Professional Documents
Culture Documents
استكشاف أعماق الكون في الفیزیاء الكمومیة
استكشاف أعماق الكون في الفیزیاء الكمومیة
الضوء والفوتونات………………………4
الترتيب مع القلعة .الرقص يكسر في نفس الوقت ثالثة من قواعد الشطرنج العادية -ومع ذلك يمكن أن يكون حركة قوية جداً،
حركة حاسمة ،في أي مباراة .كما قال فاينمان ،الشيء الذي ال يتناسب هو األكثر إثارة لالهتمام" .يتعلق األمر بالفضول .يتعلق
بأناس يتساءلون ما يجعل شيئا ً ما يفعل شيئاً ...ما نبحث عنه هو كيفية عمل كل شيء .ما يجعل كل شيء يعمل ".هذا الطريق
الطويل والمتعرج قاد علماء الفيزياء الحديثين إلى حافة اختراق مذهل .قد ال نحتاج إلى قائمة ال نهاية لها من القواعد المعقدة على
نحو متزايد .بدالً من ذلك ،من الممكن أن تكون جميع الظواهر في الكون المعروف ،من الجسيمات دون الذرية األصغر إلى جميع
القوى األساسية -وبالتالي حتى نحن أنفسنا -يمكن تفسيرها باستخدام قاعدة واحدة فقط :أن معظم األشياء هي ببساطة اهتزازات في
شبكة واسعة من الحقول الكمومية .ولكن هل هذا حقا ً نهاية اللعبة؟ أم أن هناك ال تزال أشياء غريبة في القواعد تختبئ خارج متناول
اليد؟"
ومن ثم الكتشاف ،إذا حاولت الحصول على إجابات ،أنها مرتبطة ببعضها البعض -أن األشياء التي تجعل الريح تجعل األمواج ،أن
حركة الماء مثل حركة الهواء مثل حركة الرمال .حقيقة أن األشياء لها ميزات مشتركة .يتضح أنها أكثر وأكثر عالمية .ما نبحث عنه
هو كيفية عمل كل شيء .ما يجعل كل شيء يعمل .المدن والقارات تمر بسرعة كبيرة بينما يدور القمر الصناعي الياباني هيتومي
حول األرض بسرعة تقريبا 30,000كيلومتر في الساعة .إنه يسابق بسرعة كبيرة لدرجة أنه يرى 15شروق وغروب للشمس كل
يوم .بإجمالي تكلفة 300مليون دوالر و 30سنة لبنائه ،تم تصوره للنظر في بعض أكثر األحداث عنفا في الكون المعروف -ولكن
بعد أسابيع من اإلطالق سيواجه نهاية عنيفة خاصة به .فشل نظام كارثي يجعله يدور خارج السيطرة .فريق وراء المهمة يحاول
إطالق المحركات الدافعة إلبطائه ،ولكن ذلك فقط يجعل هيتومي يدور بشكل أسرع .اآلن يدور بسرعة كبيرة لدرجة أن ألواحه
الشمسية تنفصل ويتفكك القمر الصناعي -المهمة تنتهي قبل أن تبدأ بالكاد .ولكن لماذا؟ ما الذي أسقط هيتومي؟ أدت التحقيقات التي
تلت ذلك إلى اكتشاف أن الفشل األولي وقع عندما مر هيتومي فوق شذوذ جنوب األطلسي ،وهو انبعاج في المجال المغناطيسي
لألرض .هذا عرضه لمستويات أعلى من اإلشعاع من الفضاء ،مما أدى إلى تعطيل دوائره الحساسة .عاد ًة ما يعمل مغناطيس
األرض مثل فقاعة ضخمة ،تحمينا من ويالت مثل هذا اإلشعاع .يبدأ في أعماق باطن الكوكب حيث يدور الغالف الخارجي المنصهر
لألرض .يتدفق عبر القشرة وإلى الفضاء ،يمد أذرعه المغناطيسية إلى حوالي ستة ماليين كيلومتر .ينتج شذوذ جنوب األطلسي عن
انعكاس مغناطيسي في جزء صغير من الغالف الخارجي واألقمار الصناعية التي تمر عبر المنطقة تصبح عرضة للخطر .على
الرغم من أنه قد يمر دون أن يُرى في حياتنا اليومية -فإن المغناطيسية من حولنا قوية للغاية.
تجذب مغناطيسية األرض اهتمام البشر منذ آالف السنين .تم صنع أولى البوصالت قبل 2000عام خالل عهد أسرة هان في
الصين ،حيث كان يستخدم قطع الحديد الممغنطة طبيعيا ً والتي تعرف بحجر القطب للمالحة البرية .وقبل ذلك بقرون ،ظن الفيلسوف
اليوناني القديم طاليس من ميليتوس أن لحجر القطب أرواحا ً ألنها تجذب الحديد إليها .استغرق العلماء وقتا ً أطول لشرح المغناطيسية
-وبذلك تبلور مفهوم جديد مثير .الحقل .في الفيزياء ،الحقل هو منطقة يكون لكل نقطة فيها كمية فيزيائية مرتبطة بها .توقعات
الطقس التلفزيونية مثال جيد ألنها تظهر كيف تتغير درجة الحرارة عبر منطقة معينة من سطح األرض .تلك الخرائط هي حقول
درجات الحرارة .تخبرك بدرجة الحرارة التي ستختبرها إذا وضعت في جزء معين من الخريطة .وبالمثل ،يعتبر الحقل المغناطيسي
لألرض خريطة توضح قوة واتجاه القوة المغناطيسية التي يشعر بها الجسيم في نقاط مختلفة حول الكوكب .تعد الشذوذ المغناطيسي
3
في جنوب األطلسي جزءاً من الخريطة حيث يكون الحقل المغناطيسي لألرض ضعيفا ً بشكل خاص .تمتلك محطة الفضاء الدولية
حماية إضافية للتعامل مع اإلشعاع المتزايد الذي تسمح به وال يُسمح لرواد الفضاء بالقيام بمشي الفضائي أثناء المرور عبر المنطقة.
أول من استخدمها العالم اإلنجليزي مايكل فاراداي في عام ،1846حيث رأى الحقول أكثر من مجرد خرائط رياضية .اعتبرها
أجسامًا فيزيائية تمأل الفضاء الفارغ .ولتوضيح ذلك ،استخدم فاراداي هذه الفكرة للمساعدة في شرح سلوك المغناطيس العادي
المحير .في مرحلة ما ،يصبح كل طفل مفتونا ً بسحر المغناطيس .حاول دفع قطبين شماليين نحو بعضهما البعض وسوف يقاومان.
يمكنك أن تشعر بهما يدفعان بعضهما بعضاً .كيف يمكنهما فعل ذلك دون لمس؟ ما الذي يحدث في المسافة بينهما؟ كانت إجابة
فاراداي أن المغناطيس قد ال يلمسان بعضهما ،لكن حقولهما المغناطيسية تفعل ذلك .قدم تفسيره مفهوم خطوط الحقل.
يمكنك تذكر التجربة المدرسية الكالسيكية لرش القطع الحديدية حول مغناطيس على شكل قضيب ،حيث ُتظهر هذه القطع خطوط
المجال المغناطيسي التي تخرج من القطب الشمالي وتعود إلى القطب الجنوبي .المجال المغناطيسي يكون أقوى عند هذه األقطاب،
ولذلك تكون خطوط المجال متقاربة بشكل أكبر .عندما تقرب قطبين شماليين من بعضهما ،تتجه خطوط المجال الخاصة بكل منهما
في اتجاهات متعاكسة ،ولذلك تتباعد المجاالت عن بعضها .على األقل هذه هي الطريقة التي كان يُفكر بها في القرن التاسع عشر -
كما سنرى ،الحقيقة أغرب بكثير .ومع ذلك ،لم تكن هذه نهاية عبقرية فاراداي -اكتشافه األشهر جاء عندما وجد أن تغير المجال
المغناطيسي يمكن أن يحدث تيارً ا كهربائيًا في دائرة قريبة .قبل عقد من الزمان ،الحظ الفيزيائي الدانماركي هانس كريستيان
أورستيد العكس -أن تيارً ا كهربائيًا يمر عبر سلك يحرف إبرة البوصلة القريبة بعي ًدا عن الشمال المغناطيسي .يمكن للمجال
المغناطيسي المتغير أن يؤثر على المجال الكهربائي والعكس صحيح .لماذا ترتبط المجالين بهذا الوضوح؟ اإلجابة جاءت من جيمس
كليرك ماكسويل .في عام ،1865وصف ماكسويل اكتشافات فاراداي وأورستيد رياضيًا .هذا العمل مهم لدرجة أن الفيزيائيين
البارزين صوتوا لماكسويل كثالث أعظم فيزيائي على مر الزمان في عام ،1999بعد أينشتاين ونيوتن فقطُ .تظهر معادالت
ماكسويل أنه ،بدالً من أن تكون مجاالت كهربائية ومغناطيسية منفصلة ،كالهما مكونات لمجال كهرومغناطيسي واحد .لهذا السبب،
تغيير أحدهما يغير اآلخر -أنت تغير أجزاء من نفس الشيء .قام ماكسويل بدمج ظاهرتين بدتا منفصلتين في واحدة.
في لعبة الشطرنج ديال هللا ،رصد الحقل المغناطيسي اللي كيتغير والحقل الكهربائي اللي كيأثر في بعضياتهم بحال اإلدراك ديال أن
الفارس دائما ً كيتناوب بين الخانات البيضاء والسوداء .دمجهم في حقل كهرومغناطيسي واحد بحال الكشف ديال أن هادشي كيوقع
عالش الفارس دائما ً كيتحرك بشكل .Lوصلتي لفهم أعمق وأشمل للقواعد .والسعي للتوحيدات المشابهة والو يشغلو الفيزيائيين من
ديك الساعة .هادي غير قمة جبل جليد علمي كبير .ولكن ماكسويل عندو حيلة أخرى في جعبتو .تخيل جسيم مشحون كهربائياً .كيولد
حقل كهربائي حولو بحال الطريقة اللي المغناطيس كيخلق بيها حقل مغناطيسي .الجسيم كيبدا يتحرك فوق وتحت .هادشي كيغير في
حقلو الكهربائي ،اللي بدورو كيولد حقل مغناطيسي كيتغير .حسب معادالت ماكسويل ،الحقول اللي دائما ً كيتغيرو كيولدو تموجات
كتتحرك لبرا عبر الحقل الكهرومغناطيسي .موجات كهرومغناطيسية .تكرار حركة الجسيم فوق وتحت كيحدد كم المدة الالزمة باش
تتكرر القمم واألخاديد في الموجات الكهرومغناطيسية .من معادالتو ،ماكسويل حسب سرعة هاد الموجات الكهرومغناطيسية -
والجواب اللي لقا كان مدهش :كيتحركو بسرعة الضوء .ماشي غير الصدفة ،ماكسويل وال مقتنع أن الضوء نفسو عبارة عن موجة
كهرومغناطيسية -فعالً ،لو كان هادشي صحيح ،غادي يفسر كيفاش شمس كتوصل لينا رغم أن الشمس بعيدة علينا 150مليون
كيلومتر .الحقل الكهرومغناطيسي كيمأل الفضاء الخالي بيناتنا والضوء كيتحرك من خاللو بحال موجة فالمحيط.
