Professional Documents
Culture Documents
مقرر مدخل إلى الأنظمة
مقرر مدخل إلى الأنظمة
وزارة التعليم
جامعة اإلمام محمد بن سعود اإلسالمية
كلية الشريعة بالرياض
مقرر
مدخل إلى األنظمة
المستوى الرابع
vضرورة النظام
اإلنسان كائن اجتماعي ال يستطيع أن يعيش بمفرده ,بل البد له من العيش في جماعة,
فهو عاجز بمفرده مستطيع بغيره ,فوجود المجتمع أمر حتمي ,ما دام اإلنسان ال يعيش
إال في جماعة ,األمر الذي يستتبع دخوله مع غيره من األشخاص في عالقات مختلفة
وروابط شتى.
والفرد في سعيه إلشباع حاجاته وتحقيق رغباته قد تتعارض مصالحه مع مصالح غيره
من األفراد; جراء رغبة كل فرد إشباع شهواته وتحقيق مصالحه دون االلتفات إلى مصالح
غيره ,فهو أناني بطبعه.
ولو ترك للفرد أمر تسوية عالقاته مع غيره وفقاً لمشيئته وأهوائه لغلبَ مصلحته على
مصلحة غيره ,فتصبح الغلبة للقوي ,وحينئذ تعم الفوضى ويسود االضطراب وينعدم
األمن; األمر الذي يهدد كيان المجتمع.
فال شك أن المجتمع الذي تخلو ربوعه من ظالل النظام ,سيكون بمثابة غابة يأكل القوي
فيها الضعيف; فتتعثر مسيرة الحياة ,ويطغى االضطراب وعدم التوازن فيها ,وعلى
العكس من ذلك يكون األمر في المجتمع الذي يعيش تحت ظالل النظام ,حيث ترى
التوازن بادياً فيه ,إذ إن تشبع فكر أبناء ذلك المجتمع بمبادئ النظام أضفى عليه صفة
1
االستقرار ,فاإليمان بضرورة وجود النظام وحتمية االمتثال لقواعده دليل على رقي فكر
المجتمع.
لهذا كان البد للمجتمع من نظام يوجه نشاط األفراد ويحكم ما بينهم من عالقات على
نحو يتم فيه الحد من حرياتهم ورغباتهم المطلقة ,والتوفيق بين مصالحهم المتعارضة,
ومقتضى هذا أن تكون هناك قواعد عامة موضوعة مقدماً لتحديد ما يجب أن يكون
عليه سلوك األفراد ومعامالتهم ,وأن تكون هناك سلطة عامة تمثل الجماعة تستطيع بما
لها من سلطة وقوة أن تُجبر األفراد على احترام هذه القواعد ,فيتحقق بذلك النظام
واألمن والعدل داخل المجتمع ,ومن هذه القواعد يتكون النظام.
2
القسم الثالث :من يدرس القوانين أو يتولى تدريسها مستحال للحكم بها ,سواء اعتقد
أن الشريعة أفضل أم لم يعتقد ذلك ,فهذا القسم كافر بإجماع المسلمين كفرا أكبر .
ألنه باستحالله الحكم بالقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله يكون مستحال لما علم
من الدين بالضرورة أنه محرم فيكون في حكم من استحل الزنا والخمر ونحوهما.
وال شك أن الطلبة الذين يدرسون بعض القوانين الوضعية أو المدخل إليها في معهد
القضاء أو في معهد اإلدارة ال يقصدون بذلك أن يحكموا بما خالف شرع الله منها ,وإنما
أرادوا أو أريد منهم أن يعرفوها ويقارنوا بينها وبين أحكام الشريعة اإلسالمية; ليعرفوا
بذلك فضل أحكام الشريعة على أحكام القوانين الوضعية ,وقد يستفيدون من هذه
الدراسة فوائد أخرى تعينهم على المزيد من التفقه في الشريعة واالطمئنان إلى عدالتها,
ولو فرضنا أنه قد يوجد من بينهم من يقصد بتعلمها الحكم بها بدالً من الشريعة
اإلسالمية ويستبيح ذلك لم يجز أن يحكم على الباقين بحكمه? ألن النبي صلى الله عليه
وسلم يقول) :ال يجني جان إال على نفسه( .مجموع فتاوى الشيخ ابن باز )(331-325/2
باختصار.
vاإللزام:
أهمية الصفة اإللزامية في القوانين واألنظمة تتجلى في أنها تميز القاعدة النظامية عن
غيرها من القواعد االجتماعية األخرى مثل قواعد األخالق وقواعد المجامالت وغيرهما
من القواعد ,إذ أن مخالفة هذا األمر الملزم يوقع الجزاء على من يخالفها.
3
vأنواع الجزاء
الجزاء القانوني هو أثر يترتب على مخالفة أحكام القاعدة النظامية ,ويفرض من قبل
السلطة العامة في الدولة ممثلة بالسلطة القضائية.
وهذا الجزاء يكون على عدة أنواع ,كالتالي:
4
غير أن الجزاءين الجنائي والمدني قد يجتمعان فيما لو مست المخالفة أمن المجتمع
وتضمنت في الوقت نفسه االعتداء على حق خاص ,مثل السرقة ,ففيه الحد وفيه إرجاع
المال المسروق.
vهل يصح إطالق لفظ "التشريعي" بدل "التنظيمي" عند الكالم على سن القوانين
واألنظمة?
بالنسبة للفظة "التشريعي" واإلشكال والوارد حولها ,فقد تطرق بعض العلماء المعاصرين
لحكم إطالق وصف "التشريعي" و "التشريعات" على األحكام االجتهادية و األنظمة
والقوانين اإلسالمية .ويمكن أن يقال أن في حكم هذه المسألة رأيان :رأي بالمنع ورأي
بالجواز ,وهو جواز إطالق وصف "التشريع" و "التشريعات" على األحكام االجتهادية إذا
5
لم تخالف الشريعة اإلسالمية .وممن ّصرح بهذا من العلماء ,الشيخ عبد الوهاب خالف
رحمه الله.
وقد جاء عند ابن عثيمين رحمه الله في "شرح األصول الثالثة" قوله " :من لم يحكم بما
أَنزل الله استخفافا به ,أو احتقارا له ,أو اعتقادا أن غيره أصلح منه ,وأنفع للخلق أو
مثله فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة ,ومن هؤالء من يضعون للناس تشريعات تخالف
التشريعات اإلسالمية لتكون منهاجا يسير الناس عليه ,فإنهم لم يضعوا تلك
التشريعات المخالفة للشريعة اإلسالمية إال وهم يعتقدون أنها أصلح وأنفع للخلق ,إذ
من المعلوم بالضرورة العقلية ,والجبلة الفطرية أن اإلنسان ال يعدل عن منهاج إلى منهاج
يخالفه إال وهو يعتقد فضل ما عدل إليه ونقص ما عدل عنه " انتهى من "مجمع فتاوى
ورسائل الشيخ ابن عثيمين" 161/6
فإنه قد يستنبط من كالمه رحمه الله ومن مفهوم المخالفة أن التشريعات إذا كانت
موافقة للشريعة اإلسالمية وليس مخالفة لها ,فال بأس من إطالق لفظ التشريعات
عليها .وهذا هو المعمول به في األنظمة والسياسة الشرعية أن هذه القوانين والتشريعات
ال تخالف الشريعة.
