخر من جوانب التحليل‬ ‫جانبا‬ ‫إن كانوا ال يملكونها‬
‫تعرضا للتمييز‪ ،‬مثل ألايخاص‬ ‫ً‬ ‫بواسبطة "القدرات" ألنه يسلط الضوء على الفئات الاجتماعية ألاكثر‬
‫ذوي إلاعاقة أو النساء في املجتمعات الذكورية‪.2‬‬
‫نستنتج أن ِسن يرفض املقاربة التوزيعية املبنية على توزيع املوارد الاقتصادية كحصص على ألافراد كما‬
‫نير لها أكرمان من خالل منحة الحظ البدئي‪ ،‬ويقترح أن يتم استهداف قدرات ألافراد في عملية التوزيع‬
‫لحفظ كرامتهم من جهة وملنحهم الحرية الكامل ليقرروا أولوياتهم ويصبطبطوا ملشاريعهم الشخصية وفق‬
‫اختياراتهم واحتياجاتهم الخاصة داخل سياقاتهم الاجتماعية والثقافية‪ .‬مما يعني أن مقاربته هي تمكين‬
‫ألافراد في إطار الحرية واملساواة لتسهيل عملية تنميتهم وإدماجهم في الحياة‪ .‬وتجدر إلاشارة أن نيرية‬
‫ِسن في القدرات تبنها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومولوا مشاريع التنمية كقدرات وتمكين في‬
‫مجموعة من الدول منها‪ :‬ميانمار‪ ،‬كمبوديا‪ ،‬كوسوفو‪ ،‬بيرو‪ .3‬كما عملت الدولة املغربية على تبطبيق‬
‫نيرية أمارتيا سن من خالل بلورة وتنزيل مشروع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية املعروفة اختصا ًرا ب‬
‫ً‬
‫‪NDH‬وهي مشروع تنموي انبطلق رسميا بعد الخبطاب امللكي في ‪ 02‬ماي‪ ،8774‬ويستهدف تحسين ألاوضاع‬
‫الاقتصادية والاجتماعية للفئات الهشة والفقيرة وفق نيرية التمكين‪ .‬فالتمكين يتعلق بالفرص‬

‫‪ -1‬العيساوي إبراهيم‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية‪ ،‬بيروت‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8705 ،‬‬
‫‪ ،‬ص ‪083‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Laurence Fontaine, « La justice sociale selon Amartya Sen », Esprit , No. 368 , Octobre 2010, p.150.‬‬
‫‪ -3‬كلمة السيدة كريستين الغارد‪ ،‬مدير عام صندوق النقد الدولي‪" ،‬التمكين‪ -‬محاضرة أمارتيا صن"‪ ،‬لندن ‪ 1‬يونيو ‪ ،8705‬أنير‪:‬‬
‫‪ https://bit.ly/44UUGDR‬تم الاطالع عليه بتاريخ ‪ 05‬ماي ‪.8703‬‬

‫‪75‬‬
‫ُ‬
‫وفقا ملا َلديه من مواهب وقدرات ُمت َم ِّيزة‪.‬‬
‫الاقتصادية‪ ،‬أي قد ة املرء على اختيار مسا ه في الحياة بحرية ً‬
‫ر‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫والت َم ِكين يتلخص في القضاء على العقبات التي ت ُحول دون الازدهار إلانساني الحقيقي‪.1‬‬
‫خاتمة‬
‫حاولت نيرية مبدأ الحياد لدى أكرمان أن تسلط الضوء على مشكلة توزيع املوارد داخل املجتمعات‪،‬‬
‫تلك املشكلة املتمثلة في غياب الرؤية الكلية للتعاطي مع أسئلة الكفاءة والحياد الضريبي باعتبارها املدخل‬
‫ألاساس ي لتحقيق العدالة الاجتماعية‪ .‬ال يعترف أكرمان ضمن حديثه عن العدالة بالسياسات الاجتماعية‬
‫التي تهدف لتعزيز الضمان الاجتماعي والحماية الاجتماعية‪ ،‬إال من خالل تأكيد إمكانية تعزيز املواطنة‬
‫وفق معادلة تحمل ألاعباء واملوارد في إطار املسؤولية والالتزام‪ .‬ويعتبر أكرمان أن هذه املعادلة يجب أن‬
‫توج ُه أكرمان بالحظ البدئي والذي‬
‫تصبح املبرر الحقيقي إلعادة توزيع املوارد الاقتصادية‪ .‬وهو مقترح َ‬
‫ً‬
‫يهدف إلى دمج املواطنون ألاقل حيا في الحياة الاقتصادية‪ ،‬من خالل تعزيز مواطنة املجتمع املدني‪.‬‬
‫أما نوسباوم فقد أسست لنيريتها في نهج القدرات من خالل نقدها لنيرية رولز ألنها تتأسس على أفكار‬
‫مثالية ولم تأخذ حقوق ذوي إلاعاقة واملسنين على محمل الجد‪ ،‬وانتقدت ً‬
‫أيضا نيريات املنفعة والرفاه‬
‫وفكرة التعاقد الاجتماعي ألنها تضع الجميع في سلة واحدة دون الانتباه إلى الوضعيات الاجتماعية لكل‬
‫صت على تضمين خيرات نيرية رولز ألاولية ونيرية الحقوق في نهج القدرات‪.‬‬ ‫فئة على حدة‪ .‬إال أنها َح َر َ‬
‫ولتجاوز نيرية رولز أسست لعشر قدرات متوسعة في تحديد معنى "املساواة" و"الكرامة إلانسانية" في‬
‫كتاباتها لتضم ما ُيعرف بالحقوق بصفتها قدرات تتوىى التمكين لجميع الفئات ولجميع الثقافات وألامم‪.‬‬
‫أما ِسن‪ ،‬فإن كانت غايته من نيريته في العدالة التي تتمثل في تحقيق التوزيع العدال للخيرات‬
‫بناء على نهج القدرات والتمكين املقرون بالحرية قريبة من غاية نوسباوم‪ ،‬فإن وسيلة تحقيقها‬
‫هياستصدام الديمقراطية لتعزيز العدالة الاجتماعية وجعل السياسات أفضل وأعدل‪ .‬كما ُيقدم ِسن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫تمكينا‪ ،‬والتمكين‪ ،‬بوصفه تنمية بشرية‪ ،‬في سياق التنمية الشاملة املستدامة‪،‬‬ ‫الحرية‪ ،‬بوصفها قدرة أو‬
‫ً‬
‫وهو بديل واقعي أكثر مرونة من مقاربة العدالة بوصفها إنصافا كما جاء بها رولز‪.‬‬
‫نرى أن الجمع بين هذه النيريات املذكورة ودمجها لتكون خلفية نيرية واحدة أثناء رسم وتصبطيط‬
‫السياسات العمومية الاجتماعية‪ ،‬من شأنه أن ُيقلص من الفوارق البطبقية بين أبناء املجتمع الواحد‪.‬‬
‫ويؤسس لسياسة جديدة ترتكز على تعزيز العدالة الاجتماعية‪ ،‬وتجعل الدولة تتدخل بشكل عقالني‬
‫لضمان الرعاية والحماية لألفراد‪ .‬ألنه ال توجد حتمية ليبرالية أو نيو ليبرالية‪ ،‬وإنما هناك تجارب إنسانية‬
‫يمكن استلهام الناجح منها‪ ،‬في ظل السياق الاقتصادي العالمي املتسم بالاليقين‪.‬‬

‫‪ -1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.0‬‬

‫‪76‬‬
‫املراجع واملصادر‬
‫باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ ‬أودار كاترين‪ ،‬ما الليبرالية؟ ألاخالق‪ ،‬السياسة‪ ،‬املجتمع‪ ،‬ترجمة‪ ،‬سناء الصاروط‪ ،‬بيروت‪ ،‬املركز العربي‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8787 ،‬‬
‫‪ ‬جبرون أمحمد وآخرون‪ ،‬ما العدالة معالجات في السياق العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة‬
‫السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8705 ،‬‬
‫‪ ‬الحداد محمد‪" ،‬جدلية العدالة والحرية في ضوء الثورات العربية‪ :‬الديمقراطية باعتبارها عدالة القرن الحادي‬
‫والعشرون"‪ ،‬مجلة تبين‪ ،‬املجلد الثاني‪ ،‬العدد ألاول‪.8703 ،‬‬
‫‪ ‬دالي ماري‪ ،‬الرفاه‪ ،‬ترجمة‪ ،‬عمر سليم التل‪ ،‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة‬
‫ألاولى‪.8704،‬‬
‫‪ ‬رولز جون‪ ،‬العدالة كإنصاف إعادة صياغة‪ ،‬ترجمة‪ ،‬حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬بيروت‪ ،‬املنيمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى‪.8777 ،‬‬
‫‪ ‬صن أمارتيا‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة شويي جالل‪ ،‬الكويت‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬عدد‪.8775 ،373‬‬
‫‪ ‬صن أمارتيا‪ ،‬فكرة العدالة‪ ،‬ترجمة مازن جندلي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8707 ،‬‬
‫‪ ‬عليان عبد الرزاق علي محمد‪" ،‬العدالة عند مارثا نوسباوم"‪ ،‬املجلة العلمیة لکلیة آلاداب‪-‬جامعة أسیوط‪،‬‬
‫املجلد ‪ ،00‬العدد ‪.8704 ،45‬‬
‫‪ ‬العيساوي إبراهيم‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية‪ ،‬بيروت‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى‪.8705 ،‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬كانت إيمانويل‪ ،‬تأسيس ميتافيزيقا ألاخالق‪ ،‬ترجمة عبد الغفار مكاوي‪ ،‬اململكة املتحدة‪ ،‬مؤسسة هنداوي‪،‬‬
‫‪.8787‬‬
‫‪ ‬كلمة السيدة كريستين الغارد‪ ،‬مدير عام صندوق النقد الدولي‪" ،‬التمكين‪-‬محاضرة أمارتيا صن"‪ ،‬لندن ‪ 1‬يونيو‬
‫‪ ،8705‬أنير‪.https://bit.ly/44UUGDR :‬‬
‫‪ ‬كيملشكا ويل‪ ،‬مدخل إلى الفلسفة السياسية املعاصرة‪ ،‬ترجمة منير الكشو‪ ،‬تونس‪ ،‬دار سيناترا املركز الوطني‬
‫للترجمة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8707 ،‬‬
‫‪ ‬محمود محمد عثمان‪ ،‬العدالة الاجتماعية الدستورية في الفكر الليبرالي السياس ي املعاصر بحث في نموذج‬
‫راولز‪ ،‬بيروت‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8705،‬‬
‫‪ ‬نسيبة سري‪" ،‬مقاربة التمكين من ِسن إلى نوسباوم"‪ ،‬مجلة تبين‪ ،‬املجلد ‪ ،00‬العدد ‪.8788 ،58‬‬
‫باللغات ألاجنبية‪:‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Ackerman, Bruce A, Social justice in the liberal state, Yale University press,1986.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Ackerman, Bruce And Anne Alstott, The Stakeholder Society, Yale University,1999 .‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Fontaine Laurence, « La justice sociale selon Amartya Sen », Esprit, No. 368, Octobre 2010.‬‬
‫‪‬‬ ‫‪Lyle A. Downing and Robert B. Thigpen, «Ideology and Truth-Seeking in Liberal Theory: The Case‬‬
‫‪of Ackerman's "Social Justice in the Liberal State» , The Review of Politics , Jan, Vol. 46, No. 1,‬‬
‫‪Cambridge University Press, 1984‬‬

‫‪77‬‬
 Nussbaum Martha C., Frontiers of justice: disability, nationality, species membership, Harvard
University Press paperback edition, 2007.
 Nussbaum, Martha C, “Capabilities and Disabilities: Justice for Mentally Disabled Citizens”,
Philosophical Topics, No2.Vol,30,2002.
 Lee Gregory and Mark Drakeford, “RESEARCH NOTE: Social Work, Asset-based Welfare and the
Child Trust Fund, The British Journal of Social Work” , Oxford University Press, Vol. 36, No. 1, 2006.

78
‫«الدولة الاجتماعية» وإشكالية الرابط الاجتماعي في السياق املغربي‬

‫عبد الواحد خواض ي‬


‫باحث في علم الاجتماع‬
‫مقدمة‬
‫عرف املغرب في آلاونة ألاخيرة عودة النقا العمومي إلى إشكالية «الاجتماعي»‪ ،‬خاصة بعد إعالن امللك‬
‫محمد السادس‪ ،‬في أكثر من مناسبة‪ ،‬عن فشل النموذج التنموي في تحقيق التنمية الاجتماعية‪ ،‬والحد‬
‫من الفوارق الاجتماعية واملجالية‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬تبنى الخبطاب الرسمي شعار «الدولة الاجتماعية»‪1‬‬

‫بدل مفهوم التنمية الذي كان سائدا في العقدين ألاخيرين (وتحديدا بعد اعتماد املبادرة الوطنية للتنمية‬
‫البشرية)‪ .‬وعلى الرغم مما صاحب هذا التوجه الجديد نحو «الدولة الاجتماعية» من إصدار عدة قوانين‬
‫وتشريعات ذات الصبغة الاجتماعية‪ ،2‬إال أن استحضار الوضع الاجتماعي للساكنة‪ ،‬من خالل القراءة‬
‫العلمية ملصتلف مؤشرات التنمية البشرية وتأثيرها على الرابط الاجتماعي هو الكفيل بتمكيننا من فهم‬
‫واقع الحماية الاجتماعية باملغرب املعاصر أو ما يمكن تسميته بالنموذج املغربي «للدولة الاجتماعية»‪.‬‬
‫لكننا لن نقتصر على املقاربة القانونية والتقنية في دراستنا لهذا املوضوع‪ ،‬بالرغم من أهميتها‪ ،‬بل‬
‫سنحاول أن نقارب نموذج «الدولة الاجتماعية» باملغرب في عالقته بإشكالية الرابط الاجتماعي‪.‬‬

‫تسعى هذه الدراسة إلى مقاربة العالقة بين الدولة الاجتماعية والرابط الاجتماعي‪ ،‬من خالل تحليل دور‬
‫السياسات العمومية ذات البعد الاجتماعي في بناء دولة املواطنة وتحقيق السلم والاستقرار الاجتماعيين‪.‬‬
‫كما تحاول فهم كيف يؤثر واقع الرعاية الاجتماعية في املغرب على مستوى ثقة املغاربة في املؤسسات‬
‫(من خالل مقارنتها بمؤشرات التنمية البشرية ومؤشر الثقة ومؤشر الرضا عن ألاداء) من جهة‪ ،‬وعلى‬

‫‪1‬خصص البرنامج الحكومي الذي تم اعتماده خالل الوالية الحكومية ‪ 8781-8780‬جزءا مهما اللتزامه ألاول (أخذ املحور ألاول حيز ‪87‬‬
‫صفحة من الوثيقة) لتعزيز ركائز الدولة الاجتماعية‪ ،‬من خالل مدخل الحماية الاجتماعية (تعميم الحماية الاجتماعية‪ ،‬إحداث الدخل‬
‫الاجتماعي لتماسك وكرامة ألاسر املغربية‪ ،‬رعاية صحية لصون كرامة املواطن)‪ ،‬ومدخل تنمية الرأسمال البشري (مدرسة تكافؤ الفرص‪،‬‬
‫الاهتمام بالثقافة والرياضة)‪.‬‬
‫‪ 2‬دستور اململكة املغربية‪ ،‬الفصول ‪ 30‬و‪08‬؛ ظهير شريف رقم ‪ 0.80.37‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 83( 0558‬مارس ‪ )8780‬بتنفيذ القانون إلاطار‬
‫رقم ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 04 ،1704‬أبريل ‪8780‬؛ظهير شريف رقم ‪ 0.88.14‬صادر في ‪ 37‬من ربيع‬
‫آلاخر ‪ 84( 0555‬نوفمبر ‪ )8788‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 80.88‬القاض ي بتغيير وتتميم القانون رقم ‪ 14.77‬بمثابة مدونة التغبطية الصحية‬
‫ألاساسية‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 0050‬مكرر‪ 37 ،‬نوفمبر ‪8788‬؛ ظهيرا شريف رقم ‪ 0.87.44‬صادرا في ‪ 02‬من ذي الحجة ‪2( 0550‬‬
‫أغسبطس ‪ )8787‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 08.02‬املتعلق بمنيومة استهداف املستفيدين من برامج الدعم الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية‬
‫للسجالت‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 03 ،1772‬أغسبطس ‪8787‬؛ مرسوم رقم ‪ 8.88.070‬صادر في ‪ 5‬جمادى ألاولى ‪ 87( 0555‬نوفمبر ‪)8788‬‬
‫بتبطبيق القانون رقم ‪ 14.77‬املتعلق بالتأمين إلاجباري ألاساس ي عن املرض‪ ،‬فيما يصص نيام التأمين إلاجباري ألاساس ي عن املرض الخاص‬
‫باأليخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 0050‬مكرر‪ 37 ،‬نوفمبر ‪.8788‬‬

‫‪79‬‬
‫التحوالت الاجتماعية‪ ،‬خاصة في ما يرتبط بأشكال التضامن الاجتماعي من جهة ثانية‪ .‬وهذا ما يجعلنا‬
‫نعيد التساؤل حول مفهوم الدولة في عمومه‪.‬‬

‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬فإن السؤال املركزي لهذه الدراسة هو كاآلتي‪ :‬إلى أي حد يؤثر ضعف واقع «الدولة‬
‫الاجتماعية» باملغرب على استمرار ألاشكال التقليدية للرابط الاجتماعي؟ وتستند هذه الدراسة إلى فرضية‬
‫مفادها أن ضعف «الدولة الاجتماعية» باملغرب يؤدي إلى الاستمرار في الاعتماد على التضامن الاجتماعي‬
‫القائم على روابط الدم والقرابة والانتماءات الدينية‪ ،‬وفي املقابل يعيق الانتقال إلى بناء دولة قائمة على‬
‫مبادئ املواطنة والثقة والعدالة الاجتماعية‪.‬‬

‫‪ .1‬الدولة الاجتماعية‪ :‬دالالت املفهوم وتطوره‬

‫يجعلنا البحث عن تعريف دقيق وواضح ملفهوم الدولة الاجتماعية نصبطدم بعدد من املفاهيم‬
‫واملصبطلحات املتداخلة واملتشابهة فيما بينها‪ :‬فهناك إلى جانب الدولة الاجتماعية‪ ،‬من يستصدم دولة‬
‫الرعاية الاجتماعية‪ ،‬أو دولة الرفاه‪ ،‬أو دولة الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬أو دولة الحماية الاجتماعية‪ ،‬أو الدولة‬
‫الوطنية الاجتماعية‪.‬‬

‫يشير مفهوم الدولة الاجتماعية باألساس إلى عملية تدخل الدولة في الاقتصاد من أجل ضمان حياة آمنة‬
‫لجميع املواطنين‪ ،‬من خالل توفير الوسائل الالزمة للنمو والتبطور بالنسبة لألفراد‪ .1‬لكن ال يجب أن‬
‫نصتصر هنا مفهوم الدولة الاجتماعية في مجرد الحماية الاجتماعية‪ ،‬فهو يعني بالدرجة ألاولى تدخل‬
‫الدولة في الاقتصاد‪ ،‬وذلك لتمكين النيام الرأسمالي من الاستمرار ومقاومة النضاالت الاجتماعية للفئات‬
‫العاملة عبر تحقيق العدالة الاجتماعية التي تتجلى في توفير ظروف العيش الكريم (الصحة‪ ،‬التعليم‪،‬‬
‫السكن‪ ،‬التقاعد‪ )...‬ومحاربة الفقر والتهميش وإلاقصاء الاجتماعي والفروقات غير املقبولة اجتماعيا بين‬
‫ألافراد والجماعات‪ .‬وإلى جانب الشرط الرأسمالي‪ ،‬هناك شرط الدولة ألامة‪ ،‬بحيث تشكل هذه ألاخيرة‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫خاصا من التنييم الاجتماعي متشابكا مع النيام الاقتصادي الرأسمالي‪ ،‬وميهر أساس ي لوجود‬ ‫شكال‬
‫البطبقات في املجتمعات الصناعية الحديثة‪ .2‬كما أن مفهوم الدولة هنا أساس ي لكونه يمكننا من التمييز‬
‫بين الخاص والعام‪ ،‬فهناك عدة أنماط من الحماية الاجتماعية‪ ،‬كالتي تقدمها ألاسرة واملؤسسات الدينية‬
‫وجماعات الحرفيين‪ ،‬والتي تدخل ضمن ما يسميه روبرت كاستل «بالحمايات املقربة» ‪(les‬‬

‫‪1‬جون ديكسون ووربرت شيريل‪ ،‬دولة الرعاية الاجتماعية في القرن العشرين‪ :‬تجارب ألامم املتقدمة في تكريم الانسان‪ ،‬ترجمة سارة‬
‫الذيب‪ ،‬بيروت‪ :‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،8705 ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪2‬علي القادري‪« ،‬البنية الفكرية ملفهوم دولة الرفاهية»‪ ،‬في‪ :‬دولة الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،8771 ،‬ص‬
‫‪.22‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ .protections rapprochées)1‬وهنا يمكن استحضار التعريف الشامل الذي قدمته آسا بريغز ‪(Asa‬‬
‫)‪ Briggs‬لدولة الرفاه‪:‬‬
‫ُ‬
‫«دولة الرفاه هي دولة تستصدم فيها السلبطة املنيمة بتأن وقصد (وعبر السياسة وإلادارة) في جهد‬
‫للتصفيف من تفاعل قوى السوق في ثالثة اتجاهات في ألاقل‪ :‬أوال‪ ،‬بضمان دخل أدنى لألفراد وألاسر‬
‫وبغض النير عن القيمة السوقية لعملهم أو ملكيتهم؛ ثانيا‪ ،‬بتضييق مدى انعدام ألامان عبر تمكين‬
‫ألافراد وألاسر من تلبية أنواع معينة من "البطوارئ الاجتماعية" (كاملرض والشيصوخة والببطالة) التي تقود‬
‫من ناحية أخرى إلى أزمات فردية وأسرية؛ ثالثا‪ ،‬بضمان أن كل املواطنين من دون تمييز في املكانة أو‬
‫البطبقة يحصلون على أفضل املستويات املتاحة في ما يتعلق بنبطاق معين متفق عليه من الخدمات‬
‫الاجتماعية»‪.2‬‬

‫كما يبدو فإن للدولة الاجتماعية أربعة مرتكزات أساسية وهي‪ :‬أوال‪ ،‬الحماية الاجتماعية التي تعني مجموع‬
‫إلاجراءات التي تنصب في مجاالت التقاعد والصحة والببطالة وكذا ألاسرة؛ ثانيا‪ ،‬تنظيم عالقات الشغل‪،‬‬
‫وتشمل الحق في الشغل واملفاوضات الجماعية في إطار التجمعات النقابية والنصوص القانونية التي‬
‫تتضمن سياسات التشغيل؛ ثالثا‪ ،‬الخدمات العمومية‪ ،‬وتشير إلى ألانشبطة التي توجه نحو العموم من‬
‫أجل إشباع طلب اجتماعي يهم الشأن العام‪ .‬وأخيرا السياسات الاقتصادية وتضم سياسة الدخل‬
‫والسياسات النقدية والضريبية وسياسات التبادل التجاري والصناعي وغير ذلك‪.3‬‬

‫إن البحث حول مفهوم الدولة الاجتماعية‪ ،‬يجعلنا أمام مجموعة من املحبطات التاريصية «املرجعية»‬
‫لتبطور هذا املفهوم‪ .‬ففي املرحلة السابقة للدولة الاجتماعية التي تتحدد زمنيا في ما قبل ثمانينات القرن‬
‫التاسع عشر‪ ،‬كانت املنيمات التبطوعية والدينية واملؤسسات الاجتماعية القائمة على روابط القرابة‬
‫والجوار هي املصدر الرئيس ي للرعاية الاجتماعية‪ .4‬لكن مع الثورة الصناعية التي عرفها العالم الغربي منذ‬
‫نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬أصبحت «املسألة الاجتماعية» خاضعة لقوى السوق‪ ،‬بفعل التزايد املتسارع‬
‫للبطبقة العاملة‪ ،5‬الش يء الذي خلف انفجارا ديموغرافيا صاحبه بروز مجموعة من املشاكل وألامراض‬
‫الاجتماعية كالببطالة‪ ،‬والفقر‪ ،‬وانتشار ألامراض وألاوبئة‪ ،‬وتشغيل ألاطفال والنساء الحوامل‪ ،‬والعمل‬

‫‪1‬‬
‫‪Robert Castel, L’insécurité sociale : qu’est-ce qu’être protégé?, Édition du Seuil et La‬‬
‫‪République des Idées, 2003.‬‬
‫‪2‬ماري دالي‪ ،‬الرفاه‪ ،‬ترجمة عمر التل‪ ،‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،8704 ،‬ص ‪.002‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Christophe Ramaux, L’État social : pour sortir du chaos néolibéral, MILLE ET UNE NUITS,‬‬
‫‪2012, p 8.‬‬
‫‪4‬جون دكسون وروبرت شيريل‪ ،‬دولة الرعاية الاجتماعية في القرن العشرين‪ :‬تجارب ألامم املتقدمة في تكريم إلانسان‪ ،‬ترجمة سارة‬
‫الذيب‪ ،‬بيروت‪ :‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪ ،8705 ،‬ص ‪.388‬‬
‫‪5‬محمد دويدار وعبد الهادي ودالل‪« ،‬تاريخ نشوء وتبطور دولة الرفاهية الاجتماعية والتحوالت البنيوية في اقتصاديات الدول املتقدمة‬
‫صناعيا»‪ ،‬في‪ :‬دولة الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،8771 ،‬ص ‪.004‬‬

‫‪81‬‬
‫لساعات طويلة‪ ،‬وغياب السكن الالئق‪ ،‬وانتشار السرقة‪ ،‬والانحراف‪ ،‬والدعارة‪ ،‬والانتحار‪ ،‬وتفكك‬
‫مؤسسة ألاسرة وغير ذلك‪ .‬وهنا برزت مجموعة من التيارات الفكرية التي تدعوا إلى إصالح اجتماعي يقوم‬
‫على تدخل الدولة لضمان التماسك والتكامل الاجتماعيين‪ ،‬والعمل على خلق مجتمع حر وعادل وأكثر‬
‫أمانا‪ .1‬في هذا السياق‪ ،‬ظهر النموذج ألاول للدولة الاجتماعية‪ ،‬وتحديدا في مرحلة حكم بسمارك‪ ،2‬فقد‬
‫كان التأمين الاجتماعي بمثابة عالمة فارقة على ظهور الدولة الاجتماعية ألاملانية‪ .3‬وفي مرحلة العشرينيات‬
‫من القرن العشرين‪ ،‬وتحديدا بعد أزمة ‪ ،3313‬ظهرت النيرية الكينزية التي دعت إلى تدخل الدولة في‬
‫النشاط الاقتصادي عن طريق سياسات عمومية‪ ،‬من أجل دعم الفئات الفقيرة وتشجيعها على‬
‫الاستهالك‪ .‬أما في فترة ما بعد الحرب (‪ )3370-3340‬فقد ظهر نموذج الرفاه الاجتماعي القائم على‬
‫مبدأ الشمولية الذي يعني «للجميع»‪ ،‬ومبدأ الاتساع‪ ،‬الذي يفيد حق املواطنين في الرعاية الاجتماعية‬
‫بمصتلف مداخلها‪ .4‬فقد عرفت هذه املرحلة بالثالثين املجيدة‪ ،‬حيث تميزت بتوسع الخدمات الصحية‬
‫وتوفير مجموعة واسعة من الخدمات الاجتماعية‪ ،‬كما هو الحال في مجال التعليم والسكن والعائلة‬
‫وألاطفال والشباب والعمل الاجتماعي وتوفير الرعاية للمرض ى واملواصالت‪.‬‬

‫كما ساهمت منيمة العمل الدولية‪ ،‬من خالل املستويين السياس ي والقانوني‪ ،‬في تحديد مبادئ عامة‬
‫من أجل التحقيق التدريجي لحق إلانسان في الضمان الاجتماعي‪ ،‬حيث قامت بتصميم هيكل قانوني دولي‬
‫عام باالعتماد على الهيئات املكونة لهذه املنيمة على مدى ‪ 355‬عام من نشأتها‪ ،‬وقد أصدرت ‪13‬‬
‫اتفاقية و‪ 14‬توصية بشأن الضمان الاجتماعي‪ ،‬أي ما يزيد على سدس املجموعة الكاملة من معايير‬
‫العمل الدولية؛ ويعتبر الضمان الاجتماعي بالتالي «أحد أبرز مجاالت أنشبطة منيمة العمل الدولية‪ .‬وقد‬
‫أعلنت العديد من البلدان عن التزامها بتوفير الحق في الضمان الاجتماعي عن طريق املصادقة على‬
‫معاهدات حقوق إلانسان وصكوك منيمة العمل الدولية‪ .‬وحتى في غياب املصادقة‪ ،‬تستمر هذه املعايير‬
‫مع ذلك بإرشاد وضع ألاطر السياسية والقانونية الوطنية للحماية الاجتماعية‪ ،‬إضافة إلى الالتزامات‬
‫الدولية بتوسيع نبطاق الضمان الاجتماعي‪ ،‬ال سيما أهداف التنمية املستدامة لألمم املتحدة»‪.5‬‬

‫‪1‬جون ديكسون وروبرت شيريل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.388‬‬


‫‪2‬اوتوفون بسمارك )‪ :(Otto Von Bismarck‬ولد في ‪ 0‬نيسان ‪ 0204‬من أسرة بروسية‪ ،‬تقلد عدة مناصب عسكرية وسياسية‪ ،‬حيث‬
‫شغل منصب رئيس وزراء بروسيا بين ‪0218‬و‪ ،0277‬وكان يبطلق عليه لقب املستشار‪ ،‬وقد كان له الفضل في توحيد أملانيا من خالل‬
‫سياسية الحديد والدم‪ .‬كما يعتبر بسمارك عالمة فارقة في ظهور الدولة الاجتماعية ألاملانية‪ ،‬إذ أصدر العديد من التشريعات الاجتماعية‬
‫كقانون الاتأمين الصحي (‪ ،)0223‬وقانون التأمين ضد الحوادث (‪ ،)0225‬ثم قانون تأمين العجز والشيصوخة (‪.)0227‬‬
‫‪3‬جميل سالم‪« ،‬قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية‪ :‬النموذج ألاملاني دارسات حول نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي»‪ ،‬معهد الحقوق ‪-‬‬
‫جامعة بيرزيت‪ ،8702 ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪4‬جون ديكسون وروبرت شيريل‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.013‬‬
‫‪5‬منيمة العمل الدولية‪ ،‬بناء مستقبل الحمایة الاجتماعية‪ :‬من أجل عالم عمل متمحور حول إلانسان (مؤتمر العمل الدولي‪ ،‬الدورة ‪،077‬‬
‫‪ ،8780‬جنيف‪ :‬مكتب العمل الدولي‪ ،8780 ،‬ص ‪.05-03‬‬

‫‪82‬‬
‫‪« .2‬الدولة الاجتماعية» في السياق املغربي‪ :‬تعدد البرامج وهشاشة الوضع الاجتماعي‬

‫إن تحليل مسار «الدولة الاجتماعية» في املغرب‪ ،1‬يجعلنا نعود إلى قراءة مصتلف السياسات الاجتماعية‬
‫وأنيمة الحماية الاجتماعية التي تبنتها الدولة املغربية‪ ،‬والتي يعود بعضها إلى مرحلة الاستعمار كنيام‬
‫التقاعد‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬باإلضافة إلى مصتلف البرامج ومصبطبطات التنمية الاجتماعية التي عرفها البالد‬
‫خالل مرحلة الاستقالل‪ ،‬باعتبارها نقبطة مركزية في تاريخ املغرب الحديث‪ ،‬والذي عرف بناء الدولة‬
‫الوطنية بمؤسساتها الحديثة‪.‬‬

‫إن الحديث عن السياسات الاجتماعية في املغرب مرتبط بتلك اللحية التي لم تعد فيها شبكات التضامن‬
‫التقليدي التي تنهل من املرجعيات الدينية والاجتماعية والعائلية واملهنية‪ ،‬قادرة على تدبير املجال‬
‫الاجتماعي الذي بدأ يصير أكثر تعقيدا وصعوبة‪ .2‬وقد أقر حسن طارق بتواضع العمق التاريخي لتقاليد‬
‫السياسات الاجتماعية باملغرب‪ ،‬ففي «املغرب ال نعثر طبعا على حقبة قد تعتبر مرجعية في تدبيرها‬
‫للسياسات الاجتماعية‪ ،‬كما أن ضعف النقا العمومي حول "الاجتماعي" ال يفرز نماذج نيرية‬
‫متقاطبة»‪.3‬‬

‫شهدت فترة الاستقالل‪ ،‬إلى غاية سنة ‪ ،3361‬إنشاء صندوق املقاصة (سنة ‪ )3306‬بهدف حماية‬
‫القدرة الشرائية للفئات املعوزة‪ ،‬ثم إنشاء إلانعا الوطني عام ‪ 3363‬الذي يشكل مكونا مهما في‬
‫شبكات ألامن الاجتماعي في املغرب‪ .‬باإلضافة إلى ارتفاع معدل الولوج إلى التربية ألاساسية (انتقل معدل‬
‫التمدرس من ‪ % 37‬سنة ‪ ،3307-3306‬إلى ‪ % 46.7‬سنة ‪ ،)3364-3361‬والولوج إلى العالجات‬
‫الصحية سواء على مستوى نقل املرض ى أو على مستوى الاستشفاء‪ .4‬ثم جاءت سياسات التقويم الهيكلي‬
‫(‪ )3331-3361‬لترتكز على الحد من التدخل املالي للدولة في القبطاعات الاجتماعية‪ ،‬حيث تم تقليص‬
‫النفقات املصصصة لتوفير الحاجيات الاجتماعية‪ ،‬مما نتج عنه آثار سلبية على الشرائح الاجتماعية‬
‫الفقيرة والهشة‪ ،‬من خالل تدهور ألاوضاع الاجتماعية وتفاقم حجم الفوارق الاجتماعية واملجالية‪.‬‬

‫‪1‬تجدر إلاشارة إلى أننا هنا نتحفظ عن استصدام مفهوم الدولة الاجتماعية في املغرب‪ ،‬نيرا ألن هذا املفهوم يتبطلب توفر مجموعة من‬
‫الشروط واملقومات السياسية والاقتصادية التي ال نجدها في السياق املغربي‪ ،‬هذا باإلضافة إلى أن املغرب يتبنى التوجه الاقتصادي‬
‫الرأسمالي‪ ،‬حيث كان املغرب من بين امللكيات الليبرالية في العالم العربي‪ ،‬من خالل تبنيه نموذج (رأسمالية الدولة) بعد الاستقالل‪ .‬أنير‪:‬‬
‫‪Myriam CATUSSE, « Maroc : un fragile État social dans la réforme néo-libérale », in : Myriam‬‬
‫‪Catusse, Blandine Destremau et Eric Verdier (dir), L'Etat face aux débordements social au‬‬
‫‪Maghreb : Formation, travail et protection sociale, EDITIONS KARTHALA, 2009, p 187-‬‬
‫‪228.‬‬
‫‪ 2‬حسن طارق‪« ،‬تاريخ السياسات الاجتماعية في املغرب‪ :‬محاولة في التحقيب»‪ ،‬املجلة املغربية للسياسات العمومية‪ ،8772 ،‬عدد مزدوج‬
‫‪ ،3-8‬ص ‪.0‬‬
‫‪ 3‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪ 4‬املغرب املمكن‪ :‬الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية‪ ،8774 ،‬ص ‪.77‬‬

‫‪83‬‬
‫كان هذا البرنامج عامال حاسما في تراجع املواطنة‪ ،‬حيث كانت هذه ألاخيرة‪ ،‬حسب محمد شقرون‪،1‬‬
‫تتأسس على نسق الاندماج الاجتماعي القائم على الوظيفة العمومية‪ ،‬والتي تضمن للشباب تحقيق‬
‫الاستقالل الاقتصادي والاجتماعي من التبعية العائلية‪ .‬لكن التبعات الاقتصادية لنيام التقويم الهيكلي‪،‬‬
‫أدى إلى عودة مكانة الرابط الاجتماعي‪ ،‬خاصة القائم على ألاواصر العائلية‪ ،‬وعلى القرابة بشكل عام‪.‬‬
‫فمن أجل الحصول على منصب شغل‪ ،‬لم تعد الفئات الشابة تتوجه إلى العالقات الدوالتية القائمة‬
‫على املواطنة‪ ،‬بل صارت تعتمد على النسيج الاجتماعي املحلي‪ ،‬وعلى أشكال من التضامن ألاساسية‪.‬‬

‫أما الفترة املمتدة بين ‪ 3331‬و‪ ،1550‬فقد عرفت إنشاء مجموعة من البرامج الوطنية‪ ،‬التي تهدف إلى‬
‫تحسين الخدمات الاجتماعية والاقتصادية ألاساسية‪ :‬كالبرنامج الوطني لبناء البطرق القروية‬
‫)‪ ،(PNCRR‬وبرنامج تزويد الساكنة باملاء الصالح للشرب )‪ ،(PAGER‬وبرنامج الكهربة الشاملة‬
‫للعالم القروي‪ ،‬والبرنامج الوطني للتمدرس‪ .2‬عالوة على انبطالق استراتيجية التنمية الاجتماعية عام‬
‫‪ ،3331‬وإطالق الاستراتيجية الوطنية للقضاء على السكن غير الالئق سنة ‪ ،1553‬كما تم إنشاء‬
‫مجموعة من املؤسسات التي تسعى إلى محاربة بعض مياهر الفقر والتهميش‪ ،‬كمؤسسة محمد الخامس‬
‫للتضامن (‪ ،)3333‬ووكالة التنمية الاجتماعية (‪ .)3333‬رغم تميز هذه الفترة بكثرة البرامج وتنوعها‪ ،‬إال‬
‫أن املؤشرات ظلت سلبية وبقي العجز كبيرا مما سيؤدي إلى إلاقرار بحجم «املعضلة الاجتماعية» من‬
‫خالل إلاعالن عن املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في ‪ 36‬ماي ‪ 1550‬بهدف محاربة الفقر في املغرب‪،‬‬
‫و«تعزيز ما تحقق من مكاسب سياسية‪ ،‬وذلك بالنهوض بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‪،‬‬
‫ومحاربة الفوارق البطبقية واملجالية»‪.3‬‬

‫حققت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية العديد من املنجزات في مجال التنمية القروية ومحاربة‬
‫التهميش‪ ،4‬إال أن وقعها بقي محدودا على املستوى الاجتماعي‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بالولوج إلى البنيات‬
‫التحتية والخدمات ألاساسية (صحة ألاطفال وتمدرسهم)‪ .‬فقد أكدت دراسة وقع املبادرة الوطنية على‬
‫مستوى العيش والتنمية الاجتماعية أن البرامج واملشاريع التي أنجزت في إطار املبادرة لم تحسن بشكل‬

‫‪1‬‬
‫‪Mohammed CHEKROUN, Citoyenneté et lien social‬‬ ‫‪au Maroc, Rabat : Faculté des Lettre et des‬‬
‫‪Sciences Humaines, 2010.‬‬
‫‪ 2‬املغرب املمكن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.078-070‬‬
‫‪ 3‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ :‬تحليل وتوصيات‪ ،‬الرباط‪ ،8703 ،‬ص ‪.03‬‬
‫‪ 4‬من حيث الكم‪ ،‬تعد املنجزات التي حققتها املبادرة الوطنية غاية في ألاهمية؛ ففي مرحلتين ألاولى والثانية (الفترة املمتدة ما بين ‪8774‬‬
‫و‪ )8705‬حققت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية حوالي ‪ 54.205‬مشروع بغالف مالي قدره ‪ 82.4‬مليار درهم‪ ،‬وبلغت الحصة الخاصة‬
‫باملبادرة ‪ 01.7‬مليار درهم ومساهمة بايي الشركاء ‪ 00.0‬مليار درهم‪ .‬أما من حيث توزيع املشاريع‪ ،‬فإن ‪ 43.3‬باملئة منها أطلقت بالوسط‬
‫القروي‪ ،‬و‪ 53.1‬باملئة يهم الوسط الحضري‪ .‬ومن حيث توزيع العمليات حسب القبطاعات الثالثة (التنمية الاجتماعية والتنمية الاقتصادية‬
‫والتجهيزات الاجتماعية ألاساسية) فإن قرابة ‪ 10‬باملئة من املشاريع في الوسط الحضري تهم التنمية الاجتماعية‪ .‬وعلى العكس من ذلك ال‬
‫تبل هذه النسبة في العالم القروي سوى ‪ 32‬باملئة‪ ،‬بينما تحتل املشاريع املتعلقة بتحسين ظروف الحياة حوالي ‪ 33.5‬باملئة‪ .‬أنير‪ :‬املرصد‬
‫الوطني للتنمية البشرية‪ ،‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ‪ :8705-8774‬الحصيلة واملكاسب‪ ،‬ص ‪.03-07‬‬

‫‪84‬‬
‫ملموس من وضعية أسر الجماعات القروية املستهدفة‪ ،‬ونفس الش يء تم تأكيده بصصوص الفقر املتعدد‬
‫ألابعاد‪ ،1‬إذ ال يوجد اختالف في املؤشرات املتعلقة بالفقر متعدد ألابعاد بين املناطق املستهدفة وغير‬
‫املستهدفة‪ .‬كما أن البعدين الرئيسيين للتنمية البشرية املتمثلين في التعليم والصحة‪ ،‬باعتبارهما عاملين‬
‫أساسيين للحد من انتقال الفقر بين ألاجيال‪ ،‬غير متأثرين باملبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪.2‬‬

‫كل هذا يبين أن املغرب قد عرف‪ ،‬خالل تاريصه‪ ،‬العديد من البرامج والتشريعات ذات البعد الاجتماعي‪،‬‬
‫لكن ما يزال فيه الوضع الاجتماعي مستعصيا‪ ،‬ومازالت الفوارق الاجتماعية واملجالية بارزة‪ ،‬وهو ما‬
‫تؤكده مصتلف التشخيصات التي أنجزتها املؤسسات الوطنية والدولية‪.‬‬

‫إن أول مشكل تعاني منه منيومة الحماية الاجتماعية باملغرب‪ ،‬هو ارتكازها على قوانين وبرامج تقليدية‬
‫تعود في مجملها إلى مرحلة الاستعمار‪ ،‬فال يزال قبطاع التأمين عن حوادث الشغل وألامراض املهنية‪ ،‬على‬
‫سبيل املثال‪ ،‬يدبر من طرف شركات التأمين‪ ،‬والذي بدأ العمل به منذ سنة‪ .3317‬يرتكز التأمين عن‬
‫ِّ‬
‫املشغل وإلزامه بتحمل التعويض‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫حوادث الشغل وألامراض املهنية على الافتراض املبطلق ملسؤولية‬
‫فاإلبقاء على تدبير املصاطر املتعلقة بحوادث الشغل وألامراض املهنية ضمن نموذج التأمين الخاص‪،3‬‬
‫وعدم إدراجها في نبطاق الحماية الاجتماعية‪ ،‬ال ينسجم مع املبادئ الواردة في اتفاقية منيمة العمل‬
‫عائقا أمام تحقيق مبادئ الشمولية وإلانصاف وتمكين جميع املغاربة‬ ‫الدولية ( قم ‪ .)351‬كما يشكل ً‬
‫ر‬
‫النشيبطين وذوي حقوقهم من الاستفادة من نيام متكامل للضمان الاجتماعي‪.4‬‬

‫أما بصصوص السياسات العمومية املعتمدة للنهوض بالتشغيل وتوفير الحماية لأليخاص في وضعية‬
‫ببطالة ال تزال تتسم باملحدودية‪ ،‬حيث لم يشر القانون إلاطار رقم ‪ 53.13‬إلى التعويض عن الببطالة‪،‬‬
‫بل اقتصر على «تعميم الاستفادة عن فقدان الشغل لتشمل كل يخص متوفر على شغل قار»‪ .‬وهذا ما‬
‫يبين استمرار العمل بالقانون ‪ 51.34‬املتعلق بالتعويض عن فقدان الشغل‪ ،‬والذي اتضحت محدوديته‪،‬‬

‫‪1‬جاء تقرير التنمية البشرية لسنة ‪ 8707‬بمنيور جديد لقياس الفقر‪ ،‬حيث لم يعد الفقر مقتصرا على عدم كفاية الدخل فحسب‪ ،‬بل‬
‫يتجاوزه إلى أبعاد أخرى‪ ،‬منها تدهور الصحة وسوء التغذية‪ ،‬وتدني مستوى التعليم واملهارات‪ ،‬وعدم كفاية موارد العيش‪ ،‬وعدم توفر‬
‫السكن الالئق‪ ،‬وإلاقصاء الاجتماعي‪ ،‬وعدم املشاركة‪ .‬هذا الفقر الذي يعيشه كثيرون في مصتلف أنحاء العالم‪ .‬أنير‪ :‬تقرير التنمية البشرية‪،‬‬
‫الثروة الحقيقية لألمم‪ :‬مسارات إلى التنمية البشرية‪ ،‬واشنبطن‪ :‬برنامج ألامم املتحدة إلانمائي‪ ،8707 ،‬ص ‪.71-74‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫‪3‬تجدر إلاشارة إلى أن القانون إلاطار رقم ‪ 77.80‬قد حدد في املادة ‪ 00‬آليتين للتمويل‪ :‬ألاولى قائمة على الاشتراك بالنسبة لأليخاص القادرين‬
‫على املساهمة في التمويل‪ ،‬باإلضافة إلى الاشتراكات املستحقة وفق النصوص التشريعية والتنييمية‪ ،‬ثم الواجبات التكميلية التي تفرضها‬
‫الدولة على بعض الفئات املهنية؛ ثانيا‪ ،‬آلية التضامن لفائدة ألايخاص غير القادرين على تحمل واجبات الاشتراك‪.‬‬
‫‪ 4‬حسن طارق‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.40‬‬

‫‪85‬‬
‫حيث يحصر خدمة التعويض عن الشغل في حاالت ضيقة ووفق شروط تعجيزية‪ ،‬فصالل الفترة ‪-1515‬‬
‫‪ 1536‬ينحصر عدد املستفيدين من نيام التعويض عن فقدان الشغل في ‪ 74‬ألفا‪.1‬‬

‫يشكل قبطاع التعليم مجاال آخر ملساءلة نموذج «الدولة الاجتماعية» باملغرب‪ .‬فكما أكد املجلس ألاعلى‬
‫للتربية والتكوين‪ ،‬لم تساهم املجهودات املبذولة على مستوى برامج الدعم الاجتماعي املوجهة للتالميذ‬
‫الذين هم في وضعية صعبة (برنامج تيسير‪ ،‬مليون محفية‪ ،‬الداخليات إلخ)‪ ،‬في الحد من آثار الفوارق‬
‫الاجتماعية في تعلمات التالميذ ومكتسباتهم‪ .2‬كما أن حجم الانقبطاع الدراس ي املرتفع‪ ،‬والذي يمس‬
‫التالميذ القرويين والفتيات بالخصوص‪ ،‬يشكل أكبر تجل للفوارق في التعليم‪ ،‬ولضعف جودة املدرسة‬
‫العمومية كما يتضح في املبيان آلاتي‪.‬‬

‫مبيان رقم (‪ :)1‬تطور نسبة الانقطاع الدراس ي حسب ألاسالك التعليمية‬

‫‪20‬‬

‫‪15‬‬ ‫‪14,9‬‬ ‫‪14,3‬‬


‫‪13,5‬‬ ‫‪13,1‬‬
‫‪12,3‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪10,9‬‬ ‫‪10,9‬‬ ‫‪10,4‬‬
‫‪8,8‬‬
‫‪7,1‬‬ ‫‪7,2‬‬ ‫‪7,4‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪5,2‬‬
‫‪3,9‬‬ ‫‪3,7‬‬ ‫‪3,6‬‬
‫‪0‬‬
‫‪2015‬‬ ‫‪2016‬‬ ‫‪2017‬‬ ‫‪2018‬‬

‫النسبة العامة‬ ‫الثانوي التأهيلي‬ ‫الثانوي االعدادي‬ ‫االبتدائي‬

‫املصدر‪ :‬املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬ألاطلس املجالي الترابي لالنقطاع الدراس ي‪ ،1533 ،‬ص ‪.30‬‬

‫من خالل هذه إلاشارة السريعة ملجموعة من العراقيل التي تعاني منها منيومة الرعاية الاجتماعية‬
‫باملغرب‪ ،‬والتي تجد صداها في تدني مؤشرات التنمية البشرية‪ 3‬وهزالة املراتب التي يحتلها املغربي في‬
‫قبطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعي والتشغيل‪ .‬وتأسيسا على املسار التاريخي للسياسات‬
‫«الاجتماعية» في املغرب‪ ،‬يمكن القول إن نموذج الدولة الاجتماعية في املغرب يتسم بالغموض‪ ،‬فرغم‬

‫‪1‬عبد الرفيع زعنون‪« ،‬تعميم الحماية الاجتماعية‪ :‬تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التصلي؟»‪،‬‬
‫‪https://mipa.institute/8856‬‬
‫‪ 2‬لليروف الاجتماعية تأثير واضح على نتائج التالميذ‪ ،‬فمن خالل «املقارنة بين خصائص ‪ % 07‬من التالميذ ألاعلى أداء و‪ % 07‬من التالميذ‬
‫ألادنى أداء يبين أن توفير بعض املوارد البيداغوجية داخل البيت‪ ،‬كمكتب للعمل خاصة‪ ،‬وبضعة كتب‪ ،‬ييل ضمن العوامل املميزة بين‬
‫التالميذ ذوي ألاداء ألافضل وغيرهم ممن حصلوا على إنجازات أقل‪ ،‬سواء تعلق ألامر باللغات أم بالرياضيات»‪ .‬أنير‪ :‬املجلس ألاعلى للتربية‬
‫والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬مدرسة العدالة الاجتماعية‪ :‬مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي‪ ،‬ص ‪.2‬‬
‫‪3‬شهد مؤشر التنمية البشرية ارتفاعا من ‪ 7,542‬سنة ‪ 0777‬إلى ‪ 7,101‬سنة ‪ ،8702‬أي أنه عرف تحسنا إجماليا قدره ‪ .% 50,0‬ونتيجة‬
‫لذلك‪ ،‬تم تصنيف املغرب ضمن فئة البلدان ذات التنمية البشرية املتوسبطة‪ ،‬والتي يبل متوسط مؤشرها ‪ .7,135‬أنير‪ :‬املندوبية السامية‬
‫للتصبطيط‪ ،‬تقرير حول مؤشرات التنمية البشرية باملغرب لسنة ‪.8787‬‬

‫‪86‬‬
‫املجهودات املبذولة في إخراج العديد من البرامج واملصبطبطات‪ ،‬لكن يبقى الوضع الاجتماعي في املغرب‪،‬‬
‫كما يقر بذلك الخبطاب الرسمي‪ ،‬دون املستوى املبطلوب‪ .‬ويعود هذا الفشل إلى عدة أسباب هيكلية‪،1‬‬
‫ترتبط أساسا ب النموذج الاقتصادي الذي يتبناه املغرب‪ ،‬حيث ينتمي إلى امللكيات الليبرالية في العالم‬
‫العربي‪ ،‬التي تبنت نموذج (رأسمالية الدولة) بعد الاستقالل‪ .2‬فقد كان للبرنامج التقويم الهيكلي‬
‫ولسياسات الخوصصة آثر بالغة في الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية للبلد‪ .‬فاملسألة الاجتماعية في‬
‫ً‬
‫تباطا ً‬
‫وثيقا بالتحوالت التي يمر بها اقتصاده السياس ي‪ ،‬فهي أحد التعبيرات ألاساسية عن‬ ‫املغرب ترتبط ار‬
‫التحوالت التي تشهدها رأسماليتها‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإن البحث عن حلول مبتكرة للقبطاع الاجتماعي في سوق‬
‫الشغل أو خارجه‪ ،‬تحدده القيود التي تحكم الاقتصاد السياس ي للبالد‪ .3‬كما أدى تحرير التجارة إلى‬
‫الانفتاح على الاستثمار ألاجنبي‪ ،‬الش يء الذي استدعى خفض أجور العمال من أجل ضمان التنافسية في‬
‫السوق الدولية‪.‬‬

‫ظل املغرب إلى عهد قريب يتبنى النموذج البسيماركي في الحماية الاجتماعية والذي يرتكز على مبدأ‬
‫التأمين‪ ،‬حيث يجعل من العمل املأجور السبيل ألاساس ي للحصول على خدمات الحماية الاجتماعية‪.‬‬
‫فقد كان التأمياان الاجتماعااي مشااروطا بالعمال املأجاور فاي القبطااع املهياكل‪ .‬ومع أن املغرب قام بمجموعة‬
‫من التعديالت من أجل توسيع دائرة الحماية الاجتماعية لتشمل فئات املهنين والعمال املستقلين‬
‫وألايخاص غير ألاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا‪ ،‬لكن بالنير إلى آليات التمويل التي تبقى منحصرة‬
‫في الاشتراكات بالنسبة لأليخاص القادرين على املساهمة‪ ،‬ثم آلية التضامن لأليخاص غير القادرين‬
‫على تحمل واجبات الاشتراك‪ ،‬فإن النموذج املغربي مزال محافيا في العديد من جوانبه‪ ،4‬كونه لم يستبطع‬
‫بعد الانتقال إلى الدولة الاجتماعية القائمة على الضريبة التصاعدية على الرأسمال‪ ،‬والتي تعتبر‪ ،‬حسب‬

‫‪ 1‬هناك مجموعة من الجوانب لهذا الفشل منها أساسا غياب إطار عمل متناسق وسياسة عمومية مندمجة‪ ،‬وغياب استراتيجية رسمية‬
‫ونيام محاسبي مندمج ونيام موحد للمعلومات وللمحاسبة‪ ،‬حيث نجد ضعف التنسيق بين املؤسسات واملصالح املكلفة بمصتلف ألاورا‬
‫والبرامج ذات البعد الاجتماعي (رئاسااة الحكومااة‪ ،‬ووزارات املاليااة والتشااغيل والشااؤون الاجتماعيااة وألاساارة والتضاماان‪ ،‬واملجلااس ألاعلاى‬
‫ً‬
‫للحساابات‪ ،‬وهيئاة مراقباة التأميناات والاحتيااط الاجتماعاي وغيرهاا)‪ ،‬فهااذا املجااال يتسم ببطبيعته املجا َّازأة‪ ،‬حيااث تضاام تشااكيلة ماان الهيئااات‬
‫غياار املتضامنااة وغياار املتكاملااة فااي مااا بينهااا‪ ،‬واملنفصلااة عاان بعضهاا البعاض‪ .‬هذا باإلضافة إلى عدم ضمان استمرارية املوارد‪ ،‬وتعدد‬
‫التشريعات وتضارب الاختصاصات في التدبير املالي لهذه البرامج‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Myriam CATUSSE, op.cit., p 189.‬‬
‫‪3‬رشيد أمشنوك‪« ،‬الحماية الاجتماعية‪ :‬أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها»‪ ،‬في‪ :‬إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي (تنسيق)‪ ،‬الحماية‬
‫الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،8788 ،‬ص ‪.07‬‬
‫‪4‬يشير رشيد بن بيه في تصنيفه لنمط الرفاه الاجتماعي املغربي (باعتماد تصنيف إسبن أنادرساون) إلى أن النموذج املغربي غير مكتمل‪،‬‬
‫حيث هناك تعايش بين جميع ألاصناف (النمط الليبرالي‪ ،‬املحافظ‪ ،‬الديموقراطي الاجتماعي)‪ ،‬مما يجعله نموذجا هجينا‪ .‬أنير‪ :‬رشيد بن‬
‫بيه‪« ،‬تصنيف نمط الرفاه الاجتماعي املغربي باعتماد منيور النوع الاجتماعي»‪ ،‬إضافات‪ ،‬خريف ‪ ،8700‬العدد ‪ ،57‬ص ‪.031‬‬

‫‪87‬‬
‫توماس بيكيتي‪ ،1‬املالئمة للقرن الواحد والعشرين‪ .‬فآليات التمويل التي يقترحها القانون إلاطار ‪53.13‬‬
‫ال تضمن الاستدامة خاصة في شقها التضامني‪.2‬‬

‫‪ .3‬املسألة الاجتماعية في املغرب بين مسؤولية الدولة وأهمية الرابط الاجتماعي‬

‫‪ .1.3‬الثقة كمؤشر لقوة الدولة الاجتماعية‬

‫تشكل الثقة إحدى املؤشرات ألاساسية لفهم وتحليل طبيعة الروابط الاجتماعية السائدة في املجتمع‬
‫املغربي‪ ،‬وطبيعة عالقة املواطنين بمؤسسات الدولة‪ .‬وتؤكد الدراسات حول مؤشر الثقة الاجتماعية‬
‫باملغرب أن ألافراد يثقون باألسرة النووية ثم العائلة املمتدة‪ ،‬في حين ال يثقون باأليخاص الذين يلتقون‬
‫بهم ألول مرة‪ ،‬كما أنهم ال يثقون باأليخاص املنتمين إلى ديانات أخرى‪ ،‬أو أصحاب الجنسيات ألاخرى‬
‫كما يتبين في املبيان أسفله‪.‬‬

‫مبيان رقم (‪ :)0‬درجة الثقة لدى املغاربة‬

‫‪ 11‬أسرتك القريبة‬ ‫‪91‬‬


‫عائلتك الكبيرة‪/‬الممتدة‬ ‫‪10‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪47‬‬
‫أصدقاءك‬ ‫‪16‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪44‬‬ ‫‪29‬‬
‫جيرانك‬ ‫‪21‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪41‬‬ ‫‪25‬‬
‫الناس اللذين تلتقيهم للمرة األولى‬ ‫‪41‬‬ ‫‪22‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪11‬‬
‫الناس الذين يعتنقون ديانة غير ديانتك‬ ‫‪38‬‬ ‫‪12‬‬ ‫‪33‬‬ ‫‪17‬‬
‫الناس اللذين ينتمون لجنسية أخرى‬ ‫‪32‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪0%‬‬ ‫‪10%‬‬ ‫‪20%‬‬ ‫‪30%‬‬ ‫‪40%‬‬ ‫‪50%‬‬ ‫‪60%‬‬ ‫‪70%‬‬ ‫‪80%‬‬ ‫‪90%‬‬ ‫‪100%‬‬

‫ال أثق على الإلطالق‬ ‫ال أثق‬ ‫نعم أثق إلى حد ما‬ ‫أثق بكل تأكيد‬

‫املصدر‪ :‬املعهد املغربي لتحليل السياسات‪ ،‬الثقة في إلادارة العمومية خالل عصر الوباء‪ ،1511 ،‬ص ‪.33‬‬

‫نفس الش يء نجده تقريبا في النسختين ألاولى (‪ )1515‬والثانية (‪ )1513‬من التقارير حول مؤشر الثقة‪.‬‬
‫حيث تؤكد هذه التقارير في مجملها أن الثقة الاجتماعية تتجه بمنحى تنازليا كما توسعت الدائرة الضيقة‬

‫‪1‬توماس بيكيتي‪« ،‬الدولة الاجتماعية في القرن الواحد والعشرون»‪ ،‬في‪ :‬رأس املال في القرن الحادي والعشرين‪ ،‬ترجمة وائل جمال وسلمى‬
‫حسين‪ ،‬دار التنوير‪ ،‬ص ‪.430-474‬‬
‫‪2‬عبد املنعم ألانصاري‪« ،‬قراءة في القانون إلاطار ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية»‪ ،‬في‪ :‬إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي (تنسيق)‪ ،‬الحماية‬
‫الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،8788 ،‬ص ‪.31-34‬‬

‫‪88‬‬
‫للمؤسسات الاجتماعية (ألاسرة النووية) لتشمل الوحدات الاجتماعية ألاخرى كأفراد العائلة املمتدة ثم‬
‫ألاصدقاء والزمالء والجيران وهكذا إلى أن تصتفي الثقة الاجتماعية تقريبا مع الغرباء‪.1‬‬

‫وفي هذا إلاطار يمكن استحضار ما أكده «تريانديس» )‪ (Triandis‬بأن الحذر الاجتماعي ييل خاصية‬
‫مميزة للعالقات الاجتماعية في سياق الندرة‪ ،‬فعندما تقل املوارد الضرورية لتلبية البطلب الاجتماعي على‬
‫إشباع الحاجات الفيزيولوجية‪ ،‬يكثر التنافس بين ألافراد والجماعات‪ ،‬وتقل مشاعر إلاخاء وتقدير‬
‫الذوات‪.2‬‬

‫أما بصصوص الثقة السياسية‪ ،‬والتي تصتلف عن الثقة الاجتماعية‪ ،‬فتتميز بكونها غير مشخصنة وال‬
‫تعكس عالقة مباشرة بين ألافراد‪ ،‬ولكنها تعكس مستوى الثقة تجاه املؤسسات‪ .‬وتعتبر الثقة في‬
‫املؤسسات‪ ،‬بما يحيط بها من تصورات واتجاهات‪ ،‬ركيزة أساسية للديموقراطية‪ ،‬وأحد العوامل‬
‫ألاساسية الضامنة الستمرارها والحافية لشرعيتها‪ .‬وقد توصل التقرير املعهد املغربي لتحليل السياسات‬
‫(‪ )1511‬ارتفاع مستوى الثقة في املؤسسات املنتصبة‪ ،‬حيث يثق حوالي ‪ % 63‬من املغاربة في الحكومة‪،‬‬
‫و‪ % 01‬يثقون في ألاحزاب السياسية‪ ،‬و‪ % 05‬في البرملان‪ .‬إن مقارنة هذه ألارقام مع نتائج السنوات‬
‫املاضية‪ ،‬يبين حدوث تغير مفاجئ خالل سنة ‪ ،1511‬والذي يعود إلى طريقة تدبير جائحة كورونا‪.‬‬

‫‪ 1‬رشيد أوراز وفرانشيسكو كولين‪ ،‬مؤشر الثقة في املؤسسات ‪ :0202‬البرملان وما وراءه في املغرب تجديد الثقة من خالل بحث جذور‬
‫نقصها‪ ،‬الرباط‪ :‬املعهد املغربي لتحليل السياسات‪ ،8787 ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 2‬بن أحمد حوكا‪« ،‬الرأسمال الاجتماعي وراببطة العيش املشترك‪ :‬دراسة في الركائز ألاخالقية والثقافية لالجتماع السياس ي في املغرب»‪،‬‬
‫إضافات‪ ،‬شتاء‪-‬ربيع ‪ ،8704‬العددان ‪ ،37-87‬ص ‪.012‬‬

‫‪89‬‬
‫مبيان رقم (‪ :)3‬تطور مؤشر الثقة في املؤسسات املنتخبة‬

‫‪80‬‬ ‫الحكومة‬ ‫البرلمان‬ ‫األحزاب السياسة‬


‫‪69‬‬
‫‪70‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪50‬‬ ‫‪52‬‬
‫‪50‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪32‬‬ ‫‪50‬‬
‫‪30‬‬
‫‪30‬‬ ‫‪23‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪26‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪22‬‬
‫‪0‬‬
‫‪2020‬‬ ‫‪2021‬‬ ‫‪2022‬‬

‫املصدر‪ :‬املعهد املغربي لتحليل السياسات‪ ،1511 ،‬ص ‪.34‬‬

‫لكن إذا قمنا باملقارنة هذه النتائج بما توصل إليه البروميتر العربي‪ ،‬الذي يعتمد على املزيد من املتغيرات‬
‫في تحليل مستوى الثقة في املؤسسات‪ ،‬نجد أقل من ‪ 4‬من كل ‪ 35‬مغاربة يثقون في الحكومة والبرملان‪.‬‬
‫كما أن الكثيرين ال يثقون في العملية الانتصابية بشكل عام‪ ،‬ويعتبر املستجوبون ألاعلى تعليما وألافضل‬
‫دخال هم ألاكثر إقباال على القول بالثقة في البرملان والحكومة‪.1‬‬

‫وفي املقابل تتمتع املؤسسات السيادية غير املنتصبة بثقة أكبر باملقارنة باملؤسسات املنتصبة؛ حيث تحيى‬
‫الشرطة والجيش بالنسبة للمواطنين املغاربة بأعلى مستوى من الثقة‪ ،‬حيث تبل نسبة الثقة ‪% 30‬‬
‫(مقارنة با ‪ % 63‬سنة ‪ ،)1513‬بينما تصل نسبة الثقة في الشرطة إلى ‪( % 31‬مقارنة با ‪ % 66‬سنة‬
‫‪ .)1513‬وتعتبر الثقة في القضاء مرتفعة أيضا وإن كانت منصفضة باملقارنة مع مؤسستي الشرطة‬
‫والجيش‪ ،‬حيث بلغت حوالي ‪ .% 73‬وهذا ما تؤكده أغلب الدراسات حول مؤشر الثقة في املغرب‪.2‬‬

‫فبالعودة إلى إلاجراءات التي اتصذت السلبطات املغربية من أجل التصدي لجائحة كورونا‪ ،‬يمكن فهم هذا‬
‫املستوى املرتفع من الثقة‪ ،‬حيث تم التوجه نحو البعد ألامني‪ ،‬مقابل إلاهمال النسبي للتنمية الاجتماعية‬
‫والاقتصادية‪ .‬وهذا ما يبين أن املواطنين أكثر رضا عن ألاداء الحكومي فيما يصص توفير ألامن‪ ،‬مقارنة‬
‫بتقديرهم ألداء الحكومة في ما يصص التنمية‪ .‬وتعتبر الفئات الاجتماعية ذات الدخل واملستوى التعليمي‬
‫املرتفعين‪ ،‬هي ألاكثر تصورا بأن الحكومة تحسن العمل على ملف التنمية‪ .3‬كما أن مستويات الثقة‬
‫املتدنية باملؤسسات العامة في املغرب مرتببطة مع مستويات الرضا املسجلة عن مصتلف الخدمات‬

‫‪ 1‬الباروميتر العربي‪ ،‬املغرب‪ :‬تقرير استطالعات الرأي العام الدورة السابعة‪ ،8788 ،‬ص ‪.00-07‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Cf : Mohamed CHERKAOUI, L’ordre sociopolitique et la confiance dans les institutions au Maroc, Rabat,‬‬
‫‪IRES, 2010.‬‬
‫‪ 3‬الباروميتر العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.7-2‬‬

‫‪90‬‬
‫العمومية‪ ،‬كالتعليم والرعاية الصحية وجودة الشوارع والبطرق‪ ،‬وجمع القمامة‪ .‬حيث إن مستوى الرضا‬
‫عن املنيومة الصحية خالل ‪ 1511‬ال يتجاوز ‪.1% 11‬‬

‫مبيان رقم (‪ :)4‬موقف املواطنين في الجهود املبذولة لتوفير الخدمات الضرورية‬

‫‪35,0%‬‬ ‫‪32,8%‬‬
‫‪29,5%‬‬
‫‪30,0%‬‬ ‫‪27,4%‬‬
‫‪25,0%‬‬
‫‪20,0%‬‬
‫‪15,0%‬‬
‫‪10,0%‬‬ ‫‪6,1%‬‬
‫‪3,7%‬‬
‫‪5,0%‬‬ ‫‪0,5%‬‬
‫‪0,0%‬‬
‫أوافق بشدة‬ ‫أوافق‬ ‫أعارض‬ ‫أعارض بشدة‬ ‫ال أعرف‬ ‫رفض االجابة‬

‫املصدر‪ :‬الباروميتر العربي‪.1511 ،‬‬

‫من خالل هذه املعبطيات يتبين أن الاختالفات الكبيرة في التصورات يمكن أن تكون مرتببطة بقدرة‬
‫املواطنين للوصول للرعاية الصحية الجيدة‪ ،‬في حين أن املواطنين الفقراء ومن البطبقة العاملة يعتمدون‬
‫فقط على الرعاية الصحية التي تقدمها الدولة‪ .‬ومن هنا فإن ارتفاع مستوى التفاوتات الاجتماعي وارتفاع‬
‫معدل الفقر يرتبط بانصفاض مستويات الثقة السياسية‪ ،‬وهذا ما يبين الترابط الاحصائي القوي بين‬
‫الثقة السياسة ومستوى أداء الحكومة في تقديم الخدمات الاجتماعية‪ ،2‬حيث إن الثقة في املؤسسات‬
‫تكون أعلى لدى املواطنين الذين هم راضون عن الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة‪ ،‬كالتعليم‬
‫الجيد والرعاية الصحية‪.3‬‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.00‬‬


‫‪ 2‬تجدر إلاشارة إلى أن موقف املواطنين من الفساد داخل املؤسسات العمومية يدعم هذه العالقة‪ ،‬فهو عامل مهم يؤثر على جودة الخدمات‬
‫الاجتماعية كما يعرقل الثقة في املؤسسات العامة‪ .‬وبصصوص موقف املواطنين حول انتشار الفساد في املؤسسات‪ ،‬يؤكد حوالي ‪ % 08‬بأن‬
‫الفساد منتشر في مؤسسات الدولة والهيئات الوطنية‪ .‬كما أن الفقراء هم من يتحملون عادة أعباء طلبات الرشوة‪ ،‬في حين أن املغاربة‬
‫ألاكثر ثراء أقل عرضة للمعاناة من تداعيات الفساد املستشري‪ ،‬ومن ثم يتصورون أنه ليس منتشرا ألن الحكومة تكافحه بنجاح‪ .‬على‬
‫النقيض‪ ،‬فإن الفقراء والبطبقة العاملة يرجح أنهم يعانون أكثر من الفساد‪ ،‬ومن ثم يكونون أقل إقباال ً على القول بأن الحكومة تبلي بالء‬
‫حسنا في مكافحته‪ .‬أنير‪ :‬الباروميتر العربي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.04-05‬‬
‫‪ 3‬هانا بريكس ي وإيلين لست ومايكل وولكوك‪ ،‬الثقة‪ ،‬والصوت والحوافز‪ :‬التعلم من قصص النجاح املحلية في تقديم الخدمات في منبطقة‬
‫الشرق ألاوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬واشنبطن‪ ،‬البنك الدولي‪ ،8704 ،‬ص ‪.885-804‬‬

‫‪91‬‬
‫مبيان رقم (‪ :)5‬العالقة بين مقدار الثقة في الحكومة والرضا حول أدائها‬

‫‪80,0%‬‬
‫‪70,0%‬‬ ‫‪67,1%‬‬
‫‪60,0%‬‬
‫‪54,1%‬‬ ‫‪51,7%‬‬
‫‪50,0%‬‬ ‫‪48,2%‬‬
‫‪40,0%‬‬ ‫‪40,8%‬‬
‫‪30,0%‬‬ ‫‪28,8%‬‬ ‫‪31,3%‬‬
‫‪20,0%‬‬ ‫‪17,8%‬‬
‫‪13,4%‬‬ ‫‪14,8%‬‬
‫‪10,0%‬‬
‫‪4,3%‬‬
‫‪3,9%‬‬ ‫‪4,5%‬‬ ‫‪3,4%‬‬ ‫‪5,6%‬‬
‫‪0,0%‬‬ ‫‪1,7%‬‬
‫أثق بها إلى درجة كبيرة‬ ‫أثق بها‬ ‫أثق بها قليال‬ ‫ال أثق بها على اإلطالق‬

‫راض جدا‬
‫ٍ‬ ‫أداء الحكومة ككل‬ ‫راض‬
‫ٍ‬ ‫أداء الحكومة ككل‬
‫راض‬
‫ٍ‬ ‫أداء الحكومة ككل غير‬ ‫راض على اإلطالق‬
‫ٍ‬ ‫أداء الحكومة ككل غير‬

‫املصدر‪ :‬الباروميتر العربي‪.1511 ،‬‬

‫إن املقارنة بين مؤشرات الثقة الاجتماعية ومؤشرات الثقة السياسية‪ ،‬يمكننا من الخروج باستنتاج‬
‫سريع حول ألاهمية التي تحتلها املؤسسات الاجتماعية (خاصة في دائرتها الضيقة كاألسرة النووية‬
‫وجماعة ألاصدقاء‪ )...‬لدى املواطنين املغاربة‪ .‬هذا ما سيؤدي بنا إلى املحور املوالي الذي سيناقش إشكالية‬
‫الرابط الاجتماعي في املغرب‪ ،‬في ظل إلاخفاقات التي عرفتها «الدولة الاجتماعية» في املغرب‪.‬‬

‫‪ .2.3‬قوة الرابط الاجتماعي أمام ضعف الدولة الاجتماعية‬

‫لقد كان السؤال حول دور املؤسسات الاجتماعية في تدبير املسألة الاجتماعية حاضرا في التفكير‬
‫السوسيولوجي منذ مرحلة التأسيس‪ .‬حيث نجد حضورا بارزا ملفهوم التضامن الاجتماعي في أعمال الرواد‬
‫ألاوائل‪ ،‬على سبيل املثال‪ ،‬أطروحة إميل دوركايم حول تقسيم العمل الاجتماعي‪ ،1‬وأيضا مارسيل موس‬
‫الذي تناول في بحثه حول الهبة أنماط التبادل الاجتماعي في املجتمعات التقاليدية‪.2‬‬

‫إن التضامن الاجتماعي كان وما يزال أحد املحاور ألاساسية في علم الاجتماع‪ ،‬خاصة عند الحديث عن‬
‫العالقة بين الدولة الاجتماعية والرابط الاجتماعي‪ .‬ففي غياب الدولة الاجتماعية أو أثناء ضعفها (خاصة‬
‫بعد اعتماد املغرب لبرنامج التقويم الهيكلي على سبيل املثال) يتم اللجوء إلى ألاشكال التقليدية للتضامن‪،‬‬
‫التي تقوم مقام السياسات الاجتماعية‪ .‬وأكد املصتار الهراس في بحثه حول البطلبة الجامعيين وعالقتهم‬
‫بمؤسسة ألاسرة‪ ،‬أن هذه ألاخيرة تشكل بالنسبة للبطلبة إطارا للحماية‪ ،‬فقد أكد ‪ % 7396‬من البطلبة‬
‫املستجوبين أنهم يثقون في أسرهم‪ ،‬مقابل ‪ % 191‬فقط ممن يثقون في الدولة‪ .‬ومن هنا فإن البطلبة‬

‫‪1‬‬
‫‪Émile DURKHEIM,‬‬ ‫‪De la division de travail social, 8e éd, Paris : PUF, 2019.‬‬
‫‪ 2‬مارسيل موس‪ ،‬بحث في الهبة‪ :‬شكل التبادل وعلته في املجتمعات القديمة‪ ،‬ترجمة املولدي ألاحمر‪ ،‬بيروت‪ :‬املنيمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫‪.8700‬‬

‫‪92‬‬
‫الشباب يثقون في مجالهم الحميمي الذي تؤطره ألاسرة‪ ،‬وليس في املجال العمومي املتمثل في الدولة‬
‫ومؤسساتها (‪ % 196‬فقط يثقون في الجامعة)‪ .‬وهذا ما يؤكد ألاهمية الكبيرة لألسرة في حياة البطالب‬
‫سواء من الحيث الدعم املادي (توفير السكن واملستلزمات املالية ملتابعة الدراسة) والنفس ي‪ ،‬خاصة في‬
‫ظل ألازمة الاقتصادية وتراجع دور الدولة في تمويل التعليم العالي‪ .1‬وهذا ما أكده أيضا البحث الوطني‬
‫حول الشباب لسنة ‪( 1533‬أنير املبيان رقم ‪.)7‬‬

‫مبيان رقم (‪ :)6‬الجهات التي يتوجه إليها الشباب عند مواجهاهم لصعوبات مالية أو اجتماعية‬

‫‪100‬‬

‫‪80‬‬ ‫‪83,7‬‬
‫‪76,9‬‬
‫‪60‬‬ ‫‪69,6‬‬
‫‪49,2‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪46,8‬‬
‫‪44,1‬‬ ‫‪38,6‬‬
‫‪20‬‬ ‫‪28,2‬‬ ‫‪7,2‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪4,1‬‬ ‫‪2,5‬‬ ‫‪1,4‬‬
‫‪18,5‬‬ ‫‪6,9 7,1‬‬ ‫‪5,3 4,7‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪3,1‬‬ ‫‪3,8‬‬ ‫‪2,7‬‬ ‫‪3,8‬‬ ‫‪2,9‬‬
‫‪0‬‬
‫االسرة النووية‬ ‫العائلة الممتدة‬ ‫األصدقاء‬ ‫الجيران‬ ‫المنظمات غير الجماعات المحلية خدمات الدولة‬ ‫أخرى‬
‫الحكومية‬

‫الذكور‬ ‫اإلناث‬ ‫المجموع‬

‫املصدر‪HCP, Enquête Nationale sur les Jeunes, 2011, p 90. :‬‬

‫ومن هنا‪ ،‬فإن لألسرة أهمية كبيرة في حياة ألافراد‪ ،‬باعتبارها الحاضن ألاول بالنسبة لألطفال والشباب‬
‫واملسنين‪ ،‬فهذه املؤسسة الاجتماعية هي أول من يقدم الدعم املادي والنفس ي عند الحاجة‪ ،‬كما لها دور‬
‫كبير في املحافية على صحة وتوازن ألافراد‪.‬‬

‫نفس الش يء نجده مع فئة املسنين‪ ،‬فمع ارتفاع أمد الحياة وغياب سياسات الحماية الاجتماعية‪ ،‬يضبطر‬
‫مجموعة من الشباب إلى البقاء بالقرب من آبائهم‪ ،‬إذ أن ألاسرة مازالت هي املؤسسة الاجتماعية التي‬
‫تقوم برعاية املسنين والتكفل بهم‪ .‬وحيث إن نسبة مهمة من ألايخاص املسنين يتلقون مساعدات مادية‬
‫(‪ ،)% 77‬وفي معيمها (‪ )% 31.3‬تكون من ألابناء‪ ،2‬خاصة بالنير إلى الضعف الذي يميز أنيمة التقاعد‬
‫باملغرب‪ ،‬إذ أن نسبة ألايخاص املسنين املستفيدين من املعا ظلت منحصرة في ‪ % 36.4‬سنة ‪1533‬‬
‫(‪ % 16.6‬في الوسط الحضري‪ ،‬و‪ % 1.3‬في الوسط القروي‪ % 11 ،‬من الرجال و‪% 4.0‬من النساء)‪.3‬‬
‫هذا باإلضافة إلى ضعف استفادة ألايخاص املسنين من إحدى أنيمة التغبطية الصحية‪ ،‬حيث بل‬
‫‪1‬‬
‫‪Mokhtar ELHARRAS, « l’étudiant et sa famille », in R. BOURQIA, M. EL HARRAS et D.‬‬
‫‪BENSAÏD, Jeunesse estudiantine marocaine : valeurs et stratégies, Rabat : Publication de la‬‬
‫‪Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, 1995.‬‬
‫‪ 2‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬ألايخاص املسنون في املغرب‪ ،‬الرباط‪ ،8704 ،‬ص ‪.50-57‬‬
‫‪ 3‬وزارة ألاسرة والتضامن واملساواة والتنمية الاجتماعية‪ ،‬التقرير السنوي ألاول حول ألايخاص املسنين‪ ،‬الرباط‪ ،8702 :‬ص ‪81‬‬

‫‪93‬‬
‫عدد ألايخاص البالغين ‪ 65‬سنة فما فوق‪ ،‬املستفيدين من نيام التأمين إلاجباري ألاساس ي عن املرض‪،‬‬
‫حوالي ‪ 317.443‬من مجموع املنصرطين (من بينهم ‪ % 6.3‬مسجلين بالقبطاع الخاص‪ ،‬و‪% 36.4‬‬
‫تابعين للقبطاع العام)‪ ،‬وقد انصفضت هذه النسبة لتصبح ‪ % 35.6‬من املنصرطين خالل سنة ‪1536‬‬
‫(من بينهم ‪ % 6.6‬مسجلين بالقبطاع الخاص‪ ،‬و‪ % 34.0‬بالقبطاع العام)‪.1‬‬

‫من خالل هذه الاشارة السريعة لواقع الحماية الاجتماعية لأليخاص املسنين‪ ،‬يمكن القول إن هذه‬
‫الفئة الاجتماعية الحساسة ماتزال فئة «منسية»‪ ،‬مما يجعلها تعتمد بشكل شبه كلي على مؤسسة‬
‫ألاسرة وعلى التضامن الاجتماعي بين ألاجيال‪ ،‬والذي يتسم بالتذبذب وعدم الاستقرار خاصة في أوقات‬
‫ألازمات (أزمة كورونا نموذجا)‪ .‬كما أن الاعتماد على التضامن الاجتماعي في تدبير املسألة الاجتماعية لدى‬
‫املسنين صار رهينا بالتغيرات الاجتماعية التي أصبحت تعرفها ألاسرة املغربية منذ الاستقالل‪ ،‬خاصة مع‬
‫ما تشهده من « تنامي بعض مؤشرات الفردانية في نبطاقها‪ ،‬والتي نتجت عن انفتاح املجتمع املغربي على‬
‫الحداثة في ميادين بناء هياكل الدولة‪ ،‬وتشييد البنى التحتية‪ ،‬واتساع نبطاق العمل املأجور‪ ،‬وانتشار‬
‫التعليم واملؤسسات الصحية وإلاعالمية الكالسيكية والجديدة‪ ،‬وخروج املرأة للفضاء العام ومشاركتها‬
‫في الحياة العامة‪ ،‬والهجرة‪ ،‬والتحضر‪ .2»...‬وهكذا فإنه البد من التأكيد أن ألاسرة لم تعد قادرة على‬
‫التكفل باملسنين‪ ،‬حيث تميل شيئا فشيئا‪ ،‬إلى التصلي عن هذا الدور الذي ظل يعتبر لوقت طويل‪ ،‬من‬
‫بين أدوراها التقليدية‪ .‬لذلك فقد خلصت الندوة الدولية التي احتضنتها كلية العلوم القانونية‬
‫والاقتصادية والاجتماعية في مدينة الدار البيضاء (‪ 11-11‬نونبر ‪« )1536‬إلى ضرورة "مأسسة" التكفل‬
‫باملسنين‪ ،‬والعناية بهم‪ .‬وهنا يبرز دور الدولة»‪.3‬‬

‫كما أن روابط التضامن لدى املغاربة‪ ،‬خاصة على مستوى املمارسات‪ ،‬أصبحت يعرف تراجعا في مقابل‬
‫تبطور اهتمام بشؤنهم الشخصية‪ ،‬حيث أكد البحث الوطني حول الرابط الاجتماعي أن ‪ % 03.6‬من‬
‫ألايخاص املستجوبين يعتقدون أن املغاربة يفضلون الاهتمام بشؤونهم الشخصية‪ ،‬في حين أشار ‪04.0‬‬
‫‪ %‬أنهم ليسوا متضامين مع آلاخرين‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.87‬‬


‫‪ 2‬مجلس النواب‪ ،‬الدراسة امليدانية الوطنية حول القيم وتفعليها املؤسس ي‪ :‬تغيرات وانتيارات لدى املغاربة (ملخصات‪ :‬التقرير الوثائقي‪-‬‬
‫التقرير الكمي‪-‬التقرير الكيفي)‪ ،‬الرباط‪ :‬منشورات مجلس النواب‪ ،8788 ،‬ص ‪.83‬‬
‫‪ 3‬مصبطفى قمية‪« ،‬الشيصوخة في أفريقيا‪ :‬واقع وتحديات (الدار البيضاء‪ 83-88 ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪ ،»)8701‬إضافات‪ ،‬ربيع‪-‬صيف ‪،8700‬‬
‫العددان ‪ ،37-32‬ص ‪.807‬‬

‫‪94‬‬
‫مبيان رقم (‪ :)7‬مواقف املغاربة حول التضامن‬

‫‪80‬‬

‫‪60‬‬
‫‪59,6‬‬
‫‪40‬‬ ‫‪54,5‬‬
‫‪42,2‬‬
‫‪37,7‬‬
‫‪20‬‬

‫‪0‬‬
‫يفضل المغاربة االهتمام بشؤونهم الشخصية‬ ‫المغاربة متضامنون‬

‫نعم‬ ‫ال‬

‫املصدر‪IRES, l’enquête nationale sur le lien social, 2012, p 78. :‬‬

‫ولهذا‪ ،‬فإن الاعتماد شبه الكلي على الرابط الاجتماعي في تدبير املسألة الاجتماعي في املغرب‪ ،‬في ظل هذه‬
‫التحوالت‪ ،‬يشكل عائقا أمام بناء دولة املواطنة وحقوق الانسان‪ ،‬القائمة على توفير شروط العيش‬
‫الكريم والاستقالل الفردي‪ ،‬سواء على املستوى املادي أو املعنوي‪ .‬كما يشكل الوالء للروابط الاجتماعية‬
‫التقليدية القائمة على القرابة والقبيلة واملجموعات الاثنية والعالقات الزبونية‪ 1‬سبيال الحتدام الصراع‬
‫بين الدولة واملجتمع‪ .‬وهذا ما أكده برهان غليون‪ 2‬عند قوله‪ :‬إن الدولة التحديثية أصبحت تتصرف‬
‫كمجرد جهاز يحاول بكل الوسائل أن يسيبطر على ألارض والسكان الخاضعين له‪ .‬فلم يكن الستمرار هذا‬
‫التوتر الداخلي بين الدولة واملجتمع آثار كبيرة أو مباشرة عندما كانت الدولة قادرة على تقديم الخدمات‬
‫واملكاسب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية‪« .‬لكن ألامر اختلف كليا منذ اللحية التي بدأت الدولة‬
‫تفتقر إلى إلامكانات‪ .‬ونجم عن انهيار ما أطلقنا عليه في مكان آخر اسم وطنية الخدمات‪ ،‬شعور جديد ال‬

‫‪ 1‬سبق للعديد من الباحثين السوسيولوجيين وألانثروبولوجيين‪ ،‬مغاربة وأجانب‪ ،‬أن اشتغلوا على إشكالية العالقات الزابونية في املغرب‪،‬‬
‫حيث يعتبر هذا املفهوم واسع الاستعمال خاصة في الخبطاب السياس ي وإلاعالمي‪ .‬إن الحديث عن الزابونية من منيور سوسيولوجي‪ ،‬يجعلنا‬
‫أمام عالقة اجتماعية بين أطراف لهم مصالح متبادلة وتعتمد استراتيجيات تحافظ من خاللها على تلك املصالح عن طريق إعادة إنتاج‬
‫عالقات الهيمنة والتبعية‪« .‬تتجلى أهمية دراسة العالقات الزبونية في الواقع املغربي‪ ،‬في مميزات هذا ألاخير وفي خصوصيات العالقات‬
‫الاجتماعية‪ .‬فقد ترسخت في الحقلين السياس ي والاجتماعي لفترات عديدة‪ ،‬أنماط من السلوكيات واملمارسات التي تحكمها عالقات متشابكة‬
‫يمتزج فيها الوجه القرابي بالعشائري فالزبوني بشكل معقد ومتداخل‪ ،‬وبكيفية تحولت فيها تلك العالقات إلى منيومة من القيم واملعتقدات‪،‬‬
‫جعلت جل ألاطاراف (وخاصة عامة الناس) تبحث عن من يحميها ويؤمن لها دور الوساطة في عالقتها بمالكي السلبطة وإلاكراه (املصزن)»‪.‬‬
‫أنير‪ :‬عبد الغاني شفيق‪« ،‬النصب املحلية والعالقات الزبونية‪ :‬دراسة في بعض آليات إعادة إنتاج النفوذ باملجال القروي املغربي»‪ ،‬إضافات‪،‬‬
‫صيف ‪ ،8701‬العدد ‪ ،34‬ص ‪.054‬‬
‫‪ 2‬برهان غليون‪ ،‬املحنة العربية‪ :‬الدولة ضد ألامة‪ ،‬البطبعة الرابعة‪ ،‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،8704 ،‬ص ‪.810‬‬

‫‪95‬‬
‫يرى في الدولة إال وسيلة تدمير الشخصية ونفي املصالح العمومية‪ .‬إنها تتماهى أكثر فأكثر في ذهن الشعب‬
‫مع مجموعات املصالح الالوطنية‪ ،‬وتتجلى كأداة للسيبطرة الخارجية»‪.1‬‬

‫يمكن القول إن بناء الدولة (بمفهومها الحديث)‪ ،‬حسب نوربرت إلياس‪ ،‬يؤدي إلى زيادة الشعور‬
‫بالفردانية‪ ،‬وتتنامى أهمية الشخصية الفردية لدى إلانسان الفرد وانفصالها عن الروابط التقليدية‪.‬‬
‫ففي املراحل السابقة لبناء الدولة الحديثة كان ألافراد أكثر ارتباطا بالروابط التي ولدوا ونشؤا فيها (ألاسرة‬
‫والعائلة والقبيلة‪ .)...‬ألن هذه الروابط هي التي كانت تؤمن الحماية واملساعدة في الضرورات الحياتية‪ .‬أما‬
‫في مرحلة بناء الدولة‪ ،‬فقد صارت هذه ألاخيرة هي املكلفة بتسوية الفروق بين املواطنين‪ ،‬وال تنير إلى‬
‫الشخصية املميزة للفرد‪ .‬إن الدولة‪ ،‬بهذا املعنى‪ ،‬ال تنير إلى املواطنين كإخوة أو أفراد يشتركون روابط‬
‫عائلية واحدة‪ ،‬بل تعتبرهم أفراد منفردون مستقلون في اتصاذ قراراتهم‪.2‬‬

‫«فمن منا مثال يستبطيع تجاهل استمرار مستوى القيم وألاعراف التقليدية في حياتنا العامة‪ ،‬وتوجيهها‬
‫لسلوك مكونات وازنة من نسيجنا الاجتماعي‪ ،‬كما هي حال "الثأر" و"العار" والتضامن بفعل قرابة الدم‬
‫والاحتماء بالعائلة والقبيلة‪ .‬لذلك‪ ،‬وفي سياق امتداد هذا املوروث في البناء الجديد للدولة الوطنية‪ ،‬تعذر‬
‫وصعب عليها خلق التضامن والتالحم‬ ‫على هذه ألاخيرة ترسيخ الشعور بها بوصفها كيانا في وعي الناس‪ُ ،‬‬
‫الالزمين لجعل الوالء لها أولوية تعلو على بايي الوالءات ألاولية القائمة واملألوفة»‪.3‬‬

‫هكذا‪ ،‬فإن تدخل الدولة في حماية حقوق املواطنين وتمكينهم من سبل العيش الكريم‪ ،‬يساهم بشكل‬
‫كبير في ترسيخ قيم املواطنة والاعتزاز بالوطن‪ ،‬والذي يتجلى في املشاركة في الحياة السياسية والاجتماعية‪،‬‬
‫وتحقيق التالحم والعيش املشترك‪ ،‬بعيدا عن سياسة الترهيب والقمع‪.‬‬

‫خالصة‬

‫سعت هذه الدراسة إلى تحليل العالقة بين الدولة الاجتماعية والرابط الاجتماعي‪ ،‬من خالل الوقوف‬
‫عند مسار «الدولة الاجتماعية» باملغرب‪ .‬وقد تبين أن هذا املسار تشوبه العديد من العراقيل حالت دون‬
‫تحقيق الاندماج الاجتماعي القائم على قيم املواطنة والثقة والوالء للدولة؛ فما يزال ألافراد يعتمدون‬
‫على الروابط الاجتماعية لتلبية حاجياتهم‪ ،‬وهذا ما يغدي بعض مياهر التعصب لالنتماءات الدينية‬
‫والقبلية والوالءات الشخصية وانتشار شبكات املحسوبية وغير ذلك من مياهر ضعف الدولة وعجزها‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.810‬‬


‫‪ 2‬نوربرت إلياس‪ ،‬مجتمع ألافراد‪ ،‬ترجمة هاني صالح‪ ،‬سوريا‪ :‬دار الحوار‪.802 ،8705 ،‬‬
‫‪ 3‬امحمد مالكي‪« ،‬الاندماج الاجتماعي وبناء مجتمع املواطنة في املغرب الكبير»‪ ،‬في‪ :‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬جدليات الاندماج الاجتماعي وبناء‬
‫الدولة وألامة في الوطن العربي‪ ،‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،8705 ،‬ص ‪.100‬‬

‫‪96‬‬
‫فبناء الدولة الاجتماعية على أسس متينة‪ ،‬ال يقتصر فقط في إنجاز برامج وإصدار تشريعات‪ ،‬بل البد من‬
‫النير إلى طبيعة العالقات السائدة في املجتمع‪ ،‬التي تؤطرها مجموعة من القيم واملعتقدات والرموز‬
‫واملؤسسات‪ .‬إن الاستمرار في الاعتماد على القنوات التي توفرها الروابط الاجتماعية (ألاولية) لتوفير‬
‫الرعاية الاجتماعية ‪ ،‬يعيق تحقيق مجتمع املواطنين القائم على قيم الديموقراطية والاستقالل الفردي‬
‫واملبادرة الفردية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن رهان الدولة الاجتماعية هو بناء الثقة بين املواطنين في ما بينهم‪ ،‬وفي‬
‫عالقتهم بالدولة‪ ،‬من خالل تنمية الشعور باالنتماء والكرامة‪ ،‬من أجل تحقيق السلم الاجتماعي والعيش‬
‫املشترك‪.‬‬

‫الئحة املراجع‬

‫املراجع باللغة العربية‪:‬‬


‫إلياس‪ ،‬نوربرت‪ .‬مجتمع ألافراد‪ .‬ترجمة هاني صالح‪ .‬سوريا‪ :‬دار الحوار‪.8705 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫أمشنوك‪ ،‬رشيد‪« .‬الحماية الاجتماعية‪ :‬أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها»‪ .‬في‪ :‬إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي‬ ‫‪‬‬
‫(تنسيق)‪ .‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ .‬املركز املغربي‬
‫لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،8788 ،‬ص ‪.85-00‬‬
‫ألانصاري‪ ،‬عبد املنعم‪« .‬قراءة في القانون إلاطار ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية»‪ .‬في‪ :‬إبراهيم بلوح ويونس‬ ‫‪‬‬
‫املجدوبي (تنسيق)‪ .‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬املركز‬
‫املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،8788 ،‬ص ‪.32-84‬‬
‫أوراز‪ ،‬رشيد وكولين‪ ،‬فرانشيسكو‪ .‬مؤشر الثقة في املؤسسات ‪ :8787‬البرملان وما وراءه في املغرب تجديد الثقة‬ ‫‪‬‬
‫من خالل بحث جذور نقصها‪ .‬الرباط‪ :‬املعهد املغربي لتحليل السياسات‪.8787 ،‬‬
‫الباروميتر العربي‪ .‬املغرب‪ :‬تقرير استبطالعات الرأي العام الدورة السابعة‪ .8788 .‬في‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪https://bit.ly/40nANm4‬‬
‫بريكس ي‪ ،‬هانا‪ ،‬ولست‪ ،‬إيلين‪ ،‬وولكوك‪ ،‬مايكل‪ .‬الثقة‪ ،‬والصوت والحوافز‪ :‬التعلم من قصص النجاح املحلية‬ ‫‪‬‬
‫في تقديم الخدمات في منبطقة الشرق ألاوسط وشمال أفريقيا‪ .‬واشنبطن‪ ،‬البنك الدولي‪.8704 ،‬‬
‫بن بيه‪ ،‬رشيد‪« .‬تصنيف نمط الرفاه الاجتماعي املغربي باعتماد منيور النوع الاجتماعي»‪ .‬إضافات‪ ،‬خريف‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،8700‬العدد ‪ ،57‬ص ‪.057-081‬‬
‫بيكيتي‪ ،‬توماس‪« .‬الدولة الاجتماعية في القرن الواحد والعشرون»‪ .‬في‪ :‬رأس املال في القرن الحادي والعشرين‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫ترجمة وائل جمال وسلمى حسين‪ .‬دار التنوير‪ ،‬ص ‪.430-474‬‬
‫تقرير التنمية البشرية‪ .‬الثروة الحقيقية لألمم‪ :‬مسارات إلى التنمية البشرية‪ .‬واشنبطن‪ :‬برنامج ألامم املتحدة‬ ‫‪‬‬
‫إلانمائي‪.8707 ،‬‬
‫حوكا‪ ،‬بن أحمد‪« .‬الرأسمال الاجتماعي وراببطة العيش املشترك‪ :‬دراسة في الركائز ألاخالقية والثقافية لالجتماع‬ ‫‪‬‬
‫السياس ي في املغرب»‪ .‬إضافات‪ ،‬شتاء‪-‬ربيع ‪ ،8704‬العددان ‪ ،37-87‬ص ‪.028-018‬‬
‫دالي‪ ،‬ماري‪ .‬الرفاه‪ .‬ترجمة عمر التل‪ .‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪.8704 ،‬‬ ‫‪‬‬

‫‪97‬‬
‫دويدار‪ ،‬محمد‪ ،‬وودالل‪ ،‬عبد الهادي‪« .‬تاريخ نشوء وتبطور دولة الرفاهية الاجتماعية والتحوالت البنيوية في‬ ‫‪‬‬
‫اقتصاديات الدول املتقدمة صناعيا»‪ .‬في‪ :‬دولة الرفاهية الاجتماعية‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫‪ ،8771‬ص ‪.004‬‬
‫ديكسون‪ ،‬جون وشيريل‪ ،‬روبرت‪ .‬دولة الرعاية الاجتماعية في القرن العشرين‪ :‬تجارب ألامم املتقدمة في تكريم‬ ‫‪‬‬
‫الانسان‪ .‬ترجمة سارة الذيب‪ .‬بيروت‪ :‬الشبكة العربية لألبحاث والنشر‪.8705 ،‬‬
‫رشيق‪ ،‬عبد الرحمان‪ .‬الحركات الاحتجاجية في املغرب‪ :‬من التمرد إلى التياهر‪ .‬ترجمة الحسين سحبان‪ .‬الرباط‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫منتدى بدائل املغرب‪.8705 ،‬‬
‫زعنون‪ ،‬عبد الرفيع‪« .‬تعميم الحماية الاجتماعية‪ :‬تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التصلي؟»‪ .‬في‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪https://mipa.institute/8856‬‬
‫سالم‪ ،‬جميل‪« .‬قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية‪ :‬النموذج ألاملاني دارسات حول نموذج اقتصاد السوق‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعي»‪ .‬معهد الحقوق ‪ -‬جامعة بيرزيت‪.8702 ،‬‬
‫شفيق‪ ،‬عبد الغاني‪« .‬النصب املحلية والعالقات الزبونية‪ :‬دراسة في بعض آليات إعادة إنتاج النفوذ باملجال‬ ‫‪‬‬
‫القروي املغربي»‪ .‬إضافات‪ ،‬صيف ‪ ،8701‬العدد ‪ ،34‬ص ‪.040-050‬‬
‫طارق‪ ،‬حسن‪« .‬تاريخ السياسات الاجتماعية في املغرب‪ :‬محاولة في التحقيب»‪ .‬املجلة املغربية للسياسات‬ ‫‪‬‬
‫العمومية‪ ،8772 ،‬عدد مزدوج ‪( 3-8‬السياسات الاجتماعية باملغرب بين الهاجس ألامني والضرورة التنموية)‪،‬‬
‫ص ‪.80-0‬‬
‫غليون‪ ،‬برهان‪ .‬املحنة العربية‪ :‬الدولة ضد ألامة‪ .‬البطبعة الرابعة‪ .‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة‬ ‫‪‬‬
‫السياسات‪.8704 ،‬‬
‫القادري‪ ،‬علي‪« .‬البنية الفكرية ملفهوم دولة الرفاهية»‪ .‬في‪ :‬دولة الرفاهية الاجتماعية‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات‬ ‫‪‬‬
‫الوحدة العربية‪ ،8771 ،‬ص ‪.072-20‬‬
‫قمية‪ ،‬مصبطفى‪« .‬الشيصوخة في أفريقيا‪ :‬واقع وتحديات (الدار البيضاء‪ 83-88 ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.»)8701‬‬ ‫‪‬‬
‫إضافات‪ ،‬ربيع‪-‬صيف ‪ ،8700‬العددان ‪ ،37-32‬ص ‪.807-800‬‬
‫اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ .‬النموذج التنموي الجديد‪ :‬تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة‬ ‫‪‬‬
‫التقدم وتحقيق الرفاه للجميع‪ :‬التقرير العام‪ .‬أبريل ‪.8780‬‬
‫مالكي‪ ،‬امحمد‪« .‬الاندماج الاجتماعي وبناء مجتمع املواطنة في املغرب الكبير»‪ .‬في‪ :‬مجموعة مؤلفين‪ .‬جدليات‬ ‫‪‬‬
‫الاندماج الاجتماعي وبناء الدولة وألامة في الوطن العربي‪ .‬بيروت‪ :‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪،‬‬
‫‪ ،8705‬ص ‪.032-113‬‬
‫املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ .‬ألاطلس املجالي الترابي لالنقبطاع الدراس ي‪ :‬تحليل مسار فوج‬ ‫‪‬‬
‫‪ 8702-8705‬والخرائبطية إلاقليمية‪.8707 .‬‬
‫املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ .‬مدرسة العدالة الاجتماعية‪ :‬مساهمة في التفكير حول النموذج‬ ‫‪‬‬
‫التنموي‪ .‬في‪https://bit.ly/3ZpYFnV :‬‬
‫املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ .‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ :‬تحليل وتوصيات‪ .‬الرباط‪.8703 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬ألايخاص املسنون في املغرب‪ .‬الرباط‪ .8704 ،‬في‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪https://bit.ly/3zetPE4‬‬

‫‪98‬‬
‫ تغيرات وانتيارات لدى املغاربة‬:‫ الدراسة امليدانية الوطنية حول القيم وتفعليها املؤسس ي‬.‫مجلس النواب‬ 
.8788 ،‫ منشورات مجلس النواب‬:‫ الرباط‬.)‫التقرير الكيفي‬-‫التقرير الكمي‬-‫ التقرير الوثائقي‬:‫(ملخصات‬
:‫ في‬.‫ الحصيلة واملكاسب‬:8705-8774 ‫ املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‬.‫املرصد الوطني للتنمية البشرية‬ 
https://bit.ly/3KdVGdP
‫ املعهد املغربي‬:‫ رباط‬.‫ نتائج أولية‬:‫ الثقة في إلادارة العمومية خالل عصر الوباء‬.‫ وآخرون‬،‫ محمد‬،‫مصباح‬ 
.8788 ،‫لتحليل السياسات‬
.8774 .‫ الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية‬:‫املغرب املمكن‬ 
:‫ في‬.8787 ‫ تقرير حول مؤشرات التنمية البشرية باملغرب لسنة‬.‫املندوبية السامية للتصبطيط‬ 
https://bit.ly/3ntafl0
‫ من أجل عالم عمل متمحور حول إلانسان (مؤتمر‬:‫ بناء مستقبل الحمایة الاجتماعية‬.‫منيمة العمل الدولية‬ 
،8780 ،‫ مكتب العمل الدولي‬:‫ جنيف‬،8780 ،077 ‫ الدورة‬.‫العمل الدولي‬
:‫ بيروت‬.‫ ترجمة املولدي ألاحمر‬.‫ شكل التبادل وعلته في املجتمعات القديمة‬:‫ بحث في الهبة‬.‫ مارسيل‬،‫موس‬ 
.8700 ،‫املنيمة العربية للترجمة‬
:‫ الرباط‬،‫ التقرير السنوي ألاول حول ألايخاص املسنين‬.‫وزارة ألاسرة والتضامن واملساواة والتنمية الاجتماعية‬ 
.8702
:‫املراجع باللغات ألاجنبية‬
 Castel, Robert. L’insécurité sociale : qu’est-ce qu’être protégé?. Paris : Édition du Seuil et La
République des Idées, 2003.
 CATUSSE, Myriam. « Maroc : un fragile État social dans la réforme néo-libérale ». in : Catusse,
Myriam, Destremau, Blandine et Verdier, Eric (dir). L'Etat face aux débordements social au Maghreb
: Formation, travail et protection sociale. EDITIONS KARTHALA, 2009, p 187-228.
 CHEKROUN, Mohammed. Citoyenneté et lien social au Maroc. Rabat : Faculté des Lettre et des
Sciences Humaines, 2010.
 CHERKAOUI, Mohamed. L’ordre sociopolitique et la confiance dans les institutions au Maroc.
Rabat, IRES, 2010. (Programme d’études « Lien social au Maroc »).
 DURKHEIM, Émile. De la division de travail social. 8e éd. Paris : PUF, 2019.
 ELHARRAS, Mokhtar. « L’étudiant et sa famille ». In : BOURQIA, R., EL HARRAS M., et BENSAÏD D.
Jeunesse estudiantine marocaine : valeurs et stratégies. Rabat : Publication de la Faculté des Lettres
et des Sciences Humaines, 1995.
 HCP. Enquête Nationale sur les Jeunes. Rabat, 2011.
 IRES. L’enquête nationale sur le lien social. Rabat, 2012.
 ONDH. Rapport sur le développement humain 2020 : « être jeune au Maroc de nos jours ». Rabat,
2020. https://bit.ly/3U0oGsY
 RAMAUX, Christophe. L’État social : pour sortir du chaos néolibéral. Paris : MILLE ET UNE NUITS,
2012

99
‫املحور الثاني‬
‫الدولة الاجتماعية في املغرب‪:‬‬
‫الخصوصيات والتجليات‬

‫‪100‬‬
‫بناء الدولة الاجتماعية في سياق مطالب الحركات الاجتماعية‪:‬‬
‫من حركة ‪ 87‬فبراير إلى حراك الهامش‬
‫عبد الواحد أوامن‬
‫دكتور باحث في القانون‬
‫العام والعلوم السياسية‬
‫مقدمة‬
‫شكل مبطلب الدولة الاجتماعية باملغرب رهانا قائم الذات‪ ،‬من خالل تيافر الكثير من الدواعي السياسية‬
‫والاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬املرتببطة بالسياسات الاجتماعية والتنموية التي تنهجها الدولة‪ .‬وإن كانت هذه‬
‫السياسات لم تعد قادرة على تلبية الحاجيات الاجتماعية للمواطنات واملواطنين‪ ،‬فإن تزايد التوترات‬
‫الاجتماعية نتاج نهائي لالعتراف بنهاية جدوى هذه السياسات التنموية‪ ،‬وإعالن إعادة النير في البرامج‬
‫الاجتماعية القائمة‪ ،‬وبلورة أخرى تتماش ى مع التحوالت الاجتماعية‪.‬‬
‫وألجل ذلك‪ ،‬تستدعي الضرورة تدخل الدولة وبايي الفاعلين‪ ،‬للحد من الاحتقان الاجتماعي الذي تجسده‬
‫الحركات الاجتماعية‪ ،‬على اعتبار أن املسألة الاجتماعية من ألاولويات املهمة عند هذه الحركات‪ ،‬سواء‬
‫مع أحداث الربيع العربي مع حركة ‪ 87‬فبراير وإن كان ذلك بشكل ثانوي‪ ،‬أو مع الحركات الاجتماعية‬
‫بالريف وجرادة ومناطق أخرى‪ ،‬والتي جعلت من املسألة الاجتماعية مبطلبا أساسيا لبناء الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬سيما بعد جائحة كوفيد ‪ 07‬وما ترتب عنها من آثار وخيمة على الجانب الاجتماعي‪.‬‬
‫كل هذه املحددات ساهمت بشكل أو بآخر‪ ،‬في إعادة ترتيب ألاولويات التي صاغتها الدولة في تنفيذ‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬وبالتالي فإن أهمية الدراسة تنحو لتشخيص تحول تصور الدولة للمسألة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬بناء على املبطالب الاحتجاجية التي تؤكد على أن الجانب الاجتماعي يستدعي بالضرورة‬
‫صياغة برامج تنموية تستهدف الفئات الاجتماعية الهشة‪ ،‬وتعيد التوازن بين البطبقات الاجتماعية مما‬
‫سيحقق ألامن املجتمعي املنشود‪.‬‬
‫وتهدف هذه الدراسة إلى تشخيص محورية املبطالب الاجتماعية لدى الحركات الاجتماعية‪ ،‬وتحليل دورها‬
‫في تقييم السياسات الاجتماعية السائدة‪ ،‬وبلورة قيم الدولة الاجتماعية‪ .‬إلى جانب التأكيد على أهمية‬
‫البعد الاجتماعي في السياسات العمومية‪ ،‬ودوره في تحقيق السلم الاجتماعي‪ ،‬مع إلاشارة إلى أن ما تم‬
‫تحقيقه على املستوى الاجتماعي من مبادرات‪ ،‬وأورا اجتماعية قبل وبعد ألازمة الصحية لكوفيد ‪،07‬‬
‫كان نتاج مجموعة من العوامل؛ أبرزها احتجاجات الحركات الاجتماعية التي ساهمت في إعادة طرح‬
‫املسألة الاجتماعية للنقا باملغرب‪.‬‬
‫وفي خضم الدينامية السياسية والاجتماعية التي يشهدها املغرب‪ ،‬منذ عام ‪ 8700‬مع الحراك الاجتماعي‬
‫مرورا باحتجاجات الهامش والفضاء الرقمي‪ ،‬ووصوال إلى تداعيات جائحة كوفيد ‪ 07‬على املجال‬
‫ُ‬
‫الاجتماعي‪ ،‬ف ِت َح النقا العمومي حول نموذج تنموي بديل‪ ،‬قائم على ميثاق وطني من شأنه أن يؤسس‬

‫‪101‬‬
‫ملقومات الدولة الاجتماعية‪ ،‬عل اعتبار أن املسألة الاجتماعية قد تأخد أشكاال مصتلفة حسب وجهة نير‬
‫الدولة أو املجتمع‪ ،‬فبالنسبة لوجهة نير الدولة؛ يمكن تشخيص املسألة الاجتماعية انبطالقا من سياستها‬
‫العمومية القائمة على البرامج الاجتماعية والتنموية الضامنة لحقوق جميع أفراد املجتمع‪ ،‬إلى جانب‬
‫اعتماد مجموعة من التدابير املرتببطة بتعبئة املوارد املالية والبشرية‪ ،‬والعمل على تأهيل الفاعلين في هذه‬
‫العملية‪ ،‬بما سيسهم في بلورة حلول وفق مقاربات شمولية‪ .‬أما فيما يصص وجهة نير املجتمع والتي‬
‫تجسدها الحركات الاجتماعية ؛ فإنها تستند على العديد من املبطالب والحاجيات التي تسعى من خاللها‬
‫إلى الربط بين الاحتجاج والاقتراح‪ .‬وعلى هذا ألاساس تبطلبت الدراسة طرح إلاشكالية التالية‪:‬‬
‫إلى أي حد ساهمت الحركات الاجتماعية باملغرب أثناء وبعد أحداث الربيع العربي في دعم مراجعة‬
‫الدولة للمسألة الاجتماعية؟‬
‫وتقوم هذه الدراسة على فرضية مفادها‪ ،‬أن مبطلب الدولة الاجتماعية خاضع لتجاذبات الدولة‬
‫واملجتمع‪ ،‬سيما وأنه مبطلب تتداخل فيه املكونات السياسية والاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬التي تشرف على‬
‫تنزيلها الدولة من خالل مؤسساتها‪ ،‬إال أنها تصضع لتقييم وتتبع املجتمع من خالل الحركات الاجتماعية‪.‬‬
‫تتبطلع هذه الدراسة إلى الاستعانة باملنهج الوصفي التحليلي‪ ،‬من أجل رصد املسألة الاجتماعية في‬
‫مبطالب الحركات الاجتماعية التي شهدها املغرب مع أحداث الربيع العربي‪ ،‬وبعده مع احتجاجات الهامش‪،‬‬
‫إلى جانب تحليل سبل استيعاب محددات الدولة الاجتماعية باملغرب‪ ،‬انبطالقا من مقومات تنموية‬
‫مرتببطة بتبني مسار تنموي جديد‪ ،‬وأورا اجتماعية تستهدف تحقيق أسس الدولة الاجتماعية‪ ،‬على‬
‫الرغم من إلاكراهات التي تواجه تنزيلها‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬سيتم تحليل إلاشكالية املبطروحة وفق محورين‪:‬‬
‫‪ ‬املحور ألاول‪ :‬محورية املسألة الاجتماعية عند الحركات الاجتماعية‬
‫‪ ‬املحور الثاني‪ :‬املسألة الاجتماعية بين التوافق املجتمعي وإرساء ركائز الدولة الاجتماعية‬

‫املحور ألاول‪ :‬محورية املسألة الاجتماعية عند الحركات الاجتماعية‬


‫ال تعدو املسألة الاجتماعية أن تغيب في بنود املبطالب التي تنادي بها الحركات الاجتماعية‪ ،‬إذ يشكل البعد‬
‫الاجتماعي في أغلب ألاحيان الشرارة التي تنبطلق منها الحركات الاجتماعية لالحتجاج عن ألاوضاع القائمة‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد شهدت بالدنا امتدادا للحركات الاجتماعية منذ عام ‪ 8700‬مع حدث الربيع العربي‪،‬‬
‫سواء في املركز أو الهامش؛ في الفضاء العام أو الفضاء الرقمي‪ ،‬فمهما اختلفت دوافعها إال أن أغلبها ينهل‬
‫من التحديات املرتببطة بالبرامج الاجتماعية في بعدها التنموي املحقق للعدالة الاجتماعية بمصتلف‬
‫أبعادها‪ ،‬والتي لها عالقة وطيدة باملعيش اليومي للمواطن‪ ،‬وإذا كان لكل فعل احتجاجي مبطلبه الخاص‪،‬‬
‫فإنه يتراوح بين ما هو سياس ي بالدرجة ألاولى مع إيالء البعد الاجتماعي درجة ثانية من ألاهمية‪ ،‬كما هو‬
‫حال حركة ‪ 87‬فبراير‪ ،‬وبين ما هو قائم على أهداف اجتماعية اقتصادية تعبطي ألاولوية للمسألة‬

‫‪102‬‬
‫الاجتماعية كما هو حال حراك الريف‪ ،‬جرادة وغيرها‪ ،‬ومن هذا املنبطلق سنرصد ألهمية املسألة‬
‫الاجتماعية عند الحركات الاجتماعية أثناء وبعد الربيع العربي‪.‬‬

‫‪ .1‬التمثالت الاجتماعية عند حركة ‪ 02‬فبراير‬


‫شكلت املسألة الاجتماعية عنصرا ثانويا في املغرب منذ الاستقالل‪ ،‬من منبطلق أن التقدم الاجتماعي‬
‫مرهون بالتقدم الاقتصادي‪ ،‬ألامر الذي ترتب عنه الكثير من الاختالالت التي همت ارتفاع معدالت‬
‫الببطالة‪ ،‬الفقر والهشاشة‪ ،‬وفي هذا الصدد يعتبر حراك ‪ 87‬فبراير الذي انبطلق عام ‪ 8700‬في املغرب دليال‬
‫على محدودية السياسات الاجتماعية والبرامج التي رصدت لتأمين البعد الاجتماعي للمواطنين‪ ،‬وذلك منذ‬
‫سنة ‪ 8777‬مع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية وغيرها من املبادرات التي لم تساهم في تحقيق اندماج‬
‫اجتماعي شامل‪.1‬‬
‫كما أدى غياب الدولة الاجتماعية إلى ارتفاع الببطالة في صفوف الشباب حاملي الشواهد العليا‪ ،‬وساهم‬
‫في حرمان الخزينة العامة من مداخيل املؤسسات التي تم تفويت جزء منها بفعل الخوصصة‪ ،‬ألامر الذي‬
‫أثر بشكل سلبي على املشهد الاقتصادي للمجتمع املغربي‪ ،‬على اعتبار أن عائدات التفويت لم تستبطع‬
‫مواكبة املتبطلبات الاجتماعية‪.2‬‬
‫وانبطالقا من هذه املحددات‪ ،‬وأخرى سياسية واقتصادية‪ ،‬أصدرت حركة ‪ 87‬فبراير‪ 3‬قبل تاريخ التياهر‬
‫ما يقارب سبعة وثائق بمثابة وثائق تأسيسية للحركة‪ ،‬والتي تضمنت مبطالب موجهة إلى املؤسسة امللكية‬
‫نيرا للمكانة الدستورية والسياسية التي تحتلها داخل النسق السياس ي والاجتماعي باملغرب‪.4‬‬
‫إن املالحظ في هذه الوثائق‪ ،‬أنها تضم العديد من املبطالب التي يمكن تقسيمها إلى ثالث مستويات‬
‫متداخلة فيما بينها‪ ،‬يتجلى أولها في مبطلب سياس ي قائم على إعادة صياغة الوثيقة الدستورية من طرف‬
‫هيئة منتصبة‪ ،‬وبموجب هذه الوثيقة يتم تنييم العالقة بين النيام الحاكم واملواطنين‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫نقل نيام الحكم إلى ملكية برملانية؛ في حين يتمثل املبطلب الثاني في البعد الاجتماعي القائم على العدالة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬إذ يتضمن املساواة في الولوج إلى الخدمات الاجتماعية‪ ،‬وتقليص الفوارق الاجتماعية وتوفير‬

‫‪ 1‬محمد فاوبار‪ ،‬أدوار الشباب الجديدة وسياسات الدولة في إلادماج في املغرب بعد حراك ‪ ،8700‬ضمن مؤلف جماعي‪ :‬الشباب والانتقال‬
‫الديمقراطي في البلدان العربية‪ ،‬تحرير‪ :‬عبد الفتاح ماض ي‪ ،‬عبده موس ى‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألولى‪،‬‬
‫‪ ،8707‬ص‪.415-413 :‬‬
‫‪ 2‬محمد الحاجي الدريس ي‪ ،‬السياسات الاجتماعية باملغرب والتوجهات الهجراتية للشباب املتعلم‪ :‬أية عالقة؟‪ ،‬مجلة الاقتصاد واملجتمع‪،‬‬
‫معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية‪ ،‬املجلد ألاول‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬أكتوبر‪ -‬دجنبر ‪ ،8788‬ص‪.23 :‬‬
‫‪ 3‬حركة احتجاجية مغربية برزت بتاريخ ‪ 87‬فبراير ‪ ،8700‬إذ جسدت نسخة محلية عن ألاحداث التي شهدتها الدول العربية‪ ،‬والتي أطلق‬
‫عليها اسم الربيع العربي‪ ،‬بفعل تيافر العديد من الدوافع الداخلية والخارجية‪ ،‬ونجحت الحركة في خلق تفاعل مع هياكل الدولة‪ ،‬باعتبارها‬
‫فاعال جديدا داخل املشهد السياس ي‪ ،‬وقد تمصض عن هذه الحركة إقرار املراجعة الدستورية‪.‬‬
‫‪ 4‬عبد الرحيم خالص‪ ،‬مبطالب الحراك باملغرب بين الخبطاب امللكي والنص الدستوري‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ :‬مغرب ما بعد حراك ‪8700‬‬
‫ماذا تغير؟ إشراف وتنسيق‪ :‬محمد باسك منار‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8701 ،‬ص‪.03 :‬‬

‫‪103‬‬
‫سبل العيش الكريم‪ .‬في حين يجسد املبطلب الثالث وألاخير الركن الاقتصادي الذي يدعو إلى القبطع مع‬
‫كل أشكال الفساد واقتصاد الريع‪ ،‬وعدم الجمع بين السلبطة والثروة ورفض املحسوبية والزبونية‪.1‬‬
‫وبالرجوع إلى البالغ التأسيس ي لتيار "حرية وديمقراطية آلان" الذي يشكل جزءا من حركة ‪ 87‬فبراير إلى‬
‫جانب كل من "‪ 87‬فبراير الشعب يريد التغيير" و"‪ 87‬فبراير من أجل الكرامة الانتفاضة هي الحل"‪ ،‬نجده‬
‫يضم خمسة مبطالب رئيسية تبدو في مضمونها سياسية‪ ،‬باستثناء املبطلب الثالث الداعي إلى القيام‬
‫بإجراءات فورية حقيقية وملموسة‪ ،‬للتصفيف من معاناة الشعب املغربي وإحداث صندوق عاجل‬
‫للتعويض عن الببطالة‪ ،‬موجه للشباب املعبطل‪ ،2‬وتشغيل حاملي الشواهد العليا املعبطلين واتصاذ‬
‫سياسات رامية إلى التصفيف من حدة ألازمة الاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬إلى جانب خفض ألاسعار والرفع‬
‫من ألاجور‪ .3‬ألامر الذي يحيل إلى كون املسألة الاجتماعية عند حركة ‪ 87‬فبراير ثانوية‪ ،‬مقارنة باملبطالب‬
‫ذات البعد السياس ي‪.4‬‬
‫يستشف مما سبق‪ ،‬أن حركة ‪ 87‬فبراير لم تولي اهتماما بالغا للمسألة الاجتماعية في صياغة ملفها‬
‫املبطلبي‪ ،‬إذ راهنت على البعد السياس ي كأولوية أساسية لبلوغ الديمقراطية‪ ،‬على أساس أن املدخل‬
‫السياس ي حاسم ملعالجة مصتلف إلاشكاالت الاجتماعية في إطار التدرج‪.‬‬
‫وما يؤكد هذا البطرح‪ ،‬هو أن الربط بين املدخل السياس ي والاجتماعي في غاية ألاهمية‪ ،‬على اعتبار أن‬
‫املواطن املهمش وغير الفاعل على املستوى السياس ي‪ ،‬قد ال يتمكن من الحصول على حقوقه الاقتصادية‬
‫والاجتماعية‪ ،‬كما قد يجد صعوبة في التعبير عن حرمانه من هذه الحقوق‪ ،‬وعلى هذا ألاساس تعتبر‬
‫املسألة الاجتماعية راببطا يجمع بين البعد السياس ي والاجتماعي‪ ،‬سيما وأن الارتباط الفعلي بين هذين‬
‫البعدين من شأنه أن يساهم في إيجاد حلول لإلشكاليات املبطروحة‪.5‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Joseph H, Les Rapports entre générations dans le mouvement du 20 février, Ouvrage collectif : Le Maroc au Présent : d’une‬‬
‫‪époque à l’autre, une société en mutation, Edité par : Baudouin Dupret, Zakaria Rhani, Assia Boutaleb, Jean Noel Ferrié, Centre‬‬
‫‪Jacques Breque- Fondation du Roi Abdul -Aziz Al Saoud pour les Etudes Islamiques et les Sciences Humaines, Casablanca,‬‬
‫‪2015, p : 671-680.‬‬
‫‪ 2‬الحبيب استاتي زين الدين‪ ،‬الحركات الاحتجاجية في املغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪،‬‬
‫قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8707 ،‬ص‪.385 :‬‬
‫‪ 3‬سيدي موالي أحمد عيالل‪ ،‬مدى فاعلية حركة ‪ 87‬فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ :‬الثورات العربية‬
‫عسر التحول الديمقراطي ومآالته‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬محمد جمال باروت‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪ ،8702‬ص‪.800 :‬‬
‫‪ 4‬عبد الرحمان رشيق‪ ،‬املجتمع ضد الدولة‪ :‬الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع‪ ،‬ترجمة‪ :‬عز الدين العالم‪ ،‬منشورات ملتقى البطرق‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪ ،8780 ،‬ص‪.007 :‬‬
‫‪ 5‬فؤاد الصالحي‪ ،‬ثورات الربيع العربي ومبطلب العدالة الاجتماعية‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ :‬العدالة الاجتماعية املفهوم والسياسات بعد‬
‫الثورات العربية‪ ،‬منتدى البدائل العربي للدراسات ومؤسسة روزا لوكسمبورغ‪ ،8708 ،‬ص‪.000 :‬‬

‫‪104‬‬
‫وبما أن للحركات الاجتماعية بعد جماهيري‪ ،‬فإنها مؤشر دال على وجود اختالل في النسق السياس ي‪،1‬‬
‫كما أنها نتاج فشل السياسات الاجتماعية على مستوى الهامش‪ ،‬الذي أفرز العديد من الاحتجاجات بكل‬
‫من الريف‪ ،‬جرادة‪ ،‬زاكورة‪ ،‬مباشرة بعد أحداث الربيع العربي‪.‬‬

‫‪ .0‬التصور الاجتماعي عند احتجاجات الهامش‬


‫شهدت الحركات الاجتماعية كموضوع للنقا والتحليل املعرفي‪ ،‬العديد من التبطورات املرتببطة باألشكال‬
‫التي تتصذها وبمجال تبطورها داخل الفضاءات العامة والرقمية‪ ،‬وفي خضم العديد من التحوالت‪ ،‬واكبت‬
‫الحركات الاجتماعية املبطالب التي تنادي بها‪ ،‬والتي تبقى في جوهرها مرتببطة بالعدالة الاجتماعية واملجالية‬
‫كمبطلب أنجع للتحديات التي تواجه السياسات الاجتماعية‪ ،‬خصوصا بعد حراك ‪ 87‬فبراير‪.‬‬
‫وفي سياق هذه التحديات‪ ،‬توالت الاحتجاجات الاجتماعية بعد حدث الربيع العربي‪ ،‬إذ تضمنت فئات‬
‫اجتماعية مصتلفة من أطر معبطلة وطلبة كلية البطب‪ ،‬تم ألاساتذة التابعين لوزارة التربية والتكوين‪،‬‬
‫وانتفاضة الشموع ببطنجة‪ ،‬إلى جانب الحراك الشعبي بكل من الريف وجرادة وزاكورة‪.‬‬
‫وعلى خالف الاحتجاجات الفئوية‪ ،‬ارتبط تزايد الحركات الاجتماعية التي تلت الربيع العربي باملناطق‬
‫الهامشية‪ ،‬التي تعرف تنمية محدودة وغير منصفة على مستوى السياسات الاجتماعية‪ ،‬ويتضح ذلك من‬
‫خالل نسب الببطالة املرتفعة بين الشباب‪ ،‬وصعوبة الولوج للخدمات الاجتماعية والاقتصادية ألاساسية‪،‬‬
‫ألامر الذي ولد نوعا من الحرمان والتهميش‪ .‬كما أثر سلبا على الواقع املعيش لساكنة املناطق الهامشية‬
‫املحتجة التي تشهد خصاصا مهوال في املؤسسات التعليمية‪ ،‬ومحدودية البنيات الصحية إلى جانب نقص‬
‫حاد في ألاطر البطبية‪ .‬كما أن مؤسسات التعاون الوطني تكاد تكون شبه منعدمة‪ ،‬إذ ال توفر مرافق‬
‫اجتماعية أو تربوية للمرتفقين من أمهات (دار ألامومة) وطلبة (إقامات‪ ،‬مؤسسات التكوين املنهي‪.2)...‬‬
‫وعلى هذا املنوال‪ ،‬شهدت العديد من املناطق حركات اجتماعية (خريبكة‪ ،‬طاطا‪ ،‬بن جرير‪ ،‬وزان‪ ،‬آسفي‪،‬‬
‫أزرو‪ )...‬ارتببطت مبطالبها بقضايا التنمية والعدالة الاجتماعية ورفع مياهر التهميش‪ ،‬وتوفير الخدمات‬
‫الاجتماعية الضرورية لتجاوز إلاقصاء الذي تعاني منه ساكنة هذه املناطق‪ ،3‬فأغلب الحركات الاجتماعية‬
‫في عمقها كانت من أجل املبطالب املادية الاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬والتي تتيح قدرا مهما من التعبئة‬
‫والحشد‪ ،‬املساهم في صياغة خبطاب الانتماء الجماعي ملجال جغرافي متعدد ولكن ذو مصير مشترك‪.4‬‬

‫‪ 1‬عبد الواحد أوامن‪ ،‬تاريخ الحركات الاحتجاجية بين املفهوم والنيريات‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ :‬الحركات الاحتجاجية في الوطن العربي‬
‫دراسة في متغيرات الاستقرار والالاستقرار لألنيمة العربية‪ ،‬تنسيق‪ :‬املصبطفى بوجعبوط‪ ،‬املركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية‬
‫والسياسية والاقتصادية‪ ،‬أملانيا‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8707 ،‬ص‪.87 :‬‬
‫‪ 2‬حسن أدونيس‪ ،‬الريف الخصوصيات التاريصية والاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ :‬حراك الريف نضال شعبي ببطولي من‬
‫أجل الحرية والعدالة الاجتماعية‪ ،‬جمعية أطاك املغرب‪ ،8702 ،‬ص‪.03 :‬‬
‫‪ 3‬مصبطفى جال‪ ،‬احتجاجات املغرب بين أزمة الوساطات وأزمة التوافقات‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬قبطر‪ 8 ،‬أبريل ‪ ،8702‬ص‪.4 :‬‬
‫‪ 4‬محمد سعدي‪ ،‬حراك الريف ديناميات الهوية الاحتجاجية‪ ،‬سليكي أخوين‪ ،‬طنجة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8707 ،‬ص‪.830 :‬‬

‫‪105‬‬
‫والالفت للنير‪ ،‬أن الحركات الاجتماعية التي شهدها الفضاء العام باملغرب في السنوات ألاخيرة تشخص‬
‫تحوال حاصال في مبطالبها والفضاء الذي تنبطلق منه‪ ،‬فبالنسبة للعنصر ألاول املتمثل في املبطالب‪ ،‬يتضح‬
‫أن هذه الحركات الاجتماعية تجهر باملبطالب الاجتماعية ‪-‬الاقتصادية بالدرجة ألاولى‪ ،‬عكس حركة ‪87‬‬
‫فبراير التي استندت مبطالبها باألساس على الجوانب السياسية‪ ،‬هذا من جهة؛ ومن جهة العنصر الثاني‬
‫فهو يتمثل في طبيعة الحركات الاجتماعية التي انتقلت من الوسط الحضري إلى الوسط القروي‪ ،‬أي من‬
‫املركز إلى الهامش‪.1‬‬
‫إن ما يمكن رصده من احتجاجات الهوامش‪ ،‬أنها تركز على تيلمات ومبطالب اجتماعية صرفة‪ ،‬إذ ال‬
‫تستهويها مبطالب البطبقة املتوسبطة املرتببطة باملساواة واملناصفة على سبيل املثال‪ ،‬بقدر ما يؤطرها تدبير‬
‫الواقع اليومي من مأكل وعمل وصحة‪.‬‬
‫باإلضافة إلى هذه املحددات‪ ،‬يمكن القول أن القضايا الاجتماعية املتراكمة واملستمرة ساهمت بشكل أو‬
‫بآخر في خرق العقد الاجتماعي‪ ،‬بين الدولة وساكنة املناطق الهامشية الذين يعانون من ألازمات‬
‫الاجتماعية والاقتصادية‪ ،2‬ترتب عنه أزمة مركبة تواجه مؤسسات الدولة باملغرب‪ ،‬حيث تجلت مكوناتها‬
‫في صعوبة الحصول على شرعية قائمة على تعاقد حقيقي بينها وبين املجتمع‪ ،‬وذلك بإقامة عالقة وحوار‬
‫سليمين بينهما‪ ،‬في ظل وجود فئات اجتماعية تشعر بأنها مقصية من حقل تدبير الشأن العام‪ ،‬وال تستفيد‬
‫من ثمار التنمية الاجتماعية بشكل عادل‪ ،‬ألامر الذي ساهم في عدم الاستقرار وتزايد التوترات‬
‫الاجتماعية‪.3‬‬
‫وبما أن الفعل الاحتجاجي في تنامي مستمر‪ ،‬فقد شهد تبطورا في بنيته مواكبا بذلك التبطور الحاصل في‬
‫مجال التكنولوجيا الرقمية‪ ،‬فما حققته وسائل التواصل الاجتماعي في حشد وتعبئة املحتجين نحو‬
‫الفضاء العام‪ ،‬ساهم في نقل السلوك الاحتجاجي من الفضاء العام إلى الفضاء إلالكتروني باعتباره فعال‬
‫احتجاجيا ينضاف إلى ألاشكال املستحدثة لالحتجاج‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ ،‬برزت حركة املقاطعة‪ 4‬عام ‪ 8702‬من الفضاء الرقمي ملناقشة املسألة الاجتماعية من‬
‫خالل تسليط الضوء على غالء ألاسعار املهدد للقدرة الشرائية للمواطنين‪ ،‬في ظل إجراءات تحرير ألاسعار‬

‫‪ 1‬عبد إلاله سبطي‪ ،‬احتجاجات الهوامش القشرة وما تصفيه‪ ،‬املعهد املغربي لتحليل السياسات‪ ،‬الرباط‪ ،‬مارس ‪ ،8702‬ص‪.1 :‬‬
‫‪2 Nassim H, The Hirak Movement a Revial of the Arab Spring? Collective author: Mutations Politique Comparées au Maroc‬‬

‫‪au Machrek 7ans Après le Printemps Arabe, ocp Policy center, 2018, p : 47-48.‬‬
‫‪ 3‬عبد الواحد أوامن‪ ،‬احتجاجات الهامش‪ :‬دراسة في بنية الفعل الاحتجاجي بمنبطقة الريف باملغرب‪ ،‬مجلة القانون واملجتمع‪ ،‬معهد‬
‫الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬أكتوبر ‪ ،8788‬ص‪.07 :‬‬
‫‪ 4‬حركة اجتماعية شكلت نقلة نوعية في تبطور مجال الاحتجاج باملغرب‪ ،‬إذ انتقل من الفضاء العام إلى الفضاء الرقمي‪ ،‬الذي يمنح هامشا‬
‫أوسع ملمارسة حرية التعبير والرأي‪ ،‬بعيدا عن الاشتباكات ألامنية التي تبطال الاحتجاج في الفضاء العام‪ ،‬كما يتيح إمكانية الاستقبطاب‬
‫والتعبئة بين رواد املجال الرقمي بكل سهولة‪ ،‬وله مزايا أخرى تميزه عن الاحتجاج في الفضاء العام‪ .‬وقد استهدفت هذه الحركة مقاطعة‬
‫استهالك الصناعات الغذائية والبطاقية (الشركة املغربية "سنبطرال دانون" املصتصة بالحليب ومشتقاته‪ ،‬شركة "أوملاس" للمياه املعدنية‪،‬‬
‫"مجموعة أكوا" املصتصة بتوزيع الغاز والوقود) التي شهدت ارتفاعا في أسعارها‪ ،‬وقد شكلت ضغبطا على الفاعلين السياسيين والاقتصاديين‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫وتجميد ألاجور وإصالح نيام التقاعد‪ ،‬إذ أجمع رواد هذه الحركة على مقاطعة استهالك بعض املنتوجات‬
‫الغذائية والبطاقية كردة فعل على الارتفاع الذي لحق أثمنة هذه املنتوجات‪.‬‬
‫ومن هذا املنبطلق‪ ،‬شكلت حركة املقاطعة تعبيرا حيا عن حراك اجتماعي تجاوز ألابعاد املحلية والجهوية‬
‫والفئوية‪ ،‬ونجح في إرباك البطبقة السياسية والاقتصادية املهيمنة على املشهد العام باملغرب‪ ،‬وفي املقابل‬
‫سعت هذه الحركة الاجتماعية إلى إبراز مكامن الخلل في منيومة اقتصادية واجتماعية تصلت فيها الدولة‬
‫عن دورها أو جزء من هذا الدور لصالح الخواص‪ ،‬دون قيود صارمة تضمن مصلحة املستهلك‪.1‬‬
‫ويستشف مما سبق‪ ،‬أن فشل السياسات التنموية وانعدام العدالة الاجتماعية واملجالية‪ ،‬جسد بؤرا‬
‫احتجاجية في مناطق املغرب العميق‪ ،‬وهو ما يستدعي بالضرورة إعادة النير في هذه السياسات خصوصا‬
‫مع التحديات التي شهدها املغرب بعد تداعيات جائحة كوفيد ‪ 07‬املستجد‪ ،‬والتي زادت من تعميق حدة‬
‫ألازمات الاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬سيما وأن الحركات الاجتماعية لم تعد تقتصر على الفضاء العام‪ ،‬بل‬
‫تتجلى في أشكال أخرى من داخل الفضاءات الرقمية والرياضية‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬املسألة الاجتماعية بين مطلب التوافق املجتم ي وإرساء ركائز الدولة الاجتماعية‬
‫ساهمت العديد من الدوافع في مراجعة الدولة لتصوراتها اتجاه املسألة الاجتماعية‪ ،‬من أهمها تزايد‬
‫الحركات الاجتماعية املنتقدة للسياسات الاجتماعية املعتمدة‪ ،‬كما أن ألازمات الاجتماعية والاقتصادية‬
‫املترتبة عن تداعيات جائحة كوفيد ‪ 07‬املستجد‪ ،‬أثرت سلبا على الواقع املعيش للعديد من الفئات‬
‫الاجتماعية واملهنية‪ ،‬كلها مؤشرات ساهمت في طرح النقا حول صياغة نموذج تنموي جديد يعزز من‬
‫مرتكزات وأبعاد العدالة الاجتماعية‪ ،‬ويتيح فرص مراجعة الدولة لتصورها تجاه املسألة الاجتماعية التي‬
‫تضع الحماية الاجتماعية كأولوية لتحقيق الدولة التنموية‪.‬‬
‫ومن هذا املنبطلق‪ ،‬فإن هذا املحور سيتناول مساهمة الحركات الاجتماعية في طرح النقا حول الدولة‬
‫الاجتماعية انبطالقا من نقبطتين أساسيتين‪ ،‬ترتبط ألاولى باالنبطالق من إلاقرار بفشل نموذج تنموي‬
‫محدود في تحقيق مبادئ العدالة الاجتماعية‪ ،‬إلى إرساء ميثاق وطني جديد أساسه نموذج تنموي ذو‬
‫رؤية شمولية‪ ،‬فيما ترتبط النقبطة الثانية بتعزيز إلارادة نحو بناء أسس الدولة الاجتماعية‪.‬‬

‫‪ .1‬من الاعتراف بفشل نموذج إلى مطلب الدولة الاجتماعية‬


‫أعادت الحركات الاجتماعية في السنوات ألاخيرة املسألة الاجتماعية إلى دائرة النقا من قبل املهتمين‬
‫والباحثين‪ ،‬على الرغم من تنوع وأولوية املبطالب السياسية والاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬عند كل حركة‬
‫اجتماعية على حدة‪ ،‬وفي هذا إلاطار يشكل مبطلب العدالة الاجتماعية مبطلبا جوهريا ومشتركا ألغلب هذه‬
‫الحركات‪ ،‬ألامر الذي يستدعي بالضرورة إعادة النير في النمط الاقتصادي املعتمد‪ ،‬وتجاوزه بنمط آخر‬

‫‪ 1‬رضوان قبطبي‪ ،‬شبكات التواصل الاجتماعي والفعل الاحتجاجي باملغرب حركة املقاطعة نموذجا‪ ،‬مجلة اتجاهات سياسية‪ ،‬العدد السابع‪،‬‬
‫أبريل ‪ ،8707‬ص‪.78 :‬‬

‫‪107‬‬
‫يتضمن مبدأ العدالة الاجتماعية كمبدأ أساس ي لتحقيق ركائز الدولة الاجتماعية‪ ،‬ألامر الذي من شأنه‬
‫أن يضمن الاستقرار الاجتماعي‪.1‬‬
‫فبطرح مسألة الدولة الاجتماعية قائم على وضع اقتصادي يتصلله سوء توزيع الثروة‪ ،‬ألامر الذي يحيل‬
‫ُ‬
‫مباشرة على وجود هوة وتمايز شاسع بين من يمتلك الثروة ومن يعمل‪ ،‬أو ي اقص ى نتيجة عجز البنى‬
‫الاقتصادية عن استيعاب القوى العاملة الوافدة إلى سوق العمل‪ ،‬وبهذا يكون النمط الاقتصادي كذلك‬
‫مساهما في عدم تحقيق السلم الاجتماعي‪ ،‬ألنه يساهم في خلق التمايز بين طبقتين‪ ،‬ألاولى تمتلك النسبة‬
‫ألاكبر من الدخل الوطني‪ ،‬في حين ال تمتلك البطبقة الثانية والتي تمثل ألاغلبية إال جزءا ضئيال ال يكفيها‬
‫للعيش‪ .2‬وهذا ما أكده التقرير السنوي للمجلس الوطني لحقوق إلانسان سنة ‪ ،8707‬والذي أبان عن‬
‫وضع اجتماعي يشهد تزايدا في نسب الببطالة والهشاشة في فئة الشباب سيما في املدن‪ ،3‬ومع تداعيات‬
‫أزمة كوفيد ‪ 07‬ارتفعت هذه النسب لتعمق من حدة ألازمة الاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬والتي أرخت بياللها‬
‫على البطبقات الاجتماعية ألاكثر هشاشة‪ ،‬إذ وصل نحو مليون يخص إلى عتبة الفقر وحوالي ‪ 777‬ألف‬
‫آخرين تحت خط الهشاشة‪.4‬‬
‫كل هذه املؤشرات تؤسس للعديد من التفاوتات والاختالالت الاجتماعية التي يبطبعها ضعف الولوج‬
‫للحقوق ألاساسية والخدمات الاجتماعية (التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬الببطالة)‪ ،‬واتساع الهوة في التمييز بين‬
‫الفئات الاجتماعية (الشباب‪ ،‬النساء‪ ،‬ألايخاص املسنين‪ )..‬والبطبقات الاجتماعية‪ ،‬إلى جانب تزايد‬
‫الفوارق الاقتصادية (الثروة‪ ،‬فرص الاستثمار‪ ،‬الدخل)‪ ،‬إذ ترتب عنها تحديات كبرى تهدد قيم التماسك‬
‫الاجتماعي‪ ،‬ونجاعة املؤسسات الدستورية‪ ،‬وتعترف بمحدودية ألاسس التنموية السائدة‪ ،‬وعدم قدرتها‬
‫على الاستجابة ملتبطلبات الشرائح الاجتماعية‪.5‬‬
‫وقد تمصض عن هذه املؤشرات السلبية‪ ،‬إقرار امللك محمد السادس بفشل نموذج تنموي استنفذ‬
‫كل مقوماته‪ ،‬وذلك بقوله "إذا كان املغرب قد حقق تقدما ملموسا‪ ،‬يشهد به العالم‪ ،‬إال أن النموذج‬
‫التنموي الوطني أصبح اليوم‪ ،‬غير قادر على الاستجابة للمبطالب امللحة‪ ،‬والحاجيات املتزايدة للمواطنين‪،‬‬
‫وغير قادر على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات املجالية‪ ،‬وعلى تحقيق العدالة الاجتماعية"‪.6‬‬

‫‪ 1‬عبد الواحد أوامن‪ ،‬الحركات الاحتجاجية ورهان العدالة الاجتماعية‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬العدالة الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية‬
‫وحقوقية‪ ،‬إشراف وتنسيق‪ :‬محمد املودن‪ ،‬مدني أحميدو ‪ ،‬عبة نعيمة‪ ،‬عبد الحي الغربة‪ ،‬إصدارات املركز املتوسبطي للدراسات وألابحاث‬
‫املعاصرة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8780 ،‬ص‪.72 :‬‬
‫‪ 2‬سالمة كيلة‪ ،‬الحركات الاجتماعية ومفهوم العدالة الاجتماعية في الثورات في البلدان العربية‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬العدالة الاجتماعية‬
‫املفهوم والسياسات بعد الثورات العربية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 :‬‬
‫‪ 3‬أنير التقرير السنوي عن حالة حقوق إلانسان باملغرب‪ ،‬الصادر عن املجلس الوطني لحقوق إلانسان‪ ،8707 ،‬ص‪.53 :‬‬
‫‪ 4‬املجلس الوطني لحقوق إلانسان‪ ،‬حقوق إلانسان ‪ :8780‬تداعيات كوفيد ‪ 07‬على الفئات الهشة ومسارات الفعلية‪ ،‬فبراير ‪ ،8788‬ص‪:‬‬
‫‪.13‬‬
‫‪ 5‬محمد املودن‪ ،‬العدالة الاجتماعية واملجالية في املسار التنموي املغربي‪ :‬الاختالالت‪ ،‬التحديات ومداخل الحكامة‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪،‬‬
‫العدالة الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية وحقوقية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.048 :‬‬
‫‪ 6‬مقتبطف من نص الخبطاب امللكي في افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثانية‪03 ،‬من الوالية التشريعية العاشرة‪ ،‬أكتوبر ‪.8700‬‬