تجارب الحقة أجراها علماء آخرون ،من ضمنهم فيليب فون لينارد ،أظهرت أن اإللكترونات تنطلق عندما يمتص المعدن الضوء،
وهو ما كان يزيد من سطوع شرارة هيرتز .الضوء األكثر سطوعا ً يمتلك موجات أعلى ،لذلك كان ينبغي أن يطرد المزيد من
اإللكترونات عندما يصطدم بالمعدن .ومع ذلك ،وجد فون لينارد أن الموجات الضوئية التي تتكرر بشكل أكثر تواتراً – تلك ذات
4
الضوء والفوتونات
التردد األعلى وليس الشدة – هي التي تحرر المزيد من اإللكترونات .أصبح هذا معرو ًفا بتأثير الكهروضوئي ،وقد يكون بمثابة أكبر
ثورة في تاريخ العلم .سرعان ما تبع ذلك شرح من ألبرت أينشتاين نفسه .على الرغم من شهرته بنظريات النسبية ،إال أن عمله على
تأثير الكهروضوئي هو الذي منحه جائزة نوبل .جادل أينشتاين بأن الضوء ليس موجة مستمرة على اإلطالق ،بل هو سلسلة من
الجسيمات ُتطلق مثل الرصاصات .الجسيمات التي نسميها اليوم فوتونات .تعتمد كمية الطاقة لكل فوتون على تردد الضوء .فقط
الفوتونات ذات الترددات العالية لديها طاقة كافية لطرد إلكترون .إنها مثل مباراة المالكمة .الكثير من اللكمات المستمرة ذات الطاقة
المنخفضة ال تفعل الكثير .ضربة قاضية كبيرة هي كل ما يلزم .كان هذا اكتشا ًفا غريبًا ح ًقا -وواح ًدا سيجبر الفيزيائيين على
االعتراف بأن لعبتهم الشطرنجية بأكملها قديمة بشكل فظيع.
تقريبا دون استثناء ،كل قاعدة ستحتاج إلى إعادة كتابتها -مكتملة بالكشف المذهل عن الطبيعة الحقيقية لواقعنا وحتى عن أنفسنا.
بحلول نهاية الخيط الذي بدأ فاراداي بسحبه في عام ،1846سنجد أنفسنا نعيش في كون مختلف تمامًا .ولكن للبدء -للبدء في طي
قواعد هذه اللعبة الجديدة ،كان على الفيزيائيين أن يكتشفوا هذا اللغز البسيط -لماذا يأتي الضوء في حزم بأحجام محددة؟ "نحن
نحاول إثبات خطأنا بأسرع ما يمكن ،ألنه فقط بهذه الطريقة يمكننا أن نجد التقدم" .مع حلول الليل ،تشتعل دوتونبوري في شغب
للحواس .رائحة الطعام الياباني في الشوارع تنتشر في الهواء ،بينما تتدافع حشود الناس بصخب بين أزقة أوساكا المزدحمة .ولكن
الذي يلفت انتباهك أكثر هو كاليدوسكوب األلوان .في كل مكان تنظر إليه ،تغمر الشوارع أضواء النيون بالضوء ،تعلن عن سرطان
متساو
ٍ البحر الملكي ،وكرات األخطبوط ومطاعم السوشي الدوارة .وفي عمق هذه الالفتات النيونية الشهيرة ،هناك نشاط محموم
يتكشف .بدالً من الناس الذين يتسابقون هنا وهناك ،تنطلق جزيئات فرعية دقيقة تسمى اإللكترونات في هذا االتجاه وذاك .بدونها،
ستكون شوارع دوتونبوري مظلمة .وهي أيضًا مفتاح فهم الفوتونات ،حزم الضوء التي اكتشفها أينشتاين أول مرة .دعونا نذهب في
رحلة داخل إحدى الفتات دوتونبوري النيونية الحمراء ،والتي تمتلئ بغاز الهيدروجين .للوصول إلى ذرات الهيدروجين الفردية،
علينا أن نقوم بتكبير بشكل ال يصدق .ذرة الهيدروجين صغيرة بشكل ال يمكن تصوره ،حوالي 83مليون مرة أضيق من أحد
أظافرك .إذا قمت بتصغير األرض بنفس القدر ،يمكنك حمل الكوكب في راحة يدك.
5
إذا أخذت الضوء من غاز الهيدروجين المتوهج ومررته عبر جهاز شبيه بالموشور ،فإنك تكشف عن طيف الهيدروجين .الجزء من
هذا الطيف الذي يقع ضمن مجال رؤية اإلنسان يتكون من أربعة خطوط ملونة فقط مرسومة على بحر من السواد .هذه الخطوط
ناتجة عن الفوتونات المنبعثة عندما تنخفض اإللكترونات إلى المستوى الثاني للطاقة من المستويات السادس والخامس والرابع
خال من الضوء ألن االنتقاالت اإللكترونية الالزمة إلضاءته ببساطة
والثالث على التوالي .السواد بين الخطوط هو أرض قاحلة .إنه ٍ
ال توجد .هذا النمط هو بطاقة دعوة الذرة الكمية .من بين الخطوط األربعة ،الخط األحمر على أقصى اليمين -المعروف بـ
" - "H-alphaأكثر سطوعا ً بكثير من جيرانه .إنه يغرق الثالثة اآلخرين بسهولة ،لذلك تغمر شوارع دوتونبوري باللون األحمر.
حتى اآلن كل شيء على ما يرام -ليس بسيطاً ،ولكن على األقل منطقي .بحلول عشرينيات القرن الماضي ،عمل العديد من أعظم
فيزيائيين التاريخ ،من ماكس بالنك إلى أينشتاين إلى بور ،على هذا النموذج للذرة ،نتيجة لتتبع تداعيات تأثير أينشتاين الكهروضوئي
إلى نهايتها المنطقية .ولكن بالطبع في مباراة الشطرنج الكونية لفاينمان ،هناك دائما ً حركة صغيرة وغامضة تفجر ثغرة كبيرة في
نظريتك .مالحظة عادية تجعلك تدرك أن كل شيء ليس كما يبدو -أنك لم تصل بعد .وكان هذا الشق خاصة صغيراً .إذا نظرت
بعناية إلى خط ،H-alphaسترى أنه ليس خطا ً واحداً على اإلطالق ،ولكن اثنين -ثنائي .هذه الخطوط قريبة من بعضها بشكل
غير ملحوظ ،مفصولة بمسافة تبلغ 250,000مرة أدق من خيط العنكبوت -يطلق الفيزيائيون على هذا هيكل دقيق وال يمكن
لنموذج بور تفسيره.
6
البنية الدقيقة بحد ذاتها مكافئة لعالمة نيون كبيرة تومض بتحذير" :النظرية غير كاملة" .مرة أخرى ،كان على الفيزيائيين العودة إلى
لوحة الرسم .واليوم ،تكمن الحل للغز البنية الدقيقة في الجانب اآلخر من العالم ،في مكان شعبي بين السياح كما هي أكشاك الطعام
في شوارع دوتونبوري :دير وستمنستر ...بأبراجه الشامخة ،يعد دير وستمنستر أحد جواهر تاج لندن .تم تتويج الملوك والملكات
اإلنجليز داخل جدرانه لما يقرب من ألف عام .كما أنه مكان دفن العديد من األيقونات البريطانية ،من ديكنز وداروين إلى كيبلينغ
ونيوتن .على أرضية الدير ،بالقرب من النصب التذكاري لنيوتن ،تحيي لوحة الحياة العلمية للفيزيائي اإلنجليزي العظيم بول أدريان
موريس ديراك ،والذي يُعتبر من أعظم الفيزيائيين اإلنجليز منذ نيوتن نفسه .محفور على اللوحة المعادلة التي ال تمثل فقط ذروة
عبقرية ديراك ،بل تحل أيضًا مشكلة البنية الدقيقة وتفسر لماذا خط هـ-ألفا هو زوج .السر هو خاصية غامضة وغير واضحة
لإللكترونات تسمى 'الدوران' .نعلم أنه عندما يتحرك جسيم مشحون كهربائيًا ينتج مجااًل مغناطيسيًا .ومع ذلك ،تظهر التجارب أن
اإللكترونات تنتج فعليًا مجالين مغناطيسيين منفصلين ،وبالتالي يجب أن تتحرك بطريقتين مختلفتين .يدور اإللكترون حول الذرة ،لكن
يُقال أيضًا أنه 'يدور'ً .إذا ،في طريقة ما ،يشبه اإللكترون األرض ،التي تدور حول محورها وتدور حول الشمس .إال أن األمر ليس
كذلك تمامًا -ففي حالة اإللكترونات ،الدوران مجرد استعارة .كان عليهم أن يدوروا بسرعة أكبر من سرعة الضوء لتفسير سلوكهم
المالحظ.
