You are on page 1of 542

1

‫الكتاب‪ :‬أروقة العمارة فن ومجال وحضارة‬


‫املؤلف‪ :‬د‪ .‬حممد حسان حممد فائز السراج‬
‫التصنيف‪ :‬تاريخ‬
‫اإلصدار األول ‪ -‬إلكرتوني‪ :‬شباط ‪ /‬فرباير ‪2020‬‬

‫مطبوعات (‪)KIE Publications‬‬

‫الدكتور سامر مظهر قنطقجي‬


‫‪Tel.: (00963) 332530772‬‬
‫‪Tel.: (00963) 332518535‬‬
‫‪Mob.: (00963) 944273000‬‬
‫‪kantakji@gmail.com‬‬
‫‪www.kantakji.com‬‬
‫‪www.kie.university‬‬
‫املدققة اللغوية‪ :‬األستاذة عبري نصري احلالق‬

‫‪E. MAIL: dimah.walid.fakhri@gmail.com‬‬


‫‪2‬‬
‫مطبواعت ‪Kie Publications‬‬
‫(كتاب االقتصاد اإلساليم اإللكرتوين املجاين)‬

‫إنَّ (كتاب االقتصاد اإلسالميّ اإللكرتونيّ املَجانيّ) يهدِفُ إىل‪:‬‬

‫•تبين نشر مؤلفات علوم االقتصاد اإلسالمي يف السوق العاملي؛ لتصبح متاحة‬

‫للباحثني واملشتغلني يف اجملالني البحثي والتطبيقي‪.‬‬

‫•توفري مجيع املناهج االقتصادية للطالب والباحثني بصبغة إسالمية متينة‪.‬‬

‫•أن النشر اإللكرتوني يعترب أكثر فائدة من النشر الورقي‪.‬‬

‫•أن استخدام الورق مسيء للبيئة‪ ،‬ومنهك ملواردها‪.‬‬


‫ُ‬
‫واهلل من وراءِ القصدِ‬

‫أسرةِ ‪KIE Publications‬‬


‫لزيارة جامعة االقتصاد اإلسالمي ‪kie university‬‬
‫لزيارة مركز أحباث فقه املعامالت اإلسالمية‬

‫‪3‬‬
‫أروقة العمارة‬
‫فن وجمال وحضارة‬
‫‪ 1441‬هـ ‪ 2020 -‬م‬

‫الدكتور‬

‫حممد حسان حممد فائز السراج‬

‫‪4‬‬
‫نبذة‬
‫حممد حسان حممد فائز السراج‪...‬‬
‫مواليد مدينة أبي الفداء (محاه)‪...‬‬
‫تدرجــت يف مراتــب العلــم واملعرفــة يف بلدتي اجلميلة‬
‫«مح��اه» م��ن اإلبتدائي��ة فاملتوس��طة فالثانوي��ة‪...‬‬
‫فمعه��د اهلندســي للمراقبــن الفنيــن يف محــاه‪...‬‬
‫ثــم وجلــت بــاب العلــم الــذي كان أمــاً‪ ...‬فأصبــح‬
‫حقيقــة‪ ...‬بانتس��ابي للجامع��ة يف دمشقــ احلبيبــة الــي وجــدت هبــا نفســي وحققــت‬
‫فيه��ا ذاتـ�ي‪ ...‬وحتصلــت منه��ا علــى البكالوريــوس يف الفنــون اجلميلــة مــن جامعــة‬
‫دمشــق‪...‬‬
‫كما حصلت على دبلوم يف العمارة اإلسالمية من جامعة بيبل هيلز األمريكية‬
‫«‪»Pebble Hills University‬‬
‫وبــدأت مســرتي الفنيــة املتواضعــة يف طريــق الفــن التشــكيلي مبشــاركاتي بأعمــال‬
‫عــدة‪ ،‬وعملــت كمهنــدس ديكــور يف مؤسســة اإلســكان العســكري‪ ...‬ومــدرب ملــادة‬
‫الرس��م املعمــاري والفــي يف معهــد اخلوارزمــي حبمــاه لتدريــب املتقدمــن ملســابقة‬
‫اهلندســة املعماريــة ومســابقة كليــة الفنــون اجلميلــة‪ ...‬ثــم مدرس ـاً للرتبيــة الفنيــة يف‬
‫كل م��ن س��وريا والس��عودية‪..‬‬
‫ث��م تابعــت مشــوار الطموحاــت بالتعب�ير ع��ن الـ�ذات‪ ،‬مــن خــال مشــاركاتي يف معــارض‬
‫ع��دة س�وـاء يف بلـ�دي احلبيــب س�وـريا‪ ،‬أو يف اململكــة العربيــة الســعودية الــي أعتــز‬
‫بإقام�تي يف ربوعه��ا‪...‬‬
‫وهـ�ا أنـ�ا اليـ�وم أحـ�ث السـير يف طريـ�ق احللـ�م ألتابـ�ع صعـ�ودي يف مراتـ�ب العلـ�م واملعرفـ�ة‬
‫حبص��ويل عل��ى رس��الة املاجس�تـري يف «تاري��خ العم��ارة اإلس�لامية يف الدول��ة األموي��ة»‬
‫«املس��اجد يف س�وـريا» مــن جامعــة بيبــل هيلــز األمريكيــة تاريــخ ‪1432‬ه��ـ ‪ 2011 -‬م‬
‫«‪»Pebble Hills University‬‬
‫ومــن ثــم بفضــل اهلل ومنتــه حصلــت علــى إطروحــة الدكتــوراه يف تاريــخ العمــارة اإلســامية‬
‫بعنوان «العمارة اإلسـلامية يف سـ�وريا وانعكاسـ�اهتا على الفن التشـ�كيلي»‬
‫«حي الكيالنية أمنوذجاً»‬

‫‪5‬‬
‫من جامعة كاي تاريخ ‪ 1436‬هـ ‪ 2015-‬م‬
‫«‪»Kie University‬‬
‫وأســأل اهلل أن يعينــي علــى متابعــة مســرتي يف هنــل العلــم واملعرفــة تطبيق ـاً لقولــه‬
‫تعــاىل «وفـ�وق كل ذي عل�مـ عليــم»‪ ...‬وأن أخــدم اجملتمــع مبحب�ةـ وإخــاص‪ ...‬مــع حــي‬
‫وتقدي��ري مل��ن دل�ني‪ ..‬وأعان�ني بع��د اهلل عل�ىـ ه��ذا الطري��ق‪...‬‬
‫وأقدــم وب��كل تواض��ع إىل‪ :‬معلمــي ومثليــ األول واألخ�ير املغف��ور ل��ه واملربــي الفاضــل‪..‬‬
‫احل��اج فائ�زـ عب��د الق��ادر السـ�راج‪ ،‬وال��دي احلبي��ب رمح��ه اهلل تع��اىل وجعلــه يف‬
‫الف��ردوس األعل��ى‪...‬‬
‫زوجـتي الغالي��ة‪ ..‬رفيق��ة الدــرب‪ ..‬الـتي كان هل��ا الــدور املميــز يف كســر الصعــاب‪،‬‬
‫وفــرش طريــق األمــل بإزالــة التحديــات واخلطــوب‪ ،‬يف إجنــاز مشــوار حلمــي‪ ...‬واحلمــد‬
‫هلل رب العاملــن‪..‬‬
‫واهلل ويل التوفيق والقادر عليه‪.....‬‬
‫الدكتور حممد حسان حممد فائز السراج‬

‫‪6‬‬
‫التمهيد‬

‫فهرس الموضوعات‬

‫‪7‬‬
‫فهرس الموضوعات‬
‫املوضوع‬ ‫الصفحة‬
‫فهرس احملتويات‬ ‫‪7‬‬
‫اإلهداء‬ ‫‪16‬‬
‫التمهيد‬ ‫‪23‬‬
‫الفصل األول‬ ‫‪32‬‬
‫الفن ‪ -‬مفهوم الفن‬ ‫‪33‬‬
‫نشأة الفن اإلسالمي‬ ‫‪36‬‬
‫تعريف الفن‬ ‫‪43‬‬
‫التصور اإلسالمي للفن‬ ‫‪50‬‬
‫مفهوم الفن اإلسالمي يف فكرنا‬ ‫‪51‬‬
‫وظيفة الفن ودوره يف احلياة‬ ‫‪56‬‬
‫اهلدف من الفن اإلسالمي‬ ‫‪59‬‬
‫خصائص الفن اإلسالمي‬ ‫‪68‬‬
‫أقسام الفن اإلسالمي‬ ‫‪79‬‬
‫عناصر الفنّ اإلسالمي‬ ‫‪84‬‬
‫الفصل الثاني‬ ‫‪86‬‬
‫فنون العمارة‬ ‫‪86‬‬
‫مفهوم الفن املعماري‬ ‫‪87‬‬
‫مفهوم فنّ التصميم املعماري‬ ‫‪90‬‬
‫تكون العمارة اإلسالمية‬ ‫‪92‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬نشوء فن العمارة‬ ‫‪92‬‬
‫ثانياً‪ :‬تعريف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪98‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ميزات العمارة اإلسالمية‬ ‫‪103‬‬
‫رابعاً‪ :‬طرز العمارة اإلسالمية‬ ‫‪107‬‬
‫الطراز اإلسالمي القديم والطرز املعمارية‬ ‫‪107‬‬
‫الطراز األموي‬ ‫‪108‬‬
‫الطراز العباسي‬ ‫‪114‬‬

‫‪8‬‬
‫الطراز الفاطمي‬ ‫‪118‬‬
‫الطراز املغربي األندلسي‬ ‫‪122‬‬
‫الطراز األيوبي‬ ‫‪126‬‬
‫الطراز اململوكي‬ ‫‪129‬‬
‫الطراز السلجوقي‬ ‫‪134‬‬
‫الطراز اإليراني املغويل‬ ‫‪137‬‬
‫الطراز اهلندي‬ ‫‪139‬‬
‫طراز العصر العثماني‬ ‫‪142‬‬
‫خامساً‪ :‬خصائص الفن املعماري اإلسالمي‬ ‫‪147‬‬
‫خصائص العمارة اإلسالمية‬ ‫‪147‬‬
‫الفصل الثالث‬ ‫‪151‬‬
‫تأثري املذاهب على العمارة اإلسالمية‬ ‫‪151‬‬
‫الفصل الرابع‬ ‫‪155‬‬
‫تأثري شخصية اجملتمع على تشكيل العمران‬ ‫‪155‬‬
‫العامل اآليديولوجي‬ ‫‪156‬‬
‫الفصل الخامس‬ ‫‪162‬‬
‫اجلمال يف اإلسالم‬ ‫‪162‬‬
‫مفهوم اجلمال يف اإلسالم‬ ‫‪163‬‬
‫مفهوم اجلمال والفن‬ ‫‪170‬‬
‫مفهوم اجلمال والعمارة‬ ‫‪176‬‬
‫مفهوم قياس اجلمال‬ ‫‪180‬‬
‫أ ‪ -‬العناصر املعمارية يف املفهوم التعبريي‬ ‫‪184‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الشكل‬ ‫‪184‬‬
‫ثانياً‪ :‬السطح‬ ‫‪189‬‬
‫‪ -‬املداخل والبوابات‬ ‫‪197‬‬
‫‪ -‬األبواب‬ ‫‪198‬‬
‫‪ -‬النوافذ والشمسيات والقمريات‬ ‫‪199‬‬
‫‪ -‬احملراب‬ ‫‪201‬‬
‫‪ -‬املقرنصات والداليات‬ ‫‪213‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬الشرافات‬ ‫‪217‬‬
‫‪ -‬األسبلة‬ ‫‪219‬‬
‫‪ -‬مساحة الصالة‬ ‫‪223‬‬
‫فن الزخرفة‬ ‫‪224‬‬
‫أنواع الزخارف اإلسالميّة‬ ‫‪227‬‬
‫الزخارف النباتيّة‬ ‫‪227‬‬
‫الزخرفةِ اهلندسيّة‬ ‫‪233‬‬
‫الزخرفة الكتابية‬ ‫‪240‬‬
‫الزخرفةِ التصويريّة‬ ‫‪242‬‬
‫خصائص الزخرفة اإلسالمية‬ ‫‪246‬‬
‫الفصل السادس‬ ‫‪252‬‬
‫القباب (عالقة مهمة يف تاريخ العمارة اإلسالمية)‬ ‫‪252‬‬
‫وظيفتها‬ ‫‪257‬‬
‫‪ -1‬زيادة كمية اإلضاءة‬ ‫‪257‬‬
‫‪ -2‬التهوية‬ ‫‪257‬‬
‫‪ -3‬تضخيم صوت اإلمام‬ ‫‪259‬‬
‫‪ -4‬وظيفتها الزخرفية‬ ‫‪259‬‬
‫القباب يف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪267‬‬
‫أنواع القبب‬ ‫‪271‬‬
‫أو ًال‪ :‬من حيث مادة الصنع‬ ‫‪271‬‬
‫أ ‪ -‬هناك القباب اخلشبية‬ ‫‪271‬‬
‫ب ‪ -‬وهناك القباب احلجرية‬ ‫‪272‬‬
‫جـ ‪ -‬أما القباب احلديثة‬ ‫‪272‬‬
‫ثانياً‪ :‬من حيث الشكل العام للقبة‬ ‫‪273‬‬
‫ثالثاً‪ :‬من حيث الثبات واحلركة‬ ‫‪273‬‬
‫‪ -‬القباب الذهبية‬ ‫‪274‬‬
‫‪ -‬القباب املخروطية‬ ‫‪274‬‬
‫أجزاء القبة‬ ‫‪276‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل السابع‬ ‫‪277‬‬
‫عناصر التصميم املعماري‬ ‫‪277‬‬
‫التكوينات‬ ‫‪278‬‬
‫أ ‪ -‬الوحدة‬ ‫‪279‬‬
‫ب ‪ -‬التوازن‬ ‫‪280‬‬
‫ج ‪ -‬اإليقاع‬ ‫‪281‬‬
‫د ‪ -‬العمق‬ ‫‪281‬‬
‫هـ ‪ -‬التأطري‬ ‫‪281‬‬
‫و ‪ -‬مركز اإلهتمام‬ ‫‪282‬‬
‫مفهوم العمارة اإلسالمية (وعناصرها)‬ ‫‪287‬‬
‫الفصل الثامن‬ ‫‪291‬‬
‫فن عمارة املساجد‬ ‫‪291‬‬
‫املساجد‬ ‫‪292‬‬
‫أوالً‪ :‬مكان العبادة‬ ‫‪295‬‬
‫ثانياً‪ :‬الشكل والتصميم‬ ‫‪297‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اجلانب اإلنساني‬ ‫‪301‬‬
‫رابعاً‪ :‬اجلانب السياسي‬ ‫‪301‬‬
‫خامساً‪ :‬اجلانب املعماري‬ ‫‪302‬‬
‫سادساً‪ :‬وميكن تقسيم األشكال املعمارية للمساجد‬ ‫‪303‬‬
‫سابعاً‪ :‬تفضيل الشكل اهلندسي (املربع – املستطيل) يف بناء املساجد‬ ‫‪305‬‬
‫ثامناً‪ :‬تعدد األبواب‬ ‫‪305‬‬
‫تاسعاً‪ :‬جدار القبلة خيلو من األبواب‬ ‫‪305‬‬
‫عاشراً‪ :‬التناسب بني مساحة السقف وارتفاعه‬ ‫‪305‬‬
‫العناصر األساسية يف عمارة املساجد‬ ‫‪306‬‬
‫املنرب‬ ‫‪309‬‬
‫الصحن‬ ‫‪314‬‬
‫القبلة‬ ‫‪318‬‬

‫‪11‬‬
‫الرواق‬ ‫‪322‬‬
‫العناصر املعمارية اليت دخلت على املسجد (املتممة)‪:‬‬ ‫‪322‬‬
‫أوالً‪ :‬املآذن‬ ‫‪322‬‬
‫ثانياً‪ :‬األهلة‬ ‫‪332‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العقود‬ ‫‪333‬‬
‫رابعاً‪ :‬األعمدة والتيجان‬ ‫‪336‬‬
‫خامساً‪ :‬اإليوان‬ ‫‪341‬‬
‫سادساً‪ :‬السرداب‬ ‫‪343‬‬
‫سابعاً‪ :‬امليضأة‬ ‫‪344‬‬
‫التكوين املعماري للمسجد‬ ‫‪345‬‬
‫‪ -1‬املدخل الرئيسي للمسجد‬ ‫‪345‬‬
‫‪ -‬املقصورة‬ ‫‪346‬‬
‫‪ -‬فناء املسجد‬ ‫‪346‬‬
‫‪ -‬املشربيات‬ ‫‪347‬‬
‫‪ -‬اخلشب اخلرط‬ ‫‪350‬‬
‫‪ -‬احلشوات اخلشبية‬ ‫‪351‬‬
‫‪ -‬الثريات‬ ‫‪352‬‬
‫‪ -‬السبيـل‪( :‬النافورة والفسقية والسلسبيل)‬ ‫‪353‬‬
‫‪ -‬الكوابيل واملظالت‬ ‫‪357‬‬
‫الفصل التاسع‬ ‫‪360‬‬
‫العناصر املعمارية يف املدارس اإلسالمية‬ ‫‪360‬‬
‫املدارس املعمارية‬ ‫‪361‬‬
‫نشأة املدرسة اإلسالمية‬ ‫‪365‬‬
‫املدارس الفنية بالعمارة اإلسالمية‬ ‫‪367‬‬
‫‪ -1‬املدرسة السورية ‪ -‬املصرية‬ ‫‪368‬‬
‫‪ -2‬املدرسة العراقية – الفارسية‬ ‫‪369‬‬
‫‪ -3‬املدرسة اهلندية‬ ‫‪371‬‬

‫‪12‬‬
‫‪ -4‬مدرسة املغرب واألندلس‬ ‫‪371‬‬
‫‪ -5‬مدرسة األندلس بعد زوال احلكم العربي (الفن املدجن)‬ ‫‪373‬‬
‫‪ -6‬املدرسة العثمانية‬ ‫‪374‬‬
‫الفصل العاشر‬ ‫‪378‬‬
‫التصميــم املعمــاري واملعرفــة العمليــة التصميميــة واملعرفــة مبفاهيــم‬
‫‪378‬‬
‫الفــراغ املعمــاري (واســتخداماته املختلفــة)‬
‫مفاهيم الفراغ املعماري‬ ‫‪383‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬ ‫‪388‬‬
‫الرتاث واحلداثة املعمارية‬ ‫‪388‬‬
‫مفاهيم الرتاث واحلداثة املعمارية‬ ‫‪389‬‬
‫مفهوم الرتاث‬ ‫‪389‬‬
‫العمارة الرتاثية‬ ‫‪390‬‬
‫التحوالت يف الفكر املعماري‬ ‫‪391‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬ ‫‪396‬‬
‫اجلمال يف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪396‬‬
‫مفاهيم اجلمال يف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪397‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬ ‫‪404‬‬
‫فقه العمارة‬ ‫‪404‬‬
‫دراســة القانــون احلاكــم لفقــه العمــارة (حكمــة حركيــة العمــران يف‬
‫‪405‬‬
‫اجملتمعــات اإلســامية)‬
‫عناصر االتصال واحلركة‬ ‫‪408‬‬
‫الفصل الرابع عشر‬ ‫‪411‬‬
‫ماهية العمارة اإلسالمية‬ ‫‪411‬‬
‫املساجد يف تاريخ العمارة اإلسالمية‬ ‫‪412‬‬
‫مكانة املسجد يف تاريخ العمارة اإلسالمية‬ ‫‪412‬‬
‫مقر ويل األمر وقصره ودواوينه‬ ‫‪415‬‬

‫‪13‬‬
‫تصميم املساكن اإلسالمية‬ ‫‪418‬‬
‫فقــه عمــارة املســاكن واملؤسســات اخلدميــة التعليميــة والصحيــة‬
‫‪422‬‬
‫والرعايــة االجتماعيــة‬
‫فقه عمارة املساكن‬ ‫‪422‬‬
‫املؤسسات اخلدمية‬ ‫‪425‬‬
‫املنشآت املائية‪:‬‬ ‫‪427‬‬
‫‪ -‬السدود واجلسور‬ ‫‪428‬‬
‫‪ -‬املقاييس‪:‬‬ ‫‪432‬‬
‫‪ -‬القناطر املائية‪:‬‬ ‫‪432‬‬
‫‪ -‬الصهاريج‪:‬‬ ‫‪433‬‬
‫االستخدامات احلربية وتطور عمارهتا (وأنواعها)‬ ‫‪436‬‬
‫تطور العمارة اإلسالمية يف اإلسالم (العمارة احلربية)‪:‬‬ ‫‪436‬‬
‫تطور وابتكارات املسلمني يف فن العمارة احلربيّة‪:‬‬ ‫‪441‬‬
‫أنواع العمارة احلربية‪:‬‬ ‫‪447‬‬
‫مناذج من املنشآت الدينية (املدينة املنورة ‪ -‬املدن الرتاثية ‪-‬عكا)‪:‬‬ ‫‪453‬‬
‫مفهوم املدينة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪454‬‬
‫العوامل املؤثرة فى ختطيط املدن والعمارة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪456‬‬
‫اخلصائص العامة لتخطيط العمارة يف املدينة االسالمية‪:‬‬ ‫‪457‬‬
‫نشأة املدينة اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪458‬‬
‫‪ -1‬املدينة املنورة‪:‬‬ ‫‪459‬‬
‫‪ -2‬املدينة الرتاثية (عكا)‪:‬‬ ‫‪465‬‬
‫عمارة القصور – قصر احلمراء‪:‬‬ ‫‪476‬‬
‫الفصل الخامس عشر‬ ‫‪485‬‬
‫لغة األلوان يف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪485‬‬
‫األلوان ودالالهتا الفلسفية يف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪486‬‬
‫األلوان ودالالهتا يف الفكر اإلسالمي‬ ‫‪490‬‬
‫األلوان يف القرآن الكريم‪:‬‬ ‫‪490‬‬

‫‪14‬‬
‫فلسفة األلوان يف الفنون اإلسالمية‪:‬‬ ‫‪495‬‬
‫اللون يف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪497‬‬
‫الضوء يف العمارة اإلسالمية‬ ‫‪507‬‬
‫رؤية وتوصيات‬ ‫‪511‬‬
‫مصادر البحث‬ ‫‪514‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪15‬‬
‫اإلهداء‬

‫إىل نبضــات القلــب الــي توقفــت ملــداد حياتــي‪ ...‬وإىل صاحــب الليــايل الــي أطفــأت‬
‫ن أٌغمضــت نورهــا لتشــرق مشسـاً لفــؤادي‪ ،‬إىل‬
‫مشوعهــا لتنــر دربــي وحياتــي وإىل عـ ٍ‬
‫«والــدي» الــذي فــارق حياتــي ومل يفــارق قلــي‪ ...‬وعقلــي‪ ...‬والــذي أهــدي روحــه قطفــة‬
‫مــن مثــار عطائــه الكثــر‪ ...‬رمحكــم اهلل يــا الغــايل‪...‬‬

‫وإىل واحــة عمــري‪ ،‬وبســتان ســعادتي‪ ،‬ونبــض حياتــي الــذي خيفــق بامســي‪ ..‬ليكــون‬
‫رمــز جناحــي‪ ،‬ومجيــل صربهــا كان أم ـاً باثق ـاً يف دروب حياتــي‪ ...‬إىل‪ ...‬زوجــي‪...‬‬
‫غالييت‪...‬‬

‫وإىل فلذات وحشاشة فؤادي ومستقبل أحالمي‪ ...‬أوالدي‪...‬‬

‫ومع رحلة عمري إخوتي وأشقائي وأحبابي وأصدقائي‪...‬‬

‫لكم جُل احرتامي وحمبيت وفخري‪...‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪16‬‬
‫املقدمة‬

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫ـى * وَ َأنَّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫َى * وَأنَّ سَ ـعْيَهُ سَ ـوْفَ يُرَىٰ * ُث ـمَّ يُجْ ـزَاهُ الْجَ ـزَاءَ ْالوْ َفـ ٰ‬
‫{وَأن لَّيْ ـسَ لِ ِلْنسَــا ِن إِ َّل مَــا سَ ـع ٰ‬
‫ـى} [ســورة النجــم]‪.‬‬ ‫إِلَـ ٰ‬
‫ـى رَبِّـكَ الْمُن َتهَـ ٰ‬

‫صدق اهلل العظيم‬

‫وقالوا‪:‬‬

‫مـــا من كــاتب إال سيفنى ويبقي الدهر ما كتبت يداه‬

‫فال تكتب بكفك غري شيء يسرك يف القيـــامة أن تراه‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم على سيدنا حممدٍ الصادق الوعد األمني‪،‬‬
‫«اللهم أخرجنا من ظلمات اجلهل والوهم إىل أنوار املعرفة والعلم‪ ،‬ومن وحول الشهوات‬
‫إىل جنات القربات‪ ،‬قال تعاىل يف كتابه العزيز أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم‪َ { :‬ألَمْ‬
‫يَرَوْا إِلَى ا َّلطيْ ِر مُس ََّخرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْس ُِكهُنَّ إِ َّل اللَّهُ إِنَّ فِي َذلِٰكَ َليَاتٍ لِ َقوْمٍ يُؤْمِنُونَ * وَاللَّهُ‬
‫جَع ََل لَ ُكمْ مِنْ بُيُوت ُِكمْ س ََكنًا وَجَع ََل لَ ُكمْ مِنْ جُ ُلودِ ْ َ‬
‫النْعَا ِم بُيُو ًتا َتسْ َتخِ ُّفونَهَا يَوْمَ َظعْن ُِكمْ ويَوْمَ إِ َقامَت ُِكمْ وَمِنْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أصْوَافِهَا وَ أوْبَا ِرهَا وَأشْعَا ِرهَا أ َثا ًثا وَمَ َتاعًا إِلَ ٰ‬
‫ى حِنيٍ} سورة النحل‪.‬‬

‫{ َف َخسَ ْفنَا بِهِ وَبِدَا ِرهِ ْ َ‬


‫الرْضَ َفمَا َكانَ لَ ُه مِنْ فِ َئةٍ يَنْصُرونَهُ مِنْ دُو ِن اللَّهِ وَمَا َكانَ مِنَ الْمُنْ َتصِ ِرينَ*}‬
‫سورة القصص‪.‬‬

‫{و َْاذ ُكرُواْ إذ جَعَ َل ُكمْ خُ َل َفاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّ َأ ُكمْ فِي ْ َ‬
‫الر ِْض َت َّتخ ُِذونَ مِنْ سُهُولِهَا ُقصُورًا و ََتنْحِ ُتون‬
‫الر ِْض مُ ْفسِدِينَ*} سورة األعراف‪.‬‬ ‫اذ ُكرُوا َآلءَ اللَّهِ و ََل َتعْ َثوْا فِي ْ َ‬
‫ال ْ ِجب ََال بُيُو ًتا َف ْ‬

‫إن هــذه اآليــات تعتــر دعــوة موجهــة لــكل املعماريــن للتأمــل والتدبــر وقــراءة اآليــات‬

‫‪17‬‬
‫القرآنيــة‪ ،‬لفهــم تلــك املصطلحــات فهمــا دقيقـاً لالتفــاق علــى معانــي دقيقــة وحمــددة‬
‫لــكل مصطلــح‪ ،‬متنــع اخللــط يف اســتخدامها‪ ،‬وتضــع لغــة معماريــة موحــدة لدارســي‬
‫علــم العمــارة والعمــران يف البــاد العربيــة واإلســامية‪ ،‬أساســها ومنبعهــا كتــاب اهلل‬
‫جــل يف عــاه‪.‬‬

‫وتُعْتَبَـرُ الفنــون بصفــة عا ّمَــة مظهـرًا مه ّمًــا مــن مظاهــر الثقافــة الســائدة يف اجملتمــع‪،‬‬
‫صَــة فــإن الفـ ّنَ اإلســامي يُعَـ ّدُ مــن أنقــى وأد ّقِ صــور التعبــر عــن احلضــارة‬
‫وبصفــة خا ّ‬
‫اإلســامية‪ ،‬بــل مــرآة ناصعــة للحضــارة اإلنســانية حيــث يُعْتَبَ ـرُ الف ـ ّنُ اإلســامي مــن‬
‫أعظــم الفنــون الــي أنتجتهــا حضــارات العــامل يف القديــم واحلديــث‪ ،‬وهــو مــع ذلــك مل‬
‫يَل ْ َقمــن الدراســة والتحليــل والشــرح مــا هــو جديــر بــه‪ ،‬بــل إن كثــراً مــن الذيــن كتبــوا‬
‫عنــه مل تكــن كتاباهتــم قائمــة بالفعــل علــى املعايــر الفكريــة والثقافيــة الــي قــام عليهــا‬
‫الفـ ّنُ اإلســامي‪ ،‬وإمنــا علــى (‪ )5‬معايــر أخــرى غرب ّيَــة‪.‬‬

‫وهنــاك صــور وأنــواع متعـ ّدِدَة هلــذه الفنــون الــي اصطبغــت بالطابــع اإلســامي‪ ،‬وم ّيَزَتِ‬
‫احلضــارة اإلســامية عــن غريهــا‪ ،‬فمنهــا فــن العمــارة‪ ،‬وفــن الزخرفــة‪ ،‬وفــن اخلــط‬
‫العربــي‪.‬‬

‫صُ املم ِّيــز‪ ،‬والــذي تتب ّيَنُــه العــنُ‬


‫وللعمــارة اإلســامية شــخصيتها وطابعهــا اخلــا ّ‬
‫مباشــرة‪ ،‬ســواءٌ أكان ذلــك نتيجــة للتصميــم اإلمجــايل‪ ،‬أم العناصــر املعماريــة املم ِّيــزة‪،‬‬
‫أم الزخــارف املســتعمَلَة‪.‬‬

‫وقــد نبــغ املهنــدس املســلم يف أعمــال اهلندســة املعماريــة؛ حيــث وضــع الرســوم‬
‫والتفصيــات الدقيقــة والنمــاذج اجملسّــمة الالزمــة للتنفيــذ‪ ،‬إىل جانــب املقاســات‬
‫االبتدائيــة‪ ،‬وال شَــ ّكَ أن كل هــذا قــد احتــاج منــه إىل التع ّمُــق يف علــوم اهلندســة‬
‫والرياضــة وامليكانيــكا‪ ،‬تلــك الــي بــرع فيهــا املســلمون‪ ،‬ومــن عظمــة احلضــارة‬
‫اإلســامية وتكاملهــا أهنــا مل تغفــل عامــل اجلمــال كقيمــة مه ّمَ ـةٍ يف حيــاة اإلنســان؛‬
‫فقــد تعاملــت معــه مــن منطلــق أن اإلحســاس باجلمــال وامليــل حنــوه مســألة فطريــة‬

‫‪18‬‬
‫صِلــة يف أعمــاق النفــس اإلنســانية الســو ّيَة‪ ،‬تلــك الــي حتـ ّبُ اجلمــال وتنجــذب إىل‬
‫متأ ّ‬
‫كل مــا هــو مجيــل‪ ،‬وتنفــر مــن القبــح‪ ،‬وتنــأى عــن كل مــا هــو قبيــح‪ ،‬وال ريــب يف أن‬
‫اإلبــداع اجلمــايل يُشـ ّكِل بُعْــداً أساسـ ّيًاً يف احلضــارة اإلنســانية‪ ،‬فاحلضــارة الــي ختلــو‬
‫مــن عنصــر اجلمــال وتنتفــي فيهــا وســائل التعبــر عنــه‪ ،‬هــي حضــارة ال تتجــاوب مــع‬
‫مشــاعر اإلنســان‪ ،‬وال تُشــبع رغباتــه النفســية‪ ،‬واملشــتاقة دائمـاً إىل كل مــا هــو مجيــل‬
‫فــإن روعــة العمــارة تعــر عــن روعــة احلضــارة الــي أنشــأهتا‪ ،‬وذلــك قانــون تارخيــي‬
‫كمــا يقــول ابــن خلــدون(‪« :)1‬إن الدولــة واملُل ْـكَ للعمــران مبنزلــة الصــورة للمــا ّدَة‪ ،‬وهــو‬
‫الشــكل احلافــظ لوجودهــا‪ ،‬وانفــكاك أحدمهــا عــن اآلخــر غــر ممكــن علــى مــا ُقـ ِّررَ يف‬
‫احلكمــة؛ فالدولــة دون العمــران ال ميكــن تص ّوُرهــا‪ ،‬والعمــران دوهنــا مُتَعَـ َّذرٌ‪ ،‬فاختــال‬
‫أحدمهــا يَسْ ـتَل ْ ِزم اختــال اآلخــر‪ ،‬كمــا أن عــدم أحدمهــا يُؤَ ّث ـرُ يف عــدم اآلخــر(‪.)2‬‬

‫فقــد أثبتــت تلــك احلضــارة رســوخها يف الديــن والعلــم واملعرفــة لتكــون خــر مرجــع‬
‫لنــا مجيع ـاً‪ ،‬وحنــن نقلــب صفحــات تارخينــا املشــرق واملخطــوط حبــروف ذهبيــة مــن‬
‫اإلنتصــارات واإلكتشــافات‪ ،‬وبالفــن املعمــاري الــذي محــل يف أشــكاله طابع ـاٌ إســامياً‬
‫متيــز بــه مــن ســائر احلضــارات املعماريــة الســابقة‪ ،‬وفنــون حضارتنــا املعماريــة‬
‫اإلســامية مل تقتصــر علــى املســاجد فحســب‪ ،‬فللعمــارة املدنيــة دور مهــم وأساســي‬
‫حلضارتنــا املعماريــة وفــق مبــادئ ديننــا احلنيــف‪ ،‬معتمــدة علــى تصاميــم وأشــكال‬
‫ومقاييــس تتناســب مــع البيئــة اإلســامية احمليطــة هبــا‪.‬‬

‫فلهــذا تعمــدت يف هــذه املوســوعة املوسّــعة بتقســيمها خلمســة عشــر فص ـاً‪ ،‬حيــث‬
‫عرجــت يف الفصــل األول علــى الفــن وتعريفــه الــذي هــو مبعنــاه القــدرة أو الطاقــة‬
‫الســتنطاق الــذات‪ ،‬حبيــث تتيــح لإلنســان التعبــر عــن نفســه أو حميطــه بشــكل‬
‫بصــري أو صوتــي أو حركــي‪ ،‬ومفهومــه أنــه قــد حــوَّل نظــرة اإلنســان إىل مظاهــر‬
‫اجلمــال األمســى واألكثــر رقيّ ـاً وخلــوداً ممــا عرَفــه مــن قبــل‪ ،‬ونشــأته بــأن الفــن هــو‬
‫(‪ )1‬ابــن خلــدون املقدمــة– ‪ 376/1‬وأنظــر‪ :‬عــادل عــوض‪ :‬املدينــة العربيــة اإلســامية واملدينــة األوروبية–جملــة‬
‫العلــوم و التكنلوجيــا معهــد اإلمنــاء العربــي العــدد (‪1992 )27‬م–صفحــة ‪.32‬‬
‫(‪ )2‬د‪.‬راغب السرجاني فن العمارة يف احلضارة اإلسالمية–موقع قصة اإلسالم‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫مــا خيرجــه اإلنســان مــن عــامل اخليــال إىل عــامل احلــس‪ ،‬ليحــدث يف النفــس دهشـاً أو‬
‫إعجاب ـاً أو طرب ـاً أو تأثــراً بالعواطــف اإلنســانية مــع الشــعور باجلمــال وأقســامه‪ ،‬إىل‬
‫التصــور اإلســامي للفــن ومفهومــه يف فكرنــا‪ ،‬ووظيفتــه‪ ،‬وهدفــه مــن الفــن اإلســامي‪،‬‬
‫وخصائصــه وأقســامه وعناصــره‪..‬‬

‫كمــا عرجــت يف الفصــل الثانــي للفــن املعمــاري ومفهومــه الــذي هــو أحــدُ الفنــون‬
‫اهلندس ـيّة القدميــة الــي عَرَ َفهــا اإلنســانُ من ـ ُذ حاجتِ ـهِ لبنــاء مــأوىً لــه‪ ،‬ويُعــرفُ فــن‬
‫بتطبيــق جمموعــةٍ مــن التصاميــم اهلندســيّة‬‫ِ‬ ‫العمــارة أيضــاً بأ ّنــه الفــ ّنُ الــذي يَهتــ ّمُ‬
‫الــي تعتمـدُ علــى رسـ ِم اهليــكل التخطيطِـيّ لبنــاء املبانــي‪ ،‬وفنــه التصميمــي املعمــاري‪،‬‬
‫وتكــون العمــارة اإلســامية‪ ،‬ونشــوئها‪ ،‬وتعريفهــا واملميــزات اخلاصــة هبــا‪ ،‬وطرزهــا‬
‫املعماريــة بأنواعهــا‪ ،‬كمــا نلقــي الضــوء علــى خصائــص الفــن املعمــاري اإلســامي‪،‬‬
‫وألقينــا يف الفصــل الثالــث بالظــال علــى تأثــر املذاهــب علــى العمــارة اإلســامية‪،‬‬
‫وتطرقــت يف الفصــل الرابــع إىل تأثــر شــخصية اجملتمــع علــى تشــكيل العمــران (العامل‬
‫اإليديولوجــي)‪ ،‬ومــن ثــم ننتقــل يف الفصــل الرابــع إىل تأثــر شــخصية اجملتمــع علــى‬
‫تشــكيل العمــران‪ ،‬وإن التغــر االجتماعــي حقيقــة وجوديــة‪ ،‬فضـاً عــن أنــه ظاهرة عامة‬
‫وخاصيــة أساســية تتميــز هبــا نشــاطات ووقائــع احليــاة االجتماعيــة‪ ،‬ونعــرج أيضـاً يف‬
‫الفصــل اخلامــس إىل مفهــوم اجلمــال يف اإلســام‪ ،‬مــع التعريــف علــى مفهــوم اجلمــال‬
‫والفــن‪ ،‬ثــم مفهــوم اجلمــال والعمــارة‪ ،‬ومــن ثــم مفهــوم قيــاس اجلمــال يف العمــارة‪،‬‬
‫مــن املفهــوم التعبــري وعناصــره مثــل (املداخــل والبوابــات – األبــواب – النوافــذ‬
‫والشمســيات والقمريات – احملراب – املقرنصات – الشــرافات – األســبلة وأقســامها‬
‫– مســاحة الصــاة )‪ ،‬واملفهــوم الرمــزي واخلطــوط العربيــة وعناصرمهــا‪« ،‬انظــر إىل‬
‫بعــض النمــاذج يف صفحــة املصــورات للتفصيــات اهلندســية واملعماريــة ص ( ‪،»)-- -‬‬
‫وندخــل بعــامل الزخرفــة اإلســامية وفنهــا وأنواعهــا وخصائصهــا (النباتيــة واخلطيــة‬
‫واهلندســية والتصويريــة)‪ ،‬ونتوجــه إىل الفصــل الســادس يف عــامل القبــاب وعالقتهــا‬
‫املهمــة يف تاريــخ العمــارة اإلســامية وصفاهتــا‪ ،‬ووظيفتهــا ثــم نتطــرق إىل القبــاب يف‬

‫‪20‬‬
‫العمــارة اإلســامية‪ ،‬وأنواعهــا‪ ،‬ونعــرج إىل الفصــل الســابع حبيــث نتطــرق إىل عناصــر‬
‫التصميــم املعمــاري بتكويناتــه وأشــكاله‪..‬ومفهوم العمــارة اإلســامية وعناصرهــا – فن‬
‫عمــارة املســاجد‪( ،‬املســاجد – اخلصائــص – املميــزات)‪ ،‬والعناصــر األساســية يف‬
‫عمــارة املســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد (املنــر – الصحــن – القبلــة –‬
‫الــرواق)‪ ،‬ومــن ثــم العناصــر الــي دخلــت علــى املســجد (املتممــة) – املــآذن – العقــد–‬
‫األعمــدة والتيجــان – اإليــوان – الســرداب – امليضــأة)‪ ،‬والتكويــن املعمــاري للمســجد‬
‫(املدخــل الرئيســي للمســجد– املقصــورة – فنــاء املســجد – املشــربيات ‪ -‬اخلشــب‬
‫واخلــرط – الثريــات – الســبيل)‪ ،‬ومــن ثــم العناصــر املعماريــة يف املــدارس اإلســامية‬
‫– نشــأهتا – واملــدارس الفنيــة بالعمــارة اإلســامية وأنواعهــا)‪ ،‬ثــم نعــاود اإلنتقــال إىل‬
‫الفصــل الثامــن وفيــه نعــرض فــن عمــارة املســاجد (املســاجد اخلصائــص واملميــزات‬
‫–وأشــكاهلا – وعناصرهــا األساســية يف عمارتــه – والتكويــن املعمــاري للمســاجد)‪،‬‬
‫ونتطــرق يف الفصــل التاســع إىل العناصــر املعماريــة يف املــدارس اإلســامية ونشــأهتا‪،‬‬
‫وننتقــل إىل الفصــل العاشــر ونتكلــم عــن التصميــم املعمــاري واملعرفــة مبفاهيــم الفــراغ‬
‫املعمــاري واســتخداماته املختلفــة وأمناطــه‪ ،‬ونعــرج يف الفصــل احلــادي عشــر إىل‬
‫الــراث واحلداثــة املعماريــة‪ ،‬مــن حيــث املفاهيــم والقيمــة احلضاريــة الــي تؤثــر بصــورة‬
‫أو بأخــرى علــى األجيــال املتعاقبــة‪ ،‬فهــو جتســيد لقيــم ثقافيــة وحضاريــة تعكــس بنيــة‬
‫اجتماعيــة واقتصاديــة وسياســية معينــة‪ ،‬وتوضــح مــدى مســامهة األجيــال املختلفــة‬
‫يف رقــي احلضــارة اإلنســانية للمجتمعــات والعمــارة الرتاثيــة‪ ،‬ومــن ثــم نعــاود اإلنتقــال‬
‫إىل الفصــل الثانــي عشــر وفيــه اجلمــال يف العمــارة اإلســامية ومفاهيمهــا‪ ،‬والــذي‬
‫نصــف فيــه اإلســام بأنــه هــو ديــن الفطــرة الــذي جــاء صاحل ـاً لــكل زمــان ومــكان‪،‬‬
‫وهــو عقيــدةٍ وشــريعة وهتذيــبٍ وسُــلوك وحـ ٍّـق ومجــال يعــاجل شــؤونَ احليــاة كلَّهــا‪ ،‬ومــن‬
‫َ‬
‫ليتغاضــى عــن نــواز ِع النّفــس البشــريّة‪ ،‬ونعــرج بعدهــا إىل‬ ‫أجـ ِل هــذا مل يكــن اإلســام‬
‫الفصــل الثالــث عشــر الــذي نتطــرق فيــه إىل فقــه العمــارة ودراســة القانــون احلاكــم‬
‫لفقــه العمــارة‪ ،‬وفيــه (حكمــة حركيــة العمــران يف اجملتمعــات اإلســامية‪ ،‬وعناصــر‬
‫اإلتصــال واحلركــة)‪ ،‬وننتقــل بعدهــا إىل الفصــل الرابــع عشــر وفيــه نبحــث ماهيــة‬

‫‪21‬‬
‫العمــارة اإلســامية وتتضمــن (مكانــة املســجد يف تاريــخ العمــارة اإلســامية – مقــر‬
‫ويل األمــر وقصــره ودواوينــه – وأيض ـاً تصميــم املســاكن اإلســامية – ومــن ثــم فقــه‬
‫عمــارة املســاكن واملؤسســات اخلدميــة والصحيــة واإلجتماعيــة‪ ،‬واملؤسســات اخلدميــة‪،‬‬
‫واملنشــآت املائيــة‪ ،‬واإلســتخدامات احلربيــة وتطــور عمارهتــا وأنواعهــا‪ ،‬وكذلــك منــاذج‬
‫مــن املنشــآت الدينيــة– املدينــة املنــورة – املــدن الرتاثيــة – عــكا‪ ،‬ومفهــوم املدينــة‬
‫اإلســامية‪ ،‬والعوامــل املؤثــرة يف ختطيــط املــدن والعمــارة‪ ،‬واخلصائــص العامــة‬
‫لتخطيــط العمــارة يف املدينــة اإلســامية‪ ،‬نشــأة املدينــة اإلســامية – املدينــة املنــورة‬
‫– املدينــة الرتاثيــة – عــكا‪ ،‬وعمــارة القصــور – قصــر احلمــراء)‪ ،‬ونعــرج أيضـاً للفصــل‬
‫اخلامــس عشــر وفيــه لغــة األلــوان يف العمــارة اإلســامية ويتضمــن األلــوان وداللتهــا‬
‫الفلســفية يف العمــارة اإلســامية – نــور اهلل – العــن اجملــردة‪ ،‬وكذلــك األلــوان وداللتها‬
‫يف الفكــر اإلســامي ‪ -‬األلــوان يف القــرآن الكريــم– تعريــف اللــون‪ ،‬وفلســفة األلــوان‬
‫يف الفنــون اإلســامية‪ ،‬واللــون يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬ومــن ثــم الضــوء يف العمــارة‬
‫اإلســامية‪ ،‬وبعدهــا خنتــم بالرؤيــة والتوصيــات مــن خــال مــا مت البحــث والدراســة يف‬
‫هــذه املوســوعة املتواضعــة‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪22‬‬
‫التمهيد‬

‫التمهيد‬

‫‪23‬‬
‫إن الزدهــار الفــن العربــي اإلســامي عالقــة واضحــة باالســتقرار السياســي ومبيــول‬
‫احلــكام الشــخصية‪ ،‬وإن بإمكاننــا أن ننســب الطــرز الفنيــة إىل الــدول احلاكمــة‪ ،‬وهلــذا‬
‫نــرى االعتمــاد حلــد كبــر علــى التقســيمات السياســية يف التاريــخ اإلســامي‪ ،‬والــي‬
‫تقــوم يف حتديــد عصــور احليــاة الفنيــة(‪ ،)1‬ولقــد أخــذ عــن العــرب العلــوم واآلداب‬
‫والفنــون عــر العصــور‪ ،‬وظهــرت احلضــارات املختلفــة معلنــة فضــل العرب واإلســام يف‬
‫كل فــروع العلــم واملعرفــة‪ ،‬وتاريــخ الفنــون مــن عمــارة وحنــت وتصويــر وفنــون تطبيقيــة‬
‫وزخرفيــه(‪.)2‬‬

‫وإن احليــاة الفنيــة يف العصــر اإلســامي قــد تطــورت تدرجيي ـاً وقســمت إىل عصــور‬
‫متتاليــة وطــرز متعــددة كانــت تتطــور تدرجييـاً وميكــن تقســيمها إىل العصــور التاليــة‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ :‬مرحلــة عصــر العــامل اإلســامي املوحــد‪ ،‬وميتــد مــن أواســط القــرن الســابع‬
‫امليــادي حتــى التاســع امليــادي أي فــرة الفتــح وانتشــار اإلســام يف العــامل القديــم‬
‫حيــث اســتفاد مــن قربــه مــن العــامل اآلســيوي مــن الفــن اإليرانــي والبحــر املتوســط مــن‬
‫الفــن اهللنيســي ومعظــم الذيــن قامــوا هبــذه األعمــال الفنيــة األوىل يف اإلســام كانــوا‬
‫مــن ســكان البــاد األصليــن مــن الســوريني والعراقيــن والقبــط والرببــر‪ ،‬وهــم مــن‬
‫العــرب وغــر العــرب وقــد وضعــوا األســس األوىل للفــن العربــي اإلســامي‪.‬‬

‫ثاني ـاً‪ :‬مرحلــة عصــر اخلالفــات الثــاث ‪316‬هـــ ‪12-10 /‬م حيــث ظهــرت يف ثالثــة‬
‫مراكــز – اخلالفــة العباســية يف بغــداد والشــرق –اخلالفــة الفاطميــة يف الوســط –‬
‫اخلالفــة األمويــة يف الغــرب (األندلــس) ومتيــز بشــخصية متشــاهبة املالمــح وكان‬
‫للحيــاة الفنيــة دور هــام يف هــذه الفــرة حيــث ظهــرت بعــض العناصــر الزخرفيــة يف‬
‫الفــن اإلســامي (كاملقرنصــات والنقــش البــارز بالعناصــر النباتيــة)‪.‬‬

‫ثالثــاً‪ :‬مرحلــة عصــر مــا بعــد اخلالفــات (‪ 15-12‬م) ظهــور املــدارس الفنيــة‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬أنــور الرفاعــي تاريــخ الفــن عنــد العــرب واملســلمني الطبعــة الثانيــة ‪ 1397-1977‬دار الفكــر دمشــق ص‬
‫(‪)15‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬حممود وصفي حممد دراسات يف الفنون والعمارة العربية اإلسالمية ص (مقدمة الكتاب)‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫اإلســامية ومتيزهــا فظهــرت أنــواع العمــارة بأشــكاهلا وألواهنــا وزخارفهــا وشــخصيتها‬
‫املســتقلة فعلــى ســبيل الذكــر بنــى الفــرس اجلوامــع ذات الباحــات الواســعة واألواويــن‬
‫املزينــة باملقرنصــات واملــآذن املتعــددة والقبــاب األصلية‪،‬وأمــا يف الشــام ومصــر فكانــت‬
‫أحجــام األبنيــة أقــل ضخامــة واأللــوان أقــل وضوحــا والقبــاب أكثــر اســتدارة واملــآذن‬
‫ذات شــرفات‪ ،‬وأمــا يف األندلــس واملغــرب فكانــت خمططــات األبنيــة بســيطة واألبــراج‬
‫مربعــة والســقوف حمدبــة والزخرفــة واضحــة‪.‬‬

‫رابعـاً‪ :‬مرحلــة الفــن املغربــي األندلســي متيــز هــذا األســلوب باندمــاج الفنــن الشــرقي‬
‫والرببــري‪ ،‬حيــث اســتخدما (التغرمــت) أي الــدار احملصنــة وهــي علــى شــكل بنــاء مربــع‬
‫يقــوم أركانــه األربــع علــى أبــراج ولســورها مدخــل واحــد‪ ،‬وكذلــك (األيغــرم) أي املخــازن‬
‫احملصنــة وهــي أجنحــة منفصلــة تنفتــح علــى ســاحة داخليــة باإلضافــة إىل القــاع‬
‫للحمايــة مــن األخطــار واســتخدما (اآلجديــر) دار مربعــة هلــا بــاب خارجيــة تــؤدي إىل‬
‫ســاحة مركزيــة فيهــا عــدة طبقــات مــن الغــرف‪.‬‬

‫خامسـاً‪ :‬مرحلــة العصــر العثمانــي (‪18 - 16‬م) لقــد ظهــرت اإلمرباطوريــة العثمانيــة‬
‫جبــوار البحــر األبيــض املتوســط حيــث انتشــر فنهــا املعمــاري يف األبنيــة الدينيــة ذات‬
‫القبــاب الكبــرة واملفلطحــة واملــآذن الرشــيقة وهــذا مــا نشــاهده يف عاصمتهــم (إســام‬
‫بــول) وكذلــك اســتطاع الطــراز اإليرانــي أن يغــزو اهلنــد ونــرى التحــف الفنيــة (تــاج‬
‫حمــل) يف آكــرا وكذلــك الزخرفــة وهــو النــوع الوحيــد يف اإلســام(‪.)1‬‬

‫سادسـاً‪ :‬اتســم تاريــخ العمــارة اإلســامية يف ســوريا بوجــه عــام بثــراء وفــر وجيمــع مــا‬
‫بــن األصــول احملليــة والتأثــرات اإلغريقيــة والرومانيــة والبيزنطيــة والفارســية‪.‬‬

‫كمــا يضــم شــواهد عــن فــن العمــارة احلربيــة يف أوروبــا القــرون الوســطى كالقــاع‬
‫الــي شــيدها الفرجنــة علــى الســاحل وتأثــرات فــن العمــارة املدنيــة األوروبيــة يف مطلــع‬
‫القــرن العشــرين إبــان مرحلــة اإلنتــداب الفرنســي علــى ســوريا‪.‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬أنور الرفاعي تاريخ الفن عند العرب واملسلمني مرجع سبق ذكره ص (‪.)21-15‬‬

‫‪25‬‬
‫ونالحــظ أن العصــر األمــوي هــو الفــرة الــي ظهــرت فيهــا أوىل املــدارس الفنيــة‬
‫اإلســامية الــي عرفــت باملدرســة األمويــة‪ ،‬ويعــد الفــن األمــوي فن ـاً مركب ـاً اســتمد‬
‫عناصــره املختلفــة مــن الفنــون الرومانيــة البيزنطيــة والفارســية والساســانية ومل‬
‫يأخــذوا هــذه الفنــون كمــا هــي‪ ،‬بــل حــوروا يف بعضهــا وأضافــوا إليهــا مــا يتفــق مــع‬
‫ثقافتهــم‪...‬‬
‫وحنــن نعــرف أن للفنــون يف العــامل اإلســامي إبداعــات فنيــة وخاصــة عنــد العــرب‬
‫املســلمني مــن تعــدد لألســاليب واألذواق‪ ،‬ألهنــم مل يهملــوا أي جانــب مــن جوانــب احليــاة‬
‫إال وأشــبعوه حبث ـاً ومتحيص ـاً وخاصــة الفنــون الــي تتعلــق بالنحــت وصنــع التماثيــل‬
‫والــي كان هلــا الــدور يف جــدال العلمــاء مــن ناحيــة اجلــواز والتحريــم لكنــه حــرص‬
‫علــى بنــاء القــاع واحلصــون واألربطــة والتكايــا واملــدارس‪ ،‬وهــي بدورهــا تبــدي أمهيــة‬
‫خاصــة بالنواحــي اهلندســية والعمرانيــة مبــا حتتــوي مــن زخــارف وخطــوط وتزيينــات‪،‬‬
‫ولعــل املستشــرقني هــم أول مــن عــي بــراث املســلمني‪.‬‬
‫إن الفنــان املســلم يف هــذه العصــور مــن الزمــن والــي مل يتوفــر هبــا اإلمكانيــات التقنيــة‬
‫والتكنلوجيــة املتوفــرة يف عصرنــا احلــايل وتســمح بتعــدد وتطويــر الفنــون اإلســامية‬
‫إال أنــه حــرص علــى أن يتطــور ويتميــز يف شــتى أنــواع الفنــون‪ ،‬فنجــد أن منــذ ظهــور‬
‫اإلســام وازدهــار فنونــه علــى مــدى عصــور خمتلفــة مــن الزمــن قــد اســتطاع املبــدع‬
‫املســلم أن يبتكــر مــدارس فنيــة تتميــز خباصيــة منفــردة مســتمدة مــن حاضرتــه‬
‫وعقيدتــه الســمحة‪.‬‬
‫كمــا اتبــع الفنانــون املســلمون أســلوبا خاصــا لرســم األشــخاص فلــم يتقيــدوا بالنســب‬
‫التشــرحيية فنجــد هــذه الرســومات وقــد نفــذت بأســلوب (الفريســكو) ويتلخــص هــذا‬
‫األســلوب بوضــع طبقــة مــن اجلــص علــى اجلــدار ويتــم الرســم عليهــا بألــوان مذابــة‬
‫يف املــاء قبــل أن جتــف حتــى يتشــرب اجلــص اللــون أثنــاء جفافــه ويتفــادى ســقوطه‪،‬‬
‫انظرالشــكل (‪ )1‬وقــد عــرف هــذا األســلوب منــذ عهــد األمويــن ونلمســه يف روائــع‬
‫الفنــون اإلســامية كمــا يف الرســومات الــي اكتشــفت بقصــر عمــره يف األردن يف عهــد‬

‫‪26‬‬
‫الوليــد بــن عبــد امللــك ‪ 96 – 86‬هـــ ومدينــة‬
‫تدمــر بســوريا يف عهــد هشــام بــن عبــد امللــك‬
‫‪ 125 –106‬هـــ ومدينــة ســامراء يف العــراق‬
‫قصــر اجلوســق اخلاقانــي ‪ 223‬هـــ واحلمــام‬
‫الفاطمــي مبدينــة القاهــرة وتعــود للقــرن‬
‫‪1‬‬ ‫الشكل‬
‫العاشــر امليــادي – الرابــع هجــري(‪.)1‬‬
‫إن اإلبــداع اجلمــايل يُش ـ ّكِل بُعْــداً أساس ـيّاً يف احلضــارة اإلنســانية‪ ،‬فاحلضــارة الــي‬
‫ختلــو مــن عنصــر اجلمــال‪ ،‬وتنتفــي فيهــا وســائل التعبــر عنــه‪ ،‬هــي حضــارة ال تتجــاوب‬
‫مــع مشــاعر اإلنســان‪ ،‬وألن روعــة العمــارة تعــر عــن روعــة احلضــارة الــي أنشــأهتا‪،‬‬
‫وذلــك قانــون تارخيــي كمــا يقــول ابــن خلــدون‪« :‬إن الدولــة واملُلْــكَ للعمــران مبنزلــة‬
‫الصــورة للمــا ّدَة‪ ،‬وهــو الشــكل احلافــظ لوجودهــا‪ ،‬وانفــكاك أحدمهــا عــن اآلخــر غــر‬
‫ممكــن علــى مــا ُقـ ِّررَ يف احلكمــة؛ فالدولــة دون العمــران ال ميكــن تص ّوُرهــا‪ ،‬والعمــران‬
‫دوهنــا مُتَعَـ َّذرٌ‪ ،‬فاختــال أحدمهــا يَسْـتَل ْ ِزم اختــال اآلخــر‪ ،‬كمــا أن عــدم أحدمهــا يُؤَ ّثِـرُ‬
‫يف عــدم اآلخــر‪ ،‬وتُشــبع رغباتــه النفســية‪ ،‬واملشــتاقة دائمًــا إىل كل مــا هــو مجيــل(‪.)2‬‬
‫ومتيــز الفــن اإلســامي بكراهيتــه للفــراغ‪ ،‬فاهتــم الفنــان املســلم بتغطيــة املســاحات‬
‫برســوم ســطحية؛ فظهــرت املوضوعــات الزخرفيــة متكــررة علــى العمائــر والتحــف‬
‫اإلســامية تكــراراً يلفــت النظــر‪ ،‬وقــد خلــص صــاحل أمحــد الشــامي خصائــص الفــن‬
‫اإلســامي بقولــه‪« :‬الفــن اإلســامي لقــاء كامــل بــن إبــداع املوهبــة ونتــاج العبقريــة‬
‫وبــن دقــة الصنعــة ومهــارة التنفيــذ وحســن اإلخــراج‪ ،‬إنــه اجتمــاع بــن الــذكاء وبــن‬
‫اخلــرة‪ ،‬وهبــذا يصــل الفــن إىل ذروة اجلمــال‪.‬‬
‫فالعمارة لغة‪ :‬مصدر فعل عمر يعمر‪ ،‬عمارة أي صار عامراً‪ ،‬وعمر املكان أهله اسكنوه‬
‫وعمر املنزل جعله آهالً‪ ،‬يرد فعل عمر عدة مرات يف القرآن الكريم {إمنا يعمر مساجد‬
‫اهلل من آمن باهلل واليوم اآلخر*} (سورة التوبة)‪ .‬أما املصدر فال يرد إىل مرة واحدة {أجعلتم‬
‫(‪ )1‬روائــع الفــن اإلســامي‪ -‬هــدى العمــر موقــع صحيفــة فنــون اخلليــج (وزارة الثقافــة واإلعــام الســعودي) ‪-‬‬
‫‪.2014/7/18‬‬
‫(‪ )2‬فن العمارة يف احلضارة اإلسالمية للدكتور راغب السرجاني ‪ -‬موقع قصة اإلسالم‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫سقاية احلاج وعمارة املسجد احلرام*} (سورة التوبة)‪ ،‬العمارة اسم للبنيان والعمران‪،‬‬
‫ويقول أبو صاحل يف كتابه «الفن اإلسالمي» «العمران البنيان‪ ،‬وهو أيضاً اسم ملا يعمر‬
‫به املكان‪ ،‬أما يف االصطالح‪ ،‬فإن العمارة فن مرتبط بالبناء وفق قواعد معينة(‪.)1‬‬
‫وتعــد العمــارة اإلســامية مــن أهــم فنــون احلضارتــن العربية واإلســامية‪ ،‬فعلى الرغم‬
‫مــن تأثرهــا لباقــي احلضــارات الــي ســبقتها إال أهنــا اســتطاعت أن تكــوّن لنفســها‬
‫طابع ـاً مميــزاً عَبَــر عــن خصوصيتهــا الرتباطهــا بالعقيــدة اإلســامية الســمحاء‪ ،‬إذ‬
‫شــكلت برتاثهــا املتنــوع منهاج ـاً قــاد حضــارة أخــرى إىل مصــايف التطــور واالزدهــار‪.‬‬
‫وقــد نشــأت العمــارة اإلســامية كحرفــة بســيطة يف البنــاء ثــم تطــورت حتــى كوّنــت‬
‫جمموعــة مــن الفنــون املعماريــة املختلفــة‪ ،‬واشــتمل الفــن املعمــاري اإلســامي علــى عــدة‬
‫أنــواع منهــا – فــن عمــارة املســاجد وعمــارة القصــور وفــن عمــارة البيــوت وفــن عمــارة‬
‫املــدارس‪ ،‬وقــد بــرع املســلمون يف فنــون العمــارة بــكل أشــكاهلا‪ ،‬وكانــت املســاجد أول‬
‫شــيء بنــاه املســلمون مــن حيــث العمــارة‪ ،‬فقــد بنــوا املســاجد قبــل أن يبنــوا القصــور‬
‫أو القــاع أو املــدارس ومــن هنــا كان املســجد الدعامــة األوىل لنشــأة فــن العمــارة‬
‫اإلســامية‪ ،‬ومل تقتصــر رســالة املســجد علــى الصــاة والعبــادة فحســب بــل كان مبثابــة‬
‫مدرســة للعلــم والرتبيــة وبرملــان لألمــة تعقــد فيــه اإلنتخابــات (البيعــة ) للخليفــة وتــدار‬
‫فيــه اإلجتماعــات السياســية والعســكرية كمــا يف مســجد الرســول ‪ ‬بالرغــم مــن‬
‫بســاطته(‪.)2‬‬
‫فقــد بــدأ النشــاط املعمــاري يف الدولــة اإلســامية مــع هجــرة الرســول الكريــم ‪ ‬إىل‬
‫املدينــة املنــورة حيــث قــام ببنــاء مســجده ومنزلــه وحجــرات زوجاته‪ ،‬وبعد وفاة الرســول‬
‫بــدأ عصــر اخللفــاء الراشــدين حيــث قــام عمــر بــن اخلطــاب بتوســيع مســاحة املســجد‬
‫النبــوي الشــريف‪ ،‬كمــا أقــام مســجداً خشــبياً عنــد الصخــرة املقدســة بفلســطني عــرف‬
‫باملســجد األقصــى‪ ،‬وبعــد انتهــاء عصــر اخللفــاء الراشــدين قــام األمويــن بتأســيس‬
‫دولتهــم‪ ،‬وقامــوا بتوســيع رقعــة اإلســام‪ ،‬وبــدأ النشــاط املعمــاري اإلســامي يف‬

‫(‪ )1‬اهلويــة والتكوينــات املعماريــة والعناصــر اجلماليــة يف العمــارة لألســتاذه نعيمــه احلصــري‪ ،‬كليــة اآلداب والعلــوم‬
‫اإلنســانيه ‪ -‬القنيطــرة‪ -‬شــعبة التاريــخ – ختصــص عمــارة إســامية‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪.‬عفيف هبنسي‪-‬فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫االزدهــار والتطــور ومتيــزت العمــارة اإلســامية يف هــذا العصــر باســتخدام العقــود‬
‫احملمولــة علــى أعمــدة رخاميــة واســتخدام األســقف اخلشــبية املائلــة واســتخدام‬
‫القبــاب يف األســقف والــي كانــت تبنــى مــن احلجــر والطــوب‪ ،‬واســتخدم الشــدادات‪،‬‬
‫ووضــوح التقســيم اهلندســي يف املســقط األفقــي كمــا متيــزت هــذه الفــره ببنــاء بعــض‬
‫القصــور الصغــرة يف الصحــاري وكانــت مــآذن اجلوامــع واملســاجد مــن أهــم وأقــدم‬
‫اآلثــار اإلســامية الكبــرة يف دمشــق‪ ..‬حيــث أقامــت اخلالفــة األمويــة(‪ )1‬عاصمتهــم‬
‫فيهــا الــي أصبحــت هلــم منــارة للعلــم والعلمــاء والفقهــاء‪ ،‬واهتمــوا بالعمــارة واملعــامل‬
‫اإلســامية‪ ،‬وفتحــوا الكثــر مــن البــاد مــن حــدود الصــن شــرقاً إىل األندلــس غرب ـاً‬
‫وأصبحــت أكــر خالفــة يف التاريــخ اإلســامي امتــدت ســلطتها يف مجيــع االجتاهــات‪،‬‬
‫كمــا اهتــم اخللفــاء األمويــون مبــدارس العلــم والعمــارة واهتمــوا ببنــاء املســاجد كمــا‬
‫املســجد األمــوي بدمشــق واملســجد األقصــى يف القــدس واملســجد النبــوي باملدينــة‬
‫املنــورة ومســجد قرطبــة‪ ،‬وغريهــا يف أرجــاء اخلالفــة الــي اتســعت يف كل اجتــاه(‪.)2‬‬
‫وكان خلــروج عــرب اجلزيــرة إىل األطــراف العربيــة يف صــدر اإلســام للغنــى الــذي‬
‫رافقتــه االنتصــارات علــى البيزنطيــن والفــرس واطالعهــم علــى الفنــون املعماريــة الــي‬
‫كانــت يف البــاد والــي قدمــوا إليهــا وأخــذوا يف تقليدهــا‪ ،‬فشــيد كثــر مــن الصحابــة‬
‫دوراً جديــدة يف مكــة واملدينــة مــن احلجــارة والرخــام‪ ،‬وكانــت دار عثمــان بــن عفــان‬
‫والزبــر بــن العــوام مــن أعظمهــا وأمجلهــا‪ ،‬حيــث كانــت للتعاليــم اإلســامية‪ ،‬أثــر‬
‫عظيــم يف الفــن اجلديــد‪ ،‬الــذي اقتبســه العــرب‪ ،‬وقلــدوه تقليــداً ماهــراً‪ ،‬وأدخلــوا عليــه‬
‫كثــراً مــن التطــور الــذي يالئــم تعاليمهــم اجلديــدة‪ ،‬حتــى غــدا فنـاً إســامياً خالصـاً‪،‬‬
‫يأخــذ بنصيــب مــن هــذا ومــن ذاك‪ ،‬ولكنــه يشــكل منوذجــاً قائمــاً بذاتــه‪ ،‬فــكان ال‬
‫بــد للمســلمني مــن مســاجد لصالهتــم اجلامعــة‪ ،‬ولعقــد اجتماعاهتــم السياســية‪ ،‬وال‬
‫ميكــن أن يبنوهــا علــى طــراز كنائــس املســيحيني‪ ،‬أو بيــوت العبــادة عنــد املوســويني أو‬
‫الوثنيــن‪ ،‬إذ حرمــت عليهــم األصنــام‪ ،‬والتماثيــل والصــور الــي ترمــز إىل الكائنــات‬
‫احليــة ذات الــروح‪ ،‬فــكان ال بــد هلــذه املظاهــر الفنيــة مــن أن متحــى‪ ،‬فــا يظهــر أثرهــا‬

‫(‪ )1‬نبيه عاقل – تاريخ خالفة بين أمية – ص (‪ )52‬أستاذ يف جامعة دمشق‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪.‬حممد اخلضري بك الدولة األموية ص (‪.)263‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪29‬‬
‫يف املســاجد اجلديــدة‪ ،‬وال يف قصــور األمــراء واخللفــاء‪ ،‬ويف العصــر األمــوي ثــم يف‬
‫العصــر العباســي والدويــات املنفصلــة واألندلــس ينحــون يف طرازهــم املعمــاري والفــي‬
‫منحــى جديــداً‪ ،‬فهــم حيرمــون الصــور والتماثيــل يف املســجد‪ ،‬ويزينوهــا باألعمــدة‬
‫والفسيفســاء‪ ،‬والقاشــاني والزخــارف اهلندســية والنباتيــة‪ ،‬والثريــات واملقرنصــات‬
‫والتيجــان والقناديــل الذهبيــة أو الفضيــة‪ ،‬ولكنهــم يبيحــون ألنفســهم يف قصورهــم‬
‫ومدهنــم اســتعمال الصــور ذات الــروح‪ ،‬والتماثيــل العربيــة‪ ،‬واســتعمال األوانــي الذهبيــة‬
‫ذات الصــور املختلفــة‪ ،‬ويلبســون األقمشــة احلريريــة املذهبــة واملنقوشــة بالصــور‪،‬‬
‫ويرعــون الفنــون بشــتى أنواعهــا‪ ،‬مــن موســيقى وتصويــر وحنــت وعمــران‪ ،‬فهــم بذلــك‬
‫يفصلــون بــن فــن د یــي قوامــه املســاجد‪ ،‬ومــا يتصــل بعبــادة اهلل تعــاىل‪ ،‬وفــن مدنــي‬
‫خالــص يتصــل حبيــاة املــرء يف الدنيــا ومتتعــه جبماهلــا وفنوهنــا‪.‬‬
‫وكان املســجد أهــم مبانــي املســلمني‪ ،‬ومل يكــن يف أول األمــر أكثــر مــن بنــاء مربــع يقــوم‬
‫ســقفه علــى عمــد مــن جــذوع النخــل أو ممــا يؤخــذ مــن األبنيــة القدميــة‪ ،‬ثــم تطــورت‬
‫عمــارة املســجد علــى يــد البنائــن مــن غــر العــرب‪ ،‬وزادت فيــه أجــزاء يظــن بعــض‬
‫الباحثــن أهنــا اقتبســت عــن بعــض أجــزاء العمــارة املســيحية‪ ،‬ومل تلبــث املســاجد أن‬
‫أصبــح هلــا نظــام ال تــكاد ختــرج عنــه‪ ،‬فــكان معظمهــا يتكــون مــن ســاحة كبــرة مكشــوفة‬
‫يف الغالــب‪ ،‬يتوســطها بركــة مــاء‪ ،‬وحيــط هبــا أربعــة أروقــة تســندها األعمــدة‪ ،‬وأحــد‬
‫هــذه األروقــة وهــو الــرواق املتجــه حنــو الكعبــة واســع جــدا ويدعــى احلــرم‪ ،‬وفيــه‬
‫احملــراب واملنــر‪ ،‬ويلــي املســجد يف الشــأن (املدرســة)‪ ،‬وقــد اســتقلت ببنــاء خــاص‬
‫منــذ القــرن اخلامــس اهلجــري‪ ،‬وكان املســجد مــن قبــل (مركــز التدريــس)‪ ،‬وتصميــم‬
‫املــدارس كان يشــمل يف الغالــب صحن ـاً مكشــوفاً‪ ،‬حتيــط بــه أربعــة إيوانــات يف شــكل‬
‫متعامــد‪ ،‬وأحــد هــذه اإليوانــات هــو (املدخــل) وفيــه الســلم الــذي يــؤدي للطابــق العلــوي‪،‬‬
‫ثــم يأتــي الضريــح‪ ،‬أو املشــهد ويســمى أحيانـاً تربــة أو قبــة وخيتلــف تصميــم الضريــح‬
‫باختــاف األقطــار اإلســامية‪ ،‬لكنهــا يف معظمهــا مل تكــن أكثــر مــن غرفــة يعلوهــا‬
‫قبــة‪ ،‬وهنــاك الربــاط‪ ،‬وهــو نــوع مــن األبنيــة العســكرية كان يســكنه اجملاهــدون‪ ،‬انتشــر‬
‫يف صــدر اإلســام‪ ،‬وهــي يف معظمهــا أبنيــة مســتطيلة تعلوهــا أبــراج للمراقبــة وحتيــط‬

‫‪30‬‬
‫غرفهــا بالصحــن الداخلــي‪ ،‬وال نوافــذ هلــا‪ ،‬وقــد زالــت الصفــة احلربيــة عنهــا مــع األيــام‬
‫وأصبحــت بيوتــا للتقشــف والصوفيــة‪ ،‬وهنــاك اخلوانــك (مجــع خانــكاه أو خانقــاه) أو‬
‫التكايــا وهــي بيــوت للمتصوفــة‪ ،‬وعــي املســلمون ببنــاء األســبلة‪ ،‬يف أركان املســاجد‬
‫وبتشــييد البيمارســتانات (املستشــفيات) وبنــاء اخلانــات‪ ،‬واألســواق يف املــدن‪ ،‬وكان‬
‫للحمامــات شــأن خطــر يف األقطــار اإلســامية‪ ،‬وهلــا نظــام يف بنائهــا يراعــي انتقــال‬
‫املتحمــم مــن احلــر إىل اهلــواء الطلــق‪ ،‬فــكان يف كل محــام ثالثــة أقســام كل منهــا‬
‫أســخن ممــا ســبقه‪ ،‬أمــا القصــور اإلســامية‪ ،‬فــكان يعنــى هبــا العنايــة الكبــرة‪ ،‬ولكنــا‬
‫ال نعــرف عــن نظامهــا وتصميمهــا مــا يســتحق الذكــر‪ ،‬إال يف العصــور املتأخــرة (منــذ‬
‫هنايــة القــرن الثامــن اهلجــري) ألن معظمهــا الســيما قصــور العباســيني يف العــراق‬
‫قــد اندثــر‪ ،‬ومعظــم مــا بقــي فإمنــا هــو يف األندلــس‪ ،‬وقــد وجــد يف هــذه القصــور‬
‫مالعــب وســاحات‪ ،‬وخمــازن واســعة تلحــق هبــا‪ ،‬عرفــت باســم خزائــن‪ ،‬مفردهــا خزانــة‬
‫أو خانــات‪ ،‬مفردهــا خانــة ‪ -‬وقــد تعــددت‪ ،‬فمنهــا خزانــة الكتــب‪ ،‬وقــد بلغــت يف قصــور‬
‫الفاطميــن أربعــن حجــرة‪ ،‬وخزانــة الكســوات‪ ،‬وخزائــن اجلوهــر والطيــب والطرائــف‪،‬‬
‫وخزائــن الفــرش واألمتعــة‪ ،‬وخزانــة الشــراب ‪ -‬أي الــدواء ‪ -‬وخزانــة التوابــل‪ ،‬وخزانــة‬
‫النبــود‪ ،‬وخزائــن األزهــار‪ ،‬أضــف إىل هــذه املبانــي مــا كان يعــرف باحلواصــل (مجــع‬
‫حاصــل) وهــي اصطبــات اخليــل‪ ،‬ومناخــات اجلمــال والفيلــة وإهــراء خلــزن الغــال‪،‬‬
‫وشــون لإلتبــان‪ ،‬وخمــازن للبضائــع‪ ،‬والطواحــن واملطابــخ‪ ..‬هــذا جبانــب احلدائــق‬
‫امللحقــة بالقصــر‪.‬‬
‫وقــد ذكــر أنــه بلــغ عــدد املرافــق الــي كانــت لســكن قصــر املأمــون‪ ،‬مــا بــن حجــر‬
‫وغريهــا ثالمثائــة وســتني مرفقــا‪ ،‬وأخــراً فــإن البنــاء احلربــي كان ذا شــأن واضــح يف‬
‫تاريــخ اإلســام‪ ،‬ومــا مــن مدينــة هامــة إال وقــد بــي هلــا الســور أو جــدد مــرة بعــد مــرة‪،‬‬
‫ومــا مــن مــکان هــام‪ ،‬إال وبنيــت فيــه قلعــة حصينــة تتســع وتصغــر حســب قيمتــه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني ‪- -‬أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫الفصل األول‬

‫‪32‬‬
‫الفن‬
‫مفهوم الفن‬

‫‪33‬‬
‫إن مفهــوم الفــن اإلســامي جــد خمتلــف عــن مفهــوم الفنــون احلديثــة اليت هتتــم بالصور‬
‫اجملســمة فحســب‪ ،‬والصــورة ال تغـ ِّـذي وجــدان املتــذوِّق مبزيــد مــن العلــم واملعرفــة‪ ،‬بــل‬
‫علــى العكــس مــن ذلــك متامـاً‪ ،‬تُثــر مزيــداً مــن القلــق والوَجــس والريبــة؛ مبــا تــرزه مــن‬
‫منــاذج ذاتيــة غريبــة‪ ،‬ومــا توقظــه يف رمسهــا مــن غرائــز عدوانيــة ووحشــية(‪.)1‬‬

‫ونــرى أن الفنــان هنــا ال يتحـدَّى وال يتمـرَّد؛ ألنــه يعلــم أنــه لــن يرقــى إىل مرتبــة اخلالــق‬
‫املبــدِع‪ ،‬إمنــا حســبه أنــه يســتخدم مــوادَّه الفنيــة يف الطبيعــة بــذوقٍ فائــقٍ ‪ ،‬وقــدرة‬
‫علــى التشــكيل؛ ليخــرج لنــا منهــا آخــر األمــر أشــياء نافعــة ومجيلــة‪ ،‬تشــهد باإلتقــان‬
‫واملثابــرة واإلخــاص يف تصويــر وتناســق وروعــة اخللــق اإلهلــي‪ ،‬ويتم َّثــل ذلــك واضحـاً‬
‫يف اخلطــوط والنقــوش والزخــارف والرســوم واأللــوان علــى املصاحــف واملســاجد‬
‫واألبنيــة واألوعيــة والبُسُــط ورســوم الــدواب(‪.)2‬‬

‫إن إلزدهــار الفــن العربــي اإلســامي عالقــة واضحــة باالســتقرار السياســي ومبيــول‬
‫احلــكام الشــخصية‪ ،‬وإن بإمكاننــا أن ننســب الطــرز الفنيــة إىل الــدول احلاكمــة‪ ،‬وهلــذا‬
‫نــرى االعتمــاد حلــد كبــر علــى التقســيمات السياســية يف التاريــخ اإلســامي‪ ،‬والــي‬
‫تقــوم يف حتديــد عصــور احليــاة الفنيــة(‪ ،)3‬لقــد أخــذ عن العرب العلــوم واآلداب والفنون‬
‫عــر العصــور‪ ،‬وظهــرت احلضــارات املختلفــة معلنــة فضــل العــرب واإلســام يف كل‬
‫فــروع العلــم واملعرفــة‪ ،‬وتاريــخ الفنــون مــن عمــارة وحنــت وتصويــر وفنــون تطبيقيــة‬
‫وزخرفيــة(‪.)4‬‬

‫فالفــن لغويـاً‪ :‬معنــاه الضــرب‪ ،‬واللــون مــن الشــيء‪ ،‬واجلمــع أفنــان وفنــون‪ ،‬ونقــول فنــن‬
‫النــاس جعلهــم فنون ـاً أنواع ـاً‪ ،‬وفنــن الثــوب‪ :‬جعــل فيــه طرائــف ليســت مــن جنســه‪،‬‬
‫افــن الرجــل يف أحاديثــه جــاء باألفانــن أو أخــذ يف فنــون القــول‪ ،‬وهنــاك عالقــة وثيقــة‬

‫(‪ )1‬التصور اإلسالمي للفن ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد احلليم عويس‪.‬‬


‫(‪ )2‬حسن الشرقاوي‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص (‪.)262‬‬
‫(‪ )3‬أنور الرفاعي تاريخ الفن عند العرب واملسلمني الطبعة الثانية ‪ 1397-1977‬دار الفكر دمشق ص (‪.)15‬‬
‫(‪ )4‬د‪ .‬حممــود وصفــي حممــد دراســات يف الفنــون والعمــارة العربيــة اإلســامية (مقدمــة الكتــاب)‪1980 .‬م دار‬
‫الثقافــة للطباعــة والنشــر‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مصــر‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫بــن معنــى الكلمــة ومــا انتدبــت لــه مــن مصطلــح‪ ،‬حيــث اســتهوت النــاس وأغرهتــم‬
‫باســتعماهلا‪ ،‬وإطالقهــا علــى كل عمــل يريــدون وصفــه بالدقــة واجلمــال‪ ،‬ممــا أدى إىل‬
‫اتســاع اســتعمال الكلمــة فأحتــاج األمــر إىل التحديــد والتخصيــص(‪.)1‬‬

‫ومفهومــه الطبيعــي‪ ،‬أو الفنــون بتعريفهــا‪ :‬هــي قــدرة أو طاقــة الســتنطاق الــذات‪ ،‬حبيث‬
‫تتيــح لإلنســان التعبــر عــن نفســه أو حميطــه بشــكل بصــري أو صوتــي أو حركــي‪ ،‬ومــن‬
‫املمكــن أن يســتخدمها اإلنســان لرتمجــة األحاســيس والصراعــات الــي تنتابــه يف ذاتــه‬
‫اجلوهريــة‪ ،‬وليــس بالضــرورة تعبــراً عــن حاجتــه ملتطلبــات يف حياتــه‪ ،‬رغــم أن بعــض‬
‫العلمــاء يعتــرون الفــن ضــرورة حياتيــة لإلنســان كاملــاء والطعــام(‪.)2‬‬

‫وجنــد أن مــن خــال هــذه الفطــرة الــي أصَّلهــا اإلســام للفــن‪ ،‬ووجَّــه إليهــا الفنــان‬
‫املســلم‪ ،‬نســتطيع أن نقــول‪ :‬إن ظهــور اإلســام‪ ،‬وفقــه املســلمني بــه‪ ،‬قــد ح ـوَّل نظــرة‬
‫اإلنســان إىل مظاهــر اجلمــال األمســى واألكثــر رقيّـاً وخلــوداً ممــا عرَفــه مــن قبــل؛ مــن‬
‫مجــال يف ظاهــر األشــياء وباطنِهــا‪ ،‬وبذلــك حت ـوَّل مِــن جمــرد النظــرة إىل االهتمــام‬
‫باجلوهــر والباطــن‪ ،‬ومــن االجتــاه لالرتقــاء بالقيــم وراء املطلــق إىل اإلرتقــاء مــن‬
‫احلســي إىل املعنــوي‪ ،‬ومــن املــادي إىل الروحــي(‪)3‬؛ فهــو يتأمَّــل الكــون مــن حولــه‪ ،‬ويشــعر‬
‫بضآلتــه أمامــه‪ ،‬وبنعمــة اســتخالف اهلل لــه‪ ،‬وباإلضافــة إىل رؤيتــه هلــذا التنـوُّع احليــوي‬
‫للكائنــات واألشــياء واملوجــودات‪ ،‬يندفــع إىل التدبُّــر والتفكــر يف ال حمدوديــة الكــون(‪.)4‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬فلسفة الفن اإلسالمي – حممودي ذهبية‪.‬‬


‫(‪ )2‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )3‬عماد الدين خليل ‪ -‬ص (‪.)25 ،24‬‬
‫(‪ )4‬التصور اإلسالمي للفن ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬عبد احلليم عويس‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫نشأة الفن اإلسالمي‬

‫الفــن هــو مــا خيرجــه اإلنســان مــن عــامل اخليــال إىل عــامل احلــس‪ ،‬ليحــدث يف النفــس‬
‫دهشـاً أو إعجابـاً أو طربـاً أو تأثــراً بالعواطــف اإلنســانية مــع الشــعور باجلمــال‪ ،‬حيــث‬
‫أنــه ال ينفصــل عــن الفكــر اإلنســاني‪ ،‬ألنــه ميــال بفطرتــه إىل اجلمــال وحيــب اجلميــل‬
‫يف كل شــيء(‪.)1‬‬

‫إن املتأمــل يف حضــارة العــرب وماضيهــم وفيمــا تركــوه‪ ،‬فاقــوا فيهــا معاصريهــم مــن‬
‫أمــم هلــا حضــارات علــى درجــة كبــرة مــن األمهيــة‪ ،‬وهــو التعبــر اجلميــل عــن الكــون‬
‫واحليــاة واإلنســان مــن خــال تصــور اإلســام للكــون واحليــاة واإلنســان‪ ،‬وهــو الفــن‬
‫الــذي يهيــئ اللقــاء يف الفــن بــن اجلمــال واحلــق‪ ،‬فاجلمــال حقيقــة واحلــق ذروة‬
‫اجلمــال‪ ،‬ومــن هنــا يلتقيــان يف القمــة الــي تلتقــي عنهــا كل حقائــق الوجــود(‪.)2‬‬

‫حنــن نعــرف أن للفنــون يف العــامل اإلســامي إبداعــات فنيــة وخاصــة عنــد العــرب‬
‫املســلمني مــن تعــدد لألســاليب واألذواق‪ ،‬ألهنــم مل يهملــوا أي جانــب مــن جوانــب احليــاة‬
‫إال وأشــبعوه حبث ـاً ومتحيص ـاً وخاصــة الفنــون الــي تتعلــق بالنحــت وصنــع التماثيــل‪،‬‬
‫والــي كان هلــا الــدور يف جــدال العلمــاء مــن ناحيــة اجلــواز والتحريــم‪ ،‬لكنــه حــرص‬
‫علــى بنــاء القــاع واحلصــون واألربطــة والتكايــا واملــدارس‪ ،‬وهــي بدورهــا تبــدي أمهيــة‬
‫خاصــة بالنواحــي اهلندســية والعمرانيــة مبــا حتتــوي مــن زخــارف وخطــوط وتزيينــات‪،‬‬
‫ولعــل املستشــرقني هــم أول مــن عــي بــراث املســلمني‪.‬‬

‫والفــن اإلســامي يعــي مجيــع اجلهــود الــذي بذهلــا العــامل اإلســامي خــال عشــرة‬
‫قــرون يف التعبــر عــن اجلمــال وصنــع األشــياء الفنيــة(‪ ،)3‬وممــا الشــك فيــه أن مراحــل‬

‫(‪ )1‬دراســات يف الفنــون والعمــارة اإلســامية‪ -‬د‪ .‬حممــد وصفــي حممــد – أســتاذ اآلثــار والفنــون اإلســامية مــن‬
‫جامعــة أم درمــان اإلســامية – دار اإلصــاح للطباعــة والنشــر ص‪.20‬‬
‫(‪ )2‬من مقدمة كتاب منهج الفن اإلسالمي حملمد قطب من نظرة املؤلف – د‪ .‬أنور الرفاعي‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريــخ الفــن عنــد العــرب املســلمني – د‪ -‬أنــور الرفاعــي – الطبعــة الثانيــة – ‪ -1397/1977‬دار الفكــر –‬
‫ص ‪.10-9‬‬

‫‪36‬‬
‫نضوجــه متــت بعــد انتشــار الديــن اجلديــد يف بــاد منطقــة الشــرق األوســط(‪ ،)1‬كمــا أن‬
‫الفنــان العربــي امتــاز بطابــع يعــر عــن ســعة اخليــال ودقــة احلساســية ودقــة املالحظــة‬
‫وتدفــق احليــاة‪ ،‬وهــي غرائــز وصفــات متتــع هبــا علــى مــدى األجيــال ويف خمتلــف‬
‫البلــدان‪ ،‬والــي متتــاز بوحدهتــا التعبرييــة وشــدة التنــوع(‪ ،)2‬وللديــن أثــر كبــر يف حيــاة‬
‫الفنــان حيــث أخــذ مــن الفنــون مــا يالئــم نظريــات الديــن يف التصويــر والنحــت مــع مــن‬
‫تصويــر اآلدميــن وجتســيمهم ألنــه مكــروه‪ ،‬العتبــاره يقلــد اخلالــق يف قدرتــه‪ ،‬جلــت‬
‫قدرتــه‪ ،‬ولكــي ال يعيــده إىل مظاهــر الوثنيــة‪ ،‬فاعتمــد علــى حتويــر الصــور احليوانيــة‬
‫ورســوم الطــر ليبتعــد عــن الطبيعــة والصــورة الواقعيــة‪ ،‬وعمــد إىل رســوم النباتــات‬
‫والزخــارف اهلندســية والكتابــة أســلوباً للزخرفــة(‪.)3‬‬

‫والفنــان املســلم يف هــذه العصــور مــن الزمــن والــي مل يتوفــر هبــا اإلمكانيــات التقنيــة‬
‫والتكنلوجيــة املتوفــرة يف عصرنــا احلــايل وتســمح بتعــدد وتطويــر الفنــون اإلســامية‬
‫إال أنــه حــرص علــى أن يطــور ويتميــز يف شــتى أنــواع الفنــون‪ ،‬فنجــد أن منــذ ظهــور‬
‫اإلســام وازدهــار فنونــه علــى مــدى عصــور خمتلفــة مــن الزمــن قــد اســتطاع املبــدع‬
‫املســلم أن يبتكــر مــدارس فنيــة تتميــز خباصيــة منفــردة مســتمدة مــن حاضرتــه‬
‫وعقيدتــه الســمحة‪.‬‬

‫كمــا اتبــع الفنانــون املســلمون أســلوباً خاصـاً لرســم األشــخاص فلــم يتقيــدوا بالنســب‬
‫التشــرحيية فنجــد هــذه الرســومات وقــد نفــذت بأســلوب (الفريســكو) ويتلخــص هــذا‬
‫األســلوب بوضــع طبقــة مــن اجلــص علــى اجلــدار ويتــم الرســم عليهــا بألــوان مذابــة‬
‫يف املــاء قبــل أن جتــف حتــى يتشــرب اجلــص اللــون أثنــاء جفافــه ويتفــادى ســقوطه‪،‬‬
‫وقــد عــرف هــذا األســلوب منــذ عهــد األمويــن ونلمســه يف روائــع الفنــون اإلســامية‬
‫كمــا يف الرســومات الــي اكتشــفت بقصــر عمــره يف األردن يف عهــد الوليــد بــن عبــد‬
‫(‪ )1‬فنون الشرق األوسط يف العصور اإلسالمية – نعمت إمساعيل عالم ‪ -‬ص‪.8-7‬‬
‫(‪ )2‬مــن دراســات يف الفنــون والعمــارة العربيــة اإلســامية – د‪ .‬حممــد وصفــي حممــد – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية – جامعــة أم درمــان اإلســامية – عــن دار اإلصــاح للطباعــة والنشــر – ص‪.9-8‬‬
‫(‪ )3‬دراســات يف العمــارة والفنــون اإلســامية – حممــد احلســيين عبــد العزيــز – ليســانس يف التاريــخ – جامعــة‬
‫القاهــرة – ص‪.1‬‬

‫‪37‬‬
‫امللــك ‪ 96 – 86‬هـــ ومدينــة تدمــر بســوريا يف عهــد هشــام بــن عبــد امللــك ‪125 –106‬‬

‫هـــ ومدينــة ســامراء يف العــراق قصــر اجلوســق اخلاقانــي ‪ 223‬هـــ واحلمــام الفاطمــي‬
‫مبدينــة القاهــرة وتعــود للقــرن العاشــر امليــادي – الرابــع هجــري(‪.)1‬‬

‫وبــدأ الفــن اإلســامي مــع بــدء الدعــوة مــع لفــت القــرآن الكريــم األنظــار إىل ناحيــي‬
‫اجلمــال والزينــة يف املخلوقــات حيــث قــال‪{ :‬و ْ َ‬
‫َالنْعَــامَ خَ َل َقهَــا لَ ُك ـمْ فِيهَــا دِفْءٌ وَمَنَافِـعُ وَمِنْهَــا‬
‫َت ْأ ُك ُلــونَ*} (ســورة النحــل)‪{ ،‬وَال ْ َخيْـ َـل وَال ْ ِب َغـ َ‬
‫ـال وَالْحَمِـرَ لِ َترْ َكبُوهَــا وَ ِزينَـ ًـة وَي َْخ ُلـقُ مَــا َل َتعْ َلمُــونَ*}‬
‫(ســورة النحــل)‪ ،‬ولقــد اســتطاع حممــد ‪ ‬يف فــرة وجيــزة الســيادة علــى بــاد احلجــاز‬
‫بعــد أن وحــد بــن أهلهــا وبعــث يف نفوســهم إميان ـاً‪ ،‬وأنشــأ جمتمع ـاً إســامياً منظم ـاً‬
‫ومتماســكاً‪ ،‬وبــدأت الفتوحــات اإلســامية منطلق ـ ًة مــن عاصمــة الدولــة اإلســامية‬
‫لشــبه اجلزيــرة العربيــة (املدينــة) يف عهــد عمــر بــن اخلطــاب إىل خــارج شــبه اجلزيــرة‬
‫حيدوهــا احلمــاس للدعــوة(‪.)2‬‬

‫وامتــدت اإلنتصــارات شــرقاً وغربـاً ويف أقــل مــن نصــف قــرن‪ ،‬كان نصــف العــامل حتــت‬
‫حكــم موحــد يف ظــل اإلســام الذهــي‪ ،‬وقــد بــدأت اآلثــار الفنيــة تظهــر يف بعــض املــدن‬
‫ذات األصــل العربــي الواقعــة علــى احلــدود الســورية ويف بــاد اليمــن ترجــع إىل العصــر‬
‫اإلغريقــي والروماني(‪.)3‬‬

‫وقــد تأثــر الفــن حبســب البيئــة واملنــاخ والعقيــدة واألخــاق‪ ،‬حتــى أصبــح لــه مدلــول‬
‫خيتلــف يف تســميته‪ ،‬فنالحــظ أن الغربيــن يهتمــون بدراســة الفــن اإلســامي وأمســوه‬
‫الفــن الشــرقي‪ ،‬نســبة إىل أهــل الشــرق ومســوه بالفــن املغربــي ‪ Moorish‬وهــو مشــتق‬
‫مــن لفــظ ‪ mouri‬الــذي كان الرومــان يطلقونــه علــى أهلــه‪ ،‬كمــا مســي بالفــن احملمــدي‬
‫نســبة إىل حممــد ‪ ‬ومســي بالفــن اإلســامي نســبة إىل اإلســام واملســلمني(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬روائــع الفــن اإلســامي‪ -‬هــدى العمــر موقــع صحيفــة فنــون اخلليــج (وزارة الثقافــة واإلعــام الســعودي) ‪-‬‬
‫‪.2014/7/18‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬أنورالرفاعي تاريخ الفن عند العرب املسلمني‪.‬‬
‫(‪ )3‬نعمــت إمساعيــل عــام فنــون الشــرق األوســط (يف العــامل اإلســامي) أكتوبــر ســنة ‪ 1982‬الطبعــة الثالثــة دار‬
‫املعــارف كورنيــش النيــل القاهــرة ص ‪.17-16‬‬
‫(‪ )4‬د‪ .‬حممود وصفي حممد دراسات يف الفنون والعمارة اإلسالمية ص (‪)23-22‬‬

‫‪38‬‬
‫فالفــن اإلســامي الــذي اشــتق منــه اإلســام‪ ،‬قــد ظهــر بــوالدة اإلســام‪ ،‬كمــا أن مراحل‬
‫نضوجــه متــت بعــد انتشــار الديــن اجلديــد يف بــاد الشــرق األوســط‪ ،‬ولــه دوراً كبــراً يف‬
‫ظهــور الفنون اإلســامية(‪.)1‬‬

‫وكان للداللــة علــى الفــن الــذي انتشــر يف مجيــع الــدول اإلســامية‪ ،‬وكونــه موحــداً يف‬
‫الشــكل واألســلوب واملضمــون إال أنــه مثــة فــروق متميــزة مــن حيــث األقاليــم والعصــور‬
‫والتقاليــد التارخييــة لــكل أمــة مــن األمــم الــي دخلهــا اإلســام‪ ،‬حيــث ابتــدأ مــن عهــد‬
‫األمويــن‪ ،‬وألن اخللفــاء الراشــدين كانــوا أقــرب للزهــد والتقشــف وأبعــد عــن الــرف‬
‫واملظاهــر‪.‬‬

‫كمــا تكونــت خالفــات إســامية مســتقلة يف األندلــس ومصــر وإيــران وتركيــا(‪ ،)2‬وتوالــت‬
‫املتاحــف واملعــارض لــكل أشــكال الفنــون اإلســامية منــذ هنايــة القــرن التاســع عشــر‪،‬‬
‫واســتطاع الفــن اإلســامي أن يظهــر أعمالــه بصفــة أكثــر حيويــة مــن مصــادر اقتباســه‬
‫ومنــت عنــد شــخصياته غريــزة االبتــكار واإلبــداع‪ ،‬ونــرى مــن خــال البحــث أن فجــر‬
‫احلضــارة العربيــة اإلســامية انبثــق عنهــا العمــارة العربيــة اإلســامية يف عصورهــا‬
‫املبكــرة يف القــرن (‪ )3-1‬هـــ ‪ )9-7( -‬م ومتيــزت هــذه العمــارة مــن بــن الفنــون والعلــوم‬
‫واآلداب بأهنــا أهــم املراجــع وأصدقهــا لتســجيل وجتســيم مراحــل احلضــارات يف‬
‫تطوراهتــا وعصورهــا املختلفــة(‪ ،)3‬فالتحــدث عــن الفنــون اإلســامية بأهنــا تشــمل صفــة‬
‫العروبــة‪ ،‬فيكــون االســم الصحيــح هلــا (الفنــون العربيــة اإلســامية)(‪.)4‬‬

‫وكان الفــن اإلســامي علــى درجــة كبــرة مــن التقــدم واالزدهــار‪ ،‬لكنهــم أحالــوه إىل ركام‬
‫ودمــروا كل شــيء‪ ،‬يف حــن أن املســلمني عندمــا دخلــوا البــاد فاحتــن‪ ،‬كانــت هنــاك‬
‫(‪ )1‬فنــون الشــرق األوســط – (يف العصــور اإلســامية) – نعمــت إمساعيــل العــام ماجســتري يف اآلداب – جامعــة‬
‫نيويــورك – ختصــص تاريــخ فــن مــادة تاريــخ الفــن – كليــة الرتبيــة الفنيــة – كليــة الفنــون اجلميلــة – جامعــة حلــوان –‬
‫الطبعــة الثالثــة – دار املعــارف – ص‪.8-7‬‬
‫(‪ )2‬نعمت إمساعيل عالم فنون الشرق األوسط (يف العامل اإلسالمي) مرجع سبق ذكره‪ .‬ص (‪)18‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬فريــد حممــود شــافعي العمــارة العربيــة اإلســامية (ماضيهــا وحاضرهــا ومســتقبلها) ‪1402/‬هـــ ‪1982 -‬‬
‫م ‪/‬أســتاذ العمــارة اإلســامية‪ ،‬كليــة اهلندســة جامعــة امللــك ســعود‪1981/‬جمامعة امللــك ســعود‪/‬الطبعة األوىل‬
‫‪1402‬هـــ ‪ 1982 -‬م عمــادة شــؤون املكتبــات جامعــة امللــك ســعود الريــاض ص (‪)1‬‬
‫(‪ )4‬من دراسات يف الفنون والعمارة اإلسالمية‪ -‬د‪ .‬حممد وصفي حممد‪ .‬مرجع سبق ذكره ص ‪.10-8‬‬

‫‪39‬‬
‫فنــون مزدهــرة واســتطاع املســلمون تنميــة هــذه الفنــون وإعــادة صياغتهــا مبــا يكفــل‬
‫اســتمرارها‪ ،‬فهــم مل يدمروهــا ومل يقفــوا منهــا موقفـاً عدائيـاً وإمنــا منوهــا وســاعدوا‬
‫الفنانــن وأخــذوا بأيديهــم‪ ،‬فحتــى بالنســبة العتنــاق العقيــدة اإلســامية مل يكــن هنــاك‬
‫إكــراه علــى اإلطــاق‪ ،‬وإمنــا تــرك املســلمون احلريــة للنــاس العتنــاق مــا يرغبــون فيــه‬
‫مــن كل الفنــون‪ ،‬واســتفادت مــن الفنــون الســابقة عليهــا‪ ،‬فــا يوجــد فــن منــذ عصــر مــا‬
‫قبــل التاريــخ مل يتأثــر مبــا ســبقه‪ ،‬فالفــن وجــد مــع اإلنســان ثــم وجــدت الفنــون الكــرى‬
‫يف التاريــخ مثــل الفــن املصــري القديــم الــذي تأثــر بــه اإلغريــق‪ ،‬والذيــن أثــروا بدورهــم‬
‫يف الرومــان واســتفاد الفــن اإلســامي مــن الرومــان فتــداول الفنــون أمــر طبيعــي‪ ،‬وقــد‬
‫ظــل الفــن اإلســامي فــرة طويلــة مــن الزمــن ليعطــي دون انقطــاع أو انكســار‪ ،‬وأثــر يف‬
‫مجيــع فنــون العــامل احمليطــة بــه فنـاً وعمــارة وزخرفــة(‪.)1‬‬

‫والفــن اإلســامي ‪ -‬يف تعريــف حمــدد‪ -‬هــو الفــن الــذي يعكــس التصــور اإلســامي‬
‫للوجــود أي ـاً كان شــطحه أو احنرافــه عــن التعاليــم اإلســامية‪ ،‬أو حتــى متــرده اآلنــي‬
‫علــى العقائــد اإلســامية نفســها‪ ،‬مــا دام يعــود بطبيعتــه إىل مرجعيتــه اإلميانيــة‬
‫يف النهايــة‪ ،‬فمــا دام الــذي حيــدد كــون اإلنســان مســلماً أو غــر مســلم هــو عقائــده‬
‫وتصوراتــه‪ ،‬وليــس بعــض شــطحاته أو أفعالــه أو تســاؤالته الكونيــة املتمــردة؛ فــإن نفــس‬
‫األمــر ينســحب علــى الفــن اإلســامي أيض ـاً‪ ،‬ويقــوم الفــن اإلســامي علــى العبوديــة‬
‫اخلالصــة هلل تعــاىل‪ ،‬وهــو يقــوم علــى أســاس مــن عقيــدة التوحيــد‪ ،‬وعلــى تصــور‬
‫شامل لإلنســان والكــون واحليــاة‪ ،‬ولــذا فــا جمــال فيــه للباطــل مــن وثنيــات وخرافــات‬
‫وأوهــام وأســاطري‪ ،‬وذلــك يف الوقــت الــذي قامــت فيــه الفنــون غــر اإلســامية علــى‬
‫التعبــر عــن التصــورات الوثنيــة واإلنفعــاالت اخلاطئــة‪ ،‬وأخــذت تصــور اآلهلــة علــى‬
‫اللوحــات أو متثلهــا يف التمثيليــات‪ ،‬أو ختاطبهــا يف حلــن موســيقي وكالم غنائــي‬
‫وكذلــك تُنصــب تلــك املبــادئ عــر فنوهنــا أبطــاالً يصارعــون اآلهلــة مــع وضعهــا آهلــة‬
‫لــكل شــيء يف حياتنــا‪ ،‬فللخمــر إلــه وللشــر إلــه وللخــر إلــه وللخصــب إلــه وهكــذا‪ ،‬ثــم‬
‫(‪ )1‬التاريــخ اإلســامي للعلــوم والفنــون واحلضــارة اإلسالمية‪-‬لألســتاذ حممــود ابراهيم‪-‬األحــد ‪ 24‬رجــب ‪1421‬هـ‬
‫‪ 22‬أكتوبــر ‪ -2000‬العــدد ‪.41‬‬

‫‪40‬‬
‫إن القصــة أو التمثيليــة أو اللوحــة املصــورة فيتصورهــم جيــب أن ترتجــم الصــراع بــن‬
‫اإلنســان والقضــاء والقــدر‪ ،‬والفنــان إمنــا هــو إلــه أو نصــف إلــه‪ ،‬ألنــه يكمــل يف فنــه‬
‫مــا خفــي مــن الكــون واقعيــة الفــن اإلســامي‪ ،‬حبيــث خياطــب ويعبّــر عــن الواقــع كمــا‬
‫هــو الواقــع‪ ،‬فيقــرن بــن املــادة والــروح يف تعبــره‪ ،‬ويلحــظ اآلخــرة والدنيــا يف فلســفته‪،‬‬
‫ويبتعــد عــن التحليــق يف اخليــال اخلــادع والومهيــات الزائفــة‪ ،‬وينبــذ الالشــعور الــذي‬
‫قــام عليــه الفــن الســرياني‪ ،‬وهــو ينظــر إىل الطبيعــة علــى أهنــا طبيعــة خملوقــة ال‬
‫خالقــة‪ ،‬ويكــره الفــن اإلســامي كل احملــاوالت الفنيــة الــي ختــرج اإلنســان مــن واقعيتــه‬
‫وطبيعتــه إىل واقــع بعيــد عنــه‪ ،‬أو حالــة ال تتفــق مــع طبيعتــه‪ ،‬فهــو مثـاً حيــرم صناعــة‬
‫التماثيــل ألهنــا ال تتفــق مــع واقــع اإلنســان وطبيعتــه حيــث إن التماثيــل تُهــدد تصــوره‬
‫وخترجــه عــن معتقــده الســليم‪ ،‬ويصبــح اإلنســان حينئــذ أســراً لكتلــة مــن احلجــارة أو‬
‫الطــن‪ ،‬وســاحباً يف حبــر مــن األوهــام واخليــاالت والتحــرر مــن اخلرافــات واألســاطري‬
‫الــي تعتــر املــادة األساســية للفنــون غــر اإلســامية‪ ،‬وذلــك ألن التصــور اإلســامي‬
‫حــارب اخلرافــات وحــرر العقــول مــن األســاطري وهــذه اخلرافــات ال تتفــق مــع التصــور‬
‫اإلســامي للكــون واإلنســان واحليــاة بــل تعتــر لونـاً مــن ألــوان الوثنيــة وإن كانــت تســمى‬
‫فنـاً والفــن يف التصــور اإلســامي وســيلة ال غايــة والوســيلة تشــرف بشــرف الغايــة الــي‬
‫تــؤدي إليهــا فلــذا ليــس الفــن للفــن وإمنــا الفــن يف خدمــة احلــق والفضيلــة والعدالــة‬
‫ويف ســبيل اخلــر واجلمــال‪ ،‬وللفــن يف التصــور اإلســامي غايــة وهــدف إذ كل أمــر‬
‫خيلــو مــن ذلــك‪ ،‬فهــو عبــث وباطــل والفــن اإلســامي فــوق العبــث والباطــل فحيــاة‬
‫اإلنســان ووقتــه أمثــن مــن أن يكــون طعمــة للعبــث الــذي ال طائــل حتتــه‪ ،‬إن الغايــة‬
‫الــي يهــدف الفــن اإلســامي إىل حتقيقهــا هــي إيصــال اجلمــال إىل حــس املشــاهد‬
‫(املتلقــي) وهــي ارتقــاء بــه حنــو األمســى واألعلــى واألحســن‪ ،‬أي حنــو األمجــل فهــي‬
‫اجتــاه حنــو الســمو يف املشــاعر والتطبيــق واإلنتــاج ورفــض للهبــوط باســتقاللية الفــن‪،‬‬
‫ومتيــزه نظــراً الســتقاللية التصــور اإلســامي مــن كل الضغوطــات االجتماعيــة وغــر‬
‫االجتماعيــة‪ ،‬الــي كانــت تؤثــر علــى الفنــون يف العصــور القدميــة ونظــراً لتميــزه عــن‬
‫كل التصــورات‪ ،‬فــإن فنّــه يســتقل ويتميــز عــن كل الفنــون ســواء كان هــذا الفــن شــعراً‬

‫‪41‬‬
‫أو قصــة أو تصويــراً أو متثيـاً‪ ،‬ويكفــي أن الفــن اإلســامي متحــرر مــن القيــود الوثنيــة‬
‫الــي أحاطــت بالفنــون خاصــة يف القــرون القدميــة والوســطى عنــد الفراعنــة واليونــان‬
‫وأوروبــا الكنســية وســيبقى متميــزاً عــن غــره‪ ،‬بينمــا بقيــة الفنــون تتداخــل كليــة‪ ،‬وقــد‬
‫تتالشــى أفكارهــا وخصائصهــا يف مرحلــة مــن التاريــخ املســلم املعاصــر(‪ ،)1‬وينبغــي أن‬
‫خيــرج إىل رحــاب الفــن مبنهجــه وتصــوره ورســالتيه‪ ،‬فيتناغــم مــع حاجــات العصــر‪،‬‬
‫ويتفــق مع الفطــرة اإلنســانية الســليمة‪ ،‬وميــأ اإلحســاس والوجــدان مبحبــة اهلل‪،‬‬
‫ويثبــت عبقريتــه وقدرتــه علــى التميــز والعطــاء واإلبــداع(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬التاريــخ اإلســامي للعلــوم والفنــون واحلضــارة اإلسالمية‪-‬لألســتاذ حممــود ابراهيــم ‪ -‬األحــد ‪ 24‬رجــب‬
‫‪1421‬هـــ ‪ 22‬أكتوبــر ‪ -2000‬العــدد ‪.41‬‬
‫(‪- )2‬موقــع ملتقــى ابــن خلــدون للعلــوم والفلســفة واألدب‪-‬فلســفة االلتــزام يف الفــن اإلســامي‪-‬للكاتب جنيــب بــن‬
‫خــره‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫تعريف الفن‬

‫الفــن هــي لغــة وموهبــة مقدســة لــكل شــخص تعبــر لــه بشــكله‪ ،‬فكلمــة الفــن يف العــامل‬
‫واســتخدمها اإلنســان لرتمجــة التعابــر الــي تــرد يف ذاتــه اجلوهريــة‪ ،‬وليــس تعبــراً عــن‬
‫حاجــة اإلنســان ملتطلبــات حياتــه‪ ،‬رغــم أن بعــض العلمــاء يعتــرون الفــن ضــرورة حياتيــة‬
‫لإلنســان كاملــاء والطعام‪.‬‬

‫فالفــن هــو موهبــة إبــداع وهبهــا اخلالــق لــكل إنســان لكــن بدرجــات ختتلــف بــن الفــرد‬
‫واآلخــر‪ ،‬لكــن ال نســتطيع أن نصــف كل هــؤالء النــاس بفنانــن إال الذيــن يتميــزون عــن‬
‫غريهــم بالقــدرة اإلبداعيــة اهلائلــة‪ ،‬فكلمــة الفــن هــي داللــة علــى املهــارات املســتخدمة‬
‫إلنتــاج أشــياء حتمــل قيمــة مجاليــة علــى تعريفــه فمــن ضمــن التعريفــات أن الفــن‬
‫مهــارة – حرفــة – خــرة – إبــداع(‪.)1‬‬

‫والفــن هــو‪ -‬حماولــة البشــر أن يصــوروا حقائــق الوجــود وانعكاســها يف نفوســهم‪ ،‬يف‬
‫صــورة موحيــة مجيلــة‪ ،‬وأن مــكان الفنــان والفــن يتحـدَّد مبــدى املســاحة الــي تشــملها‬
‫احلقيقــة الــي يشــر إليهــا العمــل الفــي‪ ،‬أو يرمــز هلــا مــن كيــان الكــون‪ ،‬إذا أدركنــا ذلــك‬
‫فقــد أدركنــا يف ذات الوقــت أن الفــن الــذي ميكــن أن ينبثــق عــن التصــور اإلســامي‬
‫للكــون واحليــاة واإلنســان‪ ،‬هــو أرفــع فـ ٍّـن تســتطيع أن تنتجــه البشــرية(‪.)2‬‬

‫وأن اإلنســان يف نظـ ِر اإلســام ليــس شــقنيِ منفصلـنِ‪ :‬شـ ّقاً أرضيّـاً (يعمــل)‪ ،‬ومساويّـاً‬
‫(يتعبــد)؛ وإمنــا العبــادة عمــل‪ ،‬والعمــل عبــادة‪ ،‬واإلنســان بشـ َّـقيْه شــيء واحــد؛ ألنــه‬
‫منــذ مولــده األول قبضــ ٌة مــن طــن األرض‪ ،‬ونفخــة مــن روح اهلل‪ ،‬ممتزجتــا ِن غــر‬
‫منفصلتــن‪ ،‬ومــن ثَـمَّ فليــس شــيء يف كيانــه منفصـ ً‬
‫ا عــن بقيــة الكيــان‪ ،‬الــروح والعقــل‬
‫واجلســم‪ ،‬والعمــل والعبــادة‪ ،‬والدنيــا واآلخــرة‪ ،‬كيــان واحــد(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬موهوبون – موقع املخرتعني العرب ‪ -‬موضوع – حبث – كامل عن الفن وتعريفه‪.‬‬
‫(‪ )2‬التصور اإلسالمي للفن ‪ -‬أ‪ .‬د‪.‬عبد احلليم عويس‪.‬‬
‫(‪ )3‬حممــد قطــب‪ :‬منهــج الفــن اإلســامي الطبعــة الشــرعية‪ ،‬ص (‪ )40 ،21‬بتصــرف‪ ،‬السادســة‪ ،‬دار الشــروق‪،‬‬
‫بــروت‪1403 ،‬هـــ ‪1983 -‬م‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫صُــور اجلميــل لألحــداث‬
‫والفــن هــو كلمــة مجيلــة حتمــل معانــي كثــر‪ ،‬فالفــن هــو الت ّ‬
‫الــي حتصــل مــن حولـهِ‪ ،‬فعندمــا نقــول عــن شــخص يرســم أ ّنـهُ فنّــان؛ مبعنــى أ ّنَه يرســم‬
‫بطريقــة مــن خيالـهِ حتــى حيوهلــا إىل حقيقــة ملنظــر يشــاهدهُ أو فكــرة يريـدُ نقلهــا‪ ،‬أو‬
‫شــخص فنّــان يف عملــه مبعنــى أ ّنـهُ يفعــل عملـهُ بشــكل غــر مألــوف وبشــكل مبــدع(‪.)1‬‬

‫لقــد أخــذ الفنــان مــن الفنــون مــا يالئــم نظريــات الديــن يف التصويــر والنحــت مــع‬
‫منــع تصويــر اآلدميــن وجتســيمهم‪ ،‬ألنــه مكــروه‪ ،‬باعتبــاره تقليــداً لعمــل اخلالــق جلــت‬
‫قدرتــه‪ ،‬وكذلــك لكــي ال يعيــد اإلنســان إىل مظاهــر الوثنيــة الــي اختــذت األصنــام‬
‫والتماثيــل آهلــة مــن دون اهلل‪ ،‬فعمــد إىل حتويــر الصــور احليوانيــة ورســوم الطــر‪،‬‬
‫واإلكثــار مــن رســومات النباتــات والزخــارف اهلندســية‪ ،‬كمــا جعــل مــن الكتابــة العربيــة‬
‫أســلوباً للزخرفــة(‪.)2‬‬

‫والفــن هــو الناتــج الناجــم عــن اإلبــداع اإلنســاني‪ ،‬إذ إهنــا تعــر عــن هويــة اإلنســان‬
‫وتطلعاتــه لالرتقــاء بذاتــه وأخالقــه وفكره ليصل هبا إىل أمسى درجات الســمو والرقي‪،‬‬
‫وتشــكل الفنــون بأنواعهــا املختلفــة املنظومــة اإلنســانية للثقافــة بعمومهــا‪ ،‬إذ ترتجــم‬
‫مشــاعرها وأفكارهــا وأحاسيســها‪ ،‬كمــا تعــر عــن آماهلــا وتطلعاهتــا‪ ،‬بــدأت البشــرية‬
‫مبمارســة الفنــون تقريبـاً منــذ حــوايل ثالثــن ألــف ســنة‪ ،‬وكان ذلــك بــدءاً مــن الرســم‬
‫والرقــص‪ ،‬فــكان جتســيد ومتثيــل الرســم برســومات علــى حوائــط وجــدران الكهــوف‪،‬‬
‫انظــر الشــكل (‪ )2‬والــي كانــت تعتــر آنــذاك‬
‫وســيل ًة للنشــر ومنــراً لإلبــداع‪ ،‬ثــم تطــور الفــن‬
‫كثــراً‪ ،‬واســتمر يف تطــوره ليواكــب التطــورات‬
‫املختلفــة واملتنوعــة يف احلضــارة اإلنســانية‪،‬‬
‫وكافــة أنــواع الفنــون يف العمــارة‪ ،‬ويتمثــل فــن‬
‫‪2‬‬ ‫الشكل‬ ‫العمــارة يف تصميــم املبانــي وإنشــائها‪ ،‬حيــث‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )2‬دراســات يف العمــارة والفنــون اإلســامية‪ -‬حممــد احلســيين عبــد العزيــز – ليســانس يف التاريــخ مــن جامعــة‬
‫القاهــرة – دبلــوم معهــد اآلثــار اإلســامية ص‪.1‬‬

‫‪44‬‬
‫يتــم تصميــم بيئــات داخليــة تتفاعــل وتتكامــل مــع البيئــات احمليطــة‪ ،‬وقــد يصــل ذلــك‬
‫لتصميــم الفراغــات الداخليــة هلــذه البيئــات مــن األثــاث املنــزيل والديكــور الداخلــي‪،‬‬
‫وبــدأ هــذا الفــن بداي ـ ًة برســم الكهــوف واملغــارات‪ ،‬ثــم انتقــل إىل البيــوت(‪.)1‬‬

‫فالفــن هــو موهبــة وإبــداع وهبهــا اخلالــق لإلنســان‪ ،‬لكــن بدرجــات ختتلــف بــن الفــرد‬
‫واآلخــر‪ ،‬حبيــث ال نســتطيع أن نصنــف كل النــاس بفنانــن‪ ،‬إال الذيــن يتميــزون منهــم‬
‫بالقــدرة اإلبداعيــة اهلائلــة‪ ،‬واملوهبــة العظيمــة‪ ،‬فكلمــة الفــن هــي داللــة علــى املهــارات‬
‫املســتخدمة إلنتــاج أشــياء حتمــل قيمــة مجاليــة‪ ،‬فاملصطلحــات علــى تعريفــه غنيــة‬
‫التعريفــات‪ ،‬إذ أن الفــن مهــارة‪ ،‬حرفــة‪ ،‬خــرة‪ ،‬إبــداع‪ ،‬حــدس‪ ،‬حمــاكاة(‪.)2‬‬

‫وقــد تأثــر الفــن حبســب البيئــة واملنــاخ والعقيــدة واألخــاق‪ ،‬حتــى أصبــح مدلــل خيتلــف‬
‫يف تســميته‪ ،‬فالغربيــن يهتمــون بدراســة الفــن اإلســامي‪ ،‬وأمســوه الفــن الشــرقي‬
‫نســبة إىل أهــل الشــرق ومســوه بالفــن املغربــي (‪ )Moorish‬وهــو مشــتق مــن لفــظ‬
‫(‪ )mouri‬الــذي كان الرومــان يطلقونــه علــى أهلــه‪ ،‬كمــا مســي بالفــن احملمــدي نســبة‬
‫إىل حممــد ‪ ..‬ومســي بالفــن اإلســامي نســبة إىل اإلســام واملســلمني(‪ ،)3‬وكانــت‬
‫هوّيــة اإلنســان يف معظــم اجملتمعــات القدميــة الكــرى تعــرف مــن خــال األشــكال‬
‫الــي تــدل عليــه‪ ،‬كمــا يف منــاذج مالبســه وطرزهــا وزخرفــة اجلســم وتزيينــه وعــادات‬
‫الرقــص‪ ،‬أو مــن اإلحتفاليــة‪ ،‬أو الرمزيــة اجلماعيــة أو اإلشــاراتية الــي كانــت تتم ّثــل‬
‫يف التــومت (مــادة) الــذي يــدل علــى قبيلتــه أو عشــرته‪ ،‬وكان التــومت يزخــرف بالنقــش‬
‫لــروي قصــة أســافه أو تارخيهــم‪ ،‬ويف اجملتمعــات الصغــرة كانــت الفنــون تعــر‬
‫عــن حياهتــا أو ثقافتهــا(‪ ،)4‬وجنــد أن يف األندلــس قــد ازدهــر فيهــا الطــراز األمــوي‬
‫الــذي انتقــل إىل املغــرب العربــي‪ ،‬ويف عــام ‪1950‬م توحــدت األندلــس مــع مشــال‬
‫أفريقيــا علــى يــد املرابطــن ثــم املوحديــن(‪ ،)5‬ويُع ـرّف الفــن أيض ـاً علــى أ ّنــه التعبــر‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل – تعريف الفن اإلسالمي‬
‫(‪ )2‬من ويكيبيديا‪،‬املوسوعة احلرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬دراسات يف الفنون والعمارة اإلسالمية – د‪ .‬حممد وصفي حممد – ص‪.23-22‬‬
‫(‪ )4‬د‪ .‬رباب عبد احملسن إمام – مستشارة الرتبية الفنية‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ الفن والعمارة – د عفيف هبنسي – ‪1402‬هـ ‪1982 -‬م ‪ -‬ص ‪.396-395‬‬

‫‪45‬‬
‫أو التطبيــق للمهــارات البشــرية اإلبداعيــة واخليــال‪ ،‬وعــادةً مــا يكــون التعبــر بشــك ٍل‬
‫مرئــي‪ ،‬مثــل‪ :‬الرســم أو النحــت‪ ،‬ويتـمّ بذلــك إنتــاج أعمــا ٍل ح ّتــى تكــون موضــع تقديـرٍ؛‬
‫جلماهلــا أو بســبب القــوة العاطفيــة‪ ،‬كمــا يطلــق عليــه أيض ـاً اســم الفنــون اجلميلــة‪،‬‬
‫والــي ختلــق البيئــات واملواضيــع واألشــياء اجلماليــة‪ ،‬أو حتّــى اخلــرات الــي ميكــن‬
‫مشــاركتها مــع اآلخريــن‪ ،‬فالفــن يشــمل فئــات الفنــون التقليديــة مثــل‪ :‬األدب‪ ،‬ويتضمــن‬
‫(الشــعر‪ ،‬والدرامــا‪ ،‬والقصــة‪ ،‬ومــا إىل ذلــك)‪ ،‬والفنــون البصريــة‪ ،‬وتشــمل‪( :‬الرســم‪،‬‬
‫والتلويــن‪ ،‬والنحــت وغريهــا) والفنــون التخطيطيــة وتشــمل‪( :‬الرســم‪ ،‬والتلويــن‪،‬‬
‫ـطح مســتوٍ‪ ،‬والفنــون التشــكيلية‪،‬‬
‫والتصميــم)‪ ،‬وغريهــا مــن األشــكال الــي تنفــذ علــى سـ ٍ‬
‫وتشــمل‪( :‬النحــت‪ ،‬والقولبــة) وفنــون الزخرفــة وتشــمل‪( :‬تصميــم التحــف‪ ،‬وتصميــم‬
‫األثــاث‪ ،‬والفسيفســاء)‪ ،‬وغريهــا مــن الفنــون املســرحية‪ ،‬وتشــمل‪( :‬املســرح‪ ،‬والرقــص‪،‬‬
‫واملوســيقى) وتأليــف املوســيقى‪ ،‬والفــن املعمــاري‪ ،‬ويتضمــن التصميــم الداخلــي‪ ،‬وجنــد‬
‫أن للفــن العديــد مــن املبــادئ‪ ،‬ومنهــا التــوازن‪ :‬ويتحقــق االســتقرار مــن خــال الــوزن‬
‫الضمــي للموضــوع‪ ،‬وهنــاك ثالثــة أنــوا ٍع خمتلفــة مــن التــوازن‪ ،‬وهــي‪ :‬املتماثــل‪ ،‬وغــر‬
‫املتماثــل‪ ،‬والشــعاعي‪ ،‬والنســبة نســبة عنصــ ٍر فــي واحــد بالنســبة لعنصــ ٍر آخــر‪،‬‬
‫وينبغــي أخــذ العالقــة بــن العناصــر املختلفــة للعمــل الفــي بعــن االعتبــار‪ ،‬ح ّتــى يكــون‬
‫مســتوى العمــل الفــي ملفت ـاً للنظــر دائم ـاً‪ ،‬والرتكيــز‪ -‬يقــود الرتكيــز إىل إبــراز إحــدى‬
‫عناصــر العمــل الفــي أكثــر مــن العناصــر األخــرى‪ ،‬وهــذا خيلــق حسّـاً باألمهيــة‪ ،‬وهــو‬
‫يســتخدم عمــداً لتوصيــل رســالةٍ أو شــعو ٍر وخيلــق تنوع ـاً يف العمــل الفــي‪ ،‬والتنــوع ‪-‬‬
‫هــو عبــارة عــن املوازنــة الــي تعمــل علــى خلــق تناغ ـ ٍم وانســجام وتشــويق بصــري عــن‬
‫طريــق إحــداث تغيــر طفيــف‪ ،‬أو اســتخدام عناصــر خمتلفــة يف تكويــن العمــل الفــي‪،‬‬
‫كمــا ميكــن أن حيــدث مــن خــال مجــع عناصــر متناقضــة أو خمتلفــة أو مفصلــة أو‬
‫متنوعــة‪ ،‬وجيــب االنتبــاه ملبــدأ التنــوع يف العمــل بعناصــر تركــب معـاً ح ّتــى يبقــى العمــل‬
‫الفــي حيتــوي علــى التناغــم والوحــدة‪ ،‬واحلركــة ‪ -‬هــي عبــارة عــن تدفــقٍ بصــري مثــر‬
‫مــن العمــل الفــي‪ ،‬والطريــق املــراد اتباعــه أعــن املشــاهدين‪ ،‬وميكــن تطبيــق ذلــك عــن‬
‫طريــق وضــع العناصــر الفنيــة بشــك ٍل هــادف(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل – تعريف الفن اإلسالمي‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫وهــو امليــدان الثالــث مــن مياديــن اجلمــال‪ ،‬الــذي اعتــره علمــاء اجلمــال امليــدان الوحيــد‬
‫لعلمهــم‪ ،‬وهلــذا حصــل اخللــط يف حديثهــم ‪ -‬يف كثــر مــن األحيــان ‪ -‬بــن الفــن‬
‫واجلمــال(‪.)1‬‬

‫فتعريف الفن برأي ريتشارد ووليهم الذي أدرج تعريف الفن وفق ثالثة مناهج‪:‬‬

‫‪ -‬الواقعيــة‪ :‬حيــث اجلــودة اجلماليــة هــي قيمــة مطلقــة مســتقلة عــن رأي‬
‫اإلنســان‪.‬‬

‫‪ -‬املوضوعيــة‪ :‬حيــث أنــه هــو أيض ـاً قيمــة مطلقــة‪ ،‬ولكــن يعتمــد علــى التجربــة‬
‫اإلنســانية عامــة‪.‬‬

‫‪ -‬النســبوية‪ :‬وهــو ليــس مــن قيمــة مطلقــة‪ ،‬بــل هــي املنحــى الفلســفي الــذي‬
‫يعــدم وجــود حقيقــة مطلقــة‪.‬‬

‫وجيعــل «ســانتيانا» مــن الفــن جمــرد اســتجابة للحاجة إىل املتعة أو اللــذة‪ :‬فلذة احلواس‬
‫ومتعــة اجلمــال‪ ،‬دون أن يكــون للحقيقــة أي مدخــل يف هــذه العمليــة اللهــم إال بوصفهــا‬
‫ا مســاعداً قــد يــؤدي إىل حتقيــق هــذه الغايــة‪ ،‬فالفــن مجــال ولــذة‪ ،‬ويقــول «مولــر»‬
‫عامـ ً‬
‫عــامل اجلمــال األملانــي املشــهور‪ :‬لفــظ الفــن إمنــا يطلــق علــى شــتى ضــروب النشــاط‬
‫أو اإلِنتــاج الــي جيــوز أو ينبغــي أحيانـاً أن تتولــد منهــا آثــار مجاليــة‪ ،‬وإن كان مثــل هــذا‬
‫األمــر ليــس هــو بالضــرورة املعيــار األوحــد‪ ،‬وعــرف «معجــم إكســفورد» الفنــان‪ :‬بأنــه‬
‫ذلــك الشــخص الــذي ميــارس عمـاً ال غايــة لــه ســوى إثــارة اللــذة أو انتــزاع اإلِعجــاب‪،‬‬
‫أو ذلــك الرجــل الــذي ميــارس أحــد الفنــون اجلميلة‪ ..‬وعــرف املفكــر األملانــي «النــج»‬
‫الفــن بقولــه‪ :‬إنــه مقــدرة اإلِنســان علــى إمــداد نفســه بلــذة قائمــة علــى الوهــم‪ ،‬دون أن‬
‫يكــون لــه أي غــرض شــعوري يرمــي إليــه ســوى املتعــة املباشــرة‪ ،‬ويعرف «تولســتوي»‬
‫الروائــي الروســي املشــهور بــأن الفــن بقولــه‪ :‬إنــه ضــرب مــن النشــاط البشــري الــذي‬

‫(‪ )1‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي من خصائص الفن اإلسالمي‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫يتمثــل يف قيــام اإلنســان بتوصيــل عواطفــه إىل اآلخريــن‪ ،‬بطريقــة شــعورية إراديــة‪،‬‬
‫مســتعملً يف ذلــك بعــض العالمــات اخلارجيــة‪.‬‬

‫أمــا املثــال الفرنســي «رودان» فيقــول‪ :‬إن الفــن هــو التأمــل‪ ،‬هــو متعــة العقــل الــذي ينفــذ‬
‫إىل صميــم الطبيعــة‪ ..‬هــو فرحــة الــذكاء البشــري حــن ينفــذ بأبصــاره إىل أعمــاق‬
‫الكــون‪ ،‬فالفــن‪ :‬هــو أمســى رســالة لإلِنســان ألنــه مظهــر لنشــاط الفكــر الــذي حيــاول‬
‫أن يتفهــم العــامل وأن يعيننــا بدورنــا علــى أن نفهمــه‪.‬‬

‫ويقــول‪ :‬حق ـاً أن الفــن عاطفــة‪ ،‬ولكــن بــدون علــم األحجــام والنســب واأللــوان وبــدون‬
‫املهــارة اليدويــة‪ ،‬ال بــد مــن أن تظــل العاطفــة القويــة اجلياشــة عاجــزة خائــرة مشــلولة‪،‬‬
‫ويذهــب عــامل اجلمــال الفرنســي شــارل اللــو» إىل أن الفــن إمنــا هــو عبــارة عــن عمليــة‬
‫التحويــر أو التغيــر الــي يدخلهــا اإلِنســان علــى مــواد الطب‪  ،‬والفــن عنــد ســوريو»‪ :‬هــو‬
‫نشــاط إبداعــي مــن شــأنه أن يصنــع أشــياء أو ينتــج موضوعــات‪ .‬تلــك بعــض التعريفــات‬
‫«ولــو ذهبنــا نســتعرض غريهــا لطــال بنــا املقــام‪ ،‬ولكــن كثـرًا مــن علمــاء اجلمــال عــرف‬
‫الفــن بكلمــات‪ ،‬وحنــاول أن ننقــل بعــض هــذه الكلمــات‪:‬‬

‫يقول «برجسون»‪ :‬الفن إدراك حسي خالص‪ ،‬ويقول «كروتشه»‪ :‬الفن حدس وتعبري‪.‬‬

‫ويقــول «ديــوي»‪ :‬الفــن حيــاة وخــرة ‪ -‬ويقــول «أالن»‪ :‬الفــن عمــل وصناعــة‪ -‬ويقــول‬
‫«مالــرو»‪ :‬الفــن حريــة وإبــداع ‪ -‬ويقــول «مريلوبونــي»‪ :‬الفــن لغــة وأســلوب ‪ -‬ويقــول‬
‫«البــر كامــي»‪ :‬الفــن تقبــل ومترد‪ -‬ويقــول «ســارتر»‪ :‬الفــن إمــا ختيــل وال واقعيــة وإمــا‬
‫التــزام وحريــة ‪ -‬ويقــول «هيدجــر»‪ :‬الفــن حقيقة وشــعر ‪ -‬ويقول «كاســرر»‪ :‬الفن شــكل‬
‫ورمــز ‪ -‬ويقــول «ريــد»‪ :‬الفــن شــكل ومعرفــة‪ ،‬وتقــول «الجنــر»‪ :‬الفــن رمــز ومعنــى(‪..)1‬‬

‫ولفــن الرســم الــذي يعــرف علــى أنــه التعبــر عــن األدوات واألشــياء واألفــكار واألمــور‬
‫باخلــط‪ ،‬إضافــة إىل ترمجــة اإلدراك واإلحســاس البصــري باللــون واخلــط‪ ،‬وهــو يعــد‬

‫(‪ )1‬مفهوم الفن يف الفكر الغربي لألستاذ صاحل أمحد الشامي‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫أحــد األعمــال اإلبداعيــة الــي تنمــي وتوقــظ العاطفــة‪ ،‬كمــا حتفــز التــذوق اجلمــايل‬
‫وترتقــي باإلحســاس‪ ،‬وهــو بأنــوا ٍع متعــددة‪ ،‬ومنهــا‪ :‬الرســم التشــكيلي‪ ،‬والرســم‬
‫التخطيطــي‪ ،‬والرســم التجديــدي‪ ،‬والرســم التوضيحــي‪ ،‬والرســم اهلندســي‪ ،‬والرســم‬
‫التوضيحــي‪ ،‬فــن النحــت هــو فــن جتســيدي يقــوم بشــكل أساســي علــى إنشــاء وبنــاء‬
‫جمســمات بأبعــاد ثالثيــة حليــوان أو إنســان‪ ،‬وذلــك باســتخدام الشــمع أو اجلــص أو‬
‫نقــش الصخــور‪ ،‬واســتخدم النحــت يف العديــد مــن احلضــارات‪ ،‬كاحلضــارة الرومانيــة‬
‫والفرعونيــة واليونانيــة‪ ،‬إال أنــه كان يســتخدم بشــكل أساســي للتعبــر عــن النواحــي‬
‫الدينيــة‪ ،‬وحتديــداً اآلهلــة اخلاصــة بــكل حضــارة‪ ،‬كمــا اســتخدم ألغــراض أخــرى‪،‬‬
‫ومنهــا‪ :‬الغــرض التارخيــي‪ ،‬والتخليــدي والتــذكاري(‪.)1‬‬

‫والفــن لــه مفهــوم يعــر عنــه بأنــه لــون مــن ألــوان الثقافــة اإلنســانية حيــث هــو نتــاج‬
‫بعــض اإلبــداع الــذي يكــون مصــدره اإلنســان‪ ،‬وكمــا أّن الفــن يعتــر أداة تعبرييــة لــدى‬
‫اإلنســان باألمــور الذاتيــة اخلاصــة بــه‪ ،‬وال تعبــراً يكــون عــن بعــض متطلبــات اإلنســان‬
‫يف حياتــه االعتياديــة(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي يف العامل – تعريف الفن اإلسالمي‪.‬‬


‫(‪ )2‬د‪ .‬رباب عبد احملسن مستشارة الرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫التصور اإلسالمي للفن‬

‫ال ينطلــق الفـنُّ اإلســامي مــن رؤيــة فنِّيــة مصلحيــة أو مجاليــة فحســب‪ ،‬وإمنــا ينطلــق‬
‫مــن رؤيــة إســاميةٍ تعبِّــر عــن حقيقــة التوحيــد الــذي هــو جوهر اإلســام‪ ،‬وتعــر بالتايل‬
‫مــن خــال أُطــر خمتلفــة عــن نظــرة الفنَّــان املســلم للعَالقــة بــن الســماء واألرض‪،‬‬
‫والعَالقــة مــع الكــون واإلنســان؛ وهلــذا ينطلــق الفنَّــان املؤمــن يف عملِــه بثقــة ال هنائيــة‬
‫يف العــون اإلهلــي‪ ،‬األمــر الــذي يتجــاو ُز بــه مرحلـ َة التقليــد ودور احملــاكاة‪ ،‬ليندفــع بقـوَّة‬
‫حنــو حتقيـ ِـق غايـةٍ نبيلــة هــي القــرب مــن اهلل تعــاىل‪ ،‬وحتقيــق التواصــل بــن النســي‬
‫واملطلــق‪ ،‬والدنيــا (الشــهادة) واآلخــرة (الغيــب)(‪.)1‬‬

‫وك َّلمــا جتـرَّد الفنــانُ مِــن العالئــق احلسِّــية‪ ..‬ومتسَّــك بالعــروة الوثقــى ‪ -‬تكامــل عملــه‪،‬‬
‫وازدادت أمامه الرؤيا وضوحًا وشــفافية‪ ،‬واهتدى إىل كشــف عَالقات مجالية متخفية‬
‫عــن اإلدراك احلســي؛ ممــا تعـدُّ طفــرةً مل يكــن ليحظــى هبــا عــن طريــق آخــر(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬جملة األلوكة ‪ -‬التصور اإلسالمي للفن ‪ -‬أ‪ .‬د‪.‬عبد احلليم عويس‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪ /‬حسن الشرقاوي‪ ،‬حنو منهج إسالمي علمي‪ ،‬دار املعارف مبصر ‪ ،1978‬ص (‪.)257‬‬

‫‪50‬‬
‫مفهوم الفن اإلسالمي يف فكرنا‬

‫لقــد وحــد اإلســام العــرب‪ ،‬وجعــل منهــم دولــة كبــرة‪ ،‬ونشــرت إشــعاعها الثقــايف والفين‬
‫إىل كثــر مــن بلــدان العــامل‪ ،‬وأن اإلســام مل يتخــذ الفنــون وســيلة لذيوعــه وانتشــاره‬
‫وأداة تعبديــة كمــا فعلــت املســيحية يف فنــون املســيحية واليهوديــة يف فنوهنــم(‪ ،)1‬وأصبــح‬
‫مفهــوم الفــن عام ـاً إىل درجــة أنــه أصبــح مقرون ـاً باإلبــداع‪ ،‬ونظــراً ألن مصداقيــة أي‬
‫تعريــف تكمــن يف مــدى قدرتــه علــى التحديــد والتفســر؛ فإننــا ســنكتفي هنــا هبــذا‬
‫التعريــف الــذي يعــرف الفــن بأنــه الفــن الصحيــح‪ ،‬هــو الــذي يهيــئ اللقــاء الكامــل بــن‬
‫اجلمــال واحلــق‪ ،‬فاجلمــال حقيقــة يف هــذا الكــون‪ ،‬واحلــق هــو ذروة اجلمــال‪ ،‬ومــن هنــا‬
‫يلتقيــان يف القمــة الــي تلتقــي عندهــا كل حقائــق الوجــود(‪.)2‬‬

‫فالفــن اإلســامي هــو الفــن الــذي نشــأ وازدهــر يف البــاد الــي اختــذ أهلهــا اإلســام‬
‫وقــد انتشــر يف املنطقــة الــي متتــد مــن اهلنــد شــرقاً حتــى املغــرب واألندلــس غرب ـاً‪،‬‬
‫ومــن آســيا الصغــرى مشــاالً حتــى الســودان جنوبــا‪ ،‬ويتمثــل الفــن اإلســامي يف العمــارة‬
‫والفنــون التطبيقيــة املختلفــة(‪.)3‬‬

‫فهــو إنتــاج فـيّ ظهــر منــذ اهلجــرة‪ ،‬واســتمرّ ح ّتــى القــرن التاســع عشــر‪ ،‬ومتيــز الفـنّ‬
‫اإلســامي بأنــه ال ير ّكــز علــى الديــن‪ ،‬إ ّنمــا يعتــر فنّ ـاً حضاريّ ـاً‪ ،‬لقــد م ـرّ تاريــخ الف ـنّ‬
‫اإلســامي يف كثــر مــن املراحــل التارخييّــة‪ ،‬وهــو ‪-‬القــرن الســابع إىل القــرن التاســع‬
‫ميــادي‪ ،‬ومت ّثــل هــذا القــرن يف فــرة حكــم الرســول حممــد ‪ ،‬ويعـدّ بيتــه أوّل مبنــى‬
‫إســامي‪ ،‬كمــا يعتــر أوّل مــكان جتمّــع فيــه املســلمون للصــاة‪ ،‬ويف هــذه الفــرة وضــع‬
‫النمــوذج األول لبنــاء املســجد‪ ،‬وكان يتكـوّن مــن قاعــة فيهــا عــدد مــن األعمــدة‪ ،‬وفنــاء‪،‬‬
‫حيــث بــي املــكان مــن الطــن واخلشــب‪ ،‬وكان الفــنّ اإلســامي يتميّــز عــن الفنــون‬
‫البيزنطيّــة‪ ،‬والفنــون الساســانيّة‪ ،‬فالفـنّ اإلســامي يف فــرة احلكــم األمــوي قــد تطـوّر‪،‬‬

‫(‪ )1‬الفن اإلسالمي أصوله وخصائصه – األستاذ صاحل بن قربه – ص‪.202‬‬


‫(‪ )2‬يف الفنّ واألدب ‪ -‬اجلمال والفنّ ‪ -‬ديسمرب ‪ 2016 ,27‬بواسطة ‪ -laagueb si‬سامي العقاب‪.‬‬
‫(‪ )3‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫وذلــك بســبب إدخــال مفاهيــم جديــدة‪ ،‬وذلــك كان واضحــاً يف بنــاء مســجد قبّــة‬
‫الصخــرة يف مدينــة القــدس‪ ،‬والــي تع ـدّ مــن أه ـمّ املبانــي يف الف ـنّ اإلســامي‪ ،‬وكان‬
‫بناؤهــا متأثــراً بالفـنّ البيزنطــي وخصوصـاً الفسيفســاء وســطحها‪ ،‬كمــا كانــت القــاع‬
‫الصحراويّــة يف فلســطني منوذجـاً مــن العمــارة العســكريّة واملدنيّــة يف العصــر األمــوي‪،‬‬
‫وأيض ـاً احلــرف اليدويّــة املتمثلــة يف اخلــزف‪ ،‬واملعــادن‪ ،‬وصنــع األثــاث‪ ،‬وجتلّــى الف ـنّ‬
‫اإلســامي يف العصــر العباســي يف بنــاء العواصــم‪ ،‬وذلــك يف بنــاء املدينــة علــى شــكل‬
‫مــدور‪ ،‬وبنــاء املســجد يف وســطها‪ ،‬وصنــع األثــاث مــن اجلــص الــذي ســاهم يف نقــش‬
‫الزخــارف‪ ،‬كمــا أنّ ف ـنّ اخلــزف‪ ،‬والفخــار ابتكاريــن واضحــن يف العصــر العباســي‪،‬‬
‫ويع ـدّ مســجد القــروان الكبــر مــن املعــامل البــارزة يف هــذا العصــر‪ ،‬فالقــرن التاســع‬
‫إىل القــرن اخلامــس عشــر أخــذ الف ـنّ اإلســامي يف املغــرب وإســبانيا‪ ،‬ومتثــل بالف ـنّ‬
‫املعمــاري اخلــاص هبــم‪ ،‬وبأشــكال األقــواس النصــف دائريّــة املســتوحاة مــن النمــاذج‬
‫القوطيّــة والنمــاذج الرومانيّــة‪ ،‬وظهــر ذلــك يف بنــاء اجلامــع الكبــر يف مدينــة قرطبــة‪،‬‬
‫ومســجد بــاب الــردوم‪ ،‬ومدينــة الزهــراء‪ ،‬وقصراحلمــراء‪ ،‬كمــا اســتعملوا العــاج يف‬
‫صنــع الصناديــق‪ ،‬وعلــب اجملوهــرات املنقوشــة‪ ،‬كمــا صنعــت التماثيــل الثالثيّــة األبعــاد‪،‬‬
‫وصنعــت األقمشــة احلريريّــة‪ ،‬واخلــزف‪ ،‬واألغــراض املصنوعــة مــن اخلشــب املنحــوت‬
‫واملدهــون‪ ،‬ويعتــر منــر مســجد الكتيبــة مثــال على ذلــك‪ ،‬وامتلكت البالد ثقافة واســعة‪،‬‬
‫مثــل‪ :‬اجلامعــات الكــرى الــي قامــت بتعليــم الفلســفة والعلــوم املتنوعــة‪ ،‬وأمّ فـنّ العمــارة‬
‫اإلســاميّة يف املغــرب‪ ،‬فظهــر فنهــم يف بنــاء املســاجد‪ ،‬لكــن ك ّل شــيء غــر معــروف‪،‬‬
‫وذلــك بســبب مــا م ـرّت بــه املغــرب مــن حــروب‪ ،‬ودمــار‪ ،‬والف ـنّ اإلســامي يف ســوريا‬
‫ومصــر‪ :‬كانــت الدولتــان حتــت حكــم ســالة الفاطميّــة الــي أعطــت هــذا العصــر أمهيّــة‬
‫كبــرة لف ـنّ العمــارة‪ ،‬حيــث كانــوا يشــتهرون يف صناعــة التحــف اخلشــبيّة‪ ،‬والعاجيّــة‪،‬‬
‫واخلزفيّــة الالمعــة واملدهونــة‪ ،‬وصناعــة املعــدن املطعمــة‪ ،‬وصناعــة الصياغة‪ ،‬وتشــكيل‬
‫الزجــاج‪ ،‬وأيضـاً متثــل فنهــم يف نقــش ومتثيل الرســوم املتحركة‪ ،‬مثل‪ :‬عيون احلشــرات‪،‬‬
‫كمــا قامــوا بالنحــت ثالثــي األبعــاد‪ ،‬واســتعمال الربونــز‪ ،‬ثـمّ بعــد فــرة مــن الزمــن‪ ،‬ظهــر‬
‫فـنّ الزجــاج املطلــي‪ ،‬وظهــرت عمــارة احلجــر املزخــرف‪ ،‬وتنــوع ألوانــه‪ ،‬وصناعــة الدلــو‬

‫‪52‬‬
‫الــذي يتميــز بيــده النحاسـيّة‪ ،‬وكانــت الدلــو مــن أشــهر اآلثــار يف هــذا العصــر‪ ،‬والفـنّ‬
‫اإلســامي يف الدولتــن آســيا الصغــرى وإيــران‪ :‬كان أكثــر حضــوراً‪ ،‬وذلــك ألن كل دولــة‬
‫حتــاول أن تثبــت نفســها بفنهــا‪ ،‬فقــد مت إنشــاء مــدن كــرى مثــال غزنــة‪ ،‬ونيشــابور‪،‬‬
‫واجلامــع الكبــر يف مدينــة أصفهــان‪ ،‬كمــا شــهدت العمــارة اجلنائزيّــة تط ـوّراً كبــراً‪،‬‬
‫وصنــع الكثــر مــن القطــع الفنيّــة املزخرفــة واملزينــة‪ ،‬وتكوهنــا مــن الزجــاج املطلــي‬
‫بعــدة ألــوان‪ ،‬واملدهونــة‪ ،‬أمــا الســاجقة اســتخدموا العجائــن يف عمــل حجــر الصوانــي‪،‬‬
‫وقامــوا بتطعيــم املعــادن الثقيلــة‪ ،‬والفـنّ اإلســامي يف حكــم اإليلخانيــون‪ :‬وهــم الذيــن‬
‫خضعــوا إلمرباطــور يــوان‪ ،‬والــي اســتقلت بعــد فــرة‪ ،‬وعملــت علــى تطويــر حضارهتــا‪،‬‬
‫وكان فنّهــم مســتوحىّ مــن البــدو‪ ،‬وكانــت أعظــم آثارهــم هــو قــر حممــد أوجلايتــو‪،‬‬
‫والف ـنّ اإلســامي بالنســبة إىل القبيلــة الذهبيّــة‪ :‬لقــد كان فنّهــم ظاهــراً وبــارزاً‪ ،‬وقــد‬
‫كانــت حرفــة الصياغــة املســتوحاة مــن احلضــارة الصينيّــة متط ـوّرة كثــراً‪ ،‬وصناعــة‬
‫القطــع الفنيّــة رائعــة‪ ،‬وأكثــر الفنــون الــي ظهــرت يف هــذا العصــر فـنّ الكتاب الفارســي‪،‬‬
‫ومس ـيّ فنّهــم بالعصــر الذهــي‪ ،‬ويظهــر ذلــك يف آثــار مدينــة مسرقنــد‪ ،‬والديكــورات‬
‫اخلزفيّــة‪ ،‬والقبــب املقرنصــة‪ ،‬الفـنّ اإلســامي يف األناضــول‪ :‬كان ذو هندســة معماريّــة‬
‫مســتوحاة مــن األمنــاط اإليرانيّــة‪ ،‬وكان نصيــب اخلشــب أكثــر يف فنهــم‪ ،‬ومثــال علــى‬
‫فنهــم املعمــاري‪ :‬مســجد تربيــز األزرق‪ ،‬والقبــاب‪ ،‬واســتعمال اخلــزف‪ ،‬والفـنّ اإلســامي‬
‫يف اهلنــد‪ :‬حيــث كان فـنّ عمارهتــم اإلســاميّة وختطيطهــم اخلــاص بالبنــاء مســتوحاة‬
‫مــن الف ـنّ اهلندوســي‪ ،‬ونالحــظ ظهــور يف القــرن اخلامــس عشــر إىل القــرن التاســع‬
‫عشــر عصــر اإلمرباطوريــات الثــاث‪ :‬العثمانيــون ‪ -‬حيــث كانــت هــذه اإلمرباطوريّــة‬
‫متميّــزة كثــراً بالفـنّ‪ ،‬فقــد عملــت علــى تطويــر كبــر يف فـنّ العمــارة‪ ،‬وإنتــاج الكثــر مــن‬
‫اخلــزف‪ ،‬وكان الرســم الفــي للمســاجد مســة متميّــزة وكانــت مســتوحاة مــن ختطيــط‬
‫الكتدرائيّــة آيــا صوفيــا‪ ،‬واســتعمل العثمانيــون اللــون األمحر الفاتــح يف صناعة اخلزف‪،‬‬
‫املغــول ‪-‬وكانــت آثــار واضحــة يف تــاج حمــل الــذي أهــم آثــار هــذا العصــر‪ ،‬كمــا كان‬
‫لفـنّ الصياغــة‪ ،‬واحلجــارة‪ ،‬اشــتهار كثــر‪ ،‬واخــرع العــاج‪ ،‬وذلــك إلنتــاج اقطــع املعــدن‪،‬‬
‫وصناديــق التنبــول‪ ،‬القاجاريــن والصفويــن‪ :‬واشــتهروا بفـنّ اخلــزف‪ ،‬والعجائن امللونة‪،‬‬

‫‪53‬‬
‫واخلــزف الصيــي‪ ،‬وفـنّ الكتــاب‪ ،‬وصناعــة الســجاد‪ ،‬وفـنّ‬
‫العمــارة مــن ناحيــة املســاجد‪ ،‬واحلدائــق(‪.)1‬‬

‫وللخــزف أمهيــة كبــرة يف إبداعــات الفــن والعمــارة‪،‬‬


‫أنظرالشــكل (‪ )3‬فهــو مــن أقــدم املصنوعــات الــي عرفهــا‬
‫اإلنســان يف مجيــع درجــات تطــوره‪ ،‬وهــو يعــد عنــد علمــاء‬
‫اآلثــار مــن أهــم الوســائل الــي تقــاس هبــا حضــارة األمــم‬
‫ودرجــة تقدمهــا‪ ،‬ولقــد حــذق املســلمون صناعتــه وتتجلــى‬
‫‪3‬‬ ‫الشكل‬ ‫عبقريتهــم أروع مــا تتجلــى يف نــوع معــن منــه هــو املعــروف‬
‫عنــد املشــتغلني باآلثــار اإلســامية‪ ،‬باخلــزف الــذي الربيــق‬
‫املعدنــي‪ ،‬واهتــداء املســلمني هلــذا النــوع مــن اخلــزف(‪.)2‬‬

‫لذلــك كان مفهــوم الفــن اإلســامي جــد خمتلــف عــن مفهــوم الفنــون احلديثــة الــي هتتــم‬
‫بالصــور اجملســمة فحســب‪ ،‬والصــورة كمــا ســبق اإلشــارة أنــه ال تغـ ِّـذي وجــدان املتــذوِّق‬
‫مبزيــد مــن العلــم واملعرفــة‪ ،‬بــل علــى العكــس مــن ذلــك متام ـاً‪ ،‬حيــث تُثــر مزيــداً مــن‬
‫القلــق والوَجــس والريبــة؛ مبــا تــرزه مــن منــاذج ذاتيــة غريبــة‪ ،‬ومــا توقظــه يف رمسهــا‬
‫مــن غرائــز عدوانيــة ووحشــية‪.‬‬

‫فالفنــان هنــا ال يتحــدَّى وال يتمــرَّد؛ ألنــه يعلــم أنــه لــن يرقــى إىل مرتبــة اخلالــق‬
‫املبـدِع‪ ،‬إمنــا حســبه أنــه يســتخدم مــوادَّه الفنيــة يف الطبيعــة بــذوقٍ فائــقٍ ‪ ،‬وقــدرة علــى‬
‫التشــكيل؛ ليخــرج لنــا منهــا آخــر األمــر أشــياء نافعــة ومجيلــة‪ ،‬تشــهد باإلتقــان واملثابــرة‬
‫واإلخــاص يف تصويــر وتناســق وروعــة اخللــق اإلهلــي‪ ،‬ويتم َّثــل ذلــك واضحــاً يف‬
‫اخلطــوط والنقــوش والزخــارف والرســوم واأللــوان علــى املصاحــف واملســاجد واألبنيــة‬
‫واألوعيــة والبُسُــط ورســوم الــدواب‪.‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي يف العامل – الفن اإلسالمي‪.‬‬


‫(‪ )2‬جملــة كليــة اآلداب – جامعــة القاهــرة – اجمللــد التاســع عشــر – مايــو ســنة ‪ – 1957‬عــدد خــاص يف ذكــرى‬
‫املرحــوم األســتاذ‪ :‬عبــد الوهــاب عــزام – مطبعــة القاهــرة‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫وأيض ـاً فــإنَّ الفــن املعمــاري اإلســامي ال يقـ ُّـل شــي ًئاً عــن اخلـ ّ‬
‫ـط والكتابــة؛ إذ تــدور‬
‫حولــه مجيــعُ الفنــون؛ مبــا تُــرِزه مِــن مقــدرة علــى ربــط الصِّيَــغ اجلماليــة بعضهــا‬
‫ببعــض يف وحــدة وانســجام وتناســق تــام‪ ،‬فــا فــرق يف التصـوُّر اإلســامي بــن مــا هــو‬
‫جتريــدي ومــادِّي يف جوهــر التصــور؛ ولذلــك فالنجــارة واحلــدادة وصناعــة الزجــاج‬
‫املختلــف األلــوان‪ ،‬واألوانــي والثريــات‪ ،‬وفــن الزخرفــة والنقــش والنحــت‪ ،‬ليســت فنونـاً‬
‫بســيطة‪ ،‬أو دُنيــا كمــا يصورهــا الفــن األوروبــي؛ إمنــا هــي‪ -‬باإلضافة إىل نفعها املباشــر‬
‫لإلنســان ‪ -‬ذاتُ صلــة وثيقــة مبمارســة اإلنســان لقدراتــه وإظهــار مواهبــه الــي وهبــه‬
‫اهلل إياهــا‪ ،‬وبتحقيقــه الرســالة اإلهليــة اإلســتخالفية املنوطــة بــه‪.‬‬

‫وإن األدوات الــي يســتعملها الفنَّــان يف الزخــارف والنقــش والنجــارة والنحــت تبــدو‬
‫للعيــان بســيط ًة‪ ،‬إال أن عملــه يف النهايــة عظي ـمٌ للغايــة‪ ،‬يشــهد بــه مَــن رأى بيت ـاً مــن‬
‫بيــوت اهلل تعــاىل‪ ،‬وإنَّ الســبب اخلف ـيَّ للتكام ـ ِل الفــي يف األَبْنِيــة والقبــاب اإلســامية‬
‫إمنــا يرجــع أوالً وأخــراً إىل اإلســام بصفــة عامــة‪ ،‬والتوحيــد بصفــة خاصــة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكربموقع عربي يف العامل – الفن اإلسالمي‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫وظيفة الفن ودوره يف احلياة‬

‫ّ‬
‫متعطشــاً للقيــم‬ ‫إن الفنــان العربــي املســلم يف القديــم كان حمبــاً للجمــال حساســاً‬
‫األصيلــة فــأودع فنــه ســر اخللــود ورؤيتــه للجمــال والوجــود‪ ،‬فــكان حبــق عالمــة مميّــزة‬
‫للحضــارة العربيــة اإلســاميّة الــي اهتمّــت بالفنــون‪ ،‬وجعلــت اجلمــال خالفــاً ملــا‬
‫يــروّج لــه أعداؤهــا اليــوم‪ ،‬مــن أنّ اإلســام كان مانع ـاً مــن املوانــع دون إدراك اجلمــال‬
‫والوصــول بالفـنّ إىل ذرى اخللــق واإلبــداع‪ ،‬فمــن الوظائــف املهمــة الــي كان للفــن أثــراً‬
‫عظيم ـاً فيهــا‪:‬‬
‫‪ -‬إنه يصون أنظمة احلضارات املختلفة‪.‬‬
‫‪ -‬يرقى مظاهر األشياء وخيصها بقيم إبداعية مجالية‪.‬‬
‫‪ -‬لغة عاملية للتفاهم والرتابط اإلنساني‪.‬‬
‫‪ -‬وسيلة لتهذيب السلوك اإلنساني اإلرتقاء به حضارياً‪.‬‬
‫‪ -‬وسيلة لربط اإلنسان بقيم جمتمعه األصلية‪.‬‬
‫‪ -‬وسيلة إلدراك مواطن اجلمال يف الكون وما به من آيات‪.‬‬
‫‪ -‬وسيلة لتجدد احلياة وإضافة املبتكر إليها‪.‬‬
‫‪ -‬االرتقاء باملدركات البصرية وما يرتبط هبا من عمليات مجالية‪.‬‬
‫‪ -‬يوضح املفاهيم ويكسب املعلومات‪.‬‬
‫‪ -‬مرآة صادقة لتجارب الشعوب وآماهلا وأحالمها‪.‬‬
‫‪ -‬سفري متنقل ينقل للعامل صدق وأصالة تراث اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬وسيلة لنقل اخلربات عرب األجيال‪.‬‬
‫‪ -‬حيقق االنتماء للمكان والرتاث واحلضارة(‪.)1‬‬
‫إذاً فالفــن اإلســامي هبــذا املعنــى هــو توحيــدي‪ ،‬يستشــف أصولــه مــن اإلســام ذاتِــه‪،‬‬
‫ويســتقي مادتــه مــن الكــون الرحيــب؛ فــا يعــرف باألهــواء وال باملســميات املســتحدثة‬
‫الغامضــة‪ ،‬وال يدَّعــي مصطلحــات أنانيــة؛ كاالخــراع الفــردي‪ ،‬واخللــق الفــي‪ ،‬واالبتــكار‬
‫(‪ )1‬يف الفنّ واألدب ‪ -‬اجلمال والفنّ ‪ -‬ديسمرب ‪ 2016 ,27‬بواسطة ‪ -laagueb sai‬سامي العقاب‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫مــن العــدم‪ ،‬والعبقريــة اخلالــدة‪ ،‬والعمــل الفــي األوحــد؛ إىل غــر ذلــك مــن املصطلحــات‬
‫الفنيــة غــر الدقيقــة‪ ،‬وذلــك التصـوُّر الفلســفي للفــن اإلســامي ينتظــم مــا هــو إبــداع‬
‫قــويل أو عملــي‪ ،‬ومــا هــو فــن ي َّتصِــل بالكلمــة‪ ،‬ومــا يتصــل بالفعــل‪ ،‬ومــا يتصــل بالنظــري‬
‫التجريــدي‪ ،‬ومــا يتَّصــل بالصناعــي أو احلــريف‪ ،‬ومــا يتصــل بالرســم أو الشــعر‪ ،‬أو‬
‫اخلــط أو الزخرفــة‪ ،‬أو املعمــار أو الصناعــة بشــتى أشــكاهلا‪ ،‬علــى قــد ٍر ســواء‪.‬‬

‫ومل يكــن فنـاً دينيـاً مبعنــى أنــه مل يســتخدم يف اإلرشــاد والتعليــم الديــي‪ ،‬ومل يقــم بــأي‬
‫دور يف جتســيم العقيــدة الدينيــة‪ ،‬ألنــه حمــرم يف اإلســام‪ ،‬وألن الفــن اإلســامي فــن‬
‫وجــد خلدمــة حاجــات املســلمني‪ ،‬والرتفيــه عنهــم وجتميــل حياهتــم(‪.)1‬‬

‫وذلــك كلــه ينبــع مِــن نظــرة اإلســام التوحيديــة مــن جانــب‪ ،‬ونظرتــه الشــمولية مــن‬
‫جانــب آخــر؛ فاملــادة واحملســوس‪ ،‬والــروح واجملــرد‪ ،‬وعالَمَــا الغيــب والشــهادة‪ ،‬واإلنســان‬
‫والكــون‪ ،‬والصلــة باخلالــق العظيــم‪ ،‬كل ذلــك يتناغم وينســجم ويتكامــل يف تصور الفنان‬
‫املســلم ويف إبداعــه‪ ،‬لــذا جنــد أن ظهــور اإلســام‪ ،‬قــد حـوَّل نظــرة اإلنســان إىل مظاهــر‬
‫اجلمــال األمســى واألكثــر رقيّ ـاً وخلــوداً‪ ،‬ممــا عرَفــه مــن قبــل؛ مــن مجــال يف ظاهــر‬
‫األشــياء وباطنِهــا‪ ،‬وبذلــك حتـوَّل مِــن جمــرد النظــرة إىل االهتمــام باجلوهــر والباطــن‪،‬‬
‫ومــن االجتــاه لالرتقــاء بالقيــم وراء املطلــق إىل االرتقــاء مــن احلســي إىل املعنــوي‪ ،‬ومــن‬
‫املــادي إىل الروحــي؛ فهــو يتأمَّــل الكــون مــن حولــه‪ ،‬ويشــعر بضآلتــه أمامــه‪ ،‬وبنعمــة‬
‫اســتخالف اهلل لــه‪ ،‬وباإلضافــة إىل رؤيتــه هلــذا التنــوُّع احليــوي للكائنــات واألشــياء‬
‫واملوجــودات‪ ،‬يندفــع إىل التدبُّــر والتفكــر يف ال حمدوديــة الكــون(‪.)2‬‬

‫ويقسم الفن قدمياً إىل سبعة أقسام‪:‬‬

‫‪ -‬الفنــون التشــكيلية (الرســم – التصويــر – اخلــط – اهلندســة – التصميــم –‬


‫فــن العمــارة – النحــت – الفنــون التطبيقيــة – األضــواء)‪..‬‬

‫(‪ )1‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬التصور اإلسالمي للفن ‪-‬أ‪.‬د‪ .‬عبد احلليم عويس‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫‪ -‬الفــن الصوتــي (املوســيقى – الغنــاء ‪ -‬عــامل الســينما واملســرح – إعــان –‬
‫الشــعر – احلكايــات – التجويــد – الرتتيــل)‪...‬‬
‫‪ -‬الفــن احلركــي (الرقــص – الســرك – األلعــاب الســحرية – بعــض الرياضــات‬
‫– البهلــوان والتهريــج – مســرح امليــم – الدمــى‪.)1()...‬‬

‫والفــن اإلســامي‪ :‬هــو الفـ ّنُ الــذي يرســم صــورة الوجود مــن زاوية التّصوير اإلســاميّ‪،‬‬
‫بالضــرورة أن يتحـدّث عــن اإلســام‪ ،‬بــل يُعبّر فيه الفنــان تعبرياً‬
‫والفـنّ اإلســاميّ ليــس ّ‬
‫ا عــن الكــون واحليــاة واإلنســان‪ ،‬ويُؤمــن هــذا الف ـنّ بــاهلل‪ ،‬وجاللتــه‪ ،‬وعظمتــه‬
‫مجي ـ ً‬
‫باعتبــاره مركــز الكــون‪ ،‬والسّــبب األساسـيّ لوجــود الفـنّ اإلســاميّ هــو إظهــار اجلمــال‬
‫جبميــع تفاصيلــه مــن خطــوطٍ وزخــارفَ وكتابــة لآليــات ال ُقرآنيّــة ُ‬
‫خبطــوطٍ مُميّــزة(‪.)2‬‬

‫وحنــن نعلــم أن الفــن اإلســامي قــد تأثــر بفــن الكنيســة وخاصــة الزخــارف املســيحية‬
‫الشــرقية الــي وجــدت آثارهــا علــى العــاج احملفــور عليــه تلــك الزخــارف واجملوهــرات‪،‬‬
‫وعلــى ســبيل املثــال احلشــوات الــي تزيــن كرســي األســقف مــا كســيميان يف رافنــا‪،‬‬
‫وذلــك ألن املســلمني اســتعانوا بالصنــاع املســيحيني مــن الشــام يف عمــل وإجنــاز‬
‫عمائرهــم وحتفهــم الفنيــة‪ ،‬هلــذا نقــول أن العناصــر املعماريــة والزخــارف املســيحية‬
‫قــد أثــرت يف تكويــن الفــن اإلســامي(‪.)3‬‬

‫ومل يكــن الفــن اإلســامي يف أيــة فــرة مــن تارخيــه فن ـاً راكــداً أو جامــداً أو منعــزالً‪،‬‬
‫بــل كان دائــم االحتــكاك بالفنــون األخــرى يف الشــرق ويف الغــرب ممــا ســاعد علــى‬
‫احتفاظــه حبيويتــه وأدى إىل تطــوره‪ .‬وبفضــل العالقــات املختلفــة الــي قامــت بــن‬
‫العــامل اإلســامي والشــرق األقصــى جنــد أن الفــن اإلســامي قــد تبــادل التأثــر مــع‬
‫فنــون الشــرق األقصــى بعامــة وفنــون الصــن والرتكســتان(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬من ويكيبيديا‪ ،‬املوسوعة احلرة‪.‬‬


‫(‪ )2‬عناصر الفن اإلسالمي – سارة زقيبة – موقع الكرتوني (موضوع)‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفن اإلسالمي أصوله وخصائصه – مرجع سبق ذكره ‪ -‬ص‪.213‬‬
‫(‪ )4‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعةالقاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتاب‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫اهلدف من الفن اإلسالمي‬

‫ر ُز الفــ ّنُ اإلســام ّيُ حيــثُ تــرُز احلضــارةُ وتزدهــر‪ ،‬كمــا يؤمــنُ هــذا الفــ ّنُ بــاهلل‬ ‫يــ ُ‬
‫وبق ّوَتــه وعظمتــه باعتبــارهِ مركــز الكــون‪ ،‬كمــا أ َّن العِلَّــة مــن وجــودِ هــذا الفـ ِّـن هــي إبــرا ُز‬
‫اجلمــا ِل وإظهــاره بكا َّف ـةِ تفاصيلــه مــن خُطــوطٍ وزخــارفَ وكتاب ـةٍ لآليــاتِ القرآن ّيَ ـةِ‪،‬‬
‫وتعــودُ تســمية الفنــون اإلســامية إىل العصــور احلديثــة‪ ،‬كمــا قــامَ عــددٌ مــن الباحثــن‬
‫بتســميتها بالفنــون املُســلمة أو احملمديــة‪ ،‬وتُعتـرُ شــبه اجلزيــرة العربية والشــام والعراق‬
‫هــي املنطقــة األساســية لنشــوء الفـ ِّـن اإلســامي‪.‬‬

‫وهلــذا الفــن طابع ـاً متميــزاً بالزخــارف اهلندســية والنباتيــة والكتابيــة‪ ،‬وعلــى الرغــم‬
‫مــن الــدور الــذي لعبتــه الزخــارف احليوانيــة واآلدميــة بدرجــة كبــرة‪ ،‬إال أن ذيوعهــا‬
‫ال ميكــن مقارنتــه مبــا بلغتــه الزخــارف النباتيــة واهلندســية والكتابيــة(‪ ،)1‬ويطلــق الفـنّ‬
‫اإلســامي علــى النتــاج الفــي الــذي ّ‬
‫مت إنشــاؤه يف الفــرة ما بني اهلجــرة النبويّة‪ ،‬والقرن‬
‫التاســع عشــر امليــادي‪ ،‬وقــد تــو ّزع مــن إســبانيا يف الغــرب‪ ،‬إىل اهلنــد يف الشــرق‪،‬‬
‫وامتــاز بأســلوب الكتابــة املوحّــد خــال كل هــذه الفــرة مــن الزمــن‪ ،‬باإلضافــة للزخرفــة‬
‫واألشــكال الــي تنوّعــت بشــكل كبــر‪ ،‬ممّــا جعــل األصــح إطــاق لفــظ الفنون اإلســاميّة‬
‫عليهــا‪ ،‬وتر ّكــزت هــذه الفنــون يف الغالــب يف الفـنّ املعمــاري‪ ،‬الــذي تفنّــن املســلمون فيــه‬
‫يف الديكــورات‪ ،‬وزخــارف احلوائــط‪ ،‬والنوافــذ‪ ،‬باإلضافــة لفـنّ النحــت وخباصّــة علــى‬
‫ا حضاريّـاً يـ ّ‬
‫ـدل علــى املســلمني آنــذاك‪ ،‬أكثــر‬ ‫املعــادن‪ ،‬والعــاج‪ ،‬وقــد كان هــذا الفـنّ دليـ ً‬
‫منــه دينيّـاً‪ ،‬فقــد تأ ّثــر الفاحتــون بفنــون الــدول املفتوحــة‪ ،‬ولكنّهــم اســتبعدوا منهــا مــا‬
‫رفضــه الديــن‪ ،‬ومــا مل يوافــق ذوقهــم‪ ،‬وصقلــوه بأســلوهبم اخلــاص‪ ،‬وأضافــوا لــه ف ـنّ‬
‫الكتابة العربيّة املســتوحاة من وســط اجلزيرة العربيّة مكان انطالق الدين اإلســامي‪،‬‬
‫الفـنّ اإلســامي عــر احلقبــات الزمنيّــة مل يكــن هنــاك انتشــار واضــح للفـنّ اإلســامي‬
‫قبــل اخلالفــة األمويّــة‪ ،‬ولرمبــا يرجــع ذلــك الهتمــام اخللفــاء يف الفتــوح اإلســاميّة‪،‬‬
‫وتقويــة الدولــة اإلســاميّة وتوســيع حدودهــا‪ ،‬باإلضافــة إىل أنّ بيــت الرســول عليــه‬
‫(‪ )1‬الزخارف الكأسية البسيطة يف الفن اإلسالمي – فريد شافعي‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫الصــاة والســام الــذي اختــذ مســجداً‪ ،‬مل يبقــى طويـاً؛ وذلــك أل ّنــه شـيّد مــن الطــن‬
‫واخلشــب‪ ،‬وهــي مــواد ســريعة التلــف‪ ،‬فيبقــى املســجد النبــوي يف املدينــة املنــورة هــو‬
‫حتفــة الفـنّ اإلســامي الرائعــة لليــوم وتــرى للخالفــة األمويّــة أثــراً كبــراً يف أفــق الفــن‬
‫اإلســامي‪ ،‬الــذي اعتمــد فيهــا الطــراز اإلســامي للمســاجد‪ ،‬ومــن أشــهر هــذه املعــامل‬
‫مســجد بــي أميّــة يف دمشــق‪ ،‬الــي ا ّتخذوهــا عاصمــة هلــم‪ ،‬وقبــة الصخــرة يف القــدس‬
‫الشــريف‪ ،‬والــي ش ـيّدها عبــد امللــك بــن مــروان ترســيخاً وتذكــراً حبادثــة اإلســراء‬
‫واملعــراج الــي قــام هبــا النـيّ ‪ ،‬واجلامــع الكبــر يف قرطبــة‪ ،‬ومل تقتصــر العمــارة علــى‬
‫املســاجد‪ ،‬فهنــاك العديــد مــن اخلانــات‪ ،‬والقصــور وغريهــا‪ ،‬وقــد اعتمــدوا كثــراً علــى‬
‫الفسيفســاء يف زخارفهــم‪ ،‬ولربّمــا كانــت الفــرة األمويّــة هــي الفــرة األكثــر أثــراً للف ـنّ‬
‫اإلســامي‪ ،‬وربّمــا يعــود ذلــك لرتكيزهــم علــى العمــارة‪ ،‬والــي ال تــزال إىل هــذا اليــوم‬
‫وللخالفــة العباسـيّة الــي ا ّتخــذوا مــن بغــداد يف العــراق عاصمــة هلــم‪ ،‬وقــد تفننــوا يف‬
‫الزخــارف علــى الفخــار‪ ،‬واخلــزف‪ ،‬وهــم أول مــن ابتكــر اإلبريــق املعدنــي‪ ،‬وقــد احتفــظ‬
‫بالعديــد مــن القطــع املزخرفــة الــي تعــود لذلــك العصــر يف متحــف يف البندقيّــة‪ ،‬وقــد‬
‫كانــوا السـبّاقني يف اســتخدام اللــون األمحــر الزاهــي يف اخلــزف‪ ،‬ومــن أشــهر آثارهــم‪،‬‬
‫جامــع قــوات يف دهلــي‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ )4‬ومصبــاح مســجد الســلمانيّة‪ ،‬ويوجــد حاليّـاً‬
‫يف أحــد متاحــف لنــدن(‪.)1‬‬

‫وهــو التعبــر اجلميــل عــن الكــون واحليــاة‬


‫واإلنســان‪ ،‬مــن خــال تصــور اإلســام للكون‬
‫واحليــاة واإلنســان‪ ،‬وهــو الــذي يهــيء اللقــاء‬
‫الكامــل بــن اجلمــال واحلــق‪ ،‬فاجلمــال‬
‫حقيقــة يف هــذا الكــون‪ ،‬واحلــق هــو ذروة‬
‫اجلمــال‪ ،‬ومــن هنــا يلتقيــان يف القمــة‪ ،‬الــي‬
‫‪4‬‬ ‫الشكل‬
‫تلتقــي عندهــا كل حقائــق الوجــود(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل – الفن اإلسالمي‪.‬‬
‫(‪ )2‬منهج الفن اإلسالمي ‪-‬حملمد قطب‪ -‬ص‪ 6.‬طبعة دار الشروق‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫ويــرُ ُز الفــ ّنُ اإلســام ّيُ حيــثُ تــرُز احلضــارةُ وتزدهــر‪ ،‬كمــا يؤمــنُ هــذا الفــ ّنُ بــاهلل‬
‫وبق ّوَتــه وعظمتــه باعتبــارهِ مركــز الكــون‪ ،‬كمــا أنّ العِلَّــة مــن وجــودِ هــذا الفـ ِّـن هــي إبــرا ُز‬
‫اجلمــا ِل وإظهــاره بكا َّف ـةِ تفاصيلــه مــن خُطــوطٍ وزخــارفَ وكتاب ـةٍ لآليــاتِ القرآن ّيَ ـةِ‪،‬‬
‫وتعــودُ تســمية الفنــون اإلســامية إىل العصــور احلديثــة كمــا قــامَ عــددٌ مــن الباحثــن‬
‫بتســميتها بالفنــون املُســلمة أو احملمديــة‪ ،‬وتُعتـرُ شــبه اجلزيــرة العربية والشــام والعراق‬
‫هــي املنطقــة األساســية لنشــوء الفـ ِّـن اإلســامي(‪.)1‬‬

‫(‪622‬‬ ‫وهــو الفــن الــذي يعتمــد علــى اإلنتــاج الفــي الــذي نشــأ مــع وقــع اهلجــرة عــام‬
‫ميــادي) وحتــى القــرن التاســع عشــر‪ ،‬يف منطقــة متتــد مــن إســبانيا إىل اهلنــد‪.‬‬

‫ويطلعنــا تاريــخ احلضــارة اإلنســانية علــى الكثــر مــن النمــاذج واألمثلــة مــن تراثنــا‬
‫الفــي‪ ،‬الــذي هــو تعبــر عــن احلضــارة ولســان حــال اجملتمــع‪ ،‬فــإنَّ يــد الزمــان تطــوي‬
‫األجيــال البشــرية جيــاً بعــد جيــل‪ ،‬غــر أن الــراث املــادي يظــل متمثــاً يف الرمــز‬
‫الفــي‪ ،‬والصناعــة املاديــة‪ ،‬وتشــهد مبــا كان عليــه حــال احلضــارات‪ ،‬وبالتــايل فإهنــا‬
‫تســاعدنا يف التوصــل إىل معرفــة أســرار هــذه احلضــارات‪ ،‬ومقــدار مــا أجنزتــه يف‬
‫املياديــن العلميــة واالقتصاديــة والعســكرية والفنيــة وغريهــا‪.‬‬

‫ويعتــر هــو املــرآة العاكســة لنشــاط الفنانــن املســلمني الذيــن تأثــروا بعــد الفتوحــات‬
‫بفنــون البــاد الــي فتحوهــا‪ ،‬فامتزجــت حضارهتــم الفنيــة بفنــون هــذه البــاد‪ ،‬حيــث‬
‫خلــف املســلمون عــر العصــور آثــار معماريــة بديعــة وزخــارف رائعــة ظهــرت علــى‬
‫مجيــع مــا خلفــوه لنــا‪ ،‬مــن أدوات وأبســطه ومعــادن وزجــاج وغريهــا‪ ،‬حيــث عمــل خلفــاء‬
‫الدولــة األمويــة (‪4‬هـــ ‪661‬م‪129 ،‬هـــ ‪749‬م)‪ ،‬علــى جلــب مــواد البنــاء واليــد العاملــة‬
‫مــن الواليــات اجملــاورة إلقامــة املــدن اجلديــدة‪ ،‬وإنشــاء القصــور واملســاجد فاســتعانوا‬
‫بعمــال مــن ســوريا وبيزنطــة‪ ،‬لبنــاء اجلامــع األمــوي وجتميلــه بالفسيفســاء‪ ،‬وتشــهد‬
‫بعــض اآلثــار املعماريــة اإلســامية علــى التأثــر القــوي للفــن البيزنطــي والساســاني‬
‫خاصــة يف فسيفســاء قبــة الصخــرة ببيــت املقــدس‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ )5‬وواجهــة قصــر‬
‫(‪ )1‬خصائص الفن اإلسالمي – زينة قابوق –موقع الكرتوني (موضوع)‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫املشــتى الــي ترجــع إىل القــرن الثامــن‪ ،‬كمــا‬
‫كان هنــاك قصــر قصــر عمــرة‪ ،‬وهــو قصــر‬
‫صغــر ينطــوي علــى آيــة يف الفــن اإلســامي‪،‬‬
‫وغريهــا مــن اآلثــار املعماريــة املبدعــة‬
‫الــي تــدل علــى اهتمــام املســلمني بالفنــون‬
‫واجلماليــات‪ ،‬وعلــى هــذا النحــو يتضــح لنــا‬
‫وجــود هنضــة فنيــة يف العــامل اإلســامي‬
‫تشــهد بذلــك مــا ترمجتــه عنهــم آثارهــم‬
‫املعماريــة والزخرفيــة‪ ،‬وإنَّ أول مــا يشــد‬
‫االنتباه يف الفن اإلسالمي وحدته األساسية‬
‫مــن حيــث التصــور العــام لعــامل األشــكال‬
‫واملســاحات واألحجــام‪ ،‬أي للمكونــات املاديــة‬
‫هلــذا الفــن‪ ،‬فحيثمــا نتجــه‪ ،‬نعجــب لتعــدد‬
‫‪5‬‬ ‫الشكل‬ ‫األشــكال والتقنيــات واخلامــات املســتعملة‪،‬‬
‫الــي تتســم بالوحــدة اجلماليــة املســيطرة‬
‫علــى كل اإلجنــازات الفنيــة‪ ،‬وهــذا اإلحســاس بالوحــدة مــن خصائــص الفــن اإلســامي‪،‬‬
‫إضافــة إىل خاصيــة التكــرار‪ ،‬التنــوع‪ ،‬والتجريــد‪ ،‬وهــذا األخــر الــذي يعتــر خاصيــة‬
‫فريــدة عرفهــا التصويــر اإلســامي‪.‬‬

‫إن املتأمــل يف عالقــة الفــن بالصناعــات يــدرك التداخــل العميــق بــن املوضوعــن‪،‬‬
‫فالصناعــة ال تعــد نقطــة بــدأ للفــن فحســب‪ ،‬بــل تلعــب دوراً جوهرياً يف إبرازه‪ ،‬والشــائع‬
‫أن كل صناعــة موجــودة ال بــد أن تدخلهــا ملســة فنيــة‪ ،‬ومــن خــال مــا تقــدم ميكــن‬
‫القــول أن اإلبــداع الفــي اإلســامي‪ ،‬هــو حماولــة الفنــان أن يعــر تعبــراً مجاليــاً يف‬
‫إطــار عقيدتــه‪ ،‬حيــث خلــف لنــا هــذا األخــر متحفـاً كبــراً قاعاتــه ممتــدة مــن اليابــان‬
‫والصــن شــرقاً‪ ،‬إىل احمليــط األطلســي غربــاً‪ ،‬لينتشــر يف إفريقيــا جنوبــاً وأوروبــا‬

‫‪62‬‬
‫مشــاالً‪ ،‬فهــو موجــود حيــث اســتقرت مجاعــات إســامية‪ ،‬الــي نقلــت معهــا أقباسـاً مــن‬
‫هــذا الفــن ممزوجــة بــروح اإلســام(‪.)1‬‬

‫فانتشــار اإلســام علــى رقعــة هائلــة االمتــداد‪ ،‬جعلــه حيمــل طابــع التعــدد والتنــوع‬
‫والكثــرة‪ ،‬والواضــح أنــه مل يســع إىل طمــس شــخصية الشــعوب الــي انضــوت حتــت‬
‫لوائــه‪ ،‬بــل فتــح هلــا طريــق اإلبــداع والعطــاء وميــز حضورهــا يف التاريــخ‪ ،‬ولكــن ضمــن‬
‫إطــار الوحــدة الشــاملة أو مــا ميكــن التعبــر عنــه بالوحــدة يف التنــوع‪ ،‬وإن الرؤيــا‬
‫والفهــم الديــي الــذي جــاء بــه اإلســام يشــكل املنطلــق أو الفلســفة الفنيــة والفلســفة‬
‫اجلماليــة الــي ينحــدر منهــا الفــن اإلســامي يف كل تفاصيلــه‪ ،‬لذلــك تبــدو العالقــة‬
‫بــن الفــن والديــن عالقــة فلســفية عقالنيــة صوفيــة وإميانيــة‪ ،‬فالتوحيــد الــذي دعــا‬
‫إليــه اإلســام كديــن‪ ،‬يرتمجــه الفــن اإلســامي إىل لغــة فنيــة مذهلــة‪ ،‬حيــث يتحــول نداء‬
‫التوحيــد إىل نظــام شــامل وفلســفة حمكمــة حتكــم كل شــيء اخلــط واللــون واملســاحة‬
‫والعالقــة القائمــة بينهــا‪ ،‬فمثـاً إن األلــف يف اخلــط العربــي‪ ،‬هــي الواحــد الــذي ينظــم‬
‫ســائر احلــروف يف شــكلها وطوهلــا وعرضهــا واحننائهــا أو دوراهنــا وســتكون العالقــة‬
‫بــن نقطــة الدائــرة وبــن نقــاط حميــط هــذه الدائرة‪،‬كالعالقــة بــن الــرب والعبــد‪،‬‬
‫فالــرب هــو نقطــة مركــز دائــرة الغيــب‪ ،‬ومركــز دائــرة الوجــود‪ ،‬واإلنســان نقطــة علــى‬
‫حميــط دائــرة الوجــود يــدور حــول نقطــة املركــز‪ ،‬الــذي مــن دوهنــا ال وجــود للمحيــط(‪.)2‬‬

‫فالعالقــة بــاهلل‪ ،‬اخلالــق املدبــر الواحــد األحــد جعلــت الفنــان يستشــعر عظمــة اخلالــق‬
‫الواحــد الــذي ليــس لــه مثيــل‪ ،‬وال يقــدر أحــد علــى اإلتيــان مبــا يأتيــه‪ ،‬جيعــل الفنــان‬
‫املســلم يبتعــد عــن حماولــة تقاليــد اخلالــق أو مضاهــاة صناعتــه‪ ،‬فلجــأ الفنــان للتجريــد‪،‬‬
‫وظهــر التوريــق‪ ،‬واألرابســك‪ ،‬وتلــك العالقــة باخلالــق الــي جمدها املســلمون وعــروا عنها‬
‫بعبــارات التســبيح‪ ،‬يعيــد هلــا الكثــر مــن الباحثــن الســبب يف ظهــور التكــرار يف الزخارف‬
‫اإلســامية‪ ،‬ففعــل التســبيح الــذي هــو معــروف يف الديــن إســامي‪ ،‬وهــو تكــرار عبــارات‬
‫التمجيــد للخالــق‪ ،‬ممــا جعــل التكــرار لــه صــدى مقبــول يف نفــس املســلم(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬فلسفة الفن اإلسالمي – حممودي ذهبية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مكرر ‪ -‬فلسفة الفن اإلسالمي – حممودي ذهبية‪.‬‬
‫(‪ )3‬مجاليات الفن العربي اإلسالمي ‪ ,‬الدكتور عفيف هبنسي‬

‫‪63‬‬
‫إن مــن خــال التحليــل واملنظــور لدراســة الفــن اإلســامي‪ ،‬يقــول األســتاذ أنــور الرفاعي‬
‫أن الفــن اإلســامي ذو شــخصية واحــدة رغــم تعــدد مراكــزه وتباعــد أقطــاره وظهــور‬
‫التأثــرات احملليــة فيــه(‪.)1‬‬

‫وجنــد أنــه ال خيضــع للمعايــر اجلماليــة الــي درس هبــا الفــن اإلغريقــي الرومانــي الــذي‬
‫قــام علــى مبــدأ احــرام الكمــال التشــرحيي جلســم اإلنســان‪ ،‬والفــن الصيــي واهلنــدي‬
‫قامــا علــى مبــدأ التعبــر عــن املثــل األخالقيــة يف طقــوس تصويريــة وحنتيــة‪ ،‬والفــن‬
‫األزتيكــي قبــل الكوملــي عبَــر عــن الصــورة اآلدميــة مــن خــال صــورة اآلهلــة‪.‬‬

‫أمــا الفــن اإلســامي فلــم يعــر عــن أي شــكل مــن األشــكال احملــددة لصــورة اهلل‪ ،‬أو‬
‫الكــون أو املثــل أو اإلنســان‪ ،‬بــل عــن الصبــوة والســعي لدخــول عــامل املطلــق والســر‪،‬‬
‫الــذي يقــع وراء هــذه املعانــي الكبــرة‪ ،‬فاملعايــر اجلماليــة اإلســامية‪ ،‬متمثلــة باحلريــة‬
‫واإلبــداع والبحــث عــن املثــل والتســامي واإلطــاق‪ ،‬فالفــن اإلســامي هــو فــن املطلــق‪،‬‬
‫ويف نطــاق هــذا الفلــك الواســع‪ ،‬كان الفنــان حــراً إىل أبعــد حــد يف اختيــار الصيغــة‬
‫والتكويــن الــذي يؤلفــه ويبدعــه‪.‬‬

‫ومل يســتطع الفــن الغربــي حتقيــق هــذه احلريــة يف النزعــة التجريديــة الــي وصــل‬
‫إليهــا‪ ،‬فمــع أنــه حتــرر مــن ربقــة الواقــع احملــدد‪ ،‬فإنــه وقــع يف متاهــات العــدم‪ ،‬فالنزعــة‬
‫التجريديــة ترتبــط بالالشــيء‪ ،‬وال ترتبــط باملطلــق‪ ،‬ولذلــك فإهنــا توقفــت عــن متابعــة‬
‫الطريــق الــذي مارســت فيــه احلريــة‪ ،‬بعــد أن وجدتــه مســدوداً يــؤدي إىل نقطــة الصفر‪،‬‬
‫ولقــد حتققــت حريــة الفنــان نتيجــة ارتبــاط الفــن اإلســامي باملطلــق‪ ،‬حســب منظــور‬
‫التوحيــد الــذي قامــت عليــه العقيــدة اإلســامية‪ ،‬وهــو مفهــوم قديــم ولكنــه مع اإلســام‬
‫أصبــح أساسـاً حلضــارة املســلمني‪.‬‬

‫ولقــد أخطــأ بعــض الدارســن عندمــا اعتــر الفــن اإلســامي وليــد املنــع واالســتحالة‪،‬‬
‫حيــث أرادوا اعتبــاره مقيــداً وليــس حــراً طاملــا أن عــامل الشــهادة حمــرم عليــه‪ ،‬فــا‬
‫(‪ )1‬الفن العربي اإلسالمي – تأليف الدكتور عفيف هبنسي‪ -‬ص‪ 6‬ط‪ 1‬دار الفكر‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫يســتطيع تصويــر األشــياء أو تشــبيه الوجــه خشــية مضاهــاة اهلل‪ ،‬أو خشــية االنــزالق‬
‫إىل خلــق األنصــاب واألوثــان‪.‬‬

‫إن يف الوثنيــة وعبــادة األصنــام‪ ،‬الشــرك والكفــر‪ ،‬ويف القــرآن الكريــم‪ :‬قــال تعــاىل‪{ :‬إن‬
‫اهلل ال يغفــر أن يشــرك بــه ويغفــر مــا دون ذلــك ملــن يشــاء} ســورة النســاء ‪.48‬‬

‫ولكــن األعمــال بالنيــات فــإذا كان التصويــر ألغــراض ثقافيــة أو أخالقيــة فليــس مــن نص‬
‫مينعــه‪ ،‬ولقــد تســامح الرســول ‪ ‬فأبقــى صــورة املســيح علــى جــدران الكعبــة‪ ،‬وأبقــى‬
‫لعائشــة قرامــا كان عليهــا تصاويــر كان يتكــئ عليهــا وجعلهــا موطئهــا‪ ،‬ومســح اخللفــاء‬
‫بصــور كثــرة علــى جــدران القصــور وعلــى النقــود واألســلحة واخليــام‪.‬‬

‫بــل إن الصــور الفسيفســائية املرســومة علــى جــدران اجلامــع األمــوي يف دمشــق ال‬
‫تســبب حتــى اليــوم احتجاج ـاً واهتام ـاً‪ ،‬مــع أهنــا تصاويــر للطبيعــة الــي خلقهــا اهلل‪،‬‬
‫وليــس مبقــدور اإلنســان أن يدّعــي مبقدرتــه علــى مضاهــاة اهلل يف خلقــه‪ ،‬إنّ هــذا‬
‫يقودنــا إىل تأكيــد القــول حبريــة الفنــان املســلم‪ ،‬فــإذا ســار يف تأويــل النبــات والرمــوز‪،‬‬
‫فــأنّ العقيــدة اإلســامية الــي آمنــت بإلــه ال حــدود لــه وال شــبيه لــه‪ ،‬كانــت اخللفيــة‬
‫األساســية لتكويــن فــن يقــوم علــى تصويــر املطلــق‪ ،‬وعلــى خلــق آيــات الفــن احملــض‬
‫القائــم علــى رؤيــة خاصــة لطبيعــة واملخلوقــات‪ ،‬وهنــا يلتقــي الفــن اإلســامي مــع‬
‫أســاليب الفــن احلديــث يف العــامل‪ ،‬والــي تؤمــن باالســتقالل عــن الواقــع دون أن تعتــر‬
‫ذلــك قيــداً‪ ،‬بــل علــى العكــس‪ ،‬هــي تصــل بذلــك إىل أقصــى حــدود احلريــة اإلبداعيــة‪،‬‬
‫ثائــرة علــى واقــع الفــن القديــم الــذي كان ســائداً(‪.)1‬‬

‫فالفــن اإلســامي جبميــع فروعــه مــن أعظــم وأمجــل مظاهــر احلضــارة اإلســامية‬
‫شــأناً‪ ،‬ونتســاءل ملــاذا هــذا التقديــر كلــه؟ واإلجابــة عــن هــذا الســؤال تكمــن يف أن‬
‫الفــن اإلســامي يعتــر حبــق مــن أوســع الفنــون انتشــاراً‪ ،‬وأطوهلــا عمــراً مــع اســتثناء‬
‫الفــن الصيــي‪ ،‬كان مولــده يف القــرن الســابع امليــادي‪ ،‬عندمــا شــرع النــي ‪ ‬يف بنــاء‬
‫(‪ )1‬أثر اجلمالية اإلسالمية يف الفن احلديث ‪ -‬الدكتور عفيف البهنسي‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫مســجد املدينــة املنــورة حيــث أنشــأ منطـاً جديــداً يف الفــن املعمــاري‪ ،‬إذ اختــذ منوذجـاً‬
‫يف تصميــم املســاجد اإلســامية اجلامعــة فيمــا بعــد‪ ،‬وظــل ينمــو ويتطــور حتــى بلــغ‬
‫أوج عظمتــه يف القرنــن الســابع والثامــن اهلجريــن (الثالــث عشــر والرابــع عشــر‬
‫امليالديــن)‪ ،‬ثــم دب إليــه الضعــف والفقــر الفــي يف القــرن الثامــن عشــر امليــادي‬
‫وذلــك بعــد أن تأثــر الفنانــون الصنــاع يف العــامل اإلســامي مبنتجــات الفنــون الغربيــة‪،‬‬
‫فأقبلــوا علــى تقليدهــا(‪.)1‬‬

‫فمفهــوم الفــن مــن منطلــق إســامي‪ ،‬لألســف هــذا املوضــوع مبحتــواه‪ ،‬مل يكــن مطروحاً‬
‫فيمــا مضــى‪ ،‬بــل كان احلديــث عــن الفــن اإلســامي يتنــاول كل فــن علــى حــدى‪،‬‬
‫نظــراً لقلــة الباحثــن اإلســاميني يف هــذا املوضــوع‪ ،‬وأكثــر الذيــن كتبــوا عــن الفــن‬
‫واجلمــال‪ ،‬كانــت كتاباهتــم ترمجــات لكتــب غربيــة مل تتحــدث عــن الفــن اإلســامي‬
‫احلقيقــي‪ ،‬فالتــازم بــن الفــن واجلمــال ضروريـاً‪ ،‬فــا تصــور للفــن بــدون مجــال‪ ،‬وال‬
‫تصــور للجمــال بــدون فــن‪ ،‬فاجلمــال هــو الفــن قبــل أن يعــر عنــه‪ ،‬هــو الفــن بالقــوة‪،‬‬
‫والفــن هــو اجلمــال بعــد أن عــر عنــه بالفعــل كمــا يقــول املناطقــة يف الفلســفة‪ ،‬لــذا‬
‫هــذا التــازم هــو الــذي جعــل التداخــل بــن الفــن واجلمــال عــن طريــق اجملــاز حين ـاً‬
‫وعــن طريــق التجــاوز عــن الدقــة حين ـاً آخــر(‪ )2‬فالفــن اإلســامي ذو أبعــادٍ اجتماعيــة‬
‫ودينيــة وروحانيــة‪ ،‬يقــول معتــوق يف مقدمــة كتابــه‪« :‬ميــزة الفــن اإلســامي أنــه متكــن‬
‫مــن تذويــب االجتماعــي والفــردي يف الروحانــي والكلــي‪ ،‬حبيــث ال يصــح اعتبــاره فنـاً‬
‫تزيينيـاً‪ ،‬كمــا ذهــب إليــه البعــض‪ ،‬أو فنـاً هجينـاً أو مكبوحـاً‪ ،‬كمــا ذهــب إليــه البعــض‬
‫اآلخــر‪ ،‬بــل إنــه‪ ،‬وقبــل كل شــيء‪ ،‬جتربــة جوهريــة بــن املُبــدع‪ ،‬كعض ـ ٍو عــادي يف أي‬
‫جمتمــع‪ ،‬والعقيــدة اإلســامية الــي جتــذب إليهــا‪ ،‬باســتمرار‪ ،‬إبــداعَ املبــدع وعمــوم‬
‫النــاس(‪ ،)3‬وإنّ جمــال تلــك الفنــون هــو العــامل‪ ،‬ورســالتها أن تطبــع بإبداعاهتــا كل‬

‫(‪ )1‬املعــامل األثريــة يف البــاد العربية‪-‬اجلــزء األول طبــع جامعــة دولــة العربيــة ‪-‬اإلدارة الثقافيــة – القاهــرة ‪.1970‬‬
‫ج‪،1‬ص‪179‬ومــا بعدهــا‪.‬‬
‫(‪ )2‬أوفيسيا نيكوف‪ -‬تاريخ النظريات اجلمالية – ص‪.17‬‬
‫(‪( )3‬مــن سوســيولوجيا الفــن اإلســامي) الصــادر حديثـاً عــن اجمللــس الوطــي للثقافــة والفنــون واآلداب ‪ -‬الكويــت‪،‬‬
‫الباحــث األكادميــي فريديريــك معتوق‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫األشــياء املرئيــة فلذلــك جنــد أن مجاليتــه موحــدة يف مظهرهــا العــام ورســالتها أن‬
‫تطبــع العمائــر الدينيــة واملدنيــة وفنــون الكتــب واملنتجــات احلرفيــة‪ ،‬وتنتظــم بصفتهــا‬
‫مظهــراً مــن مظاهــر حيــاة املســلمني املاديــة والروحيــة حــول مفهــوم اهلل كمركــز‪ ،‬وجنــد‬
‫فيــه مفتــاح معانيهــا العميقــة فتتطابــق مركزيــة اهلل يف العــامل الروحــي مــع مركزيــة‬
‫الكعبــة الشــريفة علــى األرض‪ ،‬كمــا يتوســط املســجد املدينــة ويتوســط احملــراب جــدار‬
‫القبلــة‪ ،‬وتبــدو هــذه الدوائــر املرتكــزه‪ ،‬كمراحــل ماديــة وروحيــة يف حركة املؤمــن الدائبة‬
‫حنــو اهلل‪ ،‬وجنــد هــذا املعنــى احلركــي يف الطــواف الروحــي واجلســدي لألمــة حــول‬
‫الكعبــة‪ ،‬كمــا توحــي هبــا أيضـاً وحــدات الرقــش النباتيــة واألطبــاق النجميــة اهلندســية‬
‫الدائــرة حــول مراكزهــا(‪.)1‬‬

‫وللفــن خصائــص يتميــز عــن غــره مــن فنــون احلضــارات‪ ،‬فهــو فــن قائــم علــى أســاس‬
‫التوحيــد‪ ،‬فــا مــكان للوثنيــات واألســاطري‪ ،‬فهــو يقــدم صــورة كاملــة عــن اإلنســان‬
‫واحليــاة‪ ،‬ولعــل مــن أهــم مالمــح هــذا الفــن كراهيــة التصويــر والتجســيد‪ ،‬فيــم خيــص‬
‫الكائنــات احليــة‪ ،‬وهــو مبفهومــه يبتعــد عــن الفراغــات بــن الرســومات ولنقــوش‬
‫والزخــارف‪ ،‬بــل يعتمــد علــى التكــرار يف النمــط املرســوم‪ ،‬وخاصــة يف رســومات‬
‫الزخــارف (املســاجد – القصــور – القــاع)‪ ..‬إخل‪ ..‬لــذا جنــد أن اإلنتشــار الواســع‬
‫لرقعــة الفــن اإلســامي يف كل بقــاع العــامل العربــي اإلســامي‪ ،‬وكمــا تبــدي يف العمــارة‬
‫اإلســامية الضخمــة علــى عبقريــة اإلنســان العربــي ومســو روحــه وكليهمــا اســتمدا‬
‫مــن روح اإلســام(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬فلسفة الفن اإلسالمي – حممودي ذهبية‪.‬‬


‫(‪ )2‬د‪ .‬ث��روت عكاش��ة – القي��م اجلمالي��ة يف العم��ارة اإلس�لامية – ص‪ – 173 – 172‬عاــمل الفكرــ – اجمللــد‪– 15‬‬
‫العــدد‪ – 2‬الكويــت – عــام ‪.1984‬‬

‫‪67‬‬
‫خصائص الفن اإلسالمي‬

‫كان لدور اإلســام يف الفنون والذي بلغ فيه أوجه اجلمال يف شــرقي العامل اإلســامي‬
‫وغربــه‪ ،‬ودفعــت ابتــكارات املســلمني الــي أضفــت مجــاالً ورونقـاً ورشــاقة‪ ،‬والســيما يف‬
‫املغــرب واألندلــس حيــث التحــف واآلثــار الفنيــة(‪ ،)1‬والفــن مبزيــة أســلوبه يف التعبــر‪،‬‬
‫وكذلــك مبضمونــه اجلمــايل‪ ،‬وطريقتــه باإلحيــاء واألفــكار‪ ،‬ال باخلامــات الــي يســتغلها‪،‬‬
‫والــي تعــد يف الغالــب لونـاً مــن املصادفــة اجلغرافيــة‪ ،‬وهــو يشــكل وحــدة فنيــة طبعــت‬
‫نتيجــة النتاجــات الفنيــة عنــد املســلمني مجيعهــا‪ ،‬بطابعهــا‪ ،‬وتقــوم تلــك الفنــون علــى‬
‫ممارســة التأثــر األخالقــي واإلنســاني علــى ملتقــى تلــك الفنــون(‪.)2‬‬

‫ـامي وفنــه خصائــص تُم ِّي ـزُهُ عــن غــره مــن فنــو ِن احلضــارات‪ ،‬فهــو ف ـ ّنُ‬
‫وللفـ ِّـن اإلسـ ِّ‬
‫قائِ ـمٌ علــى أسـ ِ‬
‫ـاس التَّوحي ـدِ‪ ،‬فــا مــكانَ فيــه للوثن ّيَــاتِ واألســاطري‪ ،‬كمــا يُق ـ ّدِمُ صــورةً‬
‫مُتكامِل َـ ًة عــن اإلنســان واحليــاة‪ ،‬ولعـ َّل بأ ّنَـهُ مــن الكمال ّيَــات فهــو ليس من فرائــض ال ّدِين‬
‫ر فيــه وال حــرج بــل لــه أمهي ـ ٌة وضــرورةٌ يف جتســيدِ معــا ٍن كثــرة‬
‫وأركانــه لك ّنَــه ال ض ـ َ‬
‫يف حيــاة املســلم(‪ ،)3‬ونالحــظ أنــه حــدث جــدال بــن العلمــاء حــول كراهيــة التصويــر‬
‫يف اإلســام‪ ،‬إذ يــرى البعــض أن هــذه الكراهيــة موجــودة فقــط عنــد فقهــاء الديــن(‪،)4‬‬
‫ومــن أمجــل املالحظــاتِ علــى مُخرجــات الفـ ِّـن اإلســامي هــي بُ ْغضــه للفراغــات بــن‬
‫ـوش والزخــارف بــل يَعم ـدُ إىل تكــرار النّمــط املرســوم مــع بُعــده ُك َّل‬
‫الرســومات وال ّنُقـ ِ‬
‫البُع ـدِ عــن الــروز والنتــوءات مُحافظ ـاً علــى تن ـ ّوُع املــادة املرســوم عليهــا مــن أخشــابٍ‬
‫ـيج ومعــادنَ وخَ ـزَف‪ ،‬ومــن املُهــم ذِك ـرُهُ أ َّن اهلــدف مــن وراء هــذا الفـ ِّـن هــو هــدفٌ‬ ‫ونسـ ٍ‬
‫َّ‬
‫كالفخــا ِر و ال ّ‬
‫صُحــون وال ّسِــا ِح‬ ‫نفعـيٌ بال ّدَرجـةِ األوىل؛ إذ أ ّنـهُ جيعـ ُل مــن التُّحفــة املُزّ ّيَنـةِ‬
‫تُحفـ ًة ذات بُعـدٍ مجــا ٍّ‬
‫يل باإلضافــة ملنفعتــه يف االســتخدام اليومــي‪ ،‬فــا يوضــع يف زاويــة‬
‫(‪ )1‬الفــن يف إســبانيا – ترمجــة عبــد العزيــز ســامل ولطفــي عبــد البديــع – طبعــة دار الكتــاب العربــي القاهــرة‬
‫‪ – 1968‬ص‪.16‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬إمساعيــل الفــروق – نظريــة الفــن اإلســامي – ص‪– 151-150‬املســلم املعاصــر – العــدد‪ – 25‬الكويــت –‬
‫عــام ‪.1981‬‬
‫(‪ )3‬موضوع أكرب موقع عربي يف العامل – خصائص الفن اإلسالمي وعناصره‪ -‬بواسطة‪ :‬زينة قابوق‪.‬‬
‫(‪ )4‬فن التصوير عند العرب – ص‪.12‬‬

‫‪68‬‬
‫ا نــادراً مــع اخلامــات‬
‫املنــزل جلمــال املظهــر وحســب‪ ،‬كمــا ابتكــر الفــن اإلســامي تعامـ ً‬
‫اجلميلــة كاجللــود والــورق وإخراجهــا ِبحِرَفِ ّيَـةٍ عاليــة(‪.)1‬‬

‫وبعــد أن عرفنــا األصــول الفنيــة والعناصــر الزخرفية اليت اســتمد منها الفن اإلســامي‬
‫مقوماتــه املاديــة حيــث تبــن لنــا جبــاء أن دور اإلســام يف الفنــون الــي صادفهــا كان‬
‫دور توليــف بينهــا ومــزج‪ ،‬وتكــون مــن ذلــك التوليــف واملــزج فــن كبــر عــام اختلطــت‬
‫فيــه األصــول‪ ،‬وتداخلــت حبكــم هجــرة أصحــاب املهــارات الفنيــة(‪ ،)2‬مــن مــكان داخــل‬
‫العــامل اإلســامي الكبــر يــؤدون بفنهــم واجبهــم اإلســامي العــام بإقامــة املســاجد أو‬
‫بنــاء احلصــون والقــاع أو بصناعــة األثــاث اخلشــي‪ ،‬وأدوات االســتعمال اليومــي‪،‬‬
‫وزخرفــة الــدور والقصــور مبــا يرضــي األذواق اإلســامية وحيقــق رفاهيــة األقــوام دون‬
‫إســراف أو مبالغــة ال تتماشــى وعقيــدة اإلســام‪ ،‬وقــد بلــغ الفــن اإلســامي الــذروة مــن‬
‫اجلمــال يف شــرقي العــامل وغربيــه علــى حــد ســواء‪ ،‬أخــرج للعــامل فن ـاً بديع ـاً بــرزت‬
‫فيــه خصائــص جديــدة مجيعهــا مــن ابتــكارات املســلمني‪ ،‬أضفــت عليــه مجــاالً ورقــة‬
‫ورشــاقة‪ ،‬الســيما يف املغــرب واألندلــس حيــث يالحــظ ذلــك‪ ،‬فيمــا تبقــى مــن آثــار‬
‫وحتــف فنيــة‪ ،‬وقــد أكــد هــذه الظاهــرة‪،‬‬
‫ظاهــرة التعبــرات الفنيــة يف الفــن املغربــي‬
‫األندلســي الســيد هنــري تــراس(‪ ،)3‬نق ـاً‬
‫عــن األســتاذ جــورج مارســية حيــث يقــول‬
‫مــا نصــه‪( :‬إن الفنانــن املســلمني يف‬
‫األندلــس قــد أعطــوا تعابــر فنيــة واضحــة‬
‫وجذابــة تــدل علــى مهــارة ونبــوغ الفــن‬
‫اإلســباني)‪ ،‬وأوضــح مثــال علــى روعــة‬
‫الفــن األندلســي املســجد اجلامــع بقرطبــة‪،‬‬
‫‪6‬‬ ‫الشكل‬ ‫أنظــر الشــكل (‪ )6‬الــذي يعتــر بفضــل‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي يف العامل –مرجع سبق ذكره‪.‬‬


‫(‪ )2‬زكي حممد حسن‪ -‬الفنون اإليرانية يف العصر اإلسالمي – ص‪.15‬‬
‫(‪ )3‬انظر‪Marcais (G):L Art Musulaman d Espgne – Hesperis Fax ii t xxiii 1936 p 5 :‬‬

‫‪69‬‬
‫قيمتــه الذاتيــة املســجد الوحيــد املؤســس يف إســبانيا مــن وحــي الــروح املبدعــة املتفقــة‬
‫مــع الطبيعــة‪ ،‬فللتاريــخ والفــن أن يســعدا بــه‪ ،‬إذ لــو كان قــد دُمــر ألحــدث فراغ ـاً‪ ،‬ال‬
‫ســبيل إىل إغالقــه‪ ،‬فقــد احتــل بــن اآلثــار اإلســبانية املــكان الســامي‪ ،‬فهــو يصــور‬
‫عصــور االزدهــار اإلســباني الــي ظــل ينطلــق إشــعاعها مــن األراضــي اإلســامية‪ ،‬ومــع‬
‫ذلــك فــإن النهــي عــن التماثيــل‪ ،‬أي متثيــل الكائنــات احليــة بالتصويــر أو النحــت مل‬
‫يكــن يراعــى بــن ســائر األمــم اإلســامية‪ ،‬فقــد جتاوزهتــا األمــم اإلســامية الغــر‬
‫الســامية‪ ،‬الســيما تلــك الــي كان هلــا تــراث فــي‪ ،‬هلــذا عــرف فــن التصويــر‪ ،‬وتوضيــح‬
‫املخططــات بالصــور ازدهــاراً كبــراً يف إيــران واهلنــد وتركيــا‪ ،‬وهلــذا الســبب ميكــن تعليل‬
‫وجــود صــور املخلوقــات احليــة اآلدميــة واحليوانيــة يف اخلــزف اإلســامي يف إيــران‬
‫ويف بعــض منتجــات الفــن الفاطمــي‪ ،‬ومــن هنــا حــدث جــدل بــن العلمــاء حــول فكــرة‬
‫كراهيــة التصويــر كانــت عنــد فقهــاء الديــن مــن خمتلــف املذاهــب علــى حــد ســواء‪،‬‬
‫وليــس صحيحـاً مــا يزعمــه البعــض مــن أن أحدهــم ال يعــرف هبــذا التحريــم‪ ،‬والواقــع‬
‫أن هنــاك بعــض األحاديــث حتــرم التصويــر(‪ ،)1‬وهــو نفســه حكــم أهــل الســنة يف كراهيــة‬
‫التصويــر والتماثيــل ثــم أن املذهــب الشــيعي مل يصبــح املذهــب الرمســي يف إيــران قبــل‬
‫قيــام الدولــة الصفويــة يف بدايــة القــرن الســادس عشــر امليــادي(‪ ،)2‬ولكــن حتريــم‬
‫اإلســام مل يقــض علــى هــذا الفــن متامـاً ونظــرة إىل تاريــخ الفنــون اإلســامية‪ ،‬تبــن‬
‫بــأن الفنانــن كانــوا يف كثــر مــن األحيــان ال يكرتثــون هبــذا التحريــم كذلــك جنــد اهلنــود‬
‫واألتــراك(‪ ،)3‬وهــم مــن الســنني ميارســون فــن التصويــر والتحــف املعدنيــة واخلزفيــة‬
‫املزخرفــة بأشــكال آدميــة وكراهيــة تقليــد الصــور الشــخصية الــي كان هلــا تأثــر عميــق‬
‫يف طبيعــة الفــن اإلســامي وميكــن تلخيــص هــذا يف النقــاط التاليــة‪:‬‬

‫‪ -1‬صــرف الفنانــن إىل إتقــان أنــواع مــن الزخــارف بعيــدة عــن تصويــر الطبيعــة‪،‬‬
‫فقــد أفلحــوا يف هــذا اجملــال حتــى أصبحــت العناصــر الزخرفيــة الــي ابتكروهــا‬
‫طابعـاً علــى فنهــم ونســبت إليهــم كمــا يف لفــظ (‪.)larabesque‬‬
‫(‪ Arnold (Th.): Painting in Islam , Oxford 1928, p 11 )1‬اتنجنهــاوزن‪ :‬فــن التصويــر عنــد العــرب‪ ،‬ص ‪ 12‬ومــا‬
‫بعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬حممد حسن‪ :‬الفنون اإليرانية يف العصر اإلسالمي ‪ ,‬ص‪.76-75 :‬‬
‫(‪ )3‬مثــا‪ :‬فالشــعب اإليرانــي ميــال للفــن بفطرتــه ولــه إحســاس باجلمــال أعمــق وأقــوى مــن أن يســتطيع إطفــاء‬
‫جذوتــه أي عامــل خارجــي – الفنــون اإليرانيــة – ص‪.76‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ -2‬روعــة يف زخرفــة املســاجد وأثاثهــا واملصاحــف واســتبعاًد الكائنــات احليــة‬
‫فخلــت مــن الصــور والتماثيــل الــي يســتعان هبــا علــى شــرح العقيــدة وتوضيــح‬
‫تاريــخ الديــن‪ ،‬وحيــاة أبطالــه كمــا هــو موجــود يف الديــن املســيحي‪.‬‬

‫‪ -3‬أن الفنــون ال تظهــر فيهــا عبقريــة النحــات ذلــك ألن التماثيــل اجملســمة ال‬
‫وجــود هلــا يف الفــن اإلســامي األمــر الــذي جعــل الفنانــن ينصرفــون إىل زخرفــة‬
‫العمائــر وتزيــن التحــف بالرســوم الفنيــة البديعــة‪.‬‬

‫‪ -4‬صناعــة التصويــر الــي ازدهــرت عنــد اإليرانيــن واهلنــود واألتــراك املســلمني‬


‫مل تتعــرض للموضوعــات الدينيــة‪ ،‬إال نــادراً حيــث جنــد بعــض املصوريــن الذيــن‬
‫رمســوا صــوراً للعديــد مــن األحــداث املشــهورة يف تاريــخ الرســل‪ ،‬باإلضافــة إىل‬
‫وجــود صــور توضيحيــة لبعــض احلــوادث يف الســرة النبويــة الشــريفة‪ ،‬ولكــن‬
‫أمثــال هــذه التصاويــر كانــت نــادرة‪ ،‬عــاوة علــى أهنــا مل تنــل رضــى علمــاء الديــن‪،‬‬
‫وهنــا يتجلــى لنــا الفــرق بــن الفنــون اإلســامية والفنــون الغربيــة‪ ،‬فقــد كان‬
‫املصــورون يف الغــرب علــى صلــة وثيقــة بالكنيســة‪ ،‬يســتلهموهنا مبوضوعاهتــم‪،‬‬
‫ويســتمدون منهــا تشــجيعاهتم لذلــك غلــب علــى إنتاجهــم الطابــع الديــي إىل‬
‫وقــت غــر حمــدد‪ ،‬يف حــن كان املصــورون يف اإلســام منبوذيــن مــن طــرف‬
‫علمــاء الديــن‪ ،‬ال مينحوهــم أي تعضيــد أو تشــجيع‪.‬‬

‫‪ -5‬علــت منزلــة اخلطاطــن يف اإلســام لعنايتهــم بكتابــة القــرآن الكريــم‪ ،‬ألن‬


‫فنهــم مل يكــن مكروه ـاً مــن طــرف علمــاء الديــن ويليهــم املذهبــون مــن حيــث‬
‫األمهيــة‪ ،‬الذيــن زينــوا برســومهم اجلميلــة اهلندســية والنباتيــة‪ ،‬صفحــات‬
‫املخطوطــات‪ ،‬وزاد اإلقبــال علــى منتجــات هــؤالء الفنانــن‪ ،‬حتــى أولئــك الذيــن مل‬
‫يتمكنــوا مــن شــراء املخطــوط‪ ،‬يقنعــون باحلصــول علــى منــوذج خلطــاط مشــهور‪،‬‬
‫وارتفعــت أمثاهنــا وكانــت يف الغالــب آيــات مــن الذكــر احلكيــم أو أبيــات مــن‬
‫الشــعر‪ ،‬وراح األمــراء واألثريــاء يقتنــون اجملموعــات الفاخــرة الــي كان علــى‬
‫أغلــب هــذه النمــاذج توقيعــات اخلطاطــن‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ -6‬معظــم الفنانــن املســلمني مل تكــن لديهــم مهــارة يف الرســوم احليوانيــة‬
‫واآلدميــة‪ ،‬ومل جيهــد الفنــان نفســه يف صــدق متثيــل الطبيعــة‪ ،‬بــل كانــت لديــه‬
‫أســاليب اصطالحيــة ظلــت باقيــة يف أزهــى عصــور الفــن اإلســامي‪ ،‬إذ نــادراً‬
‫مــا جنــد العنايــة جبســم اإلنســان ونســب األعضــاء وقــوة التعبــر يف الوجــوه لتــدل‬
‫علــى األحاســيس املختلفــة‪ ،‬وإن وجــدت علــى يــدي قليــل مــن العظمــاء املصوريــن‬
‫الذيــن نبغــوا يف إيــران‪ ،‬كذلــك الرســوم العاريــة غــر معروفــة يف التصويــر‬
‫اإلســامي وقوانــن املنظــور مهملــة متامـاً‪ ،‬لذلــك تبــدو الصــور الفارســية مهملــة‬
‫لتشــاهبها وإشــراك املصوريــن يف إمهــال الظــل والضــوء‪ ،‬ورســم األشــخاص يف‬
‫أوضــاع معينــة تفقــد الــروح واحلركــة ودقــة التعبــر‪ ،‬ورغــم ذلــك فلهــا ســحرها‬
‫ومجاهلــا‪ ،‬وهكــذا ميكــن القــول بــأن الفنــان املســلم مل يصــور اإلنســان واحليــوان‪،‬‬
‫بــل اختــذ منهــا موضوعــات زخرفيــة حبتــه‪.‬‬

‫‪ -7‬مــن أبــرز خصائــص الفــن اإلســامي كراهيــة الفــراغ تعــرف هــذه الظاهــرة‬
‫عنــد الغربيــن بالفــزع مــن الفــراغ‪ ،‬يعــي أي أن الفنــان املســلم كان يكــره أن‬
‫يــرك مســاحات دون تغطيتهــا بالزخــارف وازدحــام املســاحات (املســطحات)‬
‫بالزخــارف‪ ،‬ونشــاهده يف العمائــر والتحــف‪ ،‬وهــذا االجتــاه أدى علــى أيــة حــال‪،‬‬
‫إىل تكــرار الوحــدة الزخرفيــة وتكــرار املوضــوع الزخــريف‪ ،‬وتبــدو هــذه الظاهــرة‬
‫واضحــة يف املخطوطــات ويف ســائر التحــف اإلســامية‪.‬‬

‫‪ -8‬الزخــارف املســطحة‪ :‬الغالــب علــى الزخــارف اإلســامية التســطيح‪ ،‬ومــرد‬


‫ذلــك إىل انصــراف الفنانــن املســلمني عــن التجســيم إىل تغطيــة املســاحات‬
‫برســوم ســطحية‪ ،‬ولكــن التلويــن والتذهيــب قــد خففــا مــن هــذا النقــص‪.‬‬

‫‪ -9‬البعــد عــن الطبيعــة يعــي ذلــك أن عناصــر الزخرفــة يف الفــن اإلســامي‬


‫مســتوحاة مــن اخليــال بســبب الكراهيــة يف التصويــر‪ ،‬وأدى ذلــك إىل االهتمــام‬
‫باحليوانــات اخلرافيــة ليتجنــب الفنــان رســم احليوانــات الطبيعيــة وتنطبــق هــذه‬
‫الظاهــرة علــى الزخــارف النباتيــة املشــتقة مــن الزهــرة وغريهــا‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫‪ -10‬الرســوم التوضيحيــة اهتــم الفنانــون املســلمون والســيما اإليرانيــون واهلنــود‬
‫واألتــراك بتوضيــح بعــض الكتــب األدبيــة وتزيــن دواويــن الشــعر باملنمنمــات(‪،)1‬‬
‫ويرجــع أقــدم مــا وصــل إلينــا مــن خمطوطــات موضحــة بالصــور إىل القــرن‬
‫الثانــي عشــر امليــادي(‪ ،)2‬ومعظــم هــذه الصــور توضيحــات لقصــص أبــي زيــد‬
‫الســروجي يف خمطــوط مــن كتــاب مقامــات احلريــري وكليلــة ودمنــة وكتــاب‬
‫األغانــي واملخطوطــات العلميــة والكتــب التارخييــة‪ ،‬وصفــوة القــول أن توضيــح‬
‫املخططــات بالصــور وحتليلهــا بالرســوم امللونــة‪ ،‬كان يف املرتبــة الثانيــة بالنســبة‬
‫إىل كتابتهــا باخلــط اجلميــل(‪.)3‬‬

‫‪ -11‬الكتابــة العربيــة عنصــر زخــريف‪ :‬اســتعمل الفنــان املســلم احلــروف العربيــة‪،‬‬


‫ســواء أكانــت كوفيــة أم نســخية‪ ،‬كعناصــر زخرفيــة رئيســية‪ ،‬وتعتــر كذلــك مــن‬
‫أبــرز اخلصائــص املميــزة ألي عمــل فــي إســامي‪ ،‬كمــا تبــدو هــذه الظاهــرة‬
‫الزخرفيــة واضحــة يف العمائــر اإلســامية وســائر التحــف‪ ،‬وتأثــرت الوحــدات‬
‫الزخرفيــة اإلســامية بأشــكال الكتابــة العربيــة‪ ،‬وأنــه لتمتــزج أحيان ـاً حروفهــا‬
‫بوحــدات أخــرى مــن نباتيــة وهندســية وحيوانيــة‪ ،‬حتــى يصعب يف بعــض األحيان‬
‫التمييــز بينهــا‪.‬‬

‫‪ -12‬الفــن اإلســامي فــن مجاعــي‪ :‬معنــى ذلــك أن الفنــان املســلم مل يتبنى طريقة‬
‫خاصــة أو أســلوباً معين ـاً ملــا مييــزه وإمنــا كان يف أغلــب األحيــان يتبــع الطــرق‬
‫املطروقــة ويســر علــى األســاليب الفنيــة املوروثــة‪ ،‬أي أنــه مل يبتكــر جديــداً يف‬
‫هــذا اجملــال وهــذه الصفــة الــي تفتقــر إليهــا الفنــون الغربيــة‪ ،‬والــي ينــادي‬
‫بعــض نقــاد الغــرب بإتباعهــا‪ ،‬وقــد كتــب عنهــا أحــد مفكريهــم(‪« ،)4‬أوســكار وايلــد»‬
‫قائـاً‪« :‬أن املثــل األعلــى للفــن هــو أن يظهــر الفــن وخيتفــي الفنــان» وهــذه العبــارة‬
‫(‪ )1‬املنمنمات‪ :‬تعين التصوير التصغريي (الصور الصغرية) يف املخطوطات اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مزيــد مــن التفاصيــل حــول هــذا املوضــوع راجــع‪ :‬املخطوطــات املرســومة يف العصــر العباســي‪-‬للدكتور خالــد‬
‫اجلــادر‪ _ .‬أيتنجنهــاوزن‪ :‬فــن التصويــر عنــد العــرب‪.‬‬
‫(‪ )3‬زكي حممد حسن‪ :‬الفنون اإليرانية ص ‪.67‬‬
‫(‪ )4‬أمحد أمحد يوسف‪ :‬اخلط العربي وأساليبه يف احلياة العامة – حلقة حبث اخلط العربي – ص ‪.86‬‬

‫‪73‬‬
‫هلــا وزهنــا ممــا ال شــك فيــه‪ ،‬أن املعماريــن واملصوريــن واخلطاطــن والفنانــن‬
‫علــى اختــاف درجاهتــم يف العصــور اإلســامية‪ ،‬قــد أنتجــوا حتفـاً فنيــة مجيلــة‬
‫بــدون أن يدعوهــا شــيئاً مــن خصائــص حياهتــم الــي تالشــت يف ســبيل الغــرض‬
‫األمســى مــن أجــل صــاحل اجملمــوع(‪ ،)1‬متحدثــن إىل شــعوهبم عــن طريــق الفــن‬
‫بلغــة اجلماعــة ال األفــراد‪.‬‬

‫‪ -13‬الفــن اإلســامي بعيــد عــن العاطفــة‪ :‬ألن الفنــان املســلم مل يهتــم بتصويــر‬
‫املشــاعر اإلنســانية‪ ،‬لذلــك ال جنــد يف مناجاتــه مــا يثــر الشــعور أو يبعــث علــى‬
‫تأثــر العميــق خبــاف مــا نــراه يف التصويــر األوربــي ال ســيما يف اللوحــات الــي‬
‫توضــح التضحيــات البشــرية وغريهــا مــن املوضوعــات األخــرى وصفــوة القــول‬
‫بــأن الــذي جعــل الفنــان يفعــل ذلــك هــو البعــد عــن متثيــل الطبيعــة‪.‬‬

‫‪ -14‬الفــن اإلســامي ذو طابــع ملكــي‪ :‬صحيــح كان األمــراء واحلــكام واملســلمون‬


‫ينقلــون مــن بعــض أحنــاء العــامل اإلســامي إىل أحنــاء أخــرى(‪ ،)2‬ويســتدعون‬
‫إىل مقــر حكمهــم بعــض مــن متتــد شــهرهتم مــن الفنانــن الناشــئني يف ســائر‬
‫األقاليــم اإلســامية‪ ،‬وكان هلــذا أكــر األثــر يف تكيــف الطــرز املختلفــة يف الفنــون‬
‫اإلســامية‪ ،‬ولكــن هنــاك مــن يــرى أن الفــن اإلســامي هــو فــن ملكــي بالدرجــة‬
‫األوىل(‪ ،)3‬فاألمــر هــو الــذي يرعــى الفــن ويعضــد الفنانــن‪ ،‬إال يف حــاالت‬
‫نادرة‪،‬فالفنــان كان ينفــذ مــا يطلــب منــه ســواء أكان من هذا الطلب أساســه الدين‬
‫أو احلــب أو العظمــة أو األهبــة‪ ،‬إذا كان يعمــل حســب رغبــة امللــك أو الســلطان‬
‫الــذي يعيــش يف كنفــه‪ ،‬وقــد تثــار هنــا نقطــة‪ ،‬وهــي أن الفــن اإلســامي هــو فــن‬
‫ارســتقراطي يســخر الفنــان خلدمــة األمــراء‪ ،‬ولكــن ميكــن الــرد علــى ذلــك بــأن‬
‫هــؤالء األمــراء قــد مشلــوا الفنانــن بعنايتهــم وعطفهــم لتجميــل مبانيهــم ومــلء‬
‫قصورهــم بالتحــف النــادرة‪.‬‬
‫(‪ )1‬أمحد أمحد يوسف‪ :‬نفس املرجع السابق‪ ،‬ص‬
‫‪.87‬‬
‫(‪ )2‬زكي حممد حسن‪ :‬الفنون اإليرانية‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫(‪ )3‬عن هذا املوضوع‪ ،‬انظر ‪Marcais (G): L Art Musulaman, Paris 1962 ,pp 10-11‬‬

‫‪74‬‬
‫‪ -15‬فــن ابتــكاري‪ :‬مل تكــن العقيــدة اإلســامية متيــل إىل اإلســراف يف الــرف‪،‬‬
‫وتــدل علــى ذلــك حيــاة اخللفــاء الراشــدين وكان ذلــك يف فجــر اإلســام‪ ،‬ومــع‬
‫ازدهــار احلضــارة العربيــة اإلســامية‪ ،‬والثــراء الــذي عرفــه اخللفــاء يف العصــور‬
‫التاليــة لفجــر اإلســامي‪ ،‬كان عليهــا أن حتقــق شــخصيتها‪ ،‬وأن يســتمتع النــاس‬
‫بــأدوات احليــاة مــن مالبــس وأشــياء فاخــرة تتناســب مــع الثــراء الكبــر الــذي‬
‫كانــوا ينعمــون بــه‪ ،‬ومــن هنــا نشــأت فنــون ابتكاريــة رائعــة‪ ،‬جتســد املبــادئ الــي‬
‫ينطــوي عليهــا الديــن اإلســامي‪ ،‬وحتقــق الثــراء الــذي يعيــش فيــه اخللفــاء‬
‫واألمــراء‪ ،‬فابتكــر الفنــان املســلم اخلــزف ذي الربيــق املعدنــي‪ ،‬كبديــل صــاحل عــن‬
‫اســتعمال األوانــي الذهبيــة والفضيــة‪ ،‬وينطبــق ذلــك علــى العمائــر اإلســامية‪،‬‬
‫إذ جنــد مث ـاً احملــراب حمــور األمهيــة يف املســجد‪ ،‬وكان مــن املمكــن أن يصنــع‬
‫مــن الذهــب ولكننــا نالحــظ أن احملاريــب قــد صنعــت مــن اخلشــب أو اجلــص‪،‬‬
‫واســتطاع الفنــان أن يضفــي عليهــا مســحة مجاليــة ختفــف مــن هــذه اخلامــات‬
‫الرخيصــة بالزخــارف الدقيقــة واأللــوان اجلميلــة‪ ،‬وصــدق بودلــر عندمــا وصــف‬
‫الفــن العربــي اإلســامي بقولــه‪« :‬أن رســوم الرقــش العربــي هــي أمســى الفنــون‬
‫كلهــا»(‪ ،)1‬وخالصــة القــول الــي خنتــم هبــا هــذا املوضــوع‪ ،‬هــي أن دراســة الفنــون‬
‫اإلســامية يف خمتلــف مراحلهــا الزمنيــة وتطــور أســاليبها الزخرفيــة‪ ،‬وطرزهــا‬
‫املختلفــة دراســة شــيقة تذكــر بعظمــة احلضــارة اإلســامية ومهــارة املســلمني‬
‫يف هــذا اجملــال‪ ،‬وتشــر إىل مــاض جميــد مــا تــزال آثــاره باقيــة حتــى اليــوم يف‬
‫الرقعــة اإلســامية الواســعة املمتــدة مــن الصــن شــرقاً‪ ،‬إىل األندلــس غربــاً‪،‬‬
‫شــاهدة علــى مــا بلغــه اإلســام مــن ازدهــار حضــاري وفــن ســيظل يبهــر األجيــال‬
‫تلــو األجيــال‪.‬‬