6
القواعد النظامية تنقسم إلى عدة أقسام من حيثيات مختلفة
أوال /تقسيم القواعد النظامية من حيث طبيعة العالقات التي تنظمها إلى
عام وخاص
vالمعيار الصحيح للتفرقة بين القانون العام والقانون الخاص:
القانون العام يحكم العالقات التي تتعامل فيها الدولة مع األفراد بوصفها سلطة عامة
ذات سيادة ,أي على أساس السيطرة من جانبها وليس على أساس المساواة ,فالقانون
العام هو قانون السيطرة من جانب الدولة ,والخضوع من جانب األفراد.
فإذا تعاملت الدولة مع األفراد بوصفها صاحبة سلطة وسيادة ,مثل قيامها بنزع ملكية
خاصة للمنفعة العامة ,أو إبرام عقد إداري مع أحد المواطنين ,أو تعيين شخص في
وظيفة عامة ,فإن هذه العالقات تعتبر ذات طبيعة عامة ,وتخضع للقانون العام.
أما إذا تعاملت مع األفراد على قدم المساواة ,كما لو تعاقدت مع المواطنين بالبيع
والشراء من خالل ما تقوم به من نشاط تجاري وصناعي من نفس نوع نشاط األفراد,
فان هذه العالقة تخضع للقانون الخاص .مثال ذلك بيع الدولة لمنتجاتها في المحال
التجارية .فالعبرة ليست بصفة أطراف العالقة بل بطبيعة العالقة نفسها.
7
• الثاني :قانون عام داخلي
القواعد التي تحكم وتنظم العالقات والروابط التي تقوم بين األشخاص والدولة ,فهي
روابط ال يتجاوز نطاق تطبيقها حدود إقليم الدولة إلى الخارج ,كعالقة الموظف العام
بالدولة .ويندرج تحتها فروع :القانون الدستوري ,والقانون اإلداري ,والقانون المالي,
والقانون الجنائي.
واألمر يقتضي أن نتناول كل فرع من هذه الفروع في مطلب مستقل ,وذلك على النحو
التالي:
oاألول /القانون الدستوري
هو مجموعة القواعد األساسية التي تحدد شكل الدولة ونظام الحكم فيها ,وتبين
سلطاتها العامة من حيث تكوينها واختصاص كل منها وعالقاتها مع بعضها البعض,
وتقرر الحقوق والواجبات والحريات األساسية لألفراد في الدولة وضماناتها ,وتبين
عالقاتهم بالسلطات العامة فيها .فالدستور مجموعة من القواعد والمبادئ التي تحدد
سلطات الحكومة وحقوق الشعب.
والقانون الدستوري هو القانون األساسي للدولة ,إذ يضع األسس التي تقوم عليها ,وهو
أساس كل تنظيم فيها ,ولذلك يُطلق عليه )القانون األساسي( ,فقد نصت المادة األولى
من النظام األساسي للحكم السعودي على أن:
"المملكة العربية السعودية دولة عربية إسالمية ذات سيادة تامة ,دينها اإلسالم
ودستورها كتاب الله وسنة رسوله ولغتها هي اللغة العربية ,وعاصمتها مدينة الرياض".
8
-2ينظم السلطات العامة في الدولة:
فيقوم القانون الدستوري بتنظيم السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية داخل الدولة,
فيبين الهيئات التي تتألف منها كل سلطة واختصاص كل سلطة منها ,وكذا عالقاتها
بعضها بالبعض اآلخر .فقد نصت المادة ) (44من النظام األساسي للحكم السعودي
على أن" :تتكون السلطات في الدولة من :السلطة القضائية ,والسلطة التنفيذية ,والسلطة
التنظيمية ,وتتعاون هذه السلطات في أداء وظائفها وفقاً لهذا النظام وغيره من األنظمة,
والملك هو مرجع هذه السلطات" .تعاونية ,ورقابية.
-3ينص على الحقوق والحريات والواجبات األساسية لألفراد قِبل الدولة:
فهو ينص على هذه الحقوق كحرية المسكن وحرية الرأي ويحميها ,وكذا يكفل مبدأ
المساواة في الحقوق والواجبات وجميع المزايا التي تخولها الدولة لألفراد ,وفي
التكاليف التي تفرضها عليهم ,كالحق في تولي الوظائف العامة وواجب أداء الخدمة
العسكرية والضرائب ,فقد نصت المادة ) (26من النظام األساسي للحكم السعودي على
أن " :تحمي الدولة حقوق اإلنسان وفق الشريعة اإلسالمية".
9
oالقانون المالي
وهو مجموعة القواعد التي تنظم الميزانية العامة للدولة ,وما يتعلق بها من موارد
ونفقات ,كما تُنظم كيفية حصول الدولة على هذه الموارد عن طريق الرسوم المفروضة
على األفراد والمؤسسات بكل فروعها.
10
-والقانون الجنائي ينقسم قسمين :قوانين العقوبات ,وقانون اإلجراءات الجنائية.
:١قوانين العقوبات:
قانون العقوبات هو :مجموعة القواعد النظامية التي تحدد األفعال التي يعتبر ارتكابها
جريمة ,وتبين العقوبة المقررة لكل فعل .مثل نظام الرشوة والتزوير.
:٢قانون اإلجراءات الجزائية:
يوجد إلى جانب قانون العقوبات الذي يتضمن القواعد الموضوعية في القانون الجنائي,
قانون اإلجراءات الجزائية الذي يتضمن القواعد اإلجرائية في هذا القانون; ألنه يقتصر
على بيان كيفية تطبيق قانون العقوبات .مثل نظام اإلجراءات الجزائية.
oالقانون المدني
يحتوي هذا القانون على مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات بين األفراد
أنفسهم ,أو بينهم وبين الدولة بوصفها شخصاً عادياً في المجتمع.
والقانون المدني هو أصل القانون الخاص ,و يُعد من أقدم فروع القانون ,وعنه تفرعت
باقي فروع القانون الخاص األخرى.
