You are on page 1of 20

‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬

‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬


‫‪The role of private legislation in weakening the principles of‬‬
‫‪the general theory of contract‬‬

‫بن لعلى عبدالنور*‪ ،‬كلية الحقوق سعيد حمدين‪ ،‬جامعة الجزائر‪1‬‬


‫‪benlala.1989@gmail.com‬‬

‫تاريخ نشر المقال‪2022/05/12 :‬‬ ‫تاريخ قبول المقال‪2022/04/02 :‬‬ ‫تاريخ إرسال المقال‪2021/12/20 :‬‬
‫الملخص‪:‬‬
‫عمدت التحوالت اإلقتصادية الكبرى التي شهدها العالم إلى فرض العديد من التغيرات على المجتمع و‬
‫بالخصوص على النظام القانوني للعقود‪ ،‬فالمبادئ القانونية التي تقوم على أساسها النظرية العامة للعقد و التي بقيت‬
‫جامدة ألمد بعيد و ثابتة و راسخة أصابها نحو من الفتور و الركود بحيث أصبحت قاصرة و عاجزة و على مواكبة‬
‫التطورات الراهنة التي مست الحياة القانونية‪ ،‬فالقواعد التي تحتويها النظرية العامة للعقد قد أثبتت قصورها على مواكبة‬
‫الواقع المعاش‪ ،‬مما جعل من المشرع يعمد إلى سن التشريعات الخاصة كقانون حماية المستهلك‪ 03-09‬و قانون‬
‫المنافسة‪ 03-03‬و التي أدت إلى التأثير المباشر على المبادئ الكالسيكية التي تحتويها النظرية العامة للعقد‪،‬فتطور‬
‫التشريعات الخاصة أدى بالضرورة إلى تراجع واضح للمبادئ العتيقة التي تحتويها النظرية العامة للعقد و التي كانت‬
‫تحكم مرحلة تكوين العقد و لم يتوقف األمر عند ذلك لينتقل إلى المبادئ التعاقدية التي تحكم مرحلة التنفيذ‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية‪ :‬التشريعات الخاصة‪،‬النظرية العامة للعقد‪،‬قواعد تقليدية‪،‬تطور‪،‬تأثير‬

‫‪Abstract:‬‬

‫‪The major economic transformations that the world has witnessed have imposed many‬‬
‫‪changes on society, especially on the legal system of contracts. Unable to keep pace with the‬‬
‫‪current developments that have affected legal life, the rules contained in the general theory of the‬‬
‫‪contract have proven their inadequacy to keep pace with the lived reality, which made the‬‬
‫‪legislator enact special legislation such as Consumer Protection Law 09-03 and Competition‬‬
‫‪Law 03-03, which led to the direct impact On the classical principles contained in the general‬‬
‫‪theory of the contract, the development of private legislation necessarily led to a clear regression‬‬
‫‪of the outdated principles contained in the general theory of the contract that governed the stage‬‬
‫‪of contract formation, and the matter did not stop at that to move to the contractual principles‬‬
‫‪that govern the implementation stage.‬‬

‫* املؤلف املرسل‬

‫‪411‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫‪Key words: special legislation, general contract theory, traditional rules, development,‬‬
‫‪impact.‬‬

‫المقدمة‪:‬‬

‫تعتبر المبادئ التعاقدية التي قامت على أساسها النظرية العامة للعقد مبادئ كالسيكية‪ ،‬و ذلك‬
‫بإعتبارها قائمة على أسس و نظريات فقهية تقليدية‪ ،‬حيث أنها وضعت لضبط عالقات تعاقدية بسيطة‬
‫سادت في القرن الماضي‪ ،‬الوقت الذي لم يكن التطور الصناعي و التكنولوجي قد بلغ القدر الذي يشهده‬
‫العالم في الوقت الراهن‪،‬مما جعل من هذه المبادئ تقليدية ال يمكنها في أغلب األحيان ضبط العالقات‬
‫التعاقدية التي تنتمي للوقت الحاضر‪.‬‬

‫بحيث أن التطورات اإلقتصادية الكبرى التي شهدها العالم في الوقت الحاضر أدت إلى فرض العديد‬
‫من التغيرات على المجتمع فلقد أفرزت العديد من التحوالت االجتماعية واالقتصادية والسياسية والتي أثرت‬
‫بشكل مباشر على مبادئ النظرية العامة للعقد‪ ،‬و لعل أهم ما يترجم هذه التحوالت تأثيرها مباشرة على‬
‫األسس التقليدية و العتيقة التي تقوم على أساسها النظرية العامة للعقد منذ أمد بعيد‪ ،‬مما خلق نوع من‬
‫التحديث الذي أضفي على األسس العتيقة في العقد بحيث قلصت نوعا ما من أعباء النظرية العامة للعقد‬
‫مما سبب ذلك نوعا من اإلرهاق و اإلرتباك في النصوص العامة‪ ،‬وبذلك تم هجران التشبث المطلق‬
‫بالمذهب الفردي إلى المذهب الموضوعي كما تم التخلي عن اإلعتداد بالنزعة الذاتية و التي كانت مقدسة‬
‫في زمن مضى‪. 1‬‬

‫الرهنة أفرزت تطور هائل في مجال اإلقتصادي ‪،‬مما أدى بدوره إلى‬
‫بحيث أن التحوالت اإلقتصادية ا‬
‫إنتعاش المبادالت و تزايد حجم المعامالت ‪ ،‬و اإلقبال المتزايد على السلع و الخدمات و التي بدورها‬
‫تكون عن طريق التعاقد ‪ ،‬ولكن العقد تضبطه مبادئ تعاقدية كالسكية ترجع للقرن الماضي مما أدى بذلك‬
‫إلى عدم إستطاعة المبادئ التعاقدية مواكبة التعامالت الحديثة مما أفرز العديد من المشكالت العملية و‬
‫أدى إلى خلق طائفتين غير متكافئتين إقتصاديا‪ ،‬مستهلك ضعيف و عون إقتصادي محترف ‪ ،‬و أظهرت‬
‫ل هذه المعامالت القصور الواضح و الجمود التي تعاني منه المبادئ التقليدية للنظرية العامة للعقد‪.‬‬

‫و لعل ذلك ما دفع بالمشرع الجزائري إلى تنظيم التشريعات الخاصة كقانون حماية المستهلك‪03-09‬‬
‫و قانون المنافسة ‪ 03-03‬لمعالجة التفاوت و عدم التكافؤ اإلقتصادي بين أطراف العالقة التعاقدية و‬
‫اإلنتقال بالعقد من نزعته الذاتية الفردية إلى نزعته الموضوعية الجماعية بإعتبارها األصلح لتجسيد فكرة‬
‫المساواة الفعلية و القضاء على المساواة المجردة‪.2‬‬

‫‪412‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫و مع ظهور التشريعات الخاصة أضحت تؤثر بشكل مباشر على النظرية العامة للعقد و أوضحت‬
‫القصور الذي تعاني منه المبادئ الكالسيكية في مواكبة الواقع المعاش ‪ ،‬مما جعل من التشريعات الخاصة‬
‫تظهر و تسد الفراغ التشريعي و الفجوات التي ظهرت في المبادئ الكالسيكية و الذي أصبحت تعاني منه‬
‫القواعد العامة عموما لكن على الرغم من اإليجابيات التي أتت بها التشريعات الخاصة فإنها بمفهوم المخالفة‬
‫أدت إلى إرهاق القواعد العامة في بعض األحيان و هجرانها في مواطن أخرى‪.‬‬
‫و تتجلى أهمية الموضوع في كونه يفرز مدى تأثر المبادئ العامة للنظرية العامة بالعقد بالتوجهات‬
‫التشريعية الحديثة و التي إختارت إنشاء تشريعات خاصة‪ ،‬بما يوفر الحماية للمتعاقد أو المستهلك‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل قانون حماية المستهلك و قانون المنافسة‪،‬بحيث وسم المشرع جل التشريعات الخاصة و جعل منها‬
‫قواعد تشكل نظاما عاما إستهالكيا إلعادة التوازن العقدي للعالقة التعاقدية‪.‬‬
‫و في هذا السياق نطرح اإلشكالية اآلتية‪ :‬إلى أي حد أثرت التشريعات الخاصة المتمثلة في قانون‬
‫حماية المستهلك ‪ 03-09‬و قانون المنافسة ‪ 03-03‬على مبادئ النظرية العامة للعقد؟و هل أدى ذلك‬
‫إلى الهجران المطلق للقواعد الكالسيكية و تقهقرها أمام التطور الرهيب الذي تشهده التشريعات الخاصة؟‬
‫و لإلجابة على هذه اإلشكالية سنقوم بإستدخدام المنهج التحليلي الوصفي و بذلك يتم تقسيم الخطة‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫المبحث األول‪ :‬مآل النظرية العامة للعقد في ظل تفاقم قانون حماية المستهلك ‪03-09‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬تداعيات قانون المنافسة‪ 03-03‬على المبادئ الكالسيكية للنظرية العامة للعقد‬

‫المبحث األول‪ :‬مآل النظرية العامة للعقد في ظل تفاقم قانون حماية المستهلك ‪03-09‬‬
‫أصبح قانون ‪ 03-09‬يلعب دو ار بار از ومهما في تقوية و تعزيز مبدأ سلطان اإلرادة خاصة من خالل‬
‫توفيره الحماية الواسعة للطرف الضعيف في العالقة التعاقدية‪ ،‬وذلك راجع لعدة اعتبارات لعل أسماه توفير‬
‫الحماية للطرف الضعيف و إلرساء إستقرار المعامالت تحت متطلبات تحقيق النظام العام اإلستهالكي ‪.‬‬
‫و على الرغم من أن مبدأ سلطان اإلرادة مفهوم فلسفي إنتقل إلى التشريعات و تجدر فيها فإنه أصبح‬
‫مبدأ من المبادئ الكالسيكية الهامة في العقود و التي ال يجوز الخروج عنها و المساس بها بإعتباره جوهر‬
‫للعقود‪ .3‬فمبدأ سلطان اإلرادة يفيد أن الفرد حر في أن يتعاقد أو ال يتعاقد‪ ،‬واذا ما قيد نفسه بالموافقة على‬
‫العقد فهذا يكون عن اقتناع واختيار تام ‪.‬‬
‫وانطالقا من تقرير هذه الحرية الشبه المطلقة ينتج عليها عدم التوازن في العالقة التعاقدية و إهتزاز‬
‫أوتار استقرار المعامالت ‪ ،‬و في نطاق هذا التباين و إختالل التوازن في العقود خاصة العقود اإلستهالكية و‬
‫التي يكون أحد أطرافها محترف و الطرف الثاني ضعيف األمر ال يستقيم والعملية االستهالكية التي تتميز‬
‫‪4‬‬
‫بالالتوازن بين أطرافها جعل من المشرع يتدخل تحت غطاء النظام العام اإلستهالكي و استقرار المعامالت‬
‫‪413‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫ليتجه نحو خلق قانون يعمد إلى حماية هذه الفئة الضعيفة مما يستدعي إعادة توجيهه بما يخدم مصلحة‬
‫المستهلك الطرف الضعيف مما خلق ذلك تداعيات قانون حماية المستهلك على مبدأ سلطان اإلرادة و الذي‬
‫يظهر من خالل تأثير قانون حماية المستهلك على مبدأ سلطان اإلرادة(المطلب األول) و التطرق إلى تأثير‬
‫النكول على العقد في مبدأ قوة الملزمة للعقد(المطلب الثاني)‬
‫المطلب األول‪ :‬تأثير تطور قانون حماية المستهلك‪ 03-09‬على مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫لقد كان مبدأ سلطان اإلرادة أهم مبدأ يحكم العقود في الشريعة الالتينية و مع ذلك انتقل هذا الوالء‬

