Professional Documents
Culture Documents
السوسيولوجيا كفعل
السوسيولوجيا كفعل
أسامة البحري
1
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
2
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
3
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
السوسيولوجيا كفعل
أسامة البحري
4
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
اإلهداء
5
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
تقديم :
يعتبر هذا الكتاب ،مدخال نظريا يجمع مجموعة من المقاالت التي كنت
أحررها ،منذ ان وطأت قدماي الجامعة الى اآلن ،و تندرج محاورها
في البراديغم السوسيولوجي بشكل عام ،سواء من حيث الممارسة
الفكرية او الممارسة االمبريقية ،و التي تحاول جاهدة تسليط الضوء
على االليات االبستيمية التي يكتسبها السوسيولوجي من الجانب النظري
من أجل تصريفها عمليا في الجانب الميداني
6
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
7
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
ولهذا فإن الباحث حسب كونت يجب أن يهتم بالعلوم ،وذلك عبر فهم
جواهرها و مناهجها و غاياتها من اجل القطع مع كل ما هو خارج عن
العلم ،من اجل غاية واحدة هي الوصول الى درجة التفكير الوضعي الذي
سيتبلور مع دوركهايم و بورديو في فكرة الموضوعية( المسافة مع
الحس المشترك) و بهذا نفهم جيدا ان براديغم ” السوسيولوجيا ” ،ليس
وليد صدفة كما تتداوله العديد من الكتابات الخلدونية ،بل هو و حسب
متن اوغست كونت ؛ نتاج توليفات نظرية مرتبطة ببراديغم تاريخ
العلوم ( المرحلة الميتافيزيقية _ المرحلة الوضعية ) ،و استنادا على
هذا المتن يمكننا القول انه يستحيل على البحث السوسيولوجي( علميا و
عمليا ) فصل سوسيولوجيا المعرفة( التنظير )عن ديناميكية التحليل
السوسيولوجي( االمبريقي – االستمارة الخ)،ألن هذا األول يشتغل
بكونه مصفاة نظرية( التنبه المنهجي – بورديو )* ينقح المعرفة
السوسيولوجية من خالل فصل كل البنيات المتطبع بها إجتماعيا ،عن
النظرة السوسيولوجية ،المطالبة نظريا بجعل كل مثير فينومينولوجي
“شيئا ” ،و بهذا يمكننا القول بأن السوسيولوجيا كمعرفة تشتغل من
خارج االنساق الثقافية و ليس من داخلها ، .و بهذا فان
تتأسس القاعدة األولى حسب دوركهايم على قابلية التحرر عن كل فكرة
مرت الى شعورنا اعتباطيا ،و ذلك عبر تتبع منهجية وضعية تتمحور
أساسا على إستباق الفهم العقالني لألشياء بدل اإلنصياع خلف قهريتها
،فمنذ البدايات االولى لتاريخ الفكر ” الفلسفة الطبيعية /االيلية /االيونية
/الفيتاغورية /االفالطونية /صغار السقراطيين ” نجد أن عمل
الفالسفة كان يتمحور أساسا بهذه المرحلة على االنتقال من هيمنة
الميتوس إلى منطق اللوغوس ،و هذا ما برهن عليه أرسطو ” ما بعد
افالطون” بأعماله التي دافعت عن بناء صرح نظري متين*
8
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
9
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
و عبر هذا السياق النظري الذي سلف ،تبين لنا ببداهة أن براديغم ”
سوسيولوجيا المعرفة ،“ 2ليس وليد صدفة بل هو نتاج توليفات نظرية
مرتبطة ببراديغم تاريخ العلوم (أوغست كونت :المرحلة الميتافيزيقية _
المرحلة الوضعية ) ،و على هذا المنوال يستحيل على البحث
سوسيولوجيا تيليسكوب ) فصل (عمليا السوسيولوجي
المعرفة عن ديناميكية التحليل السوسيولوجي ،ألن هذا األول يشتغل
بكونه مصفاة نظرية (التنبه المنهجي – بورديو *) ينقح المعرفة البشرية
من خالل فصل كل البنيات المتطبع بها إجتماعيا ،عن النظرة
السوسيولوجية /الموضوعية التي تعمل على جعل كل مثير
فينومينولوجي “شيئا ” ،و بهذا فان السوسيولوجيا كمعرفة تشتغل من
خارج االنساق الثقافية و ليس من داخلها .
فكل هذه األنساق الثقافية المعتقد فيها doxaهي ذات تركيبية عفوية
،و تفسر حسب المتن البوردوزي بكونها ؛عبارات عفوية ،غير قادرة
على تحقيق دور التفكيك و اعادة بناء الفينومين السوسيولوجي ،النها
تتفاعل من داخل الجسد االجتماعي بكونها نسق معتقد في حقيقته
المطلقة ،عالوة على ذلك انه يشتغل بستاتيكية تحافظ من كل زواياه
النظرية على “ديناميكيتها االسمنتية” ،و األكثر من ذلك أن هذه
الستاتيكية االسمنتية تتحقق من خالل خلقها لشبكة اجتماعية بنيوية
التركيبة ،ال تمت بأي صلة للعلم ألنها تعتبر بالمخيال العام نسقا يحافظ
على توازن المجتمع عبر خلق هابيتوسات * منعكسة عن الوعي الجمعي
داخل بنيات أذهان االفراد و كذا أجسادهم ،و يرتبط سبب تأجيل خاصية
التحرر عن هذه االراء االسمنتية ،بهيمنة الشعور العاطفي على بنية
اإلستعدادات االبستيمية للذهن ،فعبر هذا التأجيل تصبح لهذه المعارف
البديهية العاطفاتية إستمرارية و سلطة على جسد و تفكير المهتمات و
المهتمين بالمنهج السوسيولوجي ،و هذا ما يجعل من كل راي يخالف
هذه االراء الثقافية ،يفسر عبر المعادلة الهابيتوسية على انه عدو
إبستيمولوجي يجب استبعاده بدل تفكيكه و تحليله سوسيولوجيا .
10
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
11
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
12
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
يسهر على جمودها بدعوى أنها الحقيقة المطلقة و السبيل الوحيد لعيش
حياة اجتماعية متوازنة ،فقد اتفق المهتمون بتاريخ البشرية و من بينهم
فوكو أن هناك عائق منهجي كان حاضرا باستمرار في تاريخ البشرية
،و يشتغل في هذا الصدد بكونه آلية تعيق على حركة المنهج العلمي
ديناميكيتها الطبيعية و ترتبط هذه االلية اشد االرتباط باالنساق
الثقافية ،فهي البنيات الوحيدة التي كانت تحجب الحقاىق عن
األفراد (تاريخ الجنون – ميشال فوكو – الفصل االول – سفينة الحمقى)
و بما انها كانت تشتغل بآلية الضبط الفعلي و كذا الفكري ،فقد كانت بذلك
تحد من رؤية خواص الظواهر التي تشكل أسس الفينومين ،و تفسر هذه
العوائق االجتماعية انثريولوجيا و سوسيولوجيا بكونها (تكتال من االبعاد
الرمزية التاريخانية التي تشكل بنية متناسقة الشكل و التي تستبعد
األذهان عمليا عن التحليل العلمي ) ،فهي عبارة عن نسق خفي (مهذب
– العنف الرمزي للغة – اعادة االنتاج – الهيمنة الذكورية) ،يتجسد مرئيا
على أشكال و وقائع و ظواهر يألفها المجتمع رغم انها في غالب اوقاتها
تعيق على العقل نشاطه النقدي الذي بموجبه يتمكن من تحليل الواقع
سوسيولوجيا ،و لهذا فإذا ما واصلنا مع ميشال فوكو بعمله “حفريات
المعرفة ” سنجده يسلم بفكرة أساسية و هي أن عائق التفكير الذي
يتكون من ” االيمان بتأويالت الدين ،الثقافة – التشبت اللدوغمائي بهذه
التأويالت ” ينعكس على شكل غمامات تحجب عن الفرد رؤية خواص
الظواهر و كذا كينونتهم و ماهيتهم الطبيعية التي تستبعد من طرف
مشروعية هذا الرأسمال الثقافي ،و لكن رغم ذلك فإن العقل البشري
حسب فوكو مكون بإحكام ليصل إلى هذه األبعاد الخفية التي تضبطه
اجتماعيا ،و يتحقق ذلك عبر االبتداء بأول مقارنة بين ما يعيشه الفرد
من اشياء اجتماعية و بين ما يطمح إلى عيشه بكونه إنسانا ،فوحدها
المقارنات بين ما اكون االن و ما يجب حقا أن اكونه ،هي الكفيلة
بفتح إمكانية التفكيك و اعادة بناء كل ما هو معتقد فيه عمليا من أجل
تصريفه علميا أمام بنية العقل البشري ،و عبر االستمرارية في تفكيك
13
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
14
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
15
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
16
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
17
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
التلقائية الساذجة ،و لكي يغني بورديو نقاشه ،استحضر عمل برانشفيك
“إرث من الكلمات ،إرث من األفكار ” ،الذي ينطلق كما يسلم بورديو
من مفردات خام مكونة من كلمات شائعة ،لن تفتح افق و عوالم التحليل
النظري الذي سيمكننا من رثق النمطي بأسس النظرية – االجتماعية ،و
بهذا سيقر بورديو ،بأنه مادام الخطاب اآلجتماعي يحمل بأغواره
مجموعة من المفردات الخام المكونة من المعاني الشائعة فإن تفسير
االجتماعي علميا و عقالنيا يبقى وهما ،و لهذا أقر بورديو بأنه مادام
الخطاب اإلجتماعي ،يحمل بأغواره ثلة من المعاني الشائعة أو الكلمات
الشائعة ،المحتجبة و المكسوة بمظاهر الصياغة العلمية التي تعطيها
مصداقية و قيمة ،فإن التحذيرات من عدوى المعرفة اإلجتماعية التلقائية
و الشائعة مجرد وهم ،لهذا فوجب على الباحثة او الباحث ،خلق هوية
ابستيمولوجية – علمية ،يؤمن بها تنبهه المنهجي ، 4بسالح يتفادى
به عدوى المفردات الخام المكونة من معاني اعتباطية شائعة ،كالذكر
يجب أن يهيمن على األنثى ألن قضيبه ينتصب مثال **** ،فتحليل منطق
اللغة الشائعة اذن .هو مفتاح النظرة العلمية – العقالنية ،ألنه من خالل
هذا النقد للمفارقات االجتماعية و للمعتقدات ،يعي الذهن اسس هذه
المفارقات “بين االنثى و الذكر مثال .او بين الواقع و ما وراء الطبيعة
” الذي يجعله قد استبعد الالمنطقي من الجمل .عن المنطقي منها .و
هذا طبعا ما ناقشه ديكارت بعمله “تأمالت ميتافيزيقية /مقال في المنهج”
،الذهن يجب ان يحقق الشك المنهجي .الذي يعني الشك من اجل الوصل
الى الحقيقة ،و ذلك عبر االبتداء من البسيط “اللغة الشائعة “حشومة –
عيب ”..من اجل االنتقال الى ما هو معقد ك”التحرش الجنسي /
االغتصاب /المخذرات ”..و طبعا هذا ما اتفق عليه ارسطو قبل بيكون
و ديكارت الذي تأثر به كل من بورديو و دوركهايم ،فلكي نصل حسب
ارسطو الى “تحليل نظري أشد تعقيدا ،يجب أوال أن نحلل البسيط .بنقده
و سبر أغواره *****” ،فهذا الديالكتيك النقدي حسب بورديو ،يخلق
أداة تحدد و تميز بين المعرفة الشائعة و المنطقية ،و الى جانب التحليل
18
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
الذاتي الخاص بالفرد و ماضيه ،يرى بورديو انه يجب على الباحث و
الباحثة ،إخضاع المقوالت و المسائل و الرموز التي تستعيرها اللغة
العلمية من اللغة الشائعة الى نقد ايضا ،و ان لم يتحقق هذا النقد بحقل
العلوم .سنسقط في الدفاع عن لغة شائعة تتطفل على السوسيولوجيا ال
شعوريا .و تصبح عبر دفاعنا عنها افكارا علمية محضة .كقصة آدم و
حواء حينما نريد تأريخ مسار البشرية مثال .او صحة افكار دينية عن
أفكار تمخضت عن بحوث عقالنية بامتياز ،لهذا يصر بورديو بهذا الفصل
على تحقيق القطيعة االبستيمولوجية ،الواحدة ،القادرة على مساعدتنا
على التمييز بين التأويل العلمي و التأويل المصطنع .و يستحضر بورديو
هنا غاستون باشالر ليعزز طرحه ،و ليشجع على القطيعة المنهجية .
