You are on page 1of 65

‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................

‬أسامة البحري‬

‫‪1‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪2‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الكتاب ‪ :‬السوسيولوجيا كفعل‬


‫المؤلف ‪ :‬أسامة البحري‬
‫النوع ‪ :‬علم اإلجتماع‬
‫رقم اإلصدار الخاص ‪232 :‬‬
‫السنة ‪2021 :‬‬
‫الطبعة ‪ :‬األولى (( الكتروني ))‬
‫الناشر ‪ :‬محررون‬

‫مراسلتنا أضغط هنا‬


‫__________________________________‬
‫جميع الحقوق محفوظة للناشر والمؤلف بكل أنواع النشر المتاحة ‪.‬‬
‫محررون ‪ :‬غير ملزمة بما يكتبه المؤلف من اراء وأفكار فهو توجه‬
‫الكاتب الخاص ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫السوسيولوجيا كفعل‬
‫أسامة البحري‬

‫‪4‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫اإلهداء‬

‫الى استاذي عبد الهادي‬


‫الى عائلتي‬
‫والدي المصطفى البحري‬
‫والدتي كنزة كيرو‬
‫الى رفيقتي و سندي إكرام‬

‫‪5‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫تقديم ‪:‬‬
‫يعتبر هذا الكتاب ‪ ،‬مدخال نظريا يجمع مجموعة من المقاالت التي كنت‬
‫أحررها ‪ ،‬منذ ان وطأت قدماي الجامعة الى اآلن ‪ ،‬و تندرج محاورها‬
‫في البراديغم السوسيولوجي بشكل عام ‪ ،‬سواء من حيث الممارسة‬
‫الفكرية او الممارسة االمبريقية ‪ ،‬و التي تحاول جاهدة تسليط الضوء‬
‫على االليات االبستيمية التي يكتسبها السوسيولوجي من الجانب النظري‬
‫من أجل تصريفها عمليا في الجانب الميداني‬

‫‪6‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الفصل االول ‪ :‬السوسيولوجيا كمعرفة ‪:‬‬

‫اذا ما عدنا ‪ ،‬الى عمل أوغست كونت“ دروس في الفلسفة الوضعية ”‬


‫سنجده قد تساءل عن كيفية خلق إنسجام نظري بين كل من بنية الحقل‬
‫الفكري وكذا الحقل السوسيولوجي‪ ،‬ويعود مرد هذا اإلختالف بين كل‬
‫من العقل الالهوتي والعقل الوضعي‪ ،‬في ابتعاد االنسان عن واقعه‬
‫المعاش‪ ،‬وذلك عبر تناوله ألمور كان من الصعب عليه الوصول إلى‬
‫حقيقتها“ الميتوس ”فأعادها بذلك إلى األوهام ”االرواح الشريرة ” وكذا‬
‫الى المتعالي “ الالهوت ”ولكنها ستكتسى فيما بعد ”طابعها الميتافيزيقي‬
‫“الحالة الميتافيزيقية”‪ ،‬التي ستقودنا مباشرة إلى فكرة كونت المحورية‬
‫والتي تؤمن جدال ‪ ،‬بفكرة ان اإلنسان ان ركز على دراسة الظواهر‬
‫مبتعدا عن التأمالت الالهوتية و الميتافيزيقية ‪ ،‬فإنه سيتوصل مباشرة‬
‫إلى الجواهر التي تحكم الظواهر وكذا الوقائع االنطلوجية‪ ،‬التي ستجعل‬
‫منها سهلة المنال وكذا خاضعة لقبضة العقل االنساني( الوضعي)‪ ،‬وهذا‬
‫من اجل غاية واحدة هي ‪:‬االستفادة منها فكرا و عمال‪.‬‬
‫إهتم كونت ايضا إلى جانب ما سلمنا به آنفا‪ ،‬بتصنيف العلوم‪ ،‬وهي على‬
‫النحو اآلتي ‪:‬الرياضيات – الفلك – الفيزياء – الكيمياء – البيولوجيا –‬
‫السوسيولوجيا‪ ،‬ولم يعترف كونت بباقي المعارف ألنه يرى أنها مجرد‬
‫تطبيق لهذه العلوم‪ ،‬فمثال السيكولوجيا هي تطبيق للسوسيولوجيا‬
‫والفيزيولوجيا‪ ،‬ولهذا فقد أصبح من الممكن‪ ،‬بفعل تقدم العلوم الوضعية‬
‫(الرياضيات – الفيزياء – الكيمياء – البويلوجيا )‪ ..‬إنشاء علم إجتماعي‬
‫وضعي يكون للمجتمع كالفيزياء بالنسبة إلى الطبيعة‪ ،‬وهذه هي المهمة‬
‫الرئيسية للفسلفة الوضعية التي نادى بها أوغست كونت مؤسس‬
‫السوسيولوجيا ) والتي ال مناص لتحققها مادام أن كل علم غارق في‬
‫تخصصه‪ ،‬وهذا ما يجعل من بعض العلماء يتجاوزون بعض المواضيع ‪،‬‬
‫تحت دعوى ان العلم ال يجدي فيها شيئا‪ ،‬وفي هذا الصدد سيبلور‬
‫اوغست كونت فكرة اساسية تدافع عن خلق تخصص علمي جديد‬
‫يضاف إلى جانب االختصاصات األخرى‪ ،‬والذي سيعنى بدراسة‬

‫‪7‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫التعميمات العلمية‪ ،‬وهذا ما سيكون لنا( فلسفة للعلوم تشتغل كأداة‬


‫منهجية تفصل بين العفوي و العلمي ” القطيعة االبستيمية‪(.‬‬

‫ولهذا فإن الباحث حسب كونت يجب أن يهتم بالعلوم ‪ ،‬وذلك عبر فهم‬
‫جواهرها و مناهجها و غاياتها من اجل القطع مع كل ما هو خارج عن‬
‫العلم‪ ،‬من اجل غاية واحدة هي الوصول الى درجة التفكير الوضعي الذي‬
‫سيتبلور مع دوركهايم و بورديو في فكرة الموضوعية( المسافة مع‬
‫الحس المشترك) و بهذا نفهم جيدا ان براديغم ” السوسيولوجيا ” ‪ ،‬ليس‬
‫وليد صدفة كما تتداوله العديد من الكتابات الخلدونية ‪ ،‬بل هو و حسب‬
‫متن اوغست كونت ؛ نتاج توليفات نظرية مرتبطة ببراديغم تاريخ‬
‫العلوم ( المرحلة الميتافيزيقية _ المرحلة الوضعية ) ‪ ،‬و استنادا على‬
‫هذا المتن يمكننا القول انه يستحيل على البحث السوسيولوجي( علميا و‬
‫عمليا ) فصل سوسيولوجيا المعرفة( التنظير )عن ديناميكية التحليل‬
‫السوسيولوجي( االمبريقي – االستمارة الخ)‪،‬ألن هذا األول يشتغل‬
‫بكونه مصفاة نظرية( التنبه المنهجي – بورديو )* ينقح المعرفة‬
‫السوسيولوجية من خالل فصل كل البنيات المتطبع بها إجتماعيا ‪ ،‬عن‬
‫النظرة السوسيولوجية ‪ ،‬المطالبة نظريا بجعل كل مثير فينومينولوجي‬
‫“شيئا ” ‪ ،‬و بهذا يمكننا القول بأن السوسيولوجيا كمعرفة تشتغل من‬
‫خارج االنساق الثقافية و ليس من داخلها ‪ ، .‬و بهذا فان‬
‫تتأسس القاعدة األولى حسب دوركهايم على قابلية التحرر عن كل فكرة‬
‫مرت الى شعورنا اعتباطيا ‪ ،‬و ذلك عبر تتبع منهجية وضعية تتمحور‬
‫أساسا على إستباق الفهم العقالني لألشياء بدل اإلنصياع خلف قهريتها‬
‫‪ ،‬فمنذ البدايات االولى لتاريخ الفكر ” الفلسفة الطبيعية ‪ /‬االيلية ‪ /‬االيونية‬
‫‪ /‬الفيتاغورية ‪ /‬االفالطونية ‪ /‬صغار السقراطيين ” نجد أن عمل‬
‫الفالسفة كان يتمحور أساسا بهذه المرحلة على االنتقال من هيمنة‬
‫الميتوس إلى منطق اللوغوس ‪ ،‬و هذا ما برهن عليه أرسطو ” ما بعد‬
‫افالطون” بأعماله التي دافعت عن بناء صرح نظري متين*‬

‫‪8‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫يتبنى التفكيك النظري كإطار مرجعي يفصل عالئقيا بين التأويالت‬


‫البشرية و بين فينومينولوجيا الجواهر ‪ ،‬و هذا ما تم اإلعتماد عليه بكل‬
‫من القرن ‪،16‬و ‪ ،17‬و ‪ : 18‬بيكون ‪ /‬ديكارت ‪ /‬اسبينوزا ‪ /‬اليبنتس ‪/‬‬
‫جون لوك ‪ /‬هيوم ‪ /‬بركلي ‪ /‬كانط ‪ /‬هيغل ‪ /‬كونت” فقد كونو عبر كتابتاهم‬
‫إطارا فلسفيا * أدى إلى استقاللية المناهج العلمية عن التأويالت العفوية‬
‫‪ ،‬و هذا ما انطبق على قواعد التحليل السوسيولوجي ‪ ،‬التي خرجت الى‬
‫الوجود المعرفي على يد دوركهايم ” و التي حققت عبره انتقاال من تحليل‬
‫فلسفي مجرد إلى تفكيك مبني على بحوث ميدانية و هذا ما برهن عليه‬
‫دوركهايم بعمله ” االنتحار ” فقد حقق بفعله طفرة من فلسفة المعرفة و‬
‫فلسفة اإلجتماعي ‪ :‬فلسفة بيكون ” نقد األوهام” _ فالسفة العقد‬
‫اإلجتماعي ‪ :‬هوبز روسو اسبينوزا ‪ _ ..‬فلسفة ما فوق العضوي ”‬
‫داروين _ سبنسر ” إلى فلسفة ميدانية توازن بين الكمي و الكيفي‬
‫كأعماله ” االشكال األولية للحياة الدينية – تقسيم العمل و خصوصا عمله‬
‫السالف الذكر ( اإلنتحار ) ” و عبر هذه الطفرة العضوية بتاريخ‬
‫الفكر برهن لنا المنهج العلمي امام انظارنا ‪ ،‬على قدرته في تجديد‬
‫آلياته النظرية التي بفعلها يتم تفكيك الخيوط الناظمة التي تفصل او‬
‫تستبعد او تدمج العالقة السوسيو – انثربولوجية لالنسان بالعقل‬
‫االنطلوجي او بالذهنية الكوسمولوجية ‪ ،‬وعبر هذه الموضوعية في‬
‫تحليل موضع و وضعية االنسان على الوجود ‪ ،‬تميزت اليات التفكير‬
‫الموضوعي ‪ ،‬تحت دعوى امتالكها لقدرة خلق مسافة نظرية داخل‬
‫أذهان كل باحث ‪ /‬باحثة مع كل المعاني التي لم تنشأ بطريقة فيلولوجية‬
‫‪ /‬نظرية محضة ‪.‬‬
‫فعبر هذه المسافة او القطيعة اإلبستيمية مع أجزاء الضمير‬
‫الجمعي ‪ ،‬يعي الباحث ضمنيا مدى قدرتها على اختراق شعورنا بكونها‬
‫أجزاء لنسق عام تذوب ارادتنا العلمية من اجل تقديسها لوحدها بكونها‬
‫وعيا جمعيا ‪ ،‬و في هذا الصدد يقول دوركهايم”لقد نشأت هذه األفكار‬
‫لتسد بعض الحاجات التي ليست بينها و بين العلم صلة ‪.″1‬‬

‫‪9‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫و عبر هذا السياق النظري الذي سلف ‪ ،‬تبين لنا ببداهة أن براديغم ”‬
‫سوسيولوجيا المعرفة ‪ ،“ 2‬ليس وليد صدفة بل هو نتاج توليفات نظرية‬
‫مرتبطة ببراديغم تاريخ العلوم (أوغست كونت ‪ :‬المرحلة الميتافيزيقية _‬
‫المرحلة الوضعية ) ‪ ،‬و على هذا المنوال يستحيل على البحث‬
‫سوسيولوجيا‬ ‫تيليسكوب‬ ‫) فصل‬ ‫(عمليا‬ ‫السوسيولوجي‬
‫المعرفة عن ديناميكية التحليل السوسيولوجي ‪،‬ألن هذا األول يشتغل‬
‫بكونه مصفاة نظرية (التنبه المنهجي – بورديو *) ينقح المعرفة البشرية‬
‫من خالل فصل كل البنيات المتطبع بها إجتماعيا ‪ ،‬عن النظرة‬
‫السوسيولوجية ‪ /‬الموضوعية التي تعمل على جعل كل مثير‬
‫فينومينولوجي “شيئا ” ‪ ،‬و بهذا فان السوسيولوجيا كمعرفة تشتغل من‬
‫خارج االنساق الثقافية و ليس من داخلها ‪.‬‬
‫فكل هذه األنساق الثقافية المعتقد فيها ‪doxa‬هي ذات تركيبية عفوية‬
‫‪ ،‬و تفسر حسب المتن البوردوزي بكونها ؛عبارات عفوية ‪ ،‬غير قادرة‬
‫على تحقيق دور التفكيك و اعادة بناء الفينومين السوسيولوجي ‪ ،‬النها‬
‫تتفاعل من داخل الجسد االجتماعي بكونها نسق معتقد في حقيقته‬
‫المطلقة ‪ ،‬عالوة على ذلك انه يشتغل بستاتيكية تحافظ من كل زواياه‬
‫النظرية على “ديناميكيتها االسمنتية” ‪ ،‬و األكثر من ذلك أن هذه‬
‫الستاتيكية االسمنتية تتحقق من خالل خلقها لشبكة اجتماعية بنيوية‬
‫التركيبة ‪ ،‬ال تمت بأي صلة للعلم ألنها تعتبر بالمخيال العام نسقا يحافظ‬
‫على توازن المجتمع عبر خلق هابيتوسات * منعكسة عن الوعي الجمعي‬
‫داخل بنيات أذهان االفراد و كذا أجسادهم ‪ ،‬و يرتبط سبب تأجيل خاصية‬
‫التحرر عن هذه االراء االسمنتية ‪ ،‬بهيمنة الشعور العاطفي على بنية‬
‫اإلستعدادات االبستيمية للذهن ‪ ،‬فعبر هذا التأجيل تصبح لهذه المعارف‬
‫البديهية العاطفاتية إستمرارية و سلطة على جسد و تفكير المهتمات و‬
‫المهتمين بالمنهج السوسيولوجي‪ ،‬و هذا ما يجعل من كل راي يخالف‬
‫هذه االراء الثقافية ‪ ،‬يفسر عبر المعادلة الهابيتوسية على انه عدو‬
‫إبستيمولوجي يجب استبعاده بدل تفكيكه و تحليله سوسيولوجيا ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫و نفهم من خالل ما سلف أن الحساسية العاطفية تنعكس عبر تفاعلها‬


‫داخل بنية الالشعور الجمعي ‪ ،‬على شكل عائق منهجي يمنع من تمخض‬
‫أبعاد ابستيمية – علمية محضة ‪ ،‬و هذا ما يجعل من هذه األخيرة ( األفكار‬
‫الموضوعية) تخلق داخل بنية الهابيتوس تخوفات و تمثالت ثقافية ‪،‬‬
‫تدعو اجتماعيا الى اعتبار هذه االفكار التي تشيء الفينومينولوجي أفكارا‬
‫ناتجة عن ” إنسان مجرد عن كل عاطفة خلقية ‪ ” 3‬و لهذا نجد من زاوية‬
‫اإلجتماعي أن أصحاب هذه الحساسية يدافعون في استمرار على بناء‬
‫براديغم سوسيولجي من خالل هذه العواطف ” كالتأويالت الدينية‬
‫المقدسة ‪ ،‬المعتقدات االسمنتية ” ‪ ،‬و في هذا السياق سلم بورديو بالقسم‬
‫األول من عمله حرفة عالم‪،‬ة اإلجتماع ‪ ،‬أن عبر هذا التطبع اإلجتماعي‬
‫الذي يستبعد العلمي عن العفوي ‪ ،‬تخلق داخل الذهن «عوائق‬
‫منهجية أولى » ‪ ،‬تؤدي حسب محمد جسوس إلى خلق ‪ ”:‬عوائق‬
‫نظرية شاملة بعلم اإلجتماع ” ‪ ،‬و ترتبط هذه العواىق‬
‫النظرية بااللتصاق السميك للباحث‪،‬ة مع ماضيهما اإلجتماعي المكون‬
‫من مفاهيم تتعلق بمدارهما السوسيو ثقافي ‪ ،‬و تعتبر هذه المفاهيم‬
‫العفوية حسب تعبير بورديو أو المعاني العشوائية حسب تعبير دوركهايم‬
‫‪ ،‬تكتال و تراكما من االفكار االجتماعية العفوية التي تشكل عقال اسطوريا‬
‫حسب تعبير بورديو او وعيا جمعيا حسب تعبير دوركهيام ‪ ،‬تعمل على‬
‫المطالبة من طرف البراديغم‬ ‫تشيء الهوية االبستيمية‬
‫السوسيولوجي بتشييء ذات الباحث‪.‬ة و كذا الفينومين الثقافي“ من أجل‬
‫إعادة بناء االجتماعي من ناحية الفكر (د ادريس ابن سعيد في حواره د‬
‫زكرياء ابراهيمي) “‪ ،‬و لهذا فقد دافع ‪bourdieu‬بشدة في هذا‬
‫السياق على ضرورة إقامة السوسيولوجي‪،‬ة لنقد عام و جدل كلي لكل‬
‫هذه البديهيات المضللة من أجل تجاوز القهر الفينومينولوجي الذي‬
‫يستبعد النظرة العلمية عن الحياة اإلجتماعية‬
‫‪ : 1‬القطيعة االبستيمية ببراديغم سوسيولوجيا المعرفة “تحليل النقط‬
‫اآلنفة ”‬

‫‪11‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫القطيعة االبستيمولوجية هي نتاج تراكم و توليد إبستيميه ال منقطع ‪ ،‬و‬


‫يدخل االمر هنا بشدة في نقطة إرادة المعرفة ‪ ،‬ففي هذا السياق يجد كل‬
‫مهتم بتخصص موضوعي – علمي ‪ ،‬إنفصاال من حيث الفكر بين ثقافته‬
‫اإلجتماعية و ثقافة البراديغم العلمي المرتبط نظريا مع‬
‫قواعد تاريخ المعرفة العلمية‪ ،‬و التي تنبني أساسا كما بين ” الوقيدي”‬
‫بأعماله ‪ ،‬على تجاوز العائق االديولوجي الذي يفصل بين التراكم العلمي‬
‫”‬ ‫حسب‬ ‫التجاوز‬ ‫‪ ،‬فهذا‬ ‫العلمية‬ ‫النظرة‬ ‫و‬
‫الوقيدي” يخلق مباشرة كوسمولوجية (ابستيمولوجيا أذهاننا )التي‬
‫تنتقل نظريا و كذا عمليا من هيمنة المرحلة الالهوتية‪/‬الميتافيزيقية إلى‬
‫مرحلة التحليل الوضعي ‪ ،‬فهذه األخيرة كما يتفق مؤرخو المعرفة‬
‫البشرية و من بينهم ” فوكو” ‪ ،‬هي الوحيدة التي استطاعت عبر‬
‫قواعدها النظرية أن تجعل من العقل البشري قادرا على استكشاف الرموز‬
‫األنثربولوجية و السوسيولوجية التي ” تشكل المشاركة النشطة للذوات‬
‫‪ ″3‬و نفهم من هذا (ضمنيا) أن األفراد ال يعون أسباب تفاعالتهم‬
‫االنثربولوجية و السوسيولوجية لسبب واحد ‪ ،‬يتمثل في تغلغل هذه‬
‫المكتسبات الثقافية مع تركيبة األجساد الفردية ‪ ،‬و هذا ما يتكسها داخل‬
‫الدماغ الى خطاطة شمولية – مقدسة تحكم البنيات الالشعورية لالفراد‬
‫و كذا كل مثير يتفاعل معه الفرد بواقعه اإلجتماعي‪ ،‬وطبعا هذا ما يفتح‬
‫إستحالة تساؤالت األفراد عن أسس نظرتهم لمشاكل بنية الواقع‬
‫االجتماعي ‪ ،‬فغالبا ما ال ينتبه إليها الفاعلون اإلجتماعيون بكونها‬
‫هابيتوسا يأخذ طابع الشيفرات اإلجتماعية التي تتطابق مع كل مثير‬
‫ماضوي أو حاضراتي بالحياة االجتماعية ‪ ،‬و هكذا يكون وجه االختالف‬
‫الذي يفصل بين العقل الموضوعي و العقل الخاضع لمعتقدات جماعة‬
‫معينة ‪ ،‬يتمحور اساسا حول مفارقة سوسيولوجية بديهية ‪ ،‬تتمثل في‬
‫قدرة األول ابستيميا على جعل شروط المعرفة حسب تعبير كانط” نقد‬
‫العقل الخالص” ‪ ،‬تشتغل في استمرار عبر مقارنة الظواهر االجتماعية‬
‫بغية تفكيكها و إعادة بنائها سوسيولوجيا ‪ ،‬على عكس الثاني الذي‬

‫‪12‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫يسهر على جمودها بدعوى أنها الحقيقة المطلقة و السبيل الوحيد لعيش‬
‫حياة اجتماعية متوازنة ‪ ،‬فقد اتفق المهتمون بتاريخ البشرية و من بينهم‬
‫فوكو أن هناك عائق منهجي كان حاضرا باستمرار في تاريخ البشرية‬
‫‪ ،‬و يشتغل في هذا الصدد بكونه آلية تعيق على حركة المنهج العلمي‬
‫ديناميكيتها الطبيعية و ترتبط هذه االلية اشد االرتباط باالنساق‬
‫الثقافية ‪ ،‬فهي البنيات الوحيدة التي كانت تحجب الحقاىق عن‬
‫األفراد (تاريخ الجنون – ميشال فوكو – الفصل االول – سفينة الحمقى)‬
‫و بما انها كانت تشتغل بآلية الضبط الفعلي و كذا الفكري ‪ ،‬فقد كانت بذلك‬
‫تحد من رؤية خواص الظواهر التي تشكل أسس الفينومين ‪ ،‬و تفسر هذه‬
‫العوائق االجتماعية انثريولوجيا و سوسيولوجيا بكونها (تكتال من االبعاد‬
‫الرمزية التاريخانية التي تشكل بنية متناسقة الشكل و التي تستبعد‬
‫األذهان عمليا عن التحليل العلمي ) ‪ ،‬فهي عبارة عن نسق خفي (مهذب‬
‫– العنف الرمزي للغة – اعادة االنتاج – الهيمنة الذكورية) ‪،‬يتجسد مرئيا‬
‫على أشكال و وقائع و ظواهر يألفها المجتمع رغم انها في غالب اوقاتها‬
‫تعيق على العقل نشاطه النقدي الذي بموجبه يتمكن من تحليل الواقع‬
‫سوسيولوجيا ‪ ،‬و لهذا فإذا ما واصلنا مع ميشال فوكو بعمله “حفريات‬
‫المعرفة ” سنجده يسلم بفكرة أساسية و هي أن عائق التفكير الذي‬
‫يتكون من ” االيمان بتأويالت الدين ‪ ،‬الثقافة – التشبت اللدوغمائي بهذه‬
‫التأويالت ” ينعكس على شكل غمامات تحجب عن الفرد رؤية خواص‬
‫الظواهر و كذا كينونتهم و ماهيتهم الطبيعية التي تستبعد من طرف‬
‫مشروعية هذا الرأسمال الثقافي ‪ ،‬و لكن رغم ذلك فإن العقل البشري‬
‫حسب فوكو مكون بإحكام ليصل إلى هذه األبعاد الخفية التي تضبطه‬
‫اجتماعيا ‪ ،‬و يتحقق ذلك عبر االبتداء بأول مقارنة بين ما يعيشه الفرد‬
‫من اشياء اجتماعية و بين ما يطمح إلى عيشه بكونه إنسانا ‪ ،‬فوحدها‬
‫المقارنات بين ما اكون االن و ما يجب حقا أن اكونه ‪ ،‬هي الكفيلة‬
‫بفتح إمكانية التفكيك و اعادة بناء كل ما هو معتقد فيه عمليا من أجل‬
‫تصريفه علميا أمام بنية العقل البشري ‪ ،‬و عبر االستمرارية في تفكيك‬

‫‪13‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫معتقداتنا بدل تقديسها ‪ ،‬يتم إزالة غمام االفكار العفوية عن اعين‬