بالرغم من ذلك ،ال يزال الفيزيائيون يستخدمون كلمة "الدوران" لإلشارة إلى مصدر المجال المغناطيسي الثاني لإللكترون -وتنشأ
البنية الدقيقة من تفاعل هذين المجالين المغناطيسيين مع بعضهما البعض .كما هي الحال مع مدارات اإللكترون وطعام الشارع في
دوتونبوري ،الدوران أيضا ً مكمم -فقط بعض الكميات مسموح بها .دوران اإللكترون هو نصف ،لكن هذا يمكن أن يكون إما إيجابيا ً
أو سلبياً .لذا يمكن لإللكترون أن يوجد في أحد حالتين للدوران" :ألعلى" حيث يكون دورانه نصفا ً موجبا ً و"ألسفل" حيث يكون
دورانه نصفا ً سالباً .إلكترون الدوران ألعلى يخلق مجاالً مغناطيسيا ً يضيف إلى المجال المغناطيسي الذي يتولد من حركته المدارية،
مما يعزز اإللكترون إلى مستوى طاقة أعلى قليالً .المجال المغناطيسي الذي يخلقه إلكترون الدوران ألسفل يعمل ضد المجال
المغناطيسي المداري ،مما يجعل اإللكترون في مستوى طاقة أقل قليالً .خطا هيدروجين ألفا المتقاربان في طيف الهيدروجين يتم
إنتاجهما بواسطة إلكترونات تنزل من هذه المستويات المختلفة قليالً في الطاقة .كانت عبقرية ديراك هي جمع العديد من االختراقات
في فيزياء أوائل القرن العشرين من أجل تفسير غرابة الدوران .في عام ،1926نشر إروين شرودنغر معادلته الشهيرة .تماما ً كما
يمكن للضوء أن يتصرف كجسيم وموجة ،كذلك اإللكترونات .تصف معادلة شرودنغر سلوك هذه الموجات اإللكترونية .دمج ديراك
أيضا ً في نظرية النسبية الخاصة آلينشتاين ،التي تصف كيفية تصرف األجسام عندما تتحرك بسرعات عالية.
نتيجة هادي؟ عندما نشر ديراك معادلته الخاصة في عام ،1928تلك المحفورة على اللوحة في دير وستمنستر ،أظهرت أن الدوران
يصبح خاصية ال مفر منها لإللكترون عندما تتعامل معه كموجة كوانتية نسبية .النموذج بور اللي يصف اإللكترونات كأنها كواكب
مدارية أصبح ملقى في كومة نظريات فيزيائية متزايدة اضطر الفيزيائيون للتخلي عنها .في الحقيقة ،الذرات مكونة من موجات...
وجسيمات ...في نفس الوقت .الشق الدقيق في البنية فتح وابتلع الذرة كاملة .لكن أفضل النظريات العلمية ما تشرح بس شيء نعرفه
بالفعل -بل أيضا تتنبأ بشيء ما نعرفوش .معادلة ديراك تعمل سواء كانت الجسيمات اللي توصفها ذات طاقة إيجابية أو سلبية .فتنبأ
ديراك بوجود جسيم مطابق لإللكترون ،لكن بشحنة كهربائية معاكسة .جسيم من مضاد المادة .بعد أربع سنوات من نشر ديراك
لمعادلته ،تم بالفعل اكتشاف البوزيترون من قبل كارل أندرسون .مقارنة بنموذج بور ،كانت معادلة ديراك بالتأكيد مجموعة أكثر
شمولية من القواعد لكيفية عمل لعبة الشطرنج دون الذرية .لكن في هذه المرحلة ،أصبح الفيزيائيون بشكل مفهوم حذرين من إغالق
كتاب القواعد .وكانوا على حق في عدم فعل ذلك .ألنهم كما سيكتشفون قريبا ،كان هناك حركتان دقيقتان أخريان في زاوية غريبة
من اللوحة لم تغطيهما قواعد ديراك .وفي مصادفة تاريخية غريبة ،تم اإلعالن عن االثنين في نفس المؤتمر في عام .1947خالل
الحرب العالمية الثانية ،تم تحويل العديد من أبرز علماء الفيزياء لتطوير تكنولوجيا الفوز مثل الرادار والقنابل الذرية.
مؤتمر جزيرة شيلتر ،الذي أقيم بالقرب من جزيرة لونغ في نيويورك ،كان فرصة إلعادة التركيز على تجميع قوانين الكون النهائية.
السيد بوليكارب كوش ،ذو االسم الجميل ،أعلن عن قياساته لخاصية اإللكترون التي ُتعرف بـ "لحظة الديبول المغناطيسية" له .إجابته
لم تتوافق مع تنبؤ لديراك ،مما يشير إلى أن هناك شيًئ ا أعمق وأكثر غموضًا يحدث .لنعد إلى مغناطيس البار :لديه قطبان -شمالي
وجنوبي -مما يجعله ديبول .إذا وضعت المغناطيس البار داخل حقل مغناطيسي آخر ،فإنه سيحاول التماشي مع ذلك الحقل ،مثل إبرة
البوصلة التي تتأرجح لتشير إلى الشمال .لحظة الديبول المغناطيسية هي مقياس لقوة هذا التفاعل .دوران اإللكترون يولد حقاًل
مغناطيسيًا وبالتالي اإللكترون كمغناطيس ديبول صغير .لكن السؤال كان ،ما مدى قوة لحظة الديبول المغناطيسية لإللكترون؟ إذا لم
تعامل اإللكترون كموجة كوانتية وافترضت أنه كرة صغيرة تدور فعليًا ،فإنك تحصل على اإلجابة الخاطئة .القيمة الحقيقية للحظة
الديبول المغناطيسية التي قاسها كوش تقريبًا ضعف ذلك .هذا االختالف بين اإلجابات الكوانتية وغير الكوانتية يسمى العامل ج.
معادلة ديراك تعامل اإللكترون بشكل صحيح كجسم كوانتي وتتنبأ بأن العامل ج يجب أن يكون بالضبط .2ومع ذلك ،قياسات كوش
7
تقول خالف ذلك :اإلجابة التي حصل عليها هي .2.00238هذا االختالف البسيط أصبح يُعرف بـ "لحظة الديبول المغناطيسية
الشاذة لإللكترون" .كانت عالمة نيون أخرى تضيء جهلنا .لغز غير مفسر في لعبة الشطرنج الخاصة باهلل.
"[الفيزياء الكمومية] تصف الطبيعة على أنها غريبة من وجهة نظر المنطق العام .ومع ذلك ،هي تتفق تمامًا مع التجربة .لذا آمل أن
تتقبل الطبيعة كما هي -غريبة ".بالنسبة للفيزيائي أندريه جيم ،كانت ليلة أخرى عادية في المختبر .بالنسبة للضفدع ،يجب أن تكون
شعرت وكأنها نقلت إلى المدار .إنه يطفو في الهواء الطلق ،يدور ويقلب مثل رائد فضاء يقوم بالقلبات الجوية .يخصص جيم عشرة
في المئة من وقته لهذه التجارب الظاهرة الغريبة ،بعي ًدا عن العلم الرئيسي .يقضي العديد من ليالي الجمعة في اللعب ،متذكرً ا كيف
كان األمر عندما كان طفالً محبوسًا في حالة دائمة من الدهشة والتعجب .إلى جانب الضفدع ،كان جيم وفريقه يقومون بتحليق
النباتات واألسماك وحتى فأر باستخدام مغناطيس قوية .لقد فاز جهوده بجائزة إج نوبل في عام ،2000وهي بديل ساخر لجائزة
نوبل موجهة لالعتراف باإلنجازات العلمية غير العادية أو التافهة .على الرغم من الطبيعة المرحة لتجارب جيم ،إال أن لديك الكثير
من القواسم المشتركة مع مخلوقاته الطافية أكثر مما قد تعتقد .قد يبدو لك أنك تلمس حاليًا الكرسي الذي تجلس عليه أو األرضية التي
تقف عليها ،ولكن ببساطة :أنت ال تفعل ذلك .بدالً من ذلك ،أنت تطفو على سحابة من الجسيمات .عندما تمشي ،أنت ال تتالمس مع
األرض على اإلطالق .بل أنت تقف على سرب من األشباح دون الذرية .الجسيمات الشبحية التي ال ُترى إال بالعين المجردة والتي
تطارد العالم الكمومي .هذه هي الحقيقة المضادة للحدس في لعبة الشطرنج اإللهية".
8
لكي نقتبس من الفيزيائي فرانك ويلتشيك" :ما تراه ليس ما تحصل عليه ".الحدس البشري ليس معيارً ا لكيفية عمل الكون بالفعل.
الحقيقة أننا جميعًا نطفو مثل ضفدع جيم هي الطريقة الوحيدة المنطقية لتفسير التناقضات الصغيرة التي رآها كوش والمب .أصغر
اآلثار لها أعمق العواقب .تبين أن معادلة ديراك فشلت في تفسير كوش والمب ألنها على الرغم من أنها تعاملت مع اإللكترون كجسم
كمي ،إال أنها وصفت المجال الكهرومغناطيسي بالطريقة التي فعلها فاراداي وماكسويل في القرن التاسع عشر .بدالً من ذلك ،كان
يجب تكميم المجال الكهرومغناطيسي أيضًا .كان عليه أن يُعامل كمجال كمي ،مع كل العواقب المذهلة التي قد تترتب على ذلك.
وهكذا ،مع فيزيائيين آخرين ،في السنوات التي تلت معادلته الثورية ،بدأ ديراك في تطوير رؤية غريبة ج ًدا لعالمنا .تخيل أن المجال
الكهرومغناطيسي يُمثل بواسطة وتر .قم بعزف الوتر وأعطه الطاقة لإلهتزاز .إال أنه إذا كان هذا مجااًل كميًا حقيقيًا ،فإن هذه
االهتزازات يمكن أن تأتي فقط بأحجام محددة مسب ًقا .إذا لم تعط المجال طاقة كافية للوصول إلى أصغر اهتزاز ممكن ،فإن شيًئ ا ال
يحدث .للفيزيائيين اسم ألصغر اهتزاز ممكن للمجال الكهرومغناطيسي :فوتون .لذلك ،الفوتونات واإللكترونات ليست جسيمات
مدمجة في مجال ،بل هي المجال .الفوتونات هي اهتزازات المجال الكهرومغناطيسي؛ واإللكترون هو أصغر اهتزاز ممكن لمجال
إلكترون منفصل .هذه المجاالت أساسية ،تمأل الكون وتوجد سواء كان هناك اهتزاز – ما نسميه جسيمًا – أم ال.