من اجل التخلص من قاعدة االثبات بتعبير ابيالرد .التي تعني لنا “النقل
بدون عقل ” و لهذا يرى باشالر ،أن آلة الخياطة اخترعت بعد ان توقف
مخترعها عن التقليد االعمى ،و يرى بورديو ان هذه االمثولة الكبرى
تصلح الن تسقط منهجيا و منطقيا بالقاعدة االولى للسوسيولوجيا .النها
حسب بورديو تحمل عمقا نظريا يتحدث عن اهمية صوت العقل لوحده
بحقل العلوم النظرية التحليلة
: 5-1إغواءات النبوة :
يطرح بورديو فكرة اساسية ،في فصله هذا .بعد ان استند الى باشالر
الذي يرى بأن على الكيميائي ان يقاوم الخيميائي الذي يسكنه ،مسلما
بأن على عالم اإلجتماع مقاومة البنى اإلجتماعية التي تطالب ال شعوريا
داخل الباحثة او الباحث في تجسديها ،و يطالب أيضا من طرف الجمهور
الالمكون علميا ،أي من الذين لم يمروا من المراحل التي عرضناها آنفا
،و هي “القطيعة االبستيمولوجية الناتجة عن البحث و النقد عن حقائق
االفكار التي تطبعنا بها اجتماعيا و ثقافيا ” فهذا الجمهور حسب بورديو
،سواء طالبات و طلبة أو استاذات و اساتذة أو العامة من افراد الجماعة
“اناثا و ذكورا” يكون متناقضا ،و بهذا فيجب على الباحثة و الباحث ان
يجعل ذهنه دائم الوعي .لكي ال يسقط في خداع المفردات ابشلئعة
19
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
المألوفة “كحينما اقوم بعرض سوسيولوجي حول أثر تاريخ البشرية في
سلوك البشر الحاضراتي ،حينما اعرض فكرة ان االنسان بالحالة
الوحشية كان يشبه القرد .يجب ان ال اسقط عن فكرتي حينما يعارضني
المل فكرتي العلمية التي يؤمن بها تاريخ الفكر و تاريخ االبحاث العقالنية
” و من خالل كل ما سلف .سينطلق بورديو من العتبة االبستيمية لباشالر
،ليوافق بين السيرورة و الصيرورة السوسيولوجية .و لهذا سيقر
بورديو بأن عالم/ة اإلجتماع .قاما بمجهودات نظرية لتحقيق “إنقطاعات
متكررة تقيه من اغواءات الحس المشترك . ″5و بهذا سيقسن بورديو
علم االجتماع الى اتجاهين :إتجاه يدعي إيجاد أصله النظري في ذاته .
اي من خالل التحليل و التنظير المزمن و المستمر .و الثاني الذي يقيم
عالقة تقليدية مع التراث ،و بهذا فان بورديو قد انتقد االتجاه الثاني بقوة
.و شبههم ” بفقهاء القرون الوسطى الذين جمعوا في مجامعهم الضخمة
ما تركته مراجع أباء الكنيسة او االصول الشرعية من حجج ″6و في
هذا الصدد استشهد بورديو بوايتهيد حينما قال ” على اي علم ان ينسى
مؤسسيه ”
القسم الثاني : 1 :أشكال استقال التجريبية .االمبريقية
ينطلق بورديو من فكرة اساسية .تبنى معالمها دوسوسير و ماركس ،
و هي ال وجود لنظرة واحدة مختزلة في موضوع واحد .و ال وجود
منطقي لعلم معين ينحصر في ميدان واحد من الواقع .النه حسب ماركس
.ال ينفصل عن الواقع الطبيعاتي .اي ان العقل يفكر بفعل و بدافع الكل –
الوجودي الطبيعي ،المكون من ايقاعات و اشكال و حركات .تختلف
باختالف طريقة اكتسابها من كل ذهن ،و هذه الطريقة المتخلفة هي التي
تجعل من كل عقل يفكر بطريقة مختلفة ،فهذا الكل المتفكر به حسب
ماركس يستحيل اختزاله في الفن او في الدين او في العلم .الن التفكير
الكلياني .للكل االنطلوجي .باصواته و اشكاله و روائح المتعددة .التي
تشكل داخل الذهن منشط التفكير .ينفتح على كل خصائص الوجود في
نظرته .فحينما نتكلم فاننا نتكلم بدوائر تمس كل جزء من جواهر الوجود
20
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
21
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
22
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
ووعي جمعي ) ،فإن األفراد عبر طبيعة تكوينهم العقلي يتلهفون إلى المعرفة أو التطبع اإلجتماعي
(التنشئة اإلجتماعية ) ،وعبر هذه العالقة الطبيعية تنتقل الثقافة التي تتواجد فيها السلطة قبليا ،
فيصبح للذهن :هابيتوسا أو رأسماال ثقافيا يخلق في إستمرار توجيهات و إستعدادات ،تجعل الفرد
معتبرا أفكاره المتطبع بها حقيقة مطلقة .وبما أن هذه اإلستعدادات حسب تعبير بورديو ،ناتجة عن
بنية إجتماعية و ثقافية ،فإن السلطة حسب فوكو توجد داخلها ،و بذلك تؤدي كل اإلستعدادات إلى
ظهور إنضباطات مزمنة :تراقب الجسد عبر ذهنه المنمط والمتطبع ثقافيا ،أي عبر السلطة
الداخلية( المتواجدة بذاكرة الفرد )والخارجية التي تتداخل فيها كل المؤسسات التي تجسد السلطة.
و بذلك فإن عامل التلقين هو جزء من مجموع السلطة المتواجدة داخل ذهن الفرد ،ألن عملية
التطبيع اإلجتماعي * تتداخل فيها العديد من القنوات التي تواكب تطور الذهن منذ طفولته إلى
مماته ،كالتلفاز الذي يروض الذهن منذ نعومة أظافره على”المشاهدة بدون مشاركة ” ،المسجد ،
الخلية النووية( األسرة ) ،و بما أن المنهج اإلبستيميه/المعرفي المعتمد في التنشئة اإلجتماعية ،
يتمحور أساسا على تقديس( الوعي الجمعي بتعبير دوركايهم ) أو( العقل األسطوري بتعبير
بورديو ) ،فإن المنهج المكتسب عبر عمليه التطبع اإلجتماعي ،سينعكس صداه بكل محتوى يهيأ
من طرف السلطة ،و بذلك ف”إن عددا من المناهج الدراسية العربية مقتبس من المناهج الغربية ،
بما في ذلك بعض المناهج الجامعية ،و كل ما جرى في كثير من األحيان هو ترجمتها و فرضها
5″ العرب. الطالب على
وبما أن لكل ذهن حسب دوركهايم :كثافة ديناميكية ** ،1: densité dynamiqueأو نسق من
الصور السوسيو – ذهنية *** ،فإن الجسد يصبح له رأسمال ثقافي بتعبير بورديو ،يميل هذا
األخير الخاص بنا( الثقافة العربية ) إلى اإلعالء من الماضي المتمظهر – فينومينولوجيا ،و بهذا
فإن العالقة التي ستتمخض بنسق التعليم العربي ،الذي يضم منهجا حداثيا مترجما ،و منهجا
مكتسبا عن النسق األسطوري – العربي المقدس للماضي ،هي عالقة تضاد و انفصام ،ناتجة عن
ال إستيعاب ” الطالبات و الطلبة /التالميذ و التلميذات ”نوعية النظام التعليمي المتمظر أمامهم ،و
بهذا فما يقع بالمدرسة حسب السوسيولوجي بيار بورديو ،هو إعادة إنتاج للثقافة البورجوازية ،
عبر إستعدادها المسبق بنظام تربيتها ،الذي يجعلها مهيأة على إستيعاب المناهج العلمية المترجمة
،على عكس الثقافة الكادحة التي تقصى بكونها تربى على مؤهالت خرافية و غير علمية ،ال
تمكنها من إستيعاب النظريات أو الرموز اللغوية األجنبية ،و طبعا هذا ما نعته محمد أركون :
بالجهل المؤسس البنيوي ،فهو ال يعزى إلى جهة واحدة ،بل هو كما سنعرض مع ميشال فوكو :
23
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
موجود في الذهن أوال ،عبر السلطة التي تحيط بالذهن من كل المواضع( التنشئة )و في كل
سياسية. و اجتماعية الى تتفرع التي المؤسساتية المواضيع
ولهذا فما يتمخض عن عملية الحشو هذه“ االجتماعية /السياسية” ،هو كائن ثقافي“ انثى /ذكر ”
يمتلك هابيتوسا حسب تعبير بورديو ،و الذي يعني لنا سوسيولوجيا“ :أنساق من اإلستعدادات
المستدامة و القابلة للنقل ،إنها بنى مبنينة ،قابلة مسبقا ،لإلشتغال بوصفها بنى و مبادئ مولدة ،و
منظمة لممارسات و تمثالت يمكن لها موضوعيا ،أن تتأقلم مع هدفها ،من دون افتراض رؤية
واعية للغايات و التحكم الصريح في العمليات الضرورية من أجل بلوغها ” ، 6وبذلك فإن
“المعلمة أو المعلم الذي يتم تكوينهما بالتلقين ؛ يصبحان أسيران له 7”.فـ“ قد أظهرت نتائج ثالث
دراسات ميدانية أجريت حول طرق التدريس المستخدمة في ثالث جامعات عربية ،أن طريقة
التدريس األكثر استخداما فيها هي المحاضرة ،و عززت إحدى تلك الدراسات شيوع المحاضرات
الى كثرة عدد الطالب و قلة المحفزات للتجديد والتطوير ،و ضعف ضبط الصف ،ووجود
المشاركة8”. في الطالب رغبة ضعف و تقليدية مقررات
وقد بينت دراسة أخرى حول النظام اإلبستيميه الخاص بالكتب المدرسية العربية ،أن هذه الكتب ال
تحاول تقديم تفسير األحداث و ال وجهات نظر متعارضة ليلم الطالب بجميع الجوانب ،فما تفعله
هو تعويد“ الطالب التفسير الواحد و الرأي الواحد ” ، 9فهنا يتبين لنا أن النظام األكاديمي العربي ،
يخالف جذريا نظام التدريس الذي كان في العصر األموي و العصر العباسي ،فقد“ كان العلماء
يتمتعون بحرية فكرية واسعة في مجال اختيار المنهج و طرق التدريس و المراجع ،كما كان
10 يديه“. على العلم يتلقون الذي المدرس اختيار في أحرارا الطلبة
وقد بين يزيد السورطي في أطروحته هذه حول التدريس العربي ،أنه ال يوجد“ تعريف دستوري
أو قانوني للحرية األكاديمية ،فقد كان هذا المفهوم و الزال متغير المضمون ” ، 11فهنا نفهم جيدا
أن النظام التعليمي هو جزء من“ ميكرو-فيزياء -السلطة ”* حسب تعبير ميشال فوكو ،فهي جزء
من التعاليم الرمزية التي تحرك اإلجتماعي عبر االستراتيجيات الموضوعة بكواليس المجتمع ،
الموجهة للنظام الذهني -المعرفي كما عرضنا و للنظام الجسدي كما سنبين اآلن ،ففي هذا الصدد
يرى ميشال فوكو في عمله“ المراقبة و العقاب – القسم الثالث :اإلنظباط – األجساد الطيعة ” أن
بالقرن السابع عشر إنعكس نظام فضاء المدرسة و المصانع ،عن المؤسسات اإلنضباطية
المعروفة :السجن /المعسكرات /الشعائر الدينية( الصالة ) ،و بهذا فقد تسرب مفهوم الصف
المتواجد بالمدرسة ،عن الصف المتواجد بالمعسكر و الصالة و السجن ،و قد انتقلت فكرة المرتبة
24
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
أيضا عن نظام المعسكرات “،فهذا الفضاء إذن ،جعل الرقابة ممكنة على كل فرد ،فقد عمل على
تشغيل الفضاء المدرسي كما لو كان آلة للتعليم ،و لكنه في األصل آلة مراقبة12”.