‫الباحث‪.‬ة ‪ ،‬و هكذا تتحقق القطيعة االبستيمولوجية التي نعتها افالطون‬
‫ببدايات تاريخ الفكر ” الخروج من كهف األوهام” ‪ ،‬من أجل تحقيق ما‬
‫سلم به تلميذه أرسطو ” العلم باألسباب و العوامل و العناصر األولية ‪،‬‬
‫و ذلك عبر معرفة البنية األساسية للجواهر المدروسة ‪ ،‬بحيث تكون‬
‫األولوية دائما للبسيط على المركب و بحيث تسبق المبادئ ما يترثب‬
‫عليها ‪ ″6‬و في هذا السياق يرى دوركهايم أنه يجب على‬
‫الباحث التركيز على أسباب الظواهر “خواص الظاهرة ‪ :‬األجزاء‬
‫المتحكمة رمزيا في الظاهرة” ‪ ،‬و ذلك عبر التدرج معها كما سلم‬
‫ارسطو من البسيط الى المركب و طبعا تحت لواء فكرتيهما ” تحليل‬
‫الوجود بما هو موجود – أرسطو ‪ ”” /‬تحليل االجتماعي بما هو‬
‫اجتماعي – دوركهايم ”‪ ،‬و التي تعني لنا تحليل الوجود اإلجتماعي بكل‬
‫موضوعية ‪ ،‬ففي هذا السياق سيتمم بورديو نقاشنا حول الموضوعية ‪،‬‬
‫مسلما بالمحور الرابع من عمله حرفة عالم‪.‬ة اإلجتماع ‪ ،‬بان المسافة‬
‫مع الماضي “تحليل االجتماعي بما هو اجتماعي ” ‪ ،‬تخلق أداة داخل‬
‫ذهن الباحث تنعت بالتنبه المنهجي ‪ ،‬فهي تقنية سوسيولوجية تشتغل في‬
‫استمرار على التقاط أجزاء الظاهرة ‪ ،‬زد على ذلك انها تعمل ايضا على‬
‫التمييز بين ما هو عفوي و ما علمي بالحياة االجتماعية ‪ ،‬فهاتين‬
‫االليتين ” المسافة ‪ :‬القطيعة االبستيمية ‪ /‬التنبه المنهجي” هما‬
‫الوحيدتين القادرتين حسب بورديو على توجيهننا مباشرة إلى القاعدة‬
‫األساسية و األخيرة بعمله حرفة عالم‪.‬ة االجتماع (التفكر المنهجي) و‬
‫التي تعني القدرة على تفكيك الفينومين و اعادة بناىه على مستوى الفكر‬
‫‪ ،‬فهي قدرة يكتسبها الذهن من خاصية القطيعة االبستيمية و التنبه‬
‫المنهجي ‪ ،‬و في هذا ااصدد يشرح غدنز التفكر المنهجي يانه قدرة‬
‫على شرح كيفية صياغة البنية من خالل الفعل أو األفعال ‪ ،‬و في هذا‬
‫الصدد اقر غدنز ‪ ،‬بأنه ” يستحيل على المالحظ السوسيولوجي استحضار‬
‫الحياة اإلجتماعية كظاهرة تحت المالحظة بمعزل عن اإلعتماد على‬

‫‪14‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫معرفته النظرية ‪ ،‬كمصدر يتم من خالله تأسيسها كموضوع للبحث و‬


‫التحليل ”بمعنى مبسط و حسب المتن البردوزي ‪ ،‬الواقع لن نراه يوما‬
‫ما محلال * ‪ ،‬و هنا تكمن ضرورة البحث العلمي ‪ ،‬فمادات الوجود‬
‫االجتماعي سديمي من حيث اسس المشاكل ‪ ،‬فيجب علينا نحن كباحثين‬
‫‪ /‬باحثات مساءلته من خالل معرفتنا السابقة التي عرضناها للنقد و‬
‫التحليل و التي منها كونا أداة التنبه المنهجي و التفكر المنهجي‬
‫التي بفعلها يتمكن العقل البشري من فهم األجزاء التي تكون واقعنا و‬
‫هذا ما يبرهن عليه كتاب حرفة عالم االجتماع لبورديو ‪،‬الذي يمكننا‬
‫تلخيصه على الشكل االتي ‪:‬‬

‫‪La repture‬‬ ‫القسم األول – القطيعة اإلبستيمولوجية ‪:‬‬


‫‪épistémologique‬‬
‫‪1 :‬الواقعة تنتزع بمعاندة وهم المعرفة المباشرة ‪:‬‬
‫التنبه المنهجي األصولي هو من أساسيات البحث بالعلوم اإلنسانية ‪ ،‬حيث‬
‫ينفصل الخطاب العلمي عن الرأي الشائع ‪ ،‬و لذلك نجد أن من بين العوائق‬
‫المحورية لعالمة أو عالم اإلجتماع ‪ ،‬هو إلتحامهما المطلق مع مدارهما‬
‫اإلجتماعي ‪ ،‬و هذا ما يجعلهما حسب بورديو أمام عائق منهجي – أولي‬
‫‪ ،‬فهذا العائق المنهجي إذن ‪ ،‬يكون نتاج اإلرتباط السميك و القوي ‪،‬‬
‫للباحثة أو الباحث مع ماضيهما السوسيو – ثقافي ‪ ،‬الذي يتكون من‬
‫مفاهيم تتعلق بمدار إجتماعي معين ‪ ،‬تتكون حسب بورديو من أسس‬
‫“إجتماعية عفوية ‪ ، ”1‬لذلك وجب في سياق تحليل بورديو هذا ‪ ،‬أن‬
‫تخلق الباحثة أو الباحث هوية إبستيمولوجية ‪ ،‬من خالل إجراء جدل و‬
‫نقد الذغ لكل البديهيات المضللة ‪ ،‬التي يتطبع بها الذهن حسب بورديو‬
‫إجتماعيا ‪ ،‬و طبعا لموضوع نقد الماضي هذا ‪ ،‬نقاش طويل بتاريخ الفكر‬
‫‪ ،‬سنختصره على الشكل التالي ‪ :‬النظرة العلمية هي نظرة تراكمية ‪ ،‬تبتدأ‬
‫من الوقوف على الماضي و الحاضر مع نقدهما و تحليلهما ‪ ،‬بحيث يصبح‬
‫الماضي المنظم و المحلل ‪ ،‬حاضر يحلل و يتحلل بالنسبة للماضي ‪ ،‬في‬

‫‪15‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫عالقة مستمرة – تراكمية و متدرجة نحو ميكرو‪ -‬فيزياء المعرفة ‪ ،‬بمعني‬


‫اخر ‪ .‬ال يمكن للباحث أن يعي المفارقات بين الظواهر و أسبابها إال من‬
‫خالل تطبيق األمر على ماضيه و حاضره ‪ ،‬من أجل اكتساب أسس القواعد‬
‫التي تحكم الظواهر الخارجية ‪ .‬من خالل التتبع و النقد الذي نقوم به داخل‬
‫أذهاننا لألفكار التي تطبعنا بها إجتماعيا‬
‫‪ .1‬المفردات الخام و تقنيات القطيعة االبستيمولوجية ‪:‬‬
‫ينطلق بورديو ‪ ،‬بهذا الفصل من فكرة أساسية ‪ ،‬و هي أثر اللغة الشائعة‬
‫في تمخض اللغة العلمية ‪ ،‬و لكن هذه العالقة ال تتحقق إال بوساطة مفهوم‬
‫النقد المعجمي و العقالني ‪ ،‬الذي يؤدي الى تحقق القطيعة المعرفية مع‬
‫الشائع و العفوي من ثقافة المجتمع ‪ ،‬فالنقد كما يرى بورديو هو ‪ :‬مصفاة‬
‫للماضي المكون من شيوعية التفسير االبستيمولوجي ‪ ، 2‬فخط العفوي‬
‫– ثقافي هذا اذن‪ ،‬يبتدأ من الرأسمال اللغوي * الذي نتطبع به إجتماعيا‬
‫** ‪ ،‬ليتحول حسب بورديو الىتصورات اجتماعية كونية *** ‪ ،‬و الخطير‬
‫في األمر حسب بورديو ‪ ،‬هو أن هذه الملفوظات االجتماعية العفوية ‪،‬‬
‫ك”حشومة ‪ /‬حرام ‪ /‬عيب ‪ /‬أخي ‪ /‬أختي ‪ /‬انت كائنة لطيفة ‪ /‬أنت كائن‬
‫شرس ” إن لم تقطع بنقدها و العودة الى أسسها التاريخية من أجل إبطال‬
‫عملها العفوي ‪ ،‬ستدخل الى عوالم التفسير السوسيولوجي ‪ ،‬لتصبح‬
‫أفكارا ساذجة عفوية مكسوة بغشاء العلمي ‪ ،‬لهذا فالنظرة‬
‫السوسيولوجية العلمية ‪ ،‬حسب بورديو تتمخض عن األسئلة حول صحة‬
‫الثقافة ‪ ،‬التي تؤدي الى تحقيق نقد معجمي و لغوي – لفظي لكل المفاهيم‬
‫التي تتحكم في ذهن و جسد الباحثة او الباحث ‪ ،‬و النقد هو تحليل بطيء‬
‫للتمثالت ‪ ،‬اللغة ‪ ،‬الصور الذهنية و المرئية ‪ ،‬عبر تتبع المسار التاريخي‬
‫لأللفاظ ‪ ،‬مع مقارنة الجمل الثقافية او االلفاظ بسياقها اإلجتماعي ‪ .‬ثم‬
‫تحليلها بالنقد الفكري الخاص بكل عقل ‪ ،‬من أجل غاية واحدة ‪ ،‬هي جعل‬
‫كل تصور حول قضية اجتماعية ‪ ،‬مفهومة منطقيا ال ثقافيا ‪ .‬بمعنى مبسط‬
‫‪ :‬الثقافة تجيب داخل ذهن الفرد عن كل مثير بكل الكون ‪ .‬و مادامت تجيب‬
‫عن اشكاليات الكون ‪ .‬فان دماغ الباحث‪/‬ة يعتبر هذه االجابات حقيقة‬

‫‪16‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫مطلقة ‪ .‬تتحكم في ال شعور و في السلوكات سواء كانت داخل الجامعة او‬


‫خارجها ‪ .‬و بدون تحليل المتطبع اجتماعيا “الثقافة” سيتسرب الشعوريا‬
‫الى التفسير العلمي ايضا ‪ .‬و بذلك وجب حسب بورديو ان نعي الكيفية‬
‫التي نفسر بها الواقع ‪ .‬فان كانت ثقافية ‪ .‬وجب على الباحث‪/‬ة اجراء‬
‫النقد الالذغ و البحث عن مصداقية افكارنا الثقافية ‪ .‬هل هي حقا تصلح‬
‫الن تكون علمية – عقالنية ‪ .‬ام انها افكار عامة و عفوية وجب تغييرها‬
‫بافكار عقالنية‬
‫‪ :1-2‬موهومات الشفافية و مبدأ الالوعي ‪:‬‬ ‫‪.1‬‬
‫يرى بورديو ‪ ،‬بأن دعوتنا الى تحقيق القطيعة مع المعرفة العفوية ‪ ،‬يبقى‬
‫وهم مادامت لم تتحقق كقاعدة رسمية بحقل السوسيولوجيا ‪ ،‬بمعنى أنه‬
‫ال تستطيع السوسيولوجيا أن تتشكل كعلم منقطع عن الرأي الشائع‬
‫الثقافي ‪ ،‬إال إذا حققت كل باحثة و باحث القطيعة الداخلية مع معارفهما‬
‫التلقائية – العفوية ‪ ،‬عبر مقاومة منتظمة و مستمرة ‪ ،‬فمبدأ الالوعي هذا‬
‫حسب بورديو ‪ ،‬هو الوسيط االساسي الذي ينقل المعرفة العفوية الى‬
‫المعرفة العلمية ‪ ،‬كالبسملة بالبحوث السوسيولوجية ‪ ،‬أو دعاء ديني او‬
‫الحسرة على قضية اجتماعية عفوية ‪ ،‬فهذا الالوعي حسب بورديو يبين‬
‫لنا ان الباحثة او الباحث يتطفل على السوسيولوجيا ال شعوريا ‪ ،‬و هذا‬
‫يبين من زاوية أخرى أن عالمة االجتماع او عالم االجتماع ‪ ،‬يهمالن‬
‫المبادئ النظرية األساسية الخاصة بأسس السوسيولوجيا ‪ ،‬كالقاعدة‬
‫االولى مع دوركهايم مثال ‪ .‬التي تعني “المسافة مع المعرفة الساذجة ”‬
‫‪ ،‬و بغض الطرف عن هذه القاعدة االساسية بكل بساطة يسقط الذهن‬
‫الباحث في فلسفة الفعل الساذجة ‪ ، 3‬و في تحليل عفوي ساذج الذي‬
‫يسقطه في التفسير العلمي ‪ ،‬ك”هذه الفكرة توجد في ديننا ” او ” المشكلة‬
‫ليست في ثقافتنا ‪ ،‬الننا ثقافتنا صحيحة ” الخ‬
‫‪ .1‬المعرفة اإلجتماعية العفوية و سلطان اللغة ‪:‬‬
‫ينطلق بورديو ‪ ،‬بفصله هذا من فكرة أساسية ‪ ،‬و هي أن علم اإلجتماع‬
‫يواجه صعوبة في العالقة التي تجمع بين المعرفة العلمية و المعرفة‬

‫‪17‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫التلقائية الساذجة ‪ ،‬و لكي يغني بورديو نقاشه ‪ ،‬استحضر عمل برانشفيك‬
‫“إرث من الكلمات ‪ ،‬إرث من األفكار ” ‪ ،‬الذي ينطلق كما يسلم بورديو‬
‫من مفردات خام مكونة من كلمات شائعة ‪ ،‬لن تفتح افق و عوالم التحليل‬
‫النظري الذي سيمكننا من رثق النمطي بأسس النظرية – االجتماعية ‪ ،‬و‬
‫بهذا سيقر بورديو ‪ ،‬بأنه مادام الخطاب اآلجتماعي يحمل بأغواره‬
‫مجموعة من المفردات الخام المكونة من المعاني الشائعة فإن تفسير‬
‫االجتماعي علميا و عقالنيا يبقى وهما ‪ ،‬و لهذا أقر بورديو بأنه مادام‬
‫الخطاب اإلجتماعي ‪ ،‬يحمل بأغواره ثلة من المعاني الشائعة أو الكلمات‬
‫الشائعة ‪ ،‬المحتجبة و المكسوة بمظاهر الصياغة العلمية التي تعطيها‬
‫مصداقية و قيمة ‪ ،‬فإن التحذيرات من عدوى المعرفة اإلجتماعية التلقائية‬
‫و الشائعة مجرد وهم ‪ ،‬لهذا فوجب على الباحثة او الباحث ‪ ،‬خلق هوية‬
‫ابستيمولوجية – علمية ‪ ،‬يؤمن بها تنبهه المنهجي ‪ ، 4‬بسالح يتفادى‬
‫به عدوى المفردات الخام المكونة من معاني اعتباطية شائعة ‪ ،‬كالذكر‬
‫يجب أن يهيمن على األنثى ألن قضيبه ينتصب مثال **** ‪ ،‬فتحليل منطق‬
‫اللغة الشائعة اذن ‪ .‬هو مفتاح النظرة العلمية – العقالنية ‪ ،‬ألنه من خالل‬
‫هذا النقد للمفارقات االجتماعية و للمعتقدات ‪ ،‬يعي الذهن اسس هذه‬
‫المفارقات “بين االنثى و الذكر مثال ‪ .‬او بين الواقع و ما وراء الطبيعة‬
‫” الذي يجعله قد استبعد الالمنطقي من الجمل ‪ .‬عن المنطقي منها ‪.‬و‬
‫هذا طبعا ما ناقشه ديكارت بعمله “تأمالت ميتافيزيقية ‪ /‬مقال في المنهج”‬
‫‪ ،‬الذهن يجب ان يحقق الشك المنهجي ‪ .‬الذي يعني الشك من اجل الوصل‬
‫الى الحقيقة ‪ ،‬و ذلك عبر االبتداء من البسيط “اللغة الشائعة “حشومة –‬
‫عيب ‪ ”..‬من اجل االنتقال الى ما هو معقد ك”التحرش الجنسي ‪/‬‬
‫االغتصاب ‪ /‬المخذرات ‪ ”..‬و طبعا هذا ما اتفق عليه ارسطو قبل بيكون‬
‫و ديكارت الذي تأثر به كل من بورديو و دوركهايم ‪ ،‬فلكي نصل حسب‬
‫ارسطو الى “تحليل نظري أشد تعقيدا ‪ ،‬يجب أوال أن نحلل البسيط ‪ .‬بنقده‬
‫و سبر أغواره *****” ‪ ،‬فهذا الديالكتيك النقدي حسب بورديو ‪ ،‬يخلق‬
‫أداة تحدد و تميز بين المعرفة الشائعة و المنطقية ‪ ،‬و الى جانب التحليل‬

‫‪18‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الذاتي الخاص بالفرد و ماضيه ‪ ،‬يرى بورديو انه يجب على الباحث و‬
‫الباحثة ‪ ،‬إخضاع المقوالت و المسائل و الرموز التي تستعيرها اللغة‬
‫العلمية من اللغة الشائعة الى نقد ايضا ‪ ،‬و ان لم يتحقق هذا النقد بحقل‬
‫العلوم ‪ .‬سنسقط في الدفاع عن لغة شائعة تتطفل على السوسيولوجيا ال‬
‫شعوريا ‪ .‬و تصبح عبر دفاعنا عنها افكارا علمية محضة ‪ .‬كقصة آدم و‬
‫حواء حينما نريد تأريخ مسار البشرية مثال‪ .‬او صحة افكار دينية عن‬
‫أفكار تمخضت عن بحوث عقالنية بامتياز ‪ ،‬لهذا يصر بورديو بهذا الفصل‬
‫على تحقيق القطيعة االبستيمولوجية ‪ ،‬الواحدة ‪ ،‬القادرة على مساعدتنا‬
‫على التمييز بين التأويل العلمي و التأويل المصطنع ‪ .‬و يستحضر بورديو‬
‫هنا غاستون باشالر ليعزز طرحه ‪ ،‬و ليشجع على القطيعة المنهجية ‪.‬‬
‫من اجل التخلص من قاعدة االثبات بتعبير ابيالرد ‪ .‬التي تعني لنا “النقل‬
‫بدون عقل ” و لهذا يرى باشالر ‪ ،‬أن آلة الخياطة اخترعت بعد ان توقف‬
‫مخترعها عن التقليد االعمى ‪ ،‬و يرى بورديو ان هذه االمثولة الكبرى‬
‫تصلح الن تسقط منهجيا و منطقيا بالقاعدة االولى للسوسيولوجيا ‪ .‬النها‬
‫حسب بورديو تحمل عمقا نظريا يتحدث عن اهمية صوت العقل لوحده‬
‫بحقل العلوم النظرية التحليلة‬
‫‪ : 5-1‬إغواءات النبوة ‪:‬‬
‫يطرح بورديو فكرة اساسية ‪ ،‬في فصله هذا ‪ .‬بعد ان استند الى باشالر‬
‫الذي يرى بأن على الكيميائي ان يقاوم الخيميائي الذي يسكنه ‪ ،‬مسلما‬
‫بأن على عالم اإلجتماع مقاومة البنى اإلجتماعية التي تطالب ال شعوريا‬
‫داخل الباحثة او الباحث في تجسديها ‪ ،‬و يطالب أيضا من طرف الجمهور‬
‫الالمكون علميا ‪ ،‬أي من الذين لم يمروا من المراحل التي عرضناها آنفا‬
‫‪ ،‬و هي “القطيعة االبستيمولوجية الناتجة عن البحث و النقد عن حقائق‬
‫االفكار التي تطبعنا بها اجتماعيا و ثقافيا ” فهذا الجمهور حسب بورديو‬
‫‪ ،‬سواء طالبات و طلبة أو استاذات و اساتذة أو العامة من افراد الجماعة‬
‫“اناثا و ذكورا” يكون متناقضا ‪ ،‬و بهذا فيجب على الباحثة و الباحث ان‬
‫يجعل ذهنه دائم الوعي ‪ .‬لكي ال يسقط في خداع المفردات ابشلئعة‬

‫‪19‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫المألوفة “كحينما اقوم بعرض سوسيولوجي حول أثر تاريخ البشرية في‬
‫سلوك البشر الحاضراتي ‪ ،‬حينما اعرض فكرة ان االنسان بالحالة‬
‫الوحشية كان يشبه القرد ‪ .‬يجب ان ال اسقط عن فكرتي حينما يعارضني‬
‫المل فكرتي العلمية التي يؤمن بها تاريخ الفكر و تاريخ االبحاث العقالنية‬
‫” و من خالل كل ما سلف ‪ .‬سينطلق بورديو من العتبة االبستيمية لباشالر‬
‫‪ ،‬ليوافق بين السيرورة و الصيرورة السوسيولوجية ‪ .‬و لهذا سيقر‬
‫بورديو بأن عالم‪/‬ة اإلجتماع ‪ .‬قاما بمجهودات نظرية لتحقيق “إنقطاعات‬
‫متكررة تقيه من اغواءات الحس المشترك ‪ . ″5‬و بهذا سيقسن بورديو‬
‫علم االجتماع الى اتجاهين ‪ :‬إتجاه يدعي إيجاد أصله النظري في ذاته ‪.‬‬
‫اي من خالل التحليل و التنظير المزمن و المستمر ‪ .‬و الثاني الذي يقيم‬
‫عالقة تقليدية مع التراث ‪ ،‬و بهذا فان بورديو قد انتقد االتجاه الثاني بقوة‬
‫‪ .‬و شبههم ” بفقهاء القرون الوسطى الذين جمعوا في مجامعهم الضخمة‬
‫ما تركته مراجع أباء الكنيسة او االصول الشرعية من حجج ‪″6‬و في‬
‫هذا الصدد استشهد بورديو بوايتهيد حينما قال ” على اي علم ان ينسى‬
‫مؤسسيه ”‬
‫القسم الثاني ‪ : 1 :‬أشكال استقال التجريبية ‪ .‬االمبريقية‬
‫ينطلق بورديو من فكرة اساسية ‪ .‬تبنى معالمها دوسوسير و ماركس ‪،‬‬
‫و هي ال وجود لنظرة واحدة مختزلة في موضوع واحد ‪ .‬و ال وجود‬
‫منطقي لعلم معين ينحصر في ميدان واحد من الواقع ‪ .‬النه حسب ماركس‬
‫‪ .‬ال ينفصل عن الواقع الطبيعاتي ‪ .‬اي ان العقل يفكر بفعل و بدافع الكل –‬
‫الوجودي الطبيعي ‪ ،‬المكون من ايقاعات و اشكال و حركات ‪ .‬تختلف‬
‫باختالف طريقة اكتسابها من كل ذهن ‪ ،‬و هذه الطريقة المتخلفة هي التي‬
‫تجعل من كل عقل يفكر بطريقة مختلفة ‪ ،‬فهذا الكل المتفكر به حسب‬
‫ماركس يستحيل اختزاله في الفن او في الدين او في العلم ‪ .‬الن التفكير‬
‫الكلياني ‪ .‬للكل االنطلوجي ‪ .‬باصواته و اشكاله و روائح المتعددة ‪ .‬التي‬
‫تشكل داخل الذهن منشط التفكير ‪ .‬ينفتح على كل خصائص الوجود في‬
‫نظرته ‪ .‬فحينما نتكلم فاننا نتكلم بدوائر تمس كل جزء من جواهر الوجود‬

‫‪20‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫االيقاعات ‪ .‬القياس المنطقي ‪ .‬االشكال الخ و يختم ماركس بفكرة اساسية‬


‫‪ .‬و هي ان الفاعل الواقعي و العقالني ‪ .‬هو الذي يستقل خارج الذهن‬
‫بقدرته الفكرية التي اكتسبها من االيقاعات و االلوان و االشكال ‪ .‬اما‬
‫التابع و الخاضع فهو الذي يعطل قدرته هذه على التفكير ليبقى تابعا‬
‫لتعليمات عفوية و ساذجة تشرعها الطبقة العليا للتحكم فذ تحركات الطبقة‬
‫الدنيا ‪ .‬و ان لم يخرج الذهن عن ركاكة التفكير هذا ‪ .‬سيبقى دائم الخضوع‬
‫‪ .‬و لن يحقق ال القطع المنهجي و ال التفكر المنهجي ‪ .‬الذي سيمكننامن‬
‫كتابة بحوث عقالنية‬

‫‪21‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الفصل الثاني ‪ :‬السوسيولوجيا كممارسة )افق فهم الجسد)‬


