You are on page 1of 42

‫المملكة العربية السعودية‬

‫وزارة التعليم‬
‫جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية‬
‫كلية الشريعة بالرياض‬

‫مقرر‬
‫مدخل إلى األنظمة‬

‫المستوى الرابع‬

‫الفصل الدراسي الثاني العام الجامعي ‪ ١٤٣٩ - ١٤٣٨‬هـ‬

‫أستاذ المقرر‪ :‬عبدالرحمن العنقري‬


‫الفصل األول‪ :‬نظرية القانون‬
‫‪ v‬تعريف النظام‬
‫إن فكرة النظام تقوم على أساس حاجة اإلنسان ألن يعيش مع غيره في مجتمع وحياة‬
‫اجتماعية‪ ,‬وال تستقيم هذه الحياة بغير نظام‪ ,‬وال يتحقق النظام بغير قواعد عامة ملزمة‪,‬‬
‫ومجموع هذه القواعد هي النظام‪.‬‬
‫فالنظام بالمعنى العام‪ :‬هو مجموعة القواعد العامة‪ ,‬الملزمة‪ ,‬المقترنة بالجزاء‪ ,‬والتي‬
‫تنظم سلوك األفراد في المجتمع‪.‬‬
‫أما النظام بالمعنى الخاص‪ :‬فيُراد به مجموعة معينة من القواعد تسنها السلطة‬
‫التنظيمية )التشريعية( لتنظيم أمر معين في مجال معين‪ .‬فيقال مثالً نظام المحاماة‪,‬‬
‫ونظام نزع الملكية‪ ,‬ونظام القضاء‪.‬‬

‫‪ v‬ضرورة النظام‬
‫اإلنسان كائن اجتماعي ال يستطيع أن يعيش بمفرده‪ ,‬بل البد له من العيش في جماعة‪,‬‬
‫فهو عاجز بمفرده مستطيع بغيره‪ ,‬فوجود المجتمع أمر حتمي‪ ,‬ما دام اإلنسان ال يعيش‬
‫إال في جماعة‪ ,‬األمر الذي يستتبع دخوله مع غيره من األشخاص في عالقات مختلفة‬
‫وروابط شتى‪.‬‬
‫والفرد في سعيه إلشباع حاجاته وتحقيق رغباته قد تتعارض مصالحه مع مصالح غيره‬
‫من األفراد; جراء رغبة كل فرد إشباع شهواته وتحقيق مصالحه دون االلتفات إلى مصالح‬
‫غيره‪ ,‬فهو أناني بطبعه‪.‬‬
‫ولو ترك للفرد أمر تسوية عالقاته مع غيره وفقاً لمشيئته وأهوائه لغلبَ مصلحته على‬
‫مصلحة غيره‪ ,‬فتصبح الغلبة للقوي‪ ,‬وحينئذ تعم الفوضى ويسود االضطراب وينعدم‬
‫األمن; األمر الذي يهدد كيان المجتمع‪.‬‬
‫فال شك أن المجتمع الذي تخلو ربوعه من ظالل النظام‪ ,‬سيكون بمثابة غابة يأكل القوي‬
‫فيها الضعيف; فتتعثر مسيرة الحياة‪ ,‬ويطغى االضطراب وعدم التوازن فيها‪ ,‬وعلى‬
‫العكس من ذلك يكون األمر في المجتمع الذي يعيش تحت ظالل النظام‪ ,‬حيث ترى‬
‫التوازن بادياً فيه‪ ,‬إذ إن تشبع فكر أبناء ذلك المجتمع بمبادئ النظام أضفى عليه صفة‬

‫‪1‬‬
‫االستقرار‪ ,‬فاإليمان بضرورة وجود النظام وحتمية االمتثال لقواعده دليل على رقي فكر‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫لهذا كان البد للمجتمع من نظام يوجه نشاط األفراد ويحكم ما بينهم من عالقات على‬
‫نحو يتم فيه الحد من حرياتهم ورغباتهم المطلقة‪ ,‬والتوفيق بين مصالحهم المتعارضة‪,‬‬
‫ومقتضى هذا أن تكون هناك قواعد عامة موضوعة مقدماً لتحديد ما يجب أن يكون‬
‫عليه سلوك األفراد ومعامالتهم‪ ,‬وأن تكون هناك سلطة عامة تمثل الجماعة تستطيع بما‬
‫لها من سلطة وقوة أن تُجبر األفراد على احترام هذه القواعد‪ ,‬فيتحقق بذلك النظام‬
‫واألمن والعدل داخل المجتمع‪ ,‬ومن هذه القواعد يتكون النظام‪.‬‬

‫‪ v‬حكم دراسة القوانين الوضعية أو تدريسها‪:‬‬


‫أما الدارسون للقوانين والقائمون بتدريسها فهم أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬من درسها أو تولى تدريسها; ليعرف حقيقتها‪ ,‬أو ليعرف فضل أحكام‬
‫الشريعة عليها‪ ,‬أو ليستفيد منها فيما ال يخالف الشرع المطهر‪ ,‬أو ليفيد غيره في ذلك‬
‫فهذا ال حرج عليه فيما يظهر لي من الشرع‪ ,‬بل قد يكون مأجوراً ومشكوراً إذا أراد بيان‬
‫عيوبها‪ ,‬وإظهار فضل أحكام الشريعة عليها‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها ليحكم بها أو ليعين غيره على ذلك‬
‫مع إيمانه بتحريم الحكم بغير ما أنزل الله‪ ,‬ولكن حمله الهوى أو حب المال على ذلك‬
‫فأصحاب هذا القسم ال شك فساق وفيهم كفر وظلم وفسق لكنه كفر أصغر وظلم أصغر‬
‫وفسق أصغر ال يخرجون به من دائرة اإلسالم ‪ ,‬وهذا القول هو المعروف بين أهل العلم‬
‫وهو قول ابن عباس وطاووس وعطاء ومجاهد وجمع من السلف والخلف كما ذكر الحافظ‬
‫ابن كثير والبغوي والقرطبي وغيرهم‪ ,‬والمعلمون للنظم الوضعية والمتعلمون لها يشبهون‬
‫من يتعلمون أنواع الربا وأنواع الخمر والقمار أو يعلمونها غيرهم لشهوة في أنفسهم أو‬
‫لطمع في المال مع أنهم ال يستحلون ذلك ‪ ,‬بل يعلمون أن المعامالت الربوية كلها حرام‪,‬‬
‫كما يعلمون أن شرب المسكر حرام والمقامرة حرام ‪ ,‬ولكن لضعف إيمانهم وغلبة الهوى‬
‫أو الطمع في المال لم يمنعهم اعتقادهم التحريم من مباشرة هذه المنكرات وهم عند‬
‫أهل السنة ال يكفرون بتعاطيهم ما ذكر ما داموا ال يستحلون ذلك‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحال للحكم بها‪ ,‬سواء اعتقد‬
‫أن الشريعة أفضل أم لم يعتقد ذلك‪ ,‬فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفرا أكبر ‪.‬‬
‫ألنه باستحالله الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحال لما علم‬
‫من الدين بالضرورة أنه محرم فيكون في حكم من استحل الزنا والخمر ونحوهما‪.‬‬
‫وال شك أن الطلبة الذين يدرسون بعض القوانين الوضعية أو المدخل إليها في معهد‬
‫القضاء أو في معهد اإلدارة ال يقصدون بذلك أن يحكموا بما خالف شرع الله منها‪ ,‬وإنما‬
‫أرادوا أو أريد منهم أن يعرفوها ويقارنوا بينها وبين أحكام الشريعة اإلسالمية; ليعرفوا‬
‫بذلك فضل أحكام الشريعة على أحكام القوانين الوضعية‪ ,‬وقد يستفيدون من هذه‬
‫الدراسة فوائد أخرى تعينهم على المزيد من التفقه في الشريعة واالطمئنان إلى عدالتها‪,‬‬
‫ولو فرضنا أنه قد يوجد من بينهم من يقصد بتعلمها الحكم بها بدالً من الشريعة‬
‫اإلسالمية ويستبيح ذلك لم يجز أن يحكم على الباقين بحكمه? ألن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪) :‬ال يجني جان إال على نفسه(‪ .‬مجموع فتاوى الشيخ ابن باز )‪(331-325/2‬‬
‫باختصار‪.‬‬

‫‪ v‬خصائص القواعد النظامية‬


‫لقد تبين لنا مما سبق أن النظام هو عبارة عن مجموعة قواعد عامة تنظم سلوك األفراد‬
‫في المجتمع تنظيماً عادالً يكفل حريات األفراد ويحقق المساواة والعدل والخير العام‪,‬‬
‫والتي تتولى الدولة تنفيذها ولو بالقوة عند االقتضاء‪ ,‬وعليه يمكن أن نستخلص أهم‬
‫خصائص القواعد النظامية وهي‪ :‬أن القواعد النظامية قواعد ملزمة‪ ,‬مقترنة بالجزاء‪.‬‬

‫‪ v‬اإللزام‪:‬‬
‫أهمية الصفة اإللزامية في القوانين واألنظمة تتجلى في أنها تميز القاعدة النظامية عن‬
‫غيرها من القواعد االجتماعية األخرى مثل قواعد األخالق وقواعد المجامالت وغيرهما‬
‫من القواعد‪ ,‬إذ أن مخالفة هذا األمر الملزم يوقع الجزاء على من يخالفها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫‪ v‬أنواع الجزاء‬
‫الجزاء القانوني هو أثر يترتب على مخالفة أحكام القاعدة النظامية‪ ,‬ويفرض من قبل‬
‫السلطة العامة في الدولة ممثلة بالسلطة القضائية‪.‬‬
‫وهذا الجزاء يكون على عدة أنواع‪ ,‬كالتالي‪:‬‬

‫• أوالً ‪ :‬الجزاء الجنائي‪:‬‬


‫ويقع عند مخالفة قاعدة من قواعد قانون العقوبات والقانون الجنائي‪ ،‬كقانون غسيل‬
‫األموال – وقانون مكافحة المخدرات ‪…-‬الخ‪.‬‬
‫أهم صور الجزاء الجنائي‪:‬‬
‫العقوبة البدنية‪ ,‬كاإلعدام ‪ -‬و الجلد‪.‬‬
‫العقوبة المقيدة للحرية‪ ,‬كالسجن ‪ -‬و الحبس‪.‬‬
‫العقوبة المالية‪ ,‬كالغرامة‪.‬‬
‫والعقوبة التبعية‪ ,‬كمصادرة األسلحة المخالفة‪.‬‬
‫والجزاء الجنائي يفرض لحساب مصلحة المجتمع‪ ,‬وذلك لحماية النظام االجتماعي‪,‬‬
‫ورعاية المصلحة العامة‪.‬‬

‫• ثانياً ‪:‬الجزاء المدني‪:‬‬


‫ويتحقق عند االعتداء على حق خاص‪ ,‬فالمخالفة ال تتضمن انتهاكا على أمن المجتمع‪,‬‬
‫فالجزاء ال يستهدف الزجر أو المنع كما هو الحال في الجزائي‪ ,‬بل مداره على حماية‬
‫الحق الخاص عن طريق جبر آثار االعتداء أو إزالتها‪.‬‬
‫فمن صوره‪:‬‬
‫‪ -‬بطالن التصرفات القانونية وعدم االعتراف بآثارها الالحقة‪ ,‬كالبيع الذي يرد‬
‫على مواد يحظر االتجار بها‪.‬‬
‫‪ -‬أو التعويض‪ ,‬مباشرا كتعويض من أصيب بحادث سيارة; أو غير مباشر كتعويض‬
‫الدائن المتضرر من جراء عدم وفاء المدين بالتزاماته‪.‬‬
‫‪ -‬التنفيذ الجبري‪ :‬كبيع أصول وعقار المدين المماطل في سداد التزاماته‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫غير أن الجزاءين الجنائي والمدني قد يجتمعان فيما لو مست المخالفة أمن المجتمع‬
‫وتضمنت في الوقت نفسه االعتداء على حق خاص‪ ,‬مثل السرقة‪ ,‬ففيه الحد وفيه إرجاع‬
‫المال المسروق‪.‬‬

‫• ثالثا ‪:‬الجزاء التأديبي )اإلداري(‪:‬‬


‫ويتحقق عند مخالفة قاعدة من قواعد القانون اإلداري‪.‬‬
‫أهم صوره‪ :‬المنع من الترقية ‪ -‬الخصم من المرتب ‪ -‬اإلنذار ‪ -‬الفصل من العمل‪.‬‬
‫فهو الجزاء المترتب على مخالفة قواعد النظام اإلداري التي تكفل حُسن سير العمل‬
‫بالجهاز الحكومي‪ ,‬وتوقعه السلطات اإلدارية على الموظفين في الدوائر الرسمية وذلك‬
‫عند إهمالهم واجبات وظيفتهم أو مهنتهم‪.‬‬

‫• رابعا‪ :‬الجزاء اإلجرائي‪:‬‬


‫هو الجزاء المترتب على مخالفة قاعدة من قواعد قوانين الشكل واإلجراء‪.‬‬
‫فمثالً تتضمن الخصومة القضائية إجراءات متعددة‪ ,‬إذ تبدأ هذه اإلجراءات بصحيفة‬
‫الدعوى وتنتهي بالحكم فيها‪ ,‬ويوجد جزاء إجرائي على مخالفة األصول المحددة‪.‬‬
‫ومن أهم الجزاءات اإلجرائية في هذا الصدد سقوط الدعوى بالتقادم‪ ,‬وهي مواد معينة‬
‫تصدرها الجهات التشريعية في كل قانون لتعيين مدى الوقت األقصى لبدء أي إجراءات‬
‫قانونية بعد حادثة‪ ,‬فعندما تمر الفترة الزمنية المحددة لقانون التقادم‪ ,‬ال يمكن رفع‬
‫دعوى قضائية بعد ذلك‪ .‬ومنها‪ ,‬شطب الدعوى حال تأخر المدعي عن حضور الجلسة‬
‫في المحكمة‪.‬‬