‫وجتــد هــذا الفــن يقــوم علــى أســاس مــن عقيــدة التوحيــد‪ ،‬وعلــى تصــور شــامل‬
‫لإلنســان والكــون واحليــاة‪ ،‬ولــذا فــا جمــال فيــه للباطــل مــن الوثنيــات واخلرافــات‬
‫واألوهــام واألســاطري‪ ،‬فميــدان الفــن اإلســامي هــو جمــال «التحســينات» وهــو يأتــي‬
‫(‪ )1‬ملزيد من الدراسة راجع ‪.Nadj Moudin Bammater , Aspects de I Art Musulaman 1946 p 12‬‬

‫‪75‬‬
‫بعــد «الضروريــات» وبعــد «احلاجيــات»‪ ،‬وهــذا التحديــد ملكانــة الفــن ضــروري ومهــم‬
‫حتــى توضــع األمــور يف نصاهبــا‪ ،‬وحتــى ال حيصــل خلــل يف التصــور‪ ،‬وإن وظيفــة الفــن‬
‫هــي صنــع «اجلمــال» وحــن يبتعــد الفــن عــن أداء هــذه الوظيفــة‪ ،‬فإنــه حينئــذ ال يســمى‬
‫«فنـاً» ‪-‬ذلــك أنــه ختلــى عــن عملــه األصيــل‪ -‬وقــد نســميه «مهــارة» أو «دقــة»(‪ ،)1‬فللفـ ِّـن‬
‫ـامي خصائــص تُم ِّي ـزُهُ عــن غــره مــن فنــو ِن احلضــارات‪ ،‬فهــو ف ـنٌّ قائِ ـمٌ علــى‬
‫اإلسـ ِّ‬
‫أسـ ِ‬
‫ـاس التَّوحيـدِ‪ ،‬فــا مــكانَ فيــه للوثن ّيَــاتِ واألســاطري‪ ،‬ومــن أمجــل املالحظــاتِ علــى‬
‫ضـهُ للفراغــات بني الرســومات وال ّنُقـ ِ‬
‫ـوش والزخارف‬ ‫مُخرجــات الفـ ِّـن اإلســامي هــي بُ ْغ ُ‬
‫بــل يَعمـدُ إىل تكــرار النّمــط املرســوم مــع بُعــده ُك َّل البُعـدِ عــن الــروز والنتــوءات مُحافظـاً‬
‫ـيج ومعــادنَ وخَ ـزَف‪ ،‬ومــن املُهــم‬ ‫علــى تن ـ ّوُع املــادة املرســوم عليهــا مــن أخشــابٍ ونسـ ٍ‬
‫ذِك ـرُهُ أ َّن اهلــدف مــن وراء هــذا الفـ ِّـن هــو هــدفٌ نفع ـيٌ بال ّدَرج ـةِ األوىل؛ إذ أ ّنَـهُ جيع ـ ُل‬
‫صُحــون وال ّسِــا ِح تُحف ـ ًة ذات بُع ـدٍ مجــا ٍّ‬
‫يل باإلضافــة‬ ‫َّ‬
‫كالفخــا ِر وال ّ‬ ‫مــن التُّحفــة املُزّ ّيَن ـةِ‬
‫ملنفعتــه يف االســتخدام اليومــي‪ ،‬فــا يوضــع يف زاويــة املنــزل جلمــال املظهــر وحســب‪،‬‬
‫كمــا ابتكــر الفــن اإلســامي تعامــاً نــادراً مــع اخلامــات اجلميلــة كاجللــود والــورق‬
‫وإخراجهــا ِب ِ‬
‫حرَفِ ّيَ ـةٍ عاليــة(‪.)2‬‬

‫فنــرى حالــة الفــن اإلســامي مباضيــه وحاضــره‪ ،‬وخصائصــه العامــة مــن خــال‬
‫النواحــي الفنيــة اجلميلــة‪ ،‬واملتســمة يف مظاهــر احليــاة االجتماعيــة آنئــذ‪ ،‬ومــن خــال‬
‫األبنيــة والقصــور واملســاجد واألبنيــة املعماريــة الــي تأثــرت بتلــك الفنــون والتزيينــات‬
‫البديعــة واملتنوعــة‪ ،‬مــن زخــارف ونقــوش وحنــوت وديكــورات‪ ..‬إخل‪ ..‬وقــد نالحــظ أنــه‬
‫مــن خــال األصــول الفنيــة والعناصــر الزخرفيــة‪ ،‬الــي اســتمد منهــا الفــن اإلســامي‬
‫مقوماتــه املاديــة حيــث تبــن لنــا جبــاء أن دور اإلســام يف الفنــون الــي صادفهــا كان‬
‫دور توليــف بينهــا ومــزج‪ ،‬وتكــون مــن ذلــك التوليــف واملــزج فــن كبــر عــام اختلطــت‬
‫فيــه األصــول وتداخلــت حبكــم هجــرة أصحــاب املهــارات الفنيــة مــن مــكان داخــل‬
‫العــامل اإلســامي الكبــر يــؤدون بفنهــم واجبهــم اإلســامي العــام بإقامــة املســاجد‬
‫(‪ )1‬خصائص الفن اإلسالمي‪.‬أ‪.‬صاحل أمحد الشامي‪.‬‬
‫(‪ )2‬خصائص الفن اإلسالمي وعناصره –زينة قابوق– من موقع الكرتوني (موضوع )‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫أو بنــاء احلصــون والقــاع أو بصناعــة األثــاث اخلشــي وأدوات اإلســتعمال اليومــي‪،‬‬
‫وزخرفــة الــدور والقصــور مبــا يرضــي األذواق اإلســامية وحيقــق رفاهيــة األقــوام دون‬
‫إســراف أو مبالغــة التتماشــى وعقيــدة اإلســام‪ ،‬وقــد بلــغ الفــن اإلســامي الــذروة مــن‬
‫اجلمــال يف شــرقي العــامل وغربيــه علــى حــد ســواء وأخــرج للعــامل فن ـاً بديع ـاً بــرزت‬
‫فيــه خصائــص جديــدة مجيعهــا مــن ابتــكارات املســلمني‪ ،‬أضفــت عليــه مجــاالً ورقــة‬
‫ورشــاقة الســيما يف املغــرب واألندلــس حيــث يالحــظ ذلــك يف مــا تبقــى مــن آثــار‬
‫وحتــف فنيــة‪ ،‬وقــد أكــد هــذه الظاهــرة أي ظاهــرة التعبــرات الفنيــة يف الفــن املغربــي‬
‫ا عــن األســتاذ «جــورج مارســية» حيــث يقــول مانصــه «إن‬
‫األندلســي «هنريتــراس» نقـ ً‬
‫الفنانــن املســلمني يف األندلــس قــد أعطــوا تعابــر فنيــة واضحــة وجذابــة تــدل علــى‬
‫مهــارة ونبــوغ الفــن اإلســباني» وأوضــح مثــال علــى روعــة الفــن األندلســي املســجد‬
‫اجلامــع بقرطبــة الــذي يعتــر بفضــل قيمتــه الذاتيــة املســجد الوحيــد املؤســس يف‬
‫إســبانيا مــن وحــي الــروح املبدعــة املتفقــة مــع الطبيعــة‪ ،‬فللتاريــخ والفــن أن يســعدا بــه‬
‫إذ لــو كان قــد دُمّــر ألحــدث فراغـاً الســبيل إىل ســده‪ ،‬فقــد احتــل بــن اآلثــار اإلســبانية‬
‫املــكان الســامي‪ ،‬فهــو يصورعصــوراً لإلزدهــار اإلســباني الــي ظــل ينطلــق إشــعاعها‬
‫مــن األراضــي اإلســامية‪ ،‬أنظــر الشــكل (‪ )7‬ونتس ـاْئل اآلن هــل كان للفــن اإلســامي‬
‫خصائــص عامــة متيــزه عــن الفنــون األخــرى‪ ،‬بكونــه فنـاً زخرفيـاً قبــل كلشــيء وصــارت‬
‫الرســوم النباتيــة واهلندســية والكتابيــة واحليوانيــة واآلدميــة احملــورة عــن الطبيعــة‬
‫تزيــن اجلــدران وصفحــات املخطوطــات واألدوات الــي تســتعمل يف احليــاة اليوميــة‪،‬‬
‫كذلــك خــا الفن اإلســامي مــن وجود‬
‫التماثيــل الكبــرة أواللوحات الفنية ألن‬
‫تصويــر الكائنــات احليــة أمــر مكــروه‬
‫يف اإلســام منــذ زمــن بعيــد‪ ،‬ومــن‬
‫املعــروف أن القــرآن الكريــم مل يــرد‬
‫فيــه نــص صريــح ينــص علــى حتريــم‬
‫‪7‬‬ ‫الشكل‬ ‫التصويرأوعمــل التماثيــل‪ ،‬وقــد ســبقت‬

‫‪77‬‬
‫اإلشــارة إىل ذلــك ونعتقــد أن هــذه الكراهيــة ليســت جــزءاً مــن العقيــدة اإلســامية‪،‬‬
‫ولكنهــا جــاءت غالب ـاً خوف ـاً مــن التماثيــل والصــور الشــخصية‪ ،‬الــي قــد تذكرالعــرب‬
‫احلديثــي العهــد باإلســام بالعــودة إىل األصنــام‪ ،‬كمــا أن أصــل هــذا االعتقــاد‪ ،‬يرجــع‬
‫إىل عــدة أحاديــث نســبت إىل الرســول الكريــم‪ ،‬ومــع ذلــك فــإن النهــي عــن التماثيــل‬
‫أي متثيــل الكائنــات احليــة بالتصويــر أو النحــت مل يكــن يراعــى بــن ســائر األمــم‬
‫اإلســامية‪ ،‬فقــد جتاوزهتــا األمــم اإلســامية الغــر الســامية ال ســيما تلــك الــي كانــت‬
‫هلــا تــراث فــي‪ ،‬هلــذا عــرف فــن التصويــر وتوضيــح املخططــات بالصــور ازدهــاراً كبــراً‬
‫يف إيــران و اهلنــد وتركيــا‪ ،‬ويقــول األســتاذ حممــد قطــب‪« :‬والفنــان اإلســامي مــوكل‬
‫«باجلمــال»‪ ..‬يتتبعــه يف كل شــيء‪ ،‬وكل معنــى يف هــذا الوجــود‪ ،‬فاجلمــال مبعنــاه‬
‫الواســع الــذي ال يقــف عنــد حــدود احلــس‪ ،‬وال ينحصــر يف قالــب حمــدود‪ ،‬مجــال‬
‫الكــون بنجومــه ومشوســه وأقمــاره ومــا بينهــا مــن جتــاذب وارتبــاط‪ ،‬ومجــال الطبيعــة‬
‫مبــا فيهــا مــن جبــال وأهنــار وأضــواء وظــال وجوامــد وأحيــاء‪ ،‬ومجــال املشــاعر مبــا‬
‫فيهــا مــن حــب وخــر وطالقــة وارتفــاع‪ ،‬ومجــال القيــم واألوضــاع والنظــم واألفــكار‬
‫واملبــادئ والتنظيمــات‪ ،‬كل ذلــك ألــوان مــن اجلمــال حيتفــي هبــا الفــن اإلســامي‪،‬‬
‫وجيعلهــا مــادة أصيلــة للتعبــر‪ ،‬ولقــاء كامــل بــن إبــداع املوهبــة ونتــاج العبقريــة وبــن‬
‫دقــة الصنعــة ومهــارة التنفيــذ وحســن اإلخــراج‪ ،‬إنــه اجتمــاع بــن الــذكاء املتقــد وبــن‬
‫اخلــرة واإلتقــان‪ ،‬وهبــذا يصــل الفــن إىل ذروة اجلمــال‪ ..‬إن أحــد العنصريــن ‪ -‬املوهبــة‬
‫واخلــرة قــد يصــل بنــا إىل إنتــاج فــي‪ ،‬ولكنهمــا مع ـاً يصــان بنــا إىل مجــال فــي(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬أ‪ .‬صاحل أمحد الشامي من خصائص الفن اإلسالمي‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫أقسام الفن اإلسالمي‬

‫والفــن اإلســامي لــه أقســام عديــدة ومنوعــة مــن تلــك الفنــون الرائعــة (فــن العمــارة –‬
‫فــن اخلطــوط العربيــة – فــن الكتابــة والشــعر – فــن الزخرفــة اإلســامية بأشــكاهلا‬
‫اهلندســية واخلطيــة والنباتيــة)‪ ،‬واجلديــر بالذكــر نــرى أن الفــن اإلســامي ال يرتكــز‬
‫علــى الديــن‪ ،‬ألنــه يُعتــر فــن حضــاري أكثــر منــه فــن ديــي‪ ،‬وبقــرع بــاب مــن أبــواب‬
‫الفــن مــع العمــارة‪ ،‬جنــد فيهــا روابــط وثيقــة وغــر حمــدودة‪ ،‬مــن العالقــات املعنويــة‬
‫واملاديــة‪ ،‬مــن حيــث الشــكل واملضمــون مــع الفــن‪ ،‬فقــد أســلفنا مفهــوم الفــن بالســرد‬
‫الســابق‪ ،‬ونســلط الضــوء يف حبثنــا‪ ،‬علــى مفهــوم الفــن املعمــاري وعالقتــه املختلفــة‪،‬‬
‫جبوانبــه املاديــة واملعنويــة‪ ،‬والشــكلية واجلوهريــة‪ ،‬فبالنســبة للفــن املعمــاري‪ ،‬هــو فــن‬
‫تكويــن احلجــوم والفراغــات املخصصــة الحتضــان الوظائــف والنشــاطات اإلنســانية‬
‫واالجتماعيــة بتنوعهــا‪ ،‬وهــي انطالقـاً مــن ذلــك تعكــس يف مساهتا وأشــكاهلا اإلجنازات‬
‫التقنيــة واحلضاريــة والتطلعــات اجلماليــة والروحيــة والقــدرات املاديــة للمجتمــع يف‬
‫بيئــة مــا‪ ،‬وفــرة تارخييــة حمــددة حبيــث يتناســب شــكل البنــاء مــع املنطقــة احمليطــة‪،‬‬
‫فمثـاً إنشــاء املبانــي ذات طابــع خــاص مثــل املســاجد واملــدارس الدينيــة يف جمموعــة‬
‫متنوعــة مــن األشــكال والصــور املعماريــة‪ ،‬وكذلــك القصــور والقــاع‪ ..‬إخل‪ ،‬كلهــا تصــل‬
‫بالفــن املعمــاري إىل علــو ورقــي الفنــان واملعمــاري والقيــم اجلماليــة الــي يتمتــع فيهــا‬
‫الفنــان واملعمــاري املســلم‪ ،‬وإبداعاتــه الفنية واخليالية والتصــور اإلبداعي يف التصاميم‬
‫الفنيــة واملعماريــة يف ذلــك العهــد‪ ،‬وأنّ هــذا اإلبــداع املعمــاري‪ ،‬ولــد مــع بــزوغ اإلســام‬
‫وانتشــار صروحــه املعماريــة ذات التكويــن العمرانــي اهلــادف خلدمــة املســلمني‪ ،‬مــن‬
‫خــال بيــوت العبــادة وغريهــا‪ ،‬وهــذا أول مــا شــاهدناه يف بيــت مــن بيــوت اهلل‪ ،‬كمبنــى‬
‫إســامي جيمــع فيــه املســلمني ألداء الصــاة‪ ،‬وكان ذلــك منــذ نشــأة اإلســام‪ ،‬يف عهــد‬
‫الرســول الكريــم يف بيتــه ‪ ،‬ومــن العجــب أن بيــوت اهلل الــي متثلــت باملســاجد للعبــادة‬
‫قــد ذكــرت يف القــرآن الكريــم بشــكل يؤكــد أمهيــة العمــارة يف اإلســام‪ ،‬لــذا أشــار بعــض‬
‫املؤرخــن يف مقاالهتــم بــأن ذكــر املســجد واملســاجد وردت يف القــرآن الكريــم بلفظهــا‬

‫‪79‬‬
‫مثانيــة وعشــرين مــرة‪ ،‬وأن اإلشــارة إىل املســجد احلــرام بلفــظ (بيــت) وردت ســبعة‬
‫عشــر مــرة‪ ،‬ووردت اإلشــارة إليــه باســم مقــام ابراهيــم ومصلــى مــرة واحــدة‪ ،‬ووردت‬
‫اإلشــارة إىل املســجد بلفــظ (البيــوت) مــرة واحــدة‪ ،‬ولــكل مــرة مناســبتها‪.‬‬

‫فعلــى ســبيل ذكــر املســاجد يف قــول اهلل عــز وجــل يف ســورة البقــرة‪{ :‬وهلل املشــرق‬
‫واملغــرب فأينمــا تولــوا فثــم وجــه اهلل إن اهلل واســع عليــم} آيــة‪ ،‬وورد أيضـاً ذكــر املســجد احلــرام‬
‫بلفــظ البيــت يف ســورة البقــرة يف قولــه تعــاىل‪{ :‬وإذ جعلنــا البيــت مثابــة للنــاس وأمنــ ًا‬
‫واختــذوا مــن مقــام إبراهيــم مصلــى وعهدنــا إىل إبراهيــم وإمساعيــل‪ ...‬والركــع الســجود}‪ ،‬ويف‬
‫قولــه عــز وجــل يف ســورة البقــرة {وإذ يرفــع إبراهيــم القواعــد‪ ...‬الســميع العليــم}‪.‬‬

‫وكذلــك مت ذكــر املســجد واملســاجد يف األحاديــث النبويــة الشــريفة عــن فضلهــا‬


‫وأحكامهــا‪ ،‬كمــا يف احلديــث عــن البخــاري يف صحيحــه بــاب التعــاون يف بنــاء املســجد‬
‫(مــا كان املشــركني أن يعمــروا مســاجد اهلل شــاهدين علــى أنفســهم بالكفــر‪.)...‬‬

‫وهــذه اإلشــارات كلهــا تــدل علــى قيمــة العمــارة يف اإلســام عامــة ويف القــرآن الكريــم‬
‫والســنة النبويــة خاصــة(‪ ،)1‬فلقــد بــدأت اإلنســانية بدايــة ســيئة‪ ،‬فعندمــا خطــا اإلنســان‬
‫خطواتــه األوىل حــرم الســعادة واهلنــاء‪ ،‬ولقــد جنــت حــواء مــن جــراء تدبريهــا أشــواك‬
‫اآلالم وظنــت بعــد نزوهلــا علــى األرض أهنــا ســتلد مولودها يف مأمن من قســوة الطبيعة‬
‫احمليطــة هبــا‪ ،‬ممــا جعــل آدم يأخــذ بيدهــا إىل كهــف أو لعلــه مجــع أطــراف بعــض‬
‫الشــجريات ليجعــل منهــا كوخــه األول‪ ،‬وملــا كانــت الكتــب الســماوية مل تبــن تفاصيــل‬
‫مــا حــدث‪ ،‬فإننــا نعمــل الفكــر دائمـاً لنتخيــل حالتهمــا علــى مــا كانــت عليــه منــذ بدايــة‬
‫اإلنســانية‪ ،‬وقــد اضطــرت ســالة آدم وحــواء فيمــا بعــد إىل اخلضــوع لضــرورة الوقايــة‬
‫ضــد الــرد واحليوانــات واعتــداءات الســكان‪ ،‬كمــا اضطــرت حتــت الكتــل الثلجيــة الــي‬
‫اجتاحــت قــارة أوروبــا أن هتجــر الوديــان ولتلجــأ للكهــوف طلب ـاً للــدفء واألمــان‪ ،‬لــذا‬

‫(‪ )1‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين – موســوعة العمــارة اإلســامية (اجمللــد‬
‫األول) – الدكتــور عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – أســتاذ اآلثــار اإلســامية املســاعد ورئيــس قســم اآلثــار اإلســامية‬
‫– دار اآلفــاق العربيــة‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫متكنــت مــن خــال البحــث والتجربــة مــن إتقــان النحــت وهتذيــب مــا حتتاجــه مــن أدوات‬
‫يدويــة‪ ،‬كمــا متكنــت مــن حتضــر وجتميــل مأواهــا‪ ،‬فقــد وجــدت لــذة كــرى يف التمتــع‬
‫والتــذوق هبــذا اجلمــال‪ ،‬ومــن هنــا نشــأت فكــرة فــن العمــارة وهــو الفــن للفــن(‪.)1‬‬

‫لقــد ولــد ديــن اإلســام بعــد خمــاض عصيــب‪ ،‬وبعــد صــر وحكمــة مــن الرســول‬
‫األعظــم ‪ ،‬لينمــو ويزدهــر‪ ،‬ويصبــح ســبباً يف ظهــور حضارتنــا اإلســامية الواســعة‪،‬‬
‫فقــد أثبتــت تلــك احلضــارة رســوخها يف الديــن والعلــم واملعرفــة لتكــون خــر مرجــع‬
‫لنــا مجيع ـاً‪ ،‬وحنــن نقلــب صفحــات تارخينــا املشــرق واملخطــوط حبــروف ذهبيــة مــن‬
‫االنتصــارات واالكتشــافات‪ ،‬وبالفــن املعمــاري الــذي محــل يف أشــكاله طابع ـاً إســامياً‬
‫متيــز بــه مــن ســائر احلضــارات املعماريــة الســابقة‪.‬‬

‫علــى الرغــم مــن أن حضارتنــا املعماريــة اإلســامية مــا هــي إال حصيلــة حضــارات‬
‫معماريــة ســابقة‪ ،‬بيــد أهنــا اختلفــت عنهــم بالقيــم واملعايــر واملفاهيــم العقائديــة‪.‬‬

‫أمــا عــن االختــاف العــام يف األشــكال املعماريــة اإلســامية بــن عهــد وآخــر كاختــاف‬
‫الطــراز األمــوي عــن العباســي فالســلجوقي أو اململوكــي‪ ،‬وحتــى العثمانــي‪ ،‬فإمنــا يعــود‬
‫لتأثــر هــذه النمــاذج حبضــارات ســابقة أو لعوامــل أخــرى جعلــت لــكل حضــارة هويتهــا‬
‫املعماريــة اخلاصــة هبــا‪ ،‬وبطــراز إنشــائي خمتلــف أيض ـاً‪ ،‬مثــل مــادة البنــاء أو املنــاخ‪،‬‬
‫غــر أن مجيــع هــذه األشــكال تشــرك فيمــا بينهــا؛ ألهنــا هنضــت وتطــورت وفــق أســس‬
‫مجاليــة وروحيــة مشــركة‪ ،‬مصدرهــا واحــد‪ ،‬أال وهــو ديــن اإلســام احلنيــف‪ ،‬مــع هــذه‬
‫اإلشــراقة العظيمــة‪ ،‬كانــت البدايــة أو اإلنطالقــة يف إنشــاء املســاجد‪ ،‬بعدمــا حثنــا‬
‫القــرآن علــى ذلــك‪ ،‬كمــا قــال تعــاىل‪{ :‬إمنــا يعمــر مســاجد اهلل مــن آمــن بــاهلل واليــوم اآلخــر وأقــام‬
‫الصــاة وآتــى الــزكاة} [ســورة التوبــة‪ :‬آيــة ‪ ،]18‬فاهتــم املعمــاري املســلم بإنشــاء املســاجد‪،‬‬
‫وحظيــت بعنايــة خاصــة وفائقــة مــن حيــث التصاميــم واملســاحات‪ ،‬ومــا رافقهــا مــن‬
‫زخــارف ونقــوش وتزيينــات إســامية‪ ،‬بعدمــا أصبحــت أماكــن عبــادة وجتمّــع‪.‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ العمارة والفن عرب العصور املختلفة – قبل التاريخ وبعده – للمؤلف توفيق عبد اجلواد‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫لكــن فنــون حضارتنــا املعماريــة اإلســامية مل تقتصــر علــى املســاجد فحســب‪ ،‬فللعمــارة‬
‫املدنيــة دور مهــم وأساســي يف حضارتنــا املعماريــة وفــق مبــادئ ديننــا احلنيــف‪ ،‬معتمــدة‬
‫علــى تصاميــم وأشــكال ومقاييــس تتناســب مــع البيئة اإلســامية احمليطة هبــا‪ ،‬وجند ذلك‬
‫يف زيارتنــا للمدينــة اإلســامية القدميــة بأســوارها وبواباهتــا‪ ،‬وبالبيــوت العربيــة التقليدية‬
‫املنتشــرة يف أحيائهــا‪ ،‬ويف املــدارس واخلانــات واحلمامــات والبيمارســتانات‪ ،‬وغريهــا مــن‬
‫األنــواع األخــرى املتكاملــة فيمــا بينهــا ضمــن طــرا ٍز معمــاري إســامي مشــرك‪.‬‬

‫كما أن للعمارة العســكرية أيضاً دور مهم يف فن العمارة اإلســامية‪ ،‬إذ تنتشــر احلصون‬
‫والقــاع واألســوار املرتفعــة‪ ،‬ذات األبــراج املســتديرة‪ ،‬حلمايــة املدينة اإلســامية احملصنّة‬
‫مــن اهلجمــات الــي خضعــت هلــا‪ ،‬وقامــت بصدهــا واالنتصــار عليهــا‪ ،‬فمنــذ بدايــة‬
‫الدعــوة اإلســامية‪ ،‬خــاض املســلمون معــارك كثــرة للدفــاع عــن هــذا الديــن(‪ ،)1‬ومــع‬
‫انتشــاره وتوســع رقعتــه بــدأ املســلمون ببنــاء احلصــون واألســوار حلمايــة هــذه املــدن مــن‬
‫غــزوات األعــداء‪ ،‬ســواء أكانــت صليبيــة أم إفرجنيــة‪ ،‬وأخــذت العمــارة العســكرية شــك ً‬
‫ال‬
‫حتصيني ـاً بارتفــاع األســوار‪ ،‬وانتشــار النوافــذ الضيقــة لرمــي الســهام‪ ،‬أو الســقاطات‬
‫واألبــراج‪ ،‬وحفــر اخلنــادق‪ ،‬ومتانــة البوابــات ذات املدخــل املنكــس‪ ،‬واألبــراج وغريهــا مــن‬
‫العناصــر املعماريــة الــي اعتمــد عليهــا املعمــاري املســلم‪ ،‬لتعزيــز الســمة الدفاعيــة فيهــا‪،‬‬
‫وهبــذا توســعت رقعــة اإلســام ممتــدة مــن اخلليــج إىل احمليــط‪ ،‬ومل تنشــر ديــن اإلســام‬
‫فحســب‪ ،‬بــل نشــرت معــه حضــارة إســامية ذات طابــع فكــري واحــد‪ ،‬مجــع مشــل هــذه‬
‫األمــة ووحّــد كلمتهــا‪ ،‬وكلّلهــا بالرقــي والعــزة واالنتصــار‪ ،‬ومبــا أننــا أحفــاد هــذه احلضــارة‬
‫العربيــة اإلســامية‪ ،‬ومادمنــا نشــعر باإلنتمــاء هلــذه األمــة‪ ،‬فعلينــا أن حنمــل علــى عاتقنــا‬
‫شــعور املســؤولية حنــو هــذا املــراث احلضــاري‪ ،‬للمحافظــة عليــه والدفــاع عنــه‪ ،‬وفــق‬
‫إمكانياتنــا وطاقاتنــا العلميــة والثقافيــة واإلعالميــة‪ ،‬والقيــام مبراجعــة تارخينــا ونقلــه‬
‫إىل العــامل‪ ،‬وأن نواجــه وندحــض حمــاوالت بعــض املستشــرقني يف تشــويه هــذا الــراث‬
‫اإلســامي بنوعيــه املــادي امللمــوس‪ ،‬واملعنــوي احملســوس‪ ،‬ولِمــا خضــع لــه مــن افــراءات‬
‫وتشــويه ليــس هلــا أي صحــة أو دليــل(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬فضاءات من العمارة اإلسالمية‪ -‬م‪.‬حممود حممد راضي زين العابدين‪.‬‬
‫(‪ )2‬فضاءات من العمارة اإلسالمية‪ -‬م‪.‬حممود حممد راضي زين العابدين– مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫وتعــودُ األصــول األوىل لفـ ِـن العمــارة إىل بدايـةِ وجــود اإلنســان علــى األرض‪ ،‬فقــد ســعى‬
‫إىل اســتخدا ِم املــوادّ احمليطــة بــه حتــى يتم ّكــن مــن بنــاء مــكان يوفـرُ لــه العيش املناسـبُ‪،‬‬
‫ويســاهم يف احلمايــة مــن تقلّبــات الطقــس يف فص ـ ِل الصيــف‪ ،‬وفصــل الشــتاء‪ ،‬ومــن‬
‫التعـرّض للمخاطــر الطبيعيّــة‪ ،‬وحرصـتْ الشــعوب البشــريّة علــى االســتفادة مــن املوارد‬
‫احمليطــة هبــا مــن أج ـ ِل حتويلهــا إىل منــاز َل صاحل ـةٍ للســكن‪ ،‬ومــن أهــم هــذه املــوارد‪:‬‬
‫الطــن‪ ،‬واحلجــارة‪ ،‬واخلشــب‪ ،‬وعنــد التوسّــع الســكانيّ الــذي شــهده تعاق ـبُ العصــور‬
‫اإلنســانيّة مل يَعُــد فــن العمــارة مقتصــراً علــى بنــاء املســاكن‪ ،‬بــل أصبــح يشــم ُل كافــة‬
‫املبانــي األخــرى‪ ،‬مثــل‪ :‬األســواق‪ ،‬واحملــات التجاريــة اخلاصــة‪ ،‬ودور العبــادة‪ ،‬واملراكــز‬
‫األمنيّــة‪ ،‬واملؤسّســات اخلدميّــة العامّــة‪ ،‬والقصــور الفخمــة‪ ،‬واملتاحــف ال ُكــرى ليصبـحَ‬
‫ف ـنُ العمــارةِ مــن أحــد أشــه ِر الفنــون اإلنســانية الــي ســامهت يف بنــاءِ جمموع ـةٍ مــن‬
‫احلضــارات الــي مازالــت موجــودةً حتــى هــذا الوقــت فف ـنّ العمــارة هــو أح ـدُ الفنــون‬
‫اهلندس ـيّة القدميــة الــي عَرَ َفهــا اإلنســانُ من ـ ُذ حاجتِ ـهِ لبنــاء مــأوىً لــه‪ ،‬ويُعــرفُ فــن‬
‫العمــارة أيضـاً بأ ّنــه الفـ ّنُ الــذي يَهتـ ّمُ بتطبيـ ِـق جمموعـةٍ مــن التصاميــم اهلندسـيّة الــي‬
‫تعتمــدُ علــى رســ ِم اهليــكل التخطيطِــيّ لبنــاء املبانــي‪ ،‬واملعــامل احلضاريّــة اخلاصــة‬
‫مبــكا ٍن أو مبدينـةٍ مــا وعــادةً يهتـ ّمُ فـنّ العمــارة بعكــس طبيعــة الثقافــة العامّــة‪ ،‬والــراث‬
‫الســائد يف املنطقــة‪ ،‬وقــد حيتــوي علــى جمموعـةٍ مــن الرمــوز‪ ،‬أو املنحوتــات الفنيّــة الــي‬
‫تظـ ُّل مــن الشــواهدِ علــى طبيعــة فـنّ العمــارة يف ُكل حقبـةٍ مــن احلقــب الزمنيــة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬مفهوم فن العمارة – جمد خضر–موقع موضوع‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫ّ‬
‫عناصر الفن اإلسالمي‬

‫إن كراهيــة جتســيد الكائنــات احليــة‪ ،‬لإلبتعــاد عــن املظاهــر الوثنيّــة؛ إذ جــاء اإلســام‬
‫للقضــاء علــى الوثنيّــة املُتم ّثلــة يف عبــادة األصنــام واألشــخاص‪ ،‬إىل أن تالشــت هــذه‬
‫الكراهيــة متام ـاً‪ ،‬مــن خــال الوعــي احلقيق ـيّ بالعقيــدة اإلســاميّة‪ ،‬لذلــك ظهــرت‬
‫زخــارف املَصاحــف واملســاجد‪ ،‬البعــد عــن مظاهــر الــرف والتّقشّــف‪ ،‬ومــن أهــم‬
‫العناصــر الــي قــام هبــا الفــن اإلســاميّ‪ ،‬هواإلبتعــاد عــن مظاهــر الفخامة‪ ،‬علــى اعتبار‬
‫أ ّنهــا زائلــة‪ ،‬فقــد اس ـتُخدمت اخلامــات الرخيصــة كاجل ـصّ‪ ،‬واخلشــب‪ ،‬والصّلصــال‬
‫يف األعمــال الفنّيــة‪ ،‬بالتــايل حتوّلــت اخلامــات الرّخيصــة إىل أعمــا ٍل فنّيــةٍ عظيمــة‬
‫القيمــة العنايــة بزخرفــة ال ّسُــطوح ومــلء الفــراغ‪ ،‬لقــد اهت ـمّ الفنّــان العرب ـ ّيُ بزخرفــة‬
‫السّــطوح؛ كالعمائــر‪ ،‬واألوانــي‪ ،‬والتّماثيــل‪ ،‬حبيــث ال تــرك فراغ ـاً مــن دون زخرفــة؛‬
‫وذلــك إلضفــاء املظهــر الطبيع ـيّ ســاحر اجلمــال عليهــا‪.‬‬

‫ّ‬
‫اخلــط العربــيّ‪ ،‬وفــنّ‬ ‫وأقســام الفــن اإلســامي والفــن املعمــاري‪ ،‬يتجســد يف فــنّ‬
‫الكتابــة والشّــعر‪ ،‬والفـ ّنُ الزخــريف اإلســاميّ بأنواعــه اهلندسـيّة واحليوانيّــة والنّباتيــة‪،‬‬
‫وأساســيات الفــن اإلســاميّ يعتمــد علــى أســاس توحيــد اخلالــق عــزّ وجــل‪ ،‬وعلــى‬
‫تصويــر اإلنســان للحيــاة والكــون‪ ،‬لذلــك ال جمــال للوثنيّــات وا ُ‬
‫خلرافــات واألوهــام‪،‬‬
‫ويوصَــف ميــدان الفــن اإلســامي بالتّحســيين أو الكمــايل‪ ،‬لكــي ال حيصــل خلــ ٌل يف‬
‫التّصويــر‪ ،‬ووظيفــة الف ـنّ هــي صُنــع اجلمــال‪ ،‬أمّــا إذا ابتعــد الف ـ ّنُ عــن هــذه الوظيفــة‬
‫ال يُســمّى فنّــاً؛ أل ّنــه يبتعــدُ عــن العمــل األساســي لــه‪ ،‬فهــذا الفــ ّنُ مــوك ٌل باجلمــال‪،‬‬
‫فالفــن اإلســامي وســيل ٌة ال غايــة؛ أل ّنــه يف خدمــة احل ـقّ والفضيلــة والعدالــة‪ ،‬والف ـنّ‬
‫اإلســاميّ فــوق العبــث والباطــل؛ فحيــاة اإلنســان ووقتــه أمثــن مــن أن يكــون للعبــث‪،‬‬
‫ويُعــدّ الفــن اإلســامي مُســت ّقالً بذاتــه؛ فهــو ليــس فرعــاً مــن الفلســفة‪ ،‬وال فرعــاً‬
‫مــن فــروع العلــم‪ ،‬وينبــع الف ـنّ اإلســاميّ مــن باطــن النّفــس اإلنســانيّة‪ ،‬لذلــك يتميّــز‬
‫بالعواطــف واألحاســيس اجليّاشــة مــن الفنــان‪ ،‬ويُعتــر الفـنّ اإلســاميّ لقــاءً تامّـاً بــن‬
‫اإلبــداع واملوهبــة والعبقريــة‪ ،‬وبــن الدّقــة واملَهــارة(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل ‪ -‬عناصر الفنّ اإلسالمي‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫وكل ذلــك ارتبــط الفــن اإلســامي ارتباطــاً وثيقــاً باحليــاة اإلنســانية واالجتماعيــة‪،‬‬
‫ولعــب دوراً كبــراً يف ارتباطــه بالفــن املعمــاري‪ ،‬والــذي بدورمهــا أخــذا منحـاً كبــراً يف‬
‫فنــون البنــاء واهلندســة املعماريــة‪ ،‬وجعلهــا منظومــة أساســية يف عــامل الفــن والعمــارة‬
‫ومقومــات الفــن واجلمــال واإلبــداع‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪85‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫فنون العمارة‬

‫‪86‬‬
‫مفهوم الفن املعماري‬

‫هــو أح ـدُ الفنــون اهلندس ـيّة القدميــة الــي عَرَ َفهــا اإلنســانُ من ـ ُذ حاجتِ ـهِ لبنــاء مــأوىً‬
‫لــه‪ ،‬ويُعــرفُ فــن العمــارة أيضـاً بأ ّنــه الفـ ّنُ الــذي يَهتـ ّمُ بتطبيـ ِـق جمموعـةٍ مــن التصاميــم‬
‫اهلندسـيّة الــي تعتمـدُ علــى رسـ ِم اهليــكل التخطيطِـيّ لبنــاء املباني‪ ،‬واملعــامل احلضاريّة‬
‫اخلاصــة مبــكا ٍن أو مبدينـةٍ مــا‪ ،‬وعــادةً يهتـ ّمُ فـنّ العمــارة بعكــس طبيعــة الثقافــة العامّة‪،‬‬
‫والــراث الســائد يف املنطقــة‪ ،‬وقــد حيتــوي علــى جمموع ـةٍ مــن الرمــوز‪ ،‬أو املنحوتــات‬
‫الفنيّــة الــي تظ ـ ُّل مــن الشــواهدِ علــى طبيعــة ف ـنّ العمــارة يف ُكل حقب ـةٍ مــن احلقــب‬
‫الزمنيــة‪ ،‬وتاريــخ فــنّ العمــارة تعــودُ األصــو ُل األوىل لفــنِّ العمــارة إىل بدايــةِ وجــود‬
‫اإلنســان علــى األرض‪ ،‬فقــد ســعى إىل اســتخدا ِم املــوادّ احمليطــة بــه حتــى يتم ّكــن مــن‬
‫بنــاء مــكا ٍن يوف ـرُ لــه العيــش املناس ـبُ‪ ،‬ويســاهم يف احلمايــة مــن تقلّبــات الطقــس يف‬
‫فصـ ِل الصيــف‪ ،‬وفصــل الشــتاء‪ ،‬ومــن التعـرّض للمخاطــر الطبيعيّــة‪ ،‬حرصـتْ الشــعوب‬
‫البشــريّة علــى االســتفادة مــن املــوارد احمليطــة هبــا مــن أجـ ِل حتويلها إىل منــاز َل صاحلةٍ‬
‫للســكن‪ ،‬ومــن أهــم هــذه املــوارد‪ :‬الطــن‪ ،‬واحلجــارة‪ ،‬واخلشــب‪ ،‬وعنــد التوسّــع الســكانيّ‬
‫الــذي شــهده تعاقــبُ العصــور اإلنســانيّة مل يَعُــد فــن العمــارة مقتصــراً علــى بنــاء‬
‫املســاكن‪ ،‬بــل أصبــح يشــم ُل كافــة املبانــي األخــرى‪ ،‬مثــل‪ :‬األســواق‪ ،‬واحملــات التجاريــة‬
‫اخلاصــة‪ ،‬ودور العبــادة‪ ،‬واملراكــز األمنيّــة‪ ،‬واملؤسّســات اخلدميّــة العامّــة‪ ،‬والقصــور‬
‫الفخمــة‪ ،‬واملتاحــف ال ُكــرى ليصب ـحَ ف ـنُ العمــارةِ مــن أحــد أشــه ِر الفنــون اإلنســانية‬
‫الــي ســامهت يف بنــاءِ جمموع ـةٍ مــن احلضــارات الــي مــا زالــت موجــودةً حتــى هــذا‬
‫الوقت‪،‬ونظريــات فــن العمــارة النظريــة التارخييــة القدميــة‪ :‬هي من أوائــل النظريات يف‬
‫فــن العمــارة‪ ،‬والــي اقرتحهــا املهنــدس الرومانــي فيرتوفيــوس يف القــرن األول امليــادي‪،‬‬
‫ر إىل أنّ فــن العمــارة يعتم ـدُ علــى مســتوياتٍ جي ـبُ أن يتــم تطبيقهــا حتــى‬
‫والــي تش ـ ُ‬
‫تُصنّــف العمــارة بأ ّنهــا ممتــازة‪ ،‬وقســمها إىل ثالثِــة مســتويات وهــي؛ متانــة البنــاء‪،‬‬
‫وفائــدة البنــاء أي أن حيقــق اهلــدف مــن إنشــائه‪ ،‬ومجــال البنــاء النظريــة احلديثــة‪:‬‬
‫وهــي عبــارةٌ عــن جمموع ـةٍ مــن املفاهيــم املعماريّــة احلديثــة الــي ظهــرت يف القــرن‬

‫‪87‬‬
‫التاســع عشــر للميــاد‪ ،‬والــي ســامهت يف تغيــر األشــكال اخلارجيّــة للمبانــي‪ ،‬واخــراع‬
‫أفــكا ٍر جديــدةٍ للبنــاءِ مل تكــن مســتخدم ًة مــن قبــل‪ ،‬وأدّى ذلــك إىل ظهــور أنــوا ٍع حديثـةٍ‬
‫مــن املبانــي مثــل‪ :‬ناطحــات الســحاب‪ ،‬واألســواق التجاريــة الكبــرة‪ ،‬أنــواع فنــون العمــارة‬
‫ف ـنّ العمــارة اإلســاميّة ‪ -‬هــو فــن العمــارة الــذي ظه ـرَ يف املُــد ِن العربيــة اإلســامية‬
‫الــي أسّســها املســلمون‪ ،‬والــذي يظهـرُ يف عمــارةِ املســاجد‪ ،‬والقصــور اإلســاميّة‪،‬وفن‬
‫العمــارة القدميــة ‪ -‬هــو فــن العمــارة الــذي بــدأ يف احلضــارات اإلنســانية القدميــة‪،‬‬
‫وخصوصـاً احلضــارة املِصريــة‪ ،‬وحضــارة بــاد مــا بــن النهريــن‪ ،‬وتعتـرُ األهرامــات يف‬
‫مص ـ ِر مــن أشــهر املعــامل احلضاريــة القدميــة يف العــامل فــن العمــارة اآلســيوية ‪ -‬هــو‬
‫ف ـنّ العمــارة الــذي انتشــر يف دول شــرق قــارة آســيا‪ ،‬وخصوص ـاً يف اليابــان‪ ،‬واهلنــد‪،‬‬
‫والصــن ويَظه ـرُ بوضــو ٍح يف املبانــي الســكنيّة الــي تعتم ـدُ علــى اخلل ـطِ بــن البنــاء‬
‫التقليــديّ‪ ،‬والــراث الف ـيّ(‪.)1‬‬

‫وبأ ّنــه الفــنّ الــذي يهتــمّ بتكويــن وإنشــاء احلجــوم وأيضــاً الفراغــات الــي تُخصّــص‬
‫مــن أجــل احتضــان الوظائــف والنشــاطات اإلنســانيّة وأيضـاً االجتماعيّــة علــى خمتلــف‬
‫أصنافهــا وأنواعهــا‪ ،‬وبذلــك فــإنّ مفهــوم هــذا الفــنّ هــو انعــكاس ألشــكال ومســات‬
‫اإلجنــازات أكانــت ماديّــة أم حضاريّــة‪ ،‬مصطلــح الفــن املعمــاري إنّ مصطلــح العمــارة أو‬
‫الفـنّ املعمــاري يشــر إىل ‪ -‬وصـفٍ للمبانــي بشــك ٍل عــام‪ ،‬وأيضـاً للمنشــآت املاديّــة‪ ،‬وفـنّ‬
‫البنــاء‪ ،‬وأيضـاً علــم تصميــم األبنيــة‪ ،‬وتعلّــم األســلوب الصحيــح يف التصميــم املعمــاري‪،‬‬
‫والطريقــة الدقيقــة لتشــييد األبنيــة أو املنشــآت‪ ،‬واألنشــطة التصميميّــة للعمــارة‪،‬‬
‫ل مــن التصميــم العمرانــي‪ ،‬وأيض ـاً التخطيــط‬
‫وتضــم هــذه األنشــطة بشــك ٍل عــام‪ ،‬ك ّ‬
‫العمرانــي‪ ،‬وهنالــك التخطيــط اإلقليمــي‪ ،‬إضافــة إىل هندســة عمــارة البيئــة‪ ،‬أمّا بشــكل‬
‫خــاصّ فإ ّنهــا تض ـمّ كلّ مــن التأثيــث املدنــي إضافــة إىل التصميــم الداخلــي‪ ،‬وطــراز‬
‫الفــن املعمــاري‪.‬‬

‫لقــد ّ‬
‫مت تقســيم ف ـنّ العمــارة مــن قِبَــل املؤرّخــن إىل حقــبٍ هلــا عالقــة بالزمــن‪ ،‬حيــث‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي يف العامل – مفهوم فن العمارة‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫وُجــد بــأنّ لــكل حقبــة أو مرحلــة زمنيّــة طــرازاً معيّنــاً يطغــى علــى الفــن املعمــاري‪،‬‬
‫فعُرفــت العمــارة العاميّــة‪ ،‬وأيضـاً العمــارة القدميــة‪ ،‬وهنالــك العمــارة اإلســاميّة‪ ،‬وفـنّ‬
‫العمــارة اآلســيويّة‪ ،‬إضافــة إىل العمــارة خــال فــرة العصــور الوســطى‪ ،‬وال ننســى‬
‫ف ـنّ العمــارة خــال عصــر النهضــة‪ ،‬إضافــة لوجــود عمــارة احلداثــة‪ ،‬وأيض ـاً مــا قبــل‬
‫احلداثــة‪ ،‬ومــا إىل هنالــك مــن عمــارة بيزنطيــة ورومانيّــة وأندلس ـيّة وغريهــا الكثــر‪،‬‬
‫لقــد كان اإلهتمــام بالف ـنّ املعمــاري عامليّ ـاً بف ـنّ العمــارة‪ ،‬ولذلــك فقــد أسّســت ع ـدّة‬
‫مســابقات عامليّــة هبــذا الشــأن‪ ،‬وعُمِ ـ َل علــى منــح جوائــز عامليّــة هبــذا الشــأن‪ ،‬هبــدف‬
‫تشــجيع الفـنّ املعمــاري العاملــي‪ ،‬ومــن أشــهر اجلوائــز الــي منحــت علــى مســتوى العــامل‬
‫ككل مــا يلــي‪ -‬جائــزة بيرتكــر‪ -‬تُمنــح هــذه اجلائــزة بشــكل ســنويّ‪ ،‬وفيهــا يت ـمّ تكريــم‬
‫أحــد أه ـمّ املعماريــن ال ُقدامــى‪ ،‬والــذي مــا زال علــى قيــد احليــاة‪ ،‬وقــد أسّــس هــذه‬
‫اجلائــزة عــام ألــف وتســعمئة وتســعة وســبعني للميــاد جــاي بيتزكــر مــع زوجتــه‪ ،‬وح ّتــى‬
‫يومنــا هــذا مــا زالــت عائلتــه تديــر وهتت ـمّ بأمــر هــذه اجلائــزة ومنحهــا‪ ،‬وتُعتــر هــذه‬
‫اجلائــزة هــي األهـمّ عامليـاً‪ ،‬وأكــر اجلوائــز يف جمــال فـنّ العمــارة‪ ،‬حيــث تبلــغ قيمتهــا‬
‫حــوايل مئــة ألــف دوالر أمريكــي‪ ،‬ويُشــار إليهــا علــى أ ّنهــا هــي جائــزة نوبــل الــي تُمنــح‬
‫للهندســة املعماريّــة‪ ،‬وجائــزة االحتــاد األوروبــي للعمــارة املعاصــرة ‪ -‬ويتـمّ منحهــا مــن‬
‫قِبَــل االحتــاد األوروبــي‪ ،‬جائــزة التميّــز‪ ،‬ويتـمّ منحهــا مــن قِبَــل الدولــة الكنديّــة‪ ،‬جائــزة‬
‫القــوس الفضـيّ ‪ -‬ويتـمّ منحهــا مــن قِبَــل الدولــة الفرنسـيّة جائــزة ّ‬
‫منظمــة (أيــه أي أيــه‬
‫للعمــارة)‪ ،‬ويتـمّ منحهــا مــن قِبَــل الواليــات املتّحــدة األمريكيّــة ‪ -‬جائــزة ســتريلنغ ‪ -‬ويتـمّ‬
‫منحهــا مــن قِبَــل اململكــة املتحــدة الربيطانيّــة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل الفنّ املعماري‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫ّ‬
‫مفهوم فن التصميم املعماري‬

‫إنّ مصطلــح مفهــوم فــن التصميــم املعمــاري‪ ،‬يــدل علــى كا ّفة العمليّــات املنطقيّة والفنيّة‬
‫والعلميّــة‪ ،‬الــي تكــون قــادرة علــى أن حتـدّد األشــكال والتنظيمات وأيضـاً العمليّات اليت‬
‫ميكــن هلــا أن ختلــق لإلنســان املســاحات مــن أجــل أن يســتطيع تنفيــذ األنشــطة الــي‬
‫حيتاجهــا‪ ،‬هــذا املفهــوم تغيّــرت أهدافــه مــع مــرور الزمــن‪ ،‬حيــث يؤ ّكــد جــان باتيســت‬
‫لورونــد داملــرت عــام ألــف وســبعمئة واثنــن ومخســن ميــادي‪ ،‬بــأنّ فـنّ العمــارة قــد‬
‫نشــأ نتيجــة للحاجــة‪ ،‬إ ّالَ أ ّنــه تط ـوّر نتيجــة للــرف‪ ،‬فتحوّلــت األكــواخ الــي عــاش هبــا‬
‫اإلنســان قدميـاً‪ ،‬إىل قصــور‪ ،‬إنّ فـنّ التصميــم املعمــاري هــو عمــل فنّــي بامتيــاز‪ ،‬وهــو‬
‫مت تصميمهــا منــذ ســنني خلــت مــا زالــت ح ّتــى‬ ‫عمــل خ ـاّق‪ ،‬فكثــر مــن األبنيــة الــي ّ‬
‫يومنــا هــذا تُعتــر أعمــاالً فنيّــة‪ ،‬أكانــت تراثيّــة أم أثريّــة أم حديثــة‪ ،‬وتُعدّ أحــد أهم املعامل‬
‫يف البــاد‪ ،‬والــي يقصدهــا الــزوّار فقــط لرؤيــة روعــة التصميــم املعمــاري البديــع‪ ،‬وكمــا‬
‫أنّ فـنّ العمــارة يُعتــر مــن أقــدم املهــن يف العــامل الــي عرفهــا اإلنســان وقــام مبمارســتها‬
‫عــر الزمــن‪ ،‬فالتصميــم املعمــاري كمــادة علميّــة اليــوم يُــدرّس يف معظــم اجلامعــات‬
‫واملقــررات الــي ختتـصّ باهلندســة املعماريّــة‪ ،‬هنالــك عـدّة علــوم متعلّقــة بفـنّ العمــارة‪،‬‬
‫حيــث تؤ ّثــر فيهــا‪ ،‬وهــي‪ :‬علــم الفلســفة‪ ،‬وعلــم اإلجتمــاع‪ ،‬وأيض ـاً علــم النفــس‪ ،‬وعلــم‬
‫الرياضيّــات‪ ،‬إضافــة لعلــوم املــواد‪ ،‬والتاريــخ‪ ،‬وعلــم اهلندســات التطبيقيّــة‪ ،‬وأيضـاً علــم‬
‫اإلنشــاء وســائل التصميــم املعمــاري لتصميــم أيّ مشــروع معمــاري‪ ،‬وهنالــك حاجــة إىل‬
‫ع ـدّة وســائل ووســائط وارتــكازات‪ ،‬وهــي حتديــد نــوع املشــروع‪ ،‬واملوقــع الــذي ســيتمّ‬
‫تصميــم العمــل املعمــاري فيــه‪ ،‬حيــث يتــمّ حتديــد املنطقــة واحلــي واملــكان املالئــم‪،‬‬
‫مــع حســاب التكاليــف املتعلّقــة باملشــروع‪ ،‬إضافــة إىل النظــر إىل املعوّقــات الــي قــد‬
‫تعرتضــه التقســيمات‪ ،‬ويعــي فيهــا جتزئــة املناطــق وتقســيمها‪ ،‬والتنظيمــات الــي يتـمّ‬
‫فيهــا حتديــد نــوع البنــاء الــذي سـيُقام‪ ،‬وحتديــد االرتفاعــات‪ ،‬إضافــة إىل طــرق البنــاء‪،‬‬
‫ا أو‬
‫أرض منحــدرة مثـ ً‬
‫املميّــزات الطبوغرافيّــة‪ ،‬حيــث يتـمّ حتديــد املشــروع أكان ضمــن ٍ‬
‫أرض مســتوية‪ ،‬وحركــة الطــرق املؤديــة للمشــروع‪ ،‬واملســارات والــي هــي ضمن املشــروع‬
‫ٍ‬

‫‪90‬‬
‫الواحــد متطلبــات التصميــم املعمــاري‪ ،‬إنّ التصميــم املعمــاري أليّ مشــروع يتطلّــب‬
‫خمطــط عالقــات رســم ختطيطــي وتصميــم‬ ‫ّ‬ ‫عــدّة أمــور جيــب العمــل عليهــا‪ ،‬وهــي‬
‫ّ‬
‫خطــة وتصميــم خــاص بالواجهــة الرئيسـيّة للمشــروع‪ ،‬ويتضمّــن أيضـاً هــذا التصميــم‬
‫عـدّة أســئلة قبــل البــدء يف التصميــم‪ ،‬وأوّهلــا الســؤال عمّــن سيســتخدم هــذا املشــروع؟‬
‫وثانيـاً مــدى حاجتــه هلكــذا مشــروع؟ والثالــث هــو كيفيّــة الوصــل إليــه؟ وعنــد اإلجابــة‬
‫ّ‬
‫خمطــط للعالقــات غالب ـاً مــا يكــون‬ ‫الكافيّــة والوافيــة عــن هــذه األســئلة‪ ،‬ميكــن رســم‬
‫خمطــط العالقــات ذا فراغــات واضحــة‪ ،‬وهــي خمصّصــة للمناطــق اخلاصّــة‪ ،‬وأيض ـاً‬ ‫ّ‬
‫للمناطــق العامّــة‪ ،‬إضافــة للمناطــق املروريّــة(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عاملي ‪ -‬مفهوم فن التصميم املعماري‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫تكون العمارة اإلسالمية‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬نشوء فن العمارة‬

‫لقــد ابتــدأت العبقريــة اإلبداعيــة بإنشــاء العمــارات لوظائــف خمتلفــة‪ ،‬ولكنهــا تتجمــع‬
‫لكــي تدخــل يف خدمــة العبــادة‪ ،‬فاجلامــع واملدرســة والربــاط ودار احلديــث واملدفــن‬
‫واملشــفى‪ ،‬وتدخــل كلهــا ضمــن نطــاق وظيفــة العبــادة‪ ،‬وال يــكاد غريهــا مــن املبانــي خيلو‬
‫مــن قاعــة للصــاة يــدل عليهــا احملــراب‪ ،‬ومــع ذلــك تــؤدي وظائــف أخــرى غــر تعبديــة‪،‬‬
‫ولكنهــا تبحــث عــن أســرار الكــون مــن خــال التقــرب إىل اهلل‪ ،‬لقــد كان املســجد أهــم‬
‫املبانــي الــي احتــوت روائــع الفــن اإلســامي مــن رقــش وخــط وعمــارة‪ ،‬ومل تكــن هــذه‬
‫الفنــون ضروريــة للعبــادة ومل يأمــر هبــا الديــن بــل هنــى عنهــا(‪.)1‬‬

‫وعبّــرت الشــعوب عــن نفســها‪ ،‬يف الفــرات التارخييــة املختلفــة‪ ،‬مــن خــال نشــاطاهتا‬
‫احلضاريــة يف الفنـــون واآلداب والعلـــوم مبختلــف أنـــواعها‪ ،‬وظــل الفـــن املعمــاري‬
‫والعمـــراني مــن أغنــى الــدالالت علــى تقــدم الشــعوب ورقيّهــا‪ ،‬وإذا كانــت احلضــارة هــي‬
‫نتــاج شــعب‪ ،‬أو أمــة مــا‪ ،‬يف خمتلــف جمــاالت احليــاة‪ ،‬فــإن الفــن املعمــاري جتســيد لــكل‬
‫املفاهيــم‪ ،‬واختــزال للقيــم واملعتقــدات والثقافــات اخلاصــة بــأي حضــارة‪ ،‬ومل تكــن‬
‫األهرامــات حجم ـاً يعــر عــن جمــال التصميــم وإعجــاز اإلنشــاء فحســب‪ ،‬وإمنــا هــو‬
‫قبــل كل شــيء بنــاء يعبّــر عــن فكــر وفلســفة اخللــود لــدى الشــعوب املصريــة القدميــة‪،‬‬
‫وكذلــك الزيقــورات ‪ Ziggurats‬يف بــاد الرافديــن‪ ،‬أنظــر الشــكل (‪ )8‬الــي هــي عبــارة‬
‫عــن أبــراج حتــوي يف مناســيبها العلويــة معابــد صغــرة لآلهلــة‪ ،‬ويعبّــر ارتفاعهــا عــن‬
‫االرتقــاء حنــو الســماء‪ ،‬منــزل اآلهلــة‪ ،‬واألمــر نفســه ينطبــق علــى املعابــد واألوابــد‬
‫‪ monuments‬اليونانيــة والرومانيــة والبيزنطيــة‪ ،‬ك ّل حضــارة حســب معتقداهتــا‬
‫وفلســفتها اخلاصــة هبــا‪ ،‬وصــوالً إىل ناطحــات الســحاب الــي تعــر عــن ســلطة املــال‬
‫وســيطرة االقتصــاد احل ـرّ علــى كل مــا حولــه(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬أثر اجلمالية اإلسالمية يف الفن احلديث – الدكتور عفيف البهنسي دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫(‪ )2‬املوسوعة العربية – العمارة اإلسالمية – الدكتور رضوان ضحالوي‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫إنّ العمارة اإلسالمية وظهورها وانتشارها‬
‫يعتــر ظاهــرة خاصــة تســتدعي اإلهتمــام‬
‫مــن حيــث اإلعتبــارات الثقافيــة‪ ،‬فإنــه‬
‫ميكــن القــول بأهنــا قــد نشــأت وانتشــرت‬
‫طفــرة واحــدة بالنســبة إىل قصــر الزمــن‬
‫‪8‬‬ ‫الشكل‬ ‫الــذي أخــذه الطــراز اإلســامي يف التبلــور‬
‫ويف مشولــه ملختلــف البــاد اإلســامية‪.‬‬

‫فــإنّ الطــراز اإلســامي يف العمــارة مل ينشــأ مــن تفاعــل ذكاء مجاعــة واحــدة مــع‬
‫بيئتهــا اخلاصــة‪ ،‬إمنــا مــن تفاعــل ذكاء عــدة مجاعــات خمتلفــة‪ ،‬قبليــة وحضريــة مــن‬
‫الــي اعتنقــت اإلســام والــي اســتوطنت خمتلــف البــاد‪ ،‬وملــا كانــت حاجــات املســلمني‬
‫الروحيــة موحــدة‪ ،‬فقــد أتــت أشــكاهلم املعماريــة متشــاهبة‪ ،‬وممــا ســاعد علــى إجيــاد‬
‫التشــابه عامــان‪ :‬العامــل األول جغــرايف مــن حيــث إن الطبيعــة يف البــاد الــي انتشــر‬
‫فيهــا اإلســام متشــاهبة مــن حيــث املنــاخ‪ ،‬فهــي تقــع يف املنطقــة املمتــدة مــن حــدود‬
‫اهلنــد إىل ســواحل احمليــط األطلســي‪ ،‬وهــي صحراويــة حــارة جافة يف املعظــم والغالب‪،‬‬
‫األمــر الــذي جعــل حلوهلــم املعماريــة متشــاهبة أص ـاً‪.‬‬

‫والعامــل اآلخــر سياســي‪ ،‬ثقــايف‪ ،‬فــإنّ الفتــح اإلســامي مل يكــن اســتعماراً باملعنــى‬
‫احلديــث‪ ،‬حيــث أنّ املســلمني سواســية بــا تفرقــة‪ ،‬فــكان اخلليفــة هــو خليفــة املســلمني‬
‫مجيعـاً‪ :‬أمويـاً كان أو عباســياً أو فاطميـاً أو عثمانيـاً‪ ،‬وقــد عــي اخللفــاء بالعمــارة ببناء‬
‫املســاجد والقصــور يف خمتلــف البــاد موحديــن الطــراز مــع الفــوارق البســيطة الناجتــة‬
‫مــن اختــاف املنــاخ أو مــواد البنــاء‪ ،‬ونــوع حــرف البنــاء الــي كانــت ســائدة يف خمتلــف‬
‫البــاد قبــل دخــول اإلســام‪ ،‬ومــن ناحيــة أخــرى فــإنّ صفــة التجريــد الــي تتصــف‬
‫هبــا الفنــون اإلســامية كانــت مــن العوامــل الــي يســرت تبــادل األشــكال املعماريــة‬
‫والزخرفيــة‪ ،‬بــن خمتلــف اجلماعــات وكأهنــا اخلــط العربــي الــذي كتــب بــه القــرآن‬
‫الكريــم‪ ،‬وقــد حتــرر املعمــاري مــن الكثــر مــن العوامــل الــي تفرضهــا البيئــة باعتبــار‬
‫احملــاكاة لألشــكال الطبيعيــة الــي يف كل منطقــة‪ ،‬وبذلــك تيســر التأقلــم الســيكولوجي‬

‫‪93‬‬
‫أو الروحانــي وقــد تغلبــت صفــة التجريــد علــى احملــاكاة‪ ،‬غــر أنّ هــذا التجريــد كمــا‬
‫يســر نشــأة العمــارة اإلســامية وانتشــارها بســرعة دفعــة واحــدة فإ ّنــه كان ســبباً يف‬
‫زواهلــا بســرعة ودفعــة واحــدة أيض ـاً‪ ،‬فإ ّنــه بدخــول اإلنســانية يف العصــر احلديــث‪،‬‬
‫عصــر التصنيــع‪ ،‬حدثــت تغــرات جذريــة يف اهلندســة املعماريــة كان مــن أثرهــا‪ ،‬أن زالت‬
‫األشــكال الــي تبلــورت علــى مــر األجيــال‪ ،‬وذلــك باســتعمال املــواد احلديثــة كاخلرســانة‬
‫املســلحة والصلــب واحلديــد والزجــاج والبالســتيك إخل‪ ...‬والــي حلــت حمــل املــواد الــي‬
‫كانــت تســتعمل يف البنــاء يف الســابق كاحلجــر والرخــام والطــوب واخلشــب‪ ،‬األمــر الذي‬
‫تســبب عنــه انقــراض معظــم حــرف البنــاء التقليديــة الــي درج عليهــا صاحــب احلرفــة‪،‬‬
‫يف التعبــر عــن مكنونــات وجدانــه بطريقــة مباشــرة ودخلــت التقنيــة احلديثــة الــي‬
‫أقحمــت نوع ـاً آخــر مــن التجريــد علــى العمــارة‪ ،‬أال وهــو التجريــد اإلنشــائي وليــس‬
‫الفــي‪ ،‬وبذالــك تعــد العمــارة كعنصــر مــن عناصــر الثقافــة نابعــة مــن تفاعــل ذكاء‬
‫اإلنســان مــع البيئــة الطبيعيــة‪ ،‬إمنــا مــن نتــاج تفاعــل اإلنســان احلديــث مــع اآلالت‪،‬‬
‫وكانــت املاديــة الــي تغلــب يف احلضــارة املعاصــرة واحلضريــة علــى اخلصــوص‪.‬‬
‫وتعــدد طرائــق العمــارة اإلســامية وتنــوع مناذجهــا مــن مبنــى آلخــر‪ ،‬إن كان مســجداً‬
‫أو حصنـاً‪ ،‬وميكــن للمتأمــل هلــذا الفــن أن يلحــظ اإلهتمــام الواضــح الــذي أواله األولــون‬
‫للعنايــة ببيــوت اهلل تعــاىل‪ ،‬والتأنــق يف عمارهتــا وزخرفتهــا كوهنــا أفضــل البقــاع‬
‫وأشــرف األماكــن‪ ،‬وقــد اهتــم البنــاة يف تطويــر أســاليبه مبــدءاً مــن التخطيــط اهلندســي‬
‫والتصميــم اجلميــل للمســجد‪ ،‬إىل جانــب العناصــر املعماريــة والزخرفيــة الــي تكتنــف‬
‫املبنــى وأجــزاءه املختلفــة‪ ،‬مــن مداخــل وقبــاب ومــآذن وأعمــدة ونوافــذ‪ ،‬ويقــف املشــاهد‬
‫مشــدوهاً أمــام روعــة هــذه الزخــارف وقــوة اخلطــوط الــي يســتخدمها الرســام املســلم‪،‬‬
‫ولعــل أروع األمثلــة للعنايــة ببيــوت اهلل تعــاىل تتجســد يف بيت اهلل احلرام مبكة املكرمة‪،‬‬
‫ومســجد احلبيــب املصطفــى ‪ ‬باملدينــة املنــورة‪ ،‬ومســرى ســيدنا حممــد عليــه أفضــل‬
‫الصــاة‪ ،‬أنظــر الشــكل (‪ )9‬وأمت التســليم حيــث األقصــى املبــارك‪ ،‬واملســجد األمــوي‬
‫بالشــام واجلامــع الكبــر ببغــداد وجامــع الزيتونــة بتونــس(‪ ،)1‬وكانــت مكــة املكرمــة يف‬
‫(‪ )1‬مفاهيم اجلمال يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬كتب‪ :‬عادل عبد املنعم الدمرداش‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫عهــد النــي ‪ ،‬مدينــة واســعة الثــراء‪،‬‬
‫يأتــي داخلهــا علــى غــرار مدينــة مــأرب‬
‫مــن قبلهــا‪ ،‬مــن جتــارة األطيــاب فكانــت‬
‫تنــزل يف اليمــن عنــد الشــاطئ اجلنوبــي‬
‫للجزيــرة العربيــة‪ ،‬لتقــل بــراً فيمــا بعــد‬
‫علــى طــول الســاحل الغربــي وصــوالً إىل‬
‫‪9‬‬ ‫الشكل‬ ‫املتوســط‪ ،‬عــاوة علــى ذلــك تبــوأت مكــة‬
‫أمهيــة كــرى لتواجــد الكعبــة فيهــا‪ ،‬وهــي‬
‫حمجـاً للقبائــل العربيــة الوثنيــة احملليــة(‪ ،)1‬وفــن البنــاء والتعمــر قديــم قــدم اإلنســان‪،‬‬
‫وهــو يف أصلــه تلبيــة حلاجــة أساســية مــن حاجــات احليــاة‪ ،‬لكنــه يف الوقــت نفســه‬
‫نتــاج غــي لــكل مــا يصنعــه اإلنســان وينتجــه‪ ،‬ويعــر فيــه عــن ذوقــه وفكــره وميولــه وقــد‬
‫اختلفــت أوصــاف هــذا النتــاج باختــاف الزمــان واملــكان‪ ،‬وأســهمت الثقافــة والعقيــدة‬
‫الدينيــة الــي تؤمــن هبــا األمــة يف تكويــن فنوهنــا وأعماهلــا املعماريــة‪.‬‬

‫وإن املعنــى التعبــري أو الرمــزي للمــكان هــو الدرجــة الــي متثــل هبــا الشــكل مســتوطنة‬
‫مــا يف أذهــان مســـتعمليها رمـــزاً مركبــاً لقيمهــا األساســية وعملياهتــا احلياتيــة‬
‫وأحداثهــا التارخييــة وبنيتهــا االجتماعيــة أو نظرهتــا إىل الطبيعــة والكــون والوجـــود‪،‬‬
‫فــإن الزمــان واملــكان يشــكالًن نســيج عجيــب الســتخراج دالالت العالقــة وأمهيتهــا يف‬
‫احليــاة البشــرية‪ ،‬وإن اإلنســان هــو مــادة الربــط بــن الزمــان واملــكان‪ ،‬وهــذا حييلنــا إىل‬
‫مــا أمســاه باشــار «وتــرة اجلهــود اإلنســانية»‪ ،‬روح الزمــان واملــكان وهــم البشـــر ومهــا‬
‫متالزمــان(‪ ،)2‬ثــم بيّــن ميــس ‪ Meiss‬يف دراســته عــن اســتثمار اإلنســان للمــكان يف‬
‫توجيــه العمــارة يف وســائل التشــييد مــكان معمــاري هــي دائمـاً فيزيائيــة لكــن آمـاً أن‬
‫تتحــول إىل مــكان‪ ،‬يشــرط معرفــة اجتاههــا‪ ،‬وإن اجتــاه الشــمس وأمهيتــه يف احلــس‬
‫التوجيهــي لإلنســان‪ ،‬أل ّنــه يرتبــط باالجتاهــات اجلغرافيــة والعالقــة بيـــنهم‪ ،‬ألن كلمـــة‬
‫(‪ )1‬روائــع الفــن يف العــامل اإلســامي – كنــوز اإلســام – برنــارأوكان – ترمجــة نورمــا نابلــس – مؤسســة حممــد‬
‫بــن راشــد آل مكتــوم ‪ -‬بــروت ‪ -‬لبنــان ‪.2009 -‬‬
‫‪(2) Arnulf Lüchinger,»Structuralisme en architercture et urbanisme», Traduction enFrançais:‬‬
‫‪Jacques Debains Eyrolles-Saint Germain Paris-1980 (P166).‬‬

‫‪95‬‬
‫(‪ )Orientation‬هــو مــكان شــروق الشــمس‪ ،‬هــو املرجــع الصحيــح للتأكيــد لإلنســان‬
‫والزمــان واملــكان‪ ،‬الشــمال (‪ )Nord‬يســمح لنــا للتموقــع‪ ،‬ويســهل لنــا لنقــل وتوجيــه‬
‫الفضــاءات الداخليــة حســب اختــاف اإلضــاءة ودرجــة احلــرارة(‪.)1‬‬

‫وإن الطابــع املعمــاري أو مــا يســمى بالطــراز أو النســق املعمــاري‪ ،‬مــا هــو إال نتيجــة‬
‫طبيعيــة لعــدة عوامــل مشــركة ومتفاعلــة مــع بعضهــا‪ ،‬مصهــورة يف بوتقــة اإلرتفــاع‬
‫الكامــل للمبنــى‪ ،‬وأســاليب البنــاء ومــواد اإلنشــاء‪ ،‬وطبيعــة األقاليــم أو املنطقــة ثــم‬
‫التقاليــد والعــادات‪ ،‬هــذا باإلضافــة إىل العوامــل االجتماعيــة واالقتصاديــة والثقافيــة‬
‫والروحيــة ومســتوى الثــروة احملليــة‪.‬‬

‫وعلــى ذلــك فــإن العمــارة هــي مــرآة تعكــس آمــال الشــعب وهنضتــه وتطــوره ورقيــه‪ ،‬وهي‬
‫احليــاة الــي عاشــت يف عــامل األمــس‪ ،‬وتعيــش اليــوم‪ ،‬وســتبقى حيــة يف املســتقبل‪،‬‬
‫وتعتــر أعمــال البنــاء والتعمــر مــن أهــم مظاهــر احليــاة والرقــي لــدى األمــم‪ ،‬الطابــع‬
‫املميــز حلضاراهتــا‪ ،‬تبــذل مــن أجلهــا اجلهــود واألمــوال‪ ،‬وحنــن نــرى اختــاف الفنــون‬
‫املعماريــة‪ ،‬فلــكل منهــا صفاتــه اخلاصــة وشــخصيته املميــزة‪ ،‬وبالرغــم مــن ذلــك فــإن‬
‫أوجــه الشــبه تظــل قائمــة بــن فنــون األمــم عربالعصــور‪ ،‬وذلــك ألن املبتكــرات الفنيــة‬
‫والتقنيــة‪ ،‬تتســرب مــن بلــد إىل آخــر عــر احلــدود‪ ،‬وجيــري اقتباســها وتطويرهــا قليـاً‬
‫أو كثــراً‪.‬‬

‫فاالقتبــاس ومتــازج الثقافــات بــن األمــم ظاهــرة عامــة‪ ،‬تشــتد وتقــوى كلمــا زادت‬
‫الصــات ورقــت احلواجــز‪ ،‬بــل هــي أشــد ماتكــون ظهــوراً يف عصرنــا احلديــث‪ ،‬الــذي‬
‫تتبــادل فيــه أمــم العــامل املبتكــرات واملعــارف والتكنولوجيــا‪.‬‬

‫وإذا عدنــا إىل احلضــارات القدميــة وجدنــا كثــراً مــن االقتبــاس والتقليــد فيمــا بينهــا‪،‬‬
‫فالرومــان الذيــن برعــوا يف اإلنشــاء والتعمــر قــد ورثــوا فنــون اليونــان‪ ،‬كمــا دانــت‬
‫(‪Miss- Pierre Von-De la Form Au Lieu Deuxieme Edition-ISBN Lausanne/1993- )1‬‬
‫(‪ - )P166‬الزمــان واملــكان يف العمــارة اإلســامية بــن التأثــر والتأثــر ‪ -‬جملــة العلــوم والتكنولوجيــا اجمللــد ‪-‬‬
‫‪12‬العــدد‪ - 2‬لعــام ‪.2007‬‬

‫‪96‬‬
‫فنــون اليونــان والفــرس قبلهــم بالكثــر إىل حضــارات الشــرق العربــي املوغلــة يف القــدم‪،‬‬
‫واملقصــود يف ذلــك احلضــارات الــي ازدهــرت يف بــاد الرافديــن والشــام ومصــر‬
‫قبــل آالف الســنني‪ ،‬وعلــى ســبيل املثــال األنظمــة اخلمســية الــي وجــدت يف العمــارة‬
‫الرومانيــة القدميــة ثــم اقتبــاس ثالثــة منهــا مــن العمــارة اليونانيــة الــي ســبقتها‪ ،‬كمــا‬
‫أن بعضـاً مــن عناصــر العمــارة اليونانيــة مت اقتباســها مــن العمــارة الفرعونيــة القدميــة‪.‬‬

‫ولقــد كشــفت أعمــال التنقيــب األثريــة الــي أجريــت يف العديــد مــن املواقــع يف بــاد‬
‫الرافديــن وســوريا عــن آثــار معماريــة هامــة ترجــع إىل ثالثــة آالف ســنة‪ ،‬وقــد أنشــأ‬
‫معظمهــا أقــوام مــن بينهــم شــعوب بابــل وآشــور وكنعــان وغريهــم‪ ،‬وكان نتــاج هــذه‬
‫الشــعوب القدميــة ومبتكراهتــم أثــراً كبــراً علــى تطــور الفنــون املعماريــة‪ ،‬وقــد اقتبــس‬
‫اإلغريــق رواد احلضــارة الكالســيكية عنهــم الكثــر كمــا اقتبــس عنهــم يف املشــرق‬
‫الفــرس وغريهــم(‪...)1‬‬

‫(‪ )1‬بنــاء – كلمــا هــو مفيــد يف عــامل البنــاء والعمــارة ‪ -‬العمــارة‪ :‬التطــور بــن احلضــارات وظاهــرة االقتبــاس ‪ -‬موقــع‬
‫الكرتوني‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫ثانياً‪ :‬تعريف العمارة اإلسالمية‬

‫تعــد العمــارة اإلســامية مــن أهــم فنــون احلضارتــن العربيــة واإلســامية‪ ،‬فعلــى الرغم‬
‫مــن تأثرهــا لباقــي احلضــارات الــي ســبقتها إال أهنــا اســتطاعت أن تكــوّن لنفســها‬
‫طابع ـاً مميــزاً عَبَــر عــن خصوصيتهــا الرتباطهــا بالعقيــدة اإلســامية الســمحاء‪ ،‬إذ‬
‫شــكلت برتاثهــا املتنــوع منهجــاً قــاد حضــارة أخــرى إىل مصــايف التطــور واإلزدهــار‪،‬‬
‫وقــد نشــأت العمــارة اإلســامية كحرفــة بســيطة يف البنــاء ثــم تطــورت حتــى كوّنــت‬
‫جمموعــة مــن الفنــون املعماريــة املختلفــة‪ ،‬واشــتمل الفــن املعمــاري اإلســامي علــى عــدة‬
‫أنــواع منهــا – فــن عمــارة املســاجد وعمــارة القصــور وفــن عمــارة البيــوت وفــن عمــارة‬
‫املــدارس‪ ،‬وقــد بــرع املســلمون يف فنــون العمــارة بــكل أشــكاهلا‪.‬‬

‫وكانــت املســاجد أول شــيء بنــاه املســلمون مــن حيــث العمــارة‪ ،‬فقــد بنــوا املســاجد قبــل‬
‫أن يبنــوا القصــور أو القــاع أو املــدارس ومــن هنــا كان املســجد الدعامــة األوىل لنشــأة‬
‫فــن العمــارة اإلســامية ومل تقتصــر رســالة املســجد علــى الصــاة والعبــادة فحســب‬
‫بــل كان مبثابــة مدرســة للعلــم والرتبيــة وبرملــان لألمــة تعقــد فيــه اإلنتخابــات (البيعــة)‬
‫للخليفــة وتــدار فيــه االجتماعــات السياســية والعســكرية كمــا يف مســجد الرســول ‪‬‬
‫بالرغــم مــن بســاطته(‪.)1‬‬

‫وتعــرف العمــارة اإلســامية بأهنــا خصائــص بنائيــة متيــز هبــا املســلمون لتكويــن هويــة‬
‫هلــم يف املناطــق الــي دخلوهــا ووصلــوا إليهــا مثــل شــبه اجلزيــرة العربيــة والعــراق‬
‫ومصــر وبــاد الشــام‪ ،‬فقــد تأثــرت العمــارة اإلســامية بالديــن اإلســامي وبالنهضــة‬
‫العلميــة الــي تتبــع لــه‪ ،‬وختتلــف العمــارة اإلســامية مــن منطقــة إىل أخــرى‪ ،‬حيــث‬
‫متيــزت يف بــاد الشــام وشــبه اجلزيــرة العربيــة بعمــارة الصحــن املفتــوح‪ ،‬بينمــا اختفــت‬
‫هــذه العمــارة مــن تركيــا نتيجــة لــرودة الطقــس فيهــا(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬د‪.‬عفيف هبنسي‪-‬فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس‪.‬‬


‫(‪ )2‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل – خصائص العمارة اإلسالمية – شهرية دعدوع‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫والعمــارة اإلســامية نشــأت كحرفــة بســيطة مــن حــرف البنــاء يف أبســط أشــكاله‪ ،‬ثــم‬
‫تطــورت حتــى نشــأت عنهــا جمموعــة مــن الفنــون املعماريــة املختلفــة‪ ،‬وتعــد العمــارة مــن‬
‫أهــم مظاهــر احلضــارة‪ ،‬بــل وفلســفتها أيضـاً‪ ،‬وانقســمت العمــارة(‪ ،)1‬واهتمــت الدولــة‬
‫اإلســامية يف عهــد اخلالفــة الراشــدة واألمويــة والعباســية بالعلــوم واملدنيــة كمــا‬
‫اهتمــت بالنواحــي الدينيــة‪ ،‬فكانــت احلضــارة اإلســامية حضــارة متــزج بــن العقــل‬
‫والــروح‪ ،‬فامتــازت عــن كثــر مــن احلضــارات الســابقة‪ ،‬فاإلســام دي ـنٌ عاملــي حيــض‬
‫علــى طلــب العلــم وعمــارة األرض لتنهــض أممــه وشــعوبه‪ ،‬وتنوعــت جمــاالت الفنــون‬
‫والعلــوم والعمــارة طاملــا ال ختــرج عــن نطــاق القواعــد اإلســامية؛ ألن احلريــة الفكريــة‬
‫كانــت مقبولــة حتــت ظــال اإلســام‪ ،‬وامتــدت هــذه احلضــارة القائمــة بعدمــا أصبــح‬
‫هلــا مصارفهــا وروافدهــا لتشــع علــى بــاد الغــرب وطرقــت أبوابــه‪ ،‬وهــذه البوابــة تــرز‬
‫إســهامات املســلمني يف جمــاالت احليــاة اإلنســانية واإلجتماعيــة والبيئيــة‪ ،‬خــال‬
‫تارخيهــم الطويــل‪ ،‬وعصورهــم املتالحقــة(‪.)2‬‬

‫وهــي أحــد مظاهــر احلضــارة الــي ميــزت التاريــخ اإلســامي‪ ،‬والتــزال هــذه العمــارة‬
‫إىل اآلن شــاهدة علــى عظمــة هــذه احلضــارة وإنســانيتها‪ ،‬ومل تقتصــر تلــك العمــارة‬
‫علــى املســاجد واملنــازل فقــط‪ ،‬بــل امتــدت لتشــمل املــدارس واألســبلة وحتــى القــاع‬
‫واحلصــون مــا يــدل علــى اهتمــام احلضــارة اإلســامية بكافــة مناحــي النشــاط‬
‫االقتصــادي واالجتماعــي وأيض ـاً احلربــي‪ ،‬ومجعــت العمــارة اإلســامية بــن خمتلــف‬
‫أشــكال الفنــون األخــرى‪ ،‬للدرجــة الــي اعتــر اليونانيــون معهــا أن العمــارة اإلســامية‬
‫هــي أم الفنــون(‪ .)3‬وبقيــت األمســى واألبقــى مالألمــة مــن تــراث‪ ،‬وحنــن العــرب كان لنــا‬
‫تــراث ومشــاركة وإبــداع منــذ أقــدم العصــور‪ ،‬ولكنــه مل يصبــح عميق ـاً شــامالً وهاج ـاً‬
‫إال باإلســام‪ ،‬الــذي امتــدت فتوحاتــه مــن اهلنــد شــرقاً إىل احمليــط األطلســي غرب ـاً‪،‬‬
‫مســتقراً يف بعــض بلداهنــا‪ ،‬مــاراً أو جمــاوراً بعضهــا اآلخــر‪ ،‬والتعــرف علــى القيــم‬
‫(‪ )1‬البيــان عــر امــارات‪ -‬العمــارة اإلســامية أحــد مظاهــر احلضــارة الــي ميــزت التاريــخ اإلســامي‪ -‬املصــدر‪:‬‬
‫القاهــرة دار اإلعــام العربيــة التاريــخ‪ 15 :‬أبريــل ‪.2011‬‬
‫(‪ )2‬احلضارة سبق وريادة وجتديد – الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬
‫(‪ )3‬القاهرة دار اإلعالم العربية جملة البيان اإلماراتية‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫واملبــادئ املعماريــة‪ ،‬يف تلــك العمــارة واملبانــي وإدخاهلــا يف أســلوب معمــاري جديــد‬
‫يعــر عــن الشــخصية املعماريــة اإلســامية‪ ،‬حبيــث تتعايــش وتتكامــل وتنســجم العمــارة‬
‫اجلديــدة مــع العمــارة القدميــة‪ ،‬كمــا هــي التحــف املنقولــة فــإن العمائــر واملباني‪،‬هلا قدر‬
‫أكــر يف اســتنباط احلقائــق الثابتــة الــي ال هتــاب وال حتابــى‪ ،‬فالعمــارة ومــا مياثلهــا‬
‫مــن آثــار قائمــة يف مقدمــة مــا حيــرص علمــاء تاريــخ احلضــارات علــى اســتنطاقها‬
‫واالســتماع إليهــا‪ ،‬وعلــى الوقــوف علــى مــا ختفــي وماتعلــن عنــد تدوينهــم تــراث‬
‫األقدمــن‪ ،‬فالعمــارة هــي الســجل الــذي يســتقي منــه التاريــخ لآلخــر مبــا فيــه مــن‬
‫تقــدم وازدهــار‪ ،‬أو تدهــور وختلــف‪ ،‬وقــد ســجلت لنــا تاريــخ الــدول املتعاقبــة‪ ،‬وصــورة‬
‫صادقــة عــن منشــئها‪ ،‬والــي تغلغلــت نفــوس معتنقيهــا‪ ،‬لســماحتها وملالءمتهــا‪ ،‬لطبيعــة‬
‫النفــس البشــرية‪ ،‬وحلرصهــا علــى اإلســعاد يف الداريــن‪ ،‬األوىل واآلخــرة‪ ،‬وارتبطــت‬
‫العقيــدة ارتباطـاً وثيقـاً بعمــارة املســاجد‪ ،‬الــي يعمرهــا مــن آمــن بــاهلل واليــوم اآلخــر‪،‬‬
‫وأقــام الصــاة وآتــى الــزكاة ومل خيــش إال اهلل(‪.)1‬‬

‫وهــي املكــون احملــوري للخصائــص البنائيــة الــي اســتعملها املســلمون لتكــون هويــة‬
‫هلــم‪ ،‬وقــد نشــأت تلــك العمــارة بفضــل املســلمني وذلــك يف املناطــق الــي وصلهــا‬
‫كشــبه جزيــرة العــرب والعــراق ومصــر وبــاد الشــام واملغــرب العربــي وتركيــا وإيــران‬
‫وخراســان وبــاد مــاوراء النهــر والســند باإلضافــة إىل املناطــق الــي حكمهــا ملــدة طويلــة‬
‫مثــل األندلــس (إســبانيا حالي ـاً) واهلنــد‪ ،‬فهــي شــخصية األمــة الــي تقــاس برتاثهــا‪،‬‬
‫عمقـاً وغنــى واتســاعاً‪ ،‬فالــراث وحــدة حضاريــة متكاملــة ال ميكــن أن تتجــزأ‪ ،‬وعناصــر‬
‫الــراث تبقــى متداخلــة‪ ،‬تتنــاوب فيمــا بينهــا‪ ،‬التأثــر والتأثــر‪ ،‬حبيــث ال نســتطيع أن‬
‫نعــزل الــراث املعمــاري والعمرانــي عــن الــراث االجتماعــي والفكــري والفــي‪ ،‬فــكل‬
‫شــكل مــن أشــكال هــذا الــراث‪ ،‬يعتــر ســبباً لنشــوء اآلخــر‪ ،‬كمــا يعتــر انعكاسـاً لــه يف‬
‫الوقــت نفســه(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ العمارة اإلسالمية‪ .‬م‪ .‬نبيل حممود عياد‪.‬‬


‫(‪ )2‬جولة تارخيية يف عمارة البيت العربي والبيت الرتكي – املهندس املعماري حممود زين العابدين‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫وحنــن ال نعــرف إال القليــل عــن فــن العمــارة خالل نشــأة اإلســام‪ ،‬وقبل حكــم األمويني‪،‬‬
‫حيــث يُعــد «بيــت الرســول حممــد ‪ »‬باملدينــة املنــورة‪ ،‬هــو أول وأهــم مبنــى إســامي‪،‬‬
‫يُمكــن أن يكــون هــذا البيــت إىل حــد مــا أســطوري‪ ،‬وهــو يُعّ ـ ّدُ أول مــكان حيــث جتمــع‬
‫فيــه املســلمني ألداء الصــاة‪ ،‬و «بيــت الرســول ‪ »‬لــه أمهيــة كبــرة للفــن املعمــاري‬
‫اإلســامي‪ ،‬حيــث أنــه وضــع النمــوذج األويل لبنــاء املســجد علــي الطــراز اإلســامي‪،‬‬
‫واملــكان عبــارة عــن فنــاء وقاعــة هبــا أعمــدة ألداء الصــاة‪ ،‬وقــد بــي هــذا البيــت مــن‬
‫مــواد بســيطة كاخلشــب والطــن‪ ،‬وتطــور بنــاء املســجد علــى فــرات‪ ،‬وازدادت ســعته‬
‫نظــراً الزديــاد عــدد املصلــن فيــه‪ ،‬وتــدرج البنــاء يف تطــوره مــن عهــد الرســول الكريــم ‪‬‬
‫إىل وقتنــا احلاضــر‪ ،‬وكمــا ذكــر يف قولــه تعــاىل‪:‬‬

‫ـاجدَ اللَّـهِ مَـنْ آمَـنَ بِاللَّـهِ وَالْيَـوْ ِم ْالخِـ ِر وَ َأ َقــامَ الصَّـاَةَ و ََآتــى الـزَّ َكاةَ وَلَـمْ ي َْخـشَ إِ َّل اللَّـهَ ۖ‬
‫{إِنَّمَــا يَعْمُـرُ مَسَـ ِ‬
‫ـى ُأولَئِٰـكَ َأن ي َُكو ُنــوا مِـنَ الْمُهْ َتدِيـنَ*} ســورة التوبــة(‪.)1‬‬ ‫َفعَسَـ ٰ‬

‫ومل يكــن عنــد العــرب يف اجلزيــرة العربيــة فــن معمــاري يســتحق االهتمــام‪ ،‬حتــى‬
‫عنــد احلضــر مــن ســكان املــدن‪ ،‬مثــل مدينــة مكــة ويثــرب ‪ -‬املدينــة املنــورة – وعندمــا‬
‫جــاء اإلســام وانطلقــت الدعــوة اإلســامية يف البلــدان‪ ،‬وحصــل انتشــار واســع للديــن‬
‫اإلســامي‪ ،‬فــإن املســلمني احتكــوا بالــدول املتحضــرة‪ ،‬كمــا أن عــدداً كبــراً مــن أصحاب‬
‫تلــك املدنيــات دخلــوا يف اإلســام‪ ،‬وأصبحــوا يف عــداد املســلمني‪ ،‬وســامهوا يف بنــاء‬
‫املبانــي اإلســامية األوىل مثــل اجلامــع األمــوي يف دمشــق وقبــة الصخــرة الــي شــكلت‬
‫يف ذلــك الوقــت انتصــاراً ثقافيـاً وفنيـاً يزيــد مــن قــوة النصــر العســكري ويدعمــه كمــا‬
‫أنــه يدحــض إدعــاء مــن ادعــى أن املســلمون غــزاة وليســوا بنــاة حضــارة(‪.)2‬‬

‫ويعــد اجلامــع األمــوي بدمشــق مــن روائــع العمــارة اإلســامية يف العصــر األمــوي‬
‫(‪ 132-41‬هـــ‪ 750-661 /‬م) وذلــك يف عهــد الوليــد بــن عبــد امللــك اخلليفــة األمــوي‬
‫(‪ 96-86‬هـــ‪715-705 /‬م) حيــث حيدثنــا ابــن جبــر عــن هذا املســجد اجلامع وقت فتح‬
‫(‪ )1‬اآلية ‪ 18‬من سورة التوبة‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمارة اإلسالمية –زكاء رواس قلعهجي‪.‬‬

‫‪101‬‬
‫دمشــق‪ ،‬أنظــر الشــكل (‪ )10‬يف خالفــة‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬بقولــه (والوليــد‬
‫هــذا هــو الــذي أخــذ نصــف الكنيســة‬
‫الباقيــة منــه يف أيــدي النصــارى وأدخلهــا‬
‫فيــه‪ ،‬ألنــه كان قســمني‪ :‬قســماً للمســلمني‬
‫وهــو الشــرقي‪ ،‬وقســماً للنصــارى وهــو‬
‫‪10‬‬ ‫الشكل‬ ‫الغربــي‪ ،‬ألن أبــا عبيــدة بــن اجلــراح ‪‬‬
‫دخــل البلــد مــن اجلهــة الغربيــة‪ ،‬فانتهــى‬
‫إىل نصــف الكنيســة‪ ،‬وقــد وقــع الصلــح بينــه وبــن النصــارى‪ ،‬ودخــل خالــد بــن الوليــد‬
‫‪ ‬مــن اجلانــب الشــرقي‪ ،‬وانتهــى إىل النصــف الثانــي وهــو الشــرقي‪ ،‬فاجتــازه‬
‫املســلمون وصــروه مســجداً‪ ،‬وبقــي النصــف املصــاحل عليــه وهــو الغربــي كنيســة بأيــدي‬
‫النصــارى‪ ،‬إىل أن عوضــه منــه الوليــد‪ ،‬فأبــوا ذلــك‪ ،‬فانتزعــه منهــم(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين – موســوعة العمــارة اإلســامية (اجمللــد‬
‫األول) – الدكتــور عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – أســتاذ اآلثــار اإلســامية املســاعد ورئيــس قســم اآلثــار اإلســامية‬
‫– دار اآلفــاق العربيــة‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫ثالثاً‪ :‬ميزات العمارة اإلسالمية‬

‫إن الديــن اإلســامي الــذي انطلــق مــن كلمــة موجــزة {ا ْقـرَأْ} [العلــق‪ ،]1:‬يف حيــز كهــف‬
‫حــراء‪ ،‬كان إعالنـاً باملضمــون العلمــي والدنيــوي لإلســام إضافـ ًة إىل املضمــون الديــي‪،‬‬
‫واســتطاع اإلســام‪ ،‬مبــا ملــك مــن فكــر إنســاني‪ ،‬أن ينتشــر علــى رقعــة واســعة متتــد من‬
‫الصــن شــرقاً حتــى ختــوم العاصمــة الفرنســية غربـاً‪ ،‬وأنتجــت احلضــارة اإلســامية‬
‫شــخصية فنيــة متكاملــة يف العمــارة والفنــون وختطيــط املــدن‪ ،‬هلــا خصائصهــا الــي‬
‫متيزهــا عــن غريهــا مــن احلضــارات يف كل بقعــة مــن البقــاع الــي انتشــر فيها اإلســام‪،‬‬
‫وا ّتصــف الفــن املعمــاري والعمرانــي اإلســامي باســتيعابه املــدارس الــي ســبقته كافــة‪،‬‬
‫وكانــت ســائدة يف آســيا الغربيــة‪ ،‬فحاورهــا طالــب علــم وفــن‪ ،‬وتعلــم منهــا وهنــل مــن‬
‫تراثهــا‪ ،‬ثــم صــار املعلــم القديــر‪ ،‬فصــاغ مــا أخــذه بأســلوبه اخلــاص‪ ،‬واســتطاع يف‬
‫مئــة عــام أن يبلــور هــذه الشــخصية الفنيــة وهــذه اهلويــة اخلاصــة الــي متيّــزت هبــا‬
‫احلضــارة اإلســامية(‪.)1‬‬

‫واســتفاد العــرب املســلمون مــن التقانــات واألمنــاط التقليديــة الــي كانــت ســائدة يف‬
‫البــاد الــي فتحوهــا يف إشــادة املبانــي واملنشــآت‪ ،‬وذلــك يف الفــرة األوىل مــن املدرســة‬
‫اإلســامية‪ ،‬ثــم مــا لبثــت أن تبلــورت مدرســة فنيــة متكاملــة حتمــل هويــة متجانســة‬
‫علــى البــاد اإلســامية قاطبــة‪ ،‬وصــار مــن الصعــب معرفــة األصــول املقتبســة منهــا‬
‫فتميــزت مــن غريهــا مــن املــدارس الفنيــة‪.‬‬

‫ومــردّ ذلــك إىل عوامــل خمتلفــة منهــا‪ :‬العامــل الديــي‪ ،‬وهــو أهــم العوامــل‪ ،‬أضفــى‬
‫الصبغــة اإلســامية الــي هــي خالصــة للفكــر والعقيــدة اإلســامية علــى األبنيــة‬
‫الدينيــة واملدنيــة‪ ،‬كإشــادة املســاجد واجلوامــع وفــق نظــام وختطيــط معينــن يلبّيــان‬
‫احلاجــة الوظيفيــة وتأديــة الصــاة‪ ،‬والعامــل اآلخــر هــو العامــل اجلغــرايف‪ ،‬وتشــابه‬
‫املنــاخ النســي يف أقاليــم اإلســام حيــث غلــب عليهــا املنــاخ الصحــراوي واملتوســطي‬
‫فتشــابه النســيج العمرانــي يف ختطيــط املــدن‪ ،‬وعُ ـ ِرف مــا يســمى بالنســيج املــراص‬

‫(‪ )1‬العمارة اإلسالمية تاريخ من اجلمال واإلبداع – الدكتور رضوان ضحالوي– املصدر‪ -‬املوسوعة العربية‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫أو العفــوي‪ ،‬ويف اجملــال املعمــاري اتصفــت العمــارة بالتصميــم البيئــي‪ ،‬وذلــك بالتأكيــد‬
‫علــى انغــاق املبانــي مــن اخلــارج وانفتاحهــا علــى الداخــل حــول باحــة مكشــوفة حيــث‬
‫اهلــواء الطلــق واملــاء والســماء والنباتــات‪ ،‬ومتيــزت العمــارة اإلســامية بغنــى مفرداهتــا‬
‫املعماريــة‪ ،‬واهتمامهــا بالنواحــي احلياتيــة مجيعهــا‪ ،‬فظهــرت املبانــي الدينيــة مــن‬
‫مســاجد ومــدارس وتكايــا وزوايــا وخانقاهــات (دور الصوفيــة)‪ ،‬وأبنيــة مدنيــة كالــدور‬
‫والقصــور‪ ،‬وأبنيــة عامــة كالبيمارســتانات (املشــايف) واخلانــات (حمطــات اســراحة‬
‫املســافرين)‪ ،‬واحلمامــات واألســواق‪ .‬كمــا ظهــر االهتمــام باحلدائق والسـبُل املائية على‬
‫صعيــد ختطيــط املــدن إضافــة إىل العمــارة العســكرية‪ ،‬وبُنيــت القــاع والتحصينــات‬
‫واألربطــة (قــاع دفاعيــة تقــام علــى امتــداد الشــريط الســاحلي)‪.‬‬

‫ومل يقتصــر غنــى العمــارة اإلســامية علــى تنــوع ماهيات األبنية وموضوعاهتــا؛ بل متيزت‬
‫بغنــى مفرداهتــا وعناصرهــا املعماريــة‪ ،‬فمــن هــذه العناصــر القبــاب ‪domes/cupolas‬‬

‫والقبــوات والعقــود ‪ vaults‬مبختلــف أشــكاهلا (أنصــاف الدائريــة ‪ ،penannulars‬واملدببة‬


‫‪ ،pointed arches‬واحلدويــة ‪ ،horseshoe arches‬واملفصصــة ‪،)… multifoil‬‬
‫واألقــواس ‪ arches‬واملــآذن ‪ minarets‬واحملاريــب ‪ niches‬واألروقــة ‪،porticos‬‬
‫والعناصـ�ر االنتقاليـ�ة للقبـ�اب مـ�ن مثلثـ�ات كرويـ�ة ‪ pendentives‬ومقرنصــات �‪stalac‬‬

‫‪ ،tites‬والفراغــات الداخليــة املكشــوفة‪ ،‬والعناصــر املائيــة ‪ fountains‬فيهــا‪ ،‬والسُــبل‬


‫‪iwans‬‬ ‫املائيــة املوزعــة يف أحيــاء املــدن‪ ،‬والفســقيات (البحــرات الداخليــة)‪ ،‬واألواويــن‬
‫(غــرف جلــوس ثالثيــة اجلــدران تطــل علــى الفنــاء)‪ ،‬وعناصــر الزخرفــة ‪ornaments‬‬

‫املختلفــة‪ .‬وبــرز شــأن الكتابــة ‪ inscription‬العربيــة عنصــراً زخرفيّـاً يف خمتلــف األبنية‬


‫ورمــزاً مــن رمــوز الديانــة اإلســامية‪ ،‬وهــي لغــة القــرآن الكريــم(‪.)1‬‬

‫إن البعــد الفكــري يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬اعتمــد الفــن اإلســامي علــى الرمزيــة‬
‫‪ symbolism‬والتجريــد وســيلة يف التعبــر املعمــاري‪ ،‬فالرقــش (األرابيســك)‬
‫ا هــو حالــة تعبرييــة تفســرية معينــة للكــون‬
‫‪ ornamentation /arabesque‬مثــ ً‬
‫(‪ )1‬مرجع سبق ذكره – املوسوعة العربية‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫والوجــود‪ ،‬حيــث اســتطاع فــن الرقــش أن يصـوّر اإلنســان بشــكله ومضمونــه مبــا ميثله هذا‬
‫املخلــوق الصغــر مــن عــامل كبــر ليــس لــه هنايــة‪ ،‬وبفلســفة صوفيــة تالقت مع مبــدأ حتريم‬
‫التصويــر والتشــبيه يف اإلســام‪ ،‬ولئــن عرفــت احلضــارات املصرية القدمية والكالســيكية‬
‫(اليونانيــة والرومانيــة) اســتخدام الزخــارف اهلندســية والنباتيــة‪ ،‬فاملدرســة اإلســامية‬
‫جعلــت مــن هــذه الزخــارف مدرســة فنيــة هلــا أســلوهبا وفلســفتها دُعيــت بفــن الرقــش‬
‫(األرابيســك)‪ ،‬واملقرنــص يف العمــارة اإلســامية هــو عنصــر اعتمــد علــى فــن الرقــش‬
‫بأبعــاده الفلســفية عــدا كونــه عنصــراً معماريـاً للربــط البصــري بــن االنتقــال الشــاقويل‬
‫واخلــط املنحــي(‪.)1‬‬

‫وجتلــت الرمزيــة أيضـاً يف العمــارة اإلســامية بتأكيدهــا أشــكال املربــع والدائــرة والعالقــة‬
‫اجلدليــة بينهمــا‪ ،‬وهــو مــا يُالحــظ يف مســاقط األوابــد املعماريــة املشــهورة يف التاريــخ‬
‫اإلســامي‪ ،‬فاملربــع ميثــل العناصــر األربعــة املكونــة للطبيعــة يف الفلســفة الصوفيــة وهــي‬
‫(النار واهلواء واملاء والرتاب)‪ ،‬وأتت املئذنة لتعرب عن االرتقاء حنو السماء عن طريق اآلذان‬
‫والدعــوة إىل أداء فــروض الصــاة‪ ،‬ومل تبتعــد هــذه الرمزيــة عــن تنظيــم املــدن اإلســامية‬
‫وجتلــت يف خمطــط مدينــة بغــداد الدائــري حيــث املدينــة حــول املســجد الكبري‪ ،‬وقد يشــعر‬
‫الناظــر إىل الصــورة اجلويــة ملدينــة غردايــة ‪ Ghardaia / Taghardait‬اجلزائريــة‪ ،‬أنه أمام‬
‫مشــهد توحيــدي تتجلــى فيــه املركزيــة الــي تُشــاهد يف املــدن اإلســامية وتُ َذ ِّكــر مبشــهد‬
‫احلجــاج إىل بيــت اهلل احلــرام(‪.)2‬‬

‫ومــن أهــم اجملــاالت الــي تف ـوّق فيهــا املســلمون‪ ،‬وقــد ش ـيّد املعماريــون املســلمون أنواع ـاً‬
‫عديدة من العمائر‪ ،‬وخلّفوا لنا كثريًا من األبنية الدينية والعلمية كما ذكرنا آنفاً املســاجد‬
‫واملــدارس والكتاتيــب والزوايــا‪ ،‬وكذلــك العمائــر املدنيــة كالقصــور والبيــوت واخلانــات‬
‫والــوكاالت واحلمامــات والبيمارســتانات (املستشــفيات) واألســبلة والقناطــر‪ ،‬وأيضـاً مــن‬
‫العمائــر العســكرية كالقــاع واحلصــون واألســوار واألبــواب واألربطــة‪ ،‬وكان لــكل نــوع منهــا‬
‫تصميمــه اخلــاص بــه واملالئــم لوظيفتــه‪ ،‬كمــا اختلــف طــراز كل نــوع وفقـاً إلقليــم إنشــائه‪.‬‬

‫(‪ )1‬العمارة اإلسالمية تاريخ من اجلمال واإلبداع – الدكتور رضوان ضحالوي– املصدر‪ .‬املوسوعة العربية‪.‬‬
‫(‪ )2‬احلضارة (سبق وريادة وجتديد) – قصة اإلسالم – إشراف الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫وقــد اســتمدت األصــول املعماريــة اإلســامية مقوماهتــا األوىل مــن العقيــدة اإلســامية‬
‫إىل جانــب إفادهتــا مــن التقاليــد الفنيــة القدميــة الــي كانــت ســائدة حينــذاك يف الفنــون‬
‫العربيــة والساســانية واهليلينســتية والبيزنطيــة‪ ،‬فاملســاجد‪ ،‬تُعــد مــن أهــم املبانــي‬
‫ـيطاً؛ يتكــون مــن مســاحة‬‫الــي متتــاز هبــا العمــارة‪ ،‬وكان ختطيــط املســاجد األوىل بسـ ً‬
‫مربعــة حماطــة بســور‪ ،‬وهبــا مظلــة ســقفها يرتكــز علــى عُمُــد مصنوعــة‪ ،‬أو مأخــوذة‬
‫مــن جــذوع النخــل أو مــن عُمُــد منقولــة مــن عمائــر قدميــة‪ ،‬ومــن أهــم أمثلــة تلــك‬
‫املســاجد‪ ،‬مســجد الرســول الكريــم ‪ ،‬يف املدينــة املنــورة ومســجد الكوفــة (‪14‬هـــ‪،‬‬
‫‪635‬م) ومســجد البصــرة (‪17‬هـــ‪638 ،‬م) ومســجد عمــرو بــن العــاص يف الفســطاط‬
‫(‪20‬هـــ‪640 ،‬م) ومســجد القــروان يف تونــس (‪50‬هـــ‪670 ،‬م)‪ ،‬ومل تلبــث املســاجد أن‬
‫أصبــح هلــا نظــام معمــاري واضــح يتكــون مــن صحــن أوســط حتيــط بــه أربــع مظــات‬
‫(أروقــة)‪ ،‬أكربهــا مظلــة‪ ،‬القبلــة الــي تشــتمل علــى احملــراب واملنــر‪ ،‬ومــن أمثلــة هــذا‬
‫النــوع مســجد الرســول يف العصــر األمــوي‪ ،‬ومســجد املنصــور يف بغــداد (‪154‬هـــ‪،‬‬
‫‪770‬م) واملســاجد العباســية يف العــراق ومصــر‪ ،‬واختلــف املؤرخــون وأهــل العلــم حــول‬
‫بدايــة نشــأة املــدارس اإلســامية‪ ،‬فمنهــم مــن قــال إهنــا ظهــرت يف عهــد نظــام امللــك‬
‫الــذي أنشــأ املدرســة النظاميــة ســنة ‪ 459‬هـــ ومنهــم مــن قــال إهنــا كانــت قــد ظهــرت‬
‫قبــل ذلــك بكثــر(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ املدارس يف احلضارة اإلسالمية – قصة اإلسالم – الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫رابعاً‪ :‬طرز العمارة اإلسالمية‬

‫الطراز اإلسالمي القديم‪:‬‬

‫متيــز اإلســام عنــد ظهــوره بالبســاطة‬


‫الشــديدة والصرامــة‪ ،‬ولقــد انعكســت‬
‫هاتــن اخلاصتــن علــى فــن العمــارة‬
‫اإلســامية يف هــذا الوقــت‪،‬وإذا نظرنــا‬
‫إىل مســجد قباء واملســجد ذو القبلتني‬
‫واملســجد النبــوي يف صورتــه األوىل‪،‬‬
‫‪11‬‬ ‫الشكل‬ ‫أنظــر الشــكل (‪ )11‬فإننــا جنــد أمثلــة‬
‫لذلــك األســلوب البســيط يف العمــارة‪.‬‬

‫ولقــد بنــى الرســول ‪ ‬املســجد النبــوي علــى شــكل ســاحة كبــرة مفتوحــة‪ ،‬غطيــت‬
‫بعــض أجــزاء منهــا بــأوراق النخيــل املوضوعــة علــى أفــرع النخيــل والــي متتــد علــى‬
‫أعمــدة مــن النخيــل‪ ،‬غايــة يف البســاطة والصرامــة‪ ،‬حتــى عنــد التجديــد‪ ،‬ظلــت هــذه‬
‫املســاجد علــى نفــس بســاطتها باملقارنــة باملســاجد األخــرى‪ ،‬ولقــد ظهــر تأثــر بســاطة‬
‫أيــام اإلســام األوىل يف مســاجد البــدو وقبائــل الصحــراء يف الصحــراء العربيــة ومشال‬
‫أفريقيــا(‪.)1‬‬

‫والطــرز املعماريــة‪ ،)Architectural style( :‬وهــو النمــط واألســلوب يف صياغــة الكتلــة‬


‫والفــراغ املعمــاري ســواء مــن الناحيــة التشــكيلية أو الوظيفيــة‪ ،‬فالطــراز املعمــاري‪ ،‬هــو‬
‫مجلــة املالمــح املميــزة لــكل كتلــة وفــراغ حييــط هبــا‪ ،‬املالمــح الــي تكســب الشــخصية‬
‫للكتلــة وحميطهــا والــي متيزهــا عــن غريهــا‪ ،‬فالطــرز املعماريــة تُصنــف مــن حيــث‬
‫الشــكل والتقنيــات‪ ،‬واملــواد‪ ،‬والفــرة الزمنيــة‪ ،‬املنطقــة‪ ،‬إخل الــي تظهــر مــن دراســة‬
‫تاريــخ اهلندســة املعماريــة‪ ،‬علــى ســبيل املثــال‪ :‬تاريــخ دراســة العمــارة اجلرمانيــة‪،‬‬
‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫مــن شــأنه أن يشــمل مجيــع جوانــب الســياق الثقــايف‪ ،‬الــي ســامهت يف تصميــم‬
‫وبنــاء هــذه اهليــاكل‪ ،‬والطــراز املعمــاري هــو وســيلة لتصنيــف خمتلــف اإلنشــاءات‪،‬‬
‫ويركــز علــى الســمات املميــزه للتصميــم‪ ،‬ممــا يــؤدي إىل مصطلحــات مثــل «أســلوب‬
‫العمــارة اجلرمانيــة(‪.)1‬‬

‫الطراز األموي‪132 - 41( :‬هـ‪749 - 661 ،‬م)‪:‬‬

‫بوفــاة الرســول ‪ ‬وانتهــاء خالفــة الصحابــة أبــو بكــر وعمــر وعثمــان وعلــي ‪ ،‬انتهــى‬
‫عهــد البســاطة والصرامــة لتبــدأ الدولــة األمويــة حكمهــا من الشــام وعاصمتها دمشــق‪،‬‬
‫وكانــت ســوريا وفلســطني وكل بــاد الشــام مقاطعــة مســيحية‪ ،‬وجــزء مــن اإلمرباطوريــة‬
‫البيزنطيــة‪ ،‬لــذا تأثــر األمويــون األوائــل بطــراز العمــارة املســيحي تأثــراً كبــراً‪ ،‬يظهــر‬
‫بوضــوح يف املســجد األمــوي يف دمشــق‪ ،‬ويف ذلــك الوقــت أعيــد بنــاء املســجد األقصــى‬
‫وقبــة الصخــرة بطريقــة تشــر إىل التأثــر املســيحي‪ ،‬مــع إدخــال بعــض خصائــص‬
‫العمــارة اإلســامية اجلديــدة‪ ،‬وأضيفــت القبــاب واملنــارات وأســلوب الديكــور العربــي‬
‫إىل طــراز العمــارة املســيحي‪ ،‬ليكونــوا بذلــك الطــراز األمــوي للعمــارة‪ ،‬وكانــت إضافــة‬
‫الكتابــة العربيــة ألجــزاء مــن القــرآن الكريــم أو احلديــث الشــريف‪ ،‬يف زخرفــة املســاجد‬
‫ملســة رائعــة‪ ،‬وتعــد قبــة الصخــرة واملســجد األقصــى واملســجد األمــوي يف دمشــق‬
‫ومســجد القــروان (مســجد ســيدي عقبــة) ومســجد الزيتونــة أمثلــة ناطقــة بالطــراز‬
‫األمــوي‪ ،‬ولكــن تبقــى قبــة الصخــرة مثــاالً فريــداً يســتحق املشــاهدة‪ ،‬وتعــد أقــل تأثــراً‬
‫باملعمــار املســيحي (البيزنطــي) وقــد بنيــت قبــة الصخــرة يف عــام ‪72‬هـــ ‪691 /‬م أثنــاء‬
‫حكــم اخلليفــة األمــوي عبــد امللــك ابــن مــروان(‪.)2‬‬

‫وكان الشــراك الشــام ومصــر يف تاريــخ واحــد تقريب ـاً منــذ مــا قبــل امليــاد حبــوايل‬
‫ألــف ومخســمائة ســنة‪ ،‬أثــره يف توحيــد تراثهمــا الفــي‪ ،‬وقــد وقــع البنــاء اإلســامي يف‬
‫البلديــن منــذ العهــد األمــوي حتــت تأثــرات حمليــة متشــاهبة تتصــل بالفــن اهللينســي‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫الشــرقي والبيزنطــي‪ ،‬وهــذا مــا أدى إىل‬
‫تشــابه األســاليب الفنيــة فيهمــا(‪.)1‬‬

‫ويف رأي ســوفاجيه ‪« Sauvaget‬أول‬


‫جنــاح معمــاري يف اإلســام»؛ إذ اســتطاع‬
‫الربــط بــن التقليــد املعمــاري املســيحي‬
‫مبفرداتــه املعماريــة والصيغــة املعماريــة‬
‫اجلديــدة الــي أتــت لتنســجم مــع وظيفــة‬
‫البنــاء وروح الديــن اجلديــد‪ ،‬ولقــد أثــر‬
‫هــذا املبنــى يف بنــاء املســاجد اإلســامية‬
‫يف خمتلــف العصــور وخمتلــف مناطــق‬
‫‪12‬‬ ‫الشكل‬
‫انتشــار اإلســام فيظهــر ذلــك جليَّــاً‬
‫حــد كبــر جامــع‬
‫يف مســجد القــروان وجامــع الزيتونــة يف تونــس الــذي يشــبه إىل ٍّ‬
‫القــروان(‪.)2‬‬

‫كذلــك أشــاد األمويــون القصــور يف باديــة الشــام ملمارســة الصيــد‪ ،‬ففيهــا بقايــا حنــو‬
‫‪ 30‬قصــراً‪ ،‬أمههــا قصــر احلــر الشــرقي‪ ،‬وقصــر احلــر الغربــي‪ ،‬انظــر الشــكل (‪)12‬‬
‫وقصــر عمــرة‪ ،‬وقصــر املشــتى‪ ،‬وقصــر خربــة املفجــر‪ ،‬ومتيــز قصــر عُمــرة يف األردن‬
‫باحتوائــه علــى الرســومات اجلداريــة ‪ fresco paintings‬الــي متثــل صــوراً بشــرية‬
‫ا علــى عــدم صحــة نظريــة حتريــم‬
‫وحيوانيــة يعتمــد عليهــا بعــض الباحثــن دليــ ً‬
‫الصــورة يف اإلســام‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ )13‬ومــن الثابــت أن الفــن العربــي اإلســامي‬
‫منــا يف ظــل الدولــة األمويــة يف بــاد الشــام‪ ،‬وقــد اقتبــس الفــن األمــوي مقوماتــه األوىل‬
‫وخصائصــه الفنيــة مــن البيئــة الــي ولــد فيهــا‪ ،‬إىل جانــب بعــض التأثــرات الــي شــكلت‬
‫يف جمموعهــا الســمات الفنيــة للطــراز األمــوي‪.‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ الفن اإلسالمي عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬


‫(‪ )2‬العمــارة اإلســامية تاريــخ مــن اجلمــال واإلبــداع – الدكتــور رضــوان ضحــاوي– املصــدر‪ .‬املوســوعة العربيــة‪.‬‬
‫ســبق ذكــره‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫وقــد ازدهــر الفــن األمــوي يف القرنــن‬
‫األول والثانــي بعــد اهلجــرة‪ ،‬وكان‬
‫طــرازاً فخمـاً انتشــر يف مجيــع األقطار‬
‫مبــا فيهــا األندلــس‪ ،‬وقــد ســاعد علــى‬
‫انتشــار الفــن األمــوي علــى هــذا النحــو‬
‫انتقــال اخلالفــة مــن احلجــاز إىل بــاد‬
‫‪13‬‬ ‫الشكل‬ ‫الشــام‪ ،‬حيــث عاش اخللفــاء األمويون‪.‬‬

‫فقــد اســتقى أصولــه األوىل مــن املــدارس الفنيــة الــي كانــت منتشــرة ومزدهــرة يف‬
‫بــاد الشــام قبــل العصــر اإلســامي كالفنــون اهليلينســتية والنصرانيــة الشــرقية‪ ،‬إىل‬
‫جانــب بعــض التأثــرات الفنيــة الساســانية حبكــم اجلــوار‪ ،‬ومــن اجلديــر بالذكــر أن‬
‫األســاليب الفنيــة يف العصــر األمــوي بلغــت غايــة تطورهــا‪ ،‬وذلــك بفضــل النظــام الــذي‬
‫اتبعــه اخللفــاء األمويــون‪ ،‬املتمثــل يف التــزام أقاليــم العــامل اإلســامي بتقديــم الصنــاع‬
‫والفنانــن ومــواد الصناعــة أو البنــاء إىل مركــز اخلالفــة‪ ،‬مــن أجــل القيــام باألعمــال‬
‫املعماريــة والفنيــة الضخمــة‪ ،‬وهــذا النظــام كان لــه فضــل كبــر يف جعــل اخللفــاء‬
‫األمويــن يقومــون ببنــاء وجتديــد أعظــم العمائــر الدينيــة يف ذلــك الوقــت‪ ،‬مــن بينهــا‬
‫بنــاء املســجد األمــوي واملســجد األقصــى وغــر ذلــك‪ ،‬ويرجــع الفضــل يف إدخــال معظــم‬
‫العناصــر املعماريــة اجلديــدة إىل عمائرهــم الدينيــة ســواء الــي شــيدوها أو الــي قامــوا‬
‫بتجديدهــا‪ ،‬ومــن هــذه العناصــر‪ :‬املئذنــة الــي أُدخلــت ألول مــرة إىل املســاجد يف جامــع‬
‫الكوفــة والفســطاط ودمشــق‪ ،‬كذلــك يرجــع إليهــم الفضــل يف إدخــال املقصــورة الــي‬
‫كانــت تؤمِّــن اخلليفــة يف صالتــه حيــث كانــت جتعلــه يف معــزل عــن صفــوف املصلــن‪،‬‬
‫وكذلــك أدخلــوا احملــراب اجملـوَّف يف املســاجد والقبــاب وغريها من العناصــر املعمارية‪،‬‬
‫وإىل جانــب حركــة بنــاء املســاجد الــي مثلــت العمائــر الدينيــة يف الطــراز األمــوي‪ ،‬أبــدع‬
‫األمويــون كذلــك يف بنــاء القصــور واحلمامــات واالســراحات والــدور‪ ،‬وهــي متثــل اجلانب‬
‫املدنــي يف العمائــر األمويــة‪ ،‬ومــن أعظــم مــا تبقــى مــن تلــك العمائــر جمموعــة القصــور‬

‫‪110‬‬
‫الصحراويــة الــي شــيدها األمويــون خــارج املــدن يف الباديــة بــاألردن وســوريا وفلســطني‪،‬‬
‫ومتتــاز تلــك القصــور بســمات عامــة مــن البيئة اليت شُـيِّدت فيها‪ ،‬وتنبثــق معظم القصور‬
‫الواقعــة يف باديــة شــرق األردن‪ ،‬مثــل قصــر عَمْــرة وقصــر احلالّبــات ومحــام الصَّــرح‬
‫وقصــر املَشْـتَى وقصــر الطوبــة‪ ،‬مــن منــط معمــاري واحــد تقريبًــا؛ إذ جــاءت عمائــر تلــك‬
‫القصــور علــى هيئــة احلصــون الصغــرة‪ ،‬حيــث كان حييــط هبــا أســوار مرتفعــة مدعَّمــة‬
‫بأبــراج وهلــا مدخــل واحــد مــزود حبجــرات أو أبــراج للمراقبــة‪ ،‬أمــا مــن الداخــل‪ ،‬فــكان‬
‫يتوســط تلــك القصــور صحــون مكشــوفة حتيــط هبــا مــن اجلوانــب مالحــق ووحــدات‬
‫معماريــة بعضهــا ســكين وبعضهــا اآلخــر يضــم القاعــات واجملالــس واحلمَّــام‪ ،‬إىل جانــب‬
‫مالحــق اخلدمــات‪ ،‬كذلــك متتــاز عمائــر تلــك القصــور باســتخدام مــواد بنــاء خمتلفــة‬
‫منهــا احلجــر املنحــوت‪ ،‬واحلجــر الغشــيم‪ ،‬واآلجــر‪ ،‬واجلــص‪ ،‬وأمــا مــن حيــث العناصــر‬
‫املعماريــة املتشــاهبة يف عمائــر تلــك القصــور‪ ،‬فإننــا جنــد العقــود نصف الدائريــة والعقود‬
‫املتجــاورة‪ ،‬واألعتــاب‪ ،‬والقبــاب‪ ،‬والعقــود املعماريــة الطوليــة والعقــود املعماريــة املتقاطعة‪،‬‬
‫واألعمــدة والتيجــان الكورنثيــة املســتوحاة مــن العمائــر الكالســيكية(‪.)1‬‬

‫ومــن حيــث العناصــر الزخرفيــة املتشــاهبة ً‬


‫أيضــا يف تلــك القصــور‪ ،‬جنــد الفسيفســاء‬
‫وقــد اسـتُخدمت بكثــرة يف املوضوعــات الفنيــة وكذلــك الفريســكو (التصويــر اجلصي)‪،‬‬
‫وقــد غلــب علــى املوضوعــات الفنيــة الطابع الساســاني وخباصة يف النقــوش والتماثيل‪،‬‬
‫كذلــك عُثــر علــى جمموعــة مــن القصــور األمويــة يف ســوريا؛ منهــا قصــر احلــر الغربــي‬
‫وقصــر احلــر الشــرقي‪ ،‬وقصــر هشــام يف الرصافــة‪ ،‬أمــا يف شــرقي فلســطني‪ ،‬فيوجــد‬
‫قصــر هشــام (خربــة املفجــر) قــرب أرحيــا وقصــر الوليــد يف خرْبــة املنيــة‪ ،‬عنــد طربيــة‬
‫انظــر الشــكل (‪.)2()14‬‬

‫واالنتشــار العاملــي للتأثــرات املعماريــة األمويــة يف األندلــس‪ :‬دخلهــا املســلمون عــام‬


‫‪93‬هـــ‪711/‬م وأصبحــت واليــة أمويــة عاصمتهــا قرطبــة ‪ ،Cordoba‬وا ّتخــذ عبــد‬
‫(‪ )1‬العمــارة اإلســامية تاريــخ مــن اجلمــال واإلبــداع – الدكتــور رضــوان ضحــاوي– املصــدر‪ -‬املوســوعة العربيــة‬
‫ســبق ذكــره‪.‬‬
‫(‪ http://forum.arabia4serv.com/t65602.html#ixzz1i5NzfaLN )2‬العمــارة اإلســامي‪ -‬منتديــات ارابيــا فــور‬
‫ســرف‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫الرمحــن الثالــث لقــب خليفــة‪ ،‬وبــدأ عبــد الرمحــن‬
‫الداخــل بتشــييد املســجد الكبــر يف قرطبــة الــذي‬
‫اســتكمل يف عهــود الحقــة‪ ،‬وأضيفــت إليــه العقــود‬
‫احلدويــة والعقــد املفصــص‪ ،‬الــذي يُعــد إحــدى‬
‫ابتــكارات عصــره‪ ،‬واســتخدمت الشــراريف يف‬
‫تزيينه‪،‬وهــي عنصــر تزييــي يف أعلــى البنــاء‪ ،‬ظهر‬
‫يف العمــارة الشــرقية ثــم مــا لبــث أن انتشــر يف‬
‫إســبانيا(‪ ،)1‬ومــن املالحــظ وجــود أشــكال تزيينيــة‬
‫‪14‬‬ ‫الشكل‬ ‫تســتعمل يف العقــود واألعتــاب تســمى (املــزررات)‪،‬‬
‫وتســمى أجــزاء العقــد املكونــة لــه (الصنــج)‪ ،‬وتســتخدم لغرضــن‪ -‬األول مــن الناحيــة‬
‫اإلنشــائية‪ ،‬وهــي منــع إنــزالق مكونــات العقــد‪ ،‬والثانــي مــن الناحيــة الزخرفيــة‪ ،‬وغالبـاً‬
‫ألواهنــا (األبيــض واألســود أو األمحــر واألبيــض) متعاقبــن‪ ،‬وهــذه املــزررات الزخرفيــة‪،‬‬
‫مؤسســة علــى األشــكال البســيطة لــأوراق الــي تكــون النمــوذج الزخــريف املســتعمل يف‬
‫العمــارة اإلســامية انظــر الشــكل (‪.)2()15‬‬

‫واشــتهرت عمــارة هــذا املســجد بأقواســه ذات النمــط املعمــاري‪ ،‬املعتمــد علــى الثنائيــة‬
‫املؤلفــة مــن صــف أقــواس حدويــة‪ ،‬يعلوهــا صــف آخــر مــن األقــواس احلاملــة للســقف‪،‬‬
‫ويتداخــل فيهــا احلامــل واحملمــول يف ثنائيــة جدليــة متكــررة مبنظــور ‪perspective‬‬
‫بــا هنايــة‪ ،‬وقــد اســتخدموا احلجــر والرخــام واآلجــر‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ )16‬كمــا أن‬
‫هــذه الثنائيــة ظهــرت يف تنــاوب اللونــن األمحــر واألبيــض يف األقــواس الــي دامــت‬
‫الحقـاً مســة مــن مســات العمــارة اإلســبانية‪ ،‬انتقــل اســتخدام هــذه األقــواس والتنــاوب‬
‫اللونــي فيهــا إىل العمــارة املســيحية‪ ،‬وظهــر ذلــك يف الكنائــس‪ ،‬والســيما يف العمــارة‬
‫الروميــة والقوطيــة ‪ Gothic‬الــي تأثــرت باألقــواس األندلســية‪ ،‬انتقلــت عــر احلجــاج‬
‫املســيحيني مــن إســبانيا إىل فرنســا ومنهــا إىل أماكــن أخــرى‪ ،‬وتع ـدُّ أبــراج األجــراس‬
‫(‪ )1‬املوسوعة العربية – العمارة اإلسالمية – الدكتور رضوان ضحالوي‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫يف الكنائــس الروميــة والقوطيــة تقليــداً‬
‫للمأذنــة الرباعيــة الشــكل؛ الــي انتقلــت‬
‫مــن املســجد األمــوي بدمشــق‪ ،‬وهنــاك‬
‫�‪gro‬‬ ‫األقـ�واس والقبـ�وات املتصالبـ�ة‬
‫‪ ined vaults‬وأركان القبــاب والتيجــان‬
‫النباتيــة‪ ،‬إضافــة إىل الزخرفــة العربيــة‬
‫يف أعمــدة مواســاك ويف بــاب كنيســة‬
‫بــوي‪ ،‬ويف واجهــات العديــد مــن األبنيــة‬
‫يف غربــي فرنســا(‪ ،)1‬ويف احلقيقــة‪،‬‬
‫فــإن كافــة تلــك القصــور تعبِّــر عمارهتــا‬
‫وكذلــك زخارفهــا عــن االســتفادة الكبــرة‬
‫الــي حصــل عليهــا العــرب مــن فنــون‬
‫األقطــار الــي فتحوهــا‪ ،‬وهــي‪ ،‬يف نفــس‬

‫‪15‬‬ ‫الشكل‬
‫الوقــت‪ ،‬شــاهد علــى عظمــة فــن تلــك‬
‫الفرتة‪،‬العمــارة األمويــة املدنيــة‪ ،‬ومــن‬
‫أبــدع العمائــر األمويــة يف بــاد الشــام‬
‫قبــة الصخــرة يف بيــت املقــدس الــي‬
‫شــيدها يف عــام ‪ 72‬هـــ ‪691 -‬م اخلليفة‬
‫عبــد امللــك بــن مــروان‪ ،‬وهــي بنــاء شُــيد‬
‫مــن احلجــر مُثمَّــن التخطيــط بداخلــه‬
‫‪16‬‬ ‫الشكل‬
‫مُثمَّــن آخــر أصغــر حجمًــا‪ ،‬ويتوســط‬
‫الصخــرة املشــرفة مــن الداخــل كرســي القبــة الــي ترتكــز بدورهــا علــى عقــود حممولــة‬
‫علــى أكتــاف وأعمــدة مــن الرخــام‪.‬‬

‫(‪ )1‬املوسوعة العربية – العمارة اإلسالمية – الدكتور رضوان ضحالوي‪ .‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫الطراز العباسي‪132( :‬ـ ‪ 358‬هـ‪749/‬ـ ‪968‬م)‪:‬‬

‫أدى ســقوط الدولــة األمويــة يف دمشــق إىل بدايــة عهــد الدولــة العباســية الــي حكمــت‬
‫البــاد مــن بغــداد‪ ،‬واحــدة مــن أكثــر املــدن اإلســامية ثــراء‪ ،‬وتأثــر رخــاء العباســيني‬
‫ببســاطة اإلســام وأســلوب األمويــن يف العمــارة‪ ،‬وحضــارات بابــل القدميــة ومــا بــن‬
‫النهريــن (العــراق) والفارســية‪ ،‬وكــون العباســيون طرازهــم اخلــاص مــن القبــاب وطــوروا‬
‫املنــارات اإلســامية واألمويــة‪ ،‬وللطــراز العباســي أيضــاً شــكل فريــد مــن األعمــدة‬
‫والدعامــات وزخــارف مــا بــن الدعامــات علــى شــكل قبــاب يف املســاجد الكبــرة‪.‬‬

‫وأفضــل األمثلــة للطــراز العباســي يف املســاجد املســجد اجلامــع يف‬


‫ســامراء‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ )17‬ومســجد الريقــة ومســجد أبــي ضلــف‬
‫ومجيعهــم يف العــراق‪ ،‬وجامــع ابــن طولــون‪ ،‬انظــر الشــكل (‪)18‬‬
‫يف القاهــرة وبــي جامــع ابــن طولــون يف عــام‬
‫‪ 256‬هـــ ‪ 878 /‬م أثنــاء حكــم أمحــد بــن‬
‫طولــون والــذي عــن حاكمــاً عباســياً علــى‬
‫مصــر ثــم أعلــن قيــام الدولــة الطولونيــة(‪.)1‬‬

‫لقــد تبلــورت املدرســة اإلســامية يف جمــال‬


‫‪17‬‬ ‫الشكل‬ ‫ختطيــط املــدن‪ ،‬وشُــيّد يف هــذا العصــر‬
‫العباســي مــدن عــدة مثــل بغــداد وســامراء‬
‫والرقــة‪ ،‬كمــا بنيــت القصــور ومــن أمههــا قصــر‬
‫األخيضــر جنوبــي بغــداد واجلوســق اخلاقانــي‬
‫يف ســامراء‪ ،‬وقصــر بلكــوارا قــرب ســامراء‪،‬‬
‫ويتميــز هــذا القصــر بتعــدد الفنــاءات فيــه‪،‬‬
‫‪18‬‬ ‫الشكل‬ ‫واحتوائــه علــى أكثــر مــن قاعة عرش‪ ،‬وباتســاع‬

‫(‪ )1‬أســس ومبــادئ العمــارة اإلســامية عــر العصــور – رابطــة احلــوار الديــي للوحــدة – حممــد هشــام النعســان‪.‬‬
‫ســبق ذكره‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫حديقتــه واحتوائهــا علــى مرســى للــزوارق علــى هنــر دجلــة‪ ،‬ومتيــزت املبانــي العباســية‬
‫بتنــوع أســاليب الزخرفــة فيهــا‪ ،‬فاســتخدمت الفسيفســاء ‪ mosaic‬واخلشــب احملفــور‪،‬‬
‫‪faience‬‬ ‫والتقطيعــات الرخاميــة والطينيــة املطليــة باملينــاء وبالطــات القيشــاني‬
‫وتنوعــت أشــكال األقــواس مــن نصــف أســطوانية ومدببــة ومفصصــة وحدويــة‪ ،‬كمــا‬
‫أصبــح اإليــوان عنصــراً معماريـاً مهمـاً يف املبانــي العامــة‪ ،‬وامتــد تأثــر فــن ســامراء إىل‬
‫صقليــة حيــث تبــدو تأثرياتــه يف الرســوم اجلداريــة الــي تزيــن ســقف كنيســة القصــر‬
‫‪ chapel‬يف بالريمــو‪ ،‬الــي حكمهــا املســلمون (‪453 - 212‬هـــ‪1061 - 827/‬م) ومــن‬
‫بعدهــم النورمانديــون‪ ،‬الذيــن تبنــوا كثــراً مــن التقاليــد اإلســامية‪ ،‬ويظهــر ذلــك جليَّـاً‬
‫مــن الكتابــات العربيــة الــي تزيــن ســقف كنيســة القصــر إضافــة إىل التاريــخ اهلجــري‬
‫املدونــة بــه(‪.)1‬‬

‫ومتيــز طــراز العمائــر العباســية يف أقطــار العــامل اإلســامي‪ ،‬خبصائــص فنيــة متعــددة‬
‫كان مــن ورائهــا انتقــال اخلالفــة مــن الشــام إىل العــراق‪ ،‬ومــا تر َّتــب علــى ذلــك من ظهور‬
‫تأثــرات بيئيــة وفنيــة جديــدة كانــت منتشــرة يف العــراق إبــان انتقــال مركــز اخلالفــة‬
‫إليهــا‪ ،‬مــن تلــك التأثــرات الفنــون الفارســية وفنــون بــاد الرافديــن الــي كانــت شــائعة‬
‫مبنطقــة دجلــة والفرات‪،‬كمــا ظهــرت مالمــح التأثــر القديــم يف العمائــر العباســية مــن‬
‫خــال اســتخدام املعمــار العباســي ال َّل ِبــن واآلجــر يف بنــاء منشــآته املعماريــة‪ ،‬كذلــك‬
‫انتشــر يف الطــراز العباســي اســتخدام اجلــص يف إكســاء واجهــات املبانــي‪.‬‬

‫أمــا أهــم العناصــر املعماريــة الــي كانــت شــائعة يف الطــراز املعمــاري العباســي‪ ،‬فنجدها‬
‫يف األكتــاف والدعائــم الــي اســتخدمها املعمــار العباســي بكثــرة يف عمائــره عوضـاً عــن‬
‫األعمــدة‪ ،‬كذلــك شــاع اســتخدام التغطيــات املقببــة‪ ،‬واملعقــودة إىل جانــب اســتخدام‬
‫الســقوف املســتوية احملمولــة علــى األكتــاف والدعامــات املســتطيلة‪ ،‬كمــا شــاع يف‬
‫الطــراز العباســي اســتخدام األواويــن واألبــواب املعقــودة واألســوار الضخمــة املدعمــة‬
‫بأبــراج‪ ،‬والعقــود املتنوعــة األشــكال منهــا املدبَّــب واملنكســر املعــروف بالفارســي والعقــد‬
‫(‪ )1‬عمــارة اإلســامية تاريــخ مــن اجلمــال واإلبــداع – الدكتــور رضــوان ضحــاوي– املصــدر‪ .‬املوســوعة العربيــة‪.‬‬
‫ســبق ذكــره‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫املفصــص‪ ،‬إىل جانــب اســتخدام احملاريــب‬
‫املســطحة واجملوفــة‪.‬‬

‫كمــا متيــزت املــآذن العباســية بأشــكاهلا‬


‫املخروطيــة انظــر الشــكل (‪ ،)19‬وانفصاهلــا‬
‫عــن كتلــة املســجد والصعــود إليهــا بســلم يلتــف‬
‫حــول بنائهــا مــن اخلــارج علــى شــكل حلزونــي‪،‬‬
‫وقــد وصــف املستشــرقون هــذا الطــراز مــن‬
‫املــآذن‪ ،‬بأنــه مقتبــس مــن املعابــد القدميــة يف‬
‫العــراق واملعروفــة باســم الزقــورات‪ ،‬ومن أشــهر‬
‫مآذن املســاجد العباســية مئذنة جامع ســامراء‬
‫‪19‬‬ ‫الشكل‬
‫وجامــع أبــي دُلــف بالعراق ومئذنــة جامع أمحد‬
‫بــن طولــون مبصــر‪ ،‬وقــد اشــتهرت تلــك املــآذن يف اآلثــار اإلســامية‪ ،‬باســم امللويــة‪ ،‬أمــا‬
‫العناصــر الزخرفيــة الــي شــاع اســتخدامها يف طــراز العمائــر العباســية‪ ،‬فنجدهــا يف‬
‫األكســية اجلصيــة الــي نُفــذت بطريقــة القالــب علــى كافــة واجهــات العمائــر العباســية‬
‫مــن الداخــل واخلــارج‪ ،‬وكذلــك علــى إطــارات العقــود وفتحــات النوافــذ واملداخــل‬
‫واحملاريــب‪ ،‬وكذلــك اتســمت العمائــر العباســية مــن مســاجد وقصــور بضخامتهــا‬
‫وكــر مســاحاهتا وســعة أفنيتهــا‪ ،‬وتلــك املســاجد متتــاز بعناصــر معماريــة وزخرفيــة‬
‫متشــاهبة‪،‬من حيــث مــادة البنــاء اآلجريــة وكذلــك اســتخدام الدعائــم واألكتــاف بــدالً‬
‫مــن األعمــدة‪ ،‬كمــا أُحيطــت تلــك املســاجد مــن اخلــارج مــن ثــاث جهــات عــدا جهــة‬
‫القِبْلــة‪ ،‬بزيــادة تُعــد مبثابــة حــرم للمســجد أمــا العمائــر املدنيــة‪ ،‬فقــد كشــفت عنهــا‬
‫أعمــال التنقيــب الــي أجريــت يف املــدن العربيــة بالعــراق وقــد ســاعدت تلــك الكشــوف‬
‫علــى التعــرف بصــورة جليــة علــى ختطيــط تلــك املــدن‪ ،‬ومــن أشــهر العمائــر املدنيــة‬
‫يف العصــر العباســي مدينــة بغــداد الــي أسّســها اخلليفــة أبــو جعفــر املنصــور يف عــام‬
‫‪147‬هـــ‪ ،‬وقــد خُططــت علــى هيئــة دائريــة الشــكل‪ ،‬واسـتُخدم يف بنائهــا ال َّل ِبــن واآلجــر‪،‬‬

‫‪116‬‬
‫وكان للمدينــة ســوران خارجيــان بينهمــا‬
‫مســاحة فضــاء مكشــوفة عرفــت بالفصيــل‪،‬‬
‫وكان للمدينــة أربعــة أبــواب رئيســية حموريــة‬
‫هــي بــاب الكوفــة وبــاب البصــرة وبــاب‬
‫خراســان وبــاب الشــام‪ ،‬وحبــق كانــت مدينــة‬
‫بغــداد حتفــة معماريــة تشــهد علــى عظمــة‬
‫‪20‬‬ ‫الشكل‬ ‫املعمــار اإلســامي يف تلــك الفــرة‪.‬‬

‫ومــن املــدن العباســية الــي حظيــت بشــهرة واســعة يف احلضــارة اإلســامية‪ ،‬مدينــة‬
‫ســامراء الــي شــيدها اخلليفــة املعتصــم يف عــام ‪221‬هـــ‪835 ،‬م‪ ،‬بعــد أن ضاقــت مدينــة‬
‫بغــداد جبنــوده‪ ،‬ومــن أشــهر قصــور ســامراء قصــر اجلوســق اخلاقانــي انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)20‬وقصــر العاشــق إىل جانــب كثــرة البســاتني والبحــرات واملياديــن‪ ،‬كمــا اشــتهرت‬
‫ســامراء بشــوارعها الفســيحة وخططهــا املنتظمــة‪ ،‬وقــد جتلّــت عناصــر العمــارة‬
‫العباســية يف قصــور تلــك املــدن مــن حيــث القبــاب املرتفعــة والبوابــات الضخمــة‬
‫واألواويــن الواســعة‪ ،‬واحلدائــق املســوّرة‪ ،‬كمــا وصلــت إلينــا مــن العمائــر املدنيــة يف‬
‫الطــراز العباســي جمموعــة قليلــة مــن القصــور الــي تعــود تواريــخ إنشــائها إىل تلــك‬
‫الفــرة‪ ،‬ومــن أشــهر تلــك القصــور قصــر األُخيضــر الــذي يقــع جنــوب مدينــة كربــاء‬
‫بالعــراق‪ ،‬وقصــر بلكــوارا الــذي شُـيّد يف عهــد اخلليفــة املتــوكل جنــوب مدينــة ســامراء‪.‬‬

‫ومــن أشــهر مــا مييــز عمائــر الطــراز العباســي بنــاء األضرحــة‪ ،‬إذ يعــود أقــدم ضريــح‬
‫إىل عهــد اخلليفــة العباســي املســتنصر‪ ،‬وهــو الضريــح املعــروف بقبــة الصليبيــة انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)21‬الــي تقــع علــى الضفــة الغربيــة لنهــر دجلــة‪ ،‬وهــي بنــاء مثمــن التخطيــط‬
‫يتألــف مــن مثمــن خارجــي داخلــه بنــاء مثمَّــن الشــكل ضلعــه أصغــر مــن طــول ضلــع‬
‫املثمــن اخلارجــي‪ ،‬وهــذا التخطيــط يؤكــد مــرة أخــرى على اســتمرار التأثــرات املعمارية‬
‫األمويــة يف طــراز العمائــر العباســية(‪.)1‬‬
‫(‪ http://forum.arabia4serv.com/t65602.html#ixzz1i5NzfaLN )1‬العمــارة اإلســامي‪ -‬منتديــات ارابيــا فــور‬
‫سريف‪.‬ســبق ذكــره‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫الطــراز الفاطمــي‪ :‬يف العصــر العبيــدي‬
‫الفاطمــي (‪468 - 359‬هـــ‪1075 - 969/‬م)‪:‬‬

‫بــدأت الدولــة الفاطميــة العبيديــة يف أفريقيــا‬


‫(تونــس) ثــم انتقلــت إىل مصــر ومنهــا إىل‬
‫احلجــاز والشــام واختلفــت العمــارة الفاطميــة‬
‫‪21‬‬ ‫الشكل‬
‫اختالفــاً واضحــاً بــن عصريهــا‪ :‬العصــر‬
‫الفاطمــي األول (‪358 – 296‬هـــ ‪– 909 /‬‬
‫‪969‬م) والعصــر الفاطمــي األخــر (‪– 358‬‬
‫‪567‬هـــ‪1171 – 969 /‬م)‪.‬‬

‫ويف العصــر الفاطمــي األول كان الفاطميــون‬


‫‪22‬‬ ‫الشكل‬ ‫يف مشــال أفريقيــا‪ ،‬وكانــت العمــارة تتميــز‬
‫بالبســاطة مــع تأثــر كبــر باملعمــار الرببــري‬
‫احمللــي‪ ،‬واملعمــار املراكشــي واملعمــار األندلســي اجملاوريــن‪ ،‬وأحســن منــوذج للمعمــار‬
‫يف هــذا العصــر مســجد املهديــة يف العاصمــة الفاطميــة املهديــة (تونــس حاليـاً) انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)22‬وبعــد انتقــال العاصمــة الفاطميــة إىل مصــر‪ ،‬وتأســيس القاهــرة‪ ،‬اختلــف‬
‫طــراز العمــارة اختالفـاً كبــراً‪ ،‬اختفــى تأثــر قبائــل بربــر مشــال أفريقيــا مبســاجدهم‬
‫احملليــة القبليــة‪ ،‬ذات األســلوب البســيط‪ ،‬وظهــر تأثــر املصريــن الذيــن اعتــادوا‬
‫املســاجد الكبــرة‪ ،‬اجلوامــع حيــث يتحــد مســلموا مناطــق بأكملهــا ويلتقــون للصــاة‪،‬‬
‫واعتــاد املصريــون أيض ـاً إقامــة احملافــل الدينيــة واإلجتماعيــة واألحــداث اجلماعيــة‬
‫يف تلــك املســاجد‪ ،‬وكانــوا يقومــون بأعماهلــم وجتارهتــم يف أســواق كبــرة أنشــئت خــارج‬
‫املســاجد‪ ،‬وهكــذا اضطــر الفاطميــون إىل تغيــر أســلوهبم يف املعمــار‪.‬‬

‫ولقــد بنــى الفاطميــون مســاجد أكــر‪ ،‬وكان أوهلــا اجلامــع األزهــر ومســجد احلاكــم‬
‫بأمــر اهلل ومســجد الصــاحل طالئــع‪ ،‬ومجيــع هــذه املســاجد توضــح اجلانــب االجتماعــي‬

‫‪118‬‬
‫الــذي ميــز املســاجد الفاطميــة‪ ،‬حيــث كان اآلالف حيتفلــون باملولــد النبــوي‪ ،‬وليلــة‬
‫عاشــوراء‪ ،‬وعيــدي الفطــر واألضحــى‪ ،‬واألحــداث اهلامــة الدينيــة واالجتماعيــة‬
‫واالقتصاديــة‪ ،‬خاصــة أن العصــر الفاطمــي الثانــي كان عصــراً للرخــاء االجتماعــي(‪،)1‬‬
‫وكانــت مصــر مقــراً للخالفــة العبيديــة الفاطميــة مــدة قرنــن (‪1171 - 973‬م)‪ ،‬ويُعــد‬
‫اجلامــع األزهــر بالقاهــرة أحــد أهــم املبانــي الدينيــة الفاطميــة‪ ،‬حيــث متتــزج فيــه‬
‫تأثــرات العمــارة اإلغريقيــة التونســية مــع املدرســة احملليــة‪ ،‬وكذلــك مســجد احلاكــم‬
‫بأمــره‪ ،‬الــذي حيمــل امســه‪ ،‬أمــا جامــع األقمــر فتشــكل األشــكال الصدفيــة للحنايــا‬
‫والتضليعــات املوجــودة يف واجهتــه أول مثــال للمقرنصــات الزخرفيــة يف مصــر‪ ،‬ثــم‬
‫أصبحــت تزيــن املــآذن الحق ـاً انظــر الشــكل (‪.)23‬‬

‫وعلــى صعيــد العمــارة املدنيــة مل يبــق مــن القصــور الفاطميــة ســوى أوصافهــا الــي‬
‫تــدل علــى فخامتهــا ويف اجلزائــر بنــى عمــال الفاطميــن القــاع‪ ،‬مثــل قلعــة بــي محــاد‪،‬‬
‫وقصــر دار البحــر؛ الــذي يتميــز بربكتــه الواســعة‬
‫الــي شــبهت بالبحــر‪ ،‬وقصــر املنــار وهــو أشــبه‬
‫بقلعــة تتجلــى فيهــا التأثــرات الرافديــة يف عمــارة‬
‫تلــك القصــور‪ ،‬وأهــم العناصــر املعماريــة املميــزة‬
‫هلــذا العصــر احملاريــب واألقــواس املســدودة‬
‫واملشــاكي واملقرنصــات واخلــزف والتطعيــم‬
‫بالغضــار املطلــي باملينــاء‪ ،‬ويعــد العصــر الفاطمــي‬
‫عصــر ترســيخ فــن الرقــش اإلســامي(‪.)2‬‬

‫ومتيّــزَ طــراز الفاطميــة عــن غــره مــن الطــرز‬


‫‪23‬‬ ‫الشكل‬ ‫املعماريــة اإلســامية‪ ،‬وأصبــح لــه طابــع خــاص‪،‬‬

‫(‪ )1‬أســس ومبــادئ العمــارة اإلســامية عــر العصــور – رابطــة احلــوار الديــي للوحــدة – حممــد هشــام النعســان‪.‬‬
‫ســبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬عمــارة اإلســامية تاريــخ مــن اجلمــال واإلبــداع – الدكتــور رضــوان ضحــاوي– املصــدر‪ .‬املوســوعة العربيــة‪.‬‬
‫ســبق ذكــره‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫يتجلــى يف مبانيــه القائمــة مــن مســاجد ومشــاهد‬
‫وأضرحــة وأســوار وأبــراج وغريهــا مــن العناصــر‬
‫املعماريــة والفنيــة‪ ،‬ومــن أهــم خصائــص العمــارة‬
‫الفاطميــة‪ ،‬اســتعمال األحجــار بشــكل أساســي يف‬
‫املنشــآت الدينيــة واحلربيــة واألضرحــة‪ ،‬وبفضــل‬
‫‪24‬‬ ‫الشكل‬
‫اســتعمال احلجــارة يف العمائــر الفاطمية‪ ،‬تطورت‬
‫عمــارة املســاجد الفاطميــة تطــورًا كبــراً‪ ،‬وامتــاز بناؤهــا باملتانــة والفخامــة والصالبــة‪،‬‬
‫وليــس معنــى ذلــك أن الطــراز الفاطمــي مل يســتخدم اآلجــر يف البنــاء‪ ،‬فقــد شُــيدت‬
‫قاهــرة جوهــر باآلجــر‪ ،‬كذلــك اس ـتُخدم اآلجــر يف بنــاء القبــاب والعقــود واألســقف‬
‫واجلوانــب الداخليــة للحوائــط‪.‬‬

‫كمــا اس ـتُخدمت يف بنــاء بعــض املســاجد األحجــار واآلجــر‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك جامــع‬
‫احلاكــم بأمــر اهلل (‪ 403‬هـــ) انظــر الشــكل (‪ ،)24‬كذلــك اســتُخدمت العــوارض‬
‫اخلشــبية يف تدعيــم اجلــدران واألعمــدة الســاحبة يف تثبيــت األســوار احلربيــة‪ ،‬وقــد‬
‫اعتنــى املعمــار الفاطمــي عنايــة كبــرة بصقــل األحجــار وحنتهــا وتنســيقها يف البنــاء‬
‫مِمّــا ســاعد املعمــار كثــراً علــى االســتغناء عــن األكســية اجلصيــة‪ ،‬كمــا ســاعد اســتعمال‬
‫األحجــار يف العمائــر الفاطميــة علــى تنفيــذ الزخــارف عليهــا بطريقــة احلفــر أو النحــت‬
‫مباشــرة‪ ،‬مثــال ذلــك واجهــات جامــع األقمــر والصــاحل طالئــع وكذلــك أســوار وأبــواب‬
‫القاهــرة‪.‬‬

‫وكذلــك شــاع يف العمائــر الفاطميــة اســتخدام الصَّنْجــات املعشــقة (قطــع احلجــارة‬


‫الصغــرة) يف مصــر ألول مــرة‪ ،‬مثــال ذلــك أبــواب القاهــرة الفاطميــة مثــل بــاب النصــر‬
‫والفتــوح وبــاب زويلــة‪ ،‬وقــد اســتخدم املعمــار الفاطمــي تلــك الصنجــات يف تكويــن‬
‫إطــارات عقــود فتحــات األبــواب‪ ،‬وكذلــك يف األعتــاب‪ ،‬والعقــود‪ ،‬ثــم تطــورت بعــد ذلــك‬
‫يف جامــع األقمــر والصــاحل طالئــع‪ ،‬حيــث اختــذت الصنجــات املعشــقة مظهــراً زخرفياً‪،‬‬
‫مــع احتفاظهــا بوظيفتهــا املعماريــة‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫كذلــك امتــازت املســاجد الفاطميــة يف مصــر واملغــرب بالتطــور الكبــر الــذي أُدخــل‬
‫علــى طريقــة اســتخدام الروافــع حيــث اســتعمل الفاطميــون احنــدارات فــوق تيجــان‬
‫األعمــدة وبــدأت‪ ،‬وألول مــرة‪ ،‬تُصنــع األعمــدة خصيصـاً للمســاجد بعــد أن كانــت تُنقــل‬
‫مــن عمائــر قدميــة‪ ،‬كمــا اســتخدم املعمــار الفاطمــي الدعائــم واألكتــاف يف بعــض‬
‫املســاجد الفاطميــة‪ ،‬مــن أمثلتهــا جامــع احلاكــم الــذي قيــل إنــه شُــيد علــى غــرار جامــع‬
‫ابــن طولــون وأيضــاً جامــع املهديــة يف تونــس‪ ،‬كذلــك شــاعت يف الطــراز املعمــاري‬
‫الفاطمــي أنــواع عديــدة مــن العقــود منهــا العقــد املق ـوّس واملدبَّــب واملنفــرج واملنبطــح‬
‫واحملــدب واملنكســر ونصــف الدائــري‪ ،‬ومــن أشــهر العقــود انتشــاراً يف الفاطميــة العقــود‬
‫الفارســية‪ ،‬كذلــك اســتُخدمت يف العمائــر الفاطميــة املداخــل البــارزة عــن مســت‬
‫الواجهــة واملعروفــة باملداخــل التذكاريــة‪ ،‬ومــن أقــدم أمثلتهــا املدخــل الرئيــس يف جامــع‬
‫املهديــة بتونــس واملدخــل الرئيســي يف جامــع احلاكــم بالقاهــرة‪.‬‬

‫كذلــك عرفــت العمائــر الدينيــة يف الطــراز الفاطمــي أنواع ـاً عديــدة مــن خمططــات‬
‫املســاجد منهــا جامــع املهــدي الــذي ظهــرت فيــه ألول مــرة ظاهــرة تعــدد الصحــون‬
‫وجامــع األزهــر الــذي كان يتكــون مــن صحــن وثالثــة أروقــة‪ ،‬ثــم جامــع احلاكــم الــذي‬
‫خُطــط علــى هيئــة صحــن وأربــع ظــات أكربهــا ظلــة القبلــة‪ ،‬هــذا خبــاف التخطيطات‬
‫األخــرى الــي ظهــرت يف جامــع األقمــر والصــاحل طالئــع واملشــاهد‪.‬‬

‫كذلــك شــاع يف طــراز العمائــر الفاطميــة الدينيــة واحلربيــة اســتخدام التغطيــات‬


‫املقببــة‪ ،‬مثــال ذلــك اســتخدام القبــاب ألول مــرة يف مصــر علــى احملــراب والصحــون‬
‫أو يف تغطيــة ظلــة القبلــة كمــا هــو احلــال يف جامــع األقمــر‪ ،‬وشــاع يف طــرز العمائــر‬
‫الفاطميــة ظاهــرة تعــدد احملاريب‪،‬ســواء املســطحة منهــا‪ ،‬كمــا هــو احلــال يف جامــع ابــن‬
‫طولــون أو اجملوفــة الــي مــن أمثلتهــا مشــهد الســيدة رقيــة بالقاهــرة‪ ،‬إال أن احملاريــب‬
‫الفاطميــة شــهدت تطــوراً كبــراً يف حمــراب جامــع اجليوشــي بالقاهــرة‪ ،‬كمــا شــاع يف‬
‫طــراز العمائــر الفاطميــة اســتخدام املقرنصــات (حليــات معماريــة تزيــن بواطــن العقــود‬
‫أو واجهاهتــا) بأشــكال متطــورة وأصبحــت الرتكيبــات املقرنصــة أكثــر تعقيــداً‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫واحتفــظ املعمــار الفاطمــي بنمــط مميــز يف املــآذن تشــهد علــى ذلــك أمثلتهــا يف جامــع‬
‫احلاكــم واجليوشــي‪ ،‬حيــث ظهــرت هبمــا ألول مــرة يف تاريــخ األفاريــز املزدوجــة مــن‬
‫املقرنصــات الــي تــدور حــول الطابــق األول مــن بنــاء املئذنــة ومــن أمثلتهــا مئذنــة‬
‫اجليوشــي(‪.)1‬‬

‫الطراز املغربي األندلسي‪:‬‬

‫بعــد ســقوط اخلالفــة األمويــة وتأســيس اخلالفــة العباســية يف بغــداد‪ ،‬هــرب األمويــون‬
‫إىل األندلــس وأسســوا هنــاك دولــة مســتقلة عــن الدولــة العباســية يف بغــداد‪ ،‬هلــذا‬
‫يتشــابه الطــراز األندلســي يف العمــارة مــع الطــراز األمــوي يف دمشــق والشــام عامــة‪،‬‬
‫ولقــد تأثــر الطــراز األندلســي بالطــرز احملليــة البدائيــة أيض ـاً‪ ،‬وبعــد ســقوط الدولــة‬
‫األمويــة يف األندلــس‪ ،‬أصبحــت األندلــس حتــت احلكــم املــوراوي ثــم املهــدي يف املغــرب‬
‫ثــم الناصــري‪ ،‬الــذي نقــل العاصمــة مــن البحــر املتوســط إىل األندلــس‪،‬ويف تلك العصور‬
‫الثالثــة ازدهــر فــن العمــارة ازدهــاراً كبــراً‪ ،‬وتأثــر بطــراز العمــارة األمــوي واألندلســي‬
‫واملغربــي‪ ،‬وأدى هــذا املزيــج الغــي إىل ظهــور الطــراز املراكشــي‪ ،‬الــذي ظهــر ومنــا‬
‫وازدهــر علــى جانــي البحــر املتوســط يف األندلــس واملغــرب‪ ،‬ومــن النمــاذج الفريــدة‬
‫للمعمــار املراكشــي قصــر اهلمــرا واملــدارس يف املغــرب (خاصــة يف مدينــة فــاس)(‪.)2‬‬

‫(‪11‬‬ ‫وظــل الطــراز األمــوي ســائداً يف األندلــس حتــى القــرن اخلامــس اهلجــري‬
‫ميــادي)‪ ،‬إال أن الطــراز املغربــي األندلســي بــدء بالظهــور بعــد ذلــك يف عهــد املرابطــن‬
‫واملوحديــن‪ ،‬وازدهــر وبلــغ أوجــه يف القــرن التاســع هجــري (اخلامــس عشــر ميــادي)‪،‬‬
‫فقــد اســتمر األســلوب األندلســي املغربــي حتــى عهــد الســعديني (القــرن ‪ )17 – 16‬ثــم‬
‫بــدأ ينحــط بعــد ذلــك(‪.)3‬‬

‫(‪ http://forum.arabia4serv.com/t65602.html#ixzz1i5NzfaLN )1‬العمــارة اإلســامي‪ -‬منتديــات ارابيــا فــور‬


‫ســرف‪ .‬ســبق ذكــره‪.‬‬
‫(‪ )2‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫واعتــاد الباحثــون دراســة املغــرب واألندلــس ضمــن إطــار فــي واحــد؛ نظ ـرًا للعوامــل‬
‫التارخييــة واجلغرافيــة والسياســية الــي تؤلــف بينهمــا‪ ،‬إىل جانــب الصــات الفنيــة‬
‫املتبادلــة بينهمــا‪ ،‬مماســاعد علــى طبــع عمائــر هــذا الطــراز بســمات فنيــة متشــاهبة إىل‬
‫حــد كبــر علــى الرغــم مــن وجــود فــن مغربــي اصطلــح علــى تســميته الفــن القريوانــي‪،‬‬
‫إال أنَّ غلبــة العناصــر املعماريــة والفنيــة بــن املغــرب واألندلــس والوحــدة السياســية‬
‫الــي ربطــت بينهمــا هــي الــي أوعــزت لعلمــاء اآلثــار والفــن بالربــط بينهمــا فنيــاً‪،‬‬
‫وقــد بــدأت مراحــل الزعامــة الفنيــة يف املغــرب واألندلــس يف عصــر الدولــة األمويــة‬
‫الغربيــة‪ ،‬ثـمّ انتقلــت إىل مراكــش منــذ ضــم بــاد األندلــس إىل ســلطاهنم ســنة ‪483‬هـــ‬
‫‪1090 -‬م‪ ،‬فــكان ذلــك إيذانـاً بتغيــر يف ميــدان الفنــون يف املغــرب‪ ،‬إذ أفــل جنــم الطــراز‬
‫األمــوي املغربي‪،‬وبــدأت تظهــر يف األفــق مســات فنيــة معماريــة جديــدة محلهــا معــه‬
‫العصــر املرابطــي واملوحــدي‪ ،‬تتمثــل يف بدايــة أمرهــا بالتقشــف والبســاطة والبعــد‬
‫عــن الزخــم الزخــريف ومظاهــر الــرف‪ ،‬ولكــن ســرعان مــا تغــر احلــال وبــدأ املغــرب‬
‫واألندلــس يف ظــل عصــر املوحديــن عهــداً فني ـاً جديــداً يف القــرن الســادس اهلجــري‬
‫الثانــي عشــرامليالدي‪ ،‬ومــن اجلديــر بالذكــر أن الطــراز املغربــي مل يتأثــر بغــره مــن‬
‫الطــرز تأثــراً كبــراً وأن تطــوره كان بطيئـاً بالنســبة إىل تطــور ســائر الطــرز اإلســامية‪،‬‬
‫وكانــت أهــم املراكــز الفنيــة هلــذا الطــراز أشــبيليا وغرناطــة ومراكــش وفــاس‪.‬‬

‫أمــا العمائــر الدينيــة فقــد كانــت متأثــرة مبــا كان متبعـاً يف الطــراز املغربــي األندلســي‪،‬‬
‫يف القــرون الثالثــة األوىل‪ ،‬يف الفســطاط والكوفــة والبصــرة والشــام يف ختطيطــات‬
‫املســاجد‪ ،‬إىل أن جــاء القــرن الســادس اهلجــري‪ ،‬الثانــي عشــر امليــادي‪ ،‬حيــث بــدأ‬
‫يظهــر تطــور كبــر يف عمــارة املســجد علــى أيــدي املوحديــن؛ فانصــرف معمــار تلــك‬
‫الفــرة عــن اســتعمال األعمــدة وأقبــل علــى اســتعمال األكتــاف والدعائــم املشــيدة مــن‬
‫اآلجــر والعقــود احلذويــة الشــكل الــي نُ ِّفــذت علــى هيئــة حــدوة الفــرس مســتديرة‬
‫متام ـاً أو مدببــة قلي ـاً‪ ،‬وكانــت معظــم تلــك العقــود تبنــى منخفضــة ممــا كان يكســب‬
‫ظــات املســجد طابع ـاً مــن اجلــال‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك عقــود جامــع ال ُكتُ ِبيَّــة مبراكــش‬

‫‪123‬‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)25‬وعقــود جامــع تينملــل‬
‫يف جنــوب املغــرب‪ ،‬كذلــك اتســمت مســاجد‬
‫تلــك الفــرة بتعــدد الصحــون‪ ،‬ومــن أمثلــة‬
‫ذلــك جامــع حســان بالربــاط وجامــع القصبــة‬
‫مبراكــش وجامــع القصبــة بإشــبيليا‪ ،‬وكذلــك‬
‫شــاع يف عمــارة املســجد أســلوب اتســاع‬
‫‪25‬‬ ‫الشكل‬
‫البالطــة الوســطى عــن ســائر بالطــات‬
‫املســجد‪ ،‬واســتخدام التغطيــات اجلمالونيــة واملداخــل البــارزة والقبــاب املقرنصــة‬
‫(ذات احلليــات املعماريــة) الــي تغطــي جمــال احملــراب بظلــة القبلــة‪ ،‬إىل جانــب ظاهــرة‬
‫تشــجري الصحــون الــي متيــزت هبــا املســاجد األندلســية واملغربيــة علــى الســواء‪.‬‬

‫وأهــم مــا مييــز مســاجد تلــك الفــرة علــى اإلطــاق عمــارة الصوامــع الــي وصلــت‬
‫إىل قمــة تطورهــا علــى يــد املوحديــن؛ حيــث أخــذت هيئــة الصومعــة تشــبه الــرج‬
‫الضخــم‪ ،‬ومــن الداخــل خُططــت الصوامــع املغربيــة واألندلســية مــن جمموعــة حجــرات‬
‫متطابقــة يلتــف حوهلــا طريــق صاعــد بــدون درج‪ ،‬ومــن اخلــارج تُغ َّلــف واجهــات‬
‫الصوامــع بالفتحــات املعقــودة (املقوســة) والزخــارف الشــبكية (أشــرطة متقاطعــة تكــن‬
‫مناطــق هندســية علــى شــكل مُعيَّنــات)‪ ،‬ومــن أشــهر منــاذج هــذا الطــراز صومعــة جامــع‬
‫ال ُكتُ ِبيَّــة مبراكــش وصومعــة جامــع حســان بالربــاط وصومعــة جامــع القصبــة بإشــبيليا‬
‫املعروفــة باســم اجلريالــدة‪ ،‬كذلــك أُدخــل املوحــدون بنــاء املــدارس يف املغــرب واألندلــس‬
‫يف هنايــة القــرن الســادس اهلجــري‪ ،‬الثانــي عشــر امليــادي‪ ،‬ولكــن املــدارس هنــاك‬
‫كانــت وق ًفاعلــى التدريــس فقــط‪ ،‬ومل تؤثــر عمارهتــا علــى تصميــم املســاجد‪ ،‬واشــتهرت‬
‫مدينــة فــاس يف العصــر املريــي بكثــرة ماشُـيِّد فيهــا مــن املــدارس الــي كانــت خمصصــة‬
‫لتدريــس املذهــب املالكــي‪ ،‬ومــن أشــهر املــدارس املغربيــة املدرســة اليعقوبيــة‪ ،‬وتُعــرف‬
‫مبدرســة الصفارين أو النحاســن (‪675‬هـ‪1276 ،‬م)‪ ،‬ومدرســة فاس اجلديدة املعروفة‬
‫مبدرســة دار املخــزن (‪721‬هـــ‪1320 ،‬م)‪ ،‬ومدرســة الصهريــج (‪722‬هـــ‪1321 ،‬م)‪،‬‬
‫ومدرســة العطاريــن واملدرســة البوعنانــة (‪723‬هـــ‪1323 ،‬م)‪ ،‬ومتيــزت املــدارس‬

‫‪124‬‬
‫املغربيــة بوضــوح عناصرهــا املعماريــة املتمثلــة يف بســاطة ختطيطهــا املعمــاري جبانــب‬
‫اشــتماهلا علــى كافــة الزخرفــة الــي تتألــف منهــا املدرســة بشــكل عــام‪ ،‬مثــل ختصيــص‬
‫إيــوان أو قاعــة للتدريــس(‪ ،)1‬والصــاة إىل جانــب حجــرات إلقامــة الطــاب ومالحــق‬
‫مائيــة مــن صهاريــج ومظاهــر وغريهــا‪ ،‬ومــن أهــم املميــزات الــي كانــت متيــز املــدارس‬
‫املغربيــة أهنــا مل تكــن خمصصــة لتكــون مــدارس وقبــوراً يف الوقــت نفســه كمــا هــو‬
‫احلــال يف مــدارس الشــرق اإلســامي‪ ،‬كمــا اســتخدمت األحجــار واآلجــر يف الواجهــات‬
‫واجلــدران واحلجــرات‪ ،‬إىل جانــب مراعــاة التماثــل بشــكل رئيســي يف توزيــع الكتــل‬
‫والعناصــر املعماريــة داخــل املدرســة وخاصــة بــن الكتــل املتقابلــة‪ ،‬وكذلــك انتشــرت يف‬
‫بــاد املغــرب القبــاب الضرحييــة علــى قبــور األوليــاء‪ ،‬ومــن أشــهر أنــواع هــذه العمائــر‬
‫مــا يوجــد يف مقابــر املــدن أو علــى مقربــة مــن أبواهبــا‪ ،‬وهــي تتألــف مــن قبــة نصــف‬
‫كرويــة تعتمــد علــى خمطــط مربــع الشــكل‪ ،‬ومــن أشــهر األضرحــة املغربيــة ضريــح‬
‫مــوالي إدريــس بفــاس انظــر الشــكل (‪ ،)26‬وضريــح األشــراف الســعديني مبراكــش‪،‬‬
‫وقــد تالشــت أو اندثــرت قبــور ملــوك غرناطــة‪.‬‬

‫أمــا العمائــر املدنيــة‪ ،‬فقــد كان نصيبهــا مــن العنايــة قليـاً وخباصــة فيعصــر املرابطني‪،‬‬
‫كذلــك انصرفــت عنايــة املوحديــن إىل العمائــر الدينيــة علــى الرغــم مــن أمســاء القصــور‬
‫الكثــرة الــي وصلتنــا عــن عصرهــم يف كتــب املؤرخــن وخباصــة مــا ش ـيِّد منهــا يف‬
‫مراكــش وإشــبيليا‪.‬‬

‫ولكــن مــن أهــم وأعظــم القصــور الــي‬


‫وصلتنــا أمساؤها قصــور ملوك األندلس‬
‫يف غرناطــة واجلعفاريــة يف سرقســطة‪،‬‬
‫ويُعــدُّ قصــر احلمــراء بغرناطــة مــن‬
‫أعظــم العمائــر الــي خ َّلفهــا املســلمون‬
‫هنــاك‪ ،‬وقــد مجعــت عمــارة هــذا القصر‬
‫‪26‬‬ ‫الشكل‬
‫بــن التحصينــات الدفاعيــة ممثلــة يف‬
‫(‪ )1‬أسس و مبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫أســوارها وأبراجهــا اخلارجيــة‪ ،‬وبــن روعــة القاعــات والصحــون والعقــود املقرنصــة‪،‬‬
‫وأشــغال اجلــص الفريــدة والقبــاب املرصعــة باملقرنصــات وهندســة البســاتني(‪.)1‬‬

‫الطراز األيوبي‪ :‬يف العصر األيوبي (‪658 - 569‬هـ‪1260 - 1174/‬م)‪:‬‬

‫وبعــد قرنــن ونصــف قــرن مــن احلكــم الفاطمــي‪ ،‬ســقطت الدولــة الفاطميــة‪ ،‬وكان‬
‫آخــر وزراء اخلليفــة الفاطمــي صــاح الديــن األيوبــي الــذي أســس الدولــة األيوبيــة مــن‬
‫القاهــرة‪ ،‬ثــم اتســعت لتشــمل كل أحنــاء مصــر وبــاد الشــام واحلجــاز‪ ،‬وكان هــدف‬
‫صــاح الديــن األول هــو حماربــة الصليبيــن يف قلــب العــامل اإلســامي فلســطني الــي‬
‫كانــت مقاطعــة فاطميــة ثــم أيوبيــة‪ ،‬وحمــل نــزاع وحــرب بــن املســلمني واملســيحيني‪،‬‬
‫وتأثــر الطــراز األيوبــي يف البنــاء باحلــرب واســتعداداهتا‪ ،‬فمعظــم املنشــآت يف العصــر‬
‫األيوبــي كانــت علــى درجــة كبــرة مــن التحصــن واالســتعداد للحــرب‪ ،‬وجتلــى ثــراء‬
‫العصــر األيوبــي يف ســاحات احلــرب وبنــاء القصــور والقــاع احلصينــة وجــدران املدينة‬
‫والتحصينــات والتجديــدات‪ ،‬وإعــادة بنــاء املســاجد واألضرحــة اليت دمرهــا الصليبيون‪،‬‬
‫ومــن منــاذج التحــف املعماريــة للعهــد األيوبــي قلعــة صــاح الديــن يف القاهــرة‪ ،‬وقلعــة‬
‫حلــب‪ ،‬وقلعــة اجلبــل يف القاهــرة‪ ،‬واملــدارس املنتشــرة يف مصــر والــي بنيــت لنشــر‬
‫املذهــب الســي يف اإلســام(‪.)2‬‬

‫أهنــى صــاح الديــن األيوبــي ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬خالفة الفاطميــن وحارب الصليبيني‪ ،‬واهتم‬
‫باحليــاة والعمــارة العســكرية‪ ،‬ويعـدُّ فــن العمــارة األيوبيّــة امتــداداً للعمــارة الســلجوقية‬
‫ســواء يف مصــر أم يف ســورية‪ ،‬ومت توســيع املــدن وجتديــد األســوار وتشــييد القــاع‬
‫(كقلعــة دمشــق) واملبانــي العامــة الدينيــة واملدنيــة كاملســاجد واملــدارس (كاملدرســة‬
‫العادليــة الكــرى بدمشــق) واخلانقاهــات واألضرحة واســتخدموا احلجــارة الكبرية ذات‬
‫البطــن املنتفــخ‪ ،‬وتطــور نظــام اســتخدام القبــاب مــن حيــث االرتفــاع ونقــاط االرتــكاز‪،‬‬
‫وطغــى علــى مبانيهــم مســة التقشــف والبســاطة الــي جتلّــت يف املســاقط املعتمــدة علــى‬
‫الباحــة املربعــة الــي تتوســطها بركــة مــاء‪ ،‬واقتصــرت الزخــارف يف املبانــي علــى أماكــن‬
‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عربالعصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪126‬‬
‫حمــدودة يف األشــرطة الزخرفيــة فــوق مداخــل األبــواب وإطــارات النوافــذ‪ ،‬وظهــرت‬
‫عناصــر زخرفيــة جديــدة تعلــو مداخــل األبنيــة وهــي الرنــوك (الرمــوز‪ ،‬شــعارات)‪ ،‬وقــد‬
‫أصبحــت هــذه املداخــل أكثــر ارتفاعـاً يعلوهــا عقــد مقرنــص أو ذو قبتــن صغريتــن‪.‬‬

‫وكان عصــر صــاح الديــن األيوبــي وأخيــه الســلطان العــادل مــن أزهــى عصــور الدولــة‬
‫األيوبيــة الــي امتــد ســلطاهنا ليشــمل مصــر والشــام واليمن وعاشــت حتى عــام ‪658‬هـ‪،‬‬
‫‪1259‬م‪ ،‬وكان طابــع الدولــة األيوبيــة السياســي طابعًــا حربيًــا فرضــه اجلهــاد املســتمر‬
‫ضــد اخلطــر الصليــي‪ ،‬وقــد انعكــس ذلــك بــدوره علــى ماشــيده مــن عمائــر يف مصــر‬
‫والشــام‪،‬حيث اتســمت العمائــر يف الطــراز األيوبــي بالطابــع الدفاعــي‪ ،‬فأكثــروا مــن‬
‫بنــاء االســتحكامات الدفاعيــة والقــاع احلربيــة واحلصــون واألربطــة وحتصــن املــدن‬
‫والثغــور باألســوار املدعمــة باألبــراج‪.‬‬

‫أمــا داخــل املــدن فقــد غــصَّ باملــدارس مــن أجــل بنــاء كــوادر مــن الدعــاة‬
‫ملقاومــة الغــزو الصليــي‪ ،‬كمــا شُــيدت املســاجد واخلانقــاوات والبيمارســتانات‬
‫واألضرحــة والزوايــا والقيســاريات واخلانــات والفنــادق‪ ،‬ومازالــت معــامل‬
‫هــذه املنشــآت قائمــة إىل اليــوم يف مصــر والشــام‪ ،‬وهــي كافيــة ألن تعطينــا‬
‫الســمات العامــة واخلصائــص املعماريــة لتلــك الفــرة‪ ،‬والــي أمههــا اآلتــي‪:‬‬
‫غلــب علــى العمائــر األيوبيــة املدنيــة والدينيــة طابــع التقشــف وعــدم اإلســراف يف‬
‫الزخرفــة؛ بســبب حالــة احلــرب واجلهــاد الــي أعلنتهــا الدولة األيوبية ضــد الصليبيني‪،‬‬
‫ومتيــزت العمائــر احلربيــة يف تلــك الفــرة بالقــوة واملتانــة واســتخدام األبــراج الضخمــة‬
‫يف تدعيــم جدراهنــا(‪.)1‬‬

‫واســتخدمت األحجــار املنحوتــة بأحجــام كبــرة يف بناء املنشــآت وخباصــة يف الواجهات‬


‫واملداخــل واألســوار واألبــراج‪ ،‬كمــا اسـتُخدم اآلجــر يف بنــاء القبــاب واألقبية‪.‬‬

‫وظهــرت يف عمائــر الطــراز األيوبــي بعــض التأثــرات الســلجوقية منهــا اســتخدام‬


‫القبــاب يف التغطيــات‪ ،‬واألواويــن وختطيطــات املــدارس وبنــاء اخلانــات‪.‬‬
‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوارالديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫كمــا تأثــر املعمــار األيوبــي ببعــض العناصــر املعماريــة والفنيــة الفاطميــة‪ ،‬منهــا‬
‫اســتخدام املعمــار األيوبــي للصنجــات املعشــقة وكذلــك االهتمــام بالواجهــات وشــغلها‬
‫باملقرنصــات والعقــود الفارســية‪ ،‬وذلــك علــى غــرار مــا كان ســائداً يف جامــع األقمــر‬
‫والصــاحل طالئــع الفاطميَّيْــن‪.‬‬

‫وكذلــك شــاع يف عمائــر الطــراز األيوبــي اســتخدام القبــاب الــي شــهدت عمارهتــا‬
‫تطــوراً يف ذلــك الوقــت وخباصــة مــن حيــث مناطــق االنتقــال املتمثلــة يف حتويــل املربــع‬
‫الســفلي إىل مثمــن عــن طريــق رقبــة مكونــة مــن طابقــن‪ ،‬إىل جانــب مامتيــزت بــه‬
‫القبــاب األيوبيــة بوجــود زخــارف زجاجيــة علــى خوذاهتــا اخلارجيــة وهــو األســلوب‬
‫الــذي انتشــر انتشــاراً واســعاً يف القبــاب اململوكيــة‪.‬‬

‫كذلــك اعتنــى األيوبيــون باملداخــل بشــكل خــاص فشــيدوها يف دخــات عميقــة معقــودة‬
‫تُغلــق طواقيهــا (قمــة العقــد) بصفــوف مــن املقرنصــات‪ ،‬وتُتـوَّج فتحاهتــا بعقــود مدببــة‪،‬‬
‫كمــا انتشــر يف العمائــر األيوبيــة اســتخدام العقــود بأنواعهــا املختلفــة حيــث اس ـتُخدم‬
‫العقــد املدبــب أواملنكســر‪ ،‬كمــا شــاع اســتخدام العقــد احلــذوي (علــى شــكل حــذوة)‬
‫والعقــد العاتــق (العقــد الــذي يقــوم بتخفيــف احلمــل علــى عتــب املدخــل) الــذي أخــذ‬
‫مظهــراً جديــداً يف تلــك الفــرة حيــث أصبــح منخفض ـاً جــداً‪ ،‬ومكون ـاً مــن صنجــات‬
‫حجريــة صغــرة‪ ،‬كذلــك اســتخدم املعمــار األيوبــي‪ ،‬وألول مــرة‪ ،‬األعمــدة ذات التيجــان‬
‫الــي شُــكلت مــن احلطــات املقرنصــة‪ ،‬ومــن حيــث أشــكال احملاريــب املســتخدمة يف‬
‫العمائــر الدينيــة األيوبيــة‪ ،‬فقــد تأثــر املعمــار األيوبــي بأشــكال احملاريــب الفاطميــة اليت‬
‫كانــت تزخــر بطواقيهــا بزخــارف مشــعة مــن مركــز واحــد‪ ،‬ومــن اجلديــر بالذكــر أن أكــر‬
‫مــا مييــز العمائــر يف الطــراز األيوبــي قــد جــاء فيــه العمائــر الــي مازالــت شــاخصة‬
‫إىل اليــوم يف مصــر والشــام‪ ،‬وهــي تشــهد علــى تطــور األســاليب الدفاعيــة الــي جــاءت‬
‫يف العناصــر املعماريــة لالســتحكامات الدفاعيــة‪ ،‬وهــي تشــهد كذلــك علــى فنتحصــن‬
‫املــدن مــن خــال األســوارالضخمة املدعَّمــة باألبــراج‪ ،‬ومــن أمثلتهــا أســوار القاهــرة‬
‫احلربيــة الــي أحــاط هبــا الســلطان الناصــر صــاح الديــن مــدن مصــر كلهــا حلمايتهــا‬

‫‪128‬‬
‫مــن اهلجــوم الصليــي عليهــا انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)27‬هــذا غــر مــا شُــيد مــن‬
‫قــاع كان أمههــا قلعــة اجلبلــب القاهــرة‬
‫وقلعــة حلــب وقلعــة جنــم علــى الفــرات‬
‫وقلعــة محــص وقلعــة دمشــق وقلعــة‬
‫محــاة‪ ،‬ومجيعهــا كانــت تضــم عناصــر‬
‫دفاعيــة غايــة يف التطــور ســاعدت إىل‬
‫‪27‬‬ ‫الشكل‬
‫حــد كبــر علــى صــد زحــف الصليبيــن‬
‫إليهــا‪ ،‬لقــد كان األيوبيــون حبــق أهــل جهــاد وعمــارة يف نفــس الوقــت(‪.)1‬‬

‫الطراز اململوكي‪ :‬يف العصر اململوكي (‪992 - 658‬هـ‪1516 - 1260/‬م)‪:‬‬

‫وبعــد األيوبيــن جــاء عهــد املماليــك‪ ،‬الذيــن اشــركوا يف اجلهــاد ضــد احلمــات‬
‫الصليبيــة علــى فلســطني الــي أصبحــت مقاطعــة تابعــة للمماليــك بعــد ســقوط الدولــة‬
‫األيوبيــة‪ ،‬لذلــك تأثــر الطــراز اململوكــي أيضــاً باحلــرب وإن كان بدرجــة أقــل‪ ،‬ألن‬
‫أهــداف احلــرب كانــت قــد حتققــت والقــدس حتــررت يف عهــد صــاح الديــن األيوبــي‪،‬‬
‫وازدهــر فــن العمــارة اإلســامية يف عصــر املماليــك مــرة أخــرى‪ ،‬بعــد تكشــف ظــام‬
‫احلــرب‪ ،‬وبنيــت الكثــر مــن املســاجد واملــدارس واألضرحــة‪ ،‬وظــل هنــاك بعــض تأثــر‬
‫احلــروب علــى العمــارة يف عصــر املماليــك‪ ،‬ألن أوروبــا أرســلت محــات صليبيــة إىل‬
‫مصــر فبقيــت املســاجد واملــدارس حمصنــة وجمهــزة ملواجهــة أي اعتــداء أو حصــار‪.‬‬

‫وانقســم اجملتمــع املصــري يف عهــد املماليــك إىل قســمني‪ :‬اململوكــي (مــن أصــل األتــراك‬
‫مــن وســط آســيا) واملصــري‪ ،‬وكان املماليــك يعملــون يف اجليــش األيوبــي‪ ،‬ومل حتــق‬
‫هلــم اجلنســية املصريــة‪ ،‬فلمــا حكمــوا البــاد أعطــوا أنفســهم حــق املســتوى األرفــع‬
‫مــن النــاس‪ ،‬فنجــد اختالف ـاً كبــراً بــن املنشــآت‪ ،‬ســواء دينيــة أو دنيويــة الــي أنشــئت‬
‫للعامــة‪ ،‬وتلــك الــي أنشــئت للمماليــك متميــزة وفنيــة ومتيــز عصــر املماليــك بثــراء‬
‫(‪ http://forum.arabia4serv.com/t65602.html#ixzz1i5NzfaLN )1‬العمــارة اإلســامي‪ -‬منتديــات ارابيــا فــور‬
‫ســرف‪.‬‬

‫‪129‬‬
‫يف فنــون الديكــور وأعمــال املعــادن واخلشــب والفسيفســاء‪ ،‬خاصــة يف عمــل املنابــر‬
‫والثريــات(‪.)1‬‬

‫وحكــم املماليــك مصــر والشــام واجلزيــرة واليمــن واحلجــاز وليبيــا‪ ،‬وظهــر تبــادل‬
‫التأثــرات العمرانيــة واملعماريــة يف مناطــق حكمهــم‪ ،‬الــذي كان يف فرتتــه األوىل عصــر‬
‫ازدهــار وعمــران‪ ،‬ظهــر يف بنــاء القصــور واملــدارس واألســواق واحلمامــات وغريهــا‪،‬‬
‫ومتيــزت العمــارة اململوكيــة بتنــوع الزخــارف‪ ،‬والســيما الرنــوك الــي شــاع اســتخدامها‪،‬‬
‫ومل يعُــد الفنــاء عنصــراً أساســياً يف مجيــع املبانــي اململوكيــة إذ وجــدت أبنيــة مملوكيــة‬
‫مــن دون فنــاءات أو ذات فنــاءات مغطــاة‪ ،‬كمــا يف جامــع التــروزي واملدرســة اجلقمقيــة‬
‫بدمشــق‪ ،‬وكذلــك لألروقــة واألواويــن‪ ،‬فلــم تعــد مــن العناصــر الــي متيــز هــذا العصــر‪،‬‬
‫وإن اســتخدمت أحيان ـاً يف بعــض املنشــآت‪.‬‬

‫واعتمــدت العمــارة اململوكيــة علــى احلجــارة املنحوتــة جيــداً‪ ،‬وعلــى تنــاوب اللونــن‬
‫األبيــض واألســود يف حجــارة املداميــك ‪ ،contrasting stones‬وأحيانـاً اللــون األصفــر‬
‫أواألمحــر‪ ،‬وقــد يبــدو التنــاوب اللونــي مســتخدماً علــى الواجهــة كلهــا‪ ،‬أويف بعــض‬
‫أجزائهــا‪ ،‬وظهــرت أشــكال جديــدة مــن األقــواس‪ ،‬وتطــور اســتعمال القبــاب ذات الرقاب‬
‫‪ ،barrels‬خاصــة يف العنصــر االنتقــايل للقبــة‪ ،‬الــذي كان عبــارة عــن حنيــة ركنيــة أو‬
‫مقرنصــات أو مثلثــات كرويــة‪ ،‬كمــا ظهــر أول مــرة الشــكل األســطواني للمــآذن‪ ،‬وال‬
‫ريــب يف أن عصــري دولــي املماليــك البحريــة واجلركســية الــي حكمــت مــن عــام ‪648‬‬

‫إىل ‪923‬هـــ‪1250-1517 ،‬م‪ ،‬كانــا ميثــان العصــر الذهــي يف تاريــخ مصــر والشــام‬
‫واحلجــاز؛ إذ تبــارى ســاطني وأمــراء تلــك الفــرة يف تشــييد العمائــر املختلفــة مــن‬
‫جوامــع ومــدارس وخانقــاوات وأســبلة وأربطــة ومحامــات وغــر ذلــك الكثــر‪.‬‬

‫ومل يقــف األمــر عنــد حــد اإلقبــال علــى البنــاء فحســب‪ ،‬بــل اقــرن مــع هــذه النهضــة‬
‫العمرانيــة بتطــور يف األســاليب الفنيــة الزخرفيــة‪ ،‬وكذلــك بتطــور يف العناصر املعمارية‬
‫اإلنشــائية؛ إذ اهتــم املعمــار اململوكــي بواجهــات العمائــر الدينيــة الــي اســتخدم فيهــا‬
‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬

‫‪130‬‬
‫أهــم العناصــر املعماريــة مثــل كتلــة املدخــل الرئيســية والقبــة الضرحييــة‪ ،‬وفتحــات‬
‫النوافــذ املعشــقة بالزجــاج امللــون إىل جانــب الدخــات الرئيســية املعقــودة‪ ،‬وصفــوف‬
‫املقرنصــات الــي تتــوج أعلــى الواجهــات‪ ،‬وكذلــك الشــرفات املســننة أو الــي شُ ـ ِّكلت‬
‫علــى هيئــة الورقــة النباتيــة الثالثيــة أو اخلماســية‪.‬‬

‫وكذلــك اســتخدم املماليــك أنظمــة معماريــة جديــدة يف التخطيــط ظهــرت بوضــوح‬


‫يف عمــارة املســاجد واملــدارس واألضرحــة‪ ،‬وإن كان قــد غلــب علــى بعــض العناصــر‬
‫املعماريــة الــي شــاعت يف تلــك الفــرة التأثــرات الســلجوقية‪ ،‬إىل جانــب اســتمرار‬
‫التقاليــد املعماريــة املتبعــة يف ختطيطــات املســاجد‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك جامــع الســلطان‬
‫بيــرس البندقــداري انظــر الشــكل (‪ ،)28‬الــذي شُــيد يف عــام ‪656‬هـــ‪1258 ،‬م‪ ،‬وميتــاز‬
‫هــذا اجلامــع بتكوينــه املعمــاري‪ ،‬الــذي اشــتمل علــى صحــن أوســط مكشــوف‪ ،‬وأربــع‬
‫ظــات أكربهــا القبلــة‪ ،‬وقــد اسـتُخدمت العقــود احملمولــة علــى أعمــدة مــن الرخــام يف‬
‫رفــع الســقف والقبــة الرئيســية‪ ،‬كذلــك اسـتُخدم احلجــر املصقــول يف بنــاء الواجهــات‬
‫اخلارجية‪ ،‬كما استُخدم اآلجر يف بناء القباب والعقود‪ ،‬كما ميتاز هذا املسجد بوجود‬
‫املدخــل التــذكاري وهــو املدخــل الــذي يــرز عــن مســت الواجهــة‪ ،‬ومــن أمثلــة املســاجد‬
‫اململوكيــة أيض ـاً جامــع الناصــر حممــد بــن قــاوون الــذي يتكــون ختطيطــه املعمــاري‬
‫مــن صحــن وأربــع ظــات أكربهــا ظلــة القِبْلــة‪ ،‬ومييــز هــذا اجلامــع القبــة الضخمــة‬
‫الــي تعلــو ظلــة القِبْلــة‪ ،‬وقــد حُملــت‬
‫علــى أعمــدة ضخمــة مــن اجلرانيــت‪،‬‬
‫ومــن أمثلــة هــذا التخطيــط أيضـاً جامــع‬
‫ومدرســة املؤيــد الــذي يقــع جبــوار بــاب‬
‫زويلــة ويرجــع تارخيــه إىل عــام ‪818‬هـــ‪،‬‬
‫‪1415‬م(‪.)1‬‬

‫‪28‬‬ ‫الشكل‬ ‫وإىل جانــب طــراز املســاجد واملــدارس‬


‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عربالعصور – رابطة احلوارالديين للوحدة – حممدهشام النعسان‪.‬‬

‫‪131‬‬
‫اململوكيــة الــي شُــيدت وفــق نظــام الظــات‪ ،‬ظهــر نظــام جديــد يف ختطيــط املســاجد‬
‫واملــدارس يعــرف بالنظــام اإليوانــي‪ ،‬وهــو صحنــأ وســط مكشــوف حتيــط بأضالعــه‬
‫أربعــة إيوانــات أكربهــا عمقــاً إيــوان القبْلــة‪ ،‬وقــد جــاءت مجيــع اإليوانــات متقابلــة‬
‫ومعقــودة‪ ،‬وقــد انتشــر هــذا التخطيــط انتشــاراً واســعاً يف العمائــر الدينيــة اململوكيــة‬
‫مبصــر والشــام‪،‬وكان هــذا التخطيــط بدايــة لظهــور نظــام آخــر جديــد عــرف بنظــام‬
‫اجملمعــات الدينيــة‪ ،‬أي أن املنشــأة أصبحــت تــؤدي أكثــر مــن وظيفــة‪ ،‬إذ بــدأ املعمــار‬
‫بإضافــة وحــدات معماريــة جديــدة إىل عمــارة املدرســة أو املســجد‪ ،‬ومــن أشــهر‬
‫أمثلتهــا يف مصــر جممــع الســلطان قــاوون الــذي يضــم مدرســة ومســجداً وضرحي ـاً‬
‫وبيمارســتاناً وســبيالً وخــاوي ألقــارب الطــاب وميضــأة (موضــع الوضــوء) وغريهــا‬
‫مــن املالحــق الثانويــة‪ ،‬ومــن أمثلــة هــذا النظــام أيض ـاً مدرســة الســلطان حســن بــن‬
‫قــاوون الــي شُــيدت يف عــام ‪757‬هـــ‪1356 ،‬م‪ ،‬والــي تُعــد مــن أروع أمثلــة املــدارس‬
‫علــى اإلطــاق‪.‬‬

‫كمــا انتشــر نــوع رابــع مــن خمططــات العمائــر الدينيــة يف عمائــر الطــراز اململوكــي‬
‫منــذ عصــر الســلطان برســباي (‪840‬هـــ ‪1436 -‬م) يعتمــد ختطيطــه الرئيســي‬
‫علــى النظــام اإليوانــي (نظــام إيرانــي عــرف يف ختطيــط املــدارس واملســاجد)‪ ،‬ولكــن‬
‫بنســب أصغــر ممــا كانــت عليــه يف العصــر اململوكــي البحــري‪ ،‬إذ بــدأ املعمــار يف تقليــل‬
‫مســاحة الصحــن ممــا ســاعد علــى تغطيتــه بســقف خشــي علــى هيئــة الفانــوس عــرف‬
‫بالشخشــيخة‪ ،‬ومــن اجلديــر بالذكــر أن املعمــار اململوكــي حافــظ داخــل هــذا النظــام‬
‫علــى تعــدد وظائــف املنشــأة ممــا جيعلنــا نصــف أغلــب املــدارس بأهنــا شــيدت وفق ـاً‬
‫لنظــام اجملمعــات الدينيــة‪ ،‬ومــن أشــهر أمثلتهــا جممــع الســلطان قايتبــاي بصحــراء‬
‫املماليــك وجممــع الســلطان الغــوري وجممــع األمــر قرقمــاس وغريهــا الكثــر‪ ،‬ومــن‬
‫أمثلــة هــذا الطــراز يف ســوريا الركنيــة واملدرســة اجلقمقيــة‪ ،‬وكذلــك امتــازت املــآذن‬
‫اململوكيــة برشــاقتها وارتفاعهــا ومجــال زخارفهــا‪ ،‬وقــد شُــيد معظمهــا علــى قاعــدة‬
‫مربعــة يعلوهــا بنــاء مثمــن تتخللــه شــرفات بــارزة حممولــة علــى حطــات مقرنصــة‪ ،‬أمــا‬

‫‪132‬‬
‫عــن مداخــل العمائــر اململوكية‪،‬فقــد اهتــم هبــا املعمــار اهتمامـاً كبــراً‪ ،‬وأصبحــت حتتــل‬
‫مكان ـاً بــارزاً علــى الواجهــة إىل جانــب جمموعــة العناصــر الزخرفيــة الــي شــغل هبــا‬
‫الفنــان اململوكــي مداخــل منشــآته الدينيــة مــن أفاريــز بــارزة وغائــرة وجفــوت (حليــات‬
‫معماريــة بــارزة علــى املداخــل والنوافــذ والواجهــات) ومقرنصــات وحليــات معماريــة‬
‫ونقــوش كتابيــة‪ ،‬وقــد تأثــرت مداخــل العمائــر الدينيــة يف الطــراز اململوكــي باملداخــل‬
‫الســلجوقية(‪.)1‬‬

‫وكذلــك ازدهــرت يف العمائــر اململوكيــة زخرفــة الوزرات الرخاميــة امللونة على احلوائط‬
‫ويف األرضيــات ويف احملاريــب‪ ،‬ومــن أبــرز أمثلتهــا مدرســة الســلطان حســن بــن قــاوون‬
‫انظر الشــكل (‪ ،)29‬ومدرســة الســلطان قايتباي ومدرســة الســلطان الغوري‪.‬‬

‫كذلــك شــاع بنــاء اخلانقــاوات يف العمائــر الدينيــة اململوكيــة‪ ،‬وهــي تلــك الــي بُنيــت مــن‬
‫أجــل إيــواء الصوفيــة وتعليمهــم علــى أيــدي شــيوخ متخصصــن يف الفقــه والتفســر‬
‫وأصــول التصــوف‪ ،‬وقــد خُططــت تلــك العمائــر علــى غــرار ختطيــط املــدارس ذات‬
‫اإليوانات املتعامدة على أضالع الصحن‪ ،‬ومن أشــهر أمثلتها خانقاة بيربس اجلاشــنكري‬
‫وخانقــاة ســيالر وســنجر اجلــاويل بالقاهــرة‪ ،‬كمــا شُــيدت بعــض اخلانقــاوات علــى‬
‫غــرار املســاجد اجلامعــة‪ ،‬ومــن أمثلتهــا خانقــاة الســلطان الناصــر فــرج بــن برقــوق‪،‬‬
‫الواقعــة مبقابــر املماليــك مبدينــة القاهــرة‪ ،‬وقــد مجعــت تلــك اخلانقــاوات بــن عــدة‬
‫وظائــف منهــا املســجد والضريــح والســبيل ومكتــب لتعليــم األيتــام‪.‬‬
‫أمــا العمائــر املدنيــة يف عصــر املماليــك‪ ،‬فقــد‬
‫تنوعــت بــن اخلانــات والــوكاالت والفنــادق‪،‬‬
‫ومــن أمثلتهــا مدخــل وكالــة األمــر قوصــون‪،‬‬
‫ووكالــة الســلطان قايتبــاي الواقعــة ببــاب‬
‫النصــر مبدينــة القاهــرة‪ ،‬ومقعــد مامــاي‬
‫‪29‬‬ ‫الشكل‬ ‫الســيفي املعــروف ببيــت القاضــي وخــان‬
‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫اخلليلــي ووكالــة الغــوري‪ ،‬وقــد تضمنــت هــذه املنشــآت الكثــر مــن العناصــر املعماريــة‬
‫والفنيــة الــي انتشــرت يف عمائــر الطــراز اململوكــي‪.‬‬
‫الطراز السلجوقي‪ :‬سادت األسرة السلجوقية بغداد عام ‪447‬هـ‪1055/‬م‪:‬‬
‫والســاجقة هــم األتــراك الذيــن قدمــوا مــن تركســتان ووســط آســيا وعــروا بــاد‬
‫فــارس والعــراق ليســتقروا يف آســيا الصغــرى واألناضــول ليؤسســوا الدولــة املعروفــة‬
‫اآلن برتكيــا‪ ،‬وصــل الســاجقة األتــراك إىل املناصــب الرفيعــة يف احلكومــة العباســية‬
‫خاصــة يف العــراق وإيــران‪ ،‬حتــى متكنــوا مــن إعــان قيــام دولتهــم اخلاصــة يف العــراق‬
‫وكردســتان يف عــام ‪ 510‬هـــ ‪1117 /‬م‪.‬‬
‫واهتــم الســاجقة بالفــن اإلســامي‪ ،‬وســاندوا الفنانــن مــن املســلمني وخاصــة فنانــي‬
‫العمــارة وعمــال الديكــور‪ ،‬ومتيــز فــن العمــارة الســلجوقي بعــدد كبــر مــن املنشــآت‬
‫والقبــاب اجلميلــة كبــرة احلجــم‪ ،‬واملنــارات املســتقيمة الفريــدة‪ ،‬وتطــور فــن املعمــار يف‬
‫بنــاء األضرحــة يف عصــر الســاجقة‪ ،‬وأصبــح ذو أســلوب فريــد‪ ،‬وكان الطــراز اجلديــد‬
‫يف بنــاء الضريــح يعتمــد علــى تغطيــة القــر بقبــة كبــرة مثبتــة علــى أعمــدة مزخرفــة‬
‫بآيــات القــرآن الكريــم(‪.)1‬‬
‫ودام حكمهــا حتــى ‪569‬هـــ‪1174/‬م‪ ،‬ومــن أهــم املبانــي الدينيــة الســلجوقية املســجد‬
‫الكبــر يف أصفهــان ذو املخطــط املصلــب املســتوحى مــن العمــارة املدنيــة‪ ،‬ويتميــز‬
‫باألواويــن األربعــة املطلــة علــى الصحــن‪ ،‬وقــد أصبحــت فيمــا بعــد الطابــع املميــز‬
‫للمســاجد اإليرانيــة‪.‬‬
‫أدخــل الســاجقة الضريــح ‪ mausoleum‬إىل جانــب اجلامــع‪ ،‬وهــو قــر ‪ tomb‬علــى‬
‫شــكل بــرج أو قبــة إمــا ملســاء أو حمــززة‪ ،‬وقبــة ضريــح الســيدة زبيــدة يف العــراق‪ ،‬وهــي‬
‫هرميــة الشــكل مثانيــة األضــاع‪ ،‬ومشــاهبة متامـاً لقبــة بيمارســتان نــور الديــن الزنكــي‬
‫يف دمشــق‪ ،‬واهتــم الســاجقة ببنــاء املــدارس واملعاهــد لتعليــم الفقــه والديــن‪ ،‬كمــا‬
‫اهتمــوا بالعمــارة العســكرية؛ إذ تعــود أصــول قلعــة دمشــق للفــرة الســلجوقية‪.‬‬
‫(‪ )1‬العمارة اإلسالمية تاريخ من اجلمال واإلبداع – الدكتور رضوان ضحالوي–املصدر‪ .‬املوسوعة العربية‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫فــإن أهــم مميــزات العمــارة الســلجوقية‪ :‬مداخلهــا ذات االرتفاعــات املنخفضــة واملؤلفــة‬
‫مــن قــوس مدبــب متجــاوز‪ ،‬واحتوائهــا علــى أواويــن تطــل علــى الفنــاء مــن اجلهــات‬
‫األربــع‪ ،‬إال يف حــال وجــود احلــرم فتضــم ثالثــة أواويــن‪ ،‬ويتوســط الفنــاء عنصــر مائــي‪،‬‬
‫وتغطــي الفراغــات قبــاب حممولــة علــى حنايــا ركنيــة أو مقرنصــات‪ ،‬وتتنــوع أشــكال‬
‫التغطيــة مــن قبــوات ذات أشــكال نصــف أســطوانية وقبــوات متصالبــة وقبــاب‪ ،‬وتزيــن‬
‫األبنيــة الكتابــات‪ ،‬وقــد أدخلــوا اخلــط النســخي أو الثلــث للمــرة األوىل‪ ،‬كمــا تطــور‬
‫فــن النقــش بأنواعــه املختلفــة‪ ،‬ويف إيــران اســتخدموا اآلجــر بوضعيــات غائــرة ونافــرة‬
‫ومبداميــك تتخللهــا درجــات لونيــة مغايــرة مــن أجــل الزخرفــة(‪.)1‬‬

‫وميكــن إجيــاز اخلصائــص املعماريــة الــي متيــز عمائــر الطــراز الســلجوقي مبــا يلــي‪:‬‬
‫ابتــكار التخطيــط اإليوانــي يف املســاجد واملــدارس الســلجوقية؛ حيــث أصبــح اإليــوان‬
‫هــو العنصــر الرئيســي يف العمائــر الســلجوقية‪ ،‬واإليــوان قاعــة أو غرفــة ذات ثالثــة‬
‫جــدران وتفتــح بكامــل اتســاعها علــى الداخــل ســواء علــى الصحــن أو علــى درقاعــة أي‬
‫قاعــة‪ ،‬وغالبـاً مــا يغطــي اإليــوان عقــد معمــاري يرتكــز علــى حوائــط حاملــة بــد ًال مــن‬
‫األعمــدة‪ ،‬امتــازت العمائــر الســلجوقية بعــدم االهتمــام مبســاحات الصحــون الكبــرة‬
‫حيــث شــيدوها علــى أحجــام صغــرة‪ ،‬وقامــوا بتغطيتها بقباب كبرية وإدخال مســاحاهتا‬
‫ضمــن املســاحة املغطــاة‪ ،‬وقــد شــاع اســتخدام األحجــار املصقولــة واملنحوتــة يف بنــاء‬
‫املنشــآت املعماريــة وخباصــة الواجهــات اخلارجيــة واملداخــل‪ ،‬وقــد ســاعد ذلــك علــى‬
‫تطــور صناعــة النقــش علــى األحجار‪ ،‬ويظهر ذلك جلياً يف عمائر األناضول؛ إذ أضفت‬
‫النقــوش الزخرفيــة علــى واجهــات العمائــر الدينيــة هنــاك مظهــراً فريــداً وجديــداً‪،‬‬
‫وذلــك نتيجــة اســتخدام الصنــاع والفنانــن أســاليب حنــت مبتكــرة قوامهــا االعتمــاد‬
‫علــى بــروز العناصــر الزخرفيــة لتصبــح غليظــة اخلطــوط ممــا أضفــى علــى الواجهــات‬
‫مظهــراً فني ـاً يذكرنــا بفــن البــاروك الــذي شــاع اســتعماله يف العمائــر األوروبيــة منــذ‬
‫القــرن الســابع عشــر امليــادي‪ ،‬ومــن أشــهر النمــاذج املعماريــة الســلجوقية الــي تعرب عن‬
‫هــذا الفــن مدرســة أجنــه منــار بقونيــة انظــر الشــكل (‪ ،)30‬وجامــع وبيمارســتان مدينــة‬
‫(‪ )1‬عمارة اإلسالمية تاريخ من اجلمال واإلبداع – مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ديفــري ومدرســة قرطــاي‪ ،‬ومســجد عــاء الديــن يف قونيــة‪ ،‬وكما شــاع اســتخدام اآلجر‬
‫يف عمائــر الســاجقة‪ ،‬وتطــورت طريقــة البنــاء باآلجــر يف تلــك الفــرة‪ ،‬حيــث اسـتُخدم‬
‫اآلجــر يف بنــاء القبــاب واألقبيــة إىل جانــب اســتخدامه يف بعــض الواجهــات بأســلوب‬
‫زخــريف وإنشــائي معـاً‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك مــا جنــده يف األضرحــة الســلجوقية مبنطقــة‬
‫األناضــول‪ ،‬واس ـتُخدمت يف العمائــر الســلجوقية البالطــات اخلزفيــة كمــادة أساســية‬
‫يف تكســية اجلــدران اآلجريــة مــن الداخــل ومتتــاز البالطــات اخلزفيــة الســلجوقية‬
‫بألواهنــا الفريوزيــة‪ ،‬كمــا اســتُخدمت األكســية اجلصيــة علــى اآلجــر‪ ،‬وشــاع أيضــاً‬
‫اســتخدام القبــاب والعقــود املعماريــة‪ ،‬والســيما العقــد املعمــاري نصــف األســطواني‬
‫والعقــود املعماريــة املتقاطعــة كمــا اســتخدمت القبــة عنصــراً أساســياً يعلــو احملــراب‪،‬‬
‫كمــا ظهــرت أنــواع جديــدة مــن القبــاب يعلــو كالً منهــا فانــوس‪ ،‬واســتخدام املقرنصــات‬
‫عنصــراً إنشــائياً وزخرفيـاً يف املنشــآت الســلجوقية‪ ،‬وأصبحــت مــن أهــم العناصــر الــي‬
‫يشــكل منهــا املعمــار بطــون طواقــي املداخــل واحملاريــب وشــرفات املــآذن‪.‬‬

‫أمــا املــآذن الســلجوقية‪ ،‬فقــد امتــازت‬


‫بأشــكاهلا األســطوانية أو املخروطيــة‬
‫أو املضلعــة‪ ،‬وكان يتخللهــا يف أغلــب‬
‫النمــاذج شــرفة أو شــرفتان حُملــت علــى‬
‫مقرنصــات‪ ،‬وقــد شُــكلت قمــة املئذنــة‬
‫الســلجوقية علــى هيئــة قلــم الرصــاص‪،‬‬
‫وهــو األســلوب الــذي أثــر بعــد ذلــك يف‬
‫مــآذن العصــر العثمانــي‪.‬‬

‫وأمــا يف إيــران‪ ،‬فقــد شــهدت العمائــر‬


‫الدينيــة تطــوراً كبــراً يف عهــد الســاجقة‬
‫إذ امتــازت مســاجد تلــك الفــرة بقباهبــا‬
‫‪30‬‬ ‫الشكل‬ ‫العديــدة وأقبيتهــا‪ ،‬ومــن أمثلــة ذلــك‬

‫‪136‬‬
‫مســجد اجلمعــة يف مدينــة أصفهــان انظــر الشــكل (‪ ،)31‬واعتنــى الســاجقة ببنــاء‬
‫األســوار والقــاع واحلصــون وســائر االســتحكامات احلربيــة نتيجــة حلروهبــم املســتمرة‬
‫مــع الــروم والصليبيــن‪ ،‬ممــا طبــع عمائرهــم بطابــع القوة واملتانــة وجــاءت مبانيهم أقرب‬
‫مــا تكــون للحصــون‪ ،‬ومــن أشــهر أعماهلــم احلربيــة ســور مدينــة دمشــق وقلعتهــا وســور‬
‫مدينــة قونيــة وغريهــا‪ ،‬أمّــا القصــور الســلجوقية‪ ،‬فلــم يبــق منهــا إال القليــل‪ ،‬ومــن أمثلتهــا‬
‫قصــر األمــر بــدر الديــن لؤلــؤ يف املوصــل الــذي يقــع علــى هنــر دجلــة‪ ،‬ومــن أشــهر مــا‬
‫مييــز عمائــر الطــراز الســلجوقي جمموعــات اخلانــات الــي أقبــل الســاجقة علــى بنائهــا‬
‫يف خمتلــف الطــرق الرئيســية‪ ،‬وكان تصميمهــا يشــبه إىل حــد كبــر ختطيــط املــدارس(‪.)1‬‬

‫الطراز اإليراني املغويل‪:‬‬

‫انتهــى عهــد الســاجقة علــى أيــدي املغــول القادمــن مــن أقصــى شــرق وســط آســيا‪،‬‬
‫وكان املغــول مــن قبائــل البــدو غــر املســلمني مــن منغوليــا‪ ،‬وكان هدفهــم فــرض منــط‬
‫حياهتــم البــدوي علــى غريهــم مــن النــاس‪ ،‬بعــد أن وصــل حماربــوا املغــول الرببــر إىل‬
‫فلســطني‪ ،‬ودمــروا كل مــا وصلــت إليــه أيديهــم‪ ،‬تاركــن مــن ورائهــم آثــار الدمــار والدماء‬
‫يف بــاد فــارس والعــراق وســوريا‪ ،‬وهُزمــوا علــى أيــدي املماليــك يف مصــر‪ ،‬وأثنــاء‬
‫تقهقــر املغــول جهــة الشــرق‪ ،‬هداهــم اهلل إىل ديــن اإلســام فأســلموا ليصبحــوا مــن‬
‫أعظــم شــعوب اإلســام وبعــض أعظــم قــادة اإلســام‪ ،‬وأســس املغــول دولتهــم يف‬
‫فــارس ووســط آســيا واهلنــد وهكــذا ظهــرت طــرز معماريــة كثــرة‪ ،‬وازدهــرت خاصــة‬
‫الطــراز الفارســي املغــويل واهلنــدي املغــويل‬
‫والرتكــي املغــويل‪ ،‬وظهــر الطــراز الفارســي‬
‫املغــويل وانتشــر يف بــاد فــارس‪ ،‬وهنــاك‬
‫الكثــر مــن التحــف املعماريــة مــن هــذا‬
‫الطــراز يف مــدن أصفهــان وقــم ومشــهد‬
‫‪31‬‬ ‫الشكل‬
‫وجنــف وكربــاء‪.‬‬
‫(‪ http://forum.arabia4serv.com/t65602.html#ixzz1i5NzfaLN )1‬العمــارة اإلســامي‪ -‬منتديــات ارابيــا فــور‬
‫ســرف‪ .‬ســبق‬

‫‪137‬‬
‫وتتميــز املســاجد يف هــذا الطــراز باملنــارات والقبــاب األقــل اســتدارة‪ ،‬وأبــواب املســاجد‬
‫علــى الطــراز الفارســي املغــويل أعلــى مــن املســاجد ومزينــة بآيــات القــرآن الكريــم‬
‫والبالطــات والفسيفســاء(‪.)1‬‬

‫فيمكــن إجيــاز اخلصائــص املعماريــة الــي متيــز عمائــر الطــراز اإليرانــي املغــويل يف‬
‫مايلــي‪:‬‬

‫بنــاء األضرحــة علــى شــكل أبــراج خمروطيــة إىل جانــب األضرحــة الــي شُــيدت عليهــا‬
‫قبــاب ضخمــة‪ ،‬ومــن أشــهر أمثلتهــا ضريــح الســلطان اجلايتو‪ ،‬وكذلــك جمموعة القباب‬
‫الضرحييــة مبدينــة مسرقنــد الــي دفــن هبــا الكثــر مــن أفــراد األســرة التيموريــة‪ ،‬ومــن‬
‫أشــهر األضرحــة هنــاك ضريــح تيمورلنــك (‪808‬هـــ‪1405 ،‬م)‪ ،‬أمــا عــن ختطيطــات‬
‫املســاجد يف الطراز اإليراني املغويل‪ ،‬فقد زادت فخامة؛ إذ يتميز تصميمها بالســمات‬
‫الفنيــة واخلصائــص املعماريــة الــي ســادت يف العمائــر الســلجوقية‪ ،‬والســيما الــي‬
‫جندهــا يف املســجد اجلامــع مبدينــة أصفهــان‪ ،‬ومــن أروع منــاذج املســاجد الــي تعــود‬
‫إىل تلــك الفــرة جامــع قرامــن (‪722‬هـــ‪1322 ،‬م)‪ ،‬وجامــع جوهــر شــاد مبدينــة مشــهد‪،‬‬
‫واملســجد اجلامــع مبدينــة يــزد‪ ،‬كمــا شــاع يف عصــر التيموريــن بنــاء املســاجد ذات‬
‫القبــاب واملداخــل الفخمــة‪ ،‬ومــن أشــهر مســاجد تلــك الفــرة مســجد كليــان يف خبــارى‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)32‬الــذي امتــاز باســتخدام األحجــار املنحوتــة يف بنائــه‪ ،‬واإليوانــات‬
‫الضخمــة‪ ،‬ومئذنتــه األســطوانية‪ ،‬وكذلــك امتــاز مســجد كليــان باســتخدام املقرنصــات‬
‫يف مئذنتــه ويف طاقيــة عقــد املدخــل (قمــة القــوس)‪ ،‬ومــن أشــهر مســاجد تلــك الفــرة‬
‫أيضـاً اجلامــع األزرق انظــر الشــكل (‪ ،)33‬الــذي شــيد مبدينــة تربيــز يف منتصــف القرن‬
‫التاســع اهلجــري‪ ،‬اخلامــس عشــر امليــادي‪ ،‬ويعتمــد اجلامــع علــى التغطيــات املقببــة‬
‫منهــا القبــة الرئيســية الــي تتوســط كتلــة املســجد وكذلــك جمموعــة القاعــات الــي‬
‫تغطيهــا قبــاب صغــرة‪.‬‬

‫(‪ )1‬أســس ومبــادئ العمــارة اإلســامية عــر العصــور – رابطــة احلــوار الديــي للوحــدة – حممــد هشــام النعســان‪.‬‬
‫ســبق ذكره‪.‬‬

‫‪138‬‬
‫واهتــم التيموريــون بإنشــاء املــدارس دون‬
‫أن يدخلــوا علــى ختطيطاهتــا أي تغيــرات‬
‫جوهريــة‪ ،‬إال أهنــا كانــت تتميــز مبآذهنــا‬
‫األســطوانية الضخمــة الــي حتــف مببانــي‬
‫املدخــل الرئيســي‪ ،‬كمــا شــيد تيمــور لنــك‬

‫‪32‬‬ ‫الشكل‬ ‫عــدة مــدارس يف مسرقنــد يف القرن التاســع‬


‫اهلجــري‪ ،‬اخلامــس عشــر امليــادي‪ ،‬ومــن‬
‫أشــهر تلــك املــدارس مدرســة أولــوغ بــك‬
‫(‪851‬هـــ‪1447 ،‬م)‪ ،‬وامتــازت هــذه املدرســة‬
‫بوجــود أربــع مــآذن يف أركاهنــا‪ ،‬ومبدخلهــا‬
‫الضخــم املعقــود بعقــد مدبَّــب‪ ،‬إىل جانــب‬
‫خططــت مــن‬‫ِّ‬ ‫حجــرات الطــاب الــي‬
‫طابقــن‪ ،‬ومــن اجلديــر بالذكــر أن العمائــر‬
‫يف الطــراز اإليرانــي املغــويل قــد ا َّتجهــت إىل‬
‫البنــاء باألحجــار املصقولــة واملنحوتــة‪ ،‬علــى‬
‫حــن أن املعمــار يف تلــك الفــرة مل يتجــه‬
‫إىل اســتعمال الرخــام يف كســوة اجلــدران‬
‫‪33‬‬ ‫الشكل‬
‫الداخليــة‪ ،‬ورمبــا يرجــع ذلــك إىل النجــاح‬
‫الكبــر الــذي حققــه املعمــار املغــويل يف اســتخدام قوالــب اآلجــر املطلــي أو املزجــج‪،‬‬
‫كذلــك اســتخدموا الفسيفســاء والقرميــد والبالطــات اخلزفيــة بأشــكال متعــددة‬
‫وأمنــاط خمتلفــة ممــا يؤكــد علــى قــدرة الفنــان يف ذاك الوقــت وتفوقــه‪ ،‬وكمــا شــاع يف‬
‫عمائــر تلــك الفــرة اســتخدام اجلــص يف إكســاء اجلــدران الداخليــة‪.‬‬

‫الطــراز اهلنــدي‪ :‬بعــد دخــول املغــول يف اإلســام أسســوا دوهلــم يف بــاد فــارس واهلنــد‬
‫ووســط آســيا‪ ،‬وتأثــرت احلضــارة املغوليــة يف اهلنــد كثــراً بالطبيعــة الفنيــة للهنــود‬

‫‪139‬‬
‫والباكســتانيني‪ ،‬وتأثــرت العمــارة ذات الطــراز اهلنــدي املغــويل باحلضــارات املغوليــة‬
‫يف فــارس ووســط آســيا وبالثقافــة واحليــاة والعمــارة اهلنديــة‪ ،‬والقبــاب يف العمــارة‬
‫اهلنديــة املغوليــة تتفــرد بشــكل أقــل اســتدارة مــن مثيالهتا عنــد الســاجقة والعثمانيني‪،‬‬
‫واملنــارات تشــبه تلــك مــن الطــراز املغــويل الفارســي وكذلــك املداخــل‪ ،‬وبــرع مغــول اهلنــد‬
‫يف اســتخدام الرخــام ملــا تشــتهر بــه اهلنــد مــن ثــراء يف خــام الرخــام وأحجــاره(‪.)1‬‬

‫وقــد ظهــرت يف مشــال اهلنــد منــذ القــرن الثانــي عشــر حتــى الســادس عشــر أبنيــة‬
‫إســامية هنديــة الطابــع‪ ،‬ثــم جــاء ســاطني املغــول واملســلمني (القــرون بــن ‪)18-16‬‬
‫فاقتبســوا يف أبنيتهــم القــوس والقبــة البصليــة عــن املدرســة الفارســية(‪ ،)2‬وظهــرت‬
‫يف عمائــر الطــراز اهلنــدي عــدة تأثــرات بعضهــا حملــي مثــل التقاليد اهلندية يف اســتخدام‬
‫احلجــر مــادة رئيســية للبنــاء‪ ،‬وكذلــك اخلشــب‪ ،‬كمــا تأثــرت العمائــر اهلنديــة مباشــرة‬
‫بالعمائــر يف إيــران وتركســتان الــي تعتمــد يف عمارهتــا علــى ال َّل ِبــن واآلجــر كمــادة للبنــاء‪.‬‬

‫أمــا مــن حيــث التخطيــط املعمــاري‪ ،‬فقــد امتــازت عمائــر الطــراز اهلنــدي‪ ،‬وخباصــة‬
‫الدينيــة‪ ،‬بصحــون املســاجد الواســعة الــي حتيــط هبــا أروقــة غطيت بقبــاب صغرية‪ ،‬من‬
‫أمثلتهــا مســجد وزيــر خــان يف الهــور انظــر الشــكل (‪ ،)34‬كمــا ظهــر املســجد املغطــى‬
‫الــذي اختفــى منــه عنصــر الصحــن‪ ،‬ومــن أمثلتــه مســجد غلربغــا وهنــاك ختطيط ثالث‬
‫هــو قاعــة صغــرة بالنســبة ملســاجد الصحــن‪ ،‬ختطيطهــا يشــبه التخطيــط الشــائع‬
‫يف مســاجد إيــران‪ ،‬ومــن أمثلتــه جامــع‬
‫فتــح بورســيكري‪ ،‬وهنــاك ختطيــط رابــع‬
‫ظهــر يف مســاجد اهلنــد ُقسِّــمت فيــه‬
‫ظلــة القبلــة علــى غــرار مســاجد املشــرق‬
‫يف مصــر والشــام‪ ،‬حيــث تكونــت ظلــة‬
‫القبلــة مــن ثــاث بالطــات‪ ،‬ومــن أمثلتهــا‬
‫‪34‬‬ ‫الشكل‬
‫جامــع اللؤلــؤة‪ ،‬أمــا مــن حيــث العناصــر‬
‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫املعماريــة املســتخدمة‪ ،‬فنجــد أنواعـاً مــن العقــود حيــث شــاع يف الطــراز اهلنــدي العقــد‬
‫املدبَّــب مــن النــوع الفارســي‪ ،‬كمــا شــاع العقــد املدبــب الشــبيه بالعقــد الفاطمــي‪ ،‬ومــن‬
‫أمثلتــه ضريــح اإلمرباطــور أكــر‪ ،‬كمــا شــاع يف عمائــر الطــراز اهلنــدي اســتخدام العقــد‬
‫املفصــص‪ ،‬وهــو خيتلــف عــن النــوع الــذي عُــرف يف الطــراز املغربــي واألندلســي‪ ،‬ألن‬
‫فصــوص العقــد اهلنــدي أقــل مــن نصــف دائــرة‪ ،‬ومــن أمثلــة هــذا النــوع جامــع مســجد‬
‫أمجــر‪ ،‬وجامــع التومتيــش‪.‬‬

‫أمــا القبــاب‪ ،‬فقــد تعــددت أشــكاهلا؛فمنها مــا كان قطاعهــا عقــداً مدبب ـاً مــن النــوع‬
‫املنتشــر يف العمائــر العباســية‪ ،‬ومنهــا مــا كان قطــاع عقــده متطاوالً أو دائريـاً أو بصلياً‪،‬‬
‫ومــن أهــم مــا مييــز القبــاب اهلنديــة أهنــا كانــت تتكــون مــن طبقتــن خارجيــة وداخليــة‬
‫بينهمــا فــراغ واســع علــى غــرار قبــة النســر يف اجلامــع اآلســيوي أو قبــة الصخــرة يف‬
‫فلســطني‪ ،‬كذلــك شــاع يف عمائــر الطــراز اهلنــدي اســتخدام الشــاذروان (مظلــة حجريــة‬
‫تتــوج املــآذن وواجهــات املبانــي و أركاهنــا)‪ ،‬وهــي ختتلــف عــن الشــاذروان الــذي عــرف‬
‫يف العمائــر العثمانيــة‪ ،‬كذلــك شــاع يف العمائــر اهلنديــة اســتخدام الرفــرف البــارز يف‬
‫الواجهــات أو فــوق األروقــة أو حــول رقبــة القبــة وكان يرتكــز علــى كوابيــل صخريــة‪،‬‬
‫أمــا املــآذن الــي شــاع اســتخدامها يف طــراز العمائــر اهلندية‪،‬فهــي مبنيــة باحلجــر‪ ،‬وهلــا‬
‫بــدن مضلــع أو أســطواني أو خمروطــي‪ ،‬وهــي ختتلــف عــن املــآذن الشــائعة يف إيــران‬
‫وتركســتان‪.‬‬

‫وكذلــك امتــازت العمائــر يف الطــراز اهلنــدي باألضرحــة الضخمــة‪ ،‬وأشــهرها تــاج حمــل‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)35‬الــذي شــيده اإلمرباطــور‬
‫شــاه جهــان يف أ ْكــرا لزوجته ممتــاز حمل‪ ،‬وتبدو‬
‫التأثــرات اإليرانيــة يف واجهــة هــذا الضريــح‪،‬‬
‫مــن حيــث شــكل القبــة الرئيســية وإمالــة‬
‫األركان وهيئــة األبــراج األربعــة‪ ،‬ومــن األضرحــة‬
‫‪35‬‬ ‫الشكل‬ ‫اهلنديــة املشــهورة ضريــح حممــود عادل شــاه يف‬

‫‪141‬‬
‫بيجابــور‪ ،‬ويرجــع إىل ســنة ‪1070‬هـــ ‪1660 -‬م‪ ،‬وميتــاز هــذا الضريــح بأبراجــه األربعــة‬
‫املتصلــة جبــدران البنــاء ويف كل منهــا ســبع طبقــات مــن النوافــذ الــي تســاعد يف عمليــة‬
‫ختفيــف الثقــل الناتــج مــن ارتفــاع اجلــدران‪ ،‬كذلــك شــاع يف العمائــر اهلنديــة بعــض‬
‫العناصــر املعماريــة ألغــراض زخرفيــة‪ ،‬كمــا هــو احلــال يف عامــة‪ ،‬ومــن أمثلــة تلــك‬
‫العناصــر يف العمــارة اهلنديــة اســتخدام الشــاذروانات واملقرنصــات واحملاريــب اجملوفــة‬
‫واملســطحة الــي اس ـتُخدمت بكثــرة يف تقســيم الواجهــات إىل دخــات رئيســية‪ ،‬كمــا‬
‫اســتخدمت األعمــدة املنحوتــة والدعائــم املرتفعــة‪ ،‬وقــد بــرع الفنــان املســلم يف اهلنــد يف‬
‫أعمــال النقــش علــى احلجــر واجلــص والفسيفســاء احلجريــة‪ ،‬والرســوم امللونــة وتطعيم‬
‫األحجــار وترصيعهــا‪ ،‬أمــا العمائــر املدنيــة يف الطــراز اهلنــدي‪ ،‬فتمثلهــا القصــور الــي‬
‫عُــي حــكام املغــول املســلمون بتشــييد معظمهــا ضمــن قــاع ملكيــة يف املــدن املشــهورة‬
‫الــي اختــذت عواصــم يف عهــد إمرباطوريــة املغــول كفتــح بورســيكري وأ ْكــرا والهــور‬
‫ودهلــي‪ ،‬ومــن أشــهر قصــور اهلنــد يف العهــد املغــويل قصــر أكــر يف أمجــر الــذي امتــاز‬
‫بوجــود ســور حمصــن ومدعــم بأبــراج مســتطيلة الشــكل توجــد يف زوايــاه أبــراج ضخمــة‬
‫مثمنــة الشــكل‪ ،‬وقــد جــاء املدخــل الرئيســي املوصــل إىل القصــر يف بــرج بــارز‪ ،‬أمــا يف‬
‫الداخــل فيوجــد صحــن مركــزي تتصــل بــه غــرف مربعــة موزعــة يف أركان القاعــة‪ ،‬ومــن‬
‫أمثلــة القصــور اهلنديــة قصــر القلعــة احلمــراء يف أ ْكــرا انظــر الشــكل (‪ ،)36‬وقصــر‬
‫فتــح بورســيكري بالقــرب مــن أ ْكــرا وغريهــا الكثــر(‪.)1‬‬

‫طــراز العصــر العثمانــي‪ :‬بعــد اخلالفــة‬


‫العباســية‪ ،‬كانــت الدولــة العثمانيــة أول‬
‫خالفــة إســامية احتــدت يف ظلهــا‬
‫معظــم املقاطعــات اإلســامية مــن أقصى‬
‫املغرب إىل الشــرق األوسط‪ ،‬والعثمانيون‬
‫‪36‬‬ ‫الشكل‬
‫أتــراك مــن أصــل ســلجوقي مــن وســط‬
‫(‪ http://forum.arabia4serv.com/t65602.html#ixzz1i5NzfaLN )1‬العمــارة اإلســامي‪ -‬منتديــات ارابيــا فــور‬
‫ســرف‪.‬‬

‫‪142‬‬
‫آســيا‪ ،‬بعــد اســتقرارهم يف آســيا الصغــرى واحتفــظ األتــراك بالقســطنطينية عاصمــة‬
‫للدولــة البيزنطيــة إثــر ســقوطها يف أيــدي املســلمني‪ ،‬وأطلقــوا عليهــا اســم إســامبول‬
‫أي «مرك��ز اإلس�لام» يف اللغــة الرتكيــة القدميــة‪ ،‬وتعــرف اآلن باســم إســطنبول‪.‬‬
‫ولقــد أنشــأ العثمانيــون حضــارة غنيــة ثقافي ـاً وعلمي ـاً وديني ـاً‪ ،‬وكانــوا امتــداداً لبــاد‬
‫الســاجقة يف العــراق وكردســتان‪ ،‬لــذا تأثــرت العمــارة العثمانيــة بالســاجقة‪ ،‬حتــى‬
‫تطابقــت القبــاب واملنــارات يف الطرازيــن العثمانــي والســلجوقي‪ ،‬ولكــن العمــارة‬
‫العثمانيــة كانــت أكثــر ســحراً وثــراء لتنــوع املصــادر بينمــا كان االختــاف يف الشــكل‬
‫الداخلــي للمســاجد‪.‬‬