11
-ويتضمن موضوعين رئيسين:
) أ ( روابط األحوال الشخصية:
وهي تلك الروابط المتعلقة بشخص اإلنسان نفسه ,فتحدد خصائصه كاألهلية وغيرها,
والروابط المنظمة لعالقة الشخص بـأفراد أسـرته منـذ والدتـه حـتى وفاتـه ,كـالزواج
والطـالق ومـا يترتـب عليها من آثار كالمهر والنفقة والعدة والنسب ,وما يترتب عليه من
حقوق وواجبات متبادلة بين اآلباء واألبناء كالنفقة والحضانة والميراث والوصية والحجر
وغيرها.
)ب( روابط األحوال المالية:
وهي تلك الـروابط الـتي تنشـأ عـن كـل مـا يتصـل بالعالقـات المالية بالشخص وغيره.
oالقانون التجاري
هو مجموعة القواعد القانونية التي تنظم العالقات والروابط الناشئة عن ممارسة
األعمال التجارية بين طائفة معينة من األشخاص هي طائفة التجار ,برية كانت هذه
األعمال أم بحرية أم جوية.
فالقانون التجاري يشتمل على مجموعة القواعد التي تنظم العالقات بين التجار ,والتي
تبين شروط اكتساب الشخص صفة التاجر ,سواء كان هذا الشخص فرداً أم شركة ,كما
يبين كذلك األعمال التجارية ,وما يقع على التجار من واجبات كواجب القيد في السجل
التجاري ,وينظم القانون التجاري باإلضافة إلى ذلك الشركات التجارية وأنواعها
المختلفة وتكوينها وكيف يكون انقضائها ,وكذلك العقود التجارية باعتبارها مظهراً من
مظاهر النشاط التجاري.
12
-الخاصتين التي يتميز بها القانون التجاري:
/١في مجال اإلثبات ,فالقانون التجاري يجيز إثبات المعامالت التجارية بكافة طرق
اإلثبات كشهادة الشهود والقرائن والدفاتر التجارية ألن تلك المعامالت تتم بسرعة,
مشافهة أو بالبرق أو بالتليفون أو بالتلكس ,وذلك بخالف الحال في القانون المدني الذي
يتطلب الكتابة في بعض األحيان وفي بعض الدول إلثبات التصرفات القانونية التي تصل
قيمتها حدًّا معيّنًا.
/٢وتقتضي المعامالت التجارية كذلك الثقة واالئتمان ,حيث يعد ذلك من أهم عوامل
ازدهار النشاط التجاري ,فمثالً يعتد بالدفاتر التجارية في إثبات حقوق التاجر وتقدير
الضرائب المستحقة عليه ,بالرغم من أنه هو الذي يحررها بيده وذلك بشرط أن تكون
هذه الدفاتر منتظمة.
-تنقسم قواعد القانون التجاري إلى ثالثة أقسام رئيسية وهي :
-1القانون البري:
وتعتبر هذه القواعد القسم الرئيسي في القانون التجاري ,وتسري على التجارة البرية,
وهي المقصودة من مصطلح )القانون التجاري( حين إطالقه دون تخصيص.
-2القانون البحري:
هو مجموعة القواعد النظامية التي تنظم المعامالت التي تنشأ بمناسبة المالحة
البحرية ,لذا فهو يرد أساسًا على السفينة باعتبارها أداة التجارة البحرية.
ويتضمن ذلك التنظيم القانوني للسفينة سواء من حيث االسم والتسجيل والجنسية,
والعقود التي ترد عليها مثل عقد البيع ,وعقد التجهيز ,وعقد رهن السفينة وعقد التأمين
عليها.
-3القانون الجوي:
هو مجموعة القواعد النظامية التي تنظم المسائل المتعلقة بالمالحة الجوية والواردة
أساسًا على الطائرة ,ويدخل في ذلك تسجيل الطائرة وجنسيتها والنظام القانوني
لطاقمها ,وعقد النقل الجوي ومسئولية الناقل ,هذا باإلضافة إلى التأمين الجوي
والمسؤولية عن التصادم واختطاف الطائرات والجرائم التي ترتكب على متنها.
13
oقانون العمل
أدت الثورة الصناعية إلى ظهور طبقة كبيرة من العمال التي عانت من الظلم واالستغالل
نتيجة سيادة المذهب الفردي الذي ترك الحرية االقتصادية ألصحاب األعمال في أن
يستخدموا العمال; طبقًا لقانون العرض والطلب مما أدى إلى التحكم في العمال وتشغيل
النساء واألطفال وانخفاض األجور وكثرة حوادث العمل دون حماية.
14
الثاني :أن يكون العمل لقاء أجر معين ,وعلى ذلك يخرج العمل الذي يؤدى على سبيل
التبرع ,فال تخضع هذه الرابطة لقانون العمل.
الثالث :أن يكون العامل خاضعاً إلشراف وتوجيه صاحب العمل ورقابته ,فالمتبوع مسؤول
عن أعمال تابعه كما تقول القاعدة ,وعلى ذلك يخرج كل عمل مستقل يؤديه الشخص
دون رقابة أو توجيه عن صاحب العمل.
15
ثانيا /تقسيم القواعد النظامية من حيث قوتها إلى قواعد آمرة وقواعد
مكملة
16
وهذه القواعد قواعد قانونية كاملة ,ويظهر اإللزام فيها عند عدم وجود اتفاق على
مخالفتها حيث يجب إتباعها وتطبيق أحكامها.
• ومن أمثلة القواعد المكملة أو المفسرة في النظم السعودية :ما نصت عليه المادة
) (17من نظام العمل السعودي من أنه" :تحسب جميع المدد والمواعيد المنصوص
عليها في هذا النظام بالتقويم الهجري ما لم يتفق على خالفه" .فهذه القاعدة تعتبر
من القواعد المكملة أو المفسرة ,ومن ثم يصح االتفاق على احتساب المدد بالتقويم
الميالدي.
17
الفصل الثاني :مصادر القانون
18
• مزايا التنظيم
-1وضوح وتحديد الصياغة:
يمتاز التشريع بوضوح الصياغة ,فالسلطة المختصة بوضعه تقوم بصياغة القاعدة كتابة
بعد التأمل في كل كلمة من كلماتها ,وتقدر كافة االحتماالت التي يمكن أن تثار في
نطاقها ,ولهذا نجد أن القواعد النظامية محددة في معناها وألفاظها بوضوح ,مما
يساعد على سهولة إثبات القواعد النظامية.
-2سهولة سن التشريع وتعديله وإلغاؤه:
فالسلطة العامة المختصة بالتشريع يمكنها وضعه بسهولة في وقت قصير ,كما تستطيع
أن تسارع بتعديله أو إلغائه إذا بدا لها أن هذه القواعد أصبحت تتعارض مع األوضاع
الداخلية للدولة ,مما يتيح للقواعد النظامية أداء وظيفتها االجتماعية ,وتستجيب
لحاجات المجتمع بالسرعة التي تتفق مع تطور ضروب النشاط فيه وازديادها.