‫‪108‬‬
‫كما دعا مصتلف الفاعلين لصياغة نموذج جديد‪ ،‬بقوله "وفي هذا الصدد‪ ،‬ندعو الحكومة والبرملان‪،‬‬
‫ومصتلف املؤسسات والهيئات‪ ،‬كل في مجال اختصاصه‪ ،‬إلعادة النير في نموذجنا التنموي ملواكبة‬
‫التبطورات التي تعرفها البالد"‪.1‬‬
‫جدير بالذكر كذلك‪ ،‬أن استنفاذ نموذج التنمية ملقوماته ال يرتبط فقط برؤية مقتصرة على املستوى‬
‫الوطني‪ ،‬بل له عالقة أساسية أيضا باملستوى الدولي‪ ،‬وذلك في الشق املتعلق بالنموذج النيوليبرالي‪ ،‬وعلى‬
‫هذا املنوال يستلزم تناول مسألة التنمية في سياقها الدولي‪ ،‬مع تفادي النقائص املترتبة عن هذا النموذج‬
‫في املجال الاجتماعي‪ ،‬والانفتاح على الفرص الاقتصادية املتاحة‪.2‬‬
‫وعلى هذا ألاساس‪ ،‬عين امللك اللجنة املكلفة بصياغة النموذج التنموي الوطني‪ ،3‬والتي انكبت على‬
‫معالجة مكامن الضعف والاختالالت في شتى ألابعاد الاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬خصوصا وأن جائحة‬
‫كوفيد ‪ 07‬املستجد وما ترتب عنها من حجر صحي‪ ،‬وإغالق شامل في ظل فترة البطوارئ الصحية‪ ،‬أثرت‬
‫على معدالت النمو في الاقتصاد الوطني‪ ،‬ألامر الذي انعكس سلبا على الفئات الاجتماعية‪.‬‬
‫وقد تكللت مجهودات اللجنة املكلفة بصياغة النموذج التنموي‪ ،‬باقتراح مسار تنموي جديد‪ ،‬في شكل‬
‫تقرير يجسد ميثاقا وطنيا يمهد ملقومات الدولة الاجتماعية‪ ،‬من خالل التركيز على أربع محاور‬
‫استراتيجية؛ تجلى أولها في تقوية الاقتصاد الوطني وجعله قبطبا قادرا على التنافسية‪ ،‬ومصدرا للنمو‬
‫وآلية قادرة على إحداث فرص شغل جديدة‪ ،‬من شأنها املساهمة في إدماج مصتلف الفئات الاجتماعية‬
‫في سوق الشغل‪ .‬في حين ركز املحور الثاني على تعزيز الرأسمال البشري الذي من شأنه تنمية البالد‬
‫وإجراء إصالحات أساسية‪ ،‬تهم مجاالت الصحة والتعليم العالي والتكوين املنهي‪ .‬ورصد املحور الثالث‬
‫لنقبطة أساسية متمثلة في إدماج مصتلف املواطنين واملواطنات في الدينامية الشاملة للتنمية‪ ،‬وذلك عبر‬
‫تجاوز كل مياهر إلاقصاء والتهميش الاجتماعي في الولوج للخدمات الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬ألامر الذي‬
‫سيسهم في الولوج املتكافئ والعادل للفرص الاقتصادية‪ ،‬والاستفادة من الحماية الاجتماعية وتقوية‬
‫الروابط الاجتماعية‪ ،‬أما املحور الرابع وألاخير من هذه الاستراتيجيات فقد أبرز دور املجاالت الترابية في‬
‫العملية التنموية‪ ،‬باعتبارها فاعال أساسيا في إعداد السياسات العمومية‪ ،‬وهو ما سيترتب عنه مكاسب‬
‫إيجابية تهم تجويد الخدمات الاجتماعية‪ ،‬والحفاظ على املوارد وغيرها من التبطلعات‪.4‬‬

‫‪ 1‬نفس املرجع‪.‬‬
‫‪ 2‬زكرياء أزم‪ ،‬النقا العمومي حول نموذج التنمية‪ :‬تساؤالت جدلية‪ ،‬مجلة القانون واملجتمع‪ ،‬معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية‪،‬‬
‫العدد الثالث‪ ،‬أكتوبر ‪ ،8780‬ص‪.03-08 :‬‬
‫‪ 3‬لذا قررنا تكليف لجنة خاصة‪ ،‬مهمتها تجميع املساهمات‪ ،‬وترتيبها وهيكلتها‪ ،‬وبلورة خالصاتها‪ ،‬في إطار منيور استراتيجي شامل ومندمج؛‬
‫على أن ترفع إلى نيرنا السامي‪ ،‬مشروع النموذج التنموي الجديد‪ ،‬مع تحديد ألاهداف املرسومة له‪ ،‬وروافد التغيير املقترحة‪ ،‬وكذا سبل‬
‫تنزيله‪ ،‬أنير‪ :‬الخبطاب امللكي بمناسبة افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثالثة من الوالية التشريعية العاشرة‪ 08 ،‬أكتوبر ‪.8702‬‬
‫‪ 4‬التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق‬
‫الرفاه للجميع‪ ،‬أبريل ‪ ،8780‬ص‪.17 :‬‬

‫‪109‬‬
‫ومن نافل القول‪ ،‬أن تواتر الحركات الاجتماعية في السنوات ألاخيرة باملغرب‪ ،‬وتيافر مبطالبها مع تداعيات‬
‫ألازمة الصحية لكوفيد ‪ ،07‬شكل أهم ألاسباب التي أسهمت في الاعتراف بفشل النموذج التنموي السائد‪،‬‬
‫وذلك لعدم قدرته على الحد من الفوارق الاجتماعية واملجالية‪ ،‬ومحدودية أبعاده في خلق نمو مستدام‬
‫يحد من تنامي الفعل الاحتجاجي‪ ،‬ويفعل مبدأ العدالة الاجتماعية في إطار تفعيل مسار الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وعلى هذا ألاساس يعتبر النموذج التنموي الوطني بمثابة ميثاق وطني‪ ،‬يقترح مسارا تنمويا‬
‫مغايرا‪ ،‬ويشكل قبطيعة مع الوضع السابق‪ ،‬كما يؤسس ملجموعة من املبادئ والحقوق الدستورية القائمة‬
‫على التضامن الاجتماعي والحماية الاجتماعية‪.‬‬
‫إن تنامي الحركات الاجتماعية جعل الدولة تعيد النير في نموذجها التنموي‪ ،‬وفي طريقة تفاعلها مع‬
‫السلوك الاحتجاجي وفق مقاربات تنموية وأكثر شمولية (مشروع الحسيمة منارة املتوسط مثال)‪ ،‬ترمي‬
‫إلى تشخيص دوافع الاحتجاجات الاجتماعية ومحاولة معالجتها من خالل وضع الرهان على املسألة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬عبر صياغة نموذج تنموي يريى لتبطلعات مجمل الفئات الاجتماعية‪ ،1‬وانبطالقة نحو إرساء‬
‫طموح جديد‪ ،‬يتيح تيافر جهود مصتلف الفاعلين السياسيين‪ ،‬واملمثلين في الدولة واملؤسسات وألاحزاب‬
‫السياسية‪ ،‬وهيئات املجتمع املدني وعموم املواطنين‪ ،‬بهدف تحقيق مضامينه‪.2‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬تقع الدولة الاجتماعية في صلب مبطالب التغيير وإلاصالح في بالدنا‪ ،‬وذلك راجع‬
‫إلى باألساس إلى إلاخفاق الذي لحق النموذج التنموي‪ ،‬والسياسات الحكومية التي ال تعكس متبطلبات‬
‫الفئات الاجتماعية‪ ،‬ألامر الذي استدعى مراجعة الدولة لتصورها للمسألة الاجتماعية‪ .‬وفي هذا الصدد‬
‫تم الاتجاه نحو بناء الدولة الاجتماعية وفق إرادة سياسية مندمجة‪ ،‬تسعى لتكريس أسسها انبطالقا من‬
‫البرامج والسياسات الهادفة إلى تعزيز الدعامات الاجتماعية‪.‬‬

‫‪ .0‬نحو بناء أسس الدولة الاجتماعية‬


‫شكلت املتغيرات الداخلية (الحركات الاجتماعية) والخارجية (أزمة كوفيد ‪ ،)07‬منبطلقا إلعادة النير في‬
‫النموذج التنموي للمغرب‪ ،‬ألامر الذي من شأنه تعزيز بناء الدولة في الشق املتعلق بتقوية بعدها‬
‫الاجتماعي‪ ،‬وهو ما سيترتب عنه العديد من النتائج املتمثلة في تمتين الروابط الاجتماعية‪ ،‬وتعزيز‬
‫الدعامات الاجتماعية لشرعية الدولة‪ ،‬وتكريس امللكية الاجتماعية‪ .‬وكل هذه املقومات تحيل إلى استعادة‬
‫الدولة ألدوارها الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬وبالتالي توفير الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‬
‫لعموم املواطنين‪.3‬‬

‫‪ 1‬محمد الغلبزوري‪ ،‬الدولة وتدبير حراك الريف‪ :‬تدبير أزمة أم أزمة تدبير‪ ،‬سليكي أخوين‪ ،‬طنجة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8787 ،‬ص‪.320 :‬‬
‫‪ 2‬مقتبطف من الخبطاب امللكي بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة امللك والشعب‪ ،‬بتاريخ ‪ 87‬غشت ‪.8707‬‬
‫‪ 3‬سعيد خمري‪ ،‬املغرب ما بعد كورونا‪ :‬أي دور اجتماعي للدولة وألاحزاب السياسية؟ ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬حالة البطوارئ الصحية‪ :‬التدابير‬
‫القانونية والاقتصادية والسياسية وأبعادها‪ ،‬تنسيق‪ :‬عبد الرحيم العالم‪ ،‬منشورات مركز تكامل للدراسات وألابحاث‪ ،8787 ،‬ص‪.803 :‬‬

‫‪110‬‬
‫إلى جانب التركيز على القضايا الاجتماعية في السياسات والبرامج التنموية‪ ،‬واملراهنة على اقتصاد اجتماعي‬
‫بإمكانه إحداث التوازن داخل املجتمع‪ ،‬وتحقيق الرفاه الاجتماعي وتغبطية املصاطر الاجتماعية‪ ،‬ومن هذا‬
‫املنبطلق فالدولة الاجتماعية تقوم على تسخير إلامكانات الاقتصادية والاجتماعية ملصتلف الفئات‬
‫الاجتماعية‪ ،‬كما تعمل على توفير اليروف املناسبة لتكافؤ الفرص وتوزيع الحقوق بشكل متساو‪.1‬‬
‫كما تستند في مضمونها على استراتيجية الاستثمار الاجتماعي‪ ،‬القائمة على مجموعة من العناصر املرتببطة‬
‫بضمان حق التوظيف والرفع من ألاجور الذي سينعكس إيجابا على مصالح ألافراد داخل املجتمع‪،‬‬
‫وسيحقق نتائج مرتفعة في معدالت النمو الاقتصادي‪ ،‬باإلضافة إلى الاعتماد على الاستثمار في الرأسمال‬
‫البشري‪ ،2‬من خالل تعزيز القدرات والبطاقات البشرية‪ ،‬وما يرتبط بها من مجاالت التعليم والتدريب‬
‫والبحث والتبطوير والثقافة‪ ،‬وكل ما يتصل بتنمية قدرات إلانسان وتلبية احتياجاته ألاساسية‪ ،‬وهي كلها‬
‫محددات تساهم في تنمية قدراته‪.3‬‬
‫وفي هذا الصدد يشير "بول سبيكر ‪ "Paul Speaker‬إلى أن أسس الدولة الاجتماعية تقوم على أربع‬
‫محددات رئيسية ومتكاملة فيما بينها‪ ،‬إذ تكمن في املسؤولية التي تتحملها الدولة بالدرجة ألاولى‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى املوارد الضرورية لتحقيق أهداف الدولة الاجتماعية‪ ،‬إلى جانب الخدمات العمومية وطريقة تقديمها‪،‬‬
‫تم البناء التنييمي الذي يؤطر خدمات الدولة الاجتماعية‪.4‬‬
‫تبعا لذلك‪ ،‬يتوجب تكريس أسس الدولة الاجتماعية باملغرب لتجاوز ألازمات التي تعترض مسار الدولة‪،‬‬
‫وذلك من خالل استثمار إلارادة السياسية في مجال تفعيل املشاريع املساهمة في بلورة مقومات التحول‬
‫الاجتماعي‪ ،5‬مع إسناد تفعيل هذه املشاريع إلى كفاءات مكونة سياسيا وتتمتع بالروح الوطنية التي تعبطي‬
‫ألاولوية للمصالح العامة على املصالح الخاصة‪ ،‬كما أن بناء الدولة الاجتماعية يرتكز على ضرورة تفعيل‬
‫الديمقراطية التشاركية‪ ،‬باعتبارها آلية فعالة للتعبير عن مبطالب املواطنين‪ ،‬ووسيلة للتقييم واملراقبة‪،‬‬
‫كل هذه املحددات من شأنها أن تساهم في معالجة الاختالالت والصعوبات التي تواجه املجال الاجتماعي‪.‬‬

‫‪ 1‬رشيد أمشنوك‪ ،‬الحماية الاجتماعية‪ :‬أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي‬
‫الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية ومقارنة‪ ،‬تنسيق وتقديم‪ :‬إبراهيم بلوح‪ ،‬يونس مجدوبي‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى‪ ،8788 ،‬ص‪.88-80 :‬‬
‫‪ 2‬أحمد عبده‪ ،‬ثورات الربيع العربي بين التحول الديمقراطي وتحديات الجودة الاجتماعية كسياسة تنموية مصر ما بعد ثورة ‪ 84‬يناير‬
‫أنموذجا‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬السياسات التنموية وتحديات الثورة في ألاقبطار العربية‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬هدى حوا‪ ،‬املركز العربي لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8700 ،‬ص‪.447 :‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم العيسوي‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪،‬‬
‫قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8705 ،‬ص‪.047-057 :‬‬
‫‪ 4‬بول سبيكر‪ ،‬مبادئ الرعاية الاجتماعية مقدمة للتفكير في دولة الرعاية‪ ،‬ترجمة‪ :‬حازم مبطر‪ ،‬املركز الديمقراطي العربي‪ ،‬أملانيا‪،8700 ،‬‬
‫ص‪.03 :‬‬
‫‪ 5‬محمد حيمود‪ ،‬املالية العمومية ورهانات السياسات الاجتماعية باملغرب‪ :‬الحماية الاجتماعية نموذجا‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬العدالة‬
‫الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية وحقوقية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.035 :‬‬

‫‪111‬‬
‫باملوازاة مع ذلك‪ ،‬تقوم الدولة الاجتماعية على أربع مقومات أساسية‪ ،‬تشمل الجانب السياس ي الذي‬
‫يستند على وجود شروط ديمقراطية وحقوق إنسان بشموليتها‪ ،‬باإلضافة إلى الجانب الاقتصادي الذي‬
‫يجب أن يصول اقتصادا منتجا للثروة وقادرا على توزيعها بشكل منصف‪ ،‬تم الجانب املالي والتمويلي‪،‬‬
‫والذي يستدعي التوفر على املوارد املالية املستدامة‪ ،‬وأخيرا الجانب املرتبط ببطبيعة السياسة إلانفاقية‪،‬‬
‫والتي من خاللها يمكن تشخيص أولويات القبطاعات الاجتماعية في مسألة إلانفاق‪.‬‬
‫وفي خضم هذه املقومات‪ ،‬سعت الدولة املغربية لتدعيم ركائز الدولة الاجتماعية من خالل تحسين‬
‫الخدمات العمومية‪ ،‬وإعادة النير في السياسات الاقتصادية لدعم التشغيل‪ ،‬وإحداث مناصب شغل‬
‫جديدة‪ ،‬والحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين‪ ،‬إلى جانب تعميم التغبطية الصحية‪ ،‬وتأهيل املنيومة‬
‫الصحية‪ ،‬باإلضافة إلى دعم اقتناء السكن الرئيس ي ومواصلة الحوار الاجتماعي‪ .‬وقد شكلت جائحة‬
‫كوفيد‪ ،‬دافعا لتقوية الاتجاه نحو تكريس الدولة الاجتماعية‪ ،‬إذ اتضحت معالم هذا الاتجاه من خالل‬
‫الدعم الحكومي املقدم لألسر للحفاظ على قدرتها الشرائية‪ ،‬ومساعدة الفئات الهشة بصفة مباشرة؛‬
‫إلى جانب ألاسر تم دعم املقاوالت كذلك‪ ،‬عبر إحداث صناديق للتضامن وتمديد آجال دفع الضرائب‪،‬‬
‫وغيرها من التدابير الرامية إلى التقليل من آلاثار الاجتماعية والاقتصادية للجائحة‪.1‬‬
‫ألجل ذلك‪ ،‬أوص ى املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني باالهتمام بقبطاع التربية والتكوين‪ ،‬من خالل‬
‫بلورة استراتيجية لالرتقاء بجودة تكويناته وتحديث برامجه‪ ،‬عبر مجموعة من التدابير الرامية إلى تعزيز‬
‫املواد العلمية والتكنولوجيا والذكاء الصناعي‪ ،‬والعمل على مكافحة الهدر املدرس ي إلى جانب تفعيل‬
‫الرقمنة في التعليم العالي والتكوين املنهي؛ هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية أوص ى املجلس ببذل جهود‬
‫استثمارية في القبطاع الصحي من خالل إعادة النير في البنيات التحتية‪ ،‬والتجهيزات واملوارد البشرية‪،‬‬
‫وتوزيعها بكيفية تضمن التوازن الاجتماعي واملجالي‪ ،‬وتساعد على الحد من ظاهرة هجرة ألاطر البطبية‪،‬‬
‫كما دعا املجلس إلى نقبطة في غاية ألاهمية‪ ،‬واملتمثلة في الاستثمار في مجال البحث والابتكار‪ ،‬من خالل‬
‫الانفتاح على تصنيع ألادوية واللقاحات في املغرب‪ ،‬وذلك في ظل التحديات املستقبلية املترتبة عن ألاوبئة‬
‫والجوائح‪.2‬‬
‫واملالحظ في هذه التوصيات‪ ،‬أن املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني أعبطى أولوية بالغة لقبطاعين في‬
‫غاية ألاهمية‪ ،‬هما التعليم والصحة‪ ،‬نيرا لألدوار التي يضبطلعان بها داخل املجتمع‪ ،‬كما أن هذين‬
‫املكونين شكال على مدار سنوات نقاشا محتدما سواء داخل املشهد السياس ي‪ ،‬في إطار السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬والبرامج الانتصابية وغيرها‪ ،‬أو في الفضاء العام من لدن الحركات الاجتماعية‪ .‬وبما أن الرهان‬
‫قائم على الدولة الاجتماعية ‪ ،‬فإن الحفاظ على املكتسبات املحققة في هذين املجالين وتبطويرها إلى‬
‫املستوى الذي يريى النتيارات املواطنين مسألة مهمة‪ ،‬سيما وأننا بصدد تنزيل مشروع الحماية‬
‫الاجتماعية‪.‬‬

‫‪ 1‬للتدقيق أكثر أنير‪ :‬وزارة الاقتصاد واملالية‪ ،‬التقرير الاقتصادي واملالي‪ ،‬مشروع قانون املالية لسنة‪ ،8788‬ص‪.83 :‬‬
‫‪ 2‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬التقرير السنوي ‪ ،8787‬ص‪.00-07 :‬‬

‫‪112‬‬
‫وفيما يصص أنيمة التقاعد‪ ،‬يؤكد املجلس أن مسألة إعادة النير فيها باتت ضرورية‪ ،‬أمام التحوالت‬
‫الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه حقوق ومصالح عموم املواطنين‪ ،‬ومن هذا املنبطلق يوص ي املجلس‬
‫بثالث مداخل رئيسية لتحقيق هذا الهدف متمثلة في تفعيل إلاصالح الهيكلي والشمولي ألنيمة التقاعد‪،‬‬
‫وإحداث آليات لحكامة هذه ألانيمة‪ ،‬تم تشخيص سياسة لتمويل هذا إلاصالح‪.1‬‬
‫من هذا املنبطلق‪ ،‬يشكل ور الحماية الاجتماعية انبطالقة واعدة لتأسيس مجتمع قائم على العدالة‬
‫الاجتماعية واملجالية‪ ،‬ومدخال أساسيا لتحقيق التنمية بمفهومها الشامل‪ ،‬من خالل تشييد منيومة‬
‫قادرة على الحد من املصاطر الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الفئات الهشة‪ ،‬وتكريس مبادئ‬
‫التضامن وعدم التمييز والاستباق واملشاركة‪ ،‬وهو ما سيسهم في تحقيق أهداف الحماية الاجتماعية‪.2‬‬
‫فمن خالل هذا املشروع‪ ،‬تم تجاوز القصور السائد في منيومة الحماية الاجتماعية من قبل‪ ،‬إذ كانت‬
‫تركز فقط على ألاجراء مقابل إقصاء بعض املهن والحرف‪ ،‬في فئة الصناعة التقليدية والتجار وفئة‬
‫الشباب‪ ،3‬وهو ما يؤكد على أن املغرب شق مسارا من إلاصالحات التي ميزته عن محيبطه إلافريقي والعربي‪،‬‬
‫ألامر الذي يدل على توافق إلارادة السياسية‪ ،‬لبناء دولة ديمقراطية تستجيب لتبطلعات مواطنيها وفق‬
‫مقاربات اجتماعية‪ ،‬تواكب مصتلف املستجدات‪.4‬‬
‫إن تنزيل مقتضيات القانون إلاطار رقم ‪ 77.80‬يتماش ى مع إلارادة املغربية في بناء مقومات الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬انبطالقا من أحكام الفصل ‪ 30‬من الدستور‪ ،‬ويتوافق كذلك مع الالتزامات الدولية للمملكة‬
‫في مجال الحماية الاجتماعية‪ ،‬بناء على مجموعة من املقاربات القانونية الدولية‪ ،‬مثل العهد الدولي‬
‫الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية‪ ،‬وإلاعالن العالمي لحقوق إلانسان‪ ،‬تم الاتفاقية‬
‫رقم ‪ 078‬بشأن املعايير الدنيا للضمان الاجتماعي الصادرة عن منيمة العمل الدولية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫التوصية رقم ‪ 878‬بشأن ألارضيات الوطنية للحماية الاجتماعية‪ ،‬إلى جانب خبطة ألامم املتحدة من أجل‬
‫تحقيق التنمية املستدامة‪.‬‬
‫إال أن هذا املشروع تعترضه العديد من إلاكراهات التي تعيق مساره البطموح‪ ،‬من بين هذه التحديات ما‬
‫له عالقة باملجال السياس ي إذ شهد مسار الانتقال الديمقراطي باملغرب تعثرا وصعوبة في تكريس منيومة‬
‫حقوق إلانسان‪ ،‬كما توجد تحديات ترتبط باملجال الاقتصادي متمثلة في كون بنية الاقتصاد املغربي‬

‫‪ 1‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬التقرير السنوي ‪ ،8780‬ص‪.01-00 :‬‬


‫‪ 2‬تهدف الحماية الاجتماعية إلى توسيع التغبطية الصحية إلاجبارية‪ ،‬والتي تصول الاستفادة من التأمين إلاجباري على املرض وتغبطي تكاليف‬
‫العالج وألادوية والاستشفاء‪ ،‬سيتفيد منها ‪ 88‬مليون منصرط مع نهاية سنة ‪ .8788‬باإلضافة إلى تعميم التعويضات العائلية‪ ،‬لتشمل ‪0‬‬
‫ماليين طفل في سن التمدرس‪ .‬وتوسيع قاعدة الانصراط في أنيمة التقاعد‪ ،‬وذلك عبر دمج ‪ 4‬ماليين يخص من الساكنة النشيبطة‪ ،‬ال تتوفر‬
‫على تغبطية متعلقة بالتقاعد‪ .‬إلى جانب تعميم التعويض عن فقدان الشغل‪ ،‬لأليخاص املتوفرون على شغل قار‪ .‬للتدقيق أكثر أنير‪:‬‬
‫اليهير الشريف رقم ‪ 0.80.37‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 83( 0558‬مارس ‪ )8780‬بتنفيذ القانون إلاطار رقم ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪،‬‬
‫منشور بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 88 ،1704‬شعبان ‪ 4( 0558‬أبريل ‪.)8780‬‬
‫‪ 3‬محمد فاوبار‪ ،‬أدوار الشباب الجديدة وسياسات الدولة في إلادماج في املغرب بعد حراك ‪ ،8700‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.413 :‬‬
‫‪4 Driss M, Constitutional Reforms in Morocco: between Consensus and Subaltern Politics, North Africa’s Arab Spring.‬‬

‫‪Routledge, 2013, p: 183-204.‬‬

‫‪113‬‬
‫هشة إلى حد ما‪ ،‬ومبنية على محددات غير موفقة كبعض الاتفاقيات املبرمة في مجاالت الشراكة‪،‬‬
‫ومحددات أخرى غير متحكم فيها أيضا كاالعتماد على ألامبطار في املجال الفالحي على سبيل املثال‪ .‬أما فيا‬
‫يصص املجال التمويلي فإن الاعتماد على املؤسسات املالية الدولية في مسألة التمويل‪ ،‬غير كاف على‬
‫اعتبار أن هذه املؤسسات ال تعير اهتماما بالغا للمجال الاجتماعي‪ ،‬وبما أن تمويل مشروع الحماية‬
‫الاجتماعية يتبطلب إلغاء صندوق املقاصة مقابل الرفع من التمويل الضريبي للسياسة الاجتماعية‪ ،‬فإن‬
‫ذلك سينعكس سلبا على الفئات الاجتماعية ألامر الذي من شأنه أن يحفز السلوك الاحتجاجي لدى‬
‫الحركات الاجتماعية‪.‬‬
‫وتجدر إلاشارة كذلك‪ ،‬إلى أن ضعف الحكامة والتنسيق بين الفاعلين في تنفيذ هذا الور الاجتماعي‬
‫يعيق تنزيله‪ ،‬خصوصا وأن غياب استراتيجية شمولية ومندمجة يحول دون تحقيق أهداف الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬الرامية إلى تفعيل برامج الدعم الاجتماعي‪ ،‬التي من شأنها تحديد الفئات املستهدفة وطرق‬
‫التمويل‪.‬‬
‫تجاوزا لهذه إلاكراهات‪ ،‬يمكن معالجة إشكالية التمويل من خالل البحث عن تمويالت مستدامة‪ ،‬وذلك‬
‫عبر إعادة النير في نمط توزيع الضرائب بما يحقق العدالة الجبائية ويضمن ألامن الضريبي‪ ،‬طبقا‬
‫للفصلين ‪ 137‬و‪ 257‬من الدستور املغربي‪ ،‬وهو ما سيمكن من تفادي التمويل القائم على املديونية‪ .‬وفيما‬
‫يصص تحقيق النجاعة يمكن الاعتماد على آليات الاستهداف الاجتماعي املنصوص عليها في القانون رقم‬
‫‪ 08.02‬واملتمثلة في السجل الوطني املوحد والسجل الوطني للسكان والوكاالت الوطنية للسجالت‪ ،‬إذ من‬
‫شأن هذه آلاليات حصر املستفيدين ألاساسيين من الحماية الاجتماعية‪.‬‬
‫إلى جانب هذه املقترحات‪ ،‬يمكن كذلك الانفتاح على برامج رائدة في تحقيق أهداف الدولة الاجتماعية‪،‬‬
‫كاستحضار التجربة ألاملانية من خالل نموذج "بسمارك" القائم على املساهمة في التمويل تم الاستفادة‪،‬‬
‫أو نموذج "بيفريدج" الذي يستند على الضرائب لتمويل الحماية الاجتماعية‪ ،‬أو نموذج "الليبرالية‬
‫ألامريكية" الذي يرتكز على التغبطية الصحية الشاملة‪ ،‬على اعتبار أن تدخل الدولة محصور في ألازمات‬
‫الكبرى والستهداف الفئات ألاكثر هشاشة‪ .‬كل هذه املحددات من شأنها املساهمة في بناء أسس الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وتحقيق مبطالب الحركات الاجتماعية الداعمة لهذا التوجه‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫حاولت الدراسة تحليل جوهر السياسات التي نهجتها الدولة املغربية‪ ،‬إزاء الفئات الاجتماعية إثر بروز‬
‫الحركات الاجتماعية التي ساهمت في الدفع نحو تغيير ألاوضاع الاجتماعية‪ ،‬والاتجاه نحو إقرار الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وقد تم تفعيل إلارادة السياسية للدولة في هذا الشأن من أجل إقرار مقومات الدولة‬

‫‪ 1‬الفصل ‪ 37‬من دستور ‪" :8700‬على الجميع أن يتحمل‪ ،‬كل على قدر استبطاعته‪ ،‬التكاليف العمومية‪ ،‬التي للقانون وحده إحداثها وتوزيعها‪،‬‬
‫وفق إلاجراءات املنصوص عليها في هذا الدستور"‪.‬‬
‫‪ 2‬الفصل ‪ 57‬من دستور ‪" :8700‬على الجميع أن يتحمل‪ ،‬بصفة تضامنية‪ ،‬وبشكل يتناسب مع الوسائل التي يتوفرون عليها‪ ،‬التكاليف التي‬
‫تتبطلبها تنمية البالد‪ ،‬وكذا تلك الناتجة عن ألاعباء الناجمة عن آلافات والكوارث البطبيعية التي تصيب البالد"‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫الاجتماعية‪ ،‬ملا تكتسيه من أهمية بالغة لتحقيق الرفاه املجتمعي‪ ،‬على اعتبار أن السياسات الاجتماعية‬
‫التي كانت سائدة شابها العديد من الاختالالت التي أعاقت ألاهداف التنموية والاجتماعية للدولة‪.‬‬
‫في هذا إلاطار‪ ،‬تشكل مراجعة املسألة الاجتماعية وفق تصور جديد‪ ،‬أمرا تستدعيه مياهر الفقر‬
‫والهشاشة وإلاقصاء‪ ،‬والجوانب املرتببطة بتكلفة املعيشة في ظل ارتفاع أسعار املواد الغذائية‪ ،‬وصعوبة‬
‫الاستفادة من الخدمات العمومية واملرافق الاجتماعية‪ ،‬فكل هذه العوامل بمثابة محركات للفعل‬
‫الاحتجاجي‪ ،‬وفي خضم هذه املحددات تتجه الحركات الاجتماعية لدعم مبطلب الدولة الاجتماعية‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن مسببات الفعل الاحتجاجي هي مبطالب معترف بها قانونا وتم التنصيص عليها دستوريا‬
‫ومؤسساتيا‪ ،‬وتبعا لذلك بات إقرار الدولة الاجتماعية مبطلبا منتيرا وملحا لدى الحركات الاجتماعية‪.‬‬
‫ولئن كان ور الحماية الاجتماعية يشكل ثورة اجتماعية‪ ،‬فإن آلامال الاجتماعية معقودة عليه لتحقيق‬
‫طفرة حقيقية في املجال الاجتماعي‪ ،‬وذلك من خالل الحد من الفوارق الاجتماعية واملجالية‪ ،‬وتحسين‬
‫ألاوضاع الاجتماعية للفئات الهشة والفقيرة‪ ،‬إلى جانب دعم وحماية القدرة الشرائية لألسر‪ ،‬في ظل‬
‫التحوالت إلاقليمية والدولية التي يشهدها املجتمع الدولي (الحرب الروسية ألاوكرانية‪ ،‬التغيرات‬
‫املناخية‪ .)...‬كل هذه املحددات وأخرى‪ ،‬ستسهم في تحقيق السلم والرفاه الاجتماعي‪ ،‬وستحول أيضا دون‬
‫تنامي الحركات الاجتماعية‪.‬‬
‫الئحة املراجع‬
‫مراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫إبراهيم العيسوي‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها‪ ،‬املركز العربي‬ ‫‪‬‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8705 ،‬‬
‫أحمد عبده هاني خميس‪ ،‬ثورات الربيع العربي بين التحول الديمقراطي وتحديات الجودة الاجتماعية كسياسة‬ ‫‪‬‬
‫تنموية مصر ما بعد ثورة ‪ 84‬يناير أنموذجا‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬السياسات التنموية وتحديات الثورة في‬
‫ألاقبطار العربية‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬هدى حوا‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪.8700‬‬
‫التقرير السنوي عن حالة حقوق إلانسان باملغرب‪ ،‬الصادر عن املجلس الوطني لحقوق إلانسان‪.8707 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫التقرير العام للجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة‬ ‫‪‬‬
‫لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع‪ ،‬أبريل ‪.8780‬‬
‫الحبيب استاتي زين الدين‪ ،‬الحركات الاحتجاجية في املغرب ودينامية التغيير ضمن الاستمرارية‪ ،‬املركز العربي‬ ‫‪‬‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8707 ،‬‬
‫حسن أدونيس‪ ،‬الريف الخصوصيات التاريصية والاجتماعية والاقتصادية‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬حراك الريف‬ ‫‪‬‬
‫نضال شعبي ببطولي من أجل الحرية والعدالة الاجتماعية‪ ،‬جمعية أطاك املغرب‪.8702 ،‬‬
‫خبطاب ملكي بمناسبة افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثالثة من الوالية التشريعية العاشرة‪08 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫أكتوبر ‪.8702‬‬

‫‪115‬‬
‫خبطاب ملكي بمناسبة افتتاح الدورة ألاولى من السنة التشريعية الثانية‪03 ،‬من الوالية التشريعية العاشرة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫أكتوبر ‪.8700‬‬
‫خبطاب ملكي بمناسبة الذكرى السادسة والستين لثورة امللك والشعب‪ ،‬بتاريخ ‪ 87‬غشت ‪.8707‬‬ ‫‪‬‬
‫دستور اململكة املغربية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 4715‬مكرر‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪.8700‬‬ ‫‪‬‬
‫رشيد أمشنوك‪ ،‬الحماية الاجتماعية‪ :‬أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬الحماية‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية ومقارنة‪ ،‬تنسيق وتقديم‪ :‬إبراهيم بلوح‪ ،‬يونس‬
‫مجدوبي‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8788 ،‬‬
‫رضوان قبطبي‪ ،‬شبكات التواصل الاجتماعي والفعل الاحتجاجي باملغرب حركة املقاطعة نموذجا‪ ،‬مجلة اتجاهات‬ ‫‪‬‬
‫سياسية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬أبريل ‪.8707‬‬
‫زكرياء أزم‪ ،‬النقا العمومي حول نموذج التنمية‪ :‬تساؤالت جدلية‪ ،‬مجلة القانون واملجتمع‪ ،‬معهد الدراسات‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعية وإلاعالمية‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬أكتوبر ‪.8780‬‬
‫سبيكر بول‪ ،‬مبادئ الرعاية الاجتماعية مقدمة للتفكير في دولة الرعاية‪ ،‬ترجمة‪ :‬حازم مبطر‪ ،‬املركز الديمقراطي‬ ‫‪‬‬
‫العربي‪ ،‬أملانيا‪.8700 ،‬‬
‫سعيد خمري‪ ،‬املغرب ما بعد كورونا‪ :‬أي دور اجتماعي للدولة وألاحزاب السياسية؟ ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬حالة‬ ‫‪‬‬
‫البطوارئ الصحية‪ :‬التدابير القانونية والاقتصادية والسياسية وأبعادها‪ ،‬تنسيق‪ :‬عبد الرحيم العالم‪،‬‬
‫منشورات مركز تكامل للدراسات وألابحاث‪.8787 ،‬‬
‫سيدي موالي أحمد عيالل‪ ،‬مدى فاعلية حركة ‪ 87‬فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب‪ ،‬ضمن‬ ‫‪‬‬
‫مؤلف جماعي‪ ،‬الثورات العربية عسر التحول الديمقراطي ومآالته‪ ،‬إعداد وتنسيق‪ :‬محمد جمال باروت‪ ،‬املركز‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8702 ،‬‬
‫اليهير الشريف رقم ‪ 0.80.37‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 83( 0558‬مارس ‪ )8780‬بتنفيذ القانون إلاطار رقم ‪77.80‬‬ ‫‪‬‬
‫املتعلق بالحماية الاجتماعية‪ ،‬منشور بالجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 88 ،1704‬شعبان ‪ 4( 0558‬أبريل ‪.)8780‬‬
‫عبد إلاله سبطي‪ ،‬احتجاجات الهوامش القشرة وما تصفيه‪ ،‬املعهد املغربي لتحليل السياسات‪ ،‬الرباط‪ ،‬مارس‬ ‫‪‬‬
‫‪.8702‬‬
‫عبد الرحمان رشيق‪ ،‬املجتمع ضد الدولة‪ :‬الحركات الاجتماعية واستراتيجية الشارع‪ ،‬ترجمة‪ :‬عز الدين العالم‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫منشورات ملتقى البطرق‪ ،‬الدار البيضاء‪.8780 ،‬‬
‫عبد الرحيم خالص‪ ،‬مبطالب الحراك باملغرب بين الخبطاب امللكي والنص الدستوري‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مغرب ما بعد حراك ‪ 8700‬ماذا تغير؟ إشراف وتنسيق‪ :‬محمد باسك منار‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل‬
‫السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8701 ،‬‬
‫عبد الواحد أوامن‪ ،‬احتجاجات الهامش‪ :‬دراسة في بنية الفعل الاحتجاجي بمنبطقة الريف باملغرب‪ ،‬مجلة‬ ‫‪‬‬
‫القانون واملجتمع‪ ،‬معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية‪ ،‬العدد السابع‪ ،‬أكتوبر ‪.8788‬‬
‫عبد الواحد أوامن‪ ،‬تاريخ الحركات الاحتجاجية بين املفهوم والنيريات‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬الحركات‬ ‫‪‬‬
‫الاحتجاجية في الوطن العربي دراسة في متغيرات الاستقرار والالاستقرار لألنيمة العربية‪ ،‬تنسيق‪ :‬املصبطفى‬
‫بوجعبوط‪ ،‬املركز الديمقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية‪ ،‬أملانيا‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪.8707‬‬

‫‪116‬‬
‫فؤاد الصالحي‪ ،‬ثورات الربيع العربي ومبطلب العدالة الاجتماعية‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬العدالة الاجتماعية‬ ‫‪‬‬
‫املفهوم والسياسات بعد الثورات العربية‪ ،‬منتدى البدائل العربي للدراسات ومؤسسة روزا لوكسمبورغ‪،‬‬
‫‪.8708‬‬
‫املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬التقرير السنوي ‪.8787‬‬ ‫‪‬‬
‫املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬التقرير السنوي ‪.8780‬‬ ‫‪‬‬
‫املجلس الوطني لحقوق إلانسان‪ ،‬حقوق إلانسان ‪ :8780‬تداعيات كوفيد ‪ 07‬على الفئات الهشة ومسارات‬ ‫‪‬‬
‫الفعلية‪ ،‬فبراير ‪.8788‬‬
‫محمد الحاجي الدريس ي‪ ،‬السياسات الاجتماعية باملغرب والتوجهات الهجراتية للشباب املتعلم‪ :‬أية عالقة؟‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مجلة الاقتصاد واملجتمع‪ ،‬معهد الدراسات الاجتماعية وإلاعالمية‪ ،‬املجلد ألاول‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬أكتوبر‪ -‬دجنبر‬
‫‪.8788‬‬
‫محمد الغلبزوري‪ ،‬الدولة وتدبير حراك الريف‪ :‬تدبير أزمة أم أزمة تدبير‪ ،‬سليكي أخوين‪ ،‬طنجة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.8787‬‬
‫محمد سعدي‪ ،‬حراك الريف ديناميات الهوية الاحتجاجية‪ ،‬سليكي أخوين‪ ،‬طنجة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8707 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫محمد فاوبار‪ ،‬أدوار الشباب الجديدة وسياسات الدولة في إلادماج في املغرب بعد حراك ‪ ،8700‬ضمن مؤلف‬ ‫‪‬‬
‫جماعي‪ ،‬الشباب والانتقال الديمقراطي في البلدان العربية‪ ،‬تحرير‪ :‬عبد الفتاح ماض ي‪ ،‬عبده موس ى‪ ،‬املركز‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬قبطر‪ ،‬البطبعة ألولى‪.8707 ،‬‬
‫مصبطفى جال‪ ،‬احتجاجات املغرب بين أزمة الوساطات وأزمة التوافقات‪ ،‬مركز الجزيرة للدراسات‪ ،‬قبطر‪8 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫أبريل ‪.8702‬‬
‫مؤلف جماعي‪ ،‬العدالة الاجتماعية باملغرب مقاربات قانونية وحقوقية‪ ،‬إشراف وتنسيق‪ :‬محمد املودن‪ ،‬مدني‬ ‫‪‬‬
‫أحميدو ‪ ،‬نعيمة عبة‪ ،‬عبد الحي الغربة‪ ،‬إصدارات املركز املتوسبطي للدراسات وألابحاث املعاصرة‪ ،‬البطبعة‬
‫ألاولى‪.8780 ،‬‬
‫وزارة الاقتصاد واملالية‪ ،‬التقرير الاقتصادي واملالي‪ ،‬مشروع قانون املالية لسنة‪.8788‬‬ ‫‪‬‬
‫مراجع باللغات ألاجنبية‪:‬‬
‫‪ Driss Maghraoui, Constitutional Reforms in Morocco: between Consensus and Subaltern Politics,‬‬
‫‪North Africa’s Arab Spring. Routledge, 2013.‬‬
‫‪ Joseph Hivert, Les Rapports entre générations dans le mouvement du 20 février, Ouvrage collectif‬‬
‫‪: Le Maroc au Présent : d’une époque à l’autre, une société en mutation, Edité par : Baudouin Dupret,‬‬
‫‪Zakaria Rhani, Assia Boutaleb, Jean Noel Ferrié, Centre Jacques Breque- Fondation du Roi Abdul -‬‬
‫‪Aziz Al Saoud pour les Etudes Islamiques et les Sciences Humaines, Casablanca, 2015.‬‬
‫‪ Nassim Hajouji, The Hirak Movement a Revial of the Arab Spring? Collective author: Mutations‬‬
‫‪Politique Comparées au Maroc au Machrek 7ans Après le Printemps Arabe, Policy center, 2018.‬‬

‫‪117‬‬
‫الحراك الاجتماعي وأثره في تعديل تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية‪ :‬حركة ‪ 02‬فبراير نموذجا‬
‫زكرياء عصفور‬
‫باحث في العلوم السياسية‬
‫مقدمة‬

‫ينشأ الحراك الاجتماعي كرد فعل على سلوك السلبطة السياسية املنتيمة في هياكل ومؤسسات‪ ،‬والتي‬
‫تتراكب نسقيا لتشكل في نهاية ألامر مفهوم الدولة‪ .‬إذ أن التحديد املادي والسياس ي لهذه ألاخيرة يرتكز‬
‫على وجود بنى قانونية وإدارية قادرة على تدبير الشأن العام‪ ،‬بحيث يشكل هذا النشاط التدبيري للدولة‬
‫في بعده السلبي املتسم بالعجز والقصور في تلبية الحاجيات الاجتماعية لجميع املواطنين ا ا والذي تحيل‬
‫عليه جملة من املسميات‪ :‬فعل عمومي‪ ،‬سياسة عمومية‪ ،‬برامج حكومية‪ ...‬ا ا ا مناطا لتبلور الفكر‬
‫الاحتجاجي‪ ،‬كما يمثل مجاال خصبا ملراكمة الاختالالت والالتوازنات التي تنشأ على هامش ممارسة‬
‫السلبطة‪.‬‬

‫في السياق املغربي تتضح هذه املتالزمة بشكل أوضح‪ ،‬خصوصا كلما عملنا على استحضار الشروط التي‬
‫مهدت النبثاق أكثر من حراك اجتماعي الكبرى‪ .‬فلحية الربيع العربي التي شكلت موعدا ألغلب الدول‬
‫العربية من أجل فك الارتباط مع وضعية عامة‪ ،‬اتسمت سياسيا بتعثر أو غياب املمارسة الديمقراطية‪،‬‬
‫واجتماعيا بالتفاوتات البطبقية والاجتماعية‪ ،‬واقتصاديا بتصلف التنمية وانتشار الفقر والهشاشة‪ ،‬أفرزت‬
‫قدرا كبيرا من الزخم الذي أدى بالنهاية إلى بروز العديد من املبطالب تنوعت بحسب كل قبطر‪ ،‬حيث‬
‫أفض ى في بعضها إلى تغيير ألانيمة السياسية‪ ،‬وتجسد في البعض آلاخر في صي مغايرة كاملبطالبة بإجراء‬
‫إصالحات للمنيومة القانونية القائمة‪ ،‬بحيث تبطلب ألامر تعديال للدستور وإجراء انتصابات سابقة‬
‫ألوانها‪ .‬وكذلك كان في الحالة املغربية مع حركة ‪ 87‬فبراير‪ ،‬حيث أسست هذه ألاخيرة تكتيكاتها في منبطق‬
‫التغيير على خلق رجات أثرت في طبيعة السلبطة وعملت على إخراجها من مجال كان فيه الاستئثار لفاعل‬
‫وحيد ومشاركتها مع فاعلين جددا‪. 1‬‬

‫في هذا إلاطار تأتي هذه املحاولة لقراءة وتقييم الفعل الاحتجاجي لحركة ‪ 87‬فبراير وأثره في إنتاج سيرورة‬
‫أدت إلى إعادة تشكيل الهياكل القانونية والدستورية التي تحكم اشتغال املؤسسات داخل النسق‬
‫السياس ي املغربي‪ ،‬وما كان لذلك من تأثير في تغيير تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية‪ ،‬ذلك أن مبطلب‬
‫العدالة الاجتماعية كان أحد املبطالب املركزية للحركة حينها‪ ،‬الش يء الذي يجعلنا في صلب إشكالية نووية‬
‫تتصل بالتساؤل عن مقدار ألاثر املعياري والقانوني الذي خلفه الحراك الاجتماعي لسنة ‪ 8700‬على تمثل‬
‫الدولة املغربية للمسألة الاجتماعية أخذا بعين الاعتبار أن هذا التمثل هو مجال قابل للرصد والقياس‬

‫‪ -1‬الزياني عثمان‪ ،‬سيناريوهات املغرب السياس ي ملا بعد الانتصابات التشريعية ل ا ‪ 84‬نونبر مقاربة سوسيوسياسية‪ ،‬وجهة نير‪ ،‬العدد ‪40‬‬
‫شتاء ‪ 8708،‬صفحة ‪.85‬‬

‫‪118‬‬
‫من خالل استقراء مدى التبطور الذي حدث على مستوى املرجعيات والبنى القانونية الكبرى وعلى رأسها‬
‫الوثيقة الدستورية‪ ،‬وأيضا عبر تحليل السياسات العمومية ذات الصلة‪ ،‬باعتبارها رصدا لسلوك الدولة‬
‫في غمار الفعل‪ ،‬وهو ما يمكن أن نعبر عنه من خالل التساؤل التالي‪:‬‬

‫إلى أي حد يمكن اعتبار التوجه الحالي للدولة املغربية في مجال السياسات الاجتماعية‪ ،‬كنتيجة للحراك‬
‫الاجتماعي بقيادة حركة ‪ 87‬فبراير‪ ،‬أو أن ألامر يتعلق بتدبير أزمات مستجدة أفرزتها حالة الاليقين التي‬
‫تصيم على تفكير النصب الحاكمة في جميع دول العالم؟‬

‫على املستوى املنهجي‪ ،‬ينبغي الاعتراف أنه من الصعب الاقتصار على منهج واحد في تناول ظاهرة تجد‬
‫تجذراتها في حقول معرفية مصتلفة‪ .‬وبناء عليه كان لزاما علينا اعتماد منهجية عابرة للتصصصات‪ ،‬بحيث‬
‫تمتح من املنهج التاريخي الذي يستوجب البحث في أسباب نشوء الياهرة واملنبطق املتحكم في تبطورها‪،‬‬
‫وذلك بنفس تحليلي نقدي ملصتلف ألاحداث ألاساسية التي ساهمت في تبطور املسار الدستوري والسياس ي‬
‫واملؤسساتي باملغرب‪ ،‬دون إغفال املقاربة السوسيولوجية التي تستوعب فهم ألابعاد املشكلة لهذه‬
‫ألاحداث والوقائع‪.‬‬

‫حاولت الدراسة الحالية أن تتناول هذه إلاشكالية من خالل أربعة محاور‪ ،‬بحيث استهدف املحور ألاول‬
‫معايرة حضور املبطلب الاجتماعي في حراك ‪ 87‬فبراير‪ ،‬في حين توجه املحور الثاني إلى استكناه طبيعة‬
‫التصور الذي تحصل لدى الدولة املغربية بشأن املسألة الاجتماعية بناء على املراجعة الدستورية ل ا‬
‫‪ ،8700‬بينما حاول املحور الثالث إلاجابة عن سؤال‪ :‬هل تعكس التحوالت الجديدة للدولة بصصوص‬
‫تبني مقولة الدولة الاجتماعية قبطيعة مع التصور التقليدي للمسألة الاجتماعية؟ لينتقل املحور الرابع‬
‫في ألاخير إلى مناقشة طبيعة العالقة القائمة بين مفهومي الدولة الاجتماعية والديمقراطية‪ ،‬هل هي عالقة‬
‫اقتضاء وتالزم أم أنه ال مجال للحديث عن صلة خاصة بين املفهومين‪.‬‬

‫املحور ألاول‪ :‬مكانة املطلب الاجتماعي في حراك ‪ 02‬فبراير‬

‫تبلور الفعل الاحتجاجي باملغرب كما في بايي ألاقبطار العربية خصوصا منها املغاربية‪ ،‬على قاعدة متعددة‬
‫املبطالب بحيث لم يكن هناك مبطلب ليتميز عن مبطلب‪ ،‬بل كانت املبطالب تتضافر مجتمعة لتشكل ما‬
‫يمكن تسميته ب "الهوية املبطلبية للحراك"‪ .‬وهكذا أمكن لنا أن نجد املبطلب الاجتماعي متجاورا جنبا إلى‬
‫جنب مع املبطلب الحقويي والسياس ي والديمقراطي‪ ،‬لذلك فإن الواقع العملي يفيد بأن الحركات‬
‫الاحتجاجية رببطت الحقوق السياسية واملدنية عضويا بالشرط الاقتصادي والاجتماعي‪.1‬‬

‫‪1‬ا مشواط عزيز‪ ،‬الحركات الاجتماعية متعدية القوميات‪ :‬الحالة املغربية‪ ،‬معهد ألاصفري للمجتمع املدني واملواطنة‪ ،‬بيروت لبنان ‪8787‬‬
‫الصفحة ‪.85‬‬

‫‪119‬‬
‫‪ .1‬إلارهاصات ألاولى للجيل الجديد من املطالب الاجتماعية باملغرب‬

‫لم تؤسس حركة ‪ 87‬فبراير الاحتجاج في املغرب‪ ،‬بل كان تنامي الاحتجاج على نحو غير مسبوق قد لوحظ‬
‫منذ النصف الثاني من العقد ألاول من ألالفية الثالثة‪ ،‬وكان من أبرز تلك الاحتجاجات ما عرفته مدينة‬
‫صفرو في شتنبر ‪ 8770‬ومدينة سيدي إفني في أواخر ماي وبداية يونيو ‪ ،8772‬حيث أدت هذه الحوادث‬
‫إلى كثير من الضحايا واملعتقلين كان معيمهم من الشباب‪ .1‬اندرجت هذه الاحتجاجات في سياق املبطالبة‬
‫بالعديد من الحقوق التي تجلت في التياهر ضد ارتفاع ألاسعار وغالء املعيشة‪ ،‬وعلى ألاوضاع الاجتماعية‬
‫الصعبة بدعوة من الجمعية املغربية لحقوق إلانسان‪ ،‬كما وقع بمدينة صفرو أو كرد فعل على عدم‬
‫تلبية مبطالب سابقة‪ - 2‬كما هو الشأن بالنسبة لسيدي إفني‪ -‬تمثلت في املبطالبة بجودة الصحة العمومية‬
‫ومجانيتها‪ ،‬وتوفير مناصب الشغل‪ ،‬وتصصيص تعويضات اجتماعية لذوي الحقوق من عائالت ضحايا‬
‫املرحلة الاستعمارية‪ ،‬وتسليم الشباب العاطلين ما يسمى بالفاسكو (أوراق البحر أو الدفتر البحري)‬
‫ليتمكنوا من العمل في مراكب الصيد‪ ،‬وكذا منحهم رخص الصيد التقليدية‪.3‬‬

‫إن املستقرئ ألحداث سيدي إفني‪ ،‬رغم ما شابها من مواجهات عنيفة بين املحتجين والسلبطات‬
‫العمومية‪ ،‬يمكن أن يقف على ملحيين أساسيين؛ ألاول يتعلق بالنقلة النوعية من الاحتجاج التقليدي‬
‫الذي عرفه املغرب بعد الاستقالل‪ ،‬والذي كانت تؤطره عالقات التوتر بين السلبطة من جهة وألاحزاب‬
‫السياسية املعارضة والنقابات واملنيمات التابعة لها من جهة ثانية‪ ،‬إلى احتجاج ذي صبغة شعبية قد‬
‫يلقى ردود فعل مساندة أو معارضة من طرف ألاحزاب السياسية أو الهيآت النقابية والعمالية‪ .‬أما امللحظ‬
‫الثاني فيتعلق ببطبيعة املبطالب في حد ذاتها‪ ،‬فعلى الرغم من أن املبطالب املعبر عنها هي مبطالب اجتماعية‬

‫‪1‬ا باسك منار محمد‪ ،‬قراءة في التجربة الدستورية والسياسية في املغرب بعد مرور خمس سنوات على الثورات العربية‪ ،‬املركز العربي‬
‫لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬يونيو ‪ ،8702‬طبعة ‪ ،0‬الصفحة ‪.375‬‬
‫‪2‬ا أشارت لجنة التقص ي البرملانية التي شكلت إثر ألاحداث التي شهدتها مدينة سيدي إفني يوم ‪ 0‬يونيو ‪ 8772‬إلى أن هذه ألاحداث تعود‬
‫جذورها إلى سنة ‪ 8773‬حيث تبطورت بشكل تصاعدي وتسلسلت عبر محبطات مصتلفة نوردها اختصارا كما يلي‪:‬‬
‫‪ 22 -‬ماي ‪ 8774‬قامت السكرتارية املحلية بتنييم مسيرة احتجاجية إلى مقر باشوية املدينة رافعة مبطالب محددة‪.‬‬
‫‪ 0 -‬غشت ‪ 8774‬نفس السكرتارية تنيم مسيرة أخرى أعقبها تدخل لقوات ألامن‪.‬‬
‫‪ 88 -‬فبراير ‪ 8771‬صدور بيان هل السكرتارية يرفع من سقف املبطالب‪.‬‬
‫‪ 37 -‬يونيو ‪ 8771‬تعرض الوفد الرسمي املشارك في احتفاالت ذكرى استرجاع إلاقليم للرشق بالحجارة اعتقل على إثرها ‪ 00‬فردا من‬
‫املحتجين املشتبه فيهم يتم إلافراج عنهم فيما بعد‪.‬‬
‫‪ 84 -‬يونيو ‪ 8770‬دعوه السكرتارية الى مقاطعة الاحتفاالت الرسمية والانتصابات حتى تحقيق املبطالب‪.‬‬
‫‪ 87 -‬يونيو ‪ 8770‬الدعوة إلى القيام بمسيره والاعتصام أمام ثكنة رجال مبطافئ ‪ 84‬أبريل ‪ 8772‬إصدار بيان يدعو إلى اعتبار يوم الجمعة‪.‬‬
‫‪ 87‬أبريل ‪ 8772‬يوما للغضب والاحتجاج‪.‬‬
‫املصدر‪ :‬التقرير العام ألعمال اللجنة النيابية لتقص ي الحقائق حول أحداث سيدي إفني يوم ألاربعاء ‪ 0‬يونيو ‪ 8772‬واملعروض أمام أنيار‬
‫مجلس النواب بتاريخ ألاربعاء ‪ 00‬دجنبر ‪ ،8772‬متاح على املوقع إلالكتروني الخاص بمجلس النواب‬
‫‪www.chambredesrepresentants.ma‬‬
‫إحدى الوحدات التابعة إلاذاعة والتلفزيون السويسرية ‪www.Swissinfo.ch, visité le 15/02 /2023‬ا ‪3‬‬

‫‪120‬‬
‫صرفة من قبيل توفير الحق في التعليم والصحة والشغل إال أن لها خلفية حقوقية واضحة تلخصها‬
‫املتالزمة الشهيرة التي كانت تتردد في جميع الاحتجاجات واملتمثلة في "حرية‪ ،‬كرامة‪ ،‬عدالة اجتماعية"‪.‬‬
‫وال شك أن وراء هذا التبطور عوامل ساهمت في حدوثه‪ ،‬ترتبط خصوصا بالتحوالت الاقتصادية‬
‫والاجتماعية التي عرفها املغرب طيلة العقود السابقة‪ ،‬والتي ترجع في أغلبها إلى الانتقال الديمقراطي‬
‫وتوسع املجال الحضري‪ ،‬واتجاه ألاسرة نحو النموذج النووي‪ ،‬وارتفاع نسبة الحاصلين على التعليم‬
‫ألاساس ي‪ ،‬وغيرها من التحوالت ألاخرى التي أفرزت نشوء جيل جديد من الحركات بوعاء مبطلبي جديد‪.1‬‬

‫باإلضافة إلى هذه العوامل سالفة الذكر هناك عوامل عززت الانتقال نحو هذا الجيل الجديد من‬
‫الاحتجاجات‪ ،‬تمثلت في التحول الرقمي الذي ميز ألالفية الجديدة‪ ،‬والذي برزت معه ظاهرة مواقع‬
‫التواصل الاجتماعي التي سمحت باالنفتاح على تجارب بايي الحركات الاجتماعية‪ ،‬الش يء الذي ساهم في‬
‫إذكاء الحس الحقويي لفئات واسعة من املجتمع املغربي‪.‬‬

‫‪ .0‬حركة ‪ 02‬فبراير وإعادة إنتاج املطلب الاجتماعي‬

‫جسدت حركة ‪ 87‬فبراير النموذج العفوي للحراك الاجتماعي الذي اكتسب زخما متزايدا مع مرور الوقت‪،‬‬
‫بحيث غداه رافدان أساسيان‪ :‬أولهما السياق الداخلي املتسم بارتفاع منسوب الاحتجاجات ذات التوجه‬
‫الاجتماعي والحقويي‪ ،‬وثانيهما الدفق الثوري الذي عجت به املنبطقة العربية بفعل ما سمي بالربيع العربي‪.‬‬
‫كما أنها نجحت في التحرر من عبء الارتهان والخضوع لحسابات املجتمع السياس ي‪ ،‬وبذلك جاءت مبطالبها‬
‫معبرة عن إلارادة الشعبية بصورة مباشرة‪ ،‬وهنا يمكننا مالحية حضور بعدين مهمين لهذا الحراك‪ :‬ألاول‬
‫يحيل على البعد السيكولوجي والنفس ي‪ ،‬إذ يمكن النير إلى هذا الاحتجاج بكونه تفريغا للرؤى الكامنة‬
‫في ثورة الالشعور‪ ،‬وتراكم إلاحساس بالحرمان وإلاقصاء و"الحكرة"‪ ،‬أما الثاني فيرتبط بمنيور علم‬
‫الاجتماع التبطبيقي إلاكلينيكي‪ ،‬بحيث يستهدف تغيير العالقات الاجتماعية السلبية بغرض الوصول إلى‬
‫القناعة بقدرتها على تحقيق مبطلب التغيير‪. 2‬‬

‫بالرجوع إلى الوثائق املؤسسة لنضال الحركةا ا ا وهي في غالبيتها وثائق غير منشورة بحكم اعتمادها على‬
‫البيانات املبثوثة على شبكات التواصل الاجتماعي‪ ،‬خصوصا الفيسبوك ‪-‬يمكن رصد املسار الزمني الذي‬
‫تشكلت عبره املبطالب ألاساسية للحراك‪ ،‬بحيث يمكن التمييز بين ثالث لحيات مفصلية‪:‬‬

‫أ‪ .‬الاختمار وبناء التصور‪ :‬من خاللها سعى الشباب املنضوي تحت الحراك إلى طرح جملة من املبطالب‬
‫والتصورات ألاولية‪ ،‬ويمكن القول بأن الحركة عاشت خالل هذه املرحلة حالة من التيه التنييمي‬

‫‪1‬ا مشواط عزيز‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬‬


‫‪ 2‬ا الزياني عثمان‪ ،‬سيناريوهات املغرب السياس ي ملا بعد الانتصابات التشريعية (‪ )0‬نونبر مقاربة سوسيو سياسية في " وهم التغيير والفرص‬
‫الضائعة "‪ ،‬وجهة نير العدد ‪( 45‬شتاء (‪ )877‬ص ‪.85‬‬

‫‪121‬‬
‫أدى إلى ظهور مجموعة من املسميات للحركة مثل "الشعب يريد التغيير"‪" ،‬حركة حرية وديمقراطية‬
‫آلان" ليستقر الاسم في ألاخير على "حركة ‪ 87‬فبراير‪ ،‬الشعب يريد التغيير"‬
‫ب‪ .‬العمل امليداني‪ :‬والذي انبطلق فعليا مع لحية النزول إلى الشارع ومحاولة التعبئة والتحشيد‬
‫املجتمعي حول املبطالب املرفوعة‪ ،‬وهنا يالحظ استهداف املسيرات املنيمة للعمق املجتمعي‪ ،‬حيث‬
‫ً‬
‫كانت الشعارات املرفوعة في أغلبها تحيل على مبطالب اجتماعية محددة‪ ،‬باعتبارها جزءا ال يتجزأ‬
‫من املبطالب ألاخرى التي تجلت في املبطلب السياس ي والدستوري‪ ،‬وهنا يمكن القول بأن هذا التكتيك‬
‫من جانب الحركة نجح فعال في استقبطاب أعداد متزايدة من املنصرطين في الحراك‪.1‬‬
‫ُ ِّ‬
‫ج ـ املأسسة‪ :‬وفي هذا املستوى ش ِكلت مجموعة من اللجان الوظيفية التي سعى من خاللها النشبطاء إلى‬
‫هيكلة الحركة حسب ما يمليه الفعل امليداني‪ ،‬وهنا يمكن إلاشارة إلى بعض اللجان من قبيل لجنة‬
‫إلاعالم‪ ،‬لجنة املالية‪ ،‬واللجنة املكلفة بالشعارات‪ ،‬ولجنة اللوجستيك‪ ،‬ولجنة التنسيق‪ ،‬ولجنة اليقية‪،‬‬
‫هذا إلى جانب وجود مجلس وطني بمثابة جهاز تنفيذي للحركة‪.‬‬

‫بدأت مبطالب الحركة تتضح شيئا فشيئا مع التبطور الذي حصل على مستوى بنياتها التنييمية‪ ،‬لكن‬
‫املبطالب التي كانت ألاكثر تعبيرا هي تلك التي وردت في الوثيقة املعنونة ب"ألارضية التأسيسية لحركة ‪87‬‬
‫فبراير من أجل الكرامة الانتفاضة هي الحل"‪ ،‬وحملت توقيع اسم مستعار سليم ماض ي حسب ما تم‬
‫تداوله على املوقع الاجتماعي فيسبوك‪ ،‬وهي أول من استعمل عبارة "شباب ‪ 87‬فبراير" ألول مرة‪ ،‬وقد‬
‫ضمت الوثيقة مبطالب سياسية وأخرى اجتماعية نادت بإطالق سراح كافة املعتقلين السياسيين‪ ،‬وتعيين‬
‫حكومة انتقالية يناط بها اتصاذ مبادرات عاجلة من أجل التصفيف من حدة ألازمة الاجتماعية بصفض‬
‫ألاسعار‪ ،‬والزيادة في ألاجور‪ ،‬وفتح صندوق عاجل للتعويض عن الببطالة‪ ،‬وتشغيل جميع حاملي‬
‫الشهادات املعبطلين فورا دون قيد أو شرط ‪ .‬وقد تال إعالن هذا البيان مجموعة من البيانات الالحقة‬
‫كانت تسير في نفس املنحى‪.2‬‬

‫لقد استبطاعت حركة ‪ 87‬فبراير أن تبطرح حزمة من املبطالب الاجتماعية في تماه تام مع النزعة الحقوقية‬
‫للجيل الجديد من الحركات الاجتماعية‪ ،‬وهو ما يعني أنها أسست للمبطالبة بمأسسة هذه املبطالب على‬
‫مستوى إعداد البرامج الحكومية وصنع السياسات العامة من خالل الدعوة إلى دسترتها لتستمد قوتها‬

‫‪1‬ا تشير تصريحات بعض النشبطاء لبعض القنوات التلفزية ‪ ، France 24‬العربية‪ ،BBC‬أن أعداد املشاركين فاق ‪ 877777‬في حين قللت‬
‫وزارة الداخلية من حجمهم إذ حصرت عدد املتياهرين في مجموع القرى واملدن في‪ 35777‬متياهر فقط‪.‬‬
‫‪2‬ا نذكر هنا بالبيانات التي كانت تصدر تباعا مؤكدة على املبطالب السابقة أو معززة لها بمبطالب جديدة‪:‬‬
‫‪ -‬ألارضية التأسيسية لحركة الشعب يريد التغيير‬
‫‪ -‬ووثيقة "مبطالب الشعب املغربي ا ا النقط ‪ 87‬امللحة‬
‫‪ -‬ثم وثيقة أخرى بعنوان " مسيرة ‪ 87‬فبراير ‪ 8700‬من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية‬
‫‪ -‬بيان موحد من حركات التياهر يوم ‪ 87‬فبراير ‪ 8700‬باملغرب‬
‫‪ -‬وثيقة حملت توقيع شباب ‪ 87‬فبراير‬

‫‪122‬‬
‫الناجزة من سمو الوثيقة الدستورية نفسها‪ ،‬محاولة بذلك إحداث نوع من الوعي املعياري والقانوني‬
‫لدى الدولة بأهمية املسألة الاجتماعية داخل الهندسة الدستورية‪ ،‬لكن إلى أي حد نجحت الحركة في‬
‫هذا املسعى؟‬

‫املحور الثاني‪ :‬تصور الدولة املغربية للمسألة الاجتماعية على ضوء الوثيقة الدستورية ل ـ ‪0211‬‬
‫ال شك أن الذهاب نحو إقرار دستور ‪ 8700‬جاء نتيجة سياق استثنائي تمصض عن حراك الربيع العربي‪،‬‬
‫ألامر الذي دفع املؤسسة امللكية إلى إخراج ورقة إلاصالح الدستوري لتوظيفها كورقة سياسية بغية‬
‫تهدئة الشارع املغربي‪.1‬‬

‫‪ .1‬تجاذب موازين القوى والطريق الصعب نحو بناء الدستور الجديد‪:‬‬

‫شكلت فترة ما قبل إقرار دستور ‪ 8700‬مصاضا صعبا وفرصة تاريصية للنصبة السياسية باملغرب للتعبير‬
‫عن طموحاتها وتبطلعاتها السياسية‪ ،‬كما عرفت دخول وافد جديد معادلة الجدل الدستوري تمثل في‬
‫حركة ‪ 87‬فبراير‪ ،‬حيث لم يعرف النيام السياس ي املغربي انفتاحا على قوى املعارضة كما عرفه في هذه‬
‫اللحية‪ ،‬وبالتالي فإن الوثيقة الدستورية تعكس في واقع ألامر خالصة ما أفض ى إليه صراع موازين القوى‬
‫بين فرقاء املسألة الدستورية زمن الحراك‪ ،‬فإذا ما استبعدنا دور ألاحزاب السياسية من معادلة هذا‬
‫التدافع بفعل تسليمها بامتالك امللك للمبادرة الدستورية‪ ،2‬فإن الصوت ألابرز الذي رفع مبطالب‬
‫دستورية حقيقية هو حركة ‪ 87‬فبراير‪ ،‬بوصفها جسدت مركز الضغط الذي تم إخالؤه بصفة متفاوتة‬
‫من طرف جل ألاحزاب‪ ،‬في حين أن امللكية كسلبطة تأسيسية ظلت تجسد مركز القرار‪.3‬‬

‫اعتبر خبطاب ‪ 9‬مارس ‪ 8700‬التاريخي جوابا مببطنا على املبطالب املرفوعة من طرف املشاركين في الحراك‬
‫وعلى رأسها مبطلب امللكية البرملانية‪ ،‬جاء ذلك بعد مرور أسبوعين من أول مسيرة‪ ،‬حيث أعلن امللك عن‬
‫مبادرة إلاصالح الذي يؤسس مللكية برملانية بصصوصيات مغربية‪ ،‬ال تنفصل عن قدسية ثوابت إمارة‬
‫املؤمنين والنيام امللكي وإلاسالم بوصفه دينا للدولة‪ ،‬وذلك بعد دعوته ألاحزاب والنقابات وجمعيات‬
‫الشباب وهيآت املجتمع املدني ومؤسسات الفكر إلى املساهمة في بلورة مقتضياته‪.4‬‬

‫أدرك رأس الهرم السياس ي املغربي خصوصية املرحلة التي تمر منها هذه املواجهة بينه وبين حركة وليدة‬
‫الزالت تتلمس سبيلها نحو التجذر الاجتماعي‪ ،‬كما كان يعي طبيعة التماسك الهش الذي كان يبطبع بنيتها‬

‫‪1‬ا زين الدين محمد‪ ،‬الدستور ونيام الحكم باملغرب‪ ،‬مبطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،8788 ،‬ص ‪.050‬‬
‫‪2‬ا ا باسك منار محمد‪ ،‬دستور سنة ‪ 8700‬في املغرب‪ :‬أي سياق ألي مضمون‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬يناير ‪8705،‬‬
‫صفحة‪.5‬‬
‫‪3‬ا مصدق رقية‪ ،‬الدستور املغربي الجديد على محك املمارسة‪ ،2014 éditions la croisée des chemins ،‬صفحة ‪. 07‬‬
‫‪4‬ا عيالل سيدي موالي أحمد‪ ،‬مدى فاعلية حركة ‪ 87‬فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة‬
‫السياسات‪ ،‬يناير ‪ 8705،‬صفحة ‪.827‬‬

‫‪123‬‬
‫التنييمية‪ ،‬لذلك كان يسعى جاهدا إلى استثمار هذا الوضع من خالل املراهنة على حدوث الانقسام‬
‫والتصدع في موقف الحركة‪ ،‬والذي كانت تشير جميع إلارهاصات بوقوعه ‪ ،‬وهو ما حدث فعال إذ انقسم‬
‫املجلس العام للحركة إزاء الوعود امللكية بصصوص املراجعة الدستورية إلى ثالث فئات كبرى‪ ،‬فئة‬
‫اعتبرت أن ألامر يتعلق بشراء سلم الشارع ومحاولة توهيم الحركة وجمع القوى السياسية لتجاوز‬
‫الحركة‪ ،‬وآخرون رأوا في الخبطاب جوابا متأخرا شبيها بصبطابات رؤساء كل من تونس ومصر وليبيا‪ ،‬بينما‬
‫اعتبرت فئه ثالثة الخبطاب بمثابة نقد ذاتي للدولة وإرادة حقيقية إلصالح بنيوي‪ ،1‬وهنا ال ينبغي أن ننس ى‬
‫أن الدولة راهنت أيضا على عامل الزمن في إضعاف الحركة وتحويلها إلى أيقونة احتجاجية بدون عمق‬
‫جماهيري وال امتداد زمني‪.‬‬

‫‪ .0‬مكانة املسألة الاجتماعية داخل الهندسة الدستورية الجديدة‬

‫مما ال شك فيه أن الدافع وراء املراجعة الدستورية لسنة ‪ 8700‬كان نتيجة ضغط الحراك الاجتماعي‬
‫بقيادة ‪ 87‬فبراير التي انبطلقت في نضالها من وضع جملة من املبطالب‪ ،‬كان أبرزها تحسين الشروط‬
‫الاجتماعية للمجتمع املغربي وإعبطائها بعدا حقوقيا ودستوريا‪ ،‬وهنا من املناسب أن نتساءل عن مدى‬
‫تجاوب الدولة مع هذه املبطالب‪ ،‬وهل نجحت الحركة في تغيير تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية من خالل‬
‫صياغة النص الدستوري؟‬

‫لقد كان أهم قرار أقدمت عليه السلبطة السياسية من الناحية الاستراتيجية تحريك مسبطرة الفصل‬
‫‪ 073‬من دستور ‪ 0771‬السابق قصد مراجعة الدستور‪ ،‬كان الرهان وراء الاستجابة السريعة ملبطالب‬
‫حركة ‪ 87‬فبراير وعدم اللجوء إلى موقف العنف واملناهضة‪ ،‬هو املسارعة إلى تحويل الئحة املبطالب‬
‫الاجتماعية والسياسية التي أعلنت عنها استراتيجية الشارع في خبطوة إلعادة بناء الفضاء السياس ي‬
‫والاقتصادي والحقويي في املغرب إلى استراتيجية الدولة‪.2‬‬

‫إن النص الدستوري وإن تم اعتماده من دون مساهمة حركة ‪ 87‬فبراير في بلورة بنوده ومقتضياته‪ ،‬إال‬
‫أنه جاء وعلى خالف الدساتير السابقة في مرتبة متقدمة من حيث اشتماله على جيل جديد من‬
‫الحقوق تسير في اتجاه إعبطاء املسألة الاجتماعية بعدا دستوريا‪ ،‬وإيالئها اهتماما متزايدا داخل النسق‬
‫الدستوري‪ ،‬وهو ما يعكس قناعة جديدة تولدت لدى الدولة املغربية بأهمية الشأن الاجتماعي في الكتلة‬
‫التشريعية الصلبة للمنيومة القانونية للدولة‪ ،‬حيث يمكن رصد مؤشرات هذا الوعي التشريعي داخل‬
‫الوثيقة بدءا بالفصل ألاول من الدستور الذي ينص على كون نيام الحكم باملغرب نيام ملكية دستورية‬
‫ديمقراطية برملانية اجتماعية‪ ،‬وعلى الرغم من أن هذه العبارة تكررت في جميع الدساتير السابقة إال أن‬
‫‪1‬‬
‫‪ Salhi Montassir, conditions de naissance et évolution d’un mouvement protestataire, septembre 2013, paris,‬ـ‬
‫‪université saint denis, page 27.‬‬
‫‪ -2‬الحبيب ستاتي زين الدين‪ ،‬العشرية الدستورية ورهان التوفيق بين السلبطة واملجتمع‪ ،‬منتدى السياسات العربية‪ ،‬مقال منشور على‬
‫موقع‪ ، www.alsiasat.com.‬الصفحة ‪ 9‬تمت الزيارة يوم ‪8783/78/02‬‬

‫‪124‬‬
‫ما سيأتي بعدها من الفصول أضفى عليها معنى جديدا ومصتلفا‪ ،‬وهكذا يمكن لنا أن نرصد حضور‬
‫توجه الدولة ملا هو اجتماعي من خالل الفصول التالية‪:‬‬

‫‪ ‬الفقرة الثانية من الفصل السادس "ضمان مشاركة السلبطات العمومية للمواطنين‬


‫واملواطنات في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية"‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل الثامن ينص على دور املنيمات النقابية لألجراء والفرق املهنية واملنيمات املهنية‬
‫للمشغلين في الدفاع عن الحقوق واملصالح الاجتماعية والاقتصادية للفئات التي تمثلها وفي‬
‫النهوض بها‪ ،‬كما يحدد دور السلبطات العمومية في تشجيع املفاوضات الجماعية وفي إبرام‬
‫اتفاقية الشغل الجماعية وفق الشروط القانونية‪.‬‬
‫‪ ‬تنصيص الفصل الثالث عشر بشكل واضح على أن تعمل السلبطات العمومية على إحداث‬
‫هيئات للتشاور قصد إشراك مصتلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية‬
‫وتفعيلها وتنفيذها وتقييمها‪ ،‬وتصويل كل من الرجل واملرأة مجموعة من الحقوق والحريات‬
‫املدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل ‪ 01‬ينص على حق ألافراد في سالمة يخصهم وأقربائهم وحماية ممتلكاتهم‪ ،‬بحيث‬
‫أوكلت السلبطات العمومية ضمان سالمة السكان وسالمة التراب الوطني في إطار احترام الحريات‬
‫والحقوق ألاساسية املكفولة للجميع‪.‬‬
‫‪ ‬أما الفصل ‪ 21‬من الدستور فقد جاء معبرا عن الحقوق الاجتماعية بشكل أوضح‪ ،‬والتي يمكن‬
‫حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬العالج والعناية الصحية‪.‬‬
‫‪ ‬الحماية الاجتماعية والتغبطية الصحية والتضامن التعاضدي أو املنيم من لدن الدولة‪.‬‬
‫‪ ‬الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة‪.‬‬
‫‪ ‬السكن الالئق؛‬
‫‪ ‬الشغل والدعم من طرف السلبطات العمومية في البحث عن منصب شغل‪ ،‬أو في‬
‫التشغيل الذاتي؛‬
‫‪ ‬ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛‬
‫‪ ‬الحصول على املاء والعيش في بيئة سليمة؛‬
‫‪ ‬التنمية املستدامة؛‬
‫‪ ‬الفصل ‪ 20‬ينيط بالدولة ضمان الحماية الحقوقية والاجتماعية والاقتصادية لألسرة‬
‫بمقتض ى القانون‪ ،‬كما ينص على كون الدولة ملزمة بتوفير الحماية القانونية والاعتبار‬
‫الاجتماعي واملعنوي لجميع ألاطفال بكيفية متساوية بصرف النير عن وضعيتهم العائلية‪،‬‬
‫كما يلزم كال من ألاسرة والدولة على حد سواء بحماية حق البطفل في التعليم ألاساس ي‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫‪ ‬الفصل ‪ 22‬يقض ي بالتزام السلبطات العمومية باتصاذ التدابير املالئمة من أجل توسيع‬
‫وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبالد‪،‬‬
‫ومساعدتهم على الاندماج في الحياة النشيبطة والجمعوية‪ ،‬وتقديم املساعدة للذين تعترضهم‬
‫صعوبة في التكيف املدرس ي والاجتماعي واملنهي‪ ،‬كما ينص على أنه يحدث مجلس استشاري‬
‫للشباب والعمل الجمعوي من أجل تحقيق هذه ألاهداف‪.‬‬
‫‪ ‬الفصل ‪ 22‬يشير إلى وضع وتفعيل سياسات موجهة إلى ألايخاص والفئات من ذوي‬
‫الاحتياجات الخاصة‪ ،‬تسهر على معالجة ألاوضاع الهشة لفئات من النساء وألامهات‬
‫وألايخاص املسنين والوقاية منها‪.1‬‬

‫لكن يبقى السؤال الذي يبطرح نفسه هو هل عكست السياسات العمومية الالحقة على دستور ‪8700‬‬
‫فعال نص الدستور وروحه على مستوى تفعيل هذه املبادئ والحقوق؟‬

‫املحور الثالث‪ :‬التحوالت الجديدة في تمثل الدولة للمسألة الاجتماعية بين تجذر القناعة ومقتضيات‬
‫املرحلة‬

‫ال ينسحب مفهوم التمثل هنا على إلايديولوجيا التي تبني عليها الدولة فلسفتها في الحكم أو تؤسس عليها‬
‫ثوابتها العقائدية التي يمكن الركون إليها في تفسير سلوكها السياس ي بقدر ما هو وعي بمركزية قضية‬
‫معينة‪ ،‬ينبغي أن تحيى باالهتمام بالنير إلى أهميتها بالنسبة للدولة أو املجتمع‪ ،‬وهو أمر ال يمكن التحقق‬
‫منه إال بأحد أمرين‪ :‬أوال من خالل تحليل السياسات العمومية للدولة وتفكيك العوامل املتحكمة في‬
‫السيرورة القرارية لهذه السياسات‪ .‬وثانيا عن طريق التغذية الراجعة من قبل املستهدفين من هذه‬
‫السياسات بحيث يعتبر الفعل الاحتجاجي من حيث كثافته وتردده أهم مؤشر على فشل هذه‬
‫السياسات‪.2‬‬

‫‪ .1‬السياسات الاجتماعية باملغرب قبل دستور ‪0211‬‬

‫يبدو أن تداول املسألة الاجتماعية داخل السياسات العمومية باملغرب ليس وليد السياقات املرتببطة‬
‫بالجيل الجديد من الاحتجاجات‪ ،‬بل هو تحصيل سياسة رسمية كانت تنير إلى الرفاه الاجتماعي كمتغير‬

‫‪1‬ا دستور اململكة املغربية ‪.8700‬‬


‫‪2‬ا في دراسة أنجزها عبد الرحمان رشيق حول موضوع " الحركات الاحتجاجية باملغرب من الانتفاظة إلى التياهر" خلص إلى أن منحى تبطور‬
‫الاحتجاجات باملغرب عرف تبطورا مبطردا من حيث العدد‪ ،‬إذ يل حوالي ‪ 32432‬فعال احتجاجيا خالل السنوات ‪،8777 ،8772 ،8774‬‬
‫‪ 8703 ،8708 ،8700 ،8707‬وهو ما يمكن تفسيره على أنه مؤشر دال يمكن من خالله قياس درجة عدم الرض ى عن السياسات العمومية‬
‫‪ ،‬نقال عن مالي عبد الصمد عفيفي‪ ،‬تحليل السياسات العمومية الاجتماعية في املغرب‪:‬سياسات تقليص الفقر نموذجا ‪0741‬ا ‪،8704‬‬
‫أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة القاض ي عياض كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬مراكش‪8704 ،‬ا‬
‫‪،8701‬ص‪8‬‬

‫‪126‬‬
‫تابع ملتغير ثابت يتمثل في التقدم الاقتصادي‪ ،‬غير أن الفترة التي ستعقب بداية الاستقالل إلى حدود‬
‫بداية الثمانينات كانت شاهدة على حجم العجز الاجتماعي الذي شهدته املرحلة‪ ،‬والذي عبر عن نفسه‬
‫باندالع انفجارات اجتماعية كبرى في مارس ‪ 0714‬ويونيو ‪ ،0720‬كما اختصر فشل الرهان على ألاولوية‬
‫املبطلقة لكل ما هو اقتصادي و نهج سياسة اقتصادية اعتمدت صيغة نمو دون تنمية‪. 1‬‬

‫كنتيجة لهذا العجز الاجتماعي‪ ،‬كانت الدولة تلجأ لسياسة البرامج الاجتماعية املجتزأة التي لم ترق إلى‬
‫سياسات اجتماعية باملعنى ألاكاديمي للمفهوم‪ ،‬وهنا يمكن أن نورد على سبيل املثال إعالن الدولة سنة‬
‫‪ 0773‬عن وضع استراتيجية للتنمية الاجتماعية بتعاون مع البنك الدولي وضع لها كهدف حينها تقليص‬
‫الفقر في العالم القروي‪ ،‬كما ستشهد سنة ‪ 0774‬انبطالق حزمة من البرامج الاجتماعية تمثلت في البرنامج‬
‫الجماعي للتزود باملاء الشروب وبرنامجا خاصا بالكهرباء‪ ،‬وآخر يتعلق بإنشاء شبكة للبطرق بالوسط‬
‫القروي‪ ،‬كما تم إلاعالن عقب الخبطاب امللكي بتاريخ ‪ 87‬غشت ‪ 8770‬عن خبطة وطنية ملحاربة السكن‬
‫غير الالئق‪.‬‬

‫في واقع ألامر لقد كان للتصور الذي تبنته الدولة في إطار سياسة التقويم الهيكلي‪ ،‬والذي يقض ي بالقيام‬
‫ببعض التضحيات الاجتماعية في سبيل تحقيق بعض التوازنات املاكرو اقتصادية آثارا وخيمة على‬
‫مؤشرات الحياة الاجتماعية من قبيل ارتفاع معدل الببطالة‪ ،‬وتقلص النفقات املوجهة للحاجيات‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وتعرض املداخيل ألاجرية للضغط وتراجع مستوى العيش بالنسبة لبعض الفئات الحضرية‪،‬‬
‫حيث اعتبرت عشرية تبطبيق هذا املصبطط عشرية ضائعة على التنمية البشرية‪.2‬‬

‫‪ .0‬السياسات الاجتماعية بعد حراك ‪ 0211‬وقضية الحماية الاجتماعية‬

‫ساهمت حركة ‪ 87‬فبراير في تحويل املسألة الاجتماعية باملغرب إلى أولوية دستورية وقانونية‪ ،‬جعلت من‬
‫الحقوق الاجتماعية لألفراد عالمة على تحول ملحوظ في الوعي التشريعي للدولة‪ ،‬لكن هل وازى هذا‬
‫الوعي تفعيل حقيقي لهذه املقتضيات الدستورية في شكل سياسات عمومية قادرة على إحداث القبطيعة‬
‫مع التصور التقليدي للمسألة الاجتماعية؟‬

‫في التجربة املغربية يصعب الحديث ا ا كما تمت إلاشارة إليه ا ا عن وجود سياسة اجتماعية باملعنى‬
‫الحقيقي للمفهوم‪ ،‬إذ أن أقص ى ما يمكن أن نرصده في هذا املجال هو وجود برامج ومصبطبطات تابعة‬
‫قبطاعيا لوزارات بعينها‪ ،‬بحكم أن مجال تصصصها يمس جانبا من الحياة الاجتماعية للمغاربة مع مالحية‬
‫جوهرية تتعلق بغياب الالتقائية والتنسيق بين هذه الوزارات‪ ،‬بما يسمح برسم ما يمكن أن نسميه "هوية‬

‫‪ -1‬العوفي نور الدين أحمد حرزني محمد بن سعيد‪ ،‬التقرير املوضوعاتي حول النمو الاقتصادي والتنمية البشرية‪ ،8774 ،‬املعد واملنشور‬
‫في إطار الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية صفحة ‪.0‬‬
‫‪ -2‬العوفي نور الدين‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪34‬‬

‫‪127‬‬
‫واضحة لسياسة اجتماعية متكاملة"‪ .‬بعد الحراك الاجتماعي لسنة ‪ 8700‬وإلى غاية الوالية الحكومية‬
‫الحالية فإن عدد تلك البرامج كان في نبطاق محدود‪ ،‬كما أن تفعيلها على أرض الواقع واجه جملة من‬
‫الصعوبات وإلاكراهات‪ ،‬وفي هذا الصدد يمكن استحضار نموذج نيام املساعدة البطبية راميد الذي تم‬
‫تعميمه سنه ‪.8700‬‬

‫شكلت هذه الفترة اختبارا حقيقيا ملدى تفعيل املقتضيات الخاصة بتلبية حقوق ألافراد املنصوص عليها‬
‫في الدستور‪ ،‬والتي أبرزت العديد من املحبطات عدم قدرة السياسات املتبعة على احتواء تداعيات ضعف‬
‫الحماية الاجتماعية التي بقيت مغيبة على مدى ما ينيف عن عقد من الزمن منذ اندالع فتيل الحراك‬
‫الاجتماعي لسنة ‪ ،8700‬حيث عرت جائحة كوفيدا ا ا ‪ 07‬على الهشاشة متعددة ألابعاد التي يعاني منها‬
‫نسيجنا الاجتماعي‪ ،‬وال سيما منيومتنا الصحية واملستوى املتدني للتغبطية الاجتماعية الصحية‪ ،‬كما‬
‫أظهرت أن ثمة هامشا واسعا للفقر وإلاقصاء لفئة واسعة من املجتمع ‪ .1‬كما تميزت ذات الفترة بتزايد‬
‫ملحوظ في وتيرة البطلب الاجتماعي على الحقوق؛ إذ برزت بعد حراك ‪ 8700‬معالم تغير في عالقة املواطن‬
‫العادي بالسلبطة‪ ،‬وفي عالقة الهامش‪ /‬املحيط باملركز‪ ،‬وذلك بفعل التزايد املضبطرد في الوعي بالحقوق‪،‬‬
‫وارتفاع منسوب القلق الترابي وتنامي ثقافة الاحتجاج‪ ،‬فبحسب املعبطيات الرسمية (تقرير وزارة الداخلية‬
‫‪ ،8700‬وتقرير املندوب الوزاري لحقوق إلانسان ‪ ،)8707‬فقد انتقل عدد املياهرات الاحتجاجية من أقل‬
‫من ‪ 077‬مياهرة في ‪ 8774‬إلى ‪ 02047‬مياهرة في ‪ ،8700‬وشهدت التجمعات الحضرية باملدن املتوسبطة‬
‫والكبيرة نسبة ‪ % 18‬منها‪.2‬‬

‫يتم في آلاونة ألاخيرة تداول مقولة الدولة الاجتماعية بكثرة من طرف املسؤولين عن الشأن العام باملغرب‬
‫في سياق تصيم عليه آلاثار الوخيمة لجائحة كورونا والحرب الروسية ألاوكرانية‪ ،‬وارتفاع نسبة التضخم‪،‬‬
‫ألامر الذي انعكس سلبا على تراجع القدرة الشرائية للمغاربة ودخول شريحة واسعة منهم في دائرة الفقر‬
‫والهشاشة‪ ،‬وهو واقع ا ا في ظل غياب تدخل حكومي ملموس ا ا صار يسائل املسؤولين عن وجود سياسة‬
‫اجتماعية تؤمن الحماية الاجتماعية للفقراء واملعوزين‪ ،‬فضال عن الحديث عن دولة اجتماعية تعبطي‬
‫ألاولوية للمسألة الاجتماعية‪ ،‬خصوصا في ظل هذا الواقع املأزوم‪.‬‬

‫املحور الرابع‪ :‬التحول نحو الدولة الاجتماعية وسؤال الشرط الديمقراطي‪.‬‬

‫ارتبط نشوء مفهوم الدولة تاريصيا بفكرة تجاوز الاحتراب بين الجماعات إلانسانية‪ ،‬إذ أن البعد الاجتماعي‬
‫كان حاضرا منذ الوهلة ألاولى لتشكل هذا املفهوم من خالل ما سمي بنيرية العقد الاجتماعي‪ ،‬الذي ربط‬

‫‪ 1‬ا الحجيوي نجيب وآخرون‪ ،‬مغرب ما بعد كورونا‪ :‬أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع‪ ،‬املركز الوطني للدراسات‬
‫القانونية والحقوقية بأكادير‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ 8780 ،‬الصفحات ‪870 / 871‬‬
‫‪ -2‬اليحياوي مصبطفى‪ ،‬التحوالت الاجتماعية والثقافية والسياسية خالل العقدين ألاولين من القرن ‪ :80‬املقاربة الترابية بعد ‪ 87‬سنة من‬
‫التجريب‪ ،‬مؤسسة فريدريش إيبرت‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،‬دجنبر ‪ ،8788‬ص ‪.00‬‬

‫‪128‬‬
‫بين الحاكمين واملحكومين‪ ،‬مع ما يترتب على ذلك من حقوق وواجبات لكال البطرفين‪ ،‬ومع تبطور الفكر‬
‫السياس ي صار مبدأ التداول على السلبطة مبطلبا أساسيا الستدامة السلم الاجتماعي‪ ،‬بحيث صار الشرط‬
‫الديمقراطي محددا أساسيا لدولة الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬كما تم بناؤها بعد الحرب العاملية الثانية في‬
‫العديد من دول أوروبا الشمالية والغربية والتي شكلت امتدادا لفكرة الدولة الحامية‪. 1‬‬

‫‪ .1‬العالقة بين الدولة الاجتماعية والديمقراطية‬

‫ال يوحي بادئ التأمل بوجود عالقة صريحة ومباشرة بين الديمقراطية كشكل من أشكال حكم الشعب‬
‫نفسه بنفسه ‪ -‬عبر حكم ألاغلبية عن طريق نيام التصويت والتمثيل النيابي‪ -2‬وبين الدولة الاجتماعية‬
‫ككائن قانوني يرتكز في سياساته ومشاريعه التنموية على امللفات الاجتماعية‪ ،‬وبمراهنته على بناء اقتصاد‬
‫اجتماعي قوي قادر على تحقيق التوازن داخل املجتمع وصون كرامة إلانسان وحريته وحماية حقوقه‬
‫الاجتماعية والاقتصادية‪ .3‬غير أن التحوالت الجديدة التي عرفها باراديغم الدولة الديمقراطية‪ ،‬جعل من‬
‫املسألة الاجتماعية أحد املحددات ألاساسية والجوهرية لألنيمة السياسية الديمقراطية‪ ،‬وبالتالي صارت‬
‫الديمقراطية تعني في هذا السياق بأن جميع املواطنين واملواطنات لهم نفس الحقوق في الحرية واملشاركة‬
‫السياسية‪ ،‬كما أن لكل كائن بشري الحق في الكرامة وواجب الاحترام‪ ،‬وأن حقوقا بعينها كالحق في‬
‫التغذية والسكن‪ ،‬وحقوقا أخرى ينبغي ضمانها مثل الحق في التربية واملعلومة حتى ال تكون الديمقراطية‬
‫مجرد صدفة فارغة من املحتوى‪ .‬إن حقوقا مثل الحماية من مصاطر الفقر وضمان الحق في تربية فعالة‬
‫ال ينبغي أن ينير إليها كفعل إرادي إحساني أو تضامني يتفضل به أحد على أحد‪ ،‬إذ أن الديمقراطية‬
‫الحقة ال تتحقق إال في إطار سياسة اجتماعية؛ والدولة الديمقراطية في حاجة دائما إلى الدولة‬
‫الاجتماعية‪.4‬‬

‫وكما أن الدولة الديمقراطية تستلزم وجود الدولة الاجتماعية‪ ،‬فإن هذه ألاخيرة ال يمكن قيامها بعيدا‬
‫عن توفر الشرط الديمقراطي‪ ،‬حيث إن هذا التالزم يجد مقوماته في املبررات التالية‪:‬‬

‫‪ ‬العدالة الاجتماعية تسيج الخيار الديمقراطي من الانزياحات الخبطيرة التي تنشأ بمناسبة‬
‫الحركات الاجتماعية ذات التأثيرات السلبية والعنيفة على النيام العام‪.‬‬

‫‪11- Rasanvallon Pierre, la crise de l’Etat providence paris seuil, 1981, P 20‬‬

‫‪ -2‬صبري سعيد‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬نهضة مصر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،8770 ،‬الصفحة ‪.0‬‬
‫‪ -3‬بلوح ابراهيم ويونس املجدوبي‪ ،‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ ،‬إلاصدار ألاول دجنبر ‪ 8788‬املركز املغربي لألبحاث‬
‫وتحليل السياسات صفحه ‪.07‬‬
‫‪4 - Etat social et démocratie sociale, fondation fridrich Ebert, 1ère édition novembre 2014, P9.‬‬

‫‪129‬‬
‫‪ ‬الدولة الاجتماعية تقدس القيم التي تحتفي بإنسانية الفرد ومركزيته في السياسات العمومية‪،‬‬
‫أخذا بعين الاعتبار أن العائد من هذا الاحتفاء ينعكس إيجابا على املشاركة السياسية واملواطنة‬
‫وجودا وجودة‪.‬‬
‫‪ ‬املنهجية الديمقراطية الحقيقية تسمح بتبؤ نصب سياسية مواطنة ملراكز القرار والتي تعبر بصدق‬
‫عن حقيقة البنى الاجتماعية املشكلة للنسيج املجتمعي‪ ،‬وتسعى إلى توفير حقوقها الاجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية بعيدا عن أي معايير غير معايير الدولة الديمقراطية الاجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‬الدولة الديمقراطية الاجتماعية تمنع من تحويل السلبطة إلى أداة في يد البطبقة السياسية‬
‫لتبطويع املجتمع املدني عبر آلية التحكم في التضييق على الحقوق‪ ،‬بما يصرف كل طرف عن‬
‫ممارسة نشاطه الذي من شأنه املساهمة في جودة الحياة العامة‪.‬‬
‫‪ .0‬التحول الديمقراطي باملغرب بين تداعيات املرحلة املأزومة ورهانات الدولة الاجتماعية‬

‫تميز حراك ‪ 8700‬باملغرب بوصفه حدثا غير كالسيكي‪ ،‬كان يدرك الفاعل السياس ي من خالله أن له ما‬
‫بعده‪ ،‬خصوصا أنه أفلح إلى حد ما في إدراج املسألة الديمقراطية والاجتماعية في دائرة الاهتمام الشعبي‪،‬‬
‫حين رفع شعار "حرية‪ ،‬كرامة‪ ،‬عدالة اجتماعية"‪ ،‬وهو ما أدركت معه الدولة العميقة أيضا أن جيال‬
‫جديدا من الحركات الاجتماعية قد خرج للوجود‪ ،‬استقوى بما تتيحه وسائط إلاعالم الجديد ووسائل‬
‫التواصل الاجتماعي من إمكانيات في خلق وعي لدى املواطن البسيط‪ ،‬كما في وعي املثقف املهتم بالشأن‬
‫العام بأن املدخالت الديمقراطية السليمة تؤدي بنهاية املبطاف إلى مصرجات اجتماعية تعادلية‪ ،‬وقد‬
‫حرصت الدولة بعد إقرار الدستور الجديد أن تكون التجربة ألاولى بعد هذا إلاقرار تجربة استثنائية‬
‫لخلق انبطباع أن تحوال ديمقراطيا حقيقيا باملغرب قيد التشكل‪ .‬وهو ألامر الذي تم من خالل تعيين‬
‫حكومة بقيادة حزب ذي توجه إسالمي ألول مرة سنة ‪ 8708‬بعد حصوله على ‪ 127‬من املقاعد البرملانية‪،‬‬
‫غير أن أواخر سنة ‪ 8703‬ستعرف نكوصا عن مكسب الانفتاح السياس ي الذي ميز املشهد السياس ي‬
‫باملغرب والذي أسست له الوثيقة الدستورية لسنة ‪ ،8700‬ومن بين ألاسباب الرئيسة التي ساهمت في‬
‫هذا النكوص تأثر املغرب باالرتدادات الالديمقراطية التي عرفتها بعض بلدان الشرق ألاوسط‪ ،‬والضغط‬
‫الذي مارسته بعض دول الخليج خشية تصاعد املد الانتصابي لإلسالميين‪.1‬‬

‫إلى جانب العوامل الخارجية التي أرخت بياللها على تعثر التحول الديمقراطي‪ ،‬هناك في تقديرنا عامالن‬
‫رئيسيان ساهما في هذا التعثر‪ ،‬تجلى ألاول في عدم قدرة رئيس الحكومة حينها على استثمار الصالحيات‬
‫املهمة التي خولها له الدستور لتقوية موقع السلبطة التنفيذية‪ .‬والثاني يمكن النير إليه كنتيجة لهذا‬
‫التصلي البطوعي عن الصالحيات القوية املمنوحة لرئاسة الحكومة‪ ،‬حيث كان يغلب على هذه املؤسسة‬

‫‪ -1‬محمد ضريف‪ .‬النيام السياس ي املغربي وجمود الانتقال‪ .‬الحوار املتمدن‪-‬العدد‪ . 8 / 1 / 8787 – 1420 :‬متاح على الرابط التالي ‪:‬‬
‫‪http://www.ahewar.org/‬‬

‫‪130‬‬
‫املنبطق التبريري عندما صورت نفسها كحكومة منقذة للدولة املغربية‪ ،‬سواء من خالل تفادي‬
‫سيناريوهات مشابهة لدول عربية أخرى وقعت في حالة الفوض ى أو من خالل القيام بمجموعة من‬
‫إلاصالحات على حساب البطبقات الاجتماعية‪ ،‬وهنا يمكن التذكير بتحرير أسعار املحروقات دون أخذ‬
‫التدابير الكفيلة بحماية املستهلك وإقرار نيام التعاقد في التشغيل داخل قبطاع التربية والتكوين وإصالح‬
‫نيام التقاعد‪ ،‬وكلها كانت مؤشرات قوية على الفجوة بين مثالية النص الدستوري وضعف تأويله‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫على سبيل الختم ‪ ،‬يمكن القول بأن تجربة الحراك الاجتماعي باملغرب سنة ‪ 8700‬ممثلة في حركة ‪87‬‬
‫فبراير رغم كونها جاءت نتيجة ظرفية ثورية خاصة شملت املجال العربي في غالبيته وأن ألاسباب التي‬
‫ساهمت في وجودها الزالت قائمة ‪ ،‬إال أنها نجحت في تقديم تقييم حقيقي لحصيلة الفعل العمومي في‬
‫مجاالت عدة على رأسها املجال الاجتماعي والحقويي والسياس ي‪ ،‬كما ساهم الضغط الذي مارسته من‬
‫خالل خروجها إلى الشارع في الدفع بالدولة إلى القيام بجيل جديد من إلاصالحات الدستورية‪ ،‬مما يش ي‬
‫بوجود تأثير مالحظ من قبل الحركة على قناعة الدولة‪ ،‬كما يؤكد على ألاثر الذي قد يحدثه املتغير‬
‫الاجتماعي على منيومة التوازنات الاجتماعية والسياسية والقيمية على الدولة واملجتمع‪ .‬وعلى العموم‬
‫فقد أمكننا من خالل مقاربتنا ملوضوع هذه الدراسة الوقوف على جملة من الخالصات يمكن إجمالها‬
‫كما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬من بين أهم أسباب النجاحات التي حييت بها حركة ‪ 87‬فبراير كونها تبنت مبطالب اجتماعية‬
‫واضحة وقامت بعملية التعبئة حولها‪ ،‬كما أن هذه املبطالب الاجتماعية شكلت عامل توحيد‬
‫لفرقاء الحراك على اختالف انتماءاتهم ومشاربهم‪ .‬لذلك فقد ساهم خفوت املبطلب الاجتماعي‬
‫مقابل تصاعد النزعة إلايديولوجية للحراك‪ ،‬إلى جانب عوامل أخرى‪ ،‬في تفكك لحمة الحركة‬
‫وفقدانها لعمقها الجماهيري‪.‬‬
‫‪ ‬لئن كانت أهم النتائج املباشرة للحراك الاجتماعي ل ا ‪ 8700‬تتمثل في إعادة صياغة دستور جديد‬
‫للبالد وإلاعالن عن تنييم انتصابات سابقة ألوانها‪ ،‬فإن أهم النتائج غير املباشرة تجلى في خلق‬
‫قناعة لدى السلبطة السياسية بكون املسألة الاجتماعية محددا أساسيا في إذكاء أي فعل‬
‫احتجاجي‪.‬‬
‫‪ ‬نجاح حركة ‪ 87‬فبراير في توليد هاجس لدى الدولة‪ ،‬يتمثل في تفادي اندالع حركات اجتماعية‬
‫شبيهه بتلك التي شهدتها سنه ‪ ،8700‬وبالتالي فإن الدولة تتجنب حدوث ذلك من خالل اعتماد‬
‫تكتيكات متنوعة‪ ،‬أبرزها إعادة إنتاج املقاربة الانقسامية‪ ،‬والنأي عن خلق ذات الشروط التي‬
‫مهدت الندالع احتجاجات ‪.8700‬‬

‫‪131‬‬
‫‪ ‬الشرط الديمقراطي مدخل أساس ي لبناء الدولة الاجتماعية‪ ،‬ذلك أن اختيار املسؤول السياس ي‬
‫هي عملية اجتماعية بالد جة ألاولى تنبني على معرفة قبلية للناخب َ‬
‫باملنتصب في سياق اجتماعي‬ ‫ر‬
‫معين وتنتهي بمصرجات سياسية في نهاية املبطاف‪ ،‬وكلما التزمت هذه السيرورة باملنهجية‬
‫الديمقراطية وعبرت عن حقيقة الاختيار املجتمعي‪ ،‬إال وحصلنا على مجتمع سياس ي في خدمة‬
‫املجتمع املدني‪ ،‬بصالف ما يقع في ألانيمة غير الديمقراطية‪ ،‬حيث ال يتم استحضار أهمية هذا‬
‫ألاخير إال عند اللحية الانتصابية ويغيب على مستوى إعداد السياسات العمومية وفي أولويات‬
‫التدبير العمومي‪.‬‬
‫‪ ‬لحية الحراك الاجتماعي ل ‪ 8700‬وما بعدها كانت شاهدة على ضعف ألاداء الحزبي والنقابي‪،‬‬
‫بحيث لم يكد يصدر عن هذه الهيآت أي دور‪ ،‬سواء على صعيد ممارسة الوساطة بين املجتمع‬
‫املدني والسلبطة السياسية‪ ،‬أو على مستوى أخذ املبادرة في تقديم حلول ناجعة وواقعية لألزمة‬
‫حينها‪.‬‬
‫‪ ‬عادة ما تحاول الحكومات بناء مشروعيتها السياسية الخاصة بها من خالل تبني مقوالت أو‬
‫شعارات معينة مستقاة من طبيعة املرحلة التي تتولى فيها تدبير الشأن العام‪ ،‬فكما أن الحكومة‬
‫ألاولى بعد إقرار دستور ‪ 8700‬الذي تال حراك ‪ 87‬فبراير أسست مشروعيتها على مقولة "إلاصالح‬
‫في ظل الاستقرار “ وهو شعار استمد داللته من اليرفية التي كانت سائدة في ظل ما سمي بالربيع‬
‫العربي‪ ،‬فإن الحكومة الحالية تسعى ألن تؤسس ملشروعيتها الخاصة انبطالقا من السياق‬
‫الاجتماعي والاقتصادي الحالي الذي يتميز بقدر كبير من التأزم‪ ،‬لذلك فإن أكثر شعار يتناسب‬
‫واملرحلة الحالية هو "الدولة الاجتماعية" ‪.‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫المراجع بالعربية‪:‬‬
‫باسك منار محمد‪ ،‬دستور سنه ‪ 8700‬في املغرب‪ :‬أي سياق ألي مضمون‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة‬ ‫‪‬‬
‫السياسات‪ ،‬يناير‪.8705 ،‬‬
‫باسك منار محمد‪ ،‬قراءة في التجربة الدستورية والسياسية في املغرب بعد مرور خمس سنوات على‬ ‫‪‬‬
‫الثورات العربية‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬بيروت‪ ،‬يونيو ‪ ،8702‬طبعه ‪.0‬‬
‫بلوح ابراهيم ويونس املجدوبي‪ ،‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ ،‬إلاصدار ألاول دجنبر ‪،8788‬‬ ‫‪‬‬
‫املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪.‬‬
‫الحجيوي نجيب وآخرون‪ ،‬مغرب ما بعد كورونا‪ :‬أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع‪، ،‬‬ ‫‪‬‬
‫البطبعة ألاولى‪ 8780 ،‬املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية بأكادير‬
‫الزياني عثمان‪ ،‬سيناريوهات املغرب السياس ي ملا بعد الانتصابات التشريعية ل ا ‪ 84‬نونبر‪ ،‬مقاربة سوسيو‬ ‫‪‬‬
‫سياسية وجهه نير العدد ‪ 40‬شتاء ‪.8708‬‬
‫زين الدين محمد‪ ،‬الدستور ونيام الحكم باملغرب‪ ،‬مبطبعة النجاح الجديدة‪ ،8788 ،‬الدار البيضاء‪.،‬‬ ‫‪‬‬

‫‪132‬‬
‫صبري سعيد‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬نهضة مصر‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8770 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫العوفي نور الدين أحمد حرزني محمد بن سعيد ‪ ،8774‬التقرير املوضوعاتي حول النمو الاقتصادي‬ ‫‪‬‬
‫والتنمية البشرية املعد واملنشور في إطار الذكرى الخمسينية الستقالل اململكة املغربية‪.‬‬
‫عيالل سيدي موالي أحمد‪ ،‬مدى فاعلية حركة ‪ 87‬فبراير في تقويم العملية الديمقراطية في املغرب‪ ،‬املركز‬ ‫‪‬‬
‫العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬يناير ‪.8705،‬‬
‫مشواط عزيز‪ ،‬الحركات الاجتماعية متعدية القوميات‪ :‬الحالة املغربية‪ ،‬معهد ألاصفري للمجتمع املدني‬ ‫‪‬‬
‫واملواطنة ‪ 8787‬بيروت لبنان‪.‬‬
‫مالي عبد الصمد عفيفي‪ ،‬تحليل السياسات العمومية الاجتماعية في املغرب‪ :‬سياسات تقليص الفقر‬ ‫‪‬‬
‫نموذجا ‪0741‬ا ‪ ،8704‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام‪ ،‬جامعة القاض ي عياض كلية العلوم‬
‫القانونية والاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬مراكش‪8704 ،‬ا ‪.8701‬‬
‫مصدق رقية‪ ،‬الدستور املغربي الجديد على محك املمارسة‪.2014 éditions la croisée des chemins،‬‬ ‫‪‬‬
‫اليحياوي مصبطفى‪ ،‬التحوالت الاجتماعية والثقافية والسياسية خالل العقدين ألاولين من القرن ‪:80‬‬ ‫‪‬‬
‫املقاربة الترابية بعد ‪ 87‬سنة من التجريب‪ ،‬مؤسسة فريدريش إيبرت‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،‬دجنبر ‪.8788‬‬

‫املراجع باللغة ألاجنبية‪:‬‬

‫‪ Etat social et démocratie sociale, fondation fridrich Ebert, 1ère édition novembre 2014.‬‬
‫‪ Rasanvallon Pierre, la crise de l’Etat providence paris seuil, 1981.‬‬
‫‪ Salhi Montassir, conditions de naissance et évolution d’un mouvement protestataire, septembre‬‬
‫‪2013, paris, université saint denis‬‬
‫املواقع الالكترونية‪:‬‬
‫‪ ‬ضريف محمد‪ ،‬النيام السياس ي املغربي وجمود الانتقال‪ .‬الحوار املتمدن‪-‬العدد‪.8 / 1 / 8787 – 1420 :‬‬
‫متاح على الرابط التالي‪http://www.ahewar.org :‬‬
‫‪ ‬الحبيب ستاتي زين الدين‪ ،‬العشرية الدستورية ورهان التوفيق بين السلبطة واملجتمع‪ ،‬منتدى السياسات‬
‫العربية مقال منشور على موقع ‪. www.alsiasat.com.‬‬
‫‪ www.Swissinfo.ch, visité le 15/02 /2023 ‬إحدى الوحدات التابعة لهيئة إلاذاعة والتلفزيون السويسرية‬

‫‪133‬‬
‫الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية باملغرب‪ :‬ألادوار‪ ،‬واملواقع واملواقف‬
‫عبد املولى عمراني‬
‫باحث في علم الاجتماع‬
‫مقدمة‬
‫حييت العالقة بين الدولة واملجتمع وحركاته‪ ،‬باهتمام العديد من املفكرين عبر العصور‪ ،‬ويمكن التأريخ‬
‫لهاته العالقة مع بداية الفكر السياس ي لدى إلاغريق القدامى‪ ،‬حيث اعتبرت الدولة وحدة التحليل‬
‫الرئيسية‪ ،‬في تناول النيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية‪ ،...‬صاحب ذلك فرضية أساسية؛ تقوم‬
‫على أن الدولة هي القوة العليا الناتجة عن املجتمع‪ ،‬واملفروضة عليه في آن واحد‪ ،‬لهذا تضع الدولة‬
‫نفسها فوق املجتمع‪ ،‬ملا تملكه من سلط‪ ،‬تنازل عنها ألافراد لتحقيق مصالحهم‪ ،‬ما جعلها تحيى بقبول‬
‫وتأييد من لدن املجتمع بأفراده‪ ،‬وأحايين أخرى عرفت توترات وتجاذبات‪.‬‬

‫برزت الحركات الاجتماعية في سياق الصراع السياس ي والاجتماعي‪ ،‬وفي إطار تاريخي رافقه وجود أحزاب‬
‫سياسية ساعية لتمثيل مصالح معينة‪ ،‬أمام أنيمة سياسية واقتصادية وثقافية في الدول الرأسمالية‪.‬‬
‫ويمكن إبراز محددات هذا السياق فيما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬اتساع مفهوم الدولة وأدوارها في املجتمعات الرأسمالية املتقدمة‪.‬‬


‫‪ ‬فقدان ألاحزاب الشرعية الاجتماعية والواقعية‪ ،‬وعدم القدرة على تقديم بدائل للتغيير‬
‫السياس ي والاجتماعي في تلك املجتمعات‪.‬‬
‫‪ ‬ارتهان مصالح املجتمع‪ ،‬لقوى اجتماعية خاضعة آللية إلادماج والتوظيف من قبل السلبطة‬
‫السياسية‪ ،‬وبالتالي تراجع مكتسبات املجتمع ورهاناته‪.‬‬
‫‪ ‬ارتباط حركة املجتمع ومؤسساته بنموذج النمو الرأسمالي ودرجته‪ ،‬وبالتالي أصبح النموذج‬
‫السائد في البلدان املتقدمة يتمتع بقدر من الشرعية‪ ،‬فالواجب املرحلي آنذاك كان يقتض ي‬
‫توفير فرص عمل حقيقة‪ ،‬ودخل اجتماعي الئق للفئات الاجتماعية الهشة والفقيرة‪،‬‬
‫ولألغلبية الساحقة للمواطنين دون ارتباطه بنفقات اجتماعية لحيية‪.‬‬
‫‪ ‬بروز سمات ثقافية واجتماعية‪ ،‬ترتبط بنموذج املجتمع البورجوازي‪ ،‬وبقيم التنافس‬
‫والفردية والانجاز ومراكمة الثروة‪.‬‬

‫في ظل هاته اليروف والخصا ا ا ااوصا ا ا اايات؛ ظهرت الحركات الاجتماعية الحديثة التي تصتلف عن الحركات‬
‫الاجتماعية التقليدية‪ ،‬ألنها ال تسااتهدف الوصااول إلى الساالبطة‪ ،‬وإنما تسااعى إلى ترجمة عدد من القيم إلى‬
‫واقع اجتماعي‪ ،‬تنبني من خالله أسس نيام سياس ي شامل يحفظ حقوق وحرية املواطنين‪.1‬‬

‫‪ -1‬مصطفى كامل السيد‪" ،‬دراسات في النظرية السياسية"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.1554 ،‬‬
‫‪134‬‬
‫إلاشكالية‪:‬‬

‫تصعب دراسة الدولة من حيث املفاهيم الناظمة لها‪ ،‬ألنها تنبني على أرضية متداخلة‪ ،‬بين ما هو ديني‬
‫وفلسفي واجتماعي وتاريخي‪...‬؛ وتزداد هاته الصعوبة في ألانيمة الديموقراطية الهجينة‪ .‬تعتبر الحركات‬
‫الاجتماعية استجابة شرطية الستراتيجيات ممارسة السلبطة‪ ،‬وهي بمنزلة قوى ضغط اجتماعي وسياس ي‪،‬‬
‫من أجل إحداث واقع جديد‪ ،‬يؤطره نسق مغاير من القيم واملبادئ‪.‬‬
‫في هذا السياق‪ِّ ،‬‬
‫فإن إلاشكالية التي تعالجها الورقة البحثية تتلخص في ألاسئلة التالية‪ :‬ما العالقة التي‬
‫تربط الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية باملغرب؟ وما طبيعة ألادوار واملواقع واملواقف لهاته‬
‫الحركات في الحالة املغربية؟‬

‫إن إلاجابة عن أسئلة هاته إلاشكالية تستدعي فرضيتين أساسيتين؛ ألاولى تفترض جدلية عالئقية بين‬
‫الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية‪ ،‬من زاوية ألادوار واملواقع واملواقف‪ ،‬من خالل محبطات تاريصية‬
‫بارزة في الحراك الاجتماعي والسياس ي باملغرب‪ ،‬وفق النماذج التحليلية املعتمدة في الدراسات الاجتماعية‬
‫في دول الربيع العربي‪ ،‬وسياقات الانتقال إلى الديمقراطية‪.‬‬

‫أما الفرضية الثانية؛ فتقول بتأثير فعل الحركات الاجتماعية‪ ،‬وحركيتها الاحتجاجية وأدوارها املتعددة‪،‬‬
‫في إعادة توجيه تصور الدولة والسلبطة السياسية في املغرب للسياسات الاجتماعية‪ ،‬بمضامينها ألاخالقية‬
‫ورهاناتها السياسية والاقتصادية‪.‬‬

‫املحور ألاول‪ :‬الدولة الاجتماعية‪ :‬بحث في املفهوم وسؤال عن املقومات – الحالة الغربية نموذجا‪.-‬‬

‫تعرف أروقة الدولة وصالونات الساسة‪ ،‬نقاشا حول "الدولة الاجتماعية"‪ ،‬مفهومها وأسسها‪ ،‬مقوماتها‬
‫ورهاناتها‪ ،‬هذا املصبطلح تضمنته الفقرة ألاولى من الفصل ألاول من دستور ‪ " 8700‬نيام الحكم باملغرب‬
‫نيام ملكية دستورية‪ ،‬ديمقراطية برملانية واجتماعية"‪ ،‬وهو أيضا ما أشارت له لجنة النموذج التنموي‬
‫في تقريرها العام‪ ،1‬وأعلن عنه رئيس الحكومة املغربية وبعض وزرائها‪ ،‬غداة الانتصابات التشريعية ‪2‬‬
‫شتنبر ‪ ،8780‬على أن الدولة الاجتماعية رهان وهاجس يحكم استراتيجية الحكومة‪ ،‬من خالل برنامجها‬
‫وخبطبطها‪ .‬كما نيمت ندوات علمية‪ ،‬وحلقات دراسية‪ ،‬وسجاالت سياسية وإعالمية‪ ،‬تدور باألساس حول‬
‫مياهر وخصوصيات الدولة املغربية ومدى إمكانية وصفها باالجتماعية‪.‬‬

‫‪ -1‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪" ،‬التقرير العام للنموذج التنموي الجديد"‪ ،‬أبريل ‪ ،8780‬ص‪.7:‬‬

‫‪135‬‬
‫‪ -0‬مفهوم الدولة الاجتماعية‬

‫ظهر مفهوم الدولة الاجتماعية‪ ،‬في القاموس السياس ي خالل القرن ‪ 07‬في سياق خاص‪ ،‬يعود إلى مؤسس‬
‫الوحدة ألاملانية بسمارك‪ ، Bismarck‬حينما قرر إقامة نيام الحماية الاجتماعية‪ ،‬من أجل تضييق‬
‫الخناق على اليهور السياس ي للحزب الديمقراطي الاجتماعي الذي كان محيورا آنذاك‪.‬‬

‫وقد اقتصر مفهوم الدولة الاجتماعية في البداية على الحماية الاجتماعية‪ ،‬واستمر في التبطور ليشمل أربع‬
‫ركائز أساسية وهي‪ :‬الحماية الاجتماعية‪ ،‬وتقنين عالقات الشغل (الحق في الشغل أو املفاوضة الجماعية)‪،‬‬
‫وتجويد الخدمات العمومية‪ ،‬والسياسات الاقتصادية (ميزانياتية‪ ،‬نقدية‪ ،‬تجارية‪ ،‬دخلية…) املدعمة‬
‫للنشاط الاقتصادي والتشغيل‪.‬‬

‫وعليه فإن مفهوم الدولة الاجتماعية ظهر في أوروبا بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬نتيجة ما آلت إليه‬
‫ألاوضاع الاجتماعية من تردي وانهيار للقيم التي ارتكزت عليها الليبرالية‪ ،‬التي كانت تعتبر في أفكار‬
‫الاشتراكية بمثابة أيديولوجية أصحاب رؤوس ألاموال‪ ،‬فيما سعى تيار آخر إلى ضبط املجال السياس ي‬
‫والتحكم في املجال الاقتصادي منه‪ ،‬من خالل بسط هيمنة الدولة وبسط نفوذها‪ ،‬وتقوية سلبطتها‪ ،‬في‬
‫إطار ما سمي بالدولة الضببطية ‪ ،Etat Régulateur‬ومع توالي ألازمات الاقتصادية؛ نتيجة توسع سلبطة‬
‫الدولة وا ختراق املجال الاقتصادي‪ ،‬ظهر تيار آخر يدعو إلى التصفيف من سلبطة الدولة في إطار ما سمي‬
‫بالدولة التدخلية ‪ ،Etat Gendarme‬من أجل مراقبة تدخل الاقتصاد في السياسة‪ ،‬وتحقيق توازن بين‬
‫املجالين‪ ،‬ونيرا لعدم وضوح الحدود الفاصلة بين الاقتصادي والسياس ي‪ ،‬ومع تفاقم نتائج الحربين‬
‫العامليتين‪ ،‬وانعكاساتهما السياسية والاقتصادية‪ ،‬والاجتماعية باألخص‪ ،‬أعيد مرة أخرى التفكير في‬
‫مفهوم الدولة ودورها في التوازن‪ ،‬في إطار ما سمي بدولة الرعاية الاجتماعية ‪ . Etat Providence‬لهذا فإن‬
‫هاته ألاخيرة تقوم على مقاربة حقوقية‪ ،‬يتم في غالب ألاحيان انتزاع الحقوق الاجتماعية بفضل نضاالت‬
‫وحراكات اجتماعية‪.‬‬

‫نستدعي النموذج ألاملاني؛ لتوضيع بعض معالم وأسس الدولة الاجتماعية‪ ،‬حيث تبنت أملانيا مصبطلح‬
‫الدولة الاجتماعية سنة ‪ ،0207‬وقد ساهم "السياسيون الاجتماعيون" في بناء الدولة الاجتماعية‪ ،‬كان‬
‫هدفها ألاساس النهوض بالوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمواطن ألاملاني‪ .‬تركزت سياسات الحكومة‬
‫ألاملانية‪ ،‬وخاصة بعد انهيار جدار برلين‪ ،‬على رعاية املواطن ألاملاني‪ ،‬وتمتيعه بحقوق اجتماعية جديدة‪،‬‬
‫مع سعي حثيث للقضاء على الفوارق والتفاوتات الاجتماعية‪.‬‬

‫لهذا تعتبر الدولة ألاملانية نموذجا من نماذج الدولة الاجتماعية‪ ،‬فهي تحتضن وترعى مواطنيها‪ ،‬وفق‬
‫محددات اجتماعية وصحية وأمنية‪ ،‬وبقوانين منيمة لكل ما له صلة بحقوق املواطنين‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫تنعت أملانيا ب اا"جنة ألاجانب"‪ ،‬ملا توفره لهم من عمل‪ ،‬وسكن الئق‪ ،‬وعيش كريم‪ .‬إلى جانب نيام تغبطية‬

‫‪136‬‬
‫اجتماعية يعتبر ألافضل في العالم‪ ،‬ألنه يقوم على الاشتراكات البسيبطة‪ ،‬املعممة حتى على الفئات ذات‬
‫الدخل البسيط‪.‬‬

‫لهذا توصف الدولة بصفة الاجتماعية‪ ،‬عندما يكون أداؤها السياس ي والاجتماعي والاقتصادي والقانوني‬
‫التشريعي‪ ،‬يقوم على خدمة مواطنيها‪ ،‬وذلك من خالل تأمين وإسداء مجموعة من الخدمات الاجتماعية‪،‬‬
‫على شكل مساعدات أو إعانات؛ أو تقديم خدمات للفئات الهشة داخل املجتمع‪ .‬حيث تصبح الدولة‬
‫املسؤول ألاول وألاخير عن حماية مواطنيها من الوقوع في مشكالت اقتصاد السوق‪ ،‬وأزمات الرأسمالية‬
‫املتغولة‪.‬‬

‫تعمل الدولة الاجتماعية‪ ،‬على ضمان توزيع عادل للموارد بين املواطنين‪ ،‬من خالل سن مجموعة من‬
‫التشريعات‪ ،‬لتنييم هاته التدخالت والخدمات ذات البطابع الاجتماعي‪ ،‬التي تهدف إلى حماية الفئات‬
‫الهشة في املجتمع‪ ،‬خاصة تلك التي ال تتوفر على نيام الحماية الاجتماعية؛ الذي يشمل باألساس الضمان‬
‫الاجتماعي‪ ،‬والتغبطية الصحية‪ ،‬والتأمين ضد حوادث الشغل‪ ،‬ومشاكل الببطالة والعبطالة عن العمل‪،‬‬
‫وتوفير املعاشات للفئات املسنة وغيرها ‪.‬‬

‫‪ -8‬مقومات الدولة الاجتماعية في الحالة املغربية‪.‬‬

‫تقوم الدولة الاجتماعية على مقومات أساسية‪ ،‬ترتبط بمقومات سياسية‪ ،‬ترتكز أساسا على تعاقد‬
‫اجتماعي ومجتمعي يحميه القانون‪ .‬ومقومات مادية ومالية؛ لتمويل برامج اجتماعية واضحة‪ ،‬ونيام‬
‫تعليمي يرسخ الانتماء ويصنع مواطنا حرا‪.‬‬

‫تأسيسا على ما سبق‪ ،‬إذا حاولنا تقديم استنتاجات ملقومات الدولة الاجتماعية في الحالة املغربية‪ ،‬فإننا‬
‫نستنتج أن هناك أزمات حقيقة وإشكاالت عميقة‪ ،‬تعوق بناء دولة اجتماعية بمقومات وأسس واضحة‪،‬‬
‫ومن بين هذه إلاشكاالت نذكر‪:‬‬

‫أ‪ -‬استراتيجية معكوسة تقوم على أسبقية تشييد البنيان قبل بناء الانسان‪ :‬إن الدولة الاجتماعية‬
‫تهتم باإلنسان وانتاجيته أكثر من غيره‪ ،‬ألن الاستثمار في الانسان مآله بناء مجتمع قوي ومتماسك‪ ،‬وقبطع‬
‫مع التفاوتات الاجتماعية‪ ،‬من خالل مبادرات اجتماعية واضحة‪ ،‬تنيمها قوانين‪ ،‬تدعمها مرجعية‬
‫واضحة؛ على املستوى التربوي والتعليمي والثقافي‪ ...‬لتحقيق رفاهية اجتماعية تالمس جميع مناحي حياة‬
‫ألافراد داخل املجتمع‪.‬‬
‫ب‪ -‬هوة سحيقة بين النصوص القانونية واملمارسة السياسية الاجتماعية‪ :‬تسعى الدولة املغربية‬
‫من خالل النصوص التشريعية والقانونية إلى النهوض بالجوانب الاجتماعية والاقتصادية والسياسية‪...‬‬
‫وذلك من خالل سن ترسانة قانونية ذات صبغة اجتماعية (مدونة الشغل‪ ،‬قانون التأمين‪ ،‬قانون‬
‫الحماية الاجتماعية‪ ،‬قانون الضمان الاجتماعي‪ ،‬قانون التعويض عن حوادث الشغل وألامراض املهنية‪،‬‬
‫‪137‬‬
‫قانون حماية املستهلك‪ ،)...‬إال أن الواقع وبتقارير رسمية تؤكد وجود هوة سحيقة بين النصوص‬
‫القانونية‪ ،‬وممارستها وتبطبيقها على أرض الواقع‪ ،‬فالزالت معدالت الببطالة مرتفعة خصوصا لدى الفئات‬
‫العمرية املتراوحة أعمارهم بين ‪ 04‬و‪ 85‬سنة‪ ،‬حوالي ‪ 38,0‬في املائة‪ ،‬مقابل ‪ 00,2‬في املائة كمعدل وطني‬
‫إجمالي‪ .1‬ناهيك عن ارتفاع نسب الهجرة‪ ،‬حيث تم توقيف ‪ 38‬ألف مهاجر غير نيامي خالل العام ‪8788‬؛‬
‫‪ %04‬منهم مغاربة و‪ %24‬من جنسيات أجنبية‪ ،2‬زيادة عن انصفاض معدل ألاجور‪ ،‬واستمرارية التفاوتات‬
‫والفوارق الاجتماعية‪ ،‬حيث تعرض ‪ 3.8‬مليون مغربي للفقر‪ ،‬وبالتالي تراجع وضعية الفقر والهشاشة إلى‬
‫مستويات سنة ‪.87053‬‬
‫ج‪ -‬ردة حقوقية تكسر قوائم الدولة الاجتماعية‪ :‬عرف املغرب في آلاونة ألاخيرة ارتفاعا لوتيرة‬
‫الاحتجاجات الاجتماعية‪ ،‬فمن خالل املعبطيات التي أعلن عنها املجلس الوطني لحقوق الانسان في ندوته‬
‫الصحافية بالرباط يوم ألاربعاء ‪ 07‬ماي ‪8783‬؛ فقد بل عدد التجمعات والتياهرات خالل سنة ‪8788‬‬
‫ما مجموعه ‪ 00205‬تجمعا‪ ،‬شارك فيها حوالي ‪ 547520‬يخصا‪ .4‬زد على ذلك موجة الغالء في املواد‬
‫البطاقية والغذائية‪ ،‬حيث أبان الوضع بامللموس‪ ،‬عن ضعف تدخالت الدولة لحلحة ألازمة‪ ،‬ودعم‬
‫البطبقات الهشة والفقيرة املتضررة‪ .‬ناهيك عن ردة حقوقية على مستوى الحقوق والحريات‪ ،‬وارتفاع‬
‫عدد امللفات الحقوقية فيما يتعلق باألصوات الحرة‪ ،‬املبطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي العام‪ ،‬خصوصا‬
‫في الفضاء العام وإلالكتروني منه على وجه الخصوص‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬الحركات الاجتماعية‪ ،‬املفهوم‪ ،‬ألادوار واملهام‬

‫عرفت الحركات الاجتماعية انتشارا واسعا في آلاونة ألاخيرة‪ ،‬حيث اتسعت أدوارها نتيجة عجز املؤسسات‬
‫السياسية الرسمية‪ ،‬وقصورها في تدبير مصاطر تهدد املجتمعات‪ .‬مقابل ذلك نشهد تزايد هيمنة سلبطة‬
‫الدولة السياسية والاجتماعية والاقتصادية وإلاعالمية‪...‬‬

‫تنشأ الحركات الاجتماعية الاحتجاجية‪ ،‬بغرض تحقيق هدف التغيير في قضية عامة‪ ،‬كتوسيع الحقوق‬
‫املدنية لشرائح املجتمع‪ .‬كما تبرز في املقابل حركات أخرى مضادة تقليدية تسعى إلى الحفاظ على الوضع‬
‫القائم‪ ،‬إما استجابة منها طوعية أو شرطية‪ ،‬ظاهرة أم خفية‪ ،‬إال أنها خاضعة لرهانات السلبطة‬
‫السياسية‪.‬‬

‫‪ -1‬املندوبية السامية للتصيط ‪-‬املغرب‪ ،-‬تقرير "املغرب في أرقام" ‪.8788‬‬


‫‪ -2‬بيان صادر عن املديرية العامة لألمن الوطني باملغرب "في الحصيلة السنوية ملصالح ألامن الوطني برسم سنة ‪ ،"8788‬تاريخ ‪ 87‬دجنبر‬
‫‪.8788‬‬
‫‪ -3‬املندوبية السامية للتصيط ‪-‬املغرب‪ ،-‬تقرير "املغرب في أرقام" ‪.8788‬‬
‫‪ -4‬املجلس الوطني لحقوق الانسان‪ ،‬التقرير السنوي حول حالة حقوق إلانسان باملغرب لسنة ‪ " 8788‬إعادة ترتيب ألاولويات لتعزيز فعلية‬
‫الحقوق" أكتوبر ‪.8788‬‬

‫‪138‬‬
‫‪ -1‬زئبقية مفهوم الحركات الاجتماعية‬

‫يحيل مفهوم الحركة الاجتماعية إلى "الجهد امللموس واملستمر الذي تبذله جماعة اجتماعية معينة من‬
‫أجل الوصول إلى هدف أو مجموعة أهداف مشتركة‪ ،‬ويتجه هذا الجهد نحو تعديل أو تغير أو تدعيم‬
‫موقف اجتماعي قائم"‪ .1‬كما عرفها إريك نوفو ‪ Eric Neuveu‬على أنها" تعبئة النساء والرجال حول آلامال‪،‬‬
‫العواطف واملصالح وهي كذلك وصفة ممتازة حتى نضع نقا الرهانات الاجتماعية للبحث حول العدل‬
‫والالعدل‪ ،‬كما أنها مناسبة أحيانا لتحريك املجتمع والسياسة للتسجيل في الذاكرة الجماعية"‪ .2‬ويعرف‬
‫تشارليز تيلي اصبطالح الحركات الاجتماعية على أنها "سلسلة من ألاداء املتواصل واملعارضات والحمالت‬
‫التي يقوم بها ألايخاص العاديين لرفع مجموعة من املبطالب"‪ .3‬واعتبر أن الحركات الاجتماعية وسيلة‬
‫من الوسائل املهمة التي تسمح لأليخاص العاديين املشاركة في السياسة‪ .‬كما عرف رايمون بودون‬
‫‪ Boudon Raymond‬الحركة الاجتماعية بصفة عامة على أنها "عمل جماعي يهدف إلى تأسيس نيام‬
‫جديد للحياة"‪ .4‬تتمايز الحركة الاحتجاجية عن الحركة الاجتماعية‪ ،‬من حيث أنها "فعل اعتراض تقدم‬
‫عليه جماعة ضد أخرى‪ ،‬حول قضية محددة ومحدودة وملحة الوجود‪ ،‬فهي بهذا مندرجة ضمن منيومة‬
‫العمل التاريخي‪ ،‬ال ضمن منيمة التنييم الاجتماعي"‪.5‬‬

‫لكن رغم الحضور القوي الذي تسجله الحركات الاجتماعية‪ ،‬في مصتلف ألانساق الاجتماعية‬
‫والسياسية‪ ،...‬فإنه من الصعب إيجاد مفهوم دقيق ومحدد‪ ،‬نيرا لتنوع هذه الحركات‪ ،‬واختالف أدوارها‬
‫وتعدد أهدافها‪ ،‬وتباين الاتجاهات النيرية الدارسة لها‪.6‬‬

‫‪ -0‬أدوار ومهام الحركات الاجتماعية‬

‫ساهمت الحركات الاجتماعية في تبطور املجتمع‪ ،‬من خالل إشاعة قيم الحوار والتفاوض السياس ي‬
‫والاجتماعي‪ ،...‬حتى اضبطر ممارسوا السلبطة‪ ،‬إلى ضرورة إشراك هاته الحركات في بلورة السياسات العامة‬
‫للدول‪ ،‬خصوصا في ظل املتغيرات والتحوالت التي يعرفها العالم لالنتقال نحو الديمقراطية‪ ،‬تعزيزا‬
‫ملنيومة حقوق إلانسان‪ ،‬ومبطالبة بمزيد من املشاركة النسوية والشبابية إلبداع نموذج للمواطنة الحرة‪.‬‬

‫ويمكن تحديد أدوار الحركات الاجتماعية في الفضاء العام فيما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬غيث محمد عاطف‪ ،‬قاموس علم الاجتماع‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬مصر‪ ،8771 ،‬ص‪.375‬‬
‫‪N.Erick, Sociologie De Mouvements Sociaux, Edition La Découverte, 2002, P03. -2‬‬
‫‪ -3‬تلي تشارلز‪ ،‬الحركات الاجتماعية‪ ،‬املجلس ألاعلى للثقافة‪ ،‬ط‪ ،0‬مصر‪ ،8774 ،‬ص‪.55‬‬
‫‪4 - R .boudon et autres, Dictionnaire De Sociologie, Impression Bussiere, France, 2005, P159.‬‬
‫‪ -5‬الشوبكي عمر وآخرون‪ ،‬الحركات الاحتجاجية بين السياس ي والاجتماعي في الوطن العربي‪( ،‬مصر‪ ،‬املغرب‪ ،‬لبنان‪ ،‬البحرين)‪ ،‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،0‬لبنان ‪ ،8700‬ص‪.040‬‬
‫‪ -6‬نوير عبد السالم‪ ،‬الحركات الاجتماعية والسياسية‪ ،‬مجلة الشؤون الاجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،077‬الشارقة‪ ،‬إلامارات العربية‪ ،8772 ،‬ص‪.84‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ ‬نشر ثقافة التظاهر السلمي‪ :‬هي ثقافة اجتماعية احترافية تجاورية عقالنية‪ ،‬جسدتها ألاوضاع‬
‫القائمة‪ ،‬ملا تحمله من دالالت رمزية‪ ،‬لهذا يعتبر التياهر السلمي وسيلة من وسائل التعبير‬
‫الجماعي‪ ،‬تنوع مع التبطور الاجتماعي والثقافي والسياس ي للمجتمعات‪ .‬وقد ارتبط ظهور التياهر‬
‫السلمي ببداية الحركة النقابية في العالم‪ ،‬من أجل املبطالبة بالحقوق والحريات‪ ،‬ثم انتشرت‬
‫هذه الوسيلة في أغلب الدول‪ ،‬السيما الديمقراطية منها‪ ،‬وحتى غير الديمقراطية‪ ،‬رغم املنع الذي‬
‫يمارس عليها ألجل كسب حقوقها‪.‬‬

‫إن حرية الاجتماع والتياهر هدفها ألاساس‪ ،‬الدفاع عن مصالح فئوية‪ ،‬عن طريق مبطالب تعرض على‬
‫الرأي العام ببطريقة سلمية‪ ،‬وبصفة جماعية‪ .‬في إطار جماعات اجتماعية؛ باعتبارها أداة للمقاومة تسعى‬
‫إلى هدم كل ما هو تقليدي لتكريس واقع جديد‪.1‬‬

‫‪ ‬إيجاد معارضة منظمة‪ :‬من الواضح أن ألانيمة الشمولية‪ ،‬تمثل نموذجا تغيب فيه آليات‬
‫السلمية‪ ،‬ألن ثقافة الهيمنة على السلبطة؛ تساهم في إلغاء أي معارضة حقيقية‪ ،‬ألامر الذي‬
‫يستدعي وجود معارضة منيمة‪ ،‬سواء كانت تشتغل داخل املؤسسات الرسمية للسلبطة‪ ،‬أو‬
‫خارجها‪ ،‬في أدوار رقابية‪ ،‬من أجل إعادة توجيه السياسات العامة‪ ،‬والتأثير على القرار السياس ي‬
‫وفق ما يضمنه القانون‪.‬‬
‫‪ ‬تأطير الفضاء العام‪ :‬للفضاء العام دور في إحداث تحوالت وتغييرات سياسية‪ ،‬اقتصادية‬
‫واجتماعية؛ وذلك من خالل تقييم مسارات التحول الديموقراطي‪ ،‬حيث ظهر مفهوم‬
‫"الديمقراطية الرقمية أو إلالكترونية ‪ ،2"Cyberdemocracy‬التي تشجع على حدوث ُّ‬
‫التغير داخل‬
‫ألانيمة السياسية‪ ،‬وعلى رأسها تشكيل قضايا الرأي العام وإعادة بنائها وتوجيهها‪.3‬‬
‫فالثورة التكنولوجية‪ ،‬أدت إلى مصادرة سيادة الدولة ولو بشكل جزئي‪ ،‬بل ومصادرة قدرتها على التحكم‬
‫في أوضاعها واستراتيجيات ممارسة سلبطتها‪ ،‬بفعل اختراق املنيومة القيمية والاجتماعية من قبل الدول‬
‫املتقدمة تكنلوجيا‪.4‬‬

‫‪ -1‬أحمد عبد الحميد الهندي‪ ،‬حق التياهر السلمي في القانون الدولي مقارنا باألنيمة القانونية الداخلية‪ ،‬مركز الدراسات العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪ ،8701 ،‬ص‪538‬‬
‫‪ -2‬في أكتوبر ‪ ،8777‬تم تبني توصية من لجنة وزراء املجلس ألاوروبي بشأن الديمقراطية إلالكترونية‪ ،‬وأطلق عليها اسم "الديمقراطية‬
‫إلالكترونية"‪ ،‬الهدف من الديمقراطية إلالكترونية هو استصدام تكنولوجيا املعلومات والاتصاالت)‪ (ICT‬لتحسين الديمقراطية واملؤسسات‬
‫الديمقراطية‪ ،‬لذلك فإن الديمقراطية إلالكترونية تسمح للمواطن باملشاركة في هذه الديمقراطية مع القادة‪.‬‬
‫‪ -3‬عادل عبد الصادق‪ ،‬نحو تعزيز دور الفضاء إلالكتروني في دعم السلم الدولي‪ ،‬املركز العربي أبحاث الفضاء إلالكتروني بتاريخ ‪ 01‬نونبر‬
‫‪www.accronline.com/article.aspx?id=15479‬‬ ‫‪ ،8783‬ص ‪ ،83‬على الرابط‬
‫‪ -4‬يحاته صيام‪" ،‬ثقافة الاحتجاج من الصمت إلى العصيان"‪ ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،8777 ،‬ص‪.070 :‬‬

‫‪140‬‬
‫املحور الثـ ــالـ ــث‪ :‬الحركـ ــات الاجتمـ ــاعيـ ــة والـ ــدولـ ــة الاجتمـ ــاعيـ ــة‪ :‬الفعـ ــل الاحتجـ ــاجي وإعـ ــادة توجيـ ــه‬
‫السياسات الاجتماعية املغربية‪.‬‬

‫أضحت الحركات الاجتماعية فاعال ومؤثرا‪ ،‬في تغيير السياسات العامة‪ ،‬وتوجيهها نحو نيام حكم أكثر‬
‫عدال‪ ،‬وخدمة لجميع فئات الشعب بدون تمييز‪ .‬ومع بروز دورها الريادي واملجتمعي؛ استبطاعت الحركات‬
‫الاجتماعية امللتزمة بمشاريع التغيير‪ ،‬أن تبقى ملتزمة بدورها ألاساس ي في التعبير عن مبطالب ذات مياهر‬
‫مصتلفة‪ :‬اجتماعية‪ ،‬واقتصادية وسياسية‪ ...‬تركزت باألساس حول مبدأ ديمقراطي أصيل‪ ،‬وهو السيادة‬
‫للشعب‪.‬‬

‫ساهمت الحركات الاجتماعية الجديدة في وضع معنى مغاير للفعل السياس ي‪ ،‬ورسمت دينامية جديدة‪،‬‬
‫حيث أصبح الفعل الاحتجاجي غير مقتصر على القيادات الحزبية السياسية الرسمية‪ ،‬ذات التجارب‬
‫ألايديولوجية الثورية في الثقافة السياسية باملغرب‪ ،‬بل ساعدت هذه الحركات على إعادة الاعتبار للحياة‬
‫السياسية ودمقرطتها‪ ،‬وتوسيع أفقها‪ ،‬بتركيزها على هموم وقضايا ذات صلة بالحياة اليومية للمواطنين‪.‬‬

‫واكبة للحيات الفارقة في التحول‬ ‫ُ‬


‫تولى قيادة هاته الحركات يخصيات بدون خبرة سياسية تراكمية‪ ،‬وم ِ‬
‫السياس ي باملغرب‪ ،‬أي أنها مصففة من أعباء التاريخ وموروثاته‪ ،‬وهو ما أسهم في بروز فعلها وظهور صداه‪،‬‬
‫ناهيك عن القدرة والخبرة على استثمار وسائل التواصل الحديثة‪ ،‬التي أتاحت فرصا لالطالع على تجارب‬
‫مناطق دول املعمور في الاحتجاج والتغيير‪.‬‬

‫إن الفعل الاحتجاجي في املغرب اليوم‪ ،‬لم يعد ذو ُبعد دوري أو جزئي‪ ،‬يرتبط بلحيات‪ ،‬ويحسب فيه‬
‫الفارق بالزمن‪ ،‬وإنما أصبح فعال على شكل حركة دائمة ومتصلة بقضايا املجتمع وأزماته‪ ،‬وأصبح سالح‬
‫ال مثيل له للدفاع والتعبير عن الحقوق ألاساسية واملبطالب الاجتماعية‪.‬‬

‫أمام قوة هذا الفعل الاحتجاجي وزخمه؛ يمتلك النيام السياس ي في املغرب قدرة على التأقلم مع موجات‬
‫الاحتجاجات‪ ،‬لعدة أسباب؛ أولها الخبرة التاريصية في احتواء امللفات الاجتماعية املؤرقة‪ ،‬التي يمكن أن‬
‫تضع السلبطة في حرج وضيق‪ ،‬وثانيها جشع النصبة السياسية وقابليتها للتبطويع والاحتواء‪.‬‬

‫ولتعميق الفهم حول هاته القضايا البد من العودة لحدثين بارزين هما‪ :‬احتجاجات حركة ‪ 87‬فبراير‬
‫وموجة احتجاجات الريف؛ حيث نصل إلى خالصة أساسية‪ ،‬التأكيد على الدور ألاساس ي الذي قامت به‬
‫هاته الحركات الاجتماعية‪ ،‬لتحريك سلسلة من املبطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية‪ ،...‬وبالتالي‬
‫تمكنت الحركات الاجتماعية من توسيع رقعة الاحتجاجات جغرافيا‪ ،‬والرفع من سقف املبطالب السياسية‬
‫مع نمو حركة الاحتجاج بالشارع العام‪ .‬تولد عن هذا املسار‪ ،‬تفاعل سياس ي للسلبطة؛ ارتبط ألاول منه‬
‫ب ااإعادة صياغة دستور جديد بصيغة منقحة "دستور ‪ ،"8700‬بغض النير عن املالحيات الشكلية‬

‫‪141‬‬
‫الذي ال زال مستمرا إلى آلان؛ حول مدى‬ ‫والجوهرية‪ ،‬واملالبسات الاجتماعية والسياسية‪ ،‬والنقا‬
‫ديموقراطيته وإجابته عن حاجات املجتمع املغربي ورهاناته‪.‬‬

‫أما الثاني فيرتبط بما اصبطلح عليه إعالميا باا"الزلزال السياس ي"‪ ،‬الذي جاء عقب احتجاجات الحسيمة‬
‫والريف عموما‪ ،‬وكان من نتائجها إقالة عدد من الوزراء في الحكومة املغربية‪ ،‬من أجل التقليص من زخم‬
‫الاحتجاجات الاجتماعية‪ ،‬واستثماره رسميا لتأثيث املشهد السياس ي داخليا وخارجيا‪.‬‬

