You are on page 1of 84

‫‪HEMON‬‬

‫الشيطان الحارس‬
‫القتل جريمة يعاقب عليها القانون‬
‫و الكتابة‬
‫‪...‬أسلوب قتل تحت مسمى الفن‬
‫إهداء‬
‫‪...‬شكرا أيها العالم‬
‫‪..‬شكرا عائلتي‬
‫‪.....‬شكرا نفسي التي خذلتني مالينا من المرات‬
‫‪...‬و شكرا لكل من لم يحبني‬
‫‪.‬انتم من قمتم بصنعي‬
‫صراخ من كل مكان و هي في الوسط تقف ال تعرف ما الذي‬
‫‪.‬تفعله فقط تبكي‬
‫ما الذي يمكن لفتاة صغيرة بحلم كبير أن تفعله لتوقف شجارا‬
‫بين بالغين راشدين‬
‫‪.‬ال شيء فقط تبكي و تدعو الخالق أن ينتهي كل شيء‬
‫‪...‬أخيرا انتهى الشجار بصفعة قوية سددها األب لباب المنزل‬
‫‪..‬زهرة ‪ 7‬خيبات‪ ،‬بضع ضحكات‪ ....‬هذه هي صغيرتنا‬
‫‪.‬عقلها اكبر من جسمها و روحها النقية‬
‫ذهبت لتحضر كأس ماء ألمها التي انهارت من البكاء هي‬
‫‪..‬األخرى‬
‫كل ذلك لم يمنعها من شكر اإلله أن العراك قد انتهى بأخف‬
‫‪..‬األضرار‬
‫األب ضحى بعمره في سبيلها هي و أخيها‪ .‬رجل لم يعش في‬
‫‪.‬الدنيا ما يفرح سواهما‬
‫‪.‬أمها جميلة جدا ‪ ،‬مبذرة جدا ‪،‬غير قابلة لإلقناع جدا‬
‫‪.‬اجل هذه هي عائلتها‬
‫أحضرت كوب ماء و أعطته لنبع الحنان ثم جلست بجوارها‬
‫‪.‬تحاول تهدئتها‬
‫مرت الليلة و لم تستطع النوم ‪ ...‬أمضتها بكاء في سريرها‬
‫‪.‬على قدر لم تختره‬
‫‪.‬وحيدة وخائفة‬
‫أشرقت الشمس ‪..‬مرت الظلمة و استفاقت الزهرة بابتسامة‬
‫‪.‬كالعادة في محاولة لنسيان ما مر من حياتها‬
‫ذهبت لتفطر لكنها لم تجد إفطارها جاهزا كما جرت العادة‪.‬‬
‫توا توجهت لوالدتها لتطمأن على حالها وجدتها نائمة كمالك‬
‫لم ترغب في إيقاظها لذا أعدت وجبة الصباح بمفردها‬
‫‪.‬وقصدت المدرسة ‪ ،‬أين تلتقي يوميا بأصدقائها ومعلميها‬
‫هي تحب المدرسة والعلم لكن تكره أصدقائها المتنمرين‬
‫‪.‬والمدرسين القاسيين‬
‫لكنها الزالت صغيرة جدا لتدرك هذه الحقيقة لذا فقط تخفي‬
‫كل شيء داخلها ترسم البسمة على وجهها و تحاول أن تنسى‬
‫‪.‬كل الذي يحصل معها‬
‫‪...‬كانت مجتهدة في الدراسة و متفوقة جدا‬
‫لكن انطوائية انعزالية تعيش فقط بين طيات عقلها تخاف‬
‫‪.‬التجمعات لديها خوف مرضي من األماكن المزدحمة‬
‫لم تذهب إلى الطبيب لم تعالج فقط الن والديها كانا أكثر‬
‫‪.‬انشغاال من أن يالحظا أن الصغيرة تعاني من كل هذا‬
‫ربما لو تعافت في ذلك الوقت لما حدث كل خذا الخراب اآلن‬

‫في المساء تعود إلى المنزل بعد يوم من اإلهانات و النظرات‬


‫الكاسرة و بعض المعلومات الجديدة و االبتسامة على ثغرها‬
‫‪.‬و عدة عبرات محبوسة في مقلتيها‬
‫كانت دائما تحلم بغد أفضل و ترسم مستقبال مشرقا كانت‬
‫‪.‬تظن انه سيتحقق‬
‫‪ ....‬عاشت وحدة تامة‬
‫‪...‬ال أصدقاء لتلعب معهم وال حيوانا يؤنسها‬
‫لذا لنقاء روحها لم تطالب أحدا بشيء‪ .‬وجدت الحل بمفردها‬
‫كالعادة وصنعت عالما في خيالها لتعيش فيه وحدتها ‪ ،‬عالما‬
‫تهرب إليه من أخر على كبره لم يستطع احتواء صغيرة في‬
‫‪ ...‬حجمها‬
‫‪ ...‬عالما أصبح حقيقتها‬
‫‪.‬عالما على بساطته كانت كل طموحاتها محصورة فيه‬
‫‪.‬يمتزج الوهم أحيانا بالحقيقة ليصبح اقرب إلى التصديق منها‬
‫مرت األيام و ‪ 4‬سنين قد انقضت‬
‫‪...‬ال شيء تغير ذات المدرسة ذات األحالم‬
‫جل ما حدث أن عالمها الخيالي أصبح اكبر و أكثر أهمية‬
‫‪.‬في حياتها‬
‫‪..‬زهرة‪..‬زهرة استفيقي ‪-‬‬
‫أمي الزلت أريد النوم رجاء فقط بضع دقائق إضافية ‪-‬‬
‫زهرة اآلن هيا لن أعيد كالمي ‪-‬‬
‫حسنا أمي لقد استفقت‪-‬‬
‫نفضت غبار النجوم عن عيونها و قبلت أمها و بدأت يوما‬
‫‪.‬جديدا‬
‫ماذا تريدين أن ترتدي القميص الزهري أم األزرق؟ ‪-‬‬
‫أماه هل هذا سؤال‪ ...‬طبعا الوردي ‪-‬‬
‫ال تكثر الكالم فقط أجيبي‪-‬‬
‫‪.‬استغربت الفتاة إجابة أمها الفظة إذ لم تعتد هذا منها‬
‫‪..‬بدأت الشكوك تساورها إذ منذ مدة الحظت تغير أمها‬
‫ارتجاف يدها المستمر‪ ،.‬شكواها المستمرة من أالم‬
‫تصيبها‪،‬اصفرار وجهها ‪ ،‬تقلب مزاجها وخصوصا نظرة‬
‫‪...‬االنطفاء في عينيها‬
‫‪...‬عيون الغزال تصرخ ألما في صمت اآلن‬
‫أماه هل أنت بخير؟‪-‬‬
‫نعم يا ابنتي هيا أسرعي ستمر الحافلة بعد قليل سأذهب ‪-‬‬
‫‪.‬ألجهز لك الفطور‬
‫حسنا ‪-‬‬
‫‪.‬أغلق الباب و عادة الصغيرة لهواجسها‬
‫أفكار سوداوية تتلقفها‪ ...‬تريد أن تفلت إال أن أمواج بحار‬
‫‪...‬الخوف عاتية شديدة على صغيرة مثلها‬
‫قطع حبل أفكارها صوت انكسار شيء أو سقوط لم تفهم فقط‬
‫‪.‬خرجت تجري‬
‫وقفت في باب المطبخ ‪ ..‬للحظات خدرت كل مشاعرها‬
‫وتوقف الزمن غابت السنون و امتص حزن هذا العالم‬
‫إال من صوت أنفاسها و صورة أمها الملقاة على األرض‬
‫‪...‬ملطخة بأحمر قان‬
‫‪.‬أظنها دماء‬
‫للحظة غط العالم في سبات عميق للحظة استفاق كل الشجن‬
‫داخلها و معه دموع لم تستطع تحديد سببها الرئيسي ا هو‬
‫‪.‬خوف أم حزن‬
‫لوهلة ولجت عالما تحكمه الشياطين التي ترقص فوق رأسها‬
‫سقط نظرها على جثة المرأة في الثالثين من عمرها أو‬
‫‪.‬هكذا كانت‬
‫امرأة في غاية الجمال‪ ...‬جمال لفرطه أصبح نقمة في حين‬
‫‪....‬أنه يجب أن يكون نعمة ورثته هي عنها‬
‫‪...‬جثة قبل عدة دقائق كانت الروح تدب داخلها‬
‫ال تعلم ما الذي حصل ‪ ،‬انتهى زمن السلم و تبدد ظالم‬
‫سكونها فجأة دون أي مقدمات أحست أن أبواب جهنم قد‬
‫‪.‬فتحت‬
‫‪...‬نيران عظيمة التهبت في ثانية داخلها‬
‫ارتمت في حضن من كانت أمها و أطلقت صرخت أسمعت‬
‫‪.‬بها العوالم السبع حرقتها‬
‫أماه أرجوك ال تتركيني وحدي أمي سأفعل كل ما تريدين ‪-‬‬
‫أمي إني أترجاك لن أزعجك بعد اليوم فقط عودي ال ترحلي‬
‫ال تكوني أنانية ال تتركيني‬
‫كل األمهات يجب أن يبقين إلى جانب صغارهن اعلم انك أم‬
‫‪.‬صالحة‬
‫بحرقة كانت تنطق بالكلمات لم تعي ماذا تفعل أو ماذا تقول‪.‬‬
‫‪.‬أخذت في البكاء بكت بمرارة‬
‫أحيانا ال يكون النحيب خيارا أو مهربا بل السالح الوحيد‬
‫‪...‬بيدنا ضد الجنون و سطوت عقلنا و أفكارنا‬
‫أحيانا ال نعي أننا نحارب للنجاة بأشالئنا إال بعد فوزنا‬
‫‪.‬المعارك‬
‫أحست بيدين دافئتين تحتضنانها في خضم ما كانت تعاني هي‬
‫‪...‬تعرف جيدا هذا الدفء وهذه الرائحة وهذا الحنان‬
‫‪...‬أغمضت عيناها واستسلمت لسبات‬
‫سكينة أخيرا ارض الالمكان واالزمان في الفراغ تسبح‪.‬‬
‫أن تفقد أما أي أن تفقد حياة‪ .‬األم ليست شخصا عزيزا على‬
‫قلوبنا فقط‪ ...‬األم لمن يقدرها جنة أو قطعة من الجنة وسط‬
‫‪.‬جحيم قد وضعت‬
‫األم هي ذلك الجفن الذي إن رفضك العالم بأسره حملك فوق‬
‫‪.‬أهدابه دون أي كلل‬
‫هي من بكل عيوبك تراك مثاليا‪ ...‬هي من مهما بلغت من‬
‫العمر تظل بنظرها نفس الرضيع التي قذفته من رحمها‬
‫ليعيش و لو كان بمقدورها الحتفظت بك داخلها خشيت أن‬
‫‪.‬يصيبك هم‬
‫هي من تحملتك تسعة اشهر في أحشائها و لم يستطع هذا‬
‫العالم تحملك لدقيقتين‬
‫هي من تسهر على راسك ليالي مرضك و تصطحبك‬
‫للدراسة في أول يوم‪ ...‬هي من تحتضنك يوم ضعفك و تطلق‬
‫‪...‬الزغاريد صباح عرسك‬
‫‪.‬باختصار هي وطنك‬
‫بدأت في فتح عينيها شيئا فشيئا الرؤية كانت ضبابية أمامها‬
‫‪.‬فقط بياض محيط بها و صوت طنين ال يأبى التوقف‬
‫هل أنا في الجنة؟‪-‬‬
‫ترى في أمها أمامها‪ ...‬نعم أمها جنتها أمامها ثم بدأت‬
‫الصورة في الوضوح ‪،‬هاهو أخوها أمامها و بجواره‬
‫والدها‪ ...‬أمها تتقبلها باألحضان و هي مجهشة بالبكاء‬
‫الحمد هلل يا ابنتي لقد أقلقتني عليك ما بك ماذا تحسين ؟هل‪-‬‬
‫أنت بخير ؟هل يؤلمك شيء؟‬
‫ثم التحق بها والدها ثم أخيها و اخذوا في عناقها والبكاء‪.‬‬
‫‪.‬شكروا الر ب على نعمة الحياة‬
‫لم تستوعب بعد ما حصل لذالك لم تجب على أسألتهم كانت‬
‫‪.‬مغيبة عن الواقع فقط عيون ترى و عقل مغيب عن الحاضر‬
‫بعد عدة دقائق ال تدرك طولها بدأت باستعادة ملكة الكالم‬
‫أماه أنت بخير الحمد هلل فلتضميني أكثر لحصنك دثريني‪-‬‬
‫‪.‬دفئيني أماه أعياني صقيع حقيقة فقدانك‬
‫ال تتركيني‪ ...‬لغيابك ظالل تأتي لتحجب عن عيني متع‬
‫الدنيا‪..‬ال تتركيني ضميني أكثر و أعيديني لجذوري ضميني‬
‫‪...‬كأني قطعة منك و أنا قطعة‬
‫‪...‬تعالي ابنتي يا فلذة من كبدي ال تقلقيني عليك ‪-‬‬
‫كان هذا أول ما نطقت به‪ ...‬وتبادل الحاضرون على اثر‬
‫‪.‬كلماتها نظرات استغراب امتزجت بالخوف‬
‫قولي اآلن ماذا حصل لك؟ لما كنت تصرخين؟ ‪-‬‬
‫أبي اشتقتك‪ ...‬أخي الحبيب حمدا ال متناهي ألنكم بخير ال‪-‬‬
‫‪.‬تتركوني لوحدي مرة أخرى‬
‫لن نتركك و كيف نفعل و أنت من روحي فداء لها‪ ...‬فقط ‪-‬‬
‫‪.‬اخبرينا بما جرى‬
‫كيف ستخبرهم اآلن ما الذي ستقوله من األساس كيف لهم أن‬
‫يفهموا هل سيصدقون!؟ هل سيستوعبون!؟‬
‫‪ .....‬ال أظن ذلك هذا محال لن اخبرهم بشيء‬
‫أحيانا تأتي الحقيقة على شكل غير قابل للتصديق فيكون‬
‫الكذب مقنعا أكثر ‪....‬أحيانا نحمي الحقيقة بالكذب‬
‫عدم ذكر الحقائق كما هي في اغلب األحيان اختيار لكن حتى‬
‫في تلك اللحظات التي تفلت من أيدينا جل االختيارات‪،‬ارتقاء‬
‫منزلة هذا الفعل المشين من الرذيلة إلى الفضيلة محال‪ .‬كانت‬
‫‪.‬تعي هذه الحتمية لكنها أقدمت على فعلتها رغم ذلك‬
‫ال اذكر أماه‪ ...‬أنا حقا ال اذكر أي شيء أرجوكم راسي‪-‬‬
‫‪.‬يؤلمني ال تكثروا األسئلة‬
‫حسنا حسنا ال تنزعج سأذهب ألخبر الطبيب‪-‬‬
‫أختي هل حقا ال تتذكرين أي شيء لماذا كنت تصرخين ‪-‬‬
‫قبل إغمائك ثم دخولك في غيبوبة نحن ننتظر استفاقتك منذ ‪3‬‬
‫‪.‬أيام لقد قلقنا أيما قلق‬
‫حقا لو لم يكن ما كان لما علمت أني احتل هذه المكانة في‬
‫‪.‬قلبك‬
‫‪ .‬هنا تعلمت أنه في ثنايا المصائب تكتشف الكنوز‬
‫‪.‬حضر الطبيب أخيرا أتم الفحص و أمر أخيرا بإخالء سبيلي‬
‫ها أنا اآلن انزل قدمي ألول مرة عن هذا السرير منذ ال اعلم‬
‫كم من يوم‪ .‬داهمني شعور غريب ال عهد لي به‪ .‬كأنني‬
‫امشي أولى خطواتي كأن األرض قبل اليوم ما كانت أرضا‬
‫كأني قبل اليوم ما كنت أنا‪ .‬الممر مظلم تنبعث رائحة‬
‫المعقمات من كل صوب هي شبيهة برائحة الموت أو شيء‬
‫‪.‬مثير لالشمئزاز أكثر‬
‫لوهلة ظننتني من انفجار كوني كبير خارجة ‪ ،‬انفجار توالد‬
‫عنه عالم اخذ في التمدد أكثر فأكثر تمدد يبعد الباب عني مع‬
‫‪.‬كل خطوة أخذها في صوبه‬
‫تسارعت دقات قلبي وأصبحت أقوى حتى شابهت قرع‬
‫الطبول‪ ...‬أطرافي ترتجف دون أي أمر مني ‪ ،‬أنفاسي‬
‫تضطرب أكثر فأكثر كل ذلك قام باقتحامي في حالة غريبة لم‬
‫اعلم كيف أتعامل معها لكني رغم ذلك أخفيتها قدر المستطاع‬
‫لم أشاء أن أعود لغرفة البؤس تلك‪ .‬أالهي ها أنا اعبر تلك‬
‫البوابة أخيرا و يتخلل رئتي كمية من األكسجين لم اعي قبال‬
‫أني قادرة على تخزينها‪ .‬خالجني شعور بالحياة أظنني بعثت‬
‫‪.‬توا و ما كان ليس إال كابوسا وانتهى‬
‫طوال الطريق لم تفارقني هواجسي‪ .‬هل أستطيع مواجهة‬
‫الحقيقة وجها لوجه مرة أخرى؟ هل املك من الشجاعة ما‬
‫يسمح لي بذالك؟ كل فكرة ما تكاد تنتهي حتى تدفع بالمشعل‬
‫ألخرى لكن لم يكن حتى الخيار بيدي لم يكن الهرب‬
‫باستطاعتي‪ .‬لما هي هكذا الحقائق في حياتي حتمية ال سلطة‬
‫لي عليها؟‬
‫وصلنا أخيرا يا قدري‪ .‬لم اعي ماذا سأفعل‪ ...‬ماذا لو كان ما‬
‫عشت مجرد حلقة جهنمية ستبدأ من جديد فور دخولي ال هذا‬
‫‪.‬غير وارد هيا تحلي بالشجاعة‬
‫ولجت أخيرا بعد صراعات نفسية كادت أن تفتك بي لوال أن‬
‫‪.‬صوت والدتي أيقظني من أحالم يقظتي تلك‬
‫ما بك توقفت هيا ادخلي أوصى الحكيم بالراحة ال يجوز أن ‪-‬‬
‫‪.‬تجهد نفسك‬
‫‪.‬حسنا أماه شردت قليال فقط ‪-‬‬
‫هيا إلى الغرفة سألتحق بك بعد أن اعد لك ما تأكلين ال بد ‪-‬‬
‫‪.‬انك تتضورين جوعا‬
‫‪.‬حسنا أماه‪-‬‬
‫‪...‬كان مساء بائسا‬
‫أجبرت على تناول كم مهول من األكل دون أي أدنى رغبة‬
‫بذالك‪ .‬لم يتوقف األقارب على المجيء أناس ال اعرف‬
‫معظمهم و معرفتي بهم لم تغير شيء من مشاعري‬
‫تجاههم‪ ...‬االشمئزاز هذا تماما ما كنت أحس‪ .‬بطبعي امقت‬
‫الزحمة و الغرباء فما بالك في وضع كوضعي هذا‪ .‬منذ‬
‫استفقت لم أتمتع بلحظة واحدة على انفراد لما أحس أني‬
‫سأنهار؟ ما بال هؤالء القوم ال يريدون تركي؟‬
‫كنت الحاضر الغائب‪ ...‬جسد مريض منهك موجود و عقل‬
‫‪.‬ثمل محلق في دنيا غير هذه البائسة‬
‫األفكار في راسي تتصارع معارك دامية ال تريد االنتهاء‪ .‬ما‬
‫الذي دفعني ألفكر أن أمي ماتت؟ ما الذي جعلني أتبنى هذه‬
‫األفكار بل اصدق هذه األكذوبة العجيبة ؟ هل في نفسي دافع‬
‫لقتلها هل في داخلي حقا رغبة مدفونة لقتل آمي؟‬
‫ال ال اصمت أنت ال تفكر هكذا أنت فقط خائف ال أكثر‪-‬‬
‫ال لست خائفا أنا الطرف األقوى هنا أنا لست جبانا يهاب‪-‬‬
‫التعبير عن رأيه أنت تمقتين هذه الحياة البائسة بل تمقتينها‬
‫أمك هي من قذفتك من رحمها إلى هذه القذارة هي السبب‬
‫هي السبب‪ .‬كان صوتا داخلي أحسست أنه أنا لكن أفكاره‬
‫‪...‬حتما ليست ملكي‬
‫اصمت اخرس أنا أحبها آمي ال تستمع له تاهلل إني احبك ‪-‬‬
‫أكثر حتى من نفسي انه مجرد صوت لعين ال اعرف من أين‬
‫‪ .‬أتى‬
‫لقد قلتها توا دون وعي منك تحبينها تعشقينها مهووسة بها ‪-‬‬
‫أليست المعادلة واضحة اآلن دائما هي هكذا المشاعر إن لم‬
‫نسيطر عليها فعلت هي و قادتنا نحو الجرف أتعلمين ما نهاية‬
‫هذا الجرف انه الحد األخر عشقنا ينقلب مقتا و هوسنا مرضا‬
‫‪.‬و سقما ال يشفى إال حين نتذوق من رحيق الموت‬
‫‪.‬هراء كله هراء أنت أصال من العدمية مخلوق‪-‬‬
‫بإمكانك الكذب على الجميع لكن نفسك ال أظن ذالك‪ .‬أنت ‪-‬‬
‫متيقنة أني لست إال أنت‪ ،‬أنا أنت األقوى‪ ...‬أنا أنت النقيض‬
‫بربك اسحقي تلك االبتسامة التي تزرعينها على وجهك‬
‫اللعين انتفضي اصرخي كفاك خضوعا و خنوعا أنت ال‬
‫‪.‬تستحقين هذه الحتمية في القدر‬
‫ال فلتصمت أنا سعيدة بحياتي عد للجحيم الذي تنتمي إليه‪-‬‬
‫‪.‬اغرب مع كل هرائك فقط اذهب‬
‫‪.‬ابنتي ماذا دهاك ما الذي يحصل معك‪ .‬كان صوت أمي‪-‬‬
‫ماذا أين أنا أمي لماذا تبكين ‪-‬‬
‫هل أنت بخير كنت تصرخين ‪-‬‬
‫أظنه مجرد كابوس ال تقلق‪" .‬كنت في حالة يرثى لها ‪-‬‬
‫ارتجف " هل غادر كل الضيوف؟‬
‫نعم منذ زمن هل تريدين أي شيء ألجلبه لك؟ ‪-‬‬
‫‪.‬ال أماه سلمت يداك ‪-‬‬
‫أماه أنت تعلمين مقدار حبي لك ا ليس كذالك؟‬
‫‪.‬طبعا و هل في ذالك شك ‪-‬‬