‫وكان العثمانيــون يتوغلــون يف مناطــق أوروبــا الغنيــة‪ ،‬ويف تلــك األثنــاء تبنــوا بعــض‬
‫الفنــون املســيحية املختلفــة‪ ،‬وكان أهــم هــذه الفنــون فــن زخرفــة األســقف والقبــاب مــن‬
‫الداخــل يف املســاجد‪ ،‬حتــى أنــه ميكننــا رؤيــة التشــابه الواضــح بــن مســاجد العثمانيني‪،‬‬
‫والكنائــس والكاتدرائيــات يف أوروبــا املســيحية‪ ،‬وكان العثمانيــون قــد وصلــوا إىل بــاد‬
‫البلقــان وهنــاك أقامــوا مســاجد أقــل زخرفة من الداخل‪ ،‬ومشــاهبة ملســاجد الســاجقة‬
‫القدميــة‪ ،‬هبــا منــارة واحــدة‪ ،‬وتتوســطها قبــة واحــدة كبــرة بــا زخــارف داخليــة‪ ،‬وبــرع‬
‫العثمانيــون يف األعمــال اخلشــبية والصناعــات املعدنيــة وصناعــة الســجاد‪ ،‬وظهــرت‬
‫براعتهــم وموهبتهــم يف األعمــال اخلشــبية يف منابــر املســاجد الرتكيــة الرائعة‪،‬وأفضــل‬
‫األمثلــة للمســاجد العثمانيــة يف تركيــا‪ ،‬مســجد الســلطان أمحــد انظــر الشــكل (‪،)37‬‬
‫ومســجد الســليمانية‪ ،‬بينمــا يعتــر مســجد األدزا يف فــوكا (بوســنياً) مثــاالً جيــداً‬
‫للمســاجد العثمانيــة يف البلقــان‪.‬‬

‫وكانــت أكثــر املبانــي شــيوعاً يف العمــارة‬


‫اإلســامية‪ ،‬املدرســة والضريــح واخلانكــة‪،‬‬
‫والســبيل واخلــان والســوق واحلمــام والقصــر‪،‬‬
‫وكان كل ســلطان يف البــاد اإلســامية‪ ،‬ينشــئ‬

‫‪37‬‬ ‫الشكل‬ ‫جممع ـاً كبــراً حيمــل امســه‪ ،‬وحيــوي اخلانكــة‬

‫‪143‬‬
‫واملدرســة واملســجد والســبيل‪ ،‬وأحيانــا كان الســلطان يدفــن يف هــذا اجملمــع(‪.)1‬‬

‫وتأثــر العثمانيــون أوالً بالطــراز العراقــي الفارســي ثــم بالطــراز البيزنطــي‪ ،‬فأخــذوا‬
‫عــن األول الزخرفــة واســتعمال القاشــاني‪ ،‬وعــن الثانــي طريقــة البنــاء(‪ ،)2‬وقضــى‬
‫العثمانيــون علــى اإلمرباطوريــة البيزنطيــة عــام ‪857‬هـــ‪1453/‬م‪ ،‬وقــد تأثــرت املبانــي‬
‫العثمانيــة بطــراز كنيســة آجيــا صوفيــا «احلكمــة اإلهليــة»‪ ،‬الــي بناهــا اإلمرباطــور‬
‫جوســتنيان ‪ Justinian‬يف القــرن الســادس امليــادي‪.‬‬

‫وتأثــرت العمــارة اإلســامية باألســاليب املعماريــة املســتخدمة يف القســطنطينية‪،‬‬


‫وبالفــن املعمــاري الســلجوقي‪ ،‬وبعــد فتــح العثمانيــن بــاد الشــام عــام ‪922‬هـــ‪1516/‬م‬
‫امتزجــت التقاليــد املعماريــة للعصــر اململوكــي مــع التأثــرات العثمانيــة‪ ،‬وعلــى صعيــد‬
‫العمــارة الدينيــة أصبــح احلــرم مربــع الشــكل تغطيــه قبــة أحاديــة الرقبــة تتخللهــا نوافــذ‬
‫اإلنــارة‪ ،‬ومــن ثــمّ مل يعــد احلــرم مقســماً إىل أروقــة وأجنحــة ويســبق املصلــى رواق‬
‫مغطــى بالقبــاب يطــل علــى الفنــاء‪ ،‬أمــا املــآذن فتميــزت باحلســن واإلرتفــاع وتأثــرت‬
‫بطــراز القســطنطينية كمــا يف مســجد الســليمانية والســنانية بدمشــق انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)38‬وظهــر بنــاء التكايــا مثــل التكيــة الســليمانية‪ ،‬وعلــى صعيــد العمــارة املدنيــة شــيد‬
‫العثمانيون القصور واألحياء الســكنية‪ ،‬وكانت دار الســكن طابقني‪ ،‬الســفلي لالســتقبال‬
‫«ســاملك»‪ ،‬والعلــوي للنســاء «حرملــك»‪ ،‬وبــرزت الطوابــق العلويــة علــى الشــارع‬
‫وأخــذ األتــراك عــن الســوريني القاعــة ذات‬
‫اجلــدران املزخرفــة الــي تتوســطها فســقية‪،‬‬
‫وعلــى صعيــد القصــور أو الســرايات فكانــت‬
‫يف اســطنبول مبنيــة وفــق التقســيم الثالثــي‬
‫أو ثالثيــة األجنحــة وتتميــز بروعة زخارفها‪،‬‬
‫ويف بــاد الشــام ا ّتخــذ القصــر أو الــدار‬
‫‪38‬‬ ‫الشكل‬ ‫الكبــرة التقســيم الثالثــي نفســه‪ ،‬فهنالــك‬
‫(‪ )1‬أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية عرب العصور – رابطة احلوار الديين للوحدة – حممد هشام النعسان‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الفن عند العرب والسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫جنــاح األســرة وجنــاح الضيــوف وجنــاح اخلــدم (حرملــك‪ ،‬ســاملك‪ ،‬خدملــك)‪ ،‬وكل‬
‫جنــاح لــه إيــوان يطــل علــى فنــاء مكشــوف يتوســطه عنصــر مائــي وأحــواض النباتــات‬
‫إضافــة إىل محــام صغــر مقســم إىل جوانــي وبرانــي ووســطاني‪ ،‬وللقصــر أقبيــة وهنــاك‬
‫طابقــان‪ ،‬ســفلي وعلــوي‪ ،‬أمــا القاعــات الكبــرة فكانــت ذات أســقف مرتفعــة يعــادل‬
‫ارتفاعهــا الطابقــن‪ ،‬وظهــرت عناصــر معماريــة جديــدة كالقــوس العثمانــي وهــو قــوس‬
‫مقعــر حنــو اخلــارج يف جزئــه العلــوي‪ ،‬واجلــزء الســفلي منــه حمــدب‪ ،‬واســتخدم القــوس‬
‫نصــف الدائــري اجملــزوء يف فتحــات النوافــذ واألبــواب‪ ،‬أي إن فتحتــه جــزء مــن دائــرة‪،‬‬
‫وبقــي اســتخدام املقرنصــات شــائعاً يف التيجــان وعقــود البوابــات وعنصــراً انتقالي ـاً‬
‫يف القبــاب‪ ،‬وقــد اســتخدمت بالطــات القاشــاني ذات املوضوعــات الزخرفيــة النباتيــة‬
‫عنصــراً رئيسـيّاً يف إكســاء اجلــدران الداخليــة وبعــض أجــزاء الواجهــات فــوق األبــواب‬
‫والنوافــذ‪ ،‬وقــد غلــب عليهــا اللونــان األزرق واألخضــر‪ ،‬كمــا اســتخدمت الفسيفســاء‬
‫الرخاميــة «املشــقف» والنوافــذ اجلصيــة املعشــقة بالزجــاج‪.‬‬

‫وشــاع اســتخدام األبلــق (زخــارف ذات أشــكال هندســية أو نباتيــة حمفــورة علــى احلجــر‬
‫ومملــوءة مبــاط جصّــي ملــون (‪ )motley‬يف تزيــن الواجهــات‪ ،‬كمــا شــاع اســتخدام‬
‫اخلشــب املدهــون واملزخــرف بالرســوم النباتيــة واهلندســية امللونة‪ ،‬كمــا يف قصر العظم‬
‫‪-‬متحــف التقاليــد والصناعــات الشــعبية‪ ،‬أو صــور ملــدن شــهرية أو مناظــر طبيعيــة يف‬
‫‪rococo‬‬ ‫إكســاء اجلــدران واألســقف‪ ،‬وهــو تأثــر فــن البــاروك ‪ baroque‬والروكوكــو‬
‫املنتشــر يف الغــرب وهــو مــا شــهدته قصــور بــاد الشــام ومســاكنها (كمكتــب عنــر‪،‬‬
‫وبيــت اجملاهــد فخــري البــارودي) يف املرحلــة املتأخــرة مــن العصــر العثمانــي‪ ،‬وملــع‬
‫مهندســون معماريــون أســهموا يف تطويــر العمــارة اإلســامية‪ ،‬وســجلوا أمساءهــم يف‬
‫تارخيهــا‪ ،‬أمثــال معمــار ســـنان الــذي انتشــرت أعمالــه يف معظــم العواصــم اإلســامية‪.‬‬

‫وممــا تقــدم يبــدو أن املدرســة اإلســامية هــي مدرســة فنيــة متكاملــة ضمّــت أنــواع‬
‫الفنــون مجيعهــا‪ ،‬مــن معماريــة وعمرانيــة وفنــون تطبيقيــة وغريهــا‪ ،‬وأســهمت وال تــزال‬
‫يف بنــاء احلضــارة اإلنســانية(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬عمــارة اإلســامية تاريــخ مــن اجلمــال واإلبــداع – الدكتــور رضــوان ضحــاوي– املصــدر‪ .‬املوســوعة العربيــة‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫وإن متيــز العمــارة اإلســامية بصفــات ومســات واضحــة حمــددة أمــر ال خيتلــف عليــه‬
‫اثنــان‪ ،‬ورغــم مــا قيــل ومــا ســيقال عــن العمــارة اإلســامية فإهنــا ســتظل تشــكل حمــوراً‬
‫أساســياً مــن مســرة البشــرية الفنيــة‪ ،‬واحلديــث عنهــا ليــس باحلديــث املقتضــب وال‬
‫احلديــث املنقضــي‪ ،‬وإذا أردنــا االشــارة يف عجالــة ألهــم الســمات الــي ميزهتــا فهــي‪:‬‬

‫‪ -‬البعــد عــن تصويــر الكائنــات احليــة‪ -‬مثــل البشــر أو احليوانــات‪ ،‬وحتــى‬


‫األعمــال الــي ظهــرت فيهــا مثــل هــذه الصــور فهــي غالبــاً يف أرضيــات مثــل‬
‫فسيفســاء قصــر هشــام قــرب أرحيــا يف فلســطني‪ ،‬أو منمنمــات الكتــب الــي‬
‫انتشــرت يف بــاد فــارس‪ ،‬ثــم انتقلــت إىل بقيــة أحنــاء العــامل اإلســامي‪ ،‬وأول‬
‫كتــاب عربــي ظهــرت فيــه املنمنمــات كان كتــاب (كليلــة ودمنــة)‪ ،‬وشــاعت الرســوم‬
‫يف الكتــب العلميــة مثــل كتــاب خــواص العقاقــر لديوســقوريدس‪ ،‬وكتــاب الرتيايــق‬
‫(جالينــوس)‪ ،‬وكتــاب البيطــرة ألمحــد ابــن احلســن‪ ،‬أمــا التماثيــل فــكان وجودهــا‬
‫أقــل وكانــت يف أغلــب تطبيقاهتــا يف األوانــي والنوافــر‪.‬‬

‫‪ -‬وشــح التماثيــل والتصاويــر يف الفــن اإلســامي نابــع مــن طبيعــة اإلنســان الــذي‬
‫كان يســكن املنطقــة تلــك‪ ،‬ففــي الوقــت الــذي حرم فيه اإلســام صناعة التماثيل‪،‬‬
‫نــدرك أن املنطقــة برمتهــا قبــل اإلســام مل تكــن حتتفــل بتأليــه اجلســد البشــري‬
‫علــى الشــكل الــذي كانــت عليــه أوربــا الرومانيــة‪ ،‬فكانــت متاثيلهــا خاليــة مــن‬
‫التفاصيــل‪ ،‬وهنــاك مــن قــال أن اليهــود قــد حرمــوا مــن قبــل التماثيــل‪ ،‬وأن‬
‫حتريــم اإلســام لــه إمنــا هــو تقليــد ال أصالــة فيــه‪ ،‬وال مبــدأ لــه‪ ،‬وإن كنــا نرفــض‬
‫كل ذلــك مجلـ ًة وتفصيـاً‪ ،‬إال أنــه يــدل علــى أن املنطقــة مل تكــن ترحــب التماثيــل‬
‫ومل تعتــاده‪ ،‬حتــى قبــل أن ينهــي عنــه اإلســام(‪.)1‬‬

‫سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )1‬زكاء رواس قلعهجي‪ -‬موقع الكرتوني العمارة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫خامساً‪ :‬خصائص الفن املعماري اإلسالمي‬

‫خصائص العمارة اإلسالمية‪:‬‬

‫اهتــم املســملون بالتصميــم املعمــاري وفنونــه‪ ،‬فقــد حظي املســجد مبكانــة كبرية عندهم‬
‫فقــد اهتمــوا بــه وببنائــه‪ ،‬ومــا مييــز عمــارة املســجد الصحــن أنــه يتســع ألكــر عــدد مــن‬
‫املصلــن‪ ،‬كمــا متيــز الصحــن املشــكوف بأروقـةٍ حتيــط بــه حلمايــة املصلــن مــن حــرارة‬
‫الشــمس وأشــعتها‪ ،‬ومــن األمثلــة علــى هــذه األروقــة الــرواق املُي ّمَــم الواقــع شــطر مكــة‬
‫املكرمــة الــذي متيــز بعمقــه عــن باقــي األروقــة وحيتــوي حائطــه علــى احملــراب والقبلــة‬
‫الــي تتجــه حنــو الكعبــة املشــرفة‪ ،‬وعلــى جانــب احملــراب يوجــد منــر‪ ،‬وعلــى مقربــة‬
‫منــه يوجــد مقعــد املبلــغ لقــراءة القــرآن الكريــم‪ ،‬كمــا تتميــز املــآذن بتصميــم واهتمــام‬
‫خــاص يف العمــارة والفــن اإلســامي‪ ،‬ومــن األبنيــة األخــرى الــي متيــزت بالعمــارة‬
‫والفــن اإلســامي مــا كان يســمى بالوكالــة أو اخلــان‪ ،‬فقــد تكــون مــن طابقــن وفنــاء‬
‫كبــر داخلــي مكشــوف يطــل علــى عــدة حجــر للنــوم ودورات ميــاه‪ ،‬وكان يبنــى اخلــان يف‬
‫املــدن الكــرى مثــل القاهــرة والقســطنطينية الســتقبال الــزوار والتجــار‪ ،‬أمــا بالنســبة‬
‫للمســاكن فقــد متيــزت ببنــاء وحــدات معزولــة ومبــا ٍن خمصصــة للنســاء (احلريــم)‬
‫والــي مسيــت باحلرملــك‪ ،‬وكذلــك متيــزت الشــرفات املطلــة علــى الطريــق العــام‬
‫بفتحــات ضيقــة صغــرة حتميهــا قضبــان مــن احلديــد‪ ،‬أمــا الشــرفات العلويــة فكانــت‬
‫واســعة ومناســبة تغطيهــا مشــربيات خشــبية للوقايــة مــن الشــمس‪ ،‬املداخــل والفتحــات‬
‫‪ -‬تتميــز املداخــل بفتحــات عميقــة مســتطيلة يف املســقط األفقــي‪ ،‬حيــث يبلــغ عمقهــا‬
‫نصــف عرضهــا‪ ،‬وحتتــل معظــم أجــزاء املبنــى‪ ،‬ويف هنايتهــا يكــون هلــا عقــد خمصــوص‬
‫ويوجــد علــى جوانــب الفتحــة عمــودان تنتهــي حبليــة زخرفيــة علــى شــكل شــرفة‪ ،‬أمــا‬
‫الفتحــات فهــي حتتــوي علــى زجــاج ملــون وبشــكل خــاص يف األجــزاء العلويــة مــن املبنــى‬
‫والــي وضعــت علــى شــكل شــرفات مــن اخلشــب‪ ،‬احلوائــط اخلارجيــة ‪ -‬تتكــون مــن‬
‫فتحــات قليلــة مطلــة علــى الشــارع العــام وهلــذا فقــد اهتمــوا بتصميمهــا مــن الداخــل‪،‬‬
‫حيــث كانــت تبنــى مــن مداميــك منظومــة مــن احلجــر بقوالــب خمتلفــة منهــا‪ -‬واجهــات‬

‫‪147‬‬
‫غاطســة إىل الداخــل قليـاً‪ ،‬أو واجهــات تتكــون مــن عقــد مســتقيم فــوق صفــوف مــن‬
‫املقرنصــات‪ ،‬وتتميــز الفتحــات العلويــة بأهنــا تتكــون مــن عقــود خمموســة(‪ ،)1‬وأنــه علــى‬
‫الرغــم مــن الفــرق بــن العمــارة ومفهــوم فــن العمــارة‪ ،‬فــإن مثــة خصائــص شــاملة للفــن‬
‫املعمــاري اإلســامي تعتمــد علــى املبــدأ اهلندســي العلمــي واملبــدأ الفــي اإلبداعــي‪.‬‬

‫ولقــد اســتوفى فــن العمــارة يف مصــر والرافديــن ويف اهلنــد ويف الغــرب ح َّقــه مــن‬
‫الدراســة النظريــة‪ ،‬وكانــت مراجــع تاريــخ العمــارة زاخــرة بالنظريــات الــي تناولــت هــذه‬
‫الفنــون املعماريــة‪ ،‬والــي درســها اإلختصاصيــون يف العــامل‪ ،‬وانتقلــت إلينــا مرتمجــة‬
‫خاليــة مــن دراســة تنظرييــة حتــدد خصائــص الفــن املعمــاري اإلســامي‪ ،‬وكان البــد‬
‫مــن ســد هــذا النقــص مــن خــال جمموعــة مــن املعطيــات‪ ،‬وجيــب أن يكــون واضحـاً أن‬
‫حتديــد اخلصائــص مل يكــن ســابقاً لتكــون فــن العمــارة اإلســامية‪ ،‬بــل هــو اســتدالل‬
‫نســتخلصه مــن شــواهد هــذا الفــن املعمــاري‪ ،‬ولكــن خصيصــة أساســية كانــت وراء‬
‫هــذا الفــن‪ ،‬حــددت مستــه وامســه‪ ،‬وهــي اخلصيصــة الدينيــة الــي جتلــت يف الفكــر‬
‫اجلمــايل اإلســامي‪ ،‬الــذي كـوّن الفنــون اإلســامية والعمــارة‪ ،‬وتتجلــى عالقــة العمــارة‬
‫بالديــن اإلســامي مــن خــال عقيــدة التوحيــد كأســاس عقائــدي‪ ،‬ومــن خــال التعاليــم‬
‫واملبــادئ والتقاليــد اإلســامية‪.‬‬

‫والفكــر التوحيــدي يقــوم علــى اإلميــان بإلــه واحــد مطلــق ال شــبيه لــه {ومل يكــن لــه‬
‫كفــو ًا أحــد}‪[ ،‬ســورة اإلخــاص‪ ،‬اآليــة‪ ]4 :‬وهــو رب العاملــن ورب الســماوات واألرض‪،‬‬
‫وهبــذا فإنــه خيتلــف عــن مفهــوم الــرب يف مجيــع األديــان والعقائــد‪ ،‬حيــث يبــدو الــرب‬
‫مشــخصاً حمــدداً أو مشــبهاً ونســبياً‪ ،‬وكان املســجد أول بيــت أســس علــى التقــوى‬
‫جيمــع املؤمنــن حتــت قبــة واحــدة خاشــعني أمــام عظمــة اخلالــق ســبحانه‪ ،‬ويتدبــرون‬
‫ســرّاً وعالنيــة التقــرب منــه علمــاً ويقينــاً‪ ،‬وكان شــرط عمــارة املســجد يقــوم علــى‬
‫قواعــد الصــاة‪ ،‬وانتقلــت شــروط اإلميــان بــاهلل املــاذ األجــل‪ ،‬إىل أشــكال العمــارة‬
‫األخــرى‪ ،‬املدرســة والضريــح والقصــر والبيــت‪.‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل ‪ -‬خصائص الفن اإلسالمي وعناصره بواسطة‪ :‬زينة قابوق ‪ -‬آ ‪.2016‬‬

‫‪148‬‬
‫أمــا بنــاء املســجد فــإن الزركشــي‪ ،‬يتحــدث بإســهاب عــن شــروط بنائــه‪ ،‬لكــي يســاعد‬
‫املصلــي علــى أداء صالتــه براحــة‪ ،‬وعلــى االســتماع إىل اخلطيــب بيســر‪.‬‬

‫ومن شروطه اليت أوردها نذكر‪:‬‬


‫‪ -1‬شرط االتصال بني املصلني وتراص الصفوف‪.‬‬
‫‪ -2‬شرط خلو صحن املسجد من األعمدة اليت تقطع صفوف املصلني‪.‬‬
‫‪ -3‬شــروط حتقيــق االقتــداء بعــدم وجــود حائــل مينــع مــن تالحــق وتتابــع صفــوف‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫‪ -4‬شرط وجود جدار نافذ بني الصحن واحلرم‪.‬‬
‫‪ -5‬شرط أال يكون الدخول إىل صحن املسجد مباشراً‪.‬‬

‫ولعمــارة احلمامــات شــروط البــد مــن حتقيقهــا لضمــان النظافــة واحلشــمة والبيئــة‬
‫الصحيــة املواتيــة‪ ،‬حتــدث عنهــا الكوكبانــي يف (حدائــق التمــام يف الــكالم عــن احلمــام)‬
‫وهــي النظافــة والعــاج مــن بعــض األمــراض‪ ،‬وضمــان اخلدمــات عــن طريــق منــر‬
‫اإلدارة‪ ،‬و امل َ ْخلَــع واملخــزن وخزائــن األمانــات‪ ،‬ويتحــدث عــن قواعــد العمــارة برفــع‬
‫مســتوى احلمــام‪ ،‬وتنظيــم جمــاري امليــاه واإلكثــار مــن فتحــات اإلضــاءة يف القبــاب‪،‬‬
‫ويشــرط أن يقســم احلمــام إىل ثالثــة أقســام‪ ،‬القســم البــارد ثــم الرطــب وثــم الســاخن‬
‫اجملفــف‪ ،‬لكــي ال يتأثــر املســتحمون مــن تقلبــات اجلــو املفاجــئ‪ ،‬أمــا املشــايف فلقــد‬
‫حــددت شــروطها الوقفيــات وأوامــر احملتســب‪ ،‬ونصــت علــى منهجيــة التصميــم‬
‫والبنــاء‪ ،‬إضافــة إىل الشــروط املفروضــة املتعلقــة بعمــارة املبانــي‪ ،‬هنــاك شــروط‬
‫تتعلــق بالعمــران‪ ،‬كان أوهلــا مــا وضعــه اخلليفــة عمــر بــن اخلطــاب‪ ،‬وأمههــا أورده‬
‫ابــن الرامــي يف كتابــه‪ ،‬حيــث حــدد اســتعماالت األراضــي وحقــوق اإلرتفــاق وحقــوق‬
‫اســتعمال الطــرق‪ ،‬ولقــد تناولــت املصــادر اجل ْغرافيــة وكتــب الرحــات شــروطاً تتعلــق‬
‫بالتخطيــط احلضــري‪ ،‬وخباصــة كتــاب تاريــخ مكــة لألزرقــي‪ ،‬وتاريــخ دمشــق البــن‬
‫عســاكر‪ ،‬وتاريــخ بغــداد للخطيــب البغــدادي‪ ،‬وكتــاب املواعــظ واالعتبــار للمقريــزي‬

‫‪149‬‬
‫الــذي اســتوفى التخطيــط احلضــري الكامــل ملدينــة القاهــرة‪ ،‬كمــا تضمــن الكتــاب‬
‫وصف ـاً للجوامــع واحلدائــق والزوايــا والبيمارســتانات واحلمامــات واخلانــات‪ ،‬وحــدد‬
‫مواقعهــا ضمــن خمطــط القاهــرة‪ ،‬ويُعَـ ّدُ كتــاب املقريــزي أهــم مرجــع لعلــم التخطيــط‬
‫احلضــري عامــة ولوصــف القاهــرة خاصــة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬املصــدر‪ :‬مــن كتــاب (فنــون العمــارة اإلســامية وخصائصهــا يف مناهــج التدريــس ) ‪-‬نشــرت فــى ‪ 1‬يونيــو ‪2010‬‬
‫بواســطة ‪ -Architectur‬العمــارة االســامية‪ ،‬هندســة‪ ،‬بنــاء‪ ،‬الفــن املعمــارى‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫تأثير المذاهب‬
‫على العمارة اإلسالمية‬

‫‪151‬‬
‫نبذة عن مفهوم املذاهب يف العمارة اإلسالمية‬

‫مــع والدة ديــن اإلســام‪ ،‬وبــزوغ مشســه الوضــاءة علــى العــامل أمجــع‪ ،‬توحــدت األمــة‬
‫العربيــة اإلســامية‪ ،‬وأصبحــت دولــة قويــة ذات نفــوذ وســيادة‪ ،‬وقــد جتمعــت حتــت‬
‫رايــة اإلســام‪ ،‬شــعوب عــدة متباينــة األشــكال واأللــوان واللغــات والعــادات‪ ،‬فصهرهــا‬
‫اإلســام يف بوتقــة الوحــدة الروحيــة واألخويــة‪ ،‬بعيــداً عــن التفرقــة العنصريــة‪ ،‬لقــول‬
‫رســول اهلل ‪ ،‬ال فضــل لعربــي علــى أعجمــي إال بالتقــوى‪ ،‬ولقــد ولــد ديــن اإلســام‬
‫بعــد خمــاض عصيــب‪ ،‬وبعــد صــر وحكمــة لينمــو ويزهــر‪ ،‬ويصبــح ســبباً يف ظهــور‬
‫حضارتنــا اإلســامية الواســعة‪ ،‬فقــد أثبتــت تلــك احلضــارة‪ ،‬رســوخها يف الديــن والعلــم‬
‫واملعرفــة‪ ،‬لتكــون خــر مرجــع لنــا مجيعـاً‪ ،‬ونــرى الفــن املعمــاري الــذي محــل يف أشــكاله‬
‫طابع ـاً إســامياً‪ ،‬متيــز بــه عــن ســائر احلضــارات املعماريــة الســابقة‪ ،‬علــى الرغــم أن‬
‫عمارتنــا اإلســامية مــا هــي إال حصيلــة حضــارات معماريــة ســابقة‪ ،‬بيــد أهنــا اختلفــت‬
‫عنهــم بالقيــم واملعايــر واملفاهيــم العقائديــة(‪ ،)1‬فقــد انتشــر اإلســام يف شــبه اجلزيــرة‬
‫العربيــة‪ ،‬بعــد أن توحــدت نفــوس النــاس إميانـاً بالدين اجلديد‪ ،‬وامتد اإلســام وانتشــر‬
‫خــارج شــبه اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ومتكنــت اجليــوش يف فــرة وجيــزة مــن الســيطرة علــى‬
‫جــزء كبــر مــن البــاد ذات احلضــارات القدميــة‪ ،‬فبــدأوا بفلســطني ثــم ســوريا عــام‬
‫‪14‬هـــ ‪636-‬م‪ ،‬ثــم العــراق عــام ‪15‬هـــ‪637-‬م‪ ،‬ومصــر عام ‪17‬هـ ‪642 -‬م‪ ،‬ومل يســتغرق‬
‫ذلــك ســوى ‪15‬عام ـاً‪ ،‬وتعاقــب علــى اخلالفــة اإلســامية اخللفــاء الراشــدون‪ ،‬ويعتــر‬
‫عصرهــم عصــر اإلســام الذهــي‪ ،‬وامتــدت انتصــارات املســلمني شــرقاً وغرباً‪ ،‬لتشــمل‬
‫بــاد الرتكســتان الغربيــة يف الشــرق‪ ،‬وحتــى األندلــس غربــاً‪ ،‬وأثنــاء حكــم اخللفــاء‬
‫الراشــدين‪ ،‬حــدث خــاف علــى تــويل اخلالفــة بــن ســيدنا علــي بــن أبــي طالــب كــرم‬
‫اهلل وجــه وبــن معاويــة‪ ،‬حيــث أن ســيدنا علــي وشــيعته مثلــوا فكــرة األمــة واجلماعــة‪،‬‬
‫أمــا معاويــة فقــد مثــل فكــرة الدولــة‪ ،‬وقــد كان للخالفــة اإلســامية أكــر األثــر يف حيــاة‬
‫اجملتمــع اإلســامي‪ ،‬وبظهــور شــيعة ســيدنا علــي‪ ،‬ظهــرت فكــرة التشــيع لإلمــام علــي‬
‫وآل البيــت‪ ،‬وضــرورة أن تكــون اخلالفــة بــن أهــل بيــت النــي حممــد ‪ ،‬وظهــرت‬
‫(‪ )1‬فضاءات من العمارة اإلسالمية‪ -‬حممود زين العابدين‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫عــدة مذاهــب إســامية‪ ،‬مثــل املعتزلــة والقدريــة واجلربيــة وغريهــم‪ ،‬نتيجــة الحتــكاك‬
‫العــرب املســلمني حبضــارات أخــرى‪ ،‬ونتيجــة الختــاف الظــروف واملســتجدات‪ ،‬وظهــر‬
‫التصــوف يف إيــران‪ ،‬وقــد انعكــس تنــوع املذاهــب علــى املعمــار الديــي للمســاجد‪ ،‬فقــد‬
‫ظــل يقــوم بــدور مدرســة‪ ،‬لتعليــم علــوم احلديــث والتفســر والفقــه وأصــول اللغــة حتــى‬
‫القــرن الرابــع اهلجــري‪ ،‬حتــى تســجيل املدرســة البيهقيــة يف إيــران‪.‬‬

‫وكان لذلــك االختــاف أكــر األثــر علــى الناتــج املعمــاري الديــي للمســاجد‪ ،‬مــن حيــث‬
‫ارتبــاط املســجد مبمارســة العبــادة‪ ،‬ومــن حيــث كونــه املعمــار الــذي يرتجــم املفاهيــم‬
‫العقائديــة لــدى بنــاؤه‪ ،‬وتلــك املفاهيــم مــن النصــوص الــواردة يف كتــب العقيــدة تســاعد‬
‫علــى تفســر مظاهــر العمــران واملعمــار واجملتمــع الــذي شــكله‪ ،‬إن واقــع ازدهــار العمــارة‬
‫اإلســامية وفنوهنــا أمجــع عليــه غالبيــة الباحثــن يف هــذا اجلمــال‪ ،‬وتفاوتــت فيهــا‬
‫أراءهــم‪ ،‬فشــكك البعــض يف أصالــة املنتــج املعمــاري والفــي اإلســامي‪ ،‬نافيــن بذلــك‬
‫األصــول الــي اعتمــد عليهــا املســلم يف نضــج العمــارة والفنــون الــي ورثهــا مــن اجلزيــرة‬
‫العربيــة‪ ،‬أو الــي تأثــر هبــا مــن مشــال البحــر املتوســط وفــارس‪.‬‬

‫وبذلــك فــإن العمــارة اإلســامية كلمــة ال تطلــق علــى معمــار حقبــة زمنيــة معينــة أو‬
‫علــى معمــار بطابــع بصــري بعينــه‪ ،‬لكنــه معمــار حيمــل قيــم روحيــة ينــص عليهــا الدين‪،‬‬
‫باإلضافــة لتطبيــق تعاليــم القــرآن والســنة‪ ،‬والقيــم اجلماليــة الــي تعــر عــن التوحيــد‬
‫والتجانــس والتجريــد وغريهــا(‪ ،)1‬إن اعتبــار الفكــر العقائــدي ركيــزة يف تفســر املعمــار‬
‫الديــي‪ ،‬حبيــث يدعمــه ويســاعده بباقــي املؤثــرات املاديــة‪ ،‬للتعبــر عــن الفكــر املذهــي‪،‬‬
‫وإن حماولــة التفســر مــن خــال منــوذج مركــب باعتبــار أن اإلنســان كائــن مركــب‪،‬‬
‫والتفســر هنــا ملعمــار املســجد كمحاولــة لتبــن النمــوذج املعــريف الكامــن يف تعبرييــة‬
‫املعمــار عــن فكــر بانيــه‪ ،‬ودراســة العناصــر املعماريــة للمســجد‪ ،‬والتعــرف علــى أســباب‬
‫التغــر يف هيئتــه املرتبطــة بالعقيــدة‪ ،‬تبعــاً ملفهــوم املذهــب الســي أو الشــيعي‪ ،‬يف‬
‫املناطــق حمــل الدراســة مــن العــامل اإلســامي‪.‬‬
‫(‪ )1‬تأثري املذاهب على العمارة االسالمية للمساجد للدكتورة مي أمحد حممد حواس‪ -‬مكتبة األجنلو املصرية‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫فالتأكيــد علــى تكامــل العمــارة والفنــون يف التعبــر عــن املذهــب الديــي علــى اختالفــه‬
‫يف املعمــار الديــي للمســاجد‪ ،‬وحتديــد عناصــر تشــكيل بيئــة اإلســام مــن قيــم خمتلفــة‬
‫توحيــد ووســطية‪ ،‬وخصوصيــة ومســاواة وغريهــا‪ ،‬يف ضــوء مفهــوم اإلســام عــن‬
‫اإلدراك اجلمــايل‪.‬‬
‫ونتيجــة للتأثــر بالتيــار الغربــي‪ ،‬وصــوالً للتبعيــة اإلدراكية للعــامل الغربي يف مصطلحاته‬
‫ومفاهيمــه‪ ،‬والتأثــر بالعوملــة‪ ،‬ابتعدنــا عــن التواصــل جبذورنــا‪ ،‬وتوقــف التفكــر يف‬
‫ضــرورة أن يكــون املعمــار معــر عــن ثقافتنــا‪ ،‬وعــن طموحنــا ومــا نعتقــد فيــه مــن تقاليــد‬
‫وغيبيــات‪ ،‬ومــا نعتقــد يف وجــوده مــن أشــياء‪ ،‬وأصبــح أغلبنــا يفكــر بعقليــة غربيــة‪ ،‬ال‬
‫تتفــق مــع وجدانــه‪ ،‬نتيجــة لفشــل بداخلنــا يف التعبــر عــن إدراكنــا مــن وجهــة نظرنــا‪،‬‬
‫وظهــرت الســطحية يف تنــاول دراســة العمــارة والفنــون اإلســامية‪ ،‬نتيجــة التحليــل‬
‫الشــكلي ملكوناهتمــا بعيــداً عــن فقــه وروح الفكــر الــذي أنتــج هــذا املعمــار‪.‬‬
‫وبالتــايل فــإن دراســة تأثــر املذاهــب اإلســامية املختلفة على املعمار الديين للمســاجد‪،‬‬
‫ضــروري لفهــم موروثنــا املعمــاري فهــو يســاعد علــى التواصــل القائــم علــى اإلســتفادة‬
‫مــن القيــم الــي عــر عنهــا ذلــك الــراث املعمــاري واملرتبطــة بعقيدتنــا‪ ،‬ويناقــش اعتبــار‬
‫الفكــر العقائــدي كركيــزة يف تفســر املعمــار الديــي‪ ،‬ويدعمــه ويســاعده باقــي املؤثــرات‬
‫املاديــة للتعبــر عــن الفكــر املذهــي‪ ،‬وإن حماولــة التفســر مــن خــال منــوذج مركــب‬
‫باعتبــار أن اإلنســان كائنــاً مركبــاً‪ ،‬والتفســر هنــا ملعمــار املســجد كمحاولــة لتبــن‬
‫النمــوذج املعــريف الكامــن يف تعبرييــة املعمــار عــن فكــر بانيــه‪.‬‬
‫وتقــول حــواس‪« :‬الديــن يشــكل ويؤثــر يف الــروح املنتجــة للفن‪ ،‬واإلنســان بفطرته خيضع‬
‫لقوانــن الطبيعــة»‪ ،‬وحتدثــت حــول تأثــر العامــل اإليديولوجــي علــى العمــران‪ ،‬مفصلــة‬
‫مفهــوم التوحيــد والرمزيــة واإلمامــة‪ ،‬وكمــا تناولــت يف معــرض حديثهــا؛ مراحــل تطــور‬
‫فكــر ودولــة اإلســام‪ ،‬ورؤيــة الفــن واجلمــال ومفهومــه يف الفكــر اإلســامي‪ ،‬ناهيك عن‬
‫وحــدة اإلدراك اجلمــايل ورمزيــة املربــع واملثلــث‪ ،‬وتطــرح يف الكتــاب دراســة العناصــر‬
‫املعماريــة للمســجد‪ ،‬والتعــرف علــى أســباب التغــر يف هيئتــه املرتبطــة بالعقيــدة‪ ،‬تبعـاً‬
‫ملفهــوم املذهــب الســي أو الشــيعي‪ ،‬يف املناطــق حمــل الدراســة مــن العــامل اإلســامي(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬تأثري املذاهب على العمارة االسالمية للمساجد للدكتورة مي أمحد حممد حواس‪ -‬مكتبة األجنلو املصرية‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫تأثير شخصية المجتمع‬


‫على تشكيل العمران‬

‫‪155‬‬
‫العامل اآليديولوجي‬

‫إن التغــر االجتماعــي حقيقــة وجوديــة‪ ،‬فضـاً عــن أنــه ظاهرة عامة وخاصية أساســية‬
‫تتميــز هبــا نشــاطات ووقائــع احليــاة االجتماعيــة‪ ،‬بــل أنــه ضــرورة حياتيــة للمجتمعــات‬
‫البشــرية‪ ،‬فهــو ســبيل بقائهــا ومنوهــا‪ ،‬فبالتغــر يتهيــأ هلــا التكيــف مــع واقعهــا‪ ،‬وبالتغــر‬
‫يتحقــق التــوازن واالســتقرار يف أبنيتهــا وأنشــطتها‪ ،‬وعــن طريــق التغــر نــرى للجماعــات‬
‫متطلبــات أفرادهــا وحاجاهتــم املتعــددة واملتجــددة‪ ،‬وقــد لعــب التغــر دوراً إجيابي ـاً يف‬
‫نشــأة الكثــر مــن العلــوم الطبيعيــة والدراســات اإلنســانية‪ ،‬فقــد أخــذت ظاهــرة التغــر‬
‫انتبــاه اإلنســان منــذ بــدأ يفكــر يف الوجــود حيــث الحظهــا يف حركــة األجــرام الســماوية‪،‬‬
‫وانتقاهلــا مــن مــكان إىل مــكان‪ ،‬وملســها يف تعاقــب الليــل والنهــار‪ ،‬فذهــب خيالــه وفكــره‬
‫إىل تفســرات ميثولوجيــة أســطورية واىل تعليــات ثيولوجيــة الهوتيــة‪ ،‬انتهــت إىل‬
‫إقامــة علــم الفلــك واألجــرام الســماوية‪ ،‬وكان اإلنســان يقــف حائــراً أمــام ظاهــرة التغــر‬
‫احلياتــي الــذي ينطــوي عليــه التبــدل املســتمر للحيــاة والفنــاء‪ ،‬فريجعهــا إىل قــوة خفيــة‬
‫قاهــرة‪ ،‬أو إرادة إهليــة تــارة أخــرى حتــى قنــع بالتأمــل يف عمليــي (البنــاء‪ ،‬والفنــاء)‬
‫بطريقــة موضوعيــة إىل أن اســتطاع أن يســتكمل مقومــات علــوم احليــاة‪.‬‬

‫ثــم مــا لبــث أن اســتدعت اهتماماتــه ظواهــر التغــر يف اجملــال االجتماعــي‪ ،‬فقــد راعــه‬
‫التغــرات الكثــرة الــي ميــزت احليــاة االجتماعيــة‪ ،‬لقــد كان مــن أقــرب الظواهــر املتغرية‬
‫إىل مالحظــة الرجــل البدائــي العــادي‪ ،‬مــا جتســد منهــا يف الدورات الرئيســية واملتواترة‬
‫الــي شــهدها يف تعاقــب األجيــال وتبــدل مظاهــر النشــاط االجتماعــي علــى امتــداد‬
‫مفهــوم الزمــن االجتماعــي‪ ،‬تلــك الــدورات الــي تشــمل األعيــاد واملواســم الدينيــة مبــا‬
‫تتميــز بــه مــن متطلبــات االنقطــاع عــن العمــل الروتيــي‪ ،‬والتفــرغ للنشــاط الطقوســي‬
‫ممــا بلــور يف الوجــدان اإلنســاني مظاهــر التغــر بــن الطبيعــة العلمانيــة والطبيعــة‬
‫القدســية إن النظــرة التبعيــة ألي تنظيــم اجتماعــي كفيلــة بــأن تكشــف النقــاب عــن‬
‫مــدى مــا أصابــه مــن تغــر كمــي وتطويــر نوعــي‪ ،‬فلقــد اعتمــدت اجملتمعــات التقليديــة‬

‫‪156‬‬
‫علــى األســرة واملؤسســات الدينيــة يف حتقيــق مطالبهــا وتنظيــم شــؤوهنا العمرانيــة‬
‫وتنســيق أنشــطتها االجتماعيــة ومل يكــن تنظيمهــا السياســي قائمــاً علــى ســلطة‬
‫مركزيــة‪ ،‬وفيمــا يتعلــق مبظاهــر إنتاجهــا واســتغالهلا للمــوارد الطبيعيــة‪ ،‬فقــد اســتطاع‬
‫ماليــن البشــر عــر العصــور التارخييــة املتالحقــة‪ ،‬أن يغــروا مــن منــط معيشــتهم‪،‬‬
‫فتغــرت أدوات ومظاهــر وعالقــات اإلنتــاج‪ ،‬وتطــورت وتنوعــت األفــكار‪ ،‬وتبدلــت‬
‫القيــم واملعايــر األخالقيــة واالجتماعيــة‪ ،‬وتزايــدت ومنــت املهــارات اإلنســانية وامتــازت‬
‫احليــاة باحلركــة والديناميكيــة‪.‬‬

‫ولزيــادة األمــور توضيحــاً وتبســيطاً يكفــي أن ترتــد إىل اجملتمعــات البدائيــة الــي‬
‫عاشــت يف ترابطــات متعاونــة لســد احتياجاهتــا الغذائيــة والدفاعيــة متنقلــة مــن حيــاة‬
‫اجتماعيــة تعتمــد علــى قطــف الثمــار والصيــد الــري والبحــري والرعــي والزراعــة‬
‫البدائيــة‪ ،‬إىل مرحلــة اســتقرارية تتميــز بتنظيــم شــؤوهنا العمرانيــة الــي أمدهتــا‬
‫حبقائــق ومعلومــات وجتــارب وخــرات عــن اســتئناس احليــوان وتكويــن مدخــرات‬
‫وصناعــة أدوات منزليــة ودفاعيــة‪ ،‬إىل أن ظهــر نظــام امللكيــة –ملكيــة األرض اإلتبــاع‬
‫– واســتقرت بصــورة مســتقطبة يف ظــل النظــم اإلقطاعيــة الــي أخــذت تتداعــى‬
‫بعــد أن نشــأت وتقدمــت احلركــة الصناعيــة الــي انبثقــت عنهــا الطبقــة الربجوازيــة‬
‫الرأمساليــة الــي اختفــى يف ظلهــا القنانــة والعبوديــة ولكــن ازدهــر يف كنفهــا صــراع‬
‫طبقــة الربوليتاريــا الــي أقامــت بنــاءاً اجتماعيـاً جديــداً يف إطــار االشــراكية املعاصــرة‪،‬‬
‫وإذ شــئنا أن نضــع اخلطــوة الرئيســية لتطــور القــوى املنتجــة منــذ أقــدم العصــور إىل‬
‫يومنــا هــذا‪ ،‬تــراءت لنــا األدوات احلجريــة الغليظــة واألقــواس والســهام الــي عاصــرت‬
‫عبــور اإلنســانية مــن مرحلــة الصيــد وقــذف الثمــار إىل اســتئناس احليــوان وتربيــة‬
‫املواشــي بشــكل بدائــي‪ ،‬ثــم تداعــت لنــا فــرة االنتقــال مــن األدوات احلجريــة املعدنيــة‬
‫–احملــراث والفــأس احلديديــة– الــي تواكــب االنتقــال إىل غــرس النباتــات والزراعــة‬
‫ومــا تبــع ذلــك‪ ،‬مــن حتســن علــى األدوات املعدنيــة الــي مكنــت اإلنســانية مــن صناعــة‬
‫األوانــي الفخاريــة‪ ،‬وتطــور احلــرف اليدويــة ثــم تأتــي مرحلــة انفصــال احلــرف اليدويــة‬

‫‪157‬‬
‫عــن الزراعــة‪ ،‬وتقــدم احلــرف املســتقلة مــع تطــور التجــارة إىل املصانــع اليدويــة‪ ،‬ثــم‬
‫الصناعــة األوليــة وظهــور الصناعــة امليكانيكيــة والكيماويــة والبرتوكيماويــة واحتمــاالت‬
‫إنتــاج الطاقــة الذريــة‪ ،‬وكل هــذه التغــرات ال ميكــن أن حتــدث مبعــزل أو اســتقاللية‬
‫عــن النــاس باعتبــار أهنــم عنصــر أساســي يف القــوى املنتجــة‪ ،‬فيتغــرون ويتطــورون‬
‫بتغــر أدوات اإلنتــاج وتطورهــا مــن حيــث خرباهتــم يف اإلنتــاج‪ ،‬وعاداهتــم يف العمــل‬
‫والتشــكيالت الــي تنظــم وجودهــم االجتماعــي‪ ،‬فاهتــز كيــان اجملتمــع القــروي الــذي مل‬
‫يعــد يقــوم بــدور قيــادي يف النظــام االقتصــادي‪ ،‬وارتــد دور النســق القرابــي والعائلــي‬
‫يف التنظيــم االجتماعــي‪ ،‬وتأثــر املنســق الديــي بتزايــد الفعاليــة الوظيفيــة للتشــريع‬
‫العلمانــي والتخطيــط العلمــي‪.‬‬

‫وهــو أســرع التغــر إىل ميــدان اإلنتــاج اإلقتصــادي واحلقــل السياســي اإلداري واجملــال‬
‫اإلجتماعــي فــإن التغــر حقيقــة تارخييــة تتنــاول كل مقومــات احليــاة االجتماعيــة‪،‬‬
‫وتصيــب النظــم والعالقــات اإلنســانية الــي تتفاعــل وترتابــط وتتكامــل فيمــا بينهــا فــكل‬
‫صــورة مــن صــور تغريهــذه احلقيقــة الوجوديــة البيولوجيــة والتارخييــة واالجتماعيــة‪،‬‬
‫وميكــن ملســها يف كل جمتمــع مــن اجملتمعــات البشــرية‪ ،‬وتعتــر اإليديولوجيــة قــوة‬
‫فكريــة تعمــل علــى تطويــر النمــاذج االجتماعيــة الواقعيــة وفقــاً لسياســة متكاملــة‪،‬‬
‫تتخــذ أســاليب ووســائل هادفــة‪ ،‬وتســاندها عــادة تربيراهتــا االجتماعيــة‪ ،‬أو نظريــات‬
‫فلســفية‪ ،‬أو أحــكام عقائديــة أو أفــكار تقليديــة‪ ،‬ومن هنــا ترتبط اإليديولوجية باحلركة‬
‫االجتماعيــة فهــي ليســت جمــرد جمموعــة مــن األفــكار واملعتقــدات واالجتاهــات‪ ،‬الــي‬
‫تصــور مجع ـاً معين ـاً مــن النــاس‪ ،‬ســواء كان هــذا اجملتمــع أم ـ ًة مــن األمــم‪ ،‬أو طبقــة‬
‫مــن الطبقــات االجتماعيــة‪ ،‬أو مذهبــاً مــن املذاهــب‪ ،‬أو مهنــة مــن املهــن‪ ،‬أو حزبــاً‬
‫مــن األحــزاب‪ ،‬وإمنــا هــي فكــرة هادفــة هلــا فعاليــة إجيابيــة يف البيئــة االجتماعيــة‪،‬‬
‫ويف العالقــات االجتماعيــة‪ ،‬وتنعكــس روحهــا علــى التنشــئة االجتماعيــة ملــا حيــدث‬
‫تغيــراً يف القيــم االجتماعيــة‪ ،‬ويف النظــرة الطبيعيــة والتدرجــات الطبقيــة‪ ،‬والعمليــات‬
‫االجتماعيــة املختلفــة‪ ،‬وأن انتشــار املذاهــب اإلجتماعيــة والتيــارات الفكريــة املتعــددة‪،‬‬

‫‪158‬‬
‫أدى ويــؤدي إىل تشــريعات جديــدة وتنميــط ألســاليب احليــاة االجتماعيــة‪ ،‬وتقديــر‬
‫لعالقــة الفــرد بغــره وباجلماعــات الــي يعيــش فيهــا‪ ،‬وباملؤسســات الــي يتعامــل معهــا‪،‬‬
‫وبالتــايل ميكــن تقديــر عالقــة الفــرد مبجتمعــه العــام‪ ،‬ومــن هنــا يكــون انبثــاق األفــكار‬
‫واآلراء احملركــة مــن الوضعيــات والفئــات االجتماعيــة الصــادرة عنهــا عام ـاً حمــركاً‬
‫لكثــر مــن التغــرات يف اجملتمــع(‪.)1‬‬

‫إن أصالــة العمــران هــي نتــاج حلركــة اجملتمــع وتطــوره يف دورتــه التارخييــة‪ ،‬ضمــن‬
‫إطــار مشــروع حضــاري لألمــة والدولــة صاحبــة الســلطة يف هــذا الكيــان‪ ،‬ونعلــم أن‬
‫املدينــة هــي عبــارة عــن جمموعــة مــن املبانــي والفراغــات حبيــث يتضمــن كل مبنــى‬
‫بــدور أو وظيفــة معينــة‪ ،‬وكذلــك الفراغــات يف اتســاق يف التوزيــع ضمــن املنظومــة‬
‫والرتكيــب العمرانــي للمدينــة‪ ،‬وميــارس اإلنســان يف ذلــك التشــكيل الفراغــي حياتــه‬
‫اليوميــة وأنشــطته املختلفــة يف كل اجملــاالت الثقافيــة العلميــة واالجتماعيــة‪.‬‬

‫وبالتــايل فمــن الضــروري أن تعكــس األماكــن الــي تــدور هبــا حيــاة مجاعــة معينــة‬
‫مــن املفاهيــم واألفــكار واملعتقــدات واملصدقــات والطموحــات واإلهتمامــات املشــركة‬
‫بــن أفــراد تلــك اجلماعــة‪ ،‬وذلــك جبانــب مــا تعكســه أيض ـاً تلــك األماكــن مــن أفــكار‬
‫ومفاهيــم يــرى جدواهــا‪ ،‬يف حتســن أحــوال تلــك اجلماعــة‪ ،‬ويف العمــل علــى ازدهارهــا‬
‫وتطورهــا‪.‬‬

‫فالثقافــة والعمــران مــن املفاهيــم املتالزمــة حيــث نعلــم أن العمــران هــو اجملتمــع‪ ،‬فهــو‬
‫هويتــه وثقافتــه‪ ،‬ولننظــر اآلن يف حــال املــدن اإلســامية اليــوم‪ ،‬نــرى أهنــا تعانــي مــن‬
‫خلــط يف املنومــة العمرانيــة‪ ،‬مــن ســوء توزيــع الفراغــات واضطــراب يف التشــكيل‬
‫الكتلــي‪ ،‬ومشــاكل عديــدة وكثــرة كالتكــدس‪ ،‬وينعكــس هــذا علــى ســلوك اإلنســان‬
‫وحياتــه‪ ،‬وبــدوره أدى هــذا الســلوك لظهــور العديــد مــن األمــراض االجتماعيــة‬

‫(‪ )1‬األكادمييــة للدراســات االجتماعيــة واإلنســانية– مقــاالت ودراســات وأحبــاث اجتماعيــة يف اجملتمعــات‬
‫اجلزائريــة والعربيــة‪.‬‬

‫‪159‬‬
‫واحلضاريــة والسياســية(‪ ،)1‬وقــد فشــلت العمــارة احلديثــة يف التعبــر عــن اجملتمعــات‬
‫ومتايزهــا وتفردهــا‪ ،‬وكمــا أن اإلنســان يؤثــر يف العمــران فهــو يتأثــر بتشــكيالته الكتليــة‬
‫والفراغيــة‪ ،‬فالعالقــة هــي متبادلــة ونلحــظ أن ارتبــاط العمــارة بالعمــران ليــس ارتباطـاً‬
‫معنويـاً‪ ،‬لكنــه ارتباطـاً عضويـاً ماديـاً‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن اجملتمــع العربــي اليــوم يقــوم‬
‫بتقليــد مثيلــه الغربــي‪ ،‬فهــذا مــا جيعــل العمــران ترمجــة لفكــرة ســيطرت عليهــا التبعيــة‬
‫يف كل نواحــي احليــاة الثقافيــة‪.‬‬

‫فالعامــل اإليديولوجــي لــه تأثــر كبــر علــى العمــران مــن ناحيــة الديــن والعــادات‬
‫والتقاليــد اخلاصــة باجملتمعــات‪ ،‬وهــي إحــدى رواســم العمــران‪ ،‬حيــث تتبلــور علــى‬
‫شــكل طــرز وأعــراف متــت صياغتهــا عــر الزمــن‪ ،‬فمثـاً قــد تفــرض العــادات والتقاليد‬
‫درجــة معينــة مــن اخلصوصيــة تتبلــور هــذه علــى شــكل معاجلــات خاصــة للمداخــل‬
‫والفتحــات‪ ،‬ويصــر ذلــك عرفـاً بنائيـاً يســتمر عــر األجيــال‪ ،‬وحيقــق نوعاً مــن التواصل‬
‫والتجانــس العمرانــي‪ ،‬فقــد جنــد بيئــات عمرانيــة ذات مالمــح متشــاهبة علــى الرغــم‬
‫مــن وقوعهــا يف أقاليــم مناخيــة خمتلفــة‪ ،‬ويكــون مرجــع التشــابه هــو وحــدة التقاليــد‬
‫أو األعــراف احلاكمــة(‪ ،)2‬لــذا اعتــر ابــن خلــدون العامــل اإليديولوجــي هــو أحــد أهــم‬
‫حمــور نظريــه يف العمــران‪ ،‬باعتبــار العامــل اإليديولوجــي هــو مــا كان نبــوة أو دعــوة‬
‫إصالحيــة‪ ،‬أو خالفــات مذهبيــة‪ ،‬فهــو يتضمــن كل هــذه الصــور اإليديولوجيــة الــي‬
‫كان الديــن واإلصــاح غايتهــا‪ ،‬أو مــا اختــذ مــن الديــن وســيلة لتحقيــق مــآرب سياســية‬
‫بــا دعــوة حقيقيــة‪ ،‬تســتهدف الدعــوة الدينيــة يف الغالــب لتغيــر األوضــاع القائمــة‪،‬‬
‫واألخالقيــة منهــا واالجتماعيــة ثــم السياســية أيضــاً‪ ،‬وال تتــم وال تنجــح إال عندمــا‬
‫تتبناهــا مجاعــة قويــة بعددهــا‪ ،‬ملتحمــة بعصبيتهــا‪ ،‬فالدين وحده ال يســتطيع منافســة‬
‫آليــة القــوة السياســية الطبيعيــة (العصبيــة)‪ ،‬إذاً فالعامــل اإليديولوجــي ‪ -‬الديــن وما يف‬
‫معنــاه ‪( -‬حبســب ابــن خلــدون) يلعــب دوره يف عمــران اجملتمعــات اإلســامية بفاعليــة‬
‫مشــروطة‪ ،‬وبعوامــل أخــرى‪ ،‬وعلــى رأســها العصبيــة الــي هــي اإلطــار التنظيمــي‪ ،‬أو‬

‫(‪ )1‬طارق وايل – مركز العمارة والرتاث‪.‬‬


‫(‪ )2‬أشــرف بطــرس (الثقافــة والنتــاج البنائــي منهــج لرصــد وحتليــل واســتقراء األبعــاد الثقافيــة وتوظيفهــا يف عمليــة البنــاء) –رســالة‬
‫الدكتــوراه –كليــة اهلندســة جامعــة القاهــرة‪.‬‬

‫‪160‬‬
‫آليــة التنظيــم الطبيعــي لــكل حركــة سياســية واجتماعيــة للعمــران(‪ ،)1‬ولــذا جنــد أهنــا‬
‫هــي أكثــر العوامــل تأثــراً يف الشــخصية‪ ،‬وكذلــك هــي أكثــر العوامــل اســتجابة جلهــود‬
‫اإلنســان يف تطويرهــا وتعديلهــا والرقــي هبــا أو االحنطــاط‪ ،‬ومــن هــذه العوامــل املؤثــرة‪:‬‬

‫العقيــدة والديــن‪ ،‬الثقافــة واملعلومــات‪ ،‬واألخالق والســلوك‪ ،‬املهــارات واخلربات‪ ،‬الصحة‬


‫البدنيــة والنفســية‪ ،‬املظهــر اخلارجــي‪ ،‬تنظيــم احليــاة‪ ،‬اهلوايــات‪ ،‬اآلمــال والطموحــات‬
‫املستقبلية(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬طارق وايل سبق ذكره‪.‬‬


‫(‪ )2‬ويكبيديا املوسوعة احلرة‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫الفصل الخامس‬

‫الجمال في اإلسالم‬

‫‪162‬‬
‫مفهوم اجلمال يف اإلسالم‬

‫ومــن خــال مفھــوم اجلمــال يف القــرآن الكریــم تضمــن البحــث الــكالم عــن مجــال‬
‫النســاء‪ ،‬واحلدائــق‪ ،‬والكــون‪ ،‬واحلیوانــات‪ ،‬واإلنســان‪ ،‬واألمــوال‪ ،‬واألوالد‪ ،‬واجلنــة‪،‬‬
‫وكذلــك تضمــن الــكالم عــن اجلمــال مــن خــال الســنة املطھــرة‪ ،‬والعالقــة مــا بیــن‬
‫األخــاق واجلمــال‪ ،‬وحماولــة الربــط بینھمــا مــن منظــور إســامي‪ ،‬وعــن أنــواع اجلمــال‬
‫ومعــا ییــره يف اإلســام‪ ،‬ودوره يف العالقــات اإلنســانیة الــي صورھــا اإلســام‪ ،‬فاجلمــال‬
‫يف اإلســام أوســع مــن مفھومــه لــدى الغــرب(‪.)1‬‬

‫وجــاء مفهــوم اجلمــال لــدى الفالســفة املســلمین هــو مــا یحــدث يف النفــس ويف اإلدراك‬
‫اخلیــر واحلــق والقبــول والرضــى‪ ،‬ومنهــم من اعتمــد التأو یل والتمهــل للجانب اجلمايل‪،‬‬
‫وهنالــك رأ ی ـاً آخــر یــرى أن اخللــق اإلهلــي أمجــل مــن اخللــق اإلنســاني‪ ،‬وأنــه یســتمد‬
‫كمالــه بفعــل حماكاتــه للخلــق اإلهلــي‪ ،‬ال علــى العمــل الفــي الــذي ال یخلــو مــن صنــع‬
‫یعتمــد علــى التجربــة اجلمالیــة للفنــان ذاتــه‪ ،‬وخربتــه الفنیــة يف إبــراز مجــال الطبیعــة‬
‫الكامــن‪ ،‬والــي حتتــاج إىل إبداعاهتــم علــى مســتوى املهــارة يف التصــور احلدســي‪،‬‬
‫فض ـاً عــن التجلــي الــذي یــرى اجلمیــل بذاتــه‪ ،‬فیصبــح عملــه الفــي جتلی ـاً للجمیــل‬
‫املطلــق‪ ،‬وهــذا مــا جنــده يف فــن البكتوغــراف الــذي مــازج مــا بیــن اآلیــات القرآنیــة أو‬
‫األمســاء احلســنى بتكــو ینــات تشــكیلیة فكرهتــا حتمــل مضامیــن فكریــة مباشــرة تتوافــق‬
‫مــع فكرهتــا األساســیة(‪.)2‬‬
‫فالــجَمَال يف اللغــة العربيــة ‪ -‬مصــدر الــجَمِيل‪ ،‬والفعــل جَمُــل‪ ،‬وقولــه عـزّ وجـ ّل‪{ :‬وَلَ ُكمْ‬
‫ـال حِـنَ ُت ِرحيُــون وَحِـنَ َتسْـرَحُونَ} أي هبــاء وحســن(‪ ،)3‬واجلمــال صفــة مــن صفــات‬
‫فِيهَــا جَمَـ ٌ‬
‫اخلالــق ســبحانه وتعــاىل فقــد جــاء يف احلديــث النبــوي «إن اهلل مجيــل حيــب اجلمــال»‪،‬‬
‫واهلل ســبحانه وتعــاىل مل حيــرم الزينــة علــى عبــادة بــل هــي عطــاء مــن اهلل هلــم كمــا‬
‫قــال اهلل تعــاىل { ُقـ ْـل مَ ـنْ حَ ـرَّمَ ِزينَ ـ َة ال َّل ـهِ الَّتِــي َأخْ ـرَجَ لِعِبَــادِهِ}‪ ،‬فالقيــم اجلماليــة لعناصــر‬
‫(‪ )1‬مفهوم اجلمال يف الفكر اإلسالمي – د‪ .‬مجيل علي رسول السورجي‪.‬‬
‫(‪ )2‬البنية التعبريية اجلمالية لفن البكتوغراف – األستاذ الدكتور عباس جاسم محود الربيعي‪.2016 -‬‬
‫(‪ )3‬يف الفنّ واألدب ‪ -‬اجلمال ديسمرب ‪ -laagueb sami 2016 ,27‬سامي العقاب‪.‬‬

‫‪163‬‬
‫العمــارة اإلســامية تــرز أكثــر يف الزخــارف اإلســامية املتنوعــة والــي غطــت عــدداً‬
‫كبــراً مــن العمائــر اإلســامية املختلفــة‪ ،‬واملعمــاري املســلم كان مــدركاً هلــذا وهــو مــا‬
‫ظهــر بصفــة خاصــة مــن خــال اســتخدام الزخــارف اخلطيــة والــي أخــذت أمناط ـاً‬
‫خمتلفــة مــن الكتابــة وسالســة يف احلركــة وجتانسـاً يف احلــروف ووضوحـاً يف اجلانــب‬
‫اإلنســاني ممثلــة يف اليــد الــي قامــت بالكتابــة والتلويــن وإدخــال بعــض املكونــات الفنيــة‬
‫بعضهــا التــزم بوضــوح اخلــط لتســهل قراءتــه وبعضهــا اســتخدمت الكلمــات يف أوضــاع‬
‫معكوســة أو مقلوبــة مــن بــاب التجميــل الفــي وهكــذا يف كل شــكل مــن أشــكال الفــن‬
‫يبحــث عــن الناحيــة اجلماليــة فيــه(‪.)1‬‬
‫ومفهــوم اجلمــال لغـ ًة وردت يف اللغــة العربيــة كلمــات عــدة دلــت علــى مفهــوم اجلمــال‬
‫مبعنــاه العــام‪ ،‬كمــا جــاء هــذا املفهــوم ليــدل علــى معــا ٍن خاصــة‪ ،‬ففــي كتــاب فقــه اللغــة‬
‫للثعالــي قســم مفهــوم احلســن عــدة أقســام حتمــل كل منهــا داللــة علــى معــا ٍن معينــة‪،‬‬
‫فالوضــاءة تكــون يف البشــرة‪ ،‬واجلمــال يف األنــف‪ ،‬والصباحــة يف الوجــه‪ ،‬والرشــاقة‬
‫يف القــد‪ ،‬واملالحــة يف الفــم‪ ،‬واحلــاوة يف العينــن‪ ،‬واللباقــة يف الشــمائل‪ ،‬والظــرف‬
‫يف اللســان‪ ،‬وجنــد يف القــرآن الكريــم ألفاظ ـاً عــدة دلــت علــى مفهــوم اجلمــال منهــا‬
‫البهجــة واحلســن واجلمــال والزينــة والنظــرة‪ ،‬ويف لســان العــرب اجلمــال مــن فعــل‬
‫مجــل‪ ،‬ومصــدره مجيــل‪ ،‬وعنــد ابــن ســيده يشــر معنــى اجلمــال لغــة إىل احلســن يف‬
‫اخللــق والفعــل‪ ،‬وعنــد ابــن األثــر اجلمــال يقــع علــى املعانــي والصــور‪ ،‬ويقــال حســنت‬
‫الشــيء زينتــه‪ ،‬واحلســن ضــد القبــح ونقيضــه‪ ،‬واإلحســان ضــد اإلســاءة‪ ،‬ويف الصحــاح‬
‫احلســن معنــاه اجلمــال(‪.)2‬‬
‫واليرتبــط الفــن اإلســامي بالديــن كعقيــدة فقــط‪ ،‬وإمنــا يشــمل أيض ـاً وجوه ـاً فنيــة‬
‫وأمناطـاً يف الثقافــة اإلســامية ضمــن حــدود إســامية‪ ،‬ومــن أكثــر أنــواع الفنــون الــي‬
‫ظهــرت يف هــذه املرحلــة هــي الفسيفســاء‪ ،‬وآرابيســك‪ ،‬واخلــط العربــي اإلســامي‬
‫والعمــارة اإلســامية أيض ـاً‪ ،‬باإلضافــة إىل كافــة أشــكال التجريــد‪.‬‬

‫(‪ )1‬البيــان‪ -‬العمــارة اإلســامية أحــد مظاهــر احلضــارة الــي ميــزت التاريــخ اإلســامي‪ -‬القاهــرة دار اإلعــام‬
‫العربيــة‪ -‬ســبق ذكــره‪.‬‬
‫(‪ )2‬موضوع أكرب موقع عربي يف العامل ‪ -‬مفهوم اجلمال يف اإلسالم ‪ -‬بواسطة‪ :‬طالل مشعل‪.‬‬

‫‪164‬‬
‫وميكــن تعريفــه بأنــه ذلــك أحــد فــروع الفلســفة الــي تتعامــل مــع الطبيعــة واجلمــال‬
‫والفــن والــذوق‪ ،‬أمــا مفهومهــا العلمــي فهــو عبــارة عــن دراســة حسـيّة أو جمموعــة مــن‬
‫القيــم العاطفيــة املعروفــة باألحــكام املنبثقــة عــن الشــعور أحيانــاً‪ ،‬وقــدّم الباحثــون‬
‫يف اجلماليــات مفهومــاً حوهلــا بأهنــا تفكــر نقــدي يتمحــور حــول الثقافــة والفنــون‬
‫الطبيعيــة‪ ،‬أمــا اجلمــال عنــد هربــرت ريــد فإنــه تلــك الوحــدة املُمثلــة للعالقــات‬
‫ّ‬
‫حــظ‬ ‫الشــكلية بــن األشــياء املدركــة حواســياً(‪ ،)1‬فاجلمــال عنــد الفالســفة كان لــه‬
‫كبیــر مــن الــكالم والبحــث‪ ،‬وھــو عندھــم صفــة تلحــظ يف األشــیاء‪ ،‬وتبعــث يف النّفــس‬
‫ســروراً ورضـاً‪ ،‬وتستحســنھا النّفــوس الســوية‪ ،‬وعلــم اجلمــال بــاب مــن أبــواب الفلســفة‬
‫یبحــث يف اجلمــال ومقاییســه ونظريتــه(‪ ،)2‬فتعتــر «احلضــارة» هــي مجــاع إبــداع األمــة‬
‫يف عاملــي «الفكــر» و «األشــياء»‪ ،‬أي يف «الثقافــة» الــي هتــ ّذب اإلنســان وترتقــي بــه‪،‬‬
‫ويف «التمــدن» الــذي جيســد مثــرات الفكــر يف التطبيــق والتقنيــة وأشــياء يســتمتع هبــا‬
‫اإلنســان املتحضــر‪ ..‬إذا كانــت هــذه هــي «احلضــارة»‪ ،‬فإهنــا كإبــداع بشــري يف املنظــور‬
‫اإلســامي ويف التجربــة اإلســامية‪ ،‬وثيقــة الصلــة بديــن اإلســام كوضــع إهلــي نــزل بــه‬
‫الوحــي علــى قلــب رســول اهلل ‪.‬‬

‫ففــي التجربــة احلضاريــة اإلســامية‪ ،‬كان «الديــن» هــو الطاقــة الــي أمثــرت ضمــن‬
‫مثراهتــا؛ توحيــد األمــة وقيــام الدولــة واإلبــداع يف كل مياديــن العلوم والفنــون واآلداب ‪-‬‬
‫شــرعية وعقليــة وجتريبيــة‪ ،‬كمــا كان الدافــع للتفتــح علــى املواريــث القدميــة واحلديثــة‬
‫للحضــارة األخــرى‪ ،‬وإحيائهــا وغربلتهــا وعرضهــا علــى معايــر اإلســام‪ ،‬واســتلهام‬
‫املتســق منهــا مــع هــذه املعايــر‪ ،‬لتصبــح جــزءاً مــن نســيج هــذه احلضــارة اإلســامية‪،‬‬
‫الــي وإن كانــت إبداعـاً بشــرياً‪ ،‬إال أهنــا قــد اصطبغــت بصبغــة (اإلســام الديــي)‪ ،‬كمــا‬
‫كانــت مثــرة للطاقــة الــي مثلهــا وأحدثهــا‪ ،‬وعندمــا جتســد يف واقــع املســلمني‪ ،‬تلــك هــي‬
‫العــروة الوثقــى بــن ديــن اإلســام وبــن حضارتــه‪ ،‬مبــا فيهــا مــن إبــداع مشــل خمتلــف‬

‫(‪ )1‬مفهوم علم اجلمال – إميان احلياري‪.‬‬


‫(‪ )2‬احللو‪،‬عبــر أيــوب‪ .‬زينــة املــرأة املســلمة وعمليــات التّجميل‪،‬أحكامهــا‪ -‬تطبيقاهتا‪،‬عبــر أيــوب احللو‪،‬القاهــرة‪ ،‬دار‬
‫الكتــاب العربــي‪2007 ،‬م‪ ،‬ص‪.34 .‬‬

‫‪165‬‬
‫املياديــن؛ الشــرعية‪ ،‬والعقليــة‪ ،‬والتجريبيــة‪ ،‬واجلماليــة(‪.)1‬‬
‫فلمــاذا خلــق اإلنســان يف هــذا الوجــود؟ حيــث الكــون يتشــكل مــن صــور طبيعيــة مجيلــة‬
‫عناصرهــا أشــجار وعيــون وشــاالت تنســاب ســيوهلا علــى الصخــر‪ ،‬علــى أنغــام‬
‫موســيقى طبيعيــة تطــرب اآلذان‪ ،‬ومســاء زرقــاء وطيــور حتلــق يف أجــواء الســماء‪،‬‬
‫وحبــار ووديــان وأهنــار‪ ،‬ومشــس عنــد الشــروق وعنــد املغيــب متتــع العــن‪ ،‬وقمــر وضــاء‬
‫يف ليلــة البــدر اجلميــل‪ ،‬مشــاهد فيهــا متعــة النفــس؛ ألهنــا غنيــة مبظاهــر اجلمــال‬
‫احلســي املنظــور واحملســوس! ولقــد ُزيِّــن للنــاس حــب أشــياء كثــرة وجعلــت جاذبيتهــا‬
‫فيمــا أودعهــا البــارئ مــن مجــال ومتعــة ومنفعــة‪ ،‬لكــن مفهــوم اجلمــال يف اإلســام‬
‫أوســع وأرحــب مــن هــذه الصــور واملشــاهد املاديــة والطبيعيــة؛ إذ «اجلمــال يكــون يف‬
‫الصــورة وتركيــب اخللقــة‪ ،‬ويكــون يف األخــاق الباطنــة‪ ،‬ويكــون يف األفعــال(‪.)2‬‬
‫وحنــن نعلــم أن القــرآن الكريــم قــد اســتعمل لفــظ «اجلمــال» يف نطــاق ضيــق مل يتجــاوز‬
‫مثانــي مــرات‪ ،‬واحــدة منهــا بصيغــة املصــدر‪ ،‬والباقــي كانــت صفــة‪ ،‬وكلهــا يف جمــال‬
‫األخــاق باســتثناء قولــه تعــاىل‪{ :‬وَلَ ُكـمْ فِيهَــا جَمَـ ٌ‬
‫ـال حِـنَ ُت ِرحيُــونَ وَحِـنَ َتسْـرَحُونَ} [ســورة‬
‫النحــل‪ :‬اآليــة ‪ ،]6‬ويعــي فيهــا اخليــل واإلبــل‪ ،‬ورأى أبــي هــال العســكري(‪ ،)3‬مــن بــاب‬
‫الوصــف املعنــوي فيقــول‪ :‬يف صــدد الفــرق بــن احلســن واجلمــال أيضـاً‪« :‬إن اجلمــال‬
‫هــو مــا يشــتهر ويرتفــع بــه اإلنســان مــن األفعــال واألخــاق‪ ،‬ومــن كثــرة املــال واجلســم‪،‬‬
‫وليــس هــو مــن احلســن يف شــيء‪ ،‬أال تــرى أنــه يقــال لــك‪ :‬يف هــذا األمــر مجــال‪ ،‬وال‬
‫يقــال لــك فيــه حســن‪ ،‬ويف القــرآن {وَلَ ُكـمْ فِيهَــا جَمَـ ٌ‬
‫ـال حِـنَ ُت ِرحيُــونَ وَحِـنَ َتسْـرَحُونَ}‪ ،‬أمــا‬
‫لفــظ «احلســن» فقــد ورد يف القــرآن الكريــم كثـرًا‪ ،‬يف صيغــه املختلفة‪ ،‬وقد اســتعمل يف‬
‫الصــور كمــا اســتعمل يف املعانــي‪ ،‬ونســتطيع القــول‪ :‬إن الفــرق الــذي بيّنــه أبــو هــال بــن‬
‫الكلمتــن غايــة يف الدقــة‪ ،‬وإن كان االســتعمال العــام قائمـاً علــى مســاواة الكلمتــن مــع‬
‫بعضهمــا كمــا جنــح إليــه صاحبــا القامــوس والصحــاح حيــث فســرا احلســن باجلمــال‪،‬‬
‫(‪ )1‬املنتدى العاملي للوسطية ‪ -‬د‪.‬حممد عمارة ‪ -‬جريدة الدستور‪ - 2012/03/31 :‬مفهوم اجلمال يف اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬اجلمالية يف اإلسالم‪ 2011/06 -‬د‪ .‬حممد احلفظاوي– إسالم أون الين‪.‬‬
‫(‪ )3‬أبــو هــال العســكري وهــو احلســن بــن عبــد اهلل العســكري ولــد عــام ‪920‬م‪ ،‬وتــويف عــام ‪1005‬م (‪ 395‬هـــ)‪ .‬وكان‬
‫شــاعراً وأديب ـاً لــه مؤلفــات كثــرة‪ ،‬ويرجــع نســبه إىل عســكر مكــرم مــن كــور األهــواز‪ ،‬وهــو ابــن أخــت أبــي أمحــد‬
‫احلســن بــن عبــد اهلل بــن ســعيد العســكري‪ ،‬وهــو تلميــذه أيضـاً‬

‫‪166‬‬
‫وقــد حــاول اإلمــام أبــو حامــد الغــزايل رمحــه اهلل (املتوفــى ‪505‬هـــ‪1113 ،‬م) أن يضــع‬
‫تعريفـاً للجمــال فقــال يف صــدد حديثــه عــن معنــى احلســن واجلمــال‪« :‬حســن كل شــيء‬
‫يف كمالــه الــذي يليــق بــه»‪.‬‬
‫ويوضــح ذلــك بقولــه‪« :‬كل شــيء فجمالــه وحســنه يف أن حيضــر كمالــه الالئــق بــه‬
‫املمكــن لــه‪ ،‬فــإذا كان مجيــع كماالتــه املمكنــة حاضــرة فهــو يف غايــة اجلمــال‪ ،‬وإن كان‬
‫احلاضــر بعضهــا فلــه مــن احلســن واجلمــال بقــدر مــا حضــر‪ ،‬فالفــرس احلســن‪ :‬هــو‬
‫الــذي مجــع كل مــا يليــق بالفــرس مــن هيئــة وشــكل ولــون وحســن عــدو وتيســر كـ ٍّـر وفـ ٍّـر‬
‫عليــه‪ ،‬واخلــط احلســن‪ :‬كل مــا مجــع مــا يليــق باخلــط مــن تناســب احلــروف وتوازيهــا‬
‫واســتقامة ترتيبهــا وحســن انتظامهــا‪ ،‬ولــكل شــيء كمــال يليــق بــه‪ ...‬فحســن كل شــيء‬
‫يف كمالــه الــذي يليــق بــه‪ ،‬فــا حيســن اإلنســان مبــا حيســن بــه الفــرس‪ ،‬وال حيســن‬
‫اخلــط مبــا حيســن بــه الصــوت‪ ،‬وال حتســن األوانــي مبــا حتســن بــه الثيــاب‪ ،‬وكذلــك‬
‫ســائر األشــياء(‪.)1‬‬
‫ونســتطيع التعــرف علــى مكانــة اجلمــال مــن خــال التعــرف علــى منزلتــه ضمــن‬
‫اهتمامــات النــاس‪ ،‬كمــا نســتطيع معرفــة ذلــك مــن أوامــر الشــريعة الــي جــاءت حلفــظ‬
‫مصــاحل اخللــق ورعايتهــا‪ ،‬وتصنيــف هــذه األوامــر‪ ،‬وترتيبهــا حبســب أمهيتهــا ومعرفــة‬
‫موقــع مــا يتعلــق باجلمــال منهــا‪ ،‬وقــد كفانــا علمــاء األصــول مؤنــة البحــث حيــث قامــوا‬
‫بعمليــات اســتقرائية اســتطاعوا بعدهــا أن يضعــوا النقــاط علــى احلــروف(‪.)2‬‬
‫وحتــدث القــرآن الكريــم أيضـاً عــن آثــار اجلمــال الــي قــد تكــون أثــراً يف العــن أو علــى‬
‫النفــس‪ ،‬فقــال تعــاىل‪{ :‬إِنَّهَــا بَ َقـرَةٌ صَ ْفـرَاءُ َفاقِـعٌ لَوْ ُنهَــا َتسُـرُ ال ّنَاظِ ِريـنَ}‪ ،‬ســورة البقــرة‪ ،‬آيــة‪.69 :‬‬
‫ّ‬
‫فالســرور يف اآليــة الكرميــة هــو شــعور يتولــد يف النفــس عنــد رؤيــة كل شــيء مجيــل‪،‬‬
‫كمــا أنّ مــن آثــار اجلمــال يف القــرآن الكريــم مــا حيدثــه نعيــم اجلنــة مــن لــذة لألعــن‬
‫الن ْ ُفـسُ و ََت َلـ ُ ّـذ ْ َ‬
‫العْيُـنُ}‪ ،‬ســورة الزخــرف آيــة ‪،71‬‬ ‫الــي تــراه‪ ،‬قــال تعــاىل‪{ :‬وَفِيهَــا مَــا َتشْـ َت ِهيهِ ْ َ‬
‫{ل يَحِـ ُ ّـل لَـكَ ال ّنِسَــاءُ مِـنْ بَعْـدُ و ََل َأنْ َتبَـ ّدَ َل ب ِ ِهـ ّنَ مِـنْ‬
‫كمــا جــاء يف القــرآن الكريــم قولــه تعــاىل‪َ :‬‬
‫(‪ )1‬إحياء علوم الدين ‪ .4/299‬طبقة دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪ .‬رابط املوضوع‪:‬‬
‫‪http://www.alukah.net/culture/0/57332/#ixzz5NbInozZd‬‬
‫(‪ )2‬األلوكة الثقافية ‪ -‬األلفاظ اجلمالية (التعريف باجلمال وحقيقته ومكانته) ‪-‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‪.‬‬

‫‪167‬‬
‫َأ ْزوَا ٍج وَلَ ـوْ َأعْجَبَ ـكَ حُسْ ـنُهُ ّنَ}‪ ،‬ســورة األحــزاب آيــة ‪ ،52‬فاإلعجــاب هــو كذلــك أثــر مــن‬
‫آثــار اجلمــال علــى النفــس اإلنســانية(‪.)1‬‬
‫فاجلمــال كلمــة هتواهــا النفــوس وتعشــقها القلــوب‪ ،‬اجلمــال مفهــوم يهيــم فيــه البشــر‬
‫وينشــده الــكل‪ ،‬واجلمــال بــكل مفاهيمــه ومعانيــه جبلــت الفطــرة البشــرية الســوية علــى‬
‫الســعي مــن أجــل احلصــول عليــه والتمذهــب مبذهبــه‪ ،‬ومــا أكثــر مــا ظلــم اجلمــال يف‬
‫احلضــارات الســابقة عــر األزمــان والعصــور مــع اختــاف املفاهيــم بــن جاحــد متزمــت‬
‫وصاحــب هــوى مســرف‪ ،‬ومــا أكثــر مــا تغنــى بــه الشــعراء ومدحــه األدبــاء ووصفــه‬
‫اخلطبــاء‪ ،‬ولكــن مل يصــل إىل كنهــه وإىل جوهــره ووازن يف مفهومــه ســوى رب اجلمــال‬
‫وخالقــه‪ ،‬ولذلــك فخالــق البشــر أعلــم مبــا حيبــه خلقــه؛ فهــو هبــم أعلــم وبنفوســهم‬
‫أخــر؛ لــذا فقــد أقــر الديــن اإلســامي احلنيــف مــا تتطلبــه هــذه النفــس البشــرية‬
‫مــن ســرور وفــرح وهبجــة ومــرح وأشــواق ومجــال‪ ،‬وأحــاط كل ذلــك بســياج مــن األدب‬
‫اإلســامي الرفيــع؛ لتبلــغ النفــس البشــرية حظهــا الوافــر مــن اجلمــال بعيــداً عــن اخلنــا‬
‫واحلــرام والظلــم والعــدوان والغــل‪ ،‬ولقــد أورد رب العــزة واجلــال يف كتابــه الكريــم‬
‫ً‬
‫بعضــا مــن صــور اجلمــال‪ ،‬فيمــا خلــق مــن كائنــات وصاغهــا ســبحانه وتعــاىل يف قالــب‬
‫مــن الــكالم الربانــي‪ ،‬جتعــل النفــس تتناغــم مــع ذلكــم الوصــف‪ ،‬وتنتشــي حــب اجلمــال‬
‫وتــذوق حالوتــه‪ ،‬وتعيــش معــه واقعـاً ملموسـاً‪ ،‬مــن ذلــك وصفــه تعــاىل خللــق النباتــات‬
‫واحلدائــق املبهجــة؛ فقــال عــز مــن قائــل عليمـاً‪{ :‬أَمَّـنْ خَل َـقَ السَّـمَاوَاتِ و َْالَرْضَ وَأَنْـزَ َل‬
‫لَ ُكـمْ مِـنَ السَّـمَاءِ مَــاءً َف َأنْبَتْنَــا ِبـهِ حَدَائِـقَ َذاتَ بَهْجَـةٍ}‪ ،‬وقولــه ســبحانه وتعــاىل‪{ :‬انْظُ رُوا‬
‫إِلَــى َثمَـ ِرهِ إِ َذا َأثْمَـرَ ويَنْعِـهِ إِنَّ فِــي َذل ُِكـمْ َليَــاتٍ لِ َقـوْمٍ يُؤْمِنُــونَ}‪ ،‬وقــال تعــاىل‪{ :‬وَالن َّْخـ َـل بَاسِـ َقاتٍ لَهَــا‬
‫َطلْـعٌ نَضِيـدٌ}‪ ،‬وذكــر ســبحانه اجلمــال يف خلــق احليــوان فقــال‪{ :‬و ْ َ‬
‫َالنْعَــامَ خَ َل َقهَــا لَ ُكـمْ فِيهَــا‬
‫دِفْءٌ وَمَنَافِـعُ وَمِنْهَــا َت ْأ ُك ُلــونَ‪ ،‬وَلَ ُكـمْ فِيهَــا جَمَـ ٌ‬
‫ـال حِـنَ ُت ِرحيُــونَ وَحِـنَ َتسْـرَحُونَ}‪.‬‬
‫وذكــر كذلــك اجلمــال يف أهبــى صــوره وأمجــل رونقــه حــن ذكر الســماء وزينتهــا واألرض‬
‫ومجاهلــا فقــال ســبحانه وتعــاىل‪{ :‬وَلَ َقــدْ جَعَلْنَــا فِــي السَّــمَاءِ بُرُوجــ ًا و ََزيَّنَّاهَــا لِلنَّاظِ ِريــنَ}‪،‬‬
‫(‪ )1‬صــاحل بــن أمحــد الشــامي (‪« ،)15-7-2013‬األلفــاظ اجلماليــة (التعريــف باجلمــال وحقيقتــه ومكانتــه) «‪ ،‬شــبكة‬
‫األلوكــة‪ّ ،‬‬
‫اطلــع عليــه بتاريــخ ‪ .2018-4-7‬بتصـرّف‪.‬‬

‫‪168‬‬
‫وقــال‪َ { :‬أ َف َلــمْ يَنْظُ ــرُوا إِلَــى السَّــمَاءِ َفوْ َقهُــمْ َكيْــفَ ِّ بَنَيْنَاهَــا و ََزيَّنَّاهَــا وَمَــا لَهَــا مِــنْ ُفــرُو ٍج‪ ،‬و ْ َ‬
‫َالرْضَ‬
‫مَدَدْنَاهَــا وَ َأل ْ َقيْنَــا فِيهَــا رَوَاسِ ـيَ وَ َأنْبَ ْتنَــا فِيهَــا مِ ـنْ ُكل َزوْ ٍج بَ ِهيـ ٍـج}‪.‬‬
‫ولكــي يتســق هــذا اجلمــال الربانــي يف املخلوقــات الــي ســخرها رب الكــون للبشــر فقــد‬
‫أمــر عبــاده بــأن حيبــوا اجلمــال ويعملــوا مــن أجلــه وأن ينشــدوه‪ ،‬بــل وخصــص ذلــك بــأن‬
‫يكــون املســلم حريص ـاً عليــه حــن ميثــل بــن يدي ِّــه يف أمســى عبــادة وأعظمهــا فقــال‬
‫ســبحانه وتعــاىل‪{ :‬يَــا بَنِــي آدَمَ خُــذوا ِزينَ َت ُكـمْ عِنْـدَ ُكل مَسْـ ِـجدٍ}‪.‬‬
‫وحــن نتصفــح ســرة نبينــا اجلميــل وحبيبنــا الوحيــد بعــد الواحــد األحــد جنــد أنــه‬
‫مثــال يف اجلمــال وآيــة يف احلفــاظ عليــه؛ فقــد روي عنــه صــاة ربــي وســامه عليــه‬
‫قولــه‪« :‬ال يدخــل اجلنــة مــن كان يف قلبــه مثقــال ذرة مــن كــر‪ ،‬فقــال لــه رجــل‪ :‬إنــه‬
‫يعجبــي أن يكــون ثوبــي حســناً ونعلــي حســنة؟‪ ،‬قــال رســول اهلــدى‪« :‬إن اهلل مجيــل‬
‫حيــب اجلمــال ولكــن الكــر مــن ب ََط ـرَ احلــق َ‬
‫وغمَ ـصَ النــاس»‪.‬‬
‫وأضفــى اإلســام علــى كل شــيءٍ صبغــة اجلمــال حتــى االبتــاء الــذي يظــن اإلنســان‬
‫أن فيــه إيــذاء ومشــقة للنفــس البشــرية‪ ،‬فقــد جعلــه مجيـاً؛ إذ قــال ســبحانه وتعــاىل‪:‬‬
‫{ َفاصْ ِب ـرْ صَبْ ـرًا جَمِي ـاً} وقــال‪{ :‬وَاصْ ِب ـرْ عَ َلــى مَــا ي َُقو ُلــونَ وَاهْجُرْهُ ـمْ هَجْــر ًا جَمِي ـاً}‪ ،‬وقــال‪:‬‬
‫{ َفاصْ َفـ ِـح الصَّ ْف ـحَ الْجَمِيـ َـل}‪ ،‬فتعلــم الســلف الصــاحل مــن الصحابــة رضــوان اهلل تعــاىل‬
‫ا وكيــف يكــون الصفــح مجيـاً‪ ،‬بــل وكيــف‬
‫عليهــم يف احملمديــة كيــف يكــون الصــر مجيـ ً‬
‫يكــون اهلجــر مجيـاً‪ ،‬فاملســلم بفطرتــه الســليمة وحســه املرهــف عنــده حــب وميــول إىل‬
‫اجلمــال‪ ،‬يفــوق أي شــخص آخــر‪ ،‬فمــا املانــع مــن أن جيعــل حياتــه كلهــا مجــاالً وســعادة‪،‬‬
‫فاإلســام ال يوجــد فيــه عبــوس وال كآبــة وال تــرى فيــه ســوداوية‪ ،‬املؤمــن مــرح بــل نبينــا‬
‫‪ ‬كان ميــزح وال يقــول إال حقـاً‪ ،‬كان إذا دخــل بيتــه دخلــه بسّــاماً ضحــاكاً يؤنــس أهلــه‬
‫ويعينهــم علــى اخلــر وعلــى شــؤون احليــاة‪ ،‬تقــول لــه زوجتــه الســيدة عائشــة يوم ـاً‪:‬‬
‫كيــف حبــك يل؟ فيقــول عليــه الســام هــو كعقــدة احلبــل‪ ،‬فتقــول لــه مــن حــن آلخــر‪:‬‬
‫كيــف القعــدة؟ يقــول‪ :‬هلــا علــى حاهلــا(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬اجلمـــال‪ ..‬يف املفهــوم اإلســامي تصـــورات تنطلـــق مــن وحـــي الكتــــاب العزيــز‪ ..‬وهــدي النــي الكريــم مفهــوم‬
‫فطــري‪ ..‬حمــاط بســياج األدب الرفيــع – د‪ .‬ناصــر بــن علــي الندابــي‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫مفهوم اجلمال والفن‬
‫وكمــا نعلــم أن الفالســفة وضعــوا الفــن يف مقابــل الطبيعــة‪ ،‬علــى اعتبــار أن اإلنســان‬
‫حيــاول عــن طريــق الفــن أن يســتخدم الطبيعــة‪ ،‬ويضطرهــا إىل التــازم مــع حاجتــه‪،‬‬
‫ويلزمهــا التكيــف مــع أغراضــه‪ ،‬والعــرب فهمــوا بتفريــق املعنــى بــن الطبيعــة والصناعة‪،‬‬
‫وذهبــوا إىل أن الصناعــة تســتملى مــن النفــس والعقــل‪ ،‬ومتلــى علــى الطبيعــة‪ ،‬وكانــوا‬
‫يســتعملون الصناعــة للداللــة علــى الفــن(‪.)1‬‬
‫ظهــر الفــن اإلســامي مــع ظهــور اإلســام‪ ،‬وتكــون بســرعة خارقــة‪ ،‬ثــم مل يلبــث أن‬
‫تطــور وأخــذ أشــكاالً متنوعــة عــر التاريــخ‪ ،‬وبقــي حمافظ ـاً علــى شــخصية موحــدة‪،‬‬
‫وقــد ولــد الفــن اإلســامي علــى أرض دانــت باإلســام‪ ،‬وكمــا أن املســلمني األوائــل‬
‫احتفظــوا مبورثاهتــم اللغويــة واألخالقيــة‪ ،‬وكذلــك اإلبداعيــة‪ ،‬الــي كانــت أساس ـاً يف‬
‫صناعــة الفــن اإلســامي اجلديــد‪ ،‬عمــارة وزخرفــة وخط ـاً فني ـاً(‪.)2‬‬
‫إن دراســة مفهــوم اجلمــال يف اإلســام وكيــف ميكنــه أن يشــكل إطــاراً نظري ـاً للرتبيــة‬
‫عــن طريــق الفــن وارتباطــه هبــذا املفهــوم كان أمههــا‪:‬‬
‫‪ -‬يرتبــط اجلمــال الفــي يف تاريــخ الفــن يف احلضــارات اإلنســانية بالديــن‬
‫واألخــاق‪.‬‬
‫‪ -‬إن مفهــوم األخــاق يف نظريــة الرتبيــة عــن طريــق الفــن عنــد «هريبــرت ريــد»‬
‫(‪.)HerbertRead‬‬
‫‪ -‬مفهــوم وضعــي وافرتاضــي‪ ،‬العتمــاده علــى مذهــب التحليــل النفســي عنــد‬
‫«ســيجموند فرويــد‪ ،‬ولتفســر منــو احلاســة اخللقيــة»‪.‬‬
‫‪ -‬املفهــوم اجلمــايل يف اإلســام هــو مفهــوم ديــي يرتبــط ارتباط ـاً عضوي ـاً‬
‫‪ Sigmund Freud‬بالعقيــدة‪ ،‬واألخــاق‪ ،‬ويشــمل‪ :‬مجــال الــذات اإلهليــة‪،‬‬
‫واجلمــال الباطــن‪ ،‬ومجــال الصنعــة اإلهليــة يف الطبيعــة ‪( -‬الدنيــا) واجلنــة‬
‫(‪ )1‬أبو حيان التوحيدي‪ :‬املقابسات – ص ‪ -164-163‬القاهرة – عام ‪1929‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬أثر اجلمالية اإلسالمية يف الفن احلديث – الدكتور عفيف هبنسي – دار الكتاب العربي‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫(اآلخــرة)‪ ،‬ثــم مجاليــة الفــن البشــري‪ ،‬وقــد وظــف هــذا املفهــوم يف القــرآن‬
‫والســنة توظيفــاً تربويــاً‪.‬‬
‫‪ -‬شــكل املفهــوم اجلمــايل يف اإلســام إطــاراً نظري ـاً للرتبيــة عــن طريــق الفــن‬
‫كمــا يلــي‪:‬‬
‫‪ -‬أوجــد مجــال الــذات اإلهليــة ومجــال الصنعــة اإلهليــة ومجاليــة الفــن‬
‫البشــري‪ ،‬جمــاالً لإلبــداع الفــي والتعبــر اجلمــايل‪ ،‬كمــا عــرت عنــه الفنــون‬
‫الزمانيــة وهــي الشــعر والســماع‪ ،‬واملكانيــة وهــي فن اخلط العربــي والزخرفة‬
‫والنحــت والعمــارة‪.‬‬
‫‪ -‬اضطلــع اجلمــال الباطــي يف اإلســام مبهمــة نقــد وحتديد نوعية احملتوى‬
‫الرتبــوي للخــرة اجلماليــة يف الفــن‪ ،‬حيــث يقبــل أو يــرد بنــاءً علــى توافقهــا‬
‫مــع املســتويات اجلماليــة أعــاه‪ ،‬وهــذا مــا يتضمنــه موقــف القــرآن والســنة‬
‫مــن الفنــون اجلميلــة الزمانيــة منهــا واملكانيــة‪ ،‬كمــا يكتســب الفــن مــن خالهلــا‬
‫أســلوبه وطابعــه اإلســامي‪.‬‬
‫ويف ضــوء هــذا املفهــوم‪ ،‬يوصــى بتنــاول مفهــوم اجلمــال يف اإلســام بشــموله وتكاملــه‪،‬‬
‫ومبســتوياته املتعــددة‪ ،‬وعالقــة التأثــر املتبــادل بينــه وبــن الفــن مبــا يعطــي مدلــوالً‬
‫تربويـاً خاصـاً‪ ،‬وكذلــك بإعطــاء املفهــوم اجلمــايل لإلســام يف مســتوى اإلبــداع والنقــد‪،‬‬
‫مكانــه املناســب مــن الدراســات الفلســفية و النظريــة املتعلقــة بــاآلداب و الرتبية والفنون‬
‫اجلميلة‪،‬خاصــة مــن املنظــور املقــارن(‪.)1‬‬
‫إن دراســة الفــن اإلســامي ال ميكــن أن ختضــع للمعايــر اجلماليــة الــي درس فيهــا‬
‫الفــن اإلغريقــي الرومانــي‪ ،‬أو الفنــون مــا بعــد عصــر النهضــة‪ ،‬بــل البــد مــن البحــث عــن‬
‫معايــر مجاليــة أخــرى‪ ،‬طاملــا أن الفــن اإلســامي ظهــر بشــكل خمالــف متامـاً ألشــكال‬
‫الفنــون األخــرى‪ ،‬فالفــن اإلغريقــي الرومانــي قــام علــى احــرام الكمــال التشــرحيي‬
‫جلســم اإلنســان‪ ،‬والفــن الصيــي واهلنــدي قــام علــى مبــدأ التعبــر عــن املثــل األخالقيــة‬

‫(‪ )1‬مفهوم اجلمال يف اإلسالم ‪ -‬مصباح‪,‬الشفیع بشیر الشفیع; مشرف ‪ -‬أمحد سعد مسعود‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫يف طقــوس تصويريــة وحنتيــة‪ ،‬والفــن األزتيكــي قبــل الكولومــي عــر عــن الصــورة‬
‫اآلدميــة مــن خــال صــورة اآلهلــة‪ ،‬أمــا الفــن اإلســامي فلــم يعــر عــن أي شــكل مــن‬
‫األشــكال احملــددة لصــورة اهلل‪ ،‬أو الكــون أو املثــل أو اإلنســان‪ ،‬بــل عــن الصبــوة والســعي‬
‫لدخــول عــامل املطلــق والســر الــذي يقــع وراء هــذه املعانــي الكــرى(‪.)1‬‬
‫إن تنميــة اإلحســاس اجلمــايل لــدى اإلنســان املؤمــن‪ ،‬هــو تنميــة للملَــكات والطاقــات‬
‫الــي أنعــم هبــا عليــه اهلل ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬وإن يف اســتخدام هــذه امللَــكات‪ ،‬ســبالً‬
‫لالســتمتاع مبــا خلــق اهلل ســبحانه وتعــاىل يف هــذا الكــون مــن آيــات الزينــة واجلمــال‪،‬‬
‫وإن النظــر يف اجلمــال هــو امتثــال ألوامــر اهلل‪ ،‬إن هــذا اجلمــال وتلــك الزينــة‪ ،‬هــي‬
‫آيــات اهلل‪ ،‬أبدعهــا وبثهــا يف هــذا الكــون‪ ،‬وأمــر اإلنســان أن ينظــر فيهــا‪ ،‬فالنظــر يف هذا‬
‫اجلمــال‪ ،‬واالســتقبال آليــات الزينــة‪ ،‬وفتــح قنوات اإلحســاس اإلنســاني علــى صنع اهلل‪،‬‬
‫هــو امتثــال ألمــر اهلل عــز وجــل‪َ { :‬أ َف َلـمْ يَنْظُ ـرُوا إِلَــى ال ّسَـمَاءِ َفوْ َقهُـمْ َكيْـفَ بَنَيْنَاهَــا و ََزيَ ّ ّنَاهَــا}‪،‬‬
‫وهــذا النظــر يف هــذه اآليــة وغريهــا مــن اآليــات‪ ،‬هــو ســبيل مــن ســبل االســتدالل علــى‬
‫وجــود اهلل ســبحانه وتعــاىل وعلــى كمــال قدرتــه وبديــع صنعتــه‪ ،‬ومــا تعطيــل النظــر يف‬
‫آيــات اجلمــال‪ ،‬إال تعطيــل للدليــل علــى وجــود الصانــع املبــدع هلــذه اآليــات‪.‬‬
‫وصــدق رســول اهلل ‪ ‬عندمــا قــال‪« :‬إن اهلل حيــب أن يــرى أثــر نعمتــه علــى عبــده»‬
‫رواه الرتمــذي(‪.)2‬‬
‫إ َّن فلســفة اجلمــال قدمي ـاً ارتبطــت بنظريّــات الكــون واإلهليّــات‪ ،‬إال أ ّنهــا اقرتبــت مــن‬
‫نظريــات املعرفــة واألخــاق عــر التاريــخ‪ ،‬إن فلســفة الفــن واجلمــال نشــأت بنشــوء‬
‫الفلســفة مــع فالســفتها القدمــاء مــن اليونــان‪ ،‬وهــي التنفصــل عنها؛ إذ تســتم ّدُ أُصوهلا‬
‫مــن املذاهــب الفلســفية‪ ،‬ويُعتــر علــم اجلمــال هــو عل ـمٌ حديــث النشــأة‪ ،‬إذ انبثــق بعــد‬
‫ـفي‪ ،‬أي إ ّنــه يُعـدّ علمـاً قدميـاً حديثـاً‪ ،‬فلــم يكــن‬
‫ـي الفلسـ ِّ‬
‫تاريــخ طويــل مــن الفكــر التأملـ ِّ‬
‫اليونانيــون يعرفونــه لذاتــه‪ ،‬لك ّنَهــم اهتمّــوا بــه مــن حيــث أ ّنــه ٌ‬
‫دال علــى اخلــر واحلقيقة‪.‬‬
‫وكلمــة اجلمــال أصلهــا يونانــي‪ ،‬ويُقصــد هبــا العلــم املتعلِّــق باإلحســاس أو علــم التعـرّف‬
‫(‪ )1‬أثر اجلمالية اإلسالمية يف الفن احلديث – الدكتور عفيف هبنسي – دار الكتاب العربي‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرجــع ســبق ذكــره‪ ،‬املنتــدى العاملــي للوســطية ‪ -‬د‪.‬حممــد عمــارة ‪ -‬جريــدة الدســتور‪ - 2012/03/31 :‬مفهــوم‬
‫اجلمــال يف اإلســام‪.‬‬

‫‪172‬‬
‫علــى األشــياء مــن خــال احلــواس‪ ،‬ويعــرف باســم (اإلســتاطيقا ) وكذلــك باســم فلســفة‬
‫الفــن‪ ،‬وقــد عَـ ّرَف هربــرت ريــد اجلمــال بأنــه وحــدة العالقــات الشــكل ّيَة بــن األشــياء‬
‫الــي تدركهــا حواســنا‪ ،‬ومــن التعريفــات اجلميلــة حــول اجلمــال ما قاله هيجــل عنه بأنه‬
‫اجلنّــي األنيــس الــذي نصادفــه يف كل مــكان‪ ،‬وقدميـاً كان اجلمــال أحــد فروع الفلســفة‪،‬‬
‫إىل أن جــاء الفيلســوف بوجمارتــن‪ ،‬وفـرّق بــن علــم اجلمــال وباقــي املعــارف(‪ ،)1‬وإن رأي‬
‫الفالســفة القدامــى واملســلمني يف اجلمـــــال‪ ،‬باخلطــوط العريضــة يف فهــم الفالســفة‬
‫للجمــال ومنهــم‪:‬‬
‫أفالطـــون ‪ -‬اجلمــال مــن مكونــات الشــيء اجلميــل‪ ،‬أي أن لــه قيمــة ذاتيــة يف نفســه‪،‬‬
‫ويــرى أن (اجلمــال شــيء إهلــي يــرادف اخلــر‪ ،‬وأنــه معنــى مطلــق جمــرد غــر قابــل‬
‫للتغيــر‪ ،‬وقــرر أن روح اإلنســان متتعــت باجلمــال األزيل يف احليــاة األوىل‪ ،‬قبــل أن‬
‫حتــل باألجســام يف هــذا العــامل‪ ،‬ومــن أجــل هــذا إذا رأى شــي ًئا فيــه نفخــة مــن اجلمــال‪،‬‬
‫أخذتــه الروعــة لتذكرمــا كان فيــه‪ ،‬ومــن رأي أفالطــون أن اجلمــال معنــى يف الشــيء‬
‫مســتقل عــن حواســنا)(‪ ،)2‬ونظريّــة اجلمــال عندأفالطــون ميكــن اختصــار اجلمــال لــدى‬
‫ـي‪ ،‬ذلــك ألنّ موضــوع احلــب هــو اجلمــال بالــذات‪،‬‬
‫ـب اإلهلـ ِّ‬ ‫أفالطــون‪ ،‬بأنــه ربطـهُ با ُ‬
‫حلـ ِّ‬
‫ويــرى أنّ الفنــون تأخذمجاهلــا مــن حماكاهتــا للطبيعــة‪ ،‬وإن كانــت هــذه احملــاكاة ناقصـ ًة‬
‫باعتبارهــا حماول ـ ُة وصــول ٍإىل العــامل املثــا ِّ‬
‫يل(‪.)3‬‬
‫سقـــراط‪ :‬يقــول الدكتــور أمحــد أمــن يف كتابــه مبــادئ الفلســفة‪( :‬وقــد غلبــت علــى‬
‫ســقراط اآلراء األخالقيــة‪ ،‬فع ـدّ اجلميــل مرادف ـاً للنافــع)(‪ ،)4‬ونظريّــة اجلمــال عنــده‬
‫–إنّ ســقراط ال يأبــه باجلمــال احلسّــي بقــدر اهتمامــه جبمــال النّفــس واألخــاق؛‬
‫فاجلمــال لديــه هــو مايُح ّقــق النفــع والفائــدة األخالق ِّيــة وخيــدم احليــاة اإلنســانيّة‪ ،‬وهو‬
‫يعتــر أمــر ارتبــاط اجلمــال باللَّــذة احلســية كمــا يف نظريــة جورجيــاس احنــا ًال خُلقيـاً‬

‫(‪ )1‬مفهوم اجلمال عند الفالسفة ‪ -‬بواسطة‪ :‬إسراء عيسى– موقع موضوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬تنقيـــح األقـوال – يف فهم فلسفـــة اجلمــال ‪ -‬إعـــــــداد األخ ‪/‬حممد علــي عوض‪.‬‬
‫(‪ )3‬مفهوم اجلمال عند الفالسفة – إسراء عيسى‪.‬‬
‫(‪ )4‬حتــت عنــوان فلســفة اجلمــال مــن كتــاب الفكــر الفلســفي اإلســامي للدكتــور ســليمان دينــا‪ ،‬ص ‪ ،258‬ويدخــل‬
‫تعريــف أفالطــون ضمــن إطــار هــذا املرجــع‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫وتدهــوراً فني ـاً؛ فا ُ‬
‫حلكــم علــى اجلمــال مرجعــه الــذات العاقلــة والضمــر الباطــن(‪.)1‬‬
‫أرسطـــو‪( :‬يعتقــد أن اجلمــال هــو االنســجام احلاصــل مــن خــال وحــدة جتمــع يف‬
‫داخلهــا التنــوع واالختــاف يف كل منســجم)‪.‬‬
‫أفالطــون‪( :‬اجلمــال هــو تلــك احليــاة الــي وهبهــا اهلل خملوقاتــه ونفــخ فيهــا مــن روحــه‪،‬‬
‫ومــن ثــم فالشــيء اجلميــل هــو الــذي يشــع باحليــاة)‪.‬‬
‫الكنـــدي‪( :‬مرجــع اإلحســاس اجلمــال هــو التأثــر النفســي بالشــيء اجلميــل‪ ،‬ســواء كان‬
‫لو ًنــا أو رائحــة أو حلنـاً‪ ،‬فهنــاك قاســم مشــرك بــن اللــون واللحــن‪ ،‬أمــا الرائحــة فهــي‬
‫املوســيقى الصامتــة)‪.‬‬
‫الفارابـــي‪( :‬جيعــل املوســيقى مصــدر ســعادة وســرور اإلنســان‪ ،‬وهــي الــي جتعــل املــرء‬
‫حيافــظ علــى التــوازن العقلــي باســتمرار‪ ،‬ويتحــدث عــن الشــعر وفــن الرســم كقوالــب‬
‫مجاليــة‪ ،‬فيقــول‪ :‬وإن كانــا اختلفــا يف مادهتمــا إال أن تأثريمهــا واحــد على مشــاعر الناس)‪.‬‬
‫التوحيـــدي‪( :‬اجلمــال عنــده كان يف االســتيحاء مــن الطبيعــة الــي يعتربهــا املعلــم األول‬
‫لإلنسان)‪.‬‬
‫موندريـــان‪( :‬الــذي يســتطيع أن خياطــب عقــول اجلميــع بأنــه خــر حمــض هــو مــا‬
‫نســتطيع أن نصفــه باإلبــداع الصــرف البعيــد عــن التكلــف‪ ،‬باعتبــار أن العالقــات‬
‫احملضــة هــي وحدهــا القــادرة علــى الوصــول إىل اجلمــال احملــض)‪.‬‬
‫وعنــد الصوفيـــة‪( :‬مجــال العــامل مــا هــو إال انعكاســات للجمــال اإلهلــي‪ ،‬الــذي جيعــل‬
‫الصــويف يؤثــر التقشــف والنســك والعبــادة وتنقيــة الــروح علــى الشــهوات الدنيويــة)‪.‬‬
‫أبــو حامـــد الغــزايل‪( :‬اجلمــال نوعــان‪ :‬اجلمــال الظاهــر وهــو مــن شــأن احلــواس‪،‬‬
‫واجلمــال الباطــن وهــو مــن شــأن البصــرة الــي مــن حرمهــا فقــد حــرم التلــذذ باجلمــال‬
‫احلقيقــي)(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬مفهوم اجلمال عند الفالسفة – إسراء عيسى‪.‬سبق‪ -‬ذكره‪.‬‬


‫(‪ )2‬مجيــع التعريفــات الســابقة (مــن أرســطو إىل الغــزايل) مــن مقــال‪ :‬مفهــوم اجلمــال يف الفكــر اإلســامي ملاجــد‬
‫حممــد حســن عــن موقــع ‪http://www.rezgar.com‬‬

‫‪174‬‬
‫الفيلســوف الفرنســي ديــدرو‪( :‬اجلمــال الوحيــد الــذي ميكننــا االســتمتاع بــه والتفاعــل‬
‫معــه كوجــود هــو اجلمــال الــذي ينبــض فينــا ألنــه وحــده حيررنــا مــن مجــال وقبــح‬
‫األشــياء اخلارجيــة‪ ،‬وكلمــا كانــت الــذات مصقولــة بقيــم إنســانية نبيلــة‪ ،‬كلمــا ازداد‬
‫اإلحســاس بالقيــم اجلماليــة الســامية)(‪.)1‬‬
‫كنـــت‪( :‬اجلمــال هــو اللــذة املباشــرة اخلالصــة الــي يشــعر هبــا اإلنســان يف إدراكــه لصور‬
‫األشــياء والنســب الــي بينها)(‪.)2‬‬
‫كولـــن‪ :‬اجلمــال اخلالــد هــو اجلمــال املعنــوي الداخلــي‪ .‬لــذا فنــراه يقــول حتــت عنــوان‬
‫(احملبــة مــن زاويــة احلكمــة)‪( :‬تعــي احملبــة امليــل حنــو كل مجال مــادي أو معنوي‪ ،‬حمبة‬
‫األشــياء املاديــة جســمية وبدنيــة‪ ،‬وحمبــة األمــور املعنويــة تكــون روحيــة ووجدانيــة‪ ،‬لــذا‬
‫حمضــا ألنــه ليــس خالــداً‪ ،‬أمــا حمبــة األمــور املعنويــة‬
‫ً‬ ‫فمحبــة اجلمــال الظاهــر تولــد أملًــا‬
‫فخالــدة وخاليــة مــن األمل)‪.‬‬
‫ونســتطيع أن نتفهــم اجلمالــن‪ ،‬ولكــن ال نســتطيع أن نعــر عــن كليهمــا بالتماثيــل‬
‫والتصاويــر‪ ،‬إذ إنــه باملنطــق ال ميكــن أن يكــون خاضعــاً ألدوات النحاتــن متثيــاً‪،‬‬
‫وألقــام وريشــات الرســامني توضيحـاً وتفصيـاً‪ ،‬إال مــا اســتطاع اإلدراك احلســي أن‬
‫يصــل إليــه‪ ،‬فالتفاحــة يف كل العــامل وعنــد كل الرســامني واحــدة‪ ،‬تتخــذ نفــس الشــكل‬
‫املعــروف والوضــع املألــوف‪،‬إن اجلمــال يعــي القــدرة علــى تــذوق حــاوة األشــياء‪،‬‬
‫وطــاوة األجــرام‪ ،‬وعذوبــة األجســام‪ ،‬برهافــة احلــس وصــدق املنظــر ودقــة التمييــز‪،‬‬
‫حتــى لــكأن صاحــب الرؤيــة الصائبــة يشــعر بتأثــر اجلميــل ينســاب معبقــاً حلقــه‪،‬‬
‫ميســمناً لســانه‪ ،‬معطــراً منخريــه‪ ،‬مطربـاً أذنيــه‪ ،‬مشــجياً شَــعراً يكســو جلــده‪ ،‬وممتعـاً‬
‫دمــاءً تســر يف عروقــه‪ ،‬ومهدئـاً روعـاً يكتنــف الوجــدان‪ ،‬ومطمئنـاً حالــة مضطربــة مــن‬
‫احملتمــل وقوعهــا يف زمــان مــا وأي آن(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬من مقال بعنوان‪ :‬اإلحساس باجلمال ألمينة برميكو عن موقع ‪.www.ahali-iraq.com‬‬
‫(‪ )2‬حتت عنوان فلسفة اجلمال من كتاب الفكر الفلسفي اإلسالمي للدكتور سليمان دينا ص ‪.258‬‬
‫(‪ )3‬تنقيـــح األقـوال – يف فهم فلسفـــة اجلمــال ‪ -‬إعـــــــداد األخ‪/‬حممد علــي عوض‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫مفهوم اجلمال والعمارة‪:‬‬

‫لقــد تعرفنــا علــى أن العمــارة هــي فــن البنــاء و (حســب تعريــف القامــوس)‪ ،‬وبذلــك‬
‫فهــي مــن الناحيــة التحليليــة تعتــر فن ـاً وعلم ـاً‪ ،‬ولكــن بالنظــرة التكامليــة تعتــر فن ـاً‪،‬‬
‫ومــا العلــوم اهلندســية والتقنيــة ســوى أهنــا مــن وســائل التنفيــذ‪ ،‬إنّ العمــارة هــي الــي‬
‫تــأوي اإلنســان ونشــاطه يف اجملــاالت الروحيــة واملاديــة كافــة علــى املســتويات الفرديــة‬
‫واجلماعيــة‪ ،‬مــن وقــت أن يولــد إىل أن ميــوت فهــي تشــمل مجيــع املبانــي الدينيــة‬
‫والدنيويــة‪ ،‬احلضريــة والريفيــة‪ ،‬الســكنية والعامــة‪ ،‬الثقافيــة والتجاريــة إخل(‪...)1‬‬

‫فمفهــوم اجلمــال جبوانبــه وتراكيبــه ومبفرداتــه‪ ،‬حبــر كبري وعميق غــاص فيه الكثري من‬
‫الفالســفة واملفكريــن والعلمــاء فحاولــوا تفســره وحتديــده بعالمــات وضوابــط معينــة‪،‬‬
‫بالرغــم مــن صعوبــة األمــر‪ ،‬نظــراً التســاع وقــوة هــذا املفهــوم كمــا حــاول الكثــرون‬
‫أيض ـاً يف إجيــاد عالقــة تربــط بــن مفهــوم اجلمــال وعــامل العمــارة‪ ،‬فمنهــم مــن رأى‬
‫بــأن هــذا اجلمــال هــو جــزءاً ال يتجــزأ مــن الشــيء‪ ،‬ومنهــم مــن رأى النقيــض يف كــون أن‬
‫تعبــر اجلمــال يكمــن يف ذهــن املتلقــي فقــط‪ ،‬حبيــث يكــون مــدى تأثــره يف رؤيــة مجــال‬
‫األشــياء‪ ،‬وليــس يف كيفيــة جتســد اجلمــال يف األشــياء علــى حنــو مــادي وملحــوظ‪،‬‬
‫وإمنــا يتجســد يف الفكــر‪ ،‬وهــي النظريــة الــي اتضــح فيمــا بعــد ضعفهــا بســبب أن‬
‫اجلمــال إذا وجــد فإنــه ســيكون ملحوظ ـاً‪ ،‬حيــث أمجــع الكثــرون علــى أن األشــياء يف‬
‫أغلــب األحيــان ال يظهــر مجاهلــا إال بعــد تدخــل البشــر‪ ،‬الــذي بــدوره حيورهــا ويبلورهــا‬
‫ألشــياء حتاكــي ذلــك احلــس الــذي يستشــعر ويتلقــى اجلمــال‪ ،‬أي أنــه البــد مــن مجــال‬
‫حمســوس وملمــوس (تقريبـاً) حتــى يتلقــاه فكــر اإلنســان ويثــر فيــه الشــعور باجلمــال‪،‬‬
‫وبالتــايل فإنــه يف العمــارة عنــد تواجــد أي مبنــى أو شــكل‪ ،‬فــا بــد أن تكــون فيــه نقــاط‬
‫معينــة أو أن حيتــوي علــى شــيء جيعلــه يف ذروة اإلتقــان والقــوة يف التعبــر‪ ،‬ممــا يدعونــا‬
‫اإلعجــاب هبــذه النقــاط‪ ،‬أو فلنقــل املعايــر الــي جيــب أن يتوافــر عليهــا املبنــى أو الشــكل‬
‫وظلــت إىل فــرة طويلــة خاضعــة ملفهــوم (فيرتوفيــوس) الــذي كان أول مــن رأى بأمهيــة‬
‫(‪ )1‬مفاهيم اجلمال يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬كتب‪ :‬عادل عبد املنعم الدمرداش‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫الوظيفــة واجلمــال واملتانــة كعناصــر أساســية يف العمــارة‪ ،‬وكان يعتقــد بــأن مجــال‬
‫األشــياء هــو نتــاج لتوافــق أجــزاء الشــيء تبعـاً لعالقــات معينــة بــن أجــزاءَه ومدروســة‬
‫بنســب معينــة‪( ،‬كالنســبة والتناســب يف جســم اإلنســان)‪ ،‬حبيــث كلهــا مرتبــط ببعــض‪،‬‬
‫فــإذا نــزع شــيء منهــا أدى إىل تشــوهها‪ ،‬وهــذا الفكــر اســتمر يف تأييــده الكثــر مــن‬
‫املفكريــن لفــرة طويلــة‪ ،‬وقــد ارتكــز علــى خلفيــة أن اجلمــال وصــف خارجــي‪ ،‬يف حــن‬
‫أنــه ينبغــي حتــى يتــم الربــط بــن اجلمــال والعمــارة‪ ،‬وحتــى يكــون اجلمــال وصفـاً هلــا‬
‫وناجت ـاً عنهــا وجــزءاً ال يتجــزأ منهــا‪ ،‬وأن نتخلــى عــن تلــك النظــرة الــي مــن خالهلــا‬
‫يتــم النظــر للجمــال كوســيلة وصــف وتعبــر جمــرد‪ ،‬إن نشــوء هــذا الفكــر الــذي اجتــاح‬
‫عــامل العمــارة وبقــوة (االرتبــاط الوثيــق بــن الوظيفــة والعمــارة) ويعتقــد أنــه ظهــر‬
‫ا يف تلــك املقولــة‬
‫يف عصــر احلداثــة بدايــة القــرن (العشــرين) عنــد الغــرب‪ ،‬متمثــ ً‬
‫الشــهرية (الشــكل يتبــع الوظيفــة)‪ ،‬أي أن اجلمــال يأتــي نتيجــة مكملــة لوظيفــة املبنــى‪،‬‬
‫فالوظيفــة البــد أن تتحقــق أوالً حتــى يتحقــق مجاهلــا‪ ،‬فــإذا مل تتحقــق الوظيفــة بدايـ ًة‬
‫فبالتــايل تعتــر تقنيـاً ومعماريـاً غــر مســتوفية لشــروط اجلمــال‪ ،‬لكوهنــا غــر مالئمــة‬
‫وظيفيــاً‪ ،‬أي أنــه يــؤدي املبنــى وظيفتــه بطريقــة منطقيــة وتلقائيــة‪ ،‬حبيــث ينســجم‬
‫الشــكل مــع تفاصيلــه اإلنشــائية واملعماريــة‪ ،‬فكلمــا زاد االنســجام بــن هــذه التفاصيــل‬
‫وفكــرة املبنــى‪ ،‬كلمــا حتقــق مفهــوم اجلمــال‪ ،‬وبالتــايل يكــون القصــد هــو‪ ،‬أنــه إذا جنــح‬
‫املبنــى يف حتقيــق الربنامــج الوظيفــي الــذي أقيــم مــن أجلــه‪ ،‬يكــون جنــح أيضــاً يف‬
‫تكويــن شــكله ومظهــره اخلارجــي املقبــول بطريقــة تلقائيــة‪ ،‬وهكــذا فسّــر الكثــرون أن‬
‫الوظيفــة واجلمــال‪ ،‬مهــا عالقــة طرديــه كلمــا أتقنــت الوظيفــة تبعهــا اجلمــال‪ ،‬حتــى‬
‫أنــه كان للبعــض أراء تشــجع االهتمــام بالوظيفــة‪ ،‬حيــث قــال البعــض‪( :‬أن كل شــيء ذو‬
‫فائــدة هــو رائــع ومجيــل‪ ،‬فاألشــياء الــي تســبب ضــرراً لإلنســان قبيحــة‪ ،‬رغــم تناســب‬
‫أجزائهــا يف مجــال الصنــع)‪ ،‬هــذا مــا عــر عنــه رأي (ســقراط) يف اجلمــال‪ ،‬فــا عجــب‬
‫مــن مبنــى كائــن مــا يكــون بيــت أو مدرســة أو متحــف‪ ،‬أو أي منشــأ أو مبنــى‪ ،‬جتــد‬
‫ظاهــره يضاهــي مجــال تــاج حمــل‪ ،‬وفخامــة متحــف اللوفــر‪ ،‬ورونــق قصــر احلمــراء‪،‬‬

‫‪177‬‬
‫فــإذا مل تتوفــر فيــه الوظيفــة املالئمــة لســكانه وزواره وعامليــه‪ ،‬فســيكون يف نظرهــم‬
‫ا كفايــة‪ ،‬ألنــه ال يتمتــع باملرونــة الكافيــة‪ ،‬وجنــد أيضـاً نقــداً ألحــد أســاتذة‬
‫ليــس مجيـ ً‬
‫العمــارة يف جامعــة هارفــارد (أن األهرامــات هــي قبيحــة‪ ،‬ألهنــا بنيــت علــى أكتــاف‬
‫وأكــف اآلالف املســتعبدين مــن البشــر)‪ ،‬أي أن وظيفتهــا ال تالئــم هيئتهــا ومجاهلــا‪،‬‬
‫وال تســتحق كل هــذا العنــاء‪ ،‬بالرغــم مــن أنــه يف ذلــك الوقــت قــد كانــت الفخامــة يف‬
‫الشــكل‪ ،‬والعزلــة فيــه مطلوبــة ملثــل هــذا النــوع مــن املبانــي(‪ ،)1‬حيــث اقتضــت العــادة‬
‫أن تكــون املبانــي اجلنائزيــة علــى هــذا النحــو نظــراً العتقادهــم بوجــود حيــاة أخــرى‬
‫ســيبعثون فيهــا‪ ،‬ويعــود فيهــا ملكهــم معهــم‪ ،‬وبالتــايل فقــد أصبــح اجلمــال يف العمــارة‬
‫اعتمــاده األكــر ليــس بكثــرة الزخــارف الزائــدة بــل يف البســاطة املطلقــة يف التكويــن‪،‬‬
‫ورشــاقة النســب‪ ،‬وصراحــة التعبــر‪ ،‬واملنفعــة التامــة النابعــة مــن إنشــاء مبنــى يف صــورة‬
‫حقيقــة‪ ،‬للغــرض الــذي أنشــأ مــن أجلــه‪ ،‬ومــن ثــم يكــون التكويــن متكامــل ومتناغــم فيــه‬
‫كل اخلصائــص اجلماليــة والوظيفيــة‪ ،‬وبالتــايل نســتطيع أن نقــرب مــن حتقيــق التــوازن‬
‫املعمــاري املتمثــل يف الوظيفــة واجلمــال واملتانــة واالقتصــاد(‪.)2‬‬

‫فقــد يذهــب بعــض النــاس إىل أنّ الشــعور باجلمــال يعتــر أمــراً نســبياً‪ ،‬خيتلــف احلكــم‬
‫فيــه بــن شــخص وآخــر‪ ،‬ولكــن اجلمــال كالصحــة يتطلــب اســتيفاء شــروط خاصــة‬
‫خاضعــة لقوانــن طبيعيــة‪.‬‬

‫إنّ اجلمــال املعمــاري يف املبنــى أو جمموعــة املبانــي الــي يتكــون منهــا الشــارع واحلــي‬
‫واملدينــة إمنــا هــي صفــة بصريــة تنتــج مــن التأثــر بالشــكل يف الشــعور بالتوافــق بينــه‬
‫وبــن القــوى العاملــة علــى تكوينــه(‪ ،)3‬وإن فــن البنــاء والتعمــر قديــم قــدم اإلنســان‪،‬‬
‫وهــو يف أصلــه تلبيــة حلاجــة أساســية مــن حاجاتــه‪ ،‬لكنــه يف الوقــت ذاتــه تنــاج فــي‪،‬‬
‫ككل مــا يصنعــه اإلنســان وينتجــه‪ ،‬ذلــك أن اإلنســان يعــر يف كل مــا يصنعــه عــن ذوقــه‬
‫وفكــره وروحــه‪ ،‬وكمــا خضــع اإلنســان لســنة النشــوء واالرتقــاء يف أفــكاره ومفاهيمــه‬
‫(‪ )1‬مفهوم اجلمال والعمارة ‪ -‬بقلم زهور الشرميي‪ /‬ليبيا‬
‫(‪ )2‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )3‬مفاهيم اجلمال يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬كتب – عادل عبد املنعم الدمرداش‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫وأذواقــه‪ ،‬متأثــراً بالبيئــة الطبيعيــة احمليطــة بــه‪ ،‬وبالشــعور الديــي والتقاليــد والوســط‬
‫االجتماعــي‪ ،‬فكذلــك تطــور نتاجــه الفــي‪ ،‬واختلفــت مظاهــر هــذا النتــاج وخصائصــه‪،‬‬
‫باختــاف الزمــان واملــكان‪ ،‬ولكــن بالرغــم مــن هــذا االختــاف‪ ،‬فــإن أوجــه الشــبه تظــل‬
‫كبــرة بــن فــن وآخــر‪ ،‬يف عصــر مــن العصــور‪ ،‬ذلــك ألن املبتكــرات الفنيــة تتســرب‬
‫بســهولة ويســر عــر احلــدود الفاصلــة بــن البلــدان والشــعوب‪ ،‬بســبب تنقــل األفــراد‪،‬‬
‫أو بســبب الفتوحــات‪ ،‬أو نتيجــة االحتــكاك الدائــم‪ ،‬وتبــادل املعرفــة واخلــرات‪ ،‬ولقــد‬
‫خضعــت احلضــارات الكــرى لظاهرتي التقليد واالقتباس‪ ،‬دون أن تنمحي شــخصيتها‪،‬‬
‫وتفقــد مقومــات أصالتهــا‪ ،‬وكانــت ظواهــر التقليــد واالقتبــاس‪ ،‬ومنــاذج الثقافات تشــتد‬
‫وتقــوى‪ ،‬كلمــا تقــدم الزمــن‪ ،‬بســبب زيــادة الصــات بــن األمــم وانكمــاش احلواجــز‬
‫القائمــة فيمــا بينهــا‪ ،‬حتــى أوشــك أن تقــوم يف عصرنــا احلديــث وحــدة فنيــة‪ ،‬أو‬
‫فــن عاملــي يطبــع نتــاج األمــم بطابعــه العــام‪ ،‬ونلمــس ذلــك بشــكل خــاص يف الفنــون‬
‫املعماريــة ومنــذ أن ظهــر اإلنســان علــى األرض‪ ،‬وبــدأ يتفاعــل معهــا مــن أجــل تأمــن‬
‫بقائــه‪ ،‬وكان املــأوى واملســكن مــن القضايــا األساســية الــي شــغلت تفكــره‪ ،‬وأخــذت‬
‫الكثــر مــن وقتــه وجهــده‪.‬‬

‫وكان مــن الطبيعــي يف البــدء‪ ،‬أن ينصــرف اهتمــام اإلنســان إىل اســتخدام الكهــوف الــي‬
‫أوجدهتــا الطبيعــة‪ ،‬ثــم يعمــد إىل إدخــال حتســينات عليهــا أو ينحتهــا بنفســه‪ ،‬ويزيــن‬
‫جدراهنــا مبــا أوحــت إليــه البيئــة الــي مــن حولــه مــن مشــاهد وصــور‪ ،‬وبــدأ بذلــك أول‬
‫تعبــر فــي يف إنتــاج اإلنســان املعمــاري ثــم تطــور اإلنســان القديــم قليـاً‪ ،‬فأقــام األكواخ‪،‬‬
‫مســتخدماً يف بنائهــا مــواد ســهلة كأغصــان الشــجر والطــن والقــش‪ ،‬ومــرت آالف‬
‫الســنني علــى اإلنســان البدائــي وهــو ال يتجــاوز هــذه الوســائل‪ ،‬ويتقــدم الزمــن فرتتقــي‬
‫أعمــال البنــاء ويســتخدم اإلنســان الغضــار النبــات جمففــة بأشــعة الشــمس‪ ،‬واحلجــر‬
‫الغشــيم يف إقامــة املبانــي‪ ،‬ويفيــد مــن جــذوع الشــجر لتجهيــز الســقوف أو محلهــا‪.‬‬

‫وجتمعــت لــدى إنســان الشــرق القديــم يف ســورية وبــاد الرافديــن ومصــر‪ ،‬منــذ فجــر‬
‫التاريــخ‪ ،‬خــرات فنيــة ومبــادئ معماريــة مهــدت لنشــوء املــدن وظهــور احلضــارات‬

‫‪179‬‬
‫الكــرى‪ ،‬وغــدا اإلنشــاء والتعمــر لــدى األمــم مــن أهــم مظاهــر احليويــة والرقــي‪،‬‬
‫والطابــع املميــز حلضارهتــا‪ ،‬وتتفــاوت منشــآت األمــم و أعماهلــا العمرانيــة حبســب مــا‬
‫حصلــت عليــه مــن مبتكــرات وتقنيــة‪ ،‬وماهلــا مــن ذوق وثقافــة‪ ،‬وكذلــك تســهم مــواد‬
‫البنــاء املتوفــرة لــدى كل منهــا يف إعطــاء الشــخصية املميــزة لعمائــر األمــم‪ ،‬فبعــض‬
‫البلــدان يعتمــد يف البنــاء علــى اللــن أو اآلجر‪،‬وبعضهــا يعتمــد علــى احلجــر املنحــوت‪،‬‬
‫ومنهــا مــن يفتقــد اخلشــب بكثــرة فيعتمــد عليــه حتــى يف إقامــة اجلــدران والســقوف‪،‬‬
‫ويســهم اإلقليــم كذلــك يف تكويــن املظهــر العــام والســمات التفصيليــة للعمائــر وأســاليب‬
‫البنــاء‪ ،‬ونــرى طبيعي ـاً املبانــي املشــيدة باحلجــر أكثــر بقــاءً علــى مــر العصــور‪ ،‬وأكثــر‬
‫مقاومــة مــن مبانــي اخلشــب واللــن(‪.)1‬‬
‫مفهوم قياس اجلمال‪:‬‬

‫يعتقــد موضــوع قيــاس اجلمــال أن اجلمــال نفســه هــو عنصــر متغــر كمــا أنــه ذاتــي‬
‫ويتغــر حســب شــخصية املتلقــي والزمــان واملــكان‪ ،‬ويعتمــد اجلمــال املعمــاري علــى‬
‫عناصــر تشــمل املضمــون والشــكل املعمــاري‪ ،‬ويشــمل املضمــون واخلصائــص الرمزيــة‬
‫والوظيفيــة للمشــروع‪.‬‬

‫أمــا الشــكل فيتألــف مــن أوليــات شــكلية «‪ »Primitives‬كاهلــرم أو الكــرة‪ ،‬ميكــن جتمــع‬
‫هــذه األشــكال لتكويــن شــكل أعقــد‪ ،‬كمــا يتأثــر الشــكل بعامــل اإلدراك البصــري‬
‫للمتلقــي‪ ،‬وخــواص املــواد الــي يتألــف منهــا عناصــر القيــاس اجلمــايل يف العمــارة»‪،‬‬
‫ويقــوم البحــث بتحليــل وعــرض املعلومــات والنتائــج الــي مت التوصــل إليهــا حتــى‬
‫اآلن وتطويرهــا حبيــث تؤلــف صــورة عامــة تكــون أقــرب مــا ميكــن للشــمولية‪ ،‬وجنــد‬
‫املفاهيــم العامة–إضافــة إىل العناصــر املعماريــة الــي هلــا عالقــة مباشــرة مــع احلكــم‬
‫اجلمــايل‪ ،‬فــإن هنــاك دول حتيــط مبوضــوع احلكــم اجلمــايل ال عالقــة هلــا باملعمــاري‬
‫وهــي‪ :‬حتديــد مفهــوم اجلمــال حبــد ذاتــه‪ -‬اإلدراك البصــري(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬من كتاب يف الدولة األموية – املسجد يف سوريا – د‪.‬حسان فائز السراج‪.‬‬
‫(‪ )2‬القيــاس اجلمــايل يف العمــارة‪ -‬د ســهر جنيــب خروفــة‪ -‬اســتاذ مشــارك ‪ -‬اجلامعــة التكنولوجيــة‪ ،‬القســم‬
‫املعمــاري‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫وتشــكل العمــارة ذاكــرة الثقافــة وحممولــه االتارخيــي مــن موهبــة البنــاء وإبــداع اجلمــال‬
‫وتشــكيالته املتنوعــة الــي تعــر عــن اكتشــاف اإلنســان عموم ـاً واملعمــاري خصوص ـاً‬
‫ملصــادره وجتســيدها يف أكثــر خصوصيــات حياتــه‪ ،‬الســكن وحبثــه عــن الســكينة‬
‫واهلــدوء والتأمــل والراحــة عــن الذاتــي واخلصوصــي يف تكوينــه‪ ،‬ويف حبثــه عــن هــذه‬
‫الــذات وتأملهــا يف اخللــوة اآلمنــة‪.‬‬

‫وهــي أيض ـاً كاشــفة عــن الســلوك اإلنســاني وحتــرره الداخلــي واخلارجــي مع ـاً داخــل‬
‫احليــز آمنـاً غــر خائــف‪ ،‬مــن هنــا املنــزل وختطيطــه وبنــاءه وتنظيمــه هو فضــاء للحرية‬
‫الشــخصية وممارســاهتا‪ ،‬فهــو املدرســة األوىل لتعلمهــا‪ ،‬ومــن ثــم هــو افتتاحيــة تكويــن‬
‫الفــرد والنزعــة الفرديــة‪ ،‬فالتخطيــط العمرانــي‪ ،‬والعمــارة ليســت فقــط حمــض احلجــر‬
‫والطــوب واإلمسنــت وال الرخــام‪ ،‬وال شــكل األبنيــة واألنســجة املعماريــة يف فضــاء‬
‫املدينــة علــى أمهيــة اجلوانــب اهلندســية والفنيــة‪ ،‬ومــدى دقــة التنفيــذ واألداء‪،‬وإمنــا‬
‫هــي أحــد الفنــون اجلامعــة‪ ،‬أو فلنقــل فــن الفنــون‪..‬‬

‫وألن فيهــا موســيقى احلجــر‪ ،‬وإيقاعــات النــور والظــل ومــا بينهمــا‪ ،‬وتنطــوي علــى‬
‫التشــكيلي والبصــري‪ ،‬هــي وجــه املدينــة ووعائهــا الثقــايف واإلبداعــي‪ ،‬وهــي الــي‬
‫حتــرض علــى اجلمــال‪ ،‬واألناقــة املعماريــة هــي املؤطـرّة ألناقــة الــزي ورهافــة الســلوك‬
‫واحلــس اإلنســاني واجلمــايل يف تفصيــات احليــاة اليوميــة(‪.)1‬‬

‫ويعتــر الــراث الثقــايف واحلضــاري اإلســامي ســجّالً إلبــداع األمــة‪ ،‬ورمــزاً مــن‬
‫رمــوز عبقريتهــا‪ ،‬وذاكــرةً حافظ ـ ًة لقيمهــا‪ ،‬ومقوّم ـاً مــن مقوّمــات هُويتهــا احلضاريــة‬
‫وخصوصيتهــا الــي تتفــرّد هبــا بــن الثقافــات واحلضــارات‪ ،‬ويُعــدّ الــراثُ املعمــار ّيُ‬
‫عالمــة مضيئــة ومثــرة مشــعة هلــذا اإلبــداع الــذي أســهمت بــه احلضــارة اإلســامية‬
‫يف إغنــاء احلضــارات اإلنســانية وإثرائهــا‪ ،‬مبــا محلتــه مــن مظاهــر مجاليــة وفنيــة‪،‬‬
‫واحتضنتــه مــن رمــوز ظلــت بــه عنوانــاً دا ًال علــى تطــوّر هــذه احلضــارة وتقــدم‬
‫بُناهتــا وصُ ّنَاعهــا وعلمائهــا عَبْــرَ العصــور املختلفــة‪ ،‬مت ّثلــت يف املآثــر الــي ظلــت‬
‫(‪ )1‬عمارة احلرية واجلمال و عمارة القبح– البيان – نبيل عبد الفتاح‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫شــاخم ًة يف خمتلــف بقــاع العــامل تشــهد علــى نبــوغ مهندســيها‪ ،‬وخلــود فنهــا وعراقــة‬
‫رموزها‪،‬واعتمــاداً علــى هــذه النظريــة الثابتــة‪ ،‬ونســتطيع أن نســر يف طريــق صاعــدة‬
‫لبنــاء مفهــوم اجلماليــة املعماريــة اإلســامية حبســب قوانــن علــم اجلمــال احلديــث‪،‬‬
‫ونســتطيع أيضــاً أن نوضــح دورالفنــون اإلســامية يف التعبريعــن قيــم املســلمني‬
‫وتارخيهــم وحضارهتــم‪ ،‬ومــا أحوجنــا يف عصــر احلــوار احلضــاري اليــوم‪ ،‬إىل وســائل‬
‫راســخة للتعريــف بقيــم املســلمني وحبضارهتــم‪ ،‬وخباصــة إذا كانــت هــذه الوســائل فنيــة‬
‫ذات لغــة عامليــة مقــروءة ومعــرف هبــا‪ ،‬وال ختلــق حاجــزاً عنصريـاً أو مذهبيـاً يــؤول إىل‬
‫صــراع وتفكيــك إنســاني‪ ،‬ومــا أحوجنــا يف عصــر العوملــة إىل صــورة معماريــة أو فنيــة‬
‫يتجلــى فيهــا جــا ُل اهلل ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬وتكــون مقــروءة هتفــو إليهــا النفــوس‪ ،‬ســواء‬
‫كانــت بعيــدة أو كانــت خصيمــة ذات يــوم(‪.)1‬‬

‫ولكــن العمــارة بذاهتــا‪ ،‬مل تلبــث أن أصبحــت مبظهرهــا اخلارجــي وكتلتهــا وأقســامها‪،‬‬
‫شــيئاً فني ـاً جمســماً‪ ،‬حيتــاج إىل عمــل إبداعــي‪ ،‬كمــا حيتــاج إىل فكــر هندســي‪ ،‬ومــع‬
‫ذلــك اســتمرت العمــارة اجملــال الــذي يســتوعب مجيــع أمنــاط الفــن التشــكيلي‪ ،‬مــن‬
‫تصويــر أو حنــت‪ ،‬وجتلــى ذلــك بقــوة يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬ونــرى يف مفهــوم اجلمــال‬
‫والقيــم اجلماليــة روافــد ترصــد تلــك القيــم بتعابــر ورمــوز جتعــل العمــارة ومكوناهتــا‬
‫يف مرحلــة اإلبــداع والرؤيــة اجلماليــة احلقيقيــة هلــا‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬

‫أ‪ -‬املفهــوم التعبــري‪ :‬كالعناصــر املعماريــة املأخــوذة عــن القيــم التشــكيلية (الشــكل‪،‬‬
‫الســطح‪ ،‬التكوينــات اهلندســية)‪.‬‬

‫وجــاء مفهــوم اجلمــال لــدى الفالســفة املســلمني هــو مــا یحــدث يف النفــس ويف اإلدراك‬
‫اخلیــر واحلــق والقبــول والرضــى‪ ،‬ومنهــم من اعتمــد التأو یل والتمهــل للجانب اجلمايل‪،‬‬
‫وهنالــك رأی آخر‪،‬یــرى أن اخللــق اإلهلــي‪ ،‬أمجــل مــن اخللــق اإلنســاني وأنــه یســتمد كماله‬
‫بفعــل حماكاتــه للخلــق اإلهلــي ال علــى العمــل الفــي الــذي ال یخلــو مــن صنــع یعتمــد علــى‬
‫التجربــة اجلمالیــة للفنــان ذاتــه‪ ،‬وخربتــه الفنیــة يف إبــراز مجــال الطبیعــة الكامــن والــي‬
‫(‪ )1‬كتاب (فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس) ‪ -‬د‪ .‬عفيف البهنسي‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫حتتــاج إىل إبداعاهتــم علــى مســتوى املهــارة يف التصــور احلدســي‪ ،‬فضـاً عــن التجلــي‬
‫الــذي یــرى اجلمیــل بذاتــه‪ ،‬فیصبــح عملــه الفــي جتلیـاً للجمیــل املطلــق‪ ،‬وهــذا مــا جنــده‬
‫يف فــن البكتوغــراف الــذي مــازج مــا بیــن اآلیــات القرآنیــة أو األمســاء احلســنى بتكوینــات‬
‫تشــكیلیة‪ ،‬وفكرهتــا حتمــل مضامیــن فكریــة مباشــرة تتوافــق مــع فكرهتــا األساســیة‪،‬‬
‫وأمــا الفالســفة احملدثیــن‪ ،‬فــإن اجلمــال لدیهــم‪ ،‬وبعــد ظهــور العدیــد مــن الدراســات‬
‫اجلمالیــة‪ ،‬وتوالــت نظریاتــه املتعــددة حــول مفهــوم اجلمــال الــذي تعــددت طروحاتــه‪،‬‬
‫والتأكیــد علــى أن اجلمــال وســیلة معرفیــة حقیقیــة الوجــود‪ ،‬تعتمــد البنیــة التعبیریــة‬
‫املتضمنــة الوعــي اجلمــايل‪ ،‬فهنــاك مــن ربــط بیــن اجلمــال والفــن يف ترابــط وثیــق‪،‬‬
‫ولكنــه میــز بیــن قیــم اجلمــال واألخــاق‪ ،‬وذلــك ألن اجلمــال هــو جمــال االســتمتاع‬
‫والســعادة‪ ،‬وأمــا األخــاق فهــي جمــال االلتــزام والصــراع بیــن اخلیــر والشــر‪.‬‬

‫وهــذا یعــي أن صفــة أي منجــز فــي یقررهــا يف احلقیقــة مضمــون ذلــك املنجــز الفــي‪،‬‬
‫ومبنیــة بالطــر یقــة الــي بنیــت هبــا مــن ناحیــة مضموهنــا التعبیــري اجلمــايل‪ ،‬لتحقیــق‬
‫نواتــج مــن التأثیــر الوظیفــي واجلمــايل ممــا یعطــي ســبباً لإلمتــاع البصــري للمنجــز‬
‫الكلــي بشــكل عــام‪ ،‬واجلمــال یعــد مبثابــة جمموعــة خــواص ندركهــا يف الشــيء مثــل‬
‫الشــكل واللــون وعالقتهــا مــع بعضهــا‪ ،‬و یهــدف مــن فكــرة إدراك اجلمــال مــن خــال‬
‫احلــدس واإلدراك احلدســي مع ـاً‪ ،‬إىل التأمــل اجلمــايل الــذي یقــود بــدوره إىل إدراك‬
‫مفهــوم اجلمــال العــام يف اخلــاص‪ ،‬و یذكــر أیض ـاً «أن الشــيء ال یكــون عامــراً باإلیحــاء‬
‫ألنــه یتصــف باجلمــال بــل یتصــف باجلمــال ألنــه عامــر باإلیحــاء»‪ ،‬وعلــى وفــق مــا مت‬
‫ذكــره يف اجلمــال ذات الطروحــات والتباینــات املختلفــة يف مفهومــه‪ ،‬فمنهــم مــن عــده‬
‫مــن الطبیعــة‪ ،‬وآخــرون عــدوه مــن عــامل املثــل‪ ،‬وآخــرون تبــا ینــت طروحاهتم هــي األخرى‬
‫مــع املنطلقــات املتعــددة‪ ،‬و یرجــع ســبب االختــاف يف اآلراء إىل ســببین‪:‬‬
‫‪ -‬عدم اعتماد معیار علمي ودقیق وثابت یجمع التوافق والتشابه بین األذواق‪.‬‬
‫‪ -‬یعــود إىل التباینــات واالختالفــات يف امللــكات العقلیــة واخلیالیــة لــدى األفــراد‬
‫والــي دفعــت بتغیــر مفهــوم اجلمــال حبســب تقدیراتــه(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬البنیة التعبیریة اجلمالیة لفن البكتوغراف ‪ -‬األستاذ الدكتور عباس جاسم محود الربیعي‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫أ‪ -‬العناصر املعمارية يف املفهوم التعبريي‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الشكل‪:‬‬

‫يعــد هــذا املوضــوع مــن املوضوعــات املهمــة الــي تناوهلــا علــم اجلمــال‪ ،‬وكان لــه أثــره‬
‫يف فلســفة هــذا العلــم‪ ،‬بــل جتــاوز ذلــك ليصــل إىل الفنــون اجلميلــة نفســها‪ ،‬وقــد تزايــد‬
‫هــذا األثــر يف اآلونــة األخــرة حيــث ســيطرت الفلســفات املاديــة علــى أجــواء الفكــر‬
‫الغربــي‪ ،‬وأضحــت املــادة كل شــيء يف بنــاء املدنيــة احلديثــة‪.‬‬

‫و «الشــكل واملضمــون» مهــا قــوام كل عمــل فــي مجيــل‪ ،‬ســواء أكان لوحــة أم متثــاالً أم‬
‫قصيــدة‪ ..‬فالعمــل مــن الناحيــة املعنويــة‪ ،‬فكــرة وعاطفــة وإحســاس‪ ،‬جُسِّــد يف هــذا‬
‫املنظــر أو ذلــك التمثــال أو هاتيــك القصيــدة‪ ،‬فاللوحــة والتمثــال والقصيــدة إن هــي إال‬
‫املظهــر اخلارجــي أو الشــكل الــذي مــن خاللــه أمكننــا أن نتعــرف علــى تلــك األحاســيس‬
‫والعواطــف‪ ،‬وكلمــا كان العمــل أكثــر تعبــراً وجتســيداً هلــذه األحاســيس كلمــا كان العمــل‬
‫أكثــر فني ـ ًة ومجــاالً‪ ،‬وإذن‪ :‬فنحــن يف العمــل الفــي أمــام ظاهــره هــو «الشــكل» الــذي‬
‫نــرى بــه العمــل‪ ،‬وأمــام فكــرة نستشــعرها مــن خــال اخلطــوط واأللــوان‪ ،‬أو النتــوءات‬
‫والتعرجــات واالحننــاءات‪ ،‬أو اللفــظ والقافيــة‪ ،‬وعلــى هــذا ميكــن القــول بــأن‪:‬‬

‫الشــكل‪ :‬هــو الصــورة اخلارجيــة‪ ،‬أو هــو الفــن اخلالــص اجملــرد مــن املضمــون والــذي‬
‫تتمثــل فيــه الشــروط الفنيــة‪ ،‬واملضمــون‪ :‬هــو كل مــا يشــتمل عليــه العمــل الفــي مــن‬
‫فكــر أو فلســفة أو أخــاق أو اجتمــاع أو سياســة أو ديــن‪ ،‬إنــه ومــا مــن شــك يف أن كالً‬
‫مــن «الشــكل» و «املضمــون» يــؤدي دوره يف إنتــاج العمــل الفــي‪ ،‬والصلــة بينهمــا وثيقــة‬
‫ج ـدًا‪ ،‬فهمــا وجهــان ألمــر واحــد‪ ،‬وال ميكــن ألحدمهــا أن يســتغين عــن اآلخــر‪ ،‬ولكــن‬
‫بعــض النقــاد ذهــب يف إعطــاء األولويــة للفكــرة والعاطفــة واإلحســاس وذهــب بعضهــم‬
‫اآلخــر إىل تقديــم الشــكل والصــورة‪ ،‬إذ هبمــا يظهــر العمــل الفين‪،‬وقــد انقســم النقــاد‬
‫إىل مدرســتني‪:‬‬

‫‪ -‬مدرســة الشــكل‪ :‬وهــم الذيــن ال يــرون يف املضمــون أية قيمــة فنية‪ ..‬وحيصرون‬

‫‪184‬‬
‫أحكامهــم يف دائــرة الصياغــة الفنيــة ومــا يتحقــق عنها من مجال‪.‬‬

‫‪ -‬مدرســة املضمــون‪ :‬وهــم يــرون الفــن كلــه مضمو ًنــا‪ ،‬وحــددوا املضمــون تــارة‬
‫مبــا يلــد‪ ،‬وتــارة مبــا يتفــق مــع األخــاق‪ ،‬وتــارة مبــا يســمو باإلنســان إىل مســاوات‬
‫الفلســفة والديــن‪ ،‬وتــارة مبــا هــو صــادق يف الواقــع‪ ،‬وتــارة مبــا هــو مجيــل مــن‬
‫الناحيــة الطبيعيــة املاديــة‪ ،‬ويبــدو أن هــذا البحــث كان يف بــدء طرحــه أقــرب‬
‫إىل البحــث الفلســفي منــه إىل الواقــع التطبيقــي‪ ،‬كالكثــر مــن حبــوث الفلســفة‬
‫يف علــم اجلمــال‪ ..‬ولكنــه بعــد ذلــك بــدأ يأخــذ أبعــاده شــيئاً فشــيئاً‪ ..‬حتــى كاد‬
‫يســيطر علــى ســاحة الفــن يف اآلونــة األخــرة‪ ،‬علــى أن كثــراً مــن الفالســفة‬
‫والنقــاد مل يــروا يف هــذا التقســيم إال وســيلة لدراســة العمــل وبيــان قيمتــه الفنية‪،‬‬
‫ومــدى التناســق بــن الشــكل واملضمــون أو الصــورة واملــادة‪ ،‬إذ ال ميكــن ألحدمهــا‬
‫أن يســتقل بنفســه‪ ،‬فالفكــرة غــر قــادرة علــى القيــام وحدهــا دون صــورة تــرز‬
‫مــن خالهلــا‪ ،‬كمــا أن الشــكل الظاهــر ال قيمــة لــه إذا خــا مــن املعنــى(‪.)1‬‬

‫ويعرف الشكل اصطالحاً‪ :‬بأنـــه تنظـــيم عناصـــر الوســـيط املـادي التـي يتـضمن العمـل‬
‫الفنـــي وحتقيـــق االرتبـــاط املتبــادل بينهمــا‪ ،‬فهــو يــدل علــى الطريقــة الــي تتخــذ منهــا‬
‫العناصــر موضعهــا يف العمــل كـــل بالنـــسبة لآلخـــر‪ ،‬وبالطريقــة الــي تؤثر هبــا كل منهما‬
‫باآلخــر‪ ،‬ويعــرف بأنــه الرتكيبــة املاديــة أو البنــاء الشــكلي الــذي حيــدد املعنــى الداخلــي‬
‫داخــل إطــاره‪ ،‬وكمـــا يعـــرف بأنـــه‪« :‬الرتكيـــب الـــذي يؤلـــف األجـــزاء للكـــل مـــن تعدديـــة‬
‫العناصـــر‪ ،‬وهلـــذا فأنـــه ميـــنح تلـــك العناصر قالبها املميز‪ ،‬ويرى آرنست فيشر (فريى‬
‫بــأن الشــكل» هــو جتمــع للمــادة بطريقــة معينــة‪ ،‬ترتيــب معــن هلــا حالــة ونســبية مــن‬
‫حاالت استقرارها)‪ ،‬ويعرف إجرائياً مبعنى جمموعـــة العمليـــات التكوينيـــة التـــشكيلية‬
‫للـــشكل الفنـــي والكيفيـــات التـــشييدية مـــن خـــال عالقــات وحركــة العناصــر البنائيــة‬
‫مــن نقطــة وخــط ولــون وملمــس والعالقــات الرابطــة فيهــا‪.‬‬

‫ويعــر اخلــط عــن معانــي خاصــة يف األعمــال التشــكيلية‪ ،‬حيــث ميكــن أن يــدل علــى‬
‫(‪ )1‬األلوكة الثقافية ‪ -‬الشكل واملضمون واجلمال ‪ -‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‬

‫‪185‬‬
‫نقــاطٍ متحركــة حتصــر أشــكاالً معينــة‪ ،‬كمــا ميكــن أن يــدل علــى احمليــط اخلارجــي‬
‫ألجســام معينــة‪ ،‬أو ميكــن أن يســتخدم علــى األقــل للتخطيــط مــن حيــث‪ :‬الســمك‬
‫(الثخانــة) لوصــف كيــا ٍن خــاص‪ ،‬وميكــن حتقيــق عنصــر اخلــط باالســتعانة باملــداد‬
‫(كاألبيــض واألســود) أو باالســتعانة بــأداة حــادة أو مدببــة مثــل إبــرة أو دبــوس أوعــود‬
‫كربيــت‪ ،‬حيــث حتصــر أشــياء هلــا معــا ٍن معينــة أو أي دالالت أخــرى‪ ،‬مثــل‪( :‬الشــعور‬
‫باحلركــة‪ ،‬أو االندفــاع‪ ،‬أو االســتقرار والثبــات)(‪.)1‬‬

‫وميثــل الشــكل اهلــدف الرئيســي املــراد التعبــر عنــه‪ ،‬وهــو الشــيء الــذي يتضمــن بعــض‬
‫التنظيــم فــإذا مل يكــن الشــكل معروف ـاً فإننــا نطلــق عليــه ال شــكل لــه‪ ،‬ومــن الصعــب‬
‫إدراكــه كشــيء معــن‪ ،‬أل ّنــه خمالــف للنظــام‪ ،‬فاألشــكال عبــارة عــن نقــاط وخطــوط‬
‫مرتابطــة مــع بعضهــا ومــن خالهلــا يتــم تكويــن الشــكل املــراد توضيحــه‪ ،‬فمفهــوم‬
‫اجلمــايل للشــكل ‪ -‬للعمــل الفــي رســالة مرئيــة حتمــل فكــرة (داللــة) وتــؤدي إىل معنــى‬
‫يســتقبله املتلقــي علــى شــكل إمــا عالمــة (أيقونــة) أو إشــارة رمزيــة والفكــرة أو الداللــة‬
‫هــي مضمــون العمــل الفــي (الرســالة البصريــة التشــكيلية)‪ ،‬والشــكل عبــارة عــن كل مــا‬
‫حييــط باإلنســان مــن ظواهــر وموجــودات حمسوســة حبيــث يشــكل الصــورة البصريــة‬
‫هلــذه املوجــودات مــن خــال انعــكاس الصــورة يف الوعــي البصــري‪ ،‬والشــكل مــن املثريات‬
‫وعمليــة االســتجابة هــي عمليــة إدراك الشــكل والشــكل نوعــان‪:‬‬

‫األول طبيعــي ‪ -‬موجــود يف الطبيعــة (مــن صنــع اخلالــق) وهــو كل مــا حييــط بنــا مــن‬
‫ظواهــر وطبيعــة وغريهــا‪ ،‬وأن أمنــاط األشــكال تتعــدد وتتنــوع يف الطبيعــة مــن حيــث‬
‫كوهنــا هندســية أو حــرة‪ ،‬واألشــكال اهلندســية تتعــدد وتتنــوع أيضـاً مــن حيــث طبيعــة‬
‫التناســب بــن أبعادهــا وخصائصهــا‪ ،‬وقــد ميــز الفالســفة االختــاف يف أنــواع األشــكال‬
‫ومدلوالهتــا‪ ،‬مــن حيــث البنــاء الشــكلي هلــا حيــث أكــد ســقراط أن مجــال األشــكال‬
‫اهلندســية الناجتــة عــن حركــة اخلطــوط ومبختلــف أنواعهــا‪ ،‬متتلــك صفــة اجلمــال‬
‫الدائــم وليــس اجلمــال النســي احملكــوم زمنيـاً وفقـاً ألهــداف وجوده‪ ،‬حيث أن األشــكال‬
‫الغــر هندســية والــي هــي مــن صنــع اإلنســان حســب اعتقــاده فهــي حمكومــة جبمــال‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي ‪ -‬عناصر الفن التشكيلي‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫نســي حمــدد باهلــدف الــذي وجــدت مــن أجلــه‪ ،‬أمــا أفالطــون فقــد ميــز بــن األشــكال‬
‫اهلندســية واألشــكال الطبيعيــة‪ ،‬والــي تعــد عنــده بأهنــا أشــكال قصديــه مقيــدة بقيــود‬
‫املضمــون الــذي حتملــه‪ ،‬لذلــك فهــي ال تعــر عــن صيغــة مجاليــة ســامية مطلقــة‪ ،‬أمــا‬
‫األشــكال اهلندســية فهــي دائمــة اجلمــال وهــي غــر مقيــده (فهــي ليســت مجيلــة ألي‬
‫ســبب كغريهــا‪ ،‬وإمنــا هــي مجيلــة بطبيعتهــا‪ ،‬وتشــع ســروراً لتحررهــا مــن الرغبــة)‪،‬‬
‫وهــذه األشــكال تعــر عــن اجلمــال املطلــق‪ ،‬ألن الشــكل فيهــا ميثــل أفــكارا جمــردة وهــي‬
‫حتاكــي املثــل العليــا بعكــس األشــكال املوجــودة يف الطبيعــة‪ ،‬فإهنــا غــر أزليــه وهــي‬
‫فانيــة‪ ،‬ويــرى أرســطو الشــكل كامــن بذاتــه وهــو يطبــع الشــيء بالطابــع الــذي جيعلــه‬
‫منتســباً إىل هــذا النــوع‪ ،‬أو ذاك مــن أنــواع الكائنــات‪ ،‬حيــث أعطــى أرســطو حريــة‬
‫للفنــان بتأســيس شــكل حياكــي الطبيعــة‪ ،‬ولكنــه غيّــر الشــكل املوجــود يف الطبيعــة‪،‬‬
‫ولكــن كلمــا اقرتبــت األشــكال مــن البنــاء اهلندســي‪ ،‬كلمــا كانــت أقــرب إىل اجلمــال‬
‫املطلــق كوهنــا ال حتتــاج إىل التفســر‪ ،‬واألشــكال يف الطبيعــة ليــس لتغريهــا واختالفهــا‬
‫حــدود‪ ،‬نتيجــة الختــاف مصادرهــا‪ ،‬ســواء أكانــت طبيعيــة‪ ،‬أم متغــرة بفعــل تأثــرات‬
‫ومــواد طبيعيــة‪ ،‬مثــل الصخــور والتــال الصحراويــة‪ ،‬وتأثــر العوامــل الطبيعيــة عليهــا‬
‫كالريــاح واألمطــار مســببة تغيريهــا‪.‬‬

‫والنــوع الثانــي ‪ -‬هــو مــن صنــع اإلنســان (الفنــان) وتتغــر وتتطــور تبع ـاً لــه وللحاجــة‬
‫واملنفعــة مــن نتاجــات هلــا عالقــة باحليــاة اإلنســانية‪ ،‬وتكــون هــذه النتاجــات ذات رســالة‬
‫إمــا مجاليــة أو نفعيــة‪ ،‬كاألعمــال الفنيــة مــن منحوتــات ولوحــات فنيــة وغريهــا‪ ،‬وهــذه‬
‫األشــكال تتولــد يف الغالــب مــن اإلحيــاء الــذي متليــه األشــكال الطبيعيــة علــى خميلــة‬
‫اإلنســان‪ ،‬فــا بــد للعمــل الفــي (مــن بنيــة مكانيــة تعــد مبثابــة املظهــر احلســي وبنيــة‬
‫زمانيــة تعــر عــن حركتــه الباطنيــة ومدلولــه الروحــي‪ ،‬وأن لــكل فــن مادتــه مثــل اللــون‪،‬‬
‫امللمــس‪ ،‬احلركــة وغريهــا‪ ..‬غــر أن املــادة اخلــام ال تكــون فنـاً‪ ،‬إال إذا امتــدت يــد الفنــان‬
‫إليهــا فخلقــت منهــا حمسوسـاً مجاليـاً)‪ ،‬وعليــه خيضــع الشــكل لعمليــة تنظيــم العناصــر‬
‫الــي يتكــون منهــا العمــل الفــي‪ ،‬وبنيــة الشــكل أو جمموعــة عناصره‪ ،‬فقيمته أعلــى تعبرياً‬

‫‪187‬‬
‫مــن النقطــة أو اخلــط أو امللمــس‪ ،‬لذلــك فالشــكل (هــو العنصــر األســاس‪ ،‬كمــا يــراه‬
‫الفيلســوف عمانوئيــل كانــت يف بــث اجلمــال يف العمــل الفــي)‪ ،‬فالفنانــون علــى الرغــم‬
‫مــن اختــاف أفكارهــم وموضوعاهتــم ورؤيتهــم الفنيــة إال فأهنــم متفقــون علــى أن الشــكل‬
‫الفــي ومجاليتــه‪ ،‬يتــم عــن طريــق جمموعــة عناصــر اخلطــاب الفــي التشــكيلي والــي‬
‫تؤســس الشــكل واملتمثلــة باخلــط وامللمــس واملــادة واللــون والفــراغ واملوضــوع‪ ،‬فمــن خالل‬
‫هــذه العناصــر يتأســس العمــل الفــي التشــكيلي (الرســالة البصريــة)‪.‬‬

‫وحيدد جريوم أن للشكل وظائف مجالية ثالثة هي‪:‬‬


‫‪ -1‬أن الشــكل يضبــط إدراك املتلقــي‘ ويرشــده ويوجــه انتباهــه يف اجتــاه معــن‘‬
‫يرغــب الفنــان املنتــج للعمــل الفــي أن يكــون توجــه املتلقــي إىل هــذا االجتــاه‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الشــكل بأكملــه يرتــب عناصــر العمــل الفــي علــى حنــو مــن شــأنه إبــراز‬
‫قيمتــه احلســية والتعبرييــة‪.‬‬
‫‪ -3‬أن للشــكل أمهيــة حبيــث ال يكــون للمضمــون قيمــة بدونــه فهــو الــذي يــدل‬
‫عليــه‪.‬‬

‫ومــع إحســاس الفنــان ورؤيتــه اخلاصــة‪ ،‬والفنــان كلمــا ازداد وعيــه الفــي وحتسســه‬
‫ملوضوعــات احليــاة واألشــكال الــي تثــره يف الطبيعــة‪ ،‬أصبــح أقــدر علــى اإلنتــاج الفــي‬
‫القريــب مــن ذهنيــة اجلمهــور وبالتــايل أكثــر تأثــراً هبم‪ ،‬ومــا يراه الفنان مــن موضوعات‬
‫ذات أمهيــة لعاملــه الفــي ومشــاهدة احلضــارات املختلفــة مــن خــال أعمــال اآلخريــن‬
‫ومــدى التطــور الفــي احلاصــل‪ ،‬ومــا هــي املــواد واألدوات الــي اســتمد منهــا الفنانــون‬
‫عــر التاريــخ‪ ،‬كل هــذه العناصــر تســاعد الفنــان علــى االنطــاق برؤيتــه الصحيحــة‪،‬‬
‫لتحقيــق خطــاب فــي مجــايل حيقــق املتعــة اجلماليــة لــدى املتلقــي(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬مفهوم الشكل يف الفن التشكيلي موقع موضوع‪.‬‬

‫‪188‬‬
‫ثانياً‪ :‬السطح‬

‫هــي بيــان حلركــة اخلــط يف اجتــاه خمالــف الجتاهــه الذاتــي‪ ،‬ويشــكل اخلــط مســاحة‪،‬‬
‫واملســاحة هلــا طــول وعــرض‪ ،‬وليــس هلــا عمــق‪ ،‬وقــد تكــون مســاحة أوليــة ألشــكال‬
‫هندســية منتظمــة كاملربــع أو املثلــث املتســاوي األضــاع أوالدائــرة‪.‬‬

‫واملساحات املتعددة يف العمل الفين املصمم ختتلف عن بعضها يف عدة نواحي هي‪:‬‬
‫‪ -‬عددهــا (أي عــدد املســاحات الــي تدخــل يف حــدود التصميــم)‪ ،‬وهلــا تصنيــف‬
‫مــن حيــث‪:‬‬
‫‪ -‬حجمهــا‪( :‬أي أصغــر أو أكــر املســاحات بالنســبة لبعضهــا البعــض‪ ،‬وبالنســبة‬
‫للمســاحات الكليــة للعمــل الفــي)‪.‬‬
‫‪ -‬موقعهــا‪( :‬أي موقــع املســاحات بالنســبة حلــدود إطــار العمــل الفــي‪ ،‬وموقعهــا‬
‫بالنســبة لغريهــا)‪.‬‬
‫‪ -‬شــكلها‪( :‬أي شــكل املســاحات؛ فاملســاحة قــد تكــون مربعــاً أو مثلثــاً أو أي‬
‫شــكل هندســي آخــر مفــرد‪ ،‬وقــد تكــون نتيجــة لدمــج أكثــر مــن شــكل هندســي‬
‫مــع إجــراء بعــض التجــارب والتعديــل واحلــذف واإلضافــة إلنتــاج مســاحه ذات‬
‫طابــع خــاص )(‪.)1‬‬

‫فاملســاحة تســاهم اخلطــوط يف حصــر املســاحات أو الســطوح‪ ،‬وتعّــر املســاحات عــن‬


‫الفراغــات احملصــورة مــا بــن اخلطــوط‪ ،‬والــي تظهــر باجتاهــات متنوعــة‪ ،‬واملســاحة‬
‫يف الفنــون التشــكيلية إمجــايل لعــدد كبــر مــن التفاصيــل‪ ،‬والــي جتتمــع يف صياغــة‬
‫بالغيــة مركــزة‪ ،‬ويعتمــد إبــراز املســاحات علــى موقعهــا علــى الســطح‪ ،‬وذلــك اعتمــاداً‬
‫علــى أحجامهــا مــن ناحيــة الصغــر والكــر‪ ،‬والنســب مــا بــن بعضهــا‪ ،‬فضـاً عــن درجــة‬
‫ألواهنــا وعالقتهــا باملســاحات األخــرى اجملــاورة هلــا‪ ،‬وإبــداع الفنــان يف توزيــع هــذه‬
‫املســاحات‪ ،‬وملمــس الســطوح هــو مــا مييــز الســطوح عــن بعضهــا البعــض وجيعلهــا‬

‫(‪ )1‬الفن منهج وأسلوب حياة – سعيد القطاني‪.‬‬

‫‪189‬‬
‫واضحــة للمشــاهد‪ ،‬ويعتمــد علــى األلــوان يف حتقيــق وإدراك هــذا العنصــر‪ ،‬إذ إنّ‬
‫الســطوح اخلشــنة حتــدث ظــاالً وأنــواراً‪ ،‬بينمــا يغيــب كل مــن ذلــك مــع الســطح‬
‫األملــس‪ ،‬وقــد متكــن عــدد مــن الفنانــن التشــكيليني مــن إظهــار شــكل الســطوح وإشــعار‬
‫املشــاهد مبلمســها برباعــة كاملــة‪ ،‬مثــل لوحــة الفنــان فــان جــوخ املعروفــة باســم (ســطح‬
‫العشــق)‪ ،‬حيــث متكــن الفنــان مــن إبــراز ملمــس البيــوت الظاهــرة يف اللوحــة عــر‬
‫اســتخدام أقــام الرصــاص واأللــوان البيضــاء الصينيــة‪.‬‬

‫ويعــرف اللــون بكونــه التفاعــات احلادثــة بــن شــك ٍل معــن واإلشــعاعات الضوئيــة‬
‫الواقعــة عليــه‪ ،‬والــي تســاعدنا يف رؤيــة الشــكل وحتديــده‪ ،‬وتلعــب األلــوان دوراً مهم ـاً‬
‫جــداً يف الفــن التشــكيلي وذلــك لتأثريهــا بشــكل مباشــر علــى مشــاعر املشــاهد‬
‫وأحاسيســه‪ ،‬فاللــون األمحــر يثــر مشــاعر الغضــب لــدى املشــاهد ويزيــد انفعاالتــه‪،‬‬
‫أمّــا اللــون األصفــر فإ ّنــه يثــر مشــاعر الســرور لديــه‪ ،‬أمّــا اللــون األزرق فيثــر مشــاعر‬
‫الشــوق(‪.)1‬‬

‫وهــو تعبــر يــدل علــى املظهــر اخلارجــي املميــز ألســطح املــواد‪ ،‬أي الصفــة املميــزة‬
‫خلصائــص أســطح املــواد الــي تتشــكل عــن طريــق املكوّنــات الداخليــة واخلارجيــة‬
‫وعــن طريــق ترتيــب جزيئاتــه‪ ،‬ونظــم إنشــائها يف نســق يتضــح مــن خالهلــا الســمات‬
‫العامــة للســطوح‪ ،‬وامللمــس هــو أحــد عناصــر التصميــم والــذي يشــر إىل اخلصائــص‬
‫الســطحية لألشــكال املختلفــة‪ ،‬إذ أنّ لــكل ســطح ملمــس خــاص بــه‪ ،‬فاملســاحة ‪ -‬هــي‬
‫الشّــكل ا ّلــذي يُش ـ ّكله اخلـ ّ‬
‫ـط حبركتــه يف ا ّتجــاهٍ غــر ا ّتجاهــه ّ‬
‫الذاتــي‪ ،‬ويك ـوّن مســاحة‬
‫هلــا طـ ٌ‬
‫ـول وعــرضٌ وارتفــاع‪ ،‬وليــس هلــا عمــق‪ ،‬وختتلــف بــن بعضهــا يف أمــور‪ ،‬وهــي‬
‫عــدد املســاحات واألشــكال يف التّصميــم‪ ،‬وموقــع األشــكال واملســاحات بالنّســبة إلطــار‬
‫وحــدود العمــل‪ ،‬وبالنّســبة لبعضهــا شــكل املســاحات‪ ،‬فقــد تكــون أشــكال أوليّــة مثــل‬
‫الدّائــرة واملربّــع واملســتطيل‪ ،‬أو أشــكاالً معدّل ـ ًة‪ ،‬مثــل األشــكال اهلندس ـيّة‪ ،‬والعضويّــة‪،‬‬
‫ّ‬
‫والطبيعيّــة‪ ،‬واجمل ـرّدة‪ ،‬والتّمثيليّــة‪ ،‬وغــر التّمثيليّــة‪ ،‬واملوضوعيّــة‪ ،‬وغــر املوضوعيّــة‪،‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي ‪ -‬عناصر الفن التشكيلي‪.‬‬

‫‪190‬‬
‫والرســم اهلندســي يعــد مبثابــة اللغــة الــي متكــن املهنــدس مــن التعبــر عــن أي تصميــم‬
‫بطريقــة متكــن اآلخريــن مــن فهمــه وتطويــره وتصنيعــه ويكــون هــذا الرســم وفقــاً‬
‫ملعايــر متفــق عليهــا بالنســبة للشــكل والتســمية واملظهــر واحلجمــوم مــا إىل ذلــك‪،‬‬
‫ويهــدف الرســم اهلندســي إىل اســتيعاب كافــة اخلــواص اهلندســية لكيــان أو منتــج مــا‬
‫بشــكل واضــح مبــا ال يــدع جمــاالً للبــس‪ ،‬والغايــة األساســية مــن الرســم اهلندســي‪ ،‬هــي‬
‫توصيــل املعلومــات األساســية الــي متكــن املصنــع مــن إنتــاج هــذا املكــون‪.‬‬

‫والرســم اهلندســي والرســم امليكانيكــي‪ ،‬أو رســم اآلالت هــي لغــات فنيــة وهندســية‬
‫ومثلهــا أي لغــة تســتخدم يف التفاهــم ونقــل األفــكار اهلندســية بــن النــاس‪ ،‬ســواء‬
‫كان ذلــك عــن طريــق الكتابــة (حتضــر رســومات) أو عــن طريــق القــراءة (دراســة‬
‫رســومات ســبق حتضريهــا)‪ ،‬والرســم اهلندســي ليــس رمس ـاً كاملعــروف بــن النــاس‪،‬‬
‫فهــو خيتلــف يف صورتــه ونظــام حتضــره وماحيويــه مــن بيانــات تتصــل بالصناعــة‬
‫والتصميــم واإلنتــاج الصناعــي‪ ،‬فأيــة صــورة فوتوغرافيــة ألي قطعــة ميكانيكية الميكن‬
‫اعتبارهــا رمســاً ميكانيكيــاً لعــدم فائدهتــا للصناعــة واإلنتــاج والدراســة اهلندســية‬
‫األمــر الــذي حيتــاج إىل معرفــة للمقاســات وللمــواد املصنوعــة منهــا‪ ،‬والرســم اهلندســي‬
‫كلغــة لــه قواعــد وأســس ال ميارســه إال مــن درســه دراســة ســليمة‪،‬ومدى التحصيــل‬
‫فيــه يتوقــف علــى املــران الكامــل والدقــة التامــة‪ ،‬وتســتخدم لغــة الرســم بــن تقنيــي‬
‫الصناعــة (عمــال ومشــرفني ومهندســن خمرتعــن) كوســيلة وهــي الوســيلة الوحيــدة‬
‫للتفاهــم بينهــم علــى مــا يرغبــون يف إنتاجــه وصناعتــه مــن منتجــات الســتخدامها‬
‫يف حيــاة اإلنســان‪ ،‬كمــا أهنــا اللغــة الــي ميكــن االحتفــاظ باملســتندات الــي تتصــل‬
‫باالخرتاعــات والتصميمــات‘ يســهل الرجــوع إليهــا عنــد احلاجــة‪ ،‬والرســومات هــي‬
‫البديــل عــن األجســام واملصنوعــات‪ ،‬مبعنــى أنــه إذا كانــت هنــاك قطعــة يف بلــد مــا‬
‫وكانــت رســوماهتا يف بلــد آخــر فــإن كالمهــا يكــون ملمـاً جبميــع البيانــات واملواصفــات‬
‫واملقاســات هلــذه القطعــة والرســم‪ ،‬قــد يكــون رمس ـاً بالقلــم الرصــاص أو قــد يكــون‬
‫باحلــر الصيــي األســود(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ويكبيديا املوسوعة احلرة‪.‬‬

‫‪191‬‬
‫فبيان حركة املستوى (السطح) يف اجتاه خمالف الجتاهه الذاتي‪ ،‬ويشكل حجم التكوين‪،‬‬
‫ولــه طــول وعــرض وعمــق‪ ،‬وليــس لــه وزن‪ ،‬وحيــدد مقــدار احليــز الــذي يشــغله احلجــم‬
‫مــن الفــراغ‪ ،‬وميكــن إنتــاج هيئــات فراغيــة أوليــه منــه‪ ،‬كاملربــع مــن تكــرار املثلــث املتســاوي‬
‫األضــاع أربــع مــرات‪ ،‬كمــا ميكــن الوصــول إىل أشــكال ثنائيــة نتيجــة لدمــج مســطحات‬
‫تشــكيلية‪ ،‬كاملربــع واملثلــث إلنشــاء املخــروط‪ ،‬وتنقســم األشــكال اجملســمة إىل‪( -‬هندســي‬
‫منتظــم – هندســي شــبه منتظــم – هندســي غــر منتظــم – هندســي يتســم بالعضويــة‪.‬‬

‫فامللمــس تعبــر يــدل علــى املظهــر اخلارجــي املميــز ألســطح املــواد أي الصفــة املميــزة‬
‫خلصائــص أســطح املــواد الــي تتشــكل عــن طريــق املكونــات الداخليــة واخلارجيــة وعــن‬
‫طريــق ترتيــب جزيئاتــه ونظــم إنشــائها‪ ،‬وتعتمــد أيضـاً علــى مسات عامة لتلك الســطوح‪.‬‬
‫السمات العامة للسطوح‪:‬‬

‫وهــي‪ :‬مالمــس مــن حيــث الدرجــة (ناعمــة ‪ -‬خشــنة ‪ -‬منتظمــة ‪ -‬غــر منتظمــة) ‪-‬‬
‫مالمــس مــن حيــث النــوع‪( :‬حقيقيــة ‪ -‬إيهاميــه)‪.‬‬

‫فاملالمــس احلقيقيــة ‪( -‬هــي الــي نســتطيع أن ندركهــا مــن حيــث حاســة اللمــس‬
‫والبصــر نتيجــة تبايــن مظهرهــا الســطحي)‪.‬‬

‫وتنقســم املالمــس احلقيقيــة إىل‪ :‬مالمــس طبيعيــة (عناصــر نباتيــة – عناصر حيوانية‬
‫‪ -‬مجــاد) ومالمــس صناعيــة وهــي كمــا يلــي‪( :‬ميكــن أن تتحقــق عــن طريــق اســتخدام‬
‫تقنيــة احلفــر) ‪( -‬ميكــن أن تتحقــق عــن طريــق العجائــن اللونيــة) ‪( -‬ميكــن أن تتحقــق‬
‫عــن طريــق تقنيــة التوليــف) ‪( -‬ميكــن أن تتحقــق عــن طريــق تقنيــة البصمــة)‪.‬‬

‫واملالمــس اإليهاميــه‪( :‬هــي الــي ميكــن إدراكهــا حباســة البصــر دون أن نســتطيع متييزه‬
‫عــن طريــق اللمــس‪ ،‬ويعــرف هــذا النــوع بامللمــس ذو البعدين )(‪.)1‬‬

‫ب ‪ -‬العناصــر املعماريــة يف املفهــوم الرمــزي‪ :‬كقاعــة املدخــل‪ ،‬وعالقــة املدخل بالقبلة‪،‬‬


‫الصحــن‪ ،‬اإليــوان‪ ،‬قاعــة الصــاة‪ ،‬احملــراب‪ ،‬والرمزيــة اصطالح ـاً ‪-‬هــي اجتــاه فــي‬
‫(‪ )1‬الفن منهج وأسلوب حياة – سعيد القطاني‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫يغلــب عليــه ســيطرة اخليــال علــى كل مــا عــداه ســيطرة جتعــل الرمــز داللــة أوليــة علــى‬
‫ألــوان املعانــي العقليــة واملشــاعر العاطفيــة‪.‬‬

‫وطغيــان عنصــر اخليــال مــن شــأنه أن ال يســمح للعقــل والعاطفــة إال أن يعمــا يف‬
‫خدمــة الرمــز وبواســطته‪ ،‬إذ عوض ـاً أن يعــر الشــاعر عــن غرضــه بالفكــرة املباشــرة‪،‬‬
‫فإنــه يبحــث عــن الصــورة الرمزيــة الــي تشــر يف النهايــة إىل الفكــرة أو العاطفــة‪.‬‬

‫واســتخدم الفنــان املســلم احلــرف العربــي ووظفــه يف تزيــن جــدران املســاجد‬


‫واألضرحــة والتحــف واملصوغــات اإلســامية بشــتى أنواعهــا‪ ،‬حيــث كان الســتخدامه‬
‫كعنصــر زخــريف دوراً مهم ـاً حتــى عُ ـدّ ميــزة مهمــة مــن مميــزات الفنــون اإلســامية‪،‬‬
‫ا عــن طبيعــة الكتابــة العربيــة ومــا يف حروفهــا مــن مرونــة وبســاطة وحيويــة‬
‫فضــ ً‬
‫وقابليــة زخرفتهــا علــى وجــوه شــتى‪.‬‬

‫ولذلــك أصبحـتْ للحــروف العربيــة املنقوشــة علــى املســاجد وظيفـ ٌة رمزيــة تؤكــد قــوة‬
‫اإلســام وروحانيتــه‪ ،‬ومتثــل تلــك الوظيفــة الرمزيــة اجلانــب اإلجتماعــي اخلالــص‬
‫للفــن العربــي‪ ،‬مؤكــدة قدرتــه علــى إضفــاء املســحة الفنيــة إىل جانــب الفيــض والعطــاء‬
‫الروحــي الــذي مينحــه اإلســام ملعتنقيــه وغريهــم‪ ،‬ومثــل مــا كانــت للصــورة أمهيــة‬
‫كــرى يف جتســيد الرمــز يف ضــوء عمليــة االتصــال البصــري‪ ،‬أصبــح ألصــل احلــرف‬
‫ورمســه وتكوينــه أثــر مهــم يف حتقيــق رســالته االتصاليــة وحتديــد داللتــه الرمزيــة‬
‫وهويتــه الــي تتجلــى مــن خــال اخلــط ورمســه إضافــة إىل لــون احلــرف وبالتــايل‬
‫هيئــة اخلــط ولونــه تعتمــد القيــم اجلماليــة يف اخلــط العربــي علــى مجاليــات مطلقــة‬
‫ممتــدة يف الزمــان‪ ،‬حيــث الكتابــة أعلــى مراحــل التعبــر اإلنســاني يف الفكــر اجملــرد‬
‫وال ترتبــط بصــور ماديــة يف احليــاة الزائلــة ألهنــا صــور مؤقتة‪،‬وعليــه فهــو ثابــت ال‬
‫يتأثــر باملتغــرات املاديــة وزواهلــا كونــه ال يســتمد معايــره منهــا وليــس ترديــداً حرفي ـاً‬
‫هلــا‪ ،‬والشــك أن اخلــط العربــي يســتمد قيمــة كيانــه اجلمــايل مــن تلــك القدســية الــي‬
‫أحاطــت بآيــات الذكــر احلكيــم ومأثــور القــول وصافيــات احلكــم الــي كان يتداوهلــا‬

‫‪193‬‬
‫اخلطاطــون‪ ،‬فهــو قــد اكتســب مــا ميكــن أن نســميه جــال املعنــى ومجــال املبنــى‪،‬‬
‫فتشــربت حروفــه تلــك املعانــي يف جالهلــا حتــى عــد النــص املكتــوب جــزءاً مــن املنطــق‬
‫اجلمــايل للخــط العربــي‪ ،‬ألن الكثــر مــن اجلانــب الذوقــي فيــه يعتمــد علــى مجــال‬
‫املعانــي املدركــة الــي يثريهــا النــص املكتــوب‪.‬‬

‫إن عمليــة حتليــل القيــم الفنيــة يف اخلطــوط العربيــة ويف ضــوء املنطــق اجلمــايل‬
‫للفــن اإلســامي تعــد واحــدة مــن أفضــل الســبل يف اســتقاء املعانــي والبحــث عــن لغــة‬
‫تعبرييــة جديــدة‪ ،‬فــكل دالالت اخلــط مــن مظهــر جــذاب وتــوازن وإتقــان وقيــم جتريديــة‬
‫ومجاليــة حتتــم علــى الفنــان املتقــن لســر اجلمــال واحلرفــة‪ ،‬بــأن يعيــد ترتيــب عناصــره‬
‫وقيمــه الفنيــة‪ ،‬ومينــح اخلــط العربــي بعــداً وآفاقـاً جديــدة تســتقرئ اجلمــال و تتأملــه‪،‬‬
‫فقــد تطــور اخلــط العربــي ليتشــكل بأســاليب فنيــة خمتلفــة وبأشــكال متباينــة بعضهــا‬
‫زخرفيــة وأخــرى هندســية وأخــرى مظفــرة ومشــجرة‪ ،‬وغــدا اخلــط شــرف الفنــون‬
‫املســتوحى مــن جوهــر املعتقــد الديــي‪ ،‬وبارتفــاع مكانتــه ارتفعــت مكانــة الفنــان الــذي‬
‫يتقــن قواعــده وجييــده‪.‬‬

‫وأصبــح اخلــط العربــي مظهــراً مــن مظاهــر اجلمــال‪ ،‬بعد أن كان وســيلة للعلــم‪ ،‬والفنان‬
‫املســلم حــرك اخلطــوط اجلافــة وأضفــى عليهــا زخارفــه حتــى غــدت لوحــات فنيــة‪،‬‬
‫فاســتخدمت الكتابــة يف قوالــب زخرفيــة عكســت نوع ـاً مــن التعبــر عــن بعــض القيــم‬
‫اجلماليــة املرتبطــة بقيــم عقائديــة‪ ،‬وأفــرغ الفنــان املســلم كل طاقاتــه يف كتابــة اآليــات‬
‫القرآنيــة علــى اجلــدران والواجهــات واألبــواب واملنابــر واملنائــر ليحملهــا شــكالً فني ـاً‬
‫ذي أســس مجاليــة رياضيــة مدروســة‪ ،‬فاخلــط العربــي يعــد وســيلة شــكلية موســومة‬
‫لتأليــف منظومــة كالميــة مقــروءة علــى أســاس لغــوي أجبــدي‪ ،‬يضــم إليــه نســقاً مــن‬
‫الوحــدات والرمــوز املســتخدمة ألغــراض وظيفيــة ومجالية‪،‬وتؤلــف مــن كل ذلــك نســقاً‬
‫كتابي ـاً ذا طبيعــة انســيابية مرســلة تتصــل بعضهــا البعــض يف كلمــة واحــدة لتشــكل‬
‫نصـاً موحــداً‪ ،‬ومــن ثــم ختلــق إيقاعـاً حركيـاً ديناميكيـاً‪ ،‬فاحلــروف العربيــة مــن خــال‬
‫قدســيتها املســتمدة مــن القــرآن الكريــم ميكــن أن تصبــح رمــزاً إســامياً خالصـاً‪ ،‬ولكــن‬

‫‪194‬‬
‫وفــق حمــل تواجدهــا يف العمــل الفــي ومــا يتعلــق هبــا مــن بُنــى جمــاورة ورمــوز إســامية‬
‫أخــرى‪ ،‬فضـاً عــن وظيفتهــا التزويقيــة واجلماليــة الفريــدة(‪.)1‬‬

‫لقــد وجدنــا أن معظــم النظريــات واملفاهيــم املعماريــة الــي تناولــت األشــكال املعماريــة‬
‫يف بدايــة هــذا القــرن يف أوروبــا اعتمــدت علــى األســس الديالكتيــك‪ ،‬واجلــدل أو‬
‫ديالكتيــك هــو‪ -‬منطــق يقــوم علــى احلركــة بــدالً من الثبات أو االختبــار النقدي للمبادئ‬
‫واملفاهيــم‪ ،‬مــن أجــل حتديــد معناهــا والفــروض الــي ترتكــز عليهــا ونتائجهــا الضمنيــة‬
‫أو الصبغــة‪ ،‬وهــي الــكل املتكامــل وليــس جمــرد جممــوع للوحــدات واألجــزاء‪ ،‬ويف علــم‬
‫النفــس تعــي إدراك الشــكل الكلــي ثــم األجــزاء ضمــن الــكل‪ ،‬ويف العقــد الســادس مــن‬
‫القــرن العشــرين كان موضــوع الشــكل أو اهليئــة املعماريــة يســيطر علــى الفطــرة‪ ،‬وكانــت‬
‫معظــم الدراســات والنظريــات املعماريــة الــي كتبــت يف حقــل نظريــة العمــارة تركــز‬
‫علــى اجلانــب الشــكلي هلا‪،‬ثــم أخــذ االهتمــام باجلانــب الرمــزي واالجتماعــي للشــكل‬
‫املعمــاري ينــدرج ضمــن هــذه الدراســات(‪.)2‬‬

‫وتتمثــل املفاهيــم انعكاســاً جمــرداً للعــامل أو الواقــع‪ ،‬حيــث یعــر عنهــا بألفــاظ‬
‫ومصطلحــات وحتــى برمــوز خمتزلــة‪ ،‬حتمــل يف جوهرهــا معــان عدیدة جمــردة ومركزة‪،‬‬
‫لتتضمــن بذلــك عناصــر متنوعــة وخمتلفــة مرتابطــة‪ ،‬ومنهــا عناصــر أساســیة ومكملــة‬
‫وأخــرى إضافیــة‪ ،‬ختضــع إىل تطــور تاریخــي تتداخــل فیــه عوامــل عدیــدة نظریــة منهــا‬
‫وعملیــة‪ ،‬لتكــون املفاهیــم بذلــك متحركــة ومتدفقــة‪ ،‬وبذلــك ركــزت هــذه األطروحــات‬
‫علــى اجلوانــب التطبیقیــة للمفاهیــم يف العمــارة‪ ،‬باعتبارهــا أفــكاراً متنوعــة جتتمــع‬
‫يف كل موحــد متماســك لتســاهم يف إیجــاد وتكــو یــن املشــروع املعمــاري‪ ،‬ومبــا یحقــق‬
‫االتصــال مــا بیــن ذاتیــة املصمــم واملتلقــي‪ ،‬علــى وفــق تسلســل منطقــي یبــدأ بــاآلراء أو‬
‫األفــكار فاملفاهیــم والســینار یــو‪ ،‬وبأمنــاط متعــددة‪ ،‬وبذلــك تؤكــد األطروحــات علــى‬
‫أمهیــة املفهــوم يف الواقــع والفكــر والفــن بصــورة عامــة‪ ،‬ويف العمــارة بصــورة خاصــة‪،‬‬
‫(‪ )1‬الرمزية يف الفن اإلسالمي – سامر القيسي‪.‬‬
‫(‪ )2‬اجمللــــة األردنیــــة للفنــــون‪ ،‬جملـــد‪9 ،‬عـــدد ‪ - 97،2016،2 - 106‬املفاهيم املعمارية احلديثة والتشكيل املعماري‬
‫املعاصــر للمســجد‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫إذ یعتــر املفهــوم املعمــاري أوســع مــن الفكــرة املعمــار یــة مــن حیــث مشولیتــه وعمقــه‪،‬‬
‫فض ـاً عــن ارتباطــه مبجــاالت متعــددة أمههــا احلــوار الفلســفي واخلطــاب وفلســفة‬
‫التــار یــخ والنمــوذج احلضــاري‪ ،‬كمــا میــزت األطروحــات مابیــن املفهــوم احلــي واملیــت‪،‬‬
‫ومبــا یتوافــق مــع رؤ یــة أن املفاهیــم متحركــة ومتطــورة غیــر مطلقــة(‪.)1‬‬

‫ويعـرّف مفهــوم الفــن املعمــاري بأ ّنــه الفـنّ الــذي يهتـمّ بتكويــن وإنشــاء احلجــوم وأيضـاً‬
‫الفراغــات الــي تُخصّــص مــن أجــل احتضــان الوظائــف والنشــاطات اإلنســانيّة وأيضـاً‬
‫االجتماعيّــة علــى خمتلــف أصنافهــا وأنواعهــا‪ ،‬وبذلــك فــإنّ مفهــوم هــذا الفــنّ هــو‬
‫انعــكاس ألشــكال ومســات اإلجنــازات أكانــت ماديّــة أم حضاريّــة‪ ،‬ولقــد ّ‬
‫مت تقســيم فـنّ‬
‫العمــارة مــن قِبَــل املؤرّخــن إىل حقــبٍ هلــا عالقــة بالزمــن‪ ،‬حيــث وُجــد بــأنّ لــكل حقبــة‬
‫أو مرحلــة زمنيّــة طــرازاً معيّنـاً يطغــى علــى الفــن املعمــاري‪ ،‬فعُرفــت العمــارة العاميّــة‪،‬‬
‫وأيضـاً العمــارة القدميــة‪ ،‬وهنالــك العمــارة اإلســاميّة‪ ،‬وفـنّ العمــارة اآلســيويّة‪ ،‬إضافــة‬
‫إىل العمــارة خــال فــرة العصــور الوســطى‪ ،‬وال ننســى فــنّ العمــارة خــال عصــر‬
‫النهضــة‪ ،‬إضافــة لوجــود عمــارة احلداثــة‪ ،‬وأيض ـاً مــا قبــل احلداثــة‪ ،‬ومــا إىل هنالــك‬
‫مــن عمــارة بيزنطيــة ورومانيّــة وأندلس ـيّة وغريهــا الكثــر‪ ،‬لتأتــي العمــارة املعاصــرة‬
‫أخــراً(‪.)2‬‬

‫وهــذه املفاهيــم اآلنفــة الذكــر ترتبــط ارتباطــاً وثيقــاً مبفاهيــم العمــارة اإلســامية‬
‫الــي هــي بدورهــا وعــاء احلضــارة‪ ،‬وهــي متثــل باخلالصــة اهلُويــة الثقافيــة واملســتوى‬
‫اإلبداعــي واجلمــايل لإلنســان‪.‬‬

‫واســتطاعت العمــارة اإلســامية أن تنتقــل مــن املضــارب يف البــوادي إىل األكــواخ‬


‫يف القــرى‪ ،‬ثــم إىل املبانــي واألوابــد يف املــدن‪ ،‬حاملــة مالمــح أصيلــة‪ ،‬منســجمة مــع‬
‫متطلبــات اإلنســان ومــع تقاليــد بيئتــه‪ ،‬وتتميــز الفنــون اإلســامية بــأن هنــاك وحــدة‬

‫(‪ )1‬املفاهیــم يف العمــارة بیــن النظریــة والتطبیــق ‪ -‬د‪.‬أنــوار صبحــي رمضــان القــره غويل–مــدرس قســم اهلندســة‬
‫املعماریــة ‪ /‬اجلامعــة التكنولوجیــة‪.‬‬
‫(‪ )2‬موضوع – أكرب موقع عربي بالعامل‪.‬‬

‫‪196‬‬
‫عامــة جتمعهــا حبيــث ميكــن أن متيــز أي قطعــة أنتجــت يف ظــل احلضــارة اإلســامية‪،‬‬
‫يف أي قطــر مــن أقطــار العــامل اإلســامي‪ ،‬ولعــل هــذا ســر مــن أســرار تفــوق احلضــارة‬
‫اإلســامية وقدرهتــا الفنيــة علــى صبــغ املنتجــات الفنيــة يف مجيــع األقطــار بصبغــة‬
‫واحــدة‪ ،‬وقــد بــدأت العمــارة اإلســامية ببنــاء املســاجد واألربطــة فاملــدارس واملصليــات‬
‫واخلوانــق واألســبلة والتكايــا‪ ،‬وإذا أردنــا أن نتتبــع تطــور العمــارة اإلســامية وجدنــا‬
‫املســجد حجــر الزاويــة فيــه‪ ،‬لذلــك كان مفهــوم اجلمــال الرمــزي يتمثــل يف‪:‬‬

‫‪ -‬املداخل والبوابات‪:‬‬

‫كانــت املداخــل عبــارة عــن فتحــات عميقــة مســتطيلة يف املســقط األفقــي‪ ،‬عمقهــا‬
‫يقــرب مــن نصــف عرضهــا‪ ،‬وحتتــل معظــم ارتفــاع املبنــى وتنتهــي بعقــد خمصــوص‪،‬‬
‫وكثــراً مــا توضــع هــذه الفتحــة يف بانــوه علــى جانبــه عمــودان وأعــاه حليــة زخرفيــة‬
‫علــى شــكل شــرفة‪.‬‬

‫أمــا الفتحــات فكانــت أعمــال النجــارة فيهــا حتتــل أمكنــة هامــة يف الفتحــة بأشــكال‬
‫هندســية بديعــة مفرغــة حتتــوي علــى الزجــاج امللــون‪ ،‬وخاصــة الفتحــات العلويــة يف‬
‫املبنــى الــي وضعــت علــى شــكل شــرفات مصنوعــة مــن اخلشــب اجملمــع املعــروف‬
‫بأشــغال املشــربيات‪ ،‬والــي تعتــر مــن أهــم العناصــر املعماريــة يف العمارة اإلســامية(‪.)1‬‬

‫ومتيــزت مداخــل األبنيــة العامــة والقصــور يف العمــارة اإلســامية بضخامتهــا‪ ،‬وغالبـاً‬


‫مــا ارتفعــت أطرهــا وعقودهــا وحناياهــا الغائــرة احملرابيــة الشــكل‪،‬حتى بلغــت علــو‬
‫جــدران الواجهــة ورمبــا جاوزهتــا ارتفاعـاً‪ ،‬وقــد اســتعملت يف زخارفهــا مجيــع العناصــر‬
‫املعماريــة اإلســامية وفنوهنــا كفقــرات األقــواس امللونــة واملتداخلــة‪ ،‬والفسيفســاء‬
‫والرخــام واحلليــات احلجريــة واجلصيــة واخلــزف وبشــكل خــاص املقرنصــات‬
‫واملتدليــات‪.‬‬

‫(‪ )1‬الفــن املعمــاري اإلســامي ‪ -‬الســنة الرابعــة إقتصــاد وتصــرف ‪ -‬املعهــد الثانــوي بســيدي بــو علــي ‪ -‬إعــداد‬
‫وتقديــم‪ :‬مليــاء العباســي‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫وكان أول مدخــل صريــح وواضــح يف العمــارة الدينيــة يف مصــر هــو املدخــل الغربــي‬
‫الواقــع يف حمــور جامــع احلاكــم (‪ 403 -380‬هـــ) وهــو يشــابه مدخــل جامــع املهديــة‬
‫بتونــس (‪308‬هـــ) حيــث وضــع البــاب يف قوصــرة كبــرة معقــودة بعقــد مدبــب وتــرز كتلة‬
‫املدخــل عــن مســت الواجهــة‪ ،‬كذلــك ظهــر املدخــل املعقــود مبقرنصــات حبيــث ينتهــي‬
‫بنصــف قبــة‪ ،‬ويظهــر مــن اخلــارج علــى هيئــة عقــد ثالثــي األقــواس‪ ،‬وعــادة حييــط‬
‫باملدخــل «جفــت أو جــدول ينتهــي عنــد رجــل العقــد وينكســر ويــدور داخــل القوصــرة‪،‬‬
‫أمــا البوابــات فهــي غالب ـاً توجــد باألســوار اخلارجيــة للمــدن قدمي ـاً وللمبانــي حديث ـاً‬
‫علــى هيئــة مبانــی وأبــواب غالبـاً مــا تكــون مصنوعــة مــن احلديــد أو علــى هيئة مظالت‬
‫وهبــا غــرف لألمــن أو الكونــرول(‪.)1‬‬

‫‪ -‬األبواب‪:‬‬

‫البــاب هــو املدخــل يف ســور مدينــة أو واجهــة مســجد أو قصــر أو جــدار بيــت أو بــن‬
‫الغــرف‪ ،‬وقــد يكــون البــاب مبصــراع (ضلفــة) واحــد أو اثنني أو أكثر‪ ،‬وقد برع املســلمون‬
‫يف األعمــال اخلشــبية واملعدنيــة واســتغلوا ذلــك يف صناعــة األبــواب‪ ،‬ومــن أشــهر أنــواع‬
‫األبــواب العربيــة مايســمى بالسربســه‪ ،‬حيــث تتألــف ضلفــة البــاب مــن قائمــن ورأســن‘‬
‫فيهمــا حفــر بالقــرب مــن الوجــه لرتكيــب ألــواح الســرس املفــرزة‪ ،‬أمــا األبــواب احلشــو‬
‫فتكــون قائمــن رأســيني وعــدد مــن الــرؤوس العرضيــة يتــم داخلهــا جتمیــع حشــوات مــن‬
‫خشــب أقــل مسكــة مــن مســك عظــم البــاب‪ ،‬ويعمــل هبــا كشــف وتزيــن بأعمــال احلفــر‬
‫البــارز بأشــكال هندســية وزخرفيــة انظــر الشــكل (‪ ،)39‬ولعــل أرقــى مــا وصــل إليــه‬
‫صنــاع األبــواب املســلمني هــو اســتخدام القطــع اخلشــبية الصغــرة وتقطيعهــا وشــطف‬
‫حوافهــا ثــم جتميعهــا بأشــكال هندســية خمتلفــة‪ ،‬ومــن أشــهر هــذه األشــكال مــا يســمى‬
‫باألطبــاق النجميــة» ويتــم تطعيــم هــذه احلشــوات بالصــدف والعــاج أو النحــاس‪ ،‬ومــن‬
‫احلش��وات املسـ�تعملة يف النج��ارة العربيـ�ة مــا تسمــى «باملفروكـ�ة» وهــي عبــارة عــن‬
‫سؤاســات مائلــة بزاويــة (‪ )45‬معشــقة مــع بعضهــا وحتصــر بينهــا مربــع مائــل أيض ـاً‬

‫(‪ )1‬عناصــر العمــارة اإلســامية – مداخــل وبوابــات – أبــواب شــبابيك – مشــربيات – خــرط خشــي – إعــداد‬
‫املهنــدس االستشــاري حييــى وزيــري‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫بزاوية (‪ ،)45‬واستخدم يف بعض األبواب‬
‫لتزيينهــا األشــرطة النحاســية املســبوكة‬
‫واملفرغــة بزخــارف هندســية مجيلــة‬
‫كمــا يتموضــع صــرر حناســية تســاعية‬
‫أو اثنــا عشــرية يف وســط مصراعــي‬
‫البــاب‪ ،‬كمــا عــرف املســلمون تكفيــت‬
‫األبــواب بالذهــب أو بالفضــة أو بالربونــز‬
‫كمــا عملــت ملصاريــع األبــواب مساعــات‬
‫(مطــارق) مــن النحــاس أو الربونــز املســبو‬
‫‪39‬‬ ‫الشكل‬ ‫كاملخــرم واحمللــى بالنقــوش الزخرفيــة(‪.)1‬‬

‫‪ -‬النوافذ والشمسيات والقمريات‪:‬‬

‫أمــا القمريــات فهــي فتحــات مســتديرة أو مربعــة أو مسدســة أو مثمنــة اهليئــة تفتــح يف‬
‫أعلــى اجلــدران أو يف رقــاب القبــب وتغطــي بالزجــاج امللــون انظــر الشــكل (‪.)40‬‬

‫وكمــا توجــد أيض ـاً الزخــارف واحللويــات الــي تفنــن املســلمون يف ابتداعهــا‪ ،‬وجانبهــا‬
‫اجلمــايل يأتــي مــن تكرارهــا وتوازهنــا ملــلء الفراغــات ولوقايــة الداخــل يف املســجد‬
‫مــن الشــمس واملطــر‪ ،‬وجــدت الشماســات‪ ،‬وهــي مظلــة خشــبية مزخرفــة تقــام فــوق‬
‫األبــواب والنوافــذ‪ ،‬وتعــد إحــدى العناصــر اجلماليــة يف عمــارة املســجد(‪.)2‬‬

‫والنافــذة هــي صفــة للطاقــة إذا كانــت ختــرق احلائــط مــن اجلانــب اآلخــر‪ ،‬والطاقــات‬
‫علــى نوعــن‪ :‬صمــاء ونافــذة‪ ،‬فــاألوىل للزخرفــة أو حفــظ املتــاع واألدوات وعرضهــا‪،‬‬
‫والثانيــة للتهويــة واإلضــاءة واإلشــراف علــى اخلــارج‪ ،‬وقــد تكــون النوافــذ ضيقــة مــن‬
‫الداخل واســعة من اخلارج لتوســيع زاوية الرؤية من جهة وختفيف كمية اإلضاءة ومنع‬
‫(‪ )1‬عناصــر العمــارة اإلســامية – مداخــل وبوابــات ‪ -‬أبــواب شــبابيك – مشــربيات – خــرط خشــي – إعــداد‬
‫املهنــدس االستشــاري حييــى وزيــري‪.‬‬
‫(‪ )2‬التطــور املعمــاري للمســاجد – إســام ويــب ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل ‪ -‬وزارة‬
‫اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫األشــعة املباشــرة مــن الدخــول‪ ،‬ويف املســكن‬
‫اإلســامي كانــت النوافــذ الواســعة تطــل‬
‫علــى الصحــن الداخلــي والنوافــذ الضيقة يف‬
‫اجلــدران اخلارجيــة وذلــك ألغــراض مناخية‬
‫ودينيــة اجتماعيــة فــا جيــوز أن يتعــرض‬
‫داخــل الــدار ألنظــار الفضوليــن أو املــارة‬
‫مــن خارجــه‪ ،‬أمــا الشمســيات فهــي وصــف‬
‫للنوافــذ املصنوعــة مــن احلجــر أو الرخــام أو‬
‫‪40‬‬ ‫الشكل‬ ‫اجلــص املفــرغ بزخــارف هندســية أو نباتيــة‬
‫أو كتابيــة وغالبـاً مــا متــأ الفراغــات بزجــاج‬
‫ملــون‪ ،‬ومــن أوائــل الشمســيات الرخاميــة تلــك املوجــودة باملســجد األمــوي‪ ،‬أمــا تلــك‬
‫املوجــودة يف جامــع ابــن طولــون فهــي مشســيات جصيــة ويبلــغ عددهــا ‪ 128‬مشســية‬
‫وكل واحــدة ختتلــف يف زخرفتهــا عــن األخــرى‪ ،‬أمــا القمريــات فهــي عبــارة عــن منــاور‬
‫ضيقــة تفتــح فــوق األبــواب أو النوافــذ أو يف أعلــى اجلــدران وأصــل التســمية نســبة إىل‬
‫«قمــر» إذ أن النــور الــذي يتخللهــا يكــون خافتـاً بعكــس الــذي يدخــل مــن الشمســيات‪،‬‬
‫وتتكــون القمريــات أيضــاً مــن وحــدات جصيــة أو حجريــة خمرمــة ومتــأ الفجــوات‬
‫بينهــا بزجــاج ملــون أو تــرك فارغــة وبعضهــا يتكــون مــن رقتــن أحدمهــا علــى الوجــه‬
‫اخلارجــي واألخــرى علــى الوجــه الداخلــي للحائــط‪ ،‬وتتميــز القمريــات بصفــات مجالية‬
‫خاصــة مبــا فيهــا مــن زخــارف بديعــة إىل جانــب مــا تعطيــه ألــوان الزجــاج املعشــق فيهــا‬
‫مــن ضــوء مريــح للعــن يضفــي جــواً خاصـاً مــن الراحــة واهلــدوء(‪.)1‬‬

‫‪ -‬احملراب‪:‬‬

‫ويف تفســر لفــظ احملــراب يف معامجنــا الكــرى جنــد نفــس اإلهبــام الــذي وجدنــاه يف‬
‫لفــظ (القبلــة) ففــي لســان العــرب البــن منظــور جنــد التعريفــات التاليــة‪:‬‬
‫(‪ )1‬عناصــر العمــارة اإلســامية – مداخــل وبوابــات – أبــواب شــبابيك – مشــربيات – خــرط خشــي – إعــداد‬
‫املهنــدس االستشــاري حييــى وزيــري‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫‪ -‬احملــراب‪ :‬صــدر البيــت وأكــرم موضــع فيــه‪ ،‬واجلمــع حماريــب‪ ،‬وهــو أيض ـاً‬
‫الغرفــة‪.‬‬

‫‪ -‬واحملــراب عنــد العامــة الــذي يقيمــه النــاس اليــوم ليكــون مقــام اإلمــام يف‬
‫املســجد‪.‬‬

‫‪ -‬احملراب‪ :‬أرفع بيت يف اجلار (الزجاج)‪ ،‬واحملراب هنا كالغرفة‪.‬‬

‫‪ -‬ويف احلديــث أن النــي ‪ ‬بعــث عــروة بــن مســعود ‪ ‬إىل قومــه بالطائــف‪،‬‬
‫فأتاهــم ودخــل حمرابـاً لــه‪ ،‬فأشــرف عليهــم عنــد الفجــر‪ ،‬ثــم أ ّذن للصــاة‪ ،‬قــال‪:‬‬
‫وهــذا يــدل علــى أنــه غرفــة يرتقــي إليهــا‪.‬‬

‫‪ -‬وقيــل احملاريــب صــدور اجملالــس‪ ،‬ومنــه مســي حمــراب املســجد‪ ،‬ومنه حماريب‬
‫غمــدان باليمن‪-‬واحملــراب‪( :‬القبلــة) ‪ -‬وحماريــب اجمللــس‪ :‬صــدره وأشــرف‬
‫موضــع فيــه ‪ -‬وحماريــب بــي إســرائيل‪ :‬مســاجدهم الــي كانــوا جيلســون فيهــا‪،‬‬
‫ويف التهذيــب‪ :‬الــي جيتمعــون فيهــا للصــاة‪ ،‬وقولــه تعــاىل‪:‬‬

‫{ َف َخــرَجَ عَ َلــى َقوْمِــهِ مِــنَ الْمِحْــر ِ‬


‫َاب} [مريــم ‪ ]11‬قالــوا‪ :‬مــن املســجد ‪-‬واحملــراب‪ :‬أكــرم‬
‫جمالــس امللــوك‪ -‬وقــال أبــو عبيــدة‪ :‬واحملــراب ســيد اجملالــس ومقدمهــا وأشــرفها‪،‬‬
‫وكذلــك هــو مــن املســاجد‪.‬‬

‫‪ -‬وعــن األصمعــي‪ :‬العــرب تســمي القصــر حمرابـاً لشــرفه ‪ -‬وقيــل‪ :‬احملــراب‪ ،‬املوضــع‬
‫الــذي ينفــرد فيــه امللــك‪ ،‬فيتباعــد مــن النــاس ‪ -‬وقــال األزهــري‪ :‬ومســي احملــراب‬
‫حمراب ـاً النفــراد اإلمــام فيــه وبعــده عــن النــاس‪ ،‬قــال‪ :‬ومنــه فــان حــرب لفــان إذا‬
‫كان بينهمــا تباعــد‪ ،‬وقــال الفــراء يف قولــه‪ :‬مــن حماريــب ومتاثيــل‪ ،‬ذكــر أهنــا صــور‬
‫األنبيــاء واملالئكــة كانــت تصــور يف املســاجد لرياهــا النــاس فيــزدادوا عبــادة– وقيــل‬
‫أن‪ :‬احملــراب الــذي يصلــي فيــه ‪ -‬حمراب ـاً ألن اإلمــام إذا قــام فيــه مل يأمــن أن يلحــن‬
‫أو خيطــئ‪ ،‬فهــو خائــف كأنــه يف مــأوى األســد ‪ -‬واحملــراب‪ :‬مــأوى األســد يقــال‪:‬‬
‫دخــل فــان علــى األســد يف حمرابــه وغيلــه وعرينــه‪ ،‬وابــن األعرابــي‪ :‬احملــراب جملــس‬

‫‪201‬‬
‫النــاس وجمتمعهــم‪ ،‬وهــذه كلهــا معــان متباعــد بعضهــا عــن بعــض‪ ،‬وهــي ال تفســر لنــا‬
‫ملــاذا مســي املوضــع الــذي يقــف جتاهــه اإلمــام إذا قــاد الصــاة حمرابـاً‪ ،‬ومــن األســف‬
‫أن معامجنــا اللغويــة ليســت لديهــا أي فكــرة عــن التطــور التارخيــي للفــظ ومعانيــه‬
‫واســتعماالته‪ ،‬والراجــح أن املعانــي واالســتعماالت للفــظ احملــراب حديثــة جــاءت بعــد‬
‫اســتعمال القــرآن ملصطلــح احملــراب يف معنــاه املعــروف‪ ،‬والــرأي الراجــح عنــد علمــاء‬
‫اللغــات الســامية مــن أمثــال اينوليتمــان وتيــودور نولدكــه(‪ )1‬ويعقوب هوروفيتــز أن اللفظ‬
‫محــري‪ ،‬أي مــن اللهجــات العربيــة اجلنوبيــة‪ ،‬وقــد دخــل إىل اليمــن مــن احلبشــة مــع‬
‫النصرانيــة‪ ،‬يف صــورة‪ ،‬وأصلــه احلبشــي مبعنــى الكنيســة أو املعبــد أو احلنيــة الــي‬
‫يوضــع فيهــا متثــال القديــس‪ ،‬وتنــاول هــذه الفكــرة وبالــغ يف توســيعها علــى عادتــه يف‬
‫كل مــا يتصــور أنــه يضــر اإلســام األب المانــس يف مقالــه عــن زيــاد بــن أبيــه‪ ،‬وشــاع‬
‫اســتعمال اللفــظ بــن نصــارى جنــران للداللــة علــى احلنيــة يف جــدار صــدر الكنيســة‪،‬‬
‫وهنــاك أيضــاً مــا يــدل علــى أن احملــراب كان شــائع االســتعمال يف كنائــس مصــر‪،‬‬
‫وقــد ورد لفــظ احملــراب يف القــرآن أربــع مــرات‪ ،‬ثــاث منهــا يف هــذا املعنــى‪ ،‬والرابعــة‬
‫يغلــب أهنــا فيــه أيضـاً‪،‬ووردت يف صيغــة اجلمــع (حماريــب) مــرة واحــدة مبعنــى حنيــة‬
‫الكنيســة وهيكلهــا الــذي جيمــع الصــور والتماثيــل الدينيــة فــوق املذبــح مباشــرة‪.‬‬

‫ولكــن حمــراب الكنيســة (أو حنيتهــا) ليــس جــزءاً أساســياً يف بنائهــا‪ ،‬فهنــاك كنائــس‬
‫كثــرة جــداً خاليــة مــن احلنيــات‪ ،‬فاملهــم يف الكنيســة هــو املذبــح وهــو منضــدة توضــع‬
‫عليهــا أدوات الصلــوات مــن صلبــان ومباخــر وأجــراس وكــؤوس وكتــب ومــا إىل ذلــك‪،‬‬
‫وخلــف املنضــدة‪ ،‬ويف مواجهــة املصلــن يقــف القــس ومســاعده ليقومــوا بالطقــوس‪،‬‬
‫والقــس ليــس إمــام الصــاة‪ ،‬ألنــه يف احلقيقــة هــو الوحيــد الــذي يصلــي‪ ،‬أمــا مــا يســمى‬
‫باملصلــن يف الكنائــس‪ ،‬فيتابعــون مــا يعمــل ويؤمنــون علــى مــا يقــول أحيانـاً ويركعــون‬
‫بإشــارته‪ ،‬ثــم يعــودون إىل مواقعهــم بإشــارته أيض ـاً‪ ،‬ويــرددون فقــرات معينــة عندمــا‬
‫يشــر إليهــم بذلــك‪ ،‬فهــم يف احلــق ليســوا «مصلــن» وإمنــا هــم «يف حالــة صــاة»‪،‬‬
‫(‪ .Theodor Noldecke, Neve Beitrage fur Semitischen Sprachen, 1910, p. 40 )1‬نقــ َل عنــه د‪ .‬حســن‬
‫مؤنــس ص ‪ - 67‬املســاجد‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫أمــا املســلمون فــكل منهــم يصلــي وحــده حتــى لــو كانــت الصــاة مجاعــة‪ ،‬ومــن ثــم‬
‫فهــم حباجــة إىل إمــام ليوحــد حــركات القيــام والتكبــر والركــوع والســجود ومــا إليهــا‬
‫ويوقتهــا توقيتـاً واحــداً‪ ،‬حتــى يتحــرك املصلــون حركــة واحــدة‪ ،‬وتكــون الصــاة صــاة‬
‫مجاعــة بالفعــل‪ ،‬ومــن هنــا احتاجــت إىل إمــام‪ ،‬واحتــاج اإلمــام إىل حمــراب‪ ،‬وليــس‬
‫مــن الضــروري أن يكــون احملــراب حنيــة‪ ،‬بــل يكفــي تعيــن موضعــه يف جــدار صــدر‬
‫املســجد‪ ،‬ويف بعــض املســاجد األوىل كان يكتفــي بوضــع عالمــة مثــل اللــواء تعــن املــكان‬
‫الــذي يقــف فيــه اإلمــام‪ ،‬ومل تظهــر احملاريــب احملنيــة إال خــال عصــر الوليــد بــن عبــد‬
‫امللــك‪ ،‬ومناذجهــا األوىل تشــبه يف هيئتهــا احملــارة املقلوبــة‪ ،‬وخاصــة يف اجلــزء األعلــى‬
‫مــن احلنيــة‪ ،‬ويف بعــض املســاجد تعمــد الفنــان أن جيعــل اجلــزء األعلــى مــن احلنيــة يف‬
‫هيئــة احملــارة بالضبــط كمــا نــرى يف املســجد األقمــر بالقاهــرة‪ ،‬وهــو مــن عيــون الفــن‬
‫املعمــاري الفاطمــي‪ ،‬ويف مســجد قرطبــة اجلامــع جنــد احملــراب الفريــد الــذي عمــل يف‬
‫الزيــادة الثالثــة يف املســجد‪ ،‬وقــد أمــر هبــا عبــد الرمحــن الناصــر ومتــت علــى أيــد ابنــه‬
‫احلكــم املســتنصر‪ ،‬ويف حكمــه‪ ،‬واجلــزء األعلــى مــن ذلــك احملــراب قطعــة مرمــر واحــدة‬
‫يف هيئــة حمــارة بالضبــط‪ ،‬وهــي آيــة مــن آيــات النحــت والفــن املعمــاري اإلســامي‪،‬‬
‫وهــي تثبــت بصــورة ال تقبــل الشــك الصلــة الوثيقــة بــن هيئــة احملــراب وهيئــة احملــارة‪،‬‬
‫وهــي تذكرنــا مبــا يقولــه بعــض الباحثــن مــن أن هنــاك عالقــة لغويــة بــن لفظــي‬
‫«حمــراب» و «حمــار» وهــي عالقــة تنبــه إليهــا بعــض أســاتذة فقــه الســاميات‪.‬‬

‫والفــرق جســيم علــى أي حــال بــن حنيــة حمــراب اجلامــع وحنيــة الكنيســة‪ ،‬فبينمــا‬
‫األوىل جتويــف يســر يف جــدار القبــة جنــد الثانيــة بــروزاً كام ـاً هبــذا اجلــدار خــارج‬
‫نطــاق الكنيســة‪ ،‬فيصبــح هــذا اجلــدار احننــاء كلــه‪ ،‬وهلــذا فهــو يســمي يف اإلجنليزيــة‬
‫والفرنســية بلفظــن حيمــان هــذا املعنــى‪.‬‬

‫ا طويـاً يف تاريــخ العمــارة اإلســامية‪ ،‬فاختلفــت أشــكاهلا‬


‫وقــد كتبــت احملاريــب فصـ ً‬
‫وأحجامهــا والطــرق اهلندســية الــي أنشــئت مبوجبهــا‪ ،‬وقــد أدرج فريــد شــافعي يف‬
‫ا مطــوالً عــن احملــراب وتارخيــه‬
‫كتابــه يف العمــارة العربيــة يف مصــر اإلســامية فصـ ً‬

‫‪203‬‬
‫وتطــوره‪ ،‬منــذ كان جمــرد عالمــة يســرة علــى جــدار القبلــة يف مســجد الرســول ‪ ،‬إىل‬
‫أن أصبحــت احملاريــب هــذه األشــكال اهلندســية الرائعــة يف مســاجد الطرز الســلجوقية‬
‫والرتكيــة واملغوليــة والرتكيــة العثمانيــة‪.‬‬

‫ويذكــر ابــن دقمــاق واملقريــزي (واملقريــزي ينقــل عــن الواقــدي) أن أول مــن عمــل‬
‫احملــراب يف هيئــة حنيــة كان عمــر بــن عبــد العزيــز‪ ،‬عندمــا أعــاد بنــاء مســجد الرســول ‪‬‬
‫يف املدينــة بأمــر ابــن عمــه الوليــد بــن عبــد امللــك ويضيــف كريــس ويــل إىل هــذه الروايــة‬
‫روايــة أخــرى أوردهــا الســمهوري تقــول‪ :‬إن العرفــاء الذيــن قامــوا بإعــادة بنــاء املســجد‬
‫كانــوا أقباط ـاً مصريــن أرســلهم وايل مصــر‪ ،‬ويســتنتج مــن هاتــن الروايتــن مع ـاً أن‬
‫حنيــة احملــراب دخلــت يف عمــارة املســاجد مــن الكنائــس القبطيــة املصريــة(‪.)1‬‬

‫ويؤيــد كريــس ويــل هــذا الــرأي بعبــارة أوردهــا الســيوطي تقــول‪ :‬إن عمــل احلنايــا‬
‫كان حمرمــاً أول األمــر‪ ،‬ألن فيــه تشــبهاً بكنائــس النصــارى‪ ،‬وليــس لدينــا مــا يؤيــد‬
‫قــول الســيوطي‪ ،‬خاصــة وهــو مــن أهــل القــرن اخلامــس عشــر امليــادي‪ ،‬وال ميكــن‬
‫أن نأخــذ كالمــه عمــا كان حيــدث يف صــدر اإلســام قضيــة مســلمة‪ ،‬وقــد أنفــق‬
‫فريــد شــافعي جهــداً ضخمـاً يف حتقيــق الروايــات املتعلقــة بأصــل احملــراب اجملــوف أو‬
‫املخلــق كمــا يقــول بعــض كتابنــا العــرب وخيــرج القــارئ مــن كالمــه بالشــك يف أن ذلــك‬
‫احملــراب اقتبــس مــن الكنائــس القبطيــة‪ ،‬ونــرى يف حبــث فريــد شــافعي املشــار إليــه أنــه‬
‫يرجــح أن يكــون أقــدم حمــراب جمــوف علــى هيئــة حنيــة ذات مســقط نصــف دائــري‬
‫ال يــزال موجــوداً إىل اآلن هــو املوجــود يف الضلــع اجلنوبــي مــن املنحنــى اخلارجــي‬
‫لقبــة الصخــرة يف القــدس‪ ،‬ويليــه يف التاريــخ احملــراب األوســط يف اجلامــع األمــوي يف‬
‫دمشــق‪ ،‬والــذي ملئــت بــه إحــدى فتحــات البــاب الرئيســي يف اجلــدار اجلنوبــي للملعــب‬
‫الرومانــي القديــم(‪ ،)2‬ونعتقــد أنــه ال يضــر أصالــة العمــارة اإلســامية أن نقبــل افــراض‬
‫دخــول حنيــة احملــراب مــن الكنائــس القبطيــة خاصــة‪ ،‬ومــن املؤكــد أن ثانــي حنيــة يف‬
‫تاريــخ املســاجد كانــت يف إعــادة مســجد عمــرو يف الفســطاط علــى يــد قــرة بــن شــريك‬
‫ســنة ‪92‬هـــ \ ‪ 710‬م‪ .‬بــل هنــاك مــن يذهــب إىل أن الــذي أدخــل هــذه احلنيــة يف جامــع‬

‫(‪ )1‬فريد شافعي العمارة العربية يف مصر ‪ .613‬نق َل عنه د‪ .‬حسني مؤنس ص ‪ -69‬املساجد‪.‬‬
‫(‪ )2‬فريد شافعي العمارة العربية ص ‪ .611‬نقل َ عنه د‪ .‬حسني مؤنس ص ‪ – 70‬املساجد‪.‬‬

‫‪204‬‬
‫عمــرو كان مســلمة بــن خملــد وايل معاويــة ســنة ‪ 47‬هـــ \ ‪ 667‬م‪.‬‬

‫وهنــاك يــدل علــى أن املســلمني اســتخدموا أحيان ـاً خــال العصــر األمــوي حماريــب‬
‫خشــبية توضــع يف املــكان املــراد مــن جــدار القبلــة ويغــر مكاهنــا إذا اقتضــى األمــر‬
‫ذلــك‪ ،‬أي أهنــا كانــت حماريــب متنقلــة‪ ،‬ورمبــا كان هــذا الطــراز مــن احملاريــب ســابقاً‬
‫علــى اســتعمال حماريــب احلنايــا يف عصــر الوليــد بــن عبــد امللــك‪ ،‬وقــد تطــورت‬
‫احملاريــب تطــوراً بعيــداً‪ ،‬وأخــذت أشــكاالً شــتى يف خمتلــف طــرز العمــارة اإلســامية‪،‬‬
‫وأصبحــت مــع الزمــن ناحيــة مــن نواحــي التنافــس يف االبتــكار بــن املعماريــن(‪ ،)1‬ويــرى‬
‫البعــض أن كلمــة حمــراب مشــتقة مــن كلمــة حربــة‪ ،‬حيــث كان يضعهــا الرســول ‪‬‬
‫أمامــه كســرة يف الصــاة‪ ،‬أمــا احملــراب مــن الناحيــة املعماريــة فهــو عبــارة عــن جتويــف‬
‫يف وســط حائــط القبلــة‪ ،‬وقــد وجــد أول حمــراب يف اإلســام يف مســجد الرســول ‪‬‬
‫عندمــا أعيــد بنــاءه بنــاءً علــى أمــر الوليــد عــام ‪ 98-88‬هـــ ‪ 709-707‬م وحيتــوي كل‬
‫مســجد علــى حمــراب وخيتلــف حجــم احملــراب باختــاف مســاحة املســجد وطــول‬
‫حائــط القبلــة وارتفاعــه‪ ،‬ويف العــادة يزخــرف احملــراب باملوزاييــك وبالطــات ســراميك‬
‫والرخــام واخلشــب املدهــون أو اجلــص‪ ،‬ومل يقتصــر وجــود احملــراب يف املســاجد‬
‫فحســب بــل وجــد باملــدارس والبيــوت الســكنية أيضـاً‪ ،‬حيــث احتــل جــزءاً مــن القاعــة‬
‫لصــاة الفريضــة وخصوص ـاً للنســاء وقــد أصبــح احملــراب أهــم عنصــر مزخــرف يف‬
‫املســجد(‪ ،)2‬وجيمــع بــن العلمــاء علــى أن حمــراب مســجد الرســول ‪ ‬األول يف املدينــة‬
‫موجــه حنــو الكعبــة بغايــة الدقــة‪ ،‬وهلــذا يقولــون (ال جيتهــد يف حمــراب رســول اهلل ‪‬‬
‫ألنــه صــواب قطع ـاً إذ ال يقــر علــى خطــأ) (أي أن رســول اهلل ال يوافــق علــى خطــأ‪،‬‬
‫ومــا دام قــد صلــى إليــه فهــو صحيــح) فــا جمــال لالجتهــاد فيــه حتــى ال جيتهــد فيــه‬
‫باليمنــة و اليســرة خبــاف حماريــب املســلمني‪ ،‬واملــراد مبحرابــه ‪ ‬مــكان مصــاه‪،‬‬
‫فإنــه مل يكــن يف زمنــه عليــه الســام حمــراب‪ ،‬قــال الرافعــي‪ ،‬ويف معنــى املدينــة ســائر‬
‫البقــاع الــي صلــى هبــا ‪ ،‬وقــد علــق الزركشــي علــى ذلــك بقولــه‪ :‬ويف ضبطــه عســر‬
‫أو تعــذر‪ ،‬وأحلــق الدارمــي يف (االســتذكار) مبســجد املدينــة مســجد الكوفــة والبصــرة‬
‫(‪ )1‬الدكتور حسني مؤنس املساجد ص (‪.)61-81‬سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬أ‪ .‬د نوبي حممد حسن – حملات إبداعية من فنون العمارة اإلسالمية‪ -‬ص (‪)78-77‬‬

‫‪205‬‬
‫وقبــاء والشــام وبيــت املقــدس‪ ،‬قــال‪ :‬لصالتــه عليــه الســام يف بعضهــا والصحابــة يف‬
‫بعضهــا اآلخــر(‪ ،)1‬وكان املســلمون جيــدون صعوبــة يف حتديــد مواقــع حماريب املســاجد‪،‬‬
‫ألن ذلــك كان يتطلــب معرفــة دقيقــة بعلــم الفلــك لتحديــد اجتــاه الكعبــة بالدقــة‪ ،‬وهلــذا‬
‫قالــوا «القبلــة النــص(‪ :)2‬الكعبــة ومســجد الرســول ‪ ‬ومســجد إيليــاء ومســجد الكوفــة‪،‬‬
‫أربعــة»(‪.)3‬‬