ومن خالل النظام الجسدي – اإلنضباطي الذي هاجر حسب تعبير ميشال فوكو ،استنادا
بمشروعية السلطة من حقل األجساد الطيعة( السجون /المعسكرات /أماكن الصالة ) ،إلى
فضاء المدرسة ،كان من البديهي حسب ميشال فوكو أن ينسخ نظام البناء أيضا ،من السجون الى
فضاء التعليم ،و بذلك فإن الهندسة البنائية لفضاء التعليم“ تحدد أماكن معينة و تدل على قيم :فهي
تضمن طاعة األفراد ،وأيضا تنظم الوقت و الحركات ،فإنها فضاءات مختلفة ؛ واقعية ،ألنها
تتحكم في األجساد عبر استخدام األبنية و القاعات ” ، 13فغايتها هي تطويق اإلنسان عبر بناء
هندسي-رمزي مخطط له ،مهيأ قبليا لزرع شعور المراقبة الرمزية من أجل خلق العقاب
الالشعوري ،فعامل اإلنضباط إذن حسب فوكو يستبعد الذهن و يدمج الجسد في انساق المؤثرات
لها. المخطط
ويظهر ذلك في نظام تقسيم الوقت الذي ظهر فجأة حسب فوكو بفضاء التحصيل العلمي و في
المصانع :الدخول في وقت محدد /االستراحة في وقت محدد /الخروج في وقت محدد ،طريقة
الدخول /مكان الدخول /طريقة المشي ،فهذا كله يدخل في عوالم خلق اإلنسان اآللي
(أنثى/ذكر ) ،و بهذا فإن أنساق المعرفة المتموضعة( بقبضة السلطة ) ،تختلف جذريا حسب
فوكو ،عن أبعاد المعرفة التي يحاول األفراد التوصل الى اسسها ،فـ”إن الفرع المعرفي الخاص
بالسلطة ،مبدأ لمراقبة عملية إنتاج الخطاب ،فهو يعين لها حدودا بوساطة لعبة هوية ،تأخذ شكل
عملية بعث دائم للقواعد ، 14″بمعنى أن قواعد التحكم في األذهان واألجساد ،تتداخل فيها كل
أبعاد اإلجتماعي و السياسي ،فهي من مهدت الطريق لتسرب نظام المعسكرات الى المدرسة ،و
هي من غيرت فضاء اإلعدام إلى دور الحجز و مستشفيات الطب النفسي ،ال من أجل فرض
السيطرة المادية الملموسة و المحسوسة المتمحورة على الجسد وحده ،بل من أجل اإللمام بالذهن
و ما يستديربه من أفكار و ما ينسج داخل ذهنه من ألفاظ تحرك إرادة الجسد ،تتحكم في كل عضو
بسيط أو معقد منه ،فالجسد داخل المدرسة من المنظور الفلسفي المعاصر لفوكو هو عبارة عن
ميكانيزمات تلتقي فيها السلطة بغاياتها ،مخلفة عبر إستراتيجية اإللتقاء هذه ،تكنلوجيا للجسد تنتقل
بأكمله. اإلجتماعي الجسد عبر
ومن زاوية أخرى نجد أن التفسير السوسيولوجي المعاصر للمدرسة مع بيار بورديو و كلود
باسرون ،قد سلم عبر دراسة ميدانية و تفقد لإلحصائيات ،أن المتعلمين يأتون إلى المدرسة
25
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
مختلفين في التراثبية اإلجتماعية و الطبيعية ،فيجدون حسب بورديو و باسرون :نظاما مؤدلجا ،
يميل إلى الدفاع عن ثقافة الطبقة العليا ،فالمدرسة حسب السوسيولوجيين بورديو و باسرون تدافع
عن التراتبية الطبقية ،عبر دروسها التي تقسم المجتمع إلى طبقات ،و بذلك فإنها تساهم رمزيا في
إعادة إنتاج الوضع ذاته ،فقبل ولوج األطفال إلى المدرسة ،يكونون غير متساوين ثقافيا ،فكل و
رأسماله الثقافي الذي يضم ثلة من األلفاظ التي تعبر عن درجة معينة من التفكير.
وفي هذا الصدد يقول بورديو ” إن الرأس المال اللغوي ال يكف دوما عن مزاولة تأثيره ؛ إن
األسلوب دوما مأخوذ بالحسبان في كل مستويات المسيرة ، 13″بكون الرأسمال اللغوي /الثقافي
هو من يشكل إستعدادات تؤدي إلى تكوين المسار الذي يتداخل فيه المدرك الخارجي ،و لكن
حينما نستشف رأسمال الثقافة الكادحة ،فإننا نجد ألفاظا ك”حشومة /عيب /الغول /الشيطان ”
لن تمكن الذهن من فهم أحدث النظريات العلمية حول دماغ اإلنسان أو حول أثر الالشعور في
الذي يتكون مجمله ، البورجوازي الثقافي الرأسمال عكس على ، الشعور
من مفاهيم علمية حول تعدد الذكاء مثال و الالشعور الخ ،و بذلك فإن المدرسة حسب بورديو و
باسرون يوجد فيها نظام قيمي مستنبط بعمق من الرأسمال الثقافي الخاص بالطبقةالعليا ،تؤدي الى
إقصاء بنات و أبناء الطبقة الكادحة بسبب ال إستعدادهم لفهم األفكار األكاديمة المنظمة بإحكام ،و
بذلك فالمدرسة حسب بورديو تعيد إنتاج الطبقات ذاتها :إبن فالح سيبقى عالقا في الطبقة الدنيا ،و
ابن أستاذة جامعية /إبنة أستاذ جامعي :سيعاد إنتاجهما في الطبقة العليا.
مؤسسة السجن
“ 2السجن أقل حداثة عندما يجعل منشأه مع نشأة القوانين الجديدة ،إن شكل السجن سبق في
وجوده إستخدامه المنهجي بموجب القوانين الجزائية ،فقد تشكل خارج الجهاز القضائي ،عندما
وضعت عبر الجسم اإلجتماعي كله ،اإلجراءات من أجل تفريق األفراد ،و تثبيتهم ،و توزيعهم
قضائيا و تصنيفهم و استخراج أقصى ما يمكن الوقت منهم ،و أقصى ما يمكن من القوى ،و تقويم
أجسادهم و تقنين سلوكهم ،و تقنين سلوكهم الدائم ،و إبقائهم ضمن دائرة الرؤية التي ال ثغرة فيها
”14فالسجن حسب فوكو لم يلفظ من عدم ،بل هو مؤشر لبعد رمزي كان موجودا ،و ال زال
موجودا ،فكل بناية أو مؤسسة هي تكدس لبناء رمزي يفر عن قبضة السلطة ليظهر ،ثم يختفي
مرة أخرى بأمر من السلطة ليظهر في حلة أخرى ،فالتعذيب عبر إراقة الدماء إختفى حسب فوكو
،ليظهر داخل بناية السجن ،ثم اختفى لكي يتجسد في اإلختراع الذي تم إبتكاره بالقرن الثامن
الشرطة. هو و عشر
26
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
ثم انتقل حسب فوكو من جسد الشرطي إلى اللغة ،فظهرت شرطة للملفوظات :حرام /حشومة /
عيب ، ..داخل كل القنوات :الراديو /التلفاز /الهاتف /التعليم المؤدلج /المصحات النفسية :
التنمية البشرية ..الخ ،و بهذا فإذا عدنا مع ميشال فوكو إلى الفصل األول من عمله المراقبة و
العقاب ،سنجده يعرض لنا جسد“ داميان ”المحكوم عليه باإلعدام ،كدليل على نوع التعذيب الذي
كان بما قبل العصر الكالسيكي ،فقد كان الجسد يحرق بالزيت الساخن و الكبريت المذوب ،ثم
يمزق لحمه و تحطم عظامه ،و في األخير يفصل بحصانين ثم يحرق كل نصف أمام كل أفراد
المجتمع ،فقد كان هذا العرض السوسيو-مسرحي ينطوي على غاية أساسية ،هي :إظهار مصير
كل من يخالف القواعد المنظمة للتفكير اإلجتماعي ،فقد كان األمر كما يشبهه فوكو :مسرحا
إلستعراض ما ال تريده السلطة أن يكون ،و“ اتجه العقاب بعدها ليصبح الجزء األكثر خفاء في
العملية الجزائية ،مما أدى إلى عدة نتائج لم تعد ضمن مجال الرؤية و المشاهدة شبه اليومية ،بل
المجرد16″. الوعي مجال داخل أصبحت
و في هذا الصدد إستشهد ميشال فوكو بروش ،قائال ” :ال أستطيع أن أمنع نفسي من األمل بأن
يكون غير بعيد الوقت الذي تصبح فيه المشنقة و منصة اإلعدام و السوط و الدوالب في تاريخ
التعذيب ،معتبرة من عالمات بربرية العصور و البلدان ،و معتبرة كدالئل على ضعف تأثير
العقل و الدين على النفس البشرية“ ، 18فقد ” انتقلت العقوبة من األحاسيس التي ال تطاق إلى
نظام إقتصاد للحقوق المعلقة“ ، 19وبهذا فإذا ما عدنا إلى أول سجن ظهر بتاريخ العرب ،سنجده
قد تمحور بالمسجد ،فقد كان ” كثرة السجناء دليل على عدم تنفيد الحدود الشرعية المشرع بها 20
“.فهنا يتبين لنا ببداهة أن القوانين التي كان يتأسس عليها نظام السجن العربي ،ذات خلفية دينية
محضة ،و بذلك كان ينظر الى السجن العربي ،ما قبل القرون الوسطى أنه ” خير و مصلحة
للسجين و الناس عامة ،فهو مصلحة للمسجون حتى ال يقع في الحرام21″.