‫في حضنها أحسست أن العالم مكان أفضل‪ .‬أفضل‬


‫بكثير‪،‬غلبني الدمع في ذالك الموقف‪ .‬كم أنت غريب يا إنسان‬
‫في تركيبتك! كأن الحزن لكل جزء منك ينتمي حتى تلجأ له‬
‫‪.‬في كل تعبير للمشاعر‬
‫قاطع التحام أرواحنا ذاك دخول والدي وأخي عائدين من‬
‫‪.‬الجامع‬
‫أخي يصغرني بسنتين لكنه فارع الطول مقارنة بي يحمل من‬
‫مالمح أبي ما يجعل الناظر يجزم انه نسخت مصغرة عنه‬
‫عكسي إذ كنت أشبه أمي أكثر صغيرة في لحجم ورقيقة‬
‫‪.‬المالمح‬
‫استفاقت صغيرتي أخيرا حمدا هلل على السالمة هل تحسين ‪-‬‬
‫انك أفضل اآلن‬
‫‪.‬اجل أنا بخير بعض الصداع فقط ‪-‬‬
‫و اآلن ا لن تخبريني ما الذي حصل؟ ‪-‬‬
‫أنا حقا ال اذكر شيء ذاكرتي مشوشة اخبروني انتم ما الذي ‪-‬‬
‫حصل؟‬
‫‪...‬دعني اخبرها أبي ‪-‬‬
‫فالش باك‬
‫استفقت في ذالك الصباح على صوت نحيب يكسر القلوب‬
‫كنت تصرخين و كأن الدنيا على وشك االنتهاء نزلت و أبي‬
‫‪...‬للمطبخ لنطمأن وقد سبقتنا آمي إليك‬
‫لم تكد تلمسك حتى أغمى عليك نقلت فورا للمستشفى أين‬
‫اخبرنا األطباء انك دخلت في غيبوبة امتددت ل ‪ 3‬أيام‬
‫كدنا نخسرك تعرضت الرتفاع حاد في ضغط الدم األرجح‬
‫انه ناتج عن صدمة فهذا األمر نادر الحصول مع من هم في‬
‫‪.‬سنك‬
‫‪...‬أبواب جهنم فتحت أثناء نكبتك‬
‫ـ حقا كل هذا حصل أنا حقا ال أتذكر و كأن ما حدث لم‬
‫‪.‬يحدث‬
‫ـ نعم و قد أكد الطبيب على راحتك هذه الفترة و أوصى‬
‫‪.‬باالبتعاد على التوتر‬
‫ال أظن ذالك أماه و هذه اللعنة تطاردني كدت أجيبها هكذا و‬
‫تراجعت في اللحظات األخيرة‬
‫ـ حسنا أماه أعدك‬
‫‪.‬لم يكن في نبرتي ما يؤكد كالمي ا واألغلب أنها لم تصدقني‬
‫ـ أ لم اقل انك جبانة لما لم تخبريها أنها سبب معاناتك؟‬
‫ـ اصمت أيها الملعون‬
‫ال ادري كيف اصف حاالتي حينها و ال من أين أتتني الفكرة‬
‫ألسالها كيف تزوجت من أبي إذ لم يسبق حتى أن فكرة في‬
‫الموضوع من قبل‬
‫ـ أمي هل يمكنني أن استفسر عن شيء؟‬
‫ـ طبعا‬
‫ـ كيف تزوجت من أبي‬
‫ـ أظن والدك هو من يجب أن يروي هذه القصة‬
‫‪.‬ـ لقد طال بي العهد لكني الزلت أذكر كل التفاصيل‬
‫سنة مرت منذ أن كنت أدرس في الكلية‪ ،‬التقيت أمكما ‪15‬‬
‫صدفة‪ ...‬لم تكن لي بها معرفة مسبقة ولم أرها من قبل ولن‬
‫‪.‬أستطيع وصف لحظة لقاءها‬
‫قبلها لم أكن أؤمن بترهات الحب أو السحر‪ ...‬بعدها مذهب‬
‫‪.‬العشق اعتنقت و أصبحت مريدا‬
‫عندما التقت األعين تألفت القلوب‪ ...‬فجأة همدت الضوضاء‬
‫من حولنا واختفى البشر وبقينا نحن في بحور النظرات‬
‫‪.‬غارقين وفي دنيا المجانين تائهين‬
‫دنيا ال كالم فيها إال للعيون وال منصت سوى القلوب‬
‫‪...‬أحببتها‬
‫شاءت األقدار حينها أن اختفت من أمام ناظري في تلك‬
‫‪.‬اللحظة‬
‫لم أتوقف يومها عن التفكير بها للحظة‪ ...‬بحثت إلى أن‬
‫أعياني بحثي وأنهكت كل طاقتي لم اترك مكانا إال وحاولت‬
‫‪.‬أن أجدها به ‪ ،‬لكن جهودي باءت بخيبة أمل كبيرة‬
‫‪.‬شككت بأنها حقيقة لفرط جمالها ال اعلم أحسستها مالكا‬
‫المس اليأس قلبي واستسلمت‪ ...‬حاولت إقناع نفسي أنها لم‬
‫‪.‬تكن وأن الكيمياء التي حلقت بيننا مجرد وهم‬
‫إلى أن تغير الحال في ليلة لم أتوقعها‪ .‬تجاوزت الساعة‬
‫منتصف الليل أعقاب سيجارة في يدي ‪ ،‬الظالم حالك محيط‬
‫بي ‪ ،‬الدخان المتصاعد من رئتي قد ملء المكان حولي‪...‬‬
‫لمحت شيء يقترب مني ‪ ،‬أالهي إنها هي بثوبها المخملي‬
‫األسود الذي يسمح للنور بالتسرب من فتحت ظهرها‪ .‬شعرها‬
‫المرفوع في ترفع ككل شيء يخصها عدى بضع خصالت قد‬
‫‪.‬تمردت و نزلت على عنقها‬
‫عشقتها هكذا و هي في قمت طغيانها األنثوي الذي جعل من‬
‫‪.‬األسود لون االحتشام في اإلغراء‬
‫اقتربت مني أكثر و صوت كعبها في أذني عزف السيمفونية‬
‫‪.‬السبعين‬
‫نزلت حذوي بجسمها في انسياب لم اعهد‪ ...‬تخلت أخيرا عن‬
‫اإلطاللة الفوقية‪ .‬اجتاحتني رائحة عطرها واخترقت مجالي‬
‫دون آي أستاذان اجتاحتني وأيقظت فيني ما حاربت سنين‬
‫لدفنه بكل جموح‪ .‬أحسست أنفاسها تالمس جسمي الذي سرت‬
‫‪.‬فيه قشعريرة طفل خلق لتوه أو عجوز شارف على الموت‬
‫هي فعال سيدة تطابق الحقائق مددت يدي أللمسها المتلكها‬
‫ألمرر لها أعاصير شبابي وعواصف كهولتي وهدوء‬
‫‪.‬شيخوختي فبحضرتها يمر العمر في لحظات وهم لم أعشها‬
‫ـ مهال أ كانت هي فعال؟‬
‫ـ ال لم تكن هي كانت مجرد أحالم‪ .‬لكن ليلتها شيء تغير‬
‫داخلي نفضت اليأس عن كاهلي وقررت عدم االستسالم بهذه‬
‫‪.‬السرعة‬
‫هكذا هو الحب عندما تظن انه مات يخلق ألف ذريعة ليولد‬
‫من جديد‬
‫بعد تلك الليلة بعدة أيام كنت ادرس لكن ذهني شريد بمن‬
‫ملكتني ولمحتها فجأة مارة من جانب النافذة قاطعة المحاضرة‬
‫‪...‬ولحقت بها لم اتق صبرا وكانت فعال هي‬
‫‪.‬منذ ذالك الحين بدأت القصة‬
‫قبل تلك الليلة لم أكن اعرف شيء عن هذه الملحمة العشقية‬
‫‪.‬ولم أكن حتى سمعت بها قبال‬
‫كانت أول صدمة أتلقاها لم أكن اعرف أن وراء كل تلك‬
‫المشاكل أمرا جميال كهذا‪ .‬في تلك الليلة رأيت أبي يتكلم عن‬
‫‪.‬شيء بهذا الحماس للمرة األولى‬
‫‪ .‬كانت المرة األولى التي أحس أن عائلتي عائلة‬
‫أويت للفراش وفكري مثقل بالمشاغل التي ال اعلم من أين‬
‫‪.‬سقطت على كاهلي‬
‫هل يعقل أن يكون المرء بهذه الشيطانية؟ عائلتي عائلة جيدة‬
‫أمي وأب تزوجا عن حب و الزال هذا الحب إلى اليوم رغم‬
‫‪.‬كل المشاكل‬
‫‪.‬إذن لماذا اكرههم إلى هذا الحد ؟واكره معهم حياتي‬
‫ـ قلت لكي انك تكرهينهم ها أنت تعترفين أخيرا من تلقاء‬
‫نفسك‪ ...‬سبق و قلت انك الشرير الوحيد في هذه العائلة أنت‬
‫‪.‬الخطأ أنت المسخ أنت النكرة‬
‫وال اشك عندي انك أتيت خطا إلى هذه الدنيا‬
‫ـ اصمت أنت ال تعرف شيء أنت مجرد صوت لعين في‬
‫راسي وال وجود لك من األساس ال تتكلم مرة أخرى عن‬
‫أشياء ال علم لك بها أنا أحبهم وال شك في ذالك فقط دعني‬
‫‪.‬وشاني‬
‫ـ كفاك تالعبا و تمثيل زمن المسرحيات ولى وانتهى أنا‬
‫الحقيقة الواحدة في حياتك أنا مخلصك‪ .‬أنت الشيطان بوجه‬
‫‪ .‬المالك أنت تكرهين من لهم الفضل عليك‬
‫لما ال تعترفين بذالك‪ ...‬إن لم أكن محقا بكل حرف فلماذا كل‬
‫هذا االنفعال اخبريني أو األحرى بي أن أقول اسألي نفسك‬
‫ابحثي داخلها علكي وسط الظالم تجدين األجوبة أو حتى‬
‫‪.‬إنصافها‬
‫ـ أنت تفتري كل ما تنبس به افتراء ظلم و بهتان ال تتركوني‬
‫وحدي ال تصدقوه‬
‫ـ جبانة نعم أنت جبانة تخشين الوحدة وال تسحين ألحد‬
‫‪.‬باالقتراب منك في قفص خوف تحتجزين نفسك‬
‫انتفضي عبري ولو لمرة اخرجي كل شيء داخلك وأفصحي‬
‫عن كرهك لهم ولهذا العالم اللعين وليحترق الكل بعد ذلك‪ .‬ال‬
‫تخشي لما تخشين النار و داخلك أصبح بالفعل رمادا؟‬
‫‪.‬ـ اصمت أرجوك اصمت ال أستطيع تحمل هذا أكثر‬
‫ما كان يجهدني أكثر من حياتي وأفكاري وحزني حضور‬
‫هذا الصوت الغير المبرر‪ .‬كل ما كنت اطلبه منه هو أن‬
‫يصمت أكان هذا اآلمر بصعب لهذه الدرجة؟‬
‫أن توضع وجها لوجه مع عدو مجهول تكتشفه للمرة األولى‬
‫في حياتك هو أمر مرعب ولكن هل لكم أن تخمنوا ما االسوء‬
‫من ذالك‪ ...‬أن يكون العدو محنكا يعرف كل خدع الحرب‬
‫‪.‬متى ينسحب ومتى يتراجع يكون وقتها األمر انتحاريا‬
‫وسط المعركة وسط خسارتك وهزائمك مع كل خيبة‬
‫‪.‬تتجرعها تنكشف لك الحقيقة أن هذا العدو هو أنت‬
‫تحتار من أنت منهم‪ ...‬هل أنت ذلك الحمل الوديع الذي خسر‬
‫‪.‬و شارف على الموت أم انك إبليس في أوج جنونه‬
‫حقيقة ستكتشفها مع الوقت‪...‬الوقت كفيل أن ينسيك و أن‬
‫يشفيك هذا ما يقولون‪ .‬لكنه في الحقيقة سيف حق يقطعك‬
‫‪.‬بمروره‪ .‬يكشف لك النور لكن الضريبة حياتك‬
‫أن تزيف الحقائق في عينك أن يصبح العالم إما ابيضا أو‬
‫اسود وأنت في الرمادي تعيش‪ ...‬أنت تكون محور الهامش‬
‫في حياة الجميع أن تكون النكرة بعنوان و اسم و مسمى‬
‫‪.‬عائلة‪ .‬أن تغترب عن نفسك‬
‫‪.‬هكذا كنت أحس بكل بساطة‬
‫مر على حادثة المطبخ ‪ 3‬سنين أخرى والصوت اللعين ال‬
‫‪.‬يفارق راسي‬
‫اآلن لم اعد طفلة أصبحت مراهقة بجمال يزداد و حلم‬
‫‪.‬يتضاءل و شكوك تقتل‬
‫أمي تعاني من مشاكل في صحتها في السنة األخيرة لكنها‬
‫ترفض الذهاب للطبيب للكشف‪ ...‬برغم من أنها تشتكي دائما‬
‫‪.‬حتى أبي حاول إقناعها لكنها أبت أن تقبل‬
‫عل ذكر أبي لقد تحسن وضعه المالي وقلت المشاكل بينه‬
‫وبين أمي‪ .‬لكن الزلت اسمعهم يتشاجرون أحيانا و ال اعرف‬
‫‪.‬األسباب‬
‫أحس أن عالقتهما أصابها بعض الفتور‪ ...‬أظن أن األمر‬
‫‪.‬اكبر من مجرد نضوج وتغاض عن األمور البسيطة‬
‫‪...‬الزلت متفوقة في الدراسة‬
‫‪.‬ـ زهرة هيا يا ابنتي‪ ...‬اإلفطار جاهز‬
‫‪.‬ـ قادمة أمي‬
‫ـ أين هو أخاك؟‬
‫‪.‬ـ سبق وأن خرج أمي منذ حوالي الربع ساعة‬
‫ـ أ لن يستغني عن عادته هذه في الخروج دون إفطار؟‬
‫لم تكمل أمي جملتها إال و رايتها تتهاوى ساقطة على‬
‫األرض‪ ...‬أحسست أن الدنيا ستنتهي سمعت دقات قلبي التي‬
‫تسارعت إلى أن أصبحت شبيهة بقرع الطبول في تلك‬
‫اللحظة لم اعرف ما الذي يحصل هل هو حلم؟‬
‫‪.‬تمالكت نفسي ألنادي ألبي‬
‫نقلت أمي للمستشفى خضعت للكثير من الفحوصات األمر‬
‫الذي أربكني ال اعلم لماذا بضبط ربما حاستي السادسة‬
‫‪.‬علمت كل شيء قبلي‬
‫مرت سويعات حسبتها سنينا‪ .‬أصعب ما قد تمر به هو انتظار‬
‫المجهول المحطم الذي قد يعصف في أي لحظة و يدمر ما‬
‫‪.‬هو باألساس محطم‬
‫أخيرا سمح لنا بالدخول إلى مكتب الطبيب المشرف على‬
‫‪.‬حالة أمي‬
‫ـ هل انتم أقارب السيدة أنغام؟‬
‫بالمناسبة أمي اسمها أنغام جمع نغمة لطالما عشقت اسمها‬
‫فريد من نوعه‪.‬يقولون أن اإلنسان يأخذ من اسمه الكثير و‬
‫‪.‬أظنها بالفعل فعلت‬
‫‪.‬ـ نعم‪ ...‬أجاب أبي والوجوم باد على وجهه‬
‫ـ سأختصر الموضوع عليكم وأرجو منكم التفهم وحسن‬
‫االستماع‪ ...‬السيدة أنغام تعاني من ورم في الدماغ وتبين أن‬
‫‪...‬هذا الورم خبيث لألسف الشديد‬
