Professional Documents
Culture Documents
ملخص:
تهتم اللسانيات في إطارها العام بدراسة اللغة دراسة علمية موضوعية في ذاتها ومن
أجل ذاتها ،لكن فروع هذا العلم قد حددت لنفسها وجهة خاصة ،واهتمامات محددة ،ينشغل
بها الباحث في دراسته العلمية ،فكان من هذه الفروع اللسانية :اللسانيات التوزيعية،
واللسانيات النصية ،واللسانيات الوظيفية التي يسعى هذا المقال إلى بيان أسسها ومرتكزاتها،
حيث خلصت الدراسة في األخير إلى أهمية اللسانيات الوظيفية في التأكيد على وظيفة
اإلبالغ للغة ،من خالل تبيان آثار ظاهرة في الملفوظات.
كلمات مفتاحية :اللسانيات ،المنهج ،الوظيفة ،اللغة ،اإلبالغ.
Abstract:
Linguistics, in its general framework, is concerned with the
study of language as an objective scientific study in itself and for
itself, but the branches of this science have set themselves a special
destination, and specific interests, with which the researcher is
preoccupied with his scientific study. Which this article seeks to
explain its foundations and foundations, as the study concluded in the
last to the importance of functional linguistics in emphasizing the
reporting function of language, by showing the effects of visible
expressions.
Keywords: Linguistics; curriculum; function; language; reporting.
.1مقدمة:
طـور المنهج الوظيفي بوجه خاص على يد علماء مدرسة براغ التي
عرفت بالمدرسة الوظيفية التخاذها الوظيفة أساسا مهما في التحليل اللغوي ،حيث
198
المجلد/5العـــدد ،)2021( 2:ص -198 مجلة مقامات
EISSN 2253-0363: / ISSN2543-3857
211 ISSN :
إنها اتخذته منهجا خاصا ومميزا لها عن سائر المدارس اللسانية ،فكان محور
نشاطاتها واهتماماتها اللغوية على جميع المستويات.
ثم تطور االهتمام بالوظيفة بعد ذلك حتى تأسس في اللسانيات فرع معرفي
قائم بذاته يسمى باللسانيات الوظيفية ،له أعالمه ورواده في الدرسين العربي
والغربي ،وقد جاءت هذه الدراسة لتبسيط مفاهيم الدرس اللساني الوظيفي وذلك
باإلجابة عن اإلشكالية المحورية :ما هي أسس اللسانيات الوظيفية وما
مرتكزاتها؟
.2المنهج الوظيفي:
يعد أندري مارتيني()Andre martinet؛ العالم اللغوي الفرنسي،
صاحب المؤلفات اللسانية ذات الطابع الوظيفي مثل :الفونولوجيا كنوع من
الصوتيات الوظيفية ،ونظره وظيفية للغة ،واقتصاد التغيرات الصوتية ،...1من
أوائل مؤسسي المنهج الوظيفي.
حيث حاول شرح أسسه وتوضيحها فيما نشره من كتب ومقاالت خاصة في
مؤلفه المعروف بـ (مبادئ في اللسانيات العامة) ،وقد سميت هذه المدرسة
بالمدرسة الوظيفية ،ألن الشغل الشاغل للباحث فيها هو الكشف عن الوظيفة التي
تؤديها الوحدات اللغوية ،فهو يحاول دائما أن يكتشف ما إذا كانت كل القطع
الصوتية التي يحتوي عليها النص ذات وظيفة إبداعية أم ال ،فيركز جل اهتمامه
على التمييز بين القطع التي تؤدي معنى ما ،وبين تلك التي قد ال تحمل أي
معني . 2فتكون األولى ذات وظيفة متمثلة في التميز بين المعاني ،في حين تفقد
الثانية قيمتها في النص ،أي أن الوظيفية تتخذ المعنى مقياسا هاما في تحليلها
للنصوص اللغوية ، 3فهو الهدف األسمى للتواصل ،ومن أجله تتالحم جميع
عناصر الخطاب في تأدية وظائفها ،لتصل الرسالة إلى قارئها أو متلفيها في
أفضل صورة .و هي تعتبر أن المعنى يتغير بتغير اللفظ ،و أن ثبوته يعني