وكما نالحظ اآلن ،فقد تأسس السجن من أجل خدمة الدين ،و أول مكان ظهر فيه الحبس هو
المسجد النبوي“ فقد حبس فيه بعض الناس مقيدين إلى األعمدة ،و من هؤالء ثمامة ابن آثاء
الحنفي ” ، 22ثم تطورت فكرة السجن هذه من المسجد إلى البيوت ،إلى الخيام ،و بعهد الخلفاء
الراشدين ظهر أول دور حجز كبير لكل من خالف الشريعة ،و في هذا العهد عادت العديد من
الممارسات الجنسية التي تم قمعها* ،فتم بناء العديد من السجون إلى جانب دور الحجز الذي ظهر
،فتم وضع ديوان لتنظيم هذه السجون ،من طرف عمر ابن عبد العزيز ،يتمحور أساسا من
مكونات الشريعة اإلسالمية و المعتقد doxaالخاص بالثقافة العربية( ما قبل ظهور اإلسالم).
27
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
وبهذا فقد تغير حسب ميشال فوكو :التعذيب الذي كان قبل ظهور السجون ،بإنتزاع الحرية داخل
السجن و مال التعويض الذي يقابل تماما :إنتزاع اللحم و العظام ،فهذا التطور الذي حاول إخفاء
دور السلطة في الردع المادي و الملموس ،لم يختفي من ناحية المضمون بالقرون الوسطى ،فنجد
مثال ابن مرزوق و ابن الخطيب أصدقاء ابن خلدون ( 781ه )قد قتلوا داخل السجن بالسم ،
فموتهم“ يمثل إحدى النهايات مأساوية بتاريخ المغرب الوسيط ” ، 23زد على ذلك المفكر و
المتصوف ابن العريف ،فقد تم سجنه أيضا ،و قتله بالسم داخل السجن ،عالوة على ذلك ابن أبي
محمد صالح الذي سجن طيلة حياته مربوطا ،و“ انسجاما مع الموضوع فإن الحكم بالمغرب
الوسيط استخدم وسائل مختلفة في مواجهة الفكر ،و كان السجن إحدى تلك الوسائل24”.
ففي الفترة المتأخرة من العصر المرابطي ،سجن أمير المتصوفين بمدينة فاس“ و يمكن القول بأن
الحكم المرابطي منذ عهد علي ابن يوسف لم يتوان عن ردع المتصوفة الذين لم ينسجموا مع
إختياراته ،فكان السجن أحد الوسائل لتقييم هذه الفئة التي كانت تدعى المتنطعة ،بل إن السجن
طال إحدى المتصوفات فنجد انه يئس مستجوبوها من الحصول على المعلومات ببعض المتصوفة
،ففقأوا عينيها ” ، 25زد على ذلك المفكر أبو يعزى ،فقد“ سجن الرجل بصومعة جامع الكتبية
بمراكش ،و لعلها اإلشارة الوحيدة التي تتحدث عن صومعة الجامع كفضاء للحبس بالدولة
الموحدية26”.
فهنا يحضر بقوة تصور فوكو حول التكدس الرمزي و الظهور المفاجئ للبعد الالمرئي كمؤشر
فينومينولوحي /ظاهر ،فالبعد الرمزي الذي يكونه هو المراقبة الرمزية و العقاب الالشعوري ،
فإذا كانت السلطة إذن ماقبل العصر الكالسيكي و بالقرون الوسطى تلتجئ الى اسلوب اإلستعراض
الذي عرضناه مع فوكو ،فانها ستنتقل من االستعراض الجسدي الى األذهان بالعصر الحديث ،فقد
كان السجين“ قبل أن يودع بالسجن بالمغرب اواخر العصر الوسيط ،يجلد مائة جلدة او مئتين أو
اكثر بمحضر العامل ،ثم يضع الجالد سلسلة من الحديد في عنق المحكوم عليه و يطافبه في أحياء
السجن27”. إلى يعاد ثم ، عاريا المدينة
وقد كانت حالة السجناء ،كما يصفها أحدهم“ :كل واحد في بيته ،و كان البيت من الضيق بحيث
لم يكن بإمكان السجين أن يتزحزح فيه من مكانه ” ، 28و في خالة إكتظاظ السجون“ كانت
مخازن الحبوب تستغل إليواء السجناء ” 29و“ قد كانت السلطة في جل مراحل تاريخ العرب ،
تختار سجينا ممن عرفوا بجرائمه ،فيصبح متخصصا في التعذيب داخل السجن ” ، 30و لهذا
فبالعصور المغربية الوسيطية “،تعددت فضاءات الخارجين عن السلطة ،فقد كانت القصور
28
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
السلطانية تتوفر على أجنحة تفي بهذا المقصد ،بما أنها تضمن اإلحتراز و السرية ،كما وجدت
بقصبات المدن فضاءات استعملت كسجون ،و أودع بعض السجناء في الكهف.
ويتميز بكونه تحت األرض عميق القعر ،مقفل المسلك ،و قامت المطمورة أحيانا مقام البيوت ،
بينما خصصت دور أو دويرات ببعض المدن كأزمور لتؤدي وظيفة السجن ،و زج بالبعض
اآلخر في صوامع المساجد ” ،31و سيستمر هذا الوضع ما بين القرنين 16و ، 17و لكن
بأواسط القرن الثامن عشر ،ستنهض إحتجاجات قوية حسب فوكو * ،من عند الفالسفة و
المنظرين الحقوقيين قم نساء و رجال القانون ،ضد التعذيب داخل السجون الذي انتقل من مسرح
اإلعدام ،إلى داخل أسوار السجون“ فهذه الحاجة إلى المعاقبة بدون تعذيب ظهرت في بادئ األمر
كصرخة للطبيعة الخانقة :في أشقى المجرمين ،هناك شيء على األقل يجب إحترامه عند العقاب
إنسانيته. هو
وسيأتي يوم في القرن التاسع يصبح :هذا التغير الذي سيقع بتاريخ العقاب ،ستنسخه الدول العربية
أيضا فيه هذا اإلنسان المكتشف في المجرم ،هدف و مجال لسلسلة كاملة من الممارسات التأديبية
32”.وبأواخر القرن الثامن عشر ،ظهر حسب فوكو“ إقتصاد جديد لسلطة المعاقبة ،و تأمين
توزيع أفضل ،ثم العمل على أال تكون هذه السلطة ال كثيرة التمركز ،و ال موزعة جدا بين
مقامات متضاربة ،متعارضة ،و أن تكون موزعة ضمن حلقات متجانسة قادرة على العمل في
كل مكان ،و بشكل مستمر حتى تصل إلى أصغر نقطة في الجسم اإلجتماعي ” ، 33و بذلك فقد
تمخض عن القرن الثامن عشر بأكمله ،تضافرات جهود السلطة من اجل تطوير العقاب ،من
عنف مادي خارج السجن أو داخله ،إلى عنف رمزي ،غير ملموس ،و بذلك فقد إعتمدت السلطة
على أحدث التقنيات كاإلعالم والملصقات على الشوارع و المقررات الدراسية لكي تنقل المحرك
الرمزي للعقاب الذي انتقل من مسرح اإلعدام الى السجن و الشرطة إلى المجتمع.
فما فعلته السلطة طيلة القرن الثامن عشر تحت لواء فكرة اإلصالح ،هو تقليص إختراعها الذي
اخترعته بأوائل القرن الثامن عشر“ الشرطة ” ،و إدخاله في اللغة و في الصور ،فصبحنا حسب
فوكو أمام“ شرطة الملفوظات ” 34خاصة باللغة الثقافية :حشومة /عيب /حرام ، ..و“ شرطة
فكرية ” 35تخص الصور واألشكال :أشكال المنازل /شكل اعلى بناية المسجد /األصوات
الخ. اآلذان مسموعا، القرآن = الثقافية
فما تفعله السلطة حسب فوكو بهذين النسقين ،هو تكرار األولى“ شرطة الملفوظات ” عبر كل
قنواتها :المدرسة /اإلعالم /السجون /المشتشفيات /المساجد في استمرار ،و هذا ما يؤدي
29
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
الى تأصيل هذه الشرطة اللفظية عبر التكرار داخل أذهان األفراد ،و تعمل“ شرطة الفكر ” من
زاوية اخرى = شكل المسجد /صوت األذان /صوت القرآن /األغذية الثقافية = الكسكس –
الشاي ،على تغذية شرطة الملفوظات و هذا ما يؤدي الى اعادة طاقتها التي تجعلها مستمرة في
عملها ،الذي يتمثل في ضبط و مراقبة الجسد اإلنساني و اإلجتماعي ،فقد أصبحت األجساد
تراقب بعضها البعض ،و تعاقب من يخالف األفكار التي تكررها السلطة عبر الجسد اإلجتماعي
أكمله “،فالمخالفة تقيم الفرد في مواجهة اإلجتماعي بأكمله ،و المجتمع في مواجهة الفرد ،فإنه
يمتلك هذا الحق كمجتمع بكلية ،و المخالف يصبح العدو المشترك ،فهو أسوأ من عدو ،ألنه
يضرب حسبهم ضرباته من داخل المجتمع ،إنه خائن ،إنه وحش36”.