‫متأسف كثيرا لبث خبر محزن كهذا لكم لكن هذا هو الواقع‪.‬‬
‫الورم في مرحلته األخيرة‪ ...‬لألسف لم يتبقى الكثير من‬
‫‪.‬الوقت‬
‫ال انصحها بأي عالج بصفتي المشرف على حالتها‪ ...‬ال‬
‫جدوى من األمر فقط فلتستمتع قدر المستطاع‪ .‬وفي النهاية‬
‫‪.‬الخيار ملككم‬
‫هكذا دفعة واحدة كقالب جاهز قال الطبيب هذا الخبر‪ .‬كأنهم‬
‫مدربون على قول نفس الكالم لكل العائالت دون آي تغير‬
‫‪.‬للمالمح أو نبرة الصوت‬
‫في اللحظات األولى لم استوعب ظللت أتأمل هذا الكهل‬
‫األبيض المشيب الماكث أمامي‪ ...‬طبيب الظاهر انه امضي‬
‫سنين حياته في تعلم الطب أو التدرب عليه أو بمزاولته‬
‫كعمل‪ ...‬ال أظنه سبق وأن أحب أو حتى عرف السبيل إلى‬
‫هذا اإلحساس العظيم‪ .‬ألنه ببساطة لو فعل لما زف الخبر‬
‫‪.‬للعاشق المتيم الذي يجلس قبالتي بهذه الفظاظة‬
‫أالهي هل أنا إنسانة عادية؟ الطبيب يخبرني بموعد وفاة أمي‬
‫‪.‬وأنا أفكر بحماقات كهذه‬
‫‪.‬ـ قلت لك أنت شيطانه‬
‫‪.‬ـ اخرس أيها الصوت الملعون ليس الوقت مناسبا‬
‫‪.‬ـ معك حق يجدر بك العودة للتفكير في الترهات‪ .‬إنها أهم‬
‫كنت سأجيبه لو لم يقاطعني صوت أبي مباغتة انتشلني من‬
‫‪..‬بئر كنت على وشك أن اغرق داخله‬
‫استفاقتي كانت كالصفعة‪ .‬عادت بي ذاكرتي الى ‪ 3‬سنين‬
‫مرت و انقضت إلى حادثة المطبخ التي ال يعلم احد سرها‬
‫‪.‬غيري‬
‫هل صدق كالم الشيطان هل كنت سببا فعال في موتها‪ .‬هل‬
‫ألنني تمنيت الموت و تخيلته حدث فعال‪ .‬ال اعلم كيف هربت‬
‫‪.‬مني الكلمات ألسال الطبيب‬
‫ـ هل يمكن أن نعلم الوقت الذي ظهر به المرض حسب‬
‫التقدير؟‬
‫ـ ال يمكن الجزم‪ .‬فهي لم تكشف قبل اليوم لكن أظن قبل ‪3‬‬
‫‪.‬سنسن‬
‫لم اعد أستطيع التحمل أحسست أني على وشك تقيء أحشائي‬
‫‪.‬ال اعلم ماذا حصل فقط اسود المكان حولي‬
‫استفقت بعد مدة لم أكن قادرة على معرفة طولها‪ ...‬أخر ما‬
‫اذكره وجه أبي أمامي سابحا في الفراغ ودمعة حارة سبقت‬
‫‪.‬كلماته لتنزل على خده‬
‫ألول مرة أرى أبي يبكي كما رايته ألول مرة بذلك الحماس‬
‫‪.‬يوم اخبرنا عن قصته وأمي‬
‫يحدث للحب أن يجرنا نحو مواقف ننكر فيها أنفسنا ندخل في‬
‫‪.‬انفعاالت لم نعدها‪ .‬نعم انه الحب يا سادة‬
‫بدأت في فتح عيني شيئا فشيئا‪ .‬وجدت أبي و أمي في‬
‫‪.‬انتظاري كالعادة‬
‫لم استطع الكالم فقط ارتميت في حضن أمي وأجهشت‬
‫‪.‬بالبكاء‬
‫أن تعلم أن هذا العناق قد يكون أخر عناق لك مع أمك وانك‬
‫قد لن تراها مرة أخرى أصعب من أن يكون شعورا واقل‬
‫‪.‬عظمة من أن يكون جنونا‬
‫‪.‬موت بطيء أجبن من أن يمر مسرعا‬
‫حضنها كان في غاية الدفء أحسست كأنني أعانقها للمرة‬
‫‪.‬األولى‬
‫‪.‬ألول مرة أحس أنني في حاجة لها هكذا‬
‫األمر برمته كان أنني عدت جنين السبعة اشهر المعلق ما‬
‫بين مغادرة رحم أمه أو التمسك في حقه في بضع األشهر‬
‫‪.‬المتبقية‬
‫عندما نوشك على فقدان شيء ما ‪ ،‬ولو أن أمي مترفعة على‬
‫‪.‬أن تصبح مجرد شيء‪ ،‬نعي قيمته‬
‫كاذبون من يقولون أن فاقد الشيء معطيه‪ .‬فاقد الشيء هو‬
‫‪.‬أكثر الناس تمسكا به وأكثرهم وعيا بقيمته‬
‫احتوت الغرفة أربعة أعين كانت تراقبنا وتذرف الدمع معنا‪.‬‬
‫‪.‬كانا أبي وآخي‬
‫‪...‬كانت هذه ثان جمعت للعائلة أتعلم فيها أمرا مهما للغاية‬
‫‪.‬العائلة قبل كل شيء‬
‫‪...‬ربما حتى قبل نفسك‬
‫ـ هههههه ‪ ،‬أطلق قهقهة حتى إبليس سترتعد أوصاله منها‪...‬‬
‫يقتل القتيل ويمشي في جنازته‪ .‬هذه أنت أنكري اآلن انك من‬
‫تمنيت كل هذا واآلن تبكين أنكري انك حلمتي ولماذا خلقت‬
‫األحالم أن لم تكن لتحقق؟‬
‫ـ اصمت ال طاقة لي لك اآلن وهللا يشهد على صدق كالمي‪.‬‬
‫‪.‬هذا قضاء وقدر‪ .‬أمر خارج عن سلطتك وسلطاني‬
‫‪.‬ال بل أنت السبب وأنت من تمنى موتها‬
‫وأنا أنت إن كنت قد نسيت ألذكرك بأقوالك وإن صدقت بهذا‬
‫يعني انك مذنب أبضا‪ .‬إن استجبت أمنيتي فهي أمنيتك أيضا‪.‬‬
‫‪.‬أيها الوحش سنين وأنت تكبلني لتتركني أعاني منك‬
‫‪.‬ـ هيهات لن اصمت بعد اليوم‬
‫لم أكن ألعلم قبل اليوم انك أصبحت ذكية بعضا الشيء لكنك‬
‫‪.‬مع اآلسف تناسيت أني اإلحساس وأنك الكيان‬
‫‪.‬ـ هدوء‬
‫ـ من أنت؟ تسألنا كالنا عن مصدر الصوت‬
‫ـ أنا انتم أنا من سيفض النزاع‬
‫ـ شكرا لسنا بحاجة لقاض يمكننا تدبر امرنا بأنفسنا فقط عد‬
‫‪.‬إلى سباتك‬
‫ـ اصمتوا انتم االثنان أنا السيدة والحاكمة هنا أنا الكيان‬
‫‪.‬اتركني احزن وحيدة كالعادة فقط ارحلوا‬
‫ـ ال تحزني هي ستغادر ال محال بعد رحيلها انتحبي عمرا‬
‫بأكمله إن شئت لن يمنعك احد اآلن دورك لتكوني قوية ليست‬
‫بحاجة لحزنك أو نحيبك هي بحاجة للفرحة دورك في أن‬
‫تجعل األشهر المتبقية أجمل سنين عمرها‪ ...‬يجب إن تعيش‬
‫ربيع حياة وخريف كهولة وصيف طفولة في بضع األشهر‬
‫‪.‬المتبقية أنها مسؤوليتك‬
‫ـ ماذا مسؤولية؟ أنا اصغر منها لماذا تحملني شيء كهذا‪..‬‬
‫‪.‬ولكنني لست جبانة سأثبت ذلك وانتهى النقاش‬
‫كان الحال صعبا‪ .‬أمي أخذت في التدهور يوما بعد يوم لكن‬
‫‪.‬رغم ذالك كنا نعيش اسعد أيامنا إطالقا‬
‫رفضت أن نخبر آي شخص خارج إطار العائلة المضيقة جدا‬
‫آي أبناءها و زوجها‪ .‬أرادت أن تعيش أخر أيامها بعيدة عنهم‬
‫وعن نفاقهم ونحيبهم المزيف أرادت أن تعيش فقط لنا نحن‬
‫‪.‬ليقتصروا زياراتهم إلى بعد ذلك‬
‫قاسية الفكرة بمجرد التفكير بها فهل لكم أن تتخيلوا لو عشتم‬
‫‪.‬في غمارها‬
‫اتخذت في تلك الفترة أحد أهم القرارات في حياتها‪ ...‬لن‬
‫‪.‬تبكي نعم لن تذرف دمعة واحدة‬
‫قررت أن تأجل كل مراسم الحزن وطقوس الوداع التقليدية‪...‬‬
‫ليالي السهر و أيام السواد‪ ...‬هاالت العين و الصوت األبح‬
‫‪..‬من شدة البكاء‬
‫نعم اتخذت القرار ستكون تلك القوية تلك التي لم تكنها يوما‬
‫‪.‬تلك التي لطالما تمنتها‬
‫حّر مت على نفسها حتى فرط التفكير وجعلت مقدسها صنع‬
‫ذكريات المها تكون مصدر دفء لها بعد أن تتوارى في‬
‫‪....‬ذالك المكان‬
‫الساعة الثانية يوم جديد وفراش بارد‪ ...‬غرفة مظلمة‪ ...‬الليلة‬
‫مقمرة وبضع شهقات تتعالى وتأتي لتكسر الصمت المريب‬
‫‪.‬لليلة تعيسة كهذه‬
‫نعم لقد خذلت نفسي و أمي نعم أنا ابكي لم استطع منع نفسي‬
‫‪.‬صدقا‬
‫األمر صعب وأحزنني الخذالن الذي أحس به ‪ ..‬هذه‬
‫‪....‬العبارات لم تكن في الحسبان خذلتني وخذلت أنا نفسي‬
‫أتت بعد ساعات من الكفاح وحروب دامية‪ ...‬آسفة أمي ال‬
‫أستطيع أن ال انتحب أنت ترحلين دعين انتحب بمفردي على‬
‫‪.‬األقل‬
‫أنا اختنق بأفكاري ال أنا ال اختنق بأفكاري أنا فعال اختنق‪...‬‬
‫‪.‬لم اعد قادرة على التنفس لوهلة‬
‫أالهي بعض األكسجين‪ ..‬هل نفذ الهواء من الغرفة حاولت‬
‫جاهدة الذهاب للنافذة والنجاة بحياتي لكني لم اعد قادرة ال‬
‫‪.‬على المشي وال حتى على الكالم‬
‫وعدم خروج حرف مني ليس ناتجا عن عجز وإنما خوف‪..‬‬
‫ماذا لو كنت أتوهم؟ ماذا لم لو أن كل هذا ليس حقيقيا؟ ال‬
‫أريد إزعاج أمي وشغل بالها والعد التنازلي لحياتها قد بدا‬
‫‪.‬بالفعل‬
‫بدأت قواي تخور‪ ،‬هويت على األرض كما تسقط ورقت‬
‫‪...‬الخريف معلنة بداية موسم األحزان‬
‫سقطت التقط أنفاسي بصعوبة بالغة صدري يرتفع وينزل‪...‬‬
‫‪.‬أطرافي ترتعد‪ ..‬أجفاني تريد االنغالق‬
‫‪.‬كنت أقاوم كل هذا بمفردي‬
‫للحظة أحسست أن الغرفة تتقلص وضوضاء ال اعرف‬
‫‪.‬مصدرها ملئت راسي‬
‫ضجيج ملئني‪ .‬مزعج في قمت اإلزعاج صوت تهشيم‬
‫‪.‬وتكسير حروب أو علها فقط عظامي تتكسر‬
‫أطلقت آهة دون آي وعي مني أصابني الم مرير كأن داخلي‬
‫‪.‬يتمزق‪ ...‬ال أنها الحقيقة‬
‫أني أتمزق و تنفتح فوهة في صدري لم تكن الدماء تسيل بل‬
‫ضوء قوي انبعث مني وعم المكان حولي ودخلت أنا في‬
‫‪.‬صمت مريب‬
‫لم أكن اعلم أن قلبا في سوداوية قلبي قد يحمل نورا كالذي‬
‫‪.‬خرج توا مني‪ .‬مهال أنا أتنفس حمدا هلل والضوضاء همدت‬
‫لم أتمكن من أن أتم فرحتي‪ ...‬لمحت شيء يخرج مني‬
‫أالهي أ هذه روحي؟ إني أفارق الحياة ال يمكنني أن اصدق‬
‫هل هذه سكرات الموت؟‬
‫كان شيء أو كيانا ال أعلم كيف أصفه‪ ...‬ضخم اسود ورغم‬
‫ذالك يشع نورا‪ .‬كان في قمت التناقض و األجدر بي أن‬
‫أقول انه التناقض في حد ذاته‪ ...‬رغم بشاعة منظره إال أن به‬
‫‪.‬شيء يجلب النظر‬
‫لم اخف حقا‪ ...‬أحسست أني انتمي له أهو من ينتمي لي هذا‬
‫بما كان قلبي يصرخ إال أن عقلي وكما اعتدت على غرابة‬
‫قراراته أرغمني على النهوض و البدء في الركض و االبتعاد‬
‫‪.‬عنه‬
‫ـ كالعادة تهربين‪ ...‬لكن من ماذا أنها حقيقتك‪ .‬يجب أن‬
‫‪.‬تواجهيها لكنك اضعف من ذلك‬
‫‪.‬ـ ماذا هذا الوحش أنا؟ ال يمكن ذلك هذا األمر مستحيل‬
‫ـ ماذا تظنين وهل في الدنيا أبشع من روحك قادر على صنع‬
‫‪.‬وحش كهذا‬
‫أخذت في الركض في كل صوب‪ ...‬األبواب تفتح حتى دون‬
‫‪.‬لمسها‬
‫بمفردي كنت‪ ...‬خائفة ‪ ،‬ليس من هذا المخلوق وإنما من‬
‫فظاعة فكرة أني بهذا القدر من السوء إلنتاج كتلة من‬
‫‪.‬البشاعة‬
‫لقد صمت قلبي وترك زمام األمور لعقلي هو دائما هكذا‬
‫انهزامي خاضع دائما ما ينسحب ال يحارب ليحاول إرشادي‬
‫‪.‬لجيد األمور‬
‫ركضت وركضت إلى أن خارت قواي وهذا الكاسر يقترب‬
‫‪.‬مني‬
‫كانت خطواته كبيرة وطوله شاهق‪ .‬لم يكن حتى مضطرا إلى‬
‫‪.‬أن يبذل جهدا كبيرا ليلحق بي‬
‫ـ توقفي‬
‫ـ أتاني صوته جهوريا خشنا مفزعا‪ .‬توقفت مكاني لم استطع‬
‫‪.‬الحراك و كأن الدماء قد جفت في عروقي‬
‫أحسست أن الزمن توقف كنت عاجزة على االلتفاف أو حتى‬
‫‪.‬المضي قدما‪ .‬كنت فعال في حالة يرثى لها‬
‫الفوهة التي خرج منها هذا الوحش كانت قد التأمت بالفعل‬
‫لكن لماذا أحس باأللم اآلن؟‬
‫ـ اعترفي هيا‬
‫ـ ما الذي سأعترف به؟‬
‫ـ حقيقتك‬
‫ـ أنا ال علم لي عن الذي تتكلم عنه‪.‬من أنت هيا اخبريني؟‬
‫‪.‬من أنت؟ أنا خائفة أريد أمي‬
‫ـ هههههه‪ ...‬أصدر هذه الضحكة التي ارتعد بعدها كامل‬
‫‪.‬جسمي كانت مليئة بالشر‬
‫من؟ أعيدي تريدين أمك؟ تقصدين تلك التي تموت وأنت‬