‫يمكن التأكيد من خالل ما سبق‪ ،‬على أن الحركات الاجتماعية باملغرب ينمو فعلها الاحتجاجي ويولد بقوة‬
‫في الهوامش‪ ،‬حتى أصبح ما يبطلق عليه با"احتجاجات الهوامش"‪ ،‬ويتسع ليصل للمدن الحضرية‪ ،‬ويتبطور‬
‫ويتعدد من حيث املبطالب حسب الفئات الاجتماعية املحركة للفعل الاحتجاجي‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫إن ارتباااط الاادولااة الاجتماااعيااة بااالحركااات الاجتماااعيااة ليس اعتباااطيااا‪ ،‬وإنمااا حكمتااه س ا ا ا اياااقااات تاااريصيااة‬
‫حركت الفاعلين الرسااميين لتغيير اسااتراتيجيات فعل الدولة املمتد في مجاالت متعددة خاصااة الاجتماعي‬
‫منها‪ ،‬لذلك فالحالة املغربية ال زالت تحتاج إلى دراس ا ا ااات وأبحاث لتعميق النير حول القض ا ا ااايا املرتببطة‬
‫بمسألة الدولة الاجتماعية والحركات الاجتماعية‪ ،‬وأهم الاشكاالت التي تتعالق بهما‪.‬‬

‫إن ما أثار انتباه علماء الاجتماع والسااياسااة في العقد ألاخير من هذا القرن‪ ،‬الحيوية التي أظهرها املجتمع‬
‫في مواجهة الدولة‪ ،‬رغم وجود الحاالت التي كان ينتير الكثيرون فيها خضا ا ا ااوع املجتمع للدولة خضا ا ا ااوعا‬
‫كااامال‪ ،‬ليتض ا ا ا ااح فيمااا بعااد‪ ،‬أن هاااتااه املجتمعااات في أحااايين كثيرة تحتفظ بمس ا ا ا ااتوى عااال من الفعاااليااة‬
‫والاس ا ا ا ااتقالليااة‪ ،‬تمكنهااا من إحااداث رجااات‪ ،‬ته ادف إلى تغييرات طفيفااة‪ ،‬تجعاال الفاااعلين الرس ا ا ا ااميين في‬
‫السلبطة‪ ،‬يعيدون مراجعة آليات ممارسة السلبطة وتدبير البرامج الاجتماعية والسياسية والاقتصادية‪...‬‬

‫تحتال الحركاات الاجتمااعياة في وقتناا املعااص ا ا ا اار جاانباا مهماا‪ ،‬من الدراس ا ا ا ااة والبحث في العلوم الاجتماعية‬
‫والساياساية‪ ،‬كان عدم الاهتمام بها في املاض ي مبررا‪ ،‬ألنها لم تكن فاعال هاما في السياسة‪ ،‬لكن في وقتنا‬
‫الحاالي؛ فال يمكن إهماال دراس ا ا ا ااتهاا ومواكبة تحوالتها وحركيتها‪ ،‬نيرا لبطبيعة ألادوار التي تض ا ا ا اابطلع بها في‬
‫عااملناا اليوم‪ ،‬وبالض ا ا ا اابط قدرتها على التأثير والتأطير داخل املجتمع‪ ،‬من خالل عدد من املواقف واملواقع‬
‫التي تحتلها في الس ا اااحة الس ا ااياس ا ااية إزاء عدد من القض ا ااايا‪ ،‬كما يمكن أن تكون الدولة ذاتها هي مص ا اادر‬
‫التغير والتغيير داخل املجتمع ملا تحويه من اسااتقاللية نساابية‪ ،‬تمكنها من إحداث تعديالت واصاالحات أو‬
‫تغيرات أسا ا ا اااسا ا ا ااية في املجتمع‪ ،‬لكن هذا التغير لن يتم إلى بوجود حركات اجتماعية قوية‪ ،‬تقوم بواجبها‬
‫ومسا اااهمتها التاريصية في تجويد أداء السا االبطة السا ااياسا ااية في مصتلف مسا ااتويات ومجاالت فعلها‪ ،‬وهو ما‬
‫تحتاجه الحالة املغربية‪ ،‬في ظل وجود س ا االبطة س ا ااياس ا ااية منغلقة‪ ،‬تتحرك وفق املناس ا ااب الس ا ااتراتيجياتها‬
‫ومشاريعها املستقبلية‪ ،‬وأحيانا أخرى منسجمة لرهانات أجنية‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫املراجع بالعربية‪:‬‬
‫أحمد عبد الحميد الهندي‪ ،‬حق التياهر السلمي في القانون الدولي مقارنا باألنيمة القانونية الداخلية‪ ،‬مركز‬ ‫‪‬‬
‫الدراسات العربية‪ ،‬القاهرة‪.8701 ،‬‬
‫بيان صادر عن املديرية العامة لألمن الوطني باملغرب "في الحصيلة السنوية ملصالح ألامن الوطني برسم سنة‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،"8788‬تاريخ ‪ 87‬دجنبر ‪.8788‬‬
‫تلي تشارلز‪ ،‬الحركات الاجتماعية‪ ،‬املجلس ألاعلى للثقافة‪ ،‬ط‪ ،0‬مصر‪.8774 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫يحاته صيام‪" ،‬ثقافة الاحتجاج من الصمت إلى العصيان"‪ ،‬مصر العربية للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.8777 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫الشوبكي عمر وآخرون‪ ،‬الحركات الاحتجاجية بين السياس ي والاجتماعي في الوطن العربي‪( ،‬مصر‪ ،‬املغرب‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫البحرين)‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬ط‪ ،0‬لبنان ‪.8700‬‬
‫غيث محمد عاطف‪ ،‬قاموس علم الاجتماع‪ ،‬دار املعرفة الجامعية‪ ،‬مصر‪.8771 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪" ،‬التقرير العام للنموذج التنموي الجديد"‪ ،‬أبريل ‪.8780‬‬ ‫‪‬‬
‫املجلس الوطني لحقوق الانسان‪ ،‬التقرير السنوي حول حالة حقوق إلانسان باملغرب لسنة ‪ " 8788‬إعادة ترتيب‬ ‫‪‬‬
‫ألاولويات لتعزيز فعلية الحقوق" أكتوبر ‪.8788‬‬
‫مصبطفى كامل السيد‪" ،‬دراسات في النيرية السياسية"‪ ،‬القاهرة‪ ،‬كلية الاقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬ ‫‪‬‬
‫القاهرة‪.8775 ،‬‬
‫املندوبية السامية للتصيط ‪-‬املغرب‪ ،-‬تقرير "املغرب في أرقام" ‪.8788‬‬ ‫‪‬‬
‫نوير عبد السالم‪ ،‬الحركات الاجتماعية والسياسية‪ ،‬مجلة الشؤون الاجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،077‬الشارقة‪ ،‬إلامارات‬ ‫‪‬‬
‫العربية‪.8772 ،‬‬
‫عادل عبد الصادق‪ ،‬نحو تعزيز دور الفضاء إلالكتروني في دعم السلم الدولي‪ ،‬املركز العربي أبحاث الفضاء‬ ‫‪‬‬
‫إلالكتروني بتاريخ ‪ 01‬نونبر ‪ ،8783‬ص ‪ ،83‬على الرابط‪: www.accronline.com/article.aspx?id=15479‬‬

‫املراجع بالفرنسية‪:‬‬
‫‪ Hans -Hermann hoppe, Hayek sur l’état et l’évolution sociale, Traduction par‬‬
‫‪Stéphane Geyres et Daivy Merlijs 2012.‬‬
‫‪ L. Farro antimo ; les mouvements sociaux ; éditeur : Presses de‬‬
‫‪l’Université de Montréal1555 .‬‬
‫‪ N.Erik, Sociologie de mouvements Sociaux, Edition La Découverte,‬‬
‫‪2002.‬‬
‫‪ P. Rosanvallon : la crise de l’état-providence, édition du seuil 1992 ; document‬‬
‫‪numérique a été sé par Nord Compo.‬‬
‫‪ R.Boudon et Autre, dictionnaire De Sociologie, Impression Bussiere,‬‬
‫‪France, 2005‬‬ ‫‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫السياسات العمومية الاجتماعية مدخال لبناء الدولة الحامية‬

‫طارق الحجوجي‬
‫باحث في القانون العام‬

‫مقدمة‬

‫السياسات العمومية الاجتماعية هي مدخل أساس ي للنهوض برفاهية املجتمعات وتقدمها‪ ،‬لذا يجب‬
‫الاهتمام بها وتبطويرها باستمرار‪ ،‬إذ بفضلها يتم توفير مصتلف الخدمات التي تقدمها الدولة للمجتمع‬
‫اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وبيئيا‪ ،‬حيث تمتد من قبطاعات الصحة والتعليم والشغل كأساس في بناء‬
‫الدول الحديثة‪ ،‬إلى إعادة توزيع الثروة‪ ،‬والحفاظ على بيئة نييفة‪ ،‬وصوال إلى تحقيق العدالة وألامن‬
‫الاجتماعيين لجميع مواطناتها ومواطنيها‪ ،‬حيث تصبح حامية لهم‪ ،‬ساهرة على التنمية الشاملة للبالد‪.‬‬

‫شكل مفهوم السياسات العمومية الاجتماعية إطارا إيديولوجيا مؤسسا للحقوق الاقتصادية‬
‫والاجتماعية والثقافية الواردة في إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان لعام ‪ .0752‬كما تبناها فيما بعد العهد‬
‫الدولي الخاص‪ ،‬بموجب قرار الجمعية العامة لألمم املتحدة‪ ،‬في ‪ 01‬دجنبر ‪.0711‬‬

‫وقد برز مفهوم الدولة الاجتماعية في العالم‪ ،‬بأملانيا في القرن التاسع عشر‪ ،‬حيث قام بيسمارك بإنشاء‬
‫نيام متبطور للحماية الاجتماعية من أجل تحسين أوضاع العمال املعيشية والرفع من مستوى الرفاهية‬
‫الاجتماعية للمواطنين‪ ،‬وفي نفس الوقت من أجل تضييق الخناق على البروز السياس ي للحزب الديمقراطي‬
‫الاجتماعي املحيور والوقوف في وجه تغلغل ألافكار الاشتراكية والراديكالية وسط الحركة العمالية‪.‬‬

‫أما بصصوص املغرب فالبوادر ألاولى لنيام الحماية الاجتماعية تعود إلى نهاية عقد العشرينات من القرن‬
‫محور حول أنيمة الضمان الاجتماعي بشكل رئيس ي لفائدة موظفي‬ ‫املاض ي‪ ،‬من خالل هيئات تعاضدية‪َ ،‬ت َ‬
‫القبطاع العمومي وأعوان مؤسسات الدولة‪ ،‬خالل فترة الحماية‪ ،‬قبل أن يتم‪ ،‬غداة حصول املغرب على‬
‫الاستقالل‪ ،‬وضع نيام للضمان الاجتماعي لفائدة أجراء القبطاع الخاص‪ .‬وتبطورت املحاوالت املتتالية إلى‬
‫وضع نيام الضمان الاجتماعي لفائدة العمال املستقلين وأصحاب املهن الحرة والبطلبة‪ ،‬وذلك بهدف‬
‫ُ‬
‫تعميم الحماية الاجتماعية‪ ،‬التي ُيقصد بها " جميع آليات الاحتياط الاجتماعي التي تمكن ألافراد أو ألاسر‬
‫من مجابهة آلاثار املالية املترتبة عن املصاطر الاجتماعية‪ ،‬وترتكز على آليتين‪ ،‬هما‪ :‬التأمين الاجتماعي‬
‫واملساعدة الاجتماعية "‪ .1‬وألجل تحقيق هذا املشروع الوطني‪ ،‬تم إصدار القانون إلاطار ‪ 277 .80‬املتعلق‬
‫بالحماية الاجتماعية‪ ،‬الذي نصت املادة الثانية منه على أن الحماية الاجتماعية تشمل‪ " :‬الحماية من‪:‬‬

‫‪ -1‬املوقع الرسمي لوزارة التضامن وإلادماج الاجتماعي وألاسرة‪ ،www.social.gov.ma :‬تاريخ التصفح‪ ،8788/7/87 :‬على الساعة ‪.00‬‬
‫‪ -2‬ظهير شريف رقم ‪ 0.80.37‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 83( 0558‬مارس ‪ )8780‬بتنفيذ القانون – إلاطار رقم ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪،‬‬
‫الجريدة الرسمية عدد ‪ 1704‬بتاريخ ‪ 88‬شعبان ‪ 4( 0558‬أبريل ‪ ،) 8780‬ص‪.8007 :‬‬

‫‪144‬‬
‫مصاطر املرض‪ ،‬املصاطر املرتببطة بالبطفولة وتحويل تعويضات لفائدة ألاسر التي ال تشملها هذه الحماية‪،‬‬
‫املصاطر املرتببطة بالشيصوخة والحماية من مصاطر فقدان الشغل"‪.‬‬

‫إن تبطور السياسات العمومية الاجتماعية نحو ألافضل‪ ،‬أصبح أمرا ملحا ومبطلبا أساسيا للمواطنات‬
‫واملواطنين باملغرب‪ ،‬وذلك رغبة في التمتع بالحماية الاجتماعية التي أضحت اليوم حقا من حقوق إلانسان‬
‫ألاساسية‪ ،‬بعدما كانت تعتبر‪ ،‬سلفا‪ ،‬عمال ذا ُبعد إنساني وشكال من أشكال العمل الخيري وإلاحسان‬
‫والبر‪ " .‬هذا الحق يقع على عاتق كل دولة تجاه مواطنيها‪ ،‬تم تكريسه في الاتفاقيات الرئيسية لألمم‬
‫املتحدة ومنيمة العمل الدولية ومنيمة الصحة العاملية"‪.1‬‬

‫وإذا كان املغرب‪ ،‬حاليا‪ُ ،‬يعتبر من الدول التي تتبنى فكرة الدولة الاجتماعية‪ ،‬ويعمل على توفير الحماية‬
‫الاجتماعية للمواطنات واملواطنين‪ ،‬وذلك من خالل العمل على صياغة وإصدار عدة قوانين مؤطرة لتنفيذ‬
‫وتنزيل سياسات عمومية اجتماعية فاعلة‪ ،‬في إطار الالمركزية‪ ،‬حيث ييهر ذلك التكامل إلايجابي بين‬
‫مواصفات وأهداف الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية بشكل كبير‪ ،‬إذ يهدفان معا إلى تحقيق‬
‫العدالة الاجتماعية باملغرب وتحسين مستوى املعيشة وإنصاف جميع فئات الشعب‪.‬‬

‫لكن من خالل تتبعنا لواقع تنزيل ور الحماية الاجتماعية والتبطبيق الفعلي على أرض الواقع‪ ،‬نالحظ‬
‫عدة مفارقات ما بين النصوص القانونية والبرامج الحكومية حول الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية‬
‫باملغرب‪ ،‬وما يحدث على أرض الواقع‪ ،‬حيث نالحظ عدم تحقيق كل النتائج املرجوة‪.‬‬

‫هذه املفارقات املالحية‪ ،‬جعلتنا نبحث في املوضوع‪ ،‬وننجز هذه الدراسة‪ ،‬انبطالقا من طرح إلاشكالية‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ ‬فهل سياسات الحماية الاجتماعية التي تعمل الحكومة املغربية على بلورتها‪ ،‬تسعى فعال إلى إرساء‬
‫ركائز الدولة الاجتماعية بهدف الرفع من املستوى املعيش ي والرفاهية للمواطنات واملواطنين‬
‫املغاربة وتحقيق ذلك التكامل املنشود ما بين مفهومي الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية؟‬
‫‪ ‬وما هي املفارقات التي أبان عنها واقع تبطبيق هذين املفهومين باملغرب؟ وكيف يمكن تجاوزها من‬
‫أجل التحقيق الفعلي للتكامل ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية ببالدنا؟‬

‫لإلجابة على التساؤالت املبطروحة‪ ،‬ولإلحاطة باملوضوع من كل جوانبه‪ ،‬ارتأينا الاعتماد على املنهج‬
‫التاريخي‪ ،‬من أجل تتبع تبطور السياسات العمومية الاجتماعية باملغرب عبر املراحل التاريصية منذ‬
‫الاستقالل إلى صدور دستور ‪ 8700‬وما نتج عنها بصصوص بناء الدولة الحامية‪ ،‬كما تمت الاستعانة‬

‫‪ -1‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب‪ ،‬واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان‬
‫واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ – 8702 / 35‬ص ‪.00‬‬

‫‪145‬‬
‫باملنهج التحليلي‪ ،‬نيرا لبطبيعة املوضوع الذي يحتاج التحليل والتفسير الدقيق ملصتلف مساحات التكامل‬
‫واملفارقات ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب‪.‬‬

‫وملقاربة إلاشكالية املبطروحة ارتأينا تقسيم هذه الدراسة إلى محورين‪:‬‬

‫املحور ألاول‪ :‬واقع مساحات التكامل ما بين مفهومي الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب؛‬

‫املحور الثاني‪ :‬املفارقات ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب وسبل التجاوز؛‬

‫املحور ألاول‪ :‬واقع مساحات التكامل ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب‬

‫قبل القرن الواحد والعشرين‪ ،‬كان مفهوم السياسات العمومية الاجتماعية ينصب أساسا على خدمات‬
‫محدودة كالصحة والتعليم‪ ،‬وهذا غير كاف لتحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية متوازنة‪ ،‬إذ كانت تعتبر‬
‫ُ‬
‫الحماية الاجتماعية من املسائل الثانوية ترصد لها تمويالت أقل مما تستحق‪ ،‬بينما يتم التركيز على النمو‬
‫الاقتصادي أوال فتزداد الهوة بين الرأسماليين املستثمرين‪ ،‬من خالل زيادة أرباحهم ورفاهيتهم‪ .‬باملقابل‬
‫كانت فئات هشة ومحرومة من تلك الرفاهية تتكاثر‪ ،‬مما أدى إلى زيادة التوتر والاستياء الاجتماعي‪.‬‬

‫يعتبر حراك الربيع العربي لسنة ‪ 8700‬سببا رئيسيا للتبطور امللحوظ على مستوى السياسات العمومية‬
‫ُ‬
‫الاجتماعية باملغرب‪ ،‬تجسد بكل وضوح في الدستور الجديد للمملكة الذي وفر مصتلف إلامكانات املتاحة‬
‫لل مواطنات واملواطنين للولوج إلى املرافق والخدمات العمومية التي تالئم حاجياتهم‪ ،‬كما وضح سبل‬
‫النهوض بأحوالهم الاجتماعية وقدم آليات وأدوات تحقيق ذلك‪ ،‬مستحضرا ضرورة الاهتمام بكل مناطق‬
‫املغرب في إطار احترام مجالية السياسات العمومية الاجتماعية وفق خصوصيات ومتبطلبات كل جماعة‬
‫ترابية اعتمادا على الالمركزية والالتمركز‪.‬‬

‫‪ -1‬نشأة وتطور السياسات العمومية الاجتماعية باملغرب‬

‫يعتبر إعالن "فيالدلفيا" لسنة ‪ 0755‬من أهم املحبطات التي أكدت على اعتماد السياسات الاجتماعية‬
‫بعد الحرب العاملية الثانية‪ ،‬وضرورة توسيع نبطاق تدابير الضمان الاجتماعي‪ ،‬بحيث تكفل الدول دخال‬
‫أساسيا لجميع املحتاجين إلى الحماية الاجتماعية وتوفير رعاية طبية شاملة‪ .‬وقد ُع ِّ ِرف الضمان الاجتماعي‬
‫على أنه حق من حقوق إلانسان‪ ،‬بموجب املادة ‪ 88‬من إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان لسنة ‪.10752‬‬
‫وفي سبيل تهيئة اليروف الضرورية لتمكين كل إنسان من التمتع بحقوقه الاقتصادية والاجتماعية‬

‫‪ -1‬املادة ‪ 88‬من إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان‪ ،‬تنص على ما يلي‪ " :‬لكل يخص‪ ،‬بوصفه عضوا في املجتمع‪ ،‬حق في الضمان الاجتماعي‪،‬‬
‫ُ‬
‫ومن حقه أن توفر له‪ ،‬من خالل املجهود القومي والتعاون الدولي‪ ،‬وبما يتفق مع هيكل كل دولة ومواردها‪ ،‬الحقوق الاقتصادية والاجتماعية‬
‫والثقافية التي ال غنى عنها لكرامته ولتنامي يخصيته في حرية "‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫والثقافية‪ ،‬وبحقوقه املدنية والسياسية‪ ،‬تم تبنيها في العهد الدولي الخاص‪ ،‬بموجب قرار الجمعية العامة‬
‫لألمم املتحدة‪ ،‬في ‪ 01‬دجنبر ‪.10711‬‬

‫وتبعا لذلك‪ ،‬تبطور مفهوم السياسات العمومية الاجتماعية في العالم تزامنا مع نمو املجال الاقتصادي‬
‫في أغلب الدول‪ ،‬وكذلك التشبع بقضايا حقوق إلانسان التي من أبرزها تبطبيق سياسات عمومية‬
‫اجتماعية تتسم بالعدل وإلانصاف وتكافؤ الفرص بين الجميع‪ .‬لقد انتقل مفهوم السياسة الاجتماعية‬
‫من مفهومه الضيق املتمثل في توفير الخدمات الاجتماعية مثل التعليم والصحة والوظيفة وألامن‬
‫الاجتماعي‪ ،‬إلى مفهوم حديث يهدف إلى التوزيع العادل للثروات وجلب الشعب إلى مراكز صنع السياسات‪،‬‬
‫بمعنى لم يعد ألامر يتعلق بتقديم الرفاهية املتبقية لألفراد املعنيين‪ ،‬بل يركز على املشاركة في صنع‬
‫القرارات السياسية العمومية الاجتماعية املنبثقة من حاجات جميع ألافراد‪ ،‬والتي من شأنها ضمان‬
‫الاستقرار والتماسك الاجتماعي‪.‬‬

‫ففي املغرب‪ ،‬كما في غيره من بقاع العالم‪ ،‬تغير مفهوم الحماية الاجتماعية من منيوره التقليدي املتمثل‬
‫في البعد إلانساني والخيري وإلاحسان‪ ،‬إلى منيور جديد يتمثل في كونه حقا من حقوق إلانسان‪ ،‬بموجب‬
‫اتفاقيات ألامم املتحدة ومنيمة العمل الدولية ومنيمة الصحة العاملية‪ ،‬دعمته العديد من املبادرات‬
‫الدولية املهمة‪ ،‬في مقدمتها اعتماد أهداف التنمية املستدامة السبعة عشر‪ ،‬منذ سنة ‪ .28704‬وتحيل‬
‫السياسات الاجتماعية إلى تدخل الفاعلين العموميين في املجال الاجتماعي املتعدد املحاور (التكوين‪،‬‬
‫التشغيل‪ ،‬الحماية‪ ،‬الصحة‪ ،‬الادماج‪ ،‬العائلة‪ )...‬وبذلك فالحديث عن بدايات السياسات الاجتماعية‬
‫باملغرب‪ ،‬يرتبط بالضرورة بتلك اللحية التي لم تعد خاللها شبكات التضامن التقليدية ذات املرجعية‬
‫الدينية والاجتماعية والعائلية واملهنية قادرة على تدبير مجال اجتماعي أصبح يبدو أكثر تعقيدا وصعوبة‪،‬‬
‫ومن الواضح هنا أن الصدمة الاستعمارية شكلت إلاطار الذي انبطلقت معه هذه السياسات‪ ،‬خاصة مع‬
‫البدايات الجنينية ملا يمكن تسميته أنيمة عصرية للحماية الاجتماعية‪ ،‬وجهت بدءا الستهداف الساكنة‬
‫ألاوروبية ليتم توسيعها فيما بعد‪3.‬‬

‫إن املتتبع لتبطور واقع الحماية الاجتماعية باملغرب‪ ،‬يالحظ بأن هناك صعوبات تواجه هذا املجال‪ ،‬بدءا‬
‫بتعدد املتدخلين في املوضوع وغياب التنسيق بينهم (قبطاع التشغيل‪ ،‬قبطاع الاقتصاد واملالية‪ ،‬قبطاع‬
‫الشؤون الاجتماعية‪ ،‬وغيرها)‪ ،‬ثم عدم توحيد ألاهداف أو التكامل فيما بينها‪ ،‬بحيث كل مؤسسة تعتمد‬
‫معايير خاصة بها تنسجم مع وضعيتها املالية ونوعية الخدمات املقدمة‪.‬‬

‫‪ -1‬هوازن خداج‪ ،‬السياسات الاجتماعية بين إيديولوجيا السلبطة واملجتمع‪ ،‬مركز حرمون للدراسات املعاصرة‪ ،‬سورية ‪.8780/‬‬
‫‪ -2‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب‪ ،‬واقع الحال‪ ،....‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 2 :‬‬
‫‪ -1‬حسن طارق‪" :‬رؤية تاريصية‪ ،‬أي تحقيب للسياسات الاجتماعية باملغرب؟"‪،‬املغرب الاجتماعي‪ ،8777-8772 :‬املجلة املغربية للسياسات‬
‫العمومية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،3/8‬دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة‪ ،8777 :‬ص‪.04 :‬‬

‫‪147‬‬
‫فبعدما كان املغرب يعتبر‪ ،‬غداة حصوله على الاستقالل‪ ،‬رائدا إقليميا على الصعيدين إلافريقي والعربي‪،‬‬
‫في مجال تبطوير إلاطار التشريعي والتنييمي الخاص بالحماية الاجتماعية‪ ،‬أصبح واحدا من أقل البلدان‬
‫مصادقة على اتفاقيات منيمة العمل الدولية التي تصص الضمان الاجتماعي‪ 1‬لكافة أفراد املجتمع‪ ،‬إذ‬
‫لم يصادق‪ ،‬لحد آلان‪ ،‬على مجموعة من هذه الاتفاقيات‪.2‬‬

‫" إن وضعية املغرب فيما يتعلق باملصاطر كحوادث الشغل وألامراض املهنية وفقدان الشغل والببطالة‬
‫واملسنون بدون دخل ووضعية إلاعاقة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬ال زالت مثيرة للقلق‪ .‬ففي غياب تغبطية هذه املصاطر‪ ،‬ال‬
‫تملك اململكة املغربية حتى اليوم أرضية للحماية الاجتماعية تنسجم مع مبادئ الشمولية والتحسين‬
‫املستمر ملستوى الخدمات الاجتماعية التي يدعو إليها املجتمع الدولي اليوم"‪ .3‬كما أن الوضع املقلق الذي‬
‫يعيشه املغرب بصصوص الحماية الاجتماعية وضمان املساواة وإلانصاف في توزيع ثروات البالد على‬
‫جميع املواطنات واملواطنين‪ ،‬تسبب في احتجاجات اجتماعية متعددة (وطنيا أو جهويا أو محليا)‪ ،‬في‬
‫مقدمتها احتجاجات الربيع العربي التي تمصض عنها دستور جديد سنة ‪ ،8700‬تاله القانون إلاطار رقم‬
‫‪ 77 .80‬بتاريخ ‪ 4‬أبريل ‪ ،8780‬من أجل رفع تحديات كبرى للنهوض بالحماية الاجتماعية باملغرب‪.‬‬

‫إن هذا التبطور في مجال السياسات العمومية الاجتماعية باملغرب‪ ،‬عرف‪ ،‬خالل سيرورته التاريصية‪ ،‬عدة‬
‫تغيرات‪ ،‬منها إلايجابية ومنها السلبية‪ .‬ويمكن تلخيص تبطورها عبر مراحل تاريصية‪ ،‬كما يلي‪:‬‬

‫املرحلة ألاولى (‪ :)0728 – 0741‬تميزت هذه الفترة باعتبار التقدم الاجتماعي مجرد متغير ميكانيكي تابع‬
‫للتقدم الاقتصادي‪ ،‬نيرا إلعبطاء ألاولوية املبطلقة‪ ،‬آنذاك‪ ،‬للمجال الاقتصادي الذي حقق نموا هاما‪،‬‬
‫بل ‪ 4,0‬في املائة بين سنتي ‪ 0710‬و‪ .0705‬و‪ 5,1‬في املائة بين ‪ 0704‬و‪ .0720‬لكن هذا النمو لم يحرز‬
‫تقدما واضحا في املؤشرات الاجتماعية نيرا لضعف النفقات العمومية في القبطاعات ألاكثر أهمية‬
‫كالتربية والصحة‪ ،‬بمقابل التركيز على الهاجس ألامني للبلد والرهان على املجال الاقتصادي لتصفيض‬
‫املديونية‪ ،‬اعتمادا على مردودية الفالحة الخاضعة للتقلبات املناخية‪.‬‬

‫ومن بين أهم املنجزات الاجتماعية في هذه الفترة التاريصية‪ ،‬نذكر ما يلي‪:‬‬

‫‪ -1‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب‪ ،‬واقع الحال‪ ،....‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.84:‬‬
‫‪ -2‬من بين الاتفاقيات التي لم يصادق عليها املغرب لحد آلان‪ ،‬نذكر على سبيل املثال‪:‬‬
‫‪ -‬الاتفاقية رقم ‪ )0718( 002‬بشأن املساواة في املعاملة في مجال الضمان الاجتماعي؛‬
‫‪ -‬الاتفاقية رقم ‪ ،0715( 080‬وتم تعديلها في سنة ‪ )0727‬بشأن إعانات إصابات العمل؛‬
‫‪ -‬الاتفاقية رقم ‪ )707( 048‬بشأن السالمة والصحة في عمليات املناولة باملوانئ؛‬
‫‪ -‬الاتفاقية رقم ‪ )0722( 012‬بشأن النهوض بالعمالة والحماية من الببطالة‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب‪ ،‬واقع الحال‪ ،....‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.03 :‬‬

‫‪148‬‬
‫‪ ‬إنشاء صندوق املقاصة سنة ‪ ،0741‬بهدف حماية القدرة الشرائية للفئات املعوزة ودعم إنتاج‬
‫املواد الغذائية ألاساسية؛‬
‫‪ ‬إنشاء إلانعا الوطني عام ‪ ،0710‬من أجل امتصاص الببطالة واستصدام عدد محدود من اليد‬
‫العاملة غير مؤهلة وتتقاض ى أجرة هزيلة‪ ،‬أغلبها من املناطق املهمشة؛‬
‫‪ ‬انتقال معدل التمدرس في الابتدائي من ‪ 00‬في املائة سنة ‪ 0741‬إلى ‪ 51,0‬في املائة سنة ‪0713‬؛‬
‫‪ ‬إصالح وتوسيع ألانيمة الجماعية للتضامن يصص حوادث الشغل واملعاشات املدنية واملساعدة‬
‫‪ ‬الاجتماعية والتقاعد الخاص؛‬

‫وبالرغم من مصتلف املجهودات التي ُبذلت خالل هذه الفترة‪ ،‬إال أن املجال الاجتماعي ظل يعاني من‬
‫نقص ملحوظ‪ ،‬ال سيما ولوج الخدمات والتجهيزات الاجتماعية ومشاكل السكن‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫املرحلة الثانية (‪ :)0773 – 0723‬استمر‪ ،‬خالل هذه املرحلة‪ ،‬ضعف الاهتمام بالسياسات العمومية‬
‫الاجتماعية وهزالة ميزانياتها طيلة عشرية صعبة تميزت بهشاشة اقتصادية كبيرة‪ ،‬حكمتها إرادة ضبط‬
‫التوازنات ألاساسية للميزانية العمومية‪ ،‬عن طريق برنامج التقويم الهيكلي‪ ،‬بدعم من صندوق النقد‬
‫الدولي والبنك العالمي‪ ،‬وهذا نتجت عنه آثار سلبية على مستوى التكاليف الاجتماعية التي تقلصت‪،‬‬
‫وازداد معها معدل الببطالة وتراجع مستوى العيش‪ .‬فمثال‪ ،‬كانت النفقات في مجال التعليم تتراوح بين ‪4‬‬
‫في املائة و‪ 1,4‬في املائة من الناتج الداخلي بين سنتي ‪ 0704‬و‪ ،0728‬إال أنها انصفضت إلى ما دون ‪ 4‬في‬
‫املائة خالل سنة ‪ .0727‬وهذا الوضع العام زاد في تفاقم الفوارق الاجتماعية داخل املغرب‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة (‪ :)8774 – 0773‬عرفت هذه املرحلة الزمنية انفتاحا سياسيا باملغرب‪ ،‬انبطلق منذ‬
‫التسعينات مع التعديالت الدستورية لعامي ‪ 0778‬و‪ ،0771‬وتعزز مع مجيء حكومة التناوب التوافقي‬
‫عام ‪ 0772‬ودخول املغرب عهدا جديدا يتمثل في بداية حكم امللك محمد السادس‪.‬‬

‫وقد تميزت هذه الفترة باعتماد اتفاقيات وتوصيات وطنية ودولية وبرامج متنوعة للنهوض باملجال‬
‫الاجتماعي للمواطنات واملواطنين‪ ،‬نذكر منها على سبيل املثال‪:‬‬

‫‪ ‬الالتزام بتبطبيق توصيات قمة "كوبنهاكن" الاجتماعية (مارس ‪)0774‬؛‬


‫‪ ‬اعتماد برنامج توفير املاء الصالح للشرب وفك العزلة القروية وكهربة البادية لسنة ‪0774‬؛‬
‫‪ ‬ميالد الاتفاقيات الاجتماعية الشهيرة لسنة ‪ 0771‬التي تمكنت من تدارك العجز والخصاص‬
‫املتزايد‬
‫‪ ‬للساكنة‪ ،‬ومحاولة تحسين عيشها بتوفير الخدمات الاجتماعية والسكن‪ ...،‬؛‬

‫‪149‬‬
‫‪ ‬تبطبيق برنامج ألاولويات الاجتماعية ( ‪ ) B A J‬سنة ‪ 0771‬بتعاون مع البنك الدولي من أجل‬
‫النهوض‬
‫‪ ‬بمجاالت التربية ألاساسية‪ ،‬الصحة‪ ،‬وإلانعا الوطني؛‬
‫‪ ‬الالتزام بتحقيق أهداف ألفية التنمية املحددة في بيان ألالفية (شتنبر ‪)8777‬؛‬
‫‪ ‬إلاعالن عن استراتيجية وطنية للقضاء على السكن غير الالئق عقب الخبطاب امللكي ‪ 87‬غشت‬
‫‪8770‬؛‬
‫‪ ‬انبطالق برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعد الخبطاب امللكي بتاريخ ‪ 02‬ماي ‪18774‬؛‬

‫وتمحورت املبادرة في مرحلتها ألاولى (‪ )8707-8774‬حول أربعة برامج‪ ،‬استهدفت مصتلف الفئات‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وتتمثل في إطالق برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي‪ ،‬وبرنامج محاربة الاقصاء‬
‫الاجتماعي في الوسط الحضري‪ ،‬برنامج محاربة الهشاشة‪ ،‬إضافة إلى برنامج يهم جميع الجماعات القروية‬
‫والحضرية غير املستهدفة‪2.‬‬

‫املرحلة الرابعة (ما بعد سنة ‪ :)8700‬عرفت هذه املرحلة تقدما ملموسا فيما يصص السياسات العمومية‬
‫الاجتماعية باملغرب‪ ،‬وذلك بفضل مجموعة من التبطورات إلايجابية التي ساهمت في إعادة ترتيب‬
‫ألاولويات بجعل السياسات العمومية الاجتماعية على رأس جدول أعمال الحكومات املغربية املتعاقبة‪.‬‬

‫وقد تميزت هذه املرحلة بصدور دستور جديد سنة ‪ ،8700‬اعتبره مجموعة من الباحثين دستورا‬
‫للسياسات العمومية الاجتماعية بامتياز‪ ،‬ومنبطلقا جديدا ملصتلف التغييرات والتبطورات التي عرفها‬
‫املغرب على مستوى جميع املجاالت‪ ،‬ومن بينها مجال الحماية الاجتماعية‪.‬‬

‫ومما أكد عليه هذا الدستور ‪ 8700‬في فصله ‪ 30‬هو أن‪ " :‬الدولة واملؤسسات العمومية والجماعات‬
‫الترابية‪ ،‬تعمل على تعبئة كل الوسائل املتاحة‪ ،‬لتيسير أسباب استفادة املواطنات واملواطنين‪ ،‬على قدم‬
‫املساواة‪ ،‬من الحق في‪:‬‬

‫‪ ‬العالج والعناية الصحية؛‬

‫‪ ‬الحماية الاجتماعية والتغبطية الصحية‪ ،‬والتضامن التعاضدي أو املنيم من لدن الدولة‪."...‬‬

‫باإلضافة إلى هذا التبطور‪ ،‬على مستوى الدستور‪ ،‬استمر مشروع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في‬
‫نسختها الثانية (‪ )8704-8700‬ونسختها الثالثة (‪ ،)8783-8707‬ثم صدور القانون إلاطار رقم ‪77.80‬‬

‫‪ -1‬للمزيد‪ ،‬أنير ‪ :‬حسن طارق‪" :‬رؤية تاريصية‪ ،‬أي تحقيب للسياسات الاجتماعية باملغرب؟"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحات‪.83 – 01 :‬‬
‫‪ -2‬املوقع الالكتروني‪ :‬البوابة الوطنية ‪.www.maroc.ma‬‬

‫‪150‬‬
‫املتعلق بالحماية الاجتماعية بتاريخ ‪ 4‬أبريل ‪ 8780‬الذي جاء ليشكل مرحلة أساسية في تنفيذ التوجيهات‬
‫امللكية فيما يتعلق بتعميم التغبطية الاجتماعية لفائدة جميع املواطنات واملواطنين بحلول عام ‪8784‬‬
‫بالتدرج‪ ،1‬وفق جدولة زمنية مضبوطة‪ 2‬وتكلفة مالية محددة‪ ،3‬كما يوضح ذلك الجدول التالي‪:‬‬

‫‪ -0‬مساحات التكامل ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب‬

‫يهدف الاهتمام بالحماية الاجتماعية‪ ،‬من ِقبل الدولة املغربية‪ ،‬إلى الحد من التفاوت الاجتماعي وتحسين‬
‫اليروف املعيشية لجميع السكان‪ ،‬وبكافة املناطق (القروية والحضرية)‪ ،‬كما يهدف إلى تحسين مستوى‬
‫التربية والتكوين والرعاية الصحية‪ ،‬وغيرهما مما سيجعل املغرب‪ ،‬كما قال ملك البالد‪ " :‬يتسع املغرب‬
‫لكل أبنائه‪ ،‬ويتمتع فيه الجميع‪ ،‬دون استثناء أو تمييز‪ ،‬بنفس الحقوق ونفس الواجبات‪ ،‬في ظل الحرية‬
‫والكرامة إلانسانية"‪ .4‬وألجل ذلك تم تبطوير السياسات العمومية الاجتماعية‪ ،‬من خالل إصدار القانون‬

‫‪ -1‬الفقرة الرابعة من ديباجة القانون إلاطار ‪ ،77.80‬مرجع سابق‪.‬‬


‫‪ -2‬الفقرة الثامنة من ديباجة القانون إلاطار ‪ ،77.80‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -3‬اململكة املغربية‪ ،‬وزارة الاقتصاد واملالية‪ ،‬مجلس النواب‪ ،‬تنزيل ور تعميم الحماية الاجتماعية‪ 83 ،‬فبراير ‪ ،8788‬ص‪.4:‬‬
‫‪ -4‬مقتبطف من الخبطاب امللكي بمناسبة عيد العر املجيد‪ ،‬بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪.8787‬‬

‫‪151‬‬
‫إلاطار ‪ 77.80‬الذي ُيعتبر مدخال أساسيا للنهوض بالعنصر البشري‪ ،‬باعتباره حلقة أساسية في التنمية‪،‬‬
‫وبناء مجتمع تسوده العدالة الاجتماعية‪ .1‬فالدولة الاجتماعية هي بالضرورة دولة ديمقراطية‪ ،‬تقوم على‬
‫أساس الحقوق والحريات‪ ،‬وهي ليست خيارا إيديولوجيا لحزب بعينه‪ ،‬أو لحكومة خالل عهدتها‪ ،‬بل هو‬
‫خيار الدولة باعتبارها وظيفة اجتماعية أساسية ومركزية من وظائف الدولة‪.2‬‬

‫وتتجلى مساحات التكامل بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية في العديد من املجاالت‪ ،‬كما نصت‬
‫على ذلك املرجعيات القانونية ومصتلف قرارات املنيمات ألاممية ذات الصلة‪ ،‬نذكر منها على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬توفير الخدمات الاجتماعية‪ :‬حيث تعمل الدولة الاجتماعية على توفير الخدمات الاجتماعية‬
‫للمواطنات وامل واطنين‪ ،‬مثل التعليم والصحة وإلاسكان والنقل والترفيه وغيرها‪ .‬وتعمل الحماية‬
‫ً‬
‫احتياجا‪ ،‬مما يساعد على تحسين‬ ‫الاجتماعية على توفير الدعم املادي واملعنوي للفئات ألاكثر‬
‫معيشتهم‪.‬‬
‫‪ ‬العدالة الاجتماعية‪ :‬حيث تساعد الدولة الاجتماعية‪ ،‬من خالل الحماية الاجتماعية التي توفرها‪،‬‬
‫على تحقيق العدالة الاجتماعية التي تتمثل في تحسين مستوى املعيشة للجميع‪ ،‬وتقليل الفجوة بين‬
‫ألاغنياء والفقراء‪ ،‬وتحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة املستدامة وتشجيع‬
‫الاستثمارات ودعم الصناعات املحلية‪ ،‬وتعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي‪.‬‬
‫ُ‬
‫وبذلك تعتبر الحماية الاجتماعية أداة أساسية للدولة‪ ،‬تعمل‪ ،‬من خاللها‪ ،‬على تحقيق التكامل بين تبطوير‬
‫وتجويد النصوص القانونية املؤطرة لسياساتها العمومية الاجتماعية وبين تفعيلها على أرض الواقع من‬
‫أجل النهوض باملجال الاجتماعي للمواطنات واملواطنين‪ ،‬وتحقيق التنمية البشرية الشاملة واملستدامة‪.‬‬
‫فهل واقع تبطبيق الحماية الاجتماعية باملغرب يعكس فعال ذلك التكامل؟ أم هناك مفارقات يجب‬
‫تجاوزها؟‪ ،‬هذا ما سنراه في املحور الثاني‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬املفارقات ما بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب وسبل التجاوز‬

‫شهد املغرب تبطورا ملحوظا شمل عدة مجاالت‪ ،‬كمجال الاستثمار والعمران والاقتصاد وغيرها‪ .‬هذا‬
‫التبطور واكبه اهتمام باملجال الاجتماعي طبعا‪ ،‬إذ تغير مفهوم السياسة الاجتماعية تغيرا جذريا‪ ،‬وأصبح‬
‫ورشا وطنيا بتوجيهات ملكية‪ ،‬لكن الحصيلة على مستوى املجاالت الاجتماعية الزالت دون مستوى‬

‫‪ -1‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬يمكن الرجوع إلى ديباجة القانون إلاطار ‪ ،77 .80‬مرجع سابق‪.‬‬
‫‪ -2‬رشيد لزرق‪ ،‬الدولة الاجتماعية‪ ..‬أزمة نصبة سياسية أم أزمة خبطاب سياس ي؟ مقال نشر بموقع هبة بريس‪،https://ar.hibapress.com :‬‬
‫بتاريخ‪ ،15:35 / 2022-09-18 :‬تاريخ الاطالع‪ 8783-78-08 :‬على الساعة ‪.88‬‬

‫‪152‬‬
‫التبطلعات‪ ،‬بشهادة ملك البالد نفسه‪ ،‬حين قال‪..." :‬ولكننا نعيش اليوم‪ ،‬في مفارقات صارخة‪ ،‬من الصعب‬
‫فهمها‪ ،‬أو القبول بها‪ .‬فبقدر ما يحيى به املغرب من مصداقية‪ ،‬قاريا ودوليا‪ ،‬ومن تقدير شركائنا‪ ،‬وثقة‬
‫كبار املستثمرين ‪ ...‬بقدر ما تصدمنا الحصيلة والواقع‪ ،‬بتواضع إلانجازات في بعض املجاالت الاجتماعية‪،‬‬
‫حتى أصبح من املخجل أن يقال إنها تقع في مغرب اليوم"‪ .1‬وبالتالي فإن هذا إلاقرار من طرف أعلى سلبطة‬
‫في املغرب‪ ،‬يؤكد بأن الحق في الحماية الاجتماعية باملغرب مازال يواجه عدة عراقيل بالرغم من بعض‬
‫إلانجازات إلانمائية التي تحققت خالل العقدين ألاخيرين‪.‬‬

‫‪ -1‬مفارقات الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب‬

‫عرف املغرب‪ ،‬كما هو الشأن في عدة دول عربية‪ ،‬اتساع نبطاق الفقر نيرا لغياب املساواة في توزيع ثمار‬
‫التنمية‪ ،‬وإبعاد املواطنات واملواطنين من املشاركة في عمليات صنع القرار ورسم السياسات العمومية‬
‫الاجتماعية ‪ .‬وقد جاء ذلك واضحا في تقرير الالمساواة في العالم‪ ،‬الصادر في سنة ‪ 8702‬الذي أشار إلى‬
‫زيادة معدالت التفاوت في الدخل في جميع أقاليم العالم خالل العقدين ألاخيرين‪.2‬‬

‫وبالرغم من تحديث وتحيين النصوص القانونية املتعلقة بالحماية الاجتماعية في املغرب‪ ،‬ال بد من إلاقرار‬
‫بوجود تحديات اجتماعية صعبة‪ ،‬نيرا لعدم احترام مقتضيات العدالة الاجتماعية املبنية على املساواة‬
‫َ‬
‫في الحقوق وتساوي الجميع‪ ،‬رجاال ونساء‪ ،‬في الحصول على املوارد والفرص‪ ،‬وإزالة الحواجز التي تعيق‬
‫تمكين الفئات املحرومة من املشاركة في اتصاذ القرارات التي تنيم حياتها‪ .‬فالعدالة الاجتماعية تبنى على‬
‫مبادئ املساواة وإلانصاف والحقوق واملشاركة‪ .3‬فواقع حال تنفيذ السياسات العمومية الاجتماعية‬
‫َ‬
‫البطبقتين‬ ‫باملغرب يؤكد بأن‪" :‬قرابة ربع املغاربة ما زالوا فقراء أو يواجهون خبطر الفقر‪ ،‬والفجوة بين‬
‫طبقي كبير‪ .‬باإلضافة إلى ذلك نجد‬‫ِّ‬ ‫مما يشير إلى تفاوت‬‫الاجتماعية الاقتصادية العليا والدنيا واسعة‪ِّ ،‬‬
‫الصحية ضعيفة والتعليم دون البطموحات وألاهداف املسبطرة في برامج إصالحية متتالية كامليثاق‬ ‫ِّ‬ ‫الرعاية‬
‫الوطني للتربية والتكوين والرؤية الاستراتيجية ‪ ،8737 - 8704‬وفوارق واضحة في نسبة الاستثمار‬
‫والرفاهية بين املناطق القروية والحضرية‪ ،‬عامة‪ ،‬وحتى داخل نفس املنبطقة (الجهة)‪ .‬وتبقى ببطالة‬
‫ِّ‬ ‫ً‬
‫أيضا مشكلة ِّ‬
‫ملحة في املغرب‪ ،‬حيث يشكل الشباب (بين ‪ 04‬و‪ 85‬سنة) ‪ 01,1‬في املئة من‬ ‫الشباب‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫معدل ببطالة الشباب في املغرب ‪ 88‬في املئة على مستوى الوطن و‪ 57,3‬في‬ ‫السكان ‪ .‬ففي عام ‪ ،8707‬بل‬
‫ِّ‬
‫الحضرية"‪.4‬‬ ‫املئة في املناطق‬

‫‪ -1‬مقتبطف من الخبطاب امللكي بمناسبة عيد العر املجيد‪ ،‬بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪.8700‬‬
‫‪ -2‬ألامم املتحدة‪ ،‬دليل تصميم وتنفيذ سياسات قائمة على املساواة في الدول العربية‪ – 8702 ،‬ص‪.4 :‬‬
‫‪ -3‬العدالة الاجتماعية في السياسات العامة للدول العربية‪ ،‬إلاسكوا‪ – 8705 ،‬ص‪.2 :‬‬
‫‪ -4‬ياسمينة أبو زهور‪ ،‬التقدم والفرص الضائعة‪ :‬املغرب يدخل عقده الثالث تحت حكم امللك محمد السادس‪ ،‬مقال بتاريخ ‪ 87‬يوليوز‬
‫‪ ،8787‬مركز بروكنجز‪ ،Brookings‬الدوحة‪ .8787 ،‬وتم تصفحه بتاريخ ‪ 87‬فبراير ‪.8783‬‬

‫‪153‬‬
‫وبالجوع إلى مستويات املفارقات بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية في املغرب‪ ،‬نجدها كثيرة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬نذكر منها على سبيل املثال‪ ،‬ما يلي‪:‬‬

‫‪ ‬وجود فجوة بين الخبطاب الرسمي والتبطبيق الفعلي‪ :‬في العديد من الحاالت‪ ،‬تتبنى الدولة الاجتماعية‬
‫خبطابا رسميا داعما للحماية الاجتماعية‪ ،‬لكن التبطبيق الفعلي لهذا الخبطاب يكون غير كاف في‬
‫العديد من ألاحيان‪ .‬وهذا ما نالحيه من خالل إصدار نصوص قانونية مؤطرة للحماية الاجتماعية‪،‬‬
‫ُ‬
‫وإعداد استراتيجيات وبرامج إصالحية للنهوض بها‪ ،‬لكن على أرض الواقع ال تبطبق كما يجب‪ ،‬وبالتالي‬
‫يكون مآل ما تم تسبطيره الفشل‪.‬‬
‫‪ ‬عدم قدرة الدولة على توفير الحماية الاجتماعية‪ :‬في الكثير من الحاالت‪ ،‬يكون هناك قصور في قدرة‬
‫الدولة على توفير الحماية الاجتماعية للمواطنات واملواطنين‪ ،‬وذلك ليروف اقتصادية ومادية صعبة‪،‬‬
‫أو لكثرة الفساد وضعف الحكامة في تدبير املوارد املالية واملادية والبشرية‪ ،‬أو عدم التصبطيط الجيد‬
‫لتوفير الخدمات الاجتماعية ومواردها‪.‬‬
‫‪ ‬الاعتماد على الدعم الخارجي‪ :‬تعتمد الدولة الاجتماعية في بعض الحاالت على الدعم الخارجي لتوفير‬
‫الحماية الاجتماعية‪ ،‬مما يؤدي إلى تبعية الدولة املغربية للدول أو املؤسسات املانحة‪ ،‬وقد يؤدي‬
‫ذلك إلى تقليل سيادة الدولة وتأثيرها في صنع القرارات الاجتماعية‪.‬‬
‫‪ ‬التكلفة املالية‪ :‬يحدث ذلك عندما تواجه الدولة الاجتماعية صعوبات في توفير التمويل الكافي للحماية‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وذلك بسبب التكاليف العالية للخدمات الاجتماعية‪ ،‬مما ُيضعف معه الدعم املادي‬
‫ً‬
‫احتياجا‪.‬‬ ‫واملعنوي للفئات ألاكثر‬
‫‪ ‬ألاولويات السياسية‪ :‬في بعض الحاالت‪ ،‬تتبنى الدولة الاجتماعية أولويات سياسية أخرى تتعارض مع‬
‫الحاجة إلى توفير الحماية الاجتماعية‪ .‬وهذا ييهر بوضوح خالل الحمالت الانتصابية والبرامج‬
‫الاجتماعية لألحزاب املتنافسة‪ ،‬لكن بمجرد الفوز في الانتصابات وتشكيل الحكومة‪ ،‬يتغير الوضع‪،‬‬
‫حسب املتغيرات واملستجدات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للبلد‪.‬‬

‫‪ -0‬سبل تجاوز املفارقات ومعيقات بناء الدولة الاجتماعية على ضوء الحماية الاجتماعية‬

‫يحتاج املغرب اليوم‪ ،‬كالعديد من بلدان العالم‪ ،‬إلى بناء الدولة الاجتماعية الفعلية والعيش املشترك‬
‫ملواجهة الهشاشة والفقر‪ ،‬من خالل اعتماد املساواة وإلانصاف فيما يصص توزيع الثروات الوطنية‪،‬‬
‫وتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية‪ ،‬تتبطلب من املغرب املصادقة على عدة اتفاقيات دولية وتفعيلها على‬
‫أرض الواقع‪ ،‬منها على سبيل املثال‪:1‬‬

‫‪ ‬اتفاقيااة منيمااة العماال الدوليااة رقاام ‪ 078‬لسنة ‪ 0748‬بشااأن املعايياار الدنيااا للضمااان الاجتماعي؛‬

‫‪ -1‬للمزيد من التفاصيل‪ ،‬أنير تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية‪ ،8702/ 35 :‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.70 :‬‬

‫‪154‬‬
‫‪ ‬اتفاقية رقم ‪ 037‬لسنة ‪ ،0717‬بشااأن الرعايااة البطبيااة وإعانااات املاارض؛‬
‫‪ ‬اتفاقية رقم ‪ 012‬لسنة ‪ ،0727‬بشأن النهوض بالعمالة والحماية من الببطالة؛‬
‫‪ ‬اتفاقية رقم ‪ 082‬لسنة ‪ ،0710‬بشأن إعانات العجز والشيصوخة والورثة‪.‬‬

‫بموازاة ذلك‪ ،‬يجب وضع استراتيجيات اجتماعية مناسبة ومضبوطة ملواجهة مصتلف ألازمات املتتالية‬
‫التي يشهدها العالم‪" ،‬من أزمة كوفيد إلى ألازمة ألاوكرانية‪ ،‬التي خلفت مضاعفات أزمة البطاقة وألامن‬
‫الغذائي‪ ،‬أدى إلى ارتفاع قياس ي لألسعار في ألاسواق العاملية وألاسواق املحلية‪ .‬وانعكس ذلك سلبا على‬
‫القدرات الشرائية للمواطن(ة) في معيم الدول‪ .‬وتسبب في زيادة نسبة الفقر في العالم"‪.1‬‬

‫من جهة أخرى‪ ،‬يجب التنزيل الفعلي والكامل للقانون إلاطار ‪ 77 .80‬الذي يحدد ألاحكام واملبادئ‬
‫والتوجهات وآلاليات املؤطرة لعمل الدولة في هذا املجال‪ ،‬مما سيساعد على التقليص من الفقر‪ ،‬ومحاربة‬
‫الهشاشة‪ ،‬ودعم القدرة الشرائية لألسر‪ ،‬وتحقيق العدالة الاجتماعية‪ ،‬والنهوض بالرأسمال البشري‬
‫الذي ُيعتبر من الركائز ألاساسية للتنمية الشاملة واملستدامة‪.‬‬

‫ومن أجل تحقيق ألاهداف املرجوة من هذا إلاصالح‪ ،‬على السلبطات العمومية املغربية التزامات تتمثل في‬
‫السهر على تنسيق عمل كافة املتدخلين املعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية‪ ،‬باعتبارها أولوية وطنية‪،‬‬
‫وتبطوير الجوانب املتعلقة بتدبير وحكامة الضمان الاجتماعي‪ ،‬وضمان التقائية أنيمة الحماية‬
‫الاجتماعية ‪ ،‬واتصاذ جميع التدابير ذات البطابع التشريعي والتنييمي واملؤسساتي واملالي التي تمكن من‬
‫تفعيل تعميم هذه الحماية الاجتماعية وتحقيق ألاهداف املتوخاة منها‪ .‬وفي مقدمة هذه التدابير‪ ،‬نذكر‬
‫ما يلي‪:2‬‬

‫‪ ‬إعداد "السجل الاجتماعي املوحد"‪ 3‬باعتباره آلية الاستهداف الاجتماعي لضمان نجاعة برامج الحماية‬
‫الاجتماعية‪ ،‬واستهداف من يستحقها‪.‬‬
‫‪ ‬توحيد برامج الدعم والحماية الاجتماعية بين مصتلف القبطاعات الوزارية واملتدخلين العموميين‪.‬‬

‫‪ -1‬املصبطفى رياني‪ ،‬موقع هسبريس ‪ ، https://www.hespress.com‬ألاحد ‪ 08‬فبراير ‪ ،03:07 - 8783‬تاريخ الاطالع‪ :‬ألاربعاء ‪ 04‬فبراير ‪8783‬‬
‫على الساعة ‪. 88‬‬
‫ُ‬
‫‪ -2‬للمزيد من التوضيحات‪ ،‬أنير الخبطاب امللكي بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪ 8702‬بمناسبة الذكرى ‪ 07‬لعيد العر املجيد‪.‬‬
‫‪ -3‬السجل الاجتماعي املوحد (خاص باألسر)‪ :‬هو آلية تقنية من أجل تنقيط ألاسر بناء على البيانات الاجتماعية والاقتصادية الخاصة بها‪،‬‬
‫والتي يدلي بها املصرح باسم ألاسرة‪ .‬كما يتكلف السجل بإعداد قوائم ألاسر املستحقة التي تتضمن نتائج التنقيط الخاصة بكل واحدة منها‬
‫من أجل الاستفادة من برامج الدعم الاجتماعي‪ ،‬وذلك على أساس العتبة املحددة لكل برنامج من طرف إلادارات والجماعات الترابية‬
‫والهيئات العمومية التي تشرف على هذه البرامج‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ ‬تنزيل وتفعيل مشروع القانون رقم ‪ 72.18‬املتعلق بمنيومة استهداف املستفيدين من برامج الدعم‬
‫الاجتماعي وبإحداث الوكالة الوطنية للسجالت قصد توحيد منيومة الاستهداف الاجتماعي‪.1‬‬

‫خاتمة‬

‫تقوم الدولة الاجتماعية بتنفيذ سياسات الحماية الاجتماعية بهدف تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين‬
‫ً‬
‫احتياجا‪ ،‬وهذا يعكس رؤية الدولة الاجتماعية في تحقيق التوازن‬ ‫مستوى املعيشة للفئات ألاكثر‬
‫الاجتماعي وتعزيز الرفاهية العامة في املجتمع‪.‬‬

‫وعلى الرغم من إلانجازات التي حققها املغرب في مجال الحماية الاجتماعية بتبني سياسة تعميم التأمين‬
‫الاجباري عن املرض وذلك من خالل توفير الرعاية الصحية ألاساسية للمواطنين‪ ،‬وتشجيع الاستثمار في‬
‫القبطاع الصحي الخاص‪ ،‬وإطالق برنامج تحويل الدعم املباشر‪ ،‬الذي يهدف إلى تحسين معيشة الفئات‬
‫ً‬
‫ألاكثر فقرا وضمان حصولها على الحد ألادنى من الدعم املادي الالزم لتلبية احتياجاتها ألاساسية‪ ،‬فإنه‬
‫ال يزال يواجه بعض التحديات في مجال الحماية الاجتماعية‪ ،‬مثل عدم توفر املوارد املالية الكافية‬
‫لتغبطية جميع فئات املجتمع‪ ،‬والفجوة بين الفئات الغنية والفقيرة‪.‬‬

‫بشكل عام‪ ،‬فإن الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية باملغرب تشكالن مساحات تكاملية‪ ،‬حيث تهدف‬
‫ً‬
‫احتياجا‪ ،‬وتلك‬ ‫الدولة الاجتماعية إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين مستوى املعيشة للفئات ألاكثر‬
‫هي ً‬
‫أيضا أهداف الحماية الاجتماعية‪ .‬وبالتالي‪ ،‬تعتبر الحماية الاجتماعية ً‬
‫جزءا ال يتجزأ من دور الدولة‬
‫الاجتماعية في تحقيق الرفاهية العامة‪.‬‬

‫وفي نفس الوقت‪ ،‬يمكن أن تواجه الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية بعض املفارقات فيما يتعلق‬
‫بتراكم الفقر والببطالة وتقويض مبادئ العدالة والتكافل الاجتماعي‪ ،‬وكذا بصصوص تمويل السياسات‬
‫الاجتماعية والحفاظ على التوازن بين النفقات الاجتماعية واملوارد املالية للدولة وهذا ما سيؤدي بالدولة‬
‫املغربية إلى رفع الدعم عن العديد من املواد الاستهالكية ألاساسية وكذا الزيادة في ألاسعار كما نالحظ‬
‫تحديا في ظل التحديات الاقتصادية الحالية والضغوط املالية التي‬‫ً‬ ‫حاليا‪ .‬ويمكن أن يكون هذا التوازن‬
‫تواجه الحكومة‪.‬‬

‫‪ -1‬تتشكل منيومة الاستهداف الاجتماعي من سجلين هما‪ :‬السجل الوطني للسكان‪( ،‬يستهدف ألايخاص)‪ ،‬وهو سجل يهم جميع السكان‬
‫(بمن فيهم القاصرون وحديثو الوالدة‪ ،‬وألاجانب القاطنون باملغرب)‪ ،‬وهو عبارة عن قاعدة بيانات توثق معبطيات ذات طابع يخص ي لجميع‬
‫عرف (سيكتس ي أهمية كبيرة لتحقيق‬‫ُ ِّ‬ ‫ُ َ ِّ‬
‫السكان‪ ،‬ويمنح لكل يخص مقيد رقما وطنيا خاصا به‪ ،‬هو "املع ِرف املدني الاجتماعي الرقمي"‪ ،‬وهذا امل ِ‬
‫عرف موحد لبطالبي الاستفادة من الخدمات‬ ‫ُ ِّ‬
‫النجاعة املرجوة من منيومة تدبير الدعم الاجتماعي أو الخدمات الاجتماعية‪ ،‬كونه سيعمل كم ِ‬
‫التي تقدمها الدولة أو املؤسسات العمومية أو الجماعات الترابية بهذا الخصوص)‪ .‬أما السجل الثاني فهو السجل الاجتماعي املوحد (يستهدف‬
‫ألاسر)‪ ،‬تم تعريه سابقا (الهامش ‪.)81‬‬

‫‪156‬‬
‫وبالتالي‪ ،‬يتبطلب تحقيق التوازن املناسب بين الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية‪ ،‬التركيز على تنفيذ‬
‫سياسات اجتماعية فعالة ومستدامة‪ ،‬وتوفير إلاطار القانوني املناسب‪.‬‬

‫وفي ألاخير يتبين لنا أن الدولة املغربية عازمة على إرساء ركائز الدولة الاجتماعية من خالل ألاورا امللكية‬
‫والبرنامج الحكومي الحالي الذي ينص على سياسة اجتماعية مبنية على أربعة ركائز (من بينها تعميم‬
‫الحماية الاجتماعية كركيزة أولى) و ‪ 02‬إجراء اجتماعيا‪ ،‬وفي نفس الوقت تبين لنا كذلك أن الحكومة‬
‫تستعمل مصبطلحي الدولة الاجتماعية والحماية الاجتماعية كأداة ألجل كسب املزيد من الدعم الشعبي‬
‫من املواطنات واملواطنين‪ ،‬ومن أجل خدمة أجندتها السياسية والانتصابية‪.‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫ألامم املتحدة‪ ،‬دليل تصميم وتنفيذ سياسات قائمة على املساواة في الدول العربية‪.8702 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫املصبطفى رياني‪ ،‬مقال نشر بموقع هسبريس‪ ، https://www.hespress.com :‬ألاحد ‪ 08‬فبراير ‪.8783‬‬ ‫‪‬‬
‫اململكة املغربية‪ ،‬وزارة الاقتصاد واملالية‪ ،‬مجلس النواب‪ ،‬تنزيل ور تعميم الحماية الاجتماعية‪ 83 ،‬فبراير‬ ‫‪‬‬
‫‪.8788‬‬
‫إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان‪ ،‬باريس‪ 07 ،‬ديسمبر ‪.0752‬‬ ‫‪‬‬
‫الخبطاب امللكي بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪ 8700‬بمناسبة الذكرى ‪ 07‬لعيد العر املجيد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫الخبطاب امللكي بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪ 2087‬بمناسبة الذكرى ‪ 21‬لعيد العر املجيد‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫العدالة الاجتماعية في السياسات العامة للدول العربية‪ ،‬إلاسكوا‪.8705 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ -‬القانون إلاطار ‪ ،77 .80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪ ،‬صدر تنفيذه بموجب اليهير الشريف رقم‪،0 .80 .37 :‬‬ ‫‪‬‬
‫بتاريخ ‪ 83‬مارس ‪ ،8780‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1704‬بتاريخ ‪ 74‬أبريل ‪.8780‬‬
‫املوقع الرسمي البوابة الوطنية‪.www.maroc.ma :‬‬ ‫‪‬‬
‫املوقع الرسمي لوزارة التضامن وإلادماج الاجتماعي وألاسرة‪.www.social.gov.ma :‬‬ ‫‪‬‬
‫تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب‪ ،‬واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل‬ ‫‪‬‬
‫تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪.8702/ 35‬‬
‫حسن طارق‪":‬رؤية تاريصية‪ ،‬أي تحقيب للسياسات الاجتماعية باملغرب؟"‪،‬املغرب الاجتماعي‪،8777-8772 :‬‬ ‫‪‬‬
‫املجلة املغربية للسياسات العمومية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ ،3/8‬دار القلم‪ ،‬الرباط‪ ،‬سنة ‪.8777‬‬
‫‪ -‬رشيد لزرق‪ ،‬الدولة الاجتماعية‪...‬أزمة نصبة سياسية أم أزمة خبطاب سياس ي؟مقال نشر بموقع هبة بريس‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ https://ar.hibapress.com‬بتاريخ‪.2022-09-18 :‬‬
‫هوازن خداج‪ ،‬السياسات الاجتماعية بين إيديولوجيا السلبطة واملجتمع‪ ،‬مركز حرمون للدراسات املعاصرة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫سورية‪ ،‬سنة‪.8780 :‬‬
‫ياسمينة أبو زهور‪ ،‬التقدم والفرص الضائعة‪ :‬املغرب يدخل عقده الثالث تحت حكم امللك محمد السادس‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مركز بروكنجز (‪ ،)Brookings‬الدوحة‪ ،‬سنة‪.8787 :‬‬

‫‪157‬‬
‫من دراسة الفقر إلى دراسة الفقراء‪ :‬ألابعاد الاجتماعية للتكييف‬
‫البطاهر بكني‬
‫دكتور باحث في الجغرافيا‬
‫تقديم‬
‫شكل مفهوم الفقر موضع اهتمام العديد من الباحثين من حقول معرفية متعددة نتيجة الفجوة الهائلة‬
‫القائمة بين ألاغنياء والفقراء في معيم البلدان بسبب انعدام العدالة الاجتماعية وتفاقم الالمساواة‪،‬‬
‫حيث تم إنتاجه أو إعادة إنتاجه بواسبطة السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تبطورت مع مرور‬
‫الزمن باالستجابة لها أو التحكم فيها‪ .‬وعلى هذا ألاساس‪ ،‬يمكن إلاحاطة بمفهوم الفقر بالتركيز على أنه‬
‫صورة من صور الحرمان من قدرات أساسية وليس مجرد تدني الدخل‪ .‬ذلك أن الحرمان من القدرات‬
‫ألاولية يمكن أن ينعكس في حاالت مثل الوفاة املبكرة‪ ،‬ونقص كبير في التغذية (خاصة ألاطفال)‪ ،‬واملرض‬
‫املزمن‪ ،‬وشيوع ألامية وغير ذلك من مياهر الفشل‪ 1.‬وعلى الرغم من تعدد الكتابات التي اهتمت بياهرة‬
‫الفقر‪ ،‬ييل هذا ألاخير مفهوما عاما وصعب التحديد نيرا لتعدد املعايير املستعملة ملقاربته؛ فهو يتجاوز‬
‫املقاربة إلاحصائية الصرفة املرتببطة باملؤشرات‪ ،‬ذلك أن مجموعة من العوامل املركبة واملتداخلة تعمل‬
‫على إفراز الياهرة وإعبطائها أبعادا مصتلفة تصتلف محدداتها حسب املتغيرات املؤدية إلى الفقر وأساليب‬
‫معالجته انبطالقا من اليروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة في كل فترة‪.‬‬
‫تسعى هذه الورقة إلى إبراز تنوع املقاربات النيرية لياهرة الفقر‪ ،‬وذلك انبطالقا من فرضية تعتبر الفقر‬
‫حرمانا من الحاجات ألاساسية‪ ،‬وما صاحبها من تحول على املستوى النيري من دراسة الفقر كوضع آني‬
‫إلى دراسة مدى تأثير ألازمات على وضعية ألافراد‪ ،‬وأيضا إلى دراسة الاستراتيجيات املتبعة من طرفهم‬
‫للخروج من الفقر أو لتجنب الوقوع فيه‪ .‬ومن أجل ذلك تعرض هذه الورقة الاهتمام بإبراز الواقع‬
‫الاجتماعي والتاريخي ملفهوم الفقر باعتباره من املفاهيم ألافقية التي مرت بالعديد من املراحل‪ ،‬نقلته‬
‫من املفهوم الضيق إلى املفهوم الواسع‪ .‬ويمكن اعتبار النير إلى الفقر باعتباره انعدام الفرص والخيارات‪2،‬‬

‫أوسع تعريف للفقر‪ .‬هذا التعريف الذي برز بشكل عام كإحدى النتائج ألاساسية إلعادة الهيكلة وفقا‬
‫ملبادئ العوملة التي تمثلت في عملية مزدوجة ييهر فيها التكامل من ناحية والاستبعاد والتحول إلى القبطاع‬
‫غير الرسمي من ناحية أخرى‪ .‬فإذا كانت الدولة هي الكفيل ألاخير بصلق الشروط الضرورية لتحقيق ش يء‬

‫‪ 1‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة وتقديم شويي جالل‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬العدد ‪ ،0457‬البطبعة ألاولى‪ ،8707 ،‬ص ‪.32‬‬
‫‪ 2‬نفس املرجع‪ :‬ص ‪.030‬‬

‫‪158‬‬
‫الفقراء‪1‬‬ ‫من املساواة بين الفقراء وألاغنياء؛ فقد أدى تقليص نشاطاتها إلى محاباة ألاغنياء على حساب‬
‫عبر تدني الدخول وارتفاع تكاليف املعيشة إلى جانب السياسات الاقتصادية التي ركزت على رفع الدعم‬
‫الذي يؤدي إلى‬ ‫عن السلع الضرورية وتصفيض إلانفاق الاجتماعي‪ ،‬باإلضافة إلى الخوصصة والانكما‬
‫تقليص فرص العمل‪ .‬خاصة مع استفحال العيوب البنيوية للرأسمالية والتي تجلت في كونها جيدة في‬
‫خلق الثروة‪ ،‬سيئة في توزيعها‪ ،‬وفي ميلها إلى تغليب الرأسمال في عالقته مع العمل‪ ،‬ما يفض ي حتما إلى‬
‫اختالالت ترتبط بشدة التفاوت في توزيع الدخل في ظل استصفاف النيوليبرالية بكل دواعي التضامن أو‬
‫اعتبارات ألاخالق‪ ،‬وفي سياق عودة السلبطوية وبروز الشعبوية‪ ،‬فضال عن ألاوليغارشية التكنوقراطية‬
‫التي أفرغت الاقتراع العام من محتواه‪ .‬وإذا لم يكن في إلامكان تجاهل أبعاد الفقر الاقتصادية‬
‫والاجتماعية والثقافية واملجالية‪ ،‬فإن فهم الياهرة فهما سليما بهدف محاربتها أو الحد منها يقتض ي‬
‫اعتبارها مسألة سياسية‪ ،‬حيث أن وجود الفقر يعني فشل السياسة أو غيابها‪.‬‬
‫‪ -1‬ألاشكال الجديدة للفقر‪ :‬جدلية املفهوم‬
‫ربما يكون من ألافضل تقديم تعريف مصتصر ملفهوم الفقر قبل مناقشة ألاشكال الجديدة منه‪ ،‬حيث‬
‫لم يكن ُينير إليه كياهرة اجتماعية ووضعية اقتصادية تعاني منها فئات من املجتمع بفعل نيام‬
‫اقتصادي محدد أو هرمية اجتماعية خاصة‪ ،‬بالرغم من أوجه القصور املتعددة التي يحيل عليها‪ .‬وإذا‬
‫كانت أصول دراسة الفقر وعدم املساواة نابعة من مجال ألاخالق‪ 2،‬فإنه غالبا ما كان ُينسب إلى الدول‬
‫وليس إلى ألافراد‪ 3.‬وبالتالي‪ ،‬كثيرا ما كان يبدو مفهوما غامضا في نير كثير من الباحثين وصانعي‬
‫السياسات‪ ،‬حيث تركز أغلب الجدل الشعبي والسياس ي حول الفقر على أولئك الذين كانوا فقراء في‬
‫حينه‪ .‬وكان من املمكن أن يكون هذا الجدل مبطابقا ملقتض ى الحال لو أن الفقر (وعدم الفقر) كان في‬
‫جوهره واحدا من ألاوضاع العامة الدائمة‪ .‬لكن ألارجح أن ذلك ليس هو شأن الفقر‪ 4.‬فالفقر حالة أو‬
‫وضع يقاس عبر الزمن‪ ،‬وهو محصلة عدد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية‬
‫التي يتفاعل بعضها مع بعض في سياق مستمر‪ ،‬فمن الفقراء من يعيش الفقر املتكرر وآخرون يكابدون‬

‫‪ 1‬هورست أفهيلد‪ ،‬اقتصاد يغدق فقرا‪ ،‬التحول من دولة التكافل الاجتماعي إلى املجتمع املنقسم على نفسه‪ ،‬ترجمة عدنان عباس علي‪،‬‬
‫عالم املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،334‬يناير ‪ ،8770‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 2‬بوشوشة مريم‪ ،‬مقاربة نيرية حول تبطور مفهوم الفقر من آدم سميث إلى أمارتيا سن‪ ،‬كلية العلوم الاقتصادية جامعة عبد الحميد‬
‫مهري قسنبطينة‪ ،‬مجلة العلوم إلانسانية‪ ،‬عدد ‪ ،51‬ديسمبر ‪ ،8701‬املجلد ب ص ‪.2‬‬
‫‪ 3‬حسن قرنفل‪ ،‬الفقر من إلاحسان إلى التنمية البشرية‪ ،‬مبطبعة ألامنية‪ ،‬الرباط ‪ ،8700‬ص ‪.34‬‬
‫‪ 4‬جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬محمد الجوهري‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،355‬أكتوبر ‪ ،8770‬ص‬
‫‪75‬‬

‫‪159‬‬
‫الفقر الدائم‪ .‬ويتفق هذا التعريف مع ما ذهب إليه "تاونسند" (‪ )Peter Townsend‬من أن الفقر هو‪:‬‬
‫«مجموع ألافراد والعائالت الذين يعانون من نقص املوارد للحصول على أنواع من التغذية‪ ،‬واملشاركة في‬
‫ألانشبطة‪ ،‬والحصول على اليروف املالئمة من الحياة والاحتياجات ألاساسية الالزمة الستهالك ألافراد‬
‫واملجتمعات التي ترتبط بها معيشتهم»‪ 1.‬فالفقير يتعرض خالل أعوام حياته إلى مجموعة من العوامل‬
‫تفرض عليه الفقر دوما أو في مرحلة أو أكثر من مراحل حياته‪ .‬ففي حين يولد بعض الناس فقراء ويقضون‬
‫حياتهم أسيري الفقر‪ ،‬يعيش بعضهم آلاخر "حالة" الفقر في مرحلة أو أكثر من مراحل حياتهم‪ ،‬وآخرون‬
‫يتكرر دخولهم دائرة الفقر وخروجهم منها‪ .‬وبالرغم من ذلك‪ ،‬فإن كثيرا ممن يفلتون من الفقر ال يبتعدون‬
‫عنه بمسافة كبيرة‪.‬‬
‫ويصتلف مفهوم الفقر من فكر إلى آخر‪ ،‬وذلك يعود بالبطبع إلى تباين الخلفيات الفكرية والثقافية‬
‫وألاخالقية‪ ،‬ناهيك عن اختالف املجتمعات والفترات التاريصية التي عانت فيها من الفقر والجوع‪ .‬فالفقر‬
‫الذي يؤدي إلى املوت أو الحرمان املبطلق‪ ،‬يصتلف ببطبيعة الحال عن الفقر الذي يعبر فقط عن تباين في‬
‫توزيع الدخل‪ .‬إال أن "التعريف ألافضل" للفقر يبقى محل جدل أكاديمي مستمر‪ .‬وهنا تتضح مرة أخرى‬
‫نسبية هذا املفهوم وشدة تشابكه‪ ،‬باعتباره مفهوم مراوغ سلبي ونسبي‪ 2،‬يصعب فهمه في ذاته بصورة‬
‫مستقلة ومنعزلة عن غيره من املفاهيم ألاخرى املرتببطة به كمفهوم الغنى والرفاهية‪ ،‬ومستوى املعيشة‪،‬‬
‫ونوعية الحياة‪ ،‬والشعور باإلهانة والاستغالل‪ .‬إال أن ما يلقى قبوال عاما حول مفهوم الفقر هو أن ألافراد‬
‫الذين يعيشون في "فقر" يعانون "الحرمان" أي يعيشون في مستوى معيشة يقل عن الحد ألادنى املقبول‬
‫من مستويات املعيشة‪ .‬وإذا كان التعريف ألاكثر شيوعا للفقر هو ذلك الذي يرتكز على عدم القدرة على‬
‫سد حاجيات إلانسان الضرورية الخاصة بالتغذية وإعادة إلانتاج البيولوجي‪ ،‬على اعتبار أن الفقراء هم‬
‫الفئة التي تفتقد املوارد الضرورية من أجل الحصول على التغذية العادية‪ ،‬واملشاركة في ألانشبطة‬
‫واملمارسات الاجتماعية‪ ،‬ومن أجل الحصول على ظروف عيش وسلوكات اجتماعية معتادة في‬
‫مجتمعاتهم‪ 3.‬إال أنه ووجه باعتراضات عدة‪ ،‬منها اختزال حاجيات إلانسان في حاجياته البيولوجية‪ ،‬وكأن‬
‫إلانسان في حاجة فقط للغذاء من أجل الاستمرار في العيش‪ .‬ومنه جاء تعريف راونتري ( ‪Benjamin‬‬
‫‪ )Rowntree Seebohm‬على أن الفقر «هو حالة الحرمان املادي الذي تتجلى أهم مياهره في انصفاض‬
‫الاحتياجات ألاساسية من الغذاء‪ ،‬وما يرتبط بها من تدني الحالة الصحية‪ ،‬واملستوى التعليمي واملتبطلبات‬

‫‪ 1‬بيتي آل كوك‪ ،‬فهم الفقر‪ ،‬عرض‪ :‬د‪ .‬علي الدجوي‪ ،‬سلسلة كراسات "عروض" اجتهادات حديثة حول العلم واملستقبل‪ ،‬املكتبة ألاكاديمية‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى‪ ،8777 :‬ص ‪32‬‬
‫‪ 2‬هورست أفهيلد‪ ،‬اقتصاد يغدق فقرا‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.870‬‬
‫‪ 3‬حسن قرنفل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.00‬‬

‫‪160‬‬
‫السكنية عن مستواها املالئم‪ ،‬والحرمان من تملك السلع الضرورية التي تعد معايير أساسية لوصف‬
‫الفقر‪ ،‬فضال عن الافتقار إلى ألاصول املادية املولدة للدخل‪ ،‬وفقدان الاحتياطي أو الضمان ملواجهة‬
‫وألازمات»‪1.‬‬ ‫الحاالت الصعبة‪ ،‬كاملرض وإلاعاقة والكوارث‬
‫وإذا كانت جذور الفقر موجودة في ألاغلب في الهياكل والبنى واملؤسسات الاجتماعية التي تستبعد الفقراء‪.‬‬
‫فإن نقص الحريات املوضوعية يقترن مباشرة بالفقر الاقتصادي‪ 2.‬كما أن الاستبعاد الاجتماعي يتم من‬
‫خالل عمليات التمييز التي تحرم ألافراد من حقوقهم إلانسانية‪ ،‬وتؤدي إلى قيام مجتمعات ممزقة وغير‬
‫عادلة‪ .‬ومنه يتصذ الفقر أشكاال متعددة منها التمييز‪ ،‬والاستبعاد الاجتماعي الذي ال يعدو أن يكون إعادة‬
‫تسمية ملا اعتاد الناس تسميته بالفقر يشترك إلى حد ما مع فكرة "صن" عن فقر القدرة‪ .‬وتعكس هذه‬
‫ألامور الثالثة أشكال عدم املشاركة في املجتمع الراجعة إلى الفرض ال إلى الاختيار‪ 3.‬فحرمان الفرد من‬
‫القدرات يمكن أن تكون له صلة وثيقة بتدني الدخل‪ ،‬بحيث أن الدخل املنصفض يمكن أن يكون سببا‬
‫رئيسا لألمية واعتالل الصحة وكذا الجوع ونقص التغذية؛ بينما يساعد التعليم الجيد والصحة الجيدة‬
‫مرتفع‪4.‬‬ ‫على الحصول على دخل‬
‫يرتبط الفقر ارتباطا وثيقا بدخل الناس‪ ،‬ولذلك كانت أبرز ألاشكال الجديدة للفقر مرتببطة بتدهور سوق‬
‫العمل‪ .‬فلبطاملا كان من املسلم به أن العمل بأجر هو ضمانة ضد الفقر‪ ،‬في حين لم يعد ألامر كذلك كما‬
‫كان في املاض ي‪ ،‬السيما من خالل العدد املتزايد من العمال الفقراء‪ ،‬وألايخاص الذين لديهم وظيفة‬
‫(بدوام جزئي‪ ،‬وعقود قصيرة ألاجل‪ ،‬وحاالت فرعية مصتلفة‪ ،‬وما إلى ذلك) ولكن دخلهم غير كاف لعيش‬
‫حياة الئقة بالكرامة إلانسانية‪ ،‬والسيما بسبب ألاسرة والوضع الاجتماعي (معزول‪ ،‬مصدر الدخل الوحيد‬
‫داخل ألاسرة‪ ،‬وما إلى ذلك)‪ .‬لذلك فإن احتمال وقوع الفرد في الفقر ال يتوقف فقط على ما يتحصل‬
‫عليه من دخل أو إعانات‪ ،‬وإنما يعتمد كذلك على ما يتحصل عليه ألافراد آلاخرون من أعضاء هذه‬
‫ألاسرة‪ .‬وبذلك يتضح أن دخل ألاسرة يعتمد على حجم هذه ألاسرة‪ ،‬ويعتمد كذلك على الدخل الذي‬
‫أعضائها‪5.‬‬ ‫يتحصل عليه كل عضو من‬
‫وبالرغم من اختالف املفاهيم التي تحاول وصف وتفسير ظاهرة الفقر في العالم؛ إال أن عدم املساواة‬
‫والتأثير السياس ي‪ ،‬وعدم تحديد اتجاه لتقليص الفقر قد أثر كثيرا على مستوى الفقر وتحديده‪ ،‬خاصة‬

‫‪ 1‬بوشوشة مريم‪ ،‬مقاربة نيرية حول تبطور مفهوم الفقر من آدم سميث إلى أمارتيا سن‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.05‬‬
‫‪ 2‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.02‬‬
‫‪ 3‬جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫‪ 4‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪30‬‬
‫‪ 5‬جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.077‬‬

‫‪161‬‬
‫فيما يتعلق بمسألة التفاوت في الفرص مقابل التفاوت في العوائد والنتائج‪ 1.‬وبالتالي فالفقر هو في املقام‬
‫ألاول مفهوم سياس ي يؤثر على السلوك النفس ي والاجتماعي والاقتصادي لألفراد واملجتمعات‪ ،‬ويعبطي‬
‫ُ‬
‫صورة معقدة ومتغيرة باستمرار تيهر خليط من النماذج املصتلفة للحرمان التي تبطفو وتبطغى من وقت‬
‫آلخر‪ .‬مما يتبطلب إيجاد عملية ديمقراطية للحلول –ولو من الناحية النيرية‪ -‬إلزالة وتقليص حجم الفقر‬
‫ومكافحته‪ ،‬تلك املهمة يجب أن تشارك فيها الحكومات واملؤسسات؛ للعمل على إيجاد نيم قيمة لألمان‬
‫الاجتماعي‪ ،‬مع وضع استراتيجيات ملقاومة الفقر‪ 2.‬إذ تعتبر بعض ألادبيات‪ 3‬أن ضمان فرص متساوية‬
‫لكل فرد من أفراد املجتمع في كل مجاالت الحياة مثل التعليم والرعاية الصحية وتأمينات العمالة كفيل‬
‫بإرساء العدالة الاجتماعية في املجتمع‪ .‬وال ريب في أن الفقر يعد في حد ذاته حاجزا يحول دون تكافؤ‬
‫ي‪4.‬‬ ‫الفرص التعليمية‪ .‬فالبطفل الجائع أو س يء التغذية من غير املحتمل أن يحسن التركيز في العمل املدرس‬
‫وإذا كان تكافؤ الفرص شرط ضروري للعدالة الاجتماعية‪ ،‬إال أنه ليس شرطا كافيا‪ ،‬خاصة مع ظهور‬
‫عملية التهميش بين قبطاعات عريضة من البطبقات الوسبطى‪ .‬فلم تعد الخصائص التي كانت تلصق بالفقر‬
‫التقليدي (سكنى املناطق املزدحمة‪ ،‬والعمل املوسمي‪ ،‬والعمل املتجول في الشوارع‪ ،‬والعمل اليومي) لم‬
‫تعد كل هذه الخصائص مقصورة على الفقراء بل انتشرت بين الشباب املتعلم‪ ،‬وانتشرت أيضا بين‬
‫املوظفين الحكوميين من أصحاب املهارات واملدرسين وأصحاب املهن املتصصصة‪ 5.‬وبالتالي‪ ،‬فمع ما قد‬
‫يقع من تباين شديد في العوائد أو النتائج‪ ،‬يلزم إضافة شرط آخر‪ ،‬أال وهو السعي املستمر إلى تصحيح‬
‫الفوارق الشاسعة في توزيع الدخل والثروة والنفوذ‪.‬‬
‫‪ -0‬الفقر والفقراء‪ :‬التفاعالت الديناميكية والتغير الاجتماعي‬
‫تبطرح الكتابة عن الفقر عدة إشكاالت منهجية ومعرفية لدى الباحثين‪ ،‬بعضها مرتبط بمفهوم الفقر في‬
‫حد ذاته والبعض آلاخر مرتبط بالكتابة عن الفقر‪ ،‬وذلك تأثيرا وتأثرا بالتفاعالت الديناميكية والتغير‬
‫الاجتماعي ملفاهيم كالثروة والقوة وانعدام القوة ارتبط بها الفقر عبر كل العصور‪ .‬فالفقر مثل اليواهر‬
‫الاجتماعية ألاخرى ال يمكن عزله بمفرده؛ حيث يحكمه حزام التأثيرات الاجتماعية املدعمة باألرقام‬
‫والدالئل والقوى الاجتماعية‪ ،‬والتي تنتشر خالل البيئة والتعليم والفعل الاجتماعي‪ ،‬بحيث تتركز الصور‬

‫‪ 1‬بيتي آل كوك‪ ،‬فهم الفقر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.03‬‬


‫‪ 2‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪ 3‬إبراهيم العيسوي‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪ ،8705 ،‬ص ‪.007‬‬
‫‪ 4‬جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪5‬آصف بيات‪ ،‬الحياة سياسة كيف يغير بسبطاء الناس الشرق ألاوسط‪ ،‬ترجمة‪ :‬أحمد زايد‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪ ،8705‬ص ‪.70‬‬

‫‪162‬‬
‫العامة للفقر في تصميم النيرات وآلاراء الخاصة‪ .‬وال شك أن الفقر نتاج تاريخي نما وتبطور من خالل‬
‫إلايديولوجيات املاضية؛ بحيث أوجدت التقسيمات "للفقير الذي ال يعمل" و"الفقير الذي يعمل" و"الفقير‬
‫للفقر‪1.‬‬ ‫املستحق" و"الفقير غير املستحق"؛ مما له التأثير القوي على إلايديولوجيات العامة والخاصة‬
‫ورغم التجارب التي عرفها التاريخ يبدو وكأن الفقر قدر ال يستبطيع الناس الحياة بدونه أو الفكاك منه‪،‬‬
‫حيث ظلت أغلبية الشعوب واملجتمعات ترزح تحت وطأته‪ ،‬مع انتشار بعض الثقافات التي امتد فيها‬
‫الفقر نوعا ما بدرجة أكبر إلى أن أصبحت ال تجده عيبا‪ .‬خاصة مع ظهور نوع جديد من البطوائف الدينية‬
‫بيهور أتباع ما يسمى بالفقر الاختياري في أوربا بعدما أشاد آباء الكنيسة بأعمال الصدقة والخير ما بين‬
‫القرنين الحادي عشر والرابع عشر ميالدي‪ ،‬فتحول الفقر بفعل ذلك إلى سلوك تبنته فئات من املجتمع‬
‫نتيجة قراءة خاصة لتعاليم الديانة املسيحية‪ 2.‬في حين عرف العالم إلاسالمي طرقا ومذاهب قلدت‬
‫سلوك الفقراء أنفسهم باختيارهم للزهد وانصرافهم عن الدنيا وملذاتها‪ ،‬انبطلقوا من التصوف واعتمدوا‬
‫كجزء من التعبير عن التقوى والزهد بالنفس الخروج والتسول في الشوارع‪ ،‬وقد أصبحوا عندئذ في‬
‫منافسة مع الفقراء الحقيقيين‪ .‬وبينما ظل املؤرخون عبر العصور يرصدون الفعل السياس ي وتدخالت‬
‫الحكام وأفعالهم‪ ،‬دون اهتمام بالتاريخ الاقتصادي والاجتماعي للدول واملجتمعات الذي أهمل إهماال‬
‫تام‪3.‬‬ ‫شبه‬
‫وقد عرف مفهوم الفقر عبر مراحل التاريخ اختالفات تباينت مع أنماط إلانتاج والاستهالك؛ فكانت املرحلة‬
‫ألاولى عبارة عن مجتمع بدائي رعوي ال طبقي‪ ،‬تجمع فيه الناس دون أن تميز بعضهم عن بعض آلاخر‬
‫ميزة‪ ،‬ولعدم وجود طبقات لم يكن العمل مصتلفا ولم يكن إلانتاج معقدا أو اجتماعيا‪ .‬بعدها دخل‬
‫املجتمع عهد التجمع‪ ،‬فبدأت مرحلة الزراعة وبدأ معها مصادر وتعيين وسائل إلانتاج وامللكية‪ 4.‬وبيهور‬
‫التملك أصبحت العبودية موجودة بشكل حتمي‪ ،‬ووجدت البطبقات العليا والدنيا‪ ،‬فدخل إلانسان بشكل‬
‫إجباري مرحلة املجتمع مع طبقة‪ ،‬على أساس ملكية ألارض التي ظهر معها إلاقبطاع‪ ،‬والذي أخذ في النمو‬
‫وعلى أساسه برزت عوامل تحمل اسم البرجوازية‪ ،‬التي ابتدعت طرق العيش باألموال والتجارة والكسب‬
‫والحركة والسوق‪ ،‬ونمت في عملياتها هذه‪ ،‬وساعدتها الصناعة في نموها‪ .‬ثم أتت الرأسمالية الصناعية‬
‫إلى الوجود‪ ،‬التي ركزت الثروات في يد قلة من الناس أو بضع شركات‪ .‬فكان أن وصلت البرجوازية بهذا‬

‫‪ 1‬بيتي آل كوك‪ ،‬فهم الفقر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.80‬‬


‫‪ 2‬حسن قرنفل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪ 3‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪ 4‬علي شريعتي‪ ،‬إلانسان والتاريخ‪ ،‬ترجمة خليل علي‪ ،‬حققه وحرره للنشر‪ :‬محمد حسين بزي‪ ،‬سلسلة آلاثار الكاملة ‪ ،02‬دار ألامير‪ ،‬بيروت‬
‫لبنان‪ ،‬البطبعة الثانية‪ ،8770 ،‬ص ‪.30‬‬

‫‪163‬‬
‫الشكل إلى الرأسمالية وبشكل أكبر إلى مرحلة الامبريالية (أو الاستعمار الاقتصادي)‪ ،‬ليصبح إلانتاج‬
‫البشر‪1.‬‬ ‫والاستهالك العالمي بيد نفر محدود من‬
‫إال أنه في مقابل هذا الرأي‪ ،‬هناك صورة أخرى عن املجتمعات ما قبل الصناعية تشير إلى أنها كانت‬
‫تجمع بين الفقر املدقع في القاع‪ ،‬والثراء املفرط في القمة‪ .‬فالش يء الوحيد الذي ال شك فيه هو أن‬
‫ألاباطرة كانوا أثرياء بشكل مفرط‪ ،‬لكنهم لم يكونوا ألاثرياء الوحيدين‪ 2.‬حيث يوجد تقريبا في كل مكان‬
‫تنييما كامال للمجتمع في طبقات متباينة‪ ،‬في مراتب مصتلفة من ألاوضاع الاجتماعية‪ .‬ففي روما القديمة‬
‫كان هناك النبالء فالفرسان فالعامة فالعبيد؛ أما في العصور الوسبطى فكان إلاقبطاعيون ألاسياد ثم‬
‫ألاتباع‪ ،‬ثم معلمي الحرفة‪ ،‬ثم الصناع‪ ،‬ثم ألاقنان‪ ،‬وفضال عن ذلك‪ ،‬يوجد تقريبا في كل واحدة من هذه‬
‫البطبقات مراتب خاصة أو فئوية‪ 3.‬أما املجتمع البورجوازي‪ ،‬الذي قام على أنقاض املجتمع إلاقبطاعي‪،‬‬
‫فلم يقض على التناحر البطبقي‪ .‬بل لم يفعل غير استبدال البطبقات القديمة‪ ،‬وشروط الاضبطهاد‬
‫جديدة‪4.‬‬ ‫القديمة‪ ،‬وأشكال الصراع القديمة‪ ،‬ببطبقات جديدة‪ ،‬وشروط اضبطهاد جديدة وأشكال صراع‬
‫إال أنه بالرغم من ذلك ترتبط أهم أحداث التاريخ املعاصر مباشرة بأهمية حرية عقد العمل كنقيض‬
‫العمل‪5.‬‬ ‫للعبودية والاستبعاد القسري من سوق‬
‫وإذا كانت النيرة إلى الفقر قد عرفت تحوال كبيرا مع ظهور الرأسمالية وانتشارها في مصتلف الدول‬
‫الغربية‪ ،‬وتمكنها من تحقيق نجاحات اقتصادية كبرى‪ ،‬وتحقيق نوع من الرخاء الاقتصادي‪ .‬إال أن أحزمة‬
‫الفقر ال تزال تغبطي مساحات هائلة‪ .‬ومع انحسار هذه ألاحزمة شيئا فشيئا مع نهاية القرن املاض ي لتضم‬
‫إلى الحياة الكريمة ما يتجاوز ملياري يخص‪ ،‬إال أنها تركت وراءها أمما وشعوبا ما زالت ترزح تحت خط‬
‫الفقر‪ .‬إنها عوائد التجارة واقتصاد الريع التي تقوم عليها بعض الاقتصادات النامية التي قد تصفف من‬
‫وطأة الفقر ولكنها ال تقتلعه‪ .‬حيث لوحظ أن نجاحات الرأسمالية لم تتمكن مع ذلك من القضاء على‬
‫الفقر‪ .‬أكثر من ذلك فالتاريخ املعاصر ييهر أن املجتمعات الصناعية تنتج الفقر كما تنتج الغنى‪ ،‬بل يمكن‬
‫السكان‪6.‬‬ ‫القول إنه كلما ازداد غنى مجتمع ما كلما كان مضبطرا إلى تقديم مزيد من الدعم إلى جزء من‬

‫‪ 1‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.37‬‬


‫‪ 2‬برانكو ميالنوفيتش‪ ،‬الذين يملكون والذين ال يملكون‪ ،‬تاريخ مصتصر وخاص لالمساواة العاملية‪ ،‬ترجمة وليد أبو بكر‪ ،‬سلسلة ترجمان‪،‬‬
‫املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،‬بيروت أكتوبر ‪ ،8702‬ص ‪.13‬‬
‫‪ 3‬كارل ماركس‪ ،‬فريدريك إنجلز‪ ،‬البيان الاشتراكي‪ ،‬ترجمة عفيف ألاخضر‪ ،‬مجلة امللتقى‪ ،8780 ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ 4‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.80‬‬
‫‪ 5‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬
‫‪ 6‬حسن قرنفل‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.17‬‬

‫‪164‬‬
‫إن الفقير في املجتمعات البشرية قبل سيبطرة الاقتصاد هو ذلك إلانسان الذي يكسب قوت يومه بصعوبة‬
‫أو الذي اختار الكفاف‪ ،‬بيد أنه ييل عضوا في الجماعة‪ ،‬لكنه الحقا أصبح ذلك الغريب املتشرد الذي‬
‫يتم عزله وتهميشه في الواقع املعيش‪ .‬فالفقراء متعايشون تماما مع مجتمعهم الذي كان يتقبل وجودهم‪،‬‬
‫بل ويعتبرونه أمرا عاديا‪ ،‬على اعتبار أن الجزء ألاكبر من الساكنة كان يحسب على الفقراء‪ ،‬لغياب ما‬
‫نسميه اليوم ببطبقات وسبطى‪ .‬على الرغم من أن الكثيرين ينيرون إلى الفقراء على أنهم جماعة سلبية‬
‫من الناحية السياسية تناضل ببساطة من أجل سد حاجاتها‪ .‬لم يكن ثمة تفكير في إمكانية محو الفقر‪،‬‬
‫كان الفقر ببساطة مقبول كأحد ثوابت الحياة‪ .‬إلاحسان عمل جيد‪ ،‬فالصدقة للفقراء هي التي تكفر عن‬
‫الذنوب وألاخبطاء‪ .‬وهكذا فإن آليات إلاحسان كانت تتكفل بإعادة بعض التوازن إلى مكونات املجتمع عبر‬
‫منح بعض ألاموال والصدقات لألكثر حاجة من السكان‪ ،‬وبفعل غياب أي نيام للضمان الاجتماعي‪ ،‬فإن‬
‫الفقر كان يعتبر آفة ومصيرا يمكن أن يضرب أي فرد من أفراد املجتمع على اختالف موقعه في التراتب‬
‫الاجتماعي‪ 1.‬ومع ذلك فإن فالتنمية الاجتماعية ليست مجرد شبكة ألامان وتصفيف الفقر والبقاء‪ ،‬أو‬
‫وسائل إلشباع حاجات أساسية‪ ،‬أو الاعتماد الكلي على إلاحسان واملساعدات ألاجنبية غير الدائمة‪ .‬بل‬
‫إنها تتضمن أيضا تحقيق الحقوق الاجتماعية والاقتصادية وتحقيق الاكتفاء الذاتي‪ .‬ويتبطلب ذلك‪ ،‬وكما‬
‫عبر أنيسور رحمان (‪« )Anisur Rahman‬خلق ظرف يمكن للبشر فيه أن يكونوا قادرين على التفكير‪،‬‬
‫يشاركوا»‪2.‬‬ ‫ويستصدموا قدراتهم‪ ،‬ويتصرفوا بمعنى أن‬
‫‪ -2‬من دراسة الفقر إلى دراسة الفقراء‪ :‬التحول إلايديولوجي‬
‫لبطاملا تم انتقاد الاقتصاديين إلفراطهم في التركيز على الفعالية دون املساواة‪ 3.‬فإذا كانت املساواة هي‬
‫اندماج الناس في مجتمعهم على أصعدة إلانتاج والاستهالك والعمل السياس ي والتفاعل الاجتماعي؛ فإن‬
‫الالمساواة على العكس من ذلك هي الاستبعاد أو الحرمان أو إلاقصاء عن هذه املشاركة‪ .‬وإذا كانت‬
‫السياسات الاقتصادية‪-‬الاجتماعية قد اتجهت إلى تنمية البشر برفع مستواهم املعرفي والصحي‪ ...‬باعتبار‬
‫ذلك أساس كل نهضة‪ ،‬إال أن غياب العدالة وتفاقم الالمساواة في الانتفاع بثمرات ذلك شدها يسارا مرة‬
‫ويمينا مرات‪ 4.‬حيث ينزع الحساب النفعي الذي يتسم غالبا بالالمباالة في التوزيع إلى إغفال مياهر عدم‬
‫املساواة في توزيع العدالة (إذ يعنيه فقط إجمالي ألامور‪ ،‬وليس مهما مدى عدم املساواة في التوزيع)‪ .‬كما‬

‫‪ 1‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪.15‬‬


‫‪ 2‬آصف بيات‪ ،‬الحياة سياسة كيف يغير بسبطاء الناس الشرق ألاوسط‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.028‬‬
‫‪ 3‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.33‬‬
‫‪ 4‬جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.07‬‬

‫‪165‬‬
‫أغفلت ذات املقاربة الحقوق والحريات وغيرها من اهتمامات ليست نفعية‪ ،‬حيث ال تبدي أي اهتمام‬
‫أصيل باملبطالبات بالحقوق والحريات (إذ يجري تقييمها على نحو غير مباشر فقط‪ ،‬وإلى مدى تأثيرها فقط‬
‫على املنافع)‪ 1.‬فيما أدى تجاهل الزيادة في التفاوت وعدم املساواة وفي العمل املنصفض ألاجر إلى تفاقم‬
‫الفقر في أثناء العمل‪ 2.‬وفي هذا السياق ركز "ألن غرينسبان" على ما سماه "عدم ألامان املتزايد للعامل"‪،‬‬
‫فإذا شعر العمال بعدم ألامان‪ ،‬وباتوا جزءا مما نسميه اليوم "عدم اليقين"‪ ،‬وعاشوا وجودا غير مستقر‪،‬‬
‫فلن يبطرحوا املبطالب ولن يحاولوا زيادة ألاجور‪ ،‬ولن يحصلوا على املنافع‪ 3.‬ويعتمد الوقوع في الفقر على‬
‫مشاركة ألاسرة في سوق العمل وفي مصادر الدخل ألاخرى‪ ،‬كما يعتمد على عدد أعضاء ألاسرة؛ لذلك‬
‫فإن التغيرات ألاساسية في حالة الفقر تعزى إلى التغيرات في هذه العوامل‪ ،‬ومن تم ترتبط ديناميات الفقر‬
‫العمليات‪4.‬‬ ‫بديناميات هذه‬
‫وداخل هذه إلايديولوجية‪ ،‬يبطفو على السبطح خبطاب نقدي دون أن يتصدى لألسس الاجتماعية لنيام‬
‫السوق العالمي‪ .‬ويلعب البنك الدولي في هذا الصدد دورا رئيسيا بتشجيع البحث في الفقر وما يسمى‬
‫"ألابعاد الاجتماعية للتكييف"‪ ،‬ويوفر هذا التركيز ألاخاليي واملقوالت الكامنة خلفه (مثل تصفيف الفقر‬
‫وقضايا الجنسين وإلانصاف‪ ).‬وجها إنسانيا ملؤسسات بريتون وودز (‪ ،)Bretton Woods‬التي ال تميل إلى‬
‫تمويل أي عمل يحمل كلمة "دخل" أو "المساواة في الثروة" في عنوانه‪ ،‬فهي مستعدة لتمويل أي ش يء‬
‫يتعلق بتسكين الفقر‪ ،‬لكن الالمساواة في مجموعها قضية مصتلفة‪ 5.‬غير أنه بقدر ابتعاد هذا التحليل‬
‫وظيفيا عن فهم إصالحات الاقتصاد الكلي الرئيسية‪ ،‬فإنه نادرا ما يشكل تهديدا لجدول ألاعمال‬
‫الاقتصادي النيوليبرالي‪ 6.‬وبالبطريقة نفسها‪ ،‬رفض البنك الدولي أن يسمي تقريره الرئيس حول املوضوع‬
‫تقريرا حول الالمساواة‪ ،‬وبدال من ذلك‪ ،‬سمي بشكل أكثر تدجينا تقريرا حول "إلانصاف"‪ .‬والتناقض بين‬
‫الاهتمام الواضح بالفقر ونقص الاهتمام بالالمساواة لخصه بشكل جميل املؤرخ الانجليزي ديفيد‬
‫كيناستون‪" :‬يشعر كل يخص بالسعادة وهو يتحدث عن إزالة الفقر‪ ،‬ألن ذلك يبدو استجابة محببة‬
‫ُ‬
‫وأخالقية ملشكلة الالمساواة‪ ،‬بينما تبقى أبنية القوة من دون أن تمس"‪ 7.‬ومما يدعو للقلق بوجه خاص‬

‫‪ 1‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.70‬‬


‫‪ 2‬جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.875‬‬
‫‪ 3‬نعوم تشومسكي‪ ،‬احتلوا‪ ،‬تأمالت في الحرب البطبقية والتمرد والتضامن‪ ،‬شركة املبطبوعات للتوزيع والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪ ،8705‬ص ‪.35‬‬
‫‪ 4‬جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.073‬‬
‫‪ 5‬برانكو ميالنوفيتش‪ ،‬الذين يملكون والذين ال يملكون‪ ،‬تاريخ مصتصر وخاص لالمساواة العاملية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.077‬‬
‫‪ 6‬ميشيل تشوسودوفيسكى‪ ،‬عوملة الفقر‪ ،‬ترجمة محمد مستجير مصبطفى‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،‬مكتبة ألاسرة‪ ،8708 ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 7‬برانكو ميالنوفيتش‪ ،‬الذين يملكون والذين ال يملكون‪ ،‬تاريخ مصتصر وخاص لالمساواة العاملية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.077‬‬

‫‪166‬‬
‫الاتجاه املتناقص في تمويل الحماية الاجتماعية وتادابير التوزياع املقترحة‪ ،‬وذلك نابع‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬من‬
‫ُ‬
‫ضغوط السوق‪ .‬ونتيجة لذلك‪ ،‬تم ترك دراسة الفقر من أجل التركيز على دراسة الفقراء‪ ،‬حيث ترسم‬
‫السياسات إلانمائية على نحو ال يمنح ألاهمية إال لبعد واحد من أبعاد الفقر‪ ،‬من قبيل فقر الدخل أو‬
‫فقر التنمية البشرية‪ 1،‬وأضحى بذلك تصفيف الفقر شرطا التفاقات قروض البنك الدولي‪ .‬ويساند‬
‫تصفيف الفقر هدف خدمة الدين‪ .‬فتصفيف الفقر املتواصل تحت سيبطرة مؤسسات بريتون وودز يقوم‬
‫على تصفيض ميزانيات القبطاع الاجتماعي وإعادة توجيه املصروفات على أساس انتقائي ورمزي لصالح‬
‫الفقراء‪ 2.‬هذا التحول إلايديولوجي وازاه تبطور في املفاهيم وطرق القياس‪.‬‬
‫وقد جاء التحول الرئيس ي في طرح مسألة الفقر على املستوى الدولي‪ ،‬بفعل التبطورات الاقتصادية الهامة‬
‫التي شهدها العالم منذ ثمانينيات القرن املاض ي‪ .‬حيث عرف هذا العقد تفاوت بين البلدان في التقدم‬
‫نحو تحقيق التنمية‪ ،‬وهو عقد ألازمات الاقتصادية ومحاوالت تثبيت الاستقرار والتكييف الهيكلي‪ ،‬فلم‬
‫يعط الاقتصاديون اهتماما يذكر لآلثار السلبية املحتملة التي تتركها هذه السياسات على الفئات‬
‫الاجتماعية املصتلفة‪ ،‬خاصة الفقيرة منها‪ .‬وكان من بين النتائج الاجتماعية لهذه إلاصالحات أن زاد انتشار‬
‫الفقر والالمساواة‪ .‬وفي نفس الوقت‪ ،‬فإن الدول قد انسحبت تدريجيا من املسؤوليات الاجتماعية التي‬
‫ميزت تجربتها التنموية الشعبية املبكرة‪ .‬وترتب على ذلك أن سحبت الدولة كثير من الخدمات الاجتماعية‬
‫التي كانت تقدمها‪ ،‬وكان على الجماعات منصفضة الدخل أن تعتمد بشكل كبير على نفسها لتحقق بقاءها‬
‫في الحياة‪ 3.‬مما دفع باألمم املتحدة‪ ،‬من خالل برنامجها إلانمائي‪ ،‬إلى تبني والدة مفهوم التنمية البشرية‪،‬‬
‫كمفهوم جديد للتنمية ينير من خالله للناس كوسائل وغايات للتنمية‪ ،‬في حين عزز إلاعالن النهائي‬
‫للقمة العاملية للتنمية الاجتماعية كوبنهاجن رجوع براديغم الفقر بقوة ليصبح من امللفات ذات ألاولوية‬
‫في اهتمامات املنيمات العاملية‪ ،‬وذلك بتبني إلاعالن تعزيز البنيات التحتية والخدمات العمومية بتكثيف‬
‫رصد امليزانيات وإلانفاق املالي واملساعدات الخارجية‪ .‬يتعلق ألامر بتحديد املراحل ألاكثر أهمية في العملية‬
‫بشكل عام سواء على املستوى الدولي أو الوطني‪ .‬وإذا كان تقرير لجنة برونتالند‪ 0720 4‬يذكر العالم بأن‬

‫‪ 1‬أرجون سينغوبتا‪ ،‬تقرير الخبير املستقل املعني بمسألة حقوق إلانسان والفقر املدقع‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق إلانسان املدنية‬
‫والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية‪ ،‬الجمعياة العاماة‪ ،‬مجلس حقوق إلانسان‪ ،‬الدورة السابعة‪،‬‬
‫‪ 82‬فبراير ‪.8772‬‬
‫‪ 2‬ميشيل تشوسودوفيسكى‪ ،‬عوملة الفقر‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪ 3‬آصف بيات‪ ،‬الحياة سياسة كيف يغير بسبطاء الناس الشرق ألاوسط‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.053‬‬
‫‪ 4‬لجنة برونتالند‪ :‬اللجنة العاملية املعنية بالبيئة والتنمية ‪ WCED‬أسست سنة ‪ 0723‬لتبطوير املفهوم السياس ي الواسع املتعلق بالتنمية‬
‫املستدامة‪ ،‬وقد كانت لجنة برونتالند القوة الدافعة إلعداد جدول أعمال ‪.80‬‬

‫‪167‬‬
‫"عالم غير منصف اليوم ال يمكن أن يكون مستدام"؛‪ 1‬إال أنه مع ذلك ازداد عدد الفقراء وتفاقم الفقر‬
‫والبؤس منذ الاستقالل والتحرر‪ .‬وتشير املالحية ألاولية إلعالن "كوكويوك" إلى أن العديد من املؤتمرات‬
‫بها‪2.‬‬ ‫تضع الفقر في صميم اهتماماتها‪ ،‬إال أنه يقابلها العديد من الالتزامات الدولية التي لم يتم إلايفاء‬
‫والحقيقة أن تعريف "أمارتيا صن" للقدرة على أنها "حرية املرء في أن يحيا حياة يصتارها باقتناع"‪ ،‬هو‬
‫تعريف يتجلى فيه تعدد ألابعاد ويجمع بين الدخل والتنمية البشرية باعتبارهما مكونين للقدرة‪ ،‬ومتغيرين‬
‫عالئقيا‪3.‬‬ ‫لإلنشاء والفعل على حد ساواء‪ ،‬كما يقترن باالستبعاد الاجتماعي الذي يضيف إلى الفقر بعدا‬
‫فانبطالقا من املوارد يمكن تحرير القدرات والعمل على توجيهها من أجل تحقيق املنفعة‪ ،‬حيث تضمن‬
‫املقاربة بالتمكين حرية الفعل واختيار الفرد ما يريد أن يصبح عليه‪ .‬فتوفر تعليم أساس ي أفضل ورعاية‬
‫صحية أفضل من شأنهما أن يؤديا إلى تحسن نوعية الحياة مباشرة‪ ،‬بل يزيدان أيضا من قدرة الشخص‬
‫على الحصول على الدخل والتحرر من فقر الدخل أيضا‪ .‬وكلما زاد املدى الذي يتحقق بفضل التعليم‬
‫ألاساس ي والرعاية الصحية كلما أصبح من املرجح أكثر أن تتوفر ملن يتوقع حالة من الفقر فرصة أفضل‬
‫عوز‪4.‬‬ ‫للتغلب على ما يعانيه من‬
‫إذا ما تحول انتباهنا من التركيز فقط ودون استثناء على فقر الدخل إلى فكرة أكثر شمولية تتمثل في‬
‫الحرمان من القدرة‪ ،‬فإننا نستبطيع بذلك أن نفهم بصورة أفضل فقر الحياة البشرية‪ 5‬دون أن تغيب‬
‫عن نيرنا حقيقة أساسية‪ ،‬وهي أن خفض فقر الدخل وحده ربما ال يكون الحافز النهائي للسياسة‬
‫املناهضة للفقر‪ .‬في حين ينبغي أن يكون استئصال شأفة الفقر الهدف الرئيس ي لسياسات التنمية‪ ،‬وال‬
‫يمكن ضامان تحققاه إال بإتباع نهج للتنمية يقوم على مراعاة الحقوق‪ 6.‬حيث ثمة خبطر من النير إلى‬

‫‪ 1‬تميزت العقود الثالث املاضية بسيادة مفهوم التنمية املستدامة والذي تمت صياغته للمرة ألاولى من خالل تقرير "مستقبلنا املشترك"‬
‫الذي صدر عام ‪ 0720‬عن اللجنة العاملية للتنمية والبيئة برئاسة رئيسة وزراء النرويج السابقة "جرو هارلم برونتالند" والتي حملت منصب‬
‫رئيسة منيمة الصحة العاملية‪ ،‬كما عملت كمبعوث خاص معني بتغير املناخ لصالح أمين عام ألامم املتحدة بان كي مون‪.‬‬
‫‪ 2‬أصدرت منيمة ألامم املتحدة بمناسبة انعقاد مؤتمر "كوكويوك" باملكسيك سنة ‪ 0705‬نقدا جذريا للتنمية ونموذج التجارة الحرة‬
‫والعالقات بين الشمال والجنوب‪ ،‬ولكن استنتاجاته سرعان ما دفنت‪ .‬ويتهم إعالن كوكويوك علنا دكتاتورية زيادة الناتج املحلي الخام "إن‬
‫مسار النمو الذي ال يعود بالنفع إال على فئة قليلة ويحافظ أو يزيد من التفاوت بين الدول وداخلها ال يعد نموا بل هو استغالل"‪ .‬إن مثال‬
‫التنمية املدافع عنه في كوكويوك ال يركز على املسائل الاقتصادية‪ ،‬بل يبرز أهمية طرق العيش والقيم وتحرر الشعوب والحريات الفردية‬
‫والجماعية‪.‬‬
‫‪ 3‬أرجون سينغوبتا‪ ،‬تقرير الخبير املستقل املعني بمسألة حقوق إلانسان والفقر املدقع‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬
‫‪ 4‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.050‬‬
‫‪ 5‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ 6‬أرجون سينغوبتا‪ ،‬تقرير الخبير املستقل املعني بمسألة حقوق إلانسان والفقر املدقع‪ ،‬مصدر سابق‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫الفقر بمعنى ضيق ومحدود هو الحرمان من الدخل ثم تبرير الاستثمار في التعليم والرعاية الصحية وغير‬
‫الفقر‪1.‬‬ ‫ذلك على أساس أنها وسائل جيدة لبلوغ الغاية وهي خفض دخل‬
‫على سبيل الختم‬
‫يمكن القول إن الفقر ال يعبر فقط عن عجز إلانسان عن إشباع حاجاته البيولوجية كما يذهب إلى ذلك‬
‫بعض الاقتصاديين‪ ،‬بل يعني كذلك عجز البناء الاجتماعي عن توفير مستلزمات إلانسان املادية واملعنوية‪،‬‬
‫وتأثير ذلك على عمليات الاندماج والعالقات الاجتماعية وتكوين يخصية الفرد في املجتمع وتشكيل‬
‫قيمته وثقافته‪ ،‬بل وتحديد دوره ووزنه السياس ي والاجتماعي والاقتصادي‪ .‬فالفقر يجب أن ينير إليه‬
‫على أنه حالة يعجز فيها إلانسان بسبب مجموعة من العوامل املوضوعية والذاتية عن تلبية حاجاته‬
‫املادية واملعنوية في ظل نيام اجتماعي وثقافي محدد‪.‬‬
‫ولكي تتمكن التنمية من تقليص الفقر‪ ،‬أو على ألاقل الفقر الذي ينير إليه بالقياس النقدي‪ ،‬يجب أن‬
‫تترجم هذه التنمية في حصول ارتفاع لدخل الفقراء ودون تفاقم في الالمساواة‪ .‬حيث تستلزم التنمية‬
‫بذلك إزالة جميع املصادر الرئيسية الفتقاد الحريات‪ :‬الفقر والبطغيان‪ ،‬ويح الفرص الاقتصادية‪ ،‬وكذا‬
‫الحرمان الاجتماعي املنيم‪ .‬وحينما يكون صاحب القرار العمومي مضبطرا للتحكيم بين السياسات‬
‫املاكرواقتصادية املالئمة التي تصبو إلى تحقيق نمو اقتصادي على املدى البطويل‪ ،‬وبين السياسات ألاكثر‬
‫تقليصا للفقر على املدى القريب‪ .‬فإنه يصتار حتما السياسات ألاولى‪ ،‬وعندها يصبح من الضروري‬
‫مصاحبتها بسياسات وتدابير للحماية ضد الفقر‪ .‬يتعلق ألامر في هذا إلاطار ببرامج اجتماعية مستهدفة‬
‫(التعليم‪ ،‬الصحة‪ ،‬مساعدات لصالح الفئات الهشة‪ )....‬وبعمليات وتدخالت ميكرو اقتصادية (عمليات‬
‫الدعم واملساعدة‪ ،‬القروض الصغرى‪ )....‬لصالح الفئات الخاصة مثل الفالحين الصغار‪ ،‬والشباب‬
‫الباحث عن أول فرصة عمل‪ ،‬والنساء املسؤوالت على إعالة أسرهن والعجزة‪....‬‬
‫إن استمرار النمو الاقتصادي بدون عدالة اجتماعية سيؤدي ال محالة إلى اضبطرابات اجتماعية ناتجة‬
‫عن تفاحش الفوارق البطبقية وإلاحساس باليلم‪ ،‬كما أن وضع سياسات اجتماعية قائمة على العدالة‬
‫في التوزيع بدون نمو ستؤدي بدون شك إلى إعادة توزيع الركود‪ .‬وهذا ما أكده روبيرت ماكنمارا املدير‬
‫السابق للبنك الدولي في قوله‪" :‬إن الهدفين (نمو اقتصادي وعدالة اجتماعية) مرتببطان‪ ،‬بالرغم من أن‬
‫الحكومات تميل إلى اتباع أحدهما وإهمال آلاخر‪ .‬وتؤدي هذه املقاربة من الناحية التنموية إلى الفشل‬

‫‪ 1‬أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬مصدر سابق‪ ،‬ص ‪.053‬‬

‫‪169‬‬
‫دائما‪ ،‬ألن مواصلة النمو الاقتصادي دون اهتمام معقول وصادق باملساواة وإلانصاف والعدالة‬
‫عنيفة"‪1.‬‬ ‫الاجتماعية يؤدي إلى نتائج مقلقة‪ ،‬وكثيرا ما ستكون‬

‫قائمة املصادر واملراجع‪:‬‬


‫إبراهيم العيسوي‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.8705‬‬
‫أرجون سينغوبتا‪ ،‬تقرير الخبير املستقل املعني بمسألة حقوق إلانسان والفقر املدقع‪ ،‬تعزيز وحماية جميع حقوق‬ ‫‪‬‬
‫إلانسان املدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية‪ ،‬بما في ذلك الحق في التنمية‪ ،‬الجمعياة العاماة‪،‬‬
‫مجلس حقوق إلانسان‪ ،‬الدورة السابعة‪ 82 ،‬فبراير ‪.8772‬‬
‫آصف بيات‪ ،‬الحياة سياسة كيف يغير بسبطاء الناس الشرق ألاوسط‪ ،‬ترجمة‪ :‬أحمد زايد‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫القاهرة‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8705 ،‬‬
‫أمارتيا صن‪ ،‬التنمية حرية‪ ،‬ترجمة وتقديم شويي جالل‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬العدد ‪ ،0457‬البطبعة ألاولى ‪.8707‬‬ ‫‪‬‬
‫برانكو ميالنوفيتش‪ ،‬الذين يملكون والذين ال يملكون‪ ،‬تاريخ مصتصر وخاص لالمساواة العاملية‪ ،‬ترجمة وليد أبو‬ ‫‪‬‬
‫بكر‪ ،‬سلسلة ترجمان‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،‬بيروت أكتوبر ‪.8702‬‬
‫بوشوشة مريم‪ ،‬مقاربة نيرية حول تبطور مفهوم الفقر من آدم سميث إلى أمارتيا سن‪ ،‬كلية العلوم الاقتصادية‬ ‫‪‬‬
‫جامعة عبد الحميد مهري قسنبطينة‪ ،‬مجلة العلوم الانسانية‪ ،‬عدد ‪ ،51‬ديسمبر ‪ ،8701‬املجلد ب ص ‪.88-0‬‬
‫بيتي آل كوك‪ ،‬فهم الفقر‪ ،‬عرض‪ :‬د‪ .‬علي الدجوي‪ ،‬سلسلة كراسات "عروض" اجتهادات حديثة حول العلم‬ ‫‪‬‬
‫واملستقبل‪ ،‬املكتبة ألاكاديمية‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.8777 :‬‬
‫جونز هيلز وآخرون‪ ،‬الاستبعاد الاجتماعي محاولة للفهم‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬محمد الجوهري‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬العدد‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،355‬أكتوبر ‪.8770‬‬
‫حسن قرنفل‪ ،‬الفقر من إلاحسان إلى التنمية البشرية‪ ،‬مبطبعة ألامنية‪ ،‬الرباط ‪.8700‬‬ ‫‪‬‬
‫علي شريعتي‪ ،‬إلانسان والتاريخ‪ ،‬ترجمة خليل علي‪ ،‬حققه وحرره للنشر‪ :‬محمد حسين بزي‪ ،‬سلسلة آلاثار الكاملة‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،02‬دار ألامير‪ ،‬بيروت لبنان‪ ،‬البطبعة الثانية‪.8770 ،‬‬
‫كارل ماركس‪ ،‬فريدريك إنجلز‪ ،‬البيان الاشتراكي‪ ،‬ترجمة عفيف ألاخضر‪ ،‬مجلة امللتقى‪.8780 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫ميشيل تشوسودوفيسكى‪ ،‬عوملة الفقر‪ ،‬ترجمة محمد مستجير مصبطفى‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،‬مكتبة ألاسرة‪ ،‬تاريخ‬ ‫‪‬‬
‫إلاصدار ‪.8708‬‬
‫نعوم تشومسكي‪ ،‬احتلوا‪ ،‬تأمالت في الحرب البطبقية والتمرد والتضامن‪ ،‬شركة املبطبوعات للتوزيع والنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫البطبعة ألاولى‪.8705 ،‬‬
‫هورست أفهيلد‪ ،‬اقتصاد يغدق فقرا‪ ،‬التحول من دولة التكافل الاجتماعي إلى املجتمع املنقسم على نفسه‪ ،‬ترجمة‬ ‫‪‬‬
‫عدنان عباس علي‪ ،‬عالم املعرفة‪ ،‬العدد ‪ ،334‬يناير ‪.8770‬‬

‫‪ 1‬حسن قرنفل‪ ،‬نفس املصدر‪ ،‬ص ‪.073‬‬

‫‪170‬‬
‫مشروع تعميم الحماية الاجتماعية باملغرب‪ :‬الرهانات والتحديات‬

‫محمد رحوتي‬
‫دكتور باحث في القانون العام‬
‫مقدمة‬

‫ظل موض ااوع الحماية الاجتماعية محط نقا بين مصتلف الفاعلين في املغرب منذ س اانوات عديدة‪ ،‬غير‬
‫أن تااريخ ‪ 05‬أبريال لس ا ا ا اناة ‪ 8780‬ش ا ا ا اكال لحياة تااريصياة أكثر أهمياة في هذا املجال‪ ،‬إذ ترأس امللك حفل‬
‫إطالق مش ا ا ا ااروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات ألاولى املتعلقة به‪ .1‬وذلك بعد أن دعا إلى‬
‫ضاارورة إعادة النير في طبيعية النموذج التنموي الذي ساااد خالل العقدين املاضاايين‪ .2‬وقد حض ا ي هذا‬
‫املوض ا ااوع باهتمام كبير من طرف مصتلف الفاعلين في املجتمع (إعالميون واقتص ا اااديون وس ا ااياس ا اايون ‪....‬‬
‫الخ)‪ ،‬بحيث أضاحى املوضوع ألاكثر هيمنة على املشهد العام باملغرب‪ ،‬وقبل الخوض في تفاصيل الحماية‬
‫الاجتماعية ورهاناتها ال بد من إطاللة على مفهوم هذه ألاخيرة‪.‬‬

‫يحي اال مفهوم الحم اااي ااة الاجتم اااعي ااة في الوث ااائق الرس ا ا ا اامي ااة وفق م ااا ج اااء في تقرير املجلس الاقتص ا ا ا ا ااادي‬
‫والاجتم اااعي والبيني على "الت اادابير وإلاجراءات الق ااائم ااة على الت ااأمين والتض ا ا ا ا ااامن‪ ،‬اله ااادف ااة إلى تحقيق‬
‫الض ا ا اامان الاجتماعي وتقديم املس ا ا اااعدة‪ ،‬ارتكازا على املس ا ا اااهمات أو دون الارتكاز عليها‪ ،‬من أجل ض ا ا اامان‬
‫القدرة على توفير الرعاية والدخل لجميع ألايخاص وعلى مدى جميع مراحلهم"‪.3‬‬

‫إن مفهوم الحماية الاجتماعية‪ ،‬يشا ا ا اامل مجموعة من التدابير الحمائية التي تؤهل الفرد للحصا ا ا ااول على‬
‫احتياجاته ألاساااسااية من املأكل‪ ،‬واملسااكن‪ ،‬وامللبس‪ ،‬والعالج‪ ،‬خاصااة في اليروف التي يواجه فيها كوارث‬
‫طبيعية أو أزمات اقتص ا ا ااادية‪ ،‬وض ا ا اامان الحد ألادنى من مس ا ا ااتوى املعيش ا ا ااة‪ .‬وهذه التدابير الاقتص ا ا ااادية‬
‫والاجتماااعيااة هي التي تس ا ا ا اااهم في خلق ألامااان الاجتماااعي أو الاقتص ا ا ا ااادي للناااس الااذي ينبطوي على بعااد‬
‫نفس ا ا ا ا ي إلى جانب البعد املادي‪ ،‬وأكثر الفئات الاجتماعية حاجة لألمن الاقتصا ا ا ااادي هم اليتامى وألارامل‬
‫والعجزة‪ ،‬وذوي الاحتيااجات الخاص ا ا ا ااة‪ ،‬والش ا ا ا اايوخ‪ ،‬وألاطفال‪ ،‬وألاي ا ا ا ااخاص الذين يعانون الفقر املدقع‬
‫والعاطلون عن العمل بسبب من ألاسباب الخارجة عن إرادتهم‪.4‬‬

‫‪ - 1‬ترأس العاهل املغربي بالقصر امللكي بفاس بتاريخ ‪ 05‬أبريل ‪ ،8780‬حفل إطالق مشروع " تعميم الحماية الاجتماعية «وتوقيع اتفاقيات‬
‫تتعلق به‪ ،‬وذلك بحضور رئيس الحكومة وبعض مستشاريه وعدد من الوزراء ومسؤولين نقابيين‪.‬‬
‫‪ - 2‬خبطاب امللك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العر ‪ ،‬بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪.8707‬‬
‫‪ - 3‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪" ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب‪ :‬واقع الحال‪ ،‬الحصيلة سبل تعزيز أنيمة الضمان الاجتماعي‬
‫واملساعدة الاجتماعية" تقرير‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ ،8702/35‬ص‪.00 :‬‬
‫‪ - 4‬صالح هاشم‪ ،‬الحماية الاجتماعية للفقراء‪ :‬قراءة في معنى الحياة لدى املهمشين‪ ،‬مؤسسة فريدريش ايبرت‪ ،‬مكتب مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دجنبر‬
‫‪ ،8705‬ص‪.02 :‬‬

‫‪171‬‬
‫وإذا كانت الحماية الاجتماعية حق من حقوق إلانس ااان وعنص اار الزم لحفظ كرامته‪ ،‬فإنها تس اااهم أيض ااا‬
‫في تحقيق أهداف عديدة ومتنوعة‪ ،‬وتش ا ا ااكل وس ا ا اايلة مهمة ض ا ا ااد املصاطر وتعمل على ص ا ا ااون التماس ا ا ااك‬
‫الاجتماعي‪ .‬وقد اهتمت منيمة ألامم املتحدة وعدد من املنيمات املتصصا اص ااة التابعة لها بهذا املوض ااوع‬
‫منذ عقود من الزمن‪ ،‬فعلى س ا اابيل املثال اعتمدت منيمة العمل الدولية بين س ا اانتي ‪ 0707‬و‪30 ،8708‬‬
‫اتفاقية و ‪ 85‬توصية لها عالقة بالحماية الاجتماعية‪ ،‬وتشكل الاتفاقية رقم ‪ 078‬املتعلقة باملعايير الدنيا‬
‫للضاامان الاجتماعي لس اانة ‪ 0748‬والتوص ااية رقم ‪ 878‬التي اعتمدت س اانة ‪ 8708‬بش ااأن أرض اايات الحماية‬
‫الاجتماعية مرجعتين أس ا ا ا اااس ا ا ا اايتين في هذا املجال‪ .‬كما أن خبطة ألامم املتحدة للتنمية املس ا ا ا ااتدامة لعام‬
‫‪ 8737‬التي وضع لها ‪ 00‬هدفا تهدف كلها لتكريس الحماية الاجتماعية أوتعزيزها‪.‬‬

‫وإذا ك ااان هن اااك إجم اااع من ااذ منتص ا ا ا ااف القرن العش ا ا ا اارين حول اعتب ااار الحم اااي ااة الاجتم اااعي ااة حق ااا تقع‬
‫مساؤوليته على الدول‪ ،‬فإن النقا ال يزال مساتمرا في عدد من البلدان حول كثير من ألاسئلة من قبيل‬
‫طبيعة الخدمات التي ينبغي تقديمها‪ ،‬والفئات التي يمكن اس ا ا ااتهدافها‪ ،‬ومص ا ا ااادر التمويل ونوعية النيام‬
‫املالئم لهذا املشروع‪ .1‬كما برز نقا خالل السنوات ألاخيرة حول إمكانية إحداث دخل أساس ي شامل‪،‬‬
‫وفي هذا إلاطار ناقش مجلس حقوق إلانسا ااان التابع لألمم املتحدة في دورته الخامسا ااة والثالثين في يونيو‬
‫س ا ا اانة ‪ 8700‬س ا ا اابل توفير الحماية الاجتماعية القائمة على الدخل ألاس ا ا اااس ا ا ا ي الش ا ا ااامل بموجب القانون‬
‫الدولي لحقوق إلانسان‪.‬‬

‫وفي املغرب‪ ،‬بدأ الاهتمام بهذا املوضوع بشكل مبكر‪ ،‬إذ عملت الدولة مباشرة بعد الاستقالل على خلق‬
‫مجموعة من املؤس ا اس ا ااات كلفت بالس ا ااهر على توفير الض ا اامان الاجتماعي والتغبطية الص ا ااحية‪ ،‬باملوازاة مع‬
‫قيام الدولة بإقرار وتنفيذ مجموعة من البرامج والسا ااياسا ااات تهم تقديم الدعم للفئات املعوزة‪ ،‬كإنشا اااء‬
‫ص ا ا ا انادوق املقاص ا ا ا ااة وتقديم املنح الدراس ا ا ا ااية ألبناء الفقراء املهمش ا ا ا ااين وغيرها‪ ،‬كما عملت الدولة خالل‬
‫الس ا ا ا اانوات ألاخيرة على إطالق ع اادة برامج تروم توفير الحم اااي ااة الاجتم اااعي ااة ك اااملب ااادرة الوطني ااة للتنمي ااة‬
‫البش اارية‪ ،‬ومبادرة مليون محفية لتش ااجيع أبناء الفقراء على الدراس ااة‪ ،‬ودعم النسا ااء ألارامل وغيرها من‬
‫السياسات والبرامج الهادفة إلى توفير الحماية الاجتماعية‪.‬‬

‫غير أن الس ا ا ا اياااسا ا ا ا ااات الاجتماااعيااة ببالدنااا خالل العقود ألاخيرة تميزت بااالبطااابع التجزيني واليرفي بفعاال‬
‫مجموعااة من ألاس ا ا ا اباااب من بينهااا عاادم اتباااع اس ا ا ا ااتراتيجيااة متكاااملااة بصص ا ا ا ااوص التاادابير املتصااذة في إطااار‬
‫الحماية الاجتماعية‪ ،‬ساواء تعلق ألامر بتحساين مؤشارات هذه ألاخيرة أو بمساتوى الاستهداف‪ ،‬ألامر الذي‬
‫أدى إلى تراكم الخص ا اااص والهش ا اااش ا ااة لدى فئات واس ا ااعة من الس ا ااكان‪ ،‬وقد زادت جائحة "كورونا" من‬
‫حدة هذه الهشاشة‪.‬‬

‫‪ - 1‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬رأي حول "الحماية الاجتماعية باملغرب‪ :‬واقع الحال و سبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ " ،8702/35‬ص‪.00 :‬‬

‫‪172‬‬
‫إن ماا يميز الحمااياة الاجتمااعياة هو اتس ا ا ا ااامهاا باالبطاابع الش ا ا ا اامولي واملتكامل‪ ،‬فهي ال تقتص ا ا ا اار على تقنيات‬
‫التأمين الاجتماعي‪ ،‬وقد أثبتت جائحة "كورونا" أهميتها خاصااة على املسااتوى الصااحي حين بدا أن ألافراد‬
‫ال يمكن لهم مقاومة آثار هذه الجائحة خاصاة الاجتماعية والصحية منها بمعزل عن وجود نيام متكامل‬
‫للحماية الاجتماعية‪ ،‬وكلما كان هذا ألاخير ض ااعيفا كلما زادت معاناة املواطنين‪ .‬وفي الوقت الراهن املتميز‬
‫بهيمنة الصا ا اراعات الجيوس ا ااياس ا ااية والتوترات الديبلوماس ا ااية على الس ا اااحة الدولية وما أحدثه ذلك من‬
‫تض ا ااخم على مس ا ااتوى الاقتص ا اااد العالمي وتأثيره على الواقع الاقتص ا ااادي والاجتماعي للدول القومية كما‬
‫هو الشااأن لبالدنا‪ ،‬تبرز أهمية الحماية الاجتماعية بشااكل أكبر‪ ،‬فاملواطن الذي يعاني من الارتفاع املهول‬
‫لألسااعار في املواد ألاساااسااية في حاجة ماسااة للدعم وإلاعانة من أجل مواجهة آثار ذلك التضااخم وتجاوز‬
‫هذه املرحلة الصعبة‪.‬‬

‫ومن ثم‪ ،‬فإن أهمية هذا املوضوع تكمن باألساس في تحقيق أهداف مشروع الحماية الاجتماعية خاصة‬
‫الحد من الفقر ومكافحة الهش ا اااش ا ااة وتجويد الخدمات الص ا ااحية وإدماج الاقتص ا اااد غير املهيكل وتحقيق‬
‫التنمية املس ا ا ا ااتدامة والعدالة الاجتماعية والتماس ا ا ا ااك الاجتماعي ‪ ....‬وغيرها‪ ،‬فالرهانات املنتيرة من هذا‬
‫املشروع البطموح كثيرة ومتنوعة تتبطلب مجهودات جبارة إلى جانب وجود إرادة سياسية ونفس طويل‪.‬‬

‫وانبطالقا من تلك ألاهمية تبرز إحدى إلاشااكاليات املرتببطة بهذا املوض ااوع تتمثل باألس اااس في تحديد أهم‬
‫الرهانات التي يسااعى مشااروع تعميم الحماية الاجتماعية إلى تحقيقها والتحديات التي يمكن أن تؤثر على‬
‫فعاااليااة هااذا البطموح املغربي املتميز‪ .‬وبتعبير آخر ماااهي الرهااانااات التي يتوخاااهااا مش ا ا ا ااروع تعميم الحمااايااة‬
‫الاجتماعية باملغرب؟ وما هي التحديات التي يمكن أن تعترض تحقيق البطموح املغربي في هذا املجال؟‬

‫وبناء على هذه إلاشكالية سنعمل على تناول هذه الدراسة وفق التصميم التالي‪:‬‬

‫‪ ‬املحور ألاول‪ :‬رهانات مشروع الحماية الاجتماعية باملغرب‬

‫‪ ‬املحور الثاني‪ :‬تحديات مشروع الحماية الاجتماعية باملغرب‬

‫املحور ألاول‪ :‬رهانات مشروع الحماية الاجتماعية باملغرب‬

‫يبدو من خالل خبطاب امللك في ‪ 87‬يوليوز ‪ 8702‬بصص ا ا ااوص مش ا ا ااروع تعميم الحماية الاجتماعية وعدد‬
‫من الخبطوات التش ا ااريعية والس ا ااياس ا ااات العمومية وما تالها من تص ا ااريحات ونقاش ا ااات من قبل الحكومة‬
‫والهيئاات املعنياة باالحمااياة الاجتمااعياة بااملغرب‪ ،‬أن الرهااناات املعلقاة على مش ا ا ا ااروع الحمااياة الاجتماعية‬
‫كثيرة ومتعددة‪ ،‬غير أننا سانكتفي في هذه الدراسااة بتناول ثالثة رهانات أساااسااية‪ ،‬بحيث ساانبدأ بدراسااة‬
‫رهاان التمااس ا ا ا ااك الاجتمااعي (املبطلاب ألاول)‪ ،‬ثم ننتقال إلى معاالجة أهمية العدالة الاجتماعية كرهان رام‬
‫إلى تحقيق مجموعة من ألاهداف السا ا ااياسا ا ااية والاقتصا ا ااادية والاجتماعية (املبطلب الثاني)‪ ،‬ونصتم بإبراز‬

‫‪173‬‬
‫دور التنمياة املس ا ا ا اتاداماة كرهاان آخر ملش ا ا ا ااروع الحمااياة الاجتمااعياة والدور الذي يلعبه في ترابط مع بايي‬
‫الرهانات املعنية بالحماية الاجتماعية (املبطلب الثالث)‪.‬‬

‫‪ .1‬رهان التماسك الاجتماعي‬

‫يقص ااد بالتماس ااك الاجتماعي قوة الروابط الاجتماعية والحضا ااارية بين ألافراد ومكونات املجتمع وإثنياته‬
‫والانسا ا ااجام بين وحداته الاجتماعية‪ ،‬فهو عامل أسا ا اااس ا ا ا ي لحماية املجتمع من الاضا ا اابطرابات الاجتماعية‬
‫ومياهر التفكك الثقافي والتمييز العنص ااري واملركزية الثقافية وإلاقص اااء‪ .‬ومن ثم‪ ،‬فإن وجود قيم ثقافة‬
‫في مجتمع ماا مقااوماة لإلقص ا ا ا اااء الاجتمااعي على س ا ا ا اابيال املثال‪ ،‬يعد مؤش ا ا ا ارا على التماس ا ا ا ااك الاجتماعي‪،‬‬
‫يساااهم في تعزيز الانتماء إلى الجماعة وينمي كثيرا من القيم املشااتركة‪ ،‬أهمها إلايمان باآلخر واحترام تميزه‬
‫الثقافي والاجتماعي في إطار فلساافة التعدد برعاية إلارادة السااياسااية إلى جانب وجود الحريات السااياسااية‬
‫والثقافية‪.1‬‬

‫ويرى مكتااب العماال الاادولي أنااه من الض ا ا ا ااروري أن يتوىى أي نيااام وطني متماااس ا ا ا ااك للحمااايااة الاجتماااعيااة‬
‫هاادفين وهمااا‪ :‬توس ا ا ا اايع الاس ا ا ا ااتهااداف لتوفير حااد أدني من الحمااايااة الاجتماااعيااة لجميع النس ا ا ا اااء والرجااال‬
‫وألاطفال‪ ،‬والثاني يتمثل في التعهد بتوفير مساتويات أعلى من ألامن ألكبر عدد ممكن من الساكان حسب‬
‫إمكانيات نمو الاقتصاد الوطني‪.2‬‬

‫فاملجتمع املتماسااك يعمل على تحقيق حياة أفض اال ألعضااائه ويكافح ض ااد ظاهرتي الاس ااتعباد والتهميش‪،‬‬
‫ويصلق الش ا ااعور باالنتماء‪ ،‬ويدعو إلى الثقة ويتيح لألعض ا اااء فرص ا ااا للحراك الاجتماعي‪ .‬فهو هدف قيم في‬
‫حاد ذاتاه‪ ،‬يتحقق عنااد وجود س ا ا ا اياااس ا ا ا ااات متعاااونااة عنااد وض ا ا ا ااع خبطط الض ا ا ا ارائاب‪ ،‬التوظيف‪ ،‬الحماايااة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬الخدمة املدنية‪ ،‬التعليم والهجرة‪ ،‬وذلك لتفاعل السا ااياسا ااات في املجاالت املتعددة وتأثيراتها‬
‫على املصرجات الاجتماعية‪.3‬‬

‫وفي هاذا الص ا ا ا اادد‪ ،‬عملات الادولاة املغربية منذ عقود على وض ا ا ا ااع برامج عدة ترتبط بالحماية الاجتماعية‬
‫بغرض تعزيز التماس ا ااك الاجتماعي‪ ،‬كبرنامج تقديم الدعم املباش ا اار للنس ا اااء ألارامل في وض ا ااعية هش ا اااش ا ااة‬
‫الحاض ا ا اانات ألطفالهن اليتامى‪ ،‬الذي تم وض ا ا ااعه س ا ا اانة ‪ ،8705‬حيث يتم منح ألارملة مبلغا ش ا ا ااهريا قدره‬

‫‪ - 1‬رشيد أمشنوك‪" ،‬الحماية الاجتماعية‪ :‬أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها"‪ ،‬ضمن كتاب جماعي‪ ،‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي‬
‫الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬تنسيق ابراهيم بلوح ويونس املجدوبي‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،‬دجنبر ‪،8788‬‬
‫ص‪.05 :‬‬
‫‪ - 2‬مكتب العمل الدولي‪" ،‬تبطوير أنيمة الحماية الاجتماعية املناسبة وحماية السكان في املنبطقة العربية"‪ ،‬ورقة عمل‪ ،‬املنتدى العربي‬
‫للتشغيل‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬أكتوبر ‪ ،8777‬ص‪ :‬ص‪.2-0 :‬‬
‫‪ - 3‬هدى مجاهد‪" ،‬التماسك الاجتماعي مفهوم مثير للجدل"‪ ،‬املجلة الاجتماعية القومية(مصر)‪ ،‬املجلد الرابع والخمسون‪ ،‬العدد ألاول‪،‬‬
‫يناير ‪ ،8705‬ص‪.41 :‬‬

‫‪174‬‬
‫‪ 347‬درهما عن كل طفل يتيم ال يتجاوز عمره ‪ 80‬س اانة‪ ،‬ش ااريبطة متابعته الدراس ااة أوالتكوين‪ .‬وص ااندوق‬
‫التكافل الذي يمنح في حالة غياب ألاب أو إعس اااره‪ ،‬تس اابيقا‪ ،‬برس اام املبل املحدد للنفقة لفائدة ال ا ا ا ا اامرأة‬
‫املعوزة املبطلقة وأطفالها‪ ،‬يسا ا ا اااوي املبل املصصا ا ا ااص في إطار برنامج الدعم املباشا ا ا اار لألرملة في وضا ا ا ااعية‬
‫هش ا اااش ا ااة على أال يتجاوز مبل ‪ 0747‬درهم لألس ا اارة الواحدة‪ .‬وبرنامج تيس ا ااير الذي يقوم على التحويالت‬
‫املالية املش ااروطة‪ ،‬املوجه لألس اار القاطنة بالجماعات ألاكثر فقرا‪ ،‬والذي يرمي إلى مكافحة الهدر املدرس ا ي‬
‫ملدة عشا ا اارة أش ا ا ااهر من السا ا اانة‪ ،‬يمنح للمس ا ا ااتفيدين من هذا البرنامج مبلغا ش ا ا ااهريا يتراوح بين ‪ 17‬و‪057‬‬
‫درهما حسا ا ا ااب املسا ا ا ااتويات الدراسا ا ا ااية شا ا ا ااريبطة مواظبة البطفل على متابعة الدروس وعدم التغيب عن‬
‫الدراس ا ا ااة أكثر من أربع مرات في الش ا ا ااهر‪ .‬وبرامج أخرى‪ ،‬كاملبادرة امللكية "مليون محفية" التي تسا ا ا ااتدف‬
‫مكاافحاة الهادر املادرس ا ا ا ا ي والتي تركز على العالم القروي الس ا ا ا اايما تالميذ الس ا ا ا االكين الابتدائي وإلاعدادي‪،‬‬
‫ناهيك عن تحسا ااين تمدرس ألاطفال في وضا ااعية إعاقة خاصا ااة في إطار اتفاقية ش ا اراكة مبرمة بين الدولة‬
‫والتعاون الدولي سنة ‪.18704‬‬