‫المطلق و اإلنصياع التام لهذا المبدأ في كافة القوانين العربية التي جعلت من قانون نابليون ّ‬
‫عرابا لها و من‬
‫هذه القوانين القانون المدني الجزائري ‪ ،‬فمبدأ سلطان اإلرادة مبدأ مقدس و ال يتخيل قيام العقود دونه‪.‬‬
‫و لكن هذا المبدأ في ظل طالقته ظهرت مبادئ كالسيكية ال تقل عنه أهمية و هي مبدأ الحرية العقدية‬
‫بحيث يكون لألطراف المتعاقدة كامل الحرية في إبرام العقد إختيار مشتمالته و لكن هذه الحرية المطلقة‬
‫جعلت من العقود في كثير من األحيان تصاب بنوع من الالتوازن و عدم المساواة بين أطرافها‪.5‬‬
‫فبسبب اختالل ميزان القوى في العالقة التي تقوم بين المورد من جهة والمستهلك من جهة أخرى‪ ،‬فان‬
‫من غير الممكن آن يترك مجال واسع للتطبيق مبدأ سلطان اإلرادة وحريتها على اعتبار انه كاف لتحقيق‬
‫مصالح الطرفين ‪.‬فال يمكن للمستهلك بأي حال أن يقف في مواجهة المورد الذي يتمتع بالخبرة والكفاءة التي‬
‫تؤهله للسيطرة على العقد ‪ ،‬ولم يعد لإلرادة دو ار محدد في إبرام العقود التي تبرم بين المستهلك و المحترف‬
‫وانما أصبح المحترف يفرض التزامات وشروط على عاتق المستهلك و ذلك ما جعل المشرع يتدخل للحد من‬
‫طالقة مبدأ سلطان اإلرادة و ذلك في سبيل تحقيق هدفين اثنين‪ :‬إعالم المستهلك واعطائه صورة واضحة عن‬
‫(الفرع األول) و‬ ‫العقد المبرم و عن المنتوج المستهلك‪ ,‬وهدا االلتزام يؤثر بدوره على مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫تراجع الحرية اإلرادة (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬تضخم اإللتزام باإلعالم و تأثيره على مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫يعد مبدأ سلطان اإلرادة مبدأ فلسفي إنتقل إلى القوانين‪ 6‬و أصبح مبدأ سائدا يهيمن على كافة طوائف‬
‫العقود‪ ،‬و يقوم هذا المبدأ الكالسيكي على روابط أخالقية سامية و على أسس و مبادئ توجيهية قيمة أسماها‬
‫مبدأ حسن النية و الحرية التعاقدية ‪.‬‬
‫فمبدأ حسن النية يعتبر ركيزة أساسية في العقود بحيث يضمن تنفيذ العقد و إستم ارره بحيث أن مبدأ‬
‫حسن النية يضمن تنفيذ العقد من طرف المتعاقدين بصدق و أمانة و صراحة في مواجهة بعضهم البعض‬
‫وفق ما يقتضيه حسن النية في التعامل‪ .‬إال أن هذا المبدأ لم يعد كافيا لتوفير حماية خاصة للمستهلكين و‬
‫بقي قاص ار عن تحقيق الحماية و من تم فقد لجأ المشرع الجزائري إلى تدعيم مبدأ حسن النية بمبدأ حديث و‬
‫المتمثل في اإللتزام باإلعالم الذي يعمل على تنوير المستهلك و إعطائه المعلومات الضرورية و الكافية حول‬
‫المنتج أو السلع و ذلك ما خلق نوعا من الحماية الفائقة للمستهلك من جهة و من جهة أخرى ملئ للقصور‬
‫‪414‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫الذي أصبح يعاني منه مبدأ حسن النية فلقد أصبح قانون حماية المستهلك يؤثر على مبدأ سلطان اإلرادة و‬
‫ذلك من خالل تكميله لمبدأ حسن النية و الذي أتبث قصوره عن مواكبة الواقع و التحوالت الراهنة‪.‬‬
‫و لقد أقر المشرع الجزائري هذه الحماية في القانون ‪ 03-09‬في نص المادتين ‪ 17‬و ‪ 718‬بحيث ألزم‬
‫المشرع المتدخل بإعالم المستهلك بكل المعلومات الموجودة في المنتوج حيث تنص المادة ‪ 17‬على ‪":‬يجب‬
‫على كل متدخل أن يعلم المستهلك بكل المعلومات المتعلقة بالمنتوج الذي يضعه لإلستهالك بواسطة الوسم‬
‫ووضع العالمات أو بأية وسيلة أخرى مناسبة‪ "..‬و استنادا لنص المادة ‪ 17‬السالفة الذكر يتبين لنا أن‬
‫المشرع عمد إلى إجبار المتدخل بضرورة إعالم المستهلك بكافة المعلومات المتعلقة بالمنتوج و لم يترك العقد‬
‫خاضعا فقط لمبدأ حسن النية و ذلك لقصوره في حماية المستهلك الضعيف في مواجهة المتدخل الذي يملك‬
‫صفة المحترف‪.‬‬
‫و بالرجوع إلى نص المادة ‪ 818‬يتبين أن المشرع قد وضع مجموعة من القواعد الالزمة التي تحمي و‬
‫المستهلك و تعمل على تنويره و إعالمه و ذلك عن طريق وضع بيانات و شروط الضمان و التي تعطي‬
‫للمستهلك فكرة كافية حول المنتوج و تحمي رضاه ‪ ،‬و باستقراء نص المادة نجد أن المشرع من خالله فرض‬
‫هذه البيانات لم يبقي العالقة االستهالكية خاضعة لمبدأ حسن النية فقط و انما قام بتدعيمها ببيانات و قواعد‬
‫تعمل على إعالم المستهلك و تعطيه فكرة حول المنتوج‪.‬‬
‫و من خالل إستقراء نص المادة يتبين أن المشرع الجزائري قد خلق نوعا من النظام العام اإلستهالكي‬
‫الذي ال يجوز مخالفته و الذي يعمل بشكل مباشر على إعالم المستهلك فإضافة البيانات اإللزامية و الضمان‬
‫حول المنتوج أصبح تشكل قيود إضافية على المتدخل تلزمه بإعالم المستهلك فلم يعد في إستطاعة المتدخل‬
‫إتخاذ موقف سلبي على أساس أن المستهلك ينبغي عليه أن يحمي نفسه ‪ ،‬ومما الشك فيه أن هذا من شأنه‬
‫أن يقلل من دور اإلرادة في العملية االستهالكية‪ ,‬ويحد من سلطانها في العقود التي تبرم في عملية‬
‫االستهالك نفسها‪ .‬وأن المستهلك لم يعد ح ار في خياره وفي تعاقده‪ ,9‬فان المنتج أو المورد لن يكون كذلك‬
‫أيضا‪ ,‬إذ أن إرادة األول لم تعد حرة بسبب التطور االقتصادي و التكنولوجي وارادة األخير لم تعد حرة بسبب‬
‫تدخل المشرع‪ 5‬و هو ما يحقق التوازن اإلقتصادي و العدالة العقدية‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬تراجع مبدأ حرية اإل رادة في ظل قانون حماية المستهلك‬
‫لقد عمد المشرع الجزائري في قانون حماية المستهلك إلى توفير الحماية القانونية الالزمة للمستهلك و‬
‫الذي ظل يفتقد لها ألمد بعيد ‪،‬باعتبار أن مبدأ سلطان اإلرادة فرض على العقد مبدأ الحرية التعاقدية و الذي‬
‫بدوره يخلق في العقد في غالب األحيان طرف ضعيف و طرف قوي نتيجة لهيمنة الحرية العقدية على العقد‬
‫و لعل ذلك ما جعل طائفة من العقود تظهر و التي تتسم بعدم تكافئ بين أطرافها و المتمثلة في عقود‬
‫اإلذعان ‪ .‬فالغلو في تقديس مبدأ سلطان اإلرادة و الحرية التعاقدية خلقا نوعا من عدم التوازن بين أطراف‬
‫العالقة التعاقدية و عمل ذلك على إهتزاز العالقة التعاقدية و خلق طرف قوي و طرف ضعيف ‪ ،10‬مما‬

‫‪415‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫يجعل ذلك من المشرع يتدخل في قانون حماية المستهلك و يعمل عل إعادة التوازن للعالقة التعاقدية و‬
‫إعادة الحماية للطرف الضعيف و ذلك من خالل الحد من طالقة الحرية التعاقدية و محاربة الشروط التعسفية‬
‫التي تمليها إرادة الطرف القوي و حتى ال يبقى المستهلك دائما تحت رحمة المتدخل و المهني الذين ال‬
‫يترددون في إدراج شروط تعسفية تقوية لمركزهم التعاقدي‪.‬‬
‫فاستنادا لمبدأ الحرية التعاقدية يمكن لألطراف المتعاقدة التضمين من الشروط في العقد التي يرونها‬
‫مناسبة لكن هذه الشروط في أغلب األحيان تكون شروطا تعسفية تضر بمصالح الطرف الضعيف و تعمد‬
‫إلى اإلخالل بالتوازن العقدي ‪ ،‬و من أجل تحقيق التوازن في العالقة التعاقدية نجد أن المشرع قد عمد في‬
‫تشريعات اإلستهالك إلى إستحداث قواعد من شأنها محاربة الشروط التعسفية و توفير الحماية الالزمة‬
‫للمستهلك و إعادة التوازن للعالقة التعاقدية ‪ ،‬لكن هذه الحماية قلصت من الحرية العقدية و أثر بشكل مباشر‬
‫على مبدأ سلطان اإلرادة و عملت على تراجعه‪.‬‬
‫و على الرغم من الحماية القبلية التي أقرها المشرع في نص المادة ‪ 110‬ق م إالّ أن هذه الحماية‬
‫بقيت قاصرة في مواجهة طالقة الحرية العقدية مما جعل من المشرع يتدارك ذلك‪ ،‬و يقوم على تدعيم تلك‬
‫الحماية في التشريعات الخاصة‪ ،11‬عن طريق النص على مجموعة من المواد القانونية التي من شأنها دعم‬
‫القواعد العامة و العمل على تحقيق الحماية للمستهلك من الشروط التي قد يفرضها المحترف أو المتدخل‬
‫على المستهلك نتيجة تفوقه االقتصادي و المهني من أجل تحقيق مزايا فاحشة ومفرطة‪ .‬فالقانون المدني في‬
‫نزعته التقليدية كان ال يسعى سوى لتحقيق التوازن القانوني بين أطراف العالقة العقدية‪ ،‬بحيث كان يحمل‬
‫نزعة فردية أو شخصية و هو األمر قد سبب اختالال كبي ار على مستوى التوازن االقتصادي و إهتزاز‬
‫المعادلة اإلقتصادية في العقود و ذلك بفعل إستغالل المتعاقد القوة لمركزه االقتصادي المتفوق عن طريق‬
‫فرض شروط تعاقدية مجحفة في حق المتعاقد اآلخر الضعيف‪ .‬ولمواجهة هذه الظاهرة عمد قانون حماية‬
‫المستهلك‪ 03-09‬على وضع مقتضيات خاصة لحماية المستهلك من هذه الشروط و التي تأخذ بعين‬
‫االعتبار طبيعة هذه العالقة وصفة أطراف العقد وهو ما يعتبر خطوة مهمة نحو تحقيق عدالة تعاقدية‬
‫ناجحة‪.12‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬النكول عن العقد و تأثيره على مبدأ القوة الملزمة‬
‫لقد عملت اإلختيارات المتنوعة التي أتى بها قانون حماية المستهلك على التراجع المالحظ لمبدأ‬
‫سلطان اإلرادة و تقهقره نظ ار للخيارات الجديدة الممنوحة للمستهلك و التي تؤثر بصفة مباشرة على مبادئ‬
‫سلطان اإلرادة و المتمثلة في مبدأ القوة الملزمة للعقد و التي تعمل على الوصول بالعقد للتنفيذ‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫بحيث‬ ‫فالقد أعطى المشرع للمستهلك الحق في التراجع عن العقد كإستثناء على مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫يتراجع المتعاقد عن تنفيذ العقد و ينكل عن العقد و قد يكون الرجوع قبل الشروع في التنفيذ(أوال)أو يكون بعد‬
‫الشروع في التنفيذ (ثانيا)‬