‫وقــد كــره الكثــرون مــن الصاحلــن اســتعمال احملاريــب‪ ،‬ألهنــا أحيانــاً ال توضــع يف‬
‫الوضــع الصحيــح‪ ،‬فيكــون ذلــك مدعــاة خلطــأ اجتــاه املصلــن خلــف اإلمــام‪ ،‬وقــد‬
‫الحــظ الكثــرون مــن فقهــاء مصــر خطـ ًأ اجتــاه قبــات الكثــر مــن مســاجدهم الكــرى‬
‫مثــل جامــع عمــرو بــن العــاص عندمــا جــدده عمــر بــن عبــد العزيــز واختــذ فيــه احملراب‬
‫اجملــوف‪ ،‬وكذلــك قبلــة املســجد الطولونــي منحرفــة احنراف ـاً كبــراً‪ ،‬وقبلــة الشــافعي‬
‫وكثــر مــن القرافــة علــى خــط نصــف النهــار‪ ،‬فــا أدري هــل ذلــك لقصــور أهــل الوقــت‬
‫يف معرفــة أدلــة القبلــة‪ ،‬أم لعــدم االكتفــاء باحملاريــب املنصوبــة اجملهولــة قــد انتهــى(‪،)4‬‬
‫وقــد علــق الزركشــي علــى ذلــك بقولــه‪ :‬وهــذا كالم صحيــح‪ ،‬والظاهــر أن كثــراً مــن‬
‫هــذه احملاريــب إمنــا وضعهــا مــن ليــس لــه معرفــة هبــذا الفــن وال حــرر فيــه التحريــر‬
‫التــام‪ ،‬فالوجــه القطــع جبــواز االجتهــاد فيــه مينــة ويســرة‪ ،‬وقــد أورد الزركشــي يف ‪256‬‬

‫مــن كتابــه «إعــام الســاجد» كالمـاً كثــراً ًعــن كراهيــة بعــض الســلف اختــاذ احملاريــب‬
‫يف املســاجد‪ ،‬والصــاة يف نطــاق املســجد أي حيــث احملــراب‪ ،‬واحلقيقــة أننــا ال نعــرف‬
‫مــا يدعــو إىل كراهيــة الصــاة يف احملاريــب‪.‬‬

‫ونزيــد علــى مــا قــال الزركشــي هنــا عــن عــدم دقــة حتديــد قبــات الكثــر مــن املســاجد‬

‫(‪ )1‬الزركشي إعالم الساجدص ‪ ،259‬نقل َ عنه د‪ .‬حسني مؤنس ص (‪ – )71‬املساجد‪.‬‬


‫(‪ )2‬أي القبلة اليت الشك يف صحة توجيهها‪.‬نقل َ عنه د‪.‬حسني مؤنس ص (‪ - )71‬املساجد‪.‬‬
‫(‪ )3‬ورد يف اهلامــش‪ :‬وإفريقيــة‪ ،‬وهــو خطــأ بدليــل قولــه أربعة‪.‬واحلقيقــة أن ذكــر أفريقيــة هنــا صــواب ال خطــأ‪،‬‬
‫ألن الــذي بنــى مســجدها‪ ،‬مســجد القــروان هــو التابعــي عقبــة بــن نافــع وقــد بــذل جمهــوداً كبــراً يف حتــري اجتــاه‬
‫قبلتــه‪ ،‬انظــر الزركشــي‪ ،‬إعــام الســاجد ص ‪،259‬نق ـ َل عنــه د‪.‬حســن مؤنــس ص (‪ - )71‬املســاجد‪.‬‬
‫(‪ )4‬الزركشــي إعــام الســاجد‪ ،‬نفــس الصفحــة‪ ،‬ومل يقــل عمــن ينقــل هنــا ولكــن الغالــب أنــه ينقــل عــن أبــي عبــد‬
‫اهلل القضاعــي‪ ،‬وهــو أقــدم مــن ألــف يف خطــط مصــر وعنــه أخــذ املقريــزي ومعظــم اعتمــاده عليــه‪ ،‬نقـ َل عنــه‬
‫د‪ .‬حســن مؤنــس ص ( ‪ – )71‬املســاجد‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫الــي بنيــت يف املاضــي أن هنــاك شــكاً كبــراً يف صحــة توجيــه قبــات الكثــر مــن‬
‫مســاجد الغــرب‪ ،‬ومــن املقطــوع بــه أن مســجد قرطبــة اجلامــع مل تكــن قبلتــه صحيحــة‬
‫التوجيــه‪ ،‬وقــد حتــدث الفقهــاء يف ذلــك إىل اخلليفــة الناصــر فــرأى أال يهــدم جــدار‬
‫القبلــة هلــذا الســبب‪ ،‬ومــع ذلــك فاالحنــراف يف غالــب احلــاالت قليــل‪.‬‬

‫واختــذ احملــراب اجملــوف لإلمــام يف الصــاة وللداللــة علــى جهــة القبلــة‪ ،‬وكان أوهلــا يف‬
‫مســجد املدينــة(‪ ،)1‬وهــو نتــوء يف منتصــف اجلــدار املواجــه للقبلــة يــدل علــى اجتاههــا‪،‬‬
‫يكــون احملــراب عــادة علــى شــكل طاقــة نصــف دائريــة أو مضلعــة جموفــة تســع أن يقــف‬
‫فيهــا رجــل احملــراب‪.‬‬

‫وقــد قــال ابــن األثــر‪ :‬احملــراب هــو املوضــع العــايل املشّــرف‪ ،‬وقــال ابــن منظــور يف‬
‫لســان العــرب مــادة حــرب واملِحْــرابُ‪ :‬صَــدْرُ البَيْــتِ‪ ،‬وأ َ ْكــرَمُ مَوْضِــ ٍع فيــه‪ ،‬واجلمــع‬
‫املَحا ِريــبُ‪ .‬وقــال أَبــو حنيفــة‪ :‬املِحْــرابُ أ َ ْكــرَمُ مَجالِــس املُلــوكِ‪ ،‬وقــال أَبــو عبيــدة‪:‬‬
‫املِحْــرابُ سَـ ِّيدُ الــمَجالِس‪ ،‬ومُ َق ّدَمُهــا وأَشْـرَ ُفها‪ ،‬قــال‪ :‬وكذلــك هــو مــن املســاجد‪ ،‬وقــال‬
‫كروزيــل ‪ -‬عندمــا تكلــم عــن أصــل كلمــة حمــراب (وردت هــذه الكلمــة يف أشــعار العــرب‬
‫قدميـاً‪ ،‬غــر أهنــا مل يكــن هلــا معنــى ديــي يف تلــك األيــام)‪ ،‬بــل كانــت تــدل علــى أشــياء‬
‫دنيويــة‪ ،‬ويــرى نولدكــه أهنــا كانــت تعــي بنــاء امللــك أو األمــر‪ ،‬واملستشــرق النمســاوي‬
‫رودوكوناكيــس عندمــا حقــق أصــل كلمــة احملــراب قــال إن احملــراب هــو اجلــزء أو املــكان‬
‫الــذي يكــون يف قصــر امللــك وخيصــص لوضــع العــرش فيــه كمــا يف قصــر عمــرة مثـاً‪،‬‬
‫يفيــد يف تعيــن اجتــاه القبلــة‪ ،‬ويفيــد يف حتديــد مــكان اإلمــام عنــد الصــاة‪ ،‬وكذلــك‬
‫يف توســيع طاقــة املســجد مبــا يقــرب مــن صــف املصلــن يف الصــاة اجلامعــة‪ ،‬ليتســع‬
‫لإلمــام يف ركوعـهِ وســجوده أثنــاء الصــاة‪ ،‬حبيــث ال يشــغل مســاحة كبــرة يســتهلكها‬
‫هــذا اإلمــام مــن أصــل مســاحة املســجد دون أي طائــل أو فائــدة‪،‬‬

‫ويســاعد علــى جتميــع صــوت اإلمــام وتكبــره‪ ،‬وإيصالــه للمصلــن الذيــن يوليهــم ظهــره‬
‫أثنــاء الصــاة‪ ،‬ال ســيما قبــل اخــراع آلــة مكــر الصــوت‪ ،‬واحملــراب مــن املصــاحل املرســلة‬

‫(‪ )1‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫الــي تبــدو ملــن ال بصــرة لــه‪ ،‬كأهنــا بــدع جيــب جتنبهــا وعــدم إقرارهــا‪ ،‬وهــو عبــارة عــن‬
‫عالمــة دالــة علــى القبلــة؛ إذ لوالهــا لــكان العــوام ومــن ال علــم هلــم إذا دخــل املســجد يف‬
‫وقــت ال يوجــد غــره حيتــار يف القبلــة‪ ،‬وقــد يصلــي إىل غريهــا(‪.)1‬‬

‫واحملــراب عبــارة عــن جتويــف غــر نافــذ‪ ،‬يف وســط جــدار القبلــة‪ ،‬يقــف اإلمــام فيــه‬
‫أو أمامــه متجه ـاً إىل القبلــة‪ ،‬وأول مــن أحدثــه يف املســجد النبــوي هــو عمــر بــن عبــد‬
‫العزيــز‪ ،‬يف عمــارة الوليــد بــن عبــد امللــك للمســجد النبــوي عــام ‪ 91 - 88‬هـــ‪ ،‬وهــذا ال‬
‫يعــي أن املســجد النبــوي هــو أول مســجد يقــام فيــه احملــراب‪ ،‬فمــن املعــروف أن عبــد‬
‫امللــك بــن مــروان بنــى مســجد قبــة الصخــرة الــذي أجنــز بنــاءه عــام ‪ 72‬هـــ وأنشــأ يف‬
‫جــداره اجلنوبــي حمراب ـاً‪ ،‬ولعــل الــذي دعاهــم إىل إنشــائه‪ ،‬هــو حتديــد مــكان اإلمــام‬
‫وهــو يف الوقــت نفســه بيــان جلــدار القبلــة‪ ،‬وفائــدة ثانيــة‪ ،‬أمكــن التوصــل إليهــا فيمــا‬
‫بعــد‪ ،‬وهــي تضخيــم صــوت اإلمــام حبيــث يصــل إىل املصلــن مجيعهــم‪ ،‬حتــى ولــو كان‬
‫املســجد واســعاً‪ ،‬وذلــك اعتمــاداً علــى دراســة الصــوت وانعكاســه‪ ..‬وضبــط احننــاء‬
‫احملــراب مبقاييــس مقــدرة‪ ،‬ومــن احملاريــب الــي كانــت تــؤدي هــذه املهمــة حمــراب‬
‫جامــع قرطبــة‪ ،‬إذ أن وجــود احملــراب كان تلبيــة ألكثــر مــن حاجــة‪ ،‬ومــع ذلــك فقــد وقــف‬
‫منــه بعــض الفقهــاء موقف ـاً متشــدداً‪ ،‬لكونــه شــيئاً حمدث ـاً مل يكــن يف عهــد النــي ‪،‬‬
‫ولكــن بعــض املؤشــرات تــدل علــى أن أصــل الفكــرة ال ختــرج عــن نطــاق الســنة فقــد‬
‫روى اإلمــام أمحــد يف أمــر اختــاذ املنــر‪ ،‬عــن أبــي بــن كعــب قولــه‪« :‬كان رســول اهلل ‪‬‬
‫يصلــي إىل جــذع‪ ،‬وكان املســجد عريشـاً‪ ،‬وكان خيطــب إىل جانــب ذلــك اجلــذع‪ ،‬ففــي‬
‫قــول أبــي (كان ‪ ‬يصلــي إىل جــذع) إشــارة إىل أن اجلــذع كان لــه مهمــة أخــرى غــر‬
‫اخلطبــة إىل جانبــه‪ ،‬وهــي الصــاة خلفــه‪ ،‬والنــي ‪ ‬هــو اإلمــام‪ ،‬فهــذا يعــي أن اجلــذع‬
‫أصبــح عالمــة حتــدد مــكان اإلمــام‪ ،‬وبالتــايل فهــي حتــدد جــدار القبلــة أيضـاً‪ ،‬وال يقبــل‬
‫هنــا قــول القائــل‪ :‬إن اجلــذع كان ســرة‪ ،‬ألن اجلــدار كان خلفــه مباشــرة ويف اجلــدار‬
‫كفايــة(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬األلوكة الثقافية – األلفاظ اجلمالية (التعريف باجلمال وحقيقته ومكانته) ‪ -‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‪.‬‬

‫‪208‬‬
‫واحملــراب عبــارة عــن جتويــف غــر نافــذ يف وســط جــدار القبلــة انظــر الشــكل (‪،)41‬‬
‫وأحيانــا تكــون مســطحة(‪ ،)1‬ووردت كلمــة «احملــراب» يف القــرآن الكريــم أربــع مــرات‬
‫ووردت كلمــة «احملاريــب» مــرة واحــدة { َف َت َقبَّ َلهَــا رَبُّهَــا ب ِ َقبُــو ٍل حَسَــنٍ وَ َأنبَ َتهَــا نَبَاتـ ًا حَسَــن ًا وَ َك َّف َلهَــا‬
‫ـال يَــا مَرْيَـمُ َأنَّــى لَـكِ هَـ َـذا َقالَـتْ هُـوَ‬
‫َز َك ِريَّــا ُك َّلمَــا دَخَـ َـل عَ َليْهَــا َز َك ِريَّــا الْمِحْـرَابَ وَجَـدَ عِندَهَــا ِر ْزقـ ًا َقـ َ‬
‫ـاب}‪ ،‬ســورة آل عمــران ‪ -‬اجلــزء ‪ - 3‬اآليــة‬ ‫مِـنْ عِنـدِ ال ّلـهِ إنَّ ال ّلـهَ يَـر ُْز ُق مَــن يَشَــاء ب َِغيْـ ِر حِسَـ ٍ‬
‫َاب َأنَّ ال ّلـهَ يُبَشِّـر َُك بِيَحْيَــى مُصَدِّ ًقــا ب َِكلِمَـةٍ مِّـنَ‬
‫‪َ { ،37‬فنَادَتْـهُ الْمَآلئ َِكـ ُـة وَهُـوَ َقائِـمٌ يُصَلــي فِــي الْمِحْـر ِ‬
‫ال ّلــهِ وَسَــيِّدًا وَحَصُــور ًا وَنَ ِبيًّــا مِّــنَ الصَّ ِّالِحِــنَ}‪ .‬ســورة آل عمــران ‪ -‬اجلــزء ‪ - 3‬اآليــة ‪،39‬‬
‫ـاك نَبَـ ُأ ال ْ َخصْـ ِم إِ ْذ َتسَـوَّرُوا الْمِحْـرَابَ}‪ ،‬ســورة‬ ‫وســورة ص ‪ -‬اجلــزء ‪ - 23‬اآليــة ‪{ ،21‬وَهَـ ْـل َأ َتـ َ‬
‫َاب َف َأوْحَــى إِلَيْ ِهـمْ َأن سَـبِّحُوا ب ُْكـرَةً‬
‫ص ‪ -‬اجلــزء ‪ - 23‬اآليــة ‪َ { ،21‬ف َخـرَجَ عَ َلــى َقوْمِـهِ مِـنَ الْمِحْـر ِ‬
‫وَعَشِـيًّا}‪ .‬ســورة مريــم ‪ -‬اجلــزء ‪ - 16‬اآليــة ‪ ،11‬ووردت كلمــة «احملاريــب» مــرة واحــدة‪،‬‬
‫وكلمــة «احملــراب» كلمــة عربيــة قدميــة‪ ،‬وردت يف معاجــم اللغــة يف مــادة «حــرب» ومــن‬
‫معانيهــا‪ :‬صــدر اجمللــس‪ ،‬ومنــه حمــراب املســجد‪ ،‬واحملــراب أيضـاً الغرفــة ومنــه قولــه‬
‫تعــاىل «فخــرج علــى قومــه مــن احملــراب» قيــل مــن املســجد وكان ورودهــا يف كتــاب اهلل‬
‫مبدلوالهتــا القدميــة‪ ،‬حيــث تعــي كلمــة حمــراب «الغرفــة العاليــة أو املســتقلة‪ ،‬أو أفضــل‬
‫مــكان يف القصــر أو البيــت‪ ،‬وقــد تعــارف العلمــاء‬
‫علــى إطــاق كلمــة «احملــراب» علــى جــدار القبلــة‪،‬‬
‫وقــد اســتعمل رســول اهلل ‪ ‬احلربــة والعنــزة يف‬
‫حتديــد اجتــاه القبلــة أثنــاء الصــاة يف الفضــاء‪،‬‬
‫ومل تعــرف الكلمــة مبعناهــا املعــروف اليــوم‪ ،‬إال‬
‫بعــد أن انتشــر اإلســام مشــرقاً ومغرب ـاً‪ ،‬وباتــت‬
‫هنــاك حاجــة ملحــة لتحديــد اجتــاه القبلــة‬
‫الــي أمــر اهلل تعــاىل عبــاده باالجتــاه إليهــا يف‬
‫‪41‬‬ ‫الشكل‬ ‫صلواهتــم‪.‬‬

‫ويــروى يف هــذا الشــأن أنــه عندمــا أعــاد وايل املدينــة املنــورة عمــر بــن عبــد العزيــز‬
‫(‪ )1‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫بنــاء املســجد النبــوي الشــريف‪ ،‬دعــا علمــاء املدينــة ورجاالهتــا لتحديــد مــكان القبلــة يف‬
‫البنيــان اجلديــد قائـاً‪ :‬تعالــوا أحضــروا بنيــان قبلتكــم ‪ ..‬ال تقولــوا غــر عمــر قبلتنــا‪،‬‬
‫وحــن بنــى عمــرو بــن العــاص مســجده الــذي مســاه مســجد الفتــح يف الفســطاط‬
‫«القاهــرة القدميــة» شــارك مثانــون رجــاً مــن صحابــة رســول اهلل ‪ ‬يف حتديــد‬
‫مــكان القبلــة‪ ،‬وبعــد أن أصبــح احملــراب جــزءاً أساســياً يف عمــران املســاجد‪ ،‬اســتقر‬
‫معنــى كلمــة «احملــراب» علــى أهنــا جتويــف يف جــدار املســجد باجتــاه الكعبــة املشــرفة‪،‬‬
‫وتالشــى اســتعمال الكلمــة يف غــر هــذا املعنــى عــدا مــا ورد يف القــرآن الكريــم بطبيعــة‬
‫احلــال‪ ،‬وال يعــرف بالتحديــد مــن كان أول مــن أوجــد احملــراب يف املســجد‪ ،‬فهنــاك‬
‫أقــوال تنســب ذلــك إىل اخلليفــة الثالــث عثمــان بــن عفــان ‪ ‬وأخــرى تنســبه إىل‬
‫اخلليفــة األمــوي معاويــة بــن أبــى ســفيان ‪ ،‬وهنــاك أقــوال تنســبه إىل آخريــن‪ ،‬وقــد‬
‫يفســر تعــدد الروايــات هــذا بــأن كلمــة «احملــراب» اســتخدمت ‪ -‬كمــا أشــرنا مبعــان‬
‫عديــدة ممــا ال ميكــن معــه التأكــد مــا إذا كان املقصــود هــو «احملــراب» كمــا هــو معــروف‬
‫اليــوم‪ ،‬أو أن املقصــود شــيء آخــر‪ ،‬علــى أن حتديــد القبلــة كان أول ‪ -‬وأهــم ‪ -‬مــا وجــه‬
‫بنــاة املســاجد إليــه‪ ،‬يف خمتلــف األقطــار الــي دخلــت يف اإلســام(‪ ،)1‬وكان بناة املســاجد‬
‫أولئــك يكتفــون بوضــع عالمــة علــى اجلــدار املتجــه حنــو القبلــة‪ ،‬أو بدهــان جــزء مــن‬
‫اجلــدار بلــون مميــز‪ ،‬أو بوضــع بالطــة بــدالً مــن ذلــك‪ ،‬وبذلــك يقــف اإلمــام إزاء اجلدار‪،‬‬
‫ويــؤدي الصــاة أمــام جتويــف مــكان احملــراب يف اجلــدار املتجــه حنــو القبلــة‪ ،‬وقــد‬
‫اســتأثر «احملــراب» باهتمــام بنــاة املســاجد مــن اخللفــاء وامللــوك والســاطني واألمــراء‬
‫والــوالة يف ســياق عمــارة املســاجد‪ ،‬حتــى اشــتهرت حماريــب معينــة يف الــراث املعمــاري‬
‫اإلســامي تنســب إىل مــن أنشــأها أو أنشــئت يف عهودهــم(‪.)2‬‬

‫وكلمــة «احملــراب» كلمــة عربيــة قدميــة وردت يف معاجــم اللغــة يف مــادة «حــرب»‬
‫ومــن معانيهــا‪ :‬صــدر اجمللــس ومنــه حمــراب املســجد واحملــراب أيض ـاً الغرفــة ومنــه‬
‫قولــه تعــاىل {فخــرج علــى قومــه مــن احملــراب} قيــل مــن املســجد وكان ورودهــا يف كتــاب‬

‫(‪ )1‬منتديات ستار تاميز – تطور العمارة يف املساجد والعناصر املكونة هلا‪.‬‬
‫(‪ )2‬منتديات ستار تاميز ‪ -‬تطور العمارة يف املساجد والعناصر املكونة هلا‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫اهلل مبدلوالهتــا القدميــة‪ ،‬حيــث تعــي كلمــة حمــراب «الغرفــة العاليــة أو املســتقلة أو‬
‫أفضــل مــكان يف القصــر أو البيــت‪ ،‬وبعــد أن أصبــح احملــراب جــزءاً أساســياً يف عمــران‬
‫املســاجد اســتقر معنــى كلمــة «احملــراب» علــى أهنــا جتويــف يف جــدار املســجد باجتــاه‬
‫الكعبــة املشــرفة وتالشــى اســتعمال الكلمــة يف غــر هــذا املعنــى‪ ،‬عــدا مــا ورد يف‬
‫القــرآن الكريــم بطبيعــة احلــال وال يعــرف بالتحديــد مــن كان أول مــن أوجــد احملــراب‬
‫يف املســجد‪ ،‬فهنــاك أقــوال تنســب ذلــك إىل اخلليفــة الثالــث عثمــان بــن عفــان ‪،‬‬
‫وأخــرى تنســبه إىل اخلليفــة األمــوي معاويــة بــن أبــى ســفيان ‪ ،‬وهنــاك أقــوال تنســبه‬
‫إىل آخريــن وقــد يفســر تعــدد الروايــات هــذا بــأن كلمــة «احملــراب» اســتخدمت ‪ -‬كمــا‬
‫أشــرنا مبعــان عديــدة‪ ،‬ممــا ال ميكــن معــه التأكــد مــا إذا كان املقصــود هــو «احملــراب»‬
‫كمــا هــو معــروف اليــوم أو أن املقصــود شــيء آخــر‪ ،‬علــى أن حتديــد القبلــة كان أول‬
‫‪ -‬وأهــم ‪ -‬مــا وجــه بنــاة املســاجد إليــه يف خمتلــف األقطــار الــي دخلــت يف اإلســام‪،‬‬
‫وكان بنــاة املســاجد أولئــك يكتفــون بوضــع عالمــة علــى اجلــدار املتجــه حنــو القبلــة‪ ،‬أو‬
‫بدهــان جــزء مــن اجلــدار بلــون مميــز أو بوضــع بالطــة بــدال مــن ذلــك‪ ،‬وبذلــك يقــف‬
‫اإلمــام إزاء اجلــدار ويــؤدي الصــاة‪ ،‬أمــا جتويــف مــكان احملــراب يف اجلــدار املتجــه‬
‫حنــو القبلــة‪ ،‬فأغلــب الظــن أن أول مــن نفــذه هــو وايل املدينــة املنــورة عمــر بــن عبــد‬
‫العزيــز‪ ،‬عندمــا أعــاد بنــاء املســجد النبــوي الشــريف يف خالفــة الوليــد بــن عبــد امللــك‪،‬‬
‫وقــد اســتأثر «احملــراب» باهتمــام بنــاة املســاجد مــن اخللفــاء وامللــوك والســاطني‬
‫واألمــراء والــوالة يف ســياق عمــارة املســاجد حتــى اشــتهرت حماريــب معينــة يف الــراث‬
‫املعمــاري اإلســامي تنســب إىل مــن أنشــأها أو أنشــئت يف عهودهــم(‪.)1‬‬

‫فاحملــراب إذاً يف تعاريــف عديــدة ويف مواضــع كثــرة‪ ،‬منهــا أيضـاً يف لغــة األســد مــأوى‬
‫األســد‪ ،‬وجــاء يف القامــوس احمليــط تفســراً ملصطلــح الكلمــة «فاحملــراب الغرفــة‪،‬‬
‫وصــدر البيــت وأكــرم مواضعــه‪ ،‬ومقــام اإلمــام يف املســجد‪ ،‬واملوضــع الــذي ينفــرد‬
‫بــه امللــك فيتباعــد بــه عــن النــاس‪ ،»...‬واحملــراب هــو القبلــة وتوجــه املصلــن واحملــل‬
‫(‪ )1‬إســام ويــب ‪ -‬التطــور املعمــاري للمســاجد– العناصــر األساســية يف املســاجد ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل‪ ،‬وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‪..‬‬

‫‪211‬‬
‫الــذي يتصــل اإلنســان املســلم بربــه‪ ،‬كمــا ميثــل عنصــراً يف غايــة األمهيــة يف عمــارة‬
‫املســجد بشــكله اجملــوف‪ ،‬ومل يذهــب املســجد بعيــداً عــن منظومــة احملــراب االعتيادية‪،‬‬
‫فمحــراب املســجد يرتفــع بارتفــاع جــدار القبلــة داخليـاً‪ ،‬وتعبــراً عــن الســمو ويتناســب‬
‫مــع ارتفاعــه القبــة الــي تعلــو فــراغ احملــراب‪ ،‬والــي ترتفــع عــن مســتوى كل عناصــر‬
‫املســجد باســتثناء مئذنتــه(‪.)1‬‬

‫وأمكــن التوصــل إليهــا فيمــا بعــد‪ ،‬وهــي تضخيــم صــوت اإلمــام حبيــث يصــل إىل‬
‫املصلــن مجيعهــم‪ ،‬حتــى ولــو كان املســجد واســعاً‪ ،‬وذلــك اعتمــاداً علــى دراســة الصــوت‬
‫وانعكاســه‪ ..‬وضبــط احننــاء احملــراب مبقاييــس مقــدرة‪ ،‬ومــن احملاريــب الــي كانــت‬
‫تــؤدي هــذه املهمــة حمــراب جامــع قرطبــة(‪.)2‬‬

‫وكلمــة «احملــراب» كلمــة عربيــة قدميــة وردت يف معاجــم اللغــة يف مــادة «حــرب»‬
‫ومــن معانيهــا‪ :‬صــدر اجمللــس ‪ -‬ومنــه حمــراب املســجد‪ -‬واحملــراب أيضــاً الغرفــة‬
‫ومنــه قولــه تعــاىل {فخــرج علــى قومــه مــن احملــراب}‪ ،‬وقــد تعــارف العلمــاء علــى‬
‫إطــاق كلمــة «احملــراب» علــى جــدار القبلــة‪ ،‬وقــد اســتعمل رســول اهلل ‪ ‬احلربــة‬
‫والعنــزة يف حتديــد اجتــاه القبلــة أثنــاء الصــاة يف الفضــاء ومل تعــرف الكلمــة مبعناهــا‬
‫املعــروف اليــوم إال بعــد أن انتشــر اإلســام مشــرقاً ومغربــاً‪ ،‬وباتــت هنــاك حاجــة‬
‫ملحــة لتحديــد اجتــاه القبلــة الــي أمــر اهلل تعــاىل عبــاده باالجتــاه إليهــا يف صلواهتــم‪.‬‬
‫ويستفاد من احملراب ما يأتي‪:‬‬
‫● يفيد يف تعيني اجتاه القبلة‪.‬‬
‫● يفيد يف حتديد مكان اإلمام عند الصالة‪.‬‬
‫● يفيــد يف توســيع طاقــة املســجد مبــا يقــرب مــن صــف مــن املصلــن يف الصــاة‬
‫اجلامعة‪ ،‬ليتســع لإلمام يف ركوعه وســجوده أثناء الصالة‪ ،‬حبيث ال يشــغل مســاحة‬
‫كبــرة يســتهلكها هــذا اإلمــام مــن أصــل مســاحة املســجد دون أي طائــل أو فائــدة‪.‬‬
‫(‪ )1‬عناصر بناء املسجد يف فن العمارة اإلسالمية– مدونة الدكتور األستاذ خليل حسن الزركاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬األلوكة – موقع الكرتوني ‪ -‬العناصر املعمارية يف املسجد النبوي ‪ -‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫● يســاعد علــى جتميــع صــوت اإلمــام وتكبــره‪ ،‬وإيصالــه للمصلــن الذيــن يوليهــم‬
‫ظهــره أثنــاء الصــاة‪ ،‬ال ســيما قبــل اخــراع مكــرات الصــوت(‪.)1‬‬

‫‪ -‬املقرنصات والداليات‬

‫تعتــر املقرنصــات مــن املبتكــرات املعماريــة اإلســامية‪ ،‬ويشــبه املقرنــص الواحــد‬


‫إذا أخــذ مفصــوالً عــن جمموعتــه احملــراب الصغــر أو جــزءاً طولي ـاً منــه‪ ،‬وتســتخدم‬
‫املقرنصــات يف صفــوف مدروســة التوزيــع والرتكيــب حتــى لتبــدو كل جمموعــة مــن‬
‫املقرنصــات وكأهنــا بيــوت النحــل‪ ،‬وقــد اســتعملت املقرنصــات كعنصــر زخــريف يف‬
‫جتميــل وزخرفــة الواجهــات أســفل الشــرفات ويف املــآذن وعنــد التقــاء الســطوح احلــادة‬
‫األطــراف يف األركان بــن األســقف واجلــدران انظــر الشــكل (‪ ،)42‬كمــا اســتعملت‬
‫كعنصــر إنشــائي يف تيجــان األعمــدة ويف حتويــل املســقط املربــع إىل دائــرة إلمــكان‬
‫تغطيتهــا بالقبــة‪ ،‬وبذلــك مجعــت املقرنصــات بــن الزخرفــة الناجتــة عــن الظــل والنــور‬
‫نتيجــة للســطوح البــارزة واملرتــدة بــن وحداهتــا املتجــاورة واملرتاصــة أفقي ـاً ورأســياً‪،‬‬
‫وبــن وظيفتهــا اإلنشــائية‪ ،‬ويســمى املقرنــص تبعـاً لشــكله أو مصــدره فيوجــد املقرنــص‬
‫البلــدي واملقرنــص الشــامي أو احللــي واملقرنــص املثلــث واملقرنــص بداليــة‪ ..‬أمــا‬
‫الداليــات فهــي امتــداد لعقــد واجهــة املقرنــص وبتعبــر أدق هــي رجــا عقــد املقرنــص‬
‫ولكــن برؤيــة تشــكيلية مبتكــرة وهــي يف ذلــك تشــبه الداليــات واملتســاقطات الــي تنــزل‬
‫مــن ســقوف بعــض الغــارات القدميــة ومــن هنــا‬
‫جــاءت التســمية األجنبيــة للمقرنصــات بــال‬
‫‪ ،stalactites‬ولقــد ظهــرت املقرنصــات ألول‬
‫مــرة بعضــد بــاب مدفــن جنبــادی کابــوس‬
‫يف جورجــان بإيــران‪ ،‬ويف مصــر ظهــرت ألول‬
‫مــرة بكورنيــش اجلــزء الســفلي مــن مئذنــة‬
‫‪42‬‬ ‫الشكل‬

‫(‪ )1‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA -M1- -‬املســاجد ‪-‬‬
‫مق ـدّم مــن ريتــا خليــل بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬
‫محــود‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫اجليوشــى بالعصــر الفاطمــي(‪.)1‬‬

‫واملقرنصــات هــي زخــارف تشــبه خاليــا النحــل اســتعملت يف املســاجد كعامــل إنشــائي‪،‬‬
‫ثــم اســتعملت كعامــل زخــريف للتجميــل‪ ،‬وقــد بــدأ ظهــور املقرنصــات يف القــرن احلــادي‬
‫عشــر امليــادي‪ ،‬ثــم أقبــل رجــال املعمــار علــى اســتعماهلا يف املبانــي اإلســامية وبنــاء‬
‫املســاجد‪ ،‬وأصبحــت مــن مساهتــا الظاهــرة يف تصميــم الواجهــات واملــآذن والقبــاب‬
‫واألســقف اخلشــبية واألعمــدة‪ ،‬واختلفــت أشــكاهلا باختــاف الزمــان واملــكان والغــرض‬
‫الــذي تعمــل مــن أجلــه‪ ،‬واألصــل يف اســتعمال املقرنصــات كعامــل إنشــائي كان التــدرج‬
‫مــن الســطح املربــع إىل الســطح الدائــري الــذي يــراد إقامــة القبــاب عليــه‪ ،‬وقــد طــور‬
‫العــرب كل األفــكار القدميــة وتوصلــوا يف العصــر اإلســامي الزاهــر إىل فكــرة االنتقــال‬
‫مــن املربــع إىل املثمــن لبنــاء القبــاب عــن طريــق املقرنصــات الــي أخــذت تنتشــر‬
‫بســرعة‪ ،‬فاســتعملت يف القبــاب واملــآذن واألســقف اخلشــبية واألعمــدة وغريهــا مــن‬
‫عناصــر البنــاء اإلنشــائية و الزخرفيــة‪ ،‬كمــا أخــذت املقرنصــات أشــكال متعــددة حســب‬
‫االســتعمال وحســب الشــكل املطلــوب(‪.)2‬‬

‫● وهــي مأخــوذة عــن النــوازل والصواعــد املؤلفــة مــن ســبعة عناصــر مركبــة‬
‫بشــكل مثلثــي‪ ،‬توجــد علــى تــاج األعمــدة أو علــى الطنــف أو األفاريز‪,‬وتكــون مــن‬
‫اجلــص أو احلجــر املنحــوت أو حمفــورة علــى اخلشــب أو مــن الطــن احملــروق(‪.)3‬‬

‫● وبــدأ اســتخدام املقرنصــات (‪ )4‬يف العمــارة اإلســامية يف القــرن (‪5‬هـــ‪11/‬م)‪،‬‬


‫ثــم أقبــل املســلمون بعــد ذلــك علــى اســتخدامها إقبــاالً كبــراً حتــى صــارت مــن‬
‫أبــرز مميــزات العمــارة اإلســامية يف واجهــات املســاجد واملــآذن وحتــت القبــاب‬
‫ويف الســقوف وتيجــان األعمــدة‪.‬‬
‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪.‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب ‪ -‬التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل‪ ،‬وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬
‫(‪ )3‬عناصر العمارة اإلسالمية (من كتاب العمارة عرب التاريخ للدكتور عفيف هبنسي)‪.‬‬
‫(‪ )4‬املقرنصــات‪ :‬حليــات معماريــة تشــبه خاليــا النحــل تصــف بعضهــا إىل بعــض‪ ،‬وتســتخدم كعنصــر زخــريف معمــاري‪ ،‬أو‬
‫للتــدرج مــن شــكل آلخــر‪ ،‬كالتــدرج مــن الســطح املربــع إىل الدائــري الــذي تقــوم عليــه القبــاب‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫● فاملقرنصــات تُعــد مــن املبتكــرات املعماريــة اإلســامية‪ ،‬إذ يشــبه املقرنــص‬
‫الواحــد إذا أُخــذ مفصــوالً عــن جمموعتــه احملــراب الصغــر أو جــزءاً طوليـاً منــه‪،‬‬
‫والــذي يصــف يف صفــوف مدروســة التوزيــع والرتكيــب‪ ،‬حتــى لتبــدو كل جمموعــة‬
‫مــن املقرنصــات يف العمــارة اإلســامية وكأهنــا بيــوت النحــل‪.‬‬
‫● ويف كتابــه «حضــارة العــرب» الصــادر عــام ‪ ،1880‬ذكــر املستشــرق الفرنســي‬
‫«كوســتاف لوبــون» أن العــرب كانــوا يكرهــون مــا كان حيبــه اإلغريــق مــن األوجــه‬
‫امللــس املوحــدة الزوايــا واألشــكال القائمــة‪ ،‬فكانــت رغبتُهــم يف مــلء زوايــا اجلــدر‬
‫القائمــة ويف وصــل القبــاب املســتديرة حبيــث ينشــئون الكــوات الصغــرة الناتئــة‬
‫املثلثــة الكرويــة املســماة باملتدليــات‪ ،‬لتــديل بعضهــا فــوق بعــض كخاليــا النحــل‪،‬‬
‫كمــا يشــر املستشــرق «أوليــك كرابــر» أن املقرنصــات كأهنــا عملــت مــن وحــي‬
‫التصميــم املعمــاري للمبنــى‪ ،‬وجندهــا يف بعــض األحيــان تُلفــت النظــر إىل‬
‫أجــزاء املبنــى الرئيســة‪ ،‬ويف اتفــاق علــى انتمــاء عنصــر «املقرنــص» إىل العَمــارة‬
‫اإلســامية‪ ،‬يقــول أيض ـاً خبــر العمــارة اإلســامية «جــون د‪ .‬هــوك» يف كتابــه‬
‫«العَمــارة اإلســامية»‪ :‬مل يــرد عنصــر املقرنــص يف أي طــراز مــن طــرز العَمــارة‬
‫يف العــامل املعروفــة لليــوم‪ ،‬ثــم تأتــي كأقــدم التحاليــل مــا ورد مــن املستشــرق‬
‫«شــارل بــان» يف أواســط القــرن التاســع عشــر الــذي قــال‪ :‬إهنــا نشــأت عــن‬
‫ضــرورة إحــداث الظــال بالوســائل الناتئــة‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬يقــول املصــري‬
‫د‪ .‬صــاحل ملعــي‪ ،‬إهنــا وردت مــن أرمينيــا واجلزيــرة الفراتيــة يف مشــال الرافديــن‬
‫بســبب ظهورهــا يف مصــر للمــرة األوىل جمســدة يف مســجد اجليوشــي للوزيــر‬
‫األرمــي األصــل بــدر اجلمــايل عــام ‪1085‬م‪ ،‬وكذلــك مــن أقــدم األمثلــة الباقيــة‬
‫تلــك املوجــودة يف ســور القاهــرة جبــوار بــاب الفتــوح وتعــود لعــام ‪1087‬م‪ ،‬ثــم بوابــة‬
‫جامــع األقمــر الفاطمــي مــن عــام ‪1125‬م‪ ،‬واملقرنصــات اســتعملت يف املســاجد‬
‫كعامــل إنشــائي‪ ،‬ثــم كعنصــر زخــريف للتجميــل‪ ،‬وقيــل أهنــا أم الفنــون كوهنــا جتمــع‬
‫بــن فــن البنــاء والنحــت والرســم واخلط والزخرفــة‪ ،‬وقد تعددت أمســاء املقرنص‪،‬‬
‫فهــو «مقرنــص» يف املشــرق و «مقربــص» يف املغــرب اإلســامي‪ ،‬و «داليــات» يف‬

‫‪215‬‬
‫مصــر‪ ،‬ويف املعجــم الوســيط «مقرنــس»‪ ،‬وقرنــس الســقف والبيــت زينــه خبــوارج‬
‫منــه ذات تدريــج متناســب‪ ،‬وهــي كلمــة مفــردة ولكنهــا تعــي اجلمــع وفحواهــا‬
‫التدريــج‪ ،‬ويعتقــد أهنــا اقتبســت وعربــت بإضافــة «م» العربيــة هلــا‪ ،‬بغــرض تفعيــل‬
‫اللفظــة اليونانيــة «كارنيــس» ومعناهــا النتــوء اخلــارج مــن البناء‪ ،‬ويرجــع الفضل يف‬
‫ابتكارهــا وتطورهــا إىل العــرب الســاميني‪ ،‬ليتـمّ بوســاطتها االنتقــال والتحــول مــن‬
‫الشــكل املربــع إىل الدائــري‪ ،‬لرتتكــز علــى احلا ّفــة الســفلية للقبّــة‪.‬‬
‫● وهنــاك عــدد مــن األمثلــة املعماريّــة املب ّكــرة الــي اســتخدمت الطاقــة املفــردة‬
‫«احلنيــة الركنيّــة» مثــل قصــر عمــرة‪ ،‬ومحــام الصــرخ يف احلجــرة الســاخنة يف‬
‫األردن‪ ،‬ويف جامــع أمحــد بــن طولــون يف مصــر‪ ،‬وأيضــاً يف األندلــس قصــور‬
‫احلمــراء الــي بناهــا الســلطان يوســف األمحــر «‪755 - 733‬هـــ‪/‬‏‏ ‪- 1333‬‬
‫‪1354‬م»‪ ،‬وابنــه حممــد اخلامــس «‪792 - 755‬هـــ‪/‬‏‏ ‪1391 - 1354‬م»‪.‬‬
‫أمــا يف بــاد الشــام‪ ،‬فقــد اســتخدمت أوّل مــرّة يف العناصــر املعماريــة‬ ‫●‬

‫والزخرفيــة يف العهــد الســلجوقي واألتابكــي مــا بــن ‪1175 - 1075‬م‪ ،‬والــي‬


‫ش ـيّدها امللــك العــادل نــور الديــن حممــود بــن زنكــي املل ّقــب بالشــهيد‪ ،‬والقب ـوَة‬
‫باملدرســة النوريــة الكــرى يف ســوق اخلياطــن‪ ،‬وقبّة البيمارســتان النّــوري وقبوته‬
‫تغطيهــا املقرنصــات مــن الداخــل واخلــارج‪.‬‬‫يف حملــة احلريقــة‪ ،‬والــي ّ‬

‫● ونفــذت املقرنصــات علــى مــدار العصــور مبــواد خمتلفــة‪ ،‬مــن أمهّهــا احلجــر‬
‫وغ ّطيــت ولُوّنــت بأنــواع خمتلفــة مــن الطــاء والقاشــاني‪،‬‬
‫واخلشــب واجل ـصّ‪ُ ،‬‬
‫وتوجــد أنــواع عــدة مــن املقرنــص‪ ،‬لكــن أمهَهــا يــرد يف مصــر بأمســاء احللــي‬
‫والشــامي والبلــدي ومقرنــص بداليــة واملثلــث‪ ،‬وجنــد يف املغــرب قــد اســتعمل‬
‫مســميات لألجــزاء الســبعة املكونــة للمنظومــة الرتكيبيــة للمقرنــص «الشــربية ‪-‬‬
‫تســنية مفتوحــة ‪ -‬الكتــف ‪ -‬الشــعرية أو الســروالية الصغــرة ‪ -‬الدنبــوق ‪ -‬اللــوزة‬
‫املســتعملة يف طاســة الــذروة ‪ -‬الســروالية أو البوجــة ‪ -‬التســتية املســدودة»‪،‬‬
‫ولــكل اســم شــكل مقابــل‪ ،‬ويتــم صنعــه مــن حنــت اخلشــب وتركيبــه علــى بعــض‪،‬‬
‫ويســتخدم اجلبــس أو احلجــر الصناعــي مضافـاً إليــه الرخــام املطحــون يف صــب‬

‫‪216‬‬
‫املقرنصــات‪ ،‬بينمــا يكثــر اســتعمال احلجــر املنحــوت يف مصــر(‪.)1‬‬

‫● واملقرنصــات هــي زخــارف تشــبه خاليــا النحــل‪ ،‬اســتعملت يف املســاجد كعامــل‬


‫إنشــائي‪ ،‬ثــم اســتعملت كعامــل زخــريف للتجميــل‪ ،‬وقــد بــدأ ظهــور املقرنصــات‬
‫يف القــرن احلــادي عشــر امليــادي‪ ،‬ثــم أقبــل رجــال املعمــار علــى اســتعماهلا يف‬
‫املبانــي اإلســامية وبنــاء املســاجد‪ ،‬وأصبحــت مــن مساهتــا الظاهــرة يف تصميــم‬
‫الواجهــات واملــآذن والقبــاب واألســقف اخلشــبية واألعمــدة‪ ،‬واختلفــت أشــكاهلا‬
‫باختــاف الزمــان واملــكان‪ ،‬والغــرض الــذي تعمــل مــن أجلــه‪.‬‬

‫● واألصــل يف اســتعمال املقرنصــات كعامــل إنشــائي كان للتــدرج مــن الســطح‬


‫املربــع إىل الســطح الدائــري الــذي يــراد إقامــة القبــاب عليــه‪ ،‬وقــد طــور العــرب‬
‫كل األفــكار القدميــة وتوصلــوا يف العصــر اإلســامي الزاهــر إىل فكــرة االنتقــال‬
‫مــن املربــع إىل املثمــن لبنــاء القبــاب عــن طريــق املقرنصــات الــي أخــذت تنتشــر‬
‫بســرعة‪ ،‬فاســتعملت يف القبــاب واملــآذن واألســقف اخلشــبية واألعمــدة وغريهــا‬
‫مــن عناصــر البنــاء اإلنشــائية والزخرفيــة‪ ،‬كمــا أخــذت املقرنصــات أشــكال‬
‫متعــددة حســب االســتعمال وحســب الشــكل املطلــوب(‪.)2‬‬
‫‪ -‬الشرافات‬
‫والشــرفة – بفتــح الشــن والــراء – تعتــر أص ـاً مــن عناصــر العمــارة الدفاعيــة يف‬
‫األســوار والقــاع واألبــراج‪ ،‬وهــي عبــارة عــن حجــارة تبنــى متقاربــة يف أعلــى الســور‬
‫وحولــه ليحتمــي وراءهــا املدافعــون ويشــرفون علــى املهامجــن ويطلقــون عليهــم‬
‫الســهام‪ ،‬وكل زخــارف تشــبهها ســواء كانــت علــى مبنــى أم علــى خزانــة أم علــى منــر‬
‫تســمى شــرافة‪ ،‬ولقــد اســتعملت الشــرفات لتتويــج الواجهــات قبــل اإلســام يف العمائــر‬
‫الساســانية والرومانيــة وأول اســتعمال هلــا يف املبانــي اإلســامية يف قصــر احلــر‬
‫الشــرقي وفــوق مدخــل قصــر احلــر الغربــي وعلــى اجلــدار اجلنوبــي لصحــن اجلوســق‬

‫(‪ )1‬املقرنصات»‪ ..‬أيقونة الفنون اإلسالمية ‪ -‬يونيو ‪ – 2017‬جمدي عثمان‪.‬‬


‫(‪ )2‬تطور عناصر املساجد عرب التاريخ‬

‫‪217‬‬
‫اخلاقانــي (قصــر املعتصــم)‪ ،‬والعامــة يطلقــون علــى الشــرفات تســمية العرائــس ألهنــا‬
‫يف بعــض األحيــان تشــبه أشــكاالً آدميــة جتريديــة تتالصــق أيديهــا وأرجلهــا انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)43‬وقــد أخــذت الشــرفات أشــكاالً متعــددة مــن أشــهرها الشــرفات املســننة‬
‫كمــا يف اجلامــع األزهــر واســتمر اســتعماهلا يف العصــر األيوبــي واململوكــي‪ ،‬ثــم ظهــرت‬
‫تعريفــات للشــرفات(‪ )1‬علــى أهنــا‪:‬‬
‫● الشــرافات هــي النوافــذ أو الشــبابيك خمتلفــة األشــكال واألحجــام‪ ،‬وهــي نــوع‬
‫مــن أنــواع التجميــل املســتحب يف معظــم املبانــي(‪.)2‬‬

‫● فالنوافــذ ‪ -‬وهــي شــباك حجــري أو مصنــوع مــن اجلــص أو مــن اخلشــب ولــه‬
‫مــا يســمى بالكتبيــة أو املشــربية انظــر الشــكل (‪ ،)44‬واســتمد الغــرب منــاذج‬
‫منهــا يف عمارتــه وكانــت النوافــذ ذات أقــواس ترتكــز علــى أعمــدة جانبيــة رفيعــة‪،‬‬
‫وبــرع العــرب يف صناعــة األبــواب الكبــرة وغلفوهــا باحلديــد وطعموهــا بالذهــب‬
‫والفضــة‪ ،‬ونقشــوا عليهــا التزيينــات‬
‫اهلندســية العربيــة البديعــة‪ ،‬كمــا هــو‬
‫يف بــاب جامــع املؤيــد بالقاهــرة(‪.)3‬‬

‫‪43‬‬ ‫الشكل‬ ‫والنوافــذ أو الشــبابيك خمتلفــة‬ ‫●‬

‫األشــكال واألحجــام‪ ،‬وهــي نــوع مــن‬


‫أنــواع التجميــل املســتحب يف معظــم‬
‫املبانــي وتتنــوع إىل نوعــن‪:‬‬

‫األول‪ :‬الشــرافات املورقــة ‪ -‬وهــي‬ ‫●‬

‫الــي متثــل زخــارف حمــورة مــن أشــكال‬


‫أوراق النباتــات املختلفــة يف خطــوط‬
‫‪44‬‬ ‫الشكل‬ ‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حييي وزيري‬
‫– مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ )2‬التطــور املعمــاري للمســاجد – إســام ويــب ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل ‪ -‬وزارة‬
‫اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬
‫(‪ )3‬عناصر العمارة اإلسالمية (من كتاب العمارة عرب التاريخ للدكتور عفيف هبنسي)‪.‬‬

‫‪218‬‬
‫جتريديــة بســيطة‪.‬‬

‫● الثانــي‪ :‬الشــرافات املســننة ‪ -‬ســواء كانــت هــذه األســنان مائلــة وهــي الــي‬
‫يطلــق عليهــا الشــرافات املســننة املنشــارية‪ ،‬أو كانــت بأســنان غــر مائلــة‪.‬‬

‫● ويف احلقيقــة أننــا جنــد يف الشــرافات عنصــراً مجالي ـاً مــن أهــم الزخــارف‬
‫الــي اســتعملت يف األبنيــة العربيــة عامــة‪ ،‬ويف أبنيــة املســاجد بصفــة خاصــة‬
‫وأصبحــت مــن مساهتــا الظاهــرة يف مســاجد الشــرق العربــي‪ ،‬ومــن هنــا فقــد‬
‫اهتــم هبــا الناصــر ملــا هلــا مــن تأثــر جــذاب‪ ،‬فهــي مــن العناصــر اجلميلــة الــي‬
‫يستحســن أن ال نغفلهــا يف بنــاء املســاجد اجلديــدة(‪.)1‬‬

‫‪ -‬األسبلة‪:‬‬

‫مــن املنشــآت املائيــة الــي وصلــت منهــا منــاذج مجيلــة وطــرز عديــدة وخباصــة مــن‬
‫العصــر اململوكــي والعثمانــي‪ ،‬وكانــت هــذه األســبلة تُســتخدم لســقاية املــارة يف الطــرق‬
‫العامــة‪ ،‬ومــن أقــدم هــذه األســبلة يف العــامل اإلســامي ســبيل الناصــر حممــد بــن‬
‫قــاوون بالقاهــرة‪ ،‬وكان يُلحــق بأعلــى الســبيل مكتــب لتعليــم األيتــام(‪.)2‬‬

‫الســبيل مــكان الســتقاء املــاء‪ ،‬ويف اللغــة أســبل املطــر‪ ،‬مبعنــى هطــل‪ ،‬وقــد يذ ّكــر االســم‬
‫ويؤنــث‪ ،‬وقــال ابــن الســكيت جيمــع علــى التأنيــث ســبول وأســبلة‪ ،‬وعلــى التذكــر (ســبل)‬
‫انظــر الشــكل (‪.)3()45‬‬

‫واملــراد بالســبيل املواضــع املعــدة واجملهــزة لســقي املــارة يف ســبيل اهلل‪ ،‬ويعّــد بنــاء‬
‫األســبلة مــن األعمــال اخلرييــة اجلــاري ثواهبــا علــى أرباهبــا بعــد املــوت مــا دامــت‬
‫منفعتهــا باقيــة‪ ،‬واحلــق أن شــرف ســقاية النــاس وتســهيل حصوهلــم علــى ميــاه الشــرب‬
‫يف املنطقــة العربيــة عامــة‪ ،‬قديــم جــداً ومعــروف‪ ،‬الســيما وأن البيئــة جبوهــا احلــار‬
‫(‪ )1‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA -M1-‬املســاجد ‪ -‬مقـدّم‬
‫محــود‪.‬‬
‫مــن ريتــا خليــل‪ ،‬بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬
‫(‪ )2‬املوسوعة العربية – الدكتور رضوان طحالوي‪.‬‬
‫(‪ )3‬قاموس املصباح املنري‪ :‬ج ‪1،‬ص ‪.121‬‬

‫‪219‬‬
‫وبيئتهــا املرتبــة قــد دفعــت احملســنني إىل التبــاري يف إنشــاء هــذه األســبلة مــن أجــل‬
‫خدمــة النــاس‪ ،‬ويذكــر ابــن هشــام أن أشــراف قريــش قبــل اإلســام تبــاروا علــى الفــوز‬
‫بالســقاية جبــوار الكعبــة ألن فيهــا رفعــة هلــم بــن قومهــم وإعــاء لشــأهنم‪.‬‬

‫وفـــي مـــصر نـــجد أن الـــروح الطـــيبة اخلـــرة قـــد سعـــت إلـــى إيـــجاد مصـــدر مســـتمر‬
‫للمـاء وتسهـيله للنـاس فـي أوقـات احلـر والظـمأ‪ ،‬حيـث ظلـت هـذه الـروح قائمة حتى‬
‫اآلن‪ ،‬ولــذا‪ ،‬بنيــت األســبلة كمنشــآت لتخزيــن املــاء لتقدميــه بعــد ذلــك للمــارة إلرواء‬
‫عطشــهم‪ ،‬وأقــدم ذكــر للســبيل يف الكتابــات األثريــة التأسيســية كان ســنة (‪ 470‬هـــ‬
‫‪1077 – 1078 /‬م) يف مدينــة دمشــق‪ ،‬حيــث يوجــد نــص علــى ســبيل حبــي عمــرا‬
‫مكتــوب عليــه‪( :‬أنشــأ هــذا الســبيل املبــارك الســعيد العبــد الفقــر إىل اهلل تعــاىل احلــاج‬
‫حممــد اجلبــوري‪ ،‬عفــى اهلل عنــه‪ ،‬ســنة ســبعني وأربعمائــة)‪.‬‬

‫ويرجــع أقــدم ذكــر لألســبلة يف القاهــرة إىل عصــر الظاهــر بيــرس‪ ،‬حيــث كان ملحقـاً‬
‫مبدرســته ســبيل‪ ،‬وأنشــأ الســلطان املنصــور قــاوون ســبيالً ذا كتــاب‪ ،‬جــدد ســنة‬
‫(‪1171‬هـــ‪1757/‬م) إال انــه اندثــر اآلن(‪ )1‬غــر أن أقــدم األســبلة املوجــودة بالفعــل والــي‬
‫مــا زالــت إىل اليــوم‪ ،‬هــو ســبيل الناصــر حممــد‬
‫بــن قــاوون‪ ،‬حيــث بــي علــى واجهــة مدرســة‬
‫الســلطان املنصــور‪ ،‬ويرجعــه كروزويــل إىل‬
‫ســنة (‪726‬هـــ‪1326/‬م‪.)2().‬‬

‫وتنقسم األسبلة إىل األنواع اآلتية‪:‬‬


‫أو ً‬
‫ال‪ :‬الســبيل املســتقل‪ :‬هــو ســبيل قائــم بذاتــه‬
‫كوحــدة معماريــة‪ ،‬ومــن أقــدم هــذا النــوع مــن‬
‫األســبلة القائمــة يف القاهــرة ســبيل الشــيخ‬
‫امللكــي الناصــري (‪755‬هـــ‪1354/‬م) وهــذا‬
‫الســبيل بــدوره غريــب عــن أســبلة عصــره‪ ،‬بــل‬
‫‪45‬‬ ‫الشكل‬
‫(‪ )1‬النويــري‪ :‬هنايــة األرب يف فنــون األدب‪ ،‬ج ‪ – 26‬ص –‬
‫‪ – 30‬حمفــوظ بــدار الكتــب حتــت رقــم‪ 549 ،‬معــارف عامــة – علــي مبــارك اخلطــط التوفيقيــة– ج‪ – 6‬ص – ‪.62‬‬
‫‪(2).Architecture of Egypt, vol. 2, p. 275 Creswell: Muslim‬‬

‫‪220‬‬
‫ومعظــم األبنيــة اإلســامية‪ ،‬إذ أنــه حمفــور يف الصخــر وليــس مبنيـاً‪ ،‬ولــه واجهــة فقــط‬
‫مبنيــة باحلجــر علــى هيئــة دخلــة نــص دائريــة‪ ،‬واملســقط األفقــي هلــذا الســبيل عبــارة‬
‫عــن قاعتــن مســتطيلتني منحوتتــن يف الصخــر‪ ،‬ويوجــد بــكل قاعــة مــن القاعتــن‬
‫صهريــج للمــاء حمفــور أيض ـاً يف أرض الصخــر‪.‬‬

‫ثانيـاً‪ :‬الســبيل ذو ال ُك ّتــاب‪ :‬يكــون غالبـاً يف الطابــق الثانــي منــه علــى ســطح األرض أو‬
‫فوقــه بقليــل حجــرة الســبيل(‪ ،)1‬أمــا الطابــق الثالــث‪ ،‬فهــو الكتــاب امللحــق‪ ،‬وأقــدم هــذا‬
‫النــوع مــن األســبلة ذات الكتاتيــب يف مصــر هــو ســبيل املنصــور قــاوون وســبيل وكتــاب‬
‫الوفائيــة‪ ،‬ويعــد أحســن مثــل للســبيل ذي الكتــاب املتأثــر بالعمــارة اململوكيــة الــذي بــي‬
‫يف القاهــرة ســنة (‪924‬هـــ‪1535/‬م)‪ ،‬وهــو مــن أســبلة العصــر العثمانــي‪.‬‬

‫ثالث ـاً‪ :‬األســبلة والكتاتيــب امللحقة‪:‬هــذا النــوع مــن األســبلة يكــون ملحق ـاً بكثــر مــن‬
‫املنشــآت املعماريــة‪ ،‬مثــل املســاجد واملــدارس والــوكاالت واخلانقــاوات واملنــازل‪ ،‬ومــن‬
‫البيــوت الــي ال يــزال هبــا ســبيل إىل حــد اآلن بيــت الكريدليــة‪ ،‬والــذي يرجــع بنــاؤه إىل‬
‫القرنــن (‪17 – 16‬م)(‪.)2‬‬

‫طــرز الســبيل‪ :‬عمــارة الســبيل طــرز خاصــة تفنــن فيهــا املهنــدس املســلم‪ ،‬وتذكــر‬
‫املصــادر التارخييــة والفنيــة أنــه جــرت العــادة أن يلحــق الســبيل بواجهــات املنشــآت‬
‫الدينيــة‪ ،‬الســيما يف زاويــة البنــاء علــى الطريــق(‪ )3‬وتعــد األســبلة مــن املرافــق الــي‬
‫أحلقــت باملنشــآت الدينيــة مــع احملافظــة علــى خــط تنظيــم الشــوارع الــي كانــت أخــذت‬
‫يف االتســاع‪ .‬وقــد اســتطاع املهندســون أن يالئمــوا بــن البنــاء املضــاف واألصلــي بطــرق‬
‫عديــدة ابتدعوهــا‪ ،‬حيــث ظهــرت بشــكل واضــح يف عصــر املماليــك اجلراكســة‪ ،‬وذلــك‬
‫بإقامتهــا يف نواصــي منشــآهتم(‪.)4‬‬

‫وميكن تقسيم طرز األسبلة إىل أربعة أنواع‪:‬‬


‫(‪ )1‬يكــون حتــت حجــرة الســبيل دائمـاً صهريــج للمــاء يف باطــن األرض ُحيفــظ فيــه املــاء ســنوياً‪ .‬د‪ .‬حســي نويصــر‬
‫‪ -‬جمموعــة ‪ -‬ســبل الســلطان قايتبــاي بالقاهــرة‪ ،‬رســالة ماجســتري‪ ،‬جامعــة القاهــرة ‪ 1970‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬دور العــرب املســلمني فــى تطويــر الزراعــة وطــرق الــري ‪ -‬فــى افريقيــا املســلمة لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪-‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عطيـــه اجليـــار (معهــد حبــوث األراضــي وامليــاه مصــر)‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬زكي حممد حسن‪ :‬فنون اإلسالم‪ ،‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ )4‬أمحد عطية‪ :‬دائرة املعارف احلديثة‪ ،‬ص ‪.277‬‬

‫‪221‬‬
‫‪ -1‬طــراز الســبيل ذي احلجــاب‪ :‬وهــذا الطــراز مــن األســبلة يكــون دائمـاً يف زاويــة‬
‫املبنــى امللحــق بــه‪ ،‬ويتكــون مــن مســاحة مربعــة أو مســتطيلة‪ ،‬ويرتكــز ســقفها‬
‫علــى عامــود أو أكثــر‪ ،‬ويغطــي واجهــة الســبيل حجــاب مــن اخلشــب اخلــرط‪ ،‬وبــه‬
‫فتحــات يســيل منهــا املــاء يف أحــواض‪.‬‬

‫‪ -2‬طــراز الســبيل ذي الشــباك الواحــد‪ :‬وهــذا النــوع مــن األســبلة يكــون غالب ـاً‬
‫ملحقـاً بأحــد املســاجد أو املــدارس أو اخلانقــاوات أو املنــازل‪ ،‬ويكــون عــادة علــى‬
‫الطريــق العــام علــى ميــن املدخــل أو يســاره‪ ،‬ويتوفــر علــى شــباك واحــد لكــون‬
‫املســاحة الــي شــيد فيهــا املســجد أو املدرســة ال تســمح بأكثــر مــن ذلــك‪ ،‬حيــث‬
‫تكــون مالصقــة لبعــض املبانــي‪ ،‬ممــا جيعــل املهنــدس يقتصــر علــى جعــل الســبيل‬
‫بشــباك واحــد‪.‬‬

‫‪ -3‬طــراز الســبيل ذي الشــباكني‪ :‬يكــون هــذا النــوع مــن األســبلة يف أركان‬


‫املســاجد واملــدارس واملنــازل‪ ،‬بــل حتــى يف بعــض األســبلة املســتقلة بذاهتــا‪،‬‬
‫ومــن أمثلــة هــذا النــوع مــن األســبلة‪ ،‬ســبيل خانقــاه الناصــر فــرج بــن برقــوق‬
‫(ســنة ‪803‬هـــ‪1400/‬م) وســبيل فــرج بــن برقــوق امللحــق بزاويتــه‪ ،‬وسبـــيل ملـــحق‬
‫باملدرســة األشــرفية‪ ،‬وســبيل ملحق مبدرســة قجماس اإلســحاقي (ســنة ‪885‬هـ‬
‫‪586 -‬هـــ‪1480 – 1481 /‬م) بالقاهــرة‪.‬‬

‫‪ -4‬طــراز الســبيل ذي الثالثــة شــبابيك‪ :‬وهــذه األســبلة ذات الثالثــة شــبابيك‬


‫تشــيد مفــردة بذاهتــا‪ ،‬كوحــدة ســبيل وكتــاب قائمــة بذاهتــا‪ ،‬ومــن أمثلــة هــذا‬
‫النــوع مــن األســبلة‪ ،‬ســبيل الســلطان قايتبــاي مبنطقــة حتــت الربــع (مندثــر)‪،‬‬
‫وقــد يكــون هــذا النــوع مــن األســبلة ملحقـاً مبدرســة‪ ،‬مثــل ســبيل خايربــك (ســنة‬
‫‪908‬هـــ ‪1503 -‬م) وتكــون واجهــات تلــك األســبلة بــارزة عــن مســتوى واجهــة‬
‫البنــاء األصلــي‪.‬‬

‫‪ -5‬طــراز األســبلة العثمانيــة‪ :‬ومنهــا بــدأت األســبلة العثمانيــة تتبلــور منــذ عصــر‬

‫‪222‬‬
‫الســاجقة يف منطقــة األناضــول‪ ،‬ومــا زال العديــد منهــا باقيـاً إىل يومنــا هــذا(‪.)1‬‬

‫‪ -‬مساحة الصالة‬

‫متثــل اجلــزء الرئيســي واملســاحة األكــر مــن املســجد غالب ـاً‪ ،‬وهــي عــادة علــى‬
‫شــكل قاعــة كبــرة تتخللهــا أعمــدة‪ ،‬ويف حالــة املســاجد الكبــرة فقــد تكــون أكثــر‬
‫مــن قاعــة موزعــة علــى أكثــر مــن طابــق‪ ،‬ويشــر احملــراب واملنــر إىل مقدمــة‬
‫القاعــة واجتــاه القبلــة للصــاة‪ ،‬وتفــرش القاعــة بزرابــي وأفرشــة لتوفــر الراحــة‬
‫للمصلــي‪ ،‬ال ختلــو قاعــات الصــاة مــن الزخــارف الــي تكســو جدراهنــا وأعمدهتا‬
‫وحتــى أســقفها‪ ،‬مزيــج بــن النقــش علــى اجلــدران واخلشــب لرســم آيــات مــن‬
‫القــرآن وأمســاء اهلل احلســنى والنــي حممــد وصحابتــه‪ ،‬وجنــد أيض ـاً أشــكاالً‬
‫مرســومة جلمــاد ونباتــات‪ ،‬ولكــن بــدون أي رســم أو جتســيم حلــي كإنســان أو‬
‫حيــوان ملخالفــة ذلــك لتعاليــم اإلســام‪ ،‬عنــد الصــاة‪ ،‬يقوم املســلمون يف صفوف‬
‫متوازيــة متجهــن إىل القبلــة‪ ،‬وتكــون الصفــوف األوىل للرجــال‪ ،‬وتليهــا صفــوف‬
‫األطفــال ثــم النســاء‪ ،‬حالي ـاً أغلــب املســاجد توفــر قاعــات خاصــة للنســاء(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬دور العــرب املســلمني يف تطويــر الزراعــة وطــرق الــري ‪ -‬يف إفريقيــا املســلمة لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪-‬‬
‫أ‪.‬د‪.‬عطيـــه اجليـــار (معهــد حبــوث األراضــي وامليــاه مصــر)‪.‬‬
‫(‪ )2‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA -M1-‬املســاجد ‪ -‬مقـدّم‬
‫محــود‪.‬‬
‫مــن ريتــا خليــل‪ ،‬بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬

‫‪223‬‬
‫فن الزخرفة‬

‫لقــد تفــوق املســلمون تفوقـاً ملحوظـاً يف مجــال الزخرفــة‪ ،‬وقــد طــوروا هــذه األشــكال‬
‫وابتكــروا أشــكاالً زخرفيــة ذات طابــع إســامي متميــز‪ ،‬وكانــت جمــاالت الزخرفــة‬
‫تتضــح فيهــا املهــارة الــي كان يتمتــع هبــا الفنانــون اإلســاميون‪ ،‬وكان هنــاك منــاذج‬
‫هلــذه األعمــال – مــن اخلشــب – النســيج – اخلــزف – الفسيفســاء‪ ،‬وكذلــك أشــكال‬
‫مــن الــردى(‪ ،)1‬وال يــكاد خيلــو أثــر مــن اآلثــار اإلســامية مــن زخرفــة أو نقــش تزييــي‪،‬‬
‫فقــد كانــت مــن لــوازم العمــل الفــي اإلســامي‪ ،‬ألن الفنانــن املســلمني كانــوا يكرهــون‬
‫الفــراغ ويرغبــون يف تغطيــة الســطوح واملســاحات بالزخرفــة‪ ،‬وقــد اقتبــس املســلمون‬
‫عناصــر زخرفتهــم مــن الكتابــة العربيــة أو مــن اخلطــوط اهلندســية أو مــن عناصــر‬
‫نباتيــة وحيوانيــة‪ ،‬فأمــا الكتابــة فلــم يكــن املســلمون أول مــن زخــرف هبــا علــى املبانــي‬
‫والتحــف الفنيــة‪ ،‬ولكــن ليــس مثــة مــن فــن اســتخدم اخلــط يف الزخرفــة بقــدر مــا‬
‫اســتخدمه الفــن اإلســامي بســبب اهتمــام النــاس بــه مــن جهــة وقابليتــه للتطــور‬
‫الزخــريف مــن جهــة أخــرى(‪.)2‬‬

‫وتفــوق املســلمون تفوق ـاً ملحوظ ـاً يف مجــال الزخرفــة‪ ،‬ففض ـاً عــن اســتخدامهم يف‬
‫أول األمــر‪ ،‬لألســاليب الزخرفيــة الســابقة‘ فإهنــم مل يلبثــوا أن طــوروا هــذه األشــكال‪،‬‬
‫وابتكــروا أشــكاالً زخرفيــة ذات طابــع إســامي متميــز‪ ،‬ومــن املعقــد أن فــن الزخرفــة مل‬
‫يكــن يف أول األمــر فنـاً قائمـاً بذاتــه مــن فنــون الكتــاب اإلســامي‪ ،‬ذلــك أن التخصــص‬
‫الدقيــق يف كل فــن مــن فنــون الكتــاب مل يعــرف يف القــرون اإلســامية األوىل‪ ،‬إذ رمبــا‬
‫قــام فنــان واحــد بأعمــال فنــون الكتابــة مجيعهــا‪ ،‬مــن زخرفــة وتذهيــب وتصويــر وخــط‬
‫وجتليــد‪ ،‬أو يف كثــر مــن األحيــان قــد يقــوم بفنــن أو أكثــر‪ ،‬وذلــك علــى عكــس مــا‬
‫تطــور إليــه األمــر فيمــا بعــد مــن أن هــذه األعمــال صــار يقــوم هبــا عــدد مــن الفنانــن‬
‫كل حســب ختصصــه يف فــن مــن فنــون الكتــاب‪ ،‬ومــن هنــا عــرف الرســام واملذهــب أو‬
‫(‪ )1‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد الثانــي – الدكتــور حســن الباشــا – مكتبــة الــدار‬
‫العربيــة للكتــاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫الطــراح واخلطــاط واجمللــد وهكــذا(‪.)1‬‬

‫فــن الزخرفــة‪ :‬هــي جمموعــة نقــاط وخطــوط وأشــكال هندســية ورســوم حيوانــات‬
‫أو نباتــات أو حتــى كلمــات متداخلــة ومتناســقة فيمــا بينهــا‪ ،‬وتعطــي شــك ً‬
‫ال مجي ـاً‬
‫وتُســتعمل لتزيــن املبانــي واألوانــي واملالبــس واجلوامــع والكنائــس واملدافــن والنقــود‬
‫والعمــات والقصــور وبعــض أعــام الــدول …‬

‫واعتــرت الزخرفــة إحــدى وســائل معرفــة تاريــخ األمــم الســابقة ومــدى تطورهــم‬
‫ّ‬
‫حتضرهــم(‪.)2‬‬ ‫وتعمّقهــم الفكــري والديــي واملعــريف ومــدى‬

‫ورافقــت الزخرفــة اإلنســان منــذ مــا قبــل التاريــخ‪ ،‬وازدهــرت يف كافــة العصــور‪ ،‬وتُعتــر‬
‫مــرآة احلضــارات‪ ،‬ففيهــا عكســت األمــم املتالحقــة أشــكال ونُ ُظــم احليــاة واملعيشــة‬
‫والعــادات والتقاليــد واعتــرت الزخرفــة إحــدى وســائل معرفــة تاريــخ األمــم الســابقة‪،‬‬
‫ّ‬
‫حتضرهــم(‪.)3‬‬ ‫ومــدى تطورهــم وتعمّقهــم الفكــري والديــي واملعــريف ومــدى‬

‫إنّ الفــنّ اإلســامي قــد اختــذ تقنيــات خاصــة‪ ،‬انفــرد هبــا عــن غــره مــن الفنــون‬
‫املعاصــرة للحضــارات القائمــة يف تلــك الفــرة‪ ،‬ومــن أبــرز هــذه التقنيــات فــن العمــارة‬
‫اإلســاميّة الــذي اختــذ طابعــاً خاصــاً بــه يف العــامل اإلســاميّ‪ ،‬حيــث بــرز بشــكل‬
‫جلـيّ يف املســاجد واملــدارس الدينيّــة فــن الك ّتــاب‪ ،‬ويعــرف بفــن «املنمنمــات» يف اهلنــد‬
‫ويشــمل هــذا النــوع مــن الفنــون اإلســاميّة ك ّل مــا ميــتّ للكتّــاب بصلــة ســواء كان‬
‫لوح ـاً أم جتليــداً أم خــط يــد‪ ،‬أمــا التقنيــة الثالثــة فهــي الفــن ال ّزُخــريفّ أو مــا يُع ـرَف‬
‫بالزخرفــة اإلســاميّة‪ ،‬شــهدت هــذه التقنيــة تطـوّراً ملحوظـاً باســتخدام وســائل فنيّــة‬
‫متعــدّدة ســامهت يف مَنــح القطعــة الفنيّــة مجــاالً وكمــاالً أخّا َذيْــن‪ ،‬أمــا فيمــا يتعلــق‬
‫باملواضيــع الــي س ـلّط عليهــا الفــن اإلســامي الضــوء فتتمثــل بالف ـنّ الدي ـيّ‪ ،‬والفــن‬

‫(‪ )1‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬ما هي أنواع الزخارف وتعريفها ‪ -‬هبة املوهبة ‪ 2‬يناير‪ 2018 ،‬تاريخ الفن وثقافته‪.‬‬
‫(‪ )3‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫واألدب‪ ،‬والزخــارف اجملــردة‪ ،‬واخلــط العربــي‪ ،‬وأخــراً التمثيــات الرمزيّــة(‪.)1‬‬

‫والزخرفــة هــي علــم مــن علــوم الفنــون الــي تبحــث يف فلســفة التجريــد والنســب‬
‫والتناســب والتكويــن والفــراغ والكتلــة واللــون واخلــط‪ ،‬وهــي إمــا وحــدات هندســية أو‬
‫وحــدات طبيعيــة (نباتيــة – آدميــة – حيوانيــة) حتــورت إىل أشــكاهلا التجريدية‪ ،‬وتركت‬
‫اجملــال خليــال الفنــان وإحساســه وإبداعــه حتــى وضعــت هلــا القواعــد واألصــول(‪.)2‬‬

‫فهــو ف ـ ّنٌ إســام ّيٌ راقٍ تتمثــل وظيفتــه بصناعــة اجلمــال مــن خــال إجنــاز عم ـ ٍل ف ـيّ‬
‫يدخــل يف تكويــن مضمونــه وحــدة تتماســك هبــا مســات اجلمــال مضموناً وشــكالً‪ ،‬ويعترب‬
‫هــذا النــوع مــن الف ـنّ بعيــداً عــن أيّ رســم لــه عالقــة باألشــخاص أو حمــاكاة الطبيعــة‪،‬‬
‫ويُمكِــن تعريــف الزخرفــة اإلســاميّة بأهنــا فــن يهتــم باألســس واجلــذور املســتوحاة مــن‬
‫الديــن‪ ،‬والتقاليــد املتوارثــة مــن الســلف الصــاحل‪ ،‬ومتثيـاً للعالقــة احلميمــة اجلامعة بني‬
‫الديــن اإلســاميّ وفــن العمــارة وزخرفتهــا لتعكــس مجــال الــروح اإلســاميّة الــي ّ‬
‫خطهــا‬
‫اإلســام حليــاة املســلم‪ ،‬ويعــود تاريــخ نشــأة ف ـنّ الزخرفــة اإلســاميّة إىل أوائــل عهــد‬
‫اخللفــاء عمــر بــن اخلطــاب وعثمــان بــن عفــان ‪‬؛ حيــث كان املســلمون حينهــا مُنشــغلني‬
‫بالفتوحــات اإلســامية‪ ،‬وتوجّهــت أنظــار املســلمني يف هــذه الفــرة إىل مَنْــح دور العبــادة‬
‫طابعـاً خاصّـاً يتشــابه مــع الـدّور املُشـيّدة يف بــاد فــارس‪ ،‬ويشــيد املســلمون بفضــل عبــد‬
‫امللــك بــن مــروان كونــه أوّل املهتمــن بالزخرفــة اإلســاميّة؛ إذ متثــل ذلــك بصــب جُ ـ ّل‬
‫اهتمامــه علــى قبــة الصخــرة يف القــدس الشــريف لتصبــح رمــزاً معماريّـاً راقيـاً‪ ،‬شــريطة‬
‫البعــد عــن كل مــا ميــت بصلــة لتصويــر األرواح(‪.)3‬‬

‫والزخــارف تُعــرف الزخرفــة علــى أ ّنهــا جمموعــة مــن اخلطــوط والنقــاط واألشــكال‬
‫اهلندس ـيّة‪ ،‬وعــدد مــن الرســوم للنباتــات واحليوانــات‪ ،‬وعــدد مــن الكلمــات املتداخلــة‬
‫واملتناســقة‪ ،‬والــي تعطــي يف النهايــة شــكالً مميّــزاً يُســتخدم لتزيني الكنائــس واجلوامع‬
‫واملبانــي واملدافــن وغريهــا‪ ،‬وتُعتــر الزخرفــة أحــد علــوم الفنــون الــي هتــدف إىل البحــث‬

‫(‪ )1‬موضوع – أكرب موقع عربي يف العامل ‪ -‬مفهوم الزخرفة اإلسالمية ‪ -‬بواسطة‪ :‬إميان احلياري‬
‫(‪ )2‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬
‫(‪ )3‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل ‪ -‬مفهوم الزخرفة اإلسالمية ‪ -‬بواسطة‪ :‬إميان احلياري‪.‬‬

‫‪226‬‬
‫يف فلســفة النســبة والتناســب والتجريــد والكتلــة والفــراغ والتكويــن واخلــط واللــون‪،‬‬
‫وهــي إمــا أن تكــون وحــدات طبيعيّــة آدميّــة‪ ،‬أو نباتيّــة‪ ،‬أو حيوانيّــة أو وحــداتٍ هندسـيّة‬
‫حتوّلــت إىل أشــكا ٍل جتريديّــة‪ ،‬وتركــت فيهــا اجملــال خليــال وإبــداع وإحســاس الفنــان‪،‬‬
‫وقــد ّ‬
‫مت وضــع األصــول والقواعــد هلــا‪ ،‬بعــد التعريــف املوجــز للزخــارف(‪.)1‬‬

‫أنواع الزخارف اإلسالميّة‪:‬‬

‫‪ -‬الزخرفة النباتية ‪ -‬وتعرف بفن التوريق‪.‬‬

‫‪ -‬الزخرفــة اهلندســية‪ :‬مــن أمهّهــا األشــكال النجميّة متعــددة األضالع‪ ،‬واألطباق‬


‫النجميّــة‪ ،‬وزخرفــة التحف اخلشــبيّة واملعدنيّة وغريها‪.‬‬

‫‪ -‬زخرفة تنبع من الرتاث والدين(‪.)2‬‬

‫الزخارف النباتيّة‪:‬‬

‫وتعتــر مــن أبــرز خصائــص الزخــارف اإلســامية الــي وجــدت عنايــة خاصــة مــن‬
‫الفنــان املســلم‪ ،‬والــي اتضــح أســلوبه باالبتعــاد عــن حمــاكاة الطبيعــة‪ ،‬ونقلهــا حرفي ـاً‪،‬‬
‫واتســمت باجلــودة والتنــوع‪ ،‬وهــذا النــوع طبــق علــى مجيــع الفنــون التطبيقيــة‪ ،‬والعمائــر‬
‫الدينيــة واملدنيــة (املســاجد ‪ -‬األضرحــة) وتنوعــت هــذه الزخــارف يف الفــن اإلســامي‬
‫لتشــمل األوراق النباتيــة املختلفــة البســيطة واملركبــة‪ ،‬واملتعــددة الفصــوص (الرباســيم)‬
‫واخلماســية الفصــوص (العنــب)‪ ،‬وكيــزان الصنوبــر وحبــات الرمــان واملــراوح النخيليــة‬
‫وأنصافهــا‪ ،‬وهــي تنطبــق عليهــا الزخرفــة اجملــردة (التجريــد) انظــر الشــكل (‪.)3()46‬‬

‫فقد تأثر بانصراف املســلمني عن اســتيحاء الطبيعة وتقليدها‪ ،‬فاســتخدم اجلذع والورقة‪،‬‬
‫لصنــع زخــارف متتــاز مبــا فيهــا مــن تكــرار وتقابــل وتناظر‪ ،‬وتدل على ســيادة مبــدأ التجريد‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬مفهوم الزخرفة اإلسالمية ‪ -‬بواسطة‪ :‬إميان احلياري‪.‬‬
‫(‪ )3‬الفن اإلسالمي – أبو صاحل األلفى – ص‪.110‬‬

‫‪227‬‬
‫والرمــز يف الفنــون اإلســامية‪ ،‬كالرقــش العربــي‬
‫(األرابيســك) انظر الشــكل (‪.)1()47‬‬

‫لقــد طــور الفنــان اإلســامي الزخرفــة النباتية‪،‬‬


‫حيــث اســتخدم يف متثيلهــا شــتى أنواعهــا‪،‬‬
‫‪46‬‬ ‫الشكل‬
‫فضـاً عــن تكوينــات خمتلفــة‪ ،‬أو مــن جتميعات‬
‫من زخارف هندسية ونباتية وخطية وحيوانية‬
‫وكتابيــة‪ ،‬وكان ميــاالً للتحويــر والتجريــد ويصل‬
‫إىل املرحلة الطبيعية‪ ،‬واســتخدم أنواع النباتات‬
‫املختلفــة مــن أشــجار وأغصــان وأوراق وعــروق‬
‫وأزهــار ومثــار(‪.)2‬‬
‫‪47‬‬ ‫الشكل‬
‫ويقصــد هبــا الزخــارف الــي تتكــون مــن‬
‫رســومات مســتمدة مــن عناصــر الطبيعــة الــي تعتــر مصــدر إهلــام لفنانيهــا(‪ ،)3‬وتعتمــد‬
‫هــذه الزخــارف علــى رســم أوراق األشــجار وســيقاهنا وأزهارهــا بأســلوب كلــي أو‬
‫جزئــي‪ ،‬وبطريــق منفــرد أو مرتاكــب أو مضفــر‪ ،‬وقــد تتخللــه زخــارف هندســية أو‬
‫خطــوط عربيــة(‪ ،)4‬وإبــداع الفنــان املســلم يف اســتخدام التشــكيالت النباتيــة‪ ،‬مــن أوراق‬
‫وفــروع نباتــات وأزهــار ومثــار‪ ،‬يف زخرفــة منتجاتــه الفنيــة ســواء أكانــت تلــك املنتجــات‬
‫حتفــاً أو عمائــر‪ ،‬إذ عمــل الفنــان علــى حتويــر وجتريــد العناصــر املســتخدمة مــن‬
‫صورهتــا الطبيعيــة‪ ،‬وظهــرت فيهــا ميــل الفنــان املســلم إىل شــغل املســاحات واخلــوف‬
‫مــن الفــراغ‪ ،‬ولقــد زاد اســتخدام تلــك الزخــارف منــذ القــرن التاســع امليــادي وبلغــت‬
‫ذروهتــا يف القرنــن الثانــي عشــر والثالــث عشــر امليــادي(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬
‫(‪ )2‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )4‬الزخارف اهلندسية والنباتية ‪ -‬العلوم واملعارف اهلندسية ‪ -‬جالل شوقي‪.‬‬
‫(‪ )5‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫ولقــد أخــذ رجــال الفــن يف أوربــا عــن املســلمني تلــك الزخرفــة الــي تنــم بامسهــا عــن‬
‫أصلهــا العربــي‪ ،‬أال وهــي (األرابيســك)‪ ،‬أو كمــا عــر عنهــا األســتاذ بشــر فــارس بكلمــة‬
‫(الرقــش) ويفضــل أن نســتعمل كلمــة (التوريــق) علــى حســب رأيــه‪ ،‬وهــي تــدل يف تاريــخ‬
‫الفــن علــى نــوع معــن مــن الزخــرف‪ ،‬ابتدعــه الفنــان املســلم(‪ ،)1‬والزخرفــة النباتيــة‬
‫يُقصــد هبــا الزخــارف الــي تتكــون مــن رســومات تعتمــد علــى العناصــر الطبيعيــة‪،‬‬
‫وتســمى أحيانــاً األرابيســك أو التوريــق‪.‬‬

‫واألرابيســك أو العربيــة أو (الرقــش العربــي) كلهــا ألفــاظ للداللــة علــى مجيــع‬


‫أنــواع الزخــارف اإلســامية اهلندســية وغــر اهلندســية امللونــة والبســيطة‪ ،‬الدائريــة‬
‫واملســتقيمة‪ ،‬النباتيــة والكتابيــة‪ ،‬والبعــض يســتخدم لفظــة األرابيســك للداللــة علــى‬
‫الزخــارف النباتيــة فقــط‪ ،‬ويف بعــض األحيــان توجــد زخــارف األرابيســك مــع الزخــارف‬
‫اهلندســية يف مســطح واحــد‪ ،‬أو تضــاف إىل الكتابــات الكوفيــة وهــو مــا يطلــق عليــه‬
‫الكــويف املزهــر‪ ،‬وأنــواع زخــارف األرابيســك كثــرة ولكــن ميكــن تصنيفهــا بصفــة عامــة‬
‫حتت صنفني رئيســيني‪ :‬األول يعتمد على اخلطوط املســتقيمة والزوايا ويســمى أحياناً‬
‫بالتســطري وهــو هندســی‪ ،‬والثانــي يركــز علــى اخلطــوط امللتويــة والدوائــر والتجريــد‬
‫النباتــي وقــد يطلــق عليــه «التوريــق» أو «التزهــر»‪ ،‬وكمــا قلنــا قــد حيــدث دمــج بــن‬
‫الصنفــن املذكوريــن‪ ،‬وقــد كان لــكل بلــد ولــكل عصــر الزخــارف اخلاصــة بــه(‪ ،)2‬ويعتــر‬
‫مــن الفنــون التشــكيلية املهمــة الــي يدخــل يف تشــكيله خمتلــف أنــواع النباتــات‪ ،‬كمــا أنــه‬
‫يتخــذ مــن النباتــات واألشــجار مبختلــف أنواعهــا كمصــدر إهلــا ٍم لفنانيهــا‪ ،‬ويف خمتلــف‬
‫العناصــر التجريديــة املطرقــة وعناصــر التحويــر والتكوينــات احلــرة‪ ،‬وقــد انتشــر بقــوة‬
‫بــن الفنانــن املســلمني ومبجــال الزخــارف اإلســامية والفــن اإلســامي(‪ ،)3‬والزخرفــة‬
‫النباتيــة هــي الزخرفــة الــي تعتمــد يف تكويــن مفرداهتــا علــى العناصــر الطبيعيــة‪ ،‬وهــي‬

‫(‪ )1‬جملــة كليــة اآلداب – جامعــة القاهــرة – اجمللــد التاســع عشــر – مايــو ســنة ‪ – 1957‬عــدد خــاص يف ذكــرى‬
‫املرحــوم األســتاذ‪ :‬عبــد الوهــاب عــزام – مطبعــة القاهــرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ - Arabesque )3‬تعريف الزخرفة النباتية– بواسطة كتاب وزي وزي‪.‬‬
‫‪From Wikipedia, the free encyclopedia.‬‬

‫‪229‬‬
‫فــن مــن الفنــون التشــكيلية تعتمــد علــى خمتلــف أنــواع النباتــات‪ ،‬وكانــت الطبيعــة أحــد‬
‫مصــادر اإلهلــام للفنــان املســلم‪ ،‬فاخليــال والعناصــر التجريديــة كانــت أيض ـاً حاضــرة‬
‫بقــوة يف أعمالــه الزخرفيــة‪ ،‬ومتيــزت شــخصية الفنــان املســلم يف تعبــره الزخــريف بــن‬
‫التحويــر والتجريــد املطلــق والتكوينــات احلـرّة‪ ،‬وخيتلــف مســتوى األداء مــن عصــر إىل‬
‫آخــر‪ ،‬ومــن بلــد إىل آخــر‪ ،‬ومهمــا يكــن مــن أمــر‪ ،‬فــإن كل األســاليب واالجتاهــات يف‬
‫التعبــر الزخــريف كان طابعهــا شــرقي وإســامي‪ ،‬أي ال يبتعــد عــن املفاهيــم العربيــة‬
‫واإلســامية‪ ،‬والتحويــر يف هــذا النــوع مــن الزخــارف مبــدأ أساســي يف نقــل الطبيعــة‪،‬‬
‫وحتويرهــا‪ ،‬مبعنــى جتريدهــا عــن الواقــع ومــن خصائصهــا الطبيعيــة‪ ،‬ورغــم ذلــك‬
‫تبقــى حتتفــظ بصفاهتــا األساســية‪ ،‬وتعتمــد الزخرفــة النباتيــة كمــا هــو احلــال يف‬
‫الكثــر مــن أنــواع الزخرفــة يف قواعــد الرتكيــب علــى نظــم معروفــة(‪ ،)1‬وقــد أبــدع فيهــا‬
‫الفنانــون باســتخدام األشــكال النباتيّــة‪ ،‬كفــروع األشــجار واألوراق والثمــار واألزهــار‬
‫يف تشــكيل زخرفــة املنتجــات الفنيّــة كالعمائــر والتحــف‪ ،‬حيــث جـرّد الفنانــون وحوّلــوا‬
‫مجيــع العناصــر املســتخدمة مــن شــكلها الطبيعــي‪ ،‬حيــث كان الفنــان مييــل إىل شــغل‬
‫املســاحات ومــلء الفراغــات‪ ،‬وازداد اســتخدام هــذا النــوع مــن الزخرفــة يف القــرن‬
‫التاســع للميــاد‪ ،‬وكانــت الــذروة هلــذا االســتخدام يف الفــرة املمتــدة بــن القرنــن الثانــي‬
‫عشــر والثالــث عشــر للميــاد الزخرفــة الكتابيّــة(‪.)2‬‬

‫والزخرفة النباتية تتصف بصفات أساسية منها‪:‬‬

‫‪ -‬ختتلــف يف طريقــة أدائهــا ومســتوى األداء بــن بل ـدٍ وآخــر‪ ،‬وبــن زمــنٍ وآخــر‬
‫أيضــاً‪ ،‬ورغــم مجيــع االختالفــات الظاهريــة يف الزخرفــة النباتيــة‪ ،‬إال أهنــا‬
‫مجيعهــا تتخــذ طابع ـاً شــرقياً إســامياً‪ ،‬وال تبتعــد أبــداً عــن الصــورة النمطيــة‬
‫واملفاهيــم اإلســامية يف تشــكيل الزخــارف‪.‬‬

‫‪ -‬يعتمــد هــذا النــوع مــن الزخــارف علــى نقــل الطبيعــة وتغيريهــا‪ ،‬أي جتريدهــا‬
‫(‪ )1‬بابل ‪ -‬كلية الفنون اجلميلة قسم التصميم د‪ .‬صالح مهدي حممد جعفر املوسوي‪.‬‬
‫(‪ )2‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل الفنّ املعماري‬

‫‪230‬‬
‫مــن خصائصهــا الطبيعيــة‪ ،‬مــع احتفاظهــا التــام بصفاهتــا األساســية‪.‬‬

‫‪ -‬تتنــوع الزخرفــة النباتيــة لتشــمل أنــواع عديدة مثل التناظر الذي يكــون إما حمورياً‬
‫أو كليـاً أو نصفيـاً‪ ،‬باإلضافــة إىل التكــرار الــذي يعتمــد علــى إعــادة رســم العناصــر‬
‫الزخرفيــة مــراتٍ عــدة مــع توظيــف كل عنصــر مــن هــذه العناصــر عــدة مــرات‪.‬‬

‫‪ -‬يعتــر التنــاوب أيضــاً مــن أبــرز أنــواع الزخرفــة النباتيــة الــذي يعتمــد علــى‬
‫توظيــف عنصريــن اثنــن أو أكثــر بشــك ٍل دوري ومتنــاوب‪ ،‬ومــن األنــواع األخــرى‬
‫أيض ـاً التقابــل والتعاكــس‪.‬‬

‫‪ -‬يســتخدم بعــض فنانــي الزخرفــة النباتيــة ألوان ـاً عــدة يف زخارفهــم إلضفــاء‬
‫البهجــة واجلمــال والســكون واالرتيــاح عليهــا‪.‬‬

‫‪ -‬تتنــوع أشــكال األغصــان الــي يتــم رمسهــا يف الزخــارف النباتيــة مــن حيــث‬
‫الدقــة والرتكيــب وطريقــة العــرض‪ ،‬وميكــن للفنــان أن يبــدع يف اســتخدام خيالــه‬
‫لرســم العديــد مــن الزخــارف النباتيــة بطريق ـةٍ مبتكــرة‪.‬‬

‫‪ -‬تُضفي مجاالً كبرياً على األشياء اليت تزينها ومتنحها مزيداً من التألق واجلاذبية‪.‬‬

‫‪ -‬ينتشــر اســتخدام الزخــارف النباتيــة يف القبــاب‪ ،‬والنحاســيات‪ ،‬واألبــواب‪،‬‬


‫والســقوف‪ ،‬والســجاد‪ ،‬واملشــغوالت اليدويــة‪ ،‬واألقمشــة‪ ،‬واحليطــان‪ ،‬واألثــاث‪،‬‬
‫وتكــون هــذه الزخرفــة ثالثيــة األبعــاد‪.‬‬

‫‪ -‬تدخل الزخارف النباتية أيضاً يف تزيني صفحات الكتب‪ ،‬واخلزف‪ ،‬والزجاج‪.‬‬

‫‪ -‬يبالــغ بعــض فنانــي الزخرفــة النباتيــة يف رســم امتــدادات الســيقان واألغصــان‬


‫لتكــون طويلــة جــداً وملتوي ـ ًة يف أحيــا ٍن كثــرة حبيــث تبــدو وكأهنــا تنمــو بشــك ٍل‬
‫مســتمر ودائــم‪.‬‬

‫‪ -‬تدخــل يف الزخــارف النباتيــة رســومات األزهــار املتنوعــة والــورود مبختلــف‬


‫أشــكاهلا‪ ،‬وقــد تفنــن الفنانــون والرســامون يف طريقــة جتريدهــا ورمسهــا‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫‪ -‬يرســم الفنانــون الكثــر مــن األزهــار‪ ،‬لكــن أشــهر األزهــار الــي يتــم رمسهــا‬
‫يف الزخرفــة النباتيــة النرجــس‪ ،‬والتوليــب‪ ،‬والنســرين‪ ،‬والسوســن‪ ،‬والزنبــق‪،‬‬
‫والطحالــب‪ ،‬والبنفســج‪ ،‬واخلشــخاش‪ ،‬والقرنفــل‪ ،‬أمــا أكثــر النباتــات الــي تدخــل‬
‫يف الزخرفــة النباتيــة أوراق األكانتــس‪ ،‬وعناقيــد العنــب‪ ،‬والعديــد مــن الشــجريات‬
‫والنباتــات بأنواعهــا املختلفــة(‪.)1‬‬

‫والزخرفة النباتية أنواع منها‪:‬‬

‫وتنقسم الزخرفة النباتية إىل قسمني مها‪:‬‬

‫‪ -‬الزخرفــة النباتيــة التجريديــة ‪ -‬وهــي الزخرفــة اليت ترســم من فــروع وأوراق فقط‬
‫دون اســتخدام الزهور حبيث تعطي شــكل جتريدي انظر الشــكل (‪.)48‬‬

‫‪ -‬الزخرفــة النباتيــة الـزهـــرية ‪ -‬حيــث يســتخدم فيهــا الزهــور والــورود بشــكل‬


‫واســع بشــتى أنواعــه كالقرنفــل واخلزامــى والنســرين والسوســن انظــر الشــكل‬
‫(‪ ..)49‬إخل‪.‬‬
‫والقواعد واألسس املتّبعة يف الزخرفة النباتية‪:‬‬
‫‪ -‬التوازن ‪ -‬وهي قاعدة أساسية جيب تو ّفرها يف كل تكوين زخريف‪.‬‬
‫‪ -‬التناظــر أو التماثــل ‪ -‬وهــو مــن القواعــد‬
‫املهمّــة الــي تقــوم عليهــا معظــم الزخــارف الذي‬
‫ينطبــق نصفهــا علــى نصفهــا اآلخــر بواســطة‬
‫مســتقيم يُس ـمّى احملــور‪.‬‬
‫‪ -‬التشــعّب ‪ -‬معظــم التكوينــات الزخرفيــة ال‬
‫ســيما النباتيــة منهــا تتضمّــن التش ـعّب‪.‬‬

‫‪48‬‬ ‫الشكل‬
‫‪ -‬التناســب ‪ -‬وهــو مــن أهــمّ قواعــد اجلمــال‬

‫(‪ - Arabesque )1‬تعريف الزخرفة النباتية – بواسطة كتاب وزي وزي‪.‬‬


‫‪From Wikipedia, the free encyclopedia..‬‬

‫‪232‬‬
‫فمجــال الطبيعــة يتم ّثــل بتناســب كل‬
‫جــزء لآلخــر‪ ،‬وليــس لــه قاعــدة إمنــا‬
‫يتوقــف علــى الــذوق الفــي‪ ،‬ود ّقــة‬
‫املالحظــة وقــوّة التمييــز‪.‬‬
‫‪ -‬التكــرار ‪ -‬وهــي مــن أهــم قواعــد‬
‫الزخرفــة‪ ،‬ويوجــد بكثــرة يف الطبيعــة‬
‫مثــل أغصــان األشــجار‪ ،‬والتكــرار مــن‬
‫‪49‬‬ ‫الشكل‬ ‫أبســط قواعــد تكويــن الزخــارف(‪.)1‬‬

‫تنوعــت مكونــات الزخرفــة النباتيــة‪ .‬اختــار‬


‫املزخرفــون اجلميــل منهــا‪ ،‬اســتعملوا األلــوان الــي تبعــث علــى االرتيــاح‪.‬‬

‫وتنوعــت أشــكال األغصــان‪ ،‬يف دقــة رمسهــا وعرضهــا وتركيباهتــا‪ ،‬وبالــغ الفنانــون‬
‫املزخرفــون يف امتــداد األغصــان والســيقان ويف التوائهــا حتــى بــدت وكأهنــا مســتمرة‬
‫يف منوهــا‪ ،‬ورســم املســلمون أنواعـاً خمتلفــة مــن الــورود واألزهــار‪ ،‬وتفننــوا يف طريقــة‬
‫األداء عنــد جتريدهــا‪ ،‬ومــن أشــهر األزهــار الــي غالبـاً مــا كانــت تســتعمل يف األعمــال‬
‫الزخرفيــة هــي التوليــب‪ ،‬اخلشــاش‪ ،‬ورد القرنفــل‪ ،‬والطحالــب والبنفســج والنرجــس‪،‬‬
‫ومــن النباتــات الــي تناوهلــا املزخرفــون عناقيــد العنــب وأوراق األكانتــس وأنــواع خمتلفــة‬
‫مــن الشــجريات واألوراق واألزهــار األخــرى(‪.)2‬‬

‫الزخرفةِ اهلندسيّة‪:‬‬

‫لقــد عـرّف اإلســام هــذه الفنــون ذو شــخصية خاصــة فريــدة‪ ،‬ال نظــر هلــا يف أي فــن‬
‫مــن الفنــون‪ ،‬وأصبحــت العنصــر الرئيســي الــذي يغطــي مســاحات كبــرة يلعــب فيهــا‬
‫اخلــط اهلندســي دوراً كبــراً كالــدور الــذي يلعبــه اخلــط املنحــي‪ ،‬وقــد ســاعد علــى‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬بابل ‪ -‬كلية الفنون اجلميلة قسم التصميم د‪ .‬صالح مهدي حممد جعفر املوسوي‪.‬‬

‫‪233‬‬
‫انتشــارها حــب الفنــان املســلم إىل البعــد عــن صــدق متثيــل الطبيعــة حيــث وجــد(‪،)1‬‬
‫فقــد أضحــت يف الفــن اإلســامي‪ ،‬دون باقــي الفنــون العامليــة‪ ،‬عنصــراً رئيســياً فيــه‪،‬‬
‫وقــد دلــت الدراســات املختلفــة هلــذه الزخــارف اهلندســية املعقــدة الــي خلفتهــا العصــور‬
‫اإلســامية‪ ،‬بــأن براعــة املســلمني فيهــا‪ ،‬مل يكــن أساســها الشــعور الفــي واملوهبــة‬
‫الطبيعيــة فحســب‪ ،‬لكنهــا تــدل علــى وافــر باهلندســة العمليــة‪ ،‬وظهــرت هــذه الفنــون‬
‫يف فنــون الشــام ومصــر(‪.)2‬‬

‫وامتــاز الفنانــون اإلســاميون يف الزخرفــة اهلندســية‪ ،‬وســببها طبيعــة اإلســام‪ ،‬الــذي‬


‫ينهــى عــن التعبــر عــن العقائــد بالصــور‪ ،‬وكــره بعــض فقهائــه رســم الكائنــات احليــة‪،‬‬
‫كمــا أن تفــوق املســلمون يف الرياضيــات كانــت مــن العوامــل املهمــة اليت زودهتم باألســس‬
‫الرياضيــة لألشــكال اهلندســية‪ ،‬وابتكــروا أشــكاالً زخرفيــة ال حصــر هلــا(‪.)3‬‬

‫واســتعمل اإلنســان الزخــارف اهلندســية يف مجيــع احلضــارات الــي ظهــرت منــذ‬


‫العصــر احلجــري إىل اآلن‪ ،‬ولعــل اهتمــام اإلنســان بالزخــارف اهلندســية يعــود إىل‬
‫نزوعــه الفطــري حنــو التجريــد مــن جهــة والتوجيــه الــذي تفرضــه اخلامــة واألداء أثنــاء‬
‫عمليــة اإلنتــاج مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وميكننــا أن نقــول أن نشــأة الزخــارف اهلندســية مل‬
‫تكــن مســألة إراديــة بقــدر مــا هــي مســألة ال إراديــة(‪.)4‬‬

‫واجتــه الفنــان املســلم منــذ العصــر األمــوي إىل اســتخدام الزخــارف اهلندســية‪ ،‬وأبــدع‬
‫فيهــا بشــكل مل نــراه يف أيــة حضــارة مــن احلضــارات بالرغــم مــن أن أشــكاهلا األساســية‬
‫نابعــة مــن األشــكال البســيطة كاملســتقيمات واملربعــات واملثلثــات والدوائــر املتماســكة‬
‫واملتقاطعــة‪ ،‬واألشــكال السداســية واملثمنــة وقــد كانــت لتلــك األشــكال اهلندســية‬
‫املختلفــة‪ ،‬دور مهــم يف الزخرفــة العربيــة‪ ،‬إذ أصبحــت أســاس األشــكال الزخرفيــة‬

‫(‪ )1‬سر الزخرفة اإلسالمية – بشر فارس – القاهرة ‪ – 1952‬ص‪.16‬‬


‫(‪ )2‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )4‬منتديات ستار تاميز – أرشيف العلوم اهلندسية‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫العربيــة اإلســامية(‪.)1‬‬

‫ومهمــا يكــن مــن شــيء‪ ،‬فــإن الزخــارف اهلندســية أخــذت يف ظــل احلضــارة العربيــة‬
‫اإلســامية‪ ،‬أمهيــة خاصــة‪ ،‬ومتيــزت بشــخصية فريــدة ال نظــر هلــا يف أيــة حضــارة‬
‫مــن احلضــارات‪ ،‬فأصبحــت يف كثــر مــن األحيــان‪ ،‬العنصــر الرئيــس الــذي يغطــي‬
‫مســاحات كبــرة‪ ،‬ويلعــب اخلــط اهلندســي فيهــا دوراً كالــدور الــذي يلعبــه اخلــط‬
‫املنحــي يف «األرابيســك»‪.‬‬

‫وكان هــم الفنــان املســلم وشــغله الشــاغل‪ ،‬أن يبحــث عــن تلويــن جديــد مبتكــر يتولــد‬
‫مــن اشــتباكات قواطــع الزوايــا‪ ،‬أو مزاوجــة األشــكال اهلندســية‪ ،‬لتحقيــق مزيــد مــن‬
‫اجلمــال الرصــن الــذي يســبغه علــى التحــف الــي ينتجهــا‪ ،‬ولســنا نظــن أن املســلمني‬
‫كان لديهــم كتــب فيهــا منــاذج الزخــارف اهلندســية الذائعــة‪ ،‬وال شــك أن هــذه الزخــارف‬
‫كانــت ســراً مــن أســرار الصناعــة‪ ،‬وكانــت تصنــع هلــا قوالــب ومنــاذج يســتعملها الصنــاع‬
‫والفنانــون(‪.)2‬‬

‫وعرفــت الفنــون اهلندســية يف الفنــون الــي ســبقت اإلســام كإطــارات لغريهــا مــن‬
‫الزخــارف‪ ،‬أمــا يف اإلســام فقــد أصبحــت الرســوم اهلندســية البســيطة كاملثلثــات‬
‫واملربعــات واملعينــات واألشــكال اخلماســية والسداســية والدوائــر واخلطــوط هــي‬
‫أســاس بنــاء الزخــارف اهلندســية(‪.)3‬‬

‫وتعــد الزخــارف اهلندســية نوع ـاً أساســياً مــن عناصــر الزخرفــة اإلســامية‪ ،‬وتتكــون‬
‫مــن وحــدات هندســية‪ ،‬تتشــكل مــن تالقــي اخلطــوط املســتقيمة واملنحنيــة‘ مكونــة‬
‫املضلعــات واألشــكال النجميــة والدائريــة والرتبيعيــة(‪.)4‬‬

‫وتتميــز الزخــارف اهلندســية يف الفــن اإلســامي بطابــع هندســي قــوي انظــر الشــكل‬
‫(‪ )1‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬
‫(‪ )2‬منتديات ستار تاميز – أرشيف العلوم اهلندسية‪.‬‬
‫(‪ )3‬ما هي أنواع الزخارف وتعريفها‪-‬هبة املوهبة ‪ 2‬يناير‪ 2018 ،‬تاريخ الفن وثقافته‪.‬‬
‫(‪ )4‬بابل ‪ -‬الزخرفة اهلندسية ‪ -‬كلية الفنون اجلميلة –قسم الرتبية الفنية –أستاذة رشا أكرم موسى وتوت‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫(‪ ،)50‬يتجلــى لنــا مــن خــال اســتخدام الفــن املســلم لتكوينــات األطبــاق النجميــة الــي‬
‫ازدانــت هبــا ســطوح العمائــر واملصنوعــات الفنيــة‪ ،‬حيــث شــاعت تشــكيالت الزخرفــة‬
‫باألطبــاق النجميــة يف مصــر والشــام خاصــة يف العصــر اململوكــي‪ ،‬ويف العــراق يف عهــد‬
‫الســاجقة‪ ،‬وامتــد أثــره إىل الطــراز الفــي يف املغــرب واألندلــس‪ ،‬كمــا انتقلــت النمــاذج‬
‫النجميــة إىل تركيــا وامتــدت لتطبــع بصماهتــا علــى الفنــون اإليرانيــة واهلنديــة‪.‬‬

‫ويــرى مؤرخــي الفــن أن زخرفــة األطبــاق النجميــة‪ ،‬تعكــس جمموعــة مــن املعــارف‬
‫واملواهــب‪ ،‬الــي اســتلهمها الفــن املســلم مــن القــرآن الكريــم وآياتــه كقولــه تعــاىل‪{ :‬إنــه‬
‫هــو يبــدئ ويعيــد} (الــروج آيــة ‪ ،)13‬وكأن الفنــان املســلم يعكــس عــر تلــك الزخــارف‬
‫تصــوره للنظــام اهلندســي الكونــي البديــع وإعجابــه بدقــة خلقــه ومجــال صنعــه(‪.)1‬‬

‫وبــدأ التوجــه الســتخدام الزخرف ـةِ اهلندس ـيّة يف العصــر األمــوي‪ ،‬وأُبــدع فيهــا بشــك ٍل‬
‫قـ ّل نظــره وليــس لــه مثيــل يف أي حضــارةٍ أخــرى‪ ،‬بالرغــم مــن بســاطتها الســتخدامها‬
‫األشــكال اهلندس ـيّة األساس ـيّة‪ ،‬حيــث متيّــزت بطابعهــا القــوي الــذي يظهــر جليّ ـاً يف‬
‫اســتخدام تكوينــات األطبــاق النجميّــة الــي ازدانــت هبــا املصنوعــات الفنيّــة وأســطح‬
‫العمائــر(‪ ،)2‬ولقــد اســتعمل اإلنســان نقوشــاً‬
‫هندســية بســيطة يف احلضــارات الــي‬
‫ظهــرت منــذ العصــر احلجــري إىل اآلن‪ ،‬وإن‬
‫اهتمــام اإلنســان بالزخــارف اهلندســية يرجــع‬
‫لســببني مهــا‪:‬‬

‫‪ -‬األول‪ :‬نزوع فطري حنو التجريد‪.‬‬

‫‪ -‬الثانــي‪ :‬التوجيــة الــذي تفرضــه‬


‫‪50‬‬ ‫الشكل‬ ‫اخلامــة واألداة يف أثنــاء عمليــة‬

‫(‪ )1‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬


‫(‪ )2‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل الفنّ املعماري‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫اإلنتــاج ( ‪. )1‬‬

‫واســتعاض فنانــوا الزخــارف اإلســامية عــن التشــخيص بتطويرهــم ألمنــاط الزخــارف‬


‫اهلندســية اإلســامية متعــددة األشــكال عــر القــرون‪ ،‬وغلــب علــى التصاميــم اهلندســية‬
‫يف الفــن اإلســامي تكــرار اســتخدام جمموعــات املربعــات والدوائــر‪ ،‬الــي ميكــن أن‬
‫تتداخل وتتشــابك كفن األرابيســك‪ ،‬كما اشــتملت على أشــكال متنوعة من الفسيفســاء‪،‬‬
‫وتــدرج تعقيــد وتنــوع األمنــاط املســتخدمة بــدءاً مــن النجــوم واملعينــات البســيطة يف‬
‫القــرن الثالــث اهلجــري إىل جمموعــة متنوعــة مــن األشــكال ذات الســت إىل الثــاث‬
‫عشــرة جانــب يف القــرن الســابع اهلجــري‪ ،‬ثــم النجــوم ذات األربعــة عشــر والســتة‬
‫عشــر جانــب يف القــرن العاشــر اهلجــري‪ ،‬واســتخدمت الزخــارف اهلندســية يف أشــكال‬
‫متعــددة يف الفــن والعمــارة اإلســامية مشلــت الكليــم واجلــرة الفارســية‪ ،‬وقرميــد‬
‫الزليــج املغربــي‪ ،‬والعقــود املقرنصــة‪ ،‬ونوافــذ اجلــايل املثقبة‪ ،‬والفخار واجللــود والزجاج‬
‫امللــون‪ ،‬واملشــغوالت اخلشــبية واملعدنيــة‪ ،‬وانتقلــت الزخــارف اهلندســية اإلســامية إىل‬
‫الغــرب‪ ،‬وانتشــرت بــن احلرفيــن والفنانــن مبــا يف ذلــك إيشــر يف القــرن العشــرين‪،‬‬
‫كمــا انتشــرت بــن علمــاء الرياضيــات والفيزيــاء مبــا يف ذلــك بيرتلووبــول ســتنهاردت‬
‫الــذي أثــار جــدالً بزعمــه يف ســنة ‪ 2007‬م أن بــاط ضريــح إمــام الــدرب يف أصفهــان‬
‫مي ّثــل تكــرار شــبه دوري مثــل تبليــط بنــروز(‪.)2‬‬

‫وإن هــذا املنحــى الــذي اتبعــه الفنــان املســلم يتفــق متامـاً مــع الدعــوة للبعــد عــن تصويــر‬
‫اإلنســان واحليــوان‪ ،‬وقــد أبــدع فيــه الفنــان املســلم أميــا إبــداع‪ ،‬حيــث اســتعان باألشــكال‬
‫املضلعــة املنتظمــة مــن مربعــات وخممســات ومسدســات وغريهــا‪ ،‬كــذا بالدوائــر‬
‫املتشــاهبة واألشــكال اهلندســية عمومــاً‪ ،‬وقــد نتجــت عــن ذلــك تكوينــات هندســية‬
‫جنوميــة وكوكبيــة متعــددة غايــة يف اجلمــال واإلبــداع(‪.)3‬‬

‫وأن الزخــارف اهلندســية أخــذت يف ظــل احلضــارة اإلســامية أمهيــة خاصــة‪ ،‬فتفنــن‬
‫(‪ )1‬بابل ‪ -‬الزخرفة اهلندسية ‪ -‬كلية الفنون اجلميلة – قسم الرتبية الفنية – أستاذة رشا أكرم موسى وتوت‪.‬‬
‫(‪ )2‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )3‬الزخارف اهلندسية والنباتية ‪ -‬العلوم واملعارف اهلندسية ‪ -‬جالل شوقي‪.‬‬

‫‪237‬‬
‫املســلمون يف هــذا النــوع مــن الزخرفــة وابتكــروا فيــه الكثــر مــن الضــروب الــي أكــدت‬
‫القــول برباعــة املســلمني يف زخارفهــم اهلندســية‪ ،‬ومل تكــن أساس ـاً للشــعور واملوهبــة‬
‫فحســب‪ ،‬بــل كانــت نتيجــة علــم وافــر بضــروب اهلندســة العلميــة‪ ...‬وقــد اصطلــح‬
‫مؤرخــوا الفنــون علــى تقســيم العناصــر اهلندســية إىل نوعــن‪:‬‬

‫النــوع األول‪ :‬زخــارف هندســية بســيطة تتكــون مــن مثلثــات والســيما املتســاوية‬
‫الضلعــن أو الثالثــة أضــاع‪ ،‬ومن الدوائر واملعينات واملربعات واملســتطيالت واألشــكال‬
‫اخلماســية والسداســية والثمانيــة املرســومة يف دوائــر‪ ،‬واحلاصلــة مــن تقاطــع مربعــن‬
‫وزاويــة قدرهــا (‪ )45‬درجــة انظــر الشــكل (‪.)51‬‬

‫النــوع الثانــي‪ :‬زخــارف هندســية مركبــة مــن أشــكال جنميــة متعــددة والضــروب‬
‫اهلندســية املعقــدة والســيما األطبــاق النجميــة‬
‫الــي ظهــرت بدايتهــا يف الزخــارف اإلســامية‬
‫املصريــة يف العصــر الفاطمــي واأليوبــي‬
‫واململوكــي انظــر الشــكل (‪.)1()52‬‬

‫‪51‬‬ ‫الشكل‬ ‫وأهدافهــا ‪ -‬يقــول هنــري فوســيومنا أخــال‬


‫شــيئاً ميكنــه أن جيــرّد احليــاة مــن ثوهبــا‬
‫الظاهــر‪ ،‬وينقلنــا إىل مضموهنــا الدفــن مثــل‬
‫التشــكيالت اهلندســية للزخــارف اإلســامية؛‬
‫فليســت هــذه التشــكيالت ســوى مثــرة لتفكــر‬
‫قائــم علــى احلســاب الدقيــق‪ ،‬قــد يتحــول إىل‬
‫نــوع مــن الرســوم البيانيــة ألفــكار فلســفية‬
‫ومعــا ٍن روحيــة‪ ،‬غــر أنــه ينبغــي أال يفوتنــا‬
‫‪52‬‬ ‫الشكل‬ ‫أنــه خــال هــذا اإلطــار التجريــدي تنطلــق‬
‫حيــاة متدفقــة عــر اخلطــوط‪ ،‬فتؤ ّلــف بينهــا‬
‫(‪ )1‬بابل ‪ -‬الزخرفة اهلندسية ‪ -‬كلية الفنون اجلميلة – قسم الرتبية الفنية – أستاذة رشا أكرم موسى وتوت‪.‬‬

‫‪238‬‬
‫تكوينــات تتكاثــر وتتزايــد‪ ،‬متفرقــة مــرة وجمتمعــة مــرات‪ ،‬وكأن هنــاك روح ـاً هائمــة‬
‫هــي الــي متــزج تلــك التكوينــات وتُباعــد بينهــا‪ ،‬ثــم تُجمّعهــا مــن جديــد‪ ،‬فــك ّل تكويــن‬
‫منهــا يصلُــح ألكثــر مــن تأويــل‪ ،‬يتوقــف علــى مــا يُصـوّب عليــه املــرء نظــره ويتأملــه منها‪،‬‬
‫ومجيعهــا تُخفــي وتكشــف يف آ ٍن واحــد عــن ســر مــا تتضمنــه مــن إمكانــات وطاقــات‬
‫بــا حــدود‪ ،‬كمــا زعــم كيــث كريتشــلو أن الزخــارف اإلســامية صممــت جلــذب الناظــر‬
‫إليهــا لفهــم احلقائــق الضمنيــة‪ ،‬وليــس فقــط الزخرفــة الظاهريــة‪ ،‬وقــال ديفيــد ويــد‬
‫أن‪« :‬معظــم الفــن اإلســامي ســواء يف العمــارة أو اخلــزف أو املنســوجات أو الكتــب‬
‫هــو فــن زخرفــة»‪ ،‬كمــا زعــم ويــد أن اهلــدف اخلفــي مــن الزخرفــة حتويــل املســاجد‬
‫ا إىل الــا‬
‫إىل هيئــة خفيفــة مشــرقة‪ ،‬كمــا أن زخرفــة صفحــات القــرآن جتعلهــا مدخـ ً‬
‫هنايــة وعلــى النقيــض‪ ،‬قالــت دوريــس برينز‪-‬أبــو ســيف يف كتاهبــا «اجلمــال يف الثقافــة‬
‫العربيــة» أنــه هنــاك فــارق كبــر بــن التفكــر الفلســفي يف أوروبــا العصــور الوســطى‬
‫والعــامل اإلســامي‪ ،‬حيــث أن مفاهيــم اجلمــال واجلــودة يف الثقافــة العربيــة ليســت‬
‫واحــدة(‪.)1‬‬

‫وتــدل الدراســة املتعمقــة للزخــارف اهلندســية اإلســامية وحتليــل عناصرهــا‪ ،‬علــى أن‬
‫اإلبــداع يف هــذا اجملــال مل يكــن وليــد موهبــة طبيعيــة فــذة لــدى الفنــان‪ ،‬وإمنــا ثبــت‬
‫أن مــردَّ ذلــك يعــود إىل اإلملــام الوافــر بأصــول هندســة األشــكال أي اجلــو مطريــاً‬
‫(‪ ،)Geometry‬تلــك األصــول الــي كانــت تنتقــل مــن أســاتذة هــذه الصناعــة إىل طلبتهــا‬
‫وممارســها(‪.)2‬‬

‫وبــدأ التوجــه الســتخدام الزخرفــة اهلندســية يف العصــر األمــوي‪ ،‬وأُبــدع فيهــا بشــكل‬
‫جيــد وليــس لــه مثيــل يف أي حضــارة أخــرى‪ ،‬رغــم بســاطتها الســتخدامها األشــكال‬
‫اهلندســيّة األساســيّة املربعــات واملســتقيمات والدوائــر واملثلثــات‪ ،‬حيــث كان هلــذه‬
‫األشــكال املختلفــة دورٌ أساســي ومهــم يف الزخرفــة العربيّــة‪ ،‬حيــث أصبحــت أساس ـاً‬
‫ألشــكال الزخرفــة اإلســامية‪ ،‬إذ متيّــزت بطابعهــا القــوي الــذي يظهــر جليــاً يف‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬الزخارف اهلندسية والنباتية ‪ -‬العلوم واملعارف اهلندسية ‪ -‬جالل شوقي‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫اســتخدام تكوينــات األطبــاق النجميّــة الــي تزينــت هبــا املصنوعــات الفنيّــة وأســطح‬
‫العمائــر(‪.)1‬‬

‫الزخرفة الكتابية‪:‬‬

‫إن مميزات احلضارة اإلســامية عديدة‪ ،‬ومنها انفراد عمارهتا دون ســائر احلضارات‬
‫بعنصــر زخــريف طريــف وهــو اخلــط العربــي‪ ،‬ولقــد اعتــي باخلــط العربــي منــذ نشــأة‬
‫اإلســام‪ ،‬ولقــد أوفــد الرســول عليــه الصــاة والســام معــاذ بــن جبــل لتعليــم الكتابــة‬
‫واخلــط‪ ،‬وقــال علــي بــن أبــي طالــب‪« :‬عليكــم حبســن اخلــط فإنــه مفتــاح الــرزق»‪ ،‬كمــا‬
‫قــال ابــن عبــاس‪« :‬اخلــط اجلميــل يزيــد احلــق بیان ـاً»‪ ،‬واخلــط العربــي يف الزخــارف‬
‫املعماريــة يشــكل عمــاً فنيــاً متكامــل العناصــر واألمثلــة قائمــة ال تعــد وال حتصــى‬
‫نراهــا علــى املداخــل واحملاريــب‪ ،‬والقبــاب واملــآذن وباقــي العناصــر املعماريــة آخــذ‬
‫أشــكاالً فنيــة بــل أســاليب بعضهــا تزییــي صــرف واألخــر قاعــدي‪.‬‬
‫ويعتــر اخلــط العربــي مــن أبــرز العناصــر الفنيــة الــي اســتعملها الفنــان املســلم يف‬
‫موضوعاتــه املختلفــة‪ ،‬وال يوجــد فــن مــن الفنــون بلغــت فيــه الكتابــة دوراً رئيســياً مثلمــا‬
‫يف زخــارف الفــن اإلســامي(‪ ،)2‬والكتابــة العربيــة ليســت أقــل مــا جيلــب األنظــار يف‬
‫العمائــر‪ ،‬ويف التحــف اإلســامية‪ ،‬الــي هــي غايــة يف اجلمــال واالتــزان(‪ ،)3‬واســتخدم‬
‫املســلمون اخلــط كعنصــر زخــريف‪ ،‬فقــد كان اخلــط العربــي وســيلة للعلــم‪ ،‬ثــم أصبــح‬
‫مظهــر مــن مظاهــر اجلمــال يفــور باحليــاة وجيــري فيــه الســحر‪ ،‬ومــازال ينمــو ويتحســن‬
‫ويتنــوع ويتعــدد حتــى بولــغ يف أســاليب التحويــرات اجلزئيــة يف حروفــه املفــردة واملركبــة‪،‬‬
‫فاعتــروه هبــذا التحويــر نوعـاً مــن الزخرفــة‪ ،‬وبلغــت أنواعــه هبــذه التقنيــات الكماليــة يف‬
‫العهــد العباســي عــن الســاجقة واألتابكــة واملغــول والرتكســتانيني حنــو مثانــن نوعـاً أو‬
‫تزيــد‪ ،‬وهــذا بطبيعــة احلــال تــرف فــي مل تبلغــه أمــة مــن األمــم‪ ،‬وأثــرى اخلــط الكــويف‬
‫بأنــواع عديــدة العمائــر والفنــون اإلســامية‪ ،‬وكانــت لــه الســيادة حتــى العصــر العباســي‬
‫(‪ )1‬بابل ‪ -‬الزخرفة اهلندسية ‪ -‬كلية الفنون اجلميلة – قسم الرتبية الفنية – أستاذة رشا أكرم موسى وتوت‪.‬‬
‫(‪ )2‬اخلــط العربــي ووظيفتــه يف الفنــون اإلســامية األخــرى – أبــو صــاحل األلفــى – حلقــة اخلــط العربــي – دار‬
‫املعــارف – مصــر ‪ 1968‬ص‪.47‬‬
‫(‪ )3‬اخلط العربي وأساليبه يف احلياة العامة – أمحد أمحد يوسف – حلقة حبث اخلط العربي – ص‪.86‬‬

‫‪240‬‬
‫حــن بــدأ اخلــط النســخ ومشــتقاته يف مزامحتــه الســيادة الفنيــة‪ ،‬ومــن أهــم صــور اخلــط‬
‫الكــويف ‪ -‬الكــويف البســيط الــذي ال زخــرف فيــه‪ ،‬والكــويف املــورق أي املنقــوش علــى‬
‫أرضيــة هبــا زخــارف نباتيــة‪ ،‬والكــويف املزهــر أي الــذي ختــرج مــن حروفــه فــروع نباتيــة‬
‫هبــا أزهــار‪ ،‬والكــويف املضفــر أي الــذي تشــتبك فيــه األلــف مــع الــام علــى هيئــة ضفــرة‪،‬‬
‫أمــا أنــواع اخلطــوط األخــرى كالنســخ والثلــث فقــد أبــدع فيهــا اخلطــاط حتــى صــارت‬
‫متتــزج كمــا يف املعــادن اململوكيــة باألشــكال النباتيــة واحليوانيــة‪ ،‬وعلنــا نســتطيع التوقف‬
‫عنــد اخلــط الغبــاري‪ ،‬وهــو صــورة مصغــرة مــن خــط النســخ ولكنهــا يف احلقيقــة صــورة‬
‫غايــة يف الدقــة والصغــر كمــا يــدل علــى امسهــا‪ ،‬فهــو كمــا يفهــم مــن هــذا االســم صغــر‬
‫كأنــه الغبــار ‪ ،Dust Script‬ويكفــي لتصــوره أن نعــرف أن بعــض اخلطاطــن الذين أجادوا‬
‫كتابتــه‪ ،‬قــد نقشــوا القــرآن علــي حبــة مــن األرز‪ ،‬وبعضهــم نقشــه علــي بيضــة دجــاج‪ ،‬وأما‬
‫اخلــط املثنيــة أو الكتابــة املنعكســة أي الــي تقــرأ طــرداً وعكس ـاً‪ ،‬فهــو نــوع مــن اخلــط‬
‫يكشــف عــن مهــارة اخلطــاط وعبقريتــه‪ ،‬إذ هــو يكتــب العبــارة الواحــدة مرتــن حبيــث‬
‫ميكــن قراءهتــا مــن اليمــن إىل اليســار ومــن اليســار إىل اليمــن‪ ،‬وهــو ميــزج بــن حروفهــا‬
‫حبيــث خيــرج مــن هــذا املــزج شــكالً زخرفيـاً مجيـاً(‪.)1‬‬
‫ولقــد اســتخدم الفنانــون اخلــط حيــث كان هــو العنصــر الزخــريف يف هــذا النــوع مــن‬
‫الزخــارف‪ ،‬وبعــد أن كان اخلــط العربــي وســيلة للعلــم واملعرفــة‪ ،‬أصبــح يف هــذا النــوع‬
‫مــن الزخرفــة مظهــراً مــن مظاهــر اجلمــال الــذي ينبض باحليــاة والســحر‪ ،‬وال زال هذا‬
‫النــوع ينمــو ويتطــور ويتعــدد لدرجــة املبالغــة يف أســاليب حتويــر أجــزاء حروفــه املركبـةِ‬
‫واملفــردة‪ ،‬وقــد اعتــر هــذا التحويــر مــن أنــواع الزخرفــة‪ ،‬وبلغــت أنــواع هــذه الزخرفــة‬
‫مبفردهــا مــا جتــاوز الثمانــن نوعـاً‪ ،‬حيــث بلغــت كماليتهــا يف العهــد العباســي‪ ،‬وتعتــر‬
‫نوعـاً مــن أنــواع الــرف الفــي الــذي مل تبلغــه أي أمـةٍ مــن األمــم ســابقاً(‪.)2‬‬

‫وهنــاك نــوع آخــر مــن اخلطــوط اجلميلــة ومــن اخلطــوط اهلندســية‘ يتجلــى فيــه اخلــط‬
‫الكــويف‪ ،‬حبيــث يعطــي إحساســاً باالســتقرار والثبــات‪ ،‬واســتعمل كعنصــر زخــريف‬

‫(‪ )1‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬


‫(‪ )2‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل الفنّ املعماري‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫أعطــى الفــن اإلســامي الشــخصية املتميــزة‬
‫انظــر الشــكل (‪.)1()53‬‬

‫الزخرفةِ التصويريّة‪:‬‬

‫كانــت الكائنــات احليّــة وســيل ًة تســتخدم كوحــدةٍ‬


‫يف األعمــال الزخرفيّــة‪ ،‬اختذهــا الفنانــون‬
‫قدمي ـاً كأحــد األشــكال األســطوريّة(‪ ،)2‬ومل تكــن‬
‫‪53‬‬ ‫الشكل‬
‫الكائنــات احليــة غايــة بــل وســيلة تســتخدم‬
‫كوحــدة يف العمــل الزخــريف بــل قــد اســتلهم الفنــون القدميــة‪ ،‬فاختــذت منهــا األشــكال‬
‫األســطورية‪ ،‬إذ تبلــورت هنــا شــخصية الفــن اإلســامية يف كراهيــة متثيــل الكائنــات‬
‫احليــة‪ ،‬ويرجــع ذلــك إىل الرغبــة يف البعــد عــن املظاهــر الوثنيــة‘ فقــد جــاء اإلســام‬
‫ليقضــي علــى الوثنيــة ممثلــة يف عبــادة األشــخاص واألصنــام علــى أن هــذه الكراهيــة‬
‫أخــذت تتالشــى بالتدريــج مــع زيــادة الوعــي حبقائــق العقيــدة اإلســامية‪ ،‬وظهــرت‬
‫الرســوم اجلداريــة علــى كثــر مــن األعمــال الفنيــة كالتحــف املختلفــة ويف الرســوم‬
‫اجلداريــة علــى أنــه ممــا يلفــت النظــر «زخــارف املصاحــف واملســاجد» إهنــا ظلــت‬
‫خاليــة مــن العناصــر اآلدميــة واحليوانيــة(‪ ،)3‬وكانــت الكائنــات احليّــة وســيل ًة تســتخدم‬
‫كوحــدةٍ يف األعمــال الزخرفيّــة‪ ،‬اختذهــا الفنانــون قدميـاً كأحــد األشــكال األســطوريّة‪،‬‬
‫وألن اســتخدام الكائنــات احليــة وســيلة للتصويــر يُعتــر شــك ً‬
‫ال مــن أشــكال الوثنيّــة‪،‬‬
‫وأخــذ هــذا النــوع يتالشــى تدرجييّـاً‪ ،‬وحلــت الرســوم اجلداريّــة بديـ ً‬
‫ا عــن هــذا النــوع‬
‫مــن الزخرفــة(‪.)4‬‬

‫ويرجــع ذلــك الرغبــة يف البعــد عــن املظاهــر الوثنيــة‪ ،‬ألنــه جــاء اإلســام ليقضــي علــى‬

‫(‪ )1‬الفنون اإليرانية يف العصر اإلسالمي – زكي حممد حسن – دار الكتب املصرية – القاهرة ‪ -1940‬ص‪.67‬‬
‫(‪ )2‬القاهــرة التارخييــة ‪ -‬القاهــرة التارخييــة ‪ 23 -‬أبريــل ‪ - 2015‬تعريــف الزخرفــة وقواعدهــا ‪ -‬وأنــواع الزخــارف‬
‫وتعريفهــا ‪ -‬هبــة املوهبــة تاريــخ الفــن وثقافتــه‪.‬‬
‫(‪ )3‬القاهرة التارخيية ‪ -‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬
‫(‪ )4‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل الفنّ املعماري‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫تلــك الوثنيــة املمثلــة يف عبــادة األشــخاص واألصنــام علــى أن هــذه الكراهيــة أخــذت‬
‫تتالشــى بالتدريــج مــع زيــادة الوعــي حبقائــق العقيــدة اإلســامية‪ ،‬وهلــذا ظهــرت‬
‫الرســوم اجلداريــة علــى كثــر مــن األعمــال الفنيــة كالتحــف املختلفــة‪ ،‬ويف الرســوم‬
‫اجلداريــة علــى أنــه ممــا يلفــت النظــر زخــارف املصاحــف واملســاجد إهنــا ظلــت خاليــة‬
‫مــن العناصــر اآلدميــة واحليوانيــة(‪.)1‬‬

‫وممــا اســتحدث يف بنــاء املســاجد الزخرفــة‪ ،‬وغايتهــا إظهــار البنــاء بأهبــى حلــة‪ ،‬حبيــث‬
‫يأخــذ اجلمــال مكانــه يف كل عنصــر ســواء أكان معماريـاً أم تزيينيـاً‪ ،‬ومــن هنــا نســتطيع‬
‫أن نصنــف الزخرفــة فنجعلهــا نوعني‪:‬‬

‫• نوع يدخل يف تشكيل وبنية العناصر املعمارية نفسها‪.‬‬

‫• ونوع يظل يف إطار مهمته التزيينية اخلالصة‪.‬‬

‫فأمــا النــوع األول فنجــده يف األعمــدة واألقــواس والقبــاب واملداخــل واحملاريــب‬


‫والنوافــذ‪..‬‬

‫ومــع ذلــك فقــد أخــذت نصيبهــا مــن العنايــة الزخرفيــة فوجدنــا منهــا االســطوانية‬
‫واملضلعــة‪ ،‬ويف كال النوعــن قــد يكــون الســطح أملــس وقــد يكــون ذا أفاريــز‪.‬‬

‫وقــد بذلــت عنايــة كبــرة يف شــكل هنايــة العمــود عنــد اتصالــه بالقــوس – فقــد تكــون‬
‫هــذه النهايــة بشــكل هــرم ناقــص مقلــوب‪ ،‬أو علــى شــكل ناقــوس مقلوب‪ ..‬وقــد يزخرف‬
‫تــاج العمــود بوريقــات ومقرنصــات انظــر الشــكل (‪....)54‬‬

‫أماالنــوع الثانــي مــن الزخرفــة‪ ،‬وهــي الزخرفــة التجميلية اخلالصــة‪ ،‬فيمكن مالحظتها‬
‫يف املنابــر واألبــواب واجلــدران والقبــاب‪ ..‬ففــي ســطوح اجلــدران والقبــاب والســقوف‪..‬‬
‫كان للنقــش والرســم دوره يف عمليــة التجميــل حيــث اســتعملت األشــكال اهلندســية‬

‫(‪ )1‬القاهرة التارخيية ‪ -‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫والنباتيــة والكتابــة الزخرفيــة بتناســق عجيب‬
‫وألــوان متناســبة‪ ،‬وكثــراً مــا تتداخــل تلــك‬
‫العناصــر الزخرفيــة لتؤلــف وحــدة منســجمة‬
‫رائعــة انظــر الشــكل (‪.)1()55‬‬

‫ويف األبــواب واملنابــر اخلشــبية‪ ،‬بــرزت‬


‫‪54‬‬ ‫الشكل‬
‫األشــكال اهلندســية الرائعــة يف تلــك‬
‫احلشــوات الــي متــأ الفــراغ بــن العــوارض‬
‫الرئيســية الــي يتكــون منهــا البــاب أو املنــر‬
‫وكذلــك يف أنــواع الشــبك الــي تزيــن بعــض‬
‫النوافــذ‪ ،‬وقــد شــاركت يف عمليــات التجميــل‬
‫‪55‬‬ ‫الشكل‬ ‫تلــك التفريغــات اجلصيــة الــي أخــذت مكاهنا‬
‫يف جســم املــآذن أو فــوق األقــواس واملداخــل‪.‬‬

‫لقــد قامــت الزخرفــة بــدور كبــر يف عمليــة التجميــل ففــي كثــر مــن املســاجد‪ ،‬ماتــكاد‬
‫تقــع عينــك علــى شــيء حتــى جتــد الزخرفــة قــد دخلــت يف كل جانــب مــن جوانبــه‪..‬‬
‫احلفــر‪ ..‬الفسيفســاء‪ ..‬األلــوان‪ ..‬املقرنصــات‪ ،‬ومــع مــرور الزمــن‪ ..‬واالنتقــال مــن قطــر‬
‫إىل آخــر‪ ..‬كان الفنــان يســتفيد مــن اخلــرات الســابقة‪ ،‬ويبتكــر اجلديــد الــذي يعــر فيــه‬
‫عــن قدرتــه وإبداعــه(‪.)2‬‬

‫إن الزخرفــة يف منظــور العمــارة اإلســامية خاصــة يف عمــارة املســجد هــي لغـ ًة حيــة‬
‫يســتطيع أن يقرأهــا املســلم‪ ،‬وخاصــة تلــك الــي تعتمــد يف كثــر مــن األحيــان علــى‬
‫اخلــط العربــي والزخــارف النباتيــة والزخــارف اهلندســية‪ ،‬وملــا كان املســجد هــو مبثابــة‬
‫املركــز الــذي ينطلــق منــه اجملتمــع اإلســامي‪ ،‬فقــد أتقــن الفنــان املســلم اآلليــات الــي‬
‫انطلقــت منهــا هــذه اإلبداعــات املعماريــة وأبــدع املعمــاري املســلم يف تشــكيل املنظومــة‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل الفنّ املعماري‬
‫(‪ )2‬األلوكة الثقافية – األلفاظ اجلمالية (التعريف باجلمال وحقيقته ومكانته) ‪-‬أ‪ .‬صاحل بن أمحدالشامي‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫اهلندســية‪ ،‬لتجســد لنــا روح املســجد وعمارتــه مــن خــال النهــج الواحد لعمارة املســجد‬
‫علــى اختــاف املســتويات املشــرقية واملغربيــة(‪.)1‬‬

‫إذاً جنــد أن اهلــدف احلقيقــي مــن الفــن هــو جتميــل احليــاة‪ ،‬ولكنــه أخضــع هــذا اخليــال‬
‫إىل قوانــن التــوازن والتقابــل والتماثــل واإلشــعاع‪ ،‬وهــي مجيعــاً األســس الــي يقــوم‬
‫عليهــا فــن الزخرفــة‪ ،‬فخرجــت زخرفــة التوريــق مــن بــن يديــه رائعــة‪ ،‬تشــدنا إىل‬
‫الوقــوف عندهــا كلمــا وقــع النظــر عليهــا(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬عناصر بناء املساجد يف فن العمارة اإلسالمية – مدونة الدكتور األستاذ خليل حسن الزركاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرجع سبق ذكره ‪ -‬القاهرة التارخيية ‪ -‬القاهرة التارخيية ‪ 23 -‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬

‫‪245‬‬
‫خصائص الزخرفة اإلسالمية‬

‫هــي إظهــار املظهــر احلضــاريّ الناتــج عــن النهضــة اإلســاميّة وإبــرازه‪ ،‬واســتخدام‬
‫اخلطــوط الزخرفيــة مــن قِبــل التقنيــن املســلمني بأســلوب رائــع املظهــر والتكويــن‪،‬‬
‫وخلــق جمموعــة زخرفيــة مُســتحدثة مــن النمــاذج املســتوحاة مــن اخليــال الــا متناهــي‪،‬‬
‫وإجيــاد أشــكال وجمســمات جديــدة مــن املضلّعــات النجميّــة والتوشــح العربــي وخاصــة‬
‫األرابيســك‪ ،‬واالهتمــام بــكل مــا هــو جديــد ومُبتكــر‪ ،‬مــع احلــرص علــى االبتعــاد عــن‬
‫النقــل والرتكيــز علــى التطويــر املباشــر واســتبعاًد كل مــا يتعلّــق بالتقليــد والتصنيــع‪،‬‬
‫واألصالــة‪ ،‬وظهــور األثــر الواضــح للعقيــدة اإلســامية يف الرســوم الزخرفيــة يف‬
‫املســاجد‪ ،‬ومتثــل ذلــك خبلوهــا مــن الكائنــات احليــة وأرواحــه يف حتريــم التجســيم(‪.)1‬‬

‫واألمــر الــذي حنــب الوقــوف عنــده هــو قضيــة «الزخرفــة» هــل ظلــت يف حــدود االلتــزام‬
‫اإلســامي‪ ،‬أم كانــت خروج ـاً عليــه؟‪ ،‬وقبــل اإلجابــة علــى الســؤال‪ ،‬ينبغــي علينــا أن‬
‫نســتطلع موقــف اجليــل األول مــن هــذه القضيــة‪ ،‬وجنــد تلخيصـاً هلــذا املوقــف فيخــر‬
‫عبــد اهلل بــن عمرحيــث قــال‪:‬‬

‫«إن املســجد كان علــى عهــد رســول اهلل ‪ ‬مبنيــاً باللــن ســقفه اجلريــد وعمــده‬
‫خشــب النخــل‪ ،‬فلــم يــزد فيــه أبــو بكــر شــيئاً‪ ،‬وزاد فيــه عمــر‪ ،‬وبنــاه علــى بنيانــه يف عهــد‬
‫رســول اهلل ‪ ‬باللــن واجلريــد وأعــاد عمــده خشــباً‪ ،‬ثــم غــره عثمــان فــزاد فيــه زيــادة‬
‫كثــرة‪ ،‬وبنــى جدرانــه باحلجــارة املنقوشــة وال َقصَّــة‪ ،‬وجعــل عمــده مــن حجــارة منقوشــة‬
‫وســقفه بالســاج‪ ،‬ويتبــن مــن هــذا‪ :‬أن أبــا بكــر جــدد بنــاء املســجد بعــد أن خنــر خشــبه‬
‫دون أن يزيــد يف مســاحته كمــا أنــه مل يغــر مــواد البنــاء الــي كانــت مســتعملة فيــه‪ ،‬ثــم‬
‫زاد عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬يف مســاحته ولكنــه أعــاد بنيانــه باملــواد نفســها‪ ،‬ثــم وســعه‬
‫عثمــان وأدخــل فيــه ألول مــرة – العناصــر التجميليــة‪..‬‬

‫ويبــدو أن بعــض النــاس قــد الم عثمــان علــى مــا أحــدث مــن هــذه الزخرفــة‪ ،‬فقــد روى‬
‫(‪ )1‬موضوع أمرب موقع عربي يف العامل ‪ -‬مفهوم الزخرفة اإلسالمية ‪ -‬بواسطة‪ :‬إميان احلياري‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫البخــاري ومســلم أن عثمــان ‪ ‬قــال – عنــد قــول النــاس فيــه حــن بنــى مســجد رســول‬
‫اهلل ‪« :- ‬إنكــم أكثــرمت‪ ،‬وإنــي مسعــت رســول اهلل ‪ ‬يقــول‪ :‬مــن بنــى مســجداً يبتغــي‬
‫بــه وجــه اهلل بنــى اهلل لــه بيتـاً يف اجلنــة»‪.‬‬

‫وواضــح مــن قــول عثمــان أنــه مل يــر يف تلــك الزخرفــة‪ ،‬وتلــك العنايــة بنوعيــة مــواد‬
‫البنــاء خروجـاً علــى مــا ورد يف حديــث الرســول الكريــم‪ ،‬الــذي يرغــب ببناء املســاجد‪ ،‬وإذن‬
‫فالبنــاء مطلــوب وإجــادة العمــل فيــه كذلــك‪ ،‬وذلــك بغيــة التقــرب إىل اهلل تعــاىل‪ ،‬وحدثــت‬
‫التوســعة األخــرى بعــد ذلــك يف عهــد الوليــد بــن عبــد امللــك علــى يــد عمــر بن عبــد العزيز‪،‬‬
‫تلــك التوســعة الــي دخلــت فيهــا الزخرفــة علــى نطــاق واســع‪ ،‬ممــا جعــل ماحــدث يف عهــد‬
‫عثمــان ال يعــد شــيئاً يذكــر‪ ،‬خنلــص ممــا ســبق إىل أن أبــا بكــر وعمــر ‪ ‬آثرا بقاء املســجد‬
‫علــى مــا كان عليــه زمــن النــي ‪ ،‬دون أدنــى تعديــل يف مــواد البنــاء أو شــكله أو أســلوبه‪،‬‬
‫وجنــح عثمــان ‪ ‬إىل تعديــل مــواد البنــاء‪ ،‬وإدخــال بعــض اجلماليــات‪ ،‬وتوســع الوليــد‬
‫يف تلــك الزخرفــة‪ ،‬وميكننــا القــول بــأن املســجد يف احلالتــن ظــل يف حــدود االلتــزام‪،‬‬
‫ذلــك أن التشــريع اإلســامي يتميــز خبصائــص منهــا‪ :‬الواقعيــة واملرونــة‪ ،‬وانطالق ـاً‬
‫منهمــا فــإن الكثــر مــن التكاليــف جــاءت ضمــن إطــار مــن الفســحة‪ ،‬فهــي تــراوح بــن‬
‫ا للكمــال‪ ،‬وبــن حــد أدنــى ال جيــوز اخلــروج عليــه‪.‬‬
‫حــد أعلــى يعـدُّ مثـ ً‬

‫وبنــاء علــى هــذا فقــد كان فعــل كل مــن أبــي بكــر وعمــر ‪ ‬يف شــأن بنــاء املســجد‬
‫التزام ـاً باحلــد األعلــى‪ ،‬التزام ـاً بالــذروة مــن الكمــال‪ ..‬فلــم يغــرا يف البنــاء وأبقيــاه‬
‫كمــا كان يف عهــده ‪ ،‬ومافعلــه الوليــد كان التزامـاً أيضـاً‪ ،‬فهــو مل يفعــل شــيئاً حرّمــه‬
‫اإلســام ومل يكــن يف عمليــات الزخرفــة شــيء قــال اإلســام مبنعــه‪ ،‬وظلــت الزخرفــة‬
‫ضمــن إطــار مــن الزخرفــة اهلندســية والنباتيــة الــي يبيحهــا اإلســام‪ ،‬ومل حيــدث‬
‫أن وجــد يف تلــك الزخرفــة شــيء مــن رســوم األشــخاص أو ذوات األرواح‪ ،‬فقــد ظــل‬
‫ضمــن دائــرة االلتــزام‪ ،‬وإن كان بعمــل كهــذا قــد انتقــل مــن درجــة الفاضــل إىل درجــة‬
‫املفضــول(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬األلوكة الثقافية – األلفاظ اجلمالية (التعريف باجلمال وحقيقته ومكانته) ‪-‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫إن فــن الزخرفــة اإلســامي ‪ -‬بقســميه‪ :‬النباتــي واهلندســي ‪ -‬ذو خصائــص متميــزة‪،‬‬
‫منحــه إياهــا الفنــان املســلم‪ ،‬فــكان هبــذا فن ـاً إســامياً خالص ـاً‪ ،‬وجنمــل بعــض هــذه‬
‫اخلصائــص مبــا يلــي‪:‬‬
‫‪ -1‬إنــه فــن إســامي‪ :‬أي أن فــن الزخرفــة قديــم‪ ،‬ولكــن املســلمني طــوروه‪ ،‬وحــوروه‪،‬‬
‫وأدخلــوا إليــه كل جديــد‪ ..‬وســاروا بــه أشــواطاً بعيــدة حتــى بــات فنــاً إســامياً‬
‫باعــراف مجيــع الدارســن هلــذا الفــن‪ ،‬وقــد أطلــق عليــه الدارســون الغربيــون مصطلــح‬
‫«األرابيســك»(‪ )1‬تأكيــداً هلــذا املعنــى وختصيصــاً لــه‪.‬‬
‫‪ -2‬احلركــة‪ :‬مــن ميــزات هــذا الفــن أنــه يُلــزم عــن املشــاهد باحلركــة‪ ،‬أو باحلركــة‬
‫والتوقــف ثــم احلركــة‪ ،‬فهــو فــن يأخــذ بيــد املشــاهد ويتجــول بــه يف مجيــع ردهــات‬
‫اللوحــة‪ ..‬أو املســاحة املزخرفــة(‪.)2‬‬
‫ويقــول الدكتــور فاروقــي‪ :‬إن وجــود احلركــة يف الفــن اإلســامي‪ ،‬ســواء يف الزخرفــة‬
‫أو يف النقــش‪ ،‬مســألة ال جمــال للشــك فيهــا‪ ..‬إهنــا احلركــة مــن الوحــدة الصغــرة‬
‫إىل التصميــم أو الشــكل‪ ،‬ومــن الشــكل إىل أشــكال أخــرى تشــكل يف جمموعهــا جمــاالً‬
‫ا للرؤيــة‪...‬‬
‫متص ـ ً‬
‫فاملشــاهد جيــول ببصــره مــن الوحــدة أو الشــكل إىل شــكل آخــر وآخــر يف مجيــع‬
‫االجتاهــات حتــى يــرى الرســم كلــه مــن أقصــاه إىل أقصــاه‪ ،‬وإن الشــكل أو الوحــدة‬
‫يعتــر يف احلقيقــة مســتقالً وقائمـاً بذاتــه‪ ..‬ويف هــذا تكمــن إيقاعاتــه الفنيــة‪ ...‬وبقــدر‬
‫مــا تصبــح الوحــدات متداخلــة بشــكل كثيــف ووثيــق‪ ،‬جيــر ‪ -‬املشــاهد ‪ -‬علــى احلركــة‬
‫والتوقــف معــاً‪ ،‬وبقــدر مــا تتعــوق احلركــة باخلطــوط الدائريــة واملنكســرة‪ ،‬تصبــح‬
‫احلاجــة ماســة إىل بــذل جمهــود أكــر ملتابعــة القطعــة الفنيــة(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬أرابيســك (توريقــات)‪ :‬أطلــق مؤرخــو الفــن األوربيــون هــذا املصطلــح علــى نــوع مــن الزخــارف اإلســامية ذات‬
‫الفــروع النباتيــة والتوريقــات الزهريــة‪ ،‬والكتابــات والتحويــرات احليوانيــة اهلندســية‪ .‬وهــي مقتبســة مــن كلمــة‬
‫اســبانية (توريكــوس) مســتعملة حتــى اآلن للداللــة علــى الزخــارف اإلســامية»‪.‬‬
‫(‪ )2‬مــن خــواص املشــهد القرآنــي «احلركــة» وقــد تعلــم الفنــان املســلم ذلــك وكان هــذا الفــن ميدان ـاً لتطبيــق تلــك‬
‫املعلومــات [انظــر الفصــل الرابــع مــن البــاب األول مــن هــذا الكتــاب‪ :‬مــن خــواص املشــهد القرآنــي]‪.‬‬
‫(‪ )3‬جملة املسلم املعاصر (عدد ‪ )25‬ص ‪.155 – 154‬‬

‫‪248‬‬
‫ومــن املعــروف أن فــن الزخرفــة يقــوم علــى اخلــط‪ ،‬الــذي يعتــر مــن أهــم العناصــر‬
‫التشــكيلية القــادرة علــى التعبــر عــن احلركــة‪ ،‬ويوضــح لنــا «األلفــي» ذلــك فيقــول‪:‬‬
‫«إذا تتبعنــا وظيفــة اخلــط يف الفــن اإلســامي‪ ..‬جنــد أنــه يلعــب دوراً أساســياً وخباصــة‬
‫يف العناصــر الزخرفيــة‪ ..‬وجنــد يف منتجــات الفــن اإلســامي منطــن مــن أمنــاط‬
‫اخلــط‪:‬‬
‫األول‪ :‬اخلــط املنحــي الطيــاش‪ ،‬الــذي يــدور هنــا وهنــاك متجــوالً يف حريــة وانطــاق‬
‫يف حــدود املســاحة املخصصــة للزخرفــة‪ ،‬وهــو ال خيــرج عليهــا‪ ،‬ولكنــه يعطــي إحساسـاً‬
‫باملطلــق واالســتمرار إىل مــا ال هنايــة‪ ،‬يقــف أحيانـاً وقفــة قصــرة عنــد انتفاخــه ولكنــه‬
‫ال يلبــث أن يســتمر‪ ،‬يثــب أحيانـاً فــوق اخلطــوط‪ ،‬أو ميــر حتتهــا أو يتجــاور معهــا‪ ،‬فيــه‬
‫صفــة الســعي الدائــب واالنطــاق‪.‬‬
‫وهنــاك نــوع آخــر مــن اخلطــوط وهــو اخلــط اهلندســي‪ ،‬الــذي تكــون وظيفتــه حتديــد‬
‫مســاحات تتكــون منهــا حشــوات‪ ،‬تتجــه حنــو الدقــة والصغــر كلمــا ازدهــر الفــن‪..‬‬
‫ويغلــب أن تشــكل هــذه احلشــوات أشــكاالً جنميــة أو أشــكاال ًمضلعــة ذات زوايــا‪ ،‬أو‬
‫دوائــر‪ ..‬وهــذه اخلطــوط‪ ..‬تعطــي إحساس ـاً باحلركــة الصارمــة ذات العــزم األكيــد‪،‬‬
‫ذلــك ألهنــا تقــود النظــر إىل داخــل املســاحة حيــث األرابيســك الــدوار(‪ ،»)1‬واملالحظــة أن‬
‫اخلــط الطيــاش يتيــح لــك متابعتــه بســرعة‪ ،‬ويــكاد بعــض األحيــان مــن جــراء ســرعته‬
‫يغيــب عــن نظــرك‪ ،‬بينمــا يســر بــك اخلــط اهلندســي علــى مهــل وبأنــاة‪ ،‬إهنــا «احلركــة»‬
‫مقتبســة مــن املشــهد القرآنــي‪.‬‬
‫‪ -3‬االتســاع (االمتــداد)‪ :‬كانــت اخلاصــة الثانيــة للمشــهد القرآنــي هــي «االتســاع» وقــد‬
‫اســتطاع الفنــان املســلم أن حيقــق يف إنتاجــه الزخــريف هــذه اخلاصــة‪ ،‬بعــد أن متثلهــا‬
‫يف فكــره‪ ،‬فانســابت علــى يــده فــإذا بريشــته تنقلنــا مــن املرئــي إىل الــا مرئــي ومــن‬
‫املشــاهد إىل املتخيــل‪.‬‬
‫وإن فــن الزخرفــة اإلســامي‪ ،‬يدفــع بصــرك ‪ -‬وأنــت أمــام لوحــة مــن لوحاتــه ‪ -‬إىل‬
‫متابعــة خطوطــه يف كل االجتاهــات‪ ،‬فــإذا مــا انتهــت اللوحــة حبدودهــا املكانيــة‬
‫(‪ )1‬أبو صاحل األلفي‪ .‬الفن اإلسالمي ص ‪.102 - 101‬‬

‫‪249‬‬
‫احملصــورة وجــدت نفســك مدفوعــاً وملتابعــة املشــهد عــر خيالــك‪ ،‬ذلــك أن حــدود‬
‫اللوحــة مل تســتطع كفكفــة املشــهد وحصــره‪ ،‬وإمنــا كانــت تلــك احلــدود هنايــة ال إراديــة‬
‫ال بــد منهــا‪ ،‬األمــر الــذي جعــل مــن اللوحــة وحــدة مشــاهدة ذات لــون غامــق ضمــن‬
‫تصميــم ال حــدود لــه متخيــل ذي لــون فاتــح‪ ،‬ينســاح الفكــر معــه‪ ،‬يف اتســاع ال حمــدود‬
‫«فاألســاس اجلوهــري هلــذا الفــن يكمــن يف اســتمرار الرؤيــة لــدى مــن يشــاهده‪ ..‬يف‬
‫أن يصبــح خيالــه قــادراً علــى تصــور االســتمرار‪ ..‬يف أن يتجــه ذهنــه يف حركــة دائمــة‬
‫ســعياً وراء مــا ال هنايــة لــه(‪.»)1‬‬
‫وإنــه الفــن الــذي يتجــه يف الفــراغ إىل مــا ال هنايــة‪ ..‬كمــا يف {وَلِلَّـهِ الْمَشْـ ِر ُق وَالْم َْغـ ِربُ َف َأيْنَمَــا‬
‫ُتوَلُّــوا َف َثـمَّ وَجْـهُ اللَّـهِ(‪.})2‬‬
‫‪ -4‬مــلء الفــراغ‪ :‬عمــل الفنــان املســلم يف فنــه الزخــريف علــى تغطيــة مجيــع الســطوح‪،‬‬
‫حتــى كاد يقضــي علــى الفــراغ قضــاء تامـاً‪ ،‬وقــد ســلك إىل ذلــك أكثــر مــن ســبيل‪ ،‬فهــو‬
‫يســتمر تــارة يف مــلء الفــراغ بزخرفتــه علــى الســطح منتقـاً مــن الصغــرة إىل األصغــر‪،‬‬
‫وتــارة يعمــد إىل اخللفيــة فيملؤهــا خبطوطــه‪ ..‬فينتــج عــن ذلــك تبايــن يف مســتوى‬
‫الســطح‪ ،‬أو تبيــان بــن الضــوء والظــل‪ ..‬فيكــون مــن ذلــك التأثــر اجلمــايل الرائــع‪ ،‬إن‬
‫هــذا االجتــاه يف الفــن الزخــريف‪ ،‬جعــل دارســيه يتفقــون علــى أن الفنــان املســلم كان‬
‫حيــب البعــد عــن الفــراغ‪ ،‬والعمــل علــى تغطيتــه عنــد وجــوده‪ ،‬وقــد عــروا عــن ذلــك بـــ‬
‫(كراهيــة الفــراغ) أو (الفــزع مــن الفــراغ)‪.‬‬
‫وقــد وجــدت بعــض التعليــات هلــذا املســلك‪:‬فمن ذلــك مــا ذهــب إليــه الدكتــور عفيــف‬
‫هبنســي رمحــه اهلل حيــث قــال‪« :‬نــرى الزخــارف ذات مســتوى واحد وتكســو الســطح كله‬
‫كأمنــا هنــاك خشــية مــن اســتقرار الشــر يف الفــراغ‪ ،‬وهــو اعتقــاد قديــم اســتمر ســائداً‬
‫يف الفــن اإلســامي»(‪ ،)3‬وهــو تعليــل غريــب! فقــد جــاء اإلســام ليقضــي علــى مجيــع‬
‫األســاطري واخلرافــات وليلغــي الطــرة ويقضــي علــى التشــاؤم‪ ..‬فكيــف اســتمر الفنــان‬
‫علــى إظهــار هــذه املعانــي يف فنــه؟!‪ .‬إننــا جنــزم بــأن هــذا التعليــل جيانبــه الصــواب‪.‬‬

‫(‪ )1‬الدكتور إمساعيل فاروقي‪[ .‬جملة املسلم املعاصر‪ .‬العدد ‪]25‬‬


‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬اآلية ‪.115‬‬
‫(‪ )3‬الفن العربي اإلسالمي‪ .‬د‪ .‬عفيف هبنسي ص ‪ 20‬ط ‪1403 1‬هـ‬

‫‪250‬‬
‫ويف ظــال هــذه املفاهيــم مجيعهــا‪ ،‬كان األمــر بديهيـاً أن تكــون خاصة «ملء الفــراغ» إحدى‬
‫خــواص هــذا الفــن‪ ،‬فهــي اإلجيابيــة الكاملــة الــي وعاها الفنان املســلم‪ ،‬مــن خالل منهجه‪.‬‬
‫‪ -5‬الالطبيعــة‪ :‬تلــك خاصــة عامــة يف الفــن اإلســامي‪ ،‬ونؤكــد هنــا أن الفنــان املســلم‬
‫ســلك يف رمســه الطريقــة املنافيــة للطبيعــة‪ ،‬وحتولــت الطبيعــة إىل الالطبيعــة يف فنــه‪،‬‬
‫فــكان إخراجــه هلــا‪ ،‬إخراج ـاً جديــداً‪ ،‬حبيــث ســيطر التجريــد علــى هــذا الفــن‪ ،‬لقــد‬
‫تنــاول الفنــان الورقــة والشــجرة والزهــرة‪ ..‬ولكنــه جعلهــا بصــورة ختالــف صورهتــا الــي‬
‫يف الطبيعــة‪ ،‬فهــي عنــده رمــز لورقــة أو لزهــرة‪ ..‬فيــه مــن األصــل بعــض مــا يربطــه بــه‪،‬‬
‫ولكنــه شــيء جديــد‪ ،‬وممــا يؤكــد نفــي الطبيعــة يف إنتــاج الفنــان املســلم‪ ،‬ذلــك التكــرار‪..‬‬
‫املتتابــع املتماثــل‪ ..‬إنــه يؤكــد االرتبــاط الوثيــق بالالطبيعــة‪ ،‬إذ يســتحيل ‪ -‬يف الطبيعــة‬
‫احليــة ‪ -‬وجــود مثــل هــذا املشــهد املكــرر الــذي يتلــو بعضــه بعضـاً بطريقــة متماثلــة ال‬
‫هنائيــة‪ ،‬وكمــا كان املوقــف مــن الزهــرة والورقــة والشــجرة‪ ،‬كان املوقــف مــن احليوانــات‬
‫والطيــور الــي أدخلهــا الفنــان يف فنــه كوســائل زخرفيــة أيضــاً‪ ،‬حيــث اســتطاع أن‬
‫يســلبها طبيعتهــا احليــة‪ ،‬وأن ينتقــل هبــا إىل الــا طبيعــة‪ ،‬تــارة بتحويــر الشــكل‪ ،‬وتــارة‬
‫باســتعمال األلــوان الــي ال وجــود هلــا يف الطبيعــة هلــذه احليوانــات‪ ..‬وتــارة باخــراع‬
‫حيوانــات ال وجــود هلــا‪ »..‬إن الكثــر مــن رســوم هــذه الطيــور واحليوانــات‪ ،‬كانــت تنتهــي‬
‫أطرافهــا بأشــكال هندســية أو نباتيــة‪ ،‬كمــا كانــت تزخــرف أجســامها مبثــل هــذه‬
‫الزخــارف‪ ،‬أو بالكتابــات إمعانــاً يف حتويلهــا إىل عناصــر زخرفيــة‪ ،‬وإبعــاداً هلــا عــن‬
‫شــكلها الطبيعــي(‪ ،»)1‬وهبــذه املعاجلــات املختلفــة‪ ،‬حتولــت هــذه احليوانــات إىل وحــدات‬
‫زخرفيــة خالصــة‪ ،‬يغلــب عليهــا يف كثــر مــن األحيــان الطابــع اهلندســي‪ ،‬وهكــذا ظــل‬
‫موقــف الفنــان املســلم إزاء الطبيعــة ثابتـاً‪ ،‬ألنــه موقــف منهجــي‪ ،‬وليــس نزعــة عارضــة‬
‫تأتــي هبــا مدرســة‪ ،‬وتذهــب هبــا أخــرى‪ ..‬إن «الــا طبيعــة» خاصــة أكيــدة مــن خــواص‬
‫الفــن اإلســامي‪ ،‬وكمــا قــال روجيــه جــارودي(‪ »..)2‬إن فــن الزخرفــة العربــي‪ ،‬يتطلــع إىل‬
‫أن يكــون إعرابـاً منطيـاً عــن مفهــوم زخــريف‪ ،‬جيمــع بــآن واحــد بــن التجريــد والــوزن(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬الفن اإلسالمي‪ .‬أبو صاحل األلفي ص ‪.96 - 95‬‬
‫(‪ )2‬يف سبيل حوار احلضارات‪ .‬روجيه جارودي ص ‪.174‬‬
‫(‪ )3‬شبكة األلوكة ‪ -‬خصائص فن الزخرفة اإلسالمية ‪ -‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‬

‫‪251‬‬
‫الفصل السادس‬

‫القباب‬
‫عالقة مهمة‬

‫في تاريخ العمارة اإلسالمية‬

‫‪252‬‬
‫القبــة بنــاء دائــري املســقط مقعــر مــن الداخــل مقبــب مــن اخلــارج‪ ،‬والقبــة هــي أحــد‬
‫األشــكال اخلاصــة الــي اســتخدمت يف تغطيــة أســقف كثــر مــن املبانــي علــى مــر‬
‫العصــور‪ ،‬فريجــح أن القبــاب األوىل نشــأت يف بــاد مــا بــن النهريــن والشــرق األدنــى‪،‬‬
‫كمــا أن العمــارة الرومانيــة والبيزنطيــة عرفــت القبــاب واســتعملتها يف املبانــي‪ ،‬أمــا يف‬
‫العمــارة اإلســامية فــكان الســتخدام القبــاب رؤيــة خاصــة فهــي مل تكــن ح ـاً بيئي ـاً‬
‫ومناخيــاً أو إنشــائياً‪ ،‬ووظيفيــة فقــط بــل وأيضــاً رمــزاً روحانيــاً يرمــز إىل الســماء‬
‫خاصــة يف املناطــق املســقوفة مــن املســجد‪ ،‬حيــث تعتــر صــورة مصغــرة ملــا كان يــراه‬
‫العربــي يف صحرائــه مــن اتســاع األفــق واســتدارة الســماء مــن فوقــه‪{ ...‬اهلل الــذي رفــع‬
‫الســماء بغــر عمــد تروهنــا} (ســورة الرعــد)‪ ،‬ونتيجــة للرؤيــة اإلســامية للقبــة فلقد جاءت‬
‫اســتعماالهتا مميــزة وفريــدة عمــا ســبقها مــن قبــاب احلضــارات الســابقة وتعتــر قبــة‬
‫الصخــرة ببيــت املقــدس والــي شــيدت ســنة (‪ )72‬هـــ أقــدم مثــال للقبــة يف تاريــخ‬
‫العمــارة اإلســامية‪ ،‬أمــا أول اســتخدام حقيقــي للقبــة يف املســجد فــكان أمــام وأعلــى‬
‫احملاريــب تأكيــداً علــى مكاهنــا وأمهيتهــا كمــا يف اجلامع األموي بدمشــق وجامع األزهر‬
‫واحلاكــم بالقاهــرة وغريهــم مــن املســاجد‪ ،‬كمــا اشــتهر اســتخدام القبــاب يف تغطيــة‬
‫املشــاهد واألضرحــة‪ ،‬وإن كانــت الســنة النبويــة الصحيحــة قــد هنــت عــن البنــاء علــى‬
‫القبــور وتغطيتهــا‪ ،‬كمــا اســتخدمت القبــاب يف بعــض االســراحات والقصــور كقصــر‬
‫عمــرا بــاألردن وقصــر األخيضــر بالعــراق‪ ،‬أمــا يف العصــر الفاطمــي فلقــد شــوهدت‬
‫القبــاب يف مداخــل أبــواب أســوار القاهــرة‪ ،‬ويف العصــر األيوبــي جــاء اســتخدامها يف‬
‫تغطيــة األبــراج الدفاعيــة‪ ،‬حيــث كان يعلــو بــرج الظفــر قبــة حجريــة‪ ،‬ولقــد تنوعــت‬
‫أشــكال القبــاب وزخارفهــا فــكان منهــا الشــكل الكــروي والبيضــاوي والبصلــي واهلرمــي‬
‫واملضلــع ومــن أشــهرها وأمجلهــا زخرفــة خارجيــة قبتــا ضرحيــي قايتبــاي و برســباي‬
‫بالقاهــرة‪ ،‬ولقــد اســتخدمت عــدة أســاليب إنشــائية لالنتقــال مــن مســقط املربــع إىل‬
‫مســقط دائــري حيمــل فــوق القبــة‪ ،‬حيــث اســتخدمت احملاريــب الركنيــة أو املثلثــات‬
‫الكرويــة أو املقرنصــات والــي تعتــر مــن االبتــكارات املعماريــة اإلســامية(‪ ،)1‬وتعتــر‬

‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫القبــة مــن العناصــر املعروفــة منــذ آالف الســنني‪ ،‬وكان للعصر اآلشــوري القديم أشــكال‬
‫علــى هيئــة رســوم مســجلة علــى اجلــدران‪ ،‬أمــا أمثلتهــا الــي بقيــت قائمــة فتعــود إىل‬
‫العصــر الرومانــي الــذي انتشــر فيــه انتشــاراً واســعاً‪ ،‬ثــم أصبــح مــن العناصــر الرئيســية‬
‫يف الطــراز البيزنطــي‪ ،‬ثــم لعــب دوراً يف العمــارة العربيــة اإلســامية‪ ،‬وقــد امتــازت‬
‫بأهنــا مدببــة(‪.)1‬‬

‫نشــأت القبــة يف املســجد لغــرض تغطيــة املبانــي املســتديرة‪ ،‬وهــي مــن أمجــل العناصــر‬
‫املتعاونــة علــى إبــراز مظهــر اجلوامــع وإظهــار تكوينهــا املتناســق املتزن مــع املآذن‪ ،‬حبيث‬
‫أصبــح شــكل هذيــن العنصريــن املعماريــن مــن أهــم عناصــر تكويــن اجلامــع؛ بالرغــم‬
‫مــن أهنمــا مل يكونــا مــن العناصــر الــي ظهــرت مــع املســجد األول‪ ،‬وكان البنــاء األول‬
‫البســيط للقبــه يقــوم علــى هيــكل دائــري الشــكل مــن اخلشــب يوضــع فــوق اجلــدران‬
‫لتبنــى فوقــه القبــة مــن اخلشــب بالشــكل املطلــوب‪ ،‬ثــم تكســى مــن اخلــارج بصفائــح مــن‬
‫الرصــاص‪ ،‬ومــن الداخــل بطبقــة مــن بــاط اجلبــس أو املصيــص(‪.)2‬‬

‫والقبــة نــوع مــن األقبيــة الــي تســتخدم للتســقيف وهــي بأبســط أشــكاهلا عبــارة عــن‬
‫نصــف كــرة جموفــة تقــف علــى أعمــدة أو جــدران ومصنوعــة مــن مــواد خمتلفــة‪ ،‬وتعتــر‬
‫القبــة عنصــراً مــن عناصــر العمــارة اإلســامية(‪ ،)3‬وعرفــت القبــاب بشــكلها البدائــي‬
‫قبــل اإلســام فكانــت إمــا صغــرة‪ ،‬وتتكــون مــن قطعــة واحــدة أو مبنيــة بعــدة طبقــات‬
‫مركبــة‪ ،‬أمــا بعــد اإلســام فبــدأ اســتخدام القبــب احلقيقيــة ذات اهليــكل الداخلــي‬
‫املتصــل واملوحــد‪ ،‬وأول القبــاب يف املنطقــة العربيــة كانــت مبنيــة بالطــوب يف منطقــة‬
‫اجلزيــرة الفراتيــة يف شــرق ســورية ومشــال العــراق‪ ،‬وذلــك يف األلفيــة الرابعــة قبــل‬
‫امليــاد (القــرن األربعــن قبــل امليــاد)‪ ،‬وقبــل احلضــارة الســومرية‪ ،‬وكانــت تســتخدم‬
‫لتســقيف األكــواخ الطينيــة واملخــازن والقبــور‪ ،‬بعــد ذلــك تطور اســتخدام القبــاب بتطور‬
‫مــواد البنــاء حــن شــاع اســتخدام الطابــوق واحلجــر علــى أيــدي األمــم الــي توالــت علــى‬
‫(‪ )1‬العمارة العربية اإلسالمية – ماضيها وحاضرها – فريد حممود شافعي ‪1402-1982-‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب ‪ -‬مــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل ‪ -‬وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة‬
‫الســعودية‪.‬‬
‫(‪ )3‬منتدى العلوم اهلندسية – منتديات ستار تاميز‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫املنطقــة‪ ،‬وظلــت املعرفــة بالقبــب يف تلــك املنطقــة حتــى انتقلــت إىل اإلغريــق‪ ،‬وأول مــا‬
‫اســتخدمه اإلغريــق كان يف املقابــر علــى شــكل قبــاب منحــدرة مدببــة‪ ،‬كوهنــا كانــت‬
‫جديــدة علــى بيئتهــم البنائيــة الــي اســتغنت عنهــا خبامــة احلجــر‪ ،‬وذلــك باســتعمال‬
‫أســلوب األطــر احلجريــة (عمــود‪ -‬جســر) الــذي بــرع بــه الكنعانيــون واملصريــون‪ ،‬وفيمــا‬
‫عــدا ذلــك مل حتــظ القبــاب بأمهيــة كــرى يف العمــارة اليونانيــة القدميــة‪ ،‬ومل تتطــور‬
‫لديهــم‪ ،‬حتــى جــاء الرومــان(‪.)1‬‬

‫ويقــول الباحــث الســوري عبــد املعطــي خضــر أن الرومــان تعلمــوا اســتخدام القبــاب من‬
‫املعماريــون الشــاميني الذيــن اشــتهروا بقطــع األحجــار وحنتهــا وبناءهــا بشــكل حمكــم‬
‫فاســتخدموها وطوروهــا‪ ،‬ثــم أضافــوا مــواداً جديــدة للبنــاء (مــادة تشــبه اخلرســانة)‪،‬‬
‫وجنــد اليــوم أقــدم ذكــر لتلــك املوائمــة يف القبــة اخلشــبية املوجــودة يف كنيســة القديــس‬
‫مسعــان الــي يعــود إنشــاؤها إىل عــام ‪ 500‬م‪ ،‬ومــن أشــهر الطــرازات يف اســتخدام‬
‫القبــب قبــل اإلســام اســتخدام املنــاذرة لثــاث قبــب يف أبنيتهــم مثــل قصــر اخلورنــق‪،‬‬
‫وهكــذا فــإن القبــة حتولــت مــن تغطيــة للحجــرات املــدورة يف العــراق القديــم‪ ،‬بســبب‬
‫ســهولة االنتقــال مــن الدائــرة للدائــرة‪ ،‬لكنهــا خلقــت إشــكاالً حينمــا وظفــت يف املســقط‬
‫املربــع للحجــرات‪ ،‬واقتضــت إجيــاد حلــول لالنتقــال مــن زوايــا املربــع إىل املثمــن‪ ،‬والــذي‬
‫شــكل رقبــة (طنبــور) القبــة تباعـاً‪ ،‬فجــيء حبلــن أحدمهــا شــامي باملثلثــات الكرويــة‘‬
‫والثانــي عراقــي باملقرنصــات البدائيــة‪ ،‬تبع ـاً ملــا تســمح بــه خامــة البنــاء (احلجــر أو‬
‫الطابــوق) والــي نســبت كعادهتــا لتســميات (بيزنطيــة وساســانية)‪ ،‬ومــن اجلديــر ذكــره‬
‫أن قــرى اجلزيــرة الفراتيــة تبــي بيوهتــا بالقبــاب(‪.)2‬‬

‫صفاهتــا‪ :‬والقبــة هــي قــوس متكــرر وملتــف حــول وســطه‪ ،‬فالقبــة هلــا قــدرة كبــرة‬
‫علــى حتمــل األمحــال اإلنشــائية وميكــن مدهــا علــى مســاحة واســعة‪ ،‬ويف حالــة كــون‬
‫القاعــدة الــي ترتكــز عليهــا القبــة مــدورة تنتقــل األمحــال إىل القاعــدة مباشــرة‪ ،‬وإذا‬
‫‪Library of Islamic Civilization‬‬ ‫(‪ )1‬مكتبة احلضارة اإلسالمية ‪-‬‬
‫(‪ )2‬املعرفــة ‪ -‬أندريــه بــارو وجــان كلــود مارغــورون‪« ،2005 ،‬مملكــة مــاري الفراتيــة يف ســوريا» ‪ -‬عبــد املعطــي‬
‫خضــر‪« ،‬تاريــخ العمــارة العربيــة واألوروبيــة‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫كانــت القاعــدة مربعــة‪ ،‬جيــب أن تنشــر األمحــال باســتخدام وســائل إنشــائية مثــل‬
‫املقرنصــات وغريهــا‪ ،‬نــادراً مــا تكــون القبــة كرويــة متام ـاً‪ ،‬فأشــكال القبــاب ختتلــف‬
‫حســب مــواد البنــاء املســتخدمة‪ ،‬التكنولوجيــا املتوفــرة‪ ،‬الطــرز املعماريــة الســائدة‬
‫وغريهــا مــن املؤثــرات‪ ،‬فهنــاك القبــاب املســتديرة واملضلعــة واملؤلفــة مــن دور واحــد أو‬
‫دوريــن أو أكثــر‪ ،‬وهنــاك القبــاب ذات الزخــارف الدقيقــة‪ ،‬واألخــرى املغطــاة بصفائــح‬
‫الذهــب أو الرصــاص(‪.)1‬‬

‫والقبــة هــي بنــاء دائــري املســقط مقعــر مــن الداخــل مقبب مــن اخلارج وقد اســتخدمت‬
‫يف تغطيــة أســقف كثــرة مــن املبانــي وهلــا أشــكال عديــدة كالكروي والبيضــوي والبصلي‬
‫واهلرمي واملضلع(‪.)2‬‬

‫والقبــاب ظهــرت يف أول األمــر يف آســيا‪ ،‬ثــم انتقلــت إىل الفــرس والرومــان‪ ،‬ومــن‬
‫الواضح أن القبة تنشأ من عقـــود مـتـقـاطـعـــة فـــي مـركـــز واحـــد هـــو املفتاح الرئيسي‬
‫األعلــى للقبــة كلهــا‪ ،‬ولكــي نتالفــى العقــود يف نـقـطـــة واحـــدة علــى هــذه الصــورة البــد‬
‫أن تقــوم أرجلهــا علــى كتــف دائــري أو مثمــن أو مســدس‪ ،‬وتلــك كانــت املشــكلة األوىل‬
‫الــي تعــن علــى املعـمـاريـــن حـلـهـــا(‪.)3‬‬

‫فالقبــاب شــكل معمــاري عــرف قدميـاً‪ ،‬وقــد أدخلــه املســلمون يف بنــاء املســاجد‪ ،‬ولعــل‬
‫الدافــع إىل اســتخدامه كان يف البــدء دافع ـاً معماري ـاً ثــم أصبــح دافع ـاً مجالي ـاً انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)56‬إن اتســاع املســجد جيعــل كميــة النــور يف وســطه قليلــة‪ ،‬ذلــك أن مصــدر‬
‫النــور األساســي هــو الضلــع اخللفــي املقابــل جلــدار القبلــة‪ ،‬فهــذا الضلــع بســبب كونــه‬
‫الفاصــل بــن احلــرم والصحــن ميكــن للنــور أن يدخــل منــه إىل احلــرم‪ ،‬أمــا األضــاع‬
‫الثالثــة فلــم تكــن تفتــح فيهــا نوافــذ ألهنــا يف غالــب األحيــان تكــون جدرانـاً خارجيــة(‪.)4‬‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديــا املوســوعة احلــرة – موقــع الكرتونــي ‪ -‬املعرفــة ‪ -‬أندريــه بــارو وجــان كلــود مارغــورون‪« ،2005 ،‬مملكــة‬
‫مــاري الفراتيــة يف ســوريا» ‪ -‬عبــد املعطــي خضــر‪« ،‬تاريــخ العمــارة العربيــة واألوروبية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬
‫(‪ )3‬عامل املعرفة – املساجد – د‪ .‬حسني مؤنس‪.‬‬
‫(‪ )4‬القبة يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬سلسلة فنون احلضارة اإلسالمية ‪ -‬دواجة العوادني‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫وظيفتها‪:‬‬

‫‪ -1‬زيادة كمية اإلضاءة‬

‫ومــن هنــا كانــت القبــة وســيلة للحصــول علــى‬


‫كميــة مــن النــور ختــدم املســجد يف وســطه‬
‫وداخلــه‪ ،‬وذلــك عــن طريــق النوافــذ الــي تكــون يف‬
‫القســم األســفل الــذي تقــام فوقــه القبــة‪ ،‬وهكــذا‬
‫فالقبــة يف هــذه احلالــة هلــا ارتباطهــا الوثيــق‬
‫باجلانــب املعمــاري‪ ،‬وهــذا ال مينــع أهنــا بعــد ذلــك‬
‫‪56‬‬ ‫الشكل‬
‫بــدأت تــؤدي دورهــا الكبــر يف اجلانــب اجلمــايل‪،‬‬
‫بــل إهنــا بعــد ذلــك اقتصــرت علــى أداء وظيفتهــا يف هــذا اجلانــب فقــط‪ ،‬فنالحــظ هــذا‬
‫حينمــا تتعــدد القبــاب يف البنــاء الواحــد(‪.)1‬‬

‫‪ -2‬التهوية‬

‫ممــا الشــك فيــه أن القبــاب قامــت بأكثــر مــن دور وأعطــت أكثــر مــن فائــدة للمســجد‬
‫فإضافــة إىل الــدور اجلمــايل يف كســر مجــود املبنــى الكبــر يف بيــت الصــاة‪ ،‬وختفيــف‬
‫حــدة الكتــل الضخمــة الصامتــة‪ ،‬فللقبــة فــوق ذلــك دور مهــم يف إيصــال اإلنــارة إىل‬
‫قلــب بيــت الصــاة عــن طريــق الشــمس املتغلغلــة مــن النوافــذ الكثــرة احمليطــة برقبــة‬
‫القبــة‪ ،‬حتــى قيــل‪ :‬إن نوافــذ قبــاب بعــض املســاجد صممــت لتدخــل الشــمس كل يــوم‬
‫مــن طاقــة يف القبــة حســب مطالــع شــروقها أو غروهبــا علــى مــدار الســنة‪ ،‬وبذلــك كان‬
‫قلــب املســاجد مضــاءاً دائمـاً متســماً‪ ،‬بالوضــوح عكــس معابــد األديــان األخــرى‪.‬‬

‫ومــع اإلنــارة يأتــي دور التهويــة‪ ،‬فعندمــا تغطــي القبــة بيــت الصــاة باملســجد تســحب‬
‫اهلــواء الســاخن الــذي يرتفــع إىل أعلــى‪ ،‬فيخــرج مــن النوافــذ املطلــة علــى الناحيــة‬
‫(‪ )1‬األلوكــة الثقافيــة – فــن العمــارة اإلســامية – العناصــر املعماريــة يف املســجد النبــوي – أ‪ .‬صــاحل بــن أمحــد‬
‫الشــامي‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫املشمســة‪ ،‬أمــا النوافــذ الــي يف الناحيــة الظليلــة‪ ،‬فيدخــل منهــا اهلــواء الرطــب البــارد‬
‫ممــا يفســح اجملــال أمــام التيــارات اهلوائيــة الصحيــة الصافيــة للــردد علــى جنبــات‬
‫املســجد طــاردة اهلــواء الفاســد إىل اخلــارج‪.‬‬

‫بــل إن التحكــم بالتهويــة واالســتفادة مــن حركــة اهلــواء مــن خــال نوافــذ القبــاب أوجــد‬
‫احللــول لبعــض املشــاكل الناجتــة عــن دخــان قناديــل اإلنــارة الليليــة يف املســاجد قدميـاً‪،‬‬
‫فقــد اســتحدث املعمــاري الرتكــي الشــهري ســنان يف مســجد الســليمانية باســتانبول‬
‫فتحــات صغــرة حتــت القبــة يف اجتاهــات متنوعــة‪ ،‬ليضمــن تيــاراً صاعــداً جيــذب‬
‫وراءه الدخــان املتصاعــد مــن ملبــات الزيــت املســتخدمة بكثــرة لإلضــاءة‪ ...‬وبذلــك‬
‫حلــت مشــكلة تراكــم (الســخام) علــى النقــوش العليــا‪ ،‬بــل واســتفيد مــن جتميعــه عــر‬
‫الفتحــات يف صناعــة احلــر(‪.)1‬‬

‫وأمــا عــن إنشــاء القبــة نفســها فهــي مصنوعــة مــن اخلشــب‪ ،‬وتكســوها مــن اخلــارج‬
‫طبقــة مــن صفائــح الرصــاص للحمايــة مــن العوامــل اجلويــة‪ ،‬ومــن الداخــل تغطيهــا‬
‫طبقــة مــن اجلبــس كبيــاض داخلــي عليــه زخــارف عربيــة ملونــة باأللــوان اجلميلــة‬
‫الزاهيــة‪ ،‬ومــا توفــره للمــكان مــن هتويــة الزمــة للمصلــن‪ ،‬فعندمــا تغطــي القبــة بيــت‬
‫الصــاة باملســجد تســحب اهلــواء الســاخن الــذي يرتفــع إىل أعلــى فيخــرج مــن النوافــذ‬
‫املطلــة علــى الناحيــة املشمســة‪ ،‬أمــا النوافــذ الــي يف الناحيــة الظليلــة فيدخــل منهــا‬
‫اهلــواء الرطــب البــارد‪ ،‬وتســتمر دورة التيــارات اهلوائيــة متامـاً كمــا حيــدث يف مدخنــة‬
‫املدفــأة الــي تســحب اهلــواء الســاخن احملمــل بثانــي أكســيد الكربــون وتأتــي باهلــواء‬
‫اجلديــد‪ ،‬وبــه األكســجني النظيــف ليســاعد علــى التنفــس يف جــو صحــي(‪.)2‬‬

‫ومنــذ العهــد األمــوي اقرتنــت القبــاب باملســاجد اإلســامية الــي انتشــرت يف خمتلــف‬
‫أصقــاع األرض إال أن اســتعمال هــذا النــوع مــن العمــارة مل يقتصــر علــى املســاجد‪ ،‬بــل‬
‫(‪ )1‬القبــاب مــن روائــع العمــارة اإلســامية ‪ -‬عبــد اهلل جنيــب ســامل – قصــة اإلســام – احلضــارة ‪ -‬ســبق وريــادة‬
‫وجتديــد – إشــراف الدكتــور راغــب الســرجاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل ‪ -‬وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة‬
‫الســعودية‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫انتقــل إىل البيــوت والقصــور واألضرحــة والزوايــا الصوفيــة أيضـاً‪ ،‬ويف منطقــة املغــرب‬
‫العربــي‪ ،‬أنشــأ ســكان هــذه املناطــق البيــوت املقببــة‪ ،‬خاصــة يف املناطــق احلــارة‪ ،‬والزال‬
‫الكثــر منهــا يوجــد يف اجلنــوب التونســي خاصــة يف جزيــرة جربــة‪ ،‬ويف ظــل املنــاخ‬
‫اجلــاف واحلــار هلــذه املناطــق‪ ،‬اعتمــد الســكان علــى القبــاب كطريقــة للتربيــد خاصــة‬
‫وأهنــا تزيــد مــن مســاحة الغرفــة‪ ،‬كمــا اســتعملوا مــادة الطــوب‪ ،‬أي الطــن‪ ،‬خلصائصهــا‬
‫العازلــة للحــرارة‪ ،‬وتُســتغل القبــاب للتهويــة واإلضــاءة مــن خــال شــبابيك صغــرة‪،‬‬
‫كمــا كانــت تبنــى املســاجد يف هــذه املناطــق حتــت األرض وال تظهــر ســوى القبــاب‬
‫علــى الســطح‪ ،‬وإىل اآلن ال تــزال القبــاب رمــزاً معماريـاً يف النــزل واملنــازل يف اجلنــوب‬
‫التونســي‪ ،‬ويف اجلزائــر أيضـاً ال زالــت القبــاب تعتمــد بشــكل كبــر خاصــة يف منطقــة‬
‫وادي ســوف جنــوب العاصمــة اجلزائريــة الــي تشــتهر بقباهبــا وتســمى مدينــة األلــف‬
‫قبــة وقبــة(‪.)1‬‬

‫‪ -3‬تضخيم صوت اإلمام‬

‫وال يفوتنــا أن ننــوه إىل دور القبــة يف تضخيــم الصــوت يف بيــت الصــاة‪ ،‬حتــى أن بعــض‬
‫املســاجد إذا وقفــت يف وســطها حتــت القبــة‪ ،‬وتكلمــت بصــوت عــادي سُــمع صوتــك‬
‫بوضــوح يف مجيــع أرجــاء بيــت الصــاة علــى ســعته‪ ..‬وهــذا مــا الحظــه املهندســون‬
‫يف مســاجد عديــدة شــهرية‪ ،‬منهــا مســجد طوبــى بكراتشــي‪ ،‬الــذي تتجلــي فيــه هــذه‬
‫الظاهــرة بوضــوح لكــون ســطحه كلــه قبــة واحــدة(‪.)2‬‬

‫‪ -4‬وظيفتها الزخرفية‪( :‬الفسيفساء‪ ،‬الرخام‪ ،‬الكسوات املزخرفة)‬


‫امتــازت الزخــارف املعماريــة واحلليــات الفنيــة يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬بأهنــا اشــتقت‬
‫مــن روح اإلســام وأصالتــه وتعاليمــه‪ ،‬واهتــم الفنــان العربــي والصانــع العربــي بدراســة‬
‫الزخــارف اهلندســية علــى أســس واقعيــة نابعــة مــن اجملتمــع والبيئــة‪ ،‬مبــا تتميــز مــن‬

‫(‪ )1‬القبة يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬سلسلة فنون احلضارة اإلسالمية ‪ -‬دواجة العوادني‪.‬‬
‫(‪ )2‬القبــاب مــن روائــع العمــارة اإلســامية ‪ -‬عبــد اهلل جنيــب ســامل– قصــة اإلســام –احلضــارة ‪ -‬ســبق وريــادة‬
‫وجتديــد– إشــراف الدكتــور راغــب الســرجاني‪.‬‬

‫‪259‬‬
‫البســاطة التامــة والرشــاقة يف النســب والتعبــر‬
‫الدقيــق والشــخصية العربيــة(‪.)1‬‬
‫تفــرد األندلــس بــن ممالــك اإلســام بالعنايــة‬
‫املســرفة بزخرفــة داخــل القبــاب‪ ،‬وخاصــة‬
‫باســتخدام الفسيفســاء الرخاميــة و الكســوات‬
‫الشكل ‪57‬‬ ‫املزخرفــة مــن اجلــص مثلمــا نــرى يف قبــة‬
‫جامــع قرطبــة انظــر الشــكل (‪ ،)57‬وقبــاب‬
‫قصــر احلمــراء بغرناطــة انظــر الشــكل (‪،)58‬‬
‫وقــد ســاهم الشــرق اإلســامي بســهم وافــر‬
‫يف جمــال إنشــاء القبــاب وزخرفتهــا‪ ،‬فتميــزت‬
‫املــدن الفارســية بعمائرهــا ذات القبــاب املدببة‬
‫والــي تــزدان مــن الداخــل واخلــارج ببالطــات‬
‫الشكل ‪58‬‬
‫اخلــزف املتعــدد األلــوان‪ ،‬وهــي تــزدان غالبــاً‬
‫بالزخــارف النباتيــة والكتابيــة مثلمــا نــرى يف‬
‫عمائــر مدينــة أصفهــان‪ ،‬وكانــت ألواســط آســيا وبالتحديــد ملــدن األوزبــك الرئيســة‬
‫خبــارى ومسرقنــد خــال عصــر التيموريــن إســهامات باهــرة يف إنشــاء القبــاب‬
‫املضلعــة مــن اآلجــر وكســوهتا مبربعــات مــن اآلجــر املزجــج واملزخــرف بالزخــارف‬
‫النباتيــة واهلندســية والكتابــة‪ ،‬وتعــد قبــاب شــاه زنــده يف خبــارى خــر شــاهد علــى‬
‫اإلبــداع الفــي البنائــي والزخــريف للمســلمني يف تلــك األصقــاع‪ ،‬وقــد تركــت قبــة مدفــن‬
‫تيمورلنــك واملعروفــة باســم غــور أمــر أثــراً واضحـاً علــى عمائــر املســلمني انظر الشــكل‬
‫(‪ ،)59‬حتــى أن حاكــم خبــارى عندمــا منحــه القيصــر الروســي تيقــوال األول اإلذن ببنــاء‬
‫مســجد للمســلمني يف العاصمــة القيصريــة ســان بطرســرج اختــذ لــه قبــة حتاكــي قبــة‬
‫غــور أمــر بألواهنــا اخلضــراء والزرقــاء(‪.)2‬‬

‫واشــتهرت القبــاب بدورهــا اجلمــايل أساسـاً‪ ،‬وقــد تفنــن املعماريــون املســلمون يف إبــراز‬

‫(‪ )1‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬
‫(‪ )2‬اإلحتاد ‪« -‬القباب» عالمة مهمة يف تاريخ العمارة اإلسالمية سبتمرب ‪ - 2014‬د‪ .‬أمحد الصاوي (القاهرة)‪.‬‬

‫‪260‬‬
‫مجال القبة‪ ،‬إضافة إىل شــكلها املميز عن البناء‬
‫وذلــك باســتخدام عناصــر التجميــل األخــرى‪،‬‬
‫ســواء داخــل القبــة أو خارجــه‪ ،‬ولتزيــن القبــة‬
‫بالزخــارف‪ ،‬متحــورت حــول دورهــا اجلمــايل‬
‫أساسـاً‪ ،‬وتزيــن القبــة مــن اخلــارج قد اســتعملت‬
‫‪59‬‬ ‫الشكل‬
‫فيهــا زخــارف دائريــة القطــاع (فصــوص) بينهــا‬
‫مثلــث‪ ،‬وذلــك يف القبــاب املتخــذة مــن الطــوب‪،‬‬
‫أمــا بالنســبة للقبــاب احلجريــة فقــد اســتعملت‬
‫داالت (زخرفــة متتابعــة علــى شــكل حــرف‬
‫الــدال) كمــا يف قبــة املدفــن جبامــع املؤيــد‪،‬‬
‫وقبــة خانقــاه فــرج بــن برقــوق‪ ،‬وقبــة بيــرس‬
‫‪60‬‬ ‫الشكل‬ ‫اخليــاط‪ ،‬كمــا اســتخدمت أشــكال هندســية‬
‫أو زخــارف بنائيــة جمتمعــة‪ ،‬أو كل علــى حــدة‪،‬‬
‫كمــا يف قبــة املدرســة اجلوهريــة باألزهــر انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)60‬وقبــة مدرســة قايتبــاي بالقرافــة‬
‫الشــرقية انظــر الشــكل (‪ ،)61‬ووجــدت كتابــات‬
‫بالقاشــاني علــى مثــل قبــة أســلم الســلحدار‪ ،‬بــل‬
‫إن قبــاب املســاجد يف الشــرق (إيــران علــى وجــه‬
‫اخلصــوص) مل تــرك جمــا ًال للمنافســة يف تزيــن‬
‫القبــاب بالقاشــاني األزرق التقليــدي (مســجد‬
‫‪61‬‬ ‫الشكل‬ ‫شــاه عبــاس يف أصفهــان) أو الــوردي (مســجد‬
‫الشــيخ لطــف اهلل يف أصفهــان)‪ ،‬وال ننســى أن بعــض القبــاب مت تزيينهــا مــن اخلــارج‬
‫بألــواح مــن الذهــب اخلالــص (كمــا كان يف قبــة الصخــرة وبعــض املســاجد األخــرى‬
‫حاليًــا يف العــراق)‪ ،‬كمــا أن بعــض القبــاب اشــتهرت بلــون خــاص هبــا (كالقبــة اخلضــراء‬
‫فــوق الروضــة الشــريفة يف احلــرم املدنــي)‪ ،‬وإن تزيــن القبــة مــن الداخــل‪ ،‬فقــد زينــت‬

‫‪261‬‬
‫بعــض القبــاب بالرخــام امللــون الــذي ينتهــي مــن‬
‫أعلــى بطــراز‪ ،‬كمــا حتــدد املنطقــة الســفلى مــن‬
‫القبــة (العنــق) يف أغلــب األحيــان بكورنيــش‪،‬‬
‫وكمــا اســتخدم اجلــص املصنــوع علــى أشــكال‬
‫تزيينيــة شــتى يف القبــاب مــن الداخــل انظــر‬
‫الشــكل (‪.)62‬‬

‫‪62‬‬ ‫الشكل‬ ‫وقــد اشــتهر العثمانيــون بالتأنــق يف اســتخدام‬


‫األلــوان واختيــار النصــوص املزينــة للقبــاب مــن‬
‫الداخــل إىل درجــة ال مزيــد عليهــا‪ ،‬كما اشــتهرت‬
‫القبــاب يف العــراق وإيــران بالنقــوش والزخرفــة‬
‫واجلمــال الباهــر‪ ،‬وممــا الشــك فيــه أن املبالغــة‬
‫‪63‬‬ ‫الشكل‬ ‫أحيانـاً يف تزيــن باطــن القبــة جــاء تعويضـاً عــن‬
‫البســاطة امللحوظــة يف تزيــن بيــت الصــاة يف‬
‫املســاجد‪ ...‬فتزيــن القبــة ال يشــغل املصلــي‪ ،‬علــى العكــس مــن تزيــن بيــت الصــاة‪،‬‬
‫ويدخــل يف تزيــن القبــة اهلــال الــذي يرتفــع دائمــا فوقهــا ومــن حتتــه تفاحــات معدنية‪،‬‬
‫فيتولــد بذلــك منظــر متكامــل رائــع(‪.)1‬‬

‫وكانــت باكــورة األعمــال الزخرفيــة‪ ،‬يف تلــك الفسيفســاء الــي ازدانــت هبــا جــدران‬
‫وعقــود قبــة الصخــرة الــي شــيدت يف عــام ‪ 72‬هـــ بأمــر مــن اخلليفــة األمــوي عبــد‬
‫امللــك بــن مــروان انظــر الشــكل (‪ ،)63‬ورغــم مــا روجــه املستشــرقون عــن اســتعانة‬
‫األمويــن بصنــاع مــن البيزنطيــن لعمــل الزخــارف الفسيفســائية‪ ،‬فقــد كان واضح ـاً‬
‫أننــا أمــام عمــل مشــرك لصنــاع مــن منطقــي العــراق والشــام وآخريــن مــن العــرب‬
‫حيــث امتزجــت وحــدات وتصميمــات زخرفيــة كانــت ســائدة يف الفــن الساســاني‪ ،‬مثــل‬
‫رســوم األهلــة والنجــوم وأشــكال الشــرافات مــع عناصــر الرســوم النباتيــة الــي عرفتهــا‬
‫(‪ )1‬مرجــع ســابق ‪ -‬القبــاب مــن روائــع العمــارة اإلســامية ‪ -‬عبــد اهلل جنيــب ســامل – قصــة اإلســام – احلضــارة‬
‫‪ -‬ســبق وريــادة وجتديــد – إشــراف الدكتــور راغــب الســرجاني‪.‬‬

‫‪262‬‬
‫بــاد الشــام يف فنوهنــا اهللنســتية والبيزنطيــة احملليــة حتــى أن بعــض مؤرخــي الفنــون‬
‫مــن األوروبيــن رأوا أن نســبة األصــول الساســانية والبيزنطيــة للزخــارف الــي نفــذت‬
‫بالفسيفســاء يف قبــة الصخــرة كانــت متســاوية تقريب ـاً‪ ،‬ومــن أمجــل تلــك الزخــارف‬
‫اإلســامية املبكــرة شــكل املزهريــة الــذي يتكــرر علــى أرجــل العقــود يف املثمــن الداخلــي‬
‫لقبــة الصخــرة‪ ،‬وقــد ازدانــت بقطــع مــن الفسيفســاء الزرقــاء واخلضــراء واحلمــراء‬
‫والبيضــاء يف تناســق لونــي بديــع قبــل أن تنتهــي املزهريــة بأفــرع نباتيــة وزعــت بشــكل‬
‫متناســق جريــاً علــى مــا كان متبعــاً يف الفــن الساســاني‪ ،‬رغــم األصــول البيزنطيــة‬
‫الواضحــة لشــكل املزهريــة والرســوم النباتيــة‪ ،‬وممــا يزيــد مــن مجــال تلــك اللوحــة‬
‫الفنيــة‪ ،‬أن جانــي رجــل العقــد كانــت تــزدان بأشــرطة مــن رســوم وريــدات متشــاهبة‬
‫التصميــم مــع اختالفــات يســرة يف ألواهنــا‪.‬‬

‫وممــا يســتحق االلتفــات أن زخــارف الفسيفســاء الــي كانــت تغطــي الواجهــة اخلارجيــة‬
‫لقبــة الصخــرة وتالشــت نتيجــة للــزالزل الــي ضربــت القــدس غــر مــرة وأطاحــت‬
‫أيض ـاً ببنــاء خــوذة القبــة ذاهتــا فمــا كان مــن الســلطان العثمانــي ســليمان القانونــي‬
‫إال أن قــام بكســوة اجلــدران اخلارجيــة ببالطــات مــن اخلــزف يف إشــارة موحيــة ملــا‬
‫انتهــى إليــه فــن زخرفــة اجلــدران مــن اعتمــاد علــى البالطــات اخلزفيــة يف العصــر‬
‫العثمانــي فضـاً عــن الرســوم امللونــة الــي ازدانــت هبــا خــوذة القبــة اجلديــدة ورغــم أن‬
‫تلــك الزخــارف جتســد قمــة نضــج الزخــارف النباتيــة يف الفــن اإلســامي فإهنــا تبــدو‬
‫شــديدة التناســق مــع الطابــع الزخــريف اخلــاص بفسيفســاء قبــة الصخــرة‪.‬‬

‫ومل يبلــغ القــرن األول اهلجــري هنايتــه إال وكان فــن زخرفــة اجلــدران قــد أضــاف لنفســه‬
‫ســجالً جديــداً مــن التألــق الفــي جتســد يف أعمــال الفسيفســاء الــي غطــت أرجــاء‬
‫اجلامــع األمــوي بدمشــق‪ ،‬والــذي شــيد يف عــام ‪ 96‬هـــ علــى يــد اخلليفــة األمــوي الوليــد‬
‫بــن عبــد امللــك‪ ،‬ورغــم أن الفــارق الزمــي بــن قبــة الصخــرة واجلامــع األمــوي ال يتجــاوز‬
‫نيفـاً وعشــرين عامـاً فــإن فــن زخرفــة اجلــدران بالفسيفســاء شــهد طفــرة كــرى ليــس‬
‫فقــط علــى صعيــد املوضوعــات بــل أيضـاً علــى مســتوى اخلطــط اللونية‪ ،‬الــي اعتمدت‬

‫‪263‬‬
‫علــى إعطــاء إحيــاء بالتجســيم ومراعــاة الظــل‬
‫والنــور‪ ،‬وذلــك باســتخدام مكعبــات مــن الرخــام‬
‫والزجــاج مــن عــدة درجــات مــن اللــون الواحــد‬
‫والســيما مــن اللــون األخضــر‪ ،‬وقــد عمــد صنــاع‬
‫الفسيفســاء يف اجلامــع األمــوي إىل الرتكيــز علــى‬
‫رســوم النباتــات مــن أشــجار وأوراق وأفــرع نباتية‬
‫‪64‬‬ ‫الشكل‬
‫وورود وزهــور فضـاً عــن مصــورات كاملــة ملبــان‬
‫تتوســط حدائــق غنــاء ويعتقــد أهنــا كانــت تصــور‬
‫حــال غوطــة دمشــق وهنــر بــردى آنــذاك‪ ،‬وتبــدو‬
‫هــذه اللوحــات اخلاليــة مــن رســوم الكائنــات‬
‫احليــة باديــة للعيــان اليــوم يف قبــة بيــت املــال‬
‫الــي تتوســط صحــن اجلامــع األمــوي بدمشــق‬
‫انظــر الشــكل (‪.)1()64‬‬

‫‪65‬‬ ‫الشكل‬ ‫وأمــا أعمال كســوة الرخــام وزخرفتها بالواجهات‬


‫الرئيســية للمســجد وأروقتــه يف القســم الســفلي‬
‫منــه حتــى البــاب القبلــي للصحــن‪ ،‬وكانــت مآذنــه مطاولــة الســماء مبنارتيــه الرشــيقتني‬
‫وقبتــه الكبــرة ترمقــه العيــون مــن مجيــع نواحيهــا‪ ،‬ونــرى مســجد الســلطان أمحــد‬
‫باألســتانة علــى ســبيل الذكــر الــذي هــو مســتطيل البنــاء انظــر الشــكل (‪ ،)65‬وينقســم‬
‫اىل قســمني‪:‬‬

‫فالقســم الشــرقي مربــع الشــكل طــول ضلعــه مــن الداخــل ‪ 41‬مــراً‪ ،‬تتوســط فيــه قبــة‬
‫مرتفعــة قطرهــا ‪ 21‬مــراً وارتفاعهــا ‪ 52‬مــراً مــن مســتوى أرضيــة املســجد حممولــة‬
‫علــى أربعــة عقــود كبــرة متكئــة أطرافهــا علــى أربعــة أكتــاف مربعــة حيوطهــا أربعــة‬
‫أنصــاف قبــاب ثــم نصــف قبــة خامــس يف منســوب أحــط ليغطــي احملــراب‪ ،‬وذلــك‬

‫(‪ )1‬موقع اإلحتاد ‪« -‬فسيفساء» قبة الصخرة بداية انطالق الزخرفة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫خــاف أربعــة قبــاب أخــرى صغــرة بــأركان املســجد‪ ،‬ومســك اجلــدران يف األســاس‬
‫‪ 2 .20‬مــراً‪ ،‬ثــم يتناقــص هــذا الســمك حتــى يصــل إىل ‪ 901‬يف أجزائــه العليــا‪ ،‬وقــد‬
‫كســيت جــدران املســجد مــن الداخــل واخلــارج‪ ،‬وكذلــك األكتــاف األربعــة الداخليــة‬
‫احلاملــة للقبــة إىل ارتفــاع ‪ 11‬مــراً بالرخــام األلبســر الــوارد مــن حماجــر بــي ســويف‪.‬‬

‫وكســيت مجيــع جــدران املســجد أعلــى الكســوة الرخاميــة مــن الداخــل ببيــاض حلــي‬
‫بنقــوش ملونــة مذهبــة أمــا القبــة الكبــرة وأنصــاف القبــاب فقــد حليــت بزخــارف بــارزة‬
‫ملونــة مذهبــة‪.‬‬

‫ومــن البــاب الــذي يتوســط اجلــدار الغربــي للمســجد يتوصــل إىل الصحــن‪ ،‬وهــو فنــاء‬
‫كبــر مســاحته ‪ 54×53‬مــراً حييــط بــه أربعــة أروقــة ذات عقــود حممولــة علــى أعمــدة‬
‫رخاميــة‘ حتمــل قبابـاً صغــرة منقوشــة مــن الداخــل ومغشــاة مــن اخلــارج بألــواح مــن‬
‫الرصــاص مثــل القبــة الكبــرة‪ ،‬وبدوائــر اإليوانــات املذكــورة ‪ 46‬شــباكاً تشــرف علــى‬
‫خــارج اجلامــع مــن اجلهــات الثــاث البحريــة والغربيــة والقبليــة‪ ،‬وبوســط الصحــن‬
‫قبــة أنشــئت ســنة ‪ 1263‬مقامــة علــى مثانيــة أعمــدة مــن الرخــام حتمــل عقــوداً تكــون‬
‫منشــوراً مثانــي األضــاع فوقــه رفــرف بــه زخــارف بــارزة‪ ،‬وباطــن هــذه القبــة حملــى‬
‫بنقــوش متثــل مناظــر طبيعيــة‪ ،‬وبداخــل هــذه القبة قبــة أخرى رخاميــة مثانية األضالع‬
‫نقــش علــى أضالعهــا عناقيــد عنــب وهبــا طــراز مكتــوب بــه باخلــط الفارســـي قولــه‬
‫تعــاىل‪{ :‬أيهــا الذيــن آمنــوا إذا قمتــم إىل الصــاة فاغســلوا وجوهكــم وأيديكــم إىل املرافــق وامســحوا‬
‫برؤوســكم وأرجلكــم إىل الكعبــن}‪ ،‬وقولــه ‪( ‬الوضــوء ســاح املؤمــن)‪ .‬ســنة ‪.1263‬‬

‫ويــرى الباحثــون أن املســجد األقصــى ميثــل مــن حيــث التصميــم والعناصــر املعماريــة‬
‫والفنيــة منط ـاً جديــداً يف العمــارة العربيــة اإلســامية‪ ،‬واســتمد أصولــه مــن األذواق‬
‫العربيــة ومــن بعــض األمنــاط الســابقة لإلســام‪ ،‬ولكــن املعمــار الفنــان مل يقــف عنــد‬
‫حــد االقتبــاس‪ ،‬بــل جــاوزه إىل التحويــر واالبتــكار والتطويــر‪ ،‬معتمــداً علــى ذوقه وخياله‬
‫مراعيـاً النواحــي الدينيــة واملناخيــة واهلندســية واجلماليــة‪ ،‬ممــا أدى إىل ظهــور طــراز‬
‫(‪ )1‬الرأي ‪ -‬من روائع العمارة اإلسالمية ‪ -‬مهندس جاد اهلل فرحات‪.‬‬

‫‪265‬‬
‫جديــد يف فــن العمــارة‪ ،‬هــو الطــراز العربــي اإلســامي‪ ،‬الــذي بــدأ مــع هنايــة القــرن‬
‫األول اهلجــري الســابع امليــادي‪.‬‬

‫وقــد تأ ّثــر املســجد بقبــة الصخــرة‪ ،‬بتعــدد مداخلــه وتصفيــح أبوابــه بالذهــب والفضــة‬
‫واســتخدام الفسيفســاء التزيينيــة فيــه‪ ،‬ووجــود العــوارض ذات الكســوات املزخرفــة‬
‫الــي حتمــل ســقف البالطــة الوســطى‪ .‬وتتمثــل الكســوات املزخرفــة بعناصــر الكــؤوس‪،‬‬
‫ومثــار الرمــان وأوراق العنــب املركبــة واحملــورة والوريــدات املفصصــة واحلبيبــات‬
‫اجملمعــة واملزهريــات الــي حتمــل عناصــر نباتيــة‪ ،‬وتتمثــل العناصــر املعماريــة ببعــض‬
‫احلنيــات املســطحة‪ ،‬يتوجهــا عقــد حيملــه عمــودان‪ ،‬وبعــض أعمــدة احلنيــات تتكــون‬
‫مــن حلزونــات مائلــة ومتقاطعــة‪ ،‬تتكـوّن مــن قســمني‪ ،‬نصفهــا الســفلي علــى هيئــة جــذع‬
‫خنلــة ونصفهــا العلــوي علــى هيئــة عمــود حلزونــي‪ ،‬وهبــذا يكــون فنــان املســجد األقصــى‬
‫قــد مجــع بــن العناصــر املعماريــة والنباتيــة الطبيعيــة مع ـاً(‪.)1‬‬

‫‪ 15‬أكتوبر‪2000.‬‬ ‫(‪ )1‬عمارة املسجد األقصى وتارخيها ‪ -‬فيصل خرتش‪ -‬منذ‬

‫‪266‬‬
‫القباب يف العمارة اإلسالمية‪:‬‬

‫رغــم أن القبــاب قــد عُرفــت قبــل اإلســام‪ ،‬إال أن شــكلها كان بدائياً وال يعتمد إنشــاؤها‬
‫علــى الرياضيــات واهلندســة‪ ،‬فكانــت القبــاب القدمية إما صغرية أو مبنية بعدة طبقات‬
‫مركبــة‪ ،‬كمــا أن بنائيهــا وصانعيهــا مل يكونــوا يولــون أمهيــة كــرى للتنميــق والتزيــن‪،‬‬
‫فبــدت بســيطة ذات طابــع وظيفــي صــرف‪ ،‬وعندمــا بنــى رســول اهلل ‪ ‬مســجده يف‬
‫املدينــة املنــورة‪ ،‬كان ســقفه مــن الســعف احملمــول علــى جــذوع النخــل(‪ ،)1‬وظــل احلــال‬
‫علــى ذلــك فيمــا بــي مــن مســاجد ومل تكــن القبــة قــد دخلــت بنــاء املســاجد‪ ،‬وأول قبــة‬
‫بنيــت يف اإلســام فهــي قبــة مســجد الصخــرة املشــرفة يف القــدس الــي بناهــا اخلليفــة‬
‫األمــوي عبــد امللــك بــن مــروان عــام ‪ 72‬هجريــة‪ ،‬وقــد أراد اخلليفــة عبــد امللــك بــن‬
‫مــروان أن يكــون هــذا البنــاء الرائــع متناســباً مــع مــا هلــذا املوقــع مــن تقديــر وإجــال‬
‫ملــا أنــزل اهلل فيــه مــن آيــات‪ ،‬فجــاء بنــاء القبــة املشــرفة وزخارفهــا اجلميلــة غايــة يف‬
‫اإلتقــان والروعــة(‪.)2‬‬

‫وتســنى للمســلمني أن ينقلــوا أعرافهــا إىل املغــرب العربــي واألندلــس‪ ،‬وجنــد اليــوم‬
‫ا مجيـاً ملدينــة وادي ســوف (واليــة الــوادي) يف شــرق اجلزائــر الــي تشــكل القبــاب‬
‫مثـ ً‬
‫العنصــر األســاس يف تســقيف حجراهتــا‪ ،‬ومــا زال القــوم يطلقــون يف املشــرق وبعــض‬
‫املغــرب علــى احلجــرة أو الغرفــة اســم قبــة‪ ،‬وقــد توســع املســلمون يف اســتعمال العقــود‬
‫والقبــاب علــى صــورة مل يســبقهم إليهــا أحــد‪ ،‬فابتكــروا مــن أشــكال العقــود والقبــاب‬
‫مــا يــدل علــى مهــارة رياضيـــة معماريــة بعيــدة املــدى‪ ،‬واســتخدموها علــى نطــاق واســع‬
‫يف األبــواب والنوافــذ‪ ،‬واختذوهــا كذلــك عنصــراً زخرفيـاً يف صـــورة بـوائـــك زخـرفـيـــة‬
‫صـمـــاء تـزيـــن اجلــدران الداخليــة واخلارجيــة للمبانــي(‪.)3‬‬

‫وأخــذ الفــن اإلســامي يف بنــاء القبــاب عــن الساســانيني واألقبــاط والبيزنطيــن‪،‬‬


‫(‪ )1‬القبة يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬سلسلة فنون احلضارة اإلسالمية ‪ -‬دواجة العوادني‪.‬‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل ‪ -‬وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة‬
‫الســعودية‪.‬‬
‫(‪ )3‬عامل املعرفة – املساجد – د‪ .‬حسني مؤنس‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫وأقبلــوا علــى اســتعماهلا يف األضرحــة حتــى‬
‫أطلقــت جــزءاً علــى الــكل وصــارت كلمــة قبــة‬
‫امســاً للضريــح كلــه‪ ،‬وقــد انتشــرت يف العــامل‬
‫اإلســامي أنــواع خمتلفــة مــن القبــاب‪ ،‬ولعــل‬
‫أمجــل القبــاب اإلســامية هــي املوجــودة يف‬

‫‪66‬‬ ‫الشكل‬
‫مصــر وســوريا ويرجــع أقدمهــا إىل العصــر‬
‫الفاطمــي ( ‪.)1‬‬

‫ولعــل أمجــل القبــاب اإلســامية هــي املوجــودة‬


‫يف ســوريا ومصــر‪ ،‬ويرجــع قدمهــا إىل العصــر‬
‫الفاطمــي(‪ ،)2‬ويقــال أن أقــدم قبــة ضرحييــة يف‬
‫اإلســام هــي قبــة الصليبيــة‪ ،‬وقــد هتدمــت هــذه‬
‫‪67‬‬ ‫الشكل‬ ‫القبــة وبقيــت مثلثاهتــا الكرويــة‪ ،‬ويرجــح أن يكون‬
‫الضريــح مســقفاً بقبــوة متقاطعــة وليــس بقبــة‪ ،‬ومــن أقــدم القبــاب الضرحييــة الباقيــة‬
‫(قبــة إمساعيــل الســاماني يف خبــارى) والــي ترجــع إىل القــرن العاشــر امليــادي انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)66‬ومــن أشــهر القبــاب الضرحييــة قبــاب (شــاه زنــدة يف مسرقنــد انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)67‬وقبــاب األضرحــة املغوليــة يف اهلنــد)(‪.)3‬‬

‫ونشــأت القبــة يف املســجد لغــرض تغطيــة املبانــي املســتديرة‪ ،‬وهــي مــن أمجــل العناصــر‬
‫املتعاونــة علــى إبــراز مظهــر اجلوامــع وإظهــار تكوينهــا املتناســق املتــزن مــع املــآذن‪،‬‬
‫حبيــث أصبــح شــكل هذيــن العنصريــن املعماريــن مــن أهــم عناصــر تكويــن اجلامــع‬
‫وبالرغــم مــن أهنمــا مل يكونــا مــن العناصــر الــي ظهــرت مــع املســجد األول‪ ،‬وكان‬
‫البنــاء األول البســيط للقبــه يقــوم علــى هيــكل دائــرة الشــكل مــن اخلشــي وضــع فــوق‬

‫(‪ )1‬الفــن املعمــاري اإلســامي‪ -‬الســنة الرابعــة اقتصــاد وتصــرف‪ -‬املعهــد الثانــوي بســيدي بوعلــي – إعــداد‬
‫وتقديــم‪ :‬مليــاء العباســي‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬
‫(‪ )3‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتاب‪.‬‬

‫‪268‬‬
‫اجلــدران لتبنــى فوقــه القبــة مــن اخلشــب بالشــكل املطلــوب‪ ،‬ثــم تكســى مــن اخلــارج‬
‫بصفائــح مــن الرصــاص‪ ،‬ومــن الداخــل بطبقــة مــن بــاط اجلبــس أواملصيــص‪ ،‬وهــذا‬
‫هــو األســلوب الــذي اتبــع يف بنــاء أول قبــة يف تاريــخ العمــارة يف العصــر اإلســامي‪،‬‬
‫وهــي قبــة الصخــرة املشــرفة‪ ،‬واجلامــع القدســي الشــريف‪ ،‬وكان بنــاء هــذا املســجد‬
‫علــى شــكل قبــة فــوق الصخــرة‪ ،‬وهــو أول دخــول لشــكل القبــة يف املســاجد‪ ،‬وقــد أراد‬
‫اخلليفــة عبــد امللــك بــن مــروان أن يكــون هــذا البنــاء الرائــع متناســباً مــع مــا هلــذا املوقــع‬
‫مــن تقديــر وإجــال ملــا أنــزل اهلل فيــه مــن آيــات‪ ،‬فجــاء بنــاء القبــة املشــرفة وزخارفهــا‬
‫اجلميلــة غايــة يف اإلتقــان والروعــة‪.‬‬

‫وبنــاء القبــة بنــاء حجــري مثمــن الشــكل‪ ،‬إذ أن قوامــه مثمــن علــى حوائــط خارجيــة مــن‬
‫احلجــر الصــم‪ ،‬وبداخلــه مثمــن داخلــي مــن األعمــدة واألكتــاف‪ ،‬وبداخــل هــذا املثمــن‬
‫دائــرة أخــرى مــن األعمــدة واألكتــاف الــي حتمــل القبــة اجملنحــة مثمنــة اجلوانــب‬
‫احملمولــة علــى اســطوانة هبــا ‪ 16‬نافــذة مــن فوقها‪،‬وتعتــر قبــة جامــع ابــن طولــون‬
‫ا للقبــاب اإلســامية انظــر الشــكل (‪ ،)68‬فقــد أخــذت طابــع العمــارة‬
‫يف مصــر مث ـ ً‬
‫اإلســامية الــي اجتهــت إىل أســلوب القبــاب املدببــة لتحاشــي طــول املــدة املطلوبــة‬
‫لعمــل القبــاب بالطريقــة نصــف الكرويــة الــي كان يتحتــم فيهــا االنتظــار جلفــاف‬
‫املونــة‪ ،‬وهكــذا نــرى انتشــار القبــاب وثبــوت بنائهــا يف معظــم مبانــي املســاجد باألمصار‬
‫اإلســامية‪ ،‬وقــد زادت أحجامهــا وخاصــة يف عمــارة املســاجد الرتكيــة حتــى نــرى أهنــا‬
‫غطــت حمــراب القبلــة بكاملهــا تقريب ـاً يف حماولــة إلخــاء ممــر القبلــة مــن األعمــدة‬
‫حتــى ال يعــوق صفــوف املصلــن أي عائــق‪ ،‬وظــل‬
‫احلــال علــى ذلــك فيمــا بــي مــن مســاجد‪ ،‬ومل‬
‫تكــن القبــة قــد دخلــت بنــاء املســاجد(‪.)1‬‬

‫والقبــة هــي نــوع مــن أنــواع العناصــر املســتعملة‬


‫‪68‬‬ ‫الشكل‬
‫يف تســقيف األبنيــة‪ ،‬وفقــاً للطــراز املعمــاري‬
‫(‪ )1‬إســام ويــب ‪ -‬التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل‪ ،‬وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‬

‫‪269‬‬
‫اإلســامي‪ ،‬وتصنــع مــن العديــد مــن املــواد املختلفــة‪ ،‬كمــا أهنــا تُزيّــن بأنــواع خمتلفــة‬
‫مــن الزينــة‪ ،‬والزخــارف‪ ،‬وقــد تُزيّــن بآيــات قرآنيــة‪ ،‬أو بأمســاء اهلل احلســنى خاصّـ ًة إذا‬
‫مــا اســتعملت يف املســاجد(‪.)1‬‬

‫وقبــة مســجد الصخــرة املشــرفة يف القــدس‪ ،‬الــي تعتــر إىل اليــوم أمجــل القبــاب‬
‫اإلســامية ظاهــرة يف إنشــاء القبــاب يف املســاجد‪ ،‬إال أن أيــا مــن تلــك األقــوال‪ ،‬مل يــزد‬
‫على أن يكون اجتهاداً‪ ،‬وال يوجد بني أيدينا أي مصدر يقدم التفســر احلاســم يف هذا‬
‫املوضــوع‪ ،‬ومهمــا يكــن مــن األمــر‪ ،‬فالثابــت أن القبــاب باتــت جــزءاً أساســياً يف معظــم‬
‫املســاجد‪ ،‬مــع إعطائهــا ملســات عربيــة إســامية‪ ،‬جعلتهــا ختتلــف بشــكل واضــح عــن‬
‫القبــاب املســتخدمة يف املعابــد غــر اإلســامية ويف القصــور والدور الكبــرة‪ ،‬ويف البالد‬
‫غــر اإلســامية‪ ،‬وقــد تفنــن املعماريــون املســلمون يف بنــاء القبــاب بأشــكال هندســية‬
‫تلفــت اإلنتبــاه وتعــر عــن روح فنيــة مرهفــة‪ ،‬فهنــاك القبــاب املســتديرة‪ ،‬واملضلعــة‪،‬‬
‫واملؤلفــة مــن دور واحــد‪ ،‬أو دوريــن أو أكثــر‪ ،‬وهنــاك القبــاب ذات الزخــارف الدقيقــة‪،‬‬
‫واألخــرى املغطــاة بصفائــح الذهــب‪ ،‬أو الرصــاص‪ ،‬وبلــغ بنــاء القبــاب وزخرفتهــا‪ ،‬قمــة‬
‫إبداعــه يف عهــود الفاطميــن واملماليــك يف مصــر‪ ،‬ومــازال معظمهــا باقي ـاً إىل يومنــا‬
‫هــذا‪ ،‬وكمــا اعتــرت القبــاب‪ ،‬كأســلوب مميــز يف العمــارة العثمانيــة‪ ،‬الــي اتســمت ببنــاء‬
‫قبــة كبــرة يف املســجد الواحــد‪ ،‬ومعهــا قبــاب صغــرة كثــرة‪ ،‬وهــو مــا نــراه بوضــوح يف‬
‫معظــم املســاجد العثمانيــة الكبــرة‪ ،‬داخــل تركيــا وخارجهــا‪ ،‬وبشــكل خــاص يف القطــاع‬
‫العثمانــي مــن عمــارة املســجد احلــرام املبــارك يف مكــة املكرمــة‪ ،‬واملســجد النبــوي‬
‫الشــريف يف املدينــة املنــورة‪ ،‬وعرفــت القبــة يف عمــارة املســجد حتديــداً يف عهــد الدولــة‬
‫األمويــة‪ ،‬إذ مل يكــن ذات املعرفــة يف عهــد الرســول ‪ ‬ويف أيــام اخلالفــة الراشــدة‪ ،‬ويف‬
‫مجيــع احلقــب الــي تبعتهــا كانــت القبــة رمــزاً وعنصــراً أساســياً يف عمــارة املســجد‪،‬‬
‫وقــد اعتمــد املعمــاري املســلم يف حتويرهــا وجتســيدها علــى مجيــع أنــواع العمــارة‬
‫اإلســامية‪ ،‬وعــادة كمــا كانــت القبــة واملئذنــة تشــكالًن منظومــة هندســية متوازنــة‬
‫تدخــان يف وضــع مثاليــة الشــكل العــام للمســجد(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬عناصر العمارة اإلسالمية – موضوع أكرب موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )2‬عناصر بناء املسجد يف فن العمارة اإلسالمية– مدونة األستاذ الدكتور خليل حسن الزركاني‬

‫‪270‬‬
‫وقــد كانــت القبــاب يف العهــد األول حتــى هنايــة القــرن احلــادي عشــر امليــادي صغــرة‪،‬‬
‫واقتصــر اســتعماهلا لتغطيــة األمكنــة أمــام احملــراب‪ ،‬ثــم انتشــر اســتعماهلا لألضرحــة‪،‬‬
‫واســتعني يف أول األمــر هلــذا بعمــل عقــود زاويــة لتيســر االنتقــال مــن املربــع إىل املثمــن‪،‬‬
‫وملــا أن تعــددت مثــل هــذه العقــود وصغــرت ونظمــت يف صفــوف‪ ،‬نشــأت الد ّاليــات‬
‫املقرنصــة الــي انتشــر اســتعماهلا يف مجيــع القبــاب يف أوائــل القــرن الرابــع عشــر‬
‫امليــادي(‪.)1‬‬

‫وأمــا تأثــر االنتقــال بشــكل القبــة مــن املربــع إىل املثمــن يف اخلــارج‪ ،‬فــكان يعمــل علــى‬
‫ثــاث درجــات أو املســتويات املائلــة باحلليــات(‪ ،)2‬فــإذا كانــت القبــة مــن الطــوب فــكان‬
‫منظرهــا اخلارجــي بســيطاً أو بــه ريــش‪ ،‬وإمــا إن كان مــن احلجــر فكانــت تشــغل‬
‫بزخــارف مموجــة حمــاة بأشــكال هندســية ومورقــة‪ ،‬وكثــراً مــا يظهــر ســطر مــن‬
‫الكتابــة حــول القاعــدة االســطوانية للقبــة(‪.)3‬‬

‫أنواع القبب‪:‬‬

‫ميكن تقسيم القباب إىل أنواع كثرية حبسب اعتبارات عديدة‪:‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬من حيث مادة الصنع‬

‫أ‪ -‬هنــاك القبــاب اخلشــبية ‪ -‬وهــي الــي وجــدت يف بدايــة األمــر كقبــة الصخــرة‬
‫يف القــدس (‪ 72‬هـــ)‪ ،‬وكذلــك كانــت قبــة اإلمــام الشــافعي (‪ 608‬هـــ) األوىل‬
‫خشــبية‪ ،‬وقبــة جامــع بيــرس (‪ 667 - 655‬هـــ) وقبــة مدرســة الســلطان حســن‬
‫بالقاهــرة (‪757‬هـــ) وغريهــا‪.‬‬

‫والشــك أن اســتخدام اخلشــب أســهل عنــد بنــاء القبــة مــن اســتخدام احلجــر‪ ،‬إال أنــه‬
‫أضعــف منــه‪ ،‬ومــن الطبيعــي أن القبــاب اخلشــبية تكســى عــادة مــن اخلــارج بطبقــة مــن‬
‫(‪ )1‬مفهوم العمارة اإلسالمية – موقع ‪.Islamic Sources‬‬
‫(‪ )2‬وغالبــاً مــا تصنــع مــن النحــاس وتوضــع علــى األبــواب اخلشــبية – وميكــن أن تصنــع باحلفــر البــارد علــى‬
‫اخلشــب بأشــكال هندســية مدروســة‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫صفائــح الرصــاص للحمايــة مــن العوامــل اجلويــة بينمــا تكســى مــن الداخــل بطبقــة مــن‬
‫اجلــص كبيــاض داخلــي عليــه زخــارف متنوعــة‪.‬‬

‫ب‪ -‬وهنــاك القبــاب احلجريــة ‪ -‬أو املصنوعــة مــن القرميــد (الطــوب)‪ ،‬وهــي‬
‫كثــرة‪ ،‬ومنهــا قبــة مســجد الغــوري باملنشــية (‪ 909‬هـــ) وقبــة خانقــاه فــرج بــن‬
‫برقوق (‪ 801‬هـ)‪ ،‬وقبة أروقة اجلامع األقمر (‪ 519‬هـ)‪ ،‬وقبة مســجد الســلطان‬
‫ســليمان ( ‪1609‬م ) باســتانبول‪ ،‬بــل إن معظــم القبــاب القدميــة إمــا حجريــة أو‬
‫قرميديــة‪ ،‬وحبكــم ثقــل احلجــر فقــد كانــت قبابــه عموم ـاً أصغــر مــن القبــاب‬
‫القرميديــة‪ ...‬وقــد جلــأ املعمــاري املســلم حلــل املعضلــة اهلندســية ‪-‬املتمثلــة يف‬
‫االنتقــال مــن املربــع إىل املــدور‪ -‬إىل اســتعمال العقــود املتقاطعــة إلقامــة القبــاب‪،‬‬
‫ومــن هنــا كانــت احللــول املســتعملة لتحويــل املبنــى املربــع الشــكل أو املســتطيل‬
‫إىل دائــرة عــن طريــق مــا يســمى املثلثــات الكرويــة (وهــي طريقــة رومانيــة) أو‬
‫حنيــة األركان (وهــي طريقــة فارســية) أو حتويــل احلافــة املربعــة للجــدران إىل‬
‫هيئــة مثمنــة‪ ،‬ثــم إقامــة أعمــدة تعتمــد علــى األكتــاف الثمانيــة وتتالقــى يف نقطــة‬
‫واحــدة (وهــي طريقــة إســامية مبتكــرة)‪ ...‬وهكــذا كان الشــأن يف عامــة القبــاب‬
‫احلجريــة أو القرميديــة القدميــة‪.‬‬