‫وفي الواقع‪ ،‬مكن اات برامج كثيرة في املغرب من إعبط اااء نت ااائج مهم ااة كبرن ااامج املب ااادرة الوطني ااة للتنميا ااة‬
‫البش ا ا ا ااريااة‪ ،‬ونيااام املسا ا ا ا اااع اادة البطبيااة‪ ،‬وبرامج تقليص الفوارق املاااليااة والاجتماااعيااة وخلق التضا ا ا ا ااامن‬
‫التعاضاادي‪ ،‬حيث تمكنت هذه البرامج من تقليص نساابة الفقر والهشاااشااة وتعزيز التماسااك الاجتماعي‪،2‬‬
‫لكنها لم تكن كافية وقادرة على الحد من املصاطر الاقتصا ا ااادية والاجتماعية والصا ا ااحية‪ ،‬خاصا ا ااة وسا ا ااط‬
‫الفئات ألاكثر هشاااشااة‪ ،‬الساايما التي ال تتوفر على أية حماية اجتماعية‪ .‬وقد برز ذلك بشااكل واضااح إبان‬
‫فترة تفشا ي جائحة "كورونا" مع بداية ساانة ‪ ،8787‬حيث خلف هذا الوباء أزمة اجتماعية وصااحية كبيرة‬
‫وطنيا ودوليا‪.3‬‬

‫غير أناه باالرغم من املجهودات املباذولاة من قبال الاادولاة املغربياة فيماا يصص تعزيز التمااس ا ا ا ااك الاجتماااعي‬
‫من خالل البرامج املصتلفااة الهاادفااة إلى خادمااة الرعاايااة الاجتماااعيااة‪ ،‬إال أن نتااائج ذلااك تبقى ناااقص ا ا ا ااة وفي‬
‫حاااجااة ملزيااد من إلاجراءات التي من ش ا ا ا ااأنهااا الريي بمس ا ا ا ااتوى الحمااايااة الاجتماااعيااة على وجااه يس ا ا ا ااتجيااب‬
‫ملتبطلبات أفراد املجتمع وفق ما تقتضا ا اايه املعايير الدولية املعنية بذلك‪ ،‬خاص ا ا ااة توجيهات منيمة العمل‬
‫الدولية بهذا الخصا ا ااوص‪ ،‬فاملغرب وعدد من دول شا ا اامال إفريقيا والشا ا اارق ألاوسا ا ااط ال تزال متأخرة من‬

‫‪ - 1‬محمد رحوتي‪ " :‬نيام الحامية الاجتماعية باملغرب"‪ ،‬مجلة استشراف للدراسات وألابحاث القانونية‪ ،‬العدد ‪ ،00‬ص‪ :‬ص‪.887-880 :‬‬
‫‪ - 2‬على سبيل املثال‪ ،‬ذكرت املندوبية السامية للتصبطيط أن الفقر النقدي باملغرب تقلص من نسبة ‪ 2.7‬باملائة سنة ‪ 8770‬إلى نسبة ‪5,2‬‬
‫باملائة سنة ‪ ، 8705‬وهي فترة فعل فيها برنامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬ملزيد من املعلومات يرجى الاطالع على هذه الوثيقة على‬
‫املوقع الرسمي ملنيمة "الاسكوا" على الرابط التالي‪ ،www.unescwa.org/files/u593/tjrb_lmgrb_fy_qys_kht_lfqr_lwtny.pdf :‬تاريخ‬
‫الزيارة ‪ 03‬ماي ‪.8783‬‬
‫‪ - 3‬الجراري أحمد‪" ،‬تعميم الحماية الاجتماعية باملغرب بين جهود بذل العناية وصعوبة تحقيق الغاية"‪ ،‬مجلة القانون الدستوري والعلوم‬
‫الادارية‪ ،‬العدد السابع عشر‪ ،‬املركز الديموقراطي العربي للدراسات الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية‪ ،‬املانيا‪/‬برلين‪ ،‬نونبر‪ ،8788 ،‬ص‪:‬‬
‫‪.054‬‬

‫‪175‬‬
‫حيث جودة برامج الحماية الاجتماعية‪ .‬ألامر الذي يؤثر بش ااكل أو بآخر على التماس ااك الاجتماعي كما يؤثر‬
‫على جوانب أخرى‪.‬‬

‫إن الواقع الراهن يتبطلب بذل مزيد من الجهود لتعزيز ما تم تنزيله وما سا ا ا اايتم تنفيذه على أرض الواقع‪،‬‬
‫وذلك باعتماد تش ااخيص كامل ملكامن الض ااعف في املجال الاجتماعي وس اان س ااياس ااات عمومية قادرة على‬
‫إيجااد حلول لعجز الض ا ا ا اماان الاجتماعي الذي لم يتم معالجته‪ ،‬إلى جانب العمل على تنمية روح املبادرة‬
‫الفرديااة لاادى كااافااة املواطنين الااذين أبااانوا عن قاادرات إبااداعيااة والااذين هم في حاااجااة إلى التحفيز املااادي‬
‫واملعنوي كي يجتهاادوا أكثر‪ ،‬ويعملوا على ترجمااة إبااداعاااتهم وابتكاااراتهم على أرض الواقع بااالش ا ا ا اكاال الااذي‬
‫يعود بالنفع على الفرد والدولة واملجتمع‪.1‬‬

‫وعلى غرار برنامج "فرص ا ا ااة" الذي تم اعتماده مؤخرا‪ ،‬من املهم أن تواص ا ا اال الدولة ومؤس ا ا اس ا ا اااتها املعنية‬
‫التفكير في برامج حكومية وس ا ا ا ااياس ا ا ا ااات عمومية أخرى أكثر جرأة وحماس ا ا ا ااة إليقاظ روح املبادرة الفردية‬
‫لدى حاملي املش اااريع الص ااغيرة واملتوس اابطة‪ ،‬وتش ااجيع الش ااباب على بلورة أفكار وتص ااورات إبداعية مهنية‬
‫وحرفية وخدماتية من شأنها بلوغ مستوى الريادة على املستوين الوطني والدولي‪.2‬‬

‫إن دور الحماية الاجتماعية في دعم التماس ااك الاجتماعي أض ااحى أكثر أهمية من أي وقت مضا ا ى‪ ،‬خاص ااة‬
‫مع ظاهرة الغالء املعيشا ي والتضااخم الذي تعرفه بالدنا‪ ،‬لذلك فإنه من املهم أن تتدخل الدولة عبر ساان‬
‫برامج واتصااذ إجراءات عااجلاة ترمي إلى الحاد من معاناة املواطنين‪ ،‬وذلك في أقص ا ا ا اار آلاجال املمكنة حتى‬
‫يمكن تفااادي إمكااانيااة تراجع مس ا ا ا ااتوى ألامن املجتمعي وتماااس ا ا ا اكااه‪ ،‬ومن ثم فقاادان الس ا ا ا االم الاجتماااعي‪.‬‬
‫فاسااتمرار الوضااع على حاله من شااأنه أن يزيد من نساابة املغاربة املصاانفين ضاامن الفئات ألاكثر هشاااشااة‬
‫وفقرا‪ ،‬ألامر الذي س ا اايزيد من ص ا ااعوبة توفير الحماية الاجتماعية في املس ا ااتقبل لهذا العدد املفترض فيهم‬
‫الحاجة إلى تدخل الدولة لحمايتهم اجتماعيا‪ ،‬فكلما زاد عدد الذين هم في حاجة ماس ا ا ا ااة لتدخل الدولة‬
‫كلما تبطلب ذلك ميزانية أكبر‪ ،‬وقد تعجز الدولة عن الاس ا ا ااتجابة لها في املس ا ا ااتقبل‪ ،‬لذلك فإن التص ا ا اادي‬
‫للخبطر املحدق في هذا الوقت ستكون تكلفته أقل على جميع املستويات بما في ذلك التماسك الاجتماعي‪.‬‬

‫‪ .0‬رهان العدالة الاجتماعية‬

‫يقترح أحااد الباااحثين تعريفااا للعاادالااة الاجتماااعيااة على النحو التااالي‪" :‬العاادالااة الاجتماااعيااة هي تلااك الحااالااة‬
‫التي ينتفي فيها اليلم والاس ااتغالل والقهر والحرمان من الثروة أو الس االبطة أو من كليهما‪ ،‬والتي يغيب فيها‬

‫‪ - 1‬ياسين الهومات‪" ،‬مبطمح الدولة الاجتماعية باملغرب وسط تنامي املبطالب الحقوقية"‪ ،‬مجلة قانونك‪ ،‬العدد ‪ ،03‬املوسم الثالث‪ ،‬يوليوز‪-‬‬
‫شتنبر ‪ ،8788‬ص‪.008 :‬‬
‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫الافاقار والاتاهاماياش وإلاقص ا ا ا ا ا اااء الاجاتام ا ااعاي‪ ،‬وتنع ا اادم في ا ااه الفروق غير املقبول ا ااة اجتم ا اااعي ا ااا بين ألافراد‬
‫والجماعيات وألاقاليم داخل الدولة‪.1‬‬

‫إن تحقيق العدالة الاجتماعية رهان أس اااسا ا ي تروم الحماية الاجتماعية تحقيقه على مصتلف ألاص ااعدة‪،‬‬
‫وذلك حتى يتمتع الفرد بكامل حقوقه‪ ،‬ويتحرر من أي مرجعية ثقافية وس ااياس ااية تقيد وجوده‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فاإن الحمااياة الاجتمااعياة التي يتمثال دورهاا ألاس ا ا ا اااس ا ا ا ا ي في حماية الوجود إلانس ا ا ا اااني في أبعاده املصتلفة‬
‫الفكريااة والثقااافيااة واملاااديااة إلى جااانااب تحقيق التوازن الااذاتي والجماااعي‪ ،‬في حاااجااة إلى مقاااربااة قااائمااة على‬
‫الديمقراطية التشاركية واتباع نموذج تنموي كفيل بتشييد متين ومستدام‪.2‬‬

‫وفي املغرب‪ ،‬تعبر الوثاائق الرس ا ا ا اامية والتش ا ا ا ااريعات على رغبة الدولة في املض ا ا ا ا ي قدما بمش ا ا ا ااروع الحماية‬
‫الاجتماعية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية بش ااكل أكثر وض ااوحا‪ ،‬حيث تناول الدس ااتور هذا املوض ااوع في‬
‫أكثر من مناساابة بدء من ديباجته‪ ،‬إذ أكد على ضاارورة توطيد وتقوية املؤساسااات الحديثة وفق مرتكزات‬
‫التعددية والحكامة الجيدة وإرس اااء دعائم مجتمع متض ااامن يتمتع فيه الجميع باألمن والحرية واملس اااواة‬
‫والكراماة وتكاافؤ الفرص والعاادالاة الاجتماااعياة ومقوماات العيش الكريم‪ .‬ولم يقف عنااد هااذا الحاد‪ ،‬باال‬
‫زاد وفصال في ضارورة تمتع املواطن املغربي بحقه في الحماية الاجتماعية والاقتصاادية من خالل الفصل‬
‫الثاني الثالثين‪ ،‬ودافع عن مشا ا ا اااركة الشا ا ا ااباب في التنمية الاقتصا ا ا ااادية والاجتماعية من خالل الفصا ا ا اال‬
‫الثالث والثالثين‪ ،‬وعن حق امللكية وتحقيق تنمية بش اارية من ش ااأنها تعزيز العدالة الاجتماعية من خالل‬
‫الفصا ا اال الخامس والثالثين مع تأكيده على عدم السا ا ااماح بتنازع املصا ا ااالح أو إلاخالل بالتنافس النزيه في‬
‫الفص ا ا ا اال الس ا ا ا ااادس و الثالثين مناه‪ ،‬بينماا جمع ثلاة من الحقوق الاقتص ا ا ا ااادياة والاجتمااعية في الفص ا ا ا اال‬
‫الواحاد والثالثين ومنهاا على الخص ا ا ا ااوص التاأكياد على الحق في الحمااياة الاجتمااعياة والتغبطياة الص ا ا ا ااحية‬
‫والعنااايااة البطبي اة والاادعم في الحص ا ا ا ااول على التش ا ا ا ااغياال وعاادد من الحقوق ألاخرى التي تاادخاال في مجااال‬
‫تحقيق العدالة الاجتماعية‪.‬‬

‫إن تحقيق العاادالااة الاجتماااعيااة باااملغرب يفرض على الاادولااة اتصاااذ مجموعااة من الخبطوات وإلاجراءات‪،‬‬
‫وتغيير بعض الس ااياس ااات والبرامج‪ .‬فعلى س اابل املثال‪ ،‬هناك حاجة ملكافحة الفس اااد والعمل على تحقيق‬
‫الش ا اافافية وتجاوز س ا ااياس ا ااات قديمة كانت تعتمد من الريع مبدأ في الاقتص ا اااد الوطني‪ ،‬فالفس ا اااد يكلف‬
‫الدولة واملجتمع ثمنا غاليا‪ .‬إذ أن غياب الش اافافية يؤدي إلى تفش ا ي الريع‪ ،‬بحيث تصس اار بالدنا نقبطة من‬

‫‪ - 1‬إبراهيم العيسوي‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها‪ ،‬البطبعة ألاولى‪ ،‬املركز العربي لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪-‬قبطر‪ ،‬أبريل ‪ ،8705‬ص‪ :‬ص‪.71-74 :‬‬
‫‪ - 2‬رشيد أمشنوك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.01 :‬‬

‫‪177‬‬
‫الناتج إلاجمالي الخام أي حوالي ‪ 277‬ألف منصاب شاغل بساابب الفسااد وتصساار حولي ‪ 8‬مليار دوالر‪ ،‬وهو‬
‫ما يساهم في بناء العديد من املؤسسات واملدارس ‪1.‬‬

‫وعلى مساتوى ساوق الشاغل‪ ،‬البد من مراجعة ظروف العمال واملستصدمين‪ ،‬خاصة في القبطاع الخاص‪،‬‬
‫ويأتي في مقدمة ما ينبغي مراجعته هو معدل ألاجور الذي يتقاضااه مساتصدمي القاع الخاص‪ ،‬إذ يالحظ‬
‫تذمر كبير بين صاافوف املغاربة النشاايبطين فيما يصص مسااتوى ألاجور التي يتقاضااونها كمقابل لخدماتهم‬
‫والتي غالبا ما تكون دون املستوى وفق ما تقتضيه املعايير الدولية خاصة وسط إلاناث‪.‬‬

‫وفي هذا الص اادد‪ ،‬تش ااير تقارير منيمة العمل الدولية بأن النمو في ألاجور كان أقل من النمو في إلانتاجية‬
‫في كل ‪ 0‬من ‪ 07‬دول متاح عنها بيانات ما بين ساانة ‪ 0772‬و‪ .8707‬وزادت إلانتاجية املتوساابطة في العمل‬
‫في الاقتصاااديات املتقدمة بما يزيد قليال عن ‪ 07‬في املائة‪ ،‬أي أكثر من ضااعف الزيادة في متوسااط ألاجور‬
‫خالل الفترة ما بين س ا اانتي ‪ 0777‬و‪ .8700‬وثمة نموذج مماثل في ‪ 01‬دولة ص ا اااعدة ونامية من أص ا اال ‪80‬‬
‫دولااة تااابعاات منيمااة العماال الاادوليااة أوض ا ا ا اااعهااا‪ .‬وبينمااا تراجع متوس ا ا ا ااط ألاجر الحقيقي في مجموعااة من‬
‫الدول بشمال إفريقيا والشرق ألاوسط بنسبة ‪ 4.1‬في املائة خالل الفترة ما بين سنتي ‪.2 8700- 8777‬‬

‫ومن املهم تبطوير إلامكانيات املحلية والاسااتفادة من ألانيمة ألاجنبية التي تعرف نجاحات كما هو الشااأن‬
‫بالنسا اابة للدول الاسا ااكندنافية على سا اابيل املثال‪ ،‬يسا ااعى نيام الرفاه الاجتماعي في الدول الاسا ااكندنافية‬
‫للتقليال من هاامش الفاارق بين طبقاات املجتمع عن طريق توزيع الادخال والوص ا ا ا ااول إلى درجة معنية من‬
‫العدالة الاجتماعية ويتم تحقيق ذلك من خالل ثالثة طرق و هي‪ :‬إعادة التوزيع العمودي القائم أس ا اااس‬
‫أنيمة الضرائب (من ألاغنياء إلى الفقراء)‪ ،‬وإعادة التوزيع ألافقي القائم على أساس دورة حياة إلانسان‬
‫( التقاااعااد‪ ،‬مصص ا ا ا اص ا ا ا ااات ألاطفااال‪ ،‬مصص ا ا ا اص ا ا ا ااات ألابوة ‪ ،)...‬ثم إعااادة التوزيع على أس ا ا ا اااس املصاااطر‬
‫(مصص اص ااات الض اامان الص ااحي وحوادث العمل و تعويض ااات الببطالة)‪ .‬مع انبطواء هذه ألاخيرة على درجة‬
‫معينااة من التوزيع العمودي‪ ،‬ألن مص اااطر املرض وحوادث الش ا ا ا اغاال والببط ااالااة تكون عااادة واس ا ا ا اعااة بين‬
‫ألاوساط الفقيرة من السكان‪ ،‬لكن توجه أي سياسة إلعادة التوزيع إلى الفئات املحتاجة‪.3‬‬

‫يمكن للدولة املغربية تحقيق رهان العدالة الاجتماعية إذا ما قامت باتباع س ااياس ااات فعالة فيما يصص‬
‫تعزيز الحمااايااة الاجتماااعيااة‪ ،‬فااالحااد من الفقر وتوفير الرعااايااة الص ا ا ا ااحيااة وتقااديم املسا ا ا ا اااعاادات الاادائمااة‬
‫للمعوزين من الفئات ألاكثر هش اااش ااة إلى جانب الدعم املدرس ا ي والتعويض عن الببطالة ‪...‬إلخ‪ ،‬يمكن أن‬

‫‪ - 1‬محمد رحوتي‪" ،‬البرنامج املندمج لدعم وتمويل املقاوالت في أفق النموذج التنموي الجديد"‪ ،‬مجلة الخزامى للدراسات القانونية‬
‫والاجتماعية‪ ،‬عدد مزدوج الرابع والخامس‪ ،8787 ،‬ص‪.828 :‬‬
‫‪ - 2‬ابراهيم العيسوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ، ،‬ص‪.20 :‬‬
‫‪ - 3‬هادي حسن‪" ،‬النموذج الاجتماعي الديموقراطي‪ :‬دراسة مقارنة بين السويد و النرويج والدنمارك وفلندا"‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬أحمد‬
‫السيد النجار و آخرون‪ ،‬دولة الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نيمها مركز دراسات الوحدة العربية بالتعاون‬
‫مع املعهد السويدي باإلسكندرية‪ ،‬البطبعة الاولى‪ ،‬بيروت‪ ،‬شتنبر ‪ ،8771‬ص‪.852 :‬‬

‫‪178‬‬
‫تحقق حادا أدنى من العاادالااة الاجتماااعيااة حس ا ا ا اب املعاايير الادوليااة املعنياة‪ ،‬حيااث أناه كلمااا كاااناات هنااالااك‬
‫حماية اجتماعية قوية‪ ،‬كلما تم الريي بمستوى العدالة الاجتماعية‪ ،‬فهما في عالقة اطراد دائم‪.‬‬

‫‪ .2‬رهان التنمية املستدامة‬

‫من بين الرهااانااات ألاخرى التي تهاادف إليهااا الحمااايااة الاجتماااعيااة هي التفكير التنموي املس ا ا ا اتاادام‪ ،‬بحيااث‬
‫تس ا ا ا ااتفياد ألاجياال الحاااض ا ا ا اارة من الخيرات املتااحااة والزياادة منهااا‪ ،‬دون أن يتعادى ذلاك املس ا ا ا اااس بحقوق‬
‫ألاجيال املقبلة لكي ال يصتل التوازن إلايكولوجي والاجتماعي والاقتصاادي‪ ،‬فالتنمية املستدامة تقوم على‬
‫ثالث ركااائز وهي‪ :‬الركيزة الاجتماااعياة‪ ،‬والركيزة الاقتص ا ا ا اااديااة والركيزة البيئيااة‪ ،‬بحيااث ينتير منهااا أن تحرر‬
‫إلانسا ا ااان من الحاجة والفقر والعوز‪ ،‬وتوفر له مصا ا اادر عيشا ا ااه وعمال يسا ا ااعده ويريحه‪ ،‬إلى جانب حماية‬
‫البيئة والحفاظ على توازنها‪.1‬‬

‫فاالحمااياة الاجتمااعياة تس ا ا ا اااهم ببطريقاة فعاالة في تحقيق التنمية املس ا ا ا ااتدامة‪ ،‬في مقابل ذلك تلعب هذه‬
‫ألاخيرة دورا مهماا في الريي بمس ا ا ا ااتوى الحمااياة الاجتمااعياة‪ .‬فاالعالقاة بينهماا عالقاة تاأثير وتاأثر بحياث كلمااا‬
‫كانت هناك حماية اجتماعية قوية إال وساهمت بفعالية كبيرة في املض ي قدما في تحقيق أهداف التنمية‬
‫املستدامة‪.‬‬

‫إن أهمية الحماية الاجتماعية ودورها املهم في تحقيق التنمية املستدامة دفع باألمين العام ملنيمة ألامم‬
‫املتحدة إلى إدراجها في التقرير التجميعي املقدم بشا ااأن خبطة التنمية ملا بعد سا اانة ‪ 8704‬ضا اامن الثغرات‬
‫الرئيس ا ااية في التنمية املس ا ااتدامة التي لم تركز عليها ألاهداف إلانمائية لأللفية‪ ،‬والدول ألاعض ا اااء مبطالبة‬
‫بالعمل على س ا اادها‪ .‬وقد دعا التقرير ص ا اراحة إلى وض ا ااع حد أدنى للحماية الاجتماعية كأس ا اااس ال محيد‬
‫عنه في معالجة إلاقصاء‪.2‬‬

‫تعتبر منيمة العمل الدولية أن الحماية الاجتماعية ش ا ا اارط مس ا ا اابق من أجل تنمية مس ا ا ااتدامة ومواجهة‬
‫آلاثااار الناااجمااة عن العوملااة‪ ،‬خاااص ا ا ا ااة في س ا ا ا اياااق ارتفاااع مس ا ا ا ااتويااات الفقر وانعاادام املس ا ا ا اااواة والتهميش‬
‫الاجتماعي في العديد من البلدان‪ ،‬العائد إلى تصا اااعد معدالت الببطالة سا ااواء بشا ااكل كلي أو جزئي وزيادة‬
‫مروناة أس ا ا ا ااواق العمل وإلغاء الض ا ا ا ااوابط فيها‪ .‬وقد أثبتت التجارب في عدد من الدول فعالية التحويالت‬
‫الاجتماعية والوصول الفعال إلى الرعاية الصحية كشكل من أشكال تصحيح الوضع‪.3‬‬

‫‪ - 1‬رشيد أمشنوك‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ :‬ص‪.02-00 :‬‬


‫‪ - 2‬اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)‪ " ،‬الحماية الاجتماعية أداة للعدالة"‪ ،‬نشرة التنمية الاجتماعية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪.3‬‬
‫‪ - 3‬منيمة العمل الدولية‪ ،‬بناء مستقبل الحماية الاجتماعية من أجل عالم عمل متمحور حول إلانسان‪ ،‬التقرير الخامس‪ ،‬الدورة ‪،077‬‬
‫‪ ،8780‬ص‪.04 :‬‬

‫‪179‬‬
‫وفي املغرب‪ ،‬كان للتنمية املساتدامة حيزا واسااعا ضامن مشااروع تعميم الحماية الاجتماعية‪ ،‬وبرز ذلك في‬
‫كثير من البرامج وألاورا وتكرس ا ا ا اات في القااانون إلاطااار رقم ‪ 80.77‬املتعلق بااالحمااايااة الاجتماااعيااة‪ ،‬حيااث‬
‫أكد هذا ألاخير على ضا اارورة العمل من أجل غايات أسا اااسا ااية‪ ،‬وهي الحماية من مصاطر املرض‪ ،‬واملصاطر‬
‫املرتببطاة باالبطفولاة واملصااطر املتعلقاة بالش ا ا ا اايصوخة ومصاطر فقدان الش ا ا ا ااغل ‪ .1‬هذه الغيات الكبرى التي‬
‫يس ا ا ا ااتهدفها مش ا ا ا ااروع الحماية الاجتماعية باملغرب تراهن على بلوغ التنمية املس ا ا ا ااتدامة إلى جانب رهانات‬
‫أخرى‪ ،‬فالصا ا ااحة الجيدة تعني مجتمع صا ا ااحي قادر على العمل والنشا ا اااط‪ ،‬وهو اسا ا ااتثمار اسا ا ااتراتيجي من‬
‫شااأنه أن يؤثر بإيجابية على التنمية املسااتدامة‪ ،‬كما أن حماية ألاطفال ودعمهم ملواصاالة تعليمهم ينتير‬
‫منه نتائج مهمة في مجال التعليم في بالدنا كما وكيفا‪ ،‬وهو ما س ا ا اايؤثر على تحس ا ا ااين املس ا ا ااتوى املعيشا ا ا ا ي‬
‫للمجتمع ككاال ويحاد من الفقر ويش ا ا ا ااجع على تبني ثقااافااة اس ا ا ا ااتهالكيااة وإنتاااجيااة تحترم ش ا ا ا ااروط التنميااة‬
‫املس ا ااتدامة‪ .‬كما أن املصاطر املتعلقة بالش ا اايصوخة خبطوة مهمة من ش ا ااأنها أن تحمي عددا كبيرا من كبار‬
‫الس ا اان الذين لم تعد لهم القدرة على العمل‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يكون املجتمع املغربي محص ا اانا ض ا ااد ظواهر كثيرة‬
‫من قبيل التسا ااول وتشا اارد الفئات الهشا ااة وغيرها من اليواهر التي تنتج عن التهميش والحاجة‪ ،‬فتحفظ‬
‫بذلك كرامة هؤالء من جهة‪ ،‬وتصلق أجواء نفس ااية واجتماعية تس ااود فيها البطمأنينة من جهة ثانية‪ .‬وكل‬
‫هذه ألاهداف تضمنتها خبطة التنمية املستدامة التي وضعتها منيمة ألامم املتحدة لعام ‪.28737‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬يس ا ا ا ااعى مش ا ا ا ااروع تعميم الحماية الاجتماعية كذلك إلى دعم العالم القروي وتش ا ا ا ااجيع‬
‫الفالحين على مواصا ا ا االة إلانتاج بشا ا ا ااكل أكثر انسا ا ا ااجاما مع أهداف التنمية املسا ا ا ااتدامة‪ ،‬ألامر الذي يعزز‬
‫الاقتصا اااد ألاخضا اار‪ .‬وهو ما دعا إليه تقرير النموذج التنموي‪ ،‬فتوفر الحماية الاجتماعية لسا ااكان العالم‬
‫القروي من خالل تقا ااديم خا اادما ااات ص ا ا ا ااحيا ااة ذات جودة‪ ،‬وتحفيز الفالحين من أجا اال إلانتا اااج الزراعي‬
‫املس ا ا ا اتادام مع ض ا ا ا اارورة إنش ا ا ا اااء الحاد ألادنى من البنياة التحتية إلى جانب تقديم التكوين والتوجيه‪ ،‬من‬
‫شااأنه أن يؤثر بشااكل إيجابي ويوجه الفالحين على تنفيذ مصبطبطات إنتاج زراعي وفالحي مسااتدامين‪ .‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬س ا ا ا اايكون من املهم أن تعمال الادولاة على تبطوير برامج الحمااية الاجتماعية وتبذل مزيدا من الجهود‪،‬‬
‫وتقاادم مزياادا من التحفيزات في هااذا إلاطااار حتى تس ا ا ا اااعااد أكثر على تنويع وتعزيز إنتاااج فالحي مس ا ا ا اتاادام‬
‫انسجاما مع أهداف استراتيجية "الجيل ألاخضر‪.3" 8737-8787‬‬

‫‪ - 1‬املادة الثانية من القانون إلاطار رقم ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪.‬‬


‫‪ - 2‬من بين ألاهداف التي تتضمنها خبطة التنمية املستدامة لعام ‪ 8737‬هي القضاء على الفقر‪ ،‬والقضاء على الجوع وتحقيق ألامن الغذائي‪،‬‬
‫ضمان حياة صحية وتعزيز الرفاهية‪ ،‬ضمان جودة التعليم وضمان استدامة املياه والصرف الصحي‪ ،...‬ملزيد من املعلومات حول هذه‬
‫ألاهداف يرجى زيارة موقه منيمة "الايسكوا" على الرابط التالي‪ ،https://www.unescw :‬تاريخ الزيارة ‪ 07‬ماي ‪.8783‬‬
‫‪ - 3‬من بين ما تسعى إليه استراتيجية "الجيل ألاخضر ‪ "8737-8787‬هو بناء طبقة متوسبطة قروية وتحسين دخل الفالح وإرساء حماية‬
‫اجتماعية خاصة لهذا ألاخير‪ ،‬ملزيد من املعلومات حول هذه الاستراتيجية‪ ،‬يرجى الاطالع على املوقع الرسمي لوزارة الفالحة والصيد البحري‬
‫و التنمية القروية واملياه والغابات‪ ،‬على الرابط التالي‪https://www.agriculture.gov.ma/ar/ministere/generation-green-2020- :‬‬
‫‪ ،2030/priorite-a-l-element-humain‬تاريخ الزيارة ‪ 08‬ماي ‪.8783‬‬

‫‪180‬‬
‫ومن املهم إلاشا ا ا ا ااارة إلى أن الاادولااة املغربي ااة قاااماات بمجهودات كبيرة فيمااا يصص العماال على تحقيق‬
‫التنميااة املس ا ا ا اتاادامااة وتعزيز الحمااايااة الاجتماااعيااة‪ ،‬وراهناات على هااذه ألاخيرة كوس ا ا ا اايلااة لتحقيق أهااداف‬
‫ألالفي ااة‪ ،‬غير أن النت ااائج املحقق ااة على أرض الواقع ال تواك ااب طموح ااات البالد‪ .‬ولع اال أح ااد ألاس ا ا ا اب اااب‬
‫الرئيسااية في ذلك تعزى إلى فشاال النموذج التنموي املعترف به ص اراحة من أعلى ساالبطة في البالد‪ .1‬ومن‬
‫ثم‪ ،‬فإن املغرب في حاجة إلى نموذج تنموي ينصرط فيه الكل‪ ،‬وتكون عوائده شاملة للجميع في إطار نوع‬
‫من التوازن في توزيع املوارد والتضامن وتعزيز حس الانتماء‪ ،‬يكون املواطن هو محوره ألاساس ي‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬تحديات مشروع الحماية الاجتماعية باملغرب‬

‫إن تااأكيااد امللااك على ض ا ا ا اارورة تعميم الحمااايااة الاجتماااعيااة باااملغرب والحماااس الااذي عبرت عنااه الحكومااة‬
‫بش ا ا ا ااأن ذلاك أمر يس ا ا ا ااتحق التنوياه‪ ،‬فاالتعبير على مثال هاذا البطموح يبعث بإش ا ا ا ااارات إيجابية في مصتلف‬
‫الاتجاهات‪ ،‬إذ س ا اايعود هذا املش ا ااروع الكبير بالنفع على مصتلف ألاطراف باملجتمع‪ ،‬غير أن هذا البطموح‬
‫من شأنه أن يصبطدم بواقع يكبح من سرعة إنجازه وقد يحد من بلوغ نتائجه املسبطرة‪ .‬بحيث يمكن أن‬
‫تحد عوامل س ا ااياس ا ااية وعملية من كس ا ااب الرهانات (املبطلب ألاول)‪ ،‬كما أن املوارد املالية يمكن أن تؤثر‬
‫على مسار ومصير هذه الرهانات أيضا (املبطلب الثاني)‪.‬‬

‫‪ .1‬تحديات سياسية وعملية‬

‫من التحااديااات التي تقف كعااائق في طريق تعميم الحمااايااة الاجتماااعيااة في املغرب ودول ش ا ا ا امااال إفريقيااا‬
‫والشا ا ا اارق ألاوس ا ا ا ااط بشا ا ا ااكل عام عدم تبطوير أنيمة وطنية متماس ا ا ا ااكة للضا ا ا اامان الاجتماعي راس ا ا ا ااخة في‬
‫الس ا ااياس ا ااات الاقتص ا ااادية والاجتماعية ألاوس ا ااع‪ ،‬إذ تقتض ا ا ي س ا ااياس ا ااة الحماية الاجتماعية وجود مقاربة‬
‫منس ا ا ا اقاة وش ا ا ا اااملاة تراعي درجاة تعقيااد وتاداخال الس ا ا ا ايااس ا ا ا ااات الاجتمااعياة‪ .‬ولكي يحقق نياام الض ا ا ا امااان‬
‫الاجتماعي فعالية أكثر يفض ا ا ا اال أن تتبع مقاربة تجمع بين مصتلف أنواع البرامج واملجموعات املس ا ا ا ااتهدفة‬
‫وأنماط تقديم إلاعانات ضا ا ا اامن إطار سا ا ا ااياس ا ا ا ا ي مشا ا ا ااترك مع الحرص على تعزيز التنسا ا ا اايق والتكامل بين‬
‫مصتلف عنااص ا ا ا اار نياام الض ا ا ا اامان الاجتماعي الوطني‪ ،‬وتتس ا ا ا اام هذه املقاربة باملرونة الكافية وتس ا ا ا ااتوعب‬
‫إلاعااناات املقادماة من الجهاات الخااص ا ا ا ااة تحاات مس ا ا ا ااؤولياة الادولاة‪ .‬فال تفرض املعاايير الادولياة للض ا ا ا امااان‬
‫الاجتماعي ضا اارورة تولي الدولة مسا ااؤولية توفير الضا اامان الاجتماعي‪ .‬ولكن في مقابل‪ ،‬تصا اار على أن يكون‬
‫للدولة دورا فعاال أقله تحديد إطار السا ا ااياسا ا ااة وإلاش ا ا اراف على خدمات الضا ا اامان الاجتماعي التي تقدمه‬
‫جهات أخرى‪.2‬‬

‫‪ - 1‬خبطاب امللك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العر ‪ ،‬بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪.8707‬‬
‫‪ - 2‬مكتب العمل الدولي‪ ،‬مرجع سابق‪ ، ،‬ص‪.0 :‬‬

‫‪181‬‬
‫ومن هاذا املنبطلق‪ ،‬ينبغي على الادولاة املغربياة نهج س ا ا ا ايااس ا ا ا ااات بديلة‪ ،‬واتصاذ قرارات أكثر جرأة لتحقيق‬
‫مش ا ا ا ااروع تعميم الحمااياة الاجتمااعياة تهادف إلى إعادة النير في منيومة الحماية الاجتماعية الحالية من‬
‫خالل تجديد هيكلة املؤس ا اسا ااات املعنية وتوحيد ما يمكن توحيده‪ ،‬ومن ثم التأسا اايس اللتقائية برامجها‬
‫وتوسيع قاعدة الفئات املستفيدة منها‪.‬‬

‫فااملغرب مبطاالاب بتوفير نياام منادمج ومتنااس ا ا ا ااق للحماية الاجتماعية يص ا ا ا اابو إلى إحقاق الحماية للفئات‬
‫الهش ااة وفق مبادئ العدل‪ ،‬والفعالية‪ ،‬وإلانص اااف والش اافافية‪ .‬ولتحقيق ذلك‪ ،‬ينبغي على بالدنا مراجعة‬
‫هذه املنيومة الحالية وتقييم مدة نجاعتها وفعاليتها وقدرتها على إحداث ألاثر املتوىى منها‪ ،‬خاصا ا ااة على‬
‫الش ا ا ا ارائح الاجتمااعياة التي تعاني الفقر والهش ا ا ا اااش ا ا ا ااة‪ ،‬حتى تتمكن من تثمين املكتس ا ا ا اابات والوقوف على‬
‫الاختالالت إلصالحها‪ ،‬وتوسيع نبطاق التغبطية والرفع من جودة حكامتها‪.1‬‬

‫فرغم كون مصتلف التش ااخيص ااات تؤكد على أن الس االبطات العمومية املعنية بالحماية الاجتماعية بذلت‬
‫خالل آلاونة ألاخيرة جهودا كبيرة من أجل مكافحة الهشا ا اااشا ا ااة الاقتصا ا ااادية والاجتماعية‪ ،‬حيث أرسا ا اات‬
‫بشكل تدريجي منيومة متنوعة للحماية الاجتماعية من املصاطر الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬إال أنها التزال‬
‫تفتقر إلى وجود رؤية ش ا اااملة وموحدة تتض ا اامن أهدافا وأولويات واض ا ااحة‪ ،‬وتوزيعا لألدوار واملس ا ااؤوليات‬
‫بين مصتلف املتدخلين‪ ،‬ألامر الذي يجعل نيام الحماية الاجتماعية يتميز بالتش ا ا ا ااتت املفرط‪ .‬فالعناص ا ا ا ار‬
‫املتعددة املكونة له‪ ،‬تم تص ا ااميمها وإرس ا ااائها عبر مراحل وفي ظروف خاص ا ااة لتوفير الاحتياجات الخاص ا ااة‬
‫لفئات معينة من السا ا اااكنة دون رؤية شا ا اااملة‪ ،‬ودون إلاملام بآثارها املتقاطعة‪ .‬ويؤدي تعدد املتدخلين في‬
‫هذا النيام وضاعف التنسايق فيما بينهم في بعض ألاحيان‪ ،‬إلى تداخل البرامج وارتفاع كلفتها مع صااعوبة‬
‫تحديد املسا ااؤوليات‪ .‬ناهيك عن اتسا ااام هذا املجال بغياب منيومة مندمجة للتتبع والتقييم‪ ،‬ألامر الذي‬
‫يؤدي إلى فقر املعلوماات حول النفقاات الحقيقياة في هاذا املجال واملس ا ا ا ااتفيدين فعليا وأثرها على ظروف‬
‫عيشهم ‪.2‬‬

‫كما أن إعداد الاس ااتراتيجيات ومش اااريع الاص ااالحات بص اافة معزولة دون مقاربة مندمجة وإدماجية‪ ،‬يؤثر‬
‫سا البا على تقاس اام الوس ااائل والجهود‪ ،‬ألامر الذي ينبطبق على القانون الاطار املتعلق بالحماية الاجتماعية‬
‫في بعدين أساسيين على ألاقل وهما ‪:.3‬‬

‫‪ -‬بعاد يرتبط بماادى اعتماااد املقااارباة إلادمااجيااة في بلورة القااانون إلاطااار‪ ،‬وبااالتاالي تكااثف الجهود‬
‫في تنزيله؛‬

‫‪ - 1‬محمد رحوتي‪ ،‬نيام الحماية الاجتماعية في املغرب في أفق التعميم"‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.832 :‬‬
‫‪ - 2‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ - 3‬عبد املنعم ألانصاري‪" ،‬قراءة في القانون إلاطار ‪ 80.77‬املتعلق بالحماية الاجتماعية"‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪ ،‬الحماية الاجتماعية والنموذج‬
‫التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ :‬ص‪.30-31 :‬‬

‫‪182‬‬
‫‪ -‬بعااد يتعلق بماادى اعتبااار مبااادئ وأهااداف وتاادابير القااانون إلاطااار املرتبط بااالحمااايااة الاجتماااعيااة‬
‫عنااد بلورة الاس ا ا ا ااتراتيجيااات واملصبطبطااات بااالرغم من املجهودات التي تقوم بهااا الاادولااة املغربيااة‬
‫بش ااأن توس اايع الاس ااتفادة من الحماية الاجتماعية خاص ااة املوجهة للبطبقات الاجتماعية ألاكثر‬
‫فقرا‪ ،‬إال أنها تساقط أحيانا في أخبطاء تتعلق بتحديد ألايااخاص ألاكثر حاجة لهذه الخدمات‪،‬‬
‫إذ يحادث في بعض ألاحياان أن يس ا ا ا ااتفيااد من هاذه الخادماات أفراد في غنى عنهاا مقاابال حرمااان‬
‫آخرين في املجتمع هم في حاجة ماسة إليها‪.‬‬

‫كما أن الحوار مع الفرقاء املعنيين ييل مسا ا ا ااألة ضا ا ا اارورية للدفع بهذه املنيومة نحو ألافضا ا ا اال عبر إقرار‬
‫سياسات تعتمد التوافق بين مصتلف وجهات النير حتى تتمكن الدولة من صياغة مشروعها على أسس‬
‫أكثر موضوعية وديموقراطية لكي يحقق أكبر نسبة من الشرعية في املجتمع‪.‬‬

‫من تحديات نيام الحماية الاجتماعية باملغرب أيضاا‪ ،‬عدم اساتكمال الدولة املغربية التوقيع واملصادقة‬
‫على بعض الاتفاقيات الدولية املتعلقة بذلك‪ ،‬إذ لم توقع بعد على معايير منيمة العمل الدولية بش ا ا ااأن‬
‫الحماية الاجتماعية في مجال التش ااغيل‪ ،‬الساايما الاتفاقية ‪ )0748( 078‬املتعلقة باملعايير الدنيا للض اامان‬
‫الاجتماعي التي تنص ضا اامن فروعها التسا ااعة على توفير إعانة للببطالة‪ ،‬والاتفاقية رقم ‪ 012‬سا اانة ‪0772‬‬
‫بش ااأن النهوض بالعمالة والحماية من الببطالة‪ .‬كما أن الس ااياس ااات العمومية ال تراعي ض اارورة الانس ااجام‬
‫مع توص ااية منيمة العمل الدولية رقم ‪ 10‬لس اانة ‪ 0755‬بش ااأن تأمين الدخل والتوص ااية رقم ‪ 001‬لس اانة‬
‫‪ 0722‬املتعلقة بالنهوض بالعمالة والحماية من الببطالة‪.1‬‬

‫إذن‪ ،‬يمكن القول إن ض اارورة مراجعة بعض الس ااياس ااات والبرامج في اتجاه وض ااع س ااياس ااية ش اامولية فيها‬
‫أقصا ى ما يمكن من الانسجام والالتقائية في البرامج‪ ،‬البد منها من أجل تجاوز تحديات مشروع الحماية‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وتحقيق رهاناتها خاصة ما يرتبط بالتنمية املستدامة‪.‬‬

‫‪ .0‬تحدي توفير املوارد املالية‬

‫إن التذرع بنقص املوارد املالية فيما يتعلق بتوفير الحد ألادنى من الحماية الاجتماعية‪ ،‬لم يعد مرفوضااا‬
‫فقط على املسا ا ا ااتوى الداخلي حيث أصا ا ا اابح املواطنون أكثر الحاحا على توفير الرعاية الاجتماعية‪ ،‬بل إن‬
‫مصرجات عدد من املواثيق والعهود الدولية تحث على ذلك وتدعو باستمرار إلى تنفيذ سياسة اجتماعية‬
‫تض اامن كرامة املواطنين بحس اان نية‪ .‬فعلى س اابيل املثال‪ ،‬ترى اللجنة الاقتص ااادية والاجتماعية والثقافية‬
‫الت ااابع ااة لألمم املتح اادة على أن ااه"‪ ...‬يقع على ع اااتق ك اال دول ااة من ال اادول ألاطراف ح اادا أدنى من الالتزام‬
‫ألاساااس ا ي بضاامان الوفاء‪ ،‬على أقل تقدير‪ ،‬باملسااتويات ألاساااس ااية الدنيا لكل حق من الحقوق‪ .‬ومن ثم‪،‬‬
‫فإن الدولة البطرف التي يحرم فيها أي عدد هام من ألافراد من املواد الغذائية ألاساااسااية‪ ،‬أو من الرعاية‬

‫‪ -1‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.04 :‬‬

‫‪183‬‬
‫الصاحية ألاولية ألاسااساية‪ ،‬أو من املأوى واملساكن ألاسااسيين‪ ،‬أو من أشكال التعليم ألاساسية‪ ،‬تعتبر‪،‬‬
‫باداهاة‪ ،‬متصلفاة عن الوفااء باالتزامااتهاا بمقتض ا ا ا ا ى العهاد‪ ،‬فاإذا قرئ العهاد على نحو ال يحادد هذا الالتزام‬
‫ألاساااسا ي ألادنى‪ ،‬يكون قد جرد إلى حد كبير من ساابب وجوده"‪ 1‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬انتبهت هذه اللجنة إلى‬
‫إقدام بعض الدول ألاطراف في الاتفاقية على بعض التراجعات عن الالتزامات التي تعتبر مكسبا بالنسبة‬
‫ملواطنيها لهذا نبهت إلى ذلك‪.‬‬

‫والتزال الس ااياس ااات املتبعة من قبل الدولة املغربية فيما يصص هذا املوض ااوع‪ ،‬لم تبل بعد الحد ألادنى‬
‫من املستويات املبطلوبة خاصة على مستوى التمويل‪ ،‬إذ أن إلانفاق في هذا املجال لم يبل املبطلوب بعد‪.‬‬
‫فاالحمااايااة الاجتمااعيااة ال ينبغي اعتبااارهاا نوعااا من التعااطف والكرم وإلاحس ا ا ا ااان‪ ،‬باال هي حق لكاال فرد في‬
‫املجتمع‪ ،‬ومن واجب الدولة إعماله وتجاوز املبرر القائم على اعتبار محدودية املوارد الاقتص ااادية عقبة‪،‬‬
‫باال يتعين عليهااا الانبطالق من ذلااك كمحفز إض ا ا ا ااافي لتبطوير الحمااايااة الاجتماااعيااة بوص ا ا ا اافهااا أداة لتقليص‬
‫املصاطر الاجتماعية‪ ،‬وعامال مس ا ا اااهما في تعزيز التماس ا ا ااك الاجتماعي‪ ،‬وآلية إلعادة توزيع املوارد‪ ،‬ورافعة‬
‫لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية‪.‬‬

‫إن تبرير عادم الالتزام الكاامال بتوفير ش ا ا ا ااروط تحقيق حمااياة اجتمااعياة جيدة بض ا ا ا ااعف إلامكانات املالية‬
‫ليس ص ا ا ا ااحيحاا دائماا‪ .‬فعلى س ا ا ا اابياال املثاال‪ ،‬وفقاا ملقااارناة قاامات بهااا منيماة العمال الاادولياة حول إمكاانيااة‬
‫تبطبيق أرض ا ا ا اياات الحمااياة الاجتمااعياة في البلادان ذات الادخل املنصفض أو املتوس ا ا ا ااط‪ ،‬تبين أنه بإمكان‬
‫املغرب من خالل اقتبطاع نسا اابة ‪ 8.5‬في املائة من ناتجه الداخلي الخام‪ ،‬توفير تعويضا ااات تصا اال إلى ‪077‬‬
‫في املااائااة من عتبااة الفقر لفااائاادة أطفااال ألاس ا ا ا اار املعوزة‪ ،‬و‪ 47‬في املااائااة من الحااد ألادنى لألجور لفااائاادة‬
‫ألايااخاص في وضااعية فقر البالغين ‪ 14‬ساانة فما فوق‪ ،‬وإعالة عن الببطالة بنساابة ‪ 07‬في املائة من الحد‬
‫ألادنى لألجور لفائدة ياخص واحد لكل أسرة في وضعية هشاشة ملدة ‪ 077‬يوم في السنة ‪ ،‬وإعانة تصل‬
‫إلى ‪ 077‬في املااائااة من عتبااة الفقر لفااائاادة جميع ألاي ا ا ا اخاااص ذوي إلاعاااقااات العميقااة‪ ،‬وتعويض ا ا ا ااا يعااادل‬
‫أربعة أش ا ااهر من نس ا اابة ‪ 077‬من الحد ألادنى لألجور لفائدة جميع أمهات ألاطفال حديثي الوالدة‪ .‬وهو ما‬
‫سيحقق للمغرب خمسة أهداف من ألاهداف السبعة عشر للتنمية املستدامة ‪.2‬‬

‫إن وضااع برنامج مصاامم التنييم لضاامان الحد ألادنى من الحماية الاجتماعية أقل تكلفة من غياب هذه‬
‫ألاخيرة‪ ،‬باالنير إلى تبعات الفقر والض ا ا ا ااعف‪ ،‬والانحالل الاجتماعي‪ ،‬وتدني مس ا ا ا ااتوى التحص ا ا ا اايل العلمي‪،‬‬
‫وفقادان ألاص ا ا ا ااول وآلاثاار ذات الص ا ا ا الاة في القادرات إلانتااجياة‪ ،‬بال يمكن لهاذه البرامج أن تغبطي تكاليفها‬

‫‪ - 1‬التعليق رقم ‪ ،3‬الفقرة ‪ 07‬للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة ملنيمة ألامم املتحدة‪.‬‬
‫‪ - 2‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ :‬ص‪.01-04 :‬‬

‫‪184‬‬
‫بنفس ا ا ا اهااا على املاادى البطوياال عن طريق تعزيز إنتاااجيااة القوة العاااملااة وقاادرة التكيف مع املجتمع‪ ،‬وزيااادة‬
‫إيرادات الضرائب التي تضيع في العادة نيرا لعدم كفاءة التحصيل ‪.1‬‬

‫وقد اقترحت منيمة العمل الدولية مجموعة من الخيارات لتمويل س ا ا ااياس ا ا ااات الحماية الاجتماعية منها‬
‫إعادة ترتيب اولويات النفقات العامة‪ ،‬وزيادة إلايرادات الض ا ااريبية‪ ،‬وتوس ا اايع نبطاق اش ا ااتراكات الض ا اامان‬
‫الاجتمااعي‪ ،‬والاقتراض أو إعاادة الاديون القاائماة‪ ،‬والحد من التدفقات املالية غير املش ا ا ا ااروعة‪ ،‬والاعتماد‬
‫على املس ا ا ا اااعاادة إلانمااائيااة الرس ا ا ا ااميااة والتحويالت املاااليااة‪ ،‬واس ا ا ا ااتصاادام الاحتياااطي املااالي واحتياااطي النقاد‬
‫الاجنبي في املصرف املركزي‪ ،‬واعتماد أطر أكثر مرونة في الاقتصاد الكلي‪.2‬‬

‫كما أن اسا ااتفادة الدولة املغربية من تجارب بعض الدول من شا ااأنه أن يؤثر بشا ااكل إيجابي على منيومة‬
‫الحماية الاجتماعية ببالدنا نحو ألافض ا ا اال‪ .‬فعلى س ا ا اابيل املثال‪ ،‬تبين التجارب من مصتلف انحاء العالم‪،‬‬
‫أن البلدان التي دمجت تدابير الحماية الاجتماعية ض اامن اس ااتراتيجيات التنمية الاجتماعية الاقتصا ااادية‬
‫ألاوس ا ا ا ااع نبطااقاا‪ ،‬هي التي نجحات في الحاد من الفقر وبنااء التمااس ا ا ا ااك الاجتماعي‪ ،‬بينما لم تحقق البلدان‬
‫التي اعتمدت التدخالت نفس الفعالية في هذا املجال‪.3‬‬

‫إن الاس ااتمرار في نفس النهج فيما يصص طرق تدبير املوارد املالية الخاص ااة بالحماية الاجتماعية ال يمكن‬
‫أن يحقق رهااانااات الاادولااة املغربيااة في ذلااك‪ .‬وبااالتااالي‪ ،‬فااإن البحااث عن التموياال يمثاال تحااديااا حقيقااا أمااام‬
‫الساياسااات الاجتماعية باملغرب‪ ،‬ألامر الذي يترتب على الدولة اتصاذ إجراءات وقرارات اسااتراتيجية تمكن‬
‫من استدامة تمويل هذا الور الكبير على وجه يضمن تحقيق الرهانات املنتيرة منه‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫يبدو من خالل ما ساابق‪ ،‬أن رهانات مشااروع الحماية الاجتماعية في املغرب كثيرة‪ ،‬إذ تهدف باألساااس إلى‬
‫تحقيق التماس ا ااك الاجتماعي وتعزيز الس ا االم الاجتماعي والاس ا ااتقرار الس ا ااياس ا ا ي‪ ،‬ألامر الذي يفس ا ااح املجال‬
‫لبروز مناخ جيد لألعمال وتنش ا ا اايط الاقتص ا ا اااد القومي بش ا ا ااكل أفض ا ا اال‪ ،‬كما تس ا ا ااعى إلى تحقيق العدالة‬
‫الاجتماااعيااة من خالل إعااادة النير في توزيع ثمااار النمو س ا ا ا ااواء بين ألافراد أو بين الجهااات‪ .‬فمسا ا ا ا اااهمااة‬
‫الحمااايااة الاجتماااعيااة في تحقيق العاادالااة الاجتماااعيااة مبني على ماادى توظيف س ا ا ا اياااس ا ا ا ااات اقتص ا ا ا اااديااة‬
‫واجتماعية فعالة تجاه املواطنين الساايما إزاء الفئات ألاكثر هشاااشااة في املجتمع وضاارورة اعتماد التوازن‬
‫في توزيع ثماار التنمياة‪ .‬كما أن التنمية املس ا ا ا ااتدامة رهان آخر من رهانات الحماية الاجتماعية في املغرب‪،‬‬

‫‪ - 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.03 :‬‬


‫‪ - 2‬اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا ( الاسكوا)‪ " ،‬الحماية الاجتماعية أداة للعدالة"‪ ،‬نشرة التنمية الاجتماعية‪ ،‬مرجع سابق‪،‬‬
‫ص‪ :‬ص‪.2-0 :‬‬
‫‪ - 3‬اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا)‪" ،‬الحماية الاجتماعية أداة للعدالة"‪ ،‬نشرة التنمية الاجتماعية‪ ،‬املجلد الخامس‪،‬‬
‫مرجع سابق‪ ،‬ص‪.1 :‬‬

‫‪185‬‬
‫إذ تس ااتوجب كل س ااياس ااة تنموية ض اارورة خض ااوع املنوال التنموي لس ااياس ااات واس ااتراتيجيات تقوده إلى‬
‫الحف اااظ على التوازن إلايكولوجي والاجتم اااعي ويض ا ا ا اامن حق ألاجي ااال املقبل ااة في ااه‪ .‬لكن ه ااذه الره ااان ااات‬
‫والبطموحااات املغربيااة يمكن أن تصا ا ا ا اادم ببعض التحااديااات كض ا ا ا ااعف الالتقااائيااة في البرامج ومحاادوديااة‬
‫الاس ا ا ا ااته ااداف ونقص التمويا اال وغيرها ااا‪ .‬وعلى العموم‪ ،‬ف ااإن تحقيق ره ااانا ااات مش ا ا ا ااروع تعميم الحم ااايا ااة‬
‫الاجتماعية باملغرب يقتض ي أن يدبر هذا امللف وفق مجموعة من الشروط أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬النير إلى الحماية الاجتماعية كاسااتثمار يساااهم في الاسااتقرار الاجتماعي والسااياس ا ي وليس كعبء‬
‫على الدولة‪ ،‬ومن ثم وجب إدخالها في قلب السياسات العمومية بشكل دائم؛‬

‫‪ ‬اعتماد س ا ااياس ا ااات وبرامج منس ا ااجمة للحماية الاجتماعية بحيث يس ا ااير نيام الحماية الاجتماعية‬
‫باملغرب أكثر حرفية وفعالية مستجيبا بذلك للحد ألادنى من املعايير الدولية املعنية بذلك؛‬

‫‪ ‬لتبطبيق أفض ا ا ا اال الس ا ا ا اياااس ا ا ا ااات في هااذا املجااال‪ ،‬البااد من الحرص على الاس ا ا ا ااتفااادة من التجااارب‬
‫النااجحاة دولياا واعتمااد نهج مصتلفاة بحاد أدنى من الحمااية الاجتماعية‪ ،‬من أجل التوص ا ا ا اال إلى‬
‫أكثر الخيارات فعالية في تقديم املستحقات حسب ظروف البالد؛‬

‫‪ ‬تصصا ا ا اايص نسا ا ا اابة من املداخيل في إطار امليزانية السا ا ا اانوية بشا ا ا ااكل رسا ا ا اامي للحماية الاجتماعية‬
‫باعتبارها واجبا على الدولة وتجاز التمويل القائم على مفاهيم الكرم واملساعدة الاجتماعية‪.‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫الكتب‬
‫‪ ‬إبراهيم العيسا ااوي‪ ،‬العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية مع اهتمام خاص بحالة مص ا اار وثورتها‪ ،‬البطبعة‬
‫ألاولى‪ ،‬املركز العربي لألبحاث ودراسة السياسات‪ ،‬الدوحة‪-‬قبطر‪ ،‬أبريل ‪.8705‬‬
‫‪ ‬صالح هاشم‪ ،‬الحماية الاجتماعية للفقراء‪ :‬قراءة في معنى الحياة لدى املهمشين‪ ،‬مؤسسة فريدريش ايبرت‪،‬‬
‫مكتب مصر‪ ،‬القاهرة‪ ،‬دجنبر ‪.8705‬‬
‫املقاالت‬
‫‪ ‬ألانصاري عبد املنعم‪" ،‬قراءة في القانون إلاطار ‪ 80.77‬املتعلق بالحماية الاجتماعية"‪ ،‬ضمن مؤلف جماعي‪،‬‬
‫الحمااياة الاجتمااعية والنموذج التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراس ا ا ا ااات نقدية مقارنة‪ ،‬تنس ا ا ا اايق ابراهيم بلوح‬
‫ويونس املجدوبي‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،‬دجنبر ‪.8788‬‬
‫‪ ‬الجراري أحمااد‪" ،‬تعميم الحمااايااة الاجتماااعيااة باااملغرب بين جهود بااذل العنااايااة وصا ا ا ااعوبااة تحقيق الغااايااة"‪،‬‬
‫مجلة القانون الدسا ا ااتوري والعلوم الادارية‪ ،‬العدد السا ا ااابع عشا ا اار‪ ،‬املركز الديموقراطي العربي للدراسا ا ااات‬
‫الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية‪ ،‬املانيا‪/‬برلين‪ ،‬نونبر ‪.8788‬‬
‫‪ ‬الهوماات يااسا ا ا ااين‪" ،‬مبطمح الاادولاة الاجتماااعياة بااملغرب وسا ا ا ااط تنااامي املبطااالااب الحقوقيااة"‪ ،‬مجلااة قااانونااك‪،‬‬
‫العدد ‪ ،03‬املوسم الثالث‪ ،‬يوليوز‪-‬شتنبر ‪.8788‬‬

‫‪186‬‬
‫أمش ا ا اانوك رش ا ا اايد‪" ،‬الحماية الاجتماعية‪ :‬أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها"‪ ،‬ض ا ا اامن كتاب جماعي‪ ،‬الحماية‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماااعيااة والنموذج التنموي الجااديااد‪ :‬مقاااربااات ودراس ا ا ا ا ااات نقااديااة مقااارنااة‪ ،‬تنس ا ا ا اايق ابراهيم بلوح ويونس‬
‫املجدوبي‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،‬دجنبر ‪.8788‬‬
‫حسا ا ا اان هادي‪" ،‬النموذج الاجتماعي الديموقراطي‪ :‬دراسا ا ا ااة مقارنة بين السا ا ا ااويد والنرويج والدنمارك وفلندا"‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫ض ا ا اامن مؤلف جماعي‪ ،‬أحمد الس ا ا اايد النجار وآخرون‪ ،‬دولة الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬بحوث ومناقش ا ا ااات الندوة‬
‫الفكرية التي نيمها مركز دراساات الوحدة العربية بالتعاون مع املعهد الساويدي باإلسكندرية‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬شتنبر ‪.8771‬‬
‫مجاهد هدى‪" ،‬التماسا ا ا ااك الاجتماعي مفهوم مثير للجدل"‪ ،‬املجلة الاجتماعية القومية(مصا ا ا اار)‪ ،‬املجلد الرابع‬ ‫‪‬‬
‫والخمسون‪ ،‬العدد ألاول‪ ،‬يناير ‪.8705‬‬
‫رحوتي محمد‪ " :‬نيام الحامية الاجتماعية باملغرب"‪ ،‬مجلة اس ااتش اراف للدراس ااات وألابحاث القانونية‪ ،‬العدد‬ ‫‪‬‬
‫‪.8780 ،00‬‬
‫رحوتي محمااد‪" ،‬البرنااامج املناادمج لاادعم وتموياال املقاااوالت في أفق النموذج التنموي الجااديااد"‪ ،‬مجلااة الخزامى‬ ‫‪‬‬
‫للدراسات القانونية والاجتماعية‪ ،‬عدد مزدوج الرابع والخامس‪.8787 ،‬‬
‫‪ -‬الوثائق والتقارير‬
‫أ) التقارير‬
‫الجمعية العامة ملنيمة الامم املتحدة‪ ،‬تعزيز حقوق إلانسا ااان وحمايتها‪ :‬مسا ااائل حقوق إلانسا ااان‪ ،‬بما في ذلك‬ ‫‪‬‬
‫النهج البديلة لتحس ااين التمتع الفعلي بحقوق إلانس ااان والحريات ألاس اااس ااية‪ ،‬تقرير الخبيرة املس ااتقلة املعنية‬
‫بحقوق إلانسان والفقر املدقع‪ ،‬الدورة الرابعة والستون‪ 00 ،‬غشت ‪.8777‬‬
‫منيمااة العماال الاادوليااة‪ ،‬بناااء مسا ا ا ااتقباال الحمااايااة الاجتماااعيااة من أجاال عااالم عماال متمحور حول إلانسا ا ا ا ااان‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫التقرير الخامس‪ ،‬الدورة ‪.8780 ،077‬‬
‫املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ " ،‬التقرير السنوي"‪.8700 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪" ،‬النموذج التنموي الجديد‪ :‬تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة‬ ‫‪‬‬
‫التقدم وتحقيق الرفاه للجميع"‪ ،‬التقرير العام‪ ،‬ابريل ‪.8780‬‬
‫ب) الوثائق‬
‫التعليق رقم ‪ ،3‬الفقرة ‪ 07‬للجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة ملنيمة ألامم املتحدة‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫اللجنة الاقتصا ااادية والاجتماعية لغربي آسا اايا (الاسا ااكوا)‪ " ،‬الحماية الاجتماعية أداة للعدالة"‪ ،‬نشا اارة التنمية‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعية‪ ،‬املجلد ‪ ،4‬العدد ‪.8‬‬
‫مكتب العمل الدولي‪" ،‬تبطوير أنيمة الحماية الاجتماعية املناسابة وحماية السكان في املنبطقة العربية"‪ ،‬ورقة‬ ‫‪‬‬
‫عمل‪ ،‬املنتدى العربي للتشغيل‪ ،‬بيروت‪-‬لبنان‪ ،‬أكتوبر ‪.8777‬‬
‫منيمااة العماال الاادوليااة‪" ،‬الحمااايااة الاجتماااعيااة في ظاال التغيرات في عااالم العماال‪ :‬نحو مسا ا ا ااتقباال تتوافر فيااه‬ ‫‪‬‬
‫الحمااايااة الاجتماااعيااة للجميع في الاادول العربيااة"‪ ،‬الاجتماااع العربي الثالثي حول مسا ا ا ااتقباال العماال‪ ،‬بيروت‪3 ،‬‬
‫ابريل‪.8700 ،‬‬
‫خبطاب امللك محمد السادس بمناسبة الذكرى العشرين لعيد العر ‪ ،‬بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪.8707‬‬ ‫‪‬‬
‫املجلس الاقتصا ا ا ا ااادي والاجتماااعي والبيني‪ ،‬رأي حول "الحمااايااة الاجتماااعيااة باااملغرب‪ :‬واقع الحااال‪ ،‬الحص ا ا ا اايلااة‬ ‫‪‬‬
‫وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪.8702/35‬‬

‫‪187‬‬
‫دور الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية في ظل النموذج التنموي‬

‫محمد أهيري‬
‫باحث في القانون‬
‫مقدمة‬

‫عرف املغرب منذ الاستقالل مسارا طويال من إلاصالحات استهدف جميع املجاالت خاصة ما يتعلق باملجال‬
‫الاجتماعي‪ ،‬هذا إلاصالح رافقه مجموعة من املتغيرات والتبطورات منها ما هو قانوني وتدبيري وسياس ي‬
‫واجتماعي‪ ،‬ومنها ما هو مؤسساتي‪ .‬وواكب هذا املسار تبطور في أدوار بعض الفاعلين آلاخرين خاصة‬
‫الجماعات الترابية التي تتمتع بمجموعة من الصالحيات في املجال الاجتماعي والتنموي معا‪ ،‬بحيث‬
‫أصبحت تتحمل إلى جانب الدولة مسؤولية الاستجابة النتيارات وحاجيات املواطن‪ .‬لقد تمكن املغرب‬
‫من تحقيق عدة مكتسبات باملجال الاجتماعي‪ ،‬وهو ما تشهد عليه سلسلة من ألاورا التنموية‬
‫والاجتماعية في ظل الدولة الديموقراطية الاجتماعية التضامنية هدفها جعل العنصر البشري ضمن‬
‫ألاولويات املرتببطة بمسار إلاصالح اخرها ور الحماية الاجتماعية‪.‬‬

‫لقد برزت مقومات الدولة الاجتماعية مع مجيء دستور ‪ ،8700‬واملنيومة القانونية والتدبيرية عامة من‬
‫خالل مبادئ التضامن والتكافل الاجتماعي والوحدة الترابية واملجتمعية للمغرب‪ ،‬ثم التنصيص على‬
‫الحكامة الجيدة ضمنها آلاليات وألاساليب التدبيرية الجديدة من أجل تحديد وتوضيح أهداف املشاريع‬
‫والبرامج التنموية وتحقيق الانسجام والفعالية والنجاعة الغائبة عن التدبير الترابي‪ ،‬وكذلك تقوية دور‬
‫بعض الفاعلين واملؤسسات املرتببطة بانتيارات وحاجيات املواطنين‪ ،‬إذ أن مرحلة التبطور الديمقراطي‬
‫والاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه املغرب ال ترتبط بالدولة فقط‪ ،‬بل يبطال أيضا الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وعزز النموذج التنموي من أهمية املجاالت الترابية في مواكبة مسلسل التنمية التي أطلقها املغرب‪،‬‬
‫فتجديد النموذج التنموي يتبطلب انصراط جميع الفاعلين بما فيهم الجماعات الترابية التي تبرز أهميتها‬
‫وقدرتها على تحقيق نمو مستدام وعادل يدعم الاستقرار والتمساك الاجتماعي‪ ،‬إضافة إلى املساهمة في‬
‫بناء اقتصاد متنوع وتنافس ي ودامج بشكل إيجابي ملصتلف الشرائح الاجتماعية‪ ،‬وذلك من أجل تعزيز‬
‫حقوق إلانسان في مصتلف تجلياتها بما يضمن العدالة الاجتماعية واملجالية‪ ،‬وتقوية الروابط بين جميع‬
‫الفاعلين واملجاالت الترابية والفئات الاجتماعية لبناء دولة قوية‪.‬‬

‫ُمنحت الجماعات الترابية أدوار وصالحيات من أجل تحقيق التنمية والنهوض باملجال الاجتماعي باعتبارها‬
‫فاعال أساسيا في تحقيق التنموية‪ ،‬خاصة في ظل تبطور وتحديث أدوارها وأدوات تدخلها للقيام بمشاريع‬
‫وبرامج اجتماعية تنموية‪ ،‬وذلك من خالل البرامج التنموية الترابية واملصبطبطات الاستراتيجية‪ ،‬واملساهمة‬

‫‪188‬‬
‫في تفعيل السياسات العمومية الترابية‪ ،‬بناء على احترام ألادوار واملسؤوليات وتفعيل مبادئ الحكامة‬
‫الجيدة‪.‬‬

‫وترتبط أهمية هذه الدراسة بأهمية الجماعات الترابية ودورها ألاساس ي في إنجاح الدولة الاجتماعية من‬
‫خالل صالحياتها في تنزيل وتفعيل السياسات العمومية الاجتماعية على املستوى الترابي‪ ،‬بل إن تلك‬
‫ألاهمية تعاظمت في السنوات ألاخيرة في املغرب نتيجة للمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫وتبطور وتزايد أدوار الدولة وتشعبها‪ ،‬ثم هدف التصفيف من مركزية القرار وتحمل املسؤوليات إلى جانب‬
‫الدولة في ظل بروز مفاهيم التدبير العمومي كالتدبير التشاركي والتعاقدي للتنمية املندمجة‪ ،‬وتبطور فكرة‬
‫حكامة تدبير الشأن العام الترابي‪ ،‬وكذا بروز املجال الترابي كنقبطة جذب ومصدر لألزمات والحلول‬
‫التنموية‪ ،‬وفي نفس الوقت كشريك للدولة في تحقيق التنمية املستدامة وتنزيل النموذج التنموي الجديد‪.‬‬

‫إن الحديث عن الجماعات الترابية كآلية تهدف إلى حل املشاكل الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬ووسيلة تسعى‬
‫من خاللها الدولة إلى فعالية ونجاعة تدبير السياسات العمومية الاجتماعية وكل التدخالت العمومية‬
‫على املستوى الترابي‪ ،‬يحيلنا إلى طرح إلاشكالية املحورية للموضوع‪ :‬ما هي وسائل وآليات مساهمة‬
‫الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية؟‬

‫وتتفرع عن هذه إلاشكالية مجموعة من ألاسئلة نورد بعضها كاآلتي‪:‬‬

‫‪ -‬ما هي آليات تدخل الجماعات الترابية في مجال التنمية الاجتماعية؟‬


‫‪ -‬هل تملك الجماعات الترابية القدرة والكفاءة الالزمة للمساهمة في بناء الدولة الاجتماعية؟‬

‫وللتأكد من صحة إلاشكالية والاسئلة املثارة سنستند في إلاجابة عنها على فرضيات تشكل صلب موضوع‬
‫الدراسة‪:‬‬

‫‪ -‬الفرضية ألاولى‪ :‬أن الجماعات الترابية لها من آلاليات وإلامكانيات ما يجعلها قادرة على‬
‫املساهمة في تحقيق هدف الدولة الاجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬الفرضية الثانية‪ :‬رغم الصالحيات والاختصاصات املمنوحة للجماعات الترابية إال أنها تواجه‬
‫صعوبات ومشاكل في املساهمة في بناء الدولة الاجتماعية‪.‬‬

‫وسنعتمد في مقاربتنا لهذه إلاشكالية وإلاحاطة باألسئلة املبطروحة والتحقق من الفرضيات املثارة‪ ،‬باعتبار‬
‫مسألة بناء الدولة الاجتماعية هي مسألة جد مركبة يتداخل فيها ما هو تدبيري واقتصادي وسياس ي‬
‫واجتماعي‪ ...‬على املناهج واملقتربات التالية‪:‬‬

‫‪189‬‬
‫‪ ‬املقترب القانوني لكونه املدخل الصحيح لفهم قواعد وطبيعة تدخل الجماعات الترابية من خالل‬
‫املبادئ وآلاليات التدبيرية الجديدة‪ ،‬وكل الفاعلين املتدخلين في التنمية الترابية‪ ،‬وكذا دوره في‬
‫إبراز أهمية كل هؤالء الفاعلين الاقتصادية والاجتماعية والسياسية‪...‬‬
‫‪ ‬املنهج الوظيفي لإلحاطة بدور الجماعات الترابية وكل املتدخلين على املستوى الترابي من خالل‬
‫التركيز على الوظائف والاختصاصات املنوطة بهم للمساهمة في بناء الدولة الاجتماعية‪.‬‬

‫وحتى نتمكن من إلاجابة وإلاحاطة بهذه الاشكالية ودراستها اعتمدنا على التقسيم آلاتي‪:‬‬

‫‪ ‬املحور ألاول‪ :‬إلاطار القانوني والتنييمي لتدخل الجماعات الترابية على املستوى الاجتماعي‬
‫‪ ‬املحور الثاني‪ :‬آليات الجماعات الترابية لتدبير التنمية وبناء الدولة الاجتماعية‬

‫املحور ألاول‪ :‬إلاطار القانوني والتنظيمي لتدخل الجماعات الترابية على املستوى الاجتماعي‬

‫ييهر دور الجماعات الترابية كفاعل ومتدخل في بناء الدولة الاجتماعية من جهة من خالل أهميتها‬
‫الدستورية في صياغة السياسات التنموية‪ ،‬ومن جهة أخرى من خالل حاجة الدولة إلى شريك في تحمل‬
‫كل ألاعباء التنموية‪.‬‬

‫‪ .1‬ألاسس الدستورية والقانونية املنظمة لدور الجماعات الترابية‬

‫نص دستور سنة ‪ 8700‬على أن املغرب دولة ديمقراطية مرتكزاتها املشاركة والتعددية‪ ،‬وذات مؤسسات‬
‫حديثة قائمة على الحكامة الجيدة‪ ،‬تسود فيها حقوق إلانسان في ظل القانون كاألمن والحرية والكرامة‬
‫والعدالة الاجتماعية‪.‬‬

‫‪ ‬الدستور‬

‫ارتقى دستور‪ 8700‬بالجماعات الترابية إلى مصاف الفاعلين الرئيسيين في تدبير الشأن العام الوطني‬
‫والتراب ي‪ ،‬ما يعني أن تدبير التنمية الترابية تتقاسمها كل من السلبطة املركزية واملجالس املنتصبة أو‬
‫الجماعات‪ ،‬إذ أن املنبطق الجديد لتفعيل السياسات العمومية الترابية وخاصة ما يتعلق باملجال‬
‫الاجتماعي يتبطلب تفعيل املقاربة التشاركية باعتبار الجماعات الترابية أكثر قرب إلى مشاكل ومبطالب‬
‫الساكنة املحلية‪.‬‬

‫وأعبطيت كذلك للجماعات الترابية أهمية كبيرة للمساهمة في تحديث وتبطوير الدولة من خالل تمثيلية‬
‫الجماعات الترابية بالبرملان ودورها في تنزيل السياسات العمومية الترابية‪ ،‬وييل الرهان ألاساس ي هو‬

‫‪190‬‬
‫التوفيق بين الاستراتيجية العامة للدولة وبين السياسات العمومية والبرامج التنموية الترابية وجعلهما‬
‫يصدمان هدف الدولة الاجتماعية‪.1‬‬

‫غير أن قراءة الفصل ‪ 030‬من الدستور توضح أن الجماعات الترابية ال تملك الصالحية التامة لتصور‬
‫وإعداد وتنفيذ السياسات العمومية الترابية‪ ،‬بل فقط تساهم في تفعيل السياسة العامة للدولة‬
‫والسياسات العمومية الترابية‪ ،‬والواقع أن الجماعات الترابية باعتبارها منبثقة من اختيار املواطن‬
‫والقريبة من تبطلعات وحاجيات املجتمع‪ ،‬وتصصيصها مجموعة من املوارد التدبيرية والقانونية واملالية‬
‫واملؤسساتية‪ 2‬التي جاءت بها مصتلف القوانين والنصوص التنييمية‪ ،‬فإنها مبطالبة باملساهمة في تحقيق‬
‫ألاهداف التنموية الاجتماعية كما أشار إليها الدستور‪.‬‬

‫‪ ‬القوانين التنظيمية للجماعات الترابية‬

‫أصبحت الجهة‪ ،3‬إلى جانب الجماعات الترابية ألاخرى‪4‬بموجب الدستور فاعلين ترابيين مهمين في تدبير‬
‫التنمية‪ ،‬إذ أن مساعي الدولة في بناء نيام اجتماعي متماسك أساسه العدالة ال يستقيم إال بجهود كل‬
‫املتدخلين الترابيين‪ ،‬فتحقيق التنمية الترابية يتبطلب الانسجام والالتقائية بين البرامج التنموية املصتلفة‬
‫لخلق التكامل التنموي والاجتماعي بين املجاالت الترابية‪ ،‬وعليه كان البد من تعزيز أدوار الجماعات‬
‫الترابية في مجال التنمية واملجال الاجتماعي على وجه الخصوص‪ ،‬في انسجام تام مع مشروع الجهوية‬
‫املتقدمة التي تعتبر مدخال حقيقيا لتحقيق التنمية في كل أبعادها رغم عدم استكمال وتحقيق هذا‬
‫الور املهم بعد مرور أكثر من عقد من الزمن‪ ،5‬وذلك ألسباب تتعلق بصعوبة مواصلة تنزيل بايي‬
‫النصوص والاستراتيجيات املتعلقة بالجهوية كما هو الحال مليثاق الالتمركز إلاداري الذي يعرف تعثرا في‬
‫تنزيله على أرض الواقع‪.‬‬

‫وتستند الجماعات الترابية أيضا في تفعيل السياسات العمومية الاجتماعية واملساهمة في بناء الدولة‬
‫الاجتماعية على القوانين التنييمية للجماعات الترابية كآلية مهمة نصت على مجموعة من الاختصاصات‬

‫‪1‬علي الحنودي‪ :‬الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية‪ ،‬املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد ‪ ،135-136‬ماي – غشت ‪،2017‬‬
‫ص ‪.183‬‬
‫‪ 2‬مثال صندوق التضامن الجهوي وصندوق التأهيل الاجتماعي‬
‫‪ 3‬تنص املادة الثالثة من القانون التنييمي رقم ‪ 05.000‬املتعلق بالجهات الصادر بشأنه اليهير الشريف رقم ‪ 1.15.83‬بتاريخ ‪ 20‬من رمضان‬
‫‪ 7( 1436‬يوليو ‪ ،)2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،6380‬بتاريخ ‪ 23‬يوليوز ‪ ،2015‬ص ‪ ،6585‬على أن الجهة "هي جماعة ترابية خاضعة‬
‫للقانون العام‪ ،‬تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقالل إلاداري واملالي‪ ،‬وتشكل أحد مستويات التنييم الترابي للمملكة‪ ،‬باعتباره تنييما ال‬
‫مركزيا يقوم على الجهوية املتقدمة"‪.‬‬
‫‪ 4‬العماالت وألاقاليم‪ ،‬والجماعات‪.‬‬
‫‪ 5‬الخبطاب امللكي بمناسبة الذكرى الثالثة والثالثين للمسيرة الخضراء‪ ،‬بتاريخ ‪ 1‬نونبر ‪ ..." ،8772‬لذلك قررنا‪ ،‬بعون هللا‪ ،‬فتح صفحة‬
‫جديدة في نهج إلاصالحات املتواصلة الشاملة التي نقودها‪ ،‬بإطالق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة‪ ،‬تشمل كل مناطق اململكة‪ ،‬وفي مقدمتها‬
‫جهة الصحراء املغربية‪.:...‬‬

‫‪191‬‬
‫املادية‪2‬‬ ‫ملواكبة العملية التنموية وكل ما يتعلق بالفعل الاجتماعي‪ ،1‬ثم تمكينها بمجموعة من الوسائل‬
‫والبشرية‪ ،3‬واملؤسساتية التي ستمكنها من لعب دور أساس ي على املستوى الترابي في ظل مبدأ التدبير‬
‫الحر‪ ،‬واملبادئ ألاخرى‪ 4‬ذات الصلة بسلبطات واختصاصات الجماعات الترابية‪.‬‬

‫وتضمنت القوانين التنييمية كذلك آليات تدبيرية أخرى‪ ،‬كالبرامج واملصبطبطات التنموية‪5‬من أجل تدبير‬
‫التنمية والسهر على رفاهية املواطن‪ ،‬والتي يجب أن تكون في تناغم وانسجام‪ ،‬وأن تواكب التوجهات‬
‫الاستراتيجية لسياسة الدولة بالنسبة للجهة‪ .6‬إضافة الى مجموعة من آلاليات التي يمكن أن تساهم في‬
‫بلورة السياسات العمومية الترابية من قبيل املؤسسات املحلية‪ ،7‬والكفاءة التدبيرية للجماعات الترابية‬
‫عبر الابتكار والتفكير‪ ،‬وتفعيل أدوارها في مصتلف املجاالت وخاصة تفعيل وتنزيل السياسات العمومية‬
‫الترابية‪.‬‬

‫‪ ‬قانون إلاطار املتعلق بورش الحماية الاجتماعية‬

‫تعتبر الحماية الاجتماعية من أهم عناصر قيام الدولة الاجتماعية‪ ،‬فبعد سنوات من غياب الحماية‬
‫الاجتماعية لبعض الفئات بما نتج عنها من فوارق اجتماعية وهشاشة وإقصاء‪ ،‬جاء قانون إلاطار رقم‬
‫‪ 77-80‬ليضمن استفادة كل املواطنين من ذوي الدخل املحدود من مجموعة من الحقوق خاصة فقدان‬
‫الشغل‪ ،‬إلى جانب حقوق أخرى كاملساعدة على ألامراض واملصاطر والشيصوخة ومصتلف الخدمات‬
‫العالجية‪ .‬ويجسد هذا القانون إلاطار ور الحماية الاجتماعية للمواطن حيث حدد املبادئ وألاهداف‬
‫املرتببطة بإصالح منيومة الحماية الاجتماعية خالل الخمس سنوات القادمة‪ ،‬وحدد أيضا التزامات كل‬
‫من الدولة والجماعات الترابية واملؤسسات واملقاوالت العمومية والقبطاع الخاص واملجتمع املدني‬
‫ومصتلف الهيئات العامة والخاصة ألاخرى واملواطنين‪.‬‬

‫‪ 1‬اختصاصات الجماعات الترابية‪ :‬انير القسم الثاني‪ ،‬املواد ‪ 80‬إلى ‪74‬من القانون التنييمي للجهة رقم ‪ ،111.14‬القسم الثاني‪ ،‬املواد ‪78‬‬
‫إلى ‪ 90‬من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم ‪ ،112.14‬القسم الثاني‪ ،‬املواد ‪ 77‬إلى ‪ 91‬من القانون التنييمي للجماعات رقم‬
‫‪.113.14‬‬
‫‪2‬املادة ‪ 165‬وما يليها من القانون التنييمي للجهة رقم ‪ ،111.14‬املادة ‪144‬وما يليها من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم‪،112.14‬‬
‫املادة ‪152‬وما يليها من القانون التنييمي للجماعات رقم ‪.113.14‬‬
‫‪ 3‬املادة ‪ 9‬وما يليها من القانون التنييمي للجهة رقم ‪ ،111.14‬املادة ‪8‬وما يليها من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم‪ ،112.14‬املادة‬
‫‪ 7‬وما يليها من القانون التنييمي للجماعات رقم ‪.113.14‬‬
‫‪ 4‬مبدأ التفريع‪ ،‬التمايز والتدرج‪ ،‬الشراكة واملشاركة‪،‬‬
‫‪5‬بالنسبة ملجلس الجهة فإنها تضع برنامج التنمية الجهوية‪ ،‬ونفس الش يء للعمالة أو إلاقليم التي تضع بدورها برنامج التنمية‪ ،‬أما الجماعة‬
‫فيسمى برنامجها برنامج عمل‪.‬‬
‫‪ 6‬الفقرة الرابعة من ‪ 83‬املادة من القانون التنييمي املتعلق بالجهات رقم ‪.111.14‬‬
‫‪ 7‬انير التفاصيل في املحور الثاني الخاص باإلطار املؤسساتي للسياسات العمومية الترابية‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫إن ألاهم في هذا الور هو ألاخذ بعين الاعتبار الوضعية الاجتماعية لكل مواطن من مصتلف الفئات‬
‫مهنيين وعمال مستقلين‪ ،‬فضال عن القيام بإصالحات هيكلية على مستوى القبطاعات املعنية كالصحة‬
‫والقبطاعات الاجتماعية ألاخرى لتلبية مبطالب وحاجيات املواطن‪ ،‬من خالل رصد موارد مالية لفائدة‬
‫مصتلف القبطاعات والجماعات الترابية‪ ،‬وتصصيص بنيات تحتية توفر خدمات ذات جودة من استقبال‪،‬‬
‫وتوفير كل الدعم الاجتماعي للفئات الهشة وتغبطية كل ألامراض‪ .‬إضافة إلى ضرورة إحداث هيئة أو‬
‫وحدات خاصة لإلشراف على تنزيل ور الحماية الاجتماعية على مستوى الجماعات الترابية‪.‬‬

‫‪ .0‬آلاليات التنظيمية املؤطرة ملساهمة الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية‬

‫تلعب آلاليات التنييمية إلى جانب القوانين املؤطرة للفعل الاجتماعي دورا هاما في تدبير التنمية‬
‫الاجتماعية ‪ ،‬وتتمثل هذه آلاليات في مجموعة من الوسائل التي تيسر عمل الجماعات الترابية في تنزيل‬
‫السياسات الاجتماعية‪ ،‬واملساهمة في بناء الدولة الاجتماعية انبطالقا من املستوى الترابي‪.‬‬

‫‪ ‬ميثاق الالتمركز إلاداري‬

‫يشكل الالتمركز إلاداري رافعة أساسية لدعم بناء الدولة الاجتماعية في تناسق مع الدينامية الجديدة‬
‫التي يعرفها املستوى الترابي‪ ،‬وكذا التعبئة من أجل التنييم الجديد للمصالح إلادارية من خالل إعادة‬
‫تمركز الاختصاصات والسلط التقريرية والوسائل املادية والبشرية على مستوى املصالح الالممركزة لجعل‬
‫الالمركزية‪-‬الجهوية والالتمركز أداة فعالة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية‪.‬‬

‫ال شك أن مواكبة التحوالت الاجتماعية وغيرها من التحوالت ألاخرى لبناء الدولة الاجتماعية‪ ،‬تتبطلب‬
‫تفعيل صالحيات الجماعات الترابية في عالقة تكامل مع الالتمركز إلاداري عبر تحديد ألادوار‬
‫والاختصاصات وتحقيق التقائيتها‪ ،‬من خالل ضمان نجاعة وشفافية في تدبير الشأن الترابي‪ ،‬وتحقيق‬
‫الالتقائية على مستوى السياسات العمومية الوطنية والترابية‪ ،‬وعلى مستوى برمجة مصتلف املشاريع‬
‫القبطاعية‪ ،1‬وكذا الانسجام التام مع البرامج التنموية للجماعات الترابية‪.‬‬

‫إن الهدف ألاساس ي من الالتمركز هو الفعالية والنجاعة‪ 2‬في الفعل التنموي والاجتماعي‪ ،‬وكل الخدمات‬
‫املوجهة للمواطن من تبسيط الوسائل واملساطر‪ ،‬ألن الالتمركز إلاداري ال يعني فقط عملية نقل للسلط‬
‫من املركز إلى املصالح الخارجية في مصتلف الجهات‪ ،‬بل هو مرتبط كذلك باعتماد مقاربات تنموية في‬
‫عالقتها بالجماعات الترابية كما أكد على ذلك ميثاق الالتمركز بأن الجهة والجماعات الترابية تعتبر‬

‫‪1‬البند الخامس من املادة ‪ 7‬من مرسوم رقم ‪ 2.17.618‬صادر في ‪ 18‬من ربيع آلاخر ‪ 26( 1440‬دجنبر ‪ )2018‬بمثابة ميثاق وطني لالتمركز‬
‫إلاداري‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6738‬صادرة بتاريخ ‪ 27‬دجنبر ‪ ،2018‬ص ‪.9787‬‬
‫‪2‬البند السادس من املادة ‪ 7‬من مرسوم رقم ‪ 2.17.618‬بمثابة ميثاق وطني لالتمركز إلاداري‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫الفضاء الترابي املالئم لبلورة السياسة الوطنية في كل املجاالت وخاصة تنزيل وتفعيل السياسات‬
‫العمومية الاجتماعية‪.‬‬

‫وعليه‪ ،‬ورغم الدور املهم لنيام الالتمركز إلاداري في قيام الدولة الاجتماعية‪ ،‬ودوره في البناء املؤسساتي‬
‫والتنموي‪ ،‬إال أنه يمكن القول إن الهدف لم يتم تحقيقه بسبب عدم تحويل الاختصاصات إلى املصالح‬
‫الالممركزة‪ ،‬إذ ظلت السلبطة مركزة في يد إلادارة املركزية باستثناء بعض إلاجراءات‪ ،1‬ثم غياب تمثيليات‬
‫بعض القبطاعات على املستوى الترابي‪ ،2‬في حين يالحظ أن قبطاعين فقط هما من واكبا تنزيل الالتمركز‬
‫على أرض الواقع كما هو الشأن لقبطاع التربية الوطنية الذي فوض جميع الاختصاصات والقرارات‬
‫لألكاديميات الجهوية للتربية والتكوين‪ ،‬كالتوظيف وألاجور‪ ،‬ثم قبطاع الاقتصاد واملالية‪.‬‬

‫‪ ‬البرنامج الحكومي‬

‫في إطار التكامل بين املركز والالمركزية أو املجال الترابي‪ ،‬وبين الاستراتيجية الحكومية والفعل الترابي‪،‬‬
‫يلعب البرنامج الحكومي دورا مهما في تنزيل السياسات الاجتماعية وبرامج التنمية البشرية‪ .‬فالبرنامج‬
‫الحكومي عبارة عن وثيقة للتصبطيط التنموي تبين مصتلف املشاريع والقوانين والسياسات التنموية املزمع‬
‫تنزيلها عبر سياسات عمومية وقبطاعية‪ ،3‬وحتى السياسات العمومية الترابية وبرامج متعددة السنوات‬
‫على أرض الواقع‪.‬‬

‫ال يمكن للحكومة أن تمارس مهامها من خالل ترجمة مضامين البرنامج الحكومي إال بعد تقديمه أمام‬
‫البرملان بمجلسيه معا‪ ،4‬فدور الحكومة إلى جانب فاعلين آخرين كالجماعات الترابية وبايي القبطاعات‬
‫ألاخرى يتجلى في تعزيز التقائية ونجاعة السياسات العمومية والسياسات العمومية الترابية من أجل‬
‫تحسين أداء ونجاعة إلانفاق العام‪ ،‬ألن السياسة الفعالة هي السياسة التي تحقق أهدافها كما حددها‬

‫‪ -1‬مواكبة املديريات املصالح الالممركزة باملوارد البشرية كتوزيع املناصب املالية وتدبير التوظيفات؛‬
‫‪ -‬إعادة توزيع بعض إلاجراءات إلادارية املفوضة للمدراء الجهويين ليتم تدبيرها على صعيد املندوبيات‪ ،‬كما هو الشأن ملراقبة ومعاينة‬
‫بعض املصالفات املتعلقة بالتعمير؛‬
‫‪ -‬إعداد دالئل حول تدبير إلاجراءات إلادارية املفوضة إلى املصالح الالممركزة؛‬
‫‪ -‬إعادة تنييم املصالح املركزية للوزارات ومراجعة النفوذ الترابي لبعض املصالح الالممركزة؛‬
‫‪ -‬وضع نيام معلوماتي لتسهيل عملية تتبع انجازات املصالح الالممركزة وتسهيل التواصل بين املديريات املركزية والالممركزة‪ ،‬في إطار‬
‫آليات التتبع والحكامة؛‬
‫‪ 2‬قبطاع السياحة؛ قبطاع النقل‪...‬‬
‫‪ 3‬إلاطار املرجعي لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬منشورات مجلس النواب‪ ،2017 ،‬ص‪. 30‬‬
‫‪4‬الفقرة ألاخيرة من الفصل ‪ 88‬من دستور ‪.2011‬‬

‫‪194‬‬
‫صانعو القرار‪ ،‬وعدم وضوح ألاهداف ُي ِّ‬
‫صعب من الحكم على إنجازات السياسات والبرامج العمومية‬
‫وعلى قدرة استدامتها‪.1‬‬

‫تضمن البرنامج الحكومي مجموعة من الالتزامات الاجتماعية لتحقيق هدف الدولة الاجتماعية‪ ،‬كان‬
‫أبرزها تعميم الحماية الاجتماعية‪ ،‬ثم املساعدة الاجتماعية لفائدة ألاسر ألاكثر هشاشة‪ ،‬وتعويض الاسر‬
‫وكبار السن وغيرها‪ ،2...‬إال أن واقع املواطن ال يوحي بإمكانية قيام الدولة الاجتماعية‪ ،‬نيرا للصعوبات‬
‫املتعلقة بالولوج إلى الخدمات الصحية والاجتماعية‪ ،‬والفوارق الاقتصادية بين املناطق وبين املواطنين‬
‫بسبب ضعف تنافسية الاقتصاد الوطني واملحلي‪ ،3‬وتدني نسب النمو ومعه القدرة الشرائية للمواطن‪.‬‬

‫‪ ‬البرامج التنموية للجماعات الترابية‬

‫تشكل البرامج التنموية للجماعات الترابية أهم آلية لتفعيل الدولة الاجتماعية عبر السياسات العمومية‬
‫الترابية التي جاءت ضمن محاور هذه البرامج انبطالقا من التصبطيط وتحديد ألاهداف التنموية ذات‬
‫ألاولوية‪ .‬والبرنامج التنموي الترابي يرتكز على مرجعية قانونية وتنييمية‪ ،4‬وهو في حد ذاته وثيقة توضح‬
‫مصتلف املشاريع والخبطط التي سيتم ترجمتها إلى سياسات عمومية ترابية‪ ،‬مع مراعاة مصتلف املشاكل‬
‫وإلاكراهات املمكن مواجهتها‪.‬‬

‫تقوم البرامج التنموية للجماعات الترابية على تشخيص حاجياتها وإمكانياتها‪ ،‬وتحديد ألاولويات‪ ،‬وتقييم‬
‫مواردها ونفقاتها التقديرية‪ 5‬لتحقيق الفعالية والنجاعة التنموية على املستوى الترابي‪ .‬ولبلوغ هدف بناء‬
‫الدولة الاجتماعية ‪ ،‬تيل البرامج التنموية للجماعات الترابية الرهان ألاساس ي لتوطين السياسات‬
‫العمومية على املستوى الترابي‪ ،‬بحيث يتعين وضع برامج اجتماعية تنموية من خالل تفعيل اختصاصات‬
‫املجالس الترابية في إطار مبدأ التدبير الحر ومبدأ التفريع‪ ،‬وكذا تفعيل آلية التنسيق والتعاقد بين جميع‬
‫الفاعلين املحليين‪ :6‬مؤسسات الدولة ومصالحها الخارجية‪ ،‬والقبطاع الخاص‪ ،‬ثم الجمعيات املهنية‬

‫‪1 SOCIAL POLICY, PUBLIC POLICY From problem to practice: Meredith Edwards with Cosmo Howard and Robin Miller, ALLEN‬‬

‫‪& UNWIN, Australia, 2001, P 2.‬‬


‫‪ 2‬البرنامج الحكومي ‪ ،8781-8780‬أكتوبر ‪ ،8780‬ص ‪.85‬‬
‫‪ 3‬البرنامج الحكومي نفس املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫‪ 4‬الفصل ‪ 057‬من الدستور‪ ،‬والقوانين التنييمية املتعلقة بالجماعات الترابية‪ :‬املواد ‪ 20-23‬من القانون التنييمي للجهة رقم ‪،111.14‬‬
‫املواد ‪ 25-80‬من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم ‪ ،112.14‬املادة ‪ 28-78‬من القانون التنييمي للجماعات رقم ‪ .113.14‬واملراسيم‬
‫املتعلقة بعداد برامج التنمية‪ :‬املرسوم رقم ‪ 8.01.877‬واملرسوم رقم ‪ 8.01.377‬واملرسوم رقم ‪.8.01.370‬‬
‫‪ 5‬املادة ‪ 83‬من القانون التنييمي للجهة رقم ‪ ،111.14‬املادة ‪ 80‬من القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم ‪ ،112.14‬املادة ‪ 78‬من‬
‫القانون التنييمي للجماعات رقم ‪.113.14‬‬
‫‪ 6‬الفقرة الرابعة والخامسة من ‪ 83‬املادة من القانون التنييمي املتعلق بالجهات رقم ‪.111.14‬‬

‫‪195‬‬
‫واملجتمع املدني‪ ،‬ومن جهة ثانية يتعين تشخيص واستغالل جميع عناصر املجال الترابي البطبيعية‬
‫والبشرية بشكل عقالني ليكون في خدمة الدولة الاجتماعية‪.1‬‬

‫إن الواقع يبين عجز الجماعات الترابية عن تفعيل اختصاصاتها وآلياتها‪ ،‬وهو ما أكده تقرير املجلس‬
‫ألاعلى للحسابات ألاخير‪ ،2‬حيث لم تقم بعض الجماعات بإعداد مصبطبطاتها الجماعية للتنمية‪ ،3‬ولم يتم‬
‫احترام الجدولة الزمنية لتنفيذ املشاريع املبرمجة‪ ،‬كما لم يتم تصصيص التمويالت الالزمة لهذه املشاريع‬
‫أو املساهمات الخاصة بتمويل املشاريع املبرمجة أو تم إنجازها خارج املصبطبطات التنموية‪ .4‬إضافة إلى‬
‫تأخر في إعداد بعض برامج عمل‪ ،‬وقصور في اعتماد املقاربة التشاركية في إعدادها‪ ،‬وعدم تقييمها للوالية‬
‫الانتدابية ‪ 8780-8704‬ما أدى إلى عدم استفادة منها الساكنة املحلية‪.5‬‬

‫‪ ‬تقرير النموذج التنموي‬


‫جاء تقرير النموذج التنموي ليؤسس لتصور جديد لتنمية مستدامة تستجيب لبطموحات وحاجيات‬
‫املواطن‪ ،‬من خالل خلق الثروة وتوفير فرص عمل‪ ،‬واملساهمة في خلق القيمة املضافة‪ ،‬ثم تعزيز الاندماج‬
‫والانتماء بإشراك الجميع في الفعل التنموي والاستفادة منه‪ ،‬فضال عن أهمية الحفاظ على املوارد لتامين‬
‫مستقبل ألاجيال واستدامتها‪ ،‬والسعي نحو الريادة إلاقليمية والدولية في مصتلف املجاالت كالبطاقات‬
‫املتجددة والصناعات املتبطورة‪ 6‬وبالتالي الوصول إلى دولة اجتماعية‪.‬‬
‫عرف املغرب عدة مبادرات ومصبطبطات لإلقالع التنموي رغم ما طبعها من ضعف املردودية لكونها لم‬
‫تلبي عدة طلبات وحاجيات املواطن خاصة على املستوى الترابي مما أدى إلى تدني السلم الاجتماعي‪،‬‬
‫وإعاقة الدينامية التنموية الترابية‪ ،7‬وذلك راجع إلى غياب التناسق والبطء الاقتصادي‪ ،‬ثم محدودية‬
‫القبطاع العام في تصور وتنفيذ السياسات العمومية وضعف املبادرة والجرأة على التنبؤ‪ .8‬وعلى أساس‬
‫ذلك جاء تقرير النموذج التنموي لتسليط الضوء على الاختالالت وتقديم الحلول‪ ،‬وقد تضمن التقرير‬
‫مجموعة من النقاط املهمة التي تعتبر إشكاالت حقيقة أمام تحقيق التنمية والرفع من نسب النمو‪ ،‬ومن‬
‫بينها نجد الافتقار إلى الاتساق العمودي بين الرؤية والسياسات العامة املعلنة وغياب التقارب ألافقي بين‬
‫هذه السياسات‪ ،‬ثم تعثر الاقتصاد الوطني وانغالقه وعدم إعبطاء الفرصة لفاعلين آخرين‪ ،‬إضافة الى‬

‫‪ 1‬عبد القادر الخاضري‪":‬الجماعات الترابية باملغرب – من التسيير إلاداري إلى تدبير اقتصاد التنمية – مقاربة قانونية وسياسية"‪ ،‬املجلة‬
‫املغربية للسياسات العمومية‪ ،‬العدد ‪ 85‬صيف ‪ ،8704‬ص ‪.077‬‬
‫‪ 2‬تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي ‪ 8707‬و‪ ،8787‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 0703‬مكرر‪ ،‬ص ‪ 05 ،0855‬مارس‬
‫‪8788‬‬
‫‪3‬ت قرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي ‪ 8707‬و‪ ،8787‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.0108‬‬
‫‪ 4‬تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي ‪ 8707‬و‪ ،8787‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.0105‬‬
‫‪ 5‬تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي ‪ 8707‬و‪ ،8787‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.0101‬‬
‫‪ 6‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.47-48‬‬
‫‪ 7‬النموذج التنموي "تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع"‪ :‬التقرير العام‪ ،‬ابريل ‪ ،2021‬ص ‪.21‬‬
‫‪ 8‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫‪196‬‬
‫محدودية القاادرات لدى للقبطاااع العمومااي فيمااا يصااص تصااور وتنفيااذ ُسياسااات وخدمااات عموميااة ذات‬
‫جااودة ومتاحااة للجميااع تهم املواطن‪ ،‬وكذا التعقيدات املسبطرية وضعف الحماية التي حدت من املبادرة‬
‫والابداع‪.1‬‬

‫إن تحقيق هدف الدولة الاجتماعية يتبطلب إشراك فاعلين آخرين كالجماعات الترابية كمساهم رئيس ي‬
‫في ترسيخ أسس التنمية على املستوى الترابي‪ ،‬ألن الجماعات الترابية تعتبر شريكا أساسيا للدولة في إعداد‬
‫وتنفيذ السياسات العمومية ومصتلف البرامج التنموية‪ ،‬وبالتالي القضاء على الفوارق املجالية‬
‫والاجتماعية‪ .‬فتقرير النموذج التنموي ذهب في نفس اتجاه الدستور حينما دعا إلى مغرب الجهات ضمانا‬
‫اللتقائية ونجاعة السياسات العمومية على املستوى الترابي‪ ،‬لكن ال يمكن انجاز هذا املبطلب دون تفعيل‬
‫وتسريع تنزيل الجهوية املتقدمة ونيام الالتمركز إلاداري كدعامات إلنجاح التنمية الترابية‪.2‬‬

‫‪ .2‬دور آلاليات املؤسساتية في بناء الدولة الاجتماعية‬

‫تشكل آلاليات املؤسساتية أداة مهمة لتحقيق التنمية الترابية واملساهمة في بناء الدولة الاجتماعية من‬
‫خالل مجموعة من الفاعلين واملؤسسات‪ ،‬وتتوزع آلاليات املؤسساتية بين فاعلين وأجهزة إدارية‬
‫ومؤسسات عمومية وترابية تتولى تدبير وتنزيل كل املصبطبطات التنموية بحسب اختالف أدوارها وتدخالتها‪.‬‬

‫أ) الفاعلون املساهمون في تدبير التنمية الترابية‬

‫تصتلف تدخالت كل فاعل حسب املكانة الدستورية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية‪ ،‬ودرجة قدرته‬
‫على تصور وتنزيل املشاريع والبرامج التنموية‪ ،‬ومدى تأثيره على صناعة القرار‪ ،‬وكذا تفاعل هؤالء‬
‫بمحيبطهم ومدى فعاليتهم‪.‬‬

‫‪ ‬املؤسسة امللكية‬
‫تحتل املؤسسة امللكية مكانة هامة في املنيومة التدبيرية باملغرب بحكم الدستور واملمارسة التدبيرية‬
‫املغربية البطويلة منذ الاستقالل‪ ،3‬نيرا لدورها الفعال في التوجيه وإلاشراف الاستراتيجي على كل ما‬
‫يتعلق بالتنمية واملشاكل الاجتماعية وتدبير الشأن العام عامة‪ ،‬وذلك بواسبطة مجموعة من آلاليات‬
‫القانونية والتدبيرية والتنييمية‪ .‬فالدستور كرس الدور الرئيس ي للمؤسسة امللكية في تحديد أجندة‬
‫السياسات التنموية للدولة واختياراتها الاستراتيجية عبر رئاسة املجلس الوزاري‪ ،‬وكذا حرصها على إنجاح‬
‫السياسات العمومية املنبثقة من هذه الاستراتيجيات‪.‬‬

‫‪ 1‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.82‬‬


‫‪ 2‬املرجع سابق‪ ،‬ص ‪.117‬‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 47-42‬من الدستور‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫ويتمثل أيضا التدخل امللكي في الخبطب‪ 1‬والرسائل املوجهة للفاعل العمومي في مجال السياسات العمومية‬
‫املتعلقة بالتدبير الترابي طبقا ملضامين الفصل ‪ 58‬من الدستور لتبني استراتيجيات تنموية واجتماعية‬
‫واستراتيجية كالجهوية املتقدمة‪ ،‬والنموذج التنموي الجديد‪ ،‬إلى جانب آليات أخرى كبالغات الديوان‬
‫امللكي‪ ،‬والتعليمات وألاوامر‪ ،‬جلسات العمل‪ ،‬الرسائل وحتى الزيارات امليدانية واللقاءات باملسؤولين فيما‬
‫يتعلق بالعمل الاجتماعي كالصحة والتنمية البشرية‪ .‬وقد أثبتت التجربة املغربية دور املؤسسة امللكية في‬
‫تبطوير التنمية الترابية في مجاالت عدة خاصة املجال الاجتماعي‪.‬‬

‫‪ ‬السلطة التشريعية‬
‫يلعب البرملان باعتباره مؤسسة تمثيلية دورا مهما إلى جانب املؤسسات ألاخرى في تحقيق التنمية وتجويد‬
‫والخدمات العمومية املقدمة للمواطن‪ ،‬لكونه نتاج املواطن الناخب بكافة شرائحه وتوجهاته‪ ،‬وهو يمارس‬
‫مهامه للدفاع عن إلارادة الفعلية لألمة في رعاية مصالح املواطن عن طريق ممارسة مجموعة من‬
‫الاختصاصات التشريعية والتقييمية والرقابية‪...‬‬

‫وفي هذا إلاطار‪ ،‬فإن البرملان يملك مجموعة من الاختصاصات للمساهمة في بلورة وبناء الدولة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬سواء على مستوى التشريع‪ 2‬لتأطير مجموعة من القضايا التي تهم املواطن خاصة القوانين‬
‫املتعلقة باملجال الاجتماعي‪ ،‬أو على مستوى املراقبة بواسبطة ألاسئلة املوجهة للحكومة ملناقشة السياسة‬
‫العامة‪ ،3‬فضال عن التقييم ملتابعة جودة السياسات العمومية الاجتماعية وتقييم آثارها‪.4‬‬

‫وتأكدت أهمية البرملان في عالقته بالجماعات الترابية على مستوى بناء الدولة الاجتماعية حينما نص‬
‫دستور سنة ‪ 8700‬على مساهمتها في اعداد سياسات العمومية الترابية‪ ،‬بحيث جاء في الفصل ‪030‬‬
‫مساهمة الجماعات الترابية في تفعيل السياسة العامة للدولة‪ ،‬وفي إعداد السياسات الترابية‪ ،5‬وذلك‬
‫من خالل تمثيلية الجماعات الترابية داخل الغرفة الثانية للبرملان‪ ،‬ومن خالل الوسائل الخاصة بها‪.‬‬

‫‪1‬الخبطاب امللكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬بتاريخ ‪ 02‬ماي ‪ ،8774‬والرسالة امللكية املوجهة إلى املشاركين في الدورة ألاولى للمناظرة‬
‫الوطنية للتنمية البشرية سنة ‪.8707‬‬
‫‪ 2‬الفصل ‪ 70‬و‪ 71‬من الدستور‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ 3‬الفقرة ألاخيرة من الفصل ‪ 100‬من دستور ‪ " 2011‬تقدم ألاجوبة على ألاسئلة املتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة‪،‬‬
‫ُ‬
‫وتصصص لهذه ألاسئلة جلسة واحدة كل شهر‪ ،‬وتقدم ألاجوبة عنها أمام املجلس الذي يعنيه ألامر خالل الثالثين يوما املوالية إلحالة ألاسئلة‬
‫إلى رئيس الحكومة"‪.‬‬
‫‪4‬الفصل ‪ 70‬من الدستور‬
‫‪5‬الفصل ‪" 37‬تساهم الجهات والجماعات الترابية ألاخرى في تفعيل السياسة العامة للدولة‪ ،‬وفي إعداد السياسات الترابية‪ ،‬من خالل ممثليها‬
‫في مجلس املستشارين"‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫‪ ‬السلطة املحلية‪ :‬الوالي أو العامل‬

‫يمارس الوالي أو العامل وظيفة مهمة ال تتمثل فقط في تمثيل الدولة على املستوى الترابي‪ ،‬بل أصبحت‬
‫له أدوار تدبيرية مهمة خاصة في املجال الاجتماعي كما هو الشأن للتنمية البشرية‪ ،‬إذ أن الوالي أو العامل‬
‫يملك إمكانيات للمساهمة والعمل على مساعدة الجماعات الترابية واملصالح الخارجية الالممركزة في‬
‫جهودها املتعلقة بالتنمية الترابية والاستجابة ملبطالب وحاجيات املواطن‪ ،‬ومواكبة النموذج التنموي عبر‬
‫املشاركة في إعداد مسار التنمية وتنزيل السياسات العمومية والترابية‪ ،1‬من خالل املشاركة في اتصاذ‬
‫القرارات املناسبة أو على مستوى املبادرة والتنسيق‪ ،‬أو التتبع والتقييم‪ ،2‬ألن إمكانية وموارد الوالة‬
‫والعمال‪ ،‬واملعبطيات التقنية التي ال تتوفر عليها إدارات الجماعات الترابية‪ ،‬وبالتالي استقاللها عن السلبطة‬
‫املحلية في تدبير شؤونها املحلية‪.3‬‬

‫يترجم دور الوالي أو العامل الفصل ‪ 145‬من دستور ‪ ،2011‬ومضامين ميثاق الالتمركز إلاداري‪ ،‬وكذا‬
‫القوانين التنييمية الجديدة للجماعات الترابية من خالل ما أنيط للوالي أو العامل من أدوار للتنسيق‬
‫واملواكبة في املجاالت الاقتصادية والاجتماعية وعلى كل املستويات‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن للوالي أو العامل القدرة‬
‫على اقتراح مشاريع وبرامج اجتماعية وقيادتها كما هو الحال ملشاريع املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪،‬‬
‫وكذا رقابة الفعل الاجتماعي الترابي عبر ممارسة الرقابة على ممارسة الجماعات الترابية بصفة عامة‬
‫الختصاصاتها‪.4‬‬

‫‪ ‬النخبة الترابية – املجالس الترابية‬

‫تقوم مساهمة الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية على وجود نصب ترابية قادرة على التفكير‬
‫والابتكار ومعرفة الحاجيات الترابية وتفعيل السياسات العمومية الاجتماعية‪ ،‬فتدبير إلاشكاالت‬
‫الاجتماعية والتنموية وإيجاد الحلول املناسبة البد وأن تنبطلق من هذه النصبة املحلية‪ ،5‬ألن الجماعات‬

‫‪1‬بجيجة العربي‪ :‬ممثل السلبطة املركزية بالجماعات الترابية "أي دور للوالة‪/‬العمال من خالل الدستور؟"‪ ،‬مجلة مسالك في الفكر والسياسة‬
‫والاقتصاد‪ ،‬مبطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬العدد ‪ ،29/30‬السنة ‪ ،2015‬ص ‪.154‬‬
‫‪ 2‬عماد ابركان‪ :‬الوالة والعمال في النموذج املغرب لإلدارة املحلية وسؤال الحكامة الترابية‪ ،‬مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد‪،‬‬
‫مبطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬العدد ‪ ،32/31‬السنة ‪ ،2015‬ص ‪.94‬‬
‫‪ 3‬عادل تميم‪ :‬البعد الجهوي في سياسات تدبير الاستثمار وانعكاسه على التنمية –على ضوء الجهوية املتقدمة‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي‬
‫كلية العلوم القانونية‪ ،‬الاقتصادية والاجتماعية –طنجة‪ ،8701-8704 ،‬ص ‪.304‬‬
‫‪ 4‬املادة ‪ 113‬من القانون التنييمي للجهات رقم ‪ ،111.14‬املادة ‪ 107‬القانون التنييمي للعماالت وألاقاليم رقم ‪ ،112.14‬املادة ‪ 116‬القانون‬
‫التنييمي للجماعات رقم ‪113.14‬‬
‫‪ 5‬عبد هللا شنفار‪ :‬الفاعلون املحليون والسياسات العمومية املحلية‪" :‬دراسة في القرار املحلي"‪ ،‬مبطبوعات املعرفة ‪-‬مراكش‪ ،‬البطبعة ألاولى‪،‬‬
‫‪ ،2015‬ص ‪.132‬‬

‫‪199‬‬
‫الترابية هي التي أفرزت هذه النصب لخدمة مبطالب الساكنة املحلية في إطار تعاقدي‪ ،1‬بدل الركون إلى‬
‫الجانب السياس ي وعدة اعتبارات ال عالقة لها بالتنمية‪.‬‬

‫إن تدبير التنمية الترابية واملساهمة في بناء الدولة الاجتماعية يحتاج إلى نصب ذات فكر مقاوالتي قادرة‬
‫على إلاعداد والتنفيذ انبطالقا من كفاءتها ومصداقيتها وواجبها اتجاه املهمة املوكولة لهم من قبل الدولة‬
‫واملواطن‪ ،‬ثم توفر رغبة سياسية وتدبيرية من أجل تفعيل صالحيات واختصاصات املجالس الترابية‪،‬‬
‫بناء على مجموعة من الوسائل القانونية والتدبيرية كالبرامج التنموية‪ ،2‬لتحقيق كل ألاهداف التنموية‬
‫بشكل فعال ودقيق يستجيب للحاجيات الترابية‪.‬‬

‫ال يمكن تحقيق الدولة الاجتماعية إال من خالل وجود نصب قادرة على اتصاذ املبادرة‪ ،‬والجرأة في تفعيل‬
‫أدوارها ومهامها القانونية‪ ،‬ومن الواضح أن النصب الترابية تحتاج الى ثقافة سياسية وقانونية ومن َّ‬
‫ثم‬
‫ثقافية تدبيرية‪ .‬وقد أشار املجلس الاقتصادي والاجتماعي في تقريره حول الحكامة الترابية إلى ضعف‬
‫املنتصبين من حيث تملكهم لبطارق التدبيار الجديادة املنصاوص عليهاا فاي القوانيان التنييمياة وقدرتهم‬
‫على تفعيلها وتحقيق ألاهداف املرجوة‪ ،‬ألنها طارق تتبطلاب فهماا حقيقياا ألدوار ومساؤوليات كل فاعال‬
‫متدخال فاي املجاال التراباي علاى حادة ‪ ،3‬والحال أن أغلب املنتصبين ال يتوفرون على مستوى دراس ي أو‬
‫مستوى فكري وإبد اعي ملواكبة مبطالب وحاجيات املجاالت الترابية آلانية واملستقبلية‪ .‬كما أشار إلى ذلك‬
‫أيضا تقرير املجلس ألاعلى للحسابات فيما يتعلق بقصور العماالت والاقاليم في إرساء قواعد الحكامة‬
‫الجيدة في تدبير شؤونها وممارسة الاختصاصات املوكلة لها‪ ،‬ثم ضعف مردودية اللجان الدائمة وعدم‬
‫تبنني آليات تدبيرية كالتشخيص وإلاعداد الجيد للبرامج التنموية‪.4‬‬

‫‪ ‬القطاع الخاص‬

‫يعد القبطاع الخاص من أهم الفاعلين والشركاء الرئيسيين في مساعدة الجماعات الترابية في عملية‬
‫التنمية ومواكبة تفعيل الجهوية املتقدمة‪ ،5‬وخاصة بناء الدولة الاجتماعية عبر املساعدة في تنزيل‬
‫املشاريع والبرامج التنموية الاجتماعية وكل السياسات الترابية‪ ،‬إذ أن الشراكة تعد مفتاحا للتغلب على‬

‫‪ 1‬عبد الرفيع زعنون‪ :‬تدبير التنمية الترابية وسؤال الديموقراطية‪ :‬الفرص واملصاطر‪ ،‬مؤلف مشترك‪ ،‬مركز تكامل للدراسات وألابحاث‪،‬‬
‫مبطبعة قرطبة –اكادير‪ ،8787 ،‬ص ‪.087‬‬
‫‪ 2‬عبد الحافظ ادمينو‪ :‬التعاقد بين املديريات املركزية واملديريات الجهوية وترسخ التدبير الالمتمركز‪ ،‬املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،140‬ماي – يونيو ‪ ،8702‬ص ‪.28‬‬
‫‪ 3‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ :‬الحكامة الترابية رافعة للتنمية املنصفة واملستدامة‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ ،8707/58‬ص ‪.08‬‬
‫‪ 4‬تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي ‪ 8707‬و‪ ،8787‬املرجع السابق‪ ،‬ص ‪.0124‬‬
‫‪ 5‬اللجنة الاستشارية للجهوية‪ :‬الكتاب الثالث "الجهوية املتقدمة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية"‪ ،‬ص ‪ .173‬املوقع الالكتروني‬
‫‪./http://www.regionalisationavancee.ma‬‬

‫‪200‬‬
‫كل مصادر العجز ومواجهة نقص التمويل والخبرات التقنية الضرورية لتفعيل املشاريع والبرامج التنموية‬
‫وتنزيلها على أرض الواقع‪ ،‬واملساهمة في تحقيق التنمية املندمجة واملستدامة‪.1‬‬
‫إن صياغة القرار التنموي الترابي يحتاج إلى وسائل وآليات كالشراكة خاصة ما يتعلق بابتكار البرامج‬
‫وتنفيذها ومتابعتها‪ ،‬ألن العمل إلى جانب القبطاع الخاص مفيد في الجانب املتعلق بالتنزيل على أرض‬
‫الواقع‪ ،‬باإلضافة إلى عنصر مهم مفقود في املغرب هو تجويد الخدمات الاجتماعية املقدمة للمواطن على‬
‫املستوى الوطني والترابي خاصة الصحة‪ ،‬وتوسيع املشاركة والتشارك بين جميع الفاعلين دون إقصاء‬
‫وتهميش أي طرف‪ .2‬بحيث أن غياب الاستثمار أو السياسات العمومية في املجال الاجتماعي طغى عليها‬
‫الجانب الاقتصادي بسبب توجه إلادارة أو املدبر العمومي نحو القبطاع الخاص‪ ،3‬وهو ما يتضح مثال من‬
‫قبطاع الصحة الذي يعرف فوارق جهوية كبيرة من حيث تركيز الخدمات الصحية العمومية والخصوصية‬
‫على مستوى الجهات التي تعرف نشاطا اقتصاديا كبير‪ ،‬مقابل جهات فقيرة ال تستقبطب الاستثمار في مثل‬
‫هذه الخدمات‪.‬‬

‫وفي هذا إلاطار‪ ،‬فإنه يجب أوال توجيه القبطاع الخاص نحو املجاالت الاجتماعية خاصة الصحة والتعليم‬
‫وتبطوير قدرات املوارد البشرية الترابية‪ ،‬أي القيام بتشخيص الحاجيات الاجتماعية الترابية ألاساسية‪،‬‬
‫وتوفير كل الوسائل وآلاليات القادرة على إنجاح توطين الاستثمارات الاجتماعية لتفعيل دور القبطاع‬
‫الخاص‪ ،‬إضافة إلى تفعيل آليات التتبع واملراقبة من أجل الفعالية والنجاعة‪ .‬ألن الواقع يبين أن جل‬
‫املشاريع التي تم تنفيذها بشراكة مع القبطاع الخاص أو تم تفويضها عرفت اختالالت عديدة أثرت على‬
‫الجماعات الترابية خاصة ما يتعلق باملديونية وعلى حكامة التدبير املالي املحلي عامة‪ ،‬فقد عرف تبطبيق‬
‫التدبير املفوض مثال مجموعة من الاختالالت املالية والتدبيرية كانت مفوضة للقبطاع الخاص ألاجنبي‪،‬‬
‫فصدمات جمع النفايات املنزلية بجهة الرباط سال القنيبطرة ارتفعت تكاليفها بشكل مبطرد مما أثر على‬
‫قدرتها املالية‪ ،‬إذ مثلت تكلفة خدمة التدبير املفوض نسبة مهمة من ميزانيتها‪ ،‬بحيث ارتفعت التكلفة‬
‫السنوية لهذه العقود من ‪ 807‬مليون درهم سنة ‪ 8708‬إلى ‪ 475‬مليون درهم سنة ‪ ، 8702‬بزيادة قدرها‬
‫‪ % 27‬على مدى ‪ 1‬سنوات‪ ،4‬والسبب يعود إلى عدم الامتثال للشروط إلادارية والقانونية‪ ،‬وعدم تفعيل‬
‫املحاسبة‪ ،‬وكذا عدم تحمل املدبر العمومي للمسؤولية إما عن قصد أو لغياب ثقافة التدبير‪.‬‬

‫‪1 Khalid ragragui : « Les politiques publiques locales », mémoire pour l’obtention du diplôme du master, université Moulay‬‬

‫‪Ismail faculté des sciences juridiques économiques et sociales Meknès, année universitaire 2010/2011, P 62.‬‬
‫‪ 2‬محمد أهيري‪ :‬تدبير املشاريع العمومية "البطرق السيارة نموذجا"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون العام والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – أكدال – الرباط‪ ،2017-2016 ،‬ص ‪.170‬‬
‫‪ 3‬عادل تميم‪ :‬البعد الجهوي في سياسات تدبير الاستثمار وانعكاسه على التنمية –على ضوء الجهوية املتقدمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.830‬‬
‫‪4 Evaluation_exécution_contrats de gestion déléguée_Région Rabat-Salé-Kénitra, Septembre 2020.P 81.‬‬

‫‪201‬‬
‫ب) املؤسسات العمومية الترابية فاعل أساس ي في التنمية الترابية‬
‫‪ ‬املراكز الجهوية لالستثمار‬

‫تشكل املراكز الجهوية لالستثمار أداة مهمة للمساهمة في تحقيق التنمية‪ ،‬وتشجيع الاستثمار على الصعيد‬
‫الترابي‪ ،‬وهي من بين الوسائل املعتمدة في التعريف باإلمكانات الاقتصادية للجماعات الترابية التي تتمركز‬
‫فيها لتحقيق أهداف تنموية خاصة على املستوى الاقتصادي‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن تبطوير الجانب الاجتماعي وبناء‬
‫الدولة الاجتماعية ييل قائما على دور واستراتيجية الاستثمار الخاصة بالجماعات الترابية على مستوى‬
‫مجالها الترابي في ظل التعاون والتنسيق مع املراكز الجهوية لالستثمار‪ ،‬ثم اعتماد آليات ومقاربات تدبيرية‬
‫مقاوالتية مبنية على الشفافية كالتشخيص والتصبطيط والتتبع‪1‬والتقييم‪ ،‬وتوجيه املستثمر نحو مشاريع‬
‫اجتماعية‪ ،‬وتبسيط املساطر وتوفير املعلومات ووضعها رهن إشارة الفاعلين الاقتصاديين‪.‬‬

‫يفرض إنعا الاستثمار في املجال الاجتماعي والتنمية الترابية‪ ،‬أوال على الجماعات الترابية تحديد‬
‫ألاولويات على مستوى املجال الترابي املعني خاصة كل ما يتعلق بالجانب الاجتماعي في إطار التنسيق‬
‫والتشارك مع املراكز الجهوية لالستثمار عبر تقديم الدعم الضروري وإلارشاد والتوجيه للمستثمرين‪2‬‬

‫وللجماعات الترابية أيضا‪ ،‬وتصصيص مجموعة من املوارد املالية لتمويل الاستثمارات‪ .‬ومن جهة أخرى‬
‫دعم املقاوالت والفاعلين في املجال الاجتماعي‪ ،‬وتبطوير املناطق املصصصة لالستثمار وتحديد طبيعة‬
‫املشاريع املوجهة للتنمية الاجتماعية عبر دراسة الحاجيات واملبطالب الترابية الاجتماعية امللحة من أجل‬
‫الاستجابة لها بفعالية ونجاعة‪.‬‬

‫‪ ‬الوكالة الجهوية لتنفيذ املشاريع‬


‫ُمنحت للجماعات الترابية وخاصة مجالس الجهات مجموعة من الاختصاصات منها ما يتعلق باملجال‬
‫الاجتماعي لكونها رافعة أساسية للتنمية‪ ،‬وعلى أساس ذلك تم التنصيص على مجموعة من آلاليات‬
‫والوسائل التدبيرية‪ ،‬وكذا إلاجراءات املتعلقة بتنييم العالقة بين الدولة والجهة في إطار التعاقد من أجل‬
‫تجاوز الفوارق املجالية‪ ،‬وتحسين الجاذبية والتنافسية الترابية‪ ،‬وعليه‪ ،‬تم إحداث الوكالة الجهوية‬
‫لتنفيذ املشاريع لتنزيل السياسات العمومية والبرامج التنموية والاجتماعية‪.‬‬

‫تعتبر الوكالة الجهوية لتنفيذ املشاريع آلية حديثة في التدبير العمومي باملغرب‪ ،‬ودعامة أساسية للفعل‬
‫الترابي التنموي‪ ،‬وهذه الوكالة هي آلية لتمكين الجهات والجماعات الترابية عامة من تدبير التنمية وتنزيل‬
‫السياسات العمومية الترابية‪ 3‬ملحاربة كل أشكال التفاوت املجالي والاجتماعي‪ ،‬فالهدف من وراء إحداث‬

‫‪ 1‬املادة ‪ 29‬من القانون رقم ‪ 47.18‬املتعلق بإصالح املراكز الجهوية لالستثمار وبإحداث اللجان الجهوية املوحدة لالستثمار‪.‬‬
‫‪ 2‬البند ألاول والثاني من الفقرة ألاولى من املادة ‪4‬القانون رقم ‪ 47.18‬املتعلق بإصالح املراكز الجهوية لالستثمار وبإحداث اللجان الجهوية‬
‫املوحدة لالستثمار‪.‬‬
‫‪3‬املادة ‪ 128‬من القانون التنييمي رقم ‪ 111.14‬املتعلق بالجهات‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫هذه الوكالة هو تبطوير التصبطيط وتقوية القدرات التدبيرية للمجالس الترابية خاصة ما يتعلق باملجال‬
‫الاجتماعي وإنعا الاقتصاد والتنمية الترابية‪.‬‬

‫بناء على الدور املنوط بالوكالة الجهوية لتدبير املشاريع واملتمثل في تقديم املساعدة بكل أشكالها املالية‬
‫والتقنية والهندسية‪ ،‬فان للوكالة أدوار اجتماعية خاصة في ظل قربها من الحاجيات الترابية وقدرتها على‬
‫تشخيص ودراسة الحاجيات واملشاريع ذات ألاولوية الاجتماعية‪ ،‬وتقدير وتحديد مقدار تمويلها‪ ،‬وتدبير‬
‫واستغالل بعض املشاريع الاجتماعية التي ستنعكس على الساكنة املحلية‪ ،‬ثم اقتراح مشاريع اجتماعية‬
‫تساهم في تفعيل العدالة املجالية والاجتماعية وتذليل كل الفوارق‪ ،‬إضافة إلى قدرتها على تنفيذ املشاريع‬
‫والبرامج الاجتماعية التي يقرها مجلس الجهة‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬آليات تدخل الجماعات الترابية لتدبير التنمية وبناء الدولة الاجتماعية‬

‫إن بناء الدولة الاجتماعية ال يتوقف فقط على سن تشريعات ونصوص قانونية وتنييمية‪ ،‬وإحداث‬
‫مؤسسات وطنية وترابية ملواكبة التنمية وبناء الدولة الاجتماعية‪ ،‬بل يجب أن يكون إلانسان محور‬
‫تدخالت الدولة خاصة تلك املتعلقة بحماية حقوقه ألاساسية واحترام كرامته‪ ،‬من خالل توفير كل‬
‫البنيات التحتية الالزمة لضمان التنمية والتأسيس آلليات تدبيرية تساهم في قيام الدولة‪.‬‬

‫‪ .1‬آليات التدبير الترابي الحديث محدد أساس ي لبناء الدولة الاجتماعية‬


‫أ) تطوير الاقتصاد التضامني والاجتماعي‬

‫يعد الاقتصاد والاجتماعي والتضامني من الدعامات الرئيسية ألي اقتصاد من الدول النامية والفقيرة في‬
‫ظل املشاكل وألازمات الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها املواطن‪ ،‬التي أدت إلى ضعف مؤشرات‬
‫التنمية وتفاقم الفوارق الاجتماعية وغياب العدالة املجالية‪ .‬وعلى أساس ذلك يشكل الاقتصاد التعاوني‬
‫آلية بديلة للنهوض بأوضاع املواطن والاستجابة ملبطالبه وحاجياته على املستوى الترابي‪ ،‬وكذا إعادة توزيع‬
‫ثمار النمو بين مصتلف املناطق املهمشة‪ ،‬وبالتالي التوفيق بين أهداف النمو والتنمية ومبدأ العدالة‬
‫الاجتماعية‪.1‬‬

‫أصبح الاقتصاد التضامني والاجتماعي من ألادوات املهمة لبناء الدولة الاجتماعية انبطالقا من املجاالت‬
‫الترابية ملواجهة تحديات التنمية ومصتلف ألازمات كما عبر عن ذلك تقرير النموذج التنموي‪ ،‬خاصة في‬
‫ظل تفاقم مشكلة التغيرات املناخية والجفاف ونتائج ألازمات الصحية والحروب‪ ،‬إضافة إلى معبطى رئيس ي‬

‫‪ 1‬البطاهر بكني‪ :‬الاقتصاد التضامني‪ :‬إعادة اختراع الرأسمالية أم تضميد لجروحها؟ الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ورهانات التنمية العادلة‪-‬‬
‫مؤلف جماعي‪ ،‬مركز تكامل للدراسات وألابحاث‪ ،‬مبطبعة قرطبة –اكادير‪ ،8787 ،‬ص ‪.35‬‬

‫‪203‬‬
‫هو تمكين الفئات الهشة واملقصية من الوصول إلى فرص الشغل والتمويل واليات إلانتاج‪ ،‬والحصول‬
‫على املعلومة املرتببطة بالسوق واملعرفة خاصة التكنولوجية للمساهمة في تقوية ركائز الدولة الاجتماعية‪.‬‬

‫يقوم هدف الاقتصاد التضامني والاجتماعي على تثمين مصتلف املوارد املحلية واستغاللها لتبطوير‬
‫الاقتصاد املحلي والوطني معا‪ ،‬وابتكار طرق مصتلفة لتوطين املوارد ألاخرى والحفاظ عليها لضمان‬
‫استدامة واستمرارية آثار التنمية والبيئة وإلانسان‪ ،‬ثم ضمان إدماج إلانسان عبر إعمال مقاربة النوع‬
‫وإشراك النساء والشباب وخاصة إدماج ذوي الاحتياجات الخاصة في سيرورة الاقتصاد والتنمية‪ ،‬وبالتالي‬
‫التوزيع العادل لثمار النمو بين ألاجيال الحاضرة واملستقبلية‪.‬‬

‫تتمثل مبادئ الدولة الاجتماعية في املساواة والعدالة الاجتماعية واملجالية في توزيع املوارد والثروات وفي‬
‫املشاركة والاستفادة من الخدمات املقدمة‪ ،‬وسهولة الوصول إلى السلع والخدمات‪ ،1‬ثم بناء التضامن‬
‫والتآزر بين مصتلف الفئات الاجتماعية‪ .‬إن بناء الدولة الاجتماعية مرتبط بفعالية الفعل التنموي‪ ،‬وخلق‬
‫مبادرات ابتكارية من قلب املجتمع املحلي لتبطوير املوارد املحلية من أجل إشباع الحاجيات‪ ،‬والهدف هو‬
‫تبطوير إلانسان واملناطق املعزولة املحرومة من التنمية‪.‬‬

‫يتميز الاقتصاد التضامني والتعاوني بكونه يجعل من أولوياته التشغيل واملبادرة الذاتية‪ ،‬ومحاربة الفوارق‬
‫الاجتماعية واملجالية‪ ،‬من خالل الارتقاء بالفرد وإدماجه في الدورة الاقتصادية‪ ،‬وبالتالي إعادة التوازن‬
‫للمجتمع والحد من التفاوت والاختالالت الاجتماعية‪ .‬وعلى هذا ألاساس‪ ،‬فان إعبطاء أهمية للحرف‬
‫والصناعة التقليدية وأدوات التنقل وإلانتاج وتبطوير املناطق املصصصة لذلك هو من أولويات الجماعات‬
‫الترابية في البرامج التنموية واملصبطبطات واملشاريع العمومية املعتمدة من طرف املجالس املنتصبة‪،‬‬
‫ومساعدة حاملي املشاريع وملفات التعاونيات والتعاضديات عبر تبسيط املساطر إلادارية‪ ،‬وتوفير الوسائل‬
‫املادية من تمويل وتسهيل القروض‪ ،‬واملساعدات اللوجيستية والتقنية بواسبطة كل وسائل العمل‬
‫والتحويل‪ ،‬إضافة إلى التكوين املستمر‪.‬‬

‫ب) تفعيل آليات التضامن والتأهيل الاجتماعي‬

‫تعاني الجماعات الترابية من عدة إكراهات واختالالت تنموية وفوارق في مؤشر التنمية بين جهات اململكة‪،‬‬
‫ومن آلاليات التي يمكن أن تلعب إلى جانب املجالس الترابية املنتصبة دورا مهما في تحقيق املبطالب‬
‫التنموية‪ ،‬وتقوية وتحديث أدوار الجماعات الترابية ملواجهة العجز الذي تواجهه في مجال التنمية‬
‫والاستجابة لحاجيات املواطنين‪ ،‬نجد كلمن صندوق التضامن الجهوي وصندوق التأهيل الاجتماعي‬
‫كآليات تدبيرية مؤسساتية‪.‬‬

‫‪ 1‬جون رولز‪ :‬العدالة كإنصاف "إعادة الصياغة"‪ ،‬ترجمة حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬املنيمة العربية للترجمة‪ ،‬البطبعة ألاولى – بيروت‪ ،‬دجنبر‬
‫‪ ،8777‬ص ‪.57‬‬

‫‪204‬‬
‫يشكل التضامن وسيلة فعالة ملواجهة الفوارق التنموية بين جهات اململكة‪ ،‬وآلية فعالة لترسيخ املساواة‬
‫والعدالة الاجتماعية‪ .‬يتم تفعيل التضامن من خالل إعادة توزيع املوارد بين جميع املناطق والفئات‬
‫الاجتماعية على أساس وجود جهات غنية وأخرى فقيرة تضم فئات وطبقات اجتماعية هشة‪ .‬وتبعا‬
‫لذلك‪ ،‬تم إحداث آليات مؤسساتية تحت اسم "صندوق التضامن بين الجهات"‪ 1‬الذي عوض مؤسسة‬
‫"صندوق املوازنة والتنمية والجهوية"‪ ،‬والصندوق الجهوي للتأهيل الاجتماعي‪.‬‬

‫جاء صندوق التضامن بين الجهات لتعزيز مشروع الجهوية املتقدمة‪ ،2‬ومواكبة محدودية املوارد‬
‫املصصصة للجماعات الترابية ومساعدتها على الرفع من مؤشر التنمية وتقليص التفاوتات املجالية‪،‬‬
‫والعمل على التوزيع العادل للموارد قصد التقليص من التفاوتات بين الجهات‪ ،3‬بحيث نجد أن هناك‬
‫جهات تحقق نسب نمو كبيرة مقارنة ببعض الجهات ألاخرى‪ ،4‬وهو ما يعرقل هدف بناء الدولة الاجتماعية‬
‫ُ‬
‫حينما ال توجد عدالة في النمو وفي التنمية فإن النتيجة هي تكريس العجز العمومي‪ .‬ونفس الهدف أحدث‬
‫له صندوق التأهيل الاجتماعي ملواجهة تعثر التنمية وتبطوير مؤشر الدخل الفردي والقضاء على الهشاشة‬
‫والفقر وإلاقصاء الاجتماعي‪.‬‬

‫وفي نفس السياق‪ ،‬نص دستور ‪ 52011‬على آلية الصندوق الجهوي للتأهيل الاجتماعي‪ 6‬من أجل سد‬
‫العجز الحاصل في التنمية البشرية‪ ،‬وكل ما يتعلق بالتجهيزات ألاساسية السيما املتعلقة باملاء الصالح‬
‫للشرب والكهرباء‪ ،‬والصحة‪ ،7‬وهي شروط أساسية لبناء الدولة الاجتماعية وتحقيق عدالة اجتماعية‬

‫‪ 1‬املواد ‪ 835‬إلى ‪ 831‬من الباب الثاني من القانون التنييمي رقم ‪ 000.05‬املتعلق بالجهات‪ ،‬لجريدة الرسمية عدد ‪ 1327‬الصادرة بتاريخ ‪1‬‬
‫شوال ‪ 83( 0531‬يوليو ‪ ،)8704‬ص ‪ .1424‬واملرسوم رقم ‪ 110.00.8‬الصادر في فاتح ربيع ألاول ‪ 87( 0537‬نونبر ‪ )8700‬بتحديد معايري‬
‫توزيع مداخيل صندوق التضامن بني الجهات‪.‬‬
‫‪ 2‬انير الكتاب الثالث " الجهوية املتقدمة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية "‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.013‬‬
‫‪3‬املادة ‪ 234‬من القانون التنييمي للجهات رقم ‪111.14‬‬
‫‪ 4‬خالل ‪ 8707‬تم خلق ‪ 42.0‬باملائة من الثروة الوطنية‪ ،‬حيث بلغت نسبة الدار البيضاء سبطات ‪ %30.2‬والرباط سال القنيبطرة ‪%04.3‬‬
‫وطنجة تبطوان الحسيمة ‪ https://www.maroc.ma.%07.7‬نشر بتاريخ‪ 26‬يوليوز‪ ،8780‬تم الاطالع عليه بتاريخ ‪.8780/00/83‬‬
‫‪ 5‬الفصل ‪142‬من الدستور‬
‫‪6‬املواد ‪ 887‬إلى ‪ 833‬من الباب الثاني من القانون التنييمي رقم ‪ 000.05‬املتعلق بالجهات‪ ،‬واملرسوم رقم ‪ 472.00.8‬الصادر في فاتح ربيع‬
‫ألاول ‪ 87( 0537‬نونبر ‪ )8700‬بتبطبيق أحكام املادة ‪ 830‬من القانون التنييمي رقم ‪ 05.000‬املتعلق بالجهات فيما يصص صندوق التأهيل‬
‫الاجتماعي‪.‬‬
‫‪ 7‬املادة ‪ 229‬من القانون التنييمي للجهات‪ :‬يهدف صندوق التأهيل الاجتماعي املحدث بموجب الفصل ‪ 058‬من الدستور‪ ،‬إلى سد العجز‬
‫في مجاالت التنمية البشرية‪ ،‬والبنيات التحتية ألاساسية والتجهيزات‪ ،‬السيما في املجاالت التالية‪:‬‬
‫‪ ‬املاء الصالح للشرب والكهرباء؛‬
‫‪ ‬السكن غير الالئق؛‬
‫‪ ‬الصحة؛‬
‫‪ ‬التربية؛‬
‫‪ ‬شبكة البطرق واملواصالت‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫ومجالية بين مصتلف مكونات الجماعات الترابية‪ .‬بالتأكيد هناك تفاوتات كبيرة بين الجماعات الترابية‬
‫تتضح من مؤشرات التنمية خاصة فيما يتعلق بالولوج إلى التربية والتكوين والتشغيل‪ ،‬ناهيك عن البنيات‬
‫التحتية املرتببطة بالبطرق وجميع املواصالت‪ ،‬وتوفير املاء والكهرباء‪ ،‬إضافة إلى كل ما يتعلق بالصحة‬
‫ومرافقها‪ ،‬ومدى تأثيرها على التوزيع املتوازن للسكان‪ ،‬وتحسين مستوى العيش الذي يسمح باملساهمة‬
‫في خلق الثروة والتنمية‪ ،‬ومحاربة الهجرة‪.‬‬

‫إن الهدف من إحداث هذه الصناديق هو الريي باملستوى الاجتماعي للمواطن املحلي‪ ،‬وإعادة الاعتبار‬
‫للمناطق املهمشة عبر توجيه وتوزيع التجهيزات والبنيات التحتية بنفس الوثيرة‪ ،‬ثم توجيه السياسات‬
‫والبرامج العمومية بشكل متساو بين مصتلف املناطق‪ .‬فالحديث عن التضامن والتأهيل على املستوى‬
‫الترابي يجب أن يرتكز على تقاسم إلامكانات املادية والتجهيزات ألاساسية‪ ،‬وتقديم املساعدات لفائدة‬
‫الجماعات الترابية الفقيرة‪ ،‬فالتنمية الترابية في حاجة إلى تشخيص الحاجيات وتحديد ألاهداف والنتائج‬
‫وتقديم الحساب على ذلك‪ ،‬إضافة وجود الفكر املقاوالتي لدى املدبر الترابي من خالل ابتكار أدوات‬
‫للتنمية والارتقاء باملجاالت الترابية‪.‬‬

‫ت) التقييم والتتبع‬

‫يعتبر التتبع والتقييم من آلاليات الحديثة املعتمدة في التدبير املبني على النتائج‪ ،‬وهي وسيلة للوقوف على‬
‫تقدم انجاز املشاريع والبرامج التنموية املعتمدة من طرف الجماعات الترابية وحسن تدبيرها‪ ،‬ومراقبة‬
‫النتائج وألاهداف املتوقعة واملحققة على أرض الواقع‪ ،‬ومدى احترام ومالءمة املوارد مع مصتلف ألانشبطة‬
‫لبلوغ النتائج املنتيرة‪ .‬إن ما يعوز تجويد التدبير الترابي والرفع من مساهمة الجماعات الترابية في نسبة‬
‫النمو باملغرب هو غياب التتبع والتقييم للمشاريع والبرامج التنموية‪ ،‬وبالتالي فشلها وعدم تحقيقها‬
‫لألهداف املسبطرة‪.1‬‬

‫إن تتبع وتقييم السياسات والبرامج العمومية أصبح اليوم مبطلبا أساسيا في تدبير التنمية باملغرب‪ ،‬ألن‬
‫جودة تدبير املصبطبطات والبرامج واملشاريع التنموية وتحقيق ألاهداف املسبطرة‪ ،‬والاستعمال ألامثل للموارد‬
‫املصصصة للتنمية يساهم في بناء الدولة الاجتماعية‪ .‬فالتقييم مرتبط بالتنمية الوطنية املؤدي إلى قيام‬
‫دولة اجتماعية‪ ،‬إذ أنه لم يعد ألامر يقتصر فقط على متابعة تنزيل مشاريع موجهة ألغراض تنموية تهدف‬
‫إلى امتصاص املبطالب والاحتياجات‪ ،‬بل يجب أن تكون هذه السياسات ومصتلف البرامج لها أهداف‬
‫وطنية كالتنمية املستدامة‪ ،‬والرفع من نسبة النمو إلى جانب التنمية‪ ،‬واملساهمة في الناتج الوطني‪.‬‬

‫‪ 1‬أشار تقرير املجلس ألاعلى للحسابات إلى ضعف آلية تتبع وتقييم تنفيذ برامج عمل الجماعات ولم يتم من خاللها إعداد تقارير سنوية‬
‫عن تنفيذ برامج عملها‪ ،‬تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي ‪ 8707‬و‪ ،8787‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.0127‬‬

‫‪206‬‬
‫ث) ربط قيام الدولة الاجتماعية باملسؤولية وباملحاسبة وتقديم النتائج‬

‫دائما ما تكون النتائج وتحقيق ألاهداف مرتببطة باملساءلة والحساب‪ ،‬فالدستور وغيره من‬
‫القوانين جاءت بعدة مقتضيات ومستجدات ترتبط بالحكامة الجيدة‪ ،1‬خاصة الفصل ‪ 045‬الذي‬
‫نص على مجموعة من القيم واملبادئ ألاساسية للحكامة املالية والتدبيرية في شكل معايير الجودة‪،‬‬
‫الشفافية‪ ،‬املحاسبة واملسؤولية‪ ،‬واحترام القانون‪ ،‬فمبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة يمكن رببطه‬
‫أيضا بما جاء في القانون التنييمي للمالية رقم ‪ 037.03‬بما يهم الشفافية والصدقية‪ ،‬وأهمية‬
‫املعبطيات والوثائق املقدمة للب رملان‪ ،‬وتحديد ألاهداف وتقييمها‪.2‬‬

‫ال يتوقف بناء الدولة الاجتماعية عند تبطوير ومساعدة ألافراد‪ ،‬بل يفترض أيضا وجود مؤسسات ومرافق‬
‫تساهم في تنزيل النصوص وآلاليات واملساعدات لفائدة املواطن‪ ،‬فاملرافق العمومية لها مهمة تقديم‬
‫الخدمات خاصة الاجتماعية من صحة وتعليم وتشغيل‪ ...‬ولذا هناك ضرورة لتفعيل املحاسبة عن‬
‫تدبيرها لألموال العمومية‪ ،‬ولدرجة تجويد خدماتها طبقا للقوانين الجاري بها العمل‪ ،‬مع إخضاعها‬
‫للمراقبة والتقييم‪ .3‬ونفس الش يء بالنسبة للفاعلين خاصة وان هناك تقارير ضد بعض النصب‬
‫الترابية‪.4‬‬