‫‪416‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫الفرع األول‪ :‬العدول عن العقد قبل تنفيذ العالقة التعاقدية‬


‫األصل في العقود التنفيذ و ذلك طبقا لما تقتضيه مبدأ القوة الملزمة للعقد أنه ال يمكن ألي من‬
‫المتعاقدين التراجع عن العقد و النكول عنه إال إذا وافق الطرف الثاني على ذلك أو سمح القانون بذلك حتى‬
‫في المرحلة السابقة عن تنفيذه فمتى تم التقاء اإليجاب بالقبول وقام العقد فان تنفيذه يصبح ملزما وال رجعة‬
‫فيه إال أن الحاجة إلى حماية المستهلكين قد دفعت بالمشرع في بعض الدول إلى منحهم خيا ار بالرجوع عن‬
‫العقود التي يبرمونها لالستهالك بعد إبرامها وقبل البدء بتنفيذها‪ .‬و بالرجوع إلى القانون الجزائري نجد أن‬
‫المشرع قد تأخر نسبيا عن تناول الحق في العدول في قانون حماية المستهلك إلى غاية ‪ 2018‬في القانون‬
‫‪ 09-18‬على الرغم من سنه للقانون حماية المستهلك و قمع الغش ابتداء من سنة ‪،1989‬القانون ‪02-89‬‬
‫و على الرغم من أن المشرع كان سباقا للنص على قانون حماية المستهلك إلى أن المشرع تأخر طيلة هذه‬
‫المدة على منح المستهلك الحق في العدول صراحة على الرغم من اإلشارة إليه صراحة في قوانين أخرى‬
‫كقانون التأمينات و كذا القواعد المتعلقة بالقرض اإلستهالكي‪.14‬‬
‫ولقد عرف المشرع العدول في المادة ‪ 02‬من القانون ‪ 09-18‬على انه‪ ":‬حق المستهلك في التراجع‬
‫عن اقتناء منتوج ما دون وجه سبب ‪.‬للمستهلك الحق في العدول عن اقتناء منتوج ما ضمن احترام شروط‬
‫التعاقد‪ ،‬ودون دفعه مصاريف إضافية"‪ .‬و لكن بإستقراء نص المادة يتبين أن المشرع ترك الحكم مطلقا و لم‬
‫يحدد المنتجات التي يمكن الرجوع فيها ‪ ،‬إذ أنه توجد بعض المنتوجات التي ال يمكن الرجوع فيها ومثل ذلك‬
‫كبير من قيمتها كما قد‬
‫المنتوجات المتعلقة ببراءة االختراع حيث إنه بمجرد استعمالها أول مرة تفقد جزءا ّا‬
‫يمكن كشف أسرار استخدامها وبالتالي سهولة تقليدها‪ ،15‬باألخص برمجيات الحاسوب إذ أن العدول فيها قد‬
‫كبير بمنتجها‪ ،‬كما أنه توجد العديد من المنتوجات االستهالكية التي تفسد بسرعة‪ ،‬وبالتالي ال‬
‫يلحق ضر ار ّا‬
‫يمكن تخيل منح المستهلك مدة للتفكير بإرجاعها إلى المحترف‪ ،‬كما اليمكن التراجع عن العقود التي يكون‬
‫فيها المحل شيء يستهلك إذا تم إستهالكه كامال أنو يتم تلفه عند المستهلك ‪.‬‬
‫ولعل السبب الذي دفع بالمشرع الجزائري الى منح هذا الحق في التراجع للمستهلك على الرغم من اثره‬
‫‪16‬‬
‫و تعارضه الصارخ مع مبدأ القوة الملزمة للعقد يكمن في ضرورة مد الحماية‬ ‫الكبير على العملية التعاقدية‬
‫القانونية إلرادة المستهلك إلى المرحلة الالحقة إلبرام العقد وعدم قصورها على المراحل السابقة للتعاقد اذ قد ال‬
‫تكفي وسائل الحماية السابقة على التعاقد لتوفير ظروف أفضل للتعاقد من وجهة نظر المستهلك السيما في‬
‫بعض انواع العقود التي قد يبرمها المستهلك على عجل ودون دراسة متأنية للعقد و للخيارات الالزمة وذلك‬
‫بسبب حاجته الملحة للسلعة االستهالكية او بسبب اإلغراءات والقدرة االقناعية التي يمارسها المنتج أو البائع‬
‫على المستهلك فإن الوسائل االغرائية والتسويقية قد بلغت مدى رهيبا من التطور بفعل التطور التكنولوجي‬
‫بحيث انها تتحكم في نفسية المستهلك وتدفعه الى التعاقد في الكثير من األحيان والتي ال ينوي فيها أساسا‬
‫إبرام عقد من هذا النوع‪.17‬‬

‫‪417‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫ومن ثم ومن خالل خيار الرجوع عن العقد فان هؤالء المستهلكين يتمتعون بمهلة قانونية للتفكير بالعقد‬
‫الذي ابرموه على عجالة وتحت ضغط اإلغراءات الطرف الثاني فهذه المهلة تتناسب طرديا من حيث مدتها‬
‫مع طبيعة العقد ‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬خيار الرجوع عن العقد بعد الشروع في تنفيذ العالقة التعاقدية‬
‫لم يكتف المشرع الجزائري بإقرار الحق للمستهلك في الرجوع عن العقد قبل تنفيذه ولكن تخط ذلك‬
‫و توسع إلى إقرار هذا الحق إلى ما بعد تنفيذ العقد وخالل المراحل النهائية ‪،‬إذ أن رجوع المستهلك عن‬
‫العقد قبل التنفيذ ال يمثل في حقيقته إال تفويتا لفرصة البائع أو المتدخل أو المحترف في تسويق سلعته‪ ،‬بينما‬
‫تشكل ممارسة الحق في الرجوع عن العقد بعد الشروع في تنفيذ العقد خسارة حقيقية له إذ يكف المستهلك عن‬
‫تنفيذ بقية التزاماته التي بدأ في تنفيذها ويرى جانب من الفقه أن ممارسة هذا الخيار ال يمكن ان يمارس اال‬
‫في العقود المستمرة التنفيذ وعلى رأسها عقود البيع بالتقسيط‪ ،‬حيث يمكن للمستهلك ان يتخلى عن البيع دون‬
‫ان يلتزم بتعويض األخير عما يلحقه من ضرر جراء ممارسة هذا الحق‪.18‬‬
‫و لكن يختلف الفقه في إعطاء الوصف لحق التراجع فيرى البعض على أنه عبارة عن جزاء يستخدمه‬
‫المستهلك في التراجع عن العقد الذي يحس فيه أنه تسرع في إبرامه أو أن المتدخل قد مارس عليه التحايل‬
‫اإلقتصادي للولوج إلى العقد‪،‬بينما يرى جانب أخر من الفقه إلى إعتبار الحق في التراجع عبارة عن حق و ال‬
‫بل هو حق ثابت للمستهلك وال يترتب عليه أي تعويض على خالف الفسخ الذي يعتبر جزاءا‬ ‫يعد جزاء‬
‫عن عدم تنفيذ األطراف اللتزاماتهم كما يترتب عليه التعويض لفائدة المتضرر‪.‬‬
‫فالمشرع الجزائري خول للمستهلك إمكانية حق الرجوع في نطاق العقود االستهالكية في الحالة التي‬
‫يرى فيها المستهلك أن ذلك العقد ال يحقق الغاية االقتصادية من التعاقد أو أنه سيؤثر على وضعيته‬
‫االقتصادية ويمكنه الرجوع عن العقود حتى لو لم تكن هناك مبررات يتمسك بها شريطة أن يمارسه داخل‬
‫األجل القانوني الذي حدده المشرع ‪.‬‬
‫تتجلى اآلثار بالنسبة للعقد في كونه يبقى صحيحا إال انه ألغي ونقض بواسطة إرادة جديدة حلت‬
‫محل اإلرادة القديمة حيث أن المستهلك ال يتحمل آية مسؤولية نتيجة ممارسته لحقه في التراجع كما ال يلتزم‬
‫بأي تعويض باستثناء مصاريف إرجاع السلع التي قد تحملها المهني‪.19‬‬
‫فالتراجع عن العقد بعد تنفيذ العقد يشكل واجسا حقيقيا أصبح يواجه المتعاقدين و يؤثر ذلك بشكل‬
‫واضح على األمن التعاقدي و إستقرار المعامالت بحيث أن المتعاقد يبقى دائما متخوفا من الطرف الثاني‬
‫بأن يقوم بالتراجع عن العقد و ما يخلق ذلك من مشاكل عملية تواجه المتعاقد خصوصا لو تم صرف الثمن‬
‫أو إستهالك الشيء المبيع‪.20‬‬

‫‪418‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫المبحث الثاني‪ :‬تداعيات قانون المنافسة ‪03-03‬على المبادئ الكالسيكية للنظرية العامة للعقد‬
‫لقد أثر قانون المنافسة بشكل كبيرو واضح على المبادئ الكالسيكية الراسخة للنظرية العامة للعقد و‬
‫يظهر ذلك التأثير من خالل فرض قانون المنافسة لقيود على مبدأ الحرية التعاقدية وذلك من خالل التقليص‬
‫من طالقتها(الفرع األول) و ظهور فكرة توجيه اإلرادة التعاقدية و تقييدها كما يظهر التأثير الواضح للقانون‬
‫المنافسة من خالل ضبطه للمضمون العقدي أو تقييده للمحتوى التعاقدي(المطلب الثاني) و الذي يتحقق من‬
‫خالل فرض الرقابة على األسعار و ممارسة رقابة المنع في األسعار فقانون المنافسة بشكل عام عمد إلى‬
‫ضبط كافة المبادئ التعاقدية الكالسيكية‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬تأثير قانون المنافسة على القواعد العامة في العقد‬
‫على رغم من أن قانون المنافسة يعتبر كشريعة خاصة أثرت على النظرية العامة للعقد إالّ أنه تكمن‬
‫صلة الت ّاربط واضحة بين قانون المنافسة والقواعد العامة للعقد‪ ،‬بحيث أصبحت تشكل قواعد قانون المنافسة‬
‫نظاما عاما تنافسيا‪ .14‬حيث تسمو قواعد المنافسة على القواعد العامة للعقد‪ ،‬ألنها تهدف لحماية السوق‬
‫بإعتبار المصلحة العامة واجبة التحقيق و يجب تمجيدها قبل المصلحة الخاصة للمتعاقدين‪ ،‬ولهذا ال يمكن‬