‫السبب؟‬
‫ـ ال اعلم عن ماذا تكلم‬
‫‪.‬ـ صمتا‪ ...‬صرخ صرخة شككت أن أذني صمت بعدها‬
‫أجهشت بالبكاء‪ ..‬كعادتي‪ .‬أنا ال أواجه أنا ابكي أنا ال أقود أنا‬
‫‪.‬أقتاد انهزامية‬
‫نزل بهيكله أخذني بين يديه رغم خشونتهما إال أنهما دافئتين‪.‬‬
‫رفعني ووضعني فوق كتفه‪ .‬كنت في منتهى الصغر مقارنة‬
‫‪.‬بهيكله‬
‫ـ ال تبكي‪ ...‬أنا هنا ألساعدك ألكون الخالص ال تقلق أرجوك‬
‫‪.‬ال تبكي صغيرتي‬
‫ـ صغيرتك‪ ...‬توقفت وهلة عن البكاء كانت الشهقات تتعالى‬
‫‪.‬مني وبضع عبرات في رموشي قد علقة‬
‫ـ من أنت وأين أنا؟‬
‫ـ هذه هي مشكلتك إن كنت خائفة لماذا لم تواجهي لماذا‬
‫هربت؟‬
‫ـ ماذا كنت سأفعل كنت خائفة وحيدة حتى أمي لم تكن لجانبي‬
‫‪.‬كعادتها لتحميني‬
‫‪.‬ـ لكن يجب أن تعتاد غيابها هي راحلة ال مجال لشك في ذلك‬
‫هنا انهمرت من عيني كمية من الدموع لم أكن ألتوقع أنها‬
‫‪.‬موجودة ‪ ،‬في صمت كانت تنزل في استسالم وهدوء‬
‫ـ من ماذا خفت؟ أنا جزء منك هل خفت منك؟‬
‫‪.‬ـ ال اعلم أنا فقط خائفة‬
‫ـ سبب خوفك ليس أنا بل خوفك من المواجهة هو من سيطر‬
‫‪.‬عليك‬
‫ـ مواجهة ماذا؟‬
‫‪.‬ـ نفسك‪ ...‬عقلك‪ ...‬مواجهتك‬
‫ـ وهل يواجه اإلنسان نفسه؟ ومن سيربح في األخير؟‬
‫ـ هذه الحروب في الواقع ال رابح لها وال خاسر‪ .‬في النهاية‬
‫‪.‬أنت تموتين وأنت أخرى تولد في ذات اللحظة‬
‫ـ وهل يمكن لجسدي أن يحمل أكثر من روح؟‬
‫‪.‬ـ األنا ليست روحا‪ ...‬األنا كيان‬
‫ـ وما الفرق؟‬
‫ـ هذا ما يجب عليك أنت معرفته بمفردك‬
‫ـ ال أريد اآلن أنا متعبة أريد النوم فقط‬
‫ـ حسنا نامي اآلن أنت في حاجة لذلك‬
‫‪.‬عاد بي إلى المنزل ووضعني في سريري‬
‫‪...‬ـ مهال متى ستعود‬
‫ـ أنا لست بذاهب ألعود أنا جزء منك‬
‫ـ أرخيت أجفاني استسلمت لنوم عميق‪ ...‬كأنني لم انم منذ‬
‫‪.‬سنين أو أعوام‬
‫زهرة لم تكن واعية في ذلك الوقت أنها فقط تتعرف على‬
‫نفسها‪ .‬ربما ألنها كانت تحمل في طيات عقلها نضجا سابقا‬
‫ألوانه‪ ...‬فحققت ما يأخذ من اإلنسان عادة عمرا لتحقيقه‪ .‬أن‬
‫تعرف ذاتك بكل زواياه المظلمة ونوافذها التي ال تمرر‬
‫‪.‬الضوء‪ ...‬األنتم الذين يعيشون داخلك‬
‫أن تصل إلى األعماق وتغوص في بحور نفسك تكتشف‬
‫مروج قلبك ودهاليز عقلك‪ ...‬هذه من الغايات التي يخلق‬
‫‪.‬اإلنسان و يحي من اجلها‬
‫كانت زهرة في صراع بين قلب فتي ساذج وعقل شيخ فان‬
‫‪.‬يحتضر‬
‫كانت هذه التوليفة تقتلها في غفلة منها‪ .‬أن تكون طرفا‬
‫جوهريا في حرب ال تعرفها‪ ...‬أن تقف مكتوف األيدي وأنت‬
‫‪.‬تحارب ومن تحارب‪ ..‬تحارب األنت‬
‫‪.‬أن تردي أنت وتشهد على والدة أخرى من جديد‬
‫كل هذا كان يحدث أعاصير في روح تلك الطفلة‪ ...‬لكن دون‬
‫علم احد إذ لم تتجرا على البوح حتى لنفسها فما بالك بأي احد‬
‫‪.‬أخر‬
‫تمر الليالي وهي تتصارع وأهواء عقلها دون آي هدا إلى‬
‫السالم‪ .‬كانت تتمنى لو أن الجدران تتكلم لو أن السقف يسقط‬
‫ويريحها‪ .‬هي اضعف من أن تواجه هذه األنا المجنونة التي‬
‫تقودها‪ ...‬مثل الفرس الجامحة التي يجلدها عقلها وال تملك‬
‫‪.‬سوى أن تجري وتركض وتسرع في اقتراب النهاية‬
‫كل ليلة يستهلكها السهر‪ ...‬يمر الليل تنتهي الظلمة تشرق‬
‫الشمس ترتدي القناع وتنطلق صوب يوم جديد‪ .‬حاولت‬
‫‪.‬جاهدة أن ال تظهر األلم لعائلتها ال تستطيع االستسالم‬
‫كانت جل أمانيها في تلك األشهر أن تغمض عينيها وتأخذها‬
‫األحالم من يديها وتحلق في سماء غد أفضل‪ .‬أن تغوص في‬
‫خيالها وتزرع قصورا تكبر فيها األماني‪ .‬لو أن الحلم‬
‫‪...‬ممكن‬
‫كل ليلة يأخذها النوم وهي بين جحيم أفكارها وجنان قلبها‬
‫بين ظلمات حاضر وغد في قلبها ينتظر‪ .‬بين رغبة في‬
‫‪.‬الهروب وضرورة للبقاء‬
‫‪...‬كانت في حرب‬
‫في بضع اشهر عاشت عمرا‪ .‬حاولت تحقيق رغبة آمها‬
‫‪.‬حاولت أن ال تخذلها‬
‫كل أم تريد أن ترى فلذة كبدها أمامها تكبر وتزهر وتتفتح‬
‫كزهرة ربيع‪ .‬لكن ليس الكل مستعدا ليستهلك عمرا في شهور‬
‫ويعيش سنينا بعدها في الفراغ يسبح‪ ...‬هذه اكبر تضحية قد‬
‫يقدمها اإلنسان ‪ .‬حاولت زهرة أن تنفق كل السعادة‬
‫‪.‬واللحظات في فناء أمها‬
‫مرت األشهر ‪ ،‬أمها تحارب وهي تختنق‪ .‬رأتها تضعف‬
‫وتنهزم يوما بعد يوم أمام هذه اآللة الفتاكة السرطان‪ ...‬بعد‬
‫‪.‬اإلنسان هو أشرس ما خلق وأصعب نهاية‬
‫حتى وإن كنت من القالئل الذين أحبهم الرب وتخلصت منه‬
‫دون التخلص من حياتك ال بد أن يموت داخلك شيء ما ال‬
‫اعلم ما هو ربما آنت أخر ربما قلبك أو ربما بكل بساطة‬
‫‪.‬شعور كنت تؤمن باال نهايته‪ ...‬ربما كان جل إيمانك‬
‫نقص وزن أمها نحلت بطريقة مرعبة أصبحت دائمة التعب‬
‫و اإلجهاد كثيرة النوم الهاالت السوداء غزت عينها كل هذا‬
‫بعد أن اعتادتها ابنتها إيقونة والكلمات ال تسعني أن اصف‬
‫‪.‬ابنتها في حالة كهذه وهي تشاهد أمها تفقد سجيتها‬
‫‪.‬عانت كلتاهما األهوال في تلك الفترة‬
‫و أتت النهاية بغتة دون بداية أتت وذهبت انتهت في لحظة‬
‫‪.‬كالغفلة‬
‫استفاقت زهرة ليلتها لترى أن احتاجت والدتها آي شيء‪.‬‬
‫دخلت الغرفة وجدت امها مثل مالك على فراشها نائمة علبة‬
‫‪.‬األدوية بجانبها ملقاة ورقة في يدها‬
‫تسمرت مكانها دقائق ال تعرف طولها‪ ...‬تقدمت أخيرا أخذت‬
‫الورقة وقرأت بصوت اقرب إلى الهمس‬
‫لم اتعب أو استسلم لكني أردت االنتصار لن اقبل بالهزيمة‪...‬‬
‫سأكون أنا من تقرر موعد نهايتي لن انتظره ليفتك بي متى‬
‫‪.‬أراد‬
‫‪...‬فلتغفروا‬
‫‪...‬ضحكت طفلتنا بل ضحكت كما لم يسبق لها أن فعلت‬
‫أحيانا بعض المصائب أعظم من أن تتعامل معها كالبقية‪...‬‬
‫‪.‬البعض تحتاج طقوسا غريبة‬
‫‪:‬ـ الجنازة‬
‫محمولة أنت أماه على األيادي‪ ...‬جميلة أنت بأببيضك األبدي‬
‫‪.‬كعروس في زفافها أو كأم في جنازتها‬
‫حزينة أنا حد السعادة‪ .‬مصيبتي كانت أعظم من لعض‬
‫‪.‬سنوات عيشتها‬
‫مشتت أنا كفلسطين‪ ...‬أماه أرى التراب إسرائيال طاغيا‬
‫‪.‬يفتكك مني و أنا كشعبها ال أقوى على الصراخ‬
‫جلست في مكاني أشاهدك من قريب بعيد بين عالمين‪ ...‬أنا‬
‫هنا اسمع الهمسات المستغربة من سكينتي و يا ليتهم راو‬
‫‪.‬النار المستعرة داخلي و اصمتوا أفواههم‬
‫ـ افرحي لقد ماتت حدث ما تمنيته دون أن تجهر به‬
‫‪...‬افرحي‬
‫ـ ماذا؟ ما الذي تهذي به؟ هل جننت فلتصمت أنت لست‬
‫موجودا من األساس أنت صوت داخل راسي اللعين ال ينفك‬
‫يدمر حياتي لقد دمرت ارقص على الخراب لن تجد ما تفسد‬
‫بعد اآلن لن اهتم‪ ...‬حسنا أنا تمنيت موتها‪ ...‬ماذا ما الذي‬
‫سيتغير؟ هل سيعيدها هذا األمر؟ هل سينفي يتمي؟ هل‬
‫سيخرجها من القبر ؟هل سيطفئ النار المستعرة داخلي؟‬
‫ال لم و لن يفعل لن ابرر بعد اليوم صدق ما شئت‬
‫‪..‬سأتحرر‬
‫صرخت بهذه الكلمات ثم دخلت في بكاء مرير كانت تظن انه‬
‫لن يتوقف بكت أمها بكت نفسها بكت عمرا ستحرم فيه من‬
‫‪.‬رؤيتها بكت العالم‬
‫إشتاقتها قبل حتى أن يجف ماء قبرها تمنت لحظة واحدة‬
‫تعود فيها لتحضنها‪ ...‬بكت فرحا أيضا الن أمها انتصرت في‬
‫النهاية على الداء الخبيث‪ ..‬لم يكن هو من أنهى حياتها في‬
‫النهاية بل كانت هي‪ .‬فضلت أن تخسر نفسها على أن تخسر‬
‫الحرب‪ .‬بطبع كانت ستفعل هذا وما المتوقع أنها ستفعل ماذا‬
‫هل كانت ستقبل الهزيمة‪ ...‬لكنها في خضم معاركها و‬
‫كبرياءها نسيت ابنتها أو ربما أظن أنها رأت فيها ما لن تره‬
‫هي في نفسها ربما كانت على علم بقدرتها على االنتصار‬
‫‪.‬والتجاوز‬
‫‪...‬الليلة األولى‬
‫في غرفتها وحيدة‪ .‬لما المنزل ابرد من العادة؟! أو ربما هو‬
‫كالعادة إال انه فقط خال من أنفاس أمها التي كانت تدفئه خال‬
‫من مكان أمها الذي كانت تشغله كل ليلة أمام التلفاز‪،‬خال من‬
‫رائحة أكلها الذي اعتاد أن يمأل المنزل‪ ،‬خال من صوتها‬
‫المدوي وهو ينادي باسمها‪،‬هو ربما كالعادة إال انه فقط خال‬
‫‪.‬من أمها‬
‫أول ليلة لها في القبر ما الذي تحسه يا ترى؟‬
‫‪.‬أظنه أبرد من منزلها وفراشها وقلبها‬
‫ـ لما كل هذا الحزن؟‬
‫ـماذا؟ من ؟ التفت بسرعة ألرى ذالك الكاسر األسود جاثما‬
‫ورائي الذي سبق وأن زارني سابقا‪ .‬بالمناسبة اسمه‬
‫‪HEMON‬‬
‫ـ هل نسيتني بهذه السرعة ؟‬
‫‪.‬ـ ال لم أنساك األجدر أن تقول أنني لم أرك‬
‫‪.‬ـ تطور! لم تخاف هذه المرة‬
‫ـ ولما سأخاف أو باألحرى ِم ن َم ن سأخاف‪ ...‬أنت أنا‪ .‬من‬
‫‪.‬يخاف يملك ما يخاف عليه أم أنا لم أعد أملك شيء‬
‫المعروف أن األشياء بعد الكسر تصبح أقوى تصبح أشالء"‬
‫ال يمكن كسرها‪،‬لكن من المستحيل أن تجد من يخبرك انك‬
‫تصبح اضعف من أن تتكلم‪ ،‬اصغر من أن يصل صوتك‬
‫"تدهس و ال ترى حتى‬
‫ـ ليتك ترين الواقع ألنك في الواقع لم تخسر كل شيء موتها‬
‫واقع من المستحيل تغيره‪ ...‬لكن بقائك على قيد الحياة أيضا‬
‫واقع ال يمكن نفيه‪ ...‬والدك الزال حيا أخوك‪،‬‬
‫‪.‬حلمك‪،‬كيانك‪،‬كلها أمور تستحق أن تحاربي من أجلها‬
‫‪.‬ـ لكنها ماتت بسببي ! أنا من تمنيت موتها‬
‫‪.‬ـ حقا ! ال أظن ذالك‬
‫ـ أصمت ال تحاول تبرئتها هي المذنبة و ال مجال إلنكار‬
‫ذالك‪ ...‬تكلم الصوت‬
‫‪.‬ـ ومن أنت لتقرر؟ هي صاحبة القرار‬
‫ـ قلتها بنفسك هي صاحبة القرار وهي مقتنعة تمام القناعة‬
‫‪.‬أنها المذنبة‬
‫ـ غير صحيح ال تحاول التالعب بأفكاري أنا أقوى من أن‬
‫أقتنع ببعض من ترهاتك‪ ...‬ال أعلم لما قلت هذه الكلمات لكني‬
‫‪.‬قلتها رغم كل شيء‬
‫ـ ماذا قلت؟ تكلِم ! كان الصوت من تفوه بهذه الكلمات‬
‫ـ ماذا قلت يا زهرة ؟ كان هذا شيطاني الحارس‬
‫ـ أنا من تركت له المجال لو لم لترك له تلك المساحة لما دمر‬
‫حياتي أتمنى أن يختفي هذا الملعون واختفي سئمته وسئمت‬
‫‪..‬حياتي معه‬
‫ـ أنت قوية وحتى أقوى مما تتخيلين لن أقول أكثر حارب‬
‫‪.‬وستحققين الغاية‬
‫ـ غاية عن أي غاية تتحدث؟‬
‫تركني هكذا مع كم من األسئلة ال علم لي أن كنت أملك ما‬
‫‪.‬يكفي ألجيب عنها‬