‫‪ v‬هل يصح إطالق لفظ "التشريعي" بدل "التنظيمي" عند الكالم على سن القوانين‬
‫واألنظمة?‬
‫بالنسبة للفظة "التشريعي" واإلشكال والوارد حولها‪ ,‬فقد تطرق بعض العلماء المعاصرين‬
‫لحكم إطالق وصف "التشريعي" و "التشريعات" على األحكام االجتهادية و األنظمة‬
‫والقوانين اإلسالمية‪ .‬ويمكن أن يقال أن في حكم هذه المسألة رأيان‪ :‬رأي بالمنع ورأي‬
‫بالجواز‪ ,‬وهو جواز إطالق وصف "التشريع" و "التشريعات" على األحكام االجتهادية إذا‬

‫‪5‬‬
‫لم تخالف الشريعة اإلسالمية‪ .‬وممن ّصرح بهذا من العلماء‪ ,‬الشيخ عبد الوهاب خالف‬
‫رحمه الله‪.‬‬
‫وقد جاء عند ابن عثيمين رحمه الله في "شرح األصول الثالثة" قوله ‪" :‬من لم يحكم بما‬
‫أَنزل الله استخفافا به‪ ,‬أو احتقارا له‪ ,‬أو اعتقادا أن غيره أصلح منه‪ ,‬وأنفع للخلق أو‬
‫مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة‪ ,‬ومن هؤالء من يضعون للناس تشريعات تخالف‬
‫التشريعات اإلسالمية لتكون منهاجا يسير الناس عليه‪ ,‬فإنهم لم يضعوا تلك‬
‫التشريعات المخالفة للشريعة اإلسالمية إال وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق‪ ,‬إذ‬
‫من المعلوم بالضرورة العقلية ‪ ,‬والجبلة الفطرية أن اإلنسان ال يعدل عن منهاج إلى منهاج‬
‫يخالفه إال وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من "مجمع فتاوى‬
‫ورسائل الشيخ ابن عثيمين" ‪161/6‬‬
‫فإنه قد يستنبط من كالمه رحمه الله ومن مفهوم المخالفة أن التشريعات إذا كانت‬
‫موافقة للشريعة اإلسالمية وليس مخالفة لها‪ ,‬فال بأس من إطالق لفظ التشريعات‬
‫عليها‪ .‬وهذا هو المعمول به في األنظمة والسياسة الشرعية أن هذه القوانين والتشريعات‬
‫ال تخالف الشريعة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫القواعد النظامية تنقسم إلى عدة أقسام من حيثيات مختلفة‬

‫أوال‪ /‬تقسيم القواعد النظامية من حيث طبيعة العالقات التي تنظمها إلى‬
‫عام وخاص‬
‫‪ v‬المعيار الصحيح للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص‪:‬‬
‫القانون العام يحكم العالقات التي تتعامل فيها الدولة مع األفراد بوصفها سلطة عامة‬
‫ذات سيادة‪ ,‬أي على أساس السيطرة من جانبها وليس على أساس المساواة‪ ,‬فالقانون‬
‫العام هو قانون السيطرة من جانب الدولة‪ ,‬والخضوع من جانب األفراد‪.‬‬
‫فإذا تعاملت الدولة مع األفراد بوصفها صاحبة سلطة وسيادة‪ ,‬مثل قيامها بنزع ملكية‬
‫خاصة للمنفعة العامة‪ ,‬أو إبرام عقد إداري مع أحد المواطنين‪ ,‬أو تعيين شخص في‬
‫وظيفة عامة‪ ,‬فإن هذه العالقات تعتبر ذات طبيعة عامة‪ ,‬وتخضع للقانون العام‪.‬‬
‫أما إذا تعاملت مع األفراد على قدم المساواة‪ ,‬كما لو تعاقدت مع المواطنين بالبيع‬
‫والشراء من خالل ما تقوم به من نشاط تجاري وصناعي من نفس نوع نشاط األفراد‪,‬‬
‫فان هذه العالقة تخضع للقانون الخاص‪ .‬مثال ذلك بيع الدولة لمنتجاتها في المحال‬
‫التجارية‪ .‬فالعبرة ليست بصفة أطراف العالقة بل بطبيعة العالقة نفسها‪.‬‬

‫أ‪ .‬القانون العام‬


‫هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات بين الدولة واألفراد‪ ,‬وبين الدولة‬
‫وغيرها من الدول‪ ,‬وبين الدولة والمنظمات الدولية‪ .‬فهذا القانون ينظم الروابط التي‬
‫تدخل فيها الدولة بوصفها صاحبة السيادة والسلطة العامة‪ ,‬وهو نوعان‪:‬‬
‫• األول‪ :‬قانون عام خارجي‬
‫القواعد التي تحكم وتنظم العالقات والروابط التي تنشأ بين الدولة وغيرها من الدول‪,‬‬
‫وهي قواعد يتجاوز نطاق تطبيقها حدود إقليم الدولة إلى الخارج‪ ,‬كاتفاقية تعقد بين‬
‫المملكة العربية السعودية ومصر مثال‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫• الثاني ‪ :‬قانون عام داخلي‬
‫القواعد التي تحكم وتنظم العالقات والروابط التي تقوم بين األشخاص والدولة‪ ,‬فهي‬
‫روابط ال يتجاوز نطاق تطبيقها حدود إقليم الدولة إلى الخارج‪ ,‬كعالقة الموظف العام‬
‫بالدولة‪ .‬ويندرج تحتها فروع‪ :‬القانون الدستوري‪ ,‬والقانون اإلداري‪ ,‬والقانون المالي‪,‬‬
‫والقانون الجنائي‪.‬‬

‫واألمر يقتضي أن نتناول كل فرع من هذه الفروع في مطلب مستقل‪ ,‬وذلك على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪ o‬األول‪ /‬القانون الدستوري‬
‫هو مجموعة القواعد األساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها‪ ,‬وتبين‬
‫سلطاتها العامة من حيث تكوينها واختصاص كل منها وعالقاتها مع بعضها البعض‪,‬‬
‫وتقرر الحقوق والواجبات والحريات األساسية لألفراد في الدولة وضماناتها‪ ,‬وتبين‬
‫عالقاتهم بالسلطات العامة فيها‪ .‬فالدستور مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحدد‬
‫سلطات الحكومة وحقوق الشعب‪.‬‬
‫والقانون الدستوري هو القانون األساسي للدولة‪ ,‬إذ يضع األسس التي تقوم عليها‪ ,‬وهو‬
‫أساس كل تنظيم فيها‪ ,‬ولذلك يُطلق عليه )القانون األساسي(‪ ,‬فقد نصت المادة األولى‬
‫من النظام األساسي للحكم السعودي على أن‪:‬‬
‫"المملكة العربية السعودية دولة عربية إسالمية ذات سيادة تامة‪ ,‬دينها اإلسالم‬
‫ودستورها كتاب الله وسنة رسوله ولغتها هي اللغة العربية ‪,‬وعاصمتها مدينة الرياض"‪.‬‬

‫‪ -‬أهم موضوعات هذا القانون الدستوري‪:‬‬


‫‪ -1‬تحديد نظام الحكم في الدولة‪:‬‬
‫كذلك يقوم هذا القانون بتحديد نظام الحكم في الدولة وهل هو ملكي أو جمهوري‬
‫ديمقراطي أو دكتاتوري نيابي أو غير نيابي إلى غير ذلك‪ ,‬فقد نصت المادة الخامسة‬
‫من النظام األساسي للحكم السعودي في فقرتها األولى على أن‪" :‬نظام الحكم في المملكة‬
‫العربية السعودية ‪ ....‬ملكي"‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -2‬ينظم السلطات العامة في الدولة‪:‬‬
‫فيقوم القانون الدستوري بتنظيم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية داخل الدولة‪,‬‬
‫فيبين الهيئات التي تتألف منها كل سلطة واختصاص كل سلطة منها‪ ,‬وكذا عالقاتها‬
‫بعضها بالبعض اآلخر‪ .‬فقد نصت المادة )‪ (44‬من النظام األساسي للحكم السعودي‬
‫على أن‪" :‬تتكون السلطات في الدولة من‪ :‬السلطة القضائية‪ ,‬والسلطة التنفيذية‪ ,‬والسلطة‬
‫التنظيمية‪ ,‬وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها وفقاً لهذا النظام وغيره من األنظمة‪,‬‬
‫والملك هو مرجع هذه السلطات"‪ .‬تعاونية‪ ,‬ورقابية‪.‬‬
‫‪ -3‬ينص على الحقوق والحريات والواجبات األساسية لألفراد قِبل الدولة‪:‬‬
‫فهو ينص على هذه الحقوق كحرية المسكن وحرية الرأي ويحميها‪ ,‬وكذا يكفل مبدأ‬
‫المساواة في الحقوق والواجبات وجميع المزايا التي تخولها الدولة لألفراد‪ ,‬وفي‬
‫التكاليف التي تفرضها عليهم‪ ,‬كالحق في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة‬
‫العسكرية والضرائب‪ ,‬فقد نصت المادة )‪ (26‬من النظام األساسي للحكم السعودي على‬
‫أن‪ " :‬تحمي الدولة حقوق اإلنسان وفق الشريعة اإلسالمية"‪.‬‬

‫‪ o‬القانون اإلداري )المحكمة اإلدارية‪ /‬ديوان المظالم(‬


‫هو مجموعة القواعد القانونية التي تحكم السلطة التنفيذية‪ ,‬وتنظم نشاط جهازها‬
‫اإلداري‪ ,‬وتبين كيفية أداء وظيفتها اإلدارية وإدارة المرافق العامة الحكومية‪.‬‬

‫‪ -‬أهم موضوعات هذا القانون اإلداري‪:‬‬


‫‪ -1‬تنظيم السلطة التنفيذية‪:‬‬
‫وذلك ببيان هيئاتها‪ ,‬واختصاصها‪ ,‬والنشاط التي تمارسه‪ ,‬وتحديد عالقاتها بالجهات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬تنظيم العاملين المدنيين بالدولة‪:‬‬
‫فيتولى تحديد النظام القانوني لهؤالء العاملين من حيث تعيينهم وترقيتهم وبيان حقوقهم‬
‫وواجباتهم ونظام التأديب والعزل لهم‪.‬‬
‫‪ -3‬القضاء في المنازعات بين اإلدارة واألفراد‪:‬‬
‫فيتولى القانون اإلداري بيان كيفية حل المنازعات التي تحصل بين اإلدارة واألفراد‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ o‬القانون المالي‬
‫وهو مجموعة القواعد التي تنظم الميزانية العامة للدولة‪ ,‬وما يتعلق بها من موارد‬
‫ونفقات‪ ,‬كما تُنظم كيفية حصول الدولة على هذه الموارد عن طريق الرسوم المفروضة‬
‫على األفراد والمؤسسات بكل فروعها‪.‬‬

‫‪ -‬أهم موضوعات هذا القانون‪:‬‬


‫‪ -1‬اإليرادات العامة‪:‬‬
‫التي تأتي الدولة من مصادر عديدة‪ ,‬ومن أهمها الرسوم التي تجنيها الدولة‪ ,‬حيث‬
‫يتولى القانون المالي تحديد أنواعها واألسس التي تبنى عليها وكيفية جبايتها‪.‬‬
‫‪ -2‬النفقات العامة للدولة‪:‬‬
‫من ذلك ما يصرف من أجل رواتب الموظفين‪ ,‬واإلنفاق على المرافق العامة‪ ,‬كالدفاع‬
‫واألمن والصحة والتعليم والقضاء والمواصالت‪ ,‬وكذا تحقيق سائر اإلصالحات‬
‫االجتماعية واالقتصادية التي ال يمكن تحقيقها دون بذل المال‪.‬‬
‫‪ -3‬الميزانية العامة‪:‬‬
‫يتضمن القانون المالي أيضاً القواعد التي تتبع في تحضير الميزانية العامة للدولة‪ ,‬وفي‬
‫تنفيذها والرقابة على هذا التنفيذ ‪.‬‬
‫وقد نظمت الشئون المالية للملكة العربية السعودية في الباب السابع من النظام األساسي‬
‫للحكم السعودي في المواد من )‪ (77 – 72‬منه‪.‬‬

‫‪ o‬القانون الجنائي )الجزائي(‬


‫وهو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم سلطة الدولة في منع الجريمة‪ ,‬توقيع العقاب‬
‫على المجرمين‪ ,‬تحدد األفعال التي تعتبر جرائم‪ ,‬وتبين العقوبات المقررة لكل منها‪,‬‬
‫وكذلك اإلجراءات التي تتبع في تعقب المتهم ومحاكمته وتوقيع العقاب عليه‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫‪ -‬والقانون الجنائي ينقسم قسمين‪ :‬قوانين العقوبات‪ ,‬وقانون اإلجراءات الجنائية‪.‬‬
‫‪ :١‬قوانين العقوبات‪:‬‬
‫قانون العقوبات هو‪ :‬مجموعة القواعد النظامية التي تحدد األفعال التي يعتبر ارتكابها‬
‫جريمة‪ ,‬وتبين العقوبة المقررة لكل فعل‪ .‬مثل نظام الرشوة والتزوير‪.‬‬
‫‪ :٢‬قانون اإلجراءات الجزائية‪:‬‬
‫يوجد إلى جانب قانون العقوبات الذي يتضمن القواعد الموضوعية في القانون الجنائي‪,‬‬
‫قانون اإلجراءات الجزائية الذي يتضمن القواعد اإلجرائية في هذا القانون; ألنه يقتصر‬
‫على بيان كيفية تطبيق قانون العقوبات‪ .‬مثل نظام اإلجراءات الجزائية‪.‬‬