-3أنه يرد في نصوص مكتوبة:
يصاغ مضمون القاعدة النظامية صياغة محكمة يقوم بها متخصصون ,كما يصدر
التشريع في صورة معلنة في الجريدة الرسمية يسهل الرجوع إليه للتعرف على أحكامه
واالستفادة منها.
-4أنه يُحقق وحدة النظام القانوني في الدولة:
فالتشريع يؤدي عادة إلى وضع قواعد قانونية تسري على جميع أرجاء البالد ,فيكون
القانون واحداً يسري على الجميع دون استثناء أو تمييز ,وتتحقق بذلك الوحدة القانونية
وهي أساس الوحدة السياسية في الدولة ,مما يساعد على استقرار المعامالت وتقوية
الروابط بين أجزاء الوطن الواحد ,وتكون عامالً على تحقيق الوحدة وزيادة التضامن بين
األشخاص.
• عيوب التنظيم:
-1أنه يأتي بحلول ارتجالية تحكمية:
وذلك ألن التشريع يوضع بإرادة السلطة التشريعية التي قد تتجاهل واقع المجتمع وما
يتطلبه من حلول لكي تفرض حلوالً شخصية ,أو أن تكون القاعدة القانونية دخيلة على
19
ظروف المجتمع ,كما لو كانت مستوحاه من تشريع أجنبي ,فتصطدم بحقائق المجتمع
وتلقى معارضة من األشخاص المخاطبين بالقانون.
-2عدم االستجابة لتطور المجتمع:
فقد تأتي القاعدة القانونية معبرة عن رغبة وحاجات األفراد في وقت معين وزمن معين,
فإذا ما تغيرت الحاجات واألزمان فإن التشريع يقف حائالً أمام األفراد ,فهي قاعدة
قانونية جامدة غير متطورة ال تعبر عن حاجات األفراد في المجتمع ,وهذا النقد مردود
عليه بأن السلطة التنظيمية تتدخل من وقت آلخر فتلغي أو تُعدل التشريعات التي
تخطاها التطور.
-3التشريع بطبيعته يكون ناقصاً دائماً:
فمهما بلغت قدرة المنظم ودقته ال يستطيع أن يتناول كل مشكالت المجتمع بالتنظيم.
20
أوال /التشريع األساسي )األنظمة األساسية(:
وهو الدستور و القوانين األساسية الصادرة عن السلطة الـتأسيسية ,بأمر ملكي.
السلطة التأسيسية هي السلطة األصلية أو المؤسسة لم تنظمها نصوص خاصة ,ولم
تتلق اختصاصها من نص صريح ,إذ هي تتدخل لوضع وتأسيس دستور جديد في وقت
ال يكون في الدولة نصوص دستورية قائمة .وبما أن الدستور يقرر بدوره جميع السلطات
في الدولة )التشريعية والتنفيذية والقضائية( ,فيترتب على هذا أن السلطة التأسيسية
تتمتع بالعلوية على السلطات الثالث التي أنشـأها الدستور.
• النظام األساسي للحكم:
يأتي هذا النظام على رأس األنظمة ,وقد تميز بطريق استثنائي خاص من حيث إعداده,
وطريقة إصداره حيث صدر بأمر ملكي.
• األنظمة األساسية :
وهي األنظمة التي شاركت النظام األساسي للحكم في طريقة اإلعداد واالعتماد بأمر
ملكي ,ولكنها اختلفت عنه في اقتصارها على موضوعات معينة بحيث تناول كل منها
مجاالً خاصاً به ,وهذه األنظمة هي :نظام مجلس الشورى ,ونظام مجلس الوزراء ,ونظام
المناطق ,ونظام هيئة البيعة.
وقد اكتسبت هذه األنظمة قوتها من حيث أنها تنظم السلطة التنظيمية ذاتها التي تختص
بدراسة األنظمة وإصدارها ,إال أنه حصل للنظام األساسي للحكم تميز عليها ,نظراً
لعموم أحكامه وشمولها لجميع سلطات الدولة والحقوق والواجبات العامة ,بينما األنظمة
األساسية األخرى تناولت مجاالت خاصة بها.
مع هذا فإن لها علواً على األنظمة العادية بحيث يجب أن تخضع هذه األخيرة لها,
وتتقيد بمقتضاه ,وال تخرج عنها وأن تأتي على الوجه الذي حددته لها.
21
واألضرار في شئون الدولة وفقاً لقواعد الشريعة ,وتمارس اختصاصاتها وفقاً لنظام
مجلس الوزراء ونظام مجلس الشورى والنظام األساسي للحكم.
وارتضينا هنا تسميتها باألنظمة العادية لسلوكها الطريق المقرر والمتبع عادة في دراسة
األنظمة وإقرارها ,وهي المرادة عند إطالق كلمة )األنظمة( ,وتعد أيضًا مرادفة لكلمة
)قوانين(.
واألنظمة في هذا القسم هي القواعد العامة الملزمة الصادرة من السلطة التنظيمية ال
التنفيذية ,والموافق عليها بمرسوم ملكي .فلو صدرت تلك القواعد من سلطة تنفيذية
فال تعد نظامًا ,ولو كانت قواعد عامة ملزمة ,وإنما تعد لوائح أو تعليمات أو ما يشبه
ذلك.
وهذه األنظمة تقع من حيث الرتبة بعد النظام األساسي للحكم وبعد األنظمة األساسية;
بحيث يلزم أن يراعى فيها ما يقضي به النظام األساسي للحكم واألنظمة األساسية,
ولكن لها حق التقديم على اللوائح التنظيمية والتنفيذية.
وقد حدد النظام األساسي للمملكة اختصاص السلطة التنظيمية في المادة 67منه بقوله
" تختص السلطة التنظيمية بوضع األنظمة واللوائح بما يحقق المصلحة أو يرفع
المفسدة في شؤون الدولة وفقا لقواعد الشريعة اإلسالمية وتمارس اختصاصاتها وفقا
لهذا النظام ونظام مجلس الوزراء ومجلس الشورى" .وبالتالي فإن السلطة التنظيمية
تتمثل في المملكة العربية السعودية في مجلس الوزراء الذي يرأسه الملك.
والسلطة التنظيمية وهي في سبيلها لتحقيق هذا التشريع البد أن تمر بمراحل مختلفة,
وهذه المراحل التي يمر بها التشريع داخل المملكة العربية السعودية هي:
مرحلة االقتراح: .1
وهي عبارة عن إعداد مشروع نظام تعرض قواعده على )مجلس الشورى( لدراسته
ومناقشته وإبداء الرأي فيه قبل رفعه للملك للتصديق عليه وإصداره.