‫أن يخرج العقد عن تأثيرها‪ .‬ويبدأ هذا التّأثير عند تكوين العقود‪ ،‬ليضع قانون المنافسة بصمته على ّ‬
‫الحرية‬
‫التّعاقدية‪ ،‬ثم من خالل ضبط المحتوى التعاقدي أو مضمون العقد‪ ،‬إذن العالقة بين قانون المنافسة والقواعد‬
‫النظر في الكثير من العقود‪ ،‬على الرغم من كونها صحيحة‬
‫تؤدي إلعادة ّ‬
‫العامة للعقد هي عالقة تنازع‪ ،‬قد ّ‬
‫وفق القواعد العامة‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬التقييد من الحرية التعاقدية كمظهر لتراجع األسس العقدية‬
‫التعاقدية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الحرية‬ ‫يشكل قانون المنافسة‪ ،‬قيدا مستحدثا على ّ‬
‫الحرية التّعاقدية‪ .‬فله تأثير واضح على ّ‬
‫بحيث أصبح قانون المنافسة يضبط الحرية العقدية و يؤثر عليها و يظهر ذلك التأثير من خالل فرضه إبرام‬
‫بعض العقود و التي يستوجب الحرية عند إبرامها كما أنه منع في أحيان أخرى إبرام عقود أخرى تحت غطاء‬
‫التقييد مما يجعل ذلك خروج صارخ على الحرية التعاقدية و مبدأ سلطان اإلرادة على حد سواء‪ .‬ومن جهة‬
‫حرية تحديد مضمونها وفق‬ ‫أخرى يمنع إتمام طائفة من العقود ‪ ،‬عندما يتعّلق األمر ّ‬
‫بحرية إبرامها وعلى ّ‬
‫مشيئة المتعاقدين و ذلك تحت غطاء عدم التأثير على النظام العام التنافسي و المحافظة عليه مما يظهر أن‬
‫المشرع أعطى األهمية للقانون المنافسة على حساب الحرية التعاقدية و المبادئ الكالسيكية‪.‬‬
‫فلقد أثر قانون المنافسة على الحرية التعاقدية بشكل مبالغ فيه بحيث فرض على الشخص في بعض‬
‫الحاالت ضرورة إبرام بعض العقود و منعه من ذلك في عقود أخرى و لعل ذلك ما يظهر جليا في األمر مر‬
‫المعدل وفي قانون ‪ ،02-04‬و الذي يالحظ فيه منع إبرام العقود خالفا لإلرادة التّعاقدية أو جبرها‬
‫ّ‬ ‫‪03-03‬‬
‫على إبرام العقود باسم المصلحة العامة و هو األمر الذي طوق من مبدأ الحرية التعاقدية و أثر عليه بشدة‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫فباإلطالع على األمر ‪ 03-03‬يظهر أنه لم يقم وزنا لإل اردة التعاقدية بحيث منع اإلتفاقات و‬
‫األعمال المدبرة و التعسفات و ذلك من خالل فرض الهيمنة على السوق و التي من شأنها محاربة كافة‬
‫التعسفات التي تخلقها الحرية التعاقدية ‪،‬فالحرية التعاقدية في نظر قانون المنافسة ليست مبدأ عقدي عريق و‬
‫إنما هي مصدر للتعسف و التطرف في العقد و الذي من شـأنه خلق تعسفات تعاقدية تؤثر على التوازن‬
‫العقدي‪.21‬‬
‫بحرية التّعاقد و تعد‬
‫تمس ّ‬
‫دبرة‪ .‬وهي ّ‬ ‫الم ّ‬
‫كما أن المادة ‪ 6‬من أمر ‪ 03-03‬تمنع االتّفاقات واألعمال ُ‬
‫بكل االتّفاقات‬
‫خل بقواعد المنافسة‪ .‬ويتعّلق المنع ّ‬
‫خرقا لها‪ ،‬ألنها تمنع إبرام العقود أو االتّفاقات إذا كانت تُ ّ‬
‫الدخول في السوق أو في ممارسة النشاطات التجارية‬ ‫"الحد من ّ‬
‫ّ‬ ‫تؤدي – بحسب تعبير المادة ‪ -‬إلى‪:‬‬ ‫التي ّ‬
‫التطور التقني؛ اقتسام األسواق أو مصادر‬
‫ّ‬ ‫فيه؛ تقليص أو مراقبة اإلنتاج أو منافذ التّسويق أو االستثمارات أو‬
‫التّموين؛ عرقلة تحديد األسعار حسب قواعد السوق بالتّشجيع المصطنع الرتفاع األسعار أو انخفاضها؛‬
‫مما يحرمهم من منافع المنافسة؛ إخضاع‬
‫تطبيق شروط غير متكافئة لنفس الخدمات تجاه الشركاء التجاريين‪ّ ،‬‬
‫إضافية ليس لها صلة بموضوع هذه العقود سواء بحكم طبيعتها أو‬
‫ّ‬ ‫إبرام العقود مع الشركاء لقبولهم خدمات‬
‫المقيدة"‪ .22‬وبنفس‬
‫ّ‬ ‫السماح بمنح صفقة عمومية لفائدة أصحاب هذه الممارسات‬ ‫حسب األعراف التجارية؛ ّ‬
‫الصياغة‪ ،‬أورد المشرع في المادة ‪ 7‬من ذات األمر‪ ،‬منع التّعسف في وضعية الهيمنة على السوق‪.‬‬
‫ّ‬
‫المؤسس بموجب المواد ‪ 15‬وما بعدها من أمر ‪ 03-03‬الذي يمارسه مجلس‬ ‫ّ‬ ‫فلنظام رقابة التجميعات‬
‫الحرية التّعاقدية‪ .‬وتكفي العودة للنصوص التي وضعها المشرع في‬
‫المنافسة ظهر فيها التأثير المباشر على ّ‬
‫بالحرية التّعاقدية و التأثير الواضح لقانون‬
‫ّ‬ ‫هذا المجال‪ ،‬لتبيان المدى الذي قد تصل إليه درجة المساس‬
‫المنافسة على القواعد التقليدية للنظرية العامة للعقد‪.‬‬
‫تمس‬
‫عمليات أو مشاريع التّجميع‪ ،‬أنها ّ‬ ‫ّ‬ ‫فإذا انتهى مجلس المنافسة وهو يمارس رقابته اإلجبارّية‪23‬على‬
‫‪24‬‬
‫المؤدية للتّجميع‪ ،‬ألن‬
‫ّ‬ ‫مسبقا للعقود‬
‫بالمنافسة و قواعده‪ ،‬أصدر ق ارره برفض إتمامها‪ .‬وهو ما يعني منعا ّ‬
‫تتم قبل إنجازها وأن القيام بعملية التّجميع‪ ،‬يتوّقف على قرار مجلس المنافسة‪ .‬ويمتنع األطراف‪ ،‬خالل‬
‫الرقابة ّ‬
‫‪18‬‬
‫بحرية‬
‫فترة الرقابة‪ ،‬عن إتمام العملية ‪ ،‬كما يعتبر رفض ترخيص عملية التّجميع أقصى درجات المساس ّ‬
‫و هو األمر الذي يبين مدى تأثير قواعد قانون‬ ‫‪25‬‬
‫تؤدي للتّكتّل‬
‫إبرام العقد‪ ،‬ألنه يفترض منع إبرام العقود التي ّ‬
‫‪26‬‬
‫بالحرية التّعاقدية‪ ،‬لكن‬
‫ّ‬ ‫يمس‬
‫أما ترخيص التّجميع وفق شروط ‪ ،‬فهو أيضا ّ‬ ‫المنافسة على الحرية التعاقدية‪ّ .‬‬
‫بشكل مخّفف‪ .‬إذ أنه ُيبقي على العقد‪ ،‬لكنه ُيجري عليه بعض التعديالت‪ .‬وفي هذا دائما اعتداء على إرادة‬
‫طط الذي رسمته اإلرادة التّعاقدية وهو ما قد يجعل التّجميع‬ ‫المعنيين بالعملية‪ ،‬ألنه يقتضي تنازال رغم المخ ّ‬
‫ّ‬
‫غير مفيدا‪ ،‬مثلما كانت تتوّقعه هذه اإلرادة فمجلس المنافسة يتدخل في الحرية التعاقدية من خالل منعها منعا‬
‫باتا أو من خالل تهذيبها‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫الفرع الثاني‪ :‬توجيه الحرية التعاقدية كضبط للمبادئ العقدية‬


‫تصورها القانون المدني‪27‬و لكن طالقة الحرية جعلت منها‬
‫لقد كانت الحرية التعاقدية حرية مطلقة كما ّ‬
‫تخلق العديد من التصرفات القانونية الشاذة‪،‬التي كانت كنتيجة حتمية للتطرف اإلرادة و الغلو في تقديس مبدأ‬
‫سل طان اإلرادة‪ ،‬والتي جعلت من العقد يتحمل الكثير من القواعد القانونية التي تأخذ وصف التعسف و‬
‫اإلحتكار‪ ،‬و لكن بصدور قانون المنافسة و الذي يحد من حرية األفراد و يقيدها حمل الكثير من القواعد‬
‫مباشر على‬
‫ا‬ ‫القانونية التي تعمل على محاربة التعسف و اإلحتكار فلقد أصبح قانون المنافسة ُي ّ‬
‫شكل قيدا‬
‫يسمى بالعقود المفروضة‪ .28‬وبما أن قانون‬‫أسس القانون ما ّ‬‫الحرية التعاقدية ‪ ،‬و يظهر ذلك جليا عندما ّ‬
‫األفقية _بين المتنافسين_‪ ،‬والتي يظهر فيها أنه‬
‫العمودية _بين غير المتنافسين_ و ّ‬
‫ّ‬ ‫المنافسة يهتّم بالعالقات‬
‫حرية اختيار المتعامل ليس من شأنها أن تُؤثّر على السوق بل تؤثر على المتعاقدين‪ .‬ومع‬
‫فرض التّعاقد‪ ،‬ف ّ‬
‫ذلك لجأ قانون المنافسة إلى تقييدها في بعض الحاالت‪ ،‬فيكون التّقييد من هذه ّ‬
‫الحرية ضروريا‪ ،‬وفقا لمنظور‬
‫قانون المنافسة‪.‬‬
‫يشكل المنع المبدئي لرفض‬ ‫و باإلطالع على مواد نجد أن قانون المنافسة عمد إلى نوع من المنع ‪،‬ف ّ‬
‫ظم فيها قانون‬ ‫البيع طبقا للمادة ‪ 15‬من قانون ‪ 02-04‬اعتداءا على ّ‬
‫حرية التّعاقد‪ ،‬وذلك من الزاوية التي ُين ّ‬
‫(موردون وموزعون) ‪ .‬لهذا جاءت المادة ‪ 15‬لتُ ّ‬ ‫المنافسة العالقات بين المتعاملون‬
‫‪29‬‬
‫ؤسس نوعا من االلتزام‬ ‫ّ‬
‫المقيدة للمنافسة تفرض هذا االلتزام و الذي عد توجيه من‬
‫ّ‬ ‫بالتّعاقد‪ ،‬كما أن األحكام المتعّلقة بالممارسات‬
‫المشرع للحرية التعاقدية و الذي يعد بطبعه مخالفا لقواعد مبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬
‫بحرية تنظيم‬
‫تتصورها القواعد العامة للعقد‪ ،‬تفترض االعتراف للمتعاقدين ّ‬
‫ّ‬ ‫الحرية التّعاقدية كما‬
‫وان كانت ّ‬
‫الحرية بالمنافسة طبقا لقواعد قانون المنافسة‪ .‬ويتحّقق‬
‫تمس هذه ّ‬
‫العقود وفق مشيئتهم‪ ،‬مع ذلك يجب أن ال ّ‬
‫ذلك عندما ال ُيعامل المتعاقدون بنفس المعاملة بخصوص شروط التّعاقد‪ .‬في الممارسات التّمييزية الممنوعة‬
‫المنصوص عليها في المادة ‪ 18‬من قانون ‪.02-04‬‬
‫إن أساس منع التّمييز هو المساواة في المنافسة وتساوي الفرص بين المتعاقدين‪ .‬وهي مساواة غير‬
‫تتضمن‬
‫ّ‬ ‫كل المتعاملين‪ ،‬إنها‬
‫مطلقة‪ ،‬ألنه ال يمكن إجبار المتعامل على التّعامل بنفس األسلوب والشروط مع ّ‬
‫فقط المعاملة المتساوية لمتعاملون الذين تتشابه مراكزهم‪.‬‬
‫حرية المتعاملون للتّفاوض حول مختلف شروط‬ ‫حرية التّعاقدية بمنظور قانون المنافسة‪ّ ،‬‬
‫إذن‪ ،‬تعني ال ّ‬
‫تعسفي‪ ،‬وهنا يبدأ التّمييز‪ .‬فاألمر كّله مبني على التّوفيق‬
‫حرية التّفاوض بشكل ّ‬‫معامالتهم‪ ،‬لكن ال تُستعمل ّ‬
‫حرية العون االقتصادي في التّفاوض وبين حدود هذه ّ‬
‫‪30‬‬
‫فحرية التّفاوض تسمح له وضع شروطا‬
‫الحرية ‪ّ .‬‬ ‫بين ّ‬
‫حق‬ ‫حصل عليها زبون ما ّ‬
‫لبقية عمالئه‪ ،‬ألن ّ‬ ‫مختلفة من زبون آلخر وعدم إلزامه على منح نفس المزايا التي ّ‬
‫حق قانوني يفيد عدم المساواة في التّعامل مع الزبائن‪ .‬وتعني مسألة حصر هذه‬ ‫التّعاقد بشروط مختلفة هو ٌّ‬
‫تمس القدرة التنافسية للزبون‪ .31‬ويكون‬
‫الحرية‪ ،‬تحديد منطقة التّعسف فيها عبر الممارسات التّمييزية التي قد ّ‬
‫ّ‬
‫‪421‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫يؤدي إلى‬
‫خل بالمنافسة‪ ،‬عندما ّ‬
‫مبررا‪ .‬والتّمييز ُي ّ‬
‫تعسف إذن‪ ،‬كّلما كان االختالف في شروط البيع غير ّ‬
‫هناك ّ‬
‫عدم تعادل الفرص بين مختلف العمالء‪ ،‬فإن لم يكن التّعامل معهم متساويا بصفة مطلقة‪ ،‬وجب على األقل‪،‬‬