‫ب‪ .‬القانون الخاص‬


‫هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات بين أشخاص فيما بينهم‪ ,‬أو بينهم‬
‫وبين الدولة بوصفها شخصاً عادياً وليس بوصفها صاحبة السيادة‪.‬‬
‫ففي هذه العالقات تتجرد الدولة من صفة الشخص صاحب السيادة‪ ,‬وتنزل إلى مرتبة‬
‫الشخص العادي‪ ,‬حيث تقوم بأعمال عادية كالتي يقوم بها الشخص العادي كالبيع‬
‫والشراء واإليجار وغير ذلك‪.‬‬
‫أقسامه‪/‬‬
‫األول‪ :‬القانون المدني‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬القانون التجاري‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قانون العمل‪.‬‬

‫‪ o‬القانون المدني‬
‫يحتوي هذا القانون على مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات بين األفراد‬
‫أنفسهم‪ ,‬أو بينهم وبين الدولة بوصفها شخصاً عادياً في المجتمع‪.‬‬
‫والقانون المدني هو أصل القانون الخاص‪ ,‬و يُعد من أقدم فروع القانون‪ ,‬وعنه تفرعت‬
‫باقي فروع القانون الخاص األخرى‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫‪ -‬ويتضمن موضوعين رئيسين‪:‬‬
‫) أ ( روابط األحوال الشخصية‪:‬‬
‫وهي تلك الروابط المتعلقة بشخص اإلنسان نفسه‪ ,‬فتحدد خصائصه كاألهلية وغيرها‪,‬‬
‫والروابط المنظمة لعالقة الشخص بـأفراد أسـرته منـذ والدتـه حـتى وفاتـه‪ ,‬كـالزواج‬
‫والطـالق ومـا يترتـب عليها من آثار كالمهر والنفقة والعدة والنسب‪ ,‬وما يترتب عليه من‬
‫حقوق وواجبات متبادلة بين اآلباء واألبناء كالنفقة والحضانة والميراث والوصية والحجر‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫)ب( روابط األحوال المالية‪:‬‬
‫وهي تلك الـروابط الـتي تنشـأ عـن كـل مـا يتصـل بالعالقـات المالية بالشخص وغيره‪.‬‬

‫‪ o‬القانون التجاري‬
‫هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات والروابط الناشئة عن ممارسة‬
‫األعمال التجارية بين طائفة معينة من األشخاص هي طائفة التجار‪ ,‬برية كانت هذه‬
‫األعمال أم بحرية أم جوية‪.‬‬
‫فالقانون التجاري يشتمل على مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين التجار‪ ,‬والتي‬
‫تبين شروط اكتساب الشخص صفة التاجر‪ ,‬سواء كان هذا الشخص فرداً أم شركة‪ ,‬كما‬
‫يبين كذلك األعمال التجارية‪ ,‬وما يقع على التجار من واجبات كواجب القيد في السجل‬
‫التجاري‪ ,‬وينظم القانون التجاري باإلضافة إلى ذلك الشركات التجارية وأنواعها‬
‫المختلفة وتكوينها وكيف يكون انقضائها‪ ,‬وكذلك العقود التجارية باعتبارها مظهراً من‬
‫مظاهر النشاط التجاري‪.‬‬

‫‪ -‬استقالل القانون التجاري عن القانون المدني‪:‬‬


‫الموضوعات التي ينظمها القانون التجاري تعتبر معامالت مالية بين التجار‪ ,‬لذا كانت‬
‫جزءًا من القانون المدني‪ ,‬إال أنها استقلّت بسبب طبيعتها الخاصة التي تتّسم بالسرعة‬
‫والثقة واالئتمان مما ال يتالءم مع بعض القيود التي يفرضها القانون المدني‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -‬الخاصتين التي يتميز بها القانون التجاري‪:‬‬
‫‪ /١‬في مجال اإلثبات‪ ,‬فالقانون التجاري يجيز إثبات المعامالت التجارية بكافة طرق‬
‫اإلثبات كشهادة الشهود والقرائن والدفاتر التجارية ألن تلك المعامالت تتم بسرعة‪,‬‬
‫مشافهة أو بالبرق أو بالتليفون أو بالتلكس‪ ,‬وذلك بخالف الحال في القانون المدني الذي‬
‫يتطلب الكتابة في بعض األحيان وفي بعض الدول إلثبات التصرفات القانونية التي تصل‬
‫قيمتها حدًّا معيّنًا‪.‬‬
‫‪ /٢‬وتقتضي المعامالت التجارية كذلك الثقة واالئتمان‪ ,‬حيث يعد ذلك من أهم عوامل‬
‫ازدهار النشاط التجاري‪ ,‬فمثالً يعتد بالدفاتر التجارية في إثبات حقوق التاجر وتقدير‬
‫الضرائب المستحقة عليه‪ ,‬بالرغم من أنه هو الذي يحررها بيده وذلك بشرط أن تكون‬
‫هذه الدفاتر منتظمة‪.‬‬

‫‪ -‬تنقسم قواعد القانون التجاري إلى ثالثة أقسام رئيسية وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬القانون البري‪:‬‬
‫وتعتبر هذه القواعد القسم الرئيسي في القانون التجاري‪ ,‬وتسري على التجارة البرية‪,‬‬
‫وهي المقصودة من مصطلح )القانون التجاري( حين إطالقه دون تخصيص‪.‬‬
‫‪ -2‬القانون البحري‪:‬‬
‫هو مجموعة القواعد النظامية التي تنظم المعامالت التي تنشأ بمناسبة المالحة‬
‫البحرية‪ ,‬لذا فهو يرد أساسًا على السفينة باعتبارها أداة التجارة البحرية‪.‬‬
‫ويتضمن ذلك التنظيم القانوني للسفينة سواء من حيث االسم والتسجيل والجنسية‪,‬‬
‫والعقود التي ترد عليها مثل عقد البيع‪ ,‬وعقد التجهيز‪ ,‬وعقد رهن السفينة وعقد التأمين‬
‫عليها‪.‬‬
‫‪ -3‬القانون الجوي‪:‬‬
‫هو مجموعة القواعد النظامية التي تنظم المسائل المتعلقة بالمالحة الجوية والواردة‬
‫أساسًا على الطائرة‪ ,‬ويدخل في ذلك تسجيل الطائرة وجنسيتها والنظام القانوني‬
‫لطاقمها‪ ,‬وعقد النقل الجوي ومسئولية الناقل‪ ,‬هذا باإلضافة إلى التأمين الجوي‬
‫والمسؤولية عن التصادم واختطاف الطائرات والجرائم التي ترتكب على متنها‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ o‬قانون العمل‬
‫أدت الثورة الصناعية إلى ظهور طبقة كبيرة من العمال التي عانت من الظلم واالستغالل‬
‫نتيجة سيادة المذهب الفردي الذي ترك الحرية االقتصادية ألصحاب األعمال في أن‬
‫يستخدموا العمال; طبقًا لقانون العرض والطلب مما أدى إلى التحكم في العمال وتشغيل‬
‫النساء واألطفال وانخفاض األجور وكثرة حوادث العمل دون حماية‪.‬‬

‫‪ -‬كيف نشأ هذا النظام العمالي تاريخيا?‬


‫كان من الطبيعي أن ينهض العمال وتتوحد صفوفهم ضد هذا الظلم للمطالبة بحقوقهم‬
‫ورفع االستغالل‪ ,‬وناصرهم في ذلك المفكرون والفالسفة أنصار المذهب االشتراكي‬
‫والعدالة االجتماعية‪ ,‬مما أدى إلى ظهور التشريعات العمالية ذات الطابع االجتماعي‬
‫لتنظيم عالقة العمل على نحو يكفل حد أدنى لألجر وتحديد ساعات العمل وضمانات‬
‫تشغيل النساء واألطفال‪ ,‬وحماية العمال ضد البطالة وحوادث المهنة‪ ,‬وكانت تلك‬
‫التشريعات نواة ظهور قانون العمل الذي استمر في التطور واالستقالل والقوة بسبب‬
‫الطبيعة اآلمرة لغالبية نصوصه التي تكفل حماية العامل‪ ,‬ومن ثم يبطل االتفاق المخالف‬
‫لحكم من األحكام المقررة لمصلحة العامل‪.‬‬
‫ويتناول قانون العمل تنظيم عالقات العمل من حيث الزمان من خالل تحديد ساعات‬
‫العمل وأوقات الراحة واإلجازات‪ ,‬وتحديد األجور وضماناتها‪ ,‬وحماية العمال من نظام‬
‫الفصل التعسفي والجزاءات التأديبية التعسفية‪.‬‬
‫فهو فرع من فروع القانون الخاص‪ ,‬وينظم قانون العمل العالقة التي تنشأ بين رب العمل‬
‫والعامل في القطاع الخاص‪ ,‬فيبين الشروط الالزمة النعقاد عقد العمل‪ ,‬وآثاره‪,‬‬
‫وانتهائه‪ ,‬ويتضمن قانون العمل الكثير من القواعد اآلمرة‪ ,‬وهي التي ال يجوز االتفاق على‬
‫مخالفة أحكامها‪ ,‬ومثالها القواعد المحددة لساعات العمل‪ ,‬والقواعد الخاصة بتحديد‬
‫اإلجازات سواء أكانت أسبوعية أم سنوية‪.‬‬
‫ومن التعريف السابق يتضح ضرورة توافر ثالثة شروط في طبيعة العمل الخاضع لقانون‬
‫العمل‪:‬‬
‫األول‪ :‬أن تكون العالقة بين أشخاص عاديين‪ ,‬فيخرج بذلك الدولة‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون العمل لقاء أجر معين‪ ,‬وعلى ذلك يخرج العمل الذي يؤدى على سبيل‬
‫التبرع‪ ,‬فال تخضع هذه الرابطة لقانون العمل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون العامل خاضعاً إلشراف وتوجيه صاحب العمل ورقابته‪ ,‬فالمتبوع مسؤول‬
‫عن أعمال تابعه كما تقول القاعدة‪ ,‬وعلى ذلك يخرج كل عمل مستقل يؤديه الشخص‬
‫دون رقابة أو توجيه عن صاحب العمل‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫ثانيا‪ /‬تقسيم القواعد النظامية من حيث قوتها إلى قواعد آمرة وقواعد‬
‫مكملة‬

‫أ‪ .‬القواعد اآلمرة )باتة(‬


‫‪ v‬هي القواعد التي ال يجوز لألفراد مخالفتها أو االتفاق على استبعاد حكمها‪.‬‬
‫وهي تلك القواعد التي توجه لألفراد بشكل أوامر أو نواهي‪ ,‬فهي التي تجبر األفراد على‬
‫إتباع سلوك معين أو حظره دون أن يكون لهم حرية االتفاق على ما يخالفها‪ ,‬وبالتالي‬
‫فإن أي اتفاق على ما يخالفها ويعارض مضمونها يقع باطالً ويكون غير منتج ألي أثر‬
‫قانوني‪ ,‬فهي تمثل قيوداً على حرية األفراد‪.‬‬
‫• مثالها‪ :‬تحريم القتل‪ ,‬فهي قاعدة آمره ال يجوز االتفاق على ما يخالفها‪ ,‬ألن االتفاق‬
‫على جواز القتل منعدم األثر وال يعفي مرتكب الجريمة من العقاب‪ ,‬والقاعدة القانونية‬
‫التي تحرم التعامل في المواد المحرمة أو غير المشروعة قاعدة آمرة‪ ,‬فال يجوز‬
‫االتفاق على التزام يكون محله تسليم مواد غير مشروعة‪.‬‬
‫• ومثال ذلك أيضا ‪ :‬ما تنص عليه المادة )‪ (98‬من نظام العمل السعودي على أنه‪ ":‬ال‬
‫يجوز تشغيل العامل تشغيالً فعلياً أكثر من ثماني ساعات في اليوم الواحد‪ ,‬إذا اعتمد‬
‫صاحب العمل المعيار اليومي‪ ,‬أو أكثر من ثمان وأربعين ساعة في األسبوع‪ ,‬إذا اعتمد‬
‫المعيار األسبوعي‪ ,‬وتخفض ساعات العمل الفعلية خالل شهر رمضان للمسلمين‪,‬‬
‫بحيث ال تزيد على ست ساعات في اليوم‪ ,‬أو ست وثالثين ساعة في األسبوع"‪.‬‬

‫ب‪ .‬القواعد المكملة )مفسرة(‬


‫‪ v‬هي القواعد التي يجوز لألفراد االتفاق على مخالفتها باستبعاد حكمها‪.‬‬
‫وهي التي تُبيح لألفراد إما األخذ بما جاء في حكمها‪ ,‬وإما االتفاق فيما بين األطراف‬
‫على استبعاد ما تقضي به‪ ,‬فهي ال تمثل قيوداً على حرية األفراد حيث يجوز االتفاق‬
‫على مخالفتها‪ ,‬ألنها ال تمس مصالح المجتمع األساسية‪.‬‬
‫والنطاق الواسع لتلك القواعد هو مجال المعامالت المالية كتحديد وقت تسليم المبيع‪,‬‬
‫ومكان التسليم‪ ,‬وطريقة الوفاء بالثمن‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وهذه القواعد قواعد قانونية كاملة‪ ,‬ويظهر اإللزام فيها عند عدم وجود اتفاق على‬
‫مخالفتها حيث يجب إتباعها وتطبيق أحكامها‪.‬‬
‫• ومن أمثلة القواعد المكملة أو المفسرة في النظم السعودية ‪ :‬ما نصت عليه المادة‬
‫)‪ (17‬من نظام العمل السعودي من أنه‪" :‬تحسب جميع المدد والمواعيد المنصوص‬
‫عليها في هذا النظام بالتقويم الهجري ما لم يتفق على خالفه"‪ .‬فهذه القاعدة تعتبر‬
‫من القواعد المكملة أو المفسرة‪ ,‬ومن ثم يصح االتفاق على احتساب المدد بالتقويم‬
‫الميالدي‪.‬‬