وهذا االقتراح مقرر داخل المملكة العربية السعودية لجهتين األولى :أعضاء مجلس
الشورى ,وهذا ما نصت عليه المادة ) (23من النظام السعودي بقولها " :لمجلس الشورى
اقتراح مشروع نظام جديد ,أو اقتراح تعديل نظام نافذ ,ودراسة ذلك في المجلس ,وعلى
رئيس مجلس الشورى رفع ما يقرره المجلس للملك" ,الثانية :مجلس الوزراء ,وهذا ما
بينته المادة )(22من نظام مجلس الوزراء حيث جاء فيه ما نصه "لكل وزير الحق بأن
22
يقترح مشروع نظام أو الئحة يتعلق بأعمال وزارته ,كما يحق لكل عضو من أعضاء مجلس
الوزراء أن يقترح ما يرى مصلحة من بحثه في المجلس بعد موافقة رئيس مجلس
الوزراء".
مرحلة المناقشة: .2
جميع دراسات ومناقشات مجلس الوزراء غير معلنة .فعندما يقبل المجلس مشروع قانون
لمناقشته فهو يوجه أوال إلى اللجنة العامة لمجلس الوزراء .وتقوم اللجنة بدراسة مشروع
النظام ,ثم تحيله إلى هيئة الخبراء .وتقوم هيئة الخبراء بدراسة المشروع ,إلى أن تعد
صياغة مشروع النظام .ثم تقوم هيئة الخبراء بإعادة مشروع النظام إلى اللجنة العامة
متضمنا أية تعديالت مقترحة لتتم دراسته مرة أخرى في اللجنة العامة بحضور الوزير
المختص إذا لم يكن عضوا في اللجنة العامة .وقد تقوم اللجنة العامة خالل دراستها
لمشروع النظام بإحالته مرة أخرى إلى هيئة الخبراء أو إلى لجنة أخرى متخصصة
لدراسته بصورة أدق.
مرحلة التصويت: .3
بعد قيام مجلس الوزراء بمناقشة مشروع النظام ,سواء كان مقدما من مجلس الشورى
أو من احد أعضاء مجلس الوزراء ,فإن المجلس يقوم بعد ذلك بإجراءات الموافقة على
المشروع فيتم التصويت على المشروع مادة مادة ثم يصوت على المشروع جملة واحدة.
فإذا تم قبول مشروع النظام تتم إحالته إلى الجهات المختصة في المجلسين )مجلس
الوزراء ومجلس الشورى( لدراسته ورفع تقرير عنه لمجلس الوزراء.
.4مرحلة التصديق )المصادقة(:
وهي موافقة الملك باعتباره شريك في السلطة التنظيمية على مشروع القانون ,وذلك
بتوقيعه على قرار المجلس ,حيث نصت المادة ) (97من نظام مجلس الشورى على أن:
"تصدر األنظمة ,والمعاهدات واالتفاقيات الدولية ,واالمتيازات وتعدل بموجب مراسيم
ملكية ,بعد دراستها من مجلس الشورى".
مرحلة اإلصدار: .5
وهي تسجيل الوجود القانوني للتشريع الجديد وضمه للقوانين السارية ,وذلك بإصدارها
بأداة المرسوم الملكي عن طريق الملك.
مرحلة النشر: .6
23
وهي إعالم الكافة في المجتمع بصدور التشريع الجديد حتى يلتزموا بأحكامه ,فالتشريع
يُصبح نافذاً بمجرد إصداره ,إال أنه ال يكون ملزماً لألفراد إال بعد نشره في الجريدة
الرسمية في المملكة "جريدة أم القرى" والتي ظهر عددها األول يوم الجمعة الموافق
15/5/1343هـ.
وقد نص على وجوب النشر في الجريدة الرسمية كل من النظام األساسي للحكم الذي
قرر "تنشر األنظمة في الجريدة الرسمية" ,وكذلك نظام مجلس الوزراء والذي قرر أنه
"يجب نشر جميع المراسيم في الجريدة الرسمية".
24
والسلطة التنفيذية تتقيد بالغرض من سن اللوائح التنفيذية ,وهو تسهيل تطبيق القوانين
العادية وتنفيذها ,وال يجوز لها أن تتعدى هذا الغرض إلى تعديل القوانين أو تعطيلها أو
إلغائها.
25
/٣التفسير التنظيمي )التشريعي(:
وأما التفسير التنظيمي فهو الذي يقصد به الكشف عن المدلول المراد من النص بشكل
قاطع ال يحتمل معه االجتهاد أو التأويل على وجه آخر .وليس أقدر على هذا التفسير
من الجهة التي أصدرت النص واعتمدته; ألنها هي األقدر على فهم مرادها منه ,فيكتسب
بذلك هذا التفسير القوة نفسها التي يتمتع بها النص المفسﱠر ,وبحكم هذه التبعية في
القوة فإن التفسير يتعين االلتزام به وتطبيقه على جميع الوقائع التي يحكمها النص
المفسﱠر.
فهو تفسير ملزم للكافة بما في ذلك القضاة بحكم كونه نصا تشريعيا .والقاعدة تقول:
"إن من يملك صالحية إصدار نظام ,فهو يملك حق تفسيره".
فمثالً :نصت المادة ) ( 20من نظام مجلس الوزراء أنه" :مع مراعاة ما ورد في نظام
مجلس الشورى ,تصدر األنظمة ,والمعاهدات ,واالتفاقيات الدولية واالمتيازات ,وتعدل
بموجب مراسيم ملكية بعد دراستها من مجلس الوزراء ".وأيضا ,نصت المادة الخامسة
عشرة من نظام مجلس الشورى على أنه" :يبدي مجلس الشورى الرأي في السياسات
العامة للدولة التي تحال إليه من رئيس مجلس الوزراء ,وله على وجه الخصوص ما يلي:
ب -دراسة األنظمة واللوائح ,والمعاهدات ,واالتفاقيات الدولية ,واالمتيازات ,و اقتراح
ما يراه بشأنها .ج -تفسير األنظمة".
26
يعتبر الفقه مصدراً تفسيرياً للقواعد النظامية ,والمصدر التفسيري إنما هو المرجع
الذي يساعد على تجلية غموض القاعدة النظامية ,وتوضيح ما فيها من إبهام ,وسُمي
كذلك ألن القاضي يسترشد به في التعرف على حقيقة القواعد التي يستمدها من
مصادرها الرسمية لكي يحكم في النزاع المعروض عليه دون أن يكون ملزماً بما جاء
فيها.
وبالرغم من أن الفقه يعتبر مصدراً تفسيرياً للقانون إال أنه يتعدى ذلك ليتحول إلى
مصدر استلهام للقاضي والمحامي ,فالقاضي عندما تعرض عليه قضية ما فإنه يرجع
إلى اآلراء الفقهية ومختلف الكتابات الصادرة في القضية حتى يكون حكمه عادالً ومنصفاً
للطرفين ,ورغم أن الفقه يعتبر مصدر غير مباشر لكنه أساسياً حيث يتم الرجوع إلى
أعمال الفقه المنجزة من أجل إعداد النصوص التشريعية واالستفادة من تجارب الدول
األخرى في هذا المجال.