ثبوت اللفظ على حاله ،4فالعالقة بينهما طردية ،ألننا إذا أبدلنا عنصرا لغويا في
تركيب ما (صوتا كان أو كلمة ) فإن ذلك يؤدي بالضرور إلى تبديل المعنى
اإلجمالي للتركيب ،بل إن تغيير موضعه يغير المعنى كذلك ،وتتضح هذه
الصورة بشكل أكبر عندما نتخذ التراكيب اآلتية مثاال لذلك :أجاز المسؤول
عمالة اللتزامهم ،أجاز عماله المسؤول اللتزامهم ،أجاز المسؤول اللتزامهم
عماله ،أجاز عماله اللتزامهم المسؤول ،أجاز اللتزامهم المسؤول عماله،أجاز
199
اللسانيات الوظيفية -األسس والمرتكزات فوزية دندوقة ،نوال آقطي
اللتزامهم عماله المسؤول ،المسؤول أجاز عماله اللتزامهم ،المسؤول أجاز
اللتزامهم عماله ،المسؤول عماله أجاز اللتزامهم ،المسؤول عماله اللتزامهم
أجاز ،المسؤول اللتزامهم أجاز عماله ،المسؤول اللتزامهم عماله أجاز ،عماله
أجاز المسؤول اللتزامهم ،عماله أجاز اللتزامهم المسؤول ...الخ
إن جميع هذه االحتماالت هي في النهاية صورة واحدة لقولنا (أجاز
المسؤول عماله اللتزامهم) ،لكن فرقا بسيطا يميز كال منها عن األخرى ،وهو
ناجم عن التغير البسيط الذي حدث في الصورة األساسية ،أو الجملة النواة ،هذا
الفرق هو ما تحمله كل جملة من معنى مغاير ال يوجد في غيرها ،فكما هو معلوم
أن تغيير الرتبة في العربية يؤدي إلى تغير المعنى األصلي ،وعادة ما يكون
المقدم من الكلمات هو بؤرة اهتمام المتكلم أو المتلقي ،وبهذا تتحدد وظيفة
الكلمات في الجمل ،وكما سلف أن أشرنا فإن فيالم ماثيزيوس (مؤسس حلقة
براغ ) قد عني بشكل كبير بمنظور الجملة الوظيفي الذي يعتمد في تحليل الجمل
على مضمونها اإلخباري ،ألنها قد تتشابه جميعا كهذا المثال لكن وظيفة كل منها
تختلف من حيث الرغبة في شد انتباه السامع إلى لفظة دون أخرى ،فعلى الرغم
من أن جميع كلمات التركيب تتالحم لتؤدي الوظيفة الكلية وهي وظيفة اإلبالغ ،
إال أن لكل من هذه الكلمات وظيفة خاصة تميزها عن األخرى ،ويتجلى ذلك
ويتضح عندما نغير هذه الكلمة بأخرى مخالفة لها تماما ،بل وإن كانت مرادفة
لها ،ولنعد إلى المثال السابق (أجاز المسؤول عماله اللتزامهم) فقولنا (أجاز)
يختلف عن قولنا (كافأ المسؤول عماله اللتزامهم).
أما إن نحن استبدلنا الكلمة بنقيضها فإن وظيفة األولى ستكون أكثر
وضوحا ،كما يبدو أن هذا النقيض دون وظيفة معينة عندما يخلق في التركيب
الالانسجام ،ولنقارن بين :أجاز المسؤول عماله اللتزامهم وبين :عاقب المسؤول
عماله اللتزامهم ،إن وظيفة الفعل(أجاز) في هذا التركيب متمثله في تحقيقه
لمعنى المكافأة الذي يستلزمه االلتزام ،أما الفعل (عاقب) فليس إال نتيجة للتقصير.
وهنا يختل انسجام التركيب .
ومثلما تؤدي الكلمة وظيفة فإن لجميع أصوات اللغة وظائف تؤديها ،بل إن
مارتينيه قد ركز في نظريته هذه على وظائف األصوات ،فكان من المنظرين
السباقين في ميدان الصوتيات الوظيفية الزمانية ،التي كان يهدف من ورائها إلى
تفسير تطوير اللغة ،مستعمال مصطلحات بسيطة ال غموض فيها( :اللغة =
( ) Langueالجملة =( )Phraseالفونيم) (السمة المميزة =)trait pertinent
200
المجلد/5العـــدد ،)2021( 2:ص -198 مجلة مقامات
EISSN 2253-0363: / ISSN2543-3857
211 ISSN :
202
المجلد/5العـــدد ،)2021( 2:ص -198 مجلة مقامات
EISSN 2253-0363: / ISSN2543-3857
211 ISSN :
ومما يميز المنهج الوظيفي وربطه بين وجهات النظر الشكلية التركيبية ،
والمضمونية قائمة (أدموني) ألنماط الجملة:24
-1جملة المسند إليه.