هاهي طريقة أخرى لتصور األمر .تخيل أن حقالً مكونا ً من شبكة من البالطات ،كل واحدة مرتبطة بزنبرك .في البداية ،الحقل ثابت
تماماً ،البالطات كلها مستوية وال يوجد أي زنبركات تتأرجح ألعلى وألسفل .ومع ذلك ،إذا قمت بسحب واحدة من البالطات -
وبالتالي حقن طاقة في جزء صغير من الحقل -يمكنك أن تجعل أحد الزنبركات يتأرجح ألعلى وألسفل .هذا االهتزاز المحلي لحقل
هو ما نراه كجسيم .لكن األمر الحاسم هو أن الزنبرك له بعض المقاومة .إذا لم تسحب البالطة بقوة كافية ،فلن تتحرك .بعبارة
أخرى ،هناك كمية دنيا من الطاقة المطلوبة إلنشاء جسيم .يمكنك زيادة حجم االهتزاز عن طريق حقن المزيد من الطاقة ،لكن في
حالة حقول الكم ،فقط االهتزازات بأحجام محددة ومسبقة التحديد مسموح بها -ولهذا السبب تحتاج اإللكترونات إلى كمية معينة من
الطاقة للقفز إلى مدار أعلى داخل الذرات .االهتزازات داخل حقول الكم تأتي فقط بمضاعفات ألصغر اهتزاز ممكن .أي شيء بينهما
ممنوع .باإلضافة إلى ذلك ،يمكن نقل االهتزازات في حقل كمي إلى آخر .عندما يقول الفيزيائيون إن إلكترونا ينخفض مستوى
طاقته ،كما في أضواء دوتونبوري ،ما يعنونه ح ًقا هو أن اهتزازا محليا في حقل اإللكترون يهتز أقل .تنتقل هذه الطاقة المفقودة إلى
حقل الكهرومغناطيسي ،مما يخلق اهتزازا محليا هناك نسميه فوتون .تصوير هذه العملية باستخدام الجسيمات قد يكون أسهل للفهم،
لكن في الواقع ال يوجد أي جسيمات متورطة على اإلطالق .إنها كلها مجرد حقول تهتز وتتفاعل مع بعضها البعض.
هاد الفكرة ديال الجسيمات بحال غير اهتزازات معروفة باسم نظرية الميدان الكوانتي وكتفسر حتى األمادة المضادة اللي توقع بها
ديراك ألول مرة .اإللكترون هو اهتزاز في ميدان اإللكترون ،لكن الشريك المضاد ديالو -البوزيترون -هو اهتزاز في نفس الميدان
ولكن في االتجاه المعاكس ،بمثابة جر البالطة لتحت بدل ما ترفعها لفوق .عالش هكذا الجسيمين المسميين "جسيمات" عندهم صفات
متطابقة إال للشحنات الكهربائية المعاكسة ديالهم .عندما يلتقي اإللكترون والبوزيترون ،تلغي اهتزازاتهم بعضها البعض ويتوقف
ميدان اإللكترون عن االهتزاز .طاقتهم تنتقل لميدان الكهرومغناطيسي ،اللي كيهتز ليخلق فوتونين .هادا معروف بالفناء .العكس
كيقدر يوقع حتى هو ،عندما طاقة الفوتون تنتقل لميدان اإللكترون باش تخلق زوج إلكترون-بوزيترون .بال شك ،هاد العملية معروفة
بإنتاج الزوج .ديراك هو اللي جا بأول اسم لهاد النظرية ديال التفاعل بين الضوء والمادة .سماها الكهروميكانيكا الكوانتية أو .QED
لكن كيفاش كتفسر هاد الميادين الكوانتية قياس كوش الغريب للعزم المغناطيسي الثنائي القطب لإللكترون وتحول المب؟ وفين
كيدخلو الجسيمات الغريبة اللي كتعوم عليهم؟ الجواب جا من الفيزيائي جوليان شوينغر ...مولود في نيويورك في ،1918شوينغر
وقع في حب الفيزياء خالل محاضرة ديال ديراك اللي حضرها وهو عمرو 14سنة .في عمرو 16سجل كطالب جامعي في جامعة
مدينة نيويورك .بموهبة استثنائية واضحة ،قال الفيزيائي األسطوري هانس بيته على شوينغر اللي عندو 17سنة" .علمو
بالكهروميكانيكا الكوانتية زعما مساوي لعلمي ،وصعيب عليا نفهم كيفاش قدر يكتسب هاد العلم في أقل من جوج سنين".
إذا كان التحليل الكمومي للكهرباء ( )QEDيفسر التفاعل بين الضوء واإللكترونات من خالل الحقول الكمومية ،فإن هذه الحقول
يجب أن تخضع أيضا لكل قواعد عالم الكم الغير بديهي .يشمل ذلك مبدأ عدم اليقين الخاص بـهايزنبرغ .مبدأ عدم اليقين الخاص
بـهايزنبرغ هو اتفاق إقراض مع الكون .يقول أنه يمكنك استعارة الطاقة من الفضاء الفارغ طالما تعيدها مرة أخرى في غضون وقت
معين .كلما اقترضت طاقة أكثر ،كلما كان عليك أن تعيدها بسرعة أكبر .يمكن لهذه الطاقة المقترضة أن ترفع بالطة وتهتز في حقل
كمي لخلق جسيم ،ولكن بعد ذلك تختفي هذه االهتزازات مرة أخرى بمجرد أن يتم سداد دين الطاقة .يشير الفيزيائيون إلى هذه
االهتزازات الشبحية بأنها جسيمات "افتراضية" .يعني ذلك أن اإللكترون ليس وحيداً أبداً .الحقل الكهرومغناطيسي المحيط به يهتز
باستمرار بالطاقة المقترضة ،مما يخلق سربا ً من الفوتونات االفتراضية التي تظهر وتختفي من الوجود .أحيانا ً توجد الفوتونات
االفتراضية لفترة كافية بحيث تخضع إلنتاج الزوج إلنتاج أزواج اإللكترون-بوزيترون االفتراضية ،لكنها تختفي أيضا ً قريباً .قبل أن
تختفي ،تدفع هذه الجسيمات الشبحية اإللكترون الحقيقي إلى مستوى طاقة مختلف قليالً داخل ذرة الهيدروجين ،وهو بالضبط ما
9
الحظه ويليس المب .كما أنها تؤثر على تفاعالت اإللكترون المغناطيسية ،مما يفسر لماذا كان العامل gالذي قاسه كوش أعلى قليالً
من المعادلة الديراكية ،التي ال تعامل الحقل الكهرومغناطيسي كحقل كمي.
في السنوات الماضية ،قام الفيزيائيون بقياس لحظة الدوران المغناطيسية لإللكترون بمستوى دقة ال يصدق .وف ًقا لنظرية الكم
الكهرومغناطيسية ،ينبغي أن تكون قيمة عامل gلإللكترون .2.0023193043552في فبراير ،2023أعلن الفيزيائيون عن
أدق قياس لعامل gلإللكترون تم إجراؤه على اإلطالق .إجابتهم؟ .2.0023193043612دقيقة بنحو جزء واحد في تريليون -
مما يجعل النظرية الكم الكهرومغناطيسية أكثر النظريات اختباراً بدقة في تاريخ الفيزياء .هذا يعادل قياس المسافة إلى القمر بدقة أقل
من عرض شعرة بشرية .بدون وجود الجسيمات االفتراضية ،سيكون عامل gبالضبط .2قد تظهر وتختفي ،ولكن تأثيرها الشبحي
يترك بصمة على العالم الحقيقي واضحة للجميع .األمر كما لو أن قطعة على رقعة الشطرنج تحركت دون أن يلمسها أحد فعليًا .يجب
أن يشمل كتاب قوانيننا هذه الحركات الوهمية أيضًا .الوجود العابر للجسيمات االفتراضية له تأثيرات عميقة على كيفية تفسيرنا للعالم
من حولنا ،بدءًا من كيفية عمل المغناطيس .تختفي فكرة فاراداي في القرن التاسع عشر حول خطوط المجال ،وتأتي بدالً منها تبادل
الفوتونات االفتراضية .تخيل أنك وصديق لك واقفان على قارب .إذا قمتما برمي الكرات ذهابًا وإيابًا بينكما ،ستتحرك القوارب بعي ًدا
عن بعضها .بنفس الطريقة ،تتحرك األقطاب المغناطيسية المتطابقة بعي ًدا عن بعضها البعض عن طريق تبادل الفوتونات
االفتراضية .إذا كانت األقطاب متعاكسة ،فإنها تجذب بعضها البعض أيضًا عن طريق تبادل الفوتونات االفتراضية ،ولكن هذه المرة
بطريقة تشبه رمي البوميرانج بين القوارب بدالً من الكرات .بطريقة مماثلة ،الفوتونات االفتراضية هي التي تشكل السحابة التي
تطفو عليها حاليًا مثل ضفدع جايم
فيزيائيون عانقوا تداعيات الجسيمات االفتراضية منذ أن قدم هايزنبرغ مبدأ عدم اليقين الخاص به في .1927في غضون عامين،
أدرك مشرف دكتوراه شوينجر ،والذي أصبح فيما بعد والد القنبلة الذرية ،روبرت أوبنهايمر ،أنها تمثل مشكلة كبيرة لنجاح نظرية
الديناميكا الكهرومغناطيسية الكمية ( .)QEDعندما استخدم نسخة مبكرة من النظرية لجمع مساهمات أعداد غفيرة من الجسيمات
االفتراضية المحيطة باإللكترون ،اقترحت أن الطاقة التي يصدرها اإللكترون عندما يغير مستويات الطاقة لديه هي ال نهائية .لم
تستطع QEDأن تفسر شيئا ً أساسيا ً مثل خطوط الطيف الهيدروجينية التي شرحها بوهر ثم ديراك بشكل جميل .الحسابات الخاصة
بكتلة وشحنة اإللكترون أيضا ً أعطت الالنهاية كإجابة .الالنهاية ليست حتى رقماً ،بل هي مفهوم أو فكرة الالنهائية .عندما تظهر في
الفيزياء ،فهي عالمة نيون كبيرة أخرى تحث الفيزيائيين على المحاولة بجد أكثر .هذه مشكلة الالنهاية تعني أن QEDبدت وكأنها
ميتة لدى الوصول -فجر كاذب آخر -لكن هذا لم يكن ليكون نهاية النظرية .فسيتم في نهاية المطاف إنقاذها من قبل شوينجر
وآخرين في األربعينات ،باستخدام تقنية نظرية قوية بشكل ال يصدق .قد أظهرت تحول المب ولحظة الديبول المغناطيسية الشاذة
لإللكترون للفيزيائيين أن تأثير الجسيمات االفتراضية هو محدود وليس ال نهائي .التأثير الذي لديهم قابل للقياس .لم يكن على
النظريين أن يفهموا بشكل كامل لماذا أعطت QEDفي البداية اإلجابة الخاطئة ،كل ما كان عليهم القيام به هو تعديل معادالتهم
بطريقة تنتج القيم التي قاسها المب وكوش .تغيير نظرية بهذه الطريقة للقضاء على الالنهايات غير المرغوب فيها هو فعل سحري
رياضي يسمى التجديد الطبيعي -ويستخدم العلماء هذه الت قنية حتى يومنا هذا الختراق المشاكل التي تبدو غير قابلة لالختراق.