‫الجسد من التلقين الى الردع‬
‫المتعلمين ‪،‬‬ ‫“إن طرق التدريس هي أساليب نقل للمعرفة و الخبرة و مضامين المنهاج إلى‬
‫باستخدام نظريات التعلم و غير ذلك من نظريات التربية و تقنيات ذات عالقة بطبيعة المعرفة و‬
‫نظامها و منهجيتها ‪ ،‬و طرق إكتسابها أو تعلمها بطرق مختلفة مثل التلقين ‪ ،‬أو اإلكتشاف ‪ ،‬أو‬
‫المناقشة ‪ ،‬و اإلستقراء و نماذج التعلم الجماعي ‪ ،‬حل المشكالت ‪ ،‬التعلم الذاتي ‪ ،‬و غير ذلك من‬
‫أساليب في إطار التعلم الذاتي أو الجماعي ‪ ،‬و لكن طريقة التدريس الرئيسية الموجودة على نطاق‬
‫واسع في معظم المدارس المغربية هي التلقين ‪ ، 1″‬فعامل التلقين هذا الذي نعته باولو فريري‬
‫بالتعليم البنكي ‪ ،‬أو المونولوج المنفرد ‪ ،‬بتعبير محمد دويدار ‪ ،‬يحصر الذهن المتلقي بين عملتين ‪:‬‬
‫التكرار اآللي لألفكار المسلم بها في المحاضرات ‪ ،‬ثم نسخها بدقة كما هي ‪K‬و بهذه العملية‬
‫األحادية ‪ ،‬يستبعد الوعي عن قدراته التحليلية و عن قدرته اإلبداعية – اإلبستيمية التي تخص‬
‫ذكاءه‪.‬‬
‫ولهذا فـ”كثيرا ما يرتبط التلقين في المدرسة العربية بغياب التعزيز و التشجيع ‪ ،‬و سيطرة العقاب‬
‫البدني ‪ ،‬فمن عالمات السلطوية في التعليم العربي بشكل عام ‪ ،‬قلة أهمية اإلقناع و المكافأة ‪ ،‬و‬
‫التركيز على العقاب الجسدي و التلقين ‪ ،‬و العامل المشترك بين التلقين و العقاب هو أن كليهما‬
‫يركزان على السلطة ‪ ،‬و يقودان إلى الخضوع ‪ ،‬و يجعالن المتعلم أكثر إذعانا‪2”.‬‬
‫وبهذا فـ“ لم يكن المطلوب من السلطة هو معالجة الجسم ككتلة ‪ ،‬بالجملة ‪ ،‬كما لو كان وحدة غير‬
‫قابلة لالنفصام ‪ ،‬بل بالشغل عليه في التفصيل ؛ و بإخضاعه إللزام مضبوط دقيق ‪ ،‬و تأمين‬
‫متماسك على مستوى الميكانيك بالذات ‪ :‬حركات – إيماءات ‪-‬مواقف– ذكاء ‪-‬سرعة ‪ 3”.‬فمثال ‪،‬‬
‫نجد أن“ التعليم العالي ‪ ،‬بصورته الحالية ‪ ،‬يركز على مجال واحد هو المعرفة النظرية‬
‫اإلسترجاعية ‪ ،‬الذي يقوم على تنمية الذاكرة الصماء ‪ ،‬و يهمل بالتالي زيادة قدرات اإلنسان في‬
‫التعامل مع ماحوله من ظواهر و أحداث ‪ 4”.‬و بهذا فإن النظام التعليمي ‪ ،‬يتمم عمل البناء‬
‫اإلجتماعي لألجساد ‪ ،‬فإذا كانت غاية السلطة حسب ميشال فوكو هي خلق اإلنسان اآللة ‪ ،‬فإن‬
‫التوجيهات المراد منها“ تدجين الجسد ”‪ ،‬يجب أن تكون في األماكن التي يدافع عنها“ الوعي‬
‫الجمعي بتعبير دوركهايم ” كالمسجد – المدرسة – اإلعالم الخ ‪ ،‬وبهذا يمكننا القول بأن المعتقد‬
‫السلطة‪.‬‬ ‫داخله‬ ‫‪doxa‬توجد‬
‫وبما أن الضمير الجمعي يتمخض كوسمولوجيا( احتكاك مع الطبيعة ‪ ،‬تتمخض عنها تأويالت‬

‫‪22‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫ووعي جمعي )‪ ،‬فإن األفراد عبر طبيعة تكوينهم العقلي يتلهفون إلى المعرفة أو التطبع اإلجتماعي‬
‫(التنشئة اإلجتماعية )‪ ،‬وعبر هذه العالقة الطبيعية تنتقل الثقافة التي تتواجد فيها السلطة قبليا ‪،‬‬
‫فيصبح للذهن ‪ :‬هابيتوسا أو رأسماال ثقافيا يخلق في إستمرار توجيهات و إستعدادات ‪ ،‬تجعل الفرد‬
‫معتبرا أفكاره المتطبع بها حقيقة مطلقة ‪.‬وبما أن هذه اإلستعدادات حسب تعبير بورديو ‪ ،‬ناتجة عن‬
‫بنية إجتماعية و ثقافية ‪ ،‬فإن السلطة حسب فوكو توجد داخلها ‪ ،‬و بذلك تؤدي كل اإلستعدادات إلى‬
‫ظهور إنضباطات مزمنة ‪ :‬تراقب الجسد عبر ذهنه المنمط والمتطبع ثقافيا ‪ ،‬أي عبر السلطة‬
‫الداخلية( المتواجدة بذاكرة الفرد )والخارجية التي تتداخل فيها كل المؤسسات التي تجسد السلطة‪.‬‬
‫و بذلك فإن عامل التلقين هو جزء من مجموع السلطة المتواجدة داخل ذهن الفرد ‪ ،‬ألن عملية‬
‫التطبيع اإلجتماعي * تتداخل فيها العديد من القنوات التي تواكب تطور الذهن منذ طفولته إلى‬
‫مماته‪ ،‬كالتلفاز الذي يروض الذهن منذ نعومة أظافره على”المشاهدة بدون مشاركة ” ‪ ،‬المسجد ‪،‬‬
‫الخلية النووية( األسرة )‪ ،‬و بما أن المنهج اإلبستيميه‪/‬المعرفي المعتمد في التنشئة اإلجتماعية ‪،‬‬
‫يتمحور أساسا على تقديس( الوعي الجمعي بتعبير دوركايهم ) أو( العقل األسطوري بتعبير‬
‫بورديو )‪ ،‬فإن المنهج المكتسب عبر عمليه التطبع اإلجتماعي ‪ ،‬سينعكس صداه بكل محتوى يهيأ‬
‫من طرف السلطة‪ ،‬و بذلك ف”إن عددا من المناهج الدراسية العربية مقتبس من المناهج الغربية ‪،‬‬
‫بما في ذلك بعض المناهج الجامعية ‪ ،‬و كل ما جرى في كثير من األحيان هو ترجمتها و فرضها‬
‫‪5″‬‬ ‫العرب‪.‬‬ ‫الطالب‬ ‫على‬
‫وبما أن لكل ذهن حسب دوركهايم ‪ :‬كثافة ديناميكية ** ‪ ،1: densité dynamique‬أو نسق من‬
‫الصور السوسيو – ذهنية *** ‪ ،‬فإن الجسد يصبح له رأسمال ثقافي بتعبير بورديو ‪ ،‬يميل هذا‬
‫األخير الخاص بنا( الثقافة العربية ) إلى اإلعالء من الماضي المتمظهر – فينومينولوجيا ‪ ،‬و بهذا‬
‫فإن العالقة التي ستتمخض بنسق التعليم العربي ‪ ،‬الذي يضم منهجا حداثيا مترجما ‪ ،‬و منهجا‬
‫مكتسبا عن النسق األسطوري – العربي المقدس للماضي ‪ ،‬هي عالقة تضاد و انفصام‪ ،‬ناتجة عن‬
‫ال إستيعاب ” الطالبات و الطلبة‪ /‬التالميذ و التلميذات ”نوعية النظام التعليمي المتمظر أمامهم ‪ ،‬و‬
‫بهذا فما يقع بالمدرسة حسب السوسيولوجي بيار بورديو‪ ،‬هو إعادة إنتاج للثقافة البورجوازية ‪،‬‬
‫عبر إستعدادها المسبق بنظام تربيتها ‪ ،‬الذي يجعلها مهيأة على إستيعاب المناهج العلمية المترجمة‬
‫‪ ،‬على عكس الثقافة الكادحة التي تقصى بكونها تربى على مؤهالت خرافية و غير علمية ‪ ،‬ال‬
‫تمكنها من إستيعاب النظريات أو الرموز اللغوية األجنبية ‪ ،‬و طبعا هذا ما نعته محمد أركون ‪:‬‬
‫بالجهل المؤسس البنيوي ‪ ،‬فهو ال يعزى إلى جهة واحدة ‪ ،‬بل هو كما سنعرض مع ميشال فوكو ‪:‬‬

‫‪23‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫موجود في الذهن أوال ‪ ،‬عبر السلطة التي تحيط بالذهن من كل المواضع( التنشئة )و في كل‬
‫سياسية‪.‬‬ ‫و‬ ‫اجتماعية‬ ‫الى‬ ‫تتفرع‬ ‫التي‬ ‫المؤسساتية‬ ‫المواضيع‬
‫ولهذا فما يتمخض عن عملية الحشو هذه“ االجتماعية ‪ /‬السياسية”‪ ،‬هو كائن ثقافي“ انثى‪ /‬ذكر ”‬
‫يمتلك هابيتوسا حسب تعبير بورديو ‪ ،‬و الذي يعني لنا سوسيولوجيا“ ‪:‬أنساق من اإلستعدادات‬
‫المستدامة و القابلة للنقل ‪ ،‬إنها بنى مبنينة ‪ ،‬قابلة مسبقا ‪ ،‬لإلشتغال بوصفها بنى و مبادئ مولدة ‪ ،‬و‬
‫منظمة لممارسات و تمثالت يمكن لها موضوعيا ‪ ،‬أن تتأقلم مع هدفها ‪ ،‬من دون افتراض رؤية‬
‫واعية للغايات و التحكم الصريح في العمليات الضرورية من أجل بلوغها ”‪ ، 6‬وبذلك فإن‬
‫“المعلمة أو المعلم الذي يتم تكوينهما بالتلقين ؛ يصبحان أسيران له ‪ 7”.‬فـ“ قد أظهرت نتائج ثالث‬
‫دراسات ميدانية أجريت حول طرق التدريس المستخدمة في ثالث جامعات عربية ‪ ،‬أن طريقة‬
‫التدريس األكثر استخداما فيها هي المحاضرة ‪ ،‬و عززت إحدى تلك الدراسات شيوع المحاضرات‬
‫الى كثرة عدد الطالب و قلة المحفزات للتجديد والتطوير ‪ ،‬و ضعف ضبط الصف ‪ ،‬ووجود‬
‫المشاركة‪8”.‬‬ ‫في‬ ‫الطالب‬ ‫رغبة‬ ‫ضعف‬ ‫و‬ ‫تقليدية‬ ‫مقررات‬
‫وقد بينت دراسة أخرى حول النظام اإلبستيميه الخاص بالكتب المدرسية العربية ‪ ،‬أن هذه الكتب ال‬
‫تحاول تقديم تفسير األحداث و ال وجهات نظر متعارضة ليلم الطالب بجميع الجوانب ‪ ،‬فما تفعله‬
‫هو تعويد“ الطالب التفسير الواحد و الرأي الواحد ”‪ ، 9‬فهنا يتبين لنا أن النظام األكاديمي العربي ‪،‬‬
‫يخالف جذريا نظام التدريس الذي كان في العصر األموي و العصر العباسي ‪ ،‬فقد“ كان العلماء‬
‫يتمتعون بحرية فكرية واسعة في مجال اختيار المنهج و طرق التدريس و المراجع ‪ ،‬كما كان‬
‫‪10‬‬ ‫يديه‪“.‬‬ ‫على‬ ‫العلم‬ ‫يتلقون‬ ‫الذي‬ ‫المدرس‬ ‫اختيار‬ ‫في‬ ‫أحرارا‬ ‫الطلبة‬
‫وقد بين يزيد السورطي في أطروحته هذه حول التدريس العربي‪ ،‬أنه ال يوجد“ تعريف دستوري‬
‫أو قانوني للحرية األكاديمية ‪ ،‬فقد كان هذا المفهوم و الزال متغير المضمون ”‪ ، 11‬فهنا نفهم جيدا‬
‫أن النظام التعليمي هو جزء من“ ميكرو‪-‬فيزياء‪ -‬السلطة ”* حسب تعبير ميشال فوكو ‪ ،‬فهي جزء‬
‫من التعاليم الرمزية التي تحرك اإلجتماعي عبر االستراتيجيات الموضوعة بكواليس المجتمع ‪،‬‬
‫الموجهة للنظام الذهني ‪-‬المعرفي كما عرضنا و للنظام الجسدي كما سنبين اآلن ‪ ،‬ففي هذا الصدد‬
‫يرى ميشال فوكو في عمله“ المراقبة و العقاب – القسم الثالث ‪ :‬اإلنظباط – األجساد الطيعة ” أن‬
‫بالقرن السابع عشر إنعكس نظام فضاء المدرسة و المصانع ‪ ،‬عن المؤسسات اإلنضباطية‬
‫المعروفة ‪ :‬السجن ‪ /‬المعسكرات ‪ /‬الشعائر الدينية( الصالة )‪ ،‬و بهذا فقد تسرب مفهوم الصف‬
‫المتواجد بالمدرسة ‪ ،‬عن الصف المتواجد بالمعسكر و الصالة و السجن ‪ ،‬و قد انتقلت فكرة المرتبة‬

‫‪24‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫أيضا عن نظام المعسكرات ‪ “،‬فهذا الفضاء إذن ‪ ،‬جعل الرقابة ممكنة على كل فرد ‪ ،‬فقد عمل على‬
‫تشغيل الفضاء المدرسي كما لو كان آلة للتعليم ‪ ،‬و لكنه في األصل آلة مراقبة‪12”.‬‬
‫ومن خالل النظام الجسدي – اإلنضباطي الذي هاجر حسب تعبير ميشال فوكو ‪ ،‬استنادا‬
‫بمشروعية السلطة من حقل األجساد الطيعة( السجون ‪ /‬المعسكرات ‪ /‬أماكن الصالة ) ‪ ،‬إلى‬
‫فضاء المدرسة ‪ ،‬كان من البديهي حسب ميشال فوكو أن ينسخ نظام البناء أيضا ‪ ،‬من السجون الى‬
‫فضاء التعليم ‪ ،‬و بذلك فإن الهندسة البنائية لفضاء التعليم“ تحدد أماكن معينة و تدل على قيم ‪ :‬فهي‬
‫تضمن طاعة األفراد ‪ ،‬وأيضا تنظم الوقت و الحركات ‪ ،‬فإنها فضاءات مختلفة ؛ واقعية ‪ ،‬ألنها‬
‫تتحكم في األجساد عبر استخدام األبنية و القاعات ” ‪ ، 13‬فغايتها هي تطويق اإلنسان عبر بناء‬
‫هندسي‪-‬رمزي مخطط له ‪ ،‬مهيأ قبليا لزرع شعور المراقبة الرمزية من أجل خلق العقاب‬
‫الالشعوري ‪ ،‬فعامل اإلنضباط إذن حسب فوكو يستبعد الذهن و يدمج الجسد في انساق المؤثرات‬
‫لها‪.‬‬ ‫المخطط‬
‫ويظهر ذلك في نظام تقسيم الوقت الذي ظهر فجأة حسب فوكو بفضاء التحصيل العلمي و في‬
‫المصانع ‪ :‬الدخول في وقت محدد ‪ /‬االستراحة في وقت محدد ‪ /‬الخروج في وقت محدد ‪ ،‬طريقة‬
‫الدخول ‪ /‬مكان الدخول ‪ /‬طريقة المشي ‪ ،‬فهذا كله يدخل في عوالم خلق اإلنسان اآللي‬
‫(أنثى‪/‬ذكر )‪ ،‬و بهذا فإن أنساق المعرفة المتموضعة( بقبضة السلطة ) ‪ ،‬تختلف جذريا حسب‬
‫فوكو ‪ ،‬عن أبعاد المعرفة التي يحاول األفراد التوصل الى اسسها ‪ ،‬فـ”إن الفرع المعرفي الخاص‬
‫بالسلطة ‪ ،‬مبدأ لمراقبة عملية إنتاج الخطاب ‪ ،‬فهو يعين لها حدودا بوساطة لعبة هوية ‪ ،‬تأخذ شكل‬
‫عملية بعث دائم للقواعد ‪ ، 14″‬بمعنى أن قواعد التحكم في األذهان واألجساد ‪ ،‬تتداخل فيها كل‬
‫أبعاد اإلجتماعي و السياسي ‪ ،‬فهي من مهدت الطريق لتسرب نظام المعسكرات الى المدرسة ‪ ،‬و‬
‫هي من غيرت فضاء اإلعدام إلى دور الحجز و مستشفيات الطب النفسي ‪ ،‬ال من أجل فرض‬
‫السيطرة المادية الملموسة و المحسوسة المتمحورة على الجسد وحده ‪ ،‬بل من أجل اإللمام بالذهن‬
‫و ما يستديربه من أفكار و ما ينسج داخل ذهنه من ألفاظ تحرك إرادة الجسد ‪ ،‬تتحكم في كل عضو‬
‫بسيط أو معقد منه ‪ ،‬فالجسد داخل المدرسة من المنظور الفلسفي المعاصر لفوكو هو عبارة عن‬
‫ميكانيزمات تلتقي فيها السلطة بغاياتها‪ ،‬مخلفة عبر إستراتيجية اإللتقاء هذه ‪ ،‬تكنلوجيا للجسد تنتقل‬
‫بأكمله‪.‬‬ ‫اإلجتماعي‬ ‫الجسد‬ ‫عبر‬
‫ومن زاوية أخرى نجد أن التفسير السوسيولوجي المعاصر للمدرسة مع بيار بورديو و كلود‬
‫باسرون ‪ ،‬قد سلم عبر دراسة ميدانية و تفقد لإلحصائيات ‪ ،‬أن المتعلمين يأتون إلى المدرسة‬

‫‪25‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫مختلفين في التراثبية اإلجتماعية و الطبيعية ‪ ،‬فيجدون حسب بورديو و باسرون ‪ :‬نظاما مؤدلجا ‪،‬‬
‫يميل إلى الدفاع عن ثقافة الطبقة العليا ‪ ،‬فالمدرسة حسب السوسيولوجيين بورديو و باسرون تدافع‬
‫عن التراتبية الطبقية ‪ ،‬عبر دروسها التي تقسم المجتمع إلى طبقات ‪ ،‬و بذلك فإنها تساهم رمزيا في‬
‫إعادة إنتاج الوضع ذاته ‪ ،‬فقبل ولوج األطفال إلى المدرسة ‪ ،‬يكونون غير متساوين ثقافيا ‪ ،‬فكل و‬
‫رأسماله الثقافي الذي يضم ثلة من األلفاظ التي تعبر عن درجة معينة من التفكير‪.‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول بورديو ” إن الرأس المال اللغوي ال يكف دوما عن مزاولة تأثيره ؛ إن‬
‫األسلوب دوما مأخوذ بالحسبان في كل مستويات المسيرة ‪ ، 13″‬بكون الرأسمال اللغوي ‪ /‬الثقافي‬
‫هو من يشكل إستعدادات تؤدي إلى تكوين المسار الذي يتداخل فيه المدرك الخارجي ‪ ،‬و لكن‬
‫حينما نستشف رأسمال الثقافة الكادحة ‪ ،‬فإننا نجد ألفاظا ك”حشومة ‪ /‬عيب ‪ /‬الغول ‪ /‬الشيطان ”‬
‫لن تمكن الذهن من فهم أحدث النظريات العلمية حول دماغ اإلنسان أو حول أثر الالشعور في‬
‫الذي يتكون مجمله‬ ‫‪،‬‬ ‫البورجوازي‬ ‫الثقافي‬ ‫الرأسمال‬ ‫عكس‬ ‫على‬ ‫‪،‬‬ ‫الشعور‬
‫من مفاهيم علمية حول تعدد الذكاء مثال و الالشعور الخ ‪ ،‬و بذلك فإن المدرسة حسب بورديو و‬
‫باسرون يوجد فيها نظام قيمي مستنبط بعمق من الرأسمال الثقافي الخاص بالطبقةالعليا ‪ ،‬تؤدي الى‬
‫إقصاء بنات و أبناء الطبقة الكادحة بسبب ال إستعدادهم لفهم األفكار األكاديمة المنظمة بإحكام ‪ ،‬و‬
‫بذلك فالمدرسة حسب بورديو تعيد إنتاج الطبقات ذاتها ‪ :‬إبن فالح سيبقى عالقا في الطبقة الدنيا ‪ ،‬و‬
‫ابن أستاذة جامعية ‪ /‬إبنة أستاذ جامعي ‪ :‬سيعاد إنتاجهما في الطبقة العليا‪.‬‬
‫مؤسسة السجن‬
‫“ ‪2‬السجن أقل حداثة عندما يجعل منشأه مع نشأة القوانين الجديدة ‪ ،‬إن شكل السجن سبق في‬
‫وجوده إستخدامه المنهجي بموجب القوانين الجزائية ‪ ،‬فقد تشكل خارج الجهاز القضائي ‪ ،‬عندما‬
‫وضعت عبر الجسم اإلجتماعي كله ‪ ،‬اإلجراءات من أجل تفريق األفراد‪ ،‬و تثبيتهم ‪ ،‬و توزيعهم‬
‫قضائيا و تصنيفهم و استخراج أقصى ما يمكن الوقت منهم‪ ،‬و أقصى ما يمكن من القوى ‪ ،‬و تقويم‬
‫أجسادهم و تقنين سلوكهم ‪ ،‬و تقنين سلوكهم الدائم ‪ ،‬و إبقائهم ضمن دائرة الرؤية التي ال ثغرة فيها‬
‫”‪14‬فالسجن حسب فوكو لم يلفظ من عدم ‪ ،‬بل هو مؤشر لبعد رمزي كان موجودا ‪ ،‬و ال زال‬
‫موجودا ‪ ،‬فكل بناية أو مؤسسة هي تكدس لبناء رمزي يفر عن قبضة السلطة ليظهر ‪ ،‬ثم يختفي‬
‫مرة أخرى بأمر من السلطة ليظهر في حلة أخرى ‪ ،‬فالتعذيب عبر إراقة الدماء إختفى حسب فوكو‬
‫‪ ،‬ليظهر داخل بناية السجن ‪ ،‬ثم اختفى لكي يتجسد في اإلختراع الذي تم إبتكاره بالقرن الثامن‬
‫الشرطة‪.‬‬ ‫هو‬ ‫و‬ ‫عشر‬

‫‪26‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫ثم انتقل حسب فوكو من جسد الشرطي إلى اللغة ‪ ،‬فظهرت شرطة للملفوظات ‪ :‬حرام ‪ /‬حشومة ‪/‬‬
‫عيب‪ ، ..‬داخل كل القنوات ‪ :‬الراديو ‪ /‬التلفاز ‪ /‬الهاتف ‪ /‬التعليم المؤدلج ‪ /‬المصحات النفسية ‪:‬‬
‫التنمية البشرية‪ ..‬الخ ‪ ،‬و بهذا فإذا عدنا مع ميشال فوكو إلى الفصل األول من عمله المراقبة و‬
‫العقاب ‪ ،‬سنجده يعرض لنا جسد“ داميان ”المحكوم عليه باإلعدام ‪ ،‬كدليل على نوع التعذيب الذي‬
‫كان بما قبل العصر الكالسيكي ‪ ،‬فقد كان الجسد يحرق بالزيت الساخن و الكبريت المذوب ‪ ،‬ثم‬
‫يمزق لحمه و تحطم عظامه‪ ،‬و في األخير يفصل بحصانين ثم يحرق كل نصف أمام كل أفراد‬
‫المجتمع ‪ ،‬فقد كان هذا العرض السوسيو‪-‬مسرحي ينطوي على غاية أساسية‪ ،‬هي ‪ :‬إظهار مصير‬
‫كل من يخالف القواعد المنظمة للتفكير اإلجتماعي ‪ ،‬فقد كان األمر كما يشبهه فوكو ‪ :‬مسرحا‬
‫إلستعراض ما ال تريده السلطة أن يكون ‪ ،‬و“ اتجه العقاب بعدها ليصبح الجزء األكثر خفاء في‬
‫العملية الجزائية ‪ ،‬مما أدى إلى عدة نتائج لم تعد ضمن مجال الرؤية و المشاهدة شبه اليومية ‪ ،‬بل‬
‫المجرد‪16″.‬‬ ‫الوعي‬ ‫مجال‬ ‫داخل‬ ‫أصبحت‬
‫و في هذا الصدد إستشهد ميشال فوكو بروش ‪ ،‬قائال ”‪ :‬ال أستطيع أن أمنع نفسي من األمل بأن‬
‫يكون غير بعيد الوقت الذي تصبح فيه المشنقة و منصة اإلعدام و السوط و الدوالب في تاريخ‬
‫التعذيب ‪ ،‬معتبرة من عالمات بربرية العصور و البلدان ‪ ،‬و معتبرة كدالئل على ضعف تأثير‬
‫العقل و الدين على النفس البشرية“ ‪ ، 18‬فقد ” انتقلت العقوبة من األحاسيس التي ال تطاق إلى‬
‫نظام إقتصاد للحقوق المعلقة“ ‪ ، 19‬وبهذا فإذا ما عدنا إلى أول سجن ظهر بتاريخ العرب ‪ ،‬سنجده‬
‫قد تمحور بالمسجد ‪ ،‬فقد كان ” كثرة السجناء دليل على عدم تنفيد الحدود الشرعية المشرع بها ‪20‬‬
‫‪“.‬فهنا يتبين لنا ببداهة أن القوانين التي كان يتأسس عليها نظام السجن العربي ‪ ،‬ذات خلفية دينية‬
‫محضة ‪ ،‬و بذلك كان ينظر الى السجن العربي‪ ،‬ما قبل القرون الوسطى أنه ” خير و مصلحة‬
‫للسجين و الناس عامة ‪ ،‬فهو مصلحة للمسجون حتى ال يقع في الحرام‪21″.‬‬
‫وكما نالحظ اآلن ‪ ،‬فقد تأسس السجن من أجل خدمة الدين ‪ ،‬و أول مكان ظهر فيه الحبس هو‬
‫المسجد النبوي“ فقد حبس فيه بعض الناس مقيدين إلى األعمدة ‪ ،‬و من هؤالء ثمامة ابن آثاء‬
‫الحنفي ”‪ ، 22‬ثم تطورت فكرة السجن هذه من المسجد إلى البيوت ‪ ،‬إلى الخيام ‪ ،‬و بعهد الخلفاء‬
‫الراشدين ظهر أول دور حجز كبير لكل من خالف الشريعة ‪ ،‬و في هذا العهد عادت العديد من‬
‫الممارسات الجنسية التي تم قمعها* ‪ ،‬فتم بناء العديد من السجون إلى جانب دور الحجز الذي ظهر‬
‫‪ ،‬فتم وضع ديوان لتنظيم هذه السجون ‪ ،‬من طرف عمر ابن عبد العزيز ‪ ،‬يتمحور أساسا من‬
‫مكونات الشريعة اإلسالمية و المعتقد ‪ doxa‬الخاص بالثقافة العربية( ما قبل ظهور اإلسالم‪).‬‬