و بهذا فإن الجسد حسب ميشال فوكو إنتقل من مالحقة السلطة له بالقرون الوسطى ،إلى مجتمع
بأكمله يالحق كل مخالف لقوانين الجماعة ،فقد أصبح الجسد داخل سجن أكثر اتساعا ،كل فرد منه
تحول إلى شرطي ،ألن كل فرد متطبع بشرطة ملفوظات تتكرر و تتغذى كل ثانية من طرف
شرطة الفكر ،فحينما يرى الفرد ألوان الشرطة“ أحمر /أخضر ” فإن هذه األلوان تغذي شرطة
الملفوظات ،و كذلك روائح األغذية و طقوس األعياد ،فقد أصبحت شرطة الملفوظات بقوة
تكرارها من كل الجهات أعضاء جديدة من أعضاء الجسد البشري ،و بهذا فإن تمثيل عقاب واحد
حسب فوكو حول تجاوز شرطة الملفوظات التي تخلق تكنلوجيا للجسد تجعله مدجنا او آليا ،عبر
قنواتها :االعالم مثال ،سيحد تلقائيا من تجاوزها ألنها تصبح ال شعوريا ،فهنا نرى كيف انتقل
الى السجن إلى اإلعدام مسرح من العقاب
الشرطة ثم الى أذهان األفراد ،التي أصبحت تراقب و تعاقب ذواتها و ذوات اآلخرين عبر تمثلها
،و لهذا فببداية القرن التاسع عشر ،تم“ تأليف جدول للجرائم ،وضع إلى جانبه جدول من
العقوبات ،يتجاوبان مع بعضهما ” 37و بأواسط القرن التاسع عشر ،تم صهر هذه الجداول باللغة
،فأصبحت األجساد مقيدة بأحبال الخطاب المنظم :المكون من شرطة الملفوظات و محاطة
الملفوظات”. شرطة أغذية الفكر“ بشرطة
ففي هذا الصدد يقول ميشال فوكو“ نكون قد دخلنا حقا في عصر العقوبات الالجسدية ” 38
فالسلطلة تحولت من نظام سياسي يميت في لحظة ضيقة من الزمن ،إلى لحظات متسعة و متجزئة
و مزمنة ،فقد أصبح الفرد في المجتمعات الحديثة مهووسا بفيروس السلطة ، 39″بسبب هيمنتها
عليه ،فقد أصبح اإلنسان الحديث حسب فوكو عالقا بشبكة الخطاب المنظم ،و خاضعا لهذا
الخطاب ،فهو يضن أنه أمام نسقه الثقافي الحق ،و لكنه كما يعرفه ميشال فوكو ،هو“ كائن
30
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
منتزع التاريخ ، 40″فهو منصهر داخل الخطاب المنظم ،ففي هذا الصدد يسلم فوكو بأن ”
الخطاب في كل مجتمع ،هو إنتاج مراقب و منتقى ،و منظم 41″و بهذا فإن الخطاب يبدوا ” في
ظاهره شيء بسيط ،لكن أشكال المنع التي تلحقه تكشف باكرا و بسرعة عن ارتباطه بالرغبة و
السلطة42″.
بهذا نفهم أن الفرد يكون هو تلك الذرة التي يتم حشوها بمحركات لفظية منظمة“ شرطة الملفوظات
”من بعدها يتم التحكم في كل مساراتها عبر ما يحيط بها من شرطة الفكر التي تعكس ما تريده
السلطة أن يكون ( األفالم المغربية التي تعرض في استمرار جل الشرطة الفظية :حشومة /عيب
/ال تخرجي /ال تفتحي رجليك ) ،وعبر هذه العالقة التي تجسد التجاذب اإلبستيميه –
ميغناطيسي * ،يتم خلق االنسان الحديث اآللة بتعبير فوكو أو المدجن بتعبير لوبون ،المكون
لإلستجابة ال لإلبداع ،فهو يتلقى منذ طفولته نسقا من األلفاظ و األشكال و األذواق و الروائح ،
التي تتداخل مع بعضها عبر التكرار ،لكي تشكل( صورا – ذهنية – إجتماعية ) تخص السلطة و
الهوية اإلجتماعية ،و مهيأة بإحكام لتضبط الجسد و لتجنس الدماغ و لكي توجه الجسد نحو المسار
المراد منه عبوره ،فما هي هذه الصورة – السوسيو – ذهنية ،إذن ؟ و كيف تتحكم في األجساد
؟؟ :عالقة تجاذب بين فكرة موجودة داخل الذهن مع نسختها أو مع صوت كان يرافقها“ اآلذان /
صوت القرآن /شكل األساتذة العرب /تحركاتهم البسيطة و المعقدة /أشكال المنازل ..الخ ”..
الفصل الثالث :سوسيولوجيا الفقر الثقافي " ما معنى ان تكون فقيرا ثقافيا بالنسبة للسوسيولوجيا "
لطالما كانت إشكالية “ :ما معنى ان تكون فقيرا بالنسبة للسوسيولوجيا
؟” ،إشكالية تطرح امام كبار المختصين في سوسيولوجيا الفقر و
الهشاشة ،و الن بعض االجابات االجتماعية كانت تروم دائما الى البحث
في ثنايا الفقر من زوايا مادية بعيدة عن ماتختص به السوسيولوجيا و
االنثربولوجيا و هو استنباط المعنى الرمزي الذي يضفيه الفقير على فقره
و المعنى الذي يضفى على الفقير عبر أسباب فقره ،ارتأينا اليوم ان
نخصص هذه المقالة للحديث عن اثر الفقر الفقر الرمزي الذي بدوره
ينعكس الى فقر مادي و هو الذي كرس له كل من بورديو و لويس اوسكار
و جورج زيمل على سبيل الذكر ال الحصر ،العديد من الكتب ،و قد ارتأو
من خالل ذلك ،تفكيك العالقة الرمزية للبنى الثقافية في عالقتها بنظرة
الفقير لفقره ،و هذا ما سنحاول معالجته في هذه المقالة .
فعتبر اذن هذه التداخالت في البراديغمات الخاصة بتفسير الفقر ،اشكاال
31
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
سيدفعنا مرة أخرى الى السقوط في مأزق نظري سنعيد بفعله طرح تساؤل
آخر سيكون بمثابة نافدة ستسعادنا على فك هذا اللغز في عالقته باإلشكال
االول ،و يعتير هذا االشكال ،اشكاال سبق و أن طرحته الباحثة maryz
bressonو هي باحثة متخصصة في سوسيولوجيا الفقر و الهشاشة
،فقد سبق و ان نساءلت في مقالة لها قاىلة :هل الفقر الزال سؤاال
؟ االن يطرح الزال هل و ، سوسيولوجيا
لالجابة عن هذا السؤال سوسيولوجيا ،يمكننا العودة الى سيرج بوغام
و هو من احد السوسيولوجيين المعاصرين ،الذين كرسوا جهودهم
لدراسة الروابط االجتماعية و كذا اشكالية الفقر و الهشاشة و قد انتج
كتاب غاية في االهمية عنونه ب ” االشكال االساسية للفقر ” ،ففي هذا
الصدد يقول بوغام ” :ال يمكن للباحثين في العلوم االنسانية و
السوسيولوجيا تحديدا ان ينتسبوا بشكل وجيه ظاهرة يبدوا تعريفها
للرأي واضحا ” و يكمن عمق هذه القولة ،في ارتباطها الوطيد بهيئة
الباحث التي يدافع عليها كل من دروكهايم و بورديو في كتاباتهما
الشهيرة و خصوصا” قواعد المنهج في علم االجتماع /حرفة عالم،ة
االجتماع” و التي ركزت على عالقة الباحث نظريا بتفسير الظواهر
االجتماعية ،اإلمبريقية التكوين ،فلكي ال ننزلق في تفسير الظواهر
االجتماعية بافكارنا العفوية التي يمليها علينا المجتمع ،يجب ان نتسلح
بادوات نظرية و من بين هذه االدوات العين اٱلبستيمولوجية و تحديدا
العين السوسيولوجية ،و التي يعرفها بورديو بانها ادوات نستقيها من
تاريخ الفكر و الفلسفة خصوصا لكي نفهم عمق الظاهرة االجتماعية في
ارتباطها ببينة البنى الرمزية للمعاني و ببنى المجتمع بكونه عبارة عن
كل متالحم ،و عبر هذه الزاوية في النظر ،ييمكننا ان ننظر الى الفقير
على أنه كائن إجتماعي عالق داخل نسيج مجتمعي مكون من نوع معين
من شبكات الرموز المعنوية و و من نوع معين من شبكة الروابط
االجتماعية ،و في هذا الصدد فان الفقير حسب بوغام هو ذلك المواطن
الذي ال يشعر باالستقرار ا سواء من حيث الروابط االجتماعية التي
صنفها الى ارعة في كتابه الرابط االجتماعي و ال من حيث ارتيباطه
بالمستوى المادي ،الذي يجب ان يوفره له الواقع من ضمانات لتدبير
حاضره و مستقبله ،و تعتبر هذه النتيجة التي توصل لها بوغام نتيجة
32
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
33
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
مترسخة ،و قد الحظ بورديو انه في المدرسة ياتي نسقين متضادين ،
نسق من التالميذ الذين يحملون رأسماال ثقافيا كادحا متكونا من رموز و
معاني عفوية ك الرزق من عند هللا ،الشيطان سبب كل المصائب ،على
عكس اطفال و طفالت الطبقة البرجوازية الذين يكتسبون راسماال ثقافيا
برجوازيا و المتمثل في موسيقى راقية ،كالموسيقى الهادئة ،معاني
راقية كان سبب الرزق يجب أن يكون ناتجا عن عمل جاد ،الشرور التي
تقع لي هي من صنع يدي لذلكيجب ان اعالجها أنا ،و بين هذه المفارقة
بين المعتقد الكادح و البورجوازي يقع ما سماه بورديو باعادة إنتاج
الرساميل الثقافية ،اي ان ابن طبقة برجوازية الن لديه معاني راقية
سيقى راقيا ،ابن طبقة فقيرة له معاني عشواىية فانه سيذهب في منحي
المعاني التي يحملها ،ففي هذا الصدد يقول بورديو ،في كتابه إعادة
اإلنتاج ” التالميذ المنحدرون من أصول بورحوازية يدرسون اآلداب
القديمة و لغاتها منذ المرحلة الثانوية ،باإلضافة الى ان وسطهم العاىلي
يمكنهم من إتقان اللغة ،و إمتالك إستعدادات و عادات ثقافية و مهارات
فكرية و شخصية مشروكة إجتماعيا ،تجعلهم أكثر إستعدادا للتفوق
المدرسي ،إضافة الى شروط الحياة داخل داخل المنزل ،الملبس وساىل
الترفيه االمكانات المادية و الرمزية التي ترفع التفوق – بورديو اعادة
االنتاج – صفحة ، ” 15و هنا نحيل أيضا الى كتابه الهيمنة الذكورية
من اجل فهم معنى االستعداد الذي ذكره في قولته هذه ،و يمكننا ان
نختصر مفهوم الهابيتوس على النحو االتي ،فكل مولود او مولودة تلفظ
في رقعة جغرافية ،تجد ان هناك نسق من االفكار اللغوية السابق عليها
،و الذي يحدد مسار سلوكاتها ،فبالمغرب مثال نجد حشومة عيب حرام
ال تفعلي هكذا ،ا فعل انت هكذا ،فكل هذا هو عبارة عن راسمال لغوي
منه تتكون الثقافة ،و بمجرد ان تلقن هذه االفكار للمولود او المولودة
عبر التنشىة االجتماعية ،يصبح هنالك تطبع داخل دماغ الفرد ،فهذه
االفكار اذن تنتقل من الخارج حسب تعبير دوركهايم الى الداخل لتصبح ،