10
وفي عام ،2022كشف المنقبون عن كنز مختلف تماما ً مدفون في التربة المتجمدة .عندما تساقطت قطعة كبيرة من األرض
المتجمدة ،ظهر جسم حيوان .الرجل الذي اكتشفه -ترافيس مودري -ظن أنه جاموس صغير .فقط عندما رأى الخرطوم أدرك ما
وجده :ماموث صوفي محفوظ بشكل مثالي مع الشعر والجلد .يقدر العلماء أن الماموث عاش حوالي 30,000سنة مضت ،لكن
كيف يعرفون كم من الوقت كان هناك؟ إن اإلجابة على هذا السؤال توفر المفتاح للمجموعة التالية من قواعد الكم .فمنذ موت
الماموث ،كان هناك ساعة دقيقة جدا تعمل بصمت داخله .ساعة تعتمد على ذرات الكربون .14-نواة ذرة الكربون 14-تحتوي على
ستة بروتونات وثمانية جسيمات تسمى نيوترونات .أحيانا ً يتحول أحد النيوترونات بشكل تلقائي إلى بروتون .وبما أن عدد
البروتونات هو ما يميز العناصر الكيميائية عن بعضها البعض ،فإنه لم يعد ذرة كربون .إنه اآلن ذرة نيتروجين ،مع سبعة بروتونات
وسبعة نيوترونات .هذه العملية العشوائية تسمى االضمحالل اإلشعاعي وكلما زاد عدد ذرات الكربون التي تحولت إلى نيتروجين،
11
يجب أن يكون العينة أقدم .لكن هذا النوع من االضمحالل اإلشعاعي يخضع لقوة مختلفة تماما ً عن تلك التي تتحكم في المغناطيس
واإللكترونات .قوة تبدو أضعف بكثير ،ومن هنا جاء اسمها :القوة الضعيفة.
وقصة كيف وصل الفيزيائيون إلى فهم حقيقي لقواعد القوة الضعيفة ،وحركاتها المختلفة على رقعة اللعبة ،بدأت في مدرسة برونكس
الثانوية للعلوم في مدينة نيويورك بعي ًدا في عام ...1950في ذلك العام ،تضمنت الدفعة الخريجة في مدرسة برونكس العليا ليس
واح ًدا ،بل اثنين من الفائزين بجائزة نوبل في المستقبل .ليس ذلك فحسب ،بل سيفوزان بنفس الجائزة ،في نفس العام ،عن مساهماتهما
في نفس النظرية ،على الرغم من عملهما عليها بشكل منفصل .كانا شيلدون جالشو وستيفن واينبرج .انتهى األمر بكل من جالشو
وواينبرج في جامعة كورنيل ،بعد أن قاد والد واينبرج جولة لهما للنظر في مختلف الكليات .بعد التخرج ،انتقل جالشو إلى هارفارد
إلكمال الدكتوراه تحت إشراف جوليان شوينجر .بعد تطبيعه لديناميكا الكم الكهرومغناطيسية ،دفع شوينجر جالشو إلى التفكير فيما
إذا كان يمكن شرح القوة الضعيفة أيضًا باستخدام حقل الكم .لقد رأينا بالفعل كيف تنتقل القوة الكهرومغناطيسية عبر الفوتونات
االفتراضية التي تتنقل بين قطبي المغناطيس وحتى بين قدميك واألرض .يطلق الفيزيائيون على هذه الجسيمات التي تحمل القوة اسم
البوزونات .لكن أي بوزون مسؤول عن نقل القوة الضعيفة؟ تكمن اإلجابة جزئيًا في تحلل الكربون 14-إلى النيتروجين14-
المستخدم في تأريخ الكربون .تحول القوة الضعيفة النيوترون المحايد كهربائيًا إلى بروتون مشحون إيجابيًا ،مع إلكترون وجسيم
يسمى النيوترينو المضاد لإللكترون .يسمى هذا العملية باالضمحالل بيتا السالب ،لكن يمكن أن تحدث بالطريقة األخرى أيضًا .خالل
االضمحالل بيتا اإليجابي ،يتحول البروتون إلى نيوترون ،باإلضافة إلى بوزيترون ونيوترينو اإللكترون .بعبارة أخرى ،تستطيع
القوة الضعيفة ت غيير الشحنة الكهربائية للجسيم .الفوتون – بوزون القوة الكهرومغناطيسية -ال يمتلك هذه القدرة.
عندما يمتص إلكترون فوتون ،يظل مشحو ًنا بشحنة سالبة .لذلك يجب أن يكون للقوة الضعيفة بوزونين على األقل -واحد متورط في
تغيير الشحنة من محايدة إلى موجبة وآخر في تغيير الشحنة من موجبة إلى محايدة .واينبرغ هو من اختار الحرف؛ Wللقوة
الضعيفة ،مانحً ا إيانا بوزوني Wالموجب و Wالسالب .وهكذا حاول الفيزيائيون بما فيهم شفينجر وغالشو شرح هذه التفاعالت
للقوة الضعيفة باستخدام نظرية المجال الكمي -كما فعلوا بالنسبة للقوة الكهرومغناطيسية .تم تفسير بوزونات Wعلى أنها
االهتزازات الدنيا الممكنة لمجال ،Wتمامًا كما هو الحال بالنسبة للفوتون في المجال الكهرومغناطيسي .تمامًا مثل الفوتونات التي
تتحرك بين المغناطيسات ،فإن بوزونات Wالموجبة و Wالسالبة المتورطة في نوعين من االنحالل البيتا هي أيضًا افتراضية.
جزيئات شبحية تعكر صفو الواقع قبل أن تختفي سريعًا إلى ظالل الكم .بهذه الطريقة ،نحن نقوم بتأريخ الكنوز األثرية بمساعدة
جزيئات ليست موجودة ح ًقا .إال أن تحويل القوة الضعيفة إلى نظرية مجال كمي كاملة كان أكثر صعوبة من المتوقع .فلقد توقعت
الرياضيات وجود ثالثة بوزونات ،ليس اثنين .يقترح غالشو وجود بوزون جديد ،محايد كهربائيًا ،Z :لحقيقة أنه ليس له شحنة.
لذلك ،تتم حمل القوة الضعيفة بثالثة بوزونات W :الموجب W ،السالب و .Zهم نتاج مجالين كميين مختلفين -واحد لل Wsوآخر
لل .Zتم إحراز تقدم ،لكن هناك مشكلة أكبر :هذه الثالثية من البوزونات لها كتلة .يجب أن يكون لها كتلة ألن المسافة التي تعمل
عليها القوة الضعيفة -ما يشير إليه الفيزيائيون بمداها -صغيرة ج ًدا .مجرد مئة جزء من تريليون جزء من المليمتر .يشير هذا
السلوك إلى أن الب وزونات االفتراضية المسؤولة عن حمل القوة الضعيفة تختفي بسرعة كبيرة قبل أن تتمكن من الوصول بعي ًدا.
الوقت الذي يستغرقه اختفاء نصفها -المعروف بنصف العمر -هو فقط ثالثة أجزاء من عشرة سبتيليون جزء من الثانية .هناك
المزيد من هذه النصف العمر في ثانية واحدة منذ االنفجار العظيم قبل حوالي 13.8مليار سنة .هذا هو سبب تسميتها بالقوة
الضعيفة .ليس ألنها ضعيفة بطبيعتها عندما تعمل .بل ألن القوة الضعيفة نادرً ا ما تعمل على اإلطالق ألن البوزونات االفتراضية
التي تحملها تختفي بسرعة كبيرة.
السبب الذي يجعل العمر القصير جداً يعني أن البوزونات الضعيفة لها كمية كبيرة من الكتلة هو مرة أخرى مبدأ عدم اليقين
لهايزنبرغ ،اتفاق القرض مع الطبيعة الذي يتحمل المسؤولية عن الجسيمات االفتراضية في المقام األول .تذكر ،يمكنك استعارة كمية
قليلة من الطاقة لفترة طويلة أو الكثير من الطاقة لفترة قصيرة .الحياة القصيرة للغاية للبوزونات الضعيفة تشير إلى أنها يجب أن
تكون قد استعارت الكثير من الطاقة .وفقا ً لمعادلة أينشتاين الشهيرة ،E=mc2الطاقة العالية تعني أيضا ً كتلة عالية .البوزونات
الضعيفة كل منها يزن حوالي 100مرة أثقل من البروتون أو 160,000مرة أثقل من اإللكترون .لكن هذا أدخل عائقا ً في المسألة
-إعادة التنظيم ،الحيلة الرائعة التي استخدمها الفيزيائيون للتخلص من الالنهايات في الكهروديناميكا الكمومية ،تعمل فقط للبوزونات
التي ال تملك كتلة مثل الفوتونات .حقيقة أن البوزونات الضعيفة لها كتلة تعني أن الالنهايات كانت ال تزال موجودة إذا أردت معالجة
القوة الضعيفة كحقل كمومي وبوزوناته كاهتزازاته .ولذلك كان صديق المدرسة القديم لجالشو -ستيفن واينبرغ -من ساعد في
اكتشاف الطريق من خالل المستنقع ،بفكرة رائعة -تكثيف آخر للقواعد .ماذا لو كان الحقل الكهرومغناطيسي والحقل الضعيف في
يوم من األيام واحداً ونفس الشيء؟ بينما كان الفيزيائيون مشغولين بمحاولة كتابة كتاب القواعد الكمومية للعبة الشطرنج اإللهية،
أدرك علماء الفلك أن الكون بدأ كنقطة صغيرة جداً وساخنة تعرف باالنفجار العظيم.