‫‪27‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫وبهذا فقد تغير حسب ميشال فوكو ‪ :‬التعذيب الذي كان قبل ظهور السجون ‪ ،‬بإنتزاع الحرية داخل‬
‫السجن و مال التعويض الذي يقابل تماما ‪ :‬إنتزاع اللحم و العظام ‪ ،‬فهذا التطور الذي حاول إخفاء‬
‫دور السلطة في الردع المادي و الملموس ‪ ،‬لم يختفي من ناحية المضمون بالقرون الوسطى ‪ ،‬فنجد‬
‫مثال ابن مرزوق و ابن الخطيب أصدقاء ابن خلدون ‪ ( 781‬ه )قد قتلوا داخل السجن بالسم ‪،‬‬
‫فموتهم“ يمثل إحدى النهايات مأساوية بتاريخ المغرب الوسيط ”‪ ، 23‬زد على ذلك المفكر و‬
‫المتصوف ابن العريف ‪ ،‬فقد تم سجنه أيضا ‪ ،‬و قتله بالسم داخل السجن ‪ ،‬عالوة على ذلك ابن أبي‬
‫محمد صالح الذي سجن طيلة حياته مربوطا ‪ ،‬و“ انسجاما مع الموضوع فإن الحكم بالمغرب‬
‫الوسيط استخدم وسائل مختلفة في مواجهة الفكر ‪ ،‬و كان السجن إحدى تلك الوسائل‪24”.‬‬
‫ففي الفترة المتأخرة من العصر المرابطي ‪ ،‬سجن أمير المتصوفين بمدينة فاس“ و يمكن القول بأن‬
‫الحكم المرابطي منذ عهد علي ابن يوسف لم يتوان عن ردع المتصوفة الذين لم ينسجموا مع‬
‫إختياراته ‪ ،‬فكان السجن أحد الوسائل لتقييم هذه الفئة التي كانت تدعى المتنطعة ‪ ،‬بل إن السجن‬
‫طال إحدى المتصوفات فنجد انه يئس مستجوبوها من الحصول على المعلومات ببعض المتصوفة‬
‫‪ ،‬ففقأوا عينيها ”‪ ، 25‬زد على ذلك المفكر أبو يعزى ‪ ،‬فقد“ سجن الرجل بصومعة جامع الكتبية‬
‫بمراكش ‪ ،‬و لعلها اإلشارة الوحيدة التي تتحدث عن صومعة الجامع كفضاء للحبس بالدولة‬
‫الموحدية‪26”.‬‬
‫فهنا يحضر بقوة تصور فوكو حول التكدس الرمزي و الظهور المفاجئ للبعد الالمرئي كمؤشر‬
‫فينومينولوحي ‪ /‬ظاهر ‪ ،‬فالبعد الرمزي الذي يكونه هو المراقبة الرمزية و العقاب الالشعوري ‪،‬‬
‫فإذا كانت السلطة إذن ماقبل العصر الكالسيكي و بالقرون الوسطى تلتجئ الى اسلوب اإلستعراض‬
‫الذي عرضناه مع فوكو ‪ ،‬فانها ستنتقل من االستعراض الجسدي الى األذهان بالعصر الحديث‪ ،‬فقد‬
‫كان السجين“ قبل أن يودع بالسجن بالمغرب اواخر العصر الوسيط ‪ ،‬يجلد مائة جلدة او مئتين أو‬
‫اكثر بمحضر العامل ‪ ،‬ثم يضع الجالد سلسلة من الحديد في عنق المحكوم عليه و يطافبه في أحياء‬
‫السجن‪27”.‬‬ ‫إلى‬ ‫يعاد‬ ‫ثم‬ ‫‪،‬‬ ‫عاريا‬ ‫المدينة‬
‫وقد كانت حالة السجناء ‪ ،‬كما يصفها أحدهم“ ‪ :‬كل واحد في بيته ‪ ،‬و كان البيت من الضيق بحيث‬
‫لم يكن بإمكان السجين أن يتزحزح فيه من مكانه ”‪ ، 28‬و في خالة إكتظاظ السجون“ كانت‬
‫مخازن الحبوب تستغل إليواء السجناء ”‪ 29‬و“ قد كانت السلطة في جل مراحل تاريخ العرب ‪،‬‬
‫تختار سجينا ممن عرفوا بجرائمه ‪ ،‬فيصبح متخصصا في التعذيب داخل السجن ” ‪ ، 30‬و لهذا‬
‫فبالعصور المغربية الوسيطية ‪ “،‬تعددت فضاءات الخارجين عن السلطة ‪ ،‬فقد كانت القصور‬

‫‪28‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫السلطانية تتوفر على أجنحة تفي بهذا المقصد ‪ ،‬بما أنها تضمن اإلحتراز و السرية ‪ ،‬كما وجدت‬
‫بقصبات المدن فضاءات استعملت كسجون ‪ ،‬و أودع بعض السجناء في الكهف‪.‬‬
‫ويتميز بكونه تحت األرض عميق القعر ‪ ،‬مقفل المسلك ‪ ،‬و قامت المطمورة أحيانا مقام البيوت ‪،‬‬
‫بينما خصصت دور أو دويرات ببعض المدن كأزمور لتؤدي وظيفة السجن ‪ ،‬و زج بالبعض‬
‫اآلخر في صوامع المساجد ”‪ ،31‬و سيستمر هذا الوضع ما بين القرنين ‪ 16‬و ‪ ، 17‬و لكن‬
‫بأواسط القرن الثامن عشر ‪ ،‬ستنهض إحتجاجات قوية حسب فوكو *‪ ،‬من عند الفالسفة و‬
‫المنظرين الحقوقيين قم نساء و رجال القانون ‪ ،‬ضد التعذيب داخل السجون الذي انتقل من مسرح‬
‫اإلعدام ‪ ،‬إلى داخل أسوار السجون“ فهذه الحاجة إلى المعاقبة بدون تعذيب ظهرت في بادئ األمر‬
‫كصرخة للطبيعة الخانقة ‪ :‬في أشقى المجرمين ‪ ،‬هناك شيء على األقل يجب إحترامه عند العقاب‬
‫إنسانيته‪.‬‬ ‫هو‬
‫وسيأتي يوم في القرن التاسع يصبح ‪:‬هذا التغير الذي سيقع بتاريخ العقاب ‪ ،‬ستنسخه الدول العربية‬
‫أيضا فيه هذا اإلنسان المكتشف في المجرم ‪ ،‬هدف و مجال لسلسلة كاملة من الممارسات التأديبية‬
‫‪32”.‬وبأواخر القرن الثامن عشر ‪ ،‬ظهر حسب فوكو“ إقتصاد جديد لسلطة المعاقبة ‪ ،‬و تأمين‬
‫توزيع أفضل ‪ ،‬ثم العمل على أال تكون هذه السلطة ال كثيرة التمركز ‪ ،‬و ال موزعة جدا بين‬
‫مقامات متضاربة ‪ ،‬متعارضة ‪ ،‬و أن تكون موزعة ضمن حلقات متجانسة قادرة على العمل في‬
‫كل مكان ‪ ،‬و بشكل مستمر حتى تصل إلى أصغر نقطة في الجسم اإلجتماعي ”‪ ، 33‬و بذلك فقد‬
‫تمخض عن القرن الثامن عشر بأكمله ‪ ،‬تضافرات جهود السلطة من اجل تطوير العقاب ‪ ،‬من‬
‫عنف مادي خارج السجن أو داخله ‪ ،‬إلى عنف رمزي ‪ ،‬غير ملموس ‪ ،‬و بذلك فقد إعتمدت السلطة‬
‫على أحدث التقنيات كاإلعالم والملصقات على الشوارع و المقررات الدراسية لكي تنقل المحرك‬
‫الرمزي للعقاب الذي انتقل من مسرح اإلعدام الى السجن و الشرطة إلى المجتمع‪.‬‬
‫فما فعلته السلطة طيلة القرن الثامن عشر تحت لواء فكرة اإلصالح ‪ ،‬هو تقليص إختراعها الذي‬
‫اخترعته بأوائل القرن الثامن عشر“ الشرطة ” ‪ ،‬و إدخاله في اللغة و في الصور ‪ ،‬فصبحنا حسب‬
‫فوكو أمام“ شرطة الملفوظات ” ‪ 34‬خاصة باللغة الثقافية ‪ :‬حشومة‪ /‬عيب ‪ /‬حرام‪ ، ..‬و“ شرطة‬
‫فكرية ”‪ 35‬تخص الصور واألشكال ‪:‬أشكال المنازل ‪ /‬شكل اعلى بناية المسجد ‪ /‬األصوات‬
‫الخ‪.‬‬ ‫اآلذان‬ ‫مسموعا‪،‬‬ ‫القرآن‬ ‫=‬ ‫الثقافية‬
‫فما تفعله السلطة حسب فوكو بهذين النسقين ‪ ،‬هو تكرار األولى“ شرطة الملفوظات ” عبر كل‬
‫قنواتها ‪ :‬المدرسة ‪ /‬اإلعالم ‪ /‬السجون ‪ /‬المشتشفيات ‪ /‬المساجد في استمرار ‪ ،‬و هذا ما يؤدي‬

‫‪29‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الى تأصيل هذه الشرطة اللفظية عبر التكرار داخل أذهان األفراد‪ ،‬و تعمل“ شرطة الفكر ” من‬
‫زاوية اخرى = شكل المسجد ‪ /‬صوت األذان ‪ /‬صوت القرآن ‪ /‬األغذية الثقافية = الكسكس –‬
‫الشاي ‪ ،‬على تغذية شرطة الملفوظات و هذا ما يؤدي الى اعادة طاقتها التي تجعلها مستمرة في‬
‫عملها ‪ ،‬الذي يتمثل في ضبط و مراقبة الجسد اإلنساني و اإلجتماعي ‪ ،‬فقد أصبحت األجساد‬
‫تراقب بعضها البعض ‪ ،‬و تعاقب من يخالف األفكار التي تكررها السلطة عبر الجسد اإلجتماعي‬
‫أكمله ‪ “،‬فالمخالفة تقيم الفرد في مواجهة اإلجتماعي بأكمله ‪ ،‬و المجتمع في مواجهة الفرد ‪ ،‬فإنه‬
‫يمتلك هذا الحق كمجتمع بكلية ‪ ،‬و المخالف يصبح العدو المشترك ‪ ،‬فهو أسوأ من عدو ‪ ،‬ألنه‬
‫يضرب حسبهم ضرباته من داخل المجتمع ‪ ،‬إنه خائن ‪ ،‬إنه وحش‪36”.‬‬
‫و بهذا فإن الجسد حسب ميشال فوكو إنتقل من مالحقة السلطة له بالقرون الوسطى ‪ ،‬إلى مجتمع‬
‫بأكمله يالحق كل مخالف لقوانين الجماعة ‪ ،‬فقد أصبح الجسد داخل سجن أكثر اتساعا ‪،‬كل فرد منه‬
‫تحول إلى شرطي ‪ ،‬ألن كل فرد متطبع بشرطة ملفوظات تتكرر و تتغذى كل ثانية من طرف‬
‫شرطة الفكر ‪ ،‬فحينما يرى الفرد ألوان الشرطة“ أحمر ‪ /‬أخضر ” فإن هذه األلوان تغذي شرطة‬
‫الملفوظات ‪ ،‬و كذلك روائح األغذية و طقوس األعياد ‪ ،‬فقد أصبحت شرطة الملفوظات بقوة‬
‫تكرارها من كل الجهات أعضاء جديدة من أعضاء الجسد البشري ‪ ،‬و بهذا فإن تمثيل عقاب واحد‬
‫حسب فوكو حول تجاوز شرطة الملفوظات التي تخلق تكنلوجيا للجسد تجعله مدجنا او آليا ‪ ،‬عبر‬
‫قنواتها ‪ :‬االعالم مثال ‪ ،‬سيحد تلقائيا من تجاوزها ألنها تصبح ال شعوريا ‪ ،‬فهنا نرى كيف انتقل‬
‫الى‬ ‫السجن‬ ‫إلى‬ ‫اإلعدام‬ ‫مسرح‬ ‫من‬ ‫العقاب‬
‫الشرطة ثم الى أذهان األفراد ‪ ،‬التي أصبحت تراقب و تعاقب ذواتها و ذوات اآلخرين عبر تمثلها‬
‫‪ ،‬و لهذا فببداية القرن التاسع عشر ‪ ،‬تم“ تأليف جدول للجرائم ‪ ،‬وضع إلى جانبه جدول من‬
‫العقوبات ‪ ،‬يتجاوبان مع بعضهما ”‪ 37‬و بأواسط القرن التاسع عشر ‪ ،‬تم صهر هذه الجداول باللغة‬
‫‪ ،‬فأصبحت األجساد مقيدة بأحبال الخطاب المنظم ‪ :‬المكون من شرطة الملفوظات و محاطة‬
‫الملفوظات‪”.‬‬ ‫شرطة‬ ‫أغذية‬ ‫الفكر“‬ ‫بشرطة‬
‫ففي هذا الصدد يقول ميشال فوكو“ نكون قد دخلنا حقا في عصر العقوبات الالجسدية ” ‪38‬‬
‫فالسلطلة تحولت من نظام سياسي يميت في لحظة ضيقة من الزمن ‪ ،‬إلى لحظات متسعة و متجزئة‬
‫و مزمنة ‪ ،‬فقد أصبح الفرد في المجتمعات الحديثة مهووسا بفيروس السلطة ‪ ، 39″‬بسبب هيمنتها‬
‫عليه ‪ ،‬فقد أصبح اإلنسان الحديث حسب فوكو عالقا بشبكة الخطاب المنظم ‪ ،‬و خاضعا لهذا‬
‫الخطاب ‪ ،‬فهو يضن أنه أمام نسقه الثقافي الحق ‪ ،‬و لكنه كما يعرفه ميشال فوكو ‪ ،‬هو“ كائن‬

‫‪30‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫منتزع التاريخ ‪ ، 40″‬فهو منصهر داخل الخطاب المنظم ‪ ،‬ففي هذا الصدد يسلم فوكو بأن ”‬
‫الخطاب في كل مجتمع ‪ ،‬هو إنتاج مراقب و منتقى ‪ ،‬و منظم ‪ 41″‬و بهذا فإن الخطاب يبدوا ” في‬
‫ظاهره شيء بسيط ‪ ،‬لكن أشكال المنع التي تلحقه تكشف باكرا و بسرعة عن ارتباطه بالرغبة و‬
‫السلطة‪42″.‬‬
‫بهذا نفهم أن الفرد يكون هو تلك الذرة التي يتم حشوها بمحركات لفظية منظمة“ شرطة الملفوظات‬
‫”من بعدها يتم التحكم في كل مساراتها عبر ما يحيط بها من شرطة الفكر التي تعكس ما تريده‬
‫السلطة أن يكون ( األفالم المغربية التي تعرض في استمرار جل الشرطة الفظية ‪ :‬حشومة ‪ /‬عيب‬
‫‪/‬ال تخرجي ‪ /‬ال تفتحي رجليك ) ‪ ،‬وعبر هذه العالقة التي تجسد التجاذب اإلبستيميه –‬
‫ميغناطيسي * ‪ ،‬يتم خلق االنسان الحديث اآللة بتعبير فوكو أو المدجن بتعبير لوبون ‪ ،‬المكون‬
‫لإلستجابة ال لإلبداع ‪ ،‬فهو يتلقى منذ طفولته نسقا من األلفاظ و األشكال و األذواق و الروائح ‪،‬‬
‫التي تتداخل مع بعضها عبر التكرار ‪ ،‬لكي تشكل( صورا – ذهنية – إجتماعية ) تخص السلطة و‬
‫الهوية اإلجتماعية ‪ ،‬و مهيأة بإحكام لتضبط الجسد و لتجنس الدماغ و لكي توجه الجسد نحو المسار‬
‫المراد منه عبوره ‪ ،‬فما هي هذه الصورة – السوسيو – ذهنية ‪ ،‬إذن ؟ و كيف تتحكم في األجساد‬
‫؟؟ ‪:‬عالقة تجاذب بين فكرة موجودة داخل الذهن مع نسختها أو مع صوت كان يرافقها“ اآلذان ‪/‬‬
‫صوت القرآن ‪ /‬شكل األساتذة العرب ‪ /‬تحركاتهم البسيطة و المعقدة ‪ /‬أشكال المنازل‪ ..‬الخ ‪”..‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬سوسيولوجيا الفقر الثقافي " ما معنى ان تكون فقيرا ثقافيا بالنسبة للسوسيولوجيا "‬
‫لطالما كانت إشكالية ‪“ :‬ما معنى ان تكون فقيرا بالنسبة للسوسيولوجيا‬
‫؟” ‪ ،‬إشكالية تطرح امام كبار المختصين في سوسيولوجيا الفقر و‬
‫الهشاشة ‪ ،‬و الن بعض االجابات االجتماعية كانت تروم دائما الى البحث‬
‫في ثنايا الفقر من زوايا مادية بعيدة عن ماتختص به السوسيولوجيا و‬
‫االنثربولوجيا و هو استنباط المعنى الرمزي الذي يضفيه الفقير على فقره‬
‫و المعنى الذي يضفى على الفقير عبر أسباب فقره ‪ ،‬ارتأينا اليوم ان‬
‫نخصص هذه المقالة للحديث عن اثر الفقر الفقر الرمزي الذي بدوره‬
‫ينعكس الى فقر مادي و هو الذي كرس له كل من بورديو و لويس اوسكار‬
‫و جورج زيمل على سبيل الذكر ال الحصر ‪ ،‬العديد من الكتب ‪ ،‬و قد ارتأو‬
‫من خالل ذلك ‪ ،‬تفكيك العالقة الرمزية للبنى الثقافية في عالقتها بنظرة‬
‫الفقير لفقره ‪ ،‬و هذا ما سنحاول معالجته في هذه المقالة ‪.‬‬
‫فعتبر اذن هذه التداخالت في البراديغمات الخاصة بتفسير الفقر ‪ ،‬اشكاال‬

‫‪31‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫سيدفعنا مرة أخرى الى السقوط في مأزق نظري سنعيد بفعله طرح تساؤل‬
‫آخر سيكون بمثابة نافدة ستسعادنا على فك هذا اللغز في عالقته باإلشكال‬
‫االول ‪ ،‬و يعتير هذا االشكال ‪ ،‬اشكاال سبق و أن طرحته الباحثة ‪maryz‬‬
‫‪bresson‬و هي باحثة متخصصة في سوسيولوجيا الفقر و الهشاشة‬
‫‪ ،‬فقد سبق و ان نساءلت في مقالة لها قاىلة ‪ :‬هل الفقر الزال سؤاال‬
‫؟‬ ‫االن‬ ‫يطرح‬ ‫الزال‬ ‫هل‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫سوسيولوجيا‬
‫لالجابة عن هذا السؤال سوسيولوجيا ‪ ،‬يمكننا العودة الى سيرج بوغام‬
‫و هو من احد السوسيولوجيين المعاصرين ‪ ،‬الذين كرسوا جهودهم‬
‫لدراسة الروابط االجتماعية و كذا اشكالية الفقر و الهشاشة و قد انتج‬
‫كتاب غاية في االهمية عنونه ب ” االشكال االساسية للفقر ” ‪ ،‬ففي هذا‬
‫الصدد يقول بوغام ‪ ” :‬ال يمكن للباحثين في العلوم االنسانية و‬
‫السوسيولوجيا تحديدا ان ينتسبوا بشكل وجيه ظاهرة يبدوا تعريفها‬
‫للرأي واضحا ” و يكمن عمق هذه القولة ‪ ،‬في ارتباطها الوطيد بهيئة‬
‫الباحث التي يدافع عليها كل من دروكهايم و بورديو في كتاباتهما‬
‫الشهيرة و خصوصا” قواعد المنهج في علم االجتماع ‪ /‬حرفة عالم‪،‬ة‬
‫االجتماع” و التي ركزت على عالقة الباحث نظريا بتفسير الظواهر‬
‫االجتماعية ‪ ،‬اإلمبريقية التكوين ‪ ،‬فلكي ال ننزلق في تفسير الظواهر‬
‫االجتماعية بافكارنا العفوية التي يمليها علينا المجتمع ‪ ،‬يجب ان نتسلح‬
‫بادوات نظرية و من بين هذه االدوات العين اٱلبستيمولوجية و تحديدا‬
‫العين السوسيولوجية ‪،‬و التي يعرفها بورديو بانها ادوات نستقيها من‬
‫تاريخ الفكر و الفلسفة خصوصا لكي نفهم عمق الظاهرة االجتماعية في‬
‫ارتباطها ببينة البنى الرمزية للمعاني و ببنى المجتمع بكونه عبارة عن‬
‫كل متالحم ‪ ،‬و عبر هذه الزاوية في النظر ‪ ،‬ييمكننا ان ننظر الى الفقير‬
‫على أنه كائن إجتماعي عالق داخل نسيج مجتمعي مكون من نوع معين‬
‫من شبكات الرموز المعنوية و و من نوع معين من شبكة الروابط‬
‫االجتماعية ‪ ،‬و في هذا الصدد فان الفقير حسب بوغام هو ذلك المواطن‬
‫الذي ال يشعر باالستقرار ا سواء من حيث الروابط االجتماعية التي‬
‫صنفها الى ارعة في كتابه الرابط االجتماعي و ال من حيث ارتيباطه‬
‫بالمستوى المادي ‪ ،‬الذي يجب ان يوفره له الواقع من ضمانات لتدبير‬
‫حاضره و مستقبله ‪ ،‬و تعتبر هذه النتيجة التي توصل لها بوغام نتيجة‬

‫‪32‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫مستخلصة و مستنبطة بعمق من كتابات اميل دوركهايم ‪ ،‬فرغم ان‬


‫دوركهايم لم يفكر في اشكالية الفقر و الهشاشة ‪،‬إال أنه اساسي في فهم‬
‫اثر تفكك الروابط االجتماعية و التماسك االجتماعي في الفقر و االنحراف‬
‫‪ ،‬فلكي يكون المجتمع متماسكا حسب دوركهايم يجب العمل على المعايير‬
‫و القيم التي تساهم في التماسك االجتماعي كان ال تكون هنالك رشوة ‪ ،‬أ‬
‫ال يكون هنالك غش في مباريات التوضيف الخ ‪ ،‬فكل خلل في سيرورة‬
‫االندماج داخل المجتمع ‪ ،‬من خالل مخالفة القيم ‪ ،‬تقع اختالالت ‪ ،‬فالترابط‬
‫العضوي اذن هو الذي يضمن االشتغال في تناغم و تعاون ‪ ،‬و تفكك هذا‬
‫الترابط المرتبطة بالقيم ‪ ،‬كأن تكون هنالك بفعل االفراط في مخالفة القيم‬
‫رشوة و سرقة ‪ ،‬فهذا سيؤدي حتما الى ظهور خلل في الجسد االجتماعي‬
‫الذي هو كل متالحم ‪ ،‬و في هذا السياق يثير بوغام فكرة اساسية و هي‬
‫انه رغم اننا يجب ان نطور البراديغم السوسيولوجي لكي مطور جيدا‬
‫اشكالية الفقر ‪ ،‬اال اننا يجب ان نعود الى االكتابات التي تناولت الفقر و‬
‫خصوصا كتابات كل من ماركس و توكفيل فهي مهمة جدا ‪ ،‬النها تعتبر‬
‫من المتن المؤسسة للبراديغم الخاص بالتفكير السوسيولوجي حول‬
‫اشكالية الفقر و الهشاشة ‪ ،‬ففي سياق التضامن العضوي لدوركهايم الذي‬
‫ذكرناه ‪ ،‬نجد توكفيل قد ركز ايضا على اهمية القيم من قبيل المساواة و‬
‫العدالة و الحرية في محاربة ظاهرة التفقير التي تهدد النظام االجتماعي‬
‫‪ ،‬و لكن من زاوية نظرية اخرى نجد ان ماركس ‪ ،‬قد تناول التفاوت‬
‫االجتماعي ‪ ،‬الو ذي هو بالنسبة له حقيقة موضوعية لطبيعة النظام‬
‫االقتصادي و السياسي للنظام الرأسمالي ‪ ،‬الذي انتج طبقة اجتماعية‬
‫مهيمنة المتالكها وساىل االنتاج ‪ ،‬و طبقة مهيمن عليها لعدم امتالكها‬
‫وسائل االنتاج ‪ ،‬و هذا ما يعيد انتاج نسبة الفقراء ‪ ،‬و لكي نجعل من‬
‫النظرية الماركسية نظرية سوسيولوجية محضة ‪ ،‬طبعا في خضم ما‬
‫نتناوله و هو اشكالية سوسيولوجيا الفقر و الهشاشة ‪ ،‬وجب علينا‬
‫االنتقال الى بيار بورديو و هو من احد السوسيولوجين المعاصرين الذي‬
‫طوروا االليات الماركسية من ناحيتهم الفلسفية المجردة الى ناحيتها‬
‫االجتماعية المرتبطة بالبناء االمبريقي سوسيولوجي ‪ ،‬فقدعمل بورديو‬
‫في كتابه إعادة االنتاح مع باسرون ‪ ،‬و طبعا بعد تتبع لإلحصاىيات و عبر‬
‫تحليالت نظرية معمقة ‪ ،‬على فهم كيف تنتقل ثقافة الفقر و كيف تبقى‬