‫يشكل تفعيل مبدأ ربط املسؤولية باملحاسبة عموما أداة أساسية إلنجاح البرامج التنموية‬
‫الترابية‪ ،‬من خالل مراق بة النفقات العمومية املصصصة للجماعات الترابية واملوجهة لخدمة‬
‫املصالح املجتمعية من تدبير املرافق العمومية وتنزيل السياسات العمومية الترابية وإقامة بنيات‬
‫وتجهيزات أساسية‪ .‬وعليه‪ ،‬يفرض تفعيل املبدأ نفسه سواء من طرف الب رملان أو الحكومة نفسها‬
‫أو من خالل املجلس ألاعلى للحسابات إلى جانب املجالس الجهوية للحسابات‪ 5‬التي تتولى مراقبة‬
‫حسابات الجهات والجماعات الترابية وهيئاتها‪.‬‬

‫‪ 1‬الباب الثاني عشر من دستور ‪ ،8700‬الحكامة الجيدة‪.‬‬


‫‪ 2‬املادة ‪10‬و‪ 50‬من القانون التنييمي للمالية رقم ‪ ،03-037‬الصادر بشأنه اليهير الشريف رقم ‪ 1-11-20‬صادر في ‪ 12‬من شعبان ‪1222‬‬
‫(‪ 0‬يونيو ‪ ،)0211‬الجريدة الرسمية عدد ‪ – 2272‬فاتح رمضان ‪ 19( 1222‬يونيو ‪ ،)0211‬ص ‪.1912‬‬
‫‪ 3‬الفصل ‪ 041‬من دستور ‪.8700‬‬
‫‪ 4‬متابعة بعض أعضاء املجالس الترابية أمام القضاء‪ ،‬وعزل اخرين من طرف وزارة الداخلية بسبب ارتكابهم أفعاال مصالفة للقانون‬
‫وألانيمة الجاري بها العمل‪.‬‬
‫‪ 5‬الفصل ‪ 057‬من دستور ‪.8700‬‬

‫‪207‬‬
‫‪ .0‬وسائل إبراز الدور الاجتماعي للجماعات الترابية في تدبير البرامج واملوارد‬
‫أ) أولوية الخدمات الاجتماعية في البرامج واملخططات الترابية‬

‫ال يقتصر دور الجماعات الترابية في بناء الدولة الاجتماعية فقط على توفير سبل العيش الكريم املتعلق‬
‫بضمان وجود املواد ألاساسية وكل متبطلبات الحياة اليومية‪ ،‬بل يبطال كل وسائل التمكين والاستدامة‪،‬‬
‫إذ أن من أهم الخصائص التي تبطبع املشاريع والبرامج املوجهة لخدمة إلانسان هي طبيعتها الاجتماعية‬
‫وسهولة الوصول والحصول على جميع الخدمات‪ ،‬أي فك العزلة عن املناطق النائية واملهمشة بتوفير‬
‫النيات التحتية‪ ،‬وتوطين جميع ألانشبطة املدرة للدخل سواء كانت صناعية أو تجارية أو زراعية‪ .‬وتدخل‬
‫الجماعات الترابية يجب أن يتم على أربعة جوانب والتي تشكل سلسلة متراببطة‪ ،‬ويتمثل ألاول في اختيار‬
‫ألاهداف التي ِّ‬
‫يوجه إليها جهد التغيير‪ ،‬ثم تحديد نقبطة التغيير‪ ،‬إضافة إلى اختيار الوسائل املستصدمة‬
‫لتنفيذ التدخل‪ ،‬وأخيرا تقييم نتائج التدخل‪.1‬‬

‫إن التأسيس لدولة اجتماعية بمشاركة الجماعات الترابية يقتض ي اعتمادها برامج تنموية شاملة تضمن‬
‫جميع الحقوق والحاجيات الضرورية‪ ،‬وتعميم الاستفادة من الخدمات ألاساسية وتقريبها من املواطنين‪،‬‬
‫كالبنيات التحتية املتعلقة باملاء والكهرباء‪ ،‬والبطرق‪ ،‬والخدمات الصحية من مستشفيات ومستوصفات‪،‬‬
‫والتعليم كتوسيع أسبطول النقل املدرس ي‪ ،‬وهي آليات تحقيق التماسك الاجتماعي وعدم التمييز بين أفراد‬
‫املجتمع‪ ،2‬والتي تأخذ بعين الاعتبار إلانسان كفاعل ومستفيد في نفس الوقت‪.‬‬

‫وتتميز الجماعات الترابية بكونها الفضاء املالئم البتكار الحلول التنموية عن طريق توفير اليروف املالئمة‬
‫للعيش لكافة املواطنين‪ ،‬فالتنمية تهدف إلى تحسين رفاهية السكان‪ ،‬وتلبية حاجياتهم ومبطالبهم ألاساسية‬
‫املرتببطة بتبطوير بعض القبطاعات كالصحة والسكن وكل الخدمات العمومية‪ ،3‬من خالل مهمة تجويد‬
‫إعداد البرامج التنموية وتحديد أولوياتها‪ ،‬ألن دور الجماعات الترابية هو دور تنموي‪ ،‬ولذا تشكل البرمجة‬
‫ومراعاة امليزانية ألاساس الذي ترتكز عليه ترجمة املشاريع والبرامج التنموية على أرض الواقع‪ .‬وعلى‬
‫أساس ذلك يكون من الالزم تبطبيع املشاريع واملصبطبطات التنموية املزمع توطينها على املستوى الترابي‬
‫بالصفة الاجتماعية‪ ،‬من خالل إعبطاء ألاولوية للبرامج واملشاريع الاجتماعية في البرامج واملصبطبطات‬
‫التنموية‪.‬‬

‫وتتوفر الجماعات الترابية على اختصاصات مهمة في املجال الاجتماعي‪ ،‬فاملجلس املنتصب يمتلك‬
‫صالحيات قانونية وتدبيرية لتيسير الفعل التنموي‪ ،‬ويتجلى دور املجلس في خلق وابتكار مجموعة من‬
‫البرامج التي تستهدف الفئات الهشة واملقصية من املجتمع‪ ،‬كذوي الاحتياجات الخاصة وتسهيل وصولها‬

‫‪1 Walls and Bridges : Anthony J. Cortese, STATE UNIVERSITY OF NEWYORK PRESS ALBANY, 2003, P 162.‬‬

‫‪2 Ibid, P 165.‬‬

‫‪3 Ibid.‬‬

‫‪208‬‬
‫وحصولها على الخدمات املصتلفة‪ ،‬وإحداث دور لإليواء وألارامل والعجزة والبطفولة ومؤسسات تأهيلها‬
‫وتكوينها‪ ،‬والاهتمام ببعض القبطاعات الحيوية ألاخرى وإن كانت من اختصاصات القبطاعات الوصية في‬
‫إطار الذكاء والابتكار الترابي والتعاون والشراكة‪.‬‬

‫إن العمل على بناء الدولة الاجتماعية يمر من خالل توفير شروط التنمية‪ ،‬فالدولة الاجتماعية ليست‬
‫مجرد تصصيص تشريعات تؤطر العمل الخيري أو تقديم الدعم الاجتماعي للمواطن والفئات الهشة‬
‫واملقصية‪ ،‬بل يتبطلب كذلك العمل على ضمان آليات وأدواة وإجراءات اقتصادية للوصول إلى اقتصاد‬
‫اجتماعي يضم جميع الفئات الاجتماعية‪ ،‬من خالل تبطوير مجاالت أخرى لها عالقة مباشرة مع املواطن‬
‫كما هو الشأن لالقتصاد الاجتماعي والتضامني وتبطوير التعاونيات ومساعدتها‪ ،‬إضافة إلى حث الفاعلين‬
‫الاقتصاديين على الانصراط في املجهودات املبذولة من طرف الدولة خاصة في تبطوير وتمويل املشاريع‬
‫ذات الصبغة الاجتماعية أو مواكبة حاملي هذه املشاريع‪.‬‬

‫ب) توجيه املوارد نحو تمويل املشاريع الاجتماعية‬

‫ال يمكن تحقيق التنمية على املستوى الترابي في ظل الفوارق املجالية والاجتماعية‪ ،‬ومصتلف أنواع التمييز‬
‫في بعض املجاالت كما هو الشأن ألداء الضريبة‪ .‬فالدول تقوم على مداخيل الضرائب والرسوم وغيرها‬
‫من املوارد‪ ،‬إذ أن امليزانية العامة للدولة والجماعات الترابية هي ألاداة الرئيسية لتفعيل العدالة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وتذليل الفوارق البطبقية والاجتماعية واملجالية بناء على الديمقراطية والحق والقانون‬
‫والتعددية والتضامن واملساءلة وتكافؤ الفرص‪ ،‬ومقومات العيش الكريم للجميع‪ ،‬في نبطاق التالزم بين‬
‫حقوق وواجبات املواطنة كما جاء في الدستور‪.‬‬

‫إن أساس املشاركة في التمويل عبر أداء الضريبة والرسوم املحلية يقوم على التضامن الاجتماعي من أجل‬
‫توفير موارد مالية ملواجهة أعباء والتزامات عامة‪ ،‬وأداء الضريبة يقوم على العدل بين املواطنين حسب‬
‫القدرة التكليفية والاستفادة من ثمارها‪ .‬والغاية من أداء الضريبة والرسوم هو تحقيق عدة أهداف‬
‫خاصة ما يتعلق بإعادة تمويل مشاريع أخرى لها تأثير كبير على املواطن‪ ،‬وييل التوجيه الصحيح للضريبة‬
‫والرسوم هو أساس التدبير الترابي من أجل خلق الثروة وابتكار مشاريع وبرامج تنموية اجتماعية تساهم‬
‫في تقوية وصمود الجماعات الترابية في وجه بعض املشاكل وألازمات كما هو الشأن ألزمة كورونا‪.‬‬

‫وانبطالقا من واقع الجماعات الترابية‪ ،‬يالحظ غياب العدالة الضريبية بين الجهات‪ 1‬والجماعات الترابية‪،‬‬
‫وضعف مردودية الرسوم بسبب ضعف قيمة املشاريع املحدثة على مستوى الجماعات الترابية‪ ،‬وكذا‬
‫إشكالية التهرب الضريبي‪ ،‬ثم عدم قدرة املدبر الترابي على الابتكار في تسويق املنتوج والخصائص املحلية‪،‬‬
‫بدل الاتكال على قرارات السلبطة الوصية وانتيار تحويالت ومساهمات الدولة‪ .‬وعلى هذا ألاساس‪ ،‬فإن‬

‫‪ 1‬مثال الرسوم على الخدمات املقدمة باملوانئ‪ ،‬والرسم على رخص الصيد البحري‪...‬‬

‫‪209‬‬
‫إعادة توزيع بعض الضرائب واملوارد بين الجماعات الترابية الفقيرة والغنية داخل نفس املجال الترابي‬
‫بناء على تحديد ألاولويات الترابية‪ ،‬ثم تجاوز املنبطق التقليدي للتحويالت املالية من الدولة إلى الجماعات‬
‫ُ‬
‫الترابية‪ 1‬على أساس التنمية واملساهمة في إنجاز مشاريع تنموية ملموسة تر َاعى فيها الدقة في الدراسات‬
‫والتشخيص‪ ،‬وتحديد النتائج‪ ،‬ودقة البرمجة والتصبطيط‪ ،‬ثم املتابعة واملراقبة كمفتاح إنجاح الدولة‬
‫الاجتماعية والارتقاء بنسب النمو والتنمية‪.‬‬

‫يساهم إعادة توزيع املداخيل واملوارد الترابية بشكل كبير في تحقيق التكامل والتجانس بين الجماعات‬
‫الترابية املنضوية داخل نفس الجهة‪ ،‬من خالل إيالء ألاهمية وألاولوية في البرامج التنموية الترابية بناء‬
‫على حاجيات وأولويات املجاالت الترابية الفقيرة داخل نفس الجهة‪ ،‬بحيث أن البرنامج يساهم في تحديد‬
‫الحاجيات وألاولويات انبطالقا من خصوصيات كل جهة‪ ،‬وبالتالي بناء عالقة أكثر توازنا بين الوحدات‬
‫الترابية‪ ،‬وبين املواطنين داخل نفس املجال الترابي املعني خاصة في ظل الولوج غير املتكافئ للخدمات‬
‫ألاساسية من تعليم وصحة وتشغيل وسكن وتعقيد املساطر‪ ...‬بالنير إلى أهميتها الاستراتيجية ودورها‬
‫ألاساس ي في بناء مجتمع متكامل ومتجانس‪.‬‬

‫يقوم رؤساء مجالس الجهات والجماعات الترابية ألاخرى بتنفيذ مداوالت مجالسها ومقرراتها‪ ،2‬في إطار‬
‫مبادئ التدبير الحر والتفريع‪ ...‬وفي ظل كذلك الاختصاصات املنوطة بالجماعات الترابية في مجاالت عدة‬
‫متصلة مباشرة بالفئات الاجتماعية الهشة واملقصية كالصحة والتعليم والسكن‪ ...‬لذلك فإن توجيه‬
‫املوارد املالية وتركيزها على هذه القبطاعات ذات ألاولوية الاجتماعية يعد من صميم الحكامة التدبيرية‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد‪ُ ،‬وضعت تحت سلبطة الجماعات الترابية آليات مهمة للنهوض باملجال الاجتماعي وتمويله‪،‬‬
‫كشركات التنمية املحلية وصناديق التأهيل الاجتماعي والتضامن بين الجهات عبر ضخ ألاموال الالزمة‬
‫لذلك‪ ،‬وتتبعها وتوجيهها نحو الهدف ألاساس ي بواسبطة تمويل املشاريع بالضرائب والرسوم وكل‬
‫املساعدات املحصل عليها من طرف الجماعات الترابية‪ ،‬من أجل الاستجابة لحاجيات جميع املواطنين‬
‫من خالل تيسير الولوج والحصول على الخدمات ألاساسية ومواجهة كل املصاطر‪.‬‬

‫ال يمكن تحقيق كل ألاهداف بدون توفر الجماعات الترابية على موارد مالية مهمة وقارة‪ ،‬فثروة الجماعات‬
‫الترابية تتشكل من موارد ذاتية ومساهمات الدولة والاقتراضات وألامالك‪ ،‬فضال عن بعض املشاريع‬
‫املدرة للدخل رغم قلتها‪ .‬وعليه‪ ،‬جاء القانون رقم ‪ 87-70‬بمجموعة من املقتضيات للرفع من مداخيل‬
‫الجماعات الترابية وتبطوير أدائها وتدخالتها في مصتلف املجاالت والقبطاعات‪ ،‬لكن رغم ذلك ظلت نفس‬

‫‪ 1‬نسبة الضرائب املحولة‪:‬‬


‫‪ 5 % -‬من حصيلة الضريبة على الدخل؛‬
‫‪ 5 % -‬من حصيلة الضريبة على الشركات؛‬
‫‪ 20 % -‬من حصيلة الرسم على عقود التأمين؛‬
‫‪ 2‬الفصل ‪ 032‬من دستور ‪8700‬‬

‫‪210‬‬
‫الوضعية السابقة على حالها حيث تكريس التفاوت الجبائي‪ ،‬أو لضعف املردودية الضعيفة لبعض‬
‫الرسوم‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫تبقى الجماعات الترابية فاعال مهما في تحقيق التنمية كنتيجة ملجموعة من التبطورات والتغيرات التي‬
‫أملتها اليروف الحالية‪ ،‬من خالل مجموعة من الوسائل التي تمتلكها سواء كانت قانونية أو تدبيرية أو‬
‫مؤسساتية‪ ،‬فبناء الدولة الاجتماعية غير محصورة فقط في الدولة‪ ،‬بل هناك فاعلين آخرين قادرين على‬
‫املساهمة في تحقيق هذا الهدف‪ .‬فاملقاربة الترابية في بناء الدولة الاجتماعية تعد من ركائز تحقيق هذا‬
‫الهدف لكون املجاالت الترابية فضاء مالئما لخلق بدائل وحلول‪ ،‬وبفعل كذلك قرب الجماعات الترابية‬
‫من الحاجيات واملبطالب الاجتماعية املحلية املتجددة واملتبطورة‪ ،‬وقدرتها على مواكبتها وتشخيصها بشكل‬
‫فعال‪.‬‬

‫وعموما تتمثل الدولة الاجتماعية كما جاء في تقرير النموذج التنموي بتفعيل العدالة املجالية‬
‫والاجتماعية من خالل التوزيع العادل للموارد والخدمات وضمان الولوج إلى الحقوق الاقتصادية‬
‫والاجتماعية والثقافية والبيئية للحد من الفوارق البطبقية والتفاوتات الترابية‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن املساهمة في‬
‫بناء الدولة الاجتماعية انبطالقا من املستوى الترابي يتبطلب تفعيل إمكانيات الجماعات الترابية وتبطويرها‪،‬‬
‫وكذا التجديد في آلاليات املعتمدة لتدبير التنمية ومتابعتها‪.‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫املراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ ‬الكتب‬
‫‪ ‬البطاهر بكني‪ :‬الاقتصاد التضامني‪ :‬إعادة اختراع الرأسمالية أم تضميد لجروحها؟ الاقتصاد الاجتماعي‬
‫والتضامني ورهانات التنمية العادلة‪-‬مؤلف جماعي‪ ،‬مركز تكامل للدراسات وألابحاث‪ ،‬مبطبعة قرطبة –‬
‫اكادير‪.8787 ،‬‬
‫‪ ‬جون رولز‪ :‬العدالة كإنصاف "إعادة الصياغة"‪ ،‬ترجمة حيدر حاج إسماعيل‪ ،‬املنيمة العربية للترجمة‪،‬‬
‫البطبعة ألاولى – بيروت‪ ،‬دجنبر ‪.8777‬‬
‫‪ ‬الرسائل وألاطروحات‬
‫عادل تميم‪ :‬البعد الجهوي في سياسات تدبير الاستثمار وانعكاسه على التنمية –على ضوء الجهوية‬ ‫‪‬‬
‫املتقدمة‪ ،‬جامعة عبد املالك السعدي كلية العلوم القانونية‪ ،‬الاقتصادية والاجتماعية –طنجة‪-8704 ،‬‬
‫‪.8701‬‬

‫‪211‬‬
‫محمد أهيري‪ :‬تدبير املشاريع العمومية "البطرق السيارة نموذجا"‪ ،‬رسالة لنيل شهادة املاستر في القانون‬ ‫‪‬‬
‫العام والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية –‬
‫أكدال – الرباط‪.2017-2016 ،‬‬

‫‪ ‬املجالت العلمية‬
‫‪ ‬عبد هللا شنفار‪ :‬الفاعلون املحليون والسياسات العمومية املحلية‪" :‬دراسة في القرار املحلي"‪ ،‬مبطبوعات‬
‫املعرفة ‪-‬مراكش‪ ،‬البطبعة ألاولى‪.2015 ،‬‬
‫‪ ‬املقاالت العلمية‬
‫‪ ‬عبد الرفيع زعنون‪ :‬تدبير التنمية الترابية وسؤال الديموقراطية‪ :‬الفرص واملصاطر‪ ،‬مؤلف مشترك‪ ،‬مركز‬
‫تكامل للدراسات وألابحاث‪ ،‬مبطبعة قرطبة –اكادير‪.8787 ،‬‬
‫‪ ‬عبد الحافظ ادمينو‪ :‬التعاقد بين املديريات املركزية واملديريات الجهوية وترسخ التدبير الالمتمركز املجلة‬
‫املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬العدد ‪ ،140‬ماي – يونيو ‪.8702‬‬
‫‪ ‬علي الحنودي‪ :‬الدولة وتدبير السياسات العمومية الترابية‪ ،‬املجلة املغربية لإلدارة املحلية والتنمية‪ ،‬عدد‬
‫‪ ،135-136‬ماي – غشت ‪.2017‬‬
‫‪ ‬بجيجة العربي‪ :‬ممثل السلبطة املركزية بالجماعات الترابية "أي دور للوالة‪/‬العمال من خالل الدستور؟"‪،‬‬
‫مجلة مسالك في الفكر والسياسة والاقتصاد‪ ،‬مبطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬العدد ‪،29/30‬‬
‫السنة ‪.2015‬‬
‫‪ ‬عماد أبركان‪ :‬الوالة والعمال في النموذج املغرب لإلدارة املحلية وسؤال الحكامة الترابية‪ ،‬مجلة مسالك‬
‫في الفكر والسياسة والاقتصاد‪ ،‬مبطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬العدد ‪ ،32/31‬السنة ‪.2015‬‬
‫‪ ‬عبد القادر الخاضري‪" :‬الجماعات الترابية باملغرب – من التسيير إلاداري إلى تدبير اقتصاد التنمية –‬
‫مقاربة قانونية وسياسية"‪ ،‬املجلة املغربية للسياسات العمومية‪ ،‬العدد ‪ ،85‬صيف ‪.8704‬‬
‫‪ ‬النصوص القانونية والتنظيمية‬
‫‪ ‬القانون التنييمي رقم ‪ 000.05‬املتعلق بالجهات الصادر بشأنه اليهير الشريف رقم ‪ 1.15.83‬بتاريخ ‪20‬‬
‫من رمضان ‪ 7( 1436‬يوليو ‪ ،)2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ ،6380‬بتاريخ ‪ 23‬يوليوز ‪ ،2015‬ص ‪.6585‬‬
‫‪ ‬القانون التنييمي رقم ‪ 112.14‬املتعلق بالعماالت وألاقاليم الصادر بتنفيذها ليهير الشريف رقم‬
‫‪ 1.15.84‬صادر في ‪ 20‬رمضان ‪ 7( 1436‬يوليوز ‪ ،)2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬الصادرة في ‪ 6‬شوال‬
‫(‪ 23‬يوليوز ‪.)2015‬‬
‫‪ ‬القانون التنييمي رقم ‪ 113.14‬املتعلق بالجماعات الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم ‪ 1.15.85‬صادر‬
‫في ‪ 20‬رمضان ‪ 7( 1436‬يوليوز ‪ ،)2015‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6380‬الصادرة في ‪ 6‬شوال (‪ 23‬يوليوز‬
‫‪.)2015‬‬
‫‪ ‬القانون التنييمي للمالية رقم ‪ ،03-037‬الصادر بشأنه اليهير الشريف رقم ‪ 0-04-18‬صادر في ‪ 05‬من‬
‫شعبان ‪ 8( 0531‬يونيو ‪ ،)8704‬الجريدة الرسمية عدد ‪ – 1307‬فاتح رمضان ‪ 02( 0531‬يونيو ‪،)8704‬‬
‫ص ‪.4207‬‬

‫‪212‬‬
‫‪ ‬القانون رقم ‪ 47.18‬املتعلق بإصالح املراكز الجهوية لالستثمار وبإحداث اللجان الجهوية املوحدة‬
‫لالستثمار الصادر بشأنه ظهير رقم ‪ 0.07.02‬صادر في ‪ 03‬فبراير ‪ ،8707‬الجريدة الرسمية عدد ‪1045‬‬
‫الصادر ب ‪ 04‬جمادى الاخرة ‪ 80( 0557‬فبراير ‪ ،)8707‬ص ‪.235‬‬
‫‪ ‬مرسوم رقم ‪ 2.17.618‬صادر في ‪ 18‬من ربيع آلاخر ‪ 26( 1440‬دجنبر ‪ )2018‬بمثابة ميثاق وطني لالتمركز‬
‫إلاداري‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 6738‬صادرة بتاريخ ‪ 27‬دجنبر ‪ ،2018‬ص ‪.9787‬‬
‫‪ ‬املرسوم رقم ‪ 110.00.8‬الصادر في فاتح ربيع ألاول ‪ 87( 0537‬نونبر ‪ )8700‬بتحديد معايير توزيع مداخيل‬
‫صندوق التضامن بني الجهات‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 5( 1180‬دجنبر ‪ ،)8700‬ص ‪.1210‬‬
‫‪ ‬الخطب والرسائل امللكية‬
‫‪ ‬الخبطاب امللكي بمناسبة الذكرى الثالثة والثالثين للمسيرة الخضراء‪ ،‬بتاريخ ‪ 1‬نونبر ‪.8772‬‬
‫‪ ‬الخبطاب امللكي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬بتاريخ ‪ 02‬ماي ‪.8774‬‬
‫‪ ‬الرسالة امللكية املوجهة إلى املشاركين في الدورة ألاولى للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية سنة ‪.8707‬‬
‫‪ ‬التقارير‬
‫‪ ‬تقرير حول أنشبطة املجلس ألاعلى للحسابات برسم سنتي ‪ 8707‬و‪ ،8787‬الجريدة الرسمية عدد ‪0703‬‬
‫مكرر‪ ،‬ص ‪ 05 ،0855‬مارس ‪.8788‬‬
‫‪ ‬النموذج التنموي "تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع"‪ :‬التقرير‬
‫العام‪ ،‬ابريل ‪.2021‬‬
‫‪ ‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ :‬الحكامة الترابية رافعة للتنمية املنصفة واملستدامة‪ ،‬إحالة‬
‫ذاتية رقم ‪.8707/58‬‬
‫‪ ‬إلاطار املرجعي لتقييم السياسات العمومية‪ ،‬منشورات مجلس النواب‪.2017 ،‬‬
‫‪ ‬اللجنة الاستشارية للجهوية‪ :‬الكتاب الثالث "الجهوية املتقدمة في خدمة التنمية الاقتصادية‬
‫والاجتماعية"‪.‬‬

‫املراجع باللغات ألاجنبية‪:‬‬


‫‪ Ouvrages :‬‬
‫‪ SOCIAL POLICY, PUBLIC POLICY From problem to practice: Meredith Edwards with Cosmo‬‬
‫‪Howard and Robin Miller, ALLEN & UNWIN, Australia, 2001.‬‬
‫‪ Walls and Bridges: Anthony J. Cortese, STATE UNIVERSITY OF NEWYORK PRESS ALBANY,‬‬
‫‪2003.‬‬
‫‪ Thèses et mémoires :‬‬
‫‪ Khalid ragragui : « Les politiques publiques locales », mémoire pour l’obtention du diplôme du‬‬
‫‪master, université Moulay Ismail faculté des sciences juridiques économiques et sociales‬‬
‫‪Meknès, année universitaire 2010/2011.‬‬

‫‪213‬‬
 Rapports :
 Evaluation_exécution_contrats de gestion déléguée_Région Rabat-Salé-Kénitra, Septembre
2020.
:‫املواقع الالكترونية‬
 https://www.maroc.ma
 http://www.regionalisationavancee.ma

214
‫البعد السوسيومجالي لالعدالة في الصحة وسؤال الحماية الاجتماعية بأكادير الكبير‪:‬‬
‫حالة الجماعة الترابية القليعة وسيدي بيبي‬
‫بدر الدين أيت العسري‬
‫أستاذ جامعي‬
‫تصصص جغرافيا‬
‫مقدمة‬
‫يعتبر أكادير الكبير قبطبا حضريا بارزا في هيكلة التراب املغربي‪ ،‬يضمن به املغرب ازدهاره الاقتصادي‬
‫ويشكل إحدى أذرعه الواقية أمام تحديات العوملة‪ .‬فهو نافذة عاملية حقق نجاحات في قبطاع الفالحة‬
‫والتجارة والسياحة‪ .‬إال أن خلف هذه املكانة املتميزة تحتجب عدة اختالالت عمرانية واجتماعية تحتاج‬
‫إلى تدخالت إرادية وقوية‪.‬‬
‫ومن بين الجوانب التي تتبطلب التدخل نجد ضعف مبادئ العدالة في التنييم املجالي والاجتماعي‪ ،‬ومن‬
‫مياهره استفحال التفاوتات السوسيواقتصادية واملجالية في الصحة والولوج للعالج‪ .‬تعود جذورها‬
‫باألساس إلى الفوارق في اليروف املعيشية ما بين مركز املدينة أكادير املزدهر واملنيم واملجاالت الهامشية‬
‫املحيبطة بمدينة أكادير التي تعيش على وقع الهشاشة والعشوائية‪ ،‬والتهميش املجالي والاجتماعي‪،‬‬
‫والقصور في التنييم العمراني والخصاص في الخدمات الاجتماعية‪ .‬كما ترتبط بالتدبير غير املندمج‬
‫للصحة وبصفة عامة ترتهن بجودة إطار حياة السكان‪.‬‬
‫في هذا الصدد تبرز هذه الورقة بعض مياهر ضعف العدالة السوسيومجالية في الصحة‪ ،‬كما تكشف‬
‫عن املحددات البيئية املعيشية وعالقتها بأوجه الفوارق الترابية في الحالة الصحية والولوج للعالج‪.‬‬
‫ويحدونا ألامل إلاسهام في توفير جوانب من املعرفة وألاسس العلمية التي ينبغي أن تسند عليها الخريبطة‬
‫الصحية بهدف تحديد أولويات السياسات العمومية الترابية ونيام الحماية الاجتماعية في ميدان‬
‫الصحة‪ ،‬كمدخل أساس ي للرفع من درجة التماسك الترابي والعدالة السوسيومجالية بأكادير الكبير‪،‬‬
‫إسهاما في ترسيخ مبادئ الدولة الاجتماعية‪.‬‬
‫‪ .1‬إلاشكالية‬
‫تتجلى إشكالية هذه الورقة البحثية في تشخيص واقع العدالة والالعدالة السوسيومجالية باملجال‬
‫الحضري أكادير الكبير‪ ،‬عبر رصد مياهر التفاوتات والفوارق الترابية في الصحة والولوج للعالج باملجاالت‬
‫الهامشية املحيبطة بمدينة أكادير التي تتصف بالهشاشة والتهميش‪ ،‬على الرغم من الوظائف وألادوار‬
‫العمرانية الحيوية التي تقدمها ملركز املدينة أكادير‪ ،‬الذي يعيش في ظل الازدهار والحيوة الاقتصادية‪،‬‬
‫ووفرة الخدمات والاستفادة من برامج التنمية الحضرية‪ .‬ومن شأن هذه الاختالالت أن تفرض تحديات‬
‫على أهداف التنمية الحضرية املندمجة‪ ،‬والتي من أبعادها الحق في الصحة كعنصر أساس ي من عناصر‬
‫التنمية البشرية ومكون ال محيد عنه لتنزيل ور الحماية الاجتماعية وبناء الدولة الاجتماعية‪.‬‬

‫‪215‬‬
‫يتفرع عن هذه إلاشكالية ألاسئلة التالية‪ :‬ماهي مياهر الفوارق السوسيومجالية في الصحة وفي الولوج‬
‫للعالج؟ هل تتكرس تبعية الهامش للمركز في الولوج للعالج والانتفاع منه‪ ،‬بذلك تعيد إنتاج التفاوتات‬
‫السوسيومجالية التي تبطبع بايي املؤشرات الاجتماعية والاقتصادية وتعيق الاندماج الترابي؟ ما نوع‬
‫وطبيعة املحددات والعوامل املؤثرة في تفاوت الحالة الصحية للسكان وفي الولوج للعالج باملجال الهامش ي‬
‫املحيط ألكادير الكبير؟‬
‫ماهي أولويات التدخل لتقليص الفوارق الترابية؟ وماهي مداخل تعزيز الحماية الاجتماعية في الصحة‬
‫الستفادة السكان من الحق في الصحة‪ ،‬وفي الولوج لخدمات الصحة‪ ،‬باعتبارها حقا من حقوق إلانسان‬
‫ومكونا مهما من مكونات التنمية الحضرية‪.‬‬
‫بناء على هذه إلاشكالية تم وضع الفرضيات التالية‪:‬‬
‫ال تبطرح إشكالية التفاوتات في الصحة وفي الولوج للخدمات الصحية بالجماعة الترابية القليعة وسيدي‬
‫بيبي بفضل توفرهما على عدة مؤهالت اقتصادية مشجعة‪ ،‬واستفادتهما من الانتماء للمجال الحضري‬
‫أكادير الكبير املزدهر اقتصاديا‪.‬‬
‫أفرزت الدينامية العمرانية العشوائية محددات غير مرضية وغير معززة للصحة وللولوج للعالج والانتفاع‬
‫منه‪.‬‬
‫‪ .0‬إلاطار املجالي والزمني للدراسة‬
‫يتحدد إلاطار املجالي للدراسة في املجال الحضري أكادير الكبير‪ ،‬وقد اخترنا كل من الجماعة الترابية‬
‫القليعة وسيدي بيبي باعتبارهما مجاالت هامشية محيبطة وقريبة من مركز املدينة أكادير (خريبطة ‪.)0‬‬
‫كما يتصفان‬

‫‪216‬‬
‫الخريطة ‪ :1‬مجال الدراسة في سياقه الوطني والجهوي واملحلي‬

‫بدينامية عمرانية أفرزت محددات وظروف بيئية معيشية‪ ،‬عبطوبة وهشة‪ ،‬ومتفاوتة سوسيومجاليا‪ .‬مما‬
‫سيمكننا من مقاربة موضوع البعد السوسيومجالي للعدالة واستجالء خصوصيات الفوارق الترابية في‬
‫الصحة وفي الولوج للعالج‪.‬‬
‫أما بالنسبة لإلطار الزمني فقد حصرنا معبطيات الدراسة في السلسلة الزمنية من الفترة الزمنية ما بين‬
‫(‪.)8788-8705‬‬
‫‪ .2‬مفاهيم ومصطلحات الدراسة‬
‫محددات الصحة البيئية املعيشية‪ :‬هي اختزال للمحددات البطبيعية والاجتماعية والاقتصادية‬
‫والثقافية والسياسية والبطبية وتتأثر بالخيارات السياسية وتوزيع الدخل والثروة والسلبطة والنفوذ‪.‬‬
‫وتهيكل اليروف املعيشية للفرد ونمط حياته وتؤثر في حالته الصحية‪ .‬تفاوت هذه املحددات ينتج عنه‬
‫تفاوت وفوارق في الحالة الصحية للسكان وفي الولوج للعالج والانتفاع منه‪.‬‬
‫تفاوت أو تباين الصحة‪ :‬نعني بها تفاوت في الحالة الصحية للسكان‪ ،‬بسبب تباين املحددات البطبية‬
‫والاجتماعية املؤثرة فيها‪ ،‬وتعد ألاسباب الرئيسة في نشوء الالعدالة في الصحة‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫الحالة الصحية‪ :‬هي قياس ملستوى صحة الفرد أو املجتمع من خالل مؤشرات‪ :‬املراضة‪ ،‬إلاعاقة‬
‫والوفيات‪.‬‬
‫العدالة في الصحة‪ :‬العدالة تعني إلانصاف والعدالة في الصحة تعني أن احتياجات الناس هي التي توجه‬
‫توزيع فرص املعافاة بينهم‪ ،‬كما أنها تعني تقليص فجوات إلاجحاف في صحة الفئات الاجتماعية‬
‫واملستويات املجالية املصتلفة ومحدداتها‪.‬‬
‫ولوجية الخدمات الصحية‪ :‬نقصد بالولوجية إلى الخدمات الصحية قدرة املريض أو املجتمع على‬
‫استعمال ما يلزمه من الخدمات الصحية ارتباطا بصصائص نيام تقديم الخدمات الصحية من جانب‬
‫تنييمها وتوافرها وتمويلها وخصائص السكان على املستوى الديمغرافي والدخل والسلوكات‪ ،‬وما إذا كانت‬
‫تلبي أو ال تلبي الاحتياجات البطبية ألاساسية للفرد أو للجماعات بالقدر الكافي‪ .‬وتعتبر التفاوتات الاجتماعية‬
‫والاقتصادية واملجالية السبب الرئيس ي في الالعدالة في الولوج إلى الخدمات الصحية واستعمالها سواء‬
‫ما بين املناطق املعزولة وغير املعزولة‪ ،‬أو ما بين الجهات وألاقاليم والوسط القروي والحضري وما بين‬
‫الاجتماعية‪1.‬‬ ‫الفئات‬
‫الولوجية الجغرافية‪ :‬فالتوزيع غير عادل للبنيات الصحية واملوارد البشرية قد يؤثر في الاستفادة من‬
‫املساعدة البطبية وبالتالي تتأثر صحة إلانسان لدرجة املوت‪ ،‬حيث أن البعد أو القرب من العالج حاضر‬
‫بقوة ضمن ألاسباب املؤدية للوفاة خصوصا في املناطق التضاريسية الوعرة واملعزولة‪ .‬ومن بين مؤشرات‬
‫تقييم مستوى الولوجية الجغرافية نشير إلى املسافة‪ ،‬مدة التنقل‪ ،‬الوقت الضائع‪ ،‬كلفة التنقل‪ ،‬وسائل‬
‫النقل‪ ،‬التضاريس واملناخ ‪....‬‬
‫الولوجية الاقتصادية الاجتماعية‪ :‬ترتبط بكلفة العالج وشراء ألادوية ودخل الفرد ‪....‬‬
‫الولوجية الثقافية السلوكية النفسية‪ :‬حيث أن الثقافة يمكن أن تعيق استفادته من الخدمات‬
‫الصحية بل أكثر من ذلك إلاضرار بصحته كمثال حاجز اللغة واملعتقدات وبعض املمارسات السحرية‬
‫وسلوكات ألافراد اتجاه املرض‪.‬‬
‫العدالة في الرعاية الصحية‪ :‬تعني املوارد املتاحة للرعاية الصحية تصصص بحسب الحاجة‪ ،‬وأن دفع‬
‫تكاليف هذه الخدمات يتم بحسب القدرة على الدفع وعدالة الرعاية الصحية تعني ضمنيا التزاما بضمان‬
‫وجود مستويات عالية من إتاحة الخدمات (فعليا وليس نيريا) فضال عن وجود الخدمات الصحية‬
‫وقبولها لدى الجميع‪.‬‬

‫‪ -1‬د‪.‬توفيق بن أحمد خوجة_ املدخل في تحسين جودة الخدمات الصحية‪ :‬الرعاية الصحية ألاولية_ البطبعة الثالثة_ شعبان ‪ 0581‬هجرية‬
‫املوافق لسبتمبر ‪ 8774‬م‪ ،‬الرياض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪ .‬ص ‪.000‬‬

‫‪218‬‬
‫املخاطر الصحية‪ :‬حدوث أو تبطور أو انتشار مرض أو إصابة أو إعاقة أو وفاة أو احتمال وقع ذلك ارتباطا‬
‫بالعديد من العوامل‪ ،‬من ضمنها البيئية‪ ،‬والتي يمكن قياسها كمؤشرات ومتغيرات سببية مستقلة أو‬
‫تابعة‪1.‬‬

‫البيئة‪ :‬هي مجموعة من العناصر في الوقت الواحد واملحدد‪ ،‬املادية واملعنوية‪ ،‬والبيولوجية‪ ،‬والعوامل‬
‫الاجتماعية القابلة للتأثير على إلانسان بصفة مباشرة أو غير مباشرة‪ ،‬آنية أو آجلة‪ ،‬املؤثرة في ألاعضاء‬
‫الحية ونشاط إلانسان"‪.2‬‬
‫التفاوتات املكانية والاجتماعية للحالة الصحية‪ :‬فتعني تلك الفوارق في توزيع املؤشرات الثالثة املوظفة‬
‫عادة في دراسة الحالة الصحية وهي املراضة‪ ،‬الوفاة‪ ،‬إلاعاقة‪ .‬وذلك حسب املستويات الترابية والفئات‬
‫الاجتماعية وحسب املحددات والعوامل املباشرة وغير املباشرة الصحية منها والاجتماعية والاقتصادية‬
‫والبيئية والبطبية والوبائية‪ .‬هنا تبطرح مسألة التفاوت في ولوج الخدمات الصحية موضوع الالمساواة‬
‫وغياب العدالة في حق التمتع بصحة جيدة بين أفراد املجتمع‪.‬‬
‫نسبة سريانية أو معدل انتشار املرض أو إلاصابة في املجتمع‪ ،‬مؤشر مراضة يقاس بقسمة العدد‬
‫إلاجمالي لحاالت املرض أو إلاصابة املالحية داخل ساكنة معينة في مجال معين وفي نقبطة زمنية محددة‬
‫أو في فترة زمنية معينة على مجموع هذه الساكنة‪3.‬‬

‫الاندماج الترابي‪ :‬املشاركة الكاملة غير املنقوصة في الاستفادة من الخيرات واملوارد ومن تكافؤ الفرص في‬
‫الرفاهية الاجتماعية‪ ،‬والولوج للخدمات‪ ،‬لكل فئات املجتمع واملستويات املجالية بناء على قيم فلسفة‬
‫العدالة السوسيومجالية‪ .‬ملا يغيب الاندماج الترابي تنتشر مياهر الاختالل وإلاقصاء والانحراف والتمرد‬
‫والتمييز‪ .‬يعد بذلك تحقيق الاندماج الترابي أحد املبادئ ألاساسية إلعداد التراب وتوجيه السياسات‬
‫العمومية الترابية ضمانا الستقرار املجتمع واملجاالت‪.‬‬
‫الحماية الاجتماعية‪ :‬مجموعة من ألاليات والتدابير املسخرة إلدارة املصاطر الاجتماعية للحد من فقر‬
‫ألاسر وتعزيز التماسك والاستقرار الاجتماعي وإلاسهام في تقليص مياهر الالمساواة والفوارق‪ .‬وتقوم‬
‫الحماية الاجتماعية باملغرب وفق قانون‪-‬إطار رقم ‪ 77-80‬على مبدأ التضامن في أبعاده الاجتماعي والترابية‬
‫ومبدأ عدم التمييز في الولوج إلى خدمات الحماية الاجتماعية‪.‬‬

‫‪ -1‬أنفلوس محمد‪ ،‬معجم تفسير املصبطلحات في جغرافية الصحة‪ ،‬دفاتر البحث العلمي رقم‪ ،8 :‬كلية آلاداب والعلوم إلانسانية املحمدية‪،‬‬
‫مبطبعة ‪ ، FOLIO‬تمارة‪ ،‬سنة ‪ .8700‬ص ‪.880-007‬‬
‫‪ -2‬أنفلوس‪ ،‬محمد‪ .‬تحوالت املجال املغربي واملجتمع‪ ،‬دراسة في جغرافية الصحة بالوسط الحضري‪ ،‬أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في‬
‫الجغرافية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم إلانسانية املحمدية‪ .8770.‬ص ‪.83‬‬
‫‪ -3‬أنفلوس محمد‪ )8700( ،‬املرجع السابق‪ .‬ص ‪005‬‬

‫‪219‬‬
‫‪ .2‬متغيرات ومؤشرات الدراسة‬
‫الاعتماد على متغيرات مستقلة تتعلق بمحددات بيئية معيشية تؤثر وتفسر مياهر الفوارق‬
‫السوسيومجالية في الحالة الصحية والولوج للعالج والانتفاع منه‪ :‬الفقر‪ ،‬الهشاشة‪ ،‬ألامية والجهل‪،‬‬
‫الدخل‪ ،‬نقص التغذية‪ ،‬الولوج للعالج‪ ،‬التلوث‪ ،‬العنف‪ ،‬املاء الصالح للشرب ‪ .....‬الاستشارة البطبية قبل‬
‫الوالدة‪ ،‬الاستشارة البطبية بعد الوالدة‪ ،‬الولوج للعالج (املسافة املجالية‪-‬املسافة الاجتماعية الثقافية‪،‬‬
‫كلفة التنقل‪ ،‬مدة التنقل‪ ،‬وسائل النقل‪ ،)...‬التغبطية البطبية بالتلقيح‪ ،‬ألاداء الوظيفي للمؤسسات‬
‫الصحية‪.......‬‬
‫كما اعتمدنا على متغيرات تابعة متصلة بدليل الحالة الصحية تتأثر باملحددات البيئية‬
‫املعيشية وبتفاوتها‪ :‬أمراض القلب والشرايين‪ ،‬مرض السل‪ ،‬مرض السكري‪ ،‬التعفنات‪ ،‬الحصبة‪ ،‬الهزال‪،‬‬
‫إلاسهال‪ ،‬الربو‪ ،‬السيدا‪.........‬‬
‫‪ .1‬املنهجية‬
‫اعتمدنا على قراءات ببليوغرافية استهدفت موضوع التمدين وعواقبه السلبية‪ ،‬وتتعلق كذلك وبشكل‬
‫خاص بموضوع الصحة في املجال الحضري‪ ،‬كما استحضرنا نيرية مركز هامش ونيرية العدالة‬
‫والالعدالة السوسيومجالية في التحليل املجالي ملعبطيات الدراسة‪.‬‬
‫أنجزت الدراسة وفق منيور جغرافي‪ ،‬يتجاوز املقاربة ألاحادية إلى الرؤية الشمولية املندمجة في معالجة‬
‫قضية حق املجتمع في الصحة‪ .‬وتتأطر في إطار مقاربة جغرافية الصحة كتصصص تحت ميلة الجغرافيا‬
‫الاجتماعية التي تتبنى النموذج الاجتماعي والبيني والبطبي في تشخيص وتحليل وتفسير عالقة البيئة‬
‫بالصحة ورصد التفاوتات املكانية والاجتماعية في الحالة الصحية‪ ،‬وفي عرض العالج الصحي والولوج‬
‫إليه‪ .‬مع ما يتبطلبه ألامر من استحضار التوجهات النيرية املعتمدة في دراسة موضوع الصحة‪ ،‬الخاصة‬
‫بعلم الاجتماع وعلم الاقتصاد وألانثروبولوجيا وعلم التاريخ‪ ،‬فهي مقاربة تنير إلى الحالة الصحية للفرد‬
‫بشكل أوسع من نيرة اختصاص البطب السريري والبيولوجي‪.‬‬
‫تم جمع معبطيات إحصائية كمية ونوعية خاصة بمحددات معيشية متعلقة بالجانب الاجتماعي والثقافي‬
‫والاقتصادي والبطبي والتلوث البيني ‪ ....‬والتي يمكن أن تشكل سببا في نشوء التفاوتات الترابية في الصحة‬
‫وفي الولوج للعالج‪.‬‬
‫كما تم توظيف العمل امليداني القائم على الاستمارة امليدانية‪ ،‬ألنها تكشف الواقع الحقيقي ملؤشرات‬
‫الحالة الصحية وعالقتها بمحددات الصحة‪ ،‬عكس املعبطيات الرسمية التي تيل تعبر عما هو مصرح به‬
‫دون ألاخذ بعين الاعتبار وجود حاجيات صحية محسوسة وغير معبر عنها أو حاجيات صحية غير‬
‫محسوسة وغير معبر عنها‪.1‬‬

‫‪1 -‬أيت لعسري‪ ،‬بدرالدين‪ .‬التباينات الجغرافية للوضعية الصحية‪ .‬حالة الدار البيضاء الكبرى‪ .‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الجغرافيا‪،‬‬
‫جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم إلانسانية باملحمدية‪.8705 .‬‬

‫‪220‬‬
‫ونتوىى من الاستمارة امليدانية بواسبطة السحب العشوائي البطبقي‪ ،‬دراسة مياهر الفوارق الترابية في‬
‫الصحة وفي الولوج للعالج واملحددات املسؤولة عن ذلك‪ ،‬وقد وزعت باعتبار نوع السكن باستهداف ‪077‬‬
‫أسرة بالجماعة الترابية القليعة (حي الجنان ‪ 87‬أسرة‪ ،‬حي بن عنفر ‪ 07‬أسرة‪ ،‬حي الخمايس ‪ 88‬أسرة‪،‬‬
‫حي تالسينت ‪ 87‬أسرة‪ ،‬حي العرب ‪ 07‬أسرة)‪( .‬صورة جوية ‪.)0‬‬

‫صورة جوية ‪ :1‬األحياء السكنية بالجماعة الترابية القليعة‬

‫املصدر‪ :‬مونوغرافية الجماعة الترابية القليعة ‪8788‬‬

‫كما استهدف العمل امليداني ‪ 077‬أسرة بالجماعة الترابية سيدي بيبي وزعت كاآلتي‪ :‬مركز سيدي بيبي‬
‫‪ 37‬أسرة‪ ،‬ودوار تكاض ‪ 37‬أسرة‪ ،‬ودوار حاس ي البقر ‪ 01‬أسرة‪ ،‬ودوار برج حمدان ‪ 05‬أسرة‪ ،‬ودوار روايس‬
‫‪ 2‬أسر (خريبطة ‪.)8‬‬

‫‪221‬‬
‫خريطة رقم ‪ :2‬المركز الترابي والدواوير المشكلة للجماعة الترابية سيدي بيبي‬

‫المصدر‪ :‬الجماعة الترابية سيدي بيبي‪ .‬برنامج العمل الجماعي ‪.0202‬‬

‫‪ .2‬إلاطار النظري للتحليل‪ :‬نظرية العدالة والالعدالة السوسيومجالية‬


‫ال يتعلق ألامر بقراءة نيرية كرونولوجية نقدية لتبطور مفهوم العدالة ومضامينه‪ ،‬في أبعاده املتعددة‪،‬‬
‫بل عرض أهم املرتكزات النيرية‪ ،‬الجغرافية باألساس‪ ،‬التي قاربت وناقشت ظاهرة العدالة والالعدالة‬
‫السوسيومجالية‪ .‬وقد اعتمدنا عليها في هذه الدراسة لتوصيف وتحليل وتفسير التفاوتات‬
‫السوسيومجالية في الصحة‪ ،‬كإحدى مياهر الالعدالة في بعدها املجالي الاجتماعي‪.‬‬
‫يعد مفهوم العدالة من أكثر املواضيع إثارة للجدل السياس ي في تاريخ إلانسانية منذ عصر الفالسفة‬
‫إلاغريق‪ ،‬وهو اليوم‪ ،‬يوجد في قلب النقاشات الديمقراطية والنضاالت الاجتماعية‪ ،‬وفي صلب الاهتمامات‬
‫العلمية ألاكاديمية في العلوم إلانسانية والاجتماعية‪.‬‬
‫اعتبر الجغرافي الفرنس ي "جون غوتمان‪ "،‬أن التماسك الترابي قوة سياسة أية دولة‪ ،‬وال يمكن تحقيق‬
‫ذلك إال بتحقيق العدالة الاجتماعية‪ .1‬كما أشار في كتابه في موضوع " ‪Essais sur l’aménagement de‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- jean GOTTMAN. La politique des Etats et leur géographie. Revue française de science politique. 1952.P 832‬‬

‫‪222‬‬
‫‪ "،l’espace habité‬سنة ‪ 0711‬إلى أن علم الجغرافيا معني بدراسة العدالة في توزيع املوارد في املجال‬
‫السوسيومجالية‪1.‬‬ ‫الجغرافي‪ ،‬كمبدأ أساس ي من مبادئ تنييم املجال الترابي للتقليل من التفاوتات‬
‫في هذا السياق عرف مفهوم العدالة استعماال متزايدا في الدراسات الجغرافية منذ السبعينات‬
‫والثمانينات مما يجع الباحثين الجغارفة على إنتاج نيريات العدالة والالعدالة املجالية‪-‬الاجتماعية‪،2‬‬
‫لتحليل وتفسير التفاوتات السوسيومجالية بناء على املنيور الجغرافي البيني‪ ،‬موظفين ألافكار واملبادئ‬
‫السياسية والفلسفية التي نادت بها نيرية العدالة كإنصاف في كتاب " نيرية العدالة" لصاحبه‬
‫الفيلسوف ألامريكي "جون رولز" سنة ‪.0700‬‬
‫يعتقد "جون رولز‪ "،‬أن العدالة ينبغي أن تكون لها أولوية لتنييم املجتمع منبطلقا من " ظروف الواقع‬
‫التاريخي املعا حيث وجد العديد من حاالت اليلم والانتهاكات للحقوق والحريات ألاساسية وزيادة‬
‫معدالت الفقر مقابل زيادة الثراء عند ألاغنياء"‪.3‬‬
‫لذلك عرف العدالة الاجتماعية أنها تعني الفرص العادلة واملتكافئة للجميع‪ ،‬لتحقيق الخيرات واملنافع‬
‫وحماية الفئات الاجتماعية املستضعفة وألاقل حيا‪ .‬وال يمكن تحقيقها إال باعتبار املبادئ آلاتية‪:‬‬
‫‪ -‬ضمان الحريات ألاساسية للجميع دون املساس باملساواة في التوزيع‪ ،‬وإذا كانت الحرية تنتج الفوارق‬
‫يمكن تنييمها لفائدة أو مصلحة ألاقل حيا‪ ،‬فدور الدولة ال يكمن فقط في حفظ النيام والاستقرار‬
‫بل كذلك في إعادة توزيع الخيرات واملنافع؛‬
‫‪ -‬تكافؤ الفرص دون انتهاك الحريات ألاساسية؛‬
‫‪ -‬الرعاية الخاصة للفئات الهشة وألاقل حيا‪" .‬يجب على النيام الاجتماعي أال يرسخ ويحمي إمكانات‬
‫ً‬
‫حاال‪ ،‬إال إذا كان القيام بهذا ملنفعة أولئك ألاقل حيا" ‪4‬‬ ‫النجاح ألاكثر جاذبية ألولئك ألافضل‬
‫من هذا املنبطلق يصتلف مفهوم العدالة عن املساواة‪ ،‬فالعدالة الاجتماعية هي مساواة أي تكافؤ الفرص‬
‫املمنوحة للمجتمع لالستفادة من الخيرات والخدمات‪ ،‬مع اعتبار عدة شروط حددها "جون رولز" في‬
‫املبادئ السالفة الذكر‪ .‬فتبطبيق املساواة بمعناها الدقيق غير ممكن نيرا لعدة اعتبارات مبررة‪ ،‬لذلك‬
‫ال يرى (جون رولز) مانعا في بقاء الالمساواة‪ ،‬لكن شرط أن تكون ملصلحة ألاكثر حرمانا وألاقل حيا‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪- jean GOTTMAN. Essais sur l’aménagement de l’espace habité. Paris. Mouton.1966‬‬
‫‪ -2‬يعد الجغرافي "دايفد هارفي" أول من استصدم مفهوم "العدالة السوسيو ترابية" بفرنسا‪ ،‬لتبطبيقها ضمن الدراسات الجغرافية الحضرية‬
‫من خالل نشره لكتاب "العدالة الاجتماعية واملدينة" الصادر سنة ‪ .0703‬تبعته العديد من ألاعمال «أالن رينو" (مفهوم العدالة املجالية‬
‫سنة ‪" .)0720‬دايفد سميث" (الجغرافيا‪ ،‬التفاوت واملجتمع ‪ " ..)0720‬بيرنارد بريت (تفسير التفاوتات السوسيومجالية على ضوء نيرية‬
‫جون رولز ‪ .)8777‬كلها أعمال ال الحصر‪ ،‬أسهمت في فهم التفاوتات السوسيومجالية مابين املكونات املشكلة للمجال الحضري كمصتبر‬
‫حقيقي للكشف عن أوجه الالعدالة السوسيومجالية‪.‬‬
‫‪3 -‬شيماء الشامي‪ .‬نيرية العدالة عند جون رولز‪ .‬ألابعاد السياسية وألاخالقية‪ .‬البطبعة ألاولى‪ .‬لبنان‪ .‬كندا‪8701 .‬‬
‫‪4 -‬شيماء الشامي‪ .‬املرجع نفسه‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫أي ضحايا النيام الرأسمالي‪ .‬لكن تثير هذه املبادئ عدة انتقادات أهمها سقوط "جون رولز" في التناقض‬
‫حيث يدعو إلى الحرية وفي نفس الوقت ينتقد النيام الرأسمالي‪.‬‬
‫استقبطبت هذه القيم الفلسفية في نيرية "جون رولز" العديد من الدراسات الجغرافية لتحليل وتفسير‬
‫حاالت الالمساواة والالعدالة التي تميز املجاالت الحضرية‪ .‬لكن يبقى الجغرافي ألامريكي " إدوارد صوجا‪"،‬‬
‫من أهم املنيرين لياهرة العدالة والالعدالة‪ ،‬واضعا العديد من املرتكزات النيرية ملقاربة الياهرة‪ ،‬من‬
‫منيور جغرافي‪ .‬نقدم بعض مضامين نيريته من خالل قراءة أحد مقاالته املهمة‪.1‬‬
‫ِّ‬
‫يتضمن ذلك التوزيع العادل‬ ‫عرف "إدوارد صوجا" العدالة املجالية بأنها البعد الجغرافي للعدالة أوغيابها‪.‬‬ ‫ُي ِّ‬
‫للموارد والفرص والخدمات وإمكانية استصدامها‪ .‬والعدالة املجالية ال تعني تحقيق املساواة ما بين‬
‫ً‬
‫املجاالت الجغرافية‪ ،‬وفي حد ذاتها ليست بديال للعدالة السوسيواقتصادية‪ ،‬بل منيور جغرافي نقدي‬
‫لفحص العدالة السوسيواقتصادية ومياهر اليلم الاجتماعي في العديد من املجاالت الجغرافية‪.‬‬
‫فالعدالة املجالية هي تصحيح لليلم السوسيو‪-‬املجالي‪ ،‬تهدف إلى تنييم املجال تنييما متسقا مع مشروع‬
‫مجتمع أكثر عدالة وإنصافا‪ ،‬بإعادة التوزيع الاجتماعي واملكاني‪ .2‬للحد من مياهر الالعدالة‬
‫السوسيومجالية نتيجة التفاوتات السوسيومجالية‪ ،‬والتقليص بذلك من النتائج الاجتماعية غير املرضية‬
‫لالعدالة من قبيل الاقصاء والتهميش والحرمان والحقد الاجتماعي والاحتجاجات الاجتماعية والفقر‬
‫والتمييز‪...‬‬
‫ِّ‬
‫ويمكننا أن نفهم كيف تتشكل العدالة الاجتماعية من خالل فهمنا لواقع املجال الجغرافي‪ ،‬فكلما تعمقت‬
‫ً‬
‫التفاوتات املجالية تعمقت التفاوتات الاجتماعية‪ .‬تماما كما تنتج التفاوتات الاجتماعية التفاوتات املجالية‬
‫تصير بذلك العدالة املجالية والعدالة الاجتماعية وجهان لعملة واحدة‪ ،‬ضمنيا فالالعدالة املجالية هي‬
‫الالعدالة السوسيومجالية‪.‬‬
‫وقد حدد "ادوارد صوجا" عدة عوامل ترسخ الالعدالة املجالية الاجتماعية‪ ،‬وهي الخلل في التنييم‬
‫السياس ي للمجال وفي تنييم الاستثمارات‪ ،‬والفصل العنصري والاجتماعي في توزيع الخدمات‪ ،‬ووجود‬
‫الامتيازات وفق نموذج مركز هامش‪ .‬وقد أعبطى أمثلة عن ذلك في النيام الحضري للعديد من املدن‬
‫الكبرى التي تصضع لدورة الرأسمال والربح لفائدة الفئات الغنية‪.‬‬
‫عموما تتلخص سمات وخصائص مفهوم العدالة املجالية عند "إدوارد صوجا" في السمة ألاولى و هي‬
‫الوعي املكاني والذي يعتمد على كيفية تصيلنا للمدينة (املجال املعا )‪ ،‬واملناطق الجغرافية التي تتكون‬

‫‪1‬‬
‫‪- Edward W. Soja, “The city and spatial justice” [« La ville et la justice spatiale », traduction : Sophie Didier, Frédéric‬‬
‫‪Dufaux], justice spatiale | spatial justice | n° 01 septembre | septembre 2009 | http://www.jssj.org‬‬
‫‪2‬‬
‫‪- Bernard Bret. Interpréter les inégalités socio-spatiales à la lumière de la théorie de la Justice de John Rawls. Dans Annales‬‬
‫‪de géographie 2009/1-2 (n° 665-666).P22‬‬

‫‪224‬‬
‫منها املدينة‪ .‬والسمة الثانية الديمقراطية التشاركية في تشكيل وإعادة تشكيل املجال الحضري بإدماج‬
‫املواطنين في صنع القرار املجالي والاجتماعي‪1.‬‬

‫استلهم العديد من الباحثين الجغارفة ألاسس النيرية واملفاهيمية املتعلقة بنيريات العدالة والالعدالة‬
‫السوسيومجالية‪ ،‬إلنتاج أعمال علمية تكشف وتحلل البعد املجالي والاجتماعي للتفاوتات في الصحة‬
‫واملرض‪ ،‬والولوج للعالج والانتفاع منه‪ .‬بذلك تعد الصحة من منيور جغرافي مدخل أساس ي لفهم البعد‬
‫املجالي للتفاوتات الاجتماعية‪ .‬من بين تلك ألاعمال‪:‬‬
‫درس الباحث" أدم غوستاف" ‪ 2‬في مقال أعده سنة ‪ ،8778‬التفاوتات في الصحة مابين الفئات الاجتماعية‬
‫الفقيرة وغير الفقيرة‪ ،‬وخلص إلى أن الاعتالل في الصحة يرفع من حجم النفقات الصحية وبالنتيجة‬
‫إمالق وتفقير ألاسر وتوسيع دائرة الفقر‪ ،‬والهشاشة وتعميق الالمساواة‪.‬‬
‫وفي جانب آخر فقد توصل كل من " باتريك ديبوزير وبينيلوب فيزمان " سنة ‪ 3 8777‬إلى استمرار‬
‫التفاوتات في الحالة الصحية بين الفئات الديمغرافية والسوسيواقتصادية بين املناطق البلجيكية‪ .‬وتبرز‬
‫املعدالت العامة ارتفاع درجة الرض ى عند املواطنين تجاه حالتهم الصحية ببروكسيل مقارنة ببايي املناطق‪.‬‬
‫ولكنها تصفي الكثير من التباينات داخل نفس املنبطقة‪ ،‬لذلك أوص ى الباحثان في دراستهما إلى أن من‬
‫املهم تحليل التفاوتات السوسيومجالية في الصحة في وحدات مجالية صغيرة‪ ،‬حيت تتضح أكثر التباينات‬
‫املكانية والاجتماعية في الصحة كميا ونوعيا تبعا للتأثر باملحددات البيئية للصحة‪.‬‬
‫تفرز حاالت الالعدالة السوسيواقتصادية تراتبية سوسيومجالية‪ ،‬تشكل مجاالت مركزية ذات استقبطاب‬
‫وجذب‪ ،‬ومجاالت هامشية تعاني التهميش والاستغالل وضعف الاندماج الترابي والتبعية‪ .‬مما يرسخ عدم‬
‫املساواة وإعادة إنتاج التفاوتات الاجتماعية بين الفئات الاجتماعية واملستويات املجالية‪ ،‬ويدخل مثال‬
‫مركز املدينة ومجالها الضاحوي في عالقات مكانية غير متكاملة وغير متوازنة‪ .‬الش يء الذي يبطرح إشكالية‬
‫الولوج العادل في تلقي والانتفاع من العالجات الصحية املقدمة بين املستويات املجالية والفئات‬
‫الاجتماعية‪4.‬‬

‫على سبيل املثال‪ ،‬فاملجاالت الترابية املحيبطة بمدينة الدار البيضاء‪ ،‬يكابد سكانها قلة البنيات الصحية‬
‫بل أيضا من انتشارها املجالي غير املالئم مما يضعف ولوجية السكان إليها‪ ،‬وتضبطر غالبية السكان التنقل‬

‫‪1-‬مصبطفى اليحياوي‪ ،‬صالح الدين زهلي‪ .‬الالعدالة املجالية والاجتماعية وانعكاساتها على املجال بالدار البيضاء‪ :‬حالة مقاطعتي أنفا‬
‫وموالي رشيد‪ .‬مجلة العلوم الاجتماعية‪-‬املركز الديمقراطي العربي أملانيا‪-‬برلين العدد ‪ 7‬جوان‪ .8780 .‬ص ‪.888‬‬
‫‪2 Wagstaff Adam. Pauvreté et inégalités dans le secteur de la santé / Adam Wagstaff. Bulletin de l' Organisation mondiale de‬‬

‫‪la Santé : recueil d' articles 2002 ; 7 : 100-108 https://apps.who.int/iris/handle/10665/72239‬‬


‫‪02283 Patrick Deboosere et Pénélope Fiszman. De la persistance des inégalités socio-spatiales de santé.‬‬
‫‪https://doi.org/10.4000/eps.3633‬‬
‫‪ -4‬بدراالدين أيت لعسري‪ 8705 .‬املرجع السابق‬

‫‪225‬‬
‫في اتجاه املراكز الحضرية الكبرى للتبطبيب‪ .1‬مما يؤدي إلى سوء التمفصل ما بين مركز املدينة واملجال‬
‫الضاحوي‪.‬‬
‫وبالنير إلى املستوى الاجتماعي ملعيم سكان الهوامش تتصذ هذه التفاوتات املجالية صبغة اجتماعية‬
‫ويصبح الفرق مثال بين جماعة سيدي بليوط وجماعة سيدي مومن ليس فرقا بين مركز املدينة وهوامشها‬
‫بل تباينا اجتماعيا‪ .‬هكذا يتضح أن ال تراجع الذي يعرفه التأطير الصحي العمومي يرجع إلى تفاقم عجز‬
‫هذا التأطير بالنسبة لألحياء الحضرية"‪2‬‬

‫إن هذه التفاوتات السوسيومجالية في توزيع ألامراض والوفيات‪ ،‬وفي الديمغرافيا البطبية والبنيات‬
‫الصحية والولوج إليها‪ ،‬ينشأ عنها حاالت الالمساواة والفوارق في الصحة‪ ،‬كميهر من مياهر الالعدالة‬
‫السوسيومجالية‪ .‬تتعلق بعدم موافقة ومواكبة العرض الاجتماعي والصحي للحاجيات الصحية النوعية‬
‫والكمية لكل أفراد املجتمع‪ ،‬دون قيد أو شرط أو تمييز‪.3‬‬
‫‪ .7‬النتائج‬
‫‪ 1-7‬زيادة سكانية ضاغطة تطرح تحديات مواكبة الحاجيات الصحية كميا ونوعيا بميدان الدراسة‬
‫على غرار بايي املجاالت الترابية الهامشية باملجاالت الحضرية الكبرى‪ ،‬فإن كل من الجماعة الترابية سيدي‬
‫بيبي والقليعة‪ ،‬يسجالن أعلى الزيادات السكانية في العقدين ألاخيرين (‪ 3.22‬في املائة و‪ 4.17‬في املائة على‬
‫التوالي) تجاوزت املسجلة بمدينة أكادير وإنزكان وأيت ملول (الجدول ‪.)0‬‬
‫ووفقا لإلحصاء العام للسكان والسكنى لسنة ‪ ،8705‬يبل عدد سكان الجماعة الترابية سيدي بيبي ‪377‬‬
‫‪ 32‬نسمة‪ ،‬مقابل ‪ 83 777‬نسمة في عام ‪( ،8775‬املبيان ‪ ،)0‬أي بزيادة إجمالية وصلت إلى ‪ % 13‬وبمعدل‬
‫نمو سنوي اقترب من ‪.% 5‬‬

‫‪ -1‬امدافعي محمد‪ .‬إنتاج التجهيزات والبنايات الجماعية في الجماعات الضاحوية ملدينة الدار البيضاء‪ .‬مجلة جغرافية املغرب‪ ،‬عدد‬
‫‪0‬و‪ ،8‬مجلد‪.8771..‬‬
‫‪ -2‬الشويكي املصبطفى)‪ .‬الدار البيضاء مقاربة سوسيومجالية‪ .‬بحث لنيل الدكتوراه‪ .‬جامعة الحسن الثاني كلية آلاداب والعلوم‬
‫إلانسانية‪ .‬سنة ‪.0771‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Bernard Baertschi. Justice et santé. Chacun doit-il recevoir des soins en proportion de ses besoins ? Dans Revue de‬‬
‫‪métaphysique et de morale 2002/1 (n° 33), pages 83 à 101‬‬

‫‪226‬‬
‫الجدول ‪ :1‬معدل النمو السكاني السنوي حسب الجماعات الحضرية بسوس ماسة (‪)0212-0222‬‬
‫معدل النمو السكاني السنوي‬ ‫الجماعات الحضرية‬
‫‪4.17‬‬ ‫القليعة‬
‫‪5.12‬‬ ‫أوالد برحيل‬
‫‪3.22‬‬ ‫سيدي بيبي‬
‫‪3.13‬‬ ‫أيت إعزا‬
‫‪3.45‬‬ ‫بيوكرى‬
‫‪3.74‬‬ ‫أوالد تايمة‬
‫‪8.73‬‬ ‫الكردان‬
‫‪8.27‬‬ ‫أيت ملول‬
‫‪8.07‬‬ ‫تزنيت‬
‫‪8.78‬‬ ‫طاطا‬
‫‪8.77‬‬ ‫أكادير‬
‫‪0.04‬‬ ‫أيت باها‬
‫‪0.51‬‬ ‫إنزكان‬
‫‪0.01‬‬ ‫الدشيرة‬
‫جهة سوس ماسة‪ .‬املصبطط الجهوي إلعداد التراب بجهة سوس ماسة‪ . https://www.soussmassa.ma/ar/srat.8787 .‬تاريخ الاطالع‬
‫‪8780‬‬
‫املبيان رقم ‪ :1‬تطور عدد سكان الجماعة الترابية سيدي بيبي (‪.)0212-1882‬‬
‫‪45000‬‬
‫عدد السكان‬
‫‪40000‬‬
‫‪35000‬‬
‫‪30000‬‬
‫‪25000‬‬
‫‪20000‬‬
‫‪15000‬‬
‫‪10000‬‬
‫‪5000‬‬
‫‪0‬‬
‫‪1994‬‬ ‫‪2004‬‬ ‫‪2014‬‬

‫املصدر‪ :‬إلاحصاء العام للسكان والسكنى‬


‫كما تبطور عدد سكان الجماعة الترابية القليعة نحو التزايد من ‪ 00780‬ن سنة ‪ 0775‬إلى ‪ 28147‬ن سنة‬
‫‪ 8705‬حسب إلاحصاء العام للسكان والسكنى‪ ،‬بمعدل نمو سكاني مرتفع يقارب ‪ 4.0‬في املائة‪ ،‬متجاوزا‬
‫معدل النمو السكاني الجهوي (‪ 0.5‬في املائة)‪ .‬ومن املتوقع حسب التوقعات أن يتجاوز العدد ‪ 057‬ألف‬
‫نسمة بحلول سنة ‪( .8737‬الجدول ‪.)8‬‬
‫‪227‬‬
‫الجدول ‪ :0‬تطور عدد السكان بالجماعة الترابية القليعة (‪)0222-1882‬‬

‫املصدر‪ :‬مونوغرافية جماعة القليعة ‪.8788‬ص‪03‬‬


‫وضعت هذه الدينامية السكانية كل من سيدي بيبي والقيعة في مصاف املجاالت الترابية املحيبطة باملدن‬
‫الكبرى ألاكثر دينامية في املجال الترابي الوطني‪ ،‬إلى جانب كل من دار بوعزة وبوقنادل وهرهورة وعين‬
‫عتيق‪ .‬بفعل التمدين والتدفق الحضري من طرف فئات اجتماعية متعددة من حيث وضعها الاجتماعي‪.‬‬
‫تبطرح هذه الوضعية الديمغرافية تساؤالت حول الخصوصيات الوبائية للمجتمع السكاني‪ ،‬ومدى مواكبة‬
‫تزايد حاجياته الصحية الكمية والنوعية عبر تجويد الخدمات الصحية‪ ،‬وتحييد اليروف الاجتماعية‬
‫والاقتصادية املؤثرة واملسببة في املصاطر الصحية‪ ،‬في مثل هذه املجاالت الهامشية املحيبطة بمراكز املدن‬
‫الكبرى‬
‫‪ 0-7‬عرض صحي ضعيف يعمق الفجوة الترابية ما بين املركز مدينة أكادير ومجاالتها املحيطة‬
‫تيل الخدمات الصحية بكل من الجماعة الترابية سيدي بيبي والقليعة‪ ،‬دون مستوى التبطلعات‪ ،‬إذ‬
‫يعتري عرض العالج الصحي عدة مكامن الخلل كميا ونوعيا‪ ،‬يتضح ذلك بوجود خصاص في املرافق‬
‫الصحية‪ ،‬إذا ما قورنت مع عدد السكان املتزايد‪ .‬عالوة على ذلك محدودية بعض التصصصات البطبية‬
‫الضرورية التي ال يوفرها املركز الصحي للمواطنين‪ ،‬مثل تصصص أمراض القلب والشرايين‪ .‬وفي ظل هذه‬
‫الوضعية يضبطر سكان سيدي بيبي والقليعة إلى الانتقال في اتجاه املستشفى إلاقليمي إنزكان أو بيوكرى‬
‫أو املستشفى الجهوي بمدينة أكادير‪ ،‬وهذا ما يزيد الوضع تأزما‪.‬‬
‫ينضاف إلى ذلك‪ ،‬ضعف الديمغرافيا البطبية بحيث يصل التأطير البطبي إلى أكثر من ‪ 7777‬ن لكل طبيب‬
‫كما أن معدل السكان للمركز الصحي يتجاوز ‪ 87‬ألف نسمة‪ .‬وقد بلغت الحاالت اليومية لكل طبيب أكثر‬
‫من ‪ 17‬حالة مرضية‪ ،‬الش يء الذي يؤدي إلى انعكاسات سلبية على تقديم الخدمات البطبية والاستشفائية‬
‫الالزمة للمواطن‪ ،‬باإلضافة إلى مجموعة من املشاكل املترتبة عن الاكتياظ ولجوء السكان للتبطبيب‬
‫خارج مركز الجماعة الترابية‪.‬‬
‫وفي ظل غياب املستشفى باملنبطقة‪ ،‬يكتفي السكان بالخدمات التي يقدمها املركز الصحي‪ ،‬تكمن في تقديم‬
‫العالجات الوقائية كالتلقيح والعالجات التمريضية‪ ،‬وتتبع ألامراض املزمنة‪ ،‬والفحص البطبي‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى تتبع صحة ألام والبطفل‪ ،‬تتبع ألامراض املنقولة جنسيا‪.1‬‬
‫كما نسجل غياب تام للتصصصات البطبية سواء في القبطاع العام أو الخاص‪ ،‬مما يضبطر بالسكان املرض ى‬
‫للتنقل خارج املركز‪ ،‬أمال في إجراء الاستشارات البطبية أو العالج‪ ،‬بمدن إنزكان أوأكادير أو أيت ملول‪.‬‬
‫وبالرغم من أن السكان يتعرضون لبطائفة من ألامراض املزمنة وغير املزمنة‪ .‬فقد صرح مسؤول في‬

‫‪1 -‬مقابلة مع ممرض الدائرة الصحية باملركز الصحي بسيدي بيبي يوم‪8788/73/80 :‬‬

‫‪228‬‬
‫املندوبية الصحية إنزكان أيت ملول أثناء مقابلته‪ ،‬بانتشار عدة أمراض معدية بمركز الجماعة الترابية في‬
‫مقدمتها السل والربو‪ ،‬وألامراض املنقولة جنسيا التي بلغت حاالتها باملركز مستويات عالية على الصعيد‬
‫الجهوي والوطني‪ ،‬تناهز ‪ 471‬حالة مستجدة سنة ‪ 8780‬بالجماعة الترابية القليعة‪.‬‬
‫تستهدف خصوصا النساء العامالت في الضيعات الفالحية اللواتي يعشن الفقر والهشاشة وألامية‪ .‬ناهيك‬
‫عن التعاطي للمصدرات من طرف الشباب بسبب التهميش والببطالة‪ ،‬مما يشجع الجريمة والسرقة‬
‫ومصتلف مياهر العنف املهددة لصحة السكان‪.‬‬
‫يزداد عبء املراضة بالجماعة الترابية القليعة بانتشار عدة أمراض مزمنة غير سارية سنة ‪،8780‬‬
‫كأمراض القلب والشرايين (‪ 8510‬حالة) والسكري (‪ 1171‬حالة) وسرطان الثدي (‪0015‬حالة) في صفوف‬
‫النساء اللواتي يكابدن عناء التنقل للعالج خارج املركز ويثقل أسرهن بمصاريف العالج‪ .‬وقد كشفت‬
‫نتائج البحث امليداني بمركز الجماعة الترابية سيدي بيبي أن أمراض القلب والشرايين وأمراض الضغط‬
‫الدموي والسكري وفقر الدم وألامراض النفسية في مقدمة ألامراض التي تعرض الحالة الصحية للسكان‬
‫لالعتالل (الجدول ‪.)3‬‬
‫جدول رقم ‪ :3‬أنواع ألامراض املنتشرة باملركز الترابي سيدي بيبي‬
‫النسبة املئوية‬ ‫عدد املصابين‬ ‫أنواع ألامراض‬
‫‪1,1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫أمراض الجلد‬
‫‪1,1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫الربو‬
‫‪2,2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫التوحد‬
‫‪2,2‬‬ ‫‪2‬‬ ‫السرطان‬
‫‪3,4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫آالم العيام‬
‫‪3,4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫الجهاز البولي‬
‫‪3,4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫ضعف البصر‬
‫‪3,4‬‬ ‫‪3‬‬ ‫غدة درقية‬
‫‪4,5‬‬ ‫‪4‬‬ ‫أمراض نفسية‬
‫‪5,6‬‬ ‫‪5‬‬ ‫أمراض القلب‬
‫‪6,7‬‬ ‫‪6‬‬ ‫أمراض تنفسية‬
‫‪7,9‬‬ ‫‪7‬‬ ‫آالم اليهر‬
‫‪7,9‬‬ ‫‪7‬‬ ‫الضغط‬
‫‪9,0‬‬ ‫‪8‬‬ ‫الحساسية‬
‫‪11,2‬‬ ‫‪10‬‬ ‫فقر الدم‬
‫‪12,4‬‬ ‫‪11‬‬ ‫الجهاز الهضمي‬
‫‪14,6‬‬ ‫‪13‬‬ ‫السكري‬
‫‪100,0‬‬ ‫‪89‬‬ ‫املجموع‬
‫املصدر‪ :‬الدراسة امليدانية‪.‬‬
‫يسجل مركز الجماعة الترابية القليعة أكبر معدالت حدوثية إلاعاقة في الوسط الحضري بجهة سوس‬
‫ماسة‪ ،‬وبأكادير الكبير‪ .‬بمعدل ‪ 5.85‬في املائة‪ .‬بينما يبل املعدل في الجماعة الترابية سيدي بيبي‪% 3.7 ،‬‬

‫‪229‬‬
‫وفقا لإلحصاء العام للسكان والسكنى ‪ 8705‬وهو معدل يعد نسبيا ضعيفا باملقارنة مع املعدل الجهوي‬
‫واملعدل الوطني‪ ،‬الذي بل ‪ ،%4.0‬أي بفارق ‪ 0.8‬نقبطة‪.‬‬
‫الا أن هذا املعدل يصفي تفاوتا واضحا في انتشار ألايخاص في حالة إعاقة بين الوسبطين الحضري‬
‫والقروي‪ ،‬حيث أنها مرتفعة أكثر بالوسط الحضري ‪ ،%5.8‬في حين أنها ال تمثل سوى ‪ %8.8‬باملجال‬
‫القروي‪1.‬‬

‫‪ 2-7‬الفروقات السوسيواقتصادية يقابلها تباين في حدوثية املراضة والاعتالل باملجتمع السكاني‬


‫املدروس‬
‫تكشف معبطيات الدراسة امليدانية أن ألاسر املحدودة الدخل تشكل الفئة الاجتماعية العريضة‬
‫بالجماعة الترابية القليعة وسيدي بيبي‪ ،‬إذ تمثل أكثر من ‪ 57‬في املائة من عينة املجتمع السكاني املدروس‪،‬‬
‫في حين أن أسر الفئة الاجتماعية متوسبطة الدخل (‪4777-3777‬ده)‪ ،‬ال تتعدى نسبتها ‪ 57‬في املائة بينما‬
‫أسر الفئة الاجتماعية امليسورة (أكثر من ‪ 4777‬ده) تمثل أقل من ‪ 02‬في املائة‪.‬‬
‫توصلت نتائج الدراسة إلى ارتفاع نسبة سريانية املرض في صفوف ألاسر ذوات الدخل املحدود إلى ‪ 37‬في‬
‫املائة‪ ،‬أما الفئة الاجتماعية متوسبطة الدخل فسجلت نسبة سريانية ‪ 83‬في املائة‪ ،‬وفي حدود ‪ 08‬في املائة‬
‫بالنسبة للفئة الاجتماعية امليسورة‪( .‬الجدول ‪)5‬‬
‫جدول رقم ‪ :2‬سريانية الحاالت املرضية حسب الفئات الاجتماعية‬
‫عدد الحاالت املرضية نسبة السريانية‬ ‫عدد ألافراد‬ ‫الفئات الاجتماعية‬
‫‪30‬‬ ‫‪62‬‬ ‫‪206‬‬ ‫املحدودة الدخل‬
‫‪23‬‬ ‫‪40‬‬ ‫‪171‬‬ ‫املتوسبطة الدخل‬
‫‪12‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪51‬‬ ‫امليسورة‬
‫املصدر‪ :‬الدراسة امليدانية‬
‫نستنتج أن الفئة الاجتماعية محدودة الدخل ألاكثر اعتالال بتعرضها لبطائفة من ألامراض خاصة‬
‫التنفسية املعدية والتعفنية وألامراض املنقولة جنسيا‪ .‬كما أن تفاوت توزيع سريانية املرض يبطابقه‬
‫تفاوت توزيع الدخل أو الوضع السوسيواقتصادي ألسر املجتمع السكاني املدروس‪ .‬مما يعيد إنتاج‬
‫التفاوتات السوسيومجالية‪.‬‬
‫نتج عن التمدين العشوائي باملركز امتداد مساكن هشة في عدة أحياء سكنية تفتقر لشروط السكن‬
‫الالئق‪ .‬ويمكن تحديد خمسة مستويات من الهشاشة في السكن‪ ،‬من خالل معاينتنا لألحياء السكنية‪:‬‬
‫املستوى ألاول‪ :‬منازل ومباني شيدت بمواد بنائية هشة‪ ،‬مما يشكل خبطرا على سالمة وصحة ساكنيها‪.‬‬
‫املستوى الثاني مباني ال ترتبط بشبكة الصرف الصحي‪.‬‬
‫املستوى الثالث منازل ال تستفيد من التهوية والتشميس وتنعدم فيها النوافذ مما يؤدي إلى ارتفاع‬
‫الرطوبة‪ .‬املستوى الرابع منازل قريبة من النفايات السائلة والصلبة‪.‬‬

‫‪ -1‬مونوغرافية الجماعة الترابية سيدي بيبي ‪.8787‬‬

‫‪230‬‬
‫املستوى الخامس منازل ذات كثافة سكانية عالية خاصة باألحياء السكنية الشعبية‪.‬‬
‫عالوة على ذلك فإن أكثر من ‪ 27‬في املائة (إلاحصاء العام للسكان والسكنى ‪ )8705‬من ألاسر تستعمل‬
‫حفرا صحية لتصريف املياه املستعملة أو القذف بها في أزقة ألاحياء السكنية بسبب ضعف شديد‬
‫بالتغبطية بشبكة الصرف الصحي‪ ،‬وغياب محبطة ملعالجة املياه العادمة‪ .‬مما يعرض ألاحياء السكنية‬
‫للتلوث‪ ،‬والعفونة وألاوساخ التي تنفث عدة حشرات ضارة بالصحة الجماعية‪( .‬الصورة‪)0‬‬
‫الصورة ‪ :1‬تصريف عشوائي للمياه العادمة باألزقة‬

‫‪ 2-7‬ظروف سوسيواقتصادية هشة ومتفاوتة تؤثر وتعمق الفوارق الترابية في الولوج للعالج‬
‫صرحت ‪ 25‬أسرة من أصل ‪ 087‬أسرة بإجرائها لالستشارة البطبية وحسب الفئة الاجتماعية فقد بل‬
‫عددها ‪ 57‬استشارة بالنسبة للفئة املحدودة الدخل و‪ 81‬استشارة بالنسبة للفئة الاجتماعية مابين‬
‫‪ 4777-3777‬ده أما امليسورة في حدود ‪ 02‬استشارة‪.‬‬
‫يالحظ أن أغلب ألاسر ذوات الدخل املحدود تلجأ إلى املركز الصحي من أجل التشخيص البطبي والعالج‬
‫وكذا الولوج إلى املستشفى إلاقليمي إنزكان الذي يبعد بحوالي ‪ 00‬كلم عن الجماعة الترابية القليعة وبأكثر‬
‫من ‪ 87‬كلم عن الجماعة الترابية سيدي بيبي في حين أن أكثر من ‪ 47‬في املائة من أسر الفئة الاجتماعية‬
‫املتوسبطة وامليسورة تصتار العيادات الخاصة بحكم دخلها املادي واستفادتها من التغبطية الصحية‪.‬‬
‫(الجدول ‪)4‬‬

‫‪231‬‬
‫جدول رقم ‪ :1‬توزيع أسر الفئات الاجتماعية حسب مؤسسة الاستشارة الطبية‬

‫أكثر من ‪4777‬ده‬ ‫ما بين ‪3777‬ده و‪4777‬ده‬ ‫أقل من ‪3777‬ده‬ ‫نوع املؤسسة‬
‫‪17‬‬ ‫‪13‬‬ ‫‪10‬‬ ‫عيادة خاصة‬
‫‪1‬‬ ‫‪4‬‬ ‫‪7‬‬ ‫مستشفى‬
‫‪0‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪18‬‬ ‫مركز صحي‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪5‬‬ ‫مستوصف‬
‫‪18‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪40‬‬ ‫املجموع‬
‫املصدر‪ :‬بحث ميداني‬
‫بينما الفئة الاجتماعية محدودة الدخل فضعف دخلها املادي يشكل حدا فاصال للولوج لخدمات القبطاع‬
‫الخاص خاصة وأن أكثر من ‪ 32‬في املائة من مجتمع الدراسة ال يتمتعون بأية تغبطية صحية وأقل من‬
‫‪ 03‬في املائة فقط تستفيد من نيام املساعدة البطبية مما يفاقم وضعية الهشاشة والحرمان في الصحة‬
‫خاصة بالنسبة لألسر ذوات الدخل املحدود‪ ..‬ويزيد من صعوبة الولوج للعالج‪.‬‬
‫تقبطن نسبة ‪ 78‬في املائة من العينة السكانية املدروسة بالجماعة الترابية القليعة على بعد أقل من ‪3‬‬
‫كلم عن املركز صحي و‪ 2‬في املائة بما بين ‪ 1-3‬كلم‪ .1 .‬وهو معبطى مشجع على الولوج املجالي لالنتفاع من‬
‫العالج الوقائي داخل املركز‪.‬‬
‫لكن الحينا ضعفا كبيرا فيما يصص ألاداء الوظيفي للمؤسسات الصحية التي تفتقر لعدة تجهيزات‪ ،‬وال‬
‫يتجاوز عددها ثالثة مؤسسات‪ ،‬وعمليا تشتغل مؤسسة واحدة فقط لتلبية طلبات املرتفقين‪ ،‬كما نسجل‬
‫غياب عرض العالج الاستشفائي أو ما يسمى بمستشفى القرب‪.‬‬
‫وأمام ضعف التأطير الصحي داخل الجماعة الترابية سيدي بيبي تضبطر نسبة ‪ 47‬في املائة من ألاسر إلى‬
‫التنقل خارج جماعة إلاقامة سيدي بيبي في اتجاه أكادير وإنزكان وأيت ملول قصد إجراء استشارات طبية‬
‫أو الحصول على العالج‪ .‬مع وجود فوارق اجتماعية فمن الواضح أن الفئة الاجتماعية امليسورة يسعفها‬
‫دخلها للتنقل خارج املركز مقارنة بالفئة الاجتماعية املحدودة الدخل (الجدول ‪ .)1‬وفي املقابل فإن العديد‬
‫من املستجوبين من أرباب ألاسر عبروا تذمرهم وسخبطهم إزاء ضعف الخدمات الصحية باملركز‪.‬‬

‫‪ -1‬مونوغرافية الجماعة الترابية القليعة ‪.8188‬‬

‫‪232‬‬
‫جدول رقم ‪ :2‬وجهة الاستشارة الطبية التي يلجأ اليها املريض حسب الدخل الفردي‪.‬‬

‫املجموع‬ ‫أكثر من ‪4777‬ده‬ ‫ما بين ‪3777‬ده و‪4777‬ده‬ ‫أقل من ‪3777‬ده‬ ‫وجهة الاستشارة‬
‫‪34‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪9‬‬ ‫‪10‬‬ ‫أكادير‬
‫‪1‬‬ ‫‪1‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫أيت ملول‬
‫‪8‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪6‬‬ ‫‪3‬‬ ‫إنزكان‬
‫‪2‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪2‬‬ ‫بيوكرى‬
‫‪38‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪11‬‬ ‫‪25‬‬ ‫سيدي بيبي‬
‫‪23‬‬ ‫‪18‬‬ ‫‪26‬‬ ‫‪40‬‬ ‫املجموع‬
‫املصدر‪ :‬الدراسة امليدانية‬
‫أمام ضعف الدخل وضعف الخدمات الصحية املقدمة فإن نسبة ‪ 37‬من ألاسر ال تلجأ إلجراء استشارة‬
‫طبية رغم أن لديهم حاجيات صحية محسوسة متمثلة في وجود املرض والاعتالل وقد صرح بعض‬
‫مستجوبين " نفضل إلاحساس باأللم على أننا نذهب إلى املركز الصحي أو املستشفى‪ ،‬غادي غير نزيدو‬
‫نمرضو"‪.‬‬
‫يفضل العديد من املستجوبين املرض وآالمه على الذهاب للمركز الصحي أو املستشفى إلجراء استشارة‬
‫طبية لتذمرهم وسخبطهم من ألاداء الوظيفي السيئ للخدمات الصحية‪ ،‬مما يزيد من إضعاف ثقة‬
‫املواطن في مؤسسات الدولة‪.‬‬
‫يتم الاستعانة بالتداوي باألعشاب بنسبة ‪ 50‬في املائة من ألاسر خاصة من لدن أسر الفئة الاجتماعية‬
‫محدودة الدخل لكنها طرق عالجية غير مؤمنة‪ .‬محفوفة بعدة أخبطار فقد يؤدي استعمالها إلى التسممات‬
‫كما يمكن أن تشكل خبطرا على صحة ألام والجنين أثناء فترة الحمل خاصة مع الجهل بمكوناتها وطرق‬
‫وجرع تناولها‪( .‬املبيان ‪)8‬‬
‫مبيان رقم ‪ :0‬عالقة التداوي باألعشاب بالدخل الشهري ب (‪ )%‬بالجماعة الترابية سيدي بيبي‪.‬‬

‫املصدر‪ :‬بحث ميداني‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫فاألمية والجهل يضعفان مستوى الثقافة الصحية‪ 1‬ويحدان من الولوج للعالج وتستفحل ارتباطا بضعف‬
‫الدخل وعدم إدماج مقررات تربوية تكوينية خاصة بالتثقيف الصحي‪ 2.‬فرغم املجهودات التي قام بها‬
‫املغرب في سبيل الخفض من نسب ألامية والهدر املدرس ي إال أن الياهرة مازالت تصيم بياللها في العديد‬
‫من املناطق خاصة الهامشية والتي من بينها الجماعة الترابية سيدي بيبي والقليعة التي تبل بهما نسبة‬
‫ألامية في صفوف النساء أكثر من ‪ 57‬في املائة حسب إلاحصاء العام للسكان والسكنى ‪.8705‬‬
‫ولألمية عدة مياهر تؤثر في تلقي العالج من بينها عدم القدرة على استيعاب استعمال ألادوية‪ ،‬فقد‬
‫توصلت الدراسة إلى أن ‪ 57‬في املائة من ألاسر ليست لها القدرة على قراءة واستعمال ألادوية (املبيان ‪.)3‬‬
‫كما أن انتشارها يؤثر على طريقة تعامل وتفاعل السكان مع ألامراض التي تصيبهم خاصة في صفوف‬
‫النساء‪ .‬فالكثير من ألامراض والحاالت الوبائية التي يسجل انتشارها في بعض املناطق تكون نتيجة للجهل‬
‫بصبطورتها أوال ثم الجهل بوسائل الوقاية منها والتصدي لها أو بسبب غياب التأطير البطبي‪.‬‬
‫إن الجهل بوسائل الوقاية يتجلى في عدم الاهتمام بالنيافة العامة‪ ،‬كنيافة املكان وامللبس وألاغذية‬
‫واملاء الشروب وكذلك الجهل بصبطورة املرض عند إلاصابة به‪ ،‬وتوجه املريض إلى ألاضرحة أو إلى أيخاص‬
‫ال عالقة لهم بالتبطبيب كاملشعوذين أو استعمال وسائل التداوي التقليدية في حاالت تقدمت فيها إلاصابة‬
‫وأصبحت تستدعي تدخل البطبيب‪ ،‬واستعمال املضادات ألادوية غير املناسبة‪ .‬مما قد يسبب مضاعفات‬
‫قد تصاحب الفرد ملدة طويلة إذا لم يعالج املرض في حينه بصفة نهائية‪3.‬‬

‫مبيان رقم ‪ :2‬توزيع ألاسر حسب القدرة على استيعاب استعمال ألادوية‬

‫املصدر‪ :‬البحث امليداني‬

‫‪1 -‬بأوسع معانيها‪ ،‬تتضمن كل مجاالت معرفة الفرد أو الجماعة أو املجتمع التي تؤثر في املواقف وألاراء والسلوكيات فيما يتعلق بالصحة‪،‬‬
‫فضال عن العمليات وألانشبطة املؤدية إلى تغييرات لصالح الصحة والبؤرة ألاساسية لتثقيف الصحي هي الناس وسلوكياتهم‪ ،‬ومرامي‬
‫التثقيف الصحي هي الوصول إلى مستوى يمكن الناس من القيام بردود فعل ايجابية اتجاه حالة املرض أو الاصابة واستعمال الخدمات‬
‫الصحية املتوفرة على نحو رشيد وصحيح وأيضا الوعي بضرورة الحفاظ على البيئة‪.‬‬
‫‪2-‬أيت لعسري‪ ،‬بدرالدين‪ .‬املرجع السابق‬
‫‪3 -‬الفاس ي عبد الواحد‪ .‬ألامية والصحة‪ ،‬في مجلة عالم التربية‪ ،‬العدد ‪8772. 2‬‬

‫‪234‬‬
‫ال أحد يجادل أن املرض له ارتباط وثيق بالثقافة‪ ،‬فإما أن تقودنا إلى الابتعاد عن الاعتالل بتفادي‬
‫السلوكات املسببة له واتباع ألاساليب التي يمكن أن تقلل منه وإما أن تؤدي إلى جعلنا أكثر عرضة‬
‫لألمراض ومشكالت صحية خبطيرة‪.‬‬
‫إن املعتقدات والتقاليد والثقافات الشعبية التي تسود في املجتمع املغربي‪ ،‬تؤثر في تعامله مع املرض‬
‫فكل وتمثالته‪ ،‬فمثال من الناس من ينيرون إلى املرض على أنه سوء حظ وآخرون يعتبرونه نوع من‬
‫الحسد أو بسبب كائنات خفية (الجن والشياطين) وألارواح الخفية‪ ،‬دون النير إلى ألاسباب العلمية‪.‬‬
‫وبالتالي سيكون العالج كل حسب معتقداته‪ ،‬فيلجؤون إلى أساليب وممارسات خرافية‪ ،‬كاللجوء إلى‬
‫الشعوذة والسحرة وإلى ألاولياء وألاضرحة‪ ،‬حيث أن الكثير يرجع مرضه إلى التقصير في حق الوالي أو‬
‫لفعله لذنب ما‪ ،‬وهذا يجعله بعيدا عن اللجوء إلى هللا‪ ،‬ومن ألامثلة الشعبية املغربية الدالة على ارتباط‬
‫الفرد املغربي باملعتقدات والتقاليد (سول املجرب وماتسولش الطبيب)‪ .‬مما يضع تحديا كبيرا أمام‬
‫البطب الحديث‪ ،‬ويحتاج إلى تعميق البحث من طرف أهل الاختصاص في ألانثروبولوجيا البطبية‪.‬‬
‫‪ .9‬خالصات ومناقشة نتائج الدراسة‬
‫تعيش املجاالت الهامشية املحيبطة بمدينة أكادير على إيقاع الضغط الحضري " ‪ "le stress urbain‬حالة‬
‫الجماعة الترابية سيدي بيبي والقليعة‪ .‬وهو تحدي يؤثر سلبا في نوعية وجودة البيئة الحضرية‪ ،‬بتعرضها‬
‫النتشار أشكال الهشاشة والعجز والفقر وإلاقصاء ومصتلف مياهر التفاوتات السوسيواقتصادية‪،‬‬
‫وانتشار السكن غير الالئق‪ ،‬وتنامي مصاطر التلوث‪ ،‬وقصور خدمات الصرف الصحي والربط باملياه‬
‫الصالحة للشرب‪ .‬والتصلص من النفايات املنزلية الصلبة والسائلة‪،‬‬
‫تضافرت هذه اليروف البيئية املعيشية‪ ،‬مع بعضها البعض بشكل مركب‪ ،‬لتفرز واقعا اجتماعيا ومجاليا‬
‫يعاني غياب شروط تضمن حالة صحية جيدة للسكان‪ .‬مع تفاوتها سوسيومجاليا‪ ،‬تبعا لتباين املؤشرات‬
‫السوسيواقتصادية املؤثرة في الحالة الصحية‪ .‬تحول دون عدالة العيش وتجويد صحة املجتمع السكاني‬
‫الحضري‪ ،‬وتحقيق شروط التنمية الحضرية املندمجة والتي من مكوناتها الحق في الصحة‪.‬‬
‫وتعزى تلك اليروف إلى ما تشهده الجماعة الترابية سيدي بيبي والقليعة من تبطورات سوسيومجالية‬
‫واقتصادية مستمرة خلقت منهما مجاال شبه حضري‪ ،‬بتمدين عشوائي‪ ،‬يتسم بالهشاشة وعدم الانسجام‬
‫والاندماج الحضري والخصاص في الخدمات‪ .‬بالرغم من وجودهما وانتمائهما ملنبطقة أكادير الكبير التي‬
‫تمثل قبطبا حضريا مزدهرا اقتصاديا في الهيكلة املجالية للتراب املغربي‪.‬‬
‫إن ضعف الدخل والبعد عن الخدمات الصحية يشكالن عاملين أساسين يعيقان الولوج إلى العالج‬
‫والانتفاع منه‪ ،‬كما ينتج عن تفاوتهما بين الفئات الاجتماعية واملستويات املجالية تكريس الالعدالة‬
‫املجالية والاجتماعية في الولوج إلى العالج‪.‬‬
‫وإذا كان تفاوت الحالة الصحية مرتببطا أشد ما يكون الارتباط بتفاوت اليروف السوسيواقتصادية ما‬
‫بين الفئات الاجتماعية واملستويات املجالية‪ ،‬فإنها تتأثر بشكل قوي بتدهور البيئة وذلك بغض النير عن‬

‫‪235‬‬
‫املكانة واملنزلة الاجتماعية لألفراد‪ .‬وهذا كله يوحي بضعف العدالة في الصحة والولوج للخدمات الصحية‬
‫والانتفاع منها‪.‬‬
‫وينتج عن هذه الوضعية صدع وثنائية مجالية بعالقات مكانية غير متعادلة وغير متكافئة بين مجاالت‬
‫املركز ومجاالت الهامش‪ ،‬بسبب عجزها عن تلبية املتبطلبات الصحية لسكانها‪ ،‬مما يزيد من خبطورة تأثير‬
‫املحددات البيئية املعيشية على الحالة الصحية للسكان‪ .‬وتبطرح بذلك إشكالية الولوج إلى العالج بعدالة‬
‫ومساواة بين أفراد املجتمع كحق من حقوق إلانسان دون تمييز وطبقي‪ ،‬مما يعيق التدبير الحضري‬
‫والهيكلة املجالية والاجتماعية‪.‬‬
‫تتعزز نتائج دراستنا مع ما توصل إليه تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني سنه ‪ 8705‬الذي‬
‫أكد أن " النيااام الصحااي يتبطااور فااي سااياق يتساام بالتفاااوت فااي توزيااع املااوارد بياان مناطااق الت اراب الوطناي‪،‬‬
‫مان جهاة‪ ،‬وتزاياد تبطلعاات السااكنة الراغباة فاي الاستفادة مان خدماات صحياة جيادة‪ .‬وفاي هاذا الصادد‪،‬‬
‫تكشااف أغلااب املؤش ارات املرتببطااة بالوضعيااة الصحيااة باملغاارب عاان وجااود تفاوتااات بياان الجهااات وداخاال‬
‫الجهااة الواحادة وبيان الوسابطين القاروي والحضاري"‪1.‬‬

‫وبالنتيجة هضم حق السكان في الصحة‪ ،‬والشعور بانحبطاط الكرامة‪ .‬وقد أثبتت جائحة "كورونا" أن‬
‫صحة إلانسان لها أبعاد تتجاوز البعد البيولوجي والبطبي‪ ،‬تكمن وتمس البعد الاقتصادي والاجتماعي‬
‫والسياس ي‪ ،‬وأن اختاللها يهدد الاستقرار والسلم‪ ،‬وبالتالي فإن مواجهة املصاطر الوبائية ال بد أن يمر عبر‬
‫سياسات ترابية عمومية ترتكز على فلسفة الحماية الاجتماعية‪.‬‬
‫ونقترح من بين مداخلها ال الحصر‪ ،‬مراعاة النيام املركب في الاعتالل الصحي وفي الولوج للعالج‪،‬‬
‫واستهداف الفئات الاجتماعية والديمغرافية الهشة ألاكثر تعرضا للخبطر الصحي بناء على دراسات ميدانية‬
‫وليس الاكتفاء بسجالت املراكز الصحية واملستشفيات‪ ،‬بل إجراء أبحاث ميدانية دقيقة ومتعددة‬
‫التصصصات مع ما يتبطلبه ألامر من إشراك الجامعات واملصتبرات العلمية وجمعيات املجتمع املدني ‪......‬‬
‫فال يمكن لوزارة الصحة أن تعمل لوحدها في قبطاع متعدد ألابعاد ال يتعلق فقط بالجانب البطبي‬
‫والبيولوجي ‪ .....‬فالصحة صارت اختيارا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا‪.‬‬

‫‪1 -‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ .)8104(.‬التقرير السنوي‪.‬‬


‫‪http://www.ces.ma/Documents/PDF/Rapports%20annuels/2014/RA-2014-VA.pdf date de consultation : 20-03-2020‬‬

‫‪236‬‬
‫الئحة املصادر واملراجع‪:‬‬
‫املصادر‪:‬‬
‫‪ ‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ .‬التقرير السنوي‪.8705 .‬‬
‫‪ ‬وزارة الداخلية‪ .‬الوكالة الجهوية لتنفيذ املشاريع‪ .‬التصميم الجهوي إلعداد التراب لجهة سوس‬
‫ماسة‪.8787.‬‬
‫‪ ‬الجماعة الترابية القليعة‪ .‬مونوغرافية القليعة ‪.8788‬‬
‫‪ ‬الجماعة الترابية سيدي بيبي‪ .‬مونوغرافية سيدي بيبي ‪.8787‬‬
‫املراجع‬
‫‪ ‬مصبطفى اليحياوي‪ ،‬صالح الدين زهلي‪ ،‬الالعدالة املجالية والاجتماعية وانعكاساتها على املجال بالدار‬
‫البيضاء‪ :‬حالة مقاطعتي أنفا وموالي رشيد‪ ،‬مجلة العلوم الاجتماعية‪-‬املركز الديمقراطي العربي‬
‫أملانيا‪-‬برلين‪ ،‬العدد ‪ 7‬جوان‪ ،8780 ،‬ص ‪.888‬‬
‫‪ ‬أيت لعسري‪ ،‬بدرالدين‪ .‬التباينات الجغرافية للوضعية الصحية‪ .‬حالة الدار البيضاء الكبرى‪ .‬أطروحة‬
‫لنيل الدكتوراه في الجغرافيا‪ ،‬جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم إلانسانية‬
‫باملحمدية‪.8705 .‬‬
‫‪ ‬شيماء الشامي‪ .‬نيرية العدالة عند جون رولز‪ .‬ألابعاد السياسية وألاخالقية‪ .‬البطبعة ألاولى‪ .‬لبنان‪.‬‬
‫كندا‪8701 .‬‬
‫‪ ‬د‪ .‬توفيق بن أحمد خوجة_ املدخل في تحسين جودة الخدمات الصحية‪ :‬الرعاية الصحية ألاولية_‬
‫البطبعة الثالثة_ شعبان ‪ 0581‬هجرية املوافق لسبتمبر ‪ 8774‬م‪ ،‬الرياض‪ ،‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫ص ‪.000‬‬
‫‪ ‬أنفلوس محمد‪ ،‬معجم تفسير املصبطلحات في جغرافية الصحة‪ ،‬دفاتر البحث العلمي رقم‪ ،8 :‬كلية‬
‫آلاداب والعلوم إلانسانية املحمدية‪ ،‬مبطبعة ‪ ،FOLIO‬تمارة‪ ،‬سنة ‪ .8700‬ص ‪.880-007‬‬
‫‪ ‬أنفلوس‪ ،‬محمد‪ .‬تحوالت املجال املغربي واملجتمع‪ ،‬دراسة في جغرافية الصحة بالوسط الحضري ‪،‬‬
‫أطروحة لنيل دكتوراه الدولة في الجغرافية‪ ،‬جامعة الحسن الثاني املحمدية كلية آلاداب والعلوم‬
‫إلانسانية املحمدية‪ .8770.‬ص ‪.83‬‬
‫‪ ‬منيمة الصحة العاملية‪ .‬الكشف عن التفاوتات الصحية في املناطق الحضرية والتغلب عليها‪8707.‬‬
‫‪ ‬الفاس ي عبد الواحد‪ .‬ألامية والصحة‪ ،‬في مجلة عالم التربية‪ ،‬العدد ‪8772. 2‬‬
‫‪ ‬امدافعي محمد‪ .‬إنتاج التجهيزات والبنايات الجماعية في الجماعات الضاحوية ملدينة الدار‬
‫البيضاء‪ .‬مجلة جغرافية املغرب‪ ،‬عدد ‪0‬و‪ ،8‬مجلد‪.8771.‬‬
‫‪ ‬خليل عمر مضر أحمد عقله املومني محمد‪ ،‬جغرافية املشكالت الاجتماعية‪ ،‬دار الكندي للنشر‬
‫والتوزيع‪ .‬البطبعة ألاولى‪ .‬إربد ألاردن ص ‪8777 .04‬‬

‫‪237‬‬
‫ جامعة الحسن‬.‫ بحث لنيل الدكتوراه‬.‫ الدار البيضاء مقاربة سوسيومجالية‬.‫ الشويكي املصبطفى‬
.0771 ‫ سنة‬.‫الثاني كلية آلاداب والعلوم إلانسانية‬
 ARNAUD Brennetot. Les géographes et la justice spatiale : généalogie d’une relation
compliquée. Dans Annales de géographie 2011/2 (n°678). P116.
 jean GOTTMAN. La Politique des Etats et leur géographie. Revue française de science
politique. 1952.P 832
 jean GOTTMAN. Essais sur l’aménagement de l’espace habité. Paris.Mouton.1966
 Edward W. Soja, “The city and spatial justice” [« La ville et la justice spatiale », traduction :
Sophie Didier, Frédéric Dufaux], justice spatiale | spatial justice | n° 01 septembre |
septembre 2009 | http://www.jssj.org
 Bernard Bret. Interpréter les inégalités socio-spatiales à la lumière de la Théorie de la Justice
de John Rawls. Dans Annales de géographie 2009/1-2 (n° 665-666).P22

238
‫مساهمة املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر وتحقيق التنمية بين الواقع واملتوقع‬

‫عبد النبي يشو‬


‫باحث في علم الاجتماع‬
‫مقدمة‬

‫إن املتتبع ملسار التنمية البشرية والحماية الاجتماعية باملغرب‪ ،‬يمكنه أن يدرك حجم املجهودات املبذولة‪،‬‬
‫واملوارد املرصودة من قبل الدولة في هذا املجال‪ ،‬ويقف على توجه الخبطابات الرسمية نحو التركيز على‬
‫أهمية الخيار التنموي‪ ،‬الذي يشكل التزاما دوليا من جهة‪ ،‬وانصراطا ضمن عملية وطنية تنموية شاملة‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬لذلك جاءت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬التي أعلن عنها امللك محمد السادس‬
‫بتاريخ ‪ 02‬ماي ‪ ،8774‬بوصفها خبطة تنموية استراتيجية مصتصة‪ ،‬لتجعل من تنمية العنصر البشري‬
‫الهدف ألاسمى‪ ،‬من خالل تحقيق أهداف استراتيجية‪ ،‬تتمثل بشكل أساس ي في الحد من الفقر والهشاشة‪،‬‬
‫وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر الرفع من مؤشر الدخل‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬عملت الدولة املغربية على‬
‫تبني سياسة اجتماعية‪ ،‬قصد التصفيف من حدة التفاوتات الاجتماعية‪ ،‬والتي تفاقمت بعد جائحة‬
‫كوفيد ‪.07‬‬

‫نسعى في هذا إلاطار إلى املساهمة في إغناء وتعميق النقا الذي يدور حول مسألة الحماية الاجتماعية‬
‫باملغرب‪ ،‬وعلى وجه التحديد‪ ،‬دور املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر‪ ،‬وتحقيق التنمية‬
‫املنشودة‪ ،‬انبطالقا من رصد وتحليل برامج املبادرة عبر مراحلها الثالث‪.‬‬
‫ُّ‬
‫وتدخل مصتلف الفاعلين‬ ‫إن أهمية هذا املوضوع تكمن أساسا في ارتباطه بالسياسات العمومية للدولة‪،‬‬
‫الحكوميين وغير الحكوميين‪ ،‬ثم باعتباره موجها نحو العنصر البشري‪ ،‬الذي يعتبر ِّ‬
‫املحرك ألاساس ي ألي‬
‫تنمية في املجتمع‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن موضوع التنمية البشرية يستهدف بشكل أساس ي الفئات‬
‫ِّ‬
‫الفقيرة والهشة في املجتمع‪ ،‬من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية‪ ،‬والرفاه الاجتماعي‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬نبطمح من خالل هذا البحث إلى إلاجابة عن إلاشكالية املتمثلة في السؤال املركزي التالي؛‬

‫إلى أي حد استبطاعت برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬محاربة الفقر وتحقيق التنمية باملغرب؟‬

‫وكذلك عن ألاسئلة الفرعية املنبثقة عن هذه إلاشكالية؛‬

‫ما املقصود باملبادرة الوطنية للتنمية البشرية؟ وما أهم مقومات برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‬
‫باملغرب؟ ثم ما مدى مساهمة هذه البرامج في محاربة الفقر وإرساء قواعد التنمية باملغرب؟‬

‫‪239‬‬
‫ويمكن أن ننبطلق من فرضيتين أساسيتين بصصوص هذا املوضوع‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬تحدث برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعض التأثيرات املحدودة‪ ،‬في الواقع الاجتماعي للفئات‬
‫املستهدفة‪.‬‬
‫‪ -‬هناك ضعف على مستوى الانسجام والتكامل بين تصورات املبادرة الوطنية للتنمية البشرية من‬
‫جهة‪ ،‬وبين املنجزات وتأثيرها الحقيقي في محاربة الفقر وإرساء التنمية من جهة أخرى‪.‬‬

‫وسيتم الاعتماد في تناول هذا البحث على منهج يجمع بين الوصف والتحليل واملقارنة‪ ،‬من أجل تفكيك‬
‫أبرز عناصر املوضوع‪ ،‬انبطالقا من تشخيص واقع التنمية البشرية باملغرب‪ ،‬وبيان التصورات التي تتأسس‬
‫عليها املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬ثم الكشف عن املنجزات التي تم تحقيقها في هذا املجال‪ ،‬وإبراز‬
‫مدى فعاليتها ومالءمتها للواقع الاجتماعي‪.‬‬

‫كما سنعتمد بعض املفاهيم ألاساسية في تناول هذا البحث‪ ،‬مما يفرض بيان داللتها‪ ،‬وكشف معانيها‪،‬‬
‫وهي كاآلتي؛‬

‫‪ -1‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‬


‫ُ‬
‫تعرف املبادرة الوطنية للتنمية البشرية اختصارا ب "‪ ،"INDH‬وتمثل مشروعا تنمويا‪ ،‬عرف الانبطالقة‬
‫الرسمية بعد الخبطاب امللكي في ‪ 02‬ماي ‪ ،8774‬ويهدف إلى تحسين ألاوضاع الاقتصادية والاجتماعية‬
‫للفئات الفقيرة‪ ،‬وجعل املواطن املغربي أساس الرهان التنموي عبر تبني منهج تنييمي خاص قوامه‬
‫الاندماج واملشاركة‪ .‬وهي ليست مشروعا مرحليا‪ ،‬وال برنامجا ظرفيا عابرا‪ ،‬وإنما هي ور مفتوح‬
‫باستمرار‪.‬‬

‫تروم املبادرة الوطنية للتنمية البشرية محاربة الفقر والهشاشة وإلاقصاء الاجتماعي‪ ،‬ومساهمة املواطنين‬
‫املعنيين في تشخيص حاجاتهم ومبطالبهم وتحقيقها‪ ،‬إضافة إلى الحكامة الجيدة‪ ،‬مع إشراك كل الفاعلين‬
‫في التنمية وفي اتصاذ القرار‪ ،‬وتنبني على مقاربة تشاركية تقوم على أساس التشارك والتشاور مع كافة‬
‫الفاعلين املحليين‪ ،‬خاصة هيئات املجتمع املدني والساكنة املستهدفة في إنجاز "التشخيص التشاركي" من‬
‫أجل رصد الاختالالت وتحديد الحاجات ووضع ألاهداف وألاولويات‪ ،‬وبلورة البرامج واملشاريع وتنفيذها‬
‫وتتبعها‪ ،‬كما أنها ليست مشروعا خيريا‪ ،‬وإنما هي فلسفة اقتصادية واجتماعية جديدة‪ ،‬تنسجم مع‬
‫ألاهداف الكونية للتنمية البشرية املستدامة والرفاه الاجتماعي‪ ،‬كما هي متعارف عليها في املنتيم الدولي‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫‪ -1‬مفهوم املبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأهدافها ومحاور تدخالتها‪https://indh-taounate.ma/concept-initiative ،‬‬

‫‪240‬‬
‫‪ -0‬الفقر‬

‫يعتبر الفقر حالة ماان الحرمان املادي التي تتجلى أهاام مياهرها في انصفاض استهالك الغذاء كما ونوعا‬
‫وتادني الحالاة الصحیة واملساتوى التعلیمي والوضع السكني‪ ،‬والحرمان من تملك السلع املعمرة وألاصول‬
‫املادیة ألاخرى وفقادان الاحتیاطي املالي‪ ،‬أو الضمان ملواجهاة الحيااة الصعبة كااملرض وإلاعاقاة والببطالة‬
‫والكاوارث وألازمات‪1 .‬‬

‫ويعني كذلك‪ ،‬تلاك الحالاة املادیاة التاي ال یساتبطیع إلانسان مان خاللهاا تحقیاق الحاد ألادناى ملتبطلبات‬
‫حیاته‪ ،‬إماا لعادم كفایة دخلاه بصورة كبيرة‪ ،‬أو لعدم وجود دخل على إلاطالق‪2 .‬‬

‫واملفهوم الاجتماعي للفقر يعني حصار الحاجة‪ ،‬ومعاناة الحرمان لقبطاع كبير من سكان املجتمع وصعوبة‬
‫حصولهم على الحاجات ألاساسية‪ ،‬أو الحدود الدنيا لهذه الحاجات‪ ،‬يضاف إلى ذلك فقر القدرات والذي‬
‫يسهم بدوره في تهميش الكثير من الفئات الاجتماعية ويدرجها ضمن جموع الفقراء‪ ،‬والفقر ليس فقط‬
‫الحرمان من البطعام والحاجات ألاساسية الالزمة للحياة‪ ،‬ونقص الرعاية الصحية والاجتماعية‪ ،‬ولكنه‬
‫ينبطوي على حرمان الفقراء من إلاعداد الذي يجعلهم أفرادا أكثر فاعلية في املجتمع‪ ،‬وأكثر مشاركة‪ ،‬ومن‬
‫ثم يفرض ذلك عليهم مزيد من العزلة وعدم الاستقرار السياس ي والاجتماعي‪ ،‬ونقص فرص التنمية‬
‫الاجتماعية والبشرية التي تساعد على توليد الدخل‪ ،‬وتحسين نوعية الحياة‪3 .‬‬

‫‪ -2‬التنمية‬

‫عملية ديناميكية تتكون من سلسلة من التغيرات الهيكلية والوظيفية في املجتمع‪ ،‬وتحدث نتيجة للتدخل‬
‫في توجيه حجم ونوعية املوارد املتاحة للمجتمع‪ ،‬وذلك لرفع مستوى رفاهية الغالبية من أفراد املجتمع‬
‫عن طريق زيادة فاعلية أفراده في استثمار طاقات املجتمع إلى الحد ألاقص ى‪4 .‬‬

‫وتعني كذلك؛ توفير عمل منتج ونوعية من الحياة ألافضل لجميع الشعوب‪ ،‬وهو ما يحتاج إلى نمو كبير‬
‫في إلانتاجية والدخل وتبطوير للمقدرة البشرية‪ ،‬وحسب هذه الرؤية فإن هدف التنمية ليس مجرد زيادة‬
‫إلانتاج‪ ،‬بل تمكين الناس من توسيع نبطاق خياراتهم‪ ،‬وهكذا تصبح عملية التنمية هي عملية تبطوير‬
‫القدرات وليست عملية تعييم املنفعة أو الرفاهية الاقتصادية فقط‪ ،‬بل الارتفاع باملستوى الثقافي‬
‫والاجتماعي والاقتصادي‪ ،‬و يبين ذلك أن حاجات إلانسان كفرد ليست كلها مادية‪ ،‬ولكن تحتوي أيضا‬

‫‪ -1‬عبد الرزاق الفارس‪.‬الفقر و توزيع الدخل في الوطن العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪ ،2001 ،‬ص‪.87،‬‬
‫‪ -2‬علي محمد جعفر‪ ،‬ألاحداث املنحرفون‪( :‬عوامل الانحراف‪ ،‬املسؤولية الجزائية‪ ،‬التدابير)‪ ،‬دراسة مقارنة‪ ،‬املؤسسة الجامعية للدراسات‬
‫والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت (لبنان)‪ ،1984 ،‬ص‪.077 ،‬‬
‫‪ -3‬يحيى محمد محمد هاشم‪ ،‬التجارب الدولية لشبكات الحماية الاجتماعية كآلية ملواجهة الفقر‪ ،‬دراسة تحليلية‪ ،‬مجلة البحث العلمي‬
‫في آلاداب‪ ،‬العدد ‪ ،02‬جامعة عين شمس كلية البنات لآلداب والعلوم والتربية‪ ،‬مصر‪ ،‬دجنبر ‪ ،8700‬ص‪.4 ،‬‬
‫‪ -4‬مدحت محمد أبو النصر‪ ،‬إدارة وتنمية املوارد البشرية‪ ،‬الاتجاهات املعاصرة‪ ،‬مجموعة النيل العربية‪ ،‬القاهرة‪ ،8770،‬ص‪.189 ،‬‬

‫‪241‬‬
‫على العلم والثقافة وحق التعبير والحفاظ على البيئة وممارسة ألانشبطة وحق املشاركة في تقرير شؤون‬
‫ألافراد بين ألاجيال الحالية واملقبلة‪1 .‬‬

‫ويمكن القول إن التنمية عملية شاملة‪ ،‬ينتقل عبرها املجتمع من وضعية التصلف إلى وضعية التقدم‪،‬‬
‫مما يترتب عنه حيوية ونشاطا على املستوى الاقتصادي‪ ،‬وارتفاع مستوى الدخل الفردي‪ ،‬واختفاء مياهر‬
‫الفقر والتهميش والهشاشة‪.‬‬

‫أوال‪ :‬برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‬

‫راكمت املبادرة الوطنية للتنمية البشرية على مدى ‪ 03‬سنة‪ ،‬تجارب وإنجازات متعددة من خالل؛ مرحلتها‬
‫ألاولى (‪ ،)8707 - 8774‬التي تمحورت حول أربعة برامج‪ ،‬استهدفت مصتلف الفئات الاجتماعية‪ ،‬وتتمثل‬
‫في إطالق برنامج محاربة الفقر في الوسط القروي‪ ،‬وبرنامج محاربة إلاقصاء الاجتماعي في الوسط‬
‫الحضري‪ ،‬وبرنامج محاربة الهشاشة‪ ،‬إضافة إلى برنامج يهم جميع الجماعات القروية والحضرية غير‬
‫املستهدفة‪ .‬ومرحلتها الثانية ( ‪ ،) 8702 - 8700‬التي منحت دفعة للمبادرة‪ ،‬تجلت في الرفع من الغالف‬
‫املالي املصصص لها‪ ،‬واستهداف مئات من الجماعات القروية وألاحياء الحضرية الفقيرة‪ ،‬إضافة إلى‬
‫استهداف مليون مستفيد قاطن ب ‪ 3377‬دوار‪ ،‬ينتمي إلى ‪ 88‬إقليم معزول أو في مناطق جبلية ‪ .2‬وقد‬
‫عرفت املرحلتان السابقتان إكراهات مرتببطة بمحدودية الالتقائية بين القبطاعات والتدخالت العمومية‪،‬‬
‫وضعف متابعة وقع وتأثير املشاريع املنجزة‪.‬‬

‫وتبقى أهم الرافعات ألاساسية للتنمية البشرية‪ ،‬وأبرز التحديات التي تواجه هذه البرامج التنموية‪،‬‬
‫وتعرقل مسار املبادرة برمتها‪ ،‬تحسين الدخل‪ ،‬وهذا يقتض ي السعي الدائم إلى مضاعفة نتائج مشاريع‬
‫املبادرة وتنويع مداخلها واملستفيدين منها؛ إذ لم تستهدف أغلب املشاريع التي تم إطالقها خالل املرحلتين‬
‫ألاولى والثانية فئة الشباب‪ ،‬كما أنها تبطلبت مبال مالية ضعيفة ( أقل من ‪ 877 777‬ألف درهم )‪،‬‬
‫باإلضافة إلى عدم استمرارية العديد من املشاريع‪ ،‬نيرا للصعوبات املوجودة على مستوى التدبير‬
‫والتسويق‪ ،‬مع غياب املواكبة القبلية والبعدية إلحداثها‪3 .‬‬

‫إن تحقيق آلامال املعقودة على املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬يقتض ي الاهتمام باملوارد البشرية‪،‬‬
‫والتركيز على هذا املدخل ألاساس ي‪ ،‬باعتبار إلانسان هو املنفذ ملقتضيات املبادرة الوطنية‪ ،‬وهو املسؤول‬
‫ألاول عن نجاحها وتحقيق أهدافها‪ ،‬إلى جانب بايي املوارد اللوجستية واملالية‪ ،‬ويمكن أن يتصذ هذا‬

‫‪ -1‬خالد مصبطفى قاسم‪ ،‬إدارة البيئة والتنمية املستدامة في ظل العوملة املعاصرة‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬إلاسكندرية‪ ،8770،‬ص‪.07،‬‬
‫‪ -2‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬يناير ‪https://ar.wikipedia.org/wiki ،8788‬‬
‫‪ -3‬التنسيقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬تقديم املرحلة الثالثة ( ‪ ،) 8783 – 8707‬املندوبية السامية للتصبطيط‪،8702 ،‬‬
‫ص‪.35،‬‬
‫العنوان إلالكتروني‪http://www.indh.ma/wp-content/uploads/2019/09/Livret_INDH_VAR.pdf ،‬‬

‫‪242‬‬
‫الاهتمام‪ ،‬أشكاال متعددة؛ كالتكوين والتدريب‪ ،‬واملتابعة واملحاسبة‪ ،‬والتحفيز من خالل توفير شروط‬
‫الاشتغال املناسبة واملالئمة‪ ،‬والعمل بشكل أساس ي على بناء املواطن املسؤول والبطموح‪ ،‬الذي يسعى‬
‫لخدمة وطنه ومجتمعه‪ ،‬دون تقصير أو إخالل بالواجب‪ ،‬وهذا يتبطلب عقودا وجهودا على مدى ألاجيال‬
‫القادمة‪ ،‬كما يستدعي وعي جميع الفاعلين السياسيين والجمعويين والحكوميين وغيرهم بذلك‪ ،‬والسعي‬
‫إلى تحقيقه‪ ،‬كل حسب موقعه وزاوية تأثيره‪.‬‬

‫وبناء على الخالصات التي تم استنتاجها عبر تقييم منجزات املبادرة الوطنية و التحديات املستقبلية التي‬
‫ستواجه برامجها‪ ،‬تأتي املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة ( ‪ ،) 8783 - 8707‬التي أشرف‬
‫امللك على انبطالقتها يوم ألاربعاء ‪19‬شتنبر ‪ ،8702‬من أجل تحقيق الاستمرارية للمرحلتين السابقتين‪،‬‬
‫والسعي إلى بلوغ الغاية التي أطلقت من أجلها املبادرة‪ ،‬واملتمثلة في ضمان ظروف العيش الكريم للفئة‬
‫املحتاجة‪ ،‬وتكريس موقع املبادرة كفاعل أساس ي في التنمية البشرية‪1 .‬‬

‫وتسعى الدولة من خالل املرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية إلى إعبطاء أهمية قصوى‬
‫لالنصراط الجاد للفاعلين الجمعويين‪ ،‬وإلى ترسيخ قيم العدالة الاجتماعية والكرامة‪ ،‬واستشراف‬
‫املستقبل وزرع ألامل‪ .‬وكذا تحقيق التجديد في إطار الاستمرارية‪ ،‬باعتماد أربعة برامج استباقية‪ ،‬تمت‬
‫بلورتها لتعزيز التنمية‪ ،‬مع وضع آليات متجددة للحكامة البشرية‪ 2 .‬وتتغيى هذه املرحلة الانصراط في سياق‬
‫العمل الاستبايي‪ ،‬وجعل املبادرة الوطنية إلاطار العام التنسيقي الذي يتدخل من خالله كل الفاعلين في‬
‫مجال التنمية البشرية‪ ،‬ونستعرض برامج املرحل الثالثة ألاربعة‪:‬‬

‫‪ -1‬تدارك الخصاص على مستوى البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية ألاساسية‬

‫ويهدف البرنامج ألاول إلى تحصين مكتسبات املرحلتين ألاولى والثانية‪ ،‬مع مواصلة العمل على تدارك جزء‬
‫من العجز املسجل حسب مؤشرات خريبطة الفقر متعدد ألابعاد في ما يصص الولوج للبنيات التحتية‬
‫والخدمات ألاساسية‪ .‬وستهم تدخالت هذا البرنامج خمسة محاور ذات أولوية تتمثل في الصحة والتعليم‬
‫والكهربة القروية والتزويد باملاء الصالح للشرب‪ ،‬باإلضافة إلى إنجاز البطرق واملسالك القروية واملنشآت‬
‫الفنية‪.‬‬

‫‪ -0‬مواكبة ألاشخاص في وضعية هشاشة‬

‫يهم البرنامج الثاني باألساس تعزيز وتوسيع نبطاق التدخالت التي باشرتها املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‬
‫خالل املرحلتين ألاولى والثانية لفائدة مصتلف فئات ألايخاص في وضعية هشة‪ ،‬مع العمل في إطار‬
‫شبكات من الجمعيات الرائدة في مجال تصصصها‪ ،‬بهدف نشر قواعد املمارسات الجيدة والارتقاء بجودة‬

‫‪ -1‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪.0،‬‬


‫‪ - 2‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪.85 ،‬‬

‫‪243‬‬
‫الخدمات‪ .‬وستشمل تدخالت هذا البرنامج إحدى عشرة فئة ذات أولوية من ألايخاص الذين يوجدون‬
‫في وضعية هشة‪ ،‬وذلك بالعمل على مستوى ثالثة محاور أساسية؛ مساعدة خمس فئات من ألايخاص‬
‫ذوي الاحتياجات الخاصة واملرض ى واملسنين املفتقرين للموارد‪ ،‬ودعم إعادة إلادماج السوسيو‪ -‬اقتصادي‬
‫ألربع فئات تضم النساء في وضعية هشة‪ ،‬والسجناء السابقين بدون موارد‪ ،‬واملتسولين واملتشردين‬
‫واملدمنين‪ ،‬إضافة إلى حماية فئتين من ألاطفال والشباب‪ ،‬تتكون من ألاطفال املتصلى عنهم‪ ،‬وأطفال‬
‫الشوارع والشباب بدون مأوى‪ .‬يندرج البرنامجان ألاول والثاني في إطار الاستمرارية من أجل تحصين‬
‫مكتسبات املرحلتين ألاولى والثانية‪ ،‬مع مواصلة الخصاص على مستوى الدينامية التي تم إطالقها لتدارك‬
‫البنيات التحتية والخدمات الاجتماعية ألاساسية وكذا محاربة الهشاشة‪1 .‬‬

‫‪ -2‬تحسين الدخل وإلادماج الاقتصادي للشباب‬

‫ووعيا بالتأثير املباشر ملستوى الدخل على مؤشرات التنمية البشرية‪ ،‬وبضرورة تغيير الثقافة القائمة على‬
‫املساعدة وتبني مقاربة طموحة تعتمد فكرة املشروع من أجل إرساء قيم التنمية املستدامة‪ ،‬يروم‬
‫البرنامج الثالث باألساس توفير الدخل وخلق فرص عمل للشباب‪ ،‬وذلك من خالل الاشتغال على ثالثة‬
‫دعائم أساسية‪ .‬وتهم هذه الدعائم الاهتمام بالعنصر البشري من خالل اعتماد إجراءات دعم التكوين‬
‫واملواكبة بهدف إدماج املقاولين وحاملي املشاريع‪ ،‬واعتماد خارطة طريق للتنمية الاقتصادية املحلية‬
‫بهدف تبطوير ألانشبطة الاقتصادية وتيسير إلادماج السوسيو‪ -‬اقتصادي للشباب‪ ،‬عالوة على تحديد‬
‫املشاريع ذات الوقع إلايجابي‪.‬‬

‫ويشكل هذا البرنامج أهم ألاورا التي تهتم بها املرحلة الثالثة‪ ،‬الرتباطه بالدخل والشباب‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد‪ ،‬الزالت هناك تحديات كبيرة بصصوص إدماج الشباب وتحسين الدخل‪.‬‬

‫‪ -2‬الدفع بالتنمية البشرية لألجيال الصاعدة‬

‫يهم البرنامج الرابع الدعم املوجه للتنمية البشرية لألجيال الصاعدة‪ ،‬ويعتبر لبنة جديدة في بناء صرح‬
‫املنيومة املندمجة للتنمية املستدامة‪ ،‬ويهدف باألساس إلى التصدي ببطريقة استباقية ألحد ألاسباب‬
‫الرئيسية للتأخر الحاصل في مجال التنمية البشرية‪ ،‬وذلك عبر الاستثمار في الرأسمال البشري منذ املراحل‬
‫املبكرة للفرد‪ ،‬وذلك بتركيز تدخالت املبادرة على محورين جوهريين؛ محور تنمية البطفولة املبكرة‪ ،‬وسيتم‬
‫في إطاره استهداف النساء الحوامل واملرضعات وكذا ألاطفال أقل من ‪ 1‬سنوات املنحدرين من ألاوساط‬
‫الفقيرة واملعوزة‪ ،‬ومحور مواكبة البطفولة والشباب‪ ،‬الذي يستهدف ألاطفال في سن التمدرس والشباب‬
‫في نهاية مسارهم الدراس ي‪.‬‬

‫‪1‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪85 ،‬‬

‫‪244‬‬
‫وتأسيسا على هذا النسق‪ ،‬تم على مستوى محور تنمية البطفولة املبكرة‪ ،‬تحديد ثالثة أولويات لتفعيله‪،‬‬
‫باعتماد املساهمة في تقوية نيام صحة ألام والبطفل‪ ،‬واملساهمة في تحسين جودة تغذية البطفل وتقليص‬
‫نسب إلاخفاق املدرس ي‪ ،‬من خالل دعم تعميم التعليم ألاولي‪.‬‬

‫أما على مستوى املحور الثاني املرتبط بمواكبة ألافراد في مرحلة البطفولة والشباب‪ ،‬والذي يروم التصفيف‬
‫من مياهر التفاوتات على مستوى التعلم ومحاربة الهدر املدرس ي ودعم الانفتاح‪ ،‬فسيتم أجرأته عبر‬
‫مباشرة التدابير ذات ألاولوية‪ ،‬والتي تهم دعم التفوق ومحاربة الهدر املدرس ي من خالل العمل على توفير‬
‫البنيات والتجهيزات ألاساسية‪ ،‬كدار البطالب والبطالبة‪ ،‬والنقل املدرس ي‪ ،‬وتعميم دروس التقوية وكذا‬
‫دعم إعادة إلادماج املدرس ي‪ ،‬وتكثيف برامج التربية غير النيامية‪.‬‬

‫ويتعلق ألامر أيضا باملساهمة في مواكبة التالميذ عند مرحلة التوجيه‪ ،‬عبر استهداف أفواج السنوات‬
‫النهائية للسلكين إلاعدادي والثانوي‪ ،‬ومالءمة مؤهالتهم التعليمية ومساراتهم الدراسية مع متبطلبات‬
‫سوق الشغل‪ ،‬وتعزيز الانفتاح لدى ألاطفال والشباب من خالل تسهيل الولوج لألنشبطة الفنية والثقافية‬
‫والرياضية املوازية‪ ،‬ودعم إحداث املزيد من البنيات التحتية الالزمة كدور الشباب‪ ،‬واملالعب الرياضية‬
‫واملكتبات‪ ،‬مع تعزيز الشراكة مع النسيج الجمعوي‪.‬‬

‫يهدف البرنامجان الجديدان الثالث والرابع إلى التصدي ألبرز املعيقات على مستوى التنمية البشرية‬
‫طيلة مراحل حياة الفرد‪ ،‬وذلك عبر خلق فرص للشغل والحد من التفاوتات على مستوى الدخل‪،‬‬
‫ومواكبة ألاطفال والشباب املنتمين للفئات الهشة‪1 .‬‬

‫وعموما تروم املرحلة الثالثة ماان املبادرة الوطنية للتنمية البشرية تبني حكامة متجااددة لتحقيق الالتقائية‬
‫الضرورية والفعالية املتوخاة‪ ،‬وخلااق املزيد من املستجدات‪ .‬وفي هااذا الصادد‪ ،‬سااتعمل هيئاات الحكامة‬
‫املحدثة على تكريس مبادئ التدبير املحكم‪ ،‬وقدرة املبادرة على القيام بدور الرافعة في جميع الجهات‪،‬‬
‫والالتقائية بين مصتلف املتدخلين‪ ،‬والارتقاء بمكانة الفاعلين الجمعويين والرفع من مهنيتهم‪ .‬وفي هذا‬
‫إلاطار‪ ،‬سيتم أيضا تفعيل برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خالل ست هيئات متجددة‬
‫للحكامة على املستوى الوطني والجهوي والاقليمي واملحلي‪ .‬وبصصوص التمويل‪ ،‬سيكلف تنزيل املرحلة‬
‫الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية (‪ ،)8783-8707‬مبلغا ماليا يقدر با ‪ 02‬مليار درهم‪ .‬وتتوزع هذه‬
‫الاعتمادات ما بين برنامج تدارك الخصاص املسجل على مستوى البنيات التحتية‪ ،‬والخدمات ألاساسية‪،‬‬
‫باملجاالت الترابية ألاقل تجهيزا (‪ 5‬ماليير درهم)‪ ،‬وبرنامج مواكبة ألايخاص في وضعية هشة (‪ 5‬ماليير‬
‫درهم)‪ ،‬وبرنامج تحسين الدخل وإلادماج الاقتصادي للشباب (‪ 5‬ماليير درهم)‪ ،‬وبرنامج دعم التنمية‬
‫البشرية لألجيال الصاعدة (‪ 1‬ماليير درهم)‪ .‬وتجدر إلاشارة إلى أن املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪،‬‬

‫‪ -‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪84 ،‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪245‬‬
‫سجلت خالل مرحلتيها ألاولى والثانية‪ ،‬إنجاز ‪ 53‬ألف مشروع بمبل مالي قدره ‪ 53‬مليار درهم‪ ،‬ساهمت‬
‫فيها املبادرة بمبل ‪ 82‬مليار درهم ‪.1‬‬

‫إن تحقيق أهداف املبادرة الوطنية للتنمية البشرية من خالل مرحلتها الثالثة‪ ،‬وتجاوز العثرات والهفوات‬
‫السابقة التي عرفتها خالل املرحلتين ألاولى والثانية‪ ،‬يستدعي تجديد الكيفية التي يتم بها تحديد أعضاء‬
‫اللجان إلاقليمية واللجان املحلية للتنمية البشرية‪ ،‬وجلب كفاءات ذات مؤهالت مناسبة‪ ،‬بصصوص‬
‫أقسام العمل الاجتماعي ومجموعات تنشيط ألاحياء والجماعات‪ ،‬وإلاسراع بصرف الاعتمادات املالية‪،‬‬
‫ووضع خبطة واضحة ومساطر خاصة لتفعيل الالتقائية والتكامل بين البرامج القبطاعية وبرامج املبادرة‬
‫الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬وتحديد العوامل التي ساهمت في عدم إنجاز املشاريع‪ ،‬قبل مباشرة تنفيذها‬
‫وتنزيلها‪ ،‬وفي هذا السياق تعتبر املشكلة الرئيسية باملغرب‪ ،‬تحول التمييز لصالح البطبقات الغنية إلى‬
‫توسيع الريع والجمع بين الثروة والسلبطة‪ ،‬فينتج عن ذلك تزايد الفوارق‪ ،‬وترتفع أعداد الفقراء‬
‫واملهمشين‪ ،‬وتضعف القدرة الشرائية لجل الشرائح الاجتماعية‪2 .‬‬

‫وتدخل هذه املرحلة من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ضمن خيار استراتيجي‪ ،‬يتمثل في النموذج‬
‫التنموي الذي تبناه املغرب‪ ،‬وتعتمد الدولة منهجية اللجن الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬التي تعيق ربط‬
‫املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬ويعتبر ذلك آفة سياسية‪ ،‬تالزم إنجاز املشاريع التنموية باملغرب‪ ،‬مما يساهم في‬
‫تعميق الفجوة بين من يتم تعيينهم وبين املواطنين‪ ،‬ومن ثم يبقى التصبطيط التنموي بعيدا عن املنهجية‬
‫الديمقراطية الحقيقية‪ 3 .‬ويزداد حجم التناقضات بين التصورات واملنجزات‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تقييم مساهمة برامج املبادرة الوطنية في محاربة الفقر وإرساء التنمية باملغرب‬

‫ذكر تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني إكراهات تعرقل مسار التنمية والحماية الاجتماعية‬
‫باملغرب‪ ،‬منها؛ "غيااب رؤياة سياساية مشاتركة‪ ،‬واساتراتيجية رسامية ونياام محاسابي مندماج‪ ،‬ونياام موحاد‬
‫للمعلوماات وللمحاسابة فاي ماا يتعلاق بااألداء فاي مجاال التغبطياة الاجتماعية؛ وتعادد املصالاح التقنياة‬
‫الوصياة وهيئاات الرقاباة‪ ،‬وضعاف مساتوى التنسايق بينهاا (رئاسااة الحكومااة‪ ،‬ووزارات املاليااة والتشااغيل‬
‫والشااؤون الاجتماعية وألاسارة والتضامن‪ ،‬واملجلااس ألاعلاى للحساابات‪ ،‬وهيئاة مراقباة التأميناات‬
‫والاحتيااط الاجتماعاي وغيرهاا)‪ ...‬وضعااف إش اراك الشااركاء الاجتماعيياان فااي هيئااات الحكامااة وإلاش اراف‬
‫والرقابة املعنيااة بالضمان الاجتماعي؛ وعاادم إعمال التوصيات الصادرة عاان هيئات املراقبة‪ ،‬كاملجلااس‬

‫‪ -1‬سناء بنصري‪ ،‬املرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ :‬توجه جديد ينبطوي على آمال واعدة في مجال التنمية البشرية‪ ،‬دجنبر‬
‫‪http://www.mapexpress.ma/ar/actualite/ .8702‬‬
‫‪ -2‬ميلود الرحالي‪ ،‬جدلية النموذج والسياق‪ :‬بوصلة املغرب بين نموذجين تنمويين ‪ ،8780 /8771‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪،‬‬
‫در القلم للبطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،8788 ،0 ،‬ص‪814 ،‬‬
‫‪ -3‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪810 - 811 ،‬‬

‫‪246‬‬
‫ألاعلااى للحساابات أو التوصياات الاواردة فاي الدراسات التاي تنجزهاا مؤسسات مان قبيال مكتاب العمل‬
‫الدولي" ‪.1‬‬

‫وحسب املرصد الوطني للتنمية البشرية ‪ 2‬فقد تم تصصيص مبل قدره ‪ 07‬مليار درهم مع بداية سنة‬
‫‪ 2005‬ومع إعادة توزيعه ما بين ‪ 2005‬و‪ 8707‬بل ‪ 14.6‬مليار درهم لفائدة الساكنة بمجموع التراب‬
‫الوطني‪ ،‬وخالل املرحلة املمتدة من ‪ 2005‬إلى ‪ 2015‬تم إنجاز أزيد من ‪ 40‬ألف مشروع بينهما ‪8300‬‬
‫مشروع مدر للدخل لفائدة ‪ 10‬ماليير مستفيد يتمركزون في ‪ %50‬بالوسط القروي بغالف مالي قدره‬
‫‪ 37.4‬مليار‪ ،‬لكن الحصيلة املبطلوب تحقيقها من وراء هذه املشاريع والبرامج املنجزة‪ ،‬لم تعبر عما كان‬
‫منتيرا منها‪ ،‬بسبب التفاوت والاختالف الحاصل بين البرامج والاعتمادات املرصودة وكذلك بين عدد‬
‫املستفيدين‪ ،‬ونتيجة لالختالالت التي تعرفها املبادرة على مستوى توزيع وتدبير املبال املالية من قبل‬
‫الفاعلين في املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬إضافة إلى تأخر إنجازات هذه املشاريع نيرا لتعقد املساطر‬
‫الخاصة باالنتقاء وتمويل املشاريع التي قد تستغرق وقتا طويال من أجل صرفها‪ ،‬كما أن غالبية هذه‬
‫البرامج ال تعكس حاجيات املستفيدين‪ ،‬بحيث ال يتم إشراك السكان من أجل اختيار املشاريع املالئمة‬
‫لهم‪ ،‬مما يؤدي إلى تمركز البرامج في منبطقة واحدة دون تحقيق أهدافه‪ ،‬ولتجاوز ذلك‪ ،‬البد من القيام‬
‫ببحوث ميدانية‪ ،‬من أجل تحديد نوعية املشاريع التي تحتاجها الفئة املستهدفة‪ ،‬وأخذ التحوالت‬
‫الديمغرافية والاجتماعية واملجتمعية‪ ،‬بعين الاعتبار‪ .‬وييل الوضع الاجتماعي باملغرب متسما بببطالة‬
‫الشباب‪ ،‬وعدم املساواة والفوارق الاجتماعية والتفاوتات املجالية‪ .‬مما يبطرح‪ ،‬مسألة الاستهداف الجغرافي‬
‫والاجتماعي للسياسات العمومية املتعلقة بالحماية الاجتماعية‪ ،‬وهي املسألة التي تشكل بالفعل عامال‬
‫حاسما من أجل إرساء تكافؤ الفرص والوضعيات‪3 .‬‬

‫نشير في هذا الصدد إلى املقاربة التي تتبناها مؤسسة البنك الدولي‪ ،‬ملا لهذه ألاخيرة من سلبطة اقتصادية‬
‫وسياسية على البلدان النامية‪ ،‬تتحكم من خاللها في توجيه بوصلة التنمية بالنسبة لتلك الدول‪ ،‬ويعلق‬
‫الصحفي وأستاذ الفلسفة ألاملاني أرنست فولف على صياغة أهداف صندوق البنك الدولي بقوله‪ " :‬إنها‬
‫ترن في أذن السامع كأن صندوق النقد مؤسسة حيادية‪ ...‬يكمن هدفها الرئيس ي في ترك العالم الاقتصادي‬
‫يعمل بأكبر قدر ممكن من النيام‪ ،‬و في تصحيح الاختالالت بأسرع وقت متاح‪ ...‬ولكنها إحدى املؤسسات‬