‫عندما تكون هناك مفاضلة بينهم‪ ،‬أن تكون ّ‬


‫مبررة‪.32‬‬
‫بالحرية التّعاقدية‪ ،‬في شكل إعداد نموذج مسبق للعالقات التّعاقدية‪ .‬وأن القراءة‬
‫ّ‬ ‫فكل هذا‪ ،‬يهتك‬
‫عامة رفض التّعاقد‪ ،‬سواء صدر الرفض‬ ‫الموسعة لقانون المنافسة تسمح إدانة ممارسة رفض البيع‪ ،‬وبصفة ّ‬
‫ّ‬
‫األولي أو عبر قرار إنهاء العالقات المسبقة‪ ،‬إلى‬ ‫المورد أو من الموزع أو تحّقق الرفض أثناء االتّصال ّ‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫للحرية التّعاقدية‪ ،‬أمام االلتزام بالتّعاقد و لعل ذلك‬
‫درجة أنه قد تتالشى إرادة االمتناع عن التعاقد‪ ،‬كمظهر ّ‬
‫يظهر جليا التأثير الشديد الذي أصبحت تعاني منه القواعد العامة للنظرية العامة في العقد في مواجهة‬
‫التشريعات الخاصة‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬ضبط قانون المنافسة لمضمون العقد‬

‫ار في تحديد مضمون العقد‪ .‬حيث ترجع إليهم ُم ّ‬


‫همة‬ ‫الحرية التّعاقدية أيضا‪ ،‬ترك المتعاقدون أحر ا‬
‫تقتضي ّ‬
‫تحديد بنوده وتضمينه ووضع الشروط المطلوبة في العقد‪ ،‬وفق مشيئتهم وما ُيحّقق مصالحهم‪ .‬غير أن قانون‬
‫يتضمن أحكاما من شأنها منع المتعاقدين من اختيار مضمون ما وتفرض عليهم أحيانا أخرى‪ ،‬إتباع‬
‫ّ‬ ‫المنافسة‬
‫حرية تحديد مضمون العقد و ذلك ما يظهر التأثير‬
‫هما على ّ‬ ‫مضمون ما‪ .‬فهو ّ‬
‫يشكل بذلك قيدا قانونيا ُم ّ‬
‫الشديد للقانون المنافسة على القواعد الكالسيكية‪.‬‬

‫حرية المتعاقدين في تحديد مضمون العقد ما ّ‬


‫يسمى بالعقد المفروض ويقابله‬ ‫لقد أوجد هذا التّقييد من ّ‬
‫‪33‬‬
‫إما بفرض شروط العقد أو منع‬‫حكمية للمشرع‪ّ ،‬‬
‫العقد الممنوع ‪ .‬وهنا تتراجع اإلرادة التّعاقدية وتبرز اإلرادة التّ ّ‬
‫حرية تحديد مضمون العقد من حيث رقابة قانون المنافسة على‬ ‫إدراج بعض البنود‪ .‬تأثير قانون المنافسة على ّ‬
‫األسعار (الفرع األول) ومن حيث ممارسة رقابة المنع (الفرع الثاني)‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬رقابة قانون المنافسة على األسعار في العقد‬
‫لقد مارس المشرع في قانون المنافسة نوعا من الرقابة على األسعار و التي تعد في حد ذاتها خروج‬
‫على الحرية التعاقدية و خروج واضح عن الحدود التي رسمها مبدأ سلطان اإلرادة للعقد‪،‬فالرقابة على األسعار‬
‫يعتبر خروج صارخ على مبدأ الحرية التعاقدية‪.‬‬
‫ترك المتعاملون أحر ا‬
‫ار في‬ ‫‪34‬‬
‫المشرع في أمر ‪03-03‬‬‫ّ‬ ‫عدة أنظمة لرقابة األسعار‪ ،‬اختار‬‫من بين ّ‬
‫أن‬
‫حرية األسعار وتخّليها عن نظام التّسعير‪ .‬إالّ ّ‬
‫تقرر الفقرة األولى من المادة ‪ 4‬منه مبدأ ّ‬
‫تحديدها‪ ،‬حيث ّ‬
‫التدخل فيها‪ ،‬إن كان هناك مجال إلعمال االستثناءين المذكورين في المادة ‪ 5‬من‬‫ّ‬ ‫المشرع احتفظ بإمكانية‬
‫ّ‬
‫حرية األطراف في تحديد أسعار السلع أو الخدمات‪،‬‬ ‫األمر ذاته‪ .‬ذلك هو القيد األول الذي يقع على ّ‬
‫وبمقتضاه ال تكون ّ‬
‫حرية هؤالء حرة و مطلقة بخصوص األسعار إلمكانية المشرع التدخل فيها‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫وباإلطالع على المادة ‪ 4‬من أمر ‪ 03-03‬يفهم منها بأن اإلرادة التعاقدية هي المسؤولة عن تحديد‬
‫تتعدى على قواعد المنافسة ألنها قواعد أسمى منها‪ .‬حيث وان‬ ‫السعر في العقد‪ ،‬لكن ال يمكن لهذه اإلرادة أن ّ‬
‫السابق‪ 35‬يهتم بتنظيم األسعار في ذاتها‪ ،‬إالّ أنه تراجع وترك المسألة لإلرادة التعاقدية‪ .‬و‬
‫المشرع في ّ‬
‫ّ‬ ‫كان‬
‫بمهمة رقابة األسعار‪ ،‬من‬
‫ّ‬ ‫الحرة والتّنافسية‪ ،‬احتفظ‬
‫خوفا من تطرف اإلرادة و ابتعادها عن ممارسة األسعار ّ‬
‫المقيدة للمنافسة وتلك التي تمنع بعض الممارسات التجارية المتعّلقة‬
‫ّ‬ ‫خالل األحكام المتعّلقة بالممارسات‬
‫عد في القواعد العامة‬ ‫باألسعار في قانون ‪ ،02-04‬فأصبح إذن قانون المنافسة ّ‬
‫يتدخل في المسائل التي تُ ّ‬
‫تحكم قانون‬
‫مرة أخرى ّ‬ ‫ليتجسد ّ‬
‫ّ‬ ‫للحرية التعاقدية ومشيئة المتعاقدين‪،‬‬
‫للعقد‪ ،‬من قبيل المسائل التي تعود ّ‬
‫المنافسة في مضمون العقد‪ ،30‬ألنه ُيخرج مسألة تحديد األسعار من نطاق اإلرادة‪.‬‬
‫ويتالقى قانون المنافسة والقواعد العامة للعقد في اهتمامهما بمسألة األسعار‪ ،‬لكن إذا كانت أحكام العقد‬
‫وينظمها بأحكام خاصة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ظمها تاركة ّإياها لإلرادة‪ ،‬فعلى العكس يعطيها قانون المنافسة مكانا ًّ‬
‫مهما‬ ‫ال تن ّ‬
‫الخاصة‪ ،‬نذكر قواعد أمر ‪ 03-03‬التي تهدف لعدم استعمال األسعار للقضاء على‬‫ّ‬ ‫من هذه األحكام‬
‫المستمرة لجلب العمالء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫المنافسة والمتنافسون‪ .‬فاألسعار‪ ،‬مجال يمكن للمتنافسين استعماله في محاوالتهم‬
‫ظم‬
‫المشرع في هذا األمر لم ُين ّ‬
‫للنيل من المنافسة‪ .‬و ّ‬‫لذلك تحرص قواعد المنافسة على عدم استعماله كوسيلة ّ‬
‫يمس بقواعد المنافسة‪ ،‬ألنها في نظره هي التي تضمن اعتدال‬
‫حد ذاته‪ ،‬إالّ إذا كان ّ‬
‫يتدخل في السعر في ّ‬‫ولم ّ‬
‫األسعار وعدم استعمالها لإلضرار بالمستهلكين‪.‬‬

‫يتم إبعاد المتنافسون من السوق بواسطة األسعار‪ّ ،‬‬


‫يتعين رقابة األسعار المرتفعة‪ ،‬المنخفضة‬ ‫وحتى ال ّ‬
‫المقيدة للمنافسة القيام بهذه الرقابة‪.‬‬
‫والمختلفة‪ .‬وعلى ما يبدو‪ ،‬يضمن منع الممارسات ّ‬
‫وهناك رقابة أخرى ال ّ‬
‫تقل أهمية عن سابقتها‪ ،‬تتعّلق باألسعار المرتفعة التي يمارسها المشرع ويقصد‬
‫منها إضعاف القدرة التّنافسية للزبون‪ .‬و ذلك ما يظهر التأثير على القواعد العامة و إرهاق الحرية التعاقدية ‪.‬‬
‫تعسفي بقولها‪"ُ :‬يمنع عرض‬ ‫وكذلك تمنع المادة ‪ 12‬من قانون المنافسة أسعار البيع المخّفضة بشكل ّ‬
‫تعسفي للمستهلكين مقارنة بتكاليف اإلنتاج والتحويل والتسويق‪،‬‬
‫األسعار أو ممارسة أسعار بيع مخّفضة بشكل ّ‬
‫مؤسسة أو عرقلة أحد منتجاتها من‬
‫تؤدي إلى إبعاد ّ‬ ‫إذا كانت هذه العروض أو الممارسات تهدف أو يمكن أن ّ‬
‫الدخول إلى السوق"‪.‬‬
‫خاصة لألسعار المخّفضة‪ ،‬عندما يكون المتعاقد اآلخر مستهلكا‪ .36‬ولقد بيّن‬
‫يؤسس هذا النص‪ ،‬رقابة ّ‬
‫ّ‬
‫تعسفي‪ ،‬بأنه سعر ناتج عن المقارنة بين "تكاليف‬‫هذا النص المعنى الواجب إعطاؤه للسعر المنخفض بشكل ّ‬
‫اإلنتاج والتحويل والتسويق"‪ ،‬وكما هو ظاهر ال يرجع هذا النص في تعريفه لسعر السوق‪.37‬‬
‫المقيدة للمنافسة‪ ،‬المدى الذي تصل إليه رقابة قانون المنافسة على‬
‫يظهر من خالل منع الممارسات ّ‬
‫وتدخله في اإلرادة التعاقدية‪ ،‬حيث على عكس القواعد العامة التي لم تهتم بالسعر‪ ،‬إال إذا كان بخسا‬
‫األسعار ّ‬