• /٢التفسير القضائي:
يعتبر االجتهاد القضائي مصدراً تفسيرياً من مصادر القانون ,واالجتهاد بصفة عامة هو
إعمال الرأي وبذل الجهد العقلي للتعرف على الحكم ,فإذا مارسه القضاء فهو اجتهاد
قضائي.
واالجتهاد القضائي هو عبارة عن مجموع المبادئ والحلول القانونية التي تستخلص من
أحكام القضاء )المحاكم( في مسألة معينة .فهو مبادئ مستمدة من إطراد أحكام القضاء
على اتباعها والحكم بها ,مما يُنشئ ما يُعرف بالسابقة القضائية.
فيطلق مصطلح السوابق القضائية على مجموعة المبادئ القانونية التي تستخلص من
أحكام المحاكم عند تطبيقها للقانون ,أي األحكام التي تتضمن مبادئ قانونية توصل
إليها القضاء بعد إعمال الرأي وبذل الجهد العقلي خاصة في األمور التي يكون الحكم
القضائي فيها محل خالف ,فتفصل فيها وتضع مبدأً قانونياً تسير عليه.
ويعتبر االجتهاد القضائي مصدراً تفسيرياً للقانون فال يتم الرجوع إليه إال على سبيل
االستئناس ,حيث إن المحاكم غير ملزمة من الوجهة القانونية بالسوابق القضائية ,لذلك
يعد القضاء مصدر تفسيري يلجأ إليه القاضي لتحديد مضمون القاعدة القانونية وإزالة
ما يشوبها من غموض.
27
التفسير القضائي غير ملزم حتى للقاضي الذي أصدره إذا ما عرض عليه نزاع مماثل
في المستقبل.
فالتفسير القضائي إذن هو ما يقوم به القضاء من اجتهاد في فهم النصوص وتطبيقـها
على الوقائع المعروضة ,فالقاضي وهو يتلمس الحكم الذي يتـعين تطبيـقه على الواقعة
المعروضة :عليه أن يجتهد فهم النصوص واستخالص المدلول المراد منها ,ليـتحقق من
مدى انطباقه على الواقـعة.
28
/٢االستنتاج من مفهوم المخالفة:
يقصد باالستنتاج من مفهوم المخالفة إعطاء حالة غير منصوص عليها عكس حكم حالة
منصوص عليها .وبعبارة أخرى فإن االستنتاج بمفهوم المخالفة صورة عكسية تماما
لالستنتاج من مفهوم الموافقة.
مثال :النبي صلى الله عليه وسلم" :من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الصالة" ,هذا
منطوق الحديث ,ومفهومه :أن من لم يدرك ركعة كاملة من صالة الجمعة لم يدرك صالة
الجمعة ,فيصليها أربعا.
أ -حكمة التشريع :يراد بحكمة التشريع أو روح التشريع الباعث على وضع الحكم
الذي يتضمنه هذا التشريع .و يتمثل هذا الباعث إما بالمصلحة التي يقصد
المنظم تحقيقها أو بالمفسدة التي يرمي إلى دفعها ,فعلى ضوء هذه الغاية يسهل
تفسير النص.
ب -األعمال التحضيرية :يقصد بها مجموعة الوثائق الرسمية التي تضم المذكرات
اإليضاحية وتقارير ومناقشات اللجان والهيئات التي قامت بإعداد التشريع ,فهذه
األعمال تساعد المفسر كثيرا في الكشف عن مقصود المنظم.
ت -المصادر التاريخية :المصدر التاريخي لنص تشريعي ما هو إال األصل التاريخي
الذي استقى منه المنظم حكمه .و بذلك الرجوع إلى هذا األصل يساعد على
معرفة اإلرادة الحقيقية للمنظم إن لم تسعفه طرق التفسير األخرى.
29
الفصل الثالث :تطبيق القاعدة القانونية
30
oاالستثناءات الواردة على مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون:
يرد على هذا المبدأ حاالت استثنائية يستطيع بسببها أن يتمسك األفراد
بالمطالبة بعدم تطبيق القانون عليهم استنادا إلى جهلهم بالقانون ,وهذه
الحاالت هي:
-وجود نص يجعل الجهل بالقانون عذرا :فإذا نص القانون على جواز
االعتذار بالجهل بالقانون يعمل بهذا النص ,كالقانون الذي صدر في فرنسا
عام 1980م والذي نص على أنه إذا حدثت مخالفة في وقت قريب من وقت
إعالن القانون ,فإن العذر بجهل القانون يقبل بشرط أن يكون القانون جنائياً.
-في حالة القوة القاهرة :وهي الحادث الذي يستحيل دفعه وال يمكن توقعه,
ويؤدي إلى استحالة االلتزام ,كما لو عزل جزء من إقليم الدولة بسبب فيضان
أغرقه وقطع سُبل االتصال به ,أو بسبب احتالل العدو له ,أو بسبب قيام ثورة
أو نشوب اضطرابات فيه وانقطاعه عن باقي اإلقليم ,فهذه قوة قاهرة يستحيل
معها وصول الجريدة الرسمية التي تنشر فيها التشريعات إلى هذا الجزء
المعزول ,األمر الذي يقتضي تعطيل مبدأ عدم جواز االعتذار بالجهل بالقانون
لحين زوال هذه الظروف.
31
ثم تخطو الشريعة خطوة أوسع في حماية حقوق المغفلين ,لتمنحهم خيارات أخرى تحفظ
لهم حقوقهم وأموالهم ,كخيار العيب ,فمن اشترى سلعة ال يعلم أنها معيبة ,فله حق ردها
لصاحبها وأخذ ثمنها ,أو أخذ فرق ما بين قيمتها سليمة وقيمتها معيبة ,ولو بعد أعوام
ما دام ال يعلم بوجود العيب ,وليس من مسؤوليته شرعاً عند شراء سلعةٍ ما أن يقلبها
ليستكشف عيوبها ,وتهاونُه في هذا ال يسقط عنه حقه في فسخ البيع ,أو في أخذ قسطِ
ما بين قيمتها سليمة وقيمتها معيبة ,وإنما مسؤولية كشف العيب على البائع; ولذا قال
-عليه الصالة والسالم -عن المتبايعين» :فإن صدقا وبيﱠنا بورك لهما في بيعهما ,وإن
كذبا وكتما محقت بركة بيعهما«.