-2جملة المسند.
-3جملة المفعول.
-4الجملة الظرفية:
الجملة المكانية – الجمل الزمانية -الجمل الظرفية للكيفية -الجمل السببية -الجمل
الشرطية -الجمل اإلعتراضية -الجمل المقيدة -جمل الغاية -جمل مقارنة حقيقية-
إمكانية/ -جمل مقارنة غير حقيقية -امتناعية / -الجمل التابعة الجمل الفرعية
الممتدة).
206
المجلد/5العـــدد ،)2021( 2:ص -198 مجلة مقامات
EISSN 2253-0363: / ISSN2543-3857
211 ISSN :
إن اهتمام (أدموني) بأنماط الجمل قائم بالدرجة األولى على الوظائف النحوية
التي تؤديها الكلمات ،فاالختالف الشكلي للجمل الذي يؤدي إلى اختالف تراكيبها
يتحقق أساسا بتغيير الكلمات مواقعها ،فالجملة التي تصدرها مسند إليه هي جملة
مسند إليه ،والتي تصدرها مفعول هي جملة مفعول ،والتي تصدرها ظرف هي
جملة ظرف...
-8مالمح الوظيفية في الدرس العربي:
نبدأ البحث عن هذه المالمح بدءا بأول وظيفة تؤديها اللغة ،و هي وظيفة
اإلبالغ ،فمن المعروف جدا أن المتكلم يهدف دائما إلى غاية أساسية ،و هي
التعبير عن أحاسيسه ،و مقاصده إلى السامعين ،و ال شك في أن مثل هذه
اإلشارة إلى وظيفة اللغة واضحة لدينا ،ألفناها جميعا من خالل تعريف ابن جني
للغة بأنها " :أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم " . 25و قول المبرد في
تعريفه للجملة " :و إنما كان الفاعل رفعا ،ألنه هو و الفعل جملة يحسن عليها
السكوت ،و يجب بها الفائدة للمخاطب ".26
كما يمكن أن نعتبر اشتراطهم التعريف للمبتدأ و التنكير للخبر من مالمح
الوظيفية في دراساتهم ،فهم يقولون إن المبتدأ في جملته محكوم عليه ،و ال بد
أن يكون المحكوم عليه معروفا ،حتى تتم الفائدة ،ألن اإلخبار عن النكرة ال
فائدة منه ،و إنما تقاس المعرفة و النكرة بالنسبة للمخاطب.
و من األدلة على أن نحاة العربية قد عرفوا الوظيفة ،و ركزوا عليها
اهتمامهم و انشغالهم بوظيفة الكلمة في الجملة ،فقد تأتي فعال أو فاعال أو مفعوال
،أو مبتدأ أو خبرا ،...و هذا ما جعلهم في دراسة أقسام الكلم ،يبحثون عن
الوظيفة التي يؤديها كل قسم ،فاالسم كما هو متعارف عليه يؤدي وظائف شتى ،
أو تعتوره المعاني على حد تعبير الزجاجي ،27وهذا ما ركز عليه المحدثون
أيضا .