‫‪423‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫ظم األسعار‪ ،‬حتى ال تُستعمل بهدف إقصاء المنافسة مما جعل‬ ‫تدخل قانون المنافسة ُلين ّ‬
‫يتضمن غبنا‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫أو‬
‫ذلك من قانون المنافسة يؤثر بشكل مبالغ فيه على القواعد العامة‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬ممارسة رقابة المنع في العقد‬
‫المشرع بعض الممارسات التي‬
‫ّ‬ ‫تضمن قانون ‪ 02-04‬قواعدا تسمح برقابة األسعار‪ ،‬وهنا أيضا منع‬ ‫ّ‬
‫تؤدي الرتفاع األسعار أو انخفاضها أو اختالفها‪.‬‬
‫ّ‬
‫لقد جاء قانون المنافسة لضمان انخفاض األسعار‪ ،‬غير أن المادة ‪ 19‬من القانون المذكور أوردت قيدا‬
‫تدخل‬
‫المشرع ّ‬
‫ّ‬ ‫وكأن‬
‫ّ‬ ‫وضيقت من ممارسة سعر المناداة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫لما منعت البيع بالخسارة‬
‫على تخفيض األسعار‪ّ ،‬‬
‫مباشر في‬
‫ا‬ ‫عد تدخال‬
‫حد البيع بالخسارة‪ .‬وهو ما ُي ّ‬
‫قل عن ّ‬
‫ليضع السعر األدنى المسموح به والذي يجب أن ال ي ّ‬
‫تحديد السعر في العقود من جهة و هتك بالحرية التعاقدية من جهة أخرى‪.‬‬
‫أما في البيع بالخسارة‪ُ 38‬يخّفض أيضا الموزع أسعار بعض السلع دون األخرى‪ .‬ولقد اعتنت المادة ‪19‬‬
‫ّ‬
‫يقل عن سعر تكلفة السلعة الحقيقي بقولها ُ"يقصد بسعر التكلفة‬
‫حد البيع بالخسارة‪ ،‬الذي ّ‬
‫بتعريف معيار أو ّ‬
‫الحقيقي‪ ،‬سعر الشراء بالوحدة المكتوب على الفاتورة يضاف إليه الحقوق والرسوم‪ ،‬وعند االقتضاء‪ ،‬أعباء‬
‫تدخل أيضا حتى عندما تكون‬
‫النقل"‪ .‬ولم يكتف قانون المنافسة بمحاربة األسعار المرتفعة أو المنخفضة‪ ،‬بل ّ‬
‫يؤدي ذلك إلى خلل أو توتر اقتصادي بين الزبائن الخاضعين لشروط‬
‫األسعار مختلفة بين العمالء‪ ،‬لما قد ّ‬
‫‪39‬‬
‫أحد الشروط التعاقدية غير‬ ‫شكل ممارسة األسعار التّمييزية‬
‫مختلفة وعدم تعادل الفرص بينهم‪ .‬حيث تُ ّ‬
‫المقبولة عندما ال "تكون ّ‬
‫مبررة بمقابل حقيقي يتالءم مع ما تقتضيه المعامالت التجارية النزيهة والشريفة"‪.‬‬
‫تم التّقييد من حرية تحديد األسعار عبر منع الممارسات التميزية‪.‬‬
‫وبهذا الشكل ّ‬
‫‪40‬‬
‫مبر ار –بمفهوم المخالفة للمادة ‪ -18‬هو‬
‫إن اشتراط المقابل الحقيقي لجعل التّمييز في األسعار ّ‬
‫ضمان لبقاء مجال لإلرادة التعاقدية ولحرية التفاوض حول مختلف العقود التي يبرمها األعوان االقتصاديون‬

‫مع مختلف عمالئهم‪ .‬وأن تكييف السعر التمييزي يتحّقق عندما يكون االختالف في األسعار غير ّ‬
‫مبرر‪.‬‬
‫يؤدي لعدم تعادل الفرص بين مختلف العمالء‪.41‬‬ ‫خل بالمنافسة‪ ،‬عندما ّ‬
‫والتّمييز ُي ّ‬
‫ومادام المشرع يضع مبدأ منع الممارسات التّمييزية‪ ،‬فإنه وعندما يتعّلق األمر باإلثبات‪ ،‬فإنه يفترض‬
‫كل تمييز غير مشروع ويقع على الطرف اآلخر (القائم بالتّمييز أو المستفيد منه)‪ ،‬عبء إثبات وجود المقابل‬ ‫ّ‬
‫أما الطرف الذي ّيدعي التّمييز‪ ،‬فيكتفي بإثبات أن وضعيته تُماثل وضعية‬ ‫الذي ُي ّبرر المعاملة التّمييزية‪ّ .‬‬
‫المتعاملين اآلخرين الذين استفادوا من معاملة تفضيلية‪.42‬‬
‫يعوض االختالف‪ ،‬السعر‬
‫تبرر اختالف األسعار‪ ،‬إذ ّ‬
‫وبتطبيق مبدأ التناسب‪ ،‬يمكن اعتبار أن الخدمات ّ‬
‫الحقيقي الذي كان سيدفع فيما لو لم توجد الخدمة‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫فإنه يمكن دائما إدانتها على‬


‫ونشير في األخير أنه إلى جانب المنع المبدئي للممارسات التّمييزية‪ّ ،‬‬ ‫ُ‬
‫التعسفي لوضعية الهيمنة أو وضعية التبعية االقتصادية‪ ،‬شريطة‬
‫ّ‬ ‫أساس االتّفاقات الممنوعة أو االستغالل‬
‫مساسها بالمنافسة‪.‬‬
‫ولقد منعت المادة ‪ 23‬من قانون ‪ 02-04‬ممارسة أخرى تتمثّل في أسعار غير شرعية بقولها "تُمنع‬
‫الممارسات التي ترمي إلى‪ -:‬القيام بتصريحات مزّيفة بأسعار التكلفة قصد التأثير على أسعار السلع‬
‫والخدمات غير الخاضعة لنظام حرية األسعار‬
‫بكل ممارسة أو مناورة ترمي إلى إخفاء زيادات غير شرعية في األسعار"‪ .‬وفي هذه الحالة‪،‬‬
‫‪ -‬القيام ّ‬
‫تؤدي إلى تحريف معطيات‬ ‫ّ‬ ‫ترتفع أو تنخفض األسعار بصفة مصطنعة‪ ،‬على إثر ممارسات احتيالية‪،‬‬
‫‪38‬‬
‫السوق‪.‬‬
‫الحر واالتّفاقي لألسعار‪ ،‬وفي هذا المجال يلعب قانون المنافسة‬
‫هناك إذن رقابة تُمارس على التحديد ّ‬
‫الحد الضروري لحرية تحديد‬
‫شكل ّ‬ ‫كل من أمر ‪ 03-03‬وقانون ‪ 02-04‬تُ ّ‬ ‫يؤسسها ٌّ‬
‫دور أساسيا‪ .‬فالرقابة التي ّ‬
‫ا‬
‫وتصوب إلى تفادي التجاوزات‪ ،‬ومع ذلك يجب أن ال تكون مفرطة واالّ أصبحت الحرية وهما‪ .‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫األسعار‬
‫يأخذ انخفاض األسعار في االعتبار المشروع الذي ُيخّفضها‪ ،‬ليتم مقارنتها مع تكاليفه والبحث عن الغاية‬
‫منها‪ .‬وال يكفي ارتفاع األسعار لوحده لتطبيق المنع‪ ،‬ألن تحقيق الربح أمر مشروع في اقتصاد السوق‪ ،‬لهذا‬
‫يجب مقارنتها مع سعر السوق أو مع تلك التي تُمارس ذاتيا أو مع عمالء آخرين‪ .‬ويتطّلب اختالف األسعار‬
‫الحذر‪ ،‬ألن المساواة في المنافسة تضمن سيادتها الفعلية‪ .‬إذن المطلوب من مجلس المنافسة أو القاضي‬
‫يقد ار مدى احترام السعر لقواعد المنافسة‪.‬‬
‫الجزائي أن ّ‬
‫وال تراقب القواعد العامة للعقد السعر ألن الثمن العدل فيها هو ما يتّفق عليه األطراف‪ ،‬متى كان‬
‫كل متعاقد يحرص على مصلحته‪ .43‬وان الرقابة التي يمارسها قانون المنافسة على‬ ‫حر وسليما وأن ّ‬ ‫رضاهم ًّا‬
‫األسعار‪ ،‬تعتدي على مجال القواعد العامة للعقد‪ ،‬ألنها هي التي من المفروض أن تضع التوازن العقدي‪.‬‬
‫أسعار معتدلة‪ ،‬ومنه فهي تساهم بشكل غير‬
‫ا‬ ‫وحتى ولو كان من نتائج حرية المنافسة أن تسود في األسواق‬
‫مباشر في حماية المتعاقدين‪ ،‬فهذا ال يعني أبدا أن تُعطى لها مهام أخرى غير ضمان حرية المنافسة‬
‫سد نقص القواعد العامة‪ .‬أي أن تكتفي بالنظر للسعر من زاوية السوق‪ ،‬على عكس القواعد‬‫وبالخصوص‪ّ ،‬‬
‫تدخل قانون‬
‫عنصر أساسيا في العقد‪ .‬لهذا يجب أن يبقى ّ‬
‫ا‬ ‫العامة التي تنظر إليه من منظور ثنائي باعتباره‬
‫مقتصر على الحاالت التي تكون فيها حرية المنافسة ّ‬
‫مهددة‪.44‬‬ ‫ا‬ ‫المنافسة في السعر ومساسه بالحرية التعاقدية‬
‫الخاتمة‪:‬‬
‫من خالل ما سبق يمكننا التوصل إلى النتائج التالية‪:‬‬
‫يتبين أن التشريعات الخاصة أثرت بشكل مباشر على أسس النظرية العامة للعقد ولعل السبب الحقيقي‬
‫الذي ظهرت من أجله هذه التشريعات هو ملء الشغور و الفراغات التي تركتها النظرية العامة للعقد و التي‬