أما خيار الغبن فهو حق تمنحه الشريعة لكل من غُبن في ثمن سلعة غبناً فاحشاً ,بأن
اشتراها بأكثر من قيمتها في السوق بكثير ,وليس من مسؤولية المشتري أن يتحقق من
قيمتها في السوق قبل أن يشتريها ,وإنما على البائع أال يبالغ في ثمنها مبالغة تخرج عن
حد العرف والعادة في تفاوت األسعار .فعن عبدالله بن عمر أن رجالً ذَكر للنبي -صلى
الله عليه وسلم -أنه يخدع في البيوع ,فقال» :إذا بايعت فقل ال خالبة« -أي ال خديعة
.-ومثله خيار التدليس ,والتدليس يكون إما بكتمان العيب عن المشتري وإظهار السلعة
بما يوهم عدمه ,وإما إظهار السلعة بما يزيد في ثمنها ,والحيل في هذا الباب أوسع من
أن تُحصر ,فمن انخدع بصورة من صور التدليس فله حق فسخ العقد كذلك.
كما أن نهي الشريعة عن عقود الغرر والقمار هو نوع من حماية عموم المتعاقدين ,وليس
المغفلين وحدهم.
غير أن ثمة صوراً ال تحمي فيها الشريعة المغفلين ,على أنها استثناء للقاعدة وليست
ناقضاً لها ,مثل تسرّع بعضهم باإلمضاء على وثائق العقود المالية من دون قراءة شروطها
»المنصوصة« قراءةً متأنية فاحصة تكشف له ما له من حقوق ,وما عليه من مسؤوليات
وشروط ,فال حجة له بعد هذا اإلمضاء أن يدعي الغفلة ,أو الخديعة ,أو الجهل ,مع أن
الشريعة منحته خياراً في فسخ العقد ولو بعد إمضاء وثيقة العقد ما لم يتفرق هو والعاقد
اآلخر من المجلس; ألن إمضاءه دليلُ رضاه بذلك العقد المكتوب ,وما تضمنه من شروط,
وهو بمثابة اإلقرار والعلم ,ما لم تكن الشروط من حيث هي كذلك مخالفة للشريعة,
فذلك شأن آخر ,فتحكم الشريعة بإلغائها ال حماية للمغفلين; ولكن لكونها باطلة لتخلف
بعض شروط صحتها.
32
vثانيا /نطاق تطبيق النظام من حيث المكان
إن تحديد النطاق أو الحيز المكاني لتطبيق القانون يحكمه مبدأين هما :مبدأ إقليمية
القوانين ,ومبدأ شخصية القوانين ,ونتناول الحديث عن هذه المبادئ فيما يلي:
33
ومثاالً لذلك :تنص بعض التشريعات )ومنها القانون اللبناني( على أن القانون الواجب
التطبيق بشأن الميراث هو قانون المورّث .وعليه لو توفي سعودي مقيم على أرض لبنان
فإن القانون الواجب التطبيق على تركته الموجودة على اإلقليم اللبناني هو القانون
السعودي.
ويستند هذا المبدأ على سيادة الدولة على رعاياها ,فالعنصر البارز في الدولة هنا هو
مجموعة األشخاص الذين ينتسبون إليها وتجمعهم روابط واحدة وتقاليد وحضارة
مشتركة ,أما اإلقليم فليس سوى المكان الذي يقيم عليه هؤالء األشخاص ,والدولة تمثل
هؤالء األشخاص وتضع القوانين لهم ال لإلقليم ,وهي تحاول أن تطبع هذه القوانين
بطابعهم ,وأن تجعلها مالئمة لرغباتهم وحاجاتهم.
34
vثالثا /نطاق تطبيق النظام من حيث الزمان
القاعدة العامة هو أن القانون الجديد يطبق فوراً منذ نفاذه بالنسبة للمستقبل ,ويمتنع
سريانه على ما وقع في الماضي قبل نفاذه ,وأن القانون القديم يقف سريانه من يوم
إلغائه ,فتحديد نطاق تطبيق القانون من حيث الزمان يقوم على مبدأين أساسيين:
• :١مبدأ األثر الفوري للقوانين:
يعني مبدأ األثر الفوري للقانون أن كل تشريع جديد يطبق فوراً منذ تاريخ سريانه أي
وقت نفاذه ,فيحدث آثاره مباشرة على كل الوقائع واألشخاص المخاطبين به على
الحاالت التي وقعت عقب نفاذه بصفة فورية ومباشرة ,فالقانون الجديد يصدر ويطبق
على الحاضر والمستقبل ,ال على الماضي ,ويستخلص من ذلك أن القانون القديم يحكم
الحاالت التي تمت في ظله ,فال يطبق عليها القانون الجديد ,فلو فرضنا أن قانوناً جديداً
صار نافذاً اليوم ونص على تجريم فعل لم يكن مجرماً من قبل ,فمن البديهي أنه يسري
ابتداء من اليوم على كل من يقوم بهذا الفعل المجرم ,وبالتالي ال يمكن متابعة من قاموا
بهذا الفعل في الماضي ,وإن كان حتى باألمس .مثالً :لو فرضنا أن قانوناً جديداً صدر
نافذاً اليوم ونص على تجريم فعل لم يكن مجرماً من قبل كتهريب الذهب خارج البالد,
فإن هذا التشريع يطبق فوراً بالنسبة لألفعال التي تُرتكب بعد نفاذه بمقتضى األثر
المباشر له ,وال يطبق على ما تم قبل نفاذه من أفعال.
35
على أن" :العقوبة شخصية وال جريمة وال عقوبة إال بناءً على نص شرعي أو نص نظامي,
وال عقاب إال على األعمال الالحقة للعمل بالنص النظامي".
فيتضح من هذا النص أن مبدأ عدم رجعية القوانين يقيد القاضي ,فال يملك الخروج
عليه مطلقاً ,أما المنظم فيجوز له الخروج عليه بأن يجعل لنظام ما أثراً رجعياً إذا
وجدت مبررات قوية تستوجب الرجوع إلى الماضي في تطبيقه.
oاالستثناءات:
إن لمبدأ عدم رجعية األنظمة بعض استثناءات يجوز فيها المساس بالحقوق المكتسبة,
أي تجوز فيها رجعية القوانين الجديدة ,وهذه االستثناءات هي:
أ .القوانين واألنظمة الجنائية األصلح للمتهم/
إذا صدر قانون جنائي جديد وكان أصلح للمتهم ,بأن كان يمحو جريمة ,أو يخفف العقوبة
المقررة ,أو يعدل شروط التحريم ,أو حق المالحقة تعديالً في مصلحة المتهم ,فإنه
يسري بأثر رجعي ,فيسري على الجرائم التي ارتكبت قبل نفاذه ولم يصدر فيها حكم
نهائي بعد ,وهذا ما يسلم به الفقه والقضاء وتأخذ به العديد من القوانين.
فقاعدة عدم رجعية القوانين قد تقررت لحماية األفراد من تعسف السلطات ,ولكن
الحكمة من هذه القاعدة ال تتوافر إذا كان القانون الجديد ينص على إلغاء التحريم ,أو
تخفيف العقاب ,فيكون من صالح األفراد المتهمين في جرائم جنائية أن يطبق عليهم
القانون الجديد بأثر رجعي مع أن جرائمهم قد ارتكبوها في الماضي في ظل قانون
قديم.