‫مرت األيام وهي بين عالمين تعيش ال للحقيقة مصدقة وال‬


‫‪.‬للوهم خاضعة تستفيق وهلة وتحلم أخرى‬
‫الشك أن فقدان والدتها قد أثر فيها لكنه لم يكن إال القطرة‬
‫‪.‬التي أفاضت الكأس‪ ،‬القشة التي قسمت ظهر البعير‬
‫التراكمات أكثر ما قد يرهق اإلنسان ويفقده شغفه‪ .‬والمعضلة‬
‫‪.‬انك لن تعرف السبب المباشر لكل ما يصيبك‬
‫هي التفاصيل‪،‬تحس وال تقال‪ ،‬هي اللحظات التي تنتهي‬
‫ويضل األلم الُمنجر عنها هي كلمة تألمك وسط الكثير من‬
‫الضحك‪ ،‬هي نظرة كاسرة وسط لقاء ال طالما انتظرته‪ ،‬هي‬
‫دموع محبوسة ال علم لك بوجودها أو أنك فقط تتغاضى‬
‫االهتمام بها‪ ،‬هي هاالت سوداء تحاصر عينك ال يالحظ‬
‫وجودها أحد إلى أن أصبحت اعتيادية‪،‬هي الموسيقى التي‬
‫تبكيك في كل مرة تسمعها‪ ،‬هي أفكار ال يريد عقلك أن‬
‫يتوقف عن إنتاجها‪ ....‬هي ببساطة تراكمات لن تشفى منها‬
‫‪.‬ببساطة‬
‫أحيانا تبحر في األعماق تغوص موجة ترفعها وأخرى‬
‫ترجعها مكانها وتالية تقلب كل ما قبلها‪ ...‬أحيانا تتذكر‬
‫الماضي وهي في غمار الرحيل إلى المستقبل فتعود أدراجها‬
‫‪.‬وأحيانا أخرى تسافر إلى الالمكان موطن كل األحالم‬
‫هل يمكن فعال أن يكون الشيطان جزءا من كل أنقاض تلك‬
‫الفتاة؟ إذ لم يتبقى منها سوى الحطام شكوك ال تنفك تنتهي‬
‫‪.‬حتى تدفع بالمشعل ألخرى‬
‫هكذا تمر اللحظات‪ ،‬أحيانا تحس أنها ليست المسيطرة رغم‬
‫أن زمام كل األمور في يدها‪ .‬وتبدأ في البحث عن المالك‬
‫داخلها فال تجد سوى أثر خطوات الملعون فتتراكم الخيبات‬
‫‪.‬وأياما أخرا يختفي و تختفي ويحل أنا أخر مكانهما‬
‫‪:‬الزيارة األولى‬
‫مر أسبوعان إلى اآلن‪ ،‬لم تزر والدتها‪ ،‬إشتاقتها‪ .‬كل شيء‬
‫فيها رائحتها بسمتها الشامة على خدها وحتى بعض الترهل‬
‫‪.‬الذي كانت تعاني منه‬
‫ـ هل فعال اشتقت لها ؟‬
‫‪...‬ـ نعم كثيرا‬
‫ـ لما ال تزورينها ؟‬
‫‪..‬ـ لن أتحمل‬
‫ـ إذن فشوقك كاذب في هذه الحالة‬
‫ـ حقا ! قل ما تشاء لن أكترث‬
‫ـ في بعض األحيان أفعالنا هي من تتكلم وتفصح عن‬
‫‪.‬أحاسيسنا عوضا عنا ال تركي المجال للشك فلتدعيها تتكلم‬
‫‪.‬ـ حسنا انتصرت هنيئا لك سأذهب‬
‫جلست وحيدة في غرفة أمها‪ ،‬عطرها لم يفارق مخدتها بعد‬
‫هي في كل مكان ثيابها التي اعتادت ارتدائها إال هي كل‬
‫‪.‬شيء في مكانه سواها‬
‫جلست على حافة السرير و بقيت تتأمل الفستان المعلق‪ .‬كان‬
‫‪.‬وجهها في غاية الشحوب دون مالمح تفهم‬
‫ظلت على تلك الحالة قرابة الساعة إلى أن قاطع حبل أفكارها‬
‫‪.‬صوت والدها وهو يدخل الغرفة‬
‫ـ ما بك يا ابنتي؟ هل أنت بخير؟ إذ استغرب وجودها في‬
‫‪.‬الغرفة‬
‫‪.‬ـ أريد زيارة أمي‬
‫ـ اآلن هل حقا مستعدة؟‬
‫‪...‬ـ أرجوك‬
‫‪:‬المقبرة‬
‫قبور منثورة كحبات قمح بعد الحصاد بعشوائية كعشوائية‬
‫الموت في صمت في مكانها‪ .‬مكسوة جميعها باللون األبيض‬
‫وكم هو مستفز وكئيب بالمناسبة هذا اللون‪...‬لم يكن يوما‬
‫‪.‬يبعث على األمل‬
‫اقتربت شيئا فشيئا ومع كل خطوة تزداد دقات قلبها‪ ،‬تزداد‬
‫كمية األدرينالين يزداد احمرار وجهها و ارتعاش جسمها‪.‬‬
‫أخيرا وصلت وقفت أمام القبر أمها اآلن تحتها ظلت على‬
‫حالها بضع لحظات و غادرت لم تقرأ حتى الفاتحة ترحما‬
‫على روحها ال أريد أن أنحاز لكني فعال بدأت أصدق كالم‬
‫‪.‬ذالك الصوت‬