12
معا ،بدأ الفيزيائيون وعلماء الفلك في استكشاف إمكانية أن هناك في األصل مجاالً واحداً يسمى المجال الكهروضعيف ،الذي انفصل
إلى المجالين الكهرومغناطيسي والضعيف كما توسع الكون وبرد .إذا كان هذا المجال الكهروضعيف لديه بوزونات بدون كتلة قبل
االنفصال ،فمن الممكن معاملته كمجال كمومي دون مشاكل الالنهاية .أصبحت المشكلة بعد ذلك كيفية االنتقال من مجال واحد
ببوزونات بدون كتلة إلى مجالين منفصلين ،واحد منهما فقط لديه بوزونات ذات كتلة .وهكذا نجح واينبرغ في ذلك :لنقل أن المجال
الكهروضعيف كان لديه أربعة بوزونات بدون كتلة .سنطلق عليهم أسماء ،W1، W2، W3و .Bيجب أن يكون هناك مجال آخر
موجود أيضاً ،سنسميه المجال .Hالمجال Hفي البداية غير نشط ،لكنه ينشط فجأة ويجلب أربعة بوزونات خاصة به إلى اللعب.
تسمى هذه البوزونات H+، H-، H0و .hتنشيط المجال Hيكسر التماثل األساسي للمجال الكهروضعيف وينفصل إلى المجالين
الضعيف والكهرومغناطيسي .بوزونات Hلديها أيضا ً القدرة على منح بوزونات أخرى كتلة .بوزونات W1و +Hتتحدان لتكوين
البوزون W plusوتتحد W2مع -Hلتكوين W minus. W3و Bيندمجان لخلق بوزونين جديدين بدون كتلة .يندمج أحدهما
مع H0لصنع بوزون .Zاآلخر ال يندمج مع بوزون Hوبالتالي ال يكتسب كتلة .هو الفوتون بدون كتلة .بحلول هذا الوقت ،ربما
تكون قد خمنت ما تعنيه جميع :Hsهيغز .وفي ذلك يكمن جمال نظرية الكهروضعف هذه ،التي تسمى أحيانا ً ديناميكا النكهة
الكمومية أو .QFDفهي ال تفسر فقط لماذا لدى بوزونات الضعف كتلة ولماذا الفوتون ال ،بل تتوقع أيضا ً شيئا ً كبيراً.
واحد من أربعة بوزونات أصلية من نوع - H - hكان من المفترض أن ينجو من هذه العملية المعقدة دون أذى .وهكذا بدأ البحث
عن ربما أشهر جسيم في تاريخ الفيزياء :بوزون هيغز .شارك الزمالء في المدرسة غالشو وواينبرغ في جائزة نوبل للفيزياء لعام
1979إلى جانب الفيزيائي الباكستاني عبد السالم ألعمالهم حول هذا التوحيد الكهروضعيف .فجأة لم نعد بحاجة إلى مجموعة واحدة
من القواعد لشرح المجال الكهرومغناطيسي ومجموعة منفصلة لشرح المجال الضعيف .كانت قواعد المجال الكهروضعيف كافية -
بنفس الطريقة التي قام بها جيمس كليرك ماكسويل بدمج المجالين الكهربائي والمغناطيسي في مجال كهرومغناطيسي واحد في المقام
األول .تم دمج قاعدتين مختلفتين تمامًا في إطار أساسي واحد .ولكن هذه لم تكن النهاية .فبينما كان فيزيائيون نظريون يرسمون كل
هذا ،كان فيزيائيون تجريبيون يواصلون البحث بعمق أكبر داخل الذرة -وبذلك وجدوا حديقة حيوانات من الجسيمات وطبقة جديدة
كاملة من الواقع .اتضح أن البروتونات والنيوترونات داخل الذرات مصنوعة أيضًا من جسيمات أصغر -يحكمها قوة أساسية أخرى.
هل يمكن تفسير هذا أيضًا بالمجاالت الكمومية؟ هل كانت المادة التي تشكل الذرات مجرد اهتزازات أيضًا؟ "ال يمكنك القول أن A
مصنوع من Bأو العكس .كل الكتلة هي تفاعل".
قلبك يدق في صدرك بينما الرياح الصاخبة تهدر بجانب وجهك .وأنت تتجه نحو األرض ،جرعة قوية من األدرينالين تجري في
عروقك .ثم ،في اللحظة األخيرة ،حبل البنجي يشدك من حافة النسيان .هذه الرحلة المثيرة تشبه تجربة الجسيمات دون الذرية التي
تسمى الكواركات .هي تشكل البروتونات والنيوترونات الموجودة في قلب الذرات .إال أنه إذا حاولت هذه الجسيمات تحرير نفسها من
هذه الجزيئات ،فإنها دائمًا ما ُتسحب إلى الداخل مرة أخرى .تم اقتراحها بشكل مستقل من قبل موراي جيل-مان وجورج زفيغ في
عام ،1964البروتونات والنيوترونات مكونة من نوعين مختلفين من هذه الكواركات :الكوارك العلوي والكوارك السفلي .داخل
بروتون ستجد كواركين علويين وكوارك سفلي واحد .الكواركات العلوية كل منها يحمل شحنة كهربائية بقيمة 2/3+والكوارك
السفلي يحمل شحنة كهربائية بقيمة ،1/3-لذا البروتون يمتلك شحنة كهربائية إيجابية بشكل عام .النيوترون يحتوي على كوارك
علوي واحد فقط ،شحنته ُتلغى و ُتصبح محايدة بواسطة كواركين سفليين .وبذلك ال يوجد شيء مثل حقل البروتون أو النيوترون -بل
يوجد فقط حقل الكوارك العلوي وحقل الكوارك السفلي .الكواركات العلوية والسفلية هي أدنى اهتزازات ممكنة لتلك الحقول
الكمومية .األشياء التي نسميها بروتونات ونيوترونات هي في الواقع حقلين كموميين مختلفين يهتزان بالتوازي .الذرات التي تشكل
واقعنا ليست سوى حقول مترابطة تهتز .ومع ذلك ،فإن فهم البروتونات والنيوترونات من حيث الكواركات قدم بعض التحديات
للفيزيائيين.
أوالً ،الشحنات الكهربائية المتماثلة تتنافر مع بعضها البعض تماما ً كما تفعل األقطاب المغناطيسية المتماثلة .فلماذا ال تتنافر
الكواركات الموجبة الشحنة في البروتون؟ أو الكواركات السالبة الشحنة في النيوترون لهذا األمر؟ استنتج الفيزيائيون أنه يجب أن
يكون هناك قوة جذابة أخرى ،أقوى من القوة الكهرومغناطيسية .القوة القوية .مثل القوة الكهرومغناطيسية ،القوة القوية تنقل أيضا ً
بواسطة بوزونات ال كتلة لها -هذه المرة تسمى الجليونات ،ألنه فقط من خالل تبادلها تبقى الكواركات ملتصقة معاً .الجليونات هي
أدنى اهتزازات ممكنة لحقل الجليون .لكن بالطبع ،كما رأينا مرارً ا وتكرارً ا ،كان هناك مشكلة صغيرة واحدة قد ُتفضي إلى نقطة
انهيار هذه النظرية الجديدة .ففي عام ،1964العام الذي تم فيه اقتراح الكواركات ،اكتشف الفيزيائيون جسيمًا محيرً ا ح ًقا :الجسيم
المسمى أوميغا-مينس .حديقة الكواركات تضم وحوشا ً أكثر غرابة من الكواركات العلوية والسفلية .هناك أيضًا أنواع من الكواركات
تسمى الغريب ،السحر ،األعلى واألسفل .كل واحد منها هو أدنى اهتزاز ممكن لحقل كمومي خاص به ،مما يعني وجود ستة حقول
كوارك في المجموع .المشكلة كانت أن الجسيم المزعج أوميغا-مينس كان مكونا ً من ثالث كواركات غريبة -وهذا بدا أنه يخرق
قانون مقدس في الفيزياء الكمية يعرف باسم مبدأ استبعاد باولي .لقد رأينا بالفعل أن جميع اإللكترونات لديها خاصية تسمى الدوران،
بقيمة تساوي النصف .وبالمثل ،الكواركات أيضا ً لديها دوران يساوي النصف.
13
تقول مبدأ بولي لالستبعاد بأنه من المستحيل لجزيئين ذوي سبين نصف أن يوجدا في نفس الحالة الكمومية بالضبط .يتم تجنب هذا مع
اإللكترونات ألن الشحنة الكهربائية تأتي بنوعين :إيجابية وسلبية .يمكن إللكترونين أن يشغال نفس مستوى الطاقة في ذرة إذا كانا
مميزين بكون أحدهما يمتلك سبين بلس نصف واآلخر سبين ناقص نصف .لكن ماذا عن الكواركات الغريبة الثالثة في جسيم أوميغا
ناقص؟ لنقل أن واحدا منها له سبين بلس نصف والثاني له سبين ناقص نصف .ماذا عن الثالث؟ ال يهم إذا كان سبينه إيجابيا أو سلبيا
-في كلتا الحالتين ،سيكون في نفس الحالة بالضبط كأحد جيرانه -في مخالفة مباشرة لمبدأ بولي لالستبعاد .كان جسيم أوميغا ناقص
الفتة نيون كبيرة أخرى ،شق أخر في النظرية التي كشفت ببطء عن طبقة جديدة كاملة من األفكار .أخبرت الفيزيائيين أن الكواركات
يجب أن تخضع لخاصية إضافية تميزها بدالً من ذلك .شيء ال يمتلكه اإللكترونات .اللون .اللون هو الشحنة المرتبطة بالقوة القوية،
تماما ً كما ترتبط الشحنة الكهربائية بالقوة الكهرومغناطيسية .يمكن للكوارك أن يمتلك واحدة من ثالث شحنات لونية تسمى األحمر
واألزرق واألخضر .إنها مشابهة للشحنات الكهربائية اإليجابية والسلبية .ال يمتلك الكواركات ألوانا ً مختلفة فعلياً ،مع ذلك -مثل
السبين ،اللون مجرد تشبيه .استخدام األلوان لتسمية شحنات القوة القوية الثالث كان فكرة الفيزيائي والي غرينبرغ ،الذي استوحى
اإللهام من شخص قابلناه من قبل :جيمس كليرك ماكسويل .في ستينيات القرن التاسع عشر ،أظهر ماكسويل أن الجمع بين الضوء
األحمر واألزرق واألخضر يخلق األبيض .بمعنى آخر ،تختفي جميع األلوان عندما يتم خلط الثالثة .بالمثل ،عند
البروتونات والنيوترونات وجسيمات أوميغا السالبة ال تتصرف وكأنها تحمل شحنة القوة القوية ،لذا يجب أن تكون محايدة اللون .هذا
يعني أنها تتكون من كوارك أحمر وكوارك أزرق وكوارك أخضر .ال يوجد كواركان متطابقان تماما ً وبذلك يتم الحفاظ على مبدأ
استبعاد باولي .والحقيقة أن الفيزيائيين يستخدمون األلوان لتسمية شحنات القوة القوية تعطي نظرية المجال الكمومي للقوة القوية
اسمها :الديناميكا الكمومية اللونية أو .QCDالديناميكا الكهربائية الكمومية لديها بوزون واحد -الفوتون – وأضافت الديناميكا
النكهة الكمومية ثالثة بوزونات ضعيفة – Wالموجب W ،السالب و .Zومع ذلك ،تقول QCDإن القوة القوية يتم حملها بواسطة
ثمانية بوزونات -أوكتيت من الجلوونات متعددة األلوان .وإليك السبب .مثل جميع جسيمات حمل القوة ،الجلوونات المتبادلة التي
تربط الكواركات معا ً هي أطفال افتراضيون لمبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ .لقد رأينا بالفعل كيف يمكن للفوتونات االفتراضية أن تتحول
إلى أزواج افتراضية من الجسيمات ومضادات الجسيمات التي تدفع اإللكترونات الحقيقية -بالمثل ،يمكن لجلوون افتراضي أن
يتحول إلى زوج افتراضي من الكوارك ومضاد الكوارك .إذا كان الكواركات تحمل شحنات حمراء وزرقاء وخضراء ،فإن مضادات
الكوارك تحمل شحنات مضادة حمراء وزرقاء وخضراء .لذلك فإن الشحنة القوية على جلوون هي مزيج من لون ومضاد لون.