و إذا كان الوظيفيون قد ركزوا على وظيفة اللغة باعتبارها كال متكامال،
فإنهم لم يهملوا أيضا الوظائف المنصبة على مستوياتها المختلفة (الصوتي-
الصرفي -النحوي -الداللي) ،وأبرز مظاهر هذه الدراسة في نحونا العربي
الوظيفة المتعلقة بالمستوى التركيبي للغة ،هذا المنظور الذي يقوم على أن الجملة
تتألف من عنصرين رئيسين هما المسند والمسند إليه ،و قد تمسك النحاة بفكرة
التأليف هذه بشكل كبير ،حتى أنهم رفضوا أن تكون بعض التعبيرات التي
207
اللسانيات الوظيفية -األسس والمرتكزات فوزية دندوقة ،نوال آقطي
خرجت على هذه الطريقة من التأليف تعبيرات أصيلة التركيب ،فراحوا يتناولون
ذلك ،ويبحثون لها عن أصل يقوم على فكرة التأليف واإلسناد كالنداء .و ليس
تعريف سيبويه للمسند إليه إال إشارة إلى وظيفته ،يقول هو " :كل اسم ابتدئ
ليبنى عليه الكالم ". 28
.7خاتمة:
-تتوخى اللسانيات الوظيفية الطريقة السوسيرية بالتأكيد على وظيفة اإلبالغ
للغة ،وتسعى إلى تبيان آثار ظاهرة في الملفوظات.
-تميز الوظيفية بين اختيارات المتكلمين ،وقد ال قت وجهة النظر هذه صداها
وخصوبتها البارزة في مجال علم وظائف األصوات الذي سماه مارتيني بـ "علم
األصوات الوظيفي" ،لكنها لم تقتصر عليه بل تعدته إلى التركيب.
-ال ترد الدالليات في ذاتها في المبادئ الوظيفية ،فمما ال شك فيه وجود صعوبة
كبيرة لتوخي نفس المبادئ الوصفية لعلم وظائف األصوات ،وعلم التركيب،
.8قائمة المراجع
.1أحمد محمد قدور ،مبادئ السانيات ،دار الفكر المعاصر ،بيروت ،ط، 1
. 1996
.2أحمد مومن ،اللسانيات ،النشأة والتطور ،ديوان المطبوعات الجامعية ،
الجزائر.
َ
.3ابن جني (أبو الفَتح عث َمان) ،الخصائص ،تحقيق محمد علي النجار ،دار
الكتب ،القاهرة . 1952 ،
.4خولة طالب اإلبراهيمي ،مبادئ في اللسانيات ،دار القصبة ،الجزائر
.2000،
.5الزجاجي ،اإليضاح في علل النحو ،تحقيق مازن المبارك ،دار النفائس،
بيروت ،1979 ،ط.3
.6سيبويه ،الكتاب ،تحقيق عبد السالم محمد هارون ،دار الجيل بيروت ،ط1
-1كاترين فوك ،بيارلي قوفيك ،مبادئ في قضايا اللسانيات المعاصرة،
ترجمة منصف عاشور ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر .1984 ،
.7كارل ديتر بونتيج ،المدخل إلى علم اللغة ،ترجمة سعيد حسن بحيري،
مؤسسة المختار ،ط. 2003 ،1
.8المبرد (أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد األكب ) ،المقتضب ،تحقيق عبد
الخالق عضيمة ،دار الكتاب المصري القاهرة .
208
المجلد/5العـــدد ،)2021( 2:ص -198 مجلة مقامات
EISSN 2253-0363: / ISSN2543-3857
211 ISSN :
-ينظر :أحمد مومن ،اللسانيات ،النشأة والتطور ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،ص 152 ،151
1
-16كاترين فوك ،بيارلي قوفيك ،مبادئ في قضايا اللسانيات المعاصرة ،ص 47
-17م ن /ص ن
-18كارل ديتر بونتنج ،المدخل إلى علم اللغة ،ص .115
-19م ن /ص 46
-20م ن /ص ن
-21م ن /ص 181
-22ينظر كارل ديتر بونتنج ،المدخل إلى علم اللغة ،ص .182 ،181
-23م ن /ص 184 ،183
-24نقال عن :م ن /ص .187 ،186
-25ابن جني ،الخصائص ،تحقيق محمد علي النجار ،دار الكتب ،القاهرة 33/1 ، 1952 ،
-26المبرد ،المقتضب ،تحقيق عبد الخالق عضيمة ،دار الكتاب المصري القاهرة 146/1 ،
الزجاجي ،اإليضاح في علل النحو ،تحقيق مازن المبارك ن دار النفائس ،بيروت ،1979 ،ط، 3ص 69
-27
209
اللسانيات الوظيفية -األسس والمرتكزات فوزية دندوقة ،نوال آقطي
-28سيبويه ،الكتاب ،تحقيق عبد السالم محمد هارون ،دار الجيل بيروت ،ط88/2 ، 1
210