ب .النص الصريح على سريان التشريع على الماضي/
يجوز للمشرع أن ينص في تشريع جديد على سريانه على الماضي ,أي تطبيقه بأثر
رجعي ,ومرجع ذلك إلى أن مبدأ عدم رجعية القوانين إنما يقيد القاضي فقط وال يقيد
المشرع ,بغرض تحقيق مصلحة اجتماعية عامة أو فيما يخص النظام العام.
والخروج على مبدأ عدم رجعية القوانين يعد رخصة استثنائية ال تستخدم إال في حالة
الضرورة القصوى التي تقتضيها مصلحة الجماعة ,وعندئذ نضحي بمصلحة األفراد في
سبيل تحقيق هذه المصلحة الجماعية.
ت .إذا كان القانون الجديد قانوناً تفسيريا من الجهة التنظيمية/
36
القانون المفسر هو التشريع الذي يصدر إلزالة غموض قانون نافذ أدى إلى االختالف
في تفسيره وتطبيقه ,فقد تختلف المحاكم في الرأي عند تفسير قانون معين ويضطرب
قضاؤها فيه ,فيتدخل المشرع في هذه الحالة بإصدار قانون جديد يفسر القانون
القديم ,فيسمى بالتشريع التفسيري.
والقانون المفسر يعتبر جزءاً متمماً ومكمالً للقانون السابق المراد تفسيره ,ألنه كاشف
ال مُنشئ ,فال يأتي بأحكام موضوعية جديدة بل يتضمن أحكاماً مفسرة للقانون القديم,
ولذلك فهو يسري على ما وقع قبل صدوره في ظل هذا القانون استثناءً من مبدأ عدم
الرجعية ,أي أنه يسري ال من تاريخ نفاذه هو ,بل من تاريخ نفاذ القانون السابق.
37
السلطات العامة في الدولة
جاء النظام األساسي للحكم بتنظيم السلطات العامة على نحو أكثر وضوحاً وتحديداً ,
حيث صنفها في مادته الرابعة واألربعين في ثالث ,هي :
) (1السلطة القضائية.
) (2السلطة التنفيذية.
) (3السلطة التنظيمية.
وهو بهذا التصنيف اتبع ما هو شائع ومشتهر في تنظيمات الدولة المعاصرة ,ومع أن
هذه السلطات هي األشهر واألبرز إال أنه تبدو من ورائها سلطة أخرى يتوفر لها قدر من
الخصوصية واالستقالل يمكن أن يطلق عليها السلطة الرقابية -تعتبر السلطة الرابعة.
وإلضفاء قدر من البيان على هذه السلطات وتحديد أهم معالم تكوينها ,واختصاصاتها,
وسلطاتها ,والعالقة بينها ,فإن ذلك يتم في الفروع التالية:
38
ومؤسساتها ,ومن األمور الجديدة التي جاء بها النظام األساسي للحكم إسناد السلطة
التنظيمية إلى جهتين هما مجلس الوزراء ومجلس الشورى.
ومع أن السلطة التنظيمية محصورة في الفرعين المذكورين )مجلس الشورى ومجلس
الوزراء( ,إال أن هناك جهة ذات أهمية بالغة في العمل التنظيمي تمثل المرجع المعتبر
فيما قد يشكل من الحادثات والنوازل والوقائع والمتغيرات بحيث يستجلى منها الرأي
الشرعي ,وهي هيئة كبار العلماء كما نصت على ذلك المادة الخامسة واألربعون.
األدوات التنظيمية
يخلط الكثير من الناس بين األمر الملكي والمرسوم الملكي والتوجيه الملكي ,واألمر
السامي وقرار مجلس الوزراء ,وهي ما يطلق عليها في علم القانون الدستوري بمسمى
)األدوات التنظيمية لإلرادة الملكية( .فهذه األدوات تختلف باختالف مسمياتها ,بل
وتختلف كذلك حجيّتها القانونية إذ ليست على قدرٍ متساوٍ من القوة.
vفاألمر الملكي:
هو أقوى وأسمى هذه األدوات التنظيمية في المملكة العربية السعودية على اإلطالق ,إذ
يمثل اإلرادة الملكية الكريمة بصورة مباشرة ,وهو قرار مكتوب بطريقة محددة يحمل
توقيع الملك بصفته رئيساً للدولة في موضوعٍ لم يُعرض على مجلسي الوزراء والشورى,
وهذا أهم ما يميّز هذه األداة عن غيرها من األدوات.
ومن األمثلة على ذلك :تعيين أمراء المناطق ,والوزراء ونواب الوزراء والمرتبة الممتازة,
والقضاة وكبار القادة العسكريين ,وكذلك إصدار األنظمة األساسية كنظام المناطق
ونظام هيئة البيعة ,وغيرها.
39
vوالتوجيه الملكي:
هو توجيه من الملك يُصدره بصفته رئيساً للدولة لمتابعة أمر معين ,وليس له شكل
محدد ,وغالباً ما يكون هذا التوجيه شفاهةً ,إال أنه يجب أن يتم تبليغه للجهة المختصة
كتابةً عن طريق الديوان الملكي.
vحكم التقنين
التقنين هو صياغة األحكام الفقهية ذات الموضوع الواحد ,بعبارات آمرة ,مرتبة ترتيبا
موضوعيا ,بعيدا عن التكرار والتضارب .وهو في حقيقته إلزام القاضي بالقضاء بأحكام
معينة ال يتجاوزها مهما خالفها اجتهاده لو كان مجتهداً .والكالم فيه طويل ,ولكن القول
40
بجواز التقنين رغم بعض سلبياته هو من السياسة الشرعية; تغليبا لمصالحه الراجحة.
ومسألة التقنين هي من القضايا االجتهادية التي يسوغ فيها الخالف .وبالتالي فال
إنكار على أي من الفريقين المختلفين طبقاً لما قرره علماؤنا من أن المسائل االجتهادية
إجماالً ال إنكار فيها على أحد من المختلفين .ونظرا ألنه استجد في هذا الوقت توسع
المحاكم ,وزيادة عدد القضاة ,باإلضافة إلى كثرة الحوادث وتشعّبها ,وضعف الملكة
العلمية عند كثير من طالب العلم في الكليات الشرعية التي تخرج القضاة باإلضافة إلى
انفتاح مجتمعنا على بقية المجتمعات العالمية ,وانضمام المملكة لمنظمة التجارة
العالمية ومطالبة اآلخرين لنا بنظام قضائي واضح ومحدد كما أن أنظمتهم واضحة
ومحددة بشكل كبير ,كل ذلك يتطلب القول بجواز التقنين واإللزام به.
41