‫‪33‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫مترسخة ‪ ،‬و قد الحظ بورديو انه في المدرسة ياتي نسقين متضادين ‪،‬‬
‫نسق من التالميذ الذين يحملون رأسماال ثقافيا كادحا متكونا من رموز و‬
‫معاني عفوية ك الرزق من عند هللا ‪ ،‬الشيطان سبب كل المصائب ‪ ،‬على‬
‫عكس اطفال و طفالت الطبقة البرجوازية الذين يكتسبون راسماال ثقافيا‬
‫برجوازيا و المتمثل في موسيقى راقية ‪ ،‬كالموسيقى الهادئة ‪ ،‬معاني‬
‫راقية كان سبب الرزق يجب أن يكون ناتجا عن عمل جاد ‪ ،‬الشرور التي‬
‫تقع لي هي من صنع يدي لذلكيجب ان اعالجها أنا ‪ ،‬و بين هذه المفارقة‬
‫بين المعتقد الكادح و البورجوازي يقع ما سماه بورديو باعادة إنتاج‬
‫الرساميل الثقافية ‪ ،‬اي ان ابن طبقة برجوازية الن لديه معاني راقية‬
‫سيقى راقيا ‪ ،‬ابن طبقة فقيرة له معاني عشواىية فانه سيذهب في منحي‬
‫المعاني التي يحملها ‪ ،‬ففي هذا الصدد يقول بورديو ‪ ،‬في كتابه إعادة‬
‫اإلنتاج ” التالميذ المنحدرون من أصول بورحوازية يدرسون اآلداب‬
‫القديمة و لغاتها منذ المرحلة الثانوية ‪ ،‬باإلضافة الى ان وسطهم العاىلي‬
‫يمكنهم من إتقان اللغة ‪ ،‬و إمتالك إستعدادات و عادات ثقافية و مهارات‬
‫فكرية و شخصية مشروكة إجتماعيا ‪ ،‬تجعلهم أكثر إستعدادا للتفوق‬
‫المدرسي ‪ ،‬إضافة الى شروط الحياة داخل داخل المنزل ‪ ،‬الملبس وساىل‬
‫الترفيه االمكانات المادية و الرمزية التي ترفع التفوق – بورديو اعادة‬
‫االنتاج – صفحة ‪ ، ” 15‬و هنا نحيل أيضا الى كتابه الهيمنة الذكورية‬
‫من اجل فهم معنى االستعداد الذي ذكره في قولته هذه‪ ،‬و يمكننا ان‬
‫نختصر مفهوم الهابيتوس على النحو االتي ‪ ،‬فكل مولود او مولودة تلفظ‬
‫في رقعة جغرافية ‪ ،‬تجد ان هناك نسق من االفكار اللغوية السابق عليها‬
‫‪ ،‬و الذي يحدد مسار سلوكاتها ‪ ،‬فبالمغرب مثال نجد حشومة عيب حرام‬
‫ال تفعلي هكذا ‪ ،‬ا فعل انت هكذا ‪ ،‬فكل هذا هو عبارة عن راسمال لغوي‬
‫منه تتكون الثقافة ‪ ،‬و بمجرد ان تلقن هذه االفكار للمولود او المولودة‬
‫عبر التنشىة االجتماعية ‪ ،‬يصبح هنالك تطبع داخل دماغ الفرد ‪ ،‬فهذه‬
‫االفكار اذن تنتقل من الخارج حسب تعبير دوركهايم الى الداخل لتصبح ‪،‬‬
‫حسب بورديو تطبعا اجتماعيا او باالحرى حسب تعبيره الدقيق ‪:‬‬
‫الهابيتوس ‪ ،‬و نعني بالهابيتوس هنا كل االفكار الثقافية التي تتحول عبر‬
‫ترسخها في الدماغ الى استعداد و سلوك إجتماعي خاص بمجتمع معين‬
‫‪ ،‬كان تصبح كلمة حشومة مثال نظام في السلوك ‪ ،‬يتحول الى طأطأت‬

‫‪34‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫االنثى لراسها أو لباسا كاللباس الطويل الخ أو خشونة موجهة للذكر‬


‫“حكم تصيب ما طلق” ‪ ،‬فهذه االستعدادات مثال تتحول الى سلوكات كأن‬
‫يبتعد الذكر عن االنثى بدعوى فكرة سنسقط في الحشومة ‪ ،‬او أن يرضى‬
‫بائع معين ببيع أشياء ثانوية في االسواق ال تعود عليه باي نتائج مادية‬
‫‪ ،‬بدعوى ان الدين دعى الى التجارة ‪ ،‬أو أن ينقطع على االفراد عن‬
‫التعليم بدعوى ان كل العلوم في الدين االسالمي ‪ ،‬و أن الغاية ليست في‬
‫أن يرتقي الغقل البشري بالفكر بل الغاية بالنسبة لهم هو ان يتاجر االنسان‬
‫العربي و ان يعتمد على ذاته ‪ ،‬و هنا نشير الى كتاب سوسيولوجيا‬
‫االنقطاع المدرسي لعبد الرزاق أبالل ‪ ،‬فمثال نجده يقول في الصفحة‬
‫‪ ، 159‬من كتابه سوسيولوجيا اإلنقطاع المدرسي ” من خالل المقابالت‬
‫التي أجريناها مع أسر المنقطعين ‪،‬تبين لنا أن نسبة األمية مرتفعة في‬
‫صفوف اآلباء ” ‪ ،‬فهنا نفهم بان الحانب المعرفي في الحياة العربية ‪ ،‬هو‬
‫شيء ثانوي او باالحرى هو أمر ال قيمة له ‪ ،‬ليس الن التعليم لن يجدي‬
‫نفعا ‪ ،‬بل ان في اعتقادهم يجب ان نقلد ما كان في معتقدنا الديني و هو‬
‫التجارة النها مصدر حالل ‪ ،‬افضل من العديد من االعمال ‪ ،‬فيعتبر دافع‬
‫الفقر الرمزي اذن حسب بورديو ‪ ،‬نتيجة اجتماعية و ثقافية بامتياز‬
‫نكتسبها و تصبح عبارة عن طريقة في الرؤية للحياة ‪ ،‬و هنا يتقدم‬
‫بورديو اكثر ليقول لنا ان سبب اعادة انتاج ألفاظ و جمل الفقر التي منها‬
‫تتكون الثقافة ‪ ،‬في ان االفراد عالقون في طقوس وازنت الجمل الثقافية‬
‫التي تطبعوا بها جتماعيا ‪ ،‬فمادم االنسان اذن ‪ ،‬عالق داخل طقوس زامنت‬
‫ا الفكار التي سمعها ‪ ،‬كان تسمع االنثى إرتدي الحجاب يا فتاة النه من‬
‫تقاليدينا و ديننا متزامنا مع االذان و مع الصالة و مع نوعيات االكل و‬
‫الشرب الثقافية كالشاي الخ ‪ ،‬فسيعاد انتاج جملها هذه التي تحكم‬
‫سلوكاتها كلما سمعت اآلذان او كلما شربت الشاي ‪..‬الخ ‪ ،‬النه ما دامت‬
‫هذه الطقوس كالصالة و االذان و نوعية االكل و نوعية السلوكات‬
‫موجودة و يسمعها الذهن فان كل االفكار اللغوية – الثقافية التي زامنتها‬
‫كارتدي الحجاب ‪،‬هللا مع الصابرين ‪ ،‬الرزق من عند هللا …الخ ‪ ،‬ستبقى‬
‫قائمة ‪ ،‬الن ما يعيد انتاج الثقافة اللغوية هي الطقوس الرمزية كنوعية‬
‫االكل و الرواىح و االصوات ‪،‬اي كل ما كان موجودا مع تلك االفكار من‬
‫طقوس المحتمع‪ ،‬فان شرب الشاي مثال رغم انه يبدوا للبعض سلوكا‬

‫‪35‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫عاديا ‪ ،‬لكنه في االصل طقس من الطقوس الثقافية الذي يعيد انتاج ثقافتك‬
‫التي اكتسبتها ‪ ،‬و القطع مع هذه الطقوس مثال ‪ ،‬كأن يهاجر الفرد سواء‬
‫انثى او ذكر الى رقعة جغرافية ال تتوفر مطلقا على هذه الطقوس الثقافية‬
‫التي كان عالقا فيها و التي تزامن نوعية من االلفاظ و االفكار‪ ،‬فان تلك‬
‫االلفاظ اذن التي منها تتكون الثقافة و منها تتكون المفارقات بين ثقافة‬
‫الفقير و ثقافة الغني ستتالشى ‪ ،‬و ستتغير سلوكات االفراد الن ما يحكم‬
‫السلوكات هي الفاظ و جمل تتزامن مع طقوس سواء كانت اكال او حركات‬
‫او روائح او اصوات ‪ ،‬و هكذا نكون قد اجبنا سوسيولوجيا عن كيف ان‬
‫الفقر هو قبل ان يكون ماديا يكون فقرا من الناحية الرمزية ‪ ، ،‬فان الفقر‬
‫الرمزي اذن هو مرتبط بالطقوس و بالرموز سواء اللغوية او الرمز‬
‫المعنوي الخاص بمجتمع معين ‪ ،‬و يعتبر الفقير المادي هو الفقير رمزيا‪،‬‬
‫و لكي نتجاوز الفقر المادي يجب ان نتجاوز الفقر الرمزي ‪ ،‬الن الفقير‬
‫قبل ان يكون ضحية سلطة يكون ضحية ثقافته التي يحملها و ضحية‬
‫طقوس تعيد انتاج تلك الثقافة ‪ ،‬و من خالل كل هذه المقاربات التي حاولنا‬
‫ان نقوم بعرضها ‪ ،‬نجد ان في المتن التي تناولت الفقر نصوص لها اهمية‬
‫كبرى في فهم البنى الرمزية التي سبق و ان اشرنا لها حول اشكالية الفقر‬
‫و هنا نفتح الباب أمام نصوص كل من زيمل و اوسكار لويس التي حاولت‬
‫ان تفهم ثقافة الفقر و الهشاشة ‪ ،‬و هي التي ستكون قيد دراستنا‬
‫في سياق حديثنا عن أثر الثقافة و الرموز في خلق الفقير مع بورديو ‪،‬‬
‫نجد ان هناك متن حاول ان يكرس له اوسكار لويس جهده ليجيب عنه ‪،‬‬
‫و هو المتمثل في ثقافة الفقر ‪ ،‬فهل يمكن حقا للفقراء ان ينتجوا ثقافة‬
‫على ضوء وضعيتهم اإلجتماعية ‪ ،‬و ما الذي يميز هذه الثقافة عن الثقافة‬
‫؟‬ ‫العامة‬
‫في البداية و كما تعلمنا من الدروس المنهجية في الفلسفة و‬
‫السوسيولوجيا و العلوم االنسانية جمعاء ‪ ،‬أن لكل حقل من األفكار خلفية‬
‫إبستيمية تحدد نوعيتها ‪ ،‬فلكي نفهم قضية معينة من ناحيتها المعرفية ال‬
‫العفوية ‪ ،‬يجب ان تكون لنا أدوات نظرية تؤطر مسارنا ‪ ،‬ففي هذا الصدد‬
‫كانت الوسكار لويس خلفية في النظر اساسية ‪ ،‬يقول فيها أنه ال يمكن‬
‫محاربة الفقر اال بعد تشخيص ثقافة الفقر و ثقافة الفقراء ‪ ،‬و نقصد‬
‫بالثقافة هنا مجموع التصورات و التمثالت و المعايير و العادات و أنماط‬

‫‪36‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫العيش ‪ ،‬و خصوصا الفكر السالفة الذكر التي عرضناها مع بيار بورديو‬
‫و هي عالقة الهابيتوس الذي هو كل ما تعودنا عليه و انشئنا عليه ‪،‬‬
‫باالستعداد الالشعوري للرؤية بهذه العادة الى الحياة االجتماعية ‪ ،‬اي‬
‫اإلجابة عن كل ما يمكن ان اتعرض له في يومي بهذه االفكار التي تطبعت‬
‫بها ‪ ،‬و طبعا بورديو ينعث هذه العالقة بالحس العملي ‪ ،‬فالحس العملي‬
‫هو الرابط بين الهابيتوس الذي هو استعداد ال شعوري مستنبط من كل‬
‫ما أنشىت عليه ‪ ،‬مرتبط بمثيرات الواقع االجتماعي ‪ ،‬كان اقول ان هللا مع‬
‫الصابرين لكي ابرر فقري ‪ ،‬حينما ال أجد عمال ‪ ..‬الخ ‪ ،‬فدور‬
‫السوسيولوجي اذن هو الوقوف على لماذا يحمل الناس هذا المعنى‬
‫للموضوع ‪ ،‬و ذلك عبر طرح اشكالية كبرى و هي كيف يشكل الفقير هذا‬
‫؟‬ ‫فقيرا‬ ‫بكونه‬ ‫ذاته‬ ‫حول‬ ‫الثقافي‬ ‫المعنى‬
‫فقبل السير في تفكيك الموضوع ‪ ،‬يمكننا البدأ في البداية بالثقافة ‪ ،‬معرفين‬
‫اياها بأنها تفاصيل دقيقة في حياتنا اليومية ينتجها االفراد لكي ينظموا‬
‫عملهم االجتماعي ‪ ،‬فالتمثالت االجتماعية تنظم التفاعالت االجتماعية ‪،‬‬
‫و هنا نحيل الى مساهمة تقدم بها د ربيع اوطال حول جاىحة كورونا ‪،‬‬
‫تناول فيها التمثل االجتماعي في زمن كورونا ‪ ،‬بحيث ان الفيروس فسر‬
‫في المخيال المغىربي على انه جند من جنود هللا ‪ ،‬و ان هللا هو الوحيد‬
‫الطبيب ‪ ،‬و قد رصد االستاذ اوطال كيف ان هذه الفكرة تحولت من تمثل‬
‫الى سلوك و تفاعل ‪ ،‬فجعلت من االفراد يهللون في البيوت داعيين هللا‬
‫لوحده لينقذ الموقف ‪ ،‬اذن فالثقافة هي مجموعة من التمثالت التي‬
‫تنعكس في انتظام داخلي بالجسد ‪ ،‬الى استعدادات تتحول بدروها الى‬
‫سلوكات اجتماعية ‪ ،‬و بذلك فقد انتقد اوسكار لويس المقاربة الكمية‬
‫لمعالجة الفقر ‪ ،‬و قد سلم انه لكي نحسن وضعية الفقراء يجب ان نشتغل‬
‫على هذه الثقافة التي ينتجها الفقراء ‪ ،‬و قد صاغ بذلك اوسكار مفهوم‬
‫ثقافة الفقر ‪ ،culture de la pauvreté‬معتمدا على دراسة بعض‬
‫الجماعات التي انتشرت داخلها ظاهرة الفقر ‪ ،‬مؤمنا في الوقت ذاته بفكرة‬
‫انه ال توجد ثقافة واحدة ‪ ،‬بل ان هناك ثقافات فرعية ‪ ،‬تختلف طبعا بين‬
‫الطبقات ‪ ،‬و تتشكل هذه الثقافة حينما يكون هنالك معدل عالي للبطالة ‪،‬و‬
‫انخفاض لألجور ‪ ،‬و في هذا السياق يعرف لويس أوسكار ثقافة الفقر‬
‫بكونها ‪ ” :‬مختلف المعايير و انماط السلوك التي طورها األفراد تبعا‬

‫‪37‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الصلهم اإلجتماعي و ردا على وضعيتهم اإلجتماعية الهامشية ” و في‬


‫االن ذاته تعتبر هذه الثقافة حسب اوسكار بمثابة مكيف ‪ ،‬يجعل الفقراء‬
‫يتأقلمون مع وضعيتهم في مجتمع طبقي راسمالي ‪ ،‬فهي اذن و طبعا‬
‫تماشيا مع كل ما ذكرناه سالفا و خصوصا مع بورديو ‪ ،‬انها اذن عبارة‬
‫عن آليات تبريرية – ثقافية ينتجها الفقير لكي يتجاوز فقدان االمل و‬
‫الياس ‪ ،‬و ما يميز هذه الثقافة اذن ‪ ،‬هو انها تعيد انتاج ذاتها فهي ثقافة‬
‫مستمرة ‪ ،‬و االكثر من ذلك انها تنتقل من حيل الى جيل ‪ ،‬و كتاب بيار‬
‫بورديو الورثة مهم في هذا السياق لفهم كيف ان الهابيتوسات و‬
‫الرساميل الثقافية تنتقل عبر الطبقات ‪ ،‬فالفقراء حسب اوسكار هامشيون‬
‫النهم ال يشاركون في الشأن العام و في المؤسسات االجتماعية ‪ ،‬و هذا‬
‫ما يولد لديهم شعور عدم االنتماء و الخوف و الشك الخ ‪ ،‬و يتميز الفقير‬
‫حسب اوسكار لويس بضعف في المداخيل ‪ ،‬و نقص في رأس المال و‬
‫االستدانة ‪ ،crédit‬االقتراض من الجيران و من الصيدلية و من الدكان‬
‫الخ ‪ ،‬فهذا الفقر اذن حسب اوسكار يولد كرها للمؤسسات األساسية للعدل‬
‫و للشرطة و للتعليم و الصحة ‪ ،‬و يكفي ان نعود الى ما وصفته‬
‫االرهاصات االولى للسوسيولوجيا كشارل دوفوكو و موليرياس و‬
‫سيكونزاك الذي قدمو دراسات اثنوغرافية حول الشعب المغربي الذي كان‬
‫دائما في تطاحن مع المخزن ‪ ،‬فال يجب ان ننسى في صدد حديثنا عن هذه‬
‫الدراسات االثنوغرافية ‪ ،‬ان لويس اوسكار قدم لنا ايضا دراسة‬
‫اثنوغرافية و هي ‪ ،les enfants de sanchez‬فقد عمل على نقل‬
‫معلومان اساسية عبر منهج تاريخ الحياة ‪ ،‬الذي يبتغي اعادة احياء‬
‫تجربة االخرين ‪ ،‬فقد استجوب اكثر عدد ممكن ‪ ،‬فقد تحدثوا عن ”‬
‫المشاكل و العقد و الموت و الخيانة و العنف و االنحارف و االجرام و‬
‫االمل في حياة افضل – خالد طحطح – ثقافة الفقر في حقل االنثريولوجيا‬
‫– مؤمنون بال حدود ” ‪ ،‬فبالنسبة الوسكار لويس اذن ثقافة الفقر تختلف‬
‫من مجتمع الى اخر ‪ ،‬و قد ميز اوسكار لويس بين ثالثة عناصر مهمة‬
‫لثقافة الفقر ‪ ،‬اولها انه يكون هنالك مستوى تعليمي هزيل و هنا نحيل‬
‫الى كتاب سوسيولوجيا االنقطاع المدرسي لالبالل و هي دراسة حول‬
‫المغرب ‪ ،‬لمعرفة كيف ان االطفال يكونو مستعيدن رمزيا و ال شعوريا‬
‫عبر كل ما يسمعونه من ثقافة الفقر ” نتا راجل راك بحال الفاس الش‬

‫‪38‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫غاضيع الوقت سير خرج عري على كتافك و جيبها بعرقك ‪ ،‬راك راجل‬
‫راجل سوا بالوظيفة و ال بال الوظيفة ” و االنثى ” انت ماعندك ماديري‬
‫بشي قراية و بال شي خروج كاع ‪ ،‬تعلمي الشقا و الطياب تا يصيفط ليك‬
‫هللا شي راجل ” فهذه الخلفيات الرمزية في التفكير هي جوهر ثقافة الفقر‬
‫فهي من تجعل من الفرد ال يعي من هو ‪ ،‬بكونه كائن بشري له الحق في‬
‫التعليم و الحق في الصحة و الحق في االنتاج ‪،‬العنصر الثاني و هو عنصر‬
‫ممتد عن االول فمادام في عمق المواطن حقد تاريخي على العمل‬
‫المؤسساتي و انتصار للفردانية و العمل الفردي ‪ ،‬فان القدرة على العمل‬
‫الحماعي ستتالشى و العمل الفردي هو عمل يفتقر الى التخطيط الدقيق‬
‫و هذا ما يجعل من الفرد مهددا يوما ان يعيش في الفقر ‪،‬و العنصر الثالث‬
‫و هو العنصر المحوري الذي به تتمخض ثقافة الفقر و يتمثل في االنماط‬
‫السلوكية الغير السوية و التي تكتسب من التاريخ و من الثقافة ‪ ،‬فهذا‬
‫يعني لنا ان الفقير هو قبل ان يكون ضحية سلطة ‪ ،‬يكون في اوال ضحية‬
‫ثقافته ‪ ،‬فمن الثقافة يتمخض الفقر و هذا ما بيناه مع بورديو سابقا ‪ ،‬و‬
‫هنا نحيل الى كتاب غاية في األهمية و هو كتاب عبد هللا حمودي الشيخ‬
‫المريد ‪ ،‬الذي بين فيه ان ما يجعل الفقير يعيد انتاج حرمانه هو ثقافته ‪،‬‬
‫فالمغربي مثال عالق بين مستووين ‪ ،‬مستوى الشرعية الدينية التي‬
‫يتبناها الفكر المغربي ‪ ،‬و التي تؤمن مثال بافكار كديننا صالح لكل زمان‬
‫ومكان و هذا ما يجعل من المغربي يعتبر العلوم شيئا ثانويا ‪ ،‬او ن هللا‬
‫مع الصابرين و هللا خلق الفقير و الغني ليبتلي الفقير و ليبتلي الغني ‪ ،‬و‬
‫هذا ما يجعل ثقافة الحرمان تعاد انتاجها ليس بسبب االصل الديني و هو‬
‫القرآن ‪ ،‬بل نتاج ما سماه اركون التأويالت البرغماتية للنص الديني ‪،‬‬
‫فلفكرة ان هللا خلق الفقير و الغني غايات اخرى ‪ ،‬تدخل فيما سلطوي‬
‫سياسي ‪ ،‬عالوة على ذلك حسب حمودي هناك عامل التاريخ ‪ ،‬فالعرب‬
‫عبر تاريخهم كانوا يحاربون الفكر و النهضة و تطوير الثقافة ‪ ،‬و هنا‬
‫نشير الى سقراط العرب و هو ابن رشد الذي حرقت كتبه ‪ ،‬بسبب عقالنيته‬
‫في التفكير و محاولته ان يوازن بين العقل و الشريعة و هنا نشير الى‬
‫كتابه فصل المقال ‪ ،‬فكما قال د محمد عبد الجابري في الفصل الثامن من‬
‫الجزء االول من مشروعه نقد العقل العربي ‪ ،‬ان العقل العربي هو عقل‬
‫مستقيل بسبب انتسابه الى المتعالي وحده ‪ ،‬فهو غير موجود في االرض‬

‫‪39‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪ ،‬النه يعيش في المتعالي ‪ ،‬فسبب رزقه بالنسبة له هو ناتج عن هللا و‬


‫النتييجة ناتجة من عند هللا ‪ ،‬و في وجوده يقول اعوذ باهلل من قولة أنا و‬
‫هذا ان دل فانه يدل على ان الفقر االساسي باالوطان العربي ‪ ،‬و هو الفقر‬
‫الرمزي للفكر ‪ ،‬الذي لن يتغير اال ان استطاع العربي ان يتجرأ كما قال‬
‫كانط على استخدام عقله في فصل االمور الغيبية التي يؤولها رجال الدين‬
‫عن حياتهم االجتماعية ‪ ،‬فهذه التوايالت تخلق ثقافة تجعل الفقير يبرر‬
‫فقره المادي و يجعله كما يقول غيدنز موجودا دائما في القاع و يعاد‬
‫انتاجه ‪ ،‬و هذا ما تعاني منه المرأة العربية رمزيا‪ ،‬ففي هذا الصدد يرى‬
‫بورديو يرى بورديو في هذا الصدد ‪ ،‬أن النظام الطبيعي ‪ ،‬يشرع للجسد‬
‫الذكوري عبر قضيبه الذي يتدلى و ينتفخ ‪ ،‬هيمنة تميزه عن الجسد‬
‫األنثوي ‪ ،‬بكون أن الجسد األنثوي يفتقر إلى أجساد متحكم فيها ‪ ،‬و هذه‬
‫المفارقة ‪paradoxe‬حسب بورديو ساهمت في خلق تمثالت ‪،‬‬
‫تمخضت عنها ملفوظات و خطابات منظمة ‪ ،‬تعرف داخل اإلطار‬
‫اإلجتماعي بالمعتقد ‪ ،doxa‬أو بتعبير فوكو “شرطة الملفوظات *” ‪،‬‬
‫هي من قسمت األدوار و األشياء ‪ ،‬فجعلت بذلك في اإلجتماعي نظاما و‬
‫استعدادا ثقافيا ‪ ،‬تلعب به السلطة لعبة الهيمنة الذهنية و الجسيدية خلف‬
‫الواقع اإلجتماعي (بكواليس المجتمع) ‪ ،‬و لهذا ف”انتظامات النظام‬
‫الفيزيائي ‪ :‬البيولوجي ‪ ،‬و النظام اإلجتماعي ‪ :‬الثقافي ‪ ،‬تفرض و ترسخ‬
‫اإلستعدادات ‪ ،‬و تستبعد النساء عن المهمات األكثر نبال ‪ ،‬و تخصص لهن‬
‫أماكن سفلية ‪ ،‬و تعلم كيفية التعاطي مع أجسادهن منحنيات ‪ ،‬و الذراعان‬
‫مطويتان الى الصدر أمام الرجال المحترمين ‪ ،‬و تخصصن لمهمات حقيرة‬
‫النعام‬ ‫سماد‬ ‫كنقل‬
‫و بهذا ‪ ،‬فإن الغاية األسمى من الجسد بكونه ثلة من السلوكات ‪ ،‬هو أن‬
‫يتحد مع ذهنه المحشو بالتمثالث ‪ /‬الصور – ذهنية – إجتماعية ‪ ،‬و‬
‫مادامت السلطة تحيط بالذهن من كل المواضع في طفولته ‪ ،‬فإنها تصبح‬
‫كما يسلم ميشال فوكو داخل ذهنه ‪ ،‬من أجل قيامه بدور مراقبة األفراد و‬
‫الدفاع عن الثقافة التي تخدم السلطة ‪ ،‬فإذا كان الذهن في طفولته يستمتع‬
‫بالطقوس المخطط لها ك”األعياد ‪ /‬الصالة ‪ /‬األشكال الثقافية ‪ /‬الروائح‬
‫الثقافية ‪ /‬األغذية الثقافية ” ‪ ،‬فإن هذه المبادئ تلف بالجسد عبر كل‬
‫أبعادها ‪ ،‬محققة بذلك إعادة لطاقة الماضي ‪ ،‬فحينما يدرك الجسد عبر‬