‫جـــ‪ -‬أمــا القبــاب احلديثــة ‪ -‬فهــي بوجــه عــام تقــوم علــى هيــكل حديــدي‬
‫(أســياخ معدنيــة متشــابكة) يصــب فوقــه اإلمسنــت املخلــوط باجلــص‪ ،‬فــإذا جــف‬
‫بلــغ الغايــة يف املتانــة والتماســك‪ ..‬وبواســطة هــذه القوالــب الــي يصــب فيهــا‬
‫اإلمسنــت لصنــع القبــة أمكــن التحكــم يف حجــم القبــة وشــكلها ومتانتهــا إىل حــد‬
‫بعيــد‪ ،‬ومثــة قبــاب حديثــة بــدأت تظهــر منافســة لقبــاب احلديــد واإلمسنــت‪،‬‬
‫وهــي القبــاب املصنوعــة مــن مــادة الفيربجــاس واخليــوط الزجاجيــة‪ ،‬وميزهتــا‬
‫أهنــا تســمج بنفــاذ الضــوء إىل باطــن القبــة دون أن تســمح حلــرارة اجلــو أو‬
‫برودتــه بالنفــوذ‪ ،‬إضافــة إىل خفــة الــوزن مــع متانــة الصنــع والقــدرة علــى اختيــار‬
‫الشــكل املختــار حبريــة تامــة‪.‬‬

‫‪272‬‬
‫ثانيًا‪ :‬من حيث الشكل العام للقبة‬

‫فقــد تنوعــت إىل قبــة ملســاء أو مضلعــة أو قبــة بصليــة أو خمروطيــة الشــكل‪ ،‬والقبــاب‬
‫البصليــة تــرى واضحــة يف املســاجد اهلنديــة‪ ،‬والقبــاب الطويلــة العنــق تــرى يف املســاجد‬
‫الســلجوقية‪ ،‬والقبــاب املــدورة تــرى يف عمــوم املســاجد‪ ،‬خاصــة األيوبيــة واململوكيــة‬
‫والفاطميــة‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬من حيث الثبات واحلركة‬

‫فــإن األصــل يف القبــاب (كاملــآذن) أن تكــون ثابتــة فــوق ســطح املســجد‪ ،‬إال أن التقنيــات‬
‫احلديثــة مكنــت املعماريــن مــن ابتــكار القبــاب املتحركــة الــي تتحــرك علــى ســكة‪،‬‬
‫ويتحكــم هبــا بواســطة آالت حيركهــا مفتــاح آيل (مباشــر أو رميونــت كنــرول)‪.‬‬

‫ومثــل هــذه القبــاب املتحركــة عرفــت يف املســاجد احلديثــة الضخمــة‪ ،‬كمســجد امللــك‬
‫احلســن الثانــي بالربــاط‪ ،‬واملســجد النبــوي الشــريف يف املدينــة املنــورة يف التوســعة‬
‫األخــرة انظــر الشــكل (‪( ،)69‬وزن القبــة ‪ 80‬طن ـاً)‪.‬‬

‫وبذلــك اســتفيد مــن حتريــك القبــة يف جتديــد هــواء املســجد‪ ،‬ويف إنارتــه‪ ،‬ويف التمتــع‬
‫باجلــو الطبيعــي املناســب‪ ،‬بــل اســتخدمت القبــاب املتحركــة علــى ســكة عاليــة‪ ،‬وهــي‬
‫مرفوعــة علــى جــدران حتتهــا فــوق الســطح اســتخدمت يف تظليــل جــزء ال يســتهان بــه‬
‫مــن الســطح يكــون موائمـاً للصــاة فيــه‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا يــراه احلــاج يف أســطح املســجد النبــوي‬
‫الشــريف(‪.)1‬‬

‫ومــع مــرور الزمــن بــدأ أفــق تصاميــم القبــب‬


‫‪69‬‬ ‫الشكل‬ ‫يأخــذ طابع ـاً جديــداً وذات منحنــى جديــد يف‬

‫(‪ )1‬القبــاب مــن روائــع العمــارة اإلســامية ‪ -‬عبــد اهلل جنيــب ســامل – قصــة اإلســام – احلضــارة ‪ -‬ســبق وريــادة‬
‫وجتديــد – إشــراف الدكتــور راغــب الســرجاني‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫التصــورات والتشــكيالت واإلبداعــات الفنيــة واجلماليــة ومنهــا‪:‬‬

‫‪ -‬القبــاب الذهبيــة‪ :‬فبعــد بنــاء قبــة الصخــرة يف القــدس نقــل املســلمون هــذا‬
‫الفــن املعمــاري مــن اجلزيــرة العربيــة وبــاد الشــام إىل كل البــاد اإلســامية‬
‫واملناطــق الــي فتحهــا املســلمون يف املغــرب العربــي واألندلــس وإيــران وتركيــا‬
‫واهلنــد وغريهــا مــن املناطــق‪.‬‬

‫كمــا انتشــرت القبــاب املطليــة بقطــع الذهــب وهــي منتشــرة أساس ـاً يف العــراق‬
‫وإيــران‪ ،‬إذ يُل ّقــب العــراق ببلــد القبــاب الذهبيــة الــي بنيــت علــى أضرحــة األوليــاء‬
‫وأئمــة املســلمني‪.‬‬

‫وتعــد قبــة علــي بــن أبــي طالــب كــرم اهلل وجهــه انظــر الشــكل (‪ ،)70‬مــن أعلــى‬
‫قبــاب األئمــة‪ ،‬إذ يبلــغ ارتفاعهــا مــن القاعــدة إىل فــوق الــرأس املخــروط مخســة‬
‫وثالثــن مــراً‪ ،‬وحميــط قاعدهتــا ‪ 50‬مــراً وقطرهــا ‪ 16‬مــراً‪ ،‬وتقــع مبدينــة‬
‫النجــف(‪.)1‬‬

‫‪ -‬القبــاب املخروطيــة‪ :‬وكمــا انتشــرت‬


‫القبــاب املخروطيــة الــي تعــود إىل العصــر‬
‫الســلجوقي‪ ،‬وال تــزال ‪ 17‬قبــة منهــا‬
‫منتشــرة يف عديــد مــن املناطــق العراقيــة‬
‫‪70‬‬ ‫الشكل‬ ‫خاصــة يف تكريــت واألنبــار‪ ،‬وقــد مثلــت‬
‫القبــاب املخروطيــة رمــزاً ملختلــف‬
‫الديانــات يف البــاد‪ ،‬ومــن أشــهر القبــاب‬
‫يف العــامل اإلســامي يف العصــر احلديــث‬
‫نذكــر قبــاب متحــف آيــا صوفيــا برتكيــا‬
‫‪71‬‬ ‫الشكل‬ ‫انظــر الشــكل (‪ ،)71‬وقــد مــر هــذا املبنــى‬
‫(‪ )1‬القبة يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬سلسلة فنون احلضارة اإلسالمية ‪ -‬دواجة العوادني‪.‬‬

‫‪274‬‬
‫الثــري مبراحــل خمتلفة‪ ،‬فقد كانت كنيســة‬
‫البطريركيــة اليونانيــة األرثوذكســية ثــم‬
‫‪1923‬‬ ‫مســجد اإلمرباطــور‪ ،‬ليتحــول منــذ‬
‫إىل متحــف ديــي مبدينــة إســطنبول‪ ،‬ويعد‬
‫مــن أبــرز األمثلــة علــى العمــارة البيزنطيــة‬
‫‪72‬‬ ‫الشكل‬
‫والزخرفــة العثمانيــة‪ ،‬وأيضــاً هنــاك‬
‫مســجد شــاه مبدينــة بإيــران انظــر الشــكل (‪ ،)72‬ويعتــر إحــدى روائــع العمــارة‪،‬‬
‫بــدأ بنــاؤه يف عــام ‪ ،1611‬يف مدينــة أصفهــان‪ ،‬وتعــد قبــة مســجد شــاه هــي‬
‫األطــول يف أصفهــان‪ ،‬حيــث وصــل ارتفاعهــا إىل ‪ 53‬مــراً‪ ،‬والســمة املميــزة هلــذه‬
‫القبــة البــاط امللــون والنقــوش الكتابيــة الــي تغطيهــا مــن اخلــارج والداخــل‪ ،‬كمــا‬
‫يعــد التــاج حمــل باهلنــد‪ ،‬الــذي شــيده اإلمرباطــور املغــويل شــاه جهــان الــذي حكــم‬
‫بــن ‪ 1628‬و ‪ ،1658‬لتخليــد ذكــرى زوجــه ممتــاز خــان الــي توفيــت وهــي تضــع‬
‫مولودهــا يف ‪ 1631‬مــن أشــهر املعــامل اإلســامية يف العــامل‪ ،‬بقبابــه املعقوفــة‬
‫البيضــاء‪.‬‬

‫ومنــذ العهــد األمــوي اقرتنــت القبــاب باملســاجد اإلســامية الــي انتشــرت يف خمتلــف‬
‫أصقــاع األرض إال أن اســتعمال هــذا النــوع مــن العمــارة مل يقتصــر علــى املســاجد‪ ،‬بــل‬
‫انتقــل إىل البيــوت والقصــور واألضرحــة والزوايــا الصوفيــة أيضـاً‪ ،‬ويف منطقــة املغــرب‬
‫العربــي‪ ،‬أنشــأ ســكان هــذه املناطــق البيــوت املقببــة‪ ،‬خاصــة يف املناطــق احلــارة‪ ،‬والزال‬
‫الكثــر منهــا يوجــد يف اجلنــوب التونســي خاصــة يف جزيــرة جربــة‪ ،‬ويف ظــل املناخ اجلاف‬
‫واحلــار هلــذه املناطــق‪ ،‬اعتمــد الســكان علــى القبــاب كطريقــة للتربيــد خاصــة وأهنــا تزيــد‬
‫مــن مســاحة الغرفــة‪ ،‬كمــا اســتعملوا مــادة الطــوب‪ ،‬أي الطــن‪ ،‬خلصائصهــا العازلــة‬
‫للحــرارة‪ ،‬وتُســتغل القبــاب للتهويــة واإلضــاءة مــن خــال شــبابيك صغــرة‪ ،‬كمــا كانــت‬
‫تبنــى املســاجد يف هــذه املناطــق حتــت األرض وال تظهــر ســوى القبــاب علــى الســطح‪،‬‬
‫وإىل اآلن ال تــزال القبــاب رمــزاً معماري ـاً يف النــزل واملنــازل يف اجلنــوب التونســي‪.‬‬

‫‪275‬‬
‫ويف اجلزائــر أيضــاً ال زالــت القبــاب‬
‫تعتمــد بشــكل كبــر خاصــة يف منطقــة‬
‫وادي ســوف جنــوب العاصمــة اجلزائريــة‬
‫الــي تشــتهر بقباهبــا وتســمى مدينــة‬
‫‪73‬‬ ‫الشكل‬ ‫األلــف قبــة وقبــة انظــر الشــكل (‪.)1()73‬‬

‫أجزاء القبة‪:‬‬

‫تبــدو القبــة للوهلــة األوىل وكأهنــا قطعــة واحــدة إال أن املتمعــن فيهــا يســتطيع رؤيــة‬
‫أجزائهــا التاليــة‪:‬‬

‫‪ -1‬قاعــدة القبــة‪ :‬وهــي منطلــق حتــول مســقط البنــاء مــن املربــع إىل املــدور‪ ،‬وقــد‬
‫تكــون قاعدهتــا علــى هيئــة مســدس أو مثمن‪.‬‬

‫‪ -2‬رقبــة القبــة‪ :‬ويســمى بالطنبــور وفيــه جتــد أحيا ًنــا كثــرة نوافــذ جتهــز‬
‫بقمريــات بالزجــاج امللــون‪ ،‬وقــد يفصــل بــن كل نافــذة وأخــرى قوصــرة ويف هنايــة‬
‫الطمبــور فــوق النوافــذ يف اخلــارج يوجــد أحيا ًنــا نــص قرآنــي علــى ســطح يرتــد‬
‫عــن ســطح احلائــط يعمــل باجلــص علــى القبــاب القرميديــة‪ ،‬أو ينحــت حنتـاً يف‬
‫القبــاب احلجريــة أو يكتــب بالقاشــاني أو غــره‪ ،‬وبعــض القبــاب متتــاز برقاهبــا‬
‫الطويلــة الــي تشــبه عنــق الزجاجــة‪.‬‬

‫‪ -3‬جســم القبــة‪ :‬وهــو يكــون مــدوراً أملســاً‪ ،‬أو مــدوراً مضلعــاً‪ ،‬أو خمروطيــاً‬
‫منتفــخ البطــن منقبــض مــا فــوق الرقبــة حتتــه‪.‬‬

‫‪ -4‬خامتــة القبــة‪ :‬وهــي ذروهتــا العليــا‪ ،‬وقــد رأينــا بعــض القبــاب ختتــم مبنــور‬
‫مكــون مــن طاســة فيهــا نوافــذ متناظــرة ترفــع فــوق جســم القبــة‪ ،‬كمــا اشــتهرت‬
‫القبــاب اهلنديــة خبامتتهــا العليــا الشــبيهة ببصلــة مقلوبــة إىل أســفل(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬القبة يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬سلسلة فنون احلضارة اإلسالمية ‪ -‬دواجة العوادني‪.‬‬
‫(‪ )2‬القبــاب مــن روائــع العمــارة اإلســامية ‪ -‬عبــد اهلل جنيــب ســامل – قصــة اإلســام – احلضــارة ‪ -‬ســبق وريــادة‬
‫وجتديــد – إشــراف الدكتــور راغــب الســرجاني‪.‬‬

‫‪276‬‬
‫الفصل السابع‬
‫عناصر التصميم المعماري‬

‫‪277‬‬
‫التكوينات‬

‫إن ميكانيكيــــة البنــــاء فــــي التــــشكيل واملعاجلــــات وهــي بــــنفس الوقــت تــشكل دعمــاً‬
‫مهمـــاً مــــن اجلانــــب النظري يف الفن التـــشكيلي‪ ،‬وتـــشكل هـــذه الدراســـة جانبــاً مهمـاً‬
‫مـن اهتمامـات الدراسـات اهلندسـية‪ ،‬وفـي جمـال فـن العمـارة‪ ،‬وكـان املنطلـق األساسـي‬
‫فـــي الفـــن البـــصري‪ ،‬ويكمـــن فـــي حماولـــة الفنـــان اســـتثمار معطيـات البيئـــة احمليطة‪،‬‬
‫ومــا هلــا مــن تأثــر األمــر الــذي يرتكــه املشــهد املصــور‪ ،‬مــن إحساســات بصريــة يف‬
‫عني املـــشاهد‪ ،‬حيـــث شـــكلت تلـــك املعطيـــات اهتمامــاً كبيـــراً إزاء الـــشكل اهلندســـي‪،‬‬
‫كمـــا عمـــل الفـــن البـــصري علـــى تقـــصي اإليهامــات البصريــة املظللـــة للعـــن‪ ،‬وشـــكل‬
‫هـــذا جانبـ ـاً مهمـ ـاً مـــن مـــشكلة البحـــث احلـــايل‪ .‬فالتكويــن‪ -‬هــو مــن أكثــر عناصــر‬
‫التصميــم املعمــاري أمهيــة؛ فهــو الــذي يســاهمُ يف الربــطِ بــن التصميــم املعمــاري‪،‬‬
‫واملؤثــرات الثقافيّــة‪ ،‬واالجتماعيّــة‪ ،‬والتارخييّــة احمليطــة بالتصميــم‪ ،‬والــي تســاعدُ‬
‫علــى تعزيــز تكاملــه مــع اجملتمــع‪ .‬والتكويــن املعمــاري (‪ )Composition‬حيظــى هــذا‬
‫العنصــر بأمهيــة بالغــة‪ ،‬فهــو عبــارة عــن ترمجــة ملــا مت حتديــده مــن متطلبــات لربنامــج‬
‫التصميــم املــراد إجيــاده‪ ،‬واملؤثــرات مبختلــف أنواعهــا ســواء كانــت اجتماعيــة أو نفســية‬
‫أو فلســفية وحتويلهــا مجيعـاً إىل أحجــام فنيــة معماريــة‪ ،‬تتناســب مــع األهــداف املرجـوّ‬
‫حتقيقهــا‪ ،‬ويعتمــد علــى املتطلّبــات اخلاصّــة باملبنــى‪ ،‬وشــكله‪ ،‬والتنظيــم الفضائــي‪،‬‬
‫والتكويــن اإلنشــائي‪ ،‬واإلحســاس جبمــال املبنــى(‪ .)1‬فهــو بنــاء شــكل أو تصميــم‪ ،‬ومــع‬
‫ذلــك فهــو ليــس صــورة‪ ،‬فالتكويــن قــادر علــى التعبــر عــن شــعور‪ ،‬وكونــه حالــة املوضــوع‬
‫واملزاجيــة مــن خــال اللــون واخلــط والكتلــة والشــكل‪ ،‬ألنــه ال يــروي احلكايــة ألنــه‬
‫التكويــن وليــس الصــورة‪ ،‬فالتكويــن هــو تكويــن عنــد الثانــي وهــو عمليــة جتســيد املعنــى‬
‫عنــد األول‪ ،‬ولكــي نقــرب مــن طروحــات اإلثنــن‪ ،‬نقــول أهنمــا يقرتبــان مــن معنــى واحــد‬
‫وهــو أن التكويــن هــو نتيجــة ربــط ومزاوجــة كافــة عناصــر العمــل الفــي‪ ،‬لكــي نصــل‬
‫إىل الشــكل الــذي نريــده‪ ،‬أو نطمــح بالوصــول إليــه لكــي نعــر عــن حالــة مــا ملوضــوع‬
‫مــا‪ ،‬ولكــن هنــاك عــدة عوامــل أو عناصــر البــد مــن تواجدهــا لكــي حنصــل مــن خــال‬
‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي ‪ -‬عناصر الفن التشكيلي‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫اندماجهــا وربطهــا مع ـاً علــى شــكل التكويــن‪« ،‬والــذي هــو الرتتيــب املعقــول للنــاس يف‬
‫جمموعــة مــا مــن خــال اســتعمال التأكيــد‪ ،‬الثبــات‪ ،‬التتابــع والتــوازن لتحقيــق الوضــوح‬
‫واجلمــال الــذي يــروق للنــاس»‪ ،‬ومبــا أن التكويــن ليــس صــورة كمــا يف رأي اإلكســندر‬
‫ديــن‪ ،‬وإمنــا هــو بنــاء شــكل أو أشــكال مــن خــال التعــرف باجملموعــة املتواجــدة يف‬
‫عمــل مــا‪ ،‬حيــث يقــوم الفنــان أو املعمــار ومــن خــال هــذه اجملموعــة بتكويــن تكوينــات‬
‫معــرة عــن روح العمــل‪ ،‬لتعطــي بذلــك شــكل مجــايل‪ ،‬لــذا التكويــن يدخــل بــكل شــيء‬
‫فــي‪ ،‬والتكويــن يقــرب مــن الفــن التشــكيلي باعتبــار اللوحــة أيض ـاً هلــا تكويــن‪ ،‬ولكــن‬
‫تكويــن اللوحــة ثابــت وذو مســاحة حمــددة ومؤطــرة بإطــار واحــد عكــس التكويــن‪،‬‬
‫علــى ســبيل املثــال يف العــرض املســرحي الــذي يســر وفــق متغــرات النــص‪ ،‬والتكويــن‬
‫موجــود حتــى يف النصــب النحــي الــذي يســاعد علــى نطــق النصــب بلغتــه(‪ .)1‬وللتكويــن‬
‫عناصــر أساســية هــي بدورهــا ركيــزة العمــل ولبنــاء املوضــوع‪ ،‬ونــرى أن التضافــر‬
‫علــى تكويــن الصــورة اجليــدة عوامــل كثــرة‪ ،‬منهــا الوحــدة والتــوازن واإليقــاع والعمــق‬
‫والتأطــر وتعيــن مركــز االهتمــام‪.‬‬

‫أ ‪ -‬الوحــدة‪ :‬تتجلــى وحــدة العمــل الفــي باالســتخدام املناســب للخــط والشــكل والكتلــة‬
‫والفــراغ واألضــواء والظــال‪ ،‬ويتشــكل اخلــط مــع كل فنــان حبســب منهجه‪،‬وهــذا اخلط‬
‫ميكــن أن حيصــر شــكالً مرســوماً بقلــم الرصــاص أو بالريشــة واحلــر أو بالفرشــاة‬
‫واللــون‪ ،‬واخلــط يف العمــل الفــي ال يقتصــر علــى مــا هــو مرئــي‪ ،‬بــل إن العــن أثنــاء‬
‫متابعتهــا العناصــر املرســومة تنشــئ خطــوط اتصــال تربــط بينهــا‪ ،‬وهــذه اخلطــوط‬
‫الومهيــة‪ ،‬الناشــئة عــن حركــة العــن‪ ،‬رمبــا تكــون أشــد تأثــراً مــن اخلطــوط املرئيــة‪،‬‬
‫ويتخــذ مســار العــن بــن عناصــر الصــورة شــكالً مثلثيـاً أو شــكالً دائريـاً أو غــر ذلــك‬
‫من األشــكال‪ ،‬ويســتخدم الفنان هذه األشــكال بوعي أو من دون وعي‪ ،‬لتكوين الرســوم‬
‫ذات التأثــر اجلمــايل الســار‪ ،‬حبيــث يوحــي الشــكل املثلثــي بالثبــات الــذي تتميــز بــه‬
‫اجلبــال الراســخة‪ ،‬وهــو يســتخدم لتصويــر اجملموعــات البشــرية‪ ،‬حيــث ميكــن إبــراز‬
‫الشــخصية اهلامــة‪ ،‬أو الشــخصية األكــر ســناً‪ ،‬جبعلهــا أكثــر ارتفاعـاً‪ ،‬ويســتطيع الشــكل‬
‫(‪ )1‬موقع منتدى الرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪279‬‬
‫الدائــري أن حيتفــظ بانتبــاه املشــاهد‪ ،‬فاجملموعــة املكونــة مــن أشــخاص أو أشــياء‬
‫بشــكل دائــري حتمــل املشــاهد علــى أن يطــوف بنظــره داخلهــا وال يشــرد خارجهــا‪ .‬أمــا‬
‫األشــكال املختلفــة حلــرف «ل» فهــي توحــي بالبعــد عــن الرمسيــة‪ ،‬وهــي أشــكال مرنــة‬
‫مفيــدة لتكويــن املناظــر الطبيعيــة‪ ،‬حيــث ميكــن‪ ،‬مثـاً‪ ،‬تصويــر شــجرة ترتفــع عموديـاً‪،‬‬
‫بالقــرب مــن حافــة املنظــر فــوق مســاحة مــن األرض متتــد أفقيـاً‪ ،‬وهنــا البــد أن منيــز‬
‫بــن الشــكل والكتلــة‪ ،‬فنحــن غالبـاً ماخنلــط بينهمــا‪ ،‬فالشــكل ميثــل املضمون األساســي‬
‫املــراد التعبــر عنــه بالرســم‪ ،‬أمــا الكتلــة فهــي الــي تعطــي صالبــة األشــكال ومتيزهــا‬
‫عمــا حييــط هبــا‪ ،‬وإذا كانــت اخلطــوط واألشــكال تســود التكويــن مبــا حتملــه مــن قيــم‬
‫مجاليــة‪ ،‬فــإن الكتلــة تســتحوذ علــى االهتمــام مباهلــا مــن ثقــل‪ ،‬كذلــك يــرز ملمــس‬
‫األشــكال يف الكتلــة بالظــال الــي توحــي بالتبايــن بــن الداكــن والفاتــح‪.‬‬

‫ب ‪ -‬التــوازن‪ :‬ومهــا نوعــان‪ :‬تــوازن متماثــل وتــوازن غــر متماثــل‪ ،‬فــإذا نظــرت إىل‬
‫صــورة متوازنــة توازنـاً متماثـاً‪ ،‬وجــدت أن العناصــر يف نصفهــا األميــن تــكاد تنطبــق‬
‫علــى العناصــر يف نصفهــا األيســر‪ ،‬وإذا نظــرت إىل صــورة متوازنــة توازنـاً غــر متماثــل‬
‫وجــدت أن العناصــر فيهــا تتبايــن‪ ،‬حبيــث أنــك إذا رمســت خطـاً عموديـاً يف منتصفهــا‬
‫ملــا وجــدت أن النصفــن ينطبقــان كمــا هــي احلــال يف التــوازن املتماثــل‪ ،‬ومــع ذلــك‬
‫فــإن هــذا التــوازن املســترت‪ ،‬الــذي يعطــي الفنــان حريــة يف التعبــر أكثــر ممــا يســمح بــه‬
‫التــوازن املتماثــل‪ ،‬ميكــن اإلحســاس بــه‪ ،‬وإن كان يصعــب قياســه باملســطرة‪ ،‬ويعتمــد‬
‫هــذا النــوع مــن التــوازن غــر امللحــوظ علــى نظريــة الروافــع الــي جتعــل التــوازن بــن‬
‫األثقــال متوقفــاً علــى حجمهــا وبعدهــا أو قرهبــا مــن نقطــة االرتــكاز‪ ،‬ولعــل ميــزان‬
‫القبّــان هــو خــر مثــال علــى ذلــك‪ ،‬فالقبّــان آلــة تــوزن هبــا األشــياء عــن طريــق حتريــك‬
‫العيــار باجتــاه الطــرف أو باجتــاه وســط اآللــة والفنــان يســتفيد مــن نقطــة االنطــاق‬
‫هــذه‪ ،‬ليــوازن الكتلــة الكــرى مــع الكتلــة الصغــرى واملســاحة قامتــة اللــون مــع املســاحات‬
‫األخــف لون ـاً‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫ج ‪ -‬اإليقــاع‪ :‬إن اإليقــاع الــذي نشــهده يف احليــاة بتعاقــب الليــل والنهــار واحليــاة‬
‫واملــوت‪ ،‬ميكــن أن نلمســه يف الصــورة عندمــا تنتقــل أعيننــا مــن عنصــر إىل آخــر فيهــا‬
‫مــن دون تعثــر أو ملــل‪ .‬واإليقــاع ميكــن حتديــده علــى أنــه تنــاوب منتظــم خلــط أو شــكل‪،‬‬
‫وهــذا التنــاوب الــذي جيمــع بــن الوحــدة والتغــر‪ ،‬يولــد احلركــة يف الصــورة ويبعــد‬
‫عنهــا اجلمــود‪.‬‬

‫د ‪ -‬العمــق‪ :‬يعتمــد الفنــان علــى قواعــد املنظــور ليظهــر عمــق الصــورة‪ ،‬وهــذه القواعــد‬
‫توضــح كيــف أن جانــي الطريــق يبــدوان وكأهنمــا يلتقيــان يف نقطــة التالشــي‬
‫‪Eye‬‬ ‫‪ Vanishing Point‬علــى خــط األفــق ‪ Horizon line‬يقــع علــى مســتوى النظــر‬
‫‪ Level‬علــى الرغــم مــن أننــا نعــرف أن الطريــق متمايــل يف العــرض‪ ،‬وكيــف أن كل‬
‫اخلطــوط الواقعــة حتــت مســتوى النظــر جتــري إىل األعلــى حنــو نقطــة التالشــي‪،‬‬
‫فيمــا تنحــدر كل اخلطــوط الواقعيــة فــوق مســتوى النظــر إىل النقطــة عينهــا‪ ،‬وتصبــح‬
‫األشــجار واألشــكال البشــرية أصغــر كلمــا ابتعــدت عــن النظــر‪.‬‬

‫هـــ ‪ -‬التأطــر‪ :‬التأطــر وســيلة فعالــة حلصــر املوضــوع املنتقــى مــن الطبيعــة وجــذب‬
‫االنتبــاه إليــه‪ ،‬وهــو يتكــون مــن أحــد العناصــر املرســومة يف مقدمــة الصــورة‪ ،‬كاألبــواب‬
‫والنوافــذ والقناطــر واألشــجار وقضبــان احلديــد املتعامــدة‪ ،‬والبــد أن يكــون اإلطــار‬
‫واضــح املعلــم حتــى ميكــن املشــاهد مــن إدراك حقيقــة‪ ،‬فــا يصــح مث ـاً‪ ،‬رســم فــرع‬
‫شــجرة مــن دون رســم جزعهــا الثابــت يف األرض‪ ،‬كذلــك البــد مــن أن يتوفــر الفصــل‬
‫الواضــح بــن اإلطــار واملوضــوع األساســي‪ ،‬ويتحقــق ذلــك بتجنــب األطــر املعقــدة‪،‬‬
‫وبتحاشــي اخللــط الناجــم عــن التشــابه يف األضــواء والظــال‪ ،‬فاملوضــوع هــو جوهــر‬
‫الصــورة‪ ،‬واإلطــار العــام املســاعد مــن عوامــل تكوينهــا‪ ،‬ويستحســن البحــث عــن إطــار‬
‫شــامل حييــط باملوضــوع األساســي‪ ،‬فــإذا تعــذر ذلــك‪ ،‬ميكــن اســتخدام إطــار جزئــي‬
‫حييــط بأعلــى الصــورة وأحــد جانبيهــا كفــرع الشــجرة مث ـاً وهــذا النــوع مــن األطــر‬
‫مفيــد ملــلء مســاحة مــن الســماء يف الصــورة‪ ،‬أو لكســر حــدة االتســاع يف مقدمتهــا‬
‫اخلاليــة‪.‬‬

‫‪281‬‬
‫و ‪ -‬مركــز االهتمــام‪ :‬مركــز االهتمــام هــو املركــز الرئيســي يف الصــورة تنجــذب إليــه‬
‫العــن مباشــرة‪ ،‬ولتعــن مركــز االهتمــام يف الصورة‪،‬يرســم الفنــان مســتطيالً ميثــل‬
‫مســاحة الصــورة‪ ،‬ثــم يقســمه إىل تســعة مســتطيالت متســاوية‪ ،‬فتتكــون النقــاط األربــع‬
‫الداخليــة‪ ،‬الــي تلتقــي فيهــا خطــوط التقســيم‪ ،‬مراكــز اهتمــام قويــة توضــع فيهــا‬
‫العناصــر األكثــر أمهيــة يف املوضــوع‪ .‬وتأسيسـاً علــى مــا ســبق‪ ،‬ال يصــح أن يرتكــز خــط‬
‫األفــق يف وســط الصــورة‪ ،‬ألنــه يف هــذه احلالــة سيقســمها إىل نصفــن متســاويني‪،‬‬
‫وهــو أمرغــر مرغــوب فيــه‪ ،‬وللتكويــن مفهــوم خــاص يعتمــد بــدوره علــى األســلوب أو‬
‫الســتايل (‪ )style‬وهــي إحــدى املصطلحــات الكثــرة يف النظريــة اجلماليــة ويقصــد‬
‫هبــا أشــياء خمتلفــة يف خمتلــف الفنــون واشــتقت الكلمــة اإلجنليزيــة ‪ style‬والــذي امتــد‬
‫معناهــا إىل طريقــة الكتابــة أو التعبــر‪ ،‬وحتــت هــذه األمســاء املختلفــة متيــز عــدد كبــر‬
‫مــن أنــواع األســاليب واألمنــاط الفنيــة مثــل (األســلوب الواقعــي ‪ -‬أو اخليــايل ‪ -‬أو‬
‫التأثــري‪ ...‬إخل‪ ،‬فتفهــم هــذه األســاليب واألمنــاط علــى أســس خمتلفــة بعضهــا خــاص‬
‫باالجتــاه الغالــب‪ ،‬وبعضهــا يتعلــق بنــوع التكويــن الشــكلي‪ ،‬أمــا املفهــوم األحــدث لتلــك‬
‫الكلمــة فهــو طريقــة للتعبــر يف اختيــار األفــكار واالجتاهــات‪ ،‬فاألعمــال الفنيــة ســواء‬
‫كانــت جيــدة أم رديئــة أم عاديــة هلــا علــى األقــل بعــض خصائــص أســلوب أو أســاليب‬
‫متعــددة‪ ،‬ففكــرة أســلوب معــن‪ ،‬هــي طريقــة وصــف األعمــال الفنيــة وتصنيفهــا ال‬
‫تقييمها‪ ،‬ويرى «ارنســت فيشــر ‪ :»E. Fecher‬أن األســلوب الذى يســتخدمه الفنان يف‬
‫عملــه مــا هــو إال قــوة هلــا اســتقالهلا الذاتــي تتحكــم يف كل مــا عداهــا‪ ،‬وعلــى هــذا فــإن‬
‫األســلوب منــط مــن النمــط الفــي خيتلــف عــن بعــض األنــواع األخــرى يف أنــه يتضمــن‬
‫جمموعــة متكــررة أو مركب ـاً متكــرراً مــن الســمات يف الفــن يتصــل بعضهــا بالبعــض‬
‫األخــر‪ ،‬وهــي طريقــة خاصــة الختيــار عناصــر العمــل الفــي وتنظيمهــا‪ ،‬ميكــن تكرارهــا‬
‫وتنويعهــا يف منتجــات كثــرة خمتلفــة ومــن ثــم فــإن األســلوب ميكننــا مــن تصنيــف‬
‫ووصــف األعمــال الفنيــة املختلفــة‪ ،‬ويعــرف األســلوب أو الطــراز يف اللوحــة الزخرفيــة‬
‫واجلداريــة بأنــه تارخيــي لكونــه يظهــر يف فــرة فنيــة معينــة مــن التاريــخ‪ ،‬ويف بعــض‬
‫األحيــان تســمى األســاليب أو الطــرز التارخييــة علــى أســاس قومــي كالطــراز اليابانــي‬

‫‪282‬‬
‫أو اليونانــي وغريمهــا‪ ،‬وميكــن أن ينتســب إىل ديــن أو ثقافــة مثــل الطــراز اإلســامي أو‬
‫املســيحي أو‪ ...‬إخل‪ ،‬وهنــاك األســلوب الفــردي الــذي يتميــز بــه فنــان واحــد مثــل أســلوب‬
‫«مايــكل أجنلــو أو بيكاســو أو غريمهــا»‪ ،‬ذلــك الــذي مل يــدم إال فــرة قصــرة جــداً حمــددة‬
‫حبيــاة الفنــان العاديــة‪ ،‬ومــع هــذا فــإن ذلــك األســلوب ميكــن أن يقلــده أنــاس آخــرون‬
‫مثلمــا فعــل تالميــذ «رمربانــت» عندمــا اســتلهموا أســلوبه‪ ،‬ويف هــذه احلالــة تطــول مــدة‬
‫بقــاء األســلوب أو تســرجع جزئي ـاً ‪ ،‬وقــد جنــد فنان ـاً يعمــل يف العــادة بأســاليب‬
‫خمتلفــة يف خمتلــف فــرات حياتــه وبعضهــم مــن ذوي الرباعــات مثــل بيكاســو‬
‫‪ Picasso‬والذيــن يطــورون سلســلة طويلــة مــن خمتلــف األســاليب طــوال حياهتــم‬
‫الفنيــة‪ .‬وخالصــة القــول فــإن كل أســلوب فــي مــا هــو إال طريقــة مميــزة ملعاجلــة أو‬
‫تنويــع واحــد أو أكثــر مــن األمنــاط التكوينيــة يف العمــل الفــي‪ ،‬وهــو تفاعــل عوامــل كثــرة‬
‫تشــمل تلــك املوجــودة يف البيئــة الطبيعيــة واالجتماعيــة والثقافيــة وحتديــد أســلوب‬
‫مــن األســاليب ال يشــمل فقــط مســات الشــكل احملســوس واملعنــى املــدرك‪ ،‬بــل يشــتمل‬
‫أيضــا علــى املــواد واألدوات وطــرق األداء الــي قــد ال تظهــر مباشــرة يف الشــكل النهائــي‬
‫للعمــل الفــي‪ ،‬فهــو نطــاق ثقــايف قــد يظهــر يف فــن واحــد أو أكثــر أو أي فــرع مــن‬
‫فــروع الثقافــة‪ ،‬فقــد يظهــر يف جمــاالت الديــن والفلســفة والعلــم والسياســة واالقتصــاد‬
‫واألخــاق وغريهــا(‪ .)1‬فالتكويــن ليــس كلمــة عابــرة منــر عليهــا مــرور الكــرام‪ ،‬بــل كلمــة‬
‫جيــب أن نقــف عندهــا كثــراً‪ ،‬وهنــاك الكثــر مــن اآلراء الــي اختلفــت مبضامينهــا يف‬
‫التعبــر عــن التكويــن كمفهــوم‪ ،‬ولكنهــا أمجعــت مبضموهنــا وتقــارب آرائهــا كفكــرة‪،‬‬
‫وحينمــا نتطــرق إىل التكويــن كدراســة مســتفيضة البــد أن نقــف طويــاً عندهــا‬
‫حتــى نعطــي هــذا املوضــوع املهــم حقــه‪ ،‬لكــن يف هــذا البحــث نتطــرق إىل التطــرف‪،‬‬
‫وليــس التشــعب لكــي ال نبتعــد عــن املعنــى األساســي للتكويــن‪ .‬وتشــتق كلمــة التكويــن‬
‫مــن كــون يكــون تكوين ـاً‪ ،‬وكينونــة الشــيء صورتــه‪ ،‬ومجعــه تكاويــن الصــورة واهليئــة‪،‬‬
‫وللتكويــن عــدة عوامــل مســاعدة أو عوامــل رئيســية يف تكويــن شــكل التكويــن‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا أكــده (أ‪.‬ف‪.‬فايفيلــد) بقولــه «التكويــن ربــط ومزاوجــة وترتيــب خمتلــف عناصــر‬

‫(‪ )1‬موقع منتدىالرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫العمــل الفــي‪ ،‬ويشــر أيضــاً إىل أن التكويــن هــو تصميــم حركــة العمــل الفــي‪ ،‬وهــو‬
‫عمليــة جتســيد املعنــى الــي تشــتمل علــى مجيــع عناصــر العمــل الفــي بــدون اســتثناء»‪.‬‬
‫وتقريبــاً يقــرب (الكســاندردين) مــن (فايفيلــد) باملضمــون مــن أن تعريــف التكويــن‬
‫ال وتصميم ـاً جملموعــة‪ ،‬ومــع ذلــك فهــو ليــس صــورة‪ ،‬فالتكويــن قــادر‬
‫«هــو بنــاء شــك ً‬
‫علــى التعبــر عــن الشــعور وحالــة املوضــوع واملزاجيــة مــن خــال اللــون واخلــط والكتلــة‬
‫والشــكل‪ ،‬ألنــه ال يــروي احلكايــة أهنــا التكويــن وليــس الصــورة‪ ،‬إذن التكويــن هــو تكويــن‬
‫عنــد الثانــي‪ ،‬وهــو عمليــة جتســيد املعنــى عنــد األول‪ ،‬ولكــي نقــرب مــن أطروحــات‬
‫اإلثنــن نقــول أهنمــا يقرتبــان مــن معنــى واحــد‪ ،‬وأن التكويــن هــو نتيجــة ربــط ومزاوجــة‬
‫كافــة عناصــر العمــل الفــي لكــي نصــل إىل الشــكل الــذي نريــده أو نطمــح بالوصــول‬
‫إليــه لكــي نعــر عــن حالــة مــا ملوضــوع مــا‪ ،‬ولكــن هنــاك عــدة عوامــل أو عناصــر البــد‬
‫مــن تواجدهــا لكــي حنصــل مــن خــال اندماجهــا وربطهــا مع ـاً علــى شــكل التكويــن‪،‬‬
‫و «الــذي هــو الرتتيــب املعقــول للنــاس يف جمموعــة مــا مــن خــال اســتعمال التأكيــد‪،‬‬
‫الثبــات‪ ،‬التتابــع‪ ،‬والتــوازن لتحقيــق الوضــوح واجلمــال الــذي يــروق للنــاس‪ ،‬ومبــا أن‬
‫التكويــن ليــس صــورة كمــا يف رأي (الكســندردين)‪ ،‬وإمنــا هــو بنــاء شــكل أو أشــكال‬
‫مــن خــال التعــرف باجملموعــة املتواجــدة يف عمــل مــا‪ ،‬حيــث يقــوم الفنــان ومــن خــال‬
‫هــذه اجملموعــة بتكويــن تكوينــات معــرة عــن روح العمــل‪ ،‬لتعطــي بذلــك شــكل مجــايل‪.‬‬
‫إن التكويــن يف العمــل الفــي يرتكــز علــى عــدد مــن القواعــد الفنيــة الــي يعتمــد عليهــا‬
‫الفنــان‪ ،‬وهــذه القواعــد األساســية تعتــر أداة ومعايــر لنقــد العمــل الفــي مــن حيــث‬
‫أمهيتهــا وكوهنــا الســبيل إلبــراز املضمــون واملوضــوع األساســي بشــكل جيــد ومقبــول‬
‫فني ـاً‪ ،‬ومــن القواعــد املتعــارف عليهــا‪ ،‬وإن كلمــا ســبق هــي قواعــد لرســم عمــل فــي‬
‫يتســم بقيمــه اجلماليــة اخلاصــة‪ ،‬وكلهــا توجيهــات فنيــة حملاولــة الظهــور بالعمــل الفــي‬
‫بشــكل جيــد‪ .‬ومــن جهــة أخــرى رمبــا القــول أهنــا ســبيل لقــراءة العمــل الفــي وانتقــاده‪،‬‬
‫ولكــن للفنــان أســلوبه اخلــاص وفنــه وليــس عليــه أن ميتثــل هلــذه القواعد بشــكل ممنهج‬
‫فطاملــا رأى الفنــان بعينــه وحســه الفــي فكرتــه و قرأهــا وأحــس بتواجــده فيهــا‪ ،‬عنــد‬
‫ذاك ينكســر كل حاجــز‪ ،‬فاإلبــداع ليــس لــه قاعــدة معينــة مطلقـاً‪ ،‬وليــس حكــراً ألحــد‬

‫‪284‬‬
‫أو علــى أحــد فأطلقــوا ملخيلتكــم العنــان وانثــروا إبداعاتكــم بــكل حريــة فــا يوجــد أثــر‬
‫للقيــود(‪ .)1‬وللتكويــن لــه طــرق خاصــة يعتمــد علــى التشــكيل اهلندســي يف البنــاء‪ ،‬وهــذا‬
‫التشــكيل هــو عبــارة عــن أشــكال هلــا قياســات وأبعــاد وزوايــا حمــددة بــن خطوطهــا‪،‬‬
‫مثــل املربــع واملثلــث وغريهــا‪ ،‬فاألشــكال غــر املنتظمــة ‪ -‬وهــي عبــارة عــن أشــكال‬
‫نتجــت مــن إلتقــاء خطــوط منحنيــة وأخــرى مســتقيمة‪ ،‬وهــذه األشــكال عــادةً مــا توحــي‬
‫باحلركــة‪ ،‬فاألشــكال التلقائيــة ‪ -‬وهــي األشــكال الــي تنتــج مــن إضافــة بعــض األلــوان‬
‫بشــكل تلقائــي‪ ،‬أو حصــول انــدالق لبعضهــا مثـاً‪ ،‬األشــكال العضويــة‪ :‬وهــي األشــكال‬
‫الــي تنشــأ مــن اخلطــوط املنحنيــة علــى شــكل خطــوط دائريــة‪.‬‬

‫وهــي عبــارةٌ عــن وســيلةٍ مــن الوســائل الفنيّــة الــي تســتخدمُ يف بنــاءِ‪ ،‬أو إنشــاء‬
‫التصاميــم األوىل للمبانــي املعماريّــة ســواء املصممــة هبــدف اإلســكان‪ ،‬أم االســتخدام‬
‫التجــاري واملهــي‪ ،‬وأيضــاً يُعــرفُ التصميــمُ املعمــاري بأنــه جمموعــ ٌة مــن اخلطــوات‬
‫الــي تعتمـدُ علــى الرسـ ِم‪ ،‬والتخطيــط مــن أجــل صياغـةِ األفــكار‪ ،‬والصــور املســتخدمة‬
‫يف تأســيس فــن العمــارة‪ ،‬ومــن التعريفــات األُخــرى للتصميـ ِم املعمــاري ‪ -‬هــو نــوعٌ مــن‬
‫أنــوا ِع االبتــكارات اإلنســانية الــي تعتم ـدُ علــى اســتخدا ِم األدوات الفنيّــة اليدويــة‪ ،‬أو‬
‫احلاســوبيّة مــن أجــل تصميــم بنــاءٍ معمــاري يقــدمُ خدم ـ ًة‪ ،‬أو منفع ـ ًة للنــاس‪ .‬وتر ّكــز‬
‫اهلندســة املعماريــة علــى الوظائــف املكانيــة ومجاليــات العمــل‪ ،‬وهتتــم أكثــر بالفــن‪،‬‬
‫واملظهــر‪ ،‬والشــكل‪ ،‬ووظيفــة التصميــم‪ ،‬بينمــا تعــد العناصــر اإلنشــائية مــن اختصــاص‬
‫اهلندســة املدنيــة؛ مــن حيــث التأكــد مــن حتمّــل البنــاء للظــروف القاســية والطبيعيــة‪،‬‬
‫وينشــئ املهنــدس املعمــاري التصميــم مبــا حيتويــه مــن شــكل‪ ،‬ولــون‪ ،‬ومســاحات‪ ،‬ثــم‬
‫حيلّــل املهندســون املدنيــون هــذا التصميــم إلجيــاد طــرق جتعــل تنفيــذه ممكن ـاً‪ ،‬ويعــد‬
‫إجيــاد املــواد املناســبة‪ ،‬وتقديــم االقرتاحــات للتطويــر‪ ،‬والتعديــات‪ ،‬وتقييــم ســامة‬
‫املبنــى لتحويــل رؤيــة املعمــاري إىل واقــع مــن وظيفــة املهنــدس املدنــي‪ ،‬وتعــد هندســة‬
‫العمــارة حصــاداً لــراث آالف الســنني مــن االبتــكار التدرجيــي يف تكنولوجيــا البنــاء‬
‫والتقــدم العلمــي‪ ،‬ولتصميــم املبانــي طبّــق املهندســون املعماريــون أحــدث املعــارف‬
‫(‪ )1‬الفن منهج وأسلوب حياة – سعيد القطان‪.‬‬

‫‪285‬‬
‫والتقنيــات العلميــة‪ ،‬وتعــد الســامة اهليكليــة‪ ،‬وقابليــة هــذه املبانــي لالســتخدام‪،‬‬
‫ونوعيــة اهلــواء الــذي نتنفســه نتيجــة لتصميــم املهندســن املعماريــن‪ ،‬وألن الكثــر مــن‬
‫الطاقــة تســتهلك يف املبانــي‪ ،‬فــإن الطاقــة الــي ميكــن حفظهــا‪ ،‬وتقنيــات البنــاء املطلوبة‬
‫لبنــاء مــدن مســتدامة‪ ،‬هــي مــن أولويــات ومهــام املهندســن املعماريــن‪ ،‬حيــث يعمــل‬
‫املهندســون املعماريــون وفــرق البنــاء بدقــة لصنــع املبانــي اليوميــة واملبانــي الضخمــة‪،‬‬
‫وتقــع عليهــم مســؤولية مواجهــة الكثــر مــن حتديــات القــرن احلــادي والعشــرين مثــل‬
‫التقليــل مــن انبعــاث غــازات االحتبــاس احلــراري‪ ،)1(..‬وقــد اســتخدم فيهــا املهندســون‬
‫مــن بعــض املفاهيــم الــي تشــر إىل الرمزيــة يف بصماهتــم املعمارية يف البناء واهلندســة‪،‬‬
‫ومــن هــذه املفاهيــم‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي ‪ -‬عناصر اهلندسة املعمارية‪.‬‬

‫‪286‬‬
‫مفهوم العمارة اإلسالمية وعناصرها‬

‫بــدأ النشــاط املعمــاري اإلســامي يف االزدهــار والتطــور ومتيــزت العمــارة اإلســامية‬


‫يف هــذا العصــر باســتخدام العقــود احملمولــة علــى أعمــدة رخاميــة واســتخدام األســقف‬
‫اخلشــبية املائلــة واســتخدام القبــاب يف األســقف والــي كانــت تبنــى مــن احلجــر‬
‫والطــوب‪ ،‬واســتخدم الشــدادات‪ ،‬ووضــوح التقســيم اهلندســي يف املســقط األفقــي‪،‬‬
‫كمــا متيــزت هــذه الفــرة ببنــاء بعــض القصــور الصغــرة يف الصحــاري‪ ،‬وكانــت مــآذن‬
‫اجلوامــع واملســاجد مــن أهــم وأقــدم اآلثــار اإلســامية الكبــرة يف دمشــق‪ ،‬حيــث أقامــت‬
‫اخلالفــة األمويــة عاصمتهــم فيهــا الــي أصبحــت هلــم منــارة للعلــم والعلمــاء والفقهــاء‪،‬‬
‫واهتمــوا بالعمــارة واملعــامل اإلســامية(‪ .)1‬وامتــدت ســلطتها يف مجيــع االجتاهــات‪،‬‬
‫كمــا اهتــم اخللفــاء األمويــون مبــدارس العلــم والعمــارة واهتمــوا ببنــاء املســاجد كمــا‬
‫املســجد األمــوي بدمشــق واملســجد األقصــى يف القــدس واملســجد النبــوي باملدينــة‬
‫املنــورة ومســجد قرطبــة‪ ،‬وغريهــا يف أرجــاء اخلالفــة الــي اتســعت يف كل اجتــاه(‪،)2‬‬
‫وإن مفهــوم العمــارة اإلســامية هــو باألســاس استشــراقي كمــا يؤكــد أن املفهــوم ال‬
‫يعــي األقــواس والقبــاب ومفــردات مــن العمــارة مبعثــرة هنــا وهنــاك‪ ،‬بــل هــي منظومــة‬
‫بنيويــة مــن تدخــل الفــن والتقنيــة والفقــه والديــن والــراث ومقتضيــات البيئــة احمليطــة‬
‫واألعــراف االجتماعيــة‪ .‬ومــع بدايــة احنصــار الدولــة الرومانيــة يف أوربــا ظهــر اإلســام‬
‫يف اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬وانتشــرت الدعــوة وتتابــع اخللفــاء حتــى عهــد بــي أميــة وتلــك‬
‫يف القــرن الســابع امليــادي (األول اهلجــري) حيــث بــدأت أول األعمــال املعماريــة ذات‬
‫الطابــع اإلســامي‪ ،‬فقــد بناهــا املســلمون اعتمــاداً علــى خربهتم اخلاصــة وخربة غريهم‪،‬‬
‫وهــي مــن األمــم الــي تعرفــوا عليهــا وعلــى معمارهــا أثنــاء فتوحاهتــم لنشــر الدعــوة‪،‬‬
‫ومــن أهــم مصادرهــا فنــون العمــارة اخلاصــة بالرومــان واملصريــن (الفــن القبطــي)‪،‬‬
‫كمــا تأثــروا بالفــن الساســاني يف العــراق وإيــران‪ ،‬وقــد تطــور فــن العمــارة اإلســامية‪،‬‬
‫حتــى وصــل ذروتــه يف القرنــن الثالــث عشــر والرابــع عشــر‪ ،‬ثــم بــدأ باإلضمحــال‬
‫(‪ )1‬نبيه عاقل – تاريخ خالفة بين أمية – ص ( ‪ ) 52‬أستاذ يف جامعة دمشق‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪.‬حممد اخلضري بك الدولة األموية ص ( ‪ .) 263‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫أمــام مــد احلضــارة الغربيــة‪ ،‬مــع تغلغــل االســتعمار الغربــي يف القــرن التاســع عشــر‬
‫والقــرن العشــرين‪ .‬ويعتــر مفهــوم العمــارة أكثــر مشوليــة وأعــم وصفـاً مــن كونــه نــوع من‬
‫الوظيفيــة أو النفعيــة وارتبــط بنوعيــة معينــة مــن املبانــي‪ ،‬وهــي احملكومــة مبحــددات‬
‫هندســية وفنيــة واقتصاديــة‪ ،‬هبــدف الوصــول إىل االســتغالل األوفق للعمــل املعماري(‪،)1‬‬
‫وظهــرت عناصــر معماريــة جديــدة كالقــوس العثمانــي وهــو قــوس مقعــر حنــو اخلــارج‬
‫يف جزئــه العلــوي‪ ،‬واجلــزء الســفلي منــه حمــدب‪ ،‬واســتخدم القــوس نصــف الدائــري‬
‫اجملــزوء يف فتحــات النوافــذ واألبــواب (أي إن فتحتــه جــزء مــن دائــرة) وبقــي اســتخدام‬
‫املقرنصــات شــائعاً يف التيجــان وعقــود البوابــات‪ ،‬وعنصــراً انتقاليـاً يف القبــاب‪ ،‬وقــد‬
‫اســتخدمت بالطــات القاشــاني ذات املوضوعــات الزخرفيــة النباتيــة عنصــراً رئيسـيّاً‬
‫يف إكســاء اجلدران الداخليــة وبعــض أجــزاء الواجهــات فــوق األبــواب والنوافــذ‪ ،‬وقــد‬
‫غلــب عليهــا اللونــان األزرق واألخضــر‪ ،‬كمــا اســتخدمت الفسيفســاء الرخاميــة املشــقف‬
‫والنوافــذ اجلصيــة املعشــقة بالزجــاج‪ ،‬وشــاع اســتخدام األبلــق (زخــارف ذات أشــكال‬
‫هندســية أو نباتيــة حمفــورة علــى احلجــر ومملــوءة مبالط جصّي ملــون) (‪ )motley‬يف‬
‫تزيــن الواجهــات‪ ،‬كمــا شــاع اســتخدام اخلشــب املدهــون واملزخــرف بالرســوم النباتيــة‬
‫واهلندســية امللونــة‪ -‬كمــا يف قصــر العظــم‪ ،‬متحــف التقاليــد والصناعــات الشــعبية ‪ -‬أو‬
‫صــور ملــدن شــهرية أو مناظــر طبيعيــة يف إكســاء اجلدران واألســقف‪ ،‬وهــو تأثــر فــن‬
‫الباروك ‪ baroque‬والروكوكو ‪ rococo‬املنتشــر يف الغــرب وهــو مــا شــهدته قصــور‬
‫بــاد الشــام ومســاكنها (كمكتــب عنــر ‪ -‬وبيــت اجملاهــد فخــري البــارودي) يف املرحلــة‬
‫املتأخــرة مــن العصــر العثمانــي‪ ،‬وملــع مهندســون معماريــون أســهموا يف تطويــر العمــارة‬
‫اإلســامية‪ ،‬وســجلوا أمساءهــم يف تارخيهــا‪ ،‬أمثــال املعمــار ســـنان اليت انتشــرت أعماله‬
‫يف معظــم العواصــم اإلســامية‪ ،‬ممــا تقــدم يبــدو أن املدرســة اإلســامية هــي مدرســة‬
‫فنيــة متكاملــة ضمّــت أنــواع الفنــون مجيعهــا‪ ،‬مــن معماريــة وعمرانيــة وفنــون تطبيقيــة‬
‫وغريهــا‪ ،‬وأســهمت وال تــزال يف بنــاء احلضــارة اإلنســانية(‪ .)2‬وال شــك أن جانب ـاً كبــراً‬
‫(‪ )1‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة ‪ -‬مــا بــن التجديــد والتقليــد ‪ -‬د‪.‬م‪.‬ريهــام إبراهيــم ممتــاز ‪ -‬د‪.‬م‪.‬زينــب فيصــل‬
‫عبدالقــادر ‪ -‬مــدرس باألكادمييــة احلديثــة مــدرس باجلامعــة احلديثــة‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمــارة اإلســامية ‪ -‬اهلندســة ‪ -‬العلــوم التطبيقيــة ‪ -‬اجمللــد الثالــث عشــر‪ -‬املهنــدس رضــوان طحــاوي ‪-‬‬
‫املوســوعة العربيــة‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫مــن ثقافــة اجملتمعــات اإلســامية يقــوم علــى الديــن‪ ،‬فالديــن اإلســامي يتدخــل يف كل‬
‫نواحــي حيــاة اجملتمــع اإلســامي‪ ،‬فاملفهــوم الثقــايف النابــع مــن الديــن هــو الثابــت الــذي‬
‫ال خيتلــف باختــاف املــكان والزمــان‪ ،‬أمــا الشــكل فهــو املتغــر‪ ،‬فذلــك ميثــل املفهــوم‬
‫الثقــايف النابــع مــن الديــن احملــرك احلقيقــي للعمــارة اإلســامية‪ ،‬فهــو نتــاج املنهــج‬
‫اإلســامي الثابــت مــع اختــاف الزمــان واملــكان‪ ،‬إن مــا ينتــج مــن التشــكيالت املعماريــة‬
‫املرتبطــة بالبيئــة الطبيعيــة‪ ،‬والثقافيــة‪ ،‬والرتاثيــة للمــكان ميثــل قيم ـاً مجاليــة ميكــن‬
‫إدراكهــا فكريـاً‪ ،‬فهــي املعــر عــن ثقافــة اجلماعــة‪ ،‬وليســت جمــرد قيــم حســية ترتكــز يف‬
‫(‪.)1‬‬
‫التشــكيالت املاديــة امللموســة فحســب‬

‫لقد متيزت العمارة اإلســامية يف تكوينها ‪ -‬وهندســتها‪ -‬بشــدة االنســجام مع ظروف‬


‫املنــاخ‪ ،‬ويعتــر التشــكيالت املعماريــة مأثــرة مــن مآثــر العمــارة العربيــة مبواصفاهتــا‬
‫الفريــدة الــي اكتســبتها خــال قــرون مــن االزدهــار احلضــاري‪ ،‬والــذي بلــغ خالهلــا‬
‫فــن العمــارة اإلســامية‪ ،‬القمــة يف اإلبــداع والتوزيــع الوظيفــي والتشــكيلي املعمــاري(‪.)2‬‬

‫فالعمــارة اإلســامية كتعبــر عــن الوحــدة الثقافيــة‪ ،‬وإن تغــر الرؤيــة الثقافيــة يؤثــر على‬
‫اجتاهــات الفــن والعمــارة‪ ،‬فالعمــارة منتــج ثقــايف بالدرجــة األوىل فهــي غــاف اجملتمــع‬
‫ووعــاؤه الكونــي‪ ،‬والتعبــر اجملســم عــن الطبيعــة الثقافيــة الــي تســود اجلماعــة‪ ،‬وبذلــك‬
‫فــإن التغيــر الــذي يطــرأ علــى العمــارة مــع كل التغيــر الثقــايف والفكــري‪ ،‬ميثــل إحــدى‬
‫صــور االنعــكاس احلضــاري للتحــوالت الفكريــة والثقافيــة‪ ،‬ممــا أوجــد العديــد مــن‬
‫احملــاوالت الــي تتســم بالتعبــر عــن التغريــب وعــن روح العصــر دون هويــة حمــددة‪،‬‬
‫وبالتــايل ترتاجــع الثقافــات احملليــة ونتاجهــا أمــام آليــات الثقافــات الغربيــة‪.‬‬

‫وتكمــن إشــكالية اهلويــة الــي نعانــي منهــا اليــوم يف انقســام اإلدراك الثقــايف ألفــراد‬
‫اجملتمــع حيــث يقــرن الــراث التارخيــي والثقــايف والديــي والروحــي باملاضــي‪ ،‬بينمــا‬

‫(‪ )1‬العمــارة اإلس�لامية املعاصــرة ‪ -‬م��ا بـين التجدي��د والتقليـ�د ‪ -‬د‪.‬م‪.‬ريهــام إبراهيــم ممتــاز ‪ -‬د‪.‬م‪.‬زينــب فيصــل‬
‫عبـ�د القاــدر ‪ -‬مـ�درس باألكادمييـ�ة احلديثـ�ة مـ�درس باجلامعـ�ة احلديثـ�ة‪.‬‬
‫(‪ )3‬العمــارة اإلســامية يف ســوريا هندســة التكايــا والزوايــا زاخلانقاهــات يف العهــد العثمانــي – املصــدر احليــاة –‬
‫عبــد الســتار أمحــد ‪ 2001 – 8 – 24‬رقــم العــدد ‪.14040‬‬

‫‪289‬‬
‫يســتعار املســتقبل مــن الغــرب إلعطائــه الصــورة املشــرقة للتقــدم والتطــور والتحضــر‪،‬‬
‫فأصبحــت املــدن العربيــة مســرحاً للتجــارب املعماريــة الغربيــة وهــذا مــا يدعــو إىل‬
‫ضــرورة البحــث عــن صيغــة جديــدة لقــراءة الــراث من خــال نتاج معاصــر ليمثل تعبرياً‬
‫عــن اهلويــة والشــخصية القوميــة‪ ،‬ومــن ثــم فالــراث ميثــل تأكيــد لتطــور الشــخصية‬
‫(‪)1‬‬
‫والــذات القوميــة عــر التاريــخ خــال حمــور ثقــايف ثابــت ومؤكــد‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬م‪ .‬حممــد عبــد الفتــاح‪ ،‬التشــكيل املعمــاري بــن القيــم الرتاثيــة والقيــم املعاصــرة‪ ،‬رســالة ماجســتري‪ ،‬جامعــة‬
‫القاهــرة‪.2000 ،‬‬

‫‪290‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫فن عمارة المساجد‬

‫‪291‬‬
‫املساجد‬

‫لقــد أشــار الدكتــور حســن مؤنــس إىل ذكــر املســجد واملســاجد يف القــرآن الكريــم‬
‫بلفظهــا‪ ،‬مثاني ـاً وعشــرين مــرة‪ ،‬وأن اإلشــارة إىل املســجد احلــرام بلفــظ بيــت وردت‬
‫‪17‬مــرة‪ ،‬ووردت اإلشــارة إليــه باســم مقــام إبراهيــم‪ ،‬ومصلــى ورد مــرة واحــدة‪ ،‬ووردت‬
‫اإلشــارة إىل املســجد بلفــظ البيــوت مــرة واحــدة‪ ،‬ولــكل مــرة مناســبتها‪ )1(.‬وأصــل كلمــة‬
‫مســجد يف اللغــة العربيــة هــو املوضــع الــذي يســجد فيــه‪ ،‬وكل موضــع يتعبــد فيــه‬
‫َــاجدَ ال َّلــهِ َأنْ ي ُْذ َكــرَ فِيهَــا‬
‫فهــو مســجد‪ ،‬حيــث قــال اهلل تعــاىل {وَمَــنْ َأ ْظ َلــمُ مِمَــنْ مَنَــعَ مَس ِ‬
‫ّ‬
‫اسْـمُهُ}‪ ،‬وعــن أبــي عبــد اهلل جابــر بــن عبــد اهلل أن رســول اهلل ‪ ‬قــال‪...« :‬وجعلــت‬
‫يل األرض مســجداً وطهــوراً‪ »...‬صحيــح البخــاري‪ ،‬أمــا اجلامــع فهــو نعــت للمســجد‪،‬‬
‫ونعــت بذلــك ألنــه عالمــة االجتمــاع‪ ،‬ويف الصــدر األول كانــوا يقتصــرون علــى كلمــة‬
‫مســجد‪ ،‬ثــم صنفــوا فقالــوا املســجد اجلامــع‪ ،‬وآونــة يضيفوهنــا إىل الصفــة فيقولــون‬
‫مســجد اجلامــع‪ ،‬ثــم جتــاوز النــاس واقتصــروا علــى الصفــة فقالــوا للمســجد الكبــر‬
‫(‪)2‬‬
‫الــذي تصلــى فيــه اجلمعــة وإن كان صغــراً اجلامــع؛ ألنــه جيمــع النــاس لوقــت معلــوم‪.‬‬
‫وبــدأ فــن عمــارة املســاجد مــع بدايــة ظهــور الديــن اإلســامي ظهــوراً جهريـاً يف املدينــة‬
‫املنــورة‪ ،‬وقــد اختــذ املســلمون املســجد مركــزاً لتجمعهــم إلقامــة الصــاة وغريهــا مــن‬
‫الشــعائر الدينيــة‪ ،‬واملســجد هــو كل مــكان يســجد ويتعبــد فيــه وهــو مــن األلفــاظ‬
‫اإلســامية الــي مل تعرفهــا اجلاهليــة واحلضــارات الســابقة‪ ،‬إذ بدا فن عمارة املســاجد‬
‫مــع بدايــة ظهــور الديــن اإلســامي‪ )3(.‬ولنتطــرق قليـاً إىل عمــارة املســجد احلــرام وهــو‬
‫البيــت األول الــذي أقيــم للعبــادة‪ ،‬حيــث مسـيّ بالبيــت العتيــق وأيضـاً بالكعبــة لتكعيبــه‬
‫(أي تربيعــه)‪ ،‬ومسـيّ أيضـاً بالبيــت احلــرام أو البيــت احملــرم‪ ،‬وقــد أطلــق عليــه العــرب‬
‫البيــت املربــع الــذي هــو مرتفــع كعبــه‪ ،‬وقــد اشــرك النــي ‪ ‬يف بنــاء الكعبــة قبــل بعثتــه‬
‫فــكان يعمــل يف نقــل احلجــارة مــع غــره مــن أشــراف قريــش ورجالــه وعقــب فتــح مكــة‬

‫(‪ )1‬املسـ�لمون وآثاره��م املعماري��ة حتـ�ى هناي�ةـ عص��ر اخللفاــء الراشــدين – د‪.‬عبدــ اهلل كام��ل موس��ى عبــده – أســتاذ‬
‫اآلث��ار اإلس�لامية املس��اعد – ورئي�سـ قس��م اآلث��ار اإلس�لامية – ص‪.19 .‬‬
‫(‪ )2‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )3‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫أمــر الرســول ‪ ‬بتطهــر الكعبــة مــن متاثيــل وصــور وأصنــام وجــرى الرســول ‪ ‬علــى‬
‫عــادة قريــش يف كســوة الكعبــة‪ ،‬وأمــر بتطييبهــا‪ ،‬أمــا مــن الناحيــة املعماريــة مل يكــن‬
‫للمســجد احلــرام يف عهــد الرســول ‪ ‬جــدران حتــده(‪ .)1‬بــل كان البيــوت حتــدق بــه‬
‫واألزقــة بينهــا تفتــح عليــه‪ ،‬وكان البيــوت تصــل حتــى حــدود املطــاف‪ ،‬وتوالــت اخلالفــة‬
‫مــن بعــد الرســول ‪ ‬فشــهدت عمــارة مكــة يف خالفــة عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬حيــث‬
‫أحــاط املســجد جبــدار يف ســنة ‪ 17‬هجريــة ‪638 /‬م وقــد جعــل للكعبــة فنــاء حيــث‬
‫قــال ‪ :‬أن الكعبــة هــي بيــت اهلل وال بــد للبيــت مــن فنــاء(‪ ،)2‬وبنــى املســجد احمليــط هبــا‬
‫واختــذ لــه جــداراً بعــد أن اشــرى الــدور مــن أهلهــا وهدمهــا وبنــى ذلــك املســجد(‪ .)3‬كمــا‬
‫شــهدت عمــارة املســجد يف خالفــة عثمــان بــن عفــان ‪ ‬حيــث اختــذ بعمارتــه األروقــة‬
‫ســنة ‪ 26‬هـــ ‪646 /‬م‪ ،‬حيــث اشــرى دوراً لصــاحل املســجد ووســعه وعمــل علــى جتديــد‬
‫أنصــاب احلــرم(‪ ،)4‬ومــع تقــدم احلضــارة اإلســامية ومســرها حنــو األمــام تارخيي ـاً‪،‬‬
‫أخــذت وظائــف املســجد بالتقلّــص التدرجيــي شــيئاً فشــيئاً‪ ،‬ففــي العهــد اإلســامي‬
‫األول كان املســجد مركــزاً لتجمــع املســلمني وإدارة الدولــة‪ ،‬ومكانــاً للعبــادة‪ ،‬ومكانــاً‬
‫للتعليــم‪ ،‬ومكانـاً إلقامــة النشــاطات املختلفــة الــي هتــم النــاس‪ ،‬بــل والــي تــروح عنهــم‬
‫وتن ّفــس عنهــم‪ ،‬فصــار املســجد يف وقــت الحــق مقتصــراً أكثــر مــا ميكــن علــى العبــادات‬
‫والتعبــد بســبب دخــول املنشــآت واملراكــز األكثــر ختصص ـاً والــي ســلبت مــن املســجد‬
‫أدواره األخــرى‪ ،‬إنّ االهتمــام اجلمــايل باملســجد وتعظيــم شــكله أخــذ يتطـوّر مــع الزمــن‬
‫ومــع املضــي قدم ـاً يف التاريــخ اإلســامي‪ ،‬فنجــد أنّ عناصــر عديــدة اســتحدثت يف‬
‫املســجد زادت مــن مجالــه‪ّ ،‬‬
‫وعظمتــه يف قلــوب النــاس‪ ،‬ومــن العناصــر الــي أدخلــت يف‬
‫وقــت الحــق بعــد مضــي فــرة جيّــدة منــذ بعثــة رســول اهلل ‪ ‬املئذنــة(‪.)5‬‬

‫(‪ )1‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتــاب‪.‬‬
‫(‪ )2‬موسوعة العمارة واآلثار والفنون اإلسالمية – مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )3‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين – د‪ .‬عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – أســتاذ‬
‫اآلثــار اإلســامية املســاعد – ورئيــس قســم اآلثــار اإلســامية – ص ‪.48 – 46‬‬
‫(‪ )4‬سبق ذكره – املسلمون وآثارهم املعمارية‪.‬‬
‫(‪ )5‬موضوع أكرب موقع عربي يف العامل ‪ -‬أين بنيت أول مئذنة يف اإلسالم ‪ -‬بواسطة‪ :‬حممد مروان‪.‬‬

‫‪293‬‬
‫اخلصائص واملميزات للمساجد‪:‬‬

‫إذا أردنــا تعريــف كلمــة مَسْـ ِ‬


‫ـجد أو جامــع فنجــد هــذا التعريــف هــو دار عبــادة املســلمني‪،‬‬
‫تُقــام فيــه الصلــوات اخلمــس املفروضــة وغريهــا‪ ،‬مسّـيَ مســجداً ألنــه مــكان للســجود‬
‫هلل‪ ،‬ويُطلــق علــى املســجد أيضــاً اســم جامــع‪ ،‬وخاصــ ًة إذا كان كبــراً‪ ،‬يُطلــق عليــه‬
‫اســم «جامــع» إذ جيمــع النــاس ألداء صــاة اجلمعــة‪ ،‬كذلــك يطلــق عليــه اســم مصلــى‬
‫بــدل مــن اســم مســجد عنــد أداءه لبعــض الصلــوات اخلمــس املفروضــة‪ ،‬فــا يلتــزم‬
‫جبميعهــا‪ ،‬مثــل مصليــات املــدارس واملؤسســات والشــركات وطــرق الســفر وغريهــا الــي‬
‫غالبـاً مــا يــؤدى فيهــا صــاة حمــدودة حبســب الفــرة الزمنيــة احلاليــة‪ ،‬ويدعــى للصــاة‬
‫يف املســجد عــن طريــق األذان‪ ،‬وذلــك مخــس مــرات يف اليــوم‪ ،‬البــاب الثالــث(‪ )1‬ولقــد كان‬
‫بنــاء املســاجد يف األمصــار‪ ،‬يقتصــر علــى مســجد جامــع واحــد يف كل مدينــة حتقيقـاً‬
‫للمقصــد الشــرعي اخلــاص بوحــدة اجلماعــة‪ ،‬يســتدل علــى ذلــك بالكتــب الــي أرســلها‬
‫اخلليفــة الثانــي عمــر بــن اخلطــاب ‪ ،‬إىل والتــه يف بــاد العــراق والشــام ومصــر‪،‬‬
‫ولكــن اتســاع رقعــة األقطــار الــي انتشــر فيهــا اإلســام جعــل مــن الضــروري إنشــاء‬
‫مســاجد عديــدة يف مواقــع متفرقــة مــن املدينــة الواحــدة‪ ،‬مــع االقتصــار علــى مســجد‬
‫جامــع فيهــا‪ ،‬حبيــث يــؤدي املســلمون صــاة اجلمعــة يف املســجد اجلامــع‪ ،‬ويــؤدون‬
‫باقــي صلواهتــم يف مســاجد أحيائهــم‪ ،‬ومــع اتســاع رقــاع املــدن‪ ،‬وتزايــد عــدد الســكان‪،‬‬
‫أنشــئ يف املدينــة اإلســامية الواحــدة‪ ،‬أكثــر مــن مســجد جامــع واحــد‪ ،‬بينمــا تزايــدت‬
‫أعــداد املســاجد‪ ،‬حتــى بلغــت يف بعــض املــدن اإلســامية مئــات مــن املســاجد‪ ،‬وكثــراً‬
‫مــن اجلوامــع‪ ،‬وعلــى هــذا‪ ،‬فقــد اســتقر العــرف علــى إطــاق كلمــة «املســجد» علــى كل‬
‫مــكان لتعبــد املســلمني مهمــا كانــت مســاحته‪ ،‬وإطــاق تعبــر «اجلامــع» أو «املســجد‬
‫اجلامــع» علــى املســاجد الكبــرة الــي تســتوعب املصلــن أيــام اجلمــع‪ ،‬وعلــى هــذا فــان‬
‫كل جامــع هــو مســجد‪ ،‬ولكــن ليــس كل مســجد جامعـاً(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA - M1-‬املســاجد ‪ -‬مقـدّم‬
‫محــود‪.‬‬
‫مــن ريتــا خليــل بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬
‫(‪ )2‬عناصر بناء املسجد يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬مدونة األستاذ الدكتور خليل حسن الزركاني‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬مكان العبادة‬

‫فاملســجد بيــت اهلل يف األرض‪ ،‬وهــو النــواة الــي نشــأ حوهلــا أول جمتمــع مســلم عــر‬
‫التاريــخ‪ ،‬وأول عمــل شــرع فيــه رســول اهلل ‪ ‬بعــد اهلجــرة‪ ،‬هــو إنشــاء املســجد النبــوي‬
‫يف املدينــة املنــورة علــى أرض اشــراها بنفســه‪ ،‬لكــي يصبــح جبانــب كونــه مكانـاً للصــاة‬

‫والعبــادة‪ ،‬مــكان جتمــع للمجتمــع اإلســامي اجلديــد‪ ،‬ورمــزاً لوحــدة العبــادة‪ ،‬ومــن‬
‫ثــم رمــزاً لوحــدة األمــة‪ .‬شــرع الرســول ‪ ‬يف إنشــاء مســجده يف املدينــة لبضعــة‬
‫شهـــور مـــن هـجـرتـــه إليهــا ومل يســتغرق إنشــاءه وقت ـاً طوي ـاً‪ ،‬فتــم يف حنــو شــهرين‬
‫يف العام األول للهـجـــرة‪622/‬م‪ ،‬ومل يكن هذا أول مســجد بنـــاه الـرســـول ‪ ،‬وسـبـقـــه‬
‫إلـــى الوجــود مســجد قبــاء الــذي أنشــأه ســعد بــن خـيـثـمـــة بـنـــاء عـلـــى رأي الـرســـول‪،‬‬
‫وترســيمه‪ ،‬وقــد مت إنشــاء مســجد قبــاء واســتعمل للصــاة فعــاً بعـيـــد انـتـقـــال‬
‫الرسول ‪ ‬من قباء إىل منازل بين عـــدي بين النجار فـــي وســـط املـديـنـــة وقـــد افتتحه‬
‫الرســول وصلــى فيــه مــع صحـابـتـــه(‪ .)1‬واعتــر مســجد قبــاء هــو املســجد الــذي أســس‬
‫علــى التقــوى مــن أول يــوم أحــق أن تقــوم فيــه‪ ،‬وشــارك اجلميــع يف بنائــه‪ ،‬حيــث أن‬
‫الرســول ‪ ‬بــدأ بوضــع أول لبنــة فيــه‪ ،‬ثــم أشــار علــى أصحابــه ‪ ،‬أبــو بكــر الصديــق ‪‬‬
‫ثــم عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬ثــم أذن لباقــي الصحابــة مــن املهاجريــن واألنصــار إىل إمتــام‬
‫بنائــه‪ ،‬ويعــد هــو أول عمــل مجاعــي جيمــع بــن املهاجريــن واألنصــار‪ .‬والصــاة فيــه‬
‫بأجــر عمــرة‪ ،‬كمــا حدثنــا فيــه رســول اهلل ‪ ،‬وذلــك ألن الصحابــة يف أول اإلســام مل‬
‫يكــن باســتطاعتهم أن يــؤدّوا النســك‪ ،‬فعوضهــم اهلل يف املدينــة بأجــر العمــرة بالصــاة‬
‫يف مســجد قبــاء‪ ،‬فهنــاك أربــع ســنن ال ميكــن إحياءهــا‪ ،‬إال يف مدينــة رســول اهلل ‪،‬‬
‫وهــي الصــاة يف قبــاء‪ ،‬وزيــارة ســيد الشــهداء وأهــل البقيــع والصــاة يف املســجد‬
‫النبــوي الشــريف‪ .‬كمــا كان العمــران احلديــث للدولــة الســعودية املباركــة حيكــي كل‬
‫اجلوانــب الرتاثيــة املصممــة واملرتبطــة برســول اهلل ‪ ،‬كمســجد الغمامــة‪ :‬وهــو يعتــر‬
‫أول فضــاء يقابــل مســجد الرســول ‪ ‬مــن اجلهــة الغربيــة‪ ،‬وكمــا أخــذت منــه ســنة أداء‬
‫(‪ )1‬عامل املعرفة ‪ -‬املساجد ‪ -‬تأليف د‪ .‬حسني مؤنس‪.‬‬

‫‪295‬‬
‫صــاة العيــد يف هــذا الفضــاء الرحــب اخلارجــي‪ ،‬ومســي بالغمامــة لوجــود غمامــة‬
‫تظلــه‪ ،‬حيــث كان الرســول ‪ ‬يصلــي يف هــذا املســجد صــاة األعيــاد‪ ،‬وهنــا كانــت لــه‬
‫آخــر صــاة عيــد يف هــذا املــكان‪ ،‬وخلــف املســجد أيضـاً‪ ،‬يقــع مســجد أبــو بكــر الصديــق‬
‫‪ ،‬ثــم خلفــه يوجــد مســجد علــي بــن أبــي طالــب ‪ ،‬وثالثــة مســاجد يف منطقــة‬
‫املصلــى‪ ،‬ولقــد وردت كثــراً أحاديــث عــن منطقــة املصلــى بالســنة والســرة النبويــة‪،‬‬
‫وقــال الفقهــاء كان الرســول ‪ ،‬يصلــي يف منطقــة املصلــى الصلــوات ذوات األســباب‪،‬‬
‫أي إذا جــاء الســبب‘ جــاءت الصــاة مثــل صــاة العيــد وصــاة االستســقاء‪.‬‬

‫ومســاجد املدينــة املنــورة ثالثــة أقســام‪ :‬مســاجد نبويــة مثــل مســجد قبــاء‪ ،‬وهو مســجد‬
‫كان موجــوداً منــذ زمــن النبــوة حتــى يومنــا هــذا‪ ،‬وأمــا النــوع الثانــي يعــرف باســم‬
‫املســاجد األثريــة‪ ،‬وهــو مشــروع عمــر بــن عبــد العزيــز ‪ ‬يف عهــد الوليــد بــن عبــد‬
‫امللــك‪ ،‬فقــد بــي مســاجد يف املواضــع الــي صلــى فيهــا الرســول ‪ .‬فبئــر عــدن والــذي‬
‫يطــل علــى منــارة مســجد قبــاء‪ ،‬وهــي مرتبطــة حبــدث مــن قصــة اهلجــرة النبويــة‪،‬‬
‫واملنطقــة الــي يقــع فيهــا البئــر تســمى بغوطــة قبــاء لوفــرة النخيــل فيهــا‪ ،‬وذكــر عبــد‬
‫القــدوس األنصــاري فيمــا مجعــه يف كتــاب مــن آثــار املدينــة‪ ،‬حيــث قــارن بينهــا وبــن‬
‫غوطــة الشــام فخلــص إىل أن مــا يف قبــاء أكثــر تنوع ـاً يف احملاصيــل فســماها غوطــة‬
‫قبــاء‪ .‬ومســجد اجلمعــة ‪ -‬وفيــه صلــى النــي ‪ ‬أول مجعــة لــه‪ ،‬وليســت أول مجعــة‬
‫يف اإلســام‪ ،‬ودخــل النــي ‪ ‬علــى ناقتــه القصــواء‪ ،‬يريــد أن يصــل إىل منــازل إخوانــه‬
‫بــي النجــار‪ ،‬ففــي هــذه املنطقــه طلــب منــه عتبــان بــن مالــك قائـاً‪ :‬يــا رســول اهلل إنــك‬
‫لــو جتاوزتنــا إىل غرينــا مــن األنصــار ســيفتخر أبناءهــم علــى أبنائنــا‪ ،‬وكان رســول اهلل‬
‫جبــاراً للخواطــر فصــادف هــذا الطلــب مــن بــي ســامل وقــت صــاة اجلمعــة فصلــى ‪‬‬
‫يف هــذا املــكان أول مجعــة لــه‪ ،‬ومســجد اجلمعــة هــو آخــر بنــاء لــه كان يف عهــد امللــك‬
‫فهــد رمحــه اهلل‪ ،‬وهــو مســجد يصنــف مــن املســاجد األثريــة‪ ،‬أي أنــه مأثــورة علــى‬
‫رســول اهلل‪ ،‬ولكــن مل تكــن موجــودة يف عهــد النــي ‪ ،‬إمنــا بنــاه عمــر بــن عبــد العزيــز‬
‫ضمــن املشــروع الــذي أشــرنا إليــه آنفـاً وهــو مشــروع املســاجد األثريــة‪ .‬وســقيفة بــي‬

‫‪296‬‬
‫ســاعدة ‪ -‬تقــع أمــام الســاحة الشــمالية الغربيــة للمســجد النبــوي‪ ،‬يف هــذا املــكان بويــع‬
‫أبــو بكــر الصديــق ‪ ‬بيعتــه‪ ،‬والســقيفة هــو مــكان جيتمــع فيــه وجــوه القــوم‪ ،‬مفتــوح‬
‫مــن ثــاث جهــات تتكــئ علــى أعمــدة مــن جــذوع النخــل‪ ،‬ينســب إىل بــي ســاعدة ألهنــا‬
‫كانــت يف منازهلــم واشــتهرت هبــذا احلــدث العظيــم ومــن أشــهر أعالمهــم ســعد ابــن‬
‫عبــادة ‪ .‬وبئــر غــرس‪ :‬عــن النــي ‪ ‬قــال‪ :‬إذا مــت فغســلين مــن بئــري بئــر غــرس‬
‫بســبع قــرب مل تفــك أوقيتهــا‪ ،‬ويعــد مــن اآلبــار النبويــة الــي ارتبطــت ارتباطـاً مباشــراً مــع‬
‫النــي ‪ .‬وبئــر الفقــر‪ :‬هــذا البئــر مرتبــط بقصــة الصحابــي اجلليل ســلمان الفارســي ‪‬‬
‫وزار هــذه املنطقــة رســول اهلل عندمــا وصــل ســلمان املدينــة وكان قــد اســرقى عنــد‬
‫بعــض اليهــود‪ ،‬فجــاء رســول اهلل يفــاوض صاحــب املزرعــة لكــي يعتــق رقبــة ســلمان‬
‫الفارســي‪ ،‬فقــال أعطيــك ســلمان مبقابــل ‪ 300‬خنلــة و ‪ 40‬أوكيلــه‪ ،‬ففــي تلــك املنطقــة‬
‫غــرس الرســول ‪ ‬النخــل بيــده الشــريفة‪ ،‬وأمثــرت بأقــل مــن مدهتــا وأعطــوه مــا طلــب‬
‫فكانــت مقابــل عتــق ســلمان الفارســي وبقيــت إىل هــذا اليــوم‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬الشكل والتصميم‬

‫وكان مســجد الرســول ‪ ،‬الــذي جــاء كأول ظاهــرة عمرانيــة تشــعبت وحتركــت منــه‬
‫الظواهــر العمرانيــة للمســجد يف البيئــات واألمصــار املختلفــة‪ ،‬بســيط يف تصميمــه‬
‫وخاماتــه‪ ،‬كمــا كان بســيط يف شــكله فهــو أقــرب إىل الشــكل املســتطيل‪ ،‬وفراغاتــه‬
‫بعضهــا مكشــوف واآلخــر مســقوف ودون مئذنــة أو حمــراب حمــدد يف شــكل كــوة داخــل‬
‫احلائــط‪ ،‬وكان النــي ‪ ‬بعــد وصولــه إىل املدينــة إثــر هجرتــه يصلــي مــع املســلمني‪،‬‬
‫حيــث أدركتهــم الصــاة‪ ،‬وأنــى تيســر هلــم ذلــك‪ ،‬وكانــت مرابــض الغنــم مــن األمكنــة الــي‬
‫أديــت فيــه الصــاة‪ ،‬وكان إجيــاد مــكان ثابــت ألداء الصــاة أمــراً ضروري ـاً‪ ..‬ورأى النــي‬
‫‪ ‬يف املــكان الــذي بركــت فيــه ناقتــه‪ ،‬حــن وصــل املدينــة‪ ،‬مكانــاً مناســباً إلقامــة‬
‫املســجد‪ ،‬وكان مالكــوه بــي النجــار‪ ،‬فأرســل إليهــم وقــال هلــم‪ :‬يــا بــي النجــار (ثامنونــي)‬
‫حبائطكــم هــذا‪ ،‬أي قــرروا معــي مثنــه‪ ،‬فقالــوا‪( :‬ال)‪ ،‬واهلل‪ ،‬ال نطلــب مثنــه إال إىل اهلل‪،‬‬
‫فأبــى أن يقبلــه هبــة حتــى ابتاعــه (حديــث يف الصحيحــن)‪ ،‬وكان يف األرض القــول‬

‫‪297‬‬
‫أن مســجد النــي األعظــم بــي ثــاث مــرات يف حياتــه حســب النصــوص‪ .‬وعندمــا‬
‫اتســعت رقعــة الدولــة اإلســامية يف عهــد اخللفــاء الراشــدين ومــن بعدهــم ازداد عــدد‬
‫املســاجد يف األمصــار واألقطــار املختلفــة‪ ،‬وأصبــح املســجد نــواة للتخطيــط العمرانــي‬
‫يف املدينــة اإلســامية‪ ،‬وارتبــط ارتباط ـاً تکاملي ـاً بالبيئــة احلضريــة احمليطــة يف أي‬
‫جتمــع عمرانــي‪ ،‬حيــث يتوســطها ويشــكل أبــرز معاملهــا‪ ،‬وهــذا يعــود لالقــران الروحــي‬
‫لإلســام‪ ،‬ودور املســجد يف تشــكيل النســيج العمرانــي للمدينــة املنــورة بعــد هجــرة‬
‫الرســول ‪ ،‬وبنــاء مســجده أخــذ التكويــن العمرانــي للمدينــة‪ ،‬ويتغــر مــن جتمعــات‬
‫قبليــة (عرفــت باســم منــازل) متفرقــة إىل شــكل جتمعيـاً‪ ،‬فبعــد بنــاء املســجد النبــوي‬
‫وبنــاء بيــوت زوجــات الرســول‪ ،‬واقتطعــت األراضــي احمليطــة باملســجد للمهاجريــن‬
‫الذيــن بنــوا بيوهتــم مالصقــة للمســجد أســوة بالرســول الكريــم‪ ،‬وبعــد اكتمــال البنــاء‬
‫حــول املســجد أعطــت قبائــل األنصــار بقيــة األراضــي الفضــاء القريبــة لرســول اهلل‬
‫لــه والــذي بــدوره وزعهــا أيضــا علــی املهاجريــن لبنــاء مســاكنهم‪ ،‬وبذلــك بــدأت منــازل‬
‫القبائــل تتوســع وتلتصــق بعضهــا ببعــض وبالكتلــة العمرانيــة حول املســجد مكونة أحياء‬
‫ســكنية‪ ،‬وبــدأ التكويــن العمرانــي اجلديــد يأخــذ شــكل مدينة يف املفهــوم املتعارف عليه‪،‬‬
‫ويف هنايــة عهــده تكونــت املدينــة مــن جزأيــن رئيســيني‪ :‬الكتلــة العمرانيــة الرئيســة‪،‬‬
‫ومنــازل القبائــل (ميكــن أن يطلــق عليــه حســب املصطلحــات احلديثــة الضواحــي)‪،‬‬
‫واشــتملت الكتلــة العمرانيــة الرئيســة علــى تســعة أحيــاء ســكنية‪ ،‬أمــا الضواحــي فكانــت‬
‫تتكــون مــن عــدة بيــوت حتيــط هبــا وبالكتلــة العمرانيــة وهــي املــزارع‪ ،‬فكانــت قبــاء مــن‬
‫أهــم تلــك الضواحــي يف جنــوب الكتلــة العمرانيــة وعلــى مســافة ثالثــة كيلــو مــرات‬
‫مــن مركــز املدينــة‪ ،‬وكان املســجد النبــوي مركــز الكتلــة العمرانيــة الرئيســة وشــكل نــواة‬
‫التجمــع العمرانــي للمدينــة‪ ،‬فــكان نقطــة ملتقــى الطــرق الرئيســة الثالثــة الــي حــددت‬
‫األحيــاء الســكنية ووصلتهــا باملركــز‪ ،‬وكان عــرض الطــرق غــر منتظــم‪ ،‬والرئيســي‬
‫منهــا يصــل إىل ‪ 10‬أذرع (‪ 5‬أمتــار)‪ ،‬أمــا الطــرق الثانويــة فكانــت بعضهــا ‪ 6‬أذرع‬
‫(‪ 3‬أمتــار) وكان عــرض الطــرق داخــل األحيــاء مل يتجــاوز ‪ 5‬أذرع (‪2.0‬م) تقریبــاً‪،‬‬
‫وأن املســاجد احملليــة شــكلت أيضــاً نــواة التجمــع لألحيــاء الســكنية التســعة داخــل‬

‫‪298‬‬
‫الكتلــة العمرانيــة الرئيســة‪ ،‬وكذلــك الضواحــي‪ ،‬فقــد وصــف نــور الديــن علــي بــن أمحــد‬
‫الســمهودي‪ ،‬مــؤرخ املدينــة املعــروف املتــويف ســنة ‪ ،5911‬موقــع (‪ )43‬مســجداً ذكــر‬
‫أن الرســول صلــى فيهــا‪ ،‬تســعة مــن هــذه املســاجد يرجــح أهنــا كانــت تقــع يف الكتلــة‬
‫العمرانيــة للمدينــة‪ ،‬ويف مركــز األحيــاء الســكنية‪ ،‬فقــد أشــار الســمهودي أيضـاً وبنــاءاً‬
‫علــى إحــدى الروايــات التارخييــة‪ ،‬أنــه «كان باملدينــة تســعة مســاجد يســمع فيهــا مــؤذن‬
‫النــي‪ ،‬فيصلــون يف مســاجدهم‪ ،‬وال يأتــون مســجد النــي إال يــوم اجلمعــة‪ .‬فوظيفــة‬
‫املســجد تقتضــي توفــر هــذا املرفــق وجعلــه يف متنــاول مجيــع فئــات اجملتمــع‪ ،‬وهــذا‬
‫يتطلــب توفــر املســاجد مبســتوياهتا املختلفــة (املســاجد اليوميــة‪ ،‬مســاجد اجلمعــة‪،‬‬
‫مصليــات العيــد) ويف أحجــام كافيــة الســتيعاب مجيــع الســكان املخدومــن كمــا ويف‬
‫نطــاق خدمــات مقبولــة مــن اجلميــع‪ ،‬لكــن تأكيــد دور املســجد يف تشــكيل النســيج‬
‫العمرانــي للمدينــة و إعطائهــا اهلويــة اإلســامية‪ ،‬يتعــدی جمــرد توفــر املســجد كأحــد‬
‫املرافــق اخلدميــة‪ ،‬إىل تصميــم املدينــة لتتناغــم مــع وظيفــة املســاجد‪ ،‬ومن هــذا املنطلق‬
‫ميكــن تصميــم الرتكيــب الوظيفــي للمدينــة اخلليــة الســكنية‪ ،‬اجملــاورة الســكنية‪ ،‬احلــي‪،‬‬
‫املدينــة) ليتناغــم مــع التــدرج الوظيفــي للمســاجد (مســاجد يوميــه‪ ،‬مســاجد اجلمعــة‪،‬‬
‫مصليــات العيــد) وبذلــك حتــدد اخلليــة الســكانية باملنطقــة الــي تقــع ضمــن نطــاق‬
‫خدمــة املســجد احمللــي‪ ،‬واحملــاورة الســكنية باملنطقــة الــي تقــع ضمــن نطــاق خدمــة‬
‫مســجد اجلمعــة‪ ،‬واحلــي باملنطقــة الــي ميكــن أن خيدمهــا مصلــى العيــد (يف املــدن‬
‫الكبــرة واحلواضــر‪ ،‬أمــا يف املــدن الصغــرة فاملدينــة خيدمهــا مصلــی واحــد(‪ ،)1‬وبذلــك‬
‫تكــون طــول نطــاق خدمــات املســاجد احملليــة واجلمعــة ومصليــات العيــد احملــددة‬
‫املســاحات اخلاليــا الســكنية ووحــدات احلــوار واحلــارات‪ ،‬وهــذا االقــراح ميكــن أن‬
‫يكــون بديــاً للنظريــات الغربيــة الــي حتــدد الرتكيــب الوظيفــي للمدينــة بالتــدرج‬
‫الوظيفــي للخدمــات وخصوص ـاً املــدارس(‪ .)2‬وللمســجد تعاريــف خمتلفــة أيض ـاً فهــو‬
‫املوضــع الــذي يســجد فيــه املســلم‪ ،‬وكل موضــع يتعبــد فيــه فهــو مســجد‪ ،‬حيــث قــال‬

‫(‪ )1‬دور املســجد يف تشــكيل النســيج العمرانــي وتأكيــد هويــة املدينــة اإلســامية املعاصــرة – فهــد بــن نويصــر‬
‫احلريقــي – كليــة العمــارة والتخطيــط جامعــة امللــك الفيصــل – الدمــام اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬
‫(‪ )2‬دور املس��جد يف تشكــيل النســيج العمران��ي وتأكي�دـ هوي��ة املدين��ة اإلســامية املعاصرــة – فهــد بــن نويصــر‬
‫احلريق��ي – كلي��ة العم��ارة والتخطي��ط جامع��ة املل��ك الفيص��ل – الدمــام اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬

‫‪299‬‬
‫ـاجدَ ال َّل ـهِ َأنْ ي ُْذ َك ـرَ فِيهَــا اسْ ـمُهُ}‪ ،‬وعــن أبــي عبــد اهلل‬
‫اهلل تعــاىل {وَمَ ـنْ َأ ْظ َل ـمُ مِمَ ـنْ مَنَ ـعَ مَسَـ ِ‬
‫ّ‬
‫جابــر بــن عبــد اهلل أن رســول اهلل قــال‪ ...« :‬وجعلــت يل األرض مســجداً وطهــوراً‪»...‬‬
‫صحيــح البخــاري‪ ،‬أمــا اجلامــع فهــو نعت للمســجد‪ ،‬ونعــت بذلك ألنه عالمــة االجتماع‪،‬‬
‫ويف الصــدر األول كانــوا يقتصــرون علــى كلمــة مســجد‪ ،‬ثــم صنفــوا فقالــوا املســجد‬
‫اجلامــع‪ ،‬وآونــة يضيفوهنــا إىل الصفــة فيقولــون مســجد اجلامــع‪ ،‬ثــم جتــاوز النــاس‬
‫واقتصــروا علــى الصفــة فقالــوا للمســجد الكبــر الــذي تصلــى فيــه اجلمعــة‪ ،‬وإن كان‬
‫صغــراً اجلامــع؛ ألنــه جيمــع النــاس لوقــت معلــوم(‪ .)1‬ويطلــق اســم مصلــى بــدل مــن اســم‬
‫مســجد عنــد أداء بعــض الصلــوات اخلمــس املفروضــة فيــه وليــس كلهــا مثــل مصليــات‬
‫املــدارس واملؤسســات والشــركات وطــرق الســفر وغريهــا الــي غالب ـاً مــا يــؤدى فيهــا‬
‫صــاة حمــدودة حبســب الفــرة الزمنيــة احلاليــة‪ ،‬ويدعــى للصــاة يف املســجد عــن‬
‫طريــق األذان‪ ،‬وذلــك مخــس مــرات يف اليــوم(‪.)2‬‬

‫ودعيــت بيــوت اهلل الــي أقيمــت للعبــادة والتقــرب مــن اهلل عــز وجــل‪ ،‬وذلــك ألمهيــة‬
‫املســجد وقدرتــه علــى بنــاء جمتمــع ســليم ومتكامــل‪ ،‬ويعــود ســبب تســمية املســجد هبــذا‬
‫االســم‪ ،‬هــو أنّ هــذا املــكان هــو مــكان للســجود للخالــق‪ ،‬وعنــد دخــول املســجد جيــب‬
‫االلتــزام بــاآلداب واألخالقيــات اخلاصــة باملســجد؛ فيجــب عــدم دخــول احلائــض أو‬
‫النفســاء إليــه‪ ،‬وعــدم رفــع الصــوت فيــه لغــر الصــاة واإلقامــة واملواعــظ الدينيــة‪،‬‬
‫واالبتعــاد عــن البيــع والشــراء داخــل املســجد‪ ،‬وجعــل األمــور الدنيويــة املاديــة بعيــدة‬
‫عــن حــرم املســجد‪ ،‬وعــدم النــوم باملســجد‪ ،‬وعــدم إشــهار الســاح يف املســجد‪ ،‬وجيــب‬
‫أن يكــون املصلــي علــى قــدر عــا ٍل مــن الطهــارة والنظافــة‪ ،‬فيكــره رائحــة الفــم الكريهــة‪،‬‬
‫ويكــره البصــاق يف املســجد‪ ،‬وغريهــا مــن آداب جيــب علــى املســلم أن يعرفهــا ويتعلمهــا‬
‫أل ّنــه إذا تعلمهــا بأســلوب صحيــح فــإنّ ذلــك ال يؤثــر عليــه فقــط‪ ،‬وإ ّنمــا ســتحل الفائــدة‬
‫علــى اجملتمــع كامـاً(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬حسن عبد الوهاب – تاريخ املساجد األثرية‪.‬‬


‫(‪ )2‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬موضوع أكرب موقع عربي – رندة مصطفى‪.‬‬

‫‪300‬‬
‫ثالثاً‪ :‬اجلانب اإلنساني‬

‫فاملســجد مراكــز ترابــط اجلماعــة يف األمــة املســلمة‪ ،‬ويلعــب فيــه الــدور اإلجتماعــي‪،‬‬
‫ألن فيــه يتالقــى املســلمون للصــاة وتبــادل اآلراء والوقــوف علــى أخبــار احليــاة‪ ،‬وميتــزج‬
‫فيهــا مجيــع أفــراد اجملتمــع مــن مجيــع املســتويات‪ ،‬ويتعلمــون كيفيــة توحيــد الســلوك‪،‬‬
‫وفهــم األمــور‪ ،‬ويظهــر الــدور اجلمــايل للمســاجد عمومـاً يف مجيــع بــاد املســلمني بطابــع‬
‫مجــايل أخــاذ‪ ،‬رغــم اختــاف أشــكاهلا مــن بلــد إىل بلــد‪ ،‬ومــن شــعب إىل شــعب‪ ،‬ومــن‬
‫عــرق إىل عــرق‪ ،‬إال أهنــا يف مجلتهــا أمجــل مــا تقــع عليــه عــن اإلنســان يف عــامل اإلســام‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬اجلانب السياسي‬

‫كمــا للمســجد دوراً سياســياً علــى م ـرّ التاريــخ‪ ،‬حيــث لعبــت املســاجد دوراً سياســياً‬
‫مهمـاَ جـدّاً‪ ،‬فكانــت مقــراً حلكــم اخللفــاء الراشــدين‪ ،‬ومناقشــات بــن أعــام املســلمني‬
‫وقادهتــم ومشــاورة الرعيــة ومنطلقـاً للفتوحــات والغــزوات‪ ،‬واســتعملها احلــكام الحقـاً‬

‫للدعــوة مــن منابرهــا للطاعــة وحماربــة األعــداء‪ ،‬وال ننســى الــدور ال ّثقــايف التّعليم ـيّ‪،‬‬
‫اســتجابة لدعــوة اإلســام لطلــب العلــم إىل جانــب التفقــه يف الديــن‪ ،‬فــإن املســجد م ّثــل‬
‫الوجهــة األوىل للمســلمني للنهــل مــن علــوم الديــن والدنيــا وأصبــح التعليــم مبختلــف‬
‫مناهجه ومراحله جزءاً ال يتجزأ من رسالة املسجد يف كل عصر ومكان‪ ،‬فأقام علماء‬
‫املســلمني حلقــات للعلــم علــى مــدار الســنة‪ ،‬يتلقــى يف خالهلــا الطلبــة الــدروس فيمكننــا أن‬
‫نقــول أنَّ املــدارس النظاميــة مــا هــي إال ربيبــة املســاجد ورضيعــة احملاريــب‪ ،‬منــذ أن حتلــق‬
‫الصحابــة الكــرام حــول رســول اهلل ‪ ‬يف مســجده الشــريف يســتمعون خلطبــه البليغــة‪،‬‬
‫ويصغــون إىل أحاديثــه اجلامعــة‪ ،‬ويتلقــون دروســه ومواعظــه املعــرة‪ ...‬ومنــذ ذلــك احلــن‬
‫انطلقــت رســالة التعليــم داخــل املســجد‪ ،‬ومحلــت احملاريــب تلــك الرايــة يف شــتى جمــاالت‬
‫العلــوم ‪ -‬يف الفقــه واألصــول واحلديــث والتفســر واللغــة واألدب والتاريــخ وغــر ذلــك‪ ،‬إىل‬
‫أن خرّجــت تلــك املســاجد ألــوف النابغــن ومئــات األئمــة وأفــواج املبدعــن(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA - M1-‬املســاجد ‪ -‬مقـدّم‬
‫محــود‪.‬‬
‫مــن ريتــا خليــل ‪ -‬بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬

‫‪301‬‬
‫خامساً‪ :‬اجلانب املعماري‬

‫فاملســجد أهــم األبنيــة يف عصــور اإلســام‪ ،‬والغايــة الكــرى يف التصميــم املعمــاري‬


‫املتقــن‪ ،‬فعندمــا يبــي مســجداً حيــاول أن جيعــل منــه حتفــة معماريــة وزخرفيــة‪ ،‬علــى‬
‫قــدر كبــر مــن اجلمــال تشــعر اإلنســان باالنبهــار والســرور‪ ،‬وبســبب تناســق األجــزاء‬
‫املعماريــة‪ ،‬مثــل تناســق املئذنــة مــع القبــة وتناســق املدخــل مــع املئذنــة والقبــة والنوافــذ‬
‫والزخــارف املوجــودة علــى الواجهــات‪ ،‬ولذلــك اهتــم املســلمون بتصميمــه‪ ،‬وأهــم مــا‬
‫يتطلبــه مــن عناصــر تكوينــه هــو الصحــن الــذي يتســع ألكــر عــدد مــن املصلــن ويلــي‬
‫ذلــك امليضــأة‪ ..‬وكان حييــط بالصحــن املكشــوف أروقــة حلمايــة النــاس واملصلــن مــن‬
‫حــرارة الشــمس وخاصــة الــرواق املُيمَّــم شــطر مكــة املكرمــة‪ ،‬فــكان أكثر عمقـاً من باقي‬
‫األروقــة‪ ،‬ويف حائطــه يوجــد احملــراب أو القبلــة الــي تتجــه إىل الكعبــة وعلــى جانبهــا‬
‫املنــر‪ ،‬وعلــى مقربــة منــه مقعــد املب ِّلــغ لتــاوة القــرآن الكريــم‪ .‬وكمــا حتتــل املــآذن أمهيــة‬
‫خاصــة لبعــض أجــزاء التصميــم مثــل زوايــا مــكان العبــادة مــن املســجد واملعــروف أن‬
‫العناصــر الزخرفيــة اســتمدت مــن الفنــن الساســانى والبيزنطــى‪ ،‬إذ اقتبــس املســلمون‬
‫منهــا مــا يالئــم دينهــم وذوقهــم‪ ،‬فقــد اســتخدمت األشــكال اهلندســية املربعــة واملثلثــة‬
‫واملســتديرة‪ ،‬كمــا بــرزت العناصــر البنائيــة يف الســقوف واجلــدران‪ ،‬واختــذ املســلمون‬
‫مــن اخلطــوط العربيــة أداة لزخرفــة املســاجد‪ ،‬وتعتــر األرابيســك مــن أهــم العناصــر‬
‫الزخرفيــة املبهــرة‪ ،‬وهــي زخرفــة تبــدأ كمــا تنتهــي‪ ،‬والوســط هبــا يعــر عــن كل مــن‬
‫البدايــة والنهايــة‪ ،‬وهــذه العناصــر الزخرفيــة مل يســتطع الفنــان األوروبــي ابتداعهــا‪،‬‬
‫لذلــك وجدنــا كل الفنانــن األوروبيــن ســواء صنــاع الزجــاج واملعــادن واملعماريــن‬
‫ينقلــون هــذه الزخرفــة ويســتخدموهنا يف أعماهلــم الفنيــة(‪ .)1‬واختــار املســلمون مــن‬
‫القــرآن الكريــم واحلديــث الشــريف نصوص ـاً معينــة ورقموهــا يف املســاجد منقوشــة‬
‫حبــرف بــارز أو جمــوف‪ ،‬أو مرســومة باألصبغــة امللونــة أو مبــاء الذهــب‪ ،‬وثبتوهــا يف‬
‫القبــاب وفــوق احملاريــب‪ ،‬وعلــى جوانــب اجلــدران‪ .‬وقــد أصبــح املســجد يــؤدي خدمــات‬
‫ووظائــف متعــددة ختتلــف باختــاف الشــعوب والبيئــات‪ ،‬وتعــدد األســاليب املعماريــة‬
‫(‪ )1‬العمارة اإلسالمية ومفهومها املركب – احلياة ‪ -‬عمر كوش‪.‬‬

‫‪302‬‬
‫يف بنــاء املســاجد‪ ،‬وإن اختــذت مجيعهــا مقومــات العمــارة اإلســامية وجوهرهــا فقــد‬
‫كانــت معظــم املســاجد حتــى القــرن الرابــع اهلجــري حتتــوي علــى صحــن مكشــوف‬
‫حتيــط األروقــة مــن ثــاث جهــات‪ ،‬أومــن جهتــن علــى أن يكــون أكــر اإليوانــات هــو رواق‬
‫القبلــة ألمهيتــه‪ ،‬كمــا احتــوى كل مســجد علــى حمــراب أو أكثــر ومنــر ومئذنــة ويف كثــر‬
‫مــن األحيــان علــى ميضــأة(‪ .)1‬ولعمــارة املســاجد أشــكال معماريــة تعــددت أشــكاهلا‪،‬‬
‫ولكنهــا مل ختــرج يف تكوينهــا العــام عــن هيــكل مســجد رســول اهلل ‪ ‬يف املدينــة‬
‫املنــورة‪ ،‬فاملعماريــون املســلمون وإن تفننــوا يف ابتــداع أشــكال املســاجد وصحوهنــا –‬
‫وحماريبهــا – ومنابرهــا ‪ -‬وأروقتهــا ‪ -‬مل يضيفــوا عنصــراً رئيســياً واحــداً إىل عمــارة‬
‫املســاجد احلديثــة‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬وميكن تقسيم األشكال املعمارية للمساجد‬

‫وتبع ـاً لقدمهــا التارخيــي تقســم إىل ســبعة أشــكال ‪ -‬الشــكل األول املغربــي ‪ -‬الشــكل‬
‫الثانــي األندلســي ‪ -‬الشــكل الثالــث املصــري ‪ -‬الشــكل الرابــع الســلجوقي ‪ -‬الشــكل‬
‫اخلامــس اهلنــدي ‪ -‬الشــكل الســادس الصفــوي ‪ -‬الشــكل الســابع العثمانــي‪ )2(.‬وتطــورت‬
‫عمــارة املســاجد تطــوراً كبــراً يف عهــد األمويــن بعــد مشــاهدهتم مــا ببــاد الشــام‬
‫مــن عمائــر مســيحية‪ ،‬ولقــد ظهــر هــذا التغيــر يف فــرة حكــم اخلليفــة «عبــد امللــك»‬
‫وازدهــر يف عهــد خلفــه «الوليــد بــن عبــد امللــك»(‪ ،)3‬وكانــت وال تــزال العمــارة اإلســامية‬
‫متثــل النبــض الــذي ال يــكاد أن يتوقــف منــذ منتصــف القــرن الســابع امليــادي يف‬
‫معظــم املبانــي الــي تتســم بالطابــع اإلســامي‪ ،‬ابتــداءاً باملســاجد ودور العبــادة وانتهــاءاً‬
‫باألمنــاط التقليديــة الــي امتزجــت مبــا هــو قديــم منحــدر مــن احلضــارات الشــرقية‬
‫واملغربيــة‪ ،‬وبــن مــا هــو حديــث مســتمر مــع قــدوم احلضــارة اإلســامية ذات الطابــع‬
‫األكثــر حداثــة وواقعيــة‪ ،‬ولنســهب قليـاً يف توصيــف بعــض األشــكال املعماريــة‪ ..‬فأمــا‬
‫(‪ )1‬مفهوم العمارة اإلسالمية – ‪..Islamic sources‬‬
‫(‪ )2‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ - ALEA - M1-‬املســاجد ‪-‬‬
‫محــود‪.‬‬
‫مق ـدّم مــن ريتــا خليــل ‪ -‬بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬
‫(‪ )3‬كتــاب فنــون الشــرق األوســط يف العصــور اإلســامية ‪ -‬نعمــت إمساعيــل عــام – الطبعــة الثالثــة – دار املعــارف‬
‫– أكتوبــر ســنة ‪.1982‬‬

‫‪303‬‬
‫الشــكل املغربــي فأهــم مالحمــه تركيــزه علــى‬
‫بيــت الصــاة واالهتمــام بتعميــق جوفــه حتــى‬
‫يصبــح مربعــاً أو قريبــاً مــن املربــع ومتتــاز‬
‫مســاجد الشــكل املغربــي مبنابرهــا البديعــة‬
‫كمــا هــو ماثــل يف مســجد عقبــه بــن نافــع يف‬

‫‪74‬‬ ‫الشكل‬ ‫القــروان انظــر الشــكل (‪.)74‬‬

‫وأمــا الشــكل األندلســي فقــد ولــد مــع إنشــاء اجلــزء األول مــن مســجد قرطبــة اجلامــع‬
‫علــى يــد عبــد الرمحــن الداخــل ومــن بعــده ابنــه هشــام‪ ،‬فهــو إذن يأتــي زمني ـاً تالي ـاً‬
‫للشــكل املغربــي‪ ،‬وهــي قائــم علــى طريقــة املزاوجــة يف صنجــات العقــد بــن احلجــر‬
‫املنحــوت وقوالــب اآلجــر‪ ،‬وقــد تعمــد صانعــوه أن يكــون الســقف خشــبياً خفيفـاً لكــي ال‬
‫يزيــد الثقــل علــى األعمــدة وزينــت أبوابــه بشماســات حقيقيــة أو صمــاء‪ ،‬وهــذا املســجد‬
‫ميثــل طــراز اخلالفــة إحــدى الطــرز األندلســية‪ ،‬وهنــاك مــن الطــرز األندلســية الطــراز‬
‫اإلســامي نســبة للمســلمني الــذي بقــوا يف نواحــي األندلــس اليت ســلبها النصارى‪ ،‬وقد‬
‫تطــور يف آخــر صــورة إىل طــراز زخــريف مثقــل بالزخــارف والشماســات والقمريــات‪،‬‬
‫وهــذا التطــور قــد عــد آخــر فصــل يف تاريخ العمارة اإلســامية يف األندلس‪ .‬أما الشــكل‬
‫املصــري فقــد متيــز برصانــة البنــاء ومتانــة تأسيســه واحملافظــة علــى الوحــدة الفنيــة‬
‫يف البنــاء مــع احلــرص علــى تــوازن اهليئــة العامــة للمبنــى‪ ،‬وباســتثناء األزهــر تتميــز كل‬
‫املســاجد املصريــة هبــذا التــوازن العــام يف املبنــى‪ ،‬فلــو نظرنــا إىل مئذنــة مصريــة نلحــظ‬
‫فيهــا هــذا التــوازن مــن حيــث قطــر الدائــرة واالرتفــاع وعــدد الشــرفات‪ ،‬وأمــا الشــكل‬
‫الســلجوقي فــا يتخــذ هيئــة واحــدة متميــزة خبصائــص واضحــة وإمنــا الرابطــة فيــه‬
‫تتعلــق خبصائصــه التفصيليــة مــن ناحيــة املــواد املســتعملة والطــرق الفنيــة‪ ،‬وقد أحســن‬
‫املعماريــون اســتخدام األحجــار مــا بــن حجريــة ورمليــة وجرانيتيــة ورخــام ومرمــر؛‬
‫فخامــات الصخــور الرتكيــة الســلجوقية بديعــة يف صالبتهــا وتكوينهــا‪ ،‬ومــن هنــا جــاءت‬
‫مســاجدهم متينــة وحمكمــة ومزخرفــة بإحــكام ودقــة‪ ،‬واســتطاعوا مبهــارة أن يصنعــوا‬

‫‪304‬‬
‫الواجهــات والعقــود واألزر واملثلثــات الكرويــة والقباب واملآذن كما تفننوا يف ابتكار أشــكال‬
‫زخرفيــة بديعــة‪ ،‬وبرعــوا يف اســتخدام اجلــص والفخــار واخلــزف وابتدعــوا الفسيفســاء‬
‫للزخرفــة‪ ،‬كمــا اســتخدموا التصويــر علــى اخلشــب واملعــادن والزجــاج‪ .‬أمــا مــن حيــث‬
‫اخلصائــص املعماريــة فاملســاجد الرتكيــة الســلجوقية تتميــز بالبوابــات الضخمــة ذوات‬
‫العقــود العاليــة املدببــة واجلــدران الشــاخمة‪ ،‬ومآذهنــا يف الغالــب مســتديرة ومنهــا مــا‬
‫هــو مضلــع وقباهبــا مرفوعــة علــى رقــاب عاليــة يف أغلــب األحيــان وذوات عقــود مدببــة‪،‬‬
‫ومجيعهــا مــن احلجــر املنقــوش بالزخــرف أو اآلجــر الزخــريف‪ ،‬وقــد تطــور هــذا الطــراز‬
‫يف إيــران إىل الطــراز الصفــوي فيمــا أصبــح يف آســيا الصغــرى بوابــة للطــراز الرتكــي‬
‫العثمانــي‪ .‬أمــا الشــكل اهلنــدي فقــد متيــز بعــدة خصائــص؛ إذ كانــت املســاجد األوىل‬
‫يف اهلنــد أشــبه حبصــون فاهلــدف مــن إقامــة املســجد األول هنــاك مل يكــن فقــط جمــرد‬
‫إجيــاد مــكان للعبــادة بــل أيضـاً محايــة اجلماعــة اإلســامية الناشــئة‪ ،‬وقــد زالــت مجيــع‬
‫هــذه املســاجد احلصينــة‪ ،‬فيمــا تطــورت املســاجد حتــى بــدأت تأخــذ اهليئــة العاديــة‬
‫للمســجد‪ ،‬وإن مل تتخــل متامـاً عــن الطابــع العســكري‪ ،‬واملعمــار اإلســامي اهلنــدي فريــد‬
‫يف بابــه‪ ،‬إذ اســتطاع املعماريــون اهلنــود أن جيمعــوا بدقــة وإتقــان شــديدين بــن تقاليدهــم‬
‫يف اهلندســة واملعمــار ونظــام املســاجد اإلســامي‪ ،‬ومــن أبــرز املعماريــات اإلســامية يف‬
‫اهلنــد «تــاج حمــل»‪ ،‬أمــا الطــراز الرتكــي العثمانــي فهــو أمنــوذج متطــور للطــراز الرتكــي‬
‫الســلجوقي‪ ،‬فهــو علــى ذلــك اســتمرار للنمــط الســابق‪ ،‬وأول مســجد عثمانــي واضــح‬
‫املعــامل هــو «أولــو جامــع» واملــآذن العثمانيــة تتميــز بنحوهلــا وشــرفتها الواحــدة‪ ،‬وقــد‬
‫دخلــت العمــارة العثمانيــة يف دور تطــور عظيــم علــى يــد ســنان باشــا أحــد أهــم املعماريني‬
‫(‪)1‬‬
‫املســلمني يف القــرن الســادس عشــر امليــادي‪.‬‬
‫سابعاً‪ :‬تفضيل الشكل اهلندسي (املربع – املستطيل) يف بناء املساجد‬
‫ثامناً‪ :‬تعدد األبواب‬
‫تاسعاً‪ :‬جدار القبلة خيلو من األبواب‬
‫عاشراً‪ :‬التناسب بني مساحة السقف وارتفاعه‪.‬‬

‫(‪ )1‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA - M1-‬املســاجد ‪ -‬مقـدّم‬
‫محــود‪.‬‬
‫مــن ريتــا خليــل ‪ -‬بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬

‫‪305‬‬
‫العناصر األساسية يف عمارة املساجد‬

‫إذا كانــت املســاجد أهــم مــا بنــاه املســلمون مــن األبنيــة‪ ،‬فــإن الفــن اإلســامي إمنــا نشــأ‬
‫فيهــا الواقــع‪ ،‬واملســاجد أهــم مــكان تتمثــل فيهــا العمــارة اإلســامية والفــن اإلســامي‬
‫مع ـاً‪ ،‬حيــث البســاطة يف البنــاء واألثــاث‪ ،‬ثــم أخــذ املســلمون يعتنــون هبــا‪ ،‬فيوســعون‬
‫مســاحتها‪ ،‬ويبنوهنــا باحلجــارة واألعمــدة‪ ،‬ويزينوهنــا لتالئــم مــا وصلــوا إليــه مــن غنــى‬
‫وقــوة وســعة(‪ .)1‬حــن أمــر رســول اهلل ‪ ‬ببنــاء مســجده يف املدينــة املنــورة جــاءت‬
‫عمارتــه منبثقــة مــن البيئــة احمليطــة بــه‪ ،‬ســواء مــن حيــث الشــكل املربــع‪ ،‬أم مــن حيــث‬
‫املــواد الــي اســتخدمت يف بنائــه مــن اللــن والطــن واحلجــارة والســعف‪ ،‬ولقــد ظلــت‬
‫اخلصائــص العمرانيــة األساســية للمســجد علــى حاهلــا مــن حيث مدلوالهتــا ومتطلبات‬
‫املســجد كــدار عبــادة وعلــم؛ وإن تنوعــت املضامــن واألســاليب وفــق البيئــات الكثــرة‬
‫الــي وصــل إليهــا اإلســام وانتشــر فيهــا‪ ،‬والــي عكســت بالضــرورة كثــراً مــن تلــك‬
‫البيئــات ممــا نــراه بوضــوح يف أقاصــي آســيا وأقاصــي أفريقيــا ويف الصــن وشــبه‬
‫القــارة اهلنديــة ثــم يف األســلوب العثمانــي مبميزاتــه الواضحــة املعروفــة‪ ،‬ويف بــادئ‬
‫األمــر كان بنــاء املســاجد يف األمصــار يقتصــر علــى مســجد جامــع واحــد يف كل مدينــة؛‬
‫حتقيقــاً للمقصــد الشــرعي اخلــاص بوحــدة اجلماعــة‪ ،‬يســتدل علــى ذلــك بالكتــب‬
‫الــي أرســلها اخلليفــة الثانــي عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬إىل والتــه يف بــاد العــراق والشــام‬
‫ومصــر‪ ،‬ولكــن اتســاع رقعــة األقطــار الــي انتشــر فيهــا اإلســام جعــل مــن الضــروري‬
‫إنشــاء مســاجد عديــدة يف مواقــع متفرقــة مــن املدينــة الواحــدة‪ ،‬مــع االقتصــار علــى‬
‫مســجد جامــع فيهــا حبيــث يــؤدي املســلمون صــاة اجلمعــة يف املســجد اجلامــع ويؤدون‬
‫باقــي صلواهتــم يف مســاجد أحيائهــم‪ ،‬ومــع اتســاع رقــاع املــدن وتزايــد عــدد الســكان‪،‬‬
‫أنشــئ يف املدينــة اإلســامية الواحــدة أكثــر مــن مســجد جامــع واحــد‪ ،‬بينمــا تزايــدت‬
‫أعــداد املســاجد حتــى بلغــت يف بعــض املــدن اإلســامية مئــات مــن املســاجد وكثــراً‬
‫مــن اجلوامــع‪ ،‬وعلــى هــذا فقــد اســتقر العــرف علــى إطــاق كلمــة «املســجد» علــى كل‬

‫(‪ )1‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الكتب‪.‬‬

‫‪306‬‬
‫مــكان لتعبــد املســلمني مهمــا كانــت مســاحته‪ ،‬وإطــاق تعبــر «اجلامــع» أو «املســجد‬
‫اجلامــع» علــى املســاجد الكبــرة الــي تســتوعب املصلــن أيــام اجلمــع‪ ،‬وعلــى هــذا فــان‬
‫كل جامــع هــو مســجد‪ ،‬ولكــن ليــس كل مســجد جامع ـاً(‪ .)1‬ويعــد التشــكيل اهلندســي‬
‫أحــد مميــزات الفــن العربــي اإلســامي الــذي يهتــم بفــن العمــارة والزخرفــة‪ ،‬حيــث‬
‫يرتكــز هــذا الفــن بدرجــة رئيســية يف بنــاء املســجد وعناصــره املعماريــة املختلفــة الــي‬
‫حتقــق فيهــا التنــوع الرائــع واالنســجام اجلميــل الــذي يــدل علــى االنتســاب إىل بلــد أو‬
‫زمــن معــن وفيمــا يلــي نذكــر منهــا عناصــر العمــارة اإلســامية للمســاجد مــن الداخــل‬
‫واخلــارج(‪ .)2‬ودخــل النــي املدينــة عقــب هجرتــه مــن مكــة وهــو راكــب ناقتــه فأرخــى‬
‫هلــا زمامهــا فســارت حتــى وصلــت أرض فضــاء فربكــت فيهــا‪ ،‬فنــزل الرســول عنهــا‪،‬‬
‫واشــرى هــذه األرض وكانــت لغالمــن أخويــن يتيمــن‪ ،‬وأمــر بــأن يبنــی فيهــا مســجد‬
‫ليصلــي فيــه املســلمون (لوحــات ‪ )34 - 16‬وهكــذا مت بنــاء أول مســجد جامــع يف‬
‫اإلســام‪ .‬وكان هــذا املســجد علــى بســاطته مناســباً لشــعائر الصــاة الــي يشــرط‬
‫إلقامتهــا يف اجلماعــة أن يصطــف املصلــون صفوف ـاً مســتقيمة بعضهــا خلــف بعــض‪،‬‬
‫إذ كان عبــارة عــن مســاحة أو فنــاء مكشــوف حيــف بــه جــدران أربعــة‪ ،‬وملــا اشــتكى‬
‫املســلمون مــن حــرارة الشــمس أثنــاء الصــاة أمــر النــي أن تقــام بــه ظلــة يف جانــب‬
‫القبلــة‪ ،‬وكانــت القبلــة يف أول األمــر حنــو بيــت املقــدس‪ ،‬ثــم مل يلبــث أن أمــر املســلمون‬
‫يف الســنة الثانيــة مــن اهلجــرة أن يولــوا وجوههــم يف الصــاة شــطر املســجد احلــرام‬
‫يف مكــة‪ ،‬وهكــذا حتولــت القبلــة يف املســجد مــن الشــمال إىل اجلنــوب(‪ .)3‬ولقــد ظلــت‬
‫اخلصائــص العمرانيــة األساســية للمســجد علــى حاهلــا مــن حيث مدلوالهتــا ومتطلبات‬
‫املســجد كــدار عبــادة وعلــم‪ ،‬وإن تنوعــت املضامــن واألســاليب وفــق البيئــات الكثــرة‬
‫الــي وصــل إليهــا اإلســام وانتشــر فيهــا‪ ،‬والــي عكســت بالضــرورة كثــراً مــن تلــك‬
‫البيئــات ممــا نــراه بوضــوح يف أقاصــي آســيا وأقاصــي أفريقيــا ويف الصــن وشــبه‬
‫(‪ )1‬التطوــر املعمـ�اري للمس��اجد– إســام ويــب ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل ‪ -‬وزارة‬
‫اإلعـلام ‪ -‬اململكـ�ة العربيـ�ة السـ�عودية‪.‬‬
‫(‪ )2‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‬
‫(‪ )3‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتــاب‪.‬‬

‫‪307‬‬
‫القــارة اهلنديــة ثــم يف األســلوب العثمانــي مبميزاتــه الواضحــة املعروفــة‪ ،‬وعلــى هــذا‬
‫فقــد اســتقر العــرف علــى إطــاق كلمــة «املســجد» علــى كل مــكان لتعبــد املســلمني‬
‫مهمــا كانــت مســاحته‪ ،‬وإطــاق تعبــر «اجلامــع» أو «املســجد اجلامــع» علــى املســاجد‬
‫الكبــرة الــي تســتوعب املصلــن أيــام اجلمــع‪ ،‬وعلــى هــذا فــإن كل جامــع هــو مســجد‬
‫ولكــن ليــس كل مســجد جامعـاً(‪ ،)1‬وقــد جنــد منطـاً متميــزاً مــن بنــاء املســاجد‪ ،‬حبيــث‬
‫نالحــظ أن الفنــاء الــذي حيــاط بــه أربــع ظــات‪ ،‬اســتعارته معظــم األبنيــة اإلســامية‪،‬‬
‫الــي نشــأ يف تصميمــه فكــرة الفنــاء يف الوســط‪ ،‬ثــم حتيــط بــه الكتــل البنائيــة حســب‬
‫الظــروف والوظائــف املختلفــة(‪ .)2‬وكانــت وال تــزال العمــارة اإلســامية متثــل النبــض‬
‫الــذي ال يــكاد أن يتوقــف منــذ منتصــف القــرن الســابع امليــادي يف معظــم املبانــي الــي‬
‫تتســم بالطابــع اإلســامي‪ ،‬ابتــداءً باملســاجد ودور العبــادة وانتهــاءً باألمنــاط التقليديــة‬
‫الــي امتزجــت مبــا هــو قديــم منحــدر مــن احلضــارات الشــرقية واملغربيــة‪ ،‬وبــن مــا هــو‬
‫حديــث مســتمر مــع قــدوم احلضــارة اإلســامية ذات الطابــع األكثــر حداثــة وواقعيــة‪،‬‬
‫وممــا ال شــك فيــه فــإن العمــارة اإلســامية قد تأثــرت بالثقافات واحلضــارات األخرى‪،‬‬
‫وخاصــة تلــك الــي دخلهــا اإلســام عــر فتوحاتــه‪ ،‬فقــد كان املســجد ميثــل رأس كافــة‬
‫اإلبداعــات املعماريــة الــي بلورهتــا احلضــارة اإلســامية علــى مــدى ألــف وأربعمائــة‬
‫ســنة مــن تاريــخ اإلســام‪ ،‬وملــا كانــت الفكــرة األساســية لعمــارة املســجد نابعــة مــن‬
‫أصالــة وبــاد اإلســام‪ ،‬فقــد بــات مــن الضــروري مبــكان مــا أن تتطــور وتنصقــل‬
‫العمــارة اإلســامية تبعـاً الختــاف البيئــات واملورثــات احلضاريــة‪ ،‬هــذا وقــد تطــورت‬
‫الفكــرة العامــة ألســلوب البنــاء املعمــاري علــى مــدى املراحــل الــي مــرت هبــا الدولــة‬
‫املعاشــة(‪.)3‬‬ ‫اإلســامية وذلــك حســب اإلمكانــات املاديــة املتاحــة وحســب نــوع البيئــة‬

‫(‪ )1‬إســام ويــب ‪ -‬التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‬
‫(‪ )2‬موس��وعة العم��ارة واآلثاــر والفنــون اإلس�لامية – اجملل��د األول – الدكت��ور حس��ن الباشـ�ا – أســتاذ اآلثــار والفنــون‬
‫اإلس�لامية جبامع��ة القاه��رة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتاب‪.‬‬
‫(‪ )3‬عناصر بناء املساجد يف فن العمارة اإلسالمية – مدونة الدكتور األستاذ خليل حسن الزركاني‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫العناصر األساسية للمساجد‬

‫املنرب‪:‬‬

‫واملنــر أيضـاً مفهــوم يغلــب أنــه دخــل لغــة قريــش مــن جهــة اليمــن عــن طريــق اجلماعــة‬
‫املســيحية يف جنــران‪ ،‬ومعاجــم اللغــة ال تطيــل فيــه‪ ،‬فابــن منظــور يكتفــي بالقــول بــأن‬
‫(املنــر مرقــاة اخلاطــب)‪ ،‬ومســي منــراً الرتفاعــه وعلــوه‪ ،‬وانتــر األمــر‪( :‬ارتفــع فــوق‬
‫املنــر) وهــم يشــتقونه مــن (املنــر) وهــو العلــو واالرتقــاء يف الصــوت ويف رســم احلــروف‬
‫خاصــة‪ ،‬والنــرة عندهــم هــي اهلمــزة ســواء بســواء‪ ،‬والغالــب أن (املنــر) دخل باســتعماله‬
‫الديــي كمــا هــو دون أن يكــون اشــتقاقاً مــن فعــل نــر مبعنــى مهــز أو رفــع الصــوت يف‬
‫الــكالم‪ ،‬أو عــا باحلــرف عنــد الكتابــة‪ ،‬واللفــظ غــر قرآنــي علــى أي حــال‪ ،‬فــا وجــود‬
‫لــه يف الكتــاب الكريــم‪ ،‬وعندمــا بنــى مســجد الرســول كان منــره أول األمــر جمــرد‬
‫ارتفــاع يف األرض إىل جانــب موضــع احملــراب‪ ،‬ويقــول البخــاري يف كتــاب الصــاة‪ :‬إن‬
‫النــي ‪ ‬كان يصلــي علــى منــره‪ ،‬وهــذا ال ميكــن إذا كان املنــر علــى شــكله احلــايل أو‬
‫قريبـاً منــه‪ ،‬وال بــد أنــه كان مســاحة مرتفعــة تكفــي إلقامــة الصــاة عليهــا‪ ،‬رمبــا كانــت‬
‫بنيتــه مــن اآلجــر‪ .‬ويقــول ابــن األثــر يف «أســد الغابــة»‪ :‬إن منــراً خشــبياً صنــع الرســول‬
‫ســنة ‪ 6‬أو ‪ 7‬أو ‪ 8‬أو ‪ 9‬للهجــرة ووضــع يف مســجده‪ ،‬ويضيــف الديــار بكــري يف ســرته‬
‫للرســول ‪ ‬املســماة (اخلميــس يف ســرة أنفــس نفيــس)‪ ،‬وبرهــان الديــن احللــي يف‬
‫الســرة احللبيــة‪ ،‬أن الــذي صنــع املنــر اخلشــي ملســجد الرســول كان قبطي ـاً أو رومي ـاً‪،‬‬
‫يســمى باخــوم أو باقــول‪ ،‬وأنــه صنعــه مــن درجتــن ثــم مقعــد جيلــس عليــه الرســول ‪‬‬
‫وهــذا املنــر اخلشــي ال بــد أن يكــون قــد حــل حمــل املنــر املبــي األول‪ ،‬وهنــا نشــهد‬
‫ميــاد املنابــر اخلشــبية‪ ،‬ولدينــا عــن منــر رســول اهلل ‪ ‬بعــض التفاصيــل‪ ،‬فيقــال أن‬
‫الرســول كان يقــوم أول األمــر إىل جــذع يف املســجد‪ ،‬أي إىل جــوار أحــد جــذوع النخــل‬
‫الــي كانــت تقــوم مقــام األعمــدة يف اجلــزء املســقوف‪ ،‬وأن الرســول ملــا بــدون‪ ..‬قــال‬
‫لــه متيــم الــداري‪ :‬أال أختــذ لــك منــراً جيمــع أو حيمــل عظامــك‪ ،‬قــال نعــم‪ ،‬فاختــذ لــه‬
‫منــرا ً مــن مرقاتــن(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬الدكتور حسني مؤنس املساجد ص (‪..)81-61‬‬

‫‪309‬‬
‫وكان أول ظهور للمنرب يف اإلســام‪ ،‬يف عهد الرســول ‪ ،‬عندما أشــار بعض الصحابة‬
‫‪ ‬إىل الرســول‪ ،‬بــأن يصنــع لــه متيــم النجــار منــراً مــن اخلشــب يقــف عليــه أثنــاء‬
‫اخلطبــة‪ ،‬بعــد أن كان يقــف علــى جــذع خنلــة‪ ،‬ومنــذ ذلــك العهــد واملنــر ال ينفــك عــن‬
‫مقدمــة املســجد ســواءاً يف العصــور القدميــة أو احلديثــة‪ ،‬إال يف املســاجد الــي ال تقــام‬
‫فيهــا صــاة اجلمعــة‪ .‬وإن كانــت هيئــة املنــر واحــدة يف كل املســاجد مــن حيــث أهنــا‬
‫عبــارة عــن درج يصعــده اإلمــام إىل منطقــة مرتفعــة ليســهل رؤيتــه أثنــاء اخلطبــة‪ ،‬إال أن‬
‫الفنــان املســلم مل يقتصــر علــى وظيفــة املنــر بإظهــار هيئتــه املعماريــة‪ ،‬بــل راح يتفنــن‬
‫بالتشــكيالت والزخــارف الــي احتواهــا كل جــزء مــن أجــزاء املنرب‪،‬ويصــف جاســتون‬
‫فييــت املنابــر اخلشــبية فيقــول‪( :‬إهنــا تضــم جمموعــات مــن احلشــوات الصغــرة‬
‫املتباينــة األشــكال مجعــت بعضهــا إىل بعــض‪ ،‬وإن احتفظــت كل منهــا بشــخصيتها‬
‫املســتقلة حتــى كأهنــا ال تــؤدي دوراً يف التشــكيل العــام‪ ،‬وتتابــع الدوائــر واملربعــات‬
‫واملعينــات والنجــوم واألطبــاق النجميــة متداخلــة بعضهــا ببعــض عــن طريــق التعشــيق‪،‬‬
‫حتــى ليمكــن جتميعهــا أو تفريقهــا دون أن يــزول أثرهــا أو يتضــاءل‪ ،‬وللزائــر املتأمــل‬
‫أن يتصورهــا جمتمعــة بعضهــا إىل بعــض إذا شــاء‪ ،‬ولــه أن يكتفــي بتأمــل مــا يقــع عليــه‬
‫بصــره منهــا فــراه شــيئاً منفصـاً قائمـاً بذاتــه‪ ،‬يف احلــق أن جتميــع تلــك العناصــر ال‬
‫جيعــل منهــا وحــدة حقيقيــة وفقــط بــل ومتنوعــة‪ ،‬وحتــى يتســنى للمــرء أن يفيهــا حقهــا‬
‫فــإن عليــه أن يــدرس يف ســائر التفصيــات الدقيقــة الــي تربــط العناصــر والوحــدات‬
‫بعضهــا إىل بعــض(‪ ،)1‬وقــد روى البخــاري هــذا األثــر يف الصحيــح وأبــو داود يف الســنن‪،‬‬
‫وحيرينــا معنــى هــذا احلديــث ألن معنــى (بــدن) كــر أو ســن‪ ،‬والرســول ‪ ‬كانــت ســنه‬
‫يف ذلــك احلــن مــا بــن ‪ 55‬و‪ 57‬ســنة‪ ،‬ألن املنــر صنعــه يف املســجد بعــد بنــاء املســجد‬
‫بقليــل‪ ،‬ومل يكــن رســول اهلل قــد ظهــر عليــه مــا جيعــل متيــم الــداري يعــرض عليــه‬
‫ألن يصنــع لــه منــراً (يــرم عظامــه)‪ ،‬واحلقيقــة أن املنــر عمــل يف املســجد بعــد إنشــاء‬
‫املســجد بســنتني أو ثــاث‪ ،‬دون أن يكــون الداعــي لذلــك كــر ســن الرســول ‪ ‬وحاجتــه‬
‫إىل مــا يــرم عظامــه‪ ،‬وذهــب الزركشــي يف إعــام املســاجد إىل أنــه ال يســتحب أن يكــون‬

‫(‪ )1‬د نوبي حممد حسن – حملات إبداعية من فنون العمارة اإلسالمية‪.‬سبق ذكره ص (‪)79-78‬‬

‫‪310‬‬
‫املنــر كبــراً‪ ،‬لئــا يشــغل جــزءاً كبــراً مــن مســاحة املســجد‪ ،‬وهلــذا يفضــل بعــض العلمــاء‬
‫املنــر املتحــرك‪ ،‬أي الــذي حيــرك لصــق اجلــدار إذا مل تكــن له حاجــة‪ ،‬أو الذي يرد وراءه‬
‫ويــوارى يف خزانــة لــه بعــد اخلطبــة (كمــا هــو باإلســكندرية) وأضــاف ناشــر اإلعــام‬
‫أنــه كان مبســجد الزيتونــة بتونــس أيض ـاً منــر متحــرك يوضــع يف خزانــة خاصــة بــه‬
‫لصــق اجلــدار‪ ،‬ونعــود إىل منــر مســجد الرســول فنقــول عنــه كان جمــرد شــيء مبــي‬
‫مرتفــع قليـاً عــن األرض‪ ،‬وظلــت املنابــر علــى هــذه الصــورة حتــى أيــام معاويــة‪ ،‬فصنــع‬
‫لنفســه منــراً خشــبياً متنقـاً مــن ســت درجــات ومقعــد‪ ،‬وعندمــا ذهــب إىل مكــة محلــه‬
‫معــه إىل هنــاك كأنــه رمــز ســلطانه‪ ،‬وقــد تركــه يف احلــرم املكــي وظــل هنــاك حتــى‬
‫أيــام الرشــيد‪ ،‬وكان بعــض خلفــاء بــي أميــة حيملــون منابرهــم معهــم إذا انتقلــوا كمــا‬
‫فعــل معاويــة‪ ،‬وهــذا جعــل املستشــرق األملانــي كارل هاينريــخ بيكــر يقــول‪ :‬إن املنــر كان‬
‫رمــز ســلطان‪ ،‬وهــذا وهــم منــه‪ ،‬فاملنــر جــزء مــن املســجد‪ ،‬ومحــل بعــض خلفــاء بــي‬
‫أميــة منابرهــم معهــم يفســر بأهنــم مل يكونــوا واثقــن مــن وجــود منابــر خشــبية‪ ،‬مهيــأة‬
‫علــى النحــو الــذي يريــدون يف املواضــع الــي ســيزوروهنا(‪ .)1‬وأول مــرة مسعنــا فيهــا عــن‬
‫منــر خشــي كبــر قريــب الشــبه مبنابــر اليــوم كان يف مســجد قرطبــة اجلامــع انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)75‬حيــث صنعــوا للمســجد عنــد بنــاء جزئــه األول منــراً ذا درجــات كثــرة‪،‬‬
‫وهــذا املنــر القرطــي األول ســابق ملنابــر مصــر الــي بــدأت يف الظهــور مــع بنــاء جامــع‬
‫ابــن طولــون‪ .‬ويف مصــر أيضـاً نســمع عــن منــر خشــي كبــر‪ ،‬وضعــه اخلليفــة احلاكــم‬
‫الفاطمــي ســنة ‪ 405‬هـــ ‪1014 -‬م يف جامــع عمــرو يف الفســطاط انظرالشــكل (‪،)76‬‬
‫ومــع ذلــك فنحــن ال نــدري كيــف تطــورت املنابــر ظلــت دائمـاً جــزءاً مــن أثــاث املســجد‬
‫املنقــول‪ ،‬ومبناســبة املنــر القديــم يف جامــع سوســة يقــرر كريســويل أنــه مركــب علــى‬
‫عجــل علــى صــورة جتعــل حتريكــه ونقلــه يف ميســور رجــل واحــد دون جهــد‪ ،‬ويقــول‬
‫أن املنابــر املتحركــة علــى عجــات مل تعــرف إال يف الغــرب‪ ،‬ومــن الواضــح أن الــذي‬
‫دفــع إىل ابتــكار املنابــر املتحركــة هــو أن املنابــر‪ -‬أول األمــر – كانــت صغــرة احلجــم‪:‬‬
‫يضــع درجــات خشــبية تقــوم علــى قاعــدة خشــبية ذات عجــل‪ ،‬فتوضــع يف مكاهنــا‬

‫(‪ )1‬د نوبي حممد حسن – حملات إبداعية من فنون العمارة اإلسالمية‪.‬سبق ذكره ص (‪)79-78‬‬

‫‪311‬‬
‫يف الصلــوات اجلامعــة ثــم تؤخــر إىل جــوار‬
‫الصــدر يف غــر هــذه املناســبات‪ ،‬واحلــق أن‬
‫املنــر تطــور كقطعــة مــن أثــاث املســجد‪ ،‬ولكنه‬
‫مل يتطــور كجــزء مــن عمارتــه‪ ،‬أي أن املنابــر‬
‫أصبحــت مــع الزمــن جمــاالً لفــن النجــارة‬
‫‪75‬‬ ‫الشكل‬ ‫وحنــت اخلشــب واحلفــر فيــه‪ ،‬ولكنهــا مل‬
‫تندمــج يف عمــارة املســجد‪ ،‬وهلــذا مــا زالــت‬
‫أوضــاع املنابــر يف املســاجد غــر مرحيــة أو‬
‫منســجمة مــع العمــارة‪ ،‬فهــي تــرز يف بيــت‬
‫الصــاة بــروزاً شــديداً وحتتــل منــه مســاحة‬
‫كبــرة دون مــرر‪ ،‬ومداخلهــا – حتــى يف املنابر‬
‫‪76‬‬ ‫الشكل‬ ‫املمتــازة بوابــات خشــبية رمزيــة تــدىل عليهــا‬
‫ســر ال تتفــق يف هيئتهــا وقيمتهــا مــع ســائر املنــر‪ ،‬وجوانــب املنابــر وهــي أمجــل مافيهــا‬
‫مــن الناحيــة الفنيــة دائمـاً يف منطقــة الظــل الكثيــف وانعــدام الضــوء تقريبـاً‪ ،‬ونــادراً مــا‬
‫يتنبــه إىل مجاهلــا أحــد‪ ،‬وجيــد املعماريــون وســيلة لوضــع ســلمها خلــف جــدار القبلــة‪،‬‬
‫وجعــل مــكان اخلطيــب أشــبه بشــرفة يطــل منهــا علــى النــاس إطــاالً مباشــراً ويتحــدث‬
‫إليهــم رأسـاً‪ ،‬بــدالً مــن اختفائــه مــن وراء املدخــل اخلشــي الزائــف‪ ،‬وقــد ذهــب بعــض‬
‫املستشــرقني اعتمــاداً علــى بعــض النصــوص العربية‪،‬علــى أن املنــر ذا درجــات كان‬
‫أول األمــر رمــزاً علــى الســلطان أو بعــض أدواتــه‪ ،‬وذهــب كارل هاينريــخ بيكــر إىل أن‬
‫الرســول ‪ ‬اختــذ هــذا املنــر عندمــا مت لــه النصــر وعظــم ســلطانه(‪ ،)1‬وأن عمــر بــن‬
‫اخلطــاب كان يــرى أن املنــر ال جيــوز اختــاذه إال اخلليفــة وحــده‪ ،‬وهلــذا رفــض أن يــأذن‬
‫لعمــرو بــن العــاص أن يتخــذ املنــر يف جامعــه يف الفســطاط‪ ،‬واســتدل علــى ذلــك بــأن‬
‫معاويــة بــن أبــي ســفيان كان حيمــل معــه منــره إذا ذهــب خــارج دمشــق‪ ،‬وقــد ناقــش‬
‫فريــد شــافعي هــذه اآلراء مناقشــة دقيقــة انتهــى منهــا إىل نقضهــا‪ ،‬وهــو علــى حــق يف‬

‫(‪ )1‬د نوبي حممد حسن – حملات إبداعية من فنون العمارة اإلسالمية‪ .‬سبق ذكره ص (‪)79-78‬‬

‫‪312‬‬
‫ذلــك‪ ،‬فمــا كان املنــر قــط رمــزاً علــى الســلطان وال شــارة مــن شــاراته‪ ،‬وميكننــا القــول‬
‫عــن املنابــر‪ ،‬بــأن املنــر يف املســاجد اجلامعــة كانــت لــه دائمـاً أمهيــة دينيــة وسياســية‬
‫وإداريــة‪ ،‬ففــي أول األمــر مل يكــن هنــاك منــر إال يف جامــع الرســول يف املدينــة‪ ،‬ومل‬
‫يــأذن عمــر بــن اخلطــاب لعمــرو بــن العــاص يف اختــاذ منــر مســجده يف الفســطاط‪،‬‬
‫ويف أيــام عثمــان ظهــرت منابــر األمصــار فأصبــح لــكل مصــر منــر يف عاصمتــه‪ ،‬أمــا‬
‫املســاجد األخــرى فــا منابــر هلــا‪.‬‬

‫وهــذا ال مينــع مــن القــول بــأن كل املســاجد األخــرى كانــت هلــا‪ ،‬منابــر وكانــت تصلــى‬
‫فيهــا اجلمعــات‪ ،‬ولكــن املســجد ذا املنــر هــو املســجد الرمســي الــذي يصلــي فيــه حاكــم‬
‫البلــد أو األمــر وخطبتــه علــى هــذا هلــا معنــى رمســي‪ ،‬وللفقهــاء تعبــر خــاص هبــذا‬
‫اخلطيــب‪ ،‬فيقولــون‪( :‬إمــام راتــب بواليــة ســلطانية‪ ،‬وقــد ظهــر هــذا املصطلــح يف القــرن‬
‫الرابــع اهلجــري ‪ /‬العاشــر امليــادي)‪ ،‬ويســمى املنــر أحيانـاً بالعــود‪ ،‬وجديــر بالذكــر أن‬
‫لفــظ العــود (واألعــواد) كان يطلــق علــى كل مــا يصنــع مــن اخلشــب ويســتعمل للقعــود أو‬
‫النــوم‪ ،‬فيســتعمل يف معنــى الكرســي‪( :‬جلــس علــى األعــواد)‪ ،‬ويف معنــى تابــوت امليــت‪،‬‬
‫ويف معنــى الســرير(‪ ،)1‬وكمــا ذكرنــا آنف ـاً بــأن املنــر هــو مــكان ليقــف عليــه اخلطيــب‬
‫أثنــاء اخلطابــة‪ ،‬وكان أمــر املؤمنــن عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬قــد منــع اعتــاء املنابــر يف‬
‫مســاجد العــامل اإلســامي غــر مســجد املدينــة‪ ،‬وبعــد ســيدنا عمــر اختــذ املســلمون‬
‫املنابــر للخطابــة(‪ ،)2‬واملنــر وهــو منصــة مرتفعــة تســع لوقــوف وجلــوس اخلطيــب(‪،)3‬‬
‫وكمــا عرفنــا عــن منــر رســول اهلل ‪ ‬بعــض التفاصيــل‪ ،‬فيقــال إن الرســول كان يقــوم‬
‫أول األمــر إىل جــذع يف املســجد‪ ،‬أي إىل جــوار أحــد جــذوع النخــل الــي كانــت تقــوم‬
‫مقــام األعمــدة يف اجلــزء املســقوف(‪ ،)4‬واملنــر يف اللغــة العربيــة هــو‪ :‬مرقــاة متنقلــة ذات‬
‫درجــات‪ ،‬ولــه تعاريــف أخــرى يف املراجــع اللغويــة تتفــق وهــذا املعنــى‪ ،‬وكان رســول اهلل‬
‫‪ ‬خيطــب يف املســلمني مبســجده الشــريف وهــو واقــف عنــد أحــد اجلــذوع الــي حتمــل‬
‫(‪ )1‬د نوبي حممد حسن – حملات إبداعية من فنون العمارة اإلسالمية‪.‬سبق ذكره ص (‪)79-78‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬
‫(‪ )3‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬
‫(‪ )4‬عامل املعرفة – املساجد – د‪ .‬حسني مؤنس‪.‬‬

‫‪313‬‬
‫الســقف متكئـاً علــى عصــا مــن خشــب «الــدوم» والحــظ املســلمون أن هــذا املوقــف يشــق‬
‫علــى رســول اهلل ‪ ‬ويتعبــه‪ ،‬فاقرتحــوا عليــه أن يتخــذ شــيئاً جيلــس عليــه ويســريح‪،‬‬
‫فوافقهــم ‪ ‬علــى ذلــك‪ ،‬وصنــع لــه رجــل يدعــى (كالبــا) كان يف خدمــة عمــه العبــاس‬
‫بــن عبــد املطلــب‪ ،‬منــراً مــن خشــب األثــل‪ ،‬يتألــف مــن ثــاث درجــات‪ :‬األوىل والثانيــة‬
‫منهــا لصعــوده‪ ،‬والثالثــة جللوســه‪ ،‬وارتفاعــه ذراعــان وثالثــة أصابــع وعرضــه ذراع‬
‫واحــد· وكان ذلــك يف الســنة الســابعة للهجــرة(‪ .)1‬ويف العقــود القليلــة الــي تلــت اهلجــرة‬
‫النبويــة وبعــد تكاثــر أعــداد املســاجد يف البــاد الــي دخلــت يف ديــن اهلل كانــت املســاجد‬
‫بــا منابــر‪ ،‬وكان اخلطيــب يقــف مســتنداً إىل عصــا مــن اخلشــب تأســياً برســول اهلل ‪،‬‬
‫وحــن بنــى وايل مصــر عمــرو بــن العــاص ‪ ‬مســجده يف الفســطاط مبصــر‪ ،‬أقــام‬
‫فيــه منــراً ولكــن اخلليفــة الثانــي عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬أمــره بإزالتــه ففعــل‪ ،‬وأقــدم‬
‫منــر بعــد منــر مســجد رســول اهلل ‪ ‬هــو املنــر الــذي أقامــه «قــرة بــن شــريك» عــام‬
‫‪132‬هـــ يف مســجد عمــرو ابــن العــاص ‪ ،‬وتوالــت بعــد ذلــك إقامــة املنابر يف املســاجد‬
‫يف خمتلــف ديــار املســلمني وزيــد يف عــدد درجاهتــا بســبب اتســاع مســاحة املســاجد‬
‫وكثــرة عــدد املصلــن‪ ،‬ولكــي يتمكــن املســلمون مــن رؤيــة اخلطيــب ويتمكــن اخلطيــب‬
‫مــن رؤيتهــم‪ .‬وبــات «املنــر» جــزءاً أساســياً مــن مقومــات املســجد اجلامــع وهــو يصنــع‬
‫‪ -‬يف األغلــب ‪ -‬مــن اخلشــب وأبــدع الفنانــون املســلمون يف نقــش املنابــر وزخرفتهــا‪،‬‬
‫واســتخدمت األخشــاب الثمينــة يف صنعهــا(‪.)2‬‬

‫الصحن‪:‬‬

‫والصحــن هــو (احلــوش) فهــو رمــز احليــاة‪ ،‬ومركــز اجلــذب لــكل العناصــر احمليطــة‬
‫بــه‪ ،‬وهــو الفنــاء واحللقــة الرابطــة املميــزة لــكل العمائــر الدينيــة أو املدنيــة اإلســامية‪،‬‬
‫والفنــاء يف احلقيقــة هــو قلــب املبنــى‪ ،‬والــذي يعــر عــن قلــب اإلنســان‪ ،‬أي اإلميــان‬

‫(‪ )1‬اجلامعة اللبنانيّة – كلّيّة اآلداب والعلوم اإلنسانيّة – مركز اللغات والرتمجة –‪ –ALEA - M1‬املساجد ‪ -‬مقدّم‬
‫محود‪.‬‬‫من ريتا خليل – بإشراف الدكتور رياض ّ‬
‫(‪ )2‬إسالم ويب ‪ -‬التطور املعماري للمساجد – العناصر األساسية يف املساجد ‪ -‬عمارة املساجد‪..‬األمنوذج‬
‫السعودي لبناء بيوت اهلل – وزارة اإلعالم – اململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪314‬‬
‫احلقيقــي‪ ،‬أي إميــان القلــب‪ ،‬وهــذا الفنــاء يطــل عليــه حجــرات مــن مجيــع اجلهــات‬
‫(‪)1‬‬
‫بألوانــه وزخارفــه وحلياتــه‪ ،‬حــول فتحــات األبــواب‪ ،‬أي أن اإلســام جبوهــر األمــور‬
‫والصحــن هــو اجلــزء غــر املســقوف‪ ،‬ويف أول األمــر كان صحــن املســجد معتــراً امتداداً‬
‫لبيــت الصــاة يســتعمل يف مناســبات الصلــوات اجلامعــة وال يعتــر فيمــا عــدا ذلــك‬
‫جــزءاً مــن املصلــى نفســه‪ ،‬هلــذا كانــوا يرتخصــون يف اســتعمال صحــون املســاجد فكانــوا‬
‫يتخذوهنــا ممــرات مــن طريــق إىل طريــق‪ ،‬ورمبــا جلســوا فيهــا للســمر أو البيــع والشــراء‬
‫أو النــوم‪ ،‬وكانــوا ال يراعــون يف نظافتهــا مثــل مــا يراعــون يف بيــوت الصــاة‪ ،‬ثــم‬
‫أخــذ الفقهــاء حيــددون اســتعمال صحــون املســاجد وحيرمــون القيــام بــأي عمــل ال‬
‫يتصــل بالصــاة فيهــا‪ ،‬ثــم اعتــرت أجــزاء أساســية مــن املســاجد‪ ،‬وقــد بــن ذلــك‬
‫الزركشــي يف األحــكام الــي أوردهــا خاصــة بســائر املســاجد‪،‬وقد خلــط البعــض بــن‬
‫صحــن اجلامــع وحــرم اجلامــع‪ ،‬ولكــن الفقهــاء فرقــوا بينهمــا‪ ،‬فصحــن املســجد مــا‬
‫يوجــد بداخــل جدرانــه مــن فنــاء غــر مســقوف‪ ،‬وأمــا حــرم املســجد فاملنطقــة احمليطــة‬
‫بــه مــن مبــان مالصقــة جلدرانــه أو رحبــات خارجهــا‪ ،‬وقــد اشــرطوا فيهــا النظافــة‬
‫وحرمــوا اإلجتــار فيهــا ألن ذلــك يشــوب نظافــة املســجد وجاللــه‪ ،‬وذلــك ألن الصــاة‬
‫قــد متتــد إليهــا يف أيــام اجلمــع واألعيــاد إذا ازدحــم اجلامــع‪ ،‬فهــذا مــن شــأنه أن‬
‫يصــون املســجد وحرمــه‪ ،‬ومــن شــأنه أيضــاً أن يضفــي عليهمــا مجــاالً‪ ،‬واجلديــر‬
‫بالذكــر أن لــكل مســاجدنا القدميــة مســاحات كبــرة مــن األرض حوهلــا‪ ،‬ولــو رجعنــا‬
‫حلجــج أوقــاف مســاجد القاهــرة التارخييــة‪ ،‬لوجدنــا أن كل مــا حييــط هبــا مــن أرض‬
‫داخــل يف زمــام وقفهــا‪ ،‬وإمنــا عــدا عليهــا النــاس وبنــوا فيهــا وادعــوا ملكيتهــا‪ ،‬ممــا‬
‫أضــاع جانب ـاً كبــراً مــن هبــاء املســاجد(‪ .)2‬والصحــن أو احلــوش هــو ســاحة مفتوحــة‬
‫يف وســط املبنــى‪ ،‬ويكثــر اســتخدام الصحــن يف الــدول العربيــة ويعتــر مــن اخلصائــص‬
‫املعماريــة املميــزة هلــا‪ ،‬ومنهــا انتشــر إىل مناطــق أخــرى مثــل إســبانيا‪ ،‬ويعــود اســتخدام‬
‫الصحــن إىل عصــور كثــرة قبــل اإلســام فقــد وجــدت بعــض املنــازل ذات الصحــن يف‬
‫(‪ )1‬العم�اـرة العربي��ة اإلس�لامية – حمم��د حســن ج��ودي – الطبع��ة األوىل – ‪1427‬هـــ – ‪2007‬م ‪ -‬دار السـيرة –‬
‫عمــان األردن‪.‬‬
‫(‪ )2‬أ‪.‬د نوبي حممد حسن حملات إبداعية من فنون العمارة اإلسالمية ص (‪) 69-68‬‬

‫‪315‬‬
‫آثــار احلضــارات الســورية القدميــة يف مــاري وإيبــا يف ســوريا‪ ،‬وكذلــك يف ســومر‬
‫وبابــل واملوصــل يف العــراق‪ ،‬وظــل اســتخدامها شــائعا حتــى منتصــف القــرن العشــرين‬
‫حــن بــدأ التأثــر بالطــرز الغربيــة يف البنــاء‪ ،‬وجيــدر الذكــر أن املنــازل الرتكيــة مل تكــن‬
‫حتتــوي علــى صحــن إال أن ذلــك مل يؤثــر علــى الصحــن يف املناطــق العربيــة بالرغــم مــن‬
‫تأثرهــم بالعمــارة العثمانيــة‪ .‬ويــكاد الصحــن يكــون مــن العناصــر املعماريــة املشــركة‬
‫يف كافــة الــدول العربيــة مــن الشــرق إىل الغــرب ومــن األندلــس ويف الريــف واملــدن‪،‬‬
‫وال يســتثنى مــن ذلــك حتــى البــدو بالرغــم مــن اختــاف التفاصيــل‪ ،‬بــل أن ختطيــط‬
‫املــدن اإلســامية اعتمــد علــى نفــس الفكــرة حيــث أن املناطــق الســكنية (وكانــت تســمى‬
‫خطط ـاً) وكانــت تبنــى مــن األطــراف أوالً‪ ،‬ويــرك الوســط فضــاءً‪ ،‬إال أنــه كان يســمى‬
‫ســاحة‪ ،‬وللصحــن فوائــد خمتلفــة حســب املبنــى‪ ،‬إال أن القاســم املشــرك هــو أنــه‬
‫يســتخدم للفعاليــات العامــة واجلماعيــة‪ ،‬وأبســط أنــواع الصحــون هــو صحــن الــدار‬
‫ويكــون عــادة يف وســط الــدار وحتيــط بــه الغــرف وتقــام فيــه معظــم الفعاليــات العائليــة‬
‫خــال النهــار‪ ،‬ويســتخدم كمجلــس للعائلــة يف الليــل خــال أشــهر الصيــف احلــارة‪،‬‬
‫غالب ـاً مــا يتــم زراعتــه ويســتخدم كحديقــة داخليــة خاصــة للعائلــة وكســاحة خدمــة‬
‫حمجوبــة مــن أعــن اجلــران بواســطة الغــرف احمليطــة بــه‪ .‬ويف دمشــق حيــث يتضــح‬
‫الصحــن بشــكل جيــد ويف وســطه بركــة مــاء وحتيــط بــه الغــرف علــى طابــق أو طابقــن‘‬
‫وكذلــك تنتشــر يف جنباتــه أحــواض الــورد وأشــجار النارنــج والنباتــات املنزليــة‪ ،‬ويف‬
‫بغــداد اعتــاد النــاس علــى زراعــة خنلــة يف وســطه بالضبــط‪ ،‬ويف املــدن ال يتــم الوصــول‬
‫إىل الصحــن مــن الشــارع مباشــرة بــل يتــم الوصــول إليــه مــن خــال ممــر متعــرج أو‬
‫مكســور (كــي ال يــرى مــا يف الداخــل حــن يفتــح البــاب) يســمى اجملــاز‪ ،‬كمــا أنــه حيــاط‬
‫غالب ـاً بــرواق معمــد وغالب ـاً مــا يطــل عليــه اإليــوان إمــا مــن الطابــق األرضــي أو مــن‬
‫شــرفة الطابــق األول أو مــن كليهمــا‪ )1(.‬والصحــن هــو اجلــزء الغــر مكشــوف‪ ،‬وكان‬
‫يعتــر امتــداداً لبيــت الصــاة ويســتعمل يف مناســبات الصلــوات اجلامـعـــة‪ ،‬وال يـعـتـبـــر‬
‫فيمــا عــدا ذلــك جــزءاً مــن املصلــى نفســه‪ ،‬هلــذا كانــوا يرتخصــون يف اســتعمال صحــون‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪316‬‬
‫املســاجد‪ ،‬فكانــوا يتخذوهنــا ممــرات مــن طريــق إىل طريــق ورمبــا جلســوا فيهــا للســمر‬
‫أو البيــع والشــراء أو النــوم‪ ،‬وكانــوا ال يراعــون يف نظافتهــا مثــل مــا يراعــون يف بيــوت‬
‫الصالة‪،‬ثــم أخــذ الفقهــاء حيــددون اســتعمال صحــون املســاجد‪ ،‬وحيرمــون القيــام‬
‫بــأي عمــل ال يتصــل بالصــاة فيهــا‪ ،‬ثــم اعتــرت أجــزاء أساســية مــن املســاجد‪ ،‬وقــد‬
‫بــن ذلــك الزركشــي يف األحــكام الــي أوردهــا خاصــة بســائر املســاجد‪ ،‬وقــد خلــط‬
‫البعــض بــن صحــن اجلامــع وحــرم اجلامــع‪ ،‬وذلــك ألن الصــاة قــد متتــد إلـيـهـــا فـــي‬
‫أيـــام اجلـمـــع واألعيــاد إذا ازدحــم اجلامــع(‪ .)1‬والصحــن هــو ســاحة مفتوحــة يف وســط‬
‫املبنــى يكثــر اســتخدام الصحــن يف الــدول العربيــة ويعتــر مــن اخلصائــص املعماريــة‬
‫املميــزة هلــا‪ ،‬ومنهــا انتشــر إىل مناطــق أخــرى مثــل إســبانيا‪ ،‬ويعــود اســتخدام الصحــن‬
‫إىل عصــور كثــرة قبــل اإلســام‪ ،‬فقــد وجــدت بعــض املنــازل ذات الصحــن يف آثــار‬
‫احلضــارات الســورية القدميــة يف مــاري وإيبــا يف ســوريا وكذلــك يف ســومر وبابــل‬
‫يف العــراق‪ ،‬وظــل اســتخدامها شــائعاً حتــى منتصــف القــرن العشــرين حــن بــدأ التأثــر‬
‫بالطــرز الغربيــة يف البنــاء‪ ،‬وجيــدر الذكــر أن املنــازل الرتكيــة مل تكــن حتتــوي علــى‬

‫صحــن إال أن ذلــك‪ ،‬مل يؤثــر علــى الصحــن يف املناطــق العربيــة بالرغــم مــن تأثرهــم‬
‫بالعمــارة العثمانيــة(‪ .)2‬وصحــن املســجد هــو املســاحة املكشــوفة منــه والــي تتصل حبرم‬
‫املســجد وأروقتــه وجدرانــه اخلارجيــة‪ ،‬ويســميها البعــض الــي بنيــت يف األمصــار الــي‬
‫دانــت باإلســام هــو اقتــداء بعمــارة مســجد رســول اهلل ‪ ،‬حيــث كانــت فيــه مســاحة‬
‫مكشــوفة بــن مظلتــن مغطاتــن إحدامهــا يف اجلهــة اجلنوبيــة واألخــرى يف اجلهــة‬
‫الشــمالية‪ ،‬ويف كثــر مــن املســاجد يضــم الصحــن مصــادر للميــاه يتوضــأ منهــا النــاس‬
‫وهــي يف األغلــب علــى شــكل «حبــرات» يندفــع إليهــا املــاء اجلــاري‪ ،‬وتشــكل إضافــة إىل‬
‫مهمتهــا األساســية ملســة مجاليــة علــى صحــن املســجد كمــا يف املســجد األمــوي بالشــام‬
‫انظرالشــكل (‪ ،)77‬وكذلــك يســتفاد مــن الصحــن يف اســتيعاب املصلــن إذا زادوا عــن‬
‫طاقــة حــرم املســجد ويف املســاجد الكبــرة‪ ،‬كاملســجد األمــوي يف دمشــق ومســجد ابــن‬
‫(‪ )1‬عامل املعرفة – املساجد – د‪.‬حسن مؤنس‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفــن املعمــاري اإلســامي – الســنة الرابعــة إقتصــاد وتصــرف – املعهــد الثانــوي بســيدي بــو علــي – إعــداد‬
‫وتقديــم‪ :‬مليــاء العباســي‪.‬‬

‫‪317‬‬
‫طولــون يف القاهــرة أقيمــت يف صحنيهمــا‬
‫قبــاب صغــرة ذات أبــواب مقفلــة وضعــت‬
‫فيهــا خزينــة الدولــة وأوراقهــا ووثائقهــا‬
‫اهلامــة(‪ .)1‬ومــن أشــهر األمثلــة عليــه صحــن‬
‫الكعبــة الــذي حيتــوي علــى الكعبــة املشــرفة‬
‫‪77‬‬ ‫الشكل‬ ‫يف املســجد احلرام‪،‬حيــث يكثــر اســتخدام‬
‫هــذا النــوع مــن العناصــر املعماريــة يف العديــد مــن األبنيــة‪ ،‬يف عــدد كبــر مــن الــدول‬
‫العربيــة‪ ،‬بــل وحتــى اإلســامية‪ ،‬فهــذا العنصــر يُضفــي مجــاالً ال نظــر لــه علــى املبنــى‪،‬‬
‫كمــا يو ّفــر أيضـاً مســاحات مناســبة لالســراحة‘ واالســرخاء‪ ،‬ولعـ َّل أكثــر األبنيــة الــي‬
‫تســتعمل الصحــون هــي تلــك األبنيــة الــي تُشــ ّيَد يف مــدن بــاد الشــام؛ كدمشــق‪،‬‬
‫ونابلــس‪ ،‬وحلــب‪ ،‬وغريهــا مــن املــدن حيــث يتــم تزيــن الصحــون يف هــذه املــدن وغريهــا‬
‫بربكــة مــاء مجيلــة‪ ،‬إضافــة إىل عــدد كبــر مــن أنــواع املزروعــات‪ ،‬والــورود‪ ،‬واألزهــار(‪.)2‬‬

‫القبلة‪:‬‬

‫القبلــة هــي صــدر املســجد‪ ،‬وهــي جــداره املتجــه حنــو مكــة‪ ،‬فــإذا صلــى النــاس جتاههــا‬
‫كانــت وجوههــم ناظــرة إىل بيــت اهلل يف ذلــك البلــد احلــرام‪ ،‬وكانــت قبلــة مســجد‬
‫الرســول األوىل ناحيــة بيــت املقــدس‪ ،‬ثــم حوهلــا اهلل ســبحانه وتعــاىل جتــاه الكعبــة‪،‬‬
‫فتحولــت يف مســجد الرســول مــن الشــمال إىل اجلنــوب‪ ،‬وقــد صلــى املســلمون يف‬
‫صــدر يــوم صــرف القبلــة إىل بيــت املقــدس‪ ،‬ثــم نزلــت آيــات صرفهــا‪ ،‬فصلــى النــاس‬
‫حنــو مكــة يف آخــره‪ ،‬ويبالــغ نفــر مــن املؤرخــن يف تصويــر صــرف القبلــة‪ ،‬فيقولــون إن‬
‫النــاس صلــوا إىل القبلتــن يف نفــس الصــاة‪ ،‬صلــوا ركعتــن ثــم نزلــت اآليــة فصلــوا‬
‫الركعتــن األخريــن إىل القبلــة األخــرى(‪ ،)3‬وهــذا تكلــف ال معنــى لــه فــإن الوحــي مــا‬

‫(‪ )1‬إســام ويــب ‪ -‬التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد ‪ -‬عمــارة املســاجد ‪ -‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل ‪ -‬وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‬
‫(‪ )2‬عناصر العمارة اإلسالمية – موضوع أكرب موقع عربي‪.‬‬
‫(‪ )3‬النويري‪ ،‬هناية األرب‪ ،‬ج‪ ،16‬ص (‪ ،)397‬نقل عنه حسني مؤنس ص (‪ )63‬املساجد‪.‬‬

‫‪318‬‬
‫كان ليقطــع الصــاة علــى الرســول وهــو يــؤم النــاس ليبلغــه صــرف القبلــة‪ ،‬ومــن هــذا‬
‫القبيــل مــا يقــال عــن مســجد بــي ســلمة‪ ،‬وهــو الــذي صلــى الرســول فيــه الظهــر يــوم‬
‫نزلــت آيــة صــرف الصــاة‪ ،‬والــذي يســمى ‪ -‬مســجد القبلتــن‪ ،‬ألن املســلمني صلــوا فيــه‬
‫أول النهــار حنــو بيــت املقــدس ثــم صلــوا فيــه الظهــر إىل قبلــة الكعبــة واحلقيقــة أن كل‬
‫مســاجد املدينــة الــي بنيــت وصلــى النــاس فيهــا قبــل اخلامــس عشــر مــن رجــب ســنة‬
‫‪2‬هـــ ‪ 12-‬ينايــر ‪624‬م‪ ،‬وهــو التاريــخ الــذي حيــدده معظــم املؤرخــن لصــرف القبلــة‪،‬‬
‫وميكــن أن يطلــق عليهــا ذلــك الوصــف‪ ،‬ويف مقدمتهــا مســجد الرســول‪ ،‬وهــو أوىل‬
‫املســاجد بــأن يســمى مســجد القبلتــن‪ ،‬وقــد تعــود املســلمون أن ميــروا مبوضــوع القبلــة‬
‫دون أن يالحظــوا أهنــا ظاهــرة عبــادة ينفــرد هبــا اإلســام دون غــره مــن األديــان‪ ،‬فــا‬
‫تعــرف اليهوديــة أو النصرانيــة أو البوذيــة أو اهلندوســية‪ ،‬ومــا إليهــا شــيئاً يشــبه القبلــة‪،‬‬
‫إمنــا يصلــي أهــل هــذه الديانــات يف أي اجتــاه ويبنــون معابدهــم حبســب معارفهــم مــن‬
‫اهلندســة ومــا تتطلــب‪ ،‬وقــد حــاول نفــر مــن املستشــرقني أن يقولــوا إن اإلســام أخــذ‬
‫القبلــة عــن اليهوديــة أو النصرانيــة األوىل‪ ،‬فأمــا اليهــود فيقولــون‪ :‬إن القبلــة معروفــة‬
‫عندهــم وهــي اخلزانــة الــي توضــع فيهــا الســجالت والكتــب الدينيــة وأماكنهــا يف‬
‫أحســن موضــع يف البيعــة اليهوديــة‪ ،‬وذهــب بعضهــم إىل أن تلــك اخلزانــة هــي الــي ورد‬
‫ذكرهــا يف القــرآن الكريــم بلفــظ «التابــوت»‪ ،‬وهــذه كلهــا مزاعــم باطلــة قــال هبــا أمثــال‬
‫أبراهــام جاجيــر وأدوارد هريشــفلد وهوروفيتــز‪ ،‬ومــن إليهــم مــن مستشــرقي اليهــود‬
‫حملــض الرغبــة يف التقليــل مــن شــأن اإلســام بإرجــاع أصولــه وعباداتــه إىل أصــول‬
‫يهوديــة أو مســيحية‪ ،‬فهــم يعلمــون أكثــر مــن غريهــم أن خزانــة البيعــة ال تعــن اجتاهـاً‪،‬‬
‫وأن النــاس ال يصلــون حنوهــا‪ ،‬فمــا هــي إال خزانــة أو صنــدوق توضــع فيــه كتبهــم‬
‫املقدســة ومــا يــرون أنــه ذخــرة للبيعــة مــن آثــار الصاحلــن عندهــم ومــا يعتــزون بــه‬
‫مــن نســخ كتــب الصلــوات أو كتابــات الصاحلــن‪ ،‬ومــا يهــدي للبيعــة مــن مــال‪ ،‬وهــي‬
‫توضــع يف صــدر البيعــة أي ـاً كان اجتــاه ذلــك الصدر‪،‬ثــم أن التابــوت الــوارد ذكــره يف‬
‫ســورة البقــرة ال يقابــل خزانــة الكتــب الدينيــة والذخائــر األوىل لليهوديــة‪ ،‬وإمنــا هــو‬
‫شــيء آخــر خــاص مبوســى وأيامــه ال يتفــق املفســرون علــى املــراد بــه‪ ،‬وأمــا املســيحيون‬

‫‪319‬‬
‫مــن الباحثــن يف أصــول اإلســام فرييــدون أن يقولــوا إن كنائــس املســيحية األوىل‪ ،‬أو‬
‫كنائــس بعــض مجاعاهتــا علــى األقــل‪ ،‬كانــت توجــه حنــو الشــرق‪ ،‬وأن هــذا التوجيــه هــو‬
‫أصــل مفهــوم القبلــة اإلســامية‪ ،‬وهــذا أيضــا كالم متهالــك ال يتحصــل منــه شــيء‪،‬‬
‫فإنــه مل يثبــت أصـاً أن أيـاً مــن فــرق املســيحية األوىل اختــذت الشــرق قبلــة‪ ،‬وإن كان‬
‫هــذا ال مينــع مــن القــول بــأن بعــض العقائــد الغــر الســماوية كانــت حتــض أتباعهــا علــى‬
‫اســتقبال مطلــع الشــمس عنــد الصــاة يف الصبــاح‪ ،‬ومغرهبــا عنــد الصــاة يف املســاء‪،‬‬
‫ومــن هــذه العقائــد عقيــدة عبــادة قــرص الشــمس الــي قــال هبــا أمينوفيــس الرابــع‬
‫وهــو الفرعــون الــذي عــرف باســم أخناتــون‪ ،‬وهــذا التوجيــه بعيــد عــن مفهــوم القبلــة‬
‫اإلســامية بعــداً شاســعاً كمــا هــو واضــح‪ ،‬واحلقيقــة أن القبلــة مفهــوم إســامي صــرف‬
‫مل تعرفــه اليهوديــة أو املســيحية‪ ،‬بــل املصطلــح نفســه حنــت خاصــة هلــذا الغــرض‪،‬‬
‫فــإن القبلــة هــي اجلهــة علــى قــول ابــن منظــور يف لســان العــرب‪ ،‬وأن الــذي حــدث هــو‬
‫أن القــرآن الكريــم اســتعمل اللفــظ يف معنــى الناحيــة الــي يوجــه املصلــون وجوههــم‬
‫حنوهــا غــر مســبوق إىل ذلــك وفرضــه علــى اللغــة فرض ـاً‪ ،‬ثــم جــاء أهــل اللغــة بعــد‬
‫ذلــك فأخــذوا املعنــى القرآنــي نفســه‪ ،‬وتصــوروا أنــه معنــى مفهــوم واضــح كان جاريـاً يف‬
‫االســتعمال قبــل ذلــك‪ ،‬ومــا كان واضح ـاً وال جاري ـاً يف االســتعمال قبــل أن يدخــل يف‬
‫مصطلــح القــرآن‪ ،‬ومل يقــرر القــرآن أن تكــون للصــاة ومســاجدها قبلــة إال رمــزاً علــى‬
‫معنــى جليــل مــن معانــي الرســالة اإلســامية‪ ،‬فهــي رمــز لوحــدة اجلماعــة اإلســامية‪،‬‬
‫ولقــول اهلل ســبحانه وتعــاىل مــن ســورة البقــرة(‪{ :)1‬وَلِ َّلـهِ الْمَشْـ ِر ُق وَالْم َْغـ ِربُ َف َأيْنَمَــا ُتوَلُّــوا َف َثـمَّ‬
‫وَجْ ـهُ ال َّل ـهِ}(‪ ،)2‬فالقبلــة ليســت تعيين ـاً ملــكان املعبــود ســبحانه‪ ،‬وال عالقــة هلــا بــه جــل‬
‫جاللــه‪ ،‬وإمنــا هــي تصويــر عملــي لوحــدة اجلماعــة اإلســامية واحتــاد قلــوب املؤمنــن‪،‬‬
‫ولقــد كانــت القبلــة أوالً إىل بيــت املقــدس‪ ،‬ثــم صرفــت إىل اجلهة املقابلــة أي إىل الكعبة‪،‬‬
‫وهــي بيــت اهلل الــذي بنــاه إبراهيــم وإمساعيــل عليهمــا الســام‪ ،‬وملــة إبراهيــم هــي‬
‫(الديــن القديــم)‪ ،‬وهــي اإلســام ديــن اهلل الواحــد الــذي ال يتغــر وملتــه الــي قــال هبــا‬
‫كل املرســلني مــن أيــام إبراهيــم أبــى األنبيــاء‪ ،‬ويف حقيقــة األمــر تعتــر صحــف موســى‬
‫(‪ )1‬النويري‪ ،‬هناية األرب‪ ،‬ج‪ ،16‬ص (‪ ،)397‬نقل عنه حسني مؤنس ص (‪ )63‬املساجد‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة (‪.)115‬‬

‫‪320‬‬
‫وألواحــه وإجنيــل عيســى توكيــداً مللــة إبراهيــم وتطهــراً هلــا ممــا أصاهبــا مــن االحنــراف‬
‫علــى مــر الســنني‪ ،‬واإلســام الــذي بشــر بــه حممــد عليــه الصــاة والســام وهــو العــودة‬
‫الكاملــة إىل ملــة إبراهيــم صافيــة كمــا بدأهــا اهلل‪ ،‬وصــرف القبلــة إىل الكعبــة إمنــا‬
‫هــو عــودة إىل الوجهــة الواحــدة لديــن اهلل والوحــدة‪ ،‬وهــذه املعانــي ال جندهــا إال يف‬
‫اإلســام‪ ،‬فــا عجــب أن ينفــرد مــن بــن األديــان بالقبلــة‪ ،‬واملســلمون يســمون أنفســهم‬
‫أحيانــاً أهــل القبلــة‪ ،‬أي أهــل الوجهــة الواحــدة‪ ،‬املهــم لدينــا أن القبلــة أكــدت معنــى‬
‫أساســياً مــن معانــي اإلســام‪ ،‬وأضافــت إىل املســاجد ميــزة انفــردت هبــا دون غريهــا‬
‫مــن أماكــن العبــادة‪ ،‬فــكل مســاجد األرض تتجــه وجهــة واحــدة‪ ،‬وهــذا بــدوره فــرض‬
‫علــى عمــارة املســاجد مطالــب واشــراطات هندســية شــتى‪ ،‬فقــد أصبــح لزامـاً أن تكــون‬
‫بيــوت الصــاة يف املســاجد كلهــا ناحيــة القبلــة‪ ،‬وأن يصــرف أكــر جانــب مــن العنايــة‬
‫اهلندســية والفنيــة حنــو هــذا اجلــزء مــن املســجد‪ ،‬وابتــداءاً مــن مســجد الرســول ‪‬‬
‫يف املدينــة وهــو أبــو املســاجد‪ ،‬إىل املســاجد الــي تبنــى اليــوم جنــد أن املعمــاري يهتــم‪،‬‬
‫أوالً وقبــل كل شــيء هبــذا اجلــزء مــن مســجده‪ ،‬فيــه حيشــد أكــر جانــب مــن عنايتــه‬
‫ويضــع أحســن مــا عنــده مــن مــواد البنــاء مــن رخــام ومرمــر وأخشــاب غاليــة‪ ،‬وفيــه‬
‫ينفــق املعمــاري واملزخــرف والنقــاش معظــم جهدهــم‪ ،‬والقبــات أعظــم مــا يف مســاجد‬
‫املســلمني مــن الناحيــة الفنيــة إىل هنايــة القــرن الرابــع اهلجــري والعاشــر امليــادي‪ ،‬ومل‬
‫ينتقــل جانــب كبــر مــن االهتمــام إىل اجملنبــات واألروقــة واألبــواب والقبــاب واملــآذن‬
‫إال ابتــداءً مــن مســاجد الطــراز الســلجوقي‪ ،‬وهــو طــراز أدخــل علــى عمــارة املســاجد‬
‫يف وســط العــامل اإلســامي وشــرقه انقالب ـاً شــامالً‪ ،‬أمــا مســاجد املغــرب اإلســامي‬
‫فظلــت صادقــة الــوالء للتقليــد اإلســامي األول‪ ،‬بــل زادتــه توكيــداً‪ ،‬ففــي مســجد عقبــة‬
‫كمــا أعــاد بنــاؤه إبراهيــم بــن أمحــد بــن األغلــب (وهــو الــذي أعطــى صورتــه النهائيــة)‪،‬‬
‫وميتــد بيــت الصــاة إىل نصــف مســاحة املســجد تقريب ـاً‪ ،‬ويلغــي اجملنبــات اليمنــى‬
‫واليســرى واخللفيــة إلغــاء تامــاً‪ ،‬بــل هــو جيعــل املئذنــة يف اجلــدار اخللفــي املقابــل‬
‫جلــدار القبلــة‪ ،‬ومســجد قرطبــة اجلامــع‪،‬درة مســاجد الغــرب اإلســامي‪ ،‬يغطــي بيــت‬
‫صالتــه وقبلتــه بقيــة أجــزاء املســجد الفســيح حتــى حتتجــز القبلــة لنفســها انتبــاه‬
‫اإلنســان كله(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬النويري‪ ،‬هناية األرب‪ ،‬ج‪ ،16‬ص (‪ ،)397‬نقل عنه حسني مؤنس ص (‪ )63‬املساجد‪.‬‬

‫‪321‬‬
‫الرواق‪:‬‬
‫كان ألروقــة املســاجد دوراً كبــراً يف أســلوب تدريــس العلــوم الدينيــة يف املســاجد‬
‫الكبــرة‪ ،‬والــرواق هــو املمــر العريــض املســقوف الــذي حييــط جبميــع أو معظــم جهــات‬
‫املســجد وكان يســمى أيضــا «اجملنبــة» وهــي الكلمــة الــي اســتعملها كثــر مــن قدامــى‬
‫املؤرخــن يف وصــف بعــض املســاجد‪ ،‬وحتــت هــذه األروقــة كان العلمــاء يلقــون دروســهم‬
‫علــى املتعلمــن‪ ،‬ومــن هــذه الكلمــة اشــتقت أمســاء األروقــة املوجــودة يف اجلامــع األزهــر‬
‫مبصــر حيــث جيتمــع الدارســون مــن جنســية معينــة يف مــكان واحــد مســي رواقــاً‪،‬‬
‫ليتلقــوا العلــم مــن أســاتذهتم فيــه‪ ،‬فــكان هنــاك رواق املغاربــة ورواق األتــراك ورواق‬
‫الشــوام ورواق الســودان ورواق اهلنــود وغريهــا‪ ،‬وكانــت تلــك األروقــة إضافــات إىل‬
‫املبنــى األساســي لألزهــر تــرع هبــا أهــل اخلــر‪ ،‬أمــا أول مــن اختــذ األروقــة يف املســاجد‬
‫فالغالــب أنــه اخلليفــة الثالــث عثمــان بــن عفــان ‪ ‬عندمــا أضــاف أروقــة إىل املســجد‬
‫النبــوي الشــريف حــن وســعه‪ ،‬وهكــذا أصبحــت إضافــة األروقــة إىل املســاجد وســيلة‬
‫لتوســعتها دون املســاس باملبنــى األساســي(‪.)1‬‬
‫العناصر املعمارية اليت دخلت على املسجد (املتممة)‪:‬‬
‫وفضـاً علــى العناصــر األساســية للمســجد هنــاك عناصــر أخــرى دخلــت علــى عمــارة‬
‫املســجد فيمــا بعــد‪ ،‬وأصبحــت متممــة لعمارتــه ومشــرة إىل مــكان بنائــه‪ ،‬ومنهــا‪:‬‬
‫(املئذنــة والقبــة والعقــد والعمــود والزخــارف األخــرى) الــي تــؤدي دورهــا كعناصــر‬
‫معماريــة أو زخرفيــة مكملــة‪.‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬املآذن‬
‫املئذنة أو (املنارة أو الصومعة)‪:‬‬

‫اآلذان لغــة هــو اإلعــام‪ ،‬ويســتعمل كحقيقــة عرفيــة يف النداء للصــاة أو اإلعالم للحج‪،‬‬
‫واملــآذن واملنــارات امســان للمــكان الــذي يتــم منــه اإلعــام بدخــول وقــت الصــاة وقــد‬
‫(‪ )1‬إســام ويــب ‪ -‬التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‬

‫‪322‬‬
‫اســتعمل االمســان يف املشــرق اإلســامي‪ ،‬وقــد أطلــق لفــظ املنــارة علــى املــآذن حيــث‬
‫كانــت تضــاء باألنــوار عنــد الغــروب يف رمضــان وتظــل مضــاءة حتــى طلــوع الفجــر‪ ،‬ثــم‬
‫تطفــأ إيذانـاً ببــدء يــوم جديــد مــن أيــام الصيــام‪ ،‬أمــا يف بــاد املغــرب العربــي واألندلــس‬
‫فيطلــق علــى املــآذن لفــظ الصوامــع ويرجــع ذلــك إىل أن أغلــب مــآذن املغــرب اإلســامي‬
‫ذات شــكل مربــع وهــو يشــبه أبــراج الصوامــع‪ ،‬ويف كتــب اللغــة صمــع البنــاء أي أعلــى‬
‫فيــه وجعــل لــه ذروة‪ ،‬ولقــد دخلــت املئذنــة متأخــرة علــى بنــاء املســاجد ويعتقــد أن‬
‫أوالهــا تلــك الــي بناهــا زیــاد بــن أبيــه باحلجــارة يف مســجد البصــرة عنــد جتديــده ســنة‬
‫‪ 45‬هـــ‪ ،‬تــا ذلــك بنــاء أربــع صوامــع يف أركان جامــع عمــرو بــن العــاص ســنة ‪ 53‬هـــ‪،‬‬
‫أمــا أقــدم مئذنــة يف العــامل اإلســامي ومازالــت حمتفظــة بشــكلها األول بالرغــم مــن‬
‫التعديــات الــي طــرأت عليهــا فقــد أقامهــا عقبــة بــن نافــع مــا بــن ســنيت ‪ 50‬و ‪ 55‬هـــ‬
‫مبســجد القــروان وهــي تعــد منــوذج ملــآذن‪ ،‬مســاجد املغــرب العربــي واألندلــس‪ ،‬أمــا‬
‫يف العــراق وبــاد فــارس فقــد أخــذت املــآذن شــکالً أســطوانياً وأحيان ـاً ملوي ـاً يــدور‬
‫الســلم مــن خــارج بدهنــا كمــا يف مســجدي ســامراء وأبــي دلــف بالعــراق‪ ،‬وقــد اقتبــس‬
‫أمحــد بــن طولــون نفــس فكــرة ملويــة مســجد ســامراء حــن بنــى مئذنــة مســجده‬
‫املعــروف بالقاهــرة والــي تعــد أقــدم مــآذن القاهــرة مــن حيــث احتفاظهــا بشــكلها‬
‫األول‪ ،‬ولقــد تطــور شــكل املــآذن مبصــر خاصــة يف العصــر اململوكــي حيــث أصبحــت‬
‫تبــدأ بقاعــدة مربعــة يعلوهــا قســم مثمــن ثــم قســم دائــري منتهيــة بــرأس أو رأســن‬
‫أحيانــاً يعلومهــا مبخــرة أو اجلوســق(‪ ،)1‬ولقــد تناولــت بعــض الدراســات والبحــوث‬
‫املئذنــة والــي تعتــر مــن العناصــر املعماريــة العربيــة اإلســامية‪ ،‬إىل نظريــات وآراء‪ ،‬قــد‬
‫وضعهــا املؤرخــون وعلمــاء تاريــخ العمــارة والفنــون مــن الغربيــن عــن أصلهــا وفكرهتــا‪،‬‬
‫وأهنــا جــاءت مــن أبــراج الكنائــس‪ ،‬أو إىل أصــل شــامي رومانــي(‪ ،)2‬ولقــد اختــذت املــآذن‬
‫ألول مــرة يف دمشــق حــن أذن املســلمون فيهــا للصــاة مــن أبــراج املعبــد الوثــي القديــم‪،‬‬
‫الــذي قــام علــى أنقاضــه املســجد األمــوي‪ ،‬يف قــول زكــي حممــد حســن(‪ ،)3‬واملئذنــة هــي‬
‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمارة العربية اإلسالمية – ماضيها وحاضرها – فريد حممود شافعي ‪1402-‬هـ ‪1982 -‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬

‫‪323‬‬
‫املنــارة الــي يعلوهــا املــؤذن ينــادي إىل الصــاة يف مواقيتهــا املعروفــة‪ ،‬وجيمــع مؤرخــو‬
‫املســلمني‪ ،‬علــى أن املســاجد الــي بنيــت يف اجلزيــرة العربيــة وســواها مــن األمصــار‬
‫الــي دخلــت يف ديــن اهلل كانــت بــا مــآذن‪ ،‬وأن أول مــن بنــى مئذنــة يف اإلســام هــو‬
‫معاويــة ابــن أبــي ســفيان ‪ ،‬وذلــك يف املســجد اجلامــع الكبــر بدمشــق الشــام‪ ،‬ومــع‬
‫مــرور الزمــن باتــت املئذنــة قطاع ـاً قائم ـاً بذاتــه مــن فنــون العمــارة اإلســامية(‪.)1‬‬

‫وكانــت كثــر مــن املــآذن يف املاضــي مــزودة بالقناديــل ممــا جيعلهــا منــارات هتــدي‬
‫املســافرين للمدينــة أو البلــدة‪ ،‬لذلــك فــإن الكثرييــن مــن الباحثــن العــرب يطلقــون‬
‫عليهــا اســم املنــارات‪ ،‬وقــد تســتخدم املئذنــة أحيان ـاً يف إعــان بيانــات الدولــة‪ ،‬ومــع‬
‫مــرور الزمــن باتــت املئذنــة قطاع ـاً قائم ـاً بذاتــه مــن فنــون العمــارة اإلســامية‪ ،‬فقــد‬
‫وجهــت هلــا عنايــة كبــرة يف التصميــم والتنفيــذ وتفاوتــت ارتفاعاهتــا إىل عــدة عشــرات‬
‫مــن األمتــار‪ ،‬وزخــرف بناؤهــا‪ ،‬وزيــن بالنقــوش اإلســامية البديعــة وأعطيــت أشــكاالً‬
‫شــتى مــا بــن مــدورة‪ ,‬ومضلعــة ومربعــة‪ ،‬وقاعدهتــا تتناســب طــرداً مــع ارتفاعهــا‪،‬‬
‫وبداخلهــا ســلم حلزونــي يصعــد إىل شــرفتها حيــث يقــف املــؤذن وينــادي للصلــوات(‪.)2‬‬

‫ومئذنــة املســجد كمــا تُس ـمّى يف بعــض مناطــق الوطــن العربــي كمصــر وبــاد الشــام‪،‬‬
‫أو منارتــه كمــا تُســمّى يف مناطــق أخــرى كالعــراق‪ ،‬أو صومعــة املســجد كمــا يطلــق‬
‫عليهــا يف مناطــق كمنطقــة املغــرب العربــي‪ ،‬هــي ذلــك الــرج الطويــل الــذي يتــمّ‬
‫إحلاقــه باملســجد‪ ،‬واهلــدف مــن بنــاء املــآذن هــو إيصــال صــوت األذان إىل أبعــد مــدى‬
‫ممكن‪،‬وكانــت املــآذن منــذ القــدم جمــاالً كبــراً مــن جمــال التفنــن ضمــن مــا يُعــرف بالفن‬
‫اإلســامي‪ ،‬فــكل مئذنــة مــن املــآذن املوجــودة يف كافــة أصقــاع األرض هــي حتفــة فنيــة‬
‫قائمــة بذاهتــا‪ ،‬واليــوم ومــع ازديــاد وتط ـوّر التقنيــات‪ ،‬وتطــور فــن العمــارة‪ ،‬جنــد أن‬
‫املــآذن تأخــذ أشــكا ًال رائعــة جــداً مبــا يتناســب مــع ثقافــة اجملتمــع‪ ،‬وحضارتــه‪ ،‬وإرثــه‬
‫التارخيــي‪ ،‬يف زمــن رســول اهلل ‪ ‬مل تكــن املــآذن موجــودة‪ ،‬فقــد كان مــؤذن الرســول‬
‫يصعــد إىل مــكان مرتفــع ويــؤذن منــه فيســمع املســلمون صوتــه‪ ،‬ويتوافــدون إىل املســجد‬
‫(‪ )1‬إسالم ويب – وزارة اإلعالم – األمنوذج السعودي لبناء بيوت اهلل – اململكة العربية السعودية‪.‬‬
‫(‪ )2‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫ألداء الصــاة‪ ،‬فاملــآذن اســتحدثت فيمــا بعد‪،‬‬
‫وحتديــداً يف العصــر األمــوي حســب مــا ذكــر‬
‫املتخصّصــون‪ ،‬أمــا مــكان أول مئذنــة ففيــه‬
‫اختــاف‪ ،‬فبينمــا يــرى البــاذري يف فتــوح‬
‫البلــدان أن أول مئذنــة بنيــت يف البصــرة‬
‫جلامــع البصــرة علــى يــد زيــاد بــن أبيــه وايل‬
‫‪78‬‬ ‫الشكل‬
‫معاويــة انظــر الشــكل (‪ ،)78‬يذهــب املقريزي‬
‫إىل أنّ أول املــآذن بنيــت يف جامــع عمــرو بــن‬
‫العــاص يف مصــر يف زمــن الدولــة األمويــة يف‬
‫العــام الثالــث واخلمســن بعــد اهلجــرة علــى‬
‫يــد مســلمة بــن خملــد عامــل ك ٍل مــن معاويــة‪،‬‬
‫وابنــه‪ ،‬وحفيــده علــى مصــر‪ ،‬ومــن اجلديــر‬
‫ذكــره أن املــآذن كانــت قــد اســتعملت كمنارات‬
‫علــى غــرار منــارة اإلســكندرية انظــر الشــكل‬
‫(‪)79‬؛ إذ كانــت القناديــل تعلــق عليهــا حتــى‬
‫يهتــدي املســافرون والزائــرون إىل ومــن هنــا‬
‫فقــد اســتمدت املئذنــة اســم املنــارة(‪.)1‬‬
‫‪79‬‬ ‫الشكل‬
‫واملـــآذن نـشـــأت عـــن الـصـوامـــع و(هــي‬
‫األبــراج) واملنائــر‪ ،‬ثــم امتــزج الـطـــرازان مـعــاً‬
‫فـظـهـــرت مـــآذن املـسـاجـــد األوىل الــي بقــي‬
‫لنــا بعضهــا إىل اليــوم‪ ،‬وإذا تأملنــا مـئـذنـــة‬
‫جـامـــع عقبــة بــن نافــع يف القــروان مثــاً‬

‫‪80‬‬ ‫الشكل‬ ‫انظــر الشــكل (‪ ،)80‬وجدنــا أهنــا تتكــون مــن‬


‫جزأيــن أسـاسـيـــن‪ :‬البــدن أو القاعــدة وهــي‬
‫(‪ )1‬موضوع – أكرب موقع عربي يف العامل ‪ -‬أين بنيت أول مئذنة يف اإلسالم ‪ -‬بواسطة‪ :‬حممد مروان‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫بنــاء مربــع مرتفــع مسيــك اجلــدران بداخلــه ســلم يــؤدي إىل ســطحه‪ ،‬فهي إذن مقتبســة‬
‫مــن الــرج القديــم‪ ،‬ثــم تلـــي ذلـــك مـنـــارة تـقـــوم علــى هــذا الــرج يف هيئــة بناءيــن واحـــد‬
‫مـنـهـمـــا فـــوق اآلخـــر‪ ،‬األدنـــى مـنـهـمـــا أصغــر حجم ـاً مــن البــدن واألعلــى أصغرهــا‬
‫مجيعــاً(‪.)1‬‬
‫واملئذنــة هــي املــكان املرتفــع الــذي ينــادي منــه للصــاة فهــي مــكان املــؤذن وهلــا أشــكال‬
‫عديــدة فمنهــا االســطوانية احللزونيــة املضلعــة(‪ ،)2‬فهــي مــكان املــؤذن‪ ،‬واملئذنــة ليســت‬
‫بدعــة مــن حيــث فكرهتــا ومــن حيــث وجودهــا‪ ،‬فقــد وجــد أصلهــا زمــن النــي ‪ ،‬حيــث‬
‫كان بــال يرتقــي علــى ســطح ليــؤذن فوقــه‪ ،‬ثــم ملــا بنــى املســجد جعــل لــه مرقــاة فــوق‬
‫ســطحه ليــؤذن فوقهــا‪ ،‬كمــا ذكرنــا ذلــك مــن قبــل‪ ،‬يــوم فتــح مكــة‪ ،‬وكمــا يبــدو أن املئذنــة‬
‫اســتكملت شــكلها حتــت عامــل احلاجــة فاملــؤذن يضطــر أن يرتفــع فــوق مــكان األذان‬
‫إذا حــان الوقــت‪ ،‬يف شــدة وهــج الشــمس وحرهــا‪ ،‬وكذلــك يف حــال نــزول املطــر‪ ..‬وهــذا‬
‫مــا دعاهــم للتفكــر يف مظلــة تقيــه حــر الشــمس‪ ،‬ومطــر الشــتاء‪ ،‬وكان الشــكل األول‬
‫البســيط للمئذنــة‪ ..‬ومــع األيــام‪ ،‬وكمــا هــي ســنن احليــاة‪ ،‬بعــد تلبيــة الضــرورة‪ ،‬يفكــر‬
‫بالكماليــات‪ ،‬ولــذا بــدأت عمليــات التجميــل تأخــذ مكاهنــا علــى الســطح اخلارجــي‬
‫للمئذنــة ويف شــكلها وترجــع فكــرة اآلذان واألبــراج إىل الزيقــورات الرافديــة‪ ،‬وأول‬
‫مئذنــة يف ســورية مئذنــة جامــع عمــر يف بصــرى وكمــا يف اجلامــع األمــوي الــي أنشــأها‬
‫الوليــد ‪715‬م‪ ،‬وأصبــح طــراز املــآذن املتبــع هــو أصــل املــآذن الــي ابتــدئ يف بنائهــا منــذ‬
‫ذلــك احلــن‪ ،‬والــي انتشــرت وأصبحــت الشــكل النهائــي للمــآذن األندلســية واملغربيــة‪،‬‬
‫وهــي مربعــة كمئذنــة جامــع القــروان يف تونــس انظــر الشــكل (‪ ،)81‬ومنــارة الكتبيــة يف‬
‫مراكــش انظــر الشــكل (‪ ،)82‬الــي تشــاهبه منــارة املســجد اجلامــع يف إشــبيلية و الــي‬
‫بنيــت يف القــرن الثانــي عشــر امليــادي انظــر الشــكل (‪ ،)83‬وتســمى اآلن اجلريالــدا‪،‬‬
‫ومــن الزيقــورات اســتوحيت مئذنــة امللويــة يف ســامراء انظــر الشــكل (‪ ،)84‬وأمــا مئذنــة‬
‫جامــع ابــن طولــون انظــر الشــكل (‪ )85‬فهــي حلزونيــة والســلم فيهــا مــن اخلــارج‪،‬‬

‫(‪ )1‬عامل املعرفة – املساجد – د‪ .‬حسني مؤنس‪.‬‬


‫(‪ )2‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫وقائمــة علــى قاعــدة مربعــة وهــي منفصلــة‬
‫عــن بنــاء اجلامــع‪ ،‬وتشــابه مئذنــة امللويــة‬
‫مئذنــة مســجد أبــي دلــف يف ســامراء‪ ،‬ويف‬
‫القــرن الرابــع عشــر‪ ،‬وظهــرت مئذنة مزدوجة‬
‫كمئذنــة الغــوري يف اجلامــع األزهــر‪ ،‬ومنــذ‬
‫عهــد املماليــك أصبحــت رقــاب القبــاب وقمــم‬
‫‪81‬‬ ‫الشكل‬
‫املــآذن تكســى بالقاشــاني‪ ،‬ويف العــراق ظهرت‬
‫أســاليب خمتلفــة‪ ،‬منهــا املــآذن احللزونيــة‬
‫واملربعــة واملثمنــة واإلســطوانية‪ ،‬ويف إيــران‬
‫ظهــرت أســاليب خمتلفــة أيضــاً للمــآذن‪،‬‬
‫ولقــد زخرفــت بالقاشــاني وباملقرنصــات‪،‬‬
‫ومنــذ القــرن اخلامــس عشــر ميــادي أصبــح‬
‫‪82‬‬ ‫الشكل‬ ‫للمســاجد يف فــارس مئذنتــان علــى طــريف‬
‫املدخــل‪ ،‬ومتتــاز املــآذن اإليرانيــة عــن غريهــا‬
‫بأهنــا مــن دون طبقــات ومــن دون قواعــد وهــي دقيقــة وشــاهقة حتــى أهنــا مل تســتخدم‬
‫لــأذان قــط‪ ،‬ويف العهــد العثمانــي كانــت املــآذن اســطوانية وممشــوقة وعديــدة يف‬
‫اجلامــع الواحــد‪ ،‬ومثاهلــا جامــع الســلطان أمحــد (األمحديــة) وجامــع حممــد علــي‬
‫بالقلعــة يف القاهــرة انظــر الشــكل (‪ ،)86‬وجامــع التكيــة الســليمانية بدمشــق انظــر‬
‫الشــكل (‪.)1()87‬‬

‫واملئذنــة حبكــم وظيفتهــا هــي أعلــى مــكان يف املســجد‪ ،‬وهبــذا فقــد أســندت إليهــا‬
‫وظيفــة أخــرى‪ ،‬وهــي كوهنــا شــعاراً يعطــي هويــة البنــاء ويــدل عليــه‪ ،‬وهكــذا أضحــت‬
‫ركن ـاً أصي ـاً ومهم ـاً يف بنيــان املســجد حيســب حســابه إنشــائياً ومعماري ـاً ومجالي ـاً‪،‬‬
‫ولعــل أول مئذنــة بنيــت باحلجــارة‪ ،‬هــي مئذنــة جامــع البصــرة عــام ‪ 45‬هـــ فقــد جــاء يف‬
‫فتــوح البلدان‪ :‬ملــا بنــى زيــاد املســجد‪ ،‬جعــل لص َّفتــه املقدمــة مخــس ســوار‪ ،‬وبنــى منارته‬
‫(‪ )1‬عناصر العمارة اإلسالمية (من كتاب العمارة عرب التاريخ للدكتور عفيف هبنسي)‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫باحلجــارة‪ ،‬وتتابــع بنــاء املــآذن بعــد ذلــك‪،‬‬
‫وأول مــن أدخــل املئذنــة إىل املســجد النبــوي‬
‫هــو عمــر بــن عبــد العزيــز ‪ ‬يف توســعة‬
‫الوليــد للمســجد بــن عامــي ‪91 – 88‬هـــ(‪،)1‬‬
‫وظهــرت املــآذن يف العمــارة اإلســامية ألول‬
‫مــرة يف دمشــق حــن أذن بالصــاة مــن أبــراج‬
‫املعبــد القديــم الــذي قــام فيمــا بعــد علــى‬
‫أنقاضه املســجد األموي‪ ،‬وكانت هذه األبراج‬
‫هــي األصــل الــذي بنيــت علــى منوالــه املــآذن‬
‫األوىل يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬وال ســيما يف‬
‫مصــر والشــام وبــاد املغــرب(‪ ،)2‬ومل يكــن‬
‫‪83‬‬ ‫الشكل‬
‫هنــاك مــكان معــن يف املســجد لرفــع األذان‪،‬‬
‫وجيمــع مؤرخــوا املســلمني علــى أن أول مــن‬
‫بــي مئذنــة يف اإلســام هــو معاويــة ابــن‬
‫أبــي ســفيان ‪ ،‬وذلــك يف املســجد اجلامــع‬
‫الكبــر بدمشــق (الشــام)‪ ،‬ومــع مــرور الزمــن‬
‫باتــت املئذنــة قطاعـاً قائمـاً بذاتــه مــن فنــون‬
‫العمــارة اإلســامية‪ ،‬فقــد وجهــت هلــا عنايــة‬
‫كبــرة يف التصميــم والتنفيــذ‪ ،‬وتفاوتــت‬
‫ارتفاعاهتــا إىل عــدة عشــرات مــن األمتــار‪،‬‬
‫وزخــرف بناؤهــا‪ ،‬وزيــن بالنقــوش اإلســامية‬
‫البديعــة‪ ،‬وأعطيــت أشــكاالً شــتى مــا بــن‬
‫‪84‬‬ ‫الشكل‬
‫مــدورة ومضلعــة ومربعــة وقاعدهتــا تتناســب‬
‫(‪ )1‬األلوكة الثقافية – فن العمارة اإلسالمية – العناصر املعمارية يف املسجد النبوي – أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‪.‬‬
‫(‪ )2‬الفــن املعمــاري اإلســامي – الســنة الرابعــة إقتصــاد وتصــرف – املعهــد الثانــوي بســيدي بوعلــي – إعــداد‬
‫وتقديــم‪ :‬مليــاء العباســي‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫طــرداً مــع ارتفاعهــا‪ ،‬وبداخلهــا ســلم حلزونــي‬
‫يصعــد إىل شــرفتها حيــث يقــف املــؤذن‬
‫وينــادي للصلــوات‪ ،‬ويف بعــض املســاجد ال‬
‫ســيما الكبــرة منهــا بنيــت أكثــر مــن مئذنــة‪،‬‬
‫ووصــل عددهــا يف بعــض املســاجد إىل‬
‫عشــرة‪ ،‬كمــا هــو الشــأن يف املســجد النبــوي‬
‫الشــريف‪ ،‬وعــر مشــروع خــادم احلرمــن‬
‫الشــريفني امللــك فهــد أل ســعود‪ ،‬يف التوســعة‬
‫الكــرى احلديثــة‪ ،‬وأطلــق علــى املئذنــة أيض ـاً‬
‫اســم «املنــارة» وقــد جــاءت التســمية مــن‬
‫‪85‬‬ ‫الشكل‬ ‫القناديــل الــي كانــت تضــاء فيهــا ليــاً‪ ،‬ثــم‬
‫اســتخدمت يف إضاءهتــا الطاقــة الكهربائيــة‪،‬‬
‫لتــزداد نــوراً علــى نــور علــى أن اســم «املنــارة»‬
‫رمبــا كان معروفـاً حتــى قبــل إنــارة املــآذن‪ ،‬ويف‬
‫أخبــار العهــد األول مــن اإلســام قيــل أن بــال‬
‫ربــاح ‪ ‬كان يــؤذن مــن أعلــى منــارة يقــف‬
‫‪86‬‬ ‫الشكل‬ ‫فيهــا علــى اســطوانة أي عمــود يف بيــت عبــد‬
‫اهلل بــن عمــر ‪ ،‬ويعتقــد يف هــذا الصــدد أن‬
‫التســمية جــاءت مــن «اهلدايــة» حيــث الصــاة‬
‫عمــود الديــن‪ ،‬وخــال حــوايل ألــف ومائــي‬
‫ســنة بعــد اهلجــرة بــات إنشــاء املــآذن جــزءاً ال‬
‫يتجــزأ مــن إنشــاء املســاجد‪ ،‬وتنوعــت أشــكال‬
‫‪87‬‬ ‫الشكل‬ ‫املــآذن وهندســتها بتنــوع العصــور الــي مــرت‬
‫علــى ديــار املســلمني‪ ،‬واشــتهرت بعــض املــدن‬
‫اإلســامية بعــدد مآذهنــا‪ ،‬كمــا هــو احلــال يف القاهــرة الــي تعــرف مبدينــة األلــف‬
‫مئذنــة انظــر الشــكل (‪ ،)88‬واســتنبول الــي تعــرف مبدينــة الـــ (‪ ،)444‬وبنيــت علــى‬

‫‪329‬‬
‫منوالــه املــآذن األوىل يف العمــارة اإلســامية‪،‬‬
‫وال ســيما يف مصــر والشــام وبــاد املغــرب‪،‬‬
‫أمــا مــآذن العصــر الذهيب يف اإلســام فكانت‬
‫تقــام علــى قاعــدة مربعــة ترتفــع قليـاً أعلــى‬
‫‪88‬‬ ‫الشكل‬ ‫ســقف املســجد‪ ،‬وبعــد ذلــك تتحــول علــى‬
‫شــكل مثانــيّ األضــاع إىل الشــرفة األوىل‪،‬‬
‫وكان يُحَلِّــي كل ضلــع مــن هــذه األضــاع الثمانيــة قبلــة صغــرة مــزودة بأعمــدة هلــا‬
‫هنايــة مثلثــة الشــكل(‪.)1‬‬

‫وصنــف املتخصصــون يف العمــارة اإلســامية طــرازات املــآذن وأشــكاهلا يف فئات تتصل‬


‫إمــا باحلقــب التارخييــة أو بالبلــد اإلســامي الواحــد أو بأشــخاص بناهتــا مــن اخللفــاء‬
‫والســاطني وامللــوك واألمــراء‪ ،‬وأنشــئت بعــض املــآذن مــن طبقــات عديــدة‪ ،‬كل طبقــة‬
‫منهــا ختتلــف يف تصميمهــا عــن الطبقــات األخــرى‪ ،‬وأشــهر أمثلتهــا مئذنــة مســجد ابــن‬
‫طولــون يف القاهــرة الــي تتألــف مــن ثــاث طبقــات أوالهــا‪ ،‬وهــي القاعــدة مربعــة‪،‬‬
‫والثانيــة أســطوانية‪ ،‬والثالثــة ذات مثانيــة أضــاع‪ ،‬ومــن منــاذج املــآذن الــي بلغــت حــداً‬
‫عاليـاً مــن الروعــة تصميمـاً وتنفيــذاً مــآذن املســجد احلــرام يف مكــة املكرمــة(‪ ،)2‬ومــع‬
‫مــرور الزمــن باتــت املئذنــة قطاع ـاً قائم ـاً بذاتــه مــن فنــون العمــارة اإلســامية‪ ،‬فقــد‬
‫وجهــت هلــا عنايــة كبــرة يف التصميــم والتنفيــذ‪ ،‬وتفاوتــت ارتفاعاهتــا إىل عــدة عشــرات‬
‫مــن األمتــار‪ ،‬ويف بعــض املســاجد ال ســيما الكبــرة منهــا بنيــت أكثــر مــن مئذنــة‪ ،‬ووصــل‬
‫عددهــا يف بعــض املســاجد إىل عشــرة‪ ،‬كمــا هــو الشــأن يف املســجد النبوي الشــريف(‪.)3‬‬

‫واملنــارة أو الصومعــة متثــل أحــد أهــم العناصــر علــى اإلطــاق يف عمــارة املســجد‪،‬‬
‫فارتفــاع املئذنــة خيضــع عــادةً إىل التشــكيل اخلارجــي للمســجد مــع وجــود التناغــم يف‬
‫(‪ )1‬الفــن املعمــاري اإلســامي – الســنة الرابعــة إقتصــاد وتصــرف – املعهــد الثانــوي بســيدي بــو علــي – إعــداد‬
‫وتقديــم‪ :‬مليــاء العباســي‪.‬‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب ‪ -‬التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد ‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‬
‫(‪ )3‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA - M1-‬املســاجد ‪-‬‬
‫محــود‪.‬‬
‫مق ـدّم مــن ريتــا خليــل بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬

‫‪330‬‬
‫نســب التفــاوت بينهــا وبــن القبــة وبــن أبعــاد وواجهــات املســجد‪ ،‬ممــا يوحــي للناظــر‬
‫التجانــس املطلــوب يف وجــوه فــن العمــارة بشــكل عــام(‪ ،)1‬وكانــت املــآذن يف العصــر‬
‫اإلســامي األول مربعــة القطــاع حتــى الشــرفة األوىل‪ ،‬ثــم تســتمر كذلــك مربعــة أو‬
‫علــى شــكل مثانــي األضــاع‪ ،‬ويلــي ذلــك شــكل مثمــن أو دائــري وتنتهــي بقبــة صغــرة(‪،)2‬‬
‫وأن فكــرة املــآذن واألبــراج يرجــع إىل الزيقــورات الرافديــة‪ ،‬ومــن الزيقــورات اســتوحيت‬
‫مأذنــة امللويــة يف ســامراء‪ ،‬ومنــذ القــرن اخلامــس عشــر ميــادي أصبــح للمســاجد يف‬
‫فــارس مئذنتــان علــى طــريف املدخــل(‪ ،)3‬وجنــد أن هنــاك اليــوم عــدد ال حيصــى مــن‬
‫طــرازات عمــارة املــآذن يف شــتى أحنــاء العــامل يتفــق كل منهــا مــع البيئــة الــي أقيمــت‬
‫فيهــا‪ ،‬باســتيحاء الطابــع املعمــاري الغالــب يف تلــك البيئــة وتطويــره مبــا يتناســب مــع‬
‫هندســة املســاجد ومآذهنــا‪ ،‬ويف هــذا الصــدد ميكــن أن نشــر إىل الطــرازات العربيــة‬
‫يف شــبه اجلزيــرة العربيــة والطــرازات الســلجوقية واململوكيــة واملغوليــة واألتابكيــة‬
‫واأليوبيــة‪ ،‬وقبلهــا األمويــة والعباســية‪ ،‬و طــرازات آســيا الوســطى ومشــال أفريقيــا‬
‫واألندلــس وغريهــا‪ ،‬ويف كل مــن هــذه الطــرازات روائــع مــن اإلبــداع املعمــاري الــذي‬
‫يعتــر فنـاً إســامياً خالصـاً تأثــر بــه معماريــو أوروبــا‪ ،‬واقتبســوا منــه يف عمــارة أبــراج‬
‫كنائســهم ومعابدهــم‪ ،‬ومــن أهــم مــا تتميــز بــه املــآذن يف هــذا العصــر الشــرفات البــارزة‬
‫ذات اخلمائــل اجلميلــة املصنوعــة مــن اجلبــس أو احلجــر الصناعــي‪ ،‬وهــي ذات شــكل‬
‫ســحري ترتفــع حنــو الفضــاء الســماوي الربانــي كالســهم‪ ،‬وخلفهــا أذرع ممتــدة إىل‬
‫ســبحانه وتعــاىل تطلــب املزيــد مــن الرمحــة(‪.)4‬‬

‫ومــن منــاذج املــآذن الــي بلغــت حــداً عاليــاً مــن الروعــة تصميمــاً وتنفيــذاً‪ :‬مــآذن‬
‫املســجد احلــرام يف مكــة املكرمــة واملســجد النبــوي الشــريف يف املدينــة املنــورة‬
‫واجلامــع األزهــر وجامــع ابــن طولــون واجلامــع األزرق ومســجد الســلطان حســن يف‬
‫القاهــرة واجلامــع األمــوي يف دمشــق واجلامــع الكبــر يف ســامراء (وفيــه املئذنــة امللويــة‬

‫(‪ )1‬عناصر بناء املسجد يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬حسن عني احلياة‪.‬‬


‫(‪ )2‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬
‫(‪ )3‬من كتاب العمارة عرب التاريخ للدكتور عفيف هبنسي‪.‬‬
‫(‪ )4‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪331‬‬
‫املعروفــة) ومئذنــة مســجد زكريــا الكبــر يف‬
‫حلــب‪ ،‬ومســجد النــوري يف املوصــل انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)88‬ومســجد أيــا صوفيــا انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)89‬وجامــع شــاه زاد يف اســتنبول‬

‫‪89‬‬ ‫الشكل‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)90‬واملســجد الكبــر يف‬
‫الربــاط انظــر الشــكل (‪ ،)91‬وجامــع القــروان‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)92‬ومســجد الزيتونــة يف‬
‫تونــس انظــر الشــكل (‪ ،)93‬واجلامــع الكبــر‬
‫‪( +‬اجلريالــدا) يف األندلــس – أســبانيا انظــر‬
‫الشــكل (‪ - )94‬ومســجد مدرســة شــارمنار‬
‫يف خبــاري ومســجد شــردور يف مسرقنــد‬
‫‪90‬‬ ‫الشكل‬ ‫ومســجد مســعود الثالــث يف أفغانســتان‬
‫(غزنــة) ومســجد قطــب الديــن ومســجد شــاه‬
‫جيهان‪ -‬وكالمها يف دهلي ‪ -‬ومسجد جيهان‬
‫جــر يف الهــور‪ ،‬وغريهــا مئــات ومئــات(‪.)1‬‬

‫ثانياً‪ :‬األهلة‬
‫أصبــح مــن األمــور الشــائعة واملتعــارف عليهــا‬
‫‪91‬‬ ‫الشكل‬ ‫يف بنــاء املســاجد وجــود األهلــة علــى املــآذن‬
‫والقبــاب حبيــث أصبحــت عنصــراً مالزمــاً‬
‫ومكمــاً هلــا ويرجــح د‪ /‬صــاحل ملعــي أن اســتعمال اهلــال يف العمائــر اإلســامية‪،‬‬
‫يرجــع إىل ثالثــة أشــياء‪ :‬أوهلــا أن التوقيــت اإلســامي يعتمــد علــى األشــهر القمريــة إىل‬
‫جانــب ارتبــاط مواقیــت بعــض العبــادات كالصيــام واحلــج هبــا‪{ ...‬یسـألونك عــن األهلــة‬
‫قــل هــي مواقيــت للنــاس واحلــج}‪( ،‬ســورة البقــرة) وثانيهــا أن اهلــال عندمــا يظهــر يف‬
‫أول الشــهر العربــي‪ ،‬فينــر األرض الــي هــي مهــددة الظــام‪ ،‬والــذي ســادها عندمــا‬
‫(‪ )1‬إسالم ويب ‪ -‬مارة املساجد‪ ..‬األمنوذج السعودي لبناء بيوت اهلل ‪ -‬وزارة اإلعالم ‪ -‬اململكة العربية السعودية‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫كان القمــر يف احملــاق‪ ،‬وقــد يكــون اســتعمال‬
‫اهلــال تعبــراً عــن ظهــور اإلســام الــذي بــدد‬
‫ظلمــات اجلاهليــة وحطــم الشــرك بــاهلل‪،‬‬
‫وثالثهــا فــإن وجــود اهلــال يف مبنــى ذي‬
‫‪92‬‬ ‫الشكل‬ ‫أمهيــة عظيمــة مثــل قبــة الصخــرة جيعلــه‬
‫ضمــن املفهــوم العــام لإلســام‪ ،‬وال شــك أن‬
‫اســتعمال األهلــة اليقتصــر فقط علــى املعاني‬
‫الرمزيــة ولكنــه يوضــع علــى املــآذن والقبــاب‬
‫حبيــث تكــون فتحتــه موازيــة الجتــاه القبلــة‪،‬‬
‫ليســاعد املصلــن علــى حتديــد اجتاههــا‬
‫بســهولة وكذلــك علــى متييــز موقــع املســجد‪،‬‬
‫‪93‬‬ ‫الشكل‬ ‫وعــادة مــا يتــم تصنيــع األهلــة مــن بعــض‬
‫املعــادن كالنحــاس أو الربونــز‪ ،‬أمــا األهلــة الــي‬
‫تعلــو قبــة املنــر والــي تغطــي اجللســة املعــدة‬
‫خلطيــب اجلمعــة فعــادة مــا تكــون مصنوعــة‬
‫مــن اخلشــب وهــي مــادة صناعــة املنابــر يف‬
‫الغالــب(‪.)1‬‬
‫ثالثاً‪ :‬العقود‬
‫‪94‬‬ ‫الشكل‬
‫اهتــم العــرب يف العصــر اإلســامي بعمــارة‬
‫املســاجد واجلوامــع‪ ،‬وكانــت تبنــى علــى شــكل صحــن مكشــوف وحولــه إيوانــات‬
‫مســقوفة أمههــا إيــوان القبلــة أو بيــت الصــاة‪ ،‬وكان الســقف يف البدايــة يصنــع مــن‬
‫اجلريــد وســعف النخيــل‪ ،‬وحيمــل علــى أعمــدة مــن جــذوع النخــل‪ ،‬أو كان الســقف‬
‫يصنــع مــن اخلشــب وحيمــل علــى عمــد فوقهــا األعتــاب الــي حتمــل الســقف‪ ،‬ثــم‬
‫تطــورت إىل العقــود احلجريــة الــي يســتعاض هبــا عــن األعتــاب اخلشــبية العاديــة‪ ،‬وكان‬
‫هلــذه العقــود دور هــام يف جتديــد طــراز العمــارة اإلســامية يف األمصــار املختلفــة(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب – التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد – عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل وزارة اإلعــام – اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫وللعقــود أشــكال خمتلفــة‪ :‬فمنهــا العقــود نصــف الدائريــة ومنهــا العقــد الدائــري املرتــد‬
‫الــذي يشــابه حــدوة الفــرس‪ ،‬ومنهــا العقــد املرتــد املدبــب‪ ،‬ومنهــا العقــد املخمــوس‪،‬‬
‫واملخمــوس املرتفــع‪ ،‬ويطلــق عليــه املدبــب ‪ -‬وهــو ينتــج عــن تقاطــع دائرتــن‪ ،‬ولذلــك‬
‫فالحننائــه مركــزان‪ ،‬أمــا العقــد املخمــوس ذو الثالثــة مراكــز‪ ،‬فيظهــر مــن تســميته‬
‫أن لــه ثالثــة مراكــز‪ ،‬وكذلــك العقــد ذو األربعــة مراكــز‪ ،‬أمــا العقــد الثالثــي أو متعــدد‬
‫العقــود فيطلــق عليــه كذلــك متعــدد اخلانــات أو املصفــح أو املفصــص‪ ،‬ومنهــا كذلــك‬
‫العقــد املســتقيم الــذي يعلــوه عقــد آخــر منحــي لتخفيــف احلمــل(‪.)1‬‬
‫ونالحــظ أن أقــوى هــذه العقــود هــو العقــد املدبــب واملســنن؛ ألن ثقــل األوزان احململــة‬
‫عليــه ينحــدر إىل األرجــل ثــم إىل كتــف البنــاء‪ ،‬كمــا نالحــظ أن هــذه العقــود هــي‬
‫األســاس يف تطويــر الســقوف املقببــة والقبــاب‪ ،‬وقــد تطــور هــذا الفــن يف البــاد‬
‫اإلســامية مــن طــرز خمتلفــة للعقــود ومنحنياهتــا وزخارفهــا طبقـاً لطبيعــة البلــد الــي‬
‫عمــل هبــا‪ ،‬واســتعمل فنانوهــا وبناؤهــا مــواد البنــاء املتوفــرة فيهــا‪ ،‬ولذلــك فقــد امتــازت‬
‫العمــارة العربيــة‪ ،‬بتنــوع أشــكال العقــود(‪ ،)2‬وكان كل بلــد يفضــل بعــض هــذه العقــود‬
‫علــى البعــض اآلخــر‪ ،‬وأن هــذه العقــود اســتعملت يف العمــارة اإلســامية بوجــه عــام‬
‫علــى النحــو التــايل‪:‬‬
‫‪ -1‬عِقــد علــى شــكل حــدوة احلصــان‪ ،‬وهــو عقــد يرتفــع مركــزه عــن رجلــي‬
‫العقــد‪ ،‬ويتألــف مــن قطــاع دائــري أكــر مــن نصــف دائــرة‪.‬‬
‫‪ -2‬العقد املخموس‪ ،‬وهو يتألف من قوس ودائرتني وهو مدبب الشكل‪.‬‬
‫‪ -3‬العقــد ذو الفصــوص‪ ،‬اســتعمل خصوصـاً يف بــاد املغــرب ويتألــف من سلســلة‬
‫عقــود صغرية‬
‫‪ -4‬العقــد املزيــن باطنــه باملقرنصــات‪ ،‬شــاع اســتعماله يف األندلــس وال ســيما‬
‫قصــر احلمــراء وبــاد املغــرب‪.‬‬
‫‪ -5‬العقــد املدبــب املرتفــع‪ ،‬اســتعمل بكثــرة يف إيــران وجنــد منــه أمثلــة يف مســجد‬
‫الشــام واســتعمل أيضـاً يف مســاجد مصــر(‪.)3‬‬
‫(‪ )1‬اجلامعــة اللبنانيّــة – كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة – مركــز اللغــات والرتمجــة – ‪ – ALEA - M1‬املســاجد –‬
‫محــود‪.‬‬
‫مقـدّم مــن ريتــا خليــل – بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب – التطوراملعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد – عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل – وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪334‬‬
‫والعقــود‪ :‬ومــن الواضــح أن نقطــة البدايــة يف عمــل القبــة هــي ابتــكار العقــد أو القــوس‬
‫املصــري القديــم وكان يطيــل األعمــدة ويسقـفـهـــا بـقـطـــع احلـجـــر‪ ،‬فـلـــم يـجـــد نفســه‬
‫حباجــة إىل التفكــر يف العقــود‪.‬‬

‫وأصــل العقــد آســيوي‪ ،‬ولكنــه تطــور علــى أيــدي الـفـــرس والـرومـــان تـطـــوراً واســعاً‪ ،‬ثــم‬
‫جــاء املســلمون فســاروا بالعقــود مــدى أبعــد وأكثــر تنوعـاً‪ ،‬والعقــد يرتكــز أساسـاً علــى‬
‫ابتــكار العقــد املخمــوس الــذي يتكــون مــن مخــس قطــع مــن احلجــارة مهيــأة علــى شــكل‬
‫أوتــاد يعشــق بعضهــا يف بعــض علــى صــورة جتعلهــا تــزداد متاســكاً كلمــا وقــع ضغــط‬
‫علــى أعالهــا‪ ،‬واحلجــر الوتــدي األوســط يســمى املفتــاح ‪ Keystone‬ويضــاف إىل‬
‫األحجــار الوتديــة الرئيســية واحــد يف كل جانــب يســمى املقـعـــد ويـعـــرف فـــي الـلـغـــة‬
‫اإلجنـلـيـزيـــة باســم ‪ import‬ويف الفرنســية باســم ‪ Voussoire‬أي مقعــد العقد‪،‬ثــم‬
‫تضــاف أحجــار وتديــة أخــرى تكمــل اســتدارة العقــد‪ ،‬ويســمى احلجــر اخلامــس مــن‬
‫كل جهــة باســم الفوســوار أيضــاً‪ ،‬وبعــد ذلــك تــراص أحجــار أخــرى تنــزل بالعقــد‬
‫مــن الناحيتــن علــى كتــف البنــاء أو علــى رأس العمــود احلامــل للعقــد‪ ،‬ويســمى هــذان‬
‫الطرفــان برجـلـــي العقــد‪ ،‬والواحــد رجــل وتعــرف كل قطعــة مــن قطــع احلجــر الــي تكــون‬
‫العـقـــد (بالصنجــة) واجلمــع صنجــات‪ ،‬إذا كـــان الـعـقـــد مـــن احلـجـــر‪ ،‬أمـــا إذا كـــان مـــن‬
‫اآلجــر فتعــرف باملدمــاك واملدمــاك يتكــون مــن عــدد مــن اآلجــرات توضــع قائمــة علــى‬
‫هيئــة تكــون يف جمموعهــا صنجــة‪ ،‬ويالحــظ أن تركيــب العقــد يعتمــد علــى إحــكام هيئــة‬
‫كل حجــر مــن أحجــاره‪ ،‬حبيــث يتألــف منهــا كل واحــد مرتابــط‪ ،‬واملهــم أن قــوة الدفــع‬
‫احلادثــة مــن ضغــط األحجــار بعضهــا علــى بعــض‪ ،‬وكذلــك وزن البنــاء الــذي ســيحمل‬
‫علــى الـعـقـــد‪ ،‬تتــوزع علــى قطــع العقــد وأرجلــه بصــورة كاملــة التــوازن تنتهــي باجتـــاه‬
‫عـمـــودي حنــو األرض‪ ،‬فيقــع العــبء الباقــي كلــه علــى أســاس البـنـــاء أو قـاعـــدة الـعـمـــود‬
‫احلامــل لــه(‪ ،)1‬واجلديــر بالذكــر أنــه يف العصــر األمــوي وعلــى ســبيل املثــال شــكل عقــد‬
‫دائــري وذلــك يف قصــر احلــر الشــرقي انظــر الشــكل (‪ ،)95‬وكذلــك يف عمــارة العصــر‬

‫(‪ )1‬عامل املعرفة – املساجد – د‪ .‬حسني مؤنس‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫العثمانــي مبصــر‪ ،‬كمــا يف مســجد حممــد علي‬
‫بالقلعــة انظــر الشــكل (‪.)1()96‬‬