حسب بورديو تطبعا اجتماعيا او باالحرى حسب تعبيره الدقيق :
الهابيتوس ،و نعني بالهابيتوس هنا كل االفكار الثقافية التي تتحول عبر
ترسخها في الدماغ الى استعداد و سلوك إجتماعي خاص بمجتمع معين
،كان تصبح كلمة حشومة مثال نظام في السلوك ،يتحول الى طأطأت
34
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
35
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
عاديا ،لكنه في االصل طقس من الطقوس الثقافية الذي يعيد انتاج ثقافتك
التي اكتسبتها ،و القطع مع هذه الطقوس مثال ،كأن يهاجر الفرد سواء
انثى او ذكر الى رقعة جغرافية ال تتوفر مطلقا على هذه الطقوس الثقافية
التي كان عالقا فيها و التي تزامن نوعية من االلفاظ و االفكار ،فان تلك
االلفاظ اذن التي منها تتكون الثقافة و منها تتكون المفارقات بين ثقافة
الفقير و ثقافة الغني ستتالشى ،و ستتغير سلوكات االفراد الن ما يحكم
السلوكات هي الفاظ و جمل تتزامن مع طقوس سواء كانت اكال او حركات
او روائح او اصوات ،و هكذا نكون قد اجبنا سوسيولوجيا عن كيف ان
الفقر هو قبل ان يكون ماديا يكون فقرا من الناحية الرمزية ، ،فان الفقر
الرمزي اذن هو مرتبط بالطقوس و بالرموز سواء اللغوية او الرمز
المعنوي الخاص بمجتمع معين ،و يعتبر الفقير المادي هو الفقير رمزيا،
و لكي نتجاوز الفقر المادي يجب ان نتجاوز الفقر الرمزي ،الن الفقير
قبل ان يكون ضحية سلطة يكون ضحية ثقافته التي يحملها و ضحية
طقوس تعيد انتاج تلك الثقافة ،و من خالل كل هذه المقاربات التي حاولنا
ان نقوم بعرضها ،نجد ان في المتن التي تناولت الفقر نصوص لها اهمية
كبرى في فهم البنى الرمزية التي سبق و ان اشرنا لها حول اشكالية الفقر
و هنا نفتح الباب أمام نصوص كل من زيمل و اوسكار لويس التي حاولت
ان تفهم ثقافة الفقر و الهشاشة ،و هي التي ستكون قيد دراستنا
في سياق حديثنا عن أثر الثقافة و الرموز في خلق الفقير مع بورديو ،
نجد ان هناك متن حاول ان يكرس له اوسكار لويس جهده ليجيب عنه ،
و هو المتمثل في ثقافة الفقر ،فهل يمكن حقا للفقراء ان ينتجوا ثقافة
على ضوء وضعيتهم اإلجتماعية ،و ما الذي يميز هذه الثقافة عن الثقافة
؟ العامة
في البداية و كما تعلمنا من الدروس المنهجية في الفلسفة و
السوسيولوجيا و العلوم االنسانية جمعاء ،أن لكل حقل من األفكار خلفية
إبستيمية تحدد نوعيتها ،فلكي نفهم قضية معينة من ناحيتها المعرفية ال
العفوية ،يجب ان تكون لنا أدوات نظرية تؤطر مسارنا ،ففي هذا الصدد
كانت الوسكار لويس خلفية في النظر اساسية ،يقول فيها أنه ال يمكن
محاربة الفقر اال بعد تشخيص ثقافة الفقر و ثقافة الفقراء ،و نقصد
بالثقافة هنا مجموع التصورات و التمثالت و المعايير و العادات و أنماط
36
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
العيش ،و خصوصا الفكر السالفة الذكر التي عرضناها مع بيار بورديو
و هي عالقة الهابيتوس الذي هو كل ما تعودنا عليه و انشئنا عليه ،
باالستعداد الالشعوري للرؤية بهذه العادة الى الحياة االجتماعية ،اي
اإلجابة عن كل ما يمكن ان اتعرض له في يومي بهذه االفكار التي تطبعت
بها ،و طبعا بورديو ينعث هذه العالقة بالحس العملي ،فالحس العملي
هو الرابط بين الهابيتوس الذي هو استعداد ال شعوري مستنبط من كل
ما أنشىت عليه ،مرتبط بمثيرات الواقع االجتماعي ،كان اقول ان هللا مع
الصابرين لكي ابرر فقري ،حينما ال أجد عمال ..الخ ،فدور
السوسيولوجي اذن هو الوقوف على لماذا يحمل الناس هذا المعنى
للموضوع ،و ذلك عبر طرح اشكالية كبرى و هي كيف يشكل الفقير هذا
؟ فقيرا بكونه ذاته حول الثقافي المعنى
فقبل السير في تفكيك الموضوع ،يمكننا البدأ في البداية بالثقافة ،معرفين
اياها بأنها تفاصيل دقيقة في حياتنا اليومية ينتجها االفراد لكي ينظموا
عملهم االجتماعي ،فالتمثالت االجتماعية تنظم التفاعالت االجتماعية ،
و هنا نحيل الى مساهمة تقدم بها د ربيع اوطال حول جاىحة كورونا ،
تناول فيها التمثل االجتماعي في زمن كورونا ،بحيث ان الفيروس فسر
في المخيال المغىربي على انه جند من جنود هللا ،و ان هللا هو الوحيد
الطبيب ،و قد رصد االستاذ اوطال كيف ان هذه الفكرة تحولت من تمثل
الى سلوك و تفاعل ،فجعلت من االفراد يهللون في البيوت داعيين هللا
لوحده لينقذ الموقف ،اذن فالثقافة هي مجموعة من التمثالت التي
تنعكس في انتظام داخلي بالجسد ،الى استعدادات تتحول بدروها الى
سلوكات اجتماعية ،و بذلك فقد انتقد اوسكار لويس المقاربة الكمية
لمعالجة الفقر ،و قد سلم انه لكي نحسن وضعية الفقراء يجب ان نشتغل
على هذه الثقافة التي ينتجها الفقراء ،و قد صاغ بذلك اوسكار مفهوم
ثقافة الفقر ،culture de la pauvretéمعتمدا على دراسة بعض
الجماعات التي انتشرت داخلها ظاهرة الفقر ،مؤمنا في الوقت ذاته بفكرة
انه ال توجد ثقافة واحدة ،بل ان هناك ثقافات فرعية ،تختلف طبعا بين
الطبقات ،و تتشكل هذه الثقافة حينما يكون هنالك معدل عالي للبطالة ،و
انخفاض لألجور ،و في هذا السياق يعرف لويس أوسكار ثقافة الفقر
بكونها ” :مختلف المعايير و انماط السلوك التي طورها األفراد تبعا
37
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
38
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
غاضيع الوقت سير خرج عري على كتافك و جيبها بعرقك ،راك راجل
راجل سوا بالوظيفة و ال بال الوظيفة ” و االنثى ” انت ماعندك ماديري
بشي قراية و بال شي خروج كاع ،تعلمي الشقا و الطياب تا يصيفط ليك
هللا شي راجل ” فهذه الخلفيات الرمزية في التفكير هي جوهر ثقافة الفقر
فهي من تجعل من الفرد ال يعي من هو ،بكونه كائن بشري له الحق في
التعليم و الحق في الصحة و الحق في االنتاج ،العنصر الثاني و هو عنصر
ممتد عن االول فمادام في عمق المواطن حقد تاريخي على العمل
المؤسساتي و انتصار للفردانية و العمل الفردي ،فان القدرة على العمل
الحماعي ستتالشى و العمل الفردي هو عمل يفتقر الى التخطيط الدقيق
و هذا ما يجعل من الفرد مهددا يوما ان يعيش في الفقر ،و العنصر الثالث
و هو العنصر المحوري الذي به تتمخض ثقافة الفقر و يتمثل في االنماط
السلوكية الغير السوية و التي تكتسب من التاريخ و من الثقافة ،فهذا
يعني لنا ان الفقير هو قبل ان يكون ضحية سلطة ،يكون في اوال ضحية
ثقافته ،فمن الثقافة يتمخض الفقر و هذا ما بيناه مع بورديو سابقا ،و
هنا نحيل الى كتاب غاية في األهمية و هو كتاب عبد هللا حمودي الشيخ
المريد ،الذي بين فيه ان ما يجعل الفقير يعيد انتاج حرمانه هو ثقافته ،
فالمغربي مثال عالق بين مستووين ،مستوى الشرعية الدينية التي
يتبناها الفكر المغربي ،و التي تؤمن مثال بافكار كديننا صالح لكل زمان
ومكان و هذا ما يجعل من المغربي يعتبر العلوم شيئا ثانويا ،او ن هللا
مع الصابرين و هللا خلق الفقير و الغني ليبتلي الفقير و ليبتلي الغني ،و
هذا ما يجعل ثقافة الحرمان تعاد انتاجها ليس بسبب االصل الديني و هو
القرآن ،بل نتاج ما سماه اركون التأويالت البرغماتية للنص الديني ،
فلفكرة ان هللا خلق الفقير و الغني غايات اخرى ،تدخل فيما سلطوي
سياسي ،عالوة على ذلك حسب حمودي هناك عامل التاريخ ،فالعرب
عبر تاريخهم كانوا يحاربون الفكر و النهضة و تطوير الثقافة ،و هنا
نشير الى سقراط العرب و هو ابن رشد الذي حرقت كتبه ،بسبب عقالنيته
في التفكير و محاولته ان يوازن بين العقل و الشريعة و هنا نشير الى
كتابه فصل المقال ،فكما قال د محمد عبد الجابري في الفصل الثامن من
الجزء االول من مشروعه نقد العقل العربي ،ان العقل العربي هو عقل
مستقيل بسبب انتسابه الى المتعالي وحده ،فهو غير موجود في االرض
39
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
40
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
41
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
و بالذوق و بكل سلوك معقد و بسيط ) ،ففي هذا الصدد نجد أن بسنة
، 1964ظهر علم “الحفاظ على التراث الثقافي ” بأوروبا ،و أصبح
اآلن من بين القوانين األساسية بكل مجتمع ،ترعاه في استمرارية
اليونيسكو و البنك الدولي و غيرها من المؤسسات العالمية ،فالغاية
األسمى منه هو ترميم البنايات القديمة داخل المجتمعات ،و الحفاظ أيضا
على جل األلفاظ الثقافية التي تخص الجماعة ،و لكن كما يتضح لنا في
سياق تحليلنا ،الغاية األسمى من هذا العلم هو تطويق اإلنسان المدجن
و اآللي داخل درجة تفكيره
الخالص العقل نقد – كانط إيمانويل :
ألننا حينما نتكلم عن بناية قديمة ،فإننا نتكلم عن خطاب عاصرها ،يعبر
عن درجة تفكير معينة ،و إذا ما أردما أن نقارن بين درجة الفكر العربي
الذي حصرت خطاباته الثقافية ،خلف األسوار و المعمارات المؤدلجة
لعلم الحفاظ على التراث العالمي ،مع تماثيل الفالسفة داخل المجتمعات
الغربية ،فإنه سيتبين لنا الفرق الشاسع بين النظامين اإلجتماعيين .