‫‪ v‬معيار التفرقة بين القواعد اآلمرة والقواعد المكلمة‪:‬‬


‫المعيار اللفظي‪ :‬حيث يكون التمييز مبنياً على أساس داللة العبارة التي تمت بها صياغة‬
‫النص القانوني‪ ,‬فتكون القاعدة آمره عندما تستخدم لفظاً يدل على طبيعتها‪ .‬مثال ‪ :‬ال‬
‫يجوز‪ ,‬يعاقب ‪ ,‬يبطل‪ ,‬يجب‪.‬‬
‫أما القاعدة المكملة فال تأتي بصيغة األمر أو النهي‪ ,‬وإنما تصاغ بطريقة تتيح لألفراد‬
‫قضائياً العدول عن حكمها‪ .‬مثال ‪ :‬يجوز‪ ,‬يمكن أن ‪ , .....‬للقاضي أن ‪.......‬الخ‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مصادر القانون‬

‫أوال‪ /‬المصادر الرسمية للقواعد النظامية‬


‫األول‪ :‬مبادئ الشريعة‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التشريع أو التنظيم )إصدار األنظمة(‪.‬‬
‫الثالث‪:‬‬

‫أوال‪ /‬المبادئ العامة للشريعة‬


‫يُقصد بمبادئ الشريعة اإلسالمية أصولها وقواعدها الكلية ومبادئها العامة التي ال‬
‫تختلف فيها المذاهب‪ .‬ومبادئ الشريعة اإلسالمية بصورة عامة هي أدلة األحكام‬
‫الشرعية الواردة فيما شرعه الله تعالى من أحكام بنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية‬
‫الشريفة قولية كانت أو فعلية أو تقريرية‪.‬‬
‫وفي المملكة العربية السعودية تعد أحكام الشريعة اإلسالمية من الكتاب والسنة هي‬
‫المصدر الرئيس لألحكام‪ ,‬فقد نصت المادة األولى من النظام األساسي للحكم على أن‬
‫دستور المملكة العربية السعودية كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم ‪,-‬‬
‫ونصت المادة السابعة منه على أن "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته‬
‫من كتاب الله تعالى وسنة رسوله"‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬التنظيم أو التشريع‬


‫هو قيام السلطة المختصة بوضع القانون عن طريق صياغة قواعده بشكل يضمن دقة و‬
‫وضوح معانيه ‪ ,‬وفقا ً لإلجراءات المقررة‪.‬‬
‫التشريع كمصدر رسمي للقانون هو عبارة عن‪ :‬سنّ السلطة المختصة في الدولة لقواعد‬
‫قانونية مكتوبة‪ ,‬وإعطائها قوة اإللزام بواسطة السلطة‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫• مزايا التنظيم‬
‫‪-1‬وضوح وتحديد الصياغة‪:‬‬
‫يمتاز التشريع بوضوح الصياغة‪ ,‬فالسلطة المختصة بوضعه تقوم بصياغة القاعدة كتابة‬
‫بعد التأمل في كل كلمة من كلماتها‪ ,‬وتقدر كافة االحتماالت التي يمكن أن تثار في‬
‫نطاقها‪ ,‬ولهذا نجد أن القواعد النظامية محددة في معناها وألفاظها بوضوح‪ ,‬مما‬
‫يساعد على سهولة إثبات القواعد النظامية‪.‬‬
‫‪-2‬سهولة سن التشريع وتعديله وإلغاؤه‪:‬‬
‫فالسلطة العامة المختصة بالتشريع يمكنها وضعه بسهولة في وقت قصير‪ ,‬كما تستطيع‬
‫أن تسارع بتعديله أو إلغائه إذا بدا لها أن هذه القواعد أصبحت تتعارض مع األوضاع‬
‫الداخلية للدولة‪ ,‬مما يتيح للقواعد النظامية أداء وظيفتها االجتماعية‪ ,‬وتستجيب‬
‫لحاجات المجتمع بالسرعة التي تتفق مع تطور ضروب النشاط فيه وازديادها‪.‬‬
‫‪-3‬أنه يرد في نصوص مكتوبة‪:‬‬
‫يصاغ مضمون القاعدة النظامية صياغة محكمة يقوم بها متخصصون‪ ,‬كما يصدر‬
‫التشريع في صورة معلنة في الجريدة الرسمية يسهل الرجوع إليه للتعرف على أحكامه‬
‫واالستفادة منها‪.‬‬
‫‪-4‬أنه يُحقق وحدة النظام القانوني في الدولة‪:‬‬
‫فالتشريع يؤدي عادة إلى وضع قواعد قانونية تسري على جميع أرجاء البالد‪ ,‬فيكون‬
‫القانون واحداً يسري على الجميع دون استثناء أو تمييز‪ ,‬وتتحقق بذلك الوحدة القانونية‬
‫وهي أساس الوحدة السياسية في الدولة‪ ,‬مما يساعد على استقرار المعامالت وتقوية‬
‫الروابط بين أجزاء الوطن الواحد‪ ,‬وتكون عامالً على تحقيق الوحدة وزيادة التضامن بين‬
‫األشخاص‪.‬‬

‫• عيوب التنظيم‪:‬‬
‫‪-1‬أنه يأتي بحلول ارتجالية تحكمية‪:‬‬
‫وذلك ألن التشريع يوضع بإرادة السلطة التشريعية التي قد تتجاهل واقع المجتمع وما‬
‫يتطلبه من حلول لكي تفرض حلوالً شخصية‪ ,‬أو أن تكون القاعدة القانونية دخيلة على‬

‫‪19‬‬
‫ظروف المجتمع‪ ,‬كما لو كانت مستوحاه من تشريع أجنبي‪ ,‬فتصطدم بحقائق المجتمع‬
‫وتلقى معارضة من األشخاص المخاطبين بالقانون‪.‬‬
‫‪-2‬عدم االستجابة لتطور المجتمع‪:‬‬
‫فقد تأتي القاعدة القانونية معبرة عن رغبة وحاجات األفراد في وقت معين وزمن معين‪,‬‬
‫فإذا ما تغيرت الحاجات واألزمان فإن التشريع يقف حائالً أمام األفراد‪ ,‬فهي قاعدة‬
‫قانونية جامدة غير متطورة ال تعبر عن حاجات األفراد في المجتمع‪ ,‬وهذا النقد مردود‬
‫عليه بأن السلطة التنظيمية تتدخل من وقت آلخر فتلغي أو تُعدل التشريعات التي‬
‫تخطاها التطور‪.‬‬
‫‪-3‬التشريع بطبيعته يكون ناقصاً دائماً‪:‬‬
‫فمهما بلغت قدرة المنظم ودقته ال يستطيع أن يتناول كل مشكالت المجتمع بالتنظيم‪.‬‬

‫• أنواع التشريعات وطريقة سنّها ‪ :‬أنواع التشريع من حيث مراتبه‪:‬‬


‫‪ /١‬التشريع األساسي‪:‬‬
‫و هو األعلى مرتبة و يتمثل في الدستور و القوانين األساسية‪.‬‬
‫‪ /٢‬التشريع العادي‪:‬‬
‫و هو في المرتبة الثانية و يشمل جميع أنواع القوانين العادية التي تصدر عن السلطة‬
‫التشريعية‪.‬‬
‫‪ /٣‬التشريع الفرعي‪:‬‬
‫و يأتي في المرتبة الثالثة و يشمل اللوائح التنفيذية و التنظيمية و الضبطية التي تصدر‬
‫عن الهيئات اإلدارية في الدولة‪ .‬هل التعاميم من الوزارات في قوة اللوائح الصادرة من‬
‫السلطة التنفيذية?‬
‫التشريعات ليست من نوع واحد‪ ,‬بل تتعدد وتتنوع وتتفاوت في أهميتها وقوتها‪ ,‬تبعاً‬
‫ألهمية المسائل التي تتناولها والسلطة التي تصدرها‪.‬‬
‫فيوجد ثالثة أنواع للتشريع‪ ,‬يأتي على قمتها التشريع األساسي )الدستوري(‪ ,‬ثم يليه‬
‫التشريع العادي‪ ,‬ثم يأتي في المرتبة الثالثة التشريع الفرعي‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أوال‪ /‬التشريع األساسي )األنظمة األساسية(‪:‬‬
‫وهو الدستور و القوانين األساسية الصادرة عن السلطة الـتأسيسية‪ ,‬بأمر ملكي‪.‬‬
‫السلطة التأسيسية هي السلطة األصلية أو المؤسسة لم تنظمها نصوص خاصة‪ ,‬ولم‬
‫تتلق اختصاصها من نص صريح‪ ,‬إذ هي تتدخل لوضع وتأسيس دستور جديد في وقت‬
‫ال يكون في الدولة نصوص دستورية قائمة‪ .‬وبما أن الدستور يقرر بدوره جميع السلطات‬
‫في الدولة )التشريعية والتنفيذية والقضائية(‪ ,‬فيترتب على هذا أن السلطة التأسيسية‬
‫تتمتع بالعلوية على السلطات الثالث التي أنشـأها الدستور‪.‬‬
‫• النظام األساسي للحكم‪:‬‬
‫يأتي هذا النظام على رأس األنظمة‪ ,‬وقد تميز بطريق استثنائي خاص من حيث إعداده‪,‬‬
‫وطريقة إصداره حيث صدر بأمر ملكي‪.‬‬
‫• األنظمة األساسية ‪:‬‬
‫وهي األنظمة التي شاركت النظام األساسي للحكم في طريقة اإلعداد واالعتماد بأمر‬
‫ملكي‪ ,‬ولكنها اختلفت عنه في اقتصارها على موضوعات معينة بحيث تناول كل منها‬
‫مجاالً خاصاً به‪ ,‬وهذه األنظمة هي ‪ :‬نظام مجلس الشورى‪ ,‬ونظام مجلس الوزراء‪ ,‬ونظام‬
‫المناطق‪ ,‬ونظام هيئة البيعة‪.‬‬
‫وقد اكتسبت هذه األنظمة قوتها من حيث أنها تنظم السلطة التنظيمية ذاتها التي تختص‬
‫بدراسة األنظمة وإصدارها‪ ,‬إال أنه حصل للنظام األساسي للحكم تميز عليها‪ ,‬نظراً‬
‫لعموم أحكامه وشمولها لجميع سلطات الدولة والحقوق والواجبات العامة ‪ ,‬بينما األنظمة‬
‫األساسية األخرى تناولت مجاالت خاصة بها‪.‬‬
‫مع هذا فإن لها علواً على األنظمة العادية بحيث يجب أن تخضع هذه األخيرة لها‪,‬‬
‫وتتقيد بمقتضاه‪ ,‬وال تخرج عنها وأن تأتي على الوجه الذي حددته لها‪.‬‬

‫ثانيا‪ /‬التشريع العادي )األنظمة العادية(‬


‫مثل قوانين التجارة‪ ,‬وقوانين العقوبات‪ ,‬وغيره من التشريعات‪ ,‬و هي تصدر عن السلطة‬
‫التشريعية‪ ,‬بمرسوم ملكي‪.‬‬
‫في المملكة العربية السعودية يستخدم مصطلح السلطة التنظيمية بدالً من السلطة‬
‫التشريعية‪ ,‬والتي تختص بوضع األنظمة واللوائح; تحقيقاً للمصالح ولرفع المفاسد‬

‫‪21‬‬
‫واألضرار في شئون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة‪ ,‬وتمارس اختصاصاتها وفقاً لنظام‬
‫مجلس الوزراء ونظام مجلس الشورى والنظام األساسي للحكم‪.‬‬
‫وارتضينا هنا تسميتها باألنظمة العادية لسلوكها الطريق المقرر والمتبع عادة في دراسة‬
‫األنظمة وإقرارها‪ ,‬وهي المرادة عند إطالق كلمة )األنظمة(‪ ,‬وتعد أيضًا مرادفة لكلمة‬
‫)قوانين(‪.‬‬
‫واألنظمة في هذا القسم هي القواعد العامة الملزمة الصادرة من السلطة التنظيمية ال‬
‫التنفيذية‪ ,‬والموافق عليها بمرسوم ملكي‪ .‬فلو صدرت تلك القواعد من سلطة تنفيذية‬
‫فال تعد نظامًا‪ ,‬ولو كانت قواعد عامة ملزمة‪ ,‬وإنما تعد لوائح أو تعليمات أو ما يشبه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وهذه األنظمة تقع من حيث الرتبة بعد النظام األساسي للحكم وبعد األنظمة األساسية;‬
‫بحيث يلزم أن يراعى فيها ما يقضي به النظام األساسي للحكم واألنظمة األساسية‪,‬‬
‫ولكن لها حق التقديم على اللوائح التنظيمية والتنفيذية‪.‬‬
‫وقد حدد النظام األساسي للمملكة اختصاص السلطة التنظيمية في المادة ‪ 67‬منه بقوله‬
‫" تختص السلطة التنظيمية بوضع األنظمة واللوائح بما يحقق المصلحة أو يرفع‬
‫المفسدة في شؤون الدولة وفقا لقواعد الشريعة اإلسالمية وتمارس اختصاصاتها وفقا‬
‫لهذا النظام ونظام مجلس الوزراء ومجلس الشورى"‪ .‬وبالتالي فإن السلطة التنظيمية‬
‫تتمثل في المملكة العربية السعودية في مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك‪.‬‬
‫والسلطة التنظيمية وهي في سبيلها لتحقيق هذا التشريع البد أن تمر بمراحل مختلفة‪,‬‬
‫وهذه المراحل التي يمر بها التشريع داخل المملكة العربية السعودية هي‪:‬‬
‫مرحلة االقتراح‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫وهي عبارة عن إعداد مشروع نظام تعرض قواعده على )مجلس الشورى( لدراسته‬
‫ومناقشته وإبداء الرأي فيه قبل رفعه للملك للتصديق عليه وإصداره‪.‬‬
‫وهذا االقتراح مقرر داخل المملكة العربية السعودية لجهتين األولى ‪ :‬أعضاء مجلس‬
‫الشورى‪ ,‬وهذا ما نصت عليه المادة )‪ (23‬من النظام السعودي بقولها‪ " :‬لمجلس الشورى‬
‫اقتراح مشروع نظام جديد‪ ,‬أو اقتراح تعديل نظام نافذ‪ ,‬ودراسة ذلك في المجلس‪ ,‬وعلى‬
‫رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك"‪ ,‬الثانية ‪ :‬مجلس الوزراء‪ ,‬وهذا ما‬
‫بينته المادة )‪(22‬من نظام مجلس الوزراء حيث جاء فيه ما نصه "لكل وزير الحق بأن‬