‫رابعاً‪ :‬األعمدة والتيجان‬

‫تعتــر األعمــدة مــن أهــم العناصــر املعماريــة‬


‫اإلنشــائية باملبانــي واملســاجد‪ ،‬وقــد كانــت يف‬
‫‪95‬‬ ‫الشكل‬
‫البدايــات األوىل لبنــاء املســاجد مــن جــذوع‬
‫النخــل لتحمــل الســقف املصنــوع مــن جريــد‬
‫النخــل‪ ،‬وملــا انتقلــت صناعــة البنــاء من الطني‬
‫إىل األحجــار عملــت األعمــدة بقاعــدة وســاق‬
‫وتــاج أعالهــا‪ ،‬فالقاعــدة هــي الــي يرتكــز‬
‫عليهــا العمــود كأســاس علــى األرض‪ ،‬والســاق‬
‫أو البــدن الــذي يعتمــد عليــه العمــود‪ ،‬والتــاج‬
‫‪96‬‬ ‫الشكل‬
‫هــو رأس العمــود‪ ،‬وهــو اجلــزء الزخــريف‬
‫العلــوي الــذي كانــت فائدتــه مــن الناحيــة اإلنشــائية كمخــدة أو قاعــدة لتلقــي األمحــال‬
‫ونقلهــا إىل جســم العمــود(‪.)2‬‬

‫والعمــود هــو مــا يدعــم هبــا الســقف أو اجلــدار‪ ،‬ولقــد أخــذ العمــود تســميات عــدة فهــو‪:‬‬
‫عمــود يف املشــرق‪ ،‬وســارية يف املغــرب‪ ،‬ومشعــة يف لبنــان‪ ،‬واســطوانة علــى لســان بعــض‬
‫الكتــاب‪ ،‬ويف العصــور اإلســامية املبكــرة اســتعملت جــذوع النخيــل كأعمــدة كمــا يف‬
‫املســجد النبــوي‪ ،‬وبعــد ذلــك جلأ املســلمون إىل اســتعمال األعمدة اليونانيــة والرومانية‬
‫والبيزنطيــة اجمللوبــة مــن املبانــي الســابقة‪ ،‬ثــم مالبــث أن اعتمــد البنــاء اإلســامي علــى‬
‫أعمــدة ذات تصمیمــات نابعــة مــن الفــن اإلســامي نفســه‪ ،‬وبذلــك تنوعــت أشــكال‬
‫األعمــدة اإلســامية مابــن الشــكل الدائــري واملثمــن واملســتطيل‪ ،‬كمــا عرفــت العمــارة‬

‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة – م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬


‫(‪ )2‬إسالم ويب ‪ -‬التطور املعماري للمساجد – العناصر األساسية يف املساجد ‪ -‬عمارة املساجد‪..‬‬

‫‪336‬‬
‫اإلســامية األعمــدة على شــكل نصــف دائرة‬
‫أوثالثــة أربــاع دائــرة وألصقــت باجلــدران‬
‫للتدعيــم حينــاً وللزخرفــة يف أغلــب‬
‫األحيــان األخــرى خاصــة عنــد اســتعماهلا‬
‫علــى جانــي األبــواب واملداخــل‪ ،‬ويف أركان‬

‫‪97‬‬ ‫الشكل‬
‫قوصــرة احملــراب‪ ،‬والعمــود مــن الناحيــة‬
‫املعماريــة يتكــون مــن ثالثــة أجــزاء رئيســية‬
‫وهــي‪ :‬القاعــدة ثــم البــدن ثــم التــاج‪ ،‬ويف مصــر مت اســتعمال التــاج الناقوســي والتــاج‬
‫املقرنــص‪ ،‬كمــا شــاع اســتعمال التيجــان والقواعــد الناقوســية يف العصــر اململوكــي‬
‫اجلرکســي‪ ،‬أمــا التــاج املقرنــص فقــد اســتعمل يف العمــارة الســلجوقية‪ ،‬كمــا جنــد‬
‫مثــاالً لــه يف األعمــدة علــى جانبــی قوصــرة مدخــل مدرســة الســلطان حســن بالقاهــرة‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)97‬وعــادة يوضــع فــوق التــاج طبليــة مــن اخلشــب حتــى يتــم توزيــع‬
‫األمحــال جبهــد متســاو علــى ســطح التــاج‪ ،‬إىل جانــب إجيــاد منســوب واحــد لبدايــة‬
‫أرجــل العقــود خاصــة يف حالــة اســتعمال أعمــدة خمتلفــة االرتفــاع نظــراً ألهنــا جملوبــة‬
‫مــن مبانــي أخــرى‪ ،‬كمــا يتــم عمــل أوتــار عبــارة عــن عــروق خشــبية توضــع فــوق الطبلية‬
‫اخلشــبية يف منســوب بدايــة العقــد وتربــط بــن األعمــدة املقاومــة القــوى األفقيــة‬
‫الناجتــة مــن دفــع العقــود وكذلــك حلمــل مصابيــح اإلنــارة(‪ ،)1‬واســتعملت يف البدايــة‬
‫أعمــدة كانــت تنقــل مــن املعابــد والكنائــس والعمائــر املزينــة‪ ،‬ثــم اكتســبت العمــارة‬
‫اإلســامية أعمــدة وتيجــان مبتكــرة مسيــت أعمــدة ذات البــدن األســطواني وذات‬
‫املضلــع تضليــع حلزونــي‪ ،‬وذات البــدن املثمــن الشــكل‪ ،‬وتزيــن أضالعــه بالزخــارف‬
‫النباتيــة الدقيقــة‪ ،‬كمــا هــو احلــال يف جامــع قاتيبــاي انظــر الشــكل (‪ ،)98‬أمــا تيجــان‬
‫األعمــدة فعرفــت منهــا تيجــان بســيطة‪ ،‬وتيجــان تشــمل علــى ورق عــن صنــف النباتات‪،‬‬
‫قــد تصــل يف جزئهــا األســفل‪ ،‬وتتألــف صفحتــه مــن الزخــارف النباتيــة(‪ ،)2‬وكانــت‬
‫األعمــدة يف بعــض األحيــان تؤخــذ مــن مبانــي بعــض أطــال األبنيــة الرومانيــة القدميــة‬
‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – املهندس حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫أو البيزنطية القدمية الســتعماهلا يف باكيات‬
‫املســاجد‪ ،‬ومــن الطبيعــي كان تأثــر هــذه‬
‫األنــواع مــن األعمــدة غريبــاً يف جمموعــه‪،‬‬
‫أمــا األعمــدة الــي ابتدعهــا فنانــوا العــرب‬
‫والصنــاع املهــرة يف العمــارة اإلســامية‪،‬‬
‫فكانــت تتميــز بأشــكال حلياهتــا الشــرقية‬
‫العربيــة األصيلــة‪ ،‬وكانــت متتــاز بالبســاطة‪،‬‬
‫وهــي رفيعــة نســبة إىل ارتفاعهــا ‪12‬مــرة‬
‫للقطــر‪ ،‬هلــا تيجــان مجيلــة ذات رقبــة طويلــة‬
‫‪98‬‬ ‫الشكل‬ ‫وصفحــة مربعــة مشــغولة باملقرنصــات‪ ،‬مــع‬
‫أشــغال األرابســك الــي ترتكــز فوقهــا العقــود‬
‫العربيــة(‪.)1‬‬

‫فاألعمــدة عنصــر معمــاري أصيــل اخرتعــه‬


‫املصريــون القدمــاء وأبدعــوا يف اســتعماله‬
‫حتــى إن اإلنســان ليتعجــب وهــو يتأمــل‬
‫جمموعــة الكرنــك املعماريــة ومــا فيهــا مــن‬
‫‪99‬‬ ‫الشكل‬ ‫األعمــدة الــي تــروع النفــس بضخامتهــا‬
‫وارتفاعهــا وإتقــان صنعهــا انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)99‬وتواليهــا يف البنــاء علــى حنــو حيــدث يف النفــس أثــراً عميقـاً‪ ،‬واملصريــون كذلــك‬
‫هــم الذيــن علمــوا النــاس طريقــة إقامــة عمــود متــن ومجيــل يف آن واحــد‪ ،‬وذلــك‬
‫بتقســيمه إىل ثالثــة أقســام رئيســية هــي‪:‬‬

‫قاعــدة العمـــود ‪ -‬الــي تعتمــد علــى أساســه يف األرض‪ ،‬ثــم بــدن العمــود ثــم رأســه أو‬
‫تاجــه‪ ،‬وال ميكــن إقامــة عمــود دون قاعــدة متينــة مــن احلجــر أو اآلجــر‪ ،‬وخيتلـــف‬
‫ارتفــاع القاعــدة حبســب ارتفــاع العمــود نفســه‪ ،‬ومــا يــراه املهنــدس مــن الناحيتــن‬
‫(‪ )1‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬

‫‪338‬‬
‫اهلندســية واجلماليــة‪ ،‬أمــا بــدن العمــود فقــد يكــون مــن الرخــام ‪ -‬قطعــة واحــدة أو‬
‫قطعـاً أســطوانية بعضهــا فــوق بعــض‪ ،‬أو قــد يبنـــى مـــن اآلجـــر أو احلـجـــر‪ ،‬ويف هــذه‬
‫احلالــة يســمى دعامــة‪ ،‬والدعامــات أقــوى وأمــن ولكنهــا أقــل مجــاالً‪ ،‬ويف العــادة يــزاوج‬
‫املعمــاري بــن األعمــدة والدعامــات‪ ،‬فهــو يـقـيـــم األعـمـــدة‪ ،‬الــي حتمــل عقــوداً متعــددة‬
‫مــن احلجــر أو اآلجــر لكـــي حتـمـــل ثـقـــل الـعـقـــود والقبــة فوقهــا‪ ،‬إذا كانــت هنــاك قبــة‪،‬‬
‫أمــا تــاج العمــود فهــو رأســه‪ ،‬واملصريــون القدمــاء هم أول من ابـتـكـــر زيـنـــة رأس العمود‬
‫بعملهــا يف هيئــة أغصــان النخلــة أو تفــرع زهــرة اللوتــس‪ ،‬ثــم ابتكــر اليونــان والرومــان‬
‫أشــكاالً بديعــة لــرؤوس األعمــدة‪ ،‬ويســتعمل رأس العمــود أو تاجــه كوســيلة لتوسيـــع‬
‫مـسـاحـتـــه الـعـلـيـــا الـتـــي ســتقوم عليهــا العقــود‪ ،‬وهلــذا فــإن التــاج يكــون يف هذه احلالة‬
‫قاعــدة أو خمــدة يف هيئــة خمــروط مقلــوب ينتهــي مــن أعــاه مبســطح واســع‪ ،‬وقــد‬
‫تفنــن املعماريــون املســلمون يف اســتخدام األعمــدة وتنســيقها‪ ،‬وابتكــروا منهــا أنواع ـاً‬
‫وأشــكاالً شــتى‪ ،‬ومــن بديــع ابتكاراهتــم األعمــدة القصــرة‪ ،‬واألعمــدة الدقيقــة الــي‬
‫تســتعمل أزواج ـاً‪ ،‬ويف هــذه احلالـــة يـكـــون لـكـــل زوج مـنـهـــا تـــاج واحــد‪ ،‬ويف العــادة‬
‫كانــت األعمــدة الرخاميــة تـشـتـــرى جـاهـــزة‪ ،‬فـقـــد كـــان هـنـــاك جتــار متخصصــون يف‬
‫احلصــول عليهــا وبيعهــا‪ ،‬وهــم يف العــادة يأخذوهنــا مــن األبنيــة القدميــة‪ ،‬فــإذا قيــل لنــا‬
‫إن أعمــدة جامــع القــروان أتــي هبــا مــن صقليــة وجنــوب إيطاليــا انظــر الشــكل (‪،)100‬‬

‫فليــس معنــى ذلــك أن املســلمني أخذوهــا مــن الكنائــس غصب ـاً‪ ،‬كمــا يفهــم مــن بعــض‬
‫أقــوال الباحثــن الغربيــن‪ ،‬بــل املفهــوم‬
‫أهنــم اشــروها مـــن جتارهــا‪ ،‬وقــد‬
‫اشــرى خلفــاء بــي أميــة يف األندلــس‬
‫كل األعمــدة البديعــة الــي نراهــا‬
‫يف مســجد قرطبــة‪ ،‬وتتبــن مهــارة‬
‫املعمــاري يف إقامــة األعمـــدة عـلـــى‬
‫‪100‬‬ ‫الشكل‬
‫صـــورة كـامـلـــة الـتـعـامـــد والثبــات‪،‬‬

‫‪339‬‬
‫ورفــع العقــود عليهــا دون احلاجــة إىل أربطــة‪ ،‬كمــا تــرى يف مـسـجـــد قرطبــة اجلامــع(‪.)1‬‬

‫وتعتــر األعمــدة مــن أهــم العناصــر املعماريــة اإلنشــائية باملبانــي واملســاجد‪ ،‬وقــد كانــت‬
‫يف البدايــات األوىل لبنــاء املســاجد مــن جــذوع النخــل لتحمــل الســقف املصنــوع مــن‬
‫جريــد النخــل‪ ،‬وملــا انتقلــت صناعــة البنــاء مــن الطــن إىل األحجــار عملــت األعمــدة‬
‫بقاعــدة وســاق وتــاج أعالهــا‪ ،‬فالقاعــدة هــي الــي يرتكــز عليهــا العمــود كأســاس علــى‬
‫األرض‪ ،‬والســاق أو البــدن الــذي يعتمــد عليــه العمــود‪ ،‬والتــاج هــو رأس العمــود‪ ،‬وهــو‬
‫اجلــزء الزخــريف العلــوي الــذي كانــت فائدتــه مــن الناحيــة اإلنشــائية كمخــدة أو قاعــدة‬
‫لتلقــي األمحــال ونقلهــا إىل جســم العمــود(‪.)2‬‬

‫فاألعمــدة ذات أشــكال خمتلفــة‪ ،‬منهــا األســطواني واملضلــع واحللزونــي واملثمــن‪ ،‬أمــا‬
‫التيجــان فبعضهــا بصلــي‪ ،‬أو مزيــن بوريقــات نباتيــة‪ ،‬أو مزيــن باملقرنصــات‪ ،‬أو علــى‬
‫هيئــة ناقــوس‪ ،‬وقــد اســتعمل اإليرانيــون أعمــدة خشــبية مذهبــة كمــا اســتعيض يف‬
‫بعــض األحيــان عــن األعمــدة واألكتــاف بالقبــاب وتعتــر قبــة النســر يف اجلامــع األمــوي‬
‫أقــدم قبــة إســامية انظــر الشــكل (‪.)101‬‬
‫ويف العصــر األيوبــي أخــذت القبــاب طابعــاً‬
‫حمــززاً وحليــت ببعــض الزخــارف اجلصيــة‪،‬‬
‫وامتــازت القبــاب املصريــة الفاطميــة‬
‫باإلرتفــاع والتناســق والزخرفــة اجلميلــة‪ ،‬ويف‬
‫عهــد املماليــك ظهــرت أنــواع شــتى للقبــاب‪،‬‬
‫منهــا نصــف كرويــة‪ ،‬ومنهــا مضلعــة‪ ،‬أو‬
‫بيضوية‪ ،‬وقباب خشــبية كقبة مســجد اإلمام‬
‫الشــافعي ‪1211‬م وهــي مكســوة بالرصــاص‬
‫‪101‬‬ ‫الشكل‬ ‫وبعضهــا مكســو بالقاشــاني انظــر الشــكل‬

‫(‪ )1‬موضوع أكرب موقع عربي – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬اجلامعــة اللبنانيّــة – كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة – مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA - M1-‬املســاجد ‪ -‬مقـدّم‬
‫مــن ريتــا خليــل – بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬
‫محــود‪.‬‬

‫‪340‬‬
‫(‪ ،)102‬ويف املغــرب كانــت القبــاب نصــف‬
‫كرويــة وبــدون زخــارف‪ ،‬ومعظــم القبــاب‬
‫يف إيــران كان بيضاويــاً أو بصلــي الشــكل‬
‫ومغطــى بالقاشــاني الــراق‪ ،‬أمــا يف الطــراز‬
‫العثمانــي فكانــت علــى شــكل نصــف دائــري‬
‫‪102‬‬ ‫الشكل‬
‫مفلطــح‪ ،‬إال أهنــا كانــت عاليــة ومتعــددة يف‬
‫اجلامــع الواحــد‪ ،‬وذات أعنــاق هلــا نوافــذ كالســليمانية يف اســتانبول(‪ ،)1‬وهلــذا كان‬
‫األقدمــون يزخرفونــه بالنباتــات واألزهــار‪ ،‬ولذلــك فــإن أشــكال هــذه النباتــات والزهــور‬
‫قــد انتقلــت إىل صناعــة األحجــار مــع تطــور البنــاء‪ ،‬فظهــرت األعمدة النخيليــة وأعمدة‬
‫نبــات الــردي وأعمــدة نبــات اللوتــس‪ ..‬إخل(‪ ،)2‬فلهــذا نــرى أن األعمــدة الــي ابتدعهــا‬
‫فنانــوا العــرب والصنــاع واملهــرة يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬كانــت تتميــز بأشــكال حليلتهــا‬
‫الشــرقية العربيــة األصيلــة‪ ،‬وكانــت متتــاز بالبســاطة(‪.)3‬‬
‫خامساً‪ :‬اإليوان‪:‬‬

‫وهــو مــن املميــزات املعماريــة البــارزة يف البيــت‪ ،‬أو املســكن اإلســامي‪ ،‬ويطــل علــى‬
‫الصحــن‘ وهــو بنــاء لــه ثالثــة جــدران‪ ،‬يعلــوه طــاق كبــر عــال‪ ،‬وســقف يكــون مكشــوفاً‬
‫مــن واجهتــه األماميــة‪ ،‬ويكــون عــادة مربــع الشــكل وعقدتــه بيضويــة وواجهتــه علــى‬
‫شــكل قــوس مدبب‪4،‬ولــه مواصفــات تشــكل فيهــا األروقــة الــي حتيــط بصحن املســجد‪،‬‬
‫وهلــا أقــواس مرفوعــة علــى أعمــدة‪ ،‬أو دعائــم‪ ،‬وأحلــق الكثــر مــن املســاجد بغــرف‬
‫خاصــة للمــؤذن واإلمــام‪ ،‬أو إليــواء طلبــة العلــم األغــراب‪ ،‬أو حلفــظ مكتبــة املســجد(‪،)5‬‬
‫صُ ّفــة‪ ،‬أو ك ّل جملس واســع مظلَّل‪،‬‬
‫يف اللغــة هــو إيــوان‪ ،‬مجعــه أوا ِويــن وإيوانــات ومعنــاه ال ّ‬
‫أو ال َقبْــو املفتــوح املدخــل والــذي ال أبــواب لــه‪ ،‬واإليــوان دار شــاخمة مكشــوفة الوجــه‬
‫(‪ )1‬عناصر العمارة اإلسالمية ( من كتاب العمارة عرب التاريخ للدكتور عفيف هبنسي )‪.‬‬
‫(‪ )2‬إســام ويــب – التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد – عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج‬
‫الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل – وزارة اإلعــام ‪ -‬اململكــة العربيــة الســعودية‬
‫(‪ )3‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬
‫(‪ )4‬العمارة العربية اإلسالمية – حممد حسني جودي – الطبعة األوىل – ‪1427–2007‬هـ – دار السرية – عمان األردن‪.‬‬
‫(‪ )5‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫معقــودة الســقف‪ ،‬وإيــوان كِســرى (مَثَــل)‪ :‬يُضــرب للبنيــان الرّفيــع العجيــب الصنيعــة‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)103‬املتناهــي احلصانــة والوثاقــة‪ ،‬وبنــاه كســرى يف عشــرين ســنة‬
‫ونيــف مبدينــة املدائــن جنوبــي بغــداد‪ ،‬وهــو مــكان متســع مــن الــدار حتيــط بــه حوائــط‬
‫ثــاث‪ ،‬وجملــس كبــر علــى هيئــة صُ ّفــة واســعة هلــا ســقف حممــول مــن األمــام علــى‬
‫عقــد جيلــس فيــه كبــار القــوم‪ ،‬واســتخدم اإليــوان عنــد العــرب قدميـاً ويرجــع إىل مــا‬
‫قبــل اإلســام‪ ،‬حيــث ابتكــره العــرب ســكان مملكــة احلضــر‪ ،‬وأســتخدمها املنــاذرة قبــل‬
‫اإلســام بقــرون عديــدة‪ ،‬وأول اســتخدام األواويــن عنــد العــرب يف القصــور‪ ،‬ثــم يف‬
‫القــرن األول اهلجــري انتشــر االســتخدام يف املبانــي العامــة كاملــدارس واملستشــفيات‬
‫واخلانــات ودور اإلمــارة وغريهــا‪ ،‬ثــم شــاع اســتخدامها يف البيــوت الســكنية‪ ،‬حيــث‬
‫تطــل علــى صحــن الــدار وتســتخدمه العائلــة كغرفــة معيشــة يف الصيــف(‪.)1‬‬

‫واإليــوان‪ :‬يُعــرف اإليــوان علــى أنــه قاعــة هلــا ثالثــة جــدران فقــط‪ ،‬وســقف فوقهــا‪ ،‬أمّــا‬
‫اجلهــة الرابعــة فهــي مفتوحــة أمــام اهلــواء‬
‫اخلارجــي‪ ،‬وأشــعة الشــمس اجلذابــة‪ ،‬وقــد‬
‫حيتــوي اإليــوان علــى العديــد مــن األعمــدة‪،‬‬
‫وعلــى عناصــر أخــرى للعمــارة اإلســامية‬
‫انظرالشــكل (‪ ،)104‬هــذا وقــد عــرف‬
‫‪103‬‬ ‫الشكل‬ ‫العــرب اإليــوان قبــل جمــيء اإلســام‪ ،‬ليتــم‬

‫‪104‬‬ ‫الشكل‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪342‬‬
‫اســتخدامه فيمــا بعــد يف العديــد مــن األبنيــة اإلســامية اهلامــة(‪.)1‬‬

‫وعــادة تكــون مصفوفة بأعمــدة أو يتقدمها رواق مفتــوح وتطــل على الصحــن أو‬
‫صُ ّفــة‪ ،‬أو ك ّل‬
‫الفنــاء الداخلــي‪ ،‬يف اللغــة هــو إيــوان‪ ،‬مجعــه أوا ِويــن وإيوانــات ومعناه ال ّ‬
‫جملــس واســع مظلَّــل‪ ،‬أو ال َقبْــو املفتــوح املدخــل والــذي ال أبــواب لــه(‪.)2‬‬

‫سادساً‪ :‬السرداب‬

‫الســرداب غرفــة حتــت األرض‪ ،‬وهنــاك الكثــر مــن البيــوت العربيــة التقليديــة مــزودة‬
‫بســرداب‪ ،‬خصوصـاً لــدى األثرياء‪،‬ويوجــد نوعــان مــن الســراديب انظر الشــكل (‪،)105‬‬
‫الســرداب العلــوي وهــو حتــت البيــت ولــه شــبابيك عنــد الســقف تطــل علــى الصحــن‬
‫والســرداب الســفلي‪ ،‬أو القبــو وهــو حتــت األرض متامـاً‪ ،‬وللســرداب غــرض ذكــي هــو‬
‫التربيــد يف فصــل الصيــف حيــث تنخفــض درجــة احلــرارة فيــه اخنفاض ـاً كبــراً عــن‬
‫درجــة احلــرارة يف اخلــارج ممــا جيعــل اجلــو فيــه بــارد‪ ،‬وغالب ـاً مــا يوصــل الســرداب‬
‫العلــوي مبالقــف اهلــواء ممــا جيعــل الســرداب مــكان مثــايل للجلــوس والنــوم يف هنــار‬
‫الصيــف‪ ،‬أمــا يف الشــتاء فيســتخدم للخــزن‪ ،‬وكانــت الســراديب معروفــة لــدى العــرب‬
‫الســبأيني والقتبانيــن أمــا اســتخدام الســراديب علــى نطــاق واســع فذلــك يرجــع‬
‫للعصــر العباســي‪ ،‬أمــا القبــو فيســتخدم للخــزن‪ ،‬وقــد حيتــوي البيــت الواحــد علــى‬
‫ســرداب وشــبه ســرداب أو أكثــر وتتــم إضــاءة‬
‫الســرداب بواســطة كــوات يف أرضيــة الفنــاء‪،‬‬
‫وليــس الســرداب مــن العناصر الــي تتكرر يف‬
‫كافــة الــدول العربيــة عمومـاً‪ ،‬بــل إن تصميمه‬
‫واســتخدامه يعتمــد علــى طبيعــة املنــاخ‬
‫والتضاريــس والعــادات يف املنطقــة‪ ،‬والكلمــة‬
‫‪105‬‬ ‫الشكل‬

‫(‪ )1‬عناصر العمارة اإلسالمية – موضوع أكرب موقع عربي بالعامل‪.‬‬


‫(‪ )2‬اجلامعــة اللبنانيّــة – كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة – مركــز اللغــات والرتمجــة ‪ ALEA - M1-‬املســاجد – مقـدّم‬
‫مــن ريتــا خليــل – بإشــراف الدكتــور ريــاض ّ‬
‫محود‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫مســتعملة يف دول عربيــة عديــدة‪ ،‬وإن كان دول حــوض البحــر األبيــض املتوســط‬
‫يســتعيضون عنهــا بكلمــة قبــو(‪.)1‬‬

‫وهنــاك الكثــر مــن البيــوت العربيــة التقليديــة مــزودة بســرداب‪ ،‬ويوجــد نوعــان مــن‬
‫الســراديب‪ ،‬كمــا أســلفنا العلــوي وهــو حتــت البيــت ولــه شــبابيك عنــد الســقف تطــل‬
‫علــى الصحــن‪ ،‬والســفلي أو القبــو وهــو حتــت األرض متام ـاً(‪.)2‬‬

‫ًسابعاً‪ :‬امليضأة‬

‫مــكان الوضــوء‪ ،‬ومل تكــن امليضــأة مــن العناصــر املعماريــة األساســية امللحقــة باملســاجد‬
‫األوىل‪ ،‬وكانــت امليضــأة أول األمــر حوضـاً يُغــرف منــه املــاء َغرفـاً‪ ،‬ولكنهــا مــا لبثــت أن‬
‫تطـوّرت‪ ،‬فـزُوّدت باألنابيــب واألقنيــة واملقاعــد احلجريــة واجملــاري والنوافــر‪ ،‬وبُلّطــت‬
‫وغ ّطيــت بالقِبــاب‪ ..‬مــع مــا يتطلّــب ذلــك مــن تأ ّنــق يف‬
‫بأنــواع الرخــام اجلميــل امللـوّن‪ُ ،‬‬
‫التصميــم وزخرفــة يف التنفيــذ‪ ،‬وقــد صــارت امليضــأة يف القــرن الســابع للهجــرة ‪/‬‬
‫القــرن الثالــث عشــر للميــاد ‪ -‬وال س ـيّما يف مصــر‪ -‬وحــدة معماريــة قائمــة بذاهتــا‬
‫حتتــل وســط الصحــن‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)106‬وقــد أُحلقــت امليضــأة أيض ـاً باملســجد‬
‫واملصلّــى والضريــح واملدرســة واخلانقــاه(‪.)3‬‬

‫وجيــوز بنــاء املطاهــر بالقــرب مــن املســاجد‬


‫والتوضئــة منهــا‪ ،‬وقـــد روى أبـــو عبــد اهلل‬
‫ابــن بطــة يف كتــاب جــواز اختــاذ الســقاية‬
‫يف رحبــة املســجد مــن جهــة عبــد الــرزاق ‪-‬‬
‫حدثنــا الثــوري عــن املقــدام بــن شــريح عــن‬
‫‪106‬‬ ‫الشكل‬ ‫أبيــه عــن عائشــة رضــي اهلل عنهــا قالــت‪ :‬كن‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬الفــن املعمــاري اإلســامي – الســنة الرابعــة إقتصــاد وتصــرف املعهــد الثانــوي بســيدي بوعلــي إعــداد وتقديــم‪:‬‬
‫مليــاء العباســي‪.‬‬
‫(‪ )3‬عن موسوعة العمارة اإلسالمية (‪ – )414‬امليضأة‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫املعتكفــات إذا حضــن أمــر رســول اهلل بإخراجهــن مــن املســجد‪ ،‬وأن يضربــن األخبيــة‬
‫يف رحبـــة املـسـجـــد حـتـــى يـطـهـــرن وذكـــر فـيـــه حكاية من أمحد أنه احتج بذلك‪ ،‬وهو‬
‫يــدل علــى صحتــه عنـــده‪ ،‬وفـــي كـتـــاب الطهــور ألبــي عبيــد عــن إبراهيــم النخعــي قــال‪:‬‬
‫كانــوا يتـطـهـــرون مـــن مـطـاهـــر املســاجد‪ ،‬روى فعــل ذلــك عــن علــي وأبــي هريــرة ‪.)1(‬‬

‫التكوين املعماري للمسجد‬

‫‪ - 1‬املدخل الرئيسي للمسجد‬

‫يعتــر املدخــل نقطــة االنتقــال مــن الفــراغ اخلارجــي إىل الفــراغ الداخلــي‪ ،‬فقــد تفنــن‬
‫املعمــاري املســلم يف شــكل املدخــل‪ ،‬ملــا لــه مــن تأثــر يف جــذب املصلــي أو الداخــل‬
‫إىل املســجد مبــا يتوافــق والشــكل العــام للمســجد بارتفاعاتــه الــي حتددهــا العناصــر‬
‫واإلرتفاعــات األخــرى كالقبــة واملئذنــة‪ ،‬فمدخــل املســجد مل خيــرج عــن هــذه القاعــدة‬
‫حيــث االرتفــاع الــذي يعــر عــن الســمو بشــكله اجملــوف حتــى ارتفــاع ‪ 5‬أمتــار يعتليــه‬
‫قــوس نقــش عليــه اســم املســجد‪.‬‬

‫وخنلــص ممــا ســبق إىل أن أبــا بكــر وعمــر ‪ ‬آثــرا بقــاء املســجد علــى مــا كان عليــه‬
‫زمــن النــي ‪ ،‬دون أدنــى تعديــل يف مــواد البنــاء أو شــكله أو أســلوبه‪ ،‬وجنــح عثمــان ‪‬‬
‫إىل تعديــل مــواد البنــاء‪ ،‬وإدخــال بعــض اجلماليــات‪ ،‬وتوســع الوليــد يف تلــك الزخرفــة‪،‬‬
‫وميكننــا القــول بــأن املســجد يف احلالــن ظــل يف حــدود االلتــزام‪ ،‬ذلــك أن التشــريع‬
‫اإلســامي يتميــز خبصائــص منهــا‪ :‬الواقعيــة واملرونــة‪ ،‬وانطالق ـاً منهمــا فــإن الكثــر‬
‫مــن التكاليــف جــاءت ضمــن إطــار مــن الفســحة‪ ،‬فهــي تــراوح بــن حــد أعلــى يعـدُّ مثـاً‬
‫للكمــال‪ ،‬وبــن حــد أدنــى ال جيــوز اخلــروج عليــه‪ ،‬وبنــاء علــى هــذا فقــد كان فعــل كل‬
‫مــن أبــي بكــر وعمــر ‪ ‬يف شــأن بنــاء املســجد التزامـاً باحلــد األعلــى‪ ،‬التزامـاً بالــذروة‬
‫مــن الكمــال‪ ..‬فلــم يغــرا يف البنــاء وأبقيــاه كمــا كان يف عهــده ‪ ،‬ومــا فعلــه الوليــد‬
‫كان التزامـاً أيضـاً‪ ،‬فهــو مل يفعــل شــيئاً حرّمــه اإلســام ومل يكــن يف عمليــات الزخرفــة‬

‫(‪ )1‬موسوعة العمارة اإلسالمية – عبد الرحيم غالب – مساجد لبنان‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫شــيء قــال اإلســام مبنعــه‪ ،‬وظلــت الزخرفــة ضمــن إطــار مــن الزخرفــة اهلندســية‬
‫والنباتيــة الــي يبيحهــا اإلســام‪ ،‬ومل حيــدث أن وجــد يف تلــك الزخرفــة شــيء مــن‬
‫رســوم األشــخاص أو ذوات األرواح‪ ،‬وإذن فقــد ظــل ضمــن دائــرة االلتــزام‪ ،‬وإن كان‬
‫بعملــه ذاك قــد انتقــل مــن درجــة الفاضــل إىل درجــة املفضــول(‪.)1‬‬

‫‪ -‬املقصورة‪:‬‬

‫إن اختــاذ املقاصــر يف املســجد مل يعهــد يف الصــدر األول‪ ،‬وقــال أبــو العبــاس القرطــي‬
‫يف شــرح مســلم ال جيــوز اختاذهــا وال يصلــى فيهــا لتفريقهــا الصفــوف وحيلولتهــا‬
‫مــن التمكــن مــن املشــاهدة‪ ،‬وهــذا منــه (أميــن أبــي العبــاس القرطــي) مبــي علــى‬
‫أن املقصــورة تقطــع الصــف األول‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ )107‬وروى أن احلســن البصــري‬
‫وبكــر املزنــي كانــا ال يصليــان فيهــا‪ ،‬ألهنــا أحدثــت بعــد النــي‪ ،‬واملســجد مطلــق جلميــع‬
‫النــاس‪ ،‬إن أول مــن اختذهــا جبامــع دمشــق‬
‫معاويــة‪ ،‬واملقصــورة حجــرة تبنــى يف صــدر‬
‫املســجد أمــا احتجــاج مــن كرهــوا الصــاة يف‬
‫املقصــور‪ ،‬بأنــه املتحــدث أيــام الرســول معنــى‬
‫ذلــك أهنمــا مكروهتــان(‪.)2‬‬

‫‪107‬‬ ‫الشكل‬ ‫‪ -‬فناء املسجد‪:‬‬

‫اشــتهرت العمــارة اإلســامية بالدخــول مــن‬


‫الفــراغ إىل الفــراغ‪ ،‬وذلــك عــر بوابــة الدخــول‬
‫إىل صحــن املســجد حيــث الفــراغ والنــور‬
‫والفضــاء‪ ،‬فقــد كان املعماري املســلم مشــدوداً‬
‫ملصــدر النــور يف تشــكيلته املعماريــة‪ ،‬انظــر‬
‫‪108‬‬ ‫الشكل‬
‫الشــكل (‪ ،)108‬وملــا كان املســجد يفتقــر إىل‬

‫(‪ )1‬عناصر بناء املساجد يف فن العمارة اإلسالمية – مدونة الدكتور األستاذ خليل حسن الزركاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬عامل املعرفة – املساجد – د‪.‬حسني مؤنس‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫الصحــن كان مــن الــازم توفــر هــذا العنصــر‬
‫املهــم يف فنــاء املســجد بفتحاتــه املقوســة‬
‫واملرتفعــة بارتفــاع املســجد إىل عنــان ســقفه‬
‫لتضفــي منظــراً مجالي ـاً(‪.)1‬‬

‫‪109‬‬ ‫الشكل‬ ‫‪ -‬املشربيات‪:‬‬

‫املشــربية أو الشنشــول (اجلمــع مشــربيات أو شناشــيل) هــو عنصــر معمــاري يتم ّثــل‬
‫يف بــروز الغــرف يف الطابــق األول أو مــا فوقــه‪ ،‬ميتــد فــوق الشــارع أو داخــل فنــاء‬
‫املبنــى (يف البيــوت ذات األفنيــة الوســطيّة)‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)109‬تُبنــى املشــربية مــن‬
‫ّ‬
‫واملبطــن بالزجــاج امللــون‪ ،‬وتعـدّ املشــربية إحــدى عناصــر‬ ‫اخلشــب املنقــوش واملزخــرف‬
‫العمــارة التقليديــة الصحراويــة يف البــاد العربيــة احلــارّة‪ ،‬حيــث بــدأ ظهورهــا يف‬
‫القــرن الســادس اهلجــري (الثالــث عشــر امليــادي) إبّــان العصــر العباســي‪ ،‬واســتمر‬
‫اســتخدامها حتــى أوائــل القــرن العشــرين امليــادي‪ ،‬ويكثــر اســتخدام املشــربيات يف‬
‫القصــور والبيــوت التقليديــة (املبانــي الســكنيّة)‪ ،‬إال أهنــا اس ـتُخدمت أيض ـاً يف بعــض‬
‫املبانــي العامــة مثــل دور اإلمــارة واخلانــات واملستشــفيات وغريهــا‪.‬‬

‫وتطــورت املشــربيات نظــراً لطبيعــة العمــارة دائمــة التقلّــب والتطـوّر‪ ،‬ويصعــب حتديــد‬
‫الزمــن الــذي ظهــرت فيــه املشــربية علــى وجــه الد ّقــة‪ ،‬لكــن مــا ميكــن تأكيــده هــو أنّ‬
‫عمليــات تطويرهــا وحتســن أدائهــا مل تتو ّقــف ملئــات الســنني‪ ،‬حيــث انتشــرت املشــربية‬
‫يف الفــرة العباســية (‪ )1258 – 750‬واســتخدمت يف القصــور وعامــة املبانــي وعلــى‬
‫نطــاق واســع‪ ،‬إال أن أوج اســتخدامها كان يف العصــر العثمانــي (‪)1517 – 1805‬‬
‫حــن وصلــت إىل أهبــى صورهــا وانتشــرت انتشــاراً شــبه كامــل يف العــراق والشــام‬
‫ومصــر واجلزيــرة العربيــة‪ ،‬وذلــك ألنّ اســتخدامها يف خمتلــف املبانــي أثبــت فعاليّــة‬
‫كبــرة يف الوصــول إىل بيئــة داخليّــة مرحيــة وفعّالــة بالرغــم مــن الظــروف اخلارجيّــة‬
‫شــديدة احلــرارة‪ ،‬ومــن املهــم أن نــدرك أنــه مــع انتشــار املشــربيات يف البــاد اإلســامية‬
‫(‪ )2‬عناصر بناء املساجد يف فن العمارة اإلسالمية – مدونة الدكتور األستاذ خليل حسن الزركاني‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫والشــرقية عامّــة‪ ،‬ظهــرت أمنــاط وأشــكال خمتلفــة مــن املشــربيات‪ ،‬تبعـاً لنــوع اخلشــب‬
‫املســتخدم وإتقــان حرفــة تشــكيل اخلشــب وجتميعــه‪ّ ،‬إل أ ّنهــا مجيعـاً تشــرك يف أصــل‬
‫واحــد وطريقــة عمــل واحــدة‪ ،‬ومسيــت املشــربيّة بأمســاء خمتلفــة يف مناطــق خمتلفــة‪،‬‬
‫إن تســمية مشــربية مشــتقة مــن اللفظــة العربيــة «شــرب»‪ ،‬وتعــي يف األصــل «مــكان‬
‫الشــرب»‪ ،‬وكانــت يف املاضــي عبــارة عــن حيّــز بــارز ذي فتحــة منخليــة توضــع فيهــا‬
‫جــرار املــاء الصغــرة لتــرد بفعــل التبخــر الناتــج عــن حتــرك اهلــواء عــر الفتحــة‪ ،‬ومــن‬
‫هنــا عرفــت املشــربيّة هبــذا االســم‪ ،‬إذ إنّ آنيــة املــاء توضــع فيــه لتربيدهــا ولتربيــد اهلــواء‬
‫املــار فوقهــا(‪.)1‬‬

‫ولقــد اســتخدمت املشــربيات لســر النوافــذ حبيــث يتوفــر احلجــاب ألهــل املنــزل مــع‬
‫متكينهــم مــن مشــاهدة مــا جيــري خارجــه أو يف فتائــه أو خلــف املشــربية‪ ،‬ويف نفــس‬
‫الوقــت يســمح بدخــول اهلــواء وقــدر مناســب مــن الشــمس والضــوء(‪.)2‬‬

‫باإلضافــة لتأثرياهتــا الفيزيائيّــة‪ ،‬تو ّفــر املشــربيّة اخلصوصيّــة للســكان‪ ،‬مــع الســماح‬
‫هلــم يف الوقــت ذاتــه بالنظــر إىل اخلــارج مــن خالهلــا‪ ،‬وهــذا يدعــم اســتخدام املشــربيّة‬
‫ذات اجلزأيــن‪ ،‬حيــث يضمــن اجلــزء الســفلي اخلصوصيّــة‪ ،‬يف حــن يتــم تد ّفــق اهلــواء‬
‫عــر اجلــزء العلــوي منهــا‪ ،‬وهــذا يعطــي املشــربيّة بعــداً نفســياً رائعــاً‪ ،‬حيــث يشــعر‬
‫الســاكن أ ّنــه غــر مفصــول عــن الفراغــات اخلارجيّــة‪ ،‬دون فقــدان عامــل اخللــوة‪ ،‬ممــا‬
‫يعطــي الســاكن شــعوراً باالطمئنــان(‪.)3‬‬

‫واملشــربية هــي الــي تســمح بدخــول الريــاح املطلقــة‪ ،‬وال تســمح بدخول أشــعة الشــمس‪،‬‬
‫وعــادة تغطــي الســطح اخلارجــي للشــبابيك أو البلكونــات أو الشــكمة الــي تســتعمل‬
‫للجلــوس يف الداخــل والتمتــع باخلصوصيــة والتلطيــف للريــاح‪ ،‬وتســتعمل التشــابيك‬
‫الطبيعيــة (املشــربيات) يف األجــزاء الســفلى مــن الســكن‪ ،‬لكســر حــدة الضــوء وتوفــر‬
‫(‪ )1‬ويكبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )2‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد الثانــي– الدكتــور حســن الباشــا – أســتاذ اآلثــار‬
‫والفنــون اإلســامية جبامعــة القاهــرة – مكتبــة الــدار العربيــة للكتــاب‪.‬‬
‫(‪ )3‬ويكبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫اخلصوصيــة والباقــي للتهويــة وخاصــة األجــزاء املرتفعــة(‪.)1‬‬

‫واملشــربية عبــارة عــن شــرفة بــارزة عــن جــدار املنــزل أو املبنــى‪ ،‬وتلعــب دور الناقــدة يف‬
‫الطوابــق العليــا‪ ،‬ويَــرى مــن يف داخــل املســكن خارجــه مــن دون أن يُــرى بفضــل فتحــات‬
‫املشــربية الضيقــة وهــي إمــا أن تصنــع مــن قطــع خشــبية صغــرة خمروطــة ومتداخلــة‬
‫وجممعــة ضمــن أطــر جتعــل منهــا غرفــة صغــرة مســتطيلة املســقط أو مضلعــة وهــذا‬
‫هــو الشــكل الســائد يف القاهــرة‪ ،‬وإمــا أن يأخــذ مســقطها شــكل نصــف دائــرة وبالتــايل‬
‫تأخــذ هــي شــكل نصــف اســطوانة مــن ألــواح خشــبية ضيقــة وخمرمــة مبضلعــات‬
‫هندســية صغــرة الفتحــات ومــازال البعــض منهــا موجــودة يف القســم القديــم مــن‬
‫مدينــة طرابلــس‪ ،‬وإىل جانــب املهمــة االجتماعيــة والدينيــة الــي تقضــي باحملافظــة‬
‫علــى حرمــة البيــت تقــوم املشــربية بــأدوار وظيفيــة أخــرى‪ ،‬فهــي تــرد مــاء اجلــرار الــي‬
‫توضــع فيهــا‪ ،‬ولعلهــا أخــذت امسهــا مــن تلــك املشــربيات» الفخاريــة‪ ،‬كمــا أهنــا ختفــف‬
‫مــن قــوة النــور الداخــل إىل البيــت مباشــرة أو منعکسـاً‪ ،‬مــع الســماح للهــواء بتخللهــا‪،‬‬
‫مصفــى ممــا حيمــل مــن غبــار‪.‬‬

‫وقــد تنوعــت أشــكال املشــربيات مــن حيــث املنظــر العمومــي أو طريقــة محلهــا علــى‬
‫كوابيــل ظاهــرة أو علــى كوابيــل جملــد حوهلــا‪ ،‬وكذلــك تنوعــت طريقــة إهنــاء ســقفها‬
‫كمــا يالحــظ مــن شــكل وطريقــة تركيــب الشــرفات ومواضعهــا‪ ،‬كمــا اختلفــت جلســات‬
‫املشــربيات وهــي عبــارة عــن احلشــوات الــي حتــت اخلــرط حيــث نســمر عليهــا صــور‬
‫وحشــوات كثــرة األضــاع‪ ،‬هندســية األشــكال وكثــراً مــا زخرفــت بســدابات كانــت‬
‫تســمر عليهــا بشــكل هندســي(‪.)2‬‬

‫وهنــاك وصــف دقيــق للمشــربيّة هــو أ ّنهــا نافــذة (فــراغ أو فتحــة) يف اجلــدار مغطــاة‬
‫بإطــار مكــون مــن تراكــب جمموعــة مــن القطــع اخلشــبية الصغــرة اســطوانية الشــكل‬
‫(دائريــة املقطــع) علــى شــكل سالســل تفصــل بينهــا مســافات حمــددة ومنتظمــة بشــكل‬
‫(‪ )1‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد – دار وهدان للطباعة والنشر‪.‬‬
‫(‪ )2‬عناصــر العمــارة اإلســامية – مداخــل وبوابــات – أبــواب شــبابيك – مشــربيات – خــرط خشــي – إعــداد‬
‫املهنــدس اإلستشــاري حييــى وزيــري‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫هندســي زخــريف دقيــق وبالــغ التعقيــد‪ ،‬ومــن الوصــف الســابق لنــا أن نســتنتج الــدور‬
‫الكبــر للحِرَفيــن يف صناعــة املشــربيات‪ ،‬إذ أنّ مهمّــة احلرفيــن مل تقتصــر على تكوين‬
‫مشــربيات مجيلــة ومتقنــة الصنــع‪ ،‬بــل اســتطاعوا أن يتحكمــوا بالطبيعــة الوظيفيــة‬
‫للمشــربية عــن طريــق تنويــع مســات اإلطــار اخلشــي اخلارجــي‪ ،‬ومبــا أنّ املناطــق الــي‬
‫انتشــرت فيهــا املشــربيّات ذات طبيعــة صحراويــة‪ ،‬وملّــا كان اخلشــب قليــل التواجــد يف‬
‫هــذه املناطــق‪ ،‬أبــدع احلرفيــون يف اســتخدام خشــب ذو أحجــام صغــرة وتركيبهــا مــع‬
‫بعضهــا البعــض‪ ،‬وذلــك بــدل أن يتــم حنــت املشــربيّة مــن قطعــة خشــبيّة واحــدة كبــرة‪،‬‬
‫واســتخدم احلرفيــون املخــارط لتحويــل كل قطعــة مــن اخلشــب إىل احلجــم والشــكل‬
‫املطلوبــن‪ ،‬مبتدئــن بسلســلة مــن القطــع اخلشــبية الــي يــراوح طوهلــا مــن (‪)100‬‬
‫ملــم إىل (‪ )1‬مــر وفقـاً ملقيــاس وتفاصيــل املشــربية كاملـ ًة‪ ،‬وتتشــكل القطــع اخلشــبيّة‬
‫(القضبــان) لتك ـوّن سلســة مــن األشــكال االســطوانية الــي يتــم الفصــل بينهــا بشــكل‬
‫متكــرر بقطــع أكــر منهــا‪ ،‬اســطوانية أو مكعبــة الشــكل والــي تشــكل نقــاط الرتابــط بــن‬
‫القضبــان األفقيــة‪ ،‬ويتــم حفــر جتويــف داخــل هــذه النقــاط ليتــم تركيــب القضبــان‬
‫مــن خالهلــا بــدون اســتخدام الصــق أو مســامري‪ ،‬وحتتــاج هــذه العمليــة لدقــة عاليــة‬
‫مــن احلــريفّ خــال اإلنشــاء‪ ،‬وبعــد إمتــام صنــع شــبكة مــن القضبــان حســب املقاييــس‬
‫املطلوبــة يتــم تأطريهــا لتجنــب تفككهــا‪ ،‬حيــث يعمــل هــذا اإلطــار علــى توزيــع األمحــال‬
‫(الريــاح‪ ،‬الــوزن) علــى الشــبكة ممــا يدعــم ثباهتــا‪ ،‬ويتــم التحكــم بالظــروف الداخليــة‬
‫للفــراغ املعمــاري مــن خــال التحكــم مبســامية الشــبكة وذلــك مــن خــال تغيــر أطــوال‬
‫وأقطــار القضبــان‪ ،‬ولــكل مبنــى خصوصيتــه يف التعامــل مــع هــذه النســب لكــي تــؤدي‬
‫الوظيفــة املطلوبــة علــى أمثــل وجــه(‪.)1‬‬

‫‪ -‬اخلشب اخلرط‪:‬‬

‫إن ملهنــة خــرط اخلشــب شــهرة قدميــة كحرفــة مهنيــة مجيلــة وخاصــة يف مصــر‪ ،‬ففــي‬
‫عصــر املماليــك ازدهــرت حرفــة خراطــة األخشــاب‪ ،‬حيــث كانــت تصنــع املشــربيات‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪350‬‬
‫واحلواجــز اخلشــبية وبعــض قطــع األثــاث واملنابــر مــن اخلشــب املخــروط‪ ،‬والــذي‬
‫يتمثــل يف نوعــن رئيســيني‪ :‬أوهلمــا اخلراطــة البلديــة الواســعة وتشــمل خــرط أرجــل‬
‫الكراســي واملناضــد واألثــاث عمومــاً‪ ،‬وخــرط الربامــق واألنانــات الصهرجييــة ومــن‬
‫أمثلــة اخلراطــة البلديــة القدميــة الســياج اخلشــي املخــروط املوجــود جبامــع املاردانــي‪،‬‬
‫وثانيهمــا اخلراطــة املعروفــة خبــرط املشــربية وهلــا أمســاء خمتلفــة ختتلــف باختــاف‬
‫أشــكاهلا وأنواعهــا ومقاســاهتا فمنهــا امليمونــي العــدل واملائــل‪ ،‬واخلــرط الكنائــس‬
‫والصليــب الفاضــي واملليــان‪ ،‬واخلــرط املفــرق واملســدس وأبــو شــروان‪ ،‬وقــد جتتمــع‬
‫اخلراطــة الواســعة مــع الدقيقــة ويتــم اســتعمال نوعــن متباينــن مــن األخشــاب‬
‫أحدمهــا بلــون فاتــح كخشــب الليمــون واآلخــر بلــون غامــق کاألبنــوس لكــي تظهــر‬
‫معــامل الزخرفــة نتيجــة تبايــن اللونــن‪ ،‬ونظــراً لتأثــر الفصــول املناخيــة الــي تــؤدي‬
‫النكمــاش ومتــدد اخلشــب حســب اختــاف فصــول الســنة‪ ،‬فإنــه يتــم جتميــع اخلــرط‬
‫الرفيــع (الفــرخ) بعمــل لســان خشــبی إســطواني دقيــق لــه يدخــل يف اخلــرزات املثقوبــة‬
‫حســب الشــكل املراد جتميعه دون اســتعمال للمســامري أو الغراء‪ ،‬انظر الشــكل (‪،)110‬‬
‫وقــد يســتخدم اخلشــب املبخــور كبديــل عــن اخلــرط اخلشــي يف أعمــال املشــربيات أو‬
‫القواطــع واحلواجــز اخلشــبية حيــث يعتــر أقــل تكلفــة مــن اخلــرط اخلشــي(‪.)1‬‬

‫‪ -‬احلشوات اخلشبية‪:‬‬
‫احلشــوات عبــارة عــن قطــع صغــرة – غالب ـاً‬
‫مــن اخلشــب هندســية الشــكل‪ ،‬وقــد تزخــرف‬
‫أو حتفــر أو تطعــم باملعــادن أو العــاج أو املينــا‪،‬‬
‫وقــد عــرف اســتعمال احلشــوات يف العصــر‬
‫العباســي‪ ،‬ولكنهــا بلغــت أوج الدقــة واجلمــال‬
‫يف العصــر اململوکــي‪ ،‬فأحدثــت أشــكاالً‬
‫هندســية يف غايــة التعقيــد وتداخلــت النجــوم‬
‫‪110‬‬ ‫الشكل‬
‫واملثلثــات واملثمنــات واملســتطيالت واملربعــات‬
‫(‪ )1‬عناصــر العمــارة اإلســامية – مداخــل وبوابــات – أبــواب شــبابيك – مشــربيات – خــرط خشــي – إعــداد‬
‫املهنــدس اإلستشــاري حييــى وزيــري‪.‬‬

‫‪351‬‬
‫انظــر الشــكل (‪.)111‬‬

‫وجيدر بنا أن نشــر إىل أن لفظ حشــوه أطلقت‬


‫أحيانــاً علــى ســبيل التشــبيه علــى القطــع‬
‫الرخاميــة أو اجلصيــة املســتعملة يف العمــارة‬
‫وخاصــة عندمــا تكــون حمــدودة املســاحة‪ ،‬أمــا‬
‫‪111‬‬ ‫الشكل‬ ‫البانوهــات فمنهــا مــا هــو أفقــي يوجــد علــى‬
‫أعتــاب النوافــذ واألبــواب ومنهــا البانوهــات‬
‫الرأســية ذات الــردود بعمــق معــن إىل الداخــل‪ ،‬وميكــن أن يعلــوه طبقــة مــن املقرنصــات‬
‫ويكــون بداخــل البانــوه الرأســي شــبابيك أو مداخــل بالواجهــات اخلارجيــة للمبنــى‪،‬‬
‫ومــن أشــكال البانوهــات الرأســية بانــوه العقــد املدبــب أو الدائــري أيضــا(‪.)1‬‬

‫‪ -‬الثريات‪:‬‬

‫الثريــات مــن وســائل اإلضــاءة‪ ،‬والثريــا عبــارة عــن قنــد یــل كبــر يعلــق يف ســقف الغرفــة‬
‫فيــه عــدة ســرج زجاجيــة أو حناســية أو مــن مــواد أخــرى وجــاءت تســميتها تشــبيهاً‬
‫مبجموعــة النجــوم املعروفــة بذلــك االســم‪ ،‬وقــد وصلتنــا جمموعــة مــن الثريــات‬
‫والتنانــر املعدنيــة مــن العصــر اململوكــي والــي كانــت تزيــن هبــا املســاجد والقصــور‬
‫الســلطانية ومــن أمثلتهــا ذلــك التنــور الضخــم الــذي حيتفــظ بــه يف متحــف الفــن‬
‫اإلســامي بالقاهــرة‪ ،‬وحيمــل اســم األمــر توصــون الناصــري ويتخــذ شــكل منشــور‬
‫متعــدد األضــاع‪ ،‬وتــز ینــه زخــارف مفرغــة مكونــة أشــكاالً هندســية دقيقــة وأطباق ـاً‬
‫جنميــة‘ وعقــود مفصصــة ويعلــو هــذا التنــور قبــة صغــرة وهــال‪ ،‬أما املشــكاة فتعين يف‬
‫اللغــة الكــوة غــر النافــذة وقــد أطلــق املســلمون كلمــة املشــكاة علــى الزجاجــة أو القنديــل‬
‫الــذي كان يوضــع فيــه املصبــاح للحفــاظ علــى نــار املصبــاح مــن هبــات اهلــواء‪ ،‬وحتويلهــا‬
‫إىل ضــوء ينتشــر يف أرجــاء املــكان‪ ،‬وكان املصبــاح يثبــت داخــل املشــكاة بواســطة ســلوك‬
‫تربــط حبافتهــا‪ ،‬أمــا املشــكاة نفســها فكانــت تعلــق يف داخــل املســاجد وغريهــا بسالســل‬
‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫مــن الفضــة أو النحــاس األصفــر تشــبك باملقابــض الــي تلتــف حــول بــدن املشــكاة‪ ،‬وقــد‬
‫وصلنــا منــاذج رائعــة مــن املشــكاوات احملفوظــة يف متحــف الفــن اإلســامي بالقاهــرة‬
‫وترجــع كلهــا تقريبــاً إىل العصــر اململوکــي‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)112‬وقــد مت متويــه‬
‫زجــاج املشــكاوات باملينــا والذهــب‪ ،‬ومــن أكثــر اآليــات كتابــة علــى املشــكاوات قولــه‬
‫تعــاىل‪{ :‬اهلل نــور الســماوات واألرض مثــل نــوره كمشــكاة فيهــا مصبــاح املصبــاح يف زجاجــة الزجاجــة‬
‫كأهنــا کوکــب دري}(‪.)1‬‬

‫وتعتــر الثريــات مــن ضمــن عناصــر وكماليــات املســجد‪ ،‬فقــد أدخلــت يف فــرة متقدمــة‬
‫مــن عمــارة املســجد والــي كانــت تشــغل كثــراً مــن فراغــات املســجد علــى امتــداده‪ ،‬ومــن‬
‫أهــم تلــك الفراغــات القبــة وقــد يســتخدم للمســجد الثريــات ذات الطابــع اإلســامي‬
‫القديــم بفكــرة جديــدة(‪.)2‬‬

‫‪ -‬السبيـل‪( :‬النافورة والفسقية والسلسبيل)‬

‫الســبيل (اجلمــع‪ :‬أَسْـ ِبلَة‪ ،‬سُـبُل) ‪ -‬هــو وقــف لســقي املــاء لعابــري الســبيل واملــارة‪ ،‬كان‬
‫املســلمون يف العصــور الوســطى يعــدون الســبيل أعظــم مــا يثــاب عليــه املــرء مــن أعمــال‬
‫الــر عم ـاً باحلديــث الشــريف عَ ـنْ سَ ـعْدِ بْـ ِـن عُبَــادَةَ أ َ َّن أ ُ ّمَ ـهُ مَاتَ ـتْ َف َقــا َل‪ :‬يَــا رَسُــو َل‬
‫صَدَ َقــةِ أ َ ْف َ‬
‫ضــ ُل؟ َقــا َل‪:‬‬ ‫اللَّــهِ إِ َّن أ ُ ّمِــي مَاتَــتْ أ َ َف َأتَصَــ ّدَ ُق عَنْهَــا؟ َقــا َل‪ :‬نَعَــمْ َقــا َل َفــ َأ ّيُ ال ّ‬
‫«سَـ ْقيُ الْمَــاءِ» َفتِل ْـكَ سِـ َقأيَ ُة سَـعْدٍ ِبالْمَدِينَـةِ‪ ،‬وكان الســبيل يبنــى ملحقـاً مببــان أخــرى‬
‫مثــل املســاجد أو املــدارس أو اخلانقــاوات ثــم‬
‫غــدت مســتقلة بعــد ذلــك ويلحــق هبــا أحيانـاً‬
‫بنــاء لتحفيــظ القــرآن الكريــم(‪.)3‬‬

‫واألســبلة يف العصــور الوســطى كان االهتمــام‬


‫‪112‬‬ ‫الشكل‬
‫ببنــاء األســبلة عــادة قدميــة عنــد كل امللــوك‬
‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية –م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ )2‬عناصر بناء املساجد يف فن العمارة اإلسالمية – مدونة الدكتور األستاذ خليل حسن الزركاني‪.‬‬
‫(‪ )3‬املوسوعة العربية امليسرة‪.1965 ،‬‬

‫‪353‬‬
‫والســاطني منــذ القــدم‪ ،‬ولكــن عنــد املســلمني أخــذت طابعــاً مميــزاً حبيــث ســارع‬
‫أهــل اخلــر واألغنيــاء للتنافــس فيمــا بينهــم لعمــل اخلــر‪ ،‬وذلــك النــوع مــن املنشــآت‬
‫يعتــر فعــاً مــن أعمــال اخلــر‪ ،‬ولذلــك ســارع الســاطني واألمــراء واحلــكام علــى‬
‫إنشــاء األســبلة يف األزقــة والطرقــات ويف األماكــن العامــة حتــى يعــم اخلــر‪ ،‬وبذلــك‬
‫ينالــون األجــر والثــواب‪ ،‬ونظــراً ألمهيــة ودور تلــك املنشــآت املعماريــة يف احليــاة العامــة‬
‫فنــادراً مــا جنــد مدينــة إســامية ختلــوا مــن ســبيل أو عــدة أســبله‪ ،‬وتعتــر األســبلة مــن‬
‫املنشــآت االجتماعيــة غــر اخلاصــة باملســافرين والتجــار‪ ،‬وكان الغــرض منهــا تيســر‬
‫احلصــول علــى مــاء الشــرب‪ ،‬وهــي مــن املنشــآت واألعمــال اخلرييــة اجلــاري ثواهبــا‪،‬‬
‫وقــد انتشــرت يف األقطــار العربيــة واإلســامية وبــاد العــرب ومكــة واملدينــة ومصــر‬
‫ودمشــق‪ ،‬وقــد يبنــون جبوارهــا بيوت ـاً تــأوي إليهــا املــارة وعابــري الســبيل‪ ،‬وأول بنــاء‬
‫لألســبلة يف مصــر يف العصــر اململوكــي كان ابتــداء مــن القــرن الســادس اهلجــري –‬
‫الثانــي عشــر امليــادي وكان معظمهــا مــن أعمــال األمــراء والســاطني ونســائهم كأهنــا‬
‫كفــارة عــن الذنــوب واآلثــام كمــا بنــى األغنيــاء تلــك األســبلة صدقــة جاريــة ألنفســهم‬
‫أو ألبنائهــم أو ألحــد أقارهبــم املتوفــن وحتتهــا صهريــج مُلــئ باملــاء تســتخدم للشــرب‪،‬‬
‫وكان يســمح للمــارة مــن كل اجلنســيات وامللــل مــن املســيحيني واليهــود واألجانــب كذلــك‬
‫باســتعماهلا وال ينقطــع املــاء عنهــا أبــداً‪.‬‬

‫أمــا عــن األســبلة يف بــاد الشــام فلــم يتنــاول الرحالــة األجانــب ذكــر تلــك املنشــآت‬
‫علــى الرغــم مــن كثرهتــا أيضـاً‪ ،‬كمــا كانــت يف مصــر‪ ،‬ولذلــك ميكــن عــرض توضيحــي‬
‫لتلــك األســبلة يف بــاد الشــام اعتمــاداً علــى مــا ذكرتــه املصــادر اإلســامية املعاصــرة‬
‫واملراجــع العربيــة‪ ،‬فقــد اهتــم الســاطني املماليــك بإنشــاء األســبلة يف مدن بالد الشــام‬
‫الرئيســية أمههــا‪ ،‬مدينــة بيــت املقــدس يف أماكــن عديــدة وذلــك نظــراً لقلــة امليــاه‪،‬‬
‫فكانــت املدينــة حباجــة أساســية وضروريــة مليــاه الشــرب‪ ،‬ومــن ذلــك اهتــم الســاطني‬
‫املماليــك بتوصيــل امليــاه إىل الســكان‪ ،‬ولذلــك قــام الســلطان برســباي بتجديــد ســبيل‬
‫شــعالن وهــو الســبيل الــذي بنــاه امللــك املعظــم عيســى األيوبــي عــام ‪613‬هـــ ‪ 1216 /‬م‬

‫‪354‬‬
‫ومذكــور ذلــك علــى لوحــة الســبيل «جــدد ذلــك الســبيل واملصلــى واحملــراب العبــد‬
‫الفقــر هلل شــاهني ناظــر احلرمــن أيــام موالنــا امللــك األشــرف برســباي خلــد اهلل ملكــه‬
‫بتاريــخ شــهر رمضــان املعظــم عــام ‪ 1428 / 832‬م»‪ ،‬أمــا األســبلة األخــرى احلديثــة يف‬
‫بيــت املقــدس وصفهــا املــؤرخ جمــر الديــن احلنبلــي «بــأن الســلطان األشــرف يف عــام‬
‫‪ 860‬هـــ ‪ 1455 /‬م أنشــأ الســبيل القائــم بــن مســجد الصخــرة واملطهــرة واملعــروف‬
‫بســبيل قايتبــاي‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)113‬حيــث يوجــد فــوق البئــر املقابــل لــدرج الصخــرة‬
‫الغربــي‪ ،‬وكان قدميـاً علــى البئــر املذكور وقبة‬
‫مبنيــة باألحجــار كغــره مــن اآلبــار املوجــودة‬
‫باملســجد فأزيلــت تلــك القبــة وبنــى الســبيل‬
‫املســتجد وفــرش أرضيتــه بالرخــام»(‪.)1‬‬

‫النافــورة عبــارة عــن أنبــوب ضيــق مــن حنــاس‬


‫أو رصــاص يتوســط عموديـاً بركــة أو فســقية‬
‫ويتصــل خبــزان مــاء ممــا جيعــل املــاء يندفــع‬
‫قوي ـاً مــن النافــورة ويعلــو بعيــداً عــن مســتواه‬
‫يف احلــوض ويعــود متســاقطاً فيــه لينتهــی يف‬
‫جماريــر خاصة‪،‬انظــر الشــكل (‪ ،)114‬ونــادراً‬
‫الشكل ‪113‬‬
‫مــا خلــت منهــا بــرك قاعــات االســتقبال‬
‫يف البيــوت وصحــون املســاجد والقصــور‬
‫وســاحات املــدن واحلدائــق‪ ،‬وحتــى غــرف‬
‫املنــازل ألغــراض ثالثــة‪ :‬االســتعمال والزينــة‬
‫وترطيــب اجلــو أيــام احلــر واجلفــاف‪.‬‬
‫الفســقية (مجعهــا فســاقي) ‪ -‬والفســقيّة‬
‫‪114‬‬ ‫الشكل‬ ‫‪ Basin ;Vasque‬هــي حــوض صغري تتوســطه‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫نافــورة‪ ،‬وقــد يقــام يف منتصــف بركــة أخــرى تتلقــى ماءهــا منه‪ ،‬ورمبا تعددت الفســاقي‬
‫يف الربكــة الواحــدة‪ ،‬مو ّزعــة يف أرجائهــا أو مركبّــة بعضهــا فــوق بعــض‪ ،‬الكــرى يف‬
‫األســفل تعلــو قليـاً عــن مســتوى ســطح املــاء‪ ،‬وتتــدرّج يف الصغــر كلمــا ارتفعــت وينتهــي‬
‫أعالهــا بنافــورة تتوسّــطها‪ ،‬تقــذف املــاء متصاعــداً ليعــود ويهبــط مــن واحــدة إىل أخرى‬
‫كسلســلة مــن شــاالت تنتهــي يف البحــرة الواســعة‪ ،‬وقــد اســتعمل يف الفســاقي أمجــل‬
‫النمــاذج والزخــارف‪ ،‬ووضعــت يف أشــرف األماكــن كصحــن املســجد يف متناول الشــارب‬
‫واملتوضــئ وأغــراض أخــرى‪ ،‬وأكثــر مــا يتجلــى مجــال وروعــة هــذا النمــط يف منــاذج‬
‫الفســاقي املغربيــة خاصــة‪ ،‬وأيض ـاً يف فســاقي البيــوت الشــامية والعراقيــة واملصريــة‬
‫(اململوكيــة منهــا خاصــة)‪ ،‬وشــكل الفســقية هــذا مل يــأتِ صدفــة‪ ،‬وإمنــا اختــر ‪ -‬كمــا‬
‫يقــول أحــد الباحثــن ‪ -‬لقيمــة رمزيــة؛ فاملنــزل بالنســبة للمســلم كان عبــارة عــن تكويــن‬
‫صغــر‪ ،‬وباســتخدام الرمــز والعناصــر املعماريــة للتعبــر عــن نظرتــه الكونيــة‪ ،‬وكان‬
‫يعتــر القبــة رمــز الســماء‪ ،‬وهلــذا ولكــي يشــد قبــة الســماء إىل وســط الــدار‪ ،‬وجيعــل‬
‫قدســيتها تتســرب إىل احلجــرات‪ ،‬فإنــه عمِــل الفســقية علــى شــكل القبــة الساســانية‬
‫مقلوبــة لتنعكــس الســماء احلقيقيــة علــى أســطح امليــاه يف هــذه الســماء الرمزيــة‪.‬‬
‫وتنوعــت أشــكال وأحجــام ومواضــع الفســقية يف املنشــآت الدينيــة؛ ويعكــس التخطيــط‬
‫والتصميــم املعمــاري للفســقية باملنشــآت الدينيــة‬
‫– والــي أُنشــئت بغــرض الوضــوء‪ ،‬مــدى احلــرص‬
‫الشــديد مــن جانــب املعمــاري املســلم علــى حتقيــق‬
‫الغرض منها بصورة صحيحة وسليمة ومرحية يف‬
‫نفــس الوقــت‪ ،‬وعلــى املعمــاري التحكــم يف حجمهــا‬
‫وموقعهــا ويف طريقــة تغطيتهــا‪ ،‬وغالب ـاً مــا تكــون‬
‫علــى هيئــة قبــة حتملها سلســلة مــن األعمدة تأخذ‬
‫شــكالً دائريــاً تعمــل فوقهــا سلســلة مــن العقــود‬
‫ترتكــز عليهــا قاعــدة القبة انظر الشــكل (‪.)1()115‬‬
‫‪115‬‬ ‫الشكل‬

‫(‪ )1‬عبــد الرحيــم غالــب؛ موســوعة العمــارة اإلســامية ص ‪ ،298‬بــركات حممــد مــراد؛ مجاليــة العمــارة يف الثقافــة‬
‫اإلسالمية‪.‬‬

‫‪356‬‬
‫أمــا السلســبيل (الشــاذروان) فقــد أطلــق علــى جهــاز‬
‫التكييــف املائــي املســتعمل يف البيــوت األندلســية‬
‫والشــامية واملصريــة يف عهــدي املماليــك والعثمانيــن‪،‬‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)116‬وهــو لــوح مــن رخــام حيتل صدر‬
‫اإليــوان مائــة مــا بــن ‪ 10‬و ‪ ،30‬يزخــرف وحتفــر فيــه‬
‫‪116‬‬ ‫الشكل‬
‫قنــاة واحــدة أو أكثــر دقيقــة قليلــة العمــق تتعــرج كاملوج‬
‫أو مع الزخارف اليت تغطي الســطح كله‪ ،‬وجيري املاء من أعلى خفيفاً وبطيئاً وبعملية‬
‫التبخــر وازديــاد مســاحة االحتــكاك مــع اهلــواء هتبــط احلرارة يف املكان وتنخفض نســبة‬
‫اجلفــاف فيــه‪ ،‬وينصــرف املــاء بعــد مســرته الطويلــة إىل حــوض أو جمــرى أو بالوعة(‪.)1‬‬
‫وللســبيل عالمــات يف العمــارة اإلســامية وخاصــة يف عمــارة املســجد‪ ،‬إذ ال يــكاد خيلــو‬
‫صحــن جامــع مــن الفــوارة الــي توحــي مبنبــع وجمــرى املــاء وهــو يتدفــق علــى جنبــات‬
‫احلــوض‪ ،‬وقــد اختلفــت املســميات ونوعيــة االســتخدام تبع ـاً للمورثــات واحلضــارات‬
‫والبيئــة‪ ،‬وبالــغ املعماريــون املســلمون يف تشــكيل الفــوارة علــى اختــاف أشــكاهلا فجاءت‬
‫على شــكل مبان تعلوها قباب مزينة بزخارف معمارية أو على شــكل أحواض بأشــكال‬
‫هندســية خمتلفة‪ ،‬ودائماً ما كان املاء يف كل ذلك مثاالً ورمزاً للحياة واالســتمرارية(‪.)2‬‬
‫‪ -‬الكوابيل واملظالت‪:‬‬

‫تعتــر الكوابيــل مــن أهــم العناصــر املعماريــة الزخرفيــة الــي ظهــرت بشــكل ملحــوظ‬
‫يف املنشــآت املعماريــة‪ ،‬حيــث ظهــرت الكوابيــل يف مبانــي تلــك الفــرة مبختلــف أنواعهــا‬
‫ســواءاً كانــت مبانــي دينيــة مــن مســاجد ومــدارس وخانقــاوات‪ ،‬أو املبانــي واملنشــآت‬
‫الســكنية مــن الــدور والقصــور واملنشــآت اإلقتصاديــة مــن الــوكاالت واخلانــات‪ ،‬وكذلــك‬
‫املنشــآت العامــة واجلنائزيــة والعســكرية‪ ،‬فهنــاك الكوابيــل املصنوعــة مــن احلجــر وهــي‬
‫األكثــر انتشــاراً علــى اإلطــاق يف املنشــآت املعماريــة‪ ،‬ســواءاً كان ذلــك يف الداخــل‬
‫أو اخلــارج‪ ،‬وهنــاك أيض ـاً الكوابيــل اخلشــبية الــي ظهــرت بشــكل وأمنــاط متعــددة‪،‬‬
‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حيي وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫(‪ )2‬عناصر بناء املساجد يف فن العمارة اإلسالمية – مدونة الدكتور األستاذ خليل حسن الزركاني‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫ولكنهــا مل تكــن بنفــس درجــة انتشــار‬
‫الكوابيــل احلجريــة‪ ،‬وأحيانــاً أخــرى يقــوم‬
‫املعمــار باســتخدام مــادة الرخــام يف صناعــة‬
‫الكوابيــل‪ ،‬وبالتــايل فقــد تنوعــت املــواد‬
‫الــي اســتخدمت يف صناعــة ذلــك العنصــر‬
‫املعمــاري ممــا يدعــو إىل دراســة الكوابيــل‬
‫‪117‬‬ ‫الشكل‬ ‫مــن هــذه الزاويــة للتعــرف علــى العالقــة فيمــا‬
‫بــن املــادة اخلــام للكابــويل‪ ،‬ومــا يقــوم بــه مــن‬
‫وظائــف معماريــة‪ ،‬فلــم يقتصــر األمــر علــى اســتخدام الكوابيــل يف محــل الــروزات‬
‫املعماريــة يف الداخــل واخلــارج‪ ،‬وإمنــا لعبــت بعــض الوظائــف األخــرى مثــل محــل أرجــل‬
‫العقــود الكبــرة ومشــرفات املــآذن وألــواح التســبيل والرفــارف اخلشــبية وغريهــا‪ ،‬ممــا‬
‫أدى إىل ظهــور الكوابيــل يف أماكــن متعــددة مــن املنشــآت املعماريــة‪ ،‬انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)117‬حيــث ميكــن رؤيتهــا علــى الواجهــات اخلارجيــة هلــا‪ ،‬ويف األجــزاء الداخليــة‬
‫منهــا أيضــا تنــوع األشــكال الــي ظهــرت هبــا الكوابيــل يف املنشــآت املعماريــة املختلفــة‪،‬‬
‫فأحيانـاً تظهــر هــذه الكوابيــل علــى شــكل كتــل حجريــة ذات واجهــات مقرنصــة وأحياناً‬
‫يتــم تنفيذهــا علــى هيئــة أشــكال مروحيــة أو متعــددة الطيــات‪ ،‬وغالبـاً مــا تظهــر علــى‬
‫هيئــة مداميــك حجريــة متتاليــة يف أشــكال خمتلفــة‪ ،‬كمثــل أشــكال دائريــة ذات حــواف‬
‫مصقولــة(‪.)1‬‬

‫والكابــويل قــد اســتعمله العــرب أســفل األبــراج والــروزات ليكــون دعامــة حلملهــا‪ ،‬كذلك‬
‫اســتعمل أســفل طبقــات املــآذن بــدالً مــن املقرنصــات وأســفل املظــات جبميــع أنواعهــا‪،‬‬
‫كمــا اســتعمل أســفل القراميــد أعلــى أبــواب املداخــل وأعلــى الشــبابيك العلويــة‪ ،‬أو‬
‫أعلــى البانوهــات الرأســية بالواجهــات‪ ،‬كمــا مت اســتعمال الكوابيــل داخــل املبانــي أســفل‬
‫املمــرات يف الزوايــا القائمــة مــع األكتــاف الرأســية‪ ،‬وللكابــويل منــاذج وأشــكال كثــرة‬
‫منهــا الكابــويل املروحــة‪ ،‬ألن واجهتــه اجلانبيــة تشــبه املروحــة أو الكابــويل ذو الداليــات‬
‫(‪ )1‬كلية اآلثار – قسم اآلثار اإلسالمية – منصور حممد عبد الرزاق معوض‪.‬‬

‫‪358‬‬
‫وككل العناصــر املعماريــة‪ ،‬فقــد كان للكوابيــل هــي األخــرى نصيبهــا مــن الزخــارف‬
‫واأللــوان‪ ،‬ومــن أشــكال الكوابيــل املبتكــرة الــي تأثــرت هبــا العمــارة الرومانيــة املســيحية‬
‫هــي الكوابيــل ذات اللفائــف املســتعملة يف مســجد قرطبــة‪ ،‬أمــا كوابيــل الطنــوف‬
‫(الشــرفات) الــذي يوضــح ثالثــة تصميمــات هلــا‪ ،‬فهــي تســتعمل يف املشــربيات كمــا‬
‫تســتعمل حلمــل الرفــارف الــي تعمــل يف هنايــة املبانــي املبنيــة علــى الطــراز العربــی‪،‬‬
‫ومنهــا مــا هــو بســيط مكــون مــن أضــاع عاريــة مــن احلليــات ومنهــا مــا هــو مزخــرف‬
‫كمــا حيلــي جــزؤه القائــم اجملــاور لواجهــة املشــربية أو البنــاء خبورنــق وتثمــن ناتــج مــن‬
‫رســم مربعــن أحدمهــا علــى زاويــة ‪ 45‬يقطــع املربــع اآلخــر العــادي الوضــع(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمي‪-‬ة – م‪ .‬حيي وزيري‪.‬‬

‫‪359‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫العناصر المعمارية‬

‫في المدارس اإلسالمية‬

‫‪360‬‬
‫املدارس املعمارية‬

‫املدارس ونشأهتا‪:‬‬

‫أو ً‬
‫ال ‪ -‬املــدارس املعماريــة والفنيــة اآلتيــة‪ :‬وقد ينســب الطراز املعماري ملدرســة معمارية‬
‫واحــدة هــي الرائــدة واملبدعــة هلــذا الطــراز‪ ،‬وقــد تتفــق جمموعــة مــن املــدارس علــى‬
‫طــراز واحــد هــو الــذي جيمعهــا عليــه‪ ،‬فعلــى ســبيل املثــال جنــد الطــراز الكالســيكي‬
‫ذو الروافــد املختلفــة داخلــه والــي تتفــق علــى قيــم واحــدة فيــه‪ ،‬جنــده يتميــز بقيــم‬
‫تشــكيلية وفنيــة صارمــة وواضحــة والتزاميــة (وهــذه من مميزات املدرســة الكالســيكية‬
‫عمومـاً)‪ ،‬فنجــد الوحــدة الكتليــة الــي حييــط هبــا فنــاء شاســع كأنــه امتــداد هلــا‪ ،‬وهــذه‬
‫الكتلــة قائمــة بذاهتــا وواضحــة املالمــح‪ ،‬وتعــر عــن نفســها بقــوة وبســاطة‪ ،‬فمفرداهتــا‬
‫التشــكيلية قويــة ومتميــزة‪ ،‬و قــوة انطباعهــا يف وجــدان املشــاهد قوية‪ ،‬فهي مل تأتي من‬
‫بعيــد‪ ،‬بــل هــي تكــرار أو جتســيد ملالمــح الطبيعــة مــن حوهلــا‪ ،‬وهــي ليســت جديــدة‪ ،‬بــل‬
‫هــي جــاءت تؤكــد وجــود مظاهــر الطبيعــة مــرة وبصــورة أخــرى‪ ،‬فكالســيكيات العمــارة‬
‫املصريــة القدميــة والســومرية والفينيقيــة واإلغريقيــة واهلندية‪،‬كلهــا مستنســخة مــن‬
‫مظاهــر الطبيعــة(‪.)1‬‬

‫ثانياً ‪ -‬وتنسب لثالث مدارس معمارية‪:‬‬

‫‪ - 1‬املدرســة الكالســيكية ‪ -‬إن البهــو الطويــل للمعبــد املصــري القديــم ليــس ســوى‬
‫مســار هنــر النيــل علــى أرض مصــر يف الذهــن املعمــاري املصــري القديــم‪ ،‬وليســت‬
‫صفــوف األعمــدة ذات التيجــان اجلميلــة علــى جانــي البهــو ســوى ســيقان نباتــات‬
‫الــردي بنهاياتــه الورقيــة اجلميلــة‪ ،‬املعبــد ذاتــه هــو عاصمــة مصــر الــي جيــري‬
‫إليهــا النيــل‪ ،‬والــذي مت رفــع أعمدتــه فــوق الدحيــة الــي خرجــت مــن املــاء يف الفكــر‬
‫املصــري القديــم‪ ،‬مــن هنــا نــدرك متضمنــات وقيــم املدرســة الكالســيكية األصيلــة‬
‫واملتحفظــة وامللتزمــة بالقديــم‪ ،‬هكــذا الكالســيكية كمدرســة هلــا طــراز متميــز‪.‬‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪361‬‬
‫‪ - 2‬املدرســة الرومانتيكيــة ‪ -‬دائمـاً جنــد يف املنــاخ تغــرات‪ ،‬وقــد تكــون مفاجئــة‬
‫أو متدرجــة‪ ،‬فهكــذا جــاءت املدرســة الرومانتيكيــة بفكرهــا‪ ،‬وطرازهــا الثائــر‬
‫علــي قواعــد الكالســيكيات‪ ،‬والــي يراهــا جامــدة ومقيــدة للــذات املفــردة‪،‬‬
‫فالطــراز الرومانتيكــي طــراز ذاتــي متحــرر بصــورة قويــة‪ ،‬ومنقلــب علــى قواعــد‬
‫الكالســيكيات الــي يراهــا قيــوداً حتــول دون تعبــره عــن رؤاه وطموحاتــه‪ ،‬فنتــج‬
‫مــن هــذه املدرســة الثائــرة‪ ،‬جمموعــة كبــرة مــن الروافــد واملــدارس الصغــرة‪،‬‬
‫نلتمــس مالحمهــا يف كل جديــد وشــاذ وخمتلــف ومعــارض لألصــول والقواعــد‬
‫املتعــارف عليهــا فعندمــا جنــد مبنــى ذو شــكل غــر مألــوف أو غــر مفهــوم أو حتى‬
‫غــر مــرر‪ ،‬نعلــم متامـاً حينهــا أن املعمــاري هنــا ختــرج مــن الفكــر الرومانتيكــي‪،‬‬
‫فطــراز مثــل طــراز الديكونسرتاكشــن والــذي يتميــز بكتلــه الغــر منطقيــة‬
‫واخلادعــة والــي تعطــي انطباعــاً بعــدم االتــزان‪ ،‬وقابليــة االهنيــار والتكســر‬
‫والــا جتانــس‪ ،‬مثــل هــذا الطــراز ينتمــي للرومانتيكيــة الذاتيــة‪ ،‬والــي ختضــع‬
‫العمــل الفــي واملعمــاري إىل قيــم ومعايــر نســبية ختتلــف متامـاً عــن قيــم ومعايــر‬
‫الكالســيكيات ســابقتها‪.‬‬

‫‪ -3‬املدرســة الواقعيــة ‪ -‬جــاءت املدرســة الواقعيــة بفكرهــا وطرازهــا بعد املدرســة‬


‫الرومانتيكيــة كجــواب علــى ذاتيــة وحريــة الرومانتيكيــة وروافدها الكثــرة‪ ،‬فأعاد‬
‫األمــر ملــا كان عليــه قبــل الكالســيكية‪ ،‬لقــد حبــث يف الوظيفيــة‪ ،‬وأخضــع الشــكل‬
‫للوظيفيــة دومنــا التقيــد بالقوالــب الــي حتاكــي وتغــازل الطبيعــة‪ ،‬فاختلــف‬
‫هكــذا مــع الكالســيكية بإمعاهنــا يف صياغــة الكتلــة علــى مثــال الطبيعــة بصــورة‬
‫صارمــة مقيــدة‪ ،‬واختلــف مــع الرومانتيكيــة يف انقالهبــا علــى القواعــد األصيلــة‪،‬‬
‫واختــذ مــن الوظيفيــة والنفعيــة قواعــد مقدمــة عــن قاعــدة حمــاكاة الطبيعــة(‪.)1‬‬

‫وهكــذا قامــت املــدارس والطــرز الواقعيــة‪ ،‬الــي جندهــا يف الطــرز احلديثــة واملعاصــرة‪،‬‬
‫الــي مــن أهــم مالحمهــا البســاطة والتناســق والتناغــم بــن عناصــر الكتلــة واحمليــط‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫والتنــوع‪ ،‬وصراحــة الكتــل وخلوهــا مــن التفاصيــل أو الزيــادات والتكلــف‪ ،‬واالهتمــام‬
‫بالوظيفيــة بصــورة قويــة‪ ،‬وصياغــة الكتــل علــى قوالــب قــد وضعهــا اإلنســان بنفســه‬
‫وليســت مــن الطبيعــة (علــى خــاف الكالســيكية)‪ ،‬فنجــد مــدارس حديثــة تصيــغ‬
‫الكتلــة املعماريــة وعناصرهــا مســتخدمة طــرز وأمنــاط جديــدة للغايــة‪ ،‬ســواء مــن‬
‫حيــث الشــكل أو املضمــون‪ ،‬فظهــرت الوحــدة النمطيــة (املديوليــة)‪ ،‬وهــي ببســاطة‬
‫كمثــال عنــد وضــع تصميــم مشــروع فنــدق يتــم إنشــاء شــبكية منتظمــة‪ ،‬أبعــاد الوحــدة‬
‫فيهــا متثــل أبعــاد الغرفــة الفندقيــة بكامــل منافعهــا ومشــتمالهتا‪ ،‬ويتــم اختيــار العــدد‬
‫املطلــوب مــن تكــرار هــذه الوحــدة النمطيــة‪ ،‬وجنــد مشــروعات جوهــر تصميمهــا علــى‬
‫شــاكلة احلاســوب الرقمــي‪ ،‬فنجــد املبنــى عبــارة عــن حاســوب يدخلــه املســتخدمون‪،‬‬
‫إضافــة للنفعيــة مــن منتجــات احلضــارة والتقنيــات احلديثــة‪ ،‬وذلــك باســتخدام مــواد‬
‫بنائيــة حديثــة وأدوات تشــييد‪ ،‬بــل وإدخــال نظــم و برامــج إدارة وتشــييد غايــة يف‬
‫الدقــة‪ ،‬هكــذا الطــراز املعاصــر‪ ،‬وجــاء خالف ـاً للكالســيكيات القدميــة الــي أغرقــت‪،‬‬
‫ومتــادت يف حمــاكاة الطبيعــة‪ ،‬وصنعــت قوالــب مقيــدة‪ ،‬ومتــادت يف الربــط بينهــا وبــن‬
‫املســتخدم‪ ،‬فمــا كان مــن الرومانتيكيــة والــي تاهــت وغرقــت وفقــدت حريتهــا الذاتيــة‪،‬‬
‫إىل أن انقلبــت علــى أبســط قواعــد الكالســيكيات‪ ،‬فجــاءت هكــذا الواقعيــة لتضــع فكــراً‬
‫ومنهج ـاً جديــداً وطــرازاً يناســب احتياجــات اإلنســان‪ ،‬داخــل هــذه املــدارس املعماريــة‬
‫الثــاث‪ ،‬ونشــأت مــدارس وروافــد متعــددة‪ ،‬كلهــا لــن ختــرج مــن مضمــون فكرهــا عــن‬
‫الثــاث‪ ،‬إال أن تأتــي مدرســة رابعــة تؤكــد وتعمــل يف حــل إشــكاليات الفكــر عمومــاً‬
‫والــذي بــدوره ينعكــس يف اجملــاالت األخــرى(‪ ،)1‬ومــن املــدارس اإلســامية منهــا‪:‬‬

‫‪ -‬املدارس اإلسالمية‪ :‬كاملدارس النظامية يف نيسابور والعراق‪ ،‬واملدرسة املستنصرية‬


‫يف بغــداد‪ ،‬واملدرســة الصاحليــة يف مصــر‪ ،‬ومدرســة قايتبــاي يف احلجــاز‪ ،‬واملدرســة‬
‫البوعنانية يف املغرب واملدرســة األشــرفية يف اليمن وغريها الكثري‪.‬‬

‫‪ -‬األربطــة‪ :‬وهــي نــوع مــن العمــارات العســكرية والدينيــة مع ـاً‪ ،‬لذلــك شــبهها‬
‫بعــض الغربيــن باألديــرة احملصنــة‪ ،‬وأكثــر مــا نشــأت يف مشــايل إفريقيــا لصــد‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة‪.‬‬

‫‪363‬‬
‫حمــاوالت الغــزو البحــري األوروبــي‪ ،‬وإعــداد‬
‫محــات اجملاهديــن(‪ ،)1‬حيــث كان يقيــم فيها‬
‫احملاربــون اســتعداداً للجهــاد أو للتعبــد‪ ،‬ومــن‬
‫أشــهر أمثلتهــا ربــاط املنســتري يف تونــس الذي‬
‫شــيده هرمثــة يف ســنة ‪180‬هـــ‪796 ،‬م‪ ،‬انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)118‬وربــاط سوســة يف تونــس‬
‫الــذي شــيده زيــادة اهلل بــن إبراهيــم بــن‬
‫األغلــب ســنة ‪206‬هـــ‪ ،‬وربــاط األغــوات يف‬
‫املدينــة املنــورة الــذي شُ ـيِّد يف عــام ‪706‬هـــ‪،‬‬
‫‪118‬‬ ‫الشكل‬ ‫‪1306‬م‬

‫‪ -‬البيمارســتانات (املستشــفيات)‪ :‬املارســتان‬


‫أو البيمارســتان كلمــة فارســية األصــل‪ ،‬تعــي‬
‫مستشــفى ومعناهــا «حمــل املریــض»‪ ،‬وكانــت‬
‫للبيمارســتانات يف العصــور الوســطى دوراً‬
‫للعــاج‪ ،‬وكانــت أيضــاً معاهــد لتدريــس‬
‫‪119‬‬ ‫الشكل‬
‫الطــب واســتعمل العثمانيــون (البيمارســتان)‬
‫مصطلــح دار الشــفاء‪.‬‬

‫والبيمارســتانات هــي عبــارة عــن مستشــفيات عامــة تعــاجل فيهــا األمــراض‬


‫الباطنيــة والرمديــة والعقليــة ومتــارس فيهــا العمليــات اجلراحيــة‪ ،‬انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)119‬ويتــم العــاج فيهــا عــن طريــق طاقــم طــي متخصــص‪ ،‬وكان األطبــاء‬
‫املســلمني هــم أول مــن فــرق بــن املستشــفى العــام ودور العجــزة واملصحــات‬
‫الــي تعــزل فيهــا اجملانــن وأصحــاب األمــراض اخلطــرة مثــل اجلــذام‪ ،‬ويعتــر‬
‫البيمارســتان هــو األســاس احلقيقــي للمستشــفيات املعاصــرة‪ ،‬ويرجــع الفضــل‬
‫(‪ )1‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫يف تأســيس املصحــات النفســية واملستشــفيات العامــة واملــدارس واجلامعــات‬
‫الطبيــة لألطبــاء املســلمني يف العصــور الوســطى‪ ،‬إىل أن تدهــورت أحواهلــا‬
‫وأمهلــت وهجرهــا املرضــى‪ ،‬فمــا عــادت تســتخدم إال لعــزل اجملانــن‪ ،‬وصــارت‬
‫كلمــة مارستان‪/‬مورســتان تعــي مــأوى اجملانــن(‪.)1‬‬

‫وحنــن نعلــم أن اإلســام اعتنــى بصحــة األبــدان‪ ،‬وحــث على اإلستشــفاء ومعاجلة‬
‫األمــراض‪ ،‬وكان مــن أثــر ذلــك اهتمــام الســاطني ببنــاء البيمارســتانات وتوفــر‬
‫مــا يُحتــاج إليــه مــن أطبــاء وأدويــة وأدوات طبيــة‪ ،‬ومــن أشــهر البيمارســتانات يف‬
‫العــامل اإلســامي بيمارســتان الســلطان قــاوون بالقاهــرة‪ ،‬وبيمارســتان النــوري‬
‫يف دمشــق‪ ،‬والبيمارســتان املوحــدي مبراكــش(‪.)2‬‬

‫نشأة املدرسة اإلسالمية‪:‬‬

‫حتولــت املســاجد إىل أماكــن علــم ودراســة‪ ،‬باإلضافــة إىل كوهنــا أماكــن تعبــد‪ ،‬ثــم بــدأت‬
‫الكتاتيــب باالنتشــار‪ ،‬وهــي أشــبه مبعاهــد لتعليــم الصبيــان‪ ،‬وهنــاك دور العلم واحلكمة‬
‫الــي قــام بإنشــاءها املســلمون‪ ،‬وحتتــوي هــذه الــدور علــى جمموعــات للكتــب العربيــة‬
‫أو املرتمجــة‪ ،‬ومــن أهــم هــذه الــدور (دار احلكمــة) يف بغــداد‪ ،‬الــي بنيــت ســنة ‪185‬هـــ‬
‫‪801-‬م بأمــر مــن الرشــيد‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)120‬ثــم تابــع ولــده املأمــون سياســة والــده‬
‫يف البحــث والرتمجــة ليجعــل منهــا جممعـاً علميـاً‪ ،‬وهنــاك أيضـاً البيمارســتانات الــي‬
‫كانــت علــى شــكل مستشــفيات وأمكنــة‬
‫للقيــام بالدراســات الطبيــة‪ ،‬ويرافقهــا‬
‫قاعــات إللقــاء احملاضــرات ومكتبــة‬
‫تضــم جمموعــة مــن الكتــب املتعلقــة‬
‫خبصــوص الطــب والصيدلــة‪ ،‬وكمــا‬
‫‪120‬‬ ‫الشكل‬ ‫أن أول بيمارســتان أنشــئ يف اإلســام‬
‫(‪ )1‬ويكبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )1‬العمارة اإلسالمية تاريخ من اجلمال واإلبداع – الدكتور رضوان ضحالوي – املصدر‪-‬املوسوعة العربية‪.‬‬

‫‪365‬‬
‫ســنة ‪ 86‬هـــ ‪705-‬م بأمــر مــن الوليــد‬
‫بــن عبــد امللــك يف مصــر‪ ،‬حتولــت قصــور‬
‫اخللفــاء أيضــاً إىل جمالــس أدبيــة وعلميــة‪،‬‬
‫تعنــى بالشــعر والتاريــخ والعلــوم األخــرى(‪،)1‬‬
‫وخاصــة يف العصــر األمــوي والعباســي‪ ،‬ثــم‬
‫‪121‬‬ ‫الشكل‬
‫ظهــرت املــدارس املســتقلة يف بغــداد مــع‬
‫مطلــع القــرن اخلامــس اهلجــري ليأخــذ البنــاء اســتقالليته مــن الناحيــة التصميميــة‬
‫واإلنشــائية‪.‬‬

‫وكان الوزيــر الســلجوقي نظــام امللــك أول مــن أمــر بتشــييد املــدارس يف منطقــة العــراق‪،‬‬
‫تــاه يف ســورية نــور الديــن الزنكــي الــذي أمــر ببنــاء املدرســة النوريــة يف دمشــق عــام‬
‫‪1127‬م انظــر الشــكل (‪.)121‬‬

‫وعندمــا كان الرســول ‪ ‬قــد حــرر األســر الــذي كان يعلِّــم عــدداً مــن املســلمني القــراءة‬
‫والكتابــة‪ ،‬وإن دل ذلــك علــى شــيء إمنــا يــدل علــى اهتمــام اإلســام بذلــك اجلانــب‬
‫املهــم يف حيــاة البشــرية‪ ،‬ومــن جهــة أخــرى‪ ،‬فــإن الدولــة اإلســامية يف مجيــع أدوارهــا‬
‫اهتمــت بالعلــم والتعليــم‪ ،‬وعقــدت الــدروس يف املســاجد قبــل إنشــاء املــدارس‪ ،‬ومــا‬
‫تعلــم املســلمون األوائــل إال حتــت مظــات املســاجد ويف أروقتهــا‪ ،‬ويف صحــون هــذه‬
‫املســاجد‪ ،‬حيــث كانــت تعقــد حلقــات التعلــم‪ ،‬وكان الطــاب يتحلقــون حــول معلمهــم‪،‬‬
‫وهــو يتنــاول املوضــوع تلــو املوضــوع والــدرس بعــد اآلخــر‪ ،‬ويتعلمــون ويبدعــون‪ ،‬ولعلنــا‬
‫جيــب أن نعــرف أن مدرســة رســول اهلل قــد قدمــت لنــا القــادة العظــام الذيــن خترجــوا‬
‫يف مدرســة النبــوة‪ ،‬وهــم الذيــن أدبــوا اجلبابــرة وكســروا شــوكتهم وأزاحــوا جربوهتــم‬
‫وتركــوا الشــعوب تتعــرف علــى طريقهــا وأســلوب حياهتــا والديــن الصحيــح الــذي‬
‫تنتهجــه وتتديــن بــه بعيــداً عــن ظلــم جبــار كان حيكــم وجيــر اخللــق علــى اتبــاع الديــن‬
‫املرغــوب مــن هــذا الطاغيــة أو ذاك‪ ،‬واســتمرت املســاجد تقــدم ذلــك النهــج مــن التعليــم‬
‫(‪ )1‬فضاءات من العمارة اإلسالمية – مقاالت خمتارة – حممود زين العابدين‪.‬‬

‫‪366‬‬
‫والتدريــس لفــرة طويلــة‪ ،‬حتــى القــرن الرابــع اهلجــري‪ ،‬حيــث بــدأ ظهــور نــوع جديــد‬
‫مــن العمائــر الدينيــة اإلســامية يف شــرق العــامل اإلســامي‪ ،‬وظهــرت أمســاء جديــدة‬
‫ألماكــن العبــادة عرفــت باســم املــدارس‪ ،‬ثــم مــع الوقــت انتشــرت يف غــرب العــامل‬
‫اإلســامي خــال القــرن اخلامــس اهلجــري‪ ،‬وكان تغيــر االســم إىل «مدرســة» يتبــع‬
‫حكمــة اقتضتهــا الوظيفــة اجلديــدة‪ ،‬الوظيفــة الــي كانــت الســبب والدافــع املباشــر‬
‫لتشــييدها(‪.)1‬‬

‫املدارس الفنية بالعمارة اإلسالمية‪:‬‬

‫وجنــد أن املــدارس الفنيــة اإلســامية قــد مــرت يف أول األمــر بــأدوار وعصــور سياســية‬
‫خمتلفــة‪ ،‬بــدأت بعصــر خالفــة بــي أميــة‪ ،‬ثــم العصــر العباســي‪ ،‬وتكونــت خالفــات‬
‫إســامية مســتقلة يف األندلــس ومصــر وتركيــا(‪ ،)2‬ولقد جتاوز اإلســام حــدود اجلزيرة‬
‫العربيــة منتشــراً يف املناطــق الــي كانــت خاضعــة لســيادة اإلمرباطوريتــن البيزنطيــة‬
‫والفارســية‪ ،‬وكانــت مســرحاً ألغنــى احلضــارات وأكثرهــا رقيّــاً‪ ،‬ومــن ثــم ورث عــن‬
‫هاتــن اإلمرباطوريتــن تقاليدمهــا املعماريــة والعمرانيــة‪ ،‬الــي كانــت أص ـاً ممتزجــة‬
‫بالتقاليــد ‪ traditions‬الفنيــة احملليــة ملناطــق نفوذمهــا‪ ،‬وقــد ظلــت املســاجد اجلامعــة‬
‫يف األمصــار اإلســامية تقــوم بدورهــا كمراكــز لإلشــعاع العلمــي حتــى شــيدت املــدارس‬
‫كذلــك فكانــت حلقــات العلــم تقــام يف أماكن خمتلفة إضافة للمســاجد اجلامعة كقصور‬
‫اخللفــاء واألمــراء ومنــازل العلمــاء واملكتبــات‪ ،‬كذلــك كانــت منتديــات األدب والعلــم مــن‬
‫األماكــن الــي يلتقــي فيهــا رجــال الفكــر واألدب‪ ،‬ممــا أســهم يف هنضــة علميــة رائعــة‬
‫حتــى شــيدت املــدارس(‪ ،)3‬وكانــت تســودها املــدارس املعماريــة والفنيــة اآلتيــة‪:‬‬

‫(‪ )1‬املــدارس اإلســامية‪ .‬الــرأي‪ ..‬عمائــر ثقافيــة ‪ -‬دور علــم ومعاهــد دعــوة ‪ -‬أبريــل ‪ -‬القاهــرة ‪ -‬مــن الدكتــور‬
‫عبــد الغــي عبــد اهلل‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬عفيــف هبنســي – تاريــخ الفــن والعمــارة – ‪ – 11982 – 1402‬حممــد حســن جــودي – الفــن العربــي‬
‫اإلســامي – ‪2007‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬املدرسة نشأهتا وتطور عمارهتا ‪ -‬عبد اهلل كامل موسى عبده – جملة مداد‪ -‬سعد بن زيد آل حممود‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫‪1‬ـ املدرسة السورية ‪ -‬املصرية‪:‬‬

‫املدرســة القبطيــة‪ :‬كانــت منتشــرة يف مصــر‪ ،‬وهــي وريثــة املدرســة املصريــة القدميــة‬
‫العريقــة‪ ،‬الــي جتــاوزت تأثرياهتــا احلــدود املصريــة(‪ ،)1‬وكان الشــراك الشــام ومصــريف‬
‫تاريــخ واحــد تقريبــاً منــذ مــا قبــل امليــاد حبــوايل ألــف ومخســمائة ســنة‪ ،‬أثــره يف‬
‫توحيــد تراثهــا الفــي‪ ،‬وقــد وقــع البنــاء اإلســامي يف القطريــن‪ ،‬منــذ العهــد األمــوي‬
‫حتــت تأثــرات حمليــة متشــاهبة متصلــة بالفــن اهللنســي الشــرقي والبيزنطــي‪ ،‬وتوالــت‬
‫التواريــخ بعدهــا بعصــور العهــد الطولونــي واألخشــيدي والفاطمــي ثــم األيوبــي‬
‫واململوكــي والعثمانــي‪ ،‬ومســاجد هــذه املدرســة مســتطيلة الشــكل وســقوفها مســطحة‪،‬‬
‫وتظهــر املقرنصــات‪ ،‬أمــا األقــواس فهــي نصــف دائريــة أو مدببــة أو بشــكل قطــع ناقــص‬
‫«حــدوة الفــرس» ومآذهنــا أحيان ـاً مربعــة ولكنهــا علــى الغالــب مضلعــة‪ ،‬منهــا مســجد‬
‫عمــرو مبصــر واجلامــع األمــوي بدمشــق وقبــة الصخــرة يف القــدس واجلامــع األزهــر‬
‫مبصــر واملدرســة الظاهريــة والعادليــة الكــرى يف دمشــق وقلعــة حلــب(‪.)2‬‬

‫وكذلــك كانــت منتشــرة يف آســيا الصغــرى (تركيــا) وســوريا وفلســطني وشــرقي األردن‪،‬‬
‫وقــد وقعــت هــذه املنطقــة حتــت التأثــر الكالســيكي حنــو ‪ 1000‬عــام منــذ عهــد‬
‫اإلســكندر حتــى الفتــح اإلســامي‪ ،‬وتأثــرت باملوجــات اهللنســتيه(‪ ،)3‬وشــهدت مصــر‬
‫عمــارة املدرســة يف هنايــة العصــر الفاطمــي وذلــك يف مدينــة اإلســكندرية فقــد شــيد‬
‫الوزيــر رضــوان بــن وخلشــى العــام ‪ 532‬هـــ ‪1138/‬م أول مدرســة يف اإلســكندرية‬
‫لتدريــس املذهــب املالكــي‪ ،‬وقــرر التدريــس فيهــا الفقيــه أبــو الطاهــر بــن عــوف وقــد‬
‫عُرفــت باملدرســة احلافظيــة‘ نســبة للخليفــة الفاطمــي احلافظــي‪ ،‬ثــم عرفــت باملدرســة‬
‫العوفيــة نســبة للفقيــه أبــو الطاهــر بــن عــوف‪ ،‬وبعــد أربعــة عشــر عام ـاً مــن إنشــاء‬
‫املدرســة احلافظيــة شــيد الوزيــر العــادل بــن الســار مدرســة ثانيــه يف اإلســكندرية‬
‫لتدريــس املذهــب الشــافعي وقــرر يف أن يــدرس فيهــا احلافــظ الشــهري أبــو الطاهــر‬

‫‪Islamic architecture - Architecture islamique‬‬ ‫(‪ )1‬العمارة اإلسالمية – رضوان طحالوي‪.‬‬


‫(‪ )2‬تاريخ العرب عند املسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬
‫(‪ )3‬مرجع سابق – العمارة اإلسالمية – رضوان طحالوي‪Islamic architecture - Architecture islamique .‬‬

‫‪368‬‬
‫الســلفي وذلــك يف العــام ‪ 546‬هـــ ‪1150/‬م‪ ،‬ويف‬
‫العصــر األيوبــي انتشــرت املــدارس انتشــاراً عظيمـاً‬
‫وكان ابتــداء ذلــك عندمــا هــدم صــاح الديــن‬
‫األيوبــي دار املعونــة يف مصــر وعمرهــا مدرســة‬
‫للشــافعية وكانــت جبــوار جامــع عمــرو بــن العــاص‬
‫وهــي أول مدرســة عمــرت يف مصــر إللقــاء العلــم‬
‫يف الفســطاط‪ ،‬كمــا حــول دار الغــزل جبــوار جامــع‬
‫عمــرو بــن العــاص مدرســة للمالكيــة‪ ،‬ثــم تعــددت‬
‫املــدارس يف عهــد صــاح الديــن ويف عهــد امللــك‬
‫‪122‬‬ ‫الشكل‬
‫الكامــل شــيدت أول مدرســة يف مصــر لتدريــس‬
‫احلديــث النبــوي‪ ،‬وذلــك يف العــام ‪ 622‬هـــ ‪1225 /‬م خبــط بــن القصريــن وعرفــت‬
‫بــدار احلديــث الكمليــة‪ ،‬وذلــك علــى غــرار دار احلديــث الــي شــيدت مــن قبــل نــور‬
‫الديــن حممــود‪ ،‬وقــد جــاءت هــذه املدرســة مؤلفــة مــن صحــن وإيوانــن ويف عهــد‬
‫‪641‬‬ ‫الســلطان امللــك الصــاحل جنــم الديــن أيــوب شــيدت املدرســة الصاحليــة يف العــام‬
‫هـــ ‪1243/‬م لتدريــس املذاهــب الســنية األربعــة انظــر الشــكل (‪ ،)122‬وجــاء ختطيــط‬
‫هــذه املدرســة مــن إيوانــن يفصلهمــا دهليــز طويــل بعــرض ‪ 40‬مــراً بــدءاً مــن وســط‬
‫الواجهــة(‪.)1‬‬

‫‪ - 2‬املدرســة العراقيــة – الفارســية‪ :‬كانــت ســائدة يف العــراق وفــارس‪ ،‬وتأثــرت هــذه‬


‫املدرســة بالفنون املعمارية والزخرفية املقتبســة عن املدرســة الرافدية ‪Mesopotamian‬‬

‫الــي كانــت ســائدة يف األلفــن الثالــث والثانــي قبــل امليــاد(‪.)2‬‬

‫وأســاليبها فارســية‪ ،‬وبلغــت أوجهــا يف مدينــة ســامراء يف القــرن الثالــث‪ ،‬ويف زمــن‬
‫الصفويني خاصة بالقرن (‪ )17 – 16‬وهو من أزهى عصور الفن اإلســامي اإليراني‪،‬‬
‫حيــث اســتعمل القــوس الفارســي «املدبــب القليــل االرتفــاع» واألبــواب الكــرى للمســاجد‬
‫(‪ )1‬املدرسة نشأهتا وتطور عمارهتا – عبد اهلل كامل موسى عبده – جملة مداد‪ -‬سعد بن زيد آل حممود‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمارة اإلسالمية – رضوان طحالوي‪Islamic architecture - Architecture islamique .‬‬

‫‪369‬‬
‫ضمــن إطــار مســتطيل مزخــرف تقــوم‬
‫علــى جانبــه مئذنتــان رشــيقتان‪،‬‬
‫واملــآذن االســطوانية‪ ،‬وأمــا القبــة‬
‫فمتطاولــة بصليــة الشــكل مزخرفــة‬
‫الظاهــر والباطــن‪ ،‬واشــتهرت هــذه‬
‫‪123‬‬ ‫الشكل‬
‫املدرســة بالقاشــاني وبزخــارف نباتيــة‬
‫ونــدر اســتعمال الزخــارف اهلندســية‪ ،‬وأهــم آثارهــا‬
‫«ميــدان شــاه» انظــر الشــكل (‪ ،)123‬كمــا يعــود‬
‫هلــذه املدرســة بنــاء مشــهد الكاظمــن يف بغــداد‬
‫انظرالشــكل (‪ ،)124‬وانتشــر يف عهــد الصفويــن‬
‫‪124‬‬ ‫الشكل‬ ‫بنــاء األضرحــة وهــي علــى نوعــن – ضريــح عبــارة‬
‫عــن ردهــة يليهــا بنــاء تعلــوه قبــة والثانــي جوســق‬
‫مثمــن األضــاع‪ ،‬ومــن أمثلتهــا اجلامــع الضرحيــي للشــيخ صفــي الديــن باردبيــل(‪،)1‬‬
‫وحبــث الدكتــور عبــد العزيــز محيــد مــن أن عمــارة املشــهد املعــروف مبــزار األربعــن‬
‫يف تكريــت بالعــراق كانــت مدرســة‪ ،‬وأهنــا شــيدت يف أواخــر القــرن اخلامــس اهلجــري‬
‫احلــادي عشــر امليــادي‪ ،‬فإنــه حيتمــل أن يكــون هــذا البنــاء أقــدم مدرســة باقيــة يف‬
‫العــامل اإلســامي ويرجــح الدكتــور فكــري‪ ،‬أن هــذا البنــاء أســبق عهــداً مــن مدرســة‬
‫بصــرى‪ ،‬وهــو أكثــر احتفاظــاً بعناصــره األوىل وأكــر أمهيــة ومســاحة‪ ،‬وقــد اســتمر‬
‫األتابكــة يف العــراق والشــام علــى هنــج الســاجقة يف إنشــاء املــدارس‪ ،‬فأقامــوا الكثــر‬
‫منهــا يف القــرن الســادس اهلجــري الثانــي عشــر امليــادي مثــل املدرســة األتابكيــه الــي‬
‫شــيدها ســيف الديــن غــازي بــن عمــاد الديــن زنكــي يف املوصــل انظــر الشــكل (‪،)125‬‬
‫يف منتصــف القــرن ‪6‬هــــ ‪12‬م ووجــدت هــذه السياســة تأييــداً واســعاً مــن الســلطان‬
‫نــور الديــن حممود‪،‬حيــث شــيد الكثــر مــن املــدارس لفقهــاء الشــافعية يف دمشــق‬
‫ومحــاه ومحــص وحلــب وبعلبــك وبلــخ وغريهــا‪ ،‬كونــه حنفــي املذهــب كمــا أســس أول دار‬

‫(‪ )1‬مرجع سبق ذكره ‪ -‬تاريخ العرب عند املسلمني – أنور الرفاعي‬

‫‪370‬‬
‫‪569‬‬ ‫للحديــث يف دمشــق فيمــا بــن ‪ 549‬و‬
‫هـــ‪1174 - 1154 ،‬م(‪.)1‬‬

‫‪3‬ـ املدرســة اهلنديــة‪ :‬وقــد ظهــرت يف‬


‫مشــال اهلنــد منــذ القــرن الثانــي عشــر حتــى‬
‫الســادس عشــر أبنيــة إســامية هنديــة‬
‫‪125‬‬ ‫الشكل‬ ‫الطابــع‪ ،‬ثــم جــاء ســاطني املغــول املســلمني‬
‫«‪ »18- 16‬فاقتبســوا يف أبنيتهــم القــوس‬
‫والقبــة البصليــة عــن املدرســة الفارســية‪،‬‬
‫ومــن أشــهر مراكزهــا‪ ،‬مدينــة دهلــي‪ ،‬وفيهــا‬
‫قصــر أباطــرة املغــول واجلامــع األكــر‪ ،‬وكذلــك‬

‫‪126‬‬ ‫الشكل‬
‫مدينــة «أغــرة» الــي اشــتهرت بأثرهــا الفــي‬
‫اخلــارق «تــاج حمــل» وهــو ضريــح تــذكاري‬
‫لزوجــة الشــاه جهــان املتوفيــة ‪1631‬م‪ ،‬واخذ‪22‬ســنة يف البنــاء وعمــل فيــه ‪ 20‬ألــف‬
‫عامــل انظــر الشــكل (‪.)2()126‬‬

‫‪4‬ـ مدرســة املغــرب واألندلــس‪ :‬عرفــت بــاد املغــرب بنــاء املــدارس منــذ هنايــة القــرن‬
‫اخلامــس اهلجــري ‪ /‬احلــادي عشــر امليــادي طبق ـاً للدالئــل التارخييــة كمــا يذكــر د‪.‬‬
‫حممــد حممــد الكحــاوي وقــد دوّن تاريــخ هــذه املــدارس مــن قبــل بعــض املؤرخــن‬
‫املعاصريــن إذ كشــفت كل الطبقــات النقــاب عــن املــدارس الــي انتشــرت يف عهــد‬
‫املرابطــن‪ ،‬مثــل مدرســة فــاس ومدرســة ســبتة وانتشــرت املــدارس املرابطيــة يف‬
‫طنجــة‪ ،‬وأغمــات و سجلماســة وتلمســان ومراكــش‪ ،‬كمــا ازدهــرت مــدارس األندلــس يف‬
‫عهــد املرابطــن ومــن أهــم مــدارس األندلــس مدرســة قرطبــة ‪ -‬ومرســية ‪ -‬واملريــة ‪-‬‬
‫وأشــبيلية ‪ -‬وطرطوشــة ‪ -‬وغرناطــة وغريهــا‪ ،‬وقــد أمدتنــا نصــوص املؤرخــن والرحاله‬
‫بالكثــر مــن املــدارس الــي شــيدت يف العصــر املوحــدي يف بــاد املغــرب واألندلــس الــي‬
‫(‪ )1‬املدرسة نشأهتا وتطورعمارهتا ‪ -‬عبداهلل كامل موسى عبده – جملة مداد‪ -‬سعدبن زيد آحملمود‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ العرب عند املسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫منها – مدرســة مدينة املهدية ومدرســة ســا املغربية‬
‫ومدرســة مراكــش إىل غــر ذلــك مــن املــدارس‪ ،‬ويف‬
‫العصــر املريــي ازدهــرت عمــارة املدرســة وخصوص ـاً‬
‫يف عاصمــة ملكهــم مدينــة فــاس الــي حلــت مــكان‬
‫مدينــة مراكــش‪ ،‬فكانــت حبــق أكــر عاصمــة علميــة‬
‫شــهدها املغــرب األقصــى‪ ،‬ومــن الثابــت أن معظــم‬
‫املــدارس املرينيــة شــيدت يف القــرن الثامــن اهلجــري‪،‬‬
‫الرابــع عشــر امليــادي الــذي ميثــل فــرة االســتقرار‬
‫واإلزدهــار‪.‬‬
‫‪127‬‬ ‫الشكل‬

‫وقــد ميــزت هــذه املــدارس خبصائــص عــدة مــن‬


‫الناحيــة الفنيــة‪ ،‬حيــث اتســمت بالزخــارف والنقــوش‬
‫وروعــة التصميــم ومــن أهــم املــدارس املرينيــة مدرســة‬
‫يف فــاس العــام ‪ 675‬هـــ ‪1274‬م وهــي مدرســة‬
‫‪128‬‬ ‫الشكل‬ ‫الصفاريــن انظــر الشــكل (‪ ،)127‬ومدرســة العطاريــن‬
‫يف فــاس ‪ 725‬هــــ ‪1324‬م انظــر الشــكل (‪،)128‬‬
‫ومدرســة املدينــة البيضــاء املعروفــة مبدرســة دار املخــزن بنيــت عــام ‪ 721‬هــــ‪1320‬م‬
‫وقــد أمدتنــا النصــوص الوثائقيــة املنقوشــة علــى لوحــات احلبــوس مبــا يثبــت أمســاء‬
‫األماكــن احملبســة علــى عمــارة املــدارس املغربيــة‪ ،‬وهــذا التوثيــق يعــد مصــدراً معلن ـاً‬
‫أمــام أعــن النــاس حفاظـاً علــى تلــك األوقــاف مــن الضيــاع أو التبديــل‪ ،‬لكوهنــا مصــدر‬
‫صــرف علــى عمــارة تلــك املــدارس(‪.)1‬‬

‫وظــل الطــراز األمــوي ســائداً يف األندلــس حتــى القــرن اخلامــس اهلجــري ‪ 11‬م وقــد‬
‫بــرز خاصــة يف جامــع قرطبــة‪ ،‬غــر أن الطــراز املغربــي‪ -‬األندلســي بــدأ بالظهــور بعــد‬
‫ذلــك يف عهــد املرابطــن واملوحديــن‪ ،‬وازدهــر يف القــرن التاســع اهلجــري واخلامــس‬
‫(‪ )1‬املدرسة نشأهتا وتطور عمارهتا – عبد اهلل كامل موسى عبده – جملة مداد‪ -‬سعد بن زيدآحملمود‪.‬‬

‫‪372‬‬
‫عشــر ميــادي‪،‬يف هــذه املدرســة اســتعمال اجلــص‬
‫احملفــور والفســقيات واســتعمال اللــون الذهــي يف‬
‫التزيــن‪ ،‬وأهــم األبنيــة – جامــع قرطبــة ومئذنتــه‬
‫املربعــة البالغــة يف اإلرتفــاع ‪ 73‬ذراعا‪،‬انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)129‬ومدرســة العطاريــن انظــر الشــكل (‪،)130‬‬
‫وجامــع القرويــن يف فــاس انظــر الشــكل (‪،)131‬‬
‫وجامــع الكتيبيــة يف مراكش‪،‬انظــر الشــكل (‪،)132‬‬
‫عــدا قصــور الزهــراء واحلمــراء يف األندلــس(‪.)1‬‬

‫‪5‬ـ مدرســة األندلــس بعــد زوال احلكــم العربــي‬


‫‪129‬‬ ‫الشكل‬
‫(الفــن املدجــن)‪:‬‬

‫ونعــي هبــم املســلمون األندلســيون الذيــن بقــوا‬


‫حتــت احلكــم اإلســباني‪ ،‬ويظهــر أثرهــم يف زخرفــة‬
‫الكنائــس الروســية والقوطيــة‪ ،‬وأول مــا ظهــر منــه‬
‫‪130‬‬ ‫الشكل‬
‫يف قشــتالة‪ ،‬مثــل كنيســة ســان رومــان‪ ،‬بأقواســها‬
‫احلدويــة‪ ،‬وزخرفتهــا العربيــة امللونــة‪ ...‬إخل‪،‬‬
‫وكذلــك يف املســجد األمــوي الكبــر يف قرطبــة‪،‬‬
‫وجعــل املعماريــون مقرنصاهتــا وزخارفهــا النباتيــة‬
‫‪131‬‬ ‫الشكل‬ ‫شــبيهة بفــن غرناطــة اإلســامي‪ ،‬كذلــك «القصــر»‬
‫يف إشــبيلية ‪ 1354‬الــذي ذكــره املعلقــون بصاالهتــا‬
‫الفاخــرة وزينتهــا وحدائقهــا الغنــاء‪ ،‬وهــذا يــدل علــى التــذوق للفــن اإلســامي مــن قبــل‬
‫امللــوك املســيحيني‪.‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ العرب عند املسلمني – أنور الرفاعي‪.‬‬

‫‪373‬‬
‫‪6‬ـ املدرســة العثمانيــة‪ :‬تأثــر العثمانيــون‬
‫بالطــراز العراقــي الفارســي ثــم البيزنطــي‪،‬‬
‫فأخــذوا عــن األول الزخرفــة واســتعمال‬
‫القاشــاني وعــن الثانــي طريقــة البنــاء‪ ،‬وكان‬
‫اجلامــع العثمانــي املكــون مــن قاعــة مربعــة‪،‬‬
‫‪132‬‬ ‫الشكل‬ ‫الصحــن خارجــي هلــا تعلوهــا قبــة منخفضــة‪،‬‬
‫وعلــى طــريف القاعــة غــرف نصــف دائريــة‪،‬‬
‫تعلوهــا قبــاب نصفيــة‪ ،‬أمــا املــآذن فهــي لكثــرة أضالعهــا مســتديرة‪ ،‬ولكنهــا رشــيقة‬
‫جــداً تســتدق يف أعالهــا وهلــا شــرفتان أو ثــاث‪ ،‬شــرفات‪ ،‬وتتزيــن بالقاشــاني األزرق‪،‬‬
‫وبألــوان احلجــارة أحيان ـاً‪ ،‬وأهــم مركزهــا اســتانبول‪ ،‬وأبــرز أبنيتهــا جامــع الســلطان‬
‫بايزيــد وجامــع الســليمانية‪ ،‬ويف دمشــق التكيــة الســليمانية وجامــع الســنانية عــدا‬
‫قصــري العظــم يف دمشــق ومحــاه(‪.)1‬‬

‫ومــن اجلديــر بالذكــر أن املــدارس كانــت قــد ظهــرت يف دمشــق قبــل ظهورهــا يف بغــداد‪،‬‬
‫فقــد مت إنشــاء أول مدرســة فيهــا عــام ‪391‬هـــ وهــذه املدرســة هــي املدرســة الصادريــة‬
‫املنســوبة إىل منشــئها‪ ،‬صــادر بــن عبــد اهلل‪ ،‬وتبعــه بعــد ذلــك مقــرئ دمشــق «رشــأ‬
‫ابــن نضيــف»‪ ،‬حيــث قــام بتأســيس املدرســة الرشــائية يف حــدود األربعمئــة‪ ،‬وإىل هــذه‬
‫املــدارس خــرج الطلبــة مــن احللقــة الــي كانــت تعقــد يف املســجد إىل مــكان خيتــص‬
‫بتلقــي علــم معــن فيوقــف عليهــم وعلــى شــيوخهم املــال وتوفــر هلــم أســباب التعليــم(‪.)2‬‬

‫وقــد نشــأت املــدارس اإلســامية أول األمــر يف مدينــة نيســابور‪ ،‬حيــث مت إطــاق‬
‫اســم املدرســة علــى «دار العلــم» يف عهــد الســلطان «حممــود الغزنــوي»‪ ،‬خــال القــرن‬
‫الرابــع اهلجــري‪ ،‬وقــد أنشــئت املدرســة «البيهقيــة والســعيدية» ومدرســة «أبــو ســعيد‬
‫االســطرالبي» ومدرســة «أبــو إســحق األصفرانــي» املتوفــى العــام ‪ 418‬هـــ‪ ،‬واســتمرت‬
‫هذه العمائر كمنشــآت حملية يف مزاولة عملها ملدة طالت إىل حوايل ‪ 50‬ســنة تقريباً‪،‬‬
‫(‪ )1‬تاريخ العرب عند املسلمني – مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬تاريخ املدارس يف احلضارة اإلسالمية – قصة اإلسالم – إشراف الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬

‫‪374‬‬
‫إال أنــه مــع مــرور الوقــت انتهــت كظاهــرة معماريــة وثقافيــة بعــد مصــرع وزيــره «طغــرل‬
‫بــك»‪ ،‬واشــتد عــود هــذه العمائــر مــرة أخــرى وعــادت بقــوة علــى يــد أعظــم الــوزراء يف‬
‫العصــر الســلجوقي‪ ،‬الوزيــر «نظــام امللــك»‪ ،‬الــذي نعتــره أعظــم الرجــال الذيــن تولــوا‬
‫الــوزارة يف العصــر الســلجوقي‪ ،‬بــل أعظــم الــوزراء يف شــرق العــامل اإلســامي‪ ،‬إن مل‬
‫يكــن يف مجيــع دول اإلســام قاطبــة‪ ،‬والــذي اســتمر يعمــل وزيــراً مــع ثالثــة ســاطني‪،‬‬
‫هــم «طغــرل بــك‪ ،‬ألــب أرســان‪ ،‬وملــك شــاه»‪ ،‬وهــم الســاطني العظــام الذيــن علــى‬
‫أيديهــم نشــأت القــوة اإلســامية والتطــور اإلســامي العظيــم وإعــادة إحيــاء جمــد‬
‫اإلســام وبعــث دولتــه مــن جديــد خــال العصــر الســلجوقي(‪.)1‬‬

‫وأمــا فيمــا يتعلــق بنشــأة املدرســة فقــد أورد الزركشــي يف أعــام املســاجد أن أول مــن‬
‫بنــى املــدارس يف اإلســام الوزيــر قــوام الديــن نظــام امللــك الطوســي احلســن بــن علــي‬
‫حيــث كان وزيــر الســلطان ألــب أرســان الســلجوقي‪ ،‬وكان حيــب الفقهــاء ويكرمهــم‬
‫ويؤثرهــم‪ ،‬و بنــى املدرســة النظاميــة يف بغــداد وبنــى أيضـاً مدرســة يف نيســابور مساهــا‬
‫املدرســة النظاميــة درس هبــا إمــام احلرمــن فاقتــدى بــه النــاس يف بنــاء املــدارس‪ ،‬وذكــر‬
‫أوقطــاي أصــان أبــا أن كثــراً مــن املــدارس قــد شــيد زمــن الغزنويــن إال أهنــا اندثــرت‪،‬‬
‫وقــد جــاءت كلمــة مدرســة يف بعــض النقــوش الــي وجــدت يف قــراءة فليــزوان يف غزنــه‬
‫وجــاء يف تاريــخ ميــي ذكــر املدرســة يف عصــر الســلطان حممــود الغزنــوي‪ ،‬و الواقــع أن‬
‫املــدارس األوىل ظهــرت يف الشــرق اإلســامي يف نيســابور ومــرو و خبـــارى خــال فــرة‬
‫حكــم الســلطان حممــود الغزنــوي ‪ 421 - 391‬هـــ ‪1030 - 999‬م إلمــاء احلديــث‬
‫وتدريــس الفقــه الســي‪ ،‬وإعــداد كــوادر للدولــة حبيــث أصبحــت هــذه املــدارس مبثابــة‬
‫مؤسســات رمسيــه لتخريــج القضــاة والــوزراء وك َّتــاب بيــت املــال(‪.)2‬‬

‫وأن بدايــة نشــأة املــدارس بالرجــوع إىل املصــادر والكتــب املتخصصــة‪ ،‬جنــد أن أول‬
‫ظهــور للمدرســة كان يف أواخــر القــرن الثانــي وأوائــل القــرن الثالــث اهلجــري‪ ،‬وهــذه‬
‫(‪ )1‬املدارس اإلسالمية‪ ...‬عمائر ثقافية‪ ...‬دور علم ومعاهد دعوة – جملة الرأي‪.‬‬
‫(‪ )2‬املدرســة نشــأهتا وتطــور عمارهتــا – عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – التصنيــف – تاريــخ النشــر‪ 27 :‬شــوال‬
‫‪ – )2007-11-08( 1428‬مــداد‪.‬‬

‫‪375‬‬
‫املدرســة هــي مدرســة اإلمــام أبــي حفــص الفقيــه البخــاري «‪217 - 150‬هـــ» ويبــدو مــن‬
‫نســبتها إىل مؤسســها أهنــا قــد أسســت أثنــاء حياتــه‪ ،‬وأبــو حفــص البخــاري مــن الفقهــاء‬
‫الذيــن تزعمــوا احلركــة الفكريــة يف مدينــة خبــارى(‪.)1‬‬

‫وقــد صاحــب تغيــر االســم والوظيفــة تغــر جوهــري يف التخطيــط املعمــاري‪ ،‬ونتيجــة‬
‫لذلــك فقــد اختلــف علمــاء اآلثــار ومؤرخــو العمــارة اإلســامية ونقــاد الفنــون قــد‬
‫اختلفــوا يف وظيفــة هــذه العمائــر اجلديــدة والــي اتفــق علــى تســميتها باملــدارس‪،‬‬
‫ويذكــر أنــه جــرت مناقشــة حــادة يف إحــدى النــدوات العلميــة الــي صاحبــت احتفــاالت‬
‫مدينــة القاهــرة بألفيتهــا‪ ،‬وكان حمــور املناقشــات كلهــا حــول هــذه التســمية‪ ،‬وكان‬
‫املطلــوب هــو التعــرف علــى تأديــة وظيفــة املدرســة بالفعــل يف هــذه املبانــي مــن عدمــه؟‬
‫أم أنــه كان جمــرد تشــابه يف اســم املبنــى دون الوظيفــة؟ فمث ـاً يقــال جامــع ومدرســة‬
‫الســلطان حســن‪ ،‬هــل وظيفــة املبنــى كانــت للصــاة فقــط أم أنــه قــد مورســت فيــه‬
‫عمليــة التدريــس(‪)2‬؟‪.‬‬

‫وتنــوع التعبــر املعمــاري يف املدرســة اإلســامية واســتفاد العرب املســلمون مــن التقانات‬
‫واألمنــاط التقليديــة الــي كانــت ســائدة يف البــاد الــي فتحوهــا يف إشــادة املبانــي‬
‫واملنشــآت‪ ،‬وذلــك يف الفــرة األوىل مــن املدرســة اإلســامية‪ ،‬ثــم مــا لبثــت أن تبلــورت‬
‫مدرســة فنيــة متكاملــة حتمــل هويــة متجانســة علــى البــاد اإلســامية قاطبــة‪ ،‬وصــار‬
‫مــن الصعــب معرفــة األصــول املقتبســة منهــا فتميــزت مــن غريهــا مــن املــدارس الفنيــة‪،‬‬
‫ومــردّ ذلــك إىل عوامــل خمتلفــة منهــا‪ :‬العامــل الديــي‪ ،‬وهــو أهــم العوامــل‪ ،‬أضفــى‬
‫الصبغــة اإلســامية الــي هــي خالصــة للفكــر والعقيــدة اإلســامية علــى األبنيــة‬
‫الدينيــة واملدنيــة‪ ،‬كإشــادة املســاجد واجلوامــع وفــق نظــام وختطيــط معينــن يلبّيــان‬
‫احلاجــة الوظيفيــة وتأديــة الصــاة‪ ،‬والعامــل اآلخــر هــو العامــل اجلغــرايف‪ ،‬وتشــابه‬
‫املنــاخ النســي يف أقاليــم اإلســام حيــث غلــب عليهــا املنــاخ الصحــراوي واملتوســطي‪،‬‬
‫فتشــابه النســيج العمرانــي يف ختطيــط املــدن‪ ،‬وعُ ـ ِرف مــا يســمى بالنســيج املــراص‬

‫(‪ )1‬تاريخ املدارس يف احلضارة اإلسالمية ‪ -‬قصة اإلسالم – إشراف الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬املدارس اإلسالمية‪ ...‬عمائر ثقافية‪ ...‬دور علم ومعاهد دعوة– جملة الرأي‪.‬‬

‫‪376‬‬
‫أو العفــوي‪ ،‬ويف اجملــال املعمــاري اتصفــت العمــارة بالتصميــم البيئــي‪ ،‬وذلــك بالتأكيــد‬
‫علــى انغــاق املبانــي مــن اخلــارج وانفتاحهــا علــى الداخــل حــول باحــة مكشــوفة حيــث‬
‫اهلــواء الطلــق واملــاء والســماء والنباتــات(‪.)1‬‬

‫وميكــن أن خنلــص أن العمــارة اإلســامية كانــت دينيــة‪ ،‬وأهنــا اقتبســت األســاليب الــي‬
‫وجــدت أســلوبه اإلســامي اخلــاص‪ ،‬وقــد تبعــت يف معظــم األحــوال اســتبحار الرفــاه‬
‫يف الدولــة وامليــل الشــخصي مــن احلــكام‪ ،‬وقــد متيــز كل قطــر مــن األقطــار اإلســامية‬
‫بعــدد مــن امليــزات املعماريــة الــي تســمح بتقســيم مــدارس العمــارة اإلســامية(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬املوسوعة العربية – الدكتور رضوان طحالوي‪.‬‬


‫(‪ )2‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬

‫‪377‬‬
‫الفصل العاشر‬

‫التصميم المعماري والمعرفة‬

‫‪378‬‬
‫العملية التصميمية واملعرفة‬
‫مبفاهيم الفراغ املعماري‬
‫(واستخداماته املختلفة)‬

‫كان شــكل العمــارة اإلســامية يبنــى علــى أســاس العامــل املناخــي ومعطيــات البيئــة‬
‫الطبيعيــة واملــواد البنائيــة‪ ،‬وهــي عوامــل ثابتــة بالنســبة ملوقعهــا ولكنهــا متغــرة‪ ،‬نســبة‬
‫إىل مواقــع العــامل اإلســامي األخــرى‪ ،‬وعلــى أســاس التشــريع ومــا جــاء بــه القــرآن‬
‫الكريــم واحلديــث النبــوي الشــريف‪ ،‬حيــث أن الديــن اإلســامي هــو الســائد واملؤثــر‬
‫األقــوى والــذي حكــم ســلوك النــاس وظهــرت تطبيقاتــه يف العمــارة‪ ،‬وباالعتمــاد علــى‬
‫القيــم االجتماعيــة‪ ،‬وميكــن تفســر تلــك عــر التشــابه بــن الواجهــات اخلارجيــة للمباني‬
‫املطلــة علــى الزقــاق يف املدينــة اإلســامية بســبب العدالــة االجتماعيــة‪ ،‬وكما أن الشــكل‬
‫نابــع مــن األشــكال اهلندســية األساســية الــي هــي املربــع والدائــرة ‪ ..‬إخل ويســتخدم‬
‫علــى مســتوى الكتلــة املنفــردة واملدينــة وحتــى علــى مســتوى التفصيــل (الزخرفــة)‪،‬‬
‫وجــاء أيض ـاً علــى أســاس الوظيفــة باالعتمــاد علــى حاجــة املســتخدم‪ ،‬علــى أســاس‬
‫التكــرار وعالقــة اجلــزء بالــكل‪ ،‬وتوجــد أمنــاط فضائيــة وتكوينيــة جــاءت مميــزة يف‬
‫العمــارة اإلســامية‪.‬‬

‫وتقسم التكوينات الفضائية من حيث عالقة الكتلة والفضاء‪:‬‬

‫‪ -1‬فضــاء رئيســي حمــاط بكتلــة‪ :‬الفضــاء هــو اجلــزء املهــم بالعمــارة‪ ،‬والكتلــة‬
‫هــي خلفيــة لــه والــذي نســميه منــط التوجــه الداخلــي ولعــل أغلــب األمثلــة يف‬
‫العمــارة اإلســامية ضمــن هــذا النمــط الفضائــي لوجــود الفنــاء الــذي حتوطــه‬
‫باقــي الفضــاءات‪ ،‬وقــد تكــون الكتلــة حميطــة جبــزء مــن الفضــاء علــى شــكل ‪U‬‬
‫مثــاً عندهــا يكــون الفضــاء الوســطي شــبه مغلــق‪.‬‬

‫‪ -2‬كتلــة حماطــة بفضــاء‪ :‬الكتلــة هنــا هــي الرئيســية والفضــاء‪ ،‬ســيكون خلفيــة‬
‫ويف الغالــب تكــون الكتلــة منتظمــة يف الوســط حييطهــا الفضــاء مــن جهاهتــا‬

‫‪379‬‬
‫األربــع كمــا يف الكعبــة املشــرفة‪ ،‬ورمبــا حييطهــا الفضــاء مــن ثــاث جهــات فقــط‬
‫كمــا هــو احلــال يف عمــارة األضرحــة كالروضــة احلســينية والكاظميــة‪.‬‬

‫‪ -3‬النمــط العشــوائي‪ :‬ناتــج مــن انتشــار كتلــه غــر منتظمــة ضمــن فضــاءات‬
‫غــر منتظمــة‪ ،‬كمــا يف األحيــاء التقليديــة أي أن النمــط العشــوائي ينتــج مــن عــدم‬
‫انتظــام الكتــل أو عــدم انتظــام الفضــاء‪.‬‬

‫‪ -4‬النمــط املضبــوط العســكري‪ :‬وفيــه تنعــدم الشــخصية‪ ،‬والــذي يعتمــد‬


‫النظــام الشــبكي نــواه يف األبنيــة العســكرية اإلســامية ويف القصــور واجملمعــات‬
‫العســكرية‪.‬‬

‫‪ -5‬الكتلــة موازيــة للفضــاء‪ :‬أو تتداخــل معــه‪ ،‬فيتســاويان يف أمهيتهمــا كمــا يف‬
‫واجهــات األزقــة حيــث تــرز امتــدادات جداريــة مــن الكتلــة ضمــن الفضــاء‪.‬‬

‫وهناك أمناط خمتلفة هلذه التقسيمات منها‪:‬‬

‫أ ‪ -‬النمــط املركــزي ‪ -‬وهــذا يعــي وجــود كتلــة مهمــة يف املركــز (كمــا يف الضريــح)‬
‫أو فضــاء مركــزي تتجمــع حولــه جمموعــة فضــاءات ثانويــة (كمــا يف الفنــاء‬
‫الوســطي) وهــو منــط غــر اجتاهــي يرتبــط بفكــرة املــكان‪.‬‬

‫ب ‪ -‬النمــط الطــويل ‪ -‬أي يكــون املبنــى فيــه اســتطالة تتكــون مــن سلســلة مــن‬
‫الفضــاءات ترتبــط مــع بعضهــا مباشــرة‪ ،‬أو مــن خــال فضــاءات أخــرى ويؤكــد‬
‫الفضــاء الطــويل علــى حموريــة بصفــوف مــن األعمــدة‪ ،‬كمــا أن الســقف لــو كان‬
‫قبــو مث ـاً يصبــح أكثــر اجتاهيــة‪ ،‬فالنمــط الطــويل اجتاهــي مســتمر ويرتبــط‬
‫بفكــرة الفضــاء وحركــة اإلنســان‪.‬‬

‫ج ‪ -‬النمــط الشــعاعي ‪ -‬وجيمــع بــن كل مــن النمــط املركــزي والطــويل‪ ،‬فهــو‬


‫يتضمــن فضــاءاً مركزي ـاً مهيمن ـاً‪ ،‬تنتــج فيــه تنظيمــات طوليــة متتــد بطريقــة‬
‫شــعاعية كمــا يف خمطــط مدينــة بغــداد املــدورة‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫د ‪ -‬النمــط التجميعــي ‪ -‬ويكــون بشــكل فضــاءات خلويــة متكــررة متشــاهبة‬
‫الوظيفــة وأحيان ـاً اهليئــة واحلجــم والشــكل‪ ،‬كمــا يف معظــم القصــور خاصــة يف‬
‫ســامراء‪.‬‬

‫هـــ ‪ -‬النمــط الشــبكي ‪ -‬وفيــه ترتبــط الفضــاءات مــع بعضهــا اعتمــاداً على شــبكة‬
‫منتظمــة ببعديــن وهــذا النمــط واضــح جــداً يف املســاجد حيــث الشــبكة املنتظمــة‬
‫الــي تنتظــم عليهــا األعمدة‪.‬‬

‫وأهــم مبــدأ ضمــن تنظيــم التكوينــات يف العمــارة اإلســامية هــو مبــدأ (التناظــر)‬
‫ومــن أشــكاله ‪ -‬التناظــر مبحــور واحــد ويكــون فيــه تشــابه للجزئــن وليــس بالضــرورة‬
‫التطابــق ‪ -‬التناظــر مبحوريــن ‪ -‬التناظــر بعــدة حمــاور(‪.)1‬‬

‫وجتلت الرمزية أيضاً يف العمارة اإلســامية بتأكيدها أشــكال املربع والدائرة والعالقة‬
‫اجلدليــة بينهمــا‪ ،‬وهــو مــا يُالحــظ يف مســاقط األوابــد املعماريــة املشــهورة يف التاريــخ‬
‫اإلســامي فاملربــع ميثــل العناصــر األربعــة املكونــة للطبيعــة يف الفلســفة الصوفيــة‬
‫وهــي (النــار واهلــواء واملــاء والــراب)‪ ،‬وأتــت املئذنــة لتعــر عــن اإلرتقــاء حنــو الســماء عــن‬
‫طريــق اآلذان والدعــوة إىل أداء فــروض الصــاة‪ ،‬ومتيــزت العمــارة اإلســامية بغنــى‬
‫مفرداهتــا املعماريــة‪ ،‬واهتمامهــا بالنواحــي احلياتيــة مجيعهــا‪ ،‬فظهــرت املبانــي الدينيــة‬
‫مــن مســاجد ومــدارس وتكايــا وزوايــا وخانقاهــات (دور الصوفيــة)‪ ،‬وأبنيــة مدنيــة‬
‫كالــدور والقصــور‪ ،‬وأبنيــة عامــة كالبيمارســتانات (املشــايف) واخلانــات (حمطــات‬
‫اســراحة املســافرين)‪ ،‬واحلمامــات واألســواق‪ ،‬كمــا ظهــر اإلهتمــام باحلدائــق والسـبُل‬
‫املائيــة علــى صعيــد ختطيــط املــدن إضافــة إىل العمــارة العســكرية‪ ،‬وبُنيــت القــاع‬
‫والتحصينــات واألربطــة (قــاع دفاعيــة تقــام علــى امتــداد الشــريط الســاحلي)‪.‬‬
‫ومل يقتصــر غنــى العمــارة اإلســامية علــى تنــوع ماهيــات األبنيــة وموضوعاهتــا؛ بــل‬
‫‪domes/‬‬ ‫متيــزت بغنــى مفرداهتــا وعناصرهــا املعماريــة‪ ،‬فمــن هــذه العناصــر القبــاب‬

‫(‪ )1‬اﻟﻌﻤﺎرة اﻹﺳﻼﻣﻴﺔ اﻤﻟﻌﺎﺻﺮة ﻣﺎﺑﻦﻴ اﻟﺘﺠﺪﻳﺪ واﻟﺘﻘﻠﻴﺪ ‪ -‬زينب فيصل ‪.‬‬

‫‪381‬‬
‫‪ cupolass‬والقبــوات والعقــود ‪ vaults‬مبختلــف أشــكاهلا (أنصاف الدائرية �‪penannu‬‬

‫‪ ،larss‬واملدببة ‪ ،pointed arches‬واحلدوية ‪ ،horseshoe arches‬واملفصصة �‪mul‬‬

‫‪ ،)… tifoill‬واألقــواس ‪ arches‬واملــآذن ‪ minarets‬واحملاريــب ‪ niches‬واألروقــة �‪por‬‬

‫‪ ،ticos‬والعناصــر االنتقاليــة للقبــاب مــن مثلثــات كرويــة ‪ pendentives‬ومقرنصــات‬


‫‪ ،stalactites‬والفراغــات الداخليــة املكشــوفة‪ ،‬والعناصــر املائيــة ‪ fountains‬فيهــا‪،‬‬
‫والسُــبل املائيــة املوزعــة يف أحيــاء املــدن‪ ،‬والفســقيات (البحــرات الداخليــة)‪ ،‬واألواويــن‬
‫‪( iwans‬غــرف جلــوس ثالثيــة اجلــدران تطــل علــى الفنــاء)‪ ،‬وعناصــر الزخرفــة‬
‫‪ ornaments‬املختلفــة(‪.)1‬‬
‫وكانــت وال تــزال العمــارة اإلســامية متثــل النبــض الــذي ال يــكاد أن يتوقــف منــذ‬
‫منتصــف القــرن الســابع امليــادي يف معظــم املبانــي الــي تتســم بالطابــع اإلســامي‪،‬‬
‫ابتــداءاً باملســاجد ودور العبــادة وانتهــاءاً باألمنــاط التقليديــة الــي امتزجــت مبــا هــو‬
‫قديــم منحــدر مــن احلضــارات الشــرقية واملغربيــة وبــن مــا هــو حديــث مســتمر مــع‬
‫قــدوم احلضــارة اإلســامية ذات الطابــع األكثــر حداثــة وواقعيــة‪.‬‬
‫وممــا ال شــك فيــه فــإن العمــارة اإلســامية قــد تأثــرت بالثقافــات واحلضــارات األخرى‬
‫وخاصــة تلــك الــي دخلهــا اإلســام عــر فتوحاتــه‪ ،‬فقــد كان املســجد ميثــل رأس كافــة‬
‫اإلبداعــات املعماريــة الــي بلورهتــا احلضــارة اإلســامية علــى مــدى ألــف وأربعمائــة‬
‫ســنة مــن تاريــخ اإلســام‪.‬‬
‫وملــا كانــت الفكــرة األساســية لعمــارة املســجد نابعــة مــن أصالــة وبــاد اإلســام‪،‬‬
‫فقــد بــات مــن الضــروري مبــكان مــا أن تتطــور وتنصقــل العمــارة اإلســامية تبعــاً‬
‫الختــاف البيئــات واملورثــات احلضاريــة‪ ،‬هــذا وقــد تطــورت الفكــرة العامــة ألســلوب‬
‫البنــاء املعمــاري علــى مــدى املراحــل الــي مــرت هبــا الدولــة اإلســامية وذلــك حســب‬
‫اإلمكانــات املاديــة املتاحــة وحســب نــوع البيئــة املعاشــة(‪.)2‬‬
‫فلــو تطرقنــا إىل أهــم جزئيــة معماريــة حتمــل يف طياهتا أســس وبنــاء العناصر املعمارية‬
‫يف البيــوت الدينية‪.‬‬
‫(‪ )1‬املعرفة – العمارة اإلسالمية – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫‪/skyrock.net/img/i18n/en_GB/adblock.-‬‬ ‫(‪ )2‬حسن عني احلياة‬

‫‪382‬‬
‫مفاهيم الفراغ املعماري‪:‬‬
‫الفــراغ هــو منطلــق التصميــم وهــو املولــد األساســي للتصميــم‪ ،‬وهــو املنظــم لعالقــات‬
‫الربــط الشــكلية والفراغيــة بــن العناصــر‪ ،‬وهــو موجــه احلركــة داخــل املبنــى‪ ،‬ومنظــم‬
‫عالقــة العناصــر مــع املؤثــرات اخلارجيــة‪ ،‬وهــو املســؤول عــن ترتيــب العناصــر وفق ـاً‬
‫ألمهيتهــا‪ ،‬وبالتــايل رســم اهليئــة اخلارجيــة للعمــل املعمــاري‪ ،‬وجنــد أن مــن خــال‬
‫املــدارس املعماريــة املختلفــة والعوامــل املؤثــرة يف إحــداث تطــور يف مفهــوم الفــراغ‪،‬‬
‫وتبــن ماهيــة الفــراغ مــن خــال توضيــح عناصــره املشــكلة وخصائصهــا والعالقــات‬
‫املكانيــة املمكنــة لفراغــن‪ ،‬وصفــات الفــراغ والعوامــل املؤثــرة فيهــا وشــرح بعــض‬
‫املفاهيــم املتعلقــة بلغــة الفــراغ وعالقتــه مــع اإلنســان مــن خــال كيفيــة إدراك اإلنســان‬
‫للفــراغ واحتياجاتــه الــي يلبيهــا الفــراغ‪ ،‬وتشــرح أيضـاً عالقــة الفــراغ بالزمــن‪ ،‬وتقــوم‬
‫الدراســة بالرتكيــز علــى دور الفــراغ يف عمليــة التصميــم املعمــاري مــن خــال توضيــح‬
‫كونــه وحــدة تشــكيل معماريــة وبيــان كيفيــة توليــده للتصميــم يف حاالتــه املختلفــة ســواء‬
‫املفتــوح أو املغلــق‪ ،‬أو حالــة ثنائيــة (فــراغ ‪ -‬حجــم)‪.‬‬
‫وتعــددت الدراســات حــول عمليــة التصميــم املعمــاري‪ ،‬منهــا مــا هــو حتليلــي ومنهــا مــا‬
‫هــو تارخيــي‪ ،‬وتناولــت أســباب ونتائــج وآثــار التغيــرات واملؤثــرات املختلفــة علــى العمــل‬
‫املعمــاري يف خمتلــف العصــور‪ ،‬فالفــراغ عمومــاً علــى اختــاف صفاتــه‪ ،‬هــو وحــدة‬
‫تشــكيل معماريــة وعمليــة التصميــم مــا هــي إال تعامــل مــع وحــدات التشــكيل‪ ،‬أي‬
‫الفراغــات ضمــن آليــة معينــة للوصــول إىل املنتــج املعمــاري النهائــي‪ ،‬فالعمــل املعمــاري‬
‫يتكــون مــن عــدة فراغــات حبســب اإلحتيــاج الوظيفــي للعمــل‪ ،‬وترتبــط فيمــا بينهــا‬
‫عالقــة مــا‪ ،‬ولكــن تعــدد الفراغــات ال يعــي أهنــا بــذات األمهيــة‪.‬‬
‫ولتحديــد أمهيــة الفــراغ ال بــد مــن اعتمــاد معيــار مــا‪ ،‬فقــد يكــون الفــراغ األهــم هــو‬
‫الفــراغ املســيطر حجميــاً علــى التكويــن أو هــو الــذي يقــوم وظيفيــاً بــأداء املهمــة‬
‫الرئيســية املطلوبــة مــن املبنــى(‪.)1‬‬

‫إذاً فالفــراغ املعمــاري هــو جــزء مــن الفــراغ العــام‪ ،‬مت اقتطاعــه مبواصفــات وحمــددات‬
‫خاصــة‪ ،‬جتعلــه يصلــح‪ ،‬ألن ميــارس فيــه اإلنســان أنشــطه حياتيــة خاصــة‪.‬‬
‫(‪ )1‬فيرتوفيــوس‪« ،‬الكتــب العشــرة يف العمــارة» ‪2020 - 2009‬عابديــن‪ .‬يســار‪،‬فاكوش‪ ،‬عقبــة‪ .‬اجلابــي‪ ،‬ياســر‪-‬‬
‫مرتمجــون‪ ،‬مطبعــة جامعــة دمشــق‪.‬‬

‫‪383‬‬
‫وتتوقــف هــذه األنشــطة وطريقــة أدائهــا علــى طبيعــة اجلــزء املقتطــع وحجمــه وهيئتــه‬
‫التصميميــة وعالقتــه بالفــراغ العــام احمليــط بــه‪ ،‬ذلــك هــو التعريــف الــذي يرتبــط‬
‫يف األســاس ببيــان مكونــات الفــراغ املعمــاري وطريقــة التصاميــم هــو تشــكيل هيئتــه‬
‫الداخليــة وانعــكاس كل ذلــك علــى اهليئــة املعماريــة اخلارجيــة للمبنــى‪ ،‬أو انعكاســه‬
‫أيضــاً علــى اإلحســاس بالفــراغ(‪ )1‬وتشــر الدراســات إىل جمموعــة مــن النتائــج الــي‬
‫متركــزت حــول حموريــن‪:‬‬

‫‪ -‬حموراً نتائجه تتعلق بطبيعة الفراغ وصفاته‪:‬‬

‫الفــراغ هــو وحــدة تشــكيل تدخــل يف تصميــم العمــل املعمــاري ويكــون هــو املولــد‬
‫الرئيســي للعالقــات الفراغيــة مــا بــن وحــدات التشــكيل األخــرى‪ ،‬ويتــم احلكــم علــى‬
‫العمــل املعمــاري مــن فراغــه فهــو الــذي حيمــل أبــرز خصائــص التصميــم‪ ،‬كمــا حيمــل‬
‫رســالة املعمــاري الــي يريــد أن يوصلهــا مــن خاللــه‪ ،‬وهــو يعطــي الشــخصية أو الســمة‬
‫للمبنــى‪ ،‬فهــو مبثابــة اهلويــة أو العنــوان للعمــل املعمــاري ككل‪ ،‬وارتبطــت نظــرة املعمــاري‬
‫إىل الفــراغ بطريقــة التفكــر االجتماعــي والثقــايف الســائدة يف عصــره‪ ،‬وانعكــس ذلــك‬
‫علــى طريقــة تعاملــه مــع احلجــم والفــراغ يف كل العصــور‪ ،‬إن تغــر مفهــوم الفــراغ لــدى‬
‫املعمــاري عــر العصــور أحــدث تغيــرات علــى مســتوى الطــرز املعماريــة‪ ،‬واختلفــت هــذه‬
‫التغيــرات يف أمهيتهــا باختــاف عمــق التغيــر يف مفهــوم الفــراغ‪ ،‬ويتأثــر الفــراغ بثالثــة‬
‫عوامــل هامــة يــؤدي تغريهــا إىل تغيــر يف مفهومــه‪ ،‬وهــي‪:‬‬

‫التغيــر الفكــري واالجتماعــي‪ ،‬وتطــور تقنيــات اإلنشــاء ومــواد البنــاء‪ ،‬وعالقــة العلــم‬
‫والفــن وتأثــر أحدمهــا باآلخــر‪.‬‬

‫وأضــاف دخــول الزمــن كبعــد رابــع يف ذهــن املصمــم مســة جديــدةً إىل الفــراغ‪ ،‬وهــي‬
‫احلركــة‪ ،‬وهــي الــي عــر عنهــا املعماريــون مبفهــوم الفــراغ املنســاب‪ ،‬وهــو الفــراغ‬
‫(‪ )1‬اجلمهوريــة العربيــة الســورية ‪ -‬جامعــة دمشــق ‪ -‬كليــة اهلندســة املعماريــة ‪ -‬قســم التصميــم املعمــاري ‪ -‬دور‬
‫الفــراغ يف التشــكيل املعمــاري وأمهيتــه رســالة مقدمــة لنيــل درجــة املاجســتري يف اهلندســة املعماريــة ‪ -‬قســم‬
‫التصميــم املعمــاري ‪-‬تقديــم‪:‬م‪ .‬ســيما القنواتــي‪.‬‬

‫‪384‬‬
‫املرتبــط بصريـاً وشــعورياً بالفــراغ اخلارجــي احمليــط حتــى أنــه أصبــح يشــكل امتــداداً‬
‫للفــراغ الداخلــي‪ ،‬وإن إدراك اإلنســان للفــراغ مــن خــال الزمــن‪ ،‬جعــل الفــراغ يرتبــط‬
‫باحلــدث الــذي حيتويــه‪ ،‬فالفــراغ الــذي حيتــوي حدثـاً مــا يصبــح «مكانـاً» وهــذا يكســبه‬
‫بعــداً شــعورياً آخــر‪ ،‬فتتعلــق أمهيتــه بأمهيــة احلــدث‪ ،‬ويكتســب الفــراغ معن ـىً رمزي ـاً‬
‫يرتبــط بــه مــن خــال ارتباطــه باحلــدث الــذي حيتويــه‪ ،‬وميكــن أن ينتقــل هــذا املعنــى‬
‫الرمــزي إىل أعمــال معماريــة أخــرى‪ ،‬مــن خــال اقتبــاس تلــك األعمــال خلصائــص هذا‬
‫الفــراغ وصفاتــه وانطــاق تصميمهــا مــن فــراغ حيمــل ذلــك املعنــى الرمــزي‪ ،‬والفــراغ‬
‫هــو عنصــر غــر مــادي‪ ،‬يتــم إدراكــه مــن خــال العناصــر الــي حتــدد حيــزه الفيزيائــي‪،‬‬
‫وبالتــايل فــإن احليــز احلقيقــي للفــراغ ال يتعلــق بأبعــاد حمدداتــه بالضــرورة‪ ،‬بــل ممــا‬
‫يدركــه العقــل مــن حيــز منطلقـاً مــن احلــدود الــي تفرضهــا عناصــره احملــددة‪ ،‬وتؤثــر‬
‫التغيــرات الــي حيدثهــا املعمــاري يف حمــددات الفــراغ يف خصائصــه وتغــر مــن صفاتــه‬
‫مبــا يتناســب والفكــرة التصميميــة الــي يريــد املعمــاري التعبــر عنهــا‪.‬‬
‫‪ -‬وحموراً تتعلق صفاته بالفراغ وبعناصره الرئيسية الثالث‪:‬‬
‫أو ًال‪ :‬مبا يدركه اإلنسان منها حبواسه‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬مبا يدركه اإلنسان منها بعقله‪.‬‬
‫ثالثاً‪ :‬بالظواهر االجتماعية اليت حيتضنها الفراغ‪.‬‬

‫ويقــوم الفــراغ بتوصيــل الرســائل واألفــكار واملشــاعر الــي حيملهــا املعمــاري لــه إىل‬
‫املســتخدم مــن خــال الالوعــي‪ ،‬وذلــك عــن طريــق لغــة الفــراغ‪ ،‬تلــك اللغــة الــي يفهمهــا‬
‫مجيــع النــاس حــول العــامل طاملــا تتشــابه احتياجاهتــم وغاياهتــم مــن الفــراغ‪ ،‬وتأتــي‬
‫عالقــة الفــراغ باإلنســان مــن خــال طريقــة إدراكــه لــه وكذلــك مــن خــال االحتياجــات‬
‫الــي يلبيهــا الفــراغ لإلنســان‪ ،‬وهــي ال تقتصــر علــى املســاحات املطلوبــة وظيفيــاً‪،‬‬
‫بــل جيــب أيض ـاً أن تشــبع احلالــة النفســية ألداء النشــاط وحتقيــق احليــز الشــخصي‬
‫املناســب لــأداء‪ ،‬وإن الفــراغ املعمــاري يف تشــكيله وتعبــره يعــر عــن روح العصــر الــذي‬
‫ميثلــه وحيمــل فكــر املعمــاري ورســائله ضمــن حــدوده‪ ،‬وميكــن للتصميــم أن ينتــج عــن‬

‫‪385‬‬
‫عالقــات مــا بــن وحــدات التشــكيل دون أن يكــون الفــراغ دوراً يف توليدهــا‪ ،‬ولكــن‬
‫التصميــم الناتــج يف هــذه احلالــة ليــس هــو مــا يعنينــا يف هــذه الدراســة‪ ،‬فهــدف‬
‫الدراســة هــو توضيــح دور وأمهيــة الفــراغ يف التصميــم الــذي يعتمــد الفــراغ مبــدأً‬
‫للعمليــة ومولــداً لعالقــات التشــكيل فيمــا بــن عناصــره(‪.)1‬‬

‫وخنلــص إىل النتائــج الــي تتعلــق بعالقــة الفــراغ بالتصميــم وعناصــر العمــارة ‪ -‬إن‬
‫عمليــة التصميــم هــي تفاعــل مــا بــن عــدة معطيــات للوصــول إىل حــل لإلشــكالية‬
‫التصميميــة املطروحــة‪ ،‬فــإن موقــع الفــراغ مــن هــذه العمليــة هــو بدايــة أو منطلــق‬
‫للحــل املعمــاري لإلشــكالية ومولــد للتشــكيل املعمــاري‪ ،‬ويتجســد دور الفــراغ يف عمليــة‬
‫التصميــم بكونــه الناظــم لعالقــات الربــط الشــكلية والفراغيــة بــن عناصــر التصميــم‪،‬‬
‫كمــا أن لــه دور موجــه احلركــة داخــل املبنــى‪ ،‬ومنظــم عالقــة حمــاور احلركــة اخلارجيــة‬
‫بالفــراغ الداخلــي مــن خــال اســتقبال احلركــة اخلارجيــة وتوجيههــا داخلياً مبا يناســب‬
‫التصميــم‪ ،‬وهــو املســؤول عــن ترتيــب العناصــر وفقـاً ألمهيتهــا‪ ،‬وبالتــايل رســم اهليئــة‬
‫اخلارجيــة للعمــل املعمــاري‪ ،‬وإن أمهيــة الفــراغ يف عمليــة التصميــم تتجلــى يف كونــه‬
‫مبــدأ ومنطلــق العمليــة‪ ،‬ومولــد العالقــات بــن العناصــر األخــرى‪ ،‬وإن الطبيعــة غــر‬
‫املاديــة للفــراغ أعطتــه إمكانيــات متعــددة لعالقــة ربطــه بالفراغــات األخــرى‪ ،‬ممــا‬
‫مســح بتنــوع عالقــات التصميــم يف األعمــال املعماريــة املختلفــة‪ ،‬وتتأثــر خصائــص‬
‫الفــراغ املولــد للتصميــم خبصائــص شــكله اهلندســي مــن حيــث عالقــات الربــط بينــه‬
‫وبــن العناصــر األخــرى‪ ،‬وتوجيــه حمــاور احلركــة‪ ،‬وكذلــك يف ترتيــب أمهيــة العناصــر‬
‫املرتبطــة بــه‪ ،‬والنتيجــة الشــكلية للعمــل املعمــاري‪ ،‬وإن إدراك املعمــاري خلصائــص‬
‫الشــكل اهلندســي للفــراغ وموقــع الفــراغ مــن التصميــم‪ ،‬ميكنــه مــن التحكــم بالعمليــة‬
‫التصميميــة مــن خــال اختيــار الشــكل واملوقــع املناســك للفــراغ يتناســب مــع اقرتاحــه‬
‫للحــل الفراغــي لإلشــكالية التصميميــة‪ ،‬ويتولــد التصميــم مــن الفــراغ حبالتيــه املفتــوح‬
‫(الســليب) واملغلــق (اإلجيابــي) ويف كلتــا احلالتــن فــإن موقــع الفــراغ مــن التشــكيل‬
‫(‪ )1‬دور الفــراغ يف التشــكيل املعمــاري وأمهيتــه ‪ -‬رســالة مقدمــة لنيــل درجــة املاجســتري يف اهلندســة املعماريــة ‪-‬‬
‫قســم التصميــم املعمــاري تقديــم‪ -‬م‪ .‬ســيما القنواتــي‪.‬‬

‫‪386‬‬
‫املعمــاري حيــدد دوره يف التشــكيل احلجمــي ويؤثــر علــى اهليئــة اخلارجيــة للعمــل‬
‫املعمــاري‪ ،‬كمــا حيــدد دوره يف الربــط بــن عناصــر التصميــم‪.‬‬

‫وتلعــب أبعــاد الفــراغ املفتــوح املقتطــع مــن احلجــم دوراً هامـاً يف حتديــد شــدة ترابــط‬
‫العناصــر احلجميــة يف الفــراغ‪ ،‬وبالتــايل يكــون دوره ربــط العناصــر املتباعــدة ونقــل‬
‫احلركــة مــن الفــراغ الداخلــي اخلــاص إىل الفــراغ اخلارجــي العــام إن كانــت أبعــاده‬
‫كبــرة‪ ،‬أو جــذب حمــاور احلركــة اخلارجيــة حنــو الفــراغ الداخلــي إن كانــت أبعــاده‬
‫صغــرة‪ ،‬ويف املبانــي الرمزيــة يلعــب الفــراغ دوراً هامـاً يف تغليــف احلجــم وذلــك إبــرازاً‬
‫ألمهيــة الكتلــة ومكانتهــا الرمزيــة‪ ،‬وانســيابية احلركــة داخــل الفــراغ وطريقــة انتقاهلــا‬
‫مــن وإىل الفراغــات الداخليــة والفــراغ اخلارجــي‪( ،‬وهــي مــا ندعــوه اصطالحـاً بتســرب‬
‫أو انســياب الفــراغ) وتشــكل مســة أساســية مــن مســات الفــراغ وتصــوغ عالقــة الفــراغ‬
‫مــع احمليــط الداخلــي للمبنــى أو اخلارجــي للفــراغ العــام‪ ،‬واســتجابة الفــراغ للمؤثــرات‬
‫الداخليــة واخلارجيــة وطريقــة تعاملــه معهــا تؤثــر علــى الشــكل العــام للتصميــم وعلــى‬
‫طريقــة ربــط العناصــر ببعضهــا البعــض فراغيــاً وحركياً‪،‬ويســاعد التطــور التقــي‬
‫واإلنشــائي يف إحــداث تغيــر يف مفهــوم الفــراغ وموقعــه مــن التصميــم‪ ،‬ولكنــه ليــس‬
‫عامـاً أساســياً يف هــذا التغيــر‪ ،‬فــإذا مل يرتافــق التطــور التقــي بتغيــر علــى الصعيــد‬
‫الفكــري والفــي‪ ،‬فالنتيجــة هــي إمــا بقــاء الفــراغ املعمــاري خاضعــاً لقواعــد الفــرة‬
‫الســابقة‪ ،‬أو أنــه يتحــول إىل جمــرد فــراغ وظيفــي لتحقيــق الغايــة النفعيــة‪.‬‬

‫وقــد ال تأتــي أمهيــة الفــراغ املولــد للتصميــم مــن أمهيتــه الوظيفيــة بالنســبة للمبنــى‬
‫فحســب‪ ،‬فهــو ال حيتــوي بالضــرورة الوظيفــة الرئيســية‪ ،‬بــل يكتســب قيمتــه مــن دوره‬
‫يف الربــط الفراغــي بــن العناصــر والوظائــف‪ ،‬فهــو ليــس بفــراغ وظيفــي بقــدر مــا هــو‬
‫فــراغ ربــط‪ ،‬وإن الفــراغ املولــد للتصميــم حبالتــه املغلقــة واملفتوحــة ال يتأثــر باجلملــة‬
‫ال إنشــائياً متامـاً يف حالتــه‬
‫اإلنشــائية الــي يقــوم املبنــى عليهــا‪ ،‬فيمكــن أن يكــون مســتق ً‬
‫املغلقــة‪ ،‬ولكنــه يف بعــض األحيــان يكــون مؤثــراً علــى اجلملــة اإلنشــائية مــن حيــث‬
‫الشــكل واختيــار تقنيــة التنفيــذ لتحقيــق الفــراغ املطلــوب(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬دور الفراغ يف التشكيل املعماري وأمهيته ‪ -‬رسالة مقدمة لنيل درجة املاجستري يف اهلندسة املعمارية ‪ -‬قسم‬

‫‪387‬‬
‫الفصل الحادي عشر‬

‫التراث والحداثة المعمارية‬

‫‪388‬‬
‫مفاهيم الرتاث واحلداثة املعمارية‬
‫إن الــراث املعمــاري هــو القيمــة احلضاريــة الــي تؤثــر بصــورة أو بأخــرى علــى األجيــال‬
‫املتعاقبــة فهــو جتســيد لقيــم ثقافيــة وحضاريــة تعكــس بنيــة اجتماعيــة واقتصاديــة‬
‫وسياســية معينــة‪ ،‬وتوضــح مــدى مســامهة األجيــال املختلفــة يف رقــي احلضــارة‬
‫اإلنســانية للمجتمعــات‪.‬‬

‫وتظهــر اإلشــكالية البحثيــة يف كيفيــة االســتفادة مــن الــراث املعمــاري اإلســامي يف‬
‫املبانــي املعاصــرة‪ ،‬ونظــراً الختــاف رؤى املعماريــن والتوجهــات واملــدارس املعماريــة‪،‬‬
‫كالً حســب عمــق رؤيتــه وفهمــه للــراث‪ ،‬حيــث يــرى البعــض أن أســاليب اســتلهام وإحياء‬
‫الــراث ميكــن أن ينحصــر يف عــدة توجهــات ومنهــا اإلحيــاء الصريــح‪ ،‬والتجريــد للشــكل‬
‫واملفــردات املعماريــة‪ ،‬والتجريــد الكلــي‪ ،‬التلقيطيــة‪ ،‬ذلــك يف حماولــة خللــق اإلحســاس‬
‫باالنتمــاء ويؤصــر الروابــط العاطفيــة بــن اجملتمــع والبيئــة املبنيــة حولــه(‪.)1‬‬

‫مفهوم الرتاث‪:‬‬

‫إن للــراث معــي شــامل لــكل مــا هــو مــوروث مــن ثقافــات تشــتمل علــى قيــم‪ ،‬وتقاليــد‪،‬‬
‫ورؤى‪ ،‬وهــذا ال يعــي إنتمائــه للماضــي فقــط‪ ،‬أي أنــه حدثاً ماضياً‪ ،‬بل إنه امتداد ثقايف‬
‫يعايــش العصــر‪ ،‬وينفــذ يف حيــاة املعاصريــن فيكــون لــه أثــراً علــى احليــاة السياســية‪،‬‬
‫واالجتماعيــة‪ ،‬والثقافيــة‪ ،‬والروحيــة‪ ،‬والتعامــل مــع البيئــة احمليطــة عمرانيـاً(‪.)2‬‬

‫ورغــم التبايــن واالختــاف الظاهــر بينهــا يف اجملــاالت الفكريــة واملاديــة واالجتماعيــة‬


‫تشــرك يف بعــض جوانــب تلــك اجملــاالت‪ ،‬وذلــك حبكــم وحــدة الرتكيــب البيولوجــي‬
‫والنفســي لإلنســان‪ ،‬ومــن ثــم فالــراث اإلنســاني ميثــل تلــك األشــياء الــي يراهــا البشــر‬
‫األحيــاء علــى اختــاف أوطاهنــم‪ ،‬وأهنــا ذات قيمــة وأمهيــة ونفــع وجــدوى للجنــس‬

‫(‪ )1‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة ‪ -‬مــا بــن التجديــد والتقليــد ‪ -‬د‪.‬م‪.‬ريهــام إبراهيــم ممتــاز د‪.‬م‪ .‬زينــب فيصــل عبــد‬
‫القــادر ‪ -‬مــدرس باألكادمييــة احلديثــة مــدرس باجلامعــة احلديثة‪.‬‬
‫(‪ )2‬شوقي جالل‪ ،‬الرتاث والتاريخ‪ ،‬سيناء للنشر‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫البشــري ســواء كانــت موروثــة أو جديــدة(‪.)1‬‬

‫فالــراث كيــان حــي ال ميكــن ســجنه أو جتاهلــه‪ ،‬ففــي ذلــك نقــد للقــدرة علــى معايشــة‬
‫العصــر‪ ،‬وال ميكــن رفضــه اعتباطــا‪ ً،‬ففــي ذلــك نقــد ملــا يؤكــد األصــول املتميــزة‬
‫للجماعــة‪ ،‬وفقــد للكثــر مــن اإلنســان الــذي بداخــل وجــدان اجلماعــة‪ ،‬والــذي عــرف‬
‫كيــف يوائــم خرباتــه وكيــف يتوارثهــا وكيــف يطــور برتاثــه حضارتــه اإلنســانية(‪.)2‬‬

‫العمارة الرتاثية‪:‬‬

‫إن الــراث املعمــاري ميثــل تعبــر صــادق عــن تاريــخ وثقافــة اجملتمــع‪ ،‬وهــو الصلــة املاديــة‬
‫واملعنويــة الــي تربــط املعاصريــن بســلفهم‪ ،‬فهــو جتســيم لقيــم ثقافيــة وحضاريــة‪،‬‬
‫وعاكــس لبنيــة اجتماعيــة وإقتصاديــة حمكمــة عاشــها األجــداد(‪ ،)3‬والشــك أن العمــارة‬
‫الرتاثيــة قــد تعــر عــن املســتوى الــذي تظهــر عليــه الثقافــة‪ ،‬فعلــى مســتوى الثقافــة‬
‫احملليــة تكــون العمــارة الرتاثيــة حمليــة‪ ،‬وعلــى مســتوى الثقافــة القوميــة تكــون العمــارة‬
‫الرتاثيــة قوميــة‪ ،‬ومــن هــذا املنطــق فالعمــارة الرتاثيــة تنتمــي بالضــرورة إىل نفــس‬
‫املســتوى‪ ،‬حيــث متثــل العمــارة انعكاســاً ماديــاً للثقافــة والشــعوب الــي تتطلــع إىل‬
‫إحيــاء تــراث قديــم هبــا قــد يصعــب عليهــا إحيــاء هــذا الــراث‪ ،‬فاهلــدف هــو احلصــول‬
‫علــى عمــارة تالئــم البيئــة مبعناهــا الشــامل ســواء الطبيعــة أو الثقافــة‪ ،‬وتكــون كذلــك‬
‫متماشــية مــع طــرق اإلنشــاء املتطــورة واملــواد املناســبة للبيئــة(‪ ،)4‬فالعمــارة الرتاثيــة هــي‬
‫إفــراز حضــاري مــن خــال اإلرتبــاط باملفاهيــم واألبعــاد الثقافية واملادية واإلســتمرارية‬
‫الزمنيــة واإلرتبــاط بالبيئــة واحملتــوى‪ ،‬وتشــكل العمــارة الرتاثيــة أحــد أهــم ركائــز الطابع‬
‫املعمــاري والعمرانــي بيئــة اإلنســان وحجــر الزاويــة يف ثقافــة اجملتمعــات ومتايزهــا‬
‫وهويتهــا والتعبــر املــادي عنهــا يف آن واحــد(‪ ،)5‬وإمنــا ينتــج مــن التشــكيالت املعماريــة‬
‫(‪ )1‬بندر احليدري‪ ،‬الرتاث بني الرفض والتعصب األعمى‪ ،‬جملة العربي‪ ،‬وزارة اإلعالم‪ ،‬الكويت‪.‬‬
‫(‪ )2‬م‪ .‬حممــد مصطفــي اهلمشــري‪،‬لطابع احمللــي يف تصميــم القــرى الســياحية ‪ -‬مبنطقــة الغردقــة الســياحية ‪-‬‬
‫رســالة ماجســتري‪ ،‬آليــة اهلندســة‪ ،‬جامعــة القاهــرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬مرجع سابق‪.‬‬
‫(‪ )4‬د‪ .‬علــي بســيوني‪ ،‬إحيــاء الــراث احلضــاري يف الفكــر اإلســامي املعمــاري‪ ،‬اجمللــة املعماريــة‪ ،‬العــدد الثانــي‪،‬‬
‫مجعيــة املهندســن املعماريني‪،‬القاهــرة‪.‬‬
‫(‪ )5‬م‪ .‬حممد مصطفى اهلمشري‪،‬سبق ذكره‪.‬‬

‫‪390‬‬
‫املرتبطــة بالبيئــة الطبيعيــة‪ ،‬والثقافيــة‪ ،‬والرتاثيــة للمــكان‪ ،‬ميثــل قيم ـاً مجاليــة ميكــن‬
‫إدراكهــا فكريـاً‪ ،‬فهــي املعــر عــن ثفافــة اجلماعــة‪ ،‬وليســت جمــرد قيــم حســية ترتكــز يف‬
‫التشــكيالت املاديــة امللموســة فحســب(‪ ،)1‬لذلــك ال يصبــح للنتــاج املــادي للعمــارة تراثـاً‪،‬‬
‫مــا مل يكــن اكتســب قيمــة مينحهــا لــه اجملتمــع كحصيلــة لتفاعــات عديــدة‪ ،‬وافــرزت‬
‫هــذا الــراث‪ ،‬تتجســد هــذه القيمــة يف العالقــة بــن اإلنســان والــراث‪ ،‬وليــس بالضــرورة‬
‫أن يكــون كل شــيء قديــم حمتوي ـاً لقيمــة تراثيــة مــا مل يقــدر اجملتمــع جــدوى وأمهيــة‬
‫مــا خلفــه لــه الســلف(‪.)2‬‬

‫التحوالت يف الفكر املعماري‪:‬‬


‫كانــت اجملتمعــات اإلســامية تتشــارك يف نظــام قيمــي وروحانــي مشــرك‪ ،‬وذلــك‬
‫لفــرات طويلــة عــر فــرات زمنيــة طويلــة‪ ،‬حيــث كانــت خالهلــا املفاهيــم واملعتقــدات‬
‫الدينيــة هــي املســيطر واملشــكل الرئيســي للحيــاة االجتماعيــة واإلنســانية‪ ،‬حتــى حــدث‬
‫التغــر يف هــذا املفهــوم والــذي أحــدث شــكالً خمتلفـاً للحيــاة االجتماعيــة واحلضاريــة‪،‬‬
‫فلقــد خــرج الفــن والعمــارة اإلســامية علــى شــكل منــاذج تطــورت عــر الزمــن‪ ،‬حاويــة‬
‫ألفــكار وقيــم اجملتمــع بــدون احلاجــة إىل وســائط نظريــة(‪ ،)3‬أمــا مــع قــدوم عصــر‬
‫النهضــة يف أوروبــا وظهــور فكــرة الطــراز‪ ،‬وتطــور أنــواع املبانــي وتقــدم مــواد ووســائل‬
‫البنــاء‪ ،‬وظهــور مبــادئ احلريــة الشــخصية‪ ،‬والتعبــر الذاتــي‪ ،‬ومل تعــد اخلــرة املتوارثــة‬
‫تكفــي حلــل املشــكلة الكميــة املتعلقــة جبوانــب االنتفــاع‪ ،‬وال املشــاكل الكيفيــة املتعلقــة‬
‫بالبعــد الثقــايف واالجتماعــي‪ ،‬وهنــا ظهــر االحتيــاج الشــديد إىل معايــر غــر تلــك‬
‫الــي ســادت يف اجملتمــع التقليــدي‪ ،‬متكــن مــن تصميــم وتقييــم املبانــي علــى أســس‬
‫موضوعيــة‪ ،‬ومــن هنــا بــدأت العمــارة تنظــر إىل اجملــاالت األخــرى‪ ،‬مثــل العلــم والفــن‪،‬‬
‫تســتورد منهــا نظريــات نفعيــة عــن األداء اجليــد ونظريــات مجاليــة عــن الشــكل اجليــد‪،‬‬

‫(‪ )1‬م‪ .‬حممــد عبــد الفتاح‪،‬التشــكيل املعمــاري بــن القيــم الرتاثيــة والقيــم املعاصــرة‪ ،‬رســالة ماجســتري‪ ،‬آليــة‬
‫اهلندســة‪،‬جامعة القاهــرة‪.2000 .‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬حييى عبد اهلل‪ ،‬من الرتاث‪ ،‬جملة املعمار‪ ،‬العدد‪ 10 ،9 ،‬مجعية املهندسني املعماريني‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫(‪ )3‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة مابــن التجديــد والتقليــد‪ .‬م‪ .‬ريهــام إبراهيــم ممتــاز د‪.‬م‪ .‬زينــب فيصــل عبــد‬
‫القــادر مــدرس باألكادمييــة احلديثــة مــدرس باجلامعــة احلديثــة‪.‬‬

‫‪391‬‬
‫وأصبحــت العمــارة مقتبســة مــن مفــردات العمــارة الغربيــة تــارة‪ ،‬ومــن منــاذج مــن‬
‫عمــارة مســتوردة تــارة أخــرى(‪.)1‬‬
‫‪ -‬التوجه األول‪ :‬التأصيل‪:‬‬
‫يعــي العــودة إىل الــراث ومــا حيملــه مــن تقاليــد وأعــراف ومالمــح عمرانيــة‪ ،‬ويكــون‬
‫مــا تركــه الســلف ملزمـاً حبكــم قدمــه واســتقراره‪ ،‬ويتــم اســتعمال األنســاق التشــكيلية‬
‫الرتاثيــة‪ ،‬كمــا هــي‪ ،‬وذلــك لالســتفادة مــن كوهنــا جــزء مــن الوجــدان واخليــال اإلنســاني‬
‫علــى مســتوياته املختلفــة(‪.)2‬‬
‫‪ -‬التوجه الثاني‪ :‬املعاصرة والتجديد التأثر بالعمارة الغربية املعاصرة‪:‬‬
‫يتأثــر هــذا التوجــه باملــدارس واالجتاهــات املعماريــة الغربيــة وال ســيما احلديثــة منهــا‪،‬‬
‫ولــذا فهــو يعــد اســتمرارية لتيــار التغريــب احلضــاري وانعكاسـاً لتيــار التغريــب الثقــايف‬
‫شــكالً‪ ،‬ويعتــر رواد هــذا االجتــاه أن الفكــر املعمــاري الغربــي هــو املثــل والقــدوة الــي‬
‫تســتوجب اإلتبــاع‪ ،‬حيــث جــرت العــادة يف البــاد الناميــة أن تكــون اخلطــوات األوىل‬
‫للنهضــة هــي الســر يف طريــق احلضــارة الغربيــة وذلــك باتبــاع أســاليب الفكــر العلمــي‬
‫والتكنولوجــي املتطــورة(‪ ،)3‬فهنــاك العديــد مــن احملــاوالت الــي حتاكــي النتــاج املعمــاري‬
‫الغربــي لعمــارة مــا بعــد احلداثــة حيــث يقــوم املعمــاري بإعــادة صياغــة مفــردات الــراث‬
‫املعمــاري الغربــي والعمــارة اإلغريقيــة‪ ،‬والعمــارة الرومانيــة‪ ،‬وعمــارة عصــر النهضــة‪،‬‬
‫وعمــارة البــاروك‪ ،‬إخل مســتخدماً التكنولوجيــا احلديثــة واملتطــورة‪ ،‬وهنــا جتــدر‬
‫اإلشــارة إىل أن جنــاح عمــارة مــا بعــد احلداثــة علــى الصعيــد الغربــي‪ ،‬يرجــع ملــا متـــثله‬
‫العــــمارة مــن تعبــر عــن التواصــل مــع الثقافــة املتوارثــة للمــكان وسكـــانه علــى الفكــر‬
‫التصميمــي للمعمــاري‪ ،‬وليــس ملــا متثلــه مــن أشــكال يف حـــد ذاهتــا‪ ،‬فالقيــم الثقافيــة‬
‫التـــي تعــر عنهــا تلــك العمــارة هــي قيــم ثقافيــة للــــمتلقي الغربــي الــذي يــرى يف التعبــر‬
‫عنهــا تعبــراً عــن تاريــخ هــو حاضــره‪ ،‬وخيتلــف ذلــك يف الواقــع املصــري حيــث أن تلــك‬
‫(‪ )1‬املرجع نفسه سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬آمال أبو اجملد‪ ،‬حتديات التوسع العمراني – حالة القاهرة ‪ -‬الندوة التاسعة‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )3‬أمريصــاح أمحد‪،‬العالقــة بــن املعمــاري واملتلقــي يف عمليــات التصميــم والبنــاء‪ ،‬رســالة ماجســتري‪ ،‬آليــة‬
‫اهلندســة‪ ،‬جامعــة القاهــرة اجليــزة‪.1999.-‬‬

‫‪392‬‬
‫املفــردات‪ ،‬ال متثــل ســوى أشــكال دخيلــة ال تعــر عــن الثقافــة والوجــدان املصــري(‪.)1‬‬
‫‪ -‬التوجه الثالث‪ :‬األصالة واملعاصرة الربط بني الرتاث واملعاصر‪:‬‬

‫تأثــرت اجتاهــات العمــارة العربيــة خــال العقديــن املاضيــن بالتغيــرات احلضاريــة‬


‫املتتابعــة الــي شــهدها العــامل اإلســامي بدرجــات متفاوتــة‪ ،‬وقــد ركــز اإلطــار الفكــري‬
‫هلــذه االجتاهــات‪ ،‬والــي تضمنــت أيضـاً أعمــال بعــض املعماريــن الدوليــن واملؤسســات‬
‫االستشــارية األجنبيــة علــى صياغــة خطــاب فكــري حداثــي يتســم بالتعدديــة‪ ،‬وأحيانـاً‬
‫بالتناقــض يف بعــض نواحيــه للخــروج مــن اجلدليــة «األصالــة واملعاصــرة أو التقليــد‬
‫والتجديــد» والــي تتلخــص يف حتميــة االلتــزام بالتقاليــد اإلســامية األصيلــة للعمــارة‬
‫احملليــة املوروثــة يف مقابــل االحنيــاز إىل التجديــد واالبتــكار الــذي تفرضــه العمــارة‬
‫العامليــة الــواردة بــكل أشــكاهلا وتنويعاهتــا‪ ،‬ويظهــر ذلــك يف املســامهات اهلامــة لتأصيــل‬
‫نظريــة معماريــة إســامية معاصــرة تســتند إىل مراجعــة وإحيــاء التقاليــد املعماريــة‪،‬‬
‫وتأصيــل الــراث اإلســامي وتطويــره مــن خــال طروحــات خمتلفــة دعــت إىل الرتكيــز‬
‫علــى األبعــاد اإلنســانية واالجتماعيــة للعمــارة اإلســامية‪ ،‬ووضع أســس عمليــة «لعمارة‬
‫احلداثــة العربيــة» القائمــة علــى احــرام التعدديــة واخلصوصيــة الثقافيــة اإلســامية‬
‫واالجتماعيــة والبيئيــة العربيــة‪ ،‬ويســعى هــذا التوجــه إىل دمج بني التأصيــل والتجديد‪،‬‬
‫وعــدم انفــراد أحدمهــا‪ ،‬حيــث أن العمــارة الرتاثيــة اإلســامية وحدهــا التقــوم مبقــام‬
‫القــوة الدافعــة لإلبــداع‪ ،‬ولكنهــا تنطــوي ضمن ـاً علــى إمكانيــة إثــارة اإلبــداع(‪ ،)2‬كمــا‬
‫أن الرتكيبــات الشــكلية ذات األســاس الرتاثــي ميكــن أن ترتجــم يف صــورة مبتكــرة‬
‫ومعاصــرة‪ ،‬تســتطيع أن تواجــه التطــور احلديــث للعمــارة يف العقــود يوضــح حماولــة‬
‫الربــط الفكــري األخــرة مــن القــرن العشــرين‪ ،‬وقــد ظـــهر هــذا الـــتوجه بوضــوح –‬
‫والتصميمــي بــن الــراث اإلســامي برغــم االختــاف النســي لألســاليب التعبرييــة‬
‫واملراجــع التصميميــة واملعاصــرة املســتخدمة والظــروف احملليــة – يف مبانــي املســاجد‬

‫(‪ )1‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة – مابــن التجديــد والتقليــد‪.‬م‪ .‬ريهــام إبراهيــم ممتــازد‪.‬م‪ .‬زينــب فيصــل عبــد‬
‫القــادر مــدرس باألكادمييــة احلديثــة مــدرس باجلامعــة احلديثــة‪.‬‬
‫(‪ )2‬مهدي املنجرة‪ ،‬حتديات التوسع العمراني – حالة القاهرة‪ ،‬الندوة التاسعة‪ ،‬القاهرة‪.1984 ،‬‬

‫‪393‬‬
‫واملبانــي االداريــة والعامــة(‪.)1‬‬

‫إن العمــارة والعمــران متثــل أحــد أهــم جوانــب احلضــارة والــي تعتــر مبثابــة جــزء كبــر‬
‫وهــام مــن اجلوانــب الــي تشــرح تاريــخ األمــم وتعــر عنــه‪ ،‬فهــي تعكــس صــورة اجملتمــع‬
‫يف رحلتــه عــر العصــور‪ ،‬وتعكــس طبيعــة التغيــر يف كل مرحلــة مــن مراحــل تارخيــه‪،‬‬
‫فعنــد احلديــث عــن العمــارة يصبــح مــن الضــروري حتديــد هويــة اإلنســان للتعــرف‬
‫علــى احتياجاتــه الروحيــة واملاديــة‪ ،‬فــزوال الذكريــات احلضاريــة املتمثــل يف الــراث‬
‫املعمــاري‪ ،‬أفقــد اجليــل اجلديــد فرصــة التعايــش مــع هــذا الــراث مباشــرة ويلخــص‬
‫البحــث جمموعــة النقــاط التاليــة‪:‬‬
‫• أن الربــط بــن الــراث واملعاصــرة عمليــة ذات بعديــن أحدمهــا مرتبــط بالــراث‬
‫التأصيــل واآلخــر مرتبــط باملعاصــرة التجديــد ولــكل واحــد مــن البعديــن شــق‬
‫مــن اجلمــال الفكــري وآخــر مــن اجلمــال العاطفــي اللــذان يتكامــان يف تكويــن‬
‫القيمــة التعبرييــة اجلماليــة‪.‬‬
‫• إظهــار التواصــل بــن التأصيــل والتجديــد يعتمــد علــى إدراك وتفعيــل التسلســل‬
‫الفكــري الثقــايف خــال الزمــن وليــس اســتخالص األفــكار علــى أهنــا نقــاط منفصلــة‪.‬‬
‫• إن التفاعــل الــرددي يف الثقافــة العــامل اإلســامي‪ ،‬ال بــد أن يســاند بفهــم‬
‫إلمكانيــة وجــود الربــط الفكــري بــن النقيضــن‪ ،‬حتــى ميكــن الوصــول إىل‬
‫احللــول الفكريــة احلضاريــة‪.‬‬
‫• تنبــع أمهيــة الــراث املعمــاري اإلســامي مــن خــال اإلنعــكاس التشــكيلي‬
‫للقيــم الثقافيــة مــع إمكانيــة تذوقهــا علــى كافــة مســتويات اجملتمعــات العربيــة‬
‫واإلســامية‪.‬‬
‫• إن التواصــل مــع الــراث بالكيفيــة الــي ال تنفــي الزمــن املعاصــر والتطــورات‬
‫املتالحقــة هــو الوســيلة املناســبة للتعبــر عــن الــذات القوميــة العربيــة(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬جــال عبــاده‪ ،‬املشــهد املعمــاري العربــي املعاصــر‪ :‬تأمــات حاضــرة ورؤى مســتقبلية‪ ،‬منتــدى جــده الــدويل‬
‫للعمــران «التحضــر واالســتدامة يف عــامل متغــر»‪ ،‬جــدة‪ ،‬اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة مابــن التجديــد والتقليــد د‪.‬م‪ .‬ريهــام إبراهيــم ممتــاز د‪.‬م زينــب فيصــل عبــد‬
‫القــادر مــدرس باألكادمييــة احلديثــة مــدرس باجلامعــة احلديثــة‪.‬‬

‫‪394‬‬
‫فــاآلراء واألفــكار الــي عملــت عليهــا فنــون احلداثــة وبضمنهــا الفــن البصــري كانــت‬
‫حتمل فـي طياهتـا علـى جتديـــد كيـــان الفـــن فـــي بـــدايات القـــرن العـــشرين‪ ،‬والذي‬
‫كان امتــداداً وتواصـــا ً لظــروف سياســية وثقافيــة وإجتماعيــة طغــت يف أوربــا ويف‬
‫أمريــكا يف هنايــات القــرن التاســع عشــر‪ ،‬والــذي مهــد لتحــوالت عميقـــة وإزاحـــات كبرية‬
‫تســتثري اهلمــم‪ ،‬لبنــاء البـــديل‪ ،‬إذ مــورس الرســم احلديــث علـــى وفـــق نبــذ وجتاهــل‬
‫لألســاليب الســائدة‪ ،‬وشـيدفــــن قادر علــــى متثيــــل قانون اجلدل‪ ،‬إذ مل يعــــد للمبادئ‬
‫األكادمييــــة الكالســيكية مكانـاً فــــي مفهــوم الفــن احلديــث‪ ،‬جبهــود مخســة قــرون مــن‬
‫اإلبــداع الفــي(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬برادبــري‪ 1987 ،‬ص ‪ - 20‬األبعــاد اجلماليــة للشــكل اهلندســي يف الفــن البصــري ‪ -‬فازاريللــي‪ ...‬امنوذج ـاًم‪ .‬د‪.‬‬
‫ريــاض هــال مطلــك الدليمــي م‪ .‬د‪ .‬حامــد خضــر حســن احلســنات ‪ -‬جامعــة بابــل‪ /‬كليــة الفنــون اجلميلــة ‪/‬قســم‬
‫الرتبيــة الفنيــة‪.‬‬

‫‪395‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫الجمال في العمارية اإلسالمية‬

‫التصميم املعماري تقديم‪ -‬م‪ .‬سيما القنواتي ‪ -‬إشراف‪:‬أ‪.‬د‪.‬م‪ .‬زياد املهنا ‪2015 – 2014 -‬م‪.‬‬

‫‪396‬‬
‫مفاهيم اجلمال يف العمارة اإلسالمية‬

‫اإلســام هــو ديــن الفطــرة الــذي جــاء صاحلـاً لــكل زمــان ومــكان‪ ،‬فهــو عقيــدةٍ وشــريعة‬
‫وهتذيــبٍ وسُــلوك وحـ ٍّـق ومجــال يعــاجل شــئونَ احليــاة كلَّهــا‪ ،‬ومــن أج ـ ِل هــذا مل يكــن‬
‫ليتغاضــى عــن نــواز ِع النّفــس البشــريّة‪ ،‬فأقــر مــا تتطلَّبُــه الفطــرةُ البشــريّة مــن‬
‫َ‬ ‫اإلســام‬
‫ســرو ٍر وفـرَح ومجــال‪ ،‬وأحــاط ذلــك بســيا ٍج مــن أدَب وفــن إســامي رفيــع يبلُــغ باملتعـةِ‬
‫كمالَهــا وباملـرَ ِح غايتَــه وفــق ضوابــط أخالقيــة حمكمــة(‪.)1‬‬

‫وقــد ال يرتبــط الفــن اإلســامي بالديــن كعقيــدة فقــط‪ ،‬وإمنــا يشــمل أيض ـاً وجوه ـاً‬
‫فنيــة وأمناطـاً يف الثقافــة اإلســامية ضمــن حــدود إســامية‪ ،‬ومــن أكثــر أنــواع الفنــون‬
‫الــي ظهــرت يف هــذه املرحلــة هــي الفسيفســاء‪ ،‬وآرابيســك‪ ،‬واخلــط العربــي اإلســامي‬
‫والعمــارة اإلســامية أيض ـاً‪ ،‬باإلضافــة إىل كافــة أشــكال التجريــد(‪ )2‬وميكــن أن يكــون‬
‫اإلنســان هــو املخلــوق الوحيــد األكثــر حتسسـاً للشــيء اجلميــل‪ ،‬وميكنــه أن يكــون األقــل‬
‫تســبيحاً واألكثــر جحــوداً ملبــدع اجلمــال ســبحانه‪ ،‬واتفــق البشــر علــى حــب اجلمــال‬
‫والبحــث عنــه وســطوته علــى مشــاعرهم وأثــره علــى نفوســهم‪ ،‬ولكنَهــم اختلفــوا علــى‬
‫تعريفــه أو تفســره أو إجيــاد منهجيــةٍ يف متثيلــه‪ ،‬ويذهــب بعــضُ اللغويــن أن كلمــة‬
‫«اجلمــال» ميكــن أن تكــون واردة مــن كلمــة «اجلمــل» الــذي يَقــرن اجلمــال باملنفعــة‪،‬‬
‫وجيــوز أن تكــون التعابــر الــواردة يف الذكــر احلكيــم مثــل (ســراحاً مجيـاً) أو (صفحـاً‬
‫مجيـاً) أو (هجــراً مجيـاً) مــا يرمــز للتســامح وروح اإليثــار‪ ،‬أمــا املفهــوم املتكــرر مــراراً‬
‫فهــو (صــراً مجي ـاً) األكثــر ملموســية يف رمزيتــه‪ ،‬و حيمــل يف طياتــه دالالت الصــر‬
‫علــى الشــقاء واملصاعــب والشــظف‪،‬ويرد كذلــك مصطلــح (الســنع) يف العربيــة‪ ،‬مبــا‬
‫يعــي اجلمــال‪ ،‬والســنيع كمــا يقــول لســان العــرب هــو اجلميــل‪ ،‬وجنــد نفــس الكلمــة‬
‫تــرد يف لغــات أهــل الشــمال‪ ،‬أمــا «اجلمــال» الــذي نســتعمُله للداللــة الفنيــة والســيما يف‬
‫العمــارة‪ ،‬فهــو يقابــل كلمــة (أســطاطيقا) ‪ Esthetics‬اليونانيــة األصــل والــي تعــي علــم‬
‫(‪ )1‬يف نــدوة «القيــم اجلماليــة يف احلضــارة اإلســامية» مبكتبــة اإلســكندرية ‪ -‬اجلمــال مظـــهر إســـامي أصـــيل‬
‫رجــب عبــد العزيــز‪.‬‬
‫(‪ )2‬موضوع – أكرب موقع عربي ‪ -‬مفهوم علم اجلمال ‪ -‬بواسطة‪ :‬إميان احلياري ‪.‬‬

‫‪397‬‬
‫اإلحســاس واإلدراك واملعرفــة احلســية‪ ،‬وهــو علــم قوانــن تطــور الفــن‪ ،‬ويتبــوأ موقع ـاً‬
‫بــارزا يف الفلســفة ويف علــوم الفــن‪ ،‬ويــدرس الشــكل اجلمــايل لالســتيعاب الفكــري عــن‬
‫الواقــع الــذي يطفــو علــى ســطح احليــاة اليوميــة وكذلــك الفــن‪ ،‬الــذي يُعتــر أعلــى شــكل‬
‫يف عمليــة االســتيعاب اجلمــايل عــن الواقــع‪ ،‬ولعلــم اجلمــال جانبــان نظــري وعملــي‪،‬‬
‫األول يبحــث يف تطــور التطبيــق الفــي ووضعــه يف قوانينــه املعينــة‪ ،‬وهــو أساســي يف‬
‫جتســيد اجلمــال التطبيقــي يف الثقافــة السياســية والنقــد الفــي‪ ،‬ويف علــم النفــس‬
‫جنــد اجلمــال يتالقــح مــع املشــاعر الرقيقــة واألفــكار الســامية إىل جانــب املشــاعر‬
‫اخلالقــة والثقافــة(‪.)1‬‬

‫وعندمــا نشــاهد األحيــاء القدميــة ومبانيهــا القدميــة نشــعر دائمــاً بتلــك البســاطة‬
‫الرائعــة‪ ،‬ونلتمــس التكوينــات والقواعــد اجلماليــة الــي تتمثــل فيهــا‪ ،‬كالوحــدة‬
‫واالنســجام وحتــى اإلختــاف (التضــاد)‪ ،‬ممــا جيعــل تلــك البيئــة العمرانيــة غنيــة‬
‫ومشــوقة ومتجــددة دائمـاً‪ ،‬ففــي كل مــرة تراهــا جتدهــا يف حلــة جديــدة وتشــعر بشــعور‬
‫خمتلــف و تلتمــس رؤيــة أخــرى(‪.)2‬‬

‫وأفالطــون مــن أوائــل مــن بقــت تدويناتــه عــن اجلمــال‪ ،‬وصــرح بــأن (اجلمــال واخلــر‬
‫واحلــق حقيقــة واحــدة فليــس جبميــل علــى مــا يقــوم علــى الباطــل ويأتــي الســوء منــه)‬
‫وهــو األقــرب للمفهــوم اإلســامي‪ .‬ورب معــرض علــى ذلك وحجتهُ بــأن اخلري نافع ولكن‬
‫اجلمــال ال يشــرط بــه املنفعــة وأن احلــق يقــوم بالربهــان وال حاجــة للجمــال بالربهــان‪،‬‬
‫ويأتــي أرســطو ليفــرق بــن العمــل وبــن الشــكل‪ ،‬فالعمــل لديــه هــو اخلــر بعينــه ولكــن‬
‫الشــكل هــو الــذي يضطلــع باجلمــال والشــيء اجلميــل يتنــزه عــن الغــرض وهــذا ال يعــي‬
‫لديــه بأنــه خيلــو مــن الفائــدة ويصــف يف ذلــك املوســيقى بأهنــا مــرادف للطهارة والســرور‬
‫والتهذيــب‪ ،‬وهكــذا ورد لــدى أرســطو اجلمــال مــا أرتبــط بالنافــع‪ ،‬فهــو بالنتيجــة خلــق‬
‫مثــايل وأخضــع تومــاس األقويــي ‪ Aquin‬اجلمــال ملفهــوم ديــي‪ ،‬حيــث أعتــر أن أعلــى‬
‫درجــات اجلمــال موجــودة يف اللغــة الــي تعــر عــن أصــل اجلمــال يف الفــن والطبيعــة‪،‬‬
‫ويتجســد اجلمــال مــن خــال الكمــال والتناســب الصحيــح ثــم الوضــوح‪.‬‬

‫(‪ )1‬اجلمال يف العمارة اإلسالمية – الدكتور علي الثويين‪.‬‬


‫(‪ )2‬فلسفة اجلمال يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬سامي سعيد الشمراني‪.‬‬

‫‪398‬‬
‫وقــد وجــد تفســر الظاهــرة اجلماليــة‪ ،‬االهتمــام مــن الفالســفة احملدثــن مــن أســاطني‬
‫الفكــر واحلكمــة ومنهــم األملــان (هيغــل) (غوتــه) و (كانــت) والروســي (تشرينيفســكي)‬
‫حتــى اإليرلنــدي (برناردشــو) ممــن أســهب يف غــور كنــه اجلمــال وتفســره والســيما‬
‫اجلمــال يف العمــارة‪ ،‬ولكنهــم مل يصلــوا إىل أدق التعاريــف لكونــه ببســاطة جمــاالً‬
‫خياليـاً رحبـاً تكتنفــه قيــم ٌمنهــا مطلــق ومنهــا نســي‪ ،‬لقــد ظهــر علــم اجلمــال احلديــث‬
‫يف أملانيــا يف القــرن الثامــن عشــر(‪ )1720-1785‬أو مــا يســمونه اصطالح ـاً «عصــر‬
‫التنويــر»‪ ،‬وانــرى ألول مــرة (بونــكارمت) يشــق طريَقــه رائــداً حتــى جــاء دورُ (كانــت)‬
‫و (هيغــل)‪ ،‬وقــد عــاجل هــذا اجليــل مــن الفالســفة النواحــي العاطفيــة والروحيــة‬
‫واإلنســانية لــه‪ ،‬وفيمــا ذهــب إليــه األقــل شــأناً منهــم بــأن احلكــم األخــر يف ذلــك هــو‬
‫َرفضــه تبعـاً ملــا ميليــه عليــه خيالـهُ ومتشــياً مع ســجيته وفطرته‪،‬‬
‫الفــرد فيمــا يَقبلـهُ أو ي ُ‬
‫ومــن العلمــاء مــن شــرح اجلمــال «بالراحــة البيولوجيــة» أي شــعور اإلنســان باالرتيــاح لــه‬
‫ومنهــم مــن قــال بــأن اجلمــال حمســوس وليــس ملمــوس‪ ،‬ويرجــع اإلحســاس هــذا إىل‬
‫الصــورة‘ وليــس للمــادة وأن تقديــر اجلمــال أم ـرٌ كيفــي الكمــي‪ ،‬وهــو بذلــك ال يقــاس‬
‫باألعــداد أو املقاديــر‪ ،‬حيــث يعتــر (كانــت)‪( :‬أن اجلمــال هــو ذلــك الــذي يكــون ممتعــا‬
‫بالضــرورة‪ ،‬وهــذه املتعــة تنبعــث مــن نفوســنا وحنــن نُــدرك أن هــذا اجلمــال مقطــوع‬
‫الصلــة بأيــة فائــدة مهمــا كانــت) وحــدد نوعــن مــن اجلمــال أحدمهــا (حــر) واآلخــر‬
‫(تابــع)‪ ،‬فيكــون حــراً إذا انعــدم الغــرض‪ ،‬وتابع ـاً إذا أشــار إىل غــرض مــا‪ ،‬وجــاء بعــد‬
‫كانــت (شــلر) ‪ Schiller‬ليقــول‪( :‬أن العمــل الفــي لــون مــن ألــوان النشــاط التلقائــي‬
‫اخلــايل مــن الغــرض)‪ ،‬أمــا هيغــل فقــد اســتفاد مــن كل الشــروحات ملــن ســبقه هبــذا‬
‫الصــدد(‪ ،)1‬وقــدم نظريــة شــاملة لتاريــخ الفــن كانــت بواكــر املدرســة الواقعيــة الــي‬
‫أمثــرت تباعــا يف الفــن والعمــارة (والســيما يف شــروحات لــودوك الفرنســي)‪ ،‬بعــد‬
‫انتقادهــا للرومانســية يف فنــون وعمــارة القــرون الوســطى والنهضــة‪ ،‬واعتــر هيغــل‬
‫عل ـمَ اجلمــال جــزءاٌ مــن التطــور التارخيــي الشــامل عــن العــامل مبتدئ ـاً مــن الطبيعــة‬
‫ومنتهي ـاً «بالفكــر املطلــق»(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬اجلمال يف العمارة اإلسالمية – الدكتور علي الثويين‪.‬‬


‫(‪ )2‬اجلمال يف العمارة اإلسالمية – الدكتور علي الثويين‪.‬‬

‫‪399‬‬
‫إنّ العمــارة هــي فــن البنــاء و (حســب تعريــف القامــوس)‪ ،‬وبذلــك فهــي مــن الناحيــة‬
‫التحليليــة تعتــر فنـاً وعلمـاً‪ ،‬ولكــن بالنظــرة التكامليــة تعتــر فنـاً‪ ،‬ومــا العلــوم اهلندســية‬
‫والتقنيــة ســوى أهنــا مــن وســائل التنفيــذ‪ ،‬إنّ العمــارة هــي الــي تــأوي اإلنســان ونشــاطه‬
‫يف اجملــاالت الروحيــة واملاديــة كافــة علــى املســتويات الفرديــة واجلماعيــة مــن وقــت‬
‫أن يولــد إىل أن ميــوت‪ ،‬فهــي تشــمل مجيــع املبانــي الدينيــة والدنيويــة‪ ،‬احلضريــة‬
‫والريفيــة‪ ،‬الســكنية والعامــة‪ ،‬الثقافيــة والتجاريــة إخل‪...‬‬
‫واجلمــال يف العمــارة هــو أنّ الشــعور باجلمــال يعتــر أمــراً نســبياً‪ ،‬خيتلــف احلكــم فيــه‬
‫بــن شــخص وآخــر‪ ،‬ولكــن اجلمــال كالصحــة يتطلــب اســتيفاء شــروط خاصــة خاضعــة‬
‫لقوانــن طبيعيــة‪.‬‬
‫إنّ اجلمــال املعمــاري يف املبنــى أو جمموعــة املبانــي الــي يتكــون منهــا الشــارع واحلــي‬
‫واملدينــة إمنــا هــي صفــة بصريــة تنتــج مــن التأثــر بالشــكل يف الشــعور بالتوافــق بينــه‬
‫وبــن القــوى العاملــة علــى تكوينــه(‪.)1‬‬
‫وميكننــا القــول بعبــارة أخــرى إن اجملتمــع كان يعــي مفهومــاً مجاليــاً نابعــاً منــه‪،‬‬
‫ويتناســب معــه مــع إتاحــة الفرصــة للتجديــد واإلبــداع‪ ،‬مبــا يتوافــق مــع اهليئــة العامــة‬
‫وممــا جيعــل املعمــار واقف ـاً علــى مجيــع شــؤون املالــك مــن متطلبــات ومــن رؤى فنيــة‬
‫ومــن حالــة اقتصاديــه‪ ،‬واألهــم هــو تلــك احلميمــة بــن املعمــار واملالــك‪ ،‬وحمــور ثالــث‬
‫يعتقــد أنــه أثــر علــى مفهــوم اجلمــال يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬أال وهــو أن املعمــار نفســه‬
‫هــو فــرد مــن اجملتمــع منغمــس فيــه‪ ،‬ومتشــبع مبعتقداتــه وفكــره‪ ،‬لــذا فــإن رؤيتــه‬
‫الفنيــة أو اجلماليــة كانــت مت رعــر ذلــك املنظــور الــذي تكــون لديــه‪،‬وإن فلســفة اجلمــال‬
‫يف العمــارة اإلســامية تعتمــد علــى االنتفاعيــة (الوظيفيــة) النابعــة مــن الشــريعة‬
‫اإلســامية أو يف إطارهــا العــام‪ ،‬فعندمــا حنلــل املفــردات املعماريــة اجلماليــة أو‬
‫الفراغــات يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬جندهــا حتمــل حمــاور عــدة يف أســباب نشــأهتا‬
‫وتشــكلها وحتــى تطويرهــا(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬مفاهيم اجلمال يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬عادل عبد املنعم الدمرداش‪.‬‬
‫(‪ )2‬فلسفة اجلمال يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬منتديات بوابة العرب ‪ -‬املنتديات العلمية ‪ -‬منتدى العلوم والتكنولوجيا‪.‬‬

‫‪400‬‬
‫فاملشــربية مثــاً هــي عبــارة عــن معاجلــات مناخيــة حلمايــة الواجهــات والفــراغ‬
‫الداخلــي مــن العوامــل املناخيــة غــر املرغــوب هبــا‪ ،‬وأيض ـاً هلــا هــدف آخــر‪ ،‬أال وهــو‬
‫توفــر اخلصوصيــة للنســاء ومحايتهــن مــن أعــن الغربــاء‪ ،‬ورغــم هذيــن الســببني إال أن‬
‫املعمــار مل يقــف علــى تلــك الوظيفتــن هلــذا املفــرد بــل حــاول أن خيرجهمــا بطريقــة‬
‫فنيــة أو مجاليــة حســب رؤيتــه الفنيــة‪.‬‬

‫وأيض ـاً الفنــاء الداخلــي الــذي كان أحــد املعاجلــات املناخيــة‪ ،‬ولكنــه أيض ـاً عبــارة عــن‬
‫اتصــال الســاكن مــع الطبيعــة (الفــراغ اخلارجــي) دومنــا أن جتــرح خصوصيتــه أو‬
‫جيــرح خصوصيــة اآلخريــن ومــع ذلــك فلقــد رأى املعمــار املســلم الفنــاء مبنظــوره‬
‫اجلمــايل‪ ،‬فأوجــد النوافــر الــي أضفــت علــى الفنــاء ملســة مجاليــة هبندســتها الراقيــة‬
‫مــع منفعتهــا كعامــل ترطيــب للهــواء احلــار‪.‬‬

‫وهنــاك نــوع آخــر مــن اجلمــال (العفــوي) يف العمــارة اإلســامية الــذي ينبــع مــن مجــال‬
‫وروعــة الشــريعة اإلســامية نفســها كاالرتفاعــات‪ ،‬فقــول الرســول ‪( ‬ال ضــرر وال‬
‫ضــرار) قــد جعــل مــن البيئــة العمرانيــة اإلســامية بيئــة متناســقة يف االرتفاعــات‬
‫ومتمازجــة حبميمــة رائعــة‪ ،‬لدرجــة أنــك تــرى الواجهــات للمنــازل املختلفــة كواجهــة‬
‫واحــدة‘ حتمــل يف ظاهرهــا الكثــر مــن القواعــد الفنيــة واجلماليــة‪ ،‬فاجلمــال يف‬
‫العمــارة اإلســامية هــو عبــارة عــن حتقيــق وظائــف ومتطلبــات اجتماعيــة ضمــن‬
‫اإلطــار التشــريعي (الديــي)‪ ،‬أو ميكــن القــول بــأن اجلمــال يف العمــارة اإلســامية‬
‫ذو هــدف‪ ،‬وهــذا مــا جيعــل الفــن املعمــاري اإلســامي‪ ،‬فــن جيمــع الكثــر مــن املتعــة‬
‫والراحــة واالكتشــافات(‪.)1‬‬

‫ويف نفــس الســياق جنــد مــن الشــروح هلــذا العلــم لــدى العــرب احملدثــن حيــث يصــف‬
‫(حممود الشــكرجي) ذلك املفهوم يف كتابه (اهلندســة واملهندســن) قائالً‪( :‬إن اإلدراك‬
‫احلســي هــو صفــة جوهريــة يف اجلمــال‪ ،‬والصفــة الثانيــة هــي النقــد الواعــي املشــتمل‬
‫علــى األحــكام القيميــة الغريزيــة املباشــرة‪ ،‬أي يشــتمل علــى حاليت اللــذة واألمل‪ ،‬واجملال‬
‫(‪ )1‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪401‬‬
‫الــذي يشــرك فيــه ك ٌل مــن النقــد احلســي والنقــد الواعــي هــو اجملــال الــذي توجــد فيــه‬
‫اإلدراكات احلســية النقديــة أو جمــال اإلدراك النقــدي التشــوقي‪ ،‬وبذلــك يصبــح علــم‬
‫اجلمــال هــو أدراك للقيــم)‪.‬‬

‫وقــد ســاد االعتقــاد حتــى اليــوم أنعلــم اجلمــال هــو إغريقــي األصــل وأوربــي الفصــل‬
‫قفــز إليهــا فجــأة إبــان قــرون التنويــر‪ ،‬ولقــد فــات اجلميــع أن العلــوم تضمحــل‪ ،‬إن مل‬
‫جتــد هلــا دميومــة قبــل أن يغمرَهــا النســيان‪ ،‬وقــد تناســوا بقصــد مثلمــا هــو يف شــؤون‬
‫الفكــر األخــرى بــأن املســلمني مل يكــن هلــم اهتمــام بذلــك‪ ،‬بالرغــم مــن املشــاهدات‬
‫امللموســة علــى مســو اجلانــب احلســي املقــرن بفنوهنــم ومعاجلاهتــم الزخرفيــة الغنيــة‪،‬‬
‫وارتبــط اجلمــال يف البنــاء ليــس مبعاجلــة واجهاتــه الفنيــة والتزويقيــة بقــدر مــا‬
‫الشــعور بالراحــة املناخيــة واألمــان والطمأنينــة األخالقيــة‪ ،‬مبــا يضفيــه البنــاء علــى‬
‫ســاكنيه‪ ،‬وتداخــل ذلــك اجلمــال مــع الراحــة اجلســدية الــي يوفرهــا البنــاء البيئــي‬
‫املتميــز‪ ،‬احلامــي مــن احلــر والــرد وشــعاع الشــمس املفــرط‪ ،‬ممــا يعتــر تداخــل بــن‬
‫الفلســفة واملنهجيــة اإلســامية يف املوقــف مــن البيئــة‪ ،‬وهــي دعــوة مجاليــة تأخــذ هلــا‬
‫صــدى واســعاً يف أيامنــا احلاضــرة‪ ،‬وكان قــد نــادى هبــا اإلســام منــذ بزوغــه مبــا‬
‫يعكــس املوقــف اجلمــايل واحلــي «الروحــي» وليــس املــادي للبيئــة‪ ،‬والــذي نلمســه يف‬
‫ظواهــر مل تعهدهــا األرض كظواهــر التلــوث البيئــي واالحنبــاس احلــراري وكارثــة ثقــب‬
‫طبقــة األوزون الــي كان الســبب وراءَهــا املفهــوم املــادي وليــس الروحــي للبيئــة الــذي‬
‫ينعكــس مــن مفاهيــم روحيــة مجاليــة باجلوهــر‪ ،‬وبذلــك جنــد يف املفاهيــم اإلســامية‬
‫للجمــال تنعكــس يف «اإلعمــار» ويعاكــس مجلــة وتفصيـاً مفهــوم «اإلفســاد»‪ ،‬لقــد ورد‬
‫مجــال األشــياء مبدلوهلــا اجلــديل لــدى رؤيتهــا بالنــور الــذي هــو إحــدى صفــات اخلالــق‬
‫ســبحانه‪ ،‬فتداخــل مفهــوم النــور املظهــر للجمــال وبدونــه ال ميكــن رؤيتــه‪ ،‬وأصبــح النــور‬
‫يتجســد يف صفــة اجلمــال‪ ،‬وعلــى العكــس مــن ذلــك فقــد تداخــل الظــام‪ ،‬مــع الظلــم‬
‫مبــا يعنيــه مــن عــدم تلمســه‪ ،‬وجنــد يف ذلــك مســو يف التعبــر والرمزيــة ال يدانــى‬
‫يف لغــات أخــرى حيــث أمتــزج اجلمــال مــع اإلنصــاف واحلــق والقســطاس واجتنــاب‬

‫‪402‬‬
‫الطغيــان والظلــم الــذي نبحــث عنــه مجيعــا(‪ ،)1‬ويتضــح ممــا ســبق أن مفهــوم الســمو‬
‫يرتبــط بعــدة مفاهيــم كاجلمــال والدميومــة واإلثــارة وثــراء املعنــى والرتميــز واهلندســية‬
‫وتــوارد األفــكار‪.‬‬

‫ويعــد الســمو اجلمــايل مــن املفاهيــم املطروحــة يف الدراســات املعماريــة املعاصــرة‪،‬‬


‫وقــد بــرزت أمهيتــه كأداة خللــق أعلــى مســتويات التواصــل يف العمــارة يف التيــارات‬
‫واحلــركات املعماريــة املعاصــرة‪ ،‬وتأتــي أمهيتــه بعــد أن شــهدت عمــارة األلفيــة الثالثــة‬
‫يف بداياهتــا تركيــزاً علــى مبــدأ التواصــل مــع اجملتمــع‪ ،‬ولقــد تناولــت العديــد مــن‬
‫الدراســات املعماريــة مفهــوم الســمو يف العمــارة بصيــغ تنوعــت حبســب التوجــه البحثــي‬
‫لــكل دراســة‪ ،‬األمــر الــذي أكــد أمهيــة املفهــوم ضمــن اجملــال املعمــاري بشــكل عــام‪،‬‬
‫وقــد اختصــت هــذه الدراســة بالرتكيــز علــى دراســة التوجــه البحثــي املتعلــق باســتثمار‬
‫اجلمــال‪ ،‬كنظــام تواصلــي يف العمــارة اإلســامية ألمهيتــه يف متيــز النتاجــات املعماريــة‬
‫اإلســامية‪ ،‬وأفــرز تقويــم هــذه الدراســات عــن ضــرورة إثــراء املعرفــة ضمــن النظريــة‬
‫املعماريــة حــول املفهــوم‪ ،‬وتشــكلت منــه منهــج شــامل يضــم ثــاث مفــردات رئيســية‬
‫هــي‪:‬‬

‫الســمات الشــكلية للســمو اجلمــايل‪ ،‬املضامــن التصميميــة‪ ،‬آليــات اســتثمار اجلمال يف‬
‫العمــارة‪ ،‬والــي بدورهــا حتــدد مفهومهــا أوالً‪ ،‬ومــن ثــم تطبيــق إحــدى هــذه املفــردات‬
‫الرئيســية واألكثــر أمهيــة‪ ،‬واملتمثلــة بـــالسمات الشــكلية للســمو اجلمــايل علــى عــدة‬
‫نتاجــات معماريــة إســامية بــارزة(‪.)2‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬اجلمال يف العمارة اإلسالمية – الدكتور علي الثويين‪.‬‬


‫(‪ )2‬الســمو كنظــام تواصلــي يف العمــارة اإلســامية‪-‬عمارة املراقــد الشــريفة أمنوذجا‪-‬نســمة معــن حممــد رشــا عبــد‬
‫الكريــم علــي مــدرس مســاعد قســم اهلندســة املعمارية‪/‬جامعــة املوصــل قســم اهلندســة املعمارية‪/‬جامعــة النهريــن‪.‬‬

‫‪403‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬

‫فقه العمارة‬

‫‪404‬‬
‫دراسة القانون احلاكم لفقه العمارة‬
‫(حكمة حركية العمران يف اجملتمعات اإلسالمية)‬

‫يف الواقــع جنــد أن فقهــاء املســلمني مل يغفلــوا دراســة موقــف اإلنســان مــن العمــارة‬
‫وأنواعهــا وعناصرهــا وزخارفهــا‪ ،‬وبالتــايل هــم مــن أسســوا (فقــه البنيــان)‪ ،‬فوضعــوا‬
‫لــه القواعــد واألســس الــي جيــب عليهــا املشــتغلني واملســتخدمني لــه مراعاهتــا‪ ،‬وكانــوا‬
‫يعتمــدون علــى القــرآن الكريــم واحلديــث النبــوي بصــورة خاصــة‪ ،‬كمــا يف قولــه تعــاىل‬
‫{خــذ العفــو وأمــر بالعــرف وأعــرض عــن اجلاهلــن}(‪.)1‬‬

‫تعــد العمــارة يف اإلســام مــن القضايــا ذات احملوريــة اهلامــة يف اجملتمــع املســلم‪ ،‬وبــات‬
‫فقــه العمــارة مــن اجملــاالت احلياتيــة الضروريــة يف الوقــت الراهــن بعــد التطــورات‬
‫التقنيــة والتكنولوجيــة واملعماريــة الــي يشــهدها العــامل مــن جهــة‪ ،‬ومــع تزايــد حــدة‬
‫اخلالفــات الفقهيــة واجملتمعيــة يف أســس العمــارة والبنايــات املختلفــة بــن املســلمني‬
‫مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وإىل دراســة تلــك اإلشــكالية مــن الناحيــة الفقهيــة واجملتمعيــة مــن‬
‫خــال مؤلفــه املعنــون بـــ «فقــه العمــران‪ ..‬والعمــارة واجملتمــع والدولــة يف احلضــارة‬
‫اإلســامية»‪ ،‬وتنــاول دور الفقــه يف التنظيــم والتخطيــط العمرانــي للمــدن‪ ،‬حيــث قســم‬
‫الشــوارع وأحكامهــا إىل ثــاث مســتويات‪ ،‬املســتوى األول‪ :‬الطــرق العامــة وهــذا الطريــق‬
‫مبــاح جلميــع النــاس اســتخدامه‪ ،‬بشــرط عــدم اإلضــرار باملــادة عنــد افــراق الطريــق‪،‬‬
‫املســتوى الثانــي‪ :‬هــو الطريــق العــام اخلــاص‪ ،‬وهــو أقــل درجــة مــن الطريــق العــام‪،‬‬
‫املســتوى الثالــث‪ :‬الطريــق اخلــاص‪ ،‬وأفضــل أمثلــة هــذا الطريــق هــو الطريــق غــر‬
‫النافــذ‪ ،‬وقــد تكشــفت ذلــك يف ســجالت احملاكــم الشــرعية واملصــادر الفقهيــة‪ ،‬مثــل‬
‫حفــظ حــق الطريــق وحقــوق اجلــوار وضــرر الدخــان واحلوائــط املشــركة والركــوب‬
‫وغريهــا‪ ،‬وهــي تــدل علــى مــدى التقــدم الــذي وصلــت إليــه احلضــارة اإلســامية يف‬
‫جمــال إقــرار قوانــن حتافــظ علــى البيئــة احلضريــة يف املــدن‪ ،‬وكان البحــث يتطــرق‬
‫(‪ )1‬موســوعة العمــارة واآلثــار والفنــون اإلســامية – اجمللــد األول – مكتبــة الــدار العربيــة للكتــاب – الدكتــور حســن‬
‫الباشا – ص‪.201‬‬

‫‪405‬‬
‫لفقــه األســواق واملنشــآت التجاريــة يف احلضــارة اإلســامية‪ ،‬فبنــاء األســواق عنــد‬
‫املســلمني منــدوب‪ ،‬وبتطبيــق القواعــد الفقهيــة هنــاك اعتبــارات عديــدة يف ختطيــط‬
‫أســواق املــدن‪ ،‬ولعــل أوهلــا التوزيــع املكانــي الــذي حكمتــه احلاجــات املتكــررة للســكان‬
‫والضروريــة‪ ،‬والــي قــد تتطلــب وجــود أســواق معينــة يف كل حــي عرفــت بالســويقة‬
‫لتلبيــة املتطلبــات اليوميــة للســكان‪ ،‬ويف حــن أن التوزيــع املكانــي يرتبــط بضــرر بعــض‬
‫الســلع الــي جيــب أن تكــون يف ســاحات عامــة خــارج املــدن كأســواق الــدواب والفواخــر‬
‫الــي تســبب نرياهنــا ضــرراً للســكان‪.‬‬

‫‪ Eswszszz‬وكانــت صناعــة البنــاء «أول صنائــع العمــران احلضــري وأقدمهــا‪ ،‬وهــي‬


‫(‪)1‬‬
‫معرفــة العمــل يف اختــاذ البيــوت واملنــازل للســكن واملــأوى لألبــدان يف املــدن»‬
‫وقــد تناولــت كتــب البنــاء مســائل فقهيــة كثــرة تتصــل بتخطيــط املدينــة والعمــران‪،‬‬
‫فتحدثــت عــن املوقــف مــن البنــاء وأدلــة مشــروعيته‪ ،‬وماليتــه مــن حيــث هــو عقــار أو‬
‫منقــول‪ ،‬وتناولــت أحــكام البنــاء الواجــب مــن مســاجد وحصــون وأربطــة للدفــاع عــن‬
‫ديــار اإلســام‪ ،‬وأســوار وجســور وقناطــر وســدود وغريهــا‪ ،‬والبنــاء املنــدوب كاملــآذن‬
‫واألســواق‪ ،‬والبنــاء املبــاح كاملســاكن واحلوانيــت لالســتغالل مــع بيــان القواعــد الــي‬
‫حتكــم هــذا النــوع مــن البنــاء مــن حيــث إن للســلطة شــأناً فيــه‪ ،‬والبنــاء احملظــور كالبنــاء‬
‫علــى القبــور والكنائــس والبنــاء علــى أرض اآلخريــن وغــر ذلــك‪ ،‬مــن مســائل التوســع يف‬
‫البنــاء والتطــاول فيــه وزخرفتــه(‪.)2‬‬

‫وكمــا تناولــت تلــك الكتــب اســتغالل األراضــي للبنــاء‪ ،‬واســتغالل العقــار‪ ،‬وعمليــة‬
‫التصــرف فيــه بيعـاً وشــراءً‪ ،‬وكيفيــة تقســيمه‪ ،‬وضبطــت مواصفات مواد البنــاء‪ ،‬فبينت‬
‫طــرق صنعهــا والشــروط الــي جيــب توفرهــا فيهــا‪ ،‬ونظمــت عمليــة التعاقــد علــى‬
‫(‪ )1‬ابن خلدون‪ ،‬املقدمة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.509‬‬
‫(‪ )2‬نظــر يف أحــكام البنــاء‪ :‬إبراهيــم بــن موســى الفائــز‪ ،‬البنــاء وأحكامــه يف الفقــه اإلســامي‪ ،‬الســعودية‪ :‬معهــد‬
‫القضــاء العــايل جبامعــة اإلمــام حممــد بــن ســعود‪ ،‬أطروحــة دكتــوراه‪ ،‬ســنة ‪ ،1985‬ص‪ 85‬ومــا بعدهــا‪ .‬ومثــة‬
‫دراســتان حــول بنــاء املســاكن‪ ،‬األوىل منهمــا بعنــوان‪ :‬ضوابــط بنــاء املســاكن يف الفقــه اإلســامي‪ ،‬ألمحــد الســعد‪،‬‬
‫ُقدّمــت يف كليــة الشــريعة يف جامعــة مؤتــة يف األردن‪ ،‬ســنة ‪2003‬م‪ ،‬والثانيــة‪ :‬حكــم األبنيــة بــن الشــريعة والقانــون‪،‬‬
‫للدكتــور ياســن الغــادي‪ ،‬وكالمهــا يهــدف إىل بيــان مشــروعية البنــاء ومعاجلــة مســألة التطــاول يف البنيــان وموقــف‬
‫الشــريعة منــه‪.‬‬

‫‪406‬‬
‫البنــاء بــن الراغبــن فيــه وبــن أهــل الصنعــة مــن البنائــن‪ ،‬وتطرقــت أيضـاً لتوظيــف‬
‫األمــوال يف البنــاء فحــددت مــوارده وأوجــه صرفــه وكيفيــة متويــل املشــاريع‪ ،‬بــل إن‬
‫املصــادر تتنــاول تفصيــات أوســع تتعلــق بتخطيــط العمــارة‪ ،‬كمســائل بنــاء املســاجد‬
‫وا ِّتخــاذ احلوانيــت أســفلها‪ ،‬وغــرس الشــجر يف صحــن املســجد‪ ،‬وبنــاء امليضــآت وبيــوت‬
‫اخلــاء‪ ،‬كمــا تعرضــت ملســائل حقــوق البنــاء كحقــوق اجلــدار املشــرك وحــق املــرور‬
‫واالرتفــاق بالطــرق والشــوارع‪ ،‬كمــا أوضحــت أحــكام توســعة املنشــآت العامــة علــى‬
‫حســاب املمتلــكات اخلاصــة‪ ،‬هــذا فض ـاً عــن أحــكام التصرفــات يف البنــاء وتأجــره‬
‫وعالقــة املالــك باملســتأجر وغــر ذلــك(‪.)1‬‬