‫‪40‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫حواسه المثيرات اإلجتماعية ‪ ،‬كصوت اآلذان بالشارع ‪ ،‬أو رائحة أكلة‬


‫ثقافية ك”الحريرة مثال” ‪ ،‬أو يتذوق طعما “كلشاي” أو يدرك لونا كألوان‬
‫الشرطة (احمر ‪ /‬اخضر) ‪ ،‬أو يرى شكل المنزل الرباعي او المستطيل ‪،‬‬
‫أو اآليات القرآنية صوتا و كتابة ‪ ،‬فإن كل هذه المثيرات تنعش الماضي‬
‫‪ ،‬مما يؤدي الى تجديد طاقة االنسان اآللي أو المدجن ‪ ،‬فدور هذه األجزاء‬
‫هو إنعاش الصور الذهنية اإلجتماعية داخل الدماغ ‪ ،‬و هذا ما يؤدي الى‬
‫التحكم في السلوكات ‪ ،‬فالصور السوسيو ذهنية اذن ‪ ،‬هي مبادئ‬
‫نكتسبهامن الخارج و بفعلها نخلق صورا ذهنية نتوهم أنها من إبداعنا و‬
‫لكنها في األصل انقسام عن المبادئ األولى ‪ ،‬و بهذا فان السلطة هي من‬
‫تنقسم و تتفرع داخل الدماغ ‪ ،‬و لذلك فحينما تدخل األنثى إلى منزلها ‪،‬‬
‫فإن السلطة تستدير بها عبر ألفاضها الموجودة بكل جزء من المنزل ‪ ،‬و‬
‫التي تعيد احياء الصور السوسيو ذهنية في استمرار (الكوزينة ‪ /‬الثالجة‬
‫‪ /‬الناموسية ‪ /‬التفازة ‪ /‬األفالم األجنبية المدبلجة بألفاظ الثقافة العربية ‪،‬‬
‫و التي تخلق أجسادا منفصمة ‪ ،‬بسبب دفاعها عن الحرية و الالحرية‪:‬‬
‫الممثالت = متحررات ‪ ،‬الممثلين ‪ :‬متحررين _ اللغة ‪ :‬ثقافية ‪-‬ذكورية )‬
‫‪ ،‬و بالنسبة للذكر المستعد ثقافيا للخروج الى الطبيعة ‪ ،‬فإن السلطة‬
‫تستدير به أيضا باشكالها “(انتصاب اعلى البناية التي تدافع على ذكورته‬
‫المنمطة ‪ ،‬و بذلك يحفز دوره على اإلستمرارية (إستمرارية قهر األنثى‬
‫من أجل اإلمتثال لصوت الذكر ‪ /‬حشو الذكر الناشئ من أجل تجسيد دور‬
‫المراقب الرمزي للثقافة خارج المنزل و داخله ) و بهذا فإن األفراد‬
‫يشتغلون في استمرار مع السلطة ‪ ،‬فحينما تسمع األجساد صوت اآلذان‬
‫‪ ،‬فإن كل مكونات الماضي تتفاعل ‪ ،‬فتحرك بذلك سلوكات الطقوس‬
‫اليومية لألجساد ( الحفظ بدون فهم ‪ /‬سلطوية التدريس و التلقين بالضرب‬
‫‪ :‬اإلمام = المدرس = العصى ‪ :‬ال تتكلم كثيرا ) (األشكال المحيطة‬
‫باألجساد‪ :‬صور األنترنت الموجه للشابات ‪ ،‬الشباب من أجل تفادي‬
‫خاصية االستعداد للنقد ‪ ،‬الموجودة قبليا مع شروط المعرفة * ‪ ،‬و لهذا‬
‫فمادامت األم لها عبر التنشئة االجتماعية استعداد لتدجين ابنتها على‬
‫الخضوع ‪ ،‬و االب له استعداد لتدجين ابنه على الهيمنة ‪ ،‬فإن السلطة‬
‫المدجنة من طرف كواليس أنظمة أخرى ‪ ،‬لها وجود مسبق على تدجين‬
‫الجنسين معا ‪ ،‬فالسلطة كما ينعتها فوكو موجودة في كل مكان (بالحائط‬

‫‪41‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫و بالذوق و بكل سلوك معقد و بسيط ) ‪ ،‬ففي هذا الصدد نجد أن بسنة‬
‫‪ ، 1964‬ظهر علم “الحفاظ على التراث الثقافي ” بأوروبا ‪ ،‬و أصبح‬
‫اآلن من بين القوانين األساسية بكل مجتمع ‪ ،‬ترعاه في استمرارية‬
‫اليونيسكو و البنك الدولي و غيرها من المؤسسات العالمية ‪ ،‬فالغاية‬
‫األسمى منه هو ترميم البنايات القديمة داخل المجتمعات ‪ ،‬و الحفاظ أيضا‬
‫على جل األلفاظ الثقافية التي تخص الجماعة ‪ ،‬و لكن كما يتضح لنا في‬
‫سياق تحليلنا ‪ ،‬الغاية األسمى من هذا العلم هو تطويق اإلنسان المدجن‬
‫و اآللي داخل درجة تفكيره‬
‫الخالص‬ ‫العقل‬ ‫نقد‬ ‫–‬ ‫كانط‬ ‫إيمانويل‬ ‫‪:‬‬
‫ألننا حينما نتكلم عن بناية قديمة ‪ ،‬فإننا نتكلم عن خطاب عاصرها ‪ ،‬يعبر‬
‫عن درجة تفكير معينة ‪ ،‬و إذا ما أردما أن نقارن بين درجة الفكر العربي‬
‫الذي حصرت خطاباته الثقافية ‪ ،‬خلف األسوار و المعمارات المؤدلجة‬
‫لعلم الحفاظ على التراث العالمي ‪ ،‬مع تماثيل الفالسفة داخل المجتمعات‬
‫الغربية ‪ ،‬فإنه سيتبين لنا الفرق الشاسع بين النظامين اإلجتماعيين ‪.‬‬
‫البناء اإلجتماعي لألجساد‬
‫تختلف كما نعلم ‪ ،‬الطريقة التي بها يجنس الذهن و يبنى بها الجسد ‪ ،‬فإذا‬
‫كان الذكر كما يسلم بورديو ‪ ،‬يتم إخراجه من العالم األنثوي “المنزل ”‬
‫منذ طفولته ‪ ،‬و يتم ادماجه في العالم الذكوري (السوق) (المقهى )‬
‫(الحرية في التجوال بين كل أحياء المدينة ) ‪ ،‬فإن األنثى ‪ ،‬يفرض عليها‬
‫منذ طفولتها عدم اإلبتعاد عن عتبة المنزل ‪ ،‬ثم “تعلم اللبس و اختيار‬
‫مختلف األلبسة المناسبة لمختلف حاالتها المتعاقبة ‪ :‬طفلة صغيرة ‪،‬‬
‫عذراء ‪ ،‬بالغة ‪ ،‬زوجة ثم ربة بيت ‪ ،‬فتكتسب شيئا فشيئا بالمحاكاة‬
‫الالواعية بقدر الطاعة العلنية ‪ ،‬الطريقة األفضل لربط حزامها (اللباس‬
‫الطويل ) ‪ ،‬تغطية شعرها ‪ ،‬تحريك او تثبيت هذا الجزء او ذاك من جسدها‬
‫في السير أو عرض الوجه أو تصويب النظر ‪ ، ” 10‬فلكل منطقة من‬
‫الجسد ‪ ،‬صورة سوسيو ذهنية مهيأة لتتحكم في سلوكاتها ‪ ،‬و بفعل اتحاد‬
‫هذه الصور – الذهنية – اجتماعية يتكون منتوج االنسان الثقافي ‪ ،‬الذي‬
‫يتميز بنمط من اللباس و طريقة في العيش ‪ ،‬فحينما نتكلم على اللباس‬

‫‪42‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الطويل المخصص لألنثى ‪ ،‬فإننا نتكلم عن رموز ثقافية و غايات تشرعها‬


‫السلطة ‪ ،‬كاألنثى كائن سلبي و كسول – يحمل كنزا ثقافيا ‪ :‬الرحم و‬
‫يصاب بالدورة الشهرية ‪ ،‬زد على ذلك أنواع السراويل المعاصرة ‪،‬‬
‫كالسروال المخصص لألنثى الذي يفوق البطن ‪ ،‬فهذا السروال في بعده‬
‫الرمزي ‪ /‬المغربي ‪ ،‬تم تأويله بأنه سروال إلظهار الخاصرة رغم ان‬
‫السروال الذكوري المغربي منذ ظهوره كان يظهر أيضا الخاصرة ‪ ،‬و‬
‫بهذا فإن المعنى الرمزي الذي تم اسقاطه على شكل السروال االنثوي‬
‫المعاصر يتمثل على النحو االتي (الحزام‪ :‬الوعي االجتماعي لالنثى‬
‫المغربية = مبتعد كليا عن التحكم في عضوه التناسلي (الرحم ) ‪ ،‬و يعتبر‬
‫حمل السروال في استمرار بالشارع “ذكور ‪ /‬اناث ” ‪ ،‬تعبيرا عن فقدان‬
‫الذهن حقه الطبيعي في تلبية رغبته العاطفية و الجنسية ‪ ،‬و يعبر ايضا‬
‫السروال الممزق و السروال الفضفاض و السروال الالمحكم او السروال‬
‫الضيق ‪ ،‬عن تجاوز النظام بسبب تدخل هذا النظام في إبعاده عن الجسد‬
‫الذي يجب ان يكونه‬
‫تصميم أدوار النوع الجسدي ‪:‬‬
‫كما سلمنا آنفا ‪ ،‬االنثى تعتبر في المخيال النمطي االجتماعي ‪ :‬كائن سلبي‬
‫‪“ ،‬ألن النساء لكونهن يقعن في تصنيفات (الداخل ‪ /‬الرطب ‪ /‬األسفل ‪/‬‬
‫المنحني ‪ /‬المتصل – يعهد اليهن بكل األعمال المنزلية أي الخاصة و‬
‫المختبئة ‪ ،‬ال بل الالمرئية أو المخجلة ‪ ،‬كرعاية األطفال و الحيوانات ‪ ،‬و‬
‫كذلك كل األعمال الخارجية التي أعطاها لهن العقل األسطوري ‪، ” 11‬‬
‫فهي ثانو ية بالمعنى اإلستالبي للذهن ‪ ،‬ألنه حينما نتكلم عن الفرق بين‬
‫الجلباب األنثوي و الجلباب الذكوري ‪ ،‬يتضح لنا قوة المفارقة بين الجسد‬
‫االنثوي و الذكوري ‪ ،‬فاألول ‪ :‬أنثى = يفرض عليها ال شعوريا عدم حمل‬
‫الجلباب أعلى الركبتين ‪ ،‬أما الجسد الذكوري فكثيرا ما نلمح جلبابه الذي‬
‫يحمل اعلى الركبتين في استمرار ‪ ،‬فالثاني يقابل بابتسامة و شعور‬
‫بالرضى الثقافي على سلوكه الثقافي ‪ ،‬أما الجسد االنثوي فيقابل بالرضى‬
‫الثقافي كلما طأطأت رأسها خلف الذكر ‪ ،‬ومما ال شك فيه أن هذه األبعاد‬
‫الزالت حية داخل األذهان التي تدعي الحداثة الجسدية و الفكرية ‪،‬‬
‫فمادامت السلطة خلف أسوار األدوار المرئية للسلوكات ‪ ،‬تدافع عن‬

‫‪43‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫القوانين ذاتها التي كانت ‪ ،‬فإن الصور السوسيو ثقافية ‪ ،‬ستظل تتكاثر‬
‫عبر الزمن االجتماعي ‪ ،‬ألنه حينما نالحظ تحركات أعين الشابات و‬
‫المراهقات بالشارع ‪ ،‬فإننا نالحظ صورة العبودية التي كانت ‪ ،‬مصطبغة‬
‫بلون العصرية و الحداثية ‪ ،‬كعدم القدرة على التعبير سواء من ناحية‬
‫نسج الجمل ‪ ،‬أو من ناحية إيقاع الصوت ‪ ،‬فما نسمعه في استمرار‬
‫بالشارع من أصوات أنثوية ‪ ،‬صوت عال يعبر عن عدم الثقة و عدم‬
‫الرضى بما يتم التلفظ به ‪ ،‬أو صوت خافت بدون تحركات اليدين و الجسد‬
‫و بمعز ل عن نظرة حادة تحيل على الوعي بما يتم التفوه به ‪ ،‬و كذلك‬
‫الذكر فمعظم الجمل بناؤها يكون متقطعا ‪ ،‬و منطوي تحت لواء بعد رمزي‬
‫واحد هو ممارسة الجنس ‪ ،‬و لهذا نفهم من كل ما تطرقنا له انفا ‪ ،‬أنه ال‬
‫يوجد سلوك أو خطاب ال توجد فيه السلطة ‪ ،‬فنشاط الذهن الطبيعي ال‬
‫يكتمل بسبب اختراقه من طرف أجهزة السلطة ‪ ،‬ألن استدارة الوعي حوله‬
‫من اجل توجيه شرارة النقد ‪ ،‬تتعطل في كل ادراك يقوم به الذهن ‪ ،‬فالذهن‬
‫كما سلمنا يتكون أساسه من كل الصور الذهنية االجتماعية التي مررتها‬
‫السلطة باحكام مما يصبح له ماض مخطط له‪ ،‬و بذلك يصبح للذماغ ماض‬
‫ميغناطيسي ينجذب لكل اشارة تضعها السلطة في الشارع او داخل المنزل‬
‫‪ ،‬و هذا بالضبط ما يؤدي إلى إعادةإنتاج طاقة االنسان المدجن صباحا و‬
‫مساء ‪ ،‬و لذلك فحينما يتقابل الجسد االنثوي المغربي بالجسد الذكوري ‪،‬‬
‫فإن الجزيىات التي تحيط بهم تتداخل مع أجسادهم “نظرة حادة من األغيار‬
‫‪ ،‬تؤدي الى طأطأت رأس األنثى ” ‪ ،‬خوف الذكر من الشرطة تؤدي الى‬
‫التوازنه العقلي ‪ ،‬فقبل خروج الذهن االنثوي الى الشارع ‪ ،‬يكون هنالك‬
‫استعداد تخلقه الصور الذهنية اجتماعية كصورة اإلقصاء من الوجود‬
‫المتطبعة بها ‪ ،‬و بذلك يكون لها علم بأن بالشارع يقع تحرش جنسي ‪/‬‬
‫االغتصاب ‪ /‬السب ‪ /‬الشتم ‪ ،‬و بذلك يصبح دورها خارج المنزل هو تلقي‬
‫السلوكات‪ ،‬على عكس الذكر الذي له استعداد اجتماعي لالندفاع الى‬
‫االنثى‬
‫‪ ،‬فهنا يحضر رمزيا “القضيب المنتصب ” و بذلك فمع أول إثارة للبيدو‬
‫المكبوت (القوة الجنسية المكبوتة ) ‪ ،‬تشتغل اول صورة ذهنية اجتماعية‬
‫تطبع بها حول الهيمنة الذكورية(الرجل فأس يحفر في كل مكان ‪ /‬أنت‬
‫قوي …) ‪ ،‬فيتمخض بذلك تسلسل من السلوكات ‪(،‬قد يصل الى العنف‬

‫‪44‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫او القتل ) و هذه اإلستدارة السلوكاتية التي يعاد إنتاجها صباحا مساء ‪،‬‬
‫تتداخل فيها كل المؤسسات اإلجتماعية و السياسية من اجل الحفاظ على‬
‫ابتعاد األجساد عن المواضع الطبيعية لالذهان ‪ ،‬و بما أن قوة تكرار‬
‫التوجيهات الجسدية ‪ ،‬يعاد إنتاجها في استمرار ‪ ،‬فإنه يقع كما يسلم‬
‫بورديو “إشباع ” ‪ ،‬فيصبح بذلك الذهن غير مستعد لفقدان الصور‬
‫الذهنية اإلجتماعية ‪ ،‬ألنه بفعلها يرى الذهن الوجود ‪ ،‬و بفعلها يجيب‬
‫على كل مثير يثار في الواقع االجتماعي ‪ ،‬و بفعل التوافق بين السلطة و‬
‫الماضي و الحاضر داخل ذهن الجسد ‪ ،‬تفتح عوالم البناء الداخلي ‪ ،‬بهذا‬
‫يقوم الذهن بدمج كل محتويات الصور الذهنية اجتماعية مع كل اطار‬
‫حاضراتي ” طعم اكل جديد ‪ /‬لباس معاصر ‪ /‬ايقاع موسيقي ‪ /‬كتاب ‪”..‬‬
‫و بذلك تكون الدالالت الجسدية الرمزية ‪ ،‬قد هيمنة على صوت العولمة‬
‫‪ ،‬فمادامت السلطة بماوراء كواليس االجتماعي ‪ ،‬تشتغل على خلق الجسد‬
‫الماضوي المدجن ‪ ،‬فان الذهن يسقط ماضيه بكل ما هو جديد ‪ ،‬و في هذا‬
‫الصدد سلم بورديو استنادا بميشال بوزون ‪ ،‬انه بعد تطبع‬
‫األذهان ثقافيا (االشباع) ‪ ،‬يبتعد بذلك الذهن عن كل سلوك معقد ‪ ،‬فحينما‬
‫سنعطي للمجتمع الذكوري ” اإلنطباع بأن المرأة هي التي ستهيمن ‪ ،‬فهذا‬
‫سيحط منها إجتماعيا ‪ ،‬و بذلك ستشعر أنها منقوصة أمام رجل منقوص‬
‫‪ ، ” 12‬و لهذا يمكننا القول أن الحدود المفروضة سوسيو – ثقافيا ‪،‬‬
‫بفعل تف اعلها مع الصور ذهنية اجتماعية ‪ ،‬تبعد الجسد الذي يجب ان‬
‫يكون عن اطاره االجتماعي الذي يجب ان يتموضع فيه ‪ ،‬و لذلك فإن‬
‫التفاعل اإلجتماعي الذي يدور بين الجسد المهيمن ‪ ،‬و الجسد المهيمن‬
‫عليه ‪ ،‬هو في االصل تسلسل من السلوكات المنظمة ‪ ،‬المنعكسة عن‬
‫الصور السوسيو ذهنية ‪ ،‬فهذه األخيرة تتحكم في نسق الصور الذهنية‬
‫التي تتحكم في كل عضو من الجسد ( عدم تقبيل الذكر زميلته أو جارته‬
‫‪ ،‬هذه صورة ذهنية متمخضة عن صورة ذهنية اجتماعية ‪ ،‬كالتقاء الذكر‬
‫باالنثى حرام ‪ ،‬عدم إطالة اإلمساك باليدين ‪ :‬صورة ذهنية تتحكم فيها‬
‫صورة سوسيوذهنية ‪ :‬كاالقتراب بين االجساد عيب و “حشومة” ‪ ،‬و‬
‫لهذا فكل صورة سوسيو‪ -‬ذهنية تضم تسلسال من الصور الذهنية ‪،‬‬
‫فاألولى هي نتاج بناء ثقافي ‪ /‬اجتماعي تشرعه السلطة ‪ ،‬أما الثامنية‬
‫“الصور الذهنية ” فهي فردية بامتياز ‪ ،‬تتمخض على شكل الصورة‬

‫‪45‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الذهنية االجتماعية ‪ ،‬و بذلك فاألولى هي من تتحكم في ديناميكية الباقي‬


‫‪ ،‬فحينما تثار رغبة جسدية ‪ ،‬فإن الذهن يطابق الصورة – الذهنية‬
‫االجتماعية مع دائرة المحيط ‪ ،‬و حينما تتطابق أجزاء الصورة السوسيو‬
‫ذهنية ‪ ،‬مع اجزاء دائرة المحيط ‪ ،‬فان الصور الذهنية تتتابع فتتمخض‬
‫بذلك سلوكات إجتماعية بامتياز ‪ ،‬فقبل ان تمارس شابة و شاب الجنس‬
‫الفمي بالشوارع المغربية ‪ ،‬فإنهم يبحثون عن مكان يتطابق مع صورتهم‬
‫اإلجتماعية “ابتعد عنا و مارس ما تريد” ‪ ،‬و بمجرد توافق الصورة‬
‫االولى مع محيط معين ‪ ،‬تتسلسل الصور الذهنية ” االقتراب اكثر ” ‪” /‬‬
‫عدم وضع اليد على الرحم ” … ‪ ،‬و بهذا فإن الصورة الذهنية اإلجتماعية‬
‫‪ ،‬هي ‪ :‬ثقافية و ليست طبيعية ‪ ،‬فبفعلها يخلق االنسان اآللي و المدجن ‪،‬‬
‫و بتكرارها الرمزي ‪ ،‬يمارس على الجسد عنفا رمزيا ‪ ،‬كما سلم بورديو‬
‫‪ ،‬ف”العنف الرمزي ال يتحقق إال من خالل فعل معرفة و جهل عملي‬
‫يمارس من جانب الوعي و اإلرادة و يمنح سلطته المنومة إلى كل‬
‫تظاهراته و إيعازاته و إغراءاته و تهديداته و مآخذه و أوامر دعوته إلى‬
‫اإلنضباط ‪ ، ″13‬فهنا يعزز بورديو بقوة ‪ ،‬ما صرحنا به حول العالقة‬
‫الرمزية بين الصور السوسيو ذهنية و الصور الذهنية ‪ ،‬و عالقتها‬
‫بالسلطة و الجسد ‪ ،‬فهناك ‪ ،‬إذن ‪ :‬انفصال و تسلسل ‪ ،‬تحققه السلطة‬
‫باستراتيجياتها القبلية حول استثمار االذهان ‪ ،‬و إعادة إنتاج أجساد آلية‬
‫‪ /‬مدجنة في استمرار ‪ ،‬و كما سلم فوكو * ‪ ،‬يتحمس دائما الذهن ‪ ،‬للحديث‬
‫عن مستقبل الجنس ‪ ،‬بكونه من أساسيات توازننا العاطفي و البيولوجي‬
‫‪ ،‬و بكونه نقطة مركزية للسلطة ‪ ،‬فهذا يعبر في استمرار على أننا‬
‫مخربون ** ‪ ،‬ألن التوازن العاطفي و الجنسي و االبستيميه ‪ ،‬يصيب ال‬
‫محالة أجهزة السلطة بالخوف من االنهيار ‪ ،‬لهذا كانت و الزالت لعبة‬
‫السلطة تتمحور كليا حول الجسد ‪ ،‬محاولة بأقوى خططها فرض السيطرة‬
‫و الهيمنة على نظام الوعي ‪ ،‬من أجل أن ال يعي وجود جسده الطبيعي‬
‫الحر و النقدي ‪ ،‬المسجون بكواليس السلطة ‪ ،‬أي بما ورراء االجتماعي‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬سوسيولوجيا النوع ‪:‬‬

‫إن العالم اإلجتماعي يبني للجسد واقعا مجنسا ‪ ،‬و مؤتمنا على مبادئ‬
‫رؤية مجنسة ‪ ،‬و ينطبق هذا البرنامج اإلجتماعي المستدمج لإلدراك على‬

‫‪46‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫كل األشياء في العالم ‪ ، ″1‬ف”إن البرنامج ذاته هو الذي يبني اإلختالف‬


‫بين الجنسين البيولوجيين وفق مبادئ رؤية أسطورية للعالم متجذرة في‬
‫العالقة اإلعتباطية لهيمنة الرجال على النساء ‪ ، ” 2‬و بهذا فإن الجسد‬
‫‪ ،‬هو ‪ :‬بناء اجتماعي و ثقافي صرف ‪ ،‬لكن الذهن عبر طبيعة تشكليته‬
‫البيولوجية ‪ /‬الكوسمولوجية – الكونية ‪ ،‬يسقط في وهم تصنيف سلوكاته‬
‫الى الطبيعاتية ‪ ،‬متغاضيا عن أن “الجسد و حركاتها باعتبارها سجالت‬
‫لمبادئ كونية تخضع لبناء إجتماعي ‪ ..‬فتدرك بالتالي كأنها شبه طبيعية‬
‫‪ ” 3‬بمعنى أن الجزيئات السوسيو – ثقافية (اإلجتماعية‪-‬الثقافية) تلتصق‬
‫بالجسد البيولوجي ‪ ،‬و بفعل استعداداته الذهنية للتطبع ‪ ،‬يتم إعتبار‬
‫المتطبع به جوابا مطلقا ‪ ،‬لذلك فمن بين أهم عوامل التطبيع اإلجتماعي‬
‫نجد التكرار الخطابي‪ ،‬ف”إن التوكيد ال يلبث بعد أن يكرر تكرارا كافيا أن‬
‫يحدث رأيا ثم معتقدا ‪ ” 4‬فتكرار الخطاب عبر قنوات مؤسساتية ‪ ،‬تؤصل‬
‫األفكار داخل الوعي العام ‪ ،‬من أجل غاية واحدة كما يرى ميشال فوكو*‬
‫و غوستاف لوبون **‪ ،‬هي تكريس إستمرارية اإلنسان المدجن ‪ ،‬ففي‬
‫هذا الصدد يقول ميشال فوكو ” إن هذا الخطاب حول القمع الحديث‬
‫للجنس ‪ ،‬خطاب قائم و رائج ألنه بدون شك سهل اإلنتاج و الرواج ‪،‬‬
‫فهناك ضمانة قوية ‪ ،‬تاريخية و سياسية تحميه ‪ ، ″5‬بمعنى أن للبناء‬
‫السوسيو – جسدي (الجسدي – اجتماعي) ‪ ،‬ركائز سياسية (السلطة‬
‫الخفية) فهي من تندخل في تحديد مسار الجسد (أنثوي ‪ /‬ذكوري)‪ ،‬عبر‬
‫عدة آليات تشتغل بها ‪ ،‬كتكرار الخطاب الذي تطبع به الذهن (أنثى ‪ /‬ذكر‬
‫) ‪ ،‬عبر تشريع األصوات الرمزية و األشكال التي تعيد طاقة الصور –‬
‫ذهنية – إجتماعية المتطبع بها بالجسد اإلجتماعي‪ ،‬و من بين هذه األغذية‬
‫الرمزية نجد ‪ :‬انتصاب اعلى بناية المسجد ‪ ،‬التي تعزز و تدافع‬
‫رمزيا عن الهيمنة الذكورية ‪ ،‬زخرفة المسجد التي تشيد شعور التقديس‬
‫األعمى (الدوغما) ‪ ،‬صوت اآلذان الذي يؤدي الى نشاط و انتعاش كل‬
‫الصور – الذهنية – اإلجتماعية المتطبع بها ‪ ،‬كأجساد تصبر لما كتبه‬
‫هللا – التلقين بدون نقاش و نقد ‪..‬الخ ‪ ،‬ثم باقي القنوات كالتلفاز ‪ /‬الهاتف‬