‫‪ -1‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان‬
‫واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬إحالة ذاتية رقم‪ ،8702/35 ،‬ص‪.05 -03 ،‬‬
‫‪ -2‬حكيمه ماهير‪ ،‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬أية استراتيجية؟ مجلة القانون وألاعمال الدولية‪ ،‬جامعة الحسن ألاول‪ 4 ،‬أبريل‪،‬‬
‫‪https://www.droitetentreprise.com‬‬ ‫‪.8707‬‬
‫‪ -3‬تقييم منجزات املرحلة ألاولى من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية ‪ 8707 - 8774‬وآثارها على الساكنة املستهدفة‪ ،‬املرصد الوطني للتنمية‬
‫البشرية‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪.8703‬‬

‫‪247‬‬
‫التي أنشأتها القوة العيمى الجديدة لتفرض ليس هيمنتها العسكرية فحسب‪ ،‬بل هيمنتها الاقتصادية‬
‫أيضا على العالم " ‪.1‬‬

‫ويعتبر البنك الدولي أن برامج الحماية الاجتماعية تساعد ألافراد وألاسر‪ ،‬السيما الفقراء منهم‪ ،‬على‬
‫مواجهة ألازمات والصدمات‪ ،‬والاستثمار في صحة وتعليم أطفالهم‪ ،‬ودعم الشباب من خالل تبطوير‬
‫مهاراتهم والعثور على فرص عمل‪ ،‬وحماية املسنين‪ ،‬ويتبطلب ذلك تحقيق الانسجام بين سياسات الحماية‬
‫الاجتماعية‪ ،‬والبرامج وأنيمة إلادارة‪ ،‬وتوسيع الحيز املالي املتاح لتوسيع نبطاق شبكة الحماية الاجتماعية‬
‫الشاملة‪ ،‬تزامنا مع التصدي لنقاط الاختناق ودمج الحماية الاجتماعية الشاملة بالشكل الالئق في‬
‫وتنبئنا دروس التاريخ بأن ألازمات غالبا ما تؤدي إلى تسريع وتيرة النهوض‬
‫الاستراتيجية الوطنية للتنمية‪ِ .‬‬
‫بالحماية الاجتماعية بفضل زيادة التقدير ألهميتها‪ ،‬والدروس املستفادة بشأن أوجه النقص في ألانيمة‬
‫التي تتكشف بين ثنايا ألازمة‪ ،‬والدراية التي تتولد من رحم الاستجابة‪ ،‬ويصدق ذلك تماما على حالة‬
‫الجائحة‪.‬‬

‫لقد حددت مؤسسة البنك الدولي‪ ،‬خمسة مجاالت تركيز استراتيجية رئيسية ملساندة البلدان في هذه‬
‫ألاجندة‪2 :‬‬

‫أوال‪ ،‬لوضع أنيمة للحماية الاجتماعية الشاملة تتسم باالستدامة من الناحيتين املالية والسياسية‪ ،‬يجب‬
‫على البلدان رسم رؤية أطول أجال للقبطاع تسترشد بها في تبطوير مؤسساتها وبرامجها‪ .‬ويساعد الوضوح‬
‫في الرؤية الحكومات على السعي من أجل الحماية الاجتماعية الشاملة من خالل نهج تدريجي متماسك‪،‬‬
‫وتجنب اتصاذ أي خبطوات قد تعوق تحقيقها‪.‬‬

‫ثانيا‪ ،‬بالنير إلى الفجوات الكبيرة املوجودة‪ ،‬يجب العمل لتحقيق توسعة كبيرة للتغبطية الفعالة لبرامج‬
‫الحماية الاجتماعية من أجل تلبية الاحتياجات املصتلفة لجميع السكان‪ ،‬وفي هذا إلاطار‪ ،‬نشدد على زيادة‬
‫املساندة املقدمة للمناطق التي تعاني أوضاع الهشاشة والصراع‪ ،‬والحرص على أن تراعي البرامج‬
‫ُ‬
‫الاحتياجات املحددة لكثير من الفئات التي تواجه حواجز تحول دون استفادتها‪.‬‬

‫ثالثا‪ ،‬يجب على البلدان أن تضع برامج تتسم بقدر أكبر من القدرة على الصمود في وجه الصدمات‬
‫والتكيف والديناميكية‪ ،‬وقد يساعد هذا على الاستفادة من التقدم املهم الذي تحقق في مجال الحماية‬
‫الاجتماعية التكيفية في السنوات ألاخيرة‪ ،‬بالتركيز املتزايد على قدرات أنيمة الحماية الاجتماعية للتكيف‬
‫مع الصدمات الخاصة التي تصيب ألافراد وألاسر وكذلك الصدمات املجتمعية ألاوسع‪.‬‬

‫‪ -1‬أحمد كرد ‪ ،‬صندوق النقد الدولي‪ ...‬مؤسسة للتنمية أم أداة للتبعية‪ ،‬ماي ‪https://www.aljazeera.net/blogs/ .8787‬‬
‫‪ -2‬ميكال روتكوفسكي‪ ،‬شق طريق نحو الحماية الاجتماعية الشاملة‪ ،‬شتنبر ‪https://blogs.worldbank.org ،8788‬‬

‫‪248‬‬
‫رابعا‪ ،‬يجب العمل لتحقيق زيادة كبيرة لنبطاق وجودة برامج الشمول الاقتصادي وسوق العمل‪ ،‬وملاليين‬
‫الفقراء العاملين في وظائف منصفضة إلانتاجية وليس لديهم سوى القليل من سبل الحماية‪ ،‬ومن هم‬
‫خارج سوق العمل كلية‪ ،‬تتيح هذه البرامج مساندة تشتد الحاجة إليها للحصول على فرص اقتصادية‬
‫أفضل ‪.‬‬

‫أخيرا‪ ،‬سيتبطلب التحقيق التدريجي للحماية الاجتماعية الشاملة توفير حيز مالي أوسع‪ ،‬لإلنفاق في إطار‬
‫املالية العامة على الحماية الاجتماعية‪ ،‬وما من شك في أن أحد املكونات الرئيسية لهذا النهج يجب أن‬
‫َّ‬
‫يكون زيادة كفاءة النفقات الحالية‪ ،‬وقد يتبطلب هذا بعض الخيارات الصعبة فيما يتعلق بالبرامج‬
‫الحالية‪ ،‬عالوة على ذلك‪ ،‬سيتعين على كثير من البلدان تعبئة مزيد من املوارد املحلية من خالل إلاصالح‬
‫الضريبي وكذلك العمل مع املانحين بشأن زيادة الاتساق والتنسيق بين النفقات‪.‬‬

‫وقد اعتبرت منيمة " أوكسفام" أن اعتماد املغرب الحماية الاجتماعية يشكل مدخال ملحاربة الفقر‬
‫والالمساواة وتحقيق الكرامة‪ ،‬وأكدت "أوكسفام" أن تعميم الحماية الاجتماعية يعد خبطوة استراتيجية‬
‫لتدارك الاختالالت التي تمس جوهر منيومة الحماية الاجتماعية باملغرب‪ .‬وضمن تقريرها املعنون با"‬
‫ضريبة عادلة من أجل مغرب منصف " أكدت الهيئة ذاتها أن اختالالت الخدمات الاجتماعية والببطالة‬
‫وعدم الاستقرار املنهي‪ ،‬والتمييز ضد النساء‪ ،‬والنيام الجبائي غير العادل‪ ،‬تعبطل التنمية الاجتماعية‬
‫باملغرب وتعمق الفجوة بين ألاغنياء والفقراء؛ كما نبهت املغرب إلى " الالمساواة التي أفرزتها سياسات‬
‫واختيارات اقتصادية واجتماعية غير منصفة "‪ ،‬وجاء اندالع جائحة فيروس كورونا والتدابير الاحترازية‬
‫املواكبة له ليشدد من وطأتها‪1 .‬‬

‫يحتل تعزيز أنيمة الحماية الاجتماعية مكانة أساسية في تحقيق أهداف التنمية املستدامة؛ فمن خالل‬
‫ضمان تمتع ألايخاص بحقوقهم في الضمان الاجتماعي‪ ،‬تعزز الدولة التنمية البشرية‪ ،‬والاستقرار‬
‫السياس ي والنمو الشامل‪ ،‬وتساهم بذلك‪ ،‬في تقليص حدة الفقر وإزالة أوجه عدم املساواة‪ ،‬والتشجيع‬
‫على إعادة التوزيع العادل للثروة الاقتصادية‪ ،‬بما يتماش ى مع أهداف التنمية املستدامة‪ .‬فلنذكر هنا‬
‫بأن الهدف ألاول لألجندة ‪ 2030‬في استراتيجية ألامم املتحدة للتنمية املستدامة هو القضاء على الفقر‪.2‬‬

‫لقد تبنت جل الخبطابات الرسمية باملغرب العديد من الشعارات واملفاهيم‪ ،‬كالرأسمال البشري‪ ،‬وتحقيق‬
‫الرفاه للجميع‪ ،‬والانتقال الديمقراطي‪ ،...‬لكن الواقع يتنافى ويتعارض مع تلك الشعارات؛ إذ هناك استمرار‬
‫في ارتفاع غالء ألاسعار‪ ،‬وغياب سياسة حكومية واضحة ترمي إلى الحد من هذه الزيادات املهولة في شتى‬
‫املواد الغذائية وألاساسية‪ ،‬باملوازاة مع ذلك هناك انتشار للريع‪ ،‬والتهرب الضريبي‪ ،‬وغياب الشفافية في‬
‫إلادارة‪ ،‬وتعقيد املساطر إلادارية الخاصة باالستثمارات‪ ،‬وقد تم تأكيد ذلك والاعتراف به في العديد من‬

‫‪ -1‬أوكسفام‪ :‬الحماية الاجتماعية الشاملة مدخل ملحاربة الفقر والالمساواة باملغرب‪ ،‬هسبريس‪https://www.hespress.com ،‬‬
‫‪ -2‬مارلين حيدر نجار‪ ،‬استراتيجيات ألامن الاجتماعي‪ :‬قراءة في الواقع اللبناني‪ ،‬مجلة العلوم الاجتماعية‪ ،‬العدد ‪ ،8788 ،85/ 83‬ص‪.85 ،‬‬

‫‪249‬‬
‫الخبطابات امللكية نفسها‪ ،‬باإلضافة إلى غياب املحاسبة‪ ،‬وتعيين نصب بعيدة عن املجتمع ثقافيا وسياسيا‪،‬‬
‫ناهيك عن عدم تعبير الدولة عن إرادة سياسية في تغيير نمط الاشتغال‪ ،‬وآليات املتابعة‪ ،‬لتحقيق التنمية‬
‫املنشودة‪.‬‬
‫ويقتض ي تحقيق التنمية املبطلوبة؛ تفعيل املقاربة التشاركية بين مصتلف القبطاعات وإلادارات املركزية‬
‫والالمركزية وبين مصتلف الفاعلين والشركاء واملتدخلين‪ ،‬واعتماد الاقتصاد التضامني الاجتماعي الذي‬
‫يسعى إلى التوفيق بين أهداف النمو والتنمية الاقتصادية من جهة‪ ،‬ومبادئ إلانصاف والعدالة‬
‫الاجتماعية من جهة أخرى‪ ،‬ويجعل إلانسان في صلب اهتمامات عملية التنمية وفوق أي اعتبارات‬
‫اقتصادية صرفه‪ ،‬مثل الربح أو التراكم‪ .‬ووفق العديد من الخبراء وأبرزهم جوزيف ستيغليتز؛ يعد‬
‫الاقتصاد التضامني دعامة ثالثة‪ ،‬إلى جانب كل من القبطاعين العمومي والخاص‪ ،‬ينبغي أن يتأسس عليها‬
‫أي اقتصاد يهدف إلى تحسين أدائه وتعزيز التماسك الاجتماعي‪ ،‬وإدماج شرائح واسعة من املجتمع‪ ،‬وال‬
‫يشكل الاقتصاد التضامني بديال عن اقتصاد السوق املهيمن في العالم حاليا‪ ،‬ولكن بإمكانه أن يكون‬
‫ُ‬
‫اقتصادا موازيا قادرا على تحرير ديناميات النمو املدمج وإعادة التوازن للمجتمعات عن طريق الحد من‬
‫حجم التفاوت والفوارق الاجتماعية الصارخة‪.1‬‬
‫وتجدر إلاشارة إلى حضور هذا النوع من الاقتصاد في املجتمع املغربي‪ ،‬سببه أن العديد من املبادرات‬
‫تعود أصولها إلى التقاليد املغربية وإلى قيم التضامن وتبطوير املنبطق التعاوني‪ ،‬واستنادا إلى التحديات‬
‫التي تواجه املغرب‪ ،‬فإن من شأن الاقتصاد الاجتماعي التضامني أن يشكل في املستقبل جسرا حقيقيا‬
‫بين ألاجيال الجديدة للتضامن وبين التقدم الاقتصادي للمجتمع‪ ،‬ويصبح قبطاعا كامال من حيث قدرته‬
‫على خلق القيمة الاقتصادية‪.2‬‬

‫خاتمة‬
‫إن تقييم مساهمة برامج املبادرة الوطنية للتنمية البشرية في محاربة الفقر‪ ،‬وتحقيق التنمية باملغرب‪،‬‬
‫خالل املرحلتين ألاولى والثانية‪ ،‬باإلضافة إلى مرحلتها الثالثة ( ‪ ،) 8783 -8707‬التي الزالت قيد إلانجاز‬
‫والتفعيل‪ ،‬يتبطلب مزيدا من الوقت والجهد والبحث‪ ،‬من أجل الوقوف على مكامن القوة والضعف على‬
‫مستوى برامج املرحلة الثالثة على وجه الخصوص‪ ،‬كونها آخر مرحلة‪ ،‬والتي يمكن أن تشكل مصرجات‬
‫املبادرة‪ ،‬لكن انبطالقا من املرحلتين ألاولى والثانية للمبادرة‪ ،‬ومن خالل برامج ومشاريع ذات صلة بهذا‬
‫املجال‪ ،‬واعتمادا على مجموعة من التقارير املحلية والدولية‪ ،‬يمكن تسجيل العديد من املالحيات حول‬
‫مسار وسير التنمية الاجتماعية والبشرية باملغرب‪ ،‬خاصة في ما يرتبط بمحاربة الفقر‪ ،‬وتحقيق التنمية‪،‬‬
‫إذ يالحظ أن السياسات والبرامج الاجتماعية باملغرب‪ ،‬متسمة بالصبغة التجزيئية واليرفية‪ ،‬ومرتببطة‬

‫‪https://www.aljazeera.net‬‬ ‫‪ -1‬تعرف على مفهوم الاقتصاد التضامني‪ ،‬أكتوبر ‪،8701‬‬


‫‪ -2‬الورياغلي سليم محمد‪ ،‬النموذج التنموي الجديد‪ :‬قراءة في السياق وسؤال التنمية باملغرب‪ ،‬منشورات مجلة املنارة للدراسات القانونية‬
‫وإلادارية‪ ،‬دار القلم للبطباعة‪ ،‬الرباط‪ ،‬يونيو ‪ ،8787‬ص‪.80،‬‬

‫‪250‬‬
‫بالسياقات السياسية والاجتماعية اللحيية التي تتحكم فيها وتوجهها؛ بمعنى يغلب عليها البطابع الشكلي‬
‫والاستهالك إلاعالمي‪ ،‬من أجل تلميع صورة املغرب في الداخل والخارج‪ ،‬حيث تواجه معيم التدابير‬
‫وإلاجراءات املتصذة في هذا املجال‪ ،‬صعوبات في مواكبة حجم الاحتياجات والتبطلعات الاجتماعية‬
‫املتزايدة‪ ،‬خاصة فيما يرتبط بتبطوير مؤشرات الحماية الاجتماعية‪ ،‬والزيادة في عدد املستفيدين من‬
‫الدعم الاجتماعي‪ ،...‬مما قد ينجم عنه ارتفاع حدة الهشاشة والفقر‪ ،‬لدى فئات اجتماعية واسعة‬
‫باملغرب‪.‬‬
‫و في هذا الصدد‪ ،‬يمكن تسجيل العديد من الاختالالت التي يعرفها الوضع الاجتماعي باملغرب‪ ،‬سواء على‬
‫مستوى محاربة الفقر أو السعي إلى تحقيق التنمية املأمولة‪ ،‬تبقى الفوارق الاجتماعية في املغرب في‬
‫مستويات املعيشة والفقر النسبي مستقرة في نسب مرتفعة‪ ،‬مما يحتم ضرورة الانتباه إلى مسألة‬
‫الاستهداف الجغرافي والاجتماعي للسياسات العمومية املتعلقة بالحماية الاجتماعية‪ ،‬وهي املسألة التي‬
‫تشكل بالفعل عامال حاسما من أجل إرساء تكافؤ الفرص والوضعيات‪ ،‬ناهيك عن انتشار الببطالة خاصة‬
‫في صفوف الشباب وذوي الشهادات العليا‪ ،‬بسبب غياب تكافؤ الفرص‪ ،‬والتفاوت بين الكفاءات املتوفرة‬
‫والكفاءات املبطلوبة‪ ،‬ومن املشاكل التي تؤثر على تنزيل البرامج التنموية‪ ،‬وعلى استهدافها لحل ألازمات‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وتحقيق املنجزات املبطلوبة‪ ،‬تلك املفارقات والتناقضات الحاصلة على مستوى العالقة بين‬
‫التصورات واملنبطلقات التي تعتمدها مؤسسات الدولة وتروج لها‪ ،‬وبين املنجزات التي يتم تحقيقها‬
‫وتنفيذها في الواقع‪ ،‬ومع غياب التكامل والانسجام بين املعلن واملنجز‪ ،‬تزداد حالة الارتباك لدى مصتلف‬
‫الفاعلين‪ ،‬وقد يدخلون في مرحة الشك والتشكيك‪ ،‬وتبادل التهم حول إلاخفاقات املتتالية‪ ،‬مما يفقد‬
‫هذه البرامج واملشاريع مصداقيتها لدى املجتمع‪ ،‬خاصة الفئات املستهدفة‪ ،‬ومن ثم يتم السقوط في فخ‬
‫إعادة إنتاج الفشل ‪ ،‬إضافة إلى ضعف الشفافية واملحاسبة‪ ،‬التي تؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدولة‪،‬‬
‫وتساهم في انصفاض م نسوب الثقة بالنصب واملؤسسات‪ ،‬وهذا يمثل سببا أساسيا في الرفع من حدة‬
‫الاحتقان الاجتماعي والسياس ي بالبالد‪.‬‬
‫إن محاربة الفقر وتحقيق التنمية باملغرب‪ ،‬يقتض ي امتالك إرادة سياسية قوية‪ ،‬لدى الفاعلين‬
‫واملسؤولين‪ ،‬ويتبطلب صياغة ووضع برامج الحماية الاجتماعية واملشاريع التنموية ضمن استراتيجية‬
‫منسجمة ومتكاملة‪ ،‬مبنية على قواعد وأسس متينة ومعتبرة‪ ،‬تستحضر املنجزات السابقة بما لها وما‬
‫عليها‪ ،‬وتستفيد من التقييمات املرتببطة بها‪ ،‬وتستجيب ملتبطلبات وتحديات املرحلة‪ ،‬في انسجام تام مع‬
‫حاجات الفئات الفقيرة والهشة‪ ،‬عبر عمل تشخيص ي تشاركي مؤسساتي‪ ،‬وتتبطلع لبناء مستقبل أفضل‪،‬‬
‫في إطار مقاربة تعتمد ربط املسؤولية باملحاسبة‪ ،‬باإلضافة إلى استحضار املالحيات والتوصيات الواردة‬
‫في الكثير من التقارير‪ ،‬والتي تنبه املسؤولين باملغرب إلى العمل على اعتمادها واستحضارها أثناء التصبطيط‬
‫والتنزيل‪ ،‬لتيسير عملية محاربة الفقر وتحقيق التنمية‪ ،‬كإشراك الفاعلين والشركاء وحسن التنسيق‬
‫بينهم‪ ،‬وإلانصات إلى الفئات املستهدفة‪ ،‬وإنجاز بحوث ميدانية قصد التشخيص وتحديد إلاشكاالت‪ ،‬ثم‬

‫‪251‬‬
‫تجاوز غلبة منبطق التعيين على الانتصاب في إنجاز البرامج واملشاريع التنموية ومتابعتها‪ ،‬والتنسيق الفعلي‬
‫بين السياسات القبطاعية والبرامج التنموية التي تدخل في إطار املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬ودرء‬
‫التعارض الذي يحصل بين املؤسسة امللكية والفاعلين الحكوميين في تنزيل وتتبع برامج الحماية‬
‫الاجتماعية واملشاريع التنموية‪ ،‬لتجاوز التملص من تحمل املسؤولية ومن املحاسبة‪.‬‬
‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫أحمد كرد ‪ ،‬صندوق النقد الدولي‪ ...‬مؤسسة للتنمية أم أداة للتبعية‪ ،‬ماي ‪.8787‬‬ ‫‪‬‬
‫التنسيقية الوطنية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬تقديم املرحلة الثالثة (‪ ،)8783 – 8707‬املندوبية‬ ‫‪‬‬
‫السامية للتصبطيط‪.8702 ،‬‬
‫الورياغلي سليم محمد‪ ،‬النموذج التنموي الجديد‪ :‬قراءة في السياق وسؤال التنمية باملغرب‪ ،‬منشورات مجلة‬ ‫‪‬‬
‫املنارة للدراسات القانونية وإلادارية‪ ،‬دار القلم للبطباعة‪ ،‬الرباط‪ ،‬يونيو ‪.8787‬‬
‫تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل‬ ‫‪‬‬
‫تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬إحالة ذاتية رقم‪.8702/35 ،‬‬
‫تقييم منجزات املرحلة ألاولى من املبادرة الوطنية للتنمية البشرية (‪ )8707 – 8774‬وآثارها على الساكنة‬ ‫‪‬‬
‫املستهدفة‪ ،‬املرصد الوطني للتنمية البشرية‪ ،‬تقرير التنمية البشرية ‪.8703‬‬
‫حكيمه ماهير‪ ،‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬أية استراتيجية؟ مجلة القانون وألاعمال الدولية‪ ،‬جامعة‬ ‫‪‬‬
‫الحسن ألاول‪ 4 ،‬أبريل‪.8707 ،‬‬
‫خالد مصبطفى قاسم‪ ،‬إدارة البيئة والتنمية املستدامة في ظل العوملة املعاصرة‪ ،‬الدار الجامعية‪ ،‬إلاسكندرية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪.8770‬‬
‫سناء بنصري‪ ،‬املرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ :‬توجه جديد ينبطوي على آمال واعدة في مجال‬ ‫‪‬‬
‫التنمية البشرية‪ ،‬دجنبر ‪.8702‬‬
‫عبد الرزاق الفارس‪ ،‬الفقر وتوزيع الدخل في الوطن العربي‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بيروت‪.2001 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫علي محمد جعفر‪ ،‬ألاحداث املنحرفون‪( :‬عوامل الانحراف‪ ،‬املسؤولية الجزائية‪ ،‬التدابير)‪ ،‬دراسة مقارنة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫املؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬بيروت(لبنان)‪.1984 ،‬‬
‫مارلين حيدر نجار‪ ،‬استراتيجيات ألامن الاجتماعي‪ :‬قراءة في الواقع اللبناني‪ ،‬مجلة العلوم الاجتماعية‪ ،‬العدد‬ ‫‪‬‬
‫‪.8788 ،85/ 83‬‬
‫مدحت محمد أبو النصر‪ ،‬إدارة وتنمية املوارد البشرية‪ ،‬الاتجاهات املعاصرة‪ ،‬مجموعة النيل العربية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫القاهرة‪.8770،‬‬
‫ميلود الرحالي‪ ،‬جدلية النموذج والسياق‪ :‬بوصلة املغرب بين نموذجين تنمويين ‪ ،8780 /8771‬املركز املغربي‬ ‫‪‬‬
‫لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،‬دار القلم للبطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪.8788 ،0 ،‬‬
‫‪ -‬يحيى محمد محمد هاشم‪ ،‬التجارب الدولية لشبكات الحماية الاجتماعية كآلية ملواجهة الفقر‪ ،‬دراسة‬ ‫‪‬‬
‫تحليلية‪ ،‬مجلة البحث العلمي في آلاداب‪ ،‬العدد ‪ ،02‬جامعة عين شمس كلية البنات لآلداب والعلوم والتربية‪،‬‬
‫مصر‪ ،‬دجنبر ‪.8700‬‬

‫‪252‬‬
‫الاقتصاد التضامني ورهان إدماج القطاع غير املهيكل للفئات الهشة‬
‫أي دور للحماية الاجتماعية؟‬

‫طارق مرزاق‬
‫باحث في القانون‬
‫مقدمة‬

‫انصرط املغرب في ور الحماية الاجتماعية الذي أعبطى انبطالقته امللك محمد السادس في خبطاب العر‬
‫لسنة ‪ ،8787‬حيث أتى في سياق التحوالت الاجتماعية والاقتصادية املضبطربة التي يشهدها العالم وكذا‬
‫رغبة املغرب في التحول نحو دولة اجتماعية‪ ،‬غير ان هذا التحول لن يتم وفق الاقتصاد التقليدي القائم‬
‫على تحرير السوق بهدف خلق أعلى معدل من النمو ومراكمة الرأسمال دون الحاجة للتنمية الاجتماعية‪.‬‬
‫فيما ينير إلى الاقتصاد غير املهيكل كعقبة تعيق نجاعة الدولة الاجتماعية‪ ،‬وتحرم الفئات املفترض‬
‫استهدافها من خالل السياسات الاجتماعية‪.‬‬
‫وهنا يبرز الاقتصاد التضامني املبني على أسس الرأسمال الاجتماعي كحل إلعادة بناء القبطاع غير املهيكل‬
‫الذي تمتهنه الفئات الهشة وادماجه داخل عجلة الاقتصاد‪ ،‬بهدف حماية البطبقات الدنيا من ألاضرار‬
‫الناتجة عن النيوليبرالية التي عمقت من الفوارق الاجتماعية واملجالية وارتفعت معها معدالت الفقر‬
‫والببطالة‪ ،‬مما جعل البطبقات الفقيرة تعيش في عزلة اجتماعية وانعكس سلبا على طموحهم في التريي‬
‫الاقتصادي والاجتماعي‪ .‬وهكذا وجدت الدولة نفسها مضبطرة الى التدخل في كل أزمة اقتصادية و ‪/‬أو‬
‫اجتماعية لفائدة الفئات الهشة‪ ،‬سواء عن طريق الدعم املباشر كما حدث خالل أزمة كوفيد ‪ ،07‬أو في‬
‫الحرب الروسية ألاوكرانية‪ ،‬حيث عمل املغرب خالل هذه ألازمات على ضمان التمويل الهادف لضبط‬
‫أسعار املواد ألاكثر استهالكا وتقديم الدعم املباشر للعاملين داخل القبطاع غير املهيكل وكال ألامرين مكلف‬
‫ملالية الدولة‪.‬‬
‫ويرجع اعتماد الدولة على هذه الوسائل املكلفة إلى صعوبة استهداف وحصر هذه الفئات النصراطها في‬
‫الاقتصاد غير املهيكل والذي يشغل ما نسبته ‪ 28,7%‬من إجمالي اليد العاملة‪ ،‬فيما بلغت مساهمته في‬
‫الناتج الداخلي الخام ‪ ،1%00‬لذا‪ ،‬يمكن ملؤسسات الاقتصاد التضامني أن تصفف من ألاعباء املالية‬
‫وإلادارية التي تثقل كاهل الدولة وتوفر التأمين الاجتماعي عبر التصفيف من حدة الببطالة وتضمن التمويل‬
‫والتدريب وتعزز القدرة املعيشية للعاملين داخل هياكلها التشغيلية‪.‬‬

‫‪ 1‬ملياء الغاز‪ ،‬ياسمين بوزينب‪ ،‬القبطاع غير املهيكل‪ :‬الخصائص الرئيسية ووتيرة التبطور‪ ،‬مصتصرات املندوبية السامية للتصبطيط‪ ،‬عدد‬
‫‪ 8 ،01‬مارس ‪ ،8780‬ص ‪.0‬‬

‫‪253‬‬
‫ورغم قدرة االقتصاد التضامني على إدماج القبطاع غير املهيكل الذي تمارسه الفئات الهشة وتوليد الدخل‬
‫والثروة لهذه الفئات والحد من الفوارق الاجتماعية واملجالية‪ ،‬إال أنه يواجه صعوبات املرتببطة بحجم‬
‫الاقتصاد غير املهيكل في السوق‪ ،‬وكذا ضعف التمويل وسوء الحكامة إضافة لتشتت السياسات الهادفة‬
‫للنهوض بهذا القبطاع والتي من شأنها أن تعيق هذا إلادماج‪ .‬مما يتبطلب حال فعاال يسهم في تحسين‬
‫ألاوضاع الاجتماعية‪ ،‬وهنا يأتي دور تعميم الحماية الاجتماعية كألية محفزة‪ ،‬تدفع الفئات الضعيفة‬
‫لتقنين أنشبطتها وتنييمها ضمن جمعيات وتعاونيات لالستفادة من الخدمات التأمينية التي تقدمها‬
‫الاقتصادية عبر مؤسسات الاقتصاد التضامني‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة‪ :‬من خالل ما سبق ستناقش هذه الورقة رهان إدماج الاقتصاد التضامني للقبطاع غير‬
‫املهيكل للفئات الهشة وما يفرضه الواقع من تحديات تحول دون تحقيق هذه الغاية‪ ،‬كما أنها ستسلط‬
‫الضوء على استراتيجية الدولة لتقوية الاقتصاد التضامني‪ ،‬سيما الفرص التي يتيحها ور تعميم‬
‫الحماية الاجتماعية ومدى تأثيرها على الاستقرار الاجتماعي للفاعلين في الاقتصاد التضامني‪.‬‬
‫منهج الدراسة‪ :‬على ضوء إلاشكالية املبطروحة ستعتمد هذه الدراسة على املنهج التحليلي والاستقرائي‬
‫بغية التعرف على‪:‬‬

‫أوال‪ :‬العقبات التي تحول دون تمكن الاقتصاد التضامني من إدماج القبطاع غير املهيكل الذي تشتغل فيه‬
‫الفئات الهشة ‪.‬إضافة لنقد وتقويم استراتيجيات مؤسسة تنمية التعاون كنموذج‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬استكشاف الحوافز التي يوفرها ور الحماية الاجتماعية إلدماج القبطاع غير املهيكل وتحليل مدى‬
‫قدرته على مواجهة إكراهات مرتببطة بالتمويل والاستدامة‪.‬‬

‫املحور ألاول‪ :‬رهانات وتحديات الاقتصاد التضامني‬

‫عرف الاقتصاد الوطني مستويات مرتفعة من النمو منذ سنوات ‪ ،8777‬لكن هذه املعدالت لم تكن كافية‬
‫لتوليد الثروة وحل مشكلة الببطالة التي تشهد ارتفاعا مضبطردا سنة تلو ألاخرى‪ ،‬كما تراجعت وتيرة نمو‬
‫الاقتصاد الوطني من ‪4,8%‬كمعدل سنوي خالل الفترة ‪ 8777-8777‬إلى ‪3,5%‬خالل العقد ألاخير‪ ،‬إذ‬
‫إن نسبة ‪ 8,84%‬كمعدل نمو في العشرية ألاخيرة ما بين ‪ 18787-8700‬ال تساعد في خلق ‪ 377777‬منصب‬
‫شغل سنويا ‪ ،2‬مما دفع بفئات عديدة والسيما تلك التي في وضعية هشاشة بالتوجه نحو السوق السوداء‬
‫لتوفير احتياجاتها والانصراط في القبطاع غير املهيكل لتفادي مشكل الببطالة وتداعياتها‪.‬‬

‫‪1‬إلادماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة املتجولين‪ ،‬رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية‪ ،‬مبطبعة سيباما‪،‬‬
‫الرباط‪ ،8780،‬ص‪04 :‬‬
‫‪ 2‬هو معدل ألافراد الوافدين على سوق الشغل سنويا‬

‫‪254‬‬
‫ونرصد هنا العوامل التي ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي‪ :‬والتي ترتبط بتباطؤ في التحول الهيكلي‬
‫لالقتصاد إضافة للفوارق الاجتماعية التي الزالت في مستوى مرتفع بفعل العجز الحاصل في إدماج بعض‬
‫الفئات من السكان في ألانشبطة الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬حيث تعاني هذه ألاخيرة خصوصا الشباب‬
‫والنساء من ضعف املشاركة والتهميش لعدم إمكانية الولوج إلى فرص تحقق لهم الاستقاللية في غياب‬
‫شبكات ألامان الاجتماعي‪ .1‬وقد نتج عن هذه الوضعية الاقتصادية الصعبة إعادة الاهتمام باالقتصاد‬
‫التضامني ضمن النموذج التنموي الجديد وتبوأ مكانة خاصة كدعامة ثالثة للتنمية إلى جانب القبطاع‬
‫الخاص والعام‪ ،‬إذ ان دعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني سيمكن املغرب من الاستجابة لبعض‬
‫الحاجيات السوسيو‪-‬اقتصادية وتوزيع أفضل للثروات وتوفير فرص الشغل للشباب والنساء‪ .2‬في حين‬
‫توقعت الوزيرة املشرفة على القبطاع أن يساهم هذا ألاخير مستقبال بنسبة ‪ 2‬باملائة في الناتج الداخلي‬
‫الوطني عوض ‪ 8‬باملائة حالياا وفي خلق ‪ 47‬ألف منصب شغل جديد سنويا‪.3‬‬

‫وبالتالي فإن هذا املحور سيناقش في الجزء ألاول تحديات ورهانات الاقتصاد التضامني في سبيل إدماج‬
‫القبطاع غير املهيكل وتحقيق التنمية املستدامة‪ ،‬خصوصا تلك املرتببطة بتفش ي الببطالة وتضخم حجم‬
‫الاقتصاد غير املهيكل وغياب الحماية الاجتماعية ‪ ،‬ثم ستتم مناقشة محدودية استراتيجيات مؤسسة‬
‫تنمية التعاون كنموذج في الجزء الثاني من هذا املحور‪.‬‬
‫‪ .1‬تحديات وآفاق الاقتصاد التضامني في إدماج القطاع غير املهيكل‬
‫يمكن لالقتصاد التضامني أن يساعد في حل مشكلة الاقتصاد غير املهيكل الذي يشكل مصدر قلق‬
‫للفاعلين السياسيين والاقتصاديين‪ ،‬فحجمه يصل إلى ‪ 37‬فاي املائاة مان الناتاج الداخلاي إلاجمالاي حساب‬
‫معبطياات بناك املغارب لسانة ‪4 8702‬ويشغل ما بين ‪ 17‬و‪ 27‬فاي املائاة مان السااكنة النشايبطة املشاتغلة‬
‫باملغارب‪ .5‬ويقصد باالقتصاد غير املنيم "جميـع ألانشـطة الاقتصاديـة التـي ال تشملها الترتيبات‬
‫النظامية أو ال تتطرق لها بما فيه الكفاية في القانون أو في املمارسة " ‪،6‬ومن بين ألاسباب التي تساهم‬
‫في هيمنة اقتصاد غير املهيكل ؛ الهجرة القروية وتأهيل ضعيف لليد العاملة مما يحرمها من فرص الشغل‬

‫‪1‬اللجنة الخاصة بالنموذج "التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة التقدم وتحقيق الرفاه‬
‫للجميع‪ ،‬التقرير العام‪ ،8780،‬ص‪.81 85- :‬‬
‫‪ 2‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 00:‬‬
‫‪ 3‬بالغ لوزارة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني بتاريخ ‪06‬يناير ‪ ،8788‬تصريح للوزيرة املشرفة على القبطاع‪.‬‬
‫نص التصريح منشور على الزقع الالكتروني لوكالة املغرب العربي لألنباء ‪/ https://www.mapnews.ma‬‬
‫‪ 4‬تعرف ألارقام املتعلقة بهذا الشأن تضاربا بين الهيئات الرسمية وتبقى هذه ألارقام مجرد تقديرات لصعوبة إحصاء هذه الفئات وحصر‬
‫أنشبطتها‪.‬‬
‫‪ 5‬مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير املنيم باملغرب‪ ،‬رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية‪ ،‬مبطبعة سيباما‪،‬‬
‫الرباط‪، 8780 ،‬ص‪. 0 :‬‬
‫‪ 6‬منيمة العمل الدولية‪ ،‬الاقتصاد غير املنيم والعمل الالئق‪ :‬دليل موارد السياسات لدعم الانتقال الى السمة املنيمة‪ ،‬جنيف ‪ 82،‬ماي‬
‫‪ ،8704‬املرجع‪،(PDF)[ISBN] 978-92-2-626963-7 :‬ص‪.5 :‬‬

‫‪255‬‬
‫في القبطاع املهيكل‪ ،‬انعدام الحوافز الاجتماعية في القبطاع املنيم –ومن ضمنه الاقتصاد التضامني ‪-‬مثل‬
‫ضعف برامج الحماية الاجتماعية‪ ،‬ثم الصعوبات القانونية والتنييمية التي تواجه إدماج الاقتصاد غير‬
‫املهيكل‪ ،‬إضافة لصعوبات مرتببطة بالتمويل وغياب املواكبة‪.1‬‬

‫يحتاج إدماج اقتصاد املهيكل الى تقوية الاقتصاد التضامني إضافة الى خلق عالقة ديناميكية تفاعلية‬
‫ومتوازنة بين املجتمع والدولة والسوق‪ ،‬بحيث يصبح الاقتصاد برمته مبني على التوزيع العادل للثروة‬
‫ويحقق الاكتفاء الذاتي والتنمية الاجتماعية وليس فقط الاقتصادية الهادفة ملراكمة الرأسمال‪ ،2‬فتفكيك‬
‫الاقتصاد غير املنيم دون إدماجه داخل سلسلة إنتاجية من شأنه تهديد التماسك الاجتماعي‪.‬‬
‫ويساهم الاقتصاد التضامني كذلك على التفكيك السلس القتصاد غير املهيكل لقدرته على الاستفادة‬
‫من القوة العاملة واستغالل املوارد املتاحة لتلبية الحاجيات ألاساسية وتحسين ظروف العمل للفاعلين‬
‫في القبطاع غير املنيم‪ ،‬وهذا ألامر تؤكده املعبطيات حيث أن القروض الصغرى تؤشر على توفير أزيد من‬
‫‪ 1777‬منصب شغل في الشبكات الخاصة بها‪ ،‬ودعم ما يقرب من ِّ ‪ 5،4‬ماليين مشروع مولد للدخل‬
‫منصب شغل مؤقت‬ ‫والشغل ‪ ،‬كما أن الجمعيات لوحدها تشغل‪ 80707‬مستصدما دائما‪ ،‬و ‪ْ 41485‬‬
‫‪.3‬عالوة على ذلك يمكن اعتبار التعاونيات إلى جانب التعاضديات‪ 4‬كأهم ركيزتين لالقتصاد التضامني التي‬
‫يمكن الاستفادة من قدراتهما في الجهود املبذولة للحد من القبطاع غير املهيكل‪ ،‬حيث تشمل أنشبطتهما‬
‫الفالحة والصناعة والسكن وهي أنشبطة يستحوذ اقتصاد غير املهيكل على جزأ كبير من إنتاجيتها في غياب‬
‫الحماية الاجتماعية وألاجور املتدنية وانعدام عقود العمل‪ .‬مثال حققت التعاونيات التي تشتغل في قبطاع‬
‫الحليب رقم معامالت َيقدر بأكثر من ‪ 04‬مليون درهم‪ ،‬كما توفر فرص عمل ألكثر من‪ 04777‬عامل‬
‫وعشرات آلاالف من مناصب الشغل املؤقتة أو غير املباشرة تضاف لها ‪ 347777‬ممن يشغلون أنفسهم‬
‫بشكل ذاتي أو يواصلون عملهم داخل إطار تعاونياتهم ‪ ،‬وتشمل أنشبطتهم قبطاع الفالحة الخضر والحبوب‬
‫وإنتاج البواكر والحوامض‪ ،‬والصناعة التقليدية‪ ،‬تربية املواش ي ‪ ،‬والصيد البحري‪ ،5‬وهو ما يمكن من‬
‫خلق مناصب الشغل في العالم القروي وتأهيل اليد العاملة والحد من الهجرة القروية التي تعد من‬
‫أسباب توسع الاقتصاد غير املهيكل‪ .‬أما املؤسسة ألاخرى التي تحيى بقدرات تمويلية معتبرة فهي‬
‫التعاضديات التي يتوزع مجال نشاطها بين الصحة وتعاضديات التأمين ومؤسسات التكافل‪ ،‬بحيث‬
‫ضمت سنة ‪ 8708‬حوالي ‪ 0.4‬مليون منصرط واستفاد من خدماتها ‪ 5.4‬مليون مستفيد وبالتالي يمكن ان‬

‫‪1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص‪.0 :‬‬


‫‪2‬‬
‫‪Diana Sarrade Cobos. L’économie populaire et solidaire en Equateur : vers la matérialisation du principe‬‬
‫‪constitutionnel du bien-vivre ?, Revue internationale de l'économie sociale(RECMA),N° 337, juillet 2015,‬‬
‫‪p. 27–40.‬‬
‫‪ 3‬الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنمو مدمج‪ ،‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪،‬إحالة ذاتية رقم ‪ ،8704/19‬مبطبعة‬
‫سيباما‪ ،‬الرباط‪،8704،‬ص‪.08 :‬‬
‫‪ 4‬تجدر إلاشارة إلى غياب معبطيات إحصائية دقيقة حول فرص الشغل التي توفرها كل من التعاونيات والتعاضديات‪.‬‬
‫‪ 5‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‪.02 :‬‬

‫‪256‬‬
‫تكون الخدمات التي تقدمها خصوصا في مجال الصحة والتكافل حافزا للعاملين في اقتصاد غير املهيكل‬
‫من أجل تنييم نشاطهم والاستفادة من هاته الخدمات‪.‬‬
‫غير أن ما يحد من إمكانات الاقتصاد التضامني في مقابل هيمنة اقتصاد غير املهيكل هو مجموعة من‬
‫العقبات من ضمنها أن هذا القبطاع بدوره نادرا ما يحيى الفاعلون فيه بالحماية الاجتماعية‪ ،‬كما أن‬
‫مناصب الشغل في الغالب ال تكون مقننة بعقود عمل تراعي تبطلعات العمال وتغري الناشبطين في اقتصاد‬
‫غير املهيكل بتنييم أنشبطتهم‪ ،‬وفيما يصص اليد العاملة في هذا القبطاع فإنها ال تتجاوز ‪ 3,1‬في املائة من‬
‫الساكنة النشيبطة العاملة‪ ،1‬وهي نصف عتبة إلاقالع التي حددها التحالف التعاوني الدولي املتمثلة في ‪6‬‬
‫في املائة وال تقارن بنسبة التشغيل في القبطاع غير املهيكل‪ ،2‬أما في ما يتعلق بصلق مناصب الشغل الدائمة‬
‫فما زال منصفضا‪ ،‬إذ أن هذا القبطاع يتجه دائما لتشغيل اليد العاملة املوسمية خصوصا تلك املرتببطة‬
‫باملجال الفالحي‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬إضافة إ لى عدم تجانس عمل الجمعيات والتعاونيات والتعاضديات مع تغليب الربح على ما هو‬
‫اجتماعي وهو ما يتعارض والهدف من إنشاء هذه املؤسسات‪ ،‬فرغم أن القروض الصغرى لها أهمية بالغة‬
‫في تمويل املشاريع الصغرى ومنيمة ضمن فيدراليات‪ ،‬وييهر أثرها امللموس خصوصا في دعم كل من‬
‫فئات املنتجين الصغار جدا وكذا املبادرات الذاتية النسائية ‪،3‬بغية إدماجهم في النشاط الاقتصادي‬
‫إضافة إلى خلق مناصب الشغل؛ إال أن هذا التمويل ال يحقق الغايات املتوخاة منه ويؤدي إلى تضخم‬
‫القبطاع غير املهيكل وذلك لسهولة الاستفادة منه دون التوفر على هيكلة إدارية أو إطار مؤسساتي ‪-‬‬
‫للمشروع املراد دعمه‪-‬وبفوائد ضخمة تتجاوز ‪21‬في املائة‪، 4‬حيث يوجه غالبا نحو الاستهالك وهذا ما‬
‫يتنافى والهدف من وراء تأسيس هذه الجمعيات ذات البطابع غير الربحي‪ ،5‬كما يصعب التحقق على أرض‬
‫الواقع مما إذا كانت هذه الفئات قد استفادت من قرض لتمويل املشروع أم ال‪ ،6‬وترجع هذه الصعوبات‬
‫إلى ثالثة عوامل رئيسية وهي النمو غير املستدام بفعل التساهل في منح القروض بما في ذلك دعم بعض‬
‫املشاريع التي تعمل في القبطاع غير املنيم مثل تمويل الباعة املتجولين‪ ،‬وأنيمة معلوماتية متقادمة‪،‬‬

‫‪1‬سبق التبطرق إلى أن اليد العاملة التي تشتغل في القبطاع غير املهيكل تتراوح بين ‪ 60%‬و ‪80%‬‬
‫‪ 2‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪10 :‬‬
‫‪ 3‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪03 :‬‬
‫‪ 4‬مقال حول فوائد مؤسسات القروض الصغرى تثقل كاهل الفقراء باملغرب ‪ ،‬شوهد في ‪،83/73/8783‬في‪https://www.hespress.com :‬‬
‫‪ 5‬نفس املرجع السابق‬
‫‪ 6‬وجهت انتقادات إلى طريقة عمل هذه الجمعيات من طرف خبراء اقتصاديون وفاعلون مدنيون بسبب نسب الفوائد املرتفعة وإلاجراءات‬
‫القاسية املتصذة في حق املتصلفين عن السداد‪ ،‬مثال اعترها بوعزة الخراطي رئيس جمعية حماية املستهلك في حديث للجزيرة نت سنة ‪8702‬‬
‫انها وسيلة لتفقير الفقراء وإغناء ألاغنياء‬

‫‪257‬‬
‫وضعف الحكامة والرقابة‪.1‬فهذا ما يجعل تمويل اقتصاد غير املهيكل أكثر يسرا من دعم مشاريع الاقتصاد‬
‫التضامني‪.‬‬
‫‪ .0‬إطار مؤسساتي باستراتيجيات محدودة مكتب تنمية التعاون نموذجا‬
‫يمثل مكتب تنمية التعاون‪ ،‬الجهاز العمومي املنوط به مرافقة التعاونيات في ميادين التكوين وإلاعالم‬
‫واملساعدة القانونية‪ ،‬تشجيع املبادرات الفردية‪ ،‬تأهيل ألافراد‪ ،‬التدريب‪ ،‬توفير املعلومات واملوارد الالزمة‬
‫والتنسيق مع الجهات ألاكاديمية من أجل الاستفادة من خبراتها في مجال تبطوير الاقتصاد التضامني‪.2‬‬
‫كما وسع القانون رقم ‪3 008 -08‬من مهامه ليجعل من مكتب تنمية التعاون ‪،‬الجهاز املكلف بتنفيذ‬
‫السياسة الحكومية في مجال التعاونيات‪ ،‬إذ أن الهدف املعلن جعل الاقتصاد التضامني يحقق انصراط‬
‫ما نسبته ‪ %07‬من عدد الساكنة النشبطة في هذا املجال ‪،‬واملساهمة بنسبة ‪ % 3‬من الناتج الداخلي‬
‫الخام‪ ،‬بيد أنه لم يساهم في إدماج اقتصاد غير املهيكل داخل منيومة الاقتصاد التضامني بحيث أن‬
‫أصحاب الشهادات وألافراد العاملين في الاقتصاد غير املهيكل مبطالبون بتقديم ما يثبت على ان مجال‬
‫نشاطهم يدخل في مجال عمل التعاونيات من أجل قبول طلباتهم‪ ،‬إضافة إلى أن املكتب ال ينسق مع‬
‫الجهات الرسمية للتمييز بين أنشبطة الاقتصاد التضامني و الشركات عند فرض الضرائب‪.‬‬

‫على صعيد أخر‪ ،‬قام مكتب تنمية التعاون بإطالق العديد من املبادرات للنهوض باالقتصاد التضامني‬
‫مثل برنامج "مرافقة"‪ ،‬بغية دعم ومواكبة الجمعيات حديثة التأسيس‪ ،‬هذا البرنامج امتد لخمس سنوات‬
‫‪ 2011 – 2015‬وهدف إلى تقوية أداء ‪ 8777‬جمعية حديثة وذلك لتحسين دخل ‪ 200000‬مستفيد‬
‫ومستفيدة‪ ،‬واعتمدت استراتيجيته أساسا على دعم الابتكار وتقوية البعد املحلي لتندمج الجمعية مع‬
‫خصوصيات محيبطها وتعزيز دور املرأة وتمكينها من فرص توليد الدخل‪ ،‬في مالئمة مع البرامج التنموية‬
‫ألاخرى خصوصا املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬وكذلك دعم ألانشبطة التي تراعي البيئة إضافة للتتبع‬
‫والتقييم والتدخل عند الضرورة لضمان نجاح املشروع من خالل التشخيص وتكوين املسيرين والتدريب‬
‫والتأطير‪.4‬‬
‫ولئن كانت الدولة قد عهدت لهذا الجهاز بتبطوير الاقتصاد التضامني ودعم الفاعلين من جمعيات‬
‫وتعاونيات وتعاضديات‪ ،‬فإن مبادراته تبقى ضعيفة‪ ،‬وبقيت محصورة في دعم الاستراتيجيات الجهوية‬
‫عوضا عن الاستراتيجيات الوطنية‪ ،‬كما لم يتجاوز عدد البرامج املعلن عنها منذ سنة ‪ 8700‬إلى حدود‬

‫‪1‬املجموعة الاستشارية لدعم الفقراء‪ ،‬صعود هبوط وانتعا قبطاع التمويل ألاصغر في املغرب‪ ،‬موجز‪ ،8777،‬موقع وثائق وتقارير البنك‬
‫الدولي‪ ، https://2u.pw/vsnW0 ،‬شوهد في ‪،80/70/8788‬ص‪. 8‬‬
‫‪ 2‬القانون رقم ‪ 008 -08‬املتعلق بالتعاونيات‪ ،‬الصادر بتاريخ ‪ 80‬نوفمبر‪ ،8705‬املنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 1302‬بتاريخ ‪ 02‬ديسمبر‬
‫‪.8705‬‬
‫‪ 3‬نفس املرجع السابق‪.‬‬
‫‪ 4‬املوقع الرسمي ملكتب تنمية التعاون ‪ ، /http://www.odco.gov.ma‬شوهد بتاريخ ‪.26/03/2023‬‬

‫‪258‬‬
‫ألان ثالثة برامج‪ .‬فبرنامج مرافقة وإن كان واضح ألاهداف وذو توجه استراتيجي للنهوض بالقبطاع‪ ،‬إال أنه‬
‫وضع عراقيل وشروط غير واضحة في طريق املستفيدين حيث نص على ضرورة أن تقوم الجمعية بإحداث‬
‫تأثير إيجابي على املجتمع‪ ،‬وأن تكون منصرطة في سلسلة إنتاج واعدة‪ ،1‬إذ أن املفروض في برامج من هذا‬
‫النوع هو مواكبة الجمعيات املتعثرة في املقام ألاول‪ .‬هذا‪ ،‬إضافة إلى أن مواكبته الزمنية للجمعيات‬
‫محدودة‪ ،‬حيث ال تتجاوز سنتين‪ ،‬ولم يصضع للتقييم للتأكد من مدى تحقيقه لألهداف املسبطرة‪ .‬أما‬
‫"البرنامج التعاقدي لتنمية الاقتصاد الاجتماعي والتضامني لجهة الرباط‪-‬سال‪-‬زمور‪-‬زعير" ‪-‬حسب‬
‫التقسيم السابق ‪-‬فهو ضعيف ومحدود ألاثر مجاليا واجتماعيا‪ ،2‬ويقتصر على هذه الجهة دون بايي‬
‫الجهات ويكرس الالعدالة املجالية‪.3‬‬
‫ومن أجل تجاوز هذه التحديات التي تعترض النهوض باالقتصاد التضامني وجب على الدولة اتصاذ جملة‬
‫من إلاجراءات‪ ،‬أهمها إنشاء هيئة موحدة تضم جميع أجهزة الدولة من وزارة وصية وهيئات املواكبة‬
‫إضافة لجميع املتدخلين في القبطاع‪ .‬وتقوم هذه الهيئة بدمج مكتب تنمية التعاون ووكالة التنمية‬
‫الاجتماعية "ومغرب تسويق"‪ ،4‬وذلك لتحقيق مبدأ التقائية السياسات العمومية وضمان نجاعتها عبر‬
‫اشراك جميع الفاعلين أفقيا قبل أي تنزيل عمودي لهذه الاستراتيجيات‪.‬‬
‫وتماشيا مع ما تم ذكره فإنه البد من قانون إطار لالقتصاد الاجتماعي والتضامني يكون بمثابة مدونة‬
‫شاملة تنيم هذا القبطاع وتحدد مبادئه‪ ،‬تمكن من مأسسته‪ ،‬تحدد حقوق وواجبات كل الفاعلين داخل‬
‫مجال الاقتصاد التضامني وكذا عالقة املنصرطين بتعاونياتهم وعالقة هذه ألاخيرة بمحيبطها‪ ،‬فمبدأ‬
‫التعاونيات ينص على أن ألاسهم الاجتماعية غير قابلة للتفاوض وال يسري عليها ما يسري على غيرها من‬
‫أسهم الشركات‪ ،‬إذ إن الغرض من هذا التحصين لرأسمالها هو ضمان حقوق ألاعضاء الذين قد يتحولون‬
‫إلى أقلية هشة‪ ،‬مما قد يضبطرها الى الانصراط في القبطاع غير املهيكل‪ .‬فدعم مستصدمي القبطاع التضامني‬
‫لشراء أسهم التعاونيات واملقاوالت الاجتماعية التي يعملون بها من شأنه خلق مناصب عمل وضمان‬
‫ديمومة املقاولة وتحفيز عمالة اقتصاد غير املهيكل بالتوجه نحو هيكلة أنشبطتها‪.‬‬
‫املحور الثاني‪ :‬الحماية الاجتماعية للعاملين داخل الاقتصاد التضامني‬

‫تتجلى الصلة بين الحماية الاجتماعية والاقتصاد التضامني في أن كال املفهومين لهما هدف مشترك يتمثل‬
‫في تحقيق الرفاه‪ ،‬حيث أن الحماية الاجتماعية تهدف إلى تحقيق الرفاه والاهتمام بمناحي الحياة لألفراد‬

‫‪ 1‬نفس املرجع السابق‪.‬‬


‫‪ 2‬ما يجعله ضعيفا أنه ورغم تحديده لمجموعة من األهداف العامة والخاصة إال أنه لم يحدد أليات التنفيذ والتتبع والتقييم والتقويم لضمان النجاعة‬
‫انظر الموقع الرسمي لمكتب تنمية التعاون‪.‬‬
‫‪ 3‬رغم أن الهدف املعلن من هذا البرنامج هو تعزيز قدرات الفاعلين في الاقتصاد الاجتماعي في املنبطقة من خالل دينامية تنموية ترسخ‬
‫الجهوية واملشاركة املواطنة إال أن ترسيخ الجهوية يقتض ي تعميم دعم الجمعيات في جميع الجهات مع مراعاة خصوصية كل منبطقة أثناء‬
‫إعداد هاته البرامج‪.‬‬
‫‪ 4‬رأي املجلس الاقتصادي والبيني والاجتماعي حول الاقتصاد التضامني ص‪.03‬‬

‫‪259‬‬
‫بصفة عامة‪ ،‬أما الاقتصاد التضامني فقد ارتكز منذ نشأته على الاهتمام برفاه أعضائه‪ .‬لقد تميز‬
‫الاقتصاد التضامني بكونه مرن وفعال ويمكن تكييفه لتحقيق أهداف متعددة مثل املنفعة املتبادلة التي‬
‫تحقق الرفاهية الجماعية‪ ،‬فالتعاضديات مثال لها دور بارز في مجال التأمين ضد املرض‪ ،‬والشيصوخة‬
‫أو الوفاة‪ .‬أما التعاونيات فقد مكنت البطبقة العاملة من تلبية حاجياتها ألاساسية من طعام وسكن الئق‬
‫ورعاية أطفالها مما جنبها الفقر خصوصا فترة ألازمات‪ ،‬ألامر الذي يفسر الامتيازات املمنوحة لها‪ ،‬بحيث‬
‫تعمل البطبقة النشبطة ضمن التعاونيات على إنتاج سلع وخدمات بأسعار تنافسية مقارنة بالشركات‬
‫الرأسمالية‪ ،‬وهو ما ينعكس إيجابا على استقرار السوق‪ .‬لكن ورغم املبادرات الفعالة لالقتصاد التضامني‬
‫في سبيل تحقيق الحماية الاجتماعية ألعضائه‪ ،‬إال أن هذه ألاخيرة تواجه إلكراهات أبرزها التمويل‬
‫والاستدامة املالية‪.‬‬

‫‪ .1‬مبادرات الاقتصاد التضامني لتحقيق الحماية الاجتماعية‬


‫لقد كانت املؤسسات النشبطة في الاقتصاد التضامني سباقة في مجال توفير الحماية الاجتماعية ملنتسبيها‬
‫عبر توفير معا تضامني ألعضاء التعاونيات والجمعيات‪ ،‬حيث أن نيام بسمارك للحماية الاجتماعية‬
‫استفاد من تجربة التعاونيات املتعلقة بأنيمة التأمينات الاجتماعية‪ ،‬وفي ذات السياق لعبت‬
‫التعاضديات دورا محوريا في تمكين العمال من الوصول إلى الرعاية الصحية باهية التكلفة وذلك ما‬
‫اتسم به القرن العشرين من ظهور حركات مبطالبة بتحسين وضعية العمال وضمان حقوقهم الاجتماعية‬
‫والاقتصادية والسياسية‪ .‬غير أن هذه الخدمات املحدودة التي تقدمها التعاضديات والتعاونيات لعمالها‬
‫بقيت محدودة وال تستجيب والتحول في مفهوم الرفاه‪ ،‬فالحاجة إلى املأكل والسكن وإن كانت أولوية في‬
‫القرن ‪ 07‬و‪ 87‬إال أنها أضحت متجاوزة‪ ،‬وهو ما يفرض على التعاضديات العاملة في التأمين الاجتماعي‬
‫أن تنوع من أنشبطتها وتجود خدماتها خصوصا في مجال الصحة والتقاعد‪.1‬‬
‫وفي خبطاب العر بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪ 8787‬أشار امللك إلاى خبطورة القبطااع غيار املهياكل واعتبارها مان‬
‫السلبيات التاي كشافت عنهاا جائحاة كوفياد‪ ، 19‬مشيرا إلى أن تعميم الحماية الاجتماعية سيكون رافعة‬
‫إلدماج القبطاع غير املهيكل في املنيومة الاقتصادية الوطنية‪ ،2‬ومن هذا املنبطلق فإن هذا إلادماج يقتض ي‬
‫دعم الاقتصاد التضامني عبر مجموعة من الحوافز ممثلة في تعميم منيومة الحماية الاجتماعية على‬
‫جميع فئات املنتجين‪ ،‬وأن ال يقتصر عمل الدولة على توفير التأمين الاجتماعي‪ ،‬حيث أن املزايا النقدية‬
‫لوحدها غير كافية ويجب دعمها بأعمال اجتماعية عبر عرض خدمات عينية متوافقة مع احتياجات‬

‫‪1 Yannick‬‬ ‫‪Marec,Patricia Toucas-Truyen. Économie sociale, protection sociale et bien-être de‬‬
‫‪1830 à 1970, Revue internationale de l'économie sociale(RECMA),N° 336, avril 2015,‬‬
‫‪p. 51–65‬‬
‫‪ 2‬نص الخبطاب امللكي ل ‪ 87‬يوليوز ‪ 8787‬بمناسبة الذكرى ال ‪ 80‬لعيد العر ‪ ،‬شوهد في ‪ 87‬يوليوز ‪ 8788‬في املوقع الرسمي لوزارة‬
‫الشؤون الخارجية والتعاون إلافريقي واملغارية املقيمين بالخارج ‪https://2u.pw/mU5RS‬‬

‫‪260‬‬
‫املنتجين وذويهم‪ ،1‬مثل ضمان تمدرس أبنائهم وتكوينهم مهنيا خصوصا الجمعيات والتعاونيات املتواجدة‬
‫في املناطق املعزولة‪ ،‬وكذا العمل على دعم املبادرات الفردية لأليخاص ذوي إلاعاقة العاملين في هذا‬
‫املجال‪.‬‬
‫وتقدم التعاضديات مجموعة من الخدمات ممثلة في‪:‬‬

‫‪ ‬خدمات طبية في إطار تأمين صحي أساس ي و‪ /‬أو تكميلي‬


‫‪ ‬تدبير نيام التأمين إلاجباري ألاساس ي عن املرض )‪ (AMO‬لحساب الصندوق الوطني ملنيمات‬
‫الاحتياط الاجتماعي)‪(CNOPS‬‬
‫‪ ‬املساعدات وإلاغاثة والتسبيقات عن التعويضات عن املرض‬
‫‪ ‬إحداث وتدبير املشاريع الاجتماعية‪ ،‬ال سيما ذات البطبيعة الصحية‬
‫‪ ‬ضمان رأسمال الوفاة و ‪ /‬أو الشيصوخة‪.2‬‬
‫وفي نفس السياق يمكن للمؤسسات النشبطة داخل شبكة الاقتصاد التضامني أن تشارك في تحمل‬
‫مسؤوليات اجتماعية لفائدة املنتجين سواء فيما يتعلق بالتمويل أو إلادارة‪ ،‬فالتعاضدية الفالحية‬
‫املغربية للتأمين تقدم تأمينا للفالحين ضد املصاطر ولها‬
‫تجربة رائدة في هذا املجال‪ ،‬إذ يمكن الاستفادة من خبراتها املتراكمة لتشجيع الفالحين على الانصراط في‬
‫التعاونيات وبالتالي هيكلة قبطاع الفالحة‪ ،‬وقد انصرطت هذه التعاضديات في دعم الجمعيات والتعاونيات‬
‫عبر تقديم خدمات متعلقة بالتغبطية الصحية غير الاجبارية لالستشفاء ‪ ،‬العالجات البصرية‪ ،‬عالجات‬
‫ألاسنان أما فيما يصص تقاعد ألامان التكميلي فهو مصصص حصريا للمقاوالت وللتجمعات املهنية عن‬
‫طريق اشتراكات شهرية ‪ ،‬إضافة للتأمين على حوادث الشغل وألامراض املهنية للعاملين في التعاونيات‬
‫والجمعيات‪. 3‬وبهذا فإن الاستثمار في قبطاع التعاضديات سيمكن من النهوض بمجال الحماية الاجتماعية‬
‫ودعم الجهود املبذولة الهادفة لتوسيع مجاالت الحماية الاجتماعية لتشمل التعاونيات والجمعيات‪.‬‬

‫‪1‬‬ ‫‪Jean-Claude Barbier. ÉCONOMIE SOCIALE ET SOLIDAIRE ET ÉTAT À la recherche‬‬


‫‪d'un partenariat pour l'action Institut de la gestion publique et du développement économique,‬‬
‫‪Paris,2017, p. 27-41‬‬
‫‪ 2‬التعاضديات‪ ،‬الصندوق الوطني ملنيمات الاحتياط الاجتماعي‪، https://www.acaps.ma/،‬شوهد في ‪، 20/06/2022‬‬
‫‪ 3‬الخدمات التأمينية ضد املصاطر التي تقدمها التعاضدية املركزية والتعاضدية الفالحية بتاريخ ‪ 04/08/2022‬في ‪https://www.mamda-‬‬
‫‪/mcma.ma‬‬

‫‪261‬‬
‫الشكل رقم ‪ :1‬توزيع التعاضديات التي تقدم خدمات صحية حسب القطاعات‬

‫التعاضديات التي تقدم تغطية صحية تكميلية‬


‫تعاضدية أنشأها موظفو القطاع العام‬
‫تخص مستخدمي القطاع شبه العام‬
‫محدثة في القطاع الخاص‬
‫‪18%‬‬
‫تغطي األشخاص الذين يزاولون مهنا حرة‬
‫‪39%‬‬
‫‪18%‬‬

‫‪25%‬‬

‫الباحث‪1‬‬ ‫املصدر‪ :‬من تجميع‬

‫ويالحظ من نسب توزيع التعاضديات التي تقدم تغبطية صحية تكميلية ان التعاضديات التابعة‬
‫للموظفين العاملين في القبطاع العام وشبه العام هما املهيمنتين بما نسبته ‪ 37%‬و ‪ 84%‬تواليا‪ ،‬اما‬
‫التعاضديات التابعة لكل من القبطاع الخاص والذين يزالون مهنا حرة لم تتجاوز النسبة املجتمعة ‪231%‬‬

‫في كال القبطاعين‪ ،‬وهو ما يبين ضعف التغبطية الصحية للعاملين خارج إطار القبطاع العام‪.‬‬
‫ومن أجل تقليص حجم اقتصاد غير املهيكل فإن املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني يوص ي بتشجيع‬
‫إحداث تعاضديات خاصة ومستقلة مصتلفة عن التعاضديات املهنية لألجراء لدعم الفئات السوسيو‪-‬‬
‫مهنية التي تشتغل في القبطاع غير املهيكل مثل املهن الحرة والصناع التقليديون والتجار‪.3‬‬

‫‪ .0‬إكراهات التمويل‬
‫أعلن املغرب عن إطالق برنامج شامل يتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية ليشمل فئات واسعة من‬
‫املواطنين‪ ،‬ويهدف هذا الور لصون كرامة املغاربة ودعم قدرتهم الشرائية وإدماج القبطاع غير املهيكل‬
‫الذي يشغل الفئات الهشة مما سيمكنها من حقوقها ويصون كرامتها في إطار العدالة الاجتماعية‬
‫واملجالية‪ ،‬خصوصا مع تنامي املصاطر الاقتصادية‪ ،‬وقد حرصت الحكومة على أجرأة هذا البرنامج‬
‫باملصادقة على القانون إلاطار ‪ ،77.80‬الذي يعد موجها لألجهزة التنفيذية في جهودها الرامية لتوفير‬
‫الحماية للعاملين في اقتصاد غير املهيكل وذلك وفق جدولة زمنية خالل سنتي ‪ 8780‬و‪ 8788‬تعبطي أولوية‬
‫الاستفادة للفئات املعوزة املستفيدة من نيام املساعدة البطبية‪ ،‬وفئات املهنيين والعمال املستقلين‬
‫وألايخاص غير ألاجراء الذين يمارسون نشاطا خاصا‪ ،‬حيث سيتمكن ‪ 88‬مليون مستفيد من تغبطية‬

‫‪ 1‬من تجميع الباحث املصدر ‪ /https://www.acaps.ma‬بتاريخ ‪71 /08/20227‬‬


‫‪ 2‬التعاضديات التي أنشأها ألايخاص املزاولين للمهن الحرة ال تتجاوز ‪5‬من مجموع ‪ 82‬تعاضدية‪.‬‬
‫‪ 3‬مرجع سابق ص‪.82 :‬‬

‫‪262‬‬
‫تكاليف العالج وألادوية والاستشفاء‪.‬في املقابل سيتم تعميم التعويضات العائلية خالل سنتي ‪2023‬‬
‫و‪ 8785‬عبر الاستفادة من تعويضات للحماية من املصاطر املرتببطة بالبطفولة‪ .‬أما املحور املتعلق بالتقاعد‬
‫فسيتم توسيع قاعدة املستفيدين سنة ‪ ،12025‬لتعمم على فئات املهنيين والعمال املستقلين وألايخاص‬
‫غير ألاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا عبر إحداث نيام معاشات خاص بهم‪ ،‬فهذه الفئات هي التي‬
‫تنصرط في أنشبطة اقتصاد غير املهيكل دون أدنى تأمين اجتماعي ويبقى التعويض عن فقدان الشغل‬
‫الذي ينتير تعميمه سنة ‪ 8784‬من الحوافز املهمة إلقناع الفئات العاملة في القبطاع غير املهيكل بتنييم‬
‫وتقنين أنشبطتها الاقتصادية‪ ،‬إذ من شروط الحكومة التوفر على شغل قار لالستفادة من هذا التعويض‪.‬‬

‫ووحدة القول أن تنزيل هذا البرنامج تعترضه مجموعة من الصعوبات املرتببطة بالتمويل والاستهداف‪،‬‬
‫هذا وبالرغم من تصصيص الحكومة ملبال مالية مهمة تقدر با‪ 40‬مليار درهم‪،‬إال أن السياق العالمي‬
‫املضبطرب وارتفاع مستوى التضخم قد يعيق تمويل هذا الور ‪ ،‬كما أن التزام الدولة بتحمل تكاليف‬
‫الاشتراكات ل‪ 00‬مليون منصرط في نيام املساعدة البطبية راميد وهم املنتمون للفئات الهشة والفقيرة‬
‫يثير العديد من الشكوك ‪-‬بفعل املؤشرات الاقتصادية السلبية‪ ،-‬حيث إن هذه الاشتراكات تناهز ‪ 7‬ماليير‬
‫درهم‪ .2‬في حين أن فئات املهنيين وألايخاص غير ألاجراء الذين يزاولون نشاطا خاصا والتجار والحرفيين‬
‫ومقدمي الخدمات واملقاولين الذاتيين‪ ،‬فستكون استفادتهم من هذه الخدمات التي توفرها الحماية‬
‫الاجتماعية رهينة بأداء مبال الاشتراك للجهة املفوضة بتدبير ألانيمة الاجتماعية الخاصة بهم‪ ،‬وستتكفل‬
‫الدولة بسداد الواجبات التكميلية أخدة بعين الاعتبار مستوى الدخل لكل فئة‪.‬‬
‫ولتجاوز هذه إلاكراهات سعت الدولة لتنويع مصادر تمويلها عبر احداث آليتين تهم ألاولى الاشتراك (‪82‬‬
‫مليار درهم) بالنسبة لأليخاص الذين تتوفر لديهم القدرة على املساهمة في تمويل التغبطية الاجتماعية‪،‬‬
‫أما الثانية فتقوم على التضامن (‪ 83‬مليار درهم) بالنسبة لأليخاص الذين ال تتوفر لهم القدرة على‬
‫املساهمة في التمويل‪ .3‬وقد تبطرح الاليتين إشكاالت عديدة منها‪:‬‬
‫يرتكز تمويل كال اليتين في ألاساس على التمويل الجبائي الذي يحدد مساهمة اجتماعية على ألارباح‬
‫ً‬
‫والدخل على كل موظف أو أجير يساوي أو يفوق أجره الشهري ‪ 87‬ألف درهم شهريا في حدود‪ %0,4‬من‬
‫ألاجر الصافي‪ ،4‬وقد تم تعديل عتبة املساهمة بعدما كان مشروع القانون يفرضها على كل من يفوق أجره‬

‫‪1‬حفل إطالق مشروع تعميم الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات ألاولى املتعلقة به ‪،8780/75/05 :‬كلمة السيد محمد ينشعبون وزير‬
‫الاقتصاد واملالية وإصالح إلادارة‪ .‬انير املوقع الالكتروني لوزارة الاقتصاد واملالية ‪.https://www.finances.gov.ma‬‬
‫‪ 2‬الدراسة والتصويت على مشروع القانون إلاطار رقم ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية عرض السيد وزير الاقتصاد واملالية وإصالح‬
‫إلادارة أمام الجلسة العامة بمجلس النواب الاثنين ‪ 04‬مارس ‪.8780‬‬
‫‪ 3‬تقرير لجنة القبطاعات الاجتماعية بمجلس النواب مشروع القانون إلاطار رقم ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪ ،‬الدورة الاستثنائية‬
‫برسم السنة التشريعية الخامسة من الوالية التشريعية العاشرة ‪ ،8780‬ص ‪4‬‬
‫‪ 4‬قانون املالية رقم ‪ 14.87‬للسنة املالية ‪ 8780‬الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم ‪ 0.87.77‬الصادر في فاتح جمادى ألاولى (‪ 01‬ديسمبر‬
‫‪ ،)8787‬جريدة رسمية عدد ‪ 1755‬مكرر‪ 3-‬جمادى ألاولى ‪ 02( 0558‬ديسمبر ‪.)8787‬‬

‫‪263‬‬
‫‪ 07‬ألف درهم‪ ،‬ويدل هذا على أن الحكومة ال تمتلك تصورا واضحا لكيفية تمويل الحماية الاجتماعية‬
‫انبطالقا الية التضامن‪ ،‬بحيث كان من ألاجدر التوجه نحو اليات أخرى كفرض ضريبة على الثروة‬
‫والاستفادة من استثمارات أمالك الحبوس مما ينعكس إيجابا على حجم الوعاء املالي املصصص لهذا‬
‫الغرض‪.‬‬
‫ويبدو أن الحكومة واعية بعدم كفاية التمويل الذي يعتمد على املساهمة والتضامن‪ ،‬لذلك سعت لتوجيه‬
‫تكاليف صندوق املقاصة نحو آليات مندمجة للحماية الاجتماعية والسجل الاجتماعي املوحد مع التركيز‬
‫على تمويل تكاليف ا لتغبطية الصحية ولو على حساب دعم استقرار أسعار املواد ألاولية‪ ،‬الش يء الذي‬
‫يعني توفير الحماية الاجتماعية لفئات على حساب فئات أخرى‪.1‬ورغم سعي الدولة لتنويع مصادر تمويلها‬
‫لهذا الور إال أن عملية تحديد التكلفة الالزمة لتمويل برامج الحماية الاجتماعية إال أن انصراط فئات‬
‫واسعة في الاقتصاد غير املهيكل يصعب من مهمة تحديد التكلفة الالزمة لهذه البرامج‪ ،‬إضافة إلمكانية‬
‫استفادة فئات أخرى من الالية القائمة على التضامن رغم عدم توفرها على الشروط‪.‬‬
‫‪ .2‬الاستدامة املالية‬
‫يمكن التأكيد أن صناديق التأمينات الاجتماعية‪ ،‬تلعب دورا ر ً‬
‫ئيسيا لتوفير الحماية الاجتماعية‪ ،‬فهي من‬
‫املؤسسات الفاعلة في مجال الحماية الاجتماعية‪ ،‬وتمتلك موارد مالية هامة تنبع من املساهمات املالية‬
‫للمشتركين‪ ،‬باإلضافة إلى تمويالت الدولة‪ .‬ومع ذلك‪ .‬لكن سوء التدبير الناتج عن افتقارها إلى الشفافية‬
‫وغياب املحاسبة وضعف الحكامة تضع الاستدامة املالية لبرامج الحماية الاجتماعية على املحك ويجعل‬
‫ً‬
‫العاملين في القبطاع الخاص يفتقرون إلى أدنى درجات الحماية الاجتماعية‪ ،‬فضال عن العاملين في‬
‫الاقتصاد التضامني‪ .‬ومن هنا يبطرح السؤال عن آلالية التي ستتبعها الدولة لتمويل انصراط هذه الفئة‬
‫في سياق اقتصادي صعب‪ ،‬يتسبب في زيادة ألاعباء على مالية الدولة‪ .‬وينبغي ضمان التوازن بين النفقات‬
‫التأمينية وإلايرادات الناتجة عن الاشتراكات واملساهمات‪ ،2‬لتفادي عجز تلك الصناديق والحد من حجم‬
‫ُ‬
‫املوارد التي تقدم من ِق َبل الدولة‪.‬‬

‫ويتبطلب تجاوز إشكالية التمويل انصراط كافة الشركاء املعنيين بتعميم الحماية الاجتماعية مثل‬
‫الجماعات الترابية واملؤسسات العمومية والشركات واملقاوالت الخاصة مع مالحية أن هذه الاخيرة ال‬

‫‪1‬عبد الرفيع زعنون‪ ،‬تعميم الحماية الاجتماعية‪ :‬تأسيس لدولة الرعاية أم تكريس لسياسة التصلي؟‪،‬املعهد املغربي لتحليل السياسات‬
‫‪ https://mipa.institute/8856‬شوهد بتاريخ ‪26/05/2023‬‬
‫‪ 2‬الوضعية الحالية لنيام املعاشات املدنية بعد إلاصالح املقياس ي الذي عرفه سنة ‪ ،8701‬حذرت من أن النيام سيستنفذ احتياطياته‬
‫(‪ 07‬مليار درهم) بحلول سنة ‪ ،8782‬ومن أجل الوفاء بالتزاماته بعد ذلك‪ ،‬سيحتاج الصندوق املغربي للتقاعد ما يناهز ‪ 05‬مليار درهم‬
‫سنويا لتمويل عجز النيام‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫تصرح بأجرائها‪ ،1‬وتعترف الحكومة بهذا ألامر ‪.2‬وفي هذا الصدد يجب التأكيدعلى أن توسيع الحماية‬
‫الاجتماعية للعاملين رهين بمراقبة محكمة إللزامية انصراط ألاجراء وكذا العاملين غير ألاجراء في‬
‫الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي‪ ،‬مع الالتزام بمواكبة أرباب العمل ألداء استحقاقات ألاجراء في‬
‫مواعيدها املحددة واتصاذ إجراءات زجرية عند الاقتضاء‬

‫عالوة على إحداث صندوق خاص يتم تمويله من صندوق التأهيل الاجتماعي‪ ،‬وال ينحصر دوره في دعم‬
‫الاستثمار الاجتماعي فقط بل يتم توجيه جزأ من موارده لتمويل أنيمة الحماية الاجتماعية لهذه الفئة‪،‬‬
‫كما يجب أن يتم ضخ قيمة الضريبة التفضيلية املفروضة على التعاونيات في تمويل برامج الرعاية‬
‫الاجتماعية حصرا لهذه الفئات‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫أبرزت اليروف التي يمر منها املغرب اليوم أن الاقتصاد التضامني والاجتماعي يلعب دورا مهما في الحد‬
‫من الفوارق الاجتماعية واملجالية وخلق فرص الشغل وتحقيق املنفعة املتبادلة ليس ألعضائه فقط‬
‫وإنما ملحيبطه‪ ،‬غير أنه من الواضح أن هذا القبطاع يواجه تحديات راجعة لهيمنة اقتصاد غير املهيكل‬
‫على ألانشبطة الاقتصادية‪ ،‬في الوقت ذاته تتميز البرامج الرامية لإلقالع بهذا القبطاع بالتشتت ومحدودية‬
‫الاستهداف‪ ،‬وتصبطدم الجمعيات والتعاونيات الراغبة في الاستفادة من الدعم املصصص من طرف الدولة‬
‫بالبيروقراطية الادارية وكثرة الشروط وغموضها‪ ،‬إضافة إلكراهات تصص التمويل وضعف التكوين ألطر‬
‫التعاونيات والجمعيات‪.‬‬
‫وفضال عن ذلك تواجه البطبقة النشبطة في الاقتصاد التضامني املصاطر الاجتماعية دون أدنى حماية من‬
‫طرف الدولة‪ ،‬فرغم إطالق الحكومة لور الحماية الاجتماعية إال أنه لم يتم إيالء ألاهمية الالزمة لهذه‬
‫الفئة‪ ،‬فضال عن عدم التبطرق ألليات استهدافها وطرق تمويل برامج الرعاية الاجتماعية‪.‬‬
‫ولهذه الغاية يمكن تقديم التوصيات التالية‪:‬‬
‫‪ )0‬إصدار قانون إطار شامل يوضح شروط الانصراط في هذا القبطاع ويكون محفزا للفاعلين في اقتصاد‬
‫غير املهيكل من أجل هيكلة أنشبطتهم عبر إنشاء تعاونيات‪ ،‬ويمكن أن يكون هذا القانون بمثابة مدونة‬
‫تنص على ما يلي‪:‬‬
‫أ‪.‬حوافز ضريبية محددة وفق سلم ضريبي واضح‪.‬‬

‫‪ 1‬عبد الحفيظ ماموح‪ ،‬السياسية الجديدة للمغرب في مجال الحماية الاجتماعية مقاربة حقوقية ورقة سياسات‪ ،‬املنيمة العربية للقانون‬
‫الدستوري الدورة السابعة ‪ ،8788‬ص‪.07 :‬‬
‫‪2‬جواب رئيس الحكومة السيد عزيز أخنو على أسئلة السيدات والسادة املستشارين املتعلقة بالسؤال املحوري‪" :‬تفعيل ور التغبطية‬
‫الصحية والاجتماعية باملغرب لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية‪".‬‬

‫‪265‬‬
‫ب‪.‬استفادة للتعاونيات املتعثرة من الدعم مع مواكبتها وتوفير املعلومات املتعلقة بالسوق‬
‫ومساعدتها على تسويق منتجاتها‪.‬‬
‫ج‪.‬مالئمة البرامج لنوعية أنشبطة التعاونيات بحيث يعهد لهيئة وطنية بتنزيل السياسات في هذا‬
‫الشأن‪.‬‬

‫‪ )8‬تأدية الدولة الشتراكات املنتجين في صناديق الرعاية الاجتماعية وفرض تعريفة تفضيلية للتعاونيات‬
‫التي تحقق أرباحا تمكنها من الوفاء بالتزاماتها الاجتماعية لعمالها‪ ،‬على أن يتم تأديتها بعد خمس‬
‫سنوات من إنشائها‪.‬‬
‫‪ )3‬توجه الضرائب‪-‬التفضيلية‪-‬املفروضة على هذا القبطاع لتمويل صندوق ائتماني تضاف إليه مساهمة‬
‫الدولة لالستثمار في املجاالت الاجتماعية‪ ،‬وذلك لدعم الفئات العاملة في هذا القبطاع‪ ،‬وتقديم قروض‬
‫‪ )5‬وحوافز للعاملين في الاقتصاد غير املهيكل لتشجيعهم على تقنين أنشبطتهم ضمن تعاونيات‪.‬‬
‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫مراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫إلادماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة املتجولين‪ ،‬رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫مبطبعة سيباما‪ ،‬الرباط‪.8780،‬‬
‫الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنمو مدمج‪ ،‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪،‬إحالة ذاتية‬ ‫‪‬‬
‫رقم ‪ ،8704/19‬مبطبعة سيباما‪ ،‬الرباط‪.8704،‬‬
‫الاقتصاد الاجتماعي والتضامني رافعة لنمو مدمج‪ ،‬رأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني "‪ ،‬إحالة ذاتية‬ ‫‪‬‬
‫رقم ‪ ،8704/19‬مبطبعة سيباما‪ ،‬الرباط‪.8704،‬‬
‫الخبطاب امللكي بتاريخ ‪ 87‬يوليوز ‪ 8787‬بمناسبة الذكرى ال ‪ 80‬لعيد العر ‪.‬‬ ‫‪‬‬
‫عبد الحفيظ ماموح‪ ،‬السياسية الجديدة للمغرب في مجال الحماية الاجتماعية مقاربة حقوقية ورقة‬ ‫‪‬‬
‫سياسات‪ ،‬املنيمة العربية للقانون الدستوري الدورة السابعة ‪،8788‬ص ‪.07 :‬‬
‫قانون املالية رقم ‪ 14.87‬للسنة املالية ‪ 8780‬الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم ‪ 0.87.77‬الصادر في فاتح‬ ‫‪‬‬
‫جمادى ألاولى (‪ 01‬ديسمبر ‪ ،)8787‬جريدة رسمية عدد ‪ 1755‬مكرر‪ 3-‬جمادى ألاولى ‪ 02( 0558‬ديسمبر‬
‫‪.)8787‬‬
‫اللجنة الخاصة بالنموذج "التنموي‪ ،‬النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وتيرة‬ ‫‪‬‬
‫التقدم وتحقيق الرفاه للجميع‪ ..‬التقرير العام” ‪.8780‬‬
‫ملياء الغاز‪ ،‬ياسمين بوزينب القبطاع غير املهيكل‪ :‬الخصائص الرئيسية ووتيرة التبطور‪ ،‬مصتصرات املندوبية‬ ‫‪‬‬
‫السامية للتصبطيط‪ ،‬عدد ‪ 8 ،01‬مارس ‪.8780‬‬
‫مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير املنيم باملغرب‪ ،‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني ‪ ،‬إحالة‬ ‫‪‬‬
‫ذاتية‪ ،‬مبطبعة سيباما‪ ،‬الرباط‪.8780 ،‬‬
‫منيمة العمل الدولية‪ ،‬الاقتصاد غير املنيم والعمل الالئق‪ :‬دليل موارد السياسات لدعم الانتقال الى السمة‬ ‫‪‬‬
‫املنيمة‪ ،‬جنيف ‪ 82،‬ماي ‪.8704‬‬

‫‪266‬‬
:‫مراجع باللغة الفرنسية‬
 Diana Sarrade Cobos, L’économie populaire et solidaire en Equateur : vers la matérialisation du
principe constitutionnel du bien-vivre ? Revue internationale de l'économie sociale(RECMA),N°
337, juillet 2015,
 Jean-Claude Barbier, ÉCONOMIE SOCIALE ET SOLIDAIRE ET ÉTAT À la recherche d'un partenariat
pour l'action Institut de la gestion publique et du développement économique, Paris, 2017
 Yannick Marec,Patricia Toucas-Truyen, Économie sociale, protection sociale et bien-être de 1830 à
1970, Revue internationale de l'économie sociale(RECMA),N° 336, avril 2015.
:‫املواقع الالكترونية‬
 http://www.odco.gov.ma
 https://documents.albankaldawli.org/ar/publication/documents-reports
 https://www.mapnews.ma
 https://www.diplomatie.ma/ar
 https://www.hespress.com
 https://www.acaps.ma
 https://www.mamda-mcma.ma
 https://www.finances.gov.ma
 https://mipa.institute/8856

267
‫تجليات الدولة الاجتماعية باملغرب خالل أزمة كورونا‬
‫بين التدابير الحكومية وإكراهات الواقع‪.‬‬
‫رداد شمالل‬
‫باحثة في القانون‬
‫مقدمة‬

‫ال مناص أن أزمة كورونا شكلت منعبطفا هاما في مسار بناء "الدولة الاجتماعية" باملغرب‪ ،‬حيث فرضت‬
‫تداعياتها نفسها بقوة على الدخول الاجتماعي الحالي‪ ،‬وقد أفرزت هذه اليرفية الاستثنائية سلسلة من‬
‫التحديات املستجدة التي فرض على املغرب مواجهتها على عدة جبهات‪ ،‬فقد وجدت الدولة نفسها بفعل‬
‫الجائحة أمام وضع جديد معقد وغير مألوف‪ ،‬لم يسبق لها أن واجهت مثله بنفس الحدة على مر تاريخها‪،‬‬
‫ورغم هذا الوضع املتأزم وغير املسبوق‪ ،‬فقد أحسن املغرب التعاطي مع هذا الوباء القاتل‪ ،‬حيث لقيت‬
‫تدابيره وإجراءاته املتخذة الصدى وإلاشادة على الصعيد العالمي‪ ،‬بما جعله نموذجا للبلد املتيقظ املهتم‬
‫بصحة املواطنين وسالمة الوطن‪.‬‬

‫وفي خضم اللحظة املتسمة باستعجالية التدخل‪ ،‬عملت الدولة على تعبئة جميع مواردها وإمكانياتها‬
‫لتأمين استمرارية خدماتها بشكل يحد من آثار الصدمة والتحديات الناجمة عن الوباء‪ ،‬وبما يتالءم مع‬
‫مخاطر املرحلة‪ ،‬وقد تعددت أنماط تدخلها على مستويات عدة وفي مجاالت متنوعة‪ ،‬وهو ما أحدث‬
‫تجربة غنية ومفيدة يمكن تطويرها الستشراف مرحلة ما بعد انحسار فيروس كورونا‪.‬‬

‫وقد جعلت هذه الجائحة ألامن الصحي يعود للواجهة في سلم ألاولويات‪ ،‬إلى جانب الخيارات الاجتماعية‬
‫ألاخرى )التعليم‪ ،‬الرعاية الاجتماعية‪ ،‬الخدمات العمومية‪ ،(...‬السيما وأن تلك اللحظة التاريخية‬
‫الاستثنائية في تاريخ املغرب وتأثيراتها السلبية الصعبة على الاقتصاد الوطني وانعكاس ذلك على الوضع‬
‫الاجتماعي‪ ،‬تؤسس بما ال يدع مجاال للشك ملرحلة فارقة ومهمة في تحول جوهري في وظيفة الدولة‪ ،‬من‬
‫خالل العودة بقوة إلى الدولة الاجتماعية الراعية للوظائف الاجتماعية‪.1‬‬

‫وفي ضوء ما تقدم‪ ،‬تبرز إلاشكالية املحورية للدراسة في التساؤل التالي‪ :‬أي دور ألزمة كورونا في توجيه‬
‫املقاربة الاجتماعية باملغرب؟‬

‫لتتفرع عنها مجموعة من التساؤالت الفرعية‪ :‬كيف تعاملت الحكومة املغربية في ظل أزمة كورونا مع‬
‫الوضع الاجتماعي؟ ما هي نقاط الضعف ونقاط القوة التي يتوفر عليها املغرب والتي كشفت عنها ظروف‬
‫الجائحة؟ ما مدى استفادة الدولة من ألازمة في تحويلها إلى فرصة للنهوض بالشأن الاجتماعي؟‬

‫‪ 1‬خليل اللواح‪ ،‬نموذج مغرب مابعد الجائحة‪ ،‬مقال منشور باملؤلف الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا‪ :‬أي تحوالت على السياسة‬
‫والقانون والاقتصاد واملجتمع؟"‪ ،‬إصدارات املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية –أكادير‪ ،-‬البطبعة ألاولى ‪ ،8780‬ص ‪.30‬‬

‫‪268‬‬
‫وملقاربة متغيرات إلاشكال املطروح‪ ،‬وملحاولة إلاجابة عن التساؤالت املتفرعة عنه‪ ،‬ارتئينا تقسيم الدراسة‬
‫إلى محورين أساسيين ينطوي ألاول على قراءة في املقاربة الوطنية للتصدي لجائحة كورونا‪ ،‬ثم املحور‬
‫الثاني للتحديات وإلاكراهات البنيوية التي أفرزتها أزمة كورونا‪.‬‬

‫املحور ألاول‪ :‬قراءة في املقاربة الوطنية للتصدي لجائحة كورونا‬

‫شكلت اليرفية الحرجة التي مر منها املغرب‪ ،‬على غرار بايي دول العالم‪ ،‬جراء تفش ي وباء كورونا “كوفيد‪-‬‬
‫‪ ”07‬اختبارا حقيقيا ملدى جدية العديد من املفاهيم التي تتبناها الدولة‪ .‬فمنذ ظهور الوباء باملغرب‬
‫سارعت الحكومة إلى اتصاذ العديد من التدابير الرامية إلى مواجهته والحد من مصاطر تفشيه‪.‬‬

‫ومعلوم أن أزمة كورونا ساهمت بشكل أو بآخر في إعادة ألادوار التقليدية للدولة املغربية‪ ،1‬وذلك على‬
‫ضوء توجهات امللك محمد السادس الذي كان سباقا في الدعوة إلى إحداث "صندوق جائحة فيروس‬
‫كورونا"‪ 2‬ملواجهة هذه الجائحة‪ ،‬أو من خالل اتصاذ جملة من إلاجراءات والقرارات من طرف لجنة اليقية‬
‫الاقتصادية‪ 3‬بصصوص التداعيات وآلاثار الصحية والاقتصادية والاجتماعية في خضم إقرار الحجر‬
‫الصحي وفرض حالة البطوارئ الصحية باملغرب‪.4‬‬
‫وسنعرض ألهم التدابير وإلاجراءات املتخذة في هذا الصدد‪:5‬‬
‫‪ .1‬التدابير الصحية للحد من انتشار الوباء‬
‫لقد تم اتخاذ جملة من التدابير في املجال الصحي‪ ،‬إن على مستوى الرصد واليقية أو على مستوى الرفع‬
‫من قدرات املنظومة الصحية الوطنية أو على مستوى التكفل بالحاالت املصابة بالفيروس‪:‬‬
‫أ‪-‬الرصد واليقظة الوبائية‪:6‬‬

‫‪ 1‬محمد البغدادي‪" ،‬التجربة املغربية في تدبير أزمة جائحة فيروس كورونا"‪ ،‬مجلة القانون و ألاعمال الدولية‪ ،‬على املوقع‪:‬‬
‫‪ www.droitetentreprise.com‬تاريخ الاطالع‪.8783/73/73 :‬‬
‫‪ 2‬أحدث هذا الصندوق بموجب املرسوم رقم ‪ 8.87.817‬الذي تم نشره بالجريدة الرسمية ليوم الثالثاء في ‪ 88‬رجب ‪ 00( 0550‬مارس‬
‫‪ ،)8787‬بعد املصادقة عليه من لدن مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ ‪ 01‬مارس ‪ .8787‬كما تم إخبار اللجنتين املكلفتين باملالية بالبرملان‬
‫بإحداث هذا الصندوق‪ ،‬وهما لجنة املالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب‪ ،‬ولجنة املالية والتصبطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس‬
‫املستشارين‪ ،‬طبقا للمقتضيات القانونية‪.‬‬
‫‪ 3‬يتمثل الهدف من إحداث هذه اللجنة في رصد وتتبع الانعكاسات الاقتصادية لألزمة الوبائية على الاقتصاد الوطني‪ ،‬ومواكبة النشاطات‬
‫ألاكثر عرضة للصدمات الناجمة عن هذه ألازمة‪.‬‬
‫‪ 4‬رداد شمالل‪" ،‬بناء الدولة الاجتماعية باملغرب (الكرونولوجيا واملقومات)"‪ ،‬مجلة الباحث‪ ،‬العدد ‪/48‬مارس ‪ ،8783‬ص‪.821‬‬
‫‪ 5‬تم إلاعتماد على وجه الخصوص في هذه النقطة على‪ :‬جواب رئيس الحكومة السابقة‪ ،‬سعد الدين العثماني‪ ،‬حول السؤال املحوري‬
‫"التداعيات الصحية والاقتصادية والاجتماعية النتشار وباء فيروس كورونا كوفيد‪ 19-‬وإلاجراءات املتخذة ملواجهة هذه الجائحة" الجلسة‬
‫الشهرية املتعلقة بالسياسة العامة )املادة ‪ 100‬من الدستور(‪ ،‬مجلس النواب ‪ 19‬شعبان ‪ 13)1441‬أبريل ‪.(2020‬‬
‫‪ 6‬تجدر إلاشارة إلى أن بالدنا تتوفر منذ شتنبر ‪ 2019‬على منظومة للرصد الوبائي من خالل مركز وطني ومراكز جهوية لعمليات الطوارئ في‬
‫مجال الصحة العامة‪ ،‬وهي املنظومة التي تم إحداثها في إطار تفعيل "املخطط الوطني للصحة ‪ "2025‬بهدف تعزيز قدرات املغرب في مجال‬
‫الرصد املبكر‪ ،‬والاستعداد‪ ،‬والاستجابة بشكل سريع وفعال لحالة الطوارئ في مجال الصحة العامة‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫لقد كان عمل هذه املنظومة فعاال في رصد وتتبع جميع إلاشعارات املتعلقة بفيروس كورونا منذ بداية‬
‫ظهوره على املستوى العالمي‪ ،‬وبفضل هذه املنظومة الرصدية املتكاملة فقد استبطاع املغرب‪ ،‬من رفع‬
‫مستوى اليقضة على صعيد املركز الوطني لعمليات طوارئ الصحة العامة منذ إلاعالن عن الحاالت ألاولى‬
‫بالصين‪ ،‬وزيادة عدد ألاطر العاملة به‪ ،‬ثم وضع ونشر الخطة الوطنية لرصد وباء كورونا املستجد‬
‫والتصدي له ومراقبة وتتبع الحاالت الوبائية الدولية للفيروس‪ ،‬وتقييم يومي للخطر مع التحديث املنتظم‬
‫إلجراءات التصدي للفيروس وتعزيز النظام الوطني للمراقبة الوبائية لألمراض التنفسية الحادة‪ ،‬إضافة‬
‫إلى تفعيل مراكز إلاتصال الخاصة بالتواصل مع ألاطر الصحية واملواطنين عامة للتبليغ عن الحاالت‬
‫املحتملة‪ ،‬ثم وضع برنامج لتكوين ألاطر الصحية على مستوى الجهات وألاقاليم‪.‬‬
‫ب‪-‬الرفع من قدرات املنظومة الصحية الوطنية‪:‬‬
‫تنفيذا للتعليمات امللكية املتعلقة بالرفع من قدرات املنظومة الصحية الوطنية ملواجهة وباء فيروس‬
‫كورونا‪ ،‬رصد مبلغ ‪ 2‬مليار درهم من الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا‪ 1‬لتغطية النفقات‬
‫املتعلقة أساسا بشراء املعدات الطبية ومعدات املستشفيات‪ ،‬وشراء املعدات الضرورية للتحاليل وشراء‬
‫ألادوية ‪ ،...‬وباملوازاة مع ذلك‪ ،‬تمت تعبئة املوارد البشرية الالزمة لتلبية حاجيات املراكز الصحية املعدة‬
‫ملواجهة الحاالت الوافدة ‪.2‬‬
‫كما يندرج في هذا السياق إعداد وتجهيز مستشفيات عسكرية ميدانية لتنضاف إلى بنيات إلاستقبال‬
‫ألاخرى املخصصة الستقبال املرض ى املصابين بفيروس كورونا‪.‬‬
‫ت‪-‬منظومة التكفل بالحاالت املصابة‪:‬‬
‫عمل قطاع الصحة منذ ألايام ألاولى لظهور الوباء‪ ،‬على إعداد وإصدار خطة ودوريات ومساطر مدققة‪،‬‬
‫لتنظيم عمليات تدخل ألاطقم الطبية في مختلف مراحل إلاصابة‪ .‬ونذكر في هذا الصدد بالعمليات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬إصدار دورية حول سبل التكفل بالحاالت املصابة ببروتوكول عالجي بعد املصادقة عليه من‬
‫طرف اللجنة العلمية والتقنية الوطنية‪.‬‬
‫‪ ‬إصدار دورية للخطة التنظيمية للتكفل بالحاالت املحتملة واملؤكدة باملؤسسات الصحية‪.‬‬
‫‪ ‬وضع الئحة املستشفيات املستقبلة الستقبال الحاالت املحتملة‪.‬‬
‫‪ ‬تأهيل املختبرات الوطنية املدنية والعسكرية منها لتشخيص املرض‪.‬‬
‫‪ ‬توسيع عدد املختبرات لتشخيص الفيروس بما فيها املختبرات التابعة للمستشفيات الجامعية‬
‫التابعة للقطاع العام والخاص‪.‬‬
‫‪ ‬توفير وتعزيز الرعاية الصحية في معزل بالنسبة للحاالت املحتملة‪.‬‬

‫‪ 1‬صدر بالجريدة الرسمية بتاريخ ‪ 00‬مارس ‪ 8787‬املرسوم املتعلق بإحداث حساب مرصد ألمور خصوصية يحمل إسم الصندوق الخاص‬
‫بتدبير جائحة كورونا "كوفيد‪."07-‬‬
‫‪ 2‬جلسات إنصات مع وزير الصحة السيد خالد أيت البطالب‪ ،‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ 7 ،‬شتنبر ‪.8787‬‬

‫‪270‬‬
‫‪ ‬تحسين ظروف إلايواء وإلاطعام‪.‬‬
‫‪ .0‬إلاجراءات املواكبة لتنفيذ حالة الطوارئ الصحية‬
‫سارعت الحكومة املغربية التخاذ مجموعة من إلاجراءات الصارمة والتدابير الوقائية والاحترازية غير‬
‫املسبوقة‪ ،‬بهدف الحد من انتشار جائحة كورونا كوفيد‪ ،19-‬لكن مقابل ما فرضته من إجراءات وتدابير‬
‫املنع والتضييق على الحريات الفردية كان البد لها من إعطاء ضمانات والقيام بتدابير للتخفيف من حدة‬
‫حالة الطوارئ الصحية‪.1‬‬
‫أ‪-‬استمرار العملية التعليمية من خالل التعليم عن بعد‬
‫تفاعال مع إجراءات الحجر الصحي املعلنة‪ ،‬قررت وزارة التربية الوطنية بتاريخ ‪ 03‬مارس ‪ 8787‬وبصفة‬
‫استثنائية‪ ،‬تعليق الدارسة الحضورية‪ ،‬انبطالقا من يوم الاثنين ‪ 01‬مارس ‪ ،8787‬بجميع املؤسسات‬
‫التعليمية والجامعية وكذا مؤسسات التكوين املنهي وتكوين ألاطر‪ ،‬سواء العمومية أو الخصوصية‪ ،‬وكذا‬
‫مدارس البعثات ألاجنبية ومراكز اللغات ومراكز الدعم التربوي‪.‬‬
‫ومباشرة بعد تعليق التعليم الحضوري‪ ،‬عملت الوزارة على تنزيل خبطة وطنية من أجل ضمان‬
‫الاستمرارية البيداغوجية وذلك من خالل إطالق عملية "التعليم عن بعد"‪ 2‬مع التأكيد على أن ألامر ال‬
‫يتعلق بتاتا بعبطلة مدرسية استثنائية بل بتعويض التعليم الحضوري بالتعليم عن بعد وبالتالي دعوة‬
‫املتعلمين واملتعلمات إلى ضرورة مواصلة تحصيلهم الدراس ي‪ .‬واتصذت الحكومة عددا من إلاجراءات لتوفر‬
‫العملية التعليمية عن بعد‪ ،‬من قبيل مجموعة من الدعامات الرقمية‪ ،‬بفضل انصراط قوي وجهود‬
‫متواصلة لألطر التعليمية والتربوية والتقنية‪ ،‬نعرضها كالتالي ‪:‬‬

‫‪ ‬قطاع التربية الوطنية‬

‫تم الشروع ابتداء من يوم ‪ 01‬مارس ‪ 8787‬في تنزيل عملية التعليم عن بعد من خالل إطالق البوابة‬
‫إلالكترونية ‪ ،TelmidTICE‬والتي توفر مضامين رقمية مصنفة تغبطي كافة ألاسالك واملستلزمات التعليمية‬
‫ومجموع املواد الدراسية‪ ،‬حيث تم توفير ‪ 5477‬مادة رقمية‪ .‬ويبل عدد مستعملي هذه املنصة ما يفوق‬
‫‪ 1777‬مستعمل ومستعملة يوميا‪ .‬كما تم تعبئة قنوات القبطب العمومي لبث الدروس املصورة‪ ،‬ما مكن‬
‫من تغبطية جميع املستويات الدراسية من السنة ألاولى إبتدائي إلى السنة الثانية بكالوريا‪ ،‬لكي تصل‬
‫الدروس أيضا إلى التالميذ الذين ال يستبطيعون الولوج إلى الانترنيت‪ ،‬السيما من أبناء القرى‪ ،‬الذين يتوفر‬
‫‪ %70‬من سكانه على التلفاز‪ ،‬حسب آخر إحصاء يهم املوضوع‪.‬‬

‫‪ 1‬مراد فارس ي‪" ،‬حالة الطوارئ الصحية باملغرب‪ :‬التنزيل القانوني وإلاجراءات املواكبة"‪ ،‬مجلة الباحث‪-‬ملف خاص‪-3-‬جائحة كورونا‬
‫"الطوارئ الصحية"‪ ،‬العدد‪ ،19‬يونيو ‪.2020‬‬
‫‪ 2‬ملزيد من التفصيل أنظر‪ :‬ندوة عن ُبعد‪ ،‬نيمها املجلس الوطني لحقوق إلانسان مساء الجمعة ‪ 81‬يونيو ‪ ،8787‬تحت عنوان "تأثير‬
‫التفاوتات الاجتماعية واملجالية على مبدأ تكافؤ الفرص لدى املتمدرسين في ظل اعتماد التعليم عن بعد خالل الحجر الصحي كآلية جديدة‬
‫في التدبير التربوي وتعويض التعليم الحضوري"‪ .‬على الرابط‪.https://urlz.fr/dqGf :‬‬

‫‪271‬‬
‫ومن أجل تمكين ألاساتذة من التواصل املباشر مع تالميذهم‪ ،‬وكذا تنييم دورات للتعليم عن بعد‪ ،‬تم‬
‫إطالق العمل بالخدمة التشاركية املدمجة في منيومة "مسار"‪.1‬‬

‫‪ ‬قطاع التكوين املنهي‬

‫تم العمل على تأمين آليات التكوين عن بعد وكذا مواصلة توفر البرنامج التكويني عن بعد‪ ،‬وبشكل‬
‫متكامل‪ ،‬من خالل جملة من التدابير من أهمها‪:‬‬

‫‪ ‬وضع دعامات رقمية لألقسام الافتراضية‪ ،‬يتم تحميلها من طرف املتدربين اعتمادا على الحسابات‬
‫التي يتوفرون عليها سلفا والتي شرع العمل بها رسميا ابتداء من تاريخ ‪ 07‬مارس ‪ ،8787‬باإلضافة إلى‬
‫الوسائل ألاخرى كالبريد إلالكتروني‪ ،‬وتبطبيقات التواصل الاجتماعي‪.‬‬

‫‪ ‬توفر محتويات التكوين الالزمة على املنصة إلالكترونية لفائدة املكونين تهم كافة قبطاعات التكوين‪.‬‬

‫‪ ‬إعبطاء الدروس عن بعد بالنسبة ملؤسسات التكوين املنهي الخاص‪ ،‬باعتماد الحلول الرقمية‪ ،‬ووضع‬
‫دليل للتكوين املنهي الخاص عن بعد‪ ،‬وهي حلول موجهة لفائدة ‪ 28.777‬متدرب ومتدربة‪.‬‬

‫‪ ‬قطاع التعليم العالي والبحث العلمي‬

‫بصصوص هذا القبطاع‪ ،‬عملت املؤسسات الجامعية على تمكين البطلبة من التحصيل الجامعي‪ ،‬عبر‬
‫دعامات متعددة منها البوابات واملواقع إلالكترونية واملؤسسات الجامعية ومنصات مؤسسات التعليم‬
‫العالي غير التابعة للجامعات وكذا مؤسسات التعليم العالي الخاص‪ ،‬كما تم العمل عبر مجموعة من‬
‫املنصات الرقمية التفاعلية املعروفة التي تتيح للبطالب خاصية املشاركة وألاخذ والعبطاء عن بعد مع‬
‫ألاستاذ فضال عن إلاذاعة والتلفزة‪.‬‬

‫وارتباطا بمجال البحث العلمي‪ ،‬أطلقت الحكومة برنامجا لدعم البحث العلمي والتكنولوجي املتعلق‬
‫بفيروس كورونا املستجد بدعم مالي قدره ‪ 07‬ماليين درهم‪ ،‬بهدف تعبئة فرق البحث املغربية من أجل‬
‫عمل مشاريع البحث العلمي في املجاالت املتعلقة بهذا الوباء في أقرب وقت ممكن‪.‬‬

‫ب‪-‬ضمان استمرارية خدمات املرافق العمومية ألاساسية‬


‫من املعلوم أن املرسوم بقانون املتعلق بحالة البطوارئ الصحية‪ ،2‬نص ضمن مقتضياته على ضمان‬
‫استمرارية املرافق العمومية الحيوية وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين‪.‬‬

‫‪ 1‬تدبير حالة الطوارئ الصحية باملغرب‪ ،‬الحكامة ألامنية وحقوق إلانسان‪ ،‬تقرير ملركز دراسات حقوق إلانسان والديمقراطية بشراكة مع‬
‫مركز جنيف لحوكمة قطاع ألامن‪ ،‬ص‪ 57‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪ 2‬مرسوم بقانون رقم ‪ 8.87.878‬صادر في ‪ 82‬من رجب ‪ 83( 0550‬مارس ‪ )8787‬املتعلق بسن أحكام خاصة بحالة البطوارئ الصحية‬
‫وإجراءات إلاعالن عنها‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫وبالرجوع إلى املرسوم السالف الذكر نجده ينص في الفقرة الثانية من مادته الثالثة على أن التدابير‬
‫املتصذة في إطار الحجر الصحي ال يجب أن تحول دون ضمان استمرارية املرافق العمومية الحيوية‪ ،‬وتأمين‬
‫الخدمات التي تقدمها للمرتفقين وضمان التنقل من محالت السكنى إلى مقرات العمل‪ ،‬والسيما في املرافق‬
‫العمومية الحيوية‪ ،‬وهذا تأكيد على مبدأ استمرارية املرفق العام‪.‬‬
‫إضافة إلى أن منشور وزير الاقتصاد واملالية وإصالح إلادارة عدد‪ 8787/ 0‬بتاريخ ‪ 01‬مارس ‪ 8787‬املوجه‬
‫إلى الوزراء واملندوبين السامين واملندوب العام‪ ،‬يؤكد على مبدأ الاستمرارية كمبدأ أساس ي من مبادئ‬
‫املرفق العام‪ ،‬وكذلك منشور آخر له عدد ‪ 8787/8‬بتاريخ ‪ 0‬أبريل ‪ 8787‬حول الخدمة الرقمية للمراسالت‬
‫إلادارية‪.1‬‬

‫وفي هذا إلاطار اتصذت الحكومة جملة من إلاجراءات والقرارات املواكبة في إطار الحرص على استمرارية‬
‫املرافق العمومية في تقديم خدماتها للمرتفقين‪ ،‬مع ضمان الحفاظ على صحة وسالمة العاملين باإلدارات‬
‫العمومية والجماعات الترابية واملؤسسات واملقاوالت العمومية‪ ،‬والوافدين عليها‪ ،‬ووقايتهم من انتشار‬
‫وباء فيروس كورونا‪.‬‬
‫‪ ‬التدابير الاحترازية والوقائية لفائدة العاملين‬
‫لقد أصدرت الحكومة منشورا وزاريا يقض ي باتخاذ التدبير الوقائية من خطر انتشار وباء كورونا باإلدارات‬
‫العمومية والجماعات الترابية واملؤسسات واملقاوالت العمومية على الصعيد املركزي الجهوي وإلاقليمي‪.‬‬
‫ومن ضمن إلاجراءات التي اتخذت نذكر على الخصوص ما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬الحد من عقد الاجتماعات ‪ ،‬مع الحرص على تقليص عدد املشاركين فيها‪ ،‬واستعمال التقنيات‬
‫الحديثة "‪" Audio/Visio-conférance‬متى كان ذلك متاحا‪.‬‬
‫‪ ‬العمل قدر إلامكان‪ ،‬على توفير الخدمات إلادارية املقدمة للمرتفقين على الخط‪ ،‬وكذا توفير جميع‬
‫وسائل التواصل املالئمة املتوفرة‪.‬‬
‫‪ ‬تنظيم عمليات استقبال املرتفقين في الحاالت الضرورية‪ ،‬في ظل الاحترام الصارم للتدابير الوقائية‬
‫الصادرة عن السلبطات املختصة‪.‬‬
‫‪ ‬تعليق انعقاد الجلسات بمختلف محاكم اململكة ابتداء من ‪ 17‬مارس ‪ ،2020‬بتنسيق مع املجلس‬
‫ألاعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة باستثناء الجلسات املتعلقة بقضايا املعتقلين‬
‫والقضايا الاستعجالية‪ ،‬وقضاء التحقيق‪.‬‬

‫‪ 1‬خالد بوشمال‪ ،‬هذه الدروس القانونية "لكورونا" في فترة "البطوارئ الصحية "باملغرب‪ ،‬مقال منشور بجريدة هسبريس‪ ،‬على املوقع‪:‬‬
‫‪ www.hespress.com‬تم إلاطالع عليه بتاريخ‪ 3 :‬مارس ‪ .8783‬على الساعة ‪.08:77‬‬

‫‪273‬‬
‫‪ ‬تطوير الخدمات الرقمية لتفعيل العمل عن بعد‬
‫إن ألازمة الصحية املرتببطة بكوفيد‪ 07-‬سرعت التحول الرقمي داخل إلادارات العمومية‪ ،‬التي كانت‬
‫مضبطرة إلى تشجيع وتعزيز أنيمتها املعلوماتية بهدف الاستجابة النتيارات املواطنين‪.1‬‬
‫عمال بالتدابير الاحترازية والوقائية‪ ،‬ولكون التعامالت والتبادالت الورقية تمثل عامل خطر النتشار عدوى‬
‫وباء كورونا‪ ،‬تم تطوير جملة من الخدمات إلادارية من طرف وكالة التنمية الرقمية‪ ،‬وذلك بهدف تمكين‬
‫املرتفقين وإلادارات من تبادل امللفات واملراسالت‪ ،‬وتتبع معالجتها عن بعد بطريقة رقمية ويتعلق ألامر‬
‫بالخدمات التالية‪:‬‬
‫‪ ‬بوابة مكتب الضبط الرقمي للمراسالت إلادارية‪ ،‬التي تهدف إلى تمكين إلادارات واملرتفقين على‬
‫حد سواء من إيداع مراسالتهم عن بعد لدى إلادارات املعنية مقابل وصل رقمي بتأكيد الاستالم‪.‬‬
‫‪ ‬الشباك إلالكتروني للمراسالت إلادارية‪ ،‬الذي يمكن إلادارات في تعاملها فيما بينها‪ ،‬من تدبير‬
‫مراسالتها الواردة والصادرة‪ ،‬وكذا املراسالت ما بين مصالحها الداخلية‪ ،‬على الصعيد املركزي‬
‫والالممركز‪.‬‬
‫‪ ‬الخدمة إلالكترونية "الحامل إلالكتروني ‪ "Parapheur électronique‬التي تمكن إلادارات‬
‫املنخرطة في هذه الخدمة من التجريد املادي والكامل ملختلف الوثائق إلادارية والتوقيع‬
‫إلالكتروني على الوثائق إلادارية‪ ،‬والتدبير الالمادي إلدارة سير العمل‪.‬‬
‫‪ .2‬التدابير املتخذة للتخفيف من آلاثار الاجتماعية‬
‫أدت الصدمة الوبائية والحجر الصحي الذي فرض على الساكنة إلى توقف العديد من املقاوالت وفقدان‬
‫مناصب شغل وبالتالي فقدان مداخيل الشغيلة‪ ،‬من أجراء القطاع املهيكل‪ ،‬والنشيطين في القطاع غير‬
‫املهيكل‪ .‬ولهذا رصدت مساعدة مالية لدعم مختلف فئات ألاشخاص الذين تأثرت قدرتهم الشرائية‬
‫وأوضاع معيشتهم بتدابير حالة الطوارئ الصحية‪ ،‬عهد بتدبير املساعدة إلى الصندوق الخاص بتدبير‬
‫جائحة فيروس كورونا كوفيد‪.219-‬‬
‫أ‪-‬تدابير لجنة اليقظة الاقتصادية لفائدة املأجورين املؤرخة في ‪ 18‬مارس ‪:0202‬‬

‫‪ ‬استفادة جميع املأجورين املصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي في فبراير ‪،2020‬‬
‫املتوقفون عن العمل من طرف مقاولة في وضعية صعبة‪ ،‬من تعويض شهري ثابت وصافي قدره‬
‫‪ 8777‬درهم‪ ،‬باإلضافة إلى التعويضات العائلية وتلك املتعلقة بالتأمين إلاجباري عن املرض‬
‫‪(AMO‬‬

‫‪ 1‬أحمد العمومري‪" ،‬إلادارة إلالكترونية‪ ..‬الرقمنة تتبطلب حاليا التفكير في الوسائل الكفيلة بضمان استدامتها"‪ ،‬مقال منشور على موقع‬
‫البوابة إلالكترونية‪ ،‬على الرابط ‪ https://www.maroc.ma/ar :‬تاريخ إلاطالع‪.2023/01/01 :‬‬
‫‪ 2‬استراتيجة املغرب في مواجهة كوفيد‪ ،07-‬مجلة ألاوراق السياسية‪ ،‬مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد‪ ،‬العدد ‪ ،87-70‬أبريل‬
‫‪،8787‬‬
‫ص ‪.02‬‬

‫‪274‬‬
‫‪ ‬تمكين هؤالء ألاجراء ً‬
‫أيضا من الاستفادة من تأجيل سداد القروض البنكية (قروض إلاستهالك‬
‫وقروض السكن) إلى غاية ‪ 37‬يونيو ‪.18787‬‬

‫ب‪-‬تدابير لجنة اليقظة الاقتصادية لفائدة ألاجراء املؤرخة في ‪ 09‬مارس ‪:0202‬‬


‫تنفيذا للتعليمات السامية للملك محمد السادس‪ ،‬تم إحداث صندوق خاص لتدبير ومواجهة وباء‬
‫فيروس كورونا‪ ،‬وذلك من أجل التكفل بالنفقات املتعلقة بتأهيل البنيات الصحية‪ ،‬والحد من أثار هذا‬
‫الوباء على الاقتصاد الوطني‪.‬‬
‫في هذا إلاطار‪ ،‬قررت لجنة اليقية الاقتصادية منح تعويض شهري جزافي قدره ‪ 8777‬درهم‪ ،‬باإلضافة‬
‫إلى الاستفادة من خدمات التغبطية الصحية إلاجبارية والتعويضات العائلية‪ ،‬لفائدة ألاجراء واملستصدمين‬
‫بموجب عقود الاندماج والبحارة الصيادين املتوقفين مؤقتا عن العمل املصرح بهم لدى الصندوق الوطني‬
‫للضمان الاجتماعي برسم شهر فبراير ‪ ،8787‬واملنتمين للمقاوالت املنصرطة في الصندوق الوطني للضمان‬
‫الاجتماعي التي تواجه صعوبات‪.‬‬

‫ويهم هذا التعويض الفترة املمتدة من ‪ 04‬مارس إلى ‪ 37‬يونيو ‪.28787‬‬

‫ج‪-‬تدابير لجنة اليقظة الاقتصادية بشأن عملية الدعم املؤقت لألسر العاملة في القطاع غير املهيكل‬
‫املتضررة من فيروس كورونا املؤرخة في ‪ 08‬مارس ‪:0202‬‬

‫كما ركزت لجنة اليقية الاقتصادية في اجتماعها ليوم الاثنين ‪ 83‬مارس ‪ 8787‬على تدابير دعم القبطاع‬
‫غير املهيكل املتأثر مباشرة بالحجر الصحي‪ .‬ونيرا لتعقيد هذه إلاشكالية‪ ،‬اتصذ القرار ملعالجتها على‬
‫مرحلتين‪:‬‬

‫املرحلة ألاولى‪ :‬تهم ألاسر التي تستفيد من خدمة راميد وتعمل في القبطاع غير املهيكل وأصبحت ال تتوفر‬
‫على مدخول يومي إثر الحجر الصحي‪ .‬هذه ألاسر يمكنها الاستفادة من مساعدة مالية تمكنها من املعيش‬
‫والتي تم منحها من موارد صندوق محاربة جائحة كورونا الذي أنشأ تبعا لتعليمات امللك محمد السادس‪.‬‬

‫وقد حددت هذه املساعدة املالية على النحو التالي‪:‬‬

‫‪ 277-1‬درهم لألسرة املكونة من فردين أو أقل‪.‬‬

‫‪ 0777-2‬درهم الاسرة املكونة من ثالث إلى أربع أفراد‪.‬‬

‫‪ 0877 -3‬درهم لألسرة التي يتعدى عدد أفرادها أربعة أيخاص‪.‬‬

‫‪ 1‬تدابير لجنة اليقية الاقتصادية لفائدة املأجورين املؤرخة في ‪ 07‬مارس ‪.8787‬‬


‫‪ 2‬تدابير لجنة اليقية الاقتصادية لفائدة ألاجراء املؤرخة في ‪ 82‬مارس ‪.8787‬‬

‫‪275‬‬
‫املرحلة الثانية‪ :‬بالنسبة لألسر التي ال تستفيد من خدمة راميد والتي تعمل في القبطاع غير املهيكل والتي‬
‫سابقا‪.1‬‬ ‫توقفت عن العمل بسبب الحجر الصحي‪ ،‬تم منحها نفس املبال املذكورة‬

‫ت‪-‬الاهتمام بوضعية الفئات الهشة‬


‫لقد اتصذت الحكومة جملة من التدابير لفائدة هاته الفئات حيث بلغ عدد املتكفل بهم ‪ 6‬آالف و ‪351‬‬
‫شخصا‪ 2‬نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬ألاطفال في وضعية هشة‬
‫تم وضع خطة عمل خاصة بوقاية وحماية ألاطفال في وضعية هشة من عدوى فيروس كورونا املستجد‪،‬‬
‫وتشمل هذه الخطة مجموعة من التدابير التي تهدف إلى‪:‬‬
‫‪ ‬تعزيز خدمات القرب‪ ،‬من خالل دعم مشاريع الجمعيات املوجهة ملعالجة التداعيات الاجتماعية‬
‫املترتبة عن رعاية وحماية ألاطفال في فترة الحجر الصحي‪.‬‬
‫‪ ‬وضع آليات لليقية والتتبع املستمر لحماية ألاطفال من العنف‪ ،‬ورعاية ألاطفال في وضعية‬
‫الشارع‪.‬‬
‫‪ ‬تقديم الدعم النفس ي عن بعد لألطفال بمؤسسات الرعاية الاجتماعية‪ ،‬من لدن فريق من‬
‫ألاخصائيين النفسيين إلاكلينيكيين‪.‬‬
‫‪ ‬ألاشخاص املتضررون ذوي الاحتياجات الخاصة‬
‫باإلضافة إلى بعض إلاجراءات التي اتصذتها بعض إلادارات لفائدة العاملين بها من فئة ألاشخاص ذوي‬
‫الاحتياجات الخاصة في هذه الظروف‪ ،‬فقد اتصذت الجهات املعنية عددا من إلاجراءات نذكر من بينها‪:‬‬
‫‪ ‬وضع خاليا للتواصل وإلارشاد والتوجيه تضم املوارد والكفاءات الوطنية املكونة في إطار برنامج‬
‫"رفيق"‪ ،‬رهن إشارة أسر ألاشخاص ذوي التوحد‪ .‬وتقوم هذه الخاليا بالتواصل مع ألاسر من‬
‫خالل أرقام هاتفية خصصت لهذا الغرض‪.‬‬
‫‪ ‬وبغية مواصلة أنشطة مختلف املراكز املعنية بتمدرس ألاطفال ذوي الاحتياجات الخاصة‪ ،‬يتم‬
‫الحرص على ضمان استمرارية بعض الخدمات عن بعد‪ ،‬وذلك عبر إرساء "مداومة تربوية"‬
‫ينخرط فيها جميع ألاطر‪ ،‬من خالل التواصل مع آلاباء وألامهات وألاطفال ذوي الاحتياجات‬
‫الخاصة‪ ،‬ومدهم بأنشطة تربوية يمكن إنجازها داخل املنازل‪" ،‬عملية سالمة"‪.‬‬

‫‪ 1‬تدابير لجنة اليقية الاقتصادية بشأن عملية الدعم املؤقت لألسر العاملة في القبطاع غير املهيكل املتضررة من فيروس كورونا املؤرخة‬
‫في ‪ 87‬مارس ‪.8787‬‬
‫‪ 2‬جميلة املصلي‪ ،‬وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية وألاسرة املغربية‪ ،‬حوار صحفي مع مجلة ألاناضول‪ ،‬مؤرخ ب ‪.2020/10/22‬‬

‫‪276‬‬
‫‪ ‬ألاشخاص في وضعية الشارع‬
‫عملت الحكومة على توفير خدمات املساعدة الاجتماعية لفائدة ألاشخاص في وضعية الشارع وحمايتهم‬
‫من خطر انتشار جائحة فيروس كورونا املستجد‪ ،‬وذلك من خالل تعبئة وتهييئ وتجهيز فضاءات للتكفل‬
‫بهم‪ ،‬وتقديم الخدمات الضرورية لهم‪ ،‬كاالستقبال وإلايواء وإلاطعام‪.‬‬
‫وخالل اجتماع عمل عن بعد‪ ،‬لوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية واملساواة وألاسرة بمناسبة الذكرى‬
‫‪ 13‬لتأسيس مؤسسة التعاون الوطني‪ ،‬أكدت السيدة الوزيرة أنه بتضافر جهود جميع املتدخلين تم إنجاز‬
‫أكبر عملية إيواء لأليخاص في وضعية الشارع باملغرب‪ ،‬وأن ألامر يتعلق بإنجاز مشرف للمملكة‪ ،‬حيث‬
‫تم إلى حدود ‪ 82‬أبريل ‪ 8787‬إيواء ‪ 1385‬يخصا بدون مأوى وإرجاع ‪ 8717‬آخرين إلى أسرهم‪.1‬‬

‫‪ ‬كبار السن‬
‫لقد سلبطت جائحة كوفيد‪ 07-‬الضوء على حقوق كبار السن وصحتهم في ظل هذه اليروف‪ ،‬حيث إن‬
‫أغلب ضحايا هذا الفيروس في العالم هم من الذين تبل أعمارهم ‪ 14‬عاما أو ما فوق‪ ،‬على اعتبار أنهم‬
‫من أكثر الفئات هشاشة وأكثرها عرضة لإلصابة بهذا الوباء‪ .‬وتزداد هذه الهشاشة في أوساط كبار السن‬
‫املوضوعين في مراكز الرعاية الاجتماعية أو الذين يعيشون في وضعية الشارع‪ ،‬وتشمل حقوق ألايخاص‬
‫املسنين الحصول على ما يكفي من الغذاء واملاء واملأوى وامللبس والرعاية الصحية‪.2‬‬
‫وقد تم إطالق "عملية سالمة"‪ ،‬لدعم كبار السن وألاشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة‪ ،‬باعتبارهم الفئة‬
‫الاجتماعية ألاكثر عرضة للخطر بسبب جائحة فيروس كورونا‪.‬‬
‫وتهدف هذه الخطوة إلى توفير "عدة السالمة" للنظافة والوقاية من فيروس كورونا املستجد في مؤسسات‬
‫الرعاية الاجتماعية‪ ،‬وذلك كتدبير لتعزيز الحفاظ على صحة هذه الفئة الاجتماعية وتقديم الرعاية‬
‫والدعم ألاساسيين بشكل يالئم احتياجاتها الجديدة في سياق جائحة فيروس كورونا‪ ،‬كما تحدد "عدة‬
‫السالمة " مجموع التدابير الواجب اتباعها للوقاية من الفيروس‪.‬‬
‫ج‪-‬حماية صحة وسالمة ألاشخاص املحرومون من حرياهم‬
‫قررت املندوبية العامة إلدارة السجون وإعادة إلادماج‪ ،‬تماشيا مع إلاجراءات املتصذة من طرف املصالح‬
‫املصتصة من أجل محاربة انتشار فيروس (كوفيد ‪ ،)07‬واضبطالعا منها بمسؤوليتها في حماية أمن‬
‫املؤسسات السجنية وسالمة نزالئها‪ ،‬اعتماد مجموعة من إلاجراءات الوقائية التي كانت محل مذكرة تم‬
‫تعميمها على جميع املديريات الجهوية واملؤسسات السجنية‪ ،3‬من أبرزها‪:‬‬
‫‪ ‬التقليص من عدد الزوار والاكتفاء بزائر واحد فقط‪.‬‬

‫‪ 1‬بالغ إخباري ‪ :‬جميلة املصلي‪ ،‬املغرب أنجز أكبر عملية إيواء أليخاص في وضعية الشارع خالل زمن "كورونا"‪ ،‬مجلة (تيل‪-‬كيل عربي) على‬
‫املوقع‪ . ar.telquel.ma :‬تاريخ إلاطالع‪.8787/71/71 :‬‬
‫‪ 2‬كوفيد‪ :07-‬وضع استثنائي وتمرين حقويي جديد –التقرير السنوي ‪ 8787‬عن حالة حقوق إلانسان باملغرب‪ -‬املجلس الوطني لحقوق‬
‫إلانسان‪ ،‬مارس ‪.8780‬‬
‫‪ 3‬بالغ صحفي للمندوبية العامة إلدارة السجون و إعادة إلادماج بتاريخ ‪ 03‬مارس‪.‬‬

‫‪277‬‬
‫‪ ‬عزل ومراقبة السجناء الجدد القادمين من بلدان أجنبية‪.‬‬
‫‪ ‬إيالء الفئات الهشة من السجناء مزيدا من العناية والاهتمام‪.‬‬
‫‪ ‬إخضاع السجناء العائدين من املحاكم ومن املستشفيات للفحوصات الطبية قبل إيداعهم‬
‫بغرف إلايواء‪.‬‬
‫ح –الاهتمام بوضعية املغاربة بالخارج‬
‫قبل ‪ 04‬يوليوز ‪ ،8787‬كان العدد الكبير من املغاربة العالقين في الخارج‪ ،‬والذين قدر عددهم بحوالي‬
‫‪ 7000‬شخص محط انشغال الرأي العام‪ ،‬السيما أمام غياب أي رؤية واضحة وال أفق زمني بشأن هذا‬
‫امللف‪ ،‬وباألخص النعدام التواصل بهذا الخصوص‪.1‬‬
‫وتنفيذا للتعليمات امللكية‪ ،‬فقد عملت البعثات الدبلوماسية واملراكز القنصلية التابعة للمملكة على‬
‫تقديم الدعم واملساعدة ذات الطابع ألاولوي والضروري من خالل حزمة من إلاجراءات الاستعجالية‪،‬‬
‫نذكر منها‪:‬‬
‫‪ ‬إحداث خاليا تعنى بتتبع وضعية املغاربة العالقين بالخارج‪ ،‬على مستوى إلادارة املركزية والبعثات‬
‫الدبلوماسية واملراكز القنصلية‪.‬‬
‫‪ ‬توفير السكن لغير القادرين على تغطية تكاليف إقامتهم وتوفير كفافهم من حيث الغذاء‪.‬‬
‫‪ ‬تغطية تكاليف اقتناء ألادوية لفائدة ألاشخاص الذين يعانون من بعض ألامراض املزمنة‬
‫)السكري‪ ،‬ارتفاع ضغط الدم‪ ،‬القلب‪ (...‬وتحمل تكاليف العمليات الجراحية الطارئة‪.‬‬
‫‪ ‬وضع فريق طبي رهن إشارة ألاشخاص العالقين بالخارج لتقديم خدمات واستشارات طبية‬
‫مجانية لفائدتهم‪.‬‬
‫‪ ‬مرافقة املغاربة العالقين بالخارج ومساعدتهم التواصل املستمر والدائم معهم‪ ،‬عبر إحداث‬
‫بوابات ومنصات إلكترونية وأرقام هواتف محمولة مرصودة لهذا الغرض‪ ،‬على مستوى إلادارة‬
‫املركزية والبعثات الدبلوماسية واملراكز القنصلية‪.‬‬
‫‪ ‬التدخل لدى السلطات ألاجنبية املختصة لتمديد فترة إقامتهم بعد انتهاء صالحية تأشيرتهم‬
‫واستيفائها لآلجال القانونية‪.‬‬
‫‪ ‬التكفل بمصاريف الدفن في املقابر إلاسالمية لفائدة املغاربة املتوفين في الخارج خالل هذه‬
‫الظروف الوبائية الاستثنائية العاملية‪.‬‬
‫بعد الوقوف على أهم التدابير الحكومية املتصذة للتصفيف من التداعيات الاجتماعية‪ -‬على وجه‬
‫الخصوص‪ -‬لجائحة فيروس كورونا‪ ،‬يمكن القول أنه وعلى الرغم من الصدى إلايجابي للعديد من التدابير‬
‫التي اتصذتها الحكومة في هذا الصدد‪ ،‬والتي لقيت إشادة دولية واسعة النبطاق‪ ،‬حتى أصبح يضرب املثل‬
‫بالنموذج املغربي على مستوى املقاربة الاجتماعية للتصدي لهذا الوباء‪ ،‬إال أن ذلك لم يحجب مدى‬

‫‪ 1‬جلسة إنصات مع مجلس الجالية املغربية بالخارج‪ ،‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬يوليوز ‪.8787‬‬

‫‪278‬‬
‫الارتجالية التي اتسم بها التعامل الحكومي مع هذه اليرفية الحرجة‪ ،‬مما يدل عن غياب رؤية واضحة‬
‫للتعامل مع مثل هذا النوع من ألازمات‪ ،‬وهذا ما سنتبطرق له في املحور الثاني من الدراسة‪.‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬التحديات وإلاكراهات البنيوية التي أفرزتها أزمة كورونا‬

‫إن الانعكاسات التي تم تدبيرها بإعطاء ألاولوية للبعد الصحي‪ ،‬اعتبارا لسمو الحق في الحياة‪ ،‬قبل أن‬
‫يتم التوجه نحو البعدين الاجتماعي والاقتصادي في تدبير أزمة كوفيد ‪ ،19-‬قد احتدت جراء وجود‬
‫الهشاشات البنيوية التي تعاني منها بالدنا في عدة مستويات‪.‬‬
‫فعلى مستوى خدمات الرعاية الصحية ألاساسية‪ ،‬تبين أن املنظومة الصحية الوطنية تتسم بهيمنة‬
‫الطب العالجي على حساب الطب الوقائي‪ ،‬الذي ال يسمح باالستجابة النتظارات املرتفقين‪ ،‬أما بالنسبة‬
‫للمنظومة التعليمية فإن الرقمنة لم يتم إدراجها بعد بكيفية هيكلية في املناهج والبرامج‪ .1‬وبخصوص‬
‫منظومة الحماية الاجتماعية فهي غير مؤهلة للتخفيف من آثار حاالت التسريح الجماعي لألجراء‪ ،‬وتنامي‬
‫أنشطة القطاع غير املنظم وتفاقم ألامراض وارتفاع الطلب على العالجات‪ ،‬والحال أن وحدات إلانتاج‬
‫غير املهيكلة تشغل حيزا مهما من النسيج الاقتصادي الوطني‪.‬‬
‫أوال‪ :‬على مستوى املنظومة الصحية‬
‫تتسم املنظومة الصحية الوطنية‪ ،‬بهيمنة الطب العالجي على حساب الطب الوقائي‪ ،2‬خالفا للتوصيات‬
‫الدولية في هذا املجال‪ ،‬كما أنها تعاني من مشاكل بنيوية‪ ،‬نعرضها كاآلتي‪:‬‬
‫‪ ‬صعوبة الولوج للعالجات‪.‬‬
‫‪ ‬خدمات صحية دون الحاجيات وإلانتظارات‪.‬‬
‫‪ ‬ارتفاع النفقات الصحية الواقعة على عاتق ألاسر )‪.3)%50.7‬‬
‫‪ ‬النقص الحاد في املوارد البشرية املؤهلة يؤثر سلبا على جودة الخدمات الصحية‪.4‬‬
‫‪ ‬ضعف تجهيزات املؤسسات البطبية العمومية‪ ،‬ارتفاع كلفة العالج باملؤسسات البطبية الخاصة‪.‬‬
‫‪ ‬الكلفة املرتفعة لألدوية باملقارنة مع القدرة الشرائية للبطبقات الوسبطى واملعوزة‪.‬‬
‫‪ ‬توزيع غير عادل للموارد املادية والبشرية على مستوى التراب الوطني‪.‬‬
‫من جهة أخرى يشهد التأمين إلاجباري الصحي عن املرض جملة من أوجه القصور‪ ،‬من قبيل إجبارية‬
‫أداء تسبيق تكاليف العالج في انتيار استردادها‪ ،‬والفروقات بين القبطاعين العام والخاص‪ ،‬وارتفاع‬
‫النفقات بشكل يهدد التوازن املالي للمنيومة الصحية‪ ،‬كما أن نيام املساعدة البطبية ( ‪ ) RAMED‬تعتريه‬

‫‪ 1‬مدرسة العدالة االجتماعية‪ ،‬مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي‪ ،‬المجلس األعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪.8102 ،‬‬
‫‪ 2‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ ،‬دراسة بعنوان‪ :‬االنعكاسات الصحية واالقتصادية واالجتماعية لفيروس كورونا "كوفيد‪ "03-‬والسبل‬
‫الممكنة لتجاوزها‪ 88 ،‬أكتوبر ‪.8181‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Stratégie de L’ANAM 8181-2024 ¨ Vers une couverture-santé universelle¨.‬‬
‫‪ 4‬حسب تقدير وزير الصحة‪ ،‬فإن هذا العجز يصل إلى ‪ 36111‬مهني منهم ‪ 98111‬طبيب و ‪ 64111‬من األطر شبه الطبية‪ .‬المصدر‪ :‬جلسات‬
‫إنصات مع وزير الصحة السيد خالد أيت الطالب‪ ،‬المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي‪ 3 ،‬شتنبر ‪.8181‬‬

‫‪279‬‬
‫العديد من الاختالالت تهم بشكل خاص عدم كفاية التمويالت‪ ،‬وعدم استفادة جزء من ألاسر من هذا‬
‫النيام‪ ،‬وضعف جودة الخدمات‪.‬‬
‫لقد كشفت الجائحة جملة من نقاط الضعف البنيوية‪ ،‬تتمثل على الخصوص فيما يلي‪:‬‬
‫‪ ‬النقص الحاصل في العالجات الصحية‪.‬‬
‫‪ ‬الهشاشة الاقتصادية والاجتماعية لشريحة كبيرة من الساكنة‪.‬‬
‫‪ ‬عجز املنيومة الصحية على املستوى الجهوي‪ ،‬وعدم قدرة العديد من الجهات بالتكفل بمرض ى‬
‫كوفيد‪.07-‬‬
‫‪ ‬نقص وسائل الكشف واملصتبرات الفعالة في جميع أنحاء التراب الوطني‪.‬‬
‫‪ ‬ضعف الجهود املبذولة لرفع مستوى الوعي وتحسيس الساكنة باملسؤولية‪.‬‬
‫‪ ‬عدم اشراك القبطاع الخاص في الجهود املبذولة في مكافحة كوفيد‪ ،07-‬وعدم القدرة على إقامة‬
‫شراكة حقيقية بين القبطاع العام والخاص‪.‬‬
‫‪ ‬غياب إدماج تدبير املصاطر الصحية املرتببطة بالكوارث البطبيعية وألازمات الصحية في السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬مع غياب ملحوظ ملصبطط استئناف النشاط الذي يمكن أن يضمن استمرارية‬
‫وصمودا جيدا للمنيومة الصحية في وقت ألازمة‪.‬‬
‫كما كشفت فترة انتشار الجائحة بامللموس عن غياب سياسة للبحث والتبطوير في قبطاع الصحة‪ .‬إذ هناك‬
‫عامالن بنيويان رئيسيان يفسران الوضعية الحالية للبحث والتبطوير البطبي باملغرب‪:‬‬
‫‪ ‬ال تضبطلع الجامعة باالنصراط الكافي بدورها في النهوض بالبحث العلمي‪.‬‬
‫‪ ‬عدم وجود بيئة تشجع على استثمار القبطاع الخاص في البحث العلمي‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬على مستوى املنظومة التعليمية‬
‫نالحظ أن التفاوتات الاجتماعية الصارخة الحاصلة بين الوسط القروي والحضري‪ ،‬والفقر والهشاشة‬
‫وألامية التقليدية والرقمية‪ ،‬وعدم تملك ألاسر للمعرفة الرقمية وطرق استعمالها‪ ،‬كلها عوامل تؤثر سلبا‬
‫على التدابير التي اتصذتها السلبطات العمومية‪.‬‬
‫وحسب املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،1‬فإن البنية التحتية التكنولوجية ليست متوفرة‬
‫دائما في متناول املدارس‪ ،‬كما أن الفوارق في هذا املجال التزال قائمة بين الوسبطين القروي والحضري‬
‫السيما وأن بعض املدارس لم تزود بعد بالكهرباء‪.‬‬
‫وفي ما يتعلق بتغبطية البرنامج الدراس ي‪ ،‬تبين ألارقام الصادرة عن املندوبية السامية للتصبطيط أن ‪%00.3‬‬
‫من التالميذ أو البطلبة الذين تابعو دراساتهم عن بعد خالل فترة الحجر الصحي‪ ،‬يعتبرون أن هذه الدروس‬
‫قد غبطت البرنامج الدراس ي السنوي بكامله‪ ،‬منهم ‪ %07.3‬من بين ساكنة املدن و ‪ % 08.7‬من ساكنة‬
‫العالم القروي‪ ،‬و ‪ %80.8‬من بين تالميذ و طلبة القبطاع الخاص‪ ،‬مقابل ‪ %04.2‬من القبطاع العمومي‪.‬‬

‫‪ 1‬مدرسة العدالة الاجتماعية‪ ،‬مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي‪ ،‬املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪.8702 ،‬‬

‫‪280‬‬
‫في املقابل يعتبر ‪ %12.3‬من هؤالء التالميذ أن هذه الدروس لم تمكن من تغبطية كامل فقرات املقرر‬
‫الدراس ي‪ ،‬في حين لم يستبطع ‪ %05.5‬منه إلادالء برأيهم بهذا الشأن‪ .‬وبالنسبة للمرحلة الابتدائية فقد‬
‫اعتبر حوالي نصف التالميذ أن هذه العملية لم تغبطي البرنامج الدراس ي بأكمله مقارنة مع السنوات‬
‫السابقة ‪.1 %54.2‬‬
‫كما أن تجربة التعليم عن بعد كشفت عن ضعف مشاركة جمعيات آباء وأولياء التالميذ‪ ،‬إذ لم يتم‬
‫إشراكها وفق مقاربة تشاركية‪ ،‬في إرساء آلية التعليم عن بعد‪.‬‬
‫كما أن عدم وجود منصات مناسبة قادرة على تحمل العدد املتزايد من الوحدات الدراسية املقترحة‬
‫بالنسبة لكل مستوى من مستويات التعليم العالي والتكوين املنهي (أكثر من ‪ 4777‬حسب قبطاع التكوين‬
‫املنهي بوزارة التربية الوطنية والتكوين املنهي والتعليم العالي والبحث العلمي‪ ،‬و ‪ 00.4777‬من املوارد الرقمية‬
‫املصتلفة املتعلقة بمجاالت التعليم العالي)‪ ،‬قد أدى إلى توقف الدروس التبطبيقية‪ ،‬باإلضافة إلى ذلك‪،‬‬
‫فإن قلة من املوارد املتوفرة تم إعدادها في احترام تام لقواعد ومبادئ التعليم عبر املنصات الالكترونية‪.‬‬
‫وأخيرا‪ ،‬فقد كانت إلاكراهات املتعلقة بالسكنى‪-‬خاصة بالنسبة للساكنة ألاكثر هشاشة‪ ،-‬تأثير سلبي كبير‬
‫على إمكانية الاستفادة من الدروس عن بعد‪ .‬ذلك أن إلاقامة في سكن عشوائي أو بمساحة صغيرة‬
‫بالنسبة لألسر متعددة ألافراد‪ ،‬ال يمكنها في ظروف الحجر الصحي أن توفر للمتعلم شروط التركيز والتعلم‬
‫في مناخ مالئم‪ ،‬وهو ألامر الذي ساهم في صعوبة متابعة الدروس سواء كانت مبثوتة عبر ألانترنت أو عبر‬
‫قنوات التلفزة‪.2‬‬
‫ثالثا‪ :‬على مستوى منظومة الحماية الاجتماعية‪:‬‬
‫يعد إصالح منيومة الحماية الاجتماعية الوطنية‪ ،‬من ضمن أولويات الاستراتيجية التنموية للمؤسسة‬
‫امللكية‪ ،3‬حيث كانت موضوع عدة خبطب ملكية‪ ،‬وآخرها خبطاب افتتاح الدورة ألاولى من السنة‬
‫التشريعية الخامسة من الوالية التشريعية العاشرة‪ ،‬ليوم ‪ 7‬أكتوبر ‪ ،8787‬الذي أطلق من خالله امللك‬
‫محمد السادس مشروعا كبيرا وغير مسبوق لتعميم التغبطية الاجتماعية‪ .4‬باملوازاة مع الدعوة إلى بلورة‬
‫النموذج التنموي الجديد‪ ،‬وذلك من أجل بناء منيومة وطنية للحماية الاجتماعية قوامها إلانصاف‬
‫والنجاعة والاستدامة‪.‬‬

‫‪ 1‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬دراسة بعنوان‪ :‬الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية لفيروس كورونا "كوفيد‪"07-‬‬
‫والسبل املمكنة لتجاوزها‪ 88 ،‬أكتوبر ‪.8787‬‬
‫‪ 2‬املرجع نفسه‪.‬‬
‫‪ 3‬أمينة رضوان‪ ،‬التوجهات امللكية السامية ملواجهة جائحة كورونا‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات وألابحاث القانونية والقضائية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،02‬ماي ‪ ،8787‬ص‪ :‬من ‪ 03‬إلى ‪.37‬‬
‫‪ 4‬مقتبطف من الخبطاب‪..." :‬إننا نحرص دائما على تالزم تحقيق التنمية إلاقتصادية‪ ،‬بالنهوض باملجال الاجتماعي‪ ،‬وتحسين ظروف عيش‬
‫املواطنين‪ .‬لذلك دعونا لتعميم التغبطية إلاجتماعية لجميع املغاربة‪ ،‬وهو مشروع وطني كبير وغير مسبوق‪"...‬‬