البناء اإلجتماعي لألجساد
تختلف كما نعلم ،الطريقة التي بها يجنس الذهن و يبنى بها الجسد ،فإذا
كان الذكر كما يسلم بورديو ،يتم إخراجه من العالم األنثوي “المنزل ”
منذ طفولته ،و يتم ادماجه في العالم الذكوري (السوق) (المقهى )
(الحرية في التجوال بين كل أحياء المدينة ) ،فإن األنثى ،يفرض عليها
منذ طفولتها عدم اإلبتعاد عن عتبة المنزل ،ثم “تعلم اللبس و اختيار
مختلف األلبسة المناسبة لمختلف حاالتها المتعاقبة :طفلة صغيرة ،
عذراء ،بالغة ،زوجة ثم ربة بيت ،فتكتسب شيئا فشيئا بالمحاكاة
الالواعية بقدر الطاعة العلنية ،الطريقة األفضل لربط حزامها (اللباس
الطويل ) ،تغطية شعرها ،تحريك او تثبيت هذا الجزء او ذاك من جسدها
في السير أو عرض الوجه أو تصويب النظر ، ” 10فلكل منطقة من
الجسد ،صورة سوسيو ذهنية مهيأة لتتحكم في سلوكاتها ،و بفعل اتحاد
هذه الصور – الذهنية – اجتماعية يتكون منتوج االنسان الثقافي ،الذي
يتميز بنمط من اللباس و طريقة في العيش ،فحينما نتكلم على اللباس
42
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
43
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
القوانين ذاتها التي كانت ،فإن الصور السوسيو ثقافية ،ستظل تتكاثر
عبر الزمن االجتماعي ،ألنه حينما نالحظ تحركات أعين الشابات و
المراهقات بالشارع ،فإننا نالحظ صورة العبودية التي كانت ،مصطبغة
بلون العصرية و الحداثية ،كعدم القدرة على التعبير سواء من ناحية
نسج الجمل ،أو من ناحية إيقاع الصوت ،فما نسمعه في استمرار
بالشارع من أصوات أنثوية ،صوت عال يعبر عن عدم الثقة و عدم
الرضى بما يتم التلفظ به ،أو صوت خافت بدون تحركات اليدين و الجسد
و بمعز ل عن نظرة حادة تحيل على الوعي بما يتم التفوه به ،و كذلك
الذكر فمعظم الجمل بناؤها يكون متقطعا ،و منطوي تحت لواء بعد رمزي
واحد هو ممارسة الجنس ،و لهذا نفهم من كل ما تطرقنا له انفا ،أنه ال
يوجد سلوك أو خطاب ال توجد فيه السلطة ،فنشاط الذهن الطبيعي ال
يكتمل بسبب اختراقه من طرف أجهزة السلطة ،ألن استدارة الوعي حوله
من اجل توجيه شرارة النقد ،تتعطل في كل ادراك يقوم به الذهن ،فالذهن
كما سلمنا يتكون أساسه من كل الصور الذهنية االجتماعية التي مررتها
السلطة باحكام مما يصبح له ماض مخطط له ،و بذلك يصبح للذماغ ماض
ميغناطيسي ينجذب لكل اشارة تضعها السلطة في الشارع او داخل المنزل
،و هذا بالضبط ما يؤدي إلى إعادةإنتاج طاقة االنسان المدجن صباحا و
مساء ،و لذلك فحينما يتقابل الجسد االنثوي المغربي بالجسد الذكوري ،
فإن الجزيىات التي تحيط بهم تتداخل مع أجسادهم “نظرة حادة من األغيار
،تؤدي الى طأطأت رأس األنثى ” ،خوف الذكر من الشرطة تؤدي الى
التوازنه العقلي ،فقبل خروج الذهن االنثوي الى الشارع ،يكون هنالك
استعداد تخلقه الصور الذهنية اجتماعية كصورة اإلقصاء من الوجود
المتطبعة بها ،و بذلك يكون لها علم بأن بالشارع يقع تحرش جنسي /
االغتصاب /السب /الشتم ،و بذلك يصبح دورها خارج المنزل هو تلقي
السلوكات ،على عكس الذكر الذي له استعداد اجتماعي لالندفاع الى
االنثى
،فهنا يحضر رمزيا “القضيب المنتصب ” و بذلك فمع أول إثارة للبيدو
المكبوت (القوة الجنسية المكبوتة ) ،تشتغل اول صورة ذهنية اجتماعية
تطبع بها حول الهيمنة الذكورية(الرجل فأس يحفر في كل مكان /أنت
قوي …) ،فيتمخض بذلك تسلسل من السلوكات (،قد يصل الى العنف
44
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
او القتل ) و هذه اإلستدارة السلوكاتية التي يعاد إنتاجها صباحا مساء ،
تتداخل فيها كل المؤسسات اإلجتماعية و السياسية من اجل الحفاظ على
ابتعاد األجساد عن المواضع الطبيعية لالذهان ،و بما أن قوة تكرار
التوجيهات الجسدية ،يعاد إنتاجها في استمرار ،فإنه يقع كما يسلم
بورديو “إشباع ” ،فيصبح بذلك الذهن غير مستعد لفقدان الصور
الذهنية اإلجتماعية ،ألنه بفعلها يرى الذهن الوجود ،و بفعلها يجيب
على كل مثير يثار في الواقع االجتماعي ،و بفعل التوافق بين السلطة و
الماضي و الحاضر داخل ذهن الجسد ،تفتح عوالم البناء الداخلي ،بهذا
يقوم الذهن بدمج كل محتويات الصور الذهنية اجتماعية مع كل اطار
حاضراتي ” طعم اكل جديد /لباس معاصر /ايقاع موسيقي /كتاب ”..
و بذلك تكون الدالالت الجسدية الرمزية ،قد هيمنة على صوت العولمة
،فمادامت السلطة بماوراء كواليس االجتماعي ،تشتغل على خلق الجسد
الماضوي المدجن ،فان الذهن يسقط ماضيه بكل ما هو جديد ،و في هذا
الصدد سلم بورديو استنادا بميشال بوزون ،انه بعد تطبع
األذهان ثقافيا (االشباع) ،يبتعد بذلك الذهن عن كل سلوك معقد ،فحينما
سنعطي للمجتمع الذكوري ” اإلنطباع بأن المرأة هي التي ستهيمن ،فهذا
سيحط منها إجتماعيا ،و بذلك ستشعر أنها منقوصة أمام رجل منقوص
، ” 12و لهذا يمكننا القول أن الحدود المفروضة سوسيو – ثقافيا ،
بفعل تف اعلها مع الصور ذهنية اجتماعية ،تبعد الجسد الذي يجب ان
يكون عن اطاره االجتماعي الذي يجب ان يتموضع فيه ،و لذلك فإن
التفاعل اإلجتماعي الذي يدور بين الجسد المهيمن ،و الجسد المهيمن
عليه ،هو في االصل تسلسل من السلوكات المنظمة ،المنعكسة عن
الصور السوسيو ذهنية ،فهذه األخيرة تتحكم في نسق الصور الذهنية
التي تتحكم في كل عضو من الجسد ( عدم تقبيل الذكر زميلته أو جارته
،هذه صورة ذهنية متمخضة عن صورة ذهنية اجتماعية ،كالتقاء الذكر
باالنثى حرام ،عدم إطالة اإلمساك باليدين :صورة ذهنية تتحكم فيها
صورة سوسيوذهنية :كاالقتراب بين االجساد عيب و “حشومة” ،و
لهذا فكل صورة سوسيو -ذهنية تضم تسلسال من الصور الذهنية ،
فاألولى هي نتاج بناء ثقافي /اجتماعي تشرعه السلطة ،أما الثامنية
“الصور الذهنية ” فهي فردية بامتياز ،تتمخض على شكل الصورة
45
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
إن العالم اإلجتماعي يبني للجسد واقعا مجنسا ،و مؤتمنا على مبادئ
رؤية مجنسة ،و ينطبق هذا البرنامج اإلجتماعي المستدمج لإلدراك على
46
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
47
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
48
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
49
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
50
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
الثقافة ،و تكون الرقابة حسب فوكو في كل مكان “الخطاب الذي يتكون
من شرطة الملفوظات :حرام /عيب ”..رقابة االشكال التي نعتها بشرطة
الفكر ” أعلى بناية المسجد التي تشبه أعلى بناية السجن ،فهي تزرع
في الشعور الذهن فكرة (أنت مراقب) و بذلك يصبح الذهن يراقب جسده
من خالل ماضيه الذي اكتسبه :يراقب ذاته عبر ذهنه الماضوي ” لهذا
نفهم من السلوكان المنعكسة لألفراد ،الذين يتدخلون من أجل إستبعاد
السلوكات الالنمطية “كالمثليين :اناث /ذكور :في حالة اقتراب
سواءالجنس الفمي او عناق ، ..مراقبة الشابات و الشباب من المنازل ،
بغية ابعادهم عن ممارسة الجنس … ،ان المتحدث ليس هو المجتمع
كما سلم دوركهايم ،بل ان هناك قوة تحركهم كما بين بورديو و فوكو ،
قوة توجد في كل سلوك بسيط و معقد ،ال تفتأ في كل ثانية تطور و تزيل
كل ما يمكن للذهن ان يعيد به وعيه ،و لهذا فصوت االجتماعي و نشاط
االستعدادات ،تتحكم فيهم السلطة عبر اعقد و ابسط التقنيات (المعرفة
الحاضراتية المنعكسة عن ثقافة منظمة – التاريخ المؤدلج ) ،بمعنى آخر
و حسب تعبير ميشال فوكو ” اإلنسان الحديث هو كائن منزوع التاريخ
، ″8فهو مستلب في استمرار بسبب االكراه الذي تفرضه السلطة
الملتصقة به و بالمجتمع أكمله ،و بهذا فإن غاية السلطة هي :إبعاد
الذهن /الجسد ،عن الجسد الطبيعي(الحر /الناقد /المفكر ) و استبداله
بالجسد الذي تريده هي أن يكون”سلوكيا /تفاعليا /فكريا /هنداميا/
اقتصاديا …”
: 2عوامل و آليات التحكم في األجساد :
من بين أساسيات التحكم في الجسد ،نجد الملفوظات الثقافية و الخطاب
المنظم ،فهي :كلمات تاريخية ،و تمثالت ،تمخضت عن إحتكاك أفراد
جماعتها بطبيعتهم ،و لهذا فهي عبارة عن تأويالت حول عالقة اإلنسان
(انثى /ذكر ) باآلخر و بماوراء الطبيعة ،و بهذا فحينما نستشف نظام
الملفوظات بدول العالم الثالث ،فإننا نجد نظام التقسيم الجنسي المغربي،
يميل الى الذكرورية بقوة ،
51
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
52