عندما يمتص كوارك جلوون يحتوي على شحنة لونية معينة ،يتغير إلى تلك اللون .لذلك ،يتحول كوارك أزرق يمتص جلوون يحتوي
على شحنة حمراء إلى اللون األحمر .على العكس من ذلك ،عندما يصدر كوارك جلوون يحتوي على مضاد لون ،يتغير إلى ذلك
اللون .لذلك يتحول كوارك أخضر يصدر جلوون يحتوي على شحنة مضادة لألزرق إلى األزرق .هذا يجعل من المستحيل أن
يتكون جلوون من لون ومضاد لونه .لنقل أن كوارك أحمر يمكن أن يصدر جلوونات مضادة لألزرق األزرق .هذا من شأنه أن
يجعل نفسه أزرق ويجعل الكوارك األخضر أزرق عندما يمتصها .سيكون لديك كواركين أزرقين داخل نفس الجسيم .لن يكون هناك
واحد من كل لون للخلط معا ً ليكون محايد اللون ،لذلك سيظهر البروتون أو النيوترون شحنة لونية كلية .وهو ما ال يحدث أبداً.
هناك ست طرق لتزويج ثالثة ألوان بحيث ال تحصل أب ًدا على ألوان متطابقة في الزوج نفسه .هذه ست جليونات ،ولكن ماذا عن
اإلثنين اآلخرين؟ عالم الكم غريب ومضاد للحدس كما هو ،هناك طريقتان معقدتان لكل كوارك أو مضاد كوارك ليكون مزيجً ا من
األلوان مع الحفاظ في الوقت نفسه على شحنة لونية محايدة .هذا يجعل البروتونات والنيوترونات كأنها عوالم مصغرة .خاليا نشاط ال
تهدأ .كاليدوسكوبات متغيرة باستمرار من شحنات األلوان ،مع قوس قزح من الجليونات االفتراضية ،والكواركات ومضادات
الكوارك تتنقل هنا وهناك .هذه الجسيمات االفتراضية وفيرة لدرجة أنها تشكل 99في المئة من كتلة البروتون أو النيوترون.
الكواركات الحقيقية التي تتنقل بينها تساهم فقط بنسبة 1في المئة .الجسيمات الحقيقية التي تشكل كل ذرة في جسمك مصنوعة في
الغالب من أشياء ليست موجودة ح ًقا .يمكنك التفكير في التنقل المستمر للجليونات بين الكواركات كأنه حبل مطاطي بينهم .يسميه
الفيزيائيون خيط .QCDحاول سحب كوارك من بروتون ويشتد الحبل المطاطي ويجر الكوارك مرة أخرى كما لو كان قافز بانجي
ساب ًقا .من الممكن وضع طاقة كافية لقطع الحبل المطاطي تمامًا .ومع ذلك ،هذا ال يزال ال يحرر الكوارك .بدالً من ذلك ،يتحول
الطاقة إلى زوج كوارك-مضاد كوارك يسمى ميزون .يهرب الميزون ويأخذ معه الطاقة ،لكن الكوارك يظل محبوسًا .تصادمات
داخل مسرعات الجسيمات نشيطة للغاية بحيث يتم قطع الحبل المطاطي عدة مرات ،مطلقة أسطواًل من الميزونات .يشكلون تدفقات
بحثا عن تلميحات حول ما حدث .إنها مثل تمشيط مسرح جريمة ً
بحثا عن أدلة وهذه التدفقات هي التي يدقق فيها فيزيائيو الجسيمات ً
حول الجاني .فقط بعد ذلك تظهر عالمات اللون عندما يتم نقلها من جسيم إلى جسيم.
هذه الجسيمات االفتراضية لها دور أهم لتلعبه .في معظم النوى الذرية هناك بروتونات متعددة ،كل منها يحمل شحنة كهربائية
موجبة .مثل جميع الجسيمات المشحونة كهربائياً ،فإنها تتبادل الفوتونات االفتراضية ،التي تعمل على دفعها بعيداً عن بعضها .لكن
هذا يتغلب عليه الجسيمات االفتراضية التي يتم تبادلها أيضاً ،والتي تبقيها ملتصقة معاً .يطلق الفيزيائيون على هذا القوة النووية
14
القوية لتمييزها عن القوة القوية التي تربط الكواركات .يمكنها أيضا ً أن تلصق بروتون ونيوترون معاً .كل عنصر في الجدول
الدوري أثقل من الهيدروجين سيكون مستحيالً بدون هذه الجسيمات االفتراضية .ال نجوم ،ال كواكب ،ال حياة .كون فارغ إلى حد
كبير .لذلك ليس فقط أن الجسيمات التي تتكون منها معظمها تتألف من أجزاء ال توجد حقاً ،بل هذه األجزاء أيضا ً محتفظ بها معا ً
بواسطة أشياء ال توجد حقاً! كلما اكتشفنا المزيد عن قواعد الشطرنج الكمومي ،أصبحت أغرب فأغرب .في عام ،2004شارك
ديفيد جروس وديفيد بوليتزر وفرانك ويلتشيك في جائزة نوبل في الفيزياء ألعمالهم على الكروموديناميكا الكمومية .أظهروا أن القوة
القوية وكل تفاعالت األلوان المتنوعة يمكن وصفها باستخدام نظرية الحقل الكمومي القابلة للتجديد تماما ً كما يمكن للقوى
الكهرومغناطيسية والضعيفة .أن الكواركات والغلوونات والميزونات كلها مجرد اهتزازات شبحية في حقول كمومية .وهذا يعني أنه
يمكن حاليا ً تفسير كل شيء في العالم الذري باستخدام نظريتين فقط :نظرية الكهروضعيفة ،التي تشمل ديناميكا النكهة الكمومية
والديناميكا الكهرومغناطيسية الكمومية ضمنها ،والكروموديناميكا الكمومية.
نظرية تثبت -مرة واحدة وإلى األبد -أن كل شيء -حتى الجاذبية -يمكن تفسيره كتموجات داخل حقول الكم .نظرية جاذبية الكم.
هذه التجربة بعيدة بالتأكيد ،لكنها تمثل الحلم للعديد من الفيزيائيين .تماما كما تم دمج القوى الكهرومغناطيسية والضعيفة معا في قوة
15
الكهروضعيف ،يشتبه الفيزيائيون أن قوة الكهروضعيف كانت مرتبطة في وقت من األوقات بالقوة القوية في حقل كم واحد .حقيقة أن
كليهما قد وصف بنجاح باستخدام نظريات حقول الكم تظهر أنهما متوافقان بشكل كبير .يبدوان كقطعتين من قالدة ،تتناسبان بشكل
طبيعي معا لتكوين كل .زواج االثنين يعرف باسم نظرية التوحيد الكبير ( )GUTوهي فكرة قابلة لالختبار بشكل جوهري .على
سبيل المثال ،يشتبه الفيزيائيون أنها يمكن أن تؤدي إلى تحلل البروتون ،حيث ينقسم البروتون إلى جسيمات أخف .البحث جاري
بالفعل إلثبات هذه العملية .دليل على أن حقل الجاذبية كان مرتبطا في وقت من األوقات مع حقل التوحيد الكبير في حقل كم واحد هو
ما كان مسرعنا بحجم النظام الشمسي يبحث عنه .تماما كما لدى القوى الثالث األخرى بوزونات حاملة للقوة ،كان فيزيائيونا
المستقبليون في البحث عن الجرافيتون .االهتزاز األدنى الممكن لحقل الجاذبية المكمم .ومع ذلك ،على الرغم من أن هذا التمديد
سطحيا منطقي -فإن مثل هذه الفكرة غير متوافقة بشكل جوهري مع الطريقة التي يفهم بها الفيزيائيون الجاذبية حاليا .أفضل نظرية
لدينا للجاذبية هي نظرية أينشتاين العامة للنسبية .تقول أن الكون مكون من نسيج يسمى الزمكان.
إذا كتب شكسبير أن "العالم كله مسرح" ،فإن الزمكان هو المسرح وحقول الكم العبون عليه .الحقول الكمية السبعة عشر لنموذج
القياسي تهتز في الفضاء وعبر الزمن .الزمكان هو الفضاء والزمن .وفقا ً للنسبية العامة ،الكتلة أو الطاقة الموجودة في الزمكان تخلق
ثان في هذا البئر ،فسيبدو أن الجسم األول يمنعه من الهروب بسحبه نحوه .كان إسحاق انخفاضا يُعرف ببئر الجاذبية .إذا وقع جسم ٍ
نيوتن يعتقد أن هذه هي قوة الجاذبية الجاذبة ،لكن الجاذبية ليست حقا ً قوة بنفس الطريقة التي تكون بها القوى الثالث األخرى -إنها
مجرد تأثير الزمكان المنحني داخل بئر الجاذبية .بوصفها بهذه الطريقة ،تتعامل النسبية العامة مع الجاذبية بشكل مختلف جداً عن
الطريقة التي تفسر بها نظريات حقل الكم القوى األساسية الثالث األخرى من خالل تبادل البوزونات االفتراضية .في النسبية العامة،
ال يوجد حبل مطاطي من الغرافيتونات االفتراضية يسافر بين الشمس واألرض .محاولة تفسير الجاذبية من خالل تبادل الغرافيتونات
االفتراضية بدالً من ذلك مشكلة كبيرة .فمن ناحية ،هناك مشكلة عندما يحسب الفيزيائيون احتماالت إصدار جسيم أو امتصاص
غرافيتون .الجواب الذي يحصلون عليه أعلى بكثير من .1في احتمالية األحداثُ ،تقاس احتمالية األحداث على مقياس من المستحيل
عند 0إلى المؤكد عند .1احتمالية أكثر من 1تعني أن الحدث أكثر يقينا ً من المؤكد .وبعبارة أخرى ،هناك فرصة تزيد عن 100
في المئة لحدوثه .هذا بالطبع هراء -وعالمة تحذير حمراء أخرى واضحة.