‫‪281‬‬
‫وتشير مصتلف الدراسات ‪1‬والتقارير‪ 2‬والفاعلين‪ ،3‬إلى الضعف والهشاشة والاختالالت البنيوية ألنيمة‬
‫الحماية الاجتماعية الوطنية بمصتلف مكوناتها‪ ،‬كما أن السياسات العمومية في هذا املجال تتسم‬
‫بالتشتت املفرط للبرامج الاجتماعية‪ ،‬وضعف التنسيق الذي يحول دون فعاليتها وحكامتها‪ ،‬وهو ألامر‬
‫الذي تجسد بامللموس في ظل جائحة كوفيد‪ 07-‬التي كشفت عن اختالالت ومياهر العجز‪ ،‬حيث عرت‬
‫على الهشاشة املتعددة ألابعاد التي يعاني منها النسيج الاجتماعي‪ ،‬والسيما املنيومة الصحية واملستوى‬
‫املتدني للتغبطية الاجتماعية الصحية‪.‬‬
‫وأظهرت أيضا أن ثمة هامشا واسعا للفقر وإلاقصاء لفئة واسعة في املجتمع‪ ،‬مما يساهم على ما يبدو‬
‫في وضع اململكة املغربية في مراتب متدنية في هذا املجال‪ ،4‬حتى قيل بأن الجائحة لم تقم بغير الكشف‬
‫عن الخصاص الذي يعانيه املغرب في كل ش يء‪ ،‬وبأن الحاجة اليوم ملحة إلعادة الاعتبار للمسألة‬
‫الاجتماعية وتعزيز دور الدولة في املجتمع والاقتصاد‪.‬‬
‫وتصف منيمة العمل الدولية الحماية الاجتماعية بأنها آلية ال غنى عنها لتقديم الدعم لألفراد أثناء‬
‫ألازمة‪ ،‬وتؤكد على أنه بالرغم من أن الفيروس ال يميز بين ألاغنياء والفقراء‪ ،‬إال أن تداعياته متفاوتة‬
‫للغاية‪.‬‬
‫ووفقا ملنيمة العمل الدولية‪ ،‬فإن ‪ %44‬من سكان العالم غير مشمولين بهذه املنيومة مع وجود ‪%87‬‬
‫فقط من العاطلين عن العمل الذين يستفيدون من التعويضات عن الببطالة‪.‬‬
‫وحسب منيمة العمل الدولية‪ ،‬يعد املغرب من البلدان ألاقل استثمارا في هذا امليدان‪ ،‬حيث تمثل‬
‫النفقات العمومية في هذا املجال أقل من ‪ %4‬من الناتج إلاجمالي الداخلي‪.5‬‬
‫وقد أدى انصفاض معدل التغبطية الاجتماعية وعدم تجانس أنيمة الحماية الاجتماعية إلى خلق‬
‫صعوبات بالنسبة للسلبطات العمومية في تدبير ألازمة الوبائية‪ ،‬حيث إن التحويالت املالية التي تم صرفها‬

‫‪ 1‬الوثيقة الختامية للمنتدى البرملاني الرابع للعدالة الاجتماعية املنعقد تحت شعار "الحماية الاجتماعية باملغرب‪ :‬الحكامة ورهانات‬
‫الاستدامة والتعميم" بتاريخ ‪ 87‬فبراير ‪ .8707‬واملذكرة التأطيرية للمناظرة الوطنية ألاولى للحماية الاجتماعية‪ ،‬تحت شعار‪" :‬جميعا من أجل‬
‫منيومة مندمجة ومستدامة للحماية إلاجتماعية "‪ ،‬املنعقدة بالصخيرات يومي ‪ 08‬و ‪ 03‬نونبر ‪.8702‬‬
‫‪ 2‬تقرير ورأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني الصادر في إطار إحالة ذاتية رقم ‪ ،8702/35‬حول موضوع " الحماية الاجتماعية‬
‫باملغرب‪ :‬واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية"‪.‬‬
‫‪ 3‬جاء في خبطاب العر ليوم ‪ 87‬يوليوز ‪ " ،8702‬فليس من املنبطق أن نجد أكثر من مائة برنامج للدعم والحماية الاجتماعية من مصتلف‬
‫ألاحجام‪ ،‬ونرصد لها عشرات املليارات من الدراهم‪ ،‬مشتتة بين العديد من القبطاعات الوزارية‪ ،‬واملتدخلين العموميين‪ .‬وباإلضافة إلى ذلك‪،‬‬
‫فهي تعاني من التداخل‪ ،‬ومن ضعف التناسق فيما بينها‪ ،‬وعدم قدرتها على استهداف الفئات التي تستحقها‪ .‬فكيف لهذه البرامج‪ ،‬في ظل‬
‫هذا الوضع‪ ،‬أن تستجيب بفعالية لحاجيات املواطنين وأن يلمسوا أثرها؟"‪.‬‬
‫‪ 4‬نجيب الحجوي‪ ،‬تحديات السياسة الاجتماعية باملغرب في ظل جائحة كوفيد‪" 07-‬الحماية إلاجتماعية أنموذجا" مقال منشور باملؤلف‬
‫الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا‪ :‬أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع؟"‪ ،‬إصدارات املركز الوطني للدراسات‬
‫القانونية والحقوقية –أكادير‪ ،-‬البطبعة ألاولى ‪ ،8780‬ص ‪.874‬‬
‫‪ 5‬تقرير منيمة العمل الدولية حول الحماية الاجتماعية العالمي ‪ ،8707-8700‬الحماية الاجتماعية الشاملة لتحقيق أهداف التنمية‬
‫املستدامة‪ ،‬جنيف ‪.8700‬‬

‫‪282‬‬
‫عبر الصندوق الخاص بتدبير جائحة كورونا لم يكن بمقدورها بأي حال من ألاحول الاستجابة لحجم‬
‫البطلب املعبر عنه‪ ،‬وال معالجة تداعيات ألازمة الوبائية‪.‬‬
‫وأمام هذه التشخيصات‪ ،‬أطلق امللك محمد السادس ورشا مهما إلصالح نيام الحماية الاجتماعية‪ ،‬في‬
‫خبطابه ليوم ‪ 7‬أكتوبر ‪ ،8787‬لتعميم التغبطية الاجتماعية الشاملة‪ ،1‬يرتكز على أربعة مكونات أساسية‬
‫وهي‪:‬‬
‫أ‪-‬تعميم التغبطية الصحية إلاجبارية‪ ،‬لصالح ‪ 88‬مليون مستفيد إضافي‪ ،‬من التأمين ألاساس ي على‬
‫املرض‪ ،‬سواء ما يتعلق بمصاريف التبطبيب والدواء‪ ،‬أو الاستشفاء والعالج‪.‬‬
‫ب‪-‬تعميم التعويضات العائلية‪ ،‬لتشمل ما يقارب سبعة ماليين طفل في سن الدراسة‪ ،‬تستفيد منها‬
‫ثالثة ماليين أسرة‪.‬‬
‫ت‪-‬توسيع الانصراط في نيام التقاعد‪ ،‬لحوالي خمسة ماليين من املغاربة‪ ،‬الذين يمارسون عمال‪ ،‬وال‬
‫يستفيدون من معا ‪.‬‬
‫ث‪-‬تعميم الاستفادة من التأمين على التعويض على فقدان الشغل‪ ،‬بالنسبة للمغاربة الذين يتوفرون‬
‫على عمل قار‪.‬‬
‫حيث يتوىى من هذا املشروع إصالح دقيق ألنيمة وبرامج الحماية الاجتماعية ببالدنا‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫ختاما ملا تقدم يتضح أنه بقدر ما أعاد الوباء للدولة بريقها وهيبتها‪ ،‬بقدر ما فتح بابا من التساؤالت‬
‫والنقاشات العميقة بخصوص وظائفها‪-،‬السيما وأن الدولة على امتداد سنوات خلت‪ ،‬اتسمت سياساتها‬
‫بالتخلي التدريجي عن القطاعات الاجتماعية‪ ،‬اعتقادا منها أنها قطاعات مستهلكة غير منتجة تستنزف‬
‫فقط امليزانية العامة‪ ،-‬وأمام هذه التساؤالت يبقى ش يء واحد أكيد ومؤكد‪ ،‬يتمثل في نهاية براديغمات‬
‫ونماذج ألامس‪ ،‬خاصة بعد أن استرجعت الدولة مكانتها الاجتماعية خالل ألازمة‪ ،‬حيث برزت مسلمة‬
‫أساسية مفادها أن الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية ليست فقط حقوقا أساسية بل إنها ركائز لكل‬
‫دولة تطمح ألن يكون أداؤها فعاال ومقاوما للصدمات وألازمات‪.‬‬

‫لقد سمحت هذه ألازمة للدولة املغربية بالوقوف بشكل ملموس على حجم ومكامن الضعف وأشكال‬
‫الهشاشة التي تعاني منها‪ ،‬ولكنها في املقابل مكنتها من إدراك نقاط قوتها وقدرتها على إطالق ديناميات‬
‫التغيير على جميع املستويات‪.‬‬

‫وفي إطار استخالص الدروس التي خلفتها الجائحة والاستفادة منها وبلورتها من أجل النهوض بدولة‬
‫اجتماعية ليس فقط على املستوى املفاهيمي بل على املستوى البنيوي نقترح التالي‪:‬‬

‫‪ 1‬ظهير شريف رقم ‪ 0.08.37‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 83( 0558‬مارس ‪ )8780‬بتنفيذ القانون‪-‬إلاطار رقم ‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫‪ ‬ضرورة التوفر على رؤية وطنية في املجال الرقمي تكون في مستوى طموحات وتحديات املغرب‪.‬‬
‫‪ ‬الاستفادة من ألازمة إلحداث تحول عميق في املنظومة التربوية خصوصا فيما يتعلق بالتعليم‬
‫عن بعد‪.‬‬
‫‪ ‬إحداث صندوق وطني خاص بالتصدي لحاالت البطوارئ‪.‬‬
‫‪ ‬تزود الدولة بوسائل الرصد والاستباق في تدبير ألازمات لضمان ولوج الجميع إلى الحقوق‬
‫ألاساسية‪.‬‬
‫‪ ‬تعميم مؤسسات الرعاية الاجتماعية الكفيلة بإيواء ألايخاص في وضعية الشارع‪ ،‬خاصة في‬
‫وقت ألازمات‪.‬‬
‫‪ ‬التوفر على رؤية شمولية لقبطاع الصحة‪ ،‬لضمان الحقوق الاجتماعية للساكنة‪ ،‬بما في ذلك‬
‫حصولهم على عالجات ذات جودة في جميع أنحاء التراب الوطني‪.‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫باللغة العربية‪:‬‬
‫الكتب واملؤلفات‪:‬‬

‫استراتيجية املغرب في مواجهة كوفيد‪ ،07-‬مجلة ألاوراق السياسية‪ ،‬مركز السياسات من أجل الجنوب‬ ‫‪‬‬
‫الجديد‪ ،‬العدد ‪87-70‬أبريل ‪.8787‬‬
‫تدبير حالة البطوارئ الصحية باملغرب‪ ،‬الحكامة ألامنية وحقوق إلانسان‪ ،‬تقرير ملركز دراسات حقوق إلانسان‬ ‫‪‬‬
‫والديمقراطية بشراكة مع مركز جنيف لحوكمة قبطاع ألامن‪.‬‬
‫تقرير منيمة العمل الدولية حول الحماية الاجتماعية العالمي ‪ ،8707-8700‬الحماية الاجتماعية الشاملة‬ ‫‪‬‬
‫لتحقيق أهداف التنمية املستدامة‪ ،‬جنيف ‪.8700‬‬
‫تقرير ورأي املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني الصادر في إطار إحالة ذاتية رقم ‪ ،8702/35‬حول موضوع‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫"الحماية الاجتماعية باملغرب‪ :‬واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية"‪.‬‬
‫كوفيد‪ :07-‬وضع استثنائي وتمرين حقويي جديد –التقرير السنوي ‪ 8787‬عن حالة حقوق إلانسان باملغرب‪-‬‬ ‫‪‬‬
‫املجلس الوطني لحقوق إلانسان‪ ،‬مارس ‪.8780‬‬
‫املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬دراسة بعنوان‪ :‬الانعكاسات الصحية والاقتصادية والاجتماعية‬ ‫‪‬‬
‫لفيروس كورونا "كوفيد‪ "07-‬والسبل املمكنة لتجاوزها‪ 88 ،‬أكتوبر ‪.8787‬‬
‫مدرسة العدالة الاجتماعية‪ ،‬مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي‪ ،‬املجلس ألاعلى للتربية والتكوين‬ ‫‪‬‬
‫والبحث العلمي‪.8702 ،‬‬

‫املقاالت‪:‬‬

‫‪ ‬أحمد العمومري‪" ،‬إلادارة إلالكترونية‪ .‬الرقمنة تتبطلب حاليا التفكير في الوسائل الكفيلة بضمان استدامتها"‪ ،‬مقال‬
‫منشور على موقع البوابة إلالكترونية‪ ،‬على الرابط‪.https://www.maroc.ma/ar :‬‬

‫‪284‬‬
‫‪ ‬أمينة رضوان‪ ،‬التوجهات امللكية السامية ملواجهة جائحة كورونا‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات وألابحاث القانونية‬
‫والقضائية‪ ،‬العدد ‪ ،02‬ماي ‪.8787‬‬
‫‪ ‬خالد بوشمال‪ ،‬هذه الدروس القانونية "لكورونا" في فترة "البطوارئ الصحية "باملغرب‪ ،‬مقال منشور بجريدة‬
‫هسبريس‪ ،‬على املوقع ‪. www.hespress.com :‬‬
‫‪ ‬خليل اللواح‪" ،‬نموذج مغرب ما بعد الجائحة "‪ ،‬مقال منشور باملؤلف الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا‪:‬‬
‫أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد واملجتمع؟"‪ ،‬إصدارات املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية‬
‫–أكادير‪ ،-‬البطبعة ألاولى ‪ ،8780‬ص ‪.30‬‬
‫‪ ‬رداد شمالل‪" ،‬بناء الدولة الاجتماعية باملغرب (الكرونولوجيا واملقومات)"‪ ،‬مجلة الباحث‪ ،‬العدد ‪/48‬مارس ‪.8783‬‬
‫‪ ‬مراد فارس ي‪" ،‬حالة البطوارئ الصحية باملغرب‪ :‬التنزيل القانوني وإلاجراءات املواكبة"‪ ،‬مجلة الباحث‪-‬ملف خاص‪-‬‬
‫‪-3‬جائحة كورونا "البطوارئ الصحية"‪ ،‬العدد ‪ ،07‬يونيو ‪.8787‬‬
‫‪ ‬نجيب الحجوي‪ ،‬تحديات السياسة الاجتماعية باملغرب في ظل جائحة كوفيد‪" 07-‬الحماية الاجتماعية أنموذجا"‬
‫مقال منشور باملؤلف الجماعي املوسوم ب"مغرب ما بعد كورونا‪ :‬أي تحوالت على السياسة والقانون والاقتصاد‬
‫واملجتمع؟"‪ ،‬إصدارات املركز الوطني للدراسات القانونية والحقوقية –أكادير‪ ،-‬البطبعة ألاولى ‪.8780‬‬
‫القوانين‪:‬‬
‫ظهير شريف رقم ‪ 0.08.37‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 83( 0558‬مارس ‪ )8780‬بتنفيذ القانون‪-‬إلاطار رقم ‪ 77.80‬املتعلق‬
‫بالحماية الاجتماعية‪.‬‬

‫املراسيم‪:‬‬

‫‪ ‬املرسوم التبطبيقي رقم ‪ 8.87.817‬صادر في ‪ 80‬من رجب ‪ ) 160550‬مارس ‪ )8787‬املتعلق بإحداث حساب‬
‫مرصد ألمور خصوصية يحمل اسم الصندوق الخاص بتدبير جائحة فيروس كورونا – كوفيد ‪ ،-07‬منشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد‪ 1214‬مكرر بتاريخ ‪ 88‬رجب ‪) 170550‬مارس‪.)8787‬‬
‫‪ ‬مرسوم بقانون رقم ‪ 8.87.878‬صادر في ‪ 82‬من رجب ‪ 83( 0550‬مارس ‪ )8787‬املتعلق بسن أحكام خاصة‬
‫بحالة البطوارئ الصحية وإجراءات إلاعالن عنها‪.‬‬
‫‪ ‬املرسوم التبطبيقي بقانون رقم ‪ 8.87.873‬صادر في ‪ 87‬من رجب ‪ ) 24 0550‬مارس ‪ ،)8787‬املتعلق بإعالن‬
‫حالة البطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا –كوفيد ‪ ،-07‬منشور‬
‫بالجريدة الرسمية عدد ‪ 1210‬مكرر بتاريخ ‪ 87‬رجب‪ ) 24 0550‬مارس ‪.)8787‬‬
‫‪ ‬املرسوم التبطبيقي رقم ‪ 8.87.130‬صادر في ‪ 87‬من محرم ‪ ) 9 0558‬ديسمبر ‪ )8787‬بتمدبد مدة سريان‬
‫مفعول حالة البطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني ملواجهة تفش ي فيروس كورونا –كوفيد‪،-07‬‬
‫منشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 1704‬مكرر ‪ 87-‬محرم ‪)9 0558‬سبتمبر ‪.)8787‬‬
‫القرارات التنظيمية‪:‬‬

‫‪ ‬تدابير لجنة اليقية الاقتصادية لفائدة املأجورين املؤرخة في ‪ 07‬مارس ‪.8787‬‬


‫‪ ‬تدابير لجنة اليقية الاقتصادية لفائدة ألاجراء املؤرخة في ‪ 82‬مارس ‪.8787‬‬
‫‪ ‬تدابير لجنة اليقية الاقتصادية بشأن عملية الدعم املؤقت لألسر العاملة في القبطاع غير املهيكل املتضررة من‬
‫فيروس كورونا املؤرخة في ‪ 87‬مارس ‪.8787‬‬

‫‪285‬‬
‫الوثائق الرسمية‪:‬‬

‫‪ ‬بالغ مشترك بين وزارة العدل واملجلس ألاعلى للسلبطة القضائية ورئاسة النيابة العامة املؤرخ في ‪ 1‬مارس‬
‫‪ 8787‬حول تعليق انعقاد الجلسات باملحاكم ابتداء من ‪ 00‬مارس إلى إشعار آخر‪ ،‬باستثناء الجلسات‬
‫املتعلقة بالبت في قضايا املعتقلين والجلسات املتعلقة بالبت في القضايا الاستعجالية وقضاء التحقيق‪.‬‬
‫‪ ‬جواب رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني في السؤال املحوري التداعيات الصحية والاقتصادية‬
‫والاجتماعية النتشار وباء فيروس كورونا “كوفيد‪ ”07-‬وإلاجراءات املتصذة ملواجهة هذه الجائحة الجلسة‬
‫الشهرية املتعلقة بالسياسة العامة (املادة ‪ 077‬من الدستور) مجلس النواب ‪-‬الاثنين ‪ 07‬شعبان ‪0550‬‬
‫(‪ 03‬أبريل ‪.)8787‬‬
‫‪ ‬الوثيقة الختامية للمنتدى البرملاني الرابع للعدالة الاجتماعية املنعقد تحت شعار "الحماية الاجتماعية باملغرب‪:‬‬
‫الحكامة ورهانات الاستدامة والتعميم" بتاريخ ‪ 87‬فبراير ‪ .8707‬واملذكرة التأطيرية للمناظرة الوطنية ألاولى‬
‫للحماية الاجتماعية‪ ،‬تحت شعار‪":‬جميعا من أجل منيومة مندمجة ومستدامة للحماية الاجتماعية "‪،‬‬
‫املنعقدة بالصخيرات يومي ‪ 08‬و ‪ 03‬نونبر ‪.8702‬‬

‫الندوات وامللتقيات‪:‬‬

‫‪ ‬جلسات إنصات مع وزير الصحة السيد خالد أيت البطالب‪ ،‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ 7 ،‬شتنبر‬
‫‪.8787‬‬
‫‪ ‬جلسة إنصات مع مجلس الجالية املغربية بالخارج‪ ،‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬يوليوز ‪.8787‬‬
‫‪ ‬ندوة عن ُبعد‪ ،‬نيمها املجلس الوطني لحقوق إلانسان مساء الجمعة ‪ 81‬يونيو ‪ ،8787‬تحت عنوان "تأثير‬
‫التفاوتات الاجتماعية واملجالية على مبدأ تكافؤ الفرص لدى املتمدرسين في ظل اعتماد التعليم عن بعد خالل‬
‫الحجر الصحي كآلية جديدة في التدبير التربوي وتعويض التعليم الحضوري"‪ .‬على الرابط‪:‬‬
‫‪.https://urlz.fr/dqGf‬‬

‫بالغات إخبارية‪:‬‬

‫‪ ‬بالغ إخباري‪ :‬جميلة املصلي‪ ،‬املغرب أنجز أكبر عملية إيواء أليخاص في وضعية الشارع خالل زمن "كورونا"‪،‬‬
‫مجلة (تيل‪-‬كيل عربي) على املوقع‪ ar.telquel.ma :‬تاريخ إلاطالع‪.8787/71/71 :‬‬
‫‪ ‬بالغ صحفي للمندوبية العامة إلدارة السجون وإعادة إلادماج بتاريخ ‪ 03‬مارس‪.‬‬
‫‪ ‬جميلة املصلي‪ ،‬وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية وألاسرة املغربية‪ ،‬حوار صحفي مع مجلة ألاناضول‪ ،‬مؤرخ‬
‫ب ‪.8787/07/88‬‬

‫باللغة الفرنسية‪:‬‬

‫‪ Stratégie de L’ANAM 2020-2024 ‘’Vers une couverture-santé universelle’’.‬‬

‫‪286‬‬
‫الحماية الاجتماعية ودورها في ترسيخ قيم املواطنة‪:‬‬
‫برنامج نظام التغطية الصحية وبرنامج تيسير نموذجا‬
‫عزيز لعيون‬
‫باحث في السوسيولوجيا‬

‫تقديم‬

‫تهدف هذه الورقة البحثية إلى تسليط الضوء على دور الحماية الاجتماعية في ترسيخ قيم املواطنة‪ ،‬من‬
‫خالل استحضار ثقافة الحق والواجب‪ .‬وبالتالي فإن الحماية الاجتماعية استراتيجية عقالنية تقوم على‬
‫آليتي الضمان الاجتماعي واملساعدة الاجتماعية‪( ،‬هناك نتحدث عن برنامج نيام التغبطية الصحية)‬
‫الذي يهدف لتقليص الفوارق السوسيومجالية بين البطبقات الاجتماعية‪ ،‬وتحقيق التوزيع العادل‬
‫للثروات لخلق فرص النجاح الاجتماعي لألفراد والفئات لالرتقاء املنهي والاجتماعي‪ .‬ويتم ذلك من خالل‬
‫تحسين املسارات الدراسية للمتعلمات وللمتعلمين في ألاوساط املهمشة‪ ،‬وتوفير الخدمات الصحية‬
‫الجيدة‪ ،‬بمعنى إرساء دعائم العدالة املجالية كفعل عمومي‪ ،‬وسياسة اجتماعية واقتصادية تستهدف‬
‫الفئات املحرومة اجتماعيا‪ ،‬ويتم ذلك من خالل حكامة جيدة‪ ،‬وتفويض السلبطة للجماعات الترابية‬
‫القائمة حسب النموذج التنموي الجديد القائم على مبدأ التدبير الحر‪ .‬وتقوية املقاربة التشاركية‬
‫والجماعية والالمركزية‪ ،‬التي تستهدف باألساس الساكنة املنعزلة‪ ،‬التي تعيش واقعا يتسم بالحرمان‬
‫وإلاقصاء والهشاشة الاجتماعية وضعف ألامن والحماية الاجتماعية‪ .‬ألامر الذي سيعمق التفاوتات‬
‫املجالية والتباينات الاجتماعية‪ ،‬التي كانت سببا مباشر ا في ظهور اختالالت اجتماعية‪ ،‬منها تردي مستوى‬
‫الخدمات الصحية وتدني مستوى عيش ألاسر املؤدي بدوره إلى انتشار ظواهر كالهدر املدرس ي‪( .‬هنا نتحدث‬
‫عن برنامج تيسير)‪ .‬الذي يسعى إلى التقليص من هذا ألاخير‪.‬‬

‫‪-1‬إشكالية الدراسة‬

‫"يستمد مشروع الحماية الاجتماعية باملغرب ركائزه من ور ملكي مجتمعي‪ ،‬أعبطى صاحب الجاللة‬
‫انبطالقته بيهير شريف رقم ‪ 0.80.37‬صادر في ‪ 7‬شعبان ‪ 83( 0558‬مارس) ‪ 8780‬املتعلق بتنفيذ القانون‬
‫رقم ‪ 77.80‬بصصوص الحماية الاجتماعية "‪1‬‬

‫ومنذ ذلك الحين صار مفهوم الحماية الاجتماعية ركيزة أساسية من ركائز الدولة املغربية الحديثة‪،‬‬
‫و"أضحت هذه الحماية حقا من حقوق إلانسان ألاساسية‪ ،‬بعدما كانت تعتبر على مدى قرون من الزمن‪،‬‬

‫‪ 1‬إلاطار رقم ‪ 77-80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪ ،‬الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 4 ،1704‬أبريل ‪ ،8780‬ص ‪.70‬‬

‫‪287‬‬
‫من حيث املفهوم واملمارسة في املغرب وفي غيره من بقاع العالم‪ ،‬عمال ذو بعد إنساني وشكال من أشكال‬
‫العمل الخيري وإلاحسان والبر"‪.1‬‬

‫ارتأى املغرب منذ سنين إلى اعتماد العديد من البرامج والسياسات التنموية الهادفة إلى تحقيق العدالة‬
‫الاجتماعية واملجالية‪ ،‬وتحسين اليروف املعيشية للمواطنين‪ ،‬عبر الولوج والاستفادة من مصتلف‬
‫الخدمات ألاساسية منها‪( :‬املبادرة الوطنية للتنمية البشرية‪ ،‬نيام املساعدة البطبية‪ ،‬برنامج تقليص‬
‫الفوارق املجالية والاجتماعية‪ ،‬برنامج دعم تمدرس ألاطفال مثل برنامج تيسير‪ ،‬برنامج دعم ألارامل)‪.‬‬

‫وعلى هذا ألاساس صارت مسألة الحماية الاجتماعية تحيى باهتمام متزايد في جل تقارير وبرامج‬
‫املؤسسات الوطنية‪ .‬حيث نسعى من خالل هذه الدراسة إلى رصد آثار البعض من هذه البرامج خصوصا‬
‫املتعلقة منها بنيام التغبطية الصحية وبرنامج تيسير املتعلق بصرف املنح املالية لدعم ألاسر املعوزة في‬
‫تعليم أبنائها‪.‬‬

‫يمكن قياس املواطنة انبطالقا من بعدين أساسيين الحماية ‪ la protection‬والاعتراف ‪la‬‬


‫‪ reconnaissance‬الضروريين لوجود الاجتماعي لألفراد ‪ ،l’existence sociale des individus‬بحيث تشير‬
‫الحماية الاجتماعية إلى جميع أشكال الدعم التي يتلقاها الفرد ملواجهة تقلبات الحياة ألاسرية منها‬
‫واملهنية ويشير الاعتراف إلى التفاعل الاجتماعي الذي يحفز الفرد من خالل تقديم دليل على وجوده‪ ،‬ومن‬
‫خالل تقييم الفرد انبطالقا من نيرة آلاخر أو آلاخرين"‪.2‬‬

‫بناء على هذا يمكن طرح السؤال إلاشكالي التالي‪:‬‬

‫إلى أي حد ساهمت برامج الحماية الاجتماعية في تحقيق العدالة املجالية؟‬

‫‪ ‬هل تفعيل برنامج تيسير ساهم بشكل أو بآخر في التصفيف من حدة ظاهرة الهدر املدرس ي؟‬
‫‪ ‬إلى أي مدى ساعد برنامج نيام التغبطية الصحية في تحسين الولوج والاستفادة من الخدمات‬
‫العالجية والبطبية؟‬

‫‪ 1‬املجلس الاقتصادي والاجتم اعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل التعزيز أنيمة الضمان واملساعدة‬
‫الاجتماعية‪ ،8702 ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪2 Serge Paugam, compter sur et compter pour, les deux faces complémentaires du lien social, dans changements et pensées‬‬

‫‪du changement (2012), p 215.‬‬

‫‪288‬‬
‫‪-0‬منهجية الدراسة وعينة البحث‬

‫‪ :1-0‬املقاربة الكمية لبرنامج تيسير ‪.l’approche quantitative‬‬

‫من أجل مقاربة برنامج تيسير سوسيولوجيا اعتمدت في هذه الدراسة بعض الاحصائيات الرسمية حول‬
‫املسارات الدراسية للمتعلمات واملتعلمين‪ ،‬نيرا لصعوبة الحصول على قاعدة البيانات الرقمية‪ .‬وذلك‬
‫بالتركيز على مجموعة من املتغيرات (الجنس – املستوى التعليمي – املجال الجغرافي – التأخر التعليمي‬
‫– الانقبطاع الدراس ي)‪ .‬لتبيان أن املواطنة املدرسية تتحقق من خالل إحقاق الحقوق ألاساسية للمتعلمين‬
‫واملتعلمات‪ ،‬وذلك بالتركيز على الوثائق الرسمية (أي تحليل الوثائقي)‪.‬‬

‫‪ :0-0‬املقاربة الكيفية لبرنامج التغطية الصحية ‪l’approche qualitative‬‬

‫املقاربة الكيفية للخدمات الصحية باملركز الاستشفائي محمد السادس بمراكش‪ ،‬التي تتبطلب استقراء‬
‫مواقف وآراء املبحوثات واملبحوثين لتقييم هذه الخدمات‪ .‬وذلك بالتركيز على مجموعة من املتغيرات‬
‫(جودة املرافق الصحية حسب طبيعة املجال الجغرافي – عدد أطر البطبية حسب املراكز الاستشفائية –‬
‫توفير ألادوية ثم الوعي الصحي)‪.‬‬

‫‪-2‬التحديدات املفاهيمية‬

‫‪ :1-2‬الحماية الاجتماعية‬

‫على الرغم من أن الحماية الاجتماعية مصبطلح استصدم في فرنسا ألول مرة في عام ‪ 0215‬من قبل إميل‬
‫أوليفير ‪ )0703- 0284( émile ollivier‬وهو سياس ي يعارض بشدة تبطور تدخل الدولة‪ ،‬إال أن هذا‬
‫املصبطلح ولد حقا في أوروبا مع خبطط التأمين الاجباري التي وضعها املستشار ألاملاني أوتو فون سمارك‬
‫‪ Otto Von Bismarck‬ومع مقترحات اللورد وليام بيفريدج في تقريره عام ‪ ،0758‬وتبطورت الحماية‬
‫الاجتماعية في الاقتصادات ذات النمو القوي حيث كانت القوى العاملة والديموغرافية مزدهرة وألاسرة‬
‫مستقرة (ألاب في العمل – ألام في املنزل)"‪.1‬‬

‫باعتبار الحماية الاجتماعية أداة مميزة لتحقيق ألاهداف إلانمائية‪ ،‬يرفعها البنك الدولي الى مرتبة ألادوات‬
‫الرئيسية كاستراتيجيات للحد من الفقر على املستوى الدولي (إدارة املصاطر الاجتماعية ‪gestion des‬‬
‫‪ .2")Risques sociales‬وفي ذات السياق اعتمدت "لجنة ألامم املتحدة املعنية بالحقوق الاقتصادية‬

‫‪1‬‬ ‫‪Chantal Euzéby et julien Reysz, caractéristiques et définitions de protection sociale, dans la dynamique de la protection‬‬
‫‪sociale en Europe (2014) p 13.‬‬
‫‪2 François- Xavier Merrien, la protection sociale comme politique de développement un nouveau programme d’action‬‬

‫‪international, revue internationale de politique de développement, 2013.‬‬

‫‪289‬‬
‫والاجتماعية والثقافية سنة ‪( 8770‬التعليق العام رقم ‪ )07‬الذي يؤطر مضمون الحق في الضمان‬
‫الاجتماعي باملبادئ الثالثة التالية‪ :‬أوال الضمان الاجتماعي هو حق من حقوق الانسان وضرورة اقتصادية‬
‫واجتماعية من أجل تحقيق التنمية والتقدم‪ ،‬ثانيا إن جوهر الضمان الاجتماعي هو إعادة توزيع املوارد‬
‫كما أنه يعزز الادماج الاجتماعي‪ ،‬ثالثا تقع مسؤولية إعمال الحق في الضمان الاجتماعي عموما وفي املقام‬
‫ألاول على عاتق الدولة"‪ .1‬بحيث هناك مجموعة من برنامج الحماية الاجتماعية منها على سبيل املثال‬
‫وليس الحصر‪:‬‬

‫‪ ‬نظام التغطية الصحية‪ :‬يعني أن يحصل جميع ألافراد والفئات الاجتماعية على الخدمات‬
‫الصحية والعالجية الجيدة الالزمة متى وأينما يحتاجون إليها دون التعرض لضائقة مالية‪.‬‬
‫‪ ‬برنامج تيسير‪ :‬هو البرنامج الذي يقدم دعما ماديا لألسر املعوزة‪ ،‬بهدف الحد من الهدر املدرس ي‪،‬‬
‫ويستهدف البطبقات الفقيرة التي تعاني من الاكراهات املجالية والاجتماعية والاقتصادية لتوفير‬
‫املتبطلبات ألاساسية ألبنائهم من أجل املواكبة الجيدة واملستمرة ملساراتهم الدراسية‪.‬‬

‫‪ :0-2‬املواطنة‬

‫تعرف املواطنة على أنها "انتماء وعضوية كاملة ومتساوية في املجتمع وما يترتب عنها من واجبات وحقوق‪،‬‬
‫وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون تمييز أدنى قائم على‬
‫(الدين‪ ،‬الجنس‪ ،‬اللون‪ ،‬املستوى الاقتصادي‪ ،‬الانتماء السياس ي واملوقف الفكري)"‪ .2‬لهذا اقترن مفهوم‬
‫املواطنة بمبدأ املساواة بغض النير عن الاختالفات املوجودة بين ألافراد‪.‬‬

‫إن تبطور مفهوم "املواطنة" أخذ معنى أكثر عمقا وتعقيدا يتجاوز الجانب الخاص بالحقوق السياسية‬
‫املباشرة للمواطن ليستوعب الحقوق املدنية التي تشمل الحرية الفردية‪ ،‬التعبير‪ ،‬الاعتقاد‪ ،‬امللكية‪،‬‬
‫العدالة ثم الحقوق الاجتماعية الضامنة للرفاه الاجتماعي والتمتع بحياة انسانية تصون كرامة الفرد‬
‫وفقا ملعايير متفق عليها‪ .‬وهو ما يجسده نيام التعليم والرعاية الصحية والاجتماعية"‪.3‬‬

‫‪ : 2-2‬العدالة املجالية‬

‫تحيل العدالة املجالية على الاستفادة العادلة لألفراد من الخدمات التي تقدمها املؤسسات العمومية‪،‬‬
‫وتشمل هذه الخدمات القبطاع الصحي (الاستشفاء وألادوية والعالج)‪ .‬إلى جانب القبطاع التعليمي (مدرسة‬

‫‪ 1‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب‪ :‬واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة‬
‫الاجتماعية‪ ،8702 ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ 2‬املجلس الوطني لحقوق إلانسان‪ ،‬التربية على املواطنة وحقوق الانسان‪ :‬فهم مشترك للمبادئ واملنهجيات‪ ،8705 ،‬ص‪.2‬‬
‫‪ 3‬عماد صيام‪ ،‬املواطنة‪ ،‬نهضة مصر للبطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪ ،8770‬ص ‪.04‬‬

‫‪290‬‬
‫عادلة مؤسسة على مبدأ تكافؤ الفرص‪ ،‬املنح‪ ،‬تجويد البنيات التحتية للمدرسة العمومية‪ ،‬برنامج تيسير‬
‫‪.)...‬‬

‫يمكن تعريف العدالة املجالية كذلك على أنها "املساواة في الوصول إلى بيئة صحية ونييفة‪ ،‬أي التوزيع‬
‫العادل ‪ la distribution équitable‬للخيرات البطبيعية مثل الوصول الى املساحات الخضراء والهواء‬
‫النقي ووسائل النقل العام‪.1" .‬‬

‫إن مفهوم "العدالة املجالية" ظهر ألول مرة في املجال الجغرافي‪ ،‬بحيث "يعد الجغرافي إلانجليزي دافيد‬
‫هارفي* أول من استصدم مفهوم "العدالة السوسيومجالية" لتبطبيقها ضمن الدراسات الجغرافية‬
‫الحضرية من خالل نشره لكتاب " العدالة الاجتماعية واملدينة" الصادر سنة ‪ 0703‬بهدف دراسة‬
‫التمايزات والتفاوتات داخل املجال الحضري"‪.2‬‬

‫إن العدالة املجالية ترتبط ارتباطا وثيقا بمفهوم "فرص الحياة ‪ chances de vie‬وهو قدرة ألاسر وألافراد‬
‫على الوصول الى الفرص التعليمية والاقتصادية والبيئية وتصميم حياتهم بشكل تصاعدي‪ .‬بحيث‬
‫تساهم في ظهور متعدد للحركات الاجتماعية (النسوية – الايكولوجية ‪ 3")...‬كما أنها عنصر من عناصر‬
‫الاستدامة‪ ،‬وهي تقتض ي تكامل ألابعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية‪ ،‬والتي تمكن ألاجيال القادمة‬
‫من جودة العيش ‪ .la qualité de vie‬باإلضافة إلى ذلك فهي عنصر أساس ي من عناصر الديموقراطية‪.‬‬

‫‪ : 2-2‬الالعدالة املجالية‬

‫تحيل الالعدالة املجالية على الاستفادة غير املتكافئة من مصتلف الخدمات العمومية (النقل‪ ،‬الصحة‪،‬‬
‫الخدمات التعليمية والثقافية ‪ )...‬والتي يمكن قياسها بمؤشرات واقعية ملموسة تتجلى في التفاوتات‬
‫الاجتماعية‪ les inégalités sociales‬والفوارق السوسيومجالية خصوصا في املجالين القروي‬
‫والحضري‪.‬‬

‫‪1 Michael ash, james K, Boyce, Éloi laurent, justice environnementale et‬‬ ‫‪performance des entreprises nouvelles perspectives‬‬
‫‪et nouveaux outils, dans Revue de l’OFCE, 2012/ 1(N 120) p 73 a 98.‬‬
‫* ولد دافيد هارفي عام ‪ 0734‬هو منير اجتماعي وجغرافي ماركس ي من أصل بريبطاني وأستاذ لعلم إلانسان بمركز الدراسات العليا لجامعة‬
‫نيويورك وأحد أهم الجغرافيين في العالم‪ .‬بجانب كتاباته الجغرافية وألانثروبولوجية يتناول هارفي مواضيع متنوعة كالعدالة الاجتماعيةا‬
‫منبطق الرأسمالية ‪ ...‬ومن بين أعماله املشهورة نجد الامبريالية الجديدة – الليبرالية الجديدة – حالة ما بعد الحداثة ثم العدالة الاجتماعية‬
‫واملدينة‪.‬‬

‫‪ 2‬عبد السالم بوغابة‪ ،‬العدالة املجالية من محاولة الفهم الى إمكانية التبطبيق‪ ،‬مقالة خاصة بباب "مقاالت" على موقع كلية آلاداب والعلوم‬
‫إلانسانية بجامعة عبد امللك السعدي‪ 04 ،‬يونيو ‪ ،8787‬ص ‪.5-3‬‬
‫‪3 Philippe Gervais, frédéric dufaux, justice … spatiale!, dans annales de Géographie, 2009/1-2N° 665-666, P2.‬‬

‫‪291‬‬
‫املحور ألاول‪ :‬برنامج تيسير والعدالة املدرسية‬

‫يوضح الجدول ألاول نسبة ألاسر حسب عدد مصادر الدخل‪.‬‬


‫املجموع‬ ‫الوسط‬ ‫الوسط‬ ‫عدد مصادر الدخل‬
‫القروي‬ ‫الحضري‬
‫‪4,2%‬‬ ‫‪0,2%‬‬ ‫‪06%‬‬ ‫مصدر واحد‬
‫‪29,6%‬‬ ‫‪11,3%‬‬ ‫‪38%‬‬ ‫مصدرين‬
‫‪41,7%‬‬ ‫‪41,4%‬‬ ‫‪41.8%‬‬ ‫ثالثة مصادر‬
‫‪20,2%‬‬ ‫‪36,7%‬‬ ‫‪12,6%‬‬ ‫أربعة مصادر‬
‫‪4,1%‬‬ ‫‪9,8%‬‬ ‫‪1,5%‬‬ ‫خمسة مصادر‬
‫‪0,2%‬‬ ‫‪0,6%‬‬ ‫‪0,1%‬‬ ‫ستة مصادر‬
‫‪100%‬‬ ‫‪100%‬‬ ‫‪100%‬‬ ‫املجموع‬
‫‪2,9%‬‬ ‫‪3, 5 %‬‬ ‫‪2,7%‬‬ ‫متوسط عدد املصادر‬

‫املصدر‪ :‬وزارة التربية الوطنية والتعليم ألاولي والرياضة‪ ،‬مؤشرات التربية‪ ،‬البحث الوطني حول مصادر الدخل ‪.8707‬‬

‫يعتبر الدخل معيارا أساسيا لقياس التمايزات الفردية والاجتماعية‪ ،‬بحيث "هناك عالقة مباشرة بين‬
‫عدم املساواة بين الدخل وآلافاق املستقبلية‪ ،‬وحسب النيرية الكالسيكية فالحراك بين ألاجيال ‪la‬‬
‫‪ mobilité intergénérationnelle‬يعتمد مصير ألاطفال على الاستثمار في الرأسمال البشري من طرف‬
‫آلاباء وبالتالي هناك عالقة وثيقة بين آلافاق املستقبلية لألطفال وأصلهم الاجتماعي"‪.1‬‬

‫برنامج تيسير ودوره في تقليص الفوارق الاجتماعية‬

‫‪80- 8787‬‬ ‫‪87- 8707‬‬ ‫‪07- 8702‬‬ ‫‪02- 8700‬‬ ‫‪00- 8701‬‬ ‫‪01- 8704‬‬ ‫‪04-8705‬‬ ‫السنة‬
‫‪0740583‬‬ ‫‪0423078‬‬ ‫‪0573847‬‬ ‫‪550117‬‬ ‫‪551174‬‬ ‫‪583204‬‬ ‫‪573033‬‬ ‫عدد ألاسر‬ ‫برنامج‬
‫‪8570170‬‬ ‫‪8534748‬‬ ‫‪8370200‬‬ ‫‪077732‬‬ ‫‪070427‬‬ ‫‪171284‬‬ ‫‪274051‬‬ ‫عدد التالميذ‬ ‫تيسير‬

‫املصدر‪ :‬وزارة التربية الوطنية والتعليم ألاولي والرياضة‪ ،‬مؤشرات التربية‪ ،‬البحث الوطني حول مصادر الدخل ‪8707‬‬

‫يوضح الجدول أعاله عدد املستفيدين من برنامج تيسير بين سنة ‪ 8705‬و‪ ،8780‬بحيث ازداد عدد‬
‫املستفيدين‪ ،‬وذلك حسب عدد ألاسر والتالميذ‪ .‬وذلك من أجل محاربة الهدر املدرس ي وتحقيق املواطنة‬
‫املدرسية والعدالة الاجتماعية واملجالية‪ .‬وتشجيع مواكبة التالميذ ملساراتهم التعليمية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Gosta Esping –Andersen, évolution de la distribution des revenus : perspectives sociologiques, dans recherches‬‬
‫‪familiales 2008/1 (N°5), p 55.‬‬

‫‪292‬‬
‫العدالة املجالية والفوارق املدرسية‬

‫إن الالعدالة املجالية تتميهر من خالل الاختالفات والتباينات البطبقية والاجتماعية بين أفراد املجتمع‪،‬‬
‫تمس كذلك البنيات السوسيوثقافية للمجتمع‪ .‬والتي يترتب عنها ما أصبطلح عليه ب "أزمة التربية واملتمثلة‬
‫في انعدام املساواة وتعميق الفوارق‪ ،‬والحال أن مهمة املدرسة هي فك الارتباط بين الفوارق الاجتماعية‬
‫ألاصلية املوجودة بين التالميذ ومستقبلهم املدرس ي والاجتماعي‪ .‬وهكذا يتفاقم العجز التربوي بالفوارق‬
‫الاجتماعية التي تنتجها وترسخها املدرسة على كافة املستويات من خالل ما يعتري حكامة منيومة التربية‬
‫والتكوين من أعبطاب‪ ،‬ومقاومتها لكل تجديد الش يء الذي تتحول معه كل إرادة للتغيير إلى إصالحات غير‬
‫مكتملة"‪.1‬‬

‫إن تفعيل القدرات والكفاءات ألاساسية وتسخير املؤهالت البشرية وتأهيلها‪ ،‬وتوفير كل ما يتبطلبه ذلك‬
‫من موارد مادية‪ ،‬من شأنه أن يؤسس للعدالة املجالية التي نتوىى من خاللها تغييرات على بنية الذهنيات‬
‫والعقليات‪ ،‬وترسيخ ثقافة الحق والواجب‪ ،‬وتوفير كل الخدمات ألاساسية من املاء والكهرباء وتجهيز‬
‫البنيات التحتية وتحسين الدخل الفردي وتوفير النقل املدرس ي خصوصا في العالم القروي والاستثمار في‬
‫املورد البشري "بحيث أن اتساع فوارق الدخل يدفع الفئات ألاشد حرمانا إلى التقليل من الاستثمار في‬
‫الرأسمال البشري‪ ،‬وخاصة في التربية وهو ما يؤثر سلبا في التنمية الاقتصادية وفي الروابط الاجتماعية‬
‫والعمليات السياسية‪ ،‬واملحافية على الرأسمال البطبيعي‪ ،‬ذلك أن نموذج التنمية البشرية املستدامة‬
‫الذي يجب أن تتبناه كل أمة يهدف الى الخروج من دائرة الفقر والهشاشة‪ ،‬وضمان صحة جيدة للسكان‬
‫والحفاظ على هذه ألارض لألجيال القادمة‪ ،‬وبناء مجتمعات تنعم باألمن والسلم مفتوحة للجميع حتى‬
‫يتمكن كل مواطن من العيش بكرامة"‪ .2‬لهذا فإن ضعف املستويات الدراسية في العالم القروي‬
‫والحضري معا جاء نتيجة ملجموعة من العوامل أساسها الفقر‪ .‬بحيث نجد " أن حوالي ‪ 54‬في املئة من‬
‫املغاربة يعتبرون في ‪ 8707‬فقراء ذاتيا) ‪ 38,6%‬في الوسط الحضري و ‪ 58,4%‬في الوسط القروي (‬
‫مسجلة أن الفقر الذاتي يبطال جميع البطبقات الاجتماعية ولكن بمستويات مصتلفة"‪ .3‬إلى جانب هشاشة‬
‫البنيات املدرسية والاكتياظ الدراس ي وضعف التوجيه‪...‬‬

‫باإلضافة إلى ذلك فإن هشاشة اليروف الاجتماعية والاقتصادية لألسر سوف تساهم في ظهور مجموعة‬
‫من إلاكراهات التي تواجه الفرد خالل حياته )مسار الحياة ‪، ( parcours de vie‬‬

‫‪ 1‬املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬مدرسة العدالة الاجتماعية مساهمة في التفكير حول النموذج التنموي‪ ،8700 ،‬ص ‪-3‬‬
‫‪.5‬‬
‫‪ 2‬التقرير أعاله‪ ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ 3‬املرصد الوطني للتنمية البشرية‪ ،‬دينامية الفقر في املغرب‪ ،‬ندوة رقمية‪.8780 ،‬‬

‫‪293‬‬
‫أي صعوبة الارتقاء الاجتماعي وتغيير نمط العيش والوضعيات الفردية‪ .‬الهدف ألاساس ي من عيش واقع‬
‫يتسم بالحرمان والفقر والهشاشة‪ ،‬ليس إعادة إنتاج نفس الوضع القائم‪ .‬بل البحث عن البدائل املمكنة‬
‫للعيش (الاستفادة من الدعم نموذجا)‪ .‬يقتض ي الخروج من الوضعية الصعبة واليروف الاجتماعية‬
‫القاهرة‪ .‬هذه البدائل تكمن في الاستفادة الجيدة من الخدمات العمومية (الصحة‪-‬التعليم‪-‬الشغل(‬
‫وتحسين اليروف الاقتصادية والاجتماعية لألسر وتجويد الحياة املدرسية وتقديم الدعم الاجتماعي‬
‫وألاسري‪ .‬وذلك بهدف مواصلة ألابناء ملسارهم الدراس ي ‪ .le parcours scolaire‬لهذا يمكن القول بأن‬
‫الفوارق املدرسية جاءت نتيجة ملجموعة من العوامل منها اختالف " ألاصل الاجتماعي والجنس"‪.1‬‬

‫اقترح مورتون دويتش في عام ‪" Morton Deutsch 0723‬تركيبا ال يزال مرجعا‪ ،‬وميز في مسائل العدالة‬
‫ثالثة جوانب‪ :‬الجدارة ‪ le mérité‬واملساواة ‪ l’égalité‬والحاجات ‪ .les besoins‬كل هذه الجوانب‬
‫الثالثة لها شرعيتها تتبطلب العدالة الاعتراف بالجدارة ومكافأتها السيما في املجال الاقتصادي"‪.2‬‬

‫كما أن للعدالة أبعاد في التحليل السوسيولوجي‪ ،‬بالبطريقة التي فتحها لوك بولتانسكي ‪Luc‬‬
‫‪*Boltanski‬وثيفينوت ‪ .Laurent Thévenot‬اللذان كانا مهتما بالعدالة الاجتماعية من خالل التركيز‬
‫على إعادة توزيع الثروة‪ ،‬وذلك باالنتقال من املصلحة الفردية إلى املصلحة الجماعية‪ ،‬ألامر الذي يجسد‬
‫شروط التضامن "‪.3‬‬

‫لهذا فإن الالعدالة املجالية التي يعرفها املجتمع تتميهر من خالل "ما تعرفه منيومة التربية والتكوين‬
‫من فوارق اجتماعية ومجالية كبيرة – الوسط الحضري في مقابل الوسط القروي – وفوارق على مستوى‬
‫النوع‪ ،‬كما يعرف التعليم الابتدائي قصورا في الوسط القروي‪ ،‬بينما يشهد تبطورا متسارعا في الوسط‬
‫الحضري خصوصا في القبطاع الخاص‪ .‬كما تعاني املنيومة من الارتفاع الكبير لياهرتي التكرار والهدر‬
‫املدرس ي"‪.4‬‬

‫‪1‬‬
‫‪Marianne Blanchard, Joanie Cayouette, Remblière, des parcours scolaires qui restent‬‬
‫‪différenciés, dans sociologie de l’école, 2016, p 27.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Olivier Galland, les principes de la justice sociale, réalisée par Ludovic viévard, 2019.‬‬
‫*يعتبر لوك بولتانسكي من بين علماء الاجتماع الذين ساهموا بشكل كبير في مجال السوسيولوجيا‪ .‬وساهم في بناء "علم الاجتماع السياس ي‬
‫وألاخاليي" بحيث تبطور هذا ألاخير كبرنامج بحث باملعنى الذي اقترحه إمري الكاتوس حول نواة مفاهيمية قائمة على التفكير الدوركايمي‬
‫كمنبطلق علمي وابستمولوجي‪.‬‬
‫*أستاذ فصري في قسم علم الاجتماع بجامعة جنيف‪ ،‬حاصل على دكتوراه في الاقتصاد والعلوم إلاجتماعية‪ ،‬ومن بين املجاالت التي يبحث‬
‫فيها نجد ديناميات الفئات الاجتماعية والسيما ألاسرة والجمعيات‪ ،‬وفسر على وجه الخصوص مسائل الزواج والبطالق والتعليم والشباب‬
‫والقيم في املجتمعات الحديثة‪ ،‬التي لها عالقة وطيدة بمفاهيم مثلالعدالة واملسؤولية والانحراف‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Véronique Guienne, Du sentiment d’injustice a la justice sociale, dans cahiers internationaux de sociologie‬‬
‫‪2001/1 (110) p 131 à 142.‬‬
‫‪ 4‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬تنمية العالم القروي التحديات وآلافاق‪ ،8700 ،‬ص ‪.04‬‬

‫‪294‬‬
‫إن تتبع املسارات الفردية التعليمية التي تتسم في بعض ألاحيان بالتكرارات والتوبيخ والانقبطاع الدراس ي‬
‫جاءت نتيجة عوامل مجتمعية وبنيوية (ضعف الدخل ألاسري‪ ،‬هشاشة البنيات التحتية املدرسية‪،‬‬
‫ضعف التكوين والتوجيه املدرس ي‪ ،‬الاكتياظ والبعد عن املدارس‪ )...‬كلها عوامل تكرس الالتكافؤ‬
‫السوسيومجالي والالعدالة الاجتماعية والتعليمية‪.‬‬

‫جودة الحياة املدرسية والانقطاع الدراس ي‪.‬‬

‫الالعدالة املدرسية‪ ،‬هي ذات طابع بنيوي ) الهدر املدرس ي– التأخر والانقبطاع الدراس ي – الهشاشة اللغوية‬
‫– ضعف الكفاءة الابداعية والفكرية‪ )...‬كلها إكراهات واقعية تجعل املتعلم (ة)‪ ،‬يعيش نوعا من التهميش‬
‫والاقصاء والوصم الاجتماعي ‪ " la stigmatisation sociale‬ينقسم هذا ألاخير سوسيولوجيا إلى ثالثة‬
‫أقسام‪ :‬الوصم املتعلق بالعيوب الفزيقية للجسد والوصم الذي يأتي نتيجة الانفعال وتعاطي املصدرات‬
‫والكحول واملثلية الجنسية والببطالة ثم الوصم القائم على أساس الجنسية والعرق والدين"‪.1‬‬

‫تحد الالعدالة املدرسية من القدرات الفردية للمتعلمين خصوصا للذين يبطمحون لتحسين مستواهم‬
‫التعليمي وتنمية كفاءاتهم اللغوية واملعرفية‪ ،‬هذه الالعدالة تعبر عن التمايزات الاجتماعية والتفاوتات‬
‫املجالية القائمة بين العالم الحضري والقروي‪ " .‬لهذا فإن مستوى التنمية البشرية مثير للقلق‪ ،‬بحيث‬
‫أن ‪ 56%‬من الساكنة التي تعيش في هذه املناطق تعاني من ألامية‪ ،‬مقابل ‪ 39%‬خارج املناطق الجبلية‪.‬‬
‫ومعدل الفقر يصل الى ‪ .2" 22%‬لهذا ييل الفقر والتباين املجالي من العوامل ألاساسية التي تساهم في‬
‫ضعف املواطنة املدرسية‪.‬‬

‫من املالمح ألاساسية التي تشكل جوهر الالعدالة املجالية يمكن قياسها على مجموعة من ألاصعدة منها‬
‫على سبيل املثال إلاقصاء املدرس ي " أي ألاطفال خارج النيام التربوي‪ ،‬والذي يأخذ بعدين أساسيين‬
‫ألاطفال الذين لم يلجوا املدرسة باملبطلق وألاطفال الذين يلجونها في سن متأخر"‪3‬‬

‫إلى جانب هذه املالمح ألاساسية لإلقصاء املدرس ي ‪ la disqualification scolaire‬هناك كذلك ما هو‬
‫بنيوي و املتمثل في الهشاشة الاجتماعية والاقتصادية والفقر والببطالة ‪ ...‬وفي هذا الصدد كشفت دراسة‬
‫أجراها املرصد الوطني للتنمية البشرية بشراكة مع البنك الدولي بصصوص الخدمات املقدمة من طرف‬
‫املؤسسات التعليمية املغربية العمومية عن معبطيات وحقائق صادمة حول واقع التعليم في العالم‬
‫القروي ‪ ،‬حيث أن عدد التالميذ املنقبطعين عن الدراسة يصل إلى حوالي ‪ 577‬ألف تلميذ سنويا‪ ،‬و ‪50%‬‬
‫من املدارس القروية ال تتوفر على الحد ألادنى من البنيات التحتية كالصرف الصحي وإلانارة‪ ،‬وأن ألامية‬

‫‪1‬‬
‫‪Erving Goffman, stigmate les usages sociaux des handicaps, les éditions de minuit, 1975, p14.‬‬
‫‪ 2‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬تنمية العالم القروي التحديات وآلافاق‪ ،‬تقرير‪ ،8700 ،‬ص ‪.01‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Rapport national sur les enfants non scolarisés, Unicef, mais 2015, p 7.‬‬

‫‪295‬‬
‫في الوسط القروي تبل ما بين ‪ 30%‬لى ‪ 70%‬في صفوف الشباب الذين يتراوح أعمارهم مابين ‪ 04‬الى ‪85‬‬
‫سنة ‪.84%‬‬

‫إن الحماية الاجتماعية استراتيجية عقالنية مبنية على آليتي الضمان الاجتماعي واملساعدة الاجتماعية‬
‫وتهدف إلى تقليص الفوارق السوسيومجالية التي باتت تشكل عائقا للريي أمام ألافراد والجماعات‪ ،‬كما‬
‫أن الحماية الاجتماعية هي تلك املقاربة الشمولية التي تستهدف الفئات الاجتماعية املهمشة بغض النير‬
‫عن أصلها الاجتماعي وانتمائها الجغرافي‪ ،‬في إطار تفعيل الحكامة الجيدة والديمقراطية التشاركية‬
‫والجهوية املتقدمة‪.‬‬

‫إن الحماية الاجتماعية مسؤولية مشتركة هدفها إرساء دعائم املجتمع الديمقراطي القائم على احترام‬
‫الحريات ألاساسية وصيانة كرامة املواطنين وترسيخ ثقافة الحق والواجب‪ ،‬كأساس متين لتقوية الروابط‬
‫الاجتماعية بين ألافراد واملؤسسات‪ .‬في هذا السياق نص الفصل ‪ 30‬من الدستور على حث كل مكونات‬
‫الدولة من مؤسسات عمومية وجماعات ترابية على تعبئة كل الوسائل املتاحة‪ ،‬لتيسير قنوات استفادة‬
‫املواطنات واملواطنين على قدم املساواة‪ ،‬من الحق في العالج والحماية الاجتماعية والتغبطية الصحية‬
‫والتضامن التعاضدي املنيم من قبل الدولة‪ ،‬ثم الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذو جودة"‪.1‬‬

‫الجدول الثاني‪ :‬يبين نسبة تمدرس ألاطفال بين ‪ 12 – 2‬سنة حسب متغيري الجنس واملجال الجغرافي‬
‫نسبة تمدرس أطفال ‪ 01 – 1‬سنة‬ ‫الجنس‬
‫السنوات‬
‫‪80-8787‬‬ ‫‪87 -8707‬‬ ‫‪07 -8702 02 -8700 00 -8701‬‬ ‫‪01- 8704‬‬ ‫‪04 -8705‬‬
‫‪98 ,3%‬‬ ‫‪96,9%‬‬ ‫‪96,2%‬‬ ‫‪95,4%‬‬ ‫‪95%‬‬ ‫‪93,6%‬‬ ‫‪92%‬‬ ‫ذكور‬ ‫حضري‬
‫‪99,2%‬‬ ‫‪97,6%‬‬ ‫‪96,6%‬‬ ‫‪95,6%‬‬ ‫‪94,7%‬‬ ‫‪93,2%‬‬ ‫‪90,7%‬‬ ‫إناث‬
‫‪96%‬‬ ‫‪92,5%‬‬ ‫‪90,8%‬‬ ‫‪89%‬‬ ‫‪87,6%‬‬ ‫‪85,6%‬‬ ‫‪84,2%‬‬ ‫ذكور‬ ‫قروي‬
‫‪91,4%‬‬ ‫‪87,7%‬‬ ‫‪85,1%‬‬ ‫‪82,4%‬‬ ‫‪80,1%‬‬ ‫‪77,3%‬‬ ‫‪75,6%‬‬ ‫إناث‬
‫‪97,3%‬‬ ‫‪95%‬‬ ‫‪93,9%‬‬ ‫‪92,9%‬‬ ‫‪91,8%‬‬ ‫‪90,1%‬‬ ‫‪88,5%‬‬ ‫ذكور‬ ‫املجموع‬
‫‪95,9%‬‬ ‫‪93,4%‬‬ ‫‪91,7%‬‬ ‫‪89,9%‬‬ ‫‪88,3%‬‬ ‫‪86,3%‬‬ ‫‪84,1%‬‬ ‫إناث‬

‫املصدر‪ :‬وزارة التربية الوطنية والتعليم ألاولي والرياضة‪ ،‬مؤشرات التربية‪ ،‬البحث الوطني حول مصادر الدخل ‪8707‬‬

‫إن محاربة الهدر املدرس ي يهدف إلى تقليص الفوارق السوسيومجالية وتحقيق املواطنة املدرسية ‪la‬‬
‫‪ citoyenneté scolaire‬وإعبطاء الفرصة ألبناء الفئات الفقيرة لتجويد مساراتها التعليمية والتعلمية‪،‬‬

‫‪ 1‬دستور اململكة املغربية ‪ ،8700‬مركز الدراسات وأبحاث السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو‪ ،‬سلسلة نصوص قانونية‬
‫شتنبر ‪ ،8700‬العدد ‪ ،07‬ص‪.84‬‬

‫‪296‬‬
‫من خالل اكتساب الكفاءة اللغوية والفكرية واملعرفية أو ما يسميه السوسيولوجي الفرنس ي بيير بورديو‬
‫الرأسمال الثقافي ‪.le capital culturel‬‬

‫من خالل القراءة ألاولية لهذه املعبطيات الرقمية املتعلقة بنسبة التمدرس‪ ،‬يتبين لنا زيادة نسبة التمدرس‬
‫بين سنة ‪ 8705‬و ‪ 8780‬بحيث انتقلت نسبة تمدرس الذكور في الوسط الحضري من ‪ 92%‬إلى ‪98,3%‬‬
‫ونسبة الاناث من ‪ 90,7%‬الى ‪ 99,2%‬وهذا التبطور الحاصل على مستوى نسبة التمدرس جاءت نتيجة‬
‫املجهودات ألاساسية التي تقوم بها الجهات الوصية للتصفيف من وطأة الهدر املدرس ي‪.‬‬

‫في حين أن الوسط القروي بدوره يعرف زيادة في نسب التمدرس‪ ،‬حيث انتقلت نسبة الذكور من ‪84,2%‬‬
‫الى ‪ 96%‬وإلاناث من ‪ 75,6%‬الى ‪ 91,4%‬رغم هذا التبطور الحاصل على مستوى التمدرس إال أن املسارات‬
‫التعليمية والدراسية للمتعلمين‪ ،‬ما تزال تعرف إكراهات واختالالت واضحة تمس بجودة املنيومة‬
‫التربوية منها‪ :‬الاكتياظ – الهدر املدرس ي – قلة أطر التكوين والتدريس – ضعف التوجيه والدعم‬
‫التربوي‪ ...‬كما أن هذه الاكراهات تعزى إلى "عجز السياسة التربوية والنيام التعليمي عموما عن تحقيق‬
‫الدمقرطة الحقيقية والتكافؤ الشامل للفرص التعليمية والاجتماعية بين املناطق وألاقاليم والجهات‬
‫الجغرافية املصتلفة‪ ،‬وبين الوسط الحضري والقروي و مكونات الوسط الواحد‪ ،‬وبين الجنسين من ذكور‬
‫وإناث وبين الفئات والشرائح والبطبقات الاجتماعية"‪.1‬‬

‫املحور الثاني‪ :‬برنامج التغطية الصحية والخدمات العالجية‬

‫الجدول الثالث‪ :‬وصف عينة البحث حسب املتغيرات التالية‪.‬‬


‫املجال الجغرافي‬ ‫املهنة‬ ‫الحالة العائلية‬ ‫السن‬ ‫الجنس‬ ‫عدد املقابالت‬
‫املجال الحضري‬ ‫طبيبة‬ ‫متزوجة‬ ‫‪ 22‬سنة‬ ‫أنثى‬ ‫املقابلة ألاولى‬
‫املجال الحضري‬ ‫طبيب‬ ‫متزوج‬ ‫‪ 22‬سنة‬ ‫ذكر‬ ‫املقابلة الثانية‬
‫املجال الحضري‬ ‫ممرضة‬ ‫متزوجة‬ ‫‪ 22‬سنة‬ ‫أنثى‬ ‫املقابلة الثالثة‬
‫املجال الحضري‬ ‫موظفة‬ ‫متزوجة‬ ‫‪ 01‬سنة‬ ‫أنثى‬ ‫املقابلة الرابعة‬
‫املجال القروي‬ ‫طالبة‬ ‫عازبة‬ ‫‪ 01‬سنة‬ ‫أنثى‬ ‫املقابلة الخامسة‬

‫املصدر‪ :‬البحث امليداني ‪.8783‬‬

‫جودة الخدمات الصحية‬

‫إن تمركز املستشفيات الصحية العمومية في املدينة وضعفها في العالم القروي وقلة ألاطر البطبية هو ما‬
‫يشكل جوهر وأساس الالعدالة الاجتماعية‪ .‬التي تتميهر من خالل غياب حقوق الفئات الاجتماعية (حق‬

‫‪ 1‬مصبطفى محسن‪ ،‬الخبطاب الاصالحي التربوي بين أسئلة ألازمة وتحديات التحول الحضري رؤية سوسيولوجية نقدية‪ ،‬بيروت‪ ،‬املركز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪ ،0777‬ص ‪.80‬‬

‫‪297‬‬
‫في التبطبيب والصحة الجيدة والتغبطية الصحية‪ )...‬لهذا فإن الجهات الوصية تعمل قدر إلامكان على‬
‫تفعيل الاستراتيجيات وآلاليات الكفيلة من أجل تقليص الفوارق املجالية والاجتماعية بالعالم القروي‪،‬‬
‫لهذا فإن وجودة الخدمات الصحية ال تقاس فقط بالتجهيزات ألاساسية‪ ،‬بل بتوفر على عدد كافي من‬
‫ألاطر البطبية‪ .‬وبالتالي ضعف هذه الجودة راجع باألساس كما جاء على لسان املبحوثين إلى "عدد ألاطر‬
‫البطبية في املستشفيات ال يكفي لتلبية الخدمات الصحية نيرا لقلة عدد ألاطر خاصة ألاطباء‬
‫املتصصصين وقلة التجهيزات مقابل عدد كبير من املرض ى"‪1‬‬

‫إن وجود الاكراهات بالعالم القروي‪ ،‬والتي تتمثل في ضعف الخدمات ألاساسية كالصحة والتعليم‬
‫والتجهيزات وهشاشة البنيات التحتية وقلة املداخيل الفردية وألاسرية‪ ،‬تجعل هذه الفئات الاجتماعية‬
‫تعيش نوعا من الحرمان وإلاقصاء‪ .‬لهذا فإن تحقيق العدالة السوسيومجالية تتم من خالل تجسيد‬
‫الديمقراطية املحلية وإدماج شريحة من الفئات الاجتماعية في ألانشبطة املدرة للدخل لتلبية الحاجيات‬
‫واملتبطلبات ألاساسية والضرورية هي وحدها الشروط الكفيلة لتحقيق الاستقرار‪ .‬باإلضافة إلى الهدف‬
‫الذي من أجله جاءت الحماية الاجتماعية‪ ،‬والذي يتمثل في تعميم التغبطية الصحية إلاجبارية بحلول‬
‫نهاية سنة ‪ 8788‬بحيث سيتمكن ‪ 88‬مليون مستفيد إضافي من الاستفادة من التأمين الاجباري عن‬
‫املرض الذي يغبطي تكاليف العالج وألادوية والاستشفاء‪.‬‬

‫الخدمات الصحية والالانتماء الاجتماعي‪Désaffiliation sociale .‬‬

‫"بالنسبة للسوسيولوجي روبرت كاستل ‪ Robert Castel‬ظهور الالنتماء الاجتماعي يتم على أساس‬
‫ضعف الرابط الاجتماعي و تضامن القرب) الفقر ‪-‬التهميش – سوء التوافق الاجتماعي – التفكك –‬
‫الهشاشة ‪ (...‬وبالتالي يتعرض الفرد لخبطر العزلة الاجتماعية ‪ la solitude sociale‬والشعور باالستبعاد‬
‫الاجتماعي وضعف العالقات الاجتماعية التي تربط الفرد باآلخرين ) ألاسرة – الشبكات الاجتماعية –‬
‫املجتمع وداخل املقاولة("‪2‬‬

‫إن ضعف املداخيل وغياب فرص العمل الالئقة في مناطق عديدة جعلت ألافراد والفئات الاجتماعية‬
‫املتواجدة في هذه املناطق املهمشة تبحث عن البدائل املتاحة للخروج من هذه اليروف القاسية والتي‬
‫ال تشجع على الابتكار الاجتماعي وإلابداع الفردي‪ ،‬بل تكرس لعيش يتسم بالغربة والعزلة الاجتماعية‬
‫والحرمان الاجتماعي "‪ .3‬مما يولد لدى الفرد الشعور وإلاحساس بالعيش على هامش املجتمع‪ ،‬والاغتراب‬
‫عن ذاته‪ .‬تحقيق الذات يتبطلب مصادر التغيير (العلم‪ -‬العمل)‪.‬‬

‫‪ 1‬المقابلة األولى‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Olivier Meier, Robert Castel et la désaffiliation sociale, RSE magazine,2021.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪Anna Amelina, Kenneth Horvath, sociology of migration, in book « the cambridge handbook‬‬
‫‪of sociology core areas in sociology and the development of the discipline, p 455.‬‬
‫‪298‬‬
‫إن تفعيل التغبطية الصحية كإستراتيجية وأولوية بهدف تحقيق التوزيع العادل واملتكافئ للخدمات‬
‫الصحية‪ ،‬ظل رهينا بمجموعة من ألاورا التنموية الكبرى " بحيث تفرض حماية الصحة على الدولة‬
‫التزاما بتوفير الخدمات الصحية الوقائية مجانا لفائدة جميع املواطنين أفرادا وجماعات‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫سهرها على تنييم مجال تقديم خدمات صحية نوعية موزعة توزيعا متكافئا على سائر أرجاء التراث‬
‫الوطني‪ ،‬وضمان الاستفادة من هذه الخدمات لفائدة جميع الشرائح الاجتماعية عن طريق التكفل‬
‫الجماعي والتضامني بالنفقات الصحية"‪.1‬‬

‫التغطية الصحية واملواطنة الاجتماعية‬

‫املواطنة هي الاعتراف بهوية ووجود ألافراد كأعضاء في املجتمع السياس ي‪ ،‬والذي يمنحهم مجموعة من‬
‫الحقوق والالتزامات في عالقاتهم بالسلبطة السياسية للمجتمع املعني‪.‬‬

‫في "محاضرة ألقيت في عام ‪ ،0757‬قدم عالم الاجتماع البريبطاني تي إتش مارشال تفسيرا أصبح ذا تأثير‬
‫كبير على تبطور الدول الاجتماعية‪ ،‬تكمن أصالتها في إبراز كيف أن هذا التغيير في هيكل وعمل الدول يمثل‬
‫تحوال عميقا للمواطنة‪ ،‬كتجربة ومعنى بالنسبة ملارشال فإن املواطنة الحديثة تتكون من ثالثة أبعاد‪ :‬أوال‬
‫املواطنة املدنية ‪ la citoyenneté civile‬تشمل الحقوق الالزمة للحرية الفردية ويستشهد مارشال‬
‫بحرية التعبير والفكر والدين وحرية التأسيس والحق في امللكية‪ ،‬الحق في إبراز عقود سارية‪ ،‬الحق في‬
‫العدالة"‪.2‬‬

‫املواطنة املدنية كذلك حسب مارشال هي العنصر الاقتصادي املتمثل في الحق في العمل‪ ،‬الذي يفهم‬
‫هنا على أنه الحق في الحصول على وظيفة والحرية في إبرام عقد العمل‪ .‬وبالتالي ظهور هذا الحق يشير‬
‫الى الانتقال من العمل بالسخرة الى العمل الحر‪ .‬ثانيا املواطنة السياسية التي تتمثل في املشاركة في‬
‫ممارسة السلبطة السياسية كهيئة مصولة بسلبطة سياسية أو كناخب ألعضاء هذه الهيئة‪ .‬ثالثا املواطنة‬
‫الاجتماعية والتي تتمثل في الانتقال من الحق في الحد ألادنى من الرفاه الاقتصادي وألامن إلى الحق في‬
‫املشاركة الكاملة لإلرث الاجتماعي وبالتالي عيش حياة كائن متحضر وفقا للمعايير املوجودة في املجتمع"‪.3‬‬

‫كما أن املواطنة الاجتماعية "تعني القدرة للحصول على الحد ألادنى من املوارد والحقوق ألاساسية‬
‫لضمان استقالل اجتماعي معين‪ .‬في هذا السياق نجد روبرت كاستل ‪ Robert castel‬لم يربط املواطنة‬

‫‪ 1‬القانون رقم ‪ 14-77‬بمثابة مدونة التغبطية الصحية ألاساسية‪ ،‬صيغة محينة بتاريخ ‪ 00‬أكتوبر ‪ ،8702‬ص ‪.5‬‬
‫– ‪2 Jean François Bickel, significations- histoire et renouvellement de la citoyenneté, dans gérontologie et société 2007/1 (vol‬‬

‫‪n°120) p20.‬‬
‫‪3 Ibid, p20.‬‬

‫‪299‬‬
‫الاجتماعية باملساواة في اليروف الاجتماعية‪ ،‬وإنما بمسألة الحد ألادنى من الاستقالل الاجتماعي الذي‬
‫يتمتع به الفرد في خياراته"‪. 1‬‬

‫إن التأكيد على الحقوق الاجتماعية لم يتم فقط ردا على النقد الاشتراكي عقب ثورات ‪ ،0252‬فهذه‬
‫الحقوق تنشأ عن مبادئ الحداثة السياسية ذاتها"‪ .2‬الحقوق الاجتماعية املتعلقة أساسا بالحماية‬
‫الاجتماعية بحيث "تساعد هذه ألاخيرة ألافراد وألاسر وخاصة الفقيرة والضعيفة‪ ،‬على التعامل مع‬
‫ألازمات واملصاطر الاجتماعية‪ ،‬وإيجاد فرص عمل وزيادة الانتاجية والاستثمار في صحة وتعليم أطفالهم‪،‬‬
‫وحماية املسنين‪ ،‬وتلعب برامج الحماية الاجتماعية دورا حاسما في الجهود املبذولة لبناء الرأسمال‬
‫البشري وتجويد الخدمات الصحية والتعليمية لألطفال "‪.3‬‬

‫خاتمة‬

‫إن تحقيق املواطنة العادلة‪ ،‬يتم من خالل تمتع الفرد بحقوقه ألاساسية والضرورية (الحق في الصحة‬
‫– التعليم – ألامن – الحماية – الانتماء‪ )...‬في إطار تفعيل قانون الحماية الاجتماعية والحكامة الجيدة‬
‫والجهوية املتقدمة‪ ،‬وتنزيل البرامج التنموية لتقليص الفوارق الاجتماعية املوجودة بين البطبقات‬
‫الاجتماعية والفئات املهنية وبين العالم القروي والحضري‪.‬‬

‫كما أن تفعيل برامج الحماية الاجتماعية مثل برامج تيسير وبرنامج نيام التغبطية الصحية‪ ،‬بهدف تقليص‬
‫الفوارق البطبقية بين الفئات الاجتماعية‪ ،‬ينمي لدى الفرد حس املواطنة‪.‬‬

‫إن الحماية الاجتماعية استراتيجية عقالنية تهدف إلى تقليص الفوارق البطبقية ومحاربة كل أشكال‬
‫الهشاشة ‪ ،la vulnérabilité‬بما فيها تعميم التأمين الصحي على املرض وتقريب الخدمات ألاساسية‬
‫من املواطنين مع استحضار واستهداف املناطق الهامشية ألاكثر فقرا وتضررا‪.‬‬

‫‪1 Robert Castel, la citoyenneté sociale menacée, dans cités 2008/3 (n°35) P 133 à 141.‬‬

‫‪ 2‬دومينيك شنابر وكريستيان باشولييه‪ ،‬ما املواطنة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪ ،8701‬ص ‪.34‬‬
‫‪3‬‬
‫‪La banque mondiale, protection sociale : les systèmes de protection sociale aident les ménages‬‬
‫‪pauvres et vulnérables à affronter les crises et les chocs trouver un emploi investir dans la santé‬‬
‫‪et l’éducation de leurs enfants et protéger ceux qui vieillissent, 2022.‬‬
‫‪300‬‬
‫امللحق‬
‫الخامسة‬ ‫الرابعة‬ ‫الثالثة‬ ‫الثانية‬ ‫املقابلة ألاولى‬ ‫ألاسئلة‬
‫عدد البطر البطبية والعالجية في‬ ‫ألاطر البطبية‬ ‫ألن عدد ألاطر البطبية أو عدد‬ ‫ال عدد ألاطر ال‪،‬‬ ‫السؤال ألاول‪ :‬في‬
‫املستشفيات العمومية غير كافي‪ ،‬ألن‬ ‫الصحية غير كافي لتلبية والتمريضية غير كافي لتلبية‬ ‫في املستشفيات‬ ‫البطبية‬ ‫نيرك هل عدد‬
‫املستشفى الجامعي يستقبطب عددا‬ ‫الصحية الخدمات الصحية للمرض ى‬ ‫الخدمات‬ ‫املستشفيات ال العمومية‬ ‫اطر البطبية‬
‫هائال من املرض ى يفوق طاقته‬ ‫لتلبية تعرف نقص خاصة في املستشفيات وهناك خصاص مهول في‬ ‫يكفي‬ ‫والعالجية‬
‫الاستيعابية‪ ،‬هناك مرض ى كان‬ ‫ألاطر الجامعية نيرا لتوافد ألاطر البطبية باملغرب‬ ‫الخدمات الصحية في‬ ‫املتواجدة في‬
‫باإلمكان أن تتم معالجتهم داخل‬ ‫خصوصا في املستشفيات‬ ‫عدد كبير من املرض ى‬ ‫نيرا لقلة عدد البطبية‬ ‫املستشفيات‬
‫املراكز الجهوية يلتحقون باملستشفى‬ ‫العمومية‪.‬‬ ‫وخاصة وضعف‬ ‫ألاطر‬ ‫العمومية كافي‬
‫الجامعي لذا فال يجب إهمال مشكل‬ ‫التجهيزات‬ ‫ألاطباء‬ ‫لتلبية الخدمات‬
‫التنييم الجهوي والولوج الالمشروط‬ ‫الصحية للمرض ى؟ املتصصصين وقلة‬
‫للمستشفى‪.‬‬ ‫التجهيزات مقابل‬
‫عدد كبير من‬
‫املرض ى‪.‬‬
‫الخدمات الصحية سواء في‬ ‫ال ليست نفس بالتأكيد ال ألن الخدمات الصحية سواء فيما يصص الخدمات‬ ‫السؤال الثاني‪ :‬في‬
‫املؤسسات العمومية أو الخصوصية‬ ‫على صعيد املؤسسات الصحية التي توفرها‬ ‫ففي املراكز‬ ‫الخدمات‬ ‫نيرك هل‬
‫هي نفسها‪ ،‬لكن ظروف متباينة جدا‪.‬‬ ‫الاستشافئية العمومية املؤسسات العمومية هي‬ ‫لخدمات الصحية املراكز الخاصة العالجية‬
‫املؤسسات نفسها التي تقدمها املراكز‬ ‫أو‬ ‫يتلقى املريض رعاية الخصوصية‬ ‫التي توفرها‬
‫الخاصة‪.‬‬ ‫خاصة‪ ،‬التيس توفر املعدات الخصوصية هي نفسها الصحية‬ ‫املؤسسات‬
‫إال أن التباين املوجود في الاختالف موجود في نوعية‬ ‫تتوفر على ألاجهزة وإمكانيات‬ ‫الاستشفائية‬
‫عدد املرض ى الذين املرض‪ ،‬حيث أن غالبية‬ ‫البطبية التي تسهل العالج‬ ‫العمومية هي‬
‫يتوافدون لكل مؤسسة املرض ى الذين يتوافدون الى‬ ‫نفسها التي تقدمها على البطاقم البطبي‬
‫وكذلك اختالف في املستشفيات العمومية من‬ ‫التشخيص‬ ‫املراكز العالجية‬
‫البطبقة الهشة وذات دخل‬ ‫املعدات وتوفرها‪.‬‬ ‫والتدخل السريع في‬ ‫الخصوصية؟‬
‫محدود‪.‬‬ ‫الحاالت‬
‫في‬ ‫املستعجلة‪،‬‬
‫املقابل‬
‫املستشفيات‬
‫التي‬ ‫العمومية‬
‫تعاني من قلة‬
‫التجهيزات وضعف‬
‫جودة الخدمات‬
‫واملواعيد البعيدة‬
‫‪...‬‬
‫بالبطبع‪ ،‬فمن أجل خدمات صحية‬ ‫السؤال الثالث‪ :‬بالبطبع آلن جودة نعم فجودة نعم قلة املستشفيات نعم قلة ألاطر البطبية‬
‫جيدة يتوجب على ألاطر البطبية‬ ‫وقلة‬ ‫وقلة املعدات وألاجهزة والتمريضية‬ ‫هل ضعف البنيات الخدمات الصحية الخدمات‬
‫إعبطاء الوقت الضروري لكل حالة‪،‬‬ ‫وكذلك قلة ألاطر التجهيزات البطبية واملعدات‬ ‫التحتية الصحية‪ ،‬كما جاء في نيام الصحية‬
‫والتجهيزات الصحية نحن نواجه‬ ‫الصحية يؤثر سلبا على ومستلزمات العالج يؤثر‬ ‫قلة الحماية الاجتماعية مرتببطة‬ ‫بمعنى‬
‫تباينا كبيرا في توزيع املوارد البشرية‬ ‫جودة الخدمات الصحية سلبا على جودة الخدمات‬ ‫لتغبطية بالبنيات‬ ‫جاءت‬ ‫املستشفيات‬
‫واملوارد والبنيات التحتية ما يترتب‬ ‫الصحية‪ .‬باإلضافة الى‬ ‫العالج التحتية‬ ‫املراكز تكاليف‬ ‫وتواجد‬
‫عليه العجز في تقديم خدمات صحية‪.‬‬ ‫التوزيع غير العادل للبنيات‬ ‫الاستشفائية في وألادوية تحت ما البطبية‪،‬‬
‫التحتية الصحية في‬ ‫بالاتأمين فنقص املراكز‬ ‫املجال الحضري يسمى‬
‫الخريبطة الصحية املغربية‬ ‫يؤثر سلبا على الاجباري عن املرض الصحية‬
‫وتمركزها في املدن والجهات‬ ‫وافتقارها الى‬ ‫جودة الخدمات‬
‫على حساب الجهات‬ ‫التجهيزات‬ ‫الصحية؟‬
‫ألاخرى‪.‬‬ ‫البطبية الالزمة‬
‫وألاطر البطبية‬
‫الى‬ ‫يؤدي‬

‫‪301‬‬
‫تقديم‬
‫خدمات‬
‫صحية غير‬
‫مرضية‬
‫للمواطنين‬

‫يعد تبطبيقه على أرض الواقع نحن في‬ ‫الصحي الجديد‬ ‫الور‬ ‫نعم إننا ننتير النيام‬ ‫لدي نعم‬ ‫ليست‬ ‫السؤال الرابع‪ :‬هل‬
‫ترقب مستمر‬ ‫وإعادة هيكلة املنيومة‬ ‫الجديد واعتقد أنه‬ ‫معلومات كافية فالسياسات‬ ‫أنت متفائل فيما‬
‫الصحية املغربية‪ ،‬ظاهريا‬ ‫سيكون فعال خاصة أنه‬ ‫يصص العمومية‬ ‫فيما‬ ‫يصص السياسات‬
‫يحيل على التفاؤل‬ ‫يبطمح للرفع من عدد‬ ‫الجديدة‬ ‫السياسات‬ ‫العمومية الجديدة‬
‫خصوصا الرفع من عدد‬ ‫ألاطر الصحية وتحسين‬ ‫إلى‬ ‫العمومية الجديدة تهدف‬ ‫في قبطاع الصحة‬
‫مهنييي قبطاع الصحة‬ ‫الخدمات‬ ‫جودة‬ ‫في قبطاع الصحة تحفيز ألاطقم‬ ‫والحماية‬
‫وتبطبيق الجهوية املتقدمة‬ ‫العالجية ‪.‬‬ ‫البطبية‬ ‫والحماية‬ ‫الاجتماعية؟‬
‫لكن يبقى كل هذا رهين‬ ‫الاجتماعية لكن وضمان‬
‫بتبطبيقه على أرض الواقع‬ ‫أمل أن تتغير واستدامة‬
‫وتيافر كل الجهود إلنجاح‬ ‫ألاحوال لألفضل ومرونة‬
‫ملصلحة‬ ‫هذا الور‬ ‫فيما يتعلق بقبطاع املؤسسات‬
‫املريض أوال‪.‬‬ ‫الصحية‬ ‫الصحة‬
‫ومرافقها‬
‫وتوفير ألاطقم‬
‫البطبية على‬
‫مستوى‬
‫ألاقاليم‬
‫وتنزيل‬
‫منيومة‬
‫الحماية‬
‫الاجتماعية‬

‫الئحة املراجع‬
‫املراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫‪ ‬دستور اململكة املغربية ‪ ،8700‬مركز الدراسات وأبحاث السياسة الجنائية بمديرية الشؤون الجنائية والعفو‪،‬‬
‫سلسلة نصوص قانونية شتنبر ‪ ،8700‬العدد ‪.07‬‬
‫‪ ‬دومينيك شنابر وكريستيان باشولييه‪ ،‬ما املواطنة‪ ،‬القاهرة‪ ،‬املركز القومي للترجمة‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪.8701‬‬
‫‪ ‬السالم بوغابة‪ ،‬العدالة املجالية من محاولة الفهم الى إمكانية التبطبيق‪ ،‬مقالة خاصة بباب "مقاالت" على موقع‬
‫كلية آلاداب والعلوم إلانسانية بجامعة عبد امللك السعدي‪ ،‬جميع الحقوق محفوظة‪ 04 ،‬يونيو ‪.8787‬‬
‫‪ ‬عماد صيام‪ ،‬املواطنة‪ ،‬نهضة مصر للبطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪.8770‬‬
‫‪ ‬القانون رقم ‪ 14-77‬بمثابة مدونة التغبطية الصحية ألاساسية‪ ،‬صيغة محينة بتاريخ ‪ 00‬أكتوبر ‪.8702‬‬
‫‪ ‬املجلس ألاعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي‪ ،‬مدرسة العدالة الاجتماعية مساهمة في التفكير حول النموذج‬
‫التنموي‪.8700 ،‬‬
‫‪ ‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل التعزيز أنيمة‬
‫الضمان واملساعدة الاجتماعية‪.8702 ،‬‬
‫‪ ‬املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬تنمية العالم القروي التحديات وآلافاق‪ ،‬تقرير‪.8700 ،‬‬
‫‪ ‬املجلس الوطني لحقوق الانسان‪ ،‬التربية على املواطنة وحقوق الانسان‪ :‬فهم مشترك للمبادئ واملنهجيات‪.8705 ،‬‬

‫‪302‬‬
.8780 ،‫ ندوة رقمية‬،‫ دينامية الفقر في املغرب‬،‫ املرصد الوطني للتنمية البشرية‬
‫ الخبطاب الاصالحي التربوي بين أسئلة ألازمة وتحديات التحول الحضري رؤية سوسيولوجية‬،‫ مصبطفى محسن‬
0777 ‫ البطبعة ألاولى‬،‫ املركز الثقافي العربي‬،‫ بيروت‬،‫نقدية‬

:‫املراجع باللغة الفرنسية‬


 Anna Amelina, Kenneth Horvath, sociology of migration, in book « the
cambridge handbook of sociology core areas in sociology and the development
of the discipline.
 Chantal Euzéby et julien Reysz, caractéristiques et définitions de protection
sociale, dans la dynamique de la protection sociale en europe (2014).
 Erving Goffman, stigmate les usages sociaux des handicaps, les éditions de
minuit, 1975.
 François- Xavier Merrien, la protection sociale comme politique de
développement un nouveau programme d’action international, revue
internationale de politique de développement, 2013
 Gosta Esping –Andersen, évolution de la distribution des revenus :
perspectives sociologiques, dans recherches familiales 2008/1 (N°5).
 Jean François Bickel, significations- histoire et renouvellement de la
citoyenneté, dans gérontologie et société 2007/1 (vol – n°120).
 La banque mondiale, protection sociale : les systèmes de protection sociale
aident les ménages pauvres et vulnérables à affronter les crises et les chocs
trouver un emploi investir dans la santé et l’éducation de leurs enfants et
protéger ceux qui vieillissent, 2022.
 Marianne Blanchard, Joanie Cayouette, Remblière, des parcours scolaires qui
restent différenciés, dans sociologie de l’école, 2016.
 Michael ash, james K, Boyce, Éloi laurent, justice environnementale et
performance des entreprises nouvelles perspectives et nouveaux outils, dans
Revue de l’OFCE, 2012/ 1(N 120) .
 Olivier Galland, les principes de la justice sociale, réalisée par Ludovic
viévard, 2019.
 Olivier Meier, Robert Castel et la désaffiliation sociale, RSE magazine, 2021.
 Philippe Gervais, frédéric dufaux, justice … spatiale!, dans annales de
Géographie, 2009/1-2N° 665-666, P2.
 Rapport national sur les enfants non scolarisés, Unicef, mais 2015.
 Robert Castel, la citoyenneté sociale menacée, dans cités 2008/3 (n°35).
 Serge Paugam, compter sur et compter pour, les deux faces complémentaires
du lien social, dans changements et pensées du changement (2012).
 Véronique Guienne, Du sentiment d’injustice a la justice sociale, dans cahiers
internationaux de sociologie 2001/1 (110).

303
‫دور القضاء املغربي في التنمية الاجتماعية‪ :‬خاليا التكفل وصندوق التكافل نموذجا‬

‫مراد الرايشيي‬
‫دكتور باحث في القانون‬

‫مقدمة‬

‫تش ا ا اامل التنمية الاجتماعية مجموعة كبيرة من القض ا ا ااايا‪ ،‬مثل حماية ألاس ا ا اارة والحد من عدم املس ا ا اااواة‬
‫والقض اااء على الفقر وتحس ااين مس ااتوى الص ااحة وتوليد فرص العمل وحماية ألاطفال واملس اانين والنس اااء‬
‫وذوي الاحتياجات الخاص ا ااة‪ .‬وقد أص ا اابح املغرب يولي اهتماما كبيرا للتنمية الاجتماعية‪ ،‬ويتجلى ذلك من‬
‫خالل انصراطه املكثف في آلاليات الدولية املتعلقة بها‪ ،‬واتصاذ عدة إجراءات داخلية سااياسااية وقانونية‪.‬‬
‫كما انصرط القض ا ا اااء في العملية من خالل دوره في حماية الفئات الهش ا ا ااة‪ ،‬حيث تزايد اهتمام القض ا ا اااء‬
‫املغربي بالبعد الاجتماعي بصاادور مدونة الشااغل ساانة ‪ 8773‬ومدونة ألاساارة ساانة ‪ ،8775‬وإنشاااء أقسااام‬
‫خاصاة بقضاء ألاسرة‪ ،‬مع إمكانية إحداث محاكم اجتماعية مستقلة تضم قضاء ألاسرة وقضاء الشغل‬
‫كما حصل بالدار البيضاء‪.‬‬

‫تض ا اااعف الدور الاجتماعي للقض ا اااء املغربي مع إص ا ااالح منيومة العدالة بتصص ا اايص مقتض ا اايات قانونية‬
‫ذات بعد اجتماعي من قبيل مؤسا ا اس ا ااتي املس ا اااعدة القض ا ااائية والص ا االح القض ا ااائي وأخرى نوعية لحماية‬
‫ألاحداث في خالف مع القانون والنسا اااء وألاطفال ضا ااحايا العنف إضا ااافة إلى ألاطفال املتصلى عنهم‪ ،‬وهي‬
‫مقتض ا ا اايات س ا ا ااهمت في إقرار مقاربة النوع على مس ا ا ااتوى القض ا ا اااء الجنائي‪ ،‬غير أن تبطبيق املقتض ا ا اايات‬
‫الس ا ا ا ااابقاة ش ا ا ا ااابتاه عادة نواقص كش ا ا ا افات عن قص ا ا ا ااور آلالياات التقليادياة في تعزيز الوظيفاة الاجتمااعيااة‬
‫للقضا ا ا ا اااء املغربي‪ ،‬وبناااء على ذلااك تم اس ا ا ا ااتحااداث آليااات أخرى على مس ا ا ا ااتوى املحاااكم كصاليااا التكفاال‬
‫القضائي وصندوق التكافل العائلي‪.‬‬

‫إلاشكالية والفرضية‪:‬‬

‫ش ا ااكلت آلاليتان املذكورتان محاولة لتنزيل مفهوم الدولة الاجتماعية على مس ا ااتوى املحاكم املغربية‪ ،‬غير‬
‫أن التجربة اص اابطدمت بإش ااكالية الفارق بين ارتفاع س ااقف البطموح ومحدودية ألاثر‪ ،‬وهي املالحية التي‬
‫تنبطبق على العالقاة بين جال مادخالت س ا ا ا ايااس ا ا ا ااة إص ا ا ا ااالح منيوماة العادالاة ومصرجااتها‪ ،‬بل وعلى أغلب‬
‫الس ااياسا ااات العمومية املغربية التي تعرف تفاوتا ملحوظا بين ألاهداف املسا اابطرة والنتائج املحققة‪ .‬ورغم‬
‫أن املؤسستين موضوع هذه الدراسة ال تدخالن ضمن البرامج املنصوص عليها في القانون إلاطار للحماية‬
‫الاجتمااعياة رقم ‪ 77.80‬الص ا ا ا ااادر س ا ا ا اانة ‪ 8780‬إال أن طغيان البطابع الاجتماعي عليهما يبرر تص ا ا ا اانيفهما‬
‫ضمن آليات الحماية الاجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلى طبيعتهما القضائية‪.‬‬

‫‪304‬‬
‫بعد مرور أكثر من عقد على تبني املؤس ا ا ا اسا ا ا ااتين موضا ا ا ااوع الدراسا ا ا ااة‪ ،‬يبدو أن النتائج املحققة ال تريى إلى‬
‫مس ا ا ا ااتوى التبطلعااات املتعلقااة بهمااا‪ .‬وترتبط محاادودياة ألاثر الاجتماااعي لخاليااا التكفاال وص ا ا ا انادوق التكااافاال‬
‫باملحاكم بعوامل مباش اارة تتعلق بض ااعف جودة النص ااوص القانونية املنيمة أو بس ااوء تبطبيقها‪ ،‬وعوامل‬
‫غير مباش ا ا ا اارة تصتلط فيها معبطيات نفس ا ا ا ااية واجتماعية وثقافية لتش ا ا ا ااكل حاجزا أمام اس ا ا ا ااتفادة الفئات‬
‫الهشة من إلامكانات التي تتيحها املؤسستين املعنيتين‪.‬‬

‫املنهج املتبع‪:‬‬

‫تعتمد هذه الدراس ااة على منهج التحليل القانوني في تقييم مؤسا اس ااتي خاليا التكفل القض ااائي وص ااندوق‬
‫التكاافال العاائلي‪ ،‬حيث س ا ا ا اايتم عرض املواد القانونية ذات الص ا ا ا االة باملوض ا ا ا ااوع وتحديد نقط الض ا ا ا ااعف‬
‫املتعلقاة بهاا واملالحياات املرتببطة بتنزيلها على أرض الواقع‪ .‬كما س ا ا ا اايتم رببطها بالس ا ا ا ااياقات الس ا ا ا ااياس ا ا ا ااية‬
‫والاجتماااعيااة والاقتص ا ا ا اااديااة والثقااافيااة للكش ا ا ا ااف عن العواماال التي تحااد من فعاااليتهااا تقااديم املقترحااات‬
‫الكفيلة بتجويدها والرفع من حكامتها‪ ،‬وذلك في محورين يصصاص ألاول لخاليا التكفل القضائي والثاني‬
‫لصندوق التكافل العائلي‪.‬‬

‫املحور ألاول‪ :‬خاليا التكفل القضائي بين الواقع واملأمول‬

‫تم إدخال املساعدة الاجتماعية للمحاكم من خالل خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا‬
‫العنف التي أحدثت أول مرة ‪ ،18775‬إال أن تفعيلها لم يبدأ إال سنة ‪ 8772‬مع تصصيص مقر دائم‬
‫ومستقل وفق شروط معينة‪ ،2‬كما تم تعزيزها سنة ‪ 8707‬بإحداث لجان محلية وجهوية‪ .3‬وتزايد الاهتمام‬
‫بها منذ سنة ‪ ،8703‬مستفيدة من ارتفاع منسوب الاهتمام بمقاربة النوع على مستوى السياسات‬
‫العمومية ومن تنزيل توصيات امليثاق الوطني إلصالح منيومة العدالة على عدة مستويات‪ ،‬حيث شكلت‬
‫أبرز آليات الحماية التي نص عليها القانون املتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ‪ ،4073.03‬كما تغير اسمها‬

‫‪ -1‬دورية وزير العدل بتاريخ ‪ 30‬دجنبر ‪ ،8775‬حول إحداث خلية التكفل بالنساء و ألطفال ضحايا العنف‪.‬‬
‫‪ -2‬منشور وزير العدل عدد ‪ 84‬س ‪ 3‬في ‪ 70‬أكتوبر ‪ 8772‬بشأن تنييم خاليا التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف‪.‬‬
‫‪ -3‬دورية وزير العدل عدد ‪87‬س‪ 3‬لسنة ‪ 8707‬حول إحداث اللجان املحلية والجهوية لخاليا التكفل بالنساء وألاطفال‪ ،‬تضم إلى جانب‬
‫أعضاء الخاليا ممثلين عن الشرطة والدرك ومديريات الصحة والشغل والشباب ومؤسسات إلايداع وإلايواء والرعاية وممثلي املجتمع املدني‬
‫وكل جهة مفيدة‪ ،‬ويمتد عمل هذه ألاجهزة ليشمل حماية ألاطفال في وضعية مصالفة للقانون‪.‬‬
‫‪ 4‬خصص القانون ‪ 073.03‬الباب الرابع منه آلليات التكفل بالنساء ضحايا العنف‪ ،‬حيث نصت املادة التاسعة على أن "تحدث‪ ،‬للتكفل‬
‫بالنساء ضحايا العنف‪ ،‬خاليا ولجان مشتركة بين القبطاعات وفقا للمنصوص عليه في هذا الباب"‪ .‬فإضافة إلى اللجنة الوطنية املنصوص‬
‫عليها في املادة الحادية عشر‪ ،‬والتي تضم بين أعضائها ممثلين عن السلبطة الحكومية املكلفة بالعدل واملجلس ألاعلى للسلبطة الحكومية‬
‫ورئاسة النيابة العامة‪ ،‬نصت الفقرة ألاولى من املادة العاشرة على أن "تحدث خاليا التكفل بالنساء ضحايا العنف باملحاكم الابتدائية‬
‫ومحاكم الاستئناف وباملصالح املركزية والالممركزة للقبطاعات املكلفة بالعدل وبالصحة وبالشباب وباملرأة‪ ،‬وكذا باملديرية العامة لألمن‬
‫الوطني والقيادة العليا للدرك امللكي"‪.‬‬

‫‪305‬‬
‫ليصبح "خاليا التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر بعد صدور القانون املتعلق‬
‫بمكافحة الاتجار بالبشر‪.1‬‬

‫باملوازاة مع ما سبق‪ ،‬تم توسيع تجربة املساعدة الاجتماعية القضائية لتشمل أقسام قضاء ألاسرة في‬
‫إطار برنامج "دعم تبطبيق مدونة ألاسرة من خالل تبطوير ولوج النساء وألاطفال لخدمات العدالة"‪ .‬وقد‬
‫بدأت التجربة بصمسة محاكم هي الدار البيضاء وطنجة وسال وبنسليمان وإنزكان‪ ،‬قبل أن يتم تعميمه‬
‫على أقسام قضاء ألاسرة ببايي محاكم املغرب‪ .2‬غير أن هذه ألاقسام غير ممثلة على مستوى خاليا التكفل‬
‫القضائي ولجانها املحلية والجهوية‪ ،‬ال بواسبطة قضاتها وال عبر موظفيها املكلفين باملساعدة الاجتماعية‪،‬‬
‫والذين يملكون مداخل مهمة للمساعدة على حماية النساء من العنف الاقتصادي والاجتماعي والجنس ي‬
‫بناء على عدة مقتضيات قانونية صريحة في مدونة ألاسرة‪.3‬‬

‫كما عملت وزارة العدل على إدماج املساعدة الاجتماعية‪ ،‬كوظيفة نوعية‪ ،‬في مرجعية الوظائف‬
‫والكفاءات الخاصة بالقبطاع وكذلك في النيام ألاساس ي لهيئة كتابة الضبط‪ ،‬وذلك بعد العمل على‬
‫توظيف عدة أفواج من املتصصصين في املساعدة الاجتماعية‪ .4‬ورغم ذلك فإن الخصاص الزال مستمرا‬
‫على مستوى رئاسة مجموعة من املحاكم‪ ،‬كما أن مراكز القضاة املقيمين ال تحيى باهتمام كبير في مسألة‬
‫املساعدة الاجتماعية القضائية‪ .‬وينضاف الخصاص الكمي للقصور النوعي املتمثل في ضعف التكوين‬
‫التكاملي لدى أعضاء خاليا التكفل القضائي بالنساء‪ ،‬ففي الوقت الذي يعاني فيه موظفو املساعدة‬
‫الاجتماعية باملحاكم من نقص في التكوين القانوني الذي يعتمد باألساس على الاحتكاك الوظيفي اليومي‪،‬‬
‫فإن التكوين التصصص ي للقضاة على مستوى مادة املساعدة الاجتماعية لم يريى بعد للمستوى املبطلوب‪،‬‬
‫مما يولد فجوة بين الوظيفتين‪.5‬‬

‫‪ -1‬القانون رقم ‪ 80.05‬الصادر بتنفيذه اليهير الشريف رقم ‪ 0.03.080‬الصادر في الجريدة الرسمية عدد ‪ 1470‬بتاريخ ‪ 07‬شتنبر ‪ 8701‬ص‬
‫‪ ،1155‬ينص في مادته الرابعة على أن "تكفل الدولة في حدود الوسائل املتاحة توفير الحماية والرعاية الصحية والدعم النفس ي والاجتماعي‬
‫لفائدة ضحايا الاتجار بالبشر والعمل على توفير أماكن إليوائهم بصفة مؤقتة وتقديم املساعدة القانونية لهم‪ ،‬وتيسير سبل اندماجهم في‬
‫الحياة الاجتماعية أو تيسير عودتهم البطوعية إلى بلدهم ألاصلي أو بلد إقامتهم حسب الحالة إذا كانوا أجانب"‪ .‬كما يستفيد ضحايا الاتجار‬
‫بالبشر من املساعدة القضائية بحكم الشاملة لجميع أطوار الدعوى بحجم القانون‪ ،‬إضافة إلى إلاعفاء من الرسوم القضائية املرتببطة‬
‫بالدعوى املدنية بناء على املادة الخامسة من القانون املذكور‪.‬‬
‫‪ -2‬دورية وزير العدل عدد ‪042‬س‪ 3‬بتاريخ ‪ 04‬يونيو ‪ 8777‬حول إدماج املساعدة الاجتماعية بقسم قضاء ألاسرة‪.‬‬
‫‪ -3‬املادة ‪ 87‬من مدونة ألاسرة أعبطت للقاض ي إمكانية ألامر إمكانية الاستعانة ببحث اجتماعي في إلاذن بزواج القاصر‪ ،‬واملادة ‪ 008‬من‬
‫نفس القانون نصت على أن "للمحكمة الاستعانة بمساعدة اجتماعية في إنجاز تقرير عن سكن الحاضن وما يوفره للمحضون من الحاجيات‬
‫الضرورية املادية واملعنوية"‪.‬‬
‫‪ -4‬مرجعية الوظائف والكفاءات‪ ،‬املجال الوظيفي الثالث‪ ،‬العدالة وحماية الحقوق‪ ،‬من ص ‪ 441‬إلى ص ‪ ،410‬وزارة العدل ‪.8708‬‬
‫‪ -5‬سفيان شاو ‪ :‬التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي على ضوء قانون محاربة العنف ضد النساء‪ ،‬املحكمة الابتدائية لبوملان‬
‫بميسور نموذجا‪ ،‬رسالة نهاية التدريب الستكمال وحدات املاستر‪ ،‬كلية الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفاس‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪ ،8787/8707‬ص‪.15‬‬

‫‪306‬‬
‫أول مالحية يمكن تسجيلها حول خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف هي املنهجية‬
‫القانونية املعكوسة إلحداثها‪ ،‬حيث تم ذلك بناء على دوريات متفرقة على مدى سنوات قبل أن يتم‬
‫التنصيص عليها في قانون محاربة العنف ضد النساء الذي لم يحدد أنواع الخاليا املذكورة‪ .‬وتجدر‬
‫إلاشارة إلى أن غياب التنصيص على املساعدة الاجتماعية القضائية في القوانين املرتببطة بمنيومة‬
‫العدالة أثر على وظيفتها‪ ،‬وهو ألامر الذي تداركه قانون التنييم القضائي الجديد من خالل املادة ‪،147‬‬
‫ويسير على نهجه مشروع قانون املسبطرة الجنائية‪.2‬‬

‫انعكس تنزيل توصيات امليثاق الوطني إلصالح منيومة العدالة إيجابا على خاليا التكفل القضائي بالنساء‬
‫وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر‪ ،‬لكنها مازالت تعاني من عدة صعوبات قانونية وواقعية‪ .‬فتبطوير‬
‫البنية التحتية للمحاكم سمح بوفير فضاءات خاصة بصاليا التكفل باملحاكم الاستئناف واملحاكم‬
‫الابتدائية‪ ،‬لكن ألامر لم يشمل املراكز القضائية‪ .‬والتوظيف املتصصص سمح بوجود متصصصين في‬
‫املساعدة الاجتماعية على مستوى خاليا التكفل القضائي‪ ،‬لكن ضعف التكوين املستمر وعدم احترام‬
‫التصصص في توزيع ألاشغال يؤثر سلبا على مردودية الخاليا‪ .‬ومشروع املحكمة الرقمية سمح بضبط‬
‫إلاحصائيات‪ ،‬لكنه لم يعزز التنسيق بين مكونات الخلية في ظل اقتصار املشروع على املحكمة دون‬
‫شركائها‪.‬‬

‫‪ -1‬قانون التنييم القضائي رقم ‪ 32.04‬الصادر ألامر بتنفيذه اليهير الشريف رقم ‪ 0.88.32‬واملنشور في الجريدة الرسمية عدد ‪ 0072‬بتاريخ‬
‫‪ 05‬يوليوز ‪ 8788‬نص في املادة ‪ 47‬على ما يلي‪" :‬يمارس املساعدون الاجتماعيون املنتمون لهيئة كتابة الضبط بمكتب املساعدة الاجتماعية‬
‫بكل من املحاكم الابتدائية ومحاكم الاستئناف‪ ،‬عالوة على املهام املسندة إليهم بموجب النصوص التنييمية والتشريعية الجاري بها العمل‪،‬‬
‫وبتكليف من الجهات القضائية املصتصة املهام التالية‪ :‬القيام باالستقبال والاستماع والتوجيه ومواكبة الفئات الخاصة‪ ،‬إجراء ألابحاث‬
‫الاجتماعية‪ ،‬ممارسة الوساطة أو الصلح في النزاعات املعروضة على القضاء‪ ،‬القيام بزيارات تفقدية ألماكن إلايداع وأماكن إلايواء‪ ،‬تتبع‬
‫تنفيذ العقوبات والتدابير القضائية‪ ،‬تتبع وضعية ضحايا الجرائم‪ ،‬تتبع النساء ضحايا العنف‪ .‬يرفع مكتب املساعدة الاجتماعية تقارير إلى‬
‫املسؤولين القضائيين وإلاداريين باملحكمة‪ ،‬حول إلاحصائيات والدراسات والصعوبات والاكراهات املبطروحة‪ ،‬كل سنة أو كلما طلبت الهيئة‬
‫القضائية منه ذلك‪ .‬كما ينجز مكتب املساعدة الاجتماعية تقارير إدارية حول سير أشغاله والصعوبات التي تعترضه والحلول الكفيلة بتبطوير‬
‫عمله‪ ،‬ترفع إلى السلبطة الحكومية املكلفة بالعدل‪ .‬يتم تنييم مكتب املساعدة الاجتماعية بموجب النص التنييمي املشار إليه في املادة ‪88‬‬
‫أعاله"‪ .‬ويذكر أن املادة ‪ 88‬تنص على ما يلي" تحدد الهيكلة إلادارية للمحاكم بنص تنييمي بعد استبطالع رأي املجلس ألاعلى للسلبطة‬
‫القضائية ورئاسة النيابة العامة"‪.‬‬
‫‪ -2‬جاء في املادة ‪ 28-4-3‬من مشروع قانون املسبطرة الجنائية‪" :‬يتم إشعار الضحايا لزوما من قبل الجهات القضائية املعروض عليها القضية‬
‫بالحماية التي يكفلها لهم القانون‪ .‬يتولى مكتب املساعدة الاجتماعية باملحكمة عملية الاستقبال ألاولى للضحايا من النساء وألاطفال بمكتب‬
‫خاص مجهز بما يراعي خصوصية أوضاعهم‪ ،‬ويعمل على تقديم الدعم النفس ي لهم والاستماع إليهم ومواكبتهم داخل املحكمة وخارجها عند‬
‫الاقتضاء‪ .‬يجوز تكليف مكتب املساعدة الاجتماعية باملحكمة من قبل القضاة‪ ،‬كل حسب اختصاصه‪ ،‬بإجراء ألابحاث الاجتماعية ذات‬
‫الصلة باالتجار بالبشر وبقضايا العنف وسوء املعاملة والاعتداءات الجنسية ضد النساء وألاطفال‪ .‬يلتزم املساعدات واملساعدون بالحفاظ‬
‫على السرية"‪ .‬كما أعبطى املشروع للنيابة العامة وقاض ي ألاحداث إمكانية الاستعانة بمكتب املساعدة الاجتماعية في استقبال الضحايا‬
‫(املادة ‪ ،)407‬وتتبع وضعية الحدث (املادة ‪ ،)404‬وإنجاز التقارير (املادة ‪ ،)401‬وزيارة مراكز إلايداع واملؤسسات السجنية ( املادة ‪،)101‬‬
‫باإلضافة إلى عضوية املساعد(ة) الاجتماعي(ة) في لجنة املراقبة املنصوص عليها في املادة ‪.187‬‬

‫‪307‬‬
‫رغم التبطور امللحوظ فإن خاليا التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر على مستوى‬
‫النيابات العامة باملحاكم‪ ،‬رغم تراكم املناشير والدوريات واملبطويات والدالئل‪ ،1‬فإن ممارسة الخلية ملهامها‬
‫تشوبها العديد من الصعوبات القانونية املرتببطة أساسا بالفراغات التي تسود عالقتها على مستوى‬
‫املحكمة بالنيابة العامة من جهة وقضاة التحقيق وألاحداث والحكم من جهة وعالقاتها الخارجية مع‬
‫الشركاء ومع الضحايا‪ .‬كما أن قانون محاربة العنف ضد النساء أغفل عدة جوانب مهمة في تنييمه‬
‫لخاليا التكفل القضائي‪ ،‬فاختيار ألاعضاء‪ ،‬باستثناء املساعد(ة) الاجتماعي(ة) ال يتم بناء على معايير‬
‫محددة سلفا بل يصضع للسلبطة التقديرية لجهة التعيين‪ ،‬كما أغفل القانون املذكور التنصيص على‬
‫التحفيز والتكوين التصصص ي ألعضاء الخاليا واللجان املذكورة‪.2‬‬

‫تجدر إلاشارة إلى أن ثقل املهام امللقاة على على عاتق القضاة وتنوعها وتعددها‪ ،‬يلقي بيله على اهتمامات‬
‫أعضاء خلية التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف والاتجار بالبشر‪ .‬وينعكس ذلك على اللجان املحلية‬
‫والجهوية التي تعاني من عدم انتيام اجتماعاتها وغياب بعض أعضائها‪ ،‬حيث أصبح يبطغى عليها البطابع‬
‫الشكلي املرتبط باإلحصائيات والتقارير على حساب اقتراح وتفعيل حلول واقعية للمشاكل املبطروحة‪.‬‬
‫وتزداد ألامور تعقيدا في العالقة مع مؤسسات التكفل الخارجي كصاليا املستشفيات ومراكز إلايواء التي‬
‫ال تغبطي كافة الدوائر القضائية‪ ،‬وحتى وإن وجدت فأغلبها ال يستجيب للشروط النموذجية للتكفل‬
‫بالنساء‪ ،‬وخصوصا في حالة مرافقة أبنائهن‪.3‬‬

‫يبقى أهم إكراه يواجه عمل خاليا التكفل القضائي ذلك املتعلق بحصر مهام املساعد(ة) الاجتماعي(ة) في‬
‫الاستقبال وتجميد بايي الاختصاصات‪ ،‬ما دام أن النصوص القانونية جعلت مسألة استعانة النيابة‬
‫العامة والقضاة بمكتب املساعدة الاجتماعية اختيارية‪ .‬وفي ظل ضعف التكوين القضائي في مجال‬
‫املساعدة الاجتماعية فإن التمثالت التي يحملها بعض القضاة عن مهنة املساعدة الاجتماعية القضائية‬
‫تبقى سلبية‪ ،‬وتنضاف إلى ضعف الوعي القانوني لدى الضحايا وبعض املآخذات على رؤية بعض‬
‫املساعدين الاجتماعيين أنفسهم للمهام املنوطة بهم‪ ،‬لتشكل مجتمعة حدودا ثقافية لتفعيل خاليا‬
‫التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر‪ ،‬على اعتبار أن املساعدة الاجتماعية‬
‫تشكل العمود الفقري للخاليا املذكورة‪.4‬‬

‫‪ -1‬نذكر في هذا الصدد الدليل العملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء وألاطفال‪ ،‬الصادر عن مديرية الشؤون الجنائية والعفو‬
‫بوزارة العدل‪ ،‬سنة ‪.8707‬‬
‫‪ -2‬أنس سعدون‪ :‬مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء باملغرب‪ :‬أي جديد؟ مجلة ألابحاث الجسد والجندر‪ ،‬املجلد ‪ 0‬العدد ألاول‪،‬‬
‫‪ ،8704‬ص ‪.044‬‬
‫‪ -3‬الاتجار بالنساء وألاطفال في املغرب‪ ،‬وزارة العدل والحريات – هيئة ألامم املتحدة للمرأة‪ ،8704 ،‬ص‪.05‬‬
‫‪ -4‬محمد صولحي‪ :‬املساعدة الاجتماعية في أقسام قضاء ألاسرة‪ ،‬الواقع والانتيارات والاكراهات‪ ،‬دراسة سوسيو‪ -‬قانونية‪ ،‬مكتبة دار‬
‫السالم‪ ،‬الرباط‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪ ،8702‬ص‪.03‬‬

‫‪308‬‬
‫املحور الثاني‪ :‬صندوق التكافل العائلي بين أهمية إلانجاز ومحدودية ألاثر‬

‫جاءت فكرة صندوق التكافل العائلي أول مرة في الخبطاب امللكي بمناسبة افتتاح السنة القضائية بتاريخ‬
‫‪ 87‬يناير ‪ ،18773‬لكن إحداثه لم يتم إال بمقتض ى املادة ‪ 01‬مكرر من قانون مالية ‪ ،28707‬بينما حددت‬
‫املادة ‪ 07‬من قانون مالية ‪ 8700‬موارده ونفقاته‪ .3‬وقد تم تحديد وزير العدل آمرا بالقبض والصرف‪ ،‬مع‬
‫تكليف صندوق إلايداع والتدبير بتدبير عمليات الصندوق‪.4‬‬

‫وكان القانون رقم ‪ ،50.07‬املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي‪ ،‬قد‬
‫حصر الفئات املستفيدة من الصندوق في ألام املعوزة املبطلقة ومستحقو النفقة من ألاطفال بعد انحالل‬
‫ميثاق الزوجية‪ .‬غير أن ضيق دائرة الاستفادة من الصندوق وتعقد إجراءاتها أثار العديد من الانتقادات‪،‬‬
‫مما دفع وزارة العدل إلى إجراء تقييم شامل لتجربة الصندوق خلصت بعده إلى ضرورة إدخال تعديالت‬
‫جوهرية على القانون املنيم له‪ ،‬وهو ما تم سنة ‪ 8702‬من خالل القانون رقم ‪ 23.00‬الذي وسع من‬
‫دائرة املستفيدين‪.5‬‬

‫حدد الباب ألاول من التعديل املذكور الفئات املستفيدة من الصندوق‪ ،‬حيث تم توسيعها لتشمل‪،‬‬
‫مستحقو النفقة من ألاوالد خالل قيام عالقة الزوجية أو بعد انحالل ميثاق الزوجية بعد ثبوت عوز‬
‫ألام أو وفاتها‪ ،‬ومستحقو النفقة من ألاطفال املكفولين‪ ،‬والزوجة املعوزة املستحقة للنفقة‪ .‬وتجدر إلاشارة‬
‫إلى أن الاستفادة كانت تقتصر على ألام املعوزة املبطلقة ومستحقو النفقة من ألاطفال بعد انحالل ميثاق‬
‫الزوجية‪ ،‬لكن رغم توسيع الفئات املستفيدة فقد تم استثناء آلاباء وألامهات من الاستفادة في حالة‬

‫‪ -1‬جاء في الخبطاب املذكور "بدال من إحداث صندوق للنفقة قد يفهم منه التشجيع غير املقصود على أبغض الحالل عند هللا وتشتيت‬
‫شمل ألاسرة فإننا نصدر توجيهاتنا إلى حكومتنا قصد الدراسة املتأنية إليجاد صندوق للتكافل العائلي يعتمد في جزء من موارده على طوابع‬
‫ذات قيمة رمزية توضع على الوثائق املرتببطة بالحياة الشخصية والعائلية وترصد نفقاته على أساس معايير مدققة مستهدفين من ذلك‬
‫ضمان حقوق ألام املعوزة وحماية ألاطفال من التشرد الناتج عن البطالق"‪.‬‬
‫‪ -2‬جاء في املادة املذكورة "يحدث ابتداء من فاتح يناير ‪ 8700‬حساب خصوص ي للخزينة يسمى صندوق التكافل العائلي‪ ،‬يتعين قبل التاريخ‬
‫املذكور صدور تشريع يحدد على الخصوص الفئات املعنية بعمليات الصندوق وكذا الشروط واملساطر الواجب استيفاؤها لالستفادة من‬
‫موارد الصندوق‪ ،‬ولتبطبيق أحكام التشريع املشار إليه في الفقرة السابقة سيحدد قانون املالية للسنة املالية ‪ 8700‬صنف هذا الحساب‬
‫الخصوص ي للخزينة وآلامر بالصرف ومداخيل ونفقات الحساب"‪.‬‬
‫‪ -3‬جاء في الفقرة الثانية من املادة املذكورة "يتضمن هذا الحساب في الجانب الدائن ‪ 87‬في املائة من حصيلة الرسوم القضائية‪ ،‬حصيلة‬
‫استرجاع التسبيقات املدفوعة من طرف الصندوق‪ ،‬استرجاع املوارد املدفوعة من الحساب بدون حق مع احتمال زيادة الجزاءات‪ ،‬املوارد‬
‫املمكن رصدها لفائدة الحساب بموجب تشريع أو تنييم‪ ،‬الهبات والوصايا‪ ،‬املوارد املصتلفة‪ .‬في الجانب املدين املبال املدفوعة كتسبيق‬
‫من أجل النفقة لفائدة ألام املعوزة املبطلقة وأبنائها الواجبة لهم النفقة بعد حل ميثاق الزوجية وذلك وفق الشروط املحددة بالتشريع‬
‫والتنييم املتعلقين بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي"‪.‬‬
‫‪ - 4‬القرار املشترك بين وزير العدل والحريات ووزير الاقتصاد واملالية‪ ،‬ج ر عدد ‪ 1753‬بتاريخ ‪ 37‬أبريل ‪ ،8708‬ص ‪.8751‬‬
‫‪ -5‬القانون رقم ‪ 23.00‬بتغيير القانون رقم ‪ 50.07‬املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي‪ ،‬ج ر عدد ‪1144‬‬
‫بتاريخ ‪ 08‬مارس ‪ ،8702‬ص‪.0541‬‬

‫‪309‬‬
‫عجزهم عن تنفيذ حكم النفقة في حق أبنائهم‪ ،‬وذلك عكس بعض التشريعات املقارنة كالقانون البحريني‬
‫املنيم لصندوق النفقة لسنة ‪.18774‬‬

‫تجدر إلاشارة إلى أن مجلس النواب املغربي صادق بتاريخ ‪ 83‬يناير ‪ 8783‬على مقترح قانون بتغيير املادتين‬
‫الثانية والرابعة من القانون املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي‪،‬‬
‫وذلك بإضافة الوالدين املعوزين مستحقي النفقة من الاستفادة من تسبيقات الصندوق‪ .‬وبعد هذا‬
‫التعديل يبقى إلاشكال فقط بالنسبة لألبناء من أمهات عازبات في حالة ثبوت النسب‪ ،‬وهي الفئة التي‬
‫تعهد وزير العدل بإيجاد حل لها‪ ،‬وذلك بمناسبة دراسة لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب ملقترح‬
‫تعديل القانون املذكور بتاريخ ‪ 00‬يناير ‪.8783‬‬

‫تبطرق الباب الثاني إلجراءات الاستفادة من الصندوق‪ ،‬بدءا بشكليات البطلب‪ ،‬ومرورا بالبت فيه من‬
‫طرف رئيس املحكمة‪ ،‬ووصوال إلحالته على الجهة املصتصة بصرف التسبيقات‪ ،‬وقد تم تحديد الوثائق‬
‫الواجب إرفاقها ببطلب الاستفادة من الصندوق بنص تنييمي‪ .2‬وإذا كانت أغلب الوثائق ال تثير إشكاال‬
‫فإن إثبات حالة العوز يتم باإلدالء بببطاقة املساعدة البطبية (راميد) أو بشهادة عوز مسلمة من طرف‬
‫السلبطة املحلية‪ ،‬وكان أحرى باملشرع املغربي أن يسند أمر إثبات حالة العوز للمحكمة عن طريق ألامر‬
‫بصبرة قضائية أو بحث اجتماعي أو تفعيل حق إلاطالع املنيم بمقتض ى مدونة تحصيل الديون العمومية‪،‬‬
‫وذلك تفاديا ألي تحايل أو تزوير‪.3‬‬

‫نيم الباب الثالث استرجاع التسبيقات املالية من امللزم بالنفقة‪ ،‬حيث نصت املادة ألاولى من القانون‬
‫املذكور على إسناد تدبير عمليات صندوق التكافل العائلي لصندوق إلايداع والتدبير‪ ،‬وذلك بنص تنييمي‪.‬‬
‫ونصت املادة ‪ 07‬من قانون مالية ‪ 8700‬على أن صندوق التكافل العائلي يستأثر بحصة ‪ 87‬في املائة من‬
‫حصيلة الرسوم القضائية‪ ،‬ومعلوم أن استصالص الرسوم القضائية من اختصاص كتابة الضبط بناء‬
‫على املادة ‪ 50‬من قانون مالية ‪ 0773‬واملادة الثالثة من مدونة تحصيل الديون العمومية‪ .‬وتنقسم‬
‫الرسوم القضائية إلى رسوم أصلية وتستصلص من طرف مكتب الرسوم القضائية والحسابات‪ ،‬ورسوم‬
‫تكميلية يتم تحصيلها من طرف وحدة التبلي والتحصيل باملحاكم‪.4‬‬

‫‪ - 1‬فريد بوشن‪ :‬صندوق التكافل العائلي ودوره في تنفيذ ألاحكام القضائية املتعلقة بالنفقة‪ ،‬مجلة الباحث للدراسات القانونية والقضائية‪،‬‬
‫سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة‪ ،‬العدد ‪ ،34‬يوليوز ‪ ،8787‬ص ‪.077‬‬
‫‪ -2‬مرسوم رقم ‪ 00.8.074‬بتبطبيق أحكام القانون املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي‪ ،‬منشور بالجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 4702‬بتاريخ ‪ 04‬شتنبر ‪ 8700،‬ص‪.5474‬‬
‫‪ -3‬هجيرة بن عزي‪ :‬تفعيل صندوق التكافل العائلي‪ ،‬مجلة العلوم القانونية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 4/5‬بعنوان "مدونة ألاسرة بين القانون واملمارسة‬
‫على ضوء أهم الاجتهادات القضائية‪ ،‬الجزء ألاول‪ ،‬مبطبعة ألامنية بالرباط‪ ،8704 ،‬ص‪.012‬‬
‫‪ - 4‬مراد الرايش ي‪ :‬أبعاد وحدود سياسة إصالح منيومة العدالة باملغرب‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫والاقتصادية والاجتماعية ببطنجة‪ ،‬جامعة عبد امللك السعدي‪ ،‬املوسم الجامعي ‪.8780/8787‬‬

‫‪310‬‬
‫إضافة إلى ما سبق نصت املادة ‪ 05‬من القانون املتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق‬
‫التكافل العائلي على أن "تسترجع كتابة الضبط‪ ،‬من امللزم بالنفقة‪ ،‬التسبيقات املالية املؤداة‪ ،‬طبقا‬
‫للمقتضيات املتعلقة بتحصيل الديون العمومية‪ ،‬وتقوم بدفعها للمحاسب العمومي املكلف وفق نقس‬
‫إلاجراءات املبينة في الفقرة ألاخيرة من املادة ‪ 03‬أعاله‪ ،‬وتنص الفقرة املذكورة على "أن تقوم كتابة‬
‫الضبط بتحصيل التسبيقات (غير املستحقة) التي صدر ألامر باسترجاعها مع الغرامات املفروضة عند‬
‫الاقتضاء‪ ،‬ودفعها للمحاسب العمومي املكلف‪ ،‬من أجل إدراجها ضمن مداخيل الحساب املرصد ألمور‬
‫خصوصية املسمى صندوق التكافل العائلي ويتم إشعار الهيئة املصتصة بذلك"‪.1‬‬

‫تبطبيق املقتضيات السابقة تعتريه عدة صعوبات‪ ،‬فأمر رئيس املحكمة استرجاع التسبيقات غير املستحقة‬
‫املنصوص عليها في املادة ‪ 03‬والغرامات املرتببطة بها في حالة سوء النية يتوقف على تصريح املستفيد‬
‫نفسه‪ ،‬وهو أمر غير منبطقي‪ .‬أما استرجاع التسبيقات املذكورة من امللزم بالنفقة‪ ،‬كما نصت على ذلك‬
‫املادة ‪ ،05‬فهو مقتض ى غير واقعي على اعتبار أن الاستفادة من صندوق التكافل العائلي تتبطلب إلادالء‬
‫بما يثبت تعذر أو تأخر التنفيذ على امللزم بالنفقة‪ ،‬ففي حالة تأخر التنفيذ قد يكون مقتض ى الاسترجاع‬
‫معقوال‪ ،‬أما في حالة تعذر التنفيذ فإن املحضر املدلى به غالبا ما يكون "محضر امتناع وعدم وجود ما‬
‫يحجز"‪ ،‬فكيف يتصور استرجاع أموال من العاجز أصال عن أداء النفقة؟ كما أن تعريضه لإلكراه البدني‬
‫بسبب امتناعه عن إرجاع التسبيقات يتنافى مع مبدأ أحادية العقوبة‪.2‬‬

‫يبقى أكبر انتقاد يمكن توجيهه لصندوق التكافل العائلي هو ذلك املتعلق بقيمة التسبيق املصصص لكل‬
‫مستفيد (‪ 347.77‬درهما)‪ ،‬وهو مبل هزيل جدا إذا ما قورن بارتفاع ألاسعار وتغير مستوى املعيشة‪ .‬كما‬
‫أن تحديد سقف الاستفادة في مبل ‪ 0747.77‬درهم ال معنى له سوى تغليب الهواجس املالية على‬
‫الاعتبارات الاجتماعية‪ ،‬خصوصا وأن الصندوق يحقق فائضا سنويا كبيرا‪ .3‬كما أنه باإلمكان تعزيز موارد‬

‫‪ -1‬تجدر إلاشارة إلى أن الفقرة ألاولى من املادة ‪ 03‬نصت على أنه "يتعين على كل مستفيد من التسبيقات املالية للصندوق إشعار رئيس‬
‫املحكمة املصدرة لألمر أو الهيئة املصتصة‪ ،‬بكل تغيير يؤدي إلى سقوط حقه في الاستفادة من الصندوق ألي سبب من ألاسباب والسيما‬
‫الحالتين املنصوص عليهما في الفقرة الثانية من املادة ‪ ،"07‬وتنص هذه الفقرة على أن "تواصل الهيئة املصتصة صرف التسبيق املالي‬
‫للمستفيدين منه إلى حين سقوط حق املحكوم له في النفقة‪ ،‬أو إلى حين ثبوت تنفيذها من لدن املحكوم عليه"‪ .‬وتنص املادة الفقرة الثالثة‬
‫من املادة ‪ 03‬على أن "يأمر املحكمة أو من ينوب عنه‪ ،‬مع ألاخذ بعين الاعتبار وضعية القاصر املنصوص عليها في البند ‪ 1‬من املادة ‪ 5‬أعاله‪،‬‬
‫كل من تسلم تسبيقات مالية غير مستحقة بإرجاعها إلى صندوق املحكمة داخل أجل يحدده‪ .‬وفي حالة ثبوت سوء نية املتسلم يأمر رئيس‬
‫املحكمة أو من ينوب عنه إضافة إلى إرجاع التسبيقات املالية‪ ،‬بغرامة تحدد في ضعف مبل التسبيقات املالية املذكورة‪ ،‬وذلك بصرف‬
‫النير عن املتابعات الجنائية"‪.‬‬
‫‪ -2‬دوريتي وزير العدل عدد ‪00‬س‪ 8/5‬لسنة ‪ 8788‬و‪83‬س‪ 8/5‬لسنة ‪8783‬حول استرجاع التسبيقات املالية لصندوق التكافل العائلي‪.‬‬
‫‪ -3‬تصريح وزير العدل خالل تقديم امليزانية الفرعية بلجنة العدل والتشريع بمجلس النواب بتاريخ ‪ 78‬نونبر ‪ ،8780‬حيث فاقت اعتمادات‬
‫الصندوق سنة ‪ 8780‬ما مجموعه ‪ 074‬مليون درهم في حين أن التزاماته لم تتجاوز ‪ 007‬مليون درهم‪.‬‬

‫‪311‬‬
‫صندوق التكافل العائلي بأموال أخرى ذات مصدر قضائي‪ ،‬وذلك من خالل تقنين إعادة بيع محجوزات‬
‫الكحول والقنب الهندي بدل إتالفها‪.‬‬

‫خاتمة‬

‫يملك القضاء املغربي مجموعة من آلاليات التي تمكنه من املساهمة في تكريس مفهوم الدولة الاجتماعية‪،‬‬
‫وذلك من خالل دوره في تعزيز الحماية الاجتماعية للفئات الهشة‪ .‬فإضافة إلى الخصوصيات املرتببطة‬
‫بقضاء الشغل وقضاء ألاسرة والامتيازات التي توفرها مسبطرة املساعدة القضائية‪ ،‬تم استحداث آليات‬
‫أخرى على مستوى املحاكم لتعزيز ولوج املرأة والبطفل للعدالة وتوفير بدائل مناسبة لتغبطية عجز املساطر‬
‫التقليدية‪ ،‬وأبرزها خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر وصندوق‬
‫التكافل العائلي اللذان يعانيان من عدة صعوبات قانونية وواقعية تحد من فعاليتهما‪.‬‬

‫من شأن خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر أن تلعب دورا فعاال‬
‫في الحماية الاجتماعية للفئات املعنية من خالل تسهيل ولوج املرأة والبطفل للعدالة والقانون وحمايتهما‬
‫من العنف بمصتلف أشكاله‪ ،‬شريبطة تفعيل كافة إلامكانيات القانونية املتاحة لها‪ ،‬مع التقييم املستمر‬
‫لهذه التجربة قصد العمل على تبطوير إلايجابيات ورفع املعيقات التي تحول دون تحقيق ألاهداف‬
‫املنشودة منها‪ .‬ويتبطلب ألامر احترام خصوصية مهنة املساعدة الاجتماعية باملحاكم باعتبارها املكون‬
‫ألاساس ي للخاليا املذكورة وتوسيع صالحياتها املرتببطة بالصلح وإجراء ألابحاث الاجتماعية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫توسيع مفهوم العنف املرتبط بعمل خاليا التكفل ليشمل املياهر النفسية والاقتصادية‪.‬‬

‫صندوق التكافل العائلي يمثل تنزيال مباشرا ملفهوم الدولة الاجتماعية على املستوى القضائي‪ ،‬غير‬
‫محدودية التسبيقات وتسقيفها يحد من أثرها الاجتماعي‪ ،‬إضافة إلى صعوبة استرجاع التسبيقات‬
‫املذكورة‪ .‬واملبطلوب تعزيز مداخيل الصندوق بموارد إضافية‪ ،‬وتوسيع الفئات املستفيدة لتشمل الوالدين‬
‫وألابناء املولودين خارج مؤسسة الزواج‪ ،‬والرفع من املبل املصصص لكل مستفيد وإلغاء السقف املحدد‬
‫لكل أسرة‪ ،‬وإقرار آليات رقابية لكشف التحايل من طرف املستفيدين من الصندوق من جهة وتغير‬
‫الوضعية املالية للملزمين بالنفقة من جهة أخرى‪ ،‬مع استغالل التبطبيقات املعلوماتية لهذا الغرض‪.‬‬

‫إضافة إلى إصالح مؤسستي خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال ضحايا العنف والاتجار بالبشر‬
‫وصندوق التكافل العائلي‪ ،‬يمكن تعزيز دور القضاء في الحماية الاجتماعية من خالل مداخل أخرى من‬
‫قبيل تبطوير نيام املساعدة القضائية وإقرار نيام املساعدة القانونية وتصفيض الرسوم القضائية‬
‫وتبسيط مساطر التحلل من الغرامات وإلادانات النقدية‪ ،‬وخصوصا بالنسبة للجرائم البسيبطة املرتكبة‬
‫من طرف الفئات الهشة‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫الئحة املصادر واملراجع‪:‬‬
‫الئحة املصادر‪:‬‬
‫‪ ‬اليهير الشريف رقم ‪ 0.03.080‬الصادر بتنفيذ القانون رقم ‪ ،80.05‬الجريدة الرسمية عدد ‪1470‬‬
‫بتاريخ ‪ 07‬شتنبر ‪ 8701‬ص ‪1155‬‬
‫‪ ‬اليهير الشريف رقم ‪ 0.02.07‬الصادر بتنفيذ القانون رقم ‪ ،073.03‬الجريدة الرسمية عدد ‪1144‬‬
‫بتاريخ ‪ 08‬مارس ‪ 8702‬ص‪0557‬‬
‫‪ ‬اليهير الشريف رقم ‪ 0.88.32‬الصادر بتنفيذ قانون التنييم القضائي رقم ‪ ،32.04‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ 0072‬بتاريخ ‪ 05‬يوليوز ‪8788‬‬
‫‪ ‬اليهير الشريف رقم ‪ 0.0.070‬الصادر في ‪ 03‬دجنبر ‪ 8787‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 50.07‬املتعلق بتحديد‬
‫شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي‪ ،‬واملنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪4775‬‬
‫بتاريخ ‪ 37‬دجنبر ‪ ،8707‬ص ‪.4410‬‬
‫‪ ‬اليهير الشريف رقم ‪ 0.02.87‬الصادر بتنفيذ القانون رقم ‪ ،23.00‬الجريدة الرسمية عدد ‪1144‬‬
‫بتاريخ ‪ 08‬مارس ‪ ،8702‬ص‪ ،0541‬بتعديل القانون ‪ 50.07‬الخاص بصندوق التكافل العائلي‬
‫‪ ‬اليهير الشريف رقم ‪ 0.77.853‬صادر بتنفيذ قانون املالية رقم ‪ 52.77‬لسنة ‪ ،8707‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ ،4277‬بتاريخ ‪ 30‬دجنبر ‪ ،8777‬ص‪.1774‬‬
‫‪ ‬اليهير الشريف رقم ‪ 0.07.877‬صادر بتنفيذ قانون املالية رقم ‪ 53.07‬لسنة ‪ ،8700‬الجريدة الرسمية‬
‫عدد ‪ ،4775‬بتاريخ ‪ 37‬دجنبر ‪ ،8707‬ص‪4520‬‬
‫‪ ‬املرسوم رقم ‪ 8.02.241‬املتعلق بتنفيذ قانون محاربة العنف ضد النساء‪ ،‬منشور في الجريدة‬
‫الرسمية عدد ‪ 1005‬بتاريخ ‪ 78‬ماي ‪ 8707‬ص ‪0557‬‬
‫‪ ‬دورية وزير العدل بتاريخ ‪ 30‬دجنبر ‪ 8775‬بشأن تأسيس خاليا التكفل القضائي بالنساء وألاطفال‬
‫ضحايا العنف‬
‫‪ ‬منشور وزير العدل عدد ‪84‬س‪ 3‬بتاريخ ‪ 70‬أكتوبر ‪ 8772‬بشأن تنييم خاليا التكفل بالنساء وألاطفال‬
‫ضحايا العنف‬
‫‪ ‬مرجعية الوظائف والكفاءات‪ ،‬املجال الوظيفي الثالث‪ ،‬العدالة وحماية الحقوق‪ ،‬من ص ‪ 441‬إلى‬
‫ص ‪ ،410‬وزارة العدل والحريات‪8708 ،‬‬
‫‪ ‬الدليل العملي للمساعد(ة) الاجتماعي(ة) القضائي(ة) الصادر عن وزارة العدل بشراكة مع هيئة ألامم‬
‫املتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين املرأة‪ ،‬دون تاريخ نشر‬
‫‪ ‬الدليل العملي للمعايير النموذجية للتكفل القضائي بالنساء وألاطفال‪ ،‬الصادر عن مديرية الشؤون‬
‫الجنائية والعفو بوزارة العدل‪ ،‬سنة ‪8707‬‬
‫‪ ‬دراسة تشخيصية للتكفل بالنساء ضحايا العنف باملغرب‪ :‬مديرية الشؤون الجنائية والعفو بوزارة‬
‫العدل‪ ،‬ماي ‪8772‬‬
‫‪313‬‬
‫الاتجار بالنساء وألاطفال في املغرب‪ ،‬وزارة العدل والحريات – هيئة ألامم املتحدة للمرأة‪8704 ،‬‬ ‫‪‬‬
‫تقرير حصيلة ومنجزات وزارة العدل والحريات تحت عنوان "معالم على درب إلاصالح الشامل‬ ‫‪‬‬
‫والعميق ملنيومة العدالة"‪ ،‬سنة ‪8703‬‬
‫دورية وزير العدل عدد ‪042‬س‪ 3‬بتاريخ ‪ 04‬يونيو ‪ 8777‬حول إدماج املساعدة الاجتماعية بقسم‬ ‫‪‬‬
‫قضاء ألاسرة‪.‬‬
‫دورية وزير العدل عدد ‪87‬س‪ 3‬بتاريخ ‪ 08‬أكتوبر ‪ 8707‬حول إحداث اللجان املحلية والجهوية لخاليا‬ ‫‪‬‬
‫التكفل بالنساء وألاطفال ضحايا العنف‪.‬‬
‫مشروع قانون املسبطرة الجنائية رقم ‪ ،70.02‬موقع وزارة العدل على ألانترنيت‪ ،‬صيغة نونبر ‪.8780‬‬ ‫‪‬‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫أنس سعدون‪ :‬مشروع قانون مكافحة العنف ضد النساء باملغرب‪ :‬أي جديد؟ مجلة ألابحاث الجسد‬ ‫‪‬‬
‫والجندر‪ ،‬املجلد ‪ 0‬العدد ألاول‪8704 ،‬‬
‫سفيان شاو ‪ :‬التكفل القضائي بالنساء ضحايا العنف الزوجي على ضوء قانون محاربة العنف‬ ‫‪‬‬
‫ضد النساء‪ ،‬املحكمة الابتدائية لبوملان بميسور نموذجا‪ ،‬رسالة نهاية التدريب الستكمال وحدات‬
‫املاستر‪ ،‬كلية الشريعة بجامعة سيدي محمد بن عبد هللا بفاس‪ ،‬السنة الجامعية ‪8787/8707‬‬
‫فريد بوشن‪ :‬صندوق التكافل العائلي ودوره في تنفيذ ألاحكام القضائية املتعلقة بالنفقة‪ ،‬مجلة‬ ‫‪‬‬
‫الباحث للدراسات القانونية والقضائية‪ ،‬سلسلة أبحاث قانونية جامعية معمقة‪ ،‬العدد ‪ ،34‬يوليوز‬
‫‪.8787‬‬
‫محمد صوالحي‪ :‬املساعدة الاجتماعية في أقسام قضاء ألاسرة‪ ،‬الواقع والانتيارات والاكراهات‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫دراسة سوسيو‪ -‬قانونية‪ ،‬مكتبة دار السالم‪ ،‬الرباط‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪8702‬‬
‫مراد الرايش ي‪ :‬أبعاد وحدود سياسة إصالح منيومة العدالة باملغرب‪ ،‬أطروحة لنيل شهادة‬ ‫‪‬‬
‫الدكتوراه‪ ،‬كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية ببطنجة‪ ،‬جامعة عبد امللك السعدي‪،‬‬
‫املوسم الجامعي ‪8780/8787‬‬
‫هجيرة بن عزي‪ :‬تفعيل صندوق التكافل العائلي‪ ،‬مجلة العلوم القانونية‪ ،‬عدد مزدوج ‪ 4/5‬بعنوان‬ ‫‪‬‬
‫"مدونة ألاسرة بين القانون واملمارسة على ضوء أهم الاجتهادات القضائية‪ ،‬الجزء ألاول‪ ،‬مبطبعة‬
‫ألامنية بالرباط‪.8704 ،‬‬

‫‪314‬‬
‫هشاشة النساء العامالت املنزليات وقضايا الولوج إلى الحماية الاجتماعية‬
‫‪ -‬دراسة حالة ‪-‬‬
‫حبيبة ملوك‬
‫باحثة في علوم التربية‬
‫تقديم‬
‫يشكل العمل املنزلي أو العمالة املنزلية إحدى املهن التي تقترن بالنساء‪ ،‬فهن يمارسن هذا العمل غير‬
‫املعترف به اجتماعيا‪ ،‬إذ تقوم النساء بمهام الخدمات املنزلية وتقديم الرعاية ألفراد ألاسر‪ ،‬وإنجاز‬
‫مصتلف ألاشغال املرتببطة باملنزل أو باألسرة‪ ،‬وذلك بصفة دائمة واعتيادية‪ ،‬مقابل أجر محدد‪.‬‬
‫وتعد فئة النساء العامالت املنزليات إحدى الفئات الاجتماعية ألاكثر عرضة للفقر والهشاشة‪ ،‬إذ تعيش‬
‫هذه الفئة وضعيات صعبة‪ ،‬والتي تتجلى في أجور هزيلة وفي بيئة عمل غير مالئمة‪ ،‬إضافة إلى ظروف‬
‫حياتهن الهشة‪ ،‬إنها وضعيات الالاستقرار الاجتماعي؛ فهن عرضة إلى كثير من املصاطر‪ ،‬وذلك في ظل‬
‫غياب أو محدودية الحماية القانونية والاجتماعية للعامالت‪.‬‬
‫إن ولوج املرأة املغربية إلى الاشتغال في ألاعمال املنزلية وبدون أي حماية اجتماعية‪ ،‬نيير مسألتين‪ ،‬أوال‪،‬‬
‫طبيعة التقسيم الاجتماعي للعمل‪ ،‬حيث أن ألاعمال املنزلية من اختصاص النساء‪ ،‬وهو ما يفسر امتهان‬
‫النساء لهذه املهن‪ .‬أما املسألة الثانية‪ ،‬فهي نتيجة غياب فرص عمل في ميادين أخرى‪ ،‬وارتفاع نسب‬
‫ألامية والجهل بين إلاناث باملقارنة مع الذكور‪ ،‬وهو ما ينتج عامالت محتمالت‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬فإن الحديث عن هشاشة النساء العامالت املنزليات يقتض ي الحديث عن أشكال‬
‫وأنيمة الحماية الاجتماعية‪ ،‬إذ عرفت مسألة الحماية الاجتماعية باملغرب اهتماما متزايدا منذ النصف‬
‫الثاني من القرن العشرين‪ ،‬سواء من طرف املؤسسات أو مصتلف الفاعلين؛ باحثين وسياسيين‪ ،...‬وذلك‬
‫بهدف مساعدة الفئات الفقيرة والهشة والنهوض بحقوقها‪ ،‬وأضحت الحماية الاجتماعية حقا من حقوق‬
‫إلانسان خصوصاللبطبقة العاملة‪ ،‬بعد أن كانت فيما مض ى تنبني على املنبطق إلاحساني والخيري‪ ،‬إذ‬
‫''كانت خدمات الحماية الاجتماعية تتم عبر نيام الوقف وبعض املؤسسات التقليدية مثل الزوايا‪،‬‬
‫والبطوائف ومصتلف أشكال التضامن الاجتماعي القبلي وألاسري ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫عرفت الحماية الاجتماعية باملغرب تبطورا ملحوظا‪ ،‬حيث لم يتم الاقتصار على الشكل التقليدي‪ ،‬بل‬
‫أشكاال جديدة من خالل تدخل أنيمة مؤسساتية للحماية الاجتماعية‪ ،‬إال أن الولوج إلى هذه ألانيمة ال‬
‫يتحقق إال عن طريق الولوج إلى الشغل‪ ،‬مما يشكل عائقا أمام فئات عريضة في املجتمع تشتغل بدون‬
‫عقود عمل خصوصا فئة النساء العامالت املنزليات‪ ،‬والتي حرمن من أبسط حقوقهن‪.‬‬