‫فــإن فقــه العمــران ارتبــط بإطاريــن حاكمــن لــه مــن الناحيــة الفكريــة‪ ،‬األول‪ ،‬هــو‬
‫السياســة الشــرعية‪ ،‬وهــي السياســة الــي يتبعهــا احلاكــم يف اجملــال العمرانــي‪ ،‬ســواء‬
‫كانــت تتعلــق باألمــور السياســية العامــة أو بالعمــران مباشــرة‪ ،‬وكالمهــا يــرك أثــره على‬
‫العمــارة‪ ،‬واإلطــار الثانــي‪ ،‬هــو فقــه العمــارة‪ ،‬واملقصــود بفقــه العمــارة جمموعــة القواعد‬
‫الــي ترتبــت علــى حركيــة العمــران نتيجــة لالحتــكاك بــن األفــراد ورغبتهــم يف العمــارة‬
‫ومــا ينتــج عــن ذلــك مــن تســاؤالت‪ ،‬جييــب عنهــا فقهــاء املســلمني‪ ،‬مســتنبطني أحكامـاً‬
‫فقهيــة مــن خــال علــم أصــول الفقــه‪ ،‬والــي تتبلــور أغلبهــا يف مراعــاة املوقــع الــذي‬
‫يتمتــع بطيــب اهلــواء‪ ،‬وجلــب املــاء بــأن يكــون البلــد علــى هنــر أو بإزائــه عيــون عذبــة‪،‬‬
‫وطيــب املراعــي ومراعــاة املــزارع‪ ،‬ونلقــي نظــرة إىل علمــاء الشــرع للعمــارة‪ ،‬حيــث‬
‫احنصــرت نظرهتــم يف البنــاء الواجــب‪ ،‬مثــل دور العبــادة‪ ،‬واألســواق الــي تنــدب لتوفــر‬
‫الســلع للنــاس‪ ،‬واملبــاح كاملســاكن والبنــاء احملظــور كالبنــاء علــى أرض الغــر‪ ،‬مشــراً‬
‫إىل أن الفقهــاء اعتمــدوا يف بنائهــم لفقــه العمــارة علــى احلديــث النبــوي «ال ضــرر وال‬
‫ضــرار»‪ ،‬وعلــى القاعــدة الفقهيــة القائمــة علــى «جلــب املنافــع ودفــع املفاســد» وجنــد‬
‫دور الفقــه يف التنظيــم والتخطيــط العمرانــي للمــدن‪ ،‬مــن حيــث الشــوارع والطــرق‬
‫العامــة واخلاصــة‪ ،‬حبيــث أن هنــاك الكثــر مــن املصطلحــات الــي ظهــرت يف ســجالت‬
‫احملاكــم الشــرعية واملصــادر الفقهيــة مثــل حفــظ حــق الطريــق‪ ،‬وحقــوق اجلــوار‪،‬‬
‫(‪ )1‬الفقهاء واملدينة وال َّتمَدُّن ‪ -‬إعداد‪ :‬د‪ .‬معتز اخلطيب‪( -‬مدير حترير امللتقى الفكري لإلبداع‪ ،‬سوري)‪.‬‬

‫‪407‬‬
‫وضــرر الدخــان‪ ،‬وإحيــاء املــوات‪ ،‬واحلوائــط املشــركة‪ ،‬والركــوب وغريهــا وهــي تــدل‬
‫علــى مــدى التقــدم الــذي وصلــت إليــه احلضــارة اإلســامية يف جمــال إقــرار قوانــن‬
‫حتافــظ علــى البيئــة احلضريــة يف املــدن‪ ،‬بــل تعكــس تفاعــل اجملتمــع الــذي صــاغ هــذه‬
‫القوانــن احلاكمــة بــن الســاكنني يف املــدن بعيــداً عــن ســلطة الدولــة‪ ،‬بــل تؤكــد التــزام‬
‫الســاكنني هبــذه القوانــن‪ ،‬ففــي فقــه عمــارة املســاجد‪ ،‬ومــا تنطــوي عليــه مــن عناصــر‬
‫هندســية ومجاليــة وفلكيــة‪ ،‬مثــل املنابــر‪ ،‬وحتديــد موضــع القبلــة واملــآذن‪ ،‬ومتثــل يف‬
‫عمــارة املســجد النبــوي يف املدينــة املنــورة منوذج ـاً لذلــك‪.‬‬

‫ويعــد فقــه األســواق واملنشــآت التجاريــة يف احلضــارة اإلســامية‪ ،‬وبتطبيــق القواعــد‬


‫الفقهيــة أن هنــاك اعتبــارات كثــرة يف ختطيــط أســواق املــدن‪ ،‬لعــل أوهلــا‪ ،‬التوزيــع‬
‫املكانــي الــذي حكمتــه احلاجــات املتكــررة للســكان والضروريــة‪ ،‬والــي قــد تتطلب وجود‬
‫أســواق معينــة يف كل حــي عرفــت بالســويقة‪ ،‬لتلبيــة املتطلبــات اليوميــة للســكان‪ ،‬يف‬
‫حــن أن التوزيــع املكانــي يرتبــط بضــرر بعــض الســلع الــي جيــب أن تكــون يف ســاحات‬
‫عامــة خــارج املــدن كأســواق الــدواب والفواخــر الــي تســبب نرياهنــا ضــرراً للســكان(‪.)1‬‬

‫عناصر االتصال واحلركة‪:‬‬

‫تكشــف عناصــر االتصــال واحلركــة يف املنــازل عــن تطبيــق مبــدأ اخلصوصيــة داخــل‬
‫هــذه املنــازل‪ ،‬وهــذه العناصــر تتمثــل يف‪ :‬الســامل‪ ،‬واملمــرات الــي تصــل بــن وحــدات‬
‫هــذه املنــازل‪ ،‬فنــرى يف املنــازل أن الســامل قــد تنتهــي عنــد الطابــق األول‪ ،‬لتســتمر‬
‫مــن داخــل هــذا الطابــق إىل باقــي الطوابــق حمققــة بذلــك نوعــا مــن الفصــل بــن هــذا‬
‫الطابــق وباقــي طوابــق املنــزل‪ ،‬وقــد تنتهــي عنــد الطابــق الثانــي علــوي لتســتمر منــه إىل‬
‫باقــي طوابــق املنــزل تأكيــدا لنفــس الفكــرة‪ ،‬وتســتقل بعــض وحــدات املنــازل بســامل‬
‫صاعــدة إليهــا مــن الطابــق األرضــي لتعــر أكثــر عــن خصوصيتهــا‪ ،‬ســواءً أكانــت هــذه‬
‫الوحــدات خاصــة باالســتقبال‪ ،‬أو بأقســام احلريــم‪ ،‬وكان لــكل قســم ســلمه اخلــاص‪،‬‬
‫وهنايــة الســلم عنــد هــذا الطابــق‪ ،‬وهــي الــي تفصــل بــن الســلم الصاعــد إىل الطابــق‬
‫(‪ )1‬فقه العمران – د‪ .‬خالد عزب ‪ -‬فقه العمران‪ -‬يف احلضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪408‬‬
‫األول علــوي والثانــي علــوي‪ ،‬حيــث يليهــا بــاب يوفــر اخلصوصيــة ألهــل املنــزل‪ ،‬وينتهــي‬
‫هــذا الســلم عنــد الطابــق الثانــي علــوي ليبــدأ بعــد ذلــك مــرة أخــرى مــن داخــل هــذا‬
‫الطابــق إىل باقــي طوابــق املنــزل‪ ،‬وهــو مــا يوفــر عامــل اخلصوصيــة ألهــل املنــزل‪ ،‬ونرى‬
‫ذلــك يف منــازل رشــيد ويف منــازل ثابــت‪ ،‬ورمضــان‪ ،‬وعلــوان‪ ،‬وحمــارم‪ ،‬والبقــروايل‪،‬‬
‫وامليزونــي(‪ ،)1‬وأبوهــم‪ ،‬وذلــك علــى ســبيل املثــال‪.‬‬

‫ومــن فقــه األســواق واملنشــآت التجاريــة إىل فقــه عمــارة املســاكن‪ ،‬حيــث اســتهل الباحث‬
‫هــذه اجلزئيــة بتفصيــل رؤيــة اإلســام لعمــارة املســاكن يف مــا ذكــره ابــن القيــم اجلوزيــة‬
‫عــن هــدي الرســول ‪ ‬يف عمــارة مســكنه‪ ،‬معرج ـاً علــى فقــه امليــاه واملنشــآت املائيــة‬
‫يف احلضــارة اإلســامية‪ ،‬حيــث تعتمــد الرؤيــة اإلســامية للمــاء علــى كونــه أصــل‬
‫احليــاة وهبــة مــن اهلل وشــراب املعرفــة‪ ،‬وللمــاء إضافــة إىل هــذا معنــى تطهــري ألنــه‬
‫يطهــر املســلم خارجيــاً (جســده) وداخليــاً (روحــه)‪ ،‬كمــا أن إمــداد اآلخريــن باملــاء‪،‬‬
‫إنســاناً كان أو حيوا ًنــا‪ ،‬يعــد مــن الــزكاة يف اإلســام‪ ،‬كمــا تعــرض املؤلــف للمنشــآت‬
‫املائيــة وأحكامهــا وعمارهتــا كالســدود‪ ،‬وأشــهرها ســدود الطائــف الــي تعــود إىل‬
‫العصــر األمــوي‪ ،‬ويكشــف عــن اهتمــام املســلمني بعمــارة مقاييــس ميــاه األهنــار الــي‬
‫حتــدد مــدى فيضــان النهــر ويرتتــب عليــه حتديــد خــراج األرض‪ ،‬وأشــهر هــذه املقاييــس‬
‫مقيــاس هنــر النيــل بالروضــة ومقيــاس هنــر دجلــة‪ ،‬وأن العديــد مــن الوظائــف ومنهــا‬
‫الرعايــة االجتماعيــة والصحيــة كانــت تقــوم هبــا اجملتمعــات اإلســامية‪ ،‬فلــم تكــن مــن‬
‫وظائــف الدولــة‪ ،‬لــذا نشــأت مؤسســة الوقــف ألداء هــذه الوظائــف‪ ،‬فعــرف املؤلــف‬
‫الوقــف وبــن مؤسســاته‪ ،‬وعــرج علــى العديــد مــن املنشــآت الــي تقــدم هــذه الوظائــف‬
‫كاملستشــفيات وغريهــا‪ ،‬وهنــاك بعــض األمــور الــي ضمنــت توفــر حريــة احلركــة ألهــل‬
‫املنــازل‪ ،‬وأيضـاً توفــر نــوع آخــر مــن حريــة احلركــة النســي لصاحــب البيــت‪ ،‬وكشــفت‬
‫الدراســة الدقيقــة للمصــادر الفقهيــة‪ ،‬عــن دور الفقهــاء املســلمني يف صياغــة أحــكام‬
‫فقهيــة تنظــم العالقــة بــن العمــارة واجملتمــع والبيئــة‪ ،‬ممــا جيعلنــا نطلــق علــى هــذا‬
‫الفــرع مــن الفقــه اإلســامي «فقــه العمــارة‪ ،‬وتبــن أن القواعــد الــي وضعهــا الفقهــاء‬
‫(‪ )1‬فقه العمارة اإلسالمية – الدكتور خالد عزب‪.‬‬

‫‪409‬‬
‫يف هــذا اجملــال أخــذت تتبلــور يوم ـاً بعــد يــوم‪ ،‬ملواجهــة الواقــع املســتجد يف اجملتمــع‬
‫اإلســامي‪.‬‬

‫وإن الوصــول إىل العديــد مــن الفرضيــات الــي قررهــا الفقهــاء‪ ،‬كأحــكام تتعلــق حبركــة‬
‫العمــران يف اجملتمعــات اإلســامية‪ ،‬ومــا نســميه حركــة العمــران يشــتمل علــى أعيــان‬
‫كاملبانــي‪ ،‬واألثــاث‪ ،‬وشــبكات الطــرق‪ ،‬والصــرف الصحــي‪ ،‬والبــد أن تشــتمل أيضــا علــى‬
‫أفــراد‪ ،‬أو مجاعــات‪ ،‬وســلوكياهتم‪ ،‬أو رغباهتــم‪ ،‬وميوهلــم‪ ،‬أو إمكاناهتــم االقتصاديــة‪،‬‬
‫ومــا إىل ذلــك‪ ،‬ومــن هنــا تنشــأ العديــد مــن املشــكالت الــي تصبــح مثــاراً للتســاؤالت‬
‫لــدى الفقهــاء‪ ،‬أو للقضايــا يف احملاكــم الشــرعية‪ ،‬وهــذه املشــكالت تنجــم مــن تصرفــات‬
‫هــؤالء األفــراد(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬فقه العمران – د‪ .‬خالد عزب ‪ -‬فقه العمران‪ -‬يف احلضارة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪410‬‬
‫الفصل الرابع عشر‬

‫ماهية العمارة اإلسالمية‬

‫‪411‬‬
‫املساجد يف تاريخ العمارة اإلسالمية‬
‫مكانة املسجد يف تاريخ العمارة اإلسالمية‪:‬‬
‫وحنــن نعلــم بــأن خــروج عــرب اجلزيــرة العربيــة إىل األطــراف العربيــة يف صــدر‬
‫اإلســام للغنــى‪ ،‬والــذي رافقتــه االنتصــارات علــى البيزنطيــن والفــرس‪ ،‬واطالعهــم‬
‫علــى الفنــون املعماريــة الــي كانــت يف البــاد‪ ،‬والــي قدِمــوا إليهــا‪ ،‬وأخــذوا منهــا‬
‫يف تقليدهــا‪ ،‬يف إشــادة الــدور يف مكــة واملدينــة بالفــن اجلديــد واجلميــل والعظيــم‪،‬‬
‫والــي فيهــا روح التعاليــم اإلســامية‪ ،‬الــي كان لــه األثــر الكبــر يف التطــور العمرانــي‪،‬‬
‫والــذي اقتبســه وقلــده العــرب‪ ،‬تقليــداً ماهــراً‪ ،‬وأدخلــوا عليــه كثــراً مــن التطــور الــذي‬
‫يالئــم تعاليمهــم اجلديــدة‪ ،‬حتــى غــدا فنـاً إســامياً خالصـاً‪ ،‬يأخــذ بنصيــب مــن هــذا‬
‫ومــن ذاك‪ ،‬ولكنــه يشــكل منوذج ـاً قائم ـاً بذاتــه‪ ،‬فــكان البــد للمســلمني مــن مســاجد‪،‬‬
‫لصالهتــم اجلامعــة‪ ،‬ولعقــد اجتماعاهتــم السياســية‪ ،‬وال ميكــن أن يبنوهــا علــى طــراز‬
‫كنائــس املســيحيني‪ ،‬أو بيــوت العبــادة عنــد املوســويني‪ ،‬أو الوثنيــن‪ ،‬إذ حرمــت عليهــم‬
‫األصنــام‪ ،‬والتماثيــل‪ ،‬والصــور الــي ترمــز إىل الكائنــات احليــة ذات الــروح‪ ،‬فــكان البــد‬
‫هلــذه املظاهــر الفنيــة مــن أن متحــى‪ ،‬فــا يظهــر أثرهــا يف املســاجد اجلديــدة‪ ،‬وال يف‬
‫قصــور األمــراء واخللفــاء‪ ،‬وال نلبــث أن نــرى كثــراً مــن املســلمني‪ ،‬يف العصــر األمــوي ثــم‬
‫العصــر العباســي والدويــات املنفصلــة واألندلــس ينحــون يف طرازهــم املعمــاري والفــي‬
‫منحــىً جديــداً‪ ،‬فهــم حيرمــون الصــور والتماثيــل يف املســجد‪ ،‬ويزينوهــا باألعمــدة‬
‫والفسيفســاء والقاشــاني والزخــارف اهلندســية والنباتيــة والثريــات واملقرنصــات‬
‫والتيجــان والقناديــل الذهبيــة أو الفضيــة‪ ،‬ولكــن كانــوا يبيحــون ألنفســهم يف قصورهــم‬
‫ومدهنــم اســتخدام الصــور ذات الــروح‪ ،‬والتماثيــل العربيــة‪ ،‬واســتعمال األوانــي الذهبيــة‬
‫والفضيــة‪ ،‬ويلبســون األقمشــة احلريريــة املذهبــة واملنقوشــة بالصــور‪ ،‬ويرعــون الفنــون‬
‫بشــتى أنواعهــا مــن موســيقى وتصويــر وحنــت وعمــران‪ ،‬فهــم بذلــك يفصلــون بــن فــن‬
‫ديــي قوامــه املســاجد‪ ،‬ومــا يتصــل بعبــادة اهلل‪ ،‬وفــن مدنــي خالــص يتصــل حبيــاة املــرء‬
‫يف الدنيــا ومتتعــه جبماهلــا وفنوهنــا(‪ ،)1‬وابتــدأت العبقريــة اإلبداعيــة بإنشــاء العمــارات‬

‫(‪ )1‬تاريخ الفن عند العرب املسلمني – د‪ .‬أنور الرفاعي‪.‬‬

‫‪412‬‬
‫لوظائــف خمتلفــة‪ ،‬ولكنهــا تتجمــع لكــي تدخــل يف خدمــة العبــادة‪ ،‬فاجلامــع واملدرســة‬
‫والربــاط ودار احلديــث واملدفــن واملشــفى‪ ،‬تدخــل كلهــا ضمــن نطــاق وظيفــة العبــادة‪،‬‬
‫وال يــكاد غريهــا مــن املبانــي خيلــو مــن قاعــة للصــاة يــدل عليهــا احملــراب‪ ،‬ومــع‬
‫ذلــك تــؤدي وظائــف أخــرى غــر تعبديــة‪ ،‬ولكنهــا تبحــث عــن أســرار الكــون مــن خــال‬
‫التقــرب إىل اهلل‪ ،‬إن بســاطة العقيــدة اإلســامية الســمحة‪ ،‬قــد أثــرت تأثــراً عميقـاً يف‬
‫نشــأة وتطــور عمــارة املســجد‪ ،‬فجــاء بســيطاً مــن حيــث التخطيــط والعمــارة‪ ،‬ومراعــاة‬
‫البيئــة واملنــاخ والعوامــل اجلويــة وســامهت يف تطــور العمــارة‪ ،‬وآثــر الرســول الكريــم ‪‬‬
‫أن ال يقتبــس أفــكاراً مــن املعابــد القدميــة‪ ،‬أو الكنائــس‪ ،‬لتخطيــط وعمــارة مســجده‪،‬‬
‫كمــا فعــل الرومــان واملســيحيون مــن قبــل‪ ،‬وهــو األمــر الــذي يعكــس بوضــوح فكــراًَ‬
‫(‪)1‬‬
‫جديــداً اســتمده الرســول ‪ ‬واملســلمون مــن روح العقيــدة اإلســامية والبيئــة العربية‬
‫لقــد كان املســجد أهــم املبانــي الــي احتــوت روائــع الفــن اإلســامي مــن رقــش وخــط‬
‫وعمــارة‪ ،‬ومل تكــن هــذه الفنــون ضروريــة للعبــادة‪ ،‬ومل يأمــر هبــا الديــن‪ ،‬بــل هنــى عنهــا‪،‬‬
‫وأول مســجد يف اإلســام أنشــأه الرســول ‪ ،‬كان ســقيفة علــى جــذوع النخــل‪ ،‬ومل‬
‫تكــن للمســجد إال وظيفــة أساســية‪ ،‬هــي اجتمــاع املســلمني للتقــرب مــن اهلل والصــاة‬
‫والتســبيح حبمــده متجهــن إىل الكعبــة‪ ،‬أي إىل بيــت اهلل‪ ،‬وكان اآلذان دعــوة إىل الصالة‬
‫وتعظيمـاً وتكبــراً لِشــأن اهلل تعــاىل‪ ،‬ومل تكــن املئذنــة أو القبــة واحملــراب مــن عناصــر‬
‫عمــارة املســجد‪ ،‬ولكــن املعمــار الــذي فهــم مــن عمــارة املســجد أهنــا تعبــر عــن الكــون‬
‫بشــكل مصغــر‪ ،‬أقــام بيــت الصــاة تعلــوه قبــة متثــل الســماء‪ ،‬وأنشــأ احملــراب ليكــون‬
‫مدخ ـاً ودهليــزاً رمزي ـاً‪ ،‬يصــل هــذا الكــون الصغــر بالكعبــة والبيــت احلــرام‪.‬‬
‫ثــم رفــع املــآذن مشــرئبة ذروهتــا املدببــة‪ ،‬خمرتقــة حجــب الســماء‪ ،‬وبــدأ اجلامــور‬
‫النحاســي ثريــا مؤلفــة مــن ثالثــة أقمــار وهــال‪ ،‬وأصبحــت هــذه الثريــا املعلقــة يف‬
‫الفضــاء رمــزاً لتوطيــد ارتبــاط املســجد بالســدة اإلهليــة‪ ،‬فهــذه الرمــوز تؤكــد وظيفــة‬
‫املســجد‪ ،‬وكادت أن تكــون جمــردة مــن الفــن‪ ،‬لكــن الفنــان واملعمــاري املســلم‪ ،‬وجــد فيهــا‬
‫(‪ )1‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين – موســوعة العمــارة اإلســامية (اجمللــد‬
‫األول) – الدكتــور عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – أســتاذ اآلثــار اإلســامية املســاعد ورئيــس قســم اآلثــار اإلســامية‬
‫– دار اآلفــاق العربيــة‪.‬‬

‫‪413‬‬
‫حيــزاً مناســباًَ لتوزيــع عناصــر تعــر عــن اجلمــال احملــض واملعانــي الســامية‪ ،‬فأغناهــا‬
‫بالرقــش واخلــط‪ ،‬مبتعــداًَ عــن املواضيــع النســبية والــي ختــدم أغراضـاً دنيويــة ماديــة‪،‬‬
‫ومــع ذلــك كانــت عمــارة املســاجد مل تكــن صــروح جامــدة‪ ،‬بــل كانــت عمــارة ملمارســة‬
‫الديــن ضمــن أفضــل الشــروط‪ ،‬مــن مالئمــة العمــارة مــع املنــاخ‪ ،‬فجعــل للمســجد‬
‫حرم ـاَ هــو بيــت الصــاة املغطــى‪ ،‬وصحن ـاً هــو الفنــاء املفتــوح علــى الســماء واحملــاط‬
‫بأروقــة‪ ،‬وأخــذ هــذا املبــدأ مــن مســجد الرســول الكريــم ‪ ‬يف املدينــة(‪ ،)1‬فقــد تطــرق‬
‫املستشــرقون ويف مقدمتهــم ‪ Creswell‬إىل رســم خمططــات للمســجد النبــوي‪ ،‬يف أثنــاء‬
‫حيــاة الرســول ‪ ،‬غــر أنــه اســتناداً ملــا تقــدم مــن نصــوص جنــد أن الرســول ‪ ،‬مل‬
‫يلجــأ لبنــاء مســجد يكــون فيــه جــدار القبلــة أقــل مــن جــدار املؤخــرة‪ ،‬أو ختطيــط‬
‫مســاجد يكــون فيهــا املخطــط علــى هيئــة دائريــة أو شــبه منحــرف‪ ،‬أو املثلــث‪ ،‬حيــث أن‬
‫كل هــذه األشــكال ال تــؤدي إىل امتــداد صفــوف املصليــن يف خــط مســتقيم ميتــد خلــف‬
‫اإلمــام موازي ـاً جلــدار القبلــة انطالق ـاً مــن القــرآن والســنة‪ ،‬ومــر املســجد مبتحــوالت‬
‫عديــدة والتغــرات الــي توالــت عليــه مــن خمططــات أعــدت حبســب ظروفــه آنــذاك مــن‬
‫حتويــات للقبلــة وعــدد البالطــات وبنــاء حجــرات والزيــادات يف املســاحات‪ ،‬يف املــن‬
‫أو علــى الرســم يف املخططــات املعــده لــه‪.‬‬

‫وغــدت املدينــة املنــورة عقــب هجــرة الرســول ‪ ،‬إليهــا عاصمــة وحاضــرة للدولــة‬
‫اإلســامية الناشــئة‪ ،‬وقــد شــيد هبــا الرســول ‪ ‬مســجده اجلامــع ومســكنه يف موضــع‬
‫آثــر الرســول ‪ ‬أن يتوســط املدينــة املنــورة واألنصــار‪ ،‬حتــى يكــون املســجد اجلامــع‬
‫مبثابــة القلــب مــن املدينــة‪ ،‬وقــد اختطــت القبائــل مــن املهاجريــن حــول املســجد اجلامــع‬
‫واملســاكن يف األرض الــي وهبهــا األنصــار للرســول ‪ ،‬وتوزعــت املســاجد علــى‬
‫اخلطــط حيــث بلــغ عددهــا تســعة مســاجد للصلــوات اخلمــس كمــا شــيد الرســول ‪‬‬
‫مصلــى العيــد‪ ،‬وبذلــك تكاملــت عمائــر املدينــة املنــورة الدينيــة واملدنيــة(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬أثر اجلمالية اإلسالمية يف تعريف الفن مفهوم الفن احلديث ‪.‬الدكتور عفيف البهنسي ‪.‬‬
‫(‪ )2‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين – موســوعة العمــارة اإلســامية (اجمللــد‬
‫األول) – الدكتــور عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – أســتاذ اآلثــار اإلســامية املســاعد ورئيــس قســم اآلثــار اإلســامية‬
‫– دار اآلفــاق العربيــة‪.‬‬

‫‪414‬‬
‫مقر ويل األمر وقصره ودواوينه‪:‬‬
‫تعتــر املنشــآت الــي بناهــا اخللفــاء األمويــون خــارج العاصمــة دمشــق ويف مناطــق‬
‫متفرقــة مــن أقاليــم الدولــة‪ ،‬وال يــزال بعضهــا شــاهدًا حيكــي عظمــة الفــن العربــي‬
‫اإلســامي يف ذلــك الزمــن املبكــر مــن عمــر الدولــة اإلســامية‪ ،‬وقــد احتــار الباحثــون‬
‫يف األســباب الــي دفعــت خلفــاء بــي أميــة لبنــاء هــذه القصــور وهبــذه الكثافــة العدديــة‪،‬‬
‫ويف أماكــن تــكاد تكــون علــى حمــور واحــد تقريب ـاً‪ ،‬فقــد تكــون هــذه القصــور بنيــت‬
‫للراحــة واالســتجمام‪ ،‬حيــث يقصدهــا اخلليفــة (أو اخللفــاء) للتنــزه والصيــد‪ ،‬أو‬
‫بقصــد التقــرب مــن القبائــل العربيــة الــي تقطــن تلــك املناطــق والعمــل علــى جتنيــد‬
‫أبنائهــا يف القــوة العســكرية أو رمبــا كان بنــاء بعــض هــذه القصــور لــه صلــة بوجــود‬
‫طــرق للقوافــل مــن اجلزيــرة العربيــة إىل الشــام‪ ،‬وأهنــا كانــت تســتخدم خانـاً الســراحة‬
‫القوافــل ومكان ـاً يســتقبل فيــه اخلليفــة القوافــل الرمسيــة اخلاصــة بــه وحاشــيته‪.‬‬
‫وقــد أبــدع األمويــون يف بنــاء القصــور واحلمامــات واالســراحات والــدور‪ ،‬وهــي متثــل‬
‫اجلانــب املدنــي يف العمائــر األمويــة‪ ،‬ومــن أعظــم مــا تبقــى مــن تلــك العمائــر جمموعــة‬
‫القصــور الصحراويــة الــي شــيدها األمويــون خــارج املــدن يف الباديــة بــاألردن وســوريا‬
‫وفلســطني‪ ،‬ومتتــاز تلــك القصــور بســمات عامــة مــن البيئــة الــي شُـيِّدت فيهــا‪ ،‬وتنبثــق‬
‫معظــم القصــور الواقعــة يف باديــة شــرق األردن‪ ،‬مثــل قصــر عَمْــرة وقصــر احلالّبــات‬
‫ومحــام الصَّــرح وقصــر املَشْــتَى وقصــر الطوبــة‪ ،‬مــن منــط معمــاري واحــد تقريبــاً؛‬
‫إذ جــاءت عمائــر تلــك القصــور علــى هيئــة احلصــون الصغــرة‪ ،‬حيــث كان حييــط‬
‫هبــا أســوار مرتفعــة مدعَّمــة بأبــراج وهلــا مدخــل واحــد مــزود حبجــرات أو أبــراج‬
‫للمراقبــة‪ ،‬أمــا مــن الداخــل‪ ،‬فــكان يتوســط تلــك القصــور صحــون مكشــوفة حتيــط‬
‫هبــا مــن اجلوانــب مالحــق ووحــدات معماريــة‪ ،‬بعضهــا ســكين وبعضهــا اآلخــر يضــم‬
‫القاعــات واجملالــس واحلمَّــام‪ ،‬إىل جانــب مالحــق اخلدمــات‪ ،‬وكذلــك متتــاز عمائــر‬
‫تلــك القصــور باســتخدام مــواد بنــاء خمتلفــة منهــا احلجــر املنحــوت‪ ،‬واحلجــر الغشــيم‪،‬‬
‫واآلجــر‪ ،‬واجلــص(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬احلضارة ‪ -‬سبق وريادة وجتديد – قصة اإلسالم – إشراف الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬

‫‪415‬‬
‫ومتثــل قصــور اخلالفــة مقــر إقامــة اخلليفــة وعــادة مــا تكــون يف العاصمــة‪ ،‬ويطلــق‬
‫علــى املــكان قصــر اخلالفــة أو دار اخلالفــة‪ ،‬ولعــل قصــر معاويــة بــن أبــي ســفيان ‪‬‬
‫الــذي يســمى قصــر اخلضــراء (نســبة إىل القبــة اخلضــراء الــي كانــت تعلــوه) بدمشــق‬
‫خــر مــا ميثــل هــذه الفئــة‪ ،‬فقــد اختــذه معاويــة ‪ ‬مقــراً إلمارتــه علــى بــاد الشــام‬
‫(‪41‬‬ ‫(‪ 41 - 19‬هـــ‪661 - 639 /‬م) واســتمر يف اإلقامــة فيــه بعــد توليــه اخلالفــة‬
‫هـــ‪661/‬م) وحتــى وفاتــه (‪60‬هـــ‪679/‬م)(‪.)1‬‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى‪ ،‬فقــد بقــي هــذا القصــر مقــراً إلقامــة معاويــة وابنــه يزيــد مــن‬
‫بعــده‪ ،‬ثــم آلــت ملكيتــه إىل عبــد امللــك بــن مــروان (والــذي اشــراه مــن خالــد بــن يزيــد‬
‫بــن معاويــة بأربعــن ألــف دينــار وأربــع ضيــاع بأربعــة أجنــاد مــن الشــام)‪ ،‬فأقــام فيــه‬
‫عبــد امللــك وأوالده الوليــد وســليمان وفــرة قصــرة مــن عهــد هشــام‪ ،‬ولعــل قيــام الوليــد‬
‫بــن عبــد امللــك ببنــاء اجلامــع األمــوي مالص ًقــا لقصــر اخلضــراء دفــع اخللفــاء للبقــاء‬
‫فيــه كل هــذه املــدة‪ ،‬ولكــن هــذا القصــر مــا لبــث أن فقــد دوره منــذ أن انتقــل اخلليفــة‬
‫هشــام بــن عبــد امللــك إىل الرصافــة املطلــة علــى هنــر الفــرات‪ ،‬واختذهــا دار إقامــة‬
‫وابتنــى لــه فيهــا قصريــن‪.‬‬

‫إن القصــور هــي ســكن العليــة مــن القــوم‪ ،‬األثريــاء واألمــراء‪ ،‬وهــي باألمــراء واحلــكام‬
‫ألصــق‪ ،‬وقــد ذكــرت كتــب التاريــخ وكتــب األدب الكثــر عــن هــذه القصــور‪ ،‬ولكــن‬
‫اهتمامــات هــذه الكتــب انصرفــت إىل وصــف الــرف والزخرفــة واجلماليــات‪ ،‬ومل تعـوّل‬
‫علــى التصميــم اهلندســي إال يف القليــل النــادر ولكــن املبــدأ العــام الــذي قــام عليــه‬
‫البيــت قــام عليــه القصــر أيضـاً‪ ،‬فهنــاك الســور اخلارجــي الــذي خيلــو مــن الفتحــات‪،‬‬
‫والصحــن الداخلــي الــذي تشــرف عليــه األروقــة ومــن ورائهــا الغــرف يف طابــق أو‬
‫طابقــن‪ ،‬وال شــك بأنــه وجــدت قصــور علــى غايــة مــن الروعــة واجلمــال‪ ،‬بــذل فيهــا‬
‫مــن الوقــت والفــن واملــال الشــيء الكثــر‪ ..‬وقــد بقــي يف األندلــس منهــا بقيــة يعــد قصــر‬
‫احلمــراء يف غرناطــة انظــر الشــكل (‪ ،)133‬مــن أمههــا‪.‬‬
‫(‪ )1‬احلضارة ‪ -‬سبق وريادة وجتديد– قصة اإلسالم – مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪416‬‬
‫وال شــك أيضـاً بــأن هــذه القصور‬
‫الباقيــة حتكــي مــا توصــل إليــه‬
‫الفنانــون املســلمون مــن فــن‬
‫وعبقريــة وعلــم باهلندســة‪..‬‬
‫ولكنهــا يف الوقــت ذاتــه حتكــي‬
‫قصصــاً أخــرى(‪..)1‬‬

‫‪133‬‬ ‫الشكل‬ ‫وكان قصــر املأمــون بــن ذي النــون‬


‫ملــك طليطلــة آيــة رائعــة مــن آيات‬
‫الفــن والبهــاء‪ ،‬وكان روشــنه الشــهري الــذي بــي وســط حبــرة القصــر‪ ،‬مــن الزجــاج امللــون‬
‫املزيــن بالنقــوش الذهبيــة‪ ،‬مســتقى خصب ـاً خليــال الشــعراء‪ ،‬وكانــت حافــة البحــرة‬
‫مزدانــة بصفــوف مــن متاثيــل األســود الــي تقــذف املــاء مــن أفواههــا‪ ،‬وهــي ال تــزال‬
‫تقــذف املــاء وال تفــر‪ ،‬وتنظــم آللــئ احلبــاب بعدمــا نثــر(‪.)2‬‬

‫«وكان الكثــرون مــن األمــراء الذيــن توزعــوا اخلالفــة املمزقــة‪ ..‬ميلكــون قصــوراً وبيوتـاً‬
‫تنافــس يف البــذخ والــرف قصــور بــي عبــاد ومنهــا‪ ..‬البنــاء الرائــع الــذي بنــاه املأمــون‬
‫بــن ذي النــون آخــر أمــراء طليطلــة‪ ،‬واختــذ منــه مقــرا ًلــه‪ ،‬تأنــق يف بنائــه وأنفــق فيــه‬
‫مــاالً كثــراً‪ ،‬وصنــع فيــه حبــرة و بنــى يف وســطها قبــة‪ ،‬وســيق املــاء إىل رأس القبــة‬
‫علــى تدبــر احلكمــاء واملهندســن وكان املــاء ينــزل مــن أعلــى القبــة حوهلــا حميطـاً هبــا‬
‫متصـاً بعضــه ببعــض‪ ،‬فكانــت القبــة يف غاللــة مــن مــاء يســكب ال يفــر واملأمــون بــن‬
‫ذي النــون قاعــد فيهــا ال ميســه مــن املــاء شــيء‪ ،‬ولــو شــاء أن يوقــد فيهــا الشــمع لفعــل‪..‬‬
‫واســتوىل املســيحيون علــى مدينــة طليطلــة»(‪.)3‬‬

‫(‪ )1‬فــن العمــارة اإلســامية‪ ..‬البيــوت والقصــور ‪ -‬فــن العمــارة اإلســامية ‪ -‬البيــوت والقصــور ‪ -‬أ‪ .‬صــاحل بــن‬
‫أمحــد الشــامي‪.‬‬
‫(‪ )2‬هناية األندلس‪ .‬تأليف حممد عبد اهلل عنان ط ‪ 3‬ص ‪.512‬‬
‫(‪ )3‬الفن العربي يف اسبانيا‪ .‬تأليف (فون شاك) ترمجة الطاهر أمحد مكي ص ‪.69‬‬

‫‪417‬‬
‫تصميم املساكن اإلسالمية‪:‬‬

‫لقــد كان اإلســام قــد نظــم هــذه احليــاة تنظيمـاً بالغـاً يف الدقــة والشــمول‪ ،‬وكان ال بــد‬
‫لــه مــن إلقــاء بعــض ظاللــه الوارفــة علــى هندســة البيــوت وأشــكاهلا وطرزهــا‪ ،‬وممــا ال‬
‫شــك فيــه‪ ،‬أن اإلســام كان لــه تأثــره الكبــر علــى شــكل هــذه البيــوت‪ ،‬وعلــى أســلوب‬
‫هندســتها‪ ،‬وذلــك ألن البيــت ميثــل جانبـاً كبــراً مــن أســلوب احليــاة االجتماعيــة الــي‬
‫يعيشــها اإلنســان(‪.)1‬‬

‫وقــد أدرك هــذه احلقيقــة «ج‪ .‬مارســيه» وعبّــر عنهــا يف كتابــه «الفــن اإلســامي» فقــال‪:‬‬
‫«لقــد تغلغــل اإلســام يف احليــاة البيتيــة‪ ،‬كمــا دخــل حيــاة اجملتمــع‪ ،‬وصاغــت الطبائــع‬
‫الــي نشــرها شــكل البيــوت والنفــوس(‪.»)2‬‬

‫وميكننــا أن نلقــي ضــوءاً علــى وصــف جممــل هلــذه البيــوت نذكــر فيــه اخلصائــص‬
‫العامــة فنقــول‪:‬‬

‫إن هــذه البيــوت خلــت مــن الفتحــات أو النوافــذ اخلارجيــة الــي تطــل علــى الطريــق‪،‬‬
‫ويف حــال وجودهــا توضــع يف أعلــى اجلــدار‪ ،‬أو تكــون يف بنــاء الطابــق الثانــي‪ ،‬ويف هــذه‬
‫احلالــة كان يلجــأ إىل تزيينهــا مبنحوتــات مــن اجلــص أو بشــبك خشــي يتيــح للــذي يف‬
‫الداخــل أن ينظــر مــا يف الطريــق‪ ،‬وال عكــس‪.‬‬

‫وتتميــز هــذه البيــوت بوجــود فســحة مساويــة يف وســطها‪ ،‬وتكــون الغــرف حميطــة‬
‫هبــا والنوافــذ مطلــة عليهــا‪ ،‬وهبــذا يتــم تأمــن هتويــة البيــت‪ ،‬ويأخــذ حظــه مــن أشــعة‬
‫الشــمس دون أن يكــون مكشــوفاً مــن اخلــارج‪ ،‬وهبــذا يتــاح للنســاء أخــذ حريتهــن الكاملــة‬
‫يف بيوهتــن‪ ،‬وال شــك أن مســتوى البيــت يتأثــر بالوضــع املــايل لصاحبــه‪ ،‬وبيــوت الطبقــة‬
‫الوســطى غالبـاً مــا يدخــل إليهــا عــر دهليــز يــؤدي إىل ســاحة البيــت ومنهــا يدخــل إىل‬

‫(‪ )1‬فــن العمــارة اإلســامية‪- .‬البيــوت والقصــور‪ -‬فــن العمــارة اإلســامية‪ ..‬البيــوت والقصــور ‪ -‬أ‪ .‬صــاحل بــن أمحــد‬
‫الشامي‪.‬‬
‫(‪ )2‬عن كتاب «مجالية الفن العربي» د‪ .‬عفيف هبنسي ص ‪.159‬‬

‫‪418‬‬
‫الغــرف املختلفــة‪ ،‬ويصعــد إىل الطابــق الثانــي إن وجــد‪ ،‬وإذا كان البيــت متســعاً أحيــط‬
‫بالرواقــات حــول الســاحة‪ ،‬وغالبــاً مــا تكــون هــذه الرواقــات حممولــة علــى أعمــدة‬
‫وأقــواس‪ ،‬وقــد يكــون يف الســاحة بعــض األحــواض الــي تــزرع بالــورود أو األشــجار ذات‬
‫الزهــر الفــواح‪ ..‬وقــد تتوســط الســاحة بركــة مــاء صغــرة يف وســطها نافــورة‪.‬‬

‫وتعــد «القاعــة» الغرفــة الرئيســية يف البيــت فهــي مــكان اســتقبال الضيــوف ويرتبــط‬
‫شــكل القاعة وحجمها بالوضع املادي لصاحب البيت‪ ،‬وعادة تكون مســتطيلة الشــكل‪،‬‬
‫باهبــا يف الوســط يــؤدي إىل عتبــة واســعة وقــد يكــون فيهــا حــوض مــاء ونافــورة‪ ،‬وعلــى‬
‫جانــي العتبــة ترتفــع األرضيــة مبــا يقــرب مــن نصــف مــر‪ ،‬حيــث تكســى األرضيــة‬
‫بالســجاد بينمــا تظــل أرضيــة العتبــة مكشــوفة ولــذا خيتــار هلــا الفاخــر مــن أنــواع‬
‫الرخــام‪ ..‬ويزيــن الســقف بالنقــوش واألفاريــز‪..‬‬

‫وقــد تكــون جــدران القاعــة إىل ارتفــاع معــن مغطــاة باخلشــب احملفــور واملطعّــم‬
‫باحلشــوات اهلندســية‪ ،‬وهــذا اخلشــب يكــون عبــارة عــن أبــواب خلزائــن يف اجلــدران‬
‫وأطــر لكــوات غــر نافــدة توضــع فيهــا التحــف الثمينــة‪ ..‬وكذلــك للنوافــذ املطلــة علــى‬
‫ســاحة البيــت‪ ،‬حبيــث يــؤدي هــذا اخلشــب تناســقاً مجي ـاً‪ ،‬ويتميــز البيــت املســلم يف‬
‫كل مــكان بالنظافــة الــي هــي شــعار املســلم حيثمــا وجــد‪ ،‬ذلــك ألن الصــاة ‪ -‬وهــي‬
‫عمــل يومــي ‪ -‬تســتلزم طهــارة اجلســم والثيــاب واملــكان(‪.)1‬‬
‫واملســكن ‪ ...‬يعــد املســكن مــن احتياجــات الفــرد األساســية‪ ،‬وهــو عنصــر جوهــري يف‬
‫حتقيــق حاجتــه الســيكولوجية والــي تتمثــل يف إحساســه باألمــان‪ ،‬بكونــه الفــراغ الــذي‬
‫يضــم أفــراد أســرته الذيــن تربطهــم عالقــات إنســانية واجتماعيــة‪ ،‬وباعتبــار الديــن‬
‫اإلســامي ديــن حيــاة فقــد اهتــم املضمــون اإلســامي بتنظيــم تلــك العالقــة ليحقــق‬
‫للفــرد راحتــه الســكنية والــي تنعكــس إجيابي ـاً علــى تنميتــه وبالتــايل تنميــة اجملتمــع‬
‫ككل‪ ،‬وقــد وضــع اإلســام عــدة مضامــن أساســية وحمــددات تصميميــة للوحــدة‬

‫(‪ )1‬فــن العمــارة اإلســامية ‪ ..‬البيــوت والقصــور ‪ -‬فــن العمــارة اإلســامية ‪ ..‬البيــوت والقصــور ‪ -‬أ‪ .‬صــاحل بــن‬
‫أمحــد الشــامي‪.‬‬

‫‪419‬‬
‫الســكنية تســعى مجيعهــا للحفــاظ علــى األســرة واجملتمــع ورعايــة حقــوق اجلــار‪ ،‬وعــدم‬
‫اإلضــرار باآلخريــن‪ ،‬إال أن احلــراك االقتصــادي واالجتماعــي والثقــايف الــذي يشــهده‬
‫العــامل بصــورة عامــة واجملتمــع‪ ،‬أدى إىل تغيــر املفاهيــم الــي كانــت مرتبطــة بالديــن‬
‫إىل مفاهيــم نابعــة مــن نظريــات وجتــارب وأفــكار غربيــة(‪ ،)1‬ولقــد فقــد التصميــم قيمــه‬
‫الــي حــث عليهــا الفكــر اإلســامي وأمههــا خصوصيــة الفــرد داخليـاً وخارجيـاً‪ ،‬األمــر‬
‫الــذي يتطلــب اســرجاع تلــك القيــم واملضامــن اإلســامية أمــام نظــر املصمــم الداخلي‪،‬‬
‫وهــو حيــرك قلمــه بــن العناصــر التصميميــة املختلفــة للمســكن‪.‬‬
‫فالســكن‪ :‬اشــتقت كلمــة املســكن مــن فعــل «ســكن»‪ ،‬والســكون هــو اهلــدوء والســكينة‬
‫هــي الطمأنينــة‪ ،‬واختــص اهلل املســكن بالرعايــة واالحــرام ليســلما هــو كمعمــار‪ ،‬ولكــن‬
‫ملنهــم فيــه مــن ســكان(‪.)2‬‬
‫واملســكن هــو املــكان احلقيقــي الــذي يشــعر فيــه الفــرد باخلصوصيــة‪ ،‬وفيــه ميكــن أن‬
‫يظهــر بشــخصيته احلقيقيــة وهــو يعــد حلقــة الوصــل بــن اإلنســان وجمتمعــه‪.‬‬
‫وأمــا املســكن فلقــد كان فــردوس صاحبــه املوعــود بــه‪ ،‬بعــد عمــل ناجــح‪ ،‬وبعــد تقــوى‬
‫خالصــة ميارســها املؤمــن خــال نشــاطه اليومــي‪{ ،‬واهلل جعـ َـل لكــم مــن ُبيوتكــم ســكن ًا وجعــل‬
‫لكــم مــن جلــود األنعــا ِم بُيوت ـ ًا تســتخ ّفوهنا يــومَ ظعنِكــم ويــومَ إقامتكــم}‪[ ،‬ســورة النحــل‪ ،‬اآليــة‪،]80:‬‬
‫ويقــام البيــت ليحقــق اســتقرار ســاكنيه وســكينتهم‪ ،‬وهــم ميارســون جنــوى مســتمرة مــع‬
‫الســماء الــي هتيمــن علــى البيــت كلــه مــن خــال فِنــاء البيــت املكشــوف علــى الســماء‬
‫والشــمس واهلــواء النقــي(‪.)3‬‬
‫وللمســكن أمهيــة بالغــة مينحهــا للفــرد أو العائلــة الــي تســكنه‪ ،‬فاملســكن يعطــي الفــرد‬
‫اإلحســاس باالنتمــاء للمــكان والشــعور باالرتبــاط وباخلصوصيــة‪ ،‬كمــا مينــح املســكن‬
‫ســاكنيه إحساسـاً نفســياً بالقــوة والشــجاعة‪ ،‬كمــا يعطــي الفرصــة ألفــراده للخلــق(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬الدكتــور عبــد الباقــي إبراهيــم – املضمــون اإلســامي يف املبانــي الســكنية – مركــز الدراســات التخطيطيــة‬
‫واملعماريــة –القاهــرة – مجهوريــة مصــر العربيــة – ‪.1996‬‬
‫(‪ )2‬الدكتــور عبــد الباقــي إبراهيــم – املضمــون اإلســامي يف املبانــي الســكنية – مركــز الدراســات التخطيطيــة‬
‫واملعماريــة –القاهــرة – مجهوريــة مصــر العربيــة – ‪.1996‬‬
‫(‪ )3‬كتاب ( فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس ) ‪ -‬اسم املؤلف‪ :‬د‪ .‬عفيف البهنسي‪.‬‬
‫(‪ )4‬خليــل حســن الزركانــي – دكتــور ‪ -‬تصميــم املســاكن يف املدينــة العربيــة اإلســامية – مدونــة منشــورة بتاريــخ‬
‫‪http://zarkan56.blogspot.com.eg .2006 -‬‬

‫‪420‬‬
‫وللمســكن أيضـاً أمهيــة كــرى مــن الناحيــة الصحيــة للفــرد أو للجماعــة‪ ،‬وكذلك حتقيق‬
‫االحتياجــات الســكنية وميكــن توضيحها كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -1‬االحتياجــات الســكنية‪ :‬إن مفهــوم االحتياجــات الســكنية هــو مفهــوم واســع‬
‫وشــامل علــى أوجــه متعــددة لإلســكان‪ ،‬ومــن بــن هــذه االحتياجــات املتعــددة‪،‬‬
‫االحتياجــات اإلنســانية ‪ Human Needs‬ومنهــا تلــك املرتبطــة بتوفــر احلمايــة‬
‫مــن األجــواء غــر املالئمــة ومنهــا أيضـاً االحتياجــات الســيكولوجية كاحلاجــة إىل‬
‫األمــان‪ ،‬ومــن بــن االحتياجــات الســكنية احتياجــات مرتبطــة مبراعــاة املعايــر‬
‫الثقافيــة لألســرة واجملتمــع‪ ،‬ومثــال ذلــك عــدد غــرف النــوم الالزمــة لــكل أســرة‬
‫وهــي تعتمــد علــى املعايــر الثقافيــة(‪.)1‬‬
‫‪ -2‬املســكن وفقــاً للفكــر واملعايــر والقيــم اإلســامية‪:‬حظيت عمــارة املســاكن‬
‫يف الــراث العربــي اإلســامي باهتمــام كبــر‪ ،‬وقــد عــر القــرآن الكريــم تعبــراً‬
‫صرحيـاً وواضحـاً عــن ذلــك كمــا فيقولــه تعــاىل‪{ :‬وال ّلــه َجَعَــل لَ ْكــم ِمــن ُبُي ِو ُت ْكــم َسَـ ًـكنا‬
‫َوَجَعَــل لَ ْكــم ِمــن ُج ُلـ ِود اْ ْلنَعـاِم ُبُيو ًتــا َتسـ َتخ ّفوَهنا َيْـوَم َظعِن ُْكــم َوَيْـوَم إِ َق َامِ ُت ْكــم َ ِومــن َأصَواِفهــا َو َأوَباِرَهــا‬
‫َو َأ ْشَــعاِرَها َأ َثا ًثــا َوَم َتاع ـ ًا إِلَــى ِحــن(‪ ،})2‬فكلمــة ســكن يف اآليــة الكرميــة مأخــوذة مــن‬
‫الســكون‪ ،‬والســكون ضــد احلركــة‪ ،‬فالبيــت نســميه ســكنا؛ ألن اإلنســان يلجــأ‬
‫إليــه لريتــاح فيــه مــن احلركــة خارجــه‪ ،‬والوحــدة الســكنية يف املفهــوم اإلســامي‬
‫ليســت اآللــة الــي يقتصــر أداؤهــا علــى االحتياجــات الوظيفيــة لألســرة‪ ،‬بــل‬
‫توفــر الراحــة الســكنية ألصحاهبــا‪ ،‬وهنــا يدخــل اجلانــب التشــكيلي واجلمــايل‬
‫الســتكمال املضمــون اإلســامي مــن واقــع القيــم الرتاثيــة والثقافيــة للمــكان‪،‬‬
‫فاملضمــون هــو املكمــل للشــكل‪ ،‬مــع املخــزون يف وجــدان املصمــم املســلم مــن‬
‫قيــم تشــكيلية ترســبت عنــده علــى مــدى فــرات تكوينــه العلمــي والعملــي نتيجــة‬
‫لقراءاتــه ومشــاهداته أو انطباعاتــه‪ ،‬الــي قــد تتغــر وتتطــور بتغــر البيئــة الــي‬
‫يتحــرك فيهــا حتــى يصــل إىل النضــوج‪ ،‬حيــث تثبــت عنــده فلســفة تصميميــة‬
‫خاصــة أو نظريــة تشــكيلية مميــزة أو قيــم مجاليــة معينــة(‪.)3‬‬
‫)‪Abraham H. Maslow, Hierarchy of Needs: A Theory of Human Motivation, January 2011.(1‬‬
‫(‪ )2‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫(‪ )3‬املضمون اإلسالمي وأثره يف بلورة الرؤية التصميمية للمسكن املعاصر ‪ -‬د ‪ .‬دينا فكري مجال إبراهيم‪.‬‬

‫‪421‬‬
‫فقه عمارة املساكن واملؤسسات اخلدمية التعليمية والصحية والرعاية االجتماعية‬
‫فقه عمارة املساكن‪:‬‬

‫لقــد اســتهل الباحثــون بنظــرة ســريعة علــى مكانة العمــارة يف الفقه اإلســامي‪ ،‬ينوهون‬
‫بــأن فقهــاء املســلمني قــد اعتمــدوا يف تناوهلــم ألحــكام البنيــان (العمــار) علــى القــرآن‬
‫والســنة‪ ،‬أمــا القــرآن ففــي قــول اهلل تعــاىل‪{ :‬خــذ العفــو وأمــر بالعــرف وأعــرض عــن اجلاهلــن}‬
‫[ســورة األعــراف‪ :‬اآليــة ‪،]199‬‏ويفســر الفقهــاء العــرف يف هــذه اآليــة بالنســبة ألحــكام‬
‫البنيــان‪ ،‬مبــا جــرى عليــه النــاس وارتضــوه‪ ،‬ومل يعرتضــوا عليــه‪ ،‬طاملــا ال يتعــارض ذلــك‬
‫مــع القــرآن الكريــم‪ ،‬أو احلديــث النبــوي الشــريف‪،‬‏والعــرف حيتمــل ثالثــة معــان‪ ،‬األول‪،‬‬
‫بالنســبة للبيئــة العمرانيــة‪ ،‬وهــو مايقصــده الفقهــاء مــن اســتنباط األحــكام يف مــا ليــس‬
‫فيــه نــص‪ ،‬مــن املســائل العامــة الــي قــد تؤثــر يف البيئــة العمرانيــة‪ ،‬كعــادة أهــل بلــدة‬
‫مــا‪ ،‬فهــذا أصــل أخــذ بــه بعــض الفقهــاء يف املواضــع الــي ال نــص فيهــا‪ ،‬وهــو نابــع مــن‬
‫حديــث عبــد اهلل بــن مســعود ‪« :‬مــا رآه املســلمون حســناً فهــو عنــد اهلل حســن»‪،‬‏وقــد‬
‫بنيــت القاعــدة الفقهيــة العــادة احملكمــة‪ ،‬علــى هــذا األصــل‪ ،‬ومعناهــا‪ :‬أن العــادة تعتــر‬
‫وحتكــم‪ ،‬إذا كانــت غالبــة أو مطــردة‪.‬‬

‫‏واملعنــى الثانــي للعــرف‪ ،‬وهــو أكثــر تأثــراً مــن املعنــى الســابق علــى املدينــة اإلســامية‪،‬‬
‫فهــو إقــرار الشــريعة ملــا هــو متعــارف عليــه بــن اجلــران لتحديــد األمــاك واحلقــوق‪،‬‬
‫فوضــع اليــد مثـاً لدليــل علــى القــرب واالتصــال‪،‬‏واالحتمــال الثالــث ملعنــى العــرف‪ ،‬وهــو‬
‫األمنــاط البنائيــة‪ ،‬وهــو أكثــر األنــواع الثالثــة تأثــراً يف البيئة العمرانيــة‪ ،‬فعندما يتصرف‬
‫النــاس يف البنــاء بطريقــة متشــاهبة نقــول‪ :‬بــأن هنــاك عرفـاً بنائيـاً‪ ،‬أو منطـاً مــا(‪)1‬‏‪.‬‬

‫فــإن العمــران ينطبــق علــى املدينــة وعلــى غريهــا‪ ،‬لكـنَ ابــن خلــدون أوضــح أن البنــاء أوّ ُل‬
‫صنائــع العمــران احلضــري وأقدمُهــا‪ ،‬كاختــاذ البيــوت املكتَنَ َفــة بالس ـ ُقف واحليطــان‬
‫مــن ســائر جهاهتــا‪ ،‬وأن املتخذيــن البيــوتَ للمــأوى قــد يتكاثــرون يف البســيط الواحــد‬
‫حبيــث يتناكــرون وال يتعارفــون‪ ،‬فيخشــون َط ـرْق بعضهــم بعض ـاً بَيَات ـاً فيحتاجــون إىل‬

‫(‪ )1‬فقه العمران – خالد العزب‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫حفــظ جمتمعهــم بــإدارة مــاء أو أســوار تَحُوطهــم ويصــر مجيعـاً مدينــة واحــدة ومصــراً‬
‫واحــداً‪ ،‬ويَحُوطهــم ا َ‬
‫حل َكــم مــن داخ ـ ٍل يدفــع بعضهــم عــن بعــض‪ ،‬وقــد حيتاجــون إىل‬
‫االنتصــاف ويتخــذون املعاقــل واحلصــون هلــم وملــن حتــت أيديهــم‪ ،‬وأوضـحَ أحــوال البنــاء‬
‫مبــا جيعلــه ميــزة أهــل احلضــر دون أهــل البــدو‪ ،‬وهــذا مــا جيعــل أحــكام العمــران مــن‬
‫مســائل التمــدن أصال ـ ًة؛ إذ أن تالصــق األبنيــة والتجــاور والتشــارك الــذي قــد يــؤدي‬
‫إىل التشــاحن واإللتجــاء إىل القضــاء‪ ،‬ومســائل احلســبة وغريهــا‪ ،‬كل ذلــك يســتلزم‬
‫وجــود إطــار مديــي‪ ،‬كمــا أن تفاصيــل األحــكام الفقهيــة تعكــس يف الغالــب حــال املدينــة‬
‫أكثــر مــن غريهــا‪ ،‬ممــا ســنفصل فيــه‪ ،‬وعلــى هــذا شــكلت أحــكام الفقهــاء إطــاراً قانونيّـاً‬
‫حلركــة العمــران يف اجملتمــع يلتــزم بــه النــاس حكامـاً وحمكومــن(‪.)1‬‬

‫‏أمــا مكانــة فقــه العمــارة يف الســنة النبويــة‪ ،‬يشــر الباحــث إىل حديــث نبــوي‪ ،‬اعتمــد‬
‫عليــه الفقهــاء يف أحــكام البنــاء أال وهــو «ال َ‬
‫ضــرر وال ضِــرار» رواه أمحــد وابــن ماجــه‪،‬‬
‫والــذي يعتــر أحــد األحاديــث اخلمســة الــي يقــوم عليــه االفقــه اإلســامي‪ ،‬وقــد احتلــت‬
‫قاعــدة «ال ضــرر وال ضــرار»‪ ،‬بابـاً واســعاً يف فقــه العمــارة اإلســامية‪ ،‬وعليهــا قامــت‬
‫أحــكام ال حصــر هلــا‪ ،‬وأثــرت هــذه القاعــدة علــى حركــة العمران يف املدن اإلســامية‏(‪.)2‬‬

‫ونتيجــة لتطــور الــدول اإلســامية وتوســع املــدن‪ ،‬ظهــر مــا ميكــن تســميته بفقــه البنيان‪،‬‬
‫ويهــدف هــذا اجملــال إىل حتديــد وتنظيــم العالقــات بــن النــاس والســيطرة علــى البنــاء‬
‫وحــل املشــاكل الــي قــد تنجــم بــن النــاس‪ ،‬وفقــه البنيــان هو جمموعــة القواعــد الفقهية‬
‫الــي تراكمــت مبــرور الزمــن نتيجــة الحتــكاك حركــة العمــران واجملتمــع كالمهــا ببعــض‬
‫ونشــوء تســاؤالت أجــاب عنهــا الفقهــاء‪ ،‬وهــذه القواعــد كان كل مــن اجملتمــع والســلطة‬
‫واملهندســن حيتكمــون إليهــا عنــد اللــزوم‪ ،‬ومــن كتــب الفقــه الــي اهتمــت بأحــكام البنــاء‬
‫كتــاب «اإلعــان بأحــكام البنيــان» البــن الرامــي املتوفــى ســنة ‪734‬هـــ‪ ،‬أول مــن ســجل‬
‫قواعــد فقــه العمــارة مــن الفقهــاء ابــن عبــد احلكــم الفقيــه املصــري املتوفــى ســنة ‪214‬‬

‫هـــ‪829/‬م يف كتابــه «البنيــان»‪ ،‬وقــد قســم الفقهــاء أحــكام البنايــات إىل أربعــة أقســام‬
‫(‪ )1‬الفقهاء واملدينة وال َّتمَدُّن ‪ -‬إعداد‪ :‬د‪ .‬معتز اخلطيب ‪( -‬مدير حترير امللتقى الفكري لإلبداع‪ ،‬سوريا)‪.‬‬
‫(‪ )2‬فقه العمران – خالد العزب‪.‬‬

‫‪423‬‬
‫رئيســية هــي‪:‬‬

‫‪ -1‬البنــاء الواجــب‪ :‬مثــل بنــاء املســاجد لتقــام فيهــا الصلــوات‪ ،‬وبنــاء احلصــون‬
‫واألربطــة للدفــاع عــن ديــار املســلمني‪.‬‬

‫‪ -2‬البنــاء املنــدوب‪ :‬كبنــاء املنائــر والــي تنــدب لــأذان وبنــاء األســواق‪ ،‬حيــث‬
‫حيتــاج النــاس للســلع ولكــي ال يتكلفــوا عنــاء البحــث عنهــا‪ ،‬فنــدب الشــرع لذلــك‬
‫بنــاء األســواق لكــي يســتقر هبــا أصحــاب الســلع‪ ،‬ويســهل للنــاس شــراؤها منهــم‪.‬‬

‫‪ -3‬البنــاء املبــاح‪ :‬مثــل بنــاء املســاكن الــي تبنــى هبــدف االســتغالل‪ ،‬فمــن املعــروف‬
‫أن الشــريعة جــاءت حلفــظ املقاصــد اخلمــس (الديــن‪ ،‬النفــس‪ ،‬املــال‪ ،‬العــرض‬
‫والنســل)‪ ،‬واهلل جعــل أســباباً ماديــة يقــوم هبــا البشــر‪ ،‬كــي حيققــوا تلــك املقاصــد‪،‬‬
‫ومــن هــذه األســباب بنــاء املســاكن والــدور ليحفــظ فيهــا النــاس أنفســهم وأمواهلم‬
‫وأعراضهــم‪ ،‬وتقــوم فيهــا األســر‪.‬‬

‫‪ -4‬البنــاء احملظــور‪ :‬كبنــاء دور الســكر ودور البغــاء والبنــاء علــى املقابــر ويف‬
‫أرض الغــر‪.‬‬

‫ومل تكــن العالقــة بــن املبانــي عالقــة جامــدة‪ ،‬بــل دخلــت أيضــاً يف حتديــد ســلوك‬
‫الســاكنني للعقــارات‪ ،‬وضــرورة احرتامهــم اآلداب العامــة‪ ،‬وكان مــن حــق اجلــران‬
‫إجبارهــم علــى ذلــك‪ ،‬عــن طريــق القضــاء‪ ،‬وتزخــر ســجالت احملاكــم الشــرعية بالعديــد‬
‫مــن الوقائــع الــي تؤكــد تضامــن أهــل اخلطــة أو احلــارة ضــد املخالفــن مــن ســكاهنا‪.‬‬

‫واعتمــد الفقهــاء يف تناوهلــم ألحــكام البنيــان علــى بعــض اآليــات يف القــرآن الكريــم‬
‫وعلــى احلديــث الشــريف وعلــى بعــض األعمــال العمرانيــة الــي قــام هبــا الرســول‬
‫واخللفــاء الراشــدين وعلــى العــرف أخــذاً عــن حديــث عبــد اهلل بــن مســعود الــذي‬
‫ذكرنــاه آنفـاً‪« :‬مــا رآه املســلمون حســناً فهــو عنــد اهلل حســن» كمــا أخــذوا عــن احلديــث‪:‬‬
‫«ال َ‬
‫ضــرر وال ضِــرار»‪.‬‬

‫‪424‬‬
‫وترتــب علــى مبــدأ «ال َ‬
‫ضــرر وال ضِــرار»‪ ،‬و»األخــذ بالعــرف»‪ ،‬يف تقريــر أحــكام البنــاء‪،‬‬
‫نشــوء مبــدأ‪« :‬حيــازة الضــرر»‪ ،‬الــذي صــاغ املدينــة اإلســامية صياغــة شــاملة‪ ،‬و «حيــازة‬
‫الضــرر» تعــي أن مــن ســبق يف البنــاء حيــوز العديــد مــن املزايــا الــي جيــب علــى جــاره‬
‫الــذي يأتــي بعــده أن حيرتمهــا‪ ،‬وأن يأخذهــا يف اعتبــاره عنــد بنائــه مســكنه‪ ،‬وبذلــك‬
‫يصيــغ املنــزل األســبق املنــزل الالحــق‪.‬‬

‫وأثــر فقــه البنيــان واملبــادئ املتعبــة يف إجيــاده علــى ختطيــط املدينة فأثــر على ختطيط‬
‫الشــوارع وحــدد درجــات اخلصوصيــة يف األماكــن العامــة وحــدد أماكــن وضــع املبانــي‬
‫املعينــة فاملبانــي الــي قــد تضــر النــاس كاملصانــع واألفــران والــي تــؤدي إىل إصــدار‬
‫الضجــة كانــت تبنــى يف أماكــن بعيــدة عــن األحيــاء واخلطــط الســكنية مثـاً(‪.)1‬‬

‫املؤسسات اخلدمية‪:‬‬

‫أ‪ -‬لقــد مضــى التنظيــم العمرانــي قدمـاً خلدمــة اجملتمــع اإلســامي‪ ،‬لكــي حيقــق‬
‫أهدافـاً دينيــة ودنيويــة‪ ،‬أمــا األهــداف الدينيــة فتبــدو واضحــة مــن خــال إقامــة‬
‫املســجد اجلامــع يف مركــز املدينــة‪ ،‬ثــم إقامــة املنشــآت األخــرى الــي ختــدم‬
‫الثقافــة الدينيــة‪ ،‬مثــل املــدارس ودور القــرآن واحلديــث‪ ،‬وهــذه املبانــي هــي موئــل‬
‫املؤمنــن‪ ،‬وليــس يف أيــام اجلمــع واألعيــاد فقــط‪ ،‬بــل يومي ـاً‪ ،‬وبشــكل رمســي‪،‬‬
‫لذلــك فــإن املعمــار جعــل هــذه املؤسســات يف مركــز املدينــة‪ ،‬لتكــون أقــرب وصــوالً‬
‫للســكان القادمــن مــن أرجــاء املدينــة‪ ،‬ومتتــد الطرقــات واألزقــة متجهــة حنــو‬
‫املركــز‪ ،‬تقطعهــا طرقــات علــى شــكل حلقــات حتيــط مركــز املدينــة‪.‬‬

‫ب‪ -‬أمــا األهــداف املدنيــة فتتجلــى يف جعــل دواويــن احلكــم والقضــاء يف مركــز‬
‫املدينــة‪ ،‬أيضــاً‪ ،‬ويف إقامــة املنشــآت الصحيــة مثــل البيمارســتان واخلانقــاة‬
‫واملــدارس حوهلــا‪ ،‬ثــم إقامــة األســواق بــدءاً مــن ســوق الكتــب والعطاريــن الذيــن‬
‫يبيعــون األدويــة النباتبــة والعطــور‪ ،‬إىل أســواق األقمشــة واملالبــس‪ ،‬ثــم املتاجــر‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫الغذائيــة علــى اختــاف أنواعهــا‪ ،‬وتبقــى القلعــة يف طــرف مــن األســوار حتيطهــا‬
‫أســواق اخليــل والعلــف واجللــود‪ ،‬وخيــرق املدينــة عــدد ضخــم مــن األزقــة‬
‫واحلــارات املتعرجــة‪ ،‬والــي تســاعد علــى وصــول النــاس إىل اجلامــع وإىل‬
‫األســواق أو إىل أعماهلــم املختلفــة‪ ،‬تســهيالً لواجــب العمــل‪{ ،‬وقــل اعملــوا فســرى‬
‫ا ُهلل عملكــم ورس ـولهُ واملؤمنــون}‪[ ،‬ســورة التوبــة‪ ،‬اآليــة‪ ،]105 :‬ولكــن ضمــن حــدود‬
‫واجــب العبــادة‪{ ،‬رجــال ال ُتلهيهــم جتــارة وال بيــع عــن ذكــر ال َّلــه و إقــام الصــاة وإيتــاء الــزكاة خيافــون‬
‫يوم ـ ًا تتقلــب فيــه القلــوب واألبصــار}‪[ ،‬ســورة النــور‪ ،‬اآليــة‪{ ،]37:‬ليجزيَه ـمُ ال َّلــه أحس ـنَ مــا‬
‫ـرزق مــن يشــاء بغ ـرِ حســاب}‪[ ،‬ســورة النــور‪ ،‬اآليــة‪.]38:‬‬
‫عمِلــوا ويزيدهــم مــن فضلــه وال َّلــه يـ ُ‬

‫ج‪ -‬لقــد قــام عمــران املــدن علــى مبــدأ حتقيــق األمــن والســامة‪ ،‬الــذي يتمثــل‬
‫يف نظــام األحيــاء وأبواهبــا واألســوار الواســعة وأبــواب املدينــة املنيعــة‪ ،‬كمــا يقــوم‬
‫علــى مبــدأ تثبيــت الروابــط القبليــة واملهنيــة بتوزيــع األحيــاء الســكنية حســب‬
‫التعدديــة األثنية‪{،‬وجعلناكــم شــعوب ًا وقبائــل لتعارفــوا}‪ ،‬ولتحقيــق وحــدة اجتماعيــة‬
‫متماســكة متضامنــة بعيــداً عــن التنافــر واحلساســيات‪.‬‬

‫د‪ -‬املســكن وعــاء القِيَـ ِم اإلســامية ‪ -‬أمــا املســكن‪ ،‬فلقــد كان فــردوس صاحبــه‬
‫املوعــود بــه‪ ،‬بعــد عمــل ناجــح‪ ،‬وبعــد تقــوى خالصــة ميارســها املؤمــن خــال‬
‫نشــاطه اليومــي‪{ ،‬واهلل جعـ َـل لكــم مــن ُبيوتكــم ســكن ًا وجعــل لكــم مــن جلــود األنعــا ِم بُيوت ـ ًا‬
‫تســتخ ّفوهنا يــومَ ظعنِكــم ويــومَ إقامتكــم}‪[ ،‬ســورة النحــل‪ ،‬اآليــة‪ ،]80 :‬ويقــام البيــت‬
‫ليحقــق اســتقرار ســاكنيه وســكينتهم‪ ،‬وهــم ميارســون جنــوى مســتمرة مــع‬
‫الســماء الــي هتيمــن علــى البيــت كلــه مــن خــال فِنــاء البيــت املكشــوف علــى‬
‫الســماء والشــمس واهلــواء النقــي‪.‬‬

‫هـــ ‪ -‬لقــد تربــى املســلم علــى قِيـ ٍم إســامية فرضها الديــن وكونتها العــادات‪ ،‬ومن‬
‫أهــم هــذه القيــم احــرام حقــوق اآلخريــن يف العيــش بســام آمنــن‪ ،‬يف محايــة‬
‫اجملموعــة ومحايــة أخــاق اجملموعــة الــي تســعى إىل ضمــان اســتقرار اجلــوار‬

‫‪426‬‬
‫أحــراراً مســتقلني يف مســكنهم‪ ،‬وبعيــداً عــن فضــول اآلخريــن وتســلطهم‪ ،‬لذلــك‬
‫كانــت العمــارة تقيــد بارتفــاع اجلــدران والطوابــق والفتحــات وأبعــاد الطرقــات‬
‫الفاصلــة بــن البيــوت‪ ،‬ووضــع املعمــار شــروطاً ألبعــاد الفتحــات مــن أبــواب‬
‫ونوافــذ خارجيــة‪ ،‬وحتاشــى املعمــار اخــراق حقــوق صاحــب املبنــى‪ ،‬واســتغل‬
‫مجيــع الفــرص الداخليــة لتحقيــق راحــة الســاكنني وســرة النســاء‪ ،‬ولتحقيــق‬
‫املَنَعــة واألمــن والراحــة واملتعــة والعبــادة‪ ،‬وخلــق الفــرص املواتيــة لتقويــة الروابــط‬
‫االجتماعيــة بــن الســكان وتقــوي عــرى التعــاون بــن الرجــال علــى حتقيــق‬
‫الفضيلــة والصــاح‪ ،‬والتعــاون بــن النســاء علــى تدبــر شــؤوهنن البيتيــة وتربيــة‬
‫أوالدهن(‪.)1‬‬

‫املنشــآت املائيــة‪ :‬قــال تعــاىل‪{ :‬وهــو الــذي أنــزل مــن الســماء مــاءً فأخرجنــا بــه نبــات كل شــيء‬
‫فأخرجنــا منــه خضــر ًا خنــرج منــه حب ـ ًا مرتاكب ـ ًا‪ ،‬ومــن النخــل مــن طلعهــا قنــوان دانيــة وجنــات مــن أعنــاب‬
‫والزيتــون والرمــان مشــتبه ًا وغــر متشــابه‪ ،‬انظــروا إىل مثــره إذا أمثــر وينعــه‪ ،‬إن يف ذلكــم آليــات لقــوم يؤمنــون}‬
‫[ســورة األنعــام اآليــة‪ ]99 ،‬وقــال تعــاىل‪{ :‬وهــو الــذي أنشــأ جنــات معروشــات وغــر معروشــات‬
‫والنخــل والــزرع خمتلفـ ًا أكلــه والزيتــون والرمــان متشــاهب ًا وغــر متشــابه‪ ،‬كلــوا مــن مثــره إذا أمثــر وآتــوا حقــه يــوم‬
‫حصــاده وال تســرفوا‪ ،‬إنــه ال حيــب املســرفني} [ســورة األنعــام اآليــة‪ ]141 ،‬ويقــول رســول اهلل‬
‫حممــد ‪ :‬إذا قامــت الســاعة ويف يــد أحدكــم فســيلة فــإن اســتطاع أن ال تقــوم حتــى‬
‫يغرســها فليفعــل رواه أمحــد‪ ،‬لقــد حــث اإلســام علــى الزراعــة واعتنــى هبــا وحــرص‬
‫عليهــا ودعــا إىل االعتنــاء هبــا وزيــادة مســاحة األراضــي الزراعيــة‪ ،‬كمــا حــث علــى حفــر‬
‫وشــق املــوارد املائيــة‪ ،‬فقــال عليــه الصــاة والســام‪ :‬مــن أحيــا أرضـاً ميتــة فهــي لــه رواه‬
‫أمحــد وأبــو داود والرتمــذي‪ ،‬ويكفــي لبيــان أمهيــة ومنزلــة الزراعــة يف اإلســام أن اهلل‬
‫تعــاىل قــدم احلبــوب والــزروع علــى غريهــا يف قولــه ســبحانه وتعــاىل‪{ :‬وآيــة هلــم األرض‬
‫امليتــة أحييناهــا وأخرجنــا منهــا حبـ ًا فمنــه يأكلــون‪ ،‬وجعلنــا فيهــا جنــات مــن خنيــل وأعنــاب وفجرنــا فيهــا‬
‫مــن العيــون‪ ،‬ليأكلــوا مــن مثــره ومــا عملتــه أيديهــم‪ ،‬أفــا يشــكرون} [ســورة يــس اآليــات‪.)2(]35/33،‬‬
‫(‪ )1‬كتاب ( فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس ) ‪ -‬اسم املؤلف‪ :‬د‪ .‬عفيف البهنسي‪.‬‬
‫(‪ )2‬دور العــرب املســلمني يف تطويــر الزراعــة وطــرق الــري ‪ -‬يف إفريقيــا املســلمة لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪ -‬أ‪.‬د‪.‬‬
‫عطيـــه اجليـــار (معهــد حبــوث األراضــي واملياه مصر)‪.‬‬

‫‪427‬‬
‫وإن للمهندســن املســلمني يف العــامل اإلســامي بشــكل عــام‪ ،‬عــدد مــن االســتخدامات‬
‫الصناعيــة املبتكــرة للطاقــة املائيــة‪ ،‬واســتخدامات صناعيــة مبكــرة لطاقــة املــد واجلــزر‬
‫وطاقــة الريــاح والطاقــة البخاريــة والوقــود األحفــوري مثــل النفــط‪ ،‬وأيض ـاً جممعــات‬
‫صناعيــة كبــرة (تســمى «طــراز» باللغــة العربيــة)‪ ،‬وتعــود االســتخدامات الصناعيــة‬
‫للســواقي يف تاريخ العامل اإلســامي إىل القرن الســابع امليالدي‪ ،‬بينما كانت تســتخدم‬
‫الســواقي ذات العجــات األفقيــة والرأســية بشــكل واســع النطــاق منــذ القــرن التاســع‬
‫امليــادي علــى األقــل‪ ،‬ومت توظيــف جمموعــة متنوعــة مــن الطواحــن الصناعيــة يف‬
‫وقــت مبكــر يف العــامل اإلســامي‪ ،‬مبــا يف ذلــك آالت دعــك املالبــس ومطاحــن احلبــوب‬
‫وبكــرات التقشــر ومصانــع الــورق واملناشــر واملطاحــن العائمــة ومطاحــن الطوابــع‬
‫ومطاحــن الصلــب ومطاحــن الســكر وطواحــن املــد واجلــزر وطواحــن اهلــواء‪.‬‬

‫لقــد واجهــت احلضــارة اإلســامية مشــكلة امليــاه فهرعــت إىل بنــاء الــدود واجلســور‪،‬‬
‫لكــي حتصــل وتؤمــن كافــة احتياجاهتــا وعلــى كافــة األصعــدة ومنهــا‪:‬‬

‫‪ -‬السدود‪:‬‬

‫والســد يف اللغــة (إغــاق اخللــل‪ ،‬ورد الثلــم)‪ ..‬وحكــى الزجــاج‪( :‬مــا كان مســدوداً خلفــه‪،‬‬
‫فهــو ســد‪ ،‬ومــا كان مــن عمــل النــاس‪ ،‬فهــو ســد‪ ،‬والســد اجملبــل هــو احلاجــز(‪.)1‬‬

‫ويعــرف الســد بأنــه‪( :‬عائــق يبنــى يف جمــرى النهــر عموديـاً علــى جمــراه يف املوقــع الــذي‬
‫تســمح الطبيعــة الطبوغرافيــة فيــه بتخزيــن امليــاه فيــه‪ ،‬وحتــدد االعتبــارات الطبيعيــة‬
‫ونــوع الرتبــة‪ ،‬املــواد وطريقــة إنشــاء الســد)(‪ ،)2‬وخالفــاً للســدين اللذيــن بلغهمــا ذو‬
‫القرنــن مبنقطــع بــاد الــرك‪ ،‬ومهــا جبــان‪ ،‬والســد الــذي أقامــه دون قــوم يأجــوج‬
‫ومأجــوج(‪ ،)3‬فــإن ســد مــأرب الشــهري‪ ،‬يعــد مــن أشــهر ســدود العــامل القديــم‪ ،‬وقــد‬
‫شــيد قبــل اإلســام‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)134‬وانكســر مــع ســيل العــرم‪ ،‬الــذي تفرقــت‬

‫(‪ )1‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (سدد)‪.‬‬


‫(‪ )2‬املوسوعة العربية امليسرة‪( :‬سد)‪.‬‬
‫(‪ )3‬حممد علي الصابوني‪ ،‬صفوة التفاسري‪ ،‬تفسري سورة الكهف‪.‬‬

‫‪428‬‬
‫علــى إثــره القبائــل العربيــة مــن جنــوب‬
‫البــاد إىل مشاهلــا وشــرقها‪ ،‬وهــو مــن‬
‫الســدود الصمــاء‪ ،‬انظــر الشــكل (‪،)135‬‬
‫وكان عبــارة عــن حائــط ضخــم طولــه‬
‫‪134‬‬ ‫الشكل‬ ‫‪800‬‬ ‫مــن الشــرق إىل الغــرب حــوايل‬
‫ذراع‪ ،‬وارتفاعــه عشــرة أذرع(‪ ،)1‬بنــاه أحــد‬
‫مكربــي ســبأ وهــو مسهوعلــي ينــوف(‪،)2‬‬
‫ويف القــرن الســابع قبــل امليــاد ظــل‬
‫هــذا الســد قائم ـاً حتــى قبيــل اإلســام‪،‬‬
‫وعُ ـدّ ســقوطه نكبــة كــرى‪ ،‬حتــى ضــرب‬
‫بســقوطه املثــل‪ ،‬فقيــل‪( :‬تفرقــوا أيــدي‬
‫‪135‬‬ ‫الشكل‬ ‫ســبأ(‪.)3‬‬

‫تنقسم السدود إىل نوعني رئيسني‪:‬‬

‫النــوع األول‪ :‬يبنــى يف املناطــق اجلافــة حلجــز ميــاه الســيول‪ ،‬ويف املناطــق ذات الكثافــة‬
‫املطريــة حلجــز ميــاه األمطــار الســتخدامها بعــد انتهــاء موســم األمطــار‪ ،‬كســد مــأرب‪.‬‬

‫والنــوع الثانــي‪ :‬يبنــى علــى جمــاري األهنــار حلجــز ميــاه األهنــار الســتخدامها يف أوقــات‬
‫حمــددة‪ ،‬وحتجــز الســدود أو اجلســور كمــا تعــرف يف مصــر‪ ،‬امليــاه املتفرعــة مــن هنــر‬
‫النيــل لــري أراضــي حمــددة يف زمــن حمــدد‪ ،‬ثــم تكســر لــروي األرض الــي تليهــا‪،‬‬
‫وهكــذا‪...‬‬

‫وتكمــن أمهيــة الســدود بالدرجــة األوىل يف املناطــق اجلافــة‪ ،‬حيــث جلــأ إليهــا العــرب‬
‫للتغلــب علــى ظاهــرة التصحــر وظاهــرة اجلفــاف‪ ،‬الــي عرفــت هبــا بالدهــم‪ ،‬وهــي‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬جواد علي‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ 3،‬ص ‪.280/281‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬رمضان عبده علي‪ ،‬الشرق األدنى القديم وحضاراته‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ 339،‬دار هنضة الشرق‪ ،‬بريوت‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬جواد علي‪ ،‬مرجع سابق‬

‫‪429‬‬
‫البــاد الــي مل تعــرف األهنــار‪ ،‬وال هــي مــن البلــدان االســتوائية غزيــرة األمطــار‪ ،‬وتعّــد‬
‫عمــارة الســدود واالســتفادة منهــا يف قطــاع الزراعــة مــن الفنــون العمرانيــة والزراعيــة‬
‫الــي ازدهــرت يف إفريقيــا املســلمة‪ ،‬حيــث توافــر للقبائــل العربيــة عنصــر االســتقرار‬
‫يف العصــور اإلســامية‪ ،‬ومــن أبــرز ســدود اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬ســدود الطائــي الــي تعــود‬
‫للعصــر األمــوي‪ ،‬الــي كان يوجــد هبــا إىل وقــت قريــب ســبعون ســداً أثريـاً‪ ،‬مــن أشــهرها‬
‫ســد (سيســد) الــذي بــي عــام ‪ 57‬هـــ وســد اللصــب‪ ،‬وســد العقــرب وســد ثلبــه‪ ،‬وســد‬
‫صعــب‪ ،‬وســد الســامة‪ ،‬وســد القصيبــة‪ ،‬وســد أم البقــرة‪ ،‬وســد دامــا(‪ ،)1‬أمــا الســدود‬
‫الــي حتجــز جمــاري امليــاه كاألهنــار‪ ،‬فقــد عرفــت يف مصــر بوجــه خــاص‪ ،‬وكان بناؤهــا‬
‫ميــر بثــاث مراحــل هــي‪:‬‬

‫املرحلة التحضريية وتضم العمليات التالية‪:‬‬

‫ـ بنــاء احلاجــزـ جتفــي أرض املوقــع إغــاق املــكان مــن املواد املرتاكمة ‪ -‬مرحلة التشــييد‪،‬‬
‫وهــي الــي يتــم فيهــا العمــل بأكمله‪.‬‬

‫املرحلة النهائية‪ ،‬ويتم فيها رفع احلاجز وإعادة املاء‪ ،‬وعرفت الســدود يف مصر باســم‬
‫اجلســور‪ ،‬وهــذه التســمية آتيــة مــن اســتخدامها يف احلركــة بــن الضفتــن اللتــن أقيــم‬
‫بينهمــا الســد‪ ،‬ومعظــم اجلســور الــي تقــام يف مصــر مؤقتــة ترتبــط مبوســم الفيضــان‬
‫والــري‪ ،‬وهــي تنشــأ يف مناطــق معينــة تضــم مســاحة خاصــة مــن األراضــي‪ ،‬حتــى ال‬
‫يركبهــا هنــر النيــل إال يف موعــد حمــدد تفتــح فيــه الســدود فــروي هــذا اجلــزء‪ ،‬حتــى إذا‬
‫اســتكمل ريــه‪ ،‬قطعــت اجلســور يف مناطــق معينــة معلومــة‪ ،‬ويف أوقــات حمــددة‪ ،‬حتــى‬
‫ينصــرف املــاء إىل مــا يليهــا مــن جهــات‪ ،‬عــاوة علــى مــا يأتيهــا مــن مــاء آخــر‪ ،‬وهكــذا‬
‫يتنــاوب فتــح اجلســور حتــى يســتكمل ري أرض كل البــاد‪ ،‬ويقــول املقريــزي‪( :‬وأراضــي‬
‫مصــر أقســام كثــرة‪ ،‬منهــا عــال ال يصــل إليــه املــاء إال مــن زيــادة كبــرة‪ ،‬ومنهــا منخفــض‬
‫يــروى مــن يســر الزيــادة‪ ،‬واألراضــي متفاوتــة يف االرتفــاع واالخنفــاض تفاوتـاً‪ ،‬ولذلــك‬
‫(‪ )1‬محــاد الســاملي‪ ،‬الظاهــرة الســدودية يف وادي عرضــة‪ ،‬ص‪ 83/87 ،‬جملــة الفيصــل‪ ،‬العــدد ‪ 176‬الريــاض‪،‬‬
‫أغســطس ‪1991‬م‪.‬‬

‫‪430‬‬
‫احتيــج يف بــاد الصعيــد إىل حفــر الــرع ويف أســفل األرض إىل عمــل اجلســور حتــى‬
‫حيتبــس املــاء لــروي أهــل النواحــي علــى قــدر حاجتهــم إليــه عنــد االحتيــاج(‪ ،)1‬ويذكــر‬
‫املقريــزي مــا للجســور مــن فوائــد قائـاً‪( :‬لــوال إتقــان مــا هنالــك مــن اجلســور وحفــر‬
‫الــرع واخللجــان لقــل االنتفــاع مبــاء النيــل كمــا جــرى يف زماننــا هــذا‪ ،‬وقــد حكــي أنــه‬
‫كان يرصــد لعمــارة جســور أراضــي مصــر يف كل ســنة ثلــث اخلــراج لعنايتهــم يف القديــم‬
‫هبــا‪ ،‬مــن أجــل أن يرتتــب علــى عملهــا ري البــاد الــذي بــه مصــاحل العبــاد)(‪.)2‬‬

‫‪ -‬واجلسور‪ :‬اجلسور نوعان‪:‬‬

‫‪ -1‬جســور عامة‪ :‬وتســمى هذه اجلســور بالســلطانية‪ ،‬وتضم بالداً كثرية‪ ،‬وتكون‬
‫صيانتهــا واالهتمــام بأمرهــا علــى نفقــة ويل األمــر‪ ،‬أي الديــوان الســلطاني‪،‬‬
‫وكانــت الدولــة تعــن مــن يهتــم بعمــارة اجلســور‪ ،‬ويســمى «كاش اجلســور»‪ ،‬وقــد‬
‫تضــاف هــذه الوظيفــة إىل وايل املنطقــة‪ ،‬وحتــت إمــرة كاش اجلســور‪ ،‬املهندســون‬
‫والعمــال الذيــن يقومــون بعمارهتــا(‪.)3‬‬

‫‪ -2‬اجلســور البلديــة‪ :‬وهــي جســور خاصــة ال تدخــل يف املنافــع العامــة‪ ،‬ويتــوىل‬


‫أمــر العنايــة هبــا املنتفعــون باألراضــي الزراعيــة الــي تســتفيد مــن ميــاه اجلســر‪،‬‬
‫ويشــبهها (ابــن مماتــي) بالــدور واملســاكن داخــل ســور املدينــة‪ ،‬وكل صاحــب دار‬
‫منهــا ينظــر يف مصلحتهــا ويلتــزم تدبــر أمــره فيهــا(‪ ،)4‬ومل تكــن اجلســور تقــام‬
‫فقــط ألجــل حجــز امليــاه‪ ،‬بــل حلمايــة مناطــق معينــة‪ ،‬ســواء مــن جــرف الفيضــان‬
‫لضفافهــا أو اخلــوف مــن غمرهــا‪ ،‬ومــن أمثلــة هــذه اجلســور‪ ،‬جســر أقامــه الناصر‬
‫حممــد بــن قــاوون بــن بــوالق ومنيــة الشــرج‪ ،‬وذلــك ســنة ‪ 633‬هـــ‪ ،‬واجلســر‬
‫الــذي شــيده الناصــر حممــد بــن قــاوون ســنة ‪ 638‬هـــ‪ ،‬بــن بــوالق وإمبابــة‬
‫(‪ )1‬املقريــزي‪ ،‬تقــي الديــن أمحــد بــن علــي‪ ،‬املواعــظ واالعتبــار بذكــر اخلطــط واآلثــار‪ ،‬ج‪ – 2‬ص‪ 419/450/‬دار‬
‫الثقافــة الدينيــة‪ ،‬القاهــرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬ور العــرب املســلمني فــى تطويــر الزراعــة وطــرق الــري ‪-‬يف إفريقيــا املســلمة لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪ -‬أ‪.‬د‪.‬‬
‫عطيـــه اجليـــار (معهــد حبــوث األراضــي وامليــاه مصر)‪.‬‬
‫(‪ )3‬ابن مماتي‪ ،‬أبو املكارم أسعد‪ ،‬قوانني الدواوين‪ ،‬ص ‪ 23‬حتقيق عزيز سوريال‪ ،‬مطبعة مصر‪1943 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )4‬ابن مماتي‪ ،‬قوانني الدواوين‪ ،‬ص – ‪.233‬‬

‫‪431‬‬
‫مشــال القاهــرة‪ ،‬ويرجــع ســبب إنشــائه إىل أن تيــار هنــر النيــل كان شــديداً علــى‬
‫ســاحل بــوالق حتــى هــدم أجــزاء منــه‪ ،‬فــرأوا عمــل هــذا اجلســر لــرد قــوة التيــار‬
‫عــن الــر الشــرقي إىل الــر الغربــي(‪.)1‬‬

‫‪ -‬املقاييــس‪ :‬تعــد املقاييــس املقامــة علــى األهنــار أداة لرصــد حركــة فيضاهنــا‪ ،‬حيــث كان‬
‫فيضــان النهــر عنــد حــد معــن يعكــس بشــرى موســم زراعــي جيــد‪ ،‬كما كان خيل مشــكلة‬
‫عنــد عــدم وفائــه بتوفــر امليــاه‪ ،‬ســواء حلاجــة االســتخدام يف املــدن والقــرى أو للزراعــة‪،‬‬
‫ومــن ث ـمّ فــإن املقاييــس اعتــرت مــن املنشــآت املائيــة اهلامــة الــي اعتــي هبــا مــن قبــل‬
‫حــكام املســلمني فلــوال فيضــان هنــر النيــل علــى ســبيل املثــال‪ ،‬لكانــت مصــر جمــرد بلــد به‬
‫هنــر فصلــي هزيــل‪ ،‬يولــد وميــوت كل ســنة دون أن يضمــن حتــى الوصــول إىل البحر دائماً‬
‫إىل حــد يعــي أن النيــل هبــة الفيضــان(‪ ،)2‬وألن التغيــر يف مســتوى الفيضــان بالنقــص‬
‫أو الزيــادة‪ ،‬كان يلعــب دوراً هامـاً يف حيــاة املصريــن االقتصاديــة واالجتماعيــة وأحيانـاً‬
‫السياســية‪ ،‬كمــا كان يعيــد إىل أذهاهنــم يف كثــر مــن األحيــان‪ ،‬قصــة الســنوات العجــاف‬
‫الســبع الــي وردت يف القــرآن الكريــم يف ســورة يوســف(‪ ،)3‬الســيما وقــد شــهدت البــاد‬
‫طــوال عصورهــا التارخييــة قبــل اإلســام وبعــده‪ ،‬العديــد مــن حــاالت القحــط واجلفاف‪،‬‬
‫بســبب قصــور ميــاه الفيضــان‪ ،‬ممــا أدى حبكامهــا إىل االهتمــام بإنشــاء مقاييــس النيــل‬
‫الــي يهمنــا منهــا مــا مت تشــييده حتــت ظــال اإلســام(‪.)4‬‬

‫‪ -‬القناطــر املائيــة‪ :‬والرومــان هــم أول مــن ابتكــر قناطــر امليــاه‪ ،‬وهــي منشــآت مائيــة‬
‫هتــدف إىل جلــب كميــات كبــرة مــن امليــاه مــن مــكان بعيــد إىل املــدن أو األراضــي‬
‫الزراعيــة‪ ،‬ومــا زال إىل حــد اليــوم يف رومــا بقايــا لقناطــر ميــاه تعــد مــن أروع مــا شــيد‬
‫يف العــامل(‪ ،)5‬وتتكــون قناطــر امليــاه عــادة مــن بــرج املأخــذ‪ ،‬وهــو بــرج بــه ســواقي لرفــع‬

‫(‪ )1‬حممد محدي املناوي‪ ،‬هنر النيل يف املكتبة العربية‪ ،‬ص‪ 138 ،‬الدار القومية للطباعة‪ ،‬القاهرة‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )2‬مجال محدان‪ ،‬شخصية مصر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص ‪ 165‬القاهرة‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬سورة يوسف‪ ،‬اآليات ‪.49- 47‬‬
‫(‪ )4‬دور العــرب املســلمني يف تطويــر الزراعــة وطــرق الــري ‪ -‬يف إفريقيــا املســلمة لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪ -‬أ‪.‬د‪.‬‬
‫عطيـــه اجليـــار (معهــد حبــوث األراضــي واملياه مصر)‪.‬‬
‫(‪ )5‬حممد فؤاد مرابط‪ :‬الفنون القدمية عند القدماء‪ ،‬ص – ‪1935 -208-207‬م‪.‬‬

‫‪432‬‬
‫امليــاه مــن مــكان منخفــض إىل أعلــى‪،‬‬
‫ثــم يُصــب هــذا املــاء يف ســطح الــرج‪،‬‬
‫حيــث تنحــدر امليــاه إىل جمــرى حممــول‬
‫علــى سلســلة مــن العقــود أو القناطــر‬
‫الــي تنحــدر بنســبة معلومــة لتجــري‬
‫امليــاه إىل اجلهــة املــراد وصوهلــا إليهــا‪،‬‬

‫‪136‬‬ ‫الشكل‬
‫مثــل قناطــر ابــن طولــون انظــر الشــكل‬
‫(‪ – ،)136‬قناطــر جمــرى العيــون انظــر‬
‫الشــكل (‪ – ،)137‬قناطــر تونــس انظــر‬
‫الشــكل (‪ – ،)138‬بئــر يوســف انظــر‬
‫الشــكل (‪.)1()139‬‬

‫‪ -‬الصهاريــج‪ :‬تعّــد أماكــن خــزن امليــاه‬


‫أهــم املرافــق العامــة للتجمعــات الســكانية‬
‫‪137‬‬ ‫الشكل‬
‫البعيــدة عــن املــاء‪ ،‬وذلــك لضرورهتــا يف‬
‫تأمــن احتياجاهتــا مــن هــذه املــادة‪ ،‬ســواء للشــرب أو لــري املزروعــات‪ ،‬ومــن هنــا اهتــدى‬
‫اإلنســان إىل طريقــة يضمــن هبــا وجــود املــاء‪ ،‬حيــث ابتكــر الصهاريــج‪ ،‬وهــي عبــارة عــن‬
‫خــزان صناعــي لتخزيــن امليــاه واســتخدامها يف وقــت احلاجــة إليهــا‪.‬‬

‫والصهاريــج نوعــان‪ :‬العــام واخلــاص‪ ،‬حيــث ختصــص الصهاريــج العامــة لتخزيــن‬


‫املــاء وتوزيعــه باملدينــة‪ ،‬فهــي هبــذا تشــبه حمطــات امليــاه باملــدن يف وقتنــا احلاضــر‪،‬‬
‫أمــا الصهاريــج اخلاصــة‪ ،‬فهــي مــا كانــت خمصصــة خلدمــة منشــأة بعينهــا‪ ،‬وهــي‬
‫عــادة أصغــر حجمـاً‪ ،‬ويؤخــذ املــاء مــن الصهاريــج اخلاصــة بواســطة فتحــة يف ســقف‬
‫الصهريــج تســد وتفتــح بواســطة خــرزة‪ ،‬أمــا الصهاريــج العامــة فهــي موجــودة عــادة‬
‫يف املــدن البعيــدة عــن مصــدر املــاء‪ ،‬وتكــون ضخمــة احلجــم أفقي ـاً ورأســياً يف باطــن‬

‫(‪ )1‬دور العــرب املســلمني يف تطويــر الزراعــة وطــرق الــري ‪ -‬فــى إفريقيــا املســلمة لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪-‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬عطيـــه اجليـــار (معهــد حبــوث األراضــي وامليــاه مصــر)‪.‬‬

‫‪433‬‬
‫األرض‪ ،‬ومتــأ عــن طريــق فتحــات‬
‫يف البــدن اخلارجــي هلــا‪ ،‬والصهاريــج‬
‫العامــة ال يبنــى فوقهــا لصعوبــة إقامــة‬
‫األساســات الــي ســتتحمل أي بنــاء‬
‫يعلوها‪،‬علــى عكــس الصهاريــج اخلاصــة‬
‫الــي شــيدت فوقهــا منشــآت مائيــة‬
‫نتجــت عــن تطــور العمــارة يف احلضــارة‬
‫‪138‬‬ ‫الشكل‬
‫اإلســامية‪ ،‬كاألســبلة وأحــواض ســقي‬
‫الــدواب‪ ،‬ولعــل أكــر مشــروع حضــاري‬
‫شــهد بنــاء العديــد مــن الصهاريــج عرفتــه‬
‫احلضــارة اإلســامية هــو مشــروع درب‬
‫زبيــدة‪ ،‬الــذي يسّــر طريــق احلــج بــن‬
‫العــراق ومكــة املكرمــة‪ ،‬ويف هــذا الصــدد‬
‫‪139‬‬ ‫الشكل‬
‫يقــول نظــام امللــك حســن الطوســي عــن‬
‫الســيدة زبيــدة بنــت جعفــر بــن أبــي جعفــر املنصــور زوج اخلليفــة هــارون الرشــيد‬
‫(‪170 -193‬هـــ ‪786 – 808 /‬م) ومشــروعها احلضــاري وأمــرت زبيــدة حبفــر اآلبــار‬
‫الكبــرة الواســعة وإقامــة األحــواض وصهاريــج املــاء يف كل مرحلــة مــن املراحــل املمتــدة‬
‫علــى طريــق احلــج مــن الكوفــة (‪ ،)48‬إىل مكــة واملدينــة‪ ،‬علــى أن تبنــى مجيعهــا مــن‬
‫قمتهــا إىل قاعهــا باحلجــر واآلجــر املشــوي واجلــص واملــاط لتوفــر امليــاه للحجيــج يف‬
‫الصحــراء الــي كان ميــوت فيهــا عطشـاً آالف احلجــاج ســنوياً‪ ،‬فحفــرت اآلبــار وأقيمــت‬
‫الصهاريــج(‪ )1‬وقــد بــن ابــن جبــر‪ ،‬وهــو يصــف رحلتــه مــن مكــة املكرمــة إىل العــراق‪،‬‬
‫بنــاء زبيــدة هلــذه املرافــق احليويــة اخلرييــة‪ ،‬واســتمرار هــذه املآثــر يف تقديــم خدماهتــا‬
‫إىل غايــة أواخــر القــرن الســادس اهلجــري‪ ،‬حيــث قــال‪( :‬وهــذه ابنــة جعفــر بــن أبــي‬
‫جعفــر املنصــور زوج هــارون الرشــيد وابنــة عمــه‪ ،‬أبقــت يف هــذا الطريــق مرافــق ومنافع‬

‫(‪ )1‬املناســك وأماكــن طــرق احلــج ومعــامل اجلزيــرة‪ ،‬حتقيــق محــد اجلاســر– ص‪ – 310‬ط‪ - 2‬دار اليمامــة‪،‬‬
‫الريــاض‪1983 ،‬م‪.‬‬

‫‪434‬‬
‫تعــم‪ ...‬مــن لــدن وفاهتــا إىل اآلن)(‪ )1‬كمــا أشــار إليهــا أيضـاً ابــن بطوطــة‪ ،‬وهــو يصــف‬
‫رحلتــه مــن مكــة املكرمــة إىل العــراق‪ ،‬فقــال‪( :‬وكل مصنـــع ‪ -‬صهريــج أو بركــة أو بئــر‬
‫هبــذه الطريــق الــي تربــط بــن مكــة وبغــداد فهــي مــن كريــم آثارهــا‪ ،‬جزاهــا اهلل خــراً‬
‫ووفــى هلــا أجرهــا‪ ،‬ولــوال عنايتهــا هبــذا الطريــق مــا ســلكها أحــد)(‪ ،)2‬وكانــت زبيــدة قــد‬
‫أمــرت ببنــاء هــذه املصانــع والــرك وغريهــا عندمــا حجــت ســنة ‪176‬هـــ ‪792 -‬م‪ ،‬ومــن‬
‫أمســاء تلــك الصهاريــج‪:‬‬

‫صهريــج الرملــة‪ :‬وهــو أقــدم الصهاريــج األثريــة الباقيــة يف العــامل اإلســامي ومــن‬
‫أكربهــا‪ ،‬صهريــج الرملــة بفلســطني‪ .‬ويعــرف هــذا الصهريــج حمليـاً باســم بئــر العنيزيــة‬
‫انظــر الشــكل (‪.)140‬‬

‫صهريــج تنيــس‪ :‬تقــع مدينــة تنيــس يف مشــال دلتــا النيــل مبصــر داخــل حبــرة املنزلــة‪،‬‬
‫وهــي عبــارة عــن جزيــرة‪ ،‬لــذا ســعى والة مصــر يف العصــور اإلســامية املختلفــة‪ ،‬إىل‬
‫توفــر امليــاه هلــا‪ ،‬خاصــة أهنــا كانــت أحــد املراكــز الصناعيــة‪ ،‬حيــث اشــتهرت بصناعــة‬
‫املنســوجات‪ ،‬ولوقوعهــا بالقــرب مــن البحــر‬
‫فقــد عــدت مــن الثغــور‪.‬‬

‫صهاريــج اإلســكندرية‪ :‬انتشــرت الصهاريــج‬


‫العامــة واخلاصــة يف مدينــة اإلســكندرية‬
‫بصــورة لفتــت انتـــباه املـــؤرخني واجلغرافيــن‪،‬‬
‫ويقــول عنهــا ابــن فضــل اهلل العمــري علــى‬
‫ســبيل املثــال‪( :‬واإلســكندرية هلــا حبــر خليــج‬
‫مــن النيــل تصــل فيــه املراكــب مــن مصــر‬
‫(القاهــرة) وإليهــا‪ ،‬ومنهــا إىل مصــر‪ ،‬ويف أوان‬
‫زيــادة النيــل ميتلــئ هــذا اخلليــج‪ ،‬وميتــد إىل‬
‫‪140‬‬ ‫الشكل‬
‫صهاريــج داخــل املدينــة معــدة الختــزان املــاء‬

‫(‪ )1‬رحلة ابن جبري‪ ،‬ص ‪.185‬‬


‫(‪ )2‬رحلة ابن بطوطة‪ ،‬ص ‪.175‬‬

‫‪435‬‬
‫هبــا لشــرب أهلهــا نافــذة مــن بعــض الــدور إىل بعــض‪ ،‬وميكــن النــازل إىل الصهريــج‬
‫منهــا الصعــود مــن أي دار اختــار‪ ،‬وحتــت تلــك الصهاريــج توجــد آبــار النبــع باملــاء املــاحل‪،‬‬
‫فهــي طبقــات اآلبــار عليهــا طبقــة الصهاريــج عليهــا طبقــة البنــاء(‪.)1‬‬

‫االستخدامات احلربية وتطور عمارتها (وأنواعها)‬

‫تطور العمارة اإلسالمية يف اإلسالم (العمارة احلربية)‪:‬‬

‫هــي حكايــة ذاكــرة التاريــخ يف صــراع اإلنســان مــع أخيــه اإلنســان‪ ،‬يف مســألة مــن‬
‫أهــم املســائل املعنيــة يف حياتــه‪ ،‬وهــي دميومــة الوجــود‪ ،‬فجــاءت قصــة بنــاء احلصــون‬
‫والقــاع علــى يــد اإلنســان شــاهداً أمثــل علــى قصــة هــذا الصــراع الوجــودي بــن بــي‬
‫اإلنســان‪ ،‬فبــدأت حكايــة بنــاء احلصــون لتأمــن أهــم ضــرورة مــن ضروريــات حياتــه‬
‫علــى هــذه األرض‪ ،‬وهــي األمــن واألمــان‪ ،‬لينعــم يف ظلهــا بنعمــة االســتقرار والرخــاء‪،‬‬
‫وقــد بــدأت علميــات البنــاء هــذه‪ ،‬مــع بدايــات حتضــره واســتقراره علــى األرض الــي‬
‫اســتوطنها‪ ،‬وقــد عرفــت احلضــارات اإلنســانية القدميــة احلصــون والقــاع‪ ،‬وهنــاك‬
‫العديــد مــن اآلثــار واألوابــد الدالــة علــى ذلــك العطــاء اإلنســاني‪ ،‬فقــد عرفهــا العــرب‬
‫فيمــا قبــل اإلســام كمــا عرفهــا غريهــم مــن األمــم القدميــة‪ ،‬لكــن زاد االهتمــام‬
‫باحلصــون والقــاع يف فــرة العصــور الوســطى(‪ ،)2‬ولقــد ارتبطــت العمــارة العســكرية‬
‫اإلســامية بالتّارخيــن السياســي والعســكري لدولــة اإلســام الــي شــهدت فــرات‬
‫متنوّعــة مــن طبيعــة العالقــات الداخليــة واخلارجيــة‪ ،‬ففضـاً عــن احلــروب واملعــارك‬
‫الطويلــة الــي شــهدهتا منــذ بدايــة عصــر الفتوحات اإلســامية‪ ،‬كان على دولة اإلســام‬
‫أن تدخــل يف طــور التّحــدي الكبــر لتثبيــت أمــن وأمــان الدولــة والدفــاع عــن حدودهــا‬
‫ضـدّ القوافــل الداخليــة الــي كانــت تنبعــث بــن حـنٍ وآخــر حبكــم التنــوع الكبــر الــذي‬
‫ضمّتــه هــذه الدولــة مــن شــعوبٍ وبلــدا ٍن وأعــراقٍ وديانــاتٍ ومــا ينجــم عــن ذلــك مــن‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬كـــمال الديــن ســـامح‪ :‬العـــمارة فـــي صـــدر اإلســـام‪ ،‬ص – ‪ - 157 – 154‬هلـــيئة املصـــرية الـــعامة للكتــاب‪،‬‬
‫‪ – 1982‬وهــو مــن املرجــع األصلــي (دور العــرب املســلمني يف تطويــر الزراعــة وطــرق الــري ‪ -‬يف إفريقيــا املســلمة‬
‫لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬عطيـــه اجليـــار (معهــد حبــوث األراضــي وامليــاه مصــر)‪.‬‬
‫(‪ )2‬األلوكة – احلصون والقالع – عمارهتا وأنظمتها ودورها التارخيي – الدكتور عبد الكريم السمك‪.‬‬

‫‪436‬‬
‫بقــاءٍ كامــنٍ لنزعــاتٍ وأهــدافٍ وغايــاتٍ حتــاول التعبــر عــن ذاهتــا مــن حــن آلخــر(‪.)1‬‬
‫وتعرّضــت الدولــة اإلســاميّة هلجمتــن شرســتني عاتيتــن‪ ،‬جــاءت األوىل كاإلعصــار‬
‫مــن الشــرق‪ ،‬وتو ّلــى كربهــا املغــول بقيــادة تيمورلنــك وهوالكــو مــن بعــده‪ ،‬فجاســوا‬
‫خــال الديــار‪ ،‬وقوّضــوا دولــة بــي العبــاس وحواضــر الشــرق اإلســامي‪ ،‬وقضــوا‬
‫علــى احلضــارة اإلســاميّة العظيمــة يف بغــداد عاصمــة اخلالفــة ودمــروه‪ ،‬وجــاءت‬
‫اهلجمــة الثانيــة كالســيل مــن الغــرب علــى شــكل محــات صليبيّــة متعاقبــة‪ ،‬إال أنّ‬
‫قــادة املســلمني وأمراءهــم مل ييأســوا ومل يقنطــوا‪ ،‬وهنضــوا للدفــاع عــن دار اإلســام‬
‫بشــجاعة‪ ،‬وهبّــوا لدفــع األخطــار جبســارة‪ ،‬واســتطاعوا حتويــل اهلزميــة إىل نصــر‬
‫ســاحق يف عــن جالــوت بقيــادة املظ ّفــر قطــز‪ ،‬والظاهــر بيــرس‪ ،‬وكذلــك اســتطاع‬
‫صــاح الديــن يوســف بــن أيــوب توحيــد األمّــة‪ ،‬والقضاء علــى أســباب الفرقة‪ ،‬وحتصني‬
‫املــدن اإلســاميّة‪ ،‬برفــع أســوارها‪ ،‬ونصــب أبراجهــا‪ ،‬وإحــكام أبواهبــا‪ ،‬وبنــاء احلصــون‪،‬‬
‫والقــاع‪ ،‬والثغــور احملصّنــة علــى حــدود الدولــة مــن جهــة الــر والبحــر‪ ،‬حتــى حتـرّرت‬
‫القــدس مــن الصليبيّــن‪ ،‬ومل تكــن األندلــس وحواضــر العــامل اإلســامي يف املشــرق‬
‫واملغــرب مبنــأى عــن العــدوان اخلارجــي احلاقــد‪ ،‬ومــن أجــل ذلــك مل يتوانــى املســلمون‬
‫عــن إعــداد الق ـوّة‪ ،‬وإرهــاب األعــداء املرتبّصــن(‪.)2‬‬

‫استخدامات العمارة احلربية‪:‬‬

‫وتعــــد العمارة العســكرية‪ ،‬أحد املفاصل احليوية يف تصميم املدن العربية اإلســامية‪،‬‬
‫ال ســيما كوهنــا توفــر درعـاً حصينـاً‪ ،‬يصــن املدينــة من األخطار والتهديــدات اخلارجية‪،‬‬
‫وباألخــص يف مــدن الثغــور واملــدن املتامخة حلدود األعــداء اخلارجية(‪.)3‬‬

‫وحفــل الشــرق اإلســامي بالكثــر مــن أمنــاط العمــارة احلربيــة‪ ،‬بــدءاً مــن املدن املســورة‬
‫واملــزودة بأبــراج دفاعيــة اشــتملت علــى الكثــر مــن العناصــر احلربيــة‪ ،‬مثــل املزاغــل‬
‫(‪ )1‬العمــارة العســكرية – فــن العمــارة‪ ،‬حصــون ومواقــع أثريــة– موقــع احلكواتــي ‪ -‬احلكواتــي © ‪ 2013‬املؤسســة‬
‫العربيــة للثقافــة ‪.‬‬
‫(‪ )2‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )3‬تط��ور العمـ�ارة العس��كرية يف مدينــة اش��بيلية ‪ -‬األس��تاذ املس��اعد الدكتورهب��اء موس��ى حبيـ�ب ‪ -‬كليــة الرتبيــة‬
‫للبنـ�ات ‪ -‬قسـ�م التاريـ�خ‪.‬‬

‫‪437‬‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)141‬واملشــطرقات والســقاطات وغريهــا‪ ،‬كمــا امتــازت حبصانتهــا‬
‫مــن حيــث احلــرص علــى اختيــار مــواد إنشــائية قويــة مثــل األحجــار الصلــدة املأخــوذة‬
‫مــن الطبيعــة‪ ،‬باإلضافــة إىل إنشــاء القــاع احلربيــة الكاملــة الــي كانــت غالبـاً تشــيد‬
‫يف أعلــى نقطــة مــن املدينــة‪ ،‬كــي يســهل محايتهــا والســيطرة علــى مــن يهامجهــا(‪،)1‬‬
‫واكتســبت األســوار الــي بنيــت يف دار اإلســام‪ ،‬واإلضافــات الــي أضيفــت علــى‬
‫األســوار القدميــة‪ ،‬طابعــاً إســامياً خالصــاً‪ ،‬وال تــزال العمــارة احلربيّــة اإلســاميّة‬
‫الباقيــة تشــهد للمســلمني هبــذا التميّــز يف أســلوب البنــاء‪ ،‬وش ـيّدوا األبــراج املربّعــة‪،‬‬
‫ويتألــف الــرج مــن نصفــن أدنــى مصمــت‪ ،‬ونصــف أعلــى تشــغله غرفــة تعلوهــا يف‬
‫بعــض األحيــان غرفــة أخــرى أع ـدّت للدفــاع‪ ،‬وفتحــت فيهــا منافــذ للســهام‪ ،‬ويرتقــي‬
‫الراقــون درجـاً يف داخــل الــرج يفضــي إىل أعــاه‪ ،‬حبيــث يشــرف علــى األســوار مجيعـاً‪،‬‬
‫ويــدور بأعلــى الــرج شــرفات‪ ،‬ودار مســتطيلة الشــكل‪ ،‬وجعلــوا للســور األمامــي ســوراً‬
‫آخــر أمامــي علــى شــكل احلــزام‪ ،‬يبلــغ ارتفاعــه نصــف ارتفــاع الســور األساســي‪ ،‬مثــل‬
‫ســور قرطبــة‪ ،‬ليعيقــوا عمليّــة نقــب األســوار األساسـيّة‪ ،‬ومباغتــة املدافعــن‪ ،‬وإفشــال‬
‫اهلجــوم‘ ودعمــوا النظــم الدفاعيّــة أمــام خطر الغزو اخلارجي‪ ،‬فشــيدوا األبــراج الربانيّة‬
‫لالســتطالع ومراقبــة حتـرّكات العــدو‪ ،‬ومنعــه مــن اقتحــام احلصــون واملــدن‪ ،‬وربطوهــا‬
‫بالقــاع أو األســوار مبمــرّات ســريّة‪ ،‬وشــحنوها‬
‫باجلنــود‪ ،‬كمفــرزة متقدّمــة يف اجليــوش احلديثــة‪،‬‬
‫مثــل قلعــة املرقــب بالســاحل الســوري انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)142‬وأقامــوا نظــام التخــوم يف الثغــور‪ ،‬وحــول‬
‫التحصينــات احلربيّــة الــي كانــوا يبالغــون يف‬
‫شــحنها باملرابطــن واجملاهديــن املسـلّحني‪ ،‬وارتكز‬
‫الدفــاع عــن األندلــس مــن هجمــات املغرييــن علــى‬
‫ثــاث قــاع عنــد سرقســطة وطليطلــة ومــاردة‪،‬‬
‫‪141‬‬ ‫الشكل‬
‫واختــذ املســلمون األبــراج ملراقبــة حت ـرّكات العــدو‬
‫(‪ )1‬العمــارة احلربيــة ‪ -‬يف شــرق العــامل اإلســامي ‪ -‬عــر العصــور ‪ -‬مساهتــا وأحــدث مــا كتــب عنهــا يف العــامل ‪ -‬د‪.‬‬
‫حممــد اجلهيــي وكيــل كليــة اآلثــار ‪ -‬جامعــة جنــوب الوادي‪.‬‬

‫‪438‬‬
‫قبــل اقرتابــه‪ ،‬وتنقــل املصــادر أنّ احلجّــاج بــن يوســف الثقفــي بنــى املناظــر بينــه وبــن‬
‫قزويــن‪ ،‬وكان إذا دخّــن أهــل قزويــن دخّنــت املناظــر إن كان هنــاراً‪ ،‬وإن كان ليـاً أشــعلوا‬
‫نريانــاً فتجــرّد اخليــل إليهــم فكانــت املناظــر متصلــة بــن قزويــن وواســط‪ ،‬فكانــت‬
‫قزويــن ثغــراً حينئــذ‪ ،‬وكانــت األربطــة تقــوم مبهمّــة حراســة الســواحل‪ ،‬ومحايتهــا‬
‫مــن الغــارات البحريّــة املفاجئــة‪ ،‬أمــا املرابطــون فكانــوا يعيشــون حيــاة زهــد وتقشّــف‬
‫وعبــادة وذكــر‪ ،‬حتــت إشــراف شــيوخهم مــن الفقهــاء واملتصوّفــة‪ ،‬وكانــت احلراســة مــن‬
‫صفــات املرابطــة‪ ،‬وغالبـاً مــا كان يلحــق باألربطــة منــارات أو طالئــع‪ ،‬الكتشــاف العــدو‬
‫قبــل اقرتابــه مــن الســاحل مبســافة بعيــدة‪ ،‬وحتذيــر ســكان املــدن الســاحليّة مــن خطــر‬
‫األســاطيل املعاديــة‪ ،‬واســتنفار املســلمني لقتاهلــا‪ ،‬وذكــر ابــن بطوطــة أنّ الغرناطيّــن‬
‫قامــوا بوضــع سلســلة مــن التحصينــات علــى ســواحلهم‪ ،‬وخاصّــة أبــراج الطليعــة‪،‬‬
‫ووضعــوا يف قمّتهــا ناظــور الــرج‪ ،‬وكانــت مهمّــة الناظــور تنبيــه احلاميــة الســاحليّة إذا‬
‫أغــار األعــداء بإثــارة الدخــان يف النهــار‪ ،‬وإضــرام النــار يف الليــل‪ ،‬وذكــر اخلطيــب أنّ‬
‫احلاجــب رضــوان شـيّد أربعــن مــن هــذه األبــراج‪ ،‬يف عهــد يوســف األول‪ ،‬علــى امتــداد‬
‫الســاحل بــن بــرة وغــرب مملكــة غرناطــة‪ ،‬وكانــت أســوار املــدن املفتوحــة تتوسّــع مــع‬
‫التوسّــع العمرانــي للمــدن الــي ينزهلــا املســلمون‪ ،‬كمــا حــدث يف مــدن األندلــس‪ ،‬وكان‬
‫املســلمون حيفــرون اخلنــادق حــول أســوار املــدن والقــاع مبالغــة يف التحصــن مــن‬
‫خطــر األعــداء‪ ،‬تيمّنـاً خبنــدق املدينــة املنـوّرة‪ ،‬وميلئوهنــا أحيانـاً باملــاء عنــد اإلحســاس‬
‫باخلطــر‪ ،‬كخنــدق بغــداد‪ ،‬وخنــدق واســط‪ ،‬وخنــدق قلعــة صهيــون‪ ،‬قــرب الالذقيــة‪،‬‬
‫وذكــرت الســيدة (هونكــه)(‪ )1‬يف كتاهبــا مشــس‬
‫اهلل علــى الغــرب أن الصليبيّــن محلــوا معهــم‬
‫مــن الشــرق أســاليب بنــاء األبــراج احلجريّــة‬
‫واملعــدّات احلربيّــة الــي أدخلــت عليهــا‪،‬‬
‫ومــن هــذه الوســائل ‪ -‬املداخــل املســتديرة‬
‫‪142‬‬ ‫الشكل‬ ‫ّ‬
‫وتعطــل الق ـوّة اهلجوميّــة للعــدو‪،‬‬ ‫الــي تعرقــل‬

‫(‪ )1‬مشس اهلل على الغرب ص ‪ 363‬اجنريدهونكة‪.‬‬

‫‪439‬‬
‫وكذلــك اخلــوارج للدفــاع‪ ،‬فمثلهــا كمثــل األبــراج القائمــة يف احلوائــط‪ ،‬إذ هــي متكــن‬
‫مــن القيــام هبجــوم أودفــاع جانــي‪ ،‬أمــا اخلــوارج الدافقــة فقــد أقبــل عليهــا األوروبيّــون‬
‫إقبــاالً عظيمــاً‪ ،‬فهــذا النــوع مــن اخلــوارج‪ ،‬عربــي أصيــل جاهلــي‪ ،‬وهــو عبــارة عــن‬
‫حوامــل تــرز مــن احلائــط‪ ،‬وفوقهــا مبنــى يشــبه الشــرفة‪ ،‬ويف أرضــه فســحة يدفق منها‬
‫علــى العــدو الزيــت احلــار الســاخن أو القــار‪ ،‬وقــد أحضــر الصليبيّــون معهــم من الشــرق‬
‫عــاوة علــى مــا ذكــر‪ ،‬عــادة تغطيــة األبــراج خبــوذات مــن احلجــر‪ ،‬وهــي الــي تتــدرّج‬
‫مــن مربعــات إىل مثمنــات‪ ،‬ثــم إىل دوائــر(‪ ،)1‬ومــن التدابــر العســكرية الــي اختذهــا‬
‫صــاح الديــن وأمــراؤه‪ ،‬ربــط مــدن مصــر اإلســاميّة الثــاث الفســطاط‪ ،‬والقطائــع‬
‫والقاهــرة بســور واحــد ليســهل عليهــم الدفــاع عنهــا‪ ،‬وتشــييد قلعــة اجلبــل علــى هضبــة‬
‫صخريّــة منيعــة‪ ،‬وحفــر خندقهــا يف الصخــر‪ ،‬زيــادة يف التحصــن‪ ،‬وبنــاء مســجد جامــع‬
‫لرفــع املعنويّــات باملواعــظ واخلطــب‪ ،‬وقــام خلفــاء صــاح الديــن مــن بعــده‪ ،‬جبهــد‬
‫حممــود يف حتصــن مــدن مصــر‪ ،‬وخاصّــة امللــك الصــاحل جنــم الديــن أيــوب بانــي قلعــة‬
‫الروضــة املعروفــة بقلعــة اجلزيــرة انظــر الشــكل (‪ ،)143‬وبقلعــة الصاحليــة‪ ،‬وبقلعــة‬
‫املقيــاس‪ ،‬وكانــت حتــوي ســتني برجـاً وأســواراً شـيّدت مــن احلجــر‪ ،‬ومــن الداخــل كانــت‬
‫تشــتمل علــى مســجد جامــع وبســاتني وقصــور رائعــة‪ ،‬كمــا شــحنت بالســاح‪ ،‬وآالت‬
‫احلــرب‪ ،‬ومــا حيتــاج إليــه مــن الغــال واألزواد خشــية حماصــرة الفرجنــة‪ ،‬ونظــراً‬
‫ألمهيّــة ســيناء مــن الناحيــة العســكريّة‪ ،‬فقــد بنــى الناصــر صــاح الديــن األيّوبــي قلعــة‬
‫حمصّنــة حتــوي حجــرات للجنــود واملطابــخ وردهــة للتخزيــن حتــت مســتوى األرض‪،‬‬
‫ومســجداً وصهرجي ـاً‪ ،‬وعندمــا شــيد املنصــور العباســي مدينتــه املــدوّرة دار الســام‪،‬‬
‫أحــاط هبــا أســواراً مزدوجــة تؤ ّلــف حلقتــن متتابعتــن هلــا أربعــة أبــواب‪ ،‬وهــي بــاب‬
‫خراســان(‪ ،)2‬وبــاب البصــرة‪ ،‬وبــاب الكوفــة‪ ،‬وبــاب الشــام‪ ،‬وبنــى اخلليفــة يف وســط‬
‫املدينــة قصــره وجامعــه‪ ،‬ليمثــل القصــر عاصمــة اإلمرباطوريّــة‪ ،‬واملركــز الــذي يتجــه‬
‫إليــه الشــعب(‪ ،)3‬وملّــا ورد الرحّالــة ناصــر خســرو القاهــرة ذكــر أنّ هلــا مخســة أبــواب‬
‫(‪ )1‬يف تاريخ وحضارة اإلسالم يف األندلس ص ‪ 235‬د‪ .‬السيد عبد العزيز سامل‬
‫(‪ )2‬آثار مصر اإلسالمية ص ‪ 150‬د‪ .‬حممد حممد الكحالوي‬
‫(‪ )3‬إمرباطورية العرب ص ‪ 473‬جون باجوت جلوب‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫‪ -‬بــاب النصــر‪ ،‬وبــاب الفتــوح‪ ،‬وبــاب القنطــرة‪ ،‬وبــاب الزويلــة‪ ،‬وبــاب اخلليــج‪ ،‬وليــس‬
‫للمدينــة قلعــة ولكــن أبنيتهــا أقــوى وأكثــر ارتفاعـاً مــن القلعــة وكل قصــر حصــن ومعظــم‬
‫العمــارات تتألــف مــن مخــس أو ســت طبقــات(‪ ،)1‬ومل يغفــل املســلمون عــن شــحن‬
‫قالعهــم بالرجــال املدرّبــن األش ـدّاء‪ ،‬وخزائــن الســاح‪ ،‬وصهاريــج امليــاه‪ ،‬وإهــراءات‬
‫احلبــوب‪ ،‬لتصمــد فــرات طويلــة يف وجــه األعــداء احملاصريــن‪.‬‬

‫تطور وابتكارات املسلمني يف فن العمارة احلربيّة‪:‬‬

‫يعــود للمســلمني الفضــل يف ابتــكار كثــر مــن األســاليب الفنيّــة‪ ،‬واإلبداعــات العمرانيّــة‬
‫احلربيّــة‪ ،‬فقــد أضــاف املســلمون إىل أبــواب األســوار اخلارجيّــة أبوابـاً داخليّــة موازيــة‬
‫هلــا‪ ،‬للمبالغــة يف إحــكام إغــاق هــذه األبــواب‪ ،‬وابتكــر املرابطــون عنــد بنائهــم لســور‬
‫إشــبيلية نظامـاً جديــداً‪ ،‬ذلــك أ ّنهــم أكثــروا من الزوايــا الداخليّة واخلارجيّــة فيه‪ ،‬حبيث‬
‫يتخــذ شــكل خطــوط متعرّجــة متكسّــرة ليســهل عليهم القضاء على األعــداء املهامجني‪،‬‬
‫والفتــك هبــم‪ ،‬وجعلــوا يف اجلــدران الصمــاء للحصــون واألبــراج فتحــات موشــوريّة‬
‫إلطــاق الســهام علــى األعــداء‪ ،‬ومحايــة املدافعــن عــن املوقــع احلربــي‪ ،‬واســتخدموا‬
‫الزيــت املغلــي لصبّــه علــى رؤوس األعــداء املهامجــن مــن فتحــات معـدّة هلــذا الغــرض‬
‫فــوق أبــواب احلصــون واألســوار‪ ،‬عنــد حماولــة اقتحامهــا‪ ،‬وكانــت احلصــون يف معظــم‬
‫األحيــان تشــتمل علــى خمــازن للطعــام‪ ،‬وعلــف للــدواب‪ ،‬وعلــى خزّانــات للميــاه‪ ،‬تكفــي‬
‫حاجــة احملاصريــن داخلهــا أشــهراً عديــدة‪ ،‬وتشــمل أحيانـاً علــى قصــور ودور‪ ،‬ومســجد‬
‫جامــع‪ ،‬وحوانيــت‪ ،‬كأ ّنهــا مدينــة صغــرة‪.‬‬
‫وبنــى املســلمون فــوق أســوار مدهنــم دروب ـاً‪،‬‬
‫مسّوهــا ممشــى الســور‪ ،‬يســر عليهــا‬
‫املدافعــون عــن الســور‪ ،‬وتوسّــعوا يف بنــاء‬
‫األبــراج الربانيّــة العاليــة القويّــة‪ ،‬وتشــييد‬
‫أبــراج املراقبــة أو الطليعــة‪ ،‬وخاصّــة يف بــاد‬
‫‪143‬‬ ‫الشكل‬ ‫األندلــس بعــد اشــتداد اخلطــر الشــمايل‬
‫(‪ )1‬سفر نامة ج ‪ 1‬ص ‪ 90‬ناصر خسرو‪.‬‬

‫‪441‬‬
‫عليهــم‪ ،‬وشــيدت قلعــة آمــد علــى صخــرة واحــدة طوهلــا ألفــا قــدم وعرضهــا كذلــك(‪،)1‬‬
‫وهــي حماطــة بســور مــن احلجــر األســود‪ ،‬كل حجــر منــه يــزن مــا بــن مائــة وألــف‬
‫ط ـنّ‪ ،‬وأكثــر هــذه احلجــارة ملتصــق بعضــه بالبعــض مــن غــر طــن أو جــص وارتفــاع‬
‫الســور عشــرون ذراع ـاً وعرضــه عشــر أذرع‪ ،‬وقــد بــي علــى بعــد كل مائــة ذراع بــرج‬
‫نصــف دائرتــه مثانــون ذراعــاً وشــرفاته مــن هــذا احلجــر بعينــه‪ ،‬وقــد شــيّدت يف‬
‫عــدّة أماكــن داخــل املدينــة ســامل مــن احلجــر ليتيسّــر الصعــود إىل الســور‪ ،‬وقــد‬
‫بنيــت قلعــة علــى قمّــة كل بــرج‪ ،‬وهلــذه املدينــة أربعــة أبــواب كلّهــا مــن احلديــد الــذي ال‬
‫خشــب فيــه‪ ،‬يطـ ّل كل منهــا علــى جهــة مــن اجلهــات األصليّــة‪ ،‬ويســمى البــاب الشــرقي‬
‫بــاب دجلــة‪ ،‬والغربــي بــاب الــروم‪ ،‬والشــمايل بــاب األرمــن‪ ،‬واجلنوبــي بــاب التــل‪،‬‬
‫وخــارج هــذا الســور ســور آخــر مــن نفــس احلجــر‪ ،‬ارتفاعــه عشــر أذرع‪ ،‬ومــن فوقــه‬
‫شــرفات فيهــا ممــر يتّســع حلركــة رجــل كامــل الســاح‪ ،‬حبيــث يســتطيع أن يقــف فيــه‬
‫وحيــارب بســهولة‪ ،‬وهلــذا الســور اخلارجــي أبــواب مــن احلديــد شـيّدت خمالفــة ألبــواب‬
‫الســور الداخلــي‪ ،‬حبيــث لــو اجتــاز الســائر أبــواب الســور األوّل وجــب عليــه اجتيــاز‬
‫مســافة لبلــوغ أبــواب الســور الثانــي‪ ،‬وهــذه املســافة تبلــغ مخســة عشــر ذراعــاً(‪.)2‬‬
‫ومل تكتــف الدولــة املســلمة حبمايــة الســفن التجاريّــة وزوارق الصيّاديــن الــي تلجــأ‬
‫إىل موانئهــا مــن العواصــف البحريّــة‪ ،‬بــل قامــت حبمايتهــا مــن القراصنــة واملغرييــن‬
‫عليهــا وذلــك ببنــاء األســوار مــن جهــة البحــر وحفــر اخلنــادق مــن جهــة الــر‪ ،‬وشــد‬
‫السالســل يف مداخــل املوانــئ‪ ،‬ومــن املوانــئ الــي وصفهــا الرحّالــة طرابلــس وعــكا‪،‬‬
‫ويصــف صاحــب ســفر نامــة طرابلــس بأ ّنهــا‪ :‬مدينــة مشــيّدة حبيــث أنّ ثالثــة مــن‬
‫جوانبهــا مطلّــة علــى البحــر فــإذا مــاج علــت أمواجــه الســور‪ ،‬أمــا اجلانــب املطـ ّل علــى‬
‫اليابــس فيــه خنــدق عظيــم عليــه بــاب حديــدي حمكــم‪ ،‬ويف اجلانــب الشــرقي مــن‬
‫املدينــة قلعــة مــن احلجــر املصقــول عليهــا شــرفات ومقاتــات مــن احلجــر نفســه‪،‬‬
‫وعلــى قمّتهــا عـرّادات لوقايتهــا مــن الــروم فهــم خيافــون أن يغــر هــؤالء عليهــا بالســفن‪،‬‬
‫(‪ )1‬العمــارة والفنــون اإلســامية يف األندلــس ‪ -‬حنــان قصــاب حســن– قصــة اإلســام – إشــراف الدكتــور راغــب‬
‫الســرجاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬سفرنامة ج ‪ 1‬ص ‪ 42‬ناصر خسرو‪.‬‬

‫‪442‬‬
‫ومســاحة املدينــة ألــف ذراع مربّــع وأربطتهــا أربــع أو مخــس طبقــات ومنهــا مــا هــو‬
‫ســت طبقــات‪ ،‬ويصــف عــكا فيقــول‪ :‬عــكا قلعــة غايــة يف اإلحــكام يطــل جانباهــا‬
‫الغربــي واجلنوبــي علــى البحــر‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)144‬وعلــى األخــر مينــاء ومعظــم‬
‫مــدن الســاحل كذلــك‪ ،‬واملينــاء اســم يطلــق علــى اجلهــة الــي بنيــت للمحافظــة علــى‬
‫الســفن‪ ،‬وهــي تشــبه اإلســطبل وظهرهــا ناحيــة املدينــة‪ ،‬وحائطاهــا داخــان يف البحــر‬
‫وعلــى امتدادمهــا مدخــل مفتــوح طولــه مخســون ذراع ـاً وقــد ش ـدّت السالســل بــن‬
‫احلائطــن فــإذا أريــد إدخــال ســفينة إىل املينــاء أرخيــت السلســلة حتــى تغــوص يف‬
‫املــاء فتم ـرّ الســفينة فوقهــا ثــم تشــد حتــى ال يســتطيع عــدو أن يقصدهــا بســوء(‪.)1‬‬
‫وعكســت األعــداد الكثــرة للقــاع واحلصــون يف األندلــس مــدى األخطــار الــي حتيــط‬
‫هبــا‪ ،‬وحــرص األندلسـيّني علــى محايتهــا مــن القوى الشــماليّة املرتبّصة هبــا‪ ،‬فقلّما ختلو‬
‫منطقــة مهمّــة‪ ،‬أو مفــرق طــرق رئيســي‪ ،‬مــن قلعــة أو حصــن‪ ،‬وذلــك ألن حيــاة املســلمني‬
‫يف األندلــس املمتــدة مثانيــة قــرون كانــت يف جمملهــا عبــارة عــن حــروب ومعــارك بينهــم‬
‫وبــن بعضهــم مــن ناحيــة بفعــل العصبيّــة والتنافــس علــى امللــك والرئاســة‪ ،‬وبينهــم‬
‫وبــن النصــارى مــن ناحيــة أخــرى‪ّ ،‬‬
‫ويلخــص بعــض املؤرّخــن اإلســبان تاريــخ املســلمني‬
‫يف األندلــس مــع اإلســبان وحلفائهــم مــن النصــارى بأ ّنهــا معركــة القــرون الثمانيــة‪،‬‬
‫وذكــر األســتاذ عــادل بشــتاوي يف معــرض حديثــه عــن القــاع العربيّــة يف إســبانيا‪،‬‬
‫بــأنّ عــدد القــاع الــي بناهــا األندلســيّون بلغــت ‪ 400‬قلعــة‪ ،‬مل تبــق منهــا اليــوم‬
‫ســوى بضــع قــاع‪ ،‬ولكنهــا علــى قلّتهــا تقـدّم‬
‫فكــرة وافيــة عــن فــنّ العمــارة العســكريّة‬
‫وتفوقهــا علــى العمــارة اإلفرجنيّــة‪ ،‬ومــن‬
‫أشــهر القــاع القائمــة اليــوم قلعــة مقلــة‬
‫قــرب غرناطــة‪ ،‬وقلعــة املريّــة علــى الســاحل‬
‫اجلنوبــي انظــر الشــكل (‪ ،)145‬وقلعــة‬
‫‪144‬‬ ‫الشكل‬
‫مالقــة انظــر الشــكل (‪ ،)146‬وقلعــة املنكــب‬

‫(‪ )1‬سفرنامة ج ‪ 1‬ص ‪ 47‬ناصر خسرو‪.‬‬

‫‪443‬‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)147‬وقلعــة املــدور قــرب‬
‫قرطبــة الــي تعتــر أفضــل منــوذج للعمــارة‬
‫العســكرية األندلسـيّة املشــادة علــى الصخــر‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)148‬وقلعــة الــوادي قــرب‬
‫‪145‬‬ ‫الشكل‬ ‫إشــبيلية‪ ،‬وقلعــة املــوت املطلــة علــى مدينــة‬
‫القلعــة امللكيّــة علــى طريــق قرطبــة وهــي‬
‫غــر قلعــة املــوت اإلمساعيليّــة املشــهورة‪،‬‬
‫وأشــار إىل وجــود أســوار وحتصينــات‬
‫وبوّابــات مــن خمتلــف العهــود األندلســيّة‬
‫يف معظــم املــدن الرئيســيّة اجلنوبيّــة‪ ،‬مثــل‬
‫أســوار قصبــة احلمــراء يف غرناطــة‪ ،‬وأســوار‬
‫‪146‬‬ ‫الشكل‬ ‫الطــرف اجلنوبــي مــن قرطبــة‪ ،‬وبوّابــات‬
‫طليطلــة‪ ،‬واملدينــة امللكيّــة‪ ،‬وغريهــا(‪.)1‬‬
‫واهتم األندلسـيّون حبســن انتقاء موضع بناء قالعهم‪ ،‬حتى ال تكون ســجناً للمدافعني‬
‫عنهــا‪ ،‬مــع مراعــاة الناحيــة احلربيّــة‪ ،‬فعلــى مقربــة مــن إشــبيلية قلعــة مجيلــة رائعــة هي‬
‫قلعــة جابــر انظــر الشــكل (‪ ،)149‬وكثــراً مــا يتفــرج فيهــا أعياهنــا حلســنها يف املــروج‬
‫وامليــاه وكثــرة الطــر منهــا‪ ،‬ووصفــت قلعــة خــوالن وكانــت تتبــع شــذونية باألندلــس‪،‬‬
‫بأ ّنهــا قلعــة منيعــة كاملائــدة منقطعــة وهلــا كــروم وبســاتني وهنــر صغــر وأهلهــا هلــم‬
‫رجلــة وشـدّة ولعبهــم يف أكثــر األوقــات يف ظاهــر بلدهــم بالرمــاح والســيوف(‪ ،)2‬وأدرك‬
‫العثمانيّــون أمهيّــة األبنيــة العســكريّة يف محايــة األماكــن املقدّســة يف القــدس الشــريف‬
‫مــن الغــزاة والطامعــن‪ ،‬فــزادوا يف حتصينــات املدينــة‪ ،‬ورفعــوا أســوارها‪ ،‬وشــيّدوا‬
‫أبواهبــا‪ ،‬وشــحنوها بالرجــال والســاح‪ ،‬ومنهــا‪ :‬بــاب دمشــق املشــهور ببــاب العمــود‪،‬‬
‫وبــاب الســاهرة‪ ،‬وبــاب ســي مريــم‪ ،‬وبــاب اخلليــل‪ ،‬وبــاب النــي داود املشــهور ببــاب‬
‫صهيــون‪ ،‬وبــاب املغاربــة‪ ،‬وبــاب األســباط املشــهور ببــاب احلــرم انظــر الشــكل (‪،)150‬‬
‫(‪ )1‬األندلسيون املواركة ص ‪ 290‬عادل سعيد بشتاوي‪.‬‬
‫(‪ )2‬املغرب يف حلى املغرب ج ‪ 1‬ص ‪ 291‬ابن سعيد املغربي‪.‬‬

‫‪444‬‬
‫واســتغ ّل النورمانديّــون ضعــف أســوار‬
‫إشــبيلية ســنة ‪ 844‬هـ فدخلوها‪ ،‬لكن جيش‬
‫غرناطــة بقيــادة الفتــى نصــر‪ ،‬وجيــش الثغــر‬
‫األعلــى بقيــادة موســى بــن قســي‪ ،‬اســتعادا‬
‫إشــبيلية وطــردا منهــا احلاميــة النورمانديّــة‪،‬‬
‫‪147‬‬ ‫الشكل‬ ‫وعندئــذ أشــار الــوزراء علــى األمــر عبــد‬
‫الرمحــن األوســط ببنيــان ســور إشــبيلية‪،‬‬
‫وكتــب الوزيــر عبــد امللــك بــن حبيــب‪ ،‬إىل‬
‫األمــر عبــد الرمحــن إثــر حمنــة إشــبيلية‬
‫يف بنيــان ســورها وحتصينهــا‪ ،‬ووافــق ذلــك‬
‫مشــروع األمــر عبــد الرمحــن يف بنيــان‬
‫‪148‬‬ ‫الشكل‬ ‫زيادتــه باملســجد اجلامــع بقرطبــة‪ ،‬وذكــر‬
‫لــه الوزيــر يف كتابــه‪ :‬إنّ بنيــان ســور مدينــة‬
‫إشــبيلية‪ ،‬أوكــد عليــه مــن بنيــان الزيــادة يف‬
‫املســجد اجلامــع‪ ،‬فعمــل برأيــه يف بنيان ســور‬
‫إشــبيلية‪ ،‬ومل يثــن عزمــه عــن بنيــان الزيــادة‪،‬‬
‫فأعطــى كالً منهمــا بقســطه‪ ،‬مــن إرهــاق‬
‫‪149‬‬ ‫الشكل‬ ‫العزميــة‪ ،‬والســخاء بالنفقــة‪ ،‬إىل أن كمــا‬
‫مع ـاً كمــا أراد(‪ ،)1‬ومل تكــن القــاع الدفاعيّــة‬
‫احلصينــة الــي شــيّدوها علــى حــدود ديــار اإلســام تقــف دون قيامهــم حبمــات‬
‫عســكرية صيفيّــة‪ ،‬هدفهــا إثــارة الرعب يف قلــوب الطامعني‪ ،‬وتوقيع العقاب مبن يتجرأ‬
‫علــى معاهــدات األمــان‪ ،‬أل ّنهــم كانــوا يدركــون أنّ اهلجــوم هــو أفضــل طريقــة للدفــاع‪،‬‬
‫ومــن املؤســف حقــاً أن تتحــوّل القــاع اإلســاميّة رمــز عــزة املســلمني وصمودهــم‪،‬‬
‫وثغــور جهادهــم‪ ،‬وســجل ذكرياهتــم وقائعهــم‪ ،‬إىل ســجون لقهــر النــاس‪ ،‬أو إىل مياديــن‬

‫(‪ )1‬يف تاريخ وحضارة اإلسالم يف األندلس ص ‪ 232‬د‪ .‬السيد عبد العزيز سامل‪.‬‬

‫‪445‬‬
‫عامــة لالحتفــاالت الشــعبيّة‪،‬‬
‫والعــروض املســرحيّة‪ ،‬وحلبات‬
‫للرقــص‪ ،‬وأن تــرك عرضــة‬
‫دون‬ ‫الطبيعيــة‬ ‫للعوامــل‬
‫صيانــة أو ترميــم(‪.)1‬‬

‫وتوجــد اســتخدامات أخــرى‬


‫للعمــارة احلربيــة اإلســامية‬
‫خبــاف وظيفتهــا العســكرية‪،‬‬
‫‪150‬‬ ‫الشكل‬ ‫فقــد تعــددت الوظائــف الــي‬
‫تقــوم هبــا العمــارة احلربيــة‬
‫مــن حربيــة ومدنيــة ودينيــة مثــل األربطــة‪ ،‬حيــث إهنــا يف البدايــة نشــأت حربيــة‬
‫واســتخدمت للعبــادة والتصــوف كمــا اســتخدمت أيضـاً كمحطات جتارية ومســتودعات‬
‫حلفــظ املــواد التموينيــة والغذائيــة‪ ،‬وأيضـاً حمطــات بريديــة‪ ،‬كمــا أشــرفت أيضـاً علــى‬
‫أمــن الطــرق وســر العمليــات التجاريــة إداريـاً‪ ،‬باإلضافــة إىل حفــظ اخليــول واملواشــي‬
‫وأيضـاً حفــظ امليــاه يف اخلزانــات والصهاريــج(‪ ،)2‬وهنــاك العديــد مــن األشــكال للعمــارة‬
‫احلربيــة اإلســامية منهــا األســوار والبوابــات وهــذه بدورهــا بنيــت لتحمــي املــدن أو‬
‫القــاع واحلصــون‪ ،‬أمــا البوابــات فتعــد جــزءاً أساســياً مــن األســوار وتســتخدم يف‬
‫الدفــاع واهلجــوم لوجــود ســقطات وفتحــات لرمــي الســوائل احملرقــة ومزاغــل لرمــي‬
‫الســهام علــى املهامجــن‪ ،‬باإلضافــة إىل األبــراج وهــي عبــارة عــن بنــاء حربــي قــد يأخــذ‬
‫شــكل املربــع أو املســتدير وتكــون يف موضــع بــارز فــوق األســوار‪ ،‬وهنــاك أيضـاً احلصون‬
‫وتكــون يف موضــع اخلــاء وليــس بــه مدنيــون‪ ،‬وخيتلــف احلصــن عــن القلعــة‪ ،‬حيــث‬
‫إن القلعــة هبــا مدنيــون‪ ،‬والربــاط وهــو نــوع مــن أنــواع العمــارات العســكرية والدينيــة‬
‫يف نفــس الوقــت؛ لذلــك شــبهها الغــرب باألديــرة احملصنــة وأكثرهــا يوجــد يف مشــال‬

‫(‪ )1‬العمارة احلربيّة يف دار اإلسالم ‪ -‬اإلثنني‪ 05 ،‬متوز‪/‬يوليو‪ -‬حممد علي شاهني– موقع شبكة الناقد‪.‬‬
‫(‪ )2‬العمارة اإلسالمية أحد مظاهر احلضارة اليت ميزت التاريخ اإلسالمي ‪-‬البيان – مجيع احلقوق حمفوظة ©‬
‫‪ 2018‬مؤسسة دبي لإلعالم ‪ -‬املصدر القاهرة دار اإلعالم العربية ‪ -‬التاريخ‪ 15 :‬أبريل ‪.2011‬‬

‫‪446‬‬
‫إفريقيــا‪ ،‬وتتضمــن العمــارة احلربيــة اإلســامية أيضـاً القــاع وهــي مبنــى كبــر يشــتهر‬
‫بأســواره العاليــة وأبراجــه الضخمــة نســبياً وتظهــر مــن خالهلــا فوهــات املدافــع وتوجــد‬
‫بداخلهــا العديــد مــن املرافــق الــي تســاعد علــى الصمــود لفــرات طويلــة أمــام احلصــار‬
‫كمخــازن الذخــرة والطعــام ومســكن اجلنــود وآبــار حلفــظ املــاء وســكن للــوايل ومســجد‬
‫للصــاة إضافــة إىل الســجون واملعتقــات(‪.)1‬‬

‫أنواع العمارة احلربية‪:‬‬

‫كانــت هــذه األبنيــة احلربيــة ال تبنــى إال إذا هــددت األخطــار العــامل اإلســامي وكان‬
‫ذلــك يف القرنــن التاســع والعاشــر أيــام احلــروب املتقابلــة مــع البيزنطيــن‪ ،‬ومــن ثــم‬
‫كانــت احلمــات الصليبيــة ومــا اقتضتهــا مــن حــروب‪ ،‬وال شــك أن أكثــر األمــراء عنايــة‬
‫ببنــاء القــاع هــم ســاطني املماليــك وهــذا مــا كان يف القــرن (‪ ،)13/16‬وكان أمجــل‬
‫وأهــم تلــك القــاع قلعتــان اثنتــان يف ســوريا ومهــا قلعــة حلــب انظــر الشــكل (‪،)151‬‬
‫وقلعــة احلصــن انظــر الشــكل (‪ ،)152‬باإلضافــة إىل بعــض القــاع األخــرى الــي بنيــت‬
‫يف أحنــاء العــامل اإلســامي كقلعــة املــوت يف إيــران انظــر الشــكل (‪ ،)153‬وقلعــة اجلبــل‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)154‬الــي بناهــا صــاح الديــن يف القاهــرة وأقــدم تلــك القــاع يف‬
‫األندلــس قلعــة مريــدا الــي بناهــا عبــد الرمحــن الثانــي ‪ 835‬م‪ ،‬انظــر الشــكل (‪،)155‬‬
‫ومــن ثــم كان هنــاك نشــاط يف البنــاء العســكري بــدا واضحـاً يف القــرن احلــادي عشــر‬
‫امليــادي‪ ،‬يف عهــد املرابطــن‪ ،‬أنشــئت يف هــذه الفــرة مدينــه حمصنــه‪ ،‬وأقــدم قلعــة‬
‫بناهــا املرابطــون قلعــة صــور احلجــر ‪1062‬م انظــر الشــكل (‪ ،)156‬ومــن ثــم قلعــة بــي‬
‫محــاد انظرالشــكل (‪ ،)157‬واشــر ووجايــه وتاســفيمرت الواقعــة يف جنــوب شــرقي‬
‫مدينــة مراكــش‪ ،‬وثــم قلعــة الغديــرة الواقعــة قريبـاً مــن إشــبيلية‪ ،‬وشــهد القرنــان الثالــث‬
‫عشــر والرابــع عشــر يف املغــرب اســتمرار النشــاط املعمــاري للقــاع واحلصــون فبنيــت‬
‫حصــون فــاس ‪1276‬م وحصــن شــيله وحصــن جبــل طــارق انظــر الشــكل (‪،)158‬‬
‫وقصبتــه مــع الــرج املســتطيل يف القلعــة احلــرة(‪ ،)2‬وقلعــة صــاح الديــن انظــر الشــكل‬
‫(‪ )1‬العمارة اإلسالمية أحد مظاهر احلضارة اليت ميزت التاريخ اإلسالمي ‪-‬البيان–سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬األلوكة – احلصون والقالع – عمارهتا وأنظمتها ودورها التارخيي – الدكتور عبد الكريم السمك‪.‬‬

‫‪447‬‬
‫(‪ - )159‬يف القاهــرة علــى جبــل املقطــم‪،‬‬
‫وذلــك قبــل خروجــه مــن مصــر لتحريــر بيــت‬
‫املقــدس مــن أيــدي الصليبيــن‪ ،‬وجــاء بناؤهــا‬
‫بعــد أن أهنــى احلكــم الفاطمــي يف مصــر‪،‬‬
‫وقــد ابتــدأ البنــاء فيهــا ســنة (‪572‬هـــ‪-‬‬
‫‪579‬هـــ‪1183 -1176 /‬م)‪ ،‬وقلعــة مصيــاف‬
‫‪151‬‬ ‫الشكل‬
‫انظــر الشــكل (‪ - )160‬وكانــت قاعــدة‬
‫لطائفــة اإلمساعيليــة يف بــاد الشــام‪،‬‬
‫حصــن إنطاكيــة انظــر الشــكل (‪ - )161‬وقــد‬
‫ســبق احلديــث عنــه وكيــف اســتوىل عليــه‬
‫الصليبيــون‪ ،‬وقلعــة الكــرك انظــر الشــكل‬

‫‪152‬‬ ‫الشكل‬ ‫(‪ - )162‬بنيــت هــذه القلعــة بأمــر مــن ملــك‬


‫بيــت املقــدس (فولــك ‪ ،)Fulk‬والــذي بناهــا‬
‫هــو اإلقطاعــي الصليــي (لوبوتاييــه)‪ ،‬ثــم آل‬
‫أمرهــا إىل اإلقطاعــي (رينــو دي شــاتيون‬
‫«أرنــاط»)‪ ،‬وذلــك ســنة ‪1177‬م‪ ،‬وكان هــذا‬
‫الرجــل جمرم ـاً قطــع طريــق حــج املســلمني‪،‬‬
‫واعتــدى علــى قافلــة فيهــا شــقيقة صــاح‬
‫‪153‬‬ ‫الشكل‬
‫الديــن‪ ،‬وقــد متكــن صــاح الديــن مــن قتلــه‬
‫بيــده بعــد أن مت لــه أســره‪ ،‬وقلعــة دمشــق انظــر الشــكل (‪ - )163‬وهــي تعــد مــن أقــدم‬
‫االســتحكامات احلربيــة اإلســامية‪ ،‬فقــد بناهــا األمويــون‪ ،‬وقــد حلقهــا اخلــراب علــى‬
‫يــد العباســيني‪ ،‬وقــد تعــاون الفاطميــون مــع الصليبيــن علــى تســليمهم دمشــق‪ ،‬بعــد‬
‫القضــاء علــى الســاجقة(‪.)1‬‬

‫والقــاع يف معناهــا اللغــوي واالصطالحــي‪ :‬عــرَّف ابــن منظــور يف كتابــه لســان‬


‫(‪ )1‬مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪448‬‬
‫العــرب القلعــة بأهنــا‪ :‬احلصــن املمتنــع يف‬
‫جبــل‪ ،‬مجعهــا قِــاعٌ وقِلَــعٌ و َقلُــوعٌ؛ والقلْعــة‬
‫بســكون الــام هــي احلصــن املشــرف‪ ،‬وقــد‬
‫جــاء تعريفهــا يف املوســوعة العربيــة العامليــة‬
‫بأهنــا‪( :‬حصــن منيــع يشــيد يف موقــع يصعب‬
‫الوصــول إليــه‪ ،‬وغالبـاً مــا يكــون مشــيداً على‬
‫قمــة جبــل أو مشــرفاً علــى حبــر‪ ،‬وقــد وجــد‬
‫‪154‬‬ ‫الشكل‬
‫بعضهــا قائم ـاً علــى أرض منبســطة‪ ،‬وكانــت‬
‫القــاع واحلصــون عنــد العــرب وغريهــم‬
‫تــؤدي دور البيــت‪ ،‬مبــا حتتــوي عليــه مــن‬
‫غــذاء ومــاء ومســتلزمات العيــش والدفــاع‬
‫لســاكنيها) ويف املوســوعة اإلســامية جــاء‬
‫‪155‬‬ ‫الشكل‬
‫تعريــف القلعــة بأهنــا‪ :‬احلصــن‪ ،‬وهــي‬
‫مشــتقة مــن الكلمــة اإلســبانية الــي أخذهــا‬
‫اإلســبان مــن املســلمني‪ ،‬عندمــا أطلقــوا علــى‬
‫شــبه اجلزيــرة األيربيــة‪ ،‬الــي تضــم الربتغــال‬
‫وإســبانيا اســم (القــاع)‪ ،‬فالكلمــة اإلســبانية‬
‫(‪ )Al Cal,a‬هــي يف أصلهــا لفظــة عربيــة‪،‬‬
‫وهنــا فالداللــة اللفظيــة للحصــن والقلعــة‬
‫‪156‬‬ ‫الشكل‬ ‫واحــدة‪ ،‬وال خيتلــف كالمهــا عــن الغــرض‬
‫الــذي مــن أجلــه مت بنــاء القلعــة‪ ،‬والقــاع يف‬
‫نظــام البنــاء علــى ثالثــة أنــواع‪ ،‬إمــا أن تكــون‬
‫علــى جبــل أو هضبــة‪ ،‬أو خمندقــة وحوهلــا‬
‫مــاء‪ ،‬أو مــا جيمــع بــن اخلندقــة واالرتفــاع‪،‬‬
‫مثــل قلعــة حلــب الــي كان حييــط هبــا هنــر‬
‫‪157‬‬ ‫الشكل‬
‫قويــق(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬مرجع سبق ذكره‪..‬‬

‫‪449‬‬
‫وأما احلصون‪ :‬هو أكرب عمائر االستحكامات‬
‫احلربيــة‪ ،‬وهــو كل بنــاء حييــط مبســاحة مــن‬
‫األرض ليحميهــا وحيصنهــا‪ ،‬ضــد أي اعتداء‬
‫مــن داخــل البــاد أو مــن خارجهــا‪ ،‬ومــن ثــم‬
‫فــإن أســوار املــدن كانــت تعــرف يف العصــور‬
‫الوســطى باســم (احلصــون)‪ ،‬مثــل‪ :‬أســوار‬
‫‪158‬‬ ‫الشكل‬
‫بغــداد والقــروان واملدينــة املنــورة ودمشــق‪،‬‬
‫والدرعيــة وغريهــا مــن املــدن‪ ،‬وإىل اليــوم‪،‬‬
‫فــإن الكثــر مــن املــدن حتتفــظ بأســوارها‬
‫مثــل دمشــق واملــدن العثمانيــة والعمانيــة‪،‬‬
‫واألســوار الــي تتحصّــن املــدن هبــا تتميــز‬
‫عــن غريهــا بعلوّهــا ومتانتهــا‪ ،‬وذلــك هبــدف‬
‫الغــرض مــن بنائهــا‪ ،‬وقــد حدثنــا القــرآن‬
‫‪159‬‬ ‫الشكل‬
‫الكريــم يف ســورة احلشــر عــن خــروج بــي‬
‫النضــر مــن ديارهــم يف املدينــة‪ ،‬ثــم مــن‬
‫حصوهنــم يف خيــر‪ ،‬قــال تعــاىل‪ :‬يف ســورة‬
‫احلشــر {و ََظنُّــوا َأنَّهُــمْ مَانِعَ ُتهُــمْ حُصُو ُنهُــمْ مِــنَ اللَّــهِ‬
‫َف َأ َتاهُ ـمُ ال َّل ـهُ مِ ـنْ حَيْ ـثُ لَ ـمْ يَحْ َتسِ ـبُوا}(‪.)1‬‬
‫فمــن حصوهنــم خرجــوا إىل الشــام‪ ،‬وهلــذا‬
‫‪160‬‬ ‫الشكل‬ ‫فــكل حصــن يكــون حصنــاً وقلعــة وليــس‬
‫العكــس‪ ،‬وللقــاع دوراً كبــراً يف البنــاء‬
‫احلربــي‪ ،‬وكانــت هلــا االســتخدامات املدنيــة والعســكرية‪.‬‬
‫القلعــة‪ :‬هــي اســتحكام حربــي يُبنــى يف منطقــة إســراتيجية كاجلبــل والتــل أو الروابــي‬
‫الصخريــة أو علــى ســواحل البحــار‪ ،‬فهــي قاصــرة علــى املراقبــة والدفــاع ضــد أي‬
‫(‪ )1‬سورة احلشر (‪.)2‬‬

‫‪450‬‬
‫عــدوان خارجــي‪ ،‬فمكوناهتــا هــي مكونــات‬
‫احلصــن يف البنــاء‪ ،‬وكال البناءيــن خيدمــان‬
‫الغــرض يف مســألة الدفــاع وصــد أي هجــوم‬
‫خارجــي‪ ،‬والقلعــة بوصفهــا بنــاءاً حربيـاً فــإن‬
‫كل ســاكنيها عســكريون‪ ،‬خبــاف احلصــن‬
‫الــذي جيلــس فيــه احلاكــم ومــن معــه مــن‬
‫‪161‬‬ ‫الشكل‬
‫رعيتــه‪ ،‬ليتحــول إىل مدينــة صغــرة فيهــا‬
‫املســجد وقصــر احلكــم وغــر ذلــك مــن‬
‫املرافــق اخلدميــة‪ ،‬وكان هــذا مــا ذهبــت إليــه‬
‫الدكتــورة ســعاد ماهــر‪ ،‬يف بيــان الفــرق بــن‬
‫احلصــن والقلعــة‪ ،‬يف الداللــة االصطالحيــة‬
‫والغرضيــة لــكل منهمــا‪ ،‬يف دورمهــا املباشــر‬
‫‪162‬‬ ‫الشكل‬ ‫يف األعمــال احلربيــة والعســكرية‪ ،‬وبعــد‬
‫التعريــف هــذا؛ فــإن الغــرض احلربــي‬
‫والعســكري لكليهمــا هــو واحــد يتمثــل‬
‫يف حتقيــق األهــداف الــي مت البنــاء مــن‬
‫أجلهــا(‪.)1‬‬
‫‪163‬‬ ‫الشكل‬ ‫القلعة وأبنيتها املساندة‪:‬‬
‫‪ -‬املزاغــل‪ :‬فتحــات يف جــدران القلعــة‬
‫لرمــي القــاذورات واألوســاخ‪.‬‬
‫‪ -‬الســاقطات‪ :‬شــرفات تــرز متقدمــة‬
‫يف وجــه اجلــدران يف األســوار حصونـاً‬
‫‪164‬‬ ‫الشكل‬ ‫كانــت أو قالع ـاً ومنهــا ترمــى الســهام‬
‫والنــران وكذلــك يصــب الزيــت احلــار علــى املهامجــن‪.‬‬
‫(‪ )1‬األلوكة – احلصون والقالع – عمارهتا وأنظمتها ودورها التارخيي – الدكتور عبد الكريم السمك‪.‬‬

‫‪451‬‬
‫‪ -‬املقرنصات‪ :‬فن عربي يف بناء األقواس والزوايا يف القالع واملباني‪.‬‬
‫‪ -‬املرتاس‪ :‬وسيلة دفاعية يقف خلفها املدافعون عن القلعة أو احلصن‪.‬‬

‫‪ -‬الرببقــان‪ :‬عبــارة عــن بــرج كبــر‪ ،‬يبنــى علــى مســافة قريبــة مــن احلصــن أو‬
‫القلعــة‪ ،‬وبينــه وبــن احلصــن قنطــرة أو جســر يوصلــه يف القلعــة‪ ،‬وهــو وســيلة‬
‫مــن وســائل الدفــاع عــن القلعــة‪.‬‬

‫‪ -‬املشــربيات‪ :‬شــرفات خشــبية بــارزة علــى جــدار البنــاء تلعــب دور النافــذة مــن‬
‫الطوابــق العليــا‪.‬‬

‫‪ -‬الباشــورة‪ :‬عبــارة عــن مداخــل متعرجــة‪ ،‬تنعطــف مينــة ويســرة عنــد مدخــل‬
‫القلعــة‪.‬‬

‫وأهم القالع واحلصون من تلك العمارات احلربية‪:‬‬

‫‪ -1‬قلعــة حلــب‪ :‬وتقــع علــى هضبــة صخريــة وجــدت فيهــا آثــار بيزنطيــة ومعظــم‬
‫أبنيتهــا تعــود إىل زمــن امللــك الظاهــر غــازي الــذي جــدد حصوهنــا وبنــى منحدراهتــا مــن‬
‫أســفل اخلنــدق إىل األســوار ليتعــذر التســلق إليهــا‪ ،‬وقــد رممــت أســوارها مــراراً خــال‬
‫القــرون (‪ )14-15-16‬ويتألــف مــن بــرج ضخــم فيــه البــاب اخلارجــي الــذي ينفــذ‬
‫منــه إىل درج معلــق فــوق اخلنــدق‪ ،‬علــى عــدد مــن الركائــز واألقــواس‪ ،‬حتــى يصــل إىل‬
‫بــاب القلعــة الرئيســي‪ ،‬وهــو ذو واجهــة مجيلــة البنــاء والتزيــن وتقــوم مــن فوقــه قاعــة‬
‫العــرش‪ ،‬ويف داخــل القلعــة مســجدان يرجــع الكبــر منهمــا إىل ‪1213‬م‪.‬‬

‫‪ -2‬قلعــة احلصــن‪( :‬حصــن األكــراد) وتشــرف علــى ممــر محــص – طرابلــس – قربــة‬
‫تــل كلــخ‪ ،‬وأصــل بنائهــا غامــض واحتلهــا الصليبيــون ســنه ‪1210‬م ثــم صــارت بيــد‬
‫(اإلســبتارية) وهــم فرقــة دينيــة عســكرية مــن الصليبــن وبقيــت هلــم حتــى ســنة‬
‫‪1271‬م‪ ،‬إذ استســلموا للظاهــر بيــرس‪ ،‬وهــي مــن أمكــن األبنيــة احلربيــة الباقيــة يف‬
‫ســوريا‪.‬‬

‫‪452‬‬
‫‪ -3‬الربــاط‪( :‬الرباطــات) وهــي نــوع مــن العمــارات العســكرية والدينيــة مع ـاً‪ ،‬وشــبهها‬
‫الغربيــن باألديــرة احملصنــة‪ ،‬وهــي لصــد حمــاوالت الغــزو البحــري األوروبــي‪ ،‬وإعــداد‬
‫محــات اجملاهديــن‪ ،‬وأكثــر هــذه الرباطــات كانــت يف تونــس‪ ،‬ومنهــا ربــاط مدينــة‬
‫سوســة الــذي مت إنشــاؤه عــام ‪ 821‬م مــن قبــل أغالبــه‪ ،‬وخمططــه بســيط جــداً حييــط‬
‫ســور مربــع الشــكل مدعــم مــن زوايــاه‪ ،‬وحســب احملــاور بأبــراج‪ ،‬يرتفــع أحدهــا أكثــر‬
‫مــن غــره ملراقبــة العــدو‪ ،‬وبــاب الربــاط الوحيــد يف وســط أحــد األضــاع‪ ،‬ويف داخــل‬
‫الفنــاء يوجــد مصلــى وحجــرات للســكن والعمــل‪ ،‬ويشــتغل املرابطــون حبراســة الثغــور‪،‬‬
‫فيكلفــون منهــم حرسـاً دائمـاً يف املنــارة تراقــب قــدوم أســطول العــدو‪ ،‬وحرسـاً مســتعداً‬
‫للعمــل علــى أســطح الربــاط‪ ،‬أمــا بقيــة ســكان الربــاط فيلتفتــون إىل األعمــال اليوميــة‪،‬‬
‫فيؤمّنــون الطعــام والشــراب والســاح للمقاتلــة(‪.)1‬‬

‫مناذج من املنشآت الدينية‪( :‬املدينة املنورة ‪ -‬املدن الرتاثية ‪-‬عكا)‪:‬‬

‫إن اإلســام ديــن حضــري ويتضمــن الكثــر مــن التعاليــم اإلنســانية واالجتماعيــة‬
‫واالقتصاديــة والسياســية‪ ،‬ومنــذ ظهــور اإلســام وتعاليمــه الســمحة‪ ،‬فقــد حــاول‬
‫املســلمون وباألخــص املعماريــن املخططــن احلضريــن‪ ،‬آخذيــن بعــن االعتبــار مفهــوم‬
‫التخطيــط احلضــري لتلــك املــدن‪ ،‬وأن تكــون هــذه املــدن اجلديــدة يف دول اإلســام‪،‬‬
‫ذات مفاهيــم متأثــرة بالديــن اإلســامي بصــورة مباشــرة وغــر مباشــرة‪ ،‬وعليــه كانــت‪،‬‬
‫أمنــاط ختطيــط املــدن اجلديــدة متأثــرة باملفاهيــم اجلديــدة باإلســام‪ ،‬والســيما‬
‫طريقــة التعايــش والتعامــل داخــل املســتقر احلضــري‪ ،‬وعليــه انعكســت هــذه املفاهيــم‬
‫علــى طريقــة تشــكيل األمنــاط اجليومرتيــة باملفهــوم التخطيطــي احلضــري‪ ،‬متأثــرة‬
‫باحلضــارة العربيــة يف اجلزيــرة العربيــة‪ ،‬وحضــارة وادي الرافديــن والنيــل بصــورة‬
‫مباشــرة وغــر مباشــرة مــع التطويــر والتحســن(‪.)2‬‬

‫(‪ )1‬تاريخ الفن عند العرب واملسلمني – أنور الرفاعي – دار الفكر‪.‬‬
‫(‪ )2‬جملــة كليــة الرتبيــة ‪ /‬واســط العــدد احلــادي عشــر– ‪ - 271‬ختطيــط وعمــارة املدينــة اإلســامية مدينــة دمشــق‬
‫القدميــة ‪« -‬منــوذج حضــري لقمــة التعايــش والتعامــل يف املنظــور اإلســامي» ‪ -‬م‪.‬م ميــادة عبــد امللــك حممــد صــري‬
‫‪ -‬معهــد التخطيــط احلضــري واإلقليمــي _للدراســات العليا‪.‬‬

‫‪453‬‬
‫مفهوم املدينة اإلسالمية‪:‬‬
‫املدينــة والتمديــن أرقــى إجنــاز توصــل إليــه اإلنســان يف اســتقراره علــى األرض‪ ،‬وهــي‬
‫وليــدة احلضــارة‪ ،‬وهــي مركــز اإلشــعاع الفكــري‪ ،‬وأســلوب متقــدم مــن أســاليب احليــاة‬
‫واملدينــة اإلســامية‪ ،‬ال ختــرج عــن هــذا اإلطــار‪ ،‬فهــي مجــاع املظاهــر املاديــة للحضــارة‬
‫اإلســامية‪ ،‬الــي تعــر عــن طبيعــة الفكــر اإلســامي‪ ،‬ســواء مببادئــه العامــة‪ ،‬أو‬
‫جزئيــات تطبيقــه‪ ،‬فاملدينــة اإلســامية هــي املــكان احلضــاري الــذي يتــم فيــه التفاعــل‬
‫بــن النــاس علــى وفــق قيــم مقدســة حيرتمهــا اجلميــع‪ ،‬نابعــة مــن املفاهيــم املتمثلــة‬
‫مبصدريهــا الرئيســن القــرآن الكريــم والســنة النبويــة الشــريفة لــدى اجملتمــع‪ ،‬وقــد‬
‫ورد عــن رســول اهلل ‪ ‬قولــه‪ :‬ال مجعــة وال تشــريق وال فطــر وال أضحــى إال يف مصــر‬
‫جامــع أو مدينــة عظيمــة‪ ،‬وهــذا يفســر لنــا أن املــدن واألمصــار‪ ،‬هــي الــي تتحقــق هبــا‬
‫صــاة اجلمعــة‪ ،‬وفيهــا الســلطان يقيــم احلــدود‪ ،‬وقــاض ينفــذ األحــكام‪ ،‬فقــد وجــدت‬
‫املدينــة اإلســامية يف اإلســام دســتوراً واضح ـاً كان عليهــا أن تطبقــه‪ ،‬وكان الســعي‬
‫وراء توصيــل أفــكاره للعامــة‪ ،‬مــن مهمــة الفقهــاء والعلمــاء املفكريــن الدينيــن الذيــن‬
‫حاولــوا ذلــك وإن اختلفــت مذاهبهــم‪ ،‬وبنــاءً علــى ذلــك‪ ،‬فــإن املدينــة «نظــام اجتماعــي‪،‬‬
‫ونظــام اقتصــادي ونظــام سياســي‪ ،‬وعلــى أهنــا عمــل فــي وأداة لالتصــال(‪ ،)1‬لــذا‬
‫فاملدينــة العربيــة اإلســامية «ليســت جمــرد ظاهــرة جغرافيــة أو تارخييــة فحســب‪ ،‬بــل‬
‫هــي أوالً وقبــل كل شــيء ظاهــرة دينيــة اتســمت بتعبــر وتنظيــم مكانــي حســب مــا جــاء‬
‫يف التشــريع اإلســامي‪ ،‬إذ امتزجــت فيهــا القوانــن املاديــة بالقيــم الروحيــة(‪ ،»)2‬هلــذا‬
‫فــإن املدينــة اإلســامية تعــد انعكاسـاً لنظــام عقائــدي واجتماعــي وثقــايف‪ ،‬فنســيجها‬
‫احلضــري وتكوينهــا الفضائــي جــاء نتيجــة لتفاعــل اإلنســان مــع بيئتــه احلضريــة‪،‬‬
‫حتــت مفهــوم عــام هــو اإلســام‪ ،‬ومــن املالحــظ أن أغلبيــة املــدن اإلســامية مل تنشــأ‬
‫يف عصــر صــدر اإلســام مــن قبــل املســلمني أنفســهم األمــر الــذي كان مــن الواضــح‬
‫(‪ )1‬الیســیف‪ ،‬نیكیتــا‪ ،‬التخطیــط املــادي‪ ،‬مقالــة مــن حلقــة التــدارس الــي عقــدت مبركــز الشــرق األوســط التابــع‬
‫لكلیــة الدراســات الشــرقیة جامعــة كمــرج‪ ،‬اململكــة املتحــدة ‪ -‬حتــت عنــوان «املدینــة اإلســامیة»‪ ،‬ترمجــة امحــد‬
‫تعلــب‪ ،‬أشــرف علــى النشــر ‪ -‬رب ســرجنت‪ ،‬الیونســكو‪1983 ،‬ص‪.1‬‬
‫(‪ )2‬اجلادرجــي رفعــت‪ ،‬الــراث ضــرورة‪ ،‬جملــة احتــاد املھندســین العــرب‪ ،‬العــدد‪ 37 /1985 -‬إصــدار األمانــة العامــة‬
‫الحتــاد املھندســین العرب‪ ،‬بغــداد‪1985 ،‬ص‪.23‬‬

‫‪454‬‬
‫دور التحــول يف الفكــر وتأثــره يف تغيــر معــامل املدينــة وحتويلهــا إىل طابعهــا اجلديــد‬
‫املتأثــر باملنظومــة الكامنــة الــي هــي هنــا الفكــر املتمثــل بالديــن الــذي ميثــل منوذج ـاً‬
‫حضريـاً للتعايــش بــن النــاس(‪ ،)1‬ولقــد بــدأ ختطيــط املــدن والعمــارة اإلســامية منــذ‬
‫اهلجــرة إىل املدينــة املنــورة حــن أصبــح للمســلمني مدينتهــم األوىل‪ ،‬وكانــت تقــع علــى‬
‫طريــق التجــارة إىل الشــام وذات تربــة خصبــة وميــاه وفــرة مقارنــة مبناطــق أخــرى يف‬
‫احلجــاز‪ ،‬وعلــى هــذا كان ليثــرب بنيــة إقتصاديــة جيــدة‪ ،‬حيــث توفــرت فيهــا الزراعــة‬
‫والتجــارة‪ ،‬باإلضافــة إىل بعــض الصناعــات احلرفيــة مثــل التعديــن‪ ،‬وكانــت يثــرب أيضاً‬
‫تتميــز بتنــوع دميوغــرايف ميثلــه وجــود اليهــود بكثــرة‪ ،‬كمــا كانــت تفتقــر إىل ســلطة‬
‫سياســية مركزيــة‪ ،‬ممــا أدى اســتمرار اخلصومــات وحتوهلــا إىل حالــة دائمــة فيهــا‪،‬‬
‫حــن ســيطر عليهــا اإلســام‪ ،‬وكان أول تغيــر حيــدث هــو ظهــور الســلطة املركزيــة‬
‫املتمثلــة بالرســول الكريــم حممــد ‪ ،)2(‬ولقــد قــام عمــران املــدن علــى مبــدأ حتقيــق‬
‫األمــن والســامة‪ ،‬الــذي يتمثــل يف نظــام األحيــاء وأبواهبــا واألســوار الواســعة وأبــواب‬
‫املدينــة املنيعــة‪ ،‬كمــا يقــوم علــى مبــدأ تثبيــت الروابــط القبليــة واملهنيــة بتوزيــع األحيــاء‬
‫الســكنية حســب التعدديــة األثنيــة‪{ ،‬وجعلناكــم شــعوب ًا وقبائــل لتعارفــوا}‪ ،‬لتحقيــق وحــدة‬
‫اجتماعيــة متماســكة متضامنــة بعيــداً عــن التنافــر واحلساســيات(‪.)3‬‬

‫ويف فنــون العمــارة اإلســامية مواصفــات حضاريــة دينيــة تبــدو واضحــة يف عمــران‬
‫املــدن اإلســامية‪ ،‬حيــث حيــدد املشــهد البصــري للمدينــة اإلســامية خصائــص دينيــة‬
‫روحيــة‪ ،‬تتجلــى أو ًال يف هيمنــة املســجد اجلامــع الــذي يقــع يف مركــز املدينــة‪ ،‬وتتحلــق‬
‫األبنيــة حولــه‪ ،‬فهــو املركــز الــذي يشــع املعانــي الســامية والقيــم والثقافــة‪ ،‬متمثلــة بــدور‬
‫القــرآن واحلديــث وباملــدارس والزوايــا والبيمارســتانات واملكتبــات وحوانيــت العطاريــن‪،‬‬
‫كمــا تقــوم يف أطــراف املدينــة األســوار املنيعــة‪ ،‬ومثــة قلعــة حلمايــة الســلطة وحوهلــا‬
‫أســواق اخليــل وأســواق ال ّسُـرَجي ّيَة والعلــف‪.‬‬

‫(‪ )1‬جملــة كليــة الرتبيــة ‪ /‬واســط العــدد احلــادي عشــر – ‪ - 271‬ختطيــط وعمــارة املدينــة اإلســامية مدينــة دمشــق‬
‫القدميــة ‪« -‬منــوذج حضــري لقمــة التعايــش والتعامــل يف املنظــور اإلســامي» ‪ -‬م‪.‬م ميــادة عبــد امللــك حممــد صــري‬
‫‪ -‬معهــد التخطيــط احلضــري واإلقليمــي _للدراســات العليا‪.‬‬
‫(‪ )2‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪ -‬أول ختطيط عمراني يف اإلسالم‪.‬‬
‫(‪ )3‬كتاب (فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس) ‪ -‬اسم املؤلف‪ :‬د‪ .‬عفيف البهنسي‪.‬‬

‫‪455‬‬
‫وتكتمــل عناصــر املدينــة اإلســامية عندمــا تتشــكل األحيــاء‪ ،‬وبينهــا األزقــة واحلــارات‬
‫الــي تؤلــف شــرايني املدينــة‪ ،‬حيــث يتواصــل النــاس‪ ،‬وهــم يف مأمــن مــن عــوارض‬
‫الطبيعــة‪ ،‬الشــمس واملطــر والعواصــف‪ ،‬بــل هــم يف غايــة االرتيــاح عندمــا ميــرون‬
‫هبــذه الطرقــات امللتويــة الضيقــة أو العريضــة‪ ،‬تفاجئهــم وراء كل منعطــف‪ ،‬مشــاهد‬
‫البيــوت وجتمعــات الســكان‪ ،‬ويصلــون إىل بيوهتــم أو أســواقهم وأعماهلــم دومنــا عنــاء‬
‫ودون وســائط نقــل‪ ،‬وحتــدد هــذه الطرقــات حــدود األحيــاء مقــر العشــائر أو األســر‬
‫أو أصحــاب املهــن املشــركة‪ ،‬وهكــذا تتكــون املدينــة اإلســامية مــن جمموعــات اثنيــة‬
‫حتقــق تضامنــاً اجتماعي ـاً‪ ،‬يقــوم علــى روابــط متينــة‪ ،‬إضافــة إىل الروابــط الدينيــة‬
‫الــي تتجلــى باجتماعهــم املســتمر يف الصــاة اجلامعــة أو أيــام اجلمــع واألعيــاد وشــهر‬
‫رمضــان(‪.)1‬‬

‫وحــن تشــكلت يف عهــد الرســول مالمــح املدينــة العمرانيــة واملعماريــة‪ ،‬بــدءاً مــن عمــارة‬
‫مســجده ومســكنه والســوق ومصلــى العيــد إىل التحصــن احلربــي للمدينــة(‪.)2‬‬
‫العوامل املؤثرة يف ختطيط املدن والعمارة اإلسالمية‪:‬‬
‫تأثــر ختطيــط املدينــة والعمــارة اإلســامية بعوامــل ومؤثــرات كثــرة شــكلت هيــكل‬
‫املدينــة والعناصــر املعماريــة ومــن أهــم هــذه العوامــل‪:‬‬
‫‪ -‬فتوحــات اإلســام يف بــاد متحضــرة شــرقاً وغرباً واتســاع نطــاق اإلمرباطورية‬
‫اإلســامية مــن اهلنــد اىل األندلس‪.‬‬
‫‪ -‬البواعــث الدينيــة والنظــم السياســية واالجتماعيــة والتشــريعية الــي أوجدهــا‬
‫اإلســام‪ ،‬ومفهــوم كل شــعب منــه‪.‬‬
‫‪ -‬فنــون األمــم العربيــة الــي اســتوطنت أطــراف اجلزيــرة وجماورهتــا لألمــم‬
‫املتمدنــة‪ ،‬وتأثــر فنــون هــذه األمــم علــى فنــون العــرب والعمــارة قبــل اإلســام‪.‬‬
‫‪ -‬تأثــر بقايــا احلضــارات الســابقة يف األقاليــم والبــاد املختلفــة علــى العمــارة‬
‫(‪ )1‬كتاب (فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس) مرجع سبق ذكره‪.‬‬
‫(‪ )2‬خالد عزب ‪ -‬املركز اإلعالمي ‪ -‬تاريخ وحضارة‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫اإلســامية مثــل ظهــور الطــراز املعمــاري األول يف ســوريا حيــث أقــام األمويــون‬
‫دولتهــم‪ ،‬فتأثــرت عمارهتــا بعمــارة الفــن البيزنطــي‪ ،‬وفــى بغــداد حيــث ظهــرت‬
‫الدولــة العباســية‪ ،‬فتغــرت أســاليب العمــارة وغلبــت األســاليب الفارســية علــى‬
‫عناصــر العمــارة اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -‬االقتبــاس مــن فنــون األمــم األخــرى الــي أصبحــت حتــت حكــم العــرب مــع‬
‫صبغهــا بالــروح اإلســامية وبقــاء صبغهــا حمليــاً‪ ،‬واســتخدام الصنــاع مــن‬
‫خمتلــف البــاد‪ ،‬وتأثــر مهارهتــم علــى الفنــون اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -‬تعدد مواد البناء وأنواعها يف خمتلف األقاليم‪.‬‬
‫‪ -‬اختــاف الطقــس واملنــاخ‪ ،‬معتــدل علــى ســواحل البحــر األبيــض املتوســط‬
‫غزيــر األمطــار يف الشــتاء‪ ،‬شــديد احلــرارة ومشــمس‪ ،‬وأمطــار نــادرة يف معظــم‬
‫أحنــاء البلــدان العربيــة ‪ -‬يف األندلــس أمطــار غزيــرة وثلــج يف الشــمال وفــى‬
‫بعــض املناطــق اجلبليــة‪.‬‬

‫اخلصائص العامة لتخطيط العمارة يف املدينة اإلسالمية‪:‬‬


‫إن الطــراز املعمــاري ومصــادره وأصــول أفــكاره يف عمارتنــا اإلســامية الــي متيــزت‬
‫بالبعــد الفكــري العميــق وباحلــس اهلندســي الرياضــي‪ ،‬واللذيــن أضافــا عليهــا طابع ـاً‬
‫متميــزاً علــى مــر العصــور فاملعمــاري املســلم يربــط اخليــال واإلحســاس مــع هندســية‬
‫متجانســة‪ ،‬فينتــج الشــكل الــذي يعطــي حقيقتــن أحدمهــا فيزيائيــة نعقلهــا واألخــرى‬
‫ميتافيزيقيــة ندركهــا ونعطيهــا هيئــة مرئيــة الســتيعاهبا ويســاهم ربــط األفــكار‬
‫مــع املوجــودات اهلندســية والرياضيــة يف إبــداع الطــرز‪ ،‬والــي ال تنتــج دون وجــود‬
‫إمكانيــات احلــس اهلندســي والرياضــي للجمــال والتجانــس‪ ،‬وبذلــك فالفكــر واهلندســة‬
‫والرياضيــات توضــع يف صميــم العمــارة اإلســامية‪ ،‬حيــث أن ترتيــب العناصــر املاديــة‬
‫يف التصميــم يكــون باتبــاع قوانــن اهلندســة علــى أساســيات النظريــات الرياضيــة‬
‫لتكويــن األمنــاط التصميميــة‪ ،‬لــذا هــذه التخطيطــات احلضريــة اجلديــدة هندســياً‬

‫‪457‬‬
‫وحضريـاً كانــت متماشــية مــع روح العصــر‪ ،‬وجوهــر الفهــم ألمهيــة التعايــش والتعامــل‬
‫حتــت رايــة اإلســام‪ ،‬لــذا ارتبطــت العمــارة اإلســامية بفكــر العمــارة اخلفيــة‪ ،‬وذلــك‬
‫لعــدم وجــود شــكل معمــاري حمــدد لوظيفــة حمــددة فاملبنــى خيــدم وظائــف متعــددة‬
‫فالفنــاء ذو األواويــن األربعــة جنــده يف القصــر واجلامــع والســراي والوحــدة الســكنية‪،‬‬
‫حيــث أن العمــارة اإلســامية ال تغــر أشــكاهلا طبقــاً ملتطلبــات الوظيفــة مــن خــال‬
‫عناصرهــا املرتبــة‪ ،‬وهنالــك حالــة ذوبــان للجــزء ضمــن احملتــوى العمرانــي كلي ـاً(‪.)1‬‬
‫نشأة املدينة اإلسالمية‪:‬‬
‫بــدأت نشــأة املدينــة اإلســامية مــن «يثــرب» بعــد هجــرة الرســول األعظــم ‪ ‬إليهــا‪،‬‬
‫والــي حولتهــا إىل «مدينــة» مبفهــوم حضــاري واضــح‪ ،‬انســحب علــى تســميتها‬
‫فأصبحــت تســمى «املدينــة» بعــد اهلجــرة‪ ،‬وحــدث تغيــر واضــح‪ ،‬ســعى إىل حتقيقــه‬
‫الرســول األكــرم حممــد ‪ ،‬أساســه الدعــوة إىل اإلســام‪ ،‬ذلــك الديــن الــذي بــدأت‬
‫يف ضــوء قيمــه وتعاليمــه عمليــة هتيئــة اجملتمــع اإلســامي اجلديــد حليــاة حضاريــة‬
‫تالزمــت متامـاً مــع اهتمامــه بالكيــان املــادي للمدينــة‪ ،‬فــأدى ذلــك تدرجييــا إىل تكامــل‬
‫املراكــز احلضاريــة اإلســامية(‪.)2‬‬
‫وكان املســجد النبــوي‪ ،‬كان أهــم صــرح يف املدينــة املنــورة‪ ،‬وهــو مؤلــف مــن فناء كبري غري‬
‫مســقوف‪ ،‬يظللــه مــن اجلهــة املقابلــة ملكــة املكرمــة‪ ،‬صفــن مــن جــذوع شــجر النخيــل‪،‬‬
‫مســقوفني بســعف النخــل‪ ،‬أمــا يف حميــط الفنــاء أو عنــد ختومــه‪ ،‬فكانــت املنــازل الــي‬
‫أقــام فيهــا النــي ‪ ‬وزوجاتــه(‪ ،)3‬وبعــد هجــرة الرســول الكريــم ‪ ‬إىل يثــرب بــدأت‬
‫تتغــر معاملهــا العمرانيــة تغــراً مجــع شــتاهتا ووحــد كياهنــا وجعلهــا مركــزاً حضاري ـاً‬
‫متكامـاً‪ ،‬يتناســب وذلــك التغــر الــذي طــرأ علــى جمتمعهــا اإلســامي اجلديــد‪ ،‬الــذي‬
‫بــدأ يســتجيب للتشــكيل احلضــاري اجلديــد الــذي يدعــو إليــه اإلســام(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬جملــة كليــة الرتبيــة ‪ /‬واســط العــدد احلــادي عشــر – ‪ - 271‬ختطيــط وعمــارة املدينــة اإلســامية مدينــة دمشــق‬
‫القدميــة ‪« -‬منــوذج حضــري لقمــة التعايــش والتعامــل يف املنظــور اإلســامي» ‪ -‬م‪.‬م ميــادة عبــد امللــك حممــد صــري‬
‫‪ -‬معهــد التخطيــط احلضــري واإلقليمــي _للدراســات العليا‪.‬‬
‫(‪ )2‬عثمان حممد عبد الستار‪« ،‬املدينة اإلسالمية»‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪،‬الكويت ص‪1988،51‬م‪.‬‬
‫(‪ )3‬روائــع الفــن يف العــامل اإلســامي – كنــوز اإلســام – تأليــف برنــار أوكان – ترمجــة نورمــا نابلســي – مؤسســة‬
‫حممــد بــن راشــد آل مكتــوم ‪-‬بــروت – لبنــان – ‪.2009‬‬
‫(‪ )4‬عثمان‪ ،‬املصدر نفسه ص‪.53‬‬

‫‪458‬‬
‫‪ -1‬املدينة املنورة‪:‬‬
‫كان بيــت النــي ‪ ‬عبــارة عــن غرفــة صغــرة‪ ،‬مســاحة الغرفــة ال تتعــدى ‪ 3×3‬مــر‬
‫واحلــوش اخلارجــي حجــرة كانــت مســاحتها تقريبـاً ‪ 3×5‬وكان نصفهــا مســقوف‪ ،‬وكان‬
‫حتــت اجلــزء املســقوف يوجــد فــراش الرســول ‪ ،‬وكان لبيــت النــي بابــن‪ ،‬بــاب‬
‫غربــي يطــل علــى الروضــة الشــريفة وبــاب شــرقي يُخــرج علــى املدينــة‪ ،‬وعندمــا انتقــل‬
‫الرســول ‪ ‬إىل الرفيــق األعلــى‪ ،‬دفــن يف بيتــه ثــم مــن خلفــه أبــو بكــر الصديــق ثــم‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ‪ ،‬ومــرت األيــام‪ ،‬حتــى انتقلــت اخلالفــة يف املدينــة إىل عهــد‬
‫عمــر بــن عبــد العزيــز‪ ،‬حيــث جــاءت أمطــارو عواصــف أدت إىل تــآكل ســقف املنــزل‬
‫فاهنــدم الســقف بالكامــل علــى احلجــرة الشــريفة‪ ،‬فقــام اخلليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز‬
‫بإزالــة الغرفــة اخلاصــة بالســيدة عائشــة رضــي اهلل عنهــا‪ ،‬ثــم أعــاد بنــاء وترميــم‬
‫احلجــرة الشــريفة (احلــوش اخلارجــي) وبنــى عليــه جــدار مربــع الشــكل وقــام بعمــل‬
‫تقويــة لســقف احلجــرة (موضــع القبــور الشــريفة)‪ ،‬وعلــى مــر األيــام اضطــر علــى‬
‫أن يكــون قــر أو ضريــح الرســول ‪ ‬جــزءاً مــن املســجد مــن أجــل توســعة املســجد‪،‬‬
‫فقــام اخلليفــة عمــر بــن عبــد العزيــز هبــدم مجيــع حجــرات أمهــات املؤمنــن (زوجــات‬
‫الرســول) اجملــاورة للحجــرة الشــريفة‪ ،‬وبنــى جــدار مخاســي الشــكل مــن احلجــار‬
‫الســوداء (الناجتــة مــن الصخــور الربكانيــة)‪ ،‬علم ـاً أن املدينــة متتــاز هبــذه الصخــور‪،‬‬
‫وميتــاز هــذا اجلــدار بأنــه مصمــت واجلــدار الداخلــي أيضـاً مصمــت‪ ،‬لــذا ال يســتطيع‬
‫ألي إنســان بالدخــول إىل القبــور الشــريفة‪ ،‬وبعــد فــرة قــام بعمــل دعامــات أيضـاً بشــكل‬
‫مخاســي؛ حبيــث عندمــا كانــت تأتــي النــاس لزيــارة والســام علــى النــي ‪ ‬ال خيطــر‬
‫علــى باهلــم بأهنــا الكعبــة (ألهنــا مــن نفــس احلجــر الــذي بنيــت فيــه الكعبــة) وال تنتقــل‬
‫فكــرة الطــواف إىل املدينــة‪.‬‬
‫والســبب اآلخــر الــذي مــن أجلــه بــي اجلــدار علــى شــكل مخاســي أنــه عندمــا يصلّــي‬
‫املســلمني ال يكونوا متجهني مباشــرة حنو القبور الشــريفة‪ ،‬حيث أن الشــكل اخلماســي‬
‫يكســر اجتــاه القبلــة‪ ،‬وهــذا يعتــر شــكالً هندســياً‪ ،‬حيــث أنــه ال يســتطيع أي شــخص أن‬
‫يتوجــه للقبــور الشــريفة يف الصــاة‪.‬‬

‫‪459‬‬
‫وبعــد مــرور األيــام والعصــور انتقــل إىل عهــد املماليــك عــام (‪ 700 - 600‬هجــري)‪،‬‬
‫قــام الســلطان ظاهــر بيــرس ببنــاء قبــة صغــرة مــن اخلشــب ووضعهــا علــى اجلــدار‬
‫الداخلــي‪ ،‬ولقــد بنيــت مــن أجــل تصريــف ميــاه األمطــار‪ ،‬حيــث أن األمطــار ال تتجمــع‬
‫علــى ســقف احلجــرة الشــريفة‪ ،‬فيضعــف الســقف وينهــار واســتمرت هكــذا‪ ،‬وبعــد‬
‫تقريبـاً عشــر ســنوات قــام الســلطان حممــد بــن قلمــون ببنــاء جــدار ثالــث مــن اخلشــب‪،‬‬
‫‪% 75‬‬ ‫وبعــد تقريب ـاً ‪ 200‬ســنة جــاء رعــد وبــرد شــديد علــى املدينــة املنــورة فاحــرق‬
‫مــن احلجــرة الشــريفة‪ ،‬وألن القبــة واجلــدار الثالــث كانــا مــن اخلشــب فذابــا بشــكل‬
‫كامــل‪ ،‬حتــى جــاء الســلطان األشــرف‪ ،‬فبــدأ بتغيــر اجلــدار الثالــث الــذي مــازال موجــود‬
‫حاليـاً حتــى آخــر ترميــم يف ظــل الدولــة الســعودية‪ ،‬فقــد أصبــح اجلــدار مذهبـاً وزيــارة‬
‫قــره ‪ ‬يبــدأ بالدخــول مــن بــاب الســام‪.‬‬

‫والكثــر مــن النــاس يعتقــدون أهنــم يــرون قــر الرســول ‪ ‬عنــد زيارهتــم واقرتاهبــم مــن‬
‫احلجــرة الشــريفة ولكــن اعتقادهــم خاطــئ حيــث أهنــم بعيــدون عينـاً وجســداً‪ ،‬وذلــك‬
‫بســبب اجلــدران الثالثــة الــي تفصــل بيننــا وبــن احلجــرة الشــريفة‪ ،‬وبعــد ذلــك بنيــت‬
‫القبــة اخلضــراء علــى الســقف بالكامــل‪ ،‬والــي تتواجــد إىل وقتنــا احلــايل‪ ،‬وقــد وردت‬
‫قصــة أن محامــة قــد ســقطت بــن اجلــدار اخلماســي واجلــدار الثانــي (قبــل بنــاء‬
‫الســقف)‪ ،‬فيقــال أهنــم أدخلــوا صــي مــن صبيــان املدينــة وأخــرج تلــك احلمامــة‪ ،‬وقيــل‬
‫أنــه عندمــا حــدث احلريــق باحلجــرة الشــريفة‪ ،‬احنرقــت القبــة الصغــرة الداخليــة‬
‫بالكامــل‪ ،‬فاضطــروا بإدخــال شــخص ليقــوم بالتنظيــف‪ ،‬وقيــل أهنــم أدخلــوه مــن األعلى‬
‫وقامــوا بربــط رجليــه وأدخلــوه بطريقــة حبيــث ال تقــع رجلــه علــى أرض احلجــرة‬
‫الشــريفة قــر الرســول ‪ ،‬ويقــال أن هــذا آخــر شــخص دخــل إىل احلجــرة الشــريفة‬
‫مــن حــوايل ‪ 200‬ســنة‪.‬‬
‫وحتــث العقيــدة اإلســامية املســلمني علــى إعمــار األرض‪ ،‬إذ حفلــت اآليــات القرآنيــة‬
‫واألحاديــث النبويــة الــي تدفــع املســلم إىل البنــاء‪ ،‬وتعــد عمــارة املســجد واحــدة مــن‬
‫أهــم العمائــر الدينيــة الــي حــددت العقيــدة مــن جهــة والبيئــة العربيــة مــن جهــة أخــرى‬

‫‪460‬‬
‫معامل ـاً فنيــة‪ ،‬فــإن التخطيــط املعمــاري كان‬
‫يشــكلها وفقــاً لقواعــد وظيفيــة تطلبتهــا‬
‫العقيــدة اإلســامية‪ ،‬فقــد كان مســجد قبــاء‬
‫باملدينــة املنــورة قبــل هجــرة الرســول ‪ ‬أول‬
‫‪164‬‬ ‫الشكل‬
‫املســاجد بنــاءً وهــو أول مســجد صــ ّل بــه‬
‫الرســول ‪ ‬مــع أصحابــه مجاعــة‪ ،‬وهنــاك‬
‫مســاجد أخــرى يف املدينــة كمســجد الضــرار‬
‫وهــو الــذي صــ ّل بــه الرســول ‪ ‬قبــل أن‬
‫يتجهــز للذهــاب إىل تبــوك انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)164‬واملســجد النبــوي الــذي يعتــر مــن‬
‫‪165‬‬ ‫الشكل‬ ‫بشــائر احلــدث املعمــاري العظيــم والــذي‬
‫اختــار اهلل تعــاىل لرســوله ‪ ‬يثــرب داراً ملهاجريــه انظــر الشــكل (‪ ،)165‬فقــد كان‬
‫لــه أمهيــة كبــرة‪ ،‬حيــث بركــت فيــه راحلــة الرســول ‪ ‬وقــال فيهــا‪( :‬هــذا إن شــاء‬
‫اهلل منــزل) ودعــا الرســول ‪( ‬اللهــم أنزلنــا منــزالً مبــاركاً وأنــت خــر املنزلــن) أربــع‬
‫مــرات‪ ،‬وكان املســجد عبــارة عــن جــداراً جمــدراً ليــس عليــه ســقف وقبلتــه إىل القــدس‬
‫وكان يصلــي بأصحابــه فيــه وجيمــع فيــه اجلمعــة‪ ،‬وأمــر الرســول ‪ ‬بالنخــل الــي‬
‫يف احلديقــة و (بالغــر) بــأن يقطــع‪ ،‬وكان فيــه قبــوراً جاهليــة‪ ،‬فأمــر هبــا فنبشــت‬
‫وأمــر بالعظــام أن تغيــب‪ ،‬وبــدأت عمــارة املســجد النبــوي عقــب عمليــة متهيــد األرض‬
‫بتقريــب األحجــار مــن حــرار املدينــة‪ ،‬وإعــداد اللــن يف (بقيــع اخلبخبــة) ناحيــة بئــر‬
‫أبــي أيــوب واخلبخبــة شــجرة كانــت تنبــت هنــاك وكان ابتــداء بنيــان املســجد يف شــهر‬
‫الربيــع األول مــن الســنة األوىل للهجــرة‪ ،‬وقــد باشــر الرســول ‪ ‬العمــل فيــه بنفســه‪،‬‬
‫ومعــه خــر األمــة املهاجــرون األولــون واألنصــار املقدمــون‪ ،‬ولقــد اهتــم الرســول ‪‬‬
‫بأمــر بنــاء املســجد وتعيــن اجتــاه القبلــة مبســاعدة جربيــل عليــه الســام‪ ،‬وكان املســجد‬
‫ال يشــتمل علــى حمــراب بــل علــى موضــع مصــاه ‪ ‬الــذي كان مقابــل لوســط الصــف‬
‫وكان اســتحباب وقــوف اإلمــام مقابـاً لوســط الصــف‪ ،‬وكان ختطيــط املســجد بســيطاً‬

‫‪461‬‬
‫ويتفــق مــع روح العقيــدة اإلســامية‪ ،‬حيــث كان عبــارة عــن مســاحة مســتطيلة الشــكل‬
‫مكشــوفة متتــد مــن الشــرق إىل الغــرب مبقــدار (‪ )63‬ذراع ـاً ومــن الشــمال للجنــوب‬
‫مبقــدار (‪ )54‬ذراعـاً وثلثــاه‪ ،‬حتددهــا أربعــة جــدران بارتفــاع قامــة أو بســطة وتتمثــل يف‬
‫جــدار القبلــة الــذي يعــد أهــم جــدران املســجد‪ ،‬وكان ميتــد مــن الشــرق إىل الغــرب عنــد‬
‫تأســيس املســجد يف اجتــاه بيــت املقــدس قبلــة املســلمني األوىل‪ ،‬أي يف اجلهــة الشــمالية‬
‫ثــم يقابلــه ويوازيــه جــدار آخــر ميثلــه يف اجلهــة اجلنوبيــة‪ ،‬أمــا اجلــداران الشــرقي‬
‫والغربــي فيمتــدان مــن اجلنــوب إىل الشــمال هبيئــة متعامــدة علــى طــريف جــدار القبلــة‪،‬‬
‫وقــد شــيدت جدرانــه باحلجــر احملفــور يف باطــن األرض علــى ارتفــاع (‪ )3‬أذرع و (‪1.5‬‬

‫مــر تقريب ـاً) وبنيــت اجلــدران علــى األساســات باللــن (لبنــة فــوق لبنــة)‪ ،‬أمــا فيمــا‬
‫يتعلــق مبداخــل املســجد‪ ،‬حيــث كان املســجد يف زمانــه مــن اللــن‪ ،‬وســقفه مــن غصــن‬
‫النخــل‪ ،‬ولــه ثالثــة أبــواب‪ ،‬بــاب يف مؤخــره‪ ،‬وبــاب عاتكــة وهــو بــاب الرمحــة والبــاب‬
‫الــذي كان يدخــل منــه وهــو بــاب عثمــان والــذي يســمى اليــوم ببــاب جربيــل‪ ،‬ويف مرحلــة‬
‫أخــرى مــن مراحــل بنــاء املســجد وحســب الــرواة أن بـيّ ســقفه بالعــوارض الــي ترتكــز‬
‫علــى األعمــدة مــن جــذوع النخــل وفوقهــا اخلصــف واألذخــر‪ ،‬ثــم اســتخدم الطــن يف‬
‫تغشــيتها فيمــا بعــد‪ ،‬وقــد أوجــب اســتخدام الســقف يف هــذه املرحلــة لرفــع البنــاء‪ ،‬وكان‬
‫اســتخدام اللبنتــن املعرتضتــن كان يف مرحلــة يتطلبــه تســقيف املســجد ملتانــة البنــاء‪،‬‬
‫وهــذا البنــاء هــو مــا بقــي عليــه املســجد حتــى مت حتويــل القبلــة وجتديــد بنــاء املســجد‬
‫وتوســعته يف الســنة الســابعة مــن اهلجــرة‪ ،‬وبعدهــا أصبحــت عمــارة املســجد تتكــون‬
‫مــن مســاحة مســتطيلة تنقســم إىل صحــن مكشــوف يقــع يف اجلهــة اجلنوبيــة‪ ،‬وظلــة‬
‫للقبلــة تقــع يف اجلهــة الشــمالية وتتكــون مــن ثــاث بالطــات تفصلهــا ثالثــة صفــوف‬
‫مــن جــذوع النخــل(‪ ،)1‬وقــد ورد لفــظ ظلــة يف القــرآن الكريــم يف ســورة األعــراف يف‬
‫قولــه تعــاىل‪{ :‬وإذا نتقنــا اجلبــل فوقهــم ‪ ...‬تتقــون} آيــة ‪ .92‬ونــرى أنــه كان مــن منظــور‬
‫عقائــدي الــذي اكتــف الرســول ‪ ‬واملســلمون بتوزيــع ثالثــة جوانــب لتيســر عمليــة‬
‫الدخــول مــن قبــل املصلــن إىل املســجد‪ ،‬وهــي اجلوانــب الشــمالية والشــرقية والغربيــة‬
‫(‪ )1‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين – د‪ .‬عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – أســتاذ‬
‫اآلثــار اإلســامية املســاعد‪ -‬ورئيــس قســم اآلثار اإلســامية‪.‬‬

‫‪462‬‬
‫وذلــك بعــد حتويــل القبلــة‪ ،‬ومــرت علــى هــذا املســجد بعــض الزيــادات يف املســاحة‬
‫نتيجــة تزايــد أعــداد املصلــن فيــه‪ ،‬وكذلــك مت حتصيــب املســجد الــذي كان يف عهــد‬
‫عمــر بــن اخلطــاب ‪ ‬حيــث أمــر فيــه أن يفــرش املســجد باخلصــف واحلصــر‪ ،‬وتعــد‬
‫دور الرســول ‪ ‬امللحقــة باملســجد النبــوي باملدينــة املنــورة مــن جهتــه الشــرقية‪ ،‬األمثلــة‬
‫األوىل للعمــارة الســكنية يف العصــر اإلســامي‪ ،‬والــي تتكــون مــن تســع حجــرات‪ ،‬وهــي‬
‫عبــارة عــن بيــوت تضــم يف داخلهــا هــذه احلجــرات‪ ،‬وتتســم هــذه الــدور ببســاطتها مــن‬
‫حيــث التصميــم والعمــارة شــأهنا شــأن املســجد النبــوي‪ ،‬فــكان كل بيــت يشــمل مســاحة‬
‫مربعــة يبلــغ طــول ضلعهــا مــن (‪ 3‬إىل ‪ )5‬مــر‪ ،‬يغطيهــا ســقف منخفــض وجدراهنــا مــن‬
‫خشــب العرعــر‪ ،‬وقــد اختطــت القبائــل مــن املهاجريــن حــول املســجد اجلامــع واملســاكن‬
‫يف األرض الــي وهبهــا األنصــار للرســول ‪ ‬وتوزعــت املســاجد علــى اخلطــط‪ ،‬حيــث‬
‫بلغهــا تســعة مســاجد للصلــوات اخلمــس‪ ،‬واشــتملت اخلطــط علــى مقــرة خاصــة هبــا‬
‫كمــا اشــتملت علــى أســواق كســوق بــي قنيقــع ثــم ســوق املدينــة‪ ،‬وربــط الطــرق الرئيســة‬
‫والفرعيــة بــن هــذه التكوينــات املعماريــة والدينيــة واملدنيــة‪ ،‬وســن الرســول ‪ ‬إنشــاء‬
‫مقــار للعــاج والتطبيــب بوضــع خيمــة يف املســجد للتــداوي‪ ،‬وخصصــت باملدينــة علــى‬
‫عهــده دور للضيافــة واســتقبال الوفــود‪ ،‬فقامــت املدينــة بدورهــا السياســي والديــي‬
‫واإلداري(‪ ،)1‬وإذا ابتنــى الرســول بيديــه مــع املؤمنــن األوائــل أول مســجد يف املدينــة‬
‫املنــورة‪ ،‬فــإن هــذا املســجد قــدم أول ح ِّيـ ٍز مكانــي اســتقرت عليــه الدعــوة اإلســامية‪،‬‬
‫فــكان منــراً للرســول ونــدوة لــه مــع املؤمنــن يتدبــرون شــؤون الدعــوة‪ ،‬وتنظيــم احلكــم‪،‬‬
‫وكان مثابــة للنــاس يــؤدون فيــه صالهتــم يف أوقاهتــا‪ ،‬وعمــارة املســجد دليــل علــى‬
‫اإلميــان بــاهلل‪{ ،‬وإمنــا يَعْمُــر مســاجدَ ال َّل ـهِ مــن آم ـنَ بــا َ‬
‫هلل واليــو ِم اآلخــر}‪[ .‬ســورة التوبــة‪ ،‬اآليــة‪:‬‬
‫‪ ،]18‬وهــو دليــل علــى التقــوى‪{ ،‬ملســجدُ أس ـسَ علــى التقــوى مــن أو ِل يــومٍ أح ـ ّقُ أنْ تقــومَ فيــه فيــه‬
‫رجــال حيبــون أن يتطهــروا وال َّلــه حي ـ ّبُ املطهريــن}‪[ ،‬ســورة التوبــة‪ ،‬اآليــة‪ )2(،]108 :‬وكانــت نــواة‬
‫التغيــر العمرانــي يف بنــاء املســجد النبــوي‪ ،‬ويف أرض وســط املدينــة‪ ،‬ابتيعــت للمســجد‬
‫(‪ )1‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين – د‪ .‬عبــد اهلل كامــل موســى عبــده – أســتاذ‬
‫اآلثــار اإلســامية املســاعد‪ -‬ورئيــس قســم اآلثار اإلســامية‪.‬‬
‫(‪ )2‬كتاب ( فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس) ‪ -‬اسم املؤلف‪ :‬د‪ .‬عفيف البهنسي‪.‬‬

‫‪463‬‬
‫ثــم شــقت طــرق رئيســية تصــل املســجد بالضواحــي‪ ،‬فقــد أشــارت الروايــات التارخييــة‬
‫إىل طريــق ميتــد مــن املســجد ويتجــه غربـاً‪ ،‬حتــى يصــل إىل جبــل ســلع انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)166‬وطريــق مــن املســجد خيــرق منــازل بــي عــدي بــن النجــار‪ ،‬ويصــل إىل قبــاء‬
‫جنوبـاً‪ ،‬ومــن قبــاء وجــد طريــق يتجــه مشــا ًال إىل البقيــع‪ ،‬وكانــت الشــوارع قياســية‪ ،‬فقد‬
‫كان عــرض الشــارع الرئيســي ســبعة أذرع‪ ،‬والــذي يتفــرع منــه مخســة أذرع والشــارع‬
‫األصغــر ثالثــة أذرع‪ ،‬وغطيــت شــوارع املدينــة يف حينهــا باحلصــى‪.‬‬
‫وحــن وصــل املهاجــرون إىل املدينــة وهــب هلــم األنصــار بعــض األراضــي الفارغــة‬
‫ليســكنوا فيهــا‪ ،‬وقــد قســمت األرض بطريقــة قبليــة حيــث أن كل قبيلــة أعطيــت أرضـاً‬
‫خيططوهنــا كمــا شــاءوا‪ ،‬وأنشــأت هــذه نــواة لتخطيــط احملــات الســكنية طــوال الفــرة‬
‫اإلســامية‪ ،‬حيث أن احمللة نفســها تقتطع هلا أرض حمددة‪ ،‬ويقوم ســاكنيها بتنظيمها‬
‫كمــا يــرون مناســباً‪ ،‬إال أن بعــض املبانــي العامــة كانــت ختطــط مركزيـاً‪ ،‬فقــد روى جابــر‬
‫بــن أســامة قــال‪ :‬لقيــت رســول اهلل بالســوق يف أصحابــه فســألتهم أيــن يريــد‪ ،‬فقالــوا‪:‬‬
‫اختــذ لقومــك مســجداً‪ ،‬فرجعــت فــإذا قومــي فقالــوا خــط لنــا مســجداً وغــرز يف القبلــة‬
‫خشــبة‪ ،‬وكانــت تنظيــم الســوق بــا مبانــي حيــث أن األرض كانــت تــرك فضــاء ويأتــي‬
‫التجــار ببضائعهــم فيســتخدمون موقعــاً يبقــى هلــم حتــى آخــر النهــار‪ ،‬ولكنــه ليــس‬
‫حمجــوزاً هلــم دومـاً‪ ،‬فقــد تركــت األرض مشــاعاً حتــى قيــام الدولــة األمويــة‪.‬‬
‫باإلضافــة إىل ذلــك فقــد اهتــم الرســول عليــه الصــاة والســام بتوفــر املرافــق العامــة‬
‫حيــث أقــام الرســول ‪ ‬خيمــة باملســجد ألجــل التــداوي‪ ،‬كمــا أقيمــت دور الضيافــة‬
‫الســتقبال الوفــود كان أمههــا دار عبــد الرمحــن بــن عــوف‪ ،‬واختــذت مواضــع لقضــاء‬
‫احلاجــات تســمى املناصــع واختــرت مواضــع للذبــح بعيــداً عــن الســكان‪ ،‬وعــن مكانـاً‬
‫لصــاة العيــد(‪.)1‬‬
‫ويف نفــس الوقــت وباملــوازاة مــع البنــاء قــام الرســول ‪ ‬بإعــادة تنظيــم املدينــة إداري ـاً‬
‫واجتماعيـاً‪ ،‬وبــدأ ختطيــط املــدن والعمــارة اإلســامية منــذ اهلجــرة إىل املدينــة املنــورة‬
‫حــن أصبــح للمســلمني مدينتهــم األوىل‪ ،‬وكانــت تقــع علــى طريــق التجــارة إىل الشــام‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫وذات تربــة خصبــة وميــاه وفــرة مقارنــة‬
‫مبناطــق أخــرى يف احلجــاز‪ ،‬وعلــى هــذا كان‬
‫ليثــرب بنيــة اقتصاديــة جيــدة حيــث توفــرت‬
‫فيهــا الزراعــة والتجــارة باإلضافــة إىل بعــض‬
‫الصناعــات احلرفيــة مثــل التعديــن‪ ،‬وكانــت‬
‫‪166‬‬ ‫الشكل‬
‫يثــرب أيضـاً تتميــز بتنــوع دميوغــرايف ميثلــه‬
‫وجــود اليهــود بكثــرة كمــا كانــت تفتقــر إىل ســلطة سياســية مركزيــة ممــا أدى اســتمرار‬
‫اخلصومــات وحتوهلــا إىل حالــة دائمــة فيهــا‪.‬‬
‫وحــن ســيطر عليهــا اإلســام كان أول تغيــر حيــدث هــو ظهــور الســلطة املركزيــة‬
‫املتمثلــة بالرســول الكريــم حممــد ‪ ،‬باإلضافــة إىل ذلــك‪ ،‬ويف نفــس الوقــت وباملــوازاة‬
‫مــع البنــاء‪ ،‬قــام الرســول ‪ ‬بإعــادة تنظيــم املدينــة إداري ـاً واجتماعي ـاً‪ ،‬حيــث أن أول‬
‫عمــل هــو املؤاخــاة بــن املهاجريــن واألنصــار‪ ،‬والــذي حقــق الكثــر مــن األهــداف‪ ،‬أمههــا‬
‫املســاعدة علــى دمــج املهاجريــن يف اجملتمــع اجلديــد‪ ،‬وتقويــة األواصــر بينهــم وبــن‬
‫األنصــار والتأكيــد علــى أمهيــة التكافــل االجتماعــي‪ ،‬وكان تأثــر الرســول ‪ ‬علــى‬
‫ختطيــط املدينــة كبــراً جــداً واســتمر هــذا التأثــر طيلــة قــرون طويلــة حيــث أن الكثــر‬
‫مــن املبــادئ الــي اعتمــد عليهــا يف ختطيــط وإدارة املــدن اإلســامية منــذ ذلــك احلــن‪،‬‬
‫وحتــى هنايــة القــرن التاســع عشــر‪ ،‬حيــث كان يرجــع يف أساســه إىل هــذا النمــوذج(‪،)1‬‬
‫وللحفــاظ علــى هــذا اإلرث املعمــاري العريــق واإلســامي احلنيــف‪ ،‬نســتطلع مــن خــال‬
‫الصــور القدميــة والتارخييــة للمدينــة املنــورة‪ ،‬الــي تعــود حلقبــة قدميــة مــن التاريــخ‪،‬‬
‫تظهــر فيهــا حيــاة وتاريــخ املدينــة املنــورة حســب األشــكال املدرجــة بالصــور‬
‫(‪.)167-168-169-170-171‬‬
‫‪ -2‬املدينة الرتاثية (عكا)‪:‬‬
‫عــكا هــي مــن أقــدم وأهــم مــدن فلســطني التارخييــة‪ ،‬تقــع اليــوم يف لــواء الشــمال (مــن‬
‫األرض احملتلــة) وحســب التقســيم اإلداري بعــد حــرب ‪ ،1948‬علــى الســاحل الشــرقي‬
‫(‪ )1‬ختطيط املدن العربية اإلسالمية– ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪465‬‬
‫للبحــر األبيــض املتوســط‪ ،‬وتبعــد عــن القــدس حــوايل ‪ 181‬كــم إىل الشــمال الغربــي‪،‬‬
‫وتبلــغ مســاحتها ‪ 13.5‬كــم‪ ،‬كمــا بلــغ عــدد ســكاهنا حــوايل ‪ 46‬ألــف نســمة يف عــام‬
‫‪ ،2008‬ويضــرب املثــل الشــعيب فيهــا‪ ،‬وهنالــك مثـ ٌل شــهري عــن عــكا يقــول‪( :‬لــو أن عــكا‬
‫ختــاف البحــر ملــا ســكنت شــاطئه) ‪..‬‬

‫تأسســت املدينــة يف األلــف الثالثــة ق‪.‬م علــى يــد الكنعانيــن (اجلرشــانني)‪ ،‬الذيــن‬
‫جعلــوا منهــا مركــزاً جتاري ـاً ودعوهــا باســم (عكــو) أي الرمــل احلــار‪ ،‬وأصبحــت بعــد‬
‫ذلــك جــزءاً مــن دولــة الفينيقيــن‪ ،‬ثــم احتلهــا العديــد مــن الغــزاة كاإلغريــق والرومــان‬
‫والفــرس والفرجنــة الصليبيــون‪ ،‬ودخــل العــرب املســلمون عــكا ســنة ‪ 636‬م ‪ 16 /‬هـــ‬
‫بقيــادة شــرحبيل بــن حســنة‪ ،‬ويف ســنة ‪ 20‬هـــ أنشــأ فيهــا معاويــة بــن أبــي ســفيان داراً‬
‫لصناعــة الســفن‪ ،‬ومنهــا انطلقــت أول غــزوة جلزيــرة قــرص عــام ‪ 28‬هـــ‪ ،‬وتوالــت‬
‫عليهــا األحــداث علــى مــر التاريــخ‪ ،‬ومــن أشــهر حكامهــا أمحــد باشــا اجلــزار وبلغــت أوج‬
‫جمدهــا عــام ‪ 1799‬م‪ ،‬عندمــا أوقفــت زحــف نابليــون الــذي وصــل إليهــا بعــد أن احتــل‬
‫مصــر‪ ،‬وســاحل فلســطني‪ ،‬وحاصرهــا مــدة طويلــة لكنــه فشــل يف احتالهلــا بفضــل‬
‫صمــود أمحــد باشــا اجلــزار(‪ ،)1‬فتالشــت أحــام نابليــون باالســتيالء علــى الشــرق‪،‬‬
‫وســحب جيوشــه(‪ ،)2‬وتُعتــر عـ ّكا ذات موقــع اقتصــادي وجتــاري بفضــل مينائهــا الــذي‬
‫يُعَ ـدّ مــن أهــم وأقــدم موانــئ فلســطني التارخييــة لصيــد األمســاك‪ ،‬كمــا تُعتــر ذات‬
‫موقــع أثــريّ مهــم‪ ،‬فهــي حتتــوي علــى العديــد مــن اآلثــار واملعــامل واألماكــن األثريــة‬
‫ومحــام الباشــا‬
‫القدميــة‪ ،‬مــن غالبيــة العصــور التّارخييــة‪ ،‬فهنــاك السّــوق األبيــض ّ‬
‫وخــان العمــدان والقلعــة وأســوارها احلصينــة واملمـرّ األملانــي وجامــع اجلـزّار وغريهــا‪.‬‬

‫وتنقســم عــكا يف الزمــن احلاضــر إىل البلــدة القدميــة املسـوّرة باإلضافــة إىل الضاحيــة‬
‫اجلديــدة ‪-‬الــي متتــد إىل الشــمال‪ ،‬والشــمال الشــرقي لألســوار‪ ،‬وحتتــل موقــع‬
‫الضاحيــة الشــمالية لعــكا الصليبيــة‪ ،‬علــى وجــه التقريــب‪ ،‬وتتميــز املدينــة باختــاط‬

‫(‪ )1‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬حكايــة بلــد ‪ /‬عــكا ‪ -‬املشــروع الوطــي للحفــاظ علــى جــذور العائلــة الفلســطينية (هويــة) – عــكا‪ -‬نســخة‬
‫حمفوظــة ‪ 26‬أبريــل ‪ 2016‬علــى موقــع واي بــاك مشــن ‪ -‬معجــم بلــدان فلســطني‪ ،‬عــكا‪.‬‬

‫‪466‬‬
‫ســكاهنا اليهــود والعــرب(‪ ،)1‬ويوجــد يف عــكا مركــز ومعبــد ألبنــاء الديانــة البهائيــة‘ يعتــر‬
‫مــن أهــم املعابــد البهائيــة إىل جانــب املعبــد املوجــود يف مدينــة حيفــا‪ ،‬ويظهــر يف أبنيــة‬
‫عــكا فــن العمــارة الفاطمــي والصليــي والعثمانــي‪ ،‬كمــا تتميــز بعمــارة جامــع اجلــزار‬
‫الــذي شــيد مــن أعمــدة رخاميــة قدميــة انظــر الشــكل (‪ ،)172‬أمــا املدينــة القدميــة‬
‫فقــد بناهــا الصليبيــون(‪ ،)2‬يف حــرب ‪ ،1948‬واحتلتهــا املنظمــات اليهوديــة بعــد عمليــة‬
‫«بــن عمــي»‪ ،‬بعــد عــدة جمــازر قامــت هبــا يف املدينــة‪ ،‬وقراهــا لرتويــع الســكان العــرب‬
‫وطــرد معظمهــم‪ ،‬وبعــد النكبــة قامــت البلديــة بعــدة ممارســات كرّســت العنصريــة يف‬
‫املدينــة‪ ،‬كمنــع عمليــات ترميــم املنــازل العربيــة‪ ،‬واســتهداف لــدور العبــادة‪ ،‬باإلضافــة‬
‫لتغيــر األمســاء العربيــة للشــوارع واألحيــاء بأخــرى عربيــة(‪ ،)3‬ويُشــار بالذكــر إىل أن‬
‫منظمــة األمــم املتحــدة للرتبيــة والتعليــم والثقافــة (يونيســكو)‪ ،‬قــد أدرجــت يف عــام‬
‫‪ 2001‬البلــدة القدميــة يف عــكا‪ ،‬الــي حتــوي آثــاراً عثمانيــة وصليبيــة‪ ،‬ضمــن قائمــة‬
‫الــراث العاملــي(‪.)4‬‬
‫وتُعــد عــكا مدينــة كنعانيــة ثــم فينيقيــة‪ ،‬ومعنــى االســم (الرمــل احلــارّ)‪ ،‬وجــاء يف معجــم‬
‫البلــدان (‪ )4/144‬مــن القبائــل الكنعانيــة الــي نزلــت بــاد الشام‪-‬اجلرجاشــيون‪،‬‬
‫وكانــت منازهلــم شــرقي حبــرة طربيــا ‪ -‬وقــد ذكــر بعضهــم أهنــم هــم الذيــن أسســوا‬
‫عــكا(‪ ،)5‬وأطلــق عليهــا زمــن اإلغريــق ويف فــرة حكــم تلمــي الثانــي (‪ )Ptolemais‬نســبة‬
‫إىل بطليمــوس‪ ،‬أمــا يف العهــد البيزنطــي فقــد أطلــق عليهــا اســم (ســامريتيكا) نســبة‬
‫إىل الســامرة‪ ،‬وزمــن احلكــم الصليــي مسيــت (ســانت‪-‬جون‪ -‬د إكار) وبقيــت كذلــك‬
‫حتــى اســرجعها املماليــك بقيــادة األشــرف خليــل بــن قــاوون ســنة ‪1291‬م‪ ،‬وعــاد‬
‫إليهــا امسهــا األصيــل عــكا(‪.)6‬‬

‫(‪ )1‬عكا القدمية‪ ،‬بلدية عكا ووزارة السياحة (عربي)‪.‬‬


‫(‪ )2‬رحلــة إىل مدينــة عــكا القدميــة‪ ،‬إطاللــة علــى مدينــة عــكا ‪ -‬موقــع احلكواتــي ‪ -‬نبــذة تارخييــة عــن مدينــة‬
‫عــكا ‪ -‬هبــاء اهلل يف عــكا ‪.1868-1892‬‬
‫(‪ )3‬مجعيــة الياطــر للتنميــة الثقافيــة واالجتماعيــة ‪ -‬عــكا ‪ /‬ســامي هــواري نســخة حمفوظــة ‪ 06‬ديســمرب ‪ 2009‬علــى‬
‫موقــع واي بــاك مشــن‪ .‬فلســطني يف الذاكــرة ‪ -‬عــكا نســخة حمفوظــة ‪ 26‬ينايــر ‪ 2018‬علــى موقــع واي بــاك مشــن‪.‬‬
‫(‪ )4‬ويكيبيديــا املوســوعة احلــرة – موقــع الكرتونــي‪ - .‬منظمــة األمــم املتحــدة للرتبيــة والتعليــم والثقافــة (يونســكو)‬
‫‪ -‬بلــدة عــكا القدميــة علــى قائمــة الــراث العاملــي‪ .‬نســخة حمفوظــة ‪ 01‬ســبتمرب ‪ 2017‬علــى موقــع واي بــاك مشــن‪.‬‬
‫(‪ )5‬ياقوت احلموي – معجم البلدان‪ ،‬اجلزء الرابع‪ ،‬ص ‪ ،144‬القاهرة‪.‬‬
‫(‪ )6‬ذاكرة عكا واجلليل ‪ /‬تاريخ عكا‪ ،‬مجيل عرفات‪.‬‬

‫‪467‬‬
‫ويعــود أصــل املدينــة تارخييـاً إىل موقــع تــل الفخــار‬
‫الــذي يبعــد حنــو ‪ 2‬كلــم إىل الشــرق مــن املدينــة‬
‫القدميــة احلاليــة‪ ،‬وكان ازدهــار عــكا مرتبطــاً‬
‫دومــاً مبوقعهــا اجلغــرايف‪ ،‬فهــي مرفــأ طبيعــي‬
‫معــد بصــورة جيــدة‪ ،‬وهــي أيضــاً حمطــة جلميــع‬
‫القوافــل الكبــرة اآلتيــة مــن الشــمال ومــن الشــرق‬
‫ومــن مصــر‪ ،‬وهــذا األمــر الــذي كان ســبب ازدهــار‬
‫املدينــة‪ ،‬الــذي كان أيض ـاً الســبب يف جعــل املدينــة‬
‫‪172‬‬ ‫الشكل‬ ‫حمــط أنظــار الغــزاة(‪.)1‬‬

‫وكانــت عــكا يف العهــد القديــم جــزء مــن دولــة الفينيقيــن‪ ،‬املمتــدة علــى الســاحل‬
‫الشــرقي للبحــر املتوســط‪ ،‬وعــام ‪ 2000‬ق‪.‬م‪ ،‬تقريبــاً ذكــرت املدينــة ألول مــرة يف‬
‫نصــوص مصريــة عدائيــة (الســالة احلاديــة عشــرة أو الثانيــة عشــرة) ثــم ظهــرت يف‬
‫كتابــات توتوميــس الثالــث وســييت األول ورمســيس الثانــي‪ ،‬ويف رســائل تــل العمارنــة‪،‬‬
‫يف القــرن اخلامــس عشــر ق‪.‬م‪ ،‬ويذكــر يف النصــوص الســابقة أن املدينــة كانــت يف ذلــك‬
‫احلــن مركــزاً كنعانيـاً مزدهــراً‪ ،‬يف القــرن الثالــث عشــر ق‪.‬م‪ .‬ووقعــت املدينــة يف أيــدي‬
‫الفينيقيــن‪ ،‬و ُذكــرت مــن بــن املــدن الــي اســتوىل عليهــا حتتمــس الثالــث كمــا جــاء يف‬
‫بعــض املخطوطــات املوجهــة مــن ملــك صوراتــا (صــور) وابنــه (زوت – حنــه) إىل ملــوك‬
‫مصــر أهنمــا كانــا حليفــن مللــك أورشــليم ضــد ملــك جمــدو‪ ،‬كمــا ذكــرت يف ســجالت‬
‫ســييت األول ورعمســيس الثانــي‪ ،‬ويف ســنة ‪ 701‬ق‪.‬م‪ ،‬خضعــت لســنحاريب‪ ،‬لكنهــا‬
‫ثــارت ضــد آشــور بانيبــال ســنة ‪ 650‬ق‪.‬م‪ ،‬ويف ســنة ‪ 350‬ق‪.‬م سُـ ّكت النقــود بامسهــا‪،‬‬
‫وبعــد اســتيالء اإلســكندر املقدونــي عليهــا ســنة ‪ 332‬ق‪.‬م تَقــوّى مركزهــا‪ ،‬وصكــت‬
‫‪301‬‬ ‫النقــود الذهبيــة بامسهــا‪ ،‬اســتوىل عليهــا انطيوخــوس ســنة ‪ 312‬ق‪.‬م‪ ،‬ويف ســنة‬
‫ق‪.‬م‪ ،‬واســتوىل عليهــا تلمــي الثانــي‪ ،‬ورممهــا وأطلــق عليهــا اســم ‪ Ptalemais‬نســبة‬