ولكن هناك مشكلة أكبر حتى .فلنفترض أن الشمس واألرض يتبادالن حقا الجرافيتونات .هذه الجرافيتونات لها طاقة ،لذا فإنها ستؤثر
في الزمكان ،مما يؤدي إلى المزيد من الجرافيتونات .هذه الجرافيتونات أيضا ستؤثر في الزمكان ،مما يؤدي إلى المزيد والمزيد من
الجرافيتونات .بسرعة كبيرة ،يتحول هذا األمر إلى حلقة مفرغة خارجة عن السيطرة وتتجه نحو الالنهاية ،مما يؤدي إلى تضخم
المعادالت وفقدانها لقوتها التنبؤية .إذا كان هذا يبدو مألوفا فأنت ال تتخيل .هذه هي نفس المشكلة التي عانت منها النسخ األولى من
نظرية الكهرباء الكمية .قام روبرت أوبنهايمر بجمع تأثير جميع الجسيمات االفتراضية التي تحوم حول اإللكترون وحصل على
الالنهاية كإجابة .لم يتم تجنب الحرج إال ألن تحول المب وقياس كوش الغير متوقع لعزم الديبول المغناطيسي لإللكترون أظهر
للفيزيائيين كيفية تعديل معادالتهم إلنتاج اإلجابة الصحيحة من خالل إعادة التشكيل .ولكن الفيزيائيين ال يعرفون بعد كيفية إعادة
تشكيل الجاذبية الكمومية والقضاء على الالنهايات .ربما سيأتي يوم يكشف فيه تدخل صغير آخر ثغرة في نظرية النسبية العامة أو
النموذج القياسي؟ خطوة نهائية في لعبة الشطرنج اإللهية التي دامت قرونا والتي لم يالحظها الفيزيائيون بعد .خطوة تساعدهم على
استكمال قواعد اللعبة نهائيا .ربما سيستغرق األمر مسرعا بحجم النظام الشمسي الكتشافه .في غضون ذلك ،جرب الفيزيائيون طرقا
أخرى لكسر الجمود .أشهر محاولة هي نظرية األوتار .تقول نظرية األوتار إن الجسيمات التي توصف بأنها أساسية في النموذج
القياسي -مثل الكواركات واإللكترونات -ليست أساسية على اإلطالق ،بل هي عبارة عن أوتار دقيقة تهتز .تماما كما يمكنك العزف
على أوتار مختلفة في آالت موسيقية مختلفة ل إنتاج نغمات مختلفة ،كذلك يخلق الكون تحفة أوركسترالية للنموذج القياسي عن طريق
قيادة قسم األوتار الخاص به.
تتمتع األوتار المفتوحة بخصائص الفوتونات والغلوونات ،لكن الوتر المغلق يمكن أن يحوي جميع الخصائص المتوقعة للجرافيتون.
إال أن هناك عد ًدا من العقبات الكبيرة .للتخلص من مشكلة احتماالت الجمع التي تزيد عن واحد ،يجب على نظرية األوتار استدعاء
تأثير جزيئات جديدة لم يراها أحد من قبل .للقضاء على الالنهائيات ،يجب أيضًا االفتراض أن الزمكان يحتوي على تسعة أبعاد
مكانية على األقل ،ربما أكثر .بما أننا نرى أربعة أبعاد فقط -ثالثة من المكان وواحد من الزمن -يجب أن تكون األبعاد األخرى
ملتفة بشكل صغير ج ًدا وخارج نطاق الرؤية .عاد ًة ما يصبح لعبة الشطرنج لفاينمان أبسط مع توحيد القواعد المتتالية .لكن نظرية
األوتار تبدو أنها تجعلها أكثر تعقي ًدا بحاجتها إلى مجموعة جديدة من القطع .ما يجعلها أكثر تعقي ًدا هو أن هناك عدد ال يحصى من
نسخ نظرية األوتار وال يعرف علماء األوتار أي مجموعة من القواعد يجب استخدامها لعمل تنبؤات قابلة لالختبار لمعرفة ما إذا
كانت صحيحة .فما هي الخيارات األخرى؟ عند الضغط ،سيعترف العديد من الفيزيائيين بأن نظرية النسبية العامة يبدو أنها األكثر
احتماالً لالنهيار أوالً .لقد رأينا مرات عديدة كيف أجبر اكتشاف بعض الحيل الجديدة الفيزيائيين على التخلي عن نظرية غير كمومية
موجودة لصالح نظرية كمومية جديدة.
16
نر بعد الشيء الذي يكسر نظرية النسبية العامة ألننا لم نستكشف بعد المناطق الصغيرة جداً في الزمكان .وهذه الفكرة ليست ربما لم َ
جديدة .فقد كان يفكر فيها رجل منذ ثالثينيات القرن الماضي .وُ لِد ماتفي برونشتاين ،الذي وُ لِد في ما يُعرف اآلن بأوكرانيا عام
،1906وعمله يغطي مجموعة مثيرة لإلعجاب من المواضيع من أشباه الموصالت ،الكهرومغناطيسية الكمية وعلم الكونيات .لكنه
يُذكر أكثر بسبب ورقته العلمية في عام 1935حول مشكلة الجاذبية الكمومية .لنقل أننا نريد قياس منطقة صغيرة جداً من الزمكان.
تخيل برونشتاين وضع جسيم هناك لمساعدتنا في هذا القياس .هنا يعود مبدأ عدم اليقين لهايزنبرغ ليدخل في قصتنا .لقد صادفنا
بالفعل النسخة التي تتعلق بالطاقة المستعارة لفترة معينة من الزمن ،ولكن برونشتاين فكر في نسخة أخرى تتعلق بموقع جسيم .تقول
إنه كلما استكشفت مسافات أصغر وأصغر ،تحتاج إلى جسيم بطاقة أعلى وأعلى للقيام بذلك .لكن معادلة أينشتاين E=mc²تخبرنا
بأن الطاقة تعني الكتلة وبدورها تخبرنا النسبية العامة بأن الكتلة تحني الزمكان إلى آبار الجاذبية .وفي النهاية يأتي وقت يصبح فيه
البعد الذي تستكشفه صغيراً جداً لدرجة أن الجسيم الذي تحتاجه يخلق بئر جاذبية عميقة للغاية بحيث ال يمكن ألي شيء الهروب
منها.
لقد أطلق الفيزيائيون اسما ً على بئر الجاذبية الذي ال مفر منه :الثقب األسود .لقد خلق جسيمك االختباري ثقبه األسود الخاص ،وبما
أنك ال تستطيع رؤية ما بداخل ثقب أسود ،فإنك لم تعد قادراً على قياس الجسيم .بعبارة أخرى ،هناك مسافة دنيا ال يمكن تحتها قياس
أي شيء ،تماما ً مثل وجود اهتزاز دنيا لحقل كمي .لقد قمت بالتكبير ووجدت أن الزمكان ال يبدو نفسه عند أصغر المقاييس بعد كل
شيء .إذا كان هذا صحيحاً ،فإن الزمكان لن يكون النسيج المستمر واألملس الذي تصفه النسبية العامة .بدالً من ذلك ،يأتي
بمضاعفات هذا الحجم األصغر الممكن .لقد توصل برونشتاين إلى طريقة أخرى يمكن بها كمية الزمكان .ومع ذلك ،سرعان ما
ُأخمدت شعلة برونشتاين الالمعة .بعد ثالث سنوات من نشر عمله ،تم إعدامه في سجن لينينغراد كجزء من الحملة الكبيرة لجوزيف
ستالينُ .أخبرت زوجته ليديا أنه حُكم عليه بعشر سنوات من العمل الشاق في أحد السجون الشهيرة في البالد .كان عمره ثالثين عاما ً
فقط .حيث بدأ برونشتاين ،سيتبعه آخرون في النهاية.
اليوم ،تطورت أعماله إلى نظرية الجاذبية الكمية الحلقية .وف ًقا لهذه النظرية ،يشبه الزمكان قطعة من المالبس .من مسافة بعيدة يبدو
كقماش ناعم ،ولكن إذا تكبّرت أكثر فأكثر سترى أنه في الحقيقة مصنوع من شبكة من الغرز الفردية .هذه هي الحلقات في الجاذبية
الكمية الحلقية ،الخيوط التي يتم بها نسج حقل الجاذبية الكمية .كل حلقة صغيرة ال يمكن تخيلها .سيكون هناك حلقات أكثر في
سنتيمتر مكعب واحد من الفضاء من السنتيمترات المكعبة للفضاء في الكون المرئي بأكمله .في مكان ما في حدود 10متبوعة بـ99
صفر .كل حلقة هي كم من حقل الجاذبية ،لذلك تلغي الجاذبية الكمية الحلقية الحاجة إلى الجرافيتونات وجميع المشاكل التي تأتي
معها .ومع ذلك ،حتى اآلن ال توجد أدلة تجريبية على أن الجاذبية الكمية الحلقية هي النهج الصحيح أيضًا .ربما يتم تمرير هذه
المهمة إلى األجيال البعيدة ،الذين سيبنون معجالت الجسيمات بحجم المجموعة الشمسية للتحديق في أعماق الواقع .ربما حينئ ٍذ
ستجعل الجاذبية الكمية الحلقية أو نظرية مماثلة الزمكان من المسرح الذي يمشي عليه جميع الحقول الكمية إلى مجرد حقل كمي
آخر .حينها لن يكون هناك مسرح على اإلطالق .سيتم إنشاء واقعنا بأكمله من خالل حقول الكم المتراكمة فوق بعضها البعض ،كون
مصنوع من ال شيء سوى التموجات األثيرية.