‫‪22‬‬
‫يقترح مشروع نظام أو الئحة يتعلق بأعمال وزارته‪ ,‬كما يحق لكل عضو من أعضاء مجلس‬
‫الوزراء أن يقترح ما يرى مصلحة من بحثه في المجلس بعد موافقة رئيس مجلس‬
‫الوزراء"‪.‬‬
‫مرحلة المناقشة‪:‬‬ ‫‪.2‬‬
‫جميع دراسات ومناقشات مجلس الوزراء غير معلنة‪ .‬فعندما يقبل المجلس مشروع قانون‬
‫لمناقشته فهو يوجه أوال إلى اللجنة العامة لمجلس الوزراء‪ .‬وتقوم اللجنة بدراسة مشروع‬
‫النظام‪ ,‬ثم تحيله إلى هيئة الخبراء‪ .‬وتقوم هيئة الخبراء بدراسة المشروع‪ ,‬إلى أن تعد‬
‫صياغة مشروع النظام‪ .‬ثم تقوم هيئة الخبراء بإعادة مشروع النظام إلى اللجنة العامة‬
‫متضمنا أية تعديالت مقترحة لتتم دراسته مرة أخرى في اللجنة العامة بحضور الوزير‬
‫المختص إذا لم يكن عضوا في اللجنة العامة‪ .‬وقد تقوم اللجنة العامة خالل دراستها‬
‫لمشروع النظام بإحالته مرة أخرى إلى هيئة الخبراء أو إلى لجنة أخرى متخصصة‬
‫لدراسته بصورة أدق‪.‬‬
‫مرحلة التصويت‪:‬‬ ‫‪.3‬‬
‫بعد قيام مجلس الوزراء بمناقشة مشروع النظام‪ ,‬سواء كان مقدما من مجلس الشورى‬
‫أو من احد أعضاء مجلس الوزراء‪ ,‬فإن المجلس يقوم بعد ذلك بإجراءات الموافقة على‬
‫المشروع فيتم التصويت على المشروع مادة مادة ثم يصوت على المشروع جملة واحدة‪.‬‬
‫فإذا تم قبول مشروع النظام تتم إحالته إلى الجهات المختصة في المجلسين )مجلس‬
‫الوزراء ومجلس الشورى( لدراسته ورفع تقرير عنه لمجلس الوزراء‪.‬‬
‫‪ .4‬مرحلة التصديق )المصادقة(‪:‬‬
‫وهي موافقة الملك باعتباره شريك في السلطة التنظيمية على مشروع القانون‪ ,‬وذلك‬
‫بتوقيعه على قرار المجلس‪ ,‬حيث نصت المادة )‪ (97‬من نظام مجلس الشورى على أن‪:‬‬
‫"تصدر األنظمة‪ ,‬والمعاهدات واالتفاقيات الدولية‪ ,‬واالمتيازات وتعدل بموجب مراسيم‬
‫ملكية‪ ,‬بعد دراستها من مجلس الشورى"‪.‬‬
‫مرحلة اإلصدار‪:‬‬ ‫‪.5‬‬
‫وهي تسجيل الوجود القانوني للتشريع الجديد وضمه للقوانين السارية‪ ,‬وذلك بإصدارها‬
‫بأداة المرسوم الملكي عن طريق الملك‪.‬‬
‫مرحلة النشر‪:‬‬ ‫‪.6‬‬

‫‪23‬‬
‫وهي إعالم الكافة في المجتمع بصدور التشريع الجديد حتى يلتزموا بأحكامه‪ ,‬فالتشريع‬
‫يُصبح نافذاً بمجرد إصداره‪ ,‬إال أنه ال يكون ملزماً لألفراد إال بعد نشره في الجريدة‬
‫الرسمية في المملكة "جريدة أم القرى" والتي ظهر عددها األول يوم الجمعة الموافق‬
‫‪15/5/1343‬هـ‪.‬‬
‫وقد نص على وجوب النشر في الجريدة الرسمية كل من النظام األساسي للحكم الذي‬
‫قرر "تنشر األنظمة في الجريدة الرسمية"‪ ,‬وكذلك نظام مجلس الوزراء والذي قرر أنه‬
‫"يجب نشر جميع المراسيم في الجريدة الرسمية"‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬التشريع الفرعي )اللوائح(‪:‬‬


‫وهي ثالثة‪ :‬لوائح التنفيذ‪ ,‬و لوائح التنظيم‪ ,‬و لوائح الضبط‪ ,‬الصادرة عن السلطة‬
‫التنفيذية في الدولة‪ ,‬دون المرسوم الملكي‪.‬‬
‫يقصد بالتشريعات الفرعية هي تلك اللوائح التي تصدرها السلطة التنفيذية بموجب‬
‫االختصاص األصيل لها‪ ,‬فالتشريع الفرعي إنما هو مجموعة القواعد القانونية التي‬
‫تصدر في شكل قرارات من قبل السلطة التنفيذية بمقتضى االختصاص الممنوح لها‪,‬‬
‫بهدف تسهيل تنفيذ القوانين الصادرة عن السلطة التشريعية‪.‬‬
‫ويسمى هذا التشريع )بالالئحة(‪ ,‬وهو أدنى أنواع التشريع‪ ,‬لذلك يجب أن ال يتعارض مع‬
‫التشريع األساسي أو العادي‪ ,‬وعلى السلطة التنفيذية عند سن هذا التشريع الفرعي أن‬
‫تراعي ذلك‪ ,‬وأن تتقيد بالغرض من هذا التشريع‪.‬‬
‫وأنواعها‪:‬‬
‫)أ( اللوائح التنفيذية‪:‬‬
‫وهي قواعد عامة تصدرها السلطة التنفيذية متضمنه وضع أحكام تفصيلية لتسهيل‬
‫تنفيذ وتطبيق التشريعات العادية‪ .‬فإذا صدر نظام الشركات مثال فإن السلطة التنفيذية‬
‫ممثلة في وزارة التجارة تكون أقدر من السلطة التشريعية على التعرف على أدق التفاصيل‬
‫والجزئيات الخاصة بالتنفيذ‪ ,‬وفقاً لما تقتضيه ضرورات وظروف العمل‪ ,‬وهذا من شأنه‬
‫ضمان السرعة في التنفيذ وتخليص القوانين من كثير من التفصيالت الجزئية‪ ,‬وكذا‬
‫التخفيف من أعباء السلطة التشريعية بجعلها تهتم عند وضع القوانين العادية بالمبادئ‬
‫العامة دون التطرق للتفصيالت‪ ,‬فتصدر‪ :‬الئحة نظام الشركات‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫والسلطة التنفيذية تتقيد بالغرض من سن اللوائح التنفيذية‪ ,‬وهو تسهيل تطبيق القوانين‬
‫العادية وتنفيذها‪ ,‬وال يجوز لها أن تتعدى هذا الغرض إلى تعديل القوانين أو تعطيلها أو‬
‫إلغائها‪.‬‬

‫اللوائح التنظيمية‪:‬‬ ‫) ب(‬


‫وهي مجموعة القواعد القانونية التي تسنها السلطة التنفيذية لتنظيم وترتيب سير‬
‫العمل بالمصالح والهيئات والمرافق العامة واإلدارات الحكومية وتنسيق سير العمل فيها‪,‬‬
‫بحكم اختصاصها في إدارتها‪ ,‬كإنشاء الوزارات والمصالح وتحديد اختصاصها وإلغائها‪,‬‬
‫ألن السلطة التنفيذية هي األقدر على اختيار ما يالئم ضمان حسن سير الجهاز‬
‫الحكومي‪.‬‬
‫وهي مستقلة عن القانون العادي ال ترتبط به لكن يجب عدم معارضتها لقواعد قانونية‬
‫أعلى منها درجة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬الالئحة التنفيذية لنشاط النشر اإللكتروني‪ ,‬وهي الئحة أصدرتها وزارة الثقافة‬
‫واإلعالم تسري على جميع أشكال النشر اإللكتروني الخاضعة ألحكام النظام‪ ,‬ومنها‬
‫الصحافة اإللكترونية‪ ,‬وكالة األنباء اإللكترونية‪ ,‬دار النشر اإللكتروني‪ ,‬وسائل التواصل‬
‫االجتماعي‪ ,‬مواقع االنترنت لوسائل اإلعالم التقليدية )التلفزيون‪ -‬اإلذاعة‪ . . .-‬إلخ(‪,‬‬
‫إضافة إلى المنتديات والمدونات‪ ,‬ومواقع عرض المواد المرئية والمسموعة‪ ,‬واإلعالنات‬
‫اإللكترونية والبث عبر الهاتف المحمول )رسائل‪ -‬أخبار‪ -‬إعالنات‪ -‬صور ‪...‬الخ(‪ ,‬والبث‬
‫عبر وسائل إلكترونية أخرى )رسائل‪ -‬أخبار‪ -‬إعالنات‪ -‬صور ‪...‬الخ(‪ ,‬والمواقع‬
‫الشخصية والمجموعات البريدية وغيرها من أشكال النشر اإللكتروني‪.‬‬
‫وتهدف الالئحة إلى أن يكون اإلعالم اإللكتروني هادف‪ ,‬وذلك بتأصيل القيم المهنية‬
‫وتنظيم مزاولة نشاط النشر اإللكتروني في المملكة‪ .‬كما تهدف إلى حماية المجتمع من‬
‫الممارسات الخاطئة في النشر اإللكتروني وبيان حقوق وواجبات العاملين في النشر‬
‫اإللكتروني‪ .‬وتهدف أخيرا إلى حفظ حقوق األشخاص في إنشاء وتسجيل أي شكل من‬
‫أشكال النشر اإللكتروني‪ ,‬وحفظ حقوق األشخاص في الدعوى لدى اإلدارة المعنية في‬
‫حال الشكوى‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ /٣‬التفسير التنظيمي )التشريعي(‪:‬‬
‫وأما التفسير التنظيمي فهو الذي يقصد به الكشف عن المدلول المراد من النص بشكل‬
‫قاطع ال يحتمل معه االجتهاد أو التأويل على وجه آخر‪ .‬وليس أقدر على هذا التفسير‬
‫من الجهة التي أصدرت النص واعتمدته; ألنها هي األقدر على فهم مرادها منه‪ ,‬فيكتسب‬
‫بذلك هذا التفسير القوة نفسها التي يتمتع بها النص المفسﱠر‪ ,‬وبحكم هذه التبعية في‬
‫القوة فإن التفسير يتعين االلتزام به وتطبيقه على جميع الوقائع التي يحكمها النص‬
‫المفسﱠر‪.‬‬
‫فهو تفسير ملزم للكافة بما في ذلك القضاة بحكم كونه نصا تشريعيا‪ .‬والقاعدة تقول‪:‬‬
‫"إن من يملك صالحية إصدار نظام‪ ,‬فهو يملك حق تفسيره"‪.‬‬
‫فمثالً‪ :‬نصت المادة ) ‪ ( 20‬من نظام مجلس الوزراء أنه‪" :‬مع مراعاة ما ورد في نظام‬
‫مجلس الشورى‪ ,‬تصدر األنظمة‪ ,‬والمعاهدات‪ ,‬واالتفاقيات الدولية واالمتيازات‪ ,‬وتعدل‬
‫بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الوزراء‪ ".‬وأيضا‪ ,‬نصت المادة الخامسة‬
‫عشرة من نظام مجلس الشورى على أنه‪" :‬يبدي مجلس الشورى الرأي في السياسات‬
‫العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء‪ ,‬وله على وجه الخصوص ما يلي‪:‬‬
‫ب ‪ -‬دراسة األنظمة واللوائح ‪ ,‬والمعاهدات ‪ ,‬واالتفاقيات الدولية ‪ ,‬واالمتيازات ‪,‬و اقتراح‬
‫ما يراه بشأنها‪ .‬ج ‪ -‬تفسير األنظمة‪".‬‬

‫ثانيا‪ /‬المصادر غير الرسمية للقواعد النظامية‬


‫لقد تبين لنا مما سبق ذكره أن المصادر الرسمية للنظام إنما تكمن في مبادئ الشريعة‪,‬‬
‫والتشريع‪.‬‬
‫وفي هذا الفصل نتناول بالشرح والتفصيل المصادر غير الرسمية للنظام والتي تتمثل‬
‫في التفسير الفقهي والتفسير القضائي‪ ,‬وذلك على النحو التالي‪.‬‬