‫‪47‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪ /‬الراديو ‪ /‬الكتب المدرسية ‪ ،‬التي تجسد صوت السلطة الموجه الى‬


‫العقول الناشئة ‪ ،‬و الى الجسد االنثوي بكونه ذهن مستعد للمكوث في‬
‫المنزل ‪ ،‬و مستعد لتطبيع العقول الناشئة بالصور – ذهنية – اجتماعية ‪،‬‬
‫و لهذا فحينما تسمع األنثى من التلفاز ” حشومة ‪ /‬عيب ‪ /‬عيب عليك‬
‫هادشي ليكاديري توبي هلل ” يتم خلق طاقة – إعادة السلوكات المحورية‬
‫‪ /‬الصور – ذهنية – اجتماعية المركزية ‪ ،‬ببيئتها السوسيو ‪-‬ثقافية (ثقافة‬
‫‪-‬المجتمع)‪ ،‬ك(عدم اإللتقاء مع الذكور – الالثقة في افراد المجتمع –‬
‫تربية بناتها و أبنائها على الصور – ذهنية – اجتماعية ‪ /‬عدم ممارسة‬
‫كل أصناف الجنس‬
‫‪ : .1‬بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ترجمة سلمان قعفراني‬
‫– مركز دراسات ال– ص ‪28 :‬‬
‫‪ : .2‬المرجع ذاته – الصفحة ذاتها ‪ : 3 /‬المرجع ذاته ‪ :‬الصفحة‬
‫ذاتها‬
‫‪ : 4‬غوستاف لوبون – اآلراء و المعتقدات – ترجمة عادل زعيتر –‬
‫تبارك للنشر ص‪193 :‬‬
‫*‪ :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – الفصل الثاني ‪ :‬العقاب معمما‬
‫**‪ :‬غوستاف لوبون – سيكولوجية الجماهير – الكتاب الثاني‬
‫‪ : 5‬ميشال فوكو – تاريخ الجنسانية – الجزء األول ‪ :‬إرادة المعرفة –‬
‫ترجمة محمد هشام – ص ‪7 :‬‬
‫الجسدي ‪ :‬الرحم = حرام – الخاصرة = حرام – الفمي = رذيلة و مس‬
‫بالشرف …) و من خالل هذه المتتاليات السلوكاتية – الرمزية ‪ ،‬يتبين‬
‫لنا ببداهة ديناميكية دور السلطة في كواليس الواقع ‪ :‬ما وراء الواقع‬
‫السوسيولوجي ‪ ،‬فالغاية األسمى كما اتضح لنا من تشريع القمع بالعصر‬
‫الحديث ‪ ،‬هو تعطيل الذهن عبر كبت أسمى رغباته ( الرغبة العاطفية ‪/‬‬
‫الرغبة الجنسية )‪ ،‬و هذا ما يؤدي ال محالة إلى فتح أفق اإلنحراف ‪” :‬‬
‫اإللحاد ‪ /‬التعاطي للمخذرات ‪ /‬التوجيهات الرمزية للسلطة بالشوارع ”‬
‫كثرة المساجد ‪ :‬التطرف ‪ /‬صور األنترت ‪ :‬اإلدمان على األفالم ‪+‬‬

‫‪48‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫فيديوهات الجنس و القتل ‪ +‬موسيقى الجسد ‪ :‬الرقص ^التيكتوك^ ‪”..‬‬


‫فهذا كله يخلق توثرا “انوميا” يفضي بالجسد الى الالتوازن العقالني ‪،‬‬
‫و يخلق بهذا‪ :‬جسدا ضد النظام له استعداد ‪ ،‬للدخول الى السجن أو الى‬
‫االنتحار الفوضوي * بتعبير دوركهايم ‪ ،‬و بهذا تصبح ‪/‬يصبح في منظور‬
‫سلطة ما وراء الكواليس ‪ ،‬جسدا مخالفا للقوانين ‪ ،‬و بهذا يصبج مكانه‬
‫القانوني و الرمزي المخطط له هو السجن ‪ ،‬و “معنى الحجز يستوعب‬
‫داخله غاية إجتماعية ‪ ،‬تسمح للجماعة و السلطة بإقصاء العناصر‬
‫الطفيلية و الضارة ‪ ″5‬و بهذا فآن ” الفرد هو بال ريب الذرة الوهمية‬
‫لتصور أديولوجي للمجتمع ‪ ،‬لكنه أيضا واقع مختلف بواسطة تلك‬
‫التكنلوجية السلطوية التي تسمى التأديب ‪ ″6‬و لذلك فإن ما يحرك‬
‫األجساد ‪ ،‬هو بعد استراتيجي ‪ /‬الشعوري‪-‬رمزي ‪ ،‬يتجسد على شكل‬
‫توجيهات تمر عبر الجسد اإلجتماعي بأكمله ‪ ،‬فتلتحم بذلك مع ماض‬
‫الذهن المبني سوسيو ‪-‬ثقافيا (بثفافة المجتمع) ‪ ،‬فيتم توجيه ذهن الجسد‬
‫المستلب عبر قنوات ك ” المسجد ‪ /‬التلفاز ‪ /‬الثانويات ‪ /‬المدارس ‪/‬‬
‫الجامعات ‪ /‬الجمعيات الخ ‪ )..‬إلى السلوكات المراد تجسيدها ‪ ،‬و هذا ما‬
‫عززه بيار بورديو بقوله ” القضيب حاضر مجازيا على الدوام ‪ ،‬لكن قلما‬
‫يسمى و مسمى ‪ ″7‬بمعنى أن موضوع التجنيس اإلجتماعي ‪ ،‬ليس أمرا‬
‫يرتبط بالخطاب المنظم فقط ‪ ،‬بل ما الخطاب الثقافي إال محتوى يتأطر‬
‫ببناء إستراتيجي مخطط له ‪ ،‬المعروف بأنه ‪ :‬مجموع من األلفاظ التي‬
‫تعبر عن تمثالت تجسد ثقافة بيئة مجتمع معين كما هي ‪ ،‬و لهذا فبداخل‬
‫المحتوى المتأطر بمواضع السلطة ‪ ،‬نجد تكوينا مستمرا لخلق مواضيع‬
‫جسدية ‪ ،‬فكل جسد منذ نشأته تحيط به جل مواضع السلطة (عبر القنوات‬
‫و عبر األجساد المستلبة)‪ ،‬و بذلك يتم حشوه بصور ‪-‬ذهنية – إجتماعية‬
‫“ال تكن هكذا ‪ ،‬افعل هكذا – يجب أن تفكر هكذا ‪ ،‬ال يجب ان تنظر هكذا‬
‫– تكلم هكذا – ال تفتحي رجليك هكذا – اجلسي هكذا ‪.‬الخ …) ‪ ،‬و هذا‬
‫ما يؤدي بها أو به الى التطبع اإلجتماعي ‪ ،‬الذي يخلق موضوعا للذهن‬
‫بفعله يتحدد مسار الجسد ‪ ،‬و بفعل جزئياته المتجسدةعلى شكل صور –‬

‫‪49‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫ذهنية – إجتماعية ‪ ،‬يتم اإلجابة عن كل مثير بسيط سيثير الذهن بالمجتمع‬


‫‪ ،‬و طبعا تختلف هذه الصور السوسيو – ذهنية باختالف الطريقة التي‬
‫يروض بها الذهن و يدجن بها الجسد ‪ ،‬ك” عدم اإلنفعال بصوت خشن و‬
‫بنظرة حادة ‪ ،‬الموجهة الى االنثى ‪ ،‬فهي ذاتها ‪ :‬تكلمي ببطئ ‪ ،‬اصبحت‬
‫تتكلمين كثيرا ‪ ،‬تجاوزت حدودك ‪ ،‬األنثى افعى بفعل لسانها ‪ ،‬أنت كائن‬
‫لطيف ‪”..‬‬
‫‪ ‬يعني به دوركهايم في عمله “اإلنتحار ” ‪ :‬نتيجة اجتماعية ‪،‬‬
‫متمخضة عن أزمات و اضطرابات في النظام االجتماعي و في‬
‫األوضاع اإلقتصادية‬
‫‪ :3‬ميشال فوكو – تاريخ الجنون في العصر الكالسيكي‬ ‫‪‬‬
‫– المركز الثقافي العربي – ص ‪103 :‬‬
‫‪ : ‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – أفريقيا الشرق – ص ‪:‬‬
‫‪159‬‬
‫‪ :5‬بيار بورديو – الهيمنة الذكورية ‪-‬ترجمة سلمان‬ ‫‪‬‬
‫قعفاني‪ -‬مركز دراسات الوحدة العربية – ص ‪30 :‬‬
‫فهذه الصور السوسيو‪ -‬ذهنية “الخارجية ” ‪ ،‬تكون مهادا للذهن من أجل‬
‫توليد (صور ‪-‬ذهنية) خاصة به ‪ ،‬ك( “أنا لن أخرج مساء ألن السارق‬
‫سيسرقني “فكرة منعكسة تماماعن فكرة ” نامي سيأتيك الغول أو الجن‬
‫…” ) ‪ ،‬و لهذا يمكننا القول أن الصور – ا‬
‫لذهنية اإلجتماعية ‪ ،‬تتحول على شكل شيفرات داخل الدماغ و أمام األعين‬
‫‪ ،‬و ما تسهر عليه السلطة بعد عملية تطبيع األذهان الناشئة عبر قنواتها‬
‫‪ ،‬هو تكرار أشباه كل الصور – ذهنية – اجتماعية بالجسد اإلجتماعي ‪،‬‬
‫و بذلك تقع عالقة تجاذبية ‪ ،‬تؤدي الى استمرار الثقافة ‪ ،‬فالسلطة إذن‪،‬‬
‫موجودة في كل مكان و سابقة في أي موضع يمكن للذهن أن يرى منه‬
‫حقيقة الجسد اإلجتماعي ‪ ،‬و كما يرى ميشال فوكو في عمله المراقبة و‬
‫العقاب * ‪ ،‬لم يعد هم السلطة اآلن ‪ ،‬هو إراقة الدماء و تقطيع اللحم و‬
‫العظم ‪ ،‬بل همها اآلن هو أن تكون داخل األذهان عبر اختراقها منذ نشأتها‬
‫‪ ،‬ثم االحاطة بالجسد ككل في مرحلة اإلنتهاء من حشوه بأساسيات‬

‫‪50‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الثقافة ‪ ،‬و تكون الرقابة حسب فوكو في كل مكان “الخطاب الذي يتكون‬
‫من شرطة الملفوظات ‪ :‬حرام ‪ /‬عيب ‪ ”..‬رقابة االشكال التي نعتها بشرطة‬
‫الفكر ” أعلى بناية المسجد التي تشبه أعلى بناية السجن ‪ ،‬فهي تزرع‬
‫في الشعور الذهن فكرة (أنت مراقب) و بذلك يصبح الذهن يراقب جسده‬
‫من خالل ماضيه الذي اكتسبه ‪ :‬يراقب ذاته عبر ذهنه الماضوي ” لهذا‬
‫نفهم من السلوكان المنعكسة لألفراد ‪ ،‬الذين يتدخلون من أجل إستبعاد‬
‫السلوكات الالنمطية “كالمثليين ‪ :‬اناث ‪ /‬ذكور ‪ :‬في حالة اقتراب‬
‫سواءالجنس الفمي او عناق ‪ ، ..‬مراقبة الشابات و الشباب من المنازل ‪،‬‬
‫بغية ابعادهم عن ممارسة الجنس … ‪ ،‬ان المتحدث ليس هو المجتمع‬
‫كما سلم دوركهايم‪ ،‬بل ان هناك قوة تحركهم كما بين بورديو و فوكو ‪،‬‬
‫قوة توجد في كل سلوك بسيط و معقد ‪ ،‬ال تفتأ في كل ثانية تطور و تزيل‬
‫كل ما يمكن للذهن ان يعيد به وعيه ‪ ،‬و لهذا فصوت االجتماعي و نشاط‬
‫االستعدادات ‪ ،‬تتحكم فيهم السلطة عبر اعقد و ابسط التقنيات (المعرفة‬
‫الحاضراتية المنعكسة عن ثقافة منظمة – التاريخ المؤدلج ) ‪ ،‬بمعنى آخر‬
‫و حسب تعبير ميشال فوكو ” اإلنسان الحديث هو كائن منزوع التاريخ‬
‫‪ ، ″8‬فهو مستلب في استمرار بسبب االكراه الذي تفرضه السلطة‬
‫الملتصقة به و بالمجتمع أكمله ‪ ،‬و بهذا فإن غاية السلطة هي ‪ :‬إبعاد‬
‫الذهن ‪ /‬الجسد ‪ ،‬عن الجسد الطبيعي(الحر ‪ /‬الناقد ‪ /‬المفكر ) و استبداله‬
‫بالجسد الذي تريده هي أن يكون”سلوكيا ‪ /‬تفاعليا ‪ /‬فكريا‪ /‬هنداميا‪/‬‬
‫اقتصاديا …”‬
‫‪ : 2‬عوامل و آليات التحكم في األجساد ‪:‬‬
‫من بين أساسيات التحكم في الجسد ‪ ،‬نجد الملفوظات الثقافية و الخطاب‬
‫المنظم ‪ ،‬فهي ‪ :‬كلمات تاريخية ‪ ،‬و تمثالت ‪ ،‬تمخضت عن إحتكاك أفراد‬
‫جماعتها بطبيعتهم ‪ ،‬و لهذا فهي عبارة عن تأويالت حول عالقة اإلنسان‬
‫(انثى ‪ /‬ذكر ) باآلخر و بماوراء الطبيعة ‪ ،‬و بهذا فحينما نستشف نظام‬
‫الملفوظات بدول العالم الثالث ‪ ،‬فإننا نجد نظام التقسيم الجنسي المغربي‪،‬‬
‫يميل الى الذكرورية بقوة ‪،‬‬

‫‪51‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪* : Michel Foucault – Surveiller et punir – les‬‬


‫‪corps dociles -Gallimard -p : 183‬‬
‫‪ : ‬ميشال فوكو – الكلمات و األشياء – ص ‪601 :‬‬
‫‪ : 9‬بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ترجمة ‪ :‬سلمان قعفراني –‬
‫مركز الوحدة العربية – ص ‪33 :‬‬
‫فنجد في نظام األشياء مثال ” األعضاء الجنسية الذكورية ‪ ،‬مناظرة تماما‬
‫لمعدات و آالت ‪ ، ″9‬بمعنى أنه حينما نتفقد تقسيم األشياء بالمنازل‬
‫المغربية ‪ ،‬فإننا نجد “(التلفازة ‪ :‬أنثى = >جهاز التحكم عن بعد ‪ :‬ذكوري‬
‫‪ /‬بيت الجلوس ‪ ،‬بيت النعاس ‪ :‬ذكورية =>الناموسية ‪ :‬أنثوية ‪ /‬الكوزينة‬
‫‪ ،‬الثالجة ‪ :‬أنثوية )” هذا بالنسبة الى تقسيم األشياء أو الموضوعات و‬
‫أثرها في تقسيم األدوار بالمنزل ‪ ،‬و من زاوية ‪ :‬تقسيم األدوار اإلجتماعية‬
‫نجد “مول الدار ‪ :‬الذكر ‪ /‬عمارة الدار ‪ :‬أنثى )” ‪ ،‬بمعنى أن األنثى في‬
‫المخيال المغربي ‪ ،‬من خالل تقسيم األشياء و األدوار الماثلة أمامنا ‪ ،‬هي‬
‫شيء ثانوي يمأل إطار “مول الدار” أي الذكر ‪ ،‬و ما األنثى إال ممتلك من‬
‫الملكيات الرمزية‪/‬الخاصة ‪ ،‬المخصصة للذكر ‪ ،‬و بهذا التدخل للتاريخ‬
‫الثقافي استنادا بمشروعية السلطة ‪ ،‬يصبح للذهن استعداد (ألنه و بكل‬
‫بساطة تشتغل السلطة في استمرار ‪ ،‬بكواليس اإلجتماعي ‪ :‬ماوراء‬
‫المجتمع ‪ ،‬على جعل سيناريو استراتيجيتهم يبدوا لألذهان المستلبة و‬
‫المدجنة واقعا طبيعيا ) و بذلك يصبح “الالشعور – السوسيو – ذهني ‪:‬‬
‫الشعور الالمرئي الذي اكتسبه الذهن في مجتمعه ” يخلق في استمرار‬
‫استعدادا يجعل من األنثى تحسب أنها محتوى يدخل في اطار الذكر ‪ ،‬و‬
‫ان الذكر إطار يؤطر االنثى و بناته و ابناءه و أفراد المجتمع ‪ ،‬و بما أن‬
‫األتثى ‪ :‬محتوى لإلطار الذكوري ‪ ،‬فإن المحتوى في شروط المعرفة‬
‫الكوسمولوجية ‪ /‬الكونية يتغير ‪ ،‬بتغير حجم اإلطار ‪ ،‬و هذا ما يفسر لنا‬
‫فكرة الخضوع الذي تقوم به األنثى اتجاه الذكر المغربي ‪ ،‬فخطابات ”‬
‫خليه هو يبدا و يوريك فليلة الدخلة ” “ديري ليه ليبغاه هو ما تقولي‬
‫نتي والو ” ” حزريه راه الخيمة ديالك هداك ” ‪ ، ..‬يبين لنا ببداهة ‪ ،‬أن‬

‫‪52‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫اإلمتدادات التي تقةوم بها األنثى (محتوى ) ‪ ،‬كلما اتسع إطار الذكر ‪ ،‬أو‬
‫تقلصات األنثى داخل اإلطار حينما يحتم عليها التعدد ‪ ،‬هي استراتيجيات‬
‫للسلطة تفتح أفقها أمام الذكر ‪ ،‬من أجل تلذذ الذكر بسلطة مكانه ‪ ،‬بدل‬
‫تلذذ الجنسين بالمعرفة و الحقوق الطبيعية‬
‫‪ : 3‬الجسد األنثوي و الذكوري ‪ ،‬بين المجتمع و السلطة ‪:‬‬
‫يرى بورديو في هذا الصدد ‪ ،‬أن النظام الطبيعي ‪ ،‬يشرع للجسد الذكوري‬
‫عبر قضيبه الذي يتدلى و ينتفخ ‪ ،‬هيمنة تميزه عن الجسد األنثوي ‪ ،‬بكون‬
‫الجسد األنثوي يفتقر إلى أجساد متحكم فيها ‪ ،‬و هذه‬
‫المفارقة ‪paradoxe‬حسب بورديو ساهمت في خلق تمثالت ‪،‬‬
‫تمخضت عنها ملفوظات و خطابات منظمة ‪ ،‬تعرف داخل اإلطار‬
‫اإلجتماعي بالمعتقد ‪ ،doxa‬و لهذا فهذه التمثالت المادية أو بتعبير‬
‫فوكو “شرطة الملفوظات *” ‪ ،‬هي من قسمت األدوار و األشياء ‪ ،‬فجعلت‬
‫بذلك في اإلجتماعي نظاما و استعدادا ثقافيا ‪ ،‬تلعب به السلطة لعبة‬
‫الهيمنة الذهنية و الجسيدية خلف الواقع اإلجتماعي (بكواليس المجتمع)‬
‫‪ ،‬و لهذا ف”انتظامات النظام الفيزيائي ‪ :‬البيولوجي ‪ ،‬و النظام‬
‫اإلجتماعي ‪ :‬الثقافي ‪ ،‬تفرض و ترسخ اإلستعدادات ‪ ،‬و تستبعد النساء‬
‫عن المهمات األكثر نبال ‪ ،‬و تخصص لهن أماكن سفلية ‪ ،‬و تعلم كيفية‬
‫التعاطي مع أجسادهن منحنيات ‪ ،‬و الذراعان مطويتان الى الصدر أمام‬
‫الرجال المحترمين ‪ ،‬و تخصصن لمهمات حقيرة كنقل سماد النعام ‪″9‬‬
‫·‪ :‬ميشال فوكو – تاريخ الجنسانية – الجزء األول ‪ :‬إرادة‬ ‫‪‬‬
‫العرفان – ترجمة ‪ :‬محمد هشام – افريقيا الشرق – ص ‪15 :‬‬
‫‪ :9‬بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ص ‪47‬‬ ‫‪‬‬

‫و بهذا ‪ ،‬فإن الغاية األسمى من الجسد بكونه ثلة من السلوكات ‪ ،‬هو أن‬
‫يتحد مع ذهنه المحشو بالتمثالث ‪ /‬الصور – ذهنية – إجتماعية ‪ ،‬و‬
‫مادامت السلطة تحيط بالذهن من كل المواضع في طفولته ‪ ،‬فإنها تصبح‬
‫كما يسلم ميشال فوكو داخل ذهنه ‪ ،‬من أجل قيامه بدور مراقبة األفراد و‬
‫الدفاع عن الثقافة التي تخدم السلطة ‪ ،‬فإذا كان الذهن في طفولته يستمتع‬

‫‪53‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫بالطقوس المخطط لها ك”األعياد ‪ /‬الصالة ‪ /‬األشكال الثقافية ‪ /‬الروائح‬


‫الثقافية ‪ /‬األغذية الثقافية ” ‪ ،‬فإن هذه المبادئ تلف بالجسد عبر كل‬
‫أبعادها ‪ ،‬محققة بذلك إعادة لطاقة الماضي ‪ ،‬فحينما يدرك الجسد عبر‬
‫حواسه المثيرات اإلجتماعية ‪ ،‬كصوت اآلذان بالشارع ‪ ،‬أو رائحة أكلة‬
‫ثقافية ك”الحريرة مثال” ‪ ،‬أو يتذوق طعما “كلشاي” أو يدرك لونا كألوان‬
‫الشرطة (احمر ‪ /‬اخضر) ‪ ،‬أو يرى شكل المنزل الرباعي او المستطيل ‪،‬‬
‫أو اآليات القرآنية صوتا و كتابة ‪ ،‬فإن كل هذه المثيرات تنعش الماضي‬
‫‪ ،‬مما يؤدي الى تجديد طاقة االنسان اآللي أو المدجن ‪ ،‬فدور هذه األجزاء‬
‫هو إنعاش الصور الذهنية اإلجتماعية داخل الدماغ ‪ ،‬و هذا ما يؤدي الى‬
‫التحكم في السلوكات ‪ ،‬فالصور السوسيو ذهنية ‪ ،‬هي مبادئ نكتسبهامن‬
‫الخارج و بفعلها نخلق صورا ذهنية نتوهم أنها من إبداعنا و لكنها في‬
‫األصل انقسام عن المبادئ األولى ‪ ،‬و بهذا فان السلطة هي من تنقسم و‬
‫تتفرع داخل الدماغ ‪ ،‬و لذلك فحينما تدخل األنثى إلى منزلها ‪ ،‬فإن السلطة‬
‫تستدير بها عبر ألفاضها الموجودة بكل جزء من المنزل ‪ ،‬و التي تعيد‬
‫احياء الصور السوسيو ذهنية في استمرار (الكوزينة ‪ /‬الثالجة ‪/‬‬
‫الناموسية ‪ /‬التفازة ‪ /‬األفالم األجنبية المدبلجة بألفاظ الثقافة العربية ‪ ،‬و‬
‫التي تخلق أجسادا منفصمة ‪ ،‬بسبب دفاعها عن الحرية و الالحرية‪:‬‬
‫الممثالت = متحررات ‪ ،‬الممثلين ‪ :‬متحررين _ اللغة ‪ :‬ثقافية ‪-‬ذكورية )‬
‫‪ ،‬و بالنسبة للذكر المستعد ثقافيا للخروج الى الطبيعة ‪ ،‬فإن السلطة‬
‫تستدير به أيضا باشكالها “(انتصاب اعلى البناية التي تدافع على ذكورته‬
‫المنمطة ‪ ،‬و بذلك يحفز دوره على اإلستمرارية (إستمرارية قهر األنثى‬
‫من أجل اإلمتثال لصوت الذكر ‪ /‬حشو الذكر الناشئ من أجل تجسيد دور‬
‫المراقب الرمزي للثقافة خارج المنزل و داخله ) و بهذا فإن األفراد‬
‫يشتغلون في استمرار مع السلطة ‪ ،‬فحينما تسمع األجساد صوت اآلذان‬
‫‪ ،‬فإن كل مكونات الماضي تتفاعل ‪ ،‬فتحرك بذلك سلوكات الطقوس‬
‫اليومية لألجساد ( الحفظ بدون فهم ‪ /‬سلطوية التدريس و التلقين بالضرب‬
‫‪ :‬اإلمام = المدرس = العصى ‪ :‬ال تتكلم كثيرا ) (األشكال المحيطة‬