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
اإلمتدادات التي تقةوم بها األنثى (محتوى ) ،كلما اتسع إطار الذكر ،أو
تقلصات األنثى داخل اإلطار حينما يحتم عليها التعدد ،هي استراتيجيات
للسلطة تفتح أفقها أمام الذكر ،من أجل تلذذ الذكر بسلطة مكانه ،بدل
تلذذ الجنسين بالمعرفة و الحقوق الطبيعية
: 3الجسد األنثوي و الذكوري ،بين المجتمع و السلطة :
يرى بورديو في هذا الصدد ،أن النظام الطبيعي ،يشرع للجسد الذكوري
عبر قضيبه الذي يتدلى و ينتفخ ،هيمنة تميزه عن الجسد األنثوي ،بكون
الجسد األنثوي يفتقر إلى أجساد متحكم فيها ،و هذه
المفارقة paradoxeحسب بورديو ساهمت في خلق تمثالت ،
تمخضت عنها ملفوظات و خطابات منظمة ،تعرف داخل اإلطار
اإلجتماعي بالمعتقد ،doxaو لهذا فهذه التمثالت المادية أو بتعبير
فوكو “شرطة الملفوظات *” ،هي من قسمت األدوار و األشياء ،فجعلت
بذلك في اإلجتماعي نظاما و استعدادا ثقافيا ،تلعب به السلطة لعبة
الهيمنة الذهنية و الجسيدية خلف الواقع اإلجتماعي (بكواليس المجتمع)
،و لهذا ف”انتظامات النظام الفيزيائي :البيولوجي ،و النظام
اإلجتماعي :الثقافي ،تفرض و ترسخ اإلستعدادات ،و تستبعد النساء
عن المهمات األكثر نبال ،و تخصص لهن أماكن سفلية ،و تعلم كيفية
التعاطي مع أجسادهن منحنيات ،و الذراعان مطويتان الى الصدر أمام
الرجال المحترمين ،و تخصصن لمهمات حقيرة كنقل سماد النعام ″9
· :ميشال فوكو – تاريخ الجنسانية – الجزء األول :إرادة
العرفان – ترجمة :محمد هشام – افريقيا الشرق – ص 15 :
:9بيار بورديو – الهيمنة الذكورية – ص 47
و بهذا ،فإن الغاية األسمى من الجسد بكونه ثلة من السلوكات ،هو أن
يتحد مع ذهنه المحشو بالتمثالث /الصور – ذهنية – إجتماعية ،و
مادامت السلطة تحيط بالذهن من كل المواضع في طفولته ،فإنها تصبح
كما يسلم ميشال فوكو داخل ذهنه ،من أجل قيامه بدور مراقبة األفراد و
الدفاع عن الثقافة التي تخدم السلطة ،فإذا كان الذهن في طفولته يستمتع
53
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
54
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
55
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
56
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
57
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
و بذلك يصبح للذماغ ماض ميغناطيسي ينجذب لكل اشارة تضعها السلطة
في الشارع او داخل المنزل ،و هذا بالضبط ما يؤدي إلى إعادةإنتاج طاقة
االنسان المدجن صباحا و مساء ،و لذلك فحينما يتقابل الجسد االنثوي
المغربي بالجسد الذكوري ،فإن الجزيىات التي تحيط بهم تتداخل مع
أجسادهم “نظرة حادة من األغيار ،تؤدي الى طأطأت رأس األنثى ” ،
خوف الذكر من الشرطة تؤدي الى التوازنه العقلي ،فقبل خروج الذهن
االنثوي الى الشارع ،يكون هنالك استعداد تخلقه الصور الذهنية
اجتماعية كصورة اإلقصاء من الوجود المتطبعة بها ،و بذلك يكون لها
علم بأن بالشارع يقع تحرش جنسي /االغتصاب /السب /الشتم ،و
بذلك يصبح دورها خارج المنزل هو تلقي السلوكات ،على عكس الذكر
الذي له استعداد اجتماعي لالندفاع الى االنثى
،فهنا يحضر رمزيا “القضيب المنتصب ” و بذلك فمع أول إثارة للبيدو
المكبوت (القوة الجنسية المكبوتة ) ،تشتغل اول صورة ذهنية اجتماعية
تطبع بها حول الهيمنة الذكورية(الرجل فأس يحفر في كل مكان /أنت
قوي …) ،فيتمخض بذلك تسلسل من السلوكات (،قد يصل الى العنف
او القتل ) و هذه اإلستدارة السلوكاتية التي يعاد إنتاجها صباحا مساء ،
تتداخل فيها كل المؤسسات اإلجتماعية و السياسية من اجل الحفاظ على
ابتعاد األجساد عن المواضع الطبيعية لالذهان ،و بما أن قوة تكرار
التوجيهات الجسدية ،يعاد إنتاجها في استمرار ،فإنه يقع كما يسلم
بورديو “إشباع ” ،فيصبح بذلك الذهن غير مستعد لفقدان الصور
الذهنية اإلجتماعية ،ألنه بفعلها يرى الذهن الوجود ،و بفعلها يجيب
على كل مثير يثار في الواقع االجتماعي ،و بفعل التوافق بين السلطة و
الماضي و الحاضر داخل ذهن الجسد ،تفتح عوالم البناء الداخلي ،بهذا
يقوم الذهن بدمج كل محتويات الصور الذهنية اجتماعية مع كل اطار
حاضراتي ” طعم اكل جديد /لباس معاصر /ايقاع موسيقي /كتاب ”..
و بذلك تكون الدالالت الجسدية الرمزية ،قد هيمنة على صوت العولمة
،فمادامت السلطة بماوراء كواليس االجتماعي ،تشتغل على خلق
58
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
الجسد الماضوي المدجن ،فان الذهن يسقط ماضيه بكل ما هو جديد ،
و في هذا الصدد سلم بورديو استنادا بميشال بوزون ،انه بعد تطبع
األذهان ثقافيا (االشباع) ،يبتعد بذلك الذهن عن كل سلوك معقد ،فحينما
سنعطي للمجتمع الذكوري ” اإلنطباع بأن المرأة هي التي ستهيمن ،فهذا
سيحط منها إجتماعيا ،و بذلك ستشعر أنها منقوصة أمام رجل منقوص
، ” 12و لهذا يمكننا القول أن الحدود المفروضة سوسيو – ثقافيا ،
بفعل تفاعلها مع الصور ذهنية اجتماعية ،تبعد الجسد الذي يجب ان
يكون عن اطاره االجتماعي الذي يجب ان يتموضع فيه ،و لذلك فإن
التفاعل اإلجتماعي الذي يدور بين الجسد المهيمن ،و الجسد المهيمن
عليه ،هو في االصل تسلسل من السلوكات المنظمة ،المنعكسة عن
الصور السوسيو ذهنية ،فهذه األخيرة تتحكم في نسق الصور الذهنية
التي تتحكم في كل عضو من الجسد ( عدم تقبيل الذكر زميلته أو جارته
،هذه صورة ذهنية متمخضة عن صورة ذهنية اجتماعية ،كالتقاء الذكر
باالنثى حرام ،عدم إطالة اإلمساك باليدين :صورة ذهنية تتحكم فيها
صورة سوسيوذهنية :كاالقتراب بين االجساد عيب و “حشومة” ،و
لهذا فكل صورة سوسيو -ذهنية تضم تسلسال من الصور الذهنية ،
فاألولى هي نتاج بناء ثقافي /اجتماعي تشرعه السلطة ،أما الثامنية
“الصور الذهنية ” فهي فردية بامتياز ،تتمخض على شكل الصورة
الذهنية االجتماعية ،و بذلك فاألولى هي من تتحكم في ديناميكية الباقي
،فحينما تثار رغبة جسدية ،فإن الذهن يطابق الصورة – الذهنية
االجتماعية مع دائرة المحيط ،و حينما تتطابق أجزاء الصورة السوسيو
ذهنية ،مع اجزاء دائرة المحيط ،فان الصور الذهنية تتتابع فتتمخض
بذلك سلوكات إجتماعية بامتياز ،فقبل ان تمارس شابة و شاب الجنس
الفمي بالشوارع المغربية ،فإنهم يبحثون عن مكان يتطابق مع صورتهم
اإلجتماعية “ابتعد عنا و مارس ما تريد” ،و بمجرد توافق الصورة
االولى مع محيط معين ،تتسلسل الصور الذهنية ” االقتراب اكثر ” ” /
عدم وضع اليد على الرحم ” … ،و بهذا فإن الصورة الذهنية اإلجتماعية
59
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
،هي :ثقافية و ليست طبيعية ،فبفعلها يخلق االنسان اآللي و المدجن ،
و بتكرارها الرمزي ،يمارس على الجسد عنفا رمزيا ،كما سلم بورديو
،ف”العنف الرمزي ال يتحقق إال من خالل فعل معرفة و جهل عملي
يمارس من جانب الوعي و اإلرادة و يمنح سلطته المنومة إلى كل
تظاهراته و إيعازاته و إغراءاته و تهديداته و مآخذه و أوامر دعوته إلى
اإلنضباط ، ″13فهنا يعزز بورديو بقوة ،ما صرحنا به حول العالقة
الرمزية بين الصور السوسيو ذهنية و الصور الذهنية ،و عالقتها
بالسلطة و الجسد ،فهناك ،إذن :انفصال و تسلسل ،تحققه السلطة
باستراتيجياتها القبلية حول استثمار االذهان ،و إعادة إنتاج أجساد آلية
/مدجنة في استمرار ،و كما سلم فوكو * ،يتحمس دائما الذهن ،
للحديث عن مستقبل الجنس ،بكونه من أساسيات توازننا العاطفي و
البيولوجي ،و بكونه نقطة مركزية للسلطة ،فهذا يعبر في استمرار على
أننا مخربون ** ،ألن التوازن العاطفي و الجنسي و االبستيميه ،يصيب
ال محالة أجهزة السلطة بالخوف من االنهيار ،لهذا كانت و الزالت لعبة
السلطة تتمحور كليا حول الجسد ،محاولة بأقوى خططها فرض السيطرة
و الهيمنة على نظام الوعي ،من أجل أن ال يعي وجود جسده الطبيعي
المسجون بكواليس السلطة ،أي بما ورراء االجتماعي
ـــــــــــــــــــــــ
60
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
المنهج
61
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
page : 157
62
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
–ص: 12
–ص: 95
63
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
: 61
–افريقيا ر
الشق – ص: 15
27
64
السوسيولوجيا كفعل .................................................................أسامة البحري
ص: 128
ي
65