‫• ‪ /١‬التفسير الفقهي ) القانوني(‬


‫التفسـير الفـقهي هو ما يقوم به الباحثـون والمتخصصـون من اجتهادات في بيان‬
‫النصوص وتعيين مدلوالتها‪ ,‬وهو تفسير غير ملزم في نتيجته‪ ,‬وإنما يعد عمالً اجتهادياً‬
‫يقبل المخالفة والمناقشة‪ ,‬فال يتـمتع هذا التفسـير بقوة ملزمة في التطبيق‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫يعتبر الفقه مصدراً تفسيرياً للقواعد النظامية‪ ,‬والمصدر التفسيري إنما هو المرجع‬
‫الذي يساعد على تجلية غموض القاعدة النظامية‪ ,‬وتوضيح ما فيها من إبهام‪ ,‬وسُمي‬
‫كذلك ألن القاضي يسترشد به في التعرف على حقيقة القواعد التي يستمدها من‬
‫مصادرها الرسمية لكي يحكم في النزاع المعروض عليه دون أن يكون ملزماً بما جاء‬
‫فيها‪.‬‬
‫وبالرغم من أن الفقه يعتبر مصدراً تفسيرياً للقانون إال أنه يتعدى ذلك ليتحول إلى‬
‫مصدر استلهام للقاضي والمحامي‪ ,‬فالقاضي عندما تعرض عليه قضية ما فإنه يرجع‬
‫إلى اآلراء الفقهية ومختلف الكتابات الصادرة في القضية حتى يكون حكمه عادالً ومنصفاً‬
‫للطرفين‪ ,‬ورغم أن الفقه يعتبر مصدر غير مباشر لكنه أساسياً حيث يتم الرجوع إلى‬
‫أعمال الفقه المنجزة من أجل إعداد النصوص التشريعية واالستفادة من تجارب الدول‬
‫األخرى في هذا المجال‪.‬‬
‫• ‪ /٢‬التفسير القضائي‪:‬‬
‫يعتبر االجتهاد القضائي مصدراً تفسيرياً من مصادر القانون‪ ,‬واالجتهاد بصفة عامة هو‬
‫إعمال الرأي وبذل الجهد العقلي للتعرف على الحكم‪ ,‬فإذا مارسه القضاء فهو اجتهاد‬
‫قضائي‪.‬‬
‫واالجتهاد القضائي هو عبارة عن مجموع المبادئ والحلول القانونية التي تستخلص من‬
‫أحكام القضاء )المحاكم( في مسألة معينة‪ .‬فهو مبادئ مستمدة من إطراد أحكام القضاء‬
‫على اتباعها والحكم بها‪ ,‬مما يُنشئ ما يُعرف بالسابقة القضائية‪.‬‬
‫فيطلق مصطلح السوابق القضائية على مجموعة المبادئ القانونية التي تستخلص من‬
‫أحكام المحاكم عند تطبيقها للقانون‪ ,‬أي األحكام التي تتضمن مبادئ قانونية توصل‬
‫إليها القضاء بعد إعمال الرأي وبذل الجهد العقلي خاصة في األمور التي يكون الحكم‬
‫القضائي فيها محل خالف‪ ,‬فتفصل فيها وتضع مبدأً قانونياً تسير عليه‪.‬‬
‫ويعتبر االجتهاد القضائي مصدراً تفسيرياً للقانون فال يتم الرجوع إليه إال على سبيل‬
‫االستئناس‪ ,‬حيث إن المحاكم غير ملزمة من الوجهة القانونية بالسوابق القضائية‪ ,‬لذلك‬
‫يعد القضاء مصدر تفسيري يلجأ إليه القاضي لتحديد مضمون القاعدة القانونية وإزالة‬
‫ما يشوبها من غموض‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫التفسير القضائي غير ملزم حتى للقاضي الذي أصدره إذا ما عرض عليه نزاع مماثل‬
‫في المستقبل‪.‬‬
‫فالتفسير القضائي إذن هو ما يقوم به القضاء من اجتهاد في فهم النصوص وتطبيقـها‬
‫على الوقائع المعروضة‪ ,‬فالقاضي وهو يتلمس الحكم الذي يتـعين تطبيـقه على الواقعة‬
‫المعروضة‪ :‬عليه أن يجتهد فهم النصوص واستخالص المدلول المراد منها‪ ,‬ليـتحقق من‬
‫مدى انطباقه على الواقـعة‪.‬‬

‫‪ v‬أهم طرق تفسير النصوص القانونية‪:‬‬


‫وهي األدوات أو الوسائل التي يستعين بها المفسر للتعرف على مغزى النص الذي هو‬
‫بصدد تفسيره‪ .‬و تنقسم طرق التفسير هنا إلى نوعين‪ :‬طرق تفسير داخلية‪ ,‬وأخرى‬
‫خارجية‪.‬‬
‫الفرع األول‪ :‬طرق التفسير الداخلية‬
‫يقصد بهذه الطرق الوسائل التي بها يستخلص المفسر من داخل النص ذاته مدلول هذا‬
‫النص وحكمه دون اللجوء إلى أية وسيلة خارجية عن ذات النص‪ .‬و ينقسم إلى ما يلي‪:‬‬
‫‪ /١‬االستنتاج من مفهوم الموافقة‪:‬‬
‫يقصد به إعطاء واقعة مسكوت عنها= حكم واقعة أخرى منصوص عليها; التحاد العلة‬
‫في الواقعتين‪.‬‬
‫و هما نوعان‪ :‬قياس عادي‪ ,‬و قياس من باب أولى‪.‬‬
‫أ‪ .‬القياس العادي‪ :‬هو إعطاء واقعة غير منصوص على حكمها الحكم الذي ورد به‬
‫النص في واقعة أخرى لتساوي الواقعتين في علة هذا الحكم‪ ,‬إذ إن الحكم يوجد‬
‫حيث توجد علته‪ .‬مثال‪ :‬تحريم الخمر بسبب أنه مسكر و يذهب العقل‪ ,‬فألحق به‬
‫المخدرات الشتراكهما في العلة‪ ,‬و هي إذهاب العقل‪.‬‬
‫ب‪ .‬القياس من باب أولى‪ :‬يتحقق هذا النوع من القياس حيث توجد حالة منصوص على‬
‫حكمها‪ ,‬و تكون علة هذا الحكم متوافرة بشكل أوضح و أظهر في حالة أخرى غير‬
‫منصوص عليها‪ ,‬فيثبت لها الحكم من باب أولى‪ .‬مثال‪ :‬إذا منع المنظم من بيع عقارات‬
‫القاصر مثال‪ ,‬فيفهم من باب أولى منعه من هبة أموال القاصر‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ /٢‬االستنتاج من مفهوم المخالفة‪:‬‬
‫يقصد باالستنتاج من مفهوم المخالفة إعطاء حالة غير منصوص عليها عكس حكم حالة‬
‫منصوص عليها‪ .‬وبعبارة أخرى فإن االستنتاج بمفهوم المخالفة صورة عكسية تماما‬
‫لالستنتاج من مفهوم الموافقة‪.‬‬
‫مثال‪ :‬النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصالة" ‪ ,‬هذا‬
‫منطوق الحديث‪ ,‬ومفهومه‪ :‬أن من لم يدرك ركعة كاملة من صالة الجمعة لم يدرك صالة‬
‫الجمعة‪ ,‬فيصليها أربعا‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬طرق التفسير الخارجية‬


‫و يقصد بها الوسائل الخارجية عن ذات النص التي يستعين بها المفسر للوقوف على‬
‫إرادة المنظم الحقيقية‪ ,‬بحيث ال تعتمد هذه الطرق على تحليل عبارات النص و ألفاظه‪,‬‬
‫بل على عناصر خارجة عنه وتتمثل هذه الطرق بالرجوع إلى كل من‪ :‬حكمة التشريع‪,‬‬
‫األعمال التحضيرية‪ ,‬والمصادر التاريخية‪.‬‬

‫أ‪ -‬حكمة التشريع‪ :‬يراد بحكمة التشريع أو روح التشريع الباعث على وضع الحكم‬
‫الذي يتضمنه هذا التشريع‪ .‬و يتمثل هذا الباعث إما بالمصلحة التي يقصد‬
‫المنظم تحقيقها أو بالمفسدة التي يرمي إلى دفعها‪ ,‬فعلى ضوء هذه الغاية يسهل‬
‫تفسير النص‪.‬‬
‫ب‪ -‬األعمال التحضيرية‪ :‬يقصد بها مجموعة الوثائق الرسمية التي تضم المذكرات‬
‫اإليضاحية وتقارير ومناقشات اللجان والهيئات التي قامت بإعداد التشريع‪ ,‬فهذه‬
‫األعمال تساعد المفسر كثيرا في الكشف عن مقصود المنظم‪.‬‬
‫ت‪ -‬المصادر التاريخية‪ :‬المصدر التاريخي لنص تشريعي ما هو إال األصل التاريخي‬
‫الذي استقى منه المنظم حكمه‪ .‬و بذلك الرجوع إلى هذا األصل يساعد على‬
‫معرفة اإلرادة الحقيقية للمنظم إن لم تسعفه طرق التفسير األخرى‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬تطبيق القاعدة القانونية‬

‫‪ v‬أوال‪ /‬نطاق تطبيق النظام من حيث األشخاص‬


‫بمجرد تمام القاعدة القانونية ونشرها في الجريدة الرسمية فإنها تصبح ملزمة لجميع‬
‫المخاطبين بمضمونها‪ ,‬وليس ألحد من المكلفين أن يستند الى جهله بالقاعدة القانونية‬
‫لكي يتحلل من تطبيق أحكامها‪ ,‬وبالتالي فإن نطاق تطبيق القانون بالنسبة لألشخاص‬
‫المتعلق بهم حكمه سيكون وفقاً لمبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون‪.‬‬
‫حيث تسري القاعدة النظامية في حق جميع األشخاص المخاطبين بأحكامها من علم‬
‫بها ومن جهلها على السواء‪ ,‬وهذا المبدأ ‪ -‬عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون ‪ -‬ليس‬
‫مطلقاً‪ ,‬وترد عليه بعض االستثناءات‪ ,‬وفيما يلي نتناول ماهية هذا المبدأ ونطاقه‪ ,‬ثم‬
‫نوضح االستثناءات الواردة عليه‪.‬‬

‫• مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالنظام والقانون‬


‫‪ o‬ماهية المبدأ‪:‬‬
‫يُقصد به افتراض علم الناس كافة بالقانون‪ ,‬وأنه واجب التطبيق حتى ولو لم‬
‫يكن يعلم به‪ .‬فمتى وجدت القاعدة القانونية مستمدة من مصادرها الرسمية‬
‫وأصبحت نافذة‪ ,‬فإنها تسري في حق جميع األشخاص المخاطبين بأحكامها‬
‫سواء علموا بها أم لم يعلموا‪ ,‬وال يجوز ألحد أياً ما كان االحتجاج بعدم العلم‬
‫بها تهرباً من تطبيق أحكامها عليه‪.‬‬
‫والمسوغ لهذا المبدأ أن القبول بادعاء الجهل بالقانون سيؤدي إلى زعزعة الثقة‬
‫بالمعامالت‪ ,‬وسيُؤثر على سير العدالة ويقلل من احترام القانون‪ ,‬ويجعل‬
‫القاعدة القانونية غير ملزمة ألفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪ o‬نطاق المبدأ‪:‬‬
‫ذهب غالبية فقهاء القانون إلى أن مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون‬
‫يتّسم بالعمومية‪ ,‬أي أنه ينطبق على جميع القوانين سواء كانت تشريعات‬
‫أساسية‪ ,‬عادية أم فرعية‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫‪ o‬االستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون‪:‬‬
‫يرد على هذا المبدأ حاالت استثنائية يستطيع بسببها أن يتمسك األفراد‬
‫بالمطالبة بعدم تطبيق القانون عليهم استنادا إلى جهلهم بالقانون‪ ,‬وهذه‬
‫الحاالت هي‪:‬‬
‫‪ -‬وجود نص يجعل الجهل بالقانون عذرا ‪ :‬فإذا نص القانون على جواز‬
‫االعتذار بالجهل بالقانون يعمل بهذا النص‪ ,‬كالقانون الذي صدر في فرنسا‬
‫عام ‪1980‬م والذي نص على أنه إذا حدثت مخالفة في وقت قريب من وقت‬
‫إعالن القانون‪ ,‬فإن العذر بجهل القانون يقبل بشرط أن يكون القانون جنائياً‪.‬‬
‫‪ -‬في حالة القوة القاهرة‪ :‬وهي الحادث الذي يستحيل دفعه وال يمكن توقعه‪,‬‬
‫ويؤدي إلى استحالة االلتزام‪ ,‬كما لو عزل جزء من إقليم الدولة بسبب فيضان‬
‫أغرقه وقطع سُبل االتصال به‪ ,‬أو بسبب احتالل العدو له‪ ,‬أو بسبب قيام ثورة‬
‫أو نشوب اضطرابات فيه وانقطاعه عن باقي اإلقليم‪ ,‬فهذه قوة قاهرة يستحيل‬
‫معها وصول الجريدة الرسمية التي تنشر فيها التشريعات إلى هذا الجزء‬
‫المعزول‪ ,‬األمر الذي يقتضي تعطيل مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون‬
‫لحين زوال هذه الظروف‪.‬‬