‫‪54‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫باألجساد‪ :‬صور األنترنت الموجه للشابات ‪ ،‬الشباب من أجل تفادي‬


‫خاصية االستعداد للنقد ‪ ،‬الموجودة قبليا مع شروط المعرفة * ‪ ،‬و لهذا‬
‫فمادامت األم لها عبر التنشئة االجتماعية استعداد لتدجين ابنتها على‬
‫الخضوع ‪ ،‬و االب له استعداد لتدجين ابنه على الهيمنة ‪ ،‬فإن السلطة‬
‫المدجنة من طرف كواليس أنظمة أخرى ‪ ،‬لها وجود مسبق على تدجين‬
‫الجنسين معا ‪ ،‬فالسلطة كما ينعتها فوكو موجودة في كل مكان (بالحائط‬
‫و بالذوق و بكل سلوك معقد و بسيط ) ‪ ،‬ففي هذا الصدد نجد أن بسنة‬
‫‪ ، 1964‬ظهر علم “الحفاظ على التراث الثقافي ” بأوروبا ‪ ،‬و أصبح‬
‫اآلن من بين القوانين األساسية بكل مجتمع ‪ ،‬ترعاه في استمرارية‬
‫اليونيسكو و البنك الدولي و غيرها من المؤسسات العالمية ‪ ،‬فالغاية‬
‫األسمى منه هو ترميم البنايات القديمة داخل المجتمعات ‪ ،‬و الحفاظ أيضا‬
‫على جل األلفاظ الثقافية التي تخص الجماعة ‪ ،‬و لكن كما يتضح لنا في‬
‫سياق تحليلنا ‪ ،‬الغاية األسمى من هذا العلم هو تطويق اإلنسان المدجن‬
‫و اآللي داخل درجة تفكيره‬
‫‪ : ‬إيمانويل كانط – نقد العقل الخالص‬
‫ألننا حينما نتكلم عن بناية قديمة ‪ ،‬فإننا نتكلم عن خطاب عاصرها ‪ ،‬يعبر‬
‫عن درجة تفكير معينة ‪ ،‬و إذا ما أردما أن نقارن بين درجة الفكر العربي‬
‫الذي حصرت خطاباته الثقافية ‪ ،‬خلف األسوار و المعمارات‬
‫المؤدلجة لعلم الحفاظ على التراث العالمي ‪ ،‬مع تماثيل الفالسفة داخل‬
‫المجتمعات الغربية ‪ ،‬فإنه سيتبين لنا الفرق الشاسع بين النظامين‬
‫اإلجتماعيين ‪.‬‬
‫‪ :4‬البناء اإلجتماعي لألجساد‬
‫تختلف كما نعلم ‪ ،‬الطريقة التي بها يجنس الذهن و يبنى بها الجسد ‪ ،‬فإذا‬
‫كان الذكر كما يسلم بورديو ‪ ،‬يتم إخراجه من العالم األنثوي “المنزل ”‬
‫منذ طفولته ‪ ،‬و يتم ادماجه في العالم الذكوري (السوق) (المقهى )‬
‫(الحرية في التجوال بين كل أحياء المدينة ) ‪ ،‬فإن األنثى ‪ ،‬يفرض عليها‬
‫منذ طفولتها عدم اإلبتعاد عن عتبة المنزل ‪ ،‬ثم “تعلم اللبس و اختيار‬

‫‪55‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫مختلف األلبسة المناسبة لمختلف حاالتها المتعاقبة ‪ :‬طفلة صغيرة ‪،‬‬


‫عذراء ‪ ،‬بالغة ‪ ،‬زوجة ثم ربة بيت ‪ ،‬فتكتسب شيئا فشيئا بالمحاكاة‬
‫الالواعية بقدر الطاعة العلنية ‪ ،‬الطريقة األفضل لربط حزامها (اللباس‬
‫الطويل ) ‪ ،‬تغطية شعرها ‪ ،‬تحريك او تثبيت هذا الجزء او ذاك من جسدها‬
‫في السير أو عرض الوجه أو تصويب النظر ‪ ، ” 10‬فلكل منطقة من‬
‫الجسد ‪ ،‬صورة سوسيو ذهنية مهيأة لتتحكم في سلوكاتها ‪ ،‬و بفعل اتحاد‬
‫هذه الصور – الذهنية – اجتماعية يتكون منتوج االنسان الثقافي ‪ ،‬الذي‬
‫يتميز بنمط من اللباس و طريقة في العيش ‪ ،‬فحينما نتكلم على اللباس‬
‫الطويل المخصص لألنثى ‪ ،‬فإننا نتكلم عن رموز ثقافية و غايات تشرعها‬
‫السلطة ‪ ،‬كاألنثى كائن سلبي و كسول – يحمل كنزا ثقافيا ‪ :‬الرحم و‬
‫يصاب بالدورة الشهرية ‪ ،‬زد على ذلك أنواع السراويل المعاصرة ‪،‬‬
‫كالسروال المخصص لألنثى الذي يفوق البطن ‪ ،‬فهذا السروال في بعده‬
‫الرمزي ‪ /‬المغربي ‪ ،‬تم تأويله بأنه سروال إلظهار الخاصرة رغم ان‬
‫السروال الذكوري المغربي منذ ظهوره كان يظهر أيضا الخاصرة ‪ ،‬و‬
‫بهذا فإن المعنى الرمزي الذي تم اسقاطه على شكل السروال االنثوي‬
‫المعاصر يتمثل على النحو االتي (الحزام‪ :‬الوعي االجتماعي لالنثى‬
‫المغربية = مبتعد كليا عن التحكم في عضوه التناسلي (الرحم ) ‪ ،‬و يعتبر‬
‫حمل السروال في استمرار بالشارع “ذكور ‪ /‬اناث ” ‪ ،‬تعبيرا عن فقدان‬
‫الذهن حقه الطبيعي في تلبية رغبته العاطفية و الجنسية ‪ ،‬و يعبر ايضا‬
‫السروال الممزق و السروال الفضفاض و السروال الالمحكم او السروال‬
‫الضيق ‪ ،‬عن تجاوز النظام بسبب تدخل هذا النظام في إبعاده عن الجسد‬
‫الذي يجب ان يكونه‬
‫أ ‪ :‬تصميم أدوار النوع الجسدي ‪:‬‬
‫كما سلمنا آنفا ‪ ،‬االنثى تعتبر في المخيال النمطي االجتماعي ‪ :‬كائن سلبي‬
‫‪“ ،‬ألن النساء لكونهن يقعن في تصنيفات (الداخل ‪ /‬الرطب ‪ /‬األسفل ‪/‬‬
‫المنحني ‪ /‬المتصل – يعهد اليهن بكل األعمال المنزلية أي الخاصة و‬
‫المختبئة ‪ ،‬ال بل الالمرئية أو المخجلة ‪ ،‬كرعاية األطفال و الحيوانات ‪ ،‬و‬

‫‪56‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫كذلك كل األعمال الخارجية التي أعطاها لهن العقل األسطوري ‪، ” 11‬‬


‫فهي ثانوية بالمعنى اإلستالبي للذهن ‪ ،‬ألنه حينما نتكلم عن الفرق بين‬
‫الجلباب األنثوي و الجلباب الذكوري ‪ ،‬يتضح لنا قوة المفارقة بين الجسد‬
‫االنثوي و الذكوري ‪ ،‬فاألول ‪ :‬أنثى = يفرض عليها ال شعوريا عدم حمل‬
‫الجلباب أعلى الركبتين ‪ ،‬أما الجسد الذكوري فكثيرا ما نلمح جلبابه الذي‬
‫يحمل اعلى الركبتين في استمرار ‪ ،‬فالثاني يقابل بابتسامة و شعور‬
‫بالرضى الثقافي على سلوكه الثقافي ‪ ،‬أما الجسد االنثوي فيقابل بالرضى‬
‫الثقافي كلما طأطأت رأسها خلف الذكر ‪ ،‬و‬
‫‪ : .1‬بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ‪51‬‬
‫‪ : .2‬المرجع ذاته ‪ :‬ص ‪55 :‬‬
‫مما ال شك فيه أن هذه األبعاد الزالت حية داخل األذهان التي تدعي الحداثة‬
‫الجسدية و الفكرية ‪ ،‬فمادامت السلطة خلف أسوار األدوار المرئية‬
‫للسلوكات ‪ ،‬تدافع عن القوانين ذاتها التي كانت ‪ ،‬فإن الصور السوسيو‬
‫ثقافية ‪ ،‬ستظل تتكاثر عبر الزمن االجتماعي ‪ ،‬ألنه حينما نالحظ تحركات‬
‫أعين الشابات و المراهقات بالشارع ‪ ،‬فإننا نالحظ صورة العبودية التي‬
‫كانت ‪ ،‬مصطبغة بلون العصرية و الحداثية ‪ ،‬كعدم القدرة على التعبير‬
‫سواء من ناحية نسج الجمل ‪ ،‬أو من ناحية إيقاع الصوت ‪ ،‬فما نسمعه‬
‫في استمرار بالشارع من أصوات أنثوية ‪ ،‬صوت عال يعبر عن عدم‬
‫الثقة و عدم الرضى بما يتم التلفظ به ‪ ،‬أو صوت خافت بدون تحركات‬
‫اليدين و الجسد و بمعزل عن نظرة حادة تحيل على الوعي بما يتم التفوه‬
‫به ‪ ،‬و كذلك الذكر فمعظم الجمل بناؤها يكون متقطعا ‪ ،‬و منطوي تحت‬
‫لواء بعد رمزي واحد هو ممارسة الجنس ‪ ،‬و لهذا نفهم من كل ما تطرقنا‬
‫له انفا ‪ ،‬أنه ال يوجد سلوك أو خطاب ال توجد فيه السلطة ‪ ،‬فنشاط الذهن‬
‫الطبيعي ال يكتمل بسبب اختراقه من طرف أجهزة السلطة ‪ ،‬ألن استدارة‬
‫الوعي حوله من اجل توجيه شرارة النقد ‪ ،‬تتعطل في كل ادراك يقوم به‬
‫الذهن ‪ ،‬فالذهن كما سلمنا يتكون أساسه من كل الصور الذهنية‬
‫االجتماعية التي مررتها السلطة باحكام مما يصبح له ماض مخطط له‪،‬‬

‫‪57‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫و بذلك يصبح للذماغ ماض ميغناطيسي ينجذب لكل اشارة تضعها السلطة‬
‫في الشارع او داخل المنزل ‪ ،‬و هذا بالضبط ما يؤدي إلى إعادةإنتاج طاقة‬
‫االنسان المدجن صباحا و مساء ‪ ،‬و لذلك فحينما يتقابل الجسد االنثوي‬
‫المغربي بالجسد الذكوري ‪ ،‬فإن الجزيىات التي تحيط بهم تتداخل مع‬
‫أجسادهم “نظرة حادة من األغيار ‪ ،‬تؤدي الى طأطأت رأس األنثى ” ‪،‬‬
‫خوف الذكر من الشرطة تؤدي الى التوازنه العقلي ‪ ،‬فقبل خروج الذهن‬
‫االنثوي الى الشارع ‪ ،‬يكون هنالك استعداد تخلقه الصور الذهنية‬
‫اجتماعية كصورة اإلقصاء من الوجود المتطبعة بها ‪ ،‬و بذلك يكون لها‬
‫علم بأن بالشارع يقع تحرش جنسي ‪ /‬االغتصاب ‪ /‬السب ‪ /‬الشتم ‪ ،‬و‬
‫بذلك يصبح دورها خارج المنزل هو تلقي السلوكات‪ ،‬على عكس الذكر‬
‫الذي له استعداد اجتماعي لالندفاع الى االنثى‬
‫‪ ،‬فهنا يحضر رمزيا “القضيب المنتصب ” و بذلك فمع أول إثارة للبيدو‬
‫المكبوت (القوة الجنسية المكبوتة ) ‪ ،‬تشتغل اول صورة ذهنية اجتماعية‬
‫تطبع بها حول الهيمنة الذكورية(الرجل فأس يحفر في كل مكان ‪ /‬أنت‬
‫قوي …) ‪ ،‬فيتمخض بذلك تسلسل من السلوكات ‪(،‬قد يصل الى العنف‬
‫او القتل ) و هذه اإلستدارة السلوكاتية التي يعاد إنتاجها صباحا مساء ‪،‬‬
‫تتداخل فيها كل المؤسسات اإلجتماعية و السياسية من اجل الحفاظ على‬
‫ابتعاد األجساد عن المواضع الطبيعية لالذهان ‪ ،‬و بما أن قوة تكرار‬
‫التوجيهات الجسدية ‪ ،‬يعاد إنتاجها في استمرار ‪ ،‬فإنه يقع كما يسلم‬
‫بورديو “إشباع ” ‪ ،‬فيصبح بذلك الذهن غير مستعد لفقدان الصور‬
‫الذهنية اإلجتماعية ‪ ،‬ألنه بفعلها يرى الذهن الوجود ‪ ،‬و بفعلها يجيب‬
‫على كل مثير يثار في الواقع االجتماعي ‪ ،‬و بفعل التوافق بين السلطة و‬
‫الماضي و الحاضر داخل ذهن الجسد ‪ ،‬تفتح عوالم البناء الداخلي ‪ ،‬بهذا‬
‫يقوم الذهن بدمج كل محتويات الصور الذهنية اجتماعية مع كل اطار‬
‫حاضراتي ” طعم اكل جديد ‪ /‬لباس معاصر ‪ /‬ايقاع موسيقي ‪ /‬كتاب ‪”..‬‬
‫و بذلك تكون الدالالت الجسدية الرمزية ‪ ،‬قد هيمنة على صوت العولمة‬
‫‪ ،‬فمادامت السلطة بماوراء كواليس االجتماعي ‪ ،‬تشتغل على خلق‬

‫‪58‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫الجسد الماضوي المدجن ‪ ،‬فان الذهن يسقط ماضيه بكل ما هو جديد ‪،‬‬
‫و في هذا الصدد سلم بورديو استنادا بميشال بوزون ‪ ،‬انه بعد تطبع‬
‫األذهان ثقافيا (االشباع) ‪ ،‬يبتعد بذلك الذهن عن كل سلوك معقد ‪ ،‬فحينما‬
‫سنعطي للمجتمع الذكوري ” اإلنطباع بأن المرأة هي التي ستهيمن ‪ ،‬فهذا‬
‫سيحط منها إجتماعيا ‪ ،‬و بذلك ستشعر أنها منقوصة أمام رجل منقوص‬
‫‪ ، ” 12‬و لهذا يمكننا القول أن الحدود المفروضة سوسيو – ثقافيا ‪،‬‬
‫بفعل تفاعلها مع الصور ذهنية اجتماعية ‪ ،‬تبعد الجسد الذي يجب ان‬
‫يكون عن اطاره االجتماعي الذي يجب ان يتموضع فيه ‪ ،‬و لذلك فإن‬
‫التفاعل اإلجتماعي الذي يدور بين الجسد المهيمن ‪ ،‬و الجسد المهيمن‬
‫عليه ‪ ،‬هو في االصل تسلسل من السلوكات المنظمة ‪ ،‬المنعكسة عن‬
‫الصور السوسيو ذهنية ‪ ،‬فهذه األخيرة تتحكم في نسق الصور الذهنية‬
‫التي تتحكم في كل عضو من الجسد ( عدم تقبيل الذكر زميلته أو جارته‬
‫‪ ،‬هذه صورة ذهنية متمخضة عن صورة ذهنية اجتماعية ‪ ،‬كالتقاء الذكر‬
‫باالنثى حرام ‪ ،‬عدم إطالة اإلمساك باليدين ‪ :‬صورة ذهنية تتحكم فيها‬
‫صورة سوسيوذهنية ‪ :‬كاالقتراب بين االجساد عيب و “حشومة” ‪ ،‬و‬
‫لهذا فكل صورة سوسيو‪ -‬ذهنية تضم تسلسال من الصور الذهنية ‪،‬‬
‫فاألولى هي نتاج بناء ثقافي ‪ /‬اجتماعي تشرعه السلطة ‪ ،‬أما الثامنية‬
‫“الصور الذهنية ” فهي فردية بامتياز ‪ ،‬تتمخض على شكل الصورة‬
‫الذهنية االجتماعية ‪ ،‬و بذلك فاألولى هي من تتحكم في ديناميكية الباقي‬
‫‪ ،‬فحينما تثار رغبة جسدية ‪ ،‬فإن الذهن يطابق الصورة – الذهنية‬
‫االجتماعية مع دائرة المحيط ‪ ،‬و حينما تتطابق أجزاء الصورة السوسيو‬
‫ذهنية ‪ ،‬مع اجزاء دائرة المحيط ‪ ،‬فان الصور الذهنية تتتابع فتتمخض‬
‫بذلك سلوكات إجتماعية بامتياز ‪ ،‬فقبل ان تمارس شابة و شاب الجنس‬
‫الفمي بالشوارع المغربية ‪ ،‬فإنهم يبحثون عن مكان يتطابق مع صورتهم‬
‫اإلجتماعية “ابتعد عنا و مارس ما تريد” ‪ ،‬و بمجرد توافق الصورة‬
‫االولى مع محيط معين ‪ ،‬تتسلسل الصور الذهنية ” االقتراب اكثر ” ‪” /‬‬
‫عدم وضع اليد على الرحم ” … ‪ ،‬و بهذا فإن الصورة الذهنية اإلجتماعية‬

‫‪59‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪ ،‬هي ‪ :‬ثقافية و ليست طبيعية ‪ ،‬فبفعلها يخلق االنسان اآللي و المدجن ‪،‬‬
‫و بتكرارها الرمزي ‪ ،‬يمارس على الجسد عنفا رمزيا ‪ ،‬كما سلم بورديو‬
‫‪ ،‬ف”العنف الرمزي ال يتحقق إال من خالل فعل معرفة و جهل عملي‬
‫يمارس من جانب الوعي و اإلرادة و يمنح سلطته المنومة إلى كل‬
‫تظاهراته و إيعازاته و إغراءاته و تهديداته و مآخذه و أوامر دعوته إلى‬
‫اإلنضباط ‪ ، ″13‬فهنا يعزز بورديو بقوة ‪ ،‬ما صرحنا به حول العالقة‬
‫الرمزية بين الصور السوسيو ذهنية و الصور الذهنية ‪ ،‬و عالقتها‬
‫بالسلطة و الجسد ‪ ،‬فهناك ‪ ،‬إذن ‪ :‬انفصال و تسلسل ‪ ،‬تحققه السلطة‬
‫باستراتيجياتها القبلية حول استثمار االذهان ‪ ،‬و إعادة إنتاج أجساد آلية‬
‫‪ /‬مدجنة في استمرار ‪ ،‬و كما سلم فوكو * ‪ ،‬يتحمس دائما الذهن ‪،‬‬
‫للحديث عن مستقبل الجنس ‪ ،‬بكونه من أساسيات توازننا العاطفي و‬
‫البيولوجي ‪ ،‬و بكونه نقطة مركزية للسلطة ‪ ،‬فهذا يعبر في استمرار على‬
‫أننا مخربون ** ‪ ،‬ألن التوازن العاطفي و الجنسي و االبستيميه ‪ ،‬يصيب‬
‫ال محالة أجهزة السلطة بالخوف من االنهيار ‪ ،‬لهذا كانت و الزالت لعبة‬
‫السلطة تتمحور كليا حول الجسد ‪ ،‬محاولة بأقوى خططها فرض السيطرة‬
‫و الهيمنة على نظام الوعي ‪ ،‬من أجل أن ال يعي وجود جسده الطبيعي‬
‫المسجون بكواليس السلطة ‪ ،‬أي بما ورراء االجتماعي‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬

‫‪60‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪1 :‬يزيد عيىس السورطي – السلطوية في ر‬


‫التبية العربية – عالم‬

‫المعرفة ‪ ،‬العدد – ‪ : 362‬ص‪: 15‬‬

‫‪2 :‬المرجع ذاته – ص‪: 16‬‬

‫‪3 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ترجمة ‪ :‬علي مقلد – مركز‬

‫اإلنماء القومي – ص‪:158‬‬


‫‪4:‬يزيد عيىس السورطي – السلطوية في ر‬
‫التبية العربية – ص‪: 17.‬‬

‫‪*:‬بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ترجمة ‪ :‬سلمان قعفراني –‬

‫مركز دراسات الوحدة العربية – ص‪: 65‬‬


‫‪5 :‬يزيد عيىس السورطي – السلطوية في ر‬
‫التبية العربية – ص‪: 24‬‬

‫‪6 : Émile Durkheim – Les régles de la méthod‬‬

‫‪sociologique – Champs classique – page : 235‬‬

‫“ ‪** :‬يمكن تحديد الكثافة الديناميكية لمجتمعيي متحدين في‬

‫الحجم بعدد األفراد الذين ال تربطهم عالقات تجارية فحسب ‪ ،‬بل‬

‫تربطهم أيضا صالت روحية وثيقة – الصفحة ذاتها من قواعد‬

‫المنهج‬

‫‪61‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪*** :‬الصور – ذهنية – اجتماعية ‪ :‬نوع من األفكار يخص جماعة‬

‫معينة ‪ ،‬و يتحكم في الجسد االنساني و الجسد اإلجتماعي‬

‫‪6 :‬بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ترجمة ‪ :‬سلمان قعفراني –‬

‫مركز دراسات الوحدة العربية – ص‪: 186‬‬


‫‪7 :‬يزيد عيىس السورطي – السلطوية في ر‬
‫التبية العربية – ص‪: 19‬‬

‫‪8 :‬المرجع ذاته – ص‪: 17‬‬

‫‪9 :‬المرجع ذاته – ص‪: 26‬‬

‫‪10 :‬المرجع ذاته – ص‪: 71‬‬

‫‪11 :‬المرجع ذاته – ص‪: 72‬‬

‫– ‪*: Michel foucault – surveiller et punir – Gallimard‬‬

‫‪page : 157‬‬

‫‪12 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 166‬‬

‫‪13 :‬بيار بورديو – جان كلود بارسون – إعادة اإلنتاج – في سبيل‬

‫نظرية عامة لنسق التعليم – ترجمة ‪ :‬ماهر تريمش – مركز دراسات‬

‫الوحدة العربية – ص‪: 188‬‬

‫‪62‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪14 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 166‬‬

‫‪15 :‬ميشال فوكو – نظام الخطاب – ترجمة ‪ :‬محمد سبيال –‬

‫التنوير – ص‪: 27‬‬

‫‪16 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 235‬‬

‫‪17 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 52‬‬

‫‪18 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 53‬‬

‫‪19 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 54‬‬

‫‪20 :‬عبد السالم ابن محمد الشويعر – السجن و معاملة السجناء‬

‫–ص‪: 12‬‬

‫‪21 :‬المرجع ذاته – الصفحة ذاتها‬

‫‪22 :‬عبد الوهاب مصطفي ظاهر – عمارة السجون في اإلسالم –‬

‫مقدمة الفصل الثالث‬


‫*عبد السالم ر‬
‫التمانيني – الزواج عند العرب في الجاهلية و اإلسالم‬

‫–ص‪: 95‬‬

‫‪23 :‬السجن و السجناء – نماذج من تاري خ المغرب الوسيط – ص‬

‫‪63‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪: 61‬‬

‫‪24 :‬المرجع ذاته – ص‪: 66‬‬

‫‪25 :‬المرجع ذاته – ص‪: 69‬‬

‫‪26 :‬المرجع ذاته – ص‪: 70‬‬

‫‪27 :‬المرجع ذاته – ص‪: 74‬‬

‫‪28 :‬المرجع ذاته – ص‪: 78‬‬

‫‪29 :‬المرجع ذاته – ص‪: 79‬‬

‫‪30 :‬المرجه ذاته – ص‪: 80‬‬

‫‪31 :‬المرجع ذاته – ص‪: 91‬‬

‫‪32 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب ‪ ،‬والدة السجن – ص‪: 104‬‬

‫‪33 :‬المرجع ذاته – ص‪: 109‬‬

‫‪34 :‬ميشال فوكو – تاري خ الجنسانية ‪ ،‬الجزء األول – إرادة المعرفة‬

‫–افريقيا ر‬
‫الشق – ص‪: 15‬‬

‫‪35 :‬ميشال فوكو – نظام الخطاب – ترجمة ‪ :‬محمد سبيال – ص ‪:‬‬

‫‪27‬‬

‫‪64‬‬
‫السوسيولوجيا كفعل ‪ .................................................................‬أسامة البحري‬

‫‪36 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 116‬‬

‫‪37 :‬ميشال فوكو – المراقبة و العقاب – ص‪: 123‬‬

‫‪38 :‬المرجع ذاته ‪-‬ص‪: 121‬‬

‫‪39 :‬ميشال فوكو – الفرد و المجتمع – حسيي موىس – التنوير –‬

‫ص‪: 128‬‬

‫‪40 :‬ميشال فوكو – الكلمات و األشياء – ترجمة جماعية – مركز‬

‫اإلنماء القومي – بتوت – ص‪: 601‬‬

‫‪41 :‬ميشال فوكو – نظام الخطاب – ترجمة ‪ :‬محمد سبيال –‬

‫التنوير – ص‪: 8‬‬

‫‪42 :‬المرجع ذاته – ص‪: 9‬‬

‫ي‬

‫‪65‬‬

You might also like