‫سأستلم المشعل اآلن‪ ،‬الكاتبة لن تخبركم بالحقيقة هي‬


‫‪.‬انحيازية بطبعها‬
‫عدت إلى المنزل أجر سيقاني جرا‪ ،‬أحس أنني احفر التراب‬
‫تحتهما لثقلهما و رغم ذالك الثقل أحس أن روحي أصبحت‬
‫أخف بالطريقة التي تجعلها قادرة على الطيران في أي لحظة‬
‫أحس أنها تحلق تطفو فوق بحار األماني‪ ،‬أمان أعياها‬
‫االنتظار‪ ،‬أمان أعياها الصبر لكنها الزالت جاثمة مكانها في‬
‫‪.‬غرور أبية االستسالم موقنة أن الفرج آت ال محال‬
‫استيقظت من شرودي على أثر اصطدامي بشيء لم أستوعب‬
‫ماهيته للوهلة األولى‪ .‬كان شابا مسرعا اصطدم بي و رحل‬
‫‪.‬دون أي اعتذار‬
‫غضبت أحسست أن الشياطين المحبوسة داخلي قد تحررت‪،‬‬
‫أحسست شررا يتطاير من عيني ‪ ،‬أوعيتي الدموية كانت قد‬
‫انقبضت أنفاسي تسارعت و األدرنالين في أعلى مستوياته‪.‬‬
‫سمعت قهقهة قوية دوت في أذني‪ .‬ها قد ظهرت الشياطين‬
‫أخيرا ها قد تحررت ال مهرب من النهاية و إن اختلفت سبل‬
‫‪.‬البدايات‬
‫كان الصوت كفحيح األفعى من المحيطات داخلي خاوي و‬
‫جاف متحجرا‪ .‬التفت و بالفعل كان هو‪ .‬إنه رفيقي‪...‬أهال‪...‬‬
‫أهال ببداية النهاية‪ ..‬أهال بغياهب النسيان‪ ...‬أهال نظر الكفيف‬
‫‪.‬وكلمات األبكم‪ ...‬أهال باأليام الخوالي‬
‫حتى بعض األحزان يجب استقبالها بطقوس مختلفة ‪ ،‬يجب‬
‫أن تقدم لها األضاحي و القرابين ‪ ،‬لتقدم لنا أفضل ما عندها‬
‫لنثمل من خمرها وتهدينا زجاجة من األحزان المعتقة منذ‬
‫‪.‬زمن الغبار‬
‫ـ أهال‪ ..‬إشتقتك أ تعلم؟‬
‫ـ تحرري‬
‫ـ من ماذا؟‬
‫ـ حرري نفسك من هذه األكبال و أطلقي العنان لنفسك ‪ ،‬فقط‬
‫أتركي الطاقة تتحرر‬
‫ـ عن ماذا تتحدث بالتحديد أنا ال أفهم ؟‬
‫ـ أنظر أمامك و ستعلمين كل اإلجابات‬
‫نظرت وجدت ذات الفتى الذي اصطدم بي منذ حين يمشي ال‬
‫شيء بغريب لكن سمعت نعم كنت أسمعهم إنهم الشياطين‬
‫فوق رأسي ترقص و تحتفل حتى أنني أستطيع أن أسمعها‬
‫تضرب كؤوس الخيبات نعم أنا أسمعها ام أني فقط فقدت‬
‫‪.‬عقلي‬
‫أغلقت عيني ثم فتحتها‪ ...‬أالهي إنني شيطان عل هيئة مالك‬
‫‪.‬رقيق المالمح‬
‫أالهي تعبت فلتحل لعنتك أو فليحترق العالم‪ ...‬أالهي فليفنى‬
‫العالم لتكن النهاية‪ ...‬أالهي دع عبدتك تحترق في نيرانك و‬
‫‪.‬لترح العالم من أذيتي‪ ...‬أالهي ما حصل يكفي‬
‫فتحت عيني ألرى الفتى ملقى على الطريق و ينزف دماء‬
‫سوداء أظنها دماء لكنها كانت سوداء تماما كقلبي‪ .‬اقتربت و‬
‫كنت كاللعنة التي تمر وتدمر العالم على أثر خطواتها‪.‬‬
‫اقتربت رغما عن كل شيء رغما عن إحساسي باقتراب‬
‫النهاية رغما عن إرهاقي رغما عن خوفي فقط أخذت في‬
‫االقتراب‪ .‬رفعت يدي رغم أن طاقتي كانت منعدمة‪ .‬هاهي‬
‫أخذت في االقتراب تتقدم ببطيء شديد‪ ...‬أظن أن الزمن قد‬
‫توقف أو أن العالم فقط اختفى‪ ...‬أو ربما هي فقط مليون سنة‬
‫قد مرت‪ .‬أخيرا كادت تصل و في لحظة كالموت لحظة‬
‫أظننني عيشتها مسبقا في حياة أخرى ربما ‪ ،‬لحظة سرقتها‬
‫من العمر ‪ ،‬لحظة أحسست فيها أني مالك من عالم ما‬
‫استفقت‪ .‬التقت األعين ‪ ،‬تعانقت األرواح وأخذت هذه األخيرة‬
‫خاصتي في عناق جهنمي ال تعرفه إال الشياطين عناق يسافر‬
‫بنا إلى أسفل األرض حيث تنتهي العوالم ‪ ،‬يأخذنا إلى سماء‬
‫‪.‬أبدية حيث الغيوم و اإلله‪ .‬يراوح بك بين الفردوس و الويل‬
‫ـ أعتذر اصطدمت بك و لم أعتذر أنا حقا جد متأسف لكن‬
‫أرجو أن تعذريني ألنني كنت مستعجال‬
‫نعم ببساطة كل ما كان لم يكن أنها اللعنة التي ال تريد‬
‫‪.‬مفارقتي‬
‫ـ هل أعرفك يبدو وجهك مألوفا‪ ...‬أكمل الغريب‬
‫ـ ال أظن ذلك‬
‫ـ ما أسمك سيدتي ؟‬
‫! ـ فلنقل أنني دون هوية‬
‫ـ غامضة! أعجبني ذالك‪..‬حسنا آنسة دون اسم أين يمكن أن‬
‫نلتقي؟‬
‫‪.‬ـ في الالمكان موطن كل األحالم‪ ...‬ربما‬
‫تقدمت بضع خطوات أحسستها ميال و سمعته يقول من‬
‫ورائي‬
‫ـ لنقل إلى لقاء قريب ؟‬
‫ـ أ تعلم ما أجمل الذي حدث بيننا‪ ...‬ما أجمل الذي لم‬
‫‪.‬يحدث‪ ...‬ما أجمل الذي لن يحدث‬
‫ـ إذن أنت من عشاق كاتبة النسيان أحالم مستغانمي‪.‬و ما‬
‫عالقتك بالنسيان؟‬
‫‪.‬ـ فلنقل أن النسيان هجر جحيمي منذ زمن ويوم‬
‫‪.‬رحلت و افترقنا‬
‫كان كبعض الحلم داخل كابوس أليم ‪ ،‬كان الجانب المالئكي‬
‫‪.‬داخل شيطان‪..‬كان ببساطة أنا في عالم زهري‬
‫أخيرا المنزل ولجته و كان كقطعة من الفراغ ‪ ،‬جحيم دون‬
‫لهيب‪ .‬الجدران حزينة رائحة الموت منبعثة من كل صوب‪.‬‬
‫‪.‬لما فقط ال ياتي من يدمره ؟! انا أريد ذالك بشدة‬
‫ـ حقا؟‬
‫ـ و لماذا تستغرب ذالك؟‬
‫‪..‬ـ أحسنا أحيانا لعنة‬
‫ـ أظنها أبدية أيضا‬
‫رأيت والدي ببرود رهيب يجلس أمام التلفاز بوجه دون‬
‫مالمح كأن العمر اختفى فجأة ليصبح دون عنوان في عينيه‪.‬‬
‫‪.‬ال علم لي بمكان أخي ولم أكترث‪ .‬توجهت توا نحو غرفتي‬
‫غرفتي أين يضاجع الحزن الشر لينجبوا أسوء من مجرد‬
‫إنسان‪ ،‬حيث تختلط رائحة العطر برائحة الدم النجس ‪ ،‬حيث‬
‫الجدران زهرية و ال مكان للنور ‪ ،‬حيث أجدني و كل ما‬
‫‪.‬فيني قد تجرد من مالئكيته ليعود إلى سوداويته‬
‫إنه هناك يجلس فوق سريري‪ .‬شيطاني الحارس أو أنا‬
‫‪.‬الحارس‬
‫جلست إلى جانبه ووضعت رأسي على كتفه‪ ...‬بالمناسبة‬
‫شكله دائم التغير غريب أليس كذالك؟‬
‫ـ لماذا تمنيت لها الموت بعد ما حصل اليوم أصبحت عاجزا‬
‫على تصديق الحقيقة؟‬
‫ـ ماذا هل هذه ليلة صراحة؟ ال تحاول أن تدخل معي في‬
‫‪...‬هكذا أالعيب أنا ال أخسر‬
‫ـ هل ألت الصراحة لعبة اآلن؟ ربما فقط أعظم انتصار يكمن‬
‫‪.‬في أعمق الخسائر‬
‫ـ ال أعلم ربما هي فقط تستحق ذلك‬
‫ـ و هل أنت مكلفة بالحساب؟‬
‫ـ ال أظن أن الشياطين تخضع لتكلف‬
‫ـ إذن هو اختيارك؟‬
‫ـ ال إنها الشياطين التي ال تنفك ترقص فوق رأسي إنه أنت‬
‫أنها النحن ببساطة‪ ،‬ال أعلم شيء سوى أننا نحن و تصفية‬
‫‪.‬العالم‬
‫أسوء ما قد يخلق جمع داخلنا‪ .‬نحن صفوة السوء ‪ ،‬نحن نخبة‬
‫‪.‬الرداءة‪ .‬جحيم أطرافه جنة ‪ ،‬لهيب نهايته ثلج ‪ ،‬نعم نحن‬
‫اآلن هدوء جل ما أطلبه‪ .‬أريد أن أغمض عيني و ال تفتح‬
‫مرة أخرى ‪ ،‬أريد أن يأتي الليل و ال يلحقه الصبح‪ ..‬فقط‬
‫على ضوء القمر يزوروني المالك العظيم و أقتطف كزهرة‬
‫‪.‬سوداء‬
‫‪.‬فقط هدوء تعبت‬
‫ـ و ماذا عنه ؟‬
‫ـ من ؟‬
‫ـ هو! الطريق مجهولة معه لكن النهاية معروفة إنها ذات‬
‫‪.‬الحلقة المفرغة‬
‫ـ ال أعلم ألول مرة أحس أني المشاهد فقط ألول مرة أفقد‬
‫السيطرة‪ .‬حقا ما حصل خارج عن سيطرتي‪ .‬هو غريب منذ‬
‫رأيته حرت في أمري ‪ ،‬عيناه تحكي لغة ال أعرفها ‪ ،‬مع‬
‫صوته تعزف تهويدة أنغامها سلبتني ملكة اإلنسانية‪ .‬غريب‬
‫حقا معه أحسست أنني إنسانة ألول مرة ‪ ،‬في ذالك اللقاء‬
‫‪.‬أحسست أنني أنا ألول مرة‬
‫ـ إذن ما الحل؟‬
‫ـ لما يجب أن يكون الحل موجودا بالضرورة؟ أظن أن هذه‬
‫المسألة مقدر لها أن تظل بين الخطأ و الصواب تتأرجح و ما‬
‫أجمل ذاك التأرجح‪ .‬في رفع و خفض تظل محجوزا و بينهما‬
‫‪.‬تحس أنك على الهواء محموال بالخطايا مثقال‬
‫‪.‬ـ اتركيها للقدر إذن‬
‫ـ ربما‬