‫• »القانون ال يحمي المغفلين«?‬


‫شاعت في الناس هذه العبارة‪ ,‬ومهما قيل في هذه العبارة‪ ,‬فإن المعلوم باالستقراء أن‬
‫الشريعة اإلسالمية تحمي المغفلين ما لم تترتب على ذلك جناية وظلم لآلخرين‪ ,‬وما‬
‫لم تظهر في سلوك الغافلِ أو المتغافل ذريعة االحتيال للخروج من تبعة المسؤولية‬
‫والتزامات العقود‪" .‬تلقي الركبان"‪.‬‬
‫وحماية للمغفلين وحفظاً لحقوقهم شرعت الشريعة اإلسالمية ما يعرف في العقود‬
‫المالية بالخيارات الشرعية; كخيار المجلس‪ ,‬أي مجلس العقد‪ ,‬فكل من دخل في عقد‬
‫معاوضة; كبيعٍ‪ ,‬أو إجارة‪ ,‬أو غير ذلك‪ ,‬فالشريعة تُثبت له حقاً مشروعاً ال يستطيع أحد‬
‫إسقاطه‪ ,‬وهو حق فسخ العقد‪ ,‬ما دام هو وصاحبه ‪ -‬الطرف اآلخر في العقد ‪ -‬لم‬
‫يتفرقا من مجلس العقد; لتكون له فرصة للتروي والرجوع عن التزامات العقد‪ ,‬وليس‬
‫هذا خاصاً بالمغفلين‪ ,‬بل هو عام لكل المتعاقِدِين‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ثم تخطو الشريعة خطوة أوسع في حماية حقوق المغفلين‪ ,‬لتمنحهم خيارات أخرى تحفظ‬
‫لهم حقوقهم وأموالهم‪ ,‬كخيار العيب‪ ,‬فمن اشترى سلعة ال يعلم أنها معيبة‪ ,‬فله حق ردها‬
‫لصاحبها وأخذ ثمنها‪ ,‬أو أخذ فرق ما بين قيمتها سليمة وقيمتها معيبة‪ ,‬ولو بعد أعوام‬
‫ما دام ال يعلم بوجود العيب‪ ,‬وليس من مسؤوليته شرعاً عند شراء سلعةٍ ما أن يقلبها‬
‫ليستكشف عيوبها‪ ,‬وتهاونُه في هذا ال يسقط عنه حقه في فسخ البيع‪ ,‬أو في أخذ قسطِ‬
‫ما بين قيمتها سليمة وقيمتها معيبة‪ ,‬وإنما مسؤولية كشف العيب على البائع; ولذا قال‬
‫‪ -‬عليه الصالة والسالم ‪ -‬عن المتبايعين‪» :‬فإن صدقا وبيﱠنا بورك لهما في بيعهما‪ ,‬وإن‬
‫كذبا وكتما محقت بركة بيعهما«‪.‬‬
‫أما خيار الغبن فهو حق تمنحه الشريعة لكل من غُبن في ثمن سلعة غبناً فاحشاً‪ ,‬بأن‬
‫اشتراها بأكثر من قيمتها في السوق بكثير‪ ,‬وليس من مسؤولية المشتري أن يتحقق من‬
‫قيمتها في السوق قبل أن يشتريها‪ ,‬وإنما على البائع أال يبالغ في ثمنها مبالغة تخرج عن‬
‫حد العرف والعادة في تفاوت األسعار‪ .‬فعن عبدالله بن عمر أن رجالً ذَكر للنبي ‪ -‬صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ -‬أنه يخدع في البيوع‪ ,‬فقال‪» :‬إذا بايعت فقل ال خالبة« ‪ -‬أي ال خديعة‬
‫‪ .-‬ومثله خيار التدليس‪ ,‬والتدليس يكون إما بكتمان العيب عن المشتري وإظهار السلعة‬
‫بما يوهم عدمه‪ ,‬وإما إظهار السلعة بما يزيد في ثمنها‪ ,‬والحيل في هذا الباب أوسع من‬
‫أن تُحصر‪ ,‬فمن انخدع بصورة من صور التدليس فله حق فسخ العقد كذلك‪.‬‬
‫كما أن نهي الشريعة عن عقود الغرر والقمار هو نوع من حماية عموم المتعاقدين‪ ,‬وليس‬
‫المغفلين وحدهم‪.‬‬
‫غير أن ثمة صوراً ال تحمي فيها الشريعة المغفلين‪ ,‬على أنها استثناء للقاعدة وليست‬
‫ناقضاً لها‪ ,‬مثل تسرّع بعضهم باإلمضاء على وثائق العقود المالية من دون قراءة شروطها‬
‫»المنصوصة« قراءةً متأنية فاحصة تكشف له ما له من حقوق‪ ,‬وما عليه من مسؤوليات‬
‫وشروط‪ ,‬فال حجة له بعد هذا اإلمضاء أن يدعي الغفلة‪ ,‬أو الخديعة‪ ,‬أو الجهل‪ ,‬مع أن‬
‫الشريعة منحته خياراً في فسخ العقد ولو بعد إمضاء وثيقة العقد ما لم يتفرق هو والعاقد‬
‫اآلخر من المجلس; ألن إمضاءه دليلُ رضاه بذلك العقد المكتوب‪ ,‬وما تضمنه من شروط‪,‬‬
‫وهو بمثابة اإلقرار والعلم‪ ,‬ما لم تكن الشروط من حيث هي كذلك مخالفة للشريعة‪,‬‬
‫فذلك شأن آخر‪ ,‬فتحكم الشريعة بإلغائها ال حماية للمغفلين; ولكن لكونها باطلة لتخلف‬
‫بعض شروط صحتها‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫‪ v‬ثانيا‪ /‬نطاق تطبيق النظام من حيث المكان‬
‫إن تحديد النطاق أو الحيز المكاني لتطبيق القانون يحكمه مبدأين هما‪ :‬مبدأ إقليمية‬
‫القوانين‪ ,‬ومبدأ شخصية القوانين‪ ,‬ونتناول الحديث عن هذه المبادئ فيما يلي‪:‬‬

‫• ‪ :١‬مبدأ إقليمية القوانين‪.‬‬


‫يعني هذا المبدأ سريان قانون الدولة على جميع أجزاء إقليمها‪ ,‬وكل ما يوجد فيه من‬
‫أموال‪ ,‬وما يقع عليه من وقائع وتصرفات‪ ,‬وبالنسبة لكل القاطنين فيه وطنيين ومقيمين‪,‬‬
‫دون أن يتعدى تطبيقه حدود هذا اإلقليم إلى إقليم دولة أخرى‪ ,‬فيطبق على المواطنين‬
‫والمقيمين داخل الدولة نفسها فقط‪.‬‬
‫فوفقاً لهذا المبدأ يكون لكل دولة السيادة التامة على جميع أجزاء إقليمها البرية والمائية‬
‫والجوية‪ ,‬وهي تمارس عليه مظاهر هذه السيادة من اختصاصات تكاد تكون مطلقة بمنأى‬
‫عن أي تدخل خارجي‪ ,‬فالدولة تملك تنظيم المجتمع بالطريقة التي تختارها‪ ,‬ولذلك فإن‬
‫تطبيق القانون البد أن يكون تطبيقاً إقليمياً‪ ,‬بحيث يسري قانون الدولة على جميع أجزاء‬
‫إقليمها‪ ,‬وال يتعدى حدوده احتراما لسيادة الدول األخرى وقوانينها‪ ,‬وعلى جميع‬
‫األشخاص الذين يقيمون في إقليمها وطنيين ومقيمين‪ ,‬وبالنسبة لجميع الوقائع‬
‫والتصرفات التي تقع داخل هذا اإلقليم‪.‬‬
‫مقتضى هذا المبدأ ‪:‬عدم تعدي قانون الدولة إلى إقليم دولة أخرى‪ ,‬وانعدام سريانه‬
‫حتى على رعايا تلك الدولة المقيمين في دولة أجنبية‪ .‬وكذلك ال يتجاوز تطبيقه إلى‬
‫األشياء واألموال الموجودة خارج حدود الدولة‪.‬‬
‫أساس هذا المبدأ‪ :‬األساس هو استقالل كل دولة بإقليمها لتنظيم كل ما يقع بداخله من‬
‫عالقات قانونية; استنادا إلى أن القانون يعتبر المترجم الحقيقي لمظهر سيادة الدولة‬
‫على أرضها أي السلطان المطلق لقانون كل دولة داخل نطاق إقليمها وعلى كل ما يقع‬
‫فيه‪ ,‬دون أن تتعدى ممارسة تلك السيادة إلى إقليم آخر‪.‬‬
‫• ‪ : ٢‬مبدأ شخصية القوانين‪.‬‬
‫يُقصد بهذا المبدأ أن قانون الدولة إنما يسري على األشخاص المنتمين إليها فقط‬
‫دون اعتبار للمكان الذي يقيمون فيه‪ ,‬سواء كانوا داخل إقليم الدولة أم على إقليم دولة‬
‫أخرى‪ ,‬وال يطبق على المقيمين ولو كانوا يقيمون داخل حدود الدولة‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫ومثاالً لذلك‪ :‬تنص بعض التشريعات )ومنها القانون اللبناني( على أن القانون الواجب‬
‫التطبيق بشأن الميراث هو قانون المورّث‪ .‬وعليه لو توفي سعودي مقيم على أرض لبنان‬
‫فإن القانون الواجب التطبيق على تركته الموجودة على اإلقليم اللبناني هو القانون‬
‫السعودي‪.‬‬
‫ويستند هذا المبدأ على سيادة الدولة على رعاياها‪ ,‬فالعنصر البارز في الدولة هنا هو‬
‫مجموعة األشخاص الذين ينتسبون إليها وتجمعهم روابط واحدة وتقاليد وحضارة‬
‫مشتركة‪ ,‬أما اإلقليم فليس سوى المكان الذي يقيم عليه هؤالء األشخاص‪ ,‬والدولة تمثل‬
‫هؤالء األشخاص وتضع القوانين لهم ال لإلقليم‪ ,‬وهي تحاول أن تطبع هذه القوانين‬
‫بطابعهم‪ ,‬وأن تجعلها مالئمة لرغباتهم وحاجاتهم‪.‬‬

‫• الوضع في النظام السعودي‬


‫القاعدة العامة في النظام السعودي هي أن القانون يطبق تطبيقاً إقليمياً شأنه في ذلك‬
‫شأن معظم الدول الحديثة‪ ,‬فالنظام السعودي يطبق أصالً داخل اإلقليم السعودي‪ ,‬وعلى‬
‫كل المقيمين به سواء السعوديين أو المقيمين‪ ,‬وال يجاوز حدود اإلقليم السعودي حتى‬
‫ولو قصد أن يسري على السعوديين في الخارج‪.‬‬
‫وهنا يبرز تساؤل‪ ,‬هل امتداد تطبيق قانون الدولة ليشمل جميع القاطنين على أرضها‬
‫يرد عليه استثناءات? نعم‪ ,‬وهي‪:‬‬
‫تعتبر السفارات والقنصليات األجنبية المعترف بها أجزاء من أقاليم الدولة التي تمثلها‪,‬‬
‫وبالتالي فإن قانون الدولة التي توجد بها ال يسري عليها‪ .‬مثاله‪ :‬السفارة اإليطالية في‬
‫حي السفارات في الرياض ال يمكن للقانون السعودي في أي حال من األحوال أن ينفذ‬
‫بداخلها‪ ,‬بل يطبق على كل ما يجري بداخلها القانون اإليطالي‪ ,‬وإنما قد تتدخل السلطات‬
‫السعودية لتقديم المساعدة فقط‪ ,‬وكذلك الحال بالنسبة للموظفين الدبلوماسيين‬
‫ورؤساء الدول‪ ,‬حيث يتمتع هؤالء بحصانات قضائية وإعفاءات قانونية تحول دون تطبيق‬
‫قوانين الدولة المقيمين على أراضيها عليهم‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ v‬ثالثا‪ /‬نطاق تطبيق النظام من حيث الزمان‬
‫القاعدة العامة هو أن القانون الجديد يطبق فوراً منذ نفاذه بالنسبة للمستقبل‪ ,‬ويمتنع‬
‫سريانه على ما وقع في الماضي قبل نفاذه‪ ,‬وأن القانون القديم يقف سريانه من يوم‬
‫إلغائه‪ ,‬فتحديد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان يقوم على مبدأين أساسيين‪:‬‬
‫• ‪ :١‬مبدأ األثر الفوري للقوانين‪:‬‬
‫يعني مبدأ األثر الفوري للقانون أن كل تشريع جديد يطبق فوراً منذ تاريخ سريانه أي‬
‫وقت نفاذه‪ ,‬فيحدث آثاره مباشرة على كل الوقائع واألشخاص المخاطبين به على‬
‫الحاالت التي وقعت عقب نفاذه بصفة فورية ومباشرة‪ ,‬فالقانون الجديد يصدر ويطبق‬
‫على الحاضر والمستقبل‪ ,‬ال على الماضي‪ ,‬ويستخلص من ذلك أن القانون القديم يحكم‬
‫الحاالت التي تمت في ظله ‪,‬فال يطبق عليها القانون الجديد‪ ,‬فلو فرضنا أن قانوناً جديداً‬
‫صار نافذاً اليوم ونص على تجريم فعل لم يكن مجرماً من قبل‪ ,‬فمن البديهي أنه يسري‬
‫ابتداء من اليوم على كل من يقوم بهذا الفعل المجرم‪ ,‬وبالتالي ال يمكن متابعة من قاموا‬
‫بهذا الفعل في الماضي‪ ,‬وإن كان حتى باألمس‪ .‬مثالً‪ :‬لو فرضنا أن قانوناً جديداً صدر‬
‫نافذاً اليوم ونص على تجريم فعل لم يكن مجرماً من قبل كتهريب الذهب خارج البالد‪,‬‬
‫فإن هذا التشريع يطبق فوراً بالنسبة لألفعال التي تُرتكب بعد نفاذه بمقتضى األثر‬
‫المباشر له‪ ,‬وال يطبق على ما تم قبل نفاذه من أفعال‪.‬‬

‫• ‪ : ٢‬مبدأ عدم رجعية القوانين‪: .‬‬


‫‪ o‬مضمون المبدأ‪:‬‬
‫يعني هذا المبدأ أن التشريع ينتج آثاره فوراً ومباشرة على األفعال التي يقوم بها‬
‫األشخاص من تاريخ صدوره ونفاذه‪ ,‬وأنه ال محل للقول بجواز تطبيقه بأثر رجعي‪ ,‬أي‬
‫على الوقائع التي تمت قبل إصداره ونفاذه‪ ,‬فالتشريع ال يسري على الماضي وال يمكن‬
‫تطبيقه بأي حال على ما وقع قبل‪.‬‬
‫فالدول الحديثة تحرص على النص على هذا المبدأ في دساتيرها وقوانينها ومن بينها‬
‫المملكة العربية السعودية‪ ,‬فلقد نصت المادة )‪ (37‬من النظام األساسي للحكم السعودي‬

‫‪35‬‬
‫على أن‪" :‬العقوبة شخصية وال جريمة وال عقوبة إال بناءً على نص شرعي أو نص نظامي‪,‬‬
‫وال عقاب إال على األعمال الالحقة للعمل بالنص النظامي"‪.‬‬
‫فيتضح من هذا النص أن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد القاضي‪ ,‬فال يملك الخروج‬
‫عليه مطلقاً‪ ,‬أما المنظم فيجوز له الخروج عليه بأن يجعل لنظام ما أثراً رجعياً إذا‬
‫وجدت مبررات قوية تستوجب الرجوع إلى الماضي في تطبيقه‪.‬‬