‫‪425‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫أصبحت تظهر بأنها عاجزة نوعا ما عن تدارك األوضاع و التطورات التي خلقتها التحوالت التكنولوجية و‬
‫اإلقتصادية‪.‬‬
‫حماية المستهلك‪ 03-09‬على مبدأ سلطان اإلرادة بحيث أظهر عدم مواكبتها للواقع و‬ ‫لقد أثر قانون‬
‫تراجع أحكامها بشكل مفرط و يظهر ذلك من خالل إعماله على تراجع أهم أسسها لعل أهمها مبدأ حسن النية‬
‫و ذلك من خالل تقليصه بفعل تزايد اإللتزام باإلعالم و الذي أدى بالضرورة إلى التقليص في مبدأ حسن‬
‫النية‪.‬‬
‫كما أن قانون حماية المستهلك أثر بشدة على مبدأ القوة الملزمة للعقد من خالل ظهور حق التراجع‬
‫عن العقد و الذي يمكن للمتعاقد ممارسته في أي فترة من التعاقد الذي يشكل هتك واضح لقواعد القوة الملزمة‬
‫و يضرب جوهر القوة الملزمة و مبدأ سلطان اإلرادة‪.‬‬
‫كما يظهر تراجع األسس التقليدية للنظرية العامة للعقد من خالل تداعيات قانون المنافسة ‪03-03‬على‬
‫النظرية العامة للعقد و الذي يظهر من خالل التقييد من الحرية التعاقدية من جهة و توجيه اإلرادة التعاقدية‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫كما أن تطور قانون المنافسة يظهر تقهقر النظرية العامة للعقد من خالل تدخل قانون المنافسة في‬
‫تقييد المضمون العقدي و محتوى العقد و ذلك من خالل الرقابة على األسعار و ممارسة رقابة المنع مما‬
‫جعل من القواعد التقليدية للنظرية العامة للعقد تظهر هزيلة في مواجهة تطور التشريعات الخاصة‪.‬‬
‫و من خالل ما سبق نقترح التوصيات التالية‪:‬‬
‫*على المشرع الجزائري تضمين األحكام المختلفة الـي جاءت في قانون حماية المستهلك و قانون‬
‫و تقييد المضمون‬ ‫و توجيه اإلرادة التعاقدية‬ ‫المنافسة ضمن قواعد القانون المدني كاإللتزام باإلعالم‬
‫التعاقدي‪ ،‬بإضافة إلى تضمين األحكام المستحدثة التي تم وضعها في القانون المدني الفرنسي المعدل في‬
‫‪ 2016‬كاإللتزام بالتبصير و اإللتزام بالتنوير و التوازن المعرفي ‪ ،‬و ذلك بهدف حماية الطرف الضعيف من‬
‫جهة و من جهة أخرى إضفاء الحداثة على قىواعد القانون المدني و التي باتت جامدة و تقليدية‪.‬‬
‫*ضرورة إعادة النظر في األسس العتيقة التي قامت عليها النظرية العامة للعقد و جعلها أسس مرنة و‬
‫مطاطة تتماشى مع التحوالت التي فرضها التقدم اإلقتصادي و التكنولوجي و تدارك كافة الثغرات القانونية‬
‫التي تعاني منها النظرية العامة للعقد‬
‫*إلضفاء مبدأ الموازنة بين التشريعات الخاصة و القواعد العامة و جعلها قواعد متكاملة و مترابطة‬
‫عوض اإلبقاء عليها كقواعد متنافرة تأثر على بعضها البعض في كثير من األحيان و ذلك عن طريق إقحام‬
‫اإلستثناءات التي أوردتها التشريعات الخاصة على القانون المدني و جعلها كإستثناءات على القواعد العامة‬
‫ليسهل تطبيقها‪.‬‬

‫‪426‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫الهوامش‪:‬‬
‫‪ .1‬شوقي بناسي‪،‬أثر تشريعات اإلستهالك على المبادئ الكالسيكية للعقد‪،‬أطروحة دكتوراه‪،‬جامعة الجزائر‪،1‬كلية‬
‫الحقوق‪،2016،‬ص‪.203‬‬
‫‪ .2‬عبدالنور بن لعلى‪،‬منيرة جربوعة‪،‬التحوالت الراهنة للنظرية العامة للعقد‪:‬تجديد للعقد أم تخفيف من حدة القواعد‬
‫الكالسيكية‪،‬المجلة الجزائرية للعلوم القانونية و السياسية‪،‬المجلد ‪،58‬العدد‪،05‬السنة ‪،2021‬ص‪.205‬‬
‫الحقوق‪،‬جامعة‬ ‫دكتوراه‪،‬كلية‬ ‫للعقد‪،‬أطروحة‬ ‫العامة‬ ‫النظرية‬ ‫على‬ ‫التشريعي‬ ‫التوجيه‬ ‫بعجي‪،‬تأثير‬ ‫‪ .3‬أحمد‬
‫الجزائر‪،1‬الجزائر‪،2019،‬ص‪.33‬‬
‫‪ .4‬محمد عماد الدين عياض‪،‬تحوالت نظرية العد في ظل قانون اإلستهالك‪40 ،‬سنة على صدور القانون المدني‪،‬حوليات‬
‫الجزائر‪،2016،‬ص‪.255‬‬
‫‪ .5‬يعتبر مبدأ سلطان اإلرادة مصطلح فلسفي ظهر من كتابات الفيلسوف إيمانويل كانط كمصطلح حديث في القرن الثامن‬
‫عشر‬
‫‪ .6‬المادة ‪ 17‬و ‪ 18‬من القانون ‪ 03-09‬المؤرخ في ‪ 25‬فبراير‪ 2009‬المتعلق بحماية المستهلك و قمع الغش‪،‬ج ر ‪15‬‬
‫مؤرخة في ‪.2009-03-08‬‬
‫‪ .7‬المادة ‪ 18‬من القانون السالف الذكر‬
‫‪ .8‬لقد عرف المشرع الشرط التعسفي في نص المادة‪ 03‬من القانون ‪ 02-04‬المحدد للقواعد المطبقة على الممارسات‬
‫التجارية المعدل بالقانون ‪ 10‬المؤرخ في ‪15‬أوت ‪20210‬و التي تعرف الشرط التعسفي على كل بند أو شرط بمفرده أو‬
‫مشترك مع بند أخر‪،‬او عدة بنود أو شروط أخرى من شأنه اإلخالل الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات أطراف العقد"‬
‫‪ .9‬المؤرخ في ‪15‬أوت ‪20210‬و التي تعرف الشرط التعسفي على كل بند أو شرط بمفرده أو مشترك مع بند أخر‪،‬أو عدة‬
‫بنود أو شروط أخرى من شأنه اإلخالل الظاهر بالتوازن بين حقوق وواجبات أطراف العقد"‬
‫زين‬ ‫المستهلك‪،‬منشورات‬ ‫حماية‬ ‫قانون‬ ‫ظل‬ ‫في‬ ‫الملزمة‬ ‫الدين‪،‬القوة‬ ‫نصر‬ ‫حسين‬ ‫‪ .10‬نسرين‬
‫الحقوقية‪،‬بيروت‪،‬لبنان‪،2018،‬ص‪.456‬‬
‫‪ .11‬على عكس المشرع الفرنسي الذي توسع في حماية المستهلك بحيث نص على حق المستهلك في العدول عن العقد في‬
‫مواطن عديدة كما هو الحال في عقود التأمين و في بعض العقود ذات الصبغة المالية و قد توسع في فرض الحماية و‬
‫هو ما يمكن مالحظته أيضا في أمريكا و ألمانيا‪.‬‬
‫األول‪،‬العدد‬ ‫الجزائر‪،‬الجزء‬ ‫جامعة‬ ‫التعاقدي‪،‬بحوث‬ ‫المجال‬ ‫في‬ ‫اإلرادة‬ ‫دور‬ ‫تراجع‬ ‫بريح‪،‬مدى‬ ‫‪ .12‬أمال‬
‫‪،14‬الجزائر‪،2020،‬ص‪.25‬‬
‫‪ .13‬مصطفى أحمد عمرو‪،‬التنظيم القانوني لحق المستهلك في العدول‪،‬دار الجامعة الجديدة اإلسكندرية‪،‬مصر‪،2016،‬ص‪10‬‬
‫‪14. Cf. Ph.Malaurie, La notion d’ordre public économique, préc., p.49 et s.‬‬
‫بالحرية‬
‫ّ‬ ‫الحرية‪ ،‬فإن هذه األخيرة تجد أحد ضوابطها في القيام‬
‫‪ " .15‬إذا كان الهدف والمبدأ األساسي في العالقات التّعاقدية هو ّ‬
‫الحرية التّعاقدية)‬
‫وعمليا فإن هذا الدور الذي تنهض به قواعد المنافسة (تحديد ّ‬
‫ّ‬ ‫بالحرية التنافسية‪... .‬‬
‫ّ‬ ‫األخرى‪ ،‬تلك المتعّلقة‬
‫كيف على أساس أنها من النظام العام‪ .‬إن فكرة النظام العام االقتصادي يمكن اعتبارها‬ ‫ال يجد أساسا له إالّ في قواعد تُ ّ‬
‫نقطة التقاء بين النظرية العامة للعقود وقواعد المنافسة"‪ .‬محمد تيورسي‪ ،‬فكرة النظام العام االقتصادي كنقطة التقاء بين‬
‫الحرية التجارية‪ ،‬مجلة مخبر القانون الخاص األساسي‪ ،‬جامعة تلمسان‪ ،‬عدد ‪ ،2007/04‬ص‪.177.‬‬
‫قواعد المنافسة و ّ‬
‫‪ .16‬المادة ‪ 06‬من األمر ‪.03-03‬‬

‫‪427‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫ليرخصها‪ .‬مع‬
‫المعنيين بعملية التّجميع أن يقوموا بتبليغها لمجلس المنافسة ّ‬
‫ّ‬ ‫المعدل‬
‫ّ‬ ‫‪ُ .17‬تلزم المادة ‪ 17‬من أمر ‪03-03‬‬
‫الحصة التي تتجاوز ‪40‬‬
‫ّ‬ ‫للرقابة‪ .‬وتتمثّل في‬
‫يتعين أن تخضع ّ‬
‫المالحظة أنه يجب أن تتوّفر شروطا في التّجميعات التي ّ‬
‫بالمائة من المبيعات أو المشتريات المنجزة في السوق والمساس بالمنافسة‪.‬‬
‫كل أو‬
‫المعدل العقود من بين وسائل اكتساب الرقابة المباشرة أو غير المباشرة على ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ .18‬تذكر المادة ‪ 15‬من أمر ‪03-03‬‬
‫مؤسسة ما‪.‬‬
‫جزء من ّ‬
‫المعدل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .19‬راجع المادة ‪ 20‬من أمر ‪03-03‬‬
‫ار سلبيا بخصوص التّجميع‪ ،‬بعد أخذ رأي الوزير‬
‫يتخذ قر ا‬
‫المعدل أن ّ‬
‫ّ‬ ‫‪ .20‬لمجلس المنافسة حسب المادة ‪ 19‬من أمر ‪03-03‬‬
‫المكّلف بالتجارة والوزير المكّلف بالقطاع المعني بالتّجميع‪.‬‬
‫يرخص التّجميع وفق شروط من شأنها أن تخّفف آثاره‬ ‫المعدل لمجلس المنافسة أن ّ‬ ‫ّ‬ ‫‪ .21‬تُجيز المادة ‪ 2/19‬من أمر ‪03-03‬‬
‫السيئة على المنافسة‪.‬‬
‫يتعهدوا باتّخاذ تدابير تُخّفف من آثار التّجميع ّ‬
‫للمعنيين أن ّ‬
‫ّ‬ ‫على المنافسة‪ .‬كما يمكن‬