‫أالهي رجوتك ‪ ،‬أالهي إني تعبت لما خلقتني إن كنت‬


‫ستعذبني أم أني فقط من أعذب وأظلم نفسي‪ .‬ال رغبة لي‬
‫بفردوسك المنتظر إذن لما كل هذا؟ أالهي جل ما طلبته‬
‫عدم‪ ...‬عدم مخلوق من العدمية هل هذا كثير؟ أالهي أو لست‬
‫الرب الذي خلق الموجود من الال موجود ‪ ،‬أالهي أعدني إلى‬
‫أصلي أالهي مللت الرحلة وفقدت الغاية‪ ...‬أصبحت تائهة‬
‫في صحراء قارصة البرد كأن رملها ثلج‪ ...‬أالهي رغبتي‬
‫‪.‬حتى في التنفس قد رحلت‬
‫سجدت و أنا مجهشة بالبكاء‪ .‬بكيت بحرقة ‪ ،‬بكيت ا أصبحت‬
‫و ما كنت ‪ ،‬الماضي و الحاضر ‪ ،‬بكيت أمي ‪ ،‬بكيت فارس‬
‫كوابيسي الذي كل الدالئل تقول أن موته قريب فقد حصل‬
‫‪.‬معه تماما ما حصل مع أمي ‪ ،‬بكيت نفسي‬
‫مر اآلن يومان تبللت الوسادة وانفطر القلب‪ ،‬تكسرت المرآة‬
‫و ثمل شيطاني‪ .‬زجاجات خمره ملقية في كل زوايا الجحيم ‪،‬‬
‫رماد السجائر زاد زهرية المكان سوداوية‪ .‬أحسست أني‬
‫امتألت بالفراغ و العدم ‪ ،‬أحسست أني جائعة للموت أني حقا‬
‫‪.‬في حاجته‬
‫أخرجي يا أناتي مالينا أنت مع الشياطين فلترقصي‪.‬‬
‫‪...‬أخرجي‬
‫هو معشوقي هو مثل الدنيا ال يمكن أن يكون رفيقا ‪ ،‬هو مثل‬
‫الموت غاية منشودة‪ ،‬في كوابيسي يأتي ليرحل بي إلى أحلى‬
‫األحالم ‪ ،‬قرينه مع قريني في سقف غرفتي يتواعدون و أنا‬
‫هنا أفارق الحياة‪ .‬أحيانا يزوروني و أحيانا أخرى أسافر‬
‫‪.‬نحوه ألعيش الحلم‬
‫وسط الجحيم ارتفع صوت هاتفي معلنا وصول رسالة‬
‫‪...‬جديدة‬
‫كنت قد نسيت أن لدي هذا االختراع ‪ ،‬فوجئت من هذا الذي‬
‫قد أرسل لي رسالة في هذا الوقت ‪ ،‬كانت الثانية صباحا‬
‫على ما أظن أو مساءا ال أعلم حقا كل ما أعلمه أن هذا ما‬
‫تشير إليه العقارب اللعينة التي ال تريد التوقف‪ ...‬وصوتها قد‬
‫‪.‬صم أذني‬
‫ـ من؟‬
‫‪..‬ـ ال أعلم‬
‫ـ ألقي نظرة إذن‬
‫ـ ال أرغب‬
‫أزعجني صوت تلك الملعونة تك تك تك تك‪ ...‬فقط ال تأبى‬
‫‪.‬التوقف بمنفضة السجائر أسقطت الساعة أرضا‬
‫ـ أخيرا الوقت اآلن سيتوقف‬
‫!ـ هل تظنين ذالك؟‬
‫ـ أظن‪ ،‬بل متأكدة‪ ...‬أريد أن أرحل‬
‫ـ إلى أين؟‬
‫ـ ال أعلم أيها الحارس إلى المستقر ربما‬
‫أغمضت عيني رفعني فوق كتفه و أخذنا في المشي‪ .‬مسيرة‬
‫األلف ساعة كانت‪،‬أو األلف يوم أو ربما األلف سنة‪ .‬قصرنها‬
‫و طولها ال يؤثران على فحواها فالحمل يزداد ثقال في كل‬
‫الحاالت ‪ ،‬تتراكم الجثث على كاهلي ‪ ،‬اللحظات ‪ ،‬األحالم‪،‬‬
‫‪.‬الخسرات وحتى اإلنتصرات وتثقله‬
‫إنه الماضي شبح يالحق الجميع‪ .‬البعض يغض البصر و‬
‫‪.‬األخر يحاول أن يعيد عيشه‬
‫هو كرائحة كريهة باقية في المكان بعد تحلل القتيل‪ ...‬ال‬
‫يمكن نسيانه فهو جزء مما تجزئ ‪ ،‬حتى مجرد محاولة محوه‬
‫‪.‬ينفي كل ما التصق به ربما حتى أنت‬
‫وصلنا أخيرا إلى شاطئ األحالم‪ .‬أرى الغيوم بعيدة مدججة‬
‫باألماني تهوي في ثمالة‪ .‬أمطري أمطري أمطري و‬
‫‪.‬أحرقيني‪ ...‬فلنكن ملتقى السبعين نجمة‬
‫التفت رأيت الشبح الزال يالحقني أنا الحامي الزال هناك‬
‫‪.‬أعلى الخسائر يتربع بكبرياء‬
‫‪...‬الماضي ورائي و األحالم أمامي‬
‫ذات الكابوس كل مساء و نفس القصائد كل صباح‪ ...‬صوت‬
‫فيروز و رائحة القهوة أو الدوبامين الخاص بي هدير شوبان‬
‫مع احمرار البحر الفوقي استعدادا لموسم األحزان أوراق‬
‫الخريف مصفرة ملقية على أرصفة النسيان‪ ....‬أنا هنا بين‬
‫‪.‬أوراق نزفت فوقها و قمر يحتضنني الزلت محجوزة‬
‫‪.‬على حافة الشاطئ جلست‬
‫ـ هل تعلم ؟‬
‫ـ ماذا؟‬
‫ـ إن الغوص إلى األعماق اختصاص لدى المجانين أمثالنا‪.‬‬
‫نغوص بالشيء لنكتشف الحدود ‪ ،‬لنرى ذالك الخيط الرفيع‬
‫‪...‬بين الخطأ و الصواب ‪ ،‬نرى روعة الفصل بين األمور‬
‫وقفت في األثناء رحت أتقدم خطوة وراء أخرى أحسست أن‬
‫‪.‬البحر ينادي أن تلك المروج محتاجة لعروس لتكتمل‬
‫ـ لكن العودة بعد ذالك ضرب من الجنون لذا لن نكترث فنحن‬
‫لسنا عقالء باألساس سندمر جراء عدم اكتراثنا‪ ،‬نتشتت ‪،‬‬
‫سيشكك بوجودنا بعد اآلن الكثير من أشباهنا و في لحظة‬
‫غريبة تماما ككل الحقائق ‪ ،‬فزيف أقرب إلى المنطق العبثي‬
‫خاصتهم من الحقيقة‪ .‬سيظهر البدر مكلال بنجومه وستطفو‬
‫على السطح كملك في قمة شموخه ‪ ،‬ستكون النقطة التي ال‬
‫‪.‬تشكيك بعدها‬
‫كنت قد انتهيت من أفكاري و البحر قد انتهى مني‪ .‬أخر ما‬
‫‪.‬أتذكره أنني أطفو فوق السطح‬
‫!ـ استفيقي هيا يكفي استفيقي‬
‫فتحت عيني‬
‫ـ افففف ما هذا الضوء؟ هل الجحيم نير إلى هذه الدرجة؟! لن‬
‫أكن ألتوقع أنه هكذا‪ .‬كم مر من الوقت؟‬
‫ـ ال أعلم ربما مر يوم‬
‫ـ ماذا عاد بي إلى هنا؟‬
‫‪...‬ـ إنه القدر عزيزتي‬
‫ـ عزيزتك ؟ هل تعرف الشياطين معزة؟‬
‫‪...‬ـ أنت حكمت أني شيطان أنا لم أعترف‬
‫ـ خذ أقرئي‬
‫‪.‬أعطاني هاتفي و فتحت الرسالة التي كانت قد أرسلت لي‬
‫المرأة كائن معقد بل و أجمل ما فيها تعقيدها المليء "‬
‫بالتناقضات و التصرفات العفوية ‪ ،‬قد تكره الشيء و تحبه‬
‫لنفس السبب‪ ...‬هي نفسها ال تفهم ردود أفعالها في معظم‬
‫‪.‬األحيان لكنها تبقى محافظة على كبريائها بكامل أنوثتها‬
‫و نحن ال نرى العالم إال من وجهة نظرنا فقط‪ .‬أظنك أكثر‬
‫"‪.‬من مجرد امرأة‬
‫!!! ـ كاتب أيضا‬
‫نطقت بهذه الكلمات دون أي وعي مني لم أكن متأكدة من أنه‬
‫هو كنت متيقنة رغم أن الرقم لم يكن مسجال عندي و رغم‬
‫أنني لم أكن أعرف حتى اسمه لكن ببساطة كل ما فيني كان‬
‫يصرخ بذالك‪ ...‬خفقان قلبي الذي وصل حد السماء ‪ ،‬رجفة‬
‫يدي‪،‬احمرار وجهي بعد شحوب طال‪ ...‬فجأة أصبح للماء في‬
‫‪.‬يدي طعم و للحياة لون و لبسمتي مكان‬
‫الحب وحده ما يحي الموتى " قالها كاتبي المفضل مرة لقد "‬
‫‪....‬صدق‬
‫‪.‬أظنه سبق و استفاق بعد موت طويل مثلي على صرخة قلب‬
‫مهال هل أتحدث عن حب؟ هل للشياطين حق في الحب؟‬
‫ـ الحب ليس حقا ليطالب به و ليس واجبا ليفرض عليك‪..‬‬
‫الحب خارج هذا النطاق‪،‬الحب مترفع عن منطق الخطيئة و‬
‫الفضيلة ‪ ،‬الحب سماوي الحب بقداسة أاله‪ ...‬الحب فردوس‬
‫‪.‬الحب جحيم حياة و موت‬
‫هو صراخ مولود تو والدته هو سكرات الموت في نهاية‬
‫العمر ‪ ،‬ربيع يأتي بعد شتاء بزهوره ‪ ،‬خريف مقبل بأصفره‬
‫البائس‪ ...‬رائحة القهوة في صباح باكر أو خمر يفوح من‬
‫مخمور ثمل بأحالمه‪ ...‬هو ضحكة طفل في البراءة غارق ‪،‬‬
‫‪.‬دمعة زهرة خسرت لتو كل ما تملك‪ ،‬هو زيف و إثبات‬
‫الحب في المطر في الهواء في التراب وعلى غبار النجوم ‪...‬‬
‫‪..‬وربما البعض منه في الكراهية أيضا أو ربما هي منبعه‬
‫ـ إذن أحببت؟‬
‫ـ ال ال أظن ذالك‬
‫ـ دائما ما تنكرين أنت سيدة اإلنكار‬
‫ـ ال تضخم األمور هو فقط ال يغيب عن بالي ‪ ،‬قلبي لذكره‬
‫يخفق ووجنتي في حلمه تحمر‪ .‬ال أفهم لما كل هذا التهويل أنا‬
‫‪.‬فقط أحسست معه أني إنسانة من جديد‬
‫قاطعنا دخول والدي‬
‫ـ زهرة من تكلمين؟‬
‫‪...‬ـ ماذا ؟ ال أنا فقط أدندن أغنية‬
‫ـ أقلقتني عليك يا ابنتي لم تغادر غرفتك منذ أن عدت من‬
‫المقبرة مّر اآلن أسبوع و أنت محجوزة في غرفتك‪ .‬لما يا‬
‫ابنتي؟ افعلي ما تشائين فقط أخرجي حتى الدراسة قطعتها لن‬
‫أجبرك على أي شيء فقط سأقول شيء حال ما تحسين‬
‫برغبة افعلي ما تشائين فقط أخرجي‪ .‬ألول مرة أرى غرفتك‬
‫مظلمة هكذا‪ .‬توجه إلى الستائر و فتحها‪ .‬تسربت أشعة‬
‫!الشمس عبر الزجاج أالهي كم هي مزعجة‬
‫ـ حسنا أبي ال تقلق‬
‫ـ أحسنت يا ابنتي‬
‫رغم أنني لم أكن مقتنعة بما قلت و على األغلب هو لم‬
‫يصدقني إال أننا قررنا إنهاء النقاش على هذا النحو‪ .‬أحيانا‬
‫نتجنب ما يؤذينا ظنا من أننا سوف نرتاح و نحن ال نعلم أن‬
‫‪.‬محاوالت النسيان الفاشلة هذه هي نصف ما يؤذينا‬
‫ـ هل يكره أمك؟‬
‫‪.‬ـ أظن ذلك ربما ألنه لو لم يفعل لما قال ما قال‬
‫ـ إذن لماذا خضعت لما قاله؟‬
‫ـ فقط ألرتاح تكفيني حروبي مع نفسي ال أريد أي معارك‬
‫‪.‬معه اآلن‬
‫نظرت للمرآة ‪ ،‬جثة هذه التي أراها أمامي ‪ ،‬شحوب وجهي‬
‫يوحي أن الدماء من شراييني قد نفذت ‪ ،‬السواد تحت عيني‬
‫أصبح غير محتمل و سأعفيكم من الحديث عن النظرة‬
‫الخاوية التي أحدق بها في المرآة التي كنت قد كسرتها مسبقا‬
‫لسبسب نسيته‪ .‬ظلت بعض الشظايا معلقة ة األخرى تهاوت‬
‫على الطاولة أمامي ‪ ،‬أرى انعكاسي فيها‪ .‬ال أعلم لما الزجاج‬
‫أصبح فجأة مغريا إلى هذا الحد‪ .‬انتابتني رغبة لن أستطيع‬
‫تفسيرها لحمله و مسكه‪ .‬أحسست بيدي تتقدم نحوه و كأن‬
‫‪.‬الشياطين هي التي تجبرها على ذالك و لست أنا الفاعلة‬
‫‪...‬انقطع الشريان‬
‫‪.‬هويت‬
‫الرمق األخير‬
‫أراكم جميعكم أمامي األحياء منكم و األموات‪ ،‬أنتم معي‬
‫لكنني في عالم أخر ن عالم بين عالمين و زمنين أنا في‬
‫‪.‬الالمكان‬
‫كنت أتمنى نهاية غير هذه كنت أتمنى أن أذهب دون تأبين‬
‫دون دموع‪ ...‬فقط أضمحل و أنتهي في سكينة‪ .‬نقطة نهاية ال‬
‫‪.‬بداية لها فقط أتت و تركتكم‬
‫ـ مهال أين هي الدماء؟ من أنت ؟ لم أكن أعرف أين أنا أو‬
‫من هذا الضخم الذي يقودوني في طريق مجهول‬
‫ـ صمتا‬
‫أتى صوته عاليا يصم األذان‬
‫!ـ فقط أخبرني أين نحن ذاهبان‬
‫ـ إلى غايتك األسمى‬
‫ـ أمي ! أنت هنا ال أصدق ما أشاهده ما هذا المكان أخبريني‬
‫‪...‬أعيتني الحيرة أماه بين الوهم و الحقيقة تركتني يا أمي‬
‫ـ أنت من طردتها‬
‫ـ أنا؟ كيف؟ هل كنت السبب فعال ؟ هل أن السببية موجودة‬
‫فعال أم هي اختراع عقل مجنون‪ .‬نعم إنه الجنون أنا على‬
‫مشارفه أم أنني فيه أصبحت قائدة على ذمتي سبعون مني‬
‫على مسلكي أقودهم؟‬
‫أماه أنا أحترق أجيبيني لما أنجبتني هل كنت زهرة حياتك‬
‫فعال أم أنني ألكبر خطأ اقترفته ؟ أجيبيني أرجوك و‬
‫أريحيني‪ .‬أماه أنت لغز حيرني وبي سّر لم اعلمه بعد‪ .‬أمي‬
‫احتضنيني ضميني وإلى صدرك قربيني أماه أحبك أريد أن‬
‫‪.‬ألثمك‬
‫ربي أنت الجبروت رب السموات أنت حررني‪ .‬لما لم‬
‫تجيبني؟ أم أنك أجبن من أن تجيبني؟ كوني صريحة مرة في‬
‫العمر هكذا لحظات ال تأتي إال مرة في العصور‪ .‬أماه‬
‫الفرص ال تثمن أم انك أثمن من أن تثميني أي شيء غيرك؟‬
‫‪.‬أو علك فقط فرصة أتيحت لي‬
‫أحسست للحظة أنها ستجيب أو ربا حتى ستقول أي شيء‬
‫لكن فتحت عيني و إذ بالعوالم تختفي اضمحل كل شيء بغتة‬
‫‪.‬أمامي‬
‫سألتهم هل أنا في الجنة؟ لكنهم ال يعلمون‬
‫احترتم من هم أ ليس كذالك‪ .‬هم مالين من األنا منهم من‬
‫سقط شهيدا في معركة أمس و منهم من راح قتيال قبل عمر‬
‫و يوم‪ .‬تعلمون كل معركة تخوضها بغض النظر عن النتائج‬
‫‪.‬أال و تخسر أنت لتستقبل اخر‬
‫و كان معهم قريني الحنون و أالف من صغر الشياطين و‬
‫طبعا شيطاني الحارس‪ .‬كلهم تجمعوا معا في ذالك المكان‬
‫المريب‬

‫في المعركة سقط ملكي جريحا ‪ ،‬على رقعة الشطرنج تلك‬


‫نزفت أنا القائد و المقتاد ‪ ،‬أنا األسود و األبيض‪ .‬على‬
‫أرصفتي يتم القصف و في بحوري يهوي الجنود‪ ...‬أنا‬
‫الرابحة في معركة خاسرة‪ ...‬ولو أن الخسارة و الربح ليس‬
‫طباقا إذ أنهما يجتمعان في االتفاق في امتداد األيدي تحت‬
‫الطاولة لتتصافح‪ .‬ال يوجد سوى اسمي و اسمي طباق في‬
‫‪.‬اللغة العربية ‪ ،‬األعجمية و حتى إن أردت الال موجودية‬
‫الرب يرى كل ما فينا من داخلنا و أنا ال أناقش هنا فكرة‬
‫‪.‬وجودية الرب إنما فكرة الربوبية بطريقة جدية‬
‫صرخت فيني‬
‫! ـ ما هذه العبثية‬
‫أنا أتجزء و كل جزء مني ينشطر‪ .‬أنا في مليون نسخة‬
‫وبضع من غبار النجوم‪ ...‬أنا في مليون فكرة و قليال من‬
‫دخان الغليون‪ ...‬أنا في مليون أنا‪ ...‬وال أجد أي حكم بيننا‬
‫‪.‬سوى أنا‬
‫‪.‬أنا تعبت‬
‫سقطت من عليائي ال أعلم في الال ماذا فقط أهوي‪ ...‬أحس‬
‫أني على أجنحة مالئكية محمولة أو ربما هي فقط ألسنة‬
‫‪.‬الجحيم داخلي‬
‫‪.‬أغمضت عيني أسبلت الجفون و انتهى العرض‬