‫(‪ )1‬مصطفى الدباغ‪ ،‬موسوعة بالدنا فلسطني‪.‬‬

‫‪468‬‬
‫إىل جــده بطليمــوس(‪ ،)1‬ويف العهــد الرومانــي والبيزنطــي‪ ،‬ويف ســنة ‪ 39‬ق‪.‬م‪ ،‬احتلهــا‬
‫هــرودوس وأقــام فيهــا عــدة أبنيــة ومركــزاً رياضي ـاً يف ســنة ‪ 48‬ق‪.‬م‪ ،‬زارهــا يوليــوس‬
‫قيصــر‪ ،‬ويف ســنة ‪ 606‬م يف أثنــاء الثــورة ضــد الرومــان قتــل فيهــا حــوايل (‪)2000‬‬
‫مــن اليهــود‪ ،‬وطــرد الباقــي منهــا‪ ،‬وحوّهلــا نــرون إىل مدينــة مســتقلة رومانيــة‪ ،‬وأقــام‬
‫فيهــا احلمّامــات الــي محلــت اســم (افروديــت)‪ ،‬وذكــر يوســف فالفيــوس أنــه قــد مت‬
‫العثــور بالقــرب مــن عــكا يف رمــال هنــر النعمــان علــى الرمــل الزجاجــي‪ ،‬أمــا الفينيقيــون‬
‫فقــد متكنــوا مــن احلصــول علــى األصبــاغ الزرقــاء واحلمــراء مــن أصــداف البحــر الــي‬
‫كانــت تتواجــد بالقــرب مــن املدينــة(‪ ،)2‬واحتلهــا الفــرس ســنة ‪ 614‬م‪ ،‬ثــم اســردها منهــم‬
‫البيزنطيــون‪ ،‬وانتقمــوا ممــن ســاعد الفــرس يف أثنــاء دخوهلــم هلــا‪ ،‬ودخلهــا العــرب‬
‫ســنة ‪636‬م بقيــادة شــرحبيل بــن حســنة وعمــرو بــن العــاص ومعاويــة بــن أبــي ســفيان‪،‬‬
‫وأصبحــت مركــزاً لصناعــة الســفن احلربيــة‪ ،‬وذلــك يف صــدر الدولــة األمويــة‪ ،‬أي‬
‫يف العهــد اإلســامي‪ ،‬ومــن عــكا ركــب معاويــة أســاطيله لغــزو قــرص‪ ،‬واملعــروف أن‬
‫هشــام بــن عبــد امللــك وسّــعها وجــدد بناءهــا‪ ،‬وأقــام لــه قصــراً فخم ـاً فيهــا(‪ ،)3‬ويف‬
‫عــام ‪ 1104‬غــزا الفرنــج عــكا وكانــت املدينــة مرســى مهــم يف هــذه املنطقــة‪ ،‬وأصبحــت‬
‫املينــاء الرئيســي واحلصــن املنيــع هلــم‪ ،‬وقســمت إىل أحيــاء‪ ،‬حيــث تركــزت كل جاليــة‬
‫منهــم حب ـيّ خــاص هبــا‪ ،‬مثــل بيــزا‪ ،‬جنــوه‪ ،‬البندقيــة‪ ،‬فرســان اهليــكل‪ ،‬واالســبتاليني‪،‬‬
‫وقــد انتهــى عهدهــا الذهــي بســقوطها ســنة ‪1291‬م‪ ،‬بيــد اململــوك األشــرف خليــل بــن‬
‫قــاوون‪ ،‬وقــد دمّــر أســوارها وحصوهنــا خوف ـاً مــن عــودة الصليبيــن إليهــا‪ ،‬وهكــذا‬
‫فقــد ســيطر عليهــا اخلــراب مــدة ‪ 400‬ســنة تقريب ـاً‪ ،‬وقــام ســلطان مصــر اململولكــي‬
‫‪(1) Moshe Gil, Ethel Broido: A History of Palestine, 634-1099. Cambridge: Cambridge University‬‬
‫‪Press, 1992.‬‬
‫�‪Peter Malcolm Holt, Barbara Czarska: Bliski Wschód od wypraw krzyżowych do 1517 roku Warszaw‬‬
‫‪Państwowy Instytut Wydawniczy, 1993.‬‬
‫‪Andrzej Michałek: Wyprawy Krzyżowe – Francuzi. Warszawa: Dom Wydawniczy Bellona, 2004.‬‬
‫‪Henry Maundrell: A Journey from Aleppo to Jerusalem. S. G. Simpkins, 1836.‬‬
‫‪Norman Wareham, Jill Gill: Every Pilgrim›s Guide to the Holy Land. Wyd. 3. SCM-Canterbury Press‬‬
‫‪Ltd., 1998.‬‬
‫‪Mordechai Beck: Acre - Past and Future - Part II (ang.). W: World Zionist Organization.‬‬
‫‪Benny Morris: The Birth Of The Palestinian Refugee Problem Revisited. Cambridge: Cambridge‬‬
‫‪University Press, 2003.‬‬
‫‪(2) Albiright, W.F. The Archeology of Palestine London 1954‬‬
‫(‪ )3‬ويكيبيديــا املوســوعة احلــرة – موقــع الكرتونــي ‪ -‬كتــاب‪ :‬عــكا ومنطقتهــا يف العصــور الوســطى ‪497‬هـــ‪1104/‬م‬
‫– ‪583‬هـــ‪1187/‬م‪.‬‬

‫‪469‬‬
‫األشــرف خليــل بتحريرهــا مــن الصليبيــن وطردهــم منهــا ســنة ‪ 1291‬يف مــا عــرف بـــ‬
‫«فتــح عــكا»(‪.)1‬‬

‫ويف العهــد العثمانــي مــع مطلــع هــذه الفــرة الــي انتهــى فيهــا احلكــم اململوكــي وانضــوت‬
‫فلســطني وكل بــاد الشــام يف إطــار الدولــة العثمانيــة الــي دام حكمهــا قرابــة األربعــة‬
‫قــرون‪ ،‬وامتــد ســلطان الدولــة العثمانيــة املتمركــزة يف إســطنبول علــى البلقــان‬
‫واألناضــول خــال قرنــن مــن احلــروب والتوســع‪.‬‬

‫ويف ظــل هــذه القــوة املركزيــة والبــارزة يف املنطقــة بــدأ تزايــد الصــراع علــى النفــوذ بــن‬
‫ثالثــة قــوى هــي الدولــة العثمانيــة والدولــة الصفويــة الناشــئة يف تربيــز‪ ،‬واملماليــك مــن‬
‫جهــة ثالثــة‪ ،‬ففــي آب‪ /‬أغســطس ‪1514‬م كانــت املوقعــة األوىل الفاصلــة بــن الدولــة‬
‫العثمانيــة بزعامــة «ســليم األول» والدولــة الصفويــة بزعامــة «الشــاه إمساعيــل» يف‬
‫(جالديــران) قــرب (تربيــز) وانتصــر فيهــا العثمانيــون بفضــل فعاليــة الســاح النــاري‬
‫الــذي كانــوا يتفوقــون يف اســتخدامه‪ ،‬وبعــد عامــن هــزم العثمانيــون املماليــك يف موقعة‬
‫حامســة يف (مــرج دابــق) قــرب حلــب يف (‪ 23‬آب‪/‬أغســطس ‪1516‬م)‪ ،‬وكان ذلــك هنايــة‬
‫الســلطة اململوكيــة باحتــال العثمانيــن ملصــر(‪.)2‬‬

‫ويف نفــس العــام دخــل ســليم األول بــاد الشــام دون أدنــى مقاومــة وذلك لكره الشــاميني‬
‫للمماليــك يف ذاك الوقــت مــن جهــة‪ ،‬وخوفهــم مــن العثمانيــن مــن جهــة أخــرى‪ ،‬وبعــد‬
‫مــوت «ســليم» تــوىل الســلطة ابنــه «ســليمان» ‪1566- 1520‬م والــذي لُ ّقــب بســليمان‬
‫القانونــي نظــراً لكثــرة القوانــن الــي أصدرهــا يف شــؤون تنظيــم الدولــة‪ ،‬ويف عهــده‬
‫بلغــت اإلمرباطوريــة العثمانيــة مبلغهــا يف االتســاع واالزدهــار‪ ،‬وامتــدت علــى ثــاث‬
‫قــارات‪ ،‬كمــا ورثــت اخلالفــة العباســية واإلمرباطوريــة البيزنطيــة وأصبحــت إســطنبول‬
‫مركــزاً للعــامل اإلســامي وانبعــاث احلضــارة اإلســامية مــن جديد‪ ،‬ولكن بعد اكتشــاف‬
‫أمريــكا ورأس الرجــاء الصــاحل وبدايــة النهضــة األوروبيــة‪ ،‬بــدأ مركــز القــوة يتحــول إىل‬
‫(‪ )1‬جملــة «العربــي» الكويتيــة‪ ،‬العــدد ‪ ،397‬ديســمرب ‪ / 1991‬حممــد املنســي قنديــل ‪ -‬املقريــزى‪ - 2/222 ،‬بســام‬
‫العســلي‪ - 110- ،‬الشــيال‪ - 2/169 ،‬بســام العســلي‪ - 2/114 ،‬أبــو الفــداء‪.13/278 ،‬‬
‫(‪ )2‬ويكيبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪470‬‬
‫الغــرب‪ ،‬ولقــد تــرك العثمانيــون أثــراً كبــراً يف ازدهــار مدينــة عــكا‪ ،‬حيــث ازدادت أمهيــة‬
‫املينــاء علــى أيامهــم‪ ،‬وأنشــأوا املــدارس واملســاجد والكنائــس واحلمامــات واألســواق‬
‫والســرايا وغريهــا مــن األبنيــة احلكوميــة واخلاصــة(‪.)1‬‬

‫واحتــل ظاهــر العمــر املدينــة عــام ‪ 1744‬م ويف عــام ‪ 1750‬م أصبــح حاكــم عــكا مقابــل‬
‫مبلــغ مــن املــال يرســله ظاهــر العمــر لــوايل صيدا‪،‬وعندهــا انقلبــت عــكا مــن قريــة‬
‫منســية إىل مدينــة مركزيــة ومهمــة‪ ،‬خاصــة بعــد حتصينهــا عــام ‪ 1751 - 1750‬م‬
‫بســور وأبــراج‪ ،‬طــول الســور كان ‪ 500‬م يف الشــمال و‪ 300‬م يف الشــرق‪ ،‬وصــل علــوه‬
‫إىل مثانيــة أمتــار تقريبـاً‪ ،‬ومسكــه كان حــوايل مــراً واحــداً‪ ،‬ومل يكــن هنــاك نفــق أمامهــا‬
‫أو قنــاة عميقــة‪ ،‬ومثــل هــذا الســور اســتطاع أن يصــد هجمــات البــدو الذيــن مل يكــن‬
‫لديهــم مدافــع‪ ،‬وحســب معرفــة الرحالــة قولــي الــذي وصــف الســور فقــال‪« :‬إنــه يكفــي‬
‫لبعــض املدافــع تدمــره‪ »..‬وهنــاك مــن يقــول إن نابليــون اســتند علــى أقوالــه حينمــا قــرر‬
‫احتــال عــكا عــام ‪ ،1799‬وكان يف ســور ظاهــر العمــر بوابتــان قويتــان‪ :‬بوابــة الســراي‬
‫(حتمــل اســم قصــره اجملــاور) يف مشــال غــرب الســور وبوابــة الســباع (نســبة إىل صــورة‬
‫الســباع احملفــورة يف حجــر فــوق هــذه البوابــة) يف اجلنــوب الشــرقي مــن ســور املدينــة‪،‬‬
‫ويف الزاويــة الشــمالية الغربيــة مــن املدينــة‪ ،‬وفــوق أنقــاض القلعــة الصليبيــة والــي‬
‫حــاول فخــر الديــن املعــي الثانــي ترميمهــا‪ ،‬بنــى ظاهــر العمــر قصــره احملصــن ووضــع‬
‫فيــه عــدداً مــن املدافــع القدميــة‪ ،‬وحفــر قنــاة صغــرة مــن حولــه‪ ،‬وبنــى مســجر الرمــل‬
‫يف مركــز املدينــة‪ ،‬وأقــام ســوقاً كبــراً (الســوق األبيــض) الــذي رممــه ســليمان باشــا‬
‫فيمــا بعــد انظــر الشــكل (‪.)2()173‬‬

‫(‪ )1‬عــكا تــراث وذكريــات‪ ،‬متــى مسعــان بــوري ود‪ .‬يوســف أمحــد شــبل ‪ -‬كتــاب‪ :‬واليــة بــروت (اجلــزء الثانــي) ‪/‬‬
‫لــواء عــكا ‪ -‬دراســة‪ :‬د‪ .‬زهــر عبــد اللطيــف غنايــم‪ ،‬د‪ .‬حممــد عبــد الكريــم حمافــظ‪ ،‬طبعــة ‪ 2001‬م‪ - .‬مؤسســة‬
‫محــادة للدراســات اجلامعيــة ‪ -‬إربــد‪.‬‬
‫‪ Eurosis European Multidisciplinary Society for Modelling and Simulation Technology‬نســخة حمفوظــة‬
‫‪ 12‬مــارس ‪ 2016‬علــى موقــع واي بــاك مشــن‪.‬‬
‫(‪ )2‬كتــاب‪ :‬عــكا عاصمــة غــر متوجــة‪ ،‬مرشــد خاليلــة ‪ -‬وفيــق معمّــر احملامــي‪ ،‬ظاهــر العمــر – ســنة ‪،1979‬‬
‫الناصــرة ‪ -‬الثائــر الوطــي ظاهرالعمــر الزيدانــي‪ ،‬قســطنطني مخــار ‪ -‬ويكبيديــا املوســوعة احلــرة – موقع الكرتوني‪.‬‬

‫‪471‬‬
‫معامل املدينة القدمية‪:‬‬

‫األســوار ‪ -‬وهــي أســوار بناهــا القائــد ظاهــر العمر‬


‫عــام ‪ 1751 - 1750‬م‪ ،‬يبلــغ طــول الســور كان‬
‫‪ 500‬م يف الشــمال و‪ 300‬م يف الشــرق‪ ،‬ووصــل‬
‫‪173‬‬ ‫الشكل‬
‫علــو ســور عــكا إىل مثانيــة أمتــار تقريب ـاً‪ ،‬ومسكــه‬
‫كان حــوايل مــراً واحــداً‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)174‬ومل يكــن هنــاك نفــق أمامهــا أو قنــاة‬
‫عميقــة‪ ،‬ومثــل هــذا الســور اســتطاع أن يصــد هجمــات البــدو الذيــن مل يكــن لديهــم‬
‫مدافــع‪ ،‬وكان يف الســور بوابتــان قويتــان‪ :‬بوابــة الســراي (حتمــل اســم قصــره اجملــاور)‬
‫يف مشــال غــرب الســور وبوابــة الســباع (نســبة إىل صــورة الســباع احملفــورة يف حجــر‬
‫فــوق هــذه البوابــة) يف اجلنــوب الشــرقي مــن ســور املدينــة انظــر الشــكل (‪.)175‬‬

‫خــان العمــدان ‪ -‬ويقــع قــرب مدخــل املينــاء‪ ،‬مت بنــاؤه يف القــرن التاســع عشــر علــى يــد‬
‫أمحــد باشــا اجلــزار‪ ،‬وقــد جلبــت عمدانــه مــن خرائــب قيســارية وعتليــت‪ ،‬ويطلــق عليــه‬
‫اســم (خــان اجلــزار)‪ ،‬ويقــع فــوق مدخلــه الشــمايل بــرج ســاعة بــي ســنة ‪ 1906‬ختليــداً‬
‫لذكــرى الســلطان عبــد احلميــد الثانــي‪ ،‬كمــا أن يف الطــرف الشــرقي مــن املدينــة‬
‫وبالقــرب مــن بــرج الســلطان – وهــو أحــد األبــراج الباقيــة مــن عهــد الصليبيــن –‬
‫يوجــد (خــان اإلفرنــج)‪ ،‬وكان يســتعمل مركـزًا للتجــار األوروبيــن انظــر الشــكل (‪.)1(176‬‬

‫القلعــة ‪ -‬وكانــت تُعــرف أيض ـاً بـــ ســجن عــكا‪ ،‬ترتفــع فــوق البنايــة اجملــاورة هلــا‪ ،‬لقــد‬
‫أمت بناءهــا أمحــد باشــا اجلــزار‪ ،‬وقامــت علــى أســس صليبيــة انظــر الشــكل (‪.)177‬‬
‫مســجد املينــاء ‪ -‬ويســمى أيضـاً جامــع البحــر‪ ،‬أقيــم علــى يــد ســليمان ســنة ‪ 1806‬يف‬
‫نفــس موقــع مســجد ســنان باشــا القديــم (ســنان باشــا هــو مهنــدس تركــي بنــى عــدة‬
‫مســاجد علــى امســه يف مــدن الشــرق)‪ ،‬وتشــر التقديــرات إىل أن مت بنــاء املســجد‬
‫يف أواخــر القــرن الســادس عشــر‪ ،‬وهــو أول دار عبــادة للمســلمني يف عــكا‪ ،‬مت ذكــره‬

‫(‪ )1‬خانات عكا العثمانية ‪ -‬خان العمدان نسخة حمفوظة ‪ 28‬يناير ‪ 2012‬على موقع واي باك مشني‪.‬‬

‫‪472‬‬
‫يف كتابــات العهــد العثمانــي باســم «مســجد ســنان‬
‫باشــا» انظــر الشــكل (‪.)1()178‬‬
‫مســجد اجلــزار والســوق األبيــض ‪ -‬يقــع يف مدخــل‬
‫املدينــة مــن اجلهــة الشــمالية‪ ،‬وعنــد وصولنــا إىل‬
‫‪174‬‬ ‫الشكل‬ ‫اجلامــع نشــاهد عنــد مدخلــه (ســبيل مــاء) رممــه‬
‫ســليمان باشــا‪ ،‬وكان قــد أقامــه أمحــد باشــا‬
‫اجلــزار نصعــد عــدداً مــن الدرجــات‪ ،‬ثــم ندخــل‬
‫املســجد الــذي حيتــوي علــى ســاحة واســعة بعضهــا‬
‫مبلــط‪ ،‬كمــا حتتــوي الســاحة علــى أشــجار الســرو‬
‫‪175‬‬ ‫الشكل‬
‫والنخيــل العتيــق‪ ،‬ويف مركــز الســاحة نشــاهد بنــاء‬
‫لــه قبــة خضــراء‪ ،‬وبالقــرب منــه بئــر مــاء ومزولــة‬
‫مــن اجلهــة الغربيــة‪ ،‬حيــث دفــن فيهــا أمحــد باشــا‬
‫اجلــزار‪ ،‬وجبانبــه خليفتــه ســليمان باشــا الــذي‬
‫‪176‬‬ ‫الشكل‬ ‫مــات ســنة ‪1819‬م‪ ،‬ولقــد أمت أمحــد باشــا اجلــزار‬
‫بنــاء املســجد ســنة ‪1782‬م‪ ،‬أمــا الغــرف الصغــرة‬
‫املوجــودة يف داخــل املســجد فقــد كان يســكنها طــاب العلــم أيــام كانــت يف جامــع‬
‫اجلــزار مدرســة إســامية‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)179‬أمــا حجــارة املســجد فقــد جُلبَـتْ مــن‬
‫خرائــب قيســارية وعتليــت‪ ،‬وقــد مت ترميــم املســجد حدي ًثــا‪ ،‬ويعتــر مســجد اجلــزار‬
‫أعظــم مســجد يف مشــال فلســطني علــى اإلطــاق بســبب حجمــه والفــن املعمــاري‬
‫اإلســامي الــذي يــرز معاملــه(‪.)2‬‬

‫مســجد الزيتونــة ‪ -‬ويقــع املســجد جنــوب الزاويــة الشــاذلية‪ ،‬يف املــكان الــذي يوجــد‬
‫فيــه كنيســة ماريــا‪ ،‬الــي وقفــت ‪ Jehoshafat‬فيــه خــال الفــرة الصليبيــة‪ ،‬إىل‬
‫اجلنــوب مــن ربــع اإلســبتارية‪ ،‬وفقـاً لتقليــد واســع االنتشــار‪ ،‬ويرتبــط اســم املســجد مــع‬

‫(‪ )1‬ويكبيديا املوسوعة احلرة – موقع الكرتوني‪.‬‬


‫(‪ )2‬فن البناء يف مسجد اجلزار د‪ .‬بطرس دله‪.‬‬

‫‪473‬‬
‫أشــجار الزيتــون الــي كانــت تنمــو يف ســاحته‪ ،‬وقــد‬
‫بــي املســجد يف الفــرة مــن الدهارعمــر حممــد‬
‫احلــاج‪ ،‬الــذي أســس أيضـاً األوقــاف املرتبطــة بــه‪،‬‬
‫ويف البدايــة كانــت األوقــاف تــدار مــن قبــل عائلــة‬
‫‪1323‬‬ ‫الشــيخ نــور شــرم‪ ،‬يف الســنوات ‪- 1316‬‬
‫‪177‬‬ ‫الشكل‬ ‫هجــري (‪ )1905 - 1898‬انظــر الشــكل (‪.)1()180‬‬

‫كنيســة وديــر الفرنسيســكان (الالتــن) ‪ -‬تقــع هــذه‬


‫الكنيســة يف وســط الســوق الشــعيب متتــاز مبنارهتــا‬
‫الشــاهقة (بــرج األجــراس) وجبماهلــا ولوهنــا البــي‪،‬‬
‫شــيدت يف عهــد فخــر الديــن املعــي يف أوائــل القرن‬
‫‪178‬‬ ‫الشكل‬ ‫الســابع عشــر‪ ،‬انظــر الشــكل (‪ ،)181‬ومبحــاذاة‬
‫الكنيســة أنشــأ رهبــان الفرنســيس كان ديــراً هلــم‪،‬‬
‫وديــر الفرنســيس كان هــذا يشــرف علــى إدارة‬
‫مدرســة ترياســنطة الثانويــة يف األراضــي املقدســة‬
‫= (‪.)2()Terra sancta‬‬

‫‪179‬‬ ‫الشكل‬ ‫وكان إنشــائه‪ ،‬ختليــداً لقــدوم مــار فرنســيس إىل‬


‫األراضــي املقدســة كمــا شــهد فيمــا بعــد مغادرتــه‬
‫هلــا‪ ،‬والــذي حــل يف ديرالرهبــان الفرنسيســكان الــذي أقيــم ســنة ‪ 1217‬حماذيــاً‬
‫للســور يف اجلهــة الشــمالية الغربيــة‪ ،‬ومــن عــكا انطلــق مــار فرنســيس لزيــارة األماكــن‬
‫املقدســة‪ ،‬وكان أشــدها تأثــراً عليــه مغــارة بيــت حلــم واجللجلــة‪ ،‬وتلــك كانــت بدايــة‬
‫اآلبــاء الفرنسيســكان يف األرض املقدســة‪ ،‬والــي مضــى علــى وجودهــم فيهــا منــذ‬
‫ذلــك احلــن حتــى يومنــا احلاضــر أكثــر مــن ســبعة قــرون ونيّــف‪ ،‬ومــا اســتقر املقــام‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديــا املوســوعة احلــرة – موقــع الكرتونــي ‪ -‬جامــع الزيتونــة ‪ /‬موقــع بلــدة عــكا القدميــة‪ .‬نســخة حمفوظــة‬
‫‪ 11‬فربايــر ‪ 2012‬علــى موقــع واي بــاك مشــن‪.‬‬
‫(‪ )2‬جريدة البناء ‪ /‬ك ّل ما فيها مجيل عكا‪ ..‬وريثة الكنعانيني وقاهرة بونابرت‪.‬‬

‫‪474‬‬
‫باآلبــاء الفرنسيســكان يف األرض املقدســة‬
‫حتــى راحــوا يؤكــدون وجودهــم مــن خــال‬
‫إقامــة األديــرة والكنائــس يف معظــم بــاد‬
‫الشــرق العربــي‪ ،‬وملــا توطــد وجــود اآلبــاء‬
‫الفرنسيســكان يف جــوار األراضــي املقدســة‪،‬‬
‫‪180‬‬ ‫الشكل‬ ‫باذلــن كل جهودهــم للقيــام علــى خدمــة‬
‫تلــك األماكــن والنهــوض يف مســتوى حيــاة‬
‫اجملتمعــات احملليــة احمليطــة هبــا‪ ،‬فقــد نالــوا‬
‫مباركــة الكرســي الرســويل يف الفاتيــكان‪،‬‬
‫وكان أن منحهــم لقــب «حــراس األراضــي‬
‫املقدســة(‪.»)1‬‬

‫كنيســة القديــس يوحنــا ‪ -‬تقــع هذه الكنيســة‬


‫على ســور املدينة شــرقي برج الفنار شــيدت‬
‫عــام ‪1737‬م علــى يــد جتــار فرنســيني وقــد‬
‫بنيــت هــذه الكنيســة وفــق الطــراز املعمــاري‬
‫القوطــي‪ ،‬الكنيســة كانــت مهملــه‪ ،‬ويف أوائــل‬
‫عــام ‪ 1994‬باشــرت الطائفــة برتميمهــا‬
‫‪181‬‬ ‫الشكل‬ ‫انظرالشــكل (‪.)182‬‬

‫كنيسة القديس جوارجيوس‪:‬‬

‫‪ -‬وهــي كنيســة أرثوذكســية شــرقية‪ ،‬وهــي تعــود إىل فــرة الصليبيــن ومبنيــة علــى أثــار‬
‫كنيســة بيزنطيــة‪ ،‬وقــد غلفــت جــدران الكنيســة مــن الداخــل باخلشــب احملفــور انظــر‬
‫الشــكل (‪ ،)183‬إىل الشــرق مــن الكنيســة وعلــى بعــد حنــو مخســة أمتــار‪ ،‬يوجــد ديــر‬
‫آخــر شــيد علــى أنقــاض مبــا ٍن صليبيــة ويقيــم يف هــذا الديــر (األنطــش) رجــال الديــن‬

‫(‪ )1‬موقع مدرسة تراسنطا يف عكا نسخة حمفوظة ‪ 25‬نوفمرب ‪ 2016‬على موقع واي باك مشني‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫الذيــن يعملــون يف الكنيســة‪ ،‬باإلضافــة إىل‬
‫مطــران اجلليــل للــروم األرثوذكــس‪ ،‬هنالــك‬
‫الئحــة علــى الديــر مــن الرخــام منقــوش‬
‫عليهــا اســم امريالــن بريطانيــن ســقطا أثناء‬
‫(‪)1‬‬
‫معــارك عــكا ســنة ‪ 1799‬وســنة ‪.1840‬‬

‫‪182‬‬ ‫الشكل‬ ‫عمارة القصور – قصر احلمراء‪:‬‬

‫للقصــور مفهــوم تعريفــي فهــو ســكن العليــة مــن القــوم‪ ،‬األثريــاء واألمــراء‪ ،‬وقــد ذكــرت‬
‫كتــب التاريــخ وكتــب األدب الكثــر عــن هــذه القصــور‪ ،‬ولكــن اهتمامــات هــذه الكتــب‬
‫انصرفــت إىل وصــف الــرف والزخرفــة واجلماليــات‪ ،‬ومل تعــوّل علــى التصميــم‬
‫اهلندســي إال يف القليــل النــادر‪ ،‬ولكــن املبــدأ العــام الــذي قــام عليهــا لبيــت قــام عليــه‬
‫القصــر أيضـاً‪ ،‬فهنــاك الســور اخلارجــي الــذي خيلــو مــن الفتحــات‪ ،‬والصحــن الداخلــي‬
‫الــذي تشــرف عليــه األروقــة ومــن ورائهــا الغــرف يف طابــق أو طابقــن‪.‬‬

‫وال شــك بأنــه وجــدت قصــور علــى غايــة مــن الروعــة واجلمــال‪ ،‬بــذل فيهــا مــن الوقــت‬
‫والفــن واملــال الشــيء الكثــر‪ ..‬وقــد بقــي يف األندلــس منهــا بقيــة يعــد قصــر احلمــراء‬
‫يف غرناطــة مــن أمههــا‪ ،‬والشــك أيض ـاً بــأن هــذه القصــور الباقيــة حتكــي مــا توصــل‬
‫إليــه الفنانــون املســلمون مــن فــن وعبقريــة وعلــم باهلندســة‪ ..‬وقــد أدرك هــذه احلقيقــة‬
‫«ج‪ .‬مارســيه» وعبّــر عنهــا يف كتابــه «الفــن اإلســامي» فقــال‪« :‬لقــد تغلغــل اإلســام‬
‫يف احليــاة البيتيــة‪ ،‬كمــا دخــل حيــاة اجملتمــع‪ ،‬وصاغــت الطبائــع الــي نشــرها شــكل‬
‫البيــوت والنفــوس(‪.»)2‬‬

‫واجلمــال يف املفهــوم اإلســامي مــن بعــض مساتــه تناســق اجلزئــي مــع العــام‪ ..‬فــإن مــن‬
‫حقنــا أن نلفــت النظــر إىل اجلانــب غــر املنظــور مــن هــذه القصــور‪ ،‬بعيــداً عــن العطــاء‬
‫(‪ )1‬ويكيبيديــا املوســوعة احلــرة – موقــع الكرتونــي‪ - .‬مدينــة عــكا‪ ...‬املوقــع احلضــارة والتاريــخ ‪ /‬ثقافــة نســخة‬
‫حمفوظــة ‪ 06‬مــارس ‪ 2016‬علــى موقــع واي بــاك مشــن‪.‬‬
‫(‪ )2‬عن كتاب «مجالية الفن العربي» د‪ .‬عفيف هبنسي ص ‪.159‬‬

‫‪476‬‬
‫الفــي‪ ..‬فمــا العطــاء الفــي إال جانــب مــن‬
‫جوانــب اجلمــال‪ ،‬فهنــاك أمثلــة علــى تلــك‬
‫القصــور بأبعادهــا املعماريــة‪.‬‬

‫«وكان قصــر املأمــون بــن ذي النــون ملــك‬


‫طليطلــة آيــة رائعــة مــن آيــات الفــن والبهــاء‬
‫‪183‬‬ ‫الشكل‬
‫انظــر الشــكل (‪ ،)184‬وكان روشــنه الشــهري‬
‫الــذي بــي وســط حبــرة القصــر‪ ،‬مــن الزجــاج امللــون املزيــن بالنقــوش الذهبيــة‪ ،‬مســتقى‬
‫خصبـاً خليــال الشــعراء‪ ،‬وكانــت حافــة البحــرة مزدانــة بصفــوف مــن متاثيــل األســود‬
‫الــي تقــذف املــاء مــن أفواههــا‪ ،‬وهــي ال تــزال تقــذف املــاء وال تفــر‪ ،‬وتنظــم آللــئ‬
‫احلبــاب بعــد مــا نثــر(‪ ،»)1‬ويف وصــف آخــر هلــذا القصــر حيــث قيــل‪:‬‬

‫«وكان الكثــرون مــن األمــراء الذيــن توزعــوا اخلالفــة املمزقــة‪ ..‬ميلكــون قصــوراً وبيوتـاً‬
‫تنافــس يف البــذخ والــرف قصــور بــي عبــاد ومنهــا‪ ..‬فالبنــاء الرائــع الــذي بنــاه املأمــون‬
‫بــن ذي النــون آخــر أمــراء طليطلــة‪ ،‬واختــذ منــه مقــراً لــه‪ ،‬وتأنــق يف بنائــه وأنفــق فيــه‬
‫مــاالً كثــراً‪ ،‬وصنــع فيــه حبــرة وبنــى يف وســطها قبــة‪ ،‬وســيق املــاء إىل رأس القبــة علــى‬
‫تدبــر احلكمــاء واملهندســن وكان املــاء ينــزل مــن أعلــى القبــة حواليهــا حميط ـاً هبــا‬
‫متص ـاً بعضــه ببعــض‪ ،‬فكانــت القبــة يف غاللــة مــن مــاء يســكب ال يفــر‪ ،‬واملأمــون‬
‫بــن ذي النــون قاعــد فيهــا ال ميســه مــن املــاء شــيء‪ ،‬ولــو شــاء أن يوقــد فيهــا الشــمع‬
‫لفعــل‪ ..‬واســتوىل املســيحيون علــى مدينــة طليطلــة(‪ ،»)2‬وقيــل إنــه قصــر مجيــل حق ـاً‪،‬‬
‫وهــو حتفــة مثينــة‪ ،‬ولوحــة فنيــة خالــدة‪ ..‬وعكــف عليهــا فناهنــا الــذي أعطاهــا عصــارة‬
‫فكــره‪ ،‬وأنفــق يف ألواهنــا مــن حـرِّ مالــه‪ ،‬ولكنــه رمسهــا يف بيتــه املتواضــع‪ ،‬مســتنداً إىل‬
‫جــداره الــذي يريــد أن ينقــض‪ ،‬مســتظالً بســقفه الــذي تتيــح لــه شــقوقه أن يتمتع بزرقة‬
‫الســماء الصافيــة حينـاً‪ ،‬واملتلبــدة بالغيــوم أحيانـاً‪ ،‬وإهنــا حينمــا نقطعهــا عــن الوشــائج‬
‫الــي تربطهــا باحليــاة‪ ،‬وننظــر إليهــا نظــرة جمــردة ميكننــا أن نصفهــا باجلمــال‪ ،‬ولكنــه‬
‫(‪ )1‬هناية األندلس‪ .‬تأليف حممد عبداهلل عنانط ‪ 3‬ص ‪.512‬‬
‫(‪ )2‬الفن العربي يف اسبانيا‪ .‬تأليف (فونشاك) ترمجة الطاهر أمحد مكيص ‪.69‬‬

‫‪477‬‬
‫حينمــا توصــل هذه الوشــائج باحليــاة وبدنيا‬
‫النــاس رمبــا كانــت هلــا أوصــاف أخــرى‪ ،‬إهنــا‬
‫فــن قــام علــى أرض مســلمة‪ ،‬وبأيــد مســلمة‪،‬‬
‫ولكــن هــل ميكــن أن يســمى فنـاً إســامياً؟!‪.‬‬

‫وكمــا أســلفنا مــن قبــل بــأن اجلمــال يأتــي‬


‫‪184‬‬ ‫الشكل‬ ‫يف درجــة الكماليــات بعــد أن تســتكمل‬
‫الضــرورات واحلاجــات فــإذا جــاء قبــل ذلــك‪ ،‬كان يف غــر مكانــه‪ ،‬وكان غــر مجيــل‪ ،‬هبذا‬
‫االعتبــار لفقــدان صفــة التناســق وهــي مســة أساســية‪ ،‬ومــن هنــا كان املنهــج اإلســامي‬
‫واضحــاً يف حتديــد املفهــوم اجلمــايل‪ ،‬وإذا أضفنــا إىل ذلــك أن تلــك األمــوال كانــت‬
‫أمــوال األمــة وقــد وضعــت يف غــر مــا أعــدت لــه‪ ،‬كنــا أمــام شــائبة أخــرى‪ ،‬وإذا قلنــا إن‬
‫وقــت األمــراء واحلــكام هــو يف األصــل ملــك األمــة(‪ ،..)1‬وهــذا مــا يفســر لــك بعــض ذلــك‬
‫الشــعور الــذي ينتابــك وأنــت يف احلمــراء مثـاً‪ ،‬فبمقــدار مــا تســر عينــك وتأنــس ملــرأى‬
‫اجلمــال يف حللــه املتنوعــة ومظاهــره املتعــددة‪ ..‬مبقــدار ماتشــعر بانقبــاض نفســي‬
‫شــديد حــن متــر بفكــرك عــر التاريــخ وتســتمع إىل اجلــدران واألعمــدة حتكــي لــك‬
‫بعــض مــا ســجلته ذاكرهتــا‪ ،‬وتعيــد لــك بعــض ماشــاهدته مــن هلــو وعبــث وتقصــر‪ ...‬إن‬
‫بنــاء القصــور‪ ،‬والعنايــة بالعمــران‪ ،‬وزخرفتــه‪ ،‬أمــر ال مينعــه اإلســام مــادام يف حــدود‬
‫املنهــج(‪..)2‬‬

‫إن العمــارة والفنــون العربيــة يف األندلــس‪ ،‬إبّــان احلكــم العربــي اإلســامي‪ ،‬كانــت حقبــة‬
‫احلكــم العربــي لألندلــس وحقبــة تطــور حضــاري مهــم‪ ،‬فقــد وصلــت احلضــارة العربيــة‬
‫إىل تلــك البــاد خبصائصهــا العربيــة اإلســامية الــي كانــت قــد بــدأت تتبلــور يف بــاد‬
‫الشــام إبــان احلكــم األمــوي‪ ،‬لقــد كانــت بالطــات اخللفــاء واألمــراء يف األندلــس مركــز‬
‫إشــعاع ثقــايف حضــاري‪ ،‬فاجتذبــت العلمــاء والكتّــاب والشــعراء والفنانــن والصنــاع‬
‫املهــرة‪ ،‬وقــد اهتــم اخللفــاء واألمــراء بنشــر املــدارس واجلامعــات (وأشــهرها جامعــة‬
‫(‪ )1‬انظركتابنا (منمعينالسرية) ص ‪.475 - 471‬‬
‫(‪ )2‬فن العمارة اإلسالمية‪ ..‬البيوت والقصور ‪ -‬أ‪ .‬صاحل بن أمحدالشامي‪.‬‬

‫‪478‬‬
‫قرطبــة) انظــر الشــكل (‪ ،)185‬واملكتبــات‬
‫العامــة (وأشــهرها مكتبــة اخلليفــة احلكــم)‬
‫وبنــاء األســواق واملشــايف واحلمامــات العامــة‬
‫ومالجــئ الفقــراء‪ ،‬ويقتضــي احلديــث عــن‬
‫الصــروح العمرانيــة يف األندلــس والتطــرق‬
‫‪185‬‬ ‫الشكل‬ ‫إىل هندســة املــدن وتنظيمهــا‪ ،‬فقــد كانــت‬
‫مدينــة قرطبــة يف أيــام احلاجــب املنصــور‬
‫(الوزيــر حممــد بــن أبــي عامــر) واحــدة مــن‬
‫أعظــم املــدن يف العــامل‪ ،‬ويقــال إهنــا كانــت‬
‫حتتــوي علــى مئــي ألــف قصــر وســتمائة‬
‫مســجد وســبعمائة محــام‪ ،‬وكانــت طرقهــا‬
‫‪186‬‬ ‫الشكل‬
‫مرصوفــة باحلجــارة‪ ،‬وحمفوفــة بطواريــن‬
‫علــى اجلانبــن‪ ،‬وكانــت تضــاء يف الليــل حتــى يقــال إن املســافر كان يســتطيع أن يســر‬
‫علــى ضــوء املصابيــح وبــن صفــن مــن املبانــي مســافة عشــرة أميــال انظــر الشــكل‬
‫(‪ ،)186‬ومل يغفــل اخللفــاء واألمــراء بنــاء اجلســور علــى األهنــار ومــد قنــوات ميــاه‬
‫الشــرب إىل املنــازل والقصــور واحلمامــات إضافــة إىل احلدائــق واملتنزهــات الــي‬
‫تزينهــا بــرك املــاء املتدفــق‪ ،‬ومــن هــذه القصــور‪:‬‬
‫قصــر الرصافــة يف قرطبــة ‪ -‬ويقــال إن عبــد الرمحــن الداخــل أنشــأ يف قرطبــة قصــراً‬
‫فخمــاً أطلــق عليــه اســم قصــر الرصافــة تيمنــاً بالقصــر الــذي قضــى فيــه صبــاه‬
‫بالقــرب مــن مدينــة الرقــة يف ســورية انظــر الشــكل (‪ ،)187‬وحــذا حــذوه مــن أتــى بعــده‬
‫مــن األمــراء واخللفــاء‪ ،‬فبنــوا قصــوراً تغنــى هبــا الشــعراء األندلســيون‪ ،‬مثــل الروضــة‬
‫وقصــر املعشــوق انظرالشــكل (‪ ،)188‬وقصرالســرور انظرالشــكل (‪ ،)189‬وقصــر‬
‫التــاج‪ ،‬وقــد كانــت هــذه القصــور الــي اندثــر أكثرهــا آيــة يف اجلمــال والرباعــة العمرانيــة‬
‫والــرف والــذوق الرفيــع(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬العمارة والفنون اإلسالمية يف األندلس ‪ -‬حنان قصاب حسن– قصة اإلسالم – إشراف الدكتور راغب‬

‫‪479‬‬
‫مدينــة الزهــراء ‪ -‬وهــي مــن أشــهر املشــيدات العمرانيــة يف حقبــة اإلمــارة العربيــة‬
‫واخلالفــة األمويــة ضاحيــة الزهــراء الــي تقــع إىل الشــرق مــن قرطبــة‪ ،‬وقــد شــيدها‬
‫اخلليفــة األمــوي عبــد الرمحــن الناصــر (عبــد الرمحــن الثالــث) (‪350 - 300‬هـــ)‬
‫ختليــداً الســم زوجتــه‪ ،‬واســتغرق بناؤهــا ســنوات طويلــة (‪351 - 325‬هـــ‪- 936 ،‬‬
‫‪961‬م) وتشــتمل الزهــراء علــى ثــاث مــدن متدرجــة يف البنــاء عثــر عليهــا املعمــار‬
‫اإلســباني فالســكيز عــام ‪1910‬م‪ ،‬وتنحــدر تلــك املــدن حنــو الــوادي الكبــر ولــكل‬
‫منهــا ســورها‪ ،‬القصــور يف أعالهــا والبســاتني واجلنــان يف الثانيــة‪ ،‬ويف الثالثــة الديــار‬
‫واجلامــع انظرالشــكل (‪.)190‬‬

‫قصــر الروضــة ‪ -‬وبنــاه عبــد الرمحــن الناصــر لنفســه قصــره العظيــم دار الروضــة‪،‬‬
‫ويذكــر املقــري يف كتابــه «نفــح الطيــب» أن حيطــان القصــر كانــت مــن الذهــب والرخــام‬
‫الســميك الصــايف‪ ،‬ويف وســط القصــر صهريــج عظيــم ملــيء بالزئبــق‪ ،‬وأبــواب مــن‬
‫العــاج واألبنــوس املرصــع باجلواهــر‪ ،‬وكانــت الشــمس تضــرب أشــعتها مــن خالهلــا يف‬
‫صــدر اجمللــس‪ ،‬فيصــر مــن ذلــك نــور يأخــذ‬
‫األبصــار‪ ،‬وزيــن جملســه يف قصــر الزهــراء‬
‫بتماثيــل مــن الذهــب مرصعــة باجلواهــر‬
‫يف دار الصناعــة يف قرطبــة‪ ،‬وأقــام جممَــع‬
‫‪187‬‬ ‫الشكل‬ ‫منحوتــات يف قصــره هــذا‪ ،‬وجلــب إليــه بركــة‬
‫منقوشــة يف دمشــق ومذهبــة فيهــا نقــوش‬
‫ومتاثيــل علــى صــور اإلنســان ال تقـدّر بثمــن‪،‬‬
‫ونصــب منحوتــاتٍ مــن الذهــب األمحــر‬
‫مرصّعــة بالــدر النفيــس الغــايل ممّــا عمــل‬
‫بــدار الصناعــة بقرطبــة‪ ،‬متثــل أســداً وغزاالً‬
‫ومتســاحاً يقابلهــا ثعبــان وعقــاب وفيــل‪،‬‬
‫وعلــى اجلانبــن ركــزت محامــة وشــاهني‬
‫‪188‬‬ ‫الشكل‬

‫‪480‬‬
‫وطــاووس ودجاجــة وديــك وحــدأة ونســر‪،‬‬
‫وكلّهــا خيــرج مــن أفواههــا املــاء‪ ،‬ويقــال إن‬
‫قصــر الروضــة كان يقــوم علــى ألــف ومائــي‬
‫عمــود مــن الرخــام وإن ســقف جملــس احلكم‬
‫فيــه وجدرانــه كانــت مــن الرخــام والذهــب‪،‬‬
‫‪189‬‬ ‫الشكل‬
‫ولــه مثانيــة أبــواب مطعمــة خبشــب األبنــوس‬
‫والعــاج واحلجــارة الكرميــة‪ ،‬ويف الطــرف‬
‫املقابــل للروضــة شــيد احلاجــب املنصــور يف‬
‫عــام ‪ 368‬هـــ‪ 978 /‬م قصرالزاهــرة ‪ -‬الــذي‬

‫‪190‬‬ ‫الشكل‬ ‫ضاهــى القصــر األول يف الفخامــة‪ ،‬وانتشــر‬


‫حــول القصريــن بيــوت األشــراف واملغنــن‬
‫والعازفــن والشــعراء واخلــدم‪ ،‬وقــد اشــتهرت مدينــة الزاهــرة بالــرف والغنــى ورخــاء‬
‫احليــاة حتــى صــارت مضــرب األمثــال يف ذلــك الوقــت‪ ،‬وقــد احــرق القصــران يف ثــورة‬
‫عــام ‪1010‬م ومل يبــق منهمــا ســوى بعــض اآلثــار‪ ،‬وذابــت الضاحيــة كلهــا يف مدينة قرطبة‬
‫بعــد ذلــك التاريــخ انظرالشــكل (‪.)1()191‬‬

‫قصر احلمراء يف غرناطة‪:‬‬


‫قلعــة وقصــر ومدينــة مصغــرة يف آن واحــد! قصــر احلمــراء واحــد مــن أفضــل النمــاذج‬
‫علــى مجــال العمــارة اإلســامية التقليديــة‪ ،‬ويبــدو فــن النصريــن يف تصميمــه واضحـاً‬
‫يف أهبــى صــوره‪ ،‬وتعــد احلقبــة الــي حكــم فيهــا بنــو نصــر هــي أزهــى عصــور الفــن‬
‫واجلمــال يف األندلــس‪ ،‬ويظهــر فيهــا اندمــاج الفــن اإلســباني مــع الفــن اإلســامي‪،‬‬
‫وتظهــر العمــارة اإلســامية التقليديــة بوضــوح يف تغطيــة مجيــع األســطح يف التصميــم‬
‫بالزخرفــة اهلندســية واخلــط العربــي ومــن ضمــن العوامــل التصميميــة املميــزة لقصــر‬
‫احلمــراء‪ ،‬واســتخدام املوزاييــك واحلفــر علــى اجلبــس واألســقف اخلشــبية احملفــورة‬
‫(‪ )1‬العمــارة والفنــون اإلســامية يف األندلــس ‪ -‬حنــان قصــاب حســن – قصــة اإلســام – إشــراف الدكتــور راغــب‬
‫الســرجاني‪.‬‬

‫‪481‬‬
‫بتفاصيــل دقيقــة‪ ،‬واجلبــس احملفــور والــذي‬
‫يتميــز بــه النصريــن‪ ،‬يظهــر بوضــوح هنــا‬
‫ويغطي احلوائط واألســقف والقباب‪ ،‬وتظهر‬
‫فيــه األلــوان الزاهيــة والتفاصيــل الدقيقــة يف‬
‫‪191‬‬ ‫الشكل‬ ‫احلفــر‪ ،‬جتعــل هــذا اجلبــس يبــدو وكأنــه‬
‫قمــاش ثــري‪ ،‬ومت تســجيل قصــر احلمــراء‬
‫واحلديقــة املتامخــة لــه‪ ،‬كأحــد مواقــع الــراث‬
‫العاملــي التابعــة ملنظمة اليونســكو عام ‪،1984‬‬
‫ثــم متــت إضافــة منطقــة البيازيــن اجملــاورة‬
‫عــام ‪ ،1994‬وتعــد منطقــة البيازيــن أيضــاً‬
‫‪192‬‬ ‫الشكل‬
‫مــن أفضــل منــاذج االندمــاج بــن العمــارة‬
‫اإلســامية مــع العمــارة األســبانية لتكويــن‬
‫العمــارة األندلســية‪.‬‬
‫ويعــد قصــر احلمــراء يف مدينــة غرناطــة‬
‫مــن أهــم الصــروح املعماريــة الــي تــرز‬
‫مجــال الفــن العربــي اإلســامي وأناقــة‬
‫التزيينــات فيــه‪ ،‬فقــد امتــد تشــييده حتــى‬
‫‪193‬‬ ‫الشكل‬
‫ســنة ‪793‬هـــ‪1391/‬م انظــر الشــكل (‪،)192‬‬
‫وخمطــط القصــر مــا يــزال واضحــاً يف‬
‫جمموعــات ثــاث هــي‪ :‬املشــور‪ ،‬حيــث كان‬
‫الســلطان يتــوىل األحــكام ويلتقــي الرعايــا‪،‬‬
‫والديــوان املخصــص لالســتقباالت الرمسيــة‬
‫‪194‬‬ ‫الشكل‬ ‫وفيــه قاعــة العــرش انظــر الشــكل (‪)193‬؛‬
‫واحلريــم املخصــص ملخــادع الســلطان وفيــه باحــة األســود انظرالشــكل (‪ ،)194‬ويف‬
‫القصــر بنــاء منخفــض يعــرف اليــوم باســم باتيــو دل مكســار ‪ Patio de Mexuar‬فيــه‬
‫جملــس القاضــي ومصلّــى صغــر‪.‬‬

‫‪482‬‬
‫ويعــود القســم األكــر مــن القصــر ببنائــه‬
‫إىل عصــر الســلطان أبــي احلجــاج بــن‬
‫يوســف إمساعيــل بــن نصــر بــن األمحــر‬
‫وينســب‬ ‫(‪756-734‬هـــ‪1354-1333/‬م)‬
‫إليــه بنــاء باحــة الرحيــان انظرالشــكل‬
‫(‪ ،)195‬وبــرج «قمــارش» الــذي حيتــوي‬
‫علــى قاعــة الســفراء املزينــة بقبــة مجيلــة‬
‫انظرالشــكل (‪ ،)196‬وفيهــا كان أصحــاب‬
‫غرناطــة يســتقبلون املبعوثــن مــن األجانــب‪،‬‬
‫وبعــد ذلــك قــام الســلطان حممــد الغــي‬
‫بــاهلل (‪793 - 755‬هـــ‪1391 - 1354/‬م)‬
‫‪195‬‬ ‫الشكل‬
‫ببنــاء باحــة األســود الــي تنفــرد بأســلوهبا‬
‫الفــي وبأعمدهتــا املرمريــة الــي تعلوهــا‬
‫تيجــان مــن الزهــور املنحوتــة‪ ،‬وبأقواســها‬
‫الرشــيقة املزينــة بزخــارف مــن الكتابــات‬
‫الكوفيــة والنقــوش العربيــة امللوّنــة‪ ،‬وبربكتهــا‬
‫املرمريــة احملاطــة باثنــي عشــر أســداً‬
‫منحوت ـاً ختــرج امليــاه مــن أفواههــا حبســب‬
‫ســاعات النهــار والليــل انظرالشــكل (‪،)197‬‬
‫وقــد تعطلــت خمــارج امليــاه يف هــذه الربكــة‬
‫يف العصــر احلديــث ومل يســتطع املهندســون‬
‫التوصــل إىل الطريقــة الــي هنــدس فيهــا‬
‫‪196‬‬ ‫الشكل‬ ‫توزيــع امليــاه‪ ،‬كذلــك بنــى الســلطان حممــد‬
‫املذكــور قاعــة الشــقيقتني (األختــن) الــي تتوجهــا قبــة مــن املقرنصــات املتداخلــة‬
‫وتزينهــا زخــارف تشــبه أوراق األشــجار والزهــور كمــا تزينهــا أشــكال هندســية مــن‬

‫‪483‬‬
‫اجلــص امللــون انظرالشــكل (‪.)1()198‬‬
‫ومتتــد «جنــة العريــف» حــول قصــر احلمــراء‪،‬‬
‫ويعــود تنســيقها إىل القــرن الســابع للهجــرة‪،‬‬
‫الرابــع عشــر امليــادي‪ ،‬وهــي حدائــق عامــرة‬
‫الشكل ‪197‬‬ ‫باألشــجار املثمــرة والــورد مــن خمتلــف األنواع‬
‫انظرالشــكل (‪ ،)199‬وملــا رحــل العــرب عــن‬
‫األندلــس ســنة ‪897‬هـــ ‪1492/‬م‪ ،‬بــدأ شــارل‬
‫األول بتشــييد قصــر لــه ملحــق بباحــة‬
‫الرحيــان علــى غــرار أســلوب عصــر النهضــة‬
‫األوربــي‪ ،‬ويفتقــر إىل رشــاقة القصــر القديــم‬
‫ومجالــه‪ ،‬ومل ينجــز القصــر‪ ،‬ومــع انتقــال‬
‫الشكل ‪198‬‬ ‫مركــز احليــاة السياســية مــن غرناطــة إىل‬
‫قشــتالة أمهل قصر احلمراء وحلقه اخلراب‬
‫إىل أن تنبهــت عليــه احلكومــة اإلســبانية يف‬
‫العصــر احلديــث وقامــت مبحــاوالت إلعــادة‬
‫ترميمــه(‪ ،)2‬وقــد حتــدث بعــض علمــاء اآلثــار‬
‫مــن الغربيــن والشــرقيني علــى دراســة تلــك‬
‫العناصــر املعماريــة الــي تســربت مــن الفــن‬
‫اإلســامي إىل فنــون أوربــا‪ ،‬وجلوهــا علــى‬
‫الشكل ‪199‬‬ ‫النــاس يف صــورة واضحــة ال يتســرب إليهــا‬
‫الشــك(‪ ،)3‬ومــن خــر األمثلــة علــى عنايــة األوربيــن بدراســة العمائــر اإلســامية خــروج‬
‫املهنــدس اإلجنليــزي (جونــز) مــن إجنلــرا (‪ )1834‬إىل إســبانيا لدراســة قصــر احلمــراء‬
‫القائــم يف مدينــة غرناطــة باألندلــس‪ ،‬حيــث قضــى مــدة طويلــة مواص ـاً دراســة هــذا‬
‫القصــر العظيــم مــن حيــث التصميــم والزخرفــة(‪.)4‬‬
‫(‪ )1‬العمارة والفنون اإلسالمية يف األندلس ‪ -‬حنان قصاب حسن – قصة اإلسالم – إشراف الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬
‫(‪ )2‬املصــدر‪ :‬املوســوعة العربيــة العامليــة ‪ -‬لعمــارة والفنــون اإلســامية يف األندلــس ‪ -‬حنــان قصــاب حســن ‪-‬‬
‫‪ -2014/05/18‬قصــة اإلســام – إشــراف الدكتــور راغــب الســرجاني‪.‬‬
‫(‪ )3‬كتب برتو يف سنة ‪ 1895‬عن الفن اإلسالمي يف جنوب إيطاليا‪.‬‬
‫(‪ )4‬جملــة كليــة اآلداب – جامعــة القاهــرة – اجمللــد التاســع عشــر – مايــو ســنة ‪ – 1957‬عــدد خــاص يف ذكــرى‬
‫املرحــوم األســتاذ‪ :‬عبــد الوهــاب عــزام – مطبعــة القاهــرة‪.‬‬

‫‪484‬‬
‫الفصل الخامس عشر‬

‫لغة األلوان‬
‫في العمارة اإلسالمية‬

‫‪485‬‬
‫األلوان ودالالتها الفلسفية يف العمارة اإلسالمية‬

‫الشــيء مثــل الفــن اجلميــل‪ ،‬يصفــي الــذوق‪ ،‬ويرهــف احلــس‪ ،‬ويزكــي يف النفــس حــب‬
‫اجلمــال‪ ،‬وتصفيــة الــذوق‪ ،‬وإرهــاف احلــس‪ ،‬وإذكاء حــب اجلمــال أمــور ال غنــى ألي أمــة‬
‫عنهــا‪ ،‬إن شــاءت أن تتبــوأ مكانـاً كرميـاً بــن األمــم الراقيــة‪.‬‬

‫ولقــد أدرك أجدادنــا مــن املســلمني هــذه احلقيقــة‪ ،‬فوجهــوا للفــن نصيب ـاً وفــراً مــن‬
‫عنايتهــم‪ ،‬وكان مــن أثــر هــذه العنايــة أن أصبــح هلــم فــن مجيــل أبدعــوه أيــام عظمتهــم‬
‫هــو ذلــك الفــن الــذي اصطلــح علــى تســميته بالفــن اإلســامي(‪.)1‬‬

‫ويعــد الفــن اإلســامي‪ ،‬فــن يعــر عــن الــروح اإلســامية‪ ،‬الــروح الــي اســتكملت مقومات‬
‫صفاهتــا فجــاءت رموزهــا مشــحونة خبطــاب يتعــدى حــدود احلــواس والعقل‪،‬ليعقــد‬
‫صلــة وثيقــة مــع املطلــق وتفــرد الفنــان املســلم عــن فنانــي احلضــارات األخــرى‪ ،‬ال‬
‫يف اختزاالتــه وقدرتــه املتميــزة يف التصحيــف والتجريــد فحســب‪ ،‬بــل يف اســتبطانه‬
‫العميــق للــروح والعمــل علــى ســحبها إىل عــامل مقــدس فجــاءت نتاجاتــه عبــارة عــن‬
‫جتليــات ختاطــب الــروح‪ ،‬والفــن اإلســامي فــن قــد انتــزع مــن عاملــه‪ ،‬الفوضــى والعبــث‬
‫واللعــب‪ ،‬فهــو فــن هــادف‪ ،‬هدفــه ســحب املتلقــي حنــو املطلــق‪ ،‬إن تلــك النفائــس الفنيــة‬
‫الــي خلفهــا لنــا الفنــان املســلم‪ ،‬ذات داللــة إســامية حبتــه تؤكــد مجاليتهــا الروحيــة‬
‫إمنــا تنطــوي علــى فكــر إســامي‪ ،‬فاختــذت أشــكاهلا عالقــات وألوانـاً هــي امتــداد ملــا‬
‫شــوهد ســابقاً ولكــن بصيغــة متطــورة بفعــل تطــور الــذوق حبيــث تتــاءم مــع العقيدة(‪.)2‬‬

‫واأللــوان مــدى وعــا ٌ‬


‫مل وتأثــرٌ عميــقٌ يف دواخــل النفــوس‪ ،‬فتظهــر هبيئــة ملموســة‬
‫تــارةً‪ ،‬ملــا ندعــوه بالــذوق اجلمــايل املتماشــي مــع ســجية كل إنســان‪ ،‬والــذي يقــول‬
‫عنهــا الفرنســيون «إنــه األمــر الــذي اليقبــل النقــاش»‪ ،‬وتــارة أخــرى بنفــس إميانيــات‬
‫(‪ )1‬جملــة كليــة اآلداب – جامعــة القاهــرة – اجمللــد التاســع عشــر – مايــو ســنة ‪ – 1957‬عــدد خــاص يف ذكــرى‬
‫املرحــوم األســتاذ‪ :‬عبــد الوهــاب عــزام – مطبعــة القاهــرة‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللــون يف العمــارة اإلســامية وأثــره علــى التصميــم الداخلــي ‪ -‬د‪ /‬هــــــالة صـــــــاح حــــــامد – دكتــور بكليــة‬
‫الفنــون التطبيقيــة جامعــة ‪ 6‬اكتوبــر‪.‬‬

‫‪486‬‬
‫وروحانيــات واعتقــادات تداخــل يف كنفــه الديــن واألعــراف واألســطورة للمجتمعــات‪،‬‬
‫وأن هــذا التأثــر يلعــب دوراً هامـاً يف القيــم اجلماليــة والروحيــة‪ ،‬والــي ترتبــط ارتباطـاً‬
‫وثيقـاً بالعبــادات الروحانيــة واإلميانيــة بــن اخللــق واخلالــق ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬ويعكــس‬
‫هــذا التأثــر علــى النفــوس‪ ،‬حبيــث تدخــل الطمأنينــة والســكينة والنــور اهلــادىء القــادم‬
‫مــن نــور الفضــاء اإلهلــي‪ ،‬فلأللــوان مصــادر عديــدة تســتمد مــن عــدة جهــات صناعيــة‬
‫والــي نلتمســها بالعــن اجملــردة‪ ،‬وطبيعيــة نتطــرق فيهــا يف حديثنــا علــى املصــدر‬
‫الطبيعــي القــادم مــن فضــاء الكــون اخلارجــي‪ ،‬اآلتــي مــن فضــاء الســماء‪ ،‬ومــن رب‬
‫الســموات واألرض‪ ،‬أال وهــو نــور اهلل جــل جاللــه‪.‬‬

‫نور اهلل‪:‬‬

‫فاأللــوان والتعبــر الفــي تالقــح منــذ رســوم الكهــوف األوىل‪ ،‬مثلمــا هــي العَالقــة األزليــة‬
‫يف أمســى صورهــا بــن الفــن والعقائــد الدينيــة‪ ،‬حتــى انتقلــت إحداهــا لألخــرى وأصبح‬
‫اللــون أداة رمزيــة ملفاهيــم عقائديــة‪ ،‬والســيما عندمــا اسُــتنتج عمليــاً أن اللــون هــو‬
‫صفــة للنــور والضــوء‪ ،‬وبدونــه ينتفــي ُظهُــورُه‪ ،‬وأن للنــور الســماوي اآلتــي مــن الشــمس‬
‫قدســية وحظــوة يكتســيها يف جــل املعتقــدات‪ ،‬حيــث جنــده يف فنــون املصريــن القدماء‪،‬‬
‫وانعكــس كل ذلــك يف التزويــق اللونــي حليطــان مبانيهــم‪ ،‬وكذلــك احلــال يف املعاجلــات‬
‫اللونيــة للفخــار املزجــج الــذي غطــى جــدران املعابــد يف العــراق القديــم‪ ،‬أو مصاطــب‬
‫الزيقــورات أو البســطات الســبع املكونــة لــه عبــادة اآلهلــة الفلكيــة لــدى البابليــن‪،‬‬
‫كانعــكاس لعقيــدة عــامل األنــوار‪ ،‬ويف العقيــدة اإلســامية جــاءت دالالت اللــون تعبرييــة‬
‫أو رمزيــة أو حســية أو مجاليــة‪ ،‬وارتبــط اللــون مبصدريــن جوهريــن أوهلمــا النــور‬
‫القــادم مــن الســماء املقــرن باخلالــق األعلــى فهــو (نــور اهلل) ســبحانه أو (نــور القلــوب)‬
‫مبــا يعنيــه اإلميــان املنـوّر لدواخــل النفــس املظلمة‪،‬و َ‬
‫مثـ َة تداخــل لغــوي ذو دالالت بــن‬
‫كلمــي «ظلمــة» و «ظلــم» املقــرن بقبــح الظلــم والطغيــان املنــايف جلمــال العــدل‪ ،‬وهكــذا‬
‫أُحتســب كل احنــراف واختــال قبــح‪ ،‬ألنــه ابتعــاد عــن اجلمــال الواجــب اقرتانــه بــإرادة‬
‫اهلل ســبحانه وتعــاىل‪ ،‬وبذلــك املفهــوم فــإن اللــون ومجالــه يقــرن مــع وجــود الضيــاء ثــم‬

‫‪487‬‬
‫يتداخــل يف املفهــوم مــع العــدل والقســطاس اإلهلــي‪ ،‬وأصبــح األســود املظلــم لــون احلــزن‬
‫واأللــوان املشــعة دالــة علــى احلبــور يف األعــراف الشــعبية(‪.)1‬‬

‫العني اجملردة‪:‬‬

‫وهلــذا فــإن للــون دالالت تتخطــى عــامل احلــواس والعقــل لتصبــح احلــواس والــروح‬
‫عــامل موحــد فالعــن (الرؤيــة) تــرى والــروح (الرؤيــا) تتــذوق‪ ،‬وحــن تتــذوق الــروح فــإن‬
‫الوجــد يضيــق عليهــا اخلنــاق لتطلــب عاملهــا األول‪ ،‬فيصبــح اللــون هنــا هــو بــراق الــروح‬
‫يف رحلتهــا الالهنائيــة للجمــال املطلــق‪ ،‬لذلــك فمــن األمهيــة دراســة اللــون ورمزيتــه‬
‫يف احلضــارة اإلســامية‪ ،‬للوقــوف علــى أهــم األســس والــدالالت للــون يف احلضــارة‬
‫اإلســامية‪ ،‬ومــن ثــم تطبيقهــا يف التصميــم الداخلــي‪ ،‬إلجيــاد صيغــة معاصــرة تصلــح‬
‫لتطبيقهــا يف احليــاة املعاصــرة‪ ،‬حيــث تتنــوع عناصــر التصميــم الداخلــي مابني عناصر‬
‫أساســية ومؤثــرة ومكملــة لتتكامــل منظومــة الفــراغ الداخلــي‪ ،‬ومبــا يهيــئ الظــروف‬
‫املالئمــة والــي مــن شــأهنا حتقيــق الراحــة‪ ،‬ويعــد اللــون مــن العناصــر املكملــة للتصميــم‬
‫الداخلــي والــذي يعــد مبثابــة النتيجــة النهائيــة‪ ،‬والــي مــن شــأهنا جنــاح التصميــم‬
‫بأكملــه ملــا لــه مــن دور أساســي يف إبــراز اخلطــوط والكتــل والتكوينــات املختلفــة‪ ،‬كمــا‬
‫يتأكــد هــذا الــدور يف رد األفعــال الطبيعيــة ملســتخدمي الفــراغ الداخلــي‪ ،‬وحتســن‬
‫أدائهــم‪ ،‬لذلــك فإنــه مــن الضــروري حتقيــق التوظيــف األمثــل للــون‪ ،‬ومبــا يتناغــم‬
‫مــع وظيفــة الفــراغ الداخلــي‪ ،‬ومبــا حيقــق التأثــرات الفســيولوجية والســيكولوجية‬
‫اإلجيايبــة ملســتخدمي هــذا الفــراغ‪ ،‬مــع مراعــاة اخللفيــة الثقافيــة والتوجهــات الفكريــة‬
‫هلــم فض ـاً عــن رغباهتــم الفنيــة واجلماليــة(‪.)2‬‬

‫ومــن احلوافــز املرتبطــة باللــون هــي العــن كأداة جاســة لذلــك النــور واللــون والعــن‬
‫ذكرهــا اهلل يف جممــل نعمــه علــى النــاس‪ ،‬ناهيــك عــن اعتبــار اختــاف األلــوان يف‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬علي الثويين ‪ -‬باحث وكاتب يف العمارة والرتاث الثقايف والفين– األلوان يف الفنون والعمارة اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللــون يف العمــارة اإلســامية وأثــره علــى التصميــم الداخلــي ‪ -‬د‪ /‬هــــــالة صـــــــاح حــــــامد – دكتــور بكليــة‬
‫الفنــون التطبيقيــة جامعــة ‪ 6‬اكتوبــر‪.‬‬

‫‪488‬‬
‫نامــوس الطبيعــة واخللــق حبــد ذاتــه معجــزة ربانيــة تدعــو لالنتبــاه وإن تكريســها مل‬
‫يكــن يومــاً مــا عبثــاً‪ ،‬كمــا ورد يف الذكــر احلكيــم‪َ { :‬ألَ ـمْ َت ـرَى َأنَّ ال َّل ـهَ َأن ْ ـز ََل مِ ـنْ السَّ ـمَاءِ مَــاءً‬
‫َف َأخْرَجْنَــا ب ِـهِ َثمَـرَاتٍ م ُْخ َتلِ ًفــا َألْوَا ُنهَــا وَمِـنْ ال ْ ِجبَــا ِل جُـدَدٌ بِيـضٌ وَحُمْـرٌ م ُْخ َتلِـفٌ َألْوَا ُنهَــا و ََغرَابِيـبُ سُــودٌ‪ ،‬وَمِـنْ‬
‫َالنْعَــا ِم م ُْخ َتلِ ـفٌ َألْوَا ُن ـهُ} [ســورة فاطــر‪ -‬اآليــة‪.)1(]27 :‬‬ ‫ـاس وَال ـدَّوَابِّ و ْ َ‬ ‫النَّـ ِ‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬د‪ .‬علي الثويين – باحث وكاتب يف العمارة والرتاث الثقايف والفين– مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫األلوان ودالالتها يف الفكر اإلسالمي‬
‫احتلــت األلــوان حيــزاً واســعاً يف الفكــر اإلســامي‪ ،‬فذكرهــا القــرآن الكريــم يف أكثــر مــن‬
‫موضــع‪ ،‬وقدمــت املصــادر األدبيــة معلومــات وفــرة عنهــا‪ ،‬ولعــل أوســع مــادة عــن األلــوان‬
‫جندهــا يف كتــب الرتاجــم‪ ،‬ومــن أبــرز الكتــب الــي حبثــت عــن األلــوان كتــاب فقــه اللغــة‬
‫للثعالــي‪ ،‬واملخصــص البــن ســيده‪ ،‬وتطرقــت كتــب الفقــه إىل األلوان مــن خالل احلديث‬
‫عــن ألــوان املالبــس‪ ،‬وســجلت األلــوان الشــائعة بــن النــاس‪ ،‬وتناولــت كتــب التاريــخ مــادة‬
‫هامــة عــن األلــوان‪ ،‬ال ســيما كتــاب األغانــي ألبــى الفــرج األصفهانــي‪ ،‬وكتــاب تاريــخ‬
‫امللــوك للطــري‪ ،‬وكتــاب اليعقوبــى يف التاريــخ ومــروج الذهــب للمســعودي(‪.)1‬‬

‫األلوان يف القرآن الكريم‪:‬‬


‫يف القــرآن الكريــم جــاءت األلــوان بــدالالت تعبرييــة ورمزيــة وحســية ووردت كلمــة اللــون‬
‫ومشــتقاهتا يف تســع آيــات مــن القــرآن الكريــم‪ ،‬وورد لفــظ ألــوان باجلمــع يف القــرآن‬
‫الكريــم يف ســبع مواضــع فيهــا ســت آيــات‪ ،‬كإشــارة مــن اهلل إىل األطيــاف اللونيــة‬
‫الســبعة املعروفــة الــي يتكــون منهــا الضــوء األبيــض(‪ ،)2‬كمــا جــاء ذكــر لفــظ لــون مفــردة‬
‫مرتــن يف آيــة واحــدة مــن آيــات القــرآن الكريــم‪ ،‬وذكــر القــرآن الكريــم اختــاف األلــوان‬
‫يف ســبع آيــات تشــر إىل اختــاف ألــوان البشــر واحليوانــات والــزروع واجلبــال(‪،)3‬‬
‫ويالحــظ أن األلــوان وردت بالقــرآن الكريــم باجلمــع أكثــر مــن اإلفــراد‪ ،‬رمبــا يرجــع‬
‫إىل أن احليــاة تقــوم علــى تنــوع األلــوان الــي حتقــق اجلمــال والثقــة‪ ،‬فليــس مــن‬
‫اجلمــال يف شــيء أن تبــدو احليــاة بلــون واحــد أو بــدون ألــوان(‪.)4‬‬
‫ولقد وردت كلمة اللون ومشــتقاته تســع مرات يف ســبع آيات كرمية‪ ،‬ووردت يف القرآن‬
‫ألــوان األخضــر واألصفــر واألبيــض واألزرق واألســود واألمحــر‪ ،‬وقــد ورد اللــون األســود‬
‫(‪ )1‬جملــة االحتــاد العــام لآلثاريــن العــرب‪ 18 -‬األلــوان وداللتهــا يف احلضــارة اإلســامية – مــع تطبيــق علــى منــاذج‬
‫مــن املخطوطــات العربيــة أ‪.‬د‪ .‬حنــان عبــد الفتــاح حممــد مطــاوع‪.‬‬
‫(‪ )2‬جنــاح عبــد الرمحــن املرازقــة‪ :‬اللــون ودالالتــه يف القــرآن الكريــم‪ ،‬خمطــوط رســالة ماجســتري‪ .‬جامعــة‬
‫مؤتــة‪1414 ،‬ص‪.‬‬
‫(‪ )3‬راجع سورة الروم آية ‪ -22‬سورة النحل آية ‪ - 69 -13‬سورة فاطر آية‪ 28 - 27‬وسورة الزمر آية ‪.21‬‬
‫(‪ )4‬أمحــد عبــد اهلل محــدان‪ :‬الضــوء واللــون فــى القــرآن الكريــم‪ ،‬دار ابــن كثــر‪ ،‬الطبعــة األوىل‪ ،‬بــروت‪ ،‬بــدون تاريــخ‪،‬‬
‫ص ‪.27‬‬

‫‪490‬‬
‫يف أربــع آيــات قرآنيــة وصفــت فيهــا اجملرمــن والكفــار واملنافقــن‪ ،‬أمــا الرابعــة فجــاءت‬
‫تصــف توقيــت بــدء اإلمســاك عــن الطعــام يف رمضــان‪ ،‬حيــث قــال تعــاىل {وَ ُك ُلــوا وَاشْـرَبُوا‬
‫حَ َّتــى يَ َتبَيَّ ـنَ لَ ُك ـمُ ال ْ َخيْـ ُـط ا َألبْيَ ـضُ مِ ـنَ ال ْ َخيْ ـطِ ا َألسْ ـوَدِ مِ ـنَ ال ْ َفجْ ـ ِر ُث ـمَّ َأتِمُّــوا الصِّيَــامَ إِلَــى اللَّيْ ـ ِل} [ســورة‬
‫البقــرة ‪ -‬اآليــة ‪ ،]187‬ويقصــد بقولــه ســبحانه‪ :‬واملــراد مــن اخليــط األبيــض (النهــار)‪،‬‬
‫واخليــط األســود (الليــل)‪ ،‬وهنــا أريــد أن ألفــت النظــر هبــذا الشــأن‪ ،‬ومــن خــال البحــث‬
‫والدراســة ملوضــوع األلــوان‪ ،‬فقــد وجــدت وبــكل تواضــع مــن خــال التجــارب والتدقيــق‬
‫بــأن اللــون األبيــض هــو نتيجــة حاصلــة مــن تــدرج اللــون األســود مبراحلــه املتكــررة‪ ،‬إىل‬
‫أن يصــل إىل اللــون األبيــض وذلــك مــن خــال التــدرج اللونــي انظــر الشــكل (‪...)200‬‬
‫نفــرض علــى ســبيل املثــال ‪ ..‬بقعــة بيضــاء أضفنــا عليهــا نقطــة ســوداء لونيــة‪ ،‬فتتحــول‬
‫تلــك البقعــة إىل لــون رمــادي فاتــح جــداً‪ ،‬وعندمــا نضيــف نقطــة ســوداء أخــرى تتحــول‬
‫إىل رمــادي أغمــق‪ ،‬وهكــذا دواليــك‪ ،‬ونســتمر بإضافــة النقــاط مــن اللــون األســود تباعـاً‬
‫حتــى تصبــح البقعــة الســوداء (قامتــة)‪ ،‬وهــذا مــا نســميه باللــون األســود‪ ،‬والعكــس‬
‫صحيــح نكــرر تلــك التجربــة وبنفــس الطريقــة‪ ،‬فنحصــل علــى اللــون األبيــض‪ ،‬وهــذا مــا‬
‫نســميه تعاقــب الليــل والنهــار‪ ،‬ومبعنــى أدق تعاقــب األبيــض واألســود‪ ،‬فاملقصــود هنــا‬
‫بتبــن اخليــط األبيــض‪ ،‬هــو التــدرج اللونــي مــن األســود إىل اللــون األبيــض‪ ،‬الــذي يبــدأ‬
‫مــن انتهــاء زوال الشــمس وهــو (األبيــض)‪ ،‬ويتــدرج بالتعتيــم مــن بعــد الظهــرة‪ ،‬وهــي‬
‫األلــوان الرماديــة‘ حتــى تصــل إىل عتمــة الليــل وهــو األســود‪ ،‬أي بعــد منتصــف الليــل‪،‬‬
‫ثــم يعــاود التــدرج اللونــي مــن األســود إىل بــزوغ الفجــر‪ ،‬وحتــى ينتهــي باللــون األبيــض‪.‬‬
‫ومــن املعــروف أيضـاً أنــه يف األمــور الفقهيــة‬
‫للحــج‪ ،‬ال حيــق للحــاج رمــي مجــرة العقبــة‬
‫إال بعــد الــزوال‪ ،‬أي بعــد بــدء ظــل الشــمس‬
‫يظهــر علــى األرض‪ ،‬ومبعنــى أدق‪ ،‬أن احلــاج‬
‫يقــف مســتعداً لرمــي اجلمــرات ومنتظــراً‬
‫وهــو يف حالــة الشــمس عموديــة متامــاً‬
‫‪200‬‬ ‫الشكل‬
‫عليــه‪( ،‬أي الظــل لــه)‪ ،‬وينتظــر حتــى متيــل‬

‫‪491‬‬
‫الشــمس عــن درجــة ‪ 90‬ويبــدأ ظهــور ظلــه ويذهــب للرمــي‪ ،‬وهــذا مانســميه الــزوال‪.‬‬

‫فعندمــا تكــون الشــمس عاموديــة يكــون اللــون األبيــض بتمامــه‪ ،‬وعنمــا تبــدأ بامليــل‪،‬‬
‫يبــدأ التــدرج اللونــي وهــي (الرماديــات) كمــا ذكرنــا آنف ـاً باملثــال الســابق وهكــذا‪..‬‬

‫وأمــا اللــون األبيــض فتكــرر ذكــره يف تســع آيــات كرميــة‪ ،‬ودل علــى اهلدايــة والنقــاء‬
‫والصفــاء واحلــب واخلــر واحلــق واملشــاعر اإلنســانية‪ ،‬وتداخــل مــع القدســية ورمــزاً‬
‫لصفــة اخلالــق‪ ،‬وجندهــا يف العــرف الشــعيب مبقولــة رايــة اهلل بيضــاء‪ ،‬ثــم جــاء يف لــون‬
‫الكفــن ولبــاس اإلحــرام خــال شــعائر ا َ‬
‫حلــج‪ ،‬والغرابــة أن حاكــى ذلــك عقائــد ســابقة‬
‫لإلســام‪.‬‬

‫وورد اللــون األزرق مــرة واحــدة يــدل علــى زرقــة الســماء املنعكســة علــى صفحــة مــاء‬
‫البحــر‪ ،‬وورد اللــون األمحــر مــرة واحــدة يف وصــف اجلبــال‪ ،‬أمــا األصفــر فــرد ثــاث‬
‫مــرات داالً علــى مرحلــة نضــج الثمــار مــرة ووصــف ملشــهد يــوم القيامــة والريــاح‬
‫ـول إِنَّهَــا بَ َق ـرَةٌ‬
‫ـال إِن َّـهُ ي َُقـ ُ‬
‫احلانقــة يف أخــرى‪ ،‬أو للتعبــر عــن البهجــة كمــا يف قولــه تعــاىل { َقـ َ‬
‫صَ ْفـرَاءُ َفاقِـعٌ لَوْ ُنهَــا َتسُـرُّ النَّاظِ ِريــن} [ســورة البقــرة ‪ -‬اآليــة‪ ،]69 :‬واللــون األخضــر يتكــرر يف‬
‫مثــان آيــات ويرمــز فيهــا إىل ســر الــروح والنضــارة واجلمــال والشــجر والنبــات والثمــر‬
‫والطــر والفــراش والبســاط والثــوب‪ ،‬وهــو أكثــر األلــوان متعــة يف الذكــر احلكيــم‪ ،‬وجنــد‬
‫أثــراً لرمزيــة األلــوان‪.‬‬

‫وورد يف األدب العربــي مــن خــال شــعر صفــي الديــن احللــي‪ ،‬ويقــال بــأن البيــارغ‬
‫العربيــة احلاليــة اســتلهمت مــن هــذه األلــوان «اإلختياليــة»‪( :‬بيــض صنائعنــا خضــر‬
‫مرابعنــا ســود وقائعنــا محــر مواضينــا)(‪.)1‬‬

‫أمــا كتــب التفســر‪ ،‬فلــن تعــن بيــان صــورة اجلمــال واإلعجــاز لآليــات الــي ورد فيهــا‬
‫ذكــر األلــوان‪ ،‬حبيــث تظهــر مجــال الصــورة الــي ترمســه اآليــة‪ ،‬وهــو وجــه مــن وجــوه‬
‫اإلعجــاز(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬علي الثويين – باحث وكاتب يف العمارة‪ -‬والرتاث الثقايف والفين – األلوان يف الفنون والعمارة اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )2‬قطب سيد – ‪ – 1996‬لتصوير الفين يف القرآن الكريم ص ‪ – 25‬دار الشروق – القاهرة‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫تعريف اللون‪:‬‬

‫هــو األثــر الفســيولوجي الــذي يتولــد يف شــبكية العــن الناجــم عــن شــعاع ضوئــي ذي‬
‫طــول موجــة حمــدد ســواءً كان ناجتـاً عــن املــادة الصباغيــة امللونــة‪ ،‬أم عن الضــوء امللون‪،‬‬
‫واختــاف طــول املوجــة جيعلنــا منيــز بــن لــون وآخــر‪ ،‬فهــو إذاً إحســاس ليــس لــه أي‬
‫وجــود خــارج اجلهــاز العصــي للكائنــات احليــة‪ ،‬إن دراســة األثــر النفســي لأللــوان لــدى‬
‫اإلنســان ترتــب باجلانــب الوظيفــي للتصميــم‪ ،‬وألن دراســة احتياجــات الفــراغ الداخلــي‬
‫للعمــارة‪ ،‬ونــوع شــاغليه ونــوع النشــاط الــذي ســيمارس‪ ،‬واملــدة الزمنيــة لوجــود الفــرد‬
‫يف نطــاق فــراغ حمــدد‪ ،‬كلهــا تتحــدد بشــكل رئيســي مــن خــال فلســفة األلــوان ومعانيها‬
‫ودالالهتــا الرمزيــة‪ ،‬ومــا هلــا مــن أثــر يف النفــس البشــرية ويف مســتوى نشــاط الفــرد‪،‬‬
‫وهنــاك العديــد مــن النظريــات والــي جــاءت لتفســر ردود أفعــال األفراد جتــاه اللون(‪.)1‬‬

‫والعــن علــى درجــة كبــرة مــن احلساســية خاصــة للــون األخضــر‪ ،‬وتنعــدم هــذه‬
‫احلساســية عنــد هنايــي األمحــر والبنفســجي‪ ،‬فالعــن قــادرة علــى إدراك أقــل اختــاف‬
‫يف اللــون وميكنهــا أن متيــز مــن ‪ 200‬إىل ‪ 250‬لــون‪ ،‬وإذا كنــا نــرى لــكل شــيء لونــاً‬
‫خاص ـاً فالعلــم يقــول إن هــذه األشــياء ال لــون هلــا‪ ،‬ولكنهــا متتــص بعــض إشــعاعات‬
‫الطيــف وتعكــس البعــض اآلخــر‪ ،‬فيكتســب هــذا الشــيء لــون اإلشــعاع الــذي يعكســه‬
‫وكمــا يبــدو علــى ســطوح األشــياء(‪.)2‬‬

‫واللون اصطالحاً‪:‬‬

‫هــو الصفــة الــي متيــز أي لــون ونتعــرف علــى مســماه ومظهــره بالنســبة لغــره‪ ،‬واللــون‬
‫هــو إحســاس لــه شــروط بعضهــا يعــود إىل عوامــل داخليــة يف جســم اإلنســان وتركيــب‬
‫أجهــزة اإلحســاس فيــه‪ ،‬وبعضهــا يعــود إىل عوامــل خارجيــة‪ ،‬منهــا مقــدار الضــوء‬

‫(‪ )1‬اللــون يف العمــارة االســامية واثــره علــى التصميــم الداخلــي ‪ -‬د‪ /‬هــــــالة صـــــــاح حــــــامد – دكتــور بكليــة‬
‫الفنــون التطبيقيــة جامعــة ‪ 6‬اكتوبــر‪.‬‬
‫(‪ )2‬الدكتــور أشــرف فتحــي ‪ -‬األلــوان يف القــرآن رؤيــة فنيــة ومدلــول– موســوعة اإلعجــاز العلمــي يف القــرآن‬
‫والســنة‪.‬‬

‫‪493‬‬
‫الواصــل للعــن وطــول موجتــه وزاويتــه ولونــه(‪ ،)1‬واللــون كالضــوء مهم يف حياة اإلنســان‪،‬‬
‫ودخــل يف العــرف‪ ،‬والتقاليــد فــكان للــزواج والــوالدة واملــوت ألواهنــا البيضــاء والســوداء‪،‬‬
‫وخيلــط البعــض بــن اللــون وامللــون‪ ،‬أي املــادة اللونيــة وبــن اإلحســاس املؤثــر‪ ،‬حيــث‬
‫أن اللــون يكمــن داخــل اإلنســان وليــس يف أي مــكان آخــر‪ ،‬فاللــون ال يأتــي لوظيفــة‬
‫زخرفيــة فحســب‪ ،‬بــل لــه اتصــال وثيــق بالنفــس البشــرية فهــو يعــر عنهــا‪ ،‬واملعنــى مبــا‬
‫يثــره مــن إحساســات ممتعــة‪ ،‬وإحيــاءات متــزج بــن احليــاة‪ ،‬وميــدان الفــن‪ ،‬والبــد أن‬
‫تكــون للفنــان قــدرة عظيمــة علــى التشــكيل ألن حقائــق املوضوعيــة‪ ،‬وحقائــق الفئــات‬
‫النفســية والروحيــة ال تنعكــس يف العمــل الفــي إال مش ـ ّكلة(‪.)2‬‬

‫ولــدى حتليلنــا لتلــك األلــوان جيــدر بنــا اســتباق معرفــة كينونــة هــذا االختــاف فيمــا‬
‫بينهــا‪ ،‬وذلــك إن الدراســات التحليليــة احلديثــة لأللــوان قــد بينــت أن للــون ثــاثَ‬
‫مواصفــات أساســية هــي‪:‬‬

‫‪ -1‬كنه اللون (‪ )Hue‬وهو الفرق الصريح بينها‪.‬‬

‫وهــي الصفــة الــي منيــز ونفــرق هبــا بــن لــون وآخــر «أمحــر»‪« ،‬أخضــر»‪« ،‬برتقــايل»‪،‬‬
‫«أزرق» فعندمــزج لونيــن أمحــر وأصفــر وينتــج الربتقــايل‪ ،‬وهــذا تغــر يف صفــة اللــون‪.‬‬

‫‪ -2‬قيمة اللون (‪ )Value‬وهي درجة عتمته أو استضاءته‪.‬‬

‫وتعــرف بأهنــا العالقــة بــن اللــون املضــيء واللــون املعتــم‪ ،‬مبعنــى أخضــر فاتــح أو‬
‫أخضرغامــق‪ ،‬وتتخــذ بدورهــا قيمــاً خمتلفــة باجتــاه اإلضــاءة أو العتــم‪.‬‬

‫‪ -3‬شدة اللون (‪ )Intensity‬وهي درجة نقائه ومقدار خلطه مع ألوان أخرى‪.‬‬

‫ومتثــل الدرجــة الــي تتصــف هبــا اللــون مــن ناحيــة عــدد الــذرات اللونيــة يف املســاحة‬
‫(نقــاء اللــون)‪ ،‬والــي تتحــدد بقــدر اختالطــه باألبيــض واألســود‪ ،‬ويف أحبــاث الرســامني‬
‫االنطباعيــن يف النصــف الثانــي مــن القــرن التاســع عشــر‪ُ ،‬قســمت األلــوان إىل ســاخنة‬
‫(‪ )1‬أمحد خمتار عمر‪ :‬اللغة واللون‪ ،‬دار البحوث العلمية‪ ،‬الكويت‪1441 ،‬م‪ ،‬ص ‪.4‬‬
‫(‪ )2‬عبــد الفتــاح نافــع‪ :‬التواصــل «مجاليــات اللــون يف الشــعر ابــن املعتــز منوذجـاً»‪ ،‬جامعــة عنايــة‪ .‬اجلزائــر‪ ،‬جملــة‬
‫العلــوم االجتماعيــة عــدد ‪ 4‬جــوان ‪ – 1999‬ص‪.122‬‬

‫‪494‬‬
‫وبــاردة بقــدر اإلنطبــاع الــذي ينعكــس علــى إحســاس الناظــر‪ ،‬فــاألزرق وملحقاتــه يعتــر‬
‫بــارداً واألمحــر وملحقاتــه يعتــر دافئ ـاً‪ ،‬وجنــد أن مــدارس (املنمنمــات) قــد ســبقتهم‬
‫يف ذلــك‪ ،‬وأعر ُقهــا مدرســة بغــداد الــذي مثلهــا حييــى الواســطي يف رمســه ملقامــات‬
‫احلريــري عــام ‪1237‬م‪ ،‬وبغــض النظــر عــن التأثــرات النفســية واإلنطباعــات الــي‬
‫ترتكهــا األلــوان‪ ،‬فــإن هلــا تأثــرات خادعــة علــى ناظرنــا حبيــث أن الدافئــة والفاحتــة‬
‫تبــدو أكــر مســاحة مــن مســاحتها احلقيقيــة‪ ،‬وأقــرب مــن مكاهنــا احلقيقــي والبــاردة‬
‫والغامقــة تظهــر أقــل مســاحة وأبعــد مســافة مــن حقيقتهــا‪ ،‬وبــن بــارد وســاخن األلــوان‬
‫يكمــن اللونــان األبيــض واألســود‪ ،‬حيــث ميثــان احلالــة احلياديــة لتصنيــف األلــوان‪،‬‬
‫وبذلــك يتحكمــان جوهريـاً يف قيمــة اللــون‪ ،‬وميكــن احلصــول عليهمــا يف العمــارة مــن‬
‫لعبــة النــور والظــال الــي تكتنــف تركيــب العناصــر املعماريــة يف اخلــارج يف حركــة‬
‫القبــاب والقبــوات والبوائــك‪ ،‬ثــم تفصيليــاً يف هيئــة الطنــوف واملشــربيات وتــدرج‬
‫أجــزاء البنــاء التكعيبيــة واألفاريــز واحلنايــا وطــرز اخلــط العربــي‪ ،‬أو يف الســطوح‬
‫الداخليــة املنحوتــة الناتئــة ذات البعديــن‪ ،‬أو حتــى مــن خــال لعبــة التنــاوب يف حطــات‬
‫(املقرنصــات)‪ ،‬ويف حركــة الظــل هــذه تكمــن إحــدى خبايــا اجلمــال املعمــاري والفــي يف‬
‫إبــداع املســلمني‪ ،‬حيــث يصنــف الفــن اإلســامي مــن الفنــون الــي اســتثمرت لعبــة املعتــم‬
‫واملضــيء هــذه مثلمــا كان الفــن املصــري القديــم معتمــداً علــى متييــز القيــم اللونيــة عــن‬
‫بعضهــا‪ ،‬لتكــون األلــوان غــر متدرجــة ومســطحة (‪ ،)Flat‬وعلــى العمــوم فــإن طبيعــة‬
‫األلــوان ومواصفاهتــا تتحكــم يف اجلانــب البصــري واجلمــايل والشــعوري بالفضــاءات‬
‫املعماريــة للبنــاء‪ ،‬وميكــن للمعمــار احلــاذق أن يكــرس ذلــك العمــق اجلوهــري يف إظهــار‬
‫الســطوح واحلجــوم بتأثــر ألواهنــا الطبيعيــة أو املكتســبة يف املعاجلــة(‪.)1‬‬

‫فلسفة األلوان يف الفنون اإلسالمية‪:‬‬

‫وتعتمــد علــى اإلحســاس والتــذوق للفــن واإلحســاس مبــدى أمهيــة اللــون كأحــد أهــم‬
‫عناصــر اإلبــداع الفــي اإلســامي‪ ،‬مبفهومــه الواســع‪ ،‬ومبفهومــه اخلــاص بالفنــون‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬علــي الثويــي – باحــث وكاتــب يف العمــارة – والــراث الثقــايف والفــي – األلــوان يف الفنــون والعمــارة‬
‫اإلســامية‪.‬‬

‫‪495‬‬
‫التطبيقيــة اإلســامية‪ ،‬فلــو أن املعــادن والســجاد واملالبــس واخلــزف والزجــاج وصــور‬
‫املخطوطــات وغريهــا مــن املــواد‪ ،‬خلــت مــن لــون أو أكثــر‪ ،‬لتحولــت إىل جمــرد عمــل مــن‬
‫األعمــال الصناعيــة‪ ،‬حبيــث تلغــى كلمــة فــن وتســتبدل مثـاً بكلمــة صناعــة الســجاد أو‬
‫املعــادن أو اخلــزف إخل‪ ،‬ألن الصانــع يف هــذه احلالــة اهتــم بالقيمــة النفعية على حســاب‬
‫القيمــة اجلماليــة الــي يقــام عليهــا الفــن اإلســامي ككل إذاً مثــة فــن ومنفعــة(‪.)1‬‬
‫وهلــذا فمــن العوامــل الــي أبــرزت مجــال الفنــون والعمــارة اإلســامية وعناصرهــا‬
‫املختلفــة اختيــار ألــوان مناســبة هلــا‪ ،‬وقــد وفــق الفنــان املســلم يف ذلــك توفيقــاً‬
‫منقطــع النظــر‪ ،‬وســاعده علــى ذلــك احــرام األذواق املخزونــة يف ذاكــرة الشــعوب‬
‫اإلســامية‪ ،‬وعــدم املســاس مبــوروث الثقافــات القدميــة لأللــوان الــي تتداخــل فيهــا‬
‫األديــان واألعــراف وأســاطري اجملتمعــات‪ ،‬واختــاف الشــجون املنســجمة مــع ســجية‬
‫كل إنســان ولكــن دون أن يلغــي ذلــك اســتعمال الفنــان املســلم األلــوان املســتقاة مباشــرة‬
‫مــن العقيــدة اإلســامية والقــرآن الكريــم(‪ ،)2‬والــي جــاءت بــدالالت رمزيــة وحســية‬
‫ومجاليــة متثــل العالقــة األزليــة بــن الفــن والعقيــدة اإلســامية‪ ،‬حبيــث أصبــح اللــون‬
‫أداة ملفاهيــم العقيــدة يف اختيــار األلــوان وتفضيلهــا‪ ،‬وهبــذا اليقــن اإلميانــي اإلســامي‪،‬‬
‫عمــد الفنــان املســلم إىل تفضيــل األلــوان الــوارد ذكرهــا يف القــرآن الكريــم‪ ،‬كاألخضــر‬
‫واألمحــر واألصفــر واألزرق واألســود‪ ،‬وغريهــا مــن األلــوان ســالفة الذكــر الــي تشــاع‬
‫مبعــان ال تنقضــي‪ ،‬فــرى باملشــاهدة دون أن تصــاب العــن والنفــس بامللــل(‪ ،)3‬وذلــك‬
‫علــى الرغــم مــن أن أهــل اجملتمعــات اإلســامية مل يكونــوا يف حالــة واحــدة مــن الــذوق‬
‫أو مســتوى املعيشــة أو الثــروة‪ ،‬فقــد كان فيهــم الفقــراء والزهــاد وحمبــوا البســاطة يف‬
‫املظاهــر كمــا كان فيهــم األغنيــاء واملرتفــون واملعنيــون باختيــار ألواهنــم(‪.)4‬‬
‫‪1988‬ص‪71-70،‬‬ ‫(‪ )1‬مســر الصايــغ‪ :‬الفــن اإلســامى‪ ،‬قــراءة تأمليــة فــى فلســفته وخصائصــه اجلماليــة‪ ،‬بــروت‬
‫راويــة عبــد املنعــم عبــاس‪ :‬الفــن اإلســامى إلتــزام وابــداع دار القلــم‪ ،‬دمشــق‪ 1990 ،‬ص‪ 221-223 ،‬حممــود ذهبيــة‪:‬‬
‫فلســفة الفــن اإلســامى‪ ،‬جملــة كليــة العلــوم االجتماعيــة واالنســانية‪،‬اجلزائر‪،‬عدد‪ – 14‬أكتوبــر‪ – 2013‬ص‪.184‬‬
‫(‪ )2‬األلوان يف الفنون والعمارة اإلسالمية ‪.ARABIC. TEBYAN.NET/INDEX‬‬
‫(‪ )3‬أنظر‪ :‬حممد عبد العزيز مرزوق‪ :‬املصحف الشريف‪ ،‬اهليئة املصرية للكتاب‪ ،‬القاهرة‪1985 ،‬ص‪- 106 - 105 ،‬حسني‬
‫مؤنــس‪ :‬املســاجد‪ ،‬سلســلة عــامل املعرفــة رقــم‪ 37 ،‬الكويــت‪ - 1981 ،‬ص ‪ 154-153‬حســن الباشــا‪ :‬التصويراإلســامى يف‬
‫العصــور الوســطى‪ ،‬القاهــرة ‪ - 1959‬ص ‪ - 49‬غســتاف لوبــون‪ :‬حضــارة العــرب‪ ،‬ترمجة عادل زعيرت‪ ،‬القاهــرة‪ -1945 ،‬ص‬
‫‪.533-532‬‬
‫(‪ )4‬جملــة االحتــاد العــام لآلثاريــن العــرب ‪ 18‬أللــوان وداللتهــا فــى احلضــارة اإلســامية مــع تطبيــق علــى منــاذج‬
‫مــن املخطوطــات العربيــة أ‪.‬د‪ .‬حنــان عبــد الفتــاح حممــد مطــاوع‪.‬‬

‫‪496‬‬
‫اللون يف العمارة اإلسالمية‬

‫عندمــا نتطــرق إىل العقيــدة اإلســامية جنــد أن دالالت األلــوان قــد جــاءت (تعبرييــة أو‬
‫رمزيــة أو حســية أو مجاليــة)‪ ،‬وارتبــط اللــون مبصدريــن جوهريــن‪:‬‬
‫‪ -1‬النور القادم من السماء املقرتن باخلالق األعلى‪.‬‬
‫‪ -2‬الظلمة املقرتنة بقبح الظلم‪ ،‬والطغيان املنايف جلمال العدل‪.‬‬
‫لذلــك فــإن اللــون‪ ،‬ومجالــه يقــرن مــع وجــود الضيــاء‪ ،‬ثــم يتداخــل يف املفهــوم مــع‬
‫العــدل‪ ،‬بينمــا أصبــح اللــون األســود املظلــم لــون احلــزن‪ ،‬واأللــوان املشــعة دالــة علــى‬
‫احلبــور يف األعــراف الشــعبية(‪.)1‬‬

‫وتتكــرس يف العمــارة اإلســامية جمموعــة مــن العوامــل واخلصوصيــات املنهجيــة يف‬


‫مــا خيــص تلــك املعاجلــات ميكننــا إجيا َزهــا‪:‬‬
‫‪ -1‬احــرام األذواق املخزونــة يف الذاكــرة الشــعبية للشــعوب اإلســامية وعــدم‬
‫املســاس مبــوروث الثقافــات القدميــة‪ ،‬ولكــن اليلغــي ذلــك التأثــر الــوارد مــن روح‬
‫اإلســام وألوانــه احملبــذة الــواردة يف القــرآن الكريــم مبــا رمــزت ودلــت وتداخلــت‬
‫يف النفــوس‪.‬‬
‫‪ -2‬حتاشــي إعطــاء مــواد البنــاء صفــة جديــدة ختتلــف عــن خواصهــا الطبيعيــة‬
‫ودون تزويقهــا بـــطالءات ختبــئ عيوبَهــا‪ ،‬ومــا ذلــك إال انعــكاس خلطــاب أخالقــي‬
‫يكــرس صــدق الســجايا واجتنــاب النفــاق‪ ،‬وباملقارنــة مــع اإلغريــق فــإن الفرنســي‬
‫(غوســتافلوبون) يف حضــارة العــرب يصفهــا باأللــوان الــي يــراد منهــا التســر‬
‫علــى العيــوب‪.‬‬
‫‪ -3‬تكريــس حالــة األداء املثــايل ملــواد البنــاء ويتمخــض ذلــك مــن التحكــم يف‬
‫توجيــه املبنــى حبيــث يُعطــي أحســن النتائــج البصريــة وخاصــة إذا علمنا أن شــدة‬

‫(‪ )1‬اللــون يف العمــارة االســامية واثــره علــي التصميــم الداخلــي ‪ -‬د‪ /‬هــــــالة صـــــــاح حــــــامد ‪ -‬دكتــور بكليــة‬
‫الفنــون التطبيقيــة جامعــة ‪ 6‬اكتوبــر‪.‬‬

‫‪497‬‬
‫الضيــاء الشمســي خيتلــف مــردودُه مــن حيــث االجتاهــات‪ ،‬فمثـاً اللــون األمحــر‬
‫تقــل احلمــرة فيــه يف الواجهــة الشــمالية عنهــا يف الواجهــة اجلنوبيــة‪ ،‬الــي يبــدو‬
‫فيهــا أكثــر امحــراراً‪ ،‬ولدينــا أحســن مثــال ميكــن االقتــداء بــه‪ ،‬مــن حيــث حتقيــق‬
‫تلــك املثاليــة‪ ،‬لــدى معاجلــة واجهــات مدرســة الســلطان حســن يف القاهــرة املبــي‬
‫عــام (‪758‬هـــ ‪1356 -‬م) والــذي اختــر لــكل واجهــة نفــس احلجــر الواقــع بنفــس‬
‫االجتــاه يف مقلــع احلجــارة يف اجلبــل لكــي حتتفــظ بنفــس املــردود وانعــكاس‬
‫اللــون الطبيعــي ‪.‬‬
‫‪ -4‬اختيــار األلــوان اهلادئــة البــاردة يف املعاجلــات الداخلية‪،‬أيــن خيتفــي تأثري النور‬
‫الطبيعــي وبغــرض خلــق أجــواء إنســانية صميميــة قريبــة للنفــس ومؤنســة هلــا‪،‬‬
‫وأهــم تلــك األلــوان األزرق واألزرق الفــروزي واألخضــر‪ ،‬والــي هلــا تأثــر نفســي‬
‫مركــب علــى النشــاط العضــوي للجســم مثــل ضغــط الــدم وارختــاء العضــات‪،‬‬
‫أوحتــى مــن خــال املعاجلــات بالنحــت الناتــئ والزخــارف احملفــورة الــي تلعــب‬
‫درجــات الظــل فيهــا الــدور اجلمــايل‪.‬‬
‫‪ -5‬اســتعمال األلــوان املســتقاة مباشــرة مــن احمليــط البيئــي يف عمليــة (التزويــق)‪،‬‬
‫وعــدم التمــادي يف اإلتــكال علــى أصبــاغ لونيــة جملوبــة مــن بيئات ثانية‪ ،‬والســيما‬
‫لــدى العامة‪.‬‬
‫‪ -6‬تنويــع املــدى اللونــي يف املعاجلــات الزخرفيــة وإثــراء احلالــة االختياريــة‬
‫املوســعة واملتجانســة يف أجــزاء الزخــارف الناظمــة واألطبــاق النجميــة‪ ،‬حبيــث‬
‫هتــب حــداً غــر حمــدود مــن اخليــارات اإلبداعيــة‪ ،‬فنــرى املناظــر يف العمــران‬
‫اإلســامي هــي ألواهنــا الفاحتــة‪ ،‬ويعــزو البعــض مــن منظــري الفــن اإلســامي‬
‫إىل أن ذلــك يرجــع إىل الفطــرة البدويــة الــي جُبــل عليهــا يف بيئتــه الصحراويــة‬
‫املضيئــة الســاطعة‪ ،‬وهكــذا اعتــرَ الوديــانَ املعشوشــب َة الواقعــة عنــد أطــراف‬
‫جزيرتــه ذات صفــة لونيــة داكنــة يصــل حــد الظلمة‪،‬حتــى دعــاه ذلــك أن يكــي‬
‫العــراق بـــ (أرض الســواد)(‪.)1‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬علــي الثويــي ‪ -‬باحــث وكاتــب يف العمــارة ‪ -‬والــراث الثقــايف والفــي – األلــوان يف الفنــون والعمــارة‬

‫‪498‬‬
‫ـامي‪ ،‬اللــون املهيمــن دائم ـاً علــى األلــوا ِن األصلي ـةِ‬
‫ويعتــر األخضــر‪ ،‬يف املنظــور اإلسـ ِ‬
‫الثالثــة‪ ،‬وهــي األزرق واألخضــر واألمحــر‪ ،‬املتواجــدة يف لــون ّ‬
‫الطبيعــة‪ ،‬أمــا امتــزاج‬
‫األصفــر واألزرق فينتــج عنــه اللــون األخضــر‪ ،‬الــذي يرمــز باألمــ ُل‪ ،‬واخلصوبــة‬
‫واخللــود املرتبطــة أساس ـاً مــع بعــدي اللونــن املكونــن لــه ومهــا (األزرق) الــدال علــى‬
‫املاضــي و (األصفــر) الــدال علــى املســتقبل‪ ،‬ومــا يعاكسُــهما يف ذلــك والــذي ميثــل‬
‫الزمــن احلاضــر فيبــدو أمحـرَ اللــون‪ ،‬وجيــدر بنــا أن نالحــظ أنّ اللّــونَ األخضــر‪ ،‬ميهــد‬
‫الطريــق حللــول األلــوان الفــرو ِزي والنيلــي (ومــن ذلــك جــاء وصفهــم للســماء بالقبــة‬
‫اخلضــراء)‪ ،‬واســتثمرت غــزارة األلــوان يف العمــارة اإلســامية حبذاقــة يف التزيــن‬
‫اخلارجــي واملعاجلــات الداخليــة لبيــوت اهلل‪ ،‬وذلــك باســتعمال التزَجّيــجَ املعشــق و‬
‫ِ‬
‫(قمريــات اليمــن)‪ ،‬الــذي ينســق ويتآلــف مــع الفسيفســاءَ الــذي يغلــب عليهــا اللونــن‬
‫األزرق والفــروزي الغامــق‪ ،‬وتعكــس جمموعــات كلتــا األلــوا ِن املماثلـةِ واملتُعَار َ‬
‫َضـةِ مــا هو‬
‫الطبيعـةِ‪ ،‬ومــن خــواص الزخــارف اإلســاميةِ الصميمــة هــي تــراص األلــوان‬ ‫موجــود يف ّ‬
‫املتعاكســة وجتانســهاِ يف املســاحاتِ الكبــرةِ‪ ،‬حبيــث تتشَــابكْ بتناغــم مــع املســاحاتِ‬
‫البــارزة واملنــرة (‪ )Accentuate‬لت َْخل ـقُ انطباعــات لونيــة أخــاذة(‪.)1‬‬

‫واجلديــر بالذكــر ومــن خــال معرفــة املصمــم يف العمــارة الداخليــة مبفهــوم اللــون‬
‫ونظرياتــه‪ ،‬جيــب اعتمــاد مــا يعــرف باملنظومــة اللونيــة‪ ،‬وهــي جمموعــة األلــوان الــي‬
‫جيدهــا املصمــم مناســبة بفــراغ داخلــي حمــدد‪ ،‬طبق ـاً ملعايــر وأســس عامــة ترتبــط‬
‫بالبعــد الوظيفــي واجلمــايل هلــذا الفــراغ‪ ،‬وذات صلــة بــأي طــراز أو حركــة معماريــة‬
‫يســتلهم املصمــم منهــا أفــكاره‪ ،‬وجتــدر اإلشــارة إىل أن دراســة األلــوان ونظرياهتــا‬
‫وتأثرياهتــا‪ ،‬هــي دراســات حديثــة نســبياً‪ ،‬وبذلــك فــإن أغلــب تصميمــات العمــارة‬
‫الداخلــي يف القــرون القدميــة‪ ،‬ال حتتــوي مثــل هــذا الفهــم عــن اللــون ونظرياتــه‪ ،‬وبذلــك‬
‫اســتخدمت األلــوان وفقـاً» لألهــواء واألذواق الشــخصية أو وفــق معــان ودالالت األلــوان‬
‫ورموزهــا‪ ،‬ومــن حيــث ارتباطهــا باملعتقــد والديــن واملــوروث الشــعيب لــكل منطقــة حتمــل‬
‫اإلسالمية‪.‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬علي الثويين ‪ -‬باحث وكاتب يف العمارة– مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫العــادات والتقاليــد نفســها‪ ،‬ومــن ثــم فــإن اللــون يــؤدي دوراً حيويـاً يف جمــال التصميــم‬
‫الداخلــي‪ ،‬فهــو يعمــل علــى إبــراز عناصــر التأثيــث وعالقتهــا مبحتويــات التشــكيل يف‬
‫الفــراغ مــن أســقف‪ ،‬وأرضيــات‪ ،‬وحوائــط‪ ،‬كمــا حيتــل اللــون مكانــة مهمــة يف مجيــع‬
‫أوجــه نشــاطاتنا يف احليــاة العامــة واخلاصــة‪ ،‬وبذلــك فاألثــر الــذي متليــه علينــا األلوان‬
‫يف الفــراغ ينعكــس علــى الشــعور احلســي والعضلــي للفــرد‪ ،‬ومــن هنــا يتــم اختيــار‬
‫األلــوان وفقـاً العتبــارات أمههــا (االعتبــارات النفســية‪ -‬االعتبــارات اجلماليــة وأسســها‬
‫املتعــددة) والــي ســيتم تطبيقهــا علــى أحــد التصميمــات الداخليــة واملســتلهمة مــن فكــر‬
‫وفلســفة العمــارة اإلســامية‪ ،‬للوقــوف علــى مــدى جنــاح املصمــم يف حتقيقهــا(‪.)1‬‬

‫ومــن اهلواجــس الروحانيــة املنعكســة يف التلويــن جنــد أن الصنّــاعَ املســلمني قــد اســتعملوا‬
‫الذهــي‪ ،‬حبذاقــة و َقــدّروا خواصــه لــدى جتانســه مــع األلــوان البــاردة (األزرق‬
‫اللــون ّ‬
‫واألخضر والبنفســجي)‪ ،‬ولكنهم بقوا متوجســن وحذرين من عدم انغماســهم ومتاديهم‬
‫يف اســتعماله لكــي ال يصــب يف خانــة تقليــد فـ ِـن األيقونــاتِ املســيحيةِ البيزنطيـةِ‪ ،‬وهــذا‬
‫مــا دعــاه املنظــر (تينغوســن) بالـ «احلافــز التّزييين» اخلاص بالفن والعمارة اإلســاميني‬
‫الــذي جــاء إظهــاره صرحيـاً أكثــر مــن أي فــن مــن فنــون الشــعوب األخــرى(‪.)2‬‬

‫ويــورد لنــا (غوســتا فلوبــون) مــن أن األلــوان الــي اســتعملها العــرب يف مصــر هــي‬
‫األمحــر واألزرق واألصفــر واألخضــر والذهــي‪ ،‬وأثبــت «أوينجونــس» الــذي حبــث يف‬
‫أواســط القــرن التاســع عشــر خصوصيــات الفنــون واأللــوان يف قصــر احلمــراء يف‬
‫غرناطــة‪ ،‬وشــارك يف ترميمهــا واصف ـاً إيــاه إذا اســتثنينا املينــا (الزليــج أو القاشــاني)‬
‫الــذي يغطــي أســفل اجلــدران‪ ،‬مل يســتخدم العــرب يف قصــر احلمــراء ســوى األلــوان‬
‫األزرق واألمحــر والذهــي‪ ،‬أي األصفــر فرتبــت هــذه األلــوان بــذوق حــاذق حيــث أحــدث‬
‫اللــون األمحــر يف أســاس نقوشــه وصبغــت حواجــزه اجلانبيــة باللــون األزرق علــى‬

‫(‪ )1‬اللــون يف العمــارة االســامية وأثــره علــى التصميــم الداخلــي‪ -‬د‪ /‬هــــــالة صـــــــاح حــــــامد‪ -‬دكتــور بكلية الفنون‬
‫التطبيقيــة جامعــة ‪ 6‬اكتوبــر‪.‬‬
‫(‪ )2‬د‪ .‬علــي الثويــي ‪ -‬باحــث وكاتــب يف العمــارة ‪ -‬والــراث الثقــايف والفــي – األلــوان يف الفنــون والعمــارة‬
‫اإلســامية ‪ -‬ســبق ذكــره‪.‬‬

‫‪500‬‬
‫مقيــاس واســع لتعديــل التأثــر الناجــم عــن األمحــر والذهــي وفصــل بعــض األلــوان‬
‫عــن بعضهــا بعصائــب (ضفائــر) بيــض أو بظــل نتــوء الزخــرف‪ ،‬وإمنــا نــرى أثــره يف‬
‫القصــر مــن اللــون األخضــر أو األمســر أو األرجوانــي‪ ،‬فقــد جــاء مــن الرتميمــات الســيئة‬
‫الــي قــام هبــا اإلســبان خــال تواجدهــم يف القصــر الحقـاً‪ ،‬ومينحــك اللــون يف قصــور‬
‫احلمــراء انطباعـاً بأنــه ال حيمــل وظيفــة فنيــة قائمــة علــى عنصــر الزخرفــة فحســب‪،‬‬
‫بــل إن لــه بعــداً فلســفياً أيضـاً‪ ،‬فاللــون لــه عالقــة بالضــوء‪ ،‬إنــه أحــد مكونــات الطيــف‬
‫الشمســي‪ ،‬فالضــوء يف الفلســفة اإلســامية رمــزاً للنورانيــة‪ ،‬وهــذا يؤكــد بــأن حضــور‬
‫اللــون هــو مبثابــة تعبــر عــن الوجــود اإلهلــي‪ ،‬ألن اللــون ال وجــود لــه بــدون الضــوء‪.‬‬

‫ومل خيلــوا عــامل األلــوان مــن الرمزيــة الــي اختلفــت يف عقليــة خمتلــف الشــعوب حيــث‬
‫جنــد فرقـاً شاســعاً بــن الــذوق اإلســامي باملقارنــة مــع األديــان والثقافــات األخــرى‪..‬‬
‫ونعتقــد بــأن يف العقائــد اليهوديــة واملســيحية شــيء ممــا تشــرك بــه يف رمزيــة األلــوان‬
‫ومدلوالهتــا مــع املفاهيــم اإلســامية لأللــوان‪ ،‬يعــود للصفــة التوحيدية املشــركة والبيئة‬
‫الواحــدة الــي خرجــت منهــا الديانــات الســماوية الثــاث(‪ ،)1‬ومل ختــل فنــون أي مــن‬
‫احلضــارات مــن عنصــر اللــون كقيمــة فنيــة ال ماديــة فقــط يف العمــل الفــي‪ ،‬فنجــد‬
‫اللــون قــد وظــف يف مجيــع الفنــون علــى اختــاف احلضــارات فــكان خــر معــر عــن‬
‫املعتقــدات والطقــوس الدينيــة وعلــى النفــس اإلنســانية بشــكل خــاص وقدرهتــا علــى‬
‫اإلبــداع‪ ،‬وباملثــل لعــب الرخــام امللــون دوراً متميــزاً يف العمــارة مبصــر وتركيــا وغريهــا‬
‫مــن البلــدان العربيــة اإلســامية ســواء يف الداخــل أو اخلــارج‪ ،‬كمــا اســتخدمت األلــوان‬
‫يف العمــارة الشــعبية يف العــامل‪ ،‬مثــل قــرى النوبــة وقــرى وســط وجنــوب إفريقيــا‪ ،‬والــي‬
‫تعتــر األلــوان طقسـاً هامـاً مــن طقــوس البنــاء‪ ،‬وفــق معــان ودالالت األلــوان ورموزهــا‪،‬‬
‫مــن حيــث ارتباطهــا باملعتقــد والديــن واملــوروث الشــعيب لــكل منطقــة حتمــل العــادات‬
‫والتقاليــد نفســها(‪.)2‬‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬علــي الثويــي ‪ -‬باحــث وكاتــب يف العمــارة ‪ -‬والــراث الثقــايف والفــي – األلــوان يف الفنــون والعمــارة‬
‫اإلســامية‪ -‬ســبق ذكــره‪.‬‬
‫(‪ )2‬اللــون يف العمــارة االســامية وأثــره علــى التصميــم الداخلــي ‪ -‬د‪ /‬هــــــالة صـــــــاح حــــــامد ‪ -‬دكتــور بكليــة‬
‫الفنــون التطبيقيــة جامعــة ‪ 6‬أكتوبــر‪.‬‬

‫‪501‬‬
‫وخنلــص أن للــون تعريفــات وخصائــص ونظريــات جيــب اإلملــام هبــا مــن أجــل حتقيــق‬
‫القيــم اجلماليــة والوظيفيــة يف الفــراغ الداخلــي‪ ،‬واللــون هــو أحــد عناصــر الفــراغ‬
‫الداخلــي املؤثــرة علــى إبــراز النواحــي الوظيفيــة والروحيــة يف العمــارة اإلســامية‪ ،‬وأن‬
‫أثــر اللــون يف العمــارة اإلســامية يعمــل علــى إجيــاد صيغــة معاصرة للقيــم اجلمالية له‪،‬‬
‫حبيــث حتقــق الراحــة الفســيولوجية والســيكولوجية والوظيفيــة للتصميــم الداخلي ألي‬
‫فــراغ‪ ،‬وأن اللــون علــم قائــم بذاتــه‪ ،‬لــه نظرياتــه العلميــة والتطبيقيــة‪ ،‬كمــا أن لــه دالالت‬
‫وتأثــرات مجاليــة ووظيفيــة‪ ،‬وجتــدر اإلشــارة إىل أن أمهيــة البعــد الوظيفــي تأتــي قبــل‬
‫البعــد اجلمــايل يف كثــر مــن الدراســات املعاصــرة باعتبــار أن كثــراً» مــن االجتاهــات‬
‫احلديثــة اعتــرت أن حتقيــق الوظيفــة يــؤدي إىل حتقيــق اجلمــال بالضــرورة(‪.)1‬‬

‫والعمــارة اللونيــة هــي فــن تشــكيل األســطح والكتــل‪ ،‬هبــدف خلــق فراغــات حتقــق‬
‫انتفاع ـاً ومتعــة فنيــة معينــة يف إطــار نظــام طبيعــي كونــي مطلــق‪ ،‬وختضــع العمــارة‬
‫مثلهــا مثــل أي فــن للنقــد والتقييــم مــن جانــب املتخصصــن يف جماالهتــا والدارســن‬
‫لعلومهــا‪ ،‬ومــن جانــب مســتعمليها ومتلقيهــا مــن غــر املتخصصــن‪ ،‬وبعــد املعايشــة‬
‫واملشــاهدة يتــم احلكــم عليهــا أو التأثــر هبــا كعمــارة مبدعــة أو حمايــدة أو مزعجــة‪،‬‬
‫فالــذي مييــز العمــارة ويرفعهــا إىل مســتوى الفــن‪ ،‬هــي تلــك املكونــات املرتاصــة مــع‬
‫بعضهــا البعــض والــي تشــكل النســق املعمــاري وبنيتــه املاديــة‪ ،‬ابتــداءاً مــن الســطح‬
‫مبكوناتــه مــن ملمــس ولــون وانتهــاء بالشــكل مبكوناتــه مــن كتلــة وفــراغ‪ ،‬ومــن هنــا جنــد‬
‫أن اللــون ذو أمهيــة كبــرة ملــا لــه مــن قــوة كامنــة وقــدرة علــى تغيــر ظاهــرة التكوينــات‬
‫واألشــكال‪ ،‬مــع العلــم وجــد بعــض الباحثــن أنــه ال تلويــن للعمــارة يف أغلــب تارخيهــا‪،‬‬
‫وأهنــا هــي تأخــذ اللــون الطبيعــي للمــادة الــي تبنــى هبــا‪ ،‬فاحلجــارة وهــي أقــدم مــواد‬
‫البنــاء املعماريــة‪ ،‬قــد قطعهــا اإلنســان األول مــن اجلبــل‪ ،‬وبنــى هبــا بيتــه ببلــوكات بيضاء‬
‫جرييــة أو رمليــة أو رماديــة‪ ،‬ووضعهــا واحــدة فــوق األخــرى علــى شــكل حائــط‪ ،‬أو عمــود‬
‫بــدون تلويــن‪ ،‬ثــم اجتــه إىل التســقيف ببلــوكات حجريــة صلبــة كبــرة احلجــم‪ ،‬مــن‬
‫نفــس اللــون أو مــن بلــوكات مــن اجلرانيــت ذات احلبيبــات احلمــراء والســوداء‪ ،‬ليبــي‬
‫(‪ )1‬اللون يف العمارة االسالمية وأثره على التصميم الداخلي– مرجع سبق ذكره‪.‬‬

‫‪502‬‬
‫هبــا معابــده وأهراماتــه ومقابــره وقصــوره‬
‫وقالعــه‪ ،‬كمــا اســتعمل اإلنســان اخلشــب‬
‫مــن الغابــات يف تغطيــة األســقف علــى لونــه‬
‫الطبيعــي الفاتــح أو القــامت‪ ،‬وهــو يف املبانــي‬
‫اإلســامية يتصــرف يف األلــوان مبــا أطلــق‬
‫‪201‬‬ ‫الشكل‬
‫عليــه البنــاء األبلــق‪ ،‬بعمــل مداميــك مــن‬
‫احلجــارة الفاحتــة والقامتــة اللــون‪ ،‬يف تتابعــات مــن شــرائط أفقيــة‪ ،‬وهــذا االختــاف‬
‫يف ألــوان الصفــوف‪ ،‬يؤكــد طبيعــة املداميــك األفقيــة املوازيــة لــأرض يف احلوائــط(‪.)1‬‬

‫وعندمــا أراد أن يغطــي الفراغــات بنفــس مــادة احلجــارة‪ ،‬اســتنبط العقــود األفقيــة‬
‫والقبــاب ليبنيهــا مــن قطــع مــن احلجــارة صغــرة احلجــم ســهلة النقــل والتشــكيل‪ ،‬وهــو‬
‫يقــوم بذلــك مــن حجــارة مــن لــون واحــد أو مــن البنــاء األبلــق يف صفــوف يف احلوائــط‬
‫األفقيــة واألقبيــة املركزيــة‪ ،‬وقــد متيــزت بذلــك العمــارة اإلســامية والغوطية املســيحية‬
‫يف منطقــي بيــزا وســيينا يف مقاطعــة اللومبــاردي بوســط ايطاليــا انظرالشــكل (‪،)201‬‬
‫وبالطــوب اللــن أو احملــروق يف الرتكوتــا والســراميك املزجــج‪ ،‬وأدخــل اإلنســان األلــوان‬
‫الدائمــة يف كســوة حوائــط مبانيــه‪ ،‬وزخرفتهــا يف تعبــرات إنســانية تارخييــة‪ ،‬وتســتعمل‬
‫األلــوان يف مســاحات للتناقــض مــع احلوائــط احملايــدة اللــون ‪ ،Neutral‬وذلــك إلظهــار‬
‫نقــاء اللــون املتغلــب يف تناقــض صــارخ معــه‪ ،‬يف ألــوان الزجــاج املعشــق بالرصــاص‪ ،‬أو‬
‫اجلبــس يف فتحــات اجلوامــع والكتدرائيــات وقصورعصــر النهضــة والبــاروك(‪.)2‬‬

‫وأن العمــران واللــون تالزمــا علــى مــر العصــور‪ ،‬فمثــاً أن املصريــن القدامــى قــد‬
‫أبدعــوا يف صناعــة اللــون واســتخدموه يف معابدهــم ومقابرهــم وقصورهــم‪ ،‬ومــن‬
‫املؤكــد أن تطــور صناعــة األلــوان يف مصــر القدميــة دليــل قاطــع علــى أمهيتــه يف‬
‫حياهتــم‪ ،‬ثــم تعلمنــا أخــراً أن الرومــان قــد تفننــوا يف اســتخدام اللــون يف مبانيهــم‬
‫فكانــت فرحــة وغنيــة وجذابــة‪ ،‬فنــرى اليــوم يف التصــورات احلديثــة ملــا كانــت عليــه‬
‫(‪ )1‬كرنفال األلوان يف العمارة‪ -‬بقلم‪ :‬د‪ .‬على رأفت ‪.2010/29/7-‬‬
‫(‪ )2‬كرنفال األلوان يف العمارة‪ -‬بقلم‪ :‬د‪ .‬على رأفت ‪.2010/29/7-‬‬

‫‪503‬‬
‫العمــارة الرومانيــة أطنانـاً محــراء وأســقف صفــراء وجــدران زرقــاء‪ ،‬أمــا املســلمون فقــد‬
‫اتســمت عمارهتــم أيضــاً بالغنــى اللونــي الشــديد‪ ،‬حيــث برعــوا يف تطويــر األشــكال‬
‫اهلندســية واملنمنمــات والزخــارف واخلطــوط‪ ،‬مســتخدمني اللــون كعنصــر رئيســي يف‬
‫تكويناهتــم فقصــر احلمــراء يف غرناطــة‪ ،‬واجلامــع األمــوي يف دمشــق وجامــع الســلطان‬
‫أمحــد يف اســتنبول أمثلــة قليلــة لعــدد ال حصــر لــه مــن آثــار إســامية‪ ،‬كان للــون‬
‫أثــر واضــح يف إجناحهــا‪ ،‬ويقــول مؤرخــو العمــارة أن معمــاري فــرة عصــر النهضــة‬
‫درســوا هاتــن العمارتــن لتكونــا دليلهــم ونقطــة انطالقهــم‪ ،‬وقــد رأوا هاتــن العمارتــن‬
‫عاريتــن متام ـاً عــن اللــون فافرتضــوا أهنمــا كانتــا دوم ـاً كذلــك‪ ،‬لــذا تطــورت عمــارة‬
‫عصــر النهضــة الــي بنيــت علــى أنقــاض العمارتــن الرومانيــة واإلغريقيــة بعيــدة عــن‬
‫اللــون مظهــرة مــادة البنــاء املســتعملة‪ ،‬وهــي احلجــر‪ ،‬بشــكلها الطبيعــي(‪.)1‬‬

‫فاإلبــداع الفــي هــو األداة املباشــرة للوصــول إىل عمــارة متكاملــة‪ ،‬ويتحقــق هــذا مــن‬
‫خــال التأثــر الفســيولوجي والنفســي علــى املتلقــي لروافــد اجلمــال واإلهبــار والتعبــر‪،‬‬
‫أكثرمــن جمــرد اهتمــام بالوظيفيــة الــي حتققهــا العمــارة‪ ،‬هــذا وقــد أضافت الدراســات‬
‫الــي تبحــث يف تأثرياللــون علــى اإلدراك بعــداً جديــداً لتفهمنــا واســتخدامنا للتطبيقــات‬
‫اللونيــة‪ ،‬وإمكاناهتــا يف العمــارة وذلــك يف كل مــن الواجهــات اخلارجيــة وفراغــات‬
‫املبانــي الداخليــة‪ ،‬فاللــون جــزء مــن حيــاة اإلنســان‪ ،‬وإذا نظرنــا للعــامل حولنــا جنــد‬
‫أننــا نعيــش يف حميــط لونــي تتغــر ألوانــه باســتمرار‪ ،‬وقــد تعلــق اإلنســان منــذ اللحظــة‬
‫األوىل لوجــوده باأللــوان‪ ،‬واســتخدامها لتلويــن جســمه وتزينــه ونقلهــا بعــد ذلــك إىل‬
‫مصنوعاتــه وجــدران مســكنه‪ ،‬وأخــراً إىل عمارتــه‪ ،‬وقــد اســتخدمت األلــوان يف العمــارة‬
‫منــذ احلضــارة الفرعونيــة يف فراغاهتــا الداخليــة وخاصــة يف احلوائــط واألســقف‪ ،‬كما‬
‫ظهــرت املعاجلــات اللونيــة يف العمــارة اإلغريقيــة نتيجــة الســتخدام اجلرانيت والرخام‪،‬‬
‫أمــا يف العمــارة القوطيــة فــإن الزجــاج امللــون كان لــه تأثــر جوهــري علــى فراغاهتــا‬
‫الداخليــة‪ ،‬وباملثــل لعــب الرخــام امللــون دوراً متميــزاً يف دواخــل وخــوارج العمــارة مبصــر‬

‫(‪ )1‬موقــع اليــوم ‪ -‬كليــة العمــارة والتخطيــط ‪ -‬جامعــة امللــك فيصــل ‪ -‬احنســر اللــون لفــرات يف لــون مــادة البنــاء‬
‫‪ -‬األلــوان يف البنــاء‪ ..‬فــن ووظيفــة‪.‬‬

‫‪504‬‬
‫وتركيــا وغريمهــا مــن البــاد اإلســامية‪ ،‬كمــا اســتخدمت األلــوان يف العمــارة الشــعبية‬
‫يف العــامل كقــرى النوبــة وقــرى وســط وجنــوب أفريقيــا الــي تعتــر التلويــن طقســاً‬
‫هام ـاً مــن طقــوس البنــاء‪ ،‬وبعــد احلــرب العامليــة الثانيــة ظهــرت الكثــر مــن التيــارات‬
‫الفنيــة الــي تنــادى باســتخدام األلــوان يف البنــاء وخــروج اللــون إىل الطرقــات العامــة‪،‬‬
‫كمــا وظهــرت حــركات لونيــة أخــرى عرفــت باســم عمــارة الببغــاء أو عمــارة الطــاووس‪،‬‬
‫وهــذه يطلــق عليهــا أحيان ـاً اللوحــة اللونيــة‪ ،‬والــي اســتخدم فيهــا املعماريــون األلــوان‬
‫األساســية األربعــة‪ :‬األمحــر‪ ،‬األصفــر‪ ،‬واألخضــر‪ ،‬واألزرق للتأكيــد علــى التشــكيل‬
‫املعمــاري أو تقويــة التتابــع الفراغــي وللتذكــر بأمهيــة اللــون يف العمــل املعمــاري‪ ،‬وإن‬
‫اســتخدام اللــون يف البيئــة العمرانيــة يضيــف إليهــا بعــداً جديــداً يأتــي مــن كــون األلــوان‬
‫ذات تأثــرات نفســية‪ ،‬حيــث تعطــى إحساس ـاً باالنتمــاء املكانــي لألفــراد‪ ،‬وتقلــل مــن‬
‫امليــول التخريبيــة‪ ،‬وتزيــد مــن اإلنتــاج وتفاعــل اإلنســان مــع البيئــة احمليطــة(‪.)1‬‬

‫وقــد اجتــه البنــاءون املعماريــون يف القــرن التاســع عشــر حنــو األلــوان كجــزء أساســي‬
‫مــن املبنــى وذلــك يف مشــال أوروبــا‪ ،‬وهــم أصحــاب تقاليــد البنــاء بالطــوب احملــروق‬
‫األمحــر والبــي‪ ،‬ثــم أدخلــوا عليهــا ألوان ـاً يف الرخــام والســراميك واألســقف القرميــد‬
‫واملعــادن‪ ،‬مثــل احلديــد والربونــز واألحجــار الكرميــة كالزمــرد والياقــوت والذهــب‪،‬‬
‫متأثريــن بالعمــارة اإلســامية وعمــارة الشــرق األقصــى(‪.)2‬‬

‫إذاً عندمــا نتحــدث عــن اللــون يف العمــارة‪ ،‬البــد مــن االنتبــاه إىل أمريــن اثنــن‪ :‬أوهلمــا‬
‫هــو مــا ذكــر آنفــا مــن أن للــون أثــراً كبــراً يف إعطــاء العمــارة أبعــاداً مجاليــة‪ ،‬ال جيــب‬
‫اعتبارهــا إضافيــة‪ ،‬وإمنــا ضروريــة ومطلوبــة‪ ،‬وقــد ســعى إليهــا اإلنســان يف معظــم‬
‫أعمالــه املعماريــة‪ ،‬وثانيهمــا أنــه جيــب االعتمــاد علــى أســس عمليــة وفنيــة للوصــول‬
‫إىل التكويــن اللونــي املتميــز واجلــذاب‪ ،‬وللــون إمكانيــات هائلــة مــن النواحــي اجلماليــة‬
‫واإلحيائيــة والنفســية‪ ،‬ميكــن للمهتمــن بأمــور العمــارة والعمــران التنبــه هلــا واإلفــادة‬
‫منهــا‪ ،‬وميكــن أن تتــم االســتفادة مــن اللــون مبميزاتــه وإمكانياتــه علــى كافــة األصعــدة‬
‫(‪ )1‬العمارة واأللوان – جملة اهلندسة والفنون – موقع الكرتوني‪.‬‬
‫(‪ )2‬كرنفال األلوان يف العمارة‪ -‬بقلم‪ :‬د‪ .‬على رأفت ‪.2010/29/7-‬‬

‫‪505‬‬
‫املتعلقــة بتصميــم البيئــة‪ ،‬بــدءاً باملبنــى املنفــرد مــروراً بالفراغــات املفتوحة علــى أنواعها‬
‫ووصــوالً إىل احلدائــق‪ ،‬ومــن خــال دراســات لونيــة ســليمة ســيكون مــن املمكــن حتويــل‬
‫املســاحات اخلرســانية واملســطحات اإلســفلتية الــي تشــكل معظــم رقعــة مدننــا إىل‬
‫أماكــن أكثــر هبجــة ومجــاالً‪ ،‬ليــس بطالئهــا بالدهانــات بشــكل عشــوائي‪ ،‬وإمنــا عــن‬
‫طريــق اختيــار تشــكيالت لونيــة مدروســة يف نقــاط حمــدودة تقــوم باملهمــة املطلوبــة(‪.)1‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫(‪ )1‬موقــع اليــوم ‪ -‬كليــة العمــارة والتخطيــط ‪ -‬جامعــة امللــك فيصــل ‪ -‬احنســر اللــون لفــرات يف لــون مــادة البنــاء‬
‫‪ -‬األلــوان يف البنــاء‪ ..‬فــن ووظيفــة‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫الضوء يف العمارة اإلسالمية‬

‫يعتــر الضــوء عنصــراً أساســياً مــن عناصــر تصميــم العمــارة اإلســامية‪ ،‬ليــس فقــط‬
‫لداللتــه الرمزيــة وامليتافيزيقيــة‪ ،‬بــل جلمالياتــه أيضاً‪ ،‬ووفقاً لظروفــه املكانية والبيئية‪،‬‬
‫ولقــد تطــورت اســراتيجيات معماريــة كثــرة يف اخلمســة عشــر قرنـاً األخــرة‪ ،‬لرتشــيح‬
‫الضــوء أو كســر األشــعة أو التكبــر أو الرتكيــز أو اإلخفــاء وضــوء التعميــة‪ ،‬وكذلــك وضــع‬
‫منشــور الضــوء بــذكاء علــى القبــاب ويف (املقامــات) والنوافــذ املســتورة‪ ،‬ويضــاف علــى‬
‫ذلــك‪ ،‬هــو وضــع املعماريــون يف كل أحنــاء العــامل اإلســامي مصفوفــة مدهشــة يف‬
‫العمــارة مــن اســتخدام للضــوء‪ ،‬ومــا لــه مــن تأثــر‪ ،‬لينطــوي عليــه معــان رمزيــة(‪.)1‬‬
‫وإن فكــرة الضــوء هــي متــازج بــن الظاهــرة الفيزيائيــة واإلدراك الذاتــي لإلنســان‪،‬‬
‫ممــا جعــل مــن عمليــة فهــم ظاهــرة الضــوء تتعــرض للتغيــر باســتمرار مــن خــال‬
‫جتربــة اإلنســان اإلدراكيــة وحميطــه فقــوى الشــمس‪ ،‬قــادرة علــى حتويــل عناصــر‬
‫الشــكل الســاكنة إىل عناصــر مليئــة وفائضــة بالــروح عــر ضوئهــا الــذي يقــوم مقــام‬
‫الــروح‪ ،‬الــي تســتطيع أن تســكن كل مــا هــو صلــد باعثــة فيــه احليــاة وكاشــفة عــن‬
‫مكامنــه‪ ،‬وتشــكل النــور والظلمــة ظاهرتــان واضحتــان ضــرب اهلل ســبحانه وتعــاىل‬
‫هبمــا األمثــال‪ ،‬يف دعــوة للتفكــر وإشــارة للتــوازن بــن العقــل والتجربــة يف إدراك العــامل‪،‬‬
‫والــي شــكلت مقومــات الفكــر اإلســامي علــى أرض الواقع‪ ،‬مما أنتج حضارة إســامية‬
‫شــاملة خمتلــف اجملــاالت‪ ،‬ومنهــا العمــارة الــي تنوعــت نتاجهــا علــى مــدى احلقــب‬
‫الزمنيــة املختلفــة‪ ،‬وباتســاع أراضيهــا ومحلــت يف طياهتــا توازنـاً بــن العقــل والتجربــة‬
‫وبــن الشــكل واملضمــون‪ ،‬ولقــد میــزت بعــض الدراســات بــن مصطلحــن مثرييــن‬
‫لالضطــراب‪ ،‬مهــا ضــوء الشــمس ‪ sunlight‬والضــوء الطبيعــي (النهــار) ‪،Daylight‬‬
‫حيــث يعــرف أوهلمــا علــى أنــه الضــوء القــادم مــن الشــمس مباشــرة‪ ،‬والــذي ميكــن‬
‫‪Daylight‬‬ ‫أن يوظــف اســتخدامات متعــددة يف تصميــم اإلضــاءة‪ ،‬أمــا ضــوء النهــار‬
‫فيقصــد بــه الضــوء القــادم مــن قبــة الســماء باســتثناء أشــعة الشــمس‪ ،‬وهــو متغــر تبعـاً‬

‫(‪ )1‬الرأي ‪ -‬الضوء يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬حماضرة دار «اآلثار» ‪ -‬ناصر رباط‪.‬‬

‫‪507‬‬
‫حلالــة الطقــس‪ ،‬بينمــا تذهــب دراســات أخــرى إىل جعــل مصطلــح الضــوء الطبيعــي‬
‫ال ملصطلــح ضــوء الشــمس‪ ،‬ويســاهم كل مــن القمــر والنجــوم والشــمس‬
‫‪ Daylight‬شــام ً‬
‫يف تشــكيل الضــوء الطبيعــي الــذي مييــز عــن الضــوء الصناعــي ‪ Artificial light‬الناجــم‬
‫عــن أجهــزة اإلضــاءة الصناعيــة‪ ،‬والــذي خيضــع إلرادة اإلنســان يف التحكــم باجتاهــه‬
‫وشــدته وطريقــة توزيعــه‪ ،‬وبالرغــم مــن تعــدد إمكانيــات الضــوء الصناعــي الــذي بــدأ‬
‫باالنتشــار الواســع انطالقـاً مــن املصبــاح األول (الديســون)‪ T . Edison ،‬ودوره املؤثــر‬
‫علــى صعيــد التصميــم املعمــاري والتصميــم الداخلــي‪ ،‬إال أن الضــوء الطبيعــي كظاهــرة‬
‫ذات إمكانيــات متنوعــة احتفــظ بــدوره األساســي يف العمــارة و فضاءاهتــا الداخليــة‪،‬‬
‫واكتســب مظهــر الضــوء الطبيعــي ومقــدار تغــره أمهيــة كبــرة لــدى املصمــم واملتلقــي‪،‬‬
‫حيــث يقــود تغــر الضــوء الطبيعــي إىل تنــوع مظهــري كبــر يف إضــاءة الفضــاء الداخلــي‪،‬‬
‫وبالتــايل التأثــر علــى جســم اإلنســان خصوصـاً مــن ناحيــة الرؤيــا‪ ،‬ومــا يرتتــب عليهــا‬
‫مــن ردود أفعــال فيزيائيــة ومعنويــة(‪.)1‬‬
‫الضوء والعمارة اإلسالمية ‪:Light and Islamic Architecture‬‬
‫يكتســب الضــوء الطبيعــي أمهيــة كبــرة يف العمــارة حيــث يهــب الضــوء األجســام‬
‫وجودهــا الظاهــر ويــزاوج بــن الشــكل والفضــاء‪ ،‬ويتحــرك علــى ســطوحها املكشــوفة‬
‫مشــكالً الظــال خلفهــا ويعــزل مناطــق ضمــن الفضــاء الداخلــي للعمــارة‪ ،‬ويكشــف عــن‬
‫أشــكاهلا بتقابــل العتمــة والضــوء‪ ،‬ويف ذات الوقــت يكتســب الضــوء جتســيماً وشــكالً‬
‫عــر اعرتاضــه مــن قبــل األجســام املختلفــة‪.‬‬
‫وتعتــر العمــارة صنــف مــن الفنــون املتعلقــة بالفضــاء والعمــارة اإلســامية تضع لنفســها‬
‫هدفــاً رئيســياً يتمثــل يف تكويــن نــوع مــن الفضــاءات متتلــك قــدرة داخليــة لوضــع‬
‫اإلنســان يف حضــور إهلــي(‪ .)2‬والضــوء يف هــذا النــوع مــن العمــارة هــو عالمــة التفكــر‬
‫القدســي حيــث ميتــد إىل جوهــر العالقــة ويرتفــع هبا من خالل قداســة املوضــوع‪ ،‬فالضوء‬
‫(‪ )1‬الضــوء يف العمــارة اإلســامية – تكوينــات الضــوء الطبيعــي يف املســاجد املعاصــرة – عــدي علــي اجلبــوري –‬
‫دكتــوراة هندســة يف العمــارة الداخليــة – مــن جامعــة بغــداد‪.‬‬
‫�‪(2) Falahat, Mohamad sadeghi; Zare, Mohamad , “The emergence of eter‬‬
‫�‪nal truth by light in Islamic architecture” - Canadian Journal on Environmen‬‬
‫‪tal, Construction and Civil Engineering Vol. 2, No. 4, April 2011,p.37.‬‬

‫‪508‬‬
‫ميتلــك قيمــة معنويــة تشــر إىل تقليــل صالبــة وبــرودة املبانــي وتعمــل علــى تغــره باعتبــاره‬
‫الفضــاء املظلــل ألرواحنــا حيــث يغلــف املاديــات(‪ ،)1‬ويف احلضــارة اإلســامية شــكلت فكــرة‬
‫النــور والظــام دالــة معنويــة ضــرب اهلل كمــا األمثــال لإلشــارة إىل الكفــر واإلميــان يف قولــه‬
‫تعــاىل‪{ :‬وخيرجهــم مــن الظلمــات إىل النــور بإذنــه} [ســورة املائــدة‪ :‬اآليــة ‪ ]18‬ويف قوله تعــاىل‪{ :‬نور‬
‫علــى نــور‪ ،‬يهــدي اهلل لنــوره مــن يشــاء}‪[ ،‬ســورة النــور‪ :‬اآليــة ‪.]35‬‬

‫وملــدة قــرون مضــت‪ ،‬هامــت الروحانيــات يف الضــوء حيــث كتــب الشــعر إىل جانــب‬
‫مدرســة فلســفية ‪ school of philosophy‬تســتند علــى رمزيــة الضــوء‪ ،‬وأعتــر الضــوء‬
‫واحــداً مــن العناصــر األساســية يف مفهــوم وحــدة الوجــود يف الفــن‪ ،‬فعندمــا يــود الفنــان‬
‫أن يعــرض وحــدة الوجــود عــادة يســتخدم ثالثــة طــرق‪ :‬األول يعتمــد علــى اهلندســة اليت‬
‫تظهــر الوحــدة يف تنظيمــات خاصــة‪ ،‬والثانــي أن الــوزن الــذري يعــرف الوحــدة يف أجزاء‬
‫العــامل‪ ،‬والثالــث الضــوء حيــث يرتبــط مــع الظواهــر املرئيــة‪ ،‬ويف احلقيقــة أن الضــوء‬
‫ال يــرى بنفســه (حبســب هــذه الفلســفة) إمنــا هــو دالــة علــى وحــدة الوجــود‪ ،‬ولقــد‬
‫انعكســت عالقــة اجملتمــع اإلســامي باجلانــب الروحــي مــن خــال العالقــة املباشــرة‬
‫بــن فنــاء الــدار والســماء‪ ،‬فاإلنســان ال جيــد الراحــة يف فتــح بيئتــه إىل الطبيعــة‪ ،‬ولكــن‬
‫بإجيــاد جــزءاً مــن الطبيعــة لتكــون رفيــق لــه‪ ،‬أال وهــي الســماء الصافيــة‪ ،‬لذلــك جنــد‬
‫أن الفتحــة متجهــة إىل الســماء يف الغالــب لتصــل قاطنيهــا بتلــك الســماء الــي يفــزع‬
‫إليهــا اإلنســان طلبـاً للغــوث‪ ،‬وهربـاً مــن الوحشــة‪ ،‬فلــم يشــأ أن حيجــب مــا بينــه وبــن‬
‫مــأوى روحــه شــيء‪ ،‬إذ كان يعــد تلــك الفرجــة يف ســقف داره معــره إىل الســماء‪ ،‬أو‬
‫جــزءاً مــن الســماء قــد شــده إىل بيتــه»(‪ ،)2‬ويف هــذا الســياق يعــرض (جاســتون فييــت)‬
‫مقابلــة مجاليــة بــن كنيســة غوطيــة ومســجد إســامي إذ يقــول‪« :‬علــى حــن متتلــئ‬
‫الكنائــس والكاتدرائيــات مــن الداخــل باألقبيــة األســطوانية املتتاليــة الــي حتاكــي قمــم‬
‫األشــجار يف غابــات أوربــا الكثيفــة‪ ،‬بقممهــا الشــاهقة املتالصقــة‪ ،‬حبيــث حياكــي‬
‫اجلامــع بأعمدتــه صــوار النخيــل‪ ،‬فكأهنــا غابــة متفتحــة‪ ،‬توحــي الوضــوح باإلضــاءة‬

‫‪(1) Ibid. p.39..‬‬


‫(‪ )2‬د‪ .‬ثروت عكاشة – القيم اجلمالية يف العمارة اإلسالمية – دار الشروق – القاهرة – ‪ – 1994‬ص‪.18‬‬

‫‪509‬‬
‫املباشــرة املنطلقــة مــن الصحــن املكشــوف‪ ،‬ويبــدو املســجد كأنــه ينفــذ إىل الســماء‪،‬‬
‫ويرمــز إىل الســكينة واإلميــان الرصــن واملطمئنــة والــي تســلم مقاليدهــا إىل الــذات‬
‫اإلهليــة(‪.)1‬‬

‫ومــن ناحيــة أخــرى ســعت العمــارة اإلســامية إىل توظيــف الضــوء يف الفضــاءات‬
‫الداخليــة بطــرق خمتلفــة عــر إبداعهــا لتكوينــات ضوئيــة مجاليــة‪ ،‬متثلــت علــى ســبيل‬
‫املثــال يف «املشــربية» الــي كانــت حــظ موفــق للتغلــب علــى مشــکالت اإلطاللــة علــى‬
‫اخلــارج‪ ،‬وختفيــف حــدة الضــوء وحجــب أشــعة الشــمس‪ ،‬فهــي متــأ فتحــة النافــذة‬
‫مبخمــل مــن اخلشــب الرقيــق‪ ،‬يعمــل علــى توزيــع الضــوء والظــل يف تــدرج لطيــف‪،‬‬
‫و «ملقــف اهلــواء» الــذي يســاهم يف نقــل الضــوء إىل األجــزاء الســفلية مــن املبنــى(‪،)2‬‬
‫باإلضافــة إىل تكوينــات ضوئيــة أخــرى اســتخدمت يف املســاجد اإلســامية عرفــت‬
‫باســم «الشمســيات والقمريــات»‪ ،‬مثلــت األوىل فتحــة مزخرفــة يف جــدار املســجد تقفــل‬
‫بلــوح مــن الرخــام أو اخلشــب املخرم‪،‬وتصنــع عــادة برســم الزخــارف علــى اللــوح قبــل‬
‫وضعــه‪ ،‬ثــم تفــرغ أجــزاء مــن الزخرفــة وتــرك فارغــة أو تغطــى بزجــاج ملــون‪ ،‬أمــا‬
‫«القمريــة» فهــي فتحــات مســتديرة أو مربعــة أو مسدســة أو مثمنــة اهليئــة تفتح يف أعلى‬
‫اجلــدران يف رقــاب القبــاب ثــم تغطــى بالزجــاج امللــون فيكــون هلــا أثــر مجــايل زخــريف‬
‫بديــع(‪ ،)3‬فالعمــارة اإلســامية شــكلت الضــوء بتكوينــات خمتلفــة أكســبت عمارهتــا‬
‫دالالت معنويــة وحملــات مجاليــة اســتوجبت التوقــف عندهــا بالدراســة والتحليــل‪،‬‬
‫وذهبــت الدراســات إىل حتديــد جانبــن أساســيني يف موضــوع التكوينــات الضوئيــة‪،‬‬
‫تتعلــق أوهلمــا مبفهــوم الضــوء ومصــادره‪ ،‬وثانيهمــا تنــاول تطبيقــات اإلضــاءة والطــرق‬
‫الــي اســتخدمت هبــا يف العمــارة علــى صعيــد الداخــل واخلــارج‪ ،‬وأكــدت الدراســة علــى‬
‫أن توفــر اإلضــاءة يؤثــر ويتأثــر بكيفيــة مكــوث النــاس أو مرورهــا ضمــن الفضــاءات‬
‫املعماريــة‪ ،‬وهــي بدورهــا تشــكل املدخــل األساســي ملصممــي اإلضــاءة‪ ،‬وأن اإلضــاءة‬
‫(‪ )1‬د‪ .‬ثروت عكاشة – القيم اجلمالية يف العمارة اإلسالمية – مرجع سبق ذكره – ص‪.37‬‬
‫(‪ )2‬املرجع السابق – ص‪.100-99‬‬
‫(‪ )3‬د‪ .‬مؤنــس حســن – املســاجد – سلســلة عــامل املعرفــة – العــدد‪ - 37‬اجمللــس الوطــي للثقافــة والفنــون واآلداب‬
‫– الكويــت – ينايــر ‪ -1981‬ص‪.131-130‬‬

‫‪510‬‬
‫وبالرغــم مــن قيامهــا بتأديــة اجلانــب الوظيفــي املطلــوب منهــا (املتعلــق بتوفــر إمكانيــة‬
‫الرؤيــة اجليــدة) إال أهنــا تلعــب دوراً مهم ـاً يف جنــاح أو فشــل املبــن مــن حيــث تأديتــه‬
‫للمهــام الــي أنشــأ مــن أجلهــا املبنــى»‪.‬‬

‫وأن االنطباعــات الــي يكوهنــا األشــخاص عــن العالقــة بــن الضــوء والعمــارة‪ ،‬تتأثــر‬
‫تبعـاً لزاويــة ســقوط الضــوء علــى وضمــن املبــن‪ ،‬وتبعـاً للحالــة اجلويــة (مشــمس غائم‪،‬‬
‫ليــل‪ /‬هنــار)‪ ،‬وللحالــة الفيزيائيــة للمشــاهد (هــل مصــاب بالصــداع مث ـاً)‪ ،‬والســلوك‬
‫الفيزيائــي للعــن ذاهتــا‪ ،‬باإلضافــة إىل الذاكــرة الشــخصية للمشــاهد‪ ،‬وهــذا مبجملــه‬
‫يقــود إىل التنــوع والتغــر الدائــم لوصــف هــذه العالقــة‪ ،‬وأن الدراســة أولــت اهتمام ـاً‬
‫كبــراً يف كيفيــة مالئمــة ومناســبة اإلضــاءة للفعاليــات الــي جتــري يف الفضــاءات‬
‫الداخليــة واخلارجيــة‪ ،‬إقــراراً منهــا بأمهيــة الفتحــات والتكوينــات الضوئيــة‪ ،‬لكنهــا مل‬
‫حتــدد صيغــة لتعريفهــا وأغفلــت بعــض اجلوانــب املؤثــرة علــى تشــكيلها ومنهــا اجلانــب‬
‫التعبــري والــداليل(‪.)1‬‬

‫رؤية وتوصيات ‪. .‬‬

‫لقــد وجــدت مــن خــال الدراســة يف الفــن والعمــارة اإلســامية رؤيــة تطلعيــة حنــو‬
‫أفــق يرتقــي بتارخينــا الزاخــر بعطاءاتــه وإرثــه العظيــم‪ ،‬ومــن تــوارث حضــارات عريقــة‬
‫لتاريــخ عربــي حضــاري إســامي‪ ،‬يزخــر بفنــون عمارتــه اإلســامية‪ ،‬وحنــن نعلــم‬
‫علــم اليقــن بــأن حضــارة العمــارة اإلســامية متيــزت عــن حضــارات عمــارة الغــرب‪،‬‬
‫منــذ البعثــة احملمديــة‪ ،‬وتوالــت تلــك العصــور بتطــور ثقافتهــا العمرانيــة‪ ،‬ويظهــر‬
‫هــذا التطــور مــن عهــد الرســالة احملمديــة‪ ،‬مــروراً بالعصــر األمــوي الــذي ملــع بريقــه‪،‬‬
‫وازدانــت فيهــا احلضــارة العمرانيــة‪ ،‬مــن مســاجد وقصــور وقــاع‪ ،‬والــي اتســمت فيهــا‬
‫كافــة الفنــون والعمــارة اإلســامية بعناصرهــا وزخارفهــا ونقوشــها وكافــة فنوهنــا‪،‬‬
‫وامتزجــت حضارهتــا اإلســامية أيض ـاً مبزيــج احلضــارة الغربيــة‪ ،‬لرتتقــي إىل عراقــة‬
‫(‪ )1‬الضــوء يف العمــارة اإلســامية – تكوينــات الضــوء الطبيعــي يف املســاجد املعاصــرة – عــدي علــي اجلبــوري –‬
‫دكتــوراه هندســة يف العمــارة الداخليــة – مــن جامعــة بغــداد‪.‬‬

‫‪511‬‬
‫رائعــة يف اجلمــال العمرانــي واإلســامي‪ ،‬والــذي يعــر عــن مــدى متــازج الثقافــة الغربيــة‬
‫وتطعيمهــا مــع الثقافــة العربيــة بقالــب إســامي‪ ،‬وهــذا مــا رأينــاه يف العصــر األمــوي‪،‬‬
‫عندمــا قــام الوليــد بــن عبــد امللــك باالســتعانة باملهــرة والصنــاع يف البنــاء والعمــران‪،‬‬
‫وأحدثــوا فيهــا قيمــة مجاليــة وملســات فنيــة رائعــة يف القصــور‪ ،‬مــن زخــارف وموزاييــك‬
‫وإخل‪ ،‬وجنــد أن املــرء ال حيتــاج إىل خــرة أو معرفــة واســعة مبجــال اهلندســة املعماريــة‪،‬‬
‫ليتمكــن مــن التعــرف عليهــا‪ ،‬وبالرغــم مــن اختــاف ومتيــز العمــارة اإلســامية مل‬
‫يظهــر أبــداً أي منــط معمــاري بــدون أن يســتوحي بعــض اإلهلــام مــن األمنــاط الســابقة‪،‬‬
‫وقــد اســتوحت العمــارة اإلســامية بعــض اإلهلــام مــن العمــارة اهلنديــة والفارســية‪ ،‬هلــذا‬
‫يتطلــب منــا احلــث علــى دمــج الثقافــات املختلفــة بقالــب يبــي يف الشــخصية املعماريــة‬
‫اإلســامية أفق ـاً جديــداً‪.‬‬

‫ومنــذ فجــر اإلســام وحتــى يومنــا هــذا‪ ،‬مت بنــاء العديــد مــن املبانــي علــى الطــراز‬
‫املعمــاري اإلســامي‪ ،‬ولكــن نــرى يف عمــارة املســاجد أكثــر شــهرةً عــن باقــي العمائــر‬
‫املتميــزة‪ ،‬كالقــاع والقصــور‪ ،‬وأن الشــخصية املتميــزة لعمــارة املســاجد‪ ،‬هــي باحلقيقــة‬
‫مــن أروع النمــاذج الــي تــدل علــى عبقريــة العمــارة اإلســامية‪ ،‬وكذلــك متتــد تلــك‬
‫العبقريــة مــع باقــي العمــارات اإلســامية األخــرى‪ ،‬وأود أن ألفــت النظــر إىل أمهيــة‬
‫بالغــة يف التوصيــات الــي أريــد مــن خالهلــا‪ ،‬فهــم العمــارة اإلســامية وعلومهــا النظرية‬
‫والعمليــة ومقاييــس اجلمــال فيهــا‪ ،‬وأمهيــة القيمــة اجلماليــة يف العمــارة اإلســامية‪،‬‬
‫الــي حتمــل يف طياهتــا إرث ـاً عميق ـاً وتارخي ـاً كبــراً يف احلضــارة العمرانيــة‪ ،‬وعلينــا‬
‫احلفــاظ عليــه مــن خــال إرســاء قواعــد تاريــخ العمــارة اإلســامية‪ ،‬يف ثقافــة اجملتمــع‬
‫ومناهــج العلــم واملعرفــة‪ ،‬بــأن تشــمل تلــك الثقافــة يف مناهــج كليــات اهلندســة املعماريــة‬
‫والفنــون اجلميلــة‪ ،‬ودعــم ذلــك االختصــاص فيهــا‪ ،‬لكــي ال ينســى اجملتمــع تارخيهــم‬
‫املعمــاري واإلســامي احلافــل حبضــارة عمرانيــة إســامية ال تضاهــى بعراقتهــا‪ ،‬وال‬
‫تغيــب مــن الذاكــرة‪....‬‬

‫وأخــراً نقــول بــأن العمــارة اإلســامية بــدأت تضمحــل رويــداً رويداً‪ ،‬النشــغالنا يف تقليد‬

‫‪512‬‬
‫احلضــارة الغربيــة يف كافــة النواحــي العمرانيــة والــي تســللت فيهــا احلداثــة‪ ،‬ممــا جعــل‬
‫اإلنســان املعاصــر مهتمـاً بــرك بصمتــه مــن خــال إنشــاء اهلياكل الضخمــة اليت تتحدى‬
‫مصاعــب الدهــر‪ ،‬وبــدأت التصاميــم املعماريــة الرباقــة يف الظهــور يف أحنــاء األرض‪،‬‬
‫مــن شــرقها إىل غرهبــا‪ ،‬ليثبــت أن لــكل إنســان جدارتــه علــى مــن ســبقوه‪ ،‬ويضفــي‬
‫احلداثــة علــى فــن العمــارة احلديثــة عــن اجليــل الســابق‪ ،‬ويف عصرنــا احلــايل نــرى‬
‫أن العمــارة احلديثــة تشــر إىل إبداعــات القــرن احلــادي والعشــرون‪ ،‬عــن التصميمــات‬
‫األكثــر إثــارة وغرابــة‪ ،‬والــي تســلط الضــوء علــى جنــون فــن العمــارة باحلداثــة‪.‬‬

‫‪‬‬ ‫‪‬‬ ‫‪‬‬

‫‪513‬‬
‫مصادر البحث‬

‫‪514‬‬
‫املصادر واملراجع‪:‬‬
‫أو ً‬
‫ال‪ :‬القرآن الكريم ‪.‬‬
‫‪ -1‬سورة النحل ‪ -‬آية (‪ - )80 - 79‬ص‪.11‬‬
‫‪ -2‬سورة التوبة – آية (‪.23 – )19 – 18‬‬
‫‪ -3‬سورة النحل – آية (‪.)5‬‬
‫‪ -4‬سورة النحل – آية (‪.)8‬‬
‫‪ -5‬سورة النساء ‪ -‬آية (‪.)48‬‬
‫‪ -6‬سورة البقرة – آية (‪.)115‬‬
‫‪ -7‬سورة البقرة – آية (‪.)125‬‬
‫‪ -8‬سورة البقرة – آية (‪.)127‬‬
‫‪ -9‬سورة التوبة – آية (‪.)18‬‬
‫‪ -10‬سورة النحل – آية (‪.)6‬‬
‫‪ -11‬سورة األعراف – آية (‪.)32‬‬
‫‪ -12‬سورة البقرة – آية (‪.)69‬‬
‫‪ -13‬سورة الزخرف – آية (‪.)71‬‬
‫‪ -14‬سورة األحزاب – آية (‪.)52‬‬
‫‪ -15‬سورة النمل – آية (‪.)60‬‬
‫‪ -16‬سورة األنعام – آية (‪.)99‬‬
‫‪ -17‬سورة ق – آية (‪.)10‬‬
‫‪ -18‬سورة احلجر – آية (‪.)16‬‬
‫‪ -19‬سورة ق – آية (‪.)6‬‬
‫‪ -20‬سورة املعارج – آية (‪.)5‬‬
‫‪ -21‬سورة احلجر – آية (‪.)85‬‬
‫‪ -22‬سورة مريم – آية (‪.)11‬‬
‫‪ -23‬سورة آل عمران – آية (‪.)37‬‬

‫‪515‬‬
‫‪ -24‬سورة آل عمران – آية (‪.)39‬‬
‫‪ -25‬سورة (ص) – آية (‪.)21‬‬
‫‪ -26‬سورة مريم – آية (‪.)11‬‬
‫‪ -27‬سورة الربوج – آية (‪.)13‬‬
‫‪ -28‬سورة البقرة – آية (‪.)115‬‬
‫‪ -29‬سورة املائدة ‪ -‬آية (‪.)6‬‬
‫‪ -30‬سورة البقرة – آية (‪.)114‬‬
‫‪ -31‬سورة النور – آية (‪.)35‬‬
‫‪ -32‬سورة األعراف – آية (‪.)199‬‬
‫‪ -33‬سورة النحل – آية (‪.)80‬‬
‫‪ -34‬سورة التوبة – آية (‪.)105‬‬
‫‪ -35‬سورة النور – آية (‪.)37‬‬
‫‪ -36‬سورة النور – آية (‪.)38‬‬
‫‪ -37‬سورة األنعام – آية (‪.)99‬‬
‫‪ -38‬سورة األنعام – آية ‪.)141‬‬
‫‪ -39‬سورة يس – آية (‪.)35-33‬‬
‫‪ -40‬سورة احلشر – آية (‪.)2‬‬
‫‪ -41‬سورة األعراف – آية (‪.)92‬‬
‫‪ -42‬سورة التوبة – آية (‪.)108‬‬
‫‪ -43‬سورة فاطر – آية (‪.)27‬‬
‫‪ -44‬سورة البقرة – آية (‪.)187‬‬
‫‪ -45‬سورة البقرة – آية (‪.)69‬‬
‫‪ -46‬سورة املائدة – آية (‪.)18‬‬
‫‪ -47‬سورة النور – آية (‪.)35‬‬

‫‪516‬‬
‫ثانياً‪ :‬املوسوعات والوثائق‪.‬‬
‫‪ -1‬أول طراز يف الفن اإلسالمي ويكيبيديا املوسوعة احلرة‪.‬‬
‫‪ -2‬روائــع الفــن اإلســامي‪ -‬هــدى العمــر موقــع صحيفــة فنــون اخلليــج (وزارة‬
‫الثقافــة واإلعــام الســعودي) ‪.2014/7/18 -‬‬
‫‪ -3‬العمــارة اإلســامية ‪ -‬اهلندســة ‪ -‬العلــوم التطبيقيــة ‪ -‬اجمللــد الثالــث عشــر‪-‬‬
‫املهنــدس رضــوان طحــاوي ‪ -‬املوســوعة العربيــة‪.‬‬
‫‪ -4‬املصدر‪ :‬املوســوعة العربية العاملية ‪ -‬لعمارة والفنون اإلســامية يف األندلس‬
‫‪ -‬حنــان قصــاب حســن ‪ 2014/7/18 -‬قصــة اإلســام – إشــراف الدكتــور راغــب‬
‫السرجاني‪.‬‬
‫‪ -5‬جملة كلية اآلداب – جامعة القاهرة – اجمللد التاســع عشــر – مايو ســنة ‪1957‬‬
‫– عــدد خــاص يف ذكــرى املرحــوم األســتاذ‪ :‬عبــد الوهاب عــزام – مطبعة القاهرة‪.‬‬
‫‪ -6‬كتب برتو يف سنة ‪ 1895‬عن الفن اإلسالمي يف جنوب إيطاليا‪.‬‬
‫‪ -7‬املخطوطات املرسومة يف العصر العباسي ‪ -‬للدكتور خالد اجلادر‪.‬‬
‫‪ -8‬املنتدى العاملي للوسطية ‪ -‬د‪.‬حممد عمارة ‪ -‬جريدة الدستور‪2012/03/31 :‬‬
‫‪ -‬مفهوم اجلمال يف اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -9‬مقــال بعنــوان‪ :‬اإلحســاس باجلمــال ألمينــة برميكــو عــن موقــع‬
‫‪www.ahali-iraq.com.‬‬
‫‪ -10‬اجمللــــة األردنیــــة للفنــــون‪ ،‬جملـــد‪ 9 ،‬عـــدد ‪ - 2 ، 97،2016 - 106‬املفاهيم‬
‫املعماريــة احلديثــة والتشــكيل املعمــاري املعاصــر للمســجد‪.‬‬
‫‪ -11‬القاهرة التارخيية ‪ 23‬أبريل ‪ - 2015‬تعريف الزخرفة وقواعدها‪.‬‬
‫‪ -12‬جملة املسلم املعاصر‪.‬‬
‫‪ -13‬الدكتور إمساعيل فاروقي‪ .‬جملة املسلم املعاصر‪.‬‬
‫‪ -14‬املعرفــة ‪ -‬أندريــه بــارو وجــان كلــود مارغــورون‪« ،2005 ،‬مملكــة مــاري‬
‫الفراتيــة يف ســوريا» عبــد املعطــي خضــر‪« ،‬تاريــخ العمــارة العربيــة واألوروبيــة‪.‬‬
‫‪ -15‬فيرتوفيــوس‪« ،‬الكتــب العشــرة يف العمــارة» ‪ 2020 - 2009‬عابديــن‪ .‬يســار‪،‬‬
‫فاكــوش‪ ،‬عقبــة‪ .‬اجلابــي‪ ،‬ياســر‪ -‬مرتمجــون‪ ،‬مطبعــة جامعــة دمشــق‪.‬‬

‫‪517‬‬
‫‪ -16‬اجلمهوريــة العربيــة الســورية ‪ -‬جامعــة دمشــق ‪ -‬كليــة اهلندســة املعماريــة‬
‫‪ -‬قســم التصميــم املعمــاري ‪ -‬دور الفــراغ يف التشــكيل املعمــاري وأمهيتــه رســالة‬
‫مقدمــة لنيــل درجــة املاجســتري يف اهلندســة املعماريــة ‪ -‬قســم التصميــم املعمــاري‬
‫‪-‬تقديــم‪ :‬م‪ .‬ســيما القنواتــي‪.‬‬
‫‪ -17‬م‪ .‬حممــد مصطفــي اهلمشــري‪ ،‬لطابــع احمللــي يف تصميــم القــرى الســياحية‬
‫‪ -‬مبنطقــة الغردقــة الســياحية ‪ -‬رســالة ماجســتري‪ ،‬آليةاهلندســة‪ ،‬جامعــة‬
‫القاهــرة‪.‬‬
‫‪ -18‬د‪ .‬علــي بســيوني‪ ،‬إحيــاء الــراث احلضــاري يف الفكــر اإلســامي املعمــاري‪،‬‬
‫اجمللــة املعماريــة‪ ،‬العــدد الثانــي‪ ،‬مجعيــة املهندســيناملعماريني‪ ،‬القاهــرة‪.‬‬
‫‪ -19‬د‪ .‬حيــي عبــد ااهلل‪ ،‬مــن الــراث‪ ،‬جملــة املعمــار‪ ،‬العــدد‪ 9 ،10 ،‬مجعيــة‬
‫املهندســن املعماريــن‪ ،‬القاهــرة‪ ،‬مصــر‪.‬‬
‫‪ -20‬آمــال ابــو اجملــد‪ ،‬حتديــات التوســع العمرانــي – حالــة القاهــرة ‪ -‬النــدوة‬
‫التاســعة‪ ،‬القاهــرة‪.‬‬
‫‪ -21‬أمــر صــاح امحــد‪ ،‬العالقــة بــن املعمــاري واملتلقــي يف عمليــات التصميــم‬
‫والبنــاء‪ ،‬رســالة ماجســتري‪ ،‬آليــة اهلندســة‪ ،‬جامعــة القاهرةاجليــزة‪.1999 -‬‬
‫‪ -22‬جــال عبــاده‪ ،‬املشــهد املعمــاري العربــي املعاصــر‪ :‬تأمــات حاضــرة ورؤى‬
‫مســتقبلية‪ ،‬منتــدى جــده الــدوىل للعمــران «التحضــر واالســتدامة يف عــامل‬
‫متغــر»‪ ،‬جــدة‪ ،‬اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬
‫‪ -23‬العمــارة اإلســامية أحــد مظاهــر احلضــارة الــي ميــزت التاريــخ اإلســامي‬
‫‪-‬البيــان ‪ -‬مجيــع احلقــوق حمفوظــة © ‪ 2018‬مؤسســة دبــي لإلعــام ‪ -‬املصــدر‬
‫االقاهــرة دار اإلعــام العربيــة ‪ -‬التاريــخ‪ 15 :‬أبريــل ‪.2011‬‬
‫‪ -24‬جملــة كليــة الرتبيــة ‪ /‬واســط العــدد احلــادي عشــر ‪ 271‬ختطيــط وعمــارة‬
‫املدينــة اإلســامية مدينــة دمشــق القدميــة ‪« -‬منــوذج حضــري لقمــة التعايــش‬
‫والتعامــل يف املنظــور اإلســامي» م‪.‬م ميــادة عبــد امللــك حممــد صــري ‪ -‬معهــد‬
‫التخطيــط احلضــري واإلقليمــي للدراســات العليــا‪.‬‬
‫‪ -25‬الیســیف‪ ،‬نیكیتــا‪ ،‬التخطیــط املــادي‪ ،‬مقالــة مــن حلقــة التــدارس الــي عقــدت‬

‫‪518‬‬
‫مبركــز الشــرق األوســط التابــع لكلیــة الدراســات الشــرقیة جامعــة كمــرج‪ ،‬اململكــة‬
‫املتحــدة ‪ -‬حتــت عنــوان «املدینــة اإلســامیة»‪ ،‬ترمجــة امحــد تعلــب‪ ،‬أشــرف علــى‬
‫النشــر ‪ -‬رب ســرجنت‪ ،‬الیونســكو‪ 1983 ،‬ص‪.1‬‬
‫‪ -26‬اجلادرجــي رفعــت‪ ،‬الــراث ضــرورة‪ ،‬جملــة احتــاد املھندســین العــرب‪ ،‬العدد‪-‬‬
‫‪ 1985/37‬إصــدار األمانــة العامــة الحتــاد املھندســین العــرب‪ ،‬بغــداد‪1985 ،‬ص‪.‬‬
‫‪.23‬‬
‫‪ -27‬جملــة كليــة الرتبيــة ‪ /‬واســط العــدد احلــادي عشــر– ‪ 271‬ختطيــط وعمــارة‬
‫املدينــة اإلســامية مدينــة دمشــق القدميــة ‪« -‬منــوذج حضــري لقمــة التعايــش‬
‫والتعامــل يف املنظــور اإلســامي» ‪ -‬م‪.‬م ميــادة عبــد امللــك حممــد صــري ‪ -‬معهــد‬
‫التخطيــط احلضــري واإلقليمــي للدراســات العليــا‪.‬‬
‫‪ -28‬روائــع الفــن يف العــامل اإلســامي – كنــوز اإلســام – تأليــف برنــار أوكان –‬
‫ترمجــة نورمــا نابلســي – مؤسســة حممــد بــن راشــد آل مكتــوم ‪-‬بــروت – لبنــان‬
‫– ‪.2009‬‬
‫‪ -29‬عكا القدمية‪ ،‬بلدية عكا ووزارة السياحة (عربي)‪.‬‬
‫‪ -30‬رحلــة إىل مدينــة عــكا القدميــة‪ ،‬إطاللــة علــى مدينــة عــكا ‪ -‬موقــع احلكواتي‬
‫‪ -‬نبــذة تارخييــة عــن مدينــة عــكا ‪ -‬هباء اهلل يف عــكا ‪.1892-1868‬‬
‫‪ -31‬مجعيــة الياطــر للتنميــة الثقافيــة واالجتماعيــة ‪ -‬عــكا ‪ /‬ســامي هــواري‬
‫نســخة حمفوظــة ‪ 06‬ديســمرب ‪ 2009‬علــى موقــع واي بــاك مشــن‪.‬‬
‫فلســطني يف الذاكــرة ‪ -‬عــكا نســخة حمفوظــة ‪ 26‬ينايــر ‪ 2018‬علــى موقــع واي‬
‫بــاك مشــن‪.‬‬
‫‪ -32‬جملــة «العربــي» الكويتيــة‪ ،‬العــدد ‪ ،397‬ديســمرب ‪ / 1991‬حممــد املنســي‬
‫قنديــل ‪ -‬املقريــزى‪ - 2/222 ،‬بســام العســلي‪ - -110 ،‬الشــيال‪ - 2/169 ،‬بســام‬
‫العســلي‪ - 2/114 ،‬أبــو الفــداء‪.13/278 ،‬‬
‫‪ -33‬كتــاب‪ :‬واليــة بــروت (اجلــزء الثانــي) ‪ /‬لــواء عــكا ‪ -‬دراســة‪ :‬د‪ .‬زهــر عبــد‬
‫اللطيــف غنايــم‪ ،‬د‪ .‬حممــد عبــد الكريــم حمافــظ‪ ،‬طبعــة ‪ 2001‬م‪ - .‬مؤسســة‬
‫محــادة للدراســات اجلامعيــة ‪-‬‬

‫‪519‬‬
‫‪Eurosis European Multidisciplinary Society for Modelling and‬‬
‫‪ Simulation Technology‬نســخة حمفوظــة ‪ 12‬مــارس ‪ 2016‬علــى موقــع واي‬
‫بــاك مشــن‪.‬‬
‫‪2012‬‬ ‫‪ -34‬خانــات عــكا العثمانيــة ‪ -‬خــان العمــدان نســخة حمفوظــة ‪ 28‬ينايــر‬
‫علــى موقــع واي بــاك مشــن‪.‬‬
‫‪ -35‬جريــدة البنــاء ‪ /‬ك ّل مــا فيهــا مجيــل عــكا‪ ..‬وريثــة الكنعانيــن وقاهــرة‬
‫بونابــرت‪.‬‬
‫‪ -36‬جريــدة البنــاء ‪ /‬ك ّل مــا فيهــا مجيــل عــكا‪ ..‬وريثــة الكنعانيــن وقاهــرة‬
‫بونابــرت‪.‬‬
‫‪ -37‬جملــة كليــة اآلداب – جامعــة القاهــرة – اجمللــد التاســع عشــر – مايــو ســنة‬
‫‪ – 1957‬عــدد خــاص يف ذكــرى املرحــوم األســتاذ‪ :‬عبــد الوهــاب عــزام – مطبعــة‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -38‬اللــون يف العمــارة اإلســامية وأثــره علــى التصميــم الداخلــي ‪ -‬د‪ /‬هــــــالة‬
‫صـــــــاح حــــــامد ‪ -‬دكتــور بكليــة الفنــون التطبيقيــة جامعــة ‪ 6‬أكتوبــر‪.‬‬
‫‪ -39‬جملــة االحتــاد العــام لآلثاريــن العــرب ‪ 18 -‬األلــوان وداللتهــا فــى احلضارة‬
‫اإلســامية ‪ -‬مــع تطبيــق علــى منــاذج مــن املخطوطــات العربيــة أ‪.‬د‪ .‬حنــان عبــد‬
‫الفتــاح حممــد مطــاوع‪.‬‬
‫‪ -40‬جنــاح عبــد الرمحــن املرازقــة‪ :‬اللــون ودالالتــه يف القــرآن الكريــم‪ ،‬خمطــوط‬
‫رســالة ماجســتري‪ -‬جامعــة مؤتــة‪1414 ،‬ص‪.‬‬

‫‪520‬‬
‫ثالثاً‪ :‬املراجع احلديثة‪.‬‬
‫‪ -1‬د‪ .‬أنــور الرفاعــي تاريــخ الفــن عنــد العــرب واملســلمني الطبعــة الثانية ‪1397-‬‬
‫‪ 1977‬دار الفكر‪ -‬دمشق ‪1973\2\26 -‬م‪1393\1\24 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -2‬د‪.‬عفيف هبنسي موسوعة تاريخ الفن والعمارة (‪.)1402-1982‬‬
‫‪ -3‬د‪ .‬عبــد العزيــز محيــد و د‪ .‬صــاح حســن العبيــدي ‪ -‬كتــاب الفنــون العربيــة‬
‫اإلســامية ‪ -‬املكتبــة الوطنيــة ‪ -‬بغــداد ‪ -‬ســنة ‪1373‬هـــ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬الدكتــور عبــد القــادر الرحيــاوي ‪ -‬العمــارة العربيــة اإلســامية خصائصهــا‬
‫وآثارهــا يف ســورية ‪ -‬الطبعــة الثانيــة ‪1419‬هـــ ‪-1999‬م دار الشــام ‪ -‬دمشــق‪.‬‬
‫‪ -5‬الدكتــور د‪ .‬حممــد اخلضــري بــك حماضــرات يف تاريــخ األمــم اإلســامية‬
‫الدولــة األمويــة دار حــراء ‪ -‬جــدة ‪ -‬اجلــزء األول طبعــة جديــدة ‪ 2002‬م الطبعــة‬
‫األوىل ‪-1422‬هـــ‪.‬‬
‫‪ -6‬د‪.‬محد حسني جودي الفن العربي اإلسالمي (‪2007‬م‪1428/‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -7‬د‪ .‬حممود وصفي حممد دراسات يف الفنون والعمارة العربية اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -8‬د‪ .‬نعمــت إمساعيــل عــام – فنــون الشــرق األوســط يف العصــور اإلســامية‬
‫‪ -‬الطبعــة الثالثــة ‪ -‬دار املعــارف – أكتوبــر ‪1928‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬د‪ .‬فريــد حممــود شــافعي العمــارة العربيــة اإلســامية (ماضيهــا وحاضرهــا‬
‫ومســتقبلها) ‪ 1402/‬هـــ ‪ 1982/‬م عمــادة شــؤون املكتبــات ‪ -‬جامعــة امللــك‬
‫ســعود ‪ -‬الطبعــة األوىل‪.‬‬
‫‪ -10‬د‪ .‬نبيه عاقل – تاريخ خالفة بين أمية‪.‬‬
‫‪ -11‬د‪ .‬نوبــي حممــد حســن ‪ -‬حملــات إبداعيــة مــن فنــون العمــارة اإلســامية ‪-‬‬
‫أســتاذ بقســم العمــارة وعلــوم البنــاء ‪ -‬كليــة العمــارة والتخطيــط ‪ -‬جامعــة امللــك‬
‫ســعود ‪ -‬النشــر العلمــي واملطابــع جامعــة امللــك ســعود ‪1431‬هـــ \ ‪2010‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬د‪ .‬راغــب الســرجاني ‪ -‬موقــع قصــة اإلســام ‪ -‬تاريــخ مدينــة محــاه ‪-‬‬
‫‪25/3/2012‬م ‪ -‬املصــدر كتــاب محــاه مأســاة العصــر‪.‬‬
‫‪ -13‬د‪ .‬يونــس أمحــد الناصــر‪ -‬ســوريا مهــد احلضارة‪-‬العمــارة اإلســامية ‪-‬‬
‫اجلامــع األمــوي بدمشــق‪.‬‬

‫‪521‬‬
‫‪ -14‬د‪ .‬أمحد عبد الرحيم إبراهيم ‪ -‬تاريخ الفن يف العصور اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -15‬د‪ .‬مرسي حممود مرسي ‪ -‬العمارة اإلسالمية يف سوريا‪.‬‬
‫‪ -16‬بنــدر احليــدري‪ ،‬الــراث بــن الرفــض والتعصــب األعمــى‪ ،‬جملــة العربــي‪،‬‬
‫وزارة اإلعــام‪ ،‬الكويــت‪.‬‬
‫‪ -17‬د‪ .‬عبــد احلميــد ســعد زغلــول ‪ -‬العمــارة والفنــون يف دولــة اإلســام ‪-‬‬
‫اإلســكندرية منشــأة املعــارف‪.‬‬
‫‪ -18‬د‪ .‬عكاشــة ثــروت ‪ -‬القيــم اجلماليــة يف العمــارة اإلســامية ‪ -‬القاهــرة دار‬
‫الشــروق ‪.1994‬‬
‫‪ -19‬د‪ .‬وزيــري حييــى ‪ -‬موســوعة عناصــر العمــارة اإلســامية ‪ -‬مكتبــة مدبــويل‬
‫‪.1999‬‬
‫‪ -20‬د‪ .‬عفيــف هبنســي‪-‬فنون العمــارة اإلســامية وخصائصهــا يف مناهــج‬
‫التدريــس‪.‬‬
‫‪ -21‬د‪ .‬صاحل أمحد الشامي ‪ -‬الفن اإلسالمي إلتزام وإبداع‪.‬‬
‫‪ -22‬د‪ .‬نعيمــة احلصــري ‪ -‬اهلويــة والتكوينــات املعماريــة والعناصــر اجلماليــة يف‬
‫العمارة اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -23‬د‪ .‬حممــود إبراهيــم ‪ -‬التاريــخ اإلســامي للعلــوم والفنــون واحلضــارة‬
‫اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -24‬اهلويــه والتكوينــات املعماريــة والعناصــر اجلماليــة يف العمــارة لألســتاذه‬
‫نعيمــه احلصــري‪ ،‬كليــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيه ‪ -‬القنيطــرة‪ -‬شــعبة التاريــخ‬
‫– ختصــص عمــارة إســامية‪.‬‬
‫‪ -25‬د‪ .‬حممد اخلضري بك الدولة األموية‪.‬‬
‫‪ 25-‬جملة الفيصل‪.‬‬
‫‪ -26‬الدكتور عبد الكريم إبراهيم السمك‪.‬‬
‫‪ -27‬د‪ .‬م‪ .‬املعمــاري رؤوف حممــد علــي األنصــاري – التنــوع احلضــاري وأثــره يف‬
‫تطــور فنــون العمــارة اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -28‬الدكتور حممد محادة‪.‬‬

‫‪522‬‬
‫‪ -29‬التصور اإلسالمي للفن ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬عبداحلليم عويس‪.‬‬
‫‪ -30‬حسن الشرقاوي‪.‬‬
‫‪ -31‬الدكتوررضوان طحالوي‪.‬‬
‫‪ -32‬د‪ .‬كامل شحادة يف معظم مؤلفاته وكتبه‪.‬‬
‫‪ -33‬فلسفة الفن اإلسالمي – حممودي ذهبية‪.‬‬
‫‪ -34‬عماد الدين خليل‪.‬‬
‫‪ -35‬املختصر بأخبار البشر‪-‬الطبعة الثانية‪ -‬مطبعة احلسينية يف القاهرة‪.‬‬
‫‪ -36‬جملــة العمــران ‪ -‬عــدد خــاص عــن محاه ‪-1969‬م ‪ -‬تصدرها وزارة الشــؤون‬
‫البلديــة والقروية‪.‬‬
‫‪ -37‬الدكتوراملهندس حسان فائز السراج‪.‬‬
‫‪ -38‬جولة ميدانية ملواقع البحث‪.‬‬
‫‪ -39‬مقابــات خاصــة مــع معماريــن وكتــاب ومستشــرقيني درســوا العمــارة‬
‫اإلســامية والفــن التشــكيلي‪.‬‬
‫‪ -40‬كتاب منهج الفن اإلسالمي حملمد قطب‪.‬‬
‫‪ -41‬خرائط ومصورات ومناظري ورسومات‪.‬‬
‫‪ -42‬بــن خلــدون املقدمــة – ‪ 376/1‬وانظــر‪ :‬عــادل عــوض‪ :‬املدينــة العربيــة‬
‫اإلســامية واملدينــة األوروبيــة – جملــة العلــوم والتكنلوجيــا معهــد اإلمنــاء العربــي‪.‬‬
‫‪ -43‬دراسات يف العمارة والفنون اإلسالمية – حممد احلسينى عبد العزيز‪.‬‬
‫‪ -44‬تاريخ فن مادة تاريخ الفن – كلية الرتبية الفنية – كلية الفنون اجلميلة‪.‬‬
‫‪ -45‬دراسات يف الفنون والعمارة اإلسالمية‪ -‬د‪ .‬حممد وصفي حممد‪.‬‬
‫‪ -46‬التاريــخ اإلســامي للعلــوم والفنــون واحلضــارة اإلسالمية‪-‬لألســتاذ حممــود‬
‫إبراهيم‪.‬‬
‫‪ -47‬رباب عبد احملسن إمام – مستشارة الرتبية الفنية‪.‬‬
‫‪ -48‬مفهوم االفن يف الفكر الغربي لألستاذ صاحل أمحد الشامي‪.‬‬
‫‪ -49‬د‪ /‬حسن الشرقاوي‪ ،‬حنو منهج إسالمي علمي‪.‬‬
‫‪ -50‬الفن اإلسالمي أصوله وخصائصه – األستاذ صاحل بن قربه‪.‬‬

‫‪523‬‬
‫‪ -51‬الزخارف الكأسية البسيطة يف الفن اإلسالمي – فريد شافعي‪.‬‬
‫‪ -52‬مجاليات الفن العربي اإلسالمي الدكتور عفيف هبنسي‪.‬‬
‫‪ -53‬أثر اجلمالية اإلسالمية يف الفن احلديث‪ -‬الدكتور عفيف البهنسي‪.‬‬
‫‪ -54‬املعامل األثرية يف البالد العربية‪-‬اجلزء األول‪.‬‬
‫‪ -55‬أوفيسيا نيكوف‪ -‬تاريخ النظريات اجلمالية‪.‬‬
‫‪" -56‬سوســيولوجيا الفــن اإلســامي" الصــادر حديثــاً عــن اجمللــس الوطــي‬
‫للثقافــة والفنــون واآلداب ‪ -‬الكويــت‪ ،‬الباحــث األكادميــي فريديريــك معتــوق‪.‬‬
‫‪ -57‬الفن يف إسبانيا – ترمجة عبد العزيز سامل ولطفي عبد البديع‪.‬‬
‫‪ -58‬د‪ .‬إمساعيل الفروق – نظرية الفن اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -59‬زكي حممد حسن‪ -‬الفنون اإليرانية يف العصر اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -60‬الفنون اإليرانية‪.‬‬
‫‪ -61‬أمحد أمحد يوسف‪ :‬اخلط العربي وأساليبه يف احلياة العامة‪.‬‬
‫‪ -62‬املســلمون وآثارهم املعمارية حتى هناية عصر اخللفاء الراشــدين – موســوعة‬
‫العمارة اإلســامية (اجمللد األول) – الدكتور عبد اهلل كامل موســى عبده‪.‬‬
‫‪ -63‬تاريــخ العمــارة والفــن عــر العصــور املختلفــة – قبــل التاريــخ وبعــده –‬
‫للمؤلــف توفيــق عبــد اجلــواد‪.‬‬
‫‪ -64‬فضاءات من العمارة اإلسالمية‪ -‬م‪ .‬حممود حممد راضي زين العابدين‪.‬‬
‫‪ -65‬مفاهيــم اجلمــال يف العمــارة اإلســامية ‪ -‬كتــب‪ :‬عــادل عبــد املنعــم‬
‫الدمــرداش‪.‬‬
‫‪ -66‬روائع الفن يف العامل اإلسالمي – كنوز اإلسالم – برنار أوكان‪.‬‬
‫‪ -67‬البيــان عــر أمــارات العمــارة اإلســامية أحــد مظاهــر احلضــارة الــي ميــزت‬
‫التاريخ اإلســامي‪.‬‬
‫‪ -68‬احلضارة سبق وريادة وجتديد – الدكتور راغب السرجاني‪.‬‬
‫‪ -69‬تاريخ العمارة اإلسالمية‪ -‬م‪ .‬نبيل حممود عياد‪.‬‬
‫‪ -70‬عمــارة البيــت العربــي والبيــت الرتكــي – املهنــدس املعمــاري حممــود زيــن‬
‫العابديــن‪.‬‬

‫‪524‬‬
‫‪ -71‬العمارة اإلسالمية –زكاء رواس قلعهجي‪.‬‬
‫‪ -72‬املســلمون وآثارهم املعمارية حتى هناية عصر اخللفاء الراشــدين – موســوعة‬
‫العمارة اإلســامية (اجمللد األول) – الدكتورعبداهلل كامل موســى عبده‪.‬‬
‫‪ -73‬أســس ومبــادئ العمــارة اإلســامية عــر العصــور – رابطــة احلــوار الديــي‬
‫للوحــدة – حممــد هشــام النعســان‪.‬‬
‫‪ -74‬كتاب (فنون العمارة اإلسالمية وخصائصها يف مناهج التدريس)‪.‬‬
‫‪ -75‬فضاءات من العمارة اإلسالمية‬
‫‪ -‬حممود زين العابدين‪.‬‬
‫‪ -76‬تأثــر املذاهــب علــى العمــارة االســامية للمســاجد للدكتــورة مــي أمحــد‬
‫حممــد حــواس‪ -‬مكتبــة األجنلــو املصريــة‪.‬‬
‫‪ -77‬األكادمييــة للدراســات اإلجتماعيــة واإلنســانية – مقــاالت ودراســات‬
‫وأحبــاث اجتماعيــة يف اجملتمعــات اجلزائريــة والعربيــة‪.‬‬
‫‪ -78‬طارق وايل – مركز العمارة والرتاث‪.‬‬
‫‪ -79‬أشــرف بطــرس (الثقافــة والنتــاج البنائــي منهــج لرصــد وحتليــل واســتقراء‬
‫األبعــاد الثقافيــة وتوظيفهــا يف عمليــة البنــاء)‪.‬‬
‫‪ -80‬مفهوم اجلمال يف الفكر اإلسالمي – د‪ .‬مجيل علي رسول السورجي‪.‬‬
‫‪ -81‬البنيــة التعبرييــة اجلماليــة لفــن البكتوغــراف – األســتاذ الدكتورعبــاس‬
‫جاســم محــود الربيعــي‪.2016 -‬‬
‫‪ -82‬يف الفنّ واألدب ‪ -‬اجلمال ديسمرب ‪ -laagueb sami 2016 ,27‬سامي العقاب‪.‬‬
‫‪ -83‬مفهوم علم اجلمال – إميان احلياري‪.‬‬
‫‪ -84‬دار الكتاب العربي– احللو القاهرة‪.‬‬
‫‪ -85‬إحياء علوم الدين ‪ 4/299-‬طبقة دار املعرفة ‪ -‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -86‬اجلمـال يف املفهوم اإلسالمي ‪ -‬د‪ .‬ناصر بن علي الندابي‪.‬‬
‫‪ -87‬أبو حيان التوحيدي‪ :‬املقابساتز‬
‫‪ -88‬مفهــوم اجلمــال يف اإلســام – مصبــاح الشــفیع بشــیر الشــفیع؛ مشــرف ‪-‬‬
‫أمحــد ســعد مســعود‪.‬‬

‫‪525‬‬
‫‪ -89‬تنقيـــــح األقـــوال ‪ -‬يف فهم فلسفـــــة اجلمــــال ‪ -‬إعـــــــــداد األخ‪/‬حممد علــــي‬
‫عــوض‪.‬‬
‫‪ -90‬مفهوم اجلمال عند الفالسفة – إسراء عيسى‪.‬‬
‫‪ -91‬فلســفة اجلمــال مــن كتــاب الفكــر الفلســفي اإلســامي للدكتــور ســليمان‬
‫دينــا‪.‬‬
‫‪ -92‬مفاهيــم اجلمــال يف العمــارة اإلســامية ‪ -‬كتــب‪ :‬عــادل عبــد املنعــم‬
‫الدمــرداش‪.‬‬
‫‪ -93‬القياس اجلمايل يف العمارة‪ -‬د سهر جنيب خروفة‪.‬‬
‫‪ -94‬عمارة احلرية واجلمال وعمارة القبح – البيان – نبيل عبد الفتاح‪.‬‬
‫‪ -95‬البنیــة التعبیریــة اجلمالیــة لفــن البكتوغــراف ‪ -‬األســتاذ الدكتــور عبــاس‬
‫جاســم محــود الربیعــي‪.‬‬
‫‪ -96‬الفن منهج وأسلوب حياة – سعيد القطاني‪.‬‬
‫‪ -97‬الرمزية يف الفن اإلسالمي – سامر القيسي‪.‬‬
‫‪ -98‬املفاهیــم يف العمــارة بیــن النظریــة والتطبیــق ‪ -‬د‪.‬أنوارصبحــي رمضــان القــره‬
‫غــويل – مــدرس قســم اهلندســة املعماریــة ‪ /‬اجلامعــة التكنولوجیــة‪.‬‬
‫‪ -99‬الفــن املعمــاري اإلســامي ‪ -‬الســنة الرابعــة إقتصــاد وتصــرف ‪ -‬املعهــد‬
‫الثانــوي بســيدي بــو علــي ‪ -‬إعــداد وتقديــم‪ :‬مليــاء العباســي‪.‬‬
‫‪ -100‬عناصــر العمــارة اإلســامية – مداخــل وبوابــات ‪ -‬أبــواب شــبابيك –‬
‫مشــربيات – خــرط خشــي – إعــداد املهنــدس اإلستشــاري حييــي وزيــري‪.‬‬
‫‪ -101‬عناصــر بنــاء املســجد يف فــن العمــارة اإلســامية – مدونــة الدكتــور‬
‫األســتاذ خليــل حســن الزركانــي‪.‬‬
‫‪ -102‬اجلامعــة اللبنانيّــة ‪ -‬كلّيّــة اآلداب والعلــوم اإلنســانيّة ‪ -‬مركــز اللغــات‬
‫والرتمجــة ‪ ALEA -M1-‬املســاجد ‪ -‬مقــدّم مــن ريتــا خليــل‪.‬‬
‫‪ -103‬عناصــر العمــارة اإلســامية (مــن كتــاب العمــارة عــر التاريــخ للدكتــور‬
‫عفيــف هبنســي)‪.‬‬
‫‪ -104‬تطور عناصر املساجد عرب التاريخ‪.‬‬

‫‪526‬‬
‫‪ -105‬قاموس املصباح املنري‪.‬‬
‫‪ -106‬النويري ‪ -‬هناية األرب يف فنون األدب علي مبارك‪.‬‬
‫‪ -107‬د‪ .‬حسين نويصر‪ -‬جمموعة ‪ -‬سبل السلطان‪.‬‬
‫‪ -108‬دور العــرب املســلمني فــى تطويــر الزراعــة وطــرق الــرى ‪ -‬فــى افريقيــا‬
‫املســلمة لتحقيــق التنميــة املســتدامة ‪ -‬أ‪ .‬د‪ .‬عطيـــه اجليـــار‪.‬‬
‫‪ -109‬د‪ .‬زكي حممد حسن‪ :‬فنون اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -110‬أمحد عطية ‪ -‬دائرة املعارف احلديثة‪.‬‬
‫‪ -111‬تاريخ الفن وثقافته ‪ -‬انواع الزخارف وتعريفها ‪ -‬هبة املوهبة‪.‬‬
‫‪ -112‬الفن اإلسالمي – أبو صاحل األلفى‪.‬‬
‫‪ -113‬الزخــارف اهلندســية والنباتيــة ‪ -‬العلــوم واملعــارف اهلندســية ‪ -‬جــال‬
‫شــوقي‪.‬‬
‫‪ -114‬سر الزخرفة اإلسالمية – بشر فارس‪.‬‬
‫‪ -115‬اخلط العربي وأساليبه يف احلياة العامة – أمحد أمحد يوسف‪.‬‬
‫‪ -116‬الفنــون اإليرانيــة يف العصــر اإلســامي – زكــي حممــد حســن – دارالكتــب‬
‫املصرية‪.‬‬
‫‪ -117‬خواص املشهد القرآني «احلركة»‪.‬‬
‫‪ -118‬الفن العربي اإلسالمي‪ .‬د‪ .‬عفيف هبنسي‪.‬‬
‫‪ -119‬يف سبيل حوار احلضارات‪ .‬روجيه جارودي‪.‬‬
‫‪ -120‬القبــة يف فــن العمــارة اإلســامية ‪ -‬سلســلة فنــون احلضــارة اإلســامية‬
‫‪ -‬دواجــة العوادنــي‪.‬‬
‫‪ -121‬عمارة املسجد األقصى وتارخيها ‪ -‬فيصل خرتش‪.‬‬
‫‪ -122‬تاريخ العمارة والفنون اإلسالمية – توفيق محد عبد اجلواد‪.‬‬
‫‪ -123‬الفن منهج وأسلوب حياة – سعيد القطان‪.‬‬
‫‪ -124‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة ‪ -‬مــا بــن التجديــد والتقليــد ‪ -‬د‪.‬م‪ .‬ريهــام‬
‫إبراهيــم ممتــاز د‪.‬م‪.‬زينــب فيصــل عبــد القــادر ‪ -‬مــدرس باألكادمييــة احلديثــة‬
‫مــدرس باجلامعــة احلديثــة‪.‬‬

‫‪527‬‬
‫‪ -125‬العمــارة اإلســامية يف ســوريا هندســة التكايــا والزوايــا واخلانقاهــات يف‬
‫العهــد العثمانــي – املصــدر احليــاة – عبــد الســتار أمحــد‪.‬‬
‫‪ -126‬املســلمون وآثارهــم املعماريــة حتــى هنايــة عصــر اخللفــاء الراشــدين –‬
‫د‪.‬عبــد اهلل كامــل موســى عبــده‪.‬‬
‫‪ -127‬دوراملســجد يف تشــكيل النســيج العمرانــي ‪ -‬وتأكيــد هويــة املدينــة‬
‫اإلســامية املعاصــرة – فهــد بــن نويصــر احلريقــي – كليــة العمــارة والتخطيــط‬
‫جامعــة امللــك الفيصــل – الدمــام اململكــة العربيــة الســعودية‪.‬‬
‫‪ -128‬حسن عبد الوهاب – تاريخ املساجد األثرية‪.‬‬
‫‪ -129‬العمارة اإلسالمية ومفهومها املركب – احلياة ‪ -‬عمركوش‪.‬‬
‫‪ -130‬عناصر بناء املسجد يف فن العمارة اإلسالمية ‪ -‬حسن عني احلياة‪.‬‬
‫‪ -131‬عبــد الرحيــم غالــب؛ موســوعة العمــارة اإلســامية‪ ،‬بــركات حممــد مــراد؛‬
‫مجاليــة العمــارة يف الثقافــة اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -132‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة مــا بــن التجديــد والتقليــد د‪.‬م‪ .‬ريهــام‬
‫إبراهيــم ممتــاز د‪ .‬م‪ .‬زينــب فيصــل عبــد القــادر‪.‬‬
‫‪ -133‬آمال ابو اجملد‪ ،‬حتديات التوسع العمراني‪.‬‬
‫‪ -134‬مهدي املنجرة‪ ،‬حتديات التوسع العمراني‪.‬‬
‫‪ -135‬برادبري ‪ -‬األبعاد اجلمالية للشكل اهلندسي يف الفن البصري‪.‬‬
‫‪ -136‬اجلمال مظـهر إسـالمى أصـيل رجب عبد العزيز‪.‬‬
‫‪ -137‬اجلمال يف العمارة اإلسالمية – الدكتور علي الثويين‪.‬‬
‫‪ -138‬فلسفة اجلمال يف العمارة اإلسالمية ‪ -‬سامي سعيد الشمراني‪.‬‬
‫‪ -139‬الفقهاء واملدينة وال َّتمَدُّن *‪ -‬إعداد‪ :‬د‪ .‬معتز اخلطيب‪.‬‬
‫‪ -140‬فقه العمران – د‪ .‬خالد عزب ‪ -‬فقه العمران‪ -‬يف احلضارة اإلسالمية‪.‬‬
‫‪ -141‬هناية األندلس‪ -‬تأليف حممد عبد اهلل عنان‪.‬‬
‫‪ -142‬الفــن العربــي يف اســبانيا‪ .‬تأليــف (فــون شــاك) ترمجــة الطاهــر أمحــد‬
‫مكــي‪.‬‬
‫‪« -143‬مجالية الفن العربي» د‪ .‬عفيف هبنسي‪.‬‬

‫‪528‬‬
‫‪ -144‬الدكتورعبد الباقي إبراهيم – املضمون اإلسالمي يف املباني السكنية‪.‬‬
‫‪ -145‬خليــل حســن الزركانــي – دكتــور ‪ -‬تصميــم املســاكن يف املدينــة العربيــة‬
‫اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -146‬املضمــون اإلســامي وأثــره يف بلــورة الرؤيــة التصميميــة للمســكن املعاصــر‬
‫‪ -‬د‪ .‬دينــا فكــري مجــال إبراهيــم‪.‬‬
‫‪ -147‬الفقهــاء واملدينــة وال َّتمَـدُّن ‪ -‬إعــداد‪ :‬د‪ .‬معتــز اخلطيــب ‪( -‬مديــر حتريــر‬
‫امللتقــى الفكــري لإلبــداع‪ ،‬ســوريا)‪.‬‬
‫‪ -148‬ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة (سدد)‪.‬‬
‫‪ -149‬حممد علي الصابوني‪ ،‬صفوة التفاسري‪ ،‬تفسري سورة الكهف‪.‬‬
‫‪ -150‬د‪ .‬جواد علي‪ ،‬املفصل يف تاريخ العرب قبل اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -151‬د‪ .‬رمضان عبده علي‪ ،‬الشرق األدنى القديم وحضاراته‪.‬‬
‫‪ -152‬محاد الساملي‪ ،‬الظاهرة السدودية يف وادي عرضة‪.‬‬
‫‪ -153‬املقريــزي‪ ،‬تقــي الديــن أمحــد بــن علــي‪ ،‬املواعــظ واالعتبــار بذكــر اخلطــط‬
‫واآلثار‪.‬‬
‫‪ -154‬ابن مماتي‪ ،‬أبو املكارم أسعد‪ ،‬قوانني الدواوين‪.‬‬
‫‪ -155‬حممد محدي املناوي‪ ،‬هنر النيل ‪ -‬يف املكتبة العربية‪.‬‬
‫‪ -156‬مجال محدان‪ ،‬شخصية مصر‪.‬‬
‫‪ -157‬حممد فؤاد مرابط‪ :‬الفنون القدمية عند القدماء‪.‬‬
‫‪ -158‬املناسك وأماكن طرق احلج ومعامل اجلزيرة‪ ،‬حتقيق محد اجلاسر‪.‬‬
‫‪ -159‬رحلة ابن جبري‪.‬‬
‫‪ -160‬رحلة ابن بطوطة‪.‬‬
‫‪ -161‬د‪ .‬كـمال الدين سـامح‪ :‬العـمارة فـي صـدر اإلسـالم‪.‬‬
‫‪ -162‬تطــور العمــارة العســكرية يف مدينــة اشــبيلية ‪ -‬األســتاذ املســاعد الدكتــور‬
‫هبــاء موســى حبيــب‪.‬‬
‫‪ -163‬العمــارة احلربيــة ‪ -‬يف شــرق العــامل اإلســامي ‪ -‬عــر العصــور ‪ -‬مساهتــا‬
‫وأحــدث مــا كتــب عنهــا يف العــامل ‪ -‬د‪ .‬حممــد اجلهيــي‪.‬‬

‫‪529‬‬
‫‪ -164‬مشس اهلل على الغرب ص ‪ 363‬اجنريد هونكة‪.‬‬
‫‪ -165‬يف تاريــخ وحضــارة اإلســام يف األندلــس ص ‪ 235‬د‪ .‬الســيد عبــد العزيــز‬
‫سامل‪.‬‬
‫‪ -166‬آثار مصر اإلسالمية د‪ .‬حممد حممد الكحالوي‪.‬‬
‫‪ -167‬إمرباطورية العرب جون باجوت جلوب‪.‬‬
‫‪ -168‬سفر نامة ج ‪ 1‬ناصر خسرو‪.‬‬
‫‪ -169‬األندلسيون املواركة عادل سعيد بشتاوي‪.‬‬
‫‪ -170‬املغرب يف حلى املغرب ج ‪ 1‬ابن سعيد املغربي‪.‬‬
‫‪ -171‬عثمان حممد عبد الستار‪« ،‬املدينة االسالمية»‪ ،‬سلسلة عامل املعرفة‪.‬‬
‫‪ -172‬ياقوت احلموي – معجم البلدان‪ ،‬اجلزء الرابع‪ ،‬القاهرة‪.‬‬
‫‪ -173‬ذاكرة عكا واجلليل ‪ /‬تاريخ عكا‪ ،‬مجيل عرفات‪.‬‬
‫‪ -174‬مصطفى الدباغ‪ ،‬موسوعة بالدنا فلسطني‪.‬‬
‫‪ -175‬عكا تراث وذكريات‪ ،‬منى مسعان بوري ود‪ .‬يوسف أمحد شبل‪.‬‬
‫‪ -176‬فن البناء يف مسجد اجلزار د‪.‬بطرس دله‪.‬‬
‫‪ -177‬الفــن العربــي يف اســبانيا‪ -‬تأليــف (فــون شــاك) ترمجــة الطاهــر أمحــد‬
‫مكــي‪.‬‬
‫‪ -178‬فن العمارة اإلسالمية‪ ..‬البيوت والقصور‪ -‬أ‪ .‬صاحل بن أمحد الشامي‪.‬‬
‫‪ -179‬د‪ .‬علــي الثويــي ‪ -‬باحــث وكاتــب يف العمــارة والــراث الثقــايف والفــي –‬
‫األلــوان يف الفنــون والعمــارة اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -180‬اللــون يف العمــارة اإلســامية وأثــره علــي التصميــم الداخلــي ‪ -‬د‪ /‬هــــــالة‬
‫صــاح حامــد‪.‬‬
‫‪ -181‬أمحد عبد اهلل محدان‪ :‬الضوء واللون فى القرآن الكريم‪ ،‬دار ابن كثري‪.‬‬
‫‪ -182‬قطب سيد – ‪ – 1996‬لتصوير الفين يف القرآن الكريم‪.‬‬
‫‪ -183‬الدكتــور أشــرف فتحــي ‪ -‬األلــوان يف القــرآن رؤيــة فنيــة ومدلــول –‬
‫موســوعة اإلعجــاز العلمــي يف القــرآن والســنة‪.‬‬
‫‪ -184‬أمحد خمتار عمر‪ :‬اللغة واللون‪ ،‬دار البحوث العلمية‪ ،‬الكويت‪.‬‬

‫‪530‬‬
‫‪ -185‬مسري الصايغ‪ :‬الفن اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -186‬كرنفال األلوان يف العمارة‪ -‬بقلم‪ :‬د‪ .‬على رأفت‪.‬‬
‫‪ -187‬الضــوء يف العمــارة اإلســامية – تكوينــات الضــوء الطبيعــي يف املســاجد‬
‫املعاصــرة – عــدي علــي اجلبــوري‪.‬‬

‫* وغريهــم مــن نوابــغ الفكــر اإلســامي التارخيــي واملعمــاري اهلندســي اجلمــايل‬


‫والفنونورأيــت مــن خــال هــذا البحــث أن هــؤالء املؤرخــن قــد بذلــوا جهــوداً كبرية‬
‫يف إيصــال العلــوم واملعرفــة وتاريــخ العمــارة وفــن احلضــارة اإلســامية‪ ،‬وأريــد يف‬
‫هــذا املقــام الزيــادة يف إثــراء بعــض اجلوانــب العائــدة لتاريــخ العمــارة اإلســامية‬
‫عليهــا مــن حيــث املفارقــات التارخييــة والفنيــة واهلندســية املعماريــة واملقارنــات‬
‫واإلقتباســات احملصــورة يف ذلــك العصــر مــن حيــث الشــكل واملضمــون الــي‬
‫يتناوهلــا حبثــي يف هــذا اجلانــب علــى قــدر طاقــي‪ ،‬ومقــدراً اجلهــود الســابقة‬
‫لعلمــاء التاريــخ والعمــارة والفنانــون والفكــر اإلســامي األجــاء‪.‬‬

‫‪531‬‬
‫رابعاً‪ :‬املراجع اإللكرتونية‪.‬‬
‫‪ -1‬د‪.‬راغب السرجاني فن العمارة يف احلضارة اإلسالمية – موقع قصة اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -2‬موقــع ملتقــى ابــن خلــدون للعلــوم والفلســفه واألدب‪-‬فلســفة اإللتــزام يف الفــن‬
‫اإلســامي للكاتــب جنيــب بــن خــره‪.‬‬
‫‪ -3‬موهوبــون – موقــع املخرتعــن العــرب ‪ -‬موضــوع – حبــث – كامــل عــن الفــن‬
‫وتعريفــه‪.‬‬
‫‪ -4‬حممــد قطــب‪ :‬منهــج الفــن اإلســامي الطبعــة الشــرعية‪،‬ص (‪)40 ،21‬‬
‫بتصرف‪،‬السادســة‪،‬دار الشــروق‪ ،‬بــروت‪1403 ،‬هـــ ‪1983 -‬م‪ -‬ويكيبيديــا‬
‫املوســوعة احلــرة موقــع الكرتونــي‪.‬‬
‫‪ -5‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل – تعريف الفن اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -6‬ويكيبيديا‪،‬املوسوعة احلرة‪.‬‬
‫‪ -7‬جملةاأللوكة – التصور اإلسالمي للفن ‪ -‬أ‪ .‬د‪.‬عبد احلليم عويس‪.‬‬
‫‪ -8‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬
‫‪ -9‬عناصر الفن اإلسالمي – سارة زقيبة – موقع الكرتوني (موضوع)‪.‬‬
‫‪ -10‬خصائص الفن اإلسالمي – زينة قابوق –موقع الكرتوني (موضوع)‪.‬‬
‫‪ -11‬مفهوم فن العمارة – جمد خضر –موقع موضوع‪.‬‬
‫‪ -12‬موضوع أكرب موقع عربي بالعامل الفنّ املعماري‪.‬‬
‫‪ -13‬املوسوعة العربية – العمارة اإلسالمية – الدكتور رضوان ضحالوي‪.‬‬
‫‪ -14‬بنــاء كلمــا هــو مفيــد يف عــامل البنــاء والعمــارة ‪ -‬العمــارة‪ :‬التطــور بــن‬
‫احلضــارات وظاهــرة االقتبــاس – موقــع الكرتونــي‪.‬‬
‫‪ -15‬موضــوع أكــر موقــع عربــي بالعــامل – خصائــص العمــارة اإلســامية –‬
‫شــهرية دعــدوع‪.‬‬
‫‪ -16‬تاريــخ املــدارس يف احلضــارة اإلســامية – قصــة اإلســام – الدكتــور راغــب‬
‫السرجاني‪.‬‬
‫‪ -17‬زكاء رواس قلعهجي‪ -‬موقع الكرتوني العمارة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪532‬‬
‫‪ -18‬موضــوع أكــر موقــع عربــي يف العــامل – مفهــوم اجلمــال يف اإلســام ‪-‬‬
‫بواســطة‪ :‬طــال مشــعل‪.‬‬
‫‪ -19‬احللــو‪ ،‬عبــر أيــوب‪ .‬زينــة املــرأة املســلمة وعمليــات التّجميــل‪ ،‬أحكامهــا‪-‬‬
‫تطبيقاهتــا‪ ،‬عبــر أيــوب – موقــع الكرتونــي‪.‬‬
‫‪ -20‬اجلمالية يف اإلسالم‪ 06/2011/ -‬د‪ .‬حممداحلفظاوي – إسالم أونالين‪.‬‬
‫‪ -21‬ويكيبيديــا املوســوعة احلــرة – موقــع الكرتونــي – بوهــال العســكري وهــو‬
‫احلســن بــن عبــد اهلل العســكري‪.‬‬
‫‪ -22‬األلوكــة الثقافيــة – األلفــاظ اجلماليــة (التعريــف باجلمــال وحقيقتــه‬
‫ومكانتــه) ‪-‬أ‪ .‬صــاحل بــن أمحدالشــامي‪.‬‬
‫‪ -23‬مفهوم اجلمال عند الفالسفة ‪ -‬بواسطة‪ :‬إسراء عيسى – موقع موضوع‪.‬‬
‫مجيــع التعريفــات الســابقة (مــن أرســطو إىل الغــزايل) مــن مقــال‪ :‬مفهــوم اجلمــال‬
‫يف الفكــر اإلســامي ل ماجــد حممــد حســن عــن موقــع‪:‬‬
‫‪http://www.rezgar.com‬‬

‫‪ -25‬األلوكة الثقافيى – الشكل واملضمون واجلمال ‪ -‬أ‪ .‬صاحل بن أمحدالشامي‪.‬‬


‫موضوع أكرب موقع عربي – عناصرالفن التشكيلي‪.‬‬
‫‪ -26‬األلوكــة الثقافيــة – األلفــاظ اجلماليــة (التعريــف باجلمــال وحقيقتــه‬
‫ومكانتــه) ‪-‬أ‪ .‬صــاحل بــن أمحدالشــامي‪.‬‬
‫‪ -27‬مدونة املنتدى ثريــا عناصر العمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬
‫‪ -28‬منتديــات ســتارتاميز – تطــور العمــارة يف املســاجدوالعناصراملكونة هلــا‪.‬‬
‫إســام ويــب – التطــور املعمــاري للمســاجد – العناصــر األساســية يف املســاجد‬
‫‪ -‬عمــارة املســاجد‪ ..‬األمنــوذج الســعودي لبنــاء بيــوت اهلل‬
‫‪ -29‬وزارة اإلعالم ‪ -‬اململكةالعربيةالسعودية‪..‬‬
‫‪ -30‬موسوعة عناصر العمارة اإلسالمية – م‪ .‬حييى وزيري – مكتبة مدبويل‪.‬‬
‫‪ -31‬موسوعة العمارة واآلثار والفنون اإلسالمية – اجمللدالثاني – الدكتورحسن‬
‫الباشــا – مكتبة الدار العربية للكتاب‪.‬‬

‫‪533‬‬
‫‪ -34‬بابــل – كليــة الفنــون اجلميلــة قســم التصميــم د‪ .‬صــاح مهــدي حممــد‬
‫جعفراملوســوي موقــع الكرتونــي‪.‬‬
‫‪ -35‬بابــل ‪ -‬الزخرفــة اهلندســية – كليةالفنــون اجلميلــة – قســم الرتبيــة الفنيــة‬
‫– أســتاذة رشــا أكــرم موســى وتــوت‪.‬‬
‫‪ -36‬أرابيســك (توريقــات)‪ :‬أطلقــم ؤرخــو الفــن األوربيــون هــذا املصطلــح علــى‬
‫نــوع مــن الزخــارف اإلســامية ذات الفــروع النباتيــة والتوريقــات الزهريــة‪،‬‬
‫والكتابــات والتحويــرات احليوانيــة اهلندســية‪ .‬وهــي مقتبســة مــن كلمــة اســبانية‬
‫(توريكــوس) مســتعملة حتــى اآلن للداللــة علــى الزخــارف اإلســامية‪.‬‬
‫‪.Library of Islamic Civilization‬‬ ‫‪ -37‬مكتبة احلضارة اإلسالمية ‪-‬‬
‫‪ -38‬مدونة املنتدى ثريــاعناصرالعمارة اإلسالمية جملة الرتبية الفنية‪.‬‬
‫‪ -39‬موقــع اإلحتــاد ‪« -‬فسيفســاء» قبــة الصخــرة بدايــة انطــاق الزخرفــة‬
‫اإلســامية‪.‬‬
‫‪ -40‬الــرأي – مــن روائــع العمــارة اإلســامية – مهنــد ســجاد اهلل فرحــات موقــع‬
‫الكرتوني‪.‬‬
‫‪ -41‬القبــاب مــن روائــع العمــارة اإلســامية – عبــد اهلل جنيــب ســامل –‬
‫قصةاإلســام – احلضــارة – ســبق وريــادة وجتديــد – إشــراف الدكتــور راغــب‬
‫الســرجاني‪.‬‬
‫‪ -42‬موقع منتدى الرتبية الفنية‪.‬‬
‫‪ -43‬العمــارة اإلســامية ‪ -‬اهلندســة – العلــوم التطبيقيــة – اجمللــد الثالــث‬
‫عشــر‪ -‬املهنــدس رضــوان طحــاوي ‪ -‬املوســوعة العربيــة‪.‬‬
‫‪ -44‬العمــارة اإلســامية املعاصــرة – مابــن التجديــد والتقليــد ‪ -‬د‪.‬م‪ .‬ريهــام‬
‫إبراهيــم ممتــاز د‪.‬م‪ .‬زينــب فيصــل عبــد القــادر – مــدرس باألكادمييــة احلديثــة‬
‫مــدرس باجلامعــة احلديثــة‪.‬‬
‫‪ -45‬موضــوع أكــر موقــع عربــي يف العــامل – أيــن بنيــت أول مئذنــة يف اإلســام‬
‫‪ -‬بواســطة‪ :‬حممــد مــروان‪.‬‬

‫‪534‬‬
‫‪ -46‬موسوعة العمارة اإلسالمية – عبد الرحيم غالب – مساجد لبنان‪.‬‬
‫‪ -47‬كلية اآلثار – قسم اآلثار اإلسالمية – منصور حممد عبد الرزاق‪.‬‬
‫‪ -48‬املــدارس اإلســامية‪ .‬الــرأي‪ ..‬عمائــر ثقافيــة – دورعلــم ومعاهــد دعــوة ‪-‬‬
‫أبريــل ‪ -‬القاهــرة – مــن الدكتــور عبــد الغــي عبــداهلل‪.‬‬
‫‪ -49‬املــدارس اإلســامية‪ ...‬عمائرثقافيــة‪ ...‬دور علــم ومعاهــد دعــوة – جملــة‬
‫الــرأي‪.‬‬
‫‪ -50‬الســمو كنظــام تواصلــي يف العمــارة اإلســامية ‪-‬عمــارة املراقــد الشــريفة‬
‫أمنوذجــا‪ -‬نســمة معــن حممــد رشــا عبــد الكريــم علــي مــدرس – مــدرس‬
‫مســاعد قســم اهلندســة املعماريــة‪ /‬جامعــة املوصــل قســم اهلندســة املعماريــة‪/‬‬
‫جامعةالنهريــن‪.‬‬
‫‪ -51‬األلوكــة – احلصــون والقــاع – عمارهتــا وأنظمتهــا ودورهــا التارخيــي –‬
‫الدكتــور عبــد الكريــم الســمك‪.‬‬
‫‪ -52‬العمــارة احلربيّــة يف دار اإلســام ‪ -‬اإلثنــن‪ 05 ،‬متوز‪/‬يوليــو – حممــد علــي‬
‫شــاهني – موقــع شــبكة الناقــد‪.‬‬
‫‪2012‬‬ ‫‪ -53‬خانــات عــكا العثمانيــة – خــان العمــدان نســخة حمفوظــة ‪ 28‬ينايــر‬
‫علــى موقــع وايباكمشــن‪.‬‬
‫‪ -54‬ويكيبيديــا املوســوعة احلــرة – موقــع الكرتونــي – جامــع الزيتونــة ‪ /‬موقــع‬
‫بلــدة عــكا القدميــة ‪-‬نســخة حمفوظــة ‪ 11‬فربايــر ‪ 2012‬علــى موقــع وايباكمشــن‪.‬‬
‫‪ -55‬موقــع اليــوم ‪ -‬كليــة العمــارة والتخطيــط – جامعــة امللــك فيصــل – احنســر‬
‫اللــون لفــرات يف لــون مــادة البنــاء – األلــوان يف البنــاء‪ ..‬فــن ووظيفــة‪.‬‬
‫‪ -56‬العمارة واأللوان – جملة اهلندسة والفنون‪.‬‬
‫‪ -57‬موقــع اليــوم ‪ -‬كليــة العمــارة والتخطيــط – جامعــة امللــك فيصــل – احنســر‬
‫اللــون لفــرات يف لــون مــادة البنــاء – األلــوان يف البنــاء‪ ..‬فــن ووظيفــة‪.‬‬
‫‪ -58‬الــرأي – الضــوء يف العمــارة اإلســامية – حماضــرة دار «اآلثــار» ‪ -‬ناصــر‬
‫ربــاط‪.‬‬

‫‪535‬‬
‫ فلســفة اإللتــزام يف‬- ‫ موقــع ملتقــى ابــن خلــدون للعلــوم والفلســفة واألدب‬-59
.‫ للكاتــب جنيــب بــن خــره‬2010/6/7 ‫الفــن اإلســامي‬
‫ روائــع‬- ‫ وزارة الثقافــة واإلعــام الســعودي‬- ‫ موقــع صحيفــة فنــون اخلليــج‬-60
.‫ هلــدى العمــر‬- ‫الفــن اإلســامي‬
.‫ العمارة اإلسالمية الدكتور املهندس رضوان طحالوي‬-61
‫ حممــد محــزة‬- ‫ احلــداد‬- ‫ حبــوث ودراســات يف العمــارة اإلســامية‬-62
.‫إمساعيــل‬
.‫ أسس ومبادئ العمارة اإلسالمية للدكتور حممد هشام النعسان‬-63
.‫ موقع الشرق األوسط‬-64

.‫ املراجع األجنبية‬:ً‫خامسا‬

* Marcais (G) :L Art Musulaman d Espgne – Hesperis Fax ii t xxiii 1936


p 5.
* Arnold (Th.): Painting in Islam, Oxford 1928, p 11
* Marcais (G): L Art Musulaman, Paris 1962 ,pp 10-11
* Nadj Moudin Bammater, Aspects de I Art Musulaman 1946 p12
* Arnulf Lüchinger,”Structuralisme en architercture e urbanisme”,Tra�
duction en
Français: Jacques Debains Eyrolles-Saint Germain Paris-1980
(P166)..
* Miss- Pierre Von-De la Form Au Lieu DeuxiemeEdition-ISBN Laus�
anne/1993
P166) -.
* http//:forum.arabia4serv.com/t65602.html#ixzz1i5NzfaLN.
* http//:www.alukah.net/culture#/0/57332/ixzz5NbInozZd.
* http//:www.rezgar.com.
* Theodor Noldecke, Neve Beitrage fur Semitischen Sprachen, 1910,
p. 40.
* Architecture of Egypt, vol. 2, p. 275 Creswell : Muslim.

536
‫‪* Arabesque-From Wikipedia,thefree encyclopedia..‬‬
‫‪* Library of Islamic Civilization.‬‬
‫‪* Islamic Source..‬‬
‫‪* Islamic architecture - Architecture islamique.‬‬
‫‪* skyrock.net/img/i18n/en_GB/adblock.‬‬
‫‪* AHistoryof Palestine,634-1099.Cambridge:Cambridge University‬‬
‫‪Press.‬‬
‫‪* Albiright, W.F. The Archeology of Palestine London 1954.‬‬
‫�‪* Moshe Gil, Ethel Broido: A History of Palestine, 634-1099. Cam‬‬
‫‪bridge: Cambridge University Press, 1992.‬‬
‫‪* ARABIC. TEBYAN.NET/INDEX‬‬
‫�‪* Eurosis European Multidisciplinary Society for Modelling and Simu‬‬
‫‪lation Technology.‬‬
‫‪* Falahat, Mohamad sadeghi; Zare, Mohamad , “The emergence of‬‬
‫‪eternal truth by light in Islamic architecture”.‬‬

‫‪* Ibid. p.39...‬‬

‫سادساً‪ :‬املصطلحات املعمارية‪.‬‬


‫‪ -1‬التكايا‪ :‬عمائر ومنشآت روحية مثل (املساجد)‪.‬‬
‫‪ -2‬القاشــاني‪ :‬نــوع مــن اخلــزف النقــي ينســب إىل قاشــان (كاشــان) املدينــة‬
‫الفارســية‪.‬‬
‫‪ -3‬املشــربيات‪ :‬هــي اجلــزء البــارز عــن مســت حوائــط جــدران املبانــي الــي تطــل‬
‫علــى الشــارع‪.‬‬
‫‪ -4‬الشماســات‪ :‬نوافــذ نصــف دائريــة توجــد أعلــى األبــواب والنوافــذ وتغطــى‬
‫باخلشــب والزجــاج امللــون‪.‬‬
‫‪ -5‬القمريــات‪ :‬نــوع مــن أنــواع النوافــذ املــدورة مثــل املــدورات الرخاميــة وتتميــز‬
‫برقتهــا يزيــد مسكهــا ‪ 5.1‬ســم حبيــث تســمح بنفــاذ الضــوء مــن خالهلــا‪.‬‬
‫‪ -6‬إيــوان‪ :‬هــي عبــارة عــن قاعــة مســقوفة بثالثــة جــدران فقــط واجلهــة الرابعــة‬
‫مفتوحــة متامــا للهــواء الطلــق‪.‬‬

‫‪537‬‬
‫‪ -7‬اجلوسق‪ :‬اجلمع جواسق وهو القصر الصغري – احلصن‪.‬‬
‫‪ -8‬شرفة‪ :‬سقيفة بارزة من البيت‪.‬‬
‫‪ -9‬اآلجــر‪ :‬ل ِبــن حمــروق معــد للبنــاء وتتكــون املــادة احملرقــة مــن الطــن أو أي‬
‫خملــوط آخــر كاجلــر والرمــل أو اإلمسنــت والرمــل‪.‬‬
‫‪ -10‬أرابيسك‪ :‬هي أهم عنصر من عناصر الفن اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -11‬حواجز املاء‪ :‬تستخدم من أجل الطواحني‪.‬‬
‫‪ -12‬األبل‪ :‬نوع من األقواس املدببة يف املساجد‪.‬‬
‫‪ -13‬الطــرز‪ :‬كلمــة تركيبيــة تعــي القســم املرتفــع عــن العتبــة‪ ،‬تبــدأ واجهتــه‬
‫بالقــوس‪.‬‬
‫‪ -14‬الساكف‪ :‬وهي النجفة فوق الباب أو النافذة‪.‬‬
‫‪ -15‬الكوة‪ :‬خَر ٌْق فِي اجلدار‪ ،‬نافذة للتهوية واإلضاءة وحنومها‪.‬‬
‫‪ -16‬املقرنصــات‪ :‬امل ُ َقرْنَــص (ومجعــه‪ :‬مُ َقرنَصــات) مــن عناصــر العمــارة‬
‫اإلســاميّة املميّــزة هلــا‪ ،‬وهــو يعــد حمرابــاً صغــراً‪.‬‬
‫‪ -17‬البيمارستانات‪ :‬املشايف‪.‬‬
‫‪ -18‬اخلانات‪ :‬حمطات اسرتاحة املسافرين‪.‬‬
‫‪ -19‬الفسقيات‪ :‬البحرات الداخلية‪.‬‬
‫‪ -20‬املداميك احلجرية‪ :‬األحجار الضخمة‪.‬‬
‫‪ -21‬العقــد‪ :‬هــو عنصــر معمــاري ناتــج مــن االســتخدام اإلنشــائي للخصائــص‬
‫الطبيعيــة للمــواد اعتمــاد اجلاذبيــة الطبيعيــة‪ ،‬حيــث يعتمــد علــى انتقــال احلمــل‬
‫الطبيعــي مــن النقطــة األعلــى إىل النقطــة األســفل وهكــذا حتــى تصــل إىل‬
‫مســتوى األرض‪.‬‬
‫‪ -22‬الداليــات‪ :‬نــوع مــن التزيينــات يف األقــواس بشــكل متــديل كاحللــق يف‬
‫القــادة‪.‬‬
‫‪ -23‬الدعامــات و (الســواند)‪ :‬عبــارة عــن قطــع لتخفيــف مســك احلوائــط‬
‫واملســامهة يف حتمــل األمحــال مــن األقبيــة‪.‬‬
‫‪ -24‬املصطلى‪ :‬مكان يتدفأ به اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -25‬اجملزع‪ :‬نوع من الرخام وعليه تزينات ورقية‪.‬‬

‫‪538‬‬
.‫ ملخص اللغة اإلجنليزية‬:ً‫سابعا‬
Through the study of Islamic art and architecture,
I have found a forward-looking vision towards a horizon that elevates
our rich history with its great gifts and heritage. The legacy of ancient
civilizations of Arab Islamic history, rich in the arts of its Islamic ar�
chitecture with the evolution of its urban culture. This development
is reflected in the era of the Muhammadiyah message, through the
Umayyad era, which glowed with its splendor, and in which the urban
civilization flourished, from mosques, palaces and castles, in which all
the Islamic arts and architecture were characterized by its elements,
decorations and engravings. And this is what we saw in the Umayyad
era, when Alwaleed bin Abdul-Malik used the skilled and the manu�
facturers in the construction, and brought the value of aesthetic and
exquisite artistic touches in the palaces, decorations, mosaic and so
on. We find that one does not require extensive experience or knowl�
edge in the field of architecture, to be able to identify it. Despite the
difference and excellence of Islamic architecture, it did not appear fur�
ther without any architectural style that implemented some inspiration
from past patterns. Islamic architecture has inspired some inspiration
from the Indian and Persian architecture, this requires us to urge the
integration of different cultures to build a template in the Islamic archi�
tectural character a new horizon.
From the dawn of Islam until the present day, many buildings have
been built in the Islamic architectural style, but we see in the design
of mosques that they are more famous than the rest of the distinctive
buildings such as castles and palaces, and that the distinctive char�
acter of the architecture of mosques is indeed one of the finest mod�
els that demonstrate the genius of Islamic architecture, I would like to

539
draw attention to the grave importance of the recommendations that I
want through it, to understand Islamic architecture, its theoretical and
practical sciences and beauty standards, and the importance of aes�
thetic value in Islamic architecture, which carries a legacy of my life,
and a great history in urban civilization. We must preserve it by laying
the foundations of the history of Islamic architecture, in the culture of
society and the curricula of science and knowledge, to include that cul�
ture in the curricula of the faculties of architecture and fine arts, and
support that specialization, so that the society does not forget their ar�
chitectural and Islamic history which is full of civilization that does not
match its pureness, and is not absent from memory.
Finally, we say that Islamic architecture is slowly disappearing, be�
cause our preoccupation with the tradition of Western civilization is
enough to fill the urban landscape in which modernity has penetrated.
This has made contemporary people interested in leaving their mark
by creating huge structures that challenge the difficulties of the ages.
From the east to the west, to prove that everyone has the ability to
overcome their predecessors, and modernity adds modern architec�
ture to the previous generation, and in our time we see that modern ar�
chitecture refers to the innovations of the twenty-first century, the most
exciting and strange designs, which sheds the lights on the eccentric
designs about its modernity.

  

540
Researcher

Mohammed Hassan Mohammed Fayez Al-Sarraj

541
‫أروقة العمارة‬
‫فن ومجال وحضارة‬

‫تأليف الدكتور‪:‬‬
‫حممد حسان حممد فائز السراج‬

‫‪542‬‬

You might also like