‫‪ 1‬رشيد بن بيه‪ ،‬أنـظمة الحماية الاجتماعية بـاملغرب‪ ،‬الـتحديات وآلافـاق‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬البطبعة ألاولى ‪ ،8703‬ص ‪.5‬‬

‫‪315‬‬
‫ويتضح أن هذه الفئة ‪-‬العامالت املنزليات‪ -‬لم تتلق اهتماما كافيا من طرف الباحثين والدارسين املهتمين‬
‫بالحماية الاجتماعية‪ ،‬وكذلك من طرف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين‪ ،‬وأمام هذا القصور‪ ،‬تأتي‬
‫أهمية هذه الورقة البحثية من خالل دراسة وتحليل هشاشة النساء العامالت املنزليات اللواتي يعشن‬
‫وضعيات فقر وهشاشة وذلك وفق مقاربة سوسيولوجية‪ ،‬مع الوقوف عند أبرز برامج الحماية الاجتماعية‬
‫التي تستهدف النساء عموما‪ ،‬والنساء العامالت املنزليات على وجه الخصوص‪ ،‬وإبراز تحديات وإكراهات‬
‫الولوج والاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية‪ ،‬ثم أخيرا دراسة حالة عاملة منزلية قصد فهم أكثر‬
‫ملصاطر الشغل في ظل غياب‪ /‬محدودية أنيمة الحماية الاجتماعية‪ ،‬وفي هذا الصدد نتساءل‪ :‬إلى أي حد‬
‫يمكن دراسة وتحليل موضوع النساء العامالت املنزليات بين الهشاشة والحماية الاجتماعية؟‪.‬‬
‫‪ .0‬هشاشة العامالت املنزليات‪ :‬مقاربة سوسيولوجية‬
‫تعد فئة العامالت املنزليات من بين إحدى الفئات الاجتماعية التي تعيش في وضعيات صعبة وهشة‪،‬‬
‫نيرا لبطبيعة العمل املنزلي من جهة‪ ،‬ومحدودية الحماية الاجتماعية والقانونية من جهة أخرى‪ ،‬ويكتس ي‬
‫البحث في موضوع فئة العامالت املنزليات أهمية بالغة في تصصص سوسيولوجية الهشاشة‪ ،1‬لكونه‬
‫يمكننا من رصد وتحليل الوضعيات الهشة ملصتلف الفئات الاجتماعية‪ ،‬وقياس درجات الهشاشة‪،‬‬
‫باإلضافة إلى تقييم أشكال التدخل العمومي املوجه لصالح هذه الفئة الاجتماعية‪.‬‬
‫والجدير بالذكر أن سوسيولوجية الهشاشة ظهرت منذ القرن التاسع عشر كحقل علمي لدراسة‬
‫التحوالت الاجتماعية والاقتصادية التي رافقت الثورة الصناعية والتغير الاجتماعي‪ ،‬إذ وجد علماء‬
‫الاجتماع أنفسهم أمام "املسألة الاجتماعية" ‪la question sociale 2‬؛حيث ارتبط تحليل الهشاشة آنذاك‬
‫بوضعية العمل والعمال‪ ،‬والوضعية الصعبة التي عاشها العمال‪ ،‬ومن الباحثين ألاوائل الذين انتبهوا إلى‬
‫هذه الوضعيات منهم اميل دوركايم في مقاربته التضامن الاجتماعي ومسألة تقسيم العمل‪ ،‬وكذلك‬
‫الباحث الاقتصادي كارل ماركس من خالل دراسته لبطبقات الاجتماعية‪.3‬‬
‫كما أبدى بعض الباحثين املتصصصين في علم الاجتماع نوعا من الاهتمام بقضايا العمل والعمال‪ ،‬وقد‬
‫كانت دراسة بيار بورديو حول ''العمل والعمال بالجزائر''‪ 4‬من أبرز ألاعمال التي تناولت هذه القضية من‬

‫‪1‬تصصص سوسيولوجية الهشاشة )‪ (Sociology of Precarity‬هو فرع من فروع علم الاجتماع يتناول اليروف الحياتية والاقتصادية التي‬
‫يعيشها ألافراد في مجتمعات العالم املتقدمة والنامية‪ ،‬والتي تؤدي إلى العيش في وضعية الالاستقرار وعدم اليقين بشأن املستقبل‪ ،‬وقد‬
‫تبطور هذا التصصص على يد مجموعة من الباحثين الفرانكفونيين وألانجلوساكسونيين‪ ،‬من أهمهم ماريس بروسون‪ Maryse Bresson‬و‬
‫سرج بوغام‪ Serge Paugam‬و روبرت كاستل‪ Robert castel‬و أولريش بيك ‪ Ulrich Beck‬وآخرون‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪BRESSON, Maryse. Sociologie de la précarité, sous la direction François de singly, Armand‬‬
‫‪Colin édition, 2007, P 5.‬‬
‫‪3 Ibid. P 5.‬‬
‫‪4 BOURDIEU, Pierre. Travail et travailleurs en Algérie: Étude sociologique. Editions de la‬‬
‫‪Maison des sciences de l'Homme, 1963.‬‬
‫‪316‬‬
‫وجهة نير سوسيولوجية‪ .‬باإلضافة إلى الدراسات السوسيولوجيا ألامريكية ألاولية والتي اهتمت بشكل‬
‫عام بتنمية املقاوالت ومنها تحسين ظروف العمال وغيرها من ألاعمال املبكرة‪ ،‬ومن بين أهم الباحثين في‬
‫دراسة وتحليل الشغل‪ ،‬الباحث الفرنس ي روبرت كاستل والذي يصف في كتابه ‪Métamorphoses Les‬‬
‫‪de la question sociale1‬الهزة العميقة لا "حضارة العمل "بأكملها‪ ،‬والتي تم توحيدها تار ً‬
‫يصيا تحت رعاية‬
‫العمل املأجور‪ .‬وبذلك يشير تعبير "ألاجير" إلى الرابط بين عقد العمل والحقوق املرتببطة به‪ ،‬بما في ذلك‬
‫الحماية الاجتماعية‪ .‬ومع انتشار ألاشكال الخاصة بالشغل‪ ،‬أصبح مستقبل نيام الشغل أكثر عشوائية‪.‬‬
‫وتبطورت الهشاشة الجماعية‪ ،‬مما يبرز الهاجس الشعبي القديم املتمثل في الاضبطرار إلى العيش « ً‬
‫يوما‬
‫بعد يوم»‪.2‬‬
‫ومن الباحثين الذين ربط الهشاشة باملصاطر نجد ولريش بيك خصوصا في عمله البحثي حول مجتمع‬
‫املصاطرة ‪ ،société du risque3-0721‬والذي تأسس معه الاهتمام الفعلي باملجتمعات املعاصرة كمجتمع‬
‫مصاطر‪ ،‬لتتجه بعد ذلك ألابحاث السوسيولوجية إلى اعتبار الهشاشة هي حالة مصاطر‪ ،‬أو باألحرى حالة‬
‫الخوف من املصاطر‪ ،‬وحالة الالأمن الاجتماعي‪ ،‬وحالة الشك والاليقين أو الارتياب‪ ،‬السيما مع الباحثين‬
‫الفرنسيين ماريس بروسون وسرج بوغام و روبرت كاستل‪ ...‬ويلتقي هؤالء الباحثون في كون الهشاشة‬
‫ترتبط بمصتلف التحوالت الاجتماعية والاقتصادية والثقافية‪.‬‬
‫أما بصصوص الدراسات النسائية ومقاربة النوع الاجتماعي فقد ارتكزت الكثير من الدراسات على قضايا‬
‫املساواة بين الجنسين وحقوق النساء باملجتمع املغربي‪ ،‬إذ ''تزايد الاهتمام السوسيولوجي بموضوع املرأة‬
‫منذ بداية عقد الثمانينات‪ ،‬وتزايدت أعداد الباحثات املهتمات باملوضوع؛ نتيجة الدعم املالي املمنوح من‬
‫طرف بعض املنيمات الدولية لألبحاث حول وضعية املرأة والبطفل‪ ،‬أما املرحلة الراهنة في الخبطاب‬
‫السوسيولوجي باملغرب‪ ،‬فتتميز بسيادة خبطاب سوسيولوجي بامتياز كما ونوعا‪ ،‬لكنه ال يزال ض ً‬
‫عيفا‬
‫كيفيا‪ ،4''..‬السيما دراسة موضوع العمل املنزلي والذي يشكل عمال غير مرئيا وغير معترف به اجتماعيا‬
‫بتعبير الباحثة املغربية فاطمة املرنيس ي‪ ،‬إذ تؤكد هذه الباحثة أن ''العمل الضخم الذي تقوم به املرأة‬

‫‪1‬‬
‫‪ROBERT, Castel. Les métamorphoses de la question sociale : une chronique du salariat, Fayard, Paris, 1995,‬‬
‫‪réédition Folio-Gallimard, Paris, 2000.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪BRESSON, Maryse. Sociologie de la précarité, op.cit. P42.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪BECK, Ulrich. La société du risque. Sur la voie d’une autre modernité, Paris, Éditions Aubier, 2001; édition‬‬
‫‪originale: Risikogesellschaft, Francfort. 1986.‬‬

‫‪4‬ياسين عتنا‪ ،‬قراءة في كتاب‪'' :‬املرأة في العلوم الاجتماعية‪ :‬من متغير الجنس إلى سؤال النوع‪ :‬للباحث فوزي بوخريص''‪ ،‬منشورات‬
‫مجلة تجسير‪ ،‬املجلد ألاول‪ ،‬العدد ‪ ،8787 ،8‬مركز ابن خلدون للعلوم إلانسانية والاجتماعية‪-‬جامعة قبطر‪ ،‬ص ‪.045‬‬

‫‪317‬‬
‫ال يقابله أجر في غالب ألاحيان‪ .‬ووضعية النساء ألاكثر في القبطاع الابتدائي هي 'مساعدة العائلة' أي عاملة‬
‫بدون أجر''‪.1‬‬
‫ويحيل العمل املنزلي عادة إلى مجموعة من املهام الجسدية مثل البطهي والتنييف والتسوق‪ .‬يشير علماء‬
‫ً‬
‫أحيانا إلى ألانشبطة غير الجسدية املتعلقة با "تدبير املنزل" ‪ ،‬ولكن هذه ألانشبطة عادة ما تذكر‬ ‫الاجتماع‬
‫بشكل غير دقيق أو تعامل على أنها مكافئة للمهام الجسدية‪.2‬‬
‫إن دراسة وضعيات العامالت املنزلياتلم تحظ باهتمام الباحثين والدارسين بالشكل الكافي واملبطلوب‪،‬‬
‫وذلك حسب ما أتيح لنا الاطالع عليه السيما في تصصص سوسيولوجية هشاشة الشغل‪ ،‬وقد ارتكز‬
‫الباحثين على مواضيع قريبة مثل خروج املرأة إلى العمل‪ ،‬الوضعية السوسيو‪-‬اقتصادية للعامالت في‬
‫املصانع واملقاوالت وألاعمال الزراعية والفالحية‪ ،‬لذلك يبقى فهم وتحليل هذا املوضوع محدودا إذا‬
‫اقتصرنا على الجوانب السوسيو‪-‬ثقافية والعالئقية للعامالت الالئي تزاولن عمال هشا‪.‬‬
‫إن دراسة وتحليل ''هشاشة العامالت املنزليات'' يقتض ي رصد الواقع الحالي للياهرة في شكل أرقام‪ ،‬إذ‬
‫حاولت بعض التقارير رصد معاناة النساء العامالت املنزليات باملغرب‪ ،‬ولعل أبرزها دراسة ''داخل املنزل‪،‬‬
‫خارج القانون إساءة معاملة عامالت املنازل ألاطفال في املغرب'' من إعداد منيمة مراقبة حقوق الانسان‪،‬‬
‫والتي حاولت الوقوف عند وضعيات عينة من عامالت املنزليات باإلضافة إلى اقتراح جملة من التوصيات‬
‫لتحسين ظروف عملهن‪ .‬كما توصلت إحدى الدراسات الحكومية لسنة ‪ 8770‬حول عمال املنازل ألاطفال‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫في الدار البيضاء إلى أن ‪ 8.47‬من الفتيات العامالت باملنازل آن تحت سن ‪ 04‬عاما‪ ،‬كما انتهت دراسة‬
‫ً‬
‫جمعية إنصاف لعام ‪ 8707‬الخاصة بعامالت املنازل القاصرات تحت سن ‪ 04‬عاما (من ‪ 877‬أسرة‬
‫ً‬
‫مرسلة لعمالة ألاطفال) إلى أن ‪ 18‬في املائة من العامالت‪ ،‬يتراوح عمرهن بين ‪ 03‬و‪ 04‬عاما‪ ،‬وأن ‪ 32‬في‬
‫املائة منهن أعمارهن بين ‪ 2‬و‪ 08‬عاما‪.3‬‬
‫وأمام التحديات الكثيرة التي بات يفرضها واقع حقوق إلانسان‪ ،‬أظهرت الدولة في السنوات املاضية‬
‫بعض الاهتمام لهذه الفئة‪ ،‬من خالل دراسة بعض القوانين واملراسيم بهدف معالجة بعض القضايا‬
‫املتصلة بهذه الفئة‪ .‬وفي هذا السياق أصدر املشرع املغربي ظهير تنفيذ القانون رقم ‪ 07.08‬بتحديد شروط‬

‫‪1‬فاطمة املرنيس ي‪،‬ما وراء الحجاب الهندسة الاجتماعية للجنس‪ ،‬ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل نشر الفنك ‪-‬املركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫الدارالبيضاء ‪-‬املغرب‪ ،‬البطبعة الرابعة ‪ ،8774‬ص ‪.007‬‬
‫‪2‬‬
‫‪Daminger, Allison. "The cognitive dimension of household labor." American Sociological Review 84.4‬‬
‫‪(2019).P609.‬‬

‫‪ 3‬دراسة الخدمة في العزلة ‪-‬عامالت املنازل القاصرات في املغرب‪ ،‬منشورات هيومان رايتس ووتش‪ ،8708 ،‬ص ‪.03‬‬

‫‪318‬‬
‫الشغل والتشغيل املتعلق بالعامالت والعمال املنزليين‪ ،1‬ذلك ألجل حماية وصيانة كافة حقوق العامالت‬
‫املنزليات‪.‬‬
‫وبناء على استبطالع ميداني‪ 2‬اكتشفنا من خالل عينة مدروسة من العامالت املنزليات ظروف عملهن‬
‫الهش والخارج عن إلاطار القانوني‪ ،‬فغالبيتهن تشتغلن بدون عقود عمل وال تحديد ساعات العمل‪ ،‬بحيث‬
‫يتبين أن جل أرباب العمل‪/‬الشغل يتفادون التفاوض حول عقود العمل وتحديد ساعاته‪ ،‬عالوة على‬
‫وجود صعوبات ومصاطر تهدد استقرارهن في الحياة املهنية وألاسرية‪ ،‬السيما مع وجود احتمالية إلاصابة‬
‫أو السقوط في أمراض نتيجة لبطبيعة العمل من جهة وغياب التغبطية الصحية والاجتماعية من جهة‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ .0‬برامج الحماية الاجتماعية للعامالت املنزليات‪ :‬قراءة سوسيو‪-‬قانونية‬
‫في املاض ي كانت الحماية الاجتماعية قائمة على منبطق إلاحساني والخيري‪ ،‬أو باألحرى كانت تتصذ شكال‬
‫غير مؤسساتي أي بدون قانون يحدد حقوق وواجبات العمال‪/‬ألاجراء بشكل واضح ويحمي حقوق جميع‬
‫ألاطراف ألاجير واملشغل؛ في حين باتت في الوقت الراهن مبطلبا دوليا‪ ،‬يفرضه النيام الدولي وهو ما يبرز‬
‫من خالل الالتزامات والاتفاقيات واملنيمات الدولية كمنيمة العمل الدولي ومنيمة الصحة العاملية‪،...‬‬
‫وبذلك أصبحت الحماية الاجتماعية من العناصر التي يتم عبرها تقييم مدى استكمال شروط دمقرطة‬
‫املجتمع‪.‬‬
‫وحسب بيانات منيمة العمل الدولية؛ ال تزال عامالت املنازل من أقل فئات العمال حماية بموجب‬
‫قانون العمل املنزلي‪ ،3‬لذلك فإن وضعية العمالة في مجتمعنا املعاصر‪ ،‬تفرض علينا قوتها من خالل‬
‫بعض ألارقام املصرح بها سواء على املستوى املحلي أو الدولي‪ ،‬فحسب التقرير الصادرة عن منيمة العمل‬
‫الدولية لسنة ‪ 2019‬تبين أنه يتم تسجيل سنويا حوالي ‪ 2.78‬مليون حالة وفاة في العالم نتيجة لحوادث‬
‫واصابات مهنية‪ ،‬منها ‪ 2.4‬مليون حالة وفاة لها ارتباط بأمراض مهنية‪ ،‬وفي نفس التقرير‪ ،‬تقدر الخسارة‬
‫الناجمة عن إشكاليات الصحة والسالمة املهنية ما قيمته ‪ ٪4‬من إجمالي الناتج العالمي الخام‪ ،‬وتبل‬
‫هذه النسبة أحيانا ‪ ٪6‬من الناتج الوطني إلاجمالي لبعض الدول‪.4‬‬

‫‪ 1‬أنير الجريدة الرسمية‪ ،‬عدد ‪ 6609‬تاريخ ‪ 11‬محرم )‪14392‬أكتوبر ‪.)2017‬‬


‫‪ 2‬لقد قمنا بإجراء مقابالت نصف موجهة مع عينة بحثية مكونة من ‪ 88‬امرأة عاملة منزلية بجهة سوس ماسة املغرب‪ ،‬وذلك في الفترة‬
‫املمتدة ما بين ‪ 04‬يناير و‪ 08‬فبراير ‪ ،8783‬وتمكنا في ألاخير من تحديد حالة واحدة لدراستها ووصف حالتها ألجل فهم وتحليل أعمق لياهرة‬
‫هشاشة العامالت املنزليات‪ ،‬خصوصا وأن جل العينة املدروسة مشابهة في الوضعيات الاجتماعية والاقتصادية واملهنية‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪DEMARSO, YaredKefyalew et ABBA, BogaleAnja. Legal Protection for Domestic Workers: The Case of‬‬
‫‪WolaitaSodo Town, Ethiopia. Beijing L. Rev., vol. 11, 2020, P 771.‬‬
‫تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬الصحة والسالمة في العمل‪ :‬دعامة أساسية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية‪،8787 ،‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪.3‬‬

‫‪319‬‬
‫أما على املستوى الوطني‪ ،‬فحسب إحصائيات وزارة الشغل وإلادماج املنهي‪ ،‬فإن عدد حوادث الشغل‬
‫باملغرب بلغت سنة ‪ 2018‬أكثر من ‪ 50000‬حادثة‪ ،‬تسببت في ‪ 756‬حالة وفاة و‪ 03872‬حالة عجز مؤقت‬
‫و‪ 36561‬حالة عجز دائم‪ ،‬وهو ما يعكس حجم الخسائر وألاضرار الاجتماعية والاقتصادية املرتببطة‬
‫بغياب ظروف العمل الالئق وبحوادث الشغل‪.1‬‬
‫وال شك أن الحماية الاجتماعية باإلضافة إلى كونها موضوعا مغريا للبحث فهي باألساس من املوضوعات‬
‫التي تندرج بشكل أساس ي ضمن ''القضايا الحقوقية''‪ ،‬إذ يالحظ كيف تبطورت حقوق إلانسان والذي‬
‫يوازيه تحول في شكل الدولة‪ ،‬من دولة الرعاية إلى الدولة الاجتماعية ووصوال إلى دولة الرفاه‪.2‬‬
‫إن الحديث عن الحماية الاجتماعية يقتض ي أوال الحديث عن كيفية استعمال املقاربات واملفاهيم‬
‫املرتببطة بالحماية الاجتماعية خصوصا مفهومي الفقر والهشاشة‪ .‬فمفهوم الفقر املرتكز على الدخل‬
‫والذي تعرض لعدة انتقادات من طرف باحثين وأكاديميين‪ ،‬إذ نجد دراسة ‪SakikoFukuda-Parr3‬تدعو‬
‫إلى عدم التركيز على بعد الدخل بل على بعد الفقر البشري‪ ،‬فهذا ألاخير يركز على أبعاد أخرى متجاوزا‬
‫فقر الدخل ومفسرا له‪ .‬وفي هذا الصدد نجد أمارتيا صن يرى أن القدرات التي يملكها ألايخاص هي‬
‫ألاولى باالهتمام في املقام ألاول‪ ،‬فالقدرات التي يملكها يخص ما للقيام بهذا الش يء أو ذاك يمكن رببطها‬
‫مباشرة بوضعية هذا الشخص‪ ،‬مقارنة بما يملكه آلاخرون أو يستعملونه‪ ،4‬كما يرى (‪ )sen‬أن مفهوم‬
‫الحرمان النسبي يترجم إلى وجود نقص نسبي في مجال املمتلكات أو في مجال املداخيل الضرورية للحصول‬
‫عليها‪ ،‬ويكون من نتائجها حرمان مبطلق فيما يصص القدرات‪.5‬‬
‫ُ‬
‫لذلك فإن املقارنة بين النساء والرجال خصوصا في مجال الشغل والولوج إلى املهن؛ تبين أن النساء في‬
‫قيودا على خياراتهن وفرصهن أكثر من الرجال‪ ،‬خاصة عندما‬ ‫جميع املجتمعات بشكل متفاوت؛ تواجه ً‬
‫يتعلق ألامر باملجتمعات النامية‪ ،‬حيث تؤكد إحدى الدراسات بأن هناك مجموعة من املؤشرات مثل‬
‫مؤشر تنمية النوع الاجتماعي (‪ )GDI‬وقياس تمكين النوع (‪ - )GEM‬وهي مؤشرات مفيدة تبين مدى التباين‬
‫ً ً‬
‫بين الرجال والنساء في خياراتهم وفرصهم‪ ،‬والتي تيهر تمييزا قويا ضد املرأة في مجاالت الفرص السياسية‬
‫والاقتصادية‪ ،6‬إال أنه لم يتم اعتمادها‪ ،‬وهو ما يدل على الحرمان الذي تعاني منه املرأة في مصتلف‬
‫املجاالت وامليادين‪ .‬إن إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في برامج التنمية البشرية أصبحت ضرورة مؤكدة‬

‫‪ 1‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.5‬‬


‫‪ 2‬لالستزادة حول املوضوع يمكن الاطالع على دراسة ''صابر خليفة محمدين‪ ،‬صفاء‪ :‬نموذج دولة‪ ،‬املجلة العلمية لكلية الدراسات‬
‫الاقتصادية والعلوم السياسية ‪-‬جامعة إلاسكندرية‪.8788 ،‬‬
‫‪3-‬‬
‫‪FUKUDA-PARR, Sakiko. What does feminization of poverty mean? It isn't just lack of income. Feminist‬‬
‫‪economics,, vol. 5, no 2, 1999, p. 99.‬‬
‫‪4‬حسن قرنفل‪ ،‬الفقر من إلاحسان إلى التنمية‪ ،‬دار ألامان‪ ،‬الرباط البطبعة ألاولى ‪ ،8700‬ص ‪.01‬‬
‫‪5‬املرجع نفسه‪ ،‬ص ‪.00‬‬
‫‪6‬‬
‫‪FUKUDA-PARR, Sakiko. What does feminization of poverty mean? It isn't just lack of income .Op.Cit.P 102.‬‬

‫‪320‬‬
‫ملحاربة الفقر والهشاشة‪ ،‬خصوصا وأنه ماتزال النساء تعانين ماان الفقاار وإلاقصاء والتميياز والاستغالل‬
‫املفرط‪ ،‬والسيما في الوساط القروي‪ ،‬ثام إن التميياز يعوق الولوج إلى موارد إلانتاج املالية (الدخل‬
‫والادخار والقاروض) واملادية (الولوج إلاى ألاراض ي والساكن والتكنولوجي)‪.1‬‬
‫وبالنسبة للمغرب فإن تمكين املرأة وإدماجها في التنمية انبطلق منذ نهاية القرن املاض ي وبداية ألالفية‬
‫الثالثة‪ ،‬حيث أطلقت الحكومة املغربية عددا من البرامج ألجل لتحسين وضع املرأة وتمكينها في مصتلف‬
‫املجاالت‪ ،‬وقد ارتكزت هذه البرامج على تنمية قدرات النساء‪ ،‬أو بتعبير أدق على محاربة الهشاشة؛ إنها‬
‫برامج تشير على مستوى الخبطاب إلى مفهوم الهشاشة‪ ،‬إال أنه يستحيل الحديث عنها على مستوى‬
‫املمارسة أو التبطبيق‪ ،‬فالحديث عن النساء في وضعية فقر وهشاشة بصفة عامة هو حديث مضلل ألنهن‬
‫لسن فئة اجتماعية متجانسة بل فئات متفاوتة من حيث درجات الهشاشة‪ .‬إن استعمال مفهوم‬
‫الهشاشة بشكل كثيف في البرامج الاجتماعية‪ ،‬لم يكن مفهوما دقيقا وواضحا‪ ،‬كما أن البرامج قلصت‬
‫مجال الهشاشة وقيدته بعدة شروط جعلت الفئات املستفيدة محدودة‪ ،‬ومن بين أبرز هذه الشروط‬
‫محدودية أو غياب الدخل‪ ،‬التوفر على ببطاقة راميد‪ ،‬وعدم التسجيل في أنيمة التغبطية والحماية‬
‫الاجتماعية‪.‬‬
‫وفي هذا السياق فإن فئة العامالت املنزليات ُحرمن من أبرز حقوقهن الاجتماعية والقانونية‪ ،‬السيما أن‬
‫هناك اختالل عميق في القوة بين أصحاب العمل وعمال املنازل‪ ،‬مما يجعل من الصعب للغاية على‬
‫العامل التفاوض بشأن ظروف عمل عادلة‪ ،‬واملبطالبة بحقوقهم‪ ،‬أو رفض طلب صاحب العمل‪ .2‬وموازاة‬
‫مع ذلك‪ ،‬لم يتم إدراج هذه الفئة ضمن قانون الشغل (مدونة الشغل)‪ ،‬وهو ما دفع باملشرع املغربي إلى‬
‫التفكير في مشروع قانون حماية العامالت املنزليات‪ ،‬وبذلك صدر قانون رقم‪ 07.08‬واملتعلق بتحديد‬
‫شروط الشغل والتشغيل املتعلقة بالعامالت والعمال املنزليين‪.3‬‬
‫ويشكل هذا القانون أول وسيلة لحماية العامالت املنزليات من كل أشكال الاستغالل بدءا بمنع أعمال‬
‫الوساطة في تشغيل هذه الفئة‪ ،‬وتحديد الحد ألادنى لسن تشغيل ألايخاص بصفتهن عامالت منزليات‪،‬‬
‫وكذلك منع املشغل من الاستغالل أو أداء الشغل قهرا أو جبرا‪ ،‬باإلضافة إلى ضرورة إبرام عقود عمل‬
‫تحمي املشغل والشغيل ويضمن كافة حقوقهما‪ ،‬لكون هذه العقود تضم كافة شروط التشغيل واملهام‬
‫وكذا أوقات العمل‪ ،‬ومدة العمل وأيام العبطل‪ ،‬عالوة على الاستفادة من الرخص التغيب ألسباب عائلية‪،‬‬
‫كما يلزم هذا القانون على املشغل بصفة عامة أن يتصذ جميع التدابير الالزمة لحماية سالمة العامالت‬

‫‪1‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬تنمية العالم القروي‪ ،‬التحديات وآلافاق‪ ،8700 ،‬ص ‪.50‬‬
‫‪2DEMARSO, YaredKefyalew et ABBA, BogaleAnja, Ibid., P.771.‬‬

‫‪3‬ظهير شريف رقم ‪ 0.01.080‬صادر في ‪ 1‬ذي القعدة‪ 07 ( 0530‬أغسبطس ‪ ) 8701‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 07.08‬بتحديد شروط الشغل والتشغيل املتعلقة‬
‫بالعامالت والعمال املنزلیين‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1573‬صادرة في ‪ 02‬ذو القعدة ‪ 88( 0530‬أغسبطس ‪ ،)8701‬ص ‪.1004‬‬

‫‪321‬‬
‫أو العمال املنزليين وصحتهم وكرامتهم‪ ،‬السيما القيام بفحص طبي كل ستة أشهر على نفقة املشغل‬
‫للعامالت والعمال املنزليين‪ ،‬ودون إغفال تغيير اسم خادمات بيوت إلى العامالت املنازل‪ ،‬وفرض عقوبات‬
‫على كل من يمس بحقوق العامالت املنزليات والتي يصونها هذا القانون ‪ ،...07.08‬وغيرها من املواد‬
‫القانونية التي تحمي هاته الفئة‪.‬‬
‫وبالرغم من صدور ظهير تنفيذ هذا القانون والذي ينص على مجموعة من الشروط التي تحمي هاته‬
‫الفئة الشغيلة‪ ،‬فإن الواقع في كثير من ألاحيان يفارق النص‪ ،‬حيث ظل هذا القانون حاليا معلقا بالنير‬
‫لغياب هياكل ولجن املراقبة وتتبع تنفيذ القانون على أرضية الواقع‪ ،‬باإلضافة إلى وجود صعوبات ميدانية‬
‫لرصد وتتبع حاالت نفاذ القانون‪ ،‬خاصة وأننا أمام ظاهرة اجتماعية يمكن وصفها بياهرة معقدة‬
‫ومغلقة‪ ،‬بمعنى أن رصد نافذ القانون بحاجة إلى الولوج إلى فضاء العمل والذي هو ''املنزل'' وهو فضاء‬
‫مغلق يصعب اختراقه ملا يتسم بنوع من الخصوصية من جهة‪ ،‬وقانون العقوبات الذي يمنع اقتحام‬
‫وانتهاك حرمة املنازل من جهة أخرى‪.‬‬
‫إلى جانب هذا القانون الذي يحمي العامالت من هشاشة الشغل‪ ،‬فإن للعامالت املنزليات لهن الحق في‬
‫الولوج والاستفادة من عدة برامج اجتماعية‪ ،1‬بدءا باملجال التعليمي من برامج محاربة ألامية التي تشرف‬
‫عليها قبطاع التربية الوطنية ووزارة ألاوقاف والشؤون إلاسالمية‪ ،‬وفي الجانب الصحي الولوج والاستفادة‬
‫من نيام املساعدة البطبية ''راميد'' باإلضافة إلى خدمات صحة ألامومة من تشخيص وعالج وتتبع النساء‬
‫الحوامل وخدمات الوالدة‪ ،‬والاستفادة كذلك من خدمات صحية للنساء املصابات بأمراض مزمنة‪،..‬‬
‫وفي املجال الاقتصادي نجد تحسين الدخل حيث يمكن للنساء ألارامل الحصول على دعم النساء ألارامل‬
‫الحاضنات لألطفال اليتامى‪ ،‬وكذلك استفادة النساء في وضعية طالق من دعم صندوق التكافل العائلي‪...‬‬
‫وغيرها من البرامج وإلاجراءات الرامية إلى تقليص حدة الفقر وهشاشة النساء‪ ،‬وفي هذا الصدد سنتناول‬
‫تحليال ألهم إكرهات وتحديات ولوج النساء العامالت املنزليات إلى البرامج الاجتماعية ‪:‬‬
‫‪ 1.0‬املجال الاقتصادي‬

‫‪ 1.1.0‬برنامج دعم ألارامل‬


‫يشكل برنامج دعم ألارامل من أبرز برامج مساعدة النساء في وضعية هشاشة‪ ،‬بما فيه النساء العامالت‬
‫املنزليات والحاضنات ألطفال يتامى‪ ،‬وبالرغم من أهمية هذا البرنامج إال أنه يبقى محدود ألاثر‪ ،‬خصوصا‬
‫أنه مقيد بالفترة الزمنية‪ ،‬لكونه مشروطا بسن ألاطفال أوال‪ ،‬ومشروطا بالحصول على ببطاقة راميد‬
‫ثانيا‪ ،‬وبمتابعة أطفالهن الدراسة ثالثا‪ ،‬وبالتالي فإن البرنامج غير مرتبط بالوضع الاجتماعي للمرأة ألارملة‬

‫‪ 1‬يتضح أن النساء العامالت املنزليات يمكن لهن الاستفادة من البرامج العمومية خصوصا املوجهة لنساء حسب حالتهن العائلية‪ ،‬مثل‬
‫النساء املبطلقات في وضعية هشاشة وألارامل الحاضنات ألطفال يتامى‪ ،‬وليس هناك برنامج محدد وموجه لنساء العامالت املنزليات‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫ُ‬
‫بقدر ما هو مرتبط بالشروط السالفة الذكر‪ ،‬مما يجعل الكثير من أسر ألارامل تستبعد من الاستفادة‬
‫من هذا البرنامج‪ ،‬خاصة حينما نتحدث عن نساء عامالت ومعيالت أسر تضم أطفال في وضعية هشة‬
‫(مثال أطفال ذوي إعاقة) وأيخاص يتجاوز أعمارهم ‪ 02‬سنة‪ ،‬ويعانون من الببطالة خصوصا مع قلة‬
‫فرص الشغل‪ ،...‬ومن بين كذلك املعيقات التي تعيق فعالية هذا البرنامج هو رببطه بببطاقة راميد‬
‫(‪ ، (RAMED‬حيث ال يحق للنساء الاستفادة من برنامج دعم ألارامل إال بعد حصولهن على ببطاقة راميد‪.‬‬
‫‪ 0.1.0‬صندوق التكافل العائلي‬
‫تكمن أهمية صندوق التكافل العائلي في تحسين الدخل للنساء املبطلقات ومساعدتهن في إعالة أطفالهن‪،‬‬
‫بمعنى يندرج هذا البرنامج في تقليص الهوة املادية الناشئة عن حالة البطالق‪ ،‬أو غياب ألاب املعيل‪ ،‬بمعنى‬
‫ينحصر دعمه في النساء املبطلقات اللواتي ال يستفدن من نفقة الزوج على أبنائه‪ ،‬وهنا تكمن محدودية‬
‫دعم هذا البرنامج أي استبعاد فئات واسعة من نساء مبطلقات‪ ،‬خاصة إذا علمنا أن النفقة العائلية ال‬
‫تستبطيع وحدها أن تحد من هشاشة هذه الفئة الاجتماعية‪ ،‬باإلضافة إلى املساطر إلادارية املعقدة‬
‫وغياب معلومات عن البرنامج‪ ،‬والتي تضاعف من محدودية البرنامج وتقلص من استفادة هذه الفئات‪،‬‬
‫خاصة أن الجهات املسؤولة عن الترخيص ومنح حق الاستفادة في القضاء (املحكمة)‪ .‬مما يتبطلب جملة‬
‫من إلاجراءات إلاضافية‪ ،‬والتي تثقل كاهل الزوجات املبطلقات (مصاريف إدارية‪ ،‬التنقل‪ .)..‬خصوصا‬
‫النساء املبطلقات بالعالم القروي‪ ،‬والالئي يعانين من التهميش والعزلة‪.‬‬
‫‪ 2.2‬املجال الصحي‬
‫‪ 1.2.2‬نظام املساعدة الطبية‬
‫انبطلق برنامج نيام املساعدة البطبية منذ تاريخ ‪3‬مارس ‪ ،8708‬والذي يهدف بشكل أساس ي إلى مجانية‬
‫الخدمات البطبية لفائدة الفئات الفقيرة والهشة‪ ،‬بما فيه النساء العامالت املنزليات في وضعية هشاشة‪،‬‬
‫إال أنه عرف مجموعة من التحديات نجد برنامج راميد (‪ (RAMED‬والذي يعرف جملة من الصعوبات أو‬
‫باألحرى مجموعة من العراقيل ذات طابع إداري ومعلوماتي؛ والتي تحول دون تحقيق أهدفه املنشودة‪.‬‬
‫عالوة على ذلك يتضح وجود التباس معايير الاستحقاق‪ 1‬والتي ال تزال غير واضحة‪ ،‬وكذا بطء عملية‬
‫التسجيل في الوسط القروي باملقارنة مع الوسط الحضري بفعل البعد عن املركز وتعقيدات مسلسل‬
‫إيداع وتتبع امللف‪ ،‬عالوة على غياب املعلومة حول إعادة التسجيل بالنسبة للمسجلين السابقين‪ ،‬وغيرها‬

‫‪ 1‬حسب إحدى الدراسات التي أنجزها مركز الدراسات والبحوث في الشؤون البرملانية املغربي ‪8780‬؛ حول ''الاستهداف الاجتماعي‪ :‬املفهوم‪،‬‬
‫آلاليات ومعوقات التنزيل''؛ فإن الاستهداف يتبطلب تحديد مستوى فقر ألاسر‪ .‬لكن هذا التحديد يكون في الغالب غير كامل نيرا لتعقيده‪،‬‬
‫وللكلفة العالية لآلليات املستصدمة في جمع املعلومات حول الفقر والهشاشة‪ .‬من جهة أخرى‪ ،‬على مستوى الاقتصاد السياس ي لالستهداف‪،‬‬
‫وبما أن الاستهداف هو استبعاد لفئة من الاستفادة‪ ،‬فإن هذه البرامج ال تحيى بالدعم السياس ي‪ ،‬مما يؤدي إلى نقص التمويل أو التصلي‬
‫عنها في كثير من ألاحيان‪ .‬وهذا ما يعرض الاستهداف لنوعين من أخبطاء تحديد الفئات خبطأ إلادراج وخبطأ الاستبعاد‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫من العراقيل وإلاجراءات املعقدة‪ .‬كما أنه على مستوى التغبطية الصحية ألاساسية؛ ال تستفيد الساكنة‬
‫القروية كثيرا من الخدمات التي تستفيد منها ساكنة املدن‪ ،‬كما ِّأنها تضبطر في الوقت نفسه مواجهة‬
‫ِّ‬
‫ارتفاع النفقات املرتببطة ببعد املراكز الصحية‪.‬‬
‫تعد إلاجراءات إلادارية من بين أهم عراقيل استفادة فئات واسعة من النساء في وضعية هشاشة‪ ،‬حيث‬
‫تسلم بطاقة "راميد" إلى النساء غير منصرطات في أي نيام إجباري للتأمين على املرض‪ ،‬كما أن هذه‬
‫الفئة "ألامهات العازبات" ال يستبطعن الحصول على هذه الببطاقة إال بعد صعوبات كبيرة ألنهن يجب أن‬
‫يستيهرن بشهادة إقامة للحصول عليها‪ ،‬ومثاال أخر نجد أن املرأة القروية ال يحق لها التوجه إلى‬
‫املستشفى إلاقليمي إال بعد حصولها على ترخيص أو ما يسمى با"ورقة التنقيل" من املركز الصحي القريب‬
‫من محل ساكناها‪ .‬لذلك تبطرح مسألة البعد عن املركز والتنقل أسئلة جوهرية في مسلسل تقييم فعالية‬
‫هذه البرامج‪ ،‬واستفادة النساء منها بشكل مباشر‪.‬‬
‫وبسبب العديد من إلاكراهات فإن الحكومة املغربية‪ ،‬عملت على تحويل املستفيدين من نيام املساعدة‬
‫البطبية ''راميد'' إلى نيام التأمين إلاجباري عن املرض )‪ ،(AMO‬وتتحمل الدولة واجبات الانصراط في هذا‬
‫البرنامج بالنسبة لأليخاص غير القادرين على أدائها‪ .‬إال أن نسبة التعويض عن الخدمات البطبية تتراوح‬
‫ما بين ‪ 07%‬و ‪ 077%‬بناء على التعريفة الوطنية املرجعية‪1‬؛ إال أن هذه التعريفة لم يتم تحينها‪ ،‬ولم يتم‬
‫مراعاة أ سعار ألادوية والعالج ومصتلف الخدمات الصحية الحديثة‪ ،‬لذلك سيضبطر املستفيدين ومن‬
‫بينهم النساء العامالت من دفع أكثر والاستفادة بشكل أقل‪ ،‬هذا باستثناء العالجات والخدمات التي يتم‬
‫تعويضها بنسبة ‪ 077‬في املئة السيما ألامراض املزمنة‪ .‬وفي هذا السياق يؤكد تقرير املجلس الاقتصادي‬
‫والاجتماعي والبيني بأنه؛ ال يازال النيامان (املساعدة البطبية والتأمين إلاجباري ألاساس ي عان املرض)‬
‫يواجهاان العدياد مان أوجاه القصور تتعلاق ببنيتهما وبحكاماتهماا‪ ،‬السايما ارتفااع حصاة املصاريف املتبقية‬
‫علاى عاتق املستفيدين مان نياام التأميان إلاجباري ألاساس ي عان املرض وانصفاض معدل تجديد ببطاقات‬
‫راميد‪.2‬‬
‫‪ 3.2‬املجال التعليمي‬
‫إن البرامج املوجهة للمرأة تسعى إلى تقوية قدراتها سواء عن طريق التعليم أو عن طريق تقوية مواردها‬
‫املادية (الدخل)‪ ،‬أو الاهتمام بجانب الصحي للمرأة من خالل املساعدة البطبية‪ ،‬كل ذلك يصب في تقوية‬
‫استقاللية املرأة وقدرتها على الانصراط في تنميتها الذاتية وتحسين ظروف عيشها‪ .‬خاصة وأن حصولها‬

‫‪ 1‬لالستزادة يمكن الاطالع على دليل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي‪''،‬الانتقال من نيام املساعدة البطبية إلى التأمين إلاجباري عن‬
‫املرض''‪:‬‬
‫‪https://www.cnss.ma/sites/default/files/files/FAQ%20Ramedistes-01_12_2022.pdf‬‬
‫‪ 2‬التقرير السنوي‪ ،‬للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،8702 ،‬ص‪.02‬‬

‫‪324‬‬
‫على دخل قار وصحة جيدة سيعزز من هذه الاستقاللية‪ ،‬لكن يبقى العائق ألاكبر الذي يحول دون هذه‬
‫الاستقاللية هو آفة ألامية‪.‬‬
‫إذا كانت ألامية تشير في معناها البسيط إلى العجز عن القراءة والكتابة وما تيسر من آليات الحساب‪،‬‬
‫فإن معناها اليوم اتصذ مسارات جديدة تربط الياهرة بقضايا أكثر تعقدا وتشابكا‪ ،‬لعل أعقدها تلك‬
‫التي تنسج خيوطها الفعلية مع التنمية بكل أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية‪،1‬‬
‫كماا أن ألامية املنتشرة في صفاوف النساء خصوصا في الوسط القروي‪ ،‬وصلت إلى ‪ 50.0‬في املائة في‬
‫الوساط القروي سنة ‪.28705‬‬
‫أما على مستوى البعد التعليمي فإننا نجد برامج محو ألامية والتي تقوم بها وزارة ألاوقاف والشؤون‬
‫إلاسالمية أو وزارة التربية الوطنية بتنسيق مع جمعيات املجتمع املدني‪ ،‬إال أنه تم مؤخرا إحداث وكالة‬
‫محاربة ألامية لوجود صعوبات في التنسيق بين مصتلف أصحاب املصلحة‪.‬‬
‫إن طبيعة العمل املنزلي الشاق والذي تقوم به املرأة طوال اليوم ولساعات طويلة منذ الساعات ألاولى‬
‫للصباح إلى املساء‪ ،‬ال يساعد على تمكين املرأة من التعليم والولوج إلى املعرفة‪ ،‬وحتى إن كان لها وقت‬
‫فراغ فإنها تستغله في قضاء احتياجاتها اليومية‪ ،‬لذلك يشكل استفادة النساء العامالت املنزلية من‬
‫دروس التعليم ومحاربة ألامية أمرا عسيرا‪ ،‬وحتى إن كانت هناك فرص لتعليم فيجب أن تتوافق مع‬
‫جميع مستويات املستفيدات وذلك من حيث اختالف في السن وكذلك من حيث طرق ومناهج التدريس‪.‬‬
‫وبالتالي يمكن القول أن البرامج الاجتماعية تعرف صعوبات وإكراهات في مسألة الولوج والاستفادة منها‪،‬‬
‫لذلك ستبقى محدودة ألاثر خصوصا لفائدة نساء العامالت املنزليات والالئي لم يتم الاهتمام بهن في‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬كما أن الكثير من البرامج ذات طابع خاص ومحدد من حيث أنها كانت تستهدف‬
‫قبطاعا معينا أو شريحة اجتماعية معينة) برنامج تيسير‪ ،‬مليون محفية‪ ،‬مدونة آلاسرة‪ ،‬القانون املتعلق‬
‫بمحاربة العنف ضد النساء‪ ،‬برامج املقاولة الذاتية‪ ،‬نيام املساعدة البطبية (راميد( التأمين إلاجباري عن‬
‫املرض‪.3)...‬‬
‫َ ُ‬
‫ت ْعرف البرامج الاجتماعية املوجهة للنساء اللواتي يعشن في وضعية هشة عموما والنساء العامالت‬
‫املنزليات خصوصا‪ ،‬عدة إكراهات وعوائق تحد من استفادتهن من البرامج الاجتماعية‪ ،‬ومن أهمها الولوج‬
‫إلى املعلومة باإلضافة إلى إلاجراءات إلادارية والقانونية املعقدة‪ ،‬باإلضافة إلى ألامية والعزلة الش يء الذي‬
‫ً‬
‫يشكل عائقا أمام استفادة النساء من هاته البرامج والسياسات الاجتماعية‪.‬‬

‫‪ 1‬نزهة العوداتي‪ ،‬واقع املرأة القروية‪ ،‬باملغرب وسؤال التنمية‪ ،‬مجلة علوم التربية العدد ‪ ،8703 ،40‬ص ‪.71‬‬
‫‪ 2‬إحصائيات املندوبية السامية للتصبطيط‪.8705 ،‬‬
‫‪3‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬تنسيق إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي‪،‬‬
‫املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪ ،8788 ،‬ص ‪.25‬‬

‫‪325‬‬
‫وأمام هذا الوضع‪ ،‬يشكل توفير الحماية الاجتماعية لفئة العامالت املنزليات‪ ،‬ضرورة اجتماعية وإنسانية‪،‬‬
‫وحقا من حقوقهن ألاساسية‪ ،‬والتي يمكن أن تساهم في تحقيق التماسك الاجتماعي وتعزيز العدالة‬
‫الاجتماعية‪ ،‬وذلك من خالل إعداد سياسات عمومية وبرامج اجتماعية وفق مقاربات علمية وتشاركية‬
‫وحقوقية‪ ،‬تدمج جهود كل الفاعلين‪ ،‬وتراعي البعد الجغرافي والترابي‪ ،‬وذلك ألجل الاستجابة إلى متبطلبات‬
‫الحياة املعاصرة‪ ،‬خصوصا للفئات النساء العامالت املنزليات اللواتي يعشون في وضعية هشاشة‪.‬‬
‫‪ .2‬العامالت املنزليات بين املخاطر والحماية الاجتماعية‪ :‬دراسة حالة‬
‫تتعرض العديد من النساء العامالت في املنازل إلى مجموعة من املصاطر‪ ،‬لذلك حاولنا الوقوف عند‬
‫دراسة حالة‪ 1‬خادمة منزل‪ ،‬ألجل فهم وتحليل وضعياتها الهشة والتي تتسم بغياب آلامن والاستقرار‬
‫الاجتماعيين‪.‬‬
‫‪ 1.2‬وصف ملشاركة في البحث‬
‫تنتمي الحالة املشاركة في البحث إلى جنوب املغرب‪ ،‬وبالتحديد منبطقة (الدشيرة الواقعة بتراب جهة‬
‫سوس ماسة ‪-‬املغرب)‪ ،‬حيث ال يتجاوز عمرها ثالثة وأربعين سنة‪ ،‬وهي أرملة معيلة ألسرة تتكون من‬
‫ثالث أبناء‪ ،‬وتشتغل الارملة كعاملة منزلية ملدة تزيد عن عقدين‪ ،‬حيث بدأت املبحوثة الاشتغال كصادمة‬
‫مند بلوغها سن ‪ 00‬سنة‪ ،‬بسبب وضعية أسرتها الهشة والتي ال تمتلك موارد كافية لتلبية حاجيات‬
‫ألاسرة‪ ،‬الش يء الذي دفع بأهلها إلى تشغيلها وهي طفلة‪ ،‬لتبدأ حياة املعاناة والعمل الشاق والحرمان من‬
‫مصتلف حقوقها التربوية والتعليمية والرعاية ألاسرية‪ ..‬إلى العيش في حالة وضعية هشة محفوفة بالخوف‬
‫واملصاطر‪.‬‬
‫وفي هذا السياق فإننا لن نستعرض مسار الحالة بأكمله بالقدر الذي سنحاول دراسة وضعيات ألاضرار‬
‫واملصاطر والتي يمكن إجمالها في املستويات التالية‪:‬‬
‫مصاطر على مستوى الشغل؛‬ ‫‪-‬‬
‫مصاطر على مستوى الصحة؛‬ ‫‪-‬‬
‫من العيش في املصاطر إلى البحث عن الاعتراف؛‬ ‫‪-‬‬
‫الولوج إلى الحماية الاجتماعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪1‬يعتبر منهج دراسة الحالة من املناهج التي تبحث عن دراسة متعمقة لياهرة أو حالة بعينها‪ ،‬حيث أصبح العديد من الباحثين يلجأ إلى هذا‬
‫املنهج الذي يوفر معلومات كافية عن الحاالت املستهدفة بالدراسة‪ ،‬وتعد أكثر استصداما في الدراسات الكيفية وفي البحوث الاجتماعية التي‬
‫تنشد الحصول على عمق وتفصيالت في البيانات أكثر من اتساع املدى أو املجال‪( .‬ميادة القاسم‪ ،‬مناهج البحث الاجتماعي وتطبيقاتها في‬
‫علم الاجتماع"‪ :‬دراسة سوسيولوجية تحليلية املجلة العربية للنشر العلمي‪ -‬ألاردن‪ ،‬العدد ‪ ،8780 ، ،30‬ص ‪.)457‬‬

‫‪326‬‬
‫‪ 0.2‬مخاطر في طبيعة العمل‬
‫تشكل املصاطر ميهر من مياهر الهشاشة التي أصبح يعرفها الوضع املنهي‪ ،‬إذاتسع مدلول الهشاشة ولم‬
‫يعد يقتصر على ألافراد والجماعات ألادنى في السلم الاجتماعي‪ ،‬وإنما حتى ما يسمى بالبطبقة املتوسبطة‪،‬‬
‫والتي أصبحت هي ألاخرى تعيش وضعية الببطالة والارتياب والخوف من املصاطر‪ ،1‬خاصة الخوف من‬
‫فقدان العمل واملصاطر التي سينتج عنها‪ .‬لذلك يشكل ''ولوج النساء إلى الشغل رهانا أساسيا في محاربة‬
‫الهشاشة''‪.2‬‬
‫إن هذا الخوف والارتياب يدفع بالحالة املدروسة إلى الاستمرارية في ظروف عمل شاقة وغير قانونية‪،‬‬
‫وكذلك بأجور زهيدة؛ وبتعبير املبحوثة''عانيت كثيرا‪ ،...‬ال توجد أية عقود عمل‪ ،‬وال زلت اشتغل بأجر‬
‫اليزيد عن ‪ 2000‬درهم في شهر‪ ،‬كما أنني أقوم بمختلف ألاعمال املنزلية‪ ،‬الطبخ والنظافة والتربية‪،‬‬
‫أقوم بكل ش يء‪ ،‬أسرتي تعيش وضعية فقر‪ ،‬وبماذا أنا سأساعد أسرتي وأنا لدي مصاريف كثيرة من‬
‫كراء‪ ،‬كهرباء‪ ،‬املاء‪ ،‬احتياجات الطعام‪ ...‬نعيش أنا وأطفالي في وضعية شاقة''‪.‬‬
‫يشكل البطرد التعسفي من بين إحدى مصاطر الشغل؛ والتي يشهدها كل عمل غير مهيكل‪ ،‬حيث تعرضت‬
‫املبحوثة إلى طرد تعسفي مرارا‪ ،‬واتهمت بالسرقة أحيانا‪ ،‬ولم تحصل على أي تعويض بل لم يكن لها‬
‫الحق في املبطالبة بحق التعويض لكونها تشتغل بدون حماية قانونية؛ ''‪...‬وفي كل فترة أفقد فيها العمل‬
‫أقوم بالبحث عن أعمال أخرى فقط لسد القوت اليومي‪ ،‬وسبقت أن زاولت التجارة " الفراشة"‬
‫لكن أجد صراعات مع ''الفراشة" آخرين لكونهم سنوات وهم يشتغلون وسباقين إلى تلك ألاماكن‬
‫التي يبيعون فيها''‪.‬‬
‫بعد البطرد أو فقدان العمل تبدأ عملية البحث عن فرص عمل واللجوء إلى وسبطاء‪ ،‬لتتعرض املبحوثة‬
‫إلى مصاطر الاستغالل؛'' عندما تخرجين من منزل للبحث عن عمل تتجهين في البداية إلى الوسيطة "‬
‫ح‪.‬ف" والتي بدورها تجعلك تعيشين وضعية مزرية من خالل استغاللك والتالعب بك‪ ،...‬مثال هنا في‬
‫الدشيرة أو إنزكان تلجأ العديد من النساء إلى شركات توظيف العامالت املنزليات والتي تقتطع لك‬
‫من الدخل حوالي ‪ 102‬درهم أسبوعيا‪ ،‬واملشكل أن هذه الفرص التي تجدها لك تدوم فقط ألسبوع‬
‫وبعدها تنتهي مدة عملك''‪.‬‬

‫‪1BRESSON، Maryse. Sociologie de la précarité, op.cit. P 91.‬‬

‫‪2GILLOT, Gaëlle. Les coopératives, une bonne mauvaise solution à la vulnérabilité des femmes au Maroc?. Espace populations‬‬

‫‪sociétés, 2016/3.‬‬
‫‪https://journals.openedition.org/eps/6619.‬‬

‫‪327‬‬
‫‪1 .0.2‬مخاطر صحية‬
‫اتضح كذلك أن املبحوثة تعيش في ظروف صعبة ومصاطر متعددة‪ ،‬وذلك في ظل غياب حماية اجتماعية‬
‫من طرف املشغل‪ ،‬والتي كان من نتائجها التعرض للعنف الجسدي واملتمثل في الضرب خصوصا حينما‬
‫كانت صغيرة ولم تبل سن الرشد‪ ،‬وكذلك البطرد التعسفي والتهديد الذي له أثار نفسية‪ ،‬باإلضافة إلى‬
‫التحر ‪ ...‬وتصرح املبحوثة''عشت وضعية مزرية لكوني سبق وأن تلقيت ضربا لدى صاحبات البيوت‬
‫ُ‬
‫عندما كنت صغيرة‪ ،‬ناهيك عن حوادث الشغل التي ال نحصل فيها على اية تعويضات‪ ،‬أصبت مؤخرا‬
‫بجرح على مستوى الكتف‪ ،‬وهذا أثناء مزاولتي للعمل‪ ،‬وسبق أن تعرضت للتحرش الجنس ي ‪..‬‬
‫باإلضافة إلى حاالت كثيرة من إلاصابات والطرد وبدون مساعدة مادية من طرف املشغلين واملشغالت‪،‬‬
‫كما أنني أصبحت أعاني من مجموعة من املشاكل الصحية‪ ،‬مثل ارتفاع ضغط الدم واملعاناة من‬
‫ألارق املستمر بسبب أالم الرأس''‪.‬‬
‫‪ 0 .0.2‬البحث عن الاعتراف والتقدير‬
‫إن فقدان العمل يؤدي إلى فقدان الاعتراف والتقدير الاجتماعيين‪ ،‬وتعد فئة العامالت املنزليات من‬
‫الفئات التي تتعرض في كثير من ألاحيان إلى الوصم وإلاقصاء الاجتماعي‪ ،‬وبالتالي يمكن أن نصف هذه‬
‫الفئة بأن لها هوية سلبية‪ identité négative‬بتعبير سرج بوغام في أطروحته فقدان ألاهلية الاجتماعية‪،1‬‬
‫وذلك نتيجة لبطبيعة عملها وعدم اندماجها في املجتمع بشكل إيجابي‪ .‬وفي سياق البحث عن الاعتراف‬
‫تقول املبحوثة‪'' :‬بعض ألاشخاص يشعرون بما أمر منه وبظروف العمل التي أشتغل فيها ويعلمون‬
‫أنني أمارس مهنة العمل املنزلي ويمنحونني مبلغا محترما‪ ،‬باإلضافة إلى قسط من الراحة والتعامل‬
‫الجيد‪ ،...‬لكن مع ألاسف الكثيرون ال يقدرون وال يعترفون باملجهودات واملعاناة التي أقوم بها‪ ،‬سواء‬
‫أرباب العمل أو الناس عموما''‪.‬‬
‫‪ 2 .0.2‬الولوج والاستفادة من البرامج الاجتماعية‬
‫إن تحسين وضعية النساء عموما والنساء في وضعية هشاشة‪ ،‬قائم على الولوج والاستفادة من البرامج‬
‫الاجتماعية ومصتلف الخدمات واملساعدات الاجتماعية‪ ،‬وتقوية قدراتهن‪ ،‬إال أن املبحوثة تؤكد على أن‬
‫ألافراد في وضعية فقر ال يمكن أن يعولوا على املساعدات العمومية‪ ،‬خصوصا في الوقت الراهن الذي‬
‫يشهد غالء املعيشة‪ ،‬وفي هذا الصدد تقول املبحوثة‪ '' :‬البرنامج الوحيد الذي أعرفه هو نظام املساعدة‬
‫الطبية (راميد) وقد استفدت منه سابقا‪ ،‬كما يمكنني الاستفادة من دروس محو ألامية ولدي رغبة‬
‫في متابعة التعلم من خالل إعداد وإنجاز الدروس التي تقدم في التلفاز‪ ،‬لكن مع ألاسف ليس لدي‬

‫‪1‬‬
‫‪PAUGAM, Serge. La disqualification sociale: essai sur la nouvelle pauvreté. Paris : Presses universitaires de‬‬
‫‪France, 1991.‬‬

‫‪328‬‬
‫الوقت الكافي ملتابعة الدراسة والتعليم‪ ،...‬وأما بخصوص البرامج ألاخرى فقط أسمع بها مثل املبادرة‬
‫الوطنية والتي تدعم التعاونيات‪ ،‬أما البرامج ألاخرى لم أسمع بها وال أعرف طريقة الولوج إليها''‪.‬‬
‫ومن خالل ما سبق يتضح جليا أن الحالة املشاركة في البحث تعاني من عدة مشاكل مثل تدني وضعف‬
‫الدخل والذي يجعلها في وضعية هشاشة‪ ،‬إضافة إلى القيام بأنشبطة محفوفة باملصاطر وغير آمنة‪ ،‬لذلك‬
‫ال ينحصر وضع الخبطر في مؤشر الدخل أو الاستقرار املادي‪...‬وكما يتبين لنا أن العاملة املنزلية من بين‬
‫الفئات التي تعيش وضعية هشاشة مهنية وصحية جراء مزاولتها للعمل وألشغال محفوفة باملصاطر‪.‬‬
‫ويمكن القول إن صعوبة العمل املنزلي ال تقتصر في العمل الشاق لساعات طويلة وبأجور زهيدة‪ ،‬بل‬
‫تشمل أيضا التعرض أحيانا للعنف بشتى ألانواع سواء كان ضربا أو استفزازا وأحيانا جنسيا أو استغالال‪،‬‬
‫كما أن حماية هذه الفئة ''تعتمد على الاعتراف وتقييم عملها‪ .1‬إضافة إلى أن الحالة الاجتماعية للعاملة‬
‫املنزلية تضم مسؤوليات أسرية تجاه أسرتها كأبناء والزوج وألابوين في بعض ألاحيان‪ ،‬مما يزيد من معاناة‬
‫هذه الفئة‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫لقد حاولنا في هذه الورقة البحثية إبراز تجليات هشاشة العامالت املنزليات وإشكالية الولوج والاستفادة‬
‫من برامج الحماية الاجتماعية‪ ،‬وذلك وفق مقاربة سوسيولوجية‪ ،‬ارتكزت على دراسة حالة المرأة تمتهن‬
‫العمل املنزلي‪ ،‬وارتأينا الوقوف على دراسة وتشخيص ألهم مشكالتها ومعاناتها وذلك في ظل غياب أنيمة‬
‫الحماية الاجتماعية للعامالت املنزليات‪ ،‬اللهم بعض البرامج املحدودة والتي تستهدف النساء عموما خاصة‬
‫في وضعية صعبة وهشة‪ ،‬واتضح كذلك في ظل مجهودات الدولة أن املشرع املغربي أصدر قانون رقم‬
‫‪ 07.08‬واملتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل املتعلقة بالعامالت والعمال املنزلیين‪ ،‬والتي تروم‬
‫تحسين وضعية هذه الفئة الهشة وحمايتها من مصتلف املصاطر املهنية والاجتماعية‪.‬‬
‫ويمكن القول‪ ،‬إن هشاشة النساء العامالت املنزليات ال تنحصر في الوضع املنهي وفي الشغل‪ ،‬وإنما تمتد‬
‫لتشمل مصتلف الوضعيات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية‪ ،‬صحيح أن بعض الدراسات املعاصرة‬
‫ترجع الهشاشة إلى عدة عوامل منها تفكك الروابط ألاسرية والالاستقرار في العمل وغيرها‪ ،‬وهذا ما جعلنا‬
‫نؤكد أن محاربة الهشاشة تقتض ي ألاخذ بعين الاعتبار عدة مؤشرات وأبعاد ليس فقط الروابط‬
‫الاجتماعية سواء كانت أسرية أو مدنية أو وطنية‪ ،‬بل الهشاشة تنبطلق من املجال؛ نقصد بذلك السكن‬
‫أو العمل‪ ،‬واملستوى التعليمي‪ ،‬والصحة‪ ،‬إضافة إلى وضعية ألاسرة بشكل عام والحالة العائلية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪SAVI, Caroline. Femmes et travail domestique: le cas des badanti en Italie et des auxiliaires‬‬
‫‪de vie en France. Mémoire (s), identité (s), marginalité (s) dans le monde occidental‬‬
‫‪contemporain. Cahiers du MIMMOC, 2022, no 28.P 3.‬‬

‫‪329‬‬
‫لقد أضحى من الضروري اليوم وفي ظل الواقع الراهن الذي يعرف أزمات متعددة‪ ،‬تكثيف الجهود من‬
‫أجل بناء منيومة قوية توفر الحماية الاجتماعية‪ ،‬خصوصا لفائدة النساء في وضعية صعبة والتي تتعرض‬
‫ملصتلف املصاطر الصحية واملهنية والتعليمية‪ ،..‬وإلى جانب ذلك من الالزم تكثيف الدراسات والبحوث‬
‫العلمية في هذا املجال ألجل النهوض بهذه الشريحة الاجتماعية‪ ،‬للتعرف أكثر على واقع الفئات الهشة‬
‫ورسم خريبطة التدخل من خالل السياسات واملصبطبطات والبرامج الاجتماعية‪.‬‬
‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫املراجع باللغة العربية‪:‬‬
‫بن بيه‪ ،‬رشيد‪ .‬أنايمة الحماية الاجتماعية بااملغرب‪ ،‬الاتحديات وآلافااق‪ ،‬أفريقيا الشرق‪ ،‬البطبعة‬ ‫‪‬‬
‫ألاولى ‪.8703‬‬
‫دراسة الخدمة في العزلة ‪-‬عامالت املنازل القاصرات في املغرب‪ .8708 ،‬منشورات‪ ،‬هيومان رايتس‬ ‫‪‬‬
‫ووتش‬
‫دراسة حول ''الاستهداف الاجتماعي‪ :‬املفهوم‪ ،‬آلاليات ومعوقات التنزيل ''مركز الدراسات والبحوث‬ ‫‪‬‬
‫في الشؤون البرملانية املغربي ‪.8780‬‬
‫دليل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي‪'' ،‬الانتقال من نيام املساعدة البطبية إلى التأمين‬ ‫‪‬‬
‫إلاجباري عن املرض ''‪:‬‬
‫‪https://www.cnss.ma/sites/default/files/files/FAQ%20Ramedistes-01_12_2022.pdf‬‬
‫‪ ‬صابر خليفة محمدين‪ ،‬صفاء‪ .‬نموذج دولة " الرفاهية الاجتماعية" دراسة في إلاشكاليات واملآالت‪،‬‬
‫املجلة العلمية لكلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية ‪-‬جامعة إلاسكندرية‪.8788 ،‬‬
‫‪ ‬عتنا‪ ،‬ياسين‪ .‬قراءة في كتاب‪'' :‬املرأة في العلوم الاجتماعية‪ :‬من متغير الجنس إلى سؤال النوع‪:‬‬
‫للباحث فوزي بوخريص''‪ ،‬منشورات مجلة تجسير‪ ،‬مركز ابن خلدون للعلوم إلانسانية‬
‫والاجتماعية‪-‬جامعة قبطر‪ ،‬املجلد ألاول‪ ،‬العدد ‪.8787 ،8‬‬
‫‪ ‬العوداتي‪ ،‬نزهة‪ .‬واقع املرأة القروية‪ ،‬باملغرب وسؤال التنمية‪ ،‬مجلة علوم التربية العدد ‪،40‬‬
‫‪.8703‬‬
‫‪ ‬القاسم‪ ،‬ميادة‪ .‬مناهج البحث الاجتماعي وتبطبيقاتها في علم الاجتماع"‪ :‬دراسة سوسيولوجية‬
‫تحليلية املجلة العربية للنشر العلمي‪-‬ألاردن‪ ،‬العدد ‪.8780 ،30‬‬
‫‪ ‬قرنفل‪ ،‬حسن‪ .‬الفقر من إلاحسان إلى التنمية‪ ،‬دار ألامان‪ ،‬الرباط البطبعة ألاولى ‪.8700‬‬
‫‪ ‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪،‬‬
‫تنسيق إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي‪ ،‬املركز املغربي لألبحاث وتحليل السياسات‪.8788 ،‬‬

‫‪330‬‬
‫ ترجمة فاطمة الزهراء أزرويل‬،‫ ما وراء الحجاب الهندسة الاجتماعية للجنس‬.‫ فاطمة‬،‫ املرنيس ي‬
.8774 ‫ البطبعة الرابعة‬،‫املغرب‬- ‫ الدارالبيضاء‬،‫املركز الثقافي العربي‬- ‫نشر الفنك‬
:‫التقارير‬
.8705 ،‫ إحصائيات املندوبية السامية للتصبطيط‬
.8700 ،‫ التحديات وآلافاق‬،‫ تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني تنمية العالم القروي‬
.8702 ،‫ التقرير السنوي للمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‬
‫ دعامة أساسية‬:‫ الصحة والسالمة في العمل‬،‫ تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‬
.8787 ،‫للتنمية الاقتصادية والاجتماعية‬
:‫الظهائر والقوانين‬
‫ ) بتنفيذ القانون‬8701 ‫ أغسبطس‬07 ( 0530 ‫ ذي القعدة‬1 ‫ صادر في‬0.01.080 ‫ ظهير شريف رقم‬
‫ الجريدة‬،‫ بتحديد شروط الشغل والتشغيل املتعلقة بالعامالت والعمال املنزلیين‬07.08 ‫رقم‬
.1004 ‫ ص‬،)8701 ‫ أغسبطس‬88( 0530 ‫ ذو القعدة‬02 ‫ صادرة في‬1573 ‫الرسمية عدد‬
.)2017 ‫أكتوبر‬14392) ‫ محرم‬11 ‫ تاريخ‬6609 ‫ عدد‬،‫ الجريدة الرسمية‬
:‫املراجع باللغة ألاجنبية‬
 BECK, Ulrich. La société du risque. Sur la voie d’une autre modernité, Paris, Éditions
Aubier, 2001 ; édition originale : Risikogesellschaft, Francfort. 1986.
 BOURDIEU, Pierre. Travail et travailleurs en Algérie : Étude sociologique. Editions de la
Maison des sciences de l'Homme, 1963.
 BRESSON, Maryse. Sociologie de la précarité, sous la direction François de singly,
Armand Colin édition, 2007.
 Daminger, Allison. "The cognitive dimension of household labor." American
Sociological Review 84.4, 2019.
 DEMARSO, YaredKefyalew et ABBA, BogaleAnja. Legal Protection for Domestic
Workers: The Case of WolaitaSodo Town, Ethiopia. Beijing L. Rev., vol. 11, 2020.
 FUKUDA-PARR, Sakiko. What does feminization of poverty mean? It isn't just lack of
income. Feminist economics,, vol. 5, no 2, 1999.
 GILLOT, Gaëlle. Les coopératives, une bonne mauvaise solution à la vulnérabilité des
femmes au Maroc? Espace populations sociétés. Space populations societies,
2016/3.https://journals.openedition.org/eps/6619

331
 PAUGAM, Serge. La disqualification sociale : essai sur la nouvelle pauvreté. Paris :
Presses universitaires de France, 1991.
 ROBERT, Castel. Les métamorphoses de la question sociale : une chronique du salariat,
Fayard, Paris, 1995, réédition Folio-Gallimard, Paris, 2000.
 SAVI, Caroline. Femmes et travail domestique : le cas des badanti en Italie et des
auxiliaires de vie en France. Mémoire (s), identité (s), marginalité (s) dans le monde
occidental contemporain. Cahiers du MIMMOC, no 28, 2022.

332
‫إلاعاقة باملغرب وسؤال الحماية الاجتماعية‬
‫رجاء ملنبهي‬
‫باحثة متصصصة في التربية الخاصة‬

‫مقدمة‬
‫أصبحت الحماية الاجتماعية موضوع نقا عابر للقارات ملا لها من أهمية‪ ،‬فهي لم تعد مجرد ميهر من‬
‫مياهر العمل إلاحساني‪ ،‬بل أصبحت حقا من حقوق إلانسان باعتبارها ركيزة أساسية يقوم عليها العقد‬
‫الاجتماعي‪ ،‬وهذا ما كرسته أدبيات ألامم املتحدة ومنيمة العمل الدولية ومنيمة الصحة العاملية من‬
‫خالل العهود واملواثيق منذ إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان (‪ )0752‬وما تاله من اتفاقيات وصوال إلى‬
‫إلاعالنات والتوصيات التي تصدرها اللجنة املكلفة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة‬
‫لألمم املتحدة مدعومة بمبادرات عابرة للقارات كأهداف التنمية املستدامة السبعة عشر التي اعتبرت‬
‫أنيمة الحماية الاجتماعية ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية املستدامة‪ ،‬فهي الضامنة لتماسك‬
‫املجتمعات وازدهارها من خالل صون كرامة املواطنين وتوفير وسائل العيش النقدية والخدماتية تحقيقا‬
‫ملبدأ إلانصاف والعدالة الاجتماعية لكل املواطنين دون تمييز‪.‬‬
‫وتبقى الفئات ألاكثر هشاشة املتضرر ألاكبر من غياب هذا الحق وخاصة ألايخاص في وضعية إعاقة‬
‫وهم في تزايد مستمر‪ ،‬فحسب البنك الدولي فإن ‪ 87‬في املائة من ألايخاص ألاكثر فقرا هم في وضعية‬
‫إعاقة وهو ما تؤكده وضعية هذه الفئة ببالدنا‪.‬‬
‫فرغم مصادقة املغرب على اتفاقية حقوق ألايخاص في وضعية إعاقة سنة‪ 8777‬التي تقر بحق هذه‬
‫الفئة في الحماية الاجتماعية دون تمييز بسبب إلاعاقة‪ ،‬ورغم تنصيص املشرع املغربي (القانون إلاطار‬
‫‪ )70.03‬على وضع نيام للدعم الاجتماعي والتشجيع واملساندة لفائدة ألايخاص في وضعية إعاقة تبقى‬
‫هذه الفئة عرضة للمصاطر وإلاقصاء والتهميش في تجاوز لكل القوانين الدولية والوطنية وفي ضرب صارخ‬
‫ملبدأ إلانصاف والعدالة الاجتماعية‪ ،‬ولعل ذلك ما دفع اللجنة ألاممية في دورتها ‪ 8700/02‬إلى إبداء‬
‫قلقها بشأن هذه الفئة‪ .‬وهو ما يدفعنا للتساؤل‪ :‬ملاذا تفتقر أنيمة الحماية الاجتماعية وخاصة املرتببطة‬
‫باإلعاقة إلى النجاعة والفاعلية رغم الدينامية التي يشهدها املغرب من حيت التشريعات والبرامج‬
‫واملبادرات؟ أين الخلل؟ وما السبيل لتعزيز آليات الحماية الاجتماعية لهذه الفئة إرساء ملبادئ إلانصاف‬
‫والعدالة الاجتماعية؟ هذا ما نصبو ملناقشته وإلاحاطة به من خالل محورين أساسيين أخصص ألاول‬
‫منهما للحماية الاجتماعية مكانتها ودورها في تعزيز التماسك الاجتماعي تاركة الحديث عن واقع الحماية‬
‫الاجتماعية لأليخاص في وضعية إعاقة باملغرب وسبل تجاوزه للمحور الثاني‪.‬‬
‫‪ .1‬الحماية الاجتماعية‪ :‬مكاناها ودورها في تعزيز التماسك الاجتماعي‬
‫إضافة إلااى كااون الحمايااة الاجتماعية حقااا ماان حقااوق إلانسااان ألاساسااية غياار املشااروطة التااي تكفاال‬
‫الكرامااة لااكل مواطاان‪ ،‬فإنهااا تساااهم فااي تحقيااق ألاهااداف املجتمعيااة والاقتصاديااة الكباارى وهااي كذلااك‬

‫‪333‬‬
‫أداة مهمااة ملنااع املصاطاار وصااون التماسااك الاجتماعااي‪ .‬لذلك تحض ي بمكانة مهمة في التشريعات الدولية‬
‫والوطنية‪.‬‬
‫أ‪ :‬الحماية الاجتماعية والتماسك الاجتماعي‬
‫تعتبر الحماية الاجتماعية فااي معناااها الواسااع‪ ،‬مجموعااة ماان التدابير القائمة علااى التأمياان والتضاماان‪،‬‬
‫الهادفااة إلااى تحقيااق الضمااان الاجتماعااي وتقدياام املساااعدة‪ ،‬ارتااكازا علااى املساااهمات أو دون الارتااكاز‬
‫عليااها‪ ،‬ماان أجاال ضمااان القاادرة علااى توفياار الرعايااة والدخاال لجميااع ألاشااصاص وعلااى ماادى جميااع مراحاال‬
‫حياتهاام‪.1‬‬
‫وعلى هذا ألاساس فإن منيومة الحماية الاجتماعية تستوجب قناعات رسمية ومؤسسية تعكسها‬
‫سياسات اجتماعية واقتصادية واضحة‪ ،‬ملحاربة الفقر وآثاره النفسية والاجتماعية‪ ،‬وضمان تغبطية‬
‫صحية شاملة‪ ،‬وتوفير فرص العمل وشروطه العادلة‪ ،‬وهو السياق الذي بإمكانه أن يساهم في تحقيق‬
‫نمو اقتصادي مهم ويعزز لحمة املجتمع وقوة أنساقه‪ ،‬وعدا هذه ألارضية فإن الدولة تفتح مصراعيها‬
‫على اختيارات وخيمة العواقب‪ ،‬ألن الحماية الاجتماعية هي الركيزة ألاساس ألي عقد اجتماعي يروم‬
‫إنصاف املواطنين وضمان حقوقهم‪ .‬ففلسفة الحماية الاجتماعية هي انتفاء اليلم والاستغالل والحرمان‬
‫من الثروة وبذلك يغيب الفقر وإلاقصاء الاجتماعي بأشكاله ومياهره‪ ،‬وتنعدم الفوارق بين ألافراد‪،‬‬
‫ويتمتع الجميع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية إعماال ملبدأ تكافؤ الفرص‪.‬‬
‫إن الحماية الاجتماعية بهذا املعنى منيومة متكاملة تتغيا حماية الوجود إلانساني في أبعاده املصتلفة‬
‫الفكرية والثقافية واملادية‪ ،‬وتروم تحقيق التوازن الذاتي والجماعي‪ ،‬وبذلك ترتبط هذه الرؤية الشاملة‬
‫لفلسفة الحماية الاجتماعية‪ ،‬بشروط إنجاز تنمية مستقلة مقترنة بالعدالة الاجتماعية والكرامة‬
‫والحرية‪2‬‬

‫وتشمل الحماية الاجتماعية‪ ،‬ضمااان الدخاال والحصااول علااى الرعايااة الصحيااة لجميااع فئااات السااكان وفااي‬
‫كل مرحلااة ماان مراحاال حياتهاام‪ (:‬الرعايااة البطبيااة‪ ،‬وحااوادث الشااغل وألام اراض املهنيااة‪ ،‬ومعاش اات‬
‫التقاعااد‪ ،‬والتغبطيااة الاجتماعية للمساانين‪ ،‬والتغبطيااة الاجتماعية عاان الببطالااة‪ ،‬والتغبطيااة الاجتماعية‬
‫لألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة‪ ،‬والتغبطيااة الاجتماعية لألطفااال‪ )...‬فهي تعكس نوعا من إلانصاف خاصة‬
‫للفئات املستضعفة واملهمشة وبذلك تقلص من حدة التشنجات املجتمعية الناتجة عن الفوارق‬
‫الاجتماعية والعدالة على جميع املستويات‪.‬‬
‫وقد أعلن البنااك الدولااي ومنيمااة العماال الدوليااة في إعالن مشترك باأن تعمياام الحمايااة الاجتماعية ماان‬
‫شااأنه تيسااير املهااام املنوطااة باملؤسسااتين‪ .‬ويسااتعرض هذا إلاعالن (‪ )8704‬مساااهمات الحمايااة الاجتماعية‬

‫‪ :0‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية" تقرير املجلس الاقتصادي‬
‫والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية رقم ‪ 8702/35‬إعداد لجنة القضايا الاجتماعية والتضامن طباعة كنا برايت ص‪00‬‬
‫‪ :8‬رشيد أمشنوك‪ :‬الحماية الاجتماعية أبعادها القيمية ومداخل تحقيقها مؤلف جماعي حول الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي‬
‫الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة تنسيق إبراهيم بلوح ويونس املجدوبي إلاصدار ألاول دجنبر‪ 8788‬ص‪01‬‬

‫‪334‬‬
‫وهااي‪ :‬منااع الفقاار والحااد منااه‪ ،‬واملساااهمة فااي الاندماااج الاجتماعااي وفااي صااون كرامااة الفئااات الهشااة‪،‬‬
‫واملساااهمة فااي النمااو الاقتصااادي ماان خااالل زيااادة املداخياال التااي ترفااع ماان حجاام الاسااتهالك والادخااار‬
‫والاسااتثمار بالنساابة لألساار وتزيااد ماان حجاام البطلااب املحلااي علااى املسااتوى املاكاارو اقتصااادي‪ ،‬والتنميااة‬
‫البشاارية‪1‬‬

‫ومن الناحية السياسية تساعد الحماية الاجتماعية على استقرار ألانيمة السياسية وتوطد التماسك‬
‫بين النيام السياس ي القائم وفئات الشعب املتنوعة خاصة إذا كانت دولة رعاية اجتماعية تتولى تغبطية‬
‫املصاطر الاجتماعية ألاساسية وتهتم باألسر إال أنه في بعض ألانيمة غير الديمقراطية غالبا ما تتحول‬
‫سياسة الحماية الاجتماعية وأدواتها إلى وسائل ريعية تمييزية واستقبطاب اجتماعي لحشد املزيد من‬
‫الدعم الشعبي للسياسات القائمة‪ ،‬خاصة عندما ترتبط سياسات الحماية الاجتماعية بالعبطايا‬
‫واملناسبات وألايخاص أو بعض املؤسسات الخاصة‪.‬‬
‫ب‪ :‬موقع الحماية الاجتماعية لألشخاص في وضعية إعاقة باملغرب من املقتضيات القانونية‬
‫املحلية والدولية‬
‫إن الحماية الاجتماعية لأليخاص في وضعية إعاقة تستند على كل القوانين الدولية والوطنية املتعلقة‬
‫بالحماية الاجتماعية باعتبارهم مواطنين يؤدون واجباتهم شأنهم شأن بايي أفراد املجتمع إضافة إلى‬
‫قوانين خاصة بهم تضمن لهم نوعا من تكافؤ الفرص نيرا لخصوصياتهم وكثرة الصعوبات الحياتية التي‬
‫يواجهونها على جميع املستويات‪.‬‬
‫تحيى الحماية الاجتماعية في العهود واملواثيق الدولية وأدبيات ألامم املتحدة بمكانة هامة حيث نص‬
‫إلاعالن العالمي لحقوق إلانسان(‪ )0752‬في مادته‪ 88‬علااى أن‪ :‬لااكل شااصص‪ ،‬بوصفااه عضااوا ً فااي املجتمااع‪،‬‬
‫ُ َّ‬
‫حقاه أن توفاار لااه ماان خااالل املجهااود القومااي والتعاااون الدولااي وبمااا‬
‫الحااق فااي الضمااان الاجتماعااي‪ ،‬وماان ِ‬
‫َّيتفااق مااع هيااكل كل دولااة ومواردهااا‪ ،‬الحقااوق الاقتصاديااة والاجتماعية والثقافيااة‪ ،‬التااي ال غنااى عنهااا‬
‫لكرامتااه ولتنامااي شااصصيته فااي حرية‪.‬‬
‫َّ‬
‫كما أكااد العهااد الدولااي الخاااص بالحقااوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافيااة (املادتان ‪7‬و‪ )07‬حق كل‬
‫يخص فااي الضمااان الاجتماعااي‪ ،‬بمااا فااي ذلااك التأمينااات الاجتماعية‪.‬‬
‫الصادرة عن منيمة العمل الدولية(‪ )8708‬بشأن أرضيات الحماية الاجتماعية‪ 202 ،‬وتقدم التوصية‬
‫مبااادئ توجيهيااة عامااة م ان خالل إقامااة أرضيااات وطنيااة للحمايااة الاجتماعية من أجاال توساايع نبطاااق أنيمااة‬
‫الضمااان الاجتماعي وتتميمهااا‪ ،‬تكااون فااي متناااول جميااع املحتاجياان‪ .‬وتدعااو هااذه التوصيااة إلااى توفياار‬
‫الحمايااة الاجتماعية لألشااصاص غياار املحميياان والفق اراء والفئااات الهشااة‪ ،‬بماان فااي ذلااك العاملااون فااي‬

‫‪ :3‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬مرجع سابق ص‪85‬‬

‫‪335‬‬
‫القبطاااع غياار املنياام وأساارهم‪ .‬ويتمثاال الهاادف ماان هااذه التوصيااة فااي أن يسااتفيد جميع أف اراد املجتمااع‬
‫علااى ألاقاال ماان مسااتوى أساسااي ماان الضمااان الاجتماعااي طااوال حياتهاام‪1.‬‬

‫وتعتبر الاتفاقية املرجعية رقم ‪078‬بشأن املعايير الدنيا للضمان الاجتماعي الصادرة عن منيمة العمل‬
‫الدولية التي رغم كونها تعد من التشريعات القديمة التي اعتمدتها منيمة العمل الدولية (‪)0747‬‬
‫مرجعا أساسيا لتوجيه سياسات الحماية الاجتماعية الوطنية‪ ،‬ألنها حددت املعايير الدنيا التي ينبغي أن‬
‫يتجلى فيها الحق في الحماية الاجتماعية‪ ،‬وأهمها التغبطية الصحية والتعويض عن املرض والببطالة‪،‬‬
‫والحماية من مصاطر الشغل‪ ،‬ورعاية الفئات الهشة‪ ،‬والتعويضات العائلية‪.‬‬
‫كما تاام إق ارار مباادأ تعمياام الحمايااة الاجتماعية فااي أهااداف التنميااة املسااتدامة ‪ ،8704‬وفااي إعالنااات ذات‬
‫صبغااة دوليااة صااادرة عاان الاتحاااد إلافريقااي وراببطة دول جنااوب شرق أسيا واملفوضية ألاوربية ومجموعة‬
‫‪ OCDE‬وألامم املتحدة‪2‬‬ ‫العشرين ومنيمة التعاون والتنمية في امليدان الاقتصادي‬
‫فصبطة ألامم املتحدة من أجل تحقيق أهداف التنمية املستدامة تعكس التصور الجديد للتنمية من‬
‫منيور ألامم املتحدة املعتمد سنة ‪ 8704‬أساسه القضاء على الفقر وحماية كوكب ألارض بكل موارده‬
‫وضمان تمتع كل املواطنين (مواطني العالم) باألمن وألامان في أفق سنة ‪ .8737‬وتتوزع الخبطة في ‪00‬‬
‫هدفا‪ ،‬تتكامل في كونها تؤسس ثالثية التنمية املستدامة‪ :‬الاقتصادي والاجتماعي والبيني كما تقر الدول‬
‫ألاطراف في اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة بحق هؤالء في الحماية الاجتماعية‪ ،‬والتمتع بهذا الحق‬
‫دون تمييز بسبب إلاعاقة‪ ،‬وتتصذ الخبطوات املناسبة لصون هذا الحق وتعزيز إعماله‪ ،‬بما في ذلك تدابير‬
‫ترمى إلى تلبية الاحتياجات املرتببطة باإلعاقة‪ ،‬والاستفادة من برامج الحماية الاجتماعية وبرامج الحد من‬
‫الفقر خصوصا ً النساء والفتيات وكبار السن‪ ،‬وضمان استفادة الذين يعيشون في حالة فقر وأسرهم‬
‫من املساعدة التي تقدمها الدولة لتغبطية النفقات املتعلقة باإلعاقة‪ ،‬بما فيها التدريب املناسب وإسداء‬
‫املشورة واملساعدة املالية والرعاية املؤقتة وكاذلك الاستفادة من برامج إلاسكان العاام وبرامج التقاعد‪3‬‬

‫وتجدر إلاشارة إلى أنه إلى حدود فبراير ‪ 8702‬صادق املغرب على ‪ 18‬اتفاقية ملنيمة العمل الدولية (بما‬
‫في ذلك ‪ 40‬اتفاقية تقنية من أصل ما مجموعه ‪000‬اتفاقية معيارية ومن بين الاتفاقيااات ال‪ 18‬التي‬
‫صادقت عليها اململكة هناك ‪ 52‬اتفاقيااة سااارية املفعااول‪ ،‬وتاام الاعت اراض علااى ‪ 00‬اتفاقية وإلغاء ‪3‬‬
‫صكوك)‪ .‬ولاام يصااادق املغاارب علااى أي اتفاقيااة فااي الساانوات الخمااس ألاخياارة‪ ،‬وتعااود املعاهاادات التااي‬
‫صااادق عليهااا املغاارب إلااى ساانة ‪.48703‬‬
‫وحيث إن مسؤولية إرساء آليات الحماية الاجتماعية تقع على عاتق الدولة بشكل أساس ي فإن املغرب‬

‫‪:5‬نفس املرجع ص‪5‬‬


‫‪:2‬نفس املرجع ص‪85‬‬
‫‪ :3‬الاتفاقية الدولية لحقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة (دخلت حيز التنفيذ في مايو‪ )8772‬املادة ‪82‬‬
‫‪ 4‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪81‬‬

‫‪336‬‬
‫كغيره من الدول سعى ملالئمة تشريعاته وتكييف برامجه وسياساته ومبادراته مع التوجهات الدولية بهذا‬
‫الشأن‪.‬‬
‫إن إلاطار التشريعي والتنييمي الخاص بالحماية الاجتماعية والذي كان املغرب سباقا (إقليميا) في تبطويره‬
‫توج بدسترة الحماية الاجتماعية بدون تمييز وسن القانون املتعلق بالحماية الاجتماعية ‪ 77.80‬وغيرها‬
‫من القوانين واملبادرات والبرامج املهمة‪ .‬إال أن واقع الحال ال يعكس هذه الدينامية وهو ما جاء في خبطاب‬
‫العر ‪ 8787‬وأكده الخبطاب امللكي الافتتاحي للدورة الخريفية للبرملان من نفس السنة وما تالها من‬
‫خبطابات‪ .‬كما أشار تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني إلى وجود اختالالت بنيوية في أنيمة‬
‫الحماية الاجتماعية باملغرب مع وجود فرص وإمكانية التحقق‪.‬‬
‫ُ‬
‫الم يعتمااد املغاارب لحااد آلان مقتضيااات ملناهضااة التمييااز تحياال صراحااة علااى حمايااة ألاشااصاص فااي‬
‫وضعية إعاقة وعلى توفير الحماية الاجتماعية لهم إما في شكل مساعدة طبيااة وشاابه طبيااة أو في صورة‬
‫دخل أساس ي‪ .‬فليااس هناااك لغايااة اليااوم أي نااص قانونااي أو تنييمااي خاص ينيم الحمايااة الاجتماعية‬
‫لألشااصاص ذوي إلاعاقااة‪ ،‬والحال أن دستور ‪ 8700‬ينص في الفصل ‪ 35‬منااه علااى أن الساالبطات العموميااة‬
‫تقااوم "بوضااع وتفعياال سياسااات موجهااة إلااى ألاشااصاص والفئااات ماان ذوي الاحتياجااات الخاصااة‪ .‬ولهااذا‬
‫الغاارض تسااهر خصوصااا علااى (‪ )...‬إعااادة تأهياال ألاشااصاص الذياان يعانااون ماان إعاقااة جساادية‪ ،‬أو حسااية‬
‫حركيااة‪ ،‬أو عقليااة‪ ،‬وإدماجهاام فااي الحياااة الاجتماعية واملدنيااة‪ ،‬وتيسااير تمتعهاام بالحقااوق والحريااات‬
‫املعتاارف بهااا للجميااع‪ .‬وبذلك تصبح حقوق ألايخاص في وضعية إعاقة وحمايتهم حقا دستوريا ملزما‬
‫للدولة وليس عمال إحسانيا‪ .‬وهو ما تم تبنيه في القانون إلاطار رقم‪ 70.03‬املتعلااق بحمايااة حقوق‬
‫ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة والنهااوض بهااا والصادر في ‪ 80‬أبريل ‪ 8701‬بحمايااة حقوق حيث تنص املادة‬
‫‪ 1‬منه على وضع" نيام للدعم الاجتماعي والتشجيع واملساااندة لفائاادة ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة"‪،‬‬
‫لكاان علااى أن « ُيحاادد نيااام الدعاام الاجتماعي املذكااور وأشكاله ومصااادر تمويلااه وكيفيااات تدبيااره وشااروط‬
‫الاسااتفادة منااه بنااص تشااريعي»‪1.‬‬

‫ورغم أهمية هذا القانون الذي يعد مرجعا مهما لحماية هذه الفئة استجابة لالتفاقيات الدولية إال أنه‬
‫على حد تعبير ألاستاذ أحمد ايت إبراهيم‪ 2‬كثير ألاعبطاب‪ ،‬ومن بين ألاعبطاب التي ذكرها أنه لم يتم‬
‫التنصيص على جدولة زمنية لتنفيذه وبقي النص التشريعي بدون مدى زمني لدخوله حيز التنفيذ‬
‫والعبطب الثاني أن الفاعل العمومي املعني بتنزيل القانون كان يفترض فيه وضع مصبطط للتنزيل أسوة‬
‫ببايي القوانين ذات الصبغة التأطيرية للسياسات العمومية وهو مالم يتم حتى اليوم‪ ،‬ولم تصدر‪2‬‬
‫نصوص تبطبيقية بالغة ألاهمية ذات صبغة تنييمية وتشريعية منها املواد(‪)-83-87-01-04-03-7-0-1‬‬

‫‪ :2‬اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة‪ ،‬اللجنة املعنية بحقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة‪ ،‬املالحيات الختامية بشأن التقرير ألاولي‬
‫للمغرب‪ 2017CRPD/C/MAR/CO1 .‬النقبطتان ‪45-43‬‬
‫‪ :7‬أحمد ايت إبراهيم أستاذ وباحث في قضايا إلاعاقة والتربية الدامجة‪ ،‬يشغل منصب رئيس مصلحة الاندماج الاجتماعي لأليخاص في‬
‫وضعية إعاقة بوزارة التضامن والتنمية الاجتماعية واملساواة وألاسرة‪ ،‬راكم بحكم وظيفته وأبحاثه تجربة وخبرة كبيرة‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫وتجدر إلاشارة أن هذه املواد لها ارتباط مباشر بإعمال الحقوق كالدعم الاجتماعي واملساندة والخدمات‬
‫والشغل والسكن والتمدرس وببطاقة إلاعاقة‪.‬‬
‫كما أن هناك تأخر واضح في إرساء منيومة جديدة لتقييم إلاعاقة لتسليم الببطاقة كما هو منصوص‬
‫عليه في املادة ‪ 83‬من القانون إلاطار‪ ،‬ذلك أن املشرع وضع تعريفا جديدا لإلعاقة ينتمي إلى النموذج‬
‫النسقي التفاعلي‪ ،‬في حين تسلم شهادة إلاعاقة اليوم وفق تعريف قديم للقانون ‪ 70.78‬الذي يعتمد على‬
‫النموذج البطبي‪ .‬إضافة للتأخر في إرساء منيومة معلوماتية كسجل وطني لإلعاقة وكذلك التأخر في إخراج‬
‫نيام للدعم الاجتماعي واملساندة املنصوص عليه في املادة ‪ 1‬من نفس القانون وهو النيام الذي‬
‫سيتضمن على ألاقل ‪ 03‬خدمة للدعم الاجتماعي لأليخاص في وضعية إعاقة‪ .‬وقد ترتب عن ذلك عدم‬
‫إدراج مكون إلاعاقة في الصيغة الحسابية للمؤشر الاجتماعي لتنقيط ألاسر في السجل الاجتماعي املوحد‬
‫علما أن الدراسة بينت أن إلاعاقة تفقر ألايخاص وأسرهم‪ ،‬وأن السجل الاجتماعي املوحد هو آلالية‬
‫التي ستعتمد الستهداف ألاسر املستفيدة من الدعم الاجتماعي من خالل تنقيبطها وإعبطائها مؤشرا‬
‫اجتماعيا والتي تشرف عليها إلادارات العمومية والجماعات الترابية والهيئات العمومية من أجل ترشيد‬
‫الدعم العمومي‪ .‬وبقي قانون الرعاية الاجتماعية ‪ 70.78‬مفعال ومرجعا وهو ما وصفه أحمد آيت إبراهيم‬
‫باملفارقة غير مقبولة فالقانون الجديد رغم أهميته لم يتم تنزيله وتنفيذه بالشكل الصحيح واملبطلوب في‬
‫هدر زمني واضح‪.‬‬
‫كما أن املغرب لم يضع بعد تشريعا مناهضا للتمييز أو منيومة للحماية الاجتماعية خاصة بهذه الفئة‬
‫أو نصا تنييميا يتالءم مع خصوصيتها الش يء الذي يجعلها عرضة للمصاطر وإلاقصاء والتهميش في تجاوز‬
‫لكل القوانين الدولية والوطنية وفي ضرب صارخ ملبدأ إلانصاف والعدالة الاجتماعية‪ .‬ولعل ذلك ما دفع‬
‫اللجنة ألاممية في دورتها ‪ 8700/02‬إلى إبداء قلقها بشأن هذه الفئة باملغرب (أشرت إليه في املقدمة)‪.‬‬
‫كما تم إصدار القانون إلاطار ‪ 77-80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية تماشيا مع الفصل ‪00‬من الدستور‬
‫املغربي لسنة ‪( 8700‬والذي ينص على أن للبرملان صالحية التصويت على قوانين تضع إطارا لألهداف‬
‫ألاساسية لنشاط الدولة‪ ،‬في امليادين الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية) وبهذا يعتبر القانون‬
‫إلاطار املتعلق بالحماية الاجتماعية‪ ،‬قانونا يضع إطارا لألهداف ألاساسية لنشاط الدولة في امليدان‬
‫الاجتماعي‪ .‬وكونه قانون إطار يعني أنه يكتسب قوة إلزامية أكبر من بايي القوانين العادية‪ ،‬فقوانين إلاطار‬
‫يتم تداولها باملجلس الوزاري مما يجعله يسمو في تراتبية النصوص القانونية على التشريعات وألانيمة‬
‫سواء تلك التي ينص عليها‪ ،‬أو بايي القوانين العادية التي ترتبط به‪ .‬إن التنصيص على أهداف الحماية‬
‫الاجتماعية في قانون إطار من شأنه أن يحدد الرؤية على املدى‬
‫البعيد‪ ،‬ويضمن التبطبيق ألامثل ملستلزماته ويؤمن استمراريته باعتباره مرجعية تشريعية ملزمة في اتصاذ‬
‫النصوص التشريعية والتنييمية الالزمة لبلورة ألاهداف والتوجيهات واملبادئ‪1‬‬

‫‪ :07‬عبد املنعم ألانصاري‪ :‬قراءة في القانون إلاطار‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية مؤلف جماعي حول‪ :‬الحماية الاجتماعية والنموذج‬
‫التنموي الجديد مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬مرجع سابق ص‪82‬‬

‫‪338‬‬
‫إن تحديد الهدف من القانون إلاطار باعتباره إطارا قانونيا يستهدف حماية بعض الفئات املجتمعية التي‬
‫ظلت خارجة عن الاستفادة من حق الحماية الاجتماعية‪ ،‬وإشارة املادة الرابعة من القانون إلاطار إلى أنه‬
‫يعد مكمال لالستراتيجيات والبرامج ألاخرى املتعلقة بالحماية الاجتماعية‪ ،‬يبين أن القانون إلاطار املتعلق‬
‫بالحماية الاجتماعية ال يعد إطارا شامال لتغبطية الحق في الحماية الاجتماعية لجميع الفئات املجتمعية‬
‫وهو ما يدل على عدم شموليته لكل املواطنين وهي نقيصة ينبغي تداركها‪.‬‬
‫فرغم انبطالقه من مرتكزات الخبطاب امللكي ل‪ 7‬أكتوبر ‪ 8787‬إال أن هذا القانون تبنى موقفا مصتلفا من‬
‫الحماية الاجتماعية باقتصاره على مشروع "التوسيع" عوض مشروع "التعميم" الذي تحدث عنه‬
‫الخبطاب واعتماد التأمين إلاجباري عوض التغبطية الصحية إلاجبارية وربط التمويل بإصالحات صندوق‬
‫املقاصة والهبات والوصايا باعتبارها موارد قارة (وهي غير قارة)‬
‫كما أن هذا القانون لم ينص على مسؤولية الدولة عن أعمالها في مجال الحماية الاجتماعية‪ ،‬خاصة‬
‫أنه لم ينص صراحة على التزام الدولة املغربية تحقيق الهدف املعلن في القانون إلاطار‪ ،‬واملبادئ املؤطرة‬
‫له وتجدر إلاشارة كذلك إلى أن الفرق واملجموعات النيابية لم تقدم أي اقتراح تعديل على مشروع‬
‫القانون ‪ 77.80‬وتم التصويت على مواده وعلى املشروع برمته باإلجماع كما أحيل من مجلس املستشارين‪.‬‬
‫ألامر الذي يبطرح من جهة سؤال جودة النص التشريعي‪ ،‬ومن جهة أخرى سؤال توفر ألاحزاب السياسية‬
‫على كفاءات وقدرات كفيلة بضمان الاحتياجات الحقيقية للمواطن املغربي في املجال الاجتماعي‪1‬‬

‫ويأتي إصدار هذا القانون إلاطار في سياق مؤشرات تبين هشاشة وعدم إنصاف منيومة الحماية‬
‫الاجتماعية املغربية نتيجة تراكمات السياسات والبرامج العمومية املتبعة على مدى عقود والتي افتقرت‬
‫للنجاعة والفاعلية‪ ،‬أبرزها سياسة التقويم الهيكلي وما خلفته من مضاعفات اجتماعية نتيجة تقليص‬
‫املوارد املالية العمومية املوجهة للقبطاعات الاجتماعية وسياسة التقشف التي فرضتها املؤسسات املالية‬
‫الدولية‪ ،‬وهي التداعيات التي اعترف بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي و التي شكلت نقبطة تحول‬
‫في تاريخ املغرب‪ ،‬عرف بعدها تراجعا على مستوى تدخل الدولة في املجال الاجتماعي‪.‬‬
‫أما بالنسبة للنموذج التنموي الجديد فقد شكلت الحماية الاجتماعية أولوية لتحقيق إلاقالع التنموي‬
‫املنشود‪ ،‬وكانت في صلبه سواء كان ذلك على مستوى التشخيص‪ ،‬حيث تم إلاقرار بواقع يتسم بضعف‬
‫آليات الحماية الاجتماعية‪ ،‬وبكون هذه ألاخيرة ال تزال في بدايتها‪ ،‬أو كان على مستوى املقترحات واملحاور‬
‫الاستراتيجية للتحول‪ ،‬حيث تمت الدعوة إلى تسريع إنشاء قاعدة موسعة وفعالة للحماية الاجتماعية‪،‬‬
‫وانبطلق ا لنموذج الجديد من ضرورة ارتكاز الحماية الاجتماعية على عقد اجتماعي يجعل الدولة‬
‫واملواطنين يتحملون مسؤولياته م‪ ،‬ويميز ما بين حماية أساسية معممة على جميع املواطنين‪ ،‬وحماية‬
‫خاصة تستهدف الفئات ألاكثر هشاشة مثل الفقراء وألايخاص في وضعية إعاقة‪ .‬ومقابل التزام الدولة‬

‫‪ :1‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪ 34-35‬بتصرف‬

‫‪339‬‬
‫يدعوا النموذج إلى التزام مماثل من قبل املواطنين في تمويل الخدمات العمومية والحماية الاجتماعية‬
‫من خالل إض فاء البطابع املنيم على ألانشبطة املهنية وأداء الضرائب وبايي املساهمات الاجتماعية‪1‬‬

‫‪ .0‬الحماية الاجتماعية لألشخاص في وضعية إعاقة باملغرب‪ :‬إكراهات الواقع وسبل التجاوز‬
‫ُيقاادر عاادد ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة باملغاارب بحوالي ‪ 8،8‬مليون يخص أي بنسبة انتشار تبل ‪1،2‬‬
‫فااي املائااة ماان إجمالااي الساااكنة في املجتمع‪ ،‬حسااب مااا جاااء فااي البحااث الوطنااي الثانااي حااول إلاعاقااة‬
‫باملغاارب الااذي أنجزتااه وزارة التضاماان وامل ارأة وألاساارة والتنميااة الاجتماعية‪ .‬وارتااكازا علااى معبطيااات‬
‫إلاحصاااء العااام للسااكان والسااكنى لسنة ‪ 8705‬حااددت املندوبيااة السااامية للتصبطيااط ماان جانبهااا نساابة‬
‫انتشااار إلاعاقااة فااي املجتمااع فااي‪ 4،0‬في املائااة ماان مجمااوع عاادد الساااكنة‪.‬‬
‫ورغم تزايد عدد ألايخاص في وضعية إعاقة ووجود قوانين وبرامج وتنوع املشاريع التي تهم هذه الفئة‬
‫إال أن الواقع مثقل باإلكراهات وهذه الفئة لم تحض بعد بحماية اجتماعية كفيلة بحمايتها من املصاطر‬
‫الاجتماعية والثقافية والبيئية كما هي منصوص عليها في الاتفاقيات الدولية ولم يرق الواقع بعد إلى ما‬
‫ترفعه الدولة من شعارات من خالل خبطابها الرسمي ألامر الذي يتبطلب مزيدا من العمل الجاد واملسؤول‬
‫ألن إمكانية إلاصالح تيل ممكنة لتدارك ما يمكن تداركه‪.‬‬
‫أ‪ :‬إلاعاقة باملغرب‪ :‬واقع مثقل باإلكراهات‬
‫تعتباار ألارقااام املدلى بها سابقا حول عد ألايخاص في وضعية إعاقة ونسبة انتشار إلاعاقة باملغرب" أقاال‬
‫بكثياار ماان املعاادالت املس اجلة علااى املسااتوى العاملااي‪ .‬فحسااب منيمااة الصحااة العامليااة يعيااش حوالي ‪07‬في‬
‫املائااة ماان سااكان العالاام أي تقريبااا ‪ 147‬مليون نسمة بنوع ما من إلاعاقة‪ ،‬وتشكل هذه الفئة أكبر أقلية‬
‫تعاني من الهشاشة في العالاام"‪2‬‬

‫هذه الفئة كغيرها من فئات املجتمع املغربي تعاني الفقر والهشاشة وغياب آليات الحماية الاجتماعية‬
‫املناسبة لكن خصوصية إلاعاقة وإلاكراهات واملعيقات التي تواجهها تجعل واقعها أكثر قتامة‪.‬‬
‫إن خيارات املغرب وسياساته في مجال الحماية الاجتماعية ال تتوافق مع مضمون الاتفاقيات والتوصيات‬
‫الدولية السابقة الذكر أو لم تنضج بالشكل الكافي الذي يجعله قادرا على الوفاء بالتزاماته القانونية بعد‬
‫املصادقة على هذه الاتفاقيات‪ ،‬باإلضافة إلى الصعوبات التي تجدها الحكومات في إقناع شركائها من‬
‫القبطاع الخاص لالنصراط في السياسات الاجتماعية التي تتبطلبها اتفاقيات منيمة العمل الدولية‪ ،‬ناهيك‬
‫عن التكلفة الاقتصادية التي يستلزمها تنزيل هذه الاتفاقيات على أرض الواقع‪.‬‬
‫هناك خلال بنيويا يعتري سياسات الحماية الاجتماعية الوطنية "أال وهو غياب الرؤية املندمجة التي تجعل‬
‫من الحماية مشروعا تنمويا لتثمين الفاعل والرابط الاجتماعيين‪ ،‬عكس ألاطروحة الرسمية التي تتأسس‬
‫على خلفية اقتصادية تحرص الدولة فيها على عدم إلانفاق املباشر على التنمية الاجتماعية‪ ،‬ما يحول‬

‫‪ :0‬ميلود الرحالي "مشروع تعميم الحماية الاجتماعية بين ثقل الواقع وتوصيات الوثائق الرسمية‪ ،‬نفس املرجع‪ ،‬ص ‪077‬‬
‫‪ :2‬الحماية إلاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة إلاجتماعية‪ ،‬مرجع سابق ص‪18‬‬

‫‪340‬‬
‫سياسات الحماية إلى مجرد مشاريع متجددة لتكثيف الخبطاب وتنويع املداخيل واملياهر‪ ،‬دون قدرة‬
‫كافية على تحقيق الرعاية والحماية املبطلوبة"‪1‬‬

‫مع العلم أن هناك إمكانيات مادية حسب املجلس الاقتصادي والاجتماعي وحسااب تقرير صدر عاان‬
‫منيمة العمل الدولية بشأن إمكانيات تغبطية خدمات أرضيات الحماية الاجتماعية نقدا قياسا باملوارد‬
‫املتاحة (الضرائب واملساعدات إلانمائية العمومية) حيث يصنف املغرب من بين البلدان التااي تتوفاار على‬
‫إمكانيااة عاليااة للتغبطيااة النقديااة ألرضيااات الحمايااة الاجتماعية‪ ،‬ولكنااه يصنااف أيضااا ضماان البلاادان التااي‬
‫لديهااا مسااتوى منصفااض ماان إلارادة السياسااية لالسااتثمار فااي القبطاااع الاجتماعي‪2‬‬

‫إن مبطلب البحث عن إعادة هيكلة وتنييم وتوزيع الثروة وتمويل ور الحماية الاجتماعية من أجل‬
‫ألامان الاجتماعي عملية معقدة خاصة بعد رببطها بالتمويل التضامني وتفكيك صندوق املقاصة‪ .‬مما‬
‫يجعل مواردها غير قارة‪ ،‬وفي ظل هيمنة وزارة الداخلية على تحديد الفئات املستحقة سيتحول مشروع‬
‫"السجل املوحد" أو جزء كبير منه على ألاقل إلى أداة للتحكم والريع الاجتماعي كما حدث مع غيره من‬
‫املشاريع والبرامج‪ .‬كما أن الاشتغال في القبطاع الغير مهيكل يبطرح مشكال كبيرا تتجلى بوضوح أوجااه‬
‫القصااور والصعوبااات التااي تواجههااا منيومااة الحمايااة الاجتماعية فااي املغرب حيث تتساام املبااادرات‬
‫العموميااة فااي هااذا املجااال ببطابعهااا املتجاازئ وتعاادد البرامااج واملتدخلياان ومرجعيااات ألاهااداف وأساااليب‬
‫تقيياام النتائااج‪ ،‬فااي غياااب أي تنساايق حقيقااي أو رؤيااة علااى املاادى البطوياال (وزارات التشااغيل‪ ،‬والشااؤون‬
‫الاجتماعية‪ ،‬واملاليااة‪ ،‬واملصالااح التقنيااة املشاارفة وغيرهااا)‪ .‬وينبطااوي هااذا الوضااع علااى مصاطاار تتعلااق بهاادر‬
‫الوقاات والكفاااءات‪ ،‬وبعاادم تفعياال التوصيااات والغايااات املنبثقااة عاان الدراسااات التقنيااة‪ ،‬أو الحااوار‬
‫الاجتماعااي‪ ،‬أو مؤسسااات الحكامااة واملراقبااة كاملجلااس ألاعلااى للحسااابات‪ .‬وتتساام منيومااة الحمايااة‬
‫الاجتماعية في املغرب بعدم انتيامها حول رؤية موحدة وأهداف متجانسة‪ .‬وال توجااد آليااات للتضاماان أو‬
‫حتااى التكاماال بياان مكوناتهااا‪ .‬وتواجااه هااذه املكونااات بشااكل فردي ودون تجانااس‪ ،‬كل فااي إطاااره املؤسسااي‬
‫الخاااص ومعاييااره التقنيااة ونيامااه الخاااص للحكامااة الرهانااات املتعلقااة بالتااوازن املالااي‪ ،‬والاسااتدامة‬
‫وجااودة الخدمااات دون قاادرة أو توجااه نحااو حمايااة جميااع املواطنياان باادءا ً ماان ألاشااصاص والفئااات الهشااة‬
‫ضااد املصاطاار الاجتماعية والاقتصاديااة‪.3‬‬
‫أما بالنسبة لخيااار الدخل الشامل املنصوص عليه في الاتفاقيات والتوصيات الدولية وحسب تقرير‬
‫املجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيني فإنه ال يباادو فااي الوقاات الراهاان أم ارا ً قاباال للتنفيذ بالنسبة‬
‫للمغرب‪ ،‬ألانسااب التوجااه نحااو اعتماااد دخاال أساسااي لفائاادة الفئااات الهشااة‪ ،‬وفااق الوسااائل املتاحااة‪،‬‬

‫‪ :1‬ميلود الرحالي‪ :‬مشروع تعميم الحماية الاجتماعية بين ثقل الواقع وتوصيات الوثائق الرسمية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪003‬‬
‫‪ :04‬منيمة العمل الدولية‪ :‬أرضيات الحماية الاجتماعية الشاملة‪ :‬تقدير التكاليف والقدرة على تحمل التكاليف في ‪ 40‬دولة منصفضة‬
‫الدخل ‪ 8700‬ص ‪38‬‬
‫‪ :01‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬مرجع سابق الصفحتين ‪-35‬‬
‫‪34‬بتصرف‬

‫‪341‬‬
‫الساايما لفائاادة ألاطفااال‪ ،‬وألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة‪ ،‬وألاشااصاص غياار املشاامولين بتغبطيااة صحيااة‬
‫وهو ما ال ينسجم مع توجهات منيمة العمل الدولية التي تؤكد اعتماد دخل أساس ي لفائدة الفئات‬
‫الهشة حتى تتمكن من توفير حاجياتها الضرورية‪.‬‬
‫إن إنصاف ألايخاص في وضعية إعاقة باعتبارهم جزء من النسيج املجتمعي ال يمكن عزله عن إنصاف‬
‫املغاربة ككل لذلك من الضروري الحديث عن منيومة الحماية الاجتماعية ككل إضافة لتدابير خاصة‬
‫بهذه الفئة تحقيقا ملبدأ تكافؤ الفرص‪.‬‬
‫إن املعمول به حاليا أن تنفيااذ آليااات للدعاام لفائاادة ذوي إلاعاقة يتم ماان خاالل املصالااح املصتصااة‬
‫(مؤسسااات ومراكااز الحمايااة الاجتماعية املكلفااة باألشااصاص ذوي إلاعاقااة أو ماان خااالل املبادرة الوطنيااة‬
‫للتنميااة البشاارية وبرنامااج تيسااير‪ )...‬وعباار مساااهمة صناادوق التماسااك الاجتماعااي الذي تعتبر تعبئته آلالية‬
‫ألابرز لتنفيااذ البرنامااج الحكومااي فااي مجااال العنايااة باألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ويشمل هذا الصندوق‬
‫أربعااة محاااور للتدخاال‪:‬‬

‫‪ ‬تحسااين تماادرس ألاطفال في وضعية إعاقة (الخدمااات التربويااة والتأهيليااة والتكوينيااة والعالجيااة‬
‫الوظيفيااة التااي تقدمهااا الجمعيااات داخاال املؤسسااات املتصصصااة أو املؤسسااات التعليميااة‬
‫الدامجااة)‪.‬‬
‫‪ ‬اقتناااء ألاجهاازة الخاصااة واملساااعدات التقنيااة ألاخاارى (ألاجهاازة وألانيمااة التااي يسااتعملها‬
‫الشااصص فاي وضعي اة إعاقااة ماان أجاال الوقايااة أو التصفيااف ماان حاادة العجااز)‪.‬‬
‫‪ ‬تشااجيع الاندماااج املهنااي وألانشاابطة املاادرة للدخاال (إنتاااج مااواد أو خدمااات ماادرة للدخاال)‪.‬‬
‫‪ ‬املساااهمة فااي إحااداث وتساايير مراكااز الاسااتقبال (تهيئااة وتجهيااز فضاااءات تابعااة للتعاااون الوطنااي‬
‫كمراكااز لالسااتقبال والتوجيااه وتقدياام خدمااات صناادوق دعاام التماسااك الاجتماعااي)‪ .‬ورغم‬
‫أهمية هذا الصندوق إال أنه بدوره ال يصلو من اختالالت وعلى رأسها التمييز بين ذوي إلاعاقة‬
‫أنفسهم فهو موجه فقط للفئة الهشة والفقيرة التي تحتضنها املؤسسات وفق معايير غير منصفة‬
‫ودون تمييز بين مستويات إلاعاقة مع العلم أن هناك شرائح واسعة من هذه الفئة خارج‬
‫املؤسسات والجمعيات والتعاونيات بسبب العوائق املادية واملعنوية التي تجدها ألاسر والتي‬
‫تسبب عجزها عن إيجاد مؤسسات حاضنة ألبنائها فال غرابة إن أعرباات اللجنااة املعنيااة بحقااوق‬
‫ألاشااصاص ذوي إلاعاقة فااي مالحياتهااا الختامية التااي اعتمدتهااا فااي دورتهااا الثامنااة عشاار (‪-05‬‬
‫‪ 30‬غشاات‪)8700‬حااول إعمااال أحااكام اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة عاان قلقهااا بساابب‬
‫ارتفاااع نساابة ألاشااصاص ذوي إلاعاقااة الذياان ليااس لديهاام دخاال منتياام‪ ،‬وعاادم وجااود نيااام‬

‫‪342‬‬
‫شااامل للحمايااة الاجتماعية يضماان لألشااصاص ذوي إلاعاقااة وألساارهم إمكانيااة الحصااول علااى‬
‫مسااتوى معيشااي الئااق‪ ،‬بمااا فااي ذلااك مصصصااات ماليااة لتغبطيااة النفقااات املرتببطااة باإلعاقااة‪.1‬‬
‫لألسف فإن ثلثي ألايخاص ذوي إلاعاقة ال يستفيدون من أي نيام للضمان الاجتماعي في حين يستفيد‬
‫فقط ‪ 07،5‬فااي املائااة من ألايخاص في وضعية إعاقة من الحماية الاجتماعية وهو ولوج ضعيف‬
‫للمنيومة‪ ،‬وحسب البحث الوطني حول إلاعاقة لسنة ‪ 8705‬فإن ‪ 17.2‬في املائة من ألايخاص في وضعية‬
‫إعاقة ال يستبطيعون الولوج إلى الخدمات الصحيااة باملغاارب‪ ،‬وذلااك راجااع أساسااا ألسااباب ماليااة أو بساابب‬
‫عاادم وجااود مؤسسااة أو بنيااة طبيااة أو ُبعدهااا عنهاام‪ ،‬كما أن أزيااد ماان ثلااث( ‪30،4‬فااي املائااة) ألاشااصاص‬
‫ذوي إلاعاقااة املتراوحااة مااا بياان املتوساابطة والعميقااة جدا يحتاجون ملعينات تقنية‪2.‬‬

‫أما الببطالة فهي ضاربة في صفوف هذه الفئة رغم تنصيص املشرع على تصصيص نسبة ‪ 0‬في املائة‬
‫لتشغيل ألايخاص في وضعية إعاقة‪ ،‬وقد قادر معاادل التشااغيل لاادى ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة فااي‬
‫ساان النشاااط حسااب البحااث الوطني املشار إليه ب‪ 03،1‬في املائة أي ما يقل بثالث م ارات عاان معاادل‬
‫التشااغيل على املسااتوى الوطنااي‪ .‬ممااا يفاقاام إقصاااء هااذه الفئااة ماان الاسااتفادة ماان أنيمااة التغبطيااة‬
‫الاجتماعية‪ .‬ويبرز البحث أن معاادل الببطالااة فااي صفااوف ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ماان متوساابطة‬
‫إلااى عميقااة جاادا يبل ‪ 10.04‬في املائة‪ .‬أي ‪ 005575‬وهو معدل أعلى بساات م ارات ماان املعاادل الوطنااي‪.‬‬
‫وحسااب املصاادر ذاتااه‪ ،‬فااإن النساااء فااي وضعيااة إعاقااة يواجهاان صعوبااات جمااة فااي مجااال التشااغيل‪ ،‬إذ‬
‫يبل ا معاادل التشااغيل فااي صفوفهاان ‪ 8،0‬في املائة علااى الصعيااد الوطنااي‪ .‬وتقاال حيااوظ حصااول إلاناااث‬
‫فااي وضعيااة إعاقااة علااى عماال بتسااع م ارات عاان حيااوظ الذكااور فااي وضعيااة إعاقااة (الذياان يبل ا معاادل‬
‫التشااغيل فااي صفوفهام ‪ 88‬في املائة) مع العلم أن الارتقاء بيروف العمل ضرورة ملحة‪ ،‬من أجل ضمان‬
‫العيش الكريم لإلنسان‪ ،‬والتقدم والتنمية املستدامة للمجتمع‪ ،‬ألامر الذي يستدعي تكييف الاقتصاديات‬
‫الوطنية واملؤسسات الوطنية مع التغيير العالمي‪ ،‬وكذا تكييف التغيير العالمي مع حاجيات البشر‪ .‬لذلك‬
‫فإننا في حاجة اليوم إلى توفير مناصب الشغل للجميع‪3‬‬

‫ويبقى ذوي إلاعاقة أكثر حاجة للشغل لتحسين ظروفهم‪ ،‬لكن فرصهم في إيجاد شغل نادرة‪ .‬ورغم‬
‫املجهودات التي تقوم بها الدولة عبر اعتماد برامج مصتلفة لدعم قابلية التشغيل وإلادماج املنهي إالأن‬

‫‪:00‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪13‬‬


‫‪:2‬نفس املرجع‪ ،‬ص‪15‬‬
‫‪ :07‬املناولة وعالقات الشغل من أجل النهوض بالعمل الالئق وإلاستدامة‪ ،‬تقرير املجلس إلاقتصادي وإلاجتماعي والبيني رقم‪8702 -33‬‬
‫ص ‪88‬‬

‫‪343‬‬
‫النتائج املحققة ال تعكس املستوى املبطلوب والتزال دون الاحتياجات حسب تقرير اللجنة الخاصة‬
‫بالنموذج التنموي ‪1‬‬

‫من املعلوم أنه ال يمكن تحقيق نمو اقتصادي قوي ومحدث ملناصب الشغل مساهم في ترسيخ ركائز‬
‫مشروع الحماية الاجتماعية إال من خالل تأهيل الاقتصاد الوطني‪ ،‬وتبطوير الاستثمار‪ .‬لكن لألسف لم‬
‫تسمح وثيرة النمو الاقتصادي املسجلة لحد آلان باالستجابة للحاجيات ألاساسية املتزايدة للسكان‪ ،‬وعلى‬
‫رأسها التشغيل‪ ،‬بسبب عدة عوامل منها ما هو مرتبط بأداء املقاوالت‪ ،‬ومنها ما تعود مسبباته إلى املحيط‬
‫الاقتصادي الوطني والدولي‪2‬‬

‫كما أن ألامر رهين أيضا بموقع الحماية الاجتماعية في السياسات العمومية واملكانة التي تمنحها هااذه‬
‫السياسااات للتماسااك الاجتماعااي‪ ،‬وماادى قاادرة هااذه السياسااات علااى إرساااء مباادأ إلانصاااف فااي إعااادة‬
‫توزيااع الثااروة‪ ،‬وتوزيااع أعباااء تموياال الحمايااة الاجتماعية بياان الضرائااب‪ ،‬واملداخياال املتأتيااة ماان رأس املااال‬
‫وماان الثااروة وتلااك املسااتمدة ماان الشااغل‪.3‬‬
‫إن ما تقوم به مؤسسات الدولة رغم أهميته ال يلبي حاجيات ذوي إلاعاقة وأسرهم ولم يرق بعد لتبطلعات‬
‫الجمعيات العاملة في مجال إلاعاقة نيرا لببطئه إكراهات تنزيله‪.‬‬
‫وقد صرحت وزيرة التضامن والتنمية الاجتماعية واملساواة وألاسرة في كلمة لها خالل الاجتماع الثاني‬
‫للجنة املنبثقة عن اللجنة الوزارية املكلفة بتتبع تنفيذ الاستراتيجيات والبرامج املتعلقة بالنهوض بحقوق‬
‫ألايخاص في وضعية إعاقة على عزم الوزارة على إعداد املصبطط الوطني الثاني لتنفيذ السياسات‬
‫العمومية ‪ 8781/8788‬على ضوء مصرجات الدراسة التقييمية ملصبطط العمل الوطني للنهوض بحقوق‬
‫ألايخاص في وضعية إعاقة ‪ 8780/8700‬مع إشارة إلى أنه تم إعداد مشروع مرسوم إلصدار الببطاقة‬
‫املنصوص عليها في املادة ‪ 83‬من قانون إلاطار وهذا يدل على طول املسافة الزمنية بين إصدار القوانين‬
‫وإطالق املشاريع وتنفيذها ناهيك عن الاختالالت التي تبطبع التنزيل‪.‬‬
‫ب‪ :‬سبل التجاوز‬
‫خلااص املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني إلااى نتيجااة رئيسااية مفادهااا أنااه ليااس هناااك مزيااد ماان‬
‫الوقاات لنضيعااه‪ :‬إن املغاارب بحاجااة إلااى إصاالح جدري ملنيومتااه الخاصااة بالضمااان واملساااعدة‬
‫الاجتماعيياان‪ ،‬بمااا يكفاال لااه تمكياان املواطنااات واملواطنياان ماان تغبطيااة الئقااة فااي جميااع مراحاال حياتهاام‪.‬‬

‫‪ :87‬النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع‪ ،‬اللجنة الخاصة بالنموذج‬
‫التنموي‪ ،‬التقرير العام‪ ،‬أبريل‪8780‬ص‪87‬‬
‫‪ :2‬عبد النبي يشو‪ ،‬ألاشكال الجديدة للتشغيل وسؤال الحماية الاجتماعية‪ :‬الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ ،‬مقاربات‬
‫ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬مرجع سابق ص‪27‬‬
‫‪ :3‬الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة الاجتماعية‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪00‬‬

‫‪344‬‬
‫فاإلنسان خلقه هللا تعالى ليكرم وسخر له ما في ألارض جميعا فال ينبغي إهانته وقهره بل يجب أن توفر‬
‫له ظروف حياتية مالئمة ووسائل عيش كفيلة بحمايته اجتماعيا انسجاما مع حقوقه البطبيعية وتفعيال‬
‫الدولية‪.‬‬ ‫للمقتضيات‬
‫إن إرساء نيااام للحمايااة الاجتماعية لألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة أماار ضااروري وممكاان فااي آلان ذاته‬
‫حيث دعت منيمااة العماال الدوليااة فااي توصيتهااا رقاام‪( 878‬بشأن أرضيات الحماية الاجتماعية‬
‫‪)8708‬الدول إلى إرساااء أرضيااات الحمايااة الاجتماعية والتااي تشاامل ضمانااات أساسااية ماان الضمااان‬
‫الاجتماعااي الساايما توفياار أماان الدخاال ألاساسااي‪ ،‬علااى ألاقاال عنااد املسااتوى ألادنااى املحاادد علااى الصعيااد‬
‫الوطنااي لألشااصاص فااي ساان العماال غياار القادرياان علااى كسااب دخاال كاف‪ ،‬ال ساايما فااي حالااة املاارض‬
‫والببطالااة وألامومااة وإلاعاقة‪.‬‬
‫وقااد قاادرت آلاليااة العامليااة الحتساااب كلافاة أرضيااة الحمايااة الاجتماعية التااي وضعهااا مكتااب العماال الدولي‬
‫سنة ‪ 8702‬تكلفااة تقدياام إعانااات تعااادل ‪ 077‬فااي املائااة ماان عتبااة الفقاار لفائاادة جمياع ألاشااصاص ماان‬
‫ذوي إلاعاقااة العميقااة في ‪ 7،3‬في املائة من الناتج الداخلي الخام‪1‬‬

‫وينبغااي ق اراءة نساابة هااذه التكلفااة (‪ 7،3‬في املائة من الناتج الداخلي الخام) في ضوء التكلفة‬
‫‪8‬في املائة املترتبااة عاان إقصاااء ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ماان سااوق الشااغل والتااي تبل ا نساابتها‬
‫من الناتج الداخلي الخام و‪ 3‬في املائة ماان مجمااوع الاسااتهالك الساانوي لألساار حسب ما جاء في الدراسة‬
‫التي جاارى إنجازهااا ببطلااب ماان التحالااف ماان أجاال النهااوض بحقااوق ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقة وتم‬
‫نشرها سنة‪.8707‬‬
‫فإلااى جانااب مااا سيساامح بااه ماان إعمااال للحقااوق إلانسااانية لااذوي إلاعاقااة‪ ،‬ماان شااأن الاسااتثمار فااي إلادماااج‬
‫الاجتماعااي لألشااصاص حاملااي إلاعاقااة والنهااوض بمشاااركتهم فااي سااوق الشااغل أن يكااون لااه وقااع اقتصااادي‬
‫إيجابااي علااى مجمااوع املواطنين‪2‬‬

‫إن تمكين ألايخاص في وضعية إعاقة من الحماية الاجتماعية رهين باتصاذ مجموعة من التدابير منها‪:‬‬

‫‪ ‬تعميم التغبطية الصحية ألاساسية حيث يدعااو املجلااس الاقتصااادي والاجتماعي والبيئااي مجمااوع‬
‫أصحاااب الق ارار واملتدخلياان فااي السياسااات العموميااة إلااى الحاارص علااى احت ارام وإعمااال املبااادئ‬
‫ألاساسااية التااي تقااوم عليهااا التغبطيااة الصحيااة ألاساسااية كمااا أقرهااا الفصاال‪30‬ماان الدسااتور‬
‫والقانااون بمثابة مدونة التغبطيااة الصحيااة ألاساسااية والتي تستوجب استفادة كل املواطنياان علااى‬
‫قاادم املساااواة ماان الحااق فااي العاالج والعنايااة الصحيااة والحمايااة الاجتماعية والتغبطيااة الصحيااة‪.‬‬

‫‪ :1‬نفس املرجع ‪،‬ص‪14‬‬


‫‪ :85‬للمزيد من التفاصيل راجع ‪ :‬دراسااة حااول التكلفااة الاقتصاديااة إلقصاااء ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ماان سااوق الشااغل باملغاارب‪،‬‬
‫مكتب دراسات ‪ L.G consulting‬لحساااب التحالااف ماان أجاال النهااوض بحقااوق ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ‪ ،‬أبرياال‪8700‬‬

‫‪345‬‬
‫‪ ‬من املهاام أيضااا إرساااء فااروع جدياادة للضمااان الاجتماعااي تتضماان خدمااات جدياادة لتمكياان‬
‫ألافراد ماان مواجهااة مصاطاار كباارى غياار مشاامولة بالضمااان الاجتماعااي بشااكل كاف أو غياار مشاامولة‬
‫بااه إطالقاا (حااوادث الشااغل وألام اراض املهنيااة فقاادان الشااغل والببطالااة‪ ،‬وألاطفااال واملساانون‬
‫باادون دخاال‪ ،‬ووضعيااة إلاعاقااة)‪ .‬إن وضعيااة املغاارب فاايمااا يتعلااق بهااذه املصاطاار مثياارة للقلااق‪ .‬ففااي‬
‫غياااب تغبطيااة هااذه املصاطاار ال تملااك اململكااة حتااى اليااوم أرضيااة للحمايااة الاجتماعية تنسااجم مااع‬
‫مبااادئ الشاامولية والتحسااين املسااتمر ملسااتوى الخدمااات الاجتماعية‪ ،‬التااي يدعااو إليهااا املجتمااع‬
‫الدولااي اليوم‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬لقد شااكلت الحمايااة الاجتماعية موضااوع نقااا دولااي انبثقاات عنااه فكاارة الدخاال ألاساسااي امل َع َّماام‬
‫وغياار املشااروط‪ .‬وترتكااز هااذه الفكاارة علااى مباادأ مفاااده أنااه بمااا أن الحمايااة الاجتماعية حااق‬
‫َّ‬
‫أساسااي ماان حقااوق إلانسااان‪ ،‬وأن لااكل شااصص حقااوق علااى املجتمااع‪ ،‬فيجااب أن ُي َوفاار لااكل‬
‫مواطاان وساايلة عيااش نقديااة‪ ،‬وذلااك دون أي مقاباال وهو ما أشار إليه تقرير املجلس الاقتصادي‬
‫والاجتماعي والبيني ولكن يرى أنه غير قابل للتحقيق حاليا الش يء الذي يترتب عنه البحث عن‬
‫آليات لتمويل ور الحماية الاجتماعية بشكل مضمون ومستدام ويقتض ي ذلك تصصيص‬
‫ميزانية للحماية الاجتماعية بموارد قارة يتاام إلحاقهااا بقانااون املاليااة وتصضااع للمراقبااة‬
‫الديمقراطيااة والتصوياات ماان لاادن غرفتااي البرملااان‪ ،‬بعااد التش ااور مااع الشااركاء الاجتماعيياان وإبااداء‬
‫املجلااس الاقتصااادي والاجتماعااي والبيئااي لرأيااه بشأنها‪ .‬وذلك لتحقيق فكرة الدخل ألاساس ي‬
‫املعمم وغير املشروط ألنه السبيل ألاساس ي لحفظ كرامة ألايخاص في وضعية إعاقة‪.‬‬
‫‪ ‬استكمال إلاطااار القانونااي والتنييمااي لحمايااة ألاشااصاص في وضعيااة إعاقااة ووضع تدابياار ردعيااة‬
‫ألشااكال العنااف وسااوء املعاملااة والتمييااز إزاء هااذه الفئااة ماان ألاشااصاص‪ ،‬سااواء داخاال ألاساارة أو‬
‫في أماكاان العماال أو فااي مااا يتصاال بالولااوج إلااى التشااغيل والخدمااات العموميااة‪.‬‬
‫‪ ‬العماال علااى تفعياال املقتضااى التشااريعي املحاادث لنيااام للدعاام الاجتماعااي والتشااجيع واملساااندة‬
‫لفائاادة ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة تفعيال للمادة ‪ 1‬من القانون إلاطار‪ 70-03‬وقد حدده تقرير‬
‫املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ 8702‬في مدة سنة لم يتم الالتزام بها حتى آلان‪.‬‬
‫‪ -‬القضاااء علااى أشااكال التمييااز فااي حااق هااذه الفئااة فااي أنيمااة التأمياان إلاجباريااة والتكميليااة التااي‬
‫تتولااى تدبيرهااا شااركات القبطاااع الخاااص‪ ،‬وإلغاااء البنااود التااي تااؤدي إلااى إقصائهاام ماان هااذه ألانيمااة‬
‫وتبطوي ار خدمااات املساااعدة الاجتماعية لألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة علااى املسااتوى املحلااي‬
‫والجهااوي والوطنااي ‪ -‬تفعياال إحااداث مراكااز اسااتقبال وتوجيااه ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة‬
‫والحاارص علااى التعريااف بهااا مااع العماال علااى ضمااان تكوياان مساابق ومسااتمر للمهنيياان املشاارفين‬
‫عليهااا‪ ،‬وتعمياام هااذه املراكز على مجمااوع الت اراب الوطنااي وفتااح الولااوج إليهااا فااي وجااه الجميااع‬
‫(مباادأ الولااوج الشااامل)‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫‪ ‬إحااداث تصصصااات مهنيااة فااي مجااال التكفاال باألشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة (مهاان الاسااتقبال‪،‬‬
‫تساايير املؤسسااات املوجهااة لااذوي إلاعاقااة‪ ،‬املشاارفون التربويااون املصتصااون)‪.‬‬
‫ا‬ ‫‪ ‬وضااع ونشاار مؤش ارات لتقيياام وتتبااع وضعيااة ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة وتدابياار الحمايااة‬
‫الاجتماعية املصصصااة لهاام‪ ،‬مااع تسااليط الضااوء علااى املعبطيااات املتعلقااة باألشااصاص حاملااي إلاعاقااة‬
‫ضماان مؤش ارات تتبااع إعمااال أهااداف التنميااة املسااتدامة‪.‬‬
‫‪ ‬العمل على الرفع من نسبة تشغيل هذه الفئة في القبطاعين العام والخاص وتعزيز حماية‬
‫ألايخاص في وضعية إعاقة من الفصل التعسفي من الشغل‪ ،‬وتعزيز حقهم في التيلم‪.‬‬
‫‪ ‬ماان املهاام أيضا أن يتاام وضااع برامااج املساااعدة الاجتماعية وتنفيذها بمااا يتماشااى مااع مبااادئ‬
‫احت ارام كرامااة ألاف اراد وحقوقهاام ألاساسااية‪ ،‬فااي إطااار منبطااق لإلدماج والوقايااة ماان مياهاار التمييااز‬
‫والتقليااص ماان حدتهااا‪ ،‬والعماال ماان أجاال ترساايخ تكافااؤ الفاارص‪ ،‬وليااس فقااط فااي إطااار منبطااق‬
‫إلاحسان والتعاطااف ماان أجاال التصفيااف ماان مياهاار الحرمااان‪.‬‬
‫‪ ‬إعااداد استراتيجية وطنيااة يتاام إكسااابها الصفااة التشااريعية ماان خالل إصدارهااا فااي شااكل قانااون‬
‫إطااار تنبثااق عاان حااوار اجتماعااي وطنااي وتكااون بمثابااة ميثاااق أجيااال‪ ،‬وهادفااة إلااى تعمياام الحمايااة‬
‫الاجتماعية والتحسااين املسااتمر ملسااتويات التأمياان‪ ،‬ارتااكازا علااى إقامااة تااوازن واضح ودينامي بياان‬
‫حاجيااات الباالد فااي مجااال الحمايااة الاجتماعية وبياان مااا تتوفاار عليااه ماان مااوارد‪ .‬ويجب إشراك‬
‫مؤسسات املجتمع املدني الوطنية والجهوية العاملة في مجال إلاعاقة نيرا ملواكبتها لهذه الفئة‬
‫وتتبع ظروفها عن قرب من خالل الجمعيات العاملة في مجال إلاعاقة‪.‬‬
‫‪ ‬إن تفعيل القوانين وإرساء ألاورا التي ستمكن ألايخاص في وضعية إعاقة من التمتع‬
‫بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية رهين بارتكاز السلبطات العمومية في سياساتها على‬
‫مبادئ عمل ملموسة وقابلة للقياس ورهين أيضا بوضع هندسة حكومية جديدة لتموقع القبطاع‬
‫املكلف باإلعاقة بصلفية سياسية ورؤية استراتيجية استشرافية تضمن إلالتقائية والتنزيل‬
‫الترابي‪ ،‬مع إلاسراع بإرساء قبطب اجتماعي قوي بأقبطاب اجتماعية جهوية وال سيما تجميع وكالة‬
‫التنمية الاجتماعية والتعاون الوطني ومكتب تنمية التعاون لتكوين قبطب اجتماعي فعال وناجع‬
‫وهو الدمج الذي سيمكن من تقوية وتكامل الصالحيات وتعاضد املوارد وترشيد العمل الاجتماعي‬
‫لتنزيل السياسات والبرامج الاجتماعية وتكون ألاقبطاب الاجتماعية الجهوية مواكبة للجماعات‬
‫الترابية ومنشبطة بجانب السلبطات على املستوى الترابي‪ .‬حسب تعبير ألاستاذ أحمد آيت إبراهيم‬
‫الذي يواكب كل املستجدات املتعلقة باإلعاقة من خالل مهامه في الوزارة‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫إن الحماية الاجتماعية ال تنبع من قيم التعاطف والكرم وإلاحسان بل إنها حق ودين لكل فرد على‬
‫املجتمع ومن واجب الدولة ضمان إعماله‪ ،‬فنصرة املستضعفين وعلى رأسهم ذوي إلاعاقة يجب أن تصبح‬
‫‪347‬‬
‫عقيدة دولة وليس شعارا سياسيا‪ .‬وتجدر إلاشارة إلى أن الحديث عن الحماية الاجتماعية عموما ال يمكن‬
‫فصله عن العدل في توزيع الثروات‪ ،‬وأن عدل القسمة وعدل الحكم متالزمان فالحديث عن حماية‬
‫اجتماعية حقيقية دون حديث عن التنمية والديمقراطية فالحماية الاجتماعية تتبطلب إرادة سياسية‬
‫وقدرة على إلانصات لصوت املواطنين ومالمسة همومهم والقوة في اتصاذ القرار املناسب في الوقت‬
‫املناسب وتفعيله بنجاعة‪ .‬وال ينبغااي اعتبااار محدوديااة املااوارد الاقتصاديااة عقبااة أساسااية باال محف ازا‬
‫إضافيااا لتبطوياار الحمايااة الاجتماعية بوصفهااا أداة‪ ،‬بل يجب مالئمة السياسات العمومية املتعلقة‬
‫بالحماية الاجتماعية لذوي إلاعاقة مع املعايير الدولية وحاجيات املجتمع لحمايتهم من املصاطر املحتملة‪.‬‬
‫صحيح أن الخبطاب الرسمي(كما عالجنا في هذا املقال) يولي أهمية واضحة لحماية ألايخاص في وضعية‬
‫إعاقة لكن التوصيات الدولية وكذا توصيات املجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيني بهذا الشأن لم تر‬
‫النور‪ ،‬وكما تبين من خالل هذا املقال فإن هذه الفئة لم تنعم بعد بالحماية الاجتماعية وال زالت مجرد‬
‫حلم يراودها ألن ما تحقق على املستوى التشريعي وعلى مستوى السياسات العمومية ليحتاج ملزيد من‬
‫الفاعلية والنجاعة حتى يستجيب لتبطلعات هذه الشريحة املشروعة ألامر الذي يتبطلب إرادة سياسية‬
‫كفيلة بتدليل العقبات من أجل إنصاف هذه الفئة وضمان تكافؤ الفرص بين املواطنين‪.‬‬
‫الئحة املراجع‪:‬‬
‫اتفاقية حقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة‪ ،‬اللجنة املعنية بحقوق ألايخاص ذوي إلاعاقة‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫املالحيات الختامية بشأن التقرير ألاولي للمغرب‪.2017CRPD/C/MAR/CO1‬‬
‫منيمااة العماال الدوليااة‪ ،‬التقرياار العاملااي للحمايااة الاجتماعية ‪ :8700-8707‬حمايااة اجتماعيااة‬ ‫‪‬‬
‫شاااملة لتحقيااق أهااداف التنمية املسااتدامة ‪.8700‬‬
‫منيمااة العماال الدوليااة‪ ،‬أرضيااات الحمايااة الاجتماعية الشاااملة‪ ،‬تقدياار التكاليااف والقاادرة علااى‬ ‫‪‬‬
‫تحمل التكاليف في ‪ 40‬دول منصفضة الدخل ‪.8700‬‬
‫القانااون إلاطااار رقاام‪ 03-70‬املتعلااق بحمايااة حقااوق ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة والنهااوض بهااا‬ ‫‪‬‬
‫الصااادرة‪ ،‬الجرياادة الرساامية عاادد‪ 1511‬في ‪80‬أبرياال ‪.8701‬‬
‫القانون إلاطار رقم‪ 77.80‬املتعلق بالحماية الاجتماعية‪ ،‬الجريدة الرسمية عدد ‪ 1704‬بتاريخ ‪4‬‬ ‫‪‬‬
‫أبريل ‪.8780‬‬
‫الحماية الاجتماعية في املغرب واقع الحال‪ ،‬الحصيلة وسبل تعزيز أنيمة الضمان واملساعدة‬ ‫‪‬‬
‫الاجتماعية‪ ،‬تقرير املجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيني‪ ،‬إحالة ذاتية رقم‪ 8702/35‬إعداد‬
‫لجنة القضايا الاجتماعية والتضامن طباعة كانابرانت‪.‬‬
‫الحماية الاجتماعية والنموذج التنموي الجديد‪ :‬مقاربات ودراسات نقدية مقارنة‪ ،‬تنسيق إبراهيم‬ ‫‪‬‬
‫بلوح ويونس املجدوبي‪ ،‬إلاصدار ألاول دجنبر ‪8788‬‬

‫‪348‬‬
‫املناولة وعالقات الشغل من أجل النهوض بالعمل الالئق وإلاستدامة‪ ،‬تقرير املجلس إلاقتصادي‬ ‫‪‬‬
‫وإلاجتماعي والبيني رقم‪8702-33‬‬
‫النموذج التنموي الجديد تحرير البطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه‬ ‫‪‬‬
‫للجميع‪ ،‬اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي‪ ،‬التقرير العام‪ ،‬أبريل‪.8780‬‬
‫البحث الوطني حول إلاعاقة الااذي أنجزتااه وزارة التضاماان وامل ارأة وألاساارة والتنميااة فبراير ‪.2014‬‬ ‫‪‬‬
‫دراسااة حااول التكلفااة الاقتصاديااة إلقصاااء ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة ماان سااوق الشااغل‬ ‫‪‬‬
‫باملغاارب‪ ،‬مكتب دراسات ‪ L.G consulting‬لحساااب التحالااف ماان أجاال النهااوض بحقااوق‬
‫ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة‪ ،‬أبرياال‪8700‬‬
‫رأي املجلااس الاقتصااادي والاجتماعااي والبيئااي حااول مشااروع القانون إلاطار ‪ 70.03‬املتعلق بحماية‬ ‫‪‬‬
‫حقااوق ألاشااصاص فااي وضعيااة إعاقااة والنهااوض بهااا إحالااة رقاام‪8704/04‬‬

‫‪349‬‬

You might also like