‫خرجت من الغرفة خطوات تتلو أخرى في الممر هذا الممر‬


‫الذي خطوت فيه أولى خطواتي نفسه الذي سقطت فيه ألول‬
‫مرت في حياتي ذاته الذي عبرته في ثوان من إسراعي‬
‫‪..‬ألخبر أمي عن امتيازي‬
‫‪.‬هو الذي امشي فيه اآلن و أنا في أوج انطفائي‬
‫أحسست قوة في يدي لم اعتدها من قبل أو أعرف مصدرها‬
‫لكن ساقي كانت أضعف من أن تحملني ‪ .‬كنت في غاية‬
‫‪...‬الهشاشة‬
‫ال أعلم ما القوة وراء هذا الصمود و أنا في هذه الحالة من‬
‫الوهن‪ .‬رحت أمشي دون هدي ال أعلم أين سأقف أو في أي‬
‫‪.‬اتجاه سأسير فقط أمشي‬
‫على طول الطريق قابلت الكثير و الكثير‪ ...‬الشيخ و الطفل ‪،‬‬
‫الكهل ز الشاب‪ ...‬الوجوه شاحبة أكثر من أوراق نوفمبر‪...‬‬
‫مكفهرة كأن الموت قريب محتم على الجميع‪ .‬لم أستطع أن‬
‫‪.‬أرى بصيص أمل في أي منهم‬
‫ـ مهال لما تبحثين عن األمل؟‬
‫ـ ال أعلم‬
‫ـ هل تخططين لفعلها؟‬
‫ـ ال أعلم أنت العليم‬
‫ـ ال عليم سوى هللا صغيرتي‬
‫ـ إذن هو العليم‬
‫كنت قد قررت بالفعل ال أعلم لما لم أخبره رغم علمي بعلمه‬
‫‪.‬باألمر و جهلي لسبب إنكاره‬
‫نعم المصير أمامي ينتظر لكن النهاية الفعلية لن تكون بهذه‬
‫الحتمية سأترك مجاال لألمل ذاك الذي لم أجده في الوجوه‬
‫‪.‬التي مرت بي رغم أني كافرة بوجوده‬
‫هل تعجبون ألمري؟ و كيف لكم أن ال تفعلوا و أنا أكسر‬
‫قواعدكم ألترك ما اعتنقت و أتشبث بما كفرت في نهاية‬
‫‪.‬سبيلي‬
‫أمضيت عمرا و أنا أدافع عن األشياء التي أمنت بوجودها‬
‫لكنها لم تنفعني فعال‪ ...‬ها أنا اليوم أشكك حتى بوجودي‪ .‬و‬
‫ألكون صادقة أظن أن أصدق األشياء التي عيشتها كانت تلك‬
‫‪...‬التي كفرت بوجودها‬
‫لذا أظن ال ضير اليوم في أن أعطيها بعضا من المساحة‬
‫‪.‬لتثبت لي أنني مخطئة‬
‫كنت قد قرأت مرة عن شخص أقدم على فعلتي و قرر‬
‫االنتحار‪ ،‬لكن المختلف في قصته أنه قرر التراجع عن فعلته‬
‫‪.‬في حالة ابتسام أي شخص له في الطريق‬
‫‪....‬أ تعلمون المسلي في األمر ماذا؟ أنه في النهاية فعلها‬
‫نعم يا سادة الموت أكبر تسلية قد تعيشونها و أظنها‬
‫‪...‬األخيرة‬
‫هل كان سخفا منه أن وضع حياته تحت رحمة بشر أظنهم لم‬
‫يدركوا حجم هذه المسؤولية أو ربما فقط جهلوا وجود تلك‬
‫‪.‬الروح الموضوعة على أطراف شفاههم‬
‫لن نتمكن من معرفة الحقيقة أبدا و رغم ذالك سأجرب هذه‬
‫التجربة‪ .‬ربما تفلح معي أو في أقصى الحاالت سيكون لنا أنا‬
‫‪.‬و ذاك الرجل ذات المصير‬
‫‪.‬مدام البؤس لن ينتهي من هذا العالم إذن فلننتهي نحن‬
‫إياكم أن تظنوا أن الخيار كان بهذه السهولة إذ لم ُيصدقِني أو‬
‫‪َ.‬ي ْص دقني أحد منكم‬
‫كنتم تدخنون روحي و تتركون لي و لكم الرماد‪ .‬كنت أمشي‬
‫‪.‬دون أي هدى أبحث عن بصيص نور في هذا الظالم‬
‫نعم الظالم يعم الشارع أمامي في منتصف النهار مادام‬
‫السواد منبعثا من كل منبع للنبض و الحياة‪ .‬لما ستشرق‬
‫الشمس؟ هي تغيب كل يوم على أمل أال تلقاكم في الغد اللعين‬
‫‪.‬الذي على األرجح ينتظركم‬
‫لكن طاقة كالتي تجعلني أمشي تجبرها أيضا على البزوغ في‬
‫‪.‬كل فجر‬
‫تريد أن تنسج لوحات جميلة ‪ ،‬تريد أن تضيء بنورها قلوبنا‬
‫أعياها الظالم‪ ،‬تريد بحرارتها أن تذيب الجليد المتراكم فوق‬
‫‪.‬رؤوسكم ‪ ،‬في كل صباح تشرق أمل و تغيب على خيبة أمل‬
‫كنت أمشي و األفكار تتزاحم داخل رأسي ‪ ،‬واضحة حد‬
‫‪...‬التشويش ضمنها أتتني ذكرى مر عليها سنوات عدى‬
‫في باحة المنزل كنت قد بدأت أتعلم ركوب الدراجة ‪ ،‬تسللت‬
‫ذلك الصباح دون علم أمي‪ .‬ركبت و بدأت أقودها لم تمر‬
‫لحظات إال و سقطت أحسست ألول مرة بالخوف من أن‬
‫يصيبني مكروه ركضت دون أي وعي مني نحو أمي ‪،‬‬
‫‪.‬حضنتها بكل الخوف الموجود في هذا العالم‬
‫الكلمات لن تشرح ماذا أحسست في ذالك الحضن فهباء أن‬
‫‪.‬أشرح‬
‫لوهلة عدت فتاة العدة سنوات ‪ ،‬أمي حذوي و أنا في‬
‫َح ضنها ‪ ،‬لوهلة كدت أصدق أنني قادرة على السفر عبر‬
‫‪.‬الزمن ‪ ،‬لوهلة أصبح الوهم حقيقة ملموسة‬
‫ـ آسفة آسفة لم أقصد‬
‫اصطدمت بإنسان أخر إن أحسنت التعبير‪ ،‬لم يجبني بأي‬
‫!شيء ‪ .‬ما هذه الفظاظة‬
‫لم أرفع ناظري بعد ألرى من كتلة الوقاحة هذه‪ .‬لكن حالما‬
‫‪.‬فعلت أحسست أن الدنيا قد انتهت‬
‫من قال يوما أن القمم ال تلتقي من هذا األحمق الذي اخترع‬
‫‪.‬الجسور بينها لترتبط‬
‫‪.‬هي بالفعل تلتقي لكن فقط حين تسقط و تصبح حطاما‬
‫‪.‬والتقينا في لقاء كالموت‬
‫ـ إذن أنت مجددا هل تظنين أنها مجرد صدف؟‬
‫ـ أظن أننا في الالمكان‬
‫ـ حقا ! إذن ال بد أنك كنت تحلمين إذ أنك قلت لي أنه موطن‬
‫كل األحالم‪ .‬هيا أخبريني بأي شيء كنت تحلمين؟ ال بد أن‬
‫‪.‬أنني في هذا الحلم‬
‫ضحكت لثقته بنفسه‬
‫‪.‬ـ أظن بامتزاج الموت بالحياة حد الوهم‬
‫ـ و من أكون أنا من كل هذا؟‬
‫‪...‬ـ أظنك الوهم‬
‫ـ بعض األوهام يجب أن تعاش أتعلمين ذالك؟‬
‫حل بيننا صمت رهيب بعد جملته هذه أحسست وكأنه فجوة‬
‫‪.‬تبتلعنا‬
‫‪..‬ـ إذن أنت كاتب‬
‫‪...‬ـ و أنت ملهمتي‬
‫ـ أال تخاف أن أرحل فيرحل معي إلهامك‬
‫ـ إلى أين ترحلين سيدتي و في قلبي المستقر‬
‫ـ كيف تستقر على شفير هاوية‬
‫‪.‬ـ إن كان الموت معك فال حياة لي مع غيرك‬
‫ـ أالهي كم أنت اندفاعي‬
‫ـ أالهي كم ألنت فاتنة ‪ ،‬خصوصا عند خجلك‪ ،‬كل شيء كان‬
‫‪...‬مثاليا في لقائنا األول باستثنائك أنت‬
‫!!!ـ حقا‬
‫‪...‬ـ نعم فقد تجاوزت مرحلة المثالية‬
‫ـ بتأكيد أخطأت األكيد أنك تتكلم عن واحدة من سابقاتك‪...‬‬
‫ابتعد اآلن أريد أن أرحل‬
‫ـ حتى و إن قلت أنا هذا الكالم ال تصدقي فالقلب وحده من‬
‫‪.‬يتكلم اآلن‪ ،‬كالمي لك وحدك ككل شيء ينتمي لي‬
‫‪..‬ـ إذن أهنئك أنت تنتمي إلى الفراغ اآلن‬
‫ـ العدمية معك فقط إثبات للوجودية‬
‫ـ ما أكثر فلسفتك التناقضية‬
‫ـ بل هو الحب معشوقتي ما يسكت العقل و منطق القلب ال‬
‫‪.‬منطق فيه‬
‫ـ تتحدث عن عشق هل تدرك ما هو العشق أصال ؟‬
‫"ـ ال أعلم ربما هو فقط ما يجعل " الليلة بألف يوم وليلة‬
‫ـ حقا أم كلثوم‪ ...‬ضحكت مرة أخرى إلصراره‬
‫ـ و هل تقبلي أن تراقصني ولنكمل حديثنا على أحلى الغيمات‬
‫استغرقنا في الضحك ‪ ،‬ضحكت كما لم أضحك قبل‪ .‬ذاك‬
‫النوع الذي تحس أنه خارج من أعماق أعماق القلب‪.‬‬
‫‪.‬أحسست أن الربيع هب بنسائمه على قلبي‬
‫!ـ لم تعلقي على ما أرسلت لك‬
‫ـ نعم‬
‫ـ أ لم تعجبك؟‬
‫ـ و هل الصمت نفور؟‬
‫ـ إذن أنت راضية‬
‫ـ فلنقل أنه بين هذا و ذاك يتأرجح‬
‫‪...‬ـ صعبة اإلرضاء‬
‫ـ ربما‬
‫ـ لماذا أسم زهرة؟‬
‫ـ تماما ألنني موجودة لم أختر قدري هو من اختارني ‪ ،‬لكن‬
‫أخبرني من أين عرفت كل هذه المعلومات عني هويتي و‬
‫رقم هاتفي؟‬
‫ـ ربما أنت مشهورة دون علم منك‬
‫ـ لم تقنعني إجابتك لكن لن ألح‪ ...‬و أنت لما الكتابة؟‬
‫ـ ماذا تقصدين؟‬
‫ـ لما الكتابة ما المميز فيها الذي جعلك ترغب في أن تمسك‬
‫القلم و تكتب؟‬
‫ـ تماما ألنك موجودة‪ ...‬أنا أيضا لم أخترها بل هي من‬
‫‪...‬اختارتني‬
‫ـ و أنت من تمسك بها بدافع أنانية‬
‫ـ ماذا أنانية كيف؟‬
‫ـ نعم أنتم الكتاب مبدعو أنانية ‪ ،‬الجميع الحزن هو من يطرق‬
‫بابهم ‪ ،‬يحاصرهم يحيط بهم و يسجهم إال أنتم ‪ ،‬بطبع‬
‫فالكلمات هي التي تجري في تلك العروق ‪ ،‬تبحثون عنه في‬
‫‪...‬أزقة البؤس ‪ ،‬تتزينون و تتباهون به ‪ ،‬ملوك الوحدة‬
‫‪...‬فقط لتكتبوا‬
‫يشفق البعض القريب منكم على حالكم ألنه كشف السخف‬
‫‪.‬المختبئ تحت غطاء الغطرسة‬
‫ـ إذن الكتاب في نظرك مثرون للشفقة؟‬
‫ـ طبعا كيف ال أشفق على الذي يهدر السنين ليسيل الدموع‬
‫في معارك الوهم ‪ ،‬يسيل الكثير منها لتنسكب في النهاية‬
‫على صفحات بيضاء و تترك ورائها األثر ‪ ،‬أثر الهزائم‪ .‬من‬
‫ذا غير فاقد العقل الذي يدون هزائمه ؟ يضعها نصب عينيه‬
‫ويذكر نفسه بها كل ساعة‪ .‬وال يكتفي بذالك ‪ ،‬ينشرها على‬
‫أزقة النسيان لينتهي بها المطاف في النهاية بين أيدي الكل‬
‫"بمن فيهم أنت الذي تقرأ اآلن "‪ .‬من غير فاقد أسباب الحياة‬
‫يفعل ذالك أخبرني؟‬
‫حقا أستغرب ما الذي تفعله الكتابة بكم؟ أظنها تعويذة صعب‬
‫‪...‬أن نجد مبطلتها‬
‫ـ في ذالك البحر بعيدا‪ ...‬تحت أطنان األزرق توجد سمكة‬
‫تتمنى أن تطير لتلتحق بمن أحبت‪ ...‬أظن أن قلمي خلق‬
‫ليخبرنا بقصتها و قصة المالين من العاجزين عن إمساك‬
‫القلم‪ .‬قبل الكتابة مرت اللحظات و أنا أبحث داخل نفسي عن‬
‫بصيص نور‪ ،‬نظرة مربكة منك و أحسست أن انفجار كونيا‬
‫‪...‬خلق لتوه داخلي ليهديني إليها وإليك على األرجح‬
‫‪...‬أظنكما متشابهتان‪ ،‬كلكما ممنوع على العقالء‬
‫‪.‬ـ بل أظنها سبب شقائك بعد اليوم‬
‫‪...‬ـ لو تدركين أن الشقاء معك نعيم‬
‫ـ هل قلت لو؟ لو‪ ...‬يا أالهي كم هي شاسعة هذه الكلمة‪...‬‬
‫وأخشى استعمالها في أغلب األحيان‪ .‬الخيط الرفيع بين حلكة‬
‫اليوم وشمس الغد ‪ ،‬أين يمتزج األبيض باألسود لينجبا‬
‫الرمادي الذي يكتسح الدخان المتصاعد من غليون األحالم‬
‫التي تصبح في النهاية سرابا ووهما نعيش على أمل أن تتحق‬
‫‪.‬في يوم ما‬
‫!ـ ممتعة هي فلسفتك‬
‫ـ ليست فلسفة‪ ...‬مجرد حقائق غير عقالنية‪ .‬على أي حال‬
‫‪.‬تأخرت يجب أن أعود إلى المنزل‪ .‬كان الحديث ممتعا‬
‫‪...‬ـ استمتعت باإلنصات لك‬

‫‪...‬ـ تراجعت على الذي كنت مقدمة على فعله‬


‫‪..‬ـ أظنن أن حديثي معه أنساني‬
‫ـ أم أنك تناسيت؟‬
‫!ـ كيف أفعل ؟‬
‫ـ أحس أننا في حلم‪ ...‬له تأثير غريب هذا الغريب علينا‬
‫‪...‬كالنا‬
‫ـ بل هو كابوس‪ ...‬ال يمكن أن يكون الحلم‪ .‬هل نسيت أم أنك‬
‫تناسيت أيضا‪ .‬النهاية قادمة ال مفر لقد جربنا هذا سابقا مع‬
‫أمي لن أحتمل‪ ...‬إضافة إلى كل المآسي ها قد فتحت أجنحة‬
‫الكتابة خاصته‪ ...‬لقد قال لي أنني ملهمته هل تصدق هذا؟‬
‫‪...‬أحس أني أقوده ليحلق بها فوق الجحيم‬
‫ـ لماذا تظنين أن معرفتك بوابة لهيب؟‬
‫ـ أنا مقتنعة أني أمرآة غير اعتيادية‪ ،‬قوية لذا داخلي براكين‬
‫ملتهبة ‪ ،‬أطرافي نهاية الفوهة المستعرة‪ ...‬الجالس على‬
‫‪.‬أطرافها يسلب عقله لهول المنظر وينسى حتى سبب قدومه‬
‫أنا غير اعتيادية‪ ...‬أنا مرغوبة‪ .‬رغبتهم تلك غير مبنية على‬
‫‪.‬حب بل الفضول المختلط بنشوة المعرفة ما يقتلهم‬
‫ـ إذن نحن في مواجهة محب لإلطالع فقط؟‬
‫ـ ال أظن ذالك ! أظنه أمرا أسمى من تفاهة كتلك‪ .‬لكن ال‬
‫‪.‬متسع للمجازفة‬
‫ـ لماذا ؟ سنعيش مرة واحدة بعد موتك لن يتذكر أحد هذا‬
‫البؤس‪ ...‬كل لحظة هي فرصة للمجازفة بما تبقى‪ ،‬إما أن‬
‫‪...‬تخسر الكل أو تربح المزيد وهكذا تستمر الحياة‬
‫ـ ماذا لو خسرت المعركة و نفسي وكل شيء؟؟‬
‫ـ ما الذي تملكينه لتخسريه؟ أسهل ما قد يفعله العقل هو أن‬
‫يصور لنا األعذار يختلق لك المالين منها يكبلك بما هو‬
‫واقعي وببساطة يغلق نافذة الحلم‪ .‬سيخنقك بدخان المتصاعد‬
‫من حرائق الماضي إنه أنقم نعمة‪ ...‬إياك واالستهانة به!‬
‫‪.‬ينتظرك عند كل منعطف في هذه الحياة‬
‫ـ ما هو سبيلي ؟‬
‫ـ تشبثي ‪ ،‬حتى بأشالئك حتى بمالين القطع داخلك حتى وإن‬
‫أصبحت غبارا و تطايرت مع أنسمة الشتاء‪ .‬إياك واالستسالم‬
‫هذا أول درس ستعلمه لك المصائب‪ .‬خبئ الدمع تحت‬
‫نظارتك ال تدعيهم يرونها‪ ...‬ارفعي رأسك حد السماء‬
‫ولتحرق األرض تحتك‪ ...‬لن يصدقك أحد حين تقررين‬
‫إخبارهم أنك مكسورة‪ .‬نحن المتعودون على الخسارة لن‬
‫‪..‬تكسرنا واحدة أخرى‬
‫ـ من أجل من سأجازف؟‬
‫ـ ال زلت تسألين؟ تأبين الخروج من المربع فلتبقي مكانك لن‬
‫‪.‬تتغير‬
‫ـ و من أين أتي بالشجاعة؟‬
‫ـ ما هي الشجاعة أصال؟ هي فكرة ‪ ،‬لعبة اخترعها عقل‬
‫مهووس فقط ليحد من مدى تقدمك‪ .‬قلبك داخلك ما الذي‬
‫يمنعك؟‬
‫ـ أنا أمنعني ‪ ،‬أمنعني من كل شيء ‪ ،‬من التقدم من العودة‪.‬‬
‫!بين البينين أنا هنا أقف داخل كل شيء عالقة ‪ ،‬كرهتني‬
‫كيف تطالب أن أحب وأنا أكرهني؟ بقي فيني قطعة أخيرة‬
‫طلقة واحدة فقط هل تريد أن أهدرها ؟ كيف تجرأ على ذالك؟‬
‫ما الضمانات ؟‬
‫ـ عن أي ضمانات بربك تتكلمين؟ كل يوم فارغ يمر هو‬
‫‪.‬إهدار لفرصة‪ ...‬كل ثانية هي احتمال فرحة قادمة‬
‫ال ضمانات في االحتماالت و للحب أكثر من مليون حلم‬
‫‪...‬ليعاش‬
‫‪...‬ـ و في ذهابه أكثر من مجرد تشتت للقلب‬
‫ـ و ما الذي يضمن لك أن رحيله محتم؟‬
‫‪...‬ـ الحق معك‬
‫‪.‬الحب لعبة‪ ...‬العب أو مت ال مكان للجبناء هنا‬
‫‪.‬وهكذا دخلت اللعبة‬

You might also like