‫‪22. Cf. H., L. & J.Mazeaud, & F.Chabas, Leçons de droit civil, t.II, premier volume :‬‬
‫‪Obligations, Théorie générale, 9ème éd., DELTA, LGDJ, 2000, p.105, n°118 et s. ; J.Flour, J.-‬‬
‫‪L.Aubert & E.Savaux, op.cit., p.86, n°124 et s.‬‬
‫‪23. Cf. H., L. & J.Mazeaud, & F.Chabas, op.cit, p.108, n°121 ; M.Chagny, th., op.cit., p.293,‬‬
‫‪n°286 et s.‬‬
‫‪24. Cf. D.Ferrier & D.Ferré, La réforme des pratiques commerciales (loi n°2008-776 du 4 août‬‬
‫‪2008), D. 2008, chr., p.2234.‬‬
‫حدة التّنازع القائم بين القواعد العامة وقانون المنافسة‪ ،‬حيث تتعارض ّ‬
‫الحرية التّعاقدية مع مساواة الفرص‪.‬‬ ‫‪ .25‬وهذا ما ُيظهر ّ‬
‫‪ .26‬نوال صاري‪،‬قانون المنافسة و القواعد العامة لإللتزامات‪،‬رسالة دكتوراه في القانون الخاص‪،‬جامعة جياللي اليابس‪ ،‬كلية‬
‫الحقوق‪ ،‬سيدي بلعباس‪،‬الجزائر ‪،2010،‬ص‪.50‬‬
‫الصدد‪ ،‬للقرار الصادر عن الغرفة التجارية لمجلس قضاء الجزائر العاصمة بتاريخ ‪ 2001/03/12‬الذي‬‫‪ .27‬نشير في هذا ّ‬
‫تمت متابعتها على أساس‬
‫تحتج بها المستأنفة (الشركة التي ّ‬
‫ّ‬ ‫حرية الممارسة التجارية التي‬
‫جاء فيه مايلي‪ " :‬فضال عن ّ‬
‫قانون المنافسة) ليست مطلقة كما تراها هي وانما لها حدود‪ ،‬ذلك أن المادة ‪ 7‬من أمر ‪( 06-95‬وهو الذي كان ُين ّ‬
‫ظم‬
‫المنافسة في فترة صدور هذا القرار) تمنع البيع التّمييزي وأن المادة ‪ 14‬من أمر ‪ 06-95‬تعاقب على القيام به"‪ .‬منشور)‪.‬‬
‫‪28. Cf. P.Arhel, préc., p.39, n°354-355.‬‬
‫‪29. Cf. J.Flour, J.-L.Aubert & E.Savaux, op.cit., p.86, n°124.‬‬
‫طرق التي اتّبعها المش ّرع في‬
‫‪ .30‬هذا وتجدر اإلشارة أن أمر ‪ 03-03‬ليس سوى مرحلة من مراحل أخرى سابقة‪ ،‬تُ ّبين إحدى ال ّ‬
‫تطور نظام األسعار في الجزائر‪ ،‬أنظر مقدمة هذه الرسالة؛ م‪.‬بودالي‪ ،‬رسالة الدكتوراه‪ ،‬المرجع‬
‫تنظيم األسعار‪ .‬وحول ّ‬
‫السابق‪ ،‬ص‪ 486.‬وما بعد‪.‬‬
‫تتدخل تدخال كليًّا في األسعار‪.‬‬
‫السائد‪ ،‬كانت الدولة ّ‬
‫‪ .31‬ونقصد هنا الفترة السابقة ألمر ‪ .06-95‬حيث تبعا للنظام االشتراكي ّ‬
‫الخاصة‬
‫ّ‬ ‫التدخل‪ ،‬نشير ألمر ‪ 37-75‬المؤرخ في ‪ 1975/04/29‬المتعّلق باألسعار وقمع المخالفات‬‫ّ‬ ‫وللتدليل على هذا‬
‫تم تقسيمها إلى ‪ 4‬أنواع‪:‬‬
‫بتنظيم األسعار‪ .‬وبموجبه‪ّ ،‬‬
‫المتوسط؛ األسعار‬
‫ّ‬ ‫معينة لكونها ضرورية للمستهلك‬
‫المشرع بالنسبة لمنتجات ّ‬
‫ّ‬ ‫حددها‬
‫األسعار الثابتة‪ :‬وهي أسعار ّ‬
‫المعوزة‬
‫ّ‬ ‫معينة وال يؤخذ في حسابها سعرها الحقيقي‪ ،‬ألن الهدف منها‪ ،‬تمكين الفئات‬
‫لمدة ّ‬
‫محددة ّ‬
‫الخاصة‪ :‬وهي أسعار ّ‬
‫ّ‬
‫تخص بعض‬
‫ّ‬ ‫المستقرة‪:‬‬
‫ّ‬ ‫معينة‪ ،‬وكأنها موضوعة لخدمة هذه األنشطة؛ األسعار‬
‫من الحصول عليها أو تطوير نشاطات ّ‬
‫المخصصة‬
‫ّ‬ ‫وكل ما يدخل في الصفقات العمومية‪ ،‬والهدف منها أن ال يتم المساس بالغالفات‬
‫السلع‪ ،‬كمواد البناء ّ‬
‫‪428‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫فكل ما ال يدخل في الفئات السابقة‪ ،‬يتم تحديده‬


‫ططات التنمية؛ واألسعار األخرى‪ّ :‬‬
‫مقررة في مخ ّ‬ ‫للبناءات التي كانت ّ‬
‫إداريا من طرف وزير التجارة أو الوالي‪.‬‬
‫‪32. Cf. B.Fages & J.Mestre, préc., p.77 ; M.Chagny, th., op.cit., p.323, n°316 ; L.Leveneur,‬‬
‫‪préc., p.682.‬‬
‫فسر مجلس المنافسة الفرنسي المستهلك فيها‬ ‫‪ .33‬يقابل هذه المادة في القانون التجاري الفرنسي‪ّ ،‬‬
‫نص المادة ‪ . L.420-5‬ولقد ّ‬
‫تطبق على مستهلك نهائي تعامل بهدف مهني‪ .‬وسنرجع لهذه المسألة عند الحديث عن تأثير قانون‬‫الضيق‪ ،‬فال ّ‬‫ّ‬ ‫بالمعنى‬
‫المنافسة على مبدأ األثر النسبي للعقد‪.‬‬
‫‪34. Le réfèrent choisi est, d’un point de vue économique, plus logique que celui retenu pour la‬‬
‫‪revente à perte ; il reste que sa détermination peut s’avérer un véritable casse-tête. Surtout,‬‬
‫‪contrairement à la revente à perte, établie dès l’instant que le prix se situe en-deça du prix‬‬
‫‪d’achat effectif, le coût de revient n’est pas érigé en seuil dont le franchissement serait‬‬
‫‪synonyme de prix abusivement bas. Des prix inférieurs sont admissibles la difficulté étant de‬‬
‫‪déterminer, dans le silence de la loi, le niveau à partir duquel est constitué l’abus. Selon toute‬‬
‫‪vraisemblance, un prix sans commune mesure avec les coûts supportés par l’entreprise serait‬‬
‫‪abusif tandis qu’un prix « raisonnablement inférieur » serait licite. Le conseil de la‬‬
‫‪concurrence à d’emblée affiché son intention de contrôler le niveau des prix en s’inspirant‬‬
‫‪des principes dégagées par la jurisprudence des prix prédatoires (cons. conc., 02/05/1996).‬‬
‫‪Cf. M.Chagny, th., op.cit., p.348, n°345, et sur les principes des prix prédatoires, pp.133-134,‬‬
‫‪n°130-131.‬‬
‫محدد ما دون التكلفة ‪Coûts marginal‬‬ ‫القناص سعر ّ‬
‫القناص‪ .‬فالسعر ّ‬
‫يتعين التفرقة بين البيع بالخسارة وممارسة سعر ّ‬
‫‪ّ .35‬‬
‫بهدف زيادة حصص المشروع في السوق‪ ،‬على إثر إقصاء المنافس المتواجد أو ردع المنافسة االحتمالية‪ّ .‬‬
‫وتؤدي هذه‬

‫الممارسة على المدى الطويل الرتفاع األسعار‪ ،‬بفعل القدرة في السوق التي ّ‬
‫تم اكتسابها أو الحفاظ عليها‪ .‬فالسعر القناص‬
‫ال يرجع لمفهوم الخسارة‪ ،‬ألن من يمارسه يتنازل عن ربح مباشر بهدف الزيادة في ربح مستقبلي‪ .‬وأن التنازل عن ربح‬
‫يتعين التفرقة بين ما إذا كان انخفاض األسعار‬
‫مباشر ال يعني بالضرورة قبول خسارة‪ ،‬ولكن قبول ربح ضعيف‪ .‬وعليه ّ‬
‫مالحظا في سوق تنافسي أو بقصد إزاحة المنافسة الحقا‪.‬‬
‫‪36. Cf. L.Benzoni, Les enseignements de l’analyse économique, préc., pp. 8-9.‬‬

‫‪ .37‬تضيف المادة ‪ 18‬من قانون ‪ 02-04‬وبنفس الشروط آجال الدفع‪ ،‬شروط البيع أو كيفيات بيع أو شراء تمييزي‪.‬‬
‫‪ .38‬باإلضافة لشرط عدم وجود المقابل الحقيقي‪ ،‬تشترط المادة ‪ L.442-6-I-1°‬من القانون التجاري الفرنسي شرط إحداث‬
‫تمس بالقدرة التّنافسية للزبون ّ‬
‫وتؤدي إلقصائه‪.‬‬ ‫الممارسة التّمييزية لمنفعة أو خسارة في المنافسة‪ ،‬أي أنها ّ‬
‫‪39. Cf. P.Arhel, op.cit., p.40, n°362 ; H.Narayan-Fourment, th., op.cit., p.253, n°405.‬‬
‫مجرد استثناءات‪ .‬ومن خالله ال يتم تطبيق المنع‪،‬‬
‫مهم‪ ،‬ألنه ال يجعل مبادئ حرية األسعار والتفاوض والتعاقد ّ‬
‫‪ .40‬وهذا الشرط ٌّ‬
‫إالّ إذا كان هناك تأثير على المنافسة بخلق الموانع واقصاء المتنافسين‪ ،‬دون أن يترتّب ذلك عن عدم ّ‬
‫تفوقهم وقدرتهم على‬

‫التنافس‪ .‬أي ال يتم تقييد حرية تحديد مضمون العقد‪ ،‬إالّ إذا كانت ّ‬
‫تمس فعال المساواة في المنافسة‪ .‬حيث تنقطع هذه‬
‫يجسد التنازع القائم بين القواعد العامة لاللتزامات وقانون‬
‫كل هذا ّ‬
‫المساواة لمصلحة متعامل واإلضرار بمتعامل آخر‪ّ .‬‬
‫المنافسة‪.‬‬
‫‪41. Cf. Y.Guyon, Droit des affaires, op.cit., p.928, n°869 ; D.Brault, Droit et politique de‬‬
‫‪concurrence, op.cit., p.165.‬‬
‫‪42. * Cf. M.Chagny, th., op.cit., p.350, n°348 ; H.Narayan-Fourment, th., op.cit., p.250, n°401.‬‬

‫‪429‬‬
‫( ص ص ‪)430 ،411 :‬‬ ‫مجلة الفكر القانوني والسياسي )‪ (ISSN: 2588-1620‬المجلد السادس العدد األول (‪)2022‬‬
‫دور التشريعات الخاصة في إضعاف مبادئ النظرية العامة للعقد‬

‫‪" .43‬ينص القانون المدني على أن توافق اإلرادتين هو الذي ُي ّ‬


‫حدد مقدار الثمن أو السعر وكذا كيفيات الوفاء به‪ .‬وهو مفهوم‬
‫حرة‬
‫خاص به‪ ،‬ينشأ عن مفاوضات أو مساومة ّ‬ ‫يتضمنه من سعر ّ‬ ‫ّ‬ ‫كل عقد على حده‪ ،‬بما‬‫فردي بحت‪ ،‬يفترض النظر إلى ّ‬
‫بين أشخاص يقفون على قدم المساواة"‪ .‬م‪.‬بودالي‪ ،‬رسالة الدكتوراه‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.485.‬‬
‫‪44. Cf. M.Chagny, th., op.cit., pp.356-357, n°353.‬‬

‫‪430‬‬

You might also like