‫‪ o‬االستثناءات‪:‬‬
‫إن لمبدأ عدم رجعية األنظمة بعض استثناءات يجوز فيها المساس بالحقوق المكتسبة‪,‬‬
‫أي تجوز فيها رجعية القوانين الجديدة‪ ,‬وهذه االستثناءات هي‪:‬‬
‫أ‪ .‬القوانين واألنظمة الجنائية األصلح للمتهم‪/‬‬
‫إذا صدر قانون جنائي جديد وكان أصلح للمتهم‪ ,‬بأن كان يمحو جريمة‪ ,‬أو يخفف العقوبة‬
‫المقررة ‪,‬أو يعدل شروط التحريم‪ ,‬أو حق المالحقة تعديالً في مصلحة المتهم‪ ,‬فإنه‬
‫يسري بأثر رجعي‪ ,‬فيسري على الجرائم التي ارتكبت قبل نفاذه ولم يصدر فيها حكم‬
‫نهائي بعد‪ ,‬وهذا ما يسلم به الفقه والقضاء وتأخذ به العديد من القوانين‪.‬‬
‫فقاعدة عدم رجعية القوانين قد تقررت لحماية األفراد من تعسف السلطات‪ ,‬ولكن‬
‫الحكمة من هذه القاعدة ال تتوافر إذا كان القانون الجديد ينص على إلغاء التحريم‪ ,‬أو‬
‫تخفيف العقاب‪ ,‬فيكون من صالح األفراد المتهمين في جرائم جنائية أن يطبق عليهم‬
‫القانون الجديد بأثر رجعي مع أن جرائمهم قد ارتكبوها في الماضي في ظل قانون‬
‫قديم‪.‬‬
‫ب‪ .‬النص الصريح على سريان التشريع على الماضي‪/‬‬
‫يجوز للمشرع أن ينص في تشريع جديد على سريانه على الماضي‪ ,‬أي تطبيقه بأثر‬
‫رجعي‪ ,‬ومرجع ذلك إلى أن مبدأ عدم رجعية القوانين إنما يقيد القاضي فقط وال يقيد‬
‫المشرع‪ ,‬بغرض تحقيق مصلحة اجتماعية عامة أو فيما يخص النظام العام‪.‬‬
‫والخروج على مبدأ عدم رجعية القوانين يعد رخصة استثنائية ال تستخدم إال في حالة‬
‫الضرورة القصوى التي تقتضيها مصلحة الجماعة‪ ,‬وعندئذ نضحي بمصلحة األفراد في‬
‫سبيل تحقيق هذه المصلحة الجماعية‪.‬‬
‫ت‪ .‬إذا كان القانون الجديد قانوناً تفسيريا من الجهة التنظيمية‪/‬‬

‫‪36‬‬
‫القانون المفسر هو التشريع الذي يصدر إلزالة غموض قانون نافذ أدى إلى االختالف‬
‫في تفسيره وتطبيقه‪ ,‬فقد تختلف المحاكم في الرأي عند تفسير قانون معين ويضطرب‬
‫قضاؤها فيه‪ ,‬فيتدخل المشرع في هذه الحالة بإصدار قانون جديد يفسر القانون‬
‫القديم‪ ,‬فيسمى بالتشريع التفسيري‪.‬‬
‫والقانون المفسر يعتبر جزءاً متمماً ومكمالً للقانون السابق المراد تفسيره‪ ,‬ألنه كاشف‬
‫ال مُنشئ‪ ,‬فال يأتي بأحكام موضوعية جديدة بل يتضمن أحكاماً مفسرة للقانون القديم‪,‬‬
‫ولذلك فهو يسري على ما وقع قبل صدوره في ظل هذا القانون استثناءً من مبدأ عدم‬
‫الرجعية‪ ,‬أي أنه يسري ال من تاريخ نفاذه هو‪ ,‬بل من تاريخ نفاذ القانون السابق‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫السلطات العامة في الدولة‬
‫جاء النظام األساسي للحكم بتنظيم السلطات العامة على نحو أكثر وضوحاً وتحديداً ‪,‬‬
‫حيث صنفها في مادته الرابعة واألربعين في ثالث‪ ,‬هي ‪:‬‬
‫)‪ (1‬السلطة القضائية‪.‬‬
‫)‪ (2‬السلطة التنفيذية‪.‬‬
‫)‪ (3‬السلطة التنظيمية‪.‬‬
‫وهو بهذا التصنيف اتبع ما هو شائع ومشتهر في تنظيمات الدولة المعاصرة‪ ,‬ومع أن‬
‫هذه السلطات هي األشهر واألبرز إال أنه تبدو من ورائها سلطة أخرى يتوفر لها قدر من‬
‫الخصوصية واالستقالل يمكن أن يطلق عليها السلطة الرقابية ‪-‬تعتبر السلطة الرابعة‪.‬‬
‫وإلضفاء قدر من البيان على هذه السلطات وتحديد أهم معالم تكوينها ‪ ,‬واختصاصاتها‪,‬‬
‫وسلطاتها‪ ,‬والعالقة بينها ‪ ,‬فإن ذلك يتم في الفروع التالية‪:‬‬

‫‪ v‬الفرع األول‪ :‬السلطة القضائية‬


‫رسخ النظام األساسي للحكم مبدأ استقاللية القضاء‪ ,‬سواء القضاء العام أو اإلداري‪,‬‬
‫حينما اكد في المادة السادسة واالربعين على أن القضاء سلطة مستقلة‪ ,‬وال سلطان على‬
‫القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة اإلسالمية‪.‬‬
‫ثم أكد على حق التقاضي بالنص في مادته السابعة واالربعين على أن حق التقاضي‬
‫مكفول بالتساوي للمواطنين والمقيمين في المملكة‪.‬‬

‫‪ v‬الفرع الثاني‪ :‬السلطة التنفيذية‬


‫رئاسة السلطة التنفيذية للملك‪.‬‬
‫والسلطة التنفيذية‪ ,‬هي‪ :‬الوزراء ووزراتهم‪.‬‬

‫‪ v‬الفرع الثالث‪ :‬السلطة التنظيمية‬


‫تعد السلطة التنظيمية أهم مظاهر سيادة الدولة‪ ,‬وبها يتحدد منهج الدولة ومسلكها‬
‫العام وسياستها في رعاية الحقوق والمصالح‪ ,‬ويتشكل وفقاً لها هيكل الدولة وأجهزتها‬

‫‪38‬‬
‫ومؤسساتها‪ ,‬ومن األمور الجديدة التي جاء بها النظام األساسي للحكم إسناد السلطة‬
‫التنظيمية إلى جهتين هما مجلس الوزراء ومجلس الشورى‪.‬‬
‫ومع أن السلطة التنظيمية محصورة في الفرعين المذكورين )مجلس الشورى ومجلس‬
‫الوزراء(‪ ,‬إال أن هناك جهة ذات أهمية بالغة في العمل التنظيمي تمثل المرجع المعتبر‬
‫فيما قد يشكل من الحادثات والنوازل والوقائع والمتغيرات بحيث يستجلى منها الرأي‬
‫الشرعي‪ ,‬وهي هيئة كبار العلماء كما نصت على ذلك المادة الخامسة واألربعون‪.‬‬

‫األدوات التنظيمية‬
‫يخلط الكثير من الناس بين األمر الملكي والمرسوم الملكي والتوجيه الملكي‪ ,‬واألمر‬
‫السامي وقرار مجلس الوزراء‪ ,‬وهي ما يطلق عليها في علم القانون الدستوري بمسمى‬
‫)األدوات التنظيمية لإلرادة الملكية(‪ .‬فهذه األدوات تختلف باختالف مسمياتها‪ ,‬بل‬
‫وتختلف كذلك حجيّتها القانونية إذ ليست على قدرٍ متساوٍ من القوة‪.‬‬

‫‪ v‬فاألمر الملكي‪:‬‬
‫هو أقوى وأسمى هذه األدوات التنظيمية في المملكة العربية السعودية على اإلطالق‪ ,‬إذ‬
‫يمثل اإلرادة الملكية الكريمة بصورة مباشرة‪ ,‬وهو قرار مكتوب بطريقة محددة يحمل‬
‫توقيع الملك بصفته رئيساً للدولة في موضوعٍ لم يُعرض على مجلسي الوزراء والشورى‪,‬‬
‫وهذا أهم ما يميّز هذه األداة عن غيرها من األدوات‪.‬‬
‫ومن األمثلة على ذلك‪ :‬تعيين أمراء المناطق‪ ,‬والوزراء ونواب الوزراء والمرتبة الممتازة‪,‬‬
‫والقضاة وكبار القادة العسكريين‪ ,‬وكذلك إصدار األنظمة األساسية كنظام المناطق‬
‫ونظام هيئة البيعة‪ ,‬وغيرها‪.‬‬

‫‪ v‬أما المرسوم الملكي‪:‬‬


‫فهو قرار مكتوب بشكل محدد ويحمل توقيع الملك بوصفه رئيساً للدولة في موضوع‬
‫سبق بحثه في مجلسي الوزراء والشورى‪ ,‬أو في مجلس الوزراء فقط‪ ,‬وتمت الموافقة‬
‫عليه‪ ,‬كالموافقة على بعض األنظمة واالتفاقيات والمعاهدات الدولية‪ ,‬وغيرها‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫‪ v‬والتوجيه الملكي‪:‬‬
‫هو توجيه من الملك يُصدره بصفته رئيساً للدولة لمتابعة أمر معين‪ ,‬وليس له شكل‬
‫محدد‪ ,‬وغالباً ما يكون هذا التوجيه شفاهةً‪ ,‬إال أنه يجب أن يتم تبليغه للجهة المختصة‬
‫كتابةً عن طريق الديوان الملكي‪.‬‬

‫‪ v‬وفيما يتعلق باألمر السامي‪:‬‬


‫فهو قرار مكتوب يُوقعه الملك بصفته رئيساً لمجلس الوزراء‪ ,‬وقد يصدر من النائب األول‬
‫أو النائب الثاني باعتبارهم نواباً لرئيس مجلس الوزراء‪ ,‬واألمر السامي ليس له شكل‬
‫محدد‪ ,‬وغالباً ما يتعلق بتوجيه السياسة العامة للدولة‪ ,‬وبما يحقق مصالح المواطنين‪,‬‬
‫ويضمن تسيير مختلف األجهزة الحكومية‪ .‬ولعل أقرب مثال على ذلك هو قرار السماح‬
‫للمرأة بقيادة السيارة الذي صدر قريبا‪.‬‬

‫‪ v‬أما قرارات مجلس الوزراء‪:‬‬


‫فهي قرارات مكتوبة صادرة عن مجلس الوزراء تحمل توقيع رئيس المجلس أو نائبه األول‬
‫أو الثاني بوصفهم نواباً لرئيس مجلس الوزراء‪ ,‬إال أن هذه القرارات ال تعتبر نهائية إال‬
‫بعد موافقة الملك عليها‪ .‬ومن األمثلة على ذلك ما جاء في المادة السادسة من نظام‬
‫الخدمة المدنية التي أوضحت أن تعيينات كبار موظفي الدولة بالمرتبة الرابعة عشرة‬
‫والخامسة عشرة تكون بموافقة من مجلس الوزراء وبقرار منه‪ .‬وتتسم بأن لها صيغة‬
‫تنظيمية وتنفيذية‪ ,‬وتصدر هذه القرارات بعد االجتماع األسبوعي للمجلس‪.‬‬
‫ولعله من نافلة القول أن نشير إلى أنه ال توجد حتى اآلن نصوص نظامية مكتوبة لتنظيم‬
‫هذه القرارات واألدوات التنظيمية وتبيان معانيها والفروقات بينها بتفصيلٍ ودقة‪ ,‬حيث‬
‫إن التوضيح المتواجد حالياً في الكتب والمراجع العلمية عائد إلى )العرف الدستوري(‪.‬‬

‫‪ v‬حكم التقنين‬
‫التقنين هو صياغة األحكام الفقهية ذات الموضوع الواحد‪ ,‬بعبارات آمرة‪ ,‬مرتبة ترتيبا‬
‫موضوعيا‪ ,‬بعيدا عن التكرار والتضارب‪ .‬وهو في حقيقته إلزام القاضي بالقضاء بأحكام‬
‫معينة ال يتجاوزها مهما خالفها اجتهاده لو كان مجتهداً‪ .‬والكالم فيه طويل‪ ,‬ولكن القول‬

‫‪40‬‬
‫بجواز التقنين رغم بعض سلبياته هو من السياسة الشرعية; تغليبا لمصالحه الراجحة‪.‬‬
‫ومسألة التقنين هي من القضايا االجتهادية التي يسوغ فيها الخالف‪ .‬وبالتالي فال‬
‫إنكار على أي من الفريقين المختلفين طبقاً لما قرره علماؤنا من أن المسائل االجتهادية‬
‫إجماالً ال إنكار فيها على أحد من المختلفين‪ .‬ونظرا ألنه استجد في هذا الوقت توسع‬
‫المحاكم‪ ,‬وزيادة عدد القضاة‪ ,‬باإلضافة إلى كثرة الحوادث وتشعّبها‪ ,‬وضعف الملكة‬
‫العلمية عند كثير من طالب العلم في الكليات الشرعية التي تخرج القضاة باإلضافة إلى‬
‫انفتاح مجتمعنا على بقية المجتمعات العالمية‪ ,‬وانضمام المملكة لمنظمة التجارة‬
‫العالمية ومطالبة اآلخرين لنا بنظام قضائي واضح ومحدد كما أن أنظمتهم واضحة‬
‫ومحددة بشكل كبير‪ ,‬كل ذلك يتطلب القول بجواز التقنين واإللزام به‪.‬‬

‫والله تعالى أعلم‪.‬‬


‫أسأل الله لي ولكم العلم النافع والعمل الصالح‪ ,‬والتوفيق والنجاح في الدنيا واآلخرة‪.‬‬
‫اللهم اجعل أعمالنا كلها صالحة‪ ,‬ولوجهك خالصة‪ ,‬وال تجعل ألنفسنا وال الدنيا وال‬
‫الشيطان منها حظ وال نصيب‪ ,‬وتقبلها منا يا أرحم الراحمين‪ .‬آمين‪.‬‬

‫‪41